1

‫الَمـلْـحمة َُالجزائ ِرَيَةَ َ‬

‫السياـقَالتاـر يخيَلـثورةَالتحريرَالجزائر يةَ(‪َ )َ 1962-1954‬‬
‫َِ‬

‫دهاَالسياـسـيـةَوالاجـتـماـعـيَـةَوالــعَـسـكــر يَــ َة‬

‫َِ‬ ‫وأبــعــــاـ‬
‫ََ‬

‫‪2‬‬
 ‫تأليفَوإخراجَمركزَالخطابيَللدراساتَ َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬
‫َ‬

‫َ‬

‫جميعَالحقوقَمحفوظ َة َ‬

‫‪2022‬مَ–َ‪1443‬هـَ َ‬

‫‪3‬‬
 ‫إهداءَ َ‬

‫حاـتَالوغى‪َ َ...‬‬
‫ساـ َ‬
‫إلىَكلَ َم ُرابطََفيَ َ‬

‫وكلَ َم ُناـضلََفيَطر يقَالحر يةَوالاستقلال‪َ َ...‬‬

‫أمةَأنهكهاـَالغز َو َُالـخاـرجيَوتجبَــَ َر َُالطغاة‪َ َ...‬‬

‫وكلَمنَيحملَهمََ َ‬

‫جاـلاً‪َ َ...‬‬
‫إلىَمجاهديَسور ياَوأبطاـلَـ ِهاَنساـءًَور َ‬

‫تَ‬
‫نهديَلـكمَهذاَالعملَالفريدَلنصلَبهَالـحاضرَبالماـضي‪َ،‬تضحياـ ِ‬

‫اليومَبتضحياـتَالأمس‪َ،‬ونصنعَمعاًَمجدَالمستقبلَ‪َ .‬‬

‫‪4‬‬
َ

5
 ‫الفهرس‬

‫الفهرس‪6َ....................................................................................................................‬‬

‫المقدمةَ‪10َ...................................................................................................................‬‬

‫الباـبَالأول‪َ:‬الجزائ ِرَماـَقـبلَثورةَ‪16َ...............................................................َ1954‬‬

‫الفصلَالأول‪َ:‬الطبيعةَالجغرافيةَوالاجت ِماعيةَوالسياسيةَ‪20َ............................................‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬الجغرافيا‪21 .................................................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تاريخ الجَزَائ ِر ‪24 ............................................................................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الديمغرافيا ‪37 ..............................................................................................‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬الاقتصاد ‪44 ................................................................................................‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬الثقافة والتعليم ‪47 ....................................................................................‬‬

‫الفصلَالثاني‪َ:‬النضالَماَقبلَثورةَ‪49َ................................................................َ1954‬‬

‫ح ‪49 .......................................................................................‬‬
‫ل المسل ُ‬
‫المبحث الأول‪ :‬النضا ُ‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النضال السلمي ‪68 ........................................................................................‬‬

‫الداخِل َِّية ُ في الحركة الوَطَن َِّية‪85 .........................................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الأزمة ُ َّ‬

‫البابَالثاني‪َ:‬السياقَالتار يخيَللثور َة َِ‪93َ...........................................................................‬‬

‫المرحلةَ‪َ-َ1‬نشوبَالثورةَمنَ‪َ1954‬حتىَ‪94َ.....................................................َ1956‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬تشكيل القيادة السداسية وتأسيس جبهة َّ‬

‫التحرِير الوطني ‪94 ........................‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية ‪101........................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬انطلاق َّ‬

‫المبحث الثالث‪ :‬ردود الأفعال على انطلاق َّ‬

‫الثور َة ‪115.......................................................‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬هجمات ‪ 20‬أوت ‪128...................................................................... 1955‬‬

‫‪6‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬التطورات أواخر المرحلة الأولى‪131..................................................... .‬‬

‫المرحلةَ‪َ–َ2‬التنظيمَوالتموينَ(‪َ َ)1958َ-1956‬مَ‪144َ....................................................‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬مؤتمر الصومام‪144......................................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تطور الأوضاع بعد مؤتمر الصومام‪151....................................................... :‬‬

‫المرحلةَ‪َ–َ3‬الصدامَوالإبادةَ(‪)1960َ-1958‬مَ‪158َ....................................................‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬إغلاق الحدود المغربية والتونسية‪159..........................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬ديغول يصل إلى السلطة ‪164.......................................................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الأزمات َّالتِي أصابت الثوار سنة ‪166............................................. 1958‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬السياسيات الفَرَنس َِّية المضادة للثَورَة ِ ‪174......................................................‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬تطور موقف ديغول من القضية الجَزَائِر َِّية ‪185........................................‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬تطور الوضع آخر مرحلة الإبادة ‪187......................................................‬‬

‫المرحلةَ‪َ–َ4‬التفاوضَوالاستقلالَ(َ‪)1962ََ–َ1960‬مَ‪192َ.........................................‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬الظروف َّالتِي دفعت نحو التفاوض ‪192.....................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المفاوضات ‪199...........................................................................................‬‬

‫المرحلةَ‪َ–َ5‬الجزائ ِرَماَبعدَالاستقلالَ‪212َ...................................................................‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬بداية الصراع حول السلطة‪212..................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النظام الجديد نحو الدكتاتور ية وأزمة الهو ية ‪219............................................‬‬

‫البابَالثالث‪َ:‬الحوكمةَوالمأسسةَفيَالثورةَالجزائِر ِيةَ‪223َ......................................................‬‬

‫الفصلَالأول‪َ:‬الحوكمةَوالمأسسةَداخلَالبلادَ‪224َ.........................................................‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬مرحلة التأسيس من نوفمبر ‪ 1954‬ح ََّتى أغسطس ‪225................... 1956‬‬

‫‪7‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مرحلة التنظيم بعد مؤتمر الصومام في أغسطس ‪231.........................1956‬‬

‫طنِي ‪247.........................................................................‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬جيش َّ‬

‫التحرِير الو َ َ‬

‫الفصلَالثاني‪َ:‬الحوكمةَوالمأسسةَخارجَالبلادَ‪279َ..........................................................‬‬

‫طنِي بِفَرَنس َا ‪279...................................................‬‬ ‫المبحث الأول‪ :‬فيديرالية جبهة َّ‬

‫التحرِير الو َ َ‬

‫المبحث الثاني‪ :‬من جبهة َّ‬

‫التحرِير نحو الحكومة المؤقتة ‪310...................................................‬‬

‫لَالقوة َِوالضعفََِ‪320َ..............................................................‬‬
‫الباـبَالرابع‪َ:‬تحليلَُعوام ِ‬

‫الفصلَالأول‪َ:‬الاحتلالَُالفرنس ِي؛َعواملَُالقوة َِوالضعفََِ‪321َ.......................................‬‬

‫ممارسات الاحتلال‪322..............................‬‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫السياسية ُ المقنعة ِ لتبرير ِ‬ ‫ج‬
‫العامل الأول‪ :‬الحـج ُ‬

‫العامل الثاني‪ :‬الجهد الخدمي والإنساني ‪325.........................................................................‬‬

‫العامل الثالث‪ :‬الجهد الدبلوماسي ‪327..................................................................................‬‬

‫العامل الرابع‪ :‬التحالفات الإقليمية والدولية ‪331..................................................................‬‬

‫ل الأجهزة ِ الحكومية ِ والعنصرِ المحلي‪334.......................................... .‬‬

‫العامل الخامس‪ :‬تفعي ُ‬

‫العامل السادس‪ :‬الجهد الاستخباري َّ‬

‫الفعال لـكشف وتحييد المتمردين ‪336.......................‬‬

‫العامل السابع‪ :‬التكتيكات الع َسكَر َِّية غير النظامية َّالتِي تواكب أسلوب العصابات‪340...... .‬‬

‫الفصلَالثاني‪َ:‬جبهةَالتحريرَالوطني؛َعواملَالقوةَوالضعفَ‪346َ......................................‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬عوامل القوة الخارجية ‪347.........................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬عوامل القوة الداخلية ‪353...........................................................................‬‬

‫الخاـتمةَ‪364َ................................................................................................................‬‬

‫المراجعَ‪367َ................................................................................................................‬‬

‫‪8‬‬
9
 ‫المقدم َة َ‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬نحمد الله الَّذ ِي علمنا ما لم نكن نعلم‪ ،‬ووفقنا لما لم نكن لنهتدي إليه لولا‬

‫كرمه وفضله عَلَي ْنَا‪ ،‬وبعد‪..‬‬

‫الثور َّية السابقة في العالميْنِ الإسلامي والعربي‪ ،‬لـكنها على عكس‬

‫تزخر ُ المكتبة ُ العربية بالتجارب َّ‬

‫نظيرتها الغربية؛ غالبا ً ما تهتم ُ بالسرد التار يخي والعاطفي أكثر َ منها بالتحليل والتوصيف الدقيق‪.‬‬

‫ومعظم المراجع العربية َّالتِي تناولت الثورات في العالم الإسلامي تفتقد النقدَ الموضوعي لعوامل‬

‫القوة والضعف َّالتِي أدت بتِِل ْ َ‬

‫ك التجارب إلى النجاح أو الفشل على حد سواء‪.‬‬

‫الثور َّية المتميزة مرة ً أخرى‪ ،‬وبمنظور آخر‪،‬‬

‫التجارب َّ‬
‫ِ‬ ‫ولهذا السبب عكف مركزنا على دراسة هَذِه ِ‬

‫َاعية والع َسكَر َِّية ِ في سبيل تقديم تحلي ٍ‬

‫ل موضوعي‬ ‫محاولا ً الغوص في أبعادها السِيَاس َِّية ِ والاجتِم َّ‬

‫يستند ُ على الأسس العلمية الحديثة‪ ،‬للتعرف على أهم المميزات َّالتِي رافقت هَذِه ِ التجاربَ الفريدة‬

‫من جهة‪ ،‬واستخلاص العيوب َّالتِي ك َان َت عائقا ً أمام نجاح بعضها من جهة أخرى‪.‬‬

‫وق َ ْد كنا قدمنا في بحثنا الأول "الخطابي–ملهمَالثوراتَالمسلحةَ" دراسة ً َّ‬

‫مفصلة لثورة الر يف‬

‫المغربي (‪ )1926-1921‬بقيادة محمد عبد الـكريم الخطابي ضد الاحتلالين الفَرَنس ِي والإسباني‪،‬‬

‫َاعية‪ .‬أما البحث الثاني الَّذ ِي‬

‫وأوضحنا سياقها التار يخي وأبعادها السِيَاس َِّية والع َسكَر َِّية والاجتِم َّ‬

‫قدمه مركزنا أيضا ً في هَذَا السياق فَقَ ْد ك َانَ بعنوان "انتفاضةَالصحراء"‪ ،‬وهو عبارة عن دراسة‬

‫شاملة للثورة الليبية وحركة عمر المختار (‪ )1931-1911‬ضد الاحتلال الإيطالي‪ ،‬تناول أيضا ً‬
‫َاعية والع َسكَر َِّية لِهَذِه ِ التجربة‪.‬‬
‫الأبعاد السِيَاس َِّية والاجتِم َّ‬

‫ونقدم اليوم لق َُّرائنا الأعزاء بحثنا الثالث من نوعه في هَذَا السياق‪" ،‬الملحمة َُالجزائ ِر ُية"‪ ،‬والَّذ ِي‬

‫يتناول ثورة التحرير الجَزَائِر َِّية بين عامي (‪ .)1962-1954‬سنحاو ُ‬

‫ل من خلاله التعرف على‬

‫َاعية والع َسكَر َِّية والسِيَاس َِّية لثورة الاستقلال الجَزَائِر ِي ضد‬
‫السياق التار يخي والأبعاد الاجتِم َّ‬

‫ل لنقاط القوة والضعف َّالتِي رافقت هَذِه ِ َّ‬

‫الثور َة وأثرت على‬ ‫ل كام ٍ‬
‫الاحتلال الفَرَنس ِي‪ ،‬مع تحلي ٍ‬
‫نتائجها النهائية‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫نهدف من تقييم المسار التار يخي لِهَذِه ِ الحقبة إلى استنباط الفوائد ومعرفة مكامن القوة‬
‫ُ‬ ‫وإننا‬

‫طرف من أطراف‬‫ٍ‬ ‫ُل‬

‫الثور َة‪ ،‬وتقييم أسباب الفشل والنجاح لك ِ‬ ‫والضعف َّالتِي رافقت أحداث َّ‬

‫الثور َّية في أمتنا‪ ،‬علها تتجاوز الأخطاء والهفوات‬

‫خروج بنتيجة ٍ تنف ُع النخبَ َّ‬ ‫ِ‬
‫ك لل ِ‬
‫الصراع‪ ،‬وذَل ِ َ‬

‫السابقة لتكمل الطر يق وتختصر المسافات على طر يق الجهاد والنضال‪ ،‬وتصل إلى محطة النصر‬

‫بأقل التكاليف‪ ،‬استعدادا ً لمرحلة أخرى من مراحل البناء والعودة إلى أمجاد الماضي‪.‬‬

‫الثور َّية‬
‫مع أن الجَزَائ ِر شهدت خلال وقوعها تحت الاحتلال الفَرَنس ِي العديد من الحركات َّ‬

‫والانتفاضات الشعبية‪َّ ،‬التِي رافقت الاستعمار منذ بدايته عام ‪ ،1830‬إلا أننا ركزنا جهدنا على‬

‫الثور َة التحرير ية الأخيرة َّالتِي نشبت سنة ‪ 1954‬وانتهت سنة ‪1962‬م‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫ك لما حظيت بِه ِ هَذِه ِ‬ ‫َّ‬

‫الانتفاضة ُ من الظفر بالاستقلال بعد عقودٍ طو يلة ٍ من الاستعباد والاضطهاد‪.‬‬

‫ل الجَزَائ ِر‪ -‬نشاط ُّ‬

‫الثوار في الأراضي الفَرَنس َِّية‬ ‫خ َ‬ ‫ل بالدراسة ‪-‬إضافة لأحداث َّ‬
‫الثور َة د َا ِ‬ ‫وسنتناو ُ‬

‫نشاط جبهة ِ التحرير ِ‬

‫َ‬ ‫خلال الفترة الممتدة من عام ‪ 1956‬ح ََّتى ‪ ،1962‬وهي الفترة َّالتِي شهدت‬

‫ك "الجَزَائ ِر وفرنسا" هي الإطار الجغرافي الَّذ ِي‬

‫الوطني القائد الفعلي للثورة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬لتكون بِذَل ِ َ‬
‫ِ‬
‫رسمناه للغوص في أعماق هَذَا البحث‪ .‬إضافة إلى هَذَا‪ ،‬لا يخرج بحثنا في الـكثير من أبوابه وفصوله‬

‫ح َّتى ‪ 1962‬إلا في حالات قليلة بغرض التعر يف عن‬

‫عن الإطار الزمني الممتد بين عام ‪َ 1954‬‬
‫الأوضاع العامة َّالتِي سبقت َّ‬
‫الثور َة‪.‬‬

‫حوري الصراع الممتد على صفحات البحث‬ ‫ل ك ُل من ُّ‬

‫الثوار الجزائر يين والجيش الفَرَنس ِي م ْ‬ ‫ويُش َكِ ُ‬

‫ل‬
‫دراسة ً وتحليلا ً‪ .‬ورغم وجود أطراف أخرى سياسية وعسكر ية إلا أننا لم نُرَكِز ْ على دراستها بِش َك ٍ‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬أو فلنقل لم تكن لاعبا ً‬
‫ك التأثير الـكبير على أحداث َّ‬
‫أساسي لأنها لم تكن بِذَل ِ َ‬

‫أساسيا ً ضمن الإطار الجغرافي والزمني الَّذ ِي رسمناه‪.‬‬

‫الثور َة الجَز َائِر َِّية ضد الاحتلال‬

‫و بعد اطلاع شامل على المواد العلمية َّالتِي تناولت موضوع َّ‬

‫حي ْثُ ا َّ‬

‫هتم بعض ُها بتدقيق سير‬ ‫الفَرَنس ِي؛ وجدنا معظمها ق َ ْد اختص في جانب واحد دون غيره‪َ ،‬‬

‫الأحداث التار يخية للثورة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬مثل كتابي "مرجعيَعنَالثورةَالتحرير ية‪َ،"1962-1954َ،‬‬

‫و"المختصرَفيَتاريخَالثورةَالجزائِر ِيةَ‪ ،"1962َ–َ1954‬لزهير إحدادن‪ ،‬وكتاب "الثورةَالجزائِر ِية َ؛َ‬

‫‪11‬‬
‫سنواتَالمخاضَ"َلمؤلفه محمد حربي‪ ،‬وكتاب "الثورةَالجزائِر ِيةَفيَعامهاَالأول"‪َ،‬للدكتور محمد العربي‬

‫الزبيري‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية دون غيره‪ ،‬مثل كتاب "مؤتمرَ‬

‫بينما اهتمت مراجع أخرى بحدث معين ضمن َّ‬

‫الصومامَوتطورَثورةَالتحريرَالوطني َالجزائِر ِية َ‪َ ،"1962-1956‬للكاتب أزغيدي محمد لحسن‪،‬‬

‫وهو من المراجع َّالتِي تحدثت عن مؤتمر الصومام باعتباره الناظم الحقيقي لاستمرار ا َّلثور َة الجَزَائِر َِّية‬

‫ونجاحها‪.‬‬

‫عكف على دراسة جيش التحرير الوطني الذراع الع َسكَر َِّية لجبهة التحرير‪،‬‬
‫َ‬ ‫ومن المراجع الأخرى ما‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬مثل كتاب "جهادَشعبَ‬

‫متناولا ً تشكيلات الجيش وتنظيمه وتطوره في مراحل َّ‬

‫الجزائ ِر؛َ جيشَ التحريرَ الوطنيََالجزائِر ِي"‪ََ،‬للباحث بسام عسلي‪ ،‬وكتاب "نشأةَ وتطورَ جيشَ‬

‫التحريرَالوطنيَ‪ ،"1958-1954‬للدكتور أبوبكر حفظ الله‪ ،‬وكتاب "استراتيجيةَالثورةَفيَمرحلتهاَ‬

‫الأولىَ–َ‪ ،"1956-1954‬للباحث أحسن بو مالي‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية؛ وهو‬

‫بعض المراجع َّالتِي تناولت جانبا ً مغايرا ً من َّ‬
‫من زاو ية أخرى‪ ،‬ه ُنَاك َ أيضا ً ُ‬

‫ك مثل كتاب "جبهةَالتحريرَالوطني؛َالأسطورةَ‬

‫كتنظيم سياسي‪ ،‬وذَل ِ َ‬
‫ٍ‬ ‫دراسة ُ جبهة التحرير الوطني‬

‫البعض الآخر على عمليات الإمداد والدعم الخارجي‬

‫ُ‬ ‫والواقع" للباحث محمد حربي‪ .‬بينما ر َ َّكز َ‬

‫للثورة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬مثل كتاب "الإمدادَبالسلاحَخلالَالثورةَالجزائِر ِيةَ‪ ،"1962-1954‬للدكتور‬

‫الطاهر الجبلي‪.‬‬

‫ولا ننسى أيضا ً المراج َع َّالتِي تناولت فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفَرَنسا مثل كتاب "فيدراليةَ‬
‫جبهةَالتحريرَالوطنيَبفرنسا؛َدراسةَفيَالتنظيمَوالهيكلةَ‪ "1957َ–َ1954‬للدكتور جيلالي تكران‪،‬‬

‫ورسالة الدكتوراة المميزة لشعبان إيدو بعنوان‪" :‬شبكاتَدعمَالثورةَالجزائِر ِيةَفيَأوروَباَالغربيةَ‬

‫‪َ."1962َ–َ1957‬‬

‫وفي المحصلة؛ رغم اعترافنا بقيمة هَذِه ِ المراجع والدراسات السابقة‪ ،‬وفضلها وفائدتها‪ ،‬إلا أنها‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية من ناحية تحليلية شاملة لعوامل القوة والضعف‬

‫جميعا ً ‪-‬حسب اطلاعنا‪ -‬لم تتناول َّ‬

‫لدى أطراف الصراع‪ ،‬ولم تبحث في الأسباب العملية َّالتِي جعلت ف َرَنس َا تنسحب من البلاد َّالتِي‬

‫‪12‬‬
‫احتلتها طيلة ‪ 132‬سنة‪ .‬وفي هَذَا السياق‪ ،‬يأتي بحثنا "الملحمة َُالجزائر ية" ليملأ هَذِه ِ الفجوة‪ ،‬فهو‬

‫يقدم للقراء الـكرام تسلسلا ً واضحا ً للأحداث التار يخية‪ ،‬وتحليلا ً علميا ً مفصلا ً مرفقا ً بالخرائط‬

‫ُل تفاصيلها وأبعادها‪.‬‬

‫والنماذج المبسطة لفه ِم هَذِه ِ الحقبة بك ِ‬

‫يلتزم ُ بحثنا بمنهجية البحث (الوثائقي – التار يخي)‪ ،‬ونسعى من خلاله إلى الإجابة على عددٍ من‬

‫بالثورَة ِ الجَزَائِر َِّية سنة ‪ ،1954‬ولعل أهمها الإجابة على التساؤل‬

‫التساؤلات َّالتِي تراود المهتمين َّ‬

‫التالي‪:‬‬

‫ماهيََتِل ْكَََالظروفََوالعواملََالتِيََحظيََبِهاََك ُلَََمنََ ُّ‬

‫الثوارََالجزائر يينََوالفرنسيين‪َ،‬‬

‫ر َُالحربََبعدَفترةَاحتلالَدامتَقرابةَالقرنَونيف‪َ،‬فيَواحدةَمنَ‬
‫وجعلتَفرنسَاَتخس َ‬

‫أطولَفتراتَالوجودَالأجنبيَفيَالبلادَالعربيةَوالإسلاميةَبعدَسقوطََِالخلافةَالعثمانية؟ َ‬

‫وفي طر يق الإجابة على هَذَا التساؤل؛ واجه َ بحثُنَا عددا ً من العقبات‪ ،‬لعل أهمها فقدان المراجع‬

‫ق‪ ،‬فك ُُّل المراجع تقريبا ً ك َان َت تفتقد للخرائط الحربية‪،‬‬ ‫العلمية َّالتِي تتحدث عن المعارك بِش َك ٍ‬
‫ل دقي ٍ‬

‫ك المعارك‬
‫ل عام دون الغوص في أعماق تِل ْ َ‬
‫ولا تذكر ُ تفاصيل التكتيكات المستخدمة إلا بِش َك ٍ‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية وتعدد‬
‫ل صفوف َّ‬ ‫الداخِل َِّية َّالتِي نشبت د َا ِ‬
‫خ َ‬ ‫وتحليلها‪ ،‬إضافة إلى الخلافات َّ‬

‫الروايات المطروحة بشأنها‪.‬‬

‫كما واجهنا صعوبة ًكبيرة ً في رسم المواقع على الخرائط وتتبع التقسيمات السِيَاس َِّية والإدار ية قبل‬

‫ُل المصادر المتوفرة‪ ،‬إضافة ً إلى‬ ‫الثور َة الجَز َائِر َِّية‪ ،‬وذَل ِ َ‬
‫ك بسبب غياب الخرائط عن ج ِ‬ ‫وأثناء َّ‬

‫الاختلاف بين المصادر َّالتِي نقلت بعضا ً من هَذِه ِ الجزئيات‪ .‬لـكن هَذِه ِ العقبات بالعموم لم تكن‬

‫حائلا ً دون وصولنا لتحقيق أهدافنا من هَذَا البحث‪ ،‬فمنها ما ت ََّم التغلبُ عَلَيْه ِ بالترجيح بين المصادر‬

‫لقرب كاتبها من الميدان وتطابق المعلومات َّالتِي نقلها مع سير الأحداث‪ ،‬ومنها ما ت ََّم الاستغناء ُ‬
‫ِ‬

‫البحث‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ل عنصرا ً أساسيا ً في‬
‫عنه لأنه لا يمث ُ‬

‫أما بالنسبة لتصميم البحث؛ فَقَ ْد حاولنا تقسيمه بطر يقة تسهل على القارئ تلقي المعلومات وفهم‬

‫تسلسل الأحداث مع مراعاة الإطار الزماني والمكاني‪ ،‬فك َانَ كتابنا على أربعة أبواب رئيسية؛‬

‫‪13‬‬
 ‫َاعية َّالتِي ك َان َت سائدة ً في الجَزَائ ِر قبل‬
‫ل البابَالأول الطبيعة الجغرافية والسِيَاس َِّية والاجتِم َّ‬
‫يتناو ُ‬

‫وأهم المحطات السِيَاس َِّية َّالتِي مرت بِهَا البلاد‬

‫ِ‬ ‫‪ ،1954‬وفيه لمحة مختصرة عن تاريخ الجَزَائ ِر القديم‬

‫منذ بداية الغزو الفَرَنس ِي ح ََّتى سنة ‪ ،1954‬مع تسليط الضوء على التضاريس والتركيبة السكانية‬

‫في البلاد‪ ،‬وأهم الملامح الثقافية والدينية للشعب‪.‬‬

‫فيدرس السياق التار يخي للثورة الجَزَائِر َِّية ومراحلها الرئيسة‪ ،‬بداية من التحضير‬
‫ُ‬ ‫أما البابَالثاني؛‬

‫للثورة ث َُّم نشوبها‪ ،‬مرورا ً بمرحلة التنظيم والتموين ث َُّم الصدام والإبادة‪ ،‬وصولا ً إلى مفاوضات‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪.‬‬

‫الداخِل َِّية والخا َرِج َِّية ِ على َّ‬
‫الاستقلال‪ ،‬مع التعريج على أبرز ردود الفعل َّ‬

‫الشكلَ(‪َ:)1‬مراحلَثورةَالتحريرَالجزائِر ِي َة َ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية على‬

‫وفي البابَالثالث؛َسنتحدثُ عن مسار الحوكمة وأبرز المؤسسات َّالتِي شهدتها َّ‬

‫الصعيدين الداخلي والخارجي‪ ،‬كجيش التحرير الوطني‪ ،‬والحكومة المؤقتة‪ ،‬وفيدرالية جبهة التحرير‬

‫في ف َرَنس َا‪ .‬بينما سيكون حديثنا في البابََالرابع والأخير عن عوامل القوة والضعف لدى‬
‫الاحتلال الفَرَنس ِي ُّ‬
‫والثوار الجزائر يين‪ ،‬وسنقوم بعدها بعملية مقارنة بين هَذِه ِ الأطراف على‬

‫مستوى هَذِه ِ العوامل لِنُر َِجح َ الأسباب الحقيقية وراء النصر الجَزَائِر ِي والهزيمة الفَرَنس َِّية‪.‬‬

‫ل التوفيق والسداد‪.‬‬
‫والله َ نسأ ُ‬

‫إدلبَ َ‬

‫‪َ26‬جماـدىَالأولىَ‪َ 1443‬‬

‫‪َ1‬يناير‪/‬كانونَالثانيَ‪2020‬‬

‫‪14‬‬
15
 ‫الباـبَالأول‪َ:‬الجزائ ِرَماـَقـبلَثورةَ‪َ 1954‬‬

‫"إنَهذِ َه َِالأمةَالجزائِر ِيةَالإسلاميةَليستَهيَفرنسا‪َ،‬ولاَيمكنَأنَتكونَفرنسا‪َ،‬‬

‫أمةَ‬
‫ت‪َ ...‬بل َهي َ َ‬
‫ن َتصيَر َفرنسا َول َو َأراد َ‬
‫ولا َتريد َأن َتصيَر َفرنسا َ‪َ ،‬ول َا َتستطي َع َأ َ‬

‫بعيدةَعنَفرنساَك ُلََالبعدَفيَلغتهاَوفيَأخلاقهَاَوفيَعنصرهاَوفيَدينها‪َ،‬لاَتري َدَ‬

‫أنَتندمج َ‪َ،‬ولهاَوطنَمحد َدَمعينَهوَالوطنَالجزائِر ِي"َ‪(ََ1.‬عبدَالحمي َدَبنَباديس) َ‬

‫غزت القوات الفَرَنس َِّية مدينة الجَزَائ ِر سنة ‪1830‬م بحجة تعرض السفير الفَرَنس ِي للإهانة من قبل‬

‫الحاكم العثماني المحلي (الداي) فيما اشتهر َ تار يخيا ً بحادثة المروحة‪ 2.‬غير أن السبب الرئيسي‬

‫ك‬ ‫ِ‬
‫بالتوسع على حساب الدولة العثمانية َّالتِي بدت في ذ َل ِ َ‬ ‫لاحتلال الجَزَائ ِر يعود ُ إلى رغبة ف َرَنس َا‬

‫حي ْثُ ك َان َت ق َ ْد خسرت فعلا ً بلاد المجر وشبه جزيرة‬ ‫الوقت وكأنها رجل مريض ُّ‬
‫يهم بالرحيل‪َ ،‬‬

‫القرم في الحرب مع روسيا خلال القرن الثامن عشر‪ ،‬ومع بداية القرن التاسع عشر خسرت‬

‫أيضا ً صربيا إثر تمرد واسع للصرب؛ فَك َان َت هَذِه ِ الانهيارات الواسعة علامة ً على اشتداد الضعف‬

‫ودنوِ الأجل‪.‬‬

‫ل ملك ف َرَنس َا شارل العاشر جهدا ً في استغلال هَذَا الضعف للتوسع نحو الجَزَائ ِر الغنية بالثروات‬
‫لم يأ ُ‬
‫ل موقعا ً جغرافيا ً استراتيجيا ً ُّ‬
‫يطل على البحر الأبيض المتوسط‪ ،‬ويربط القارة‬ ‫الطبيعية َّ‬
‫والتِي تمث ِ ُ‬

‫الأوروبية بالقارة الإفر يقية‪ .‬وق َ ْد ك َان َت النية الفَرَنس َِّية لاحتلال الجَزَائ ِر ظاهرة في التقرير الَّذ ِي‬

‫‪1‬‬
‫عبد القادر فضيل‪ ،‬إمام الجَزَائ ِر "عبد الحميد بن باديس"‪ ،‬ص‪125‬‬
‫‪2‬‬
‫جرت الحادثة في قصر الداي حسين عندما جاء القنصل الف َرَنس ِي شارل دوفال إلى القصر‪ ،‬وه ُنَاك َ طالب‬
‫الداي بدفع الديون المقدرة بـ ‪ 20‬مليون فرنك فرنسي‪ ،‬عندما ساعدت الجَزَائ ِر ف َرَنس َا حين أعلنت الدول الأوروبية‬
‫الثور َة الف َرَنس َِّية ‪ .‬فرد القنصل على الداي بطر يقة غير لائقة بمكانته‪ ،‬فأمره الباشا‬
‫حصارا ً عَلَيْهَا بسبب إعلان ف َرَنس َا َّ‬
‫فلوح لَه ُ الباشا العثماني بالمروحة َّالتِي ك َان َت في يده وقيل إنه ضربه بِهَا على‬
‫بالخروج لـكن القنصل لم يخرج‪َّ .‬‬
‫وجهه‪ ،‬فس ُميت هَذِه ِ الحادثة باسم حادثة المروحة‪ .‬فبعث شارل العاشر بجيشه بحجة استرجاع مكانة وشرف‬
‫ف َرَنس َا‪ .‬وهَذِه ِ الذر يعةك َان َت السبب في حصار الجَزَائ ِر سنة ‪ 1828‬لمدة ‪ 6‬أشهر وبعدها احتلال السواحل الجَزَائِر َِّية‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫رفعه وزير الحربية الفَرَنس َِّية "كليرمون" إلى مجلس الوزراء الفَرَنس ِي في ‪ 14‬أكتوبر ‪ ،1827‬والَّذ ِي‬

‫قال فيه‪:‬‬

‫َ"َإن هَ َمنَالممك نَ َمعَمضي َ الوقتَأنَيكونَلناَالشرفَفيَأن َنَمدنه مَ َ‬

‫(يقصدَالمسلمينَفي َالج ز ائ ِرَ)َ َوذ ل ِكَ َب جعلهمَمسيحيين" ‪َ.‬‬

‫مر بمرحلتين أساسيتين‪:‬‬

‫يمكننا أن نعتبر الغزو الفَرَنس ِي للجزائر ق َ ْد َّ‬

‫سنوات متواصلة ٍ بدءا ً من سنة ‪1830-1827‬م‪،‬‬

‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫استمر مدة ثلاث‬ ‫أولا ًَ‪َ-‬الحصارَالبحري‪َ:‬وق َ ْد‬

‫حي ْثُ سيطرت القواتُ الفَرَنس َِّية على أساطي ِ‬

‫ل الجَزَائ ِر‪ ،‬ومنعتها من الإ بحار بح ُر ية‪.‬‬ ‫َ‬

‫ثانياًَ–َالاحتلالَالمباشر‪َ:‬توجهت القوات الفَرَنس َِّية من ميناء طولون الموجود في المنطقة الجنوبية‬

‫من ف َرَنس َا نحو السواحل الشرقية للجزائر‪ ،‬ح ََّتى وصلت إلى ميناء سيدي فرج الجَزَائِر ِي –غرب‬

‫العاصمة الجَزَائِر َِّية‪ -‬وك َانَ الأسطول البحري الفَرَنس ِي مكون من ستمئة سفينة وأربع وثلاثين ِ‬
‫ألف‬

‫ك في ‪ 14‬يونيو ‪ ،1830‬وأرسل الداي جيشه المكون من ستة آلاف جندي من‬

‫جندي وذَل ِ َ‬

‫القوات الإنكشار ية بالإضافة إلى مجموعات القبائل العربية َّالتِي لبت النداء من أجل مواجهة‬

‫الغزو الفَرَنس ِي‪ .‬لـكن الفرنسيين هزموا جيش الداي في ‪ 19‬يونيو في معركة سطاوالي‪ ،‬ودخلوا‬

‫مدينة الجَزَائ ِر في ‪ 5‬يوليو بعد حملة استمرت ثلاثة أسابيع‪.‬‬

‫وبعد مواجهات دامية؛ قب ِل الداي الاستسلام َ مقابل حريته والاحتفاظ بممتلكاته وثروته‬

‫الشخصية‪ ،‬وبهذا انتهى الحكم العثماني للجزائر‪ ،‬لتنشر بعدها القواتُ الفَرَنس َِّية الفوضى‪ ،‬والتخريب‪،‬‬
‫الجَزَائِر َِّية‪1.‬‬ ‫والنهب في مختلف المدن‬

‫‪1‬‬
‫الدكتور عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية ‪ ،1962‬ص ‪.99‬‬

‫‪17‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)1‬مراحلَالاحتلالَالفرنس ِيَللجزائَر َ‬

‫الداخِل َِّية للجزائر‪ ،‬إلا أنها لاقت مقاومة ً شديدة ً من‬

‫بدأت ف َرَنس َا بتوسيع نفوذها في المناطق َّ‬

‫السكان‪ ،‬وك َانَ أبرز زعماء هَذِه ِ المقاومة الأمير عبد القادر الجَزَائِر ِي‪ .‬ورغمَ أن الـكثير من المناطق‬

‫الجَزَائِر َِّية ق َ ْد شهدت انتفاضات عديدة‪ ،‬إلا أنها جميعا ً تعرضت للقمع في النهاية‪ .‬وفي عام ‪1848‬م‪،‬‬

‫ك أصبح المستعمرون‬ ‫ت ََّم ُّ‬

‫ضم الجَزَائ ِر إلى ف َرَنس َا رسميا ً لتصبح إحدى ولاياتها‪ ،‬وعلى إثر ذ َل ِ َ‬

‫ل تلقائي‪ ،‬وكذلك الأمر بالنسبة لليهود‪.‬‬

‫الأوروبيون وذريتهم مواطنين فرنسيين بِش َك ٍ‬

‫‪18‬‬
‫اتبعت ف َرَنس َا سياسة التفقير والتهجير ضد الجزائر يين واحتكرت أسواقهم‪ ،‬فيما وفرت ك ُل سبل‬

‫العيش والرفاهية للمستوطنين الجدد القادمين من ف َرَنس َا وباقي أوروبا‪ ،‬والَّذِي َ‬

‫ن بل َغ عدد ُهم المليون‬

‫مستوطن‪ .‬وأصبح الجزائر يون مواطنين من الدرجة الثانية في بلادهم‪ ،‬فلم يكن لهم حقوق‬

‫ل كعمال في الممتلكات الاستعمار ية‪،‬‬ ‫الأوروبيين الَّذِي َ‬

‫ن استوطنوا البلاد‪ ،‬وك َانَ معظمهم يعم ُ‬

‫بينما ك َان َت فرص التعليم محصورة بأقلية صغيرة من السكان الأصليين‪.‬‬

‫كما اعتمدت ف َرَنس َا سياسة الاعتداء على المساجد والزوايا ودور العبادة ومصادرة الأوقاف‬

‫الإسلامية‪ ،‬وسجن المعارضين السياسيين‪ ،‬ومحاربة اللغة العربية‪ ،‬ومنع فتح أي مدرسة لتعليم‬

‫العربية دون الحصول على رخصة من السلطة الع َسكَر َِّية؛ في محاولة منها لطمس الهو ية العربية‬
‫‪1‬‬ ‫لدى َّ‬
‫الشعْب الجَزَائِر ِي‪.‬‬

‫ك المعاملة السيئة وجراء الحرمان من‬

‫ك َانَ الجزائر يون يشعرون بالاستياء من الفرنسيين جراء تِل ْ َ‬

‫الحقوق والحر يات الأساسية‪ ،‬وق َ ْد وصل الوضع إلى ذروته بعد الحرب الع َالم َ َّيِة الثانية‪ ،‬وأخذ‬

‫الشعْب الجَزَائِر ِي والأحزاب الوَطَن َِّية تُع ُِّد نفسها لنيل الاستقلال‪َ .‬‬
‫الـكثير من َّ‬

‫وفيََهذاََالبابَ سنحاولَ أنَ نسلطَ الضوءَ علىَ واقعََالجزائ ِرََقبلَ ثورةَ التحريرََ‪ َ،1954‬وعلىَ‬

‫الظروفَالسِياسِيةَوالجغرافيةَوالاجت ِماعيةَقبلَالانتفاضة‪َ،‬ليكونَالبابََُعلىَالفصولَالتاليةَ‪َ :‬‬

‫‪ .1‬الفصلَ الأول‪ َ:‬الطبيعةَ الجغرافيةََوالاجت ِماعيةََوالسِياسِية‪ َ،‬وفيهَ حديثَ عنََ ِ‬

‫تاريخَ‬

‫وجغرافياَوديمغرافياَواقتصادَوثقافةَالجزائ ِر‪َ.‬‬

‫‪ .2‬الفصلَالثاني‪َ:‬ماَقبلَالثورة‪َ،‬وفيهَذكرَلأهمَمحطاتَالنضالَالسلميَوالمسلحَقبلَثورةَ‬

‫التحريرَفيَ‪َ.1954‬‬

‫في ‪ 5‬محرم ‪ 1357‬هـ ‪ 08 /‬مارس ‪1938‬م‪ :‬أصدر رئيس وزراء ف َرَنس َا آنذاك قرارا ً َّ‬ ‫‪1‬‬
‫نص على حظر استعمال‬
‫اللغة العربية واعتبارها لغة أجنبية في الجَزَائ ِر‪ .‬و يأتي هَذ َا القانون في سلسلة قوانين َّ‬
‫سنها الاحتلال الف َرَنس ِي لمحاربة‬
‫اللغة العربية‪ ،‬وح ََّتى الأماز يغية‪ ،‬وجعل اللغة الوحيدة للبلاد هي اللغة الف َرَنس َِّية‪ .‬وك َانَ لِهَذِه ِ القوانين الأثر الشديد‬
‫في تغريب المجتمع الجَزَائِر ِي‪ ،‬وتحو يل لغة الإدارة والحكم إلى اللغة الف َرَنس َِّية‪.‬‬

‫‪19‬‬
 ‫سةَ َ‬
‫الفصلَالأول‪َ:‬الطبيعةَالجغرافيةَوالاجت ِماعيةَوالسيا َ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية من بدايتها وح ََّتى انتصارها‪ ،‬لابد في البداية من التعرف‬

‫قبل الدخول في معترك َّ‬

‫الشعْب الجَزَائِر ِي الَّذ ِي خاض غمار َّ‬

‫الثور َة‬ ‫الثور َة‪ ،‬وعلى َّ‬
‫ك البلد الإفر يقي الَّذ ِي احتضن َّ‬
‫على ذَل ِ َ‬
‫وناضل من أجلها‪ ،‬وتركيبته الاجتِم َّ‬
‫َاعية والديموغرافية‪ ،‬كما لابد من الوقوف على الظروف‬

‫ك ح ََّتى يتسنى لنا فهم ُ‬ ‫السِيَاس َِّية َّالتِي مرت بِهَا الجَزَائ ِر قبل الانطلاق في َّ‬
‫الثور َة التحرير ية‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫الأحداث التار يخية ووضعها في سياقها الصحيح‪.‬‬

‫الخر يطةَ(‪َ:)2‬تضاريسَالبلادَالجزائِر ِيةَتوضيحَالأسماء َ‬

‫‪20‬‬
 ‫المبحثَالأول‪َ:‬الجغرافيا َ‬
‫تبلغ مساحة الجَزَائ ِر ما يقارب ‪ 2،381،741‬كلم مربع‪ ،‬وهي أكبر الدول العربية والإفر يقية‪،‬‬
‫كما أنها ت ُّ‬
‫حتل المركز العاشر من بين دول العالم الأكبر مساحة ً‪ .‬وتق ُع الجَزَائ ِر شمال غرب قارة‬

‫إفر يقيا‪ ،‬فيحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط‪ ،‬ومن الشرق تونس وليبيا‪ ،‬ومن الجنوب‬

‫النيجر ومالي‪ ،‬ومن الغرب موريتانيا والمغرب‪ .‬أما عاصمتها فهي مدينة الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫وتتألف البلاد ُ الجَزَائِر َِّية ُ من أربعة أقسام رئيسية تحتوي على عدد متنوع من التضاريس‪:‬‬
‫ُ‬

‫أولاًَالقسمَالشمالي‪ :‬يتمثل بالسواحل الشمالية َّالتِي تطل على البحر الأبيض المتوسط‪ ،‬وهي سواحل‬

‫ل عا ٍم بسبب متاخمتها لسلسلة جبال أطلس‪،‬‬

‫طو يلة تمتد ُ ألفا ً ومئتي كم‪ ،‬لـكن شواطئها ضيقة بِش َك ٍ‬
‫كما أنها صخر ية إجمالا ً وقليلة التعرجات‪ .‬وفي هَذَا الشر يط الساحلي تتشكل العديد من الخلجان‬

‫حي ْثُ تتلاقى الجبال بالبحر‪ .‬وق َ ْد اجتذبت هَذِه ِ الخلجان قديما ً الـكثير من الدول الـكبرى‪ ،‬مثل‬
‫َ‬

‫قرطاجة وروما‪ ،‬والأتراك فيما بعد‪ ،‬نظرا ً إلى إمكانية الاستفادة منها كموانئ طبيعية للتجارة‬

‫والأساطيل الحربية‪ ،‬ث َُّم سرعانَ ما اكُت ِ‬

‫شفَت أهمية ُ السهول الساحلية للإنتاج الزراعي‪ .‬فبالنسبة‬

‫إلى الرومان‪ ،‬جعلت زراعة القمح في هَذِه ِ المناطق الخصبة من الجَزَائ ِر مصدر خبز الإمبراطور ية‪،‬‬

‫ث َُّم في عهد الاحتلال الفَرَنس ِي‪ ،‬أصبحت البلاد منتجا ً أساسيا ً للنبيذ والفاكهة‪ ،‬كالبرتقال‪.‬‬

‫ثانيا ًَمرتفعاتَالأطلس‪َّ :‬‬

‫والتِي تتكون من سلسلتين جبليتين متوازيتين ممتدتين من الشرق إلى‬

‫الغرب‪:‬‬

‫‪َ.1‬سلسلةَالأطلسَالتلي‪ :‬من جبال سوق أهراس شرقا ً إلى جبال تلمسان غربا ً‪ ،‬يتراوح اتساعها‬

‫ما بين ‪150-70‬كم‪ ،‬وارتفاعها ما بين ‪2000-600‬م‪ ،‬ومن أهم جبالها‪ :‬جبال وهران وأرز يو‪،‬‬

‫وجبال تلمسان‪ ،‬وجبال تسالة‪ ،‬وجبال الظهرة‪ ،‬وجبال الونشريس‪ ،‬وجبال جرجرة َّالتِي تضم أعلى‬
‫قمة في أطلس التلي (قمة "لالة خديجة") َّ‬
‫والتِي يبلغ ارتفاعها ‪2،308‬م‪.‬‬

‫‪ََ.2‬سلسلةَ الأطلسَ الصحراويَ‪ :‬تمتد من جبال النمامشة وتبسة شرقا ً إلى جبال القصور في‬

‫الجنوب الغربي للبلاد‪ ،‬و يتراوح ارتفاع قممها ما بين ‪1200‬م و‪2000‬م‪ ،‬وتعتبر قمة "شيليا" بجبال‬
‫الأوراس أعلى قمم هَذِه ِ السلسلة بارتفاع ‪2328‬م‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وعلى مر التاريخ‪ ،‬عزلت جبال الأطلس ‪-‬بالعموم‪ -‬الجماعات الر يفية في الوديان الجبلية والمناطق‬

‫الصحراو ية والسهلية البعيدة عن باقي مناطق البلاد‪.‬‬

‫ثالثاًَالهضابََُالداخِلِي َة َُ‪ :‬وهي مناطق مرتفعة وتمتد على شكل حزام عرضي من الأراضي؛ يتراوح‬
‫حي ْثُ تأخذ أحيانا ً طابع‬
‫علوها ما بين تسعمئة إلى ألف مترٍ وهي أكثر ارتفاعا ً في شرق البلاد‪َ ،‬‬

‫الجبل‪ ،‬و بِهَا العديد ُ من المنخفضات‪ ،‬أهمها‪ :‬منخفضات سطيف وعين البيضاء وتبسة والحضنة‪.‬‬

‫رابعا ًَالصحراءَ‪ :‬تقع جنوب الأطلس الصحراوي‪ ،‬وهي تشكل الجزء الأكبر من مساحة البلاد‬

‫(حوالي ‪ %80‬من مساحتها)‪ .‬مناخها حار جدا ً صيفا ً‪ ،‬وق َ ْد يتخطى خمسين درجة مئو ية‪ .‬أما في‬

‫ل كبيرٍ في الليل‪.‬‬
‫الشتاء‪ ،‬فتكون درجات الحرارة فيها معتدلة خلال النهار‪ ،‬غير أنها تنخفض بِش َك ٍ‬

‫والأمطار نادرة الهطول في الأجزاء الجنوبية من البلاد‪ ،‬أما في الأجزاء الشمالية من البلاد؛‬

‫ل إلى البرودة في الشتاء مع هطول أمطار غزيرة‪ ،‬وصيف المناطق‬

‫خ دافئا ً ويمي ُ‬
‫فعادة ً ما يكون المنا ُ‬

‫الشمالية حار وجاف‪ .‬وفي المرتفعات؛ عادة ً ما يكون المناخ باردا ً جدا ً في الشتاء مع تساقط‬

‫الأمطار والثلوج بغزارة‪ ،‬وهو معتدل في الصيف‪.‬‬

‫تُمثل الجَزَائ ِر بفضل موقعها الاستراتيجي إحدى البوابات الرئيسية بين قارتي إفر يقيا وأوروبا‪ ،‬وهَذَا‬

‫ل ساحل البحر الأبيض المتوسط في‬

‫ما جعلها ذات مكانة ٍ اقتصادية كبرى‪ ،‬وهو أيضا ً ما جع َ‬

‫الشمال م َّحط اهتمام الدول العظمى قديما ً وحديثا ً‪ ،‬مثل قرطاجة وروما وتركيا وفرنسا‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫ك‬

‫نظرا ً لمكانتها الجيوسياسية َّالتِي تتي ُ‬

‫ح لمن يسيطر ُ عَلَيْهَا إخضاع البحر المتوسط‪.‬‬

‫‪22‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)3‬الخر يطةَالسِياسِيةَللبلادَالجزائِر ِيةَ َ‬

‫‪23‬‬
 ‫المبحثَالثاني‪َ:‬تاريخَالجزائِرَ َ‬
‫استقبلت الجَزَائ ِر العديد من الحضارات ما جعلها تَر ِثُ تار يخا ً ثقافيا ً غنيا ً‪ ،‬وتعاقب عَلَيْهَا قبل‬

‫الفتح الإسلامي والهجرات العربية أمم كثيرة‪ :‬مثل البربر ِ وهم السكان القدماء الأصليون‪،‬‬

‫والفينيقيين‪ ،‬ث َُّم الرومان‪ .‬ويمكنناَالحديث َب ِشكلَ َمختصر َعنَتاريخ َهذِ َه َِالبلادَالعر يقةَفيَثلاثةَ‬

‫مطالبَأساسية‪َ َ:‬‬

‫تاريخ َُالجزائ َِر َِقبلَالفتحَالإسلامي‪َ َ.‬‬

‫المطلبَالأول‪َ َ:‬‬

‫تاريخ َُالجزائ َِر َِبعدَالفتحَالإسلامي‪َ.‬‬

‫المطلبَالثاني‪َ َ:‬‬

‫المطلبَالثالث‪َ:‬الجزائ َِر َُفيَالعهدَالعثماني‪.‬‬

‫المطلبَالأول‪َ:‬تاريخَالجزائ ِرَقبلَالفتحَالإسلام َي َ‬

‫يمكن أن نعتبر العصر الفينيقي الَّذ ِي َّ‬

‫امتد في الجَزَائ ِر ما يقاربُ ستمئة وسبعين سنة (‪ 814‬ق‪.‬م–‬

‫حي ْثُ امتد نفوذ الفينيقيين ‪ 1‬الَّذِي َ‬

‫ن أسسوا‬ ‫‪ 146‬ق‪.‬م)؛ هو المحطة التار يخية القديمة الأهم للجزائر‪َ .‬‬

‫مدينة قرطاجة عام ‪ 814‬ق‪.‬م‪ 2‬على الساحل التونسي‪ ،‬ث َُّم أسسوا مدنا ً ساحلية في الجَزَائ ِر أصبحت‬

‫مع الوقت محطات تجار ية مهمة‪ ،‬مثل‪ :‬وهران‪ ،‬وكبجاية‪ ،‬وشرشال‪ .‬وك َانَ الفينيقيون يضمنون‬

‫الداخِل َِّية من خلال التحالفات َّالتِي ك َان َت قائمة مع أمراء الأماز يغ‪،‬‬
‫مصالحهم على بقية المناطق َّ‬

‫فك َانَ هَذَا الأمر يجعل قرطاجة الوصية والحامية على الإمارات الأماز يغية مع سيطرتها المباشرة‬

‫على المراكز الساحلية‪.‬‬

‫َّ‬ ‫‪1‬‬
‫سامية‪ ،‬من ولد كنعان بن لاوذ بن سام بن نوح عَلَيْه ِ السلام‪ ،‬كانوا يستقرون بجزيرة‬ ‫الفينيقيون‪ :‬هم أمة‬
‫العرب‪ ،‬ث َُّم ارتحلوا بعد ذ َل ِ َ‬
‫ك إلى الشام ليستقر وا بفينيقيا‪ ،‬أرض لبنان الحالية وجزء من سور يا وفلسطين‪ ،‬وق َ ْد‬
‫صارت الشام يطلق عَلَيْهَا أرض كنعان وهم العرب في نسبهم ووطنهم‪ .‬أسس الفينيقيون حضارتهم انطلاقا ً من‬
‫لبنان حالياً‪ ،‬ث َُّم توسعوا بعد ذ َل ِ َ‬
‫ك وصولا ً إلى بلدان البحر المتوسط مثل تونس والجَزَائ ِر وليبيا وصقلية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫مبارك بن محمد الميلي‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر القديم والحديث‪ ،‬ص ‪.133‬‬

‫‪24‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)4‬توسعَالنفوذَالفينيقيَالـكنعانيَفيَالعالمَ َ‬

‫ك الحروب الشهيرة بين روما وقرطاج َّ‬

‫والتِي عرفت باسم الحروب البونية‪ 1،‬مما‬ ‫نشبت بعد ذَل ِ َ‬

‫جعل الأماز ي َغ يفلتون من القبضة القرطاجية ليؤسسوا لهم كيانا ً مستقلا ً (مملـكة نوميديا)‪ 2‬شمل‬

‫مساحات واسعة ً من الشمال الأفر يقي‪ ،‬واستمر قرنا ً ونصف‪ ،‬وق َ ْد ساعدت روما نوميديا في‬
‫ٍ‬

‫ك‪ ،‬وأرسلت جيوشها‬

‫صراعها مع القرطاجيين في البدء‪ ،‬ولـكنها سرعان مع انقلبت عَلَيْهَا بعد ذ َل ِ َ‬

‫لاحتلال شرق نوميديا (شرق الجَزَائ ِر الآن) سنة ‪ 42‬ق‪.‬م‪ ،‬ث َُّم استطاعوا إخضاع مملـكة موريتانيا‬

‫َّالتِي ك َان َت في شمال غرب إفر يقيا‪ ،‬وبهذا سيطرت روما على كامل الجَزَائ ِر سنة ‪42‬م‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الحروب البونيقية أو الحروب الفونية أو الحروب البونية‪ ،‬مصطلحات ‪-‬رغم اختلافها‪ -‬تدل على مدلول واحد‬
‫ألا وهو الحروب الثلاثة ا َّلتِي دارت بين روما وقرطاج‪ ،‬وق َ ْد ك َانَ السبب الرئيسي للحروب البونية هو تصادم‬
‫المصالح بين الإمبراطوريتين القرطاجية والرومانية الآخذتان في التوسع‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫نوميديا هي مملـكة أماز يغية قديمة قامت في غرب شمال أفر يقيا ممتدة من غرب تونس الحالية لتشمل الجَزَائ ِر‬
‫الحالية وجزء من المغرب الحالي‪ ،‬وت ََّم تأسيس "نوميديا" سنة ‪ 202‬قبل الميلاد‪ ،‬تزامنا ً مع انتصار الرومان على‬
‫القرطاجيين في الحرب البونيقية الثانية‪ ،‬المعروفة أيضا ً باسم الحرب الحنبعلية‪َّ ،‬التِي استمرت من سنة ‪ 218‬قبل‬
‫الميلاد ح ََّتى سنة ‪ 201‬قبل الميلاد‪َ ،‬‬
‫حي ْثُ تمكن "ماسينيسا" (مؤسس المملـكة النوميدية أبرز ملوك الأماز يغ)‬
‫والَّذ ِي ك َانَ بالأصل حليف ًا لقرطاجة خلال الحرب ث َُّم انحاز في الأخير لدعم روما‪ ،‬من توحيد المنطقة تحت راية‬
‫ك مملـكة نوميديا الموحدة‪.‬‬
‫حكمه‪ ،‬وأصبح الملك ماسينيسا ملك ًا على المنطقة بأسرها‪ ،‬ليشكل بِذ َل ِ َ‬

‫‪25‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)5‬توسعَالنفوذَالرومانيَ‬

‫ك َانَ يُطلق على الجَزَائ ِر في العصر الروماني مور يطانيا القيصر ية‪ ،‬وأنشأ الرومان العديد من الطرق‬

‫المعبدة َّالتِي ك َان َت في الأساس لأغراض حربية‪ ،‬إلا أنه جرى استخدامها في النشاط التجاري‪،‬‬

‫وأدى هَذَا إلى ارتفاع مستوى المعيشة والتعليم وظهور العديد من الفلاسفة والفنانين من البربر‬

‫خاصة ً بعد انتشار الديانة المسيحية‪ .‬ث َُّم تآكلت الحضارة ُ الرومانية في الجَزَائ ِر بسبب توغل قبائل‬
‫الجَزَائ ِر‪1.‬‬ ‫الوندال بين عامي ‪430‬م و‪431‬م‪ ،‬لتنتهي معها السيطرة الرومانية على‬

‫وفي القرن الرابع ميلادي‪ ،‬تفككت الدولة الرومانية إلى قسمين‪ :‬الإمبراطور ية الغربية‪،‬‬
‫والإمبراطور ية الشرقية (عاصمتها القسطنطينية)‪ ،‬وتمكنت القبائل الجرمانية من غزو الإمبراطور ية‬

‫ل كامل‪.‬‬
‫الغربية وإسقاطها بِش َك ٍ‬

‫‪1‬‬
‫مبارك بن محمد الميلي‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر في القديم والحديث‪ ،‬ص ‪.133‬‬

‫‪26‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:) 6‬المملـكةَالونداليةَخلالَالقرنَالسادسَميلاديََ‬

‫و بعد مرورها إلى شمال إفر يقيا عبر مضيق جبل طارق‪ ،‬وبين عامي ‪430‬م و‪431‬م؛ وصلت‬

‫قبائل الوندال ‪ 1‬الجرمانية إلى الجَزَائ ِر‪ ،‬فأنشأت أول دولة لَهَا في شمال إفر يقيا عاصمتها بجاية‪ .‬وبمرور‬

‫ن من الزمن‪ ،‬انتهى الوندال بالمغرب الأوسط سنة ‪534‬م على يد الإمبراطور ية الرومانية‬
‫قر ٍ‬

‫ك الوضع ح ََّتى‬
‫ك للحكم البيزنطي‪ ،‬ولتستمر على ذ َل ِ َ‬
‫الشرقية (أو البيزنطية)‪ ،‬لتخضع الجَزَائ ِر بعد ذَل ِ َ‬

‫الفتوحات الإسلامية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫هم إحدى القبائل الجرمانية الشرقية‪ ،‬اقتطعوا أجزاء من الإمبراطور ية الرومانية في القرن الخامس الميلادي‬
‫وأسسوا لهم دولة في شمال إفر يقيا مركزها مدينة قرطاج وضموا إليها جزيرة صقلية والعديد من جزر البحر المتوسط‪.‬‬
‫يعتقد أن اسم الأندلس مشتق من اسم هَذِه ِ القبيلة‪ ،‬والوندال شعب جرماني إسكندنافي (الشعوب والقبائل َّالتِي‬
‫تتحدث باللغات الجرمانية َّ‬
‫والتِي تنحدر من نفس الأصل العرقي)‪ ،‬ولـكن معرفة أصلهم تحديدا ً مُختَلَف فيه‪ ،‬فالبعض‬
‫ينسبهم لمدينة فاندل السويدية‪ ،‬وآخرون ينسبونهم لمدينة هالندال النرو يجية أو لمدينة فندسيسل الدنماركية‪.‬‬

‫‪27‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)7‬الإمبراطور يةَالبيزنطيةَقبلَالفتحَالإسلامي‬

‫المطلبَالثاني‪َ:‬تاريخَالجزائ ِرَبعدَالفتحَالإسلامي َ‬

‫ن الجيش الإسلامي من فتح مصر وأجزاء‬ ‫في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪َّ ،‬‬
‫تمك َ‬

‫ك بقيادة عمرو بن العاص‪ .‬ث َُّم في عهد عثمان بن عفان بدأت‬

‫من ليبيا سنة ‪643‬م‪ ،‬وك َانَ ذَل ِ َ‬

‫الفتوحات تصل إلى تونس إلا أنها ك َان َت تواجه عقبات كثيرة أدت في النهاية إلى تراجع المسلمين‬

‫عن شمال إفر يقيا‪ .‬ث َُّم في عهد معاو ية بن أبي سفيان ت ََّم تكليف عقبة بن نافع بفتح البلاد‪ ،‬وفي‬

‫وأسس مدينة القيروان في تونس‪ ،‬لتكون‬

‫َ‬ ‫سنة ‪669‬م عُيِنَ عقبة حاكما ً على إفر يقيا الإسلامية‬

‫ل عقبة ُ بن نافع إلى أقصى‬

‫مقرا ً لولايته‪ ،‬ومنطلقا ً نحو الغرب‪ ،‬وهَكَذ َا بعد ثلاث عشرة سنة وص َ‬
‫حي ْثُ تمرد القائد البربري "كسيلة" ‪ 1‬عَلَيْه ِ‪ ،‬وخرجت‬
‫الغرب‪ .‬لـكن هَذَا الفتح لم يدم طو يلا ً‪َ ،‬‬

‫المناطق في شمال إفر يقيا عن حكم الدولة الأمو ية سنة ‪682‬م‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫كسيلة بن لمزم الأورو بي الأماز يغي‪ ،‬زعيم قبائل أوربة وصنهاجة الأماز يغية‪ ،‬وك َان َت مملـكته تضم ك ُل الربوع‬
‫الموجودة ما بين تيارت ووهران وتلمسان في الجَزَائ ِر‪ ،‬وق َ ْد أسلم وقبيلته خلال فتح أبو المهاجر بن دينار شمال‬
‫إفر يقيا‪ .‬في عام ‪ ،61‬وبوفاة معاو ية بن سفيان وتولي ابنه يزيد حكم الدولة الأمو ية‪ ،‬ع ُزل أبو المهاجر وتولى عقبة‬
‫بن نافع ح ُكم َ إفر يقية للمرة الثانية‪ .‬فقام عقبة بن نافع بمهاجمة بلاد أوربة‪ ،‬غير آبه ٍ بنصح أبي المهاجر لَه ُ بتجنب‬
‫عداء كسيلة حليفه وأنه ق َ ْد أسلم‪ .‬فخَضَع كسيلة لعقبة بن نافع وسايره في بقية حملته كاتما ً بُغْضه‪ .‬ث َُّم في طر يق‬
‫العودة إلى إفر يقية‪ ،‬تمرد كسيلة على عقبة وقتله‪ ،‬وسيطر َ على القيروان ليصبح حاكما ً على إفر يقية وهو لا يزالُ‬
‫على الإسلام‪ .‬مات كسيلة مقتولا ً في عام ‪ 695‬م على يد بعثة أمو ية لاسترداد إفر يقية تحت قيادة زهير بن قيس‪.‬‬

‫‪28‬‬
 ‫وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان‪ ،‬انطلقت الفتوح من جديد نحو الجَزَائ ِر على يد‬

‫حسان بن نعمان‪ ،‬الَّذ ِي انتصر على قبائل البربر المتمردة بقيادة "الكاهنة" سنة ‪701‬م‪ .‬وبهذا‬

‫ن إسلامهم‪ ،‬وشاركوا‬
‫حس ُ َ‬
‫استتب الاستقرار في شمال إفر يقيا‪ ،‬ودخل معظم البربر في الإسلام و َ‬

‫ك في فتح المغرب الأقصى والأندلس مع القائدين العظيمين موسى بن نصير وطارق بن‬
‫بعد ذَل ِ َ‬

‫ك إلى أوروبا ووسط إفر يقيا‪.‬‬

‫ز ياد‪ ،‬فك َانَ لهم أثر عظيم في نقل الإسلام بعد ذَل ِ َ‬

‫َ‬
‫يََ‬
‫الخر يطةَ(‪َ:) 8‬الأدارسةَوالرستميونَوالأغالبةَفيَالقرنَالتاسعَميلاد َ‬

‫وكنتيجة لعدم الاستقرار السياسي في الدولة الأمو ية ث َُّم العباسية‪ ،‬بدأت القبائل البربر ية في البلاد‬

‫الجَزَائِر َِّية بالتفكير في الانفصال عن الخلافة المركز ية وتأسيس دول مستقلة شمال إفر يقية‪ ،‬وك َان َت‬

‫حي ْثُ تأسست على يد عبد الرحمن بن رستم سنة ‪776‬م‪،‬‬

‫الدولة الرستمية بداية هَذَا الانفصال‪َ ،‬‬

‫‪29‬‬
‫واستمرت ح ََّتى ‪906‬م‪ ،‬وك َانَ معظم نفوذها في الجَزَائ ِر‪ ،‬بينما ظهرت الدولة الإدريسية (‪-788‬‬

‫‪ )923‬في المغرب الأقصى (‪ )909 - 800‬ودولة الأغالبة في تونس‪.‬‬

‫تمردات دمو ية‪ ،‬فبعد‬

‫ٍ‬ ‫وهَكَذ َا فإن الجَزَائ ِر ق َ ْد بقيت تتعاقبُ عَلَيْهَا الدول َّالتِي تشكلت غالبا ً على إثر‬

‫الدولة الرستمية‪ ،‬ظهرت الدولة الفاطمية َّالتِي أسسها عبد الله المهدي الرافضي سنة ‪910‬م‪ ،‬ث َُّم‬
‫الدولة الصنهاجية حليفة الفاطميين‪َّ ،‬‬
‫والتِي أسسها بلـكين بن زيرين زعيم قبيلة صنهاجة سنة ‪672‬م‪.‬‬

‫ك قامت في الجَزَائ ِر دولة الحمادية ‪1014‬م واستمرت ح ََّتى ‪1156‬م‪ ،‬ث َُّم خضعت البلاد‬
‫وبعد ذَل ِ َ‬

‫لدولة المرابطين (‪ ،)1145 – 1079‬ث َُّم دولة الموحدين (‪ ،)1296 – 1146‬ث َُّم الدولة الحفصية‬
‫‪1 .)1347‬‬ ‫(‪– 1226‬‬

‫الخر يطةَ(‪َ:) 9‬شمالَإفر يقياَبعدَسقوطَالموحدينَمطلعَالقرنَالرابعَعشرَ َ‬

‫وك َان َت الدولة الز يانية (‪ )1554 - 1235‬هي آخر الدول َّالتِي حكمت الجَزَائ ِر قبل العهد العثماني‪،‬‬

‫وفي عهدهم عانت البلاد من توترات داخلية شديدة‪ ،‬سقطت على إثرها الأندلس‪ ،‬وبدأت بلاد‬

‫‪1‬‬
‫للعودة إلى التاريخ الإسلامي في الجَزَائ ِر ؛ انظر كتاب التار يخي السياسي للجزائر‪ ،‬الدكتور عمار بوحوش‪ ،‬الفصل‬
‫الثاني الفتح العربي والإسلامي‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫حي ْثُ احتل الإسبان المرسى الـكبير‬
‫المغرب بالتعرض لاحتلال إسباني وبرتغالي وإيطالي‪َ ،‬‬

‫ك العديد من المدن الج َزَائِر َِّية الساحلية‪.‬‬

‫ووهران في الجَزَائ ِر سنة ‪1505‬م‪ ،‬وخضعت لهم بعد ذَل ِ َ‬

‫رَ َ‬
‫الخر يطةَ(‪َ:) 10‬الغزوَالإسبانيَوالبرتغاليَلشمالَإفر يقياَمطلعَالقرنَالسادسَعش َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫‪31‬‬
 ‫المطلبَالثالث‪َ:‬الجزائَِر َُفيَالعهدَالعثماني َ‬

‫مع سقوط إمارة غرناطة آخر معقل للمسلمين في الأندلس سنة ‪1492‬م‪ ،‬أراد الإسبانُ نقل‬

‫الحملات الصليبية إلى قلب الدول الأماز يغية الصغيرة‪ ،‬فتمكنوا من احتلال بعض أجزاء من‬

‫ك باستغلال الضعف الَّذ ِي عرفته البلاد في أواخر عهد الدولة الز يانية‪.‬‬
‫الجَزَائ ِر وذَل ِ َ‬

‫وأمام هَذَا الوضع المزري والصعب الَّذ ِي ك َان َت تمر بِه ِ الجَزَائ ِر في بداية القرن السادس عشر‪ ،‬لم‬

‫يجد سكان الجَزَائ ِر بدا ً من الاستنجاد بالأخوين عروج وخير الدين ‪ 1‬لإنقاذهم من الاحتلال‬

‫الأوروبي‪ ،‬فقام الأخوان "باربروسا" بتلبية نداء المسلمين في الجَزَائ ِر والدفاع عن البلاد‪ .‬لـكن‬

‫ج تلمسان؛ جعل‬
‫استشهاد عروج وجنوده عام ‪1518‬م إثر معركة دارت بينه وبين الإسبان خ َارِ َ‬
‫خير الدين الَّذ ِي ك َانَ متواجدا ً بمدينة الجَزَائ ِر يعلن تبعيته للسلطان العثماني‪َ ،‬‬
‫حي ْثُ أدرك أنه لا‬

‫يستطيع لوحده أن يحارب الإسبان‪.‬‬

‫وبهذا ربط خير الدين مصيره بمصير الإمبراطور ية العثمانية َّالتِي برزت كأكبر دولة إسلامية‬

‫ك بعد أن أقنع أعيان مدينة الجَزَائ ِر بخطورة الوضع‪ ،‬وأهمية انضمام بلدهم إلى السلطة‬
‫وقتها‪ ،‬وذَل ِ َ‬

‫العثمانية َّالتِي يمكنها تزو يد جيشه بالسلاح والمؤونة والدعم السياسي لمواجهة الهجمات الإسبانية‬

‫في حوض البحر الأبيض المتوسط‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عروج بن أبي يوسف يعقوب التركي (‪ 879‬هـ ‪ 924 -‬هـ الموافق ‪1474‬م ‪1518 -‬م) أو عروج بربروس‪،‬‬
‫ويشتهر أيضا ً بلقب بابا عروج وعروج ريس‪ ،‬وهو قبطان وأمير مسلم اشتهر هو وأخوه خير الدين بجهادهما البحري‬
‫في شمال أفر يقيا وسواحل البحر المتوسط إبان القرن العاشر الهجري الموافق للقرن السادس عشر الميلادي‪.‬‬
‫خير الدين بن أبي يوسف يعقوب التركي‪( ،‬ولد سنة ‪ 1470‬في جزيرة ِ ميديللي وتوفي يوم ‪ 5‬يوليو‪/‬تموز ‪1546‬م في‬
‫إسطنبول)‪ ،‬عرف في أوروبا بـ "بارباروسا" أي ذي اللحية الحمراء‪ ،‬وهو وزير البحر ية العثمانية ووالي العثمانيين‬
‫على الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫‪32‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)11‬الصراعَالعثمانيَالإسبانيَفيَالبحرَالأبيضَالمتوسطَخلالَالقرنَالسادسَوالسابعَعشر َ‬

‫وبعد أن ق ََّدم َ خير ُ الدين الولاء َ للسلطان العثماني سليم الأول؛ قام َ الأخير ُ بتعيين خير الدين كأول‬

‫حاک ٍم تركي على الجَزَائ ِر‪ ،‬وصار يلقب بـ "بایلر باي" (أمير الأمراء)‪ 1،‬وتحول من مجرد أمير بحري‬

‫إلى رئيس دولة مرتبطة بالإمبراطور ية العثمانية وقوة يُحسَبُ لَهَا حساب كبير على المستوى‬

‫الدولي‪ .‬وهَكَذ َا أصبحت سواحل الجَزَائ ِر قاعدة ً رئيسية لكافة العمليات البحر ية العثمانية‪ ،‬وك َان َت‬

‫ق الأسطول البحري الأقوى على مستوى العالم كله خلال القرن السادس والسابع عشر‬
‫منطل َ‬

‫الميلادي؛ إذ ك َانَ يتحكم في مياه البحر الأبيض المتوسط‪ ،‬وأطلق على مدينة الجَزَائ ِر اسم دار‬

‫وظلت تحت السيادة الاسمية العثمانية ح ََّتى عام‬

‫َّ‬ ‫الجهاد‪ ،‬والمحروسة‪ ،‬وأيضا ً الجَزَائ ِر البيضاء‪،‬‬

‫‪1830‬م‪.‬‬

‫‪ 1‬يذكر أن السلطان العثماني سليمان (القانوني) استدعى خير الدين سنة ‪ 1535‬إلى القسطنطينية وعينه قائدا ً عاما ً‬
‫للأسطول البحري التركي‪ ،‬ووضع تحت تصرفه البوارج الحربية والمعدات الع َسكَر َِّية َّالتِي كسرت شوكة الإسبان‬
‫ح َّتى وافته المنية عام ‪ 1546‬عن عمرٍ يناهز ُ ثمانين سنة‪.‬‬
‫في تونس وطرابلس والجَزَائ ِر‪ ،‬وبقي في هَذ َا المنصب َ‬

‫‪33‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)12‬مراحلَالتوسعَالعثمانيَوصولاًَإلىَالجزائ َِر‬

‫الجدير بالذكر أن تحالف خير الدين مع العثمانيين َّ‬

‫مكن َه ُ من أن يغير مجرى الأمور في شمال أفر يقيا‬

‫حي ْثُ تمكنت القوات الجَزَائِر َِّية والعثمانية من إخراج الإسبانيين من تونس‬
‫و يوحد هَذِه ِ البلاد‪َ ،‬‬

‫وطرابلس في القرن السادس عشر‪ ،‬كما استطاع خير الدين أن ينتصر على الإسبانيين في هجومهم‬

‫العنيف على مدينة الجَزَائ ِر سنة ‪ ،1519‬وكذلك طرد الإسبان من برج الفنار في شهر ماي ‪.1529‬‬

‫ل‪ ،‬ونجح في‬

‫خ ِ‬ ‫وبالمقابل تمكن أيضا ً من القضاء على الثورات َّالتِي ك َان َت تدبر ضده من َّ‬
‫الدا ِ‬

‫السيطرة على المدن المتبقية من الجَزَائ ِر (القل وقسنطينة عام ‪ ،1521‬عنابة ‪ 1522‬والحضنة‬

‫والقبائل ومتيجة عام ‪.)1525‬‬

‫‪34‬‬
 ‫تقسيم َُالعهدَالعثمانيَفيَالجزائ ِرَإلىَأرب َعَمراحلَأساسية‪َ :‬‬
‫نَ َ‬ ‫يمك َُ‬

‫حي ْثُ تطورت‬

‫أولاً‪َ :‬عصرَالبايلرَباياتَ(‪1587-1514‬م)‪َ.‬ويمثل أزهى عصور الحكم العثماني َ‬

‫الجَزَائ ِر فيه من النواحي الاقتصادية‪ ،‬والعمرانية والتعليمية؛ ودام هَذَا العهد لمدة سبعين عاماً‪.‬‬

‫ك َانَ تعيين الحاكم في الجَزَائ ِر يأتي من جهة السلطان العثماني‪ .‬وأثناء هَذَا العصر ت ََّم تحرير برج‬

‫فنار عام ‪1529‬م من الإسبان‪ ،‬وتحرير بجاية من الاحتلال الإسباني عام ‪1555‬م‪ ،‬وكذلك تونس‬

‫عام ‪1574‬م‪َ .‬‬

‫ثانياً‪َ:‬عصرَالباشواتَ(‪1659-1587‬م)‪ .‬ت ََّم في هَذَا العصر تعيين باشا تركي‪ 1‬في ك ُل من الجَزَائ ِر‬

‫ك بعد أن ك َانَ ه ُنَاك َ حاكم واحد يحكم المنطقة كاملة ومقره في الجَزَائ ِر‪.‬‬
‫وتونس وطرابلس‪ ،‬وذَل ِ َ‬
‫وفي هَذَا العصر؛ بدأت تظهر الخلافات بين جنود البحر ية الجَزَائِر َِّية (الر ياس) وبين جنود‬

‫البحر ية العثمانية‪ .‬وق َ ْد برزت قوة الر ياس خلال هَذَا العصر؛ ح ََّتى أصبحت دول أوروبا تخشى‬

‫الجَزَائ ِر وتسعى لإنشاء علاقات تعاونية معها‪.‬‬

‫ثالثاً‪َ:‬عصرَالآغوات‪1671-1659(َ2‬م)‪َ.‬و يعد هَذَا العصر من أقصر العصور وذ َل ِ َ‬

‫ك لقيام قادة‬

‫الجيش البري (اليوليداش) ‪ 3‬بخلع الباشا واستبداله بقائد من فئتهم ُّأطلق عَلَيْه ِ اسم (الآغا)‪ ،‬وفي‬

‫ضع َُف نفوذ السلطان العثماني‪ ،‬وغابت السيادة العثمانية في الجَزَائ ِر‪ ،‬وازدادت‬
‫هَذَا العصر َ‬

‫الصراعات المحلية بين ضباط الجيش البري وكذلك بين ضباط الجيش البحري‪ ،‬واستاء الشعب‬
‫من الفساد السياسي والفوضى َّالتِي سادت البلاد‪.‬‬

‫رابعاً‪َ :‬عصرَالداياتَ(‪1830-1671‬م)‪ََ.‬حاول حكام الجَزَائ ِر في هَذَا العصر إرضاء السلطان‬

‫العثماني وتقو ية مركز الحاكم (الداي) عن طر يق تعيينه في منصبه مدى الحياة‪ ،‬وق َ ْد أصبحت‬

‫الجَزَائِر ُ دولة ً مستقلة ً نوعا ً ما عن الدولة العثمانية‪ ،‬وأصبح جنود البحر ية يبحثون عن الغنائم‬

‫‪ 11‬الباشا‪ :‬لقب عثماني أطلق على رتب متعددة عسكر ية ومدنية‪ ،‬وأطلق منذ النصف الثاني من القرن التاسع‬
‫عشر الميلادي على الَّذ ِي َ‬
‫ن يرتقون إلى درجة وزیر وأمیر الأمراء‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫مصطلح من أصل فارسي وتعني السید‪ ،‬وق َ ْد استعمله الأتراك لدلالات كثيرة؛ منها أنها ك َان َت تطلق على‬
‫الضباط الأمیین‪ ،‬ومنها أيضا ً صاحب المنصب الـكبير‪.‬‬
‫‪ 3‬سمى أهل الجَزَائ ِر الجنود العثمانيين "بكباش أناضوليا"‪ ،‬لأنهم كانوا حمرا ً سماناً‪ ،‬واسمهم الرسمي يُعرف باليولداش‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫لأنفسهم وللحكام بدلا ً من مهمة المناهضة من أجل الإسلام‪ .‬وق َ ْد اهتم حكام الجَزَائ ِر في القرن‬

‫السابع عشر والثامن عشر بجمع الثروة من العمليات الحربية في البحر‪ ،‬وأهملوا تطو ير الدخل القومي‬

‫المتمثل في الثروة الفلاحية وتوفير الغذاء للسكان‪ .‬وفي هَذَا العصر؛ ت ََّم اغتيال العديد من الحكام‬

‫الداخِل َِّية بين فئات الجيش‪.‬‬

‫نتيجة الحروب والصراعات َّ‬

‫وفي هَذَا العهد الأخير أيضا ً؛ تعرضت الجَزَائ ِر للاحتلال الفَرَنس ِي الَّذ ِي أخرج العثمانيين من البلاد‬
‫وإلى الأبد‪ ،‬وأخضع َّ‬
‫الشعْب الجَزَائِر ِي لحقبة استعمار ية مريرة دامت ما يقارب ‪ 132‬سنة‪.‬‬

‫‪36‬‬
 ‫المبحثَالثالث‪َ:‬الديمغرافيا َ‬
‫بلغ عدد سكان الجَزَائ ِر وفقا ً لتقديرات عام ‪2018‬م حوالي اثنين وأربعين مليون ومئتي ألف‬

‫نسمة‪ ،‬حسب الديوان الوطني الجَزَائِر ِي للإحصائيات‪ .‬لـكن بالعودة إلى السنة َّالتِي ت ََّم فيها احتلال‬

‫الجَزَائ ِر من قبل الفرنسيين؛ فَقَ ْد ك َانَ عدد سكانها يُقدر بنحو ‪ 3‬ملايين نسمة‪ ،‬وفي بداية القرن‬

‫العشرين بنحو ‪ 4‬ملايين نسمة‪ ،‬ث َُّم بدأ عدد السكان الجزائر يين في التزايد منذ بداية القرن العشرين‬

‫حي ْثُ قُدِر معدل النمو الطبيعي بـ ‪ %5‬إلى نهاية الحرب الع َالم َ َّيِة الثانية (‪-1939‬‬
‫بوتيرة نمو منخفضة‪َ ،‬‬

‫ك بدأ معدل النمو بالز يادة ليصل إلى مستوى ‪ % 8.2‬وليصبح عدد سكان‬
‫‪ ،)1945‬وبعد ذَل ِ َ‬
‫مليون‪1 .‬‬ ‫الجَزَائ ِر عام ‪ 1954‬ما يقارب ‪10‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)2‬النموَالسكانيَالتقريبيَفيَالجزائ َِرَمنذَ‪َ1830‬حتىَ‪َ 2010‬‬

‫وبالعودة إلى فترات الاحتلال الفَرَنس ِي؛ فلابد من التنبيه أن المجتمع الجَزَائِر ِي ك َانَ مجتمعا ً ذا‬

‫حي ْثُ أن ‪ %90‬من السكان قبل عام ‪ 1830‬كانوا ينتظمون في قبائل و يعيشون في‬
‫طابع ر يفي َ‬

‫‪1‬‬
‫محمد بن مر يم‪ ،‬عبد القادر قداوي؛ دراسة العلاقة بين حجم النفقات العمومية والنمو السكاني‪ :‬دراسة تحليلية‬
‫قياسية على حالة الجَزَائ ِر للفترة (‪ – )2013 – 1965‬جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف – الجَزَائ ِر – ص ‪.9-8‬‬

‫‪37‬‬
‫الر يف بالرغم من وجود دائم لتجمعات سكنية مدنية‪ 1.‬ومع بداية الاحتلال الفَرَنس ِي ح ََّتى‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية عام ‪ ،1954‬نجد ُ أن السلطات الفَرَنس َِّية ك َان َت تنظر ُ للسكان في‬
‫تاريخ اندلاع َّ‬
‫رئيسيين‪2 :‬‬ ‫الج َزَائ ِر كقسمين‬

‫القسمَالأول َالأوربيون‪ :‬ولهم من الحقوق ما للمواطن الفَرَنس ِي من حقوق في ف َرَنس َا‪ .‬وهؤلاء‬

‫الأوربيون جاء أجدادهم إلى الجَزَائ ِر بطرق مختلفة؛ فمنهم من صاحب عملية الاحتلال الفَرَنس ِي‬
‫للجزائر كتجار وأصحاب مهن حرة خدمة ً للجيش الفَرَنس ِي والرهبان لتنصير َّ‬
‫الشعْب الجَزَائِر ِي‪ .‬ومع‬

‫بداية الاحتلال ك َانَ عدد هؤلاء الأوروبيين نحو خمسين ألف‪ ،‬ث َُّم ارتفع إلى مئة وخمسين ألف‬

‫في ظرف عشرين عاما ً فقط‪ .‬ث َُّم راحت تتكاثر ُ هَذِه ِ الجالية بفعل دعوات الهجرة والامتيازات‬
‫المقدمة لهم على حساب خيرات الجَزَائ ِر ح ََّتى وصل عددهم إلى نحو المليون قبيل اندلاع ثورة‬

‫‪.1954‬‬

‫القسمَالثاني َأبناءَالوطن َالجزائِر ِي‪َ :‬وق َ ْد ك َان َت تطلق عليهم السلطات الفَرَنس َِّية لقب "العرب أو‬

‫المسلمين"‪ ،‬ومع أنهم كانوا يمثلون عشرة أضعاف الجالية الأوربية؛ إلا أنهم لم يتمتعوا إطلاقا ً‬
‫ل إن شئت لا يتمتعون بأي ٍ‬
‫نوع من أنواع الحقوق‪َ .‬‬ ‫بالحقوق َّالتِي تمتع بِهَا الأوربيون‪ ،‬بل ق ُ ْ‬

‫َ‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد السلام فيلالي‪ ،‬هيكلة المجتمع الجَزَائِر ِي المعاصر‪ ،‬بين النزعتين الحضر ية والر يفية ‪ -‬قسم العلوم السِيَاس َِّية‪،‬‬
‫جامعة باجي مختار‪-‬عنابة – ص‪.2‬‬
‫‪2‬‬
‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪38‬‬
 ‫المطلبَالأول‪َ:‬الأعراقَفيَالجزائ ِر َ‬

‫ل العربُ الأغلبية َ الساحقة من سكان الق ُ ْطرِ الجَزَائِر ِي الآن (قرابة ‪ ،)%70‬وق َ ْد استقرت‬
‫يُش َكِ ُ‬

‫أقدامهم في بلاد المغرب منذ أيام الفتح الإسلامي الأولى‪ ،‬وتغلغلوا بين السكان الأولين‬

‫(الأماز يغ)‪ .‬لـكن في البداية‪ ،‬لم يكن جند الفتح العربي والإسلامي كثيري العدد‪ ،‬فبقيت أكبر‬

‫أقسام البلاد على أماز يغيتها‪ ،‬إلى أن حدثت هجرة قبائل بني هلال وبني سليم‪ 1‬من صحراء شرق‬

‫النيل إلى المغرب العربي في القرن الحادي عشر ميلادي‪ ،‬فتدفق سيلهم وتكاثر َ عددهم‪ ،‬وانتصبوا‬

‫في سائر السهول والواحات وأغلب الجبال‪ ،‬واختلطوا بالعنصر الأماز يغي فتصاهر العنصران‬
‫وامتزجا‪2 .‬‬

‫بالإضافة للعرق العربي الَّذ ِي يشكل أغلبية في البلاد‪ ،‬تض ُُّم الجَزَائ ِر العديد من الأعراق الأخرى‪،‬‬

‫ن يشكلون الأقلية الأكبر في البلاد‪ ،‬وق َ ْد سكنوا الأراضي َّالتِي تعرف اليوم‬
‫مثل الأماز يغ‪ 3‬الَّذِي َ‬

‫بالجَزَائ ِر قبل العرب بوقت طو يل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫من أشهر الهجرات العربية إلى شمال أفر يقيا في القرن الخامس الهجري‪ /‬الحادي عشر الميلادي وبالرغم أن‬
‫بني هلال وبني سليم شكلوا أكبر القبائل المهاجرة إلا أن الهجرة ضمت قبائل هوازنية أخرى كشجم وسلول‬
‫ودهمان والمنتفق وربيعة وخفاجة وسعد وكعب وسواءة وكلاب‪ ،‬وقبائل قيسية كفزارة وأشجع وعبس وعدوان‬
‫وفهم‪ ،‬وقبائل مضر ية كهذيل وقريش وتميم وعنزة‪ ،‬بل وقبائل قحطانية كجذام وكندة ومذحج‪ .‬وق َ ْد ك َانَ بنو هلال‬
‫وبنو سليم ومن جاء معهم من القبائل ي قيمون في المنطقة الممتدة بين الطائف ومكة‪ ،‬وبين المدينة ونجد‪ ،‬وشاركوا‬
‫في الفتوحات العربية الإسلامية‪ ،‬إلا أنهم احتفظوا بثقلهم وطابعهم البدوي في الجزيرة العربية ح ََّتى تاريخ هجرتهم‬
‫‪ 440‬هـ‪ .‬واستقرت هَذِه ِ القبائل في شمال أفر يقيا‪ ،‬وك َانَ لَهَا الأثر الحاسم في تعريب شمال أفر يقيا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد توفيق المدني ‪ -‬هَذِه ِ هي الجَزَائ ِر‪ ،‬ص ‪29‬‬
‫‪3‬‬
‫الأماز يغ هي ك َلمة أماز يغية‪ ،‬تُجم َع على "إيماز يغن"‪ ،‬و ي َعني اللفظ في اللغة الأماز يغية‪ :‬الإنسان الحر النبيل‪ ،‬أما‬
‫البربر فهو اسم لاتيني‪ ،‬و ي َعني المتوحشين أو الهمجيين البدائيين‪ .‬وق َ ْد أطلق الرومان هَذِه ِ الكلمة على ك ُل الأجانب‬
‫ك خلال غزواتهم لبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط‪ .‬وأصلُ الأماز يغ أو البربر غير‬
‫وبينهم الأماز يغ‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫ك لقلة التاريخ الم َكتوب والمَحفوظ عن هَذِه ِ الشعوب‪ .‬ي ُرجِع بعض الع ُلماء أصلهم إلى‬
‫معروف بالتحديد‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫حي ْثُ لهم صلة بنسل الواندال‪ ،‬اللذ ين استوطنوا شمال أفر يقيا‪ .‬ومن جهة أخرى يتجه البعض إلى إرجاع‬
‫أوروبا؛ َ‬
‫حي ْثُ قدِموا إلى شمال أفر يقيا نازحين بسبب الظروف المُناخية‪ .‬وي ِ‬
‫ُرجح المُؤرخ‬ ‫أصل الأماز يغ إلى أصول عربية‪َ ،‬‬
‫حي ْثُ لا يُعتبر‬
‫ابن خلدون أصول الأماز يغ إلى الـكنعانيين من ولد كنعان بن حام بن نوح عَلَيْه ِ السلام؛ َ‬
‫الـكنعانيون من العرب‪ ،‬وليسوا من أبناء سام أيضا ً‪.‬‬

‫‪39‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)13‬توزعَالأماز يغَفيَشمالَإفر يقيَا‬

‫حي ْثُ أكبر تجمعات الأماز يغ)‬

‫معظم الأماز يغ يعيشون في منطقة القبائل (خاصة في تيزي وزو َ‬

‫وجبال الأوراس ووادي مزاب حول مدينة غرداية والصحراء الجنوبية‪ ،‬بالإضافة إلى الطوارق‬

‫ج المدن‪ -‬إلى عدة قبائل أشهرها قبائل‬

‫في الصحراء الـكبرى‪ .‬و يتفرعون اليوم ‪-‬لاسيما خ َارِ َ‬

‫الشاو ية‪ ،‬زناتة‪ ،‬المزاب‪ ،‬الطوارق‪...‬إلخ علما ً أن كثيرا ً من القبائل الأماز يغية ق َ ْد ت َع ََّربَ مع‬

‫الوقت‪ ،‬بحَي ْثُ أصبح من العسير التمييز بينهم وبين القبائل العربية بعد عدة قرون من التاريخ‬

‫المشترك‪.‬‬

‫و بحسب إحصائيات الإدارة الفَرَنس َِّية لعام ‪1892‬؛ إن نسبة البربر لسائر السكان الجزائر يين هي‬

‫ل عا ٍم فإن التركيبة السكانية للمناطق َّالتِي يوجد فيها الأماز يغ غير معروفة‬
‫عشرون بالمائة‪ 1 .‬وبشك ٍ‬
‫بطر يقة علمية دقيقة‪ ،‬ولهذا فهي محل استخدامات أيديولوجية في بعض الأحيان‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الدكتور عثمان سعدي‪ ،‬البربر الأماز يغ عرب عاربة ـ وعروبة الشمال الإفر يقي عبر التاريخ‪ ،‬ص ‪.33‬‬

‫‪40‬‬
 ‫أماَالأقلياتَالعرقيةَالأخرىَفيَالجزائ ِرَفهيَ‪َ :‬‬

‫‪َ .1‬الأتراك‪ :‬و يعود أصلهم إلى الدولة العثمانية َّالتِي حكمت البلاد منذ القرن السادس عشر‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية مباشرة‪ ،‬إلا أن‬

‫الميلادي‪ .‬ولا توجد أرقام دقيقة لأعداد السكان الأتراك قبل َّ‬

‫المؤرخ البرفسور التركي "صبري حمزتلي" قال إن عدد الأشخاص من أصول تركية كانوا يمثلون‬
‫‪ %25‬من إجمالي السكان بالجَزَائ ِر سنة ‪ 1.1953‬بينما ك َانَ الأرشيف الفَرَنس ِي ي ُ َّ‬
‫قدر ُ عدد التركمان‬

‫ألف شخص بحسب ما نقل عنه المؤرخ‬

‫الأتراك في الجَزَائ ِر عام ‪ ،1953‬ما بين ستمئة إلى سبعمئة ِ‬

‫والباحث السوري في الشأن التركي الدكتور مختار فاتح بيديلي‪ ،‬أي ما يعادل ‪ %7‬تقريبا ً من مجموع‬

‫السكان‪.‬‬

‫‪َ.2‬الأوروبيون‪ :‬وهم مَجموعات صغيرة من الإيطاليين والفرنسيين والإسبانيين واليهود‪ ،‬ومعظمهم‬

‫استقر في الجَزَائ ِر خلال عمليات الاحتلال سواء الإسباني أو الفَرَنس ِي‪ ،‬وقدرت بعض المصادر‬
‫السكان‪2.‬‬ ‫أعدادهم بين ثمانمئة ألف حتى المليون نسمة عام ‪ ،1956‬أي ما يعادل ‪ %8‬من مجموع‬

‫الأفارقة‪ :‬وهم المجموعات القادمة من الصحراء الـكُبرى‪ ،‬وق َ ْد اختلطوا في الثقافة الجَزَائِر َِّية بِش َك ٍ‬
‫ل‬

‫كبيرٍ جداً‪ ،‬مما أدى إلى مَحو ثقافتهم الأصلية تقريباً‪.‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)3‬توزعَالسكانَفيَالجزائ ِرَب ِشكلََتقريبيَسنةَ‪َ 1954‬‬

‫)‪1 Wayback Machine (archive.org) - 9921.pdf (ankara.edu.tr‬‬

‫‪2‬‬
‫أحمد توفيق المدني‪ ،‬هَذِه ِ هي الجَزَائ ِر‪ ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪41‬‬
 ‫المطلبَالثاني‪َ:‬الأديانَ َ‬

‫إذا أردنا الحديث عن الحالة الثقافية والدينية في الجَزَائ ِر قبل ثورة ‪1954‬؛ فإن الجزائر يين في‬

‫ك الوقت كانوا يتحدثون العربية والأماز يغية والفَرَنس َِّية بِش َك ٍ‬

‫ل أساسي‪ .‬وبالنسبة لسكان البلاد‬ ‫ذَل ِ َ‬

‫الأصليين من العرب والأماز يغ فَقَ ْد كان أغلبهم مسلمين‪ ،‬أما الأوروبيون فَقَ ْد كانوا بين النصرانية‬

‫واليهودية‪ .‬وأغلبية المسلمين في الجَزَائ ِر من السنة ومن أتباع المذهب المالـكي‪ ،‬وتوجد نسبة قليلة‬

‫تعتمد المذهب الحنفي‪ ،‬وهم بعض السكان من ذوي الأصول التركية‪ .‬وعلى مستوى المذاهب‬

‫والفرق العقدية فَقَ ْد ك َان َت الطرقُ الصوفية غالبة ً على المجتمع الجَزَائِر ِي‪ ،‬ومنها القادر ية والشاذلية‬

‫والرحمانية والدرقاو ية‪ ،‬لـكن هَذِه ِ الطرق خلال ثورة التحرير لم تكن ذات تأثير واسع في المجتمع‬
‫الجَزَائِر ِي بسبب اتجاه النخب نحو القيم الأوروبية بعد مئة واثنتين وثلاثين سنة من الاحتلال‬

‫والتغريب‪ ،‬وأيضا ً على إثر الصحوة الإسلامية َّالتِي بدأت تنشأ في الجَزَائ ِر على يد جمعية العلماء‬
‫المسلمين بقيادة ابن باديس‪َّ ،‬‬
‫والتِي دعت لنبذ الخرافات والجمود في الطرق الصوفية‪.‬‬

‫ل عا ٍم‪ ،‬يوضح الجدول التالي عدد المسلمين وغير المسلمين في الجَزَائ ِر قبل ثورة الاستقلال‬
‫وبشك ٍ‬
‫مباشرة‪1 :‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)4‬أعدادَالمسلمينَوغيرَالمسلمينَبينَ‪َ1901‬و‪َ 1953‬‬

‫‪1‬‬
‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص ‪.30-29‬‬

‫‪42‬‬
 ‫وك َان َت اليهودية من الديانات الأخرى َّالتِي و ُجدت في الجَزَائ ِر‪َ ،‬‬
‫حي ْثُ قدر عدد اليهود سنة ‪1950‬‬

‫بنحو مئة وعشرين ألفا ً‪ ،‬وك َان َت الأغلبية الساحقة منهمَتحمل جنسيات أجنبية‪ .‬وبموجب القانون‬

‫الفَرَنس ِي؛ ك َانَ اليهود ُ معتبرين مواطنين يتمتعون بكامل الحقوق كالأوربيين‪ ،‬ولـكن خلال حرب‬

‫ل أساسي إلى ف َرَنس َا‬

‫الاستقلال وبعدها‪ ،‬غادر معظم اليهود الجزائر يين البلاد متجهين بِش َك ٍ‬
‫وإسرائيل‪ .‬وفي عام ‪ 1969‬انخفضت أعداد اليهود إلى ألف وخمسمئة يهودي فقط‪ ،‬ح ََّتى وصل‬
‫ص‪1.‬‬
‫شخ ٍ‬ ‫عدد الجالية اليهودية في الجَزَائ ِر عام ‪ 1992‬إلى ثلاثِمئة‬

‫‪1‬‬
‫عبد الوهاب المسيري‪ ،‬موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية‪ ،‬المجلد الرابع‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى‬
‫‪ ،1999‬صفحة ‪.263-262‬‬

‫‪43‬‬
 ‫المبحثَالرابع‪َ:‬الاقتصادَ َ‬
‫اعتمدت الجَزَائ ِر في اقتصادها إلى حدٍ كبير على الزراعة ح ََّتى عام ‪1962‬م‪ ،‬وبشكل عام فإن‬
‫ٍ‬
‫مراع شاسعة‪ ،‬وسهول فسيحة تنتج كميات‬ ‫الجَزَائ ِر يُعر َُف منذ القدم بأنه بلد زراعي‪ ،‬توجد بِه ِ‬

‫هائلة ً من القمح والشعير والصوف والجلود والشموع‪ .‬أما مراعيها فتزخر بأنواع الحيوانات المختلفة‬

‫مثل الأبقار والأغنام والماعز والبغال‪.‬‬

‫حي ْثُ‬
‫وبعد فترة الاحتلال الفَرَنس ِي على مدار قرن ونيف‪ ،‬شهدت الزراعة تراجعا ً ملحوظا ً‪َ ،‬‬

‫قامت سلطات الاحتلال الفَرَنس ِي باغتصاب ملايين الهكتارات من الأراضي الخصبة سواء من‬
‫أملاك الدولة الجَزَائِر َِّية أم من أملاك َّ‬
‫الشعْب الجَزَائِر ِي وتسليمها بالمجان إلى المستعمر ين‬

‫الأوربيين‪ 1،‬ولعدد من الشركات الفلاحية التابعة لمختلف المؤسسات الفَرَنس َِّية‪ ،‬فَك َان َت القبيلة‬
‫أملاكها‪2 .‬‬ ‫َّالتِي تشارك بالتمرد على السلطات الفَرَنس َِّية تُصادر أرضها وجميع‬

‫ك تحول الفلاحون الجزائر يون ‪-‬الَّذ ِي َ‬

‫ن كانوا قبل الاحتلال يمثلون‬ ‫وبفعل عمليات الاغتصاب تِل ْ َ‬

‫الأغلبية الساحقة من السكان‪ -‬إلى مجرد ُّأجَراء موسميين أو إلى أناس عاطلين تماما ً عن العمل‪.‬‬

‫وما كاد يحل الاحتفال بمرور قرن على الاحتلال ح ََّتى فقدت الجَزَائ ِر قدرتها على تحقيق الاكتفاء‬

‫منتج للحبوب ومصدرٍ لَهَا إلى بلد مضطر لاستيراد المواد الغذائية‬
‫ٍ‬ ‫الغذائي الذاتي‪ ،‬وتحولت من‬

‫ك لإن المهاجرين الأوربيين كانوا يجهلون طر يقة الاعتناء‬

‫الضرور ية لتلبية حاجات سكانه‪ ،‬وذَل ِ َ‬

‫‪ 1‬تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في الجَزَائ ِر ‪ 11‬مليون هكتار‪ ،‬أصبح منها ثمانية مليون بيد الجزائر يين الَّذ ِي َ‬
‫ن‬
‫يمثلون تسعة أعشار السكان‪ ،‬وثلاثة ملايين هكتار سيطر عَلَيْهَا حوالي خمسة وعشرين ألف مستعمر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪44‬‬
‫ك‪ ،‬ركزوا مجهوداتهم على‬
‫بالفلاحة‪ ،‬ولم يكونوا يهدفون لغير الثراء بأية طر يقة ك َان َت‪ .‬لأجل ذ َل ِ َ‬
‫البور‪2 .‬‬ ‫زراعة الحوامض والـكروم من أجل الخمور‪ 1،‬وعدم استصلاح الأراضي‬

‫حي ْثُ ك َانَ‬

‫ن تنظيما ً‪َ ،‬‬
‫ل أكثر َ تقدما ً وأحس َ‬
‫حي ْثُ الصناعة‪ ،‬فَقَ ْد ك َان َت قبل الاحتلا ِ‬
‫أما من َ‬

‫الحرفيون في الجَزَائ ِر ي ُجمعون في نقابات حسب التخصص‪ ،‬فتجد النجارين في شارع‪ ،‬والحدادين‬
‫في شارع آخر‪ ،‬والصباغين في شارع‪ ،‬والدباغين‪...‬إلخ وك َان َت ك ُل نقابة ت ُ َّ‬
‫سير من قبل أمين من‬

‫ذوي الخ برة والحكمة وحسن السلوك‪ ،‬وللأمناء مجتمعين مكانة مرموقة لدى الحكومة المركز ية‪،‬‬

‫أما أمين الأمناء‪ ،‬فإنه يحضر الاجتماعات مع السلطات العليا‪ ،‬ويشارك ‪-‬فعليا ً‪ -‬في اتخاذ‬

‫السِيَاس َِّية‪.‬‬ ‫القرارات‪ ،‬سواء منها الاقتصادية أو‬

‫وإلى جانب هَذِه ِ الصناعة التقليدية‪ ،‬ك َان َت الدولة الجَزَائِر َِّية تهتم كثيرا ً بمناجم المعادن المختلفة‪،‬‬

‫ك الح ين‪ ،‬وهما صناعة الأسلحة والذخيرة‬

‫وتولي رعاية خاصة لصناعتين كانتا أساسيتين في ذَل ِ َ‬

‫الحربية‪ ،‬وصناعة السفن‪ 3.‬وبعد الغزو‪ ،‬وبالتدريج‪ُّ ،‬أهملت الصناعة في الجَزَائ ِر‪ ،‬وصارت الجَزَائ ِر‬

‫تستورد ك ُل شيء تقريبا ً‪ ،‬واختفت مصانع الأسلحة والبارود‪ ،‬وورشات البحر ية الخاصة بصناعة‬

‫السفن‪ .‬وبالمقابل تضاعفت كميات المعادن المستخرجة من المناجم برعاية سلطات الاحتلال‪،‬‬

‫ح ََّتى أصبحت سنة ‪ ،1954‬حوالي ستمئة ألف طن من الفوسفات‪ ،‬وثلاثة ملايين وخمسمئة ِ‬
‫ألف‬
‫الفحم‪4.‬‬ ‫ألف طن من‬
‫ن من الحديد‪ ،‬وأربعمئة ِ‬
‫ط ٍ‬

‫‪ 1‬وعلى سبيل المثال فإن السلطات الف َرَنس َِّية اهتمت بزراعة الحوامض على حساب الحبوب‪ ،‬لأن الحوامض ك َان َت‬
‫تدر عليهم أضعاف ما كانوا يجنونه من القمح والشعير‪ .‬ولقد تطور منتوجها من سبعمئة ألف قنطار سنة ‪1931‬م‬
‫ك تحتل المرتبة الثانية في قائمة‬
‫إلى مليونين وستة عشر ألف قنطار سنة ‪1950‬م‪ .‬وأصبحت الحوامض بِذَل ِ َ‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ .‬ولصالح‬
‫الصادرات بعد الخمور َّالتِي ك َان َت تنتج بمعدل ‪ 16‬مليون هكتار سنو يا ً عندما اندلعت َّ‬
‫الـكروم والحوامض قضي في ضواحي منطقة معسكر‪ ،‬على زراعة الأرز وكذلك الأمر في شمال شرقي الجَزَائ ِر‪،‬‬
‫حي ْثُ أهملت زراعة القمح وسائر أنواع الحبوب الغذائية والفول والعدس وغيرها‪.‬‬
‫َ‬
‫‪2‬‬
‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص ‪18‬‬
‫‪3‬‬
‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الج َزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص ‪19‬‬
‫‪4‬‬
‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص ‪20‬‬

‫‪45‬‬
‫وقبل الاحتلال‪ ،‬ك َان َت الجَزَائ ِر تقيم علاقات تجار ية مكثفة مع إفر يقيا جنوب الصحراء‪ ،‬ومع‬
‫ك ك َان َت مخططة ً فَقَ ْد ك َان َت ُّ‬
‫تدر على البلاد‬ ‫البلاد العربية وأورو با الغربية خاصة‪ ،‬ولأن تجارتها تِل ْ َ‬

‫أرباحا ً كثيرة‪ ،‬تستثمر في سائر الميادين‪ .‬ث َُّم جاءت آفة الاستعمار‪ ،‬وما كادت تمر السنوات‬

‫الأولى من الغزو ح ََّتى أصبح ميزان التجارة الخاَرِج َِّية ِ الجَزَائِر َِّية خاسرا ً لأن ك ُل عمليات التصدير‬

‫والتوريد صارت مقصورة على ف َرَنس َا‪.‬‬

‫وفي العشر ية َّالتِي سبقت ثورة نوفمبر سنة ‪ ،1954‬لم يعد في استطاعة أي عاق ٍ‬
‫ل الحديث عن تجارة‬

‫الجَزَائ ِر الخا َرِج َِّية ِ‪ ،‬بل ك ُل ما ه ُنَاك َ عمليات احتكار ية تقوم بِهَا حفنة من المستعمرين‪ ،‬يجمعون‬
‫واحدٍ‪1 .‬‬ ‫ن‬
‫الأرباح لأنفسهم على حساب ف َرَنس َا والجَزَائ ِر في آ ٍ‬

‫ختاما ً لا ينكر أحد أن ف َرَنس َا ق َ ْد حققت في الجَزَائ ِر العديد من المنجزات تتمثل في‪" :‬شبكة الطرقات‬

‫والسكك الحديدية والمطارات والمدن الـكبرى والموانئ‪ ،‬إلى جانب الغاز والـكهرباء والمواصلات‬

‫السلـكية واللاسلـكية والمنشآت الصحية والخدمات الطبية المتعددة"‪ ،‬لـكن ك ُل هَذِه ِ الإنجازات‬
‫الجزائر يين‪2 .‬‬ ‫ل أساسي لخدمة مصالح الأوربيين وليس‬
‫ك َان َت موجهة ً بِش َك ٍ‬

‫‪1‬‬
‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪21‬‬

‫‪46‬‬
 ‫المبحثَالخامس‪َ:‬الثقافةَوالتعليم َ‬
‫ف الفرنسيون ك َُّل ما لديهم من قوة للقضاء على مصادر‬
‫منذ السنوات الأولى من الاحتلال‪ ،‬و ََّظ َ‬

‫الثقافة والدين؛ فهدموا كثيرا ً من المساجد‪ ،‬وحولوا أعدادا ً كبيرة منها إلى كنائس أو ثكنات أو‬

‫مستوصفات وح ََّتى إلى ملاهي‪ .‬كما وجه الاحتلال أنظاره صوب المثقفين الجزائر يين فقت َ‬
‫ل من‬

‫ن من شاء‪ ،‬وظل يطارد و يضطهد ُ ك َُّل من بقي طليقا ً لمنعه‬ ‫قتل ونفى من نفى َّ‬
‫وزج في السجو ِ‬

‫من القيام بواجبه نحو المجتمع‪.‬‬

‫وتقول الإحصائيات قبل اندلاع ثورة نوفمبر ‪ 1954‬إن حوالي ‪ %19‬فقط من الجزائر يين‬

‫متعلمون‪ ،‬و يدخل في هَذِه ِ النسبة المئو ية من يحسن القراءة والكتابة سواء بالعربية أو بالفَرَنس َِّية‪،‬‬

‫وك َان َت جامعة الجَزَائ ِر ‪َّ -‬التِي تعد نظر يا ً من أكبر جامعات ف َرَنس َا‪ -‬تجمع في مدرجاتها حوالي ستة‬

‫آلاف طالب‪ ،‬لم يكن منهم إلا خمسمئة طالب جزائري معظمهم من أبناء الطبقات َّالتِي صنعها‬
‫‪1‬‬
‫الاحتلال لخدمة مصالحه‪.‬‬

‫وفي مجال التعليم الابتدائي‪ ،‬نجد أن الأطفال الفرنسيين ك َان َت تعطى لهم كافة الوسائل الضرور ية‬

‫للتعليم‪ .‬أما الأطفال الجزائر يين‪ ،‬فإن طفلين جزائر يين فقط من جملة حوالي ثلاثين ك َانَ يمكن‬

‫لهما أن يدخلا المدرسة في سنة ‪ .1954‬وتؤكد الإحصاءات بأن حوالي ‪ %7‬فقط من أبناء‬

‫ك نسب الفشل والعجز عن مواصلة الدراسة‬

‫الجَزَائ ِر ك َان َت تتوفر لهم فرصة التعليم‪ ،‬أضف إلى ذَل ِ َ‬

‫نتيجة الفقر‪ ،‬مما دفع الجزائر يين إلى البحث عن بديل لعجز المدارس النظامية عن استقبال ألاف‬

‫الطلبة الجزائر يين فك َانَ لابد من اللجوء إلى المدراس الحرة والكتاتيب َّالتِي وصل عدد الطلاب‬
‫تلميذ‪2 .‬‬ ‫فيها سنة ‪ 1954‬إلى حوالي مئتي ألف‬

‫وفي التعليم الثانوي‪ ،‬فإن عدد التلاميذ الجزائر يين سنة ‪ 1951‬لم يكن يمثل سوى ‪ %11,6‬من‬

‫مجموع المسجلين في الثانو يات‪ .‬وسنة ‪ 1954‬بلغ عدد الثانو يين الجزائر يين ستة آلاف ومئتين وستين‬

‫‪1‬‬
‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص ‪21 - 20‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪،‬ص‪21 - 20‬‬

‫‪47‬‬
‫ك الوقت‬
‫طالب‪ ،‬علما ً بأن عدد السكان الأورو بيين ك َانَ في ذ َل ِ َ‬
‫ٍ‬ ‫طالبا ًمن جملة خمسة ٍ وثلاثين ألف‬
‫للسكان‪1.‬‬ ‫أقل من عُشْرِ العدد الإجمالي‬

‫وفي التعليم العالي‪ ،‬ك َانَ عدد الطلبة الجزائر يين سنة ‪ 1948‬لا يزيد عن ستة ٍ من بين حوالي ستمئة‬

‫ك العدد ليصل إلى خمسمئة ٍ وتسعة ٍ وثمانين طالبا ً من بينهم‬ ‫أورو بي‪ .‬ومع اندلاع َّ‬
‫الثور َة ارتفع ذَل ِ َ‬

‫طالب‪ .‬وفي‬
‫ٍ‬ ‫إحدى وخمسين طالبة ً‪ ،‬أما الطلبة الأورو بيون فَقَ ْد ك َانَ عددهم سبعة َ آلاف وثمانمائة‬

‫ظل هَذِه ِ الظروف‪ ،‬بدأ بقية شباب الجَزَائ ِر الراغبين بالتعليم بالسفر نحو جامعات الزيتونة في تونس‬

‫والقرو يين في المغرب الأقصى والأزهر في مصر ليصل عدد الطلبة الجزائر يين في دول شمال‬
‫طالبا ً‪2 .‬‬ ‫إفر يقيا عام ‪ 1954‬إلى ألف ومئتين وسبعين‬

‫وبالمحصلة نجد أن َّ‬

‫الشعْب الجَزَائِر ِي ق َ ْد عانى وبشدة في ظل الاستعمار الفَرَنس ِي على جميع‬

‫َاعية والاقتصادية والثقافية‪ ،‬وق َ ْد شكلت هَذِه ِ الأزمات َّالتِي شهدها الجَزَائ ِر‪،‬‬
‫المستو يات الاجتِم َّ‬

‫‪.1954‬‬ ‫خاصة في الربع الثاني من القرن العشرين‪ ،‬الأساس الَّذ ِي أدى لاندلاع ثورة نوفمبر سنة‬

‫‪1‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪22‬‬

‫‪48‬‬
 ‫الفصلَالثاني‪َ:‬النضالَماَقبلَثورةَ‪َ 1954‬‬

‫نستعرض في هَذَا الفصل حال الجَزَائ ِر منذ انتهاء العهد العثماني ونزول القوات الفَرَنس َِّية أرض‬

‫البلاد وصولا ً إلى المرحلة َّالتِي سبقت ثورة التحرير عام ‪ ،1954‬وسنذكر ُ في الصفحات القادمة‬

‫أبرز التمردات والانتفاضات الشعبية المسلحة ضد الاحتلال الفَرَنس ِي‪ ،‬بالإضافة إلى الحراك‬

‫الداخِل َِّية َّالتِي أصابت الحركة الوَطَن َِّية الجَزَائِر َِّية‬

‫الثور َة والأزمة َّ‬
‫الإصلاحي والسياسي الَّذ ِي سبق َّ‬

‫قبيل انطلاق الانتفاضة‪.‬‬

‫حَ‬
‫لََالمسل َُ‬
‫المبحثَالأول‪َ:‬النضا ُ‬
‫سقوط السلطة المركز ية في البلاد‪ ،‬ومع غياب القيادة‬
‫ُ‬ ‫نتج عن استسلام حاكم الجَزَائ ِر للفرنسيين‬

‫الجامعة جاءت معظم التمردات فيما بعد بطر يقة فوضو ية غير منسقة‪ ،‬وك َان َت بالعموم ذات طابع‬

‫قبلي أو ديني‪.‬‬

‫ثورةَالأميرَعبدَالقادرَ(‪َ )َ 1847َ–َ1832‬‬

‫ك َانَ "محي الدين الجَزَائِر ِي" شيخ الطر يقة القادر ية في‬

‫الجَزَائ ِر‪ ،‬و بعد تعرض البلاد للاحتلال الفَرَنس ِي في ‪5‬‬

‫الناس إليه ليبايعوه على الجهاد‪،‬‬

‫ُ‬ ‫يوليو‪/‬تموز ‪َّ ،1830‬‬
‫توجه َ‬

‫فاعتذر إليهم بسبب كبر سنه؛ وهو ما جعل ابن َه عبد‬

‫القادر ‪ 1‬يتولى قيادة النضال‪ ،‬وبو يع كقائدٍ للجهاد في‬

‫نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪ ،1832‬ث َُّم بو ي َع كحاك ٍم وإمام لغرب‬

‫البلاد في ولاية معسكر يوم ‪ 4‬فبراير‪/‬شباط ‪.1833‬‬

‫‪1‬‬
‫الأمير عبد القادر الهاشمي‪ :‬هو الابن الثالث لمحي الدين شيخ الطر يقة الصوفية القادر ية في عهده‪ ،‬ولد في ‪23‬‬
‫رجب ‪1222‬هـ الموافق لـ ‪ 26‬سبتمبر‪ ،1807‬في قر ية القيطنة في ولاية معسكر بالغرب الجَزَائِر ِي‪ ،‬وهو كاتب‬
‫وشاعر وفيلسوف وسياسي وفارس‪ ،‬اشتهر بمناهضته للاحتلال الف َرَنس ِي للجزائر خمسة عشر عاما ً متواصلة ح ََّتى ت ََّم‬
‫أسره ونفيه إلى دمشق َّالتِي مات فيها سنة ‪.1883‬‬

‫‪49‬‬
‫قسم َ الأمير ُ مناطق نفوذه إلى ثماني وحدات ومقاطعات هي‪ :‬مليانة‪ ،‬معسكر‪ ،‬تلمسان‪ ،‬الأغواط‪،‬‬

‫المدية‪ ،‬برج بوعريريج‪ ،‬برج حمزة (البويرة)‪ ،‬بسكرة‪ ،‬سطيف‪ .‬كما أنشأ مصانع للأسلحة وبنى‬

‫الحصون والقلاع (مثلا ً في تاقدمت‪ ،‬معسكر‪ ،‬سعيدة)‪.‬‬

‫وق َ ْد شكل الأمير حكومته َّالتِي ك َان َت تتكون من خم ِ‬

‫س وزارات‪ ،‬وجعل مدينة معسكر مقرا ً لَهَا‪،‬‬

‫ونظم ميزانية الدولة وفق مبدأ الزكاة لتغطية نفقات الجهاد‪ .‬كما بدأ الأمير هجوماته الع َسكَر َِّية على‬

‫القوات الفَرَنس َِّية ابتداء ً من ‪ 4‬فيفري‪/‬فبراير ‪ ،1833‬فك َانَ يحاربُ على جبهتين في آن واحد؛‬

‫الجبهة الأولى قاتل فيها القبائل المتمردة‪ ،‬بينما قاتل في الجبهة الثانية الجيش الفَرَنس ِي‪ ،‬فدارت‬

‫الـكثير من المعارك مع الاحتلال تمكن من خلالها عبد القادر من استعادة أغلب المناطق َّالتِي‬
‫سبق احتلالها‪ ،‬وحاصرت قواته الفرنسيين في المدن الساحلية‪ ،‬ومن بين المعارك المشهورة َّالتِي‬
‫العين"‪1.‬‬ ‫خاضها عبد القادر معركة "خنق النطاح الأولى والثانية" ومعركة "برج‬

‫أرغمت نجاحاتُ الأميرِ الع َسكَر َِّية الجيش الفَرَنس ِي في وهران على عقد اتفاق هدنة معه في ‪26‬‬

‫فبراير‪/‬شباط ‪ .1834‬وق َ ْد نصت الاتفاقية على اعتراف ف َرَنس َا بسلطة الأمير على منطقة الغرب‬

‫الجَزَائِر ِي ومنطقة الشلف‪ .‬لـكن الاحتلال لم يلتزم ببنود المعاهدة وخرقها عدة مرات‪ ،‬وبهذا‬

‫تجددت المعارك بين الطرفين‪ ،‬ومنها معركة المقطع سنة ‪1836‬م َّالتِي انتصر فيها الأمير وأجبر مرة ً‬

‫أخرى الفرنسيين في ‪ 30‬مايو‪/‬أيار ‪ 1837‬على المفاوضات معه وإمضاء معاهدة التافنة‪ ،‬وفيها‬
‫اعترفت ف َرَنس َا بسيادته على الناحية الغربية والوسطى من الجَزَائ ِر‪ ،‬وق َ ْد ك َانَ الفرنسيون يرون أنه‬

‫من الضروري مهادنة عبد القادر للتفرغ لقمع ثورة "أحمد باي" َّالتِي ك َان َت مندلعة في نفس الوقت‬
‫الجَزَائ ِر‪2 .‬‬ ‫شرق‬

‫كرر الفرنسيون خرق الهدنة‪ ،‬ونهجوا سياسة الأرض المحروقة باستعمال أساليب وحشية في قتل‬

‫الأطفال والنساء والشيوخ وحرق كلي للمدن والقرى المساندة للأمير‪ ،‬وق َ ْد أدت هَذِه ِ السياسة‬

‫إلى سقوط مدنه ومراكزه الع َسكَر َِّية‪ ،‬وأرغمته على ِ‬

‫شن حرب العصابات بين (‪.)1847-1844‬‬

‫‪1‬‬
‫سارة دواخة ‪ -‬منى بوزعرورة‪ ،‬النهضة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1925 – 1900‬ص ‪10‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪11‬‬

‫‪50‬‬
‫ومع استمرار الضغط الفَرَنس ِي اضطر الأمير إلى اللجوء إلى المغرب مرتين إذ استقبله السلطان في‬

‫ك بسبب تهديد ف َرَنس َا لَه ُ‪.‬‬

‫المرة الأولى‪ ،‬لـكنه منعه في المرة الثانية من الإقامة في المغرب‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫فوجد الأمير نفسه مج برا ً على الاستسلام يوم ‪ 23‬ديسمبر ‪ ،1847‬فقام الفرنسيون بنفيه إلى سجن‬

‫ك فاختار َ الهجرة إلى سور يا مع أسرته‪،‬‬ ‫"أمبواز" لمدة خمس سنوات‪ ،‬ث َُّم ُّأطل ِ َ‬
‫ق سراحه بعد ذَل ِ َ‬
‫‪1883‬م‪1 .‬‬ ‫ليمكث ه ُنَاك َ ح ََّتى وافته المنية عام‬

‫‪1‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪12‬‬

‫‪51‬‬
 ‫ثورةَأحمدَبايَ(‪َ )1848َ–َ1830‬‬

‫في ‪ 18‬جوان ‪ 1830‬ه ُزمت قوات الداي حسين في معركة‬

‫سطاوالي‪ 1‬أمام الفرنسيين‪ ،‬فتوجه أحمد باي‪ 2‬إلى قسنطينة‬

‫حي ْثُ ك َانَ واليا ً عَلَيْهَا‪ ،‬واستطاع تكوين قوة جديدة من‬
‫َ‬

‫الأهالي الرافضين للاحتلال‪ .‬وفي هَذِه ِ الأثناء‪ ،‬ع ُرضت على‬

‫أحمد باي مجموعة من الإغراءات من قبل الفرنسيين علَّه‬

‫يعترف بسيادتهم مقابل الاحتفاظ بمنصبه بايا ً على قسنطينة‪،‬‬

‫‪3‬‬ ‫ك ح ََّتى النهاية‪.‬‬
‫ولـكنه رفض ذَل ِ َ‬

‫مرت المقاومة في إقليم الشرق الجَزَائِر ِي بمرحلتين حاسمتين سنتي ‪ 1836‬و‪:1837‬‬

‫المرحلةَالأولى َ‪َ -‬حملة َ‪ :1836‬تعتبر ُ هَذِه ِ المرحلة من أهم مراحل المقاومة في الشرق الجَزَائِر ِي‬

‫والأكثرِ صعوبة ً على قوات الاحتلال‪ ،‬فبالرغم من احتلال الفرنسيين مدينة عنابة و بجاية منذ‬

‫ل انطلاقا ً من هذين الميناءين‪ .‬وهَذَا ما جعل‬

‫خ ِ‬ ‫‪ ،1830‬إلا أنهم لم يستطيعوا التوسع نحو َّ‬
‫الدا ِ‬

‫الفرنسيين يعزمون على شن حملة ضخمة ضد أحمد باي والقضاء عَلَيْه ِ‪ ،‬وك َانَ قائد هَذِه ِ الحملة هو‬

‫الج نرال كلوز يل في ‪ 21‬جانفي ‪.1836‬‬

‫‪1‬‬
‫نشبت معركة سطاوالي في المنطقة الغربية المتاخمة لمدينة الجَزَائ ِر في سطاوالي‪ ،‬وك َان َت بين الفرنسيين بقيادة‬
‫الج نرال "بيار بيرتيزين" والجزائر يين بتاريخ ‪ 19‬جوان ‪1830‬م وأدت إلى احتلال سطاوالي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد بن محمد الشر يف ابن القبلي‪ :‬تولى أبوه منصب خليفة على عهد الباي حسن‪ ،‬أما جده فهو أحمد القلي‬
‫الَّذ ِي حكم الشرق الجَزَائِر ِي (أكبر مناطق الجَزَائ ِر مساحة وسكاناً‪ ،‬عاصمته قسنطينة) لمدة ‪ 16‬سنة‪ ،‬أما أمه‬
‫فتدعى ال َّ‬
‫حاجة الشر يفة جزائر ية الأصل‪ ،‬من عائلة ابن قانة أحد أكبر مشايخ عرب الصحراء مالا ً وجاهاً‪ ،‬وهو‬
‫كرغلي أي من أب تركي وأم جزائر ية؛ ولد سنة ‪ 1786‬بقسنطينة وعرف بشخصيته القو ية والتزامه الديني‪ .‬عينه‬
‫الداي حسين بايا ً على الشرق في عام ‪ ،1826‬وشهدت قسنطينة استقرارا ً كبيرا ً في عهده ابتداء من توليه منصب‬
‫الباي إلى غاية عام ‪ 1837‬تاريخ سقوط قسنطينة‪ .‬تمكن خلالها من توحيد القبائل الـكبيرة والقو ية في الإقليم‬
‫الشرقي‪ ،‬وأثبت كفاءته الع َسكَر َِّية والسِيَاس َِّية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫سارة دواخة ‪ -‬منى بوزعرورة‪ ،‬النهضة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1925 – 1900‬ص ‪13‬‬

‫‪52‬‬
‫جم َع أحمد ُ قواته وقرر الخروج عن قسنطينة والتمركز في منطقة وادي الكلاب َّالتِي تبعد مسيرة‬

‫حي ْثُ حدث القتال بينهما‪،‬‬

‫نصف يوم عن قسنطينة‪ ،‬فالتقى الطرفان في منطقة تدعى "عقبة" َ‬
‫باي‪1.‬‬ ‫وانتهت المعركة بنصر عظيم لأحمد‬

‫َالمرحلةَالثانية َ‪َ -‬حملة َ‪ :1837‬بعد الفشل الَّذ ِي أصاب الفرنسيين في معركة قسنطينة‪َّ ،‬‬
‫قرروا‬

‫التفاوض مع الأمير عبد القادر ومهادنته‪ .‬وبالفعل حدثت معاهدة صلح بينهما سميت 'معاهدة‬

‫التافنة" في ‪ 30‬ماي‪ ،‬وك َانَ هَذَا الاتفاق من أجل عزل الأمير عما يحدث في الشرق‪ ،‬فقامت‬

‫ك قيامها بحملة ثانية على قسنطينة‪.‬‬

‫ف َرَنس َا بنقل قواتها من الغرب نحو الشرق‪ ،‬وأعلنت بِذَل ِ َ‬

‫وفي شهر أكتوبر ‪1837‬م‪ ،‬بدأ الجيش الفَرَنس ِي حملته الثانية على قسنطينة َّ‬
‫والتِي دامت ثمانية أيام‬
‫بلياليها‪ ،‬وأخيرا ً تمكنت القوات الفَرَنس َِّية من احتلال قسنطينة يوم ‪13‬أكتوبر‪1837‬م‪ :‬لـكن أحمد‬

‫باي لم يقبل الهزيمة بل واصل جهاده؛ وأعاد تنظيم مقاومته من جديد‪ .‬لـكن بالرغم من ك ُل‬

‫مجهوداته‪ ،‬إلا أنه اضطر للاستسلام وطلب الأمان من السلطات الفَرَنس َِّية بعد أن تعرضت معظم‬

‫ك في إطار المفاوضات َّالتِي‬

‫القبائل المؤازرة لَه ُ إلى الحصار الشديد وتدهورت صحته‪ .‬وك َانَ ذ َل ِ َ‬
‫جمعت بين الطرفين َّ‬
‫والتِي انتهت باستسلام الحاج ووضعه تحت الإقامة الج بر ية في الجَزَائ ِر إلى أن‬
‫‪1850‬م‪2 .‬‬ ‫توفي سنة‬

‫‪1‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪14‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪15‬‬

‫‪53‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:) 14‬جبهةَعملياتَأحمدَبايَوعبدَالقادرَفيَأقصىَاتساعها َ‬

‫‪54‬‬
 ‫أبرزَالثوراتَالأخرى‪َ َ.‬‬

‫تُع َُّد ثورة ُ أحمد باي وثورة عبد القادر الجَزَائِر ِي أشهر َ الثورات المسلحة في عهد الاستعمار وأكثرهما‬

‫تنظيما ً‪ ،‬إلا أن هَذَا العهد لم يكن يخلو من انتفاضات أخرى ك َانَ لَهَا الأثر الـكبير في التاريخ‬

‫الجَزَائِر ِي المعاصر‪ .‬ومن أهم هَذِه ِ الثورات‪:‬‬

‫انتفاضةَبومعزةَ‪1846‬م‪َ:‬‬

‫في ‪ 1845‬شهدت منطقة الشلف والظهرة انتفاضة زعيم‬

‫بومعزة المدعو الشر يف محمد بن عبد الله‪ ،‬وق َ ْد عرفت هَذِه ِ‬

‫الانتفاضة بانتفاضة الظهرة‪ ،‬استطاع أن يكبد فيها محمد بن‬

‫عبد الله القوات الفَرَنس َِّية خسائر فادحة‪ ،‬وك َانَ ذَل ِ َ‬
‫ك في‬

‫منطقتي الشلف والونشريس وجبال الظهرة‪ .‬استمرت هَذِه ِ‬

‫الانتفاضة عاما ً كاملا ً‪ ،‬لـكن بسبب القمع الوحشي من‬

‫طرف جيش الاحتلال؛ قرر بومعزة أن يُسَلِم َ نفسه في ‪13‬‬

‫ه ُنَاك َ‪1.‬‬ ‫ماي ‪1847‬م‪ ،‬فن ُف َي إلى ف َرَنس َا ومات‬

‫انتفاضةَالزعاطشةَ‪1949‬م‪:‬‬

‫انطلقت هَذِه ِ الانتفاضة في واحة الزعاطشة بضواحي بسكرة‬

‫الواقعة في الجنوب الجَزَائِر ِي‪ ،‬قادها المجاهد بوز يان‪ 2‬الَّذ ِي ك َانَ‬
‫من قادة عبد القادر الجَزَائِر ِي‪ .‬دامت أربعة َ أشهرٍ أي من ‪16‬‬

‫جو يلية إلى ‪ 26‬نوفمبر ‪ .1849‬اشتهرت لأنها أول ثورة اندلعت‬

‫بعد نهاية مقاومة الأمير عبد القادر الجَزَائِر ِي‪ ،‬وق َ ْد أبادت فيها‬
‫حي ْثُ َّ‬
‫سير َت لهم قوة ً عسكر ية ً‬ ‫ك الواحة‪َ ،‬‬
‫ف َرَنس َا ك ُل سكان تِل ْ َ‬

‫‪1‬‬
‫سارة دواخة ‪ -‬منى بوزعرورة‪ ،‬النهضة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1925 – 1900‬ص ‪15‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد بوز يان أو الشيخ بوز يان هو أحد قادة المقاومات الشعبية الجَزَائِر َِّية ضد الاحتلال الف َرَنس ِي‪ ،‬عينه الأمير‬
‫عبد القادر مسؤولا ً محليا ً على منطقة الزعاطشة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫تتكون من حوالي خمسة آلاف جندي‪ ،‬انطلقت من قسنطينة يوم ‪ 25‬سبتمبر ‪1849‬م‪ ،‬وفرضت‬

‫الحصار على مركز قر ية الزعاطشة‪ ،‬فرفض سكانها الاستسلام‪ .‬وأمام إصرارهم على القتال قامت‬

‫المدفعية الفَرَنس َِّية يوم ‪ 26‬نوفمبر ‪1849‬م بضرب الأسوار المحيطة بقر ية الزعاطشة فهدمت جميع‬

‫ل معظم ُ السكان وسقط على إثرها أكثر من ثمانمئة ِ شهيدٍ من بينهم الشيخ بوز يان‬
‫المنازل وقُت ِ َ‬
‫وابنه‪1.‬‬

‫انتفاضة َُالأغواطَِ‪َ:‬‬
‫َ‬

‫ك َان َت بالجنوب الجَزَائِر ِي بقيادة محمد (الشر يف) بن عبد الله‪ 2.‬حاول الفرنسيون دفع مدينة‬

‫الأغواط إلى الاستسلام وتسليم البلدة طواعية ً‪ ،‬بيد أن ك ُل محاولات التفاوض باءت بالفشل‪،‬‬
‫آلاف‬
‫ِ‬ ‫ك خلال سنتي ‪ 1852‬و‪1854‬م‪ .‬وهَذَا ما جعل الاحتلال يقود ُ جيشا ً تعداده ستة‬
‫وذَل ِ َ‬

‫جندي‪ ،‬لمحاصرة مدينة الأغواط في ‪ 21‬نوفمبر ‪ .1852‬وفي صبيحة يوم ‪ 21‬نوفمبر ‪ ،1852‬شنت‬

‫القوات الفَرَنس َِّية هجوم ًا كبير ًا لاحتلال الأغواط‪ ،‬فاقتحموا المدينة في ‪ 4‬ديسمبر وسيطروا عَلَيْهَا‬
‫الجَزَائ ِر‪3 .‬‬ ‫ل‪ ،‬ليخلفوا وراءهم واحدة من أبشع المجازر الفَرَنس َِّية في‬
‫ل كام ٍ‬
‫بِش َك ٍ‬

‫‪1‬‬
‫العربي منور‪ ،‬تاريخ المقاومة الجَزَائِر َِّية في القرن التاسع عشر‪ ،‬ص ‪200- 199‬‬
‫‪ 2‬محمد (الشر يف) بن عبد الله‪ ،‬ينتمي الى قبيلة أهل روسل قرب " عين تموشنت"‪ .‬بدأ حياته (‪ 1840‬م) معلما ً‬
‫للقرآن في إحدى زوايا تلمسان‪ ،‬ث َُّم اشترك مع الفرنسيين في قتال الأمير عبد القادر‪ ،‬فمنحه الفرنسيون لقب‬
‫"السلطان" وعينوه خليفة على سكان المنطقة الغربية (‪1841‬م)‪ .‬ث َُّم اختلف معهم وتوجه لأداء فر يضة الحج‬
‫(‪1844‬م)‪ .‬وعاد سنة ‪1850‬م ليبدأ َّ‬
‫الثور َة ضد الفرنسيين وأعوانهم‪ ،‬واستمر في جهاده مدة تقرب من أربعين‬
‫عاما ً في الجَزَائ ِر وتونس‪ .‬ومات بالجنوب التونسي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫العربي منور‪ ،‬تاريخ المقاومة الجَزَائِر َِّية في القرن التاسع عشر‪ ،‬ص ‪200‬‬

‫‪56‬‬
 ‫مقاومةَالقبائلَبينَ‪1857َ-1849‬مَ(منطقةَجرجرة)َ‪:‬‬

‫ك َان َت بلاد القبائل مستقلة عن الإدارة الفَرَنس َِّية‪ ،‬بسبب‬

‫انشغال القوات الفَرَنس َِّية بالقضاء على مقاومة الأمير عبد‬

‫القادر في الغرب لجزائري ومقاومة أحمد باي في الشرق‪،‬‬

‫ك ح ََّتى عام ‪ ،1846‬وهي السنة َّالتِي حولت فيها ف َرَنس َا‬

‫وذَل ِ َ‬

‫أنظارها نحو المنطقة الجنوبية‪ ،‬وحاولت إخضاعها عن طر يق‬

‫ك بسبب صعوبة تضاريس المنطقة‪ ،‬وكذلك‬

‫إرسال حملات عسكر ية‪ ،‬لـكنها باءت بالفشل وذَل ِ َ‬

‫بفضل بروز قادة ثور يين أمثال الشر يف بوبغلة‪ 1‬الَّذ ِي ك َانَ في جيش الأمير عبد القادر‬
‫الجَزَائِر ِي‪2 .‬‬

‫أعلن بوبغلة َّ‬

‫الثور َة في ‪ 10‬مارس ‪1851‬م‪ ،‬وانضمت إليه قبائل أخرى ساعدته في إلحاق هزيمة‬

‫بالقوات الفَرَنس َِّية في عدة معارك‪ ،‬قبل أن ينسحب إلى جبال جرجرة بعد حصار القوات الفَرَنس َِّية‬
‫لَه ُ‪ ،‬ودامت ثورته حوالي أربع سنوات إلى أن استشهد عام ‪1854‬م‪ 3.‬واعتبرت ف َرَنس َا أن َّ‬
‫الثور َة‬

‫في بلاد القبائل انتهت بقتل بوبغلة لـكن ظهور حركات جهادية أخرى‬

‫قادها زعماء بلاد القبائل حالت دون تحقيق ف َرَنس َا لمطامعها الاستعمار ية‬

‫على غرار فاطمة نسومر‪َّ 4‬التِي دعت إلى المقاومة‪ ،‬وألحقت بالقوات‬
‫‪1857‬م‪5.‬‬ ‫الفَرَنس َِّية العديد من الخسائر في العتاد والأرواح ح ََّتى سنة‬

‫‪ 1‬ولد عام ‪1810( 1809‬م) بنواحي سعيدة بالغرب الجَزَائ ِر‪ .‬ك َانَ مفجر ثورة شعبية‪ ،‬تحمل لقبه‪ ،‬ضد الاستعمار‬
‫الف َرَنس ِي في منطقة جرجرة منطقة القبائل‪ .‬قاد التمرد‪ ،‬ح ََّتى وفاته ‪ 26‬ديسمبر ‪.1854‬‬
‫‪2‬‬
‫الدكتور سعدالله أبو القاسم‪ ،‬خلاصة تاريخ الجَزَائ ِر المقاومة والتحرير‪ ،‬ص‪51‬‬
‫‪3‬‬
‫يسمينه لعزازي‪ ،‬المقاومات الشعبية في الجَزَائ ِر ‪ ،1871 – 1830‬مقاومة المقراني ‪ 1871‬م نموذجاً‪ ،‬ص ‪34‬‬
‫‪4‬‬
‫ولدت في وِرجة قرب عين الحمام حوالي سنة ‪ ،1830‬وتوفيت في بني سليمان في سبتمبر ‪ ،1863‬من أبرز‬
‫وجوه المقاومة الشعبية الجَزَائِر َِّية في بدايات الغزو الف َرَنس ِي للجزائر‪ .‬من ‪ 1854‬إلى يوليو ‪ ،1857‬ساعدت في قيادة‬
‫مقاومة ضد الفرنسيين‪ .‬بمجرد القبض عَلَيْهَا من قبل القوات الف َرَنس َِّية‪ ،‬سجنت ح ََّتى وفاتها بعد ست سنوات‪ .‬ك َانَ‬
‫ك القدرة على رؤ ية المستقبل وعلاج المرض‪.‬‬
‫أتباعها يعتقدون أن الله ق َ ْد وهبها قوىً ‪ ،‬بما في ذ َل ِ َ‬
‫‪5‬‬
‫يسمينه لعزازي‪ ،‬المقاومات الشعبية في الجَزَائ ِر ‪ ،1871 – 1830‬مقاومة المقراني ‪ 1871‬م نموذجاً‪ ،‬ص ‪36‬‬

‫‪57‬‬
 ‫انتفاضةَقبائلَحمزةَمنَأولادَسيديَالشيخَ َ(‪1908َ–َ1864‬م)‪َ:‬‬

‫اندلعت بالجنوب الوهراني في عام ‪ 1864‬انتفاضة أولاد سيدي الشيخ‪ 1،‬وك َان َت تطالب بالتخلص‬

‫من الظلم الاستعماري‪ .‬ورغم المحاولات الفَرَنس َِّية المتكررة للدخول في مفاوضات مع أولاد‬
‫ل‪ ،‬واستمرت َّ‬
‫الثور َة‬ ‫ل كام ٍ‬
‫سيدي الشيخ لوقف القتال‪ .‬إلا أنها فشلت في إخضاع المنطقة بِش َك ٍ‬
‫الَّذ ِي فجرها من‬ ‫بوعمامة‪2‬‬ ‫ص‪ ،‬إلى أن ظهر القائد‬
‫بنشاط محدودٍ ومتقل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ستَ عشرة َ سنة لـكن‬
‫‪3 .1881‬‬ ‫جديد سنة‬

‫وق َ ْد استمرت الانتفاضة بقيادته ح ََّتى عام ‪ ،1904‬ودامت‬

‫أكثر من ثلاثة وعشرين عاما ً‪ ،‬ح ََّتى أطلق عَلَيْه ِ لقب الأمير‬
‫عبد القادر الثاني‪ .‬لـكن في النهاية استطاع الفرنسيون أن‬

‫يحاصروه‪ ،‬وتغلبوا عَلَيْه ِ بفضل تفوقهم على مستوى السلاح‬

‫«وخاصة المدفعية»‪ ،‬مما جعله يلجأ في نهاية الأمر إلى ضواحي‬

‫وجدة المغربية وه ُنَاك َ وافته المنية في السابع من أكتوبر‬

‫‪1908‬م‪4 .‬‬

‫‪1‬‬
‫نسبة إلى الوالي الشيخ عبد القادر بن محمد بن سليمان بن بوسماحة الَّذ ِي ولد في ‪1533‬م‪ ،‬وتنحدر هَذِه ِ الأسرة‬
‫من سلالة الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه‪ ،‬وق َ ْد سكنت مكة ث َُّم مصر ث َُّم تونس لتستقر بمنطقة الجنوب‬
‫الغربي الجَزَائِر ِي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد بن العربي بن الشيخ بن الحرمة بن إبراهيم؛ والملقب بالشيخ بوعمامة (ولد ‪ 1833‬في فكيك ‪ -‬توفي ‪1908‬‬
‫بالقرب من العيون الشرقية في المغرب)‪ .‬هو شخ صية تار يخية مقاومة‪ ،‬أسس زاو ية صوفية خاصة بِه ِ‪ ،‬واتبعه‬
‫الـكثير من الجزائر يين‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫العربي منور‪ ،‬تاريخ المقاومة الجَزَائِر َِّية في القرن التاسع عشر‪ ،‬ص‪213‬‬
‫‪4‬الموقع الرسمي لوزارة المجاهديــن الجَزَائِر َِّية ‪ -‬المتحف الوطني للمجاهدين‪:‬‬
‫‪http://www.museenat-moudjahid.dz/Pages/lire%20suit%20bouamama.htm‬‬

‫‪58‬‬
 ‫انتفاضةَالمقرانيَ‪1871‬م‪َ َ:‬‬

‫ك َان َت بقيادة الباشا آغا محمد المقراني‪ ،‬وتعتبر ُ من أهم الحركات الوَطَن َِّية بعد حرب الأمير عبد‬

‫القادر‪ ،‬فَقَ ْد اجتاحت مراكز الفرنسيين في شمال شرقي الجَزَائ ِر‬

‫ووصلت إلى أبواب العاصمة‪ ،‬وتمكنت ف َرَنس َا من إيقاف جنود‬

‫المقراني ث َُّم التغلب عليهم في معركة "البويرة" َ‬

‫حي ْثُ استشهد‬

‫المقراني‪ ،‬إلا أن الانتفاضة استمرت بقيادة شقيقه بومزراق ستة َ‬

‫شهور أخرى‪ ،‬لـكنه لم يستطع مجاراة جيوش العدو‪ .‬وبعد انهزامه‬

‫في معركة بالقرب من قلعة بني حماد في ‪ 8‬أكتوبر ‪ 1871‬اتجه‬

‫إلى الصحراء‪ ،‬لـكن الفرنسيين اكتشفوا أمره وألقوا القبض عَلَيْه ِ‪.‬‬

‫‪59‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:) 15‬جبهةَعملياتَانتفاضةَجرجرةَوأولاديَسيديَالشيخَوالمقران َي َ‬

‫مقاومةَواحةَالعامريَ‪1876‬م‪:‬‬

‫ك َان َت هَذِه ِ الانتفاضة بولاية بسكرة سنة ‪ ،1876‬وخرجت ضد العائلات الموالية لفرنسا في جنوب‬

‫البلاد‪ ،‬قادها أحد الزعماء المحليين ويدعى الشيخ يحيى بن محمد من أولاد بوزيد‪ ،‬وق َ ْد استطاع‬

‫أن يوحد صفوف الأهالي و يجندهم ويبدد خلافاتهم الهامشية‪ ،‬وبذلك اندلع التمرد في واحة‬

‫العامري‪.‬‬

‫وعندما علمت سلطات الاحتلال بأمر َّ‬

‫الثور َة‪ ،‬سارعت إلى الواحة بقصد القضاء عَلَيْهَا قبل أن‬

‫ك بزرع الدسائس‬
‫يشتعل لهيبها و يصعب إخمادها‪ ،‬فعملت في بادئ الأمر على سياسة التفرقة وذ َل ِ َ‬

‫والفتـن في أوساط الأهاـلي‪.‬‬

‫وفي صباح يوم ‪ 11‬أفر يل ‪ ،1871‬نشبت معركة حامية الوطيس بين قوات يحيى بن محمد وجيشه‬

‫ل وبين فرقة كبيرة من القوات الفَرَنس َِّية‪ ،‬وبالرغم من مقتل الزعيم يحيى‬
‫المتكون من ألفي مقات ٍ‬
‫بن محمد في اليوم الأول من المعركة‪ ،‬فإن ُّ‬
‫الثوار ق َ ْد واصلوا الـكفاح ح ََّتى النهاية‪ .‬وفي يوم ‪22‬‬

‫أفر يل ‪ 1876‬وصلت نجدات ف َرَنس َِّية من قسنطينة‪ ،‬ووحدات أخرى من بوسعادة يوم ‪ 24‬أفر يل‬
‫ك السنة‪ ،‬وقامت القوات الفَرَنس َِّية بشن هجوم على ُّ‬
‫الثوار يومي ‪ 28 ،27‬أفر يل ‪،1876‬‬ ‫من تِل ْ َ‬

‫ن بقوا على قيد الحياة أن يستسلموا للقوات الفَرَنس َِّية‪ .‬وق َ ْد ارتكبت قوات‬ ‫فاضطر ُّ‬
‫الثوار الَّذِي َ‬

‫الاحتلال َّالتِي دخلت الواحة أبشع صور الانتقام‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫ك بتدمير الواحة وتسليط عقوبات‬
‫ممتلكاتهم‪1.‬‬ ‫وضرائب إضافية على السكان ومصادرة‬

‫‪1‬‬
‫دكتور عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية ‪ ،1962‬ص‪149‬‬

‫‪60‬‬
 ‫مقاومةَالصبايحيةَوالكبلوتيَ(منطقةَسوقَأهراس)‪َ:‬‬

‫يعود اندلاع هَذِه ِ الانتفاضة في بدايتها إلى القرار الَّذ ِي أصدره‬

‫وزير الحربية الفَرَنس ِي بتاريخ ‪ 18‬جانفي ‪ 1871‬القاضي بنقل‬

‫عدد كبير من قوات الصبايحية‪َّ 1‬التِي ك َان َت مجندة في صفوف‬

‫الجيش الفَرَنس ِي إلى أورو با للمشاركة إلى جانب ف َرَنس َا في حربها‬

‫ضد بروسيا مع بداية عام ‪ .1871‬وهو القرار الَّذ ِي لم يقبل بِه ِ‬

‫الصبايحية فثاروا ضده في مناطق الحدود الشرقية وعلى‬

‫أهراس‪2.‬‬ ‫الأخص منطقة سوق‬

‫برز دور محمد الكبلوتي‪ 3‬في هَذِه ِ الانتفاضة َ‬

‫حي ْثُ خاض مع الصبايحية وقبيلته الحنانشة عدة معارك‬

‫ضار ية‪ ،‬لـكن تزايد قوات الاحتلال ومحاولتها القضاء على الانتفاضة دفعت بالكبلوتي ومن معه‬
‫من الصبايحية والحنانشة إلى الفرار واللجوء إلى تونس منتصف شهر فبراير ‪ ،1871‬وه ُنَاك َ َّ‬
‫نظمَ‬

‫صفوف اللاجئين الجزائر يين ليقوم بشن هجمات قو ية على مراكز تواجد الفرنسيين وأعوانهم على‬

‫المناطق الحدودية ما بين القالة شمالا ً وتبسة وسوق أهراس جنوبا ً‪ .‬وعند التحاقه بتونس حاولت‬

‫ف َرَنس َا ملاحقته من خلال ضغطها على الحكومة التونسية‪ ،‬وأمام هَذِه ِ الضغوطات ُّأرغم محمد‬

‫الكبلوتي على مغادرة تونس بحرا ً عام ‪ 1872‬متوجها ً إلى مالطة إلا أنه عاد إليها متخفيا ً‪ ،‬ليغادرها‬
‫حي ْثُ اتصل بالأمير عبد القادر الجَزَائِر ِي الَّذ ِي قدم لَه ُك ُل‬
‫مرة ً أخرى متوجها ً إلى الشام‪َ .‬‬

‫‪1‬‬
‫قوات الصبايحية‪ :‬فرق عسكر ية خيالة أسستها ف َرَنس َا في معسكراتها السابقة وبالخصوص شمال أفر يقيا كجيش‬
‫عميل للمحتل الف َر َنس ِي ‪ ،‬أسسها الج نرال يوسف المملوك وأوكلت مهمة تسييرها إلى شخص فرنسي برتبة عقيد أو‬
‫مقدم‪ ،‬انقلبت لاحقا على الجيش الف َرَنس ِي في الجَزَائ ِر والتجأ كثير من أفرادها إلى تونس‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫دكتور عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية ‪ ،1962‬ص‪146‬‬
‫‪3‬‬
‫هو محمد بن الطاهر بن رزقي الكبلوتي من عائلة رزقي َّالتِي تنتسب إلى قبيلة الحنانشة إحدى القبائل العربية‬
‫الـكبرى المتواجدة قرب الحدود التونسية (سوق أهراس)‪ ،‬وك َانَ عمه رزقي الحنانشي ق َ ْد عينه الحاج أحمد باي‬
‫حاكم الشرق الجَزَائِر ِي شيخا ً على قبائل الحنانشة بدلا ً من الشيخ الحسناوي الَّذ ِي ينتمي إلى نفس القبيلة‪ ،‬وعرف‬
‫عن محمد الكبلوتي أنه ك َانَ ثائرا ً ضد التواجد الاستعماري الف َرَنس ِي منذ الستينات من القرن التاسع عشر‪ ،‬ح ََّتى‬
‫وفاته سنة ‪1884‬م‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫التسهيلات لينتقل بعدها إلى طرابلس الغرب عام ‪1876‬م ومنها دخل إلى تونس متخفيا ً واستقر‬

‫بِهَا إلى غاية القبض عَلَيْه ِ وحبسه في سجن حلق الوادي‪ .‬وعندما اشتد عَلَيْه ِ المرض أدخل مستشفى‬
‫‪1884‬م‪1 .‬‬ ‫الصادقي بتونس في أفر يل ‪1883‬م إلى أن وافته المنية في أبر يل‬

‫الخر يطةَ(‪َ:) 16‬جبهةَعملياتَانتفاضةَواحةَالعامريَوالصبايحيةَوالأوراسَ‪َ .‬‬

‫مقاومةَالأوراسَ‪1879‬م‪:‬‬

‫ك َانَ داف ُع هَذِه ِ الانتفاضة هو محاربة الموالين لفرنسا‪ ،‬وق َ ْد بدأت يوم‬

‫ك حين قام أنصار محمد أمزيان بن عبد الرحمن‬

‫‪ 30‬ماي ‪ 1879‬وذَل ِ َ‬
‫المسمی (محمد بن عبد الله) باغتيال اثنين من قادة العملاء‬

‫الفرنسيين‪ ،‬فتدخلت القوات الفَرَنس َِّية لضرب الثائرين‪ ،‬ونظرا ً لعدم‬

‫تكافؤ القوة‪ ،‬انسحب ُّ‬
‫الثوار وتوجهوا إلى الصحراء ومن ه ُنَاك َ دخلوا‬

‫جنوب تونس‪ .‬لـكن الباي التونسي ألقى عليهم القبض وسلمهم إلى‬

‫السلطات الفَرَنس َِّية َّالتِي أنشأت مجلسا ً عسكر يا ً وحكمت على أربعة عشر من قادة ثورة الأوراس‬

‫بالإعدام وستة ٍ وعشرين بالأشغال الشاقة وستة عشر َ بالبراءة‪ ،‬إلا أن رئيس الجمهور ية الفَرَنس َِّية‬

‫‪1‬‬
‫دكتور عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية ‪ ،1962‬ص‪146‬‬

‫‪62‬‬
‫تدخل في نوفمبر ‪ 1880‬وخفف الأحكام الخاصة بالإعدام إلى الأشغال الشاقة‪ .‬وكعادتها قامت‬
‫بالأوراس‪1 .‬‬ ‫ف َرَنس َا بمصادرة أراضي هَذِه ِ القبائل المتمردة عَلَيْهَا‬

‫انتفاضةَمحمدَبنَتوميَبوشوشةَ(‪1874َ–َ1864‬م)‪:‬‬

‫ك َانَ محمد بن تومي بوشوشة‪ 2‬ممن تعاونوا مع ثوار أولاد سيدي الشيخ‪ ،‬ومن المؤسسين لحركة‬

‫الطوارق بالصحراء الَّذِي َ‬

‫ن قرروا حمل السلاح ضد الاحتلال الفَرَنس ِي‪.‬‬

‫وفي شهر أبر يل من عام ‪ 1870‬هاجم مدينة القليعة‪ ،‬واستولى في ‪ 5‬ماي ‪ 1870‬على مدينة متليلي‬

‫بعد حصارٍ دام عدة أيام‪ .‬وابتداء من هَذَا التاريخ أصبح بوشوشة هو قائد المقاومة الجَزَائِر َِّية في‬

‫حي ْثُ استأنف حرب العصابات ضد القوات الفَرَنس َِّية‪ ،‬وسيطر‬

‫الجبهة الجنوبية بصحراء الجَزَائ ِر‪َ ،‬‬
‫على العديد من المدن منها ورقلة وتوقرت وسط الجَزَائ ِر‪ ،‬وحارب إلى أن وقع في الأسر عام‬
‫بقسنطينة‪3.‬‬ ‫‪ ،1874‬فح ُـــكم عَلَيْه ِ بالإعدام الَّذ ِي نفذ فيه بتاريخ ‪ 29‬جوان ‪ 1875‬بمعسكر الزيتون‬

‫‪1‬‬
‫دكتور عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية ‪ ،1962‬ص‪149‬‬
‫‪ 2‬شارك في ثورة أولاد سيدي الشيخ َّالتِي اندلعت سنة ‪ 1864‬ضد المستعمر الف َرَنس ِي‪ .‬ث َُّم انتقل إلى تونس ث َُّم إلى‬
‫ليبيا لجمع السلاح والمال‪ .‬كما أنه أصبح من أعوان الحركة السنوسية وتأثر بِهَا‪ .‬وفي سنة ‪ 1865‬رجع إلى أرض‬
‫الوطن متجها ً نحو مدينة الأغواط ث َُّم إلى زاو ية كرزاز بحَي ْثُ استقبل بحفاوة ٍ كبيرة‪ ،‬ث َُّم انتقل إلى توات ووثق‬
‫صلته بشيخ رقان وجمع عددا ً من الأنصار والأتباع في سنة ‪.1869‬‬
‫‪3‬‬
‫دكتور عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية ‪ ،1962‬ص‪145‬‬

‫‪63‬‬
 ‫الصحراء َِ(الطوارق)‪َ:‬‬
‫َ‬ ‫مقاومة َُ‬
‫َ‬

‫أبرز قادة هَذِه ِ المقاومة هو الشيخ "آمود أغ المختار" في‬

‫الصحراء الجَزَائِر َِّية‪َ ،‬‬

‫حي ْثُ انطلقت منذ عام ‪،1881‬‬

‫واستمرت إلى غاية ‪ .1923‬لـكن أمام الزحف الـمتواصل‬

‫للجيش الفَرَنس ِي الـمدجج بالأسلحة الحديثة‪ ،‬والإمدادات‬

‫الـكبيرة‪ُّ ،‬أجبِر َ المجاهدون الطوارق بقيادة الشيخ آمود أغ‬

‫المختار على مغادرة الـبلاد إلى منطقة فزان بليبيا في ‪،1923‬‬

‫ليستقروا بِهَا إلى جانب المجاهدين الليبيين‪ ،‬إلى أن استشهد‬

‫قائد المقاومة الشيخ عمر المختار سنة ‪.1928‬‬

‫وفي عام ‪1916‬م اندلعت انتفاضة أخرى للطوارق في الصحراء الـكبرى الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وامتد لهيبها‬

‫إلى مناطق جانیت وتاغيت والهقار ولم َع فيها قادة محليون مثل أحمد سلطان والشيخَعبد السلام‪،‬‬

‫الثور َة انشغال ف َرَنس َا بظروف الحرب الع َالم َ َّيِة الأولى (‪1914‬م ‪1918 -‬م)‬
‫فاستغل قادة هَذِه ِ َّ‬

‫ليعلنوا جهادهم ضد المحتل الفَرَنس ِي‪ ،‬فسلحوا جنودهم بالبنادق والمدفعية َّالتِي انتزعوها من الجنود‬

‫الإيطاليين الَّذِي َ‬
‫ن احتلوا ليبيا عام ‪1912‬م‪ ،‬وخاضوا خلالها العديد من المعارك ضد القوات‬

‫الفَرَنس َِّية َّالتِي تمكنت من الانتصار في النهاية‪.‬‬

‫وفي نفس الوقت الَّذ ِي ك َانَ فيه طوارق جانيت يحاربون العدو ك َان َت َّ‬
‫الثور َة مشتعلة ً في الهقار‪،‬‬

‫الأب دو فوکولد الَّذ ِي ك َانَ يعم ُ‬

‫ل لصالح الجيش الفَرَنس ِي في‬ ‫ِ‬ ‫فقام ثوارها سنة ‪1916‬م بقتل‬

‫الصحراء متسترا ً وراء الأعمال الخ ير ية‪ ،‬وك َانَ مقتله بداية ثورَة ٍ كبيرة ٍ في الهقار دامت إلى غاية‬
‫الطارقي‪1 .‬‬ ‫‪1919‬م تزعمها القائد کاوسن‬

‫‪1‬‬
‫عمورة عمار‪ ،‬موجز في تاريخ الجَزَائ ِر‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ ،2002‬ص ‪ ،160‬دار ر يحانة للنشر‪ ،‬الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫‪64‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:) 17‬جبهةَعملياتَانتفاضةَبوشوشةَومقاومةَالصحرا َء َ‬

‫َ‬

‫‪65‬‬
‫أهمَ ما َيميزََهذِ َه ََِالانتفاضاتَ علَ كثرتهاَ وتفاوتهاَ فيَ الأهميةَ أنهاَ لمَ يكتبََلهَاََالنجاحَ لعدةَ‬

‫أسباب‪َ 1:‬‬

‫أولا ً‪ -‬ليست ه ُنَاك َ تعبئة وطنية‪ ،‬أو تنظيم وطني أو إقليمي‪ ،‬فَقَ ْد ك َان َت القبيلة أو القبائل المتجاورة‬

‫ل عفوي بمجرد أن تلحقها إهانة من طرف وحدات الجيش الفَرَنس ِي أو من طرف‬

‫تثور ُ بِش َك ٍ‬
‫الحاكم بالمنطقة‪.‬‬

‫ثانيا ً‪ -‬الانتفاضات في غالب الأحيان استجابة تلقائية للدعوة َّالتِي يوجهها علماء الدين أو زعماء‬

‫القبائل إلى الجهاد‪ ،‬ولا تعلم الجماهير أسباب الانتفاضات ولا أهدافها‪ ،‬وإنما استجابت ثقة منها‬

‫في علمائها وزعمائها‪ ،‬ورغبة ً منها في الجهاد‪ ،‬أي أن معظم هَذِه ِ الانتفاضات ك َان َت تنتهي بمقتل‬

‫الرمز أو باستسلامه‪.‬‬

‫ثالثا ً‪ -‬ضيق الرقعة َّالتِي تقع فيها الانتفاضة‪ ،‬مما يسهل مهمة الجيش الفَرَنس ِي في مواجهة الانتفاضة‪،‬‬

‫وتطو يقها‪.‬‬

‫رابعا ً‪ -‬الارتجال أو التلقائية في تفجير الانتفاضة لا تتيح لقادة المقاومة الاستعداد الكافي‪ ،‬والتنظيم‬

‫المحكم‪.‬‬

‫خامسا ً‪ -‬انعدام التنسيق بين القبائل الثائرة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد الطيب‪ ،‬مظاهر المقاومة الجَزَائِر ِي‪ ،‬ص ‪66-56‬‬

‫‪66‬‬
 ‫الجدولَ()‪َ:‬أهمَحركاتَالنضالَالمسلحَضدَالاحتلالَالفرنس ِيَفيَالجزائ ِرَ‪َ .‬‬

‫‪67‬‬
 ‫المبحثَالثاني‪َ:‬النضالَالسلمي َ‬
‫يمكن القول إن هَذَا النوع من النضال ق َ ْد انطلق منذ بداية الاحتلال سنة ‪ ،1830‬تزامنا ً مع‬

‫النضال المسلح‪ ،‬لـكنه لم يكن غالبا ً على الحراك الجَزَائِر ِي لأن النشاط العسكري ك َانَ هو الرائج‬

‫في البداية‪ .‬لـكن فشل النشاط المسلح في التحرر من الاحتلال الفَرَنس ِي؛ قاد َ الـكثير َ من النخب‬
‫نحو مراجعة الأساليب والنشاطات التحرر ية‪ ،‬ولعل الخسائر الفادحة َّالتِي لحقت ب َّ‬
‫الشعْب‬

‫الجَزَائِر ِي بسبب قمع القوات الفَرَنس َِّية للثورات المسلحة؛ جعل العديد من الرموز الجَزَائِر َِّية تفكر‬

‫ك لتقليل الخسائر بقدر المستطاع‪ ،‬وتحصيل‬

‫في استخدام النشاطات السلمية بدلا ً من العنيفة‪ ،‬وذَل ِ َ‬

‫ك في ازدهار‬
‫أكبر قدر من المكاسب في ظل الحكم الفَرَنس ِي‪ ،‬وتجلت هَذِه ِ الأنشطة بعد ذ َل ِ َ‬

‫الجمعيات الإنسانية والأحزاب السِيَاس َِّية والنوادي الفكر ية‪...‬إلخ‬

‫ك أمرا ً‬
‫ورغم قبول معظم رموز هَذَا النضال بالاحتلال الفَرَنس ِي ظاهراً‪ ،‬إلا أنهم اعتبروا ذ َل ِ َ‬

‫واقعا ً لا مفر منه‪ ،‬وك َانَ هدفهم الحقيقي هو التأقلم مع هَذَا الواقع‪ ،‬والحفاظ على ما تبقى من‬
‫هو ية َّ‬
‫الشعْب الجَزَائِر ِي‪ ،‬وتهيئة الظروف بقدر المستطاع للأجيال اللاحقة‪ .‬ولهذا اعتبرنا نشاطهم‬

‫ل أساسي نحو التحرر‪ ،‬تماما ً كما ك َان َت تهدف الثورات‬

‫يهدف بِش َك ٍ‬
‫ُ‬ ‫جزءا ً من النضال لأنه ك َانَ‬

‫المسلحة‪ .‬والحقيقة أنه لولا تضحيات هؤلاء ولولا تضحيات من سبقهم من المجاهدين لما ك َانَ‬

‫ل طو يل‬
‫ك من حر ية هو نتيجة وثمرة نضا ٍ‬
‫ه ُنَاك َ استقلال سنة ‪ ،1962‬إن ما حدث بعد ذَل ِ َ‬

‫حد سواء‪.‬‬
‫وقديم‪ ،‬نضال عسكري وسلمي على ٍ‬

‫يمكنَالحديثَعنَتطورَالنشاطَالسلميَوالسياسيَفيَالجزائ َِرَقبلَثورةَ‪َ1954‬فيَالمباحثَالتالية‪َ َ:‬‬

‫المبحثَالأول‪َ:‬الحركاتَالإصلاحية‪َ .‬‬ ‫•‬

‫المبحثَالثاني‪َ:‬بدايةَظهورَالحركاتَالسِياسِيةَ‪َ .‬‬ ‫•‬

‫المبحثَالثالث‪َ:‬ازدهارَالحراكَالسياسيَبعدَالحربَالعالميِةَالأولى‪.‬‬ ‫•‬

‫المبحثَالرابع‪َ:‬الحركاتَالوطن ِيةَقبيلَاندلاعَثورةَ‪َ َ.1954‬‬ ‫•‬

‫‪68‬‬
 ‫المطلبَالأول‪َ:‬الحركاتَالإصلاحيةَ َ‬

‫بعد العقبات َّالتِي واجهت المقاومة التقليدية‪ ،‬انتقلت الـكثير ُ من النخب الوَطَن َِّية خصوصا ً في‬

‫ص ما يسمى الحركات‬
‫ل خ َا ٍ‬
‫المناطق الحضر ية إلى التركيز على الممارسة السلمية‪ََ،‬وبرز بِش َك ٍ‬
‫تهدف إلى نشر العلم والثقافة وتوعية الشعب‪َّ ،‬‬
‫والتِي تمثلت في الجمعيات والنوادي‬ ‫ُ‬ ‫الإصلاحية َّالتِي‬
‫الاجتِم َّ‬
‫َاعية والثقافية بالإضافة إلى الطرق الصوفية‪.‬‬

‫يمكنَالإشارةَإلىَأهمَهذِ َه َِالتنظيمات‪َ،‬كماَيلي‪َ :‬‬

‫الطرقَالصوفية‪ :‬لعبت دورا ً مهما ً في الحفاظ على الهو ية الثقافية للمجتمع الجَزَائِر ِي وتحصينه َّ‬
‫ضد‬

‫الغزو الفكري الفَرَنس ِي أثناء احتلال البلاد‪ .‬وك َانَ أهم ما قامت بِه ِ الزوايا الصوفية هو تعزيز‬

‫التمسك بالقرآن الـكريم بين أفراد الشعب وتحفيظه لأبناء المسلمين كتابة ً وتلاوة ً‪ ،‬وق َ ْد لعبت دورا ً‬
‫بارزا ً في المقاومة‪ ،‬وك َان َت هي المصدر الرئيسي الَّذ ِي مون َّ‬
‫الثور َة بالمجاهدين‪ .‬والزوايا على اختلاف‬

‫تصب في وعاءٍ واحدٍ وهو ال ُ‬

‫حفاظ على‬ ‫ُّ‬ ‫طرقها من الرحمانية إلى التيجانية إلى القادر ية كلها ك َان َت‬
‫فكر ية‪1.‬‬ ‫الهو ية الإسلامية للأمة‪ ،‬بالرغم مما ك َانَ ُّ‬
‫يمر ب ِبعضها من انحرافات‬

‫الجمعيةَالراشدية‪ :‬تأسست سنة ‪ 1894‬على يد مجموعة من الشباب الجَزَائ ِر ِي خر يجي المدارس‬

‫الفَرَنس َِّية الجَزَائِر َِّية وبتأييد من بعض الفرنسيين المتعاطفين مع الجزائر يين‪ .‬استطاعت أن تنشئ‬

‫ك انتشارا ً واسعاً‪ .‬ك َانَ هدف هَذِه ِ الجمعية متمثلا ً في مساعدة‬

‫ق بِذَل ِ َ‬
‫فروعا ً لَهَا عبر أنحاء الجَزَائ ِر وتحق َ‬

‫الشباب الجَزَائِر ِي على العمل والإبداع واكتساب العلوم الحديثة‪ .‬كما اهتمت بالناحية‬
‫الاجتِم َّ‬
‫َاعية‪ ،‬فعملت على مساعدة الفقراء والمعوزين‪ ،‬وك َان َت الجمعية مهتمة بالعلوم المعاصرة‪،‬‬

‫ك من خلال مواضيع محاضراتها (أدب‪ ،‬قانون‪ ،‬سياسة‪ .)...‬ومن بين الوسائل َّالتِي‬
‫و یظهر ُ ذَل ِ َ‬

‫ارتكزت عَلَيْه َا لتبليغ رسالتها‪ ،‬إلقاء المحاضرات لتوعية الشعب ونشر الثقافة الإسلامية للحفاظ على‬
‫الإسلامية‪2.‬‬ ‫الشخصية العربية‬

‫‪1‬‬
‫أبو القاسم سعد الله‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر الثقافي‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬ص ‪.174‬‬
‫‪2‬‬
‫سارة دواخة ‪ -‬منى بوزعرورة‪ ،‬النهضة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1925 – 1900‬ص ‪65‬‬

‫‪69‬‬
‫الجمعيةَالتوفيقية‪ُّ :‬أنشئت عام ‪1908‬م‪ ،‬ث َُّم أعيدَ تنظيمها سنة ‪ .1911‬استطاعت هَذِه ِ الجمعية أن‬

‫تستقطب عددا ً كبيرا ً من الأعضاء‪ ،‬وق َ ْد ك َانَ هدفها متمثلا ً في جمع الجزائر يين الَّذِي َ‬
‫ن يرغبون في‬

‫تثقيف أنفسهم‪ ،‬وتطوير أفكارهم‪ ،‬كما جاء في قانونها الابتعاد عن السِيَاس َِّية وعدم الخوض في‬

‫الأمور السِيَاس َِّية‪َ 1.‬‬

‫النواديَالثقافية‪ :‬بدأ ظهورها منذ منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬واتسع نشاطها العملي إلى مطلع‬

‫القرن العشرين ومن أشهر هَذِه ِ النوادي‪َ :‬ناديَصالحَباي الَّذ ِي تأسس بقسنطينة عام ‪،1907‬‬

‫وك َانَ هدفه تربية ُ الشعب تربية ً فكر ية ً وتشجيع الهوايات الأدبية والعلمية ونشر التعليم‪ ،‬والمساعدة‬

‫على تحرير الجماهير‪ .‬ث َُّم توالى تأسيس النوادي في مختلف أنحاء الوطن‪ ،‬مثل نادي الترقي ‪،1927‬‬
‫نادي الشباب الجَزَائِر ِي في تلمسان‪ ،‬نادي «الإقبال» بجيجل… إلخ‪ .‬وك َان َت هَذِه ِ النوادي تهدف‬

‫حث المواطنين على التأمل والتفكير في أسباب التخلف‪ ،‬ث َُّم البحث عن سبيل الرقي باقتباس‬
‫ِ‬ ‫إلى‬
‫نفسها‪2 .‬‬ ‫العلوم العصر ية َّالتِي ك َان َت السبب في نهضة أوروبا‬

‫تنشط خلال الفترة َّالتِي سبقت‬

‫ُ‬ ‫من الملاحظ على النوادي والجمعيات الثقافية الجَزَائِر َِّية َّالتِي ك َان َت‬

‫اندلاع الحرب الع َالم َ َّيِة الثانية أنها عانت من عدة عقبات‪ ،‬في مقدمتها افتقار الموارد المالية وشدة‬

‫الرقابة ومضايقة الاحتلال‪ ،‬لا سيما النوادي َّالتِي ك َانَ يرتادها المواطنون الجزائر يون‪ ،‬إضافة إلى‬

‫صراع فكري خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي بين دعاة الاندماج (دمج‬ ‫ٍ‬ ‫اندلاع‬
‫الجزائر يين في الهو ية الفَرَنس َِّية) ودعاة الاستقلال‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن إدارة الاحتلال ق َ ْد‬

‫أدركت التأثير الَّذ ِي أحدثته النوادي الثقافية فدفعت إلى اتخاذ إجراءات قمعية ضدها ح ََّتى لا‬
‫ل إيقاف ك ُل النوادي‬
‫يستفيد منها الشباب الجَزَائِر ِي‪ ،‬وأصدرت سلطة الاحتلال قانونا ً عاما ً يشم ُ‬

‫الداخِل َِّية الفَرَنس ِي‪ ،‬ث َُّم اشتدت الرقابة‬

‫دون استثناء في ‪ 20‬جانفي ‪1938‬م من طرف وزير َّ‬

‫الاستعمار ية عَلَيْهَا أكثر َ عشية اندلاع الحرب الع َالم َ َّيِة الثانية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪65‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪69‬‬

‫‪70‬‬
‫ك فإن النوادي عادت للظهور من جديد في الساحة الجَزَائِر َِّية بمجرد انتهاء‬
‫وعلى الرغم من ذَل ِ َ‬

‫الحرب الع َالم َ َّيِة الثانية مثل نادي "عبد الحميد بن باديس ‪ "1947‬الَّذ ِي تأسس بمدينة قسنطينة سنة‬
‫‪1950‬م‪1 .‬‬ ‫‪1947‬م ونادي شباب المغير ‪1947‬م ونادي ندرومة الثقافي‬

‫الصحافة‪ :‬مع بدایة القرن العشرين ظهرت بوادر الإنتاج الصحفي الجَزَائِر ِي وأصبحت تنافس‬

‫الإعلام الاستعماري‪ ،‬فَك َان َت الصحافة من أهم أدوات التأثیر في الرأي العام الوطني وتوجیهه‪،‬‬

‫ك توجهت بعض الصحف الجَزَائِر َِّية‬

‫الصحف الجَزَائِر َِّية من التعمير طو يلا ً‪ ،‬لِذَل ِ َ‬
‫ُ‬ ‫لـكن لم تتمكن‬

‫الناشئة إلى مهادنة الاستعمار لضمان استمراريتها‪ ،‬مثل جريدة الصباح َّالتِي ك َان َت تدعو للتعايش‬

‫بین الجزائر یین والمستعمرين‪.‬‬

‫ومن بین الصحف المهمة َّالتِي لعبت دورا ً بارزا ً في التوعية‪ :‬صحيفة الجَزَائ ِر ‪1908‬م‪ ،‬صحيفة المغرب‬

‫الناطقة باللغتين العربية والفَرَنس َِّية‪ ،‬المصباح (‪1905 -1904‬م)‪ ،‬الإسلام (‪1914 -1910‬م)‪،‬‬

‫الإصلاحية ‪1913‬م‪...‬إلخ وق َ ْد شكلت مقالات هَذِه ِ الصحف فیما بعد أدوات الدعاية الأساسية‬

‫للأحزاب الوَطَن َِّية‪َ 2.‬‬

‫َ‬

‫‪1‬‬
‫سميرة لمقدم‪ ،‬هادية حماد‪ ،‬النوادي الثقافية بالجَزَائ ِر في النصف الأول من القرن العشرين ‪،1947 -1901‬‬
‫رسالة ماجستير جامعة الشهيد محه لخضر ‪ -‬الجَزَائ ِر ‪-‬كلية العلوم الاجتِم َّ‬
‫َاعية والإنسانية ‪ -‬ص ‪98‬‬
‫‪2‬‬
‫شرفي عبد الجليل‪ ،‬حاف الله العطرة‪ ،‬تطور المطلب الاستقلالي في نضال الحركة الوَطَن َِّية‪ ،‬ص ‪9‬‬

‫‪71‬‬
 ‫جمعيةَالعلماءَالمسلمينَ‪ :‬تأسست هَذِه ِ الجمعية سنة ‪1931‬م‪،‬‬

‫وانتخبت ابن باديس‪ 1‬رئيسا ً لَهَا‪ ،‬كما نصت في قانونها الأساسي‬

‫على امتناعها عن أي ممارسة سياسية‪.‬‬

‫ك َانَ اهتمام الجمعية منصبا ًعلى الإصلاح الديني والثقافي‪ ،‬وق َ ْد‬

‫ناصبتها سلطات الاحتلال العداء في محاولة للقضاء علیها‪،‬‬

‫لـكن رسوخها شعبيا ً ساندها في الاستمرار رغم الضغوط‪.‬‬

‫منها‪2:‬‬ ‫و يمكن تلخيص أهداف الجمعية بعدة بنود‬

‫‪ .1‬الدفاع عن ثوابت الأمة والابتعاد عن المشاكل السِيَاس َِّية وتصحيح العقيدة من البدع‬

‫والخرافات‪.‬‬
‫‪ .2‬نشر الدعوة الإسلامية وتطهير أفكار الناس من الخرافات وتأسيس كيان جزائري قوامه‬

‫الإسلام واللغة العربيةَ‪.‬‬

‫‪ .3‬إنشاء النوادي والجمعيات الثقافية والمدارس الحرة‪.‬‬

‫‪ .4‬المحافظة على الشخصية الجَزَائِر َِّية َّالتِي أصبحت مهددة من قبل الاحتلال ودعاة التجنيس‬

‫والاندماج الَّذِي َ‬
‫ن يريدون إلحاق الجَزَائ ِر بفَرَنسا‪.‬‬

‫وأنشأت الجمعية عددا ً من الصحف لنشر مبادئها ومتابعة أوضاع البلاد خلال الفترة َّالتِي تلت‬
‫ك الصحف جريدة ُّ‬
‫السنة النبو ية‪ ،‬وجريدة الشر يعة المحمدية‪ ،‬وجريدة‬ ‫تأسيسها‪ ،‬ومن بين تِل ْ َ‬

‫السوي‪ ،‬ث َُّم جريدة البصائر َّالتِي لا تزال تصدر ح ََّتى اليوم‪.‬‬
‫الصراط َّ‬

‫‪1‬‬
‫الإمام عبد الحميد بن باديس (‪ 1358-1307‬هجر ية) الموافق لـ (‪ 4‬ديسمبر ‪ 16 - 1889‬أبر يل ‪ )1940‬من‬
‫رجال الإصلاح في الوطن العربي ورائد النهضة الإسلامية في الجَزَائ ِر‪ ،‬ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائر يين‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أبو القاسم سعد الله‪ ،‬الحركة الوَطَن َِّية الجَزَائِر َِّية (‪ )1930 -1900‬الجزء الثاني‪ ،‬ص ‪395-396‬‬

‫‪72‬‬
 ‫حركاتَالسِياسِيةَ ِ َ‬
‫َِ‬ ‫بداية َُظهورَِال‬
‫المطلبَالثاني‪َ َ:‬‬

‫نشأت الحركة الوَطَن َِّية فعليا ً مع بداية الاحتلال الفَرَنس ِي‪ ،‬فَك َان َت "لجنة المغاربة" أو َ‬
‫ل حزب سياسي‬

‫ينظمه الجزائر يون في الخامس من جو يلية ‪ 1830‬بعد الاحتلال مباشرة‪ ،‬وق َ ْد قام بتنظيم هَذَا‬
‫الحزب المفكر السياسي «حمدان بن عثمان خوجة»‪ 1‬وك َانَ ُّ‬
‫يضم أعيانَ‬

‫وتجار وعلماء مدينة الجَزَائ ِر العاصمة‪ ،‬فأعلنوا المعارضة المفتوحة برفع‬

‫الشكاوى والعرائض إلى السلطات الفَرَنس َِّية في الجَزَائ ِر وفرنسا‪ ،‬وإلى‬

‫الرأي العام العالمي المناهض للحركة الاستعمار ية‪ ،‬وطالبوا بأن «يحكم‬

‫الشعْب الجَزَائِر ِي نفسه بنفسه» و«إعادة القومية الجَزَائِر َِّية من جديد‬

‫َّ‬
‫وإقامة حكومة حرة‪ ،‬وإقامة دستور يوافق عادات وتقاليد َّ‬
‫الشعْب‬
‫‪2‬‬
‫الجَزَائِر ِي‪ .‬وق َ ْد انتهى نشاط الحزب بعد طرد خوجة إلى باريس‪.‬‬

‫وخلال السنوات التالية ظهرت العديد من الأحزاب والكتل السِيَاس َِّية َّالتِي تأثرت بنشاط لجنة‬

‫المغاربة‪ ،‬فت ََّم تأسيس "كتلة المحافظين" عام ‪ ،1900‬وك َان َت تشمل العديد من المثقفين وعلماء الدين‬

‫‪1‬‬
‫ينتمي حمدان خوجة إلى عائلة جزائر ية عريقة في العاصمة‪ ،‬ك َانَ والده عثمان فقيها ً وإدار ياً‪ ،‬ويشغل منصب‬
‫الأمين العام للإيالة‪ ،‬يشرف على حسابات الميزانية وعلى السجلات َّالتِي تشمل أسماء ورتب ورواتب الإنكشار ية‪.‬‬
‫أما خاله الحاج محمد فك َانَ أمينا ً للسكة "مسؤول المالية" قبل الاحتلال الف َرَنس ِي‪.‬‬
‫ولد حمدان سنة ‪ ،1773‬حفظ القرآن وبعض العلوم الدينية على يد والده‪ ،‬ث َُّم تلقى علم الأصول والفلسفة وعلوم‬
‫عصره‪ .‬بعد وفاة والده شغل مكانه كمدرس للعلوم الدينية لمدة قصيرة ث َُّم مارس التجارة مع خاله ونجح فيها‪،‬‬
‫حي ْثُ أصبح من أغنياء الجَزَائ ِر‪ ،‬مما فتح لَه ُ المجال للقيام بعدة رحلات إلى أوروبا‪ ،‬وبلاد المشرق وإسطنبول‪،‬‬
‫َ‬
‫واستطاع تعلم عدة لغات كالفرنسية والإنجليز ية‪ .‬وأثناء الحملة الع َسكَر َِّية الف َرَنس َِّية على الجَزَائ ِر ساهم بك ِ‬
‫ُل ما لديه‬
‫للدفاع عن مدينة الجَزَائ ِر‪ .‬بعد الاحتلال الف َرَنس ِي اشتغل كعضو في بلدية الجَزَائ ِر وفيها حاول الحفاظ على ما‬
‫تبقى للجزائر يين من ممتلكات‪.‬‬
‫ل قوي ليبين عيوب الاستعمار‪ ،‬ولما رأى أن جنرالات ف َرَنس َا مصرون على المضي‬
‫ظل حمدان خوجة يناضل بِش َك ٍ‬
‫في مشروعهم الاستعماري رحل إلى ف َرَنس َا في ‪ ،1833‬وواصل ه ُنَاك َ جهوده للدفاع عن الجَزَائ ِر من خلال‬
‫الاتصال بالشخصيات الف َرَنس َِّية َّالتِي ظن أنها يمكن أن تدعم قضيته‪ ،‬لـكنه في النهاية رأى أن ذَل ِ َ‬
‫ك غير مجد فغادر‬
‫باريس نحو إسطنبول في ‪ 1836‬وتوفي ه ُنَاك َ ما بين ‪.1845-1840‬‬
‫‪2‬‬
‫قادري إيمان ‪ -‬عثامنية أسماء‪ ،‬التطورات السِيَاس َِّية في الجَزَائ ِر ما بين ‪1954 -1945‬م‪ ،‬ص‪9‬‬

‫‪73‬‬
‫وشيوخ الطرق الصوفية‪ ،‬وبعض الأعيان وبعض المعلمين والصحفيين‪ ،‬وكانوا يؤمنون بالأممية‬

‫الإسلامية‪ ،‬و يعادون فكرة التجنيس والخدمة الع َسكَر َِّية تحت العلم الفَرَنس ِي‪ ،‬ولذلك سمو‬

‫بالمحافظين‪ ،‬لأن أهدافهم بالعموم ك َان َت تتمثل في الإبقاء على النظم الإسلامية‪ ،‬والتعليم العربي‪،‬‬
‫القديمة‪1.‬‬ ‫والقيم‬

‫كردة فعل على دعوة المحافظين‪ ،‬تكونت "جماعة النخبة" سنة ‪ 1907‬من العديد من المثقفين‬

‫المتحدثين باللغتين العربية والفَرَنس َِّية‪ ،‬فك َانَ منهم المترجمون والمحامون والأطباء والمعلمون والصيادلة‬

‫والقضاة والصحفيون وبعض التجار والطلبة‪ .‬وك َان َت هَذِه ِ الجماعة على نقيض سياسي واجتماعي‬

‫حي ْثُ تبنت جماعتهم أفكار الغرب‪ ،‬ووسائل عيشه‪ ،‬وطر يقته‬
‫في أغلب المواقف مع المحافظين‪َ ،‬‬
‫في العمل‪ ،‬وثقافته وتعليمه‪ ،‬وأرادوا أن يحولوا المجتمع الجَزَائِر ِي إلى مجتمع أوروبي‪ ،‬وركزت‬

‫مطالبهم على المساواة في الحقوق السِيَاس َِّية بين الجزائر يين والفرنسيين‪ ،‬مع إلغاء قانون الأهالي‬

‫العنصري‪ ،‬والمطالبة بالتمثيل النيابي الكامل للجزائر يين‪ ،‬وك َان َت هَذِه ِ الجماعة تهدف إلى دمج الجَزَائ ِر‬
‫الجزائر يين‪2 .‬‬ ‫مع ف َرَنس َا لـكنها لم تنل التأييد الشعبي من‬

‫في هَذِه ِ الأجواء من التناقض والتوتر السياسي بين المحافظين والنخبة‪ ،‬ظهرت حركة جديدة لعلها‬

‫أرادت أن تكون في الوسط بين الجماعتين‪ ،‬وهي حركة الشباب الجزائر يين (حزب الفتاة) َّالتِي‬

‫تأسست عام ‪ 1912‬على يد مجموعة من الشباب الجَزَائِر ِي‪ ،‬ذوي التكوين الثقافي الفَرَنس ِي‪ ،‬وك َانَ‬
‫من أوجهها البارزين الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر الجَزَائِر ِي‪ ،‬وأنشأت النوادي والجمعيات‬

‫والصحافة لنشر الأفكار الإصلاحية وبث القيم الوَطَن َِّية والسِيَاس َِّية‪ ،‬وك َان َت تهدف إلى تحرير البلاد‬
‫بطرق سياسية وتمثلت مطالبهم الإصلاحية في حق المشاركة في الانتخابات‪ ،‬والمساواة في تقلد‬

‫المناصب المدنية‪ ،‬ث َُّم انشق الحزب إلى جماعتين بعد عام ‪ 1919‬وهما الحركة الإصلاحية بقيادة‬
‫التهامي»‪3 .‬‬ ‫الأمير خالد والحزب الليبرالي الَّذ ِي ترأسه «الدكتور ابن‬

‫‪1‬‬
‫قادري إيمان ‪ -‬عثامنية أسماء‪ ،‬التطورات السِيَاس َِّية في الجَزَائ ِر ما بين ‪1954 -1945‬م‪ ،‬ص‪9‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪9‬‬
‫‪3‬‬
‫أبو القاسم سعد الله‪ ،‬الحركة الوَطَن َِّية الجَزَائِر َِّية (‪ )1930 -1900‬الجزء الثاني‪ ،‬ص ‪94‬‬

‫‪74‬‬
 ‫المطلبَالثالث‪َ:‬ازدهارَالحراكَالسياسيَبعدَالحربَالعالميِةَالأولىَ َ‬

‫مع نهاية الحرب الع َالم َ َّيِة ال أولى‪ ،‬تبلور النشاط السياسي الوطني في عدة توجهات‪ ،‬ولعل هَذِه ِ‬

‫التيارات ك َان َت نتيجة طبيعية للأفكار السِيَاس َِّية الأولى َّالتِي ظهرت مع لجنة المغاربة والمحافظين‬

‫والنخبة وحزب الفتاة‪ ،‬وق َ ْد تبلور الحراك السياسي فيما بعد في عدة تيارات أساسية‪ ،‬طالب‬

‫بعضها بالمساوات بين الأوروبيين والجزائر يين‪ ،‬بينما ذهب بعضهم الآخر إلى المناداة بالاستقلال‬

‫المطلق‪.‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)5‬التياراتَالفكر يةَفيَالجزائ ِرَمنذَالاحتلالَحتىَ‪َ 1919‬‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫‪75‬‬
 ‫تيارَالمساواةَبينَالجزائر يينَوالأوروبيين‪َ :‬‬

‫مثلت هَذَا التيار الحركة الإصلاحية السِيَاس َِّية َّالتِي تأسست سنة ‪1919‬‬

‫بقيادة الأمير خالد‪ 1،‬وضمت في تركيبتها إقطاعيين جزائر يين وأعضاء‬

‫الفئة الوسطى المثقفة والمحامين والأطباء‪ ،‬وبعض الموظفين في الإدارة‬

‫الفَرَنس َِّية المتمسكين بالهو ية الإسلامية‪ ،‬وحظيت هَذِه ِ الحركة بتأييد‬

‫جماهيري لخطابها الموجه لتلك الفئات الجَزَائِر َِّية‪ ،‬والَّذ ِي يعبر عن‬

‫مطامحها الدينية‪ ،‬والوَطَن َِّية والاقتصادية والسِيَاس َِّية‪ .‬وق َ ْد جاء برنامج‬
‫يلي‪2:‬‬ ‫حركة الأمير خالد بما‬

‫الحصول على المساواة أمام القانون‪َ َ.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مساواة التمثيل النيابي في البرلمان الفَرَنس ِي بين الجزائر يين والأوروبيين‪َ .‬‬ ‫‪-‬‬

‫إلغاء القوانين والإجراءات الاستثنائية الخاصة بالجزائر يين في المحاكم الرادعة والمحاكم‬ ‫‪-‬‬

‫الجنائية إلغاء ً كاملا ً نهائيا ً وإبطال الرقابة الإدار ية مع الرجوع إلى القانون العام‪َ .‬‬

‫التمتع بنفس الحقوق والواجبات مع الأوروبيين في الخدمة الع َسكَر َِّية‪َ .‬‬ ‫‪-‬‬

‫ارتقاء الجَزَائِر ِي إلى جميع الرتب المدنية والع َسكَر َِّية دون قيد‪َ .‬‬ ‫‪-‬‬

‫تطبيق قانون التعليم الإجباري تطبيقا ً شاملا ً على الجزائر يين‪َ .‬‬ ‫‪-‬‬
‫حر ية الصحافة والاجتماع والعفو العام عن المعتقلين والمهتمين‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تطبيق قانون فصل الدين عن الدولة على الشر يعة الإسلامية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وك َانَ هَذَا النشاط المكثف والمطالب المحرجة بالنسبة للسلطات الفَرَنس َِّية سببا ً في جعل الحكومة‬

‫الفَرَنس َِّية تصدر أمرها بنفي الأمير خالد إلى خ َار ِ‬

‫ِج الجَزَائ ِر في شهر جو يلية ‪.1923‬‬

‫‪1‬‬
‫الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر الجَزَائِر ِي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أبو القاسم سعد الله‪ ،‬الحركة الوَطَن َِّية الجَزَائِر َِّية (‪ )1930 -1900‬الجزء الثاني‪ ،‬ص ‪366‬‬

‫‪76‬‬
 ‫تيارَالدعوةَإلىَالاندماجَمعَالفرنسيين‪َ :‬‬

‫تزامنا ً مع نشاط الحركة الإصلاحية بقيادة الأمير خالد‪ ،‬ظهر تيار ليبرالي مثلته فيدرالية نواب‬

‫مسلمي الجَزَائ ِر َّالتِي تأسست في ‪ 18‬جوان ‪ .1927‬من أشهر قادة هَذِه ِ الحركة «بن جلول»‪،1‬‬

‫«فرحات عباس» ‪« ،2‬ابن التهامي» ‪ ،3‬والذین اختلفوا مع الأمیر خالد في قضیة التجنس‪ ،‬فهم لا‬

‫يطالبون إلا بالمساواة مع الأوروبيين وحق التمثيل في البرلمان الفَرَنس ِي (أي دمج الجَزَائ ِر دمجا ً‬

‫كاملا ً‪ ،‬ومنح الجنسية الفَرَنس َِّية للجزائر يين) ولا يطالبون باستقلال الجَزَائ ِر‪ .‬معظم أعضاء هَذَا‬

‫‪1‬‬
‫ولد ابن جلول في منطقة الأوراس سنة ‪ 1894‬وواصل تعليمه الثانوي بقسنطينة‪ ،‬ث َُّم تلقى تعليمه الجامعي في‬
‫ك قام ببعض النشاطات في الانتخابات‬
‫حي ْثُ نال شهادة الدكتوراه في الطب سنة ‪ .1924‬وبعد ذ َل ِ َ‬
‫جامعة الجَزَائ ِر َ‬
‫المحلية والصحافة‪ ،‬بدأ بن جلول ممارسة السياسة حين أصبح مستشارا ً بالمجلس البلدي وظهر منذ البداية يدافع‬
‫عن النخبة المثقفة باعتباره من عائلة غنية‪ ،‬وق َ ْد أظهر في بداية نشاطه السياسي ميلا ً نحو أفكار الأمير خالد‬
‫الإصلاحية قبل أن يتحول عنها إلى المطالبة بالاندماج باعتباره عضوا ً في فيدرالية المسلمين الجزائر يين المنتخبين‪،‬‬
‫َّالتِي يترأسها الدكتور بن التهامي و تضم أغلب النخب الجزائر يين الممثلين في المجالس المنتخبة مثل فرحات عباس‬
‫بن جلول‪ ...‬وغيرهم‪ ،‬و مع مطلع الثلاثينات برز نجم بن جلول بترأسه فيدرالية المسلمين الجزائر يين المنتخبين‬
‫ودعوته الصر يحة إلى المساواة بين الجزائر يين والفرنسيين في ك ُل المجالات كالخدمة الع َسكَر َِّية والعمل‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫حي ْثُ تحول خلال‬
‫زعيم وطني ورجل سياسي جزائري‪ ،‬عرف فرحات عباس بانفتاحه السياسي والفكري‪َ ،‬‬
‫الثور َّية‪ ،‬وهو مؤسس الاتحاد‬
‫حياته السِيَاس َِّية من فكرة الاندماج إلى فكرة الاستقلال‪ ،‬ومن الإصلاحية إلى َّ‬
‫الديمقراطي للبيان الجَزَائِر ِي ‪ ،‬وعضو جبهة التحرير الوطني إبان حرب التحرير الجَزَائِر َِّية‪ ،‬أول رئيس للحكومة‬
‫الجَزَائِر َِّية المؤقتة للجمهور ية الجَزَائِر َِّية من ‪ 1958‬إلى ‪ ،1961‬انتُخب عند استقلال الجَزَائ ِر رئيسا ً للمجلس الوطني‬
‫التشر يعي‪ .‬توفي ‪ 23‬ديسمبر ‪.1985‬‬
‫‪3‬‬
‫أبو القاسم بن التهامي ولد في ‪ 20‬سبتمبر ‪ 1873‬بمدينة مستغانم تلقى تعليمه الابتدائي بمسقط رأسه‪ ،‬والثانوي‬
‫بالجَزَائ ِر العاصمة‪ ،‬بعد حصوله على شهادة البكالور يا انتقل إلى مونبيلييه بف َرَنسا وسجل في كلية الطب‪ .‬بعد تخرجه‬
‫عاد إلى الجَزَائ ِر‪ ،‬ظهر نشاطه السياسي مباشرة ً بعد الحرب الع َالم َ َّيِة الأولى إذ تزعم حركة الشباب الجَزَائِر ِي‪ ،‬ك َانَ‬
‫من المطالبين بالاندماج ضمانا ً للمزيد من الحقوق السِيَاس َِّية للجزائر يين إلى جانب السماح لهم بالتجنيد في الجيش‬
‫الف َرَنس ِي‪ .‬ترشح بن التهامي إلى الانتخابات البلدية بالجَزَائ ِر العاصمة وفاز بعضو ية المجلس البلدي‪ ،‬ودخل في خلاف‬
‫وخصومة مع المعمرين الرافضين لمطالب الاندماج‪ ،‬كما اختلف مع الأمير خالد حول كيفية الحصول على الجنسية‬
‫الف َرَنس َِّية بعد نفي الأمير خالد سنة ‪.1923‬‬

‫‪77‬‬
‫الحزب كانوا يتجهون نحو التعاون مع ف َرَنس َا‪ .‬وفي نفس الوقت‪ ،‬كانوا مؤيدين متحمسين للاندماج‬

‫وللثقافة الفَرَنس َِّية‪َ 1 .‬‬

‫وفي سنة ‪ 1923‬وبعد أن نفت ف َرَنس َا «الأمير خالد» خلت الساحة أمام الليبراليين الَّذِي َ‬
‫ن فازوا في‬

‫الانتخابات البلدية َّالتِي نظمت عام ‪ .1924‬ولـكن بعد الحرب الع َالم َ َّيِة الثانية تعرض الحزب‬
‫الاندماج‪2.‬‬ ‫للانشقاق وبدأ العديد من قادته يتجه نحو الخط الوطني ويرفض فكرة‬

‫ولا يفوتنا أن نذكر أيضا ً الحزبَالشيوعيَالجزائِر ِي الَّذ ِي يندرج ضمن تيار الدعوة إلى الاندماج‬

‫مع الهو ية الفَرَنس َِّية‪ ،‬فهو سليل الحزب الشيوعي الفَرَنس ِي (الَّذ ِي ك َانَ يعتبر من أكثر الأحزاب‬

‫الفَرَنس َِّية تفهما ً للقضية الجَزَائِر َِّية)‪ ،‬ولهذا فَقَ ْد ك َانَ استقلال الحزب الشيوعي الجَزَائِر ِي عن‬
‫الحزب الشيوعي الفَرَنس ِي ظاهر يا ً وشكليا ً‪ ،‬وبقي خاضعا ً إلى استراتيجية الشيوعية الع َالم َ َّيِة عامة ً‬

‫والحزب الشيوعي الفَرَنس ِي خاصة ً‪ .‬وق َ ْد ُّأنشئ الحزب عام ‪1935‬م‪ ،‬وفي أول مؤتمر لَه ُ أكد على‬

‫نقطتين‪:‬‬

‫الحث على تغيير الوضع الراهن قبل ك ُل شيء من أجل حياة أفضل للمجتمع الجَزَائِر ِي‬ ‫•‬

‫تسود ُ فيه العدالة الاجتِم َّ‬

‫َاعية‪َ .‬‬
‫المطالبة بربط مصير َّ‬
‫الشعْب الجَزَائِر ِي بمصير الشعب الفَرَنس ِي‪َ .‬‬ ‫•‬

‫وتركزت نشاطات الحزب الشيوعي الجَزَائِر ِي في المطالبة بالإصلاحات الاجتِم َّ‬

‫َاعية والاقتصادية‬

‫ق المساواة‬ ‫َّالتِي من شأنها أن تخفف من أتعاب الجزائر يين‪ ،‬واقتر َ‬

‫ح اتِ حاد َ الجَزَائِر ِ مع ف َرَنس َا وتطبي َ‬

‫بين الجزائر يين والأوروبيين (سياسة إدماج الجَزَائ ِر في ف َرَنس َا)‪ 3 .‬فهو يرى أن الحل الأوحد‬
‫والأكثر ديموقراطية بالنسبة للقضية الجَزَائِر َِّية إنما يتمثل في تحو يل الجَزَائ ِر إلى شر يك لفرنسا في‬

‫حي ْثُ ت ََّم‬ ‫إطار "الاتحاد الفَرَنس ِي"‪ ،‬وق َ ْد استمر وجود الحزب الشيوعي ح ََّتى نهاية َّ‬
‫الثور َة التحرير ية َ‬

‫ك في عام ‪1964‬م‪.‬‬
‫تقنين وضع الحزب الشيوعي الجَزَائِر ِي عام ‪ ،1962‬لي ُحظر ويُمنع بعد ذ َل ِ َ‬

‫‪1‬‬
‫أبو القاسم سعد الله‪ ،‬الحركة الوَطَن َِّية الجَزَائِر َِّية (‪ )1930 -1900‬الجزء الثاني‪ ،‬ص ‪352-351‬‬
‫‪2‬‬
‫شرفي عبد الجليل‪ ،‬حاف الله العطرة‪ ،‬تطور المطلب الاستقلالي في نضال الحركة الوَطَن َِّية‪ ،‬ص ‪17‬‬
‫‪3‬‬
‫دكتور عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية ‪ ،1962‬ص ‪280‬‬

‫‪78‬‬
 ‫تيارَالدعوةَإلىَالاستقلال‪َ َ:‬‬

‫مع تشابه الأوضاع السِيَاس َِّية شمال إفر يقيا‪ ،‬قررت بعض النخب المعارضة من مختلف بلدان‬

‫تأسيس حزب سياسي يطالب بقضيتهم‬

‫َ‬ ‫المغرب العربي (تونس والجَزَائ ِر والمغرب الأقصى)‬

‫ك‬ ‫ك َّ‬
‫تأسس حزب "نجم شمال إفر يقيا" في ‪ 15‬جوان ‪ ،1926‬وك َانَ ذ َل ِ َ‬ ‫التحرر ية‪ ،‬وعلى إثر ذَل ِ َ‬

‫في باريس‪ .‬أصبح النجم تنظيما ً سياسيا ً جزائر يا ً خالصا ً بعد التحاق المهاجرين المغاربة والتونسيين‬

‫بأحزابهم الوَطَن َِّية‪ ،‬و بعد طرد السلطات الفَرَنس َِّية لقائد الحزب التونسي "الشاذلي خير الدين" من‬

‫ف َرَنس َا یوم ‪ 27‬ديسمبر ‪1927‬م‪ ،‬وبقاء المكون الجَزَائِر ِي وتسلم مصالي الحاج قيادة الحزب‪ .‬تابع‬

‫الحزب مسيرته النضالية القائمة على الدفاع عن الشخصية الجَزَائِر َِّية والمحافظة على هويتها ومقوماتها‬
‫للجزائر‪1 .‬‬ ‫العربية الإسلامية وإعلان الاستقلال الكامل‬

‫شهد برنامج النجم تطورا ً مستمراً‪ ،‬و في مؤتمر بروكسل المنعقد بدعوة من الجمعية المناهضة للاضطهاد‬

‫الاستعماري ‪1927‬؛ اغتنم حزب «مصالي الحاج» فرصة َ وقوفه في مؤتمر عالمي ليقدم مطالب‬
‫التالية‪2 :‬‬ ‫النجم المتمثلة في البنود‬

‫استقلال الجَزَائ ِر وجلاء الجيش الفَرَنس ِي‪.‬‬ ‫•‬

‫إنشاء جيش وطني‪.‬‬ ‫•‬

‫حر ية الصحافة وحر ية تكو ين الجمعيات‪.‬‬ ‫•‬

‫المساواة في الحقوق السِيَاس َِّية والثقافية مع الفرنسيين‬ ‫•‬

‫الموجودين في الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫ٍ‬
‫اقتراع عام‪.‬‬ ‫المطالبة ببرلمان جزائري منتخب في‬ ‫•‬

‫وهَكَذ َا برز التوجه الاستقلالي من خلال المطالب المتمثلة في الاستقلال الكامل للجزائر وإنشاء‬

‫جيش وطني ومجلس وطني منتخب‪ .‬ونظرا ً لانتشار أفكاره الوَطَن َِّية بين المهاجرين تعرض الحزب‬

‫السجن إلى أن ح ُل قضائيا ً عام ‪1937‬م‪ .‬و بعد حل "نجم شمال إفر يقيا"‬
‫للحل‪ ،‬وز ُج بممثليه في ِ‬

‫‪1‬‬
‫دكتور عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية ‪ ،1962‬ص ‪288‬‬
‫‪2‬‬
‫أبو القاسم سعد الله‪ ،‬الحركة الوَطَن َِّية الجَزَائِر َِّية (‪ )1930 -1900‬الجزء الثاني‪ ،‬ص ‪372‬‬

‫‪79‬‬
 ‫تأسس حزب َّ‬
‫الشعْب الجَزَائِر ِي في مارس ‪ 1937‬بقيادة «مصالي الحاج»‪ ،‬ليكون ممثلا ً جديدا ً‬
‫حافظ الحزبُ على نفس التنظيم الهيكلي الَّذ ِي‬
‫َ‬ ‫لتيار الدعوة إلى الاستقلال‪ .‬ومن الناحية الشكلية‬

‫مر حزب الشعب بمرحلتين أساسيتين‪:‬‬

‫ك َانَ متبعا ً في عهد النجم‪ ،‬أما من الناحية القانونية فَقَ ْد َّ‬
‫مرحلة َالنشاطَالعلن َي القانوني َانتهج فيها سياسة انتخابية معتدلة ذات طابع إصلاحي‪ .‬ومرحلةَ‬

‫طَالسري‪ ،‬وفيها واصل عمله بعد حله‪ ،‬فتعاظمت شعبيته في أوساط الشعب‪ ،‬وأنشأ إدارة‬
‫النشا َ‬

‫جديدة سر ية‪ ،‬وقام بدعاية ٍ واسعة ٍ وسط المواطنين والمجندين من الجزائر يين في الجيش الفَرَنس ِي‪.‬‬

‫ومنذ تأسيس الحزب لخَّ َ‬

‫ص مكتبه السياسي برنامجه كما يلي‪« :‬لا اندماج‪ ،‬ولا تقسيم ولـكن‬

‫تحرير»‪َ 1.‬‬

‫َ‬

‫‪1‬‬
‫دكتور عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية ‪ ،1962‬ص ‪301‬‬

‫‪80‬‬
 ‫المطلبَالرابع‪َ:‬الحركاتَالوطن ِيةََقـََُبـَي ْلَاندلاعَثورةَ‪َ .َ1954‬‬

‫حي ْثُ بقيت جمعية العلماء بعيدة‬

‫استمر في هَذِه ِ الحقبة نشاط العديد من الحركات الإصلاحية‪َ ،‬‬

‫عن الصدام مع السلطة لتحافظ على نشاطها‪ ،‬بينما لم ي ُ ْدرِجْ الحزب الشيوعي استقلال البلاد‬

‫ضمن برنامجه‪ ،‬وق َ ْد حكمت عَلَيْه ِ هَذِه ِ الوضعية أن يكون حزبا ً للوسط‪ ،‬ووجد نفسه في الفترات‬

‫التار يخية الهامة جنبا ً إلى جنب مع الهيمنة الاستعمار ية‪ ،‬بل أحيانا ً ضد الحركات الوَطَن َِّية‬
‫الأخرى‪1.‬‬

‫وقبل ثورة التحرير بعشر سنوات ظهرت حركة سياسية جديدة سنة ‪ ،1946‬ك َانَ اسمها "الاتحاد‬

‫الديمقراطي للبيان الجَزَائِر ِي"‪ ،‬و ُّأنشِئت من قبل فرحات عباس‪ ،‬وك َان َت في الأصل مفتوحة‬

‫حد سواء‪ ،‬كما ك َان َت تهدف إلى إقامة دولة مرتبطة بفَرَنسا‪َ .‬وهو ما‬
‫للجزائر يين والأوروبيين على ٍ‬
‫عنى أن هَذِه ِ الحركة تطور جديد في التيار الَّذ ِي دعا للاندماج مع الثقافة الفَرَنس َِّية‪ ،‬ولم يتجاوب‬

‫ك فَقَ ْد لقيت هَذِه ِ الحركة اهتماما ً لدى الفئات المثقفة‬

‫هَذَا التوجه مع طموحات الجماهير‪ ،‬ومع ذَل ِ َ‬
‫‪2 .1946‬‬ ‫في سنة‬

‫وفي نفس السنة َّالتِي تأسست فيها حركة "الاتحاد الديمقراطي للبيان الجَزَائِر ِي"‪ ،‬نشأت أيضا ً حركة‬

‫جديدة باسم‪" :‬انتصار الحر يات الديمقراطية"‪ ،‬وق َ ْد احتلت هَذِه ِ الحركة مكانة ً مميزة ً بين المنظمات‬

‫السِيَاس َِّية َّالتِي تقوم بتأطير الجزائر يين‪ ،‬وك َان َت بقيادة مصالي الحاج‪ ،‬أي أنها في الحقيقة امتداد‬
‫لنضال نجم شمال إفر يقيا (‪ ،)1937 - 1926‬وحزب َّ‬
‫الشعْب الجَزَائِر ِي (‪،)1939 - 1937‬‬
‫الف َرَنس َِّية‪3.‬‬ ‫وكلاهما وُق ِ َع حلُّه ُ ومنع ُه ُ من طرف السلطات‬

‫ضغوط كثيرة ٍ من قبل السلطات الفَرَنس َِّية‪ ،‬وهو‬

‫ٍ‬ ‫وفي سنة ‪ 1951‬عانت الحركات السِيَاس َِّية من‬

‫ما دفعها للاندماج في حركة جديدة سميت‪" :‬الجبهة الجَزَائِر َِّية للدفاع عن الحر ية واحترامها"‪ .‬وق َ ْد‬

‫‪1‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية سنوات المخاض‪ ،‬ص ‪10‬‬
‫محمد حربي‪َّ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪11‬‬

‫‪81‬‬
‫ضمت هَذِه ِ الحركة ك ُل التنظيمات الموجودة (حركة انتصار الحر يات الديمقراطية‪ ،‬الاتحاد‬

‫الديمقراطي للبيان الجَزَائِر ِي ‪ ،‬جمعية العلماء المسلمين‪ ،‬الحزب الشيوعي)‪ ،‬وتبنت جملة من المطالب‪:‬‬

‫احترام حر ية الانتخابات‪.‬‬ ‫•‬

‫احترام حر ية الرأي والصحافة والاجتماعات‪.‬‬ ‫•‬

‫رفع الظلم بجميع أشكاله وتحرير المعتقلين السياسيين‪ ،‬وإبطال الإجراءات الاستثنائية‪.‬‬ ‫•‬

‫حد لتدخل إدارة الاحتلال في شؤون الدين الإسلامي‪.‬‬

‫وضع ٍ‬ ‫•‬

‫بالإضافة إلى هَذِه ِ الحركات الـكبرى َّالتِي تشكل النضال السياسي في الجَزَائ ِر؛ ك َانَ ه ُنَاك َ مجموعات‬
‫أخرى تُع َبِر ُ أيضا ً عن مطامح َّ‬
‫الشعْب الجَزَائِر ِي في الحر ية والتقدم‪ ،‬نذكر منها على سبيل المثال‪:‬‬

‫الـكشافة الإسلامية الجَزَائِر َِّية‪ ،‬الهيئة القومية للعاطلين عن العمل‪ ،‬نقابات الـكونفدرالية العامة‬

‫للشغل‪ ،‬جمعية الطلبة المسلمين بشمال أفر يقيا‪ ،‬حركة أصدقاء البيان والحر ية‪ ،‬والعديد من الجمعيات‬
‫الأخرى‪1.‬‬ ‫الثقافية والر ياضية‬

‫‪1‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية سنوات المخاض‪ ،‬ص ‪11‬‬
‫محمد حربي‪َّ ،‬‬

‫‪82‬‬
 ‫خلاصةَالمبحث‪َ َ:‬‬

‫ل إن الصدمة َّالتِي تلقاها َّ‬

‫الشعْب الجَزَائِر ِي من القمع الوحشي للثورات المسلحة ك َان َت‬ ‫ن القو ُ‬
‫يمك ُ‬

‫حي ْثُ الأهداف والأساليب‪ ،‬إضافة ً إلى‬

‫سببا ً في تعدد التيارات في الحراك السلمي وتنوعها من َ‬

‫تنوع الخلفيات الفكر ية للنخب الجَزَائِر َِّية‪ .‬وق َ ْد ك َانَ هَذَا سببا ً في ظهور حركات نضالية مختلفة من‬

‫ل‬
‫حي ْثُ الرؤى‪ ،‬إذ نشأت حركات إصلاحية اعتزلت السياسة والخوض في السلطة واهتمت بِش َك ٍ‬
‫َ‬

‫أساسي بالحفاظ على الهو ية العربية والإسلامية للشعب الجَزَائِر ِي‪ ،‬مثل الجمعية الراشدية وجمعية‬

‫علماء المسلمين‪ .‬بينما اتجهت بعض الحركات الأخرى إلى ميادين السياسة‪ ،‬إلا أنها أيضا ً اختلفت‬

‫حي ْثُ الأهداف النهائية بين من يريد المساواة بين الأوروبي والجزائري في الحقوق (مثل‬
‫من َ‬
‫الحركة الإصلاحية بقيادة الأمير خالد)‪ ،‬وبين من يريد ليس فقط المساواة وإنما دمج الجَزَائ ِر مع‬

‫ل (مثل فيدرالية نواب مسلمي الجَزَائ ِر)‪ ،‬وبين من يريد الاستقلال‬ ‫الهو ية الفَرَنس َِّية بِش َك ٍ‬
‫ل كام ٍ‬
‫الكامل مثل (الحركات َّالتِي قادها مصالي الحاج)‪.‬‬

‫لـكن القاسم َ المشترك بين هَذِه ِ التيارات والمدارس؛ أن جميعها ك َانَ يستخدم الأنشطة السلمية‬

‫بعيدا ً عن السلاح‪ ،‬إضافة ً إلى بحثها عن الشرعية القانونية من السلطة الحاكمة بما يكفل استمرارها‬

‫في العمل‪.‬‬

‫‪83‬‬
 ‫أهمَالحركاتَالسِياسِيةَالوطنِيةَفيَالجزائ َِرَبدايةَالقرنَالعشرين َ‬
‫خارطة َُ َِ‬
‫َ‬ ‫الشكلَ(‪َ:)6‬‬

‫‪84‬‬
 ‫َالمبحثَالثالث‪َ:‬الأزمةَ َُالداخِلِي َة َُفيَالحركةَالوطن ِية َ‬
‫يمكن القول إن التباين بين أهداف الحركات السِيَاس َِّية ق َ ْد جعلها شيئا ً فشيئا ًتصدم ُ ببعضها البعض‪،‬‬

‫فَقَ ْد ك َانَ التيار الَّذ ِي يدعو إلى اندماج الجَزَائ ِر بالثقافة الفَرَنس َِّية يدف ُع نحو إقامة دولة جزائر ية تابعة‬

‫لفرنسا وتجنيس الجزائر يين ليصبحوا مواطنين فرنسيين لا فرق بينهم وبين غيرهم في الحقوق‪ .‬وفي‬

‫ح الجنسية الفَرَنس َِّية لبضعة آلاف من الجزائر يين‪ ،‬وك َانَ هَذَا‬
‫‪ 7‬مارس‪/‬آذار ‪ 1944‬صدر قانون يمن ُ‬
‫ُّ‬
‫يعد انتصارا ً للتيار الاندماجي‪ ،‬وكردة فعل على هَذَا القانون‪ ،‬اتحدت الحركات َّالتِي تريد الحفاظ‬

‫على هو ية الجَزَائ ِر المسلمة لتشكل حركة جديدة اسمها "البيان والحر ية"‪ ،‬وق َ ْد ك َانَ من أبرز قادتها‬

‫مصالي وفرحات عباس والبشير الإبراهيمي‪.‬‬

‫ومع نهاية الحرب الع َالم َ َّيِة الثانية وانتصار ف َرَنس َا على الاحتلال الألماني‪ ،‬أذكى هَذَا روح الوَطَن َِّية‬

‫الشعْب الجَزَائِر ِي‪ ،‬الَّذ ِي أصبح يرى أن الاستقلال من حقه‪ ،‬تماما ً كما هو من حق الفرنسيين‪،‬‬
‫في َّ‬

‫فأخذ أتباع مصالي الحاج يفكرون في انتفاضة ٍ عامة ٍ‪ ،‬وق َ ْد بدأت التعبئة الشعبية لِهَذَا الغرض‬

‫بتنظيم مظاهرات في غرة ماي‪/‬أيار ‪ .1945‬لـكن هَذِه ِ المظاهرات تعرضت لقمع وحشي تسبب‬

‫في مجازر مروعة في مناطق سطيف وقالمة ما بين ‪ 8‬و‪ 13‬مايو‪/‬أيار‪ ،‬مما أدى إلى مقتل آلاف‬

‫الجزائر يين‪ 1 .‬كما أوقفت السلطات أربعة آلاف وخمسمئة وستين شخصا ً صدر في شأنهم ألف‬

‫وثلاثمئة وسبعة أحكا ٍم‪ ،‬منهم تسعة أشخاص حُكِم َ عليهم بالإعدام‪ ،‬وأربعة وستون آخرون بالأشغال‬
‫الحياة‪2.‬‬ ‫الشاقة مدى‬

‫‪1‬‬
‫حسب مزاعم الأوساط الرسمية‪ ،‬ك َان َت حصيلة المجازر ما بين ‪ 27‬و‪ 29‬قتيلاً‪ ،‬أما العسكر يون الفرنسيون فَق َ ْد‬
‫اعترفوا أن عدد الضحايا يتراوح بين ستة آلاف وثمانية آلاف‪ ،‬وتذكر الأوساط الوَطَن َِّية أن العدد الصحيح هو‬
‫ألف ضحية ٍ‪.‬‬
‫خمس وأربعون َ‬
‫‪2‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية سنوات المخاض‪ ،‬ص ‪13-12‬‬
‫محمد حربي‪َّ ،‬‬

‫‪85‬‬
 ‫بعضَجثثَالقتلىَالتِيَأعدمَأصحابهاَفيَمجازرَمايَ‪َ 1945‬‬

‫ل الَّذِي َ‬
‫ن خرجوا في‬ ‫ك المجازر البشعة َّالتِي ارتكبتها قوات الاحتلال في حق المدنيين الع َُّز ِ‬
‫بعد تِل ْ َ‬
‫مظاهرة سلمية للمطالبة باستقلال الجَزَائ ِر‪ ،‬أدرك َّ‬
‫الشعْب الجَزَائِر ِي وكثير من أفراد وقيادات‬

‫الحركة الوَطَن َِّية‪ ،‬أن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة‪ ،‬و َولَّد َت تِل ْ َ‬
‫ك المجازر ُ قناعة ً لدى الجزائر يين‬

‫بأن النضال السياسي لاسترجاع السيادة الوَطَن َِّية لن يجدي وحده نفعا ً‪ ،‬إذ لابد من الـكفاح‬

‫المسلح لنيل الاستقلال وطرد المستعمر‪.‬‬

‫الثور َة؛ دخلت الحركة الوَطَن َِّية في عدة أزمات ح ََّتى‬

‫ومنذ تاريخ ‪ 8‬ماي ‪ 1945‬إلى تاريخ انطلاق َّ‬

‫بين أفراد الحزب الواحد كما سنبين لاحقا ً‪ .‬وأدت ه َذِه ِ الأزمة في النهاية إلى الاقتناع التام بأن‬

‫الوعود السياسة للاحتلال الفَرَنس ِي ستبقى حبرا ً على ورق‪ ،‬ولن يأتي من الجانب الفَرَنس ِي إلا‬

‫الوعود الكاذبة والمجازر الجماعية والفردية بحق أي حركة تطالب بالتغيير ح ََّتى لو ك َان َت سلمية‪.‬‬
‫فَك َان َت مجازر الثامن من ماي إنذارا ً مبكرا ً وإرهاصا ً كبيرا ً لبداية العدِ التنازلي لانطلاق َّ‬
‫الثور َة‬

‫المسلحة‪.‬‬

‫‪86‬‬
 ‫المطلبَالأول‪َ:‬عجزَالنشاطَالسياسيَوالتفككَالداخليَفيَالحركاتَالوطن ِيةَ‬

‫ل البرلمان الفَرَنس ِي رفضت الجمعية الوَطَن َِّية‬

‫خ َ‬
‫في ‪ 20‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪ 1947‬وبعد نقاش طو يل د َا ِ‬

‫المصادقة على قانون الدولة الجَزَائِر َِّية المرتبطة بفَرَنسا‪ ،‬وق َ ْد ك َانَ هَذَا القانون يطالبُ بِه ِ الإتحاد‬

‫الديمقراطي للبيان الجَزَائِر ِي‪ .‬وفي المقابل ص ََّوتَ البرلمان على مشروع جديد يقضي بإ يجاد مجلس‬

‫ُل واحدٍ‬
‫جزائري يتمتع أساسا ً بصلاحيات مالية ويشمل قسمين‪ :‬قسم جزائري وقسم أوروبي لك ِ‬
‫حتفظ الحاكم العام للجزائر بحق المراقبة على المجلس؛ وهو الأمر الَّذ ِي كرس‬
‫منهما ستون نائبا ً‪ ،‬و ي ُ‬
‫ٍ‬
‫واضح تفوقَ الأوروبيين‪.‬‬ ‫ل‬
‫بِش َك ٍ‬

‫وق َ ْد نتج عن هَذَا الوضع شك في مصداقية زعماء الحركة الوَطَن َِّية من ناحية‪ ،‬واتجاه نحو البحث‬

‫عن أشكال ثور ية جديدة للتصدي للاحتلال من جهة أخرى‪ .‬وفي الخمسينات بدأت ك ُل القوى‬

‫الوَطَن َِّية وخاصة منها حركة انتصار الحر يات الديمقراطية ‪-‬وهي الأكثر تمثيلا ً للطبقات الشعبية‪-‬‬

‫تشهد بوادر أزمة داخلية ك َانَ لَهَا انعكاس على العلاقات بين الجماعات القيادية وقواعدها‬
‫الاجتِم َّ‬
‫َاعية‪1 .‬‬

‫وفي نفس الوقت صارت المظاهرات حادة ً ودمو ية ً‪ ،‬وتكررت إضرابات العمال والفلاحيين‪،‬‬
‫وك َان َت جماهير المدن والأر ياف لا ترى في النظام القائم إلا ما يجلب َّ‬
‫الثور َة واليأس‪ ،‬ولم يعد‬

‫بالإمكان إرضاء هَذِه ِ الجماهير بالمماطلة والخصومات من أجل أهداف تافهة‪ .‬وبهذا ح ُكم على‬

‫السيَاس َِّية قادرة ً على تحقيق حاجيات المجتمع‪.‬‬

‫النشاط السياسي بالجمود فلم تعد الأحزاب ِ‬

‫ف ك ُل طاقاته للتشهير بإعادة تسليح ألمانيا‪ ،‬وهي قضية لا تعني َّ‬

‫الشعْب‬ ‫فالحزب الشيوعي ق َ ْد َّ‬
‫وظ َ‬
‫الجَزَائِر ِي في شيء‪ .‬أما الاتحاد الديمقراطي للبيان الجَزَائِر ِي فك َانَ ينتظر المعجزات من حكومة‬

‫منديس فرانس‪ ،‬ولم يحصل لَه ُ في الحقيقة أية معجزات‪ ،‬فقط مجرد تجنيس بعض الجزائر يين‪.‬‬
‫أما حزب َّ‬
‫الشعْب الجَزَائِر ِي بقيادة مصالي‪ ،‬رغم أنه ك َانَ أكثر الأحزاب نفوذا ً وانتشارا ً وتغلغلا ً‬

‫بين الجماهير الشعبية المدنية والر يفية وبين المهاجرين في ف َرَنس َا؛ فإنه منذ عودته إلى الشرعية تحت‬

‫‪1‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية سنوات المخاض‪ ،‬ص ‪14‬‬
‫محمد حربي‪َّ ،‬‬

‫‪87‬‬
‫اسم حركة انتصار الحر يات الديمقراطية؛ فَقَ ْد ظل عاجزا ً عن التفكير بصفة جدية للتحرر‪ ،‬خاصة‬

‫بعد قمع المظاهرات َّالتِي دعا إليها في ماي ‪ .1945‬وهَذَا ما تسبب في ظهور الخلافات داخله‬
‫‪1 .1954‬‬ ‫ل العديد من القضايا الاستراتيجية السِيَاس َِّية وتفككه في جو يلية‪/‬تموز‬
‫حو َ‬

‫أعلنت الإدارة الاستعمار ية في الجَزَائ ِر عام ‪ 1947‬تقسيم البلاد إلى ثلاث مقاطعات وإنشاء‬

‫مجلس نيابي يتكون من ستين نائبا ً يمثلون خمسمائة ألف أوروبي‪ ،‬وعدد مماثل من أبناء الجَزَائ ِر‬

‫لتمثيل عشرة ملايين من المسلمين!! وتقرر أن تكون السلطة التنفيذية بيد الحاكم العام ويساعده في‬

‫ك مجلس موسع‪ .‬وفي شهر نيسان‪ ،‬جرت أولى الانتخابات التشر يعية َّالتِي عرفتها الجَزَائ ِر‪ ،‬لـكنها‬
‫ذَل ِ َ‬

‫بينت أن الإدارة الفَرَنس َِّية بالجَزَائ ِر ما هي إلا لعبة في يد الأوربيين‪ ،‬فالانتخابات ق َ ْد زورت‪ ،‬ولم‬
‫تحصل الأحزاب الوَطَن َِّية إلا على سبعة عشر مقعدا ً‪ ،‬وذهبت بقية المقاعد أي الثلاثة والأربعون‬

‫إلى الموالين للإدارة الفَرَنس َِّية َّالتِي أشرفت على تعيينهم بنفسها‪ ،‬كما أن اثنين وثلاثين من مرشحي‬

‫حركة الانتصار للحر يات الديمقراطية الَّذِي َ‬

‫ن يبل ُغ عددهم تسعة وخمسين ق َ ْد سجنوا قبيل إجراء‬
‫الانتخابات‪2.‬‬

‫‪1‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية سنوات المخاض‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫محمد حربي‪َّ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪47‬‬

‫‪88‬‬
 ‫المطلبَالثاني‪َ:‬تشكلَاللجنةَالثور يةَللوحدةَوالعملَ(النشاطَالمسلح)َ َ‬

‫ل‬
‫خ َ‬
‫أدت مشاركة حزب حركة الانتصار للحر يات الديمقراطية في الانتخابات إلى انشقاق د َا ِ‬

‫الحزب‪ ،‬فَقَ ْد ك َان َت المشاركة في الانتخابات في نظر العناصر الشابة تفتيتا ً للجهود‪ ،‬فرفضوها‪،‬‬

‫ل الحزب لولا أن زعيمه السيد مصالي الحاج؛ تدارك الوضع بالدعوة‬

‫خ َ‬
‫وكادت تحدثُ أزمة د َا ِ‬

‫إلى عقد مؤتمر وطني سنة ‪ 1947‬ليستمر هَذَا المؤتمر يومين‪ ،‬وق َ ْد ظهر خلاله في الحركة ثلاث‬
‫تيارات‪1 :‬‬

‫التيارَالأول‪ :‬يرى الإبقاء على النشاط السري للحزب للمحافظة على شعبيته‪َ .‬‬

‫التيارَالثاني‪ :‬يرى ضرورة اشتراك الحزب في الانتخابات ليعلن مبادئه من أعلى المجالس‬

‫الرسمية‪َ .‬‬

‫الثوري بتكوين منظمة عسكر ية سر ية؛ ح ََّتى لا‬

‫التيارَالثالث‪ :‬يرى ضرورة البدء في العمل َّ‬

‫يؤخذ المناضلون على غرة كما أخذوا في الثامن من ماي‪َ .‬‬

‫كادت هَذِه ِ التيارات أن تؤدي إلى انقسام الحزب وانهياره‪ ،‬لـكن زعيمه أنقذ الموقف بالإبقاء‬

‫الشعْب الجَزَائِر ِي) يواصل مهمته السِيَاس َِّية في إطار السر ية كما ك َانَ‬
‫على جناح خفي (حزب َّ‬

‫سابقا ً‪ ،‬وإبقاء حركة الانتصار للحر يات الديمقراطية كحزب شرعي قال عنه (إنه يبلغ صوتنا إلى‬

‫الجماهير‪ ،‬وإلى الرأي العام الفَرَنس ِي والرأي العام العالمي)‪ .‬أما فيما يخص التيار الثالث فَقَ ْد قال‬

‫مصالي‪( :‬وإني أوافق على إنشاء جناح عسكري يتولى تدريب المناضلين عسكر يا ً وتكوينهم سياسيا ً‬

‫وبذلك نكون ق َ ْد هيأنا واستعجلنا جميع الوسائل من أجل تحرير البلاد)‪ 2.‬وهَكَذ َا تمت الموافقة‬

‫على إنشاء أول منظمة عسكر ية سر ية ك َان َت النواة الأولى لجبهة التحرير الوطني لاحقا ً والخطوة‬

‫الأولى للإعداد للثورة المسلحة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪48 -47‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪48‬‬

‫‪89‬‬
‫لـكن المنظمة الع َسكَر َِّية بعد أن قامت بدور كبير في تكوين وتدريب مناضليها؛ اكت ُشف أمرها‬

‫ج البلاد‪ ،‬بينما بقي‬ ‫لدى السلطات الاستعمار ية سنة ‪ ،1950‬فلوحق أعضاؤها‪َّ ،‬‬
‫وفر بعضهم خ َارِ َ‬

‫ل متخفياً‪ .‬ث َُّم صدر قرار من الحزب بحل المنظمة‪ ،‬لـكن ذ َل ِ َ‬

‫ك لم يمنع أعضاءها‬ ‫بعضهم الآخر يعم ُ‬

‫ل الحزب بين مصالي الحاج وأعضاء اللجنة‬

‫خ َ‬
‫من الاستمرار خاصة ً مع تصاعد حدة الخلاف د َا ِ‬

‫المركز ية في الحزب بزعامة السيد بن يوسف بن خدة‪ 1،‬وذ َل ِ َ‬

‫ك بسبب اعتراض اللجنة المركز ية على‬

‫حي ْثُ لجأ زعيم‬

‫منح مصالي صلاحيات خاصة‪ ،‬وق َ ْد وصل هَذَا الخلاف ذروته سنة ‪َ ،1953‬‬

‫الحزب "مصالي" إلى حل اللجنة المركز ية فلم يذعن أعضاؤها لقراره؛ وبذلك انشق الحزب إلى‬

‫قسمين‪:‬‬

‫‪ .1‬الرئيس وأنصاره (المصاليون)‬

‫‪ .2‬اللجنة المركز ية وأنصارها (المركز يون)‬

‫وق َ ْد تطورت الخلافات بين الطرفين‪ ،‬وتبادلا التهم باحتكار المناصب الحزبية العليا والابتعاد عن‬

‫المبادئ والأهداف المنشودة؛ الأمر الَّذ ِي دفع بكلتا الكتلتين إلى عقد مؤتمرين‪ ،‬أحدهما في بلجيكا‬

‫وق َ ْد دعا إليه السيد مصالي‪ ،‬أما الثاني فَقَ ْد ك َانَ في مدينة الجَزَائ ِر وق َ ْد دعا إليه المركز يون‪ ،‬وك َانَ‬

‫ك في صيف ‪ 2 .1954‬وفي كلا المؤتمرين حاول ك ُل طرف أن يطعن في شرعية الطرف‬

‫ذَل ِ َ‬

‫الآخر‪ ،‬بينما اتضح من بيانهما أنهما متفقان على استبعاد العمل العسكري‪ ،‬وعدم اعتباره وسيلة ً‬
‫للتغيير‪.‬‬

‫همة ُ أعضاء المنظمة الع َسكَر َِّية السر ية أمام الأزمة َّالتِي وصل إليها الحزب؛‬
‫في هَذِه ِ الأثناء‪ ،‬لم تفترْ َّ‬

‫بل زادت من عزيمتهم وإصرارهم على مواصلة العمل النضالي لتحقيق رغبات الشعب‪ ،‬فقرر‬

‫أعضاء المنظمة الع َسكَر َِّية حجب الثقة عن زعيم الحزب وأعضاء اللجنة المركز ية جميعهم‪ ،‬وعزموا‬
‫الانتقال إلى العمل َّ‬
‫الثوري بتأسيس حركة قو ية تأخذ على عاتقها مهمة إعادة بناء حركة الانتصار‬

‫من مواليد ‪ 1920‬بالبرواقية‪ ،‬من قيادي حزب الشعب التحق َّ‬ ‫‪1‬‬
‫بالثورَة ِ بعد خروجه من السجن عام ‪1955‬‬
‫وتولى رئاسة الحكومة المؤقتة الثالثة وانسحب من النشاط السياسي بعد عام ‪1962‬‬
‫‪2‬‬
‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪53‬‬

‫‪90‬‬
‫للحر يات الديمقراطية وتؤثر في أتباع مصالي الحاج وأتباع اللجنة المركز ية على السواء‪ ،‬بحَي ْثُ تكون‬

‫الثور َّية للوحدة‬

‫قيادتها جماعية‪ ،‬وتكون سياستها هي الـكفاح المسلح‪ ،‬وق َ ْد أطلقوا عَل َيْهَا اسم‪« :‬اللجنة َّ‬
‫بوضياف‪1.‬‬ ‫ك في ‪ 13‬آذار (مارس) ‪ 1954‬بقيادة‬
‫والعمل»‪ ،‬وك َانَ ذَل ِ َ‬

‫الثور َّية للوحدة والعمل التوفيق بين جناحي الحزب المتنازعين‪ ،‬لـكن باءت‬
‫حاول أعضاء اللجنة َّ‬

‫مساعيهم بالفشل‪ ،‬فعمدوا إلى الـكشف عن هَذِه ِ الخلافات للشعب‪َّ ،‬‬

‫ليطلع الشعب على صراع‬
‫الثور َّية‪ ،‬وقرروا تفجير َّ‬
‫الثور َة‬ ‫قادة الحزب على السلطة‪ ،‬وعملوا على إقناع الأمة بأهداف اللجنة َّ‬

‫بالوسائل المحلية المتوفرة‪ ،‬وإشراك الشعب فيها‪ .‬وفي‬

‫هَذَا السياق؛ وسعوا الاتصالات بالمناضلين‪ ،‬وشرعوا‬

‫في توفير الأسلحة بكافة أنواعها‪ ،‬وفتحوا باب‬

‫الانخراط أمام الجميع‪ ،‬وبدأوا في تدريب المتطوعين‬

‫على فنون الحرب وشرعوا في الإعداد للثورة‬

‫لَهَا‪2.‬‬ ‫والتخطيط‬

‫الشكلَ(‪َ:)7‬تطو َر َُالحركاتََِالوطنِيةَالمطالبةَبالاستقلالَوصولاًَإلىَجبهةَالتحريرَالوطني َ‬

‫‪1‬‬
‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪57‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪58‬‬

‫‪91‬‬
 ‫َ‬

‫لَالجزائِر ِي َة ِ َ‬
‫مهمةَسبقتَنشوبََثور َة َِالاستقلا َِ‬
‫الشكلَ(‪َ:)8‬أحداثََ َ‬

‫‪92‬‬
 ‫البابَالثاني‪َ:‬السياقَالتار يخيَللثورة َِ‬

‫"يمكنكَقتلَالثوارَلـكنَلاَيمكنكَقتلَالثورة"َ‪َ .‬‬

‫(المهاتماَغاندي َ) َ‬

‫الثور َّية َّالتِي بدأت منذ نزول‬

‫شكلت ثورة ‪ 1‬نوفمبر ‪ 1954‬ضِد الاحتلال الفَرَنس ِي تتو يجًا للحركات َّ‬

‫الجيوش الفَرَنس َِّية في الجَزَائ ِر عام ‪ ، 1830‬وقدم خلالها الشعب الجَزَائِر ِي نموذجا ملهما ً ورسم‬

‫ملحمة ً تار يخية قامت بإسقاط هيمنة الاحتلال الفَرَنس ِي الَّذ ِي شكل أحد أكبر القوى الإمبر يالية‬

‫في القرن العشرين‪ ،‬فأظهرت ثورة ُ الجَزَائ ِر للعال ِم أجم َع ما يمكن أن يقوم بِه ِ الشعب المظلوم ضِد‬
‫غزاته المستعمرين‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية مرت بمراح َ‬

‫ل متعددة ٍ يمكن تقسيمها‬ ‫من المتعارف عليه بين المؤرخين العرب أن َّ‬

‫على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪َ.1‬مرحلةَالانطلاقَ‪(َ1956َ-َ1945‬نشوبَالثورة)‪َ َ.‬‬

‫‪َ.2‬مرحلةَالتنظيمَوالتموينَ‪َ.1958َ–َ1956‬‬

‫‪َ.3‬مرحلةَالصدامَوالإبادةَ‪َ.1960َ–َ1958‬‬

‫‪َ.4‬مرحلةَالمفاوضاتَوالاستقلالَ‪َ.1962َ–َ1960‬‬

‫‪َ.5‬مرحلةَماَبعدَالاستقلال‪َ َ.‬‬

‫‪93‬‬
 ‫المرحلةَ‪َ-َ1‬نشوبَالثورةَمنَ‪َ1954‬حتىَ‪َ 1956‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية مناسبة جدا ً للانطلاق‪ ،‬وكذلك الظروف‬

‫ك َان َت الظروف الداخلية َّالتِي سبقت َّ‬

‫حي ْثُ أذنت الحربُ العالمية الثانية بحقبة ٍ جديدة‪ ،‬ظهرت فيها مؤسسات دولية إنسانية‬
‫الدولية‪َ .‬‬

‫مثل الأمم المتحدة‪ ،‬نادت بحق الشعوب في تقرير مصيرها‪ .‬بل إن الدعاية الفَرَنس َِّية َّالتِي نادت‬

‫بتجريم الاحتلال الألماني لِفَرَنس َا‪ ،‬أصبحت منطلقا ً للشعب الجَزَائِر ِي أيضا ً للمطالبة بتحرير بلاده‬
‫ٍ‬
‫واضح خلال هَذِه ِ‬ ‫من الاحتلال الفَرَنس ِي‪ .‬إضافة ً إلى هَذَا؛ فقد ك َانَ النفوذ الفَرَنس ِي في تراجع‬
‫حي ْثُ انهارت مستعمرتهم في فيتنام على إثر َّ‬
‫الثور َة الفيتنامية‪ ،‬وك َان َت بقية مستعمراتهم‬ ‫الحقبة‪َ ،‬‬

‫انتفاضات عارمة ً‪ ،‬خاصة في تونس والمغرب‪ ،‬جارتا الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫في شمال إفر يقيا تشهد ُ فعلا ً‬

‫أما بالنسبة للظروف الداخلية؛ فقد فشل النشاط السِيَاسِي في تحقيق أي مكاسب للشعب‬

‫الجَزَائِر ِي‪ ،‬ولم يستطع تيار المساواة ولا الاستقلال ولا ح ََّتى الاندماج أن يحقق الأهداف َّالتِي‬

‫السلطات الفَرَنس َِّية َ لا يمك ُ‬

‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ك رغم نشاطه لعقود طو يلة‪ .‬وقد أثبت هَذَا أن‬
‫وعد بِهَا أنصاره‪ ،‬وذَل ِ َ‬

‫أن تتنازل عن امتيازاتها أو لِنَق ُل عن استعباد الجزائر يين‪ ،‬ح ََّتى لو ك َانَ هَذَا التنازل يجعل‬

‫الجزائر ي ين فقط متساو يين مع الأوروبيين‪ ،‬وهكذا ع َرف الشعب الجَزَائِر ِي أن ثورة الحقوق‬

‫والحر يات َّالتِي تتغنى بِهَا الحضارة الفَرَنس َِّية ليست إلا حقا ً محتكرا ً للأوربي لن يُسمح للجزائري أبدا ً‬
‫بالتمتع بِهَا‪.‬‬

‫ك في مجازر ماي ‪1945‬؛‬

‫ومع ازدياد وتيرة القمع والتضييق على العمل السلمي‪ ،‬وقد تجلى ذ َل ِ َ‬

‫بدأت إرادة النضال المسلح تتشكل بوتيرة ٍ عالية ٍ بين صفوف الشعب ونخبه على حدٍ سواء‪ ،‬وهو‬

‫ما جعل العديد من النشطاء يتبرؤون أولا ً من المسار السِيَاسِي الَّذ ِي أصبح مذلا ً‪ ،‬وينأون بأنفسهم‬

‫عن الخلافات الداخلية َّالتِي ك َان َت تحصل بين رموز الحركات الوطنية وك َانَ معظمها نزاعا ً حول‬

‫ك للإعداد للث َورَة ِ المسلحة‪.‬‬

‫المناصب والسلطة‪ ،‬وينطلقون بعد ذَل ِ َ‬

‫المبحثَالأول‪َ:‬تشكيلَالقيادةَالسداسيةَوتأسيسَجبهةَالتحرِيرَالوطني َ‬
‫ل إن الحركة الوطنية الأبرز َّالتِي ك َان َت من المفترض أن تصبح امتدادا ً للث َورَة ِ المسلحة‬
‫يمكن القو ُ‬

‫ك لأنها ك َان َت تدعوا إلى‬

‫هي حركة "الانتصار للحر يات الديمقراطية" بقيادة مصالي الحاج‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫‪94‬‬
‫الاستقلال بخلاف غيرها الَّذ ِي ك َانَ يدعو للاندماج أو المساواة‪ .‬ولـكن هَذِه ِ الحركة ك َان َت‬

‫ل أساسية‪:‬‬
‫منقسمة ً إلى ثلاث كت ٍ‬

‫‪ .1‬أتباع مصالي الحاج رئيس الحركة وزعيمها التار يخي‪.‬‬

‫‪ .2‬أتباع اللجنة المركز ية َّالتِي ك َان َت بقيادة بن يوسف بن خدة‪.‬‬

‫الثور َّية للوحدة والعمل" َّالتِي أسسها قدماء المنظمة الخاصة وك َان َت بقيادة بوضياف‪.‬‬
‫‪" .3‬اللجنة َّ‬

‫الثور َّية للوحدة والعمل" قد حاولت البحث عن حلول عملية للمشاكل القائمة‬
‫تقدم معنا أن "اللجنة َّ‬

‫َّالتِي باتت تهدد الحزب بالانهيار‪ ،‬لـكن سرعان ما باءت مساعيها بالفشل‪ ،‬ولم تتمكن من توحيد‬
‫صفوف الحركة المنقسمة بين المركز يين والمصاليين‪ ،‬فقرر بوضياف ‪ 1‬في ربيع سنة ‪ ،1954‬أن‬

‫يتصل بعدد من المناضلين التابعين للمنظمة الخاصة في الحزب‪ ،‬و َالَّذ ِي َ‬

‫ن كانوا ملاحقين من طرف‬

‫السلطات الاستعمار ية‪ ،‬وقام بدعوتهم لاجتماع للوقوف على الوضع العام للحركة الوطنية وإيجاد‬

‫حل للخروج من الأزمة الحالية‪.‬‬

‫‪1‬وُلد محمد بوضياف في منطقة المسيلة بالشرق الجَزَائِر ِي يوم ‪ 23‬يونيو‪/‬حزيران ‪ .1919‬التحق بالحركة الوطنية‬
‫الجَزَائِر َِّية غداة الحرب العالمية الثانية‪ ،‬فان َ‬
‫خرط أولا ً في حزب الشعب الجَزَائِر ِي بزعامة مصالي الحاج‪ ،‬وشارك‬
‫خلال سنة ‪ 1947‬في تأسيس "المنظمة الخاصة" ‪ -‬الجناح الع َسكَر ِي لحزب من أجل انتصار الحر يات الديمقراطية‬
‫– ث َُّم سافر إلى ف َرَنس َا بعد اكتشاف أمر المنظمة‪ .‬وفي مارس‪/‬آذار ‪ ،1954‬عاد إلى الجَزَائ ِر وواصل جهوده في‬
‫إطار مجموعة الـــ‪ ،22‬وأشرف مع أعضائها على الإعداد لثورة َّ‬
‫التحر ِير عام ‪ .1954‬وفي أكتوبر‪/‬تشرين الأول من‬
‫عام ‪ 1956‬أوقف ‪-‬ومعه أحمد بن بلة ومحمد خيضر وحسين آيت أحمد ومصطفى الأشرف‪ -‬بعد اعتراض الجيش‬
‫الف َرَنس ِي طائرتهم خلال رحلة بين الرباط والقاهرة عبر تونس‪ .‬وأفرج عنه في إطار ترتيبات مفاوضات إيفيان‬
‫َّالتِي أفضت إلى استقلال الجَزَائ ِر‪ .‬ونشبت خلافات حادة بينه وبين بن بلة فور استقلال الجَزَائ ِر‪ ،‬انتهى بِه ِ الأمر‬
‫في السجن ث َُّم أفرج عنه ليغادر الجَزَائ ِر ومكث بوضياف في منفاه المغربي ‪ 28‬سنة ث َُّم عاد إلى بلاده في مطلع‬
‫‪ 1992‬بظل أزمة سياسية بسبب إلغاء الجيش نتائج أول انتخابات تشر يعية بعد فوز كاسح للجبهة الإسلامية للإنقاذ‬
‫في ديسمبر‪/‬كانون الأول ‪ ،1991‬أصبح بوضياف رئيس البلاد في ‪ 16‬يناير‪/‬كانون الثاني ‪ ،1992‬ولـكن عقب‬
‫قضائه ‪ 166‬يوما فقط في الحكم‪ ،‬اغتيل خلال اجتماع عام بمدينة عنابة شرقي البلاد يوم ‪ 29‬يونيو‪/‬حزيران ‪.1992‬‬

‫‪95‬‬
‫وفي ‪ 25‬يوليو ‪ 1954‬انعقد هَذَا الاجتماع بمنزل إلياس دریش‪ 1‬بحي المدنية في مدينة الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫وقد حضر عدد من المناضلين الاجتماع بلغ عددهم اثنين وعشرين‪ 2،‬وهو ما اصطلح عليه بعد‬

‫ك بمجموعة الاثنين والعشرين‪َ.‬وقد عُين بالإجماع مصطفى بن بولعيد‪ 3‬رئيسا ً للاجتماع‪ ،‬ث َُّم قدم‬
‫ذَل ِ َ‬

‫الثور َّية للوحدة والعمل‪،‬‬

‫محمد بو الضياف عرضا ً شاملا ً لأسباب الفشل الَّذ ِي آلت إليه اللجنة َّ‬

‫وختم قوله بأنه لم يبق ه ُنَاك َ حل إلا القيام ب َِّالثورَة ِ المسلحة‪ .‬وفي ذَل ِ َ‬
‫ك يقول بوضياف‪« :‬ك َان َت‬

‫الجلسة برئاسة مصطفى بن بو العيد‪ ،‬أما أنا فكنت أقدم التقرير الَّذ ِي ت ََّم في الاجتماعات التمهيدية‬
‫‪4‬‬ ‫من طرف المجموعة كلها‪ ،‬وك َان َت النقاط المطروحة هي‪:‬‬

‫‪ .1‬تاريخ المنظمة الخاصة من نشأتها إلى ذوبانها‪َ .‬‬

‫‪ .2‬تقرير حول فضح الهيئة المخربة لإدارة الحزب‪.‬‬

‫‪ .3‬العمل المنجز من طرف قدماء المنظمة ما بين ‪َ.1954 – 1950‬‬

‫‪ .4‬أزمة الحزب وأسبابها العميقة‪َ.‬‬

‫الثور َّية للوحدة والعمل‬

‫‪ .5‬تفسير وضعية أعضاء اللجنة َّ‬

‫إلياس دريش‪ :‬سياسي أماز يغي جزائري‪ ،‬ينحدر من سوق الحد في منطقة القبائل والخشنة‪ .‬ناضل في صفوف‬ ‫‪1‬‬

‫حزب الشعب الجَزَائِر ِي ث َُّم حركة انتصار الحر يات الديمقراطية‪ ،‬وهو أحد أعضاء لجنة الـ ‪ 22‬الجَزَائِر َِّية َّالتِي‬
‫اجتمعت في منزله يوم ‪ 25‬يوليو ‪.1954‬‬
‫‪ 2‬المناضلون الاثنان والعشرون‪ :‬باجي مختار‪ ،‬بلوزداد عثمان‪ ،‬بن عبد المالك رمضان‪ ،‬بن عودة مصطفى‪ ،‬مصطفى‬
‫بن بو ال عيد‪ ،‬العربي بن مهيدي‪ ،‬الأخضر بن طوبال‪ ،‬رابح بيطاط‪ ،‬زبير بوعجاج‪ ،‬السعيد بوعلي‪ ،‬أحمد بوشعيب‪،‬‬
‫محمد بو الضياف‪ ،‬عبد الحفيظ بو الصوف‪ ،‬مراد ديدوش‪ ،‬عبد السلام حباشي‪ ،‬عبد القادر العمودي‪ ،‬محمد‬
‫مشاطي‪ ،‬سليمان ملاح‪ ،‬محمد مرزوقي‪ ،‬بوجمعة سويداني‪ ،‬يوسف ز يغود‪ ،‬بالإضافة إلى صاحب المنزل وهو إلياس‬
‫دریش‪.‬‬
‫‪ 3‬مصطفى بن بو لعيد (مواليد ‪ 5‬فبراير ‪ - 1917‬ت‪ 22 .‬مارس ‪ ،)1956‬سياسي وثوري وقائد عسكري جزائري‪،‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية"‪ .‬وك َانَ قائدا ً عسكر يا ً أثبت جدارته في الميدان في مواجهة‬
‫اشتهر بلقب "أسد الأوراس"‪ ،‬و"أبو َّ‬
‫الاستعمار الف َرَنس ِي‪ ،‬ينتمي إلى عائلة ميسورة الحال‪ ،‬التحق بحزب الشعب‪ ،‬ث َُّم انضم إلى المنظمة الخاصة‪ ،‬وعند‬
‫اكتشاف المنظمة من قبل السلطات الاستعمار ية في مارس ‪ 1950‬برز دور بن بولعيد بقوة لما أخذ على عاتقه‬
‫التكفل بإيواء بعض المناضلين المطاردين وإخفائهم عن أعين العدو وأجهزته الأمنية‪ ،‬ث َُّم ك َانَ من المؤسسين للجنة‬
‫الثور َّية للوحدة والعمل‪ .‬اعت ُقل من قبل القوات الف َرَنس َِّية يوم ‪ 11‬فبراير ‪.1955‬‬
‫َّ‬
‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪59‬‬
‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪4‬‬

‫‪96‬‬
 ‫‪ .6‬ومع وجود الحرب التحرير ية في تونس والمغرب ماذا يجب أن نفعل؟‬

‫وق ََّدم َ الحاضرون تقارير عن أوضاع مناطقهم‪ ،‬وأكد السيد مصطفى بن بو العيد ضرورة التعجيل‬
‫ألح على أن َّ‬
‫الثور َة متخمرة في أذهان الشعب الجَزَائِر ِي‬ ‫بالانتفاضة‪ ،‬أما السيد مراد ديدوش‪ 1‬فقد َّ‬

‫قائلاً‪" :‬إن الشعب أشبه بعصف يابس لا ينتظر سوى النار ليشتعل‪ ،‬يجب إلقاء عود الثقاب أيها‬

‫الإخوة‪ ،‬يجب إلقاء عود الثقاب"‪ 2.‬وتنازل بن بو العيد وكلف بو الضياف بقيادة الاجتماع‪،‬‬

‫فقام بو الضياف بتعيين لجنة خماسية مكونة من بن بو العيد وبو الضياف وبن مهيدي ‪ 3‬وديدوش‬

‫وبيطاط للقيام بالأمور التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬تعيين منسق للث َورَة ِ‪" ،‬مع التأكيد على أن المبدأ الَّذ ِي يجب أن تسير عليه َّ‬
‫الثور َة هو القيادة‬

‫الجماعية والابتعاد عن الزعامة الفردية لتجنب تكرار أزمة حركة الانتصار للحر يات‬

‫الديمقراطية "‪َ َ.‬‬

‫‪ -2‬تحديد تاريخ اندلاع َّ‬

‫الثور َة‪.‬‬

‫‪ -3‬الاتصال بكريم بلقاسم‪ 4‬وجماعة القبائل الَّذِي َ‬

‫ن لم يحضروا الاجتماع لإقناعهم بالانضمام‬
‫إلى َّ‬
‫الثور َة‪َ .‬‬

‫ديدوش مراد (لقبه "سي عبد القادر"‪ ،‬ولد في ‪ 13‬يوليو‪- 1927‬توفي ‪ 18‬يناير ‪ .)1955‬ك َانَ ديدوش أصغر‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َّية للوحدة والعمل‪ ،‬وعين في أكتوبر من نفس‬

‫الستة المفجرين للث َورَة ِ عام ‪ .1954‬ساهم في إنشاء اللجنة َّ‬
‫السنة مسؤولا ً على منطقة قسنطينة للإشراف على تفجير َّ‬
‫الثور َة بالولاية الثانية‪ ،‬وليعرف ه ُنَاك َ باسم السي عبد‬
‫ك يوم ‪ 18‬يناير ‪ 1955‬بعد معركة قرب بوكركر‬ ‫ن سقطوا في حرب َّ‬
‫التحر ِير‪ ،‬وذ َل ِ َ‬ ‫القادر‪ .‬وك َانَ من أوائل الَّذ ِي َ‬
‫خاضها برفقة سبعة عشر مجاهدا ً يرأسهم بنفسه‪.‬‬
‫التحر ِ ير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪60‬‬
‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪2‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬من مواليد مدينة عين مليلة الواقعة في شرق‬
‫‪3‬محمد العربي بن مهيدي‪ :‬مناضل جزائري وأسطورة َّ‬
‫الجَزَائ ِر‪ .‬لعب بن مهيدي دورا ً كبيرا ً في التحضير للث َورَة ِ المسلحة‪ ،‬وسعى إلى إقناع الجميع بالمشاركة فيها‪ ،‬اعتقل‬
‫نهاية شهر فيفري‪/‬فبراير ‪ ،1957‬واستشهد تحت التعذيب ليلة الثالث إلى الرابع من مارس ‪.1957‬‬
‫‪ 4‬كريم بلقاسم (‪ )1970 - 1922‬من مواليد ‪ 14‬ديسمبر ‪ .1922‬انخرط في صفوف حزب الشعب بعد ‪،1945‬‬
‫الثور َة كخيار وحيد‪ .‬لذلك لجأ إلى السر ية وتحصن بالجبال يكون الخلايا الع َسكَر َِّية لليوم‬
‫ومنذ ‪ 1947‬آمن بفكرة َّ‬
‫الثور َة ك َانَ أحد مفجريها وأحد قادة جبهة َّ‬
‫التحر ِير الوطني منذ النشأة إذ شارك في‬ ‫الموعود‪ .‬عند اندلاع َّ‬
‫الاجتماعات َّالتِي سبقت أول نوفمبر ‪( 1954‬عضو مجموعة الستة)‪ ،‬وأصبح قائدا ً للمنطقة الثالثة "القبائل"‪ ،‬وقاد‬

‫‪97‬‬
 ‫حي ْثُ شهد الاجتماع‪ ،‬غياب ممثلي منطقة القبائل‪َّ ،‬التِي تعتبر مهمة لاستكمال َّ‬
‫الثور َة على كافة‬ ‫َ‬

‫أراضي الجَزَائ ِر وبين كافة فئات الشعب الجَزَائِر ِي‪ ،‬فقررت المجموعة الاتصال بقائدها كريم‬

‫بلقاسم‪ ،‬ونائبه أعمر أوعمران ‪ 1‬من أجل إقناعهما بالانضمام للحركة الجديدة‪ ،‬وقد نجح هَذَا المسعى‪،‬‬

‫وتباعاًَ أضيفَ كريمَ إلىَ القيادةَ الخماسيةَ التِيَ تحولتَ إلىَ السداسيةَ (اشتهرتَ بلجنةَ الستةَ‬

‫التار يخية)َقبلَأنَتتسعَبإضافةَأعضاءَالمندوبيةَالمقيمينَبالخارج‪.‬‬

‫عقدت ا لقيادة ُ السداسية ُ سلسلة ً من الاجتماعات في الجَزَائ ِر العاصمة بداية ً من شهر سبتمبر‬

‫‪ ،1954‬إلى غاية آخر اجتماع لهم بتاريخ الرابع والعشرين أكتوبر ‪ .1954‬وفي هَذِه ِ الاجتماعات‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وق ُ ِ‬

‫سم َت البلاد إلى خمس‬ ‫دُرِسَت الخطوط العر يضة َّالتِي يجب أن تقوم عليها َّ‬

‫مناطق جغرافية على ك ُل منطقة منها مسؤول‪ 2،‬كما ك ُلف السيد محمد بوضياف بمهمة التنسيق بين‬

‫الداخل والخارج‪ ،‬بالإضافة إلى الإشراف على تعبئة الجزائر يين ‪-‬خاصة ً بِفَرَنس َا‪ -‬من أجل دفعهم‬

‫الثور َة‪ ،‬كما ت ََّم الاتفاق على تسمية "جبهةَالتحرِيرََالوطني" لتصبح الإطار العام للثَورَة ِ‬
‫لمساندة َّ‬

‫الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وعلى تسمية الجناح الع َسكَر ِي "جيشَالتحرِيرَالوطني"‪ ،‬والَّذ ِي تشكلت نواته الأولى‬

‫العمليات الع َسكَر َِّية الأولى ضِد المراكز والقوات الف َرَنس َِّية في منطقة القبائل‪ ،‬وأشرف على هيكلة وتأطير المجاهدين‬
‫بالمنطقة بمساعدة أعمر أو عمران ومحمدي السعيد‪ .‬شارك في مؤتمر الصومام وصار عضوا ً في لجنة التنسيق والتنفيذ‬
‫بعد مؤتمر الصومام‪ .‬بعد تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهور ية الجَزَائِر َِّية شغل عدة مناصب‪ ،‬ث َُّم اغتيل بعد الاستقلال‬
‫في ‪ 18‬أكتوبر ‪ 1970‬في فندق بمدينة فرانكفورت‪ ،‬ألمانيا‪.‬‬
‫أعمر أوعمران‪ 28 - 1919( :‬يوليو‪ )1992‬ك َانَ منخرطا ً في صفوف الجيش الف َرَنس ِي‪ ،‬اعتقل بعد الثامن مايو‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 1945‬بعد رفضه المشاركة في تقتيل الجزائر يين وحكم عليه بالإعدام‪ ،‬صدر في حقه العفو سنة ‪ .1946‬عاد إلى‬
‫مدينته وأصبح مسؤولا ً في حزب الشعب رفقة كريم بلقاسم‪ ،‬قُبض عليه مجددا ً وتمكن من الفرار من السجن‪،‬‬
‫ك الوقت أصبح يعيش في السر ية‪ .‬خ َلَف "رابح بيطاط" على رأس الولاية الرابعة وأصبح عضوا ً في‬
‫ومنذ ذ َل ِ َ‬
‫التحر ِير الوطني بلبنان ث َُّم‬
‫المجلس الوطني للث َورَة ِ الجَزَائِر َِّية ومكلفا ً بالتسليح والتموين‪ .‬سنة ‪ 1960‬عين ممثلا ً لجبهة َّ‬
‫تركيا‪ .‬توفي ‪ 28‬يوليو ‪.1992‬‬
‫مصطفى بن بو العيد على المنطقة الأولى (الأوراس) وهو يختار خليفته الَّذ ِي أصبح فيما بعد شیهاني البشير‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫مراد ديدوش على المنطقة الثانية (شمال قسنطينة) ونائبه يوسف ز يغود وبعده مختار باجي والأخضر بن طوبال‪،‬‬
‫بلقاسم كريم على المنطقة الثالثة (القبائل) ونائبه أعمر أوعمران‪ ،‬رابح بيطاط على المنطقة الرابعة (وسط الجَزَائ ِر)‬
‫ونائبه بوجمعة سويداني‪ ،‬العربي بن مهيدي على المنطقة الخامسة (وهران) ونائبه عبد الحفيظ بو الصوف‪ ،‬والمنطقة‬
‫السادسة (الجنوب والصحراء) ُّأجل تعيين المسؤول عليها‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫من المناضلين المنتسبين إلى "حزب الشعب الجَزَائِر ِي" ث َُّم "حركة انتصار الحر يات الديمقراطية"‬

‫وخاصة أعضاء المنظمة الخاصة‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫التحرِير وجيش َّ‬
‫التحرِير‪:‬‬ ‫ومن أهم القرارات الأخرى َّالتِي اتخذت مع تشكيل جبهة َّ‬

‫‪ .1‬تحديد تاريخ اندلاع َّ‬

‫الثور َة بالأول من نوفمبر ‪ 1954‬على الساعة الثانية عشر من ليلة ‪ 31‬أكتوبر‬

‫في جميع المناطق بدون تأخير أو تقديم على الوقت المحدد‪.‬‬

‫ن اندلاعَ َّ‬
‫الثور َة و يوضح ُ هدفها و يأذن‬ ‫‪ .2‬إصدار بيان موجه للرأي العام الجَزَائِر ِي والعالمي يعل ُ‬
‫بميلاد حركة تسمى جبهة َّ‬
‫التحرِير الوطني‪ ،‬وسمي بنداء "فاتح نوفمبر"‪.‬‬

‫‪ .3‬اتفق الجميع على أن تحديد الأهداف َّالتِي سيقع الهجوم عليها هو من مسؤولية قائد المنطقة‬
‫بمساعدة نوابه‪ ،‬وهي ترمي إلى تحقيق هدفين أساسيين‪ :‬الإعلان عن قيام َّ‬
‫الثور َة وجمع ما أمكن‬

‫من السلاح من عند العدو‪.‬‬

‫‪ .4‬تكليف بو الضياف بتبليغ هَذِه ِ القرارات إلى القيادات والمناضلين اللاجئين في القاهرة‪ ،‬وهم‬
‫أحمد‪3.‬‬ ‫أحمد بن بلة ومحمد خيضر‪ 2‬وحسين آيت‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص ‪112 - 11‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫ولد محمد خيضر في ‪ 13‬مارس ‪ 1912‬في بسكرة‪ ،‬انخرط في صفوف حزب نجم شمال أفر يقيا ث َُّم في حزب‬ ‫‪2‬‬

‫حي ْثُ انتخب نائبا ً عن الجَزَائ ِر العاصمة عام ‪ .1946‬اتهمته السلطات الاستعمار ية بالضلوع في‬
‫الشعب الجَزَائِر ِي‪َ ،‬‬
‫حادثة السطو على بريد وهران عام ‪ ،1950‬إذ استعملت س يارته لنقل النقود من وهران إلى الجَزَائ ِر العاصمة‪ .‬لجأ‬
‫إلى القاهرة عام ‪ ،1951‬وأصبح مندوبا ً لحركة انتصار الحر يات الديمقراطية في القاهرة وعضوا ً في جبهة تحرير‬
‫المغرب العربي َّالتِي ك َانَ يرأسها عبد الـكريم الخطابي‪ .‬اعتقل مع أحمد بن بلة ورفاقه يوم ‪ 22‬أكتوبر ‪ 1956‬بعد‬
‫اختطاف الطائرة َّالتِي ك َان َت تقلهم إلى تونس‪ ،‬ولم يطلق سراحه إلا في ‪ 19‬مارس ‪ .1962‬كما أدرج اسمه كوزير‬
‫دولة في الحكومة المؤقتة للجمهور ية الجَزَائِر َِّية ‪ .1962-1958‬وفي عام ‪ ،1967‬ت ََّم اغتياله في مدريد‪ ،‬إسبانيا‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ك َانَ مكلفا ً‬
‫ولد عام ‪ 1926‬بعين الحمام في القبائل الـكبرى (تيزي وزو)‪ .‬وهو أحد مفجري َّ‬ ‫‪3‬‬

‫بالدعاية من مكتب جبهة َّ‬

‫التحر ِير الوطني‪ .‬اعتقل مع أحمد بن بلة ورفاقه يوم ‪ 22‬أكتوبر ‪1956‬حيث مكث في‬
‫السجن ح ََّتى الاستقلال عام ‪ . 1962‬اصطدم آيت أحمد مع ما ك َانَ يعتبره سياسة تسلطية للرئيس الأسبق أحمد‬
‫حي ْثُ أوقف عام ‪ 1963‬وحكم عليه بالإعدام‪ ،‬وهرب‬
‫بن بلة‪ ،‬ليحمل السلاح ويدخل متخفيا ً إلى مناطق القبائل َ‬

‫‪99‬‬
 ‫حسينَآيتَأحمد َََََََََََََََََََََََََََََأحمدَبنَبلة‪ََََََََََََََََََََََََََََََ 1‬محمدَخيض َر َ‬

‫وبعد أن وزعت اللجنة السداسية المهام المصغرة فيما بينها؛ انطلق ك ُل قائد نحو المنطقة َّالتِي ك َان َت‬
‫من نصيبه على أن يُعقد أول اجتماع تنسيقي‪ ،‬بعد ثلاثة أشهر من اندلاع َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬في مدينة‬

‫ك برنامج شامل للـكفاح المسلح‪ .‬واستكمل‬

‫الجَزَائ ِر‪ ،‬ي َت ُم فيه تقييم العملية و يوضع على ضوء ذَل ِ َ‬
‫أعضاء اللجنة الشروع في التحضيرات النهائية للدخول في َّ‬
‫الثور َة من أجل تحرير الجَزَائ ِر؛ وفي‬

‫صيف ‪ 1954‬أعطيت الأوامر من طرف الحركة بإعادة توز يع السلاح‪ ،‬مع الشروع في صنع‬

‫من السجن ومن الجَزَائ ِر‪ ،‬ولم يعد إلا مع الانفتاح الَّذ ِي أعقب أحداث ‪ ،1988‬لـكن سرعان ما قفل راجعا ً‬
‫إلى منفاه الاختياري بسويسرا بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف عام ‪.1992‬‬
‫‪ 1‬سياسي وثوري ورجل دولة جزائري‪ ،‬ولد في مدينة مغنية‪ ،‬وواصل تعليمه الثانوي بمدينة تلمسان‪ ،‬وأدى الخدمة‬
‫الع َسكَر َِّية سنة ‪ . 1937‬انضم إلى الحركة الوطنية باشتراكه في حزب الشعب الجَزَائِر ِي وحركة انتصار الحر يات‬
‫الديمقراطية‪ .‬ألقي عليه القبض سنة ‪ 1950‬بالجَزَائِر ِ العاصمة وحكم عليه بعد سنتين بسبع سنوات سجن‪ ،‬هرب من‬
‫السجن سنة ‪ 1952‬فذهب إلى القاهرة وكون فيما بعد الوفد الخارجي لجبهة َّ‬
‫التحر ِير الوطني‪ .‬قبض عليه مرة‬
‫أخرى سنة ‪ 1956‬خلال عملية القرصنة الجو ية َّالتِي نفذها الطيران الع َسكَر ِي الف َرَنس ِي ضِد الطائرة َّالتِي ك َان َت‬
‫والتِي ك َانَ معه خلالها أربعة قادة آخرين لجبهة َّ‬
‫التحر ِير الوطني‪ ،‬وبقي معتقلا ً إلى‬ ‫تنقله من المغرب إلى تونس َّ‬
‫موعد الاستقلال في ‪ 5‬يوليو ‪ 1962‬فعاد هو ورفاقه إلى الجَزَائ ِر‪ .‬في ‪ 15‬سبتمبر ‪ 1963‬انتخب أول رئيس‬
‫للجمهور ية الجَزَائِر َِّية‪ .‬وفي ‪ 19‬يونيو ‪ 1965‬عزل من طرف مجلس َّ‬
‫الثور َة‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫القنابل‪ .‬وابتداء ً من الثامن من تشرين أول (أكتوبر) ‪ ،1954‬بدأ توز يع السلاح على مختلف‬

‫الولايات استعدادا ً للانطلاق في العمل المسلح‪.‬‬

‫المبحثَالثاني‪َ:‬انطلاقَالثورةَالجزائِر ِيةَ َ‬
‫في ليلة الفاتح من نوفمبر ‪ ،1954‬على الساعة الصفر كما وقع الاتفاق عليه (أي الثانية عشرة ليلا ً)؛‬

‫قام المناضلون بتنفيذ عمليات مختلفة‪ :‬مثل إعدام بعض الخونة‪ ،‬ونصب الـكمائن لقوات العدو من‬

‫شرطة ودرك وجيش‪ ،‬وإغارات على ثكنات العدو وبعض مصالحه الإدار ية والتقنية‪ ،‬وعلى‬

‫مزارع المعمرين‪...‬إلخ‪.‬‬

‫وبلغت هَذِه ِ العمليات كلها حوالي مئة عملية‪ ،‬وك َان َت في أكثر من ثلاثين موقعا ً في البلاد‪،‬‬

‫باستثناء منطقة الصحراء‪ .‬وقد وقع الـكثير منها في الأوراس وفي القبائل وفي شمال قسنطينة‪ .‬أما‬

‫في المنطقة الرابعة‪ ،‬فوقعت هجمات محدودة في مدينة الجَزَائ ِر‪ ،‬وفي سهل متيجة وفي المنطقة‬

‫الخامسة‪ ،‬كما تمركزت العمليات حول مدينة مستغانم وقرب الحدود المغربية‪ ،‬وبالتالي فإن النصف‬
‫السكان‪1.‬‬ ‫من التراب الوطني شهد عمليات عسكر ية‪ ،‬وهَذَا النصف توجد فيه الأغلبية من‬

‫َبيانَالفاتحَمنَنوفمبرَ‪َ :1954‬‬

‫ومع بداية العمليات الع َسكَر َِّية المتفرقة‪ ،‬وزعت الجبهة الوطنية منشورا ً ورقيا ً ع ُرف ببيان الفاتح‬
‫‪2‬‬ ‫من نوفمبر وقد جاء فيه‪:‬‬

‫بسمَاللهَالرحمنَالرحيَم َ‬

‫"أيها الشعب الجَزَائِر ِي‪ ،‬أيها المناضلون من أجل القضية الوطنية‪ ،‬أنتم الَّذ ِي َ‬
‫ن ستصدرون حكمكم‬

‫بشأننا ـ نعني الشعب بصفة عامة‪ ،‬والمناضلون بصفة خاصةـ نُعلم ُكم أن غرضنا من نشر هَذَا الإعلان‬

‫هو أن نوضح لـك ُم الأسْ باَبَ الع َميقة َّالتِي دفعتنا إلى العمل‪ ،‬بأن نوضح لـكم مشروعنا والهدف من‬

‫عملنا‪ ،‬ومقومات وجهة نظرنا الأساسية َّالتِي دفعتنا إلى الاستقلال الوطني في إطار الشمال‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص ‪112 - 11‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪102-101-100‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪101‬‬
‫الإفر يقي‪ ،‬ورغبتنا أيضا ً هو أن نجنبكم الالتباس الَّذ ِي يمكن أن توقعكم فيه الإمبر يالية وعملاؤها‬

‫الإدار يون وبعض مح ترفي السياسة الانتهاز ية‪.‬‬

‫فنحن نعتبر قبل ك ُل شيء أن الحركة الوطنية ‪-‬بعد مراحل من الـكفاح‪ -‬قد أدركت مرحلة‬

‫الثور َّية‬
‫التحقيق النهائية‪ .‬فإذا ك َانَ هدف أي حركة ثور ية ‪-‬في الواقع‪ -‬هو خلق جميع الظروف َّ‬

‫للقيام بعملية تحرير ية‪ ،‬فإننا نعتبر الشعب الجَزَائِر ِي في أوضاعه الداخلية متحدا ً حول قضية‬

‫الاستقلال والعمل‪ ،‬أما في الأوضاع الخارجية فإن الانفراج الدولي مناسب لتسو ية بعض‬

‫المشاكل الثانو ية َّالتِي من بينها قضيتنا َّالتِي تجد سندها الديبلوماسي‪ ،‬وخاصة من طرف إخواننا‬

‫العرب والمسلمين‪.‬‬

‫إن أحداث المغرب وتونس لَهَا دلالتها في هَذَا الصدد‪ ،‬فهي تمثل بعمق مراحل الـكفاح التحرري‬

‫في شمال إفر يقيا‪ .‬ومما يلاحظ في هَذَا الميدان أننا منذ مدة طو يلة أول الداعين إلى الوحدة في‬

‫العمل‪ .‬هَذِه ِ الوحدة َّالتِي لم يتح لَهَا مع الأسف التحقيق أبدا ً بين الأقطار الثلاثة‪.‬‬

‫إن ك َُّل واحد منها اندفع اليوم في هَذَا السبيل‪ ،‬أما نحن الَّذِي َ‬
‫ن بقينا في مؤخرة الركب فإننا نتعرض‬

‫إلى مصير من تجاوزته الأحداث‪ ،‬وهكذا فإن حركتنا الوطنية قد وجدت نفسها محطمة‪ ،‬نتيجة‬

‫لسنوات طو يلة من الجمود والروتين‪ :‬توجيهـها سيء‪ ،‬محرومة من سند الرأي العام الضروري‪ ،‬قد‬

‫تجاوزتها الأحداث‪ ،‬الأمر الَّذ ِي جعل الاحتلال يطير فرحا ظنا ً منه أنه قد أحرز أضخم انتصاراته‬

‫في كفاحه ضِد الطليعة الجَزَائِر َِّية‪.‬‬

‫إن المرحلة خطيرة‪ .‬أمام هَذِه ِ الوضعية َّالتِي يخشى أن يصبح علاجها مستحيلا ً‪ ،‬رأت مجموعة من‬

‫الشباب المسؤولين المناضلين الواعين َّالتِي جمعت حولها أغلب العناصر َّالتِي لا تزال سليمة‬

‫ومصممة‪ ،‬أن الوقت قد حان لإخراج الحركة الوطنية من المأزق الَّذ ِي أوقعها فيه صراع‬

‫الثور َّية إلى جانب إخواننا المغاربة والتونسيين‪.‬‬

‫الأشخاص والتأثيرات لدفعها إلى المعركة الحقيقية َّ‬

‫وبهذا الصدد‪ ،‬فإننا نوضح بأننا مستقلون عن الطرفين اللذين يتنازعان السلطة‪ ،‬إن حركتنا قد‬

‫وضعت المصلحة الوطنية فوق ك ُل الاعتبارات التافهة والمغلوطة لقضية الأشخاص والسمعة‪،‬‬

‫‪102‬‬
‫ولذلك فهي موجهة فقط ضِد الاستعمار الَّذ ِي هو العدو الوحيد الأعمى‪ ،‬الَّذ ِي رفض أمام‬

‫وسائل الـكفاح السلمية أن يمنح أدنى حر ية‪.‬‬

‫ونظن أن هَذِه ِ أسباب كافية لجعل حركتنا التجديدية تظهر تحت اسم‪ :‬جبهة َّ‬
‫التحرِير الوطني‪.‬‬

‫وهكذا نت َّخل ُ‬
‫ص من جميع التنازلات المحتملة‪ ،‬ونتيح الفرصة لجميع المواطنين الجزائر يين من جميع‬

‫الطبقات الاجتِم َاع َِّية‪ ،‬وجميع الأحزاب والحركات الجَزَائِر َِّية أن تنضم إلى الـكفاح التحرري‬

‫دون أدنى اعتبار آخر‪ .‬ولـكي نبين بوضوح هدفنا فإننا نسطر فيما يلي الخطوط العر يضة لبرنامجنا‬

‫السِيَاسِي‪.‬‬

‫الهدفَهوَالاستقلالَالوطنيَبواسطةَ‪َ :‬‬

‫‪ .1‬إقامة الدولة الجَزَائِر َِّية الديمقراطية الاجتِم َاع َِّية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ‬

‫الإسلامية‪.‬‬

‫‪ .2‬احترام جميع الحر يات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني‪.‬‬

‫الأهدافَالداخلية‪َ :‬‬

‫‪ .1‬التطهير السِيَاسِي بإعادة الحركة الوطنية إلى نهجها الحقيقي والقضاء على جميع مخلفات‬

‫الفساد َّالتِي ك َان َت عاملا ً هاما ً في تخلفنا الحالي‪.‬‬

‫‪ .2‬تجميع وتنظيم جميع الطاقات السليمة لدى الشعب الجَزَائِر ِي لتصفية النظام الاستعماري‪.‬‬

‫الأهدافَالخارجية‪َ :‬‬

‫‪ .1‬تدو يل القضية الجَزَائِر َِّية‪.‬‬

‫‪ .2‬ت حقيق وحدة شمال إفر يقيا في داخل إطارها الطبيعي العربي والإسلامي‪.‬‬

‫‪ .3‬في إطار ميثاق الأمم المتحدة نؤكد عطفنا الفعال تجاه جميع الأمم َّالتِي تساند قضيتنا‬

‫التحرير ية‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الثور َّية‪ ،‬واعتبارا ً للأوضاع الداخلية والخارجية‪ ،‬فإننا‬
‫وسائلَ الـكفاحَ‪ :‬انسجاما ً مع المبادئ َّ‬

‫سنواصل الـكفاح بجميع الوسائل ح ََّتى تحقيق هدفنا‪.‬‬

‫إن جبهة َّ‬

‫التحرِير ال وطني‪ ،‬لـكي تحقق هدفها يجب عليها أن تنجز مهمتين أساسيتين في وقت واحد‬

‫وهما‪ :‬العمل الداخلي سواء في الميدان السِيَاسِي أو في ميدان العمل المحض‪ ،‬والعمل في الخارج‬

‫لجعل القضية الجَزَائِر َِّية حقيقة واقعة في العالم كله‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫ك بمساندة ك ُل حلفائنا الطبيعيين‪ .‬إن‬

‫هَذِه ِ مهمة شاقة ثقيلة العبء‪ ،‬وتتطلبُ ك َُّل القوى وتعبئةك ُِل الموارد الوطنية‪ ،‬وحقيقة ً إن الـكفاح‬

‫سيكون طو يلا ً ولـكن النصر َ محقق‪.‬‬

‫وفي الأخير‪ ،‬وتحاشيا ً للتأو يلات الخاطئة وللتدليل على رغبتنا الحقيقة في السلم‪ ،‬وتحديدا ً للخسائر‬

‫البشر ية وإراقة الدماء‪ ،‬فقد أعددنا للسلطات الفَرَنس َِّية وثيقة ً مشرفة للمناقشة‪ ،‬إذا ك َان َت هَذِه ِ‬

‫السلطات تَحد ُوه َا النية الطيبة‪ ،‬وتعترف نهائيا ً للشعوب َّالتِي تستعمرها بحقها في تقرير مصيرها‬

‫بنفسها‪:‬‬

‫‪ .1‬الاعتراف بالجنسية الجَزَائِر َِّية بطر يقة علنية ورسمية‪ ،‬ملغية بذ َل ِ َ‬

‫ك ك ُل الأقاو يل والقرارات‬

‫والقوانين َّالتِي تجعل من الجَزَائ ِر أرضا ً فرنسية ً رغم التاريخ والجغرافيا واللغة والدين‬

‫والعادات للشعب الجَزَائِر ِي‪.‬‬

‫‪ .2‬فتح مفاوضات مع الممثلين المفوضين من طرف الشعب الجَزَائِر ِي على أسس الاعتراف‬

‫بالسيادة الجَزَائِر َِّية وحدة لا تتجزأ‪.‬‬

‫ك بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ورفع الإجراءات‬

‫‪ .3‬خلق جو من الث قة وذَل ِ َ‬

‫الخاصة وإيقاف ك ُل مطاردة ضِد القوات المكافحة‪.‬‬

‫وفيَالمقابل‪َ َ:‬‬

‫‪ .1‬فإن المصالح الفَرَنس َِّية‪ ،‬ثقافية ك َان َت أو اقتصادية والمحصل عليها بنزاهة‪ ،‬ستحترم وكذلك‬

‫الأمر بالنسبة للأشخاص والعائلات‪.‬‬

‫‪104‬‬
 ‫‪ .2‬جميع الفرنسيين الَّذِي َ‬
‫ن يرغبون في البقاء بالجَزَائِر ِ يكون لهم الاختيار بين جنسيتهم الأصلية‬

‫ك كأجانب تجاه القوانين السار ية أو يختارون الجنسية الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وفي هَذِه ِ‬
‫و يعتبرون بذَل ِ َ‬

‫الحالة يعتبرون كجزائر يين بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات‪.‬‬

‫‪ .3‬تحدد الروابط بين ف َرَنس َا والجَزَائ ِر‪ ،‬وتكون موضوع اتفاق بين القوتين الاثنتين على أساس‬

‫المساواة والاحترام المتبادل‪.‬‬

‫أيها الجَزَائِر ِي‪ ،‬إننا ندعوك لتبارك هَذِه ِ الوثيقة‪ ،‬وواجبك هو أن تنضم لإنقاذ بلدنا والعمل على‬
‫أن نسترجع لَه ُ حريته‪ ،‬إن جبهة َّ‬
‫التحرِير الوطني هي جبهتك‪ ،‬وانتصارها هو انتصارك‪.‬‬

‫أما نحن‪ ،‬العازمون على مواصلة الـكفاح‪ ،‬الواثقون من مشاعرك المناهضة للإمبر يالية‪ ،‬فإننا نقدم‬

‫َس ما نملك‪".‬‬
‫للوطن أَنْف َ‬

‫فاتحَنوفمبرَ‪1954‬‬

‫التحرِير" قد رسم الإطار الَّذ ِي يجب أن تسلـكه َّ‬

‫الثور َة‪ ،‬وأصبح‬ ‫من الواضح إذا ً أن بيان "جبهة َّ‬

‫بمثابة ميثاق داخلي عام للحراك المسلح والسِيَاسِي‪ ،‬وهَذَا يدل على وجود رشد فكري لدى قادة‬
‫الحركة َّ‬
‫قل نظيره بين العديد من الحركات المجاهدة في التاريخ المعاصر‪ .‬لقد شمل البيان عدة محاور‬
‫الثور َة بناءه‪ ،‬وأهداف جبهة َّ‬
‫التحرِير الداخلية‬ ‫مهمة؛ مثل شكل الدولة المستقبلية َّالتِي تريد َّ‬

‫والخارجية‪ ،‬ونظرة جبهة َّ‬

‫التحرِير إلى الوجود الفَرَنس ِي في الجَزَائ ِر مستقبلاً‪.‬‬

‫‪105‬‬
 ‫توزعَالعملياتَفيَالبلاد‪َ َ:‬‬

‫شملت العمليات تقريبا ً كامل التراب الوطني باستثناء الجنوب‪ .‬وقد ك َانَ عدد المناضلين على‬

‫كامل التراب الجَزَائِر ِي بين الـثمانمئة مناضل إلى الألف والخمسمئة مناضل على أكثر تقدير‪،‬‬
‫المسدسات‪1.‬‬ ‫وكانوا مسلحين ببنادق حربية وبنادق الصيد وبعض‬

‫الخر يطةَ(‪َ:)18‬تقسيمَجبهةَعملياتَجيشَالتحر ِيرَالوطنيَسنةَ‪َ1954‬و‪َ 1955‬‬

‫َ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 – 1954‬ص‪ –338‬الدكتور بوبكر حفظ الله‪ ،‬نشأة‬
‫محمد عباس‪ ،‬نصر بلا ثمن َّ‬ ‫‪1‬‬

‫وتطور جيش َّ‬

‫التحر ِير الوطني ‪ ،1958 - 1954‬ص ‪.59-58‬‬
‫الحقيقة أن أعداد المناضلين تختلف من مرجع لآخر‪ ،‬بعض المؤرخين قدر أعداد المناضلين بـ ألف وخمسمئة‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية ص ‪ ،10‬بينما ذهبت بعض المصادر لرفع‬
‫كالمؤرخ زهير إحدادن في كتابه – المختصر في تاريخ َّ‬
‫الرقم إلى ثلاثة آلاف مناضل‪ ،‬وتُجمِعُ المصادر ُ رغم اختلافها قبيل اندلاع عمليات الأول من نوفمبر على مشاركة‬
‫الربع من المناضلين فقط‪ ،‬لعدة أسباب أهمها عدم توفر السلاح‪.‬‬

‫‪106‬‬
 ‫العملياتَفيَالمنقطةَالأولىَ(الأوراس)‪َ :‬‬

‫‪1‬‬ ‫يمكن القول إن العمليات َّالتِي حصلت في المنطقة الأولى مع انطلاق َّ‬
‫الثور َة ك َان َت في‪:‬‬

‫حي ْثُ هاجمت مجموعة يقودها "حسين برحایل" محافظة الشرطة والبلدية المختلطة ومركز‬
‫َبسكرة‪َ َ :‬‬

‫الـكهرباء‪ ،‬وحاولت إضرام النار في محطة الأرتال‪ ،‬وفي معمل النجارة «غوردون»‪ ،‬وهو ما‬

‫تسبب بأربعة جرحى في صفوف العدو‪َ .‬‬

‫خنشلة‪َ:‬ك َانَ تحطيم مولد الـكهرباء بالمدينة بمثابة إشارة انطلاق العمليات‪ ،‬وقد تمكنت المجموعات‬

‫َّالتِي يقودها " لغرور" من احتلال مرکز الشرطة ومن تجريد الأعوان من سلاحهم‪ ،‬ولـكنها لم‬

‫ك هدفها الرئيسي‪ .‬وتسببت هَذِه ِ العملية في مقتل قائد‬

‫تنجح في التسرب إلى ثكنة المدينة وك َانَ ذَل ِ َ‬

‫حامية المدينة‪َ .‬‬

‫باتنة‪ :‬انطلقت العملية في هَذِه ِ البلدة متأخرة عن موعدها‪ ،‬أي بعد بدء الإنذار‪ ،‬ولهذا السبب لم‬

‫تتمكن المجموعات َّالتِي يقودها "بوشمال‪ ،‬وعبيدي الحاج لخضر وإبراهيم بوستة" من بلوغ أهدافها‪،‬‬

‫وهي ثكنة الصباحية ومخزن البارود وثكنة الحرس المتجول‪ .‬ولـكن أثناء انسحابهم أطلق أفراد‬

‫المجموعة النار فقتلوا جنديا ً وضابطا ً فرنسياً‪.‬‬

‫ل كامل‪.‬‬
‫فم َ‪َ-‬الطوب‪ :‬ح ُررت البلدة بِش َك ٍ‬

‫مضائقَتغانمين‪ :‬تمكنت مجموعة يقودها "البشير الشيهاني" من إيقاف حافلة ركاب‪ ،‬للقبض على‬

‫أحد العملاء في المنطقة ‪ -‬قائد منطقة مشونش‪ ،‬الحاج بن صادق‪ -‬الَّذ ِي ك َانَ من بين الركاب‪،‬‬

‫وقد أصيب اثنين من مرافقته على إثر اشتباك مع مجموعة الشيهاني‪.‬‬

‫عينَمليلة‪ :‬لم تنفذ العمليا ت فيها بسبب تخلي ستة من أفراد المجموعة المكلفة بذ َلِكَ‪.‬‬

‫وبالمجمل فقد شملت هجمات الفاتح من نوفمبر جميع منطقة الأوراس‪ ،‬وتمكن المناضلون من‬

‫الاستيلاء على بعض مراكز الجيش‪ ،‬وقطع بعض الطرقات‪ ،‬وعزل بعض المدن الصغيرة والتمركز‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية سنوات المخاض‪ ،‬ص ‪ 17‬و‪18‬‬

‫محمد حربي‪َّ ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪107‬‬
‫فيها عدة ساعات‪ ،‬وقتل عدد كبير من جنود الاحتلال وأعوانه‪ ،‬واغتنام كميةكبيرة من السلاح‬
‫والذخيرة‪ .‬والحقيقة أن َّ‬
‫الثور َة لاقت نجاحا ً في المنطقة الأولى (الأوراس) أكثر من المناطق‬
‫الأسباب‪1:‬‬ ‫ك لجملة من‬
‫الأخرى‪ ،‬و يعود ذَل ِ َ‬

‫• عدد المناضلين ك َانَ كبيرا ً مقارنة بغيرها من المناطق‪ ،‬وك َانَ سلاحهم أفضل لما فيه من‬

‫بنادق حرب ورشاشات‪َ َ.‬‬

‫• طبيعة المنطقة الجغرافية من وعورة ٍ وامتداد‪ ،‬كما أن تواجد السلطات الاستعمار ية فيها‬

‫ك َانَ ضعيفا ً مقارنة بالمناطق الشمالية‪.‬‬

‫• ك َان َت مأوىً لعددٍ كبير من أعضاء المنظمة الخاصة الملاحقين من قبل السلطات الفَرَنس َِّية‬
‫خزنا ً للأسلحة‪2.‬‬
‫وبالتالي ك َان َت ميدانا ً للتدريب وم‬

‫"لم تتمكن السلطات الاستعمار ية من المقاومة الفور ية‪ ،‬فاستطاع المناضلون مواصلة َ هجماتهم بنجاح‬

‫في الأيام َّالتِي أعقبت الفاتح من نوفمبر في عدة نواحي من المنطقة‪ ،‬مثل أريس وفم الطوب‬

‫وأمشونش وتکوت وإشمول وقنتیس وغيرها‪ .‬ولـكن أمام هَذَا الوضع‪ ،‬حشدت السلطات‬

‫الفَرَنس َِّية قواتها فيما بعد‪ ،‬وحاصرت المنطقة لاسترجاع نفوذها‪ .‬ونظرا ً لازدياد قوات العدو شعر‬

‫قائد المنطقة مصطفى بن بوالعيد بضرورة توفير كمية أكبر من السلاح لتجنيد عدد أكبر من‬

‫المناضلين‪ ،‬فقرر مغادرة المنطقة إلى ليبيا في محاولة للحصول على السلاح‪ ،‬وعين "شيهاني" خلفا ً لَه ُ‪،‬‬
‫قسنطينة"‪3.‬‬ ‫ض للأسر في الحدود التونسية‪ ،‬ث َُّم و ُ ِ‬
‫ض َع في سجن‬ ‫ولـكنه َّ‬
‫تعر َ‬

‫العملياتَفيَالمنقطةَالثانيةَ(شمالَقسنطينة َ) َ‬

‫بدأت العمليات في هَذِه ِ المنطقة على جبهة تمتد بين شرق جيجل ح ََّتى عنابة‪ ،‬وتمتد جنوبا ً إلى‬

‫مدينة قسنطينة‪ ،‬فاستهدفت هجمات المناضلين ‪-‬الَّذ ِي َ‬

‫ن يقدر عددهم بحوالي مئتي مناضل‪ -‬ثكنات‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية ‪ ،1962 – 1954‬ص ‪14‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬كتاب المختصر في َّ‬ ‫‪1‬‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص ‪130‬‬ ‫‪2‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص ‪14 -‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪3‬‬

‫‪108‬‬
‫ومراكز السلطات الفَرَنس َِّية‪ ،‬وقام المناضلون بقطع أعمدة التليفون والـكهرباء وإتلاف وحرق‬

‫المزارع‪ ،‬كما استطاعوا اغتنام كمية جيدة من السلاح والذخيرة‪ ،‬بالإضافة لتجنيد عدد متزايد من‬
‫وقسنطينة‪1.‬‬ ‫المناضلين‪ ،‬وتمكنوا في الأيام التالية من تنفيذ هجمات جديدة في ناحية الميلية والقل‬

‫ومنَأبرزَالأحداثَالتِيَشهدتهاَالمنطقةَبعدَهجماتَالأولَمنَنوفمبر‪َ :‬‬

‫في ‪ 18‬نوفمبر ‪ 1954‬وقع اشتباك قوي بين مجموعة من الثوار والجيش الفَرَنس ِي شرق مدينة‬ ‫•‬

‫عنابة استشهد خلاله مختار باجي وهو من مجموعة "الـ ‪َ ."22‬‬

‫في ‪ 14‬جانفي ‪ 1955‬وقع اشتباك عنيف قرب اسمندو شمال قسنطينة‪ ،‬استشهد أثناءه‬ ‫•‬

‫قائد المنطقة "مراد ديدوش" وخلفه "ز يغود يوسف"‪َ.‬‬

‫العملياتَفيَالمنقطةَالثالثةَ(القبائل)َ‬

‫ك في ليلة الفاتح بعض الهجمات‬

‫ك َانَ نشاط هَذِه ِ المنطقة في البداية ضعيفا ً‪ ،‬لـكنها شهدت رغم ذ َل ِ َ‬
‫مثل‪2:‬‬ ‫على مراكز العدو‬

‫تخريب وسائل الاتصالات في كامل المنطقة‪َ .‬‬ ‫‪-‬‬

‫إضرام النار في مخازن الخفاف والتبغ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مهاجمة ثكنات الجندرمة في ك ُل من عزازقة‪ ،‬تزقرت‪ ،‬ذراع الميزان وغيرها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫هجومات سر يعة في برج منايل‪ ،‬معسكر الريشال‪ ،‬ربيقال‪ ،‬وقد أسفرت هَذِه ِ العمليات عن‬ ‫‪-‬‬

‫مقتل اثنين من حراس الغابات‪.‬‬

‫كما ووقعت عدة هجمات متنوعة على المراكز الفَرَنس َِّية الإدار ية والاقتصادية‪ ،‬في ناحية تيزي‬ ‫‪-‬‬
‫وغيرها‪3 .‬‬ ‫وزو والبويرة وتازمالت وأزفون‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪15‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية سنوات المخاض‪ ،‬ص ‪19‬‬

‫محمد حربي‪َّ ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص ‪16 - 15‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪33‬‬

‫‪109‬‬
‫وصل عدد المناضلين في المنطقة إلى ما يقارب الخمسمائة‪ 1 ،‬لـكن النشاط الع َسكَر ِي فيها ك َانَ بطيئا ً‬

‫نوعا ً ما بسبب اهتمام القيادة في الأشهر الأولى بتنظيم وشرح العمل في أوساط مناضلي حركة‬

‫الانتصار للحر يات الديمقراطية الَّذِي َ‬

‫ن كانوا ‪-‬في معظمهم‪ -‬موالين لـ"مصالي"‪ .‬وفي نفس الوقت‬

‫ك َانَ التجنيد ي َت ُم ببطء نتيجة عدم وجود الأسلحة الكافية‪ .‬ولم تبدأ العمليات الع َسكَر َِّية في تِل ْ َ‬
‫ك‬
‫الأسلحة‪2.‬‬ ‫ُّ‬
‫تنصب أساسا ً للحصول على‬ ‫ل كمائن‬
‫المنطقة إلا في ربيع عام ‪ ،1955‬وك َان َت في شك ِ‬

‫العملياتَفيَالمنطقةَالرابعةَ(وسطَالجزائ ِر)‪َ :‬‬

‫شهدت المنطقة الرابعة بعض الهجمات المتفرقة في الجَزَائ ِر المدينة‪ ،‬وبليدة‪ ،‬وبوفار يك‪ ،‬لـكنها لم‬

‫تستطع تحقيق الأهداف المرسومة لَهَا‪ .‬ولسوء حظها فقد ك َان َت سلطات الاحتلال تتابع تحركات‬
‫مناضلي حركة الانتصار للحر يات الديمقراطية في المنطقة‪ ،‬وتمكنت في الشهر الأول‪ ،‬من إلقاء‬

‫القبض على أغلبية العناصر الَّذِي َ‬

‫ن بدأوا مع السيد بيطاط‪ 3‬بما في ذ َل ِ َ‬
‫ك نوابه في العاصمة‪ .‬بل إن‬

‫بيطاط نفسه وقع أسيرا ً في منتصف شهر فبراير سنة ‪.1955‬‬

‫المصدر نفسه‪،‬ص‪15‬‬ ‫‪1‬‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص ‪132‬‬ ‫‪2‬‬

‫رابح بيطاط (‪ 19‬ديسمبر ‪ 10 - 1925‬أبر يل ‪ ،) 2000‬ولد بعين الـكرمة بولاية قسنطينة بالشرق الجَزَائِر ِي‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ناضل في صفوف حركة انتصار الحر يات الديمقراطية وك َانَ عضوا ً في المنظمة السر ية‪ .‬حكم عليه غيابيا ً بالسجن‬
‫الثور َّية للوحدة والعمل‪ .‬ك َانَ‬
‫لعشر سنوات بعد مشاركته في مهاجمة دار البريد بوهران‪ .‬وهو عضو مؤسس للجنة َّ‬
‫كذلك من بين مجموعة الاثنين والعشرين (‪ )22‬ومجموعة الستة (‪ )6‬القادة التار يخيين الَّذ ِي َ‬
‫ن أعطوا إشارة انطلاق‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية التحرير ية‪ .‬عين بعدها مسؤولا ً عن المنطقة الرابعة (الجَزَائ ِر)‪ .‬وفي ‪ 1955‬اعتقلته السلطات‬
‫َّ‬
‫الاستعمار ية بعد الحكم عليه بالسجن المؤبد ث َُّم أطلق سراحه بعد وقف إطلاق النار في مارس ‪ .1962‬عين في‬
‫‪ 27‬سبتمبر ‪ 1962‬نائبا ً لرئيس مجلس أول حكومة جزائر ية ث َُّم استقال بعد ذ َل ِ َ‬
‫ك بسنة‪ .‬في ‪ 10‬يوليو ‪ 1965‬عين‬
‫وزيرا ً للدولة‪ .‬وبعد وفاة الرئيس هواري بومدين في ‪ 28‬ديسمبر ‪ ،1978‬تقلد بالنيابة رئاسة الجمهور ية لمدة خمسة‬
‫وأربعين يوما ً‪ .‬تولى رئاسة المجلس الشعبي الوطني لمدة أربع فترات تشر يعية إلى أن قدم استقالته في ‪ 2‬أكتوبر‬
‫‪ .1990‬توفي يوم ‪ 10‬أبر يل ‪.2000‬‬

‫‪110‬‬
‫وفي نفس الشهر (يعني فبرایر)‪ ،‬وصل المناضل عبان رمضان‪ 1‬إلى مدينة الجَزَائ ِر موفدا ً من طرف‬

‫كريم بلقاسم‪ ،‬ليشرف على النشاط في هَذِه ِ المدينة بعد خروجه من السجن‪ ،‬وهكذا بدأت تتكون‬

‫ما يسمى بمنطقة "الجَزَائ ِر الحرة" تحت إشراف عبان رمضان الَّذ ِي تمكن بالاستعانة ببعض الخلايا‬

‫النشطة من إجراء عدة اتصالات مع المنظمات والجمعيات والشخصيات المختلفة‪ ،‬واستطاع أن‬
‫الوطني‪2.‬‬ ‫يقنعها بالانضمام إلى جبهة َّ‬
‫التحرِير‬

‫المنطقةَالخامسةَ(وهران)َ‪َ :‬‬

‫بالنسبة للمنطقة الخامسة فإن ليلة الفاتح من نوفمبر لم تكن ناجحة في معظمها‪ ،‬وتمكنت قوات‬

‫الاحتلال من إلحاق خسائر فادحة بالمجموعات الأولى من المجاهدين في منطقة وهران‪ ،‬وسيدي‬
‫ك اليوم الأول من َّ‬
‫الثور َة النائب الأول لقائد المنطقة‬ ‫بلعباس‪ ،‬والظهرا‪ ،‬ومن جملة القتلى في ذَل ِ َ‬

‫ج منهم إلا نحو عشرة‪ ،‬من‬

‫"ابن عبد المالك رمضان"‪ ،‬كما استشهدَ عدد كبير من المناضلين ولم ين ُ‬

‫بينهم العربي بن مهيدي‪ ،‬وبوالصوف (عينه بن مهيدي نائبا ً لَه ُ على منطقة وهران)‪ ،‬وأخذت‬

‫قوات الأمن الاستعمار ية تطاردهم‪ ،‬فلم يستأنفوا نشاطهم الع َسكَر ِي بصفة مكثفة ٍ إلا في أكتوبر‬
‫‪3 .1955‬‬

‫‪ 1‬ومن جملة القادة البارزين تجدر الإشارة إلى السيد عبان رمضان الَّذ ِي خرج من السجن في النصف الثاني من‬
‫شهر فيفري‪/‬فبراير ووضع نفسه تحت تصرف جبهة َّ‬
‫التحر ِير الوطني‪ .‬وقد ك َانَ من مسؤولي حركة الانتصار للحر يات‬
‫الديمقراطية‪ .‬قاد ولاية بجاية ث َُّم ولاية عنابة إلى غاية سنة ‪ 1950‬عندما ألقي عليه القبض وحكم عليه بالحبس لمدة‬
‫خمس سنوات‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص ‪16‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪17‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪111‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)19‬أهمَعملياتَجبهةَالتحر ِيرَليلةَالفاتحَمنَنوفمبَر َ‬

‫فيَسياقَ تحليلَالأحداثَالعسكر ِيةَالأوليةَللثورة ِ؛َمنَنقاطَالقوةَالتِيَ تُحسبُ َ لجبهةَالتحرِيرَ‬

‫أنها‪َ َ:‬‬

‫ل مسبق للهجمات‪ ،‬فقامت بتجميع السلاح وتحديد مناطق العمليات وتعيين‬

‫‪ .1‬خططت بِش َك ٍ‬
‫القادة ونوابهم‪ .‬ليس كالعديد من الثورات المسلحة الأخرى َّالتِي ك َان َت تحدث ارتجاليا ً كردة‬

‫حدث معين‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫فعل على‬

‫ق رؤيتها التفصيلية َّالتِي ظهرت للعلن في بيان الفاتح من نوفمبر‪ ،‬وقد ك َان َت‬
‫ل مسب ٍ‬
‫‪ .2‬صاغت بِش َك ٍ‬
‫تستهدف الرأي العام العالمي والداخلي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫رؤ ية ً سياسية ً شاملة ً‬

‫ك كي تشتت قوات‬
‫‪ .3‬حرصت على توز يع جبهات العمليات على ك ُل التراب الجَزَائِر ِي‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫ل دونَ محاصرة أو تطو يق قوات الثوار في منطقة ٍ واحدة ٍ‪ ،‬وهَذَا أيضا ً ما لم‬
‫الاحتلال وتَح ُو َ‬

‫يراعِه ِ الثوار السابقون الَّذ ِي َ‬

‫ن كانوا يقاتلون في جزء واحد من البلاد‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪ .4‬لم تحاول خوض معارك حاسمة مع العدو مثلما ك َانَ الشأن في المقاومات الشعبية الأولى‪،‬‬

‫بل ك َانَ الهدف هو الاستنزاف من خلال الإغارات والتخريب والـكمائن‪.‬‬

‫أماَنقاطَالضعفَوالعقباتَالتِيَكانتَظاهرة ًَفيَالأيامَالأولىَمنَالثورة‪َ 1 :‬‬

‫‪ .1‬رفض قادة الشمال القسنطيني تعيين السيد رابح بيطاط على رأس المنطقة الثانية‪ .‬وقد‬

‫ل بينه وبين ديدوش مراد الَّذ ِي ك َانَ قد عُيِنَ في بداية الأمر على رأس‬
‫ع ُولِ ج َ الوضع بتباد ٍ‬

‫المنطقة الرابعة‪.‬‬

‫ك بسبب حالة الطوارئ ورد الفعل‬

‫‪ .2‬لم يقع الاجتماع المتفق عليه بعد ثلاثة أشهر‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫العنيف الَّذ ِي أبدته السلطات والَّذ ِي أدى في تِل ْ َ‬

‫ك الأشهر الأولى إلى استشهاد مراد‬

‫دیدوش‪ ،‬وأسر ك ُل من مصطفى بن بولعيد ورابح بيطاط‪ ،‬وكذلك ميلاد الحركة الوطنية‬
‫الجَزَائِر َِّية َّالتِي أرادها السيد مصالي أن تكون تنظيما ً منافسا ً لجبهة َّ‬
‫التحرِير الوطني‪.‬‬

‫‪ .3‬ك َانَ ضعف التنسيق بين قادة َّ‬

‫الثور َة في المناطق وفشل عمليات تخريب وسائل اتصال‬

‫العدو عائقا ً أمام نجاح بعض العمليات الع َسكَر َِّية َّالتِي توالت بعد الانطلاق‪ .‬في باتنة مثلا ً‬

‫استطاع الحاكم المحلي أن يتخذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع العمليات في مدينته بعد أن‬

‫علم بما حدث في بسكرة‪.‬‬

‫‪ .4‬ك َانَ الاستيلاء على الأسلحة في الثكنات أحد الأهداف الرئيسية للعمليات‪ ،‬ولـكنه لم‬

‫يتحقق بالشكل المطلوب‪ ،‬ولذلك فإن قضية السلاح ستصبح الشغل الشاغل لزعماء جبهة‬
‫َّ‬
‫التحرِير فيما بعد‪.‬‬

‫‪ .5‬في مناطق الجَزَائ ِر وقسنطينة ووهران ظهرت نقائص تتمثل في ضعف التنظيم والتجربة‪،‬‬

‫وك َان َت هَذِه ِ المناطق هي َّالتِي تفتقر إلى السلاح أكثر من غيرها‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية سنوات المخاض‪ ،‬ص ‪21‬‬

‫انظر محمد حربي‪َّ ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪113‬‬
‫ل كبير على المنطقتين الأولى "الأوراس" والثانية "الشمال‬
‫‪ .6‬ك َانَ تركيز ف َرَنس َا بِش َك ٍ‬
‫القسنطيني" اللتين شهدتا أحداثا ً وعمليات أكثر من باقي المناطق‪ .‬الأمر الَّذ ِي جعل َّ‬
‫الثور َة‬

‫تعاني فيهما من تركيز كبير للقوة الفَرَنس َِّية مقارنة ببقية المناطق‪.‬‬

‫وبالعموم‪ ،‬لقد استطاع رجال جيش َّ‬

‫التحرِير الوطني في الأشهر الأولى أن يجمعوا حوالي ألف‬

‫قطعة سلاح ما بين بنادق صيد ومسدسات وبنادق حربية موروثة عن الحرب العالمية الثانية‪،‬‬

‫لـكن الأمر المتوقع عندما تفرقت القيادة العليا عشية أول نوفمبر؛ أن توفر نشاطات المندوبية في‬

‫الخارج بقيادة السيد محمد بوضياف ‪-‬الَّذ ِي كلف بتعبئة الجزائر يين في ف َرَنس َا‪ -‬الأسلحة والذخائر‬

‫اللازمة‪.‬‬

‫لـكن مهمة السيد بوضياف في ف َرَنس َا اصطدمت بسيطرة مصالي شبه الكلية على هياكل حركة‬

‫ال انتصار للحر يات الديمقراطية‪ .‬لأجل ذَلِكَ‪ ،‬اضطر بوضياف إلى القيام بحملة توعية واسعة النطاق‬

‫في أوساط مناضلي الحركة المذكورة إلى أن تمكن من استمالة عددٍ كبيرٍ منهم‪ ،‬م َِّما سمح لَه ُ بإنشاء‬
‫ذَلِكَ‪1.‬‬ ‫هياكل جديدة لجبهة َّ‬
‫التحرِير الوطني في ف َرَنس َا بعد‬

‫ولئن ك َان َت َّ‬

‫الثور َة قد حققت كثيرا ً من التقدم‪ ،‬وأحرزت العديد من الانتصارات في المجالين‬

‫السِيَاسِي والع َسكَر ِي‪ ،‬فإن مشكلة التسليح بقيت مطروحة ً بحدة إلى نهاية عام ‪ .1955‬وهو ما‬

‫ح لسلطة الاحتلال بأن تجمع قواها وتوظف إمكانات حربية هائلة لقمع المناطق الثائرة‪.‬‬
‫سيسم ُ‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص‪124‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪114‬‬
 ‫المبحثَالثالث‪َ:‬ردودَالأفعالَعلىَانطلاقَالثورة َ‬
‫التحرِير تداعيات عديدة على الصعيد المحلي والإقليمي‪ ،‬بل ح ََّتى‬
‫الثور َة بقيادة جبهة َّ‬
‫ك َانَ لاندلاع َّ‬

‫الدولي‪ ،‬وقد نتج عن هَذَا الحدث التار يخي ردود أفعال متنوعة في الأوساط الداخلية والخارجية‪،‬‬

‫ولتسهيل الحديث عن ه َذِه ِ الآثار؛ يمكننا أن نتناول هَذَا المبحث في المطالب التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬ردودَالأفعالَفيَالأوساطَالجزائِر ِية‪َ .‬‬

‫‪ .2‬ردودَالأفعالَالفرنسِية‪َ.‬‬

‫‪ .3‬ردودَالأفعالَالإقليميةَوالدوليةَ‪.‬‬

‫المطلبَالأول‪َ:‬ردودَالأفعالَفيَالأوساطَالجزائِر ِيةَ َ‬

‫ِ‬
‫وقع الأزمة الداخلية لحركة انتصار الحر يات الديمقراطية (حزب الشعب الجَزَائِر ِي قبل‬ ‫على‬

‫حظره) في عام ‪ ، 1954‬لم يكن الشعب الجَزَائِر ِي يتصور اندلاع الأحداث على الأراضي‬

‫يعيش حالة ً من القلق جراء الانقسام والبلبلة في أوساط‬

‫ُ‬ ‫الجَزَائِر َِّية بِهَذِه ِ السرعة‪ ،‬وك َانَ الشعب‬

‫الحركات الوطنية‪ ،‬وبالتالي لم يكن مستعدا ً لتأييد أي عمل ضِد السلطات الفَرَنس َِّية‪َ ،‬‬
‫حي ْثُ ك َانَ‬

‫ينقصه البرنامج الواضح للوقوف مع هكذا انتفاضة‪ .‬وبالعموم فقد ك َانَ الجزائر يون في البداية‬

‫مترددين ومتخوفين من المغامرة خصوصا ً أن مجازر ‪ 8‬ماي ‪ 1945‬ك َان َت لاتزال تلوح في الأفق‪.‬‬

‫ك فإن العام ‪ 1955‬لم يأت إلا وقد وجدَ الجزائر يون أنفسهم قد دخلوا في خضم المعركة‪،‬‬
‫ومع ذَل ِ َ‬

‫ح ََّتى أصبح انضمام السكان إلى أوساط المناضلين جماعيا ً كما في منطقة الأوراس‪ .‬أما أوساط‬
‫ٍ‬
‫بارتياح كبير‪ ،‬والتحق العديد‬ ‫المهاجرين الجزائر يين في ف َرَنس َا‪ ،‬فقد قوبلت عمليات الفاتح من نوفمبر‬

‫من مناضلي حركة انتصار الحر يات الديمقراطية بالأراضي الجَزَائِر َِّية إيمانا ً منهم بأن العمليات‬
‫المنشودة‪1.‬‬ ‫مقدمة حقيقية للث َورَة ِ‬

‫وعلى الصعيد الآخر‪ ،‬أدت الأزمة الداخلية للحركة الوطنية وانقسامها إلى تجميد مسألة الوحدة بين‬

‫الأحزاب؛ فَك َانَ ك ُل حزب يعتقد ُ أن الحركة المصالية قد ضعفت‪ ،‬وك َانَ الجميع يحاول أن يستفيد‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية سنوات المخاض‪ ،‬ص ‪32-31‬‬

‫‪ 1‬محمد حربي‪َّ ،‬‬

‫‪115‬‬
‫حي ْثُ أصبح ك ُل من الاتحاد الديمقراطي للبيان الجَزَائِر ِي وجمعية العلماء يحلم بضم‬
‫من ذَلِكَ‪َ ،‬‬

‫أتباع حزب انتصار الحر يات الديمقراطية إلى حركته‪.‬‬

‫أما في ف َرَنس َا‪ ،‬فإن الحزب الشيوعي الفَرَنس ِي قد عاد إلى الحلم الَّذ ِي طالما راوده في فرض هيمنته‬

‫على الجالية الجَزَائِر َِّية‪ ،‬خلفا ً لمصالي الحاج‪ .‬وبالعموم فإن أطراف الحركات الوطنية ‪"-‬باستثناء‬

‫مصالي الحاج" الَّذِي َ‬

‫ن ك َانَوا يعتزمون استثمار الحدث‪ -‬قد تفاجؤوا باندلاع الأحداث‪ ،‬وكَانَ‬

‫موقفهم منها موقفا ً محافظاً‪.‬‬

‫لقد ك َان َت هَذِه ِ التنظيمات تشعر بأن نفوذها في خطر‪ ،‬وبالتالي لا يمكنها أن تدعم مبادرة اتخذت‬

‫خارجها وبدون موافقتها‪ ،‬فَك َانَ ه ُنَاك َ شبه إجماع لدى ك ُل الأحزاب على التشكيك في نجاح‬
‫َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬بداية من الشيوعيين وصولا ً إلى أتباع اللجنة المركز ية‪ ،‬مرورا ً بالاتحاد الديمقراطي للبيان‬
‫الجَزَائِر ِي ‪1‬وجزء من جمعية العلماء‪ ،2‬لذلك فإن العبارات َّالتِي استعملها هؤلاء لنعت َّ‬
‫الثور َة ك َان َت‬

‫تفاجأت قيادة الحزب الديمقراطي للبيان للجزائري باندلاع َّ‬

‫الثور َة فَك َانَ الموقف المبدئي للحزب ورئيسه السيد‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة بشكلها الحالي (الـكفاح المسلح) لأنها لا تتناسب مع المنهج الَّذ ِي اعتمده‬
‫فرحات عباس‪ ،‬هو معارضة َّ‬
‫الحزب في تعامله مع الإدارة الف َرَنس َِّية القائم على أساس المطالب السِيَاس َِّية‪ .‬وظل السيد فرحات عباس ورجال‬
‫حزبه خلال السنة الأولى للث َورَة ِ يرفضون منطق الـكفاح المسلح‪ ،‬ويدعون بالمقابل إلى القضاء على العنف عن‬
‫طر يق القيام بإصلاحات سياسية جذر ية‪ .‬وبقي السيد فرحات عباس متمسكا ًبالآمال وينتظر استجابة الإدارة‬
‫الف َرَنس َِّية لمطالبه ح ََّتى أيقن بأنه لم يعد ه ُنَاك َ من يقبل بالنظام الاستعماري‪ ،‬فقرر الالتحاق ب َِّالثورَة ِ في الثاني‬
‫والعشرين أبر يل‪/‬نيسان ‪( . 1956‬المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أيلول نوفمبر ‪،1954‬‬
‫كتاب مرجعي عن َّ‬
‫الثور َة التحرير ية ‪ ،1962-1954‬ص ‪)33‬‬
‫حي ْثُ‬ ‫انقسمت الجمعية في الداخل الجَزَائِر ِي إلى تيارين أحدهما يؤيد َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬والآخر يعارضها‪ .‬أما في الخارج َ‬ ‫‪2‬‬

‫ك أصدرت‬
‫ك َانَ يتواجد رئيسها الشيخ البشير الإبراهيمي‪ ،‬فقد أيد منذ البداية الـكفاح المسلح‪ ،‬ومن أجل ذ َل ِ َ‬
‫الجمعية بيانا ً في الثاني من نوفمبر‪ ،‬وآخر في اليوم الخامس عشر من نفس الشهر سنة ‪ ،1954‬أكد فيهما الشيخ‬
‫البشير موقفه الثابت من خيار الـكفاح المسلح‪ ،‬ودعا بوضوح إلى ضرورة تأييد َّ‬
‫الثور َة تأييدا ً مطلقاً‪.‬‬
‫وعليه يمكن التمييز بين موقفين مؤيد قاده في الخارج الشيخ البشير الإبراهيمي‪ ،‬وتبناه عمليا ً الشيخ العربي التبسي‬
‫في الداخل‪ ،‬وموقف معارض تمركز أساسا ً بالداخل‪ ،‬ك َانَ على رأسه الشيخ خير الدين (من القيادات والمؤسسين‬
‫ك بتاريخ الثاني عشر فيفري‪/‬فبراير ‪ 1956‬إلى َّ‬
‫الثور َة‪( .‬المركز الوطني‬ ‫الأوائل للجمعية)‪ ،‬الَّذ ِي انضم بعد ذ َل ِ َ‬
‫للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أيلول نوفمبر ‪ ،1954‬كتاب مرجعي عن َّ‬
‫الثور َة التحرير ية ‪-1954‬‬
‫‪ ،1962‬ص‪)36-35-34‬‬

‫‪116‬‬
‫تدور بين‪« :‬استفزاز»‪« ،‬مغامرة»‪« ،‬عملية انتحار ية»‪ 1.‬والحقيقة أنه لم يكن أي مسؤول من‬
‫مسؤولي هَذِه ِ الأحزاب ‪-‬باستثناء البشير الإبراهيمي‪ -‬يعتقد ُ بنجاح َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬بل إنهم كانوا ينتظرون‬
‫منه‪2.‬‬ ‫انهيارها و يعتبرونه أمرا ً حتميا ً لا َّ‬
‫مفر‬

‫ومع ذَلِكَ‪ ،‬جندت الأحزاب طاقاتها للتنديد بالقمع المسلط على الأهالي‪ ،‬مع أن مجهوداتهم لم‬

‫تأت بالنتائج المرجوة‪ .‬وهكذا فإنهم قد استغلوا ح ََّتى النهاية الإمكانيات القليلة َّالتِي توفرها الشرعية‬

‫لمنع إبادة السكان‪ ،‬ح ََّتى جاء دورهم لتشملهم موجة القمع‪ُّ ،‬فأوق َِف المركز يون في ديسمبر‪/‬كانون‬

‫الأول ‪ 3 ،1954‬ووقع حظر الحزب الشيوعي في سبتمبر‪/‬أيلول ‪ .1955‬وفي أواخر سنة ‪1955‬‬

‫قرر الإتحاد الديمقراطي للبيان الجَزَائِر ِي وقف التعامل مع السلطات الفَرَنس َِّية‪ ،‬وانضم رئيسه إلى‬
‫التحرِير‪ .‬أما جمعية العلماء َّالتِي شهدت تباينا ً في موقفها‪ ،‬فإنها لم تنضم كليا ً للث َور َة ِ إلا في‬
‫جبهة َّ‬

‫سنة ‪.1956‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية سنوات المخاض‪ ،‬ص ‪34-33‬‬

‫محمد حربي‪َّ ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ك لأن جميعهم قد عاش أحداث ‪ 8‬ماي‪/‬أيار ‪ 1945‬وبقيت ذكراها ماثلة في أذهانهم وكانوا يخافون وقوعها‬
‫‪ 2‬ذ َل ِ َ‬
‫مرة أخرى‪ .‬لذا فهم يرفضون بحذر الأمر الواقع‪.‬‬
‫جاءت الانتفاضة بالنسبة للمركز يين في وقت غير ملائم بنظرهم فقد كانوا يطالبون بالانتظار ح ََّتى تتهيأ ظروف‬ ‫‪3‬‬

‫أفضل للشروع في الـكفاح المسلح‪ ،‬وك َانَ اهتمامهم منصبا ً على تدو يل القضية الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وكانوا ينوون قبل تحقيق‬
‫هَذ َا الهدف عقد مؤتمر يجمع الأحزاب والشخصيات الوطنية‪ .‬وأمام تطور الأحداث لم يكن لهم موقف موحد‬
‫بل جاءت ردود فعلهم مشتتة حسب وضعيةك ُل واحد منهم‪ .‬في القاهرة وضعت قيادة الحزب نفسها في خدمة‬
‫جبهة َّ‬
‫التحر ِير‪ ،‬وأما بِف َرَنس َا فإن ممثلي المركز يين "بولحروف وبن محل" كانا في حيرة تامة من أمرهما‪ ،‬وقد حاول‬
‫ك ُل منهما إجراء مفاوضات مع المصاليين‪ ،‬لـكنها لم تؤد الى نتيجة‪ ،‬وكانا يعارضان بشدة فكرة الحزب الواحد إن‬
‫لم تشارك في تكريسه ك ُل القوى السِيَاس َِّية المتواجدة على الساحة‪ .‬لـكن في سنة ‪ 1955‬التحقا بجبهة َّ‬
‫التحر ِير‪ .‬وفي‬
‫الجَزَائ ِر ك َانَ المركز يون يعتبرون أحداث نوفمبر انقلابا ً داخل حركة انتصار الحر يات الديمقراطية‪ ،‬وك َانَ الحذر‬
‫ن كانوا يعتبرون الدخول في َّ‬
‫الثور َة‬ ‫الشديد يغلب على تحركاتهم‪ ،‬الشيء الَّذ ِي زاد في حيرة أتباعهم القليلين الَّذ ِي َ‬
‫أفضل طر يقة لإنقاذ الحركة‪.‬‬

‫‪117‬‬
 ‫المطلبَالثاني‪َ:‬ردودَالفعلَالفرنسِيةَ َ‬

‫اتحدت ردود الفعل الفَرَنس َِّية في موقف رافض مبدئيا ً لمطالب بيان الأول من نوفمبر‪ ،‬داعية في‬

‫التحرِير بقوة وبسرعة‪ ،‬واتهمت بعض الأوساط السِيَاس َِّية في ف َرَنس َا‬
‫نفس الوقت إلى ردع جبهة َّ‬

‫حركة "انتصار الحر يات الديمقراطية" بالمسؤولية عما يقع بالجَزَائِر ِ‪ .‬ولم تخرج تصر يحات ك ُل من‬

‫"روجي ليونار" الحاكم العام لِلج َزَائِر ِ‪ ،‬و"فرانسوا ميتران" وزير الداخلية الفَرَنس ِي‪ ،‬ورئيس الحكومة‬

‫الفَرَنس َِّية "بيار منديس فرانس" عن هَذَا السياق‪.‬‬

‫وعلىَالصعيدَالسِياسِي؛ أصدر روجي ليونار حاكم الجَزَائ ِر في‬

‫اليوم الثاني من شهر نوفمبر ‪ ،1954‬بلاغا ً وصف فيه هجومات‬

‫الفاتح من نوفمبر "بالعمليات الإرهابية"‪ ،‬مؤكدا ً على اتخاذ‬

‫الإجراءات َّالتِي يتطلبها الموقف‪ ،‬ولم يستطع ليونار أن يحدد‬

‫بدقة ٍ الجهة َ المسؤولة عن اندلاع َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬وظل يؤكد في‬

‫تحركاته وتصر يحاته المختلفة بأن ف َرَنس َا ستقضي على الخارجين‬

‫عن القانون بكل قوة‪ ،‬وبأن الجَزَائ ِر ك َان َت وستبقى فرنسية‪.‬‬

‫أما فرانسوا ميتران وزير الداخلية الفَرَنس ِي فقد أصدر من جهته‬

‫بيانا ً‪ ،‬باسم وزارته في الثاني من نوفمبر ‪ ،1954‬يستنكر فيه الهجمات‬

‫معتبرا ً إياها اعتداءات من تنفيذ عصابات صغيرة ومعزولة‪،‬‬

‫مؤكدا ً على أن ف َرَنس َا ستقضي على هَذِه ِ العصابات المتمردة‪ ،‬وأنها‬

‫لن تقبل الحوار معها مطلقا ً ما دامت تريد أن تحل محل السلطة‬

‫الفَرَنس َِّية‪ ،‬ومن ثمة ليس أمام "المتمردين" سوى إدراك الحقيقة‬
‫الجَزَائ ِر‪1.‬‬ ‫َّالتِي مفادها أن الجَزَائ ِر فرنسية ولا سلطة لغير ف َرَنس َا على‬

‫المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أيلول نوفمبر ‪ ،1954‬كتاب مرجعي عن َّ‬
‫الثور َة‬ ‫‪1‬‬

‫التحرير ية ‪ ،1962-1954‬ص ‪30- 29-28‬‬

‫‪118‬‬
 ‫كما لم تختلف ردود فعل رئيس الحكومة الفَرَنس َِّية "بيار منديس‬

‫فرانس" عن تصر يحات سابقيه‪ ،‬إذ ندد بما وقع‪ ،‬وأكد أن الأمة‬

‫الفَرَنس َِّية لن تسمح لأحد أن يغامر بوحدتها‪ ،‬وهو ما يعني أن‬

‫انفصال الجَزَائ ِر أمر غير قابل ح ََّتى للمناقشة‪ ،‬غير أن هَذَا برأييه‬

‫لا يمنع من إعادة النظر في وضع الجزائر يين‪ ،‬وتحسين ظروفهم‬

‫الاجتِم َاع َِّية والاقتصادية‪ ،‬ورفع البؤس والغبن عن العمال‬

‫الجزائر يين بِفَرَنس َا‪.‬‬

‫وفي محاولة منه لـكي يضع الحلف الأطلسي أمام الأمر الواقع و يجنده ضِد الشيوعية َّالتِي تدعم‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية أو الخارجين عن القانون على حد تعبيره‪ ،‬ذكر رئيس الحكومة الفَرَنس َِّية منديس‬
‫َّ‬

‫فرانس‪ ،‬في تصر يحه أمام الجمعية الوطنية الفَرَنس َِّية أن‪" :‬الجَزَائ ِر تُع َُّد أرا ٍ‬
‫ض للحلف الأطلسي‪ ،‬وأن‬

‫ك ُل ما يهددها يهدد الحلفاء كذلك‪ ،‬لذلك يجب على الحلف تقديم يد المساعدة والإعانة اللازمة‬
‫لِف َرَنس َا"‪1 .‬‬

‫حل حركة انتصار‬

‫ِ‬ ‫بادرت الحكومة الفَرَنس َِّية يوم ‪ 5‬نوفمبر ‪ 1954‬إلى إصدار مرسوم نص على‬

‫الحر يات الديمقراطية‪ ،‬وصادرت جريدة (‪ )Algeria libre‬أي (الجَزَائ ِر الحرة)‪ ،‬وجريدة ( ‪La‬‬

‫‪ )nation algérienne‬أي (الأمة الجَزَائِر َِّية)‪ ،‬اللتين تمثلان على التوالي لسان حال ك ُل من‬
‫المركز يين والمصاليين‪ ،‬وأحالت مسؤولي هاتين الجريدتين إلى القضاء‪ .‬كما قامت سلطات الاحتلال‬

‫بسلسلة من الاعتقالات طالت أكثر من ألفي مناضل ومسؤول في صفوف حركة الانتصار‬
‫الديمقراطية‪2.‬‬ ‫للحر يات‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬نشطت الرقابة السِيَاس َِّية في ميداني الثقافة والإعلام‪َ ،‬‬
‫حي ْثُ صودرت مجموعة‬
‫من الـكتب لأنها تتعرض لحرب العصابات وحروب َّ‬
‫التحرِير بصفة عامة‪ ،‬ومنعت بعض الأفلام‬

‫المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أيلول نوفمبر ‪ ،1954‬كتاب مرجعي عن ا َّلثور َة‬ ‫‪1‬‬

‫التحرير ية ‪ ،1962-1954‬ص ‪ / 30- 29-28‬وكوثر هاشمي‪ ،‬الحاكم العام لِلج َزَائِر ِ جاك سوستال‪ ،‬ص ‪30‬‬
‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص‪128‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪119‬‬
‫الأمريكية من العرض مثل‪ :‬قنطرة وادي كواي‪ ،‬والج نرال‪ ،‬وغيرهما م َِّما لَه ُ صلة بالمقاومة‬
‫المسلح‪1.‬‬ ‫والـكفاح‬

‫وخلال شهر ديسمبر ‪ 1954‬قاد الج نرال "جيل" قائد قوات المظليين الفرنسيين عملية تمشيط كبرى‬

‫لمنطقة الأوراس‪ ،‬استخدم فيها خمس فيالق لقوات المظليين مدعمة ً بسلاح المدفعية‪ ،‬وهو ما‬

‫تسبب في نشر الرعب وسط السكان‪ 2.‬وفي يوم ‪ 23‬جانفي من سنة ‪ ،1955‬قام الجيش الفَرَنس ِي‬

‫بتنفيذ عمليات "فيوليت" و"فيرنيك" لتمشيط الأوراس والشمال القسنطيني من أجل القضاء على‬
‫المرجوة‪3 .‬‬ ‫ك العمليات لم تحقق النتائج‬ ‫مراكز َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬غير أن تِل ْ َ‬

‫وإلى جانب الجهد الع َسكَر ِي الـكبير‪ ،‬نظمت سلطات الاحتلال حملة ً دعائية ً واسعة ً لتمجيد المظليين‬

‫وإرهاب الأهالي‪ .‬جاء في أحد المنشورات العديدة َّالتِي ك َان َت تلقى بالطائرات على قرى المنطقتين‬
‫ُّ‬
‫سيحل السلم الفَرَنس ِي‬ ‫ك‬
‫الأولى والثانية‪" :‬عما قريب سينزل السخط على رؤوس المتمردين‪ ،‬بعد ذ َل ِ َ‬
‫‪4‬‬
‫من جديد"‪.‬‬

‫ومع مرور الزمن‪ ،‬واتساع النشاط‪ ،‬أصبح جليا ً أن الحكومة الفَرَنس َِّية قد بدأت بتطبيق قانون‬

‫المسؤولية الجماعية‪ ،‬وإعطاء التفو يض المطلق للقادة العسكر يين لتفسير هَذَا القانون كيفما شاؤوا‪.‬‬

‫يرى الج نرال الفَرَنس ِي "شاربار" مثلا ً أن المسؤولية الجماعية تعني إلقاء القبض على ك ُل رجال‬

‫القر ية وإرسالهم إلى المحتشدات‪ 5‬وتغريمهم وإجبارهم على إعادة غرس الأعمدة إذا ما قام‬

‫ك القر ية‪ .‬في حين يرى الج نرال "بوفر" (قائد‬

‫المجاهدون بقطع أعمدة الهاتف على مقربة من تِل ْ َ‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص‪127‬‬ ‫‪1‬‬

‫كوثر هاشمي‪ ،‬الحاكم العام لِلج َزَائِر ِ جاك سوستال‪ ،‬ص ‪32‬‬ ‫‪2‬‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص‪126‬‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪127-126‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 5‬المحتشد‪ :‬عبارة عن مستوطنة أقيمت حديثا ً تضم سكانا ً محليين غير محكوم عليهم قضائياً‪ ،‬تحيط بِهَا أسلاك شائكة‬
‫و يحرسها الجنود‪ .‬وقد استعملت السلطات الف َرَنس َِّية منذ بداية َّ‬
‫الثور َة هَذِه ِ المستوطنات لحشد عائلات جزائر ية‬
‫ك قرب هَذِه ِ المحتشدات من الثكنات الع َسكَر َِّية والطرق الرئيسية‪َ ،‬‬
‫حي ْثُ يَت ُم‬ ‫بأكملها بغية عزلهم‪ ،‬ويراعى في ذ َل ِ َ‬
‫مراقبتهم وإخضاعهم للعمل‪ ،‬والهدف الحقيقي من المحتشدات هو عزلهم عن َّ‬
‫الثور َة وحرمانها من الدعم‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫القوات الفَرَنس َِّية َّالتِي هاجمت مصر في حرب السويس سنة ‪ )1956‬أن المسؤولية الجماعية تعني‬

‫ك القر ية على إعدام جندي فرنسي واحد‪.‬‬

‫تهديم القر ية بأكملها عندما يُقدِم ُ مجهول من تِل ْ َ‬

‫وهكذا‪ ،‬فقد انتهجت سلطات الاحتلال منذ اندلاع أحداث نوفمبر ‪ 1954‬إستراتيجية هدفها قمع‬
‫َّ‬
‫الثور َة بكل الوسائل المتاحة‪ ،‬قوة السلاح والمواجهة والاشتباكات والمعارك والتعذيب‪ ،‬وما‬

‫ك لم تنجح في احتواء الأزمة‪ ،‬فلجأت إلى تقديم‬

‫صاحبها من حرب نفسية ودعائية‪ ،‬لـكنها مع ذَل ِ َ‬
‫الثور َة إلى جانب جبهة َّ‬
‫التحرِير‪.‬‬ ‫وعود إصلاحية لمحاولة منع الشعب الجَزَائِر ِي من الانخراط في َّ‬

‫وفي مبادرة وزير الداخلية فرانسوا ميتران يوم ‪ 5‬جانفي ‪1955‬؛ عرض برنامج إصلاحات واسعة‬
‫الجَزَائ ِر‪1.‬‬ ‫على مجلس الوزراء للمصادقة عليها قصد تطبيقها في‬

‫ويتشكل مشروع الإصلاحات من شقين‪ ،‬أولهما إصلاحات مستعجلة‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫إنشاء المدرسة الوطنية لتأهيل المسلمين الجزائر یین لمناصب المسؤولية في الوظيفة العمومية‪.‬‬ ‫•‬

‫دمج الشرطة في الجَزَائ ِر مع الشرطة الفرنسیة‪.‬‬ ‫•‬

‫مثل‪2:‬‬ ‫أما الشق الثاني فهو إصلاحات على المدى الطو يل‪،‬‬

‫توفير القطاعات السكنية ذات الطابع الاجتِم َاعِ ي (سكن ممول بالكامل من طرف الدولة‬ ‫•‬

‫الفَرَنس َِّية يكون مجانيا ً أو بسعر رمزي لأصحاب الدخل الضعيف أو الأشخاص بدون‬
‫دخل)‪.‬‬

‫تعديل أسعار الطاقة الـكهربائية‪.‬‬ ‫•‬

‫توز يع الأراضي الزراعية على الفلاحين الجزائر یین‪.‬‬ ‫•‬

‫وتتمة ً لمشروع الإصلاحات قامت حكومة مانديس فرانس بعزل‬

‫الحاكم روجي ليونار وتعيين جاك سوستال‪ ،‬الَّذ ِي استلم مهامه‬

‫الرسمية كحاكم عام لِلج َزَائِر ِ في ‪ 15‬فیفري ‪ ،1955‬لـكن حكومة‬

‫جاكَسوستالَ‬

‫كوثر هاشمي‪ ،‬الحاكم العام لِلج َزَائِر ِ جاك سوستال‪ ،‬ص ‪32‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪33‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪121‬‬
 ‫حي ْثُ ك َان َت الأحداث في‬
‫مانديس هي الأخرى شهدت سقوطا ً مدو يا ً في ‪ 6‬جوان ‪َ ،1955‬‬

‫ك الحكومة‪ ،‬وتعين حكومة جديدة برئاسة "إدغارفور"‬

‫الجَزَائ ِر أحد الأسباب المباشرة في سقوط تِل ْ َ‬

‫الَّذ ِي أبقى على "سوستال" حاكما ً عاما ً على الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫كمیات كبيرة ً من القمح والحبوب على‬

‫ٍ‬ ‫بدأ سوستال في إطلاق الوعود الإصلاحية‪ ،‬وشرع یوزعُ‬

‫ك في محاولة لعزلهم عن التأثر‬ ‫سكان المناطق المعدومة‪ ،‬وخاصة َّالتِي لم تصلها َّ‬
‫الثور َة بعد‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫ب َِّالثورَة ِ‪ ،‬بل وعد سكانها بجعلهم یعیشون في مستوى سكان القرى الفَرَنس َِّية‪ ،‬وطمأنهم بأنه بإمكانه‬

‫أن بجعل من الجَزَائ ِر قطعة ً حقيقية ً من ف َرَنس َا‪ .‬وفي ‪ 15‬جوان ‪ 1955‬عرض برنامجه الإصلاحي‬
‫التالية‪1 :‬‬ ‫على مجلس الوزراء الفَرَنس ِي‪ ،‬وقد ك َانَ يشمل النقاط‬

‫إصلاح نظام البلديات واعتماد مبدأ المساواة بین الهیئتین المسلمة والأوروبية‪َ .‬‬ ‫‪-‬‬

‫إنشاء صندوق التوسيع والعصرنة الر یفیة ومهمته ك ِرَاء ُ الأراضي الزراعية وضمان قروض‬ ‫‪-‬‬
‫للفلاحين‪ ،‬لتشجيع الفلاحين الجزائر یین على الاستقرار والتعلق بالأرض وبالتالي عدم‬
‫التحاقهم ب َِّالثورَة ِ‪َ َ.‬‬

‫تطوير وتوسيع النشاط الصناعي‪َ .‬‬ ‫‪-‬‬

‫َب أكبر في مناصب الشغل وخاصة ً المناصب النوعية‬

‫تمكين المسلمين الجزائر یین من نِس ٍ‬ ‫‪-‬‬
‫َّالتِي ك َان َت حكرا ً على العنصر الأوروبي‪َ .‬‬

‫إصلاح نظام العقار‪ ،‬وتنظيم الملـكية العقار ية وتخفيض الضرائب على الجزائر یین بالتدرج‪َ .‬‬ ‫‪-‬‬

‫تأسيس محافظة التصنيع لربط الوزارات الفَرَنس َِّية بالأوساط المهنية‪َ .‬‬ ‫‪-‬‬

‫استقلالية الدین الإسلامي عن الإدارة الفَرَنس َِّية‪ ،‬وتشكيل جمعيات ثقافية مسلمة‬ ‫‪-‬‬
‫للإشراف على الأملاك الوقفية‪ ،‬مع الاعتراف بسلطتها‪ ،‬وكذلك عُيِن قاض مسلم لحل‬
‫النزاعات بين المسلمين‪.‬‬

‫تعليم اللغة العربية في المدارس الحكومية‪َ .‬‬ ‫‪-‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪40‬‬

‫ياقوتة عمير‪ ،‬نزيهة جديلي‪ ،‬السياسة الفرنسة تجاه َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪122‬‬
‫تكثيف المساعدات الفَرَنس َِّية للمشار يع الاجتِم َاع َِّية َّالتِي من شأنها أن تخلق جوا ً من‬ ‫‪-‬‬
‫الارتياح والرضا لدى أغلبية سكان الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫وافقت الحكومة الفَرَنس َِّية على مقترحات المشروع بمصادقة أغلبية أعضاء البرلمان في ‪ 26‬جوان‬

‫ل من الانتقادات الشديدة‪ ،‬تزعمها المستوطنون الأوروبيون وبعض‬

‫‪ ،1955‬لـكنه تعرض إلى سی ٍ‬
‫الشخصيات السیاسیة الفَرَنس َِّية‪ ،‬رأوا أن هَذِه ِ الإصلاحات مق ََّدمة للمتمردين‪ ،‬فسارعوا لحشد‬

‫ك ُل الإمكانات الممكنة لإفشال وعرقلة هَذَا المسعى الحكومي‪.‬‬

‫أما في نظر الجزائر یین فإن الإصلاحات َّالتِي تضمنها مشروع سوستال ليست إلا ذرا ً للرماد على‬

‫العيون‪ ،‬وقد جاء الرد العنيف والضربة القاضية لسياسة الإدماج الفَرَنس َِّية هَذِه ِ من القائد "ز یغود‬

‫يوسف" في ‪ 20‬أوت‪/‬أغسطس ‪ ،1955‬والمتمثلة في هجومات الشمال القسنطيني َّالتِي سنتطرق‬

‫‪1‬‬
‫لَهَا لاحقاً‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية واتساع رقعتها وعجز السلطات الفَرَنس َِّية عن القضاء علیها بإجراءاتها‬
‫ونظرا ً لاشتداد َّ‬

‫الأولية المتخذة؛ فقد وافقت الحكومة على طلب الحاكم العام جاك سوستال الَّذ ِي أراد من‬

‫البرلمان الفَرَنس ِي المصادقة على قانون "حالة الطوارئ"‪ ،‬واستطاعت الحكومة أن تقنع النواب في‬

‫‪ 31‬مارس ‪ 1955‬بالمصادقة على مشروع قانون حالة الطوارئ ليدخل حيز التنفيذ في ‪ 3‬أفر يل‬

‫‪.1955‬‬

‫وفي واقع الأمر؛ إن حالة الطوارئ َّالتِي طبقت في الجَزَائ ِر لا تختلف عن حالة الحصار الكامل‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫لأنها تتضمن إجراءات تقضي على الحر یات العامة والفردیة‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫• وضع الرقابة الكاملة على الصحافة والنشر بكل أنواعه‪َ .‬‬

‫• مراقبة الحصص الإذاعية ا َّلتِي تبث في الراديو‪َ .‬‬

‫الثور َّية‪.‬‬
‫• منع بث الأفلام السنيمائية َّ‬

‫• الأمر بالغلق المؤقت لأماكن اللقاءات والتجمعات‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪40‬‬

‫ياقوتة عمير‪ ،‬نزيهة جديلي‪ ،‬السياسة الفرنسة تجاه َّ‬ ‫‪1‬‬

‫كوثر هاشمي‪ ،‬الحاكم العام لِلج َزَائِر ِ جاك سوستال‪ ،‬ص ‪92‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪123‬‬
 ‫• جمع الأسلحة من السكان وتسليمها إلى السلطات‪.‬‬

‫• فرض حظر التجول لمدة لیلة أو نهار كامل مع منع تحرك الأشخاص والسيارات في‬
‫المناطق والساعات المحددة من قبل سلطة الاحتلال‪.‬‬

‫• مداهمة المنازل وتفتيشها في أي وقت‪.‬‬

‫• محاكمة المدنیین من قبل المحاكم الع َسكَر َِّية‪ ،‬بمعنى إحلال القضاء الع َسكَر ِي مكان القضاء‬
‫المدني‪.‬‬

‫• نفي أي شخص یبدو نشاطه خطیرا ً على الأمن والنظام العام‪.‬‬

‫وخلال النصف الأول من سنة ‪ ،1955‬ارتفعت عدد القوات الفرنسيين من حوالي أربعين ألفا ً‪،‬‬

‫ح الجوي بمجموعة من الطائرات‬

‫قبل الفاتح من نوفمبر‪ ،‬إلى ما يزيد عن مئة ألف‪ .‬وزُوِد َ السلا ُ‬

‫المطاردة والطائرات العمودية والطائرات المقنبلة‪ ،‬كما أن سلاح المدفعية قد تلقى عددا ً من‬

‫المدرعات والمدافع الثقيلة والمصفحات مختلفة الأنواع‪ ،‬في حين ت ََّم تعزيز القوات البحر ية العاملة‬

‫في الجَزَائ ِر بوحدة ٍ من البوارج الحربية‪ 1.‬إضافة ً إلى إرسال ثلاثة كتائب من قوات المظليين إلى‬

‫الجَزَائ ِر‪ ،‬نزلت في ميناء عنابة في طر يقها إلى منطقة الأوراس َّالتِي ك َانَ الفرنسيون يعتقدون أنها‬
‫الجَزَائِر َِّية‪2.‬‬ ‫النابض للث َور َة ِ‬
‫ُ‬ ‫القلبُ‬

‫كما استطاع سوستال إقناع حكومة "إدغارفور"‪ ،‬بإعطاء موافقتها على دعم قوات الجندرمة بـمئة‬

‫واثنين وثلاثين ثكنة جديدة وثمانمئة مجندٍ إضافي‪ُّ ،‬أرسِلُوا من ف َرَنس َا إلى الجَزَائ ِر تلبية لطلب الحاكم‬

‫العام في ‪ 16‬نوفمبر ‪ ،1955‬لیصل العدد الإجمالي للدرك في الجَزَائ ِر إلى ألف وسبعمئة دركي‬
‫وثمانية ٍ وعشرين ضابطاً‪ .‬كما ُّأنشئت قوات الشرطة الر يفية المكونة من قدماء العسكر يين الفرنسيين‬
‫الأمنیة‪3.‬‬ ‫والمسلمين‪ ،‬وتم تحدید ُ مهام الشرطة الر یفیة من قبل الحاكم العام حسب الاحتياجات‬

‫إضافة ً إلى هَذَا‪ ،‬قامت الحكومة ُ الفرنسیة ُ بطلب من الحاكم العام بدعم سلاح الجو الفَرَنس ِي في‬

‫الجَزَائ ِر‪ ،‬فابتداء ً من شهر أفر یل من سنة ‪1955‬م‪ ،‬ت ََّم إحضار ُ عشرِ طائرات هيلوكوبتر بقوة عادية‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص‪124‬‬ ‫‪1‬‬

‫كوثر هاشمي‪ ،‬الحاكم العام لِلج َزَائِر ِ جاك سوستال‪ ،‬ص ‪31‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪106‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪124‬‬
 ‫ن من نوع (سیكورسكي) قادرة ً على حمل سبعة رجال مسلحين‪ .‬وقد َّ‬
‫تأمنت هَذِه ِ الطلبات‬ ‫وثما ٍ‬
‫‪1‬‬ ‫من الولايات المتحدة الأمريكية وبر يطانيا‪.‬‬

‫‪2،1955‬‬ ‫وكمشروع موازٍ للإجراءات القمعية؛ أنشأ سوستال "المصالح الإدار ية المتخصصة" سنة‬

‫وهي عبارة عن هيئة عسكر ية مدنية بنفس الوقت‪ ،‬يقوم عليها مجموعة من الضباط المختصين‪،‬‬

‫تخرجوا من معاهد متخصصة في الدعاية وعلم النفس وعلم الاجتماع والشؤون الجَزَائِر َِّية‪ُّ ،‬أسندت‬

‫إليهم مهام مختلفة متمثلة في ربط العلاقات مع الأهالي واستمالتهم بمختلف وسائل الترغيب مثل‬
‫وغيرها‪3.‬‬ ‫إظهار العناية بشؤونهم الصحية والاجتِم َاع َِّية‪ ،‬والتعلم‪ ،‬المساعدات‪،‬‬

‫ح أن الجَزَائ ِر في عهد الحاكم العام جاك سوستال قد عرفت إعادة هيكلة حقيقية‬
‫وبالعموم‪ ،‬یتض ُ‬

‫للقطاع الأمني والع َسكَر ِي‪ ،‬و يظهر أن ردود الأفعال الفَرَنس َِّية قد قامت بِش َك ٍ‬
‫ل أساسي على مبدأ‬

‫العصى والجزرة‪ ،‬العصى المتمثلة في القمع الأمني والحملات الع َسكَر َِّية والحرب النفسية‪ ،‬والجزرة‬

‫المتمثلة في بعض الإصلاحات الشكلية َّالتِي لا ترتقي أن تلبي رغبات الشعب الجَزَائِر ِي‪ .‬وقد‬
‫ك َانَ المسؤولون في جبهة َّ‬
‫التحرِير يدركون صعوبة الوضع‪ ،‬خصوصا ً مع استمرار الضغط الع َسكَر ِي‬

‫والحصار المفروض على منطقة الأوراس‪ ،‬الأمر الَّذ ِي دفع "يوسف ز يغود" ومساعديه المقربين‬

‫ك التاريخ انتفاضة عشرين أوت‪/‬أغسطس ‪.1955‬‬

‫ل لبحث عن حل ناجع‪ ،‬صار يسمى منذ ذَل ِ َ‬

‫كوثر هاشمي‪ ،‬الحاكم العام لِلج َزَائِر ِ جاك سوستال‪ ،‬ص ‪108‬‬ ‫‪1‬‬

‫وداعي شهرزاد ‪ -‬كحلي شر يفة‪ ،‬رسالة ماجستير‪ -‬المصالــــح الإدار یة المتخصصة ‪1962-1955‬م ‪ -‬جامعة‬ ‫‪2‬‬

‫جیلالي بونعامة ‪ ،2017-2016‬ص ‪16‬‬

‫مثل‪ :‬الاهتمام بمسائل المجندين سابقا ً في الجيش الف َرَنس ِي من خلال تسو ية مشاكلهم‪ ،‬والعمل على تسليحهم ث َُّم‬ ‫‪3‬‬

‫تكليفهم بمهام أمنية وعسكر ية ‪ -‬إحصاء الشبان الجزائر يين وإعدادهم للخدمة الع َسكَر َِّية الإجبار ية في الجيش‬
‫حي ْثُ إحصاء السكان ومراقبة تغيباتهم وتنقلاتهم ‪ -‬إنشاء المراكز الر يفية‬
‫الف َرَنس ِي ‪ -‬القيام بمهام الحالة المدنية من َ‬
‫لتدر يب الشباب على الأعمال الفلاحية والرعو ية ‪ -‬القيام ببعض المشار يع ذات الطابع الاجتِم َاعِ ي والاقتصادي‬
‫لإيهام الجزائر يين بأن ف َرَنس َا تريد تحسين أحوالهم المعيشية ‪ -‬إنشاء مصالح طبية بالمجان ‪ -‬إنشاء مراكز التكوين‬
‫المهني للفتيات الجزائر يات‪.‬‬

‫‪125‬‬
 ‫المطلبَالثالث‪َ:‬ردودَالفعلَالدوليةَ‬

‫لقد ك َانَ اندلاع َّ‬

‫الثور َة التحرير ية‪ ،‬بعد ستة أعوام على كارثة فلسطين وهزيمة الجيوش العربية‬
‫ك الوقت من وقع هزيمة ٍكبيرة ٍ‪ ،‬ولم تجد متنفسا ً‬
‫فيها‪ ،‬أي أن الشعوب العربية ك َان َت تعاني في ذَل ِ َ‬
‫أو حدثا ً قوميا ً يعيد لَهَا جزءا ً من الـكرامة المفقودة‪ .‬وما إن سمعت بانطلاق الـكفاح المسلح في‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية وهبت الشعوبُ العربية ُ لمساندة‬
‫الجَزَائ ِر‪ ،‬ح ََّتى اندفعت لتعلن تأييدها وتلاحمها مع َّ‬
‫َّ‬
‫الثور َة بكل ما تملك من وسائل التأييد المادية والمعنو ية‪.‬‬

‫كما وجدت الانتفاضة عند اندلاعها؛ سندا ً قو يا ً في دول إفر يقيا وآسيا‪ .‬ففي شهر جانفي ‪1955‬‬
‫بعثت المملـكة العربية السعودية رسالة ً إلى مجلس الأمن‪ ،‬تطالبه فيها بالتدخل السر يع لإيقاف‬
‫الحملات القمعية َّالتِي تمارسها ف َرَنس َا الاستعمار ية في الجَزَائ ِر‪ .‬وبعد ذ َل ِ َ‬
‫ك بحوالي ثلاثة أسابيع طلبت‬
‫مجموعة من الدول الآسيو ية إدراج القضية الجَزَائِر َِّية في جدول أعمال الدورة العاشرة للأمم‬
‫المتحدة‪ .‬وفي (يونيو‪ /‬سنة ‪ ،)1956‬طلبت ثلاث عشرة دولة إفر يقية آسيو ية من مجلس الأمن‬
‫أن يعقد جلسة عاجلة لإنهاء الحرب الدائرة في الجَزَائ ِر‪ ،‬لـكنه رفض ذ َلِكَ‪.‬‬

‫كما أن مجموعة ً أخرى من البلدان الآسيو ية قد طلبت من مجلس الأمن إدراج القضية الجَزَائِر َِّية‬
‫في جدول أعمالها الحادية عشر (أكتوبر‪1956 /‬م)‪ ،‬والثانية عشر (‪1957‬م)‪ .‬وفي ك ُل واحدة‬
‫من هَذِه ِ المرات ك َان َت الجمعية تتخذ قرارات جماعية تعرب فيها عن أملها في أن تتوقف الحرب‬
‫في الجَزَائ ِر بواسطة التفاوض بين ف َرَنس َا وجبهة َّ‬
‫التحرِير الوطني‪ .‬لـكن؛ في ك ُل مرة ٍ؛ ك َان َت ف َرَنس َا‬
‫الأمن‪1.‬‬ ‫عرض الحائط بِهَذِه ِ القرارات مستغلة ً "حق النقض" كعضو دائم في مجلس‬
‫َ‬ ‫تضربُ‬

‫وك َان َت مصر في مقدمة من دعم القضية الجَزَائِر َِّية‪َ ،‬‬

‫حي ْثُ لم يقتصر الموقف المصري على الدعم‬
‫ك إلى الدعم الدبلوماسي الَّذ ِي تمثل في مساند القضية‬
‫الع َسكَر ِي والمادي فقط بل تجاوز ذ َل ِ َ‬
‫الجَزَائِر َِّية في المؤتمرات العالمية‪ ،‬وبادرت مصر منذ الأيام الأولى للث َورَة ِ الجَزَائِر ِ َّية إلى تأييدها‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الثاني (‪ ،)1962-1954‬ص ‪117‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪126‬‬
‫جماهير يا ً‪ ،‬إذ قامت إذاعة صوت العرب في القاهرة بالتعر يف ب َِّالثورَة ِ وتشجيع المناضلين‬
‫‪1‬‬
‫الجزائر يين‪ ،‬وتأليب الرأي العام العالمي على ف َرَنس َا‪.‬‬

‫ك الحقبة َّالتِي اشتد فيها الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي في إطار الحرب‬
‫أيضا ً‪ ،‬وفي تِل ْ َ‬
‫الباردة‪ ،‬فإن دول المعسكر الشرقي أرادت أن تكون مواقفها مؤيدة للقضية الجَزَائِر َِّية على أساس‬
‫أنها حركة تحرر ية قامت ضِد إحدى الدول الرأسمالية الـكبرى‪ ،‬وركيزة من ركائز الحلف الأطلسي‬
‫(ف َرَنس َا)‪ .‬وفي هَذَا الصدد‪ ،‬جاء موقف الصين الشعبية داعما ً للقضية الجَزَائِر َِّية دون تحفظ‪ ،‬أما‬
‫الاتحاد السوفييتي فإن موقفه تميز بالتذبذب كونه ك َانَ يريد من جهة كسب ف َرَنس َا "الديغولية" إلى‬
‫صفه ومحاولة تحييدها في صراعه الأيديولوجي مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ وبالتالي يستطيع‬
‫إضعاف المعسكر الغربي في عقر داره‪ ،‬ومن جهة أخرى تبقى القضية الجَزَائِر َِّية بالنسبة إليه حركة‬
‫ف َرَنس َا‪2 .‬‬ ‫تحرر ية من الضروري دعمها واستعمالها كورقة ضغط على‬

‫أما الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية (الكتلة الرأسمالية) فإن موقفها الرسمي ك َانَ مؤيدا ً‬
‫تأييدا ً مطلقا ً لسياسة ف َرَنس َا في الجَزَائ ِر‪ ،‬خاصة الدول الفاعلة في الحلف الأطلسي ومجلس الأمن‬
‫كالولايات المتحدة الأمريكية وبر يطانيا ث َُّم ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبعض الدول الإسكندنافية‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية وشعور الدول‬
‫مثل فنلندا على وجه التحديد‪ ،‬لـكن الانتصارات َّالتِي حققتها َّ‬
‫بتراجع ف َرَنس َا سياسيا ً وعسكر يا ً‪ ،‬في بداية الستينات من القرن العشرين‪ ،‬جعل موقف هَذِه ِ الدول‬
‫الغربية يتغير تجاه القضية الجَزَائِر َِّية‪.‬‬

‫وفي المحصلة‪ ،‬رغم التباين الواضح داخل ك ُل كتلة‪ ،‬إلا أن الكتلة الشيوعية ك َان َت أقرب للقضية‬
‫الجَزَائِر َِّية باعتبارها حركة تحرر من الإمبر يالية‪ ،‬وهَذَا الطرح جسدته بعض الدول الشيوعية على‬
‫أقل‪3.‬‬ ‫رأسها يوغسلافيا والصين الشعبية والفيتنام وتشيكوسلوفاكيا‪ ،‬وبولندا بدرجة‬

‫يوسف محمد عيدان‪" ،‬مصر والقضية الجَزَائِر َِّية (‪ :)1962-1954‬دراسة في الدعم الدبلوماسي"‪ - .‬دور ية کان‬ ‫‪1‬‬

‫التار يخية‪ - .‬السنة الحادية عشرة ‪ -‬العدد التاسع والثلاثين؛ مارس ‪ .2018‬ص ‪84‬‬
‫‪ 2‬مر يم صغير‪ ،‬رسالة شهادة دكتوراه "الدولة في التاريخ الحديث والمعاصر"‪ ،‬المواقــف الدولية من القضية الجَزَائِر َِّية‬
‫‪ - 1962-1954‬جامعة الجَزَائ ِر كلية العلوم الإنسانية والاجتِم َاع َِّية قسم التاريخ‪ ،‬ص ‪7 - 6 – 5‬‬
‫‪3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.7 – 6 -5‬‬

‫‪127‬‬
 ‫المبحثَالرابع‪َ:‬هجماتَ‪َ20‬أوتَ‪َ1955‬‬
‫خلف ز يغود ُ يوسف القائد َ ديدوش مراد على رأس المنطقة الثانية‪ ،‬وبعد أن طلب منه شیهاني‬
‫َ‬

‫البشير ‪ 1‬القيام بعمل يخفف الضغط عن المنطقة الأولى "الأوراس"‪ ،‬قرر ز يغود أن يشن عملية‬

‫على نطاق واسع في أوت‪/‬أغسطس ‪ ،1955‬بِ حَي ْثُ تشمل هَذِه ِ العملية جميع القرى والمدن َّالتِي‬

‫يتمركز ُ فيها المناضلون في المنطقة الثانية "من شرق مدينة جيجل مرورا ً من قسنطينة إلى شرق‬
‫شمالاً"‪2.‬‬ ‫مدينة قالمة‪ ،‬ولحاقا ً بالبحر‬

‫ولهذا الغرض عقد يوسف ز يغود اجتماعا ً عاما ً لأعضاء قيادة المنطقة‪ 3‬ومسؤولي النواحي‪ ،‬فقرر‬

‫الجميع أن يكون هَذَا الهجوم يوم ‪ 20‬أوت ‪ /‬أغسطس ‪ 1955‬على الساعة الثانية عشر ظهراً‪،‬‬

‫وصادف هَذَا التاريخ الذكرى الثالثة لاعتقال محمد الخامس ملك المغرب‪ ،‬ولذلك ت ََّم اختياره ليعبر‬

‫عن التضامن مع الشعب المغربي‪ .‬وخلافا لما ً وقع في الفاتح من نوفمبر؛ فإن هَذَا الهجوم سيكون‬

‫ف ك ُُّل قائد‬
‫في النهار وليس في الليل‪ ،‬وسيستمر مدة ثلاثة أيام‪ ،‬وقد وزعت المسؤوليات‪ ،‬وك ُل ِ َ‬
‫نواحي‪4 .‬‬ ‫ست‬
‫ِ‬ ‫حي ْثُ قسمت المنطقة إلى‬
‫بالتحضير الجيد لهذه العملية‪َ ،‬‬

‫تنفيذَالهجوم َ‬

‫وفي يوم ‪ 20‬أوت‪/‬أغسطس ‪ ،1955‬كما سبق ُّ‬

‫واتفق عليه على الساعة الثانية عشر ظهراً‪ ،‬وبعد‬

‫أن حشد ز يغود قرابة الـألفي مناضل‪ ،‬بدأت عمليات الهجوم بالسلاح الحربي والسلاح الأبيض‬

‫على القرى والمدن الموجودة في المنطقة‪ ،‬ووقعت الهجمات على ك ُل شيء يعبر عن الوجود‬

‫‪ 1‬شيهاني بشير مناضل ثوري جزائري وقائد للمنطقة الأولى الأوراس خلفا لمصطفى بن بولعيد‪ ،‬ولد بمدينة الخروب‬
‫بقسنطينة في ‪ 22‬أبر يل‪/‬نيسان ‪ 1929‬وتوفي في ‪ 23‬أكتوبر ‪ 1955‬بتبسة‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪19‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫عقد قرب مدينة اسكيكدة‪ ،‬وحضره ك ُل من‪ :‬عمار بن عودة‪ ،‬عبد الله بن طوبال‪ ،‬صالح بوبنيدر‪ ،‬مسعود‬ ‫‪3‬‬

‫بوجر يوة‪ ،‬البشير بوقادوم‪ ،‬عمر شطايي‪ ،‬محمد رعوة‪ ،‬إسماعيل ز يقات‪ ،‬عبد المجيد كحل الراس وعمار بوقلاز‪.‬‬
‫وهي‪ :‬قسنطينة وتكفل بِهَا ز يغود يوسف‪ ،‬الميلية وتكفل بِهَا بن طوبال‪ .‬اسمندو‪ ،‬وتكفل بِهَا بوقادوم‪ .‬وکحل‬ ‫‪4‬‬

‫الراس‪ ،‬وقالمة وتكفل بهما الساس ي يوسف‪ .‬وسكيكدة وتكفل بِهَا ز يقات إسماعيل‪ .‬والقل وتكفل بِهَا عمر‬
‫شطايبي‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫الاستعماري ‪ :‬جسور‪ ،‬طرقات‪ ،‬أسلاك وأعمدة التليفون والـكهرباء‪ ،‬مزارع المعمرين‪ ،‬ثكنات‬

‫للجيش‪ ،‬الشرطة‪...‬إلخ‪.‬‬

‫ك َانَ التجمع الـكبير بسكيكدة‪ ،‬وقد ضم حوالي أربعمئة مهاجم‪ ،‬واستمر الهجوم ح ََّتى الساعة‬

‫الرابعة مساء‪ ،‬ث َُّم توجه المهاجمون إلى معمل الحديد والرخام بالعالية واستولوا عليه تماما ً‪ ،‬وفي ناحية‬

‫القل تمكن المهاجمون من فرض سيطرتهم على المدينة أكثر من أربع ساعات‪ ،‬وفي الميلية قُتل‬

‫ل عدد ُ كبير من المستعمرين وأفراد الجيش والدرك والشرطة‪ ،‬ث َُّم‬

‫حاكمها‪ .‬وفي أماكن مختلفة قُت ِ َ‬

‫انسحب المهاجمون إلى الجبال والغابات حاملين معهم كمية ً كبيرة ً من السلاح والذخيرة َّالتِي‬
‫غنموها‪1 .‬‬

‫نتائجَالهجومَ َ‬

‫اعترفت السلطات الاستعمار ية بمقتل ما يربو على مئة وعشرين فرنسيا ً بين مدني وعسكري وأكثر‬

‫من خمسمئة جريح‪ ،‬وتقول كذلك أنها قامت بمتابعة المهاجمين وقتلت منهم عددا ً كبيراً‪ ،‬والحقيقة‬

‫أنها قامت بعمليات قمع واسعة واعتقلت عددا ً كبيرا ً من المواطنين العزل‪ ،‬وساقتهم إلى أماكن‬
‫المحتشدات‪2.‬‬ ‫مختلفة وأعدمتهم بالرصاص‪ ،‬وقتلت النساء والأطفال والعجزة وحشدت الباقي في‬

‫الثور َة التنظيمية والع َسكَر َِّية‪،‬‬

‫إن هَذَا الهجوم ‪-‬رغم ما تبعه من قمع وحشي‪ -‬قد برهن على قوة َّ‬

‫ودل على التحام وتبني الشعب للنضال‪ ،‬كما أعطى صدىً كبيرا ً للث َورَة ِ الجَزَائِر َِّية في الخارج‪،‬‬
‫َّ‬

‫جيش الفَرَنس َِّي على المطالبة بإمدادات كبيرة م َِّما سوف يسبب نفقات ستضعف قواه مع‬
‫وأجبر َ ال َ‬

‫الوقت‪ ،‬كما اضطرته إلى تغيير خطة تواجده في الميدان‪ ،‬م َِّما سيجعله يتكبد ُ خسائر فادحة في‬
‫‪3‬‬
‫الرجال والعتاد‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪20‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪21‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪21‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪129‬‬
 ‫ويمكنَتلخيصَنتائجَالهجومَب ِشكلَعامَبجملةَمنَالنقاط‪َ 1َ:‬‬

‫شجعت على شن عمليات أخرى في مختلف المناطق‪َ .‬‬ ‫•‬

‫تسر يع عملية التجنيد الشعبي وتشجيع الشخصيات المترددة في الالتحاق ب َِّالثورَة ِ‪َ 2.‬‬ ‫•‬

‫إدراج الملف الجَزَائِر ِي في الأمم المتحدة‪َ .‬‬ ‫•‬

‫الـكشف عن سياسة ف َرَنس َا الرامية إلى إبادة الشعب الجَزَائِر ِي‪َ .‬‬ ‫•‬

‫برهنة للعالم أن ما يجري في الجَزَائ ِر ثورة وراءها شعب‪َ .‬‬ ‫•‬

‫إفشال مخطط سوستال الإصلاحي للقضاء على َّ‬

‫الثور َة‪َ .‬‬ ‫•‬

‫انهيار معنو يات الجيش الفَرَنس ِي وتقهقر صورته القو ية أمام الشعب الجَزَائِر ِي‪َ .‬‬ ‫•‬

‫المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أيلول نوفمبر ‪ ،1954‬كتاب مرجعي عن َّ‬
‫الثور َة‬ ‫‪1‬‬

‫التحرير ية ‪ ،1962-1954‬ص ‪46- 45 -44‬‬

‫في السادس والعشرين من سبتمبر ‪ 1955‬شكل مجموعة من النواب الجزائر يين ‪-‬نواب الدرجة الثانية الَّذ ِي َ‬
‫ن‬ ‫‪2‬‬

‫ح عليه بمجموعة الواحد والستين‪ ،‬وقد دعا هؤلاء النواب إلى‬

‫أخذوا يتمردون على أسيادهم المستعمرين‪ -‬ما اصط ُل ِ َ‬
‫ضرورة وقف العمليات الع َسكَر َِّية‪ ،‬وإطلاق سراح المعتقلين والتفاوض مع المحاربين‪ ،‬وهو ما يعني اعترافا ً ضمنيا ً‬
‫منهم بجبهة َّ‬
‫التحر ِير كممثل وحيد للشعب الجَزَائِر ِي‪ .‬وفي سنة ‪ 1956‬التحقت جمعية العلماء المسلمين بصفة ٍ رسمية‬
‫ب َِّالثورَة ِ بداية من الثاني عشر فيفري‪/‬فبراير‪ ،‬وهو الموقف نفسه الَّذ ِي اتخذه فرحات عباس باسم حزبه الاتحاد‬
‫الديمقراطي للبيان الجَزَائِر ِي في الثاني والعشرين أبر يل‪/‬نيسان ‪.1956‬‬

‫‪130‬‬
 ‫المبحثَالخامس‪َ:‬التطوراتَأواخرَالمرحلةَالأولى‪َ.‬‬

‫ِي َ‬
‫المطلبَالأول‪َ:‬التطوراتَفيَالمجالَالعسكر َ‬

‫المنطقةَالأولى‪(َ:‬الأوراس)َ َ‬

‫استطاعت هَذِه ِ المنطقة أن تحشد عددا ً كبيرا ً من المجاهدين المسلحين‪ ،‬م َِّما كبدَ الجيش الفَرَنس ِي‬

‫خسارة ً فادحة ً في الأرواح والسلاح‪ ،‬كما تمكنت كذلك من إقامة جبهات محررة‪ ،‬لا يستطيع‬

‫الجيش الفَرَنس ِي الدخول إليها‪ ،‬خاصة بعد تخفيف الضغط عنها بعد هجمات الشمال القسنطيني‪.‬‬

‫ومن أشد المعارك َّالتِي خاضها المجاهدون في هَذِه ِ المنطقة معركة الجرف َّالتِي وقعت في شهر‬
‫‪1 .1955‬‬ ‫سبتمبر‬

‫التحرِير الوطني على الأسلوب الَّذ ِي است ُخدِم َ في معركة الجرف اسم "إستراتيجية‬
‫أطلق قادة جيش َّ‬

‫الانقضاض الجبلي"‪ ،‬وتعني استغلال الـكهوف والصخور واستدراج العدو إلى المناطق الوعرة‬

‫حي ْثُ ي َصع ُبُ عليه الاستخدام الأمثل للقوات الجو ية‪ .‬والسبب الرئيس لوقوع هَذِه ِ المعركة أن‬
‫َ‬

‫شيهاني بشير ك َانَ قد عقد اجتماعا ً توعو يا ً للتعر يف ب َِّالثورَة ِ الجَزَائِر َِّية بمنطقة "رأس الطرفة" (شمال‬

‫وادي هلال بالقرب من جبل الجرف ‪100 -‬كلم إلى الجنوب من تبسة) بوجود عدد من‬

‫الأعيان‪ 2 ،‬غير أن سلطات الاستعمار علمت بمكان الاجتماع ووجهت قواتها نحو المنطقة‪،‬‬

‫وفرضت حصارا ً خانقا ً على المجاهدين‪ ،‬بنية القضاء عليهم‪ ،‬م َِّما أدى إلى انسحاب المجتمعين نحو‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪21‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫عن هَذ َا الاجتماع جاء في التقارير الف َرَنس َِّية‪" :‬لقد اجتمع شيهاني بشير بحوالي مئتين وخمسين مدنياً‪ ،‬وقدم لهم‬ ‫‪2‬‬

‫درسا ً توعو يا ً ك َانَ فحواه أن ف َرَنس َا تواصل في سياسة ذر الرماد في العيون بسلسلة الأكاذيب َّالتِي تختلقها‪ ،‬وتواصل‬
‫في سياسة احتقار الجزائر يين ومنعهم من تطبيق تعاليم الشر يعة الإسلامية بتلقينهم دروسا ً في التدخين وشرب‬
‫الخمر‪ ،‬لذلك لا بد علينا من النضال ح ََّتى نخرجها من أرضنا‪ .‬وبعدما شكر َ الحاضرين على دعمهم الَّذ ِي ساهم في‬
‫الثور َة‪ ،‬ذ َ َّكرهم بأنه يعلم جيدا ً أن ه ُنَاك َ – من بينهم‪ -‬من سينقل الأخبار إلى ف َرَنس َا وقد حذر أمثال هؤلاء‬
‫انتشار َّ‬
‫بالقول إن عقوبتهم ستكون الشنق‪ – ".‬تقرير لمجلة العلوم الإنسانية والاجتِم َاع َِّية العدد ‪ ،52‬ديسمبر ‪ .2019‬نتائج‬
‫معركة الجرف في بعض تقارير السلطات الاستعمار ية الف َرَنس َِّية‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫الجنوب‪ ،‬والتحصن بالجبل الأبيض من سلسلة الجرف‪ ،‬وك َان َت قوات المجاهدين في هَذِه ِ المعركة‬

‫تقارب ثلاثمئة مجاهد تحت قيادة شيهاني البشير وعباس لغرور‪.‬‬

‫فَ‬
‫جبالَالجر َ‬

‫بدأت المعركة في ‪ 22‬سبتمبر ‪ ،1955‬خاضها حولي ثلاثمئة مجاهد مقابل أربعين ألف جندي‬

‫فرنسي‪ ،‬قتل للاحتلال فيها أكثر من أربعمئة جندي‪ ،‬بينما استشهد مئة وسبعون مجاهداً‪ ،‬ومئة‬

‫مدني‪ ،‬هَذَا وقد أحرق الجيش الفَرَنس ِي عشرات القرى وقتل الأهالي من نساء وأطفال وشيوخ‪،‬‬

‫وصادر حلي النساء فضلا ً عن المواشي والمؤن‪ ،‬وأقام مراكز التعذيب والمراقبة‪ .‬وعلى الرغم من‬

‫الترسانة الفَرَنس َِّية الضخمة؛ تمكن المجاهدون من الصمود لمدة يومين‪ ،‬ح ََّتى انسحبوا في ظلام‬

‫جيش الفَرَنس ِي هَذِه ِ المعركة نكسة ً لقواته‪ ،‬بينما‬

‫الليل بعد أن كبدوا العدو خسارة ًكبيرة ً‪ .‬واعتبر َ ال ُ‬
‫الطو يلة‪1.‬‬ ‫ن المجاهدون من قدرتهم على خوض المعارك‬
‫تيق َ‬

‫انظر معركة الجرف وانعكاساتها على مسار َّ‬

‫الثور َة التحرير ية (‪ ،)1955‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماستر في‬ ‫‪1‬‬

‫تخصص تاريخ حديث ومعاصر‪ ،‬جامعة الجیلالي بونعامة كلیة العلوم الإنسانية والاجتِم َاع َِّية ‪،2017- 2016‬‬
‫إعداد‪ :‬حنان سریر عبد الله ‪ -‬هالة العالية‪ ،‬ص ‪.85 - 76‬‬

‫‪132‬‬
 ‫لـكن ورغم النجاح الَّذ ِي حققه المناضلون في هَذِه ِ المرحلة‪ ،‬وبعد‬

‫معركة الجرف‪ ،‬بدأت تظهر خلافات في قيادة المنطقة بين شيهاني‬

‫وهو قائدها بالنيابة وأصحابه‪ ،‬وقد تطورت هَذِه ِ الخلافات فأدت إلى‬

‫محاكمة شيهاني والحكم عليه بالإعدام وتنفيذه في ‪ 30‬أكتوبر ‪.1955‬‬

‫وبعد فرار "بن بولعيد" من السجن في ‪ 11‬نوفمبر ‪ 1955‬ورجوعه إلى‬

‫المنطقة استطاع بحنكته أن يجمع الشمل من جديد وأن يواصل مسيرة‬

‫َّ‬
‫الثور َة في المنطقة غير أنه استشهد في شهر مارس ‪ ،1956‬باستعماله لجهاز راديو مفخخ في ظروف‬

‫غامضة‪ ،‬فعادت الخلافات إلى قيادة المنطقة من جديد‪ ،‬م َِّما جعل المنطقة تتغيب عن مؤتمر‬
‫العام‪1.‬‬ ‫الصومام الَّذ ِي وقع في ‪ 20‬أوت ‪ /‬أغسطس من نفس‬

‫المنطقةَالثانيةَ(الشمالَالقسنطيني)‪َ :‬‬

‫بفضل هجوم ‪ 20‬أوت ‪ /‬أغسطس‪ ،‬الَّذ ِي شهدته المنطقة الثانية تطور الوضع فيها بسرعة لصالح‬

‫ن كثفوا من نشاطهم بفضل الأسلحة الحربية َّالتِي غنموها‪ ،‬ولم تمض إلا أسابيع قليلة‬
‫الثوار الَّذِي َ‬

‫ح ََّتى تمكنت المنطقة الثانية أن توسع نشاطها السِيَاسِي والع َسكَر ِي إلى حدودها مع المنطقة الأولى‬

‫من جهة‪ ،‬ومع المنطقة الثالثة من جهة أخرى‪ .‬وكذلك تمكنت من إقامة منطقة حرة ما بين القل‬

‫والميلية وسكيكدة لا يستطيع الجيش الفَرَنس ِي الدخول إليها إلا بحشودٍ كبيرة ٍ وبعد تكبد خسائر‬
‫‪2‬‬ ‫فادحة‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪21‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪22‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪133‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)20‬جبهةَالعملياتَمنَمنطقةَقسنطينةَسنةَ‪َ 1955‬‬

‫فيَالمنطقةَالثالثةَ(القبائل)‪َ َ:‬‬

‫قام المناضلون بعمليات جريئة ض َِّد مراكز الجيش الفَرَنس ِي وفرضوا وجودهم‪ ،‬وقد ساعدهم‬

‫هجوم ‪ 20‬أوت ‪ /‬أغسطس ‪-‬بما أحدثه من رفع للمعنو يات عند أفراد الشعب‪ -‬على توسيع هجماتهم‬

‫إلى حدود المنطقة شرقا ً وغربا ً‪ ،‬من وادي الصومام الشمالي وصولا ً إلى بجاية ومنها إلى المنصور ية‬

‫وخراطة وسطيف‪ ،‬وهي نقطة الحدود مع المنطقة الأولى والثانية‪ ،‬وكذلك إلى سوق الإثنين في‬
‫البحر‪1.‬‬ ‫جبال البابور على شاطئ‬

‫وفي شهر جانفي ‪ 1956‬خاض سي رزقي‪ 2‬معركة كبيرة قرب وادي أميزور على بعد عشرين كم‬

‫من بجاية‪ ،‬بعد أن نصب المجاهدون كمينا ً تحول إلى معركة دامت يومين بعد وصول النجدة إلى‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪22‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫ن التحقوا بصفوف جيش َّ‬

‫التحر ِير الوطني يوم ‪ 12‬أكتوبر ‪ 1956‬في جبال مناصر في‬ ‫من الرعيل الأول الَّذ ِي َ‬ ‫‪2‬‬

‫شرشال بتيبازة‪ ،‬تقلد عدة مسؤوليات من سياسي إلى مسؤول عسكري في المنطقة الرابعة‪ ،‬خاض معارك عديدة‪،‬‬
‫منها معركة سيدي دريس في ‪ 03‬ديسمبر ‪ ، 1958‬أما آخر معركة لَه ُ فَك َان َت في كمين بزروالة في ‪ 04‬جو يلية‬
‫حي ْثُ استشهد يوم ‪ 05‬جو يلية ‪ 1959‬بعد مقاومة شرسة برفقة ثمانية عشر من رفاقه‪.‬‬
‫‪َ ،1959‬‬

‫‪134‬‬
‫الجيش الفَرَنس ِي وفرض الحصار على المجاهدين‪ ،‬إلا أنهم استطاعوا أن يفكوا الحصار في الليلة‬
‫والذخيرة‪1 .‬‬ ‫الثانية‪ ،‬فانسحبوا بعد أن حملوا معهم الشهداء والغنائم من السلاح‬

‫ومن أبرز العمليات َّالتِي شهدتها منطقة القبائل‪" :‬عملية الطير الأزرق"‪ ،‬ففي شهر فبراير ‪1956‬‬

‫ل إيلي "‪ "Ely‬وهو قائد الاحتلال على منطقة القبائل‪ ،‬بمساعدة المخابرات الع َسكَر َِّية‬
‫عمدَ الج نرا ُ‬

‫الفَرَنس َِّية باستمالة بعض المواطنين وتسليحهم في الخفاء ليقاوموا المجاهدين‪ ،‬ولـكن لسوء حظه أن‬
‫الَّذ ِي اتصل بِه ِك َانَ من المناضلين في جبهة َّ‬
‫التحرِير الوطنية‪ ،‬فوصل الخ بر إلى کریم بلقاسم قائد‬

‫الولاية‪ ،‬الَّذ ِي قرر بدوره السماح للمناضل أن يدخل في لعبة المخابرات الفَرَنس َِّية‪ ،‬وأن يقوم بتجنيد‬

‫المناضلين وتسليحهم من طرف الجيش الفَرَنس ِي ح ََّتى وص َ‬

‫ل عدد ُ المجندين حوالي ثلاثمائة‪ ،‬فحينئذ‬
‫ك الناحية والالتحاق بالمجاهدين‪،‬‬
‫طلبَ بلقاسم منهم القيام بكمين ضِد الجيش الفَرَنس ِي المتمركز في تِل ْ َ‬

‫ك في شهر أكتوبر ‪.1956‬‬

‫وك َانَ ذَل ِ َ‬

‫ك َان َت هَذِه ِ العملية نصرا ً للث َورَة ِ‪ ،‬وأثبتت للفرنسيين أنهم لا يقاومون مجرد قطاع طرق‪ ،‬وإنما‬

‫ل‪ ،‬وك َان َت هَذِه ِ العملية‬

‫جيشا ً منظما ً قادرا ً على التخطيط الاستراتيجي و يحظى بدعم شعبي هائ ٍ‬
‫َّالتِي أطل َ‬
‫ق عليها الجيش الفَرَنس ِي اسم الطير الأزرق‪ ،‬صدمة ً معنو ية ً قو ية ً أفقدهم أعصابهم فلم‬
‫يسعهم الحال إلا أن صبوا غضبهم على القرى الموجودة في الناحية‪َّ ،‬‬
‫والتِي ك َانَ يسكنها المناضلون‬

‫فهدموا المساكن وقتلوا الرجال والأطفال والنساء وأحرقوا المزارع‪ ،‬فَك َان َت حصيلة ُ هَذِه ِ المجزرة‬
‫قتيلاً‪2.‬‬ ‫أكثر من مئة وخمسين‬

‫المنطقةَالرابعةَ(وسطَالجزائ ِر)َ‪َ :‬‬

‫ك َان َت هَذِه ِ المنطقة بقيادة سويداني بوجمعة (نائب بيطاط) وأحمد شعيب‪ ،‬و بعد عمليات الفاتح‬

‫من نوفمبر تمركز المجاهدون في الناحية الشرقية من المنطقة ما بين البليدة والمدية وطابلاط‪ .‬لـكن‬

‫بعد هجوم ‪ 20‬أوت ‪ /‬أغسطس‪ ،‬حصلت المنطقة الرابعة على بعض الدعم والتعزيزات من المنطقة‬

‫الثالثة‪ ،‬فاستطاعت من خلاله أن توسع نشاطها إلى أماكن جديدة في المنطقة‪ ،‬خصوصا ً في‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪23‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪23‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪135‬‬
‫متيجة والزكار والونشريس ح ََّتى مدينة الأصنام (شلف)‪ ،‬بينما بقيت الناحية الأخرى َّالتِي تمتد‬

‫من خط عين (الدفلة‪-‬تنس) شرقا ً إلى خط (وهران‪-‬معسكر) غربا ً خالية من العمليات الع َسكَر َِّية‬

‫الثور َّية‪.‬‬
‫َّ‬

‫وفي ناحية الأخضر ية وطابلاط تكونت فرقة من الـكوماندوس تحت قيادة علي خوجة‪ ،‬وقامت‬

‫جيش الفَرَنس ُِّي خسائر َ فادحة ً في الأرواح والعتاد واستولى من خلالها‬

‫بعمليات جريئة تكبدَ فيها ال ُ‬

‫الرعب والفزع على قلوب المستعمرين‪.‬‬

‫وفي يوم ‪ 16‬أفر يل ‪ 1956‬صادف "سويداني بوجمعة" أثناء قيامه بنشاطه التنظيمي في سهل متيجة‬

‫حاجزا ً للدرك والجيش الفَرَنس ِي‪ ،‬الَّذ ِي قام بمتابعته ح ََّتى تمكن من قتله‪ ،‬فخلفه على قيادة المنطقة‬
‫الثالثة‪1.‬‬ ‫العقيد أوعمران رفيق ونائب كريم بلقاسم من المنطقة‬

‫المنطقةَالخامسةَ(وهران)َ‪َ :‬‬

‫في أكتوبر ‪ 1955‬بقيادة العربي بن مهيدي وبوالصوف‪ ،‬انطلقت عدة عمليات في هَذِه ِ المنطقة‬

‫من قطع الطرقات وهدم الجسور وإتلاف أعمدة وخيوط الهاتف والـكهرباء وحرق المزارع‬

‫ك من العمليات في الجهة الشمالية الغربية للمنطقة‪.‬‬

‫والهجوم على ثكنات الجيش والدرك وغير ذَل ِ َ‬

‫واستمرت هَذِه ِ العمليات وتكاثرت وأخذت تتوسع في النواحي الأخرى من المنطقة وتكبد العدو‬

‫خسائر كبيرة‪.‬‬

‫وفي شهر جانفي ‪ 1956‬تمكن المجاهدون في هَذِه ِ المنطقة من الاتصال بضابط جزائري يعمل في‬
‫الجيش الفَرَنس ِي بثكنة المدينة‪ ،‬والتي فيها ما يقرب من مئة جندي جزائري إضافة ً إلى الضباط‬

‫الثور َة والعمل داخل الثكنة ح ََّتى يقنع الجنود‬

‫الضابط الجَزَائِر ِي بالانضمام إلى َّ‬
‫ُ‬ ‫الفرنسيين‪ ،‬فاقتن َع‬

‫الجزائر يين الآخرين بالالتحاق‪ ،‬وحصل لَه ُ ذَلِكَ‪ ،‬فقتلوا جميع الضباط الفرنسيين واستولوا على‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪24‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪136‬‬
‫السلاح الموجود في الثكنة وخرجوا منها والتحقوا بالمجاهدين‪ .‬وك َان َت هَذِه ِ العملية نصرا ً عزز‬
‫القتالية‪1.‬‬ ‫قدرات المنطقة‬

‫منطقةَالجزائ ِرَالحرة‪َ 2:‬‬

‫بعد اعتقال بيطاط في شهر مارس ‪ 1955‬بدأ عبان رمضان ينظم هَذِه ِ المنطقة فتكونت عدة‬

‫فرق جديدة من الفدائيين في عدة أحياء من المدينة وأخذت تستعد للقيام بنشاطها الفدائي ضِد‬

‫بعض الخ ونة أو المتعاملين مع السلطات الاستعمار ية وكذلك ضِد منظمة اليد الحمراء‬
‫الاستعمار ية‪3.‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪25‬‬ ‫‪1‬‬

‫لم يكن من ضمن التقسيمات الجغرافية لجبهة َّ‬

‫التحر ِير الوطني ما يعرف بمنطقة الجَزَائ ِر الحرة‪ ،‬غير أنه بعد أن‬ ‫‪2‬‬

‫تمكنت قوات الأمن الاستعمار ية من إلقاء القبض على بيطاط قائد المنطقة في مدينة الجَزَائ ِر بقي سويداني في‬
‫متيجة يواصل نشاطه‪ .‬وفي نفس الشهر يعني فبراير وصل المناضل عبان رمضان إلى مدينة الجَزَائ ِر‪ ،‬موفدا ً من‬
‫طرف كريم بلقاسم ليشرف على النشاط في هَذِه ِ المدينة بعد خروجه من السجن الاستعماري‪ ،‬وهكذا بدأت‬
‫تتكون ما يسمى بمنطقة الجَزَائ ِر الحرة تحت إشراف عبان رمضان الَّذ ِي تمكن من إجراء عدة اتصالات مع‬
‫المنظمات والجمعيات والشخصيات المختلفة واستطاع أن يقنعها بالانضمام إلى جبهة َّ‬
‫التحر ِير الوطني‪.‬‬
‫‪ 3‬منظمة فرنسية في الجَزَائ ِر متكونة من أفراد الشرطة والجيش الف َرَنس ِي َّالتِي بدأت تقوم خفية باختطاف المناضلين‬
‫والشخصيات المتعاطفة مع َّ‬
‫الثور َة واغتيالهم‪ ،‬مثل ما وقع للشيخ الع ربي التبسي والأمين العمودي ورضا حوحو‬
‫وغيرهم من المناضلين‪.‬‬

‫‪137‬‬
 ‫المطلبَالثاني‪َ:‬التطوراتَفيَالمجالَالسِياسِيَ َ‬

‫الثورَة ِ من نشاطهم السِيَاسِي مع الأحزاب والجمعيات الجَزَائِر َِّية‬

‫ف قادة ُ َّ‬
‫علىَالصعيدَالداخلي؛ ك ََّث َ‬

‫سنة ‪ ،1955‬وعرضو ا عليهم الالتحاق بالجبهة‪ ،‬فوافقت اللجنة المركز ية لحركة انتصار الحر يات‬
‫الديموقراطية على الانخراط في جبهة َّ‬
‫التحرِير‪ ،‬بعد أن ك َانَ ابن خدة قد اتصل بمفرده بعبان‬
‫رمضان قائد جبهة َّ‬
‫التحرِير في مدينة الجَزَائ ِر‪ ،‬وأصبح مساعده الأيمن‪.‬‬

‫أما جمعية العلماء المسلمين ‪-‬وإن ك َانَ بعض أفرادها قد انضموا فرادى إلى َّ‬
‫الثور َة‪ -‬فقد تأخرت‬
‫في الانخراط الكامل مع جبهة َّ‬
‫التحرِير‪ ،‬لـكنها حلت أخيرا ً تنظيمها في بداية ‪ ،1956‬واندمجت‬
‫ل كامل مع َّ‬
‫الثور َة‪ .‬والتحق فرحات عباس زعيم‬ ‫بِش َك ٍ‬
‫حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجَزَائِر ِي بالجبهة أيضا ً‪ ،‬إذ‬
‫َّ‬
‫وانضم إلى صفوف جبهة‬ ‫قام في أبر يل ‪ 1956‬بحل حزبه‬

‫ك قد توجه إلى القاهرة ليلتقي‬ ‫َّ‬

‫التحرِير الوطني‪ ،‬وك َانَ قبل ذ َل ِ َ‬
‫بقادة َّ‬
‫الثور َة ومن بينهم أحمد بن بلة‪َ .‬‬

‫الجدير بالذكر أن الحزب الشيوعي قد امتنع عن الانخراط‪ ،‬وإن ك َانَ بعض أفراده قد انضموا‬

‫الثور َة‪َ.‬ومن جهة أخرى التحق ب َِّالثورَة ِ الأمين دباغين‪ ،‬وهو من قيادة حزب الشعب‬
‫فرادى في َّ‬

‫سابقا ً‪ ،‬وكذلك عمار أوزقان وهو من القيادات السابقة في الحزب الشيوعي‪ ،‬أما مصالي الحاج‬

‫کون حزبه الجديد باسم "الحركة الوطنية الجَزَائِر َِّية"‪ ،‬والَّذ ِي أصبح سندا ً للجيش الفَرَنس ِي في‬
‫فقد َّ‬
‫محاربة جبهة َّ‬
‫التحرِير في ف َرَنس َا كما سنرى بعد ذَلِكَ‪َ 1.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪26‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪138‬‬
‫وك َانَ م َِّما التفت إليه عبان رمضان خلال هَذِه ِ المرحلة؛ هو اختيار النشيد الوطني الجديد‪ ،‬فكلف‬

‫مفدي زكر يا وهو مناضل في الحركة الوطنية وشاعر كبير بتنظيم قصيدة بعنوان (قسما ً)‪ 1،‬وقد‬

‫أصبحت فيما بعد النشيد الوطني‪ ،‬وما زالت كذلك إلى يومنا هَذَا‪.‬‬

‫كما سعى عبان بمساعدة عيسات إيدير‪ 2‬إلى تكوين نقابة عمالية‬

‫مستقلة عن النقابة الفَرَنس َِّية‪ ،‬وتعين إيدير على رأسها‪ ،‬فَك َان َت سندا ً‬
‫للث َورَة ِ منذ تأسيسها في مارس ‪ ،1956‬وقامت بعدة إضرابات وطنية‬

‫مساندة لجبهة ال َّتحرِير‪ ،‬وكذلك جمعية النساء الجَزَائِر َِّية وجمعية التجار‬
‫وغيرها من الجمعيات َّالتِي وقفت كلها بجانب َّ‬
‫الثور َة‪ .‬وفي نشاط‬
‫مشابه‪ ،‬نظم الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائر يين مؤتمرا ً طالب فيه بالاستقلال‪ ،‬ث َُّم في ‪ 18‬أيار‬

‫ك بمقاطعة الدروس والامتحانات ودعوة الطلبة‬

‫دعا الاتحاد إلى إضراب عام غير محدود‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫الوطني‪3.‬‬ ‫للالتحاق بصفوف جبهة َّ‬
‫التحرِير‬

‫‪ 1‬بعض أبيات القصيدة‪ :‬قسما بالنازلات الماحقات‪ ،‬والدماء الزاكيات الطاهرات‪ ،‬والبنود اللامعات الخافقات‪،‬‬
‫في الجبال الشامخات الشاهقات؛ نحن ثر نا فحياة أو ممات‪ ،‬وعقدنا العزم أن تحيا الجَزَائ ِر‪ ،‬فاشهدوا‪ ..‬فاشهدوا‪..‬‬
‫فاشهدوا‪.‬‬
‫نحن جند في سبيل الحق ثرنا‪ ،‬وإلى استقلالنا بالحرب قمنا‪ ،‬لم يكن يُصغى لنا لما نطقنا‪ ،‬فاتخذنا رنة البارود وزنا‪،‬‬
‫وعزفنا نغمة الرشاش لحنا‪ ،‬وعقدنا العزم أن تحيا الجَزَائ ِر‪ ،‬فاشهدوا‪ ...‬فاشهدوا‪ ...‬فاشهدوا‪...‬‬
‫يا ف َرَنس َا قد مضى وقت العتاب‪ ،‬وطويناه كما يطوى الكتاب‪ ،‬يا ف َرَنس َا إن ذا يوم الحساب‪ ،‬فاستعدي وخذي منا‬
‫الجواب‪ ،‬إن في ثورتنا فصل الخطاب‪ ،‬وعقدنا العزم أن تحيي الجَزَائ ِر‪ ،‬فاشهدوا‪ ...‬فاشهدوا‪ ...‬فاشهدوا‪...‬‬
‫‪ 2‬ولد عيسات إيدير في قر ية جمعة صهاريج قرب مدينة تيزي وزو عام ‪ ،1919‬من عائلة فلاحية متواضعة الحال‪.‬‬
‫حي ْثُ تابع دراسته العليا في الاقتصاد بالجامعة التونسية إلى غاية ‪ .1938‬اهتم‬
‫في سنة ‪ 1935‬التحق بعمه بتونس َ‬
‫بالدفاع عن مصالح العمال الجزائر يين‪ ،‬م َِّما دفع برفاقه إلى انتخابه عضوا في اللجنة التنفيذية لعمال الدولة‪ ،‬وهي لجنة‬
‫تابعة للنقابات الشيوعية الف َرَنس َِّية‪ .‬ك َانَ لجهود عيسات إيدير ومساعيه الأثر الـكبير في تأسيس أول منظمة نقابية‬
‫جزائر ية متمثلة في الاتحاد العام للعمال الجزائر يين في فيفري‪/‬فبراير ‪ .1956‬وقد عين أمينا ً عاما ً عليها‪ ،‬وم ََّكن َه ُ هَذ َا‬
‫المنصب أن يشرف على تنظيم فروع وخلايا الاتحاد‪ ،‬واستمر على هَذ َا النحو ح ََّتى تاريخ توقيفه في ‪ 23‬ماي ‪،1956‬‬
‫بأمر من روبير لاكوست الوزير ُ المفوض بالجَزَائِر ِ‪ ،‬توفي عيسات إيدير في ‪ 26‬جو يلية ‪ 1959‬متأثرا ً بالتعذيب‬
‫المسلط عليه في السجون الف َرَنس َِّية‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪27‬‬
‫‪ 3‬زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬

‫‪139‬‬
 ‫أماَعلىَالصعيدَالخارجي‪َ،‬فقدَشهد َيناير ‪ 1955‬النواة الأولى لتأسيس فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحرِير‬

‫التحرِير عن ضرورة استغلال مقومات الجالية الجَزَائِر َِّية في الخارج‬

‫بِفَرَنس َا‪ .‬إذ لم تغفل قيادة جبهة َّ‬

‫الثور َّية ِ في حضور‬

‫الشرعية ِ َّ‬
‫َّ‬ ‫الثور َّية َ هي مسألة ُ‬
‫ج القيادة َ َّ‬ ‫لإنجاح َّ‬
‫الثور َة التحرير ية‪ .‬لـكن ما أحر َ‬

‫الزعيم التار يخي (مصالي الحاج) داخل معقل الجالية َّالتِي لا يمكن أن تتصور عملا ً بطوليا ً خارج‬

‫حي ْثُ اعتقدَ أغلبُ الجزائر يين والمناضلين بِفَرَنس َا أن مصالي هو من ك َانَ وراء العمليات‬
‫إرادته‪َ ،‬‬

‫َّالتِي وقعت ليلة أول نوفمبر ‪ ،1954‬ولذلك التحقت أعداد كبيرة في ف َرَنس َا وبلجيكا بالحركة الوطنية‬

‫المصالية َّالتِي أنشأها مصالي الحاج في ‪ ،1954 – 12 - 05‬وبقيت السيطرة لهذه الحركة إلى غاية‬
‫حي ْثُ أخذت معالم َّ‬
‫الثور َة تتكشف واتضح من هم قيادتها‪ .‬وقد بلغ عدد أتباع فدرالية‬ ‫‪َ 1956‬‬

‫الجبهة بِفَرَنس َا في جوان ‪ 1956‬ما يزيد عن ثمانية آلاف شخص ث َُّم وصل ‪ 1957‬إلى خمسة عشر‬
‫فردٍ‪1.‬‬ ‫ألف‬

‫منَالتطوراتَالأخرىَالتِيَيجدرَالحديثَعنها؛َحركةَالعصيانَفيَالجيشَالفرنس ِي‪َّ َ،‬‬

‫والتِي بدأت‬

‫حي ْثُ‬
‫منذ أن صوت البرلمان الفَرَنس ِي على قانون حالة الطوارئ بالجَزَائِر ِ في ‪ 3‬أفر يل ‪َ ،1955‬‬

‫وجد الآلاف من الجنود السابقين أنفسهم مدعوين للالتحاق مرة ً أخرى بالجيش الفَرَنس ِي في‬

‫الجَزَائ ِر‪َ .‬‬

‫برزت حركة التمرد في مناطق عديدة من ف َرَنس َا من ق ِبل شباب أعلنوا رفضهم التجنيد للحرب في‬
‫الجَزَائ ِر‪ ،‬وحصلت هَذِه ِ الحركة على مساندة من لجان وشخصيات المجتمع المدني الفَرَنس ِي‪ ،‬وتمثلت‬

‫نشاطاتها في المظاهرات ورفض الانصياع للأوامر أو التنفيذ المتأخر وغير المنضبط للمهام المطلوب‬
‫إنجازها والفرار من الخدمة وغيرها من أشكال الرفض‪ ،‬فوصل عدد الجنود الفرنسيين الَّذ ِي َ‬
‫ن أعلنوا‬
‫العصيان خلال حرب َّ‬
‫التحرِير إلى اثني عشر ألف ومئتين وسبعة عشر شابا ً‪ ،‬منهم عشرة آلاف‬

‫وثمانمئة وواحد وثلاثون جنديا ً رفضوا الالتحاق بالخدمة الع َسكَر َِّية‪ ،‬وثمانمئة وستة وستون فروا‬

‫د‪.‬جيلالي تكران‪ ،‬فيدرالية جبهة َّ‬

‫التحر ِير الوطني بِف َرَنس َا‪ ،‬دراسة في التنظيم والهيكلة ‪ ،1957–1954‬ص ‪182‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪185 -‬‬

‫‪140‬‬
‫بطر يقة غير قانونية‪ ،‬وأربعمئة وعشرون شخصا ًرفضوا حمل السلاح وارتداء البزة الع َسكَر َِّية‪ .‬ويمكن‬

‫القول إن حركة التمرد في صفوف الجيش الفَرَنس ِي قد مرت بثلاث مراحل‪:‬‬

‫الأولى‪ :‬تشمل سنوات ‪ 1956-1955‬وتتميز ب الاحتجاجات على فرض إعادة التجنيد بالقوة‪.‬‬

‫وتميزت بالسلمية بمختلف أشكالها (المظاهرات‪ ،‬التقاعس عن تنفيذ الأوامر‪ ،‬التعتيم والتكتم‪ ،‬قلة‬

‫الانضباط والفرار)‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬تشمل سنوات ‪ ،1959 -1957‬وتتميز بظهور نوع آخر من العصيان والتمرد‪ ،‬يتمثل في فضح‬

‫الجنود لممارسات التع ذيب والانتظام في شبكات صغيرة لمناهضة الحرب‪ .‬وهَذَا النوع من‬

‫العصيان فجره أسلوب التعذيب الَّذ ِي لجأ إليه الجيش لافتكاك المعلومات من الجزائر يين والَّذ ِي‬
‫ل بعض الفرنسيين المناهضين لاستعمار الجَزَائ ِر‪.‬‬
‫امتد ليطا َ‬

‫أماَالمرحلةَالثالثة فتمتد من ‪ 1960‬إلى ‪ ،1962‬وتميزت بالتصاعد العددي المستمر للتمردات‪.‬‬

‫ولـكن رغم كثرة الاحتجاجات وحركات العصيان في صفوف الجيش الفَرَنس ِي؛ لم يكن لَهَا‬

‫ك لأسباب عديدة أهمها‪ :‬الرقابة المفروضة على الصحف‬

‫صدىً كبير لدى الرأي العام‪ ،‬و يعود ذَل ِ َ‬

‫بحكم إعلان حالة الطوارئ‪ ،‬ومعاقبة الجنود المتمردين‪ ،‬ومقاضاة الصحف َّالتِي تتناول موضوع‬

‫التمرد بدعوى تحر يض الجنود على العصيان‪.‬‬

‫‪141‬‬
 ‫جدول زمني ألهم األحداث خالل املرحلة األولى من ثورة التَّحرِير الجَزَائِرِيَّة‬

‫الحدث‬ ‫التاريخ‬
‫‪25‬جويلية ‪ 1954‬اجتماع ‪ 22‬وتشكيل القيادة السداسية‪.‬‬
‫َّ‬
‫الث َ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫ورة‪.‬‬ ‫حريرالوطني وتحديد ‪ 1‬نوفمبرموعدا النطالق‬ ‫تأسيس جبهة الت ِ‬ ‫‪ 24‬أكتوبر‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫العسك ِرَّية تشمل معظم البالد‪.‬‬ ‫الث َ‬
‫ورة‪ ،‬والعمليات‬ ‫نشوب‬ ‫‪ 1‬نوفمبر‬
‫َّ‬ ‫ُ ُ‬
‫حريرويعتبرها جهة إرهابية‪.‬‬‫االحتالل ي ِد ِين العمليات ويرفض طلبات جبهة الت ِ‬ ‫‪ 2‬نوفمبر‬
‫حل حركة انتصار الحريات الديمقراطية‪ ،‬وإغالق مجالتها واعتقال ألفين من‬ ‫ُّ‬
‫‪ 5‬نوفمبر‬
‫النشطاء السياسيين‪.‬‬
‫‪1955‬‬
‫َ‬
‫عرض برنامج إصالحات واسعة على مجلس الوزراء الف َر ِنس ّي قصد تطبيقها في‬
‫‪ 5‬جانفي‬
‫الج َز ا ِئر‪.‬‬
‫َ‬

‫اعتقال مصطفى بن بولعيد قائد املنطقة األولى بتونس‪ ،‬واستشهاد ديدوش‬

‫‪ 14‬جانفي‬
‫مراد قائد املنطقة الثانية في معركة بوكركر‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ينفذ الجيش الف َر ِنس ّي عمليات "فيوليت" و"فيرنيك" لتمشيط األوراس والشمال‬
‫‪ 23‬جانفي‬
‫القسنطيني‪.‬‬
‫تأسيس النواة األولى لتأسيس فيدرالية الجبهة ب َف َر َ‬
‫نسا‪.‬‬ ‫يناير‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫تعيين جاك سوستال حاكما عاما خلفا لروجيه ليونار‪.‬‬ ‫‪ 25‬يناير‬
‫َ‬
‫نس َّية بعد فشل سياسة مانديس فراس‪.‬‬ ‫سقوط الحكومة الف َر ِ‬ ‫‪ 5‬فبراير‬
‫املصادقة على تطبيق قانون حالة الطوارئ ملدة ستة أشهر‪.‬‬ ‫‪1‬أبريل‬
‫بداية ظهورحركة عصيان وتمرد في صفوف املجندين الفرنسيين‪.‬‬ ‫‪ 3‬أبريل‬
‫َ‬
‫تدعيم املجهود الحربي الف َر ِنس ّي‪ :‬تخصيص خمسة عشر مليار فرنك للقضاء على‬
‫َّ‬
‫الث َ‬ ‫‪ 15‬مايو‬
‫ورة‪.‬‬
‫َ‬
‫املجلس الوزاري الف َر ِنس ّي يقررإضافة أربعين ألف جندي واستدعاء االحتياط‪.‬‬ ‫‪16‬مايو‬
‫جاك سوستال يعلن عن إصالحات‪.‬‬ ‫‪1‬يونيو‬
‫َّ‬
‫حرير‪ :‬في الوالية األولى معركة الحميمة األولى‪.‬‬ ‫من معارك جيش الت ِ‬ ‫‪13‬يونيو‬
‫الج َز ا ِئر بين الجبهة الوطنية واملصاليين‪.‬‬
‫املواجهة املسلحة في َ‬ ‫يونيو‬

‫‪142‬‬
 ‫ميالد االتحاد العام للطلبة املسلمين الجزائريين‪.‬‬ ‫‪13‬يوليو‬
‫بداية هجومات الشمال القسنطيني من طرف الثوار‪.‬‬ ‫‪ 20‬أغسطس‬
‫َّ‬
‫حريرفي الوالية األولى معركة الجرف ‪.1‬‬
‫معارك جيش الت ِ‬ ‫‪ 22‬سبتمبر‬
‫إنشاء املصالح اإلدارية املختصة‪.‬‬ ‫‪ 29‬سبتمبر‬
‫استشهاد بشيرشيحاني قائد الوالية األولى‪.‬‬ ‫‪ 30‬أكتوبر‬
‫َ‬
‫الج َز ا ِئر‪.‬‬
‫الف َرنس ّي‪ :‬وصول مئة وثمانين ألف جندي إلى َ‬
‫ِ‬ ‫تدعيم املجهود الحربي‬ ‫‪10‬ديسمبر‬
‫‪1956‬‬
‫َ‬
‫للث َ‬ ‫إعالن جمعية العلماء املسلمين َّ‬
‫ور ِة‪.‬‬ ‫حل نفسها وانضمامها‬ ‫‪7‬يناير‬
‫تأسيس االتحاد العام للعمال الجزائريين‪.‬‬ ‫‪ 24‬فبراير‬
‫استشهاد مصطفى بن بولعيد قائد الوالية األولى‪.‬‬ ‫‪ 22‬مارس‬
‫استشهاد سويداني بوجمعة قائد املنطقة الرابعة بضواحي القليعة‪.‬‬ ‫‪ 16‬أبريل‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ََ ّ‬ ‫ُّ‬
‫حرير‪.‬‬ ‫فرحات عباس يحل االتحاد الديمقراطي للبيان الجز ا ِئ ِري وينضم إلى جبهة الت ِ‬ ‫‪22‬أبريل‬
‫َّ‬
‫حريرالوطني يتصدى لعملية تمشيط تحت اسم األمل والبندقية‪.‬‬ ‫جيش الت ِ‬ ‫‪ 28‬أبريل‬
‫َّ‬
‫حرير في الوالية األولى‪ :‬معركة جبل بوطالب‪.‬‬
‫معارك جيش الت ِ‬ ‫‪ 6‬مايو‬
‫َّ‬
‫الث َ‬
‫ور ِة‬ ‫إضراب االتحاد العام للطلبة الجزائريين املسلمين عن الدراسة والتحاقهم ِب‬ ‫‪ 19‬مايو‬
‫َّ‬
‫حرير في الوالية الرابعة‪ :‬معركة الونشريس‪.‬‬‫معارك جيش الت ِ‬ ‫‪ 7‬يوليو‬

‫‪143‬‬
 ‫المرحلةَ‪َ–َ2‬التنظيمَوالتموينَ(‪َ)1958َ-1956‬م َ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية ما بين عامي ‪ 1958 – 1956‬مرحلة ً مفصلية ً‪ ،‬ونقلة‬

‫ك َان َت هَذِه ِ المرحلة من ع ُمرِ َّ‬

‫نوعية في تار يخها عن طر يق ما يعرف بمؤتمر الصومام‪ ،‬الَّذ ِي أفضى إلى نتائج هامة على المستوى‬
‫الداخلي والخارجي للث َورَة ِ‪ ،‬كما أن َّ‬
‫الثور َة ازدادت اشتعالا ً بسبب تجاوب فئة كبيرة من الشعب‬
‫الجَزَائِر ِي معها رغم ارتفاع حدة الهجوم الفَرَنس ِي المضاد للث َورَة ِ أيضا ً‪ ،‬واستطاعت جبهة َّ‬
‫التحرِير‬

‫خلال هَذِه ِ المرحلة إقا مة بعض السلطات المدنية في بعض مناطق الجنوب الجَزَائِر ِي‪ ،‬وأخذت‬

‫تمارس صلاحياتها على جميع الأصعدة‪.‬‬

‫المبحثَالأول‪َ:‬مؤتمرَالصومامَ َ‬
‫الثور َة المسلحة‪َّ ،‬‬
‫والتِي تطورت أحداثها بسرعة ٍكبيرة ٍ‪ ،‬ك َانَ لابد على‬ ‫بعد مرور عامين من اندلاع َّ‬

‫قادة َّ‬
‫الثور َة من تقييم حصيلة اثنتان وعشرين شهرا ً من الـكفاح التحريري‪ ،‬كما ك َانَ لابد لهم من‬
‫إ يجاد صيغة تنظيمية تلبي حاجيات المرحلة الحاسمة َّالتِي تلت تفجير َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬ووضع قواعد وهياكل‬

‫تنظيمية تستجيب لطبيعة المرحلة على الصعيدين السِيَاسِي والع َسكَر ِي في الداخل الوطني والخارج‬
‫الدولي‪ ،‬لاسيما وأن العام الأول من َّ‬
‫الثور َة شَهَدَ أحداثا ً وتغيرات كثيرة ً على مستوى القيادة‪،‬‬

‫كاستشهاد بعض القادة مثل‪ :‬باجي مختار‪ ،‬وديدوش مراد‪ ،‬وسويداني بوجمعة‪ ،‬ومصطفى بن‬

‫بولعيد‪ ،‬واعتقال البعض الآخر مثل رابح بيطاط‪ ،‬ورحيل بوضياف إلى خارج الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية قد قرروا عقد مؤتمر تقييمي لأحداث َّ‬

‫الثور َة في شهر يناير (جانفي)‬ ‫ك َانَ قادة َّ‬

‫‪ ، 1955‬والوقوف على أهم التطورات في المناطق الخمس‪ ،‬لـكن الظروف الصعبة َّالتِي مر بِهَا‬

‫ح بعد مرحلة الانطلاق حالت دون عقد هَذَا الاجتماع‪ ،‬الَّذ ِي تأجل إلى غاية ‪20‬‬
‫ل المسل ُ‬
‫العم ُ‬

‫أوت‪/‬أغسطس ‪ ،1956‬فأوفد عبان رمضان وفودا ً إلى قادة المناطق وبعث رسائل إلى أعضاء‬

‫ك في بداية ‪ ،1956‬وتواصلت‬
‫الجبهة الموجودين في القاهرة‪ ،‬يستشيرهم في الأمر وك َانَ ذ َل ِ َ‬
‫‪1 .1956‬‬ ‫المشاورات والاستعدادات لذلك ح ََّتى صيف‬

‫المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أيلول نوفمبر ‪ ،1954‬كتاب مرجعي عن ا َّلثور َة‬ ‫‪1‬‬

‫التحرير ية ‪ ،1962-1954‬ص ‪48‬‬

‫‪144‬‬
‫وفي مايو ‪ 1956‬التحق العربي بن مهيدي بعبان في مدينة الجَزَائ ِر وخلفه على قيادة المنطقة الخامسة‬

‫بالنيابة عبد الحفيظ بوالصوف‪ .‬وبدأ الاستعداد ُ للاجتماع بإشراف عبان وبن مهيدي ومساعدة‬
‫خدة‪1.‬‬ ‫بن‬

‫وافقت ا لمنطقة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة على هَذَا الاجتماع‪ ،‬لـكن لم يستطع عبان‬

‫الاتصال بالمنطقة الأولى "الأوراس" نظرا ً لاستشهاد شیهاني وبن بوالعيد وظهور خلافات في‬

‫القيادة‪ ،‬كما ت ََّم الاتصا ُ‬

‫ل مع الأعضاء المتواجدين في القاهرة‪ ،‬ولـكن لم ي َتُم الاتفاق معهم على‬

‫بعض النقاط‪ 2 ،‬فتغيب الأعضاء في الخارج عن حضور المؤتمر إلى جانب المنطقة الأولى‪.‬‬

‫وك َانَ مقررا ً أن يحصل الاجتماع في المنطقة الثانية‪ ،‬ولـكن الظروف (بالأخص البعد ووسائل‬
‫النقل) جعلت الاجتماع ينعقد في ولاية "بجاية" الساحلية في قر ية "إيفري" بالمنطقة الثالثة (منطقة‬

‫ك في ‪ 20‬أوت‪ /‬أغسطس ‪،1956‬‬

‫القبائل) باعتبارها أكثر المناطق أمانا ً وسر ية‪ .‬وقد حصل ذ َل ِ َ‬

‫الثور َة التحرير ية‪ ،‬ومن أبرز الأسماء َّالتِي‬

‫وبهذا يكون المؤتمر قد انعقد بعد سنتين من تفجير َّ‬
‫حضرته‪3:‬‬

‫منَالمنطقةَالثانيةَ"الشمالَالقسنطيني"َ‪ :‬ز يغود يوسف‪ ،‬الخضر بن طوبال‪ ،‬علي کافي‪،‬‬ ‫•‬

‫عمار بن مصطفى بن عود‪.‬‬

‫ولد بالبرواقية عام ‪1920‬من عائلة مترفة‪ ،‬واصل دراسته ح ََّتى حصل على شهادة الدكتوراه في الصيدلة‪ ،‬ك َانَ‬ ‫‪1‬‬

‫عضوا ً في اللجنة المركز ية لحركة الانتصار للحر يات الديمقراطية‪ ،‬التحق ب َِّالثورَة ِ مباشرة بعد خروجه من السجن في‬
‫‪13‬ماي ‪ ،1955‬عين عضوا ً في الحكومة المؤقتة الأولى بمنصب وزير الشؤون الاجتِم َاع َِّية‪ ،‬وعين رئيسا ً للحكومة‬
‫المؤقتة الثالثة عام ‪.1961‬‬
‫ك َان َت مجموعة القاهرة تقترح قيادة مزدوجة‪ :‬ستة أعضاء من داخل الجَزَائ ِر وستة من خارج الجَزَائ ِر‪ ،‬في حين‬ ‫‪2‬‬

‫ك َان َت مجموعة عبان تقترح قيادة و احدة‪ :‬ستة أعضاء في داخل الجَزَائ ِر‪ ،‬وتلح على ضرورة وجود القيادة في‬
‫الداخل‪ ،‬وهَذ َا الخلاف أدى إلى غياب مجموعة الخارج‪ ،‬يعني خيضر وبن بلة وآيت أحمد وبوالضياف‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪30-29‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪3‬‬

‫‪145‬‬
‫منَالمنطقةَالثالثةَ"القبائل"‪ :‬كريم بلقاسم‪ ،‬محمدي السعدي‪ ،‬إعزورن‪ ،‬عميروش آیت‬ ‫•‬

‫حمودة‪َ 1.‬‬

‫منَالمنطقةَالرابعةَ"الجزائ ِرَالعاصمة"‪ :‬اوعمران ؛ أحمد(أمحمد) بوقرة؛ علي ملاح‬ ‫•‬

‫منَالمنطقةَالخامسةَ"َوهران"َ‪ :‬العربي بن مهيدي‪.‬‬ ‫•‬

‫منَمنطقةَالَجزائ ِرَالحرة‪َّ :‬‬

‫عبان رمضان‪.‬‬ ‫•‬

‫ترأس المجلس العربي بن مهيدي مع إسناد الأمانة العامة للاجتماع لعبان رمضان‪ ،‬وك َان َت‬

‫الاجتماعات لا يحضرها إلا قادة المناطق "ز يغود وكريم واوعمران وبن مهيدي وعبان"‪ ،‬لـكن‬
‫الحاجة‪2 .‬‬ ‫ك ُُّل قائدٍ ك َانَ يستشير أصحابه الَّذِي َ‬
‫ن رافقوه خارج الاجتماع عند‬

‫أماَأهمَالقضاياَالتِيَطرحتَللمناقشةَوالتِيَتناولهاَجدولَالأعمالَفهيَكالتالي‪َ 3َ:‬‬

‫‪ )1‬شرح الأسباب َّالتِي دعت إلى الاجتماع وموضوع الاجتماع‪َ .‬‬

‫‪ )2‬تقديم التقارير على الشكل التالي‪َ :‬‬

‫تقرير نظامي‪ :‬عن كيفية التقسيم والهيكل العام لجيش َّ‬
‫التحرِير ومراكز القيادة‪َ .‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫ب َ‪ -‬تقرير عسكري‪ :‬عدد المناضلين والمجاهدين‪ ،‬وعن الوحدات ونظام تركيبها‪ ،‬والأسلحة‪َ .‬‬
‫ج‪ -‬تقرير عن المالية‪ :‬المداخيل والمصار يف والمتبقي في الصندوق‪.‬‬
‫د َ‪ -‬تقرير سياسي‪ :‬عن معنو يات المجاهدين والشعب‪.‬‬

‫‪ )3‬توحيد الأمور التالية‪َ :‬‬

‫من مواليد ‪ 31‬أكتوبر ‪ 1926‬بقر ية تاسافت بجبال جرجرة بالجَزَائِر ِ‪ ،‬انضم إلى حركة انتصار الحر يات‬ ‫‪1‬‬

‫الديمقراطية‪ ،‬وك َانَ نشاطه مكثفا ً وملحوظا ً م َِّما جعل السلطات الف َرَنس َِّية تعتقله مرتين الأولى سنة ‪ 1947‬والثانية‬
‫سنة ‪ 1948‬فأذاقته شتى أنواع الإهانة والتعذيب‪ .‬بعدم ا ضاقت بِه ِ السبل سافر إلى ف َرَنس َا سنة ‪ 1950‬لمزاولة‬
‫الثور َة التحرير ية بشهرين عاد َ إلى الجَزَائ ِر والتحق بصفوف َّ‬
‫الثور َة بعد انطلاقها‪ .‬أبدى‬ ‫نشاطه السِيَاسِي‪ .‬قبل اندلاع َّ‬
‫عميروش قدرة ًكبيرة على تنظيم الجهاد م َِّما جعله يتدرج في المسؤوليات وفي عام ‪ 1957‬ع ُين قائدا ً للولاية الثالثة‬
‫بعد أن التحق ك ُل من كريم بلقاسم ومحمدي السعيد بلجنة التنسيق والتنفيذ بتونس‪ .‬وفي يوم ‪ 29‬مارس ‪1959‬‬
‫وقع في اشتباك عنيف مع قوات العدو واستشهدا أثناء الاشتباك‪.‬‬
‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية ‪ -‬ص ‪134‬‬
‫‪ 2‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪136-135‬‬

‫‪146‬‬
 ‫النظام وتقسيم المناطق‪ :‬وتعيين مراكز القيادات المحلية‪َ .‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫ب َ‪ -‬النظام عسكري‪ :‬في الوحدات‪ ،‬والرتب الع َسكَر َِّية‪ ،‬والنياشين والأوسمة وفي المرتبات‬

‫والمنح العائلية‪َ .‬‬

‫ج‪ -‬النظام السِيَاسِي‪ :‬المرشدون السياسيون ومهماتهم‪.‬‬
‫د َ‪ -‬النظام الإداري‪ :‬مجلس الشعب‪َ .‬‬
‫التحرِير الوطني‪ :‬القانون الأساسي‪ ،‬والنظام الداخلي والهيئات المسي ِرة‪" :‬مجلس َّ‬
‫الثور َة"‬ ‫‪ )4‬جبهة َّ‬

‫و"لجنة التنسيق والتنفيذ"‪َ .‬‬

‫‪ )5‬جيش َّ‬
‫التحرِير الوطني‪ :‬تقسيمات الجيش (المجاهد‪ ،‬المسبل‪ ،‬الفدائي) ومناقشة توسيع مناطق‬

‫الهجمات والإكثار من العمليات‪َ .‬‬

‫التحرِير وجيش َّ‬
‫التحرِير‪ ،‬العلاقة بين الداخل والخارج‪ .‬وخصوصا ً بين تونس‬ ‫‪ )6‬العلاقة بين جبهة َّ‬

‫والمغرب وف َرَنس َا‪َ .‬‬

‫‪ )7‬العتاد‪َ .‬‬

‫‪ )8‬نظام العمل‪ :‬عسكر يا ً وسياسيا ً ووسائله المادية‪.‬‬

‫‪ )9‬إيقاف القتال‪ ،‬المفاوضات‪ ،‬هيئة الأمم المتحدة‪ ،‬والحكومة المؤقتة‪.‬‬

‫مواضيع مختلفة‪ :‬الأوراس‪ ،‬القبائل‪.‬‬ ‫‪)10‬‬

‫بالمناطق‪1.‬‬ ‫تقديم ك ُل ولاية تقارير عن أعداد المجاهدين والسلاح المتوفر‬ ‫‪)11‬‬

‫التحرِير الوطني أن يخرج بجملة من النتائج الهامة َّالتِي ك َانَ لَهَا آثر كبير‬
‫استطاع المؤتمر الأول لجبهة َّ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية فيما بعد‪ ،‬من هَذِه ِ النتائج تأسيس "المجلسَالوطنيَللثورة ِ"َالجَزَائِر َِّية‪ .‬بِ حَي ْثُ‬
‫في َّ‬

‫يمثل هَذَا المجلس‪ :‬الهيئة َ العليا َّالتِي تقود َّ‬

‫الثور َة وترسم معالمها وتحدد استراتيجيتها؛ وقد عرفته‬

‫الثور َة على أنه رمز السيادة الوطنية الَّذ ِي يقوم بتشر يع القوانين مؤقتا ً إلى غاية تحرير التراب‬
‫مواثيق َّ‬

‫الوطني كاملاً‪.‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪ – 136‬الإحصاء سيأتي لاحقا ً‬

‫‪ 1‬أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬
‫بفصل تطور الجيش الوطني بعد مؤتمر الصومام‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫وعلى الصعيد السِيَاسِي أيضا ً‪ ،‬تقرر بعد مؤتمر الصومام تأسيس "لجنةَالتنسيقَوالتنفيذ"‪ََ،‬وهي‬
‫قيادة جماعية تقوم بقيادة شؤون َّ‬
‫الثور َة وتسيير أعمالها‪ ،‬وهَذِه ِ اللجنة يختارها المجلس الوطني للث َورَة ِ‬

‫الجَزَائِر َِّية‪ .‬وهو المسؤول عن حلها بأغلبية الثلثين؛ و يخولها سلطات واسعة فيما بين جلسات‬

‫المجلس الوطني للث َورَة ِ إلا فيما ي ُّخص القضايا المتعلقة بمصير مستقبل البلاد‪َ .‬‬

‫مؤتمر الصومام من اليمين لليسار‪ :‬أوعمران ‪ -‬كريم بلقاسم ‪ -‬العربي بن مهيدي ‪ -‬عبان رمضان ‪ -‬زيغود يوسف‬

‫ل ما يعرف بالمحافظينَالسياسيين‪ ،‬وتمثلت مهامهم الأساسية في‪ :‬تنظيم‬ ‫كما َّ‬

‫أقر مؤتمر ُ الصومام تشكي َ‬

‫وتثقيف الشعب عبر الدعاية والتوجيه‪ .‬وللمحافظين السياسيين الحق في إعطاء آرائهم في جميع‬
‫التحرِير الوطني‪ ،‬كما يق ُع على عاتقهم جمع الأموال وتموين َّ‬
‫الثور َة‬ ‫برامج الأعمال الع َسكَر َِّية لجيش َّ‬

‫وشن الحرب النفسية المضادة‪ ،‬وعليهم أيضا ً أن يعملوا على تمتين العلاقة بين َّ‬
‫الثور َة والشعب‬
‫الحرب‪1.‬‬ ‫والعناية بالأقليات الأوروبية ومساجين‬

‫المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أيلول نوفمبر ‪ ،1954‬كتاب مرجعي عن َّ‬
‫الثور َة‬ ‫‪1‬‬

‫التحرير ية ‪ ،1962-1954‬ص ‪50‬‬

‫‪148‬‬
‫وعلى صعيد الحوكمة الداخلية أيضا ً؛ أنشئت المجالس الشعبية َّالتِي تشرف على خدمة السكان وتأمين‬
‫حاجياتهم‪ ،‬وتأسست مجموعة من المحاكم والمستشفيات والمدارس التابعة لجبهة َّ‬
‫التحرِير‪ ،‬وقد نشرت‬

‫جريدة المقاومة الجَزَائِر َِّية على لسان صحفي فرنسي أجرى تحقيقا ً في الولاية الثالثة قوله‪" :‬إن الشورى‬

‫الجَزَائِر َِّي ة أوجدت إدارتها الخاصة؛ إدارة سر ية تأخذ الضرائب وتقضي بين الناس وتفصل في‬

‫النزاعات‪ ،‬وبذلك صارت محكمة تيزي وزو خالية ً لا يقدم إليها أحد‪ ،‬وصار المحامون بدون قضايا‬
‫الف َرَنس َِّية"‪1 .‬‬ ‫يكتسبون منها‪ ،‬م َِّما اضطرهم إلى طلب إعانة ٍ مالية ٍ من وزارة المال‬

‫كما نشرت نفس الجريدة تحقيقا ً آخر لصحفي فرنسي عن الولاية الخامسة قوله‪" :‬لقد شاهدت‬
‫كثيرا ً من الدلائل َّالتِي تبرهن على أن جبهة وجيش َّ‬
‫التحرِير الوطني يسيطران على مناطق واسعة‬

‫ك فإن الإدارة الفَرَنس َِّية أصبحت معدومة ً في‬

‫جدا ً من الأرض الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وبالعكس من ذ َل ِ َ‬

‫الوا قع‪ ،‬وهكذا نرى السكان المدنيين يعيشون بصفة سر ية في جزائر مستقلة يديرها جزائر يون وفقا ً‬
‫المنازعات"‪2.‬‬ ‫لتجاربهم الخاصة و يحتكمون لدى المحاكم الشعبية في جميع‬

‫أماَعلىَالصعيدَالعسكر ِي؛َفقدَقسمَالمؤتمرَالترابَالوطنيَإلىَستَولاياتَعسكر يةَ‪َ :‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪158‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪158‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪149‬‬
 ‫َ‬
‫الخر يطةَ(‪َ:)21‬تقسيمَالمناطقَالعسكر ِيةَبعدَمؤتمرَالصومامَ َ‬

‫واعتنى المؤتمر عناية ً خاصة ً بجيش َّ‬

‫التحرِير الوطني فقسم المهام بين أعضائه‪ ،‬ووضع التشكيلات‬
‫الع َسكَر َِّية الملائمة للمرحلة الجديدة من َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬وحدد نظام الرتب والرواتب بين أفراده وقيادته‪،‬‬

‫التحرِير‪ ،‬وغيره من القرارات والتقسيمات َّالتِي‬

‫وعمل على إنشاء أقسام جديدة مساعدة لجيش َّ‬

‫سنأتي على ذكرها لاحقا ً في الفصل الخاص بجيش َّ‬

‫التحرِير الوطني‪.‬‬

‫كما أولى المؤتمر أهمية ًكبرى لتحو يل القضية الوطنية إلى قضية دولية من خلال إقناع الدول الشقيقة‬
‫وأكد َ حضور َ َّ‬
‫الثور َة عن طر يق ممثليها في المحافل الدولية بتعيين‬ ‫الثور َة‪َّ ،‬‬
‫والمناهضة للاستعمار بتأييد َّ‬

‫حي ْثُ استطاعت جبهة َّ‬

‫التحرِير الوطني قبيل‬ ‫محمد الأمين دباغين‪ 1‬مسؤولا ًعن مندوبية الخارج‪َ .‬‬

‫ولد بالعاصمة الجَزَائِر َِّية عام ‪ 1917‬درس الطب والتحق بحزب الشعب والتحق ب َِّالثورَة ِ الجَزَائِر َِّية من بدايتها‬ ‫‪1‬‬

‫وعين عضوا ً في المجلس الوطني للث َورَة ِ وعضوا ً بلجنة التنسيق والتنفيذ الثانية ث َُّم وزيرا ً للخارجية بالحكومة المؤقتة‬
‫وتوقف عن النشاط السِيَاسِي عام ‪.1959‬‬

‫‪150‬‬
‫باندونغ‪1‬‬ ‫انعقاد مؤتمر الصومام أن تفرض القضية الجَزَائِر َِّية على الساحة الدولية خاصة ً بعد مؤتمر‬
‫النصر‪2.‬‬ ‫وت َعَه ُد الصين بالوقوف إلى جانبها ح ََّتى يتحقق لَهَا‬

‫وبعد مؤتمر الصومام في سنة ‪ 1957‬؛ كلف عبان رمضان المناضل عمر بوداود بإعادة تنظيم‬

‫فيديرالية ف َرَنس َا والاستعداد لفتح جبهة قتالية في ف َرَنس َا‪ ،‬والعملية الأولى َّالتِي قام بها الفدائيون في‬

‫ف َرَنس َا هي اغتيال "علي شكال" وهو جزائري عميل لِفَرَنس َا وك َانَ من المقر َبين إلى السلطة‪ .‬فأعطت‬
‫ظروف اغتياله برهانا ً على قوة جبهة َّ‬
‫التحرِير‪ ،‬فقد ك َانَ علي شكال هَذَا جالسا ً في منصة احتفال‬

‫قرب رئيس الجمهور ية الفَرَنس َِّية وعند خروجهما قتل هو دون الرئيس‪ ،‬وك َانَ ممكنا ً أن يقوم‬
‫فقط‪3.‬‬ ‫ك ولـكنه لم يفعل لأنه أمر باغتيال شكال‬
‫الفدائي بذَل ِ َ‬

‫المبحثَالثاني‪َ:‬تطورَالأوضاعَبعدَمؤتمرَالصومام‪َ :‬‬
‫علىَالصعيدَالخارجي‪ ،‬بعد رفضها لحضور مؤتمر الصومام‪ ،‬عبرت القيادات الخارجية في القاهرة‬

‫وعلى رأسها‪ ،‬أحمد بن بلة عن تحفظها على مخرجات المؤتمر‪ ،‬وقام بن بلة بكتابة رسالة إلى قيادة‬

‫الجبهة بالداخل قبل اعتقاله في شهر أكتوبر ‪ ،1956‬وطلب من أعضاء المؤتمر أن لا ينشروا ميثاق‬

‫المؤتمر‪ ،‬وعمل على الاتصال ببعض من قادة المنطقة الأولى المنشقين المتواجدين بتونس وأن يعملوا‬

‫على إقناع الولاية الأولى برفض ه َذِه ِ القرارات‪.‬‬

‫ورغم أن خيضر وبوضياف قد كانا متحفظين على جوانب كثيرة من الميثاق؛ إلا أنهما امتنعا‬

‫عن إبداء معارضتهما‪ .‬أما آيت أحمد ‪-‬المتواجد في نيو يورك وقتها– فلم يكن على علم بالقضيةكلها‪،‬‬
‫بعد‪4.‬‬ ‫وإن ك َانَ قد عبر عن موافقته وتأييده للمؤتمر فيما‬

‫‪ 1‬مؤتمر باندونغ ‪ 18‬أبر يل ‪ 26( 1955‬شعبان ‪ 1374‬هـ) عقد في مدينة باندونغ الاندونيسية وشارك فيه الرئيس‬
‫المصري عبد الناصر بالإضافة إلى رئيس وزراء الهند ورئيس يوغسلافيا والرئيس السوداني إسماعيل الأزهري‬
‫وجبهة َّ‬
‫التحر ِير الوطني‪ .‬وتبنى المؤتمر مجموعة من القرارات لصالح القضايا العربية ضِد الاستعمار‪.‬‬
‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول‪ ،‬ص ‪94‬‬ ‫‪2‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪42‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪3‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪33‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪4‬‬

‫‪151‬‬
‫وفي ظل عجز الحكومة الفَرَنس َِّية عن استرجاع الأمن في الجَزَائ ِر‪ ،‬أقنعت ف َرَنس َا كلا ً من تونس‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية للوصول إلى حل مرضي للجميع‪،‬‬

‫والمغرب بضرورة عقد اجتماع مع ممثلين عن َّ‬

‫وهكذا ت ََّم الاتفاق على عقد اجتماع ك َانَ من المفترض أن يحضره الرئيس التونسي بورقيبه وملك‬
‫المغرب محمد الخامس ووفد سياسي لجبهة َّ‬
‫التحرِير (بن بلة وخيضر وآيت الحسين وبوالضياف)‬

‫وممثلون من الحكومة الفَرَنس َِّية‪ ،‬ولم يكن هَذَا الاجتماع قد حظي بموافقة لجنة التنسيق والتنفيذ‬
‫في الداخل‪َّ ،‬‬
‫والتِي ك َان َت ترى هَذِه ِ اللقاءات بدون جدوى حالياً‪.‬‬

‫التقى الوفد الجَزَائِر ِي بالرباط‪ ،‬ومنها توجه إلى تونس في طائرة مغربية‪ .‬وعند وصول الطائرة إلى‬

‫أجواء الجَزَائ ِر‪ ،‬اختطفها الجيش الفَرَنس ِي وأرغمها على النزول بمطار مدينة الجَزَائ ِر‪ ،‬وه ُنَاك َ ت ََّم‬

‫اعتقال الوفد الرباعي الجَزَائِر ِي ومعهم مصطفى الأشرف‪ 1،‬وك َانَ ذ َل ِ َ‬

‫ك في ‪ 22‬أكتوبر ‪،1956‬‬

‫وقد أحدث هَذَا الاختطاف أزمة ً شديدة ً وقو ية ً بين ف َرَنس َا من جهة والمغرب وتونس من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬ولـكنه عطل أيضا ً تفاقم الخلاف الداخلي في جبهة َّ‬
‫التحرِير بسبب مخرجات مؤتمر‬
‫الصومام‪2 .‬‬

‫مصطفى الأشرف (‪ 7‬مارس ‪ 13 - 1917‬يناير ‪ ) 2007‬كاتب ومؤرخ وعالم اجتماع جزائري‪ .‬ولد بمدينة‬ ‫‪1‬‬

‫شلالة العذاورة الواقعة بالهضاب ا لعليا‪ ،‬أقصى جنوب ولاية المدية‪ ،‬ودرس في جامعة السوربون في باريس‪.‬‬
‫انضم إلى حزب الشعب الجَزَائِر ِي عام ‪ ،1939‬والتحق ب َِّالثورَة ِ الجَزَائِر َِّية منذ الشرارة الأولى‪ .‬ظل شخصية بارزة‬
‫في المجالين السِيَاسِي والثقافي‪ ،‬كما تبوأ العديد من المناصب منها‪ :‬منصب وزير التربية‪ ،‬ومندوبا ً دائما ً لِلج َزَائِر ِ لدى‬
‫منظمة (اليونسكو)‪...‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪34 - 33‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪152‬‬
 ‫اعتقالَالوفدَالجزائِر ِيَفيَ‪َ22‬أكتوبرَ‪َ 1956‬‬

‫أماَعلىَالصعيدَالداخلي‪ ،‬فنظرا ً لغياب المنطقة الأولى في مؤتمر الصومام؛ كلف المؤتمر ك ُل من‬

‫ز يغود يوسف ومزهودي إبراهيم بالذهاب إليها والنظر في سبب هَذَا الغياب‪ .‬وعند وصولهما إلى‬

‫المنطقة الثانية بشمال قسنطينة؛ اصطدما بفرقة من الجيش الفَرَنس ِي‪ ،‬فدار اشتباك عنيف استشهد‬

‫خلاله ز يغود يوسف في ‪ 23‬سبتمبر ‪.1956‬‬

‫أتم مزهودي مهمته‪ ،‬ولـكنه لم يتجه إلى الأوراس بل التحق بالحدود التونسية‪ ،‬وه ُنَاك َ حاول أن‬

‫يوحِد بين أفراد قيادة الولاية الأولى ولـكنه لم ينجح‪ ،‬فكلفت القيادة في الجَزَائ ِر "أوعمران"‬

‫بالالتحاق بالأوراس ث َُّم بتونس‪ .‬وفي ديسمبر ‪ 1956‬توصل الأخير إلى تعيين محمود شر يف قائدا ً‬
‫ك تعترف بقرارات مؤتمر الصومام وتطبقها‪ ،‬بينما ت ََّم تعيين‬ ‫للولاية الأولى‪َّ ،‬‬
‫والتِي أصبحت بعد ذَل ِ َ‬
‫الشرقية"‪1.‬‬ ‫عمار بوقلاز على ناحية سوق أهراس َّالتِي أصبحت تعرف فيما بعد "بالقاعدة‬

‫بَالثمانيةَأيام" من الأحداث المهمة الأخرى َّالتِي حصلت بعد مؤتمر الصومام‪ ،‬ففي‬ ‫ُّ‬
‫يعد "إضرا َ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية قد شملت كافة التراب الجَزَائِر ِي وك َان َت العمليات الع َسكَر َِّية‬
‫آواخر ‪ 1956‬ك َان َت َّ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪34‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪153‬‬
‫تكبد ُ الفرنسيين خسارة ً فادحة ً في الأرواح والعتاد‪ ،‬فأرادت القيادة تطوير النشاط السلمي‪ ،‬وهنا‬

‫بإضراب عام يشمل جميع الولايات‪ ،‬وتم الاتفاق على أن تكون‬

‫ٍ‬ ‫اقترح العربي بن مهيدي القيام‬
‫أيام‪1.‬‬
‫وفي شهر نوفمبر ‪ ،1956‬وضع عبان رمضان والقيادة الجماعية جميع التفاصيل‬ ‫المدة ُ ثمانية‬

‫اللازمة للإضراب‪ ،‬وأمر بتوز يع المناشير َّالتِي تدعو الجزائر يين للاستعداد للإضراب بدون تحديد‬

‫التاريخ‪ ،‬وعند اقتراب الموعد ت ََّم الإعلان عن تاريخ الإضراب‪ 2،‬بداية من ‪ 28‬جانفي إلى ‪4‬‬

‫فبراير‪ ،‬وقام المناضلون بدعاية واسعة لإقناع الناس بِه ِ‪.‬‬

‫تصادف وقوعُ هَذَا الحدث مع إنشاء محطة ٍ إذاعية تابعة لجبهة َّ‬
‫التحرِير الوطني‪ ،‬وك َانَ شعارها‪:‬‬ ‫َ‬

‫(صوت الجَزَائ ِر يخاطبكم من قلب الجَزَائ ِر)‪ ،‬وك َانَ مقرها متنقلا ً شمال المغرب وقرب الحدود‬
‫الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وقد افتتحت نشاطها عبر حملات دعائية كبيرة للإضراب‪.‬‬

‫وفي اليوم الأول والثاني للإضراب ك َانَ النجاح تاما ً وكاملا ً في جميع التراب الوطني وخصوصا ً‬

‫حي ْثُ أصبحت المدن خالية ً من الناس‪ ،‬وك َان َت جميع المتاجر والمحلات َّالتِي يملـكها‬
‫في المدن‪َ ،‬‬

‫ك جميع‬
‫المسلمون مغلقة ً‪ ،‬وجميع العمال والموظفين المسلمين لم يلتحقوا بعملهم‪ ،‬وقد شهد بذ َل ِ َ‬

‫ك برهانا ً قاطعا ً على مدى‬ ‫الصحفيين الفرنسيين والأجانب الَّذ ِي َ‬

‫ن جاؤوا لتغطية الحدث‪ ،‬فَك َانَ ذ َل ِ َ‬

‫تأثير الجبهة على الشعب والتفافه حولها‪َ.‬ومع نهاية اليوم الثاني‪ ،‬قام حوالي عشرة آلاف جندي‬

‫من الجيش الفَرَنس ِي بقيادة الج نرال ماسو بتكسير أبواب المحلات التجار ية المغلقة وإتلاف ما‬
‫فيها‪ ،‬وأرغموا السكان على الخروج من بيوتهم‪ ،‬وحشدوهم في الشاحنات وأرغموهم على العمل‪،‬‬
‫والنساء‪3.‬‬ ‫ث َُّم أخذوا يعتقلون بصفة عشوائية المئات من الرجال‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪37‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬ك َان َت قيادة الجبهة تريد أن يتزامن الإضراب مع مناقشة القضية الجَزَائِر َِّية في هيئة الأمم المتحدة‪ ،‬ولـكن هَذِه ِ‬
‫المناقشة ُّأجلت مرارا ً‪ ،‬وفي النهاية حدد موعد ‪ 28‬جانفي ‪ 1957‬ليكون بداية للإضراب‪ ،‬وناقشت هيئة الأمم‬
‫المتحدة القضية الجَزَائِر َِّية في جمعيتها العامة في ‪ 15‬فبراير ‪ 1957‬بعد ‪ 11‬يوما على نهاية الإضراب‪ .‬ورغم موقف‬
‫ف َرَنس َا السلبي وافقت الجمعية على لائحة تعبر فيها عن (أملها في إ يجاد حل سلمي وديموقراطي وعادل للقضية‬
‫الجَزَائِر َِّية طبقا لميثاق الأمم المتحدة بالتعاون بين الأطراف وبوسائل مناسبة) وهَذ َا معناه تدو يل القضية الجَزَائِر َِّية‬
‫وهو ما ك َانَ يرمي إليه الإضراب‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪38‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪3‬‬

‫‪154‬‬
‫واستمرت الاعتقالات العشوائية على خلفية الإضراب‪ ،‬فَك َان َت سببا ً في اعتقال عدد كبير من‬

‫المناضلين‪ .‬وفي ‪ 25‬فبراير ‪ 1957‬ألقت السلطات الاستعمار ية القبض على العربي بن مهيدي‪،‬‬

‫وتم إعدامه سر يعا ً في شهر مارس ‪ . 1957‬وعلى إثر ذَلِكَ‪ ،‬قرر الأربعة الباقون من لجنة التنسيق‬

‫والتنفيذ (كريم وعبان وبن خدة ودحلب) الخروج من مدينة الجَزَائ ِر‪ ،‬نظرا ً للخطر الَّذ ِي ك َانَ‬

‫يحيط بهم جراء استمرار الاعتقالات‪ 1 ،‬فانتقلوا إلى مدينة البليدة‪ ،‬ومنها إلى الولاية الرابعة‪ ،‬ث َُّم‬

‫افترقوا من ه ُنَاك َ‪ ،‬فاتجهك ُل من كريم بلقاسم وبن خدة نحو الشرق إلى تونس‪ ،‬بينما اتجهك ُل من‬

‫عبان رمضان وسعد دحلب إلى الغرب ح ََّتى وصلا إلى مدينة تطوان شمال المغرب‪ ،‬ث َُّم سافرا‬
‫تونس‪2 .‬‬ ‫منها إلى‬

‫وفي يوليو‪ ،1957‬التقى الأعضاء الأربعة للجنة التنسيق والتنفيذ بعد خروجهم من الجَزَائ ِر في‬

‫مدريد بإسبانيا‪ ،‬وقرروا استدعاء المجلس الوطني للث َورَة ِ للاجتماع لدراسة آخر التطورات‪ ،‬فتمت‬

‫الدعوة إلى عقد اجتماع لأعضاء المجلس الوطني في القاهرة‪ ،‬ما بين ‪ 20‬و‪ 28‬أوت‪/‬أغسطس‬

‫‪ .1957‬وانتهى الاجتماع بجملة من القرارات الهامة‪ ،‬منها‪ :‬رفع عدد أعضاء المجلس الوطني وتعيين‬

‫لجنة جديدة للتنسيق والتنفيذ‪.‬‬

‫ولا يفوتنا ه ُنَا أن نذكر أن اجتماعات المجلس الوطني ولجنة التنسيق والتنفيذ قد أدت إلى عزل‬

‫حي ْثُ تصدر ك ُل من كريم وبوالصوف المشهد‪ ،‬م َِّما أثار‬ ‫عبان وإبعاده عن قيادة َّ‬
‫الثور َة نوعا ً ما‪َ ،‬‬
‫انزعاج وغضب عبان‪ ،‬وقد عبر عن هَذَا الغضب بقوة أمام أعضاء اللجنة‪ ،‬بل وح ََّتى خارجها‪،‬‬

‫وك َانَ التنافر بين عبان وكريم يرجع بالأصل إلى ما قبل خروجهم من الجَزَائ ِر‪ ،‬وأمام تفاقم الأمر‬
‫وقع إجماع بين بعض أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ (كريم ‪ -‬بوالصوف ‪ -‬بن طوبال‪-‬أوعمران ‪-‬‬

‫وقبل خروجهم من مدينة الجَزَائ ِر كلفوا عبد الملك تمام بمواصلة المسؤولية في مدينة الجَزَائ ِر‪ ،‬غير أن تمام ألقي‬ ‫‪1‬‬

‫القبض عليه في شهر جوان ‪ ،1957‬وفي ن فس الشهر ألقي القبض كذلك على إبراهيم شرقي المسؤول السِيَاسِي‬
‫لمنطقة الجَزَائ ِر الحرة‪ ،‬وفي شهر سبتمبر ألقي القبض على ياسف سعدي المسؤول الع َسكَر ِي لمنطقة الجَزَائ ِر الحرة‪،‬‬
‫كما ألقي القبض على عدد كبير من المسؤولين في المدينة‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪39‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪155‬‬
‫محمود شر یف) دون علم من الأعضاء الآخرين على إبعاد عبان‪ ،‬ففكروا في سجنه ث َُّم في إقناعه‬
‫لهم‪1.‬‬ ‫بضرورة علاجه في أوروبا لأنه ك َانَ يعاني من مرض القرحة في المعدة‪ .‬لـكنه لم يخضع‬

‫وفي النهاية وضعوا لَه ُ مكيدة لجلبه إلى المغرب‪ ،‬وه ُنَاك َ في تطوان‬

‫قتلوه خنقا ً في ضيعة تملـكها الجبهة‪ ،‬ودفن فيها‪ .‬وهكذا مات عبان‬

‫في ‪ 27‬ديسمبر ‪ 1957‬وأخفيت وفاته‪ ،‬ولم يعلن عنها إلا بعد خمسة‬

‫أشهر في ماي ‪ ،1958‬عندما نشرت جريدة "المجاهد" مقالا ً تخ بر‬

‫فيه باستشهاد عبان في الجَزَائ ِر بعد معركة أصيب فيها بجروح بليغة‬
‫إثرها‪2.‬‬ ‫توفي على‬

‫عبانَرمضان‬

‫ك َانَ عبان قريبا ً من بن مهيدي‪ ،‬وك َانَ کریم مهمشاً‪ ،‬ولـكنه لم يبين امتعاضه من ذَلِكَ‪ .‬وعند خروج أعضاء‬ ‫‪1‬‬

‫لجنة التنسيق والتنفيذ من الجَزَائ ِر‪ ،‬مر عبان على الولاية الخامسة َّالتِي ك َانَ على رأسها بوالصوف‪ ،‬فلاحظ تصرفات‬
‫قاسية في تسيير شؤون الولاية‪ ،‬فقدم انتقاداته لبوالصوف الَّذ ِي لم يتقبلها‪ ،‬بل أثارت حساسيته‪ .‬ومن هَذ َا المنطلق‬
‫نشأ نوع من التحالف بين بوالصوف وكر يم لمواجهة عبان‪ .‬ومن جهة أخرى وجد عبان في تنظيم الجبهة ومسؤوليها‬
‫في الخارج وخصوصا ً في المغرب وتونس ما ك َانَ يراه مضرا ً بمسيرة َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬فأخذ يعلن بضرورة الدخول إلى‬
‫الجَزَائ ِر‪ ،‬وبالأخص القيادة‪ ،‬وقد ك َانَ عبان يتصرف كما ك َانَ يفعل في داخل الجَزَائ ِر بنوع من الزعامة‪ ،‬م َِّما أثار‬
‫انزعاج الـكثيرين منه‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪47‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪156‬‬
 ‫جدول زمني ألهم األحداث خالل املرحلة الثانية من ثورة التَّحرِير الجَزَائِرِيَّة‬

‫الحدث‬ ‫التاريخ‬
‫انعقاد مؤتمرالصومام‬ ‫‪ 20‬أغسطس‪1956‬‬
‫استشهاد زيغود يوسف قائد املنطقة الثانية بسيدي فرغيش‬ ‫‪ 23‬سبتمبر‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫نس َّية تحتجزباخرة أتوس محملة بـسبعين طنا من الذخيرة‬
‫القوات الف َر ِ‬ ‫‪ 16‬أكتوبر‬
‫اختطاف طائرة‪ :‬محمد خيضر‪ ،‬حسين آيت أحمد‪ ،‬أحمد بن بلة‪ ،‬محمد بوضياف‪.‬‬ ‫‪ 22‬أكتوبر‬
‫َّ‬
‫حريرالوطني تنشرقرارات مؤتمرالصومام‬ ‫جبهة الت ِ‬ ‫‪ 1‬نوفمبر‬
‫َّ‬
‫حريرفي الوالية ‪ : 6‬معركة جبل بوكحيل‬
‫معارك جيش الت ِ‬ ‫‪ 8‬نوفمبر‬
‫َّ‬
‫حريرفي الوالية ‪ : 6‬معركة النسينسة‬‫معارك جيش الت ِ‬ ‫‪ 9‬ديسمبر‬
‫َّ‬
‫حريرفي الوالية ‪ : 1‬معركة أوالد رشاش‬‫معارك جيش الت ِ‬ ‫‪ 26‬ديسمبر‬
‫‪1957‬‬
‫انطالق إضراب ثمانية أيام في َف َر َ‬
‫نسا بوساطة فيدرالية الجبهة‬ ‫‪ 28‬يناير‬
‫إلقاء القبض على العربي بن مهيدي قائد الوالية الخامسة (قتل تحت التعذيب بعد عشرة‬
‫‪ 23‬فبراير‬
‫أيام من االعتقال)‬
‫استشهاد علي مالح قائد الوالية السادسة‬ ‫‪ 28‬مايو‬
‫تعیين عمربوداود على رأس الفيدرالية بأمرمن عبان‪.‬‬ ‫‪ 10‬يونيو‬
‫َ‬
‫الف َر ِنس ّي يو افق على تشكيل حكومة بورجيس مونري‬ ‫البرملان‬ ‫‪ 12‬يونيو‬
‫َّ‬
‫حريرفي الوالية الرابعة معركة جبل بوزقزة‬
‫معارك جيش الت ِ‬ ‫‪ 19‬يوليو‬
‫سياسة فصل الصحراء‪ :‬مرسوم ماكس لوجان لتقسيم الصحراء‬ ‫‪ 6‬أغسطس‬
‫الج َز ا ِئ ِر َّية بالقاهرة‬
‫ورة َ‬‫َ َ‬
‫انعقاد أول مؤتمرللمجلس الوطني للث ِ‬ ‫‪ 28‬أغسطس‬
‫اجتماع لجنة التنسيق والتنفيذ بتونس‪ ،‬وتعيينات جديدة‪.‬‬ ‫‪ 25‬أكتوبر‬
‫اغتيال عبان رمضان باملغرب بتهمة التخطيط للقضاء على رفاقه‪.‬‬ ‫‪ 27‬ديسمبر‬

‫‪157‬‬
 ‫المرحلةَ‪َ–َ3‬الصدامَوالإبادةَ(‪َ )1960-َ 1958‬م‬

‫تُع َُّد هَذِه ِ المرحلة ُ واحدة ً من أصعب المراحل َّالتِي مرت ب َِّالثورَة ِ الجَزَائِر َِّية‪َ ،‬‬
‫حي ْثُ قام المستعمر ُ‬
‫الفَرَنس ِي فيها بشن عمليات عسكر ية ضخمة ضِد جيش َّ‬
‫التحرِير الوطني‪ .‬وفي هَذِه ِ الفترة بلغ القمع‬

‫حده الأقصى على الأهالي‪ ،‬وأنشئت معسكرات الاعتقال الجماعي‬

‫في مختلف المناطق‪ ،‬كما ت ََّم إسناد قيادة الجيش الفَرَنس ِي للجنرال شال‬

‫ديغول‪ 1،‬فقام‪ :‬بغلق الحدود الشرقية والغربية‪ ،‬وشن حملات تمشيط‬

‫شاملة لكل أرجاء البلاد‪ ،‬وكثف من تجنيد العملاء وإقامة‬

‫المحتشدات وتهجير السكان‪ ،‬وطرح فكرة "سلم الشجعان"‪ 2‬ث َُّم مشروع‬
‫‪3 .1958‬‬ ‫"قسنطينة" عام‬

‫غير أن َّ‬
‫الثور َة تواصلت بكل قوة‪ ،‬فَك َان َت مظاهرات ‪ 11‬ديسمبر ‪1960‬م‪ ،‬ومظاهرات ‪ 17‬أكتوبر‬

‫‪ 1961‬م بباريس‪ ،‬وشهدت هَذِه ِ المرحلة مواجهات حامية بين الجيش الفَرَنس ِي وجيش ا َّلتحرِير‪،‬‬
‫واعتمد جيش َّ‬
‫التحرِير على توز يع القوات في جميع المناطق من أجل تشتيت العدو‪ ،‬وتخفيف‬

‫الضغط على بعض الجبهات‪ ،‬بالإضافة إلى الإكثار من العمليات الفدائية داخل المدن وحرب‬

‫شارل ديغول (‪ )1970 - 1890‬جنرال ورجل سياسة فرنسي ولد في مدينة ليل الف َرَنس َِّية‪ ،‬تخرج من المدرسة‬ ‫‪1‬‬

‫الع َسكَر َِّية سان سير عام ‪ 1912‬من سلاح المشاة‪ .‬ألف عدة كتب حول موضوع الإستراتيجية والتصور السِيَاسِي‬
‫والع َسكَر ِي‪ .‬عُيِنَ جنرال فرقة ٍ‪ ،‬ونائبا ً لكاتب الدولة للدفاع الوطني في يناير ‪ .1940‬قاد مقاومة بلاده ضِد الألمان‬
‫في الحرب العالمية الثانية وترأس حكومة ف َرَنس َا الحرة في لندن في ‪ 18‬يناير‪ .‬وفي سنة ‪ 1943‬ترأس اللجنة الف َرَنس َِّية‬
‫والتِي أصبحت في حزيران (جوان) ‪ 1944‬تسمى بالحكومة المؤقتة للجمهور ية الف َرَنس َِّية‪ .‬وهو أول‬
‫للتحرير الوطني َّ‬
‫رئيس للجمهور ية الف َرَنس َِّية الخامسة‪ .‬ينظر الفرنسيون إلى شارل ديغول إلى أنه الأب الروحي للجمهور ية الف َرَنس َِّية‬
‫الخامسة‪.‬‬
‫وهو دعوة الثوار إلى رمي السلاح والعودة للديار مقابل العفو عنهم‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫مش روع طرحه الج نرال شارل ديغول في صبغة تنمو ية من خلال استصلاح الأراضي وتوز يعها على الفلاحين‬ ‫‪3‬‬

‫ومد طرق المواصلات وبناء المستشفيات‪ ،‬وقد جاء بِه ِ شارل ديغول في ‪23‬أكتوبر ‪ 1958‬كمشروع استعماري‬
‫الثور َة وإبعاد الشعب الجَزَائِر ِي عنها وفصله بالأساس عن جيش َّ‬
‫التحر ِير الوطني وإقناعه بضرورة‬ ‫هدفه إفشال َّ‬
‫الاندماج في ف َرَنس َا‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫الـكمائن‪ .‬وعلى الصعيد السِيَاسِي ت ََّم الإعلان في هَذِه ِ المرحلة عن تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهور ية‬

‫الجَزَائِر َِّية َّالتِي ترأسها فرحات عباس في ‪ 19‬سبتمبر ‪1958‬م‪.‬‬

‫المبحثَالأول‪َ:‬إغلاقَالحدودَالمغربيةَوالتونسي َة َ‬
‫في آواخر سنة ‪ 1957‬وفي النصف الأول من سنة ‪ ،1958‬كثف جيش َّ‬
‫التحرِير الوطني من‬

‫عملياته الع َسكَر َِّية والفدائية في جميع الولايات‪ ،‬وانتشرت هَذِه ِ العمليات في جميع أماكن الولاية‬

‫السادسة والخامسة‪ ،‬وتمكن الجيش من خوض معارك قو ية بمئات الجنود في معركة واحدة‪،‬‬

‫وبسلاح ثقيل مثل البازوكا والمدافع والرشاشات الثقيلة‪ ،‬ولعل هَذِه ِ الفترة ك َان َت أقوى الفترات‬
‫َّالتِي عرفها جيش َّ‬
‫التحرِير‪.‬‬

‫وبرهانا ً على هَذَا التطور؛ نذكر كنموذج لكثافة العمليات الع َسكَر َِّية أنه في الفترة ما بين ‪ 26‬أفر يل‬

‫و‪ 6‬ماي ‪ 1958‬قام الجيش بأكثر من ‪ 150‬عملية ما بين اشتباك وهجوم وكمين‪ ،‬ماعدا الأعمال‬

‫الفدائية‪ ،‬قتل فيها أكثر من ‪ 500‬جندي من الجيش الفَرَنس ِي‪ ،‬وأسقطت أكثر من عشرين طائرة‬

‫بجميع أنواعها (هيلوكوبتر ‪ -‬طائرة استطلاعية وغيرها)‪ .‬ولعل من أشهر المعارك َّالتِي وقعت في‬
‫هَذِه ِ الفترة ما عرف بمعركة السكة الحديدية‪ ،‬ومعركة البترول‪ ،‬فقد قام جيش َّ‬
‫التحرِير الوطني‬

‫بإتلاف السكة الحديدية في عدة أماكن‪ ،‬وخصوصا ً الخط الَّذ ِي ينقل منه البترول من الصحراء‬

‫إلى الشمال‪ ،‬وتمكن من إحراق عدة عربات تحمل البترول‪ ،‬وهي معارك ك َانَ لَهَا دلالة سياسية‬
‫البلاد‪1.‬‬ ‫رمزية تمثلت في منع ف َرَنس َا من استغلال ثروات‬

‫ومن أشهر العمليات الفَرَنس َِّية في هَذِه ِ الفترة‪ ،‬هي علمية "لابلویت"‪ 2،‬جرت خلالها عمليات تصفية‬

‫حي ْثُ زرعت السلطات الفَرَنس َِّية‬

‫كبيرة للمجاهدين في شهر يوليو عام ‪ 1958‬في الولاية الثالثة‪َ ،‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪50‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫هَذِه ِ التصفيات بطلق عليها اسم (‪ )La bleuite‬باللغة الف َرَنس َِّية‪ ،‬وك َان َت فكرة الضابط "ليجي" من الجيش‬ ‫‪2‬‬

‫الف َرَنس ِي الخبير في الحرب النفسية وعمليات التضليل‪ ،‬وسميت بعملية "لابلويت" نسبة إلى المجندين الَّذ ِي َ‬
‫ن جندهم‬
‫النقيب ليجي في هَذِه ِ العملية‪ ،‬وكانوا يرتدون اللباس الأزرق‪ .‬وقد كتب النقيب "ليجي" كتابا ً عن هَذِه ِ المناورة‪،‬‬
‫حي ْثُ بدأوا يدخلون‬
‫وحكى من البداية كيف خلقت الفكرة في صفوف الضباط الفرنسيين المتمرسين في الفيتنام‪َ ،‬‬
‫المجندين إلى الجبال بحيلة‪ ،‬يقولون لَهُ‪ :‬نحن لدينا نظام في أوسع نطاق وزملاء لك في الجبل داخل صفوف جيش‬

‫‪159‬‬
 ‫العملاء داخل صفوف جيش َّ‬
‫التحرِير‪ ،‬وقامت من خلالهم بإشعال أزمة استمرت شهورا ً داخل‬

‫ك بعد أن سربت القوات الفَرَنس َِّية شائعات‬

‫الولاية الثالثة َّالتِي ك َانَ يقودها العقيد "عميروش"‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫عن وجود عناصر أرسلتهم إلى داخل صفوف َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬فتم اغتيال واعتقال المئات من المقاتلين‬

‫الَّذِي َ‬
‫ن اتهموا بالتعاون مع العدو من طرف رفقائهم في السلاح‪ ،‬واستشهد المئات من المجاهدين‬

‫بدون برهان قاطع‪ ،‬وبهذا أصابت السلطات الفَرَنس َِّية هدفها المتمثل في تفكيك الثوار من الداخل‪.‬‬

‫لـكن الولاية الثالثة استطاعت الصمود والاستمرار في نشاطها الع َسكَر ِي رغم تمرد بعض الضباط‬

‫حي ْثُ تمكن العقيد "محند أولحاج" من إرجاعهم إلى‬

‫آواخر سنة ‪ 1959‬بعد موت "عميروش"‪َ ،‬‬
‫الصف‪1 .‬‬

‫ل كبير على المغرب وتونس في توفير الدعم لمختلف‬

‫ك َانَ المناضلون الجزائر يون يعتمدون بِش َك ٍ‬
‫الولايات‪ ،‬وكانتا المنفذ الوحيد لدخول السلاح لِلج َزَائِر ِ‪ ،‬الأمر الَّذ ِي دفع الجيش الفَرَنس ِي بأمر‬

‫من وزير الدفاع أندر يه موريس إلى إنشاء خط دفاعي على طول الحدود الجَزَائِر َِّية–التونسية‬
‫ك لمنع مقاتلي جبهة َّ‬
‫التحرِير الوطني من دخول الجَزَائ ِر عن طر يق‬ ‫والحدود الجَزَائِر َِّية–المغربية‪ ،‬وذَل ِ َ‬

‫هذين البلدين‪ ،‬وقد ُّأطلق على هَذَا الخط "خط موريس"‪ ،‬وبدأ تنفيذه عمليا ً أواخر عام ‪.1956‬‬

‫"خطَموريس" هو عبارة عن عدة خطوط سلـكية شائكة ومكهربة تتسع حوالي مائة متر عرضا ً‪،‬‬

‫وتتخللها مراكز للجنود مجهزة بالرادارات وأحدث الأجهزة الإلـكترونية‪ ،‬وبالسلاح الثقيل‬
‫والخفيف والأنوار الكاشفة‪ ،‬وقد انتهى تشييده في سبتمبر ‪ ،1957‬وأطلق عليه اسم وزير الدفاع‬

‫َّ‬
‫التحر ِير والجبهة‪ ،‬وأنت نرسلك بمهمة الاتصال مع بعضهم‪ ،‬و يعطونه أسماء صحيحة لتلك المناطق‪ ،‬وأسماء من فيها؛‬
‫كمال أو مسعود مثلاً‪ ،‬وهو محافظ سياسي‪ .‬وفعلا‪ ،‬يأخذونه في سيارة و يتركونه في عمق الجبل‪ ،‬و يعرفون أن‬
‫السيارة تحت أعين المجاهدين وبعد أمتار يمسكه المجاهدون‪ ،‬فيقول‪ :‬جئتُ إلى فلان‪ ،‬و يجدون رسالة في ظهره‬
‫من ضابط فرنسي يقصد بِهَا المسؤول في صفوف الجبهة يصفه كأنه من معارفه أو كعون في الشبكة كرسالة حميمة‬
‫تعب ِر عن صداقة‪ ،‬وفي بعض الأحيان تخاط لَه ُ الرسالة في ظهره دون أن يدرك‪ ،‬وبذلك يصور للمجاهدين أن‬
‫ك المسؤول صديق وعون بمعنى أنه "خائن"‪.‬‬
‫ذ َل ِ َ‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪52-51‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪160‬‬
‫الفَرَنس ِي الَّذ ِي أمر بتشييده‪ ،‬ويمتد من شاطئ البحر المتوسط شرق عنابة إلى جنوب مدينة تبسة‬

‫على مشارف الصحراء وعلى غراره خط آخر على الحدود المغربية الجَزَائِر َِّية‪.‬‬

‫الخر يطةَ(‪َ:) 22‬خطَشالَوموريسَفيَالحدودَالشرقيةَوالغربيةَلِلجزائِر َِومناطقَالعملياتَ‪َ .‬‬

‫وبعد إنجاز خط موريس سنة ‪ 1957‬المكهرب؛ أقيم خط شال في شهر فيفري‪/‬فبراير ‪،1959‬‬

‫وهو يمتد خلفه من الناحية الشرقية‪ ،‬والمساحة الفاصلة بين الخطين تتسع حينا ً وتضيق في بعض‬

‫حي ْثُ تتراوح بين سبعين وتسعين كم‪.‬‬

‫الأحيان َ‬
‫وخط شارل أيضا ً يتكون من خط مكهرب‪،‬‬

‫مكون في الوقت نفسه من خمسة أسلاك متراكبة‬

‫تفصلها عوازل‪ ،‬يبلغ ارتفاعها حوالي مترين‪،‬‬

‫وتغطيها أسلاك شائكة لحماية الدبابات من قذائف‬

‫البازوكا‪ ،‬وفي خط شال ه ُنَاك َ خط ملغم‬

‫بالمفرقعات المضيئة عرضه خمسين متراً‪ ،‬وخط‬

‫‪161‬‬
‫ك حسب طبيعة‬
‫ملغم يتراوح عرضه ما بين الاثني عشر مترا ً إلى أربعمئة متر وربما يتجاوز ذ َل ِ َ‬

‫وتنوع المكان‪.‬‬

‫الخر يطةَ(‪َ:)23‬امتدادَخطَشالَوموريسَعلىَالحدودَالتونسيةَالجزائِر ِيةَسنةَ‪َ 1959‬‬

‫ويتحدث شارل ديغول عن هَذَا فيقول‪" :‬وقد أقيمت الحواجز على طول حدود الجَزَائ ِر مع تونس‬

‫ل دائم ومغطاة بمعوقات من الألغام وشر يط شائك‪،‬‬

‫والمغرب‪ ،‬وقوامها منشآت دفاعية محمولة ً بِش َك ٍ‬
‫ل هَذِه ِ التدابير لن تتمكن القوات الثائرة َّالتِي تلجأ إلى البلدان المجاورة من الدخول إلى‬
‫وبفض ِ‬
‫الجَزَائ ِر قبل عقد الصلح‪ 1".‬و يقو ُ‬
‫ل المجاهد ُ الرائد السنوي حسين‪" :‬يوجد قبل الخط حقل من‬

‫الألغام‪ ،‬ث َُّم أسلاك شائكة‪ ،‬ث َُّم الخط الـكهربائي بِه ِ (‪ )1500‬فولت‪ ،‬وبمجرد قطعه سيشير جهاز‬

‫الإنذار لمراكز المراقبة على طول الحدود إلى مكان قطع الخط‪ ،‬ث َُّم أسلاك شائكة أخرى‪ ،‬ث َُّم ألغام‪.‬‬

‫وما بين الأسلاك الشائكة والألغام ممر تمر فيه الدبابات والمدرعات‪ ،‬ث َُّم مسافة على الطول داخل‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪183‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪162‬‬
‫الحدود الجَز َائِر َِّية م ُ َّهجر منها الأهالي وك َان َت تسمى بالأرض المهجورة أو المناطق المحُ َ َّرمة َ‪ 1،‬ث َُّم يأتي‬
‫موريس‪2 ".‬‬ ‫"خطَشال" وهو أقصر من خط‬

‫لم يستطع جيش َّ‬

‫التحرِير الوطني اجتياز هَذِه ِ الخطوط إلا بمشقة كبيرة وأعداد قليلة‪ ،‬وصارت‬

‫الأسلحة لا تدخل إلا بكميات شحيحة جداً‪ ،‬م َِّما أدى إلى إثارة غضب بعض الضباط من الولاية‬

‫الأولى والثالثة والرابعة والخامسة‪ ،‬المتضررة من هَذَا الخط وأصبحت الحدود التونسية والمغربية‬

‫محطة لـكثير من المجاهدين الَّذِي َ‬

‫ن يريدون الدخول إلى الجَزَائ ِر نظرا ً لصعوبة اجتياز خط موريس‬

‫وخط شال الَّذ ِي ُّأنشئ لاحقا ً لتدعيم خط موريس عام ‪ ،1959‬وأصبحت الحدود الشرقية‬

‫والغربية عبارة عن ثكنات للجنود ومستودعات للسلاح‪ ،‬وتكون ه ُنَاك َ ما يسمى بجيش الحدود‬
‫جندي‪3.‬‬ ‫الَّذ ِي بلغ تعداده عام ‪ 1962‬أكثر من مئة ألف‬

‫سَ‬
‫أحدَشهداءَجيشَالتحر ِيرَالوطنيَعندَخطَموري َ‬

‫المنطقة المهجورة‪ :‬بعد إتمام خط موريس شرعت القوات الف َرَنس َِّية في ‪ 19‬فبراير ‪ .1958‬في إجلاء سكان‬ ‫‪1‬‬

‫ك المنطقة كلها محرمة على ك ُل أحد‪ ،‬سواء‬

‫المناطق القريبة من الحدود التونسية وراء خط موريس‪ ،‬وجعلت تِل ْ َ‬
‫السكان أو عابري السبيل إلا قوات الجيش الف َرَنس ِي‪ .‬و يتراوح طول هَذِه ِ المنطقة حوالي أربعمئةكيلومتر‪ ،‬وعرضها‬
‫ما بين ثلاثين وخمسين كيلومترا ً‪ .‬وأقام الاحتلال كذلك بين خط موريس والمنطقة المهجورة طر يقا ً واسعا ً ومعبدا ً‬
‫وملغما ً سمي بخط الموت بِ حَي ْثُ لا ينجو أحد يعبره‪.‬‬
‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪184-183‬‬
‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪2‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪53‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪3‬‬

‫‪163‬‬
 ‫المبحثَالثاني‪َ:‬ديغولَيصلَإلىَالسلطةَ َ‬
‫في ‪ 19‬أيلول ‪ُّ ،1958‬أعلن في القاهرة عن تأسيس أول حكومة مؤقتة للدولة الجَزَائِر َِّية‪ .‬وبمجرد‬

‫الإعلان عن تأسيس الحكومة المؤقتة اعترفت جميع الدول العربية بِهَا‪ ،‬وك َان َت أول دولة بادرت‬

‫ك بعد خطاب إعلان الحكومة المؤقتة مباشرة ً‪ ،‬ث َُّم تلتها بقية الدول‬
‫بالاعتراف هي العراق‪ ،‬وذَل ِ َ‬
‫السوفيتي‪1.‬‬ ‫العربية‪ ،‬كما اعترفت بِهَا كذلك الصين‪ ،‬وکوبا‪ ،‬وأندونسيا‪ ،‬والاتحاد‬

‫ث َُّم توالت الاعترافات ح ََّتى وصل عدد الدول َّالتِي اعترفت بالحكومة المؤقتة الجَزَائِر َِّية قبيل‬

‫الاستقلال ‪ 36‬دولة‪ ،‬وقد عينت الحكومة الجَزَائِر َِّية ممثلين لَهَا عند هَذِه ِ الدول‪ ،‬وأصبحت بذ َل ِ َ‬
‫ك‬

‫الدولة الجَزَائِر َِّية قائمة ومعترف بِهَا رغم معارضة ف َرَنس َا‪ 2 .‬كما أعلنت الحكومة المؤقتة أن مقرها‬

‫النهائي سيكون في الداخل الجَزَائِر ِي‪ ،‬ولـكن ح ََّتى يتسنى لَهَا ذ َل ِ َ‬

‫ك فإنها ستقيم في بعض العواصم‬

‫الخارجية الصديقة لتيسير شؤونها‪.‬‬

‫ومع هَذَا القبول الدولي الـكبير للث َورَة ِ والفشل الع َسكَر ِي الفَرَنس ِي في قمعها‪ ،‬عصفت بِفَرَنس َا أزمات‬

‫سياسية كبيرة‪ .‬ففي ‪ 13‬مايو ‪ ، 1958‬وقع تواطؤ بين الجيش الفَرَنس ِي والسكان الأوروبيين في‬

‫الجَزَائ ِر وبعض الأوساط المقربة من الج نرال ديغول‪ ،‬فقامت مظاهرات حاشدة تنادي بسقوط‬

‫الحكومة الفَرَنس َِّية الحالية (حكومة فيليكس قايار) وتعو يضها بسلطة عسكر ية‪ ،‬وتزعم الج نرال‬

‫ماسو‪ 3‬هَذَا الاحتجاج وكون (لجنة الإنقاذ العمومي) وطلب من الج نرال دي غول التدخل‬

‫وفك الأزمة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬فتوجهت الحكومة الفَرَنس َِّية بموافقة البرلمان الفَرَنس ِي إلى الج نرال ديغول‬

‫ل هَذَا الأخير تولي الحكم‪ ،‬وبأغلبية النواب ك ُل َِف بتشكيل حكومة ٍ جديدة ٍ‪ ،‬ث َُّم أصدر‬
‫بذَلِكَ‪ ،‬وقَب ِ َ‬

‫دستورا ً جديداً‪ .‬وفي ‪ 2‬ديسمبر ‪ 1958‬انتُخ ِبَ مباشرة من طرف الشعب الفَرَنس ِي رئيسا ً للجمهور ية‬

‫بسام عسلي‪ ،‬جهاد شعب الجَزَائ ِر – جبهة َّ‬

‫التحر ِير الوطني‪ ،‬ص ‪167‬‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪58‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫جاك ماسو‪ :‬أرسل إلى الجَزَائ ِر وكلف بمهمة حفظ النظام في العاصمة‪ ،‬وفي منصبه هَذ َا عمل على خنق العمل‬ ‫‪3‬‬

‫الفدائي بكل الوسائل إذ ك َانَ وراء اعتماد التعذيب كطر يقة وحيدة للحد من نشاط مناضلي جبهة َّ‬
‫التحر ِير الوطني‪،‬‬
‫ولعب دورا ً كبيرا ً في انقلاب ‪ 13‬مايو ‪ ،1958‬وفي نهاية السنة عين قائدا ً للقوات الع َسكَر َِّية في الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في إسقاط الجمهور ية الرابعة في ف َرَنس َا وتغييرها بالجمهور ية‬
‫الجديدة‪ ،‬وهكذا تسببت َّ‬
‫‪1‬‬ ‫الخامسة‪.‬‬

‫وفي ‪ 6‬حزيران ‪ 1958‬أثناء ز يارته لِلج َزَائِر ِ ألقى ديغول خطابا ً أمام أنصاره الأوروبيين في وهران‪،‬‬

‫أكد خلاله أنه سيتولى بنفسه إدارة الشؤون الجَزَائِر َِّية ح ََّتى يكفل النجاح لانتصار ف َرَنس َا في حربها‬

‫الثور َة إلى داخل المدن الفَرَنس َِّية‪َ ،‬‬

‫حي ْثُ قامت‬ ‫التحرِير على نقل َّ‬
‫ضِد الثوار‪ .‬وبدورها عملت جبهة َّ‬

‫فيديرالية الجبهة في شهر يوليو ‪ 1958‬بفتح جبهة جديدة للعمليات الع َسكَر َِّية في الداخل الفَرَنس ِي‪،‬‬

‫على أن تكون البداية منسقة بِ حَي ْثُ تنطلق جميع العمليات في نفس اليوم والساعة الَّذِي َ‬
‫ن حددا في‬

‫‪ 25‬أغسطس على الساعة الصفر بعد منتصف الليل‪.‬‬

‫وبالفعل في هَذَا التوقيت بالضبط اندلعت موجة من العمليات ضِد مراكز الشرطة والثكنات‬

‫الع َسكَر َِّية ومحلات الإدارة ومحلات تخزين البترول وإتلاف السكة الحديدية‪ ،‬وك َان َت هَذِه ِ‬

‫العمليات في باريس وضواحيها البعيدة والقريبة‪ ،‬وفي شمال ف َرَنس َا بمدينة روان‪ ،‬وفي غربها وجنوبها‬

‫خصوصا ً في مرسيليا‪ ،‬وكذلك في شرقها في ستراسبورغ‪ ،‬وقد قتل عدد من أفراد الشرطة وجنود‬

‫الجيش الفَرَنس ِي خلال المعارك‪ ،‬ولم تتوقف العمليات في هَذَا اليوم بل استمرت‪ ،‬وكونت بالتالي‬

‫جبهة جديدة ألزمت السلطات الفَرَنس َِّية أن تحشد قوات جديدة لتحمي باستمرار المراكز الحساسة‬
‫‪2‬‬
‫في ف َرَنس َا‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪54‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪52‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪165‬‬
 ‫المبحثَالثالث‪َ:‬الأزماتَالتِيَأصابتَالثوارَسنةَ‪َ 1958‬‬
‫ل جيش َّ‬
‫التحرِير بين سنتي ‪ 1958‬و‪ 1959‬في جميع الولايات إلى درجة عالية من التنظيم‬ ‫وص َ‬

‫والسيطرة على زمام المبادرة في الميدان‪ ،‬مقابل عجز الجيش الفَرَنس ِي‪ ،‬ووصل عدد الجنود في جميع‬

‫يضاف إليهم الفدائيون والمسبلون‪ ،1‬وك َانَ‬

‫ُ‬ ‫الولايات الجَزَائِر َِّية إلى أكثر من أربعين ألف مجاهدٍ‬
‫جيش َّ‬
‫التحرِير الوطني قد حرر مناطق عديدة في جميع الولايات لا يستطيع الجيش الفَرَنس ِي‬

‫الدخول إليها‪ ،‬وإذا دخلها لا يستطيع الاستقرار فيها‪ 2.‬لـكن الوضع لم يكن يخلو بِش َك ٍ‬
‫ل عا ٍم من‬

‫عقبات‪.‬‬

‫الخلافاتَالداخلية‪َ َ:‬‬

‫ل‬
‫في ‪ 8‬أكتوبر ‪ 1958‬طلب کريم بلقاسم من الجيش المتمركز بالحدود التونسية‪-‬المغربية الدخو َ‬

‫إلى الجَزَائ ِر وفك الحصار الَّذ ِي أقامه خط موريس‪ ،‬ولـكن هَذَا القرار قد ر ُفض تطبيقه من قبل‬

‫قائد الولاية الأولى "العقيد نواورة" وقائد منطقة سوق أهراس الحدودية "العقيد عواشر ية"‪ ،‬الأمر‬

‫الَّذ ِي اعتبرته الحكومة الجَزَائِر َِّية المؤقتة مؤامرة وتمرد ضدها فألقت القبض على العقداء ومن‬

‫ك َانَ معهم من ضباط الجيش‪ 3،‬وقدمتهم إلى المحكمة َّالتِي أسستها الحكومة‪ ،‬وك َانَ ذَل ِ َ‬
‫ك في ‪28‬‬
‫‪4 .1959‬‬ ‫فبراير‬

‫المسَب ِلون هم الأنصار ممن يتطوعون للعمل في مناطقهم‪ ،‬في الأر ياف والمدن الصغرى و يقومون بخدمات‬ ‫‪1‬‬

‫عديدة‪ ،‬من نقل للمؤونة وحراسة للمجاهدين أثناء فترات الراحة ويحملون الأسلحة والجرحى‪ ،‬و يقدمون المعلومات‬
‫عن تحركات العدو كما يقومون باستدراجه‪ ،‬و يقطعون خطوط الهاتف والـكهرباء وكل أجهزة ووسائل الاتصال‪.‬‬
‫الفدائي‪ :‬و يعمل وسط الكيان الاستعماري لإضعاف بنيته وإجبار المترددين والمتشككين من الجزائر يين على‬
‫تحديد مواقفهم من َّ‬
‫الثور َة‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪59‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫(العموري الَّذ ِي ك َانَ في القاهرة ‪ -‬زغداني علي "مصطفى الأكحل" – زناتي عبد الحميد – كوجيل صالح –‬ ‫‪3‬‬

‫الواعي محمود –العقون عمار ‪ -‬بلهوشات عبد الله – شويشي العيساني – مسعدية محمد شر يف – دراية أحمد –‬
‫ملوح محمد)‪ ،‬حكمت المحكمة على العموري ونواورة والعواشر ية وزغداني بالإعدام‪ ،‬وعلى الآخرين بالسجن تتراوح‬
‫مدته بين سنتين وأربعة أشهر‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪58‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪4‬‬

‫‪166‬‬
‫كما أن عددا ً من الولايات قد عانت من بعض الاضطرابات على أثر استشهاد عدد من قياداتها‪،‬‬

‫ففي الولاية الثالثة "القبائل" بعد استشهاد عميروش‪ 1‬وقع نوع من الاضطراب في القيادة‪ ،‬فعينت‬

‫الحكومة أولحاج ‪ 2‬خلفا ً لَه ُ‪ ،‬ولـكن بعض الضباط فضلوا أن يكون ميرة‪ 3‬قائدا ً على الولاية‪ ،‬وفي‬

‫هَذِه ِ الأثناء قام الجيش الفَرَنس ِي بعملية (جوميل)‪ ،‬فاغتنم بعض الضباط هَذَا الخلاف في القيادة‬

‫ليعلنوا تمردهم على القائدين محند أولحاج وميرة‪ ،‬وفي سبتمبر استشهد ميرة في اشتباك مع الجيش‬

‫ك محند أولحاج أن يقنع المتمردين بالرجوع إلى الصف‪ ،‬وأن يبسط‬

‫الفَرَنس ِي‪ ،‬واستطاع بعد ذَل ِ َ‬
‫الع َسكَر ِي‪4.‬‬ ‫سيطرته على الولاية و يواصل نشاطه‬

‫‪ 1‬كلف في أوائل شهر نوفمبر ‪ 1958‬رفقة الحواس بمهمة الاتصال بقيادة َّ‬
‫الثور َة المتواجدة بالخارج بعد الاجتماع‬
‫التار يخي المعروف بمؤتمر العقداء‪ .‬تنفيذا ً لتلك المهمة قدم العقيد عميروش في شهر مارس ‪ 1959‬من الولاية‬
‫الثالثة‪ ،‬والتقى بزميله سي الحواس نواحي عين الملح‪ ،‬وعند وصولهما لجبل ثامر؛ وقع القائدان في الاشتباك الَّذ ِي‬
‫حي ْثُ حاصرهم الجيش الف َرَنس ِي بقوة‬
‫تحول إلى معركة ضار ية استشهدا فيها معا ً رفقة مائة مجاهد كانوا معهما‪َ ،‬‬
‫كبيرة تفوق الألفي جندي‪.‬‬
‫ك الظروف الصعبة َّالتِي‬
‫‪ 2‬سي محند أولحاج‪ .)1972-1911( ،‬تقلد في نوفمبر ‪ 1959‬مسؤولية الولاية الثالثة في تِل ْ َ‬
‫أعقبت استشهاد الرائد عبد الرحمان ميرة‪ ،‬إذ ك َانَ عليه مواجهة العمليات الف َرَنس َِّية الع َسكَر َِّية وما أنشأته من موانع‬
‫مكهربة بـ(خطي شال وموريس) لمنع وصول العتاد الحربي إلى الولايات‪ .‬وبعد الاستقلال عُين قائدا ً للناحية‬
‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية ث َُّم عضوا ً بمجلس َّ‬
‫الثور َة‪.‬‬ ‫الع َسك َر َِّية السابعة ث َُّم مسؤول التنظيم في أمانة جبهة َّ‬
‫ك‬
‫ولد عبد الرحمن ميرة سنة ‪ 1922‬بضواحي ولاية بجاية‪ ،‬انخرط في حركة انتصار الحر يات الديمقراطية وذ َل ِ َ‬ ‫‪3‬‬

‫التحر ِير الج َزَائِر َِّية انضم إلى صفوفها‪ ،‬وبعد مؤتمر الصومام تطوع عبد الرحمن‬
‫عام ‪ ،1947‬وعندما اندلعت ثورة َّ‬
‫ميرة للجهاد في الولاية السادسة‪ ،‬لإعادة تنظيم الولاية‪ .‬وفي هَذِه ِ الفترة رقي إلى رتبة نقيب‪ ،‬وقاد الولاية الثالثة‬
‫بعد استشهاد العقيد عميروش في مارس ‪.1959‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪60‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪4‬‬

‫‪167‬‬
‫كما عرفت الولاية السادسة كذلك اضطرابا ً في القيادة بعد استشهاد الحواس‪ 1 ،‬فع ُين الطيب‬

‫الجغلالي ‪ 2‬قائدا ً للولاية‪ ،‬ولـكنه استشهد في يوليو ‪ 1959‬في ظروف غامضة‪ ،‬فبقيت الولاية بدون‬
‫قيادة‪ .‬ث َُّم في بداية ‪َّ 1960‬‬
‫قررت الحكومة إلغاء الولاية وإلحاق أجزائها بالولايات المجاورة واستمرت‬

‫المعارك والاشتباكات على أشدها في هَذِه ِ الولاية وخصوصا ً ضِد النشاط البترولي الفَرَنس ِي وعرقلة‬
‫استغلاله‪3 .‬‬

‫وقد عرفت الولاية الرابعة نشاطا ً كبيراً‪ ،‬ووقعت معركةكبيرة في منطقة "البرواقية" اعترف الجيش‬

‫الفَرَنس ِي خلالها بمقتل أكثر من ثلاثين من جنوده‪ .‬لـكن في ‪ 5‬مايو ‪ 1959‬وقع اشتباك كبير في‬

‫واد "بوعشرة" قرب المدية‪ ،‬استشهد خلاله قائد الولاية محمد بوقرة‪ 4‬ومعه عدد من المجاهدين‬
‫زعموم‪5.‬‬ ‫وخلفه العقيد صالح‬

‫أحمد بن عبد الرزاق حمودة أو سي الحواس‪ ،‬من مواليد سنة ‪ 1923‬في إحدى قرى ولاية بسكرة‪ .‬بدأ نضاله‬ ‫‪1‬‬

‫التحر ِير الجَزَائِر َِّية لدعم نشاط‬

‫السِيَاسِي في حركة انتصار الحر يات الديمقراطية‪ .‬سافر إلى ف َرَنس َا قبيل اندلاع ثورة َّ‬
‫الحركة الوطنية بالخارج بعدما شعر أن السلطات الاستعمار ية بدأت تترصد تحركاته‪ ،‬ث َُّم عاد إلى الجَزَائ ِر في ربيع‬
‫سنة ‪ 1955‬ملتحقا ً بصفوف جيش َّ‬
‫التحر ِير الوطني‪ .‬وبقرار من قيادة الولاية الأولى في شهر سبتمبر ‪،1955‬‬
‫انتقل سي الحواس إلى الصحراء لتوسيع رقعة َّ‬
‫الثور َة ه ُنَاك َ‪ .‬وفي شهر جوان ‪ 1957‬عُين قائدا ً للمنطقة الثالثة للولاية‬
‫الأولى‪ ،‬ث َُّم تمت ترقيته إلى رتبة صاغ أول‪ .‬ث َُّم ت ََّم تعيينه قائدا ً للولاية السادسة بعد استشهاد العقيد علي ملاح‪.‬‬
‫التحر ِير الجَزَائِر َِّية‪،‬‬
‫الطيب بوقاسمي المدعو العقيد سي الطيب الجغلالي‪ ،‬مناضل وثوري وقائد عسكري أثناء ثورة َّ‬ ‫‪2‬‬

‫ولد في العمار ية بالمدية سنة ‪ 1916‬واستشهد بجبل قعيقع بولاية الجلفة في ‪.1959‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪61‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬العقيد أحمد بوقرة المدعو سي امحمد ولد سنة ‪ 1926‬في مليانة‪ ،‬وهو مناضل جزائري منذ انطلاق الشرارة الأولى‬
‫حي ْثُ رقي إلى رتبة مساعد سياسي سنة ‪ 1955‬ث َُّم كلف بمهمة الاتصال‬
‫لثورة أول نوفمبر‪ .‬تقلد مهم َات مختلفة َ‬
‫بين العاصمة وما يحيط بِهَا‪ ،‬شارك في العديد من المعارك في الولاية الرابعة عين قائدا ً للولاية الرابعة من ‪1958‬‬
‫إلى ‪ 5‬ماي ‪ .1959‬استشهد العقيد سي أمحمد بوقرة يوم ‪ 05‬ماي ‪ 1959‬بجبال أولاد بوعشرة جنوب غرب‬
‫المدية بعد وقوعه برفقة مجموعة من جنوده في اشتباك غير متكافئ مع القوات الف َرَنس َِّية حينما ك َانَ عائدا ً من أولاد‬
‫بوعشرة إلى مركز قيادته‪.‬‬
‫التحر ِير الجَزَائِر َِّية عين عضوا ً‬
‫‪ 5‬محمد زعموم المعروف باسم سي صالح (‪ )1961-1928‬مناضل جزائري إبان ثورة َّ‬
‫في مجلس الولاية الرابعة‪ ،‬ليخلف العقيد سي أمحمد بوقرة على رأس الولاية الرابعة سنة ‪ ،1957‬التحق بتونس‬
‫لبحث قضية وصول الأسلحة إلى الداخل وأصبح عضوا ً في المجلس الوطني للث َورَة ِ الجَزَائِر َِّية سنة ‪ .1958‬بعد‬
‫عودته من تونس ونظرا ً لظروف الولاية الرابعة الصعبة في مواجهة جيوش الاستعمار‪ ،‬غامر بالاتصال بالج نرال‬

‫‪168‬‬
‫وعلى المنطقة الحدودية التونسية قام الجيش المتمركز على الحدود بهجمات متكررة على خط‬

‫موريس‪ ،‬وك َانَ الرائد إدير مساعد بلقاسم كريم هو الَّذ ِي يشرف على هَذِه ِ العمليات في هَذِه ِ‬

‫ل عملية "جوميل" بالولاية الثالثة‬

‫الفترة‪ .‬وفي ‪ 20‬يوليو‪ ،1959‬وعندما ك َانَ الجيش الفَرَنس ِي يواص ُ‬

‫قام الرائد إدير بهجوم ناجح على عين زانة‪ 1،‬وهي مركز عسكري قرب الحدود التونسية يقوم بحراسة‬
‫موريس‪2.‬‬ ‫ومراقبة خط‬

‫وعلى ضوء الخلافات الداخلية َّالتِي ك َان َت تعصف بالجيش؛ أسندت لجنة التنسيق والتنفيذ مهمة‬

‫توحيد قيادة الجيش إلى كريم بلقاسم‪ ،‬فعمل على إنشاء لجنة للعمليات الع َسكَر َِّية في ‪ 4‬أفر يل‬

‫‪ ، 1958‬وقسمت إلى لجنتين لجنة الشرق وتتكون من حمادي سعيد مسؤولا ً (يساعده العموري‬
‫وبوکلاز وبن عودة)‪ ،‬ولجنة الغرب وتتكون من بومدين مسؤولا ً (يساعده دحیلس)‪.‬‬

‫ولـكن هَذِه ِ اللجان وجدت صعوبات مختلفة في عملها نظرا ً لوجود خط موريس الَّذ ِي جعل‬

‫الاتصال بالداخل صعبا ً‪ ،‬وعدم توافق بين أعضاء اللجنتين وخصوصا ً لجنة الشرق‪ ،‬فاضطر كريم‬

‫إلى حل اللجنتين‪ ،‬ومعاقبة أصحابها وإبعاد الـكثير منهم إلى الدول العربية المجاورة ومن بينهم‬

‫العموري‪.‬‬

‫وفي أكتوبر ‪ 1958‬أنشئت هيئة للأركان تتبع مباشرة لـكريم بلقاسم‪ ،‬ووزعت إلى فرعين تسلم‬

‫العقيد بومدين قائد أركان الجيش في الغربية‪ ،‬ومحمدي سعيد قائد أركان الجيش في الشرقية‪،‬‬

‫ديغول في محاولة لإ يجاد تسو ية للقضية الجَزَائِر َِّية‪َ ،‬‬

‫حي ْثُ وفي يوم ‪ 10‬جوان ‪ 1960‬ك َانَ محمد زعموم ضمن ثلاثة‬
‫ممثلين عن الولاية الرابعة التقوا شارل ديغول ممثلا ً عن الجمهور ية الف َرَنس َِّية‪ ،‬لـكن تصرفه هَذ َا أعتبر خارج القانون‬
‫لأنه لم يستشر قيادة جبهة َّ‬
‫التحر ِير الوطني‪ .‬وعرفت القضية بلقاء الإيليزي‪ .‬طلبت منه قيادة الحكومة المؤقتة‬
‫الانتقال إلى تونس لشرح القضية ومحاكمته‪ ،‬وفي الطر يق إلى تونس وقع في كمين نصبته قوات الاستعمار سقط‬
‫على إثره شهيدا ً‪.‬‬
‫ل‬
‫‪ 1‬يقع المركز على ارتفاع ‪ 1400‬م‪ .‬يشرف على مساحة شاسعة تمتد من سهول عنابة إلى الحدود التونسية واستعم َ‬
‫ل من مدفع رشاش وبازوكا ومدافع الهاون ومدافع ثقيلة من عيار ‪،56‬‬
‫ح الثقي َ‬
‫المجاهدون في هَذ َا الهجوم السلا َ‬
‫ولـكن لم يتمكن المجاهدون من الاستيلاء عليه‪ .‬وقد بدأ الهجوم على الساعة الثانية عشرة ليلا ً ومع طلوع الفجر‬
‫انسحب المجاهدون واستشهد منهم اثنان وجرح سبعة‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪62‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪169‬‬
‫لـكنها أيضا ً لم تستطع أن تكتسب السلطة اللازمة للسيطرة على النشاط الع َسكَر ِي‪ ،‬وأدى هَذَا‬

‫الضعف إلى ظهور أزمة مستعصية‪ ،‬قرر على إثرها رئيس الحكومة بموافقة كريم استدعاء عقداء‬

‫الولايات إلى اجتماع عام في سبتمبر ‪ ،1959‬وهو ما يسمى باجتماع العقداء العشرة والَّذ ِي دام‬
‫‪1‬‬ ‫أكثر من ثلاثة أشهر‪ ،‬وتوج بتشكيل حكومة جديدة سنة ‪.1960‬‬

‫الصدامَمعَالحركةَالمصالية‪َ َ:‬‬

‫عرفت َّ‬
‫الثور َة أيضا ً صراعا ً من نوع آخر سالت فيه الـكثير من دماء الجزائر يين‪ ،‬تمثل في الحرب‬

‫التحرِير الوطني والحركة الوطنية الجَزَائِر َِّية بقيادة مصالي الحاج‪ ،‬وك َانَ‬
‫الداخلية بين ك ُل من جبهة َّ‬

‫لِهَذَا الصراع تأثير كبير على الداخل الجَزَائِر ِي‪ ،‬كما ك َانَ لَه ُ تأثير أيضا ً على َّ‬
‫الثور َة في المهجر بفعل‬
‫النفوذ ال َّذ ِي ك َان َت تحظى بِه ِ الحركة المصالية ه ُنَاك َ‪.‬‬

‫لقد رفض مصالي الحاج الانضمام إلى جبهة َّ‬

‫التحرِير الوطني‪ ،‬واعتبرها مغامرة مصيرها الفشل‪،‬‬

‫س تنظيما ً جديدا ً في شهر ديسمبر ‪ 1954‬عرف باسم الحركة الوطنية الجَزَائِر َِّية‪ ،‬سعى من‬ ‫َّ‬
‫وأس َ‬

‫التحرِير الوطني‪ ،‬وإبقاء الجالية الجَزَائِر َِّية قريبة منه وبعيدة عن متناول‬
‫خلاله إلى منافسة جبهة َّ‬

‫خصومه‪ ،‬كما سعى لخطف َّ‬

‫الثور َة محاولا ً نسبتها إليه خصوصا ً أمام أتباعه بِفَرَنس َا‪.‬‬

‫وبدأ المصاليون بالترويج إعلاميا ً في صفوف الجالية المهاجرة بأن العمليات الع َسكَر َِّية َّالتِي جاءت‬

‫بعد الفاتح من نوفمبر إنما هي خلاصة النضال الطو يل لـكفاح مصالي الحاج‪ ،‬وأن مفجريها كأمثال‬

‫مصطفى بن بولعيد وكريم بلقاسم‪ ،‬عناصر تنفذ المشروع الَّذ ِي خطط لَه ُ مصالي منذ فترة طو يلة‪.‬‬
‫من جهتها سارعت جبهة َّ‬
‫التحرِير إلى محاولة استمالة العناصر المصالية وقادتها بالخصوص‪ ،‬وبدأ‬
‫العمل مبكرا ً في مصر بعدما بدأت جبهة َّ‬
‫التحرِير الوطني في الاتصال بممثلي الحركة المصالية ه ُنَاك َ‬

‫مثل أحمد مزغنة والاتفاق معه على نبذ الخلاف والوحدة‪ .‬لـكن سرعان ما فقد مصالي تواجده‬

‫السِيَاسِي بمصر بعدما قامت السلطات المصر ية باعتقال ممثلي الحركة المصالية (مزغنة والشاذلي‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪49‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪170‬‬
 ‫ك بعد اتهام الحركة المصالية لجبهة َّ‬
‫التحرِير بأنها تتلقى الأوامر‬ ‫مكي) في جوان ‪ ،1955‬وذَل ِ َ‬
‫‪1‬‬ ‫والتوجيهات من مصر‪.‬‬

‫حي ْثُ جرى لقاء في الجَزَائ ِر العاصمة عام ‪1955‬‬

‫في الحقيقة‪ ،‬لقد حاولت الجبهة احتواء المصاليين‪َ ،‬‬

‫التحرِير الَّذ ِي مثله بلقاسم وأوعمران ووفد من المصاليين لتوحيد الصف‪ ،‬غير أن‬
‫بين وفد جبهة َّ‬

‫ك مبادرة من الدكتور‬
‫الطرفين عجزا عن إحداث أي تقارب ممكن بينهما‪ ،‬كما ظهرت بعد ذ َل ِ َ‬

‫الأمين دباغين لتوحيد الصف ونبذ الخلاف لـكنها لم تنجح أيضا ً‪ ،‬إضافة لاقتراح من عبان رمضان‬
‫للمصاليين في خر يف عام ‪1955‬؛ َّ‬
‫نص على العمل معا ً للقيام بعمليات عسكر ية مشتركة‪ ،‬لـكن‬
‫ذَلِكَ‪2.‬‬ ‫مصالي الحاج رفض‬

‫وأمام انسداد الوضع‪ ،‬انحازت الحركة الوطنية المصالية إلى العمل المسلح لـكبح انتشار َّ‬
‫الثور َة في‬

‫ف َرَنس َا وترهيب المهاجرين ومنعهم من الانضمام إلى فيدرالية الجبهة ه ُنَاك َ‪ ،‬فاندلعت المواجهات‬

‫حي ْثُ‬ ‫بين الطرفين َّ‬

‫لتعم معظمَ التراب الفَرَنس ِي‪ ،‬وك َانَ الصراع دمو يا ً امتد من دانكارك شمالا ً ( َ‬

‫ليعم ك َُّل التراب الفَرَنس ِي‪ ،‬وقد خ ََّل َ‬

‫ف‬ ‫ك َانَ معقل المصاليين) مرورا ً بباريس منتهيا ً بمارسيليا‪َّ ،‬‬

‫الصراعُ بين الطرفين حوالي أربعة آلاف قتيل دون إحصاء القتلى في ك ُل من بلجيكا وسويسرا‪،‬‬
‫الجَزَائِر َِّية‪3.‬‬ ‫وبذلك ك َان َت سنوات ‪ 1957-1955‬من أكثر السنوات دمو ية في تاريخ َّ‬
‫الثور َة‬

‫و بحسب جريدة الإكسبريس الفَرَنس َِّية فإنه وخلال الفترة الممتدة من ‪ 01‬جانفي ‪ 1956‬إلى ‪31‬‬
‫ديسمبر ‪ -1961‬وهي الفترة َّالتِي شهدت الصراع الحاد بين جبهة َّ‬
‫التحرِير والمصاليين من بدايته‬

‫إلى نهايته‪ -‬بلغت حصيلته ثلاثة آلاف وثمانمئة وتسعة وثمانين قتيلا ً وسبعة آلاف وستمئة وثمانية‬

‫وسبعين جر يحا‪ 4ً.‬وعلى العموم فإن الحرب ضِد الحركة المصالية لم تنحصر في ف َرَنس َا بل امتدت إلى‬

‫دول الجوار في ك ُل من ألمانيا الفيدرالية وسويسرا وبلجيكا‪.‬‬

‫التحر ِير الوطني بِف َرَنس َا في َّ‬

‫الثور َة التحرير ية ‪ ،1962 – 1954‬ص ‪195-194‬‬ ‫‪1‬فاتح ز ياني‪ ،‬مساهمة فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الوطني بِف َرَنس َا في َّ‬
‫الثور َة التحرير ية‪ ،‬ص ‪196 - 195‬‬ ‫‪2‬فاتح ز ياني‪ ،‬مساهمة فيدرالية جبهة َّ‬
‫‪3‬المصدر نفسه‪197 ،‬‬
‫‪4‬المصدر نفسه‪ ، ،‬ص ‪204‬‬

‫‪171‬‬
‫وهكذا بدأ نفوذ الحركة المصالية يتراجع‪ ،‬وشكلت سنة ‪ 1958‬نقطة انعطاف وتحول في مسار‬

‫حي ْثُ لعبت عدة عوامل في قلب الموازين لصالح الجبهة‪ ،‬وساهمت في‬ ‫الصراع مع جبهة َّ‬
‫التحرِير‪َ ،‬‬
‫بسط نفوذها في ك ُل المعاقل المصالية خصوصا ً في الشمال الف َرَنس ِي‪ ،‬ومن هَذِه ِ العوامل‪1 :‬‬
‫تورط‬
‫ُ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية وعلى‬

‫عدد من عناصر الحركة المصالية بالتعاون الع َسكَر ِي مع الفرنسيين لضرب َّ‬

‫رأسهم "محمد بلونيس"‪ 2 ،‬وتغاضي الشرطة في فَرَنس َا عن الأعمال الحربية َّالتِي تقوم بِهَا العناصر‬
‫المسلحة التابعة للمصاليين ضِد جبهة َّ‬
‫التحرِير‪.‬‬

‫حي ْثُ استهدفت‬ ‫إضافة ً إلى نقل العمليات الع َسكَر َِّية لجبة َّ‬
‫التحرِير نحو ف َرَنس َا في ‪ 25‬أوت ‪َ ،1958‬‬

‫ك‬
‫مصانع للذخيرة ومحافظات للشرطة ومراكز صناعية كللت معظمها بالنجاح التام‪ ،‬وخلال تِل ْ َ‬
‫العمليات تجنبت الجبهة استهداف أي عناصر تابعة لمصالي‪ .‬فاستخلص مناضلو الحركة المصالية‬
‫وأقر بعض إطاراتها بأن الجبهة تخوض حقا ً نضالا ً ثور يا ً َّ‬
‫فعالا ً‪ ،‬وطالبو بالانتقال‬ ‫ضعف منظمتهم َّ‬

‫إلى العمل المباشر ضِد أهداف العدو في المناطق َّالتِي تتواجد فيها حركتهم وك َان َت مظاهر الخيبة‬

‫التحر ِير الوطني بِف َرَنس َا في َّ‬

‫الثور َة التحرير ية ‪ ،1962 – 1954‬ص ‪-209‬‬ ‫‪1‬فاتح ز ياني‪ ،‬مساهمة فيدرالية جبهة َّ‬
‫‪212-211-210‬‬
‫ظهرت حركة الج نرال محمد بلونيس بعد ستة أشهر من اندلاع َّ‬
‫الثور َة التحرير ية أي في شهر أفر يل من سنة‬ ‫‪2‬‬

‫حي ْثُ تمركزت قواته المعروفة بـ " الجيش الوطني لتحرير الشعب لجزائري " بمنطقتي البويرة وذراع الميزان‪،‬‬
‫‪َ ، 1955‬‬
‫غير أن هَذِه ِ الجماعة لم تكن تبدي أي نشاط عسكري تجاه الجيش الف َرَنس ِي‪ ،‬حينها جاء القرار الحاسم من جبهة‬
‫َّ‬
‫التحر ِير الوطني بضرورة تصفية الج نرال بلوني س‪ ،‬وعلى إثر هَذ َا القرار وقعت العديد من المواجهات الدامية بين‬
‫الطرفين في المنطقة الثالثة والرابعة‪ .‬وعلى إثر هَذ َا الصدام‪ ،‬قرر بلونيس اللجوء إلى السلطات الاستعمار ية لطلب‬
‫الدعم والمساندة‪ ،‬فوضعت السلطات الف َرَنس َِّية تحت تصرفه مجموعة من وسائل النقل والاتصال اللاسلـكي‪ ،‬كما ت ََّم‬
‫تزويد جيشه بالمؤونة والسلاح والذخيرة الع َسكَر َِّية‪ .‬وحظي بتعيين عدد من الضباط الفرنسيين‪ ،‬المعروفين بحنكتهم‬
‫الع َسكَر َِّية‪ ،‬قصد مساعدته في تنظيم جيشه‪ ،‬وتأطيره‪ ،‬وتطويره‪ .‬يمكن القول إن حركة الج نرال بلونيس كلفت‬
‫التحر ِير الوطني في محاولة القضاء عليها خسائر مادية وبشر ية كبيرة‪ ،‬بسبب المعارك الضار ية َّالتِي‬
‫جبهة وجيش َّ‬
‫دارت بين الطرفين‪.‬‬
‫بدأت قوات بلونيس تتقهقر تدرجيا ً بسبب الهزائم الع َسكَر َِّية المتكررة وتناقص المساعدات الف َرَنس َِّية وظهور النزاع‬
‫الداخلي في قواته‪ ،‬كما وجهت ف َرَنس َا حملة تمشيط للقضاء على بقايا قوات بلونيس‪ ،‬أما بلونيس نفسه فقد َّ‬
‫فر بمفرده‬
‫ل خلال محاولته الفرار‪ ،‬وأخذت ف َرَنس َا جثته َّ‬
‫ومثلَت بِهَا في الأسواق بالجفلة‬ ‫بداية شهر جو يلية ‪ ،1958‬لـكنه قُت ِ َ‬
‫لعدة أيام‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫ق الـكثير ُ‬
‫ك أن تصدع صف المصاليين‪ ،‬فالتح َ‬
‫أكبر لما اعت ُرض على مطالبهم‪ ،‬وك َانَ من نتائج ذَل ِ َ‬
‫منهم بصفوف فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحرِير‪.‬‬

‫حي ْثُ قررت لجنة التنفيذ والتنسيق إعلان إضراب‬

‫وك َانَ لنجاح إضراب الثمانية أيام أثره أيضا ً‪َ ،‬‬
‫ل والتجار ُ لإيصال صوت َّ‬
‫الثور َة داخل الجَزَائ ِر وخارجها‪ ،‬وأعلنت الحركة المصالية‬ ‫ينفذه العما ُ‬

‫هي أيضا ً إضرابا ً في نفس اليوم غير أنها لم تجار الجبهة في المدة الزمنية بل اكتفت على حصره في‬

‫يوم واحدٍ‪ ،‬فَك َان َت نسبة الأضراب في اليوم الأول ‪ ،%40‬غير أن الأيام الموالية قد كشفت‬

‫بوضوح قوة الجبهة في ف َرَنس َا باعتراف أرقام وزارة الداخلية الفَرَنس َِّية َّالتِي قدرت في اليوم الثاني‬

‫نسبة المضربين بـ ‪ ،%75‬وبـ ‪ % 80‬في بقية الأيام؛ ليستخلص المصاليون بأن الشعب يسير وفق‬
‫تعليمات جبهة َّ‬
‫التحرِير‪.‬‬

‫هكذا فقد تقلصت حركة مصالي ونفوذها‪ ،‬واقتصرت في السنة الأخيرة من َّ‬
‫الثور َة على صرف‬
‫المفاوضات‪1.‬‬ ‫كطرف على طاولة‬
‫ٍ‬ ‫طاقاتها الضعيفة للحصول على استعطاف ولقبولها‬

‫التحر ِير الوطني بِف َرَنس َا في َّ‬

‫الثور َة التحرير ية ‪ ،1962 – 1954‬ص ‪216‬‬ ‫‪1‬فاتح ز ياني‪ ،‬مساهمة فيدرالية جبهة َّ‬

‫‪173‬‬
 ‫المبحثَالرابع‪َ:‬السياسياتَالفرنسِيةَالمضادةَللثور َة ِ‬

‫أولاً‪َ:‬الحملاتَالعسكر ِيةَ َ‬

‫ض‬ ‫وضع الج نرال موريس شال‪ 1‬مخططا ً عسكر يا ً بهدف تفكيك جيش َّ‬
‫التحرِير في الجبال‪ ،‬وع َرَ َ‬

‫خطط على الج نرال دي غول الَّذ ِي أعطى موافقته على تنفيذه ابتداء ً من شهر مارس ‪،1959‬‬
‫الم َ‬

‫وقد استمر إلى بداية سنة ‪ . 1960‬يقول دي غول‪" :‬وقبل أن يتوجه (موريس) إلى الجَزَائ ِر‪،‬‬

‫تدارست معه خطته ووافقت عليها‪ .‬وك َان َت تنطوي على تعبئة القوى اللازمة‪ ،‬وشن الهجوم تباعا ً‬
‫الأماكن"‪2.‬‬ ‫على ك ُل مراكز الثوار والقضاء عليها الواحدة تلو الأخرى‪ ،‬ث َُّم الاحتفاظ بِهَذِه ِ‬

‫بني الج نرال شال برنامجه على أن قيادة ك ُل ولاية من الولايات الست مستقلة استقلالا ً كاملا ً‬

‫عن قيادة الولاية الأخرى‪ ،‬وأن الولاية الأولى لن تتدخل في الأمر عندما تكون العمليات‬

‫ق مع تقسيم جبهة‬ ‫الع َسكَر َِّية تجري في الولاية الرابعة وهكذا‪َّ ...‬‬
‫فقسم َ الجَزَائ ِر َ إلى مناطق تتطاب ُ‬
‫َّ‬
‫التح رِير للولايات الستة‪ ،‬بِ حَي ْثُ تجري عمليات تمشيط واسعة في منطقة واحدة فقط‪ ،‬و يتم حشد‬

‫أكبر عدد ممكن من القوة فيها بالاعتماد على الطائرات‪ ،‬وخصوصا ً الهليكوبتر َّالتِي ي َت ُم بواسطتها‬
‫نقل الجنود بسرعة ٍ من مكانهم إلى مكان العملية‪ ،‬و َّ‬
‫يوزع الجنود الفرنسيون إلى مجموعات صغيرة‬

‫تتمركز في الجبال والأودية والغابات‪ ،‬وتنتقل بحثا ً عن الاشتباك مع المجاهدين‪ .‬وإذا وقع الاشتباك‬

‫ي َتُم الاتصال بالفرق الأخرى َّالتِي تأتي لتحاصر المجاهدين وتتدخل الطائرات‪ ،‬وتستمر العملية في‬

‫المنطقة المعينة شهرين أو أكثر قبل الانتقال إلى ولاية أخرى‪.‬‬

‫كما لاحظ شال إخفاق خط موريس أمام جيش َّ‬

‫التحرِير الوطني لذلك عمد سنة ‪ 1959‬إلى‬

‫تدعيم خط موريس بخط آخر عرف باسم خط (شال)‪ ،‬ت ََّم إنشاؤه بالتوازي مع الخط السابق‬

‫‪ 1‬شال موريس ‪ : 1979-1905‬جنرال فرنسي استدعاه ديغول لقيادة الجيش الفرنس بالجَزَائِر ِ‪ ،‬وهو صاحب فكرة‬
‫الأسلاك المكهربة على الحدود الغربية والشرقية لِلج َزَائِر ِ‪ .‬مع بداية المفاوضات الف َرَنس َِّية الجَزَائِر َِّية قاد انقلابا ً فاشلا ً‬
‫على ديغول في ‪ 22‬أبر يل‪/‬نيسان ‪ ،1961‬فحـكم عليه بالسجن ‪ 15‬سنة‪ ،‬لـكن ديغول عفا عنه وأطلق سراحه عام‬
‫‪.1966‬‬
‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪194‬‬
‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪174‬‬
 ‫على مسافة سبعين كلم على الجهتين الشرقية والغربية‪ ،‬بهدف منع الإمدادات عن قوات َّ‬
‫الثور َة‬

‫في الداخل‪.‬‬

‫وعودة ً إلى عمليات التمشيط في خطة شال؛ ك َانَ حشد الجنود يتراوح بين عشرين وثلاثين ألفا ً‪،‬‬
‫جندي‪1.‬‬ ‫وك َان َت العملية َّالتِي تمركزت في الولاية الثالثة أكبر العمليات َ‬
‫حي ْثُ جُن ِد لَهَا أربعون ألف‬

‫وبدأ الج نرال شال بالشروع في برنامجه على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ .1‬الولايةَالخامسة‪ :‬عملية التاج‪ .‬وقادها ثلاث ضباط‪ :‬الج نرال غامبير‪ ،‬وإيرزانو‪ ،‬والعقيد بيجار‪.‬‬

‫واستغرقت من ‪ 4‬شباط (فبراير) ‪1959‬حتى ‪ 9‬نيسان (أفر يل) ‪َ .1959‬‬

‫‪ .2‬الولايةَالرابعة‪ :‬عملية الحزام‪ ،‬استغرقت ما بين نيسان (أفر يل) وماي ‪ 1959‬تحت قيادة‬
‫الج نرال ماسو‪.‬‬

‫‪ .3‬الولايةَالأولى‪ :‬عملية الشرارة‪ .‬استغرقت من حزيران (جوان) إلى تموز (جو يلية) ‪.1959‬‬

‫‪ .4‬الولايةَالثالثة‪ :‬عملية المنظار‪ .‬وقادها الج نرال شال بنفسه لتستغرق باقي صيف ‪َ .1959‬‬

‫‪ .5‬الولايةَالثانية‪ :‬عملية الأحجار الـكريمة‪ .‬تحت قيادة الج نرال أوليه‪ .‬وبدأت في تشرين الثاني‬

‫(نوفمبر) ح ََّتى جوان ‪َ 2 .1960‬‬

‫عمل "شال" على تعزيز الجيش الفَرَنس ِي بقوات الطيران‪ ،‬وأصبح يستعمل الطائرات العمودية على‬

‫ل منهجي مستمر‬
‫نطاق واسع‪ ،‬وصار استعمال "النابالم" والأسلحة المحرمة في الحروب يجري بِش َك ٍ‬
‫وعلى أوسع نطاق ممكن‪ .‬وقد أدى هَذَا الأسلوب بالشعب الجَزَائِر ِي إلى أن يعيش في أصعب‬

‫حي ْثُ أنشأ الجيش الفَرَنس ِي مراكز عسكر ية داخل الأحياء السكنية‪،‬‬ ‫مرحلة عاشتها َّ‬
‫الثور َة‪َ ،‬‬

‫أليم من قتل‬
‫عذاب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫فأصبح الشعب مقيدا ً و يعاني معاملة ً قاسية ً‪ ،‬وتعرض في هَذِه ِ الفترة إلى‬
‫‪3‬‬ ‫حي ْثُ اتبع المستعمر سياسة الأرض المحروقة‪.‬‬
‫واعتقالات بالآلاف‪َ ،‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪62‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪197‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪199‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪175‬‬
 ‫وقد تفاجأ جيش َّ‬
‫التحرِير بِهَذَا المخطط في البداية‪ ،‬ووقعت في صفوفه خسائر مادية وبشر يةكبيرة‬

‫في الولاية الخامسة خصوصا ً‪ ،‬ولـكن سرعان ما فطنت قيادات الولايات إلى تفاصيل هَذَا‬

‫المخطط‪ ،‬فسارعوا إلى تغيير نظام الجيش‪ ،‬والتكييف مع الوضع الجديد‪ .‬فـح َُّـلـت الفيالق والكتائب‬

‫إلى فرق صغيرة تجتمع وتتفرق بسرعة ٍ‪ ،‬ووضعت مراقبة تتتبع تنقلات الجيش الفَرَنس ِي‪ ،‬و ُّأعطي‬

‫الأمر بتفادي الاشتباكات والـكمائن والقيام فقط بهجوم سر يع على المراكز المنعزلة‪.‬‬

‫وبما أن الجيش الفَرَنس ِي أصبح متمركزا ً في الجبال والغابات فإن جيش َّ‬
‫التحرِير قرر أن يركز عملياته‬

‫على مصالح الشرطة والدرك والجيش وأملاك المستعمرين في القرى الصغيرة والمدن المتوسطة‪،‬‬
‫هدفه‪1.‬‬ ‫وهَذَا ما عاكس كثيرا ً مخطط شال ومنعه من تحقيق‬

‫وز يادة على هَذَا؛ شعر جيش َّ‬

‫التحرِير أن هَذَا المخطط ظرفي لا يمكن تطبيقه بصفة دائمة إذ أنه‬
‫يحتاج إلى مزيد من القوات‪ ،‬لذا وضع جيش َّ‬
‫التحرِير نفسه موضع الانتظار ريثما يسترجع المبادرة‬

‫بالعمليات‪ ،‬وهو ما وقع بالولاية الخامسة؛ فبمجرد أن انتقل المخطط إلى الولاية الرابعة وقعت‬

‫معارك وكمائن في معسكر‪ ،‬وتلمسان‪ ،‬ونيارت‪ .‬وكذلك الأمر بالولايات الأخرى‪ ،‬ففي الولاية‬

‫الثالثة‪ ،‬ورغم الاضطراب الَّذ ِي وقع في القيادة كما أشرنا إلى ذَلِكَ‪ ،‬فإن المبادرة أصبحت لجيش‬
‫َّ‬
‫التحرِير مع شهر نوفمبر‪ ،‬واستطاع محند أولحاج أن يعيد للولاية قوتها‪ ،‬وكذلك ك َانَ الأمر بالنسبة‬

‫حي ْثُ تصرف قائد الولاية صالح بوبنيدر‪ 2‬بحنكة كبيرة‪ ،‬وكذلك بالنسبة للولاية‬
‫للولاية الثانية َ‬
‫الأولى َّالتِي ك َان َت أعادت تنظيمها بقوة تحت قيادة الحاج الأخضر عبيدي‪ 3،‬وبعده مصطفى‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪63‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫صلاح بوبنيدير الملقب بصوت العرب‪ :‬من أعضاء مجلس َّ‬

‫الثور َة‪ .‬ولد في عام ‪ 1929‬في واد زناتي قرب قالمة‬ ‫‪2‬‬

‫وتوفي في ‪ 27‬مايو‪ .2005‬بدأ حياته السِيَاس َِّية في عام ‪ 1945‬في صفوف حزب الشعب الجَزَائِر ِي‪ ،‬ث َُّم دخل حركة‬
‫انتصار الحر يات الديمقراطية وأصبح عضوا ً في المنظمة الخاصة‪ .‬اعتقل في عام ‪ ،1950‬ث َُّم دخل السجن في عنابة‬
‫والج َزَائ ِر العاصمة ح ََّتى عام ‪ .1952‬في شباط‪/‬فبراير ‪ ،1955‬التحق بأول المجموعات المسلحة في جيش َّ‬
‫التحر ِير‬
‫الوطني‪ ،‬وتحمل مسؤولية المنطقة الشمالية‪ -‬قسنطينة خلفا ً للعقيد علي كافي بعد رحيل هَذ َا الأخير إلى تونس‪.‬‬
‫العقيد عبيدي محمد الطاهر المدعو الحاج لخضر‪ ،‬ولد في ‪ 13‬مارس ‪ 1914‬بقر ية تيغري أولاد شليح بباتنة َّالتِي‬ ‫‪3‬‬

‫تعرف حاليا ً بوادي الشعبة‪ ،‬وتوفي في ‪ 23‬فيفري‪/‬فبراير ‪ ،1998‬وهو مجاهد ومناضل ثوري جزائري تركز نشاطه‬
‫في الأوراس بباتنة إلى جانب مصطفى بن بولعيد‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫بن نوي‪ 1‬الَّذ ِي واجه مخطط شال بمهارة كبيرة جعلت قيادة الجيش الفَرَنس ِي تعترف بأنها لم‬

‫تتمكن من تطبيق المخطط في الولاية الأولى‪.‬‬

‫ج من هَذَا المخطط منتصراً‪ ،‬لأن "شال" لم يحقق‬ ‫جيش َّ‬

‫التحرِير أنه خر َ‬ ‫ُ‬ ‫ورغم الخسائر‪ ،‬ي َعتَبِر ُ‬

‫ك سببا ً‬
‫هدفه‪ ،‬بل برهن فشلُه للجنرال دي غول أن الحل الع َسكَر ِي مستحيل في البلاد‪ ،‬وك َانَ ذ َل ِ َ‬
‫كريبان‪2.‬‬ ‫في استدعاء الج نرال شال إلى باريس واستبداله بالج نرال‬

‫ثانياً‪َ:‬المحتشدات‪َ َ:‬‬

‫قامت القوات الفَرَنس َِّية إضافة ً إلى عملياتها الع َسكَر َِّية ضمن مخطط شال بتهجير سكان الر يف‬

‫وتجميعهم في محتشدات قريبة من مراكزها الع َسكَر َِّية‪ ،‬وقد ُّأطلق على هَذِه ِ المحتشدات اسم القرى‬
‫الجديدة‪ ،‬وك َان َت قريبة من الثكنات الع َسكَر َِّية والطرق الرئيسية‪ ،‬وك َانَ الهدف منها هو عزل‬
‫الثور َة وعزل جيش َّ‬
‫التحرِير عن الشعب الجَزَائِر ِي على غرار ما فعلت الفاشية‬ ‫السكان عن َّ‬

‫الإيطالية في ليبيا لمقاومة َّ‬

‫الثور َة الليبية‪.‬‬

‫وصل عدد المُرَح َلين إلى ثلاثمئة وخمسة وثلاثين ألف شخص في أيلول (سبتمبر) ‪ ،1958‬وارتفع‬

‫إلى سبعمئة وأربعين ألف في شهر تشرين أول (أكتوبر) ‪ ،1958‬وإلى أكثر من مليون في شهر‬

‫نيسان (أفر يل) ‪ ،1959‬وقد استمرت سياسة التهجير ح ََّتى وصلت أعداد المحتجزين في هَذِه ِ‬

‫‪ 1‬مراردة مصطفى المسمى بن النوي‪ ،‬ولد في ‪ 21‬أوت ‪ 1928‬في ولاية باتنة‪ ،‬وتوفي في ‪ 18‬ماي ‪ .2007‬انخرط‬
‫الثور َة التحرير ية الجَزَائِر َِّية كمناضل منذ ‪ 14‬نوفمبر ‪َ ،1954‬‬
‫حي ْثُ قام بأعمال عديدة منها مسؤول مركز‬ ‫في صفوف َّ‬
‫مكلف بالمخابئ والاتصال والعمليات‪ ،‬وتخريب مصالح المستعمر‪ .‬التحق بصفوف جيش َّ‬
‫التحر ِير الوطني في ماي‬
‫‪ .1955‬بعد مؤتمر الصومام عين عضوا ً في الناحية الرابعة بر يكة من المنطقة الأولى مكلفا ً بالاتصال والأخبار‬
‫ك في أواخر أكتوبر ‪ .1956‬ث َُّم مسؤولا ً بنفس الناحية في أواخر ‪ .1957‬ث َُّم عضوا ً في مجلس المنطقة الأولى‬
‫وذ َل ِ َ‬
‫باتنة للولاية الأولى أواسط سنة ‪ 1958‬محتفظا َ بقيادة الناحية‪ ،‬ث َُّم ر ُق ِي َ إلى رتبة نقيب مسؤول عن المنطقة الثانية‬
‫أريس بداية سنة ‪ .1959‬ث َُّم مسؤولا ً للولاية بالنيابة بعد خروج الحاج لخضر إلى تونس بداية أبر يل‪/‬نيسان ‪1959‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية أوائل ‪.1960‬‬
‫إلى أبر يل‪/‬نيسان ‪ .1960‬عند تجديد مجلس الولاية رقي ليصبح عضوا ً في مجلس َّ‬
‫عمل ملحقا ً عسكر يا في بغداد من جانفي ‪ 1965‬إلى جو يلية ‪.1967‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪63‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪177‬‬
‫المعسكرات الجماعية في كانون الأول‪/‬ديسمبر ‪ 1960‬إلى مليون وستمائة ألف‪ ،‬أما عدد هَذِه ِ‬
‫حتشد‪1.‬‬
‫المحتشدات فقد وصل إلى ألف ومئتي م‬

‫وإذا أردت معرفة أوضاع السكان في هَذِه ِ‬

‫المحتشدات فيكفي أن تتطلــِ َع على ما جاء في‬

‫التقارير الفَرَنس َِّية عن هَذِه ِ المراكز‪ ،‬إذ يقول‬

‫أحد التقارير الصادرة عن موظفين فرنسيين‬

‫في نيسان (أفر يل) ‪" :1959‬في إحدى‬

‫المراكز َّالتِي زرناها وجدنا أن توز يع المواد الغذائية قد انقطع منذ شهر ونصف‪ ،‬كما أن بقية أشكال‬
‫الإغاثة من ملابس وخدمات اجتماعية تتعرض هي أيضا ً للتوقف والانقطاع بلا سبب وبدون‬
‫إعلان"‪2 .‬‬ ‫سابق‬

‫وفي أذار(مارس) ‪ ،1960‬جاء في مذكرة وزارة الأخبار للحكومة المؤقتة حول مراكز المحتشدات‬

‫ما يلي‪" :‬إن ثلاثة ملايين من أبناء الر يف الجَزَائِر ِي قد تلاشوا منذ سنة ‪ .1954‬فمن ك ُل ر يفيين‬

‫اثنين نجد واحدا ً فقط لا يزال في أرضه‪ ،‬أما الثاني فإما أنه لقي حتفه أو هو لاجئ في معسكر‬
‫التجمع"‪3 .‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪202‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪202‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪203‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪178‬‬
 ‫معسكراتَالاعتقالَفيَمنطقةَبولي‪َ،‬مقاطعةَوهران‪َ .‬‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫‪179‬‬
 ‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫صورةَجو يةَلمعسكرَفيَمنطقةَسعيدة‪َ،‬مقاطعةَوهران‪َ .‬‬

‫َ‬

‫‪180‬‬
 ‫معسكرَفيَمنطقةَتالوين‪َ،‬مقاطعةَالجزائ ِرَالعاصم َة َ‬

‫‪181‬‬
 ‫سلْم َُالأبطالِ(الشجعان)‪َ:‬‬
‫ِ‬

‫بعد فشل مخطط شال اقتنع ديغول بضرورة تكامل جهود التفكيك السِيَاس َِّية مع الحملات‬

‫الع َسكَر َِّية‪ ،‬فوجه نداء ً إلى الثوار دعاهم فيه إلى ما سماه بـ " ِ‬
‫سلْم ِ الشجعانِ"‪ ،‬وفي ‪ 23‬تشرين أول‬
‫(أكتوبر) ‪ 1958‬قال ديغول خلال ندوة صحفية‪" :‬أقول بكل وضوح‪ :‬أن أغلبية رجال َّ‬
‫الثور َة قد‬

‫سلْم ُ الأبطال‪ ...‬كيف العمل لتنظيم نهاية المعارك؟ فحيَ ْثُ توجد‬
‫حاربوا بشجاعة ٍ‪ ...‬فليأت ِ‬

‫المعارك المحلية‪ ،‬ليس على قادتهم إلا أن يتصلوا بالقيادة الع َسكَر َِّية الفَرَنس َِّية‪ .‬في هَذِه ِ الحالة فإن‬

‫ل في هَذِه ِ‬
‫المحاربين سي ُست َقبلون استقبالا ً مشرفا ً‪ ،‬وإن الحكمة القديمة للمعارك تتطلبُ أن يستعم َ‬
‫الأبيض للمفاوضين‪ ...‬أما عن المنظمة الخارجية َّالتِي توجِه ُ َّ‬
‫الثور َة من الخارج فما‬ ‫ُ‬ ‫الظروف العلم‬

‫عليهم إلا أن يتصلوا بالسفارة الفَرَنس َِّية في تونس أو في الرباط‪ ،‬وأن هَذِه ِ أو تِل ْ َ‬
‫ك تضمن لهم‬
‫الرجوع"‪1.‬‬ ‫ن لهم حر ية‬
‫الوصول إلى ف َرَنس َا‪ ،‬وهنا سنضمن لهم سلامتهم الكاملة كما أضم ُ‬

‫سلْم ِ الشجعان جاء مصحوبا ً بالشروط التالية‪:‬‬ ‫لـكن ُّ‬

‫رد الحكومة المؤقتة على ِ‬

‫‪ .1‬التوجه بالخطاب للحكومة المؤقتة للجمهور ية الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وهي ممثلة الشعب باسم مجلس َّ‬
‫الثور َة‪.‬‬

‫‪ .2‬الاعتراف بنهاية الاستعمار‪ ،‬وقيام الجَزَائ ِر بحقها في تقرير المصير‪.‬‬

‫‪ .3‬فتح مفاوضات رسمية بين رجال الحكومة الجَزَائِر َِّية والفَرَنس َِّية‪.‬‬

‫‪ .4‬إعلان وقف إطلاق النار‪.‬‬

‫ك َانَ رد الحكومة الجَزَائِر َِّية لديغول واضحا ً‪ ،‬فإما أن يقبل شروط الحل السِيَاسِي َّالتِي عرضتها‬

‫الحكومة الجَزَائِر َِّية أو أن تستمر الحرب‪ ،‬إذ أنه من غير المعقول بعد مضي أربع سنوات‪ ،‬أن‬
‫‪2‬‬
‫يطلب في النهاية من المجاهدين تسليم أنفسهم دون تحقيق المبادئ َّالتِي ثاروا من أجلها‪.‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪214‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪215‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪182‬‬
 ‫مشروعَقسنطينة‪َ َ:‬‬

‫تزامنا ًمع الحملات الع َسكَر َِّية و"سلم الشجعان"‪ ،‬جاء ديغول بمشروع سياسي آخر‪ ،‬وعرض مشروعه‬

‫هَذَا يوم ‪ 3‬أكتوبر ‪1958‬م عند ز يارته لقسنطينة‪ ،‬وك َانَ يهدف إلى فتح مجالات العمل أمام‬

‫أكبر عدد من الجزائر يين‪ ،‬بِ حَي ْثُ يصل إلى تشغيل أربعمئة ألف جزائري في خمس سنوات‪،‬‬

‫و يق وم المشروع على التوسع في تقديم الخدمات العامة‪ ،‬والتوسع في إنشاء المدارس‪ ،‬وحجز ‪%10‬‬

‫من الوظائف العليا في الجَزَائ ِر لأبناء البلاد‪ ،‬إضافة إلى شراء الأراضي من كبار المستوطنين؛‬
‫‪1‬‬
‫وبيعها للجزائر يين على أقساط‪.‬‬

‫بدورها أعلنت الحكومة الفَرَنس َِّية أهداف المشروع على الشكل الآتي‪:‬‬

‫‪ .1‬ضمان ز يادة الدخل الوطني الجَزَائِر ِي بنسبة ‪.% 7،5‬‬

‫‪ .2‬تطوير الجَزَائ ِر صناعيا ً ح ََّتى تصبح قادرة ً على مسايرة العصر الحاضر‪.‬‬

‫‪ .3‬القضاء تدر يجيا ً على الفروق في المستوى المعاشي بين الجَزَائ ِر وف َرَنس َا‪ ،‬وضمان مستقبل تعايش‬

‫سلمي بين الأوربيين والجزائر يين‪.‬‬

‫ك َانَ هدف ديغول من مشروعه‪ ،‬هو القضاء على دوافع َّ‬

‫الثور َة بالمشار يع الإصلاحية؛ وعن‬

‫طر يقها أيضا ً أراد أن يحقق عملية إدماج الجَزَائ ِر وف َرَنس َا‪ .‬لـكن المشكلة الأكبر َّالتِي واجهت‬

‫ديغول‪ ،‬هي أن مشروع قسنطينة لقي معارضة ً شديدة ً من طرف المستعمرين والجزائر يين‪،‬‬

‫فالمستعمرون لا يسمحون أبدا ً أن يصبحوا في درجة مساو ية للجزائر يين‪ ،‬أما الجزائر يون فقد‬
‫الوطني‪2.‬‬ ‫رفضوا المشروع بتوجيه جبهة َّ‬
‫التحرِير‬

‫وإضافة إلى مشروع قسنطينة‪ ،‬تقدمت حكومة ديغول في النصف الأول من سنة ‪ 1959‬بعدة‬
‫‪3‬‬ ‫ق بالدمج المالي والاقتصادي لِلج َزَائِر ِ‪:‬‬
‫مشار يع تتعل ُ‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪193‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪197‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪217 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪183‬‬
‫ق بإلغاء الاستقلال المالي لِلج َزَائِر ِ ودمج ميزانية الجَزَائ ِر في الميزانية‬
‫المشروع الأول‪ :‬يتعل ُ‬ ‫•‬

‫الفرنسة‪َ .‬‬
‫أما الثاني‪ُّ :‬‬
‫فينص على توحيد العملة النقدية بين الجَزَائ ِر وف َرَنس َا‪َ .‬‬ ‫•‬

‫والثالث‪ُّ :‬‬
‫ينص على إلغاء الرقابة الجمركية على السلع والأشخاص في حالة التنقل بين الجَزَائ ِر‬ ‫•‬

‫وف َرَنس َا وبالعكس‪َ .‬‬

‫ح الجَزَائ ِر ُ عبارة ً عن محافظة فرنسية (سياسة الاندماج)‪َّ ،‬‬

‫عل‬ ‫ك المشار يع تصب ُ‬
‫وعلى أمل تحقيق تِل ْ َ‬

‫هَذَا الاندماج يحقق نوعا ً من المساوات بين الجَزَائِر ِي والفَرَنس ِي‪ ،‬و يقضي على دوافع التمرد‪ ،‬ولـكن‬

‫ك لم يحصل‪.‬‬
‫شيئا ً من ذَل ِ َ‬

‫‪184‬‬
 ‫المبحثَالخامس‪َ:‬تطورَموقفَديغولَمنَالقضيةَالجزائِر ِيةَ‬
‫ك َانَ ديغول يدرك ُ تماما ً أن المستعمرين ومن ك َانَ وراءهم من السياسيين يسعون أكثر إلى حماية‬

‫مصالحهم الشخصية ولا يعيرون أي اهتمام لمصلحة ف َرَنس َا العليا‪ ،‬فَك َانَ يعتمد من جهة على‬

‫الجيش ومساندته‪ ،‬ومن جهة أخرى على الاستماع إلى جميع الأطراف بما فيهم الوطنيِين‪ ،‬فأعطى‬

‫للجيش الفَرَنس ِي جميع الإمكانيات َّالتِي ك َانَ يُطال ِبُ بِهَا (كمخطط شال) وجاء إلى الجَزَائ ِر أكثر‬

‫حي ْثُ ك َانَ‬

‫من مرة‪ ،‬وزار وحدات الجيش وهي في القتال‪ ،‬وك َان َت ز يارته الأخيرة إلى القبائل‪َ ،‬‬

‫مخطط شال قيد التنفيذ‪ .‬وك َانَ دائما ً على اتصال بالسلطات المحلية وبالشخصيات الفَرَنس َِّية َّالتِي لَهَا‬

‫اهتمام بالقضية الجَزَائِر َِّية‪.‬‬

‫واتبع دي غول في سياسته تجاه الجَزَائ ِر عدة أساليب مختلفة‪ ،‬فاعتمدَ أولا ً السياسة التقليدية‬

‫الفَرَنس َِّية‪ ،‬وهي اعتبار ُ الجَزَائ ِر جزءا ً من ف َرَنس َا‪ ،‬وكنتيجة لِهَذَا؛ لجأ إلى استعمال العنف‬

‫والاضطهاد‪ .‬لـكن عندما يئس من جدوى الخيار الع َسكَر ِي المجرد؛ لجأ إلى اتباع سياسة القمع‬
‫ل في تحقيق أي نجاح ي ُذك َر ُ تحت ضربات َّ‬
‫الثور َة‬ ‫والإصلاح في آن واحد‪ ،‬لـكنهك َانَ دائما ً ما ي َفشَ ُ‬

‫المتوالية‪.‬‬

‫هَذَا ما دفعه في ‪ 16‬أيلول (سبتمبر) ‪ 1959‬أن يعلن عن مشروع جديد اعترف فيه لأول مرة‬
‫وشروط‪1 :‬‬ ‫ك بقيود‬
‫بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره بنفسه‪ ،‬لـكنه أحاط ذ َل ِ َ‬

‫إيقاف القتال فوراً‪َ .‬‬ ‫•‬

‫أن يتوفر السلام لمدة أربع سنوات‪َ .‬‬ ‫•‬

‫يجري في ختام السنوات الأربعة استفتاء شعبي في الجَزَائ ِر حول اختيار مصيرهم من‬ ‫•‬

‫ثلاث حالات‪" :‬الانفصال" أو "الاندماج والفرنسة الكاملة" أو "الحكم الذاتي في ظل‬

‫الاتحاد الفَرَنس ِي"‪.‬‬

‫وقال دي غول أثناء عرضه للمشروع‪" :‬أطلب من جبهة َّ‬

‫التحرِير والجزائر يين في ولاياتهم الإثني‬

‫عشرة أن يعبروا عما يريدون‪ ،‬وأطلب من الفرنسيين من جهة أخرى أن يصادقوا على اختيارهم"‪.‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪217 ،‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪185‬‬
‫أراد دي غول من خلال عرضه لمشروعه أن يعترف بحق تقرير المصير للجزء الشمالي لِلج َزَائِر ِ فقط‬

‫ك باعتماده تعبير (اثني عشر ولاية) باعتبار الولايات الثلاثة الأخرى (الجنوب الوهراني –‬
‫وذَل ِ َ‬

‫مدينة الجَزَائ ِر – الصحراء) فرنسية غير معترف بِهَا جزءا ً من أرض الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫وجاء في تصر يحه كذلك‪" :‬إن الانفصال الَّذ ِي يفضله البعض و يعتقدون أنهم يجدون فيه‬

‫الاستقلال‪ ،‬وعلى ك ُل حال إذا قرر الجزائر يون تطبيق هَذِه ِ الفكرة الخاطئة‪ ،‬فإن الجزائر يين الَّذِي َ‬
‫ن‬

‫يريدون أن يضلوا فرنسيين؛ لن تتخلى عنهم ف َرَنس َا‪ ،‬وستعمل ما باستطاعتها وذلك بأن تجمعهم في‬
‫وأرزاقهم"‪1.‬‬ ‫مكان معين وتشرف على أموالهم‬

‫التحرِير الوطني قال دي غول‪" :‬إن ف َرَنس َا لا تعترف بهؤلاء الَّذ ِي َ‬

‫ن‬ ‫وفيما يتعلق بموقفه من جبهة َّ‬

‫استولى عليهم الغرور وحاولوا أن يفرضوا إرادتهم بالقوة‪ ،‬وإنها لن ترضى بأي وجه ٍ من الوجوه‬
‫الجَزَائ ِر"‪2 .‬‬ ‫أن تتعامل معهم‪ ،‬وأن تتفاوض معهم فيما يخص مصير‬

‫أما عن موقف جبهة َّ‬

‫التحرِير من مشروع دي غول؛ فقد جاء في بيان الحكومة المؤقتة في ‪8‬‬

‫أيلول (سبتمبر) ‪" :1959‬إن الذاتية القومية َّالتِي تكونها الجَزَائ ِر والوحدة الاجتِم َاع َِّية لشعبها هي‬
‫عناصر موضوعية وجوهر ية‪ ،‬ولهذا فمن الوهم تطبيق تقرير المصير بكيفية لا ُّ‬
‫تقر حسابا ً لهذه‬

‫الحقائق أو تهدف إلى تمز يق هَذِه ِ الذاتية وتجزئتها إلى مجموعات عنصر ية ودينية‪ ،‬إن الحكومة‬

‫المؤقتة للجمهور ية الجَزَائِر َِّية تذكر ز يادة ً على هَذَا بالمبدأ الَّذ ِي لا يمكن النيل منه‪ ،‬وهو وحدة‬
‫تقسيم"‪3.‬‬ ‫التراب الوطني‪ ،‬وتعبر عن عزيمة الشعب الجَزَائِر ِي َّالتِي لا تقهر‪ ،‬في معارضةك ُل محاولة‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪218‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪218‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪218‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪186‬‬
 ‫المبحثَالسادس‪َ:‬تطورَالوضعَآخرَمرحلةَالإبادة َ‬

‫تطوراتَالأوضاعَعلىَمستوىَالثورة‪َ َ:‬‬

‫بعد العمليات َّالتِي قام بِهَا الجيش الفَرَنس ِي في نطاق مخطط شال الَّذ ِي انتهى بداية عام ‪،1960‬‬
‫ساد الحذر ُ الشديد ُ على عمليات وتحركات جيش َّ‬
‫التحرِير الوطني‪ ،‬بسبب فقده الـكثير من سلاحه‬

‫ك أن يتزود ببعض‬
‫الثقيل والذخيرة‪ ،‬فعمل على تكثيف الـكمائن والأعمال الفدائية‪ ،‬واستطاع بذ َل ِ َ‬

‫ل جهادَه ُ كما ك َانَ من قبل‪ ،‬فعادت عمليات الجيش تغطي جميع‬

‫ص َ‬
‫السلاح والذخيرة وأن يُوا ِ‬

‫الولايات من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب‪.‬‬

‫لعل أهم هَذِه ِ الأعما ل هو الإتلاف المتكرر للسكك الحديدية لعرقلة نقل البترول في الجنوب‬

‫الجَزَائِر ِي‪ ،‬كما شهدت عدة مدن منها سطيف ومعسكر وقسنطينة وعزازقة وفراندة نشاطا ً ملحوظا ً‬

‫التحرِير فيها‪ 1.‬كما ُّألقيت عدة قنابل يدو ية على المحلات والمقاهي في أماكن مختلفة‬
‫لمقاتلي جيش َّ‬

‫في مدين ة الجَزَائ ِر‪ ،‬وكذلك في وهران وقسنطينة وسكيكدة‪ .‬وشهدت هَذِه ِ الفترة هجمات مكثفة‬
‫لجيش َّ‬
‫التحرِير على خط موريس سواء ً من الشرق أو من الغرب‪ ،‬بناء ً على تعليمات المجلس‬

‫الوطني في دورته الثالثة بطرابلس‪.‬‬

‫بدأ بومدين بجمع كمية ٍكبيرة ٍ من السلاح على الحدود‪ ،‬وقام بهجوم متكرر على الخط‪ ،‬وك َانَ هَذَا‬

‫حي ْثُ عدد الجنود‪َ 2،‬‬

‫حي ْثُ ك َانَ أحيانا ً‬ ‫حي ْثُ استعمال السلاح الثقيل ومن َ‬
‫الهجوم قو يا ً من َ‬

‫عدد القوات المهاجمة يفوق الألف مجاهد‪ ،‬وفي ك ُل مرة (يقع الهجوم على الخط تقريبا ً مرة ك ُل‬

‫شهر سواء ً من الشرق أومن الغرب) يصطدم ُ الجنود ُ بِهَذَا الجدار المنيع‪ ،‬فيستشهد منهم العدد‬

‫وقعت اغتيالات في المزارع والقرى الصغيرة والمدن الـكبرى‪ ،‬ونشير إلى أن البعض منها مأخوذ م َِّما نشرته‬ ‫‪1‬‬

‫الصحف الاستعمار ية كمقتل معمِر كبير بالأربعاء اسمه بول ملاندرا‪ ،‬ومقتل المدير العام لجريدة ليكودالجي مع‬
‫ابنه ومحاسب الجريدة وهي صحيفة استعمار ية مناصرة لفكرة الجَزَائ ِر فرنسية‪.‬‬
‫في شهر جانفي ‪ 1960‬وقع هجوم من الجهة الشرقية شارك فيه ألفان وخمسمئة ُ مجاهدٍ لم يستطع الدخول منهم‬ ‫‪2‬‬

‫إلى الجَزَائ ِر إلا عشرون‪ ،‬والباقي إما استشهدوا ِوإما رجعوا إلى مراكزهم‪ ،‬وقد روى بعض الضباط الجزائر يين‬
‫ن اجتازوا خط موريس أن عدد الَّذ ِي َ‬
‫ن يستشهدون في هَذ َا الاجتياز كبير جدا ً ولا يتمكن من العبور إلا عدد‬ ‫الَّذ ِي َ‬
‫قليل‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫الـكبير ولا يتمكن من اجتيازه إلا العدد القليل‪ ،‬والبقية يرجعون إلى مراكزهم في الحدود‪ ،‬وقد‬
‫القتال‪1 .‬‬ ‫استمرت هَذِه ِ الهجمات ح ََّتى سنة ‪ 1962‬أي عند وقف‬

‫حي ْثُ‬
‫ومن الأحداث البارزة أواخر هَذِه ِ المرحلة‪ ،‬تجدر الإشارة إلى ما وقع في جانفي ‪َ ،1960‬‬

‫قام العقيد صالح زعموم‪ 2‬بالاجتماع مع أعضاء قيادة الولاية الرابعة ودرس معهم الأوضاع‬

‫الصعبة َّالتِي ك َان َت تعيشها الولاية‪ ،‬فقرروا إجراء اتصالات مع السلطات الفَرَنس َِّية للنظر في تطبيق‬

‫تقرير المصير كما اقترحه دي غول في تصر يحه في سبتمبر ‪.1959‬‬

‫وبدأت هَذِه ِ المحادثات والمفاوضات دون علم من الحكومة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وفي جوان ‪ 1960‬ت ََّم نقل‬

‫العقيد صالح والرائد الأخضر بوشمعة والرائد محمد بونعامة وهم من قيادة الولاية الرابعة إلى باريس‪،‬‬
‫فاجتمعوا مع الج نرال ديغول‪ ،‬ووق َع الاتفاقُ بينهم على إجراء الاستفتاء والمشاركة فيه بواسطة‬

‫حزب يضم "الوطنيين المعتدلين" تحت قيادة الولاية الرابعة‪ ،‬وألح ديغول على أن يقوموا بالاتصال‬

‫بالولايات الأخرى لحثهم على المشاركة في المفاوضات دون الاتصال بالحكومة الجَزَائِر َِّية‪.‬‬

‫ولـكن عند رجوع الوفد إلى الولاية تراج َع الرائد ُ محمد بونعامة عن رأيه‪ ،‬وك َانَ العقيد صالح زعموم‬

‫قد توجه إلى الولاية الثالثة‪ ،‬فبادر محمد بونعامة في ‪ 4‬يوليو ‪ 1960‬إلى الانقلاب عليه‪ ،‬فعين قيادة ً‬

‫جديدة ً ك َانَ هو على رأسها‪ ،‬ث َُّم ألقى القبض على العقيد صالح عند رجوعه من الولاية الثالثة‪،‬‬

‫وجاء الأمر من الحكومة الجَزَائِر َِّية بإخراجه إلى تونس‪ .‬لـكن في طر يقه نحو تونس وقع اشتباك‬
‫‪3 .1961‬‬ ‫ك في ‪ 20‬يوليو‬
‫مع قوات العدو فاستشهد العقيد صالح مع عدد من المجاهدين وك َانَ ذ َل ِ َ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪69‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة‪ ،‬وهو ممن فجروا َّ‬

‫الثور َة‬ ‫‪ 2‬العقيد صالح واسمه الحقيقي محمد زعموم‪ ،‬هو من المناضلين في الحركة الوطنية قبل َّ‬
‫في أول نوفمبر‪ ،‬وقد خلف محمد بوقره على قيادة الولاية الرابعة عندما ك َان َت عملية شال جار ية‪ ،‬وعانى من النقص‬
‫في الأسلحة والعتاد ما جعله يخوض عدة عمليات لاكتساب هَذ َا السلاح‪ .‬وخرج من الولاية والتحق بتونس‬
‫وبالمغرب لحل مشكل التموين‪ ،‬ولـكن بدون جدوى م َِّما دفعه للاتصال بالحكومة الف َرَنس َِّية في الجَزَائ ِر والوصول‬
‫ِض عليه لاحقا ً من طرف الحكومة الجَزَائِر َِّية المؤقتة‪.‬‬
‫معها إلى تسو ية‪ ،‬قُب َ‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪72‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪3‬‬

‫‪188‬‬
 ‫تطوراتَالأوضاعَعلىَمستوىَالاحتلال‪َ َ:‬‬

‫بعد تصر يحات ديغول المختلفة حول مصير الجَزَائ ِر‪ ،‬أبدى أنصار الجَزَائ ِر فرنسية انزعاجهم ورفضهم‬

‫لهذه السياسة الجديدة‪ ،‬وجاء رد فعلهم عنيفا ً في الجَزَائ ِر‪ .‬ففي ‪ 23‬جانفي ‪ 1960‬قامت مظاهرات‬

‫قو ية جمعت الـكثير من الفرنسيين في مدينة الجَزَائ ِر تندد بسياسة ديغول وتؤكد تمسكها بالجَزَائِر ِ‬

‫فرنسية‪ ،‬وغمرت هَذِه ِ المظاهرات الشوارع الـكبرى لمدينة الجَزَائ ِر‪ ،‬فوقف أمامها ديغول وأعطى‬

‫ح مئة وواحد‬
‫ل منهم ثلاثة وعشرون وجُر ِ َ‬
‫الأمر ب إطلاق الرصاص على المتظاهرين الفرنسيين‪ ،‬فق ُت ِ َ‬

‫وأربعون‪ ،‬فاجتمعوا في قلب العاصمة وأمام الجامعة َّالتِي اتخذوها مركزا ً لهم ووضعوا حواجز في‬

‫الطرقات‪ ،‬فقام الجيش الفَرَنس ِي بمحاصرة هَذَا التمركز ودام الحصار ثلاثة أيام جرت خلالها‬
‫‪1‬‬
‫مفاوضات استسلم على إثرها المتمردون دون قتال‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪73‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪189‬‬
 ‫جدول زمني ألهم األحداث خالل املرحلة الثالثة من ثورة التَّحرِير الجَزَائِرِيَّة‬

‫الحدث‬ ‫التاريخ‬
‫الج َز ا ِئروتونس‪.‬‬
‫االنتهاء من عملية تشييد خط موريس على طول الحدود بين َ‬ ‫سبتمبر ‪1957‬‬
‫‪1958‬‬
‫حل االتحاد العام للطلبة املسلمين الجزائريين‪.‬‬ ‫‪ 8‬يناير‬
‫نسا‪.‬‬ ‫سقوط حكومة فيليكس قايارفي َف َر َ‬ ‫‪ 15‬أبريل‬
‫الج َز ا ِئ ِر ّي‪.‬‬
‫مؤتمرطنجة يؤيد نضال الشعب َ‬ ‫‪ 28‬أبريل‬
‫نسا وعودة الجنرال شارل ديغول للسلطة‪.‬‬ ‫انقالب في َف َر َ‬ ‫‪ 13‬مايو‬
‫سقوط قائد الحركة املصالية محمد بلونيس‪.‬‬ ‫‪ 17‬جوان‬
‫َّ‬
‫حرير والحركة "املصالية" في باريس وليون وشمال‬
‫ذروة القتال بين جبهة الت ِ‬
‫وشرق َف َر َ‬ ‫‪ 28‬جوان‬
‫نسا‪.‬‬
‫عملية "البلويت" والفتنة والتصفية بين املجاهدين في الوالية الثالثة‪.‬‬ ‫يوليو‬
‫حرير‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ‬
‫عمليات واسعة ِبفرنسا من قبل فيدرالية جبهة الت ِ‬ ‫‪ 25‬أوت‬
‫الج َز ا ِئ ِرَّية واإلعالن عنها بالقاهرة‪.‬‬
‫تأسيس الحكومة املؤقتة للجمهورية َ‬ ‫‪ 19‬سبتمبر‬
‫َّ‬
‫الث َ‬
‫ورة‪.‬‬ ‫اع َّية لتجفيف منابع‬‫إعالن مشروع قسنطينة االقتصادية واالج ِت َم ِ‬ ‫‪ 2‬أكتوبر‬
‫َّ‬
‫شارل دي غول يعرض سلم الشجعان على جبهة الت ِ‬
‫حرير‪.‬‬ ‫‪ 23‬أكتوبر‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫شارل دي غول ُينتخب رئيسا للجمهورية الف َرن ِس َّية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ديسمبر‬
‫‪1959‬‬
‫االنتهاء من خط شال الحدودي خلف خط موريس‪.‬‬ ‫فبراير‬
‫استشهاد العقيدين‪ :‬عميروش ‪ -‬س ي الحواس‪.‬‬ ‫‪ 28‬مارس‬
‫َ َ‬
‫العسك ِر ّي وحمالت تمشيط في جميع واليات البالد‪.‬‬ ‫بداية تطبيق مخطط شال‬ ‫‪ 18‬أبريل‬
‫َف َر َ‬
‫نسا تحشد الجزائريين في املحتشدات‪.‬‬ ‫‪ 1‬مايو‬
‫استشهاد العقيد س ي محمد بوقرة‬ ‫‪ 5‬مايو‬
‫الشروع في تنفيذ عملية املنظار في الوالية الثانية‪.‬‬ ‫‪ 22‬يوليو‬
‫استشهاد س ي الطيب الجغاللي قائد الوالية السادسة‪.‬‬ ‫‪ 29‬يوليو‬

‫‪190‬‬
 ‫ديغول يعترف ألول مرة للجزائريين بحق تقريراملصير‪.‬‬ ‫‪ 16‬سبتمبر‬
‫ديغول يزور قسنطينة ويعلن إصالحات اقتصادية وفرص عمل لـ أربعمئة ألف‬
‫‪ 3‬أكتوبر‬
‫جزائري‪.‬‬
‫‪1960‬‬
‫املجلس الوطني يو افق على إنشاء قيادة األركان برئاسة العقيد هواري بومدين‬ ‫‪ 18‬يناير‬
‫فرنسيون يتظاهرون ض ّد سياسة ديغول في العاصمة َ‬
‫الج َز ا ِئ ِرَّية‪ .‬وديغول‬ ‫ِ‬
‫‪ 23‬يناير‬
‫يقمعهم بالرصاص الحي ومقتل ‪ 28‬منهم‪.‬‬
‫الج َز ا ِئ ِرَّية بتونس‪.‬‬
‫ورة َ‬‫َ َ‬
‫اجتماع املجلس الوطني للث ِ‬ ‫‪ 8‬مارس‬
‫استشهاد العقيد لطفي قائد الوالية الخامسة‪.‬‬ ‫‪ 27‬مارس‬
‫َّ‬
‫محمد بونعامة ينقلب على العقيد صالح زعموم ال ِذي صالح الفرنسيين‪.‬‬ ‫‪ 4‬يوليو‬

‫‪191‬‬
 ‫المرحلةَ‪َ–َ4‬التفاوضَوالاستقلالَ(‪َ )1962َ–َ1960‬م‬

‫اتضح أن ديغول قد استخدم جميع الوسائل المتاحة لقمع َّ‬

‫الثور َة‪ ،‬بداية من القمع الأمني والحملات‬

‫الع َسكَر َِّية‪ ،‬وصولا ً إلى الإصلاحات الاقتصادية والوعود السِيَاس َِّية‪ ،‬وقد حاول جاهدا ً تحييد جبهة‬
‫َّ‬
‫التحرِير عن الشعب الجَزَائِر ِي‪ ،‬وسعى بكل طاقته إلى إخماد وتيرة التمرد‪ ،‬لـكنه فشل فشلا ً ذر يعا ً‬
‫في ذَلِكَ‪ .‬مما اضطره فيما بعد إلى الرضوخ والاعتراف بجبهة َّ‬
‫التحرِير كجهة ٍ شرعية ينبغي التفاوض‬

‫معها‪.‬‬

‫المبحثَالأول‪َ:‬الظروفَالتِيَدفعتَنحوَالتفاوضَ َ‬
‫علىَالصعيدَالداخلي؛ طلبت الحكومة المؤقتة من جيش َّ‬
‫التحرِير‪ ،‬ز يادة وتيرة العمليات الفدائية‬

‫والع َسكَر َِّية‪ ،‬فكثُر َت في هَذِه ِ الفترة العمليات في جميع الولايات‪ ،‬وكَثُر َ الهجوم على المدن وثكنات‬

‫الجيش والدرك والشرطة‪ ،‬كما أن الجيش الفَرَنس ِي بعد هَذِه ِ الأحداث َّالتِي وقعت في سنة ‪1960‬‬

‫انقسم َ بين من يرى أنه لا مبرر لمواصلة نشاطه الع َسكَر ِي‪ ،‬وبين من يرى بضرورة الاستمرار في‬

‫حملات القمع‪.‬‬

‫رص‬
‫ِ‬ ‫وفي الولاية الرابعة بعد أزمة العقيد صالح أخذ العقيد محمد بونعامة يبذل جهدا ً كبيرا ً في‬

‫صفوف الولاية لاسترجاع حيويتها واغتنام الأسلحة والذخيرة‪ ،‬فصار يتنقل من مكان إلى آخر‬

‫لتحر يض المجاهدين على ذَلِكَ‪ ،‬ولـكن في ‪ 26‬فبراير ‪ 1961‬وقع اشتباك عنيف بالقرب من مليانة‬

‫واست ُشهِدَ أثناءَه ُ العقيد ُ بونعامة مع مجموعة من المجاهدين‪ ،‬فخلفه على قيادة الولاية العقيد يوسف‬
‫(حسن)‪1.‬‬ ‫الخطيب‬

‫وقد وصلت إلى الحدود التونسية والمغربية كمية كبيرة من السلاح الخفيف والثقيل من الصين‬

‫ومن تشيكوسلوفاكيا ومن إسبانيا ومن أماكن أخرى‪ ،‬ولـكن هَذَا السلاح بقي عند جيش الحدود‬

‫بعد أن فشلت جميع محاولات اجتياز خط موريس وشال‪ ،‬وقد تكرر الهجوم على هَذَا الخط‪،‬‬

‫ولـكن لم يتمكن الثوار من الوصول إلى داخل الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪80‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪192‬‬
 ‫ك َان َت الطائرات الفَرَنس َِّية تخ ترق الأجواء التونسية وتحوم حول مراكز جيش َّ‬
‫التحرِير‪ ،‬وفي ‪21‬‬
‫ل الطيار ُ من قبل جيش َّ‬
‫التحرِير‪ ،‬فطلبت‬ ‫جوان ‪1961‬؛ أسقط الدفاع الجوي واحدة منها‪ ،‬واعتُق ِ َ‬

‫ف َرَنس َا من الحكومة التونسية إطلاق سراح الطيار وإرجاعه إلى الجَزَائ ِر‪ ،‬ولـكن بومدين رئيس‬

‫ك بشدة‪ ،‬وهو ما أوقع الحكومة الجَزَائِر َِّية في حرج‬

‫أركان الجيش الوطني الجَزَائِر ِي امتنع عن ذَل ِ َ‬

‫مع التونسيين‪ ،‬فساءت العلاقات بين أركان الجيش والحكومة‪ ،‬و ُّأجبر بومدين أخيرا ً أن يطلق‬
‫سراح الطيار الفَرَنس ِي‪ ،‬ولـكن العلاقات بين الطرفين ك َان َت قد َّ‬
‫تضررت كثيراً‪ ،‬ففي ‪ 15‬يوليو‬
‫أعضائها‪1.‬‬ ‫‪َّ 1961‬‬
‫قدمت هيئة أركان الجيش استقالة َ جميع‬

‫الثور َة؛ ك َان َت الظروف الفَرَنس َِّية أشد ُ‬

‫لـكن مع هَذِه ِ الظروف الداخلية الصعبة َّالتِي كَان َت تعيشها َّ‬

‫حي ْثُ شهدت سنة ‪ 1961‬عدة ظروف ساهمت في دفع الاحتلال نحو التفاوض الجدي‬
‫صعوبة ً‪َ ،‬‬
‫مع جبهة َّ‬
‫التحرِير‪ ،‬لعل أهم هَذِه ِ الظروف هي‪:‬‬

‫‪ .1‬المظاهرات الشعبية في ديسمبر ‪.1960‬‬

‫‪ .2‬الانقسامات العميقة َّالتِي أصابات المجتمع والحكومة الفَرَنس َِّية‪.‬‬

‫‪ .3‬الأزمة الاقتصادية َّالتِي عصفت بِفَرَنس َا نتيجة الحرب‪.‬‬

‫أولاً‪َ:‬المظاهراتَالشعبيةَالجزائِر ِيةَ‪َ11‬ديسمبرَ‪َ 1960‬‬

‫قبل الحديث عن المظاهرات لابد من التطرق إلى عاملين رئيسيين ساعدا على اندلاع هَذِه ِ‬
‫المظاهرات وهما‪ :‬ز يارة ديغول المفاجئة لِلج َزَائِر ِ‪ ،‬ومظاهرات المعارضة َّالتِي خرجت رافضة ً لسياسة‬

‫ديغول الجديدة والمتمثلة في منح الجزائر يين حق تقرير المصير‪َ .‬‬

‫قبل إجراء الاستفتاء على تقرير المصير الَّذ ِي تقرر أن يكون في ‪ 8‬جانفي ‪ ،1961‬قام الج نرال‬

‫ديغول بز يارة إلى الجَزَائ ِر للاتصال بالشخصيات المدنية والع َسكَر َِّية‪ ،‬ولم يعلن عن مراحل هَذِه ِ‬

‫الز يارة ولا عن مدتها‪ .‬وفي ‪ 9‬ديسمبر ‪ 1960‬وصل إلى عين تموشنت بالغرب الجَزَائِر ِي‪ ،‬وك َان َت‬

‫بداية رحلته من ه ُنَاك َ‪ ،‬فاجتمع بالأعيان في البلدية‪ ،‬ث َُّم بالضباط في مركز الجيش الفَرَنس ِي‪ .‬وعند‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪81‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪193‬‬
‫خروجه من كلا الاجتماعين تلقته الجماهير بالهتافات‪ .‬وك َان َت هَذِه ِ الجماهير منقسمة ً إلى مجموعتين‪:‬‬
‫َّ‬
‫متكونة من الفرنسيين وك َان َت تنادي بشعارات تندِد بسياسة ديغول وتصرخ بالجَزَائِر ِ‬ ‫الأولى‬
‫متكونة من المسلمين؛ وهي أضخم من الأولى‪ ،‬وك َان َت َّ‬
‫مؤيدة لسياسة ديغول‬ ‫َّ‬ ‫فرنسية‪ ،‬والثانية‬

‫وتصرخ بـ "الجَزَائ ِر جزائر ية"‪.‬‬

‫انتقل ديغول مباشرة ً إلى تلمسان‪ ،‬ومن تلمسان انتقل إلى البليدة‪ ،‬ومنها إلى شرشال‪ ،‬ث َُّم الأصنام‬

‫(شلف)‪ ،‬وبعدها تيزي وزو‪ ،‬ومنها إلى أقبو‪ ،‬ث َُّم بجاية‪ ،‬ث َُّم بسكرة في الجنوب‪ .‬وكل ذ َل ِ َ‬
‫ك في يوم‬

‫واحد‪ .‬وك َانَ ينتقل بواسطة الطائرة أو الهليكوبتر أو السيارة‪ ،‬وك َان َت المظاهرات تخرج في ك ُل‬

‫مكان يزوره‪ ،‬غير أن الجماهير الفَرَنس َِّية ك َان َت ضعيفة ً في بعض المدن في حين أن الجماهير الجَزَائِر َِّية‬
‫ك َان َت أغلبية في ك ُل مكان‪ .‬وعند عودته إلى باريس َّ‬
‫صرح قائلا‪"ِ :‬إن هَذَا السفر مكنني من أن‬
‫الجَزَائ ِر"‪1 .‬‬ ‫أطلع بدقة ٍ على ما يجري في‬

‫في ‪ 10‬ديسمبر‪ ،‬وعندما ك َانَ ديغول ببسكرة‪ ،‬قام أنصار الجَزَائ ِر فرنسية في الساعة التاسعة ونصف‬

‫صباحا ً بتنفيذ مظاهرة وسط مدينة الجَزَائ ِر منددين بسياسة ديغول‪ ،‬وكانوا حوالي عشرة آلاف‬

‫شخص‪ ،‬وتوجهوا نحو إقامة الوالي في أعالي المدينة‪ ،‬فوجدوا في طر يقهم الفرق الوطنية للأمن‬

‫ووقعت مشادات عنيفة أطلقت خلالها القنابل المسيلة للدموع‪ ،‬وأقيمت الحواجز في الطرق‪،‬‬

‫وأخذ بعض الفرنسيين يلاحقون المسلمين و يعتدون عليهم‪.‬‬

‫وفي نفس اليو م‪ ،‬كردة فعل على هَذِه ِ الحادثة؛ تجمع عدد كبير من شبان الجَزَائ ِر في حي المدنية‬

‫ذكورا ً وإناثا ً‪ ،‬في الساعة الخامسة مساءً‪ ،‬ونزلوا إلى حي بلوزداد في العاصمة‪ ،‬وأخذوا يحطمون‬

‫السيارات و يكسرون زجاج الواجهات والنوافذ و يضربون الفرنسيين ويرفعون أصواتهم بشعارات‬

‫(تحيا الجَزَائ ِر ‪ -‬تحيا الجبهة ‪ -‬عباس إلى الحكم ‪ -‬الجَزَائ ِر جزائر ية ‪ -‬الجَزَائ ِر مسلمة ‪ -‬الاستقلال)‬
‫انضم إليهم جمهور ُ هَذَا الحي‪ ،‬فكبُر َت المظاهرة َّ‬
‫وتقدموا نحو ساحة‬ ‫َّ‬ ‫وعندما وصلوا إلى حي بلوزداد‬

‫أول ماي‪ ،‬فلجأ الفرنسيون المقيمون في الحي إلى بيوتهم وأغلقوا الأبواب وأخذوا يطلقون‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪77‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪194‬‬
 ‫َّ‬
‫وتقدم المتظاهرون ووجدوا أمامهم رجال الأمن‬ ‫الرصاص على المتظاهرين‪ ،‬ووقعت مناوشات‬

‫الفرنسيين‪ُّ ،‬فأطل ِ َ‬
‫ق عليهم الرصاص فسقط العديد من القتلى والجرحى‪.‬‬

‫َّ‬
‫وامتدت إلى جميع أحياء‬ ‫وفي اليوم التالي استؤنفت المظاهرات بنفس الأسلوب وبنفس العنف‬

‫المدينة و قوبلت بالرصاص وسقط الشهداء‪ ،‬وفي نفس اليوم وقعت مظاهرة عنيفة بمدينة وهران‪،‬‬

‫ث َُّم امتدت المظاهرات إلى جميع المدن والقرى إلى قسنطينة وعنابة وسكيكدة و بجاية وسطيف‬
‫ومعسكر وبلعباس‪ ...‬وتوالت َّ‬
‫الأيام وتوالت المظاهرات بنفس العنف والشدة وبنفس الإرادة‬

‫والإقدام‪.‬‬

‫وفي ‪ 16‬ديسمبر توقفت المظاهرات بعد أن طلبت الحكومة المؤقتة في تصريح لَهَا بإيقافها‪،‬‬
‫وحسب الإحصاء الرسمي للجيش الفَرَنس ِي فقد وق َع في هَذِه ِ الأيام مئة وعشرون شهيدا ً وأربعمئة‬

‫وسبعون جر يحا ً وقامت السلطات الفَرَنس َِّية باعتقال المئات من الجزائر يين‪ ،‬كما قامت كذلك بحل‬

‫جمعية الفاف الفَرَنس َِّية ‪َّ 1‬التِي ك َان َت وراء مظاهرات المعارضة وطردت أربعين موظفا ً فرنسيا ً من‬

‫عملهم واعتقلت خمسمئة منهم‪ .‬وك َان َت هَذِه ِ المظاهرات بالنسبة للجيش الفَرَنس ِي نكبة ًكبيرة ً إذ أن‬
‫الشعب الجَزَائِر ِي أكد من خلالها على ُّ‬
‫تمسكه بالجبهة وبالحكومة الموقتة ومطالب الاستقلال‪ ،‬كما‬
‫الثور َة‪ ،‬فاضطر تحت ضغطها إلى الاعتراف بجبهة َّ‬
‫التحرِير‬ ‫أظهرت لديغول استحالة التغلب على َّ‬

‫الوطني كممثل شرعي للشعب‪ ،‬ليكون لهذه المظاهرات تأثير كبير في انطلاق المفاوضات فيما‬
‫بعد‪2.‬‬

‫"جبهة الجَز َائ ِر الف َر َنس َِّي ة ‪ :FAF‬حركة سياسية وعسكر ية متشددة‪ ،‬تؤيد فكرة الجَزَائ ِر الف َرَنس َِّي ة نشأت في عام‬ ‫‪1‬‬

‫وشبكات في الشرطة ِ والإدارة ِ والصناعة‪ ،‬وح ََّت ى في‬

‫ٍ‬ ‫‪ ،1960‬وك َان َت تحظى بدع ِم عديد من الألو يَة ِ الع َسكَر َِّي ة‬
‫َّقم ة الدولة‪.‬‬
‫الثور َة الج َزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪79‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪195‬‬
 ‫مظاهراتَ‪َ11‬ديسمبرَ‪َ 1960‬‬

‫‪196‬‬
 ‫ثانياً‪َ:‬التوتراتَالسِياسِيةَوالأزمةَالاقتصاديةَالفرنسِية‪َ َ.‬‬

‫بعد عودة الج نرال ديغول من ز يارته إلى الجَزَائ ِر؛ أجرى استفتاء ً حول تقرير مصير الجَزَائ ِر في ‪8‬‬

‫جانفي ‪ ، 1961‬فوافق الشعب الفَرَنس ِي على سياسته بنسبة ٍ كبيرة ٍ‪ ،‬ولـكن في ‪ 24‬أبر يل ‪1961‬؛‬

‫تمرد عليه أربعة جنرالات كبار‪ 1‬من الجيش الفَرَنس ِي في الجَزَائ ِر‪ ،‬وتمركزوا في مدينة الجَزَائ ِر ومعهم‬

‫جميع أنصار الجَزَائ ِر فرنسية‪ ،‬فأرسل ديغول وزيره إلى المدينة‪ ،‬فخاطب الجيش في الإذاعة‪ ،‬وطلب‬
‫منهم الطاعة ومواجهة المتمرِدين‪ ،‬فوجد الج نرالات الأربعة أنفسهم معزولين‪َّ ،‬‬
‫فسلم َ بعضهم نفسه‬

‫ك‬
‫بينما اختفى بعضهم الآخر ودخلوا في مقاومة سر ية ومعهم أنصار الجَزَائ ِر فرنسية‪ ،‬وك َانَ ذ َل ِ َ‬

‫بداية ما يعرف بمنظمة الجيش السري‪ 2،‬وبهذا يكون ديغول قد تغلب على العقبة الأخيرة َّالتِي‬
‫‪3‬‬
‫ِض تطبيق سياسته الجديدة‪.‬‬
‫تُع َار ُ‬

‫على إثر هَذِه ِ التطورات السِيَاس َِّية في ف َرَنس َا؛ تشكلت أيضا ً حركات معارضة لاستمرار الحرب في‬

‫الجَزَائ ِر‪ ،‬وك َانَ أشهرها الاتحاد الوطني لطلبة فَرَنس َا‪ ،‬إضافة لـ (مئة وإحدى وعشرين) شخصية‬

‫يمثلون رجال الفكر والأدب الفَرَنس ِي؛ أصدروا بيانيا ً دعوا فيه الشباب الفَرَنس ِي إلى إهمال الأوامر‬

‫َّالتِي لا تتفق مع المبادئ الإنسانية‪َ ،‬‬

‫حي ْثُ جاء فيه‪" :‬الفرنسيونَببقائهمَصامتينَيعتبرونَمتواطئينَ‬

‫فيَهذِه َِالأعمالَالاضطهاديةَالعنصر ية‪َ،‬التِيَأصبحتَباريسَمسرحاًَلهاَوالتِيَتعودَإلىَتِل ْكَ‬

‫الأيامَالسوداءَأيامَالاحتلالَالنازي‪َ.‬إنَالموقعينَيتوجهونَبالنداءَإلىَجميعَالأحزابَوالنقاباتَ‬

‫والمنظماتَالديمقراطيةَليسَفقطَللمطالبةَبإيقافَهذِه َِالتدابير؛َولـكنَللإعرابَعنَتضامنهمَ‬

‫جنرالات الجيش الف َرَنس ِي المتقاعدون موريس شال (‪ 55‬عام ًا‪ ،‬قائد عام سابق في الجَزَائ ِر تحت الاحتلال‬ ‫‪1‬‬

‫الف َرَنس ِي) وإدموند جو هوود (‪ 56‬عام ًا‪ ،‬مفتش عام سابق في القوات الجو ية الف َرَنس َِّية) وأندر يه ز يلر (‪ 63‬عام ًا‪،‬‬
‫رئيس أركان سابق لـلقوات البر ية الف َرَنس َِّية) وراؤول سالان (‪ 61‬عام ًا‪ ،‬قائد عام سابق في الجَزَائ ِر تحت الاحتلال‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪–1954‬‬
‫الف َرَنس ِي)‪ ،‬ووقع الانقلاب الفاشل مساء يوم ‪ 21‬أبر يل ح ََّتى ‪ 26‬أبر يل ‪ 1961‬أثناء َّ‬
‫‪.)1962‬‬
‫منظمة الجيش السري (‪ )OAS‬هي منظمة إرهابية فرنسية؛ أسست في ‪ 11‬فبراير ‪ 1961‬بعد لقاء مدريد بين‬ ‫‪2‬‬

‫جون جاك سوسيني وبيير لاغيار‪ ،‬وهي تضم المواليين لأطروحة الجَزَائ ِر ف َرَنس َِّية بالاعتماد على العمل المسلح‪ .‬ك َانَ‬
‫أول ظهور لعلامة ‪ OAS‬على جدران الجَزَائ ِر العاصمة مصحوبة بشعارات «الجَزَائ ِر فرنسية وستبقى فرنسية»‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪81‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪3‬‬

‫‪197‬‬
‫معَالعمالَالجزائر يين"‪ .‬وإضافة للمفكرين والعلماء؛ انضم العديد من رجال الكنائس إلى التنديد‬
‫واستنكروها‪1.‬‬ ‫بأعمال التعذيب‬

‫حي ْثُ جاء نداء الرئيس‬ ‫ساعد هَذَا جبهة َّ‬

‫التحرِير على التأثير في الرأي العام الفَرَنس ِي واستعطافه‪َ ،‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية؛ قال فيه‪:‬‬

‫فرحات عباس في ‪ 7‬شباط فبراير ‪ 1960‬ليوضح للفرنسيين حقيقة َّ‬

‫"إن الحرب الدائرة في الجَزَائ ِر ليست حرب العرب ضِد الأوربيين‪ ،‬ولا هي حرب المسلمين ضِد‬

‫المسيحيين‪ ،‬وليست كذلك حرب الشعب الجَزَائِر ِي ضِد الشعب الفَرَنس ِي‪ ،‬وإنما هي حرب فُرِضَت‬

‫شعب بقي دهرا ً طو يلا ً في الإهمال الَّذ ِي هو مصدر آلامه ومتاعبه؛ إنها حرب شعب بقي‬
‫ٍ‬ ‫على‬

‫َاس الـكرامة مهان الشخصية‪ .‬لقد آن الوقت لإدراك الأسباب الحقيقية لـكفاحنا‬
‫زمنا ً طو يلا ً مُد َ‬
‫المشروع"‪2.‬‬

‫وإضافة إلى التوترات السِيَاس َِّية‪ ،‬وقعت ف َرَنس َا بأزمة اقتصادية عظيمة‪َ ،‬‬
‫حي ْثُ خسرت الميزانية‬

‫الفَرَنس َِّية خلال عامي ‪ 1957‬و‪ 1958‬نحو (ملياري دولار) من العملات الذهبية والأجنبية‪،‬‬

‫ك نتيجة ز يادة وارداتها على صادرتها‪ ،‬وسجلت التجارة الخارجية عجزا ً بلغت قيمته أكثر من‬
‫وذَل ِ َ‬

‫وضج الشعب الفَرَنس ِي من كثرة الضرائب َّالتِي تحاول الحكومة‬

‫مليار دولار ح ََّتى نهاية عام ‪َّ ،1957‬‬
‫‪3‬‬ ‫عن طر يقها تغطية بعض نفقاتها في حرب الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫لقد أنفق الاحتلال الفَرَنس ِي المليارات على جيشه الموجود بالجَزَائِر ِ‪ ،‬وساهمت الميزانية العامة‬

‫الفَرَنس َِّية بنسبة ‪ %25‬من ميزانية حرب الجَزَائ ِر خلال سنتي ‪ 1954‬و‪ ،1955‬ث َُّم ارتفعت إلى‬
‫‪ %40‬سنتي ‪ 1959- 1958‬لتنفيذ المشار يع َّالتِي خطط لَهَا دي غول بهدف تصفية َّ‬
‫الثور َة‪ .‬وأمام‬
‫هَذِه ِ الخسائر الـكبيرة َّالتِي تراكمت على ف َرَنس َا؛ اعترف ديغول في كانون الأول (ديسمبر) ‪1960‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪244‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪243‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪240‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪198‬‬
 ‫بخطورة الوضع‪" :‬قد أضحى ثابت لدي أن استمرار هَذَا الوضع لا يمكن أن يجلب لبلادنا سوى‬
‫للخلاص"‪1.‬‬ ‫الخيبة والمآسي وأنه حان الوقت‬

‫المبحثَالثاني‪َ:‬المفاوضاتَ َ‬
‫ك لأن ف َرَنس َا لم تكن جادة في البداية‪ .‬لـكن‬
‫مرت المفاوضات بعدة مراحل طو يلة‪ ،‬وذَل ِ َ‬
‫انتصارات الجبهة والتفاف الشعب حول َّ‬
‫الثور َة ك َانَ كفيلا ً بإرغام ف َرَنس َا على الاستجابة لمطالب‬
‫جبهة َّ‬
‫التحرِير في التفاوض على أساس الاستقلال‪َ .‬ويمكنناَتتبعَتطورَالمفاوضاتَعبرَالمراحلَ‬

‫التالية‪َ َ:‬‬

‫َ‬

‫الشكلَ(‪َ:)9‬مراحلَتطورَالمفاوضاتَبينَجبهةَالتحر ِيرَوالسلطاتَالفرنسِي َة َ‬

‫المرحلةَالأولى‪َ:‬اللقاءاتَالسر يةَ َ‬

‫حي ْثُ‬ ‫بدأت الاتصالات السر ية بين السلطات الفَرَنس َِّية وقادة جبهة َّ‬
‫التحرِير منذ سنة ‪َ ،1956‬‬

‫ك في القاهرة‬
‫التقى محمد خضر بممثلين فرنسيين وهما جوز يف بيفارا وجورج غورس‪ ،‬وك َانَ ذ َل ِ َ‬

‫بتاريخ ‪ 12‬أفر يل ‪ .1956‬ث َُّم جلس ك ُل من محمد يزيد والدكتور أحمد فرانسيس ‪-‬وهما من رموز‬

‫ك ببلغراد في ‪ 25‬جو يلية‬

‫الجبهة‪ -‬مع بيير كومين وبيير هير يو من الجانب الفَرَنس ِي‪ ،‬وك َانَ ذ َل ِ َ‬

‫‪ ،1956‬ث َُّم حصل اتصال جديد في روما بإيطاليا يومي ‪ 2‬و‪ 3‬سبتمبر ‪ 1956‬بين محمد خيضر‬
‫ومحمد يزيد وعبد الرحمان كيوان عن جبهة َّ‬
‫التحرِير الوطني‪ ،‬وبييركومين وبيير هير يو عن الجانب‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪241‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪199‬‬
‫الفَرَنس ِي‪ .‬غير أن هَذِه ِ الثلاثة لقاءات لم تسفر عن نتيجة‪ ،‬ث َُّم انقطع الاتصال بسبب حادثة‬
‫‪1‬‬ ‫اختطاف الطائرة في ‪ 22‬أكتوبر ‪.1956‬‬

‫المرحلةَالثانية‪َ:‬بدايةَالاتصالَالرسميَ َ‬

‫في ‪ 14‬حزيران (جوان) ‪ ،1960‬ألقى الج نرال دي غول خطابا ً دعا فيه قادة َّ‬
‫الثور َة إلى القدوم‬
‫لباريس‪ ،‬قال فيه‪" :‬إنني أتوجه مرة ً أخرى باسم ف َرَنس َا إلى زعماء َّ‬
‫الثور َة‪ .‬فنحن بانتظارهم ه ُنَا‬
‫مستمرا"‪2 .‬‬
‫ً‬ ‫لنجد مخرجا ً مشرفا ً للقتال الَّذ ِي ما يزال‬

‫ل الجَزَائ ِر َ‬ ‫وقبلت الحكومة المؤقتة هَذَا الطلب‪ ،‬وح ُددت مدينة "مولان" الفَرَنس َِّية لإجراء اللقاء‪َّ .‬‬
‫مث َ‬

‫أحمد بو منجل ومحمد الصديق بن يحيى‪ ،‬اللذان اصطدما بالموقف الفَرَنس ِي‪ ،‬خلال المحادثات َّالتِي‬
‫ح لهما أن ف َرَنس َا تريد فرض رؤيتها للحل‬
‫دامت من ‪ 25‬إلى ‪ 29‬حزيران (جوان) ‪ ، 1960‬واتض َ‬
‫‪3‬‬ ‫وما على الجزائر يين إلا أن يقبلوا‪ ،‬الأمر الَّذ ِي رفضه ممثلا الحكومة الجَزَائِر َِّية‪.‬‬

‫ل الحكومة َ‬ ‫وبعد هَذَا اللقاء جرى لقاء آخر في مدينة "لوسيرن" بسويسرا في نهاية سنة ‪َّ ،1960‬‬
‫ومث َ‬

‫المؤقتة السيدان أحمد بو منجل والطيب بو الحروف‪ 4،‬بينما مثل ف َرَنس َا "جورج بومبيدر" و"هوبير‬

‫لويس"‪ ،‬فأبدى الوفد الفَرَنس ِي استعداده للاعتراف باستقلال الجَزَائ ِر من دون الصحراء الجَزَائِر َِّية‬

‫غير أن الوفد الجَزَائِر ِي لم يقبل العرض الفَرَنس ِي‪ .‬وفي هَذِه ِ الأثناء شهدت الجَزَائ ِر مظاهرات‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪260‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪263‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪264‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬ولد يوم ‪ 9‬أبر يل‪/‬نيسان ‪ 1923‬بمنطقة وادي زناتي بولاية قالمة‪ ،‬شارك في تأسيس حركة أحباب البيان والحر ية‪.‬‬
‫ك َانَ أحد المنظمين لمظاهرات ‪ 8‬ماي ‪ 1945‬وعلى إثره ا أعتقل ولم يطلق سراحه إلا بعد صدور قرار العفو على‬
‫المساجين السياسيين‪ .‬بعد خروجه من السجن ساهم مع زملائه في تأسيس المنظمة الخاصة‪ ،‬وفي إطارها عين‬
‫مسؤولا ً على المنطقة َّالتِي تضم عنابة‪ ،‬سكيكدة‪ ،‬عين البيضاء‪ ،‬وعُيِنَ عضوا ً في اللجنة المركز ية لحركة انتصار الحر يات‬
‫الديمقراطية عام ‪ . 1949‬على إثر اكتشاف المنظمة الخاصة ألقي عليه القبض ليطلق سراحه في عام ‪ ،1951‬بعدها‬
‫حزب بِف َرَنس َا رفقة أمحمد يزيد عام ‪ ،1952‬وعند نشوب أزمة حركة الانتصار وقف موقفا ً معارضا ً‬
‫التحق باتحادية ال ِ‬
‫لمصالي الحاج‪ ،‬وبتهمة المساس بأمن الدولة الف َر َنس َِّية الخارجي ألقي القبض عليه في بداية ‪ ،1954‬ولم يطلق سراحه‬
‫إلا في أوت ‪ 1954‬لينظم لفيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الوطني في ف َرَنس َا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫كانون الأول (ديسمبر) ‪ ،1960‬أثناء ز يارة ديغول لِلج َزَائِر ِ‪ ،‬م َِّما جعل الج نرال دي غول يصدر‬

‫في ‪ 15‬أذار (مارس) ‪1961‬؛ بلاغا ً باسم مجلس الوزراء الفَرَنس ِي‪ .‬يعلن فيه رغبة الحكومة‬
‫جدي‪1.‬‬
‫الفَرَنس َِّية في إجراء محادثات رسمية تبحث شروط تقرير مصير السكان الجزائر يين بِش َك ٍ‬
‫ل‬

‫وفي ‪ 17‬أذار (مارس) من العام نفسه‪ :‬أعلنت الحكومة المؤقتة للجمهور ية الجَزَائِر َِّية؛ موافقتها على‬

‫العرض الَّذ ِي قدمته رسميا ً الحكومة الفَرَنس َِّية باستكمال المفاوضات في ‪ 7‬نيسان (أفر يل) ‪1961‬‬

‫في مدينة "إيفيان" الفَرَنس َِّية على الحدود السويسر ية‪ .‬ولـكن الجانب الفَرَنس ِي عاد للإعلان عن‬

‫مشاركة الحركة الوطنية الجَزَائِر َِّية َّالتِي يتزعمها مصالي الحاج في هَذِه ِ المفاوضات م َِّما دفع الحكومة‬
‫المفاوضات‪2.‬‬ ‫الجَزَائِر َِّية المؤقتة للانسحاب من‬

‫المرحلةَالثالثة‪َ:‬الاختلافَوالانقطاعَ َ‬

‫حي ْثُ أبدى الأخير ُ استعداده‬

‫تبدأ هَذِه ِ المرحلة بع د تمرد الج نرالات الأربعة على ديغول‪َ ،‬‬

‫للتفاوض مع الحكومة الجَزَائِر َِّية دون مشاركة طرف آخر‪ ،‬فانطلقت الجلسات بإيفيان في ‪20‬‬

‫ماي ‪ 1961‬بين الوفد الجَزَائِر ِي والوفد الفَرَنس ِي‪ 3.‬ولتبرهن الحكومة الفَرَنس َِّية على استعدادها‬

‫للوصول إلى حل؛ أطلقت سراح أكثر من ستة آلاف سج ين‪ ،‬وأعلنت أن الجيش الفَرَنس ِي أوقف‬

‫العمليات الع َسكَر َِّية الهجومية‪ .‬وفي هَذَا اللقاء أبدى الجانب الفَرَنس ِي اعترافه بالاستقلال التام‬

‫حي ْثُ ك َان َت نيته تقسيم الجَزَائ ِر‪ ،‬والحفاظ على‬

‫لِلج َزَائِر ِ‪ ،‬ولـكن فيما يخص ال صحراء لم يغير موقفه‪َ ،‬‬
‫‪4‬‬ ‫الصحراء الغنية بالبترول وك َان َت الحكومة الجَزَائِر َِّية تأبى ذ َلِكَ‪.‬‬

‫وفي ‪ 12‬جوان ‪ ، 1961‬قرر الطرف الفَرَنس ِي تعليق المحادثات وإبقاء الاتصال بين الوفدين‪ ،‬بسبب‬

‫إصرار الوفد الفَرَنس ِي على التمسك بالصحراء الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وتوفير وضع خاص "امتيازات" للجالية‬

‫التحر ِير الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪265- 264‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪82‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫ك َانَ الوفد الجَزَائِر ِي ممثلا ً بكريم بلقاسم رئيسا ً للوفد‪ ،‬وسعد دحلب ومحمد بن يحيى والطيب بولحروف وأحمد‬ ‫‪3‬‬

‫فرانسيس وأحمد بومنجل وأحمد قائد‪ ،‬علي منجلي‪ ،‬رضا مالك‪ ،‬أما الوفد الف َرَنس ِي فقد ك َانَ يقوده لوي جوكسن‬
‫ومعه برونوديلوس ومجموعة من الخ براء‪.‬‬
‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪267 - 266‬‬
‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪4‬‬

‫‪201‬‬
‫الأوروبية في الجَزَائ ِر‪ ،‬وك َانَ دحلب هو مندوب الاتصال من طرف الجزائر يين‪ .‬ولـكن في ‪20‬‬

‫يوليو من العام نفسه التقى الوفدان من جديد في مدينة لوغران بِفَرَنس َا‪ ،‬ليتبين للجزائر يين أن‬

‫ك في‬
‫الموقف الفَرَنس ِي حول الصحراء لم يتغير‪ ،‬فقرر الوفد الجَزَائِر ِي تعليق المفاوضات وك َانَ ذ َل ِ َ‬
‫‪1‬‬ ‫‪ 26‬يوليو ‪.1961‬‬

‫ك لتقييم‬
‫بعد توقف المفاوضات ك َانَ من الضروري عقد ُ اجتماع للمجلس الوطني للث َورَة ِ وذ َل ِ َ‬

‫مسار المفاوضات‪ ،‬خاصة ً وأن موقف الحكومة وأركان الجيش قد ك َان َت متباينة تجاه الشروط‬

‫الفَرَنس َِّية وخاصة إبقاء الصحراء تحت الاستعمار‪َ،‬وبالفعل اجتمع المجلس في ‪ 9‬أوت ‪ /‬أغسطس‬

‫‪ ،1961‬واستمر في اجتماعه ح ََّتى ‪ 27‬أوت ‪ /‬أغسطس‪ ،‬وقد توصل إلى إبقاء هيئة أركان الجيش‬
‫كما هي‪ ،‬وعدم التنازل في قضية الصحراء وتشكيل حكومة جديدة برئاسة بن خدة بن يوسف‪.‬‬

‫وتزامنا ً مع فشل المفاوضات في المرحلة الثانية؛ استغلت المنظمة السر ية للجيش الفَرَنس ِي الظرف‪،‬‬

‫وسعت لتقو يض سياسة ديغول وإفشالها بجميع الوسائل‪ ،‬وتمادت في أعمالها الإجرامية من هدم‬

‫وإتلاف وإحراق‪ ،‬وك َان َت تطارد المسلمين رجالا ً ونساء وتقتلهم‪ ،‬وتعرضت خصوصا ً للنساء‬

‫المسلمات اللواتي يعملن في بيوت الفرنسيين‪ ،‬واتسعت أعمال هَذِه ِ المنظمة إلى جميع الأحياء في‬

‫تجِد ُ مساعدة ً من طرف عددٍ كبيرٍ من رجال‬

‫مدينة الجَزَائ ِر ووهران وفي المدن الأخرى‪ ،‬فَك َان َت َ‬

‫الشرطة والدرك والجيش الفَرَنس ِي‪ .‬ولعل من أبشع ما قامت بِه ِ‪ :‬مجزرة مرسى الجَزَائ ِر َّالتِي حدثت‬
‫‪2‬‬ ‫ل في أول ماي ‪.1961‬‬
‫ل فيها أكثر من مئة ِ عام ٍ‬
‫حي ْثُ قُت ِ َ‬
‫في صفوف عمال الموانئ‪َ ،‬‬

‫حي ْثُ وجدت مساعدة‬

‫وقد امتد نشاط هَذِه ِ المنظمة السر ية إلى ف َرَنس َا وخصوصا ً إلى باريس‪َ ،‬‬

‫من طرف حاكم باريس "بابون"‪ ،‬وهو ممن عرف بقسوته ضِد المسلمين عندما ك َانَ واليا ً على‬

‫قسنطينة‪ ،‬وبأمرٍ منه جعلت الشرطة الفَرَنس َِّية في باريس تطارد ُ وتعتق ُ‬
‫ل المسلمين وتعذبهم في‬

‫مراكزها‪ ،‬وهَذَا ما جعل مسؤولي الجبهة ينظمون مظاهرات في شوارع باريس في ‪ 17‬أكتوبر‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪267‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪86‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪202‬‬
 ‫‪ 1961‬متحديين أوامر بابون بمنع التجول‪ ،‬وقد قتل في هَذِه ِ المظاهرات عدد كبير من الجزائر يين‪،‬‬

‫وألقيت الجثث في نهر السين بوسط المدينة‪.‬‬

‫على إثر هَذِه ِ الأحداث الدامية؛ قررت الحكومة ُ الجَزَائِر َِّية ُ مواجهة َ هَذِه ِ الظاهرة بالقوة‪ ،‬فأرسلت‬

‫إلى الجَزَائ ِر الرائد عز الدين لتنظيم عمليات الرد والدفاع‪ ،‬فقام المناضلون باكتشاف ومتابعة أعضاء‬

‫ضربات قاسية ً وهجموا على مراكزها ومخابئها‬

‫ٍ‬ ‫هَذِه ِ المنظمة وجميع من يساندهم‪ ،‬ووجهوا لَهَا‬

‫ورموزها‪ ،‬م َِّما جعل الجالية الفَرَنس َِّية تغادر ُ الجَزَائِر َ تاركة ً أملاكها وكل ما تكسبه‪ ،‬ولم يأت يوم‬
‫فعلاً‪1.‬‬ ‫الاستقلال ح ََّتى ك َانَ أكثر من ‪ %90‬من الفرنسيين قد غادروا الجَزَائ ِر‬

‫وكردٍ على الشروط الفَرَنس َِّية حول تقسيم الجَزَائ ِر؛ رأت جبهة َّ‬
‫التحرِير الوطني أن يكون يوم ‪5‬‬
‫جو يلية‪/‬تموز ‪ 1961‬يوما ً وطنيا ً ضِد سياسة التقسيم َّالتِي يَهد ُ‬
‫ِف إليها المستعمر بفصل جنوب‬

‫الجَزَائ ِر عن شمالها‪ ،‬فدعت الحكومة المؤقتة الشعب الجَزَائِر ِي إلى مواجهة سياسة الانفصال َّالتِي‬

‫تدعو إليها ف َرَنس َا عبر‪:‬‬

‫ل ك َُّل المدن والقرى الجَزَائِر َِّية تحت شعار "الصحراء جزائر ية" َ‬
‫الدعوة إلى إضراب يشم ُ‬ ‫‪-‬‬

‫تشجيع المظاهرات َّالتِي خرج بِهَا الشعب الجَزَائِر ِي ليعبِر َ عن وحدة بلاده‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الإضراب العام في السجون احتجاجا ً على التقسيم‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ك المظاهرات الشعبية في ك ُل من العاصمة الجَزَائ ِر وفي وهران وفي مدينة‬

‫فخرجت على إثر ذَل ِ َ‬

‫سيدي بلعباس وقسنطينة وفي بجاية وسكيكدة وعنابة‪ ،‬أما القوات الاستعمار ية فقد واجهت‬
‫‪2‬‬ ‫المظاهرات بالقنابل والرصاص لتفر يق المتظاهرين‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪87‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪247‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪203‬‬
 ‫المرحلةَالرابعة‪َ:‬التنازلَالفرنس ِيَ َ‬

‫ح فيها‪" :‬فيما يخص الصحراء فلا بد من اعتبار‬ ‫في ‪ 5‬سبتمبر ‪ 1960‬عقد ديغول ندوة ً صحفية ً َّ‬
‫صر َ‬

‫الواقع‪ ،‬فليس ه ُنَاك َ جزائري واحد يرى أن الصحراء ليست جزءا ً من الجَزَائ ِر"‪ ،‬وهو ما ك َانَ‬
‫الصحراء‪1.‬‬ ‫بمثابة اعتراف من طرفه بالسيادة الجَزَائ ِر َِّية على‬

‫وفي ‪ 15‬سبتمبر ‪ ،1961‬بعد عشرة أَيام من هَذَا التصريح؛ أدلى الرئيس بن خدة بخطاب إلى‬
‫الشعب الجَزَائِر ِي َّ‬
‫صرح فيه‪" :‬إن المهمة الأولى للث َورَة ِ هو تعزيز جهادها في جميع الميادين‪ ،‬وإن‬

‫التحرِير الوطني‪ ،‬إن رئيس الدولة الفَرَنس َِّية اعترف أخيرا ً‬

‫سندنا الصلب في هَذَا الجهاد هو جيش َّ‬

‫بالسيادة الجَزَائِر َِّية على الصحراء‪ِ ،‬إننا نعتقد أن إجراء مفاوضات صر يحة وسليمة من شأنها أن‬
‫وقتها"‪2.‬‬ ‫ل للمشاركة المثمرة بين شعب الجَزَائ ِر وشعب ف َرَنس َا؛ وقد آن‬
‫ح المجا َ‬
‫تضع حدا ً للحرب وتفت ُ‬

‫وفي ‪ 28‬و‪ 29‬أكتوبر ‪ ، 1961‬عقد في مدينة بال بسويسرا لقاء بين الجانبين الجَزَائِر ِي والفَرَنس ِي ‪،3‬‬

‫ث َُّم تَبِع َه ُ لقاء آخر في بال أيضا ً في ‪ 9‬نوفمبر ‪ ،1961‬ث َُّم في ‪ 23‬ديسمبر ت ََّم الاتفاقُ على النقاط‬
‫التالية‪4 :‬‬

‫وحدة التراب الجَزَائِر ِي بما فيه الصحراءَ‪َ .‬‬ ‫‪-‬‬

‫وحدة الشعب الجَزَائِر ِي‪( .‬تتمتع الجالية الفَرَنس َِّية بالجنسيتين‪ ،‬ولـكن الجنسية الفَرَنس َِّية لا‬ ‫‪-‬‬

‫تخولها أي امتياز على الجزائر يين الآخرين)‪َ .‬‬

‫تحتفظ ف َرَنس َا ببعض المراكز الع َسكَر َِّية إلى أجل مسمى‪ ،‬ومنها المرسى الـكبير قرب وهران‬ ‫‪-‬‬

‫حي ْثُ يمكن لَهَا أن تجري بعض التجارب العلمية‪.‬‬

‫ومناطق بجنوب الصحراء في برقان‪َ ،‬‬
‫(يقصد بِهَا التجارب النوو ية)‪َ َ.‬‬

‫تحديد آلية المشاركة بين البلدين في الميدان الاقتصادي (المالي والنفطي) والثقافي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪87‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪88‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫بين محمد بن يحيي ورضا مالك من الجانب الجَزَائِر ِي وبرونو دیلوس وکلود شايي من الجانب الف َرَنس ِي‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪88‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪4‬‬

‫‪204‬‬
‫وطلب الوفد الجَزَائِر ِي مشاورة القيادة المسجونة في باريس (بن بلة وبوالضياف وخيضر‬

‫وآيت أحمد وبيطاط)‪ ،‬وأعطى الخمسة كلهم موافقتهم‪.‬‬

‫وفي ‪ 11‬فبراير ‪ 1961‬التقى من جديد الوفدان بصفة سر ية في ف َرَنس َا قرب الحدود السويسر ية‪،‬‬

‫وك َانَ على رأس الوفد الجَزَائِر ِي ك ُل من كريم وبن طوبال ودحلب‪ .‬فوضع الوفدان اللمسات‬

‫الأخيرة للاتفاق وعملية وقف القتال وتكوين الهيئة المؤقتة وصلاحياتها والقوة المحلية التابعة لَهَا‬
‫ومتى‪1.‬‬ ‫والاستفتاء على الاستقلال كيف‬

‫وقد ت ََّم الانتهاء من الاتفاق على جميع النقاط في ‪ 19‬فبراير ‪ ،1962‬وفيما يخص إجراء الاستفتاء‬

‫اتفق الجانبان على أنه شكلي فقط لتخفيف الضغط على الحكومة الفَرَنس َِّية‪ ،‬ولم تر الحكومة‬
‫الجَزَائِر ِ َّية فيه مانعا ً‪ ،‬ولم يبق إذا ً إلا التوقيع على الاتفاقية بعد أن يواف َ‬
‫ق عليها المجلس الوطني‬
‫للث َورَة ِ‪2.‬‬

‫َّ‬
‫وضم‬ ‫وفي ‪ 22‬فبراير ‪ 1962‬في طرابلس‪ ،‬اجتمع المجلس الوطني للث َورَة ِ للمرة الخامسة من تأسيسه‬

‫وناقش‬
‫َ‬ ‫أعضاء مجالس الولايات وممثلي فيدرالية ف َرَنس َا‪ ،‬ودام هَذَا الاجتماع إلى ‪ 27‬فبراير ‪،1962‬‬

‫نص الاتفاق الَّذ ِي وصل إليه الوفدان الجَزَائِر ِي والفَرَنس ِي‪ ،‬وك َانَ المجلس يتكون من واحدٍ‬
‫َّ‬

‫َّ‬
‫وصوتَ بالوكالة ستة عشر عضواً‪،‬‬ ‫وسبعين عضوا ً تغيب منهم اثنان وعشرون وحضر ثلاثة وثلاثون‬

‫وبعد نقاش طو يل دام خمسة أيام؛ ت ََّم التصويت على الاتفاق بأغلبية مع استمرار معارضة بعض‬
‫الجيش‪3.‬‬ ‫قادة أركان‬

‫وعلى إثر ذَلِكَ‪ ،‬وجهت الحكومة المؤقتة في ‪ 30‬تشرين أول (أكتوبر) ‪ 1961‬نداء ً للشعب‬
‫الجَزَائِر ِي جاء فيه‪" :‬يوم الأربعاء فاتح نوفمبر ‪ 1961‬الَّذ ِي هو الذكرى السابعة لثورتنا يطابق من‬

‫جهة الأحداث مرحل ة أساسية ومهمة من كفاحنا‪ ،‬ولهذا أعلنا هَذَا اليوم يوما ً قوميا ً لتحقيق‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪89‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪89‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪89‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪205‬‬
‫استقلال الجَزَائ ِر في نطاق وحدة الشعب ووحدة التراب الجَزَائِر ِي وسلامته عن طر يق التفاوض‬
‫الف َرَنس َِّية"‪1 .‬‬ ‫فورا ً بين الحكومة المؤقتة للجمهور ية الجَزَائِر َِّية والحكومة‬

‫وفي الموعد َّالتِي حددته جبهة َّ‬

‫التحرِير‪ ،‬انطلقت الجموع في أحياء العاصمة والبليدة ووهران ومستغانم‬

‫و بجاية وسطيف وقسنطينة وعين مليلة والميلية وتبسة وسوق أهراس وبسكرة والجلفة والمسيلة‬

‫والأغواط‪ ،‬وفي ك ُل أنحاء الجَزَائ ِر انطلقت المظاهرات ترف ُع العلم َ الجَزَائِر ِي وتهتف بشعارات‬

‫ك المظاهرات نتائج إ يجابية للث َورَة ِ‪ .‬قال عنها محمد يزيد وزير الأخبار في‬ ‫َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬ولقد أعطت تِل ْ َ‬

‫يومها ما يلي‪" :‬أما الشعب الجَزَائِر ِي فقد قرر مصيره في هَذِه ِ المظاهرات بالمصادقة على سياسة‬

‫قدم َ الشعبُ الجَزَائِر ِ ُّي مساهمة ً حاسمة ً لقضية التفاوض والسِلم"‪.‬‬

‫الحكومة المؤقتة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وبذلك َّ‬

‫وصرح كريم بلقاسم نائب رئيس الحكومة‪" :‬إن مظاهرات الفاتح من نوفمبر ك َان َت انطلاقة ً جديدة ً‬
‫الموقف"‪2.‬‬
‫ُ‬ ‫يطلبه ُ‬ ‫الدرس الَّذ ِي‬
‫َ‬ ‫للشعب الجَزَائِر ِي لا تقاوم‪ ،‬فهل تستخلص ف َرَنس َا منها‬

‫المرحلةَالخامسة‪َ:‬الاتفاقَالنهائي َ‬

‫في ‪ 7‬مارس ‪ 1962‬التقى الوفدان الجَزَائِر ِي والفَرَنس ِي في إيفيان بِفَرَنس َا بصفة رسمية وعلانية‪،‬‬

‫ودامت المحادثاتُ بينهم إلى ‪ 18‬مارس‪ .‬وفي النهاية وضع كريم بلقاسم رئيس الوفد الجَزَائِر ِي‬

‫ولوي جوكس رئيس الوفد الفَرَنس ِي إمضاءهما على الاتفاقية‪ ،‬وفي نفس اليوم أعلن بن خدة‬
‫رئيس الحكومة الجَزَائِر َِّية على أمواج إذاعة تونس عن هَذَا الاتفاق‪ ،‬وأمرَ جيش َّ‬
‫التحرِير بوقف‬
‫‪3‬‬
‫القتال‪:‬‬

‫"باسمَالحكومةَالمؤقتةَللجمهور يةَالجزائِر ِية‪َ،‬وبوكالةَمنَالمجلسَالوطنيَللثورة ِ‪ُّ َ،‬أعل ِ ُ‬

‫نَ‬

‫عنَوقفَالقتالَفوقَالترابَالجزائِر ِيَكلهَابتداءًَمن َ‪َ 19‬مارس َ‪َ 1962‬علىَ‬

‫الساعةَالثانيةَعشرةَزوالا ً‪َ.‬باسمَالحكومةَفإننيَأعطيَالأمرَلجميعَوحداتَجيشَ‬

‫التحرِيرَبوقفَجميعَالعملياتَالعسكر ِية"َ‪َ .‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪250‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪250‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪2‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪90‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪3‬‬

‫‪206‬‬
‫وك َانَ الج نرال ديغول قبل ساعة ٍ قد أعطى نفس الأمر للجيش الفَرَنس ِي‪ .‬وك َان َت الفرحة غامرة‬
‫عند الشعب الجَزَائِر ِي‪ ،‬وامتثل جيش َّ‬
‫التحرِير للأمر بصفة مطلقة‪ ،‬وامتلأت الجَزَائ ِر بالأعلام‬

‫ح جميع المسجونين والمعتقلين‬ ‫الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وهو ما جعل وقف القتال بمثابة الاستقلال‪ ،‬و ُّأطل ِ َ‬
‫ق سرا ُ‬

‫ودخل المهاجرون في تونس والمغرب إلى الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫وفدَمنَالحكومةَالجزائِر ِيةَالمؤقتةَ(برئاسةَكريمَبلقاسم)َخلالَتوقيعَاتفاقاتَإيفيانَفيَ‪َ18‬مارسَ‪َ1962‬‬

‫التِيَأنهتَالحربَالجزائِر ِية‪َ.‬منَاليسارَإلىَاليمين‪َ:‬الطيبَبولحروف‪َ،‬وسعدَدحلب‪َ،‬ومحمدَالصديقَبنَيحيى‪َ ،‬‬

‫وكر يمَبلقاسمَالعقيدَبنَمصطفىَبنَعودة‪َ،‬ورضاَمالك‪َ،‬ولخضرَبنَطوبال‪َ،‬ومحم َدَيزيدَوصغيرَمصطفائيَ‪.‬‬

‫لقد تناولت الاتفاقيات‪ :‬وحدة التراب الجَزَائِر ِي والاعتراف بالصحراء تابعة ً للبلاد‪ ،‬واعترفت‬

‫ف َرَنس َا بأن الدولة الجَزَائِر َِّية ستتمت ُع بجميع مقومات السيادة‪ ،‬بما في ذَل ِ َ‬
‫ك الدفاع الوطني والسياسة‬

‫الخارجية‪ ،‬واتجاهها الخاص في الداخل‪ .‬كما أصدر َ وفد التفاوض بيانا ً عرض فيه بنود الاتفاقية‪،‬‬

‫‪207‬‬
‫ج عن المعتقلين سواء ً بِفَرَنس َا أو بالجَزَائِر ِ في‬
‫فجاء بخصوص المعتقلين والمسجونين واللاجئين‪" :‬يُفر َ ُ‬
‫النار"‪1 .‬‬ ‫ل أقصاه عشرون يوما ً ابتداء ً من وقف إطلاق‬
‫أج ٍ‬

‫أما عن العلاقات بين الجَزَائ ِر وف َرَنس َا فقد َّ‬

‫نص البيان‪ :‬أن "العلاقات بين البلدين تقوم على الاحترام‬

‫المتبادل لاستقلالهما"‪ ،‬أما ثروات الصحراء الجَزَائِر َِّية فقد جاء عنها‪" :‬للدولة الجَزَائِر َِّية الحق في‬

‫منح رخص التنقيب"‪ ،‬وفي الجانب الثقافي ورد‪" :‬البلدان يسطران علاقتهما بِ حَي ْثُ يستطيع ك ُل‬

‫بلد أن ينشئ فوق تراب الآخر ديوانا ً جامعيا ً وثقافيا ً يكون مفتوحا ً للجميع‪ .‬وتقدم ف َرَنس َا إعاناتها‬

‫للدولة الجَزَائِر َِّية لتأهيل الفنيين الجزائر يين والمعلمين"‪ .‬وفيما يتعلق بالأوروبيين الموجودين في‬

‫الجَزَائ ِر‪ ،‬فقد نصت الاتفاقيات على‪" :‬حر ية اختيار الجنسية بكيفية فردية مع احترام تقاليدهم‬

‫ن يختارون الجنسية الفَرَنس َِّية يعتبرون أجانب‬

‫الخاصة (اللغة‪ ،‬الدين‪ ،‬الأحوال الشخصية)‪ ،‬و َالَّذِي َ‬
‫‪2‬‬
‫ويتمتعون بضمانات الأجانب حسب القانون الدولي"‪.‬‬

‫أما عن الجانب الع َسكَر ِي فقد اتفق على أن تبقى ف َرَنس َا في المرسي الـكبير لمدة خمس عشرة سنة‪:‬‬

‫"إن الجَزَائ ِر تسوغ لِفَرَنس َا استعمال قاعدة المرسي الـكبير لمدة خمسة عشر عاما ً قابلة ً للتجديد بالاتفاق‬

‫حسب جدول مضبوط‪ ،‬بِ حَي ْثُ أن عدد الجيش الفَرَنس ِي‪ ،‬ينخفض في ظرف العام الأول‪ ،‬بعد‬
‫المائة"‪3.‬‬ ‫إعلان تقرير المصير تسعين في‬

‫كما ورد‪ ،‬أنه "للحكومة الجَزَائِر َِّية الح ُ‬

‫ق في إعادة النظر في نقاط الاتفاق‪ ،‬فيما إذا‪:‬‬

‫استعملت هَذِه ِ المنشآت في تغذية اضطرابات سياسية داخل الجَزَائ ِر‪.‬‬ ‫•‬

‫فيما إذا استعملت في تخريب الاقتصاد الجَزَائِر ِي‪ ،‬بواسطة تهريب رؤوس الأموال بعنوان‬ ‫•‬

‫التحو يلات المالية الع َسكَر َِّية‪.‬‬

‫ِض حياة السكان المجاورين لَهَا للخطر"‬

‫فيما إذ ا ك َان َت هَذِه ِ المنشآت تعر ُ‬ ‫•‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪270‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪271‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪271‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪208‬‬
‫ونصت الاتفاقية كذلك على أن القاعدة والمنشآت الع َسكَر َِّية الفَرَنس َِّية لا يجوز أن تستخدم‬

‫لانطلاق عدوان ضِد بلد إفر يقي أو بلد آخر صديق‪.‬‬

‫كما نصت على أن تمر الجَزَائ ِر بفترة انتقالية قبيل الإعلان عن الاستقلال‪ ،‬تبدأ من وقف القتال‬

‫وتمتد إلى مدة تتراوح بين ثلاثة أشهر في أقل تقدير‪ ،‬وستة أشهر على أكثر تقدير‪ ،‬وبعد هَذِه ِ المدة‬

‫يقع استفتاء تقرير المصير للمصادقة على حل الاستقلال والتعاون بين البلدين‪ ،‬ويمثل الجمهور ية‬

‫الفَرَنس َِّية في الجَزَائ ِر مندوب سا ٍم‪ ،‬و يتم تشكيل المؤسسات وخاصة السلطة التنفيذية المؤقتة فور‬
‫‪1‬‬ ‫دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ‪.‬‬

‫وتطبيقا ً لاتفاقيات إيفيان تأسست الهيئة التنفيذية المؤقتة‪ ،‬وك َان َت من ثلاثة فرنسيين‪ ،‬وتسعة‬
‫جزائر يين‪ ،‬وبرئاسة السيد عبد الرحمن فارس‪ ،‬وك َان َت من المفترض أن تحل هَذِه ِ الهيئة مكان‬

‫السلطة الفَرَنس َِّية الموجودة في الجَزَائ ِر‪ ،‬بِ حَي ْثُ ت َر ِ‬

‫ج ُع إليها مسؤولية تسيير شؤون البلد في الفترة‬

‫الانتقالية ح ََّتى الاستقلال‪ ،‬بتنسيق مع المحافظة العليا الفَرَنس َِّية َّالتِي عينها ديغول لتمثله في الجَزَائ ِر‪،‬‬

‫وك َانَ مقر هَذِه ِ الهيئة في مدينة بومرداس قرب مدينة الجَزَائ ِر‪ 2.‬و بجانب هَذِه ِ الهيئة تكونت قوة‬
‫‪3‬‬ ‫عسكر ية تسمى القوة المحلية؛ مهمتها مساندة الهيئة التنفيذية والمحافظة على الأمن‪.‬‬

‫وفيما ي ُّخص الاقتراعَ اتفق الطرفان حول السؤال المطروح للتصويت‪" :‬هلَتريدونَأنَتكونَ‬

‫حالةَهلَتريدونَأنَتتعاونَفرنساَوالجزائ ِر؟"َ‪َ .‬‬

‫َ‬ ‫الجزائ ِرَمستقلة؟َوفيَهذِه َِال‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪272‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫الطرف الجَزَائِر ِي‪ :‬شوقي مصطفي‪ :‬المكلف بالشؤون العامة‪ -‬بلعيد عبد السلام‪ :‬المكلف بالشؤون الاقتصادية ‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫عبد الرزاق شنتوف‪ :‬المكلف بالشؤون الإدار ية ‪ -‬عبد القادر الحصار‪ :‬المكلف بالأمن العمومي ‪ -‬بومدين حميدو‪:‬‬
‫المكلف بالشؤون الاجتِم َاع َِّية ‪ -‬محمد بن تفتنة‪ :‬المكلف بالبريد‪.‬‬
‫ومن الطرف الف َرَنس ِي‪ :‬عبد الرحمان فارس‪ :‬رئيسا ‪ -‬روجي روث‪ :‬نائب الرئيس ‪ -‬جان مانوني‪ :‬المكلف بالشؤون‬
‫المالية ‪ -‬شارل كونيج‪ :‬المكلف بالأشغال العمومية ‪ -‬إبراهيم بيوض‪ :‬المكلف بالشؤون الثقافية ‪ -‬محمد الشيخ‪:‬‬
‫المكلف بالشؤون الفلاحية‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪92‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪3‬‬

‫‪209‬‬
‫َوفي مطلع اليوم الأول من شهر تموز‪/‬جو يلية ‪ ، 1962‬بدأ الشعب الجَزَائِر ِي في الاستفتاء حول‬

‫تقرير المصير‪ .‬ث َُّم في اليوم الثاني ُّأعلنت النتيجة‪ ،‬ليتضح أن ‪ 5,975,581‬انتخبوا بنعم من مجموع‬

‫‪ 5,992,115‬ناخب‪ ،‬أي ما يعادل ‪ % 99,7‬من المصوتين‪ ،‬وبعدها أعلن دي غول استقلال‬

‫الجَزَائ ِر واعتراف ف َرَنس َا الرسمي بذَلِكَ‪ .‬وفي يوم ‪ 5‬جو يلية ‪ ،1962‬خرجت جماهير الجَزَائ ِر تُع َبِر ُ عن‬

‫فرحتها بالاستقلال‪ ،‬وهكذا تخلصت الجَزَائ ِر من الاحتلال الفَرَنس ِي الَّذ ِي دام مئة واثنين وثلاثين‬
‫عاماً‪1 .‬‬

‫التحر ِير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪273‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪210‬‬
 ‫خروجَالجماهيرَفرحا ًَباستقلالَالجزائ ِرَفيَ‪َ5‬جو يليةَ‪َ 1962‬‬

‫‪211‬‬
 ‫المرحلةَ‪َ–َ5‬الجزائ ِرَماَبعدَالاستقلالَ‬

‫تفاقم الخلاف بين الحكومة وأركان الجيش مع بداية تنفيذ اتفاق وقف القتال‪ ،‬وك َانَ بعض‬

‫أعضاء أركان الجيش قد صوتوا مسبقا ً ضِد اتفاقيات إيفيان‪ ،‬وبدؤوا يعبرون عن غضبهم تجاه‬

‫الحكومة َّالتِي تنازلت ‪-‬في نظرهم‪ -‬لِفَرَنس َا‪ ،‬واعتبروا أن هَذَا الاستقلال ليس إلا أمرا ً شكلياً‪.‬‬

‫فاتصل بومدين قائد أركان الجيش ببو الضياف ليتولى قيادة المعارضة‪ ،‬ولـكنه رفض‪ ،‬فاتصل‬

‫بابن بلة الَّذ ِي ك َانَ في السجن لمحاولة تشكيل حلف معه بعد خروجه‪ ،‬فلم تجد الحكومة بدا ً من‬

‫أن تأخذ قرارا ً بإقالة بومدين وتكليف الرائد موسى بن أحمد بقيادة أركان الجيش بالنيابة‪ ،‬ولـكن‬

‫بومدين لم يذعن لذلك‪ ،‬وواصل مهامه‪ ،‬واتصل بالضباط المتواجدين على الحدود‪ ،‬واستمالهم إلى‬

‫جانبه‪ ،‬ولم يستطع الرائد موسى أن يفعل شيئاً‪ .‬وبهذا عاشت الحكومة أزمة ًكبيرة‪ ،‬واختلف‬

‫أعضاؤها‪ ،‬وظهر بينهم نوع من الفوضى‪.‬‬

‫المبحثَالأول‪َ:‬بدايةَالصراعَحولَالسلطة‪َ َ.‬‬
‫يمكن القول إن الصراع على السلطة قد بدأ منذ تشكيل الحكومة المؤقتة‪ ،‬ولـكنه ظهر على العلن‬
‫متباينين‪1 :‬‬ ‫عند التوقيع على اتفاقية إيفان‪ ،‬وك َانَ الصراع بين موقفين‬

‫‪ -1‬الموقف الرافض لاتفاقية إيفيان‪ ،‬والَّذ ِي يرى أن حل القضية الجَزَائِر َِّية يكمن في إلحاق هزيمة‬

‫عسكر ية بالجيش الاستعماري‪ ،‬وعليه فإن التفاوض مع العدو يُع ُّد تنازلا ً خطيرا ً ونوعا ً من‬

‫الخيانة َّالتِي يجب التصدي لَهَا بكل حزم وصرامة‪ ،‬وصاحبة هَذَا الموقف هي قيادة الأركان‬

‫العامة وعلى رأسها بومدين‪.‬‬

‫‪ -2‬موقف القبول باتفاقية إيفيان‪ ،‬والَّذ ِي يرى أن الحل الع َسكَر ِي مستحيل‪ ،‬وأن التفاوض مع‬

‫ف َرَنس َا هو الطر يق الأوحد والأسلم لوقف إطلاق النار وتمكين البلاد من استرجاع استقلالها‪،‬‬

‫وصاحبة هَذَا الموقف هي الحكومة المؤقتة وعلى رأسها كريم بلقاسم‪.‬‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الثاني (‪ ،)1962-1954‬ص ‪201 - 200‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪212‬‬
‫رغم ثور ية أصحاب الموقف الأول (هيئة الأركان) إلا أنهم لم يكونوا معروفين على الساحة‬

‫السِيَاس َِّية‪ ،‬وهو ما جعلهم يتوجهون إلى محمد بوضياف ليكون في صفهم‪ ،‬لـكن بوضياف رفض‬

‫عرض مبعوث قيادة الأركان العامة "عبد العزيز بوتفليقة" نظرا ً لارتباطه مع الحكومة المؤقتة‬

‫وتحالفه مع كريم بلقاسم ضِد أحمد بن بلة‪ ،‬الَّذ ِي تبنى موقف قيادة الأركان العامة بدون أدنى‬
‫المؤقتة‪1.‬‬ ‫تردد وأعلن عن انضمامه إليها لفرض تشكيل مكتب سياسي يكون مسؤولا ً عن الحكومة‬

‫وبطلب من الحكومة المؤقتة؛ اجتمع المجلس الوطني للث َورَة ِ في طرابلس من ‪ 25‬مايو إلى ‪ 6‬جوان‬

‫‪ ،1962‬وحضر َ الاجتماعَ اثنان وخمسون عضواً‪ ،‬فأعطيت الوكالات من البعض خصوصا ً من‬

‫الولاية الثالثة والرابعة وتغيب آخرون‪ ،‬وك َانَ مجموع الأعضاء المصوتين سبعة وستين‪ ،‬فع ُين محمد بن‬
‫يحيى رئيسا ً للمجلس ويساعده عمر بوداود وعلي كافي‪ ،‬وتمت الموافقة بالإجماع على جدول الأعمال‬
‫جديدة‪2.‬‬ ‫الَّذ ِي يتضمن عدة نقاط أهمها تعيين قيادة‬

‫وفيما يخص تعيين أعضاء القيادة الجديدة َّالتِي سيصبح اسمها المكتب السِيَاسِي‪ ،‬فإن المجلس عين‬

‫لجنة متكونة من‪ :‬محمد بن يحيى (رئيسا) وحاج بن علة وعمر بوداود وقاضي بوبكر لإجراء‬

‫الاتصالات بين أعضاء المجلس لاستخراج قائمة من الأسماء يقع عليها الاتفاق لتشكيل المكتب‬

‫السِيَاسِي‪ .‬وقد بدأت اللجنة اتصالاتها في جو مشحون بالتوتر والمناورات‪.‬‬

‫وفي هَذِه ِ الأثناء اتفق بن بلة وأركان الجيش على إبعاد أعضاء الحكومة ما عدا الَّذِي َ‬
‫ن كانوا في‬
‫السجن‪ ،‬واقترح مكتبا ً متكونا ً من‪ :‬بن بلة ‪ -‬خيضر آيت أحمد ‪ -‬بوالضياف – بيطاط ‪ -‬حاج بن‬

‫علة ‪ -‬محمدي سعيد‪ ،‬وهو ما رفضه أنصار بن خدة وكريم بلقاسم‪ ،‬كما لم يوافق ك ُل من بوالضياف‬
‫المقترحة‪3 .‬‬ ‫وآيت أحمد على أن يكونا في القائمة‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الثاني (‪ ،)1962-1954‬ص ‪202‬‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪95‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪95‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪213‬‬
 ‫وهكذا تبلورت داخل المجلس الوطني نزعتان رئيسيتان‪:1‬‬

‫‪ .1‬إحداهما بزعامة أحمد بن بلة‪ ،‬وهي ترى أن المكتب السِيَاسِي المزمع انتخابه يجب أن‬
‫يتكون من سبعة أعضاء وأن تعطى لَه ُك ُل الصلاحيات اللازمة لقيادة الدولة‪ ،‬واقترح‬
‫أحمد بن بلة إلى جانب اسمه كلا ً من‪ :‬محمد خيضر‪ ،‬محمد بوضياف‪ ،‬حسین آیت أحمد‪،‬‬
‫رابح بيطاط‪ ،‬محمد السعيد والحاج بن عله‪.‬‬

‫‪ .2‬أما النزعة الثانية فقد تزعمها كريم بلقاسم‪ ،‬الَّذ ِي اقترح مكتبا ً سياسيا ً من تسعة أشخاص‬
‫بالإضافة إلى اسمه‪ :‬حسين آيت أحمد‪ ،‬محمد بوضياف‪ ،‬محمد خيضر‪ ،‬رابح بيطاط‪ ،‬عبد‬
‫الله بن طوبال‪ ،‬عبد الحفيظ بوالصوف‪ ،‬أحمد بن بلة‪ ،‬وسعد دحلب‪.‬‬

‫وفي ‪ 5‬جوان اجتمع المجلس من جديد‪ ،‬وفي بداية المناقشة أعلن رئيس المجلس عن فشل اللجنة‬

‫في وضع الق ائمة المطلوبة لتشكيل المكتب السِيَاسِي‪ ،‬وطلب من المجلس تعيين لجنة جديدة للقيام‬

‫ك م َِّما دفع رئيس المجلس أن يرفع الجلسة‪ ،‬ولم يستطع‬

‫بِهَذِه ِ المهمة‪ ،‬لـكن الحاضرين اختلفوا في ذَل ِ َ‬
‫ذَلِكَ‪2.‬‬ ‫المجلس الوطني أن يجتمع بعد‬

‫وفي ‪ 7‬جوان غادر رئيس الحكومة "بن خدة" وكر يم بلقاسم ومعهم بعض الوزراء طرابلس‪ ،‬وبدأ‬

‫بعض الأعضاء الآخرين يغادرون طرابلس أيضا ً‪ ،‬وهكذا توقف الاجتماع السادس للمجلس‬

‫الوطني للث َورَة ِ‪ ،‬وقد ك َانَ هو الاجتماع الأخير لَه ُ‪.‬‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الثاني (‪ ،)1962-1954‬ص ‪204 – 200‬‬ ‫‪1‬‬

‫يقول الدكتور العربي الزبيري‪" :‬عندما تراجع قائمة التشكيلتين نستثني الحاج بن علة‪ ،‬فإننا نجد ك ُل العناصر المقترحة‬
‫لعضو ية المكتب السِيَاسِي كانوا وزراء في الحكومة المؤقتة للجمهور ية الجَزَائِر َِّية ووقعوا قبل غيرهم‪ ،‬على اتفاقيات‬
‫إيفيان وبالتالي فهم يكادون يمثلون توجه واحد ولا تفارق بينهم سوى الحساسيات الشخصية والحزازات َّالتِي لا‬
‫علاقة لَهَا بأيديولوجية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الوطني‪ .‬وإذا تعمقنا أكثر في التحليل‪ ،‬فإننا نجد أن الخلاف بين السيدين‬
‫أحمد بن بلة وبلقاسم کریم لا يعود إلى أشياء جدية ولـكنه‪ ،‬فقط‪ ،‬ينطلق من اعتقاد ك ُل واحد منهما أنه أحق‬
‫من الآخر لقيادة َّ‬
‫الثور َة"‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪96‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪214‬‬
‫إذا ً فالمجلس الوطني للث َورَة ِ الجَزَائِر َِّية لم يختتم أشغالة رسميا ً‪ ،‬ولم ينتخب أي هيئة سياسية عليا أو‬

‫دنيا‪ ،‬كما أنه لم يجدد ثقته بالحكومة المؤقتة‪ .‬وفي ظل هَذَا الفراغ؛ راح ك ُل طرف يبحث عن‬
‫السلطة‪1.‬‬ ‫أنصار أقو ياء يستعين بهم للاستيلاء على‬

‫أما أحمد بن بلة‪ ،‬فإنه ضمن‪ ،‬تأييد قيادة الأركان العامة والولايتين الأولى والسادسة ث َُّم راح يجمع‪،‬‬

‫حوله‪ ،‬الإطارات السِيَاس َِّية َّالتِي تريد تصفية حساباتها مع الحكومة أو مع الباءات الثلاث (بلقاسم‬

‫– بن طوبال – بوضياف)‪ .‬وأما بن يوسف بن خدة‪ ،‬فإنه استمال الولايات الرابعة والخامسة‬

‫التحرِير الوطني في أوروبا‪ ،‬ث َُّم أعلن‬

‫والثانية والثالثة‪ ،‬بالإضافة إلى منطقة العاصمة وفيدرالية جبهة َّ‬

‫حل قيادة الأركان العامة‪.‬‬

‫ِ‬ ‫باسم الحكومة عن‬

‫ودخل محمد بوضياف وبلقاسم كريم إلى الجَزَائ ِر من أجل حمل الولايات على تنسيق حركتها‬

‫وتكوين هيئة موحدة لمواجهة قيادة الأركان العامة َّالتِي رفضت الامتثال لقرار حلها وشرعت‬
‫في الإعداد لإدخال جيش َّ‬
‫التحرِير الوطني إلى الداخل الجَزَائِر ِي‪ 2.‬بينما استطاع أحمد بن بلة‬

‫أن يجمع حوله عددا ً كبيرا ً من المسؤولين الممثلين لتوجهات مختلفة لـكنهم موحدون من أجل‬

‫إسقاط الحكومة‪ ،‬ومن بينهم فرحات عباس‪ ،‬ومجموعة من الإطارات الَّذِي َ‬

‫ن شاركوا في اجتماع‬

‫ن ت ََّم اعتقالهم في فترات متفاوتة‪.‬‬

‫الاثنين والعشرين و َالَّذِي َ‬

‫حي ْثُ استأنف مهامه كرئيس للحكومة المؤقتة المسؤولة‬

‫سافر بن خدة في هَذِه ِ الأثناء إلى تونس َ‬
‫عن تطبيق اتفاقيات إيفيان مع الجانب الفَرَنس ِي‪ ،‬بينما سافر أحمد بن بلة إلى القاهرة ودعا من‬

‫ه ُنَاك َ إلى عدم الاعتراف بالحكومة المؤقتة وقراراتها‪.‬‬

‫وبعد وساطات متعددة قامت بِهَا جهات مختلفة وخاصة منها الحكومة المصر ية عاد بن بلة إلى‬

‫تونس وعقدت الحكومة المؤقتة اجتماعا ً مطولا ً في ‪ 26‬جوان ‪ .1962‬لـكن لم يصل الطرفان إلى‬

‫حل مرضي بينهما‪ ،‬وأبدى السيد محمد خيضر استقالته َّالتِي ك َان َت إعلانا ً عن وقوفه رسميا ً إلى‬

‫جانب بن بلة وقيادة الأركان العامة‪.‬‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الثاني (‪ ،)1962-1954‬ص ‪202‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪206‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪215‬‬
‫وبعد ان فضاض اجتماع الحكومة المؤقتة دخلت الحكومة المؤقتة إلى العاصمة يوم الإعلان عن‬

‫ك التاريخ بأسبوع‪ ،‬اجتمع أحمد بن بلة بقادة‬

‫الاستقلال الوطني في ‪ 5‬يوليو ‪ ، 1962‬وبعد ذَل ِ َ‬

‫الولايات في مدينة الشلف‪ ،‬وطلب منهم تزكية المكتب السِيَاسِي الَّذ ِي اقترحه على المجلس‬

‫ك فاجأ ابن‬
‫الوطني‪ ،‬لـكن لم يحصل إلا على واحد وثلاثين صوتا ً من جملة ستة وستين‪ .‬ورغم ذ َل ِ َ‬

‫بلة الجميع في اليوم الثاني والعشرين من شهر جو يلية عندما أعلن عن تأسيس المكتب السِيَاسِي‬

‫مشكلا ً من سبعة أعضاء هم‪ :‬أحمد بن بلة‪ ،‬محمد خيضر‪ ،‬رابح بيطاط‪ ،‬حسين آيت أحمد‪ ،‬محمد‬
‫عله‪1.‬‬ ‫بوضياف‪ ،‬محمدي السعيد والحاج بن‬

‫فاشترطت الحكومة المؤقتة استدعاء المجلس الوطني للث َورَة ِ الجَزَائِر َِّية وإنهاء حالة الحصار المفروضة‬
‫على قسنطينة من قبل قوات بن بلة وبومدين‪ .‬لـكن ابن بلة أمر باحتلال قسنطينة بواسطة جيش‬

‫الحدود وقرر أن المكتب السِيَاسِي هو البديل للمجلس الوطني للث َورَة ِ الجَزَائِر َِّية‪ .‬وفي اليوم الموالي‬

‫‪ 26‬جو يلية أعلن محمد بوضياف وبلقاسم كريم عن معارضتهما‪ ،‬وشكلا اللجنة الوطنية للدفاع عن‬
‫َّ‬
‫الثور َة محددين لَهَا مهمة التحضير للمؤتمر وللانتخابات التشر يعية‪.‬‬

‫وترتب عن الإعلان المذكور دخول الطرفين في مفاوضات تخللتها أحداث كثيرة وقادت في‬

‫ك ت ََّم تكليف المكتب السِيَاسِي‬

‫النهاية إلى إبرام اتفاق بين المعنيين في ‪ 2‬أوت ‪ .1962‬وبمقتضى ذ َل ِ َ‬

‫(المقترح في اجتماع طرابلس من طرف بن بلة)‪ ،‬بإعداد قوائم الانتخابات‪ ،‬والقيام بمهام الحكومة‬
‫‪2‬‬ ‫المؤقتة‪.‬‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الثاني (‪ ،)1962-1954‬ص ‪209- 208‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪209- 208‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪216‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:)10‬تشكيلةَالمكتبَالسِياسِيََ َ‬

‫وفي منتصف شهر أوت ‪ 1962‬وقع خلاف بين أعضاء المكتب السِيَاسِي ‪-‬الَّذ ِي قام بإعداد‬

‫قائمة المترشح ين للانتخابات البرلمانية وك َان َت من المفترض أن تجري يوم ‪ 2‬سبتمبر ‪ -1962‬وبين‬
‫العاصمة‪1،‬‬ ‫ن رفضوا ترشح عدد من الشخصيات السِيَاس َِّية في منطقة الجَزَائ ِر‬
‫قادة الولاية الرابعة الَّذِي َ‬

‫والتجأوا إلى العنف للاعتراض على قرارات المكتب السِيَاسِي‪ ،‬فقرر أحمد بن بلة وأعضاء المكتب‬

‫السِيَاسِي يوم ‪ 19‬أوت استعمال جيش الأركان للزحف على الجَزَائ ِر العاصمة‪ .‬وفي يوم ‪ 9‬سبتمبر‬

‫ل كامل وانسحبت قوات الولاية الرابعة‪.‬‬

‫‪ 1962‬بسط الجيش الوطني سلطته على العاصمة بِش َك ٍ‬
‫وفي يوم ‪ 20‬سبتمبر ‪ 1962‬جرت الانتخابات التشر يعية‪ ،‬ونجح جميع الأعضاء الَّذ ِي َ‬
‫ن رشحهم‬

‫المكتب السِيَاسِي‪ ،‬فانبثق عن هَذِه ِ الانتخابات مجلس تأسيسي (الجمعية الوطنية التأسيسية) ترأسه‬
‫عباس‪2 .‬‬ ‫فرحات‬

‫وفي ‪ 25‬سبتمبر‪ /‬أيلول ‪ ،1962‬أعلنت الجمعية الوطنية التأسيسية ولادة الجمهور ية الجَزَائِر َِّية‬

‫الديمقراطية والشعبية‪ ،‬وصادقت على تشكيل أول حكومة جزائر ية بعد الاستقلال برئاسة أحمد‬

‫تضم هَذِه ِ الحكومة أي عضو من الحكومة الجَزَائِر َِّية المؤقتة الأخيرة‪ .‬بالمقابل‪ ،‬شغل‬
‫بن بلة‪ .‬ولم َّ‬

‫الشيخ خير الدين – عبد الرحمن فارس – السيدة شتنوف‬ ‫‪1‬‬

‫دكتور عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السِيَاسِي لِلج َزَائِر ِ من البداية ولغاية ‪ ،1962‬ص ‪509 - 508‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪217‬‬
‫خمسة عسكر يين مناصب مهمة‪ ،‬فأسندت إلى العقيد هواري بومدين وزارة الدفاع وأما وزارة‬

‫الداخلية فقد أسندت إلى أحمد مدغري‪.‬‬

‫أما أعضاء المجلس الوطني للث َورَة ِ الجَزَائِر َِّية الَّذِي َ‬

‫ن عارضوا المكتب السِيَاسِي وهيئة الأركان وكانوا‬

‫يطالبون بعقد مؤتمر وطني لحل الأزمة؛ فقد ت ََّم حذف أسمائهم من قائمة المرشح ين للبرلمان الجديد‪،‬‬

‫مثل عبد الحفيظ بوصوف‪ ،‬لخضر بن طوبال‪ ،‬سعد دحلب‪ ،‬العقيد صالح بوبنيدر‪ ،‬العقيد علي‬
‫لشرف‪...‬إلخ‪1‬‬ ‫كافي‪ ،‬القيد عمار بن عودة‪ ،‬محمد الصديق بن يحيى‪ ،‬مصطفى‬

‫دكتور عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السِيَاسِي لِلج َزَائِر ِ من البداية ولغاية ‪ ،1962‬ص ‪509 - 508‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪218‬‬
 ‫حوَالدكتاتور يةَوأزمةَالهو يةََ َ‬
‫المبحثَالثاني‪َ:‬النظامَالجديدَن َ‬
‫بموجب اتفاقية إيفيان؛ ك َانَ وضع الدستور الجديد للبلاد من اختصاص المجلس التأسيسي‪،‬‬

‫حي ْثُ تطلبت اتفاقية إيفان الموقع عليها من الجانبين الجَزَائِر ِي والفَرَنس ِي في فصلها الخامس انتخاب‬
‫َ‬

‫مجلس تأسيسي تسند ُ لَه ُ السلطة‪ ،‬ومهامه‪:‬‬

‫‪ .1‬تعين حكومة مؤقتة‪.‬‬

‫‪ .2‬التشر يع باسم الشعب‪.‬‬

‫‪ .3‬إعداد دستور للجمهور ية والتصويت عليه‪.‬‬

‫لـكن أحمد بن بلة قرر أن تكون صياغة الدستور والتصويت عليه من صلاحيات جبهة َّ‬
‫التحرِير‬

‫ل على إثرها فرحات عباس وحسين آيت أحمد‪.‬‬

‫حصراً‪ ،‬وبهذا نشأت أزمة داخلية جديدة استقا َ‬

‫وفي سبتمبر‪/‬أيلول ‪ ،1963‬ح صلت الجَزَائ ِر على أول دستور لَهَا‪ ،‬وقد أعطى هَذَا الدستور لجبهة‬
‫َّ‬
‫التحرِير الوطني أحقية الحكم المفرد للبلاد‪ ،‬باعتبارها الحزب الحاكم الأوحد‪.‬‬

‫عمليا ً ح ََّتى قبل اعتماد الدستور‪ ،‬ك َان َت الجبهة قد اتجهت مسبقا ً إلى التفرد بالحكم‪ ،‬فقد ُ‬
‫حظِر َ‬

‫الحزب الشيوعي الجَزَائِر ِي في ‪ 29‬تشرين الثاني‪ /‬الب‪ .1962‬وفي شهر آب‪ /‬أغسطس ‪،1963‬‬

‫الثور َة الاشتراكية بزعامة محمد بوضياف خارجا ً عن القانون‪ ،‬و ُّألغي ك ُل تشكيل حزبي‬
‫اعتُبر حزب َّ‬

‫غير جبهة َّ‬

‫التحرِير الوطني‪.‬‬

‫وفي ‪ 15‬أيلول‪ /‬سبتمبر ‪ ، 1963‬أصبح أحمد بن بلة رئيسا ً للبلاد عبر استفتاء شكلي يظهر أن‬

‫ل مسبقٍ‪ ،‬فانتهج بن بلة سياسة شديدة مع خصومه السياسيين‪،‬‬

‫خطط لَه ُ بِش َك ٍ‬
‫َ‬ ‫الحزب الحاكم قد‬

‫ك تمرد في منطقة القبائل‬

‫مثل بوضياف وحسين آيت أحمد ومحند أولحاج‪...‬إلخ فنشبَ على إثر ذ َل ِ َ‬

‫تأت سنة ‪ 1965‬ح ََّتى ازداد الشرخ وزادت‬

‫في أكتوبر ‪ 1963‬قمعه بن بلة بالقوة المسلحة‪ ،‬ولم ِ‬

‫ك واعتقل بن بلة في‬

‫الفوضى‪ ،‬وأصبح لابن بلة معارضون كُثر‪ ،‬فاستغل قائد الجيش بومدين ذ َل ِ َ‬

‫انقلاب عسكري منظم يوم ‪ 19‬حزيران‪ /‬يونيو ‪.1965‬‬

‫وفي رسالة بتوقيع بومدين‪ ،‬أعلنت إذاعة الجَزَائ ِر تأسيس مجلس للث َورَة ِ يتولى جميع السلطات‪،‬‬

‫ل إن البلاد قد انتقلت من حكم الحزب الواحد‪ ،‬إلى حكم‬

‫ن القو ُ‬
‫وابتداء من هَذَا التاريخ يمك ُ‬

‫‪219‬‬
‫الرجل الواحد‪ ،‬ومن دكتاتور ية الحزب إلى دكتاتور ية الرئيس‪ .‬وقد بقي الأمر كذلك ح ََّتى في‬

‫عهد الشاذلي بن جديد الَّذ ِي حكم البلاد منذ ‪ 1979‬بعد موت بومدين بمر ٍ‬
‫ض غامض‪ ،‬وصولا ً‬

‫إلى عهد عبد العزيز بوتفليقة سنة ‪ 1999‬وعبد المجيد تبون سنة ‪.2019‬‬

‫إذا فمنذ الاستقلال وح ََّتى اليوم‪ ،‬خضع الشعب الجَزَائِر ِي لحكم دكتاتوري‪ ،‬ابتدأ هَذَا الحكم‬

‫بوحدانية الحزب وصولا ً إلى انفراد الرئيس بالسلطة‪ ،‬فلم يَت ُم اختيار أي رئيس في الجَزَائ ِر منذ‬

‫الاستقلال بإرادة ٍ شعبية ٍ حرة ٍ‪.‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)11‬رؤساءَالجزائ ِرَحتىَاليوم‪َ،‬وكلهمَلمَيتُمَاختيارهمَبإرادةَشعبيةَحقيقيةََ َ‬

‫‪220‬‬
 ‫النظامَالجديدَوأزمةَالهو يةَ َ‬

‫ظهر من خلال أزمة صياغة الدستور بعد الاستقلال سنة ‪ 1963‬أن رموز جبهة َّ‬
‫التحرِير لا‬

‫التحرِير‪ ،‬فالخلافات الأيديولوجية والشخصية َّالتِي ك َان َت‬

‫يحملون رؤ ية موحدة لهو ية الدولة ما بعد َّ‬

‫خافتة نوعا ً ما خلال مرحلة قتال العدو المشترك؛ قد أصبحت طافية ً على السطح بعد انسحاب‬

‫الاحتلال الفَرَنس ِي‪.‬‬

‫وفي أول دستور للدولة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬أعلنت جبهة َّ‬

‫التحرِير أن دين الدولة هو الإسلام‪ ،‬وأن العصبية‬

‫الاجتِم َاع َِّية َّالتِي تُح َدِد ُ هو ية المجتمع هي القومية العربية حصراً‪ ،‬وأن نظام الحكم ديمقراطي مركزي‪،‬‬

‫بينما تمثل الاشتراكية النظام الاقتصادي للبلاد‪.‬‬

‫"يتعين على الجَزَائ ِر التأكيد بأن اللغة العربية هي اللغة القومية الرسمية لَهَا‪ ،‬وأنها تستمد طاقتها‬
‫الروحية الأساسية من دين الإسلام‪ ..‬كما تقيم جبهة َّ‬
‫التحرِير الوطني تنظيمها وقواعدها على مبدأ‬
‫المركز ية الديمقراطية‪ ..‬جبهة َّ‬
‫التحر ِير الوطني هي حزب الطليعة الواحد في الجَزَائ ِر"‪ 1 .‬مقتطفات من‬

‫دستور ‪1963‬‬

‫فجمعت الدولة ُ الجديدة بِهَذَا تناقضات كثيرة‪ ،‬وتضمنت قيم ُها نظر يات متباينة تماما ً‪ ،‬فكيف‬

‫يكون دين الدولة الإسلام‪ ،‬بينما يكون نظامها الاجتِم َاعِ ي قوميا ً‪ ،‬والسِيَاسِي ديمقراطيا ً‪،‬‬

‫الثور َة الفَرَنس َِّية‪،‬‬

‫والاقتصادي اشتراكياً‪ .‬فالقومية والاشتراكية والديمقراطية مفاهيم مستوردة من َّ‬

‫وهي نظر يات مادية تقصي الدين عن المجتمع والاقتصاد والسياسة‪ ،‬وتبقيه حبيس الاعتقاد‬
‫الفردي‪ ،‬وهو ما يتصادم ُ مع الدين الإسلامي الَّذ ِي ُّ‬
‫يعد منهجا ً متكاملا ً للحياة ولا يقبل التجزئة‬
‫الثور َة الفَرَنس َِّية‬
‫مطلقا ً‪ ،‬والَّذ ِي يحمل في طياته نظاما ً اجتماعيا ً وسياسيا ً واقتصاديا ً مختلفا ً عن قيم َّ‬

‫ل جذري‪ .‬والظاهر أن ذكر الإسلام كدين للدولة في الدستور‪ ،‬ليس إلا إجراء ً شكليا ً لا أثر‬
‫بِش َك ٍ‬
‫لَه ُ في بناء الدولة‪ ،‬بقدرٍ ما هو حبر على ورق‪.‬‬

‫مجلس الأمة الجَزَائِر ِي‪ ،‬مقتطفات من دستور ‪)https://bit.ly/3hfQl74( ،1963‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪221‬‬
‫وليس هَذَا فحسب‪ ،‬فمح ددات الهو ية في الدستور لا تتناقض مع الإسلام فقط‪ ،‬بل إنها فيما‬

‫بينها لا يمكن أن تتركب‪ ،‬فكيف تكون الدولة ديمقراطية بينما السلطة ليست للشعب وإنما للحزب‬

‫الحاكم فقط‪ ،‬إن لم نقل للرئيس‪.‬‬

‫لقد اجتمعت رموز جبهة َّ‬

‫التحرِير الوطني على هدف تكتيكي وهو الاستقلال‪ ،‬لـكنها لم تقدم يوما ً‬

‫إجابات حاسمة حول المواضيع الاستراتيجية َّالتِي تتعلق بهو ية الدولة وق ِيمها ونُظمها‪ ،‬وهو ما ك َانَ‬
‫سببا ً في التخبط الـكبير فيما بعد‪ .‬فَك َانَ مسار جبهة َّ‬
‫التحرِير العلماني سببا ً في مصادمة التيارات‬

‫الإسلامية بعد ذَلِكَ‪ ،‬كما ك َانَ مسارها القومي العربي عاملا ً مهما ً في تذكية النعرة القومية لدى‬

‫بقية القوميات في الجَزَائ ِر‪ ،‬وتغذية نزعة الانفصال لدى بعض الأقليات وعلى رأسها الأماز يغ‪.‬‬

‫وفي المقابل فإن تحقيق لوازم هَذِه ِ القومية العربية لم تشهد نجاحا ً كبيراً؛ فلم تصبح الجَزَائِر ُ مركز َ‬

‫تأثير عربي كما أصبحت مصر مثلا ً في عهد عبد الناصر‪ ،‬ولم تشهد توسعا ً على مستوى النفوذ نحو‬

‫العالم العربي كما ك َانَ متوقعاً‪.‬‬

‫‪222‬‬
 ‫البابَالثالث‪َ:‬الحوكمةَوالمأسسةَفيَالثورةَالجزائِر ِيةَََ‬

‫"تُشكِلَُالثورةَمعَالفكر َِ ُّأسُسَالنهضة ِ‪َ،‬ولـكنَالثورةَبلاَفكرَهلاكَمحققَ" َ‬

‫َ(عليَعزتَبي َغوفيتش َ)‪َ 1‬‬

‫التحرِير الجَزَائِر َِّية (‪ )1962-1954‬في وجه الاستعمار الفَرَنس ِي‪ ،‬ك َانَ على‬
‫عندما اندلعت ثورة َّ‬

‫ل النظام الَّذ ِي خلفه الاحتلال‪ ،‬وبناء ُ نظا ٍم‬ ‫الجزائر يين معالجة ُ مشكلة ٍ سِيَاس َِّية ٍ تتمث ُ‬
‫ل في استبدا ِ‬

‫للأمة ِ حقوقها َّالتِي فقدتها في العهد الفَر َنس ِي‪.‬‬

‫ل َّ‬ ‫جديدٍ يكف ُ‬

‫ل الإطار َ السِيَاسِي والفكري للثورة‪ ،‬ث َُّم‬

‫طنِي َّالتِي ك َان َت تُمَث ِ ُ‬ ‫ك َان َت البداية بتأسيس جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬
‫ل الذراعَ الع َسكَر ِي‪ ،‬ث َُّم ظهرت تباعا ً العديد من‬
‫طنِي الَّذ ِي أصبح يمَُث ِ ُ‬ ‫انبثق عنها جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫ك جهود‬ ‫المؤسسات‪ :‬مثل فيدرالية الجبهة في أوروبا‪ ،‬واتحاد الطلبة الجزائر يين‪...‬إلخ لت ُ َّتو َ‬
‫ج بعد ذَل ِ َ‬

‫ق عنه‪ ،‬وصولا ً إلى إعلان الحكومة‬

‫ق هيئة ِ التنسي ِ‬
‫طنِي للثورة وانبثا ِ‬
‫الحوكمة بتأسيس المجلس الو َ َ‬

‫المؤقتة َّالتِي حصلت على اعتراف دولي كبير‪.‬‬

‫سنحاول في هَذَا الباب رصدَ مسار الحوكمة والمأسسة في الانتفاضة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وتناو َ‬
‫ل أهم المراحل‬
‫َّالتِي مرت بِهَا َّ‬
‫الثور َة على مستوى التنظيم والإدارة‪ ،‬ليكون الباب مقسما ً إلى فصلين رئيسين‬

‫تندرج ضمنهما العديد من المباحث‪:‬‬

‫‪ .1‬فصل‪َ:‬الحكومةَوالمأسسةَداخلَالبلاد َ‬
‫‪ .2‬فصل‪َ:‬الحكومةَوالمأسسةَخارجَالبلاد‬

‫علي عزت بيغوفيتش‪ ،‬أول رئيس لجمهور ية البوسنة والهرسك بعد انتهاء حرب البوسنة والهرسك‪ .‬وهو ناشط‬ ‫‪1‬‬

‫سياسي بوسني وفيلسوف إسلامي‪.‬‬

‫‪223‬‬
 ‫الفصلَالأول‪َ:‬الحوكمةَوالمأسسةَداخلَالبلادَ‬

‫الشعب وتوجيهه‬
‫ِ‬ ‫ن دون الآخر‪ ،‬بل حاولت تنظيم َ‬
‫طنِي في ثورتها على ميدا ٍ‬ ‫لم تعتمد جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬
‫الثور َة والشعب الجَزَائِر ِي‪َّ ،‬‬
‫والتِي تكون‬ ‫في جميع الميادين‪ ،‬وعملت على إنشاء المؤسسات َّالتِي تخدم َّ‬

‫بديلا ً عن سل طة الاحتلال وهيمنته على المستوى الاجتماعي والسِيَاسِي والع َسكَر ِي والأمني‪ .‬وفي‬

‫كيانات مواز ية ً لحكومة الاحتلال في الجَزَائ ِر‪ ،‬أو‬

‫ٍ‬ ‫الحقيقة؛ استطاعت َّ‬
‫الثور َة أن توجد لنفسها‬

‫فلنقل حكومة ظل منافسة لنفوذ الفرنسيين على الشعب‪.‬‬

‫طنِي" وجيش‬ ‫بدأ تطور المؤسسات في الداخل الج َزَائِر ِي بتأسيس ك ُل من "جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬
‫طنِي"‪ ،‬ح ََّتى جاء مؤتمر الصومام في العام ‪ 1956‬فنقل َّ‬
‫الثور َة إلى مرحلة متقدمة من‬ ‫َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫التنظيم‪ ،‬فخرج بجملة ٍ من القرارات‪ ،‬ك َانَ أبرزها إنشاء ُ مجلس وطني للثورة‪ ،‬وإعادة تنظيم جيش‬

‫التحرِير‪ ،‬وتشكيل الحكومة الجَزَائِر َِّية المؤقتة‪ ،‬بالإضافة للعديد من القرارات الأخرى َّالتِي سيأتي‬
‫َّ‬

‫ذكرها في المباحث القادمة‪.‬‬

‫وليكون الحديث عن مسار تطور المؤسسات في الداخل الجَزَائِر ِي واضحا ً؛ ك َانَ لابد أن نُقَسِم َ هَذَا‬

‫الفصل إلى المباحث التالية‪:‬‬

‫أولا‪َ:‬مرحلةَالتأسيسَمنَنوفمبرَ‪َ1954‬حتىَأغسطسَ‪َ َ.1956‬‬

‫ثانياً‪َ:‬مرحلةَالتنظيمَبعدَمؤتمرَالصومامَفيَأغسطسَ‪َ َ.1956‬‬

‫ثالثاً‪َ:‬جيشَالتحرِيرَالوطنِيَماَبعدَمؤتمرَالصومام‪َ .‬‬

‫‪224‬‬
 ‫المبحثَالأول‪َ:‬مرحلةَالتأسيسَمنَنوفمبرَ‪َ1954‬حتىَأغسطسَ‪1956‬‬
‫قبل اندلاع َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬قلنا أن بوضياف دعا اثنين وعشرين مناضلا ً لمناقشة واقع النضال في الجَزَائ ِر‬

‫في ظل تفكك وعجز الحركات الوَطَن َِّية العر يقة‪ ،‬وقد نتج عن هَذَا الاجتماع الَّذ ِي حصل في ‪25‬‬

‫ل اللجنة السداسية‪ ،‬اللجنة َّالتِي ستخطط للثورة المسلحة وستحدد موعد انطلاقها‪.‬‬
‫يوليو ‪ 1954‬تشكي ُ‬

‫الثور َِّية‪.‬‬
‫فك َان َت هَذِه ِ أول خطوة ٍ عملية ٍ في مسار مأسسة َّ‬

‫اللجنةَالسداسيةَ()َالتِيَأشرفتَعلىَتشكيلَجبهةَالتحر ِيرَالوطنِيَوجيشَالتحر ِيرَ‬

‫الاجتماعات الدور ية‪ ،‬قامت‬

‫ِ‬ ‫أواخر أكتوبر ‪ ،1954‬ك َان َت اللجنة السداسية قد أجرت العديد من‬

‫ف محمد‬
‫خلالها بتقسيم البلاد إلى خمس مناطق عمليات على ك ُل واحدة منها قائد‪ ،‬بينما ك ُل ِ َ‬
‫بوضياف بمهمة التنسيق بين ُّ‬
‫الثوارِ في الداخل والخارج‪ ،‬بالإضافة إلى الإشراف على تعبئة‬
‫الجزائر يين في الخارج من أجل دفعهم لمساندة َّ‬
‫الثور َة‪.‬‬

‫طنِي" لتصبح الجناح‬ ‫ونتيجة لاجتماعات اللجنة السداسية أيضا ً؛ ت ََّم تأسيس "جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫ح الع َسكَر ِي‬

‫ح الجنا َ‬
‫طنِي" ليصب َ‬ ‫تأسيس "جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬ ‫ُ‬ ‫السِيَاسِي للثورة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬بينما ت ََّم‬
‫نفس اللجنة ِ بتحديد موعد انطلاق َّ‬
‫الثور َة في ‪ 1‬نوفمبر ‪ 1954‬وصياغة البيان العام‬ ‫للثورة‪ ،‬كما قامت ُ‬

‫الَّذ ِي سينشر في اليوم الأول من الانتفاضة‪.‬‬

‫‪225‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:)12‬الشكلَالتنظيميَللثورةَأواخرَسنةَ‪َ َ1954‬‬

‫الخر يطةَ(‪َ:)24‬تقسيمَاللجنةَالسداسيةَلمناطقَعملياتَالثورةَسنةَ‪َ1954‬‬

‫‪226‬‬
 ‫حي ْثُ الهيكلية الإدار ية‪،‬‬ ‫التحرِير وجيش َّ‬
‫التحرِير من َ‬ ‫في البداية لم يكن ه ُنَاك َ انفصال بين جبهة َّ‬

‫حي ْثُ ك َانَ قادة اللجنة السداسية يشرفون بأنفسهم على كليهما‪ ،‬وك َان َت المناطق الخمس تمثل نفوذ‬
‫َ‬

‫كلا الجهازين‪.‬‬

‫طنِي‪ ،‬وقد ك َانَ عدد‬

‫التراب الو َ َ‬
‫ِ‬ ‫الثور َة في الفاتح من نوفمبر؛ شملت العَم َل َِّياتُ معظمَ‬
‫ومع انطلاق َّ‬

‫ل على أكثر تقدير‪،‬‬

‫المناضلين على كامل التراب الجَزَائِر ِي بين الـثمانمئة مناضل إلى ألف مناض ٍ‬
‫التالي‪1 :‬‬ ‫شارك َ عدد كبير منهم في العَم َل َِّيات الأولى‪ ،‬ويمكن توز يعهم على الشكل‬

‫َ‬
‫الخر يطةَ(‪َ:)25‬توزعَعددَالمقاتلينَمعَانطلاقَالثورةَفيَشهرَنوفمبرَ‪1954‬‬

‫ولـكن بعد أربعة أشهر تقريبا ً من انطلاق َّ‬

‫الثور َة‪ ،‬استشهد العديد من القادة‪ ،‬وسافر بعضهم‬

‫حي ْثُ ت ََّم‬

‫خارج البلاد لتأمين التموين‪ ،‬فحصلت بعض التغييرات على الهيكلية الداخلية للثورة‪َ ،‬‬

‫اعتقال بيطاط قائد المنطقة الرابعة (الجَزَائ ِر العاصمة) ومعظم مساعديه‪ ،‬فأرسل كريم بالقاسم قائد‬

‫ضيفي بثينة – طرش سلاف‪ ،‬المعارك الـكبرى في الولاية التار يخية الثالثة ‪ 1962 -1956‬ص ‪ / 15‬محمد‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 – 1954‬ص‪338‬‬

‫عباس‪ ،‬نصر بلا ثمن َّ‬

‫‪227‬‬
‫ِف على‬
‫ك لي ُشر َ‬
‫ا لمنطقة الثالثة (القبائل) عبان رمضان إلى مدينة الجَزَائ ِر في فبراير ‪ .1955‬وذ َل ِ َ‬

‫النشاط في هَذِه ِ المدينة بعد خروجه من السجن‪.‬‬

‫وهكذا بدأت تتكون ما يسمى بمنطقة "الجَزَائ ِر الحرة" تحت إشراف عبان رمضان الَّذ ِي تمكن‬

‫بالاستعانة ببعض الخلايا النشطة من إجراء عدة اتصالات مع المنظمات والجمعيات والشخصيات‬

‫طنِي‪ .‬وبهذا أصبحت الجَزَائ ِر الحرة‬ ‫المختلفة واستطاع أن يقنعها بالانضمام إلى جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬
‫تمثل منطقة ً جديدة ً وأصبحت هيكلية ُ َّ‬
‫الثور َة أواسط سنة ‪ 1955‬كما يوضح الشكل التالي‪:‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)13‬الشكلَاَلتنظيميَللثورةَأواسطَ‪َ َ1955‬‬

‫‪228‬‬
 ‫ولتصبح القطاعات الست على الخر يطة كالتالي‪:‬‬

‫الخر يطةَ(‪َ:)26‬تقسيمَمناطقَعملياتَالثورةَأواسطَسنةَ‪َ 1955‬‬

‫أما بالنسبة للنظام الداخلي الَّذ ِي ك َانَ يعد مرجعا ً للثورة بأسرها في هَذِه ِ الحقبة َّالتِي استمرت قرابة‬
‫السنتين‪ ،‬فقد ك َانَ هو بيان الفاتح من نوفمبر الَّذ ِي أصبح يمثل هو ية َّ‬
‫الثور َة وبطاقة التعر يف فيها‪،‬‬

‫وقد جاء فيه‪:‬‬

‫الهدفَالعامَللثورة؛َالاستقلالَالوطنِيََبواسطة‪َ َ:‬‬

‫• إقامة الدولة الجَزَائِر َِّية الديمقراطية الاجت ِماع َِّية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية‪.‬‬

‫• احترام جميع الحر يات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني‪.‬‬

‫الأهدافَالداخليةَللثورةَ‪َ :‬‬

‫‪229‬‬
‫• التطهير السِيَاسِي بإعادة الحركة الوَطَن َِّية إلى نهجها الحقيقي والقضاء على جميع مخلفات الفساد‬

‫وروح الإصلاح َّالتِي ك َان َت عاملا ً هاما ً في تخلفنا الحالي‪.‬‬

‫• تجميع وتنظيم جميع الطاقات السليمة لدى الشعب الجَزَائِر ِي لتصفية النظام الاستعماري‪.‬‬

‫الأهدافَالخارجيةَللثورةَ‪َ :‬‬

‫تدو يل القضية الجَزَائِر َِّية‪.‬‬ ‫•‬

‫تحقيق وحدة شمال إفر يقيا في داخل إطارها الطبيعي العربي والإسلامي‪.‬‬ ‫•‬

‫في إطار ميثاق الأمم المتحدة نؤكد عطفنا الفعال تجاه جميع الأمم َّالتِي تساند قضيتنا‬ ‫•‬

‫التحرير ية‪.‬‬

‫وسائلَالـكفاحَ‪:‬‬

‫• العمل الداخلي سواء في الميدان السِيَاسِي أو في ميدان العمل المحض‪ ،‬والعمل في الخارج‬

‫لجعل القضية الجَزَائِر َِّية حقيقة ً واقعة ً في العالم كله‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫ك بمساندة ك ُل حلفائنا الطبيعيين‪.‬‬

‫شروطَالتفاوضَمعَالفرنسيين‪َ:‬‬

‫• الاعتراف بالجنسية الجَزَائِر َِّية بطر يقة ٍ علني ة ٍ ورسمية ٍ‪ ،‬م ُلغ ِي َة ً بِذ َل ِ َ‬
‫ك ك ُل الأقاو يل والقرارات‬

‫والقوانين َّالتِي تجع ُ‬

‫ل من الجَزَائ ِر أرضا ً فرنسية رغم التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والعادات‬

‫للشعب الجَزَائِر ِي‪.‬‬

‫مفاوضات مع الممثلين المفوضين من طرف الشعب الجَزَائِر ِي على أسس الاعتراف‬

‫ٍ‬ ‫• فتح‬

‫بالسيادة الجَزَائِر َِّية وحدة ً لا تتجزأ‪.‬‬

‫ك بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ورفع الإجراءات الخاصة‬

‫• خلق جو من الثقة وذَل ِ َ‬

‫وإيقاف ك ُل مطاردة ضد القوات المكافحة‪.‬‬

‫وفيَالمقابل‪(َ:‬الحقوقَالتِيَستعطىَللفرنسيين)َ َ‬

‫• فإن المصالح الفَرَنس َِّية‪ ،‬ثقافية ك َان َت أو اقتصادية والمحصل عَلَيْهَا بنزاهة‪ ،‬ستحترم وكذلك الأمر‬

‫بالنسبة للأشخاص والعائلات‪.‬‬

‫‪230‬‬
 ‫• جميع الفرنسيين الَّذِي َ‬
‫ن يرغبون في البقاء بالجَزَائِر ِ يكون لهم الاختيار بين جنسيتهم الأصلية‬

‫ك كأجانب تجاه القوانين السار ية أو يختارون الجنسية الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وفي هَذِه ِ الحالة‬
‫و يعتبرون بِذَل ِ َ‬

‫يعتبرون كجزائر يين بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات‪.‬‬

‫ق بين القوتين الاثنتين على أساس‬

‫• تحدد الروابط بين ف َرَنس َا والجَزَائ ِر‪ ،‬وتكون موضوعَ اتفا ٍ‬

‫المساواة والاحترام المتبادل‪.‬‬

‫المبحثَالثاني‪َ:‬مرحلةَالتنظيمَبعدَمؤتمرَالصومامَفيَأغسطسَ‪َ1956‬‬
‫في ‪ 20‬أوت‪ /‬أغسطس ‪ ،1956‬بعد سنتين من اندلاع َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬جاء مؤتمر الصومام ليكون محطة ً‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وليمثل نقلة ً نوعية ً وجوهر ية ً في هيكليتها وأنظمتها الداخلية‪ .‬فعلى‬
‫فاصلة ً في عمر َّ‬

‫صعيد المأسسة‪ ،‬ظهرت في هَذِه ِ المرحلة أجهزة جديدة مثل "المجلسَالوطنِيَللثورة" َالجَزَائِر َِّية‬

‫و"لجنةَ التنسيقَ والتنفيذ"َ و"المحافظينَ السياسيين" و"اللجان الشعبية"‪ ،‬وعلى صعيد الأنظمة‬
‫والإجراءات الداخلية َّ‬
‫نص مؤتمر الصومام على العديد من اللوائح التنظيمية‪.‬‬

‫تَ‬
‫المطلبَالأول‪َ:‬شكلَالمؤسسا َ‬

‫ك َان َت اللجنة ُ السداسية ُ جهة َ السلطة ِ العليا في َّ‬

‫الثور َة‪ ،‬هَذَا من جهة الشكل‪ ،‬أما من جهة الواقع؛‬
‫ك أصبحت قيادة َّ‬
‫الثور َة لا مركز ية‬ ‫فإن دور هَذِه ِ اللجنةك َانَ محور يا ً خلال الانطلاق‪ ،‬لـكن بعد ذَل ِ َ‬

‫ك كافة الصلاحيات الإدار ية والسِيَاس َِّية والع َسكَر َِّية والأمنية في‬
‫تقريبا ً‪ ،‬وأصبح قائد المنطقة يَمل ِ ُ‬

‫منطقته‪ ،‬ولَه ُ الصلاحيات الكاملة في اتخاذ القرار بما يوافق المبادئ الأولى َّالتِي ت ََّم الاتفاق عَلَيْهَا‬

‫عند تأسيس الجبهة‪ .‬وقد بقي الأمر كذلك ح ََّتى انعقاد مؤتمر الصومام‪ ،‬وتأسيس "المجلسَالوطنِيَ‬

‫للثورة"‪.‬‬

‫ومنذ بداية ‪ ،1957‬أصبح المجلس هو الهيئة َ العليا َّالتِي تقود َّ‬

‫الثور َة‪ ،‬وهو من يقوم بتشر يع القوانين‬
‫طنِي كاملا ً‪ ،‬كما يقوم ُ بدور الرقابة والتقييم لمسار َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬و يجتمع‬ ‫مؤقتا ً إلى غاية تحرير التراب الو َ َ‬

‫في دورة ٍ عادية ٍ مرة ً في ك ُل العام؛ ويمكن أن يجتمع في دورة استثنائية بطلب أغلبية "لجنة‬

‫‪231‬‬
‫جلس من سبعة َ عشر َ عضوا ً‬ ‫التنسيق والتنفيذ" أو بطلب من ثلثي أعضاء المجلس‪ .‬وقد َّ‬
‫تكونَ الم ُ‬
‫نواباً‪1.‬‬ ‫دائمين وسبعة َ عشر َ عضوا ً آخرين‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وسبعة عشر‬

‫سبعة عشر عضوا ً دائماً‪ :‬وهم قادة الولايات والمسؤولون التار يخيون عن اندلاع َّ‬ ‫‪1‬‬

‫عضوا ً إضافياً‪ :‬وهم يمثلون مختلف التشكيلات السِيَاس َِّية القائمة في البلاد قبل نوفمبر ‪ 1954‬والَّذ ِي َ‬
‫ن دخلوا صفوف‬
‫الثور َة بصفة ٍ فردية‪ ،‬ز يادة على ممثلي التنظيمات العمالية والطلابية والفعاليات الاقتِصَاد َِّية ‪ ،‬أي أربعة وثلاثون‬
‫َّ‬
‫عضوا ً في المجموع‪ .‬منهم الدائمين والإضافيين ‪.‬‬

‫‪232‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:)14‬هيكليةَالمجلسَالوطنِيَللثورةَالجزائِر ِيةَسنةَ‪َ 1957‬‬

‫‪233‬‬
‫طنِي "لجنةَالتنسيقَوالتنفيذ"‬
‫ولتسهيل العمل ومواكبة الواقع المتغير للثورة‪ ،‬انبثقت عن المجلس الو َ َ‬

‫بسلطات واسعة ٍ فيما بين جلسات‬

‫ٍ‬ ‫لتقوم بقيادة شؤون َّ‬
‫الثور َة وتسيير أعمالها‪ ،‬فحظيت هَذِه ِ اللجنة‬

‫طنِي للثورة إلا فيما ي ُّخص القضايا المتعلقة بمصير مستقبل البلاد‪ .‬وحظي أعضاؤها‬
‫المجلس الو َ َ‬

‫بسلطة مراقبة المنظمات السِيَاس َِّية والاقتِصَاد َِّية والاجت ِماع َِّية والع َسكَر َِّية للثورة‪ ،‬فك َانَ لهم الحق‬

‫في تشكيل الحكومة المؤقتة بالتنسيق مع المندوبين في الخارج‪ ،‬وهم مكلفون ‪-‬دون غيرهم‪ -‬بانتقاء‬

‫مختلف اللجان الفرعية‪1 .‬وقد تكونت هَذِه ِ اللجنة من خمسة أعضاء‪.‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)15‬أعضاءَاللجنةَالمركز يةَسنةَ‪َ 1956‬‬

‫وعلى الصعيد الداخلي؛ استطاع مؤتمر الصومام إقامة إدارة جزائر ية؛ تمكنت َّ‬
‫الثور َة عن طر يقها‬

‫من محاصرة الإدارة الاستعمار ية َّالتِي انصرف عنها الشعب‪ ،‬إذ ت ََّم تقسيم البلاد إلى ِ‬
‫ست مناطق‪.‬‬

‫ومن تار يخ المؤتمر استبدل اسم المنطقة بـ "الولاية"‪ .‬بِ حَي ْثُ يصبح التقسيم الإداري في البلاد‬

‫كالتالي‪ :‬الولاية؛ ث َُّم المنطقة‪ .‬ث َُّم الناحية‪ ،‬ث َُّم القسمة‪.‬‬

‫ل السلطة المركز ية لجبهة َّ‬

‫التحرِير‬ ‫والقائد في هَذِه ِ المناطق لَه ُ صفتان‪ :‬ع َسكَر َِّية وسِيَاس َِّية‪ ،‬وهو يُمَث ِ ُ‬

‫طنِي في منطقته أو ناحيته‪ ،‬و يحيط بِه ِ ثلاثة نواب من الضباط يعتنون بالفروع التالية‪ :‬الفرع‬
‫الو َ َ‬

‫طنِي الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪139‬‬ ‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫‪234‬‬
‫الع َسكَر ِي‪ ،‬والفرع السِيَاسِي‪ ،‬وفرع الاستعلامات والاتصالات؛ كما توجد ُ مراكز ُ قيادة ٍ لكل من‬
‫والقسم‪1 .‬‬ ‫الولاية والمنطقة والناحية‬

‫الشكلَ(‪َ:)16‬التقسيمَالإداريَبعدَمؤتمرَالصومامَ‪َ 1956‬‬

‫طنِي ولجنة التنسيق والتنفيذ‪ ،‬أقر مؤتمر الصومام تشكيل ما يعرف‬

‫وبالإضافة إلى تشكيل المجلس الو َ َ‬

‫ن‪ ،2‬وتمثلت مهامهم الأساسية في‪ :‬تنظيم وتثقيف الشعب عبر الدعاية والتوجيه‬
‫بالمحافظينَالسياسيي َ‬
‫الثور َة‪ ،‬وتبليغ سياسات وقرارات جبهة َّ‬
‫التحرِير‪.‬‬ ‫والرد على الحرب النفسية الفَرَنس َِّية‪ ،‬ونشر أخبار َّ‬

‫ق في إعطاء آرائهم في جميع برامج الأعمال الع َسكَر َِّية لجيش َّ‬
‫التحرِير‬ ‫وللمحافظين السياسيين الح ُ‬
‫طنِي‪ ،‬كما عليهم جَم ُع أموال التبرعات والزكاة وتموين َّ‬
‫الثور َة وفض النزاعات وضبط الأحوال‬ ‫الو َ َ‬
‫الشخصية للسكان وشن الحرب النفسية المضادة‪ ،‬وعليهم أيضا ً أن يعملوا على تمتين العلاقة بين‬

‫طنِي للدراسات والبحث في الحركة الوَطَن َِّية وثورة أيلول نوفمبر ‪ ،1954‬كتاب مرجعي عن َّ‬
‫الثور َة‬ ‫المركز الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫التحرير ية ‪ ،1962-1954‬ص ‪52‬‬

‫ك َان َت وظيفة المحافظ السِيَاسِي موجودة منذ اندلاع َّ‬
‫الثور َة إلا أنها لم تكن معممة وواضحة المهام والأهداف‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وبعد مؤتمر الصومام ُّأقرت بِش َك ٍ‬

‫ل رسمي‪ .‬وه ُنَاك َ أسماء عديدة للمحافظ السِيَاسِي وردت في وثائق جبهة َّ‬
‫التحر ِير‬
‫طنِي‪ ،‬مثل المرشد السِيَاسِي‪ ،‬المسؤول السِيَاسِي‪ ،‬الـكوميسار‪ ،‬شيوخ البلديات‪...‬إلخ‬
‫الو َ َ‬

‫‪235‬‬
 ‫َّ‬
‫الثور َة والشعب والعناية بالأقليات الأوروبية ومساجين الحرب‪ 1 .‬ويتدرجون في الرتبة من الولاية‬

‫حي ْثُ ت ََّم تعيين في ك ُل منها محافظ سياسي‪ ،‬لَه ُ نفس رتبة‬
‫إلى القسمة مرورا ً بالمنطقة والناحية‪َ ،‬‬

‫القائد الع َسكَر ِي في الهيكل الإداري المعين فيه‪ ،‬وقد ك َانَ عضوا ً بارزا ً في مجلس القيادة على‬
‫والقسمة‪2.‬‬ ‫مستوى الولاية والمنطقة والناحية‬

‫طنِي تلجأ إلى اختيار محافظين سياسيين من بين المناضلين القدماء‬ ‫وعادة ما ك َان َت جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫طنِي قبل تعيين المحافظ تختبره في‬ ‫لحزب الشعب الجَزَائِر ِي‪ ،‬كما ك َان َت قيادة جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫المعارك‪ ،‬وتراقبه في الصبر على المكاره‪ ،‬فالتاريخ النضالي للمحافظ السِيَاسِي‪ ،‬ك َانَ لَه ُ وقع في نفوس‬

‫الجماهير لما يُولِدُه ُ من ثقة ٍ في شخصه‪ 3.‬والجديرَبالذكرَأنَالثورةَقدَأنشأتَفيَ"وجـدة"َسنةَ‪َ1957‬‬

‫مدرسة ًَلتأهيلَالمحافظينَالسياسيين‪َ،‬لتجنيدَإطاراتَمدربةَوقادرةَعلىَالابتكار‪4.‬‬

‫ويمكن القول إن من أهم عوامل نجاح َّ‬

‫الثور َة‪ ،‬حرصها على الأخلاق الحميدة وإقامة أحكام‬

‫الشر يعة‪ .‬وكمثال على ذَلِكَ‪ ،‬فرضت الولاية الثانية "مئة سنتيم" غرامة مالية للحاضر الَّذ ِي يتخلف‬

‫عن صلاة الصبح‪ ،‬و"خمسة وعشرين سنتيم" للمتخلف عن الصلوات الأخرى‪" ،‬فاضطر الَّذ ِي َ‬
‫ن لم‬

‫يكونوا يصلون طوال حياتهم إلى الخضوع والحضور إلى المسجد للصلاة‪ ،‬وت ََّم من ُع الناس من‬
‫والنفة"‪5 .‬‬ ‫التدخين‬

‫وعلىَصعيدَالحوكمةَالداخليةَأيضا ً‪ ،‬قرر مؤتمر الصومام تأسيس المجالسَالشعبية‪َ ،‬وجُعلت هَذِه ِ‬

‫ِف مجلس القر ية على إحصاء المدن‪ ،‬وجمع الضرائب‪ ،‬والسهر‬
‫المجالس في ك ُل قر ية‪ ،‬بِ حَي ْثُ يُشر ُ‬

‫طنِي للدراسات والبحث في الحركة الوَطَن َِّية وثورة أيلول نوفمبر ‪ ،1954‬كتاب مرجعي عن َّ‬
‫الثور َة‬ ‫المركز الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫التحرير ية ‪ ،1962-1954‬ص ‪50‬‬

‫د سبحي عائشة‪ ،‬ود تاونزة محفوظ‪ ،‬دور المحافظ السِيَاسِي في تفعيل الاستراتيجية الإعلامية للثورة التحرير ية‬ ‫‪2‬‬

‫الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪157-158‬‬

‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫د‪ .‬غربي محمد‪ ،‬قراءات ودراسات المجلة الثقافية الجَزَائِر َِّية‪( ،‬أستاذ محاضر – بالعلوم السِيَاس َِّية‪ ،‬في جامعة‬ ‫‪4‬‬

‫الشلف بالجَزَائِر ِ) – المحافظون السياسيون‪ ،‬رابط الـكتروني‪https://thakafamag.com/?p=8765 :‬‬

‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪236‬‬
‫على تحقيق الأمن‪ ،‬وفصل النزاعات‪ ،‬وتوفير المستطاع من المرافق الأساسية الصحية أو التعليمية‬

‫أو الخدمية‪ ،‬وكفالة الأيتام والأرامل‪َ 1.‬‬

‫فك َان َت هَذِه ِ المجالس تساعد المحافظ السِيَاسِي في مهامه المختلفة والمتعددة‪ ،‬وتتكون من طرف سكان‬

‫القرى والأحياء عن طر يق الانتخابات‪ ،‬تنبثق عنها هيئات فرعية وأقسام‪ .‬يراعى في اختيار أعضائها‬

‫الَّذ ِي َ‬
‫ن يبلغ عددهم خمسة‪ ،‬الانتماء السِيَاسِي والوضع الاجتماعي من عادات وتقاليد‪.‬‬

‫وك َانَ انتخاب "المجالس الشعبية" ي َت ُُّم بأن يجمع "المحافظ السِيَاسِي" جميع الناخبين في القر ية (وهم‬

‫جميع الرجال من سن الثامنة عشرة فصاعداً) و يعرض عليهم قائمة الخمسة أعضاء الَّذِي َ‬
‫ن وقع‬

‫اختيارهم (بِ حَي ْثُ يكونون أمناء‪ ،‬أذكياء‪ ،‬محبوبين لدى الجميع قادرين على تحمل المسؤوليات المترتبة‬
‫عن نيابتهم) و يكون انتخابهم بالهتاف الجماعي‪ ،‬فإن ظهرت معارضة ما؛ يجب وقتها إجراء‬

‫التصويت السري‪.‬‬

‫وفي المناطق َّالتِي يوجد بِهَا مناضلون من حزب الشعب الجَزَائِر ِي‪ ،‬ي َت ُُّم اختيارهم لِتِل ْ َ‬
‫ك المهمة‬

‫انطلاقا ً من عامل الخ برة والتجربة والاستعداد؛ أَما في المناطق َّالتِي ينعدم فيها المناضلين ِفإنَ‬
‫ذ َلِكَ‪2 .‬‬ ‫السكان يلجؤون إلى اختيار من يلتمسون فيهم الثقة والقدرة على‬

‫لعبت المجالس الشعبية دورا ً هاما ً في إدارة الشؤون العامة للمواطنين وحل مشاكلهم‪ ،‬وتموين‬

‫ُل ما تحتاج إليه من الألبسة والأحذية والأدو ية والمواد الغذائية والأموال َّالتِي ك َان َت‬ ‫َّ‬
‫الثور َة بِك ِ‬
‫طر يق‪3:‬‬ ‫تدفع بمحض الإرادة‪ ،‬وك َان َت ت َّحصل عن‬

‫‪ 1‬ـ الاشتراكات‪ :‬مبلغ مالي يدفع شهر يا ً‪ ،‬موزع بطر يقة متفاوتة حسب المناطق والولايات‪،‬‬

‫يراعى فيه دخل المواطنين‪ .‬فالموظف يدفع ‪ %10‬من راتبه الشهري‪ ،‬والتاجر يدفع اشتراكاته‬

‫طنِي الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪156‬‬ ‫انظر أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫أ‪ .‬إدريس لعبيدي‪ ،‬التن ظيم السِيَاسِي والإداري والع َسكَر ِي في الولاية الثالثة التار يخية (‪– )\1962-1954‬‬ ‫‪2‬‬

‫المجالس الشعبية أنموذجا ً – ص ‪15‬‬

‫د‪ .‬غربي محمد‪ ،‬قراءات ودراسات المجلة الثقافية الجَزَائِر َِّية‪( ،‬أستاذ محاضر – بالعلوم السِيَاس َِّية‪ ،‬في جامعة‬ ‫‪3‬‬

‫الشلف بالجَزَائِر ِ) – المحافظون السياسيون‪ ،‬رابط الـكتروني‪https://thakafamag.com/?p=8765 :‬‬

‫‪237‬‬
‫الشهر ية بانتظام حسب دخله التجاري‪ .‬وك َانَ الاشتراك يدفع مقابل وصل مختوم بختم جبهة‬

‫طنِي‪.‬‬ ‫َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫‪ 2‬ـ الغرامات‪ :‬ك َان َت تفرض على المجرمين والمخالفين لنظام َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬والمدخنين ورواد الحانات‬

‫والمقاهي الفَرَنس َِّية‪ ،‬وبيوت الدعارة‪ ،‬ومنتهكي حرمة رمضان‪ .‬وك َان َت المجالس والمَحَاكِم الشعبية هي‬

‫َّالتِي تحدد قيمة الغرامة المالية‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ الزكاة‪ :‬وفق ما ُّ‬

‫تنص عَلَيْه ِ الشر يعة الإسلامية‪ .‬تقدم في شكل نقود على الأموال‪ ،‬كما ك َان َت‬

‫تفرض على المحاصيل الزراعية والماشية والعقار‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ الضرائب‪ :‬إلزامية على الجزائر يين داخل وخارج الوطن‪ ،‬لـكن عائداتها قليلة لشدة فقر المجتمع‬
‫الجَزَائِر ِي‪ .‬ك َان َت تفرض على عقود الملـكية والزواج وأصحاب المقاهي والمبادلات التجار ية‪،‬‬
‫طنِي‪.‬‬ ‫وأصحاب السيارات والشكاوى َّالتِي ترفع أمام محاكم جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫‪ 5‬ـ التبرعات والهبات‪ :‬يقدمها التجار ُ والحرفيون والأغنياء وبعض شركات النفط ونقل المسافرين‪،‬‬

‫والمستعمرين الأوروبيين "طائعين أو كارهين" دفعا ً للضرر الَّذ ِي يتعرضون لَه ُ‪ ،‬وحفاظا ً منهم على‬

‫نفوسهم وأرزاقهم‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ الغنائم‪َّ :‬التِي يغنمها المجاهدون خلال معاركهم مع الفرنسيين‪ ،‬وغالبا ً ما تكون في شكل أسلحة‬

‫أو ألبسة أو نقود أو مواشي وحبوب فت َُّقيد في سجل خاص‪.‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)17‬الهيكلَالتنظيميَللمجلسَالشعبي َ‬

‫‪238‬‬
‫وتماشيا ً مع الهيكل التنظيمي صار للقسمة السلطة العليا على المجالس الشعبية َّالتِي تتكلف بأحوال‬

‫صاد َِّية والشرطة‪ .‬ويتكامل دور‬

‫الناس المدنية والشؤون الشرعية الإسلامية والشؤون المالية والاقت ِ َ‬

‫القسمة والناحية في السهر على عمل المجالس الشعبية‪ ،‬مع دور المسؤول السِيَاسِي (المحافظ) في‬

‫حي ْثُ تُعقَد ُ الاجتماعاتُ ك ُل شهر على جميع المستو يات كلما ك َان َت الظروف‬
‫حدود دائرته‪َ ،‬‬
‫سانحة‪1.‬‬ ‫الحربية‬

‫وك َان َت المجالس الشعبية تختضع لتفتيش عام في صفوفها‪ ،‬وللمناطق الحق في عزل أعضائها‬

‫وتبديلهم حسب ما تقتضيه مصلحة النظام العام؛ وك َانَ يمنع تسليم المسؤولية مهما ك َانَ نوعها لمن‬
‫مشبوه ٍ‪2 .‬‬
‫ألقى الاستعمار عَلَيْه ِ القبض ث َُّم أطلق سراحه بِش َك ٍ‬
‫ل‬

‫إضافةَإلىَهذا‪َ،‬كانتَالمحاكِمَمنَبين َالمؤسساتَالداخليةَالتِيَكانَدورهاَبارزاًَفيَالثورة‪َ،‬‬

‫طنِي أهمية كبرى لجهاز القضاء‪ ،‬لمنع المواطنين من التقاضي‬ ‫حي ْثُ ََأعطت جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬ ‫َ‬

‫والتخاصم أمام المَحَاكِم الفَرَنس َِّية‪ .‬وك َان َت اللجان الشرعية تتكون من خمسة أعضاء يُختَارون من بين‬

‫المواطنين الَّذِي َ‬
‫ن يتصفون بالـكفاءة والأخلاق الحسنة‪ .‬وك َان َت هَذِه ِ اللجان تنقسم إلى فرعين‪:‬‬

‫طنِي (محاكم‬
‫التحرِير الو َ َ‬ ‫أحدهما ُّ‬
‫يبت في القضايا الشعبية (محاكم مدنية)‪ ،‬والثاني خاص بجيش َّ‬

‫ع َسكَر َِّية)‪ .‬وك َان َت المَحَاكِم المدنية تنطلق من الشر يعة الإسلامية‪ ،‬بينما تنطلق المَحَاكِم الع َسكَر َِّية‬
‫الإسلامية‪4.‬‬ ‫"الثور َِّية" ‪ 3‬من القانون الداخلي لجبهة َّ‬
‫التحرِير والشر يعة‬ ‫َّ‬

‫أ‪ .‬إدريس لعبيدي ‪ -‬التنظيم السِيَاسِي والإداري والع َسكَر ِي في الولاية الثالثة التار يخية (‪– )\1962-1954‬‬ ‫‪1‬‬

‫المجالس الشعبية أنموذجا ً – ص ‪15-12‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪16‬‬ ‫‪2‬‬

‫طنِي أو أعضاء جيش َّ‬

‫التحر ِير‬ ‫‪ 3‬إذا ك َانَ الأمر يتعلق بجريمة أو بقضية أحد أطرافها من مناضلي جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬
‫الثور َِّية‪ .‬وفي جميع‬
‫طنِي؛ فإن لجنة العدل تتخلى عن الموضوع وتحوله إلى هيئات قضائية أخرى تسمى المحَكَم َة َّ‬
‫الو َ َ‬
‫طنِي‪.‬‬ ‫الحالات فإن تنفيذ الأحكام يخضع لإجراءات مضبوطة ضمن القانون الداخلي لجيش َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬
‫طنِي الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪157‬‬ ‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪4‬‬

‫‪239‬‬
‫ولأن الشر يعة الإسلامية ك َان َت هي المرجع الأساسي للجان الشعبية؛ فقد أصبح المواطن يلجأ في‬
‫ومؤسساتها‪1.‬‬ ‫ك عن الإدارة الاستعمار ية‬
‫حل مشاكله إلى هَذِه ِ اللجان المحلية مستغنيا ً في ذَل ِ َ‬

‫وعلىَالصعيدَالداخليَأيضا ً‪َ،‬تمَالإعدادَ لمراكزَالاستشفاءَ(المستشفيات) والتخطيط لمواقعها‬

‫طنِي والمواطنين المقيمين بالمناطق المحررة‬ ‫ح ََّتى تكون قادرة ً على تلبية حاجات جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫على وجه الخصوص‪ ،‬بل إن الجبهة زودت هَذِه ِ المراكز الطبية بقانون داخلي موحد يحدد شروط‬

‫القبول فيها و يضبط المقاييس َّالتِي يجب أن تتوفر في هيئة المشرفين عَلَيْهَا من الأطباء والممرضين‬
‫الحالات‪2.‬‬ ‫وكيفية جلب الأدو ية اللازمة وما ينبغي القيام بِه ِ لضمان أمنها في جميع‬

‫ولقد أدت مراكز ُ الاستشفاء ِ دورا ً كبيراً‪ ،‬ليس في معالجة المرضى والجرحى فحسب‪ ،‬ولـكن‬
‫كذلك في تأهيل الممرضات والممرضين الَّذ ِي َ‬
‫ن كانوا يُختَارون من بين الشباب المتعلم‪ .‬وعلى الرغم‬

‫طنِي ك َان َت تستقبل‬ ‫من قلة الأدو ية والعتاد الطبي‪ ،‬فإن المراكز الصحية التابعة لجيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬
‫العاديين‪3 .‬‬ ‫للمداواة العاجلة والضرور ية أعدادا ً كبيرة ً من المواطنين‬

‫طنِي قد نظم بنجاح حملات واسعة النطاق لمحو الأمية‬ ‫أماَفيَميدانَالتعليم؛ فإن جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫في صفوفه قبل أن يشرع في تأسيس المدارس اللازمة لتعليم أبناء الر يف وتمكينهم من الدخول‬

‫إلى عالم القراءة والكتابة‪ .‬وكلما ك َان َت الفرصة ُ مواتية ً ك َانَ الأطفال في سن المراهقة خاصة؛‬
‫طني‪4.‬‬
‫الو َ َ‬
‫ِ‬ ‫حي ْثُ الدراسة منتظمة تحت إشراف جبهة َّ‬
‫التحرِير‬ ‫يهاجرون إلى الحدود الشرقية والغربية َ‬

‫د‪ .‬غربي محمد‪ ،‬قراءات ودراسات المجلة الثقافية الجَزَائِر َِّية‪( ،‬أستاذ محاضر – بالعلوم السِيَاس َِّية‪ ،‬في جامعة‬ ‫‪1‬‬

‫الشلف بالجَزَائِر ِ) – المحافظون السياسيون‪ ،‬رابط الـكتروني‪https://thakafamag.com/?p=8765 :‬‬

‫الدكتور العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الثاني (‪ ،)1962-1954‬ص ‪93‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪94‬‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪94‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪240‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:)18‬الشكلَالتنظيميَبعدَمؤتمرَالصومامَ‪َ 1956‬‬

‫كما أن التنظيم الإداري الَّذ ِي نتج عن المؤتمر لم يقتصر على الجَزَائ ِر فحسب بل تعداها إلى الخارج‬

‫حي ْثُ يوجد الجزائر يون؛ فت ََّم تقسيم الأراضي الفَرَنس َِّية حسب السكان المهاجرين إلى ولايات‪،‬‬
‫َ‬

‫الثور َة في داخل ف َرَنس َا ح ََّتى تكون الحرب‬

‫ك لتنظيم َّ‬
‫ومناطق‪ ،‬ونواحي‪ ،‬وقسمات‪ ،‬وخلايا‪ ،‬وذَل ِ َ‬
‫في عقر دار المستعمر‪ 1 .‬وبعد مؤتمر ُّ‬
‫الصومام‪ ،‬أي في سنة ‪1957‬؛ كلف عبان رمضان المناضل‬

‫عمر بوداود بإعادة تنظيم فيديرالية ف َرَنس َا والاستعداد لفتح جبهة قتالية في ف َرَنس َا‪.‬‬

‫طنِي الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪159‬‬ ‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫‪241‬‬
 ‫المطلبَالثاني‪َ:‬تطورَالنظامَالداخليَللثورةَبعدَمؤتمرَالصومام َ‬

‫أكد مؤتمر الصومام بداية ً على جميع الأهداف والقيم َّالتِي سبق إعلانها في بيان الفاتح من نوفمبر‪،‬‬

‫الثور َة هو تقو يض أركان الاحتلال واسترجاع السيادة الوَطَن َِّية بِك ِ‬

‫ُل‬ ‫حي ْثُ أن الهدف من َّ‬
‫َ‬
‫على‪1 :‬‬ ‫ك من خلال إجبار السلطات الفَرَنس َِّية‬
‫مقوماتها‪ ،‬وذَل ِ َ‬

‫• الاعتراف بالشعب الجَزَائِر ِي وحدة لا تتجزأ‪َ .‬‬

‫• الاعتراف بالسيادة الوَطَن َِّية الكاملة‪َ.‬‬

‫طنِي كممثل شرعي ووحيد للشعب الجَزَائِر ِي‪.‬‬ ‫• الاعتراف بجهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫إضافة إلى هَذَا؛ ت ََّم التصويت خلال مؤتمر الصومام على مبدأين جديدين في الميثاق الداخلي لجبهة‬
‫‪2‬‬ ‫َّ‬
‫التحرِير‪:‬‬

‫‪ .1‬أولو ية العمل السِيَاسِي على العمل الع َسكَر ِي‪َ .‬‬

‫‪ .2‬أولو ية الداخل على الخارج‪.‬‬

‫وعلى الصعيد السِيَاسِي أيضا ً‪ ،‬ناقش المؤتمر مسألة المفاوضات وحدد شروط وقف إطلاق النار‪،‬‬

‫وك َانَ من أهمها الاعتراف بالأمة الجَزَائِر َِّية واستقلالها وإطلاق سراح المعتقلين والاعتراف بجبهة‬

‫طنِي ممثلا ً وحيدا ً وشرعيا ً للشعب الجَزَائِر ِي‪ 3 .‬أما على المستوى الدبلوماسي فقد أكد‬ ‫َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬
‫حضور َ َّ‬
‫الثور َة عن طر يق ممثليها في المحافل الدولية بتعيين الأمين دباغين مسؤولا ً عن مندوبية‬

‫الخارج‪ ،‬وأشارت وثيقة الصومام إلى دمج القضية الجَزَائِر َِّية مع القضيتين المغربية والتونسية وأن‬
‫لَه ُ‪4.‬‬ ‫استقلالهما بدون الجَزَائ ِر لا معنى‬

‫طنِي للدراسات والبحث في الحركة الوَطَن َِّية وثورة أيلول نوفمبر ‪ ،1954‬كتاب مرجعي عن َّ‬
‫الثور َة‬ ‫المركز الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫التحرير ية ‪ ،1962-1954‬ص ‪49‬‬

‫د‪ .‬صحراوي عبد القادر‪ ،‬مؤتمر الصومام ‪ 1956‬من خلال شهادات بعض قادة َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬ص ‪67‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬المصدر نفسه‪67 ،‬‬

‫سعيد بن يبا ‪ -‬عبد اللطيف رابح‪ :‬مؤتمر الصومام ‪ 02‬اوت ‪ ،1956‬قراءة في النتائج والمسارات‪ ،‬مذكرة شهادة‬ ‫‪4‬‬

‫الماستر في التاريخ‪ ،‬جامعة أحمد دراية‪ ،‬ص‪27‬‬

‫‪242‬‬
‫ث َُّم في يوليو‪ ، 1957‬أي بعد سنة تقريبا ً من مؤتمر الصومام‪ ،‬التقى الأعضاء الأربعة للجنة التنسيق‬

‫طنِي للثورة‬ ‫والتنفيذ بعد خروجهم من الجَزَائ ِر في مدريد بإسبانيا‪ ،‬وقرروا استدعاء المجلس الو َ َ‬

‫طنِي في‬ ‫ٍ‬

‫اجتماع لأعضاء المجلس الو َ َ‬ ‫للاجتماع لدراسة آخر التطورات‪ ،‬فتمت الدعوة إلى عقد‬

‫القاهرة‪ ،‬ما بين ‪ 20‬و‪ 28‬أوت‪/‬أغسطس ‪ .1957‬وبالفعل ت ََّم عقد الاجتماع بالموعد المحدد‬
‫عباس‪1 .‬‬ ‫طنِي‪ ،‬برئاسة فرحات‬
‫و بحضور اثنين وعشرين عضوا ً من المجلس الو َ َ‬

‫طنِي من أربعة‬
‫وانتهى الاجتماع بجملة من القرارات الهامة‪ ،‬منها‪ :‬رفع عدد أعضاء المجلس الو َ َ‬

‫وثلاثين عضوا ً نصفهم أصليون والنصف الآخر مساعدون‪ ،‬إلى أربعة وخمسين كلهم أصليون‬

‫"دائمون"‪ .‬وتعيين لجنة جديدة للتنسيق والتنفيذ تتكون من تسعة ِ أعضاء أحرار وهم‪ :‬کریم‪ ،‬عبان‪،‬‬
‫بوالصوف‪ ،‬بن طوبال‪ ،‬أوعمران‪ ،‬محمود شر يف‪ ،‬فرحات عباس‪ ،‬مهري‪ ،‬الأمين دباغين‪ ،‬كما‬

‫أضيف إليهم الأعضاء الخمسة المسجونين في ف َرَنس َا وهم‪ :‬بن بلة وبوالضياف‪ ،‬آیت أحمد‪ ،‬خيضر‪،‬‬
‫ودحلب‪2.‬‬ ‫بيطاط‪ ،‬بينما ُّأبعد من اللجنة ك ُل من بن خدة‬

‫هم‪ :‬بلقاسم کریم‪ ،‬رمضان عبان‪ ،‬بن يوسف بن خدة‪ ،‬سعد دحلب‪ ،‬الأخضر بن طوبال‪ ،‬عبد الحفيظ‬ ‫‪1‬‬

‫بوالصوف‪ ،‬عمار أو عمران‪ ،‬سليمان دحیلس‪ ،‬فرحات عباس‪ ،‬الأمين دباغين‪ ،‬محمد الصديق بن يحيى‪ ،‬أحمد‬
‫فرانسيس‪ ،‬عبد الحميد مهري‪ ،‬إبراهيم مزهودي‪ ،‬الطيب الثعالبي‪ ،‬توفيق المدني‪ ،‬محمد يزيد‪ ،‬وهم كلهم أعضاء في‬
‫المجلس الَّذ ِي عينه مؤتمر الصومام وأضيف إليهم خمسة أعضاء جدد وهم‪ :‬محمود شر یف ومحمد العموري (من‬
‫الولاية الأولى) الهواري بومدين (من الولاية الخامسة)‪ .‬عمار بن عودة‪ ،‬عمار بوقلاز (من الولاية الثانية)‪.‬‬
‫أفرز الاجتماع صراعا ً بين كريم وبوالصوف من جهة‪ ،‬وعبان من جهة أخرى حول بعض القرارات َّالتِي‬ ‫‪2‬‬

‫اتخذت في مؤتمر الصومام‪ .‬وهي‪ :‬أولو ية الداخل على الخارج‪ ،‬أولو ية السِيَاسِي على الع َسكَر ِي‪ ،‬وتعين بن خدة‬
‫ودحلب في لجنة التنسيق والتنفيذ‪ .‬ووسط رفض عبان التراجع عن هَذِه ِ القرارات وإصرار کریم وبوالصوف‬
‫على التراجع عنها‪ ،‬لم يجد عبان مساندة كافية من الأعضاء الآخرين‪ ،‬فتمت إزالة القرارات الثلاثة‪.‬‬

‫‪243‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:) 19‬أعضاءَلجنةَالتنسيقَوالتنفيذَبعدَاجتماعَأوتَ‪َ 1957‬‬

‫بعض مخرجات مؤتمر الصومام َّالتِي ك َان َت محل خلاف بين الوفد‬
‫ُ‬ ‫ألغيت في هَذَا الاجتماع‬

‫الداخلي والوفد الخارجي قبيل اعتقاله‪ ،‬مثل‪ :‬أولو ية الداخل على الخارج‪ ،‬وأولو ية السِيَاسِي على‬

‫‪244‬‬
‫الع َسكَر ِي‪ ،‬كما أوصى المجلس بمضاعفة النشاط الع َسكَر ِي والسِيَاسِي وتفو يض لجنة التنسيق والتنفيذ‬
‫مناسبة‪1.‬‬ ‫بالعمل على تشكيل حكومة مؤقتة متى ما ك َان َت الظروف‬

‫واجتمعت لجنة التنسيق والتنفيذ الجديدة في تونس ما بين ‪ 25‬و‪ 29‬أكتوبر ‪ ،1957‬فوزعت‬

‫المهام بين أعضائها على الشكل التالي‪:‬‬

‫الشكلَ(‪َ:) 20‬توزعَالمسؤولياتَبينَأعضاءَلجنةَالتنسيقَفيَأكتوبرَ‪َ 1957‬‬

‫طنِي الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص‪181‬‬ ‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫‪245‬‬
 ‫كما أصدرت اللجنة على إثر هَذَا الاجتماع بيانا ً يحتوي عل عدة نقاط‪:‬‬

‫‪ -1‬هدف َّ‬
‫الثور َة هو الاستقلال‪َ .‬‬

‫‪ -2‬إن المفاوضات لا يمكن أن تكون إلا بالاعتراف سلفا ً باستقلال الجَزَائ ِر‪َ.‬‬
‫التحرِير الَّذ ِي أصبح اليوم ُّ‬
‫يضم أكثر من مئة ألف جندي‬ ‫‪ -3‬أشاد البيان بدور جيش َّ‬

‫يواجهون قوات العدو‪.‬‬

‫‪ -4‬وضح البيان خطة اللجنة السِيَاس َِّية في الداخل والخارج وعلاقاتها بدول المغرب والدول‬

‫العربية والأمم المتحدة‪.‬‬

‫‪246‬‬
 ‫المبحثَالثالث‪َ:‬جيشَالتحرِيرَالوطنِيَ‬
‫التحرِير في بعض المسؤوليات َّالتِي‬
‫طنِي وجيش َّ‬ ‫لم يكن ه ُنَاك َ فصل تام بين جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫الثور َة‪ ،‬فالرجال الَّذ ِي َ‬

‫ن أعلنوا الانطلاقة يوم‬ ‫تتداخل فيها المهام خلال المرحلة الأولى من اندلاع َّ‬

‫ك رغم الإعلان‬ ‫أول نوفمبر ‪ 1954‬هم أنفسهم الَّذِي َ‬

‫ن كانوا ينظمون الشعب سياسيا ً وعسكر يا ً‪ ،‬وذَل ِ َ‬

‫عن قيام تنظيمين يوم أول نوفمبر ‪ 1954‬أحدهما سياسي وهو الجبهة والآخر ع َسكَر ِي وهو جيش‬

‫طنِي‪.‬‬ ‫َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫حي ْثُ قام قادة َّ‬

‫الثور َة من خلاله‬ ‫لـكن مؤتمر الصومام َّ‬
‫مثل حقبة ً جديدة ً من التنظيم والتشكيل‪َ ،‬‬

‫التحرِير ليكون كيانا ً مستقلا ً ‪-‬نوعا ً ما‪ -‬عن بقية الأجهزة السِيَاس َِّية والاجت ِماع َِّية‪،‬‬
‫بتنظيم جيش َّ‬

‫مختصا ً في الجانب الع َسكَر ِي‪ ،‬فأصبح لَه ُ نظام داخلي وتشكيلات ع َسكَر َِّية واضحة ُ الرتبِ‬

‫والصلاحيات والمها ِم‪ ،‬ث َُّم تطور بعد ذ َل ِ َ‬

‫ك ليمثل وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة‪.‬‬ ‫ِ‬

‫المطلبَالأول‪َ:‬جيشَالتحرِيرَماَقبلَمؤتمرَالصومامَ َ‬

‫َّ‬
‫الثور َة كالتالي‪1 :‬‬ ‫ِي‪ ،‬فقد ك َان َت أقسام جيش َّ‬
‫التحرِير مع بداية‬ ‫علىَمستوىَالتشكيلَالعسكر َ‬

‫الشكلَ(‪َ:)21‬الشكلَالتنظيميَلجيشَالتحر ِيرَالوطنِيَقبلَمؤتمرَالصومامَ‪1957‬‬

‫الثور َة التحرير ية الجَزَائِر َِّية ‪ ،1956 – 1954‬ص‪94‬‬

‫أمال شلي‪ ،‬التنظيم الع َسكَر ِي في َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪247‬‬
‫ك َان َت قيادة الجيش تحتفظ بملف خاص لكل مجاهد‪ ،‬تجمع فيه المعلومات الهامة عن سيرته قبل‬

‫التحاقه وعن أي مخالفة يرتكبها أثناء التحاقه‬

‫بجيش َّ‬
‫التحرِير وعن عائلته وتاريخ التحاقه‬

‫بالجيش؛ وتسجل الجزاءات والعقوبات‬

‫المتعلقة بِه ِ‪ 1،‬كما ك َانَ لجيش َّ‬
‫التحرِير نظام‬
‫أيضاً‪2:‬‬ ‫حي ْثُ المهام‬
‫خاص من َ‬

‫ل مهامه في شن الغارات على‬

‫س ومقرٍ خاصٍ‪ ،‬وتتمث ُ‬
‫المجاهدَ "المجند"‪ :‬لم يكن يتميز ُ بلبا ٍ‬ ‫•‬

‫القوات الاستعمار ية بتكتيك حربي جماعي‪ ،‬وأصبح يتميز ُ بلباسه ومراكزه الخاصة َّالتِي‬
‫حي ْثُ ك َانَ المجاهد في بداية الأمر يعيش بين السكان‬
‫ل تدر يجي لاحقا ً‪َ ،‬‬
‫تكونت بِش َك ٍ‬
‫وفي بيوتهم‪.‬‬

‫المسب ِل‪ 3:‬المسَب ِلون هم الأنصار ممن يتطوعون للعمل في مناطقهم‪ ،‬خاصة في الأر ياف‬ ‫•‬

‫خدمات عديدة‪ ،‬من نقل للمؤونة وحراسة للمجاهدين أثناء‬

‫ٍ‬ ‫والمدن الصغرى و يقومون ب‬

‫فترات الراحة ويحملون الأسلحة والجرحى‪ ،‬و يقدمون المعلومات عن تحركات العدو كما‬

‫يقومون باستدراجه‪ ،‬و يقطعون خطوط الهاتف والـكهرباء وك ُل أجهزة ووسائل‬

‫الاتصال‪ ،‬وقد يقومون بتدمير الجسور وتخريب الطرقات وتحطيم البنية التحتية وتخريب‬
‫المباني‪.‬‬

‫الفدائي‪ :‬و يعمل وسط الكيان الاستعماري لإضعاف بنيته وإجبار المترددين والمتشككين‬ ‫•‬

‫من الجزائر يين على تحديد مواقفهم من َّ‬

‫الثور َة‪ ،‬وترهيب الجزائر يين المتعاونين مع‬

‫طنِي‪ ،‬ص ‪ - 69‬أمال شلي‪ ،‬التنظيم الع َسكَر ِي في َّ‬

‫الثور َة‬ ‫بسام عسلي‪ ،‬جهاد شعب الجَزَائ ِر – جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫التحرير ية الجَزَائِر َِّية ‪ ،1956 – 1954‬ص‪95‬‬

‫الثور َة التحرير ية الجَزَائِر َِّية ‪ ،1956 – 1954‬ص‪96‬‬
‫أمال شلي‪ ،‬التنظيم الع َسكَر ِي في َّ‬ ‫‪2‬‬

‫ومعناها من قدم نفسه في سبيل الله‪ ،‬وهي مشتقة من السبيل‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪248‬‬
 ‫وتتصف عملياتُه ُ أو المهام ُ الموكلة ُ إليه َّ‬
‫بالصعبَة ِ والخطيرة‪ .‬وقد يقوم أيضا ً‬ ‫ُ‬ ‫الاستعمار‪،‬‬

‫بالهجوم على مراكز الشرطة والدرك وقتل المستوطنين والخونة‪ ،‬وتخريب المباني وحرقها‪.‬‬

‫أماَمنَحي ْثُ َالتجنيد‪ ،‬فقد ك َان َت العديد من لجان جيش َّ‬

‫التحرِير تعمل في المناطق والنواحي‬

‫لتسجيل الراغبين في الانضمام للثورة‪ ،‬ور َّكز َ ال ُ‬

‫جيش جهده على تجنيد شخص أو شخصين من ك ُل‬

‫منطقة أو ناحية للوصول إلى مختلف فئات ومناطق الشعب الجَزَائِر ِي‪ 1.‬ومن اعتبارات التجنيد‬

‫َّالتِي تضبط انتساب العناصر للجبهة‪:‬‬

‫الصدق والأمانة‪.‬‬ ‫•‬

‫لم يعرف عنه الولاء للفرنسيين‪.‬‬ ‫•‬

‫الأولو ية لفئة الشباب وخاصة الَّذِي َ‬

‫ن ليس عليهم مسؤولية أسر ية‪.‬‬ ‫•‬

‫تفاديا ً للانسحاب‪.‬‬ ‫تأدية اليمين لمواصلة الجهاد ح ََّتى تحقيق الاستقلال‬ ‫•‬

‫أن يكون مصحوبا ً بسلاحه إذا ك َانَ بحوزته‪.‬‬ ‫•‬

‫أن يوضع تحت الرقابة أولا ً‪ ،‬من خلال تكليفه بعمل فدائي‪.‬‬ ‫•‬

‫وخلالَعمليةَالتجنيدَكانَالمنتسبَيلقنَالقيمَالتالية‪2:‬‬

‫الالتحاق بالثورة هدفه الاستشهاد في سبيل الوطن والدين واللغة‪.‬‬ ‫•‬

‫وضحاها‪.‬‬ ‫الموت محقق بين عشية‬ ‫•‬

‫أبدا ً‪.‬‬ ‫إن كنت متزوجا ً ولك أولاد فإنك لن تراهم‬ ‫•‬

‫إن لم تكن متزوجا ً فإنك لن تتزوج ح ََّتى الاستقلال‪.‬‬ ‫•‬

‫إنك لن تتقاضى أي مرتب ولا نضمن لك حياة غذائية منظمة‪.‬‬ ‫•‬

‫والعلاج‪.‬‬ ‫إن ه ُنَاك َ فرقا ً بين الجندي والضابط في اللباس والأكل‬ ‫•‬

‫الأعمال‪.‬‬ ‫ش وطاعة المسؤول واجبة في ك ُل‬

‫ق بدون نقا ٍ‬
‫إن الأوامر تطب ُ‬ ‫•‬

‫ليس لك أي حق إلا بالشهادة وحدها‪.‬‬ ‫•‬

‫سانده‪.‬‬ ‫لا عدو لك فوق أرض الجَزَائ ِر إلا الجندي الفَرَنس ِي والَّذ ِي‬ ‫•‬

‫طنِي ‪ ،192- 1954‬ص ‪31‬‬

‫فتيحة حمدي‪ ،‬نشأة وتطور الجيش الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة التحرير ية الجَزَائِر َِّية ‪ ،1956 – 1954‬ص‪92‬‬

‫أمال شلي‪ ،‬التنظيم الع َسكَر ِي في َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪249‬‬
‫حي ْثُ‬
‫تلتزم بالصلاة في وقتها وتجعل في تصورك قوة الله فوق ك ُل القوى‪ ،‬وهو معنا َ‬ ‫•‬

‫حي ْثُ نهانا ألا نكون‪.‬‬

‫أمرنا أن نكونَ ونبتعدَ َ‬

‫وقد ك َان َت هَذِه ِ القيم تمثل الشروط َّالتِي يجب أن يوافق عَلَيْهَا المجند دونما شرط أو قيد‪ .‬ورغم‬

‫هَذِه ِ الشروط القاسية فقد ك َانَ الشباب يُقب ِلون على الانخراط في صفوف الجيش بحماس‪ ،‬لـكن‬

‫الصعوبة الأكبر َّالتِي ك َان َت تقف أمام قيادة الجيش هي عدم توفر السلاح لأفراد الجيش‬

‫والمنضمين حديثا ً لَه ُ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫يشمل‪:‬‬ ‫أماَالتدريبَالذ ِيَكانَيتلقاهَالمجندون؛ فإنه‬

‫والمبارزة‪.‬‬ ‫التدريب على القتال المتلاحم‬ ‫•‬

‫والتسديد‪.‬‬ ‫التدريب على الرماية‬ ‫•‬

‫العصابات‪.‬‬ ‫التدريب على التمو يه والتحصن وعلى حرب‬ ‫•‬

‫اكتشاف المناطق والجبال‪.‬‬ ‫•‬

‫صن ْ ُع القنابل المحلية والمتفجرات واستعمالها‪.‬‬ ‫•‬

‫وتركيبها‪.‬‬ ‫استخدام مختلف الأسلحة وتفكيكها‬ ‫•‬

‫كما إن عملية التدريب شملت ك ُل ما هو ضروري لتنمية القدرة على تحمل المصاعب مثل‪ :‬السير‬

‫الطو يل والتحكم بالانفعالات والعواطف ومنح الرجال الأسلوب والـكفاءة لاستخدام قدراتهم‬

‫ل مدرسة ٍ‬ ‫الفكر ية في اتخاذ القرارات المناسبة‪ .‬وقد نشأ في َّ‬

‫الثور َة خلال مراحلها الأولى أو ُ‬

‫ع َسكَر َِّية ٍ في القاعدة الشرقية على الحدود التونسية ببلدية الزيتونة في ولاية الطارف حاليا ً‪ ،‬ولـكن‬
‫بسب ظروف َّ‬
‫الثور َة لم تعرف هَذِه ِ القاعدة الاستقرار بسبب كثرة التنقل خوفا ً من كشف‬

‫الطائرات الفَرَنس َِّية لمواقعها‪.‬‬

‫الثور َة التحرير ية الجَزَائِر َِّية ‪ ،1956 – 1954‬ص‪93‬‬

‫أمال شلي‪ ،‬التنظيم الع َسكَر ِي في َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪250‬‬
‫التحرِير‪ ،‬فقد ك َانَ في حدود الألف مقاتل عند الانطلاق‪ ،‬ث َُّم‬
‫حي ْثُ عدد قوات جيش َّ‬
‫ومن َ‬

‫ل دقيقٍ‪ .‬وتشير الأرقام التقريبية‬ ‫ملحوظ وسر ٍ‬

‫يع‪ ،‬مما جعل من الصعب إحصاؤه بِش َك ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬
‫تطور بِش َك ٍ‬
‫إلى ما يلي‪:1‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)22‬العددَالتقريبيَللقواتَفيَجيشَالتحر ِيرَبينَ‪َ1954‬و‪َ 1959‬‬

‫المطلبَالثاني‪َ:‬جيشَالتحرِيرَالوطنِيَبعدَمؤتمرَالصومامَ َ‬

‫طنِي على غرار الجيوش النظامية‪ ،‬فانتهى محضر جلسات‬ ‫وضع المؤتمر تنظيما ً محكمًا لجيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫المؤتمر إلى أن أعداد المجاهدين والسلاح المتوفرة بالمناطق إلى تاريخ حضور الاجتماع وفق ما تقدم‬
‫التالي‪2:‬‬ ‫بِه ِ قادة الولايات ك َانَ على النحو‬

‫طنِي‪ ،‬ص ‪71‬‬ ‫بسام عسلي‪ ،‬جهاد شعب الجَزَائ ِر – جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫طنِي الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪137‬‬ ‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪2‬‬

‫‪251‬‬
‫َ‬
‫الشكلَ(‪َ:)23‬أعدادَوتسليحَجيشَالتحر ِيرَالوطنِيَفيَأغسطسَ‪َ 1956‬‬

‫‪252‬‬
‫طنِي قد تضاعفت أعداده وأسلحته بسرعة ٍكبيرة ٍ من ليلة الفاتح من نوفمبر‬ ‫أي أن جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫إلى غداة مؤتمر وادي الصومام‪ .‬أما تصنيف القوات فقد بقي نفسه‪ :‬المجاهدون والمسبلون‬
‫والفدائيون‪ ،‬بينما ت ََّم تزويد ك ُل ولاية بقيادة جماعية تمثل السلطة المركز ية لجبهة َّ‬
‫التحرِير في‬
‫التالي‪1 :‬‬ ‫الولاية‪ ،‬لتكون الهيكلية على الشكل‬

‫الشكلَ(‪َ:)24‬هيكليةَجيشَالتحر ِيرَالوطنِيَبعدَمؤتمرَالصومامَ‪َ 1956‬‬

‫‪2‬‬ ‫وأصبحتَوحدات الجيش بعدَمؤتمرَالصومامَتشمل‪:‬‬

‫طنِي الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪172‬‬ ‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪152‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪253‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:)25‬التشكيلاتَالعسكر ِيةَفيَجيشَالتحر ِيرَبعدَمؤتمرَالصومامَ‪َ 1956‬‬

‫كماَتمَأيضاًَإنشاءَمصالحَمساعدةَلجيشَالتحر ِيرَمثل‪1:‬‬

‫المصالحَ الصحيةَ‪ :‬تقوم بتقدي ِم الإسعافات الأولية للجرحى وضمان الرعاية الصحية‬ ‫•‬

‫للمجاهدين وتشكيل المستوصفات المتنقلة‪.‬‬

‫مصلحةَالدعايةَوالإعلام‪ :‬تقوم بتوعية الشعب ومواجهة الدعاية الاستعمار ية المغرضة‪.‬‬ ‫•‬

‫مصلحةَالطبوغرافيا‪ :‬تصميم الخرائط الخاصة بالولايات والأقسام ومراكز العدو‪.‬‬ ‫•‬

‫مصلحةَالمراسلات‪ :‬للتواصل بين مختلف الولايات وأقسام الجيش‪.‬‬ ‫•‬

‫مصلحةَالاستعلامات‪ :‬للتجسس على الجيش الفَرَنس ِي‪ ،‬وحفظ الكيان الداخلي لجيش‬ ‫•‬

‫َّ‬
‫التحرِير من الاختراق‪.‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)26‬المصالح َُالعسكر ِية َُفيَجيشَالتحر ِيرَبعدَمؤتمرَالصومامَ‪َ 1956‬‬

‫َ‬

‫طنِي ‪ ،1958 - 1954‬ص ‪73‬‬ ‫الدكتور بوبكر حفظ الله‪ ،‬نشأة وتطور جيش َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫‪254‬‬
 ‫وقدَتمَتنظيمَالرتبَفيَالجيشَبعدَمؤتمرَالصومامَعلىَالنحوَالآتي‪َ 1 :‬‬

‫الشكلَ(‪َ)27‬الرتبَالعسكر ِيةَفيَجيشَالتحر ِيرَالوطنِيَبعدَمؤتمرَالصومامَ‪َ 1956‬‬

‫‪ .1‬جندي‪ :‬ليس لَه ُ شارة‪ ،‬أما راتبه الشهري فهو ألف فرنك‪.‬‬
‫‪ .2‬عريف‪ :‬وهو مسؤول فوج‪ ،‬يض ُع شارة ً حمراء َ على كتفه الأيمن (‪ )V‬و يأخذ شهر يا ً ألفا ً‬
‫ومئتي فرنك‪.‬‬
‫‪ .3‬ر قيب‪ :‬وهو مسؤول فرقة‪ ،‬يضع شارتين حمراوتين مقلوبتين على كتفه الأيمن وراتبه‬
‫الشهري ألف وخمسمئة فرنك‪.‬‬
‫‪ .4‬ر قيب أول‪ :‬وهو مساعد مسؤول القسم‪ ،‬يضع ثلاث شارات حمراء مقلوبة على كتفه‬
‫الأيمن وراتبه الشهري ألف وثمانمئة فرنك‪.‬‬
‫‪ .5‬مساعد‪ :‬وهو مسؤول قسم‪ ،‬يضع شارة حمراء عَلَيْهَا سطر أو خط أبيض على كتفه الأيمن‬
‫وراتبه الشهري ألفي فرنك‪.‬‬
‫‪ .6‬ا لمرشح‪ :‬وهو مساعد قائد الناحية‪ ،‬يضع نجمة بيضاء على كتفه الأيمن راتبه الشهري ألفين‬
‫وخمسمئة فرنك‪.‬‬

‫طنِي للدراسات والبحث في الحركة الوَطَن َِّية وثورة أيلول نوفمبر ‪ ،1954‬كتاب مرجعي عن َّ‬
‫الثور َة‬ ‫المركز الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫التحرير ية ‪ ،1962-1954‬ص ‪53‬‬

‫‪255‬‬
‫‪ .7‬م لازم‪ :‬وهو قائد الناحية‪ ،‬يضع نجمة حمراء على كتفه الأيمن وراتبه الشهري ثلاثة آلاف‬
‫فرنك‪.‬‬
‫‪ .8‬ملازم أول‪( :‬ضابط أول) وهو مساعد قائد المنطقة‪ ،‬يضع نجمة حمراء ‪ +‬نجمة بيضاء على‬
‫كتفه الأيمن وراتبه الشهري ثلاثة آلاف وخمسمئة فرنك‪.‬‬
‫‪ .9‬ن قيب‪( :‬ضابط ثاني) وهو قائد المنطقة‪ ،‬يضع نجمتين حمراوتين على كتفه الأيمن وراتبه‬
‫الشهري أربعة آلاف فرنك‪.‬‬
‫‪ .10‬مقدم‪( :‬صاغ أول) وهو مساعد قائد الولاية‪ ،‬يضع نجمتين حمراوتين ونجمة بيضاء على‬
‫كتفه الأيمن وراتبه الشهري أربعة آلاف وخمسمئة فرنك‪.‬‬
‫‪ .11‬ع قيد‪( :‬صاغ ثاني) وهو قائد الولاية‪ ،‬يضع ثلاث نجمات حمراء على كتفه الأيمن وراتبه‬
‫الشهري خمسة آلاف فرنك‪.‬‬

‫وكما هو ملاحظ فإن أعلى رتبة في الجيش هي الصاغ الثاني‪ ،‬أما رتبة الفر يق أو الج نرال فلم‬

‫تُستحدث بعد‪ ،‬وقد اتفق المؤتمرون على تأجيل هَذِه ِ الرتبة إلى ما بعد الاستقلال‪.‬‬

‫وبعد إعلان الحكومة الجَزَائِر َِّية المؤقتة في أيلول ‪ 1958‬انتقل جيش َّ‬
‫التحرِير إلى مرحلة ٍ جديدة ٍ‬

‫من الإدارة والتنظيم‪ ،‬فت ََّم تشكي ُ‬

‫ل هيئة ٍ لأركان الجيش تتبع لوزارة الدفاع‪ ،‬تولى العقيد هواري‬

‫بومدين قيادتها يوم ‪ 23‬جانفي ‪1960‬م بمساعدةك ُل من الرواد‪ :‬علي منجلي‪ ،‬قايد أحمد‪ ،‬رابح زراي‬

‫المدعو عز الدين‪ ،‬وك َانَ مقرها غار الدماء تونس‪.‬‬

‫وك َان َت مهام هيئة الأركان تتمثل في تسيير وتنسيق العَم َل َِّيات الع َسكَر َِّية على المستوى الو َ َ‬
‫طنِي‪ ،‬وخاصة‬

‫طنِي ورفع معنو ياته‪ ،‬والتموين الداخلي من‬ ‫على الحدود التونسية‪ ،‬وإعادة تنظيم جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫العتاد الحربي‪ ،‬والعمل على توفير الحراسة للإطارات المكلفة بالدخول إلى الجَزَائ ِر‪ .‬إضافة إلى‬

‫توسيع نطاق العَم َل َِّيات الع َسكَر َِّية َّالتِي تهدف إلى تخريب خطي شال وموريس‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫حي ْثُ‬ ‫وفي مرحلة ‪ 1960‬وما بعدها اتجه جيش َّ‬
‫التحرِير نحو التشكيل النظامي الشبيه بالجيوش‪َ ،‬‬

‫استكمل العقيد هواري بومدين تنظيم هيئة الأركان‪ ،‬فأنشأ في البداية خمسة مكاتب مركز ية‬
‫وهي‪1 :‬‬ ‫متخصصة‬

‫الشكلَ(‪َ:)28‬المكاتبَالمركز يةَفيَهيئةَالأركانَسنةَ‪َ 1960‬‬

‫طنِي في‬ ‫وبعد حوالي ستة أشهر من إنشاء قيادة الأركان العامة تحولت وحدات جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫ش متماسك‪ ،‬تتوفر فيه مواصفات الجيش التقليدي نوعا ً ما‪،‬‬

‫الحدود الشرقية والغربية إلى جي ٍ‬
‫كالتالي‪2 :‬‬ ‫حي ْثُ التكوين والتسليح والانضباط‪ .‬وت ََّم تقسيم الشر يط الحدودي‬
‫ك من َ‬
‫وذَل ِ َ‬

‫مقال للباحث الجَزَائِر ِي في التاريخ طارق عز يز فرحاني ‪ :‬مهام وتنظيم هيئة الأركان العامة – الوسط الجَزَائِر َِّية‬ ‫‪1‬‬

‫)‪(elwassat.dz‬‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪257‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)27‬توز يعَخطوطَالعملِياتَعلىَالحدودَسنةَ‪َ 1960‬‬

‫طنِي؛ أربعة عشر منها في‬ ‫وينشط في هَذِه ِ المناطق الثلاثة واحد وعشرون فيلقا ً لجيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬ ‫ُ‬

‫منطقة العَم َل َِّيات الشمالية‪ ،‬سبعة في منطقة العَم َل َِّيات الجنوبية‪ ،‬إضافة إلى وحدات متنقلة تابعة‬

‫طنِي تمركزت بالمنطقة الثالثة‪ ،‬ولا ترتقي أن تصل إلى مسمى الفيالق بسبب‬ ‫لجيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫طبيعة المنطقة ه ُنَاك َ‪ .‬وقد بلغ مجموع الجنود في هَذِه ِ الفيالق والوحدات ما يقارب خمسة وعشرون‬

‫ألف جندي سنة ‪.1961‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)29‬الفيالقَالناشطةَفيَمنطقةَالعملِياتَالجنوبيةَنهايةَسنةَ‪َ 1960‬‬

‫‪258‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:)30‬الفيالقَالناشطةَفيَمنطقةَالعملِياتَالشماليةَنهايةَسنةَ‪َ 1960‬‬

‫حي ْثُ‬
‫وهكذا واصلت قيادة الأركان خطواتها بثبات يحالفها كثير من النجاح والتحكم في الوضع‪َ ،‬‬

‫أصبح لَهَا جيش منظم يتكون من عدة فيالق يزيد تعدادها على خمسة وعشرين ألف جندي بين‬

‫الحدود الشرقية والغربية‪ ،‬كما أنه ُّأدخِل َت إلى الساحة أسلحة جديدة ذات مفعول قوي أصبحت‬

‫تثير قلق القوات الفَرَنس َِّية‪.‬‬

‫‪259‬‬
 ‫المطلبَالثالث‪َ:‬مبادئَجيشَالتحرِيرَوقوانينهَ َ‬

‫طنِي على جملة من المبادئ َّالتِي ألزم َ نفسه بِهَا خلال المضي بالثورة نحو‬ ‫جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬ ‫ُ‬ ‫اعتمدَ‬
‫‪1‬‬
‫استقلال الجَزَائ ِر‪ ،‬ومن هَذِه ِ المبادئ نذكر‪:‬‬

‫‪ .1‬مواصلة الـكفاح ح ََّتى تحرير البلاد وتحقيق الاستقلال التام‪.‬‬

‫‪ .2‬مواصلة تحطيم قوات العدو والاستيلاء على الموارد والأدوات إلى أقصى حد ممكن‪.‬‬

‫طنِي‪.‬‬ ‫‪ .3‬تنمية المقدرة المالية والمعنو ية والفنية لجيش َّ‬

‫التحرِير الو َ َ‬

‫‪ .4‬الجنوح أقصى ما يمكن إلى الخفة في الحركة والتفرق ث َُّم الاجتماع‪.‬‬

‫‪ .5‬تقو ية الاتصالات ما بين مراكز القيادة ومختلف الوحدات‪.‬‬

‫‪ .6‬توسيع شبكة الاستخبارات في وسط العدو ووسط السكان‪.‬‬
‫‪ .7‬جعل جيش َّ‬
‫التحرِير قوة ً أمنية ًكبيرة ً يستند عَلَيْهَا الشعب في تحقيق أهدافه‪.‬‬

‫‪ .8‬الامتثال للأوامر والملازمة للنظام‪.‬‬

‫‪ .9‬تقو ية روح الأخوة والتضحية والعمل المشترك في صفوف المجاهدين‪.‬‬

‫‪ . 10‬مراعاة المبادئ الإسلامية والقوانين الدولية في تحطيم قوات العدو كمنع تعذيب‬

‫المساجين‪.‬‬

‫وقد أقرت لجنة التنسيق والتنفيذ أثناء اجتماعها المنعقد في نيسان ‪ 1958‬جملة ً من التوجيهات‬
‫‪2‬‬
‫المتعلقة بحفظ النظام العام للجيش وهي‪:‬‬

‫البابَالأول‪-‬دليلَالمجاهدَ‪َ :‬‬

‫الفصلَالأولَ‪َ-‬حقيقةَالمجاهدَ‪َ :‬‬

‫‪ .1‬يعتبر مجاهدا ً ك ُُّل جزائري التحق بمحض إرادته في صفوف الوحدات النظامية لجيش‬

‫طنِي بواسطة السلاح‪.‬‬

‫طنِي للمساهمة في تحرير التراب الو َ َ‬ ‫َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫‪ .2‬يعتبر ك ُل مجاهد متطوعا ً طوال مدة الحرب التحرير ية‪.‬‬

‫طنِي‪ ،‬ص ‪.229‬‬ ‫بسام عسلي‪ ،‬جهاد شعب الجَزَائ ِر – جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬من ص ‪ 215‬ح ََّتى ص ‪.228‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪260‬‬
‫طنِي بحقوق‪ ،‬كما أنه ملزم بواجبات؛ يجب أن‬ ‫‪ .3‬يتمتع المجاهد في صفوف جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫يكون سلوك المجاهد قويما ً وبعيدا ً عن ك ُل خدش أو مؤاخذة‪.‬‬

‫‪ .4‬ز يادة على الصفات الفكر ية والجسدية َّالتِي تتماشى مع مهمته التحرير ية؛ فإن المجاهد لا‬

‫طنِي) إلا إذا بلغ عمره (الثامنة عشر َ) عاما ً‬ ‫ل مبدئيا ً في صفوف (جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬ ‫يُقب َ ُ‬

‫على الأقل وأربعين عاما ً على الأكثر‪.‬‬

‫الفصلَالثاني‪َ:‬المادةَالأولى‪َ:‬واجبُ َالمجاهدَنحوَوطنهَ‪َ .‬‬

‫سخ َ ُّ‬
‫حب الوطن في نفسه‪.‬‬ ‫‪ .1‬يتحتم على المجاهد أن يكون قد ر ُ‬

‫‪ .2‬كما يجب عَلَيْه ِ أن يقدِم الدليل على التفاني الكامل الَّذ ِي يصل بِه ِ إلى حد التضحية بحياته‬
‫في سبيل تحرير بلاده والدفاع عنها‪.‬‬

‫‪ .3‬يجب على المجاهد أن يكون كله عطف ومراعاة نحو شعبه الَّذ ِي منه نشأ ومن أجله‬

‫يجاهد‪.‬‬

‫‪ .4‬يجب أن تكون علاقات المجاهد مع الشعب مميزة بطابع الاحترام والتقدير‪ ،‬كما يجب على‬

‫المجاهد أن يحمل في قلبه حبا ً عميقا ً للسكان وألا يتردد في التضحية بنفسه لدفع ك ُل أذىً‬

‫عنهم‪.‬‬

‫‪ .5‬فاستمالة الشعب بالمجاملة وبذل الذات يتحتم أن تكون من صفات المجاهد الَّذ ِي يجب عَلَيْه ِ‬
‫ل العلم‪.‬‬
‫أيضا ً أن يربي في نفسه دوما ً إكبار َ الشهداء وإجلا َ‬

‫المادةَالثانية‪َ:‬واجبَالمجاهدَمعَنفسهَ‪َ .‬‬

‫‪ -1‬على المجاهد أن يح ترم نفسه وأول ما يح ترم بِه ِ المجاهد نفسه هو النظافة البدنية‪.‬‬

‫‪ -2‬عَلَيْه ِ أن يمحو من نفسه ك ُل شعور أناني‪.‬‬

‫‪ -3‬كما بجب أن يركز فيها بصورة عالية وراسخة صوت الضمير والإحساس بالواجب‪.‬‬

‫‪ -4‬و يجب ألا يتساهل المجاهد مع نفسه؛ بل عَلَيْه ِ أن يحاسبها ك ُل يوم في ك ُل شيء‪.‬‬

‫‪ -5‬على المجاهد أن يرفض ك ُل اعتبار يؤدي إلى الانفعال أو التأثر نتيجة حب الذات بل‬

‫عَلَيْه ِ أن يكون طاهرا ً وصر يحا ً ومخلصاً‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫‪ -6‬يطلب إلى ك ُل مجاهد القيام بشعائره الدينية الإسلامية كما يُطلب منه أن يحب رؤساءه‬

‫ورفاقه وسلاحه‪.‬‬

‫‪ -7‬إن مصلحة الوطن يجب أن تكون رائده في الحياة‪.‬‬

‫المادةَالثالثة‪َ:‬واجبَالمجاهدَنحوَإخوانه‪َ .‬‬

‫‪ -1‬على المجاهد أن يكون متفانيا ً في خدمة إخوانه‪ ،‬وأن يشاطر ك ُل منهم آلامه‪ ،‬كما يطلب‬

‫منه أن يحاول التخفيف عن ك ُل من أصيب منهم بنائبة‪.‬‬

‫‪ -2‬على المجاهد أن يكون مثالا ً للسيرة والشجاعة لجميع إخوانه‪ .‬وإن مساعدته لهم فرض عَلَيْه ِ‬

‫خاصة ً في أحلك أوقات الـكفاح المشترك‪.‬‬

‫ََ‬ ‫المادةَالرابعة‪َ:‬واجبَالمجاهدَنحوَرؤسائهَ‪.‬‬

‫‪ -1‬احترام الرؤساء والامتثال لهم واجب على ك ُل مجاهدٍ‪ ،‬إذ يتحتم عَلَيْه ِ أن يولي ثقته الكاملة‬

‫لرؤسائه وأن يطيعهم في جميع الظروف وفي ك ُل مكان‪.‬‬

‫‪ -2‬التحية هي العلامة الظاهرة َّالتِي تد ُ‬

‫ل على الاحترام‪ ،‬ولذا وجبت تحية ك ُل ضابط في‬

‫طنِي‪.‬‬ ‫جيش َّ‬

‫التحرِير الو َ َ‬

‫‪ -3‬على المجاهد ألا يحيد عن الهيئة الع َسكَر َِّية أمام قادته‪ ،‬وليس لَه ُ أن يناقش أي أمر‪ ،‬كما‬

‫لا حق لَه ُ في الاعتراض على الأوامر إلا بعد تنفيذها‪.‬‬

‫المادةَالخامسة‪َ:‬واجبَالرئيسَنحوَمرؤوسيهَ‪.‬‬

‫‪ -1‬يجب أن يكون الرئيس أو القائد مثالا ً للتضحية والشجاعة والعدل والتفاني في خدمة‬

‫مرؤوسيه‪َ .‬‬

‫وقت واحدٍ‪ ،‬كما يجب أن يكون قادرا ً ك ُل القدرة‬

‫ٍ‬ ‫‪ -2‬يجب عَلَيْه ِ أن يكون صارما ً وأبو يا ً في‬

‫على الابتكار والاضطلاع بالمسؤوليات‪.‬‬

‫‪ -3‬السهر على راحة مرؤوسيه المادية والمعنو ية فرض عَلَيْه ِ في ك ُل الظروف والأحوال‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫ُل اهتما ٍم وتعقل لمطالب مرؤوسيه وأن ينزل عند رغباتهم‬
‫‪ -4‬يجب عَلَيْه ِكذلك أن يصغي ب ِك ِ‬
‫إذا ك َان َت جديرة ً بالاعتبار‪.‬‬

‫الفصلَالثالثَ‪-‬حقوقَالمجاهد‪َ :‬‬

‫طنِي بالقيام بشؤون المجاهد كلها‪.‬‬ ‫‪ .1‬يتكفل جيش َّ‬

‫التحرِير الو َ َ‬

‫‪ .2‬تعطى لعائلة المجاهد منحة بحسب إمكانيات الجيش‪.‬‬

‫‪ .3‬إذا استشهد مجاهد فإن الجيش يستمر في دفع المنحة لعائلته ح ََّتى اليوم الَّذ ِي تحدد فيه‬

‫الحكومة الجَزَائِر َِّية إعطاءه منحة دائمة‪.‬‬

‫‪ .4‬يحصل المجاهد على مرتب لإنفاقه في شؤونه الخاصة‪.‬‬

‫‪ .5‬إذا جرح المجاهد أو مرض أوحكم عَلَيْه ِ بأنه أصبح غير قادر على متابعة الخدمة الع َسكَر َِّية‪،‬‬

‫فإن الجيش يستمر ُ في دفع مرتبه لَه ُ‪.‬‬

‫طنِي بالعلاج الطبي للمجاهدين الجرحى أو المرضى‪.‬‬ ‫‪ .6‬يتكفل جيش َّ‬

‫التحرِير الو َ َ‬

‫ن يفقدون أهليتهم للخدمة الع َسكَر َِّية بسبب إصابتهم بجراح أو مرض لهم‬
‫‪ .7‬المجاهدون الَّذِي َ‬

‫الأولو ية بالحصول على المناصب َّالتِي تناسب معلوماتهم وكفاءاتهم‪.‬‬

‫‪ .8‬لا يجوز للمجاهد أن يتزوج إلا بعد إذن كتابي من طرف السلطات العليا‪.‬‬

‫البابَالثانيَ‪َ-‬النظامَالعامَ‪َ :‬‬

‫الفصلَالأولَ‪َ-‬حفظَالنظامَالعا َم‬

‫بما أن النظام هو الدعامة الأساسية والقوة الأولية للجيوش؛ فإن على ك ُل مسؤول أن يحصل من‬

‫مرؤوسيه على طاعة تتسم بالدقة والـكمال‪ ،‬كما أن على المجاهد تنفيذ أوامر قادته بدون تردد ولا‬

‫تذمر‪ .‬وإن السلطة َّالتِي أصدرت الأوامر هي وحدها المسؤولة عنها‪ .‬ولا يخول الاعتراض على‬

‫الأوامر إلا بعد تنفيذها‪ .‬أما الاعتراضات الجماعية فهي ممنوعة بصورة باتة‪.‬‬

‫الفصلَالثانيَ‪َ-‬المكافآت َ‬

‫‪263‬‬
‫المكافأة هي شهادة استحسان (تقدير) على ما قام بِه ِ المجاهد من أعمال بطولية أو على سيرة قويمة‪،‬‬

‫والمكافآت َّالتِي يمكن للمجاهد الحصول عَلَيْهَا هي‪:‬‬

‫‪ .1‬الرخص (الإجازات)‪.‬‬

‫‪ .2‬الثناء (الشكر) والتهاني قولا ً أو كتابة‪.‬‬

‫‪ .3‬الشهادة الكتابية (التعميم) َّ‬
‫والتِي تقرأ على ملأ من الجنود‪.‬‬

‫الأوسمة ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫الع َسكَر َِّية‪.‬‬ ‫‪ .5‬ترفيع الرتبة‬

‫الفصلَالثالثَ‪َ-‬العقوباتَ‬

‫طنِي إلى ثلاثة أقسام هي‪:‬‬ ‫تقسم أنواع الأخطاء في جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫• الأخطاءَالبسيطة‪َ:‬الطبع الرديء ‪ -‬ك ُل شيء يدل على عدم احترام رفيق ما ‪ -‬قلة التبصر‬

‫(التسرع) ‪ -‬تأخير العمل أو إهماله – القذارة – التكاسل ‪ -‬الخصام ‪ -‬لباس مشوش (غير‬

‫نظامي) ‪ -‬عدم الاعتناء بالمواد المحفوظة‪.‬‬

‫• الأخطاءَالخطيرة‪َ:‬محاولة الاغتيال ‪ -‬العبث بحفظ النظام ‪ -‬تضييع السلاح ‪ -‬إفساد الذخائر‬

‫عن عمد (بصورة اختيار ية) ‪ -‬الغش في المحاسبات واختلاس الأموال ‪ -‬التزوير واستعماله‬

‫‪ -‬تضييع رسالة أو عدم تسليمها ‪ -‬التأخير في تنفيذ الأوامر ‪ -‬السرقة ‪ -‬التعدي على السلم‬
‫النظامي الع َسكَر ِي (التسلسل) ‪ -‬التغيب في المناداة (الاجتماع) ‪ُّ -‬‬
‫السكْر ‪ -‬الحط العلني من‬

‫طنِي أو من القادة ‪ -‬التجاوز في السلطة ‪ -‬الامتناع عن أداء التحية ‪ -‬التنقل‬ ‫جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫بدون إذن (إجازة)‪.‬‬

‫• الأخطاءَالفاحشة‪َ:‬القتل المتعمد ‪ -‬الفرار من صفوف الجيش ‪ -‬التواطؤ مع العدو والخيانة‬

‫‪ -‬تعمد كشف السر ‪ -‬بث روح الهزيمة ‪ -‬الانشقاق والتألب ‪ -‬نشر الدعاية الطائفية ‪ -‬شق‬
‫عصا الطاعة َ َ‪َ -‬الاعتداء على الحرمات ‪ -‬اللواط ‪ -‬تبذير الأموال ‪ -‬إخفاء أرزاق َّ‬
‫الثور َة ‪-‬‬

‫التخلي عن المركز ‪ -‬الج بن أمام العدو ‪ -‬العمل على حط معنو يات الجيش ‪ -‬جريمة الزنا‪.‬‬

‫‪264‬‬
 ‫تحديدَالعقوبات َ‬

‫‪ .1‬الأخطاءَالبسيطة‪( :‬و يحدد المعاقبة عَلَيْهَا الجنود الأولون وضباط الصف) و يقتص من‬

‫الأخطاء البسيطة بما يلي‪ :‬الإنذار ‪ -‬تسخير المخطئ للقيام بأعمال متعبة ‪ -‬تعيينه للحراسة‬

‫لوقت إضافي ‪ -‬اللوم ‪ -‬قطع المرتب‪.‬‬

‫‪ .2‬الأخطاءَالخطيرة‪( :‬و يحدد المعاقبة عَلَيْهَا الضباط)‪ :‬نزع السلاح ‪ -‬نقل الجندي ‪ -‬إلغاء‬

‫الرخص (الإجازات) ‪ -‬خفض الرتبة ‪ -‬نزع الرتب كلها‪.‬‬

‫ن ارتكبوها أمام المَحَاكِم الع َسكَر َِّية‪ ،‬و يقتص‬

‫‪ .3‬الأخطاءَالفاحشة‪ :‬تجر الأخطاء الفاحشة الَّذ ِي َ‬

‫من المخطئين بعقوبات تبتدئ من السجن ونزع الرتبة الع َسكَر َِّية وخلع الجنسية الوَطَن َِّية‪،‬‬
‫إلى حكم الإعدام‪.‬‬

‫لا يصدر حكم الإعدام إلا في الجرائم َّالتِي ثبت اقترافها‪ ،‬وك ُل شك مهما ك َانَ ضئيلا ً يكفي‬

‫ليتوقف صدور هَذَا الحكم‪ ،‬وتصدر المَحَاكِم الع َسكَر َِّية أحكامها على ك ُل جزائري ارتكب خطأ‬

‫طنِي أو خارجه‪ ،‬وتنظر ُ محكمة الولاية في‬

‫ك الجَزَائِر ِي مقيما ً على التراب الو َ َ‬
‫فاحشا ً‪ ،‬سواء ً ك َانَ ذَل ِ َ‬

‫جريمة الزنا والاعتداء على الحرمات مهما ك َان َت رتبة المتهم‪.‬‬

‫ِي َ‬
‫البابَالثالثَ‪َ-‬القضاءَالعسكر َ‬

‫‪ -1‬المحاكِمَ العسكر ِية‪ :‬تصدر المَحَاكِم الع َسكَر َِّية أحكامها على الَّذ ِي َ‬
‫ن اقترفوا الأخطاء الخطيرة‬

‫جدا‪َ .‬‬

‫‪ -2‬المَحَاكِم المختلطة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫القادة)‪.‬‬ ‫أ‪ -‬المَحكَم َة القضائية العليا (لمحاكمة الضباط الساميين ‪-‬‬

‫الأعوان)‪.‬‬ ‫ب‪ -‬محكمة الولاية (لمحاكمة الضباط‬

‫ت‪ -‬محكمة المنطقة (لمحاكمة ضباط الصف والجنود)‪.‬‬

‫‪ -3‬كيفية تشكيل المَحَاكِم‪َ :‬‬

‫‪265‬‬
‫أ‪ -‬المَحكَم َة القضائية العليا‪ :‬تتكون بقرار من هيئة القيادة بعد إذن من لجنة التنسيق والتنفيذ‬

‫وتتشكل من‪:‬‬

‫ثان)‪.‬‬ ‫رئيس (برتبة صاغ‬ ‫‪-‬‬

‫الجَزَائِر َِّية)‪.‬‬ ‫طنِي للثورة‬

‫ضابطان ساميان (كلاهما عضو في المجلس الو َ َ‬ ‫‪-‬‬

‫ثلاثة حكام مساعدين (تكون لكل منهم رتبة ضابط)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مفوض عن الجيش‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كاتب قضائي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫محام (مدافع) يختاره المتهم أو يعين بدون استشارة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫محكمة الولاية‪( :‬تتكون بقرار من مجلس الولاية بعد موافقة هيئة القيادة)‬ ‫ب‪-‬‬

‫وتتشكل محكمة الولاية من‪:‬‬

‫رئيس (برتبة صاغ أول)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ضابطان‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثلاثة حكام مساعدين (أحدهم ضابط والآخر صف ضابط والثالث جندي)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مفوض عن الجيش‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كاتب قضائي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مدافع (محام)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ت‪ -‬محكمة المنطقة‪( :‬وتتكون من)‪:‬‬

‫ضابط أول أو ملازم ثان للمنطقة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ملازم)‪.‬‬ ‫ضابطان (ملازم ثاني ‪-‬أو‬ ‫‪-‬‬

‫ثلاثة حكام مساعدين (ضابط وصف ضابط وجندي)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الجيش‪.‬‬ ‫مفوض عن‬ ‫‪-‬‬

‫كاتب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مدافع (محام)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -4‬شكوى للإحالة أمام المَحكَم َة الع َسكَر َِّية‪:‬‬

‫‪266‬‬
‫إذا اقترف الجندي خطأ خطيرا ً يجب على رئيسه المباشر أو السلطة َّالتِي اكتشفت الخطأ أن‬

‫ترسل بأسرع ما يمكن إلى المسؤول الَّذ ِي لَه ُ حق تعيين أعضاء المَحكَم َة الع َسكَر َِّية شكوى ترمي‬

‫ل عن الخطأ أو‬ ‫َّ‬

‫مفص ٍ‬ ‫إلى إحالة المتهم على المَحكَم َة الع َسكَر َِّية‪ .‬وتكون الشكوى مصحوبة ً بتعزيز‬

‫المتحتم‬
‫ِ‬ ‫ك تصطحب الشكوى بوثائق مؤيدة للتهمة‪ ،‬ومن‬
‫الأخطاء المرتكبة‪ ،‬وفيما إذا انعدم ذَل ِ َ‬

‫أن يحتوي التقرير على المسائل التالية‪:‬‬

‫الأعمال المؤاخذ عَلَيْهَا أو الخطأ الخطير الَّذ ِي ارتُكب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫سوابق المتهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ملاحظة حول كيفية قيام المتهم عادة بواجباته‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مجموع العقوبات َّالتِي تعرض لَهَا المتهم في السابق‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫خلاصة عن شهادة مدة الخدمة (قدمه ‪-‬أوسمته ‪ -‬الشهادات َّالتِي يحملها)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫فور وصول شكوى إحالة أمام المَحكَم َة الع َسكَر َِّية إلى السلطة َّالتِي يهمها الأمر يعين ضابط بحث‬

‫يساعدهكاتب قضائي لدراسة القضية‪ ،‬وتسلم القضية والتقرير الخاص بالمتهم أو المتهمين إلى ضابط‬

‫البحث (التحقيق) الَّذ ِي يتولى استجوابهم (استنطاقهم) طول المدة َّالتِي يراها ضرور ية ً لتثبيت‬

‫الحقيقة‪ .‬وتوزع أوراق مطبوعة خاصة في كيفية استنطاق المتهمين والشهود‪ ،‬الَّذِي َ‬
‫ن يوقعون على‬

‫ك الأوراق‪ ،‬كما يوق ُع عَلَيْهَا (ضابط البحث ‪ -‬التحقيق) والجندي الَّذ ِي قام بمهمةكاتب قضائي‪،‬‬
‫تِل ْ َ‬

‫ويحمل محضر البحث حتما ً ملاحظات ضابط البحث حول ثبات التهمة أو براءة المتهم‪.‬‬

‫يجب أن يكون الاستنطاق خاليا ً من ك ُل ضغط حسي أو معنوي وأن التعذيب بجميع أنواعه محرم‬
‫ملف انتهى بحثه (درسه) إلى المسؤول الَّذ ِي أمر ببحث القضية وهو يسلمه‬
‫ٍ‬ ‫ل ك ُُّل‬
‫بتاتا ً‪ ،‬ويرس ُ‬

‫بدوره إلى الضابط المعين لرئاسة المَحكَم َة‪ .‬ويتصل أيضا ً بالملف ك ُل من الضابط المعين كمفوض‬

‫عن الجيش ولسان الدفاع (المحامي) الَّذ ِي اختاره المتهمون‪.‬‬

‫‪ -5‬المَحكَم َة ُ الع َسكَر َِّيةُ‪:‬‬

‫يستدعى المتهم أمام المَحكَم َة الع َسكَر َِّية في التاريخ الَّذ ِي تحدده السلطة َّالتِي عينت المَحكَم َة المذكورة‪.‬‬

‫وبعد فتح الجلسة من طرف رئيس المَحكَم َة يؤتى بالمتهم محاطا ً بجنديين اثنين ث َُّم يقرأ الكاتب‬

‫‪267‬‬
‫ك تلقى عَلَيْه ِ الأسئلة من طرف رئيس المَحكَم َة أو‬
‫القضائي على مسمعه قرار الاتهام‪ ،‬وبعد ذ َل ِ َ‬

‫مساعديه إذا وجدوا‪ ،‬كما تلقى الأسئلة على الشهود إذا ك َانَ ه ُنَاك َ شهود‪ ،‬ث َُّم تحال الكلمة إلى‬

‫المفوض عن الجيش ث َُّم مرافعة لسان الدفاع‪.‬‬

‫‪ -6‬كيفية القضاء‪:‬‬

‫بعد سماع المتهمين والشهود ولسان الاتهام ولسان الدفاع ينفرد رئيس المَحكَم َة بمساعديه‬ ‫‪-‬‬

‫فيتشاورون‪ ٠‬ث َُّم يصرحون بإدانة المتهم أو براءته‪ .‬وفي الحالتين يحاط من يهمهم الأمر علما ً‬

‫في الحال‪ ،‬و يكونون قد عادوا إلى مقر المَحكَم َة‪.‬‬

‫ك ُل حكمٍ صدر عن المَحَاكِم الع َسكَر َِّية لا إعادة فيه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫المحكوم عليهم بالإعدام لا يجوز ذبحهم بل ينفذ ُ فيهم الحكم ُ رميا ً بالرصاص‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ق لكل محكمة ع َسكَر َِّية قد تتكون بصورة مخالفة للترتيبات والتوجيهات المنصوص عَلَيْهَا‬
‫لا ح َ‬ ‫‪-‬‬

‫آنفا ً في الانعقاد ولا في إصدار أي حكم‪.‬‬

‫‪ -7‬الأحكام‪:‬‬

‫يُس ََّلم ُ المحكوم ُ عليهم إلى مركز حراسة المساجين حالا ً لتنفيذ الأحكام َّالتِي صدرت ضدهم‪ .‬وإذا‬

‫ك َانَ في هؤلاء من حُكِم َ عَلَيْه ِ بالإعدام فعلى الضابط المكلف بتنفيذ الحكم أن يقدم محضرا ً متعلقا ً‬

‫بتنفيذ حكم الإعدام‪.‬‬

‫‪268‬‬
 ‫المطلبَالرابع‪َ:‬تسليحَجيشَالتحرِيرَالوطنِي َ‬

‫مر بالعديد من المراحل خلال عمليات التسليح َّالتِي طرأت‬ ‫يمكن القول إن جيش َّ‬
‫التحرِير قد َّ‬
‫عَلَيْه ِ‪:‬‬

‫‪ -1‬المرحلةَالأولىَ(تمتدَمنَ‪َ1‬نوفمبرَ‪َ1954‬إلىَ‪َ20‬أوتَ‪َ َ:)1956‬‬

‫ل لقادة الولايات والزعماء‬

‫ل على الأسلحة من الخارج انطلاقا ً من جهد مستق ٍ‬
‫وقد تميزت بالحصو ِ‬

‫السياسيين؛ سواء ً عن طر يق الشراء أو المساعدة من الدول العربية أو من الدول الصديقة‪ .‬وك َانَ‬
‫‪1‬‬
‫ي َت ُُّم إرسال الأسلحة إلى الحدود الشرقية والغربية لِلج َزَائِر ِ ث َُّم تهريبها نحو الولايات‪.‬‬

‫‪َ -2‬المرحلةَالثانيةَ(تمتدَمنَ‪َ20‬أوتَ‪َ1956‬إلىَ‪َ19‬سبتمبرَ‪َ َ:)1958‬‬

‫وفيها تولت مسؤولية الحصول على الأسلحة وإدخالها إلى الجَزَائ ِر لجنة التنسيق والتنفيذ‪ ،‬فكلفت‬

‫ك عرف " بدائرة التسليح والتموين العام"‪ ،‬وقد ك َانَ هدف اللجنة الرئيسي هو‬
‫جهازا ً يختص بِذ َل ِ َ‬
‫الحصول على الأسلحة‪ ،‬بعد الأزمة الحادة َّالتِي عرفتها َّ‬
‫الثور َة أواخر سنة ‪ ،1956‬خصوصا ً بعد‬

‫اعتقال الزعماء الخمسة للبعثة الخارجية (بن بلة ورفاقه)‪ ،‬فأصبحت عملية تأمين الأسلحة والمواد‬

‫التموينية من الخارج جامدة ً‪ ،‬فكلفت لجنة التنسيق والتنفيذ (محمد الأمين دباغين) لعلاج المشكلة‪،‬‬

‫فتوجه من القاهرة إلى تونس‪ ،‬بينما انتقل (أوعمران) من الداخل إلى تونس واستطاع ه ُنَاك َ أن‬
‫ل إلى نوع من الاتفاق لتنسيق التعاون مع تونس‪.‬‬
‫يص َ‬

‫كما أن بن بلة ك َانَ قد بعث برسالة إلى لجنة التنسيق والتنفيذ‪ ،‬ضمنها قائمة بشحنات الأسلحة َّالتِي‬

‫ت ََّم التعاقد ُ عَلَيْهَا قبل اعتقاله‪ ،‬وك َانَ ه ُنَاك َ نحو ثمانية آلاف قطعة سلاح لا تزال في ليبيا وفي تونس‬

‫وفي وهران‪ .‬ونجح أوعمران في مهمته خلفا ً لبن بلة فانتقل من تونس إلى بعض بلدان الشرق‬

‫الأوسط الأخرى وأوروبا وتعامل معها وتلقى العون منها‪.‬‬

‫وحصل الأمين دباغين على شحنة من يوغسلافيا تتكون من خمسة وعشرين ألف قطعة سلاح؛‬
‫التحرِير بالحدود التونسية‪ .‬كما حصلت َّ‬
‫الثورَة ُ خلال‬ ‫ألف مدفع رشاش سُلمت إلى جيش َّ‬
‫منها ُ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪180‬‬

‫يخلف حاج عبد القادر‪ ،‬مصادر تسليح وتموين َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪269‬‬
‫الفصل الأول من سنة ‪ 1957‬على خمس شحنات للأسلحة والذخيرة من مصر‪ 1،‬وتميزت هَذِه ِ‬
‫‪2‬‬ ‫المرحلة أيضا ً بتعامل َّ‬
‫الثور َة مع تجار الأسلحة أو بالأحرى مهربي الأسلحة لتغطية احتياجاتها‪.‬‬

‫‪ -3‬المرحلةَالثالثةَ(تبدأَمعَتأسيسَالحكومةَفيَ‪َ19‬سبتمبرَ‪َ1958‬حتىَ‪َ:)1962‬‬

‫اختفت في هَذِه ِ المرحلة دائرة الأسلحة والتموين العام وتأسست وزارة التسليح والاتصالات‬

‫ك عقب تأسيس الحكومة المؤقتة‪ .‬وتميزت بالسر ية التامة‪ ،‬فلم‬

‫العامة‪ ،‬وعلى رأسها بوصوف‪ ،‬وذَل ِ َ‬

‫يكن يعلم بدخول الأسلحة إلا الوزير المخصص ورغم إجراءات تشديد الحراسة وتضييق الخناق‬

‫على الحدود الشرقية والغربية‪ِ ،‬فإن الجبهة استطاعت بطرقها الخاصة إدخال العديد من الأسلحة‬
‫‪3‬‬
‫مستعملة السيارات والحافلات‪.‬‬

‫وتميزت هَذِه ِ المرحلة أيضا ً بتعامل َّ‬

‫الثور َة مع تجار الأسلحة أو بالأحرى مهربي الأسلحة لتغطية‬
‫(‪End-‬‬ ‫احتياجاتها‪ :‬ففي سنوات ‪ ، 1960 -1957‬ك َانَ السماسرة أو الوسطاء يشترون شهادات‬

‫‪4 )user certificate‬من بعض الشخصيات السِيَاس َِّية في الدول الصغيرة (وزير الدفاع أو وزير‬

‫طنِي تحصل على هَذِه ِ الشهادات من طرف الدول الصديقة‬ ‫الداخلية)‪ .‬وك َان َت جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫أو المؤيدة لحركتها مثل يوغسلافيا‪ -‬مصر‪ -‬العراق‪ -‬وبعض البلدان العربية الأخرى‪ .‬وبالمقابل‬

‫وجهت دفعتين منها إلى ولايات قسنطينة والأوراس والجَزَائ ِر العاصمة عبر الأراضي الليبية‪ .‬بينما سُل ِم َت الثالثة‬ ‫‪1‬‬

‫بتاريخ ‪ 20‬ماي‪ ،‬وك َان َت وجهتها نحو داخل الجَزَائ ِر مرورا ً بالتراب الليبي أيضاً‪ .‬في حين ك َان َت الرابعة على متن‬
‫باخرة إسبانية انطلاقا ً من الإسكندر ية إلى ميناء سبعة‪ ،‬بتاريخ ‪ 4‬جوان وقد حجزت هَذِه ِ الشحنة من قبل‬
‫السلطات الإسبانية‪ .‬وك َان َت الشحنة الخامسة على متن شاحنة من مرسى مطروح في ‪ 1‬جو يلية؛ مرورا ً بليبيا‬
‫ووصولا ً إلى الحدود التونسية‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪180 - 181‬‬
‫يخلف حاج عبد القادر‪ ،‬مصادر تسليح وتموين َّ‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪182 - 183‬‬ ‫‪3‬‬

‫ك المبيعات والتسليح‬
‫‪ 4‬شهادة المستخدم النهائي‪ ،‬أو ‪ ،EUC‬هي وثيقة تُستخد َم في عمليات النقل الدولية ‪ -‬بما في ذ َل ِ َ‬
‫المقدم كمعونة‪ -‬للأسلحة والذخيرة للتصديق على أن المشتري هو المُتلقي النهائي لِهَذِه ِ المواد‪ ،‬ولا يخطط لنقلها إلى‬
‫طرف آخر‪.‬‬

‫‪270‬‬
 ‫ك َان َت المصالح السر ية الفَرَنس َِّية تلاحق تجار الأسلحة المتعاملين مع َّ‬
‫الثور َة‪ .‬ولم تتورع في استعمال‬
‫َّ‬
‫التحر ِير‪1.‬‬ ‫أساليب الترهيب لتمنع وصول الأسلحة لجبهة‬

‫َجيشَالتحرِيرَعلىَالعديدَمنَالقواعدَالخلفيةَلتموينَالثورةَبالسلاح‪َ،‬‬
‫ُ‬ ‫وخلالَهذِه َِالمراحلَاعتمد‬

‫لعلَأهمها‪َ :‬‬

‫‪ -1‬القاعدةَالمغربية‪َ :‬‬

‫ىَ‬
‫الخر يطةَ(‪َ:)28‬أهمَمراكزَالدعمَاللوجستيَلجبهةَالتحر ِيرَفيَالمغربَالأقص َ‬

‫ل إلى‬ ‫ك َانَ السيد بوداود منصور مكلفا ً بجميع المصانع السر ية والأسلحة َّالتِي ك َان َت تُجم َ ُع وت ُر َ‬
‫س ُ‬
‫ك رجال المقاومة المغربية‪ ،‬فشكلوا مع الجزائر يين خلايا‬
‫الولاية الخامسة "وهران"‪ ،‬يساعده في ذَل ِ َ‬

‫هامة للتسليح من إسبانيا والمغرب‪ ،‬و ُّأنشأت عدة مراكز للتموين بالسلاح على التراب المغربي‬

‫منها "مراكز الناظور‪ -‬وجدة‪ -‬فكيك‪ -‬بركان‪ -‬القنيطرة‪ -‬الرباط‪ -‬الدار البيضاء‪ -‬طنجة‪ -‬تطوان"‪.‬‬

‫الثور َة؛ الَّذ ِي َ‬

‫ن منهم "سوى مارتي" وك َانَ مسؤولا ً عن الاتصال بالضباط‬ ‫كقتلها للضباط الإسبان المتعاونين مع َّ‬ ‫‪1‬‬

‫حي ْثُ تمكن المناضلون الجزائر يون من نقله إلى طنجة وفي عام ‪ 1962‬دخل الجَزَائ ِر وتزوج من جزائر ية‪،‬‬
‫الإسبان‪َ ،‬‬
‫كما قامت ف َرَنس َا بتفجير سف ينتين وإغراقهما في ميناء طنجة‪ ،‬وهما سفينتان تابعتان للسيد جورج بوخرت المدعو‬
‫النقيب فيليب موريس الَّذ ِي ك َانَ يقيم بطنجة؛ وهو أحد تجار الأسلحة الألمان المتعاونين مع َّ‬
‫الثور َة‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫الطرف عن عمليات إنزال‬
‫َ‬ ‫تغض‬
‫ُ‬ ‫وك َان َت السلطات المغربية في عهد السلطان محمد الخامس‬

‫ك في عهد السلطان الحسن الَّذ ِي‬

‫الشحنات َّالتِي تقع على سواحلها‪ .‬على عكس ما حدث بعد ذ َل ِ َ‬

‫طنِي على الاعتراف‬ ‫ق على المجاهدين الجزائر يين؛ في محاولة منه لإجبار قيادة جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬ ‫ضي َ‬
‫بتعديل الحدود الجغرافية قبيل الاستقلال‪ ،‬مستغلا ً الظروف الصعبة َّالتِي ك َانَ جيش َّ‬
‫التحرِير‬
‫‪1‬‬ ‫طنِي ُّ‬
‫يمر بِهَا‪.‬‬ ‫الو َ َ‬

‫‪ -2‬قاعدةَالإمدادَفيَإسبانياَوأوروبا‪َ َ:‬‬

‫ل أساسي‪ :‬تسليح العاملين في ف َرَنس َا وتسليح العاصمة الجَزَائِر َِّية‬

‫ك َان َت مهمة هَذِه ِ القاعدة بِش َك ٍ‬
‫ووهران‪ ،‬وقد ك ُلف بِهَا "السيد محمد يوسفي"‪ ،‬ولعبت هَذِه ِ القاعدة دورا ً كبيرا ً في تزويد الولاية‬
‫الخامسة (وهران) بالأسلحة َّالتِي ك َان َت تجلب من برشلونة وجنوب إسبانيا في شكل قطع غيار‬

‫من المصانع ث َُّم ترسل إلى الولاية برا ً و بحراً‪ .‬وبقيت هَذِه ِ الشبكة تعمل إلى أن اكتشفت من قبل‬

‫ك بإقامة قاعدة للإمداد والتموين بصفة‬ ‫الفرنسيين فغيرت َّ‬

‫الثور َة وجهتها بقرار من بوصوف‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫عامة بألمانيا‪ ،‬وكلف السيد يوسفي بتنظيم عملية التموين بمختلف أشكاله على مستوى أوروبا‪ .‬كما‬

‫ك َانَ بسويسرا مركزان يمثلان منطقة عبور‪ ،‬وك َانَ الحصول على الأسلحة ي َت ُُّم من برلين وبلجيكا‬
‫‪2‬‬
‫(بروكسل) وبلغار يا وخاصة تشيكوسلوفاكيا‪َّ ،‬التِي ك َان َت من أكبر الممونين للثورة‪.‬‬

‫‪ -3‬القاعدةَالشرقية‪َ :‬‬

‫حي ْثُ وصلت إلى مدينة زوارة الليبية عن طر يق‬

‫ل ك ُلا ً من تونس‪ -‬ليبيا – مصر‪َ ،‬‬
‫ك َان َت تشم ُ‬

‫ك بحكم العلاقات المصر ية‬

‫مرسى مطروح بالإسكندر ية مئاتُ الأطنان من الأسلحة‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫حي ْثُ ك َانَ أحمد بن بلَّة ضابط الاتصال الَّذ ِي تدعمه المخابرات المصرية‬ ‫الجَزَائِر َِّية منذ فجر َّ‬
‫الثور َة‪َ ،‬‬

‫بالتنسيق مع جمال عبد الناصر‪ ،‬والَّذ ِي ك َانَ يسعى إلى إبراز دورِ مصر القيادي في المنطقة‪.‬‬

‫وك َان َت بتونس لجنة خاصة من ك ُِل ولاية‪ ،‬وكَان َت هَذِه ِ اللجان تجم ُع الأسلحة َ من ك ُل جهة من‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪173‬‬

‫يخلف حاج عبد القادر‪ ،‬مصادر تسليح وتموين َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪174- 173‬‬

‫‪272‬‬
‫تونس وليبيا والعراق ومن مصر وسور يا‪ ،‬وتأتي بِهَا إلى تونس ومن ث َُّم توزعُ على بقية الولايات‬
‫‪1‬‬
‫الثور َِّية داخل الأراضي الجَزَائِر َِّية‪.‬‬
‫َّ‬

‫طنِي‬ ‫والجدير بالذكر أن تونس قامت بعدة إجراءات سِيَاس َِّية وع َسكَر َِّية‪ ،‬ضد جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫طنِي‬ ‫كميات كبيرة ً من الأسلحة ك َان َت موجهة ً لجيش َّ‬

‫التحرِير الو َ َ‬ ‫ٍ‬ ‫فصادرت في جوان ‪1958‬‬
‫الثور َة لتوسيع قواعدها في ليبيا َّ‬
‫والتِي ك َان َت عبارة عن ورشات‬ ‫الج َزَائِر ِي‪ ،‬الأمر الَّذ ِي دفع َّ‬

‫لتصليح الشاحنات الثقيلة تستخدم لنقل الأسلحة‪ ،‬تحسبا ً من البوليس الليبي المدعوم من القوات‬

‫الإنجليز ية‪.‬‬

‫كما ُّأرسلت مساعدات سور ية‪ ،‬إلى الجَزَائ ِر خلال عام ‪ 1957‬وك َان َت تحتوي أسلحة ً وذخيرة ً‪،‬‬
‫وبالمثل أيضا ً فقد خصصت القيادة ُ العراقية ُ بعد ثورة تموز‪ /‬جو يلية ‪ 1958‬ميزانية ً خاصة ً للثورة‬
‫‪2‬‬
‫الجَزَائِر َِّية‪.‬‬

‫‪ -4‬الدعم َُالصينيَ‪َ :‬‬

‫التحرِير والصين لتزويد جيش َّ‬

‫التحرِير بالأسلحة والمعدات الحربية‬ ‫ع ُقدت عدة اتفاقيات بين جبهة َّ‬

‫ك قائلة إن القيمة المالية للمعدات َّالتِي ت ََّم‬

‫اللازمة للثورة‪ ،‬وتحدثت الصحافة الأمريكية عن ذَل ِ َ‬

‫الاتفاق عَلَيْهَا قد "وصلت إلى خمسة وعشرين مليون دولار"‪ .‬وك َانَ من بين هَذِه ِ المعدات آلات‬
‫‪3‬‬
‫لتصنيع الأسلحة والذخائر‪.‬‬

‫حي ْثُ فكر قسم‬

‫لـكنَ الجديرَ بالذكرَ أنَ الثورةَ سعتَ لتصنيعََالأسلحةَ والذخيرةَ ب ِشكلَ محلي‪َ ،‬‬
‫الإمداد والتسليح في َّ‬
‫الثور َة بقيادة عبد الحفيظ بوالصوف ومساعديه في تأسيس نواة تصنيع‬
‫حربية ترفد ُ جيش َّ‬
‫التحرِير بالمستلزمات المطلوبة خصوصا ً على صعيد الذخيرة‪ ،‬وفي هَذَا السياق‬
‫بدأ بوالصوف جهوده للحصول على آلات لصناعة الذخيرة وتعبئتها‪ ،‬وشرعت قيادة َّ‬
‫الثور َة في إنشاء‬
‫شبكة ٍ سر ية ٍ لصناعة الأسلحة لتموين َّ‬
‫الثور َة في مختلف جهات القتال‪ ،‬وقد ربط بوصوف صلات‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪174‬‬

‫يخلف حاج عبد القادر‪ ،‬مصادر تسليح وتموين َّ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪175‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪179‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪273‬‬
 ‫وطيدة بالعرب المقيمين بإسبانيا على أمل الوصول إلى صناعة حربية جزائر ية تغني َّ‬
‫الثور َة وتمكنها‬
‫‪1‬‬
‫من مواجهة الاستعمار‪.‬‬

‫ويذكر أن الولاية الخامسةك ُل ِفَت في أواخر ‪ 1955‬وأوائل ‪ 1956‬بصناعة الألغام المضادة للدبابات‪،‬‬

‫والألغام المفجرة للسكك الحديدية‪ ،‬فقامت بصناعة قنابل يدو ية ك َان َت تصنع بآلة أو آلتين جيء‬

‫بِهَا من ألمانيا واستقرت في تطوان المغربية‪ .‬والتحق الـكثير من الجزائر يين الاختصاصيين والتقنيين‬

‫في تصنيع القطع الحديدية الَّذِي َ‬

‫ن بعثت بهم فيدرالية ف َرَنس َا نحو المغرب‪ ،‬بالإضافة إلى تعاون‬

‫مهندسين من ألمانيا والأرجنتين وبر يطانيا واليونان‪ .‬وبعد شراء الآلات الضرور ية والمواد الأولية‬

‫بدأ إنجاز ورشات ومصانع لصناعة الذخيرة وبعض الأسلحة الخفيفة‪ ،‬فضلا ً عن راجمات‬
‫ل أساسي وك َان َت‬
‫"البازوكا" و"المورقي"‪ ،‬وقد توزعت هَذِه ِ المصانع فوق التراب المغربي بِش َك ٍ‬
‫‪2‬‬ ‫موجودة في الأماكن التالية‪:‬‬

‫تطوان (‪ :)1958‬صناعة القنابل من النوع الإنجليزي والمتفجرات‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بوزنيقة (‪ :)1959‬القنابل من النوع الأمريكي والبنجالور والسلاح الأبيض‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تمارة (‪ :)1960‬صناعة الرشاشات الخفيفة ‪ 49 MAT‬والسلاح الأبيض‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الصخيرات (‪ :)1960‬صناعة مدافع الهاون ‪ -‬والمتفجرات‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫المحمدية (‪ :)1960‬صناعة مدافع الهاون عيار ‪ 80 - 60‬والبنجالور ‪ 3‬والألغام‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ 49‬والمتفجرات والألغام‬ ‫‪MAT‬‬ ‫الدار البيضاء (‪ :)1960‬صناعة البازوكا ‪ 4‬والرشاشات‬ ‫‪-‬‬

‫والسلاح الأبيض‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪172‬‬

‫يخلف حاج عبد القادر‪ ،‬مصادر تسليح وتموين َّ‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪81‬‬

‫طنِي غبر الحدود الغربية خلال َّ‬ ‫د‪ .‬الطاهر جبلي‪ ،‬تسليح جيش َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪2‬‬

‫شحنة متفجرة توضح في نهاية أنبوب قابل للتمدد‪ ،‬واستخدم من قبل مهندسي المعارك‪ ،‬وحديثا ً يمكن لهذا‬ ‫‪3‬‬

‫الطوربيد أن يز يل العقبات مثل الألغام والأسلاك الشائكة لمسافة خمسة عشر مترا ً طولا ً و مترٍ واحدٍ عرضاً‪.‬‬
‫البازوكا سلاح أمريكي قاذف للصواريخ يحمله الأفراد كمضاد للدبابات‪ .‬لمقذوفاته الصاروخية قدرة اختراق‬ ‫‪4‬‬

‫الجدران الصلبة ومن ث َُّم الانفجار الشديد لتدمير الدبابات أو إعطابها‪ .‬دخل الخدمة أثناء الحرب العالمية الثانية‬
‫عام ‪ 1942‬وك َانَ فعالا ً في الميدان‪ .‬وقد أخذ اسمه من آلة موسيقية تشبهه في الشكل‪.‬‬

‫‪274‬‬
275
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)29‬توزعَمصانعَالثورةَالجزائِر ِيةَفيَالمغرب‬

‫وقد ك َان َت أغلبية هَذِه ِ القواعد عبارة عن مزارع معزولة ومهيأة بكيفية لا تسمح للسلطات المغربية‬

‫بملاحظة ومعرفة نشاطها‪ .‬وك َانَ بعضها تحت غطاء شركات خاصة مثل شركات صناعة الشوكات‬

‫الثور َة َّالتِي ك َان َت تُشر ُ‬

‫ِف على ه َذِه ِ المصانع‬ ‫والملاعق‪ 1 .‬ومع نهاية سنة ‪ 1961‬تمكنت قيادة َّ‬

‫س رشاش وخمسة آلاف‬

‫والورشات من صنع‪ :‬خمسمئة ألف قنبلة يدو ية أمريكية وألف مسد ٍ‬

‫وثلاثمئة مدفع هاون ‪ 50‬مم وكمية ضخمة من العبوات‪.‬‬

‫وبالإضافة إلى هَذِه ِ المصانع والورشات َّالتِي أنشأتها قيادة َّ‬

‫الثور َة في المغرب‪ ،‬شُرِعَ منذ ‪ 1960‬في‬

‫جلب الأسلحة النصف ثقيلة بمختلف أنواعها وذخيرتها الحربية من الخارج‪ ،‬خصوصا ً المدافع‬

‫(مدافع الهاون) والبازوكات والمدافع المضادة للطائرات‪ .‬وك َان َت هَذِه ِ الأسلحة ُ تأتي من بعض‬
‫الدول الشرقية وأوروبا عبر المغرب وباسم الحكومة المغربية‪ ،‬وحاولت مصان ُع َّ‬
‫الثور َة بالمغرب‬
‫عَلَيْهَا‪2 .‬‬ ‫صنع قذائف المدفعية غير أن التوفيق لم يحالف القائمين‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪77‬‬

‫طنِي غبر الحدود الغربية خلال َّ‬ ‫د‪ .‬الطاهر جبلي‪ ،‬تسليح جيش َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪82‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪276‬‬
‫وبعد الانتهاء من إقامة خط موريس‪ ،‬فُرِضَت رقابة صارمة من قبل الفرنسيين على الحدود‬

‫طنِي من وإلى تونس والمغرب خصوصا ً‪،‬‬ ‫الجَزَائِر َِّية‪ ،‬مما أ َّثر َ سلبًا على حركة جنود جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬
‫الأمر الَّذ ِي دفع جيش َّ‬
‫التحرِير إلى البحث عن طرق ووسائل لتفعيل شبكة التسليح وتأمين‬

‫عملية إمداد القوات في الداخل‪ ،‬وعلى هَذَا الأساس ك ُلِفَت الشبكة ُ السر ية للتسليح بالبحث على‬
‫‪1‬‬ ‫ل نذكر‪:‬‬
‫طرق لتهريب السلاح بوسائل أكثر أمنا ً‪ ،‬ومن أهم هَذِه ِ الوسائ ِ‬

‫صناديقَالخضارَ‪ :‬في مراكز خاصة بالمغرب؛ كَان َت تُع َُّد صنادي ُ‬

‫ق خضارٍ ذاتَ قعر مزدوج‬ ‫‪-‬‬

‫لا يثير ُ الشبهة توضع داخلها المسدسات أو الذخيرة‪ ،‬ث َُّم تعبأ بالخضار المطلوب شراؤها من‬

‫التجارِ‪ ،‬ث َُّم توجه إلى الجَزَائ ِر‪ .‬واستخدمت هَذِه ِ الوسيلة لمدة سنتين ح ََّتى ‪.1960‬‬

‫البطيخ‪ :‬ك َانَ البطيخ يستخدم لنقل الذخيرة الـكبيرة الحجم كالقنابل اليدو ية وطلقات‬ ‫‪-‬‬

‫الرشاشات الثقيلة‪ .‬فك َانَ يُفتح من جوفه؛ وتتم تعبئته بالذخيرة ليعاد إغلاقه بطر يقة فنية‬

‫بِ حَي ْثُ لا يثير الشبهة مطلقا ً‪ ،‬ودفعا ً للالتباس ك َانَ يوض ُع البطيخ العادي على وجه الشحنة‪.‬‬

‫قللَالفخارَ(الجرار)‪ :‬اتصلت الشبكة بأحد عمال الفخار الَّذ ِي ك َانَ يصنع القلل بفاس‬ ‫‪-‬‬

‫ل عادي‬
‫المغربية؛ وعرضت عَلَيْه ِ فكرة تهريب الذخيرة ضمن القلل‪ ،‬فك َانَ يصنع القلل بِش َك ٍ‬
‫وبعدما تجف يضع في قعرها ذخيرة أو مسدسا ً صغيرا ً أو قنبلة ً يدو ية ً ث َُّم يغطي ذ َل ِ َ‬
‫ك بطبقة‬

‫بكميات كبيرة ً إلى وهران‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫ن‬
‫أخرى و يتركها تجف مرة أخرى‪ ،‬وصارت القلل تشح ُ‬

‫التحرِير الحركة َّالتِي دبت بين الفرنسيين من سكان المغرب في‬

‫نقلَالأثاث‪ :‬استغلت جبهة َّ‬ ‫‪-‬‬

‫سعيهم إلى الانتقال إلى الجَزَائ ِر بعد إعلان استقلال المغرب‪ ،‬فك َانَ هؤلاء ينقلون معهم‬
‫أثاثهم الكامل‪ ،‬وك َان َت معاملاتهم تنجز في القنصلية الفَرَنس َِّية بسهولة ٍ فائقة ٍ‪ ،‬وهكذا وجدَ‬

‫كميات هائلة ٍ من السلاح‬

‫ٍ‬ ‫طنِي أنه يمكن استغلال هَذِه ِ الظاهرة في نقل‬ ‫جيش َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫ل الفَرَنس َِّية ِ َّالتِي تنتق ُ‬

‫ل لِلج َزَائِر ِ‪.‬‬ ‫والذخائر إلى مختلف المناطق الجَزَائِر َِّية عبر تهريبها مع العوائ ِ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪83‬‬

‫طنِي غبر الحدود الغربية خلال َّ‬ ‫د‪ .‬الطاهر جبلي‪ ،‬تسليح جيش َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫‪277‬‬
‫خزاناتَوقودَالسيارات‪ :‬استخدمت لهذا الغرض الشاحنات والسيارات السياحية‪ ،‬فك َانَ‬ ‫‪-‬‬

‫يطلب من السائقين المتعاونين إيقاف سياراتهم عند وصولهم إلى المغرب ومن ه ُنَاك َ يتولى‬

‫حي ْثُ ينزع خزان الوقود من مكانه ث َُّم يفتح و يوضع‬

‫أفراد الشبكة نقلها إلى مشاغل سر ية‪َ ،‬‬

‫ق خزان مليء بالأسلحة والذخائر و يترك ُ فراغ من حوله لتعبئة وقود‬

‫ل متناس ٍ‬
‫في جوفه بِش َك ٍ‬
‫يكفي لمسافة ٍ معقولة ٍ‪ .‬بالإضافة إلى هَذَا ك َان َت أرضية ُ السيارة َّالتِي جعلت من طبقتين توضع‬

‫فيها المسدسات وعلب الذخيرة وبعض البنادق‪.‬‬

‫وفُتحت مشاغل أخرى للتهريب في إسبانيا‪ ،‬وك َان َت بعض المطاعم والمسابح والفنادق تخفي خلفها‬
‫وغيرهما‪1.‬‬ ‫مشاغل سر ية للشبكة‪ ،‬في ضاحية مدريد وفي برشلونة‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪85‬‬

‫طنِي غبر الحدود الغربية خلال َّ‬ ‫د‪ .‬الطاهر جبلي‪ ،‬تسليح جيش َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫‪278‬‬
 ‫الفصلَالثاني‪َ:‬الحوكمةَوالمأسسةَخارجَالبلادَ‬

‫طنِي» إلى توسيع نطاق العَم َل َِّيات الحربية والسِيَاس َِّية خارج الجَزَائ ِر من‬ ‫سعت «جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬
‫فكر القيادي في «جبهة َّ‬
‫التحرِير»‪،‬‬ ‫أجل ز يادة الضغط على ف َرَنس َا‪ ،‬وتخفيفه عن الداخل؛ ولذلك َّ‬

‫ل‬ ‫محمد بوضياف‪ ،‬في إنشاء فيدرالية لـ«جبهة َّ‬

‫التحرِير» في ف َرَنس َا‪ ،‬كما أقر مؤتمر الصومام بتشكي ِ‬
‫واجهة ٍ سِيَاس َِّية ٍ تمثلت في الحكومة الجَزَائِر َِّية المؤقتة بالإضافة إلى عدد من الشبكات الجَزَائِر َِّية في‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية بالأموال‬

‫دول المشرق والمغربي العربي والبلدان الأوربية بهدف دعم وإرفاد َّ‬

‫والأسلحة اللازمة لاستكمال المسيرة نحو الاستقلال‪.‬‬

‫وليكونَ الحديثُ عن مسار تطور المؤسسات في الخارج واضحا ً؛ ك َانَ لابد أن نقسم هَذَا الفصل‬

‫إلى المباحث التالية‪:‬‬

‫أولا‪َ:‬فدراليةَجبهةَالتحرِيرَب ِفرنسا‪َ َ.‬‬

‫ثانياً‪َ:‬منَجبهةَالتحرِيرَنحوَالحكومةَالمؤقتة‪َ َ.‬‬

‫المبحثَالأول‪َ:‬فيديراليةَجبهةَالتحرِيرَالوطنِيَب ِفرنساَ َ‬
‫استقبلت الجالية الجَزَائِر َِّية خبر اندلاع َّ‬
‫الثور َة في أول نوفمبر ‪ 1954‬بكثير من التفاؤل وعلقت عَلَيْهَا‬

‫آمالا ً كبيرة‪ ،‬واعتقد أغلب الجزائر يين والمناضلين بِفَرَنس َا أن مصالي الحاج هو من ك َانَ وراء‬

‫العَم َل َِّيات ليلة الأول من نوفمبر‪ .‬وحدهم المناضلون القدماء في حزب الشعب وحركة الانتصار‬
‫كانوا يدركون أن َّ‬
‫الثور َة انطلقت بفعل حركة حديثة وليس بفعل الزعيم التار يخي مصالي الحاج‪،‬‬

‫ولذلك التحقت أعداد كبيرة من المهجرين الجزائر يين في ف َرَنس َا وبلجيكا بالحركة الوَطَن َِّية المصالية‬

‫َّالتِي أطلقها مصالي الحاج في ‪ 1954 – 12 - 5‬وبقيت السيطرة في الخارج لِهَذِه ِ الحركة إلى غاية‬

‫‪ 1956‬بفعل عدة عوامل‪:‬‬

‫‪ -‬تأثير مصالي وحركته َّالتِي ك َان َت تنشط لوحدها في الساحة الخارجية كحزب منظم فعلا ً بِفَرَنس َا‬

‫والدول الأوروبية‪َ .‬‬

‫‪ -‬قوة شخصية مصالي وتار يخه النضالي المشرف وعلاقاته الواسعة‪.‬‬

‫‪279‬‬
 ‫‪ -‬جهل غالبية المهاجرين الجزائر يين بحقيقة الواقع في الجَزَائ ِر لغياب الأخبار‪.‬‬

‫العاملين في ف َرَنس َا‪.‬‬ ‫‪ -‬تمتع المصاليين بشعبية كبيرة بين العمال الجزائر يين‬

‫التحرِير للوصول إلى العمال المهاجرين والجالية الجَزَائِر َِّية بز يارة‬

‫وأمام هَذَا الإشكال؛ سعت جبهة ُ َّ‬

‫الأماكن َّالتِي يتواجدون فيها‪ ،‬لتنويرهم بالحركة الجديدة وقيادتها وأهدافها ث َُّم حثهم على ترك‬

‫التحرِير‪ ،‬وهَذَا ما جعل قادة الحركة الوَطَن َِّية الجَزَائِر َِّية (المصالية)‬
‫الحركة المصالية والانخراط بجبهة َّ‬

‫التحرِير ح ََّتى لو اضطروا إلى استعمال العنف‪ ،‬فبدأ‬

‫يضعون نصب أعينهم الوقوف بوجه جبهة َّ‬
‫يأخذ أشكالا ً عنيفة ً تدر يجياً‪1.‬‬ ‫الصراع‬

‫المطلبَالأول‪َ:‬مراحلَنشأةَفيدراليةَجبهةَالتحرِيرَ َ‬

‫ك َانَ حزب الشعب الجَزَائِر ِي (أو حركة الانتصار للحر يات الديمقراطية) يمثل الوجهة الأكبر‬

‫للعديد من المهاجرين الجزائر يين باعتباره ك َانَ يكافح لاستعادة السيادة الوَطَن َِّية والاستقلال‪ ،‬وقد‬

‫بقي بلا منافسة ٍ حقيقية ٍ في أوساط ا لمهاجرين الجزائر يين بالخارج وخاصة ً بِفَرَنس َا‪ .‬وبعد انقسام‬

‫الحزب وظهور الصراع بين «المصاليين» و«المركز يين» في ‪ ،1953‬تمكن (مصالي) من كسب‬

‫تعاطف وولاء غالبية أعضاء فيدرالية ف َرَنس َا‪.‬‬

‫وك َان َت قيادة فيدرالية ف َرَنس َا لحزب الشعب (حوالي ثمانية آلاف مناضل يقدمون مساهمات‬
‫(التِي شكلت جبهة َّ‬
‫التحرِير لاحقاً) وهما‬ ‫الثور َِّية َّ‬
‫متنوعة لحساب الحركة) تضم عضوين من اللجنة َّ‬

‫(محمد بوضياف)‪ ،‬الَّذ ِي ك َانَ يشغل منصب مسؤول التنظيم‪ ،‬و(ديدوش مراد) الَّذ ِي ك َانَ نائبه‪،‬‬

‫ك في الفترة الممتدة بين ‪.1954 -1953‬‬

‫وذَل ِ َ‬

‫التحرِير الأوائل يدركون أهمية الجالية المهاجرة في ف َرَنس َا والدور الَّذ ِي لعبته في‬
‫ولأن قادة جبهة َّ‬

‫دعم ومساندة الحركة الوَطَن َِّية؛ حرصوا على استقطابها إلى جانبهم في الـكفاح المسلح ضد‬
‫الاحتلال الفَرَنس ِي‪ ،‬من خلال تأسيس فيدرالية تابعة لجبهة َّ‬
‫التحرِير في ف َرَنس َا‪.‬‬

‫طنِي بِف َرَنس َا‪ ،‬دراسة في التنظيم والهيكلة ‪ ،1957–1954‬ص ‪183‬‬ ‫د‪.‬جيلالي تكران‪ ،‬فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫‪280‬‬
 ‫ك َان َت البداية بتشكيل لجنة تجمع ك ُل المناهضين لـمصالي الحاج وأعضاء ً سابقين في اللجنة المركز ية‬

‫اتخذوا موقف الحياد‪ ،‬إضافة ً إلى بعض المناضلين المحبطين من الصراعات الداخلية‪ ،‬وك َانَ محمد‬

‫التحرِير‪ ،‬فك َان َت نواتها مُش ََّكلة ً من هَذَا‬

‫بوضياف أول من دعا إلى إنشاء الفيدرالية التابعة لجبهة َّ‬

‫الطيف الواسع من المعارضين أو المحايدين لمصالي الحاج‪ ،‬فضمت ك ُلا ً من‪:‬‬

‫مناضلي منطقة "‪ :"Sochaux‬محمد مرار‪ ،‬أحمد دوم‪َ .‬‬ ‫•‬

‫مناضلي ليون "‪ :"Lyon‬نوي عيسى‪ ،‬مسلي‪ ،‬سي العربي‪ ،‬محمد ساحلي‪ ،‬سي محمد‪ ،‬سي حامد‪َ .‬‬ ‫•‬

‫مناضلي مرسيليا "‪ :"Marseille‬أمحمد حداد‪ ،‬سي أرزقي‪ ،‬قتلهما المصاليون سنة ‪َ .1956‬‬ ‫•‬

‫مناضلي مدينة ليل "‪ :"Lille‬اوجدي جيلالي دمرجي‪َ .‬‬ ‫•‬

‫مناضلي باريس‪ :‬بومدين محند آكلي‪ ،‬سلايمي سعيد ومراد‪َ .‬‬ ‫•‬

‫ولحق بهم آخرون مثل بن مهل‪ ،‬الطيب بولحروف‪ ،‬بولـكروة موسى‪ ،‬ديدوش مراد‪ ،‬امحمد‬ ‫•‬

‫يزيد‪ ،‬بن فرحات بوسعيد‪ ،‬بلعلي عيسى‪ ،‬عمر بلوشراني‪ ،‬وعمرون سعيد‪.‬‬

‫التحرِير على المناطق ذات الكثافة العمالية الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وأوجدت‬

‫ك ركزت فيدرالية جبهة َّ‬
‫وعلى إثر ذ َل ِ َ‬

‫لجان تختص بالدعاية والمالية والشؤون النقابية وفرق التدخل‪ ...‬وشمل بُعد ُها الجغرافي كلا ً من‬
‫وسويسرا‪1 .‬‬ ‫بلجيكا‪ ،‬إسبانيا وإيطاليا‬

‫وبهذاَيمكنَت قسيمَمراحلَتأسيسَفيدراليةَالجبهةَب ِفرنساَإلىَمرحلتينَكبيرتين‪َ َ:‬‬

‫المرحلةَ الأولىَ‪ :‬مرحلة الملاحقة والاضطراب‪ ،‬وتمتد من ‪ 1954‬إلى ‪ ،1958‬وتضم فترتين‬

‫رئيسيتين‪َ :‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ .1‬فترةَالفيدراليةَالأولى برئاسة (مراد طربوش) انتهاء ً بصالح الوانشي‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪77 - 76‬‬

‫شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬من مواليد ‪ 21‬جوان ‪ 1923‬بولاية تيزي وزو‪ .‬ناضل في صفوف «الـكشافة الإسلامية الجَزَائِر َِّية» منذ ‪1939‬‬
‫وأشرف على الجريدة الناطقة باسمها‪ ،‬دخل في اللجنة المركز ية لحركة انتصار الحر يات الديمقراطية في خضم الأزمة‬
‫َّالتِي ك َان َت تمر بِهَا الحركة في ‪ ،1953‬وك َانَ من بين المسؤولين الَّذ ِي َ‬
‫ن فُصلوا من الحركة المصالية‪ .‬التحق بجبهة‬

‫‪281‬‬
‫‪ .2‬فترةَالفيدراليةَالثانية برئاسة (محمد البجاوي)‪ ،‬وتميزت بعدم الاستقرار نظرا ً للاعتقالات‬

‫ل الأعضاء َ من طرف الشرطة الفَرَنس َِّية‪.‬‬

‫َّالتِي ك َان َت تطا ُ‬

‫المرحلةَالثانية‪َ:‬مرحلةَالتنظيمَوالتوسع‪ ،‬تمتد من ‪ 1958‬إلى غاية الاستقلال في ‪ ،1962‬وتضم‬

‫الفيدرالية الثالثة والرابعة برئاسة (عمر بوداود)‪ ،‬مع الإشارة إلى أن فترة الفيدرالية الرابعة بدأت‬

‫عندما نُقل نشاط فيدرالية الجبهة من ف َرَنس َا إلى مدينة «فرانكفورت» بجمهور ية ألمانيا الفيدرالية‪،‬‬

‫وتميزت هَذِه ِ المرحلة بالاستقرار سواء ً في المسؤولين والتنظيم والتنو يع في النشاطات‪ ،‬ليس في‬
‫الغربية‪1.‬‬ ‫ف َرَنس َا وحدها‪ ،‬بل امتدت إلى معظم أوروبا‬

‫أولاً‪َ:‬مرحلةَالملاحقةَوالاضطراب َ‬

‫التحر ِير ‪1955‬حيث التقى بـ(عبان رمضان) الَّذ ِي عينه مسؤول ًا على رأس فدرالية ف َرَنس َا‪ .‬ألقي عَلَيْه ِ القبض في‬
‫َّ‬
‫‪ 27‬فبراير ‪ 1957‬مع (محمد لبجاوي) ث َُّم أطلق سراحه في ‪.1962‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪77 - 76‬‬
‫شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪282‬‬
 ‫الخر يطةَ(‪َ:)30‬مناطقَعملياتَفدراليةَجبهةَالتحر ِيرَفيَفرنساَب ِشكلَتقريبيَسنةَ‪َ 1956‬‬

‫ك َان َت الخطوات الأولى لتأسيس فيدرالية الجبهة بِفَرَنس َا في جانفي ‪ ،1955‬قد بدأت في‬
‫إلى‪1 :‬‬ ‫لوكسمبورغ‪ ،‬وك َان َت تهدف‬

‫طنِي‪َ .‬‬ ‫تعر يف المهاجرين الجزائر يين بجبهة َّ‬

‫التحرِير الو َ َ‬ ‫•‬

‫اغتيال مصالي بالحاج وأدا ً للفتنة‪.‬‬ ‫•‬

‫طنِي‪َ .‬‬ ‫دمج أنصاره في جبهة َّ‬

‫التحرِير الو َ َ‬ ‫•‬

‫حث الجالية الجَزَائِر َِّية على المشاركة في حرب َّ‬

‫التحرِير‪َ .‬‬ ‫•‬

‫التحضير لعمل ع َسكَر ِي بِفَرَنس َا‪َ .‬‬ ‫•‬

‫إشعار الرأي العام الفَرَنس ِي بحرب الاستقلال‪َ .‬‬ ‫•‬

‫طنِي بِف َرَنس َا‪ ،‬دراسة في التنظيم والهيكلة ‪ ،1957–1954‬ص ‪185‬‬ ‫د‪.‬جيلالي تكران‪ ،‬فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫‪283‬‬
 ‫السيطرة على الأموال َّالتِي بات مصالي يهيمن على جمعها وسط العمال المهاجرين‪َ .‬‬ ‫•‬

‫‪1‬‬ ‫وت ََّم تقسيم التراب الفَرَنس ِي إلى أربع مناطق عمليات‪:‬‬

‫وك َانَ (بوضياف) قد كلف (مراد طربوش) في اجتماع معه في جنيف بسويسرا‪ ،‬بتشكيل هيئة‬

‫الأركان الأولى لفيدرالية الجبهة بِفَرَنس َا مع بعض القيادات الأخرى‪ ،‬لـكن هَذِه ِ الهيئة لم يكتب‬

‫لَهَا الاستمرار ُ لأن الشرطة السويسر ية ك َان َت قد فتشت مكان اللقاء بين بوضياف وطربوش في‬
‫جنيف‪ ،‬ووجدوا في غرفة هَذَا الأخير قائمة ُّ‬
‫تضم أسماء بعض الشخصيات الوَطَن َِّية َّالتِي ت ََّم‬

‫اختيارها لتشكيل فيدرالية الجبهة بِفَرَنس َا‪ ،‬فطالت الاعتقالات أغلب القيادات الهيئة الأولى من‬

‫قبل الشرطة السويسر ية‪.‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)31‬هيكليةَهيئةَالأركانَالأولىَلفدراليةَجبهةَالتحر ِيرَب ِفرنسَا َ‬

‫ككَت الهيئة الأولى للفدرالية بعد القبض على مراد طربوش‪ ،‬فأعاد قادة جبهة َّ‬
‫التحرِير‬ ‫وهكذا ف ُ ِ‬

‫في ف َرَنس َا تشكيل هيئة ثانية في شهر ماي ‪ 1955‬بواسطة فوضيل بن سالم‪ 2.‬وقد اكتنف تشكيل‬

‫الفيدرالية الثانية صعوبات أثرت على مردودية نشاطها وسط الجالية الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫ك بحكم‬

‫انقطاع الاتصال مع القيادة في الجَزَائ ِر‪ ،‬ومع الوفد الخارجي في القاهرة‪ ،‬إضافة إلى ممارسة الحركة‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪185‬‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪80‬‬

‫شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪284‬‬
‫الوَطَن َِّية المصالية لسلطتها على شر يحة كبيرة من العمال الجزائر يين‪ .‬وقد حصل خلاف بين عبان‬

‫ك المرحلة المسؤول الأول في الجَزَائ ِر وبين قادة الفيدرالية الثانية في ف َرَنس َا‪،‬‬
‫رمضان باعتباره في تِل ْ َ‬

‫إثر تعيين عبان لصالح الونشي قائدا ً للفيدرالية في ف َرَنس َا دون مشاورة بقية القادة والوفد الخارجي‪.‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)32‬هيكلَيةَهيئةَالأركانَالثانيةَلفدراليةَجبهةَالتحر ِيرَب ِفرنسَا َ‬

‫ومع وصول صالح الونشي إلى ف َرَنس َا في ‪ 1955 - 11 - 27‬مع فر يقه‪ 1‬بدأ تنفيذ برنامج جديد‬

‫للثورة التحرير ية في المهجر‪ ،‬اتضحت معالمه من خلال التركيز على الدعاية والإعلام‪ ،‬وإقامة‬

‫علاقة مع اليسار الفَرَنس ِي‪ ،‬والتنسيق مع مدينة الجَزَائ ِر بقيادة عبان رمضان‪.‬‬

‫وأصبحت لجنة الفيدرالية الجديدة تتكون من صالح الونشي ومجموعة الأربعة القدماء (محمد‬

‫مشاطي‪ ،‬فوضيل بن سالم‪ ،‬أحمد غراس‪ ،‬أحمد دوم)‪ ،‬بالإضافة لمجموعة من الأعضاء الجدد‪،‬‬
‫مثل‪( :‬أحمد طالب الإبراهيمي الَّذ ِي ك ُل َِف بالعلاقات مع الخارج‪ ،‬والطيب بولحروف الإعلام‬

‫بمساعدة محمد حربي وموسى بلـكروة وعبد المالك بن حبيلس وحسين مونجي)‪ ،‬وبذلك تبلورت‬
‫‪2‬‬ ‫الصيغة النهائية للفيدرالية‪.‬‬

‫محمد الشر يف ساحلي‪ ،‬شوقي مصطفاي‪ ،‬فرانز فانون – الطيب بولحروف‪ ،‬زين العابدين مونجي‪ ،‬الحاج شرشالي‬ ‫‪1‬‬

‫وشنتوف عبد الرزاق ومصطفى الأشرف كما ت ََّم تعيين الشيخ خير الدين على رأس فدرالية الجبهة بالمغرب الأقصى‬
‫وآيت أحسن على رأس فدرالية الجبهة بتونس‪.‬‬
‫طنِي بِف َر َنس َا‪ ،‬دراسة في التنظيم والهيكلة ‪ ،1957–1954‬ص ‪186‬‬ ‫د‪.‬جيلالي تكران‪ ،‬فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪2‬‬

‫‪285‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:)33‬هيكليةَهيئةَالأركانَالثالثةَلفدراليةَجبهةَالتحر ِيرَب ِفرنسَا َ‬

‫وأخذت الفيدرالية في تنفيذ خطتها التنظيمية داخل ف َرَنس َا بتشكيل فرق شبه ع َسكَر َِّية لتأطير‬

‫أفواج العمل ضمن حيز جغرافي‪ ،‬انطلاقا ً من نواة صغيرة وهي الخلية َّالتِي تضم أربعة أشخاص‬

‫ومسؤول‪ ،‬ويمكن التعبير عن الشكل التنظيمي الَّذ ِي أصبحت عَلَيْه ِ الفدرالية في هَذِه ِ المرحلة‬

‫بالرسم التالي‪:‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)34‬نموذجَتقريبيَللهيكلَالتنظيميَلفدراليةَجبهةَالتحر ِيرَفيَفرنسَا َ‬

‫ضمت الفيدرالية ُ في البداية ستَ ولايات‪ ،‬ث َُّم أصبحت سب َع ولايات منذ صيف مايو ‪،1961‬‬

‫وقد تخضع هَذِه ِ التقسيمات الجغرافية لتغيرات مستمرة لتلافي ملاحقة الشرطة وتجنب القمع‪،‬‬

‫‪286‬‬
‫ويسمى ال مسؤول عن التنظيم الإداري والهيكلي بـ "الفدرالي" أو "الأخ الـكبير" ويدعمه مسؤول‬

‫المنظمة الخاصة وثلاثة مساعدين‪:‬‬

‫‪ -1‬مساعد قضائي وشرطي‪َ .‬‬

‫‪ -2‬مساعد ع َسكَر ِي‪.‬‬

‫‪ -3‬مساعد الدعاية والصحافة‪.‬‬

‫أقامت فيدرالية الجبهة برنامجها الخاص لتنظيم الدعم العمالي بالمهجر‪ ،‬وحاولت استيعاب بعض‬

‫العناصر المصالية المترددة أو الواعية بحقيقة الـكفاح‪ ،‬ومحاربة المتعصبين لمصالي الحاج‪ .‬كما‬
‫استخدمت عمال الحانات والمقاهي كوسطاء لنشر دعايتها والمشاركة في َّ‬
‫الثور َة التحرير ية ودعوات‬
‫والمقاهي‪1 .‬‬ ‫التظاهر ووقف العمل وغلق المحلات التجار ية‬

‫وبلغ عدد أتباع فيدرالية الجبهة بِفَرَنس َا في جوان ‪ 1956‬ما يزيد عن ثمانية آلاف شخصٍ‪ ،‬ث َُّم وصل‬

‫التحرِير وسط العمال والجالية الجَزَائِر َِّية‬

‫سنة ‪ 1957‬إلى خمسة عشر ألف فردٍ‪ ،‬وبات موقع جبهة َّ‬

‫ملموسا ً منذ مارس ‪ ،1956‬مستفيدة من الدعم الَّذ ِي لقيته الجبهة من الحزب الشيوعي الفَرَنس ِي‪.‬‬

‫لـكن مثل سابقتها‪ ،‬تعرض أعضاء هَذِه ِ اللجنة للاعتقال في صيف ‪ 1956‬ماعدا صالح الونشي‪.‬‬

‫ث َُّم زادت الأوضاع تعقيدا ً سنة ‪ 1956‬بسبب المواجهة مع الجماعات المصالية وملاحقات الشرطة‬
‫ل قادة َّ‬
‫الثور َة الخمسة في الخارج وهم‪( :‬أحمد بن بلة ‪-‬‬ ‫وموجات الاعتقال َّالتِي لم تتوقف‪ ،‬واعتقا ُ‬

‫محمد بوضياف ‪ -‬حسين آيت أحمد ‪ -‬خضير)‪ ،‬فقررت لجنة التنسيق والتنفيذ المنبثقة عن مؤتمر‬

‫طنِي بِف َرَنس َا‪ ،‬دراسة في التنظيم والهيكلة ‪ ،1957–1954‬ص ‪187‬‬ ‫د‪.‬جيلالي تكران‪ ،‬فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫‪287‬‬
 ‫الصومام تعيين محمد لبجاوي‪ 1‬على رأس فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحرِير في ف َرَنس َا خلفا ً للونشي‪ ،‬فانتقل‬
‫المهداوي‪2.‬‬ ‫لبجاوي في سبتمبر ‪ 1956‬إلى ف َرَنس َا ومعه نائبه حسين‬

‫الشكلَ(‪َ:)35‬هيكليةَهيئةَالأركانَالرابعةَلفدراليةَجبهةَالتحر ِيرَب ِفرنسَا َ‬

‫‪ 1‬محمد لبجاوي‪ :‬من مواليد ‪ 20‬فيفري ‪ 1926‬بمدينة الجَزَائ ِر‪ .‬ينتمي إلى النخبة الجَزَائِر َِّية الصغيرة في الخمسينيات‪.‬‬
‫ك َانَ قريبا ً من الأوساط الليبرالية الأوروبية والحزب الشيوعي الجَزَائِر ِي‪ ،‬واهتم بالإضرابات العمالية َّالتِي ك َان َت‬
‫ُّ‬
‫تهز الجَزَائ ِر في هَذِه ِ الفترة‪ .‬وبهذه الـكيفية اكتسب ثقافة ماركسية متينة ومعرفة بالحركة العمالية‪ .‬بدأ أول‬
‫طنِي في ‪ 1955‬مع (كريم بلقاسم) في منطقة القبائل‪ :‬ث َُّم مع (عبان رمضان) في الجَزَائ ِر‪.‬‬ ‫اتصالاته بجبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬
‫بسرعة أعطيت لَه ُ مهام قيادية؛ ففي ‪ 1956‬شارك في التحضير لمؤتمر الصومام في ‪ 20‬أوت ‪ 1956‬و ُّأرسل إلى‬
‫باريس لقيادة فدرالية الجبهة عام ‪.1956‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪90-89‬‬
‫‪2‬شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬

‫‪288‬‬
‫باشرت القيادة الجديدة مهامها في شهر ديسمبر ‪ ،1956‬وك َان َت مكلفة ً بشن عمليات ع َسكَر َِّية في‬

‫الر يف والمدن الفَرَنس َِّية كلما ص ََّعدَت ف َرَنس َا من عملياتها بالجَزَائِر ِ‪ ،‬ولخَّ َ‬
‫ص (لبجاوي) مهمته في‬
‫ف َرَنس َا قائلاً‪" :‬عند مغادرتي الجَزَائ ِر‪ ،‬التعليمات َّالتِي تبنتها جبهة َّ‬
‫التحرِير بالنسبة لمهمتي ك َان َت‬

‫واضحة‪« :‬نقل الحرب إلى ف َرَنس َا»‪ ،‬كنت مكلفا ً بعمليات ثأر في المدن والأر ياف الفَرَنس َِّية في ك ُل‬

‫مرة تحدث فيها تجاوزات استعمار ية واس عة في الجَزَائ ِر‪ ...‬والهدف هو تحسيس الرأي العام‬

‫الفَرَنس ِي بحقيقة الحرب‪ ،‬وإفهامه بأنه مسؤول عما ي َت ُُّم فعله باسمه في الجَزَائ ِر وأنه بالاستمرار في‬

‫التغاضي عنها‪ ،‬سوف ينتهي بِه ِ الأمر إلى تحمل تبعات ذَلِكَ‪ .‬هَذَا ما قاله لي (عبان) عند توديعي‬

‫«يجب أن يتصدر الدم العناوين الرئيسية للصحف»"‪ 1 .‬لـكن عملية القبض على (لبجاوي) وفر يقه‬

‫حي ْثُ وقع رهن اعتقال الشرطة الفَرَنس َِّية رفقة نائبه‬
‫هو الَّذ ِي تصدر عناوين الصحف الفَرَنس َِّية‪َ ،‬‬

‫المهداوي سر يعا ً في فيفري ‪.1957‬‬

‫ثانياً‪َ:‬مرحلةَالتنظيمَوالتوسع‬

‫لم يمض وقت طو يل على اعتقال البجاوي والمهداوي ح ََّتى تشكلت لجنة مؤقتة تحت مسؤولية‬

‫الطيب بولحروف بتزكية من كريم بلقاسم‪ ،‬فقامت هَذِه ِ اللجنة المؤقتة في شهر يونيو‪/‬جوان ‪1957‬‬

‫بتعين عمر بوداود رئيسا ً لفيدرالية الجبهة بِفَرَنس َا‪ ،‬الَّذ ِي نزل إلى باريس‪ ،‬وكون ما يعرف بالفدرالية‬

‫الثالثة‪ ،‬وك َانَ فيها أربعة أعضاء‪( :‬عمر بوداود)‪( ،‬عمار العدلاني)‪( ،‬منجي زين العابدين)‪،‬‬
‫و(سعيد بوعزيز)‪ ،‬وت ََّم تدعيم هَذِه ِ اللجنة بعد ذ َل ِ َ‬
‫ك بأعضاء جدد‪( :‬مسعود قدروج)‪(ََ،‬محمد‬

‫حربي)‪ ،‬وقد استمر عمل الفدرالية الثالثة إلى بداية ‪.1958‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪91-89‬‬

‫شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪289‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:)36‬هيكليةَالفدراليةَالثالثةَلجبهةَالتحر ِيرَب ِفرنسَا َ‬

‫لـكن خلال عام ‪ 1958‬تعرضت تشكيلة اللجنة الفدرالية لتعديلات‪ ،‬بسبب الإفراج عن ك ُل من‪:‬‬

‫(عبد الـكريم سويسي) الَّذ ِي أصبح مشرفا ً على المالية‪ ،‬والفرع الجامعي‪ ،‬والودادية العامة للعمال‬

‫الجزائر يين ‪ ،1‬و(زين العابدين منجي) الَّذ ِي ع ُين في مدرسة تأهيل الإطارات‪ ،2‬كما نُقل (مسعود‬

‫قدروج) إدار يا ً إلى المغرب‪ ،‬أما (محمد حربي) فقد ت ََّم إقصاءه من اللجنة الفدرالية‪.‬‬

‫وهكذا بقي في اللجنة الفدرالية أربعة أعضاء وهم‪( :‬عمر بوداود)‪( ،‬عبد الـكريم سويسي)‪( ،‬عمار‬

‫العدلاني)‪ ،‬و(سعيد بوعزيز)‪ .‬وفي ماي ‪ 1958‬ن قلت لجنة التنسيق والتنفيذ (علي هارون) إلى‬

‫اللجنة الفدرالية‪ ،‬كما نُقل مركز الفيدرالية إلى ألمانيا الاتحادية‪ ،‬وبهذه التشكيلة المكونة من خمسة‬
‫الاستقلال‪3 .‬‬ ‫أعضاء هي َّالتِي باشرت تسيير الفيدرالية إلى غاية‬

‫تعتبر فرع الاتحاد العام للعمال الجزائر يين ‪ ،‬مهمتها تأطير العمال الجزائر يين الموجودين في ف َرَنس َا بما يتماشى مع‬ ‫‪1‬‬

‫مصلحة َّ‬
‫الثور َة‪.‬‬
‫تأسست ھذه المدرسة بدایة ‪ ، 1959‬وك َانَ مقرھا في مدینة هاقن بألمانيا الغربية‪ .‬وتتولى المدرسة تكوین إطارات‬ ‫‪2‬‬

‫الثور َِّية بكفاءة عالية‪.‬‬

‫للثورة قادرين على القیام بالمھام َّ‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪.91 – 95‬‬
‫‪3‬شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬

‫‪290‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:)37‬هيكليةَالفدراليةَمنذَ‪َ1959‬حتىَالاستقلالَ َ‬

‫الفعالة َّالتِي تبنتها الفدرالية للتعر يف بالقضية الجَزَائِر َِّية والوصول إلى الرأي العام‪:‬‬
‫من الوسائل َّ‬

‫فتح مكاتب رسمية لدى الدول الغربية‪ ،‬سعيا ً للحصول على اعتراف سياسي‪ ،‬وقد أدى الطلبة‬

‫الجزائر يون دورا ً فعالا ً في هَذِه ِ المكاتب‪ .‬ومنذ ‪ 1958‬أصبح للجبهة مكاتب في معظم أوروبا‬

‫الغربية إضافة إلى المكتب المركزي في «فرانكفورت» بجمهور ية ألمانيا الفيدرالية‪ ،‬والَّذ ِي ك َانَ‬

‫ِف عَلَيْه ِ (عمر بوداود)‪ ،‬فك َانَ لَهَا مكتب آخر في ألمانيا الغربية في العاصمة (بون) عينت عَلَيْه ِ‬
‫يُشر ُ‬

‫(حفيظ كرمان)؛ ومكتب في العاصمة البر يطانية لندن عينت عَلَيْه ِ (محمد كلو)‪ ،‬ومكتب في‬

‫«مونترو» بسويسرا بقيادة (الطيب بولحروف) ث َُّم (محمد عبد الوهاب)‪ ،‬ومكتب في روما عينت‬

‫عَلَيْه ِ (محمد أمزيان آيت أحسن)‪ ،‬وآخر في دول إسكندينافيا (الدنمارك‪ ،‬السويد‪ ،‬فنلندا والنرويج)‬

‫بقيادة (محمد الشر يف ساحلي) وك َانَ مقر المكتب الَّذ ِي يدير هَذِه ِ المنطقة في السويد‪ .‬أما بقية‬
‫مباشر‪1 .‬‬ ‫ل‬
‫المناطق مثل بلجيكا ولوكسمبورغ فك َان َت تتبع لمكتب الفيدرالية في ف َرَنس َا بِش َك ٍ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪119‬‬

‫‪1‬شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬

‫‪291‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:)38‬توزعَمكاتبَالفدراليةَفيَأوروباَمنذَ‪َ َ1958‬‬

‫ل محدودٍ خوفا ً من تدهور‬ ‫وك َان َت هَذِه ِ الدول لا توافق على نشاط جبهة َّ‬
‫التحرِير بأراضيها إلا بِش َك ٍ‬
‫مكاتب الجبهة في أوروبا الغربية؛ فك َانَ منها‬
‫ِ‬ ‫العلاقات بينها وبين ف َرَنس َا‪ ،‬وقد تنوعت نشاطات‬

‫النشاط الإعلامي والدعائي وربط الاتصالات بالسياسيين والمنظمات النقابية والطلابية والإنسانية‬

‫بهدف التعر يف أكثر بالجبهة والحرب الجَزَائِر َِّية الفَرَنس َِّية‪ ،‬ومن أجل الحصول على المساعدات‬

‫لصالح اللاجئين الجزائر يين والجنود الفارين من الجيش الفَرَنس ِي‪ ،‬والتكفل بالطلبة الجزائر يين‬

‫القادمين للدراسة في هَذِه ِ البلدان‪.‬‬

‫وامتد اهتمام الفدرالية إلى حياة المهاجرين الخاصة والعامة‪ ،‬فشكلت لجان لدعم المساجين‬

‫السياسيين داخل السجون ولتوفير هيئات للدفاع عنهم أمام المَحَاكِم الفَرَنس َِّية‪ .‬وكذلك لجان العدالة‬

‫َّالتِي ك َان َت مكلفة بفض النزاعات بين الجزائر يين في دعاوى المعاملات والخصومات والطلاق‪.‬‬

‫وح ََّتى النساء فقد شملهم هَذَا التأطير وهَذِه ِ اللجان‪ ،‬خاصة مع تزايد عددهن وبعضهن تقلدن‬

‫‪292‬‬
‫مسؤوليات سِيَاس َِّية‪ .‬ومن خلال هَذِه ِ اللجان‪ ،‬تمكنت الجبهة من وضع حواجز بين الجزائر يين‬
‫دولة‪1.‬‬ ‫والإدارة الفَرَنس َِّية‪ ،‬ومن ث َُّم تأسيس دولة داخل‬

‫وهكذا فإن الفدرالية َّالتِي بدأت ببعض الأعضاء الَّذ ِي َ‬

‫ن يعدون على أصابع اليد في ‪ ،1955‬وصل‬

‫عدد أعضائها سنة ‪ 1957‬إلى عشرين ألف عضو‪ ،‬ليصبح مئة وستة وثلاثون ألف عضوٍ سنة‬

‫‪ ،1961‬يمر خلالها المجند عموما ً بمراحل متتابعة‪ ،‬أولا ً متعاطف‪ ،‬فمنخرط‪ ،‬ث َُّم مناضل‪ ...‬ويسمح‬

‫هَذَا التصن يف للمجند الجديد عند انتقاله من صنف إلى آخر‪ ،‬بتقو ية إرادته وترسيخ أفكاره أو‬

‫الوقوف على حدود إمكانياته‪.‬‬

‫فالمتعاطف هو الَّذ ِي يطلب الانضمام بمحض إرادته‪ ،‬و يخضع لتدريب يؤهله للارتقاء إلى‬
‫الأصناف الأخرى‪ .‬وعَلَيْه ِ يُطلب منه القبول بانضباط الفدرالية وسلطتها‪ ،‬ويحضر الاجتماعات‬

‫َّالتِي تعقدها الخلية َّالتِي ينتمي إليها‪ ،‬فيقرأ و يوزع المناشير‪ ،‬ويدفع اشتراكاته المالية‪ .‬وإذا ارتقى‬

‫المتعاطف ليصبح منخرطا ً؛ يصبح من حقه المشاركة في التكوين النظري والعملي الَّذ ِي يسمح‬

‫فيما بعد بانتقاء أفضل العناصر وترقيتها إلى مناضلين‪ .‬والمناضلون هم الَّذ ِي َ‬
‫ن لعبوا الدور الرئيسي‬
‫الجَزَائِر َِّية‪2 .‬‬ ‫وكانوا ينجزون المهام المختلفة الأشد خطورة‪ ،‬مما جعلهم العنصر المحرك للجالية‬

‫طنِي للثورة قد قرر في دورته المنعقدة في ديسمبر ‪ 1959‬ترقية فيدرالية‬

‫الجدير بالذكر أن المجلس الو َ َ‬

‫طنِي‪ ،‬وهكذا نشأت‬

‫ف َرَنس َا إلى مرتبة ولاية من نفس المرتبة مع بقية الولايات الست في التراب الو َ َ‬
‫َّ‬
‫الثور َة‪3.‬‬ ‫ك بـ«الولاية السابعة» َّالتِي ُّ‬
‫تعد واحدة ً من أعظم إنجازات‬ ‫ما عرف بعد ذَل ِ َ‬

‫ل وعراقيل‬ ‫ولا يفوتنا أن نذكر أن مكاتب جبهة َّ‬

‫التحرِير في أوروبا الغربية قد واجهت مشاك َ‬
‫أهمها‪4 :‬‬ ‫كبيرة خلال نشاطاتها لعل‬

‫تضييق حكومات أوروبا الغربية على نشاط مكاتب الجبهة ووضعها تحت المراقبة المشددة‪.‬‬ ‫•‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص‪.99‬‬

‫‪1‬شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪98-97‬‬ ‫‪2‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪93- 94 -95‬‬

‫‪3‬شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪120‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪293‬‬
‫الملاحقة من مصالح الاستخبارات الفَرَنس َِّية تحت مظلة "اليد الحمراء" ‪َّ 1‬التِي ك َان َت تنفذ‬ ‫•‬

‫عمليات تصفية بحق كوادر جبهة َّ‬

‫التحرِير‪.‬‬

‫المطلبَالثاني‪َ:‬إنجازاتَفيدراليةَجبهةَالتحرِيرَفيَالثورة‬

‫ك َان َت مهام الفدرالية تتمثل في دعوة الجالية الجَزَائِر َِّية للمساهمة في َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬وتوفير الدعم المادي‬

‫والسِيَاسِي‪ ،‬ونقل العمل المسلح إلى أراضي العدو‪ ،‬وتوعية الرأي العام الفَرَنس ِي بالفظائع َّالتِي‬

‫ترتكبها حكومته م في الجَزَائ ِر‪ ،‬والاهتمام بأحوال الموقوفين والمساجين السياسيين في الخارج‪،‬‬

‫وإقامة لجان العدالة َّالتِي ك َان َت مكلفة بفض النزاعات بين الجزائر يين أصحاب الفنادق وزبائنهم‬

‫والشجارات وقضايا الطلاق‪...‬إلخ ‪َ 2‬‬

‫وفيماَيتعلقَبجمعَالمال؛ لقد ك َان َت اشتراكات المهاجرين الجزائر يين أحد المصادر الرئيسية لتمو يل‬

‫حي ْثُ ت ََّم تحديد مبلغ الاشتراك بالنسبة للعمال بألف فرنك فرنسي‪ ،‬ث َُّم ألفي فرنك ث َُّم ثلاثة‬
‫الجبهة‪َ ،‬‬

‫ألاف فرنك شهر يا ً‪ 3،‬أما التجار فكانوا يدفعون خمسة آلاف فرنك كمبلغ أولي‪ ،‬ث َُّم يرتفع مبلغ‬

‫الاشتراك حسب رأس مال ك ُل تاجر‪ .‬وخلال سنتي ‪1955 – 1954‬؛ ك َانَ المبلغ المحصل قليلا ً‬

‫جداً‪ ،‬لـكن مع تزايد عدد المنخرطين تحسن المدخول المالي ليصل عام ‪ 1958‬إلى مليارين وثمانمئة‬

‫هي عصابة إرهابية قامت بتكوينها أجهزة الاستخبارات الف َرَنس َِّية نشطت ببلاد المغرب العربي وبأوروبا‪ ،‬لا‬ ‫‪1‬‬

‫يُعرف بدقة من هم عناصرها كما لم يقدموا للمحاكمة‪ .‬قام جهاز التوثيق الخارجي والاستخبارات المضادة تحت‬
‫قيادة بيار بورسيكوت بإنشاء هَذِه ِ الوحدة الخاصة بالاغتيالات أهدافها اغتيال رموز الحركات الوَطَن َِّية في تونس‬
‫والجَزَائ ِر والمغرب‪ .‬أصبحت الوحدة نشطة فور إنشائها واستمرت في عمليات الاغتيال من سنة ‪ 1952‬إلى فترة‬
‫الستينات‪ .‬قامت الوحدة باغتيال أكثر من مئتي شخص منهم مئة وخمس وثلاثون شخصا ً في سنة ‪ ،1960‬وشملت‬
‫أنشطة الوحدة أكثر من خمس دول أوروبية‪ ،‬بالإضافة لدول المغرب العربي‪ ،‬وتنوعت عملياتها بين التسميم‪،‬‬
‫الرمي بالرصاص‪ ،‬السيارات المفخخة‪ ،‬القنابل الموقوتة‪ ،‬الرمي بالسهام‪...‬إلخ‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪98 - 99‬‬
‫‪2‬شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬
‫ك َانَ معدل أجرة العامل الشھر یة وقتئذٍ تتراوح بین ستين ألف وسبعين ألف فرنك فرنسي قدیم‪ .‬وقد ظهر‬ ‫‪3‬‬

‫الفرنك الجديد في ف َرَنس َا أواخر الخمسينات‪ .‬وواحد فرنك فرنسي جدید ك َان َت تساوي آنذاك مئة فرنك قدیم‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫وخمسة عشر مليون فرنك‪ ،‬فيما بلغ المدخول أكثر من خمسة مليارات وتسعمئة وثمانية وستين‬
‫‪1 .1960‬‬ ‫مليون فرنك سنة‬

‫حي ْثُ َتعود جذور المنظمة بِفَرَنس َا إلى‬

‫و يُعدَتأسيسَالمنظمةَالخاصةَمنَأهمَإنجازاتَالفدرالية؛َ َ‬

‫التحرِير جهودا ً كبيرة ً لتكوين تنظيم يقوم بتنفيذ العَم َل َِّيات الع َسكَر َِّية‬
‫عام ‪ 1956‬حينما بذلت جبهة َّ‬

‫في ف َرَنس َا ومواجهة المصاليين‪ .‬ومع قدوم عمر بوداود إلى ف َرَنس َا بناء على تعليمات لجنة التنسيق‬

‫والتنفيذ؛ أسس إدارة ع َسكَر َِّية قادرة على خوض المعركة في الأراضي الفَرَنس َِّية‪ ،‬وأسند رئاستها‬

‫إلى "سعد بوعزيز" وعُين "آيت مختار" نائبا ً لَه ُ‪ .‬وقد ت ََّم الاتفاقُ على جعل الهيكل الجديد للمنظمة‬

‫خارج الهيكل التنظيمي للفدرالية َّالتِي تمثل الواجهة السِيَاس َِّية‪ ،‬من أجل تفادي الخلط في‬
‫الخاصة‪2.‬‬ ‫الصلاحيات بين تنظيم الفيدرالية والمنظمة‬

‫ولضمان عدم اكتشافهم من قبل الشرطة الفَرَنس َِّية‪ ،‬أوصت قيادة المنظمة الخاصة مناضليها‬

‫بالحرص على ارتداء الملابس الأوروبية‪ ،‬كما وضعت لكل عنصر اسم مستعار لكيلا يتعرف ك ُل‬

‫عنصر على الاسم الحقيقي لرفيقه في الخلية‪ ،‬وفي حالة التفتيش من قبل قيادة المنظمة يضع الجميع‬
‫البعض‪3.‬‬ ‫أقنعة ً لكيلا يتعرفون على بعضهم‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪100‬‬

‫‪1‬شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬
‫طنِي بِف َرَنس َا لمواجهة قوات المصاليين على ما يعرف‬ ‫‪ 2‬قبل إنشاء المنظمة الخاصة اعتمدت فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬
‫بفرق الصدام‪ ،‬وهي فرق صغيرة قليلة العدد لا يتجاوز العدد الأعلى من عناصرها خمسة عشر عنصرا ً في المنطقة‬
‫الواحدة موزعين على أربعة خلايا تضم ك ُل خلية ثلاثة عناصر وقائد الخلية‪ ،‬وتشرف ك ُل خلية على ناحية بأسلحة‬
‫خفيفة ورشاشات وقذائف‪ ،‬تتلخص مهمتها في حماية أمن الفيدرالية وسلامة مسؤوليها ز يادة على متابعة الخونة‬
‫وك ُل الخارجين عن نظام الجبهة‪.‬‬
‫طنِي بِف َرَنس َا في َّ‬
‫الثور َة التحرير ية ‪ ،1962 – 1954‬ص ‪180‬‬ ‫‪3‬فاتح ز ياني‪ ،‬مساهمة فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬

‫‪295‬‬
 ‫أصبحَالتنظيمَالجغرافيَللمنظمةَالخاصةَسنةَ‪َ1958‬علىَالشكلَالتالي‪َ 1َ:‬‬

‫الخر يطةَ(‪َ:) 31‬تقسيمَجبهةَعملياتَالمنظمةَالخاصةَفيَفرنساَسنةَ‪َ َ1958‬‬

‫طنِي بِف َرَنس َا في َّ‬

‫الثور َة التحرير ية ‪ ،1962 – 1954‬ص ‪180‬‬ ‫‪1‬فاتح ز ياني‪ ،‬مساهمة فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬

‫‪296‬‬
‫ويشرف على ك ُل هَذِه ِ المناطق آيت مختار نصر الدين بالتنسيق مع المسؤول الأول للمنظمة سعيد‬

‫بوعزيز‪ ،‬لـكن هَذِه ِ القيادة لم تعرف الاستقرار بسبب كثرة الاعتقالات‪.‬‬

‫ك َان َت المنظمة ُ الخاصة ُ مخولة ً بالعديد من المهام مثل‪ :‬القيام بالأعمال الحربية لضرب المصالح‬

‫الاقتِصَاد َِّية للعدو واستهداف شخصيات فرنسية‪ 1‬وجزائر ية مؤيدة للاحتلال‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫ك لنقل أجواء‬

‫الخوف وانعدام الأمن إلى ف َرَنس َا وإجبارها على الاحتفاظ بجزء من جيشها لتخفيف الضغط عن‬
‫َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬والمساهمة في جلب الأسلحة من أوروبا إلى داخل التراب الجَزَائِر ِي‪َ 2 .‬‬

‫وفي ‪ 25‬جو يلية ‪ 1958‬؛ اجتمعت اللجنة الفيدرالية للجبهة بحضور (عمر بوداود) رئيس اللجنة‬

‫و(سعيد بوعزيز) رئيس المنظمة الخاصة بقر ية صغيرة ضواحي مدينة "كولوني" بألمانيا الغربية‬
‫و بحضور جميع قادة الولايات‪ ،‬وك َانَ موضوع الاجتماع هو تطبيق أمر لجنة التنسيق والتنفيذ‬

‫بتوسيع العَم َل َِّيات في ف َرَنس َا‪ ،‬وحُدِد َ يوم ‪ 25‬أوت ‪ 1958‬الموافق لليلة الاحتفال بعيد سانت‬

‫بارتليمي ‪ 3‬كي تنفذ المنظمة عدة عمليات تهدف لضرب مئتي هدف ع َسكَر ِي واقتصادي‬

‫وشخصيات ع َسكَر َِّية ومسؤولين في الشرطة وشخصيات جزائر ية قريبة من السلطة الفَرَنس َِّية ك َانَ قد‬

‫ت ََّم تحديدها مسبقاً‪.‬‬

‫نفذت المنظمة الخاصة في إطار حملتها الانتقامية ضد رجال الجيش والدولة الف َرَنس َِّية المتورطين في عمليات‬ ‫‪1‬‬

‫الإبادة والقمع الوحشي ضد الشعب الجَزَائِر ِي الأعزل عدة محاولات لتصفيتهم جسديا ً استهدفت كبار المسؤولين‬
‫ك َّالتِي استهدفت ك ُُّل من جاك سوستال والج نرال ماسو وعدد من‬
‫الرسميين وغلاة المستعمرين‪ .‬ولعل أبرزها تِل ْ َ‬
‫رجال الأعمال المستوطنين‪ ،‬ففي ‪ 14‬جو يلية ‪ 1957‬استهدف كوماندوس تابع للمنظمة الخاصة الج نرال ماسو‬
‫الَّذ ِي ك َانَ حاضرا ً لمشاهدة الاستعراض الع َسكَر ِي الَّذ ِي أقيم في حدائق الإيليزي إلا أن العملية باءت بالفشل‬
‫ولم يستطيع الفر يق اغتياله وتمكن من النجاة‪.‬‬
‫طنِي بِف َرَنس َا في َّ‬
‫الثور َة التحرير ية ‪ ،1962 – 1954‬ص ‪181‬‬ ‫فاتح ز ياني‪ ،‬مساهمة فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪2‬‬

‫عيد سانت بارتليمي هو عيد ديني يحتفل بِه ِ سنو يا في الغرب في ‪ 24‬أو ت تخليدا ً واستذكارا ً للمجزرة َّالتِي‬ ‫‪3‬‬

‫اقترفها الكاثوليك في حق البروتستانت في ‪ 24‬أو ت ‪ 1572‬في باريس وفي ك ُل ف َرَنس َا و يعتبر ُ اليوم الَّذ ِي حدثت‬
‫فيه المجزرة من أكثر الأيام سوادا ً في تاريخ الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت وراح ضحيتها ثلاثون ألف شخص‬
‫من بينهم النساء والأطفال والشيوخ‪.‬‬

‫‪297‬‬
 ‫ووفق تقارير الشرطة الفَرَنس َِّية َّالتِي تحدثت عن طبيعة الأهداف‪ ،‬فقد ك َان َت عمليات المنظمة‬

‫ك اليوم متمثلة في‪ :‬التخريب –الحرق – وضع المتفجرات‪ ،‬وك َان َت الأماكن‬
‫الخاصة في ذَل ِ َ‬

‫المستهدفة‪ :‬مخازن الوقود – السكك الحديدية ‪ -‬مرائب الشرطة ‪ -‬مستودعات الناقلات الع َسكَر َِّية‬

‫‪ -‬المحطات الـكهربائية ‪ -‬ثكنات الأمن الجمهوري‪ -‬الموانئ وغيرها‪ ،‬وك َان َت سلسلة عمليات ‪25‬‬

‫ل التراب الفَرَنس ِي‪ ،‬وقد استمرت‬ ‫ل نقلة ً نوعية ً في مسار َّ‬

‫الثور َة إذ أنها مست كام َ‬ ‫أوت ‪ 1958‬تُمَث ِ ُ‬

‫العَم َل َِّيات في الأيام والأسابيع التالية‪َ 1.‬‬

‫َ‬

‫الشكلَ(‪َ:)39‬عملياتَفيدراليةَجبهةَالتحر ِيرَفيَفرنساَمنذَسنةَ‪َ1956‬إلىَعامَ‪َ 21960‬‬

‫َ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪151‬‬

‫شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬ ‫‪1‬‬

‫طنِي بِف َرَنس َا في َّ‬

‫الثور َة التحرير ية ‪ ،1962 – 1954‬ص ‪188‬‬ ‫فاتح ز ياني‪ ،‬مساهمة فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪2‬‬

‫‪298‬‬
‫ومنَالإنجازاتَالمهمةَالأخرىَالتِيَحققتهاَالفدرالية‪َ:‬حسمَالصراعَمعَالحركةَالمصالية‪ ،‬فكما‬

‫ذكرنا؛ لقد ك َانَ الخلاف على أشده بين الجبهة الوَطَن َِّية للتحرير والحركة الوَطَن َِّية الجَزَائِر َِّية‬

‫طرف العمل على كسب الجالية الجَزَائِر َِّية في ف َرَنس َا وأوروبا‪،‬‬

‫ٍ‬ ‫حي ْثُ حاول ك ُل‬
‫(المصالية)‪َ ،‬‬

‫خلاف يتطور ُ شيئا ً فشيئا ً وصولا ً إلى الصدامات الع َسكَر َِّية‪.‬‬
‫وأخذ ال ُ‬

‫استمر الصراعُ بِفَرَنس َا إلى غاية مطلع عام ‪ ،1958‬ث َُّم تراجعت وتيرته بسبب انتصار الجبهة وانهيار‬
‫ل كبيرٍ‪ ،‬واقتصرت في السنة الأخيرة من َّ‬
‫الثور َة‬ ‫المصالية‪ ،‬وتقلصت الحركة الوَطَن َِّية "المصالية" بِش َك ٍ‬
‫في محاولة فرض نفسها كطرف على طاولة المفاوضات‪ ،‬غير أنها لم تنجح في ذ َل ِكَ‪ ،‬بينما فرضت‬

‫ل الشعب الجَزَائِر ِي‪.‬‬ ‫جبهة َّ‬

‫التحرِير نفسها كطرف وحيد يُمث ِ ُ‬

‫ولاَيفوتناَأنَنذكرَإنجازاتَالفدراليةَعلىَمستوىَالضغطَالسلميَعلىَالسلطاتَالفرنسِيةَمنَ‬

‫إضراب لمدة ِ ثمانية ِ‬

‫ٍ‬ ‫خلالَالإضراباتَوالمظاهرات‪َ،‬فبعدما قررت لجنة التنفيذ والتنسيق إعلان‬
‫ِ‬

‫أيا ٍم داخل الجَزَائ ِر وخارجها ابتداء من ‪ 28‬جانفي ‪ ،1957‬أمرت فيدرالية الجبهة في ف َرَنس َا‬

‫بالإضراب العام أيضا ً‪ ،‬وك َان َت نسبة الإضراب في اليوم الأول لم تتجاوز ‪ %40‬لـكن قدرت نسبة‬

‫الإضراب في اليوم الثاني ‪-‬وباعتراف أرقام وزارة الداخلية الفَرَنس َِّية ‪ -1‬بـ ‪ %75‬من المضربين‬

‫و‪ %80‬في بقية الأيام‪ َ 2 .‬وك َانَ نجاح الإضراب في الجَزَائ ِر وباريس ومناطق كثيرة من التراب‬
‫الفَرَنس ِي قد أثر على مكانة التيار المصالي وزاد من التفاف الجالية الجَزَائِر َِّية حول جبهة َّ‬
‫التحرِير‪.3‬‬

‫وعندما قرر موريس بابون قائد شرطة محافظة باريس يوم ‪ 5‬أكتوبر ‪ 1961‬فرض حظر للتجول‬

‫بحق الجزائر يين المقيمين في باريس وضواحيها من الثامنة والنصف مساء ً إلى الخامسة ِ والنصف‬

‫وتجدر الإشارة بأن هَذِه ِ النسبة الـكبيرة ك َان َت في باريس وهي معقل الجبهة؛ أما في الشمال وبعض المناطق‬ ‫‪1‬‬

‫في الشرق َّ‬

‫والتِي يسيطر ُ عَلَيْهَا التيار ُ المصالي ك َان َت أقل‪.‬‬
‫طنِي ب ِف َرَنس َا في َّ‬
‫الثور َة التحرير ية ‪ ،1962 – 1954‬ص ‪209‬‬ ‫فاتح ز ياني‪ ،‬مساهمة فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬اعتقدت الحركة الوَطَن َِّية المصالية أن من البراعة أن تعلن إضرابا ً تتحدى بِه ِ جبهة َّ‬
‫التحر ِير وتظهر قوتها فيه‪ ،‬فقامت‬
‫هي أيضا ً بتحديده في نفس اليوم لإعلان إضراب مماثل غير أنها لم تجار الجبهة في المدة الزمنية بل اكتفت على‬
‫حصره في يوم واحد ودعت مناضليها إلى التجمع والتظاهر عند مسجد باريس لدعم الإضراب غير أنه في الواقع‬
‫فإن القلة القليلة هي من حضرت إلى التجمع عند مسجد باريس‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫صباح ًا‪ ،‬اتخذت قيادة فيدرالية الجبهة عدة إجراءات حيال هَذَا الحظر‪ ،‬وجعلت هَذِه ِ الإجراءات‬
‫مراحل‪1 :‬‬ ‫على ثلاث‬

‫فيَالمرحلةَالأولى‪َ:‬يقوم الجزائر يون بمقاطعة حظر التجوال ابتداء من ‪ 17‬أكتوبر ‪،1961‬‬ ‫•‬

‫ك بالخروج ككتلة برفقة نسائهم وأولادهم‪ ،‬والتجوال في الشوارع الـكبرى لباريس‪.‬‬

‫وذَل ِ َ‬

‫و يجب على التجار وأصحاب المقاهي والمطاعم الإغلاق لمدة أربع وعشرين ساعة تعبيرا ً‬
‫عن رفضهم لقرار حظر التجوال العنصري‪ ،‬على أن ي َت ُُّم ذ َل ِ َ‬
‫ك بعد يوم من مسيرة المقاطعة‬

‫لحظر التجوال أي يوم الأحد ‪ 18‬أكتوبر ‪َ .1961‬‬

‫• المرحلةَ الثانية‪ :‬تعميم الحراك على كامل ف َرَنس َا‪ ،‬وفي هَذَا الصدد ت ََّم اقتراح تشكيل‬
‫مظاهرات للنساء الجزائر يات أمام محافظات المراكز الـكبرى للمقاطعات تطالب بإطلاق‬

‫سراح الأزواج والأولاد مع رفع التجوال‪ ،‬وتدعوا للتفاوض مع الحكومة المؤقتة وتهتف‬

‫باستقلال الجَزَائ ِر‪ .‬وبالتوازي تقوم الفيدرالية بحملة ٍ دعائية ٍ في أوساط الأحزاب السِيَاس َِّية‬

‫والنقابات والشخصيات اليسار ية لطلب الدعم منهم‪.‬‬

‫المرحلةَ الثالثة‪ََ:‬القيام بإضراب شامل لمدة أربع وعشرين ساعة‪ ،‬و يقوم المعتقلون‬ ‫•‬

‫بالإضراب عن الطعام والطلاب بمقاطعة الدروس‪.‬‬

‫وفي ‪ 17‬أكتوبر ‪ 1961‬أصدرت فيدرالية الجبهة تعليمات تمنع فيها حمل أي سلاح مهما ك َانَ‬

‫نوعه‪ ،‬وعدم الرد على الاستفزازات مهما ك َانَ مصدرها‪ ،‬ومقاطعة حظر التجوال بطر يقة سلمية‪.‬‬

‫وعلى هَذَا الأساس خرج قرابة ثلاثين ألف جزائري رجالا ً ونساء وأطفالا ً بالتدفق ومن ك ُل‬
‫زوايا المنطقة الباريسية إلى وسط باريس‪ ،‬بأفواج صغيرة قبل الساعة الثامنة ونصف مساء وهو‬

‫الوقت الَّذ ِي يبدأ فيه حظر التجول‪ ،‬لـكن رد فعل الشرطة الفَرَنس َِّية ك َانَ عنيفا ً جداً؛ فقد ك َانَ‬

‫حي ْثُ تعرضوا للرمي بالرصاص وضرب العصي‬

‫يوم ‪ 17‬أكتو بر ‪ 1961‬يوما ً قاسيا ً على الجزائر يين‪َ ،‬‬

‫والاعتقال والسجن والترحيل إلى الجَزَائ ِر‪ ،‬ومن بين سبعة آلاف وخمسمئة شخص جزائري أوقفوا‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪159‬‬

‫‪1‬شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬

‫‪300‬‬
‫مساء اليوم الأول؛ ُّأبعد منهم إلى الجَزَائ ِر ألف وخمسمئة شخص بواسطة أسطول جوي‪ ،‬وو ُضع‬
‫الاعتقال‪1 .‬‬ ‫أغلبهم في معسكرات‬

‫شكلت هَذِه ِ الأحداث هزة ً قو ية ً لدى الرأي العام الفَرَنس ِي من المواطنين البسطاء إلى الشخصيات‬

‫في أعلى هرم السلطة‪ ،‬وكذلك سببت إحراجا ً لِفَرَنس َا أمام الرأي العام الدولي‪ ،‬ح ََّتى أن شخصيات‬

‫داخل الحكومة الفَرَنس َِّية اعتبرت وبصفة غير رسمية ‪ 17‬أكتوبر انتصارا ً سياسيا ً حققته جبهة‬
‫التحرِير‪ ،‬وفشلا ً ذر يعا ً لنظام القمع الَّذ ِي َّ‬
‫ظن (بابون) بأنه سيجعل الجزائر يين يسيرون خلف‬ ‫َّ‬

‫مشروع الجَزَائ ِر الفَرَنس َِّية فإذا هم يصطفون خلف جبهة َّ‬

‫التحرِير ويساهمون إلى حدٍ كبيرٍ في‬
‫انتصارها‪2.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪161-160‬‬

‫شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬ ‫‪1‬‬

‫طنِي الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪249‬‬ ‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪2‬‬

‫‪301‬‬
 ‫وفي ختام هَذَا المبحث؛ يظهر أن فيدرالية ف َرَنس َا قد ساهمت مساهمة ً سِيَاس َِّية ًكبيرة ً في دعم َّ‬
‫الثور َة‬

‫ُل الوسائل الممكنة‪ ،‬واستطاعت تحقيق الأهداف المسطرة لَهَا من إثارة الرأي العام الفَرَنس ِي‪،‬‬
‫بِك ِ‬
‫ِي للشعب الجَزَائِر ِي‪ ،‬وتجنيد القوى الو َطَن َِّية لصالح َّ‬
‫الثور َة‪،‬‬ ‫وتغيير مواقفه لصالح الـكفاح َّ‬
‫الثور ِ‬
‫ودفعها للإسهام ماديا ً ومعنو ياً‪.‬‬

‫ل من قبل الطلبة الجزائر يين من خلال تنظيمهم الاتحاد العام‬

‫ولا ننسى أن نذكر الجهدَ المبذو َ‬

‫للطلبة الجزائر يين ‪ 1‬الَّذ ِي لعب دورا ً كبيراً‪ ،‬إلى جانب منظمات نقابية أخرى أسسها الجزائر يون‬

‫مثل اتحاد العمال الجزائر يين‪َ 2 ،‬‬

‫حي ْثُ ك َان َت هَذِه ِ المؤسسات تقدم الاشتراكات المالية وتقود‬

‫التظاهرات الطلابية والعمالية وتشارك في جميع نشاطات الفيدرالية‪.‬‬

‫حي ْثُ‬ ‫ل منتظ ٍم إلى خزينة َّ‬

‫الثور َة‪َ ،‬‬ ‫لقد استطاعت جبهة َّ‬
‫التحرِير بِفَرَنس َا ضمانَ تدفق الأموال بِش َك ٍ‬
‫طنِي تعتمد وبنسبة بلغت ‪ %80‬من ميزانية الحكومة المؤقتة على عائدات‬ ‫ك َان َت جبهة َّ‬
‫التحرِ ير الو َ َ‬

‫واشتراكات المهاجرين الشهر ية رغم التضييق والملاحقة الأمنية للشرطة الفَرَنس َِّية لمناضلي الجبهة‬

‫طنِي لفيدرالية تابعة لَهَا في ف َرَنس َا‬ ‫خلال عمليات جمع الأموال‪ 3 .‬وهكذا ك َانَ إنشاء جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫ن قيادة َ الجبهة من أن تنقل الصراع داخل التراب الفَرَنس ِي‪ ،‬مما شكل حرجا ً كبير‬ ‫عملا ً هاما ً َّ‬
‫مك َ‬
‫للحكومة الفَرَنس َِّية وعاملا ً أساسيا ً من عوامل انتصار َّ‬
‫الثور َة‪.‬‬

‫طنِي للطلبة الجزائر يين‪ :‬هي منظمة طلابية جزائر ية تأسست رسميا في ‪ 8‬يوليو ‪ 1955‬أثناء َّ‬
‫الثور َة‬ ‫الاتحاد الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫الجَزَائِر َِّية على يد أحمد طالب الإبراهيمي‪ .‬باشر الاتحاد نشاطه السِيَاسِي والنضالي في شهر مارس ‪ ،1956‬بعقد‬
‫مؤتمره الثاني في مدينة باريس‪ ،‬وطالبوا باستقلال الجَزَائ ِر غير المشروط‪ ،‬وطلبوا من الحكومة الف َرَنس َِّية أن تفت َ‬
‫ح‬
‫طنِي‪ .‬وردا ً على الإجراءات َّالتِي باشرتها وزارة الداخلية الف َرَنس َِّية على قيادات‬ ‫باب المفاوضات مع جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬
‫الاتحاد وجموع الطلبة الجزائر يين المتواجدين على التراب الف َرَنس ِي‪ .‬قرر الطلبة الجزائر يون رفع التحدي في وجه‬
‫الآلة الاستعمار ية‪ ،‬فك َانَ قرار الإضراب العام عن الدراسة‪ .‬غير أن الإدارة الاستعمار ية الف َرَنس َِّية أصدرت‬
‫قرار حل الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائر يين في ‪.1958/1/28‬‬
‫الاتحاد العام للعمال المسلمين الجزائر يين‪ :‬تأسس في ‪ 24‬فيفري ‪ ،1956‬سعى إلى تجنيد العمال الجزائر يين في‬ ‫‪2‬‬

‫الجَزَائ ِر وف َرَنس َا وبعض دول أوروبا الغربية لـكسب الحركة العمالية العالمية في صف قضية الشعب الجَزَائِر ِي‪.‬‬
‫طنِي بِف َرَنس َا في َّ‬
‫الثور َة التحرير ية ‪ ،1962 – 1954‬ص ‪277‬‬ ‫‪3‬فاتح ز ياني‪ ،‬مساهمة فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬

‫‪302‬‬
 ‫المطلبَالثالث‪َ:‬شبكاتَالدعمَاللوجستيَفيَالغرب‬

‫الثورَة ُ التحرير ية ُ الجَزَائِر َِّية ُ عبارة ً عن حرب غير متكافئة تدور بين تنظيم ثوري‬
‫في الحقيقة ك َان َت َّ‬

‫التحرِير للنضال في ساحات عديدة‪ ،‬ع َسكَر َِّية وسِيَاس َِّية‬

‫ودولة عظمى‪ ،‬وهَذَا ما دفع جبهة َّ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية وسيلة ً من وسائل‬

‫ودبلوماسية وإعلامية وإنسانية‪ .‬وتعتبر الشبكات المنظمة لدعم َّ‬

‫المواجهة مع المحتل الفَرَنس ِي خلال الفترة ما بين ‪ 1957‬و‪ ،1962‬علما ً أن الدعم الفردي للثورة‬

‫ل محدود جدا ً يكاد ُ لا يلاحظُ ‪،‬‬ ‫ك َانَ موجودا ً منذ انطلاق َّ‬
‫الثور َة في ‪ ،1954‬لـكن بِش َك ٍ‬
‫ونستعرض فيما يلي أبرز شبكات الدعم اللوجستي للثورة الجَزَائِر َِّية منذ ‪:1957‬‬

‫‪َ.1‬شبكةَجانسون‪َ 1:‬‬

‫أسس المفكر الفَرَنس ِي فرانسيس جانسون ‪ 2‬أهم شبكة ٍ لدعم َّ‬

‫الثور َة التحرير ية على الإطلاق‪ ،‬وقد‬

‫ك َانَ من المفكرين القلائل الَّذِي َ‬

‫ن فهموا حقيقة الظاهرة الاستعمار ية وممارستها المنافية للمبادئ‬

‫والأخلاق والـكرامة الإنسانية‪ ،‬وهو ما جعله يحارب هَذِه ِ الظاهرة سياسيا ً وميدانياً‪.‬‬

‫حي ْثُ مكث فيها إلى غاية‬

‫اكتشف "جانسون" الجَزَائ ِر خلال الحرب العالمية الثانية سنة ‪َ ،1943‬‬

‫ديسمبر ‪ ،1944‬ث َُّم أقام فيها هو وزوجته من سبتمبر ‪ 1948‬إلى ماي ‪ ،1949‬وقد مكنته هَذِه ِ‬

‫الإقامة من الاحتكاك المباشر مع الجزائر يين والت عرف على حقيقة أوضاعهم البائسة تحت مظلة‬

‫الاحتلال الفَرَنس ِي‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪193‬‬

‫مقتبس من‪ :‬شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬ ‫‪1‬‬

‫فيلسوف فرنسي ك َانَ مديرا ً لمجلة الأزمنة الحديثة (‪ .)Les temps modernes‬ك َانَ أول فرنسي عارض‬ ‫‪2‬‬

‫سياسة بلاده العدوانية في الجَزَائ ِر مما دفعه إلى تنظيم شبكة دعم قو ية في ف َرَنس َا وأوروبا خدمة ً للقضية الجَزَائِر َِّية‬
‫وهي الشبكة َّالتِي عرفت باسم حملة الحقائب (‪ )Les porteurs de valises‬عام ‪ ،1957‬ونظرا ً لخطورة هَذِه ِ‬
‫الشبكة َّالتِي ك َانَ يقودها على المصالح الف َرَنس َِّية ك َانَ عرضة ً لمضايقات الشرطة وملاحقتها لَه ُ خاصة عام ‪.1960‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية وك َانَ ذ َل ِ َ‬
‫ك عام ‪ .1961‬أصدرت إحدى‬ ‫كما قام بتأسيس جبهة أطلق عَلَيْهَا اسم جبهة دعم َّ‬
‫المحََاكِم الف َرَنس َِّية في حقه حكما ً بعشر سنوات سجنا ً نافذة ً غيابيا ً وذ َل ِ َ‬
‫ك في أكتوبر ‪.1960‬‬
‫توفي فرنسيس جونسون سنة ‪ 2009‬عن سبعة وثمانين عاما ً في بوردو بِف َرَنس َا‪ ،‬تاركا ً وراءه أكثر من عشرين كتابا ً‬
‫منها‪" :‬حربنا" و"الجَزَائ ِر الخارجة على القانون"‪ ،‬الَّذ ِي ألفه رفقة زوجته كوليت‪.‬‬

‫‪303‬‬
 ‫والتقى في الجَزَائ ِر بعض الشخصيات الوَطَن َِّية‪ ،‬من أمثال‬

‫(فرحات عباس)‪( ،‬أحمد فرانسيس) و(أحمد بومنجل)‪،‬‬

‫وناقش معهم دوافعهم المعارضة للتمييز العنصري‪ .‬وفي‬

‫المقابل احتك أيضا ً بالمستوطنين فوجدهم غارقين في الترف‬

‫والاستكبار والعنصر ية إلى درجة افتخارهم بالجرائم َّالتِي‬

‫ارتكبوها في حق الجزائر يين‪ ،‬وهَذَا ما أثار مشاعر الاشمئزاز‬

‫في نفس جانسون‪.‬‬

‫تحولت شقة "جانسون" في باريس إلى ملجأ للمناضلين الجزائر يين‪ ،‬وسخر سيارته لنقلهم عبر أحياء‬
‫وضواحي العاصمة الفَرَنس َِّية‪ ،‬وفي وقت لاحق بدا لَه ُ من الضروري تجنيد أشخاص آخرين لتوسيع‬

‫الخدمات المقدمة للجزائر يين‪ .‬إضافة إلى زوجته (كوليت)‪ ،‬جند بعض زملائه في دار النشر‬

‫"لوساي" منهم‪ :‬إتيان بولو (أستاذ الفلسفة في ثانو ية شابطال) وزوجته‪ ،‬ومن هؤلاء الأشخاص‬
‫‪1.1957‬‬ ‫تكونت النواة لما سيعرف فيما بعد بشبكة جانسون أو "حملة الحقائب" رسميا ً في ‪ 2‬أكتوبر‬

‫لقد َّ‬
‫قدم َ جانسون وشبكته العديد من الخدمات اللوجستية‪ ،‬كالإيواء‪ ،‬وسائل النقل‪ ،‬أماكن‬

‫اللقاء والاجتماع‪ ،‬وثائق الهو ية‪ ،‬ونقل الأموال‪َّ ،‬التِي جُمعت من اشتراكات الجالية الجَزَائِر َِّية في‬

‫ف َر َنس َا‪ ،‬إلى خارج ف َرَنس َا‪ .‬كما أن نشاط هَذِه ِ الشبكة لم يقتصر على الأراضي الفَرَنس َِّية بل امتد‬
‫ليشمل ك ُل من ف َرَنس َا‪ ،‬إسبانيا‪ ،‬سويسرا‪ ،‬بلجيكا وألمانيا‪ ،‬وضمت العديد من الرجال والنساء‬

‫المنخرطين في الشبكة‪ ،‬من أدباء‪ ،‬وكتاب‪ ،‬وفنانين‪ ،‬وصحفيين‪ ،‬ومحامين‪ ،‬والَّذ ِي َ‬

‫ن تحملوا مهام صعبة‬
‫وخطيرة‪ ،‬ك َانَ ثمنها أحيانا ً سنوات عديدة من السجن‪.‬‬

‫ك وأصبح من أهم أعضائها‪ :‬جاك بارتيلات المكلف باستقبال الفارين من الجيش‬

‫توسعت الشبكة بعد ذَل ِ َ‬ ‫‪1‬‬

‫الف َرَنس ِي‪ ،‬وجون ماري جوق‪ ،‬الصحافي الَّذ ِي ك َانَ يؤمن الحماية والتموين للجنود الفرنسيين المعارضين للحرب‪،‬‬
‫وغوبار بانيو أستاذ في التاريخ‪ ،‬الَّذ ِي شارك في انتفاضة ا لجنود الفرنسيين ضد الإدارة الاستعمار ية في الجَزَائ ِر‪،‬‬
‫وسيمون بلومان الَّذ ِي اختلف مع قيادة الحزب الشيوعي الف َرَنس ِي وانضم إلى الحكومة الجَزَائِر َِّية المؤقتة في تونس‪،‬‬
‫وميشيل رابتيس‪ ،‬المكلف بنقل الأسلحة إلى المغرب‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫في سنة ‪ 1960‬اكتشفت المخابرات الفَرَنس َِّية أمر جونسون وشبكته‪ ،‬ووجهت لهم تهمة الخيانة‪،‬‬

‫ن ك َانَ فاراً‪ ،‬ث َُّم أعفي عنه سنة‬

‫وح ُكم على أغلبهم بـعشر سنوات سجنا ً‪ ،‬بمن فيهم جونسون‪ ،‬الَّذ ِي َ‬

‫‪.1966‬‬

‫‪َ.2‬شبكةَكورييلَ‪َ 1:‬‬

‫هنري كورييل أو يونس كما يلقبه المصر يون‪ ،‬ولد في‬

‫‪ 13‬سبتمبر ‪ 1914‬بالقاهرة‪ ،‬من أسرة يهودية ذات‬

‫أصول إسبانية‪ ،‬اضطرت إلى الهجرة هربا ً من محاكم‬

‫التفتيش َّالتِي نصبها الإسبان ضد المسلمين واليهود بعد‬

‫سقوط غرناطة في ‪1492‬م‪ .‬انخرط في الحزب‬

‫الشيوعي المصري وتأثر بالأفكار الماركسية‪ .‬وفي سنة ‪1952‬؛ وبعد الانقلاب الع َسكَر ِي الَّذ ِي‬

‫أعلنه الضباط الأحرار ضد حكم الملك فاروق في مصر؛ نفي "هنري كورييل" والـكثير من‬

‫الأجانب من مصر نحو ف َرَنس َا‪ ،‬فأصبحت الأخيرة محطته الأولى لممارسة العديد من مهامه الداعمة‬

‫للحركات التحرر ية‪.‬‬

‫وفي الوقت الَّذ ِي ك َان َت ف َرَنس َا غارقة في حرب الجَزَائ ِر‪ ،‬وجد هنري كورييل لنفسه دورا ً نضاليا ً‬

‫طنِي" الجَزَائِر َِّية عبر الانضمام إلى "شبكة جانسون"‪ .‬ع ُرف كورييل في‬ ‫في دعم "جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫أوساط الشبكة بالشجاعة والحس التنظيمي العالي الَّذ ِي جعله عضوا ً فعالا ً للغاية‪ ،‬وأوكلت إليه‬

‫ك لما ك َانَ يحظى بِه ِ من علاقات كثيرة‬

‫مهام كثيرة مثل نقل أموال التبرعات والاشتراكات‪ ،‬وذَل ِ َ‬

‫مع البنوك والمصارف العالمية والأوربية‪ ،‬الأمر الَّذ ِي ساهم في تسهيل وتسر يع عمليات تحو يل‬
‫الأموال الموجهة للثورة الجَزَائِر َِّية‪َّ ،‬‬
‫والتِي ك َان َت في أغلب مراحلها تتم على مرحلتين أساسيتين‪،‬‬

‫هما‪:‬‬

‫المرحلة الأولى‪ :‬ي َت ُُّم فيها تحو يل الأموال المحصلة من قبل المتبرعين والمشتركين في حقائب‬ ‫•‬

‫فاخرة "حملة الحقائب" من مراكز التبرع إلى مقار الجمع‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪193‬‬

‫شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪305‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬وهي َّالتِي يكون فيها تسليم الحقائب المعبأة بالأموال لزوجة "هنري كورييل"‬ ‫•‬

‫السيدة "روزيت كورييل"‪َّ ،‬التِي تقوم بدورها بإيداع هَذِه ِ الأموال في المكتب الباريسي‬
‫الخاص بالبنوك السويسر ية بمساعدة من القس الدومينيكي "كايلين" صديق هنري‬
‫ك مباشرة ً إلى العاصمة السويسر ية جنيف‪ ،‬وتقوم ه ُنَاك َ‬
‫كورييل‪ ،‬لتنتقل الزوجة بعد ذَل ِ َ‬
‫طنِي بذات المكان‪.‬‬ ‫بسحب هَذِه ِ الأموال وتسليمها لأعضاء جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫وهكذا ك َانَ "هنري كورييل"؛ كغيره من باقي الأحرار الفرنسيين والأوربيين ينشط سرا ً لدعم‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية ضمن شبكة فرانسيس جانسون‪ ،‬لـكن اكتشاف الشبكة من طرف السلطات‬
‫َّ‬

‫طنِي‬ ‫الاستعمار ية الفَرَنس َِّية في منطقة باريس في أبر يل سنة ‪ ،1960‬جعل قادة جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫بفيدرالية ف َرَنس َا يسندون مهمة نقل أموال التبرعات إلى "هنري كورييل"‪ ،‬الَّذ ِي أضحى منذ هَذَا‬
‫التاريخ ناشطا ً ضمن شبكة دعم ومؤازرة للثورة تسمى بشبكة "هنري كورييل" الإنسانية‪.‬‬

‫نهض هنري كورييل بنفس المهام َّالتِي ك َان َت ملقاة على شبكة جانسون‪ ،‬مثل نقل أموال‬

‫المساعدات والاشتراكات الموجهة للثورة التحرير ية وتحو يلها نحو البلدان الأوربية‪ ،‬ث َُّم إيصالها في‬

‫مرحلة ثانية إلى المناضلين الجزائر يين في ك ُل من تونس أو بلدان أخرى صديقة‪ ،‬كما ك ُلفت شبكة‬

‫كورييل كذلك بتأمين عمليات عبور الأسلحة‪ ،‬والسهر على تمريرها بأمان من ف َرَنس َا إلى باقي‬

‫الدول الأوربية مثل‪ :‬ألمانيا‪ ،‬بلجيكا‪ ،‬سويسرا‪ ،‬لـكسمبورغ‪ ،‬وغيرها‪ ،‬بالإضافة لمهام أخرى كإيواء‬

‫المناضلين الجزائر يين فوق الأراضي الفَرَنس َِّية والأوروبية‪ ،‬وغير ذ َل ِ َ‬

‫ك من مهام الدعم والمساندة‬

‫والجهود الإنسانية‪.‬‬

‫ن ثمانية عشر شهراً‪ .‬انتقل بعدها إلى تأسيس "الحركة‬

‫اعت ُقل كورييل في العام ‪ ،1960‬وسُ ج ِ َ‬
‫الفَرَنس َِّية المضادة للاستعمار" ومنظمة "التضامن" َّالتِي ساهمت الجَزَائ ِر في تمو يلها بعد الاستقلال‬

‫ودعمت حرك ات المعارضة الديمقراطية في العالم الثالث وخاصة ً في إفر يقيا وحركات اليسار‬

‫الراديكالية في دول أوروبية‪.‬‬

‫‪306‬‬
 ‫‪1‬‬
‫‪َ.3‬شبكةَالمقاومةَالشابة‪:‬‬

‫هي حركة تأسست بسويسرا في خر يف ‪ ، 1958‬لـكن لم تبدأ نشاطها الفعلي إلا في شهر ماي‬

‫‪ ،1959‬وأعضاء هَذِه ِ الحركة هم جنود فرنسيون مناهضون للحرب في الجَزَائ ِر ورافضون للتجنيد‬

‫في الجيش‪ ،‬أولم يستجيبوا لاستدعاء التجنيد أو فارين من الجيش‪ .‬في البدايةك َان َت مواقف هؤلاء‬

‫الجنود فردية‪ ،‬لـكن فيما بعد أخذت المسألة بعدا ً تضامنيا ً عندما التقى حوالي عشرة جنود من‬

‫الفارين والرافضين للتجنيد‪ 2‬وكانوا ينتمون إلى اتجاهات مختلفة في التيار اليساري‪ ،‬وأخذوا يبحثون‬

‫عن طر يقة لجعل تحركهم مفيداً‪ ،‬وأطلقوا على حركتهم اسم حركة المقاومة الشابة‪.‬‬

‫عملت الحركة على تشجيع الجنود الفرنسيين على الفرار تعبيرا ً عن رفضهم لحرب الجَزَائ ِر‪ ،‬وطمأنت‬
‫حي ْثُ عبور الحدود‪ ،‬وتوفير‬
‫الراغبين في الالتحاق بحركتهم بأنهم سيجدون ملاذا ً في الخارج من َ‬

‫المأوى والعمل‪ .‬وتكمن أهمية حركة المقاومة الشابة في أنها نجحت في استقطاب الـكثير من‬

‫الشباب المعارضين للحرب في الجَزَائ ِر وتنظيمهم في شبكة تضم فروع في بلدان عديدة‪ ،‬في ف َرَنس َا‪،‬‬

‫الجَزَائ ِر‪ ،‬سويسرا وألمانيا‪ ،‬وتتلقى الدعم من منظمات يسار ية مختلفة في أوروبا‪.‬‬

‫‪َ.4‬شبكةَالطر يقَالشيوعيَ‪َ 3:‬‬

‫هي واحدة من الحركات َّالتِي أسسها منشقون عن حركة الحزب الشيوعي الفَرَنس ِي‪ ،‬الَّذ ِي لم يعد‪،‬‬

‫في رأي هؤلاء‪ ،‬وفيا ً للمبادئ الشيوعية إضافة ً إلى غياب الديمقراطية داخل مؤسسات الحزب‪،‬‬

‫يعيش حالة ً من الجمود وعدم وضوح الرؤ ية في التعاطي مع المستجدات ومنها‬

‫ُ‬ ‫مما ج عل الحزب‬

‫الحرب في الجَزَائ ِر‪ .‬وعملت الشبكة ُ على إيواء الإطارات القيادية لفدرالية الجبهة بِفَرَنس َا والمنظمة‬
‫الخاصة ونقل الحقائب‪ ،‬سواء ً ك َان َت معبأة بالأموال أو بالأسلحة‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪218‬‬

‫مقتبس من‪ :‬شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬ ‫‪1‬‬

‫من بينهم‪ :‬جان لويس هورست ‪ -‬لويس أورهان – جيرار مييير ‪ -‬جاك بارتلي ‪ -‬والقس روبار دافزي وك ُل‬ ‫‪2‬‬

‫هؤلاء كانوا ينشطون ضمن شبكة جانسون‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪230‬‬
‫شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬ ‫‪3‬‬

‫‪307‬‬
 ‫‪َ.5‬الشبكةَالمسيحية‪َ 1:‬‬

‫ك لم يمنع بعضهم من التعبير علنيا ً عن‬

‫لم يشكل المسيحيون شبكة بالمعنى الدقيق للكلمة‪ ،‬غير أن ذ َل ِ َ‬

‫تضامنهم مع كفاح الجزائر يين من أجل التحرر‪ ،‬وك َان َت مواقف العديد من المسيحيين متعارضة ً‬
‫مع الموقف الرسمي للـكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية‪ ،‬وتنوعت مواقف المسيحيين من َّ‬
‫الثور َة‬

‫التحرير ية بين الفردية والجماعية والمنطلقة من مبادئ أخلاقية مسيحية تدعو إلى "احترام الإنسان‬

‫وكرامته"‪ .‬ومن هَذِه ِ الشبكات ذات الطابع الجماعي نذكر‪:‬‬

‫أولاً‪َ:‬إرساليةَفرنسا‪ َ ،‬تأسست إرسالية ف َرَنس َا في ظل الاحتلال الألماني النازي لِفَرَنس َا‪ ،‬خلال‬

‫ا لجمعية السادسة والعشرين لكاردينالات ومطارنة ف َرَنس َا المنعقدة في ‪ 24‬جو يلية ‪ 1941‬بباريس‪،‬‬
‫لتكوين قساوسة متفرغين للعمل التبشيري‪ .‬وظهرت الخطوات الأولى لإرسالية ف َرَنس َا بدعم‬

‫حي ْثُ ك َانَ العديد من أعضائها يقومون بأعمال‬ ‫فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحرِير على مستوى فردي سري‪َ ،‬‬

‫التحرِير‪ ،‬بالإضافة إلى المنشورات المختلفة َّالتِي تدعو إلى وقف الحرب‬
‫صغيرة متنوعة لصالح جبهة َّ‬

‫في الجَزَائ ِر وتندد بالتعذيب‪ ،‬كما َّ‬

‫سخر العديد من الرهبان أنفسهم للدعم العملي للجزائر يين من خلال‬

‫ك‬
‫تقديم خدمات الإيواء‪ ،‬وثائق الهو ية‪ ،‬وعبور الحدود إلى بلدان الجوار‪ .‬ووظفوا من أجل ذ َل ِ َ‬

‫مساكنهم الخاصة وسياراتهم‪.‬‬

‫ثانياً‪َ:‬جريدةَ"تموانياجَكريتيان" َ‪ 2،‬تأسست هَذِه ِ الجريدة بهدف تغذية الفكر النضالي الَّذ ِي يشيد‬
‫بمناهضة الاستعمار‪ .‬ومع اندلاع الـكفاح المسلح في الجَزَائ ِر في نوفمبر ‪ ،1954‬والقمع الوحشي‬

‫الَّذ ِي واجهت بِه ِ الحكومات الشعب الجَزَائِر ِي‪ ،‬خاصة المدنيين‪ ،‬أعل َ‬
‫ن طاقم ُ الجريدة ِ الحربَ على‬

‫الاحتلال الفَرَنس ِي في الجَزَائ ِر‪ .‬وبدأت الجريدة في التشهير بالحرب وتحسيس الرأي العام الفَرَنس ِي‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوروبا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬ص ‪222‬‬

‫شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬جريدة أسبوعية‪ ،‬تأسست في ‪ 16‬نوفمبر في أجواء الاحتلال الألماني من طرف القس (بيار شايي) بمدينة ليون‬
‫عام ‪ ، 1941‬ونذرت نفسها لمقاومة الاحتلال النازي لِف َرَنس َا والحكومة الموالية لَه ُ «نظام فيشي» خلال الحرب‬
‫العالمية الثانية‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫النقاشات الحادة َ وفتحت‬
‫ِ‬ ‫بفظاعة الحرب وتجاوزاتها‪ ،‬خصوصا ً في مواضيع التعذيب َّالتِي أثارت‬

‫انتهاكات الحكومة ِ الفَرَنس َِّية ِ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لفضح‬ ‫ق‬
‫الطر ي َ‬

‫بالإضافة لِهَذِه ِ الشبكات الفَرَنس َِّية نشطت العديد ُ من الشبكات الأخرى في تقديم الدعم للثورة‬

‫الجَزَائِر َِّية‪ ،‬كما هو الحال في العديد من الدول العربية (مصر ‪-‬سور يا – ليبيا – تونس – المغرب‪،)..‬‬

‫والدول الأ وروبية (جمهور ية ألمانيا الفدرالية‪ ،‬وبلجيكا‪ ،‬ولوكسمبورغ‪ ،‬وسويسرا‪ ،‬وإيطاليا‪،‬‬
‫وهولندا‪ ،‬وإنجلترا‪ ،‬والدنمارك‪ ،‬والسويد‪ ،‬والنروج‪ ،‬وفنلندا‪ ،‬وإسبانيا َّ‬
‫"التِي ك َان َت منطقة عبور‬

‫أساسية للمناضلين الجزائر يين الملاحقين من الأجهزة الفَرَنس َِّية باتجاه المغرب")‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية وتقديم خدمات‬

‫ونشط في هَذِه ِ الدول أفراد وتنظيمات عديدة ساهمت في دعم َّ‬

‫طنِي وللعمال والطلبة الجزائر يين‪ ،‬كتوفير المأوى‬ ‫جليلة خاصة لأعضاء فيدرالية جبهة َّ‬
‫التحرِير الو َ َ‬

‫والوجبات الغذائية‪ ،‬والألبسة‪ ،‬والمنح للطلبة لمواصلة دراستهم‪ ،‬والمشاركة في التجمعات‬

‫التحرِير َّ‬
‫والثور َة‬ ‫والمعارض َّالتِي نُظمت في العديد من المدن والبلدان لصالح فيدرالية جبهة َّ‬

‫الجَزَائِر َِّية‪ ،‬بهدف التأثير على الرأي العام تجاه قضية الشعب الجَزَائِر ِي‪ ،‬وإيواء الجنود الفرنسيين‬

‫الفارين من الخدمة الع َسكَر َِّية‪ ،‬بالإضافة لخدمات أخرى كالطبع والنشر والإعلام‪ ،‬ونقل‬
‫الأسلحة‪ ،‬وتقديم المساعدة التقنية الع َسكَر َِّية لمصانع الأسلحة التابعة لجبهة َّ‬
‫التحرِير في المغرب‪.‬‬

‫‪309‬‬
 ‫المبحثَالثاني‪َ:‬منَجبهةَالتحرِيرَنحوَالحكومةَالمؤقتةَ َ‬
‫التحرِير وجبهة َّ‬
‫التحرِير قبل مؤتمر الصومام‪،‬‬ ‫سبق وتحدثنا سابقا ً أنه لا فرق جوهري بين جيش َّ‬

‫لـكن بعده اتضح أن جيش َّ‬

‫التحرِير قد أصبح كيانا ً متميزا ً لَه ُ خصوصيته وهيكليته الخاصة‪.‬‬

‫طنِي‬ ‫وكذلك الأمر بالنسبة لجبهة َّ‬

‫التحرِير بعد أن قررت لجنة التنسيق المكلفة من قبل المجلس الو َ َ‬

‫ك في‬ ‫أن تنقل كيان جبهة َّ‬

‫التحرِير نحو خطوة جديدة في مجال الحوكمة والمأسسة‪ ،‬تمثلت بعد ذ َل ِ َ‬

‫ل مواز لحكومة الاستعمار‪.‬‬ ‫تشكيل كيان سياسي حكومي (الحكومة المؤقتة) يمثل َّ‬
‫الثور َة بِش َك ٍ‬

‫ك َان َت قد طُرحت في أوت‪/‬أغسطس ‪1957‬م فكرة إنشاء الحكومة المؤقتة خلال مؤتمر الصومام‪،‬‬

‫وفي أبر يل ‪ 1958‬في مؤتمر طنجة الَّذ ِي انعقد بين الأحزاب المغربية‪ 1،‬ت ََّم الاتفاق على ضرورة‬

‫إنشاء حكومة جزائر ية والاعتراف بِهَا رسميا ً من قبل المجتمع الدولي‪ ،‬وقد ُّأجريت الاتصالات‬

‫ل مسبق‪ ،‬فوعدت هَذِه ِ الأخيرة بالاعتراف بالحكومة عند‬

‫بالحكومات العربية حول الموضوع بِش َك ٍ‬
‫إنشائها‪ ،‬كما أن بعض الحكومات الأجنبية الأخرى قد أبدت اهتمامها بِهَذَا الأمر‪ .‬أي أن‬
‫الظروف أصبحت ملائمة من وجهة نظر قادة َّ‬
‫الثور َة لإعلان حكومة معترف بِهَا لتفرض نفسها‬

‫نوعا ً ما على الحكومة الفَرَنس َِّية كجهة يجب أن تتفاوض معها‪ 2.‬وفي ‪ 19‬أيلول ‪ ،1958‬أعلنت لجنة‬

‫التنسيق والتنفيذ في القاهرة عن تأسيس أول حكومة مؤقتة للجمهور ية الجَزَائِر َِّية‪.‬‬

‫وبمجرد إعلان لجنت التنسيق عن تأسيس الحكومة المؤقتة اعترفت جميع الدول العربية بِهَا‪ ،‬وك َان َت‬

‫ك بعد خطاب إعلان الحكومة المؤقتة‬

‫أول دولة بادرت إلى الاعتراف هي العراق‪ ،‬وك َانَ ذَل ِ َ‬

‫مباشرة‪ ،‬ث َُّم تلتها بقية الدول العربية‪ ،‬كما اعترفت بِهَا كذلك الصين‪ ،‬کوبا‪ ،‬أندونيسيا‪ ،‬والاتحاد‬

‫السوفيتي‪ 3.‬ث َُّم توالت الاعترافاتُ ح ََّتى وصل عدد الدول َّالتِي اعترفت بالحكومة المؤقتة الجَزَائِر َِّية‬

‫قبيل الاستقلال ستا ً وثلاثين دولة‪ ،‬وعينت الحكومة الجَزَائِر َِّية ممثلين لَهَا عند هَذِه ِ الدول‪،‬‬

‫الثور َِّية قائمة ومعترف بِهَا رغم معارضة ف َرَنس َا‪ 4.‬كما أعلنت‬
‫ك الدولة الجَزَائِر َِّية َّ‬
‫وأصبحت بِذَل ِ َ‬

‫الأحزاب عي‪ :‬الدستور التونسي والاستقلال المغربي والجبهة الجَزَائِر َِّية‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪57‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫طنِي‪ ،‬ص ‪167‬‬ ‫بسام عسلي‪ ،‬جهاد شعب الجَزَائ ِر – جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪3‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪58‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪4‬‬

‫‪310‬‬
 ‫الحكومة المؤقتة أن مقرها النهائي سيكون في الداخل الجَزَائِر ِي‪ ،‬ولـكن ح ََّتى يتسنى لَهَا ذَل ِ َ‬
‫ك فإنها‬

‫ستقيم في بعض العواصم الخارجية الصديقة لتيسير شؤونها‪.‬‬

‫وبعد أن تعهدت بأن تبقى وفية ً للمبادئ السامية للثورة َّالتِي سطرها بيان أول نوفمبر‪ ،‬ونددت‬

‫بالسياسة الفَرَنس َِّية‪ ،‬الرامية إلى إدماج الشعب الجَزَائِر ِي بِفَرَنس َا‪ ،‬جاء في البيان الأول للحكومة‬

‫المؤقتة‪:‬‬

‫َ"إنَالشعبَالجزائِر ِيَليسَفرنسياً‪َ،‬وإنَمحاولةَفرنسةَالجزائ ِرَعمليةَعقيمةَوجريمةَ‬

‫حكمَعليْهاَميثاقَالأممَالمتحدة‪َ،‬وإنَإرغامَالجزائر يينَعلىَالاشتراكَفيَالاستفتاءَ‬

‫حولَالمؤسساتَ الفرنسِيةَالبحتة‪ َ،‬هوَ استفزازَلاَ يحتملَُ ضدَشعبَ يكافح َُ منذَ‬

‫أربعةَأعوامَفيَسبيلَاستقلالهَالوطنِي‪َ 1"َ.‬‬

‫وقد ترأس هَذِه ِ الحكومة فرحات عباس‪ ،‬وتكونت من تسعة عشر عضواً‪ ،‬بما فيهم الرئيس‬

‫والأعضاء الخمسة المسجونون " أحمد بن بلة ومحمد خيضر ومحمد بوالضياف وحسين آيت أحمد‬
‫بيطاط"‪2 .‬‬ ‫ورابح‬

‫طنِي الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪191‬‬ ‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪1‬‬

‫طنِي‪ ،‬ص ‪153‬‬ ‫بسام عسلي‪ ،‬جهاد شعب الجَزَائ ِر – جبهة َّ‬
‫التحر ِير الو َ َ‬ ‫‪2‬‬

‫‪311‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:) 40‬الشكلَالتنظيميَللحكومةَالمؤقتةَأولَتأسيسهاَسنةَ‪َ َ1958‬‬

‫‪312‬‬
 ‫المطلبَالأول‪َ:‬إعادةَتشكيلَالحكومةَبعدَالخلافَالداخليَأواخرَ‪َ 1959‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)41‬هيكليةَوزارةَالدفاعَأواخرَ‪َ 1959‬‬

‫طنِي بالضباط المتمركزين على الحدود الجَزَائِر َِّية الشرقية والغربية‪،‬‬

‫ساءت علاقة أركان الجيش الو َ َ‬

‫ك على إثر الأوضاع الصعبة َّالتِي نتجت عن خط موريس‪ ،‬وتعذر نقل الذخائر والأسلحة‬
‫وذَل ِ َ‬
‫َّ‬
‫اشتدت هَذِه ِ الأزمة دعا "فرحات عباس" رئيس الحكومة إلى اجتماع‬ ‫داخل البلاد‪ .‬وعندما‬

‫عقداء الجيش‪ ،‬فطلبوا من علي كافي "قائد الولاية الثانية" أن يأتي إلى تونس‪ ،‬وكذلك من الحاج‬

‫الأخضر "قائد الولاية الأولى"‪ ،‬وطلبوا من العقيد لطفي (بودغان) "قائد الولاية الخامسة" أن‬

‫يغادر المغرب إلى تونس بصحبة الأمين خان‪ ،‬وك َان َت الولاية الثالثة ممثلة من طرف العقيد‬

‫إعزورن الَّذ ِي ك َانَ موجودا ً بتونس‪ ،‬كما أن العقيد صادق (دهيليس) ممثل الولاية الرابعة ك َانَ‬

‫موجودا ً بتونس أيضا ً‪ ،‬وبما أن الولاية السادسة ك َان َت قد ألغيت فلم تكن ممثلة‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫وإضافة إلى هؤلاء الخمسة حضر الاجتماع العقيد بومدين قائد أركان الجيش في الغربية ومحمدي‬

‫سعيد قائد أركان الجيش في الشرقية ومعهم كريم بلقاسم وعبد الحفيظ بوالصوف والأخضر بن‬

‫طوبال‪ ،‬وهم عقداء سابقون وأعضاء في الحكومة‪ ،‬وبهذا صار عدد الحضور عشرة أعضاء‪،‬‬

‫وك ُل ِف كريم بعقد الاجتماع‪.‬‬

‫بدأ الاجتماع في ‪ 11‬أوت ‪ /‬أغسطس ‪ 1959‬وانتهى في ‪ 16‬ديسمبر ‪ ،1959‬أي أنه دام حوالي‬

‫أربعة أشهر‪ ،‬وقد ك َانَ هدفه متمثلا ً في تعيين مجلس وطني جديد‪ ،‬ليعيِن بدوره حكومة جديدة‪،‬‬

‫إضافة ً إلى وضع استراتيجية ع َسكَر َِّية وسِيَاس َِّية وديبلوماسية جديدة للثورة‪.‬‬
‫من‪1 :‬‬ ‫َّ‬
‫متكون‬ ‫توصل العشرة إلى تعيين مجلس وطني جديد‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪66‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪314‬‬
 ‫الشكلَ(‪َ:)42‬أعضاءَالمجلسَالوطنِيَبعدَاجتماعَديسمبرَ‪َ 11959‬‬

‫‪ 1‬الأعضاء بالأصالة هم الأعضاء ثابتو العضو ية‪ ،‬أما الأعضاء بالتصويت فإنهم يَت ُُّم اختيارهم عن طر يق التصويت‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫اجتمع المجلس الجديد الَّذ ِي عينه العقداء العشرة في طرابلس (ليبيا)‪ ،‬من ‪ 16‬ديسمبر ‪1959‬‬
‫َّ‬
‫أساسيتين‪ :‬تغيير الحكومة‪ ،‬وتوحيد أركان‬ ‫إلى غاية ‪ 18‬يناير ‪ ،1960‬ودار النقاش حول نقطتين‬

‫الجيش‪ .‬وك َانَ النقاش حادا ً بين الأعضاء نظرا ً للانتقادات َّالتِي ك َان َت موجهة لـكريم وبوالصوف‬

‫خلاف شديداً‪ ،‬ولم تستطع كافة الأطراف التوصل إلى حل‪ ،‬ح ََّتى عيَّنَ‬
‫وبن طوبال‪ ،‬فك َانَ ال ُ‬

‫جلس لجنة ً مكونة ً من سعد دحلب وبومدين ومحمدي‪ ،‬لتقديم اقتراحات للخروج من الخلاف‪،‬‬
‫الم ُ‬

‫فتمكن دحلب من التوفيق بين المجتمعين‪ ،‬فأقنع محمدي سعيد بالتخلي عن قيادة الأركان وأن‬

‫يكون عضوا ً في الحكومة‪ ،‬وأقنع كريم بلقاسم بتولي الشؤون الخارجية‪ 1،‬وك َان َت خطوة ً مهمة ً‬

‫لإنهاء الخلافات‪ ،‬وبذلك تشكلت الحكومة الجديدة كما يلي‪:‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)43‬تشكيلَالحكومةَالمؤقتةَالجديدةَفيَينايرَ‪َ 1960‬‬

‫سعد دحلب أقنع كريم بِهَذ َا التغيير وأقنعه بتولي وزارة الشؤون الخارجية وقبل كريم على أن يكون دحلب‬ ‫‪1‬‬

‫معه في الوزارة وبالفعل أصبح دحلب كاتبا ً عاما ً لوزارة الخارجية قبل أن يتولاها في تشكيلة ‪.1961‬‬

‫‪316‬‬
‫طنِي قرارا ً بإنشاء لجنة مشتركة للحرب متكونة من‪ :‬كريم وبوالصوف وبن طوبال‪،‬‬
‫وأخذ المجلس الو َ َ‬

‫بِ حَي ْثُ تشرف هَذِه ِ اللجنة الوزارة على هيئة الأركان‪ ،‬كما تقرر توحيد قيادة أركان الجيش‪ ،‬وعين‬

‫على رأسها بومدين ويساعده ك ُل من أحمد قائد وعلي منجلي ورابح زراري (عزالدين)‪.‬‬

‫و يلاحظ في هَذِه ِ التشكيلة أنه قد ُّأعيد تنظيم الوزارات المكلفة‪ 1‬بالحرب فحذفت وزارة القوات‬

‫المسلحة ووزارة التموين وبقيت وزارة التسليح والاتصالات العامة َّالتِي يتولى شؤونها بوالصوف‪،‬‬

‫ولـكن أنشئت لجنة لتسيير الحرب‪ ،‬وفيها كريم وبوالصوف وبن طوبال‪ ،‬ولعل هَذَا يشير إلى‬

‫التوجه نحو تقو ية القيادة الجماعية‪ ،‬لأن الفترة َّالتِي َّ‬

‫مرت بين استشهاد عبان وهَذَا الاجتماع‬

‫طنِي أبرزت نوعا ً ما ظُهور غلبةكريم بلقاسم‪ ،‬ولـكن ابتداء ً من جانفي ‪ 1960‬أصبحت‬
‫للمجلس الو َ َ‬
‫جماعية ٍ‪2.‬‬ ‫السلطة بيد ثلاثة هم كريم وبوالصوف وبن طوبال في قيادة ٍ‬

‫تمت إزالة وزارة شؤون شمال إفر يقية وكذلك إلغاء ك ُتاب الدولة‪ ،‬ولم يعط منصب وزاري لكل من بن َّ‬
‫خدة‬ ‫‪1‬‬

‫وتوفيق المدني والأمين دباغين بعد استقالته ومحمود شر يف‪ ،‬مما جعل التشكيلة الجديدة مختصرة ومركزة على‬
‫الوزارات الضرور ية فقط‪.‬‬
‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪68-67‬‬
‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪317‬‬
‫المطلبَالثاني‪َ:‬إعادةَتشكيلَالحكومةَبعدَالخلافَحولَشروطَالمفاوضاتَسنةَ‪َ 1961‬‬

‫بعد تعليق المفاوضات في ‪ 26‬يوليو ‪ 1961‬بسبب إصرار الاحتلال الفَرَنس ِي على إبقاء الصحراء‬

‫ك لتقييم‬ ‫الجَزَائِر َِّية تحت سيطرته؛ ك َانَ من الضروري عقد اجتماع للمجلس الو َ َ‬
‫طنِي للثورة‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫مسار المفاوضات‪ ،‬خاصة ً وأن موقف الحكومة وهيئة أركان الجيش قد ك َان َت متباينة تجاه‬

‫الشروط الفَرَنس َِّية‪ ،‬وخاصة ً مسألة إبقاء الصحراء تحت الاستعمار‪.‬‬

‫وبالفعل اجتمع المجلس في ‪ 9‬أوت ‪ /‬أغسطس ‪ ،1961‬واستمر في اجتماعه ح ََّتى ‪ 27‬أوت ‪/‬‬

‫أغسطس‪ ،‬وتوصل إلى إبقاء هيئة أركان الجيش كما هي‪ ،‬وعدم التنازل في قضية الصحراء‪،‬‬
‫‪1‬‬ ‫وتشكيل حكومة جديدة كما يلي‪:‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)44‬تشكيلَالحكومةَالمؤقتةَالجديدةَفيَأوتَ‪َ 1961‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 - 1954‬ص‪86‬‬

‫زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪318‬‬
‫ك سنة ‪ ،1962‬وتسببت في تعاظم الخلاف الداخلي كما سبق وتحدثنا‬
‫جاءت اتفاقية إيفان بعد ذَل ِ َ‬

‫ك في‬
‫في الباب الثاني من الكتاب (السياق التار يخي للثورة)‪ ،‬وك َانَ هَذَا الخلاف سببا ً بعد ذ َل ِ َ‬
‫ٍ‬
‫صراع داخلي على السلطة‪ ،‬أنتج ما يشبه الحكم الع َسكَر ِي الدكتاتوري في البلاد‪.‬‬

‫‪319‬‬
 ‫َِوالضعف‬
‫َِ‬ ‫لَالقوة‬
‫الباـبَالرابع‪َ:‬تحليلَُعوام ِ‬

‫"إذاَ حكمناَ بحسبَ التجاربَ الحديثة‪ َ،‬فإنَ نصرا ًَ عسكر ياًَ علىَ حربَ عصاباتَ‬

‫ح قيقيةَيبقىَمشكوكاًَفِيْه ِ‪َ،‬إلاَإذاَ لجأناَإلىَطرقَمتقاربةَمنَالإبادةَالجماعية‪َ،‬‬

‫كماَفعلَالألمانَفيَبعضَالمناطقَخلالَالحربَالعالميةَالثانية‪(َ".‬روبرتَتابر َ) َ‬

‫حي ْثُ لا تكاد ُ تجد ُ في المكاتب‬

‫الثورات المسلحة ِ من الأمور الشائكة والصعبة‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ل مسارِ‬ ‫ُّ‬
‫يعد تحلي ُ‬

‫ج مُحكمة ٍ ودقيقة ٍ لينطلق مِنْهَا الباحث في تحليل وتقييم الثورات‪ ،‬بل إن مراج َع‬
‫العلمية معاييرا ً ونماذ َ‬

‫الثور َِّية وحرب‬

‫علوم الثورات متفاوتة ومتنوعة ولا تكاد تتفق ح ََّتى على تعر يف الحرب َّ‬

‫لتقييم نجاحها أو فشلها‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ج علمية‬
‫ق على نماذ َ‬
‫العصابات‪ ،‬فكيف تتف ُ‬

‫ل أساسي من نماذج التقييم َّالتِي‬

‫لِهَذَا السبب‪ ،‬ستنطلق العملية التحليلية في هَذَا البحث بِش َك ٍ‬
‫اعتمدها مركز الخطابي للدراسات خلال تناوله لِلث َورَة ِ الر يفية شمال المغرب (‪ )1926-1921‬في‬
‫كتاب "الخطابيَملهمَالثوراتَالمسلحة"‪َّ ،‬‬
‫والثور َة اللبيبة (‪ )1931-1911‬في كتاب "انتفاضةَ‬

‫أطراف الصراع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الصحراء"‪َّ ،‬‬
‫والتِي تقوم أولا ً على تحديد عوامل قوة وضعف ك ُِل طرف من‬
‫سواء الاحتلال أو ُّ‬
‫الثوَار‪ ،‬ث َُّم المقارنة بينها‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫ك للتوصل لنتيجة ٍ تقريبية ٍ تجيب على التساؤلات‬ ‫ً‬
‫َّالتِي تحوم ُ حول سبب انتهاء الحرب لصالح الطرف المنتصر وسبب فشل الطرف المنهزم‪.‬‬

‫هَذَا ما يجعلنا نقسم الباب الأخير من البحث إلى الفصول التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬الفصل الأول‪ :‬الاحتلال الفَرَنس ِي؛ عوامل القوة والضعف‪.‬‬

‫‪ .2‬الفصل الثاني‪ :‬جبهة التحرير الوطني؛ عوامل القوة والضعف‪.‬‬

‫‪320‬‬
 ‫َِوالضعف َ‬
‫َِ‬ ‫الفصلَالأول‪َ:‬الاحتلالَُالفرنس ِي؛َعواملَُالقوة‬

‫لو أمعنا النظر َ في مراجع مكافحة التمرد َّالتِي اعتمدتها القوى العظمى في عصرنا الحديث‪ ،‬فإننا‬

‫سنجد ُ معظم الباحثين الَّذ ِي َ‬

‫ن كتبوا في هَذَا المجال قد اتفقوا على ضرورة ِ توفرِ مجموعة ٍ من الشروط‬

‫ق النصر َ على التمردات َّالتِي تواجهها‪ ،‬ولعل‬

‫لدى السلطات المحلية أو الأجنبية لتستطيع أن تحق َ‬
‫هي‪1:‬‬ ‫أهم هَذِه ِ العوامل‬

‫‪ .1‬الـحجج السياسية المقنعة لتبرير ممارسات الاحتلال‪.‬‬

‫‪ .2‬الجهد الخدمي والإنساني لمعالجة دوافع التمرد‪.‬‬

‫‪ .3‬الجهد الدبلوماسي لاحتواء المعارضة وتفكيك صف ُّ‬

‫الثو َار من الداخل‪.‬‬

‫‪ .4‬وحدة الجهد الدولي‪ :‬التحالفات الإقليمية والدولية للتضييق على ُّ‬

‫الثو َار‪.‬‬

‫‪ .5‬تفعيل الأجهزة الحكومية والعنصر المحلي‪.‬‬

‫ل لـكشف وتحييد المتمردين ع َنْ المدنيين‪.‬‬ ‫‪ .6‬الجهد الاستخباري َّ‬

‫الفعا ُ‬

‫‪ .7‬التكتيكات الع َسكَر َِّية غير النظامية َّالتِي تواكب أسلوب العصابات‪.‬‬

‫إذا أردت الاطلاع على عوامل القوة في ع َمَل َِّيات مكافحة التمرد يمكنك مراجعة كتاب الاحتلال بين النظر ية‬ ‫‪1‬‬

‫والتطبيق‪ ،‬مركز الخطابي للدراسات‪2021 ،‬‬

‫‪321‬‬
 ‫َِممارساتَالاحتلال‪َ .‬‬
‫ِ‬ ‫العاملَالأول‪َ:‬الحـججَُالسياسية َُالمقنعة َِلتبرير‬

‫"بدونَقضيةَجذابة‪َ،‬قدَلاَيتمكنَأيَتمردَمنَالحفاظِ َعلىَنفسه‪َ،‬فاختيارَالقضيةَ‬

‫ُلَعنايةَوحرصَأمرَبالغَُالأهمية ِ‪َ،‬ويساعد َُعلىَتهيئةَالأجواءَلظهورَحركةَناشئةَ‬

‫بِك ِ‬

‫تستند َُإلىَقاعدةَدعمَصلبةَلأجلَطو يل‪َ،‬علماًَبأنَالقضاياَالمثاليةَتجذبُ َمعظمَ‬

‫الناسَبينماَينفر َُمِنْهاَالقلة َُالقليلة‪َ،‬وبطبيعتهاَلاَتستطيعَقواتَمكافحةَالتمردَتجاوزهاَ‬

‫وتلطيفها"‪(َ.‬دليلَالميدانَللجيشَالأمريكي َ) َ‬

‫ل تبريرات سِيَاس َِّية مقنعة‬

‫يعتقد ُ الـكثير من الخ براء في مكافحة التمرد‪ ،‬بضرورة أن يقدِم َ الاحتلا ُ‬

‫أو مقبولة على الأقل بين السكان المحليين‪ ،‬بِ حَي ْثُ تفضي هَذِه ِ التبريرات والتفسيرات الشرعية َ على‬
‫الممارسات َّالتِي تقوم بِهَا السلطات الأجنبية‪ ،‬وتسلبُ ُّ‬
‫الثوَار َ القضية َّالتِي يستخدمونها للحشد‪َ .‬‬

‫فكلما َ كانتَالتفسيراتَالسياسيةَقريبةَمنَمصالحَالشعبَوحاجياتهَالأساسيةَوأمنهَالوطنيَ‬
‫كلماَكانَالتمردَأقلَُعنفا ً‪َ،‬وكلماَوجدَ ُّ‬
‫الثوارَ صعوبة ًَ فيَالحشدَوالتجنيدَوالدعاية‪َ.‬والعكسَ‬

‫يةَواهية ًَأوَغيرَمبررةَ‬
‫َ‬ ‫بالعكس‪َ،‬فكلماَكانتَالتبريراتَالتِيَتتبناهاَالسلطاتَالمحليةَأوَالاستعمار‬

‫أوَواضحةَالعدوانية ِ‪َ،‬كلماَازدادتَ قدرة َُالمتمردينَعلىَإسقاطَمشروعيةَالحكومةَوحلفائها‪َ،‬‬

‫وحشدَالسكانَإلىَصفوفهم‪َ،‬مِماَيعنيَبالنسبةَلهمَحصولاًَعلىَمزيدَمنَالمجندينَوالدعمَالماديَ‬

‫الثور َِّية ولا تكاد تجد لَهَا شذوذا ً في الواقع‪ ،‬فأين‬

‫والمعنوي‪ .‬هَذِه ِ قاعدة وجودية في الحروب َّ‬

‫الاحتلال الفَرَنس ِي مِنْهَا؟‬

‫حرب العالمية الأولى والثانية‪ ،‬وما تلاها من صعود حركات التحرير خلال الحرب الباردة‪،‬‬
‫بعد ال ِ‬

‫أصبح الرأي العالمي الآن ينبذ ُ هيمنة الدول القو ية على الضعيفة‪ ،‬ولَمْ تعد العقلية الاستعمار ية‬

‫الكلاسيكية ال قديمة قابلة ً للاستهلاك‪ .‬وعلى الرغم من استمرار ظاهرة الاحتلال في التاريخ المعاصر‬

‫ل مكافحة الإرهاب ونشر الديمقراطية‬

‫إلا أنها الآن أصبحت تبحث ع َنْ تبريرات ألطف من قبي ِ‬
‫ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل‪...‬إلخ‬

‫‪322‬‬
‫ك َانَ احتلال ف َرَنس َا لِلج َزَائِر ِ سنة ‪ 1830‬كلاسيكيا ً بكل ماتحو يه الكلمة ُ من معنى ً‪ ،‬وك َان َت مبررات‬

‫ك الوقت هز يلة ً جداً‪ ،‬فبسبب ضربة ِ مروحة وجهها داي‬

‫الملك شارل العاشر ملك ف َرَنس َا في ذَل ِ َ‬

‫ل موارد‬
‫الجَزَائ ِر للقنصل الفَرَنس ِي؛ قررت ف َرَنس َا الثأر لَه ُ باحتلال الجَزَائ ِر!! طبعا ً ليس من أج ِ‬
‫الجَزَائِر ِ وموانئها و موقعها الإستراتيجي المطل على البحر الأبيض المتوسط‪ ،‬وإنما من أجل شرف‬

‫ِي المسكين!!‬
‫ل الفَرَنس ِ‬
‫القنص ِ‬

‫مئة واثنان وثلاثون عاما ً من الاحتلال‪ ،‬وملايين القتلى بين السكان‪ ،‬ومليارات الفرنكات‬

‫ك من أجل ضربة مروحة!! فهل سَي ُقن ِ ُع‬

‫الذهبية‪ ،‬وأعداد لا تحصى من الجنود والمعدات‪ ،‬ك ُل ذَل ِ َ‬

‫هَذَا التبرير سكان الجَزَائ ِر‪ ،‬وهل سَي ُضْ ع ُِف حشدَ المقاومة ِ؟‬

‫الحقيقة لَمْ يكن الغزو الفَرَنس ِي في ذَل ِ َ‬

‫ك الوقت يسعى أصلا ً لتحييد السكان‪ ،‬إذ تعتبر العقلية‬

‫الأوروبية الكلاسيكية نفسها وص َِّية ً على الشعوب المتخلفة‪ ،‬وبهذا المنظور ك َان َت الحملات البرتغالية‬

‫والإسبانية ‪-‬ث َُّم الفَرَنس َِّية والبر يطانية‪ -‬تغزو بلدان القارة الأمريكية والإفر يقية والآسيو ية وتستعبد‬

‫ك حقا ً مشروعا ً لَهَا‪ ،‬ولَمْ تكن تبحث الدول الاستعمار ية في القرن‬

‫سكانها وتنهب ثوراتها باعتبار ذَل ِ َ‬

‫الثامن والتاسع عشر ع َنْ تبريرات سِيَاس َِّية أصلا ً‪ ،‬لأنها بطبيعة الحال لَمْ تكن تنظر للسكان‬

‫الأصليين كأناس يستحقون الحياة فضلا ً أن تبرر لهم سياستها الاستعمار ية‪.‬‬

‫ونتيجة لِهَذِه ِ العقلية الاستعمار ية العنصر ية‪ ،‬ك َانَ احتلال الجَزَائ ِر في أعين الجزائر يين غزوا ً صليبيا ً‬
‫يستهدف شعبا ً ووطنا ً مسلما ً‪ ،‬غزوا ً يهدف إلى مسخ الهو ية الإسلامية وضم البلاد الجَزَائِر َِّية إلى‬

‫ف َرَنس َا‪ ،‬وهَذَا ما جعل الثورات تنفجر مباشرة ً مع نزول القوات الفَرَنس َِّية في السواحل الجَزَائِر َِّية‪،‬‬

‫بداية من انتفاضة الإمام عبد القادر الجَزَائِر ِي وأحمد باي ‪ ،1835‬مرورا ً بانتفاضة المقراني‬

‫‪ ،1871‬وصولا ً إلى تمردات الأوراس والطوارق جنوب البلاد ‪.1916‬‬

‫وفي العقود الأولى من الاحتلال؛ لَمْ تكن تكاد السلطات الفَرَنس َِّية تقمع انتفاضة مسلحة ح ََّتى‬

‫حي ْثُ توجهت الحركات‬

‫تقوم ضدها أخرى‪ ،‬وبقي الأمر على هَذَا المنوال إلى بداية القرن العشرين َ‬

‫الوطنية ‪-‬بمحض إرادتها‪ -‬نحو العمل السلمي والسِيَاسِي بعد ع ُقم الحراك المسلح‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫لقد ك َان َت السياسة الفَرَنس َِّية ‪-‬المعلنة والصر يحة‪ -‬تهدف إلى مسخ هو ية الشعب الجَزَائِر ِي‪ ،‬وتحو يله‬

‫من شعب مسلم إلى فرنسي‪ ،‬ومن شعب يملك ثقافته العربية والإسلامية الخاصة‪ ،‬إلى شعب فاقد‬

‫ك تصريح رئيس الحكومة الفَرَنس َِّية‬

‫للشخصية الثقافية منطوٍ تحت الهو ية الفَرَنس َِّية‪ ،‬ويدل على ذَل ِ َ‬

‫"بيير منديس فرنس" سنة ‪:1954‬‬

‫"إنَالجزائ ِرَهيَفرنسا‪َ،‬ليسَه ُناكَإلاَقانونَواحدَوأمةَواحدةَوبرلمانَواحد‪َ،‬‬

‫هذاَهوَالدستورَوهذِه َِإدارتنا‪َ،‬ولاَحقَلأيَأحدَأنَيشكَف ِيها"َ‪َ 1.‬‬

‫وليتهم كانوا يريدونه فرنسيا ً بنفس الحقوق َّالتِي يحظى بِهَا الفرنسيون الأصليون‪ ،‬ولـكنهم يرودونه‬
‫ك من خلال قانون‬
‫فرنسيا ً من الدرجة الثانية‪ ،‬ولهذا أطلقوا على الجزائر يين لقب "الأهالي"‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫‪ 1871‬الَّذ ِي أتاح للمستعمرين مصادرة الأراضي الخصبة من أصحابها‪ 2،‬وتسبب في طرد وتهجير‬

‫السكان الأصليين إلى الأراضي القاحلة والجبلية‪ ،‬وما لبث الأمر أن أصبحت تنقلات الجزائر يين‬

‫الَّذِي َ‬
‫ن صار يطلق عليهم تسمية "الأهالي" مقننة ً بالتراخيص الجائرة من السلطات الاستعمار ية‪.‬‬

‫ضد الجزائر يين‪ ،‬وك َان َت حصيلة مجازرها حسب‬

‫لقد مارس الفرنسيون أبش َع أنواع التنكيل والقتل ِ‬

‫الرئيس الجَزَائِر ِي عبد المجيد تبون‪ ،‬أكثر من خمسة ملايين قتيل طيلة َ قرن وربع القرن‪ .‬أما‬

‫الرابطة الجَزَائِر َِّية للدفاع ع َنْ حقوق الإنسان (خاصة)‪ ،‬فكشفت في تقرير عام ‪ ،2017‬أن عدد‬
‫شخص‪3 .‬‬ ‫ضحايا الاستعمار الفَرَنس ِي فاق عشرة ملايين‬

‫وتحتفظ ف َرَنس َا ح ََّتى اليوم بـثماني عشرة ألف جمجمة محفوظة في متحف "الإنسان" بباريس‪ ،‬مِنْهَا‬

‫خمسمئة فقط ت ََّم التعرف على هو يات أصحابها‪ ،‬كما ذكر باحثون ومؤرخون في مؤتمر عقد بجامعة‬

‫الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية (حكومية‪ /‬شرق) في ‪ 21‬فبراير‪ /‬شباط ‪ ،2021‬أن ما يزيد‬

‫مولود قاسم نايت بلقاسم‪ :‬ردود الفعل الأولية داخليا ً وخارجيا ً على غرة نوفمبر‪ ،‬أو بعض مآثر فاتح نوفمبر‪ ،‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫البعث‪ ،‬قسنطينة‪-‬الج َزَائ ِر‪ ،‬الطبعة ‪ ،1984 ،1‬ص ‪.106‬‬

‫انظر فرحات عباس‪ ،‬ليل الاستعمار‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫‪2‬‬

‫الأناضول‪ ،‬نووي وتعذيب وإبادة‪ ..‬أبرز جرائم الاستعمار الف َرَنس ِي في الجَزَائ ِر‪2021 / 4 / 14 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪https://bit.ly/3kl4eT8‬‬

‫‪324‬‬
‫ع َنْ مئة وعشرة أطنان من الـكنوز الجَزَائِر َِّية من ذهب وفضة ومايزيد عن مئة وثمانين مليار‬
‫ف َرَنس َا‪1.‬‬ ‫دولار تتواجد في‬

‫العاملَالثاني‪َ:‬الجهدَالخدميَوالإنسانيََ َ‬

‫"تشملَالوظيفةَالاقتصاديةَوالإنمائيةَفيَمكافحةَالتمرد‪َ:‬الإغاثةَالإنسانيةَالفور يةَ‬

‫وتوفيرَالخدماتَالأساسيةَمثلَالمياهَالصحية‪َ،‬والصرفَالصحي‪َ،‬والرعايةَالصحيةَ‬

‫الأساسية‪َ،‬والمساعدةَفيَسبلَكسبَالعيش‪َ،‬والتعليمَالابتدائي‪َ،‬فضلاًَعنْ َالبرامجَ‬

‫طو يلةَالأجلَلتطويرَالهياكلَالأساسيةَلدعمَالزراعةَوالصناعة‪َ،‬والأنشطةَالتعليميةَ‬

‫والطبيةَوالتجار ية‪َ.‬قدَتكونَالمساعدةَفيَإدارةَالمواردَوالهياكلَالأساسيةَالفعالةَ‬

‫بماَفيَذل ِكَتشييدَالبنيةَالتحتيةَالرئيسيةَذاتَأهميةَحاسمةَلجهودَمكافحةَالتمرد‪َ َ".‬‬

‫(دليلَالحكومةَالأمريكيةَلمكافحةَالتمرد َ) َ‬

‫ك المطلوبة ل ِعَم َل َِّيات حفظ السلام‪،‬‬

‫"غالبا ً ما تكون القدرات المطلوبة لمكافحة التمرد مشابهة جدا ً لِتِل ْ َ‬
‫الإنمائية‪2".‬‬ ‫حي ْثُ توفير المساعدة الإنسانية‪ ،‬وتثبيت الاستقرار‪ ،‬وإرسال بعثات المساعدة‬
‫من َ‬

‫ومتى أهملت السلطات المحلية أو الاستعمار ية هَذِه ِ الجوانب‪ ،‬واقتصرت فقط على المجهود‬

‫الع َسكَر ِي أو الأمني التنفيذي‪ ،‬دون مراعاة الوظائف الاقتصادية والإنمائية والإغاثية‪ ،‬فإنها ستزيد‬
‫من حدة التمرد‪ ،‬وستدف ُع السكانَ نحو َ َّ‬
‫الثورَة ِ أكثر فأكثر‪.‬‬

‫ويذهبُ الخ براء المعاصرون في مكافحة التمرد إلى أن فقدان الشعب للحاجيات الأساسية‪ ،‬سيكون‬

‫سببا ً في سخط السكان من الحكومة القائمة وانخراطهم أكثر فأكثر في التمرد‪ ،‬خاصة إذا ك َانَ قادة‬

‫الأناضول‪ 132 ،‬سنة استعمار‪ ..‬هَكَذ َا نهبت ف َرَنس َا خيرات الجَزَائ ِر‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪https://bit.ly/3nKtJPT‬‬
‫‪ 2‬دليل الحكومة الأمريكية لمكافحة التمرد‪ ،‬تعريب خالد أحمد وأحمد مولانا‪ ،‬المعهد المصري للدراسات‪ .‬ص ‪18‬‬

‫‪325‬‬
‫التمرد مبدعين في صياغة دعايتهم انطلاقا ً من هَذِه ِ الحاجيات وكانوا يظهرون أنفسهم في موقف‬

‫المطالب بِهَا‪ 1.‬فهل عملت السلطات الفَرَنس َِّية على تحقيق هَذَا العامل في الجَزَائ ِر؟‬

‫تقول الإحصائيات قبل اندلاع ثورة نوفمبر‪/‬تشرين الثاني إن حوالي ‪ %19‬فقط من الجزائر يين‬

‫متعلمون‪ ،‬والبقية ‪-‬وهم أغلبية الشعب‪ُّ -‬أم ِيون لا يحسنون القراءة والكتابة‪ ،‬بينما تفيد شهادة‬

‫المؤرخين الَّذِي َ‬
‫ن زاروا الجَزَائ ِر قبل الاحتلال أن سكانها كانوا جميعا ً يتقنون القراءة والكتابة‪ ،‬أي‬

‫أن مئة ً واثنتين وثلاثين سنة من الوجود الفَرَنس ِي لَمْ تجعل الشعب متقدما ً في سلم الحضارة والعلم‬

‫بل على العكس تماماً‪.‬‬

‫في مجال التعليم الابتدائي مثلا ً‪ ،‬فإن طفلين جزائر يين فقط من جملة حوالي ثلاثين ك َانَ يمكن لهما‬
‫أن يدخلا المدرسة في سنة ‪ .1954‬وتؤكد الإحصاءات بأن حوالي ‪ %7‬فقط من أبناء الجَزَائ ِر‬

‫ك نسب الفشل والعجز ع َنْ مواصلة الدراسة نتيجة‬

‫ك َان َت تتوفر لهم فرصة التعليم‪ ،‬أضف إلى ذَل ِ َ‬

‫الفقر‪ 2 .‬وفي التعليم الثانوي‪ ،‬فإن عدد التلاميذ الجزائر يين سنة ‪ 1951‬لَمْ يكن يمثل سوى ‪%11,6‬‬

‫من مجموع المسجلين في الثانو يات‪ .‬وفي سنة ‪ 1954‬بلغ عدد الثانو يين الجزائر يين ستة آلاف ومئتين‬
‫طالب‪3.‬‬ ‫وستين من جملة خمسة وثلاثين ألف‬

‫وفي التعليم العالي‪ ،‬ك َانَ عدد الطلبة الجزائر يين سنة ‪ 1948‬لا يزيد ع َنْ ستة من بين حوالي ستمئة‬

‫ك العدد ليصل إلى خمسمئة وتسعة وثمانين طالبا ً جزائري‬ ‫أوروبي‪ .‬ومع اندلاع َّ‬
‫الثور َة ارتفع ذَل ِ َ‬
‫من أصل سبعة آلاف وثمانمئة طالب في التعليم العالي (من بينهم إحدى وخمسين طالبة) أي ما‬

‫يعادل ‪ %7،5‬من مجموع الطلاب‪ 4 .‬علما ً بأن عدد السكان الأوروبيين ك َانَ في ذ َل ِ َ‬
‫ك الوقت أقل‬

‫من ع ُشر العدد الإجمالي للسكان‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر كتاب الاحتلال بين النظر ية والتطبيق‪ ،‬مركز الخطابي للدراسات‪ ،‬الباب الثاني‪ ،‬الفصل الأول‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر – الجزء الأول – الدكتور العربي الزبيري ص ‪21‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪22‬‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪22‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪326‬‬
‫وبالمحصلة نجد أن ف َرَنس َا قد صنعت فعلا ً في البلاد الجَزَائِر َِّية بنية تحتية لا يستهان بِهَا من‬

‫ك لَمْ يكن أبدا ً‬

‫المستوطنات والمشافي والسكك الحديدية والجامعات والمدارس‪...‬إلخ لـكن ذ َل ِ َ‬

‫الثور َة الفَرَنس َِّية‬

‫ن اعتبرتهم السلطات الفَرَنس َِّية طبقة متخلفة‪ .‬ورغم أن َّ‬
‫من أجل الجزائر يين الَّذِي َ‬

‫قد أسقطت الإقطاع في ف َرَنس َا‪ ،‬إلا أن العقلية الإقطاعية بقيت راسخة ً في الوجدان الفَرَنس ِي‪،‬‬

‫ح ي ْثُ احتكر المستعمرون حقوق الإنسان مثل الملـكية والتعلم والتعبير‪ ،‬وحرموا الجزائر يين مِنْهَا‪،‬‬
‫َ‬

‫في مشهد مشابه لما فعله النبلاء والرهبان بالفلاحين (عبيد الأرض) في ف َرَنس َا خلال العصور‬

‫الوسطى‪.‬‬

‫العاملَالثالث‪َ:‬الجهدَالدبلوماسيَ َ‬

‫"منَالأمورَالأساسيةَلاكتسابَثقةَالسكانَودعمهم‪ َ:‬تحسينَنوعيةَالحكمَمنَ‬

‫خلالَ الإصلاحَ السِياسِيَ وتعزيزَ سيادةَ القانون‪ َ،‬وتحقيقَ التنميةَ الاقتصاديةَ‬

‫المرجوة‪َ.‬وفيَالوقتَنفسهَينبغ ِيَاستخدام َُمزيجَمنَالدبلوماسيةَوالتفاوض‪َ َ"..‬‬

‫(دليلَالحكومةَالأمريكيةَلمكافحةَالتمرد َ) َ‬

‫الثور َِّية أن تنتصر‬

‫لا يمكن القضاء على التمرد في حرب طو يلة الأمد‪ ،‬وغالبا ً ما يحصل في الحروب َّ‬

‫السلطات عسكر يا ً مؤقتا ً ث َُّم يعود التمرد ُ فينشط من جديد مع الوقت‪ .‬فإذا لَمْ تضع السلطات المحلية‬
‫أو الاستعمار ية خيار الحل السِيَاسِي والمفاوضات تزامنا ً مع العَم َل َِّيات الع َسكَر َِّية فإن ع َمَل َِّيات‬

‫التمرد لن تتوقف أبداً‪ .‬نعم قد تضعف في مرحلة ما‪ ،‬وقد تحقق العَم َل َِّيات الع َسكَر َِّية والأمنية‬
‫ُّ‬
‫سيعد نصرا ً تكتيكيا ً مؤقتا ً لن يدوم لمدة طو يلة‪.‬‬ ‫نصراً‪ ،‬لـكنه‬

‫إن لَمْ تضع هَذِه ِ السلطات في حسبانها تنفيذ إصلاحات حقيقية؛ فإن دوافع التمرد ستبقى‬

‫مستعرة‪ .‬فوجود الإصلاحات الج ِدية في نمط الحكم ونظام الاقتصاد والمعاملات الاجتماعية مع‬

‫وجود مشروع عفو شامل ومصالحة حقيقية مع المعارضة المتفهمة؛ ي ُدخل المتمردين الراديكاليين‬

‫والأصوليين في عزلة سِيَاس َِّية و يفككهم من الداخل‪ .‬فهلَكانتَالسلطاتَالفرنسِيةَحر يصةَعلىَ‬

‫تحقيقَهذاَالعامل؟‬

‫‪327‬‬
‫بقي النضال المسلح هو الوسيلة الشائعة للتغيير في الجَزَائ ِر ح ََّتى بداية القرن العشرين‪ ،‬لـكن الخسائر‬

‫الفادحة َّالتِي ترتبت عَن ْه ُ جعلت النخب الجَزَائِر َِّية تتوجه إلى النضال السلمي علها تحصل ع َنْ‬

‫طر يقه على بعض حقوقها الوطنية‪ .‬لـكن بعد خمسين سنة من المحاولات السلمية المتعددة فشلت‬

‫الأحزاب السياسية الوطنية في تحقيق أي من مطالبها‪ ،‬وك َانَ أفضل ما حصلت عَلَيْه ِ هو تشكيل‬

‫الإدارة الاستعمار ية سنة ‪ 1947‬لمجلس نيابي يتكون من ستين نائبا ً يمثلون خمسمائة ألف أوروبي‪،‬‬

‫ك أن تكون السلطة‬
‫وعدد مماثل من أبناء الجَزَائ ِر لتمثيل ‪ 10‬ملايين من المسلمين!! وتقرر فوق ذ َل ِ َ‬

‫التنفيذية بيد الحاكم العام‪.‬‬

‫وفي شهر نيسان من نفس السنة‪ ،‬جرت أولى الانتخابات التشر يعية َّالتِي عرفتها الجَزَائ ِر‪ ،‬لـكنها‬
‫بينت مراوغة الاحتلال‪ ،‬إذ ز ُورت الانتخابات‪ ،‬ولَمْ تحصل الأحزاب الوطنية إلا على سبعة‬

‫عشر مقعداً‪ ،‬بينما ذهبت بقية المقاعد ‪-‬أي الثلاثة والأربعون‪ -‬إلى الموالين للإدارة الفَرَنس َِّية َّالتِي‬

‫أشرفت على تعيينهم بنفسها‪ .‬وهذاَيعنيَأنَالسلطاتَالفرنسِيةَطيلةَفترةَحكمهاَلِلجزائِر َِلمَْتقدمَ‬

‫أيَإصلاحاتَحقيقيةَلاحتواءَالمعارضة‪َ،‬بلَبقيَنمطَالحكمَطيلةَ‪َ132‬سنةَعنصر يا ًَبماَتحملَ‬

‫الكلمةَمنَمعنى‪.‬‬

‫لـكن بعد ثورة ‪ 1954‬جاء "جاك سوستال" الحاكم الجديد لِلج َزَائِر ِ بإصلاحات جديدة‪َّ ،‬‬
‫فوزع‬
‫كمیات كبیرة من القمح والحبوب على سكان المناطق المعدومة‪ ،‬وخاصة َّالتِي لَمْ تصلها َّ‬
‫الثور َة‬
‫بعد‪ ،‬ووعد سكانها بجعلهم یعیشون في مستوى سكان القرى الفَرَنس َِّية‪ ،‬وطمأنهم بأنه بإمكانه أن‬

‫بجعل من الجَزَائ ِر قطعة حقيقية من ف َرَنس َا‪ .‬وفي يونيو‪/‬جوان ‪ 1955‬وافق مجلس الوزراء الفَرَنس ِي‬
‫على برنامج سوستال الإصلاحي الَّذ ِي أقر مبدأ المساواة بین الهیئتین المسلمة والأوروبية في‬

‫البلديات‪ ،‬وأنشأ صندوق تنموي لدعم الفلاحين‪ ،‬وتطوير وتوسيع النشاط الصناعي‪ ،‬وتقديم فرص‬

‫عمل جديدة للمسلمين الجزائر یین‪ ،‬وتخفيض الضرائب عنهم‪ ،‬إضافة إلى إتاحة مزيد من الحر يات‬

‫الدينية والسماح بتعليم اللغة العربية في المدارس‪.‬‬

‫لـكن هَذِه ِ الإصلاحات لَمْ تضعف من وتيرة التحاق الشعب الجَزَائِر ِي ب َِّالثورَة ِ‪ ،‬فجاء مشروع‬

‫ديغول لاحتواء المتمردين (سلم الشجعان) في ‪ 23‬أكتوبر‪/‬تشرين الأول ‪ ،1958‬و يقدم هَذَا‬

‫‪328‬‬
‫المشروعُ العفو َ لقادة جبهة التحرير وجنودها المنشقين‪ ،‬ويشجعهم على ترك القتال مقابل إسقاط‬

‫التهم الموجهة إليهم‪ .‬وتزامنا ً مع مشروع سلم الشجعان‪ ،‬أعلن ديغول أيضا ً ما سمي فيما بعد بمشروع‬

‫قسنطينة‪ ،‬وهو عبارة ع َنْ تقديم العديد من الخدمات العامة‪ ،‬والتوسع في إنشاء المدارس‪ ،‬وحجز‬

‫‪ % 10‬من الوظائف العليا في الجَزَائ ِر لأبناء البلاد‪ ،‬إضافة ً إلى شراء الأراضي من كبار المستوطنين؛‬

‫وبيعها للجزائر يين على أقساط‪.‬‬

‫ث َُّم في سنة ‪ ، 1959‬أعلنت حكومة ُ ديغول عدة َ مشار يع أخرى تتعلق بالدمج المالي والاقتصادي‬
‫ح محافظة ً فرنسية ً‪َّ ،‬‬
‫عل هَذَا الاندماج يحقق نوعا ً من المساوات بين الجَزَائِر ِي‬ ‫لِلج َزَائِر ِ مع ف َرَنس َا‪ ،‬لتصب َ‬

‫ك لَمْ يحصل‪.‬‬
‫والفَرَنس ِي‪ ،‬و يقضي على دوافع التمرد‪ ،‬ولـكن شيئا ً من ذَل ِ َ‬

‫هَذَا ما دفع ديغول إلى إعلان مشروع جديد في ‪ 16‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪ ،1959‬اعترف ف ِيْه ِ لأول مرة‬

‫ك بقيود وشروط لَمْ يكن لِلث َورَة ِ‬

‫بحق الشعب الجَزَائِر ِي في تقرير مصيره بنفسه‪ ،‬لـكنه أحاط ذَل ِ َ‬

‫أن تقبلها‪ ،‬مثل إيقاف القتال لمدة أربع سنوات‪ ،‬ث َُّم تنظيم استفتاء شعبي حول مصير البلاد بين‪:‬‬

‫"الانفصال" أو "الاندماج والفرنسة الكاملة" أو "الحكم الذاتي في ظل الاتحاد الفَرَنس ِي"‪ .‬وك َانَ هَذَا‬

‫ل ع َنْ الجنوب‪ .‬ث َُّم تلى ذَل ِ َ‬

‫ك بداية‬ ‫ل التناز َ‬
‫المشروع شاملا ً لشمال الجَزَائ ِر فقط‪ ،‬لأن ف َرَنس َا لن تقب َ‬
‫مسار المفاوضات بين السلطات الفَرَنس َِّية وجبهة التحرير الوطني‪َّ ،‬‬
‫والتِي أثمرت ع َنْ اتفاقية إيفيان‬

‫َّالتِي أعطت لِلج َزَائِر ِ استقلالها الكامل‪.‬‬

‫يظهر من خلال إصلاحات سوستال سنة ‪ 1955‬ث َُّم ديغول سنة ‪ 1958‬و‪ 1959‬أن ف َرَنس َا حاولت‬
‫إخماد َّ‬
‫الثور َة باستخدام الوسائل السياسية والجهود الدبلوماسية‪ ،‬وقد بدأت أولا ً هَذِه ِ الجهود َ‬

‫بتقديم التنازلات القانونية َّالتِي أعطت الجزائر يين مزيدا ً من الحقوق الإنسانية‪ ،‬وتمكين المنشقين‬

‫ك لَمْ‬
‫من استعادة حياتهم الطبيعية وإعطائهم عفوا ً شاملا ً‪ ،‬وتحسين الأوضاع المعيشية‪ .‬لـكن ذ َل ِ َ‬

‫يحقق إخماد التمرد أو ح ََّتى يُخ َف َ‬

‫ِف من وتيرته‪.‬‬

‫وانطلاقا ً من تحليلنا لمسار الدبلوماسية الفَرَنس َِّية خلال َّ‬

‫الثور َة‪ ،‬فقد ك َانَ الاحتلال في البداية لا‬

‫ل معها في أي نوع من الاتصال التفاوضي‪ ،‬لـكنه بعد‬

‫ل بالدخو ِ‬
‫يعترف بجبهة التحرير ولا يقب ُ‬

‫ل فعلي من باب الخروج من الأزمة بأقل الأضرار‪،‬‬

‫التفاوض معها بِش َك ٍ‬
‫َ‬ ‫ك سنة ‪ 1960‬قرر َ‬
‫ذَل ِ َ‬

‫‪329‬‬
‫ولعل ما حققته ف َرَنس َا في اتفاقية إيفيان سنة ‪ 1961‬ك َانَ مكسبا ً حقيقيا ً بالنظر للخسائر َّالتِي ك َان َت‬

‫ك العديد من قادة‬
‫ل أكثر َ من ذ َلِكَ‪ .‬وهو ما جعل بعد ذ َل ِ َ‬ ‫َّ‬
‫استمر الاحتلا ُ‬ ‫ل بِهَا في حال‬
‫ستح ُ‬

‫الجبهة ينظرون إلى هَذِه ِ الاتفاقية بعين الارتياب إن لَمْ تكن التخوين‪َ ،‬‬
‫حي ْثُ اعتبروها حائلا ً أمام‬

‫ل لِلج َزَائِر ِ‪.‬‬

‫ل كام ٍ‬
‫الحصول على استقلا ٍ‬

‫‪330‬‬
 ‫العاملَالرابع‪َ:‬التحالفاتَالإقليميةَوالدوليةَ َ‬

‫"تستفيدَ جهودَ مكافحةَ التمردَ إذاَ تمكنتَ منَ حشدَ الدعمَ منَ الدولَ المجاورةَ‬

‫والمجتمعَالدوليَلوقفَتدفقَالأموالَوالمقاتلينَأوَالإمداداتَللمتمردين‪َ،‬م ِماَيحرمهمَ‬

‫منَالمأوى‪َ..‬وقدَتحصلَالحكومةَأيضاًَعلىَدعمَمنَأحدَحلفائهاَفيَشكلَأسلحةَ‬

‫وعتاد‪َ،‬وتدريب‪َ،‬ومعلوماتَاستخبار ية‪َ،‬ومستشارين‪َ،‬أوَقواتَمقاتلة‪َ َ".‬‬

‫(دليلَوكالةَالاستخباراتَالأمريكيةَلتحليلَالتمرد َ) َ‬

‫ل جهودٍ مشتركة ٍ من قبل أطراف دولية ٍ متعددة ٍ‪ ،‬فتنسيق‬ ‫عادة ما تتطلب عملية ُ قمع َّ‬
‫الثور َة بذ َ‬
‫الجهود مع الدول الإقليمية والعالمية ي ُ ُّ‬
‫عد من أهم عوامل القوة بالنسبة لسلطات الاحتلال‪ ،‬وفي‬

‫هَذَا الصدد جاء في الدليل الأمريكي لمكافحة التمرد‪" :‬من المستحسن جدا ً توحيد ُ الجهود على‬

‫الصعيد الدولي (بين الدولة المتضررة وجميع الدول الداعمة)‪ .‬يوفر هَذَا أربع مزايا رئيسة‪َ 1:‬‬

‫•َالشرعية‪ :‬لأنه عندما تتسق الإجراءات المتخذة لدعم حملة مكافحة التمرد مع القانون الدولي‬

‫المعمول بِه ِ‪ ،‬وتحظى بدعم من الكيانات الدولية َّالتِي تدين المتمردين في آن واحد‪ ،‬فإن هَذَا‬

‫سيساعد ُ على توفير التأييد في ك ٍُل من الدولة المتضررة والمجتمع الدولي الأوسع نطاقا ً للتدخل‬

‫ومواجهة التمرد‪َ .‬‬

‫التحالف متعدد ُ الجنسيات من استدعاء عدد أكبر من القوات وموارد‬

‫ُ‬ ‫ن‬
‫•َالقدرة‪ َ:‬سوف يتمك ُ‬

‫مالية أكثر م َِّما تستطيع (الدولة الواحدة) حشده بمفردها‪.‬‬

‫•َالـكفاءاتَالمتخصصة‪َ :‬لدى ا لعديد من الحلفاء مزايا نسبية في استعمال الإمكانات المتعلقة‬

‫بمكافحة التمرد‪ ،‬من قبيل كفاءة نشر القوات‪ ،‬وتطوير قوات الشرطة الوطنية‪ ،‬أو تعزيز النمو‬

‫الاقتصادي‪ ،‬أو تطوير القدرة الإدار ية للمسؤولين المحليين في المناطق عالية ِ المخاطر أو البيئات‬

‫النائية‪.‬‬

‫دليل الحكومة الأمريكية لمكافحة التمرد‪ ،‬تعريب خالد أحمد وأحمد مولانا‪ ،‬ص ‪42‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪331‬‬
‫ملاذات خارجية ٍ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫•َالتأثيراتَالإقليمية‪ َ :‬يمكن للشركاء الإقليميين أن يساعدوا في منع إنشاء‬

‫ومنع أو إبطاء انتشار النزاع إلى مناطق أخرى‪ ،‬وتوفير الخ برة المحلية‪ ،‬والإسناد وربما ح ََّتى المساعدة‬

‫الأمنية‪".‬‬

‫ل في أسوء حالاته عندما تعمل الدولة الاستعمار ية أو السلطة المحلية في انعزالَ‬

‫يكون الاحتلا ُ‬

‫عنْ َ الدولَ الإقليميةَ والمجتمعَ الدولي ككل دون أي اتفاقات سِيَاس َِّية أقلها لتحييد الخصوم‬

‫ح هَذِه ِ العزلة سببا ًفي استعداء الدول المجاورة خاصة القوى العظمى والمنظمات‬
‫الدوليين‪ ،‬وقد تصب ُ‬

‫الدولية َّالتِي تعتبر ُ نفسها مسؤولة ً ع َنْ قرارات الحرب والسلم وع َنْ حماية حقوق الإنسان في العالم‪،‬‬

‫وهو ما سيوفر ُ فرصة ً للثوار من أجل الحصول على الدعم الدولي السِيَاسِي والمادي‪.‬‬

‫فهلَكانتَالسلطاتَالفرنسِيةَحر يصةَعلىَتحقيقَعاملَوحدةَالجهد؟‬

‫حرصت ف َرَنس َا ح ََّتى قبل ثوة ‪ 1954‬أن تقن َع الرأي الدولي بمشروعية احتلالها لِلج َزَائِر ِ‪ ،‬وك َان َت‬
‫معظم رسائلها السياسية في المحافل الدولية تدور حول انتماء الجَزَائ ِر إلى الوطن الفَرَنس ِي‪ُّ ،‬‬
‫وأي‬

‫رأي غير هَذَا يُع َُّد "تهديدا ً لوحدة ف َرَنس َا" و"تدخلا ً في شأنها الداخلي"‪ .‬وهَذَا ما صن َع نوعا ً من‬

‫ن عدم ُ‬
‫الإرهاب الفكري لدى الرأي العام الدولي‪ ،‬إذ اعتبروا مسألة َ الجَزَائِر ِ مسألة ً شائكة ً يُستحسَ ُ‬

‫الخوض ف ِيهَا أمام َ هَذَا الإصرار الفَرَنس ِي الـكبير‪.‬‬

‫الثور َة‪ ،‬حاولت الحكومة الفَرَنس َِّية بقيادة منديس فرانس تسو يق الأمر على أنه دفاع‬
‫ومع اندلاع َّ‬

‫ع َنْ مصالح حلف شمال الأطلسي من الخطر الشيوعي‪ ،‬والجَزَائ ِر ُ جزء لا يتجزأ من ف َرَنس َا‪ ،‬وبالتالي‬

‫فإنه يشملها ميثاق الدفاع المشترك في الحلف‪ ،‬وعلى دول الحلفاء ‪-‬على رأسها بر يطانيا وأمريكا‪-‬‬
‫نصرة ف َرَنس َا خلال حربها في الجَزَائ ِر‪ .‬وفعلا ً حصل الاحتلال الفَرَنس ِي على دعم أمريكي وبر يطاني‬

‫تمثل في إرسال خبرا ء عسكر يين وطائرات حربية‪ ،‬إضافة ً إلى التأييد الدبلوماسي في هيئة الأمم‬

‫المتحدة والمحافل الدولية‪.‬‬

‫‪332‬‬
 ‫"إنَالسياسيةَالفرنسِيةَفيَشمالَإفر يقياَتحظىَبالتأييدَالمطلقَمنَالولاياتَالمتحدةَ‬

‫الأمريكية‪َ..‬إنناَنساعدَفرنساَفيَالجزائ ِر‪َ..‬ففيَالمجالَالدبلوماسيَمثلاً‪َ:‬بمعارضتناَ‬

‫تسجيلَقضيةَالجزائ ِرَفيَالأممَالمتحدة‪َ،‬وفيَالمجالَالعسكر ِي‪َ:‬بإمدادهاَبالطائراتَ‬

‫العموديةَالعسكر ِيةَوغيرهاَمنَالتجهيزاتَالعسكر ِية"َ‪(َ1.‬السفيرَالأمريكيَدوغلاسَ‬

‫ديلون َ) َ‬

‫إضافة إلى التأييد الأمريكي والبر يطاني فقد حصلت ف َرَنس َا على تأييد من الاتحاد السوفيتي أيضا ً‪،‬‬

‫ح "مولوتوف" وزير الخارجية السوفياتي‪" :‬إنَرغبةَالحكومةَالسوفييتيةَهيَأنَتبقىَ‬ ‫حي ْثُ َّ‬

‫صر َ‬ ‫َ‬

‫فرنساَفيَالجزائ ِر"‪ 2.‬لـكنها لَمْ تحظ بدعم عربي يذكر‪ ،‬إذ ك َان َت سِيَاسَة الدول العربية مثل مصر‬
‫والمغرب وتونس وليبيا مؤيدة لِلث َورَة ِ الجَزَائِر َِّية بالعموم كما سبق وتحدثنا في الفصول السابقة‪.‬‬

‫مولود قاسم نايت بلقاسم‪ :‬ردود الفعل الأولية داخليا ً وخارجيا ً على غرة نوفمبر‪ ،‬أو بعض مآثر فاتح نوفمبر‪ ،‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫البعث‪ ،‬قسنطينة‪-‬الجَزَائ ِر‪ ،‬الطبعة ‪ ،1984 ،1‬ص ‪177‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪179‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪333‬‬
 ‫العاملَالخامس‪َ:‬تفعيلَُالأجهزة َِالحكومية َِوالعنصرَِالمحلي‪َ .‬‬

‫"يمكنَأنَيستخدمَالمتمردونَوجودَالقواتَالأجنبيةَكسببَللتشكيكَفيَشرعيةَ‬

‫حكومةَ الدولةَ المضيفة‪ َ.‬كماَ أنَ أيَ حكومةَ تعتمد َُ علىَ القواتَ الأجنبيةَ فيَ أمنهاَ‬

‫الداخليَتخاطر َُبعدمَالاعترافَبِهاَكحكومةَشرعية‪(َ".‬دليلَالميدانَللجيشَالأمريكي)َ َ‬

‫اتفقت جميع المراجع َّالتِي تحدثت ع َنْ فنون مكافحة التمرد َّ‬
‫أن تقو ية السلطات المحلية وتأهيلها‬

‫وتدريبها وتنظيمها والعمل من خلالها ومعالجة الفساد ف ِيهَا؛ عامل حاسم ومؤثر جدا ً في تحقيق‬

‫ك لعدة أسباب‪ ،‬أهمها‪:‬‬ ‫النصر ضِد ُّ‬

‫الثوَار‪ .‬وذَل ِ َ‬

‫ُّ‬
‫يستفز السكان المحليين و يعطي للثوار قوة ً‬ ‫ل ملحوظ وكثيف‬
‫‪ .1‬وجود القوات الأجنبية بِش َك ٍ‬
‫ن ضِد النفوذ الأجنبي‪ ،‬فكلما ك َانَ الوجود الأجنبي قليلا ً وخفيا ً كلما‬
‫لحشدِ الشعب نحو الثو َرا ِ‬

‫ل َّالتِي تساهم في تنشيط التمرد‪ .‬وكلما ك َان َت ع َمَل َِّيات مكافحة التمرد تحصل تحت‬
‫ضعفت العوام ُ‬

‫إطار قانوني في مؤسسات الدولة المحلية كلما ك َان َت مشروعة ً أكثر بنظر السكان‪ .‬والحالة المثالية في‬

‫مكافحة التمرد أن يقتصر الوجود الأجنبي على بعض المستشارين الَّذ ِي َ‬

‫ن يقدمون التوجيهات‬

‫ُل الأعمال‪.‬‬
‫والتقنيات‪ ،‬بينما تقوم القوات المحلية في الشرطة والجيش والأمن بِك ِ‬

‫‪ .2‬عادة ً ما تكون العناصر المحلية في ُّ‬

‫الشرط والجيش والأمن أقدر ُ على الحركة وتنفيذ العَم َل َِّيات‬

‫ك بحكم انتمائها إلى‬

‫من العناصر الأجنبية‪ ،‬وأقربُ إلى اتخاذ القرار التكتيكي الصحيح أيضا ً‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫البيئة المحلية الَّذ ِي يورِثها فهما ً وعلما ً أعم َ‬

‫ق بالثقافات السكانية والطبيعة الجغرافية للمنطقة‪ .‬وتوكيل‬

‫هَذِه ِ القوات بتنفيذِ ع َمَل َِّيات مكافحة التمرد سيكون لَه ُ دور إ يجابي في تقليل الأخطاء والمظالم‪،‬‬
‫ُّ‬
‫الثوَار‪1.‬‬ ‫وإضعاف عملية الحشد لدى‬

‫ف من الخسائر في صفوف القوات‬ ‫‪َّ .3‬‬

‫إن تكثيف العناصر المحلية في أجهزة مكافحة التمرد يخف ُ‬

‫ك لأنهم لن‬
‫ل شر يحة ًكبيرة ً من الشعب لا تريد المشاركة في التمرد‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫الأجنبية‪ ،‬وأيضا ً يجع ُ‬

‫‪ 1‬نحن نتحدث ع َنْ القوات المحلية هنا وهي في حالتها المثالية‪ ،‬أما إن ك َان َت فوضو ية وغير منضبطة وينتشر بينها‬
‫الفساد الأخلاقي والمالي‪ ،‬فإن استعمالها دون تأهيل وهي على هَذِه ِ الحالة سيعود على مكافحة التمرد بنتائج سلبية‪.‬‬

‫‪334‬‬
‫يقبلوا باستهداف أبنائهم وأقربائهم‪ .‬بل ح ََّتى إن لَمْ يكن لهم قرابة مع العناصر المحلية‪ ،‬فإن الخوف‬
‫من الثأر العشائري والانتقامات يلعب دوره في تثبيط الشعب ع َنْ الالتحاق ُّ‬
‫بالثو َارِ‪.‬‬

‫وخلاصةَالأمرَأنَتفعيلَالعنصرَالمحليَيضعفَمنَدوافعَالثورةَو يغذيَشعورَالسكانَبشرعيةَ‬

‫اَيضاعفَفرصَالاحتلالَفيَتحقيقَالنصر َ‪ ،‬فهلَسعتَفرنساَلتحقيقَهذاَ‬
‫ُ‬ ‫الحكومةَالجديدة‪َ،‬مِم‬

‫العامل؟َ َ‬

‫لا نحتاج إلى حديث طو يل حول مدى تطبيق السلطات الفَرَنس َِّية لِهَذَا العامل‪ ،‬فسياسة الاحتلال‬

‫الفَرَنس ِي منذ البداي ة تقوم على الاستيطان الأجنبي‪ ،‬والتغيير الديمغرافي في البلاد‪ ،‬وتسليم المؤسسات‬

‫الحكومية للأوروبيين‪ .‬لَمْ يكن ه ُنَاك َ أي شيء يد ُ‬

‫ل على حكومة محلية في الجَزَائ ِر‪ ،‬بل إن وجود‬
‫السكان المحليين في مؤسسات الدولة الخدمية والع َسكَر َِّية والأمينة ك َانَ نادرا ً مقارنة بالعناصر‬

‫الفَرَنس َِّية‪ ،‬وك َان َت المناصب القيادية في السلطة حكرا ً على الفرنسيين‪.‬‬

‫‪335‬‬
 ‫العاملَالسادس‪َ:‬الجهدَالاستخباريَالفعالَلـكشفَوتحييدَالمتمردينَ َ‬

‫"المعلوماتَ(التِيَتوفرهاَالاستخبارات)َهيَالأساسَ لجميعَالأنشطةَالأخرى‪َ،‬وهيَ‬

‫التِيَتوفر َُالروابط َالتِيَتسمحَُللعناصرَالوظيفيةَالمنفصلةَأنَتتعاونَکوحدةَمتكاملة‪َ.‬‬

‫و يُع ُّدَجمعَُالمعلوماتَوصياغتهاَوتخزينهاَونشرهاَأمرا ًَحاسما ًَفيَمكافحةَالتمرد‪َ،‬لمساهمتهَ‬

‫فيَتشكيلَالوعيَوالفهمَبطبيعةَالصراع‪(َ".‬دليلَالحكومةَالأمريكيةَلمكافحةَالتمرد)َ َ‬

‫يج ِبُ أن‬

‫يتفق الباحثون في علوم مكافحة التمرد أن القرارات في جميع مستو يات مكافحة التمرد‪َ ،‬‬

‫ل المعلوماتُ المطلوبة ُ لتوليد هَذَا الفهم نطاقا ً‬ ‫ٍ‬

‫وواع ببيئة التمرد‪ .‬وتشم َ ُ‬ ‫ل‬
‫تستند على "فه ٍم مفص ٍ‬
‫أوس َع بكثيرٍ من المواضيع َّالتِي تق ُع عادة ً تحت كنف الاستخبارات الع َسك َر َِّية‪ ،‬ففي الحرب‬

‫ج صناعُ القرارِ غالبا ً لمعلومات استخبار ية ع َنْ العدو‪ ،‬ولـكنهم يحتاجون بالمقام الأول‬
‫التقليدية يحتا ُ‬

‫يج ِبُ أن تتضمن معلومات‬

‫في حملة مكافحة التمرد إلى معلومات استخبار ية ع َنْ السكان‪ .‬ولذلك َ‬

‫ك‬
‫الاستخبارات الخاصة بمكافحة التمرد الخصائص المميزة للنظم المختلفة في الدولة‪ ،‬بما في ذ َل ِ َ‬

‫المعارف السياسية والع َسكَر َِّية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبنية الأساسية والمعلوماتية‬

‫والبيئية‪.‬‬

‫يج ِبُ على سلطات الاحتلال) فهم ُ العوامل السكانية الكامنة خلف‬
‫علىَالمستوىَالإستراتيجي‪َ ( :‬‬

‫التمرد‪ ،‬ومراحل تطوره‪ ،‬والإصلاحات اللازمة لمعالجة أسبابه‪ ،‬ومدى استعداد الحكومة المتضررة‬

‫ك الإصلاحات وتداعيات التدخل الأجنبي‪َ .‬‬

‫وقدرتها على إجراء تِل ْ َ‬

‫علىَالمستوىَالعملياتي‪ :‬يَنبَغ ِي فهم نقاط القوة ومواطن الضعف في إستراتيجية المتمردين‪ ،‬ونقاط‬

‫القوة والضعف لدى الحكومة المستهدفة ب َِّالثورَة ِ‪ ،‬واحتياجات السكان‪ ،‬وردود الفعل المتواصلة‬

‫على درجة نجاح الجهود الجار ية لمكافحة التمرد‪.‬‬

‫يج ِبُ فهم ُ هو ية المتمردين الناشطين وشبكاتهم وخدماتهم اللوجستية‬

‫علىَ المستوىَ التكتيكي‪َ :‬‬

‫وقدراتهم ونواياهم‪ .‬كما أنه من المفيد جدا ً فهم آراء واهتمامات المدنيين غير المقاتلين والأمور‬

‫‪336‬‬
‫َّالتِي تثير تعاطفهم من أجل التأثير عليهم‪ ،‬واكتساب المزيد من المعلومات الاستخباراتية‪ ،‬وعزل‬
‫المتمردين‪1 ".‬‬

‫فكيفَكانَتركيزَفرنساَعلىَالجهدَالاستخباريَخلالَاحتلالَالبلادَالجزائِر ِية؟ َ‬

‫ك َان َت السلطات الفَرَنس َِّية في أول أمرها عاجزة ً ع َنْ تحديد الهو ية الحقيقية لمن يقف وراء َّ‬
‫الثور َة‪،‬‬

‫حل حركة انتصار الحر يات‬ ‫فبادرت يوم ‪ 5‬نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪ 1954‬إلى إصدار مرسوم َّ‬
‫نص على ِ‬
‫ل في‬
‫ل ومسؤو ٍ‬
‫الديمقراطية‪ ،‬كما قامت بسلسلة من الاعتقالات طالت أكثر من ألفي مناض ٍ‬
‫صفوف حركة الانتصار للحر يات الديمقراطية‪ .‬إضافة ً إلى إعلان قانون الطوارئ‪ ،‬وفرض الرقابة‬

‫الثور َِّية‪ .‬وأمرت الحكومة‬

‫الكاملة على الصحافة والنشر والراديو‪ ،‬ومنع بث الأفلام السنيمائية َّ‬
‫ِ‬
‫وجمع الأسلحة من السكان وتسليمها إلى السلطات‪ ،‬وبدأت‬ ‫الفَرَنس َِّية بإغلاق الأماكن العامة‬

‫بحملات مداهمة وتفتيش للمنازل‪ ،‬وإحلال القضاء الع َسكَر ِي مكان القضاء المدني‪َ .‬‬

‫ث َُّم أنشأ جاك سوستال سنة ‪" 1955‬المصالح الإدار ية المتخصصة" (تعارف الناس على ذكرها بـ‬

‫‪ ،) SAS‬وهي عبارة ع َنْ هيئة عسكر ية مدنية بنفس الوقت‪ ،‬يقوم عَلَيْهَا مجموعة من الضباط‬

‫المختصين‪ ،‬تخرجوا من معاهد متخصصة في الدعاية وعلم النفس وعلم الاجتماع والشؤون‬

‫الجَزَائِر َِّية‪ ،‬يُحسِنون التكلم َ بالعربية والبربر ية‪ ،‬وقد أسندت إليهم مهام مختلفة متمثلة في ربط‬

‫العلاقات مع الأهالي واستمالتهم من خلال‪َ :‬‬

‫حي ْثُ إحصاء السكان ومراقبة تنقلاتهم‪.‬‬

‫‪ .1‬القيام بمهام الحالة المدنية من َ‬
‫‪ .2‬إنشاء المراكز الر يفية لتدريب الشباب على الأعمال الفلاحية والرعو ية‪.‬‬
‫‪ .3‬إنشاء مصالح طبية وتعليمية مجانية‪.‬‬
‫‪ .4‬إنشاء مراكز التكوين المهني للفتيات الجزائر يات‪.‬‬
‫‪ .5‬الاهتمام بمسائل المجندين سابقا ً في الجيش الفَرَنس ِي وتسو ية مشاكلهم‪ ،‬والعمل على‬
‫تسليحهم ث َُّم تكليفهم بمهام أمنية وعسكر ية‪.‬‬
‫‪ .6‬إحصاء الشبان الجزائر يين وإعدادهم للخدمة الع َسكَر َِّية الإجبار ية في الجيش الفَرَنس ِي‪.‬‬

‫دليل الحكومة الأمريكية لمكافحة التمرد‪ ،‬تعريب خالد أحمد وأحمد مولانا‪ ،‬ص‪27‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪337‬‬
‫ل‪ ،‬وهي أعينُ الفرنسيين لمراقبة مدى‬
‫ل شام ٍ‬
‫وك َان َت هَذِه ِ المصالح وسيلة ً فعالة لمراقبة الشعب بِش َك ٍ‬
‫تأثر ِ السكان ب َِّالثورَة ِ‪ .‬كما قامت تِل ْ َ‬
‫ك المصالح ُ بإنشاء شبكات منظمة سر ية تسمى "البطاقات‬

‫ل الإدلاء بالمعلومات‬
‫ل هَذِه ِ البطاقات بامتيازات كثيرة ویتلقى أجورا ً مقاب َ‬
‫البيضاء"‪ ،‬يتمت ُع حام ُ‬

‫حول تحركات المجاهدين‪ .‬ولقد ارتفع عدد المراكز الإدار ية الخاصة في المصالح الفَرَنس َِّية من ثلاثين‬

‫مركزا ً عند إحداثها في أيلول‪/‬سبتمبر ‪1955‬م إلى خمسمئة وسبعة وثمانين مركزا ً في أيلول‪/‬سبتمبر‬
‫‪1957‬م‪1 .‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)45‬هيكليةَالمصالحَالإدار يةَالفرنسِيةَ َ‬

‫الثور َة أن السلطات الفَرَنس َِّية‬

‫و يظهر من خلال الأرشيف الاستخباري الضخم الَّذ ِي نُشر بعد َّ‬
‫ك َان َت نشطة جدا ً في مراقبة تحركات ُّ‬
‫الثوَار ورموز الجهاد خاصة ً خلال تنقلاتهم الحدودية‬

‫ونشاطاتهم في الخارج‪ ،‬وك َان َت تنجح أحيانا ً في توجيه ضربات قاسية للثوار بفضل المعلومات‬
‫الفعالة َّالتِي ك َان َت تحص ُ‬
‫ل عَلَيْهَا‪ ،‬على رأس هَذِه ِ النجاحات الأمنية الاستخبار ية‬ ‫الاستخبار ية َّ‬

‫ل العديد من قادة جبهة تحرير من بينهم "سويداني بوجمعة" يوم ‪ 16‬أبر يل‪/‬أفر يل ‪،1956‬‬
‫اغتيا ُ‬

‫و"بن بولعيد" في شهر مارس ‪ ،1956‬و"العربي بن مهيدي" في شهر مارس ‪ ،1957‬إضافة ً إلى علمية‬

‫رسالة ماجستير‪ -‬المصالــــح الإدار ية المتخصصة ‪1962-1955‬م ‪ -‬جامعة جیلالي بونعامة ‪،2017-2016‬‬ ‫‪1‬‬

‫وداعي شهرزاد ‪ -‬كحلي شر يفة‪ ،‬ص ‪24‬‬

‫‪338‬‬
‫"لابلویت" َّالتِي جرت خلالها ع َمَل َِّياتُ تصفية ٍكبيرة ٍ بين المجاهدين في شهر يوليو‪/‬جو يلية عام ‪1958‬‬

‫في الولاية الثالثة‪.‬‬

‫إلا أن الاستخبارات الفَرَنس َِّية فشلت أيضا ً كثيرٍا ً من الأحيان في اختراق َّ‬
‫الثور َة من الداخل‪،‬‬

‫ك جليا ً مع فضيحة "عملية الطير الأزرق"‪ ،‬ففي شهر فبراير ‪ 1956‬عمد الج نرال إيلي "‪"Ely‬‬
‫يظهر ُ ذَل ِ َ‬

‫وهو قائد الاحتلال على منطقة القبائل‪ ،‬بمساعدة المخابرات الع َسكَر َِّية الفَرَنس َِّية إلى استمالة بعض‬

‫المواطنين وتسليحهم في الخفاء ليقاوموا المجاهدين‪ ،‬غير أنهم انقلبوا ضِد الجيش الفَرَنس ِي ونفذوا‬

‫كمينا ً ضده ث َُّم التحقوا مع أسلحتهم بالمجاهدين‪ ،‬وك َانَ ذَل ِ َ‬

‫ك في شهر أكتوبر‪/‬تشرين الأول ‪.1956‬‬

‫‪339‬‬
 ‫العاملَالسابع‪َ:‬التكتيكاتَالعسكر ِيةَغيرَالنظاميةَالتِيَتواكبَأسلوبَالعصابات‪َ َ.‬‬

‫غالباًَ ماَ يطبقَ المتمردونَ تكتيكاتَ غيرَ نظاميةَ تعتمدَ علىَ الـكمائنَ والإغاراتَ‬

‫والمناوشات‪...‬الخ‪َ.‬ولأنَحركتَهمَسر يعةَمقارنة ًَبالقواتَالنظاميةَبسببَتسليحهمَ‬

‫الخفيفَ ومعرفتهمَ الواسعةَ بالأرضَ وعددهمَ القليلَ ومجموعاتهمَ الصغيرة‪ َ،‬فإنَ‬

‫الجيوشَالنظاميةَتعجزَغالباًَعنْ َمجاراتهمَفيَالحرب‪َ َ.‬‬

‫الثور َِّية ُ الصغيرة ُ أن تختفي بين التضاريس الوعرة دون أن تلاحظها القوات‬
‫تستطي ُع المجموعاتُ َّ‬

‫المعادية‪ ،‬وتستطيع التحرك والإغارة والمناوشة لمدة طو يلة ومتواصلة دون أن تحتاج لأي طرق‬

‫إمداد‪ ،‬بعكس القوات النظامية َّالتِي تتحرك بِش َك ٍ‬

‫ل بطيء وأعداد ضخمة وإسناد جوي ومدفعي‪،‬‬

‫وتتمركز في نقاط معلومة‪ ،‬كما لا يمكن أن تتخلى أبدا ً ع َنْ طرق إمدادها‪ .‬لذا‪ ،‬يكاد ُ يتفق جميع‬

‫محللي مكافحة التمرد أن القوات الحكومية أو الاستعمار ية لا يمكن أن تحقق النصر في مواجهة‬

‫قوات العصابات غير النظامية باستخدام القوات والتكتيكات النظامية فقط‪ ،‬إذ َعليْهاَأنَتواكبَ‬
‫ُّ‬
‫كةَالثوارَوقدرتهمَعلىَالمراوغةَمنَخلالَتطويرَقواتهاَلتصبحَمثيلةَللثوار‪.‬‬‫خفةَحر‬

‫ومن هَذَا المنطلق بدأت بعض الجيوش تعتمد ُ تشكيل القوات الخاصة‪ ،‬وهي مجموعات صغيرة من‬

‫الجنود المدربين تدريبا ً جيدا ً على فنون الحرب غير النظامية (الإغارة‪ ،‬الـكمائن‪ ،‬التسلل‪،‬‬
‫ل مهامهم في مؤازرة القوات النظامية وقت الحاجة‪ ،‬وتنفيذ‬ ‫الاغتيالات‪ ،‬الإنزالات‪َّ .)...‬‬
‫وتتمث ُ‬

‫العَم َل َِّيات الخاصة‪ .‬غير أن القوات الخاصة لا يمكن أن تكون لوحدها حلا ً كاملا ً‪ ،‬فقوات الجيش‬

‫النظامي هي َّالتِي تتعرض غالبا ً إلى الـكمائن وهي َّالتِي تكونُ معرضة ً لهجوم الأعداء ِ بِش َك ٍ‬
‫ل كبيرٍ‬

‫في خطوط الدفاع‪ ،‬والأفضل من أجل تدعيم ع َمَل َِّيات مكافحة التمرد‪ ،‬أن ي َت َُّم أيضا ً تقسيم القوات‬

‫النظامية إلى مجموعات صغيرة‪ ،‬قادرة على مواجهة الـكمائن بالالتفاف عَلَيْهَا وتطو يقها‪ ،‬وقادرة على‬

‫يج ِبُ أن تتمتع بقدرة عالية على تطبيق مبدأ‬ ‫صدِ هجومات ُّ‬
‫الثوَار عبر تكتيكات الدفاع المتحرك‪ ،‬كما َ‬

‫حشد وتوز يع القوات لتتجنب التطو يق وقت انتشارها وتحقق السيطرة والزخم وقت تمركزها‪،‬‬
‫وإنها كلما اقتربت من تحقيق هَذِه ِ الأساليب كلما زادت فرصها في النصر أمام ُّ‬
‫الثو َار‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫وفي المحصلة؛ حرب مكافحة التمر د ليست كالحرب النظامية بين دولة ودولة‪ ،‬والتكتيكات‬

‫المستخدمة ُ ف ِيهَا ليست كالتي تستخدم في مواجهة الجيوش‪ ،‬فهلَاستطاعتَالسلطاتَالفرنسِي َةَ‬

‫ُّ‬
‫َيعتمدهَالثوار؟‬ ‫التعاملَمعَأسلوبَالعصاباتَالذ ِيَكان‬

‫ك َان َت السياسة الع َسكَر َِّية الفَرَنس َِّية منذ بداية الاحتلال تركز على أساليب الإبادة الجماعية والتغيير‬

‫الديمغرافي‪ ،‬وتنظر هَذِه ِ السياسة إلى الشعب على أنه مصدر التمرد‪ ،‬وبالتالي فإن تخريب الأراضي‬

‫ل الأمثل للتخلص من التمرد‪ .‬لذا فإن أبعاد‬ ‫الزراعية وتدمير المساكن وتهجير السكان ُّ‬
‫يعد الح َ‬

‫"التخريب" و"التهجير" ك َان َت ملازمة ً لحملات مكافحة التمرد الفَرَنس َِّية‪.‬‬

‫الثور َة ارتفعت عدد القوات الفَرَنس َِّية من حوالي أربعين ألفا ً‪ ،‬قبل الفاتح من نوفمبر‪/‬تشرين‬
‫في بداية َّ‬

‫جيش الفَرَنس ِي بقوات قادرة على مواكبة العصابات‬

‫الثاني‪ ،‬إلى ما يزيد ع َنْ مئة ألف‪ .‬وزُوِد َ ال ُ‬

‫مثل الطائرات المطاردة والطائرات العمودية (هيلوكوبتر) والطائرات المقنبلة‪ ،‬والمدرعات‬

‫والمصفحات مختلفة الأنواع‪ ،‬إضافة إلى إرسال ثلاث كتائب من قوات المظليين َّالتِي نزلت في‬
‫ميناء عنابة في طر يقها إلى منطقة الأوراس مركز َّ‬
‫الثور َة‪.‬‬

‫ولأهميةَالشرطةَوالحرسَالحدوديَفيَقمعَالتمرد‪ ،‬استطاع سوستال إقناع حكومة "إدغارفور"‪،‬‬

‫بإعطاء موافقتها على دعم قوات الجندرمة بـمئة واثنتين وثلاثين ثكنة ً جدیدة ً وثمانمئة مجندٍ إضافي‪،‬‬

‫ُّأرسِلوا من ف َرَنس َا إلى الجَزَائ ِر في ‪ 16‬نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪ ،1955‬لیصل العدد الإجمالي للدرك في‬
‫الجَزَائ ِر إلى ألف وسبعمئة دركي و ثمانية وعشرين ضابطاً‪ .‬كما تأسست قوات الشرطة الر يفية‬

‫المكونة من قدماء العسكر يين الفرنسيين والجزائر يين العملاء‪.‬‬

‫ولأن الحدود ك َان َت بمثابة شر يان الحياة لِلث َورَة ِ الجَزَائِر َِّية ك َانَ ك ُلٌّ من خط موريس وخط شال‬

‫حي ْثُ شُي ِد "خطَموريس" في أيلول‪/‬سبتمبر‬

‫من أعظم إنجازات الاحتلال في مكافحة التمرد‪َ ،‬‬

‫‪ 1957‬من عدة خطوط سلـكية شائكة ومكهربة تتخللها مراكز للجنود مجهزة بالرادارات وأحدث‬

‫الأجهزة الإلـكترونية‪ ،‬وبالسلاح الثقيل والخفيف والأنوار الكاشفة‪ ،‬ث َُّم د ُعِم بخط شال سنة‬

‫‪ ،1959‬وك َانَ يمتد ُ خلفه من الناحية الشرقية‪ ،‬وهو أيضا ً مجموعة من الأسلاك الشائكة المكهربة‬

‫‪341‬‬
‫قوتها ثلاثين ألف فولت‪ ،‬يحتوي خطا ً ملغما ً بالمفرقعات المضيئة والألغام المضادة للأفراد‬

‫والآليات‪.‬‬

‫ومن التكتيكات غير النظامية الأخرى َّالتِي طبقتها ف َرَنس َا في الجَزَائ ِر‪ :‬مخطط الج نرال موريس شال‪،‬‬

‫وهو عبارة ع َنْ مجموعة من الحملات الع َسكَر َِّية المنظمة على ولايات جبهة التحرير ك ُل واحدة على‬

‫حدة‪ ،‬فقسم الجَزَائ ِر إلى مناطق تتطابق مع تقسيم جبهة التحرير للولايات الستة‪ ،‬بِ حَي ْثُ تجري‬

‫ع َمَل َِّيات تمشيط واسعة في منطقة واحدة فقط‪ ،‬و ي َت ُُّم حشد قرابة الـثلاثين ألف مقات ٍ‬
‫ل ف ِيهَا‬

‫بالاعتماد على الطائرات‪ ،‬وخصوصا ً الهليكوبتر َّالتِي ي َت ُُّم بواسطتها نقل الجنود بسرعة من مكانهم‬
‫إلى مكان العملية‪ ،‬و َّ‬
‫يوزع الجنود الفرنسيون إلى مجموعات صغيرة تتمركز في الجبال والأودية‬
‫والغابات‪ ،‬وتنتقل بحثا ً ع َنْ الاشتباك بالمجاهدين‪ .‬وإذا وقع الاشتباك ي َت ُُّم الاتصال بالفرق الأخرى‬

‫َّالتِي تأتي لتحاصر المجاهدين وتتدخل الطائرات‪ ،‬وتستمر العملية في المنطقة المعينة شهرين أو أكثر‬

‫قبل الانتقال إلى ولاية أخرى‪.‬‬

‫وقامت القوات الفَرَنس َِّية إضافة إلى عملياتها الع َسكَر َِّية ضمن مخطط شال بتهجير سكان الر يف‬

‫وتجميعهم في معسكرات جماعية قريبة من مراكزها الع َسكَر َِّية‪ ،‬وعزل جيش التحرير ع َنْ الشعب‬

‫الجَزَائِر ِي‪ ،‬فوصل عدد المُرَح َلِين إلى أكثر من مليون وستمئة ألف في كانون الأول‪/‬ديسمبر ‪.1960‬‬

‫وفي المحصلة يمكن القول إن الاحتلال الفَرَنس ِي قد استخدم العديد من وسائل مكافحة التمرد َّالتِي‬
‫ك َان َت مجدية ومؤثرة في جبهة التحرير الوطني‪ ،‬وك َان َت السلطات على دراية واسعة بتحركات ُّ‬
‫الثوَار‬
‫ورموزهم وتقسيماتهم الإدار ية وهو ما مكنها في العديد من الأحيان من اغتيال قادة َّ‬
‫الثور َة‬
‫ومحاصرتهم‪ ،‬وأحيانا ً تفكيكهم من الداخل‪ .‬لـكن تأقلم جبهة التحرير مع خطط الاحتلال مكنها‬

‫في معظم الأحيان من تجاوز الأزمات وإحباط هدف الحملات‪.‬‬

‫‪342‬‬
 ‫خلاصةَالفصلَ‪َ :‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)46‬عواملَقوةَالاحتلالَفيَعملِياتَمكافحةَالتمردَ َ‬

‫إذا ابتدأنا بعامل "التبريراتَالسياسية"‪ ،‬فمن الملاحظ أن السلطات الفَرَنس َِّية لَمْ تكن تعيره ُ اهتماما ً‬

‫أصلا ً ولا تع ُُّده ُ عاملا ً يستحق الأخذ بِه ِ‪ ،‬فقد ك َانَ الاحتلال الفَرَنس ِي يعلن صراحة أن الجَزَائ ِر‬

‫وشعبها يَنبَغ ِي أن يخضعا للعنصر الفَرَنس ِي‪ ،‬لا لشيء؛ فقط لأن هَذَا العنصر يعتقد في نفسه‬

‫الأ فضلية على المسلمين الجزائر يين‪ ،‬وك َانَ هَذَا نقطة ضعف كبيرة للاحتلال‪ ،‬لأن هَذِه ِ العقلية‬

‫ل كبيرٍ في حشد الشعب الجَزَائِر ِي بمختلف مكوناته خلف جبهة التحرير‬

‫العنصر ية ساهمت بِش َك ٍ‬
‫الوطني‪.‬‬

‫أما عامل "الجهدَالإنساني"‪َ،‬فَلَمْ يكن أبدا ً من أجل السكان المحليين‪ ،‬بل معظم الخدمات والمرافق‬

‫الأساسية َّالتِي بنتها ف َرَنس َا في الجَزَائ ِر ‪-‬إن لَمْ يكن كلها‪ -‬ك َان َت من أجل الأوروبيين لا الجزائر يين‬

‫ك نسبة البطالة والفقر والأمية َّالتِي ك َان َت منتشرة بين سكان الجَزَائ ِر رغم مئة‬ ‫ُّ‬
‫ويدل على ذَل ِ َ‬

‫واثنتين وثلاثين سنة ٍ من الاستعمار‪.‬‬

‫ل أساسي على الجهد الع َسكَر ِي التدميري‪ ،‬فَلَمْ يكن للفرنسيين‬

‫ولأن الاحتلال ك َانَ معتمدا ً بِش َك ٍ‬
‫اهتمام بـ"الجهدَالدبلوماسي" ‪ ،‬فقد ك َانَ الاحتلال في البداية لا يعترف بجبهة التحرير ولا يقبل‬

‫بالدخول معها في أي نوع من الاتصال التفاوضي‪ ،‬وهو ما ساهم في استعارِ التمرد خلال السنوات‬

‫‪343‬‬
‫ل فعلي‪ ،‬ولـكن‬
‫ك قرر التفاوض معها سنة ‪ 1960‬بِش َك ٍ‬ ‫الأولى من َّ‬
‫الثور َة‪ .‬لـكن الاحتلال بعد ذَل ِ َ‬

‫ك من باب الخروج من الأزمة بأقل الأضرار‪ ،‬وليس من باب مكافحة التمرد‪.‬‬

‫ك َانَ ذَل ِ َ‬

‫وفي المقابل ك َانَ "الجهدَالدبلوماسي" الفَرَنس ِي الموجه للخارج مكثفا ً‪ ،‬وهو ما حقق للاحتلال‬

‫شرعية ً دولية ً‪ ،‬ومكنه من الحصول على "تحالفاتَدولية"‪َ،‬أكسبتهَدعما ً ماديا ً وسياسيا ً من أكبر‬

‫ك الوقت (بر يطانيا والولايات المتحدة) أو على الأقل َّ‬
‫مكنته من‬ ‫القوى العظمى في العالم في ذَل ِ َ‬

‫تحييدها (الاتحاد السوفييتي)‪.‬‬

‫أما عامل "الحوكمةَ والعنصرَ المحلي" فسياسة الاحتلال الفَرَنس ِي ك َان َت منذ البداية تقوم على‬

‫الاستيطان الأجنبي‪ ،‬والتغيير الديمغرافي في البلاد‪ ،‬وتسليم المؤسسات الحكومية للأوروبيين‪ ،‬وقد‬
‫ل كبيرٍ في حشدِ السكان مع َّ‬
‫الثور َة‪.‬‬ ‫ك بِش َك ٍ‬
‫ساهمَ ذ َل ِ َ‬

‫وبالنسبة "للجهدَالاستخباري" فقد ك َان َت السلطاتُ الفَرَنس َِّية متميزة ً بقدرتها على جمع المعلومات‬
‫الدقيقة وتنفيذ العَم َل َِّيات الأمنية الصعبة َّالتِي أضرت كثيرا ً ُّ‬
‫بالثو َارِ‪ ،‬لـكن هَذَا الجهد لَمْ يكن‬

‫كافيا ً لوحده للقضاء على جبهة التحرير َّالتِي وسعت جبهة عملياتها خارج البلاد الجَزَائِر َِّية وصولا ً‬

‫إلى ف َرَنس َا نفسها‪.‬‬

‫وأخيرا ً ك َان َت "التكتيكاتَالعسكر ِيةَغيرَالنظامية" َّالتِي طبقتها القوات الفَرَنس َِّية َّ‬
‫فعالة ً جدا ً في قطع‬
‫الثور َة من الحدود التونسية والمغربية‪ ،‬لـكنها لَمْ تستطع القضاء على قوات ُّ‬
‫الثوَار َّالتِي‬ ‫إمدادات َّ‬

‫أبدعت في تطبيق أساليب حرب العصابات‪.‬‬

‫‪344‬‬
 ‫خلاصةَنقاطَالقوةَوالضعفَالتِيَحظيتَبِهاَفرنساَخلالَالثورةَالجزائِر ِيةَ(‪َ )1962-1954‬‬

‫ل حاسم‪،‬‬
‫قوة مادية وبشر ية ونار ية (جو ية وبر ية و بحر ية) ضخمة ومتفوقة بِش َك ٍ‬

‫وتقنيات متطورة مقارنة ُّ‬

‫بالثو َارِ‪.‬‬

‫ك الوقت (بر يطانيا‪ ،‬أمريكا)‪.‬‬

‫تحالف دولي مع القوى الـكبرى في ذَل ِ َ‬
‫نقاطَالقوة َ‬

‫جهد استخباري مركز تسبب في مقتل العديد من قادة َّ‬

‫الثور َة‪.‬‬

‫تكتيكات غير نظامية متنوعة أدت إلى حصار َّ‬

‫الثور َة واستنزافها‪.‬‬

‫لا وجود لأي تبريرات سِيَاس َِّية مقنعة للسكان‪.‬‬

‫سِيَاسَة عنصر ية تفضل العنصر الأوروبي وإجراءات تغيير ديمغرافي في حق السكان‪.‬‬

‫الإستراتيجية قاصرة على الجهد التدميري وتفتقد الأبعاد التنمو ية والإنسانية‪.‬‬

‫نقاطَالضعف َ‬
‫الرؤ ية المستقبلية لاحتواء المعارضة مفقودة تقريبا ً‪.‬‬

‫فقدان الحلفاء الإقليمين على حدود الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫ل أقل على العناصر المحلية‪.‬‬

‫ل أساسي على القوات الأجنبية وبِش َك ٍ‬
‫الاعتماد بِش َك ٍ‬

‫‪345‬‬
 ‫الفصلَالثاني‪َ:‬جبهةَالتحريرَالوطني؛َعواملَالقوةَوالضعف َ‬

‫الثور َِّية في الماضي القريب ما يكفي من المراجع العلمية المختصة َّالتِي تتناولها بالشرح‬
‫لَمْ يكن للحرب َّ‬

‫والتفسير والتحليل‪ ،‬وتفتقد المكاتب العلمية ‪-‬خاصة العربية مِنْهَا‪ -‬للنماذج التقييمية المعتبرة َّالتِي‬

‫ح لتحليل أسباب نجاح أو فشل ثورة ما من منطلق علمي واضح المعايير‪.‬‬

‫تصل ُ‬

‫ولـكننا في مركز الخطابي انطلاقا ً من دراساتنا السابقة حاولنا أن نحصر أهم العوامل َّالتِي تساهم‬
‫في مضاعفة فرص ُّ‬
‫الثوَار في تحقيق النصر‪ ،‬وقسمناها إلى نوعين أساسيين‪ :‬عوامل خارجية وعوامل‬

‫الثور َِّية ودراسة واسعة في‬

‫داخلية‪ ،‬فجاء تحديد هَذِه ِ العوامل بعد أبحاث كثيرة حول الحروب َّ‬
‫تجارب ُّ‬
‫الثو َار على مر العصور لتكون وفق الشكال التالي‪:‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)47‬عواملَُالقوة َِالداخلية َِوالخارجية َِللثوا َرِ َ‬

‫‪346‬‬
 ‫المبحثَالأول‪َ:‬عواملَالقوةَالخارجيةَ َ‬
‫(‪َ)1‬القضيةَالسياسية‪َ َ:‬‬

‫الثور َِّية على وجود قضية‬

‫الثور َة المسلحة ودعم المجتمع الدولي للحركة َّ‬
‫يعتمد انخراط الشعب في َّ‬

‫الثور َِّية‪َ " :‬‬

‫يج ِبُ‬ ‫ق أن تتعاطف معها الجماهير‪ .‬يقول تشي جيفارا متحدثا ً ع َنْ القضية َّ‬
‫سِيَاس َِّية تستح ُ‬

‫ك حدا ً أدنى وضرور يا ً لا يمكن بدونه ولادة المركز الأول (للتمرد)‬

‫أن نتذكر دائما ً بأن ه ُنَال ِ َ‬

‫وتعزيزه‪ .‬لا بد للناس أن يلاحظوا بوضوح عبثية َ متابعة ِ الصراع من أجل الحصول على أهداف‬

‫اجتماعية في إطار الحوارات الشرعية‪ .‬وعندما تتمسك قوى القمع بالسلطة ضِد القانون القائم‪،‬‬

‫يمكن اعتبار السلام محطماً‪ .‬وفي هَذِه ِ الظروف‪ ،‬يظهر الاستياء الشعبي بأشكال أكثر فعالية‪...‬‬

‫عندما تتوصل حكومة إلى السلطة ع َنْ طر يق الاقتراع الشعبي‪ ،‬سواء ك َانَ هَذَا الاقتراع مزورا ً‬
‫أم لا‪ ،‬وتتمسك بالسلطة مع مظهر الشرعية الدستور ية على الأقل‪ ،‬فإنه لا يمكن لحرب العصابات‬

‫أن تندلع‪ ،‬لأن إمكانات النضال السلمي كلها لَمْ تستنفد بعد‪ .‬إن حرب العصابات هي امتداد‬

‫للسياس ة بوسائل مسلحة‪ .‬ومنطقيا ً لا يمكن لِهَذَا الامتداد أن يحدث بغتة‪ ،‬إلا عندما تنكشف‬

‫وتصبح ك ُُّل الحلول السلمية بلا قيمة‪ .‬وفيما عدا هَذِه ِ الحالة‪ ،‬لا يوجد أي أمل بالحصول على‬
‫الدعم الشعبي اللازم للنشاط َّ‬
‫الثورِي‪.‬‬

‫يج ِبُ أن يؤمنوا بعدم وجود خيار آخر‪،‬‬

‫الناس مسؤوليات ومخاطر العنف المنظم‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وح ََّتى يقب َ‬
‫ل‬

‫وأن تكون القضية ُ ملزمة ً‪ ،‬وفرص نجاحها معقولة‪ .‬وربما ك َانَ الدافع الأخير هو الأكثر قوة‪.‬‬

‫وعندما تبدو القضية عادلة‪ ،‬و يصبح الموقف لا يطاق‪ ،‬ولَمْ يعد يوجد أي سبيل آخر للخروج ضِد‬
‫المسلح"‪1.‬‬ ‫الطغيان؛ لا يبقى إلا طر يق العمل‬

‫روبرت تابر‪ :‬حرب المستضعفين‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪347‬‬
 ‫(‪َ)2‬الدعمَالشعبي‪َ َ:‬‬

‫ك لأن الثائر في المراحل‬ ‫يُع َُّد الدعم ُ الشعبي لأغلبية السكان شرطا ً أساسيا ً لنجاح َّ‬
‫الثور َة‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫ل على السكان المحليين من أجل توفير‪ :‬القوة البشر ية الفاعلة‪،‬‬

‫ل كام ٍ‬ ‫الأولى من َّ‬
‫الثور َة يعتمد بِش َك ٍ‬
‫والموارد المالية‪ ،‬والمعلومات الاستخبار ية‪ ،‬والمخابئ والتغطية المناسبة للحركة والتنقل‪ .‬فكما قال‬

‫روبرت تابر‪:‬‬

‫َ"إنَالشعبَيشكلَمفتاحَالصراعَكله‪َ.‬وفيَالواقع‪َ،‬إنَالشعبَهوَالذ ِيَيقودَ‬

‫الصراع‪َ.‬فرجلَالعصاباتَينتميَإلىَالشعب‪َ،‬بنفسَالمقدارَالذ ِيَلاَيستطيعَفِيْهَِ‬

‫جنديَالحكومةَأنَينتسبَإليهَ(إذَلوَلمَْيكنَالنظامَقدَفقدَ محبةَالشعبَلماَ‬

‫اندلعتَالثورة َُأصلاً)‪َ.‬إنَرجلََالعصاباتَيقاتلَبمعونةَالجماهيرَالشعبيةَالمدنية‪َ،‬‬

‫التِيَ تشكلَ تمويهه‪َ،‬ومنابعَ إمداده‪َ،‬ومصدرَ تطوعه‪َ،‬وشبكةَ اتصالاته‪َ،‬ومصلحةَ‬

‫استخباراته‪َ،‬الموجودةَفيَك ُلَمكانَوشديدةَالفعالية‪َ 1َ".‬‬

‫وفي المقابل‪ ،‬إن فقدان الدعم الشعبي بالنسبة للثوار‪ ،‬يعني تجفيف منابع دعمهم المالي والبشري‪،‬‬

‫وتوقف حركتهم‪ ،‬وسهولة كشفهم من قبل قوات مكافحة التمرد َّالتِي ستستغ ُ‬
‫ل كره َ السكان للثوار‬

‫من أجل الحصول على المعلومات اللازمة لحسم الحرب‪.‬‬

‫(‪َ)3‬وعورةَالتضاريس‪َ َ:‬‬

‫التضاريس الوعرة ُ فرصة ًكبيرة ً للثوار تقربهم من تحقيق‬

‫ُ‬ ‫إضافة ً إلى عامل الدعم الشعبي‪ ،‬تمثل‬

‫حي ْثُ "توفر الأرض ملاجئ طبيعية‪ ،‬وعوائق تحد من التحركات الع َسكَر َِّية المعادية‪،‬‬
‫النصر‪َ ،‬‬

‫كالجبال أو المستنقعات العصية على الدبابات والشاحنات‪ .‬وتسمح الأحراش والأدغال بالتخلص‬

‫من الرصد الجوي‪ ،‬كما تشكل الغابات منطلقا ً للهجوم السر يع والمضمون على السكك الحديدية‬
‫الصغيرة‪2 ".‬‬ ‫والطرق‪ ،‬ونصب الـكمائن للوحدات‬

‫روبرت تابر‪ :‬حرب المستضعفين‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪348‬‬
‫ك إ يجابيا ً بالنسبة لِلث َورَة ِ‪ ،‬إذ يوفر‬
‫الأرض عميقة ً ومتسعة َ المجال كلما ك َانَ ذ َل ِ َ‬
‫ُ‬ ‫وكلما ك َان َت هَذِه ِ‬

‫ق مجالا ً دفاعيا ً للثوار يمكنهم من امتصاص الحملات الهجومية بتكتيكات الدفاع المتحرك‪،‬‬
‫العم ُ‬

‫وقت مبكرٍ بالقتال التقهقري‪ ،‬ث َُّم العودة إلى قطع طرق إمداد العدو َّالتِي أصبحت‬
‫ٍ‬ ‫وإيقافها في‬

‫طو يلة وممتدة ً‪ ،‬م َِّما يفقد هَذِه ِ الحملات فاعليتها وجدواها‪ ،‬كما يسم ُ‬
‫ح لهم بالمناورة الحرة دون الخشية‬

‫من خطر الوقوع في حصار‪ ،‬فكلما ازداد َ قطاع العَم َل َِّيات اتساعا ً‪ ،‬كلما صع ُبَ الاستدلا ُ‬
‫ل على‬
‫ُّ‬
‫الثوَار من قبل العدو‪.‬‬

‫(‪َ)4‬الحليفَالسِياسِي‪َ:‬‬

‫أما العامل الخامس الَّذ ِي يساهم في ز يادة فرص تحقيق النصر بالنسبة للثوار فهو الحليف‪ ،‬ففي‬
‫الثور َِّية َّالتِي‬
‫الثور َِّية َّالتِي نشأت منذ الحرب العالمية الثانية‪ ،‬قرابة الـ ‪ % 70‬من الحركات َّ‬
‫الحالات َّ‬

‫وصلت إلى مرحلة من القوة َّ‬

‫مكنتها من الحسم؛ ك َانَ تلقيها الدعم من الجهات الخارجية‪ .‬ومن‬

‫ن وأربعين حالة ً مِنْهَا (‪82‬‬

‫بين مئة وإحدى وثمانين حالة ًثور ية ً منذ عام ‪ ،1946‬تضمنت مئة وثما ٍ‬
‫الخارجي‪1.‬‬ ‫‪ )%‬تلقت شكلا ً من أشكال الدعم‬

‫ل عَلَيْه ِ ُّ‬
‫الثو َار دور كبير في تقليل فارق القوى بينهم وبين الحكومة أو‬ ‫وللدعم الدولي الَّذ ِي يحص ُ‬

‫معترف‬
‫ٍ‬ ‫السلطات الاستعمار ية‪ ،‬كما أن حصول ُّ‬
‫الثو َار على مظلة سِيَاس َِّية لحراكهم من قبل دولة ٍ‬

‫بِهَا في المجتمع الدولي يضاعف من شرعيتهم السياسية‪ ،‬تماما ً كما يضاعف حصولهم على الدعم‬

‫المالي أو الع َسكَر ِي من قدرتهم الحربية‪ .‬وأحيانا ً قد تساعدهم الدولة الداعمة بقوتها الع َسكَر َِّية بِش َك ٍ‬
‫ل‬

‫مباشرٍ‪.‬‬

‫(‪َ)5‬المواردَالمالية‪َ َ:‬‬

‫حي ْثُ الأهمية بالنسبة للثوار بعد الدعم الشعبي والتضاريس‪،‬‬

‫تأتي الموارد في الدرجة الثالثة من َ‬

‫إذ لا يمكن للثوار أن يمارسوا نشاطاتهم الع َسكَر َِّية والأمنية والسياسية دون توفر دعم مادي‪،‬‬

‫الثور َِّية في حاجة دائمة إلى المال لشراء الأسلحة والذخائر والإمدادات اللوجستية‬
‫والجماعات َّ‬

‫‪ 1‬سيث جونز‪ :‬نشوب َّ‬

‫الثور َة المسلحة‪ ،‬تعريب مركز الخطابي‪ .‬ص ‪244‬‬

‫‪349‬‬
 ‫والطبية‪ ،‬وتمو يل أنشطة الدعاية والإعلام والتجنيد والقضاء ومشار يع الإسكان‪َّ ،‬‬
‫والتِي قد يكون‬

‫مصدرها‪ :‬التبرعات ودعم الحلفاء الدوليين والموارد الباطنية والموارد الزراعية والضرائب الدينية‬

‫أو المدنية والغرامات والمنشآت الصناعية ومفاداة أسرى الحرب‪...‬الخ‬

‫الخلاصةَ‪َ :‬‬

‫َ‬
‫الشكلَ(‪َ:)48‬عواملَالقوةَالخارجيةَللثوا َر َ‬

‫إذا أردنا الخروج بخلاصة حول مدى تحقيق جبهة التحرير لعوامل القوة َّالتِي سبق ذكرها‪ ،‬فإنها‬

‫قد حظيت بـ (‪َ)1‬قضيةَ سِياسِية ندر أن تحظى بِهَا جماعة ثور ية‪ ،‬وذاك أن الأفق السِيَاسِي في‬

‫ظل الاحتلال الفَرَنس ِي ك َانَ مسدودا ً بالكامل‪ ،‬بعد أن عجزت جميع الحركات الوطنية أن تحقق‬
‫ِ‬
‫شيئا ً للشعب الجَزَائِر ِي من خلال الطرق السلمية‪ ،‬فح ََّتى الحركات َّالتِي ك َان َت تريد الاندماج‬

‫الكامل مع الهو ية الفَرَنس َِّية لَمْ تستطع أن تحصل على المساواة في الحقوق مع الأوروبيين‪ .‬هَذَا ما‬
‫جعل النخب يائسة ً من تحقيق مطالبها عبر النشاطات السلمية ومهيأة ً للتوجه نحو النضال المسلح‪،‬‬

‫الثور َِّية للوحدة والعمل" سنة ‪.1954‬‬

‫وهو ما أفرز "المنظمة الخاصة" سنة ‪ 1947‬ث َُّم "اللجنة َّ‬

‫حي ْثُ َّ‬

‫قدم َ‬ ‫الثور َِّية‪َ ،‬‬
‫كما ك َانَ التمييز العنصري في حق الجزائر يين عاملا ً حاسما ً في صناعة القضية َّ‬

‫لجبهة التحرير عامل قوة في الحشد ضِد الاحتلال من أجل نيل الـكرامة الإنسانية‪ ،‬إضافة إلى‬

‫‪350‬‬
‫ك ساهمت‬
‫الواقع المعيشي المتردي وانتشار الفقر والبطالة والأمية بين السكان‪ ،‬وز يادة ً على ذ َل ِ َ‬

‫جرائم ُ الاحتلال والمجازر الجماعية في تغذية القضية السياسية لِلث َورَة ِ‪.‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)49‬عواملَساهمتَفيَصناعةَالقضيةَالسياسيةَلِلثورة َِالجزائِر ِية َ‬

‫وبالنظر إلى (‪َ)2‬الدعمَالشعبي الَّذ ِي حصلت عَلَيْه ِ ثورة التحرير ‪ 1954‬فقد ك َانَ غير مسبوق‪،‬‬

‫ك جليا ً خلال المظاهرات الحاشدة َّالتِي ك َان َت‬ ‫الشعب في َّ‬

‫الثور َة شاملا ً‪ ،‬وظهر ذَل ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫خراط‬
‫وك َانَ ان ُ‬

‫ج استجابة ً لدعوة ِ جبهة التحرير‪ ،‬مثل مظاهرات أكتوبر‪/‬تشرين الأول ‪ .1961‬كما أظهر‬
‫تخر ُ‬

‫استفتاء ُ تموز ‪ 1962‬حول استقلال الجَزَائ ِر أن ‪ %99‬من الشعب الجَزَائِر ِي يؤيد جبهة التحرير في‬

‫قضيتها السياسية‪.‬‬

‫أما بالنسبة لعامل (‪َ)3‬التضاريسَالوعرة فإن البلاد َ الجَزَائِر َِّية مناسبة جيدا ً في هَذَا الصدد‪،‬‬

‫ل العربية والإفر يقية مساحة (‪ 2،381،741‬كلم مربع)‪ ،‬وتتضمن عمقا ً جغرافيا ً‬

‫فهي أكبر ُ الدو ِ‬

‫تضاريس وعرة ً جدا ً وفرت‬

‫َ‬ ‫الثور َِّية‪ ،‬و يحتوي هَذَا العم ُ‬
‫ق‬ ‫مناسبا ً جدا ً لتطبيق تكتيكات الحرب َّ‬

‫ملاذات آمنة لجيش التحرير‪ ،‬مثل سلسلة ِ جبال أطلس التل ِي وأطلس الصحراوي‪.‬‬

‫الثورَة ُ الجَزَائِر ِ َّية ُ بعلاقاتها الدولية الواسعة مع‬

‫وبالعودة إلى عامل (‪َ)4‬الحليفَالسِياسِي؛ تميزت َّ‬

‫جهات إقليمية وعالمية‪ ،‬إذ سبق وتحدثنا أنه حين الإعلان ع َنْ تشكيل الحكومة الجَزَائِر َِّية المؤقتة‬

‫ل دولة ٍ بادرت إلى الاعتراف‬

‫ل العربية بِهَا‪ ،‬وك َان َت أو ُ‬
‫في ‪ 19‬أيلول ‪ 1958‬؛ اعترفت جمي ُع الدو ِ‬

‫ك‬
‫ل المؤثرة في الساحة العالمية في ذ َل ِ َ‬
‫هي العراق‪ .‬كما اعترفت بِهَا كذلك الصين وهي من الدو ِ‬

‫‪351‬‬
‫ل عدد الدول َّالتِي اعترفت بالحكومة المؤقتة الجَزَائِر َِّية‬
‫الوقت‪ .‬ث َُّم توالت الاعترافاتُ ح ََّتى وص َ‬

‫قبيل الاستقلال إلى ست وثلاثين دولة ً‪.‬‬

‫وإن دل هَذَا على شيء؛ فإنه ُّ‬

‫يدل على كثرة ِ الحلفاء السياسيين ل ِلث َورَة ِ الجَزَائِر َِّية‪ ،‬وقد ك َان َت مصر‬

‫ل‬
‫الثورَة ِ يقودونَ العم َ‬ ‫حي ْثُ ك َانَ ُّ‬
‫جل قادة ِ َّ‬ ‫في عهد عبد الناصر الداعم ُ الأكبر ُ للجهادِ في الجَزَائ ِر‪َ ،‬‬

‫السِيَاسِي من القاهرة‪ ،‬وحصلت جبهة التحرير من مصر على دعم مادي وسياسي وإعلامي‬

‫مكثف‪.‬‬

‫ك تأتي دول المغرب العربي على رأس قائمة الداعمين لِلث َورَة ِ الجَزَائِر َِّية‪ .‬وعلى الرغم‬
‫وإضافة ً إلى ذَل ِ َ‬

‫من أنها لَمْ تقدم دعما ً ماديا ً كبيرا ً إلا أنها سخرت بلدانها وحدودها لصالح جبهة التحرير‪ ،‬وخاصة ً‬
‫تونس َّالتِي احتوت معظم قوات جيش التحرير‪.‬‬

‫الثورَة ُ الجَزَائِر َِّية ُ هي ضعف‬

‫أما بالنسبة لعامل (‪ َ)5‬المواردَ الماليةََفإن أعظمَ عقبة ٍ واجهتها َّ‬

‫الإمدادات من الأسلحة والذخائر‪ ،‬وعلىَالرغمَمنَأنهاَحصلتَعلىَدعمَكبيرَمنَحلفائهاَ‬

‫ًَأبدا ً‪ ،‬ومعظمه لَمْ يص ْ‬

‫ل إلى الجبهات الحربية‬ ‫مثلَمصرَوالصينَإلاَأنَهذاَالدعمَلمَْيكنَكافيا َ‬

‫في الداخل بسبب الرقابة الفَرَنس َِّية الشديدة على الحدود‪.‬‬

‫واعتمدت جبهة التحرير في تموينها على مصادر الدعم التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬الزكاة والهبات النقدية والعينية َّالتِي يقدمها السكان‪.‬‬

‫‪ .2‬الاشتراكات‪ :‬وتدفع طواعية ًكما هو الحال بالنسبة للمحبين والمناضلين والفدائيين والمسبلين‬
‫وبقية أفراد الشعب‪.‬‬
‫‪ .3‬الضرائب والعقوبات على المخالفين للنظام والمجرمين‪.‬‬
‫‪ .4‬الغنائم َّالتِي ت َُّحصل من المعارك‪.‬‬
‫‪ .5‬المساعدات من الدول الحليفة‪.‬‬
‫َ‬

‫‪352‬‬
 ‫المبحثَالثاني‪َ:‬عواملَالقوةَالداخلية‬
‫(‪َ)1‬القيادة‪َ َ:‬‬

‫وجود القيادة القادرة على التخطيط واتخاذ القرار السليم في ضوء المتغيرات ُّ‬
‫يعد من أهم عوامل‬

‫الثور َِّية‪ .‬وكلما ك َان َت هَذِه ِ القيادة ُ قادرة ً على احتواء ِ الصف الداخلي والسيطرة‬
‫القوة في الجماعات َّ‬

‫الوقت‪ ،‬كلما ك َان َت الجماعة ُ متماسكة ً وثابتة ً وموحدة ً‪.‬‬

‫ِ‬ ‫س‬
‫عَلَيْه ِ في نف ِ‬

‫الثور َِّية‪ ،‬هي أن يكون القرار ُ متنازعا ً‬

‫الهيئة الأضعف َّالتِي يمكن أن تكون عَلَيْهَا القيادة في الجماعة َّ‬

‫عَلَيْه ِ بين رجال الحرب‪ ،‬دون وجود رأس واحد جامع أو آلية واضحة لاتخاذ القرار‪ .‬والهيئة‬
‫الأقل ضعفا ً‪ ،‬أن يكون القرار ُ بيد رجل واحد ينبني عَلَيْه ِ ك ُل شيء‪ ،‬وبفقده تخسر ُ َّ‬
‫الثورَة ُك ُل‬

‫الثور َِّية‪ ،‬فهي أن يكون القرار ُ بيد رج ٍ‬

‫ل واحدٍ‬ ‫ل للقيادة َّ‬
‫ل الأقوى والأمث ُ‬
‫شيء أيضاً‪ .‬أما الشك ُ‬

‫يلتزم ُ بأمره الجميع‪ ،‬لـكن مع وجود آلية واضحة ٍ لاختيار القيادة واتخاذ القرار‪ ،‬وخطة محكمة‬

‫للمضي قدما ً‪ ،‬ومؤسسات إدار ية توزِعُ المهام ُ‪ ،‬ولجنات استشار ية تشارك في بلورة القرارات‪،‬‬

‫ونظم داخلية توجِه ُ حراك التنظيم وتبين صلاحيات المسؤولين وتض ُع حدا ً للتجاوزات الفردية‪.‬‬

‫(‪َ)2‬الرؤ يةَالسياسية‪َ َ:‬‬

‫الثور َِّية رؤ ية ً واضحة ً وشاملة ً‪ ،‬فجوهر ُ َّ‬

‫الثور َة‬ ‫ل الحركة َّ‬
‫إضافة ً إلى حسن القيادة‪ ،‬يَنبَغ ِي أن تحم َ‬

‫ج ع َنْ السياسة وفنونها‪ ،‬وقد‬ ‫المسلحة ِ وهدفها النهائي سِيَاسِي بامتياز‪ ،‬كما َّ‬
‫أن معظمَ أساليبها لا تخر ُ‬

‫الثور َِّية أن وجود َ الرؤ ية السياسية بالنسبة للثوار ضروري جدا ً للحصول على‬
‫ق منظرو الحروب َّ‬
‫اتف َ‬

‫ل هَذَا المشروعُ‬ ‫الدعم الشعبي‪ ،‬فمن خلالها يُقَدِم ُ ُّ‬

‫الثو َار ُ مشروعا ً بديلا ً ع َنْ النظام القائم‪ ،‬بِ ح َي ْثُ يشم ُ‬

‫المطالبَ الشعبية َ الداخلية َ و يخاطبُ المجتمع الدولي‪ .‬ومن دون الرؤ ية السياسية تصبح الحربُ‬
‫الثور َِّية ُ اعتباطية ً وعقيمة ً‪ ،‬وستستمر إلى ما لا نهاية‪ ،‬لأن هدف ُّ‬
‫الثوَار وقتها سيكون هو الحرب‬ ‫َّ‬

‫لمجرد الحرب‪ ،‬وستصبح َّ‬

‫الثور َة مجرد عملية هدم وثأر وتشفي في دائرة مفرغة لا بناء ف ِيهَا‪.‬‬

‫الثور َِّية أن تكون شاملة ً لِك ِ‬

‫ُل الجوانب الدينية والسياسية والاقتصادية والأمنية‬ ‫يشترط في الرؤ ية َّ‬

‫الشعب حاجته ُ ف ِيهَا‪ ،‬و بحيثُ تتطرق هَذِه ِ الرؤ ية إلى طر يقة‬
‫ِ‬ ‫صنف من‬
‫ٍ‬ ‫والخدمية‪ ،‬بِ حَي ْثُ يجد ُ ك ُُّل‬
‫ل ضمانُ الحر يات الإنسانية للأقليات‬
‫انتقال السلطة في الدولة الجديدة‪ ،‬وكيف سيتم في النظا ِم المقب ِ‬

‫‪353‬‬
‫والمرأة والصحافة والمعارضة السياسية‪ ،‬وبناء العلاقات الدولية‪ ،‬وتطوير ُ الحركة العلمية والصناعية‪،‬‬

‫ص التعليم والمرافق الصحية والخدمية‪ ،‬ورفع المظالم‪ ،‬ومكافحة‬

‫وتوفير التنمية ِ الاقتصادية ِ وفر ِ‬

‫الفساد الأخلاقي والمالي‪ ،‬وتحسين النظام القضائي‪ ،‬وتبييض السجون‪ ،‬واستثمار الثروات‬

‫الثور َِّية‬
‫الطبيعية في مصالح الشعب لتحقيق الاكتفاء الذاتي‪...‬الخ‪ .‬وكلما ك َان َت الرؤ ية السياسية َّ‬

‫مفقودة أو ضيقة كلما تضاءل الدعم الشعبي للثوار‪.‬‬

‫(‪َ)3‬الدعايةَالإعلامية‪َ َ:‬‬

‫الثور َِّية إلى الجماهير الداخلية والخارجية على وجود حملات دعائية‬
‫يعتمد وصول الرؤ ية السياسية َّ‬

‫منظمة‪ ،‬فالإعلام والرؤ ية السياسية بالنسبة للثوار‪ ،‬كاللسان والعقل بالنسبة للإنسان‪ .‬ولن يحقق‬
‫ُّ‬
‫الثو َار ُ الفائدة َ المرجوة َ من رؤيتهم السياسية ما لَمْ يجدوا طرقا ً َّفعالة لإيصال هَذِه ِ الرؤ يا إلى‬

‫ختلف تخصصاتهم وأجناسهم وأديانهم‪.‬‬

‫جماهيرهم بم ِ‬

‫الثور َِّية لتكون َّ‬

‫فعالة أن تراعي الأمور التالي‪:‬‬ ‫ويشترط في الدعاية َّ‬
‫ُ‬

‫‪ )1‬أن تكون شاملة لأولو يات الصراع‪ ،‬بِ حَي ْثُ يكون ج ُُّل تركيزها على إسقاط مشروعية الحكومة‬
‫أو الاحتلال بإظهار عيوبه ومثالبه وفساده ومظالمه‪ ،‬وإثبات مشروعية ُّ‬
‫الثو َار في المقابل ع َنْ‬

‫طر يق نشر محاسنهم وفضائلهم وإنجازاتهم‪ ،‬فلا يَنبَغ ِي لَهَا أن تلتهي بالمسائل الفرعية على حساب‬

‫الأولو يات‪ ،‬ولا يَنبَغ ِي أن تنقل الخ بر فقط لمجردِ الإخْ بَارِ‪.‬‬

‫‪ )2‬أن تكون مستهدفة ً لكا فة مكونات الجماهير في الداخل والخارج‪ ،‬بِ حَي ْثُ تشمل جميع أصناف‬

‫الجماهير بمختلف أوطانهم وتخصصاتهم وأديانهم وأعراقهم وقبائلهم وأعمارهم وأجناسهم‪...‬الخ‪.‬‬

‫وكلما ك َانَ الخطابُ بعيدا ً ع َنْ التضييق العرقي أو الأيديولوجي كلما ك َان َت َّ‬
‫الثورَة ُ أكثر َ قوة ً‪.‬‬

‫‪ )3‬أن تكون طر يقة صياغة الخطاب قريبة من أفهام الشعب‪ ،‬بِ حَي ْثُ تنطلق من اهتماماتهم‬
‫المختلفة‪َّ ،‬‬
‫والتِي تدور ُ عادة ً حول‪ :‬الدين والفقر والتعليم والبطالة والحر ية والحقوق والتنمية‬

‫الاقتصادية والشرف‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫ل نشرِ الدعاية قريبة ً من معظم مكونات الجمهور المستهدف‪ ،‬فعادة ً ما تختلف‬
‫‪ )4‬أن تكونَ وسائ ُ‬

‫شعب إلى آخر‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫وسائل الدعاية َّ‬
‫الفعالة من‬

‫(‪َ)5‬نوعيةَالمقاتل‪َ :‬‬

‫الثور َِّية‪ ،‬فكلما ك َانَ المقات ُ‬

‫ل مدر با ً وقادرا ً‬ ‫ل دورا ً كبيرا ً في مضاعفة قوة الحركة َّ‬
‫َيلعبُ هَذَا العام ُ‬

‫الية ً وإتقاناً‪ .‬أفضل‬ ‫ل الأعباء ِ الثقيلة ِ كلما ك َان َت العَم َل َِّياتُ الهجومية ُ أكثر َ نوعية ً َّ‬
‫وفع َّ‬ ‫على تحم ِ‬
‫أن إيمانه وكفاءته الع َسكَر َِّية تمكِنه من‬
‫حي ْثُ َّ‬
‫النوعيات المقاتلة هو المقاتل العقدي المتدرب‪َ 1،‬‬
‫ل َّ‬
‫فعالٍ‪ ،‬كما أنه‬ ‫ل مشاق ومخاطر تكتيكات حرب العصابات وأداء العَم َل َِّيات النوعية بِش َك ٍ‬
‫تحم َ‬

‫أكثر ُ استجابة ً لأوامر القيادة (لأن الطاعة عادة ما تكون جزءا ً من عقيدته وتدريبه)‪ ،‬وهو أقل‬
‫استنزافا ً لمواردِ الجماعة ِ (لأنه بحكم خوفه من إتيان المحرمات العقدية نادرا ً ما تطرأ عَلَيْه ِ جرائم‬

‫السرقة والاختلاس والإسراف‪ ،‬و بحكم تدريبه عادة ً ما يكون قادرا ً على تحديد أكثر طرق‬
‫الصرف اقتصاداً)‪َّ .‬‬
‫إن دافعه العقدي يجعله يعمل من أجل قضيته‪ ،‬لا من أجل المكاسب‬

‫الشخصية‪ ،‬كما أن تدري به على فنون القتال والحرب تكسبه ُ الثقة َ بنفسه والقدرة َ العالية َ على أداء‬

‫مهمته‪ ،‬وهنا تكمن فرادته‪َ .‬‬

‫أما أسوء المقاتلين على الإطلاق فهو من يقاتل فقط من أجل المال‪ ،‬بدون أي قضية أو هدف‬

‫أو عقيدة أو ح ََّتى كفاءة حربية‪ .‬وتكمن خطورته في فوضو ية حركته وتردده وقت المخاطر‬
‫وامتناعه ع َنْ التضحية‪ ،‬كما أنه معرض للانقلاب في أية لحظة لصالح من يدفع لَه ُ أكثر‪ ،‬وقد‬

‫غياب‬
‫ِ‬ ‫استنزاف اقتصادي بسبب جهله وضعف وازعه العقدي في حال‬
‫ٍ‬ ‫يكون أيضا ً مصدر َ‬

‫الرقابة الصارمة‪.‬‬

‫َ‬

‫َ‬

‫نقصد بالمقاتل العقدي‪ :‬المقاتل الَّذ ِي التحق ب َِّالثورَة ِ لدوافع عقدية سواء ً ك َان َت دينية أو مادية‪ ،‬وسواء ً ك َانَ‬ ‫‪1‬‬

‫ل‬
‫حي ْثُ أن حصول المقاتل العقدي على الرواتب أو المكافآت المادية لا تجعله بالضرورة أق َ‬
‫يتقاضى راتبا ً أم لا‪َ ،‬‬
‫أضعف قوة ً‪ .‬المهم أن تبقى هَذِه ِ الدوافع غالبة ً عَلَيْه ِ‪ ،‬ولا تطغى عَلَيْه ِ المصلحة المادية‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫فعالية ً أو‬

‫‪355‬‬
 ‫(‪َ)6‬التكتيكاتَغيرَالنظامية‪َ َ:‬‬

‫إضافة إلى عوامل القوة السابق ذكرها‪ ،‬لا يمكن أن نتجاهل أهمها وأكثرها حسما ً على الإطلاق‪،‬‬

‫إذ يعتمد النجاح في حرب العصابات على فهم طبيعتها فهما ً عميقا ً‪ ،‬واختيار التكتيكات المناسبة‬

‫الضعيف في مواجهة من يفوقه‬

‫ُ‬ ‫لَهَا مع ك ُِل مرحلة ٍ‪ .‬إن َّ‬
‫الثورَة َ المسلحة َ في حقيقتها وسيلة يستعملها‬

‫ل الفارقَ بين البرغوث‬

‫قوة ً وبأسا ً‪ ،‬ولهذا السبب شُبهت بحرب البرغوث والكلب‪ ،‬ولك أن تتخي َ‬

‫تكتيكات معينة ٍ تحافظ‬

‫ٍ‬ ‫إن هَذِه ِ الحقيقة تفرض على ُّ‬
‫الثو َار استعمال‬ ‫والكلب على مستوى القوة‪َّ .‬‬

‫على حياتهم خلال سير الحرب وفي نفس الوقت تستنزف عدوهم ليصل إلى مناخ الانهيار‪.‬‬
‫يج ِبُ على ُّ‬
‫الثوَار أن يلتزموا بِه ِ خلال عملياتهم الهجومية والدفاعية ح ََّتى آخر‬ ‫والمبدأ العام الَّذ ِي َ‬
‫الحرب هو‪ُّ :‬‬
‫"أقل خسارة للثوار‪ ،‬وأكبر ُ خسارة للعدو"‪.‬‬

‫الثور َِّية إلى عدة مراحل‪ ،‬ففي المراحل الأولى‬

‫لِهَذَا السبب قام "ماو سي تونغ" بتقسيم الحرب َّ‬

‫ل على الاختفاء والحركة‬

‫ل كام ٍ‬
‫ل قوة ً بكثير‪ ،‬لذا سيكون عملهم يعتمد بِش َك ٍ‬ ‫يكون ُّ‬
‫الثوَار ُ أق َ‬

‫والانتشار دون أي سيطرة على الأرض أو تنفيذ معارك جبهو ية‪ .‬أما في المراحل التالية‪ ،‬فتكون‬

‫قوتهم قد نمت قليلا ً مقارنة بقوة عدوهم َّالتِي ضؤُلت‪ ،‬لـكنهم أيضا ً رغم ظهورهم في المناطق‬

‫المحررة ومحاولة سيطرتهم على الأرض‪ ،‬تبقى عملياتهم بعيدة ع َنْ العَم َل َِّيات الع َسكَر َِّية النظامية‬

‫ك كما قلنا ليتجنبوا أكبر َ قدرٍ‬

‫الشاملة‪ ،‬بل يهاجمون بأساليب نوعية ويدافعون بأساليب نوعية‪ ،‬وذ َل ِ َ‬
‫ممكن من الخسائر في صفوفهم‪ ،‬و يوقعوا أعظمَ قدرٍ ممكن من الخسائر في صفوف الأعداد‪.‬‬
‫والحقيقة أن ُّ‬
‫الثو َار لا يقاتلون بأساليب الاجتياح النظامية‪ ،‬إلا في المرحلة َّالتِي تصب ُ‬
‫ح ف ِيهَا قوة ُ‬
‫ق لَه ُ إلا بعض الحاميات الضعيفة في العواصم المهمة‪ 1.‬هَذَا في‬
‫عدوهم قريبة ً من قوتهم‪ ،‬ولَمْ يب َ‬

‫الثور َة المسلحة"‪ :‬تتضمن الإستراتيجية التقليدية استخدام قوات ُّ‬

‫الثوَار لتدمير القوات‬ ‫‪ 1‬جاء في كتاب "نشوب َّ‬
‫المسلحة الحكومية أو أسرها‪ ،‬ومن ث َُّم السيطرة على مقدرات الحكومة؛ من السكان أو الأراضي أو المدن أو‬
‫المراكز الصناعية وع ُقد الموصلات الحيو ية‪ .‬الهدف هو كسب الحرب في مواجهة ٍ حاسمة ٍ أو سلسلة ٍ من المعارك‬
‫ت ُدم ِر القدرات المادية للخصم َّالتِي تمكنه من المقاومة‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬قد تتقدم قوات المهاجم للاستيلاء على‬
‫المقدرات الإستراتيجية للم ُدافع ‪-‬مثل مدينة أو قاعدة عسكر ية‪ -‬ويتحرك المدافع لمواجهة هَذ َا الجهد‪ .‬ومن ث َُّم تقع‬
‫معركة أو سلسلة من المعارك‪ ،‬تتخللها فترات هدوء في القتال‪ ،‬إلى أ ْن يُهز َم أحد الطرفين‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫حال ك َانَ عدوهم حكومة ً محلية ً‪ ،‬أما إن ك َانَ سلطة ً استعمار ية ً‪ ،‬فإنهم غالبا ً لا ينتقلون إلى‬

‫الأساليب النظامية إلا عندما تقرر ‪-‬أو توشك أن تقرر‪ -‬الدولة الأجنبية الانسحاب بسبب ضخامة‬

‫الخسائر الاقتصادية والسياسية مقارنة ً بالمكاسب َّالتِي يمكن تحقيقها‪.‬‬

‫الثور َِّية فهمه أن الانتقال من تكتيكات العصابات َّالتِي تعتمد على‬

‫أهم ما يَنبَغ ِي على القيادة َّ‬

‫العَم َل َِّيات النوعية والتملص إلى التكتيكات النظامية َّالتِي تعتمد بِش َك ٍ‬
‫ل كبيرٍ على المواجهة المباشرة‬
‫بالقوة البشر ية والنار ية؛ يُع َُّد انتحارا ً محققاً‪ .‬لأنه ح ََّتى لو ك َانَ ُّ‬
‫الثو َار يملـكون بعض الأسلحة‬

‫والأعداد البشر ية َّالتِي تمكنهم من ِ‬

‫شن هَذِه ِ الأنواع من المعارك أحيانا ً‪ ،‬إلا أنهم في الحقيقة لا‬

‫يملـكون القدرة على تعو يض الخسائر بالقدر الَّذ ِي تملـكه السلطة الاستعمار ية‪ ،‬وح ََّتى لو ك َانَ‬
‫ل عشرين من العدو خلال المعارك النظامية‪ ،‬وك َان َت قذيفته المدفعية تدمرُ عشرة مدافع‬
‫الثائر ُ يقت ُ‬

‫للأعداء‪ ،‬فإنه ستنتهي قواته وذخائره سر يعا ً مقارنة بالعدو الَّذ ِي يستطيع تعو يض ضباطه وم ُشاته‬

‫يج ِبُ على الثائر أن يحافظ على‬

‫وأسلحته سر يعا ً من مستودعاته ومصانعه ومعسكراته الضخمة‪َ .‬‬

‫ق أكبرِ خسارة ٍ في العدو مع‬

‫ل الحربية َ غير النظامية لتحقي ِ‬
‫نفسه وعلى طاقته‪ ،‬وأن يبتدعَ الوسائ َ‬
‫ل القائد ُ أو الجندي َّ‬
‫الثورِي‪ ،‬أو نفذت الذخيرة ُ أو‬ ‫أقل خسارة ٍ في صفه‪ ،‬لأنه ببساطة إذا قُت ِ َ‬
‫ِ‬
‫ل‪ ،‬وأحيانا ً لا‬
‫وقت طو ي ٍ‬
‫ٍ‬ ‫الثور َِّية ُ‪ ،‬فإنه لا يمكن تعو يضهم إلا بمشقة ٍكبيرة ٍ وفي‬
‫تعطلت الأسلحة ُ َّ‬
‫وسخي‪1.‬‬ ‫يمكن تعو يضهم أبداً‪ .‬إلا في حال حظيت َّ‬
‫الثور َة بداعم دولي كريم‬

‫خلافا ً لإستراتيجية حرب العصابات‪ ،‬تُركز ُ الاستراتيجية التقليدية على هزيمة قوات الأمن الحكومية‪ ،‬بدلا ً من محاولة‬
‫كسب السكان المحليين‪ .‬والهدف الع َسكَر ِي الرئيسي مِنْهَا هو تدمير القوات الرئيسية للحكومة؛ بينما الهدف السِيَاسِي‬
‫الرئيسي هو إسقاط السلطات الحاكمة‪ .‬في الحروب التقليدية تكون المواجهة ُ الع َسكَر َِّية ُ مباشِرة ً‪ ،‬إما عبر خطوط‬
‫ل سلسلة ٍ من‬
‫ل مسلحة ٍ تشتبك فيما بينها‪ .‬غالبا ً ما تتخذ الاشتباكاتُ شك َ‬
‫الجبهات واضحة المعالم أو على نحو أرتا ٍ‬
‫المعارك‪ ،‬وحروب الخنادق‪ ،‬وحصار البلدات والمدن‪.‬‬
‫ك َانَ الـكثير من ُّ‬
‫الثوَار سيسعدون باعتماد إستراتيجية تقليدية‪ ،‬إلا َّ‬
‫أن ضعفهم وعجزهم عَنْهَا منعهم من اعتمادها‪،‬‬
‫على الأقل في المراحل الأولى من َّ‬
‫الثور َة‪ .‬و يُعتب َر هَذ َا سببا ً جزئيا ً لدعوة ماو إلى تأخير اعتماد هَذِه ِ الإستراتيجية‬
‫ح ََّتى المرحلة الثالثة‪".‬‬
‫الثور َِّية إستراتيجية تقليدية‬
‫من الحالات التسع والثمانين منذ الحرب العالمية الثانية َّالتِي استخدمت ف ِيهَا المجموعات َّ‬ ‫‪1‬‬

‫في وقت ما خلال الحرب؛ ‪ % 70‬مِنْهَا تلقى دعما ً من عند دولة ٍ معينة‪.‬‬

‫‪357‬‬
 ‫الخلاصةَ‪َ :‬‬

‫الشكلَ(‪َ:)50‬عواملَالقوةَالداخليةَللثوا َر َ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية نموذجا ً مثاليا ً في حسن (‪َ)1‬القيادة‪ ،‬فقد استطاعت جبهة التحرير أن‬
‫تقدم َّ‬

‫وحركات أخرى تعيقها‪ ،‬ولـكنها في المقابل‬

‫ٍ‬ ‫تحافظ على قيادتها لِلث َورَة ِ ولَمْ تسمح بوجود فصائل‬
‫الشرط الوحيد ُ هو الموافقة على ميثاق َّ‬
‫الثور َة‬ ‫ُ‬ ‫لَمْ تشترط شروطا ً قاسية ً للانضمام إليها‪ ،‬بل ك َانَ‬

‫حركات الوطنية القديمة‬

‫ِ‬ ‫الَّذ ِي ك َانَ يركز على هدف الاستقلال‪ .‬ولهذا السبب انخرطت معظم ُ ال‬
‫وانصهرت في جبهة التحرير بإرادتها‪ ،‬إلا أتباع مصالي الَّذ ِي َّ‬
‫أصر على الصدام والمواجهة‪.‬‬

‫وفي المقابل لَمْ تكن القيادة في جبهة التحرير مركز ية ً إلى درجة سيطرة رجل واحد عَلَيْهَا‪ ،‬ولَمْ‬

‫ل الجبهة‪ ،‬بل ك َان َت المؤسسات‬

‫تكن لا مركز ية إلى درجة وجود فصائل ولوبيات مختلفة ً داخ َ‬

‫الداخلية مثل لجنة التنسيق والمجلس الوطني هي الأساس لتنظيم القرار وتوز يع المسؤوليات‬
‫والصلاحيات واختيار القيادة عبر التشاور والانتخاب الرضائي‪.‬‬

‫لقدَكانتَالقيادةَفيَالثورةَالجزائِر ِيةَمثيرة ًَللإعجاب‪َ،‬فهيَجماعيةَوفيَنفسَالوقتَغيرَفوضو ية‪َ،‬‬

‫مركز يةَوفيَنفسَالوقتَغيرَدكتاتور ية‪ ،‬إلا ما سُ جل من بعض الخلافات الداخلية مثل اغتيال‬

‫عبان رمضا ن‪ ،‬أو انشقاق بعض قادة الولايات‪ ،‬واختلاف لجنة التنسيق ما بعد الصومام مع‬

‫السياسيين في الخارج‪...‬إلخ فهَذِه ِ الخلافاتُ حالات شاذة مقارنة ً بالاستقرار العام في سياق‬

‫‪358‬‬
‫الثور َِّية‪ ،‬رغم أن الخلاف الداخلي قد أصبح شائعا ً‬
‫الثور َة‪ ،‬وهي حالة طبيعية في ك ُل التجارب َّ‬
‫َّ‬

‫ومرَضيا ً بعد الاستقلال‪ ،‬وطفى على السطح كما سبق وتحدثنا في مرحلة ما بعد الاستقلال‪.‬‬

‫ولأن الحركة َ المسلحة َ في الجَزَائ ِر هي في الحقيقة منبثقة من الحركات السياسية الوطنية فقدَتميزتَ‬

‫الثور َة الَّذ ِي ُّأعل ِ َ‬

‫ن عَن ْه ُ أول‬ ‫منذَانطلاقهاَبـَ(‪َ)2‬رؤ يةَسِياسِيةَواضحةَوحكيمة‪َ،‬تجلت في ميثاق َّ‬

‫ق للجهاد‪َّ ،‬‬
‫ووضح َ أهداف جبهة التحرير‪ ،‬وموقفها من الاستعمار‬ ‫أيام النضال‪َّ ،‬‬
‫وقدم َ خارطة َ طر ي ٍ‬

‫والمفاوضات والأمم المتحدة والمصالح الفَرَنس َِّية ومستقبل البلاد‪...‬إلخ‬

‫الثور َة الَّذ ِي ُّأعل ِ َ‬

‫ن عَن ْه ُ في‬ ‫وطور َ ميثاق َّ‬
‫َّ‬ ‫ث َُّم جاء مؤتمر الصومام في ‪ 20‬أوت‪ /‬أغسطس ‪،1956‬‬

‫ح أكثر َ شمولا ً وتفصيلا ً‪ ،‬وجعل المشروع السِيَاسِي لِلث َورَة ِ أكثر‬

‫الفاتح من نوفمبر‪/‬تشرين الثاني‪ ،‬ليصب َ‬
‫تنظيما ً وترتيبا ً‪ ،‬ومهد لتأسيس المجلس الوطني لِلث َورَة ِ ث َُّم الحكومة المؤقتة‪.‬‬

‫أما بالنسبة لعامل (‪َ)3‬الدعايةَالإعلامية فإن ثورة التحرير ‪ 1954‬ك َان َت بارعة ً جدا ً في استخدام‬

‫وسائل الإعلام المتاحة مثل "البيانات والمواثيق والنشرات كبيان أول نوفمبر‪/‬تشرين الثاني‪،‬‬

‫الثور َة الأخرى كميثاق الصومام‪َّ ،‬التِي ركزت على هَذَا الجانب في الحرب‪ .‬والصحافة‬
‫ومواثيق َّ‬

‫وهي الوسيلة َّالتِي استعملها الجزائر يون في فترة المقاومة السياسية بالخصوص على نطا ٍ‬
‫ق واسع‬

‫رغم محاربة الجهاز الاستعماري لَهَا في ك ُل الفترات‪ .‬والإذاعة وهي الوسيلة َّالتِي تعتمد على‬

‫الصوت ومخاطبة الناس بطر يقة مباشرة‪ ،‬م َِّما يكون لَهَا كبير الأثر في نفوس جموع المخاطبين المعنيين‬
‫ك عبر المحطات َّالتِي ك َان َت في البلاد العربية‪ ،‬إلى جانب الإذاعة السر ية‬
‫من الجزائر يين‪ .‬وذَل ِ َ‬

‫ب ِالجَزَائِر ِ‪ .‬وعندما تشكلت الحكومة المؤقتة سنة ‪1958‬م‪ ،‬تشكلت لديها وزارة الأخبار َّالتِي ك َان َت‬

‫الثور َة‪ .‬وفي سنة ‪1961‬م تشكلت وكالة الأنباء الجَز َائِر َِّية‪ ،‬على‬
‫تتولى نشر أخبار مختلف نشاطات َّ‬

‫ح والسينما في تمثيل بعض المعارك‪،‬‬

‫ك ساهم المسر ُ‬
‫نمط وكالات الأنباء في الدول المستقلة‪ ،‬إلى ذَل ِ َ‬
‫ممتلكاتهم"‪1.‬‬ ‫وممارسة الجنود الفرنسيين ض َِّد السكا ِ‬
‫ن وتدمير‬

‫د‪ .‬عبد القادر فكاير‪ ،‬وسائل الإعلام خلال َّ‬

‫الثور َة التحرير ية (‪ ،)1962-1954‬عصور الجديدة‪ ،‬العدد ‪.9‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪359‬‬
 ‫جماهيرَبداية ًَمنَ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫يَتشدَاهتمامَال‬‫ُلَالمواضيعَالتِ‬
‫وكانتَدعايةَجبهةَالتحريرَشاملة ًَلِك ِ‬

‫الحربَوصولاًَإلىَالسياسةَوالاقتصاد‪َ،‬كماَكانتَموجهة ًَإلىَالجماهيرَفيَالداخلَ‬

‫والخارجَبمختلفَتوجهاتهاَوخلفياتهاَالثقافيةَوالفكر ية‪َ،‬ومخاطبةًَللرأيَالعامَالأجنبيَ‬

‫والمحليَ‪َ .‬‬

‫تشترط على مقاتليها مجموعة ً من‬

‫ُ‬ ‫وعودة ً إلى عامل (‪َ)4‬نوعيةَالمقاتل ‪ ،‬فقد ك َان َت جبهة التحرير‬

‫ُل شيء في سبيل الاستقلال‪،‬‬

‫القيم مثل قابلية الاستشهاد في سبيل الله في أي لحظة‪ ،‬والتضحية بِك ِ‬
‫والالتزام بالصلاة في وقتها واجتناب المحرمات؛ وهَذَا ما جعل مقاتلي الجبهة عقدِيِـين نوعا ً ما‪،‬‬

‫خاصة ً مع تدني الأجور والرواتب‪ ،‬هَذَا إن وجدت أصلاً‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬فَلَمْ يكن للشعب الجَزَائِر ِي‬

‫حي ْثُ التدريب‪ ،‬فإن هَذَا ك َانَ عقبة ً في َّ‬
‫ولـكن من َ‬

‫خبرة حربية فيما سبق‪ ،‬خاصة ً بعد عقود الاستعمار الطو يلة َّالتِي ت ََّم ف ِيهَا تجريد السكان من‬

‫ظل ضعف التموين‪ ،‬ولذلك فإن‬

‫ِ‬ ‫أسلحتهم‪ ،‬كما ك َانَ توفير الأسلحة للمتدربين عقبة ً أخرى في‬

‫المقاتل الجَزَائِر ِي ك َانَ في كثيرٍ من الأحيان مفتقرا ً للتدريب والقدرة القتالية العالية‪.‬‬

‫أما عامل (َ‪ َ)5‬التكتيكاتَ غيرَ النظامية‪ ،‬فجيش التحرير اقتصرت أعماله على تصفية غلاة‬

‫المستعمرين وكبار العملاء والخونة وضباط الجيش والبوليس وغيرهم من أعوان الاستعمار‪ ،‬إضافة‬

‫إلى أعمال التخريب الممنهجة مثل تدمير الطرق والسكك الحديدية والجسور وخطوط الاتصال‬

‫والهاتف والـكهرباء‪ ،‬وك ُل ما يتعلق بالبنية التحتية للاحتلال‪.‬‬

‫استمر ح ََّتى‬
‫َّ‬ ‫كما اتخذت قوات جيش التحرير من أسلوب حرب العصابات منهجا ً متبعا ً‬

‫ك بالابتعاد ع َنْ المواجهة الكلاسيكية مع الجيش الفَرَنس ِي‪ ،‬والاعتماد على‬

‫الاستقلال‪ ،‬وذَل ِ َ‬

‫الـكمائن والهجمات الفدائية والإغارات الخاطفة معتمدة ً على مبدأ (اضرب واهرب)‪ ،‬باستخدام‬

‫أعداد قليلة من المجاهدين‪.‬‬

‫لـكن يمكن القول إن أسلوب ع َمَل َِّيات ُّ‬

‫الثو َار ك َانَ يختلف قليلا ً من منطقة لأخرى بحسب الطبيعة‬

‫الجغرافية‪ ،‬ففي المدن والقرى الـكبرى كثرت العَم َل َِّياتُ الفدائية ُ والتخريبية ُ بِش َك ٍ‬
‫ل ملحوظٍ ‪،‬‬

‫‪360‬‬
‫وك َانَ الهدف الأساسي مِنْهَا الدعاية ُ لِلث َورَة ِ‪ ،‬وتهديد ُ أمن عواصم الاحتلال‪ ،‬أما في الر يف الَّذ ِي‬

‫الثور َة طابعا ً مختلفا ً‪ ،‬تكثر ُ فِيْه ِ الأعمال الع َسكَر َِّية مثل الـكمائن‬
‫يتميز بطبيعته الوعرة؛ فقد اتخذت َّ‬

‫استنزاف القوات الفَرَنس َِّية بقدر المستطاع‪ .‬وبصفة ٍ عامة ٍ ابتعد‬

‫ُ‬ ‫والإغارات‪ ،‬وك َانَ الهدف مِن ْه ُ‬

‫جيش التحرير في أغلب عملياته ع َنْ حرب الجبهات المفتوحة مع الجيش الفَرَنس ِي أو السعي نحو‬
‫السيطرة أو التمسك بالأرض‪ 1.‬وك َانَ يسعى أن تكون العَم َل َِّيات منتشرة ً على ك ُل مساحة البلاد‬

‫لـكي تتشتت قوات الاحتلال وتضطر للانتشار‪ ،‬ولـكي تعجز ع َنْ محاصرة أو تطو يق َّ‬
‫الثور َة‪.‬‬

‫"الأسلوبَالذ ِيَنواجهَبِه َِالعدوَعندماَيكونَمطلعاًَعلىَوجودناَفيَجبهةَماَليسَ‬

‫هوَ الأسلوبَ الذ ِيَ نواجههَ فِيْه َِ عندماَ يكونَ جاهلاًَ لوجودنا‪ َ،‬لـكنَ القاعدةَ‬

‫الأساسيةَفيَجميعَأنواعَالمعاركَهيَأنَنحتفظَدائماًَبزمامَالموقفَحتىَيكونَفيَ‬

‫متناولنا‪َ،‬أنَندخلَفيَالمعركةَوأنَنتجنبهاَحسبماَنريد‪َ،‬أيَأنَالمعركةَيج ِبُ َأنَتتمَ‬

‫حسبَإرادتناَوحسبَخطتناَبِ حي ْثُ َلاَيستطيعَالعدوَأنَيفرضَعلي ْناَالمعركةَ‬

‫حسبماَيريد"َ‪(َ2.‬كريمَبلقاسم َ) َ‬

‫وبلغ عدد العَم َل َِّيات الفدائية ضِد الأملاك العامة والخاصة الفَرَنس َِّية خلال شهري نوفمبر‪/‬تشرين‬

‫الثاني وديسمبر‪/‬كانون الأول ‪1954‬م حوالي ثلاثمئة عملية ٍ‪ ،‬ث َُّم ارتفعت هَذِه ِ الحصيلة سنة ‪1955‬‬
‫إلى ما يقارب ست آلاف عملية‪ 3.‬وقد أشار أحد ُ الضباط الفرنسيين‪ ،‬إلى أن جيش التحرير قد‬

‫نصب خلال الفترة ما بين عامي ‪ 1956- 1955‬ما يقاربُ الـمئتان وخمسون كمينا ً قاتلا ً للجيش‬
‫الفَرَنس ِي‪ ،‬وغنم َ الجزائر يون في ك ُل كمينٍ ما لا ُّ‬
‫يقل ع َنْ عشر بنادقَ فردية وثلاث بنادق نصف‬
‫آلية ورشاش واحد‪ ،‬أي أن عدد القتلى الفرنسيين خلال هَذِه ِ الـكمائن بلغ ثلاثة آلاف وثلاثمئة‬
‫‪4‬‬
‫وتسعين جنديا ً جراء هَذِه ِ الـكمائن‪.‬‬

‫إستراتيجية َّ‬
‫الثور َة في مرحلتها الأولى – ‪ –1956-1954‬أحسن بو مالي ص ‪99-98‬‬ ‫‪1‬‬

‫أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير الوطني الجَزَائِر َِّية‪ ،‬ص ‪154‬‬ ‫‪2‬‬

‫فتيحة حمدي‪ ،‬نشأة وتطور الجيش الوطني ‪ ،192- 1954‬ص ‪31‬‬ ‫‪3‬‬

‫الدكتور بوبكر حفظ الله‪ ،‬نشأة وتطور جيش التحرير الوطني ‪ ،1958 - 1954‬ص ‪.46‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪361‬‬
 ‫وبهذاَفقدَكان ُّ‬
‫َالثوارَمتمسكينَبأسلوبَالحربَغيرَالنظاميَحتىَالاستقلال‪َ،‬وكانَهذاَعام ِلََ‬

‫قوةَكبيرَساهمَفيَتحقيقَالنصرَبعدَذل ِكَ‪َ .‬‬

‫َ‬

‫‪362‬‬
‫خلاصةَنقاطَالقوةَوالضعفَالتِيَحظيتَبِهاَجبهةَالتحريرَخلالَالثورةَالجزائِر ِيةَ(‪َ )1962-1954‬‬

‫بلوغ الشعب مرحلة ً متقدمة ً من النضوج َّ‬

‫الثورِي بضرورة التغيير الع َسكَر ِي بعد‬

‫فشل الأساليب السلمية‪.‬‬

‫وجود قضية سياسية ملهمة للانخراط في َّ‬

‫الثور َة‪ ،‬تنطلق من استعباد الأوروبيين‬

‫للأمة الجَزَائِر َِّية واضطهادهم لَهَا‪.‬‬

‫انخراط معظم الكتل الشعبية والوطنية في َّ‬

‫الثور َة وتقديمها دعم مادي وبشري ضخم‬

‫لجبهة التحرير‪.‬‬

‫حلفاء متعددون قدموا كما ً هائلا ً من الدعم السِيَاسِي والمادي والملاذات الآمنة‪.‬‬

‫قيادة موحدة‪ ،‬ونظام داخلي واضح الصلاحيات‪ ،‬وآلية منظمة لاختيار القادة‬
‫نقاطَالقوة َ‬
‫واتخاذ القرار‪.‬‬

‫رؤ ية سِيَاس َِّية واضحة وحكيمة تحمل مشروعا ً شاملا ً لأبعاد الاستقلال‪.‬‬

‫تطبيق ممتاز لمبادئ وتكتيكات حرب العصابات في العَم َل ِ َّيات الهجومية والدفاعية‪.‬‬

‫ُل ما يملك‪.‬‬
‫مقاتل عقدي مستعد للتضحية بِك ِ‬

‫دعاية إعلامية فعالة وقريبة من الجماهير في الداخل والخارج‪.‬‬

‫الثورِ َّية‪.‬‬
‫عمق جغرافي واسع وتضاريس وعرة مناسبة لتطبيق تكتيكات الحرب َّ‬

‫بنية تنظيمية تجمع بين القوات النخبو ية والشعبية‪.‬‬

‫حصار شديد على الحدود منع من إدخال الأسلحة والذخائر والمؤن للداخل‪.‬‬

‫فقدان الموارد المالية والع َسكَر َِّية والمؤن الكافية لتسيير النشاط الحربي‪.‬‬
‫نقاطَالضعف‬
‫اشتداد الخلافات ما بعد الاستقلال وصلت إلى تصفيات داخلية‪.‬‬

‫ضعف كبير في القوة البشر ية والع َسكَر َِّية مقارنة بالعدو‪.‬‬

‫‪363‬‬
 ‫الخاـتمة َ‬

‫ك َان َت الإشكالية الرئيسية َّالتِي انطلق مِنْهَا هَذَا البحث هي‪ :‬ماهيَتِل ْكَالظروفَوالعواملَالتِيَ‬
‫ُّ‬
‫َمنَالثوارَالجزائر يينَوالفرنسيين‪َ،‬وجعلتَالاحتلالَالفرنس ِيَيخسرَالحرب؟ وبعد‬ ‫حظيَبِهاَك ُل‬

‫هَذَا الجهد الـكبير في توثيق مجر يات ثورة التحرير الجَزَائِر َِّية وتحليل نقاط القوة والضعف لدى‬

‫ِص ك َُّل ما سبق ذكره في إجابة ٍ واضحة ٍ ع َنْ الإشكالية‬

‫طرف ف ِيهَا‪ ،‬بقي عَلَي ْنَا الآن أن نلخ َ‬
‫ٍ‬ ‫ك ُل‬

‫َّالتِي سبق طرحها‪.‬‬

‫طرف ك َانَ يشكوا من‬

‫ٍ‬ ‫يتضح من التحليلات َّالتِي وردت في الباب الأخير من البحث أن ك َُّل‬
‫بعض عوامل الضعف‪ ،‬بينما يحظى في نفس الوقت ببعض عوامل القوة‪ ،‬ث َُّم َّ‬
‫إن ك ُل نقطة‬

‫ضعف لأحد الأطراف قد أصبحت تمثل في الحقيقة نقطة قوة للطرف الآخر‪ ،‬لـكن يبقى السؤال‬

‫الَّذ ِي تنبغي الإجابة عَلَيْه ِ الآن‪ :‬ماَهيَعواملَالضعفَوالقوةَالحاسمةَالَتِيَكانتَسبباًَفيَحسمَ‬

‫الحربَلصالحَجبهةَالتحريرَالجزائِر ِية؟‬

‫بالنظر للاحتلال الفَرَنس ِي فإن الخطأ القاتل الَّذ ِي ارتكبه هو إهمال الهدف الإستراتيجي من مكافحة‬
‫التمرد‪ ،‬وهو معالجة دوافع َّ‬
‫الثور َة بحدِ ذاتها وليس فقط تدمير المتمردين‪ .‬لقد ك َانَ تركيز السلطات‬
‫الفَرَنس َِّية منصبا ً على تصفية عناصر جبهة التحرير وقادتها‪ ،‬ظنا ً منهم أن ُّ‬
‫الثو َار َ هم سبب التمرد‪،‬‬

‫ق من هَذَا بكثير‪ ،‬إنها‬

‫بينما في الحقيقة ليس هَذَا إلا نظرا ً تكتيكيا ً قاصراً‪ ،‬فالمشكلة في الجَزَائ ِر أعم ُ‬

‫ذات بعد إستراتيجي‪ ،‬يكمن في السياسة الفَرَنس َِّية نفسها‪.‬‬

‫إن إصرار ف َرَنس َا على اقتلاع الهو ية الجَزَائِر َِّية المسلمة ودمجها في الهو ية الفَرَنس َِّية‪ ،‬ك َانَ بحدِ ذاته‬

‫إشعالا ً لروح التمرد لدى السكان‪ ،‬خاصة وأن هَذَا المسخ العقدي لَمْ يقترن بحقوق إنسانية توازي‬

‫ك َّالتِي ك َانَ يحص ُ‬

‫ل عَلَيْهَا الأوروبي‪ .‬لقد قالوا للمسلمين في الجَزَائ ِر نريدكم أن تصبحوا فرنسيين‬ ‫تِل ْ َ‬

‫لـكن مقابل لا شيء‪ ،‬نريدكم أن تقبلوا بالعنصر الأوروبي كطبقة راقية نبيلة تحكم أرضكم وتستعبد‬

‫‪364‬‬
‫شعبكم‪ ،‬لـكن دون أي حق في التعبير أو الاحتجاج‪ ،‬وهَكَذ َا ك َان َت ف َرَنس َا كمن يحكم على نفسها‬

‫بالزوال‪ ،‬فلا يمكن لقوة غاز ية أن تبقى طو يلا ً في أرض غريبة ما لَمْ تحظ بقبول السكان المحليين‪.‬‬

‫وهَكَذ َا فإن نقاط القوة الفَرَنس َِّية والمتمثلة في تفوقها الع َسكَر ِي والاستخباري وحلفائها الدوليين لَمْ‬

‫تكن أبدا ً كافية ً لتحقيق النصر‪ ،‬بل ك َان َت نقاط الضعف والمتمثلة في فقدان عامل التبريرات‬

‫السياسية والدعم الشعبي؛ ك َان َت كالسرطان الَّذ ِي يقضي على الاحتلال من الداخل رغم صورته‬

‫الخارجية َّالتِي توحي بالقوة‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية ك َان َت تعاني من نقاط ضعف قاتلة ٍ لك َانَ الاحتلال الفَرَنس ِي قد حقق‬
‫ولو أن َّ‬

‫النصر رغم فقدانه لخطة ٍ إستراتيجية‪ ،‬فمثلا ً ك َانَ الاحتلال الأمريكي في العراق ما بعد ‪2003‬‬
‫يعاني من نفس المشكلة‪ ،‬إلا أن سِيَاسَة ُّ‬
‫الثوَار الإجرامية نوعا ً ما في حق السكان والصراعات‬

‫الداخلية بينهم قدمت النصر َ للاحتلال على طبق من ذهب‪ ،‬فك َانَ مشروع الصحوات العروة‬

‫الوثقى َّالتِي أنقذت الأمريكان من الغرق في مستنقع الاستنزاف‪.‬‬

‫ك بفضل بنيتها القيادية‬

‫حظيت جبهة التحرير بدعم شعبي غير مسبوق من الداخل والخارج‪ ،‬وذ َل ِ َ‬

‫الثور َِّية‪ ،‬فك َان َت‬

‫المتماسكة ورؤيتها السياسية الحكيمة وتطبيقها المثالي لمبادئ وتكتيكات الحرب َّ‬

‫عوامل القوة هَذِه ِ َّالتِي حظيت بِهَا بمثابة الضربة القاضية للاحتلال الفَرَنس ِي الَّذ ِي استمر في الجَزَائ ِر‬

‫مئة واثنتين وثلاثين سنة ًكاملة ً‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬لقد نجحت جبهة التحرير الوطني في معركة الحصول على الاستقلال‪ ،‬لـكنها ‪-‬برأينا‪ -‬فشلت‬

‫في معركة بناء الدولة ما بعد الاستقلال‪ ،‬فمنذ الاستقلال وح ََّتى اليوم‪ ،‬خض َع الشعبُ الجَزَائِر ُِّي‬
‫ك باسم جبهة التحرير‪ ،‬ابتدأ هَذَا الحكم بوحدانية الحزب وصولا ً إلى انفراد‬
‫كتاتوري‪ ،‬وك ُل ذَل ِ َ‬
‫ٍ‬ ‫لحكمٍ د‬

‫الرئيس بالسلطة‪ .‬ث َُّم إنها فشلت في صناعة قيم الدولة وهويتها‪ ،‬فقد ك َانَ النظام الجَزَائِر ِي بعد‬

‫الاستقلال أشبه بالخلطة الغريبة‪ ،‬مكوناتها متناقضة‪ ،‬جمعت بين الدين الإسلامي والقومية العربية‬

‫والاشتراكية الشيوعية والديمقراطية الغربية‪.‬‬

‫لقد اجتمعت رموز جبهة التحرير الوطني على هدف تكتيكي وهو الاستقلال‪ ،‬لـكنها لَمْ تقدم‬
‫إجابات حاسمة ً حول المواضيع الإستراتيجية َّالتِي تتعل ُ‬
‫ق بهو ية الدولة وق ِيمها ونُظمها‪ ،‬وهو ما‬ ‫ٍ‬ ‫يوما ً‬

‫‪365‬‬
‫ك َانَ سببا ً في التخبط الـكبير فيما بعد‪ .‬فك َانَ مسار جبهة التحرير العلماني سببا ً في مصادمة‬

‫التيارات الإسلامية بعد ذَلِكَ‪ ،‬كما ك َانَ مسارها القومي العربي عاملا ً مهما ً في تذكية النعرة القومية‬

‫لدى بقية القوميات في الجَزَائ ِر‪ ،‬وتغذية نزعة الانفصال لدى بعض الأقليات وعلى رأسها‬

‫الأماز يغ‪.‬‬

‫وفي الختام‪ ،‬لا يمكننا ‪-‬ونحن نكتب خاتمة هَذَا البحث المشوق‪ -‬إلا أن نقدم ثناء ً عطرا ً وتحية َ‬

‫ل يملؤها الحبُ والو ُِّد لِتِل ْ َ‬

‫ك الأيدي المباركة َّالتِي نزعت حق الاستقلال من ف َرَنس َا‬ ‫احترا ٍم وإجلا ٍ‬

‫انتزاعا ً‪ ،‬لا يمكن أن ننه ي هَذَا الكتاب دون الاعتراف بفضل قادة جبهة التحرير وعناصرها‬

‫والشعب الجَزَائِر ِي على الأمة العربية بأسرها‪ ،‬فح ََّتى لو ك َانَ النصر ناقصا ً‪ ،‬إلا أنه نقلنا في الواقع‬
‫من مرحلة التخلص من الهيمنة الأجنبية‪ ،‬إلى مرحلة التخلص من الدكتاتور ية وصناعة الهو ية‪،‬‬

‫وهي خطوة ضرور ية لتحقيق المجد لِهَذِه ِ الأمة‪.‬‬

‫نرجو أن نكون قد أعطينا هَذِه ِ التجربة َّ‬

‫حقها من النقد والدراسة‪ ،‬والإنصاف والثناء‪ .‬وبالطبع‬

‫لابد أننا قد وقعنا في الـكثير من الأخطاء حول بعض الأحداث التار يخية الدقيقة ونتائجها‬
‫ن عاشوا واقع ال َّثور َة أو عاصروها أو أحاطوا بِهَا أكثر َّ‬
‫منا‪ ،‬نرجو‬ ‫وآثرها‪ ،‬فنرجو من أولئك الَّذِي َ‬

‫ك مراعاة أننا تناولنا ثورة ً بعيدة ً عنا‪ ،‬فنحن الآن في شام‬

‫منهم أن يعذ ُرونا‪ ،‬وقد يدفعهم إلى ذَل ِ َ‬

‫الثور َة السور ية المباركة‪ ،‬بينما تعلقت قلوبنا بثورة الاستقلال الجَزَائِر َِّية‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬نعيش أحداث َّ‬

‫فوجدنا أقلامنا قد شرعت في الكتابة عَنْهَا‪ ،‬ح ََّتى قبل أن تستشيرنا‪.‬‬

‫ك نعتقد أننا قد أصبنا الحقيقة َ فيما يتعلق بالأحداث الرئيسية‪ ،‬كما أننا واثقون‬
‫لـكننا رغم ذَل ِ َ‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ .‬ولمن أراد نصحنا أو توجيهنا حول‬

‫من صحة السياق العام الَّذ ِي انطلقنا مِن ْه ُ لتقييم َّ‬

‫أي مسألة في البحث؛ نرجو مِن ْه ُ التواصل معنا على حساباتنا الرسمية في مواقع التواصل‬

‫الاجتماعي‪.‬‬

‫‪366‬‬
 ‫المراج َع‬

‫‪ .1‬المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪،1954‬‬
‫كتاب مرجعي ع َنْ َّ‬
‫الثور َة التحرير ية ‪ ،1962-1954‬منشورات طبعة خاصة‪ ،‬وزارة‬

‫المجاهدين في الجَزَائ ِر‪ ،‬تأليف مجموعة من الباحثين‪.‬‬

‫‪ .2‬أزغيدي محمد لحسن‪ ،‬مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير الوطني الجَزَائِر َِّية ‪،1962-1956‬‬

‫دار هومه للطباعة والنشر ‪ -‬الجَزَائ ِر ‪.2009‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية ‪ ،1962 – 1954‬مؤسسة إحدادن للنشر‬

‫‪ .3‬زهير إحدادن‪ ،‬المختصر في تاريخ َّ‬

‫والتوز يع‪ ،‬الطبعة الأولى ‪.2007‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية سنوات المخاض‪ ،‬الطبعة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬المؤسسة الوطنية لفنون‬
‫‪ .4‬محمد حربي‪َّ ،‬‬

‫الطباعة ‪ -‬الجَزَائ ِر ‪.1994‬‬

‫‪ .5‬بسام العسلي‪ ،‬جهاد شعب الجَزَائ ِر؛ جيش التحرير الوطني الجَزَائِر ِي ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪،1986‬‬

‫دار النفائس – بيروت‪.‬‬

‫‪ .6‬أحسن بو مالي‪ ،‬استراتيجية َّ‬
‫الثور َة في مرحلتها الأولى – ‪ ،1956-1954‬منشورات المتحف‬

‫الوطني للمجاهد‪ -‬الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية ‪ ،1962-1954‬دار الأمة‬

‫‪ .7‬د‪ /‬الطاهر الجبلي‪ ،‬الإمداد بالسلاح خلال َّ‬

‫للطباعة والنشر ‪ -‬الجَزَائ ِر‪ ،‬طبعة عام ‪.2015‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في عامها الأول‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1984‬م‪1404-‬هـ‬

‫‪ .8‬د‪ /‬محمد العربي الزبيري‪َّ ،‬‬

‫‪ .9‬د‪ /‬أبوبكر حفظ الله‪ ،‬نشأة وتطور جيش التحرير الوطني ‪ ،1958-1954‬طبع المؤسسة‬

‫الوطنية لفنون الطباعة– الجَزَائ ِر‪.2013 ،‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية (‪ ،)1962 – 1954‬دار القصبة للنشر ‪-‬‬

‫‪ .10‬محمد عباس‪ ،‬نصر بلا ثمن؛ َّ‬

‫الجَزَائ ِر ‪.2007‬‬

‫‪367‬‬
‫‪ .11‬عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السِيَاسِي لِلج َزَائِر ِ‪ ،‬من البداية ولغاية ‪ ،1962‬د‪ .‬دار المغرب‬

‫الإسلامي‪ ،‬الطبعة الأولى ‪.1997‬‬

‫‪ .12‬مبارك بن محمد الميلي‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر القديم والحديث‪ ،‬تقديم وتصحيح محمد الميلي‪ ،‬دار‬

‫العرب الإسلامي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ .13‬محمد الطيب العلوي‪ ،‬مظاهر المقاومة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬من عام ‪ 1830‬ح ََّتى ثورة نوفمبر‪/‬تشرين‬

‫الثاني ‪ ،1954‬الطبعة الأولى ‪ ،1985‬مطابع دار البعث‪-‬قسنطينة‪ ،‬الجَزَائ ِر‪.‬‬

‫‪ .14‬محمد حربي‪ ،‬جبهة التحرير الوطني ‪ -‬الأسطورة والواقع‪ ،‬الجَزَائ ِر ‪ ،1962-1954‬ترجمة‪:‬‬

‫كميل قيصر داغر‪ ،‬الطبعة العر ية الأولى ‪ ،1983‬دار الكلمة للنشر‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬

‫‪ .15‬د‪ /‬محمد العربي الزبيري‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر‪ ،1962-1954‬الجزء الثاني‪ ،‬منشورات‬

‫اتحاد الكتاب العرب‪.1999 ،‬‬

‫‪ .16‬د‪ /‬أبو القاسم سعدالله‪ ،‬محاضرات في تاريخ الج َزَائ ِر الحديث‪ ،‬بداية الاحتلال‪ ،‬الطبعة‬

‫الثالثة‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوز يع – الجَزَائ ِر‪.1982 ،‬‬

‫‪ .17‬أبو القاسم سعد الله‪ ،‬الحركة الوطنية الجَزَائِر َِّية (‪ )1930 -1900‬الجزء الثاني‪ ،‬دار الغرب‬

‫الإسلامي ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪.1992‬‬

‫‪ .18‬عز الدين الناصرة‪ ،‬المسألة الأماز يغية في الجَزَائ ِر والمغرب‪ ،‬إشكالية التعددية اللغو ية‪ ،‬دار‬

‫الشروق للنشر والتوز يع‪.‬‬

‫‪ .19‬د‪ /‬جيلالي تكران‪ ،‬فيدرالية جبهة التحرير الوطني بِفَرَنس َا‪ ،‬دراسة في التنظيم والهيكلة‬

‫‪ ،1957–1954‬الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية ‪ -‬قسم العلوم الاجتماعية‬

‫العدد ‪ - 19‬يناير‪/‬جانفي ‪.2018‬‬

‫‪ .20‬بلحسن بالي‪ ،‬المرأة الجَزَائِر َِّية خلال الحرب التحرير ية (‪ ،)1962-1954‬ترجمة‪ :‬د‪.‬‬

‫صاري علي حكمت‪ ،‬منشورات ثالة – الأبيار ‪ -‬الجَزَائ ِر – ‪.2014‬‬

‫‪ .21‬سعدي بز يان‪ ،‬جرائم ف َرَنس َا في الجَزَائ ِر‪ ،‬دار هومه ‪-‬الجَزَائ ِر‪ ،‬طبعة عام ‪.2005‬‬

‫‪ .22‬بشير بلاح‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر المعاصر (‪ ،)1989 -1830‬الجزء الأول‪ ،‬دار المعرفة ‪ -‬الجَزَائ ِر‪،‬‬

‫‪.2006‬‬

‫‪368‬‬
‫‪ .23‬العربي منور‪ ،‬تاريخ المقاومة الجَزَائِر َِّية‪ ،‬في القرن التاسع عشر‪ ،‬دار المعرفة ‪ -‬الجَزَائ ِر‪،‬‬

‫‪.2006‬‬

‫‪ .24‬بنجامين ستورا‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر بعد الاستقلال ‪ ،1988- 1962‬ترجمة‪ :‬د‪ /‬صباح ممدوح‬

‫كعدان ‪ -‬وزارة الثقافة ‪ -‬دمشق ‪2012‬م‪.‬‬

‫‪ .25‬مولود قاسم نايت بالقاسم‪ ،‬ردود الفعل الأولية داخلا ً وخارجا ً على غرة نوفمبر‪/‬تشرين‬

‫الثاني‪ ،‬أو بعض مآثر فاتح نوفمبر‪/‬تشرين الثاني‪ ،‬دار الأمة للطباعة والنشر‪ ،‬طبعة أولى‪،‬‬

‫‪.2007‬‬
‫‪ .26‬د‪ /‬سعيداني سلامي‪ ،‬إستراتيجية وسائل الإعلام والاتصال في دعم َّ‬
‫الثور َة التحرير ية‬

‫الثورِي من ‪ 1954‬ح ََّتى ‪ ،1962‬جامعة محمد‬

‫الجَزَائِر َِّية‪ ،‬رؤ ية تحليلية لتأثيراتها في العمل َّ‬

‫بوضياف‪ ،‬المسيلة (الجَزَائ ِر)‪.2016 ،‬‬

‫الثور َة التحرير ية الجَزَائِر َِّية ‪ ،1962-1954‬رسالة ماجستير‬

‫‪ .27‬أمال شلي‪ ،‬التنظيم الع َسكَر ِي في َّ‬

‫في التاريخ الحديث والمعاصر‪ ،‬جامعة العقيد حاج لخضر ‪-‬الجَزَائ ِر‪ ،‬قسم التاريخ ‪ -‬وزارة‬

‫التعليم العالي – الجَزَائ ِر‪.2006-2005 -‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية في أوربا الغربية ‪ ،1962 – 1957‬رسالة‬

‫‪ .28‬شعبان إيدو‪ ،‬شبكات دعم َّ‬

‫دكتوراه‪ ،‬جامعة جيلالي ليباس‪ -‬سيدي بلعباس ‪ -‬الجَز َائ ِر‪ ،‬قسم العلوم الإنسانية‪-2017 ،‬‬

‫‪.2018‬‬
‫‪ .29‬فاتح ز ياني‪ ،‬مساهمة فيدرالية جبهة التحرير الوطني بِفَرَنس َا في َّ‬
‫الثور َة التحرير ية (‪-1954‬‬

‫‪ ،)1962‬رسالة ماجستير في التاريخ المعاصر‪ ،‬جامعة باتنة‪ - 1‬الجَزَائ ِر‪ ،‬قسم التاريخ والآثار‪،‬‬

‫‪.2016-2015‬‬

‫‪ .30‬د‪ /‬عثمان سعدي‪ ،‬البربر الأماز يغ عرب عاربة‪ ،‬وعروبة الشمال الإفر يقي عبر التاريخ‪،‬‬

‫الناشر‪ :‬دار الأمة للطباعة والنشر والتوز يع‪ ،‬الجَزَائ ِر ‪ -‬الطبعة الأولى‪.2018 :‬‬

‫‪ .31‬د‪ /‬عبد السلام فيلالي‪ ،‬هيكلة المجتمع الجَزَائِر ِي المعاصر بين النزعتين الحضر ية والر يفية‪،‬‬

‫قسم العلوم السياسية‪ ،‬جامعة باجي مختار‪-‬عنابة‪.2009 .‬‬

‫‪369‬‬
‫‪ .32‬يسمينه لعزازي‪ ،‬المقاومات الشعبية في الجَزَائ ِر ‪1871 – 1830‬؛ مقاومة المقراني ‪1871‬م‬

‫نموذجا ً‪ ،‬جامعة أكلي محند أولحاج‪ ،‬قسم التاريخ‪.2017 -2016 ،‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‬

‫‪ .33‬د‪ /‬الطاهر جبلي‪ ،‬تسليح جيش التحرير الوطني عبر الحدود الغربية‪ ،‬خلال َّ‬

‫‪ - ،1962 -1954‬قسم التاريخ جامعة تلمسان‪ ،‬مجلة المعارف للبحوث والدراسات التار يخية‬

‫مجلة دور ية دولية محكمة – العدد ‪.8‬‬

‫الثور َة الجَزَائِر َِّية‪ ،1962-1954 ،‬مجلة‬

‫‪ .34‬يخلف حاج عبد القادر‪ ،‬مصادر تسليح وتموين َّ‬

‫عصور الجديدة‪ ،‬العدد ‪2012 – 6‬م‪ ،‬عدد خاص بالذكرى الخمسين للاستقلال‪.‬‬

‫‪ .35‬د‪ /‬سبيحي عائشة ‪ -‬د‪ /‬تاونزة محفوظ‪ :‬دور المحافظ السِيَاسِي في تفعيل الاستراتيجية‬

‫الثور َة التحرير ية الجَزَائِر َِّية‪ ،‬جامعة الجيلالي بونعامة "خميس مليانة"‪ ،‬قضايا‬
‫الإعلامية في َّ‬

‫تار يخية العدد ‪2017/8‬م‪.‬‬

‫‪ .36‬عبد الوهاب المسيري‪ ،‬موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية‪ ،‬المجلد الرابع‪ ،‬دار الشروق‪،‬‬

‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪.1999‬‬

‫‪ .37‬أحمد توفيق المدني‪ ،‬هَذِه ِ هي الجَزَائ ِر‪ ،‬مكتبة النهضة المصر ية‪ ،‬القاهرة ‪.1956‬‬

‫‪ .38‬عبد الرحمن محمد الجيلالي‪ ،‬تاريخ الجَزَائ ِر العام‪ ،‬الجزء الأول‪ ،‬دار مكتبة الحياة – بيروت‬

‫‪.1965‬‬

‫‪ .39‬يحيى بوعزيز‪ ،‬الموجز في تاريخ الجَزَائ ِر‪ ،‬الجزء الثاني‪ :‬الجَزَائ ِر الحديثة – ديوان المطبوعات‬

‫الجامعية‪ :‬الطبعة الثانية ‪.2009‬‬

‫‪ .40‬فرحات عباس‪ ،‬ليل الاستعمار‪ ،‬ترجمة‪ :‬أبو بكر رحال‪ ،‬دار القصبة للنشر–الجَزَائ ِر ‪.2005‬‬

‫‪ .41‬عز الدين المناصرة‪ ،‬المسألة الأماز يغية في الجَزَائ ِر والمغرب‪ ،‬إشكالية التعددية اللغو ية–دار‬

‫الشروق للنشر والتوز يع‪ ،‬عمان ‪.1999‬‬

‫‪370‬‬
 ‫عنْ َمركزَالخطابيَ‪َ :‬‬

‫الثور َِّية ِ‪ ،‬ت ََّم إنشاؤه في إدلب‪-‬سور يا‬

‫حروب َّ‬
‫ن ال ِ‬
‫حاث مختص في علو ِم وفنو ِ‬
‫دراسات وأب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫هو مركز ُ‬

‫ل مبادئ و إستراتيجيات‬
‫أواخر سنة ‪ . 2019‬يسعى مركز ُ الخطابي إلى إ يجادِ مراج َع شاملة ٍ تتناو ُ‬

‫ُف إلى توفيرِ مصادر َ‬ ‫الثور َِّية ِ‪ ،‬لتلبية ِ حاجة ِ ُّ‬

‫الثوَارِ التدريبية ِ والبحثية ِ‪ ،‬كما يهد ُ‬ ‫حروب َّ‬
‫وتكتيكات ال ِ‬

‫العربي‬
‫ِ‬ ‫ن السياسية ِ والع َسكَر َِّية ِ والاجتماعية ِ َّالتِي يحتاجها ُّ‬
‫الثو َار ُ في العال ِم‬ ‫علمية ٍ وافية ٍ ع َنْ الفنو ِ‬

‫الثورات السابقة ِ‪ ،‬وتقديم‬

‫ِ‬ ‫أهم‬ ‫ِ‬
‫لتاريخ ِ‬ ‫والتقييم العلمي‬ ‫ق‬
‫ل الدقي ِ‬ ‫ك من خلال التحلي ِ‬ ‫والإسلامي‪ ،‬وذَل ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل المعاصرة ِ‪،‬‬
‫أهم النواز ِ‬
‫ِ‬ ‫الثور َِّية ُ حو َ‬
‫ل‬ ‫والتحليلات الدقيقة ِ َّالتِي تحتاجها النخبُ َّ‬
‫ِ‬ ‫التوجيهات‬
‫والأرشفة ِ الشاملة ِ ع َنْ أحداث َّ‬
‫الثور َة السور ية على المستوى الع َسكَر ِي والسِيَاسِي والاجتماعي‪.‬‬

‫ومنذَنشأته‪َ،‬قدَمَالخطابيَلمتابعيهَأكثرَمنَأربعَعشرةَمادةَعلمية‪َ،‬أهمها‪َ:‬‬

‫َّ‬
‫المسلحة‪ ،‬ثورة الر يف الثالثة (‪1926 – 1921‬م)‪ :‬السياق‬ ‫‪ .1‬كتاب ال َّخطابي‪ ،‬م ُله ِم الثورات‬

‫التار يخي والأبعاد السياسية والع َسكَر َِّية والاجتماعية‪َ .‬‬

‫‪ .2‬كتاب انتفاضة الصحراء‪َ،‬السياـق التاـر يخي لِلث َورَة ِ الـلـيبية (‪ ،)1932-1911‬وأبــعاـدها‬

‫السِياـسية والاجتماـعية والع َسكَر َِّية‪.‬‬

‫‪ .3‬كتاب لمحة ع َنْ المسار السِيَاسِي لآل سعود في الدولة الثالثة‪.‬‬

‫‪ .4‬كتاب "أستانا"‪ ،‬مسار القضاء على َّ‬

‫الثور َة السور ية‪.‬‬

‫‪ .5‬كتاب الاحتلال بين النظر ية والتطبيق (عوامل قوة ع َمَل َِّيات مكافحة التمرد الأمريكية‪،‬‬

‫وجدوى هَذِه ِ العَم َل َِّيات في أفغانستان بين ‪ 2001‬و‪.)2020‬‬

‫‪371‬‬
‫الثور َِّية (مدخل إلى مبادئ الدفاع وأنواعه وعوامل‬
‫‪ .6‬كتاب التكتيكات الدفاعية في الحرب َّ‬

‫الثور َِّية)‪.‬‬
‫حرب َّ‬
‫قوته وإجراءات السيطرة فِيْه ِ خلال ال ِ‬

‫‪ .7‬كتاب التجنيد الاستخباري‪ ،‬دوافعه‪ ،‬مراحله ومخاطره‪.‬‬

‫‪ .8‬ترجمة كتاب نشوب َّ‬

‫الثور َة المسلحة‪ ،‬دروس من الفيت كونغ وصولا ً إلى الدولة الإسلامية‪،‬‬

‫تأليف سيث جونز‪َ .‬‬

‫‪ .9‬ترجمةكتاب تكتيكات طالبان جنوب أفغانستان بين ‪ 2005‬و‪ ،2008‬تأليف كارتر مالكاسيان‬

‫وجيري مييرلي‪.‬‬

‫‪ .10‬ت رجمة كتاب الجانب الآخر من الجبل‪ ،‬تكتيكات المجاهدين في الحرب الأفغانية السوفييتية‪،‬‬

‫تألف أحمد جلالي ولستر غراو‪.‬‬

‫‪ .11‬ترجمة كتاب مكافحة الانقلاب‪ ،‬لج ين شارب وبروس جينكيز‪.‬‬

‫يمكنك الاطلاع على أرشيف المركز أو التواصل معنا على المواقع الرسمية التالية‪:‬‬

‫الويب‪َ )/https://alkhattabirw.com( :‬‬ ‫•‬

‫الفايسبوك‪َ )http://fb.me/alkhattabirw1( :‬‬ ‫•‬

‫التو يتر‪َ )https://twitter.com/alkhattabirw( :‬‬ ‫•‬

‫التلغرام‪َ )https://t.me/alkhattabirw( :‬‬ ‫•‬

‫‪372‬‬
373
374