You are on page 1of 62

‫كشف املستور عن حكم فك السحر بسحر عن املسحور‬

‫جنالء بنت عبداهلل احلريب‬


‫املقدمة‬
‫إن احلمد هلل حنمده‪ ،‬ونستعينه ونستغفره ونستهديه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده‬
‫ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممًد ا عبده ورسوله‪ ،‬أرسله بني يدي الساعة بشًريا ونذيًر ا‪ ،‬وداعًيا‬
‫إىل اهلل بإذنه وسراًج ا منًريا‪َ .‬ص ِّل اللهم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليًم ا كثًريا‪.‬‬
‫{يا َأُّيَه ا اَّلِذيَن َءاَم ُنوا اَّتُقوا اَهلل َح َّق ُتَق اِتِه َو اَل ُمَتوُتَّن ِإاَّل َو َأنُتم ُّم ْس ِلُم وَن } [آل عمران‪.]102 :‬‬
‫{يا َأُّيَه ا الَّناُس اَّتُقوا َر َّبُك ُم الَِّذي َخ َلَق ُك م ِّم ن َّنْف ٍس َو اِح َد ٍة َو َخ َلَق ِم ْنَه ا َز ْو َجَه ا َو َبَّث ِم ْنُه َم ا‬
‫ِر َج ااًل َك ِثًريا َو ِنَس آًء َو اَّتُقوا اَهلل اَّلِذي َتسآَءُلوَن ِبِه واَألْر َح اَم ِإَّن اَهلل َك اَن َعَلْيُك ْم َر ِقيبًا} [النساء‪:‬‬
‫‪.]1‬‬
‫ِف‬ ‫ِل‬ ‫ِد‬ ‫َّلِذ‬
‫{يا َأُّيَه ا ا يَن َءاَم ُنوا اَّتُقوا اَهلل َو ُقوُلوا َقْو اًل َس يًد ا * ُيْص ْح َلُك ْم َأْع َم اَلُك ْم َو َيْغ ْر َلُك ْم ُذُنوَبُك ْم‬
‫َو َم ن ُيِط ِع اَهلل َو َرُس وَلُه َفَقْد َفاَز َفْو ًز ا َعِظ يًم ا} [األحزاب‪.]72-71 :‬‬

‫أما بعد‬
‫اعلم ‪-‬رمحك اهلل‪ -‬أن العبد يف دنياه تعرتضه االبتالءاُت ؛ اختباًر ا من اهلل وامتحاًنا‪ ,‬فتواجهه‬
‫فٌنت من شهوات وشبهات‪ ،‬أو تلم به اآلالم من أمراض وأحزان‪ ,‬ليمحص أهل التقوى‬
‫واإلميان‪ ,‬فيغتنم ذلك الشيطاُن ‪ ،‬ويتسلط على العبد إن وافق ووجد ضعف أثر الدين يف نفسه‪،‬‬
‫فيوسوس له بتتبع الرخص‪ ،‬ويصورها له وكأهنا بر األمان‪ ,‬ويزين له الفتاوى الشاذة اليت ليس‬
‫عليها من اهلل برهان‪ ,‬لكن من كان قلبه مشرًبا اإلميان‪ ,‬منقاًدا لرب األنام جبميل العرفان‪,‬‬
‫مذعًنا حلكم اهلل عز وجل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم‪َ ،‬و ّقاًفا عند حدودمها‪ ،‬عارًفا باحلالل‬
‫واحلرام‪ ،‬منقاًدا لإلسالم غري مضطرب اجلنان‪ ,‬فإنه يظل جبال شاًخما وال هتتز له أركان‪ ,‬وجتده‬
‫صابًر ا على ابتالء اهلل معاًجلا نفسه جبميل التوكل وعظيم الرجاء‪ ،‬وحمتسًبا ما أمل به عند اهلل‬
‫الكرمي املنان‪ ,‬ال يرجو من اخللق نفًعا‪ ،‬وال خيشى منهم ضًّر ا‪ ،‬فتعلقه باهلل ورجاؤه له هو سلوة‬
‫القلب له وهبجة اخلاطر واألمل الذي ال ينقطع ما دام الزمان‪َ ،‬أْيًس ا مبا عند الناس؛ ال يسأل‬
‫فالًنا وال فالًنا‪ ،‬ولسان حاله يقول‪:‬‬
‫يا مـن ألـوُذ به فيما أؤمـُله = ومـن أعوُذ به مـما أحاذُر ه‬
‫ال جيُرب الناُس عظًم ا أنت كاسُر ه = وال َيِه يضون عظًم ا أنت جابُر ه‬
‫وبعد‪...‬‬
‫قال تعاىل‪ِ{ :‬إْن ْجَتَتِنُبوا َك َباِئَر َم ا ُتْنَه ْو َن َعْنُه ُنَك ِّف ْر َعنُك ْم َس ِّيَئاِتُك ْم َو ُنْد ِخ ْلُك م مُّْد َخ اًل َك ِر ًميا}‬
‫[النساء‪ ،]31 :‬فتبني أن السالمة من الكبائر من مهمات الدين‪.‬‬
‫وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‪ ،‬وإذا هنيتكم‬
‫عن شيء فاجتنبوه)‪ ،‬قال أبو بكر السيوطي على احلديث‪ :‬ومن مث سومح يف ترك بعض‬
‫الواجبات بأدىن مشقة‪ ،‬ومل يسامح يف اإلقدام على املنهيات وخصوصًا الكبائر‪.‬‬
‫ويقول حذيفة بن اليمان رضي اهلل عنه‪" :‬كان الناس يسألون رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫عن اخلري‪ ،‬وكنت أسأله عن الشر خمافة أن يدركين" [رواه البخاري ومسلم وغريمها]‪.‬‬
‫وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬اجتنبوا السبع املوبقات‪ :‬الشرك باهلل والسحر‪ ،)...‬رواه‬
‫البخاري ومسلم وغريمها‪.‬‬
‫ِإ َّلِذ‬
‫والسحر من كبائر الذنوب‪ ،‬وقد قرنه اهلل عز وجل بالشرك؛ قال تعاىل‪َ{ :‬أْمَل َتَر ىَل ا يَن‬
‫ِم‬ ‫ِء‬ ‫ِل ِذ‬ ‫ِت‬ ‫ِك ِب ِم ِب ِجْل ِت‬ ‫ِص‬
‫ُأوُتوا َن يًبا مَِّن اْل َتا ُيْؤ ُنوَن ا ْب َو الَّطاُغو َو َيُقوُلوَن َّل يَن َك َف ُر وا َهُؤ اَل َأْه َد ى َن‬
‫اَّلِذيَن َآَم ُنوا َس ِبياًل ُأوَلِئَك اَّلِذيَن َلَعَنُه ُم الَّلُه َو َم ن َيْلَعِن الَّلُه َفَلن ِجَت َد َلُه َنِص ًريا} [النساء‪-50 :‬‬
‫‪ ،]51‬ومعىن اجلبت أي السحر‪ ,‬وإن مسألة التداوي بالسحر أو ما يسـمـى بالنشرة املمنوعة‬
‫صفوة علماء السلف واخللف باإلنكار بناء على الدليل‪ .‬يف حني ترتدد اآلن يف‬ ‫ُ‬ ‫مسألة قابلها‬
‫األوساط االجتماعية فتوى شاذة‪ ،‬يفرح هبا متصيدو الفتاوى ومتتبعو الرخص‪ ،‬رجح فيها‬
‫صاحبها جواز التداوي بالسحر للمسحور‪ ،‬وذلك بناء على تومهات واستنباطات عقلية‬
‫معارضة للدين‪ ،‬واعتمادًا على عبارات من أقوال السلف بعضها ثابت وبعضها حيتمل أكثر من‬
‫معىن‪.‬‬

‫وحجج اجمليزين قدميًا وحديثًا قد استوقفتين‪ ،‬وحرت يف اجلواب عنها يف بادئ األمر‪ ،‬لكن‬
‫اتضح بالربهان بعد البحث أن االحتجاج هبا باطل‪ ،‬وردها متيسر ألدىن من يطلب العلم‪ ,‬بل‬
‫إنه ال يستساغ طرحها من بعضهم ملكانته العلمية‪ ,‬فال خيفى على ذوي العلم والعقل الرشيد‬
‫بطالن استدالالهتم وعدم هنوضها إلثبات الإذن‪ ،‬مع وفرة األدلة اليت تدحض هذه الفكرة نقال‬
‫ُ‬
‫وعقال وتقتلعها من جذورها؛ ألن الضابط ‪-‬واحلمد هلل‪ -‬واضح‪ ،‬وخطوط احلرام وعالماته‬
‫بارزة لكل متبصر يف أحكام الدين‪ ......‬إن السحر حرام باإلمجاع‪ ،‬بل هو من الكبائر‬
‫واملهلكات التي تردي صاحبها يف النار إن مل يتب‪.‬‬
‫فالنشرة السحرية باطلة لعلة مالزمة هلا‪ ،‬وهي السحر الذي هو وسيلة كفرية ممنوعة يف‬
‫الشرع؛ قال احلنابلة‪ :‬إن عاد النهي لوصف مالزم فإنه باطل‪ .‬واحلكم العام يف السحر وإتيان‬
‫السحرة الذي ثبت بالنصوص العامة الشرعية باقٍ على عمومه النتفاء القرينة الصحيحة الثابتة‬
‫اليت تنقله عن العموم‪...‬‬

‫فهذا حبث دونت فيه مُج لة مآخذي على جميزي النشرة السحرية‪ ،‬بعد حصر حججهم‬
‫لست أهال لذلك‪ ،‬وال ممن ينتصب هلذه‬
‫ُ‬ ‫واستدالالهتم والبحث يف صحتها‪ ،‬وإن كنت‬
‫املهام‪ ...‬ولله احلمد ريب الذي شرح صدري لذلك‪ ،‬ال سيما وأين قد شغلت هبذه الفتوى اليت‬
‫أراها متس العقيدة وأدت لتساهل الناس يف الذهاب للسحرة واللجوء إليهم‪ ..‬فإن أصبت احلق‬
‫فمن اهلل وحده له احلمد والفضل أوال وآخرًا‪ ،‬واخلطأ أعزوه لنفسي والشيطان‪.‬‬

‫وقد جعلت البحث يف ثالثة أبواب‪:‬‬


‫الباب األول‪ :‬واقع السحر‬
‫الباب الثاين‪ :‬عالج املسحور‬
‫الباب الثالث‪ :‬رد حجج واستدالالت جميزي فك السحر بسحر مثله‬

‫مفاتيح للخري‬
‫َ‬ ‫أسأل اهلل جل وعال أن يعصمين وإياهم من مضالت الفنت‪ ,‬وأن جيعلنا وإياهم‬
‫مغاليق للشر‪ ,‬ممن يستنون ويهتدون هبدي حممد صلى اهلل عليه وسلم‪ ,‬ومن دعاة اهلدى ال من‬
‫َ‬
‫دعاة الضاللة‪ ,‬إنه قريب جميب الدعاء‪.‬‬
‫الباب األول‬
‫( واقع السحر )‬

‫تاريخ ظهور السحر‬


‫إن السحر بعيد الغور يف احلياة البشرية‪ ،‬وال خيلو أي عصر من العصور إال وجتد بصمات‬
‫السحر تكمن فيه ظاهرة جلية‪ ,‬قال تعاىل‪َ{ :‬ك َذ ِلَك َم ا َأَتى اَّلِذيَن ِم ن َقْبِلِه ْم ِم ن رَُّس وٍل ِإاَّل‬
‫َقاُلوا َس اِح ٌر َأْو ْجَمُنوٌن } [الذاريات‪ ،]52 :‬وهذا يدل على أن كل األمم السابقة قد عايشت‬
‫السحر وعرفته‪.‬‬
‫ومن أقدم األمم اليت فشا فيها السحُر وذاع (أهل بابل)‪ ،‬وهي مدينة عراقية أهلها الكلدانيون‬
‫من النبط والسريانيون‪ ،‬وهم قوم صابئون يعبدون الكواكب السبعة‪ ،‬ويسموهنا آهلة‪ ،‬ويعتقدون‬
‫أهنا الفعالة لكل ما يف العامل‪ ،‬وعملوا هلا أوثانًا على أمسائها‪ ،‬ولكل واحد منهم هيكل فيه‬
‫صنمه يتقرب إليه مبا يوافقه بزعمهم من أدعية وخبور‪ ،‬وكانت علومهم يف النجوم‪،‬‬
‫ويستعملون سائر وجوه السحر‪ ،‬وينسبوهنا إىل فعل الكواكب؛ لئال يبحث عنها وينكشف‬
‫متويههم‪ ،1‬وأول ظهوره لديهم كان بطريق امللكني اللذين بعثهما اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬لتعليم‬
‫السحر ملن أراده‪ ,‬اختباًر ا من اهلل هلم‪ ،‬ومها هاروت وماروت‪ ،‬ومع ذلك فهما حيذران من أراد‬
‫تعلم السحر قبل الوقوع فيه‪ ،‬فيقوالن له‪ :‬ال تكفر‪ ،‬أي ال تأخذ السحر؛ ألنه كفر‪ ،‬كما‬
‫حكاه اهلل يف كتابه‪ُ{ :‬يَعلُم وَن الَّناَس السْح َر َو َم آ ُأنِز َل َعَلى اْلَم َلَك ِنْي ِبَباِبَل َه اُر وَت َو َم اُر وَت‬
‫َو َم ا ُيَعلَم اِن ِم ْن َأَح ٍد َح ىَّت ٰ َيُقوَال ِإَمَّنا ْحَنُن ِفْتَنٌة َفَال َتْك ُف ْر } [البقرة‪ ،]102 :‬وظل السحر مسة‬
‫فارقة ومميزة ألهل بابل يف العراق على مر العصور‪ ,‬قال كعب األحبار لعمر بن اخلطاب ملا‬
‫أراد أن خيرج للعراق‪َ :‬ال ْخَتُر ْج ِإَلْيَه ا َيا َأِم َري ا ْؤ ِمِنَني ؛ َفِإن هِب ا ِتْس َعَة َأْعَش اٍر الِّس ْح ِر ‪َ ،‬و َهِبا َفَس َق ةُ‬
‫ُمل‬
‫اِجلِّن ‪َ ،‬و َهِبا الداُء الُعَض اُل ‪ .‬رواه اإلمام مالك‪.‬‬
‫مث بعد قصة هاروت وماروت جاء عصر أول الرسل نوح عليه السالم؛ قال ابن حجر‪" :‬وقصة‬
‫هاروت وماروت كانت من قبل زمن نوح عليه السالم على ما ذكر ابن إسحاق وغريه"‪،‬‬
‫ِح‬ ‫ٍل ِإ‬ ‫ِذ ِم ِل ِم‬ ‫ِل‬
‫ويدل عموم قوله تعاىل‪َ{ :‬ك َذ َك َم ا َأَتى اَّل يَن ْن َقْب ِه ْم ْن َرُس و اَّل َقاُلوا َس ا ٌر َأْو‬
‫ْجَمُنوٌن } [الذاريات‪ ]52 :‬أن كل الأقوام زعموا أن نبيهم الذي جاءهم ساحر‪ ،‬وال شك أن‬

‫‪ 1‬أبو عبد هللا الرازي‪ ,‬أحكام القرآن‪ .‬ص ‪ ,43‬م ‪1‬‬


‫قوم نوح قالوا هذه املقالة وواجهوا هبا نيب اهلل نوحًا عليه السالم‪ ،‬وهذا يدل على وجود‬
‫السحر يف عصرهم‪.‬‬
‫وأهل فارس كان بداية أمرهم على التوحيد‪ ،‬إىل أن استولوا على أرض بابل ففشا عندهم‬
‫السحر‪ ،‬فاستعانوا بالطالسم الستحضار الكواكب لقضاء حاجاهتم واستطالع الغيبيات‪.‬‬
‫وقوم فرعون ‪-‬وهم القبطيون‪ -‬كانوا خيلطون األدوية الطبية بالعزائم الشركية للشفاء من‬
‫األمراض‪ ،‬ويتلون العزائم الشركية عند حتضري املوتى لالنتقال للعامل اآلخر‪ ،‬فإجراءات التحنيط‬
‫مبلغا عظيما يف َأَّياِم (َدُلوَك ا) َم ِلَك ة‬ ‫ارتباطا وثيقًا‪ .‬وبلغ السحر ً‬ ‫ً‬ ‫والدفن كانت مرتبطة بالسحر‬
‫ِم ْص َر َبْع َد ِفْر َعْو َن ‪ ،‬فوََض ُعوا الِّس ْح َر يِف اْلَبَر ايِب (وهي بيوت حكمة القبط جيلس فيها الكاهن‬
‫ٍء‬ ‫ِف ِه ِك‬
‫على كرسي من ذهب) َو َص َّو ُر وا ي َعَس ا َر الُّد ْنَيا‪َ ،‬فَأُّي َعْس َك ٍر َقَص َد ُه ْم ‪َ ،‬و َأُّي َش ْي َفَعُلوُه‬
‫َخَتَّي َذِلَك اَجْلْيَش اْلُم َص َّو َر َأْو ِر َج اَلُه ‪ِ-‬م ْن َقْلِع اَأْلْع ِنُي َأْو َض ْر ِب الِّرَقاِب ‪َ -‬و َقَع ِبَذ ِلَك اْلَعْس َك ِر‬
‫َل‬
‫يِف َمْو ِضِعِه‪َ ،‬فُتَح اِش يِه ْم اْلَعَس اِكُر ‪َ ،‬فَأَقاُموا ِس َّتِم اَئِة َس َنًة َو الِّنَس اُء ُه َّن اْلُم ُلوُك َو اُأْلَم َر اُء ِمِبْص َر َبْع َد‬
‫َغَر ِق ِفْر َعْو َن َو ُجُيوِش ِه‪َ ،‬ك َذ ِلَك َح َك اُه اْلُم َؤ ِّر ُخ وَن‬
‫‪1‬‬

‫وأما أهل اهلند فحسبنا أن نعلم أن أحد أسفار الفيدا األربعة وهو سفر أترافا خمصص ملعرفة‬
‫‪2‬‬
‫الرقى والسحر‪ .‬والفيدا هو الكتاب املقدس لدى اهلندوس‬

‫ويف بالد الإغريق حنا اليونانيون هذا املنحى من االعتقاد بتأثري الرقى الشركية والعزائم‬
‫والطالسم يف حياة البشر‪ ،‬فألفوا فيه الكتب ودرسوا علم النجوم‪.‬‬
‫واليهود بلغ فيهم األمر إىل ترك الشرعة املنزلة واتباع السحر؛ قال اهلل فيهم يف سورة البقرة‪:‬‬
‫ِك ِك‬ ‫ِذ‬ ‫ِع ِد ِه‬
‫{َو َلَّم آ َج آَءُه ْم َرُس وٌل مِّْن ن الَّل ُمَص ِّدٌق لَِم ا َمَعُه ْم َنَبَذ َفِر يٌق مَِّن اَّل يَن ُأوُتوْا اْل َتاَب َتاَب‬
‫الَّلِه َو َر آَء ُظُه وِر ِه ْم َك َأَّنُه ْم َال َيْع َلُم وَن َو اَّتَبُعوْا َم ا َتْتُلوْا الَّش َياِط ُني َعَلٰى ُمْلِك ُس َلْيَم اَن ‪}..‬‬
‫[البقرة‪ ،]102 :‬ونسبت اليهود السحر إىل نيب اهلل سليمان عليه السالم‪ ،‬وتنكر أن يكون‬
‫سليمان نبيا مرسال‪ ،‬بل يزعمون أنه ساحر انقادت له اجلن واإلنس والطري والريح بأخذه‬
‫للسحر‪ ،‬فنزلت تربئته من هذه الفرية يف القرآن الكرمي؛ قال تعاىل‪َ{ :‬و َم ا َك َف َر ُس َلْيَم اُن َو َلِكَّن‬
‫الَّش َياِط َني َك َف ُر وا ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر } [البقرة‪.]102 :‬‬

‫‪ 1‬شهاب الدين القرافي‪ ،‬كتاب أنوار البروق في أنواع الفروق‪ ,‬الفرق ‪.242‬‬
‫‪ 2‬عالم السحر والشعوذة‪ ،‬د‪ .‬عمر سليمان األشقر‪.‬‬
‫واختلف يف املراد باآلية؛ فقيل‪ :‬إن سليمان كان مجع كتب السحر والكهانة فدفنها حتت‬
‫كرسيه‪ ،‬فلم يكن أحد من الشياطني يستطيع أن يدنو من الكرسي‪ ،‬فلما مات سليمان‬
‫وذهبت العلماء الذين يعرفون األمر‪ ،‬جاءهم شيطان يف صورة إنسان فقال لليهود‪ :‬هل أدلكم‬
‫على كنز ال نظري له؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فاحفروا حتت الكرسي‪ ،‬فحفروا ‪-‬وهو متنح عنهم‪-‬‬
‫فوجدوا تلك الكتب‪ ،‬فقال هلم‪ :‬إن سليمان كان يضبط الإنس واجلن هبذا‪ ،‬ففشا فيهم أن‬
‫سليمان كان ساحرًا‪ ،‬فلما نزل القرآن بذكر سليمان يف األنبياء أنكرت اليهود ذلك وقالوا‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫إمنا كان ساحرًا ا‪.‬هـ‬

‫تعريف السحر‬
‫السحُر لغةً اُألْخ َذ ُة‪ ،‬وكُّل ما َلُطَف َم ْأَخ ُذ ه َو َدَّق فهو ِس ْح ٌر ‪ ،‬والـجمع َأسحار وُسُح وٌر ‪ ،‬وَأصل‬
‫الِّس ْح ر‪َ :‬ص ْر ُف الشيء عن حقـيقته ِإلـى غريه‪ ،‬فكَأَّن الساحر لـما َأَر ى الباطَل فـي صورة الـحق‬
‫وَخ َّيَل الشيَء علـى غري حقـيقته قد سحر الشيء عن وجهه َأي صرفه‪ ،‬وقال الفراء فـي قوله‬
‫تعالـى‪َ{ :‬فَأىّن ُتْس َح ُر ونَ} معناه َفَأىَّن ُتْص َر فون؛ وقال يونس‪ :‬تقول العرب للرجل‪ :‬ما َسَح َر ك‬
‫‪2‬‬
‫عن وجه كذا وكذا؟ َأي ما صرفك عنه؟‬

‫اصطالحا بناء على اختالف العلماء فيه من حيث‪ :‬هل‬


‫ً‬ ‫اصطالحا‪ :‬اختلفت تعريفات السحر‬
‫ً‬ ‫و‬
‫هو حقيقة هلا تأثري؟ أو أنه جمرد خياالت ال حقيقة هلا؟ فتباينت التعريفات وافرتقت بناء على‬
‫معا؛ فمنه ما هو حقيقة وله تأثري حسي‬‫هذا اخلالف‪ ،‬والصواب أن السحر يشمل األمرين ً‬
‫على األبدان واحملسوسات‪ ،‬ومنه ما هو ختييل‪.‬‬
‫عرفه الرازي مبا هو ختييل فقال‪" :‬اعلم أن لفظ السحر يف عرف الشرع خمتص بكل أمر خفي‬
‫سببه‪ ،‬ويتخيل على غري حقيقته‪ ،‬وجيري جمرى التمويه واخلدع؛ قال تعاىل‪( :‬سحروا أعني‬
‫‪3‬‬
‫الناس)"‬
‫وعرفه ابن قدامة مبا هو حقيقة فقال‪ :‬هو عقد ورقى وكالم يتكلم به أو يكتبه أو يعمل شيًئا‬
‫يؤثر يف بدن املسحور أو قلبه أو عقله من غري مباشرة له‪ ،‬وله حقيقة؛ فمنه ما يقتل وما‬
‫ابن حجر العسقالني‪ ,‬فتح الباري‪ ( ,‬م‪ ,10/‬ص‪)234 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن منظور‪ ,‬لسان العرب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اإلمام الرازي‪ ,‬أحكام السحر والسحرة في القرآن والسنة‪ ,‬ص‪.10/‬‬ ‫‪3‬‬


‫ميرض وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها‪ ،‬ومنه ما يفرق بني املرء وزوجه‪ ،‬وما يبغض‬
‫أحدمها إىل اآلخر أو حيبب بني اثنني‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫فقصر السحر على ذكر نوع منه‬
‫وعرفه أحد العلماء املعاصرين تعريًف ا مجع فيه القسمني فقال‪" :‬هو عبارة عن أمور دقيقة موغلة‬
‫يف اخلفاء‪ ،‬ميكن اكتساهبا بالتعلم‪ ،‬تشبه اخلارق للعادة وليس فيها حتد‪ ،‬أو جتري جمرى التمويه‬
‫‪2‬‬
‫واخلداع تصدر من نفس شريرة تؤثر يف عامل العناصر بغري مباشرة أو مبباشرة"‬

‫هل للسحر أنواع تتباين يف ماهيتها‪ ،‬وتبعًا هلذا التباين هل يفرتق احلكم؟‬
‫اعلم أن أنواع السحر اليت عددها أهل العمل ال خترج عن هذه األقسام الثالثة‪:‬‬
‫‪ -1‬السحر احلقيقي‬
‫‪ -2‬السحر التخيلي‬
‫(وهذان ال يتمان إال بالكفر والعبودية للشيطان)‪.‬‬
‫‪ -3‬السحر اجملازي‬

‫القسم األول‪ :‬السحر احلقيقي‪-:‬‬


‫وهو كل سحر كان له أثر حقيقي وملموس يف اخلارج‪ ،‬وأنواعه كما يلي‪-:‬‬
‫النوع األول‪ :‬ما يكون بغري معني خارجي‪:‬‬
‫بل هبمة النفس وقوهتا وقدراهتا الروحية‪ ،‬وهو سحر أصحاب األوهام والنفوس القوية اخلبيثة‬
‫الفاسدة ‪ ،3‬وبناًء عليه يقوم الساحر بأقوال وأفعال خمصوصة تقوي النفس حىت تؤثر يف‬
‫اآلخرين بقدرة اهلل تعاىل‪ .‬وال بد هلم لتحقيق ذلك من رياضيات بليغة واجتهادات وجماهدات‬
‫عسرية؛ كتقليل الغذاء‪ ،‬واالنقطاع عن الناس وغريها‪.‬‬
‫َو ِم ْن َخ َو اِّص الُّنُف وِس َم ا َيْق ُتُل؛ َفِف ي اِهْلْنِد َمَجاَعٌة إَذا َو َّج ُه وا َأْنُف َس ُه ْم ِلَقْتِل َش ْخ ٍص َم اَت ‪َ ،‬و ُيَش ُّق‬
‫ْد َفاَل و ُد ِفيِه ْل ‪ ،‬ا و ِم ْد ِرِه ِباِهْلَّم ِة اْل ِم َّو ِة الَّنْف ِس ‪ َ ،‬وَن ِبالُّر َّم اِن‬
‫َو َجُيّر ُب‬ ‫َو َعْز َو ُق‬ ‫َق ُبُه َبْل ْنَتَز ُع ُه ْن َص‬ ‫َص ُر ُه ُي َج‬

‫‪ 1‬المغني البن قدامة المقدسي‪ ,‬ص‪ ,150‬م‪8/‬‬


‫‪ 2‬حقيقة السحر وحكمه في اإلسالم‪ ،‬الدكتور عواد بن عبد هللا المعتق‪ ,‬ص‪/‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪ 3‬أبو عبد هللا الرازي‪ ,‬التفسير الكبير‪( ,‬م‪, 3/‬ص‪)208‬‬
‫اُّص الُّنُف وِس َك ِث ٌة اَل ُّد اَل ْحُت ى‪ِ ،‬إَل ِه‬ ‫ِف ِه‬ ‫ِه‬
‫َري ُتَع َو َص َو ْي‬ ‫َفَيْج َم ُعوَن َعَلْي َمِهَم ُه ْم َفاَل ُتوَج ُد ي َح َّبٌة‪َ ،‬و َخ َو‬
‫ِد ِن َّذ ِب ِف ِة ِد‬ ‫ِد‬ ‫ِب ِلِه ِه‬ ‫ِرْي ِه ِإْل‬
‫َمَع َغ ا َش اَر ُة َق ْو َعَلْي الَّس اَل ُم‪( :‬الَّناُس َمَعا ُن َك َم َعا ال َه َو اْل َّض ) اَحْل يَث ‪َ ،‬و َلْيَس‬
‫ُك ُّل َأَح ٍد ُيْؤ ِذي ِباْلَعِنْي ‪َ ،‬اَّلِذي ُيْؤ ُذوَن َهِبا ْخَتَتِلُف َأْح اُهُلْم ؛ َفِم ْنُه ْم َمْن َيِص يُد ِباْلَعِنْي الَّطْي يِف‬
‫َر‬ ‫َو‬ ‫َو َن‬
‫‪1‬‬ ‫ِظ‬
‫اَهْلَو ى َو َيْق َلُع الَّش َج َر اْلَع يَم‬
‫وقدره بالنفس)‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قضاء ِ‬
‫اهلل‬ ‫وقد أخرج البزار بسند حسن عن جابر رفعه (أكثرُ من ميوت بعد ِ‬
‫قال الراوي‪ :‬يعين بالعني‪.‬‬
‫ومعلوم أن النفوس اخلبيثة هلا آثار بإذن اهلل تعاىل‪ ،‬ومن أصرح األدلة الشرعية يف ذلك قوله‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬العني حق‪ ،‬ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العني)‪ ،‬وهذا احلديث‬
‫الصحيح يدل على أن مهة العائن وقوة نفسه يف الشر جعلها اهلل سبًبا للتأثري يف املصاب بالعني‬
‫‪2‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬هو السحر الذي يستعان عليه مبعني خارجي‪:‬‬


‫أوال‪ :‬االستعانة باألرواح األرضية‪ ،‬وهم الشياطني من اجلن‪ ،‬واتصال النفوس الناطقة هبا أسهل‬
‫من اتصاهلا باألرواح السماوية؛ ملا بينها من املناسبة والقرب‪ ،‬مث إن أصحاب الصنعة وأرباب‬
‫التجربة شاهدوا أن االتصال هبذه األرواح األرضية حيصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى‬
‫‪3‬‬
‫والدخن والتجريد‬
‫فيقوم الساحر بتسخري اجلن‪ ،‬ويعزم عليهم بالعزائم؛ ليطيعوه‪ ،‬ويتقرب هلم مبا حيبونه من الكفر‬
‫والشرك‪ ،‬فيقضوا له أغراضه‪ ،‬فقد يكتب الساحر كالم اهلل بالنجاسات أو يكتبه مقلوبًا وغري‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬االستعانة بروحانيات الكواكب واألفالك واألجرام السماوية كما يزعمون‪ ،‬ويدخل من‬
‫ضمنه أنواع عدة‪:‬‬
‫‪ -‬سحر الكلدانيني والكشدانيني‪ ،‬الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة املتحرية‪ ،‬وهي‬
‫السيارة‪ ،‬وكانوا يعتقدون أهنا مدبرة العامل‪ ،‬وأهنا تأيت باخلري والشر ‪ ،4‬وهو سحر أهل بابل‬
‫الذين بعث اهلل هلم إبراهيم عليه السالم رادًّا على ادعاءاهتم‪ ،‬وداحضًا لشبهاهتم‪ ،‬وهم يزعمون‬
‫‪ 1‬شهاب الدين القرافي‪ ,‬كتاب أنوار البروق في أنواع الفروق‪ ,‬الفرق‪242‬‬
‫‪ 2‬محمد األمين الشنقيطي‪ ,‬أضواء البيان‪( ,‬م‪ ,4/‬ص‪)445/‬‬
‫‪ 3‬أبو عبد هللا الرازي‪ ,‬التفسير الكبير‪( ،‬م‪ ,3/‬ص‪)211/‬‬
‫‪ 4‬أبو عبد هللا الرازي‪ ,‬التفسير الكبير‪( ،‬م‪ ,3/‬ص‪)211/‬‬
‫أن الكواكب السبعة هي املدبرة للكون واملتصرفة فيه‪ ،‬ومنها تصدر اخلريات والشر والسعادة‬
‫خاصا‪ ،‬وينحرون هلا األنعام‪ ،‬وصوروا هلا متاثيل ومسوها بأمساء‬
‫والنحوس‪ ،‬فيلبسون هلا لباسًا ًّ‬
‫الكواكب؛ فالساحر يف هذا النوع يعبد الكواكب ويعتقد تصرفها يف العامل‪.‬‬

‫‪ -‬ومنه الطالسم‪َ :‬و َح ِق يَق ُتَه ا َنْف َأَمْساٍء َخ اَّصٍة َهَلا َتَعُّلٌق باألفالِك َو اْلَك َو اِكِب َعَلى َزْع ِم َأْه ِل‬
‫ُس‬
‫َه َذ ا اْلِعْلِم ‪ ،‬يِف َأْج َس اٍم ِم َن اْلَم َعاِد ِن َأْو َغِرْي َه ا‪ْ ،‬حَتُدُث َهَلا آَثاٌر َخ اَّصٌة ُر ِبَطْت َهِبا يِف َجَماِر ي‬
‫اْل اَداِت ‪َ ،‬فاَل َّد يِف الطلسِم ِم ِذِه الَّثاَل َثِة اَأْلَمْساِء اْل ْخ و ِة ُّلِق ا ِب ِض َأ اِء اْلَف َلِك‬
‫َم ُص َص َو َتَع َه َبْع ْجَز‬ ‫ْن َه‬ ‫ُب‬ ‫َع‬
‫ِل‬ ‫ِذِه‬ ‫ِل ِم ِة ٍس‬ ‫ِم‬ ‫ِل ا يِف ِج ٍم ِم‬
‫ْس َن اَأْلْج َس ا ‪َ ،‬و اَل ُبَّد َمَع َذ َك ْن ُقَّو َنْف خاصة َهِل اَأْلْع َم ا ‪َ ،‬فَلْيَس‬ ‫َو َج ْع َه‬
‫ِل‬
‫ُك ُّل الُّنُف وِس ْجَمُبوَلًة َعَلى َذ َك‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬ومنه‪ :‬النظر يف حركات األفالك والنجوم ودوراهنا وطلوعها وغروهبا واقرتاهنا وافرتاقها‪ ،‬مع‬
‫اعتقاد أن لكل جنم تأثريًا من ضرر أو نفع عند انفرادها أو افرتاقها؛ من غالء األسعار أو‬
‫وقوع احلوادث‪ ،‬ومنه االستقاء باألنواء ‪.2‬‬
‫قال الرسول صلى هلل عليه وسلم‪( :‬من اقتبس شعبة من النجوم‪ ،‬فقد اقتبس شعبة من السحر‪،‬‬
‫زاد ما زاد) رواه أبو داود‪.‬‬
‫وعن َز ْيِد بِن َخ اِلدٍ اُجْلَه ِّيِن ‪ ،‬أَّنُه قاَل ‪َ« :‬ص َّلى َلَنا َرُس وُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم َص َالَة الُّصْبِح‬
‫باُحْلَد ْيِبَيِة يِف إْثِر َمَساِء َك اَنْت ِم َن الَّلْيِل ‪َ ،‬فَلَّم ا اْنَص َر َف أْقَبَل َعَلى الَّناِس َفَق اَل ‪َ :‬ه ْل َتْد ُر وَن َم اَذا‬
‫ِف‬ ‫ِم‬ ‫ِم ِع ِد‬
‫قاَل َر ُّبُك ْم ؟ قاُلوا‪ :‬اهلل َو َرُس وُلُه أْع َلُم‪ .‬قاَل ‪ :‬قاَل ‪ :‬أْص َبَح ْن َبا ي ُمْؤ ٌن يِب َو كا ٌر ؛ َفَأَّم ا َمْن‬
‫قاَل ‪ِ :‬ط َنا ِب ِل اهلل ِب ِتِه‪ ،‬فذلكَ ِم يِب كاِف ِباْلَك اَك ِب ‪ ،‬أَّم ا قاَل ‪ِ :‬ط َنا ِب ِء‬
‫ُم ْر َنْو‬ ‫َو َمْن‬ ‫ٌر ْو‬ ‫ُمْؤ ٌن‬ ‫َو َر َمْح‬ ‫ُم ْر َفْض‬
‫َك َذ ا َو َك َذ ا‪ ،‬فذلَِك كاِفٌر يِب ُمْؤ ِم ٌن ِباْلَك َو اَك ِب »‪ ،‬رواه أبو داود‬

‫‪ -‬ومنه النظر يف منازل القمر الثمانية والعشرين‪ ،‬مع اعتقاد التأثريات يف اقرتان القمر بكل منها‬
‫‪3‬‬
‫أو مفارقته؛ من سعادة أو حنوس‪ ،‬وهذا ادعاء لعلم الغيب‬

‫‪ 1‬القرافي‪ ,‬أنوار البروق في أنواع الفروق‪ ,‬الفرق‪242‬‬


‫‪ 2‬معارج القبول‪ ،‬لحافظ الحكمي‪ .‬م‪ .1‬ص‪376/‬‬
‫‪ 3‬معارج القبول‪ ،‬لحافظ الحكمي‪ .‬م‪ .1‬ص‪377/‬‬
‫‪ -‬ومنه ما يفعله من يستخدم حروف (أجبد هوز)‪ ،‬وجيعل لكل حرف منها قدًر ا من العدد‬
‫معلوًم ا‪ ،‬وجيري على ذلك أمساء اآلدميني واألزمنة واألمكنة وغريها‪ ،‬وجيمع مجًعا معروًفا عنده‬
‫ويطرح طرًح ا خاًص ا‪ ،‬ويثبت إثباًتا خاًص ا‪ ،‬وينسبه إىل األبراج االثين عشر املعروفة عند أهل‬
‫احلساب‪ ،‬مث حيكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس وغريها مما يوحيه إليه الشيطان‪ ،‬وكثري‬
‫منهم يغري االسم من أجل ذلك‪ ،‬أو يفرق بني املرء وزوجته بذلك‪ ،‬بدعوى أهنم إن مجعهم‬
‫بيت ال يعيش أحدهم‪ ،‬وقد يتحكم بذلك يف الغيب؛ فيدعي أن هذا يولد له وهذا ال‪ ،‬وهذا‬
‫ذكر وهذا أنثى‪ ،‬وهذا يكون غنًيا وهذا يكون فقريا‪ ،‬أو غنيا أو وضيعا وحنو ذلك‪ .‬كأنه هو‬
‫الكاتب ذلك للجنني يف بطن أمه‪ ،‬ال واهلل ال يدريه امللك الذي يكتب حىت يسأل ربه‪ ،‬فكيف‬
‫هبذا الكاذب املفرتي؟ ويدعي أن ذلك بصناعة اخرتعها‪ ،‬وهذا من أعظم الشرك يف الربوبية‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ومن صدق به فقد كفر والعياذ باهلل‬

‫القسم الثاين ‪:‬السحر التخييلي‬


‫وهو أن يقوم الساحر بالسيطرة على القوى املتخيلة للشخص املسحور‪ ،‬فيتصرف فيها بنوع‬
‫س من الرائي‪ ،‬فينظر هلا الرائي‬
‫من التصرف‪ ،‬ويلقي فيها من اخلياالت والصور‪ ،‬مث ينزهلا إىل اِحل ّ‬
‫ببصره وكأهنا حقيقة يف اخلارج‪ ،‬وليس يف األصل شيء من ذلك‪ ،‬وينقل لنا ابن بطوطة عن‬
‫أوحد الدين السنجاري (أحد أهل العلم الذين كانوا ببالد الصني) أنه دخل على رجل عابد‬
‫يف غار‪ ،‬فأخذ ذلك العابد بيده‪ ,‬فخيل ألوحد الدين أنه يف قصر عظيم‪ ،‬وأن ذلك العابد‬
‫املبتدع قاعد فيه على سرير‪ ،‬وفوق رأسه تاج‪ ،‬وحوله الوصائف احلسان‪ ،‬والفواكه تتساقط يف‬
‫أهنار هناك‪ ،‬وختيل أوحد الدين أنه أخذ تفاحة ليأكلها‪ ،‬فإذا هو يف الغار بني يدي ذلك العابد‬
‫‪2‬‬
‫الضال وهو يضحك منه‬
‫ومثاله أن يقوم الساحر بتفريق أعضاء شخص آخر مث يعيدها‪ ،‬فالرائي يعتقد أن ذلك حصل‬
‫يف اخلارج‪ ،‬واحلقيقة أن الرائي واقع حتت تأثري السحر التخييلي‪ ،‬وما رآه جمرد خياالت أحدثها‬
‫له الساحر يف قواه املتخيلة‪ .‬فواهلل مل حيدث ال تقطيع وال جتميع‪ ،‬إمنا هو سحر ختييلي‪.‬‬

‫‪ 1‬معارج القبول‪ ،‬لحافظ الحكمي‪ .‬م‪ .1‬ص‪376/‬‬


‫‪ 2‬عالم السحر والشعوذة‪ .‬د‪ .‬عمر سليمان األشقر‪ .‬ص‪122/‬‬
‫ِض ٍة‬ ‫ِم‬ ‫ِع‬
‫‪ -‬ومنه السيمياء‪ :‬بكسر السني‪َ ،‬و ُه َو َباَر ٌة َعَّم ا ُيَر َّك ُب ْن َخ َو اَّص َأْر َّي ؛ َك ُد ْه ٍن َخ اٍّص ‪َ ،‬أْو‬
‫َم اِئَعاٍت َخ اَّصٍة‪َ ،‬أْو َك ِلَم اٍت َخ اَّصٍة ُتوِج ُب َخَتُّياَل ٍت َخ اَّصًة‪َ ،‬و ِإْد َر اَك اَحْلَو اِّس اَخْلْم ِس َأْو َبْع ضها‬
‫َحِلَق اِئَق ِم ْن اْلَم ْأُك واَل ِت َو اْلَم ْش ُم وَم اِت َو اْلُم ْبَص َر اِت َو اْلَم ْلُم وَس اِت َو اْلَمْسُم وَعاِت ‪َ ،‬و َقْد َيُك وُن‬
‫ِلَذ ِلَك ُو ُج وٌد َح ِق يِق ٌّي ؛ ْخَيُلُق الَّلُه ِتْلَك اَأْلْع َياَن ِعْنَد ِتْلَك اْلُم َح اَو اَل ِت ‪َ ،‬و َقْد اَل َتُك وُن َلُه َح ِق يَقٌة‬
‫َبْل َخَتُّيُل َص ْر ٍف ‪َ ،‬و َقْد َيْس َتْو يِل َذِلَك َعَلى اَأْلْو َه اِم َح ىَّت َيَتَخ َّيَل اْلَو ْه ُم ُمِض َّي الِّس ِنَني اْلُم َتَطاِو َلِة‪،‬‬
‫َو َيْس ُل اْلِف ْك الَّص ِح يَح ِباْلُك ِّلَّيِة‪َ ،‬و َتِص َأْح اُل اِإْل ْن اِن َمَع ِتْلَك اْلُم َح اَو اَل ِت َك َح ااَل ِت الَّناِئِم‬
‫َس‬ ‫ُري َو‬ ‫َر‬ ‫ُب‬
‫‪1‬‬
‫ِم ْن َغِرْي َفْر ٍق ‪َ ،‬و ْخَيَتُّص َذِلَك ُك ُّلُه َمِبْن ُعِم َل َلُه‪َ ،‬و َمْن ْمَل ُيْع َمْل َلُه اَل ِجَي ُد َش ْيًئا ِم ْن َذِلَك ‪.‬‬

‫‪ -‬اهليمياء‪ :‬بكسر اهلاء‪ ،‬قيل‪ :‬هو ما تركب من خواص مساوية تضاف ألحوال األفالك حيصل‬
‫ملن عمل له شيء من ذلك أمور معلومة عند السحرة‪ ،‬وقد يبقى له إدراك‪ ،‬وقد يسلبه بالكلية‬
‫فتصري أحواله كحاالت النائم من غري فرق حىت يتخيل مرور السنني الكثرية يف الزمن اليسري‪،‬‬
‫وحدوث األوالد وانقضاء األعمار‪ ،‬وغري ذلك يف ساعة وحنوها من الزمن اليسري‪ ،‬ومن مل‬
‫يعمل له ذلك ال جيد شيئا مما ذكر وكل ما يتصوره املسحور يف هذه احلالة من األوهام اليت‬
‫‪2‬‬
‫ال حقيقة هلا‪.‬‬

‫فتفريقه بني املرء وزوجه‪ :‬ختييله بسحره إىل كل واحد منهما شخَص اآلخر على خالف ما‬
‫هو به يف حقيقته من ُح ْس ن ومجال‪ ،‬حىت يقبحه عنده‪ ،‬فينصرف بوجهه ويعرض عنه‪ ،‬حىت‬
‫مفرقا بينهما بإحداثه السبب الذين كان منه فرقة‬
‫فراقا‪ ،‬فيكون الساحر ً‬
‫حيدث الزوج المرأته ً‬
‫‪3‬‬
‫ما بينهما‪.‬‬
‫وقد يكون التفريق مبا يلقيه الشيطان يف قلب أحدمها جتاه اآلخر‪.‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬السحر اجملازي‬


‫قال ابن كثري يف تفسريه‪" :‬وأدخل [أي الرازي] كثًريا من هذه األنواع املذكورة يف فن السحر‬
‫للطافة مداركها؛ ألن السحر يف اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه"‪.‬‬

‫‪ 1‬القرافي‪ .‬أنوار البروق في أنواع الفروق‪ ,‬الفرق ‪242‬‬


‫‪ 2‬محمد األمين الشنقيطي‪ ,‬أضواء البيان‪( ,‬م‪ ,4/‬ص‪)452 /‬‬
‫‪ 3‬تفسير ابن جرير الطبري‪( ,‬م‪,1/‬ص‪)368 /‬‬
‫وأنواعه كما يلي‪:‬‬
‫األول‪ :‬األخذ بالعيون وخفة اليد‪:‬‬
‫وهذا مبناه على أن أغالط البصر كثرية؛ فقد يرى الشيء على غري حقيقته لبعض األسباب‬
‫العارضة؛ فالبصر قد خيطئ ويشتغل بالشيء املعني دون غريه‪ ،‬أال ترى ذا الشعبذة احلاذق‬
‫يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ويأخذ عيوهنم إليه‪ ،‬حىت ِإذا استفرغهم الشغل‬
‫بذلك الشيء بالتحديق وحنوه‪ ،‬عمل شيًئا آخر عماًل بسرعة شديدة‪ ،‬وحينئذ يظهر هلم شيء‬
‫آخر غري ما انتظروه‪ ،‬فيتعجبون منه جًد ا‪ ،‬ولو أنه سكت ومل يتكلم مبا يصرف اخلواطر ِإىل‬
‫ضد ما يريد أن يعمله‪ ،‬ومل تتحرك النفوس واألوهام ِإىل غري ما يريد إخراجه‪ ،‬لفطن الناظرون‬
‫لكل ما يفعله‪ ،‬وكلما كانت األحوال تفيد حسن البصر نوًعا من أنواع اخللل أشد‪ ،‬كان‬
‫العمل أحسن؛ مثل أن جيلس املشعبذ يف موضع مضيء جًد ا أو مظلم‪ ،‬فال تقف القوة الناظرة‬
‫‪1‬‬
‫على أحواهلا‬

‫الثاين‪ :‬االستعانة خبواص األدوية واألطعمة واملالبس‪:‬‬


‫ومن ذلك دخول بعض هؤالء النار؛ حيث يدهنون جلودهم مبواد هلا خاصية مقاومة النار‪ ،‬أو‬
‫يلبس ثيابًا ال حترقها النار‪ ،‬أو أن جيعل يف طعام أحدهم بعض األدوية أو األطعمة املبلدة املزيلة‬
‫للعقل‪ ،‬أو الدخن املسكرة اليت تغري املزاج‪ ،‬فإذا تناوهلا تبلد عقله وذهبت فطنته‪ ،‬وقد يستعني‬
‫‪2‬‬
‫هبذه األدوية وحنوها يف إمساك احليات أو األسود الضارية‬
‫ومنه تغيري املشعوذ وجه إنسان من البياض إىل السواد‪ ،‬وهذه حيلة يقوم هبا املشعوذ بدهن‬
‫الوجه مبادة (أكسيد البزموت) مث يضع أمام املشاهدين إناء مليئًا باملاء املمزوج مبادة‬
‫اهليدروجني‪ ،‬مث يدعي أنه يشم ذلك املاء فيتحول وجهه من البياض للسواد‪ ،‬وذلك نتيجة‬
‫التفاعل الكيميائي بني املادتني‪ .‬ومنه أن يأمر الساعة بالتوقف عن الدوران فتقف‪ ،‬فيشري إىل‬
‫‪3‬‬
‫الساعة دون أن يلمسها وخيفي بيده مغناطيسًا‪ ،‬فتقف الساعة عن احلركة بتأثري املغناطيس‬

‫ابن كثير‪ ,‬تفسير القرآن العظيم‪( ,‬م‪ ,1/‬ص‪)203/‬‬ ‫‪1‬‬

‫أبو عبد هللا الرازي‪ ,‬التفسير الكبير‪( ,‬م‪ ,3/‬ص‪ )212/‬بتصرف‬ ‫‪2‬‬

‫عالم السحر والشعوذة‪ .‬د‪ .‬عمر سليمان األشقر‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫الثالث‪ :‬السعي بالنميمة وإغراء بعض الناس ببعض‪:‬‬
‫وقد مسى الرسول صلى اهلل عليه وسلم النميمة بالعضه؛ ففي صحيح مسلم عن عبداهلل بن‬
‫مسعود قال‪( :‬أال أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بني الناس)‪ ،‬قال أبو اخلطاب يف عيون‬
‫‪1‬‬
‫املسائل‪" :‬ومن السحر السعي بالنميمة واإلفساد بني الناس"‬
‫والنميمة على قسمني‪ :‬تارة تكون على وجه التحريش بني الناس وتفريق قلوب املؤمنني‪ ،‬فهذا‬
‫حرام متفق عليه‪" ،‬فأما إن كانت على وجه اإلصالح بني الناس وائتالف كلمة املسلمني؛ كما‬
‫جاء يف احلديث (ليس بالكذاب من ينمي خريًا)‪ ,‬أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بني‬
‫مجوع الكفرة‪ ،‬فهذا أمر مطلوب؛ كما جاء يف احلديث (احلرب خدعة)‪ ،‬وكما فعل نعيم بن‬
‫مسعود يف تفريق كلمة األحزاب وبين قريظة؛ جاء إىل هؤالء فنمى إليهم عن هؤالء كالًم ا‪،‬‬
‫ونقل من هؤالء إىل أولئك شيًئا آخر‪ ،‬مث ألم بني ذلك فتناكرت النفوس وافرتقت‪ ،‬وإمنا حيذو‬
‫‪2‬‬
‫على مثل هذا الذكاء ذو البصرية النافذة‪ ،‬واهلل املستعان‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬تعليق القلب‪:‬‬


‫وهو أن يدعي الساحر أنه عرف االسم األعظم‪ ،‬وأن اجلن يطيعونه وينقادون له يف أكثر‬
‫األمور‪ ،‬فِإذا اتفق أن يكون السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق وتعلق قلبه‬
‫بذلك وحصل يف نفسه نوع من الرعب واملخافة‪ ،‬فإذا ما حصل اخلوف ضعفت القوى‬
‫احلساسة‪ ،‬فحينئذ يتمكن الساحر أن يفعل ما يشاء‪.‬‬
‫(قلت) هذا النمط يقال له التنبلة‪ ،‬وِإمنا يروج على ضعفاء العقول من بين آدم‪ .‬ويف علم‬
‫الفراسة ما يرشد إىل معرفة كامل العقل من ناقصه؛ فإذا كان املتَْنِبلُ حاذًقا يف علم الفراسة‬
‫‪3‬‬
‫عرف من ينقاد له من الناس من غريه‪.‬‬

‫‪ 1‬فتح المجيد‪.‬ص‪253/‬‬
‫‪ 2‬ابن كثير‪ .‬تفسير القرآن العظيم‪ ,‬ج‪ .1/‬ص‪205/‬‬
‫‪ 3‬ابن كثير‪ .‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ج‪ .1/‬ص‪204/‬‬
‫اخلامس‪ :‬البيان‬
‫عن ابن عمر أن رسول الله صلى اهلل عليه وسلم قال‪( :‬إن من البيان لسحرًا)‪ ،‬قال صعصعة‬
‫بن صوحان‪" :‬صدق نيب اهلل؛ فإن الرجل يكون عليه احلق وهو أحلن من صاحب احلق‪،‬‬
‫فيسحر القوم ببيانه‪ ،‬فيذهب باحلق"‪.‬‬
‫يعين لتضمنه التخييل‪ ،‬فيخيل الباطل باحلق‪ ،‬وإمنا عنى بالبيان املفاخرة واخلصومات بالباطل‪،‬‬
‫كما يدل عليه أصل القصة يف التميميني اللذين تفاخرا عنده بأحساهبما وطعن أحدمها حبسب‬
‫اآلخر ونسبه‪ .‬وأما البيان باحلق لنصرة احلق فهو فريضة على كل مسلم ما استطاع لذلك‬
‫‪1‬‬
‫سبيال‬

‫وقد قسم بعض أهل العلم السحر إىل أنواع أخرى؛ منها‪ :‬سحر اخلمول‪ ,‬سحر اهلواتف‪ ,‬سحر‬
‫املرض‪ ،‬سحر احملبة (التولة)‪ ،‬سحر التفريق‪ ،‬سحر النزيف (الاستحاضة)‪ ،‬سحر التخييل‪ ،‬سحر‬
‫اجلنون‪ ،‬سحر تعطيل الزواج‪.‬‬
‫ومن أنواع السحر العقد والنفث‪ :‬قال الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬من عقد عقدة مث نفث‬
‫فيها فقد سحر)‪ ،‬ومن السحر‪ :‬زجر الطري‪ ،‬واخلط باألرض‪ ،‬والطرية‪ ،‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪( :‬العيافة والطرية والطرق من اجلبت)‪ ،‬رواه أبو داود وأمحد‪ .‬والعيافة‪ :‬هي زجر‬
‫الطري والتفاؤل بأصواهتا وممرها وبأمسائها‪ ,‬والطرق‪ :‬هو اخلط باألرض‪ ،‬قال ابن األثري‪" :‬هو‬
‫الضرب باحلصى الذي يفعله النساء"‪ ،‬والطرية‪ :‬أصلها التطري بالطري والظباء‪ ،‬وهي من الشرك‬
‫املنايف لكمال التوحيد الواجب؛ لكوهنا من إلقاء الشيطان وختويفه ووسوسته‪ ،‬واجلبت‪ :‬هو‬
‫‪2‬‬
‫السحر‪ ،‬قاله عمر رضي اهلل عنه‪ ،‬وابن عباس وجماهد واحلسن وغريهم‬

‫َفَه ِذِه َأْنَو اُع الِّس ْح ِر َقْد َتَق ُع ِبَلْف ٍظ ُه َو ُكْف ٌر ‪َ ،‬أْو اْع ِتَق اٍد ُه َو ُكْف ٌر ‪َ ،‬أْو ِفْع ٍل ُه َو ُكْف ٌر ‪َ ،‬فاَأْلَّو ُل ‪:‬‬
‫َسّبُه ُكْف ٌر ‪َ ،‬و الَّثايِن ‪َ :‬ك اْع ِتَق اِد اْنِف َر اِد اْلَك َو اِكِب َأْو َبْع ِض َه ا ِبالُّر ُبوِبَّيِة‪،‬‬
‫َك الَّسِّب اْلُم َتَعِّلِق َمِبْن ُ‬
‫ِه ِذِه‬ ‫ِظ ِم ِك ِب‬ ‫ِلِث ِإ ِة‬
‫َو الَّثا ‪َ :‬ك َه اَن َم ا َأْو َج َب الَّلُه َتْع يَم ُه ْن اْل َتا اْلَعِز يِز َو َغِرْي ؛ َفَه الَّثاَل َثُة َمىَت َو َقَع َش ْي ٌء‬
‫ِم ْنَه ا يِف الِّس ْح ِر َفَذ ِلَك الِّس ْح ُر ُكْف ٌر اَل ِم ْر َيَة ِفيِه ‪ ،3‬ومىت وقعت هذه الأنواع بشيء مباح‪ ،‬مل‬
‫‪ 1‬حافظ الحكمي‪ ,‬معارج القبول‪ .‬م‪.1‬ص‪379/‬‬
‫‪ 2‬فتح المجيد‪.‬ص‪250/‬‬
‫‪ 3‬القرافي‪ .‬أنوار البروق في أنواع الفروق‪ ,‬الفرق ‪242‬‬
‫يكن ذلك السحر كفرًا‪ ،‬بل إما حمرم؛ إن كان ال يروج ذلك املباح إال بنحو الزنا واللواط‪,‬‬
‫وإما مباح؛ إن راج بدون ذلك‪ ،‬نعم ويكون كفرًا من جهة خارجة كقصد إضراره صلى اهلل‬
‫‪1‬‬
‫عليه وسلم‬
‫يقول النووي‪" :‬علم السحر حرام‪ ،‬وهو من الكبائر باإلمجاع‪ ،‬وقد عده النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم من السبع املوبقات‪ ،‬ومنه ما يكون كفًر ا‪ ،‬ومنه ما ال يكون كفًر ا‪ ،‬بل معصية كبرية‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر‪ ،‬وإال فال"‬

‫حكم الساحر‬
‫الساحر كافر؛ والدليل قوله تعاىل‪َ{ :‬و َلْو َأَّنُه ْم آَم ُنوا َو اَّتَق ْو ا َلَم ُثوَبٌة ِم ْن ِعْنِد الَّلِه َخ ْيٌر َلْو َك اُنوا‬
‫َيْع َلُم وَن }‪ ،‬وجه الداللة‪ :‬أن اآلية تدل على نفي اإلميان عن السحرة‪ ،‬قال ابن كثري‪ :‬وقد‬
‫استدل بقوله‪َ{ :‬و َلْو َأَّنُه ْم َءاَم ُنوْا واَّتَق ْو ا} من ذهب إىل تكفري الساحر‪ ،‬كما هو رواية عن‬
‫‪3‬‬
‫اإلمام أمحد بن حنبل وطائفة من السلف‬
‫وقال تعاىل‪َ{ :‬و َلَقْد َعِلُم وا َلَم ِن اْش َتَر اُه َم ا َلُه يِف اَآْلِخ َر ِة ِم ْن َخ اَل ٍق } [البقرة‪ ،]102 :‬أي من‬
‫استبدل بدينه السحر فماله من نصيب‪ ،‬قال احلسن‪ :‬ليس له دين‪ ،‬وقال الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪( :‬من تعلم شيئًا من السحر قليال كان أو كثريا كان آخر عهده من اهلل)‪ ،‬وهذا مرسل‬
‫‪4‬‬

‫وقال تعاىل‪َ{ :‬و اَل ُيْف ِلُح الَّس اِح ُر َح ْيُث َأَتى} [طه‪ ]69 :‬وجه الداللة‪ :‬أن اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫نفى الفالح عن الساحر نفًيا عاًم ا حيث توجه وسلك‪ ،‬وذلك دليل كفره؛ ألن الفالح ال ينفى‬
‫بالكلية نفًيا عاًم ا إال عمن ال خري فيه وهو الكافر‪ ،‬ذلك أنه قد عرف باستقراء القرآن أن‬
‫الغالب فيه أن لفظه "ال يفلح" يراد هبا الكافر؛ كقوله تعاىل‪ُ{ :‬ق ِإَّن اَّلِذي ْف وَن َلى الَّلِه‬
‫َن َي َتُر َع‬ ‫ْل‬
‫اْلَك ِذَب ال ُيْف ِلُح وَن َم َتاٌع يِف الُّد ْنَيا َّمُث ِإَلْيَنا َمْر ِج ُعُه ْم َّمُث ُنِذيُقُه ُم اْلَعَذ اَب الَّش ِديَد َمِبا َك اُنوا‬

‫‪ 1‬محمد علي بن حسين المكي المالكي‪ ,‬تهذيب الفروق والقواعد السنية‬


‫في األسرار الفقهية‪.‬‬
‫‪ 2‬صحيح مسلم بشرح النووي (م‪ ,13/‬ص‪)177/‬‬
‫‪ 3‬تفسير ابن كثير‪ .‬ج‪ .1/‬ص‪201/‬‬
‫‪ 4‬فتح المجيد‪ .‬ص‪242/‬‬
‫َيْك ُف ُر وَن } [يونس‪ ,]69 :‬إىل غري ذلك من اآليات ‪ ،‬وقد مساه اهلل كفرًا فقال‪ِ{ :‬إَمَّنا ْحَنُن ِفْتَنٌة‬
‫‪1‬‬

‫َفاَل َتْك ُف ْر } [البقرة‪]102 :‬‬


‫َعِن اَحْلَس ِن َعْن َأيِب ُه َر ْيَر َة َقاَل ‪َ :‬قاَل َرُس وُل الَّلِه صلى اهلل عليه وسلم‪َ« :‬مْن َعَقَد ُعْق َد ًة َّمُث َنَفَث‬
‫ِفيَه ا َفَقْد َسَح َر ‪َ ،‬و َمْن َسَح َر َفَقْد َأْش َر َك ‪َ ،‬و َمْن َتَعَّلَق َش ْيئًا ُو ِكَل إَلْيِه»‪ .‬رواه النسائي‪.‬‬
‫مرفوعا‪( :‬ليس منا من تطري أو تطري له‪ ،‬أو تكهن أو تكهن له‪ ،‬أو‬ ‫ً‬ ‫وعن عمران بن احلصني‬
‫سحر أو سحر له‪ )..‬الشاهد قوله‪( :‬ليس منا من سحر) فدل على نفي اإلميان عن الساحر‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬إن اعتقد ما يوجب الكفر؛ مثل التقرب إىل الكواكب السبعة‪ ،‬وأهنا تفعل ما‬
‫يلتمس‪ ،‬أو اعتقد ِح لَّ السحر‪َ ،‬كفَر؛ ألن القرآن نطق بتحرميه‪ ،‬وثبت بالنقل املتواتر واإلمجاع‬
‫عليه‪ ،‬وإال فسق ومل يكفر‪.‬‬

‫عقوبة الساحر‬
‫حد الساحر القتل‪ ،‬وروي عن كثري من الصحابة ومل ينكر عليهم أحد ذلك فكان إمجاعا‬
‫سكوتًّيا‪.‬‬
‫قال ابن املنذر‪ :‬وإذا أقّر الرجل أنه سحر بكالم يكون كفًر ا وجب قتله إن مل َيُتب‪ ،‬وكذلك‬
‫لو ثبتت به عليه بّينة ووصفت البينة كالًم ا يكون كفًر ا‪ .‬وإن كان الكالم الذي ذكر أنه َسَح َر‬
‫به ليس بكفر مل جيز قتله‪ ،‬فإن كان أحدث يف املسحور جناية توجب القصاص اقُتّص منه إن‬
‫‪2‬‬
‫كان َعَمد ذلك؛ وإن كان مما ال قصاص فيه ففيه ِدَية ذلك‬
‫َعْن َحُمَّم ِد ْبِن َعْبِد الَّر ْح مِن ْبِن َس ْع ِد ْبِن ُز َر اَر َة َأَّنُه َبَلَغُه َأَّن َح ْف َص َة َز ْو َج الَّنِّيِب َقَتَلْت َج اِر َيًة َهَلا‬
‫ِح‬ ‫ِل‬ ‫ِت‬
‫َسَح رهتا‪َ ،‬و َقْد َك اَنْت َدَّبَر ْتَه ا‪َ ،‬فَأَم َر ْت َهِبا َفُق َلْت ‪َ ،‬قاَل َم ا ٌك ‪ :‬الَّس ا ُر اَّلذي َيْع َم ُل الِّس ْح َر ‪َ ،‬و ْمَل‬
‫ِل‬ ‫ِك‬ ‫ِذ‬ ‫ِل‬
‫َيْع َم لْ ذ َك َلُه َغْيُر ُه‪ُ ،‬ه َو مثل اَّل ي َقاَل اهلل َتَباَر َك َو َتَعاىَل يف َتاِبه‪َ{ :‬و َلَقْد َع ُم وا َلَم ِن اْش َتَر اُه‬
‫َم ا َلُه يِف اآلِخ َر ِة ِم ْن َخ َالق} [البقرة‪َ ،]102 :‬فَأَر ى َأْن ُيْق َتَل ذِلَك إَذا َعِم ل ذِلَك ُه َو َنْف ُس ُه‪.‬‬
‫[موطأ اإلمام مالك ‪ -‬كتاب العقول]‪.‬‬
‫وروي عن جندب بن عبداهلل عن النيب أنه قال‪« :‬حد الساحر ضربه بالسيف»‪ ،‬رواه الرتمذي‬

‫‪ 1‬محمد األمين الشنقيطي‪ ,‬أضواء البيان‪( ,‬م‪ ,4/‬ص‪)442/‬‬


‫‪ 2‬تفسير القرطبي‪ ،‬ج‪2‬ص ‪.48‬‬
‫وروى أبو داود يف سننه عن جبالة قال‪ :‬كنت كاتًبا جلزء بن معاوية عم األحنف بن قيس‪ ،‬إذ‬
‫جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة‪ :‬اقتلوا كل ساحر‪ ،‬فقتلنا ثالث سواحر يف يوم‪.‬‬
‫وقد روي من طرق متعددة أن الوليد بن عقبة كان عنده ساحر يلعب بني يديه‪ ،‬فكان‬
‫يضرب رأس الرجل‪ ،‬مث يصيح به فريد إليه رأسه‪ ،‬فقال الناس‪ :‬سبحان اهلل حييي املوتى! ورآه‬
‫رجل من صاحلي املهاجرين‪ ،‬فلما كان الغد جاء مشتماًل على سيفه وذهب يلعب لعبه ذلك‪،‬‬
‫فاخرتط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر‪ ،‬وقال‪ :‬إن كان صادًقا فليحي نفسه‪ ،‬وتال قوله‬
‫تعاىل‪َ{ :‬أَفَتْأُتوَن الّسِْح َر َو َأنُتْم ُتْبِص ُر وَن } [األنبياء‪ ،]3 :‬فغضب الوليد إذ مل يستأذنه يف ذلك‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فسجنه مث أطلقه‬
‫كما روى البخاري يف التاريخ الكبري بسند صحيح عن أيب عثمان‪( :‬كان عند الوليد رجل‬
‫يلعب‪ ،‬فذبح إنساًنا وأبان رأسه‪ ،‬فعجبنا‪ ،‬فأعاد رأسه‪ ،‬فجاء جندب األزدي فقتله)‪.‬‬

‫فحد الساحر القتل؛ روي ذلك عن عمر‪ ،‬وعثمان بن عفان‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وحفصة وجندب بن‬
‫عبداهلل‪ ،‬وجندب بن كعب‪ ،‬وقيس بن سعد‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة‬
‫ومالك‪ ،‬ومل ير الشافعي عليه القتل مبجرد السحر‪ ،‬ووجه ذلك أن عائشة رضي اهلل عنها‬
‫باعت مدبرة سحرهتا‪ ،‬ولو وجب قتلها ملا حل بيعها‪ ،‬وألن النيب قال‪« :‬ال حيل دم امرئ‬
‫مسلم إال بإحدى ثالث‪ :‬كفر بعد إميان‪ ،‬أو زنا بعد إحصان‪ ،‬أو قتل نفس بغري حق»‪ ،‬ومل‬
‫‪2‬‬
‫يصدر منه أحد الثالثة‪ ،‬فوجب أن ال حيل دمه‪.‬‬
‫فيجاب عنه‪ :‬أن األمة مل تصنع السحر‪ ،‬إمنا ذهبت لساحر يصنع هلا السحر‪ ،‬أو أهنا قد تكون‬
‫تابت بعدها‪ ,‬أو أن يكون سحرها من النوع الذي باألدوية وخفة اليد واخلداع‪ ،‬فلم يشمل‬
‫كفرًا فال تعترب مرتدة لتقتل‪.‬‬
‫وزاد أبو حنيفة فقال‪ :‬وان قتل بسحره مل يقتل‪ ،‬إال أن يتكرر ذلك منه‪.‬‬
‫ودليلنا على أنه يقتل وإن مل يتكرر منه الفعل عموم اخلرب يف قوله‪( :‬حد الساحر ضربة‬
‫‪3‬‬
‫بالسيف)‪ ،‬وألن كل فعل أوجب القتل تكراره أوجب القتل عند ابتدائه‬

‫‪ 1‬تفسير ابن كثير‪ ،‬ج‪ .1/‬ص‪201/‬‬


‫‪ 2‬ابن قدامة المقدسي‪ ,‬المغني ج‪8‬ص‪153‬‬
‫‪ 3‬القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي‪ ,‬اإلشراف على نكت مسائل‬
‫الخالف‪( ,‬م‪ ,2/‬ص‪)846/‬‬
‫هل يستتاب الساحر؟‬
‫عن مالك‪ :‬الساحر كافر؛ يقتل بالسحر وال يستتاب‪ ،‬بل يتحتم قتله كالزنديق‪.‬‬
‫وللحنابلة فيه روايتان؛ إحدامها‪ :‬ال يستتاب؛ ألن الصحابة مل يستتيبوهم‪ ،‬وألن علم السحر ال‬
‫يزول بالتوبة‪ ،‬والثانية‪ :‬يستتاب؛ فإن تاب قبلت توبته وخلي سبيله؛ ألن ذنبه ال يزيد على‬
‫الشرك‪ ،‬واملشرك يستتاب‪ ،‬وتقبل توبته‪ ،‬فكذلك الساحر‪ .‬وعلمه بالسحر ال مينع توبته؛ بدليل‬
‫ساحر أهل الكتاب إذا أسلم‪ ،‬ولذلك صح إميان سحرة فرعون وتوبتهم‪ ،1 .‬وألن يف توبته‬
‫‪2‬‬
‫منفعة للمسلمني؛ ألنه بعد التوبة هو عامل بالسحر ميكنه حله فكان يف ذلك منفعة‪.‬‬

‫وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن امرأة جاءهتا‪ ،‬فجعلت تبكي بكاء شديًد ا‪،‬‬
‫وقالت‪ :‬يا أم املؤمنني‪ ،‬إن عجوزًا ذهبت يب إىل هاروت وماروت‪ ،‬ليعلماين السحر فقاال‪ :‬اتقي‬
‫اهلل وال تكفري؛ فإنك على رأس أمرك‪ ،‬فقلت‪ :‬علماين السحر‪ ،‬فقاال‪ :‬اذهيب إىل ذلك التنور‬
‫فبويل فيه‪ ،‬ففعلت‪ ،‬فرأيت كأن فارًس ا مقنًعا يف احلديد خرج مين حىت طار‪ ،‬فغاب يف السماء‪،‬‬
‫فرجعت إليهما فأخربهتما‪ ،‬فقاال‪ :‬ذلك إميانك‪ ،‬فذكرت باقي القصة إىل أن قالت‪ :‬واهلل يا أم‬
‫املؤمنني‪ ،‬ما صنعت شيًئا غري هذا‪ ،‬وال أصنعه أبًد ا‪ ،‬فهل يل من توبة؟ قالت عائشة‪ :‬ورأيتها‬
‫تبكي بكاء شديًد ا‪ ،‬فطافت يف أصحاب رسول اهلل وهم متوافرون تسأهلم هل هلا من توبة؟‬
‫فما أفتاها أحد إال أن ابن عباس قال هلا‪ :‬إن كان أحد من أبويك حًيا فربيه‪ ،‬وأكثري عن‬
‫عمل الرب ما استطعت‪.‬‬

‫ويكفر بتعلم السحر‪ ،‬والعمل به؛ لقوله تعاىل‪َ{ :‬و َم ا َك َف َر ُس َلْيَم اُن َو َلِكَّن الَّش َياِط َني َك َف ُر وا‬
‫ا ِّل اِن ِم َأ ٍد‬ ‫ِب ِب‬
‫ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر َو َم ا ُأْنِز َل َعَلى اْلَم َلَك ِنْي َبا َل َه اُر وَت َو َم اُر وَت َو َم ُيَع َم ْن َح‬
‫َح ىَّت َيُقواَل ِإَمَّنا ْحَنُن ِفْتَنٌة َفاَل َتْك ُف ْر } [البقرة‪ ،]102 :‬فدل هذا على أنه يكفر بتعلمه السحر‪.‬‬
‫وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر ألحد أمرين‪ :‬إما لتمييز ما فيه كفر من غريه‪ ،‬وإما إلزالته‬
‫عمن وقع فيه؛ فأما األول فال حمذور فيه إال من جهة االعتقاد‪ ،‬فإذا سلم االعتقاد فمعرفة‬

‫كشاف القناع‪ ,‬باب الحكم في الساحر‪( ,‬م‪,4/‬ص‪)164/‬‬ ‫‪1‬‬

‫مسائل فقهية‪ ,‬كتاب الحدود‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫الشيء مبجرده ال تستلزم منعًا‪ ،‬وأما الثاين فإن كان ال يتم ‪-‬كما زعم بعضهم‪ -‬إال بنوع من‬
‫‪3‬‬
‫أنواع الكفر أو الفسق فال حيل أصال‪ ،‬وإال جاز للمعىن املذكور‬

‫ابن حجر العسقالني‪ ,‬فتح الباري‪( ,‬م‪ ,10/‬ص‪)235/‬‬ ‫‪3‬‬


‫ما حكم إتيان الساحر؟‬
‫عرافا أو ساحرًا أو كاهنا يؤمن مبا يقول فقد‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬من أتى ً‬
‫كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم)‪ ،‬وقال‪( :‬ليس منا من تطري أو تطري له‪ ،‬أو‬
‫تكهن أو تكهن له‪ ،‬أو سحر أو سحر له)‪.‬‬
‫فهنا بني رسول اهلل كفر من أتى الساحر وطلب السحر عموًم ا ألي غرض كان‪" ،‬والكفر هنا‬
‫ظاهره الكفر احلقيقي وهو الكفر األكرب‪ ،‬وقيل الكفر اجملازي وهو الكفر األصغر‪ ،‬وقيل‪ :‬من‬
‫اعتقد أن العراف أو الساحر أو الكاهن يعرفان الغيب ويطلعان على األسرار اإلهلية كان كافًر ا‬
‫كفًر ا أكرب؛ كمن اعتقد تأثري الكواكب‪ ،‬وإال فال ‪ ،1‬وقيل‪ :‬إنه كفر أصغر ال خيرج عن امللة‪،‬‬
‫هذا املشهور عن اإلمام أمحد‪.‬‬

‫نيل األوطار (م‪ , 7/‬ص‪).368 /‬‬ ‫‪1‬‬


‫الباب الثاين‬
‫( عالج السحر )‬

‫مشروعية التداوي يف اإلسالم‬


‫إن التداوي ال ينايف التوكل‪ ،‬كما ال ينافيه دفع اجلوع والعطش باألكل والشرب‪ ،‬وكذلك‬
‫جتنب املهلكات‪ ،‬والدعاء بطلب العافية ودفع املضار وغري ذلك‪.‬‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ما أنزل اهلل من داء إال أنزل له دواء"‪.‬‬
‫ِس ِه‬ ‫ٍك‬
‫وعْن ُأَس اَم َة بِن َش ِر ي قاَل ‪« :‬أَتْيُت الَّنَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأصَح اُبُه كأَمَّنا َعَلى ُر ؤو ْم‬
‫الَّطْيُر ‪َ ،‬فَس َّلْم ُت َّمُث َقَعْد ُت ‪َ ،‬فَج اء األْع َر اُب ِم ْن َه اُه َنا وهاهنا‪ ،‬فَق اُلوا‪َ :‬يا َرُس وَل اهلل َأَنَتَد اَو ى؟‬
‫َفَق اَل ‪َ :‬تَد اَو ْو ا؛ َفإَّن اهلل َتَعاىَل ْمَل َيَض ْع َداًء إَّال َو َض َع َلُه َدَو اًء‪َ ،‬غْيَر َداٍء َو اِح ٍد اَهْلَر م»‪ ،‬رواه أبو‬
‫داود والرتمذي وأمحد‪.‬‬
‫وحىت الداء القاتل الذي اعرتف حذاق األطباء بأن ال دواء له‪ ،‬وأقروا بالعجز عن مداواته‪،‬‬
‫فإن له دواء لكنه جمهول‪ ،‬بناء على ما جاء يف حديث ابن مسعود من قوله‪( :‬وجهله من‬
‫جهله)‪.‬‬
‫وقد أخرج ابن ماجه من طريق أيب خزامة عن أبيه قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أرأيت رقى‬
‫نسرتقيها‪ ،‬ودواء نتداوى به‪ ،‬هل يرد من قدر اهلل شيئًا؟ قال‪ :‬هي من قدر اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وقد أمجع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثالثة شروط‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون بكالم اهلل تعاىل أو بأمسائه وصفاته‪.‬‬
‫‪ -2‬وباللسان العريب أو مبا يعرف معناه من غريه‪.‬‬
‫‪ -3‬وأن يعتقد أن الرقية ال تؤثر بذاهتا بل بذات اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ففي صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك قال‪ :‬كنا نرقي يف اجلاهلية‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫كيف ترى يف ذلك؟ فقال‪" :‬اعرضوا علي رقاكم‪ ،‬ال بأس بالرقى ما مل يكن فيه شرك"‪.‬‬
‫وقد متسك قوم هبذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو مل يعقل معناها‪ ،‬لكن دل‬
‫حديث عوف أنه مهما كان من الرقى يؤدي إىل الشرك مينع‪ ،‬وما ال يعقل معناه ال يؤمن أن‬
‫‪1‬‬
‫يؤدي إىل الشرك فيمتنع احتياطًا‬

‫ابن حجر‪ ,‬فتح الباري‪( ,‬باب الرقى والمعوذات ص‪ ,195‬م‪)10/‬‬ ‫‪1‬‬


‫العالج املشروع للسحر‬
‫قبل البداية يف العالج جيب على املسلم أن حيصن نفسه وأهله من شر شياطني اإلنس واجلن‪،‬‬
‫وذلك بقراءة أذكار املساء والصباح وأذكار النوم‪ ،‬واحملافظة عليها‪ ،‬وأيضًا احملافظة على قراءة‬
‫(قل هو اهلل أحد) واملعوذتين وآية الكرسي بعد كل صالة‪ ،‬واإلكثار من قول (بسم اهلل الذي‬
‫ال يضر مع امسه شيء يف األرض وال يف السماء وهو السميع العليم) وقول (أعوذ بكلمات اهلل‬
‫التامة من شر ما خلق)‪ ،‬وكان النيب صلى اهلل عليه وسلم يعوذ هبا احلسن واحلسني‪.‬‬
‫وقد مجع العلماء من األذكار والدعوات اليت يقوهلا العبد إذا أصبح وإذا أمسى وإذا نام وإذا‬
‫خاف شيًئا وأمثال ذلك من األسباب ما فيه بالغ‪ ،‬فمن سلك مثل هذا السبيل فقد سلك‬
‫سبيل أولياء اهلل الذين ال خوف عليهم وال هم حيزنون‪ ،‬ومن دخل يف سبيل أهل اجلبت‬
‫والطاغوت الداخلة يف الشرك فقد خسر الدنيا واآلخرة‪ ،‬وبذلك ذم اهلل من ذمه من مبدلة أهل‬
‫الكتاب إذ قال‪َ{ :‬و َلَّم آ َج آَءُه ْم َرُس وٌل مِّْن ِعنِد الَّلِه ُمَص دٌق ا َمَعُه ْم َنَبَذ َفِر يٌق مَِّن اَّلِذيَن ُأوُتوْا‬
‫َمل‬
‫اْلِكَتاَب ِكَتاَب الَّلِه َو َر آَء ُظُه وِر ِه ْم َك َأَّنُه ْم َال َيْع َلُم وَن * َو اَّتَبُعوْا َم ا َتْتُلوْا الَّش َياِط ُني } ‪-‬إىل‬
‫‪1‬‬
‫قوله‪َ{ -‬و َلِبْئَس َم ا َش َر ْو ا ِبِه َأْنُف َس ُه ْم َلْو َك اُنوا َيْع َلُم وَن } [البقرة‪]102 :‬‬

‫‪ 1‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪( ,‬م‪ ,24/‬ص‪)281/‬‬


‫وأما ما ورد يف الكتاب والسنة وكالم السلف عن عالج السحر بعد وقوعه واإلصابة به فهو‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬اللجوء للرقية الشرعية‪:‬‬

‫أ‪ -‬بالقرآن الكرمي‪:‬‬


‫فالقرآن كله شفاء؛ قال تعاىل‪ُ{ :‬قّل ُه َو ِلَّلذيَن آَم ُنوا َه ًدى َو ِش َف اءٌ} [فصلت‪ ،]44 :‬وقال‬
‫سبحانه ‪َ{ :‬و ُنَنِّز ُل ِم َن اْلُقْر َآِن َم ا ُه َو ِش َف اٌء َو َر َمْحٌة} [اإلسراء‪ ،]82 :‬وهناك سور وآيات‬
‫خمصوصة يف عالج السحر؛ منها‪:‬‬
‫‪ -‬قراءة سورة البقرة‪ ،‬ويف حديث مسلم‪" :‬اقرأوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة‪ ،‬وتركها‬
‫حسرة‪ ،‬وال يستطيعها البطلة"‪ ،‬قال معاوية‪ :‬بلغين أن البطلة السحرة‪.‬‬
‫‪ -‬سورة الفاحتة؛ فعن َخ اِر َج َة بِن الَّص ْلِت الَّتِم يِم ِّي عن َعِّم ِه‪« :‬أَّنُه أَتى الَّنَّيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم فَأْس َلَم‪َّ ،‬مُث أْقَبَل َر اِج ًعا ِم ْن ِعْنِدِه‪َ ،‬فَم َّر َعَلى َقْو ٍم ِعْنَد ُه ْم َرُج ٌل ْجَمُنوٌن ُموَثٌق باَحْلِديِد‪ ،‬فقال‬
‫ِعْنَد ُك م َش ُتَد ا وَن ؟ ُت ِبَف ا ِة‬ ‫ٍرْي‬ ‫ِح‬
‫ْي ٌء ُو ُه َفَر َقْي ُه َحِت‬ ‫أْه ُلُه‪ :‬إَّنا ُح ِّد ْثَنا أَّن َص ا َبُك م هَٰذ ا َقْد َج اء َخِب ‪َ ،‬فَه ْل‬
‫اْلِكَتاِب ‪َ ،‬فَبَر َأ‪ ،‬فَأْع ُطويِن ِم اَئَة َش اٍة‪ ،‬فَأَتْيُت َرُس وَل اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فَأْخ َبْر ُتُه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َه ْل إَّال هَٰذ ا؟ َو قال ُمَس َّد ٌد يف َمْو ِض ٍع آَخ َر ‪َ :‬ه ْل ُقْلَت َغْيَر هَٰذ ا؟ ُقْلُت ‪َ :‬ال‪ ،‬قال‪ُ :‬خ ْذ َه ا؛ َفَلَعْم ِر ي‬
‫َلَمْن أَك َل ِبُر ْقَيِة َباِط ٍل َلَقْد أَك ْلَت ِبُر َقْيِة َح ّق »‪ ،‬قال‪َ« :‬فَر َقاُه ِبَف اَحِتِة اْلِكَتاِب َثَالَثَة أَّياٍم ُغْد َو ًة‬
‫َو َعِش َّيًة ُك َّلَم ا َخ َتَم َه ا َمَجَع ُبَز اَقُه َّمُث َتَف َل‪ ،‬فَك َأَمَّنا ُأْنِش َط ِم ْن ِعَق اٍل ‪ .‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫‪ -‬ويف عون املعبود كتاب الطب قال‪ :‬قال الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬فلعل طًَّبا أصابه‬
‫مث نشره بـ(قل أعوذ برب الناس) أي رقاه)‪ ،‬والطب هو السحر مسي بذلك تفاؤال‪.‬‬
‫فأنفع ما يستعمل يف إذهاب السحر ما أنزل اهلل على رسوله يف إذهاب ذلك‪ ،‬ومها املعوذتان‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫ويف احلديث (ومل يتعوذ املتعوذ مبثلهما)‪ ،‬وكذلك قراءة آية الكرسي فإهنا مطردة للشياطني‬
‫‪ -‬قال القرطيب‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬من أخذ مضجعه من الليل مث تال هذه اآلية‪ { :‬ا ِج ْئُت ِبِه‬
‫َم ْم‬
‫الِّس ْح ُر ِإَّن الَّلَه َس ُيْبِط ُلُه ِإَّن الَّلَه َال ُيْص ِلُح َعَم َل اْلُم ْف ِس ِديَن } [يونس‪ ]81 :‬مل يضره كيد ساحر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وال تكتب على مسحور إال دفع اهلل عنه السحر‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن كثير‪ ,‬تفسير القرآن العظيم (م‪,1/‬ص‪)206/‬‬


‫‪ 2‬تفسير القرطبي‪ ،‬ج ‪.8‬ص ‪368‬‬
‫‪ -‬قال ابن أيب حامت‪ :‬عن ليث ‪-‬وهو ابن أيب سليم‪ -‬قال‪ :‬بلغين أن هؤالء اآليات شفاء من‬
‫السحر بإذن الله تعاىل؛ تقرأ يف إناء فيه ماء مث تصب على رأس املسحور‪:‬‬
‫أ‪َ { -‬لَّم ا َأْلَق ا َقاَل و ى ا ِج ِبِه الِّس ِإَّن الَّل ِط ُل ِإَّن الَّل اَل ِل‬
‫َل‬ ‫َم‬ ‫َع‬ ‫ُح‬ ‫َه ُيْص‬ ‫َه َس ُيْب ُه‬ ‫ْح ُر‬ ‫ُم َس َم ْئُتْم‬ ‫ْو‬ ‫َف‬
‫اْلُم ْف ِس ِديَن َو ِحُي ُّق الَّلُه اَحْلَّق ِبَك ِلَم اِتِه َو َلْو َك ِر َه اْلُم ْج ِر ُموَن } [يونس‪]82-81 :‬‬
‫ب‪َ{ -‬فَو َقَع اَحْلُّق َو َبَطَل َم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن َفُغِلُبوا ُه َناِلَك َو اْنَق َلُبوا َص اِغِر يَن َو ُأْلِق َي الَّس َح َر ُة‬
‫َس اِج ِديَن َقاُلوا َآَم َّنا ِبَر ِّب اْلَعاَلِم َني َر ِّب ُموَس ى َو َه اُر وَن } [األعراف‪]122-118 :‬‬
‫ج‪ِ{ -‬إَمَّنا َص َنُعوا َك ْيُد َس اِح ٍر َو اَل ُيْف ِلُح الَّس اِح ُر َح ْيُث َأَتى} [طه‪ ]69 :‬ا‪.‬هـ‪.‬‬

‫‪ -‬وهناك آيات أخرى جمربة يف فك السحر وإبطاله ‪-:1‬‬

‫أ‪ -‬قال تعاىل‪َ{ :‬يا َأُّيَه ا الَّناُس َقْد َج اَءْتُك ْم َمْو ِعَظٌة ِم ْن َر ِّبُك ْم َو ِش َف اٌء ِلَم ا يِف الُّص ُد وِر َو ُه ًد ى‬
‫َو َر َمْحٌة ِلْلُم ْؤ ِمِنَني } [يونس‪]57 :‬‬
‫لوا َأْر ِج ْه َو َأَخ اُه واْبَعْث يِف اْلَم َد آِئِن َح اِش ِر ي * َيْأُتوَك ِبُك ل َس َّح اٍر َعِليٍم‬ ‫ب‪ -‬قال تعاىل‪َ{ :‬قا ْ‬
‫َن‬
‫َفُج ِم َع الَّس َح َر ُة ِلِم يَق اِت َيْو ٍم َّم ْع ُلوٍم * َو ِقيَل ِللَّناِس َه ْل َأنُتْم ْجُّمَتِم ُعوَن * َلَعَّلَنا َنَّتِبُع الَّس َح َر َة ِإن‬
‫َك اُنوْا ُه ُم اْلَغاِلِبَني * َفَلَّم ا َج آَء الَّس َح َر ُة َقاُلوْا ِلِف ْر َعْو َن َأِئَّن َلَنا َألْج ًر ا ِإن ُك َّنا ْحَنُن اْلَغاِلِبَني * َقاَل‬
‫ِعِص‬ ‫ِح‬ ‫ِإ ِإ ِم‬
‫َنَعْم َو َّنُك ْم ًذا َّل َن اْلُم َقَّر ِبَني * َقاَل ُهَلْم ُّم وَس ى َأْلُقوْا َم آ َأنُتْم ُّم ْلُقوَن * َفَأْلَق ْو ْا َباُهَلْم َو َّيُه ْم‬
‫ِق‬ ‫ْأِف‬ ‫ِإ ِه‬ ‫ِل‬ ‫ِإ‬ ‫ِبِع ِة ِف‬
‫َو َقاُلوْا َّز ْر َعوَن َّنا َلَنْح ُن اْلَغا ُبوَن * َفَأْلَق ى ُموَس ى َعَص اُه َف َذا َي َتْلَق ُف َم ا َي ُك وَن * َفُأْل َي‬
‫الَّس َح َر ُة َس اِج ِديَن * َقاُلوْا آَم َّنا ِبَر ب اْلَعاَلِم َني *} [الشعراء‪]47-36 :‬‬
‫ِم‬ ‫ِم َّل‬
‫ج‪ -‬قال تعاىل‪َ{ :‬و َلْو َجَعْلَناُه ُقْر آًنا أْع َج ًّيا َق اُلوْا َلْو َال ُفصَِّلْت آَياُتُه َءاْع َج ٌّي َو َعَر ٌّيِب ُقْل ُه َو‬
‫ِلَّلِذيَن آَم ُنوْا ُه ًد ى وِش َف آٌء واَّلِذيَن َال ُيْؤ ِم ُنوَن يِف آَذاِهِنْم َو ْقٌر َو ُه َو َعَلْيِه ْم َعًم ى ُأْو لِئَك ُيَناَدْو َن‬
‫ِم ن َّم َك اٍن َبِعيٍد} [فصلت‪..]44 :‬‬
‫وآية الكرسي واملعوذتان وسورة الكافرون‪ ،‬وهذه اآليات مع اليت قبلها يف رقية املسحور‬
‫باإلضافة إىل آيات الشفاء‪.‬‬
‫وتكون الرقية بالنفث مباشرة على املسحور‪ ،‬أو بقراءهتا على ماء نظيف مث االحتساء منه مع‬
‫االغتسال به يف مكان طاهر‪.‬‬

‫‪ 1‬فتح المغيث في السحر والحسد ومس إبليس (ص‪)136‬‬


‫وروي عن عائشة أهنا كانت ال ترى بأسًا أن يعوذ يف املاء مث يعاجل به املريض‪.‬‬
‫أو بقراءهتا على زيت احلبة السوداء ودهن جسد املسحور به‪ ،‬وثبت يف صحيح البخاري أن‬
‫نبينا صلى اهلل عليه وسلم قال‪( :‬يف احلبة السوداء شفاء من كل داء إال السام)‪ ،‬والسام‪:‬‬
‫املوت‪.‬‬

‫ب‪ -‬باألدعية والتعوذات النبوية العامة لكل داء‪:‬‬

‫‪ -‬عن ابِن َعَّباٍس قاَل ‪« :‬كاَن َرُس وُل اهلل ُيَعِّو ُذ اَحْلَسَن واُحلَس نْي ؛ َيُقوُل ‪ُ :‬أِعيُذ ُك َم ا ِبَك ِلَم اِت اهلل‬
‫الَّتاَّم ِة‪ِ ،‬م ْن ُك ِّل َش ْيَطاٍن وَه اَّم ٍة‪ ،‬وِم ْن ُك ِّل َعٍنْي َالَّم ٍة‪َ .‬و َيُقوُل ‪َ :‬ه َكَذ ا كاَن إبراهيُم ُيَعِّو ُذ ِإْسَح اَق‬
‫وِإَمْساِعيَل عليهم السالم»‪ ،‬سنن أيب داود‪.‬‬

‫‪ -‬عن ابِن عّباٍس قال‪« :‬كان النُّيب صلى اهلل عليه وسلم َيْد عو عنَد الكْر ب؛ يقول‪ :‬ال إلَه إّال‬
‫الَّلُه العظيُم احلليم‪ ،‬ال إله إّال الَّلُه رُّب السماواِت واألرض ورُّب الَعرِش العظيم»‪ ،‬صحيح‬
‫البخاري‪.‬‬

‫‪ -‬عن ِه شام بن عروة قال‪ :‬أخربين أيب عن عائشَة «أَّن رسوَل اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان‬
‫يرقي؛ يقول‪ :‬امسح البأس‪ ،‬رَّب الناس‪ ،‬بيدَك الشفاء‪ ،‬ال كاشَف له إال أنت»‪ ،‬رواه البخاري‪.‬‬

‫_ َعْن ُعْثَم اَن ْبِن َأيِب اْلَعاِص الَّثَق ِف ِّي َأَّنُه َش َك ا ِإىَل ٰ َرُس وِل الّلِه َو َجًعا ِجَي ُد ُه يِف َج َس ِدِه ُمْنُذ َأْس َلَم ‪،‬‬
‫ِه‬ ‫ِب‬ ‫ِد‬ ‫ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِه‬
‫َفَق اَل َلُه َرُس وُل الّل ‪َ« :‬ض ْع َيَد َك َعَل ٰى اَّل ي َتَأَمَّل ْن َج َس َك ‪َ .‬و ُقْل ‪ :‬اْس ِم الّل ‪َ ،‬ثَالًثا‪َ .‬و ُقْل ‪َ ،‬س ْبَع‬
‫َم َّر اٍت ‪َ :‬أُعوُذ ِبالّلِه َو ُقْد َر ِتِه ِم ْن َشِّر َم ا َأِج ُد َو ُأَح اِذُر »‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬

‫‪ -‬عن أيِب الَّد ْر َداِء قاَل ‪ِ :‬مَس ْعُت َرُس وَل اهلل صلى اهلل عليه وسلم َيُقوُل ‪َ« :‬م ن اْش َتَك ى ِم ْنُك م َش ْيًئا‬
‫أو اْش َتَك اُه أٌخ َلُه َفْلَيُقْل ‪َ :‬ر ُّبَنا اهلل اَّلِذي يف الَّس ماء‪َ ،‬تَق َّد َس اُمْسَك ‪َ ،‬أْم ُر َك يف الَّس َم اِء َو األْر ِض ‪،‬‬
‫ِف‬
‫كما َر َمْحُتَك يف الَّس َم اء فاْجَعْل َر َمْحَتَك يف األْر ِض ‪ ،‬اْغ ْر َلَنا ُح وَبَنا َو َخ َطاَياَنا أْنَت َر ُّب الَّطِّيِبَني‬
‫أْنِز ْل َر َمْحًة ِم ن َر َمْحِتَك َو ِش َف اًء ِم ْن ِش َف اِئَك َعَلى َه َذ ا اْلَو َج ِع َفَيْبَر ُأ»‪ ،‬رواه أبو داود‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم كاَن ُيَعِّلُم ُه ْم‬ ‫‪ -‬عن َعْم ِر و بِن ُش َعْيٍب عن أِبيِه عن َج ِّد ِه‪« :‬أَّن َرُس وَل‬
‫َو َشِّر ِعَباِدِه‪َ ،‬و ِم ْن َمَهَز اِت الَّش َياِط ِني َو أْن‬ ‫ِم الَف ِع َك ِل اٍت ‪ :‬أ وُذ ِبَك ِل اِت اهلل الَّتاَّمِة ِم َغ ِبِه‬
‫ْن َض‬ ‫َم‬ ‫ُع‬ ‫َم‬ ‫َن َز‬
‫ْحَيُضُر وَن »‪ ،‬رواه أبو داود‬

‫ثانيا‪ -:‬األدوية املباحة اليت نصت عليها السنة‪:‬‬

‫‪ -‬التصبح كل يوم بسبع مترات من عجوة املدينة؛ فعن عائشة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قال‪« :‬يف َعْج َو ِة العاِلَيِة َأَّو َل الُبْك َر ِة على ِر يِق الّنفِس شفاٌء ِم ْن ُك ِّل ِس ْح ٍر َأْو سم»‪ ،‬رواه‬
‫أمحد وأبو داود‪.‬‬
‫وعن عامر بن سعد عن أبيه قال‪ :‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬من اصطبح كل يوم بتمرات‬
‫عجوة مل يضره سم وال سحر ذلك اليوم إىل الليل"‪.‬‬
‫وكون العجوة تنفع من السم والسحر إمنا هو بربكة دعوة النيب صلى اهلل عليه وسلم لتمر‬
‫‪1‬‬
‫املدينة ال خلاصية يف التمر‬

‫‪ -‬استعمال احلجامة؛ أي استفراغ الدم من العضو الذي يصل إليه أذى السحر؛ فعْن أيب‬
‫ِبِه‬
‫ُه َر ْيَر َة أَّن َرُس وَل اهلل صلى اهلل عليه وسلم قاَل ‪« :‬إْن كاَن يِف َش ْي ء َّمِما َتَد اَو ْيُتْم َخ ْيٌر‬
‫حر‪.‬‬ ‫فاِحْلَج اَم ُة»‪ ،‬رواه أبو داود‪ .‬وروي أن الرسول احتجم بقرن ملا طُب أي ملا سُ ِ‬
‫قال ابن القيم يف زاد املعاد‪:‬‬
‫"النوع الثاين‪ :‬الاستفراغ يف احملل الذي يصل إليه أذى السحر؛ فإن للسحر تأثًريا يف الطبيعة‬
‫وهيجان أخالطها وتشويش مزاجها‪ ،‬فإذا ظهر أثره يف عضو وأمكن استفراغ املادة الرديئة من‬
‫ذلك العضو‪ ،‬نفع جًد ا‪ .‬وقد ذكر أبو عبيد يف كتاب غريب احلديث له بإسناده عن عبد‬
‫الرمحن بن أيب ليلى أن النيب صلى اهلل عليه وسلم احتجم على رأسه بقرن حني طب‪ ،‬قال أبو‬
‫عبيد‪ :‬معىن طب سحر"‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن حجر‪ ,‬فتح الباري (م‪,10/‬ص‪)250/‬‬


‫‪ -‬ذكر ابن بطال أن يف كتب وهب بن منبه‪ :‬أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر –النبق‪-‬‬
‫فيدقه بني حجرين‪ ،‬مث يضربه باملاء ويقرأ فيه آية الكرسي وذوات قل‪ ،‬مث حيسو منه ثالث‬
‫‪1‬‬
‫حسوات‪ ،‬مث يغتسل به‪ ،‬فإنه يذهب عنه كل ما به‪ ،‬وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله‬

‫‪ -‬قال ابن حجر‪" :‬وأما النشرة فإنه جيمع أيام الربيع ما قدر عليه من ورد املفازة وورد‬
‫البساتني‪ ،‬مث يلقيها يف إناء نظيف وجيعل فيها ماء عذبًا‪ ،‬مث يغلي ذلك الورد يف املاء غليًا‬
‫يسريا‪ ،‬مث ميهل حىت إذا فرت املاء أفاضه عليه‪ ،‬فإنه يربأ بإذن اهلل"‪.‬‬
‫ً‬

‫‪ -‬ومن أجنح األدوية أيضًا الوصول إىل مكان السحر بعد البحث عنه‪ ،‬واستخراجه إلبطاله‬
‫صدفا‪ ،‬أو إذابته إن كان‬
‫ودعا أو ً‬‫بقراءة املعوذات عليه وآيات السحر‪ ،‬مث كسره إن كان ً‬
‫(بودرة)‪ ،‬أو حرقه بعد القراءة عليه‪ ،‬وكما صح عنه صلى اهلل عليه وسلم أنه سأل اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يف ذلك فأرشده إليه‪ ،‬وال سبيل إىل ذلك إال بسؤال اهلل تعاىل مع اإلحلاح يف الدعاء‬
‫بأن يكشف له مكان السحر‪ ،‬واعلم أن اهلل مسيع قريب‪ ،‬ويجيب الدعاء إذا دعاه عبده بصدق‬
‫وإخالص‪ ،‬مع متام المسكنة وكامل التوكل‪ ،‬واعلم أيضًا أن اهلل حيي كرمي ويستحيي أن يرد‬
‫يدي عبده صفرًا‪ ،‬فجد يف املسألة وثق باإلجابة بإذن اهلل‪ ،‬فقد مين اهلل على عبده بأن يريه‬
‫رؤيا تدله على مكان السحر والرؤيا جزء من أجزاء النبوة؛ فعن َأنس بن مالٍك َأَّن رسوَل اِهلل‬
‫ٍة‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬الُّر ؤيا احلسنُة مَن الرُج ِل الصاحل ُج زٌء من ست وَأربعَني جزًءا مَن‬
‫النَّبوة»‪ ،‬رواه البخاري‪.‬‬
‫أو أن يقدر اهلل بأن يتكلم اجلين املوكل بالسحر فيخرب عن مكان السحر‪.‬‬

‫‪ -‬قال ابن حجر‪( :‬أخرج عبد الرزاق من طريق الشعيب قال‪ :‬ال بأس بالنشرة العربية اليت إذا‬
‫وطئت ال تضره‪ ،‬وهي أن خيرج اإلنسان يف موضع عضاه‪ ،‬فيأخذ عن ميينه وعن مشاله من‬
‫كل‪ ،‬مث يدقه ويقرأ فيه مث يغتسل به)‪ ،‬أي يأخذ من أوراق أشجار الشوك اليت عن ميينه وعن‬
‫مشاله يف البقعة اليت هو فيها‪.‬‬

‫‪ 1‬الجامع ألحكام القرآن ج‪ 2‬ص‪.50-49‬‬


‫‪ -‬وورد يف كتب العلم عالج خاص للمربوط عن زوجته؛ يقول ابن حجر‪( :‬املبتلى بذلك‬
‫يأخذ حزمة قضبان وفأسًا ذا قطارين‪ ،‬ويضعه يف وسط تلك احلزمة‪ ،‬مث يؤجج نارًا يف تلك‬
‫‪2‬‬
‫احلزمة حىت إذا محي الفأس استخرجه من النار وبال على حره‪ ،‬فإنه يربأ بإذن اهلل تعاىل)‬
‫فاألخبرة املتصاعدة من الفأس بعد تسخينه على النار تفيد املربوط عند تعريض الذكر هلذه‬
‫األخبرة فيخرج اجلين بإذن اهلل ويبطل السحر‪.‬‬

‫‪ -‬أما السحر املطعوم أو املشروب فإن عالجه باستسهال البطن للمسحور مع أخذ الرقية‬
‫الشرعية‪.‬‬

‫‪ 2‬ابن حجر العسقالني‪ ,‬فتح الباري‪( ,‬ج‪ ،10‬ص ‪ .)233/‬والَقِض يب‪ :‬الُغ ْص ُن ‪.‬‬
‫والَقِض يب‪ :‬كُّل َنْب ٍت من اَألغصان ُيْقَضب‪ ،‬والجمع ُق ُض ٌب وُقْضب‪ ،‬وُقْضبان‬
‫وِقْضبان اَألخيرة اسم للجمع‪ .‬قاله ابن منظور في لسان العرب‪..‬‬
‫الباب الثالث‬
‫( فك السحر بالسحر )‬

‫القول الراجح يف مسألة فك السحر عن املسحور بالسحر‪:‬‬


‫ال جيوز فك السحر بالسحر؛ لعموم أدلة التحرمي من الكتاب والسنة‪ ،‬وهي عامة يف حال‬
‫التداوي‪ ،‬أو النشرة‪ ،‬أو قصد األذية‪ ،‬ومن فرق بينها فقد فرق بني ما مجع اهلل بينه وخص‬
‫العموم‪ ،‬وهذا ال جيوز بدون مسوغ‪ ,‬والقاعدة عند العلماء أن ما حرم فعله حرم طلبه‪.‬‬

‫أوال‪:‬عموم أدلة التحرمي من الكتاب‪:‬‬


‫يقول تعاىل يف حمكم كتابه‪َ...{ :‬و َيَتَعَّلُم وَن َم ا َيُضُّر ُه ْم َو ال َينَف ُعُه ْم َو َلَقْد َعِلُم وا َلَم ِن اْش َتَر اُه َم ا‬
‫َلُه يِف اآْل ِخ َر ِة ِم ْن َخ الٍق ‪[ }...‬البقرة‪ .]102 :‬هم يعتقدون أنه نفع ملا يتعجلون به من بلوغ‬
‫الغرض‪ ،‬وحقيقته مضرة؛ ملا فيه من عظيم سوء العاقبة‪ ،‬وحقيقة الضرر عند أهل السنة‪ :‬كل‬
‫أمل ال نفع يوازيه‪ ،‬وحقيقة النفع‪ :‬كل لذة ال يعقبها عقاب وال تلحق فيه ندامة‪ ،‬والضرر وعدم‬
‫‪1‬‬
‫املنفعة يف السحر متحققة‬
‫وقال تعاىل‪َ...{ :‬و َلِبْئَس َم ا َش َر ْو ا ِبِه َأْنُف َس ُه ْم َلْو َك اُنوا َيْع َلُم وَن } [البقرة‪.]102 :‬‬
‫ِه‬ ‫ِت‬ ‫ِحُي‬ ‫ِف‬ ‫ِب‬
‫وقال تعاىل‪َ{ :‬يْأُمُر ُه ْم اْلَم ْع ُر و َو َيْنَه اُه ْم َعْن اْلُم نَك ِر َو ُّل ُهَلْم الَّطِّيَبا َو َحُيِّر ُم َعَلْي ْم‬
‫اَخْلَباِئَث } [األعراف‪.]157 :‬‬
‫الشاهد (وحيرم عليهم اخلبائث)‪ ،‬والسحر ملا حيويه من الكفر هو أوىل بالتحرمي‪ ،‬وهو أعلى‬
‫درجات اخلبائث ملا فيه من الكفر والشرك‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نصوص السنة‪:‬‬


‫‪ -‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬اجتنبوا السبع املوبقات‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل ما هن؟ قال‪:‬‬
‫الشرك باهلل‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس اليت حرم اهلل إال باحلق‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬وأكل الربا‪،‬‬
‫والتويل يوم الزحف‪ ،‬وقذف احملصنات الغافالت املؤمنـات"‪ ،‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن العربي‪ ,‬أحكام القرآن‪ ,‬القسم األول‪ ,‬ص‪.31/‬‬


‫يقول شارح كتاب التوحيد‪" :‬قوله اجتنبوا أي ابعدوا‪ ,‬وهو أبلغ من قوله دعوا واتركوا؛ ألن‬
‫النهي عن القربان أبلغ"‪.‬‬

‫‪ -‬عن جابر بن عبداهلل ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬سئل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن‬
‫النشرة‪ ،‬فقال‪( :‬هي من عمل الشيطان)‪ ،‬رواه الإمام أمحد وأبو داود‬
‫و(النشرة)‪ :‬هي ضرب من العالج والرقية‪ُ ،‬يعاجل به من يظن أن به مًس ا من اجلن‪ ،‬مُس يت‬
‫نشرة؛ ألنه ينشر هبا عنه ما خامره من الداء‪ :‬أي ُيكشف وُيزال‪.‬‬
‫قال ابن اجلوزي‪ :‬النشرة حل السحر عن املسحور‪ ،‬وال يكاد يقدر عليه إال من يعرف السحر‪،‬‬
‫ويف كالمه إشارة منه أنه ال يرى جوازها ملا فيها من السحر‪ .‬وقد سئل احلسن عن النشرة‬
‫فقال‪ :‬ال حيل السحر إال ساحر‪ ،‬والساحر كافر‪ ،‬وحكمه القتل‪ ،‬وال يستعان به‪ ،‬وقال اإلمام‬
‫أمحد‪ :‬ابن مسعود يكره هذا كله‪ ،‬أي الرقى كلها‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪:-‬‬
‫"النشرة‪ :‬حل السحر عن املسحور‪ ،‬وهي نوعان‪ :‬حل السحر مبثله والذي هو من عمل‬
‫الشيطان‪ ،‬وعليه حيمل قول احلسن‪ ،‬فيتقرب الناشر واملنتشر إىل الشيطان مبا حيب فيبطل عمله‬
‫عن املسحور‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬بالرقية والتعوذات واألدوية املباحة فهذا جائز" انتهى كالم ابن القيم‪.‬‬
‫والشاهد على أن الرقية بالقرآن تسمى نشرة ما جاء يف احلديث‪.." :‬فنشره بـ(قل أعوذ برب‬
‫الناس)" أي رقاه‪.‬‬
‫ويف عون املعبود قال‪" :‬قوله‪( :‬هو من عمل الشيطان)‪ :‬أي من النوع الذي كان أهل اجلاهلية‬
‫يعاجلون به ويعتقدون فيه‪ ،‬وأما ما كان من اآليات القرآنية واألمساء والصفات الربانية‬
‫والدعوات املأثورة النبوية فال بأس به"‪..‬‬

‫كاهنا يؤمن مبا يقول‬


‫عرافا أو ساحرًا أو ً‬
‫‪ -‬وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬من أتى ً‬
‫فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم)‪ ،‬رواه أبو يعلى من حديث ابن مسعود‬
‫موقوفا‪ ،‬ورواه البزار‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع‪.‬‬
‫ً‬
‫مرفوعا‪( :‬ليس منا من تطري أو تطري له‪ ،‬أو تكهن أو تكهن له‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫‪ -‬وعن عمران بن احلصني‬
‫سحر أو سحر له‪ ،)...‬رواه البزار‪ ،‬وهو حديث صحيح يف صحيح اجلامع والسلسلة‬
‫الصحيحة‪.‬‬

‫‪ -‬حكاية الصحابية زوجة عبداهلل بن مسعود يف األثر املشهور‪ ،‬وملخصها أهنا كانت عندها‬
‫راقية ترقي بالسحر خبيط تربطه يف كتفها‪ ،‬فدخل ابن مسعود فاختبأت الساحرة حتت السرير‪،‬‬
‫فرأى ابن مسعود اخليط يف كتف امرأته‪ ،‬فعلم أنه سحر فنزع اخليط وقال‪( :‬إن ابن أم عبد‬
‫وآله أغنياء عن الشرك)‪.‬‬

‫‪ -‬وعْن ُأِّم الَّد ْر َداِء عْن أيب الَّد ْر َداِء ‪ ،‬قاَل ‪ :‬قاَل َرُس وُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إَّن اهلل أْنَز َل‬
‫الَّداَء َو الَّد َو اَء‪َ ،‬و َجَعَل ِلُك ِّل َداٍء َدَو اءً‪َ ،‬فَتَد اَو ْو ا َو َال َتَتَد اَو ْو ا َحِبَر اٍم »‪ ،‬سنن أيب داود كتاب‬
‫الطب‪ ،‬وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة بلفظ‪( :‬إن اهلل تعاىل خلق الداء والدواء‪،‬‬
‫َفَتَد اَو ْو ا َو َال َتَتَد اَو ْو ا َحِبَر اٍم )‪.‬‬

‫‪ -‬ويف رواية‪ :‬سئل ابن مسعود عن التداوي بشيء من احملرمات فأجاب‪( :‬إن اهلل مل جيعل‬
‫ِض‬
‫شفاءكم فيما حرم عليكم)‪ ،‬علقه البخاري يف صحيحه‪ ،‬ويف الحديث‪ :‬ر يُت ُألَّم يت ما رضَي‬
‫هلا ابُن ُأِّم َعْبٍد‪ ،‬ملعرفته بشفقته علـيهم ونصيحته هلم‪ ،‬وابُن ُأم َعْبٍد‪ :‬هو عبداهلل بن مسعود‪.‬‬

‫مرفوعا من حديث أم سلمة قال صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪ -‬ويف الفتح قال احلافظ‪" ..‬وأليب داود‬
‫(إن اهلل مل جيعل شفاء أميت فيما حرم عليها)‪.‬‬

‫‪ -‬قالت أم سلمة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ :-‬اشتكت ابنة يل‪ ،‬فنبذت هلا يف كوز‪ ،‬فدخل النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم وهو يغلي‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا؟ فقلت‪ :‬إن ابنيت اشتكت فنبذنا هلا هذا‪ ،‬فقال رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬إن اهلل مل جيعل شفاءكم فيما حرم عليكم)‪ ،‬ويف رواية‪( :‬إن اهلل مل‬
‫جيعل يف حرام شفاء)‪ ،‬انظر السلسلة الصحيحة‪.‬‬
‫‪ -‬عن أيب هريرة ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هنى عن الدواء‬
‫اخلبيث‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬والرتمذي كتاب الطب‪ ،‬ورواه أمحد‪ ،‬وقيل‪ :‬هو النجس أو احلرام أو‬
‫‪1‬‬
‫ما ينفر عنه الطبع‬

‫ثالثا‪ :‬بعض أقوال أهل العلم‪:‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه اهلل‪( :-‬واملسلمون وإن تنازعوا يف جواز التداوي باحملرمات‬
‫كامليتة واخلنزير‪ ،‬فال يتنازعون يف أن الكفر والشرك ال جيوز التداوي به حبال؛ ألن ذلك حمرم‬
‫يف كل حال‪ ،‬وليس هذا كالتكلم به عند اإلكراه‪ ،‬فإن ذلك إمنا جيوز إذا كان قلبه مطمئنًا‬
‫باإلميان‪ ،‬والتكلم به إمنا يؤثر إذا كان بقلب صاحبه‪ ،‬ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه باإلميان مل‬
‫‪2‬‬
‫يؤثر)‬

‫قال الشيخ حممد بن إبراهيم ‪-‬رمحه اهلل‪( :-‬قال بعض احلنابلة‪ :‬جيوز احلل بسحر ضرورة‪،‬‬
‫والقول اآلخر أنه ال حيل‪ ،‬وهذا الثاين هو الصحيح‪ ،‬وحقيقته أنه يتقرب الناشر واملنتشر إىل‬
‫الشيطان مبا حيب من ذبح شيء أو السجود له أو غري ذلك‪ ،‬فإذا فعل ذلك ساعد الشيطان‪،‬‬
‫وجاء إىل إخوانه الشياطني الذين عملوا ذلك العمل‪ ،‬فيبطل عمله عن املسحور‪ ،‬أفيعمل الكفر‬
‫لتحيا نفوس مريضة أو مصابة؟ مع أن الغالب يف املسحور أنه ميوت أو خيتل عقله‪ ،‬فالرسول‬
‫‪3‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم منع وسد الباب‪ ،‬ومل يفصل يف عمل الشيطان وال يف املسحور)‬

‫قال الشيخ حممد األمني الشنقيطي‪( :‬التحقيق الذي ال ينبغي العدول عنه يف هذه املسألة‪ :‬أن‬
‫استخراج السحر إن كان بالقرآن كاملعوذتني‪ ،‬وآية الكرسي‪ ،‬وحنو ذلك مما جتوز الرقية به‪،‬‬
‫فال مانع من ذلك‪ ،‬وإن كان بسحر‪ ،‬أو ألفاظ أعجمية‪ ،‬أو مبا ال يفهم معناه‪ ،‬أو بنوع آخر‬
‫‪4‬‬
‫مما ال جيوز‪ ،‬فإنه ممنوع‪ ،‬وهذا واضح‪ ،‬وهو الصواب إن شاء اهلل تعاىل كما ترى)‬

‫‪ 1‬عون المعبود‪ ,‬كتاب الطب‪ .‬باب األدوية المكروهة‪ ,‬م‪( 10‬ص‪)353/‬‬


‫‪ 2‬مجموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية (‪)64/ 19‬‬
‫‪ 3‬فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (ج‪1‬ص‪ )165‬بتصرف‬
‫‪ 4‬أضواء البيان‪( ,‬م‪ 4/‬ص‪) 465 /‬‬
‫وقال الشيخ حافظ حكمي‪:‬‬
‫وحُّله بالوحي نصًّا ُيشرعُ = أما بسحر مثله فيُ ُ‬
‫منع‬ ‫َ‬
‫(وحله) يعين حل السحر عن املسحور (بـ) الرقى والتعاويذ واألدعية من (الوحي) الكتاب‬
‫والسنة (نصًّا) أي بالنص (يشرع) كما رقى جربيل النيب صلى اهلل عليه وسلم باملعوذتني‪،‬‬
‫وكما يشمل ذلك أحاديث الرقى‪.‬‬
‫وقال –رمحه اهلل–‪( :‬أما حل السحر عن املسحور بسحر مثله فيحرم؛ فإنه معاونة للساحر‪،‬‬
‫وإقرار له على عمله‪ ،‬وتقرب إىل الشيطان بأنواع القرب ليبطل عمله عن املسحور‪ ،‬وهلذا قال‬
‫احلسن‪ :‬ال حيل السحر إال ساحر‪ ،‬وقال الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عنها‪ :‬هي من عمل‬
‫كثريا من السحرة الفجرة يف األزمان اليت ال سيف فيها يردعهم يتعمد‬ ‫الشيطان‪ .‬وهلذا ترى ً‬
‫سحر الناس ممن حيبه أو يبغضه‪ ،‬ليضطره بذلك إىل سؤاله حله‪ ،‬ليتوصل بذلك إىل أموال الناس‬
‫‪1‬‬
‫بالباطل‪ ،‬فيستحوذ على أمواهلم ودينهم‪ ،‬نسأل اهلل تعاىل العافية)‬

‫قال الشيخ ابن باز ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪:-‬‬


‫"فك السحر بالسحر ال جيوز‪ ،‬وإتيان الكهان أو إحضارهم عند املسحور لفك ما به من سحر‬
‫ال جيوز‪ ،‬وتعليق احلجب والتمائم لذلك ال جيوز‪ ،‬ولو ترتب على ما ذكر فك السحر أحياًنا‪،‬‬
‫ولكن يرقى املسحور بتالوة القرآن عليه؛ كسورة الفاحتة‪ ،‬وآية الكرسي‪ ،‬وقل هو اهلل أحد‪،‬‬
‫واملعوذتني وحنوها من سور القرآن وآياته‪ ،‬وكذلك يرقي باألدعية الثابتة عن النيب (صلى اهلل‬
‫عليه وسلم)"‪.‬‬

‫‪ 1‬حافظ الحكمي‪ ,‬معارج القبول (م‪ ,1/‬ص‪ )381/‬بتصرف‬


‫شبه وحجج جميزي فك السحر بالسحر‬
‫والرد عليها على ضوء الكتاب والسنة وقواعد الفقه وأصوله‬

‫أما حجج جميزي فك السحر بالسحر‪ ،‬فالغالب أنه ال دليل هلم عليها‪ ،‬وما هي إال تقدمي‬
‫للرأي على النص‪ ،‬وتعظيم لكالم األشياخ أو قواعد تنتفي مناسباهتا يف هذه املسألة‪.‬‬
‫وهذه استدالالهتم وحججهم وما توصل إليه البحُث يف حقها‪:‬‬
‫أواًل ‪ :‬يرد اجمليزون قـول الرسول صلى اهلل عليه وسلم ملا سأل عن النشرة فقال‪( :‬هي من عمل‬
‫الشيطان) عن كونه يدل على هني النيب عن النشرة‪ ،‬فريون أن قولـه‪( :‬هي من عمل الشيطان)‬
‫إشارة ألصلها وال يـرون أن فيه أي أمر بالنهي عنها‪ ,‬وذكر احلافظ ابن حجر مثل ذلك يف‬
‫‪1‬‬
‫فتح الباري‬
‫قال مصنف كتاب التوحيد شيخ اإلسالم اجملدد حممد بن عبد الوهاب ‪-‬رمحه اهلل تعاىل– يف‬
‫باب النشرة‪ :‬عن جابر أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ُس ئل عن النشرة‪ ،‬فقال‪( :‬هي من‬
‫عمل الشيطان)‪ ،‬رواه أمحد بسند جيد‪ ،‬وأبو داود وقال‪ :‬سئل أمحد عنها فقال‪ :‬ابن مسعود‬
‫يكره هذا كله‪.‬‬
‫ويقول أهل العلم هو حديث صحيح‪ ،‬رجاله رجال الصحيحني‪ ,‬وقال أهل العلم‪ :‬هذا حممول‬
‫على ما إذا كانت خارجة عما يف كتاب اهلل وسنة رسوله عليه السالم‪ ،‬وعن املداواة املعروفة‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫قال الشارح الشيخ حسن آل الشيخ ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ :-‬قوله‪" :‬سئل عن النشرة"‪ :‬األلف‬
‫والالم يف (النشرة) للعهد أي النشرة املعهودة اليت كان أهل اجلاهلية يصنعوهنا هي من عمل‬
‫الشيطان"‪.‬‬
‫ونرد عليهم من قواعد األصول؛ فإن األلفاظ اليت تتلقى منها األحكام إما أن تأيت بصيغة األمر‬
‫أو بصيغة خرب يراد به األمر فتستدعي الفعل‪ ,‬وإما أن تأيت بصيغة النهي أو بصيغة خرب يراد به‬
‫النهي فتستدعي الرتك‪ ،3‬فالرسول صلى اهلل عليه وسلم ليس يف حديثه لفظ صريح بأمر أو هني‬

‫‪ 1‬كتاب الطب‪ ,‬باب هل يستخرج السحر‪ ,‬ص‪244‬‬


‫‪ 2‬تفسير القرطبي‪ ،‬سورة اإلسراء‪ ،‬المجلد العاشر ص‪319‬‬
‫‪ 3‬محمد علي بن حسين المكي المالكي‪ ,‬تهذيب الفروق والقواعد السنية‬
‫في األسرار الفقهية‪.‬‬
‫عوضا عن‬
‫كقول‪ :‬اجتنبوا أو دعوا‪ ..‬وغريه من األلفاظ التصرحيية‪ .‬لكنه استعاض عنه خبرب جاء ً‬
‫التصريح ودل عليه‪.‬‬
‫قال‪( :‬هي من عمل الشيطان)‪ .‬ويف الشرع هذا وصف خاص للمحرمات دون املباحات‪ ،‬وهو‬
‫علة تستدعي وتدل على النهي‪ ،‬وخرب ويراد به الرتك يف األصل‪.‬‬
‫ودليله أن أهل العلم يستنبطون من وصف أي أمر ما يف النصوص بأنه من عمل الشيطان‪ ،‬أن‬
‫الشارع يريد بذلك النهي عنه‪:‬‬
‫ِل الَّش َطاِن‬ ‫ِم‬ ‫ِر‬ ‫ِس‬ ‫ِإ‬
‫ْي‬ ‫مثاله قول اهلل تعاىل‪َ { :‬مَّنا اَخْلْم ُر َو اْلَم ْي ُر َو اَأْلْنَص اُب َو اَأْلْز اَل ُم ْج ٌس ْن َعَم‬
‫َفاْج َتِنُبوُه} [املائدة‪.]90 :‬‬
‫استفاد أهل العلم التحرمي يف هذه اآلية من وجوه؛ منها قوله تعاىل‪( :‬من عمل الشيطان)‪.‬‬
‫يقول القرايف‪" :‬قال تعاىل‪{ :‬من عمل الشيطان} فإضافته إىل الشيطان تفيد التحرمي يف عرف‬
‫الشرع" ا‪.‬هـ ‪.1‬‬
‫وقال أبو بكر الرازي يف أحكام القرآن‪" :‬قال تعاىل‪( :‬من عمل الشيطان)؛ ألن مهما كان من‬
‫عمل الشيطان حرم تناوله" ‪.2‬‬
‫‪3‬‬
‫يقول الطييب‪ :‬قوله تعاىل {من عمل الشيطان}‪ ،‬وما هو من عمله حرام‪.‬‬
‫فقال تعاىل‪( :‬فاجتنبوه) واحلكم املقرون بالفاء بعيد وصف يشعر بعليته كما يف قواعد‬
‫األصول‪ ,‬فاألمور املذكورة يف اآلية قرنت بعلة واحدة مشرتكة فيها اقتضت النهي عن اجلميع‪،‬‬
‫فالعلة اجملتمعة هي يف قوله تعاىل‪" :‬رجس من عمل الشيطان"‪.‬‬
‫وبدوران العلة يثبت حكم النهي يف النشرة؛ لوجود العلة اليت اقتضت حترمي كل ما ذكر يف‬
‫دائما؛ سواء‬
‫اآلية السابقة‪ .‬فاألمر الذي يوصف بعمل الشيطان أو بالرجس يكون حكمه النهي ً‬
‫هني كراهة أو هني حترمي حبسب احلال‪.‬‬
‫وأيضًا من األمثلة قوله تعاىل‪َ{ :‬و اَل َيْض ِر ْبَن ِبَأْر ُج ِلِه َّن ِلُيْع َلَم َم ا ْخُيِف َني ِم ْن ِز يَنِتِه َّن } [النور‪:‬‬
‫‪ ,]31‬يقول ابن جرير‪" :‬عن ابن عبـاس‪َ :‬و ال َيْض ِر بَن بأْر ُج ِلِه َّن ‪ ،‬هنى اهلل سبحانه وتعالـى عن‬
‫ذلك ألنه من عمل الشيطان"‪ .‬فالسبب الذي كان من دواعي النهي ذكره لنا ابن عباس‪,‬‬

‫‪ 1‬القرافي‪ ,‬كتاب الذخيرة‪ ،‬باب األشربة‪ ,‬ص ‪ ,116‬الجزاء الرابع‬


‫‪ 2‬الحافظ ابن حجر العسقالني‪ ،‬فتح الباري‪ ,‬كتاب األشربة‪( ,‬ص‪, 31/‬م‪)10/‬‬
‫‪ 3‬عون المعبود على شرح سنن أبي داود‪ ,‬كتاب األشربة‪( ,‬ص‪, 106/‬م‪)10/‬‬
‫وقول الصحايب حجه‪ ..‬إذن "عمل الشيطان" كما يظهر هي علة استفاد منها العلماء النهي‬
‫والرتك‪...‬‬
‫والرسول صلى اهلل عليه وسلم ينهانا يف أحاديثه عن أمور ويصرح بالسبب‪ :‬أهنا من عمل‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫ويف صحيح مسلم وعند اإلمام أمحد ‪-‬رمحهما اهلل‪ -‬عن َأيب هريرة رضي اهلل عنه ‪ 1‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل‪« :‬املؤمن القوي خري وأحب ِإىل اهلل من املؤمِن الضعيف‪ ،‬ويِف كل خري‪ ،‬احِر ص‬
‫عَلى ما ينفعك‪ ،‬واستعن ِباهلل‪ ،‬وال تعجز‪ ،‬وِإن أصابك شيء َفال تقل‪ :‬لو أيِن فعلت كان كذا‬
‫وكذا‪ ،‬ولكن قل‪َ :‬قدر اهلل وما شاء َفعل‪ ،‬فِإن لو تفتح عمل الشيَطاِن »‪.‬‬
‫ويف صحيح مسلم ومسند اإلمام أمحد َعْن أنس رضي اهلل عنه ‪َ 2‬قال‪( :‬ملا فتح رسول الّله‬
‫محرا خاِر ًجا من القرية‪ ،‬فَطبخنا منها‪ ،‬فنادى منادي رسوِل اهلل‪َ :‬أال ِإن اهلل‬ ‫خيرب‪ ،‬أصبنا ً‬
‫ورسوله ينهيانكم عنها فإهنا ِر جس من عمِل الشيَطاِن ‪ ،‬فأكفئت القدور مِب ا فيها‪ ،‬وإهنا لتفور مِب ا‬
‫فيها)‪.‬‬
‫السبب الذي دعا للنهي هو كوهنا من عمل الشيطان‪ ،‬وصرح بذلك رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬فحري بنا أن ننتهي بنهيه وحنرص على اجتناب كل ما كان كذلك‪ ,‬وورد يف األصل‬
‫حترميه وتواترت األدلة على ذلك‪.‬‬
‫وكثري من احملرمات والكبائر يف الشرع يطلق عليها هذه التسمية‪" :‬من عمل الشيطان"‪ ،‬ومل‬
‫يسبق أن مسيت هبا املباحات إطالًقا‪...‬‬
‫قال تعاىل‪َ{ :‬فَو َك َزُه ُموَس ى َفَق َض ى َعَلْيِه َقاَل َه َذ ا ِم ْن َعَم ِل الَّش ْيَطاِن ِإَّنُه َعُد ٌّو ُمِض ٌّل ُمِبٌني (‪)15‬‬
‫َقاَل َر ِّب ِإيِّن َظَلْم ُت َنْف ِس ي َفاْغ ِف ْر يِل } [القصص‪ ,]16 :‬موسى عليه السالم قتل القبطي فندم‬
‫وقال‪ :‬هذا من عمل الشيطان ‪-‬أي القتل العدوان احملرم‪ -‬واستغفر اهلل وتاب إليه‪ .‬ويقول أهل‬
‫العلم إن التوبة تكون من كفر أو شرك أو معصية أو نفاق‪.‬‬

‫‪ 1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب القدر‪ ,‬مسند الإمام أحمد‪ ،‬في مسند أبي هريرة‬
‫‪ 2‬صحيح مسلم‪ ،‬باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية‪ ,‬مسند اإلمام أحمد‪،‬‬
‫في مسند أنس بن مالك‬
‫وبنو إسرائيل ملا أراد السامري إغواءهم وصدهم عن توحيد اهلل أتاهم بالعجل ليعبدوه‪ ,‬يقول‬
‫ابن كثري‪" :‬قالت فرقة من بين إسرائيل‪ :‬هذا من عمل الشيطان ‪-‬أي الشرك‪ -‬وليس بربنا ال‬
‫نؤمن به وال نصدق"‪.‬‬
‫ويف فتح الباري قال احلافظ‪ :‬وثبت النهي عن األكل بالشمال وأنه من عمل الشيطان‪ ،‬من‬
‫حديث ابن عمر ومن حديث جابر عند مسلم‪.‬‬
‫فاألمثلة الشرعية السابقة هي برهان على بطالن حجتهم ودليل على دحض شبهتهم وردها‬
‫عليهم‪ .‬وهي إثبات لعكس ما يقولون‪ .‬فمن اخلطأ أن يقال‪ :‬إن قول النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫عن النشرة‪" :‬هي من عمل الشيطان" ال حيمل داللة على النهي عن النشرة‪ ،‬مع أهنا قرنت فيه‬
‫هبذه الصفة املقتضية للنهي‪ !!..‬فـ"منهج الشريعة" هو الذي أكد استدعاء النهي؛ ألن عمل‬
‫الشيطان عمل حقري خبيث حيمل عليه هو؛ فيزين القبيح‪ ،‬ويغوي اخللق به‪ ،‬ويضلل به العباد‬
‫عن احلق وعن الصراط السوي‪ ,‬وعمله من األعمال اليت تسخط اهلل وال ترضيه‪ ،‬وليست هي‬
‫من األعمال اليت يرتضيها اهلل لصفوة عباده املسلمني‪ ....‬قال عز وجل‪ { :‬اَل َّتِب وا ُط اِت‬
‫َو َت ُع ُخ َو‬
‫ِخَّت‬ ‫ِن‬
‫الَّش ْيَطا ِإَّنُه َلُك ْم َعُد ٌّو ُمِبٌني } [البقرة‪ ،]168 :‬وقال تعاىل‪ِ{ :‬إَّن الَّش ْيَطاَن َلُك ْم َعُد ٌّو َفا ُذ وُه‬
‫َعُد ًّو ا} [فاطر‪ ،]6 :‬يقول املفسرون‪ :‬أي ال تتبعوا طرائقه ومسالكه اليت أضل هبا أتباعه‪.‬‬
‫مث إن النهي حيمل على التحرمي ال الكراهة‪ ،‬وليس يف النص إشارة كافية للحمل سواء على‬
‫التحرمي أو الكراهة‪ ،‬ولكن أدلة السحر العامة يف حكمه وحكم فاعله وحكم طالبه ترجح محل‬
‫هذا النهي على التحرمي لورود الزجر والعقاب وترتب اإلمث الكبري على ذلك‪ ,‬ومنها‪ ..‬قوله‬
‫تعاىل‪َ{ :‬و َلَقْد َعِلُم وا َلَم ِن اْش َتَر اُه َم ا َلُه يِف اَآْلِخ َر ِة ِم ْن َخ اَل ٍق } [البقرة‪ ،]102 :‬أي من استبدل‬
‫دينه بالسحر فإنه ال نصيب له‪ ،‬وعد الرسول صلى اهلل عليه وسلم السحر عامة من املوبقات‬
‫املهلكات يف احلديث الذي أخرجه البخاري‪ ،‬وقال‪( :‬ليس منا من تطري أو تطري له‪ ،‬أو تكهن‬
‫أو تكهن له‪ ،‬أو سحر أو سحر له)‪.‬‬
‫واألدلة يف هذا املعىن كثرية‪ ،‬ويستفاد منها التحرمي ال الكراهة‪ ،‬والنصوص القرآنية تبني أن‬
‫السحر كفر والساحر كافر‪ ،‬وتنهى عن طلب السحر واستبداله بالدين؛ فالنصوص عامة أو قد‬
‫تكون جمملة‪ ،‬وإن كانت جمملة فهي حتتاج ملا يبينها‪ ،‬ويف السنة ما يبينها؛ فالنشرة قال رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيها‪( :‬هي من عمل الشيطان)‪ ،‬وبني الرسول أن إتيان الساحر كفر‬
‫مبا أنزل اهلل وهو القرآن‪ ،‬وهذا عام؛ سواء كان اإلتيان لتعلم السحر‪ ،‬أو كان لسؤال الساحر‬
‫عن املغيبات‪ ،‬أو لعمل السحر لآلخرين‪ ،‬أو كان للنشرة‪ ،‬كما دلت النصوص‪ ،‬والتفريق بني‬
‫ما مجع بينه النص بغري قرينة صحيحة ال جيوز‪.‬‬
‫مث إن الرسول صلى اله عليه وسلم مل يصدر هنا حكمًا جديدًا أو وصفًا خاصًّا بالنشرة؛ ألن‬
‫السحر أخرب اهلل عنه أنه من عمل الشيطان بداللة قوله تعاىل‪َ{ :‬و اَّتَبُعوا َم ا َتْتُلو الَّش َياِط ُني َعَلى‬
‫ُمْلِك ُس َلْيَم اَن َو َم ا َك َف َر ُس َلْيَم اُن َو َلِكَّن الَّش َياِط َني َك َف ُر وا ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر } [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]102‬قال ابن باز ‪-‬رمحه اهلل‪" :-‬هنا يف هذه اآلية حتذير من تعلم السحر وتعليمه؛ ألنه من‬
‫عمل الشيطان‪َ ،‬وألنه كفر ينايف اإلميان" ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫فالذي خيلص إليه بعد النظر يف األدلة والقرائن‪ ،‬وبعد التتبع هلذه العبارة يف أحكام القرآن‬
‫كافيا لنعلم أن النيب صلى اهلل عليه‬ ‫والسنة‪ ،‬بيان أن وصف النشرة بأهنا من عمل الشيطان كان ً‬
‫دائما‪ ،‬وال يدل على‬ ‫مقتض للنهي يف الشرع ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بوصف‬ ‫وسلم قد أراد فيها التحرمي؛ ألنه ألصقها‬
‫اإلباحة‪ ...‬فما زعموه مغاير ملقتضى الكتاب والسنة‪.‬‬

‫يقول بعض اجمليزين‪" 1 :‬أخذ البعض يستدلون مبا ال دليل فيه‪ ،‬وخيلطون بني الساحر والكاهن‪،‬‬
‫ويستدلون بقوله‪( :‬من أتى كاهًنا أو عراًفا فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على حممد)‪،‬‬
‫والكاهن والعراف مها اللذان خيربان بالغيب املستقبل الذي ال يعرفه إال اهلل‪ ،‬وهلذا فإن الشيخ‬
‫حممد بن عبد الوهاب ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عقد باًبا فيما جاء يف الكهان وحنوهم‪ ،‬مث عقد باًبا آخر‬
‫فقال‪" :‬باب ما جاء يف النشرة"‪ ،‬مما يدل على التفريق"‪.‬‬

‫قال اإلمام أمحد‪" :‬العرافة طرف من السحر‪ ,‬والساحر أخبث؛ ألن السحر شعبة من الكفر‪.‬‬
‫والساحر والكاهن حكمهما القتل أو احلبس حىت يتوبا؛ ألهنما يلبسان أمرمها" ا‪.‬هـ ‪ ,2‬والكاهن‬
‫هو من خيرب بواسطة النجم عن املغيبات يف املستقبل ‪ .3‬وما يقوم به العراف والكاهن من ادعاء‬
‫علم الغيب ُيعُد من السحر بداللة أن التنجيم ادعاء لعلم الغيب ودجل وكذب‪ ،‬وعده الرسول‬
‫أيضًا من السحر؛ فعن العباس رضي اهلل عنهما قال‪" :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫‪ 1‬الصارم المشهور على كل من أنكر حل السحر بسحر عن المسحور‪.‬‬


‫للدكتور العبيكان‬
‫‪ 2‬ابن قدامة المقدسي‪ ,‬المغني كتاب المرتد‪( ,‬ص‪, 155/‬م‪)8/‬‬
‫‪ 3‬الخطيب الشربيني‪ ,‬مغني المحتاج كتاب دعوى الدم‪( ,‬ص‪, 120/‬م‪)4/‬‬
‫"من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر‪ ,‬زاد ما زاد"‪ ،‬رواه أبو داود وإسناده‬
‫صحيح‪ .,‬فكل من ادعى علم الغيب فهو داخل يف مسمى الساحر كما ثبت بالنص‪ ,,,,‬وكل‬
‫حكم يلحق بالكاهن والعراف فالساحر أوىل به ألن الساحر كاهن وزيادة‪ .‬فزيادة على ادعائه‬
‫لعلم الغيب هو يعقد وينفث‪.‬‬

‫عرافا أو‬
‫مث إن العالمة األلباين ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬صحح احلديث برواية أخرى‪( :‬من أتى ً‬
‫كاهنا يؤمن مبا يقول‪ ،‬فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم)‪ ،‬وحديث‬
‫ساحرًا أو ً‬
‫آخر على هذا املعىن‪( :‬ليس منا من تطري أو تطري له‪ ،‬أو تكهن أو تكهن له‪ ،‬أو سحر أو سحر‬
‫له)‪ ،‬فيبطل احتجاجهم من غري ريب وال شك‪.‬‬

‫وقال الشيخ حفظه اهلل أيًض ا‪" :‬الذين يأمرون الناس باالقتصار على الرقية خيالفون ما فعله من‬
‫استخراج السحر وحله"‪.‬‬
‫إن الرسول صلى اهلل عليه وسلم استخرجه بالوحي‪ ،‬ومل يستخرجه بالسحر والشعوذة‪،‬‬
‫وحاشاه من ذلك‪ ،‬وإن من أجنح األدوية الوصول إىل مكان السحر وإتالفه وإبطاله‪ ،‬لكن ال‬
‫يباح إن كان ذلك بالسحر الذي حرمه اهلل يف كتابه وعلى لسان نبيه‪ ،‬وعده من املوبقات‬
‫املهلكة ملا فيه من األمور املوغلة يف الكفر والشرك‪..‬‬

‫قال الشيخ أيًض ا‪ُ" :‬يستدُل بنهي النيب صلى اهلل عليه وسلم عن التداوي باحلرام‪ ....‬فإن حل‬
‫السحر ليس من تعاطي األدوية احملرمة املأكولة واملشروبة‪ ،‬فاحلديث هو يف التداوي بأكل‬
‫الطعام احملرم أو شرب ما هو حمرم؛ كاخلمر ولو على سبيل التداوي‪ ،‬أما السحر فهو حبل عقد‬
‫وإتالف ما وضع فيه السحر واستخراجه كما فعل الرسول صلى اهلل عليه وسلم"‪.‬‬

‫إن لفظ التداوي الوارد يف احلديث الشريف لفظ عام ال يسوغ ختصيصه بالدواء املأكول‬
‫واملشروب؛ ألن املفهوم الظاهر للحديث هو عموم الدواء‪ ,‬واألدوية متنوعة اهليئة واألساليب‬
‫ليست فقط مأكولة أو مشروبه؛ فمنها ما هو على هيئة البخور‪ ،‬ومنها ما يكون عن طريق‬
‫الرقى أو احلجامة‪ ،‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪( :‬إَّن َأْفَض َل َم ا َتَد اَو ْيُتْم ِبه‬
‫اِحْلَج اَم ة)‪ ،‬رواه الرتمذي‪ ،‬أو الكي أو التدليك أو الاستفراغ‪ ،‬أو حرق احلصري كما ثبت ذلك‬
‫بفعل فاطمة رضي اهلل عنها‪ ،‬أو احلمية أو االغتسال بالسدر وغريه من األعشاب‪ ،‬وكذلك‬
‫حل العقد وإتالفها فهي من األساليب الناجحة يف دواء املسحور‪.‬‬
‫مث إنه ال أحد يستطيع أن ينكر أن حل عقد وإتالف ما وضع فيه السحر واستخراجه كما‬
‫فعل الرسول صلى اهلل عليه وسلم هو من أسباب الشفاء وإزالة البأس‪ .‬والرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قيد أسباب الشفاء فقال‪( :‬إن اهلل مل جيعل شفاءكم فيما حرم عليكم)‪ ،‬أخرجه البخاري‬
‫يف صحيحه‪ .‬فطلب الشفاء عن طريق السحر حمرم؛ ألن السحر حمرم يف ذاته‪ ،‬وألن اهلل‬
‫ِه‬ ‫َّط ِت‬ ‫ِحُي‬
‫سبحانه وتعاىل مل جيعل يف حمرم شفاء‪ ،‬وقال اهلل تعاىل‪َ{ :‬و ُّل ُهَلُم ال ِّيَبا َو َحُيِّر ُم َعَلْي ُم‬
‫اَخْلَباِئَث } [سورة األعراف‪ ،]157 :‬وهذا عام يف حترمي كل ما هو خبيث‪ ،‬ويشمل التداوي‬
‫بالسحر‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬يتذرعون بإقرار النيب صلى اهلل عليه وسلم النشرة‬


‫وحجتهم يف ذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪َ« :‬م كَث النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم كذا وكذا ُيخَّيُل إليه أنه يأيت أهَله وال يأيت‪ .‬قالت عائشة‪ :‬فقال يل ذات يوم‪ :‬يا‬
‫عائشة‪ ،‬إن اهلل تعاىل أفتاين يف أمر استفتيته فيه؛ أتاين رُج الن فجلَس أحُد مها عنَد رجَلَّي‬
‫واآلخُر عنَد رأسي‪ ،‬فقال الذي عنَد ِر جلَّي للذي عنَد رأسي‪ :‬ما باُل الرُج ل؟ قال‪َ :‬م طبوب ‪-‬‬
‫يعين مسحوًر ا‪ -‬قال‪ :‬وَم ن طَّبه؟ قال‪َ :‬لبيُد بُن أعَص م قال‪ :‬وفيَم ؟ قال‪ :‬يف ُج ِّف طلعٍة َذكر يف‬
‫ِه‬ ‫ِر‬ ‫ٍة‬ ‫ٍط‬
‫مش وُمشاطة حتَت َر عوف يف بئ َذرواَن ‪ .‬فجاَء النُّيب صلى اهلل عليه وسلم فقال‪ :‬هذ البئُر‬
‫اليت ُأِر يتها‪ ،‬كَأَّن ُر ؤوس خنِلها رؤوس الشياطني‪ ،‬وكأَّن ماَءها نقاعُة احلّناء‪ .‬فأمَر به النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم فُأخرَج ‪ .‬قالت عائشة‪ :‬فقلُت يا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فهال‪َ ،‬تعين‬
‫َتنشْر َت ؟ فقال النُّيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أّم ا اهلل فقد شفاين‪ ،‬وأما َأنا فأكَر ُه أن أثَري على‬
‫الناِس شًّر ا‪ .‬قالت‪ :‬وَلِبيُد بن أعَص م رجل من بين ُز َر يق‪َ ،‬ح ليٌف ليهود»‪.‬‬
‫يقول الشعيب‪ :‬إن يف ذلك داللة على جواز النشرة؛ ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم ترك‬
‫اإلنكار على عائشة‪ ،‬وهذا دليل على اجلواز‪.‬‬
‫ويؤخذ عليهم يف استدالهلم هذا مأخذان‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن من األصول املستقرة عند األصوليني إذا اختلفت الروايات فإن اجلمع بينها أوىل‪,‬‬
‫ومحلها مجيعها على معىن واحد متوافق أوىل‪ ،‬واحلديث هذا أتى بروايات متعددة ظاهرها‬
‫االختالف حول سؤال عائشة؛ فأتى سؤاهلا بلفظ‪ :‬أفال أحرقته؟ يف صحيح مسلم‪ ،‬وعند أمحد‬
‫بلفظ‪ :‬أفأخرجته أو استخرجته؟ ولفظ‪ :‬أفال؟ أي تنشرت يف البخاري‪ ,‬ومدار احلديث على‬
‫هشام بن عروة ‪ ,‬يقول ابن بطال‪ :‬إن االعتبار يعطى لسفيان الذي ورد يف روايته أن عائشة‬
‫سألت عن النشرة‪ ,‬فإن الزيادة منه مقبولة؛ ألنه أقواهم يف الضبط‪ ،‬ويقول ابن حجر يف فتح‬
‫الباري‪" :‬إن سفيان عندما قال‪ :‬أفال؟ أي تنشرت‪ ،‬كأنه مل يستحضر اللفظة فذكره باملعىن‪،‬‬
‫وظاهر هذه اللفظة أنه من النشرة‪ ،‬وحيتمل أن يكون من النشر؛ مبعىن اإلخراج فتوافق من رواه‬
‫بلفظ‪( :‬فهال أخرجته) أي أخرجت ما حواه اجلف‪ .‬وألن النشر يأيت مبعىن اإلخراج‪ ،‬فاألوىل‬
‫أن حتمل الروايات على معىن واحد يعرب عن هذه األلفاظ املتعددة؛ وهو أن سؤاهلا كان عن‬
‫إخراج ما احتواه اجلف من السحر وإظهاره للناس‪ ،‬فهناك إخراجان أحدمها مثبت واآلخر‬
‫منفي؛ األول إخراجه من البئر‪ ،‬وهو املثبت؛ ففي احلديث‪ :‬فأمَر به النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فُأخرَج ‪ ،‬والثاين املنفي؛ وهو إخراج ما حواه اجلف من السحر وإظهاره للناس‪ ،‬وهو الذي‬
‫سألت عنه عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫وان قيل‪ :‬إن احلمل على هذا املعىن ال يصح ألن بعض الروايات جاء فيها إشعار باستكشاف‬
‫وترا فيه عقد واحنلت عند قراءة املعوذتني‪ ،‬فهذه الروايات غري ثابتة‪،‬‬ ‫ما حواه اجلف فوجدوا ً‬
‫قال احلافظ‪" 1 :‬فلو كان ثابتًا لقدح يف اجلمع املذكور‪ ,‬لكن ال خيلو إسناد كل منهما من‬
‫ضعف"‪.‬‬
‫مث إن سؤال عائشة من الصعب أن حيمل على معىن‪ :‬لو أنك ذهبت للسحرة لفك سحرك؛ إذ‬
‫كيف تشري عليه عائشة رضي اهلل عنها بطلب العون من السحرة واللجوء هلم‪ ,‬وهي تدرك‬
‫قول اهلل تعالى‪َ{ :‬و َلَقْد َعِلُم وا َلَم ِن اْش َتَر اُه َم ا َلُه يِف اَآْلِخ َر ِة ِم ْن َخ اَل ٍق } [البقرة‪،]102 :‬‬
‫وتدرك وتعي قول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬اجتنبوا السبع املوبقات)‪ ،‬وذكر منها السحر‪,‬‬
‫وال جتهل الكفر الذي يقوم به الساحر‪ ،‬فهل يعقل أن تشري على رسول هذه األمة أن يلجأ‬
‫إىل ساحر وهو الذي ينهى عنه وعن إتيانه؟‬
‫فاألوىل محل النشرة اليت وردت يف حديث سفيان على اإلخراج؛ للتوفيق بني األدلة وهذا‬
‫ممكن وهلل احلمد‪.‬‬

‫‪ 1‬فتح الباري‪ ,‬كتاب الطب‪ ,‬باب هل يستخرج السحر (ص‪)246‬‬


‫وثانيا‪ :‬حىت وإن سلمنا أن سؤال عائشة كان عن الذهاب للسحرة‪ ,‬وثبت إقرار النيب للنشرة‪،‬‬
‫فهذا أيضًا ال يرجح اجلواز؛ ألن ذلك فيه تعارض بني النصوص مع بعضها‪ ،‬وال ميكن اجلمع‬
‫والتوفيق بينها؛ وهي حديث عائشة هذا الذي برواية سفيان وحديث جابر الذي رواه أمحد‬
‫وأبو داود‪ ،‬فعن النيب صلى اهلل عليه وسلم ملا سئل عن النشرة قال‪( :‬هي من عمل الشيطان)‬
‫وكل منهما دليل خاص‪ ..‬فعلينا الرتجيح بينهما‪ ،‬ومن قواعد الرتجيح‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الفعل ال يقدم على القول؛ ويقول األصوليون من باب أوىل أن ال يقدم اإلقرار على‬
‫القول‪ ,‬فريجح هبذا حديث جابر ألنه قويل فيقدم بذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬وأيضًا من قواعد الرتجيح أخذ ما كان العمل به أحوط‪ ,‬وما ال يتعارض مع ما شهد به‬
‫القرآن والسنة واإلمجاع‪ ،‬والذي ال يتعارض أيضًا مع ما عمل به اخللفاء؛ ففي البخاري عن‬
‫جبالة بن عبدة قال‪ :‬كتب عمر بن اخلطاب‪ :‬أن اقتلوا كل ساحر وساحرة‪ ،‬قال‪ :‬فقتلنا ثالث‬
‫سواحر‪ ,‬فلو كان يف إبقائهم مصلحة ترجى أو خري يبتغى ملا أمر بقتلهم عمر رضي اهلل‬
‫عنه!!! فريجح هبذا حديث جابر ألنه أحوط وأسلم وال خيالف النصوص‪ ،‬بل جاء موافقًا‬
‫للقرآن وسنة النيب وسنة أصحابه األخيار من بعده‪.‬‬
‫‪ -3‬وأيضًا من قواعد الرتجيح إذا تعارض دليالن أحدمها يقتضي التحرمي والآخر يقتضي‬
‫اإلباحة قدم التحرمي يف األصح‪ ,‬قال األئمة‪ :‬وإمنا كان التحرمي أحب ألن فيه ترك مباح‬
‫حديثا‪ ,‬وروي موقوفًا على ابن مسعود‬‫الجتناب حمرم‪ ،‬وذلك أوىل من عكسه‪ .‬وأورده مجاعة ً‬
‫فريجح هبذا حديث جابر ألنه نص على النهي‪.‬‬
‫فِف عله وإقراره صلى اهلل عليه وسلم إن عارض قوله ظاهرًا‪ ,‬فإما أن يكون ذلك خاصًّا به أو‬
‫ألسباب وحكمة ال نعلمها بسب القصور يف الذهن لدينا‪ .‬فيبقى حكم النهي كما هو ال‬
‫يزول هلذه األسباب اليت قررها أهل العلم‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬يستدل اجمليزون مبا رواه البخاري عن قتادة قال‪ :‬قلت البن املسيب‪ :‬رجل به طب أو‬
‫يؤخذ عن امرأته‪ ،‬أحيل عنه أو ينشر؟ قال‪ :‬ال بأس إمنا يريدون به اإلصالح‪ ,‬فأما ما ينفع فلم‬
‫ينه عنه‪.‬‬

‫وهذا من ابن املسَّيب حُي مل على نوع من النشرة ال ُيعلم أنه سحر‪.‬‬
‫ألن سؤال قتادة يف النشرة عن املسحور‪ ،‬وكان جواب ابن املسيب ال بأس ‪-‬أي بالنشر‪-‬‬
‫ألهنم يريدون اإلصالح‪ ,‬فأما ما ينفع فلم ينه عنه‪ .‬فدل على أنه أراد الرقية الشرعية أو النشرة‬
‫املباحة اخلالية من الشرك؛ ألهنا منفعة ال تلحقها مضرة ال دنيوية أو أخروية‪ ،‬والنيب مل يأذن‬
‫بفك السحر إال بالرقية الشرعية واألدوية املباحة؛ كما يف احلديث‪ :‬فلعل طبا أصابه‪ ،‬مث نشره‬
‫بـ(قل أعوذ برب الناس)‪ ،‬أي رقاه‪ ،‬وطلب من الصحابة الكرام أن يعرضوا رقاهم عليه فقال‪:‬‬
‫شركا‪.‬‬
‫اعرضوا علي رقاكم؛ ال بأس بالرقى ما مل تكن ً‬
‫وأما محل كالم ابن املسيب على جواز النشر عن املسحور بالسحر فال يصح‪ ،‬وإن صح عنه‬
‫ذلك فإنه ال يؤخذ بقوله؛ ألنه قول خمالف للنصوص العامة واخلاصة‪ ,‬والسحر عرف منذ القدم‬
‫وعرفته العرب‪ ،‬وكان يستخدم على الوجهني‪ :‬يف الشر والضرر‪ ,‬ويف النشر وحل السحر عن‬
‫املسحور‪ ,‬وبعد اإلسالم نزلت آيات السحر يف ذمه والنهي عنه‪ ,‬آيات عامة بدون ختصيص‪,‬‬
‫وكذلك أقوال الرسول صلى اهلل عليه وسلم تأمر باجتنابه وتبني كفر طاِلـِبه واخلطاب فيها‬
‫عام‪ ،‬فالنهي يشمل الوجهين‪.‬‬
‫يقول ابن قدامة يف روضة الناظر وجنة املناظر‪" :‬إمجاع الصحابة رضوان اهلل عليهم؛ فإهنم من‬
‫أهل اللغة‪ ،‬بأمجعهم أجروا ألفاظَ الكتاب والسنة على العموم إال ما دل على ختصيصه دليل‪،‬‬
‫فإهنم كانوا يطلبون دليل اخلصوص ال دليل العموم‪ ،‬واإلمجاع حجة‪ ،‬فاألصل استصحاب‬
‫عموم الدليل حىت يرد املخصص"‪.‬‬
‫والعموم ال حيمل على غريه إال بقرينة‪ .‬وال توجد قرينة تنقله للخصوص‪ ,‬فأدلة السـ ــحر القرآنية‬
‫واحلديثية‪ ,‬أدلة تشتمل على ألفاظ وصيغ تعرب عن العموم‪ ،‬وهي معروفة ومدونة يف كتب‬
‫العلم‪ ،‬فإن وردت يف النصوص كان دليلا عامًّا‪.‬‬
‫كاهنا يؤمن مبا يقول فقد‬‫عرافا أو ساحرًا أو ً‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬من أتى ً‬
‫كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم)‪.‬‬
‫فيه من صيغ العموم "من" للعاقل‪ ,‬و"ما" فيما ال يعقل‪ ,‬أي عموم اإلتيان للساحر واالستعانة به‬
‫وقصد سحره يرتتب عليه الكفر‪ ,‬بأي غاية كانت‪ ،‬وتصديقه بأي شيء قاله دون ختصيص أو‬
‫استثناء‪ ,‬فهذا هو املفهوم الظاهر للحديث‪ ،‬فيبقى املعىن واحلكم كما هو النتفاء الناسخ أو‬
‫املخصص أو اإلمجاع على خالف العموم‪.‬‬
‫فلم خيصصون الدليل؟‬
‫وقال أيضًا صلوات ريب وسالمه عليه‪( :‬ليس منا من تطري أو تطري له‪ ،‬أو تكهن أو تكهن له‪،‬‬
‫أو سحر أو سحر له)‪ ،‬فيه (من) وهي من ألفاظ العموم؛ ففيه كفر من تطلب عمل السحر‪،‬‬
‫وال شك أن الشخص املسحور الذي ينشر عنه بالسحر يدخل يف هذا العموم‪ ,‬والسحر هنا‬
‫لفظ عام يشمل الوجهين‪.‬‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬اجتنبوا السبع املوبقات‪ :‬الشرك باهلل‪ /‬والسحر ‪ .....‬اخل)‪ ،‬والسحر‬
‫اسم جنس حملى بـ(ال) التعريف فيوجب العموم‪ ،‬أي يشمل ِس ـحرًا ُقـِص د للشـِِر واألذية أو‬
‫التفريق أو للنشر عن املسحور ملا فيه من األمور الكفرية‪ ،‬فاألمر عام باالجتناب‪ ،‬واألصل يف‬
‫األوامر احلتم‪ ,‬يقول شارح كتاب التوحيد‪" :‬قوله‪ :‬اجتنبوا أي ابعدوا‪ ,‬وهو أبلغ من قوله دعوا‬
‫واتركوا؛ ألن النهي عن القربان أبلغ"‪ ،‬وغريه من األدلة‪.‬‬
‫وهكذا األدلة مجيعها‪ ،‬فالناظر إليها جيدها أدلة عامة‪ .‬فليست هي خاصة ملن قصد السحر‬
‫إلرادة اإلضرار‪.‬‬
‫واملخصصات هي‪ :‬النص‪ ،‬والعقل‪ ،‬واحلس‪ ،‬واملفهوم‪ ،‬واإلقرار‪ ،‬والفعل‪ ،‬واإلمجاع‪ ,‬وال أحد‬
‫يستطيع أن يثبت شيًئا منها‪.‬‬
‫فاألوىل محل كالم ابن املسيب على نوع من النشرة ال ُيعلم أنه سحر‪.‬‬

‫الضرورة اليت تباح هبا احملرمات‬ ‫ُ‬ ‫محلنا على اإلباحة‬‫رابعا‪ :‬يقولون َ‬
‫استنباطًا من قول اهلل تعاىل‪َ{ :‬و َقْد َفَّصَل َلُك ْم َم ا َح َّر َم َعَلْيُك ْم ِإاَّل َم ا اْض ُطِر ْر ْمُت ِإَلْيِه} [األنعام‪:‬‬
‫‪.]119‬‬
‫فهذا احتجاج فاسد ال اعتبار له؛ ألن علماء األصول وضعوا هلذه القاعدة شروطًا تضبطها‬
‫وحتكمها‪ ،‬فال بد من حتققها واستيفائها أوال‪ ,‬ومن هذه الشروط ‪-‬بل هو أوهلا‪ -‬أن يتعني‬
‫احملظور طريقًا لدفع الضرورة‪ ,‬أي انتفاء البديل عدا األخذ باحملظور‪ ,‬واملعلوم أن البدائل‬
‫موجودة وطرق عالج السحر كثرية‪ ،‬كما تبني سابًق ا‪ ,‬فال يرى إذن ما يسوغ فعل احملظور‪.‬‬
‫‪ -‬ويف بيان للجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء عن عالج السحر‪ ،‬جاء فيـه‪:‬‬
‫(‪ ..‬وال يصح القول جبواز حل السحر بسحر مثله بناء على قاعدة الضرورات تبيح‬
‫احملظورات؛ ألن من شرط هذه القاعدة أن يكون احملظور أقل من الضرورة‪ ،‬كما قرره علماء‬
‫األصول‪ ،‬وحيث إن السحر كفر وشرك‪ ،‬فهو أعظم ضرًر ا؛ بداللة قول النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪( :‬ال بأس بالرقى ما مل يكن فيها شرك)‪ ،‬أخرجه مسلم‪ ،‬والسحر ميكن عالجه باألسباب‬
‫املشروعة‪ ،‬فال اضطرار لعالجه مبا هو كفر وشرك‪)..‬ا‪.‬هـ‪.‬‬

‫مث إن التداوي ال يعد ضرورة‪ ،‬وال تستحل به احملرمات‪ ،‬والدليل على ذلك ما قاله ابن تيمية‬
‫يف الرد على من أباح التداوي باحملرمات؛ قال‪" :‬أما إباحة احملرمات للضرورة فحق؛ وليس‬
‫التداوي بضرورة لوجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن أكثر املرضى يشفون بال تداو‪ ،‬ويشفيهم اهلل مبا خلق فيهم من القوى املطبوعة يف‬
‫أبداهنم الرافعة للمرض‪ ،‬وفيما ييسره هلم من نوع حركة وعمل‪ ،‬أو دعوة مستجابة‪ ،‬أو رقية‬
‫نافعة‪ ،‬أو قوة قلب وحسن التوكل‪ ،‬إىل غري ذلك من األسباب الكثرية ظاهرة وباطنة‪ ,‬روحانية‬
‫وجسدية‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أن التداوي غري واجب‪ ،‬ومن نازع فيه َخصَمتْه السنةُ يف املرأة السوداء اليت خريها‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم بني الصرب على البالء ودخول اجلنة‪ ،‬وبني الدعاء بالعافية‪ ،‬فاختارت‬
‫وخصََمه حالُ أنبياء اهلل‬
‫البالء واجلنة‪ .‬ولو كان رفع املرض واجبًا مل يكن للتخري موضع‪َ ،‬‬
‫املبتلني الصابرين على البالء حني مل يتعاطوا األسباب الدافعة له؛ مثل أيوب عليه السالم‬
‫وغريه‪ ،‬وكذلك السلف الصاحل‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أن الدواء ال يستيقن‪ ،‬بل ويف كثري من األمراض ال يظن دفعه للمرض‪ ،‬إذ لو اطرد‬
‫ذلك مل ميت أحد‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬أن املرض يكون له أدوية شىت‪ ،‬وحمال أن ال يكون له يف احلالل شفاء أو دواء‪ ،‬والذي‬
‫أنزل الداء أنزل لكل داء دواء إال املوت‪ ،‬وال جيوز أن يكون أدوية األدواء يف القسم احملرم‪،‬‬
‫وهو سبحانه الرؤوف الرحيم كما جاء يف احلديث املروي‪" :‬إن اهلل مل جيعل شفاء أميت فيما‬
‫حرم عليها" ‪.1‬‬
‫مث قال يف موضع آخر ‪-‬رمحه اهلل‪( :-‬واملسلمون وإن تنازعوا يف جواز التداوي باحملرمات‬
‫كامليتة واخلنزير‪ ،‬فال يتنازعون يف أن الكفر والشرك ال جيوز التداوي به حبال)‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬احتجاجهم بالقاعدة (األصل يف املنافع اإلذن‪ ,‬ويف املضار املنع)‬

‫‪ 1‬فتاوى ابن تيمية‪( ,‬م‪21/‬ص‪)563‬‬


‫فاجملتهد الضال عندما خيالف عموم النصوص الصرحية من غري مسوغ شرعي من أجل مصلحة‬
‫يتومهها ليس له عليها من اهلل برهان فقد وقع يف اخلطأ العظيم؛ ألنه حتليل للحرام وحترمي‬
‫للحالل‪ ،‬وذلك دليل على ضحالة علمه وجرأته على دين اهلل‪.‬‬
‫فإن هذه القاعدة ليست على اإلطالق‪ ،‬بل ُقيدْت بقيد‪ ,‬يقول الفقهاء‪ :‬إن احلكم على املضار‬
‫خالفا للمعتزلة ‪1‬؛ ألن املصاحل واملنافع نسبية‬ ‫واملنافع‪ ,‬يكون بأدلة السمع ال بأدلة العقل‪ً ،‬‬
‫خيتلف اعتبارها من جمتهد لآخر‪ ،‬فاحتاجت لشرع من اإلله يضبطها‪.‬‬
‫فالضابط هو قول الشارع‪ ،‬واهلل عز وجل قال يف السحر الذي يزعم اجمليزون منفعته وحيتجون‬
‫إلثبات إذن التداوي به‪َ{ :‬و َيَتَعَّلُم وَن َم ا َيُضُّر ُه ْم َو اَل َيْنَف ُعُه ْم } [البقرة‪ ،]102 :‬يقول أهل‬
‫العلم‪ :‬نفى اهلل أن يكون يف السحر منفعة بأي وجه من الوجوه‪ ،‬فإنه ضرر حمض خالص ال‬
‫نفع فيه إطالقا؛ ألن الفعل املضارع بعد النفي يدل على العموم كما حكاه بعض العلماء‪،‬‬
‫فاحملرمات اليت فيها شيء من النفع وفيها ضرر أكرب حترم للضرر العظيم الذي فيها‪ ،‬فكيف‬
‫بالذي كله ضرر؟ فإنه حيرم من باب أولى‪ .‬واخلمر وامليسر أخرب اهلل أن فيهما منفعة‪ ،‬فاهلل مل‬
‫ينفِ منافعهما مع رجحان إمثهما فلذلك حرما‪ ,‬وحرمت عموم اخلبائث وكل جنس‪ ،‬ولكن‬
‫أجيز التداوي بأبوال اإلبل بالنص مع أهنا مستقذرة لثبوت املنفعة الراجحة هبا‪.‬‬
‫مرفوعا‪( :‬إن يف أبوال اإلبل شفاء لذربة بطوهنم) ‪.2‬‬ ‫ً‬ ‫روى ابن املنذر عن ابن عباس‬
‫لكن يف السحر األمر خيتلف لنفي الشارع املنفعة مطلقًا؛ لأن الكفر لا توجد فيه منفعة‪ ،‬بل هو‬
‫مفسدة عظمى للعقائد والنفوس‪ ،‬ولو كان فيه منفعة لنفع السحرة أنفسهم‪ ،‬فهؤالء يعلمون أن‬
‫الساحر ما له نصيب يف اآلخرة‪ ،‬لكنهم يطلبون به الشرف والرئاسة يف الدنيا‪ ،‬وطالت األزمان‬
‫ومل حيصل هلم ذلك‪ ،‬فما نفعهم السحر كما دلت عليه أحواهلم‪ ،‬وال ننكر أن الساحر قد‬
‫يتحصل له بعض أغراضه لكن يعقبه الضرر عليه يف الدنيا واآلخرة أعظم مما حصل عليه من‬
‫أغراضه‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪ِ{ :‬إَمَّنا َص َنُعوا َك ْيُد َس اِح ٍر َو اَل ُيْف ِلُح الَّس اِح ُر َح ْيُث َأَتى} [طه‪.]69 :‬‬
‫يقول البعض‪ :‬إن هذه اآلية املقصود هبا نفي فالحهم يف اآلخرة‪ ،‬وليس املقصود نفي فالح‬
‫سحرهم يف الدنيا؛ ألهنم قد يفلحون يف إيقاع الضرر أو النفع‪ ،‬ويقول املفسرون على هذه‬

‫‪ 1‬الدكتور محمد صدقي البورنو‪ ,‬الوجيز في إيضاح فواعد الفقه الكلية ص‪43‬‬
‫‪ 2‬ابن حجر‪ ,‬فتح الباري‪ ،‬ك الوضوء‪ ،‬باب أبوال اإلبل‪( ,‬ص‪)404/‬‬
‫اآلية‪ :‬أي ال يظفر الساحر بسحره بـما طلب أين كان ‪ ،1‬واملفلح‪ :‬هو الذي ينال املطلوب‬
‫وينجو من املرهوب‪ ،‬فالساحر ال حيصل له ذلك ‪.2‬‬
‫فالفعل يف سياق النفي يدل على العموم؛ قال تعاىل‪( :‬ال يفلح) أي يعم نفي مجيع أنواع الفالح‬
‫عن الساحر‪ ،‬والفالح يطلق يف العربية على الفوز باملطلوب؛ قال تعاىل‪( :‬حيث أتى) تأكيًد ا‬
‫للعموم‪ ،‬أي حيث توجه وسلك‪ ،‬وهذا أسلوب عريب معروف‪ ،‬يقصد به التعميم كقوهلم‪ :‬فالن‬
‫متصف بكذا أينما كان ‪ ،3‬وإن قوهلم بأن السحرة يفلحون يف إيقاع الضرر والنفع فإنه‬
‫مصادمة مع كتاب اهلل؛ ألن األصل هو إثبات ما أثبته اهلل يف كتابه ونفي ما نفاه‪ .‬واهلل أثبت‬
‫هلم إيقاع الضرر بعد مشيئته سبحانه فقال‪ُ{ :‬يَفِّرُقوَن ِبِه َبَنْي اْلَمْر ِء َو َز ْو ِج ِه} [البقرة‪،]102 :‬‬
‫لكن النفع نفاه اهلل عز وجل فقال‪َ{ :‬و َيَتَعَّلُم وَن َم ا َيُضُّر ُه ْم َو اَل َيْنَف ُعُه ْم } [البقرة‪،]102 :‬‬
‫وحقيقة النفع‪ :‬لذة ال يعقبها عقاب وال يلحقها ندامة‪ ،‬ونفي فالحهم بعملهم مقيد خيرج عنه‬
‫ما أثبته هلم من التفريق واألذية‪.‬‬
‫فبطل احتجاجهم بالقاعدة؛ ألهنا قاعدة مقيدة وليست على اإلطالق‪ ،‬فتبني زيف ادعائهم؛‬
‫ألن النصوص اإلهلية تنفي النفع عن السحر‪ ،‬بل على العكس ثبت مضرته وفساده على العقائد‬
‫والنفوس‪ ،‬فمن ادعى أن يف السحر مصلحة فإهنا مصلحة متومهة‪ ،‬وهي مصلحة ملغاة؛‬
‫لتعارضها مع عموم هني الرسول صلى اهلل عليه وسلم عندما قال‪( :‬إن اهلل تعاىل خلق الداء‬
‫والدواء‪ ،‬فتتداووا وال تتداووا حبرام) [السلسلة الصحيحة]‪ ,‬فعلى تقدير رجحان املصلحة يلزم‬
‫انتفاء احلرمة كما قرر ذلك علماء األمة‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬حيتجون بالقاعـدة الفقهية (األمور مبقاصدها)‬


‫وذكر ابن حجر مثل هذا‪ ،‬والقاعدة استنباط من قول الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬إمنا‬
‫األعمال بالنيات‪ ،‬وإمنا لكل امرئ ما نوى‪ ،)..‬يقول أهل العلم‪ :‬إن الشريعة مبنية على املقاصد‬
‫ووسائلها‪ ,‬ووسائل املقصود املوصلة إليه هلا حكمه‪ .‬وهذا الكالم صحيح‪ ،‬لكن يف هذه املسألة‬
‫ال يستدل به؛ ألنه إلباس للحق بالباطل‪ ,‬ألن القاعدة هي‪:‬‬

‫‪ 1‬تفسير الطبري‪ ,‬سورة طه‪( ,‬ص‪, 112/‬م‪)16/‬‬


‫‪ 2‬مجموع الفتاوى ابن تيمية‪( ,‬م‪ ,35/‬ص‪)171/‬‬
‫‪ 3‬محمد األمين الشنقيطي‪ ,‬أضواء البيان‪( ,‬م‪ ,4/‬ص‪)441,442.443.444/‬‬
‫بتصرف‬
‫ضابطا الستنباط احلكم من النصوص‬
‫ً‬ ‫‪ -1‬قاعدة فقهية موضوعها أفعال املكلفني‪ ،‬وهي ليست‬
‫الواردة يف املسألة‬
‫وأيضا ال يقتصر عليها بذاهتا يف إصدار األحكام دون أن يعضدها نص يعزز احلكم‪.‬‬ ‫‪ً -2‬‬
‫‪ -3‬وأهل العلم يستدلون هبذه القاعدة يف العبادات احملضة‪ ،‬ويف املباحات والرتوك املوجبة‬
‫للمثوبة‪ ,‬لأن النية عبادة حبد ذاهتا‪ ,‬ويف املعامالت والعقود بني األفراد بشىت أنواعها‪ ,‬ويف‬
‫األميان‪ .‬لكن االستدالل هبا لتسويغ احملرمات والكبائر ما سبق أحد من أهل احلق هلذا‬
‫‪ -4‬يقول احملققون‪ :‬إن قواعد الفقه قواعد أغلبية مبنية على وجود مسائل مستثناة من تلك‬
‫القواعد‪ ,‬ختالف أحكامها حكم القاعدة‪ ,‬بسب نص أو إمجاع أو ضرورة أو قيد أو علة‬
‫مؤثرة‪ ,‬لذلك مسى العلماء قواعد الفقه قواعد أغلبية أكثرية ال كلية مطردة‪ ,‬ومسوا قواعد‬
‫األصول قواعد مطردة؛ ألنه ال يستثىن منها شيء‪.‬‬
‫وورد يف كتب القواعد الفقهية مسائل مستثناة على قاعدة األمور مبقاصدها‪ ,‬من هذه‬
‫شرعا؛‬
‫الاستثناءات اليت وردت على القاعدة‪ :‬التوسل بالوسائل احملرمة للحصول على أمر مباح ً‬
‫إما استعجاال أو حتايال‪ ،‬وُعرب عن هذا الناقض يف منظومٍة ألُصوِِل الفقِه يقوُل َناِظ ُم ها‪:‬‬
‫َو ُك ـُّل َم ـْن َتَعَّج ـَل الَّشيَء على = وْج ـٍه َحُمـَّر ٍم َفَم ْنُع ـُه َجََال‬
‫فالتوسل بالسحر احملرم املشتمل على أقوال أو أفعال أو اعتقادات كفرية‪ ,‬والتداوي به‪،‬‬
‫والعدول عن الوسائل املباحة استعجاال للشفاء‪...‬هو أمر ال يستدل عليه بهذه القاعدة؛ ألنه‬
‫مستثىن من القاعدة‪ ,‬وال سبيل هلم لالحتجاج هبا على ذلك؛ ألن السحر وسيلة يف ذاهتا حمرمة‬
‫بل كفر يف أصلها‪.‬‬
‫خريا كان خريًا‪ ،‬وإال فهو شر‪.‬‬ ‫‪ -5‬قال ابن حجر‪ :‬إن قصد هبا ً‬
‫أي حبسب النية؛ لكن أهل العلم قرروا أن هناك أفعاال ال تتبدل أحكامها باختالف القصد أو‬
‫النية‪ ،‬وال شك أن الكفر هو يف مقدمة األشياء اليت ال يتبدل حكمها‪ ،‬وإن قيل‪ :‬النطق بالكفر‬
‫جيوز كما يف حال الفرار به من القتل فكذلك السحر؟ نقول‪ :‬خيتلف هذا؛ ألن الفرار به من‬
‫القتل متيقن ومباح بالنص‪ ،‬لكن االستشفاء بالسحر متوهم وغري متيقن وحرم بالنص‪ ،‬فاختلفا‬
‫يف احلكم‪ ،‬مث إن النطق بكلمة الكفر ال يتعدى اللسان والقلب مطمئن باإلميان‪ ,‬أما االستعانة‬
‫بالساحر فإن القلب عند ذلك يدخل عليه شيء قل أو كثر من التوكل عليهم واعتقاد‬
‫مقدرهتم اخلاصة فلذلك افرتقا‪.‬‬
‫‪ -6‬ويف مبحث شروط صحة وسالمة النية يقول الفقهاء‪ :‬ال بد أن ال يتناىف املنوي مع‬
‫الشرع‪ ،‬أي عدم التوصل للمنوي ‪-‬الذي هو رفع الضرر بالسحر‪ -‬بسبب منع منه الشرع‪،‬‬
‫والشارع قد نفى مطلقًا املنفعة من السحر بوجه من الوجوه‪ ،‬فكيف ينوى بالسحر النفع ورفع‬
‫الضرر؟ وان كان هناك نفع فهو وقيت زائل وتعقبه ندامة وحسرة وعقاب‪ ،‬فكان من ا فرتض‬
‫ُمل‬
‫أن ال ترتك النصوص الظاهرة اجللية وتستبعد األدلة الشاملة للفرع والضابطة حلكمه‪ ،‬وحيتج‬
‫بقاعدة فقهية يظهر بالربهان أهنا ُو ِض عْت يف غري حملها‪ ،‬وأهنا ال ترجح ما اختاروه ً‬
‫إطالقا‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬قالوا‪ :‬إن مسألة فك السحر بالسحر قد تعرض هلا علماء أجالء من السلف وقالوا‬
‫جبوازها؛ كالإمام أمحد‪ ،‬وابن اجلوزي‪ ،‬واإلمام البخاري‪ ،‬وابن حجر‪ ،‬والطربي‪ ،‬وابن بطال‪،‬‬
‫والشعيب‪ ،‬وبعض علماء احلنابلة؛ رمحهم اهلل تعاىل مجيعًا‪.‬‬
‫وهذا مرود عليه؛ لأن األصل أن ال يقدم قول أحد البشر على قول اهلل وقول رسوله صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ .‬قال ابن عباس‪( :‬يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء‪ ,‬أقول‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وتقولون‪ :‬قال أبو بكر وعمر؟)‬
‫قال اإلمام مالك‪" :‬ما منا إال رادّ ومردود عيه‪ ،‬إال صاحب هذا القرب صلى اهلل عليه وسلم"‪،‬‬
‫وكالم األئمة يف هذا املعىن كثري‪ .‬وما زال العلماء جيتهدون يف الوقائع؛ فمن أصاب فله‬
‫أجران‪ ,‬ومن أخطأ فله أجر كما يف احلديث‪ ,‬لكن إذا استبان هلم الدليل أخذوا به وتركوا‬
‫اجتهادهم‪ ،‬وعلى هذا فيجب اإلنكار على من ترك الدليل لقول أحد العلماء كائنًا من كان‪،‬‬
‫قال أبو حنيفة رمحه اهلل‪" :‬إذا جاء احلديث عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فعلى الرأس‬
‫والعني‪ ,‬وإذا جاء عن الصحابة رضي اهلل عنهم فعلى الرأس والعني‪ ,‬وإذا جاء عن التابعني‬
‫فنحن رجال وهم رجال"‪ ،‬فالواجب على كل مكلف إذا بلغه الدليل من كتاب اهلل وسنة‬
‫رسوله‪ ،‬وفهم معىن ذلك أن ينتهي إليه ويعمل به‪ ،‬وإن خالفه من خالفه؛ كما قال تعاىل‪:‬‬
‫{اَّتِبُعوا َم ا ُأْنِز َل ِإَلْيُك ْم ِم ْن َر ِّبُك ْم َو اَل َتَّتِبُعوا ِم ْن ُدوِنِه َأْو ِلَياَء َقِلياًل َم ا َتَذ َّك ُر وَن } [األعراف‪،]3 :‬‬
‫وقال تعاىل‪َ{ :‬أَو ْمَل َيْك ِف ِه ْم َأَّنا َأْنَز ْلَنا َعَلْيَك اْلِكَتاَب ُيْتَلى َعَلْيِه ْم ِإَّن يِف َذِلَك َلَر َمْحًة َو ِذ ْك َر ى‬
‫ِلَق ْو ٍم ُيْؤ ِم ُنوَن } [العنكبوت‪ ،]51 :‬فيجب على من نصح نفسه إذا قرأ كتب العلماء‪ ،‬ونظر‬
‫فيها‪ ،‬وعرف أقواهلم‪ ،‬أن يعرضها على ما يف الكتاب والسنة‪ .‬واألئمة رمحهم اهلل مل يقصروا يف‬
‫هذا البيان‪ ,‬بل هنوا عن تقليدهم إذا استبانت السنة؛ لعلمهم أن من العلم شيًئا مل يعلموه وقد‬
‫يبلغ غريهم‪ ,‬قال أبو حنيفة‪ :‬إذا قلت قوال وكتاب اهلل خيالفه فاتركوا قويل لكتاب اهلل‪ ،‬وقال‬
‫الربيع‪ :‬مسعت الشافعي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يقول‪ :‬إذا وجدمت يف كتايب خالف سنة رسول اهلل صلى‬
‫‪1‬‬
‫اهلل عليه وسلم فخذوا سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ودعوا ما قلت‪.‬‬
‫وأما قوهلم‪ :‬إن اإلمام أمحد جييزه فهذا خطأ؛ ألنه ملا سئل عن الرجل حيل السحر قال‪ :‬قد‬
‫رخص فيه بعض الناس‪ ،‬قيل‪ :‬إنه جيعل يف الطنجري ماء‪ ،‬ويغيب فيه‪ ،‬فنفض يده وقال‪ :‬ال‬
‫أدري ما هذا‪ ،‬قيل له‪ :‬أترى أن يؤتى مثل هذا؟ قال‪ :‬ال أدري ما هذا‪ .‬وهذا دليل على أنه ال‬
‫جييزه‪.‬‬

‫ومما ميكن أن ُيستدل به على عدم جواز فـك السحر بالسحر أمور‪:‬‬

‫أ‪ -‬اجمليزون اجتهدوا فرأوا أن يف النشرة السحرية علة التداوي فأباحوها هلذه العلة‪ ,‬واملانعون‬
‫يرون أن فيها علة األقوال واألفعال واالعتقادات الكفرية‪ ،‬فالذي دعاهم إىل املنع هذه العلة‪,‬‬
‫ويقول الشريازي يف التبصرة‪" 2 :‬إذا كانت إحدى العلتني تقتضي احلظر واألخرى تقتضي‬
‫اإلباحة‪ ،‬فاليت تقتضي احلظر أوىل‪ ،‬وألن احلظر أحوط؛ ألن يف اإلقدام على احملظور إمثًا‪ ،‬وليس‬
‫يف ترك املباح إمث"‪ ،‬فهذا هو الفيصل يف أمور االجتهاد‪ ،‬واحلق الذي ال بد أن يتأمله اجملتهد‬
‫وال يغفل عنه؛ ألنه موقع عن اهلل جال جالله‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن القاعدة اليت حتكم املتناوالت كافة‪ ,‬كاألدوية واألطعمة واألشربة والزينة واأللبسة‪,‬‬
‫‪3‬‬
‫تقول‪" :‬ما أبيح لصفته حرم لسببه"‪.‬‬
‫فاألدوية األصل فيها اإلباحة الشتماهلا على مصلحة التعاجل والشفاء‪ ,‬وحترم ألسباب؛ كأن‬
‫يكون الدواء مغصوًبا‪ ،‬أو أن يكون مسروًقا‪ ،‬أو أن يكون الدواء خبيثًا أو حمرًم ا‪ ،‬كما نصت‬
‫أحاديث الرسول على ذلك؛ فعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬إن الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم هنى عن الدواء اخلبيث‪ .‬رواه الرتمذي [صحيح اجلامع]‪ ,‬والنشرة هذه الشتماهلا على‬

‫‪ 1‬عبد الرحمن آل الشيخ‪ ,‬فتح المجيد شرح كتاب التوحيد‪( .‬ص‪)340/373‬‬


‫‪ 2‬التبصرة في أصول الفقه‪ ,‬إلبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي‪ ,‬ص‪.484‬‬
‫‪ 3‬كتاب أنوار البروق في أنواع الفروق‪ ,‬لشهاب الدين القرافي‬
‫السحر والكفر تكون من أخبث اخلبائث اليت يزينها الشيطان ويدعو هلا‪ ،‬فالتداوي هبا حيرم‬
‫أيضًا هلذا السبب الذي أثبته النص‪.‬‬

‫ج‪ -‬القياس الصحيح‪:‬‬


‫القياس ال يكون مع وجود النصوص‪ ،‬وهناك نصوص كثرية مبينة للمسألة‪ ،‬وتغين عن اللجوء‬
‫للقياس‪ ،‬لكن اجمليزون ال يرجعون هلا؛ ألهنم يرون العامة منها خصصها العقل مبن قصد السحر‬
‫لإلضرار‪ ،‬والنص اخلاص بالنشرة يرونه ال حيمل داللة على حكمها‪ ،‬فأصبحت النشرة لديهم‬
‫وكأهنا يف حمل املسكوت عن حكمها‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪( :‬والقياس الصحيح من العدل؛ فإنه تسوية بني متماثلني وتفريق‬
‫بني املختلفني‪.)..‬‬
‫ويف كتاب التوحيد قال املصنف شيخ اإلسالم حممد بن عبد الوهاب ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ :-‬وعن‬
‫ابن مسعود رضي اهلل عنه قال‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪ :‬إن الرقى‬
‫والتمائم والتولة شرك‪ ،‬هنا ثبوت ظاهر حلكم التولة ومتفق عليه‪.‬‬
‫قال الشارح ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬الشيخ عبد الرمحن بن حسن يف فتح اجمليد‪:‬‬
‫قال احلافظ‪ :‬التولة شيء كانت املرأة جتلب به حمبة زوجها‪ ,‬وهو ضرب من السحر‪ .‬وكان من‬
‫الشرِك ملا ُيراُد به من دفِع املضار وجلب املنافع من غري اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ومن ضمن ما علق به الشيخ عبد العزيز بن باز ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬على التولة قال‪:‬‬
‫"الدجالون يكتبون التمائم والتوالت على طريقة العقيدة اليهودية‪ ,‬فيزعمون أن للحروف‬
‫خدامًا يقومون مبا يطلب منهم من األعمال السحرية‪ ،‬ويتخذون أنواعًا من البخور واألدوات‬
‫املخصوصة اليت يوحي هبا شياطينهم‪ ,‬وكل ذلك من الكفر العظيم"‪.‬‬
‫وقال ابن اَألثـري‪ :‬الِّتَو لة‪ ،‬بكسر التاء وفتـح الواو‪ ،‬ما َحُيِّبب الـمرَأة إلـى زوجها من الِّس ْح ر‪,‬‬
‫وحكى ابن بري عن القزاز‪ :‬الُّتولة والِّتَو لة الِّس ْح ر‪ .‬قال ابن األعرابـي‪ :‬تاَل َيُتول إذا عالـج الِّتَو لة‬
‫‪1‬‬
‫وهي الِّس ْح ر‪.‬‬
‫ومما الشك فيه أن الوصول للقربة واأللفة بني الزوجين اللذين مها لبنة اجملتمع من األمور اليت‬
‫يدعو هلا ديننا احلنيف ويرغب فيها‪ ،‬ومن املنافع اليت فيها خري عظيم‪ ,‬تعود على األسرة أوال‬

‫‪ 1‬لسان العرب‬
‫وعلى اجملتمع ثانًيا‪ ،‬فالسحر هنا زالت عنه إرادة األذية‪ ،‬بل على العكس ُأِر يـد به جلب منفعة‬
‫حمضة ودفع مضرة التفكك والفرقة وابتغاء لألنس والطمأنينة ‪-‬كما يظن‪ -‬وهي منفعة قريبة ملا‬
‫يراه اجمليزون يف النشرة‪ .‬فالزوجة من اخلري هلا أن تلجأ للوسائل اليت حتبب زوجها فيها‪ ،‬لكن‬
‫عندما يصل األمر إىل العقيدة واإلخالل هبا‪...‬نقف!‬
‫فكان حكم التولة الشرك؛ ألن الوسيلة املستخدمة هي وسيلة كفرية حبد ذاهتا‪ ،‬العلة هي‬
‫وجود السحر ملا فيه من الكفر والشرك والتعلق بغري اهلل‪ ،‬والنشرة هي كذلك؛ فهي إزالة‬
‫وكشف الداء وحل السحر عن املسحور‪ ،‬ففيها جلب للمنفعة كما يظن‪ ،‬فالنشرة ُتشِبُه التولة‬
‫للجامع الذي بينهما يف كوِن السحر الكفري أداة هلما‪ ،‬وأيضًا ما ُعِم َد إليهما إال جللِب املنافع‬
‫ودفع املضار‪ ،‬فكالمها طلب ألمر مشروع؛ النفع ورفع األذى‪ ،‬بطريقة غري مشروعة حمرمة هي‬
‫السحر‪.‬‬
‫ِفلَم يثبتون احلكم يف التولة وينفونه عن النشرة؟ مع وجود األوصاف املشرتكة بينهما من حيث‬
‫الغرض والوسيلة والكيفية والعلة‪ ،‬ومع انتفاء املانع أو الناقض يف هذا القياس!!‬

‫‪ -‬استنباط العلة الصحيحة اليت من أجلها ُح رَِّم الذهاب للساحر وسؤاله‪ ،‬أي العلة اليت ال‬
‫يزول املنع إال بزواهلا‪.‬‬
‫كاهنا يؤمن مبا يقول فقد‬
‫عرافا أو ساحرًا أو ً‬
‫فرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪( :‬من أتى ً‬
‫كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم) [صحيح اجلامع]‪ ،‬ويقول صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫(ليس منا من تطري أو تطري له‪ ،‬أو تكهن أو تكهن له‪ ،‬أو سحر أو سحر له) [صحيح اجلامع‬
‫والسلسلة الصحيحة]‪ ،‬فهنا بني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كفر من أتى الساحر وطلب‬
‫السحر عموًم ا‪ ،‬واجمليزون يثبتون ويسلمون بكفر من أتى الساحر إلضرار أحد اخللق‪ ،‬وهو‬
‫كفر ال خيرج عن امللة يف املشهور عن اإلمام أمحد‪ ،‬لكن من قصَد السحرة للتداوي وحل‬
‫السحر فاستعان هبم على ذلك يف حال الضرورة ‪-‬كما يقولون‪ -‬يرون أنه ال يدخل يف‬
‫أحدا بذلك‪،‬‬
‫احلكم‪ ،‬فينازعون يف إثبات احلكم عليه؛ ألنه كما يرون هم أنه مل يذهب ليضر ً‬
‫فلم يقصد أن يفرق بني املتحابني ومل يؤذ أحًد ا‪ ,‬إذن‪ ..‬أال يلزم من قوهلم هذا أن تكون علة‬
‫املنع يف الذهاب هي قصد اإلضرار‪ ,‬فبزواهلا يزول املنع‪.‬‬
‫والشرع والعقل يتفقان يف عدم قبول أن هذه العلة هي اليت قصدها الشارع؛ ألن أحكام‬
‫الشرع كلها حق وعدل ال ظلم فيه‪ ,‬وألن احلكم على الشخص بالكفر بالقرآن أمر عظيم‪،‬‬
‫ليس باهلني أن يطلق على املسلم املوحد إال إن كان بسبب قوي يستدعي ويوجب ذلك‪ ,‬بل‬
‫إن االستعانة بأهل وأرباب الكفر‪ ،‬وبأعماهلم ورقاهم وعزائمهم وطالمسهم الشركية حبد ذاته‬
‫هو السبب والعلة التي قصدها الشارع يف النهي‪ ،‬فهي تتناسب مع حكم الكفر املنصوص‪.‬‬
‫والعلة الصحيحة عند األصوليني ال بد إلثباهتا من شروط منها أن تكون العلة مطردة يف‬
‫معلوالهتا‪.‬‬
‫فيخرج هبذا الشرط قصد الإضرار للخلق عن كونه علة املنع يف إتيان الساحر باالستقراء‬
‫إطالقا مع احلكم السابق الكفر‪.‬‬
‫والتتبع هلذه العلة يف أحكام الشرع؛ ألهنا ليست مطردة ً‬
‫فقصد إضرار أحد اخللق؛ سواء الإضرار الحسي أو المعنوي‪ ,‬ليس سببًا يتأتى معه الكفر أبًد ا‪،‬‬
‫خبالف قصد إضرار النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ,‬فإذن زوال قصد اإلضرار عند الذهاب للساحر‬
‫مباحا؛ ألنه بقي يف النشرة السحرية ما يستدعي بقاء احلكم‪ ،‬فال‬ ‫ال جيعل أبًد ا من النشرة أمرًا ً‬
‫يتخلف عنها احلكم إال إذا ختلف موجب احلكم‪ ،‬وهو فعل أو قول أو اعتقاد الكفر‪.‬‬
‫إن عند فك السحر بالسحر أموًر ا توجب الكفر؛ كأن يعزم الساحر على اجلن املوجود مع‬
‫املسحور ليرتكه‪ ،‬فيقسم حبق أبالسة الشياطني وملوك اجلن بأن خيرج‪ ،‬أو يقوم باسرتضائه عن‬
‫طريق القرابني من ذبح وزار يف طقوس غريبة شاذة‪ ,‬أو أن يقوم باستحضار شياطني لتبعد‬
‫شياطني املسحور ويقدم هلم ما يشاءون من األشياء اليت ترضيهم‪ ،‬فُيَتقرب هلم بالذبح وإهانة‬
‫املصحف بالنجاسات والزنا وشرب املسكرات‪ ،‬ويستخدمون لذلك طالسم ورقى ومتائم‬
‫موغلة يف الكفر والشرك‪.‬‬
‫وتلك الرقى املنهي عنها هي اليت يستعملها املعزم وغريه ممن يدعي تسخري اجلن له‪ ،‬فيأيت بأمور‬
‫مشتبهة مركبة من حق وباطل‪ ،‬جيمع إىل ذكر اهلل وأمسائه ما يشوبه من ذكر الشياطني‬
‫‪1‬‬
‫واالستعانة هبم والتعوذ مبردهتم‪.‬‬
‫فاملعزم الذي يستعني باجلن‪ ،‬ذكره القاضي وأبو اخلطاب يف مجلة السحرة قال‪ :‬فأما املعزم الذي‬
‫يعزم على املصروع‪ ،‬ويزعم أنه جيمع اجلن‪ ،‬وأهنا تطيعه‪ ،‬والذي حيل السحر‪ ،‬فذكرمها أصحابنا‬
‫من السحرة الذين ذكرنا حكمهم‪ .‬وسئل ابن سريين عن امرأة تعذهبا السحرة‪ ،‬فقال رجل‪:‬‬

‫‪1‬ابن حجر‪ ,‬فتح الباري‪( ,‬باب الرقى والمعوذات‪ ،‬ص‪, 196/‬م‪)10/‬‬


‫أخط خطا عليها‪ ،‬وأغرز السكني عند جممع اخلط‪ ،‬وأقرأ عليها القرآن‪ ،‬فقال حممد‪ :‬ما أعلم‬
‫بقراءة القرآن بأًس ا على حال‪ ،‬وال أدري ما اخلط والسكني‪ ..‬وأما من حيل السحر؛ فإن كان‬
‫بشيء من القرآن‪ ،‬أو شيء من الذكر واألقسام والكالم الذي ال بأس به‪ ،‬فال بأس به‪ ،‬وإن‬
‫كان بشيء من السحر‪ ،‬فقد توقف أمحد عنه‪ ،‬قال األثرم‪ :‬مسعت أبا عبداهلل سئل عن رجل‬
‫يزعم أنه حيل السحر؟ فقال‪ :‬قد رخص فيه بعض الناس‪ ،‬قيل أليب عبداهلل‪ :‬إنه جيعل يف‬
‫الطنجري ماء‪ ،‬ويغيب فيه‪ ،‬ويعمل كذا‪ ،‬فنفض يده كاملنكر وقال‪ :‬ما أدري ما هذا‪ ،‬قيل له‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫فرتى أن يؤتى مثل هذا حيل السحر؟ فقال‪ :‬ما أدري ما هذا‬
‫فمىت ما كان الذهاب للساحر لفك السحر يرتتب عليه قيام الساحر بأمر كفري من قول أو‬
‫عمل أو اعتقاد‪ ،‬فاحلكم هو كفر الذاهب‪ ،‬كما ثبت ذلك باألدلة‪ ،‬وكما اتضح لنا من بيان‬
‫العلة‪.‬‬

‫األضرار املرتتبة على االستعانة بالساحر لفك السحر‬

‫قال ابن تيمية‪ :‬يكفي املسلم أن يعلم أن اهلل تعاىل مل حيرم شيًئا إال ومفسدته حمضة أو غالبة‪،‬‬
‫وأما ما كانت مصلحته حمضة أو راجحة‪ ،‬فإن اهلل شرعه؛ إذ الرسل بعثت بتحصيل املصاحل‬
‫وتكميلها‪ ،‬وتعطيل املفاسد وتقليلها‪ ،‬والسحر قرن بالشرك؛ قال تعاىل‪َ{ :‬أْمَل َتَر ِإىَل اَّلِذيَن ُأوُتوا‬
‫ِم َّلِذ‬ ‫ِء‬ ‫ِل ِذ‬ ‫ِت‬ ‫ِص ِم ِك ِب ِم ِب ِجْل ِت‬
‫َن يًبا َن اْل َتا ُيْؤ ُنوَن ا ْب َو الَّطاُغو َو َيُقوُلوَن َّل يَن َك َف ُر وا َهُؤ اَل َأْه َد ى َن ا يَن‬
‫َآَم ُنوا َس ِبياًل ُأوَلِئَك اَّلِذيَن َلَعَنُه ُم الَّلُه َو َمْن َيْلَعِن الَّلُه َفَلْن ِجَت َد َلُه َنِص ًريا} [النساء‪.]52-51 :‬‬
‫ويف الذهاب للسحرة خمالفة ألمر الرسول صلى اهلل عليه وسلم بقتلهم‪ ،‬ناهيك عن الإقرار‬
‫للسحر دون اإلنكار‪ ،‬وقد أمرنا أن نكفر به وهذا ال جيوز‪ ،‬فكيف إن كان يطلبه‪ ،‬فهذا تعاون‬
‫على اإلمث والعدوان‪ ،‬وهو حمرم‪ ،‬واهلل يقول‪َ{ :‬و َتَعاَو ُنوا َعَلى اْلِّرِب َو الَّتْق َو ى َو اَل َتَعاَو ُنوا َعَلى‬
‫اِإْلِمْث َو اْلُعْد َو اِن } [املائدة‪.]2 :‬‬
‫قال شيخ اإلسالم‪( :‬من حضر إىل مكان فيه منكر مل يستطع تغيريه مل جيز له احلضور)‪ ،‬وقال‬
‫تعاىل‪َ{ :‬فاَل َتْق ُعُد وا َمَعُه ْم َح ىَّت ُخَيوُضوا يِف َح ِديٍث َغِرْي ِه ِإَّنُك ْم ِإًذا ِم ْثُلُه ْم } [النساء‪]140 :‬‬

‫ابن قدامة المقدسي‪ ,‬المغني (ج‪ 8‬ص‪)154/‬‬ ‫‪1‬‬


‫وقال العلماء‪ :‬الرضى بالشيء رضى مبا يتولد منه‪ ،‬والسحرة قد يكتبون كالم اهلل بالنجاسات‬
‫دم أو غريه‪ ،‬وقد يقلبون حروف كالم اهلل عز وجل‪ ،‬وقد يقولون ما يرضي الشيطان‪،‬‬
‫ويفعلون ما يرضيه من لواط أو زنا أو ذبح‪ ،‬فإذا فعلوا ما ترضاه الشياطني أعانتهم على‬
‫أغراضهم‪.‬‬

‫ومن أشد الضرر الرتويج لبضاعتهم الكاسدة املزجاة‪ ،‬والعمل على انتشارها‪ ،‬والتقوية‬
‫لشوكتهم؛ قال د‪ .‬إبراهيم أدهم‪" :‬فتلمع أمساء بعض السحرة وتشتهر‪ ،‬ويزداد اإلميان والتسليم‬
‫بأقواهلم وقدراهتم‪ ،‬ويزداد نفوذهم يف اجملتمع‪ ،‬وينظر إليهم نظرة املنقذ واملخلص‪ ،‬وأصحاب‬
‫احللول اليت ال ختطئ‪ ،‬فيتنفس السحرة الصعداء‪ ،‬ويكشرون عن أنياهبم وأظافرهم‪ ،‬ليبذروا‬
‫حب الفتنة والفساد يف أرض اجملتمع الغافل عن نداء السماء"‪.‬‬
‫ناهيك عن تسهيل أكل أموال الناس بالباطل‪ ,‬وإن كثرة الرتدد عليهم واللجوء هلم وسؤاهلم‬
‫يفتح األبواب لتسلط مجوع اجلن والشياطني ومتردهم؛ ألهنا ملا رأت كثرة خضوع اإلنس‬
‫واستعاذهتم هبا ومبلوكها لقضاء احلاجات زاد طغياهنم وجورهم على بالد اإلسالم بسبب‬
‫ضعاف اإلميان الذين يتمسكون هبذه الفتاوى الشاذة‪.‬‬

‫ومن أعظم البالء أن االستعانة بالسحرة والكهنة سبب لبعد القلوب عن فطرها السوية‬
‫وعقيدهتا السليمة‪ ،‬وسبب لدخول الشك يف عون اهلل عند امللمات‪ ،‬ومن الضرر احملض التعلق‬
‫بغري اهلل؛ فعن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬من تعلق شيئا وكل إليه)‬
‫رواه النسائي‪ .‬والتعلق قد يكون يف القلب أيضًا‪ ,‬أي التعلق بشيء واالعتقاد أنه قد جيلب نفعًا‬
‫أو يدفع ضررًا من دون اهلل‪ .‬فالساحر يعتقد أنه يشقي ويسعد ويشفي وميرض مبعاونة اجلن‬
‫وروحانيات الكواكب‪ ،‬ويف ذلك شرك عظيم‪..‬‬
‫ومن المفاسد العظمى اليت ال ختفى على كل ذي لب‪ :‬أنه قد يتوسع البعض فيلجؤون إىل‬
‫الكهان والسحرة يف مجيع حوائجهم كما كانوا يف اجلاهلية يفعلون‪.‬‬
‫ومن البالء أنه قد يكذب الساحر ويقول كالًم ا يكون سبًبا يف تقطيع األرحام؛ كأن يقول‪:‬‬
‫سحرك أخوك‪ ،‬أو سحرتك أختك‪ ،‬وهكذا‪ ،‬ويتبع ذلك نشر العداوة والبغضاء واالنتقام‬
‫واحلقد والنميمة والكذب والظلم بني الناس‪.‬‬
‫وإن الضرر ال يزال بالضرر‪ ،‬فصاحب العقيدة السليمة حري به أن يبتعد عن السقوط بيد‬
‫أمثال أولئك حفظًا لدينه وإبراء لذمته أمام اهلل‪.‬‬
‫يقول ابن قدامة‪ :‬مىت لزم من ترتب احلكم على الوصف املتضمن للمصلحة مفسدة مساوية‬
‫للمصلحة أو راجحة عليها فقيل إن املناسبة تنتفي؛ فإن حتصيل املصلحة على وجه يتضمن‬
‫فوات مثلها أو أكرب منها ليس من شأن العقالء لعدم الفائدة‪..‬‬
‫وأخًريا وصية لكل مسلم‪:‬‬

‫انتبه من كل نوم أغفلك = واخَش رًّبا بالعطايا كفلك‬


‫بع له الدنيا بأخرى إَّن َم ن = يشرتي الدنيا بأخراه هلك‬
‫تابع املختار واسلك هنَج ه = فْه و نور من مشى فيه سلك‬
‫ثق مبوالك وكن عبًد ا له = إن عبداهلل يف الدنيا ملك‬
‫جدد الَّنوح على ما قد مضى = من زماٍن باملعاصي أثقلك‬
‫حاسب النفَس وعِّلْم ها الرضى = بالقضا واعِص هواها ترض لك‬
‫خذ من التقوى لباسا طيًبا = إهنا خري لباس ميتلك‬
‫داوم الذكَر خلالِق الورى = واترك األمَر ملن أجرى الفلك‬
‫ذل واخضع واستقم واعبد له = خملًص ا يفتْح طريَق اخلري لك‬
‫روح النفس له واعكف على = بابه فهو الذي قد فضلك‬
‫زين الباطَن بالتقوى كما = حتسن الظاهر ُتعَطى أملك‬
‫سلم األمَر له تسلم فكم = من فىت قد سلم األمر سلك‬

‫وصلى اهلل وسلم على سيدنا وحبيبنا حممد‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه واقتفى‬
‫أثره إىل يوم الدين‪ ،‬وَس َّلَم تسليًم ا كثًريا‪.،,,‬‬

‫مت حبمد اهلل هذا البحث املتواضع‬


‫واهلل أعلـم بالصـواب‬
‫املراجع‬
‫‪ -‬أبادي‪ ,‬أبو الطيب حممد مشس احلق العظيم‪ .‬عون املعبود يف شرح سنن أيب داود‪ .‬دار‬
‫الكتاب العريب‬
‫‪ -‬أدهم‪ ,‬إبراهيم كمال‪ .‬السحر والسحرة من منظار القرآن والسنة‪ .‬دار البشائر اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -‬ابن باز‪ ,‬عبد العزيز بن عبداهلل‪ .‬حكم السحر والكهانة وما يتعلق هبا‪ .‬وزارة الشؤون‬
‫اإلسالمية واألوقاف‪1423 .‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن بطال‪ ,‬أبو احلسني علي بن خلف بن عبد امللك‪ .‬شرح صحيح البخاري‪ .‬مكتبة الرشد‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ,‬شيخ اإلسالم أمحد بن عبد احلليم‪ .‬جمموع فتاوى شيخ اإلسالم‪ .‬مكتبة املعارف‪.‬‬
‫املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬ابن حجر‪ ,‬أمحد بن علي‪ .‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ .‬دار الريان القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬ابن حنبل‪ ,‬أمحد بن حممد‪ .‬مسند اإلمام أمحد‪ .‬دار أحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ -‬ابن العريب‪ ,‬أبو بكر حممد بن عبداهلل‪ .‬أحكام القرآن‪ .‬دار املعرفة‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قدامة‪ ,‬أبو حممد عبداهلل بن أمحد بن حممد املقدسي‪ .‬روضة الناظر وجنة املناظر‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قدامة ‪ ,‬أبو حممد عبداهلل بن أمحد بن حممد املقدسي‪ .‬املغين على خمتصر اخلرقي‪ .‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪ ,‬عماد الدين أبو الفداء إمساعيل القرشي‪ .‬تفسري القرآن العظيم‪ .‬دار املعرفة بريوت‪,‬‬
‫‪.1402‬‬
‫‪ -‬أبو داود‪ ,‬سليمان بن األشعث السجستاين‪ .‬سنن أيب داود‪.‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ -‬األشقر‪ ,‬عمر سليمان‪ .‬عامل السحر والشعوذة‪ .‬مكتبة الفالح ‪.1989‬‬
‫‪ -‬آل الشيخ‪ ,‬عبد الرمحن بن حسن‪ .‬فتح اجمليد‪ .‬املكتبة العصرية‪ .‬بريوت‪1425 .‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬باأخضر‪ ,‬حياة سعيد عمر‪ .‬موقف اإلسالم من السحر‪ .‬دار اجملتمع‪.1995 .‬‬
‫‪ -‬البخاري‪ ,‬أبو عبداهلل حممد بن إمساعيل‪ .‬صحيح البخاري‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ -‬البغدادي ‪ ,‬القاضي عبد الوهاب املالكي‪ .‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ .‬دار ابن‬
‫حزم‪.‬‬
‫‪ -‬البهويت‪ ,‬مصور بن يونس احلنبلي‪ .‬كشاف القناع عن منت اإلقناع‪.‬‬
‫‪ -‬البورنو‪ ,‬حممد صدقي‪ .‬الوجيز يف إيضاح قواعد الفقه الكلية‪ .‬مؤسسة الرسالة ‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الرتمذي‪ ,‬أبو عيسى حممد بن عيسى بن سورة‪ .‬سنن الرتمذي‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ -‬احلكمي‪ ,‬حافظ بن أمحد‪ .‬معارج القبول بشرح سلم الوصول إىل علم األصول يف التوحيد‪.‬‬
‫‪ -‬احلمود‪ ,‬حممود قاسم‪ .‬السحر يف الشريعة اإلسالمية‪ .‬دار وائل‪.2001 .‬‬
‫‪ -‬الذهيب‪ ,‬أبو عبداهلل حممد بن أمحد‪ .‬الكبائر‪ .‬دار الغد اجلديد ‪1426‬هـ‪ .‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬الرازي‪ ,‬فخر الدين حممد‪ .‬أحكام السحر والسحرة يف القرآن والسنة‪ .‬دار الفكر اللبناين‪.‬‬
‫‪ -‬الرازي‪ ,‬فخر الدين حممد‪ .‬التفسري الكبري‪ .‬دار الفكر ‪.1401‬‬
‫‪ -‬السعيدان‪ ,‬وليد بن راشد‪ .‬خمتصر يف أصول الفقه‪.‬‬
‫‪ -‬السمرقندي‪ ,‬أبو الليث‪ .‬املهذب (فقه شافعي)‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ ,‬األشباه والنظائر‪.‬‬
‫‪ -‬الشربيين‪ ,‬حممد‪ .‬مغين احملتاج‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ -‬الشنقيطي‪ ,‬حممد األمني بن حممد‪ .‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪1403 .‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الشريازي‪ ,‬أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن علي بن يوسف‪ .‬التبصرة يف أصول الفقه‪.‬‬
‫‪ -‬الطربي‪ ,‬أبو جعفر حممد بن جرير‪ .‬جامع البيان يف تأويل آي القران‪ .‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب‪.‬‬
‫‪ -‬العجرمي‪ ,‬يس أمحد عيد‪ .‬كشف الستار عن أباطيل العرافني األشرار‪ .‬دار األنصار‪ .‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬الفراء‪ ,‬حممد بن احلسني بن حممد‪ .‬املسائل الفقهية‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ -‬القرايف‪ ,‬شهاب الدين أمحد بن إدريس‪ .‬الذخرية يف الفقه املالكي‪.‬‬
‫‪ -‬القرايف‪ ,‬الفروق‪.‬‬
‫‪ -‬القرطيب‪ ,‬أبو عبداهلل حممد بن أمحد األنصاري‪ .‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ,‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب‪.‬‬
‫‪ -‬آل مبارك‪ ,‬أبو عبيدة ماهر بن صاحل‪ .‬فتح املغيث يف احلسد والسحر ومس إبليس‪ .‬دار علوم‬
‫السنة للنشر‪1417.‬‬
‫‪ -‬احمللي‪ ,‬جالل الدين أبو عبداهلل حممد بن أمحد‪.‬شرح الورقات‪.‬‬
‫‪ -‬املعاين‪ ,‬أبو الرباء أسامه بن ياسني‪ .‬الصواعق املرسلة للتصدي للمشعوذين والسحرة‪.‬‬
‫‪ -‬املعتق‪ ,‬عواد بن عبداهلل‪ .‬حقيقة السحر وحكمه يف اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -‬املكي‪ ,‬حممد علي بن حسني‪ .‬تهذيب الفروق والقواعد السنية يف األسرار الفقهية‪.‬‬
‫‪ -‬النووي‪ ,‬شرح صحيح مسلم‪ .‬دار الفكر‪1401 .‬هـ‪.‬‬
‫فهرس املوضوعات‬
‫‪ -‬املقدمة‬
‫( الباب األول )‬
‫‪ -‬تاريخ ظهور السحر‬
‫‪ -‬تعريف السحر‬
‫‪ -‬أنواع السحر‬
‫‪ -‬حكم الساحر‬
‫( الباب الثاين )‬
‫‪ -‬مشروعية التداوي يف اإلسالم‬
‫‪ -‬العالج املشروع للمسحور‬
‫( الباب الثالث )‬
‫‪ -‬القول الراجح يف مسألة فك السحر سحر مثله‬
‫‪ -‬شبه وحجج جميزي فك السحر بالسحر والرد عليها على ضوء الكتاب والسنة وقواعد‬
‫الفقه وأصوله‬
‫‪ -‬ومما ميكن أن يستدل به على عدم جواز فك السحر بالسحر أمور‬
‫‪ -‬األضرار املرتتبة على االستعانة بالساحر لفك السحر‬
‫‪ -‬املراجع‪.‬‬

You might also like