You are on page 1of 5

‫مترجم من اإلنجليزية إلى العربية ‪www.onlinedoctranslator.

com -‬‬

‫الفصل الخامس‬

‫السالم‬

‫م أدى انتصار محمد على قريش إلى تعزيز مكانته في شبه الجزيرة بشكل كبير‪ .‬خالل األشهر القليلة التالية‪ ،‬استفاد من ذلك‪،‬‬
‫وأرسل فرًق ا مداهمة ضد القبائل التي تنتمي إلى االتحاد المكي‪ ،‬على أمل تشديد الحصار االقتصادي الذي كان يلحق الضرر‬
‫بتجارة قريش وجذب بعض القوافل السورية إلى المدينة المنورة‪ .‬نجاحه المستمر جعل العديد من العرب يشككون في صحة‬
‫عقيدتهم التقليدية‪ .‬لقد كانوا أشخاًصا واقعيين‪ ،‬وأقل اهتماًم ا بالتأمالت المجردة من اهتمامهم بفعالية النظام الديني‪ .‬وعندما‬
‫غادر الجيش المكي المدينة المنورة بعد الحصار‪ ،‬صاح القائد خالد بن الوليد‪" :‬كل عاقل يعلم اآلن أن محمًدا لم يكذب!" ‪1‬حتى‬
‫أكثر أتباع العقيدة القديمة التزاًم ا بدأوا يوافقون على ذلك‪ .‬أثناء غارة على إحدى القوافل المكية‪ ،‬تم أسر صهر محمد السابق‬
‫أبو العاص‪ ،‬الذي كان مستعًدا للتخلي عن عائلته بدًال من قبول اإلسالم‪ .‬فأمر محمد بإطالق سراحه وإعادة بضاعته إليه‪ ،‬وقد‬
‫أثار هذا الكرم الثاني إعجاب أبا العاص لدرجة أنه بعد أن عاد بالبضاعة إلى مكة‪ ،‬هاجر وأسلم‪ ،‬والتحق بأهل بيته‪ .‬زينب‬
‫وابنتهما الصغيرة‪.‬‬
‫في شبه الجزيرة العربية ككل‪ ،‬انقلب المد لصالح محمد‪ ،‬ولكن في المدينة المنورة كان العكس هو الصحيح‪ .‬هناك أصبح‬
‫الصراع أكثر سمية من أي وقت مضى‪ .‬كان ابن أبي يلمح كل يوم إلى أنه لو احتفظ بالقيادة‪ ،‬لكان من الممكن تهدئة يثرب‬
‫دون التعرض للعداء المميت من أقوى مدينة في شبه الجزيرة العربية‪ .‬نادًر ا ما هاجمه أعداء محمد علًنا‪ ،‬لكنهم شنوا حملة‬
‫تشويه مخادعة إلى حد ما‪ .‬وكانت محاولته المثيرة للجدل لتحسين وضع المرأة بمثابة هبة من هللا لهم‪ ،‬وبدأوا في نشر‬
‫شائعات خبيثة وبذيئة عن زوجاته‪.‬‬
‫أعلن البعض أنهم يضعون أعينهم على بعض األعضاء األكثر جاذبية في حريمه ويعتزمون الزواج منهم بعد وفاته ‪ -‬وهو‬
‫اقتراح يحمل أكثر من مجرد تلميح لالغتيال‪ 2.‬شاع أن محمد أصبح اآلن أكبر من أن يرضي زوجاته أو أنه يعاني من فتق في‬
‫الخصية‪ 3.‬وقد كثر القيل والقال في عائشة وفي شاب يقال له صفوان بن المعطل‪ .‬عندما احتشد الناس في مسكن عائلته لطرح‬
‫أسئلتهم وشكاواهم على محمد‪ ،‬كان بعض الرجال قد أهانوا زوجاته أمام عينيه‪ .‬كان الوضع يخرج عن السيطرة‪ .‬في الليل‪،‬‬
‫عندما كان الجو أكثر برودة‪ ،‬عادت الحياة إلى المدينة المنورة‪ ،‬وكان الناس يحبون التجول واالختالط في الخارج‪،‬‬
‫واالستمتاع بالهواء النقي‪ ،‬ولكن منذ الحصار‪ ،‬تعرضت النساء للهجوم في الشوارع‪ .‬فلما خرج أزواج النبي معًا‪ ،‬بدأ‬
‫المنافقون يتبعونهن‪ ،‬يسبون باأللفاظ الفاحشة‪ ،‬ويلوحون باأللفاظ الفاحشة‪4.‬وعندما تم تحديهم‪ ،‬احتجوا على أنهم في الظالم‬
‫ظنوا خطًأ أن النساء فتيات‪ ،‬الالتي اعتبرن لعبة عادلة لهذا النوع من التحرش‪.‬‬
‫لقد كان محمد منهكًا عاطفيًا وجسديًا بسبب ضغوط السنوات القليلة الماضية‪ .‬لقد كان دائًم ا يعتمد عاطفًيا على نسائه‪ ،‬مما‬
‫جعله عرضة للخطر‪ .‬وعندما قرر أن يتخذ زوجة أخرى‪ ،‬بدأت األلسنة تهتز مرة أخرى‪5.‬وكانت زينب بنت جحش قريبة من‬
‫محمد دائًم ا؛ كانت ابنة عمه‪ ،‬لكنها كانت أيًض ا زوجة زيد‪ ،‬ابنه بالتبني‪ .‬كان محمد قد رتب المباراة بنفسه بعد وقت قصير من‬
‫الهجرة‪ ،‬على الرغم من أن زينب لم تكن متحمسة على اإلطالق‪ :‬لم تكن زيد مسيطرة جسدًيا وربما حتى في ذلك الوقت كانت‬
‫مهتمة بمحمد نفسه‪ .‬كانت زينب اآلن في أواخر الثالثينيات من عمرها‪ ،‬ولكن على الرغم من المناخ والظروف القاسية في‬
‫شبه الجزيرة العربية‪ ،‬إال أنها كانت ال تزال جميلة للغاية‪ .‬وكانت امرأة تقية‪ ،‬وكانت تعمل في صناعة الجلود‪ ،‬وكانت تعطي‬
‫كل عائدات حرفتها للفقراء‪ .‬يبدو أن محمد رآها بعيون جديدة ووقع في حبها فجأة عندما زار منزلها بعد ظهر أحد األيام‬
‫ليتحدث إلى زيد الذي تصادف وجوده بالخارج‪ .‬لم تكن زينب تتوقع أي زائر‪ ،‬فقد جاءت إلى الباب في مالبس أشعث‪ ،‬وأكثر‬
‫فضًح ا من المعتاد‪ ،‬وأغمض محمد عينيه بسرعة‪ ،‬وتمتم "الحمد هلل الذي يغير قلوب الرجال!" وبعد ذلك بوقت قصير‪ ،‬تم‬
‫طالق زينب وزيد‪ .‬لم يكن الزواج سعيًدا أبًدا وكان زيد سعيًدا بإطالق سراحها‪ .‬لقد صدمت هذه القصة بعض منتقدي محمد‬
‫الغربيين الذين اعتادوا على األبطال المسيحيين األكثر زهًدا‪ ،‬ولكن يبدو أن المصادر اإلسالمية ال تجد شيًئا غير مرغوب فيه‬
‫في هذا العرض لرجولة نبيهم‪ .‬كما أنهم ال ينزعجون من أن محمد كان لديه أكثر من أربع زوجات‪ :‬لماذا ال يمنح هللا نبيه‬
‫بعض االمتيازات؟ ما أثار استياء خصومه في المدينة المنورة هو حقيقة أن زينب كانت متزوجة من زيد‪ :‬كان العرب‬
‫يعتبرون التبني بمثابة عالقة شبه بيولوجية‪ ،‬وكان هناك الكثير من الحديث الصادم عن سفاح القربى‪ .‬تم طمأنة محمد بشأن‬
‫هذه النقطة من خالل الوحي الذي أكد له أن هللا نفسه يرغب في التطابق وأنه ليس من الخطيئة الزواج من زوجة طفل متبنى‪.‬‬
‫‪6‬وكانت عائشة‪ ،‬التي كانت دائًم ا تميل إلى الغيرة‪ ،‬تصادف أنها كانت مع محمد عندما تلقى هذه الرسالة اإللهية‪ .‬كيف مريحة‬
‫للغاية! فقالت الذعة‪" :‬إن ربك لسريع ألمرك!" كالعادة‪ ،‬عكست التوترات في الحريم االنقسامات في المجتمع ككل‪ :‬زواج‬
‫محمد من أحد أبناء عمومته من شأنه أن يعزز الغايات السياسية لعائلة النبي‪ ،‬ويعزز قضية أهل البيت‪.‬‬
‫وبسبب الفضيحة أصر محمد على حضور المجتمع بأكمله لحفل الزفاف‪ .‬وكانت الساحة مكتظة بالضيوف‪ ،‬وكثير منهم‬
‫معادون للنبي‪ ،‬ولم يكن الجو لطيفا‪ .‬في نهاية المطاف بدأ الحفل بالتفكك‪ ،‬ولكن بقيت مجموعة صغيرة في شقة زينب الجديدة‪،‬‬
‫على ما يبدو غير مدركين أن الوقت قد حان ليكون العروس والعريس بمفردهما‪ .‬غادر محمد الغرفة وجلس مع زوجاته‬
‫األخريات‪ ،‬على أمل أن يفهم هؤالء الضيوف عديمي اللباقة التلميح‪" .‬كيف تحب رفيقك الجديد؟" سألت عائشة بغضب عندما‬
‫دخل عليها‪ .‬عاد أخيًر ا إلى كوخ زينب‪ ،‬حيث تم إخراج المحتفلين أخيًر ا من قبل صديقه أنس بن مالك‪ .‬عندما دخل الغرفة‪ ،‬قام‬
‫محمد بفارغ الصبر إلى حد ما بسحب ستارة (حجاب) بينه وبين أنس‪ ،‬وهو ينطق بكلمات وحي جديد‪:‬‬

‫يا أيها الذين بلغوا اإليمان !ال تدخلوا بيوت النبي إال بإذن لكم‪[ .‬وعند دعوتك] إلى وجبة طعام‪ ،‬ال‬
‫تأت [في وقت مبكر جًدا] لتنتظر تجهيزها‪ :‬ولكن عندما تتم دعوتك‪ ،‬فادخل [في الوقت‬
‫المناسب]؛ وإذا تناولتم الطعام فانتشروا غير مطيلين للحديث لربما يسيئون للنبي فيستحيي منكم‬
‫ولكن هللا ال يخجل من [تعليمك] ما هو الصواب‪.‬‬
‫وأما أزواج النبي فكلما سألتموهن حاجة فاسألوهن من وراء حجاب‪ ،‬فإن ذلك ال يزيد في‬
‫‪7‬‬
‫طهارة قلوبكم وقلوبهن‪.‬‬

‫استمر الوحي في األمر بأال تتزوج زوجات محمد مرة أخرى بعد وفاته‪ ،‬وأمرهن بارتداء جلبابهن (الذي يمكن أن يشير إلى‬
‫‪8‬‬
‫مالبس مختلفة) بطريقة مميزة‪ ،‬حتى يمكن التعرف عليهن في الشارع وتجنب المضايقات‪.‬‬
‫أصبحت آيات الحجاب مثيرة للجدل للغاية‪9.‬سيتم استخدامها في النهاية – بعد حوالي ثالثة أجيال من وفاة النبي – لتبرير‬
‫حجاب جميع النساء وعزلهن في جزء منفصل من المنزل‪ .‬ولكن يجب أن ينظر إليها في السياق‪ .‬وقد وردت هذه األحداث في‬
‫سورة ‪ ،33‬التي تتناول الحصار أيًض ا‪ ،‬ويجب النظر إليها في ظل هذه الخلفية المخيفة‪ .‬ولم تنطبق هذه التوجيهات على جميع‬
‫النساء المسلمات‪ ،‬بل على زوجات محمد فقط‪ .‬وكان الدافع وراء ذلك هو التهديدات المقنعة من أعداء محمد‪ ،‬والتعدي‬
‫العدواني على مساحته الشخصية‪ ،‬واإلساءة التي تعرضت لها زوجاته يومًيا تقريًبا‪ .‬الجو السام للمدينة المنورة بعد الحصار‬
‫أجبر محمد على تغيير ترتيباته الشخصية‪ .‬من اآلن فصاعدا لن يكون هناك منزل مفتوح‪ .‬فبدًال من االزدحام بحرية في شقق‬
‫زوجاته‪ ،‬يجب على المسلمين االقتراب منهن من خلف حجاب وقائي‪ .‬وكلمة الحجاب تأتي من الجذر ‪ :HJB‬اإلخفاء‪ .‬أنشأ‬
‫الستار عتبة‪ .‬كان يحمي شيًئا "ممنوًعا" أو "مقدًسا" (حرام)‪ ،‬مثل القماش الدمشقي الذي يغطي الكعبة‪ .‬في أوقات الضعف‪،‬‬
‫غالًبا ما ترمز أجساد النساء إلى المجتمع المعرض للخطر‪ ،‬وفي يومنا هذا‪ ،‬اكتسب الحجاب أهمية جديدة ألنه يبدو وكأنه‬
‫يحمي األمة من تهديد الغرب‪.‬‬
‫لم يكن محمد يريد أن يفصل حياته الخاصة عن واجباته العامة‪ .‬واستمر في اصطحاب زوجاته في الحمالت العسكرية‪،‬‬
‫رغم أنهن سيبقين اآلن في خيمتهن‪ .‬لكن نساء األمة األخريات استمرن في التحرك في الواحة بحرية‪ .‬ولم يكن الحجاب‬
‫مصممًا للفصل بين الجنسين‪ .‬في الواقع‪ ،‬عندما نزل الوحي‪ ،‬تم إسدال الستار بين رجلين ‪ -‬النبي وأنس ‪ -‬لفصل الزوجين عن‬
‫المجتمع المعادي‪ .‬وكان إدخال الحجاب بمثابة انتصار لعمر‪ ،‬الذي كان يحث النبي على الفصل بين زوجاته لبعض الوقت –‬
‫وهو حل سطحي إلى حد ما لمشكلة معقدة‪ .‬لقد أراد محمد تغيير مواقف الناس‪ ،‬وكان فرض هذا الحاجز الخارجي بمثابة حل‬
‫وسط‪ ،‬ألنه لم يتطلب من المسلمين ممارسة رقابة داخلية على أفعالهم‪ .‬لكنه استسلم لعمر بسبب األزمة التي كانت تمزق‬
‫المدينة‪.‬‬

‫لكن الوضع لم يتحسن‪ .‬وبعد أسابيع قليلة من ارتداء الحجاب‪ ،‬دبر أعداء محمد هجوًم ا شرًسا على عائشة‪ ،‬مما أدى إلى تدمير‬
‫النبي وكاد أن ينجح في تقسيم المجتمع‪10.‬لقد كانت عائشة هدفًا سهًال‪ .‬كان الجميع يعلم أنها المفضلة لدى محمد‪ .‬كانت جميلة‪،‬‬
‫مفعمة بالحيوية‪ ،‬فخورة بمكانتها البارزة‪ ،‬غيورة‪ ،‬صريحة‪ ،‬ال تخلو من األنانية‪ ،‬وال شك أنها صنعت العديد من األعداء‪ .‬في‬
‫هذه المناسبة‪ ،‬اختار محمد عائشة لمرافقته في رحلة استكشافية ضد حليف لقريش الذي كان يعسكر بشكل خطير إلى حد ما‬
‫بالقرب من المدينة المنورة أكثر من المعتاد‪ .‬وبحسب جواسيس محمد‪ ،‬فقد أقنعتهم قريش بمهاجمة الواحة‪ .‬وكانت غزوة‬
‫ناجحة‪ :‬حيث اعترضهم المسلمون عند بئر مريسي على ساحل البحر األحمر وتمكنوا من أخذ مائتي بعير وخمسمائة شاة‬
‫ومئتي من نسائهم‪ .‬وكانت جويرية بنت الحارث بنت الزعيم من السبايا‪ .‬لقد غرق قلب عائشة بمجرد أن وقعت عيناها عليها‪،‬‬
‫ألن جويرية كانت جميلة جًدا‪ ،‬ومن المؤكد أنه خالل المفاوضات التي أعقبت الغارة‪ ،‬عرض محمد الزواج إلبرام التحالف‬
‫مع والدها‪.‬‬
‫خيم المسلمون في مريسي لمدة ثالثة أيام‪ ،‬ولكن على الرغم من النتيجة اإليجابية للغزو‪ ،‬تصاعد التوتر المتصاعد بين‬
‫المهاجرين واألنصار إلى حادث خطير‪ .‬بينما كان المسلمون يسقون جمالهم في بئر‪ ،‬بدأ السكان المحليون من قبيلتين‬
‫مختلفتين ‪ -‬إحداهما متحدة مع قريش واألخرى متحدة مع الخزرج ‪ -‬يتشاجرون حول مسألة تافهة إلى حد ما‪ .‬ولم يمض وقت‬
‫طويل حتى نشب شجار واسع النطاق‪ ،‬وطلب المقاتلون المساعدة من المارة المسلمين‪ .‬وهرع المهاجرون لنجدة رجال القبائل‬
‫المتحالفين مع قريش‪ ،‬بينما احتشد األنصار من الخزرج حول خصومهم‪ .‬وفي غضون لحظات‪ ،‬وفي انتهاك مباشر للقرآن‪،‬‬
‫كان مسلم يقاتل مسلما‪ .‬وعندما سمعوا الخبر‪ ،‬سارع عمر وبعض أصحاب محمد اآلخرين لوقف هذا القتال غير الالئق‪ ،‬لكن‬
‫ابن أبي غضب‪ :‬كيف تجرأ عمر على منع الخزرج من مساعدة حلفائهم! "إنهم يسعون إلى أن تكون لهم األسبقية علينا!"‬
‫بكى‪« .‬وهللا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن أعلىنا وعزنا أسفلنا وأضعفنا»‪ .‬ركض أحد المارة على الفور إلبالغ محمد بذلك‪،‬‬
‫الذي شّح ب لونه عندما سمع هذا التهديد األخير‪ .‬أراد عمر أن يقتل ابن أبي على الفور‪ ،‬لكن محمد منعه‪ :‬هل أراد أن يقال إن‬
‫النبي قتل أصحابه؟‪ 11‬لكنه أعطى المسلمين أوامره بالرحيل على الفور وبدء رحلة العودة إلى المنزل‪ ،‬على الرغم من أن هذا‬
‫يعني السفر خالل أسوأ درجات الحرارة في النهار ‪ -‬وهو أمر لم يفعله من قبل‪.‬‬
‫وفي إحدى الوقفات انسلت عائشة لقضاء حاجتها‪ ،‬وعندما عادت وجدت أنها قد أضعت عقدها‪ .‬لقد كانت هدية زفاف من‬
‫والدتها‪ ،‬ولم تتحمل فقدانها‪ ،‬فعادت للبحث عنها‪ .‬وأثناء رحيلها‪ ،‬رفع الرجال فضالتها ‪ -‬المغطاة بالحجاب حسب األصول ‪-‬‬
‫على جملها‪ ،‬على افتراض أنها كانت بأمان في الداخل‪ ،‬وانطلقت المجموعة بدونها‪ .‬ولم تشعر عائشة بالحزن الشديد عندما‬
‫اكتشفت موقع المخيم المهجور‪ ،‬ألنها علمت أنها مسألة وقت فقط قبل أن يفتقدها أحد‪ .‬جلست لتنتظر وبالتأكيد جاء صديقها‬
‫القديم صفوان بن المعطل‪ ،‬الذي تخلف عن اآلخرين‪ ،‬ووضعها على ظهر جمله‪ .‬وعندما انضمت عائشة إلى الحملة مع‬
‫صفوان‪ ،‬عادت الشائعات القديمة حول عالقتهما غير المشروعة إلى الظهور من جديد‪ ،‬وتخيل أعداء محمد بسعادة األسوأ‪.‬‬
‫قال ابن أبي بصوت عاٍل ‪" :‬لم يكن مفاجًئا أن تقع عائشة في حب صفوان‪ ،‬ألنه كان أصغر سًنا بكثير وأكثر جاذبية من‬
‫زوجها"‪ .‬هزت الفضيحة المدينة المنورة‪ ،‬وبدت القصة معقولة لدرجة أن بعض المهاجرين بدأوا يصدقونها‪ ،‬وحتى أبو بكر‪،‬‬
‫والد عائشة‪ ،‬بدأ يشك في أنها قد تكون حقيقية‪.‬‬
‫واألخطر من ذلك أن محمد نفسه بدأ يشك في براءة عائشة ‪ -‬وهي عالمة واضحة على تراجع ثقته بنفسه خالل هذه‬
‫الفترة الصعبة‪ .‬لبضعة أيام بدا مرتبًك ا وغير متأكد‪ .‬وكانت حاجته إلى عائشة كبيرة جًدا‪ ،‬حتى أنه في مواجهة احتمال فقدانها‬
‫بدا مرتبًك ا ومتردًدا‪ .‬ولم يعد يتلقى أي رسائل من هللا؛ كانت هذه هي المرة األولى‪ ،‬منذ بداية مسيرته النبوية‪ ،‬التي يصمت‬
‫فيها الصوت اإللهي‪ .‬استمر ابن أبي في استغالل الوضع‪ ،‬واشتعلت الكراهية القبلية القديمة‪ ،‬حيث هدد الخزرج‪ ،‬قبيلة ابن‬
‫أبي‪ ،‬بقتال األوس‪ ،‬الذين قالوا إنه يجب إعدام األشخاص الذين أثاروا الفضيحة على الفور‪ .‬كان الوضع خطيًرا جًدا لدرجة‬
‫أن محمد اضطر إلى استدعاء جميع زعماء المدينة المنورة لالجتماع وطلب دعمهم إذا وجد أنه من الضروري اتخاذ إجراء‬
‫ضد ابن أبي الذي كان يهدد عائلته‪.‬‬
‫وأخيرًا ذهب محمد لمواجهة عائشة التي لجأت إلى منزل والديها‪ .‬لقد بكت لمدة يومين ولكن دموعها جفت مثل السحر‬
‫بمجرد دخول زوجها المنزل وواجهته بهدوء‪ .‬وحثها محمد على االعتراف بخطيئتها بصدق‪ .‬فإذا تابت غفر هللا لها‪ .‬ولكن‬
‫بكرامة كبيرة‪ ،‬وقفت الفتاة البالغة من العمر أربعة عشر عاًم ا على مكانها ونظرت بثبات إلى زوجها وهي تجيب‪ .‬وقالت إنه‬
‫ال يبدو أن هناك أي فائدة من قول أي شيء على اإلطالق‪ .‬لم يكن بوسعها أن تعترف بشيء لم تفعله‪ ،‬وإذا احتجت على‬
‫براءتها‪ ،‬فلن يصدقها أحد ‪ -‬وال حتى والديها‪ .‬ولم يكن بوسعها إال أن تكرر كلمات النبي يعقوب‪“ :‬الصبر على الشدائد حسن‬
‫في عيني هللا‪ .‬وأنا هلل وحده أدعو لي أن يقويني على ما وصفت لي من البالء‪12.‬ثم استدارت بصمت واستلقيت على سريرها‪.‬‬
‫كان محمد يعرف عائشة معرفة كاملة‪ ،‬وال بد أنها أقنعته‪ ،‬ألنها بمجرد أن انتهت من الكالم‪ ،‬وقع في غيبوبة عميقة كانت‬
‫في كثير من األحيان مقدمة للوحي‪ .‬فأغمي عليه‪ ،‬ووضع أبو بكر وسادة من جلد تحت رأسه‪ ،‬وهو وزوجته ينتظران حكم هللا‬
‫مرعوبين‪« .‬بشرى يا عائشة!» بكى محمد أخيًر ا‪ :‬لقد أثبت هللا براءتها‪ .‬وشعرت باالرتياح‪ ،‬وحثها والداها على النهوض‬
‫والمجيء إلى زوجها‪ ،‬لكن عائشة ظلت عنيدة‪ .‬قالت ‪:‬ال آتيه وال أشكره‪" .‬وال أشكركما اللذين استمعا إلى اإلفتراء ولم ينكراه‪.‬‬
‫سأقوم وأشكر هللا وحده!»‪ 13‬وبعد تأديبه على النحو الواجب‪ ،‬قبل محمد التوبيخ بكل تواضع‪ ،‬وذهب ليتلو الوحي الجديد على‬
‫الجمهور الذي تجمع في الخارج‪14.‬وقد تم تجنب وقوع مأساة شخصية وسياسية‪ ،‬ولكن الشكوك ظلت قائمة‪ .‬لقد أظهر الحادث‬
‫المؤلم مدى ضعف محمد‪ .‬فهل كان – كما قال ابن أبي بقسوة – نارًا مستهلكة؟‬

‫ولكن في مارس ‪ ،628‬وهو شهر الحج إلى مكة‪ ،‬أصدر محمد إعالًنا مذهًال أثبت أنه عرض غير عادي لعبقريته النبوية‪.‬‬
‫‪ 15‬ويبدو أنه لم تكن لديه خطة واضحة المعالم في البداية‪ ،‬بل كانت لديه فقط رؤية خافتة‪ .‬أخبر المسلمين أنه رأى حلًم ا غريًبا‬
‫ومشرًقا‪ :‬رأى نفسه واقًفا في الحرم المكي‪ ،‬برأس الحاج الحليق‪ ،‬يرتدي زي الحج التقليدي ويحمل مفتاح الكعبة‪ ،‬مليًئا‬
‫بالهدوء‪ .‬ضمان النصر‪ .‬وفي صباح اليوم التالي أعلن نيته أداء الحج ودعا رفاقه لمرافقته‪ .‬ومن السهل أن نتصور الخوف‬
‫والعجب والفرحة غير المؤكدة التي مأل المسلمين عندما سمعوا هذه الدعوة المذهلة‪ .‬وأوضح محمد أن هذه لن تكون حملة‬
‫عسكرية‪ُ .‬م نع الحجاج من حمل السالح أثناء الحج ولم يكن لديه أي نية النتهاك الحرم المكي حيث يحظر كل القتال‪ .‬اعترض‬
‫عمر‪ .‬سيذهب المسلمون مثل الحمالن إلى الذبح! كان من الضروري أن يكونوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم! لكن محمد‬
‫كان مصرا‪ .‬قال بحزم‪" :‬لن أحمل السالح"‪« .‬إنني ال أقصد سوى أداء فريضة الحج»‪ .‬ولم يكن الحجاج يرتدون أي دروع‪،‬‬
‫بل يرتدون فقط الجلباب األبيض التقليدي للحاج؛ في بداية الرحلة‪ ،‬كان بإمكانهم حمل سكين صيد صغير لقتل الطرائد‪ ،‬لكن‬
‫كان عليهم أن يضعوها جانًبا بمجرد االنتهاء من تكريسهم الرسمي‪ .‬سيكون عليهم السير غير مسلحين إلى أراضي العدو‪.‬‬
‫لم يكن أي من البدو الذين انضموا إلى تحالف محمد مستعًدا لتحمل المخاطرة‪ ،‬ولكن تطوع حوالي ألف من المهاجرين‬
‫والمساعدين‪ .‬حتى أن ابن أبي وبعض المنافقين قرروا الذهاب؛ ُسمح المرأتين من األنصار‪ ،‬اللتين كانتا حاضرتين في بيعة‬
‫العقبة‪ ،‬باالنضمام إلى الحفلة‪ ،‬ورافقت أم سلمة محمد‪.‬‬
‫وانطلق المسلمون باإلبل التي يذبحونها في ذروة الحج‪ .‬في المحطة األولى‪ ،‬كّر س محمد أحد هذه الجمال بالطريقة‬
‫التقليدية‪ ،‬ووضع عالمات خاصة عليه‪ ،‬وعلق مالبس الطقوس حول رقبته‪ ،‬ووجهه في اتجاه مكة‪ .‬ثم أطلق صرخة الحاج‪:‬‬
‫"ها أنا يا هللا في خدمتك!" انتشرت أخبار هذه الحملة الجريئة بسرعة من قبيلة إلى أخرى‪ ،‬وتابع البدو تقدمها باهتمام بينما‬
‫كان الحجاج يقطعون الرحلة الطويلة جنوًبا‪ .‬كان محمد يعلم أنه يضع قريش في موقف صعب للغاية‪ .‬كان لكل عربي الحق‬
‫في أداء فريضة الحج‪ ،‬وإذا منعت قريش‪ ،‬حراس الحرم‪ ،‬ألف حاج كانوا ملتزمين بالمناسك من دخول الحرم‪ ،‬فسيكونون‬
‫مذنبين بارتكاب تقصير جسيم في أداء الواجب‪ .‬ولكن سيكون األمر أيًضا مهيًنا بشكل ال يطاق لقريش إذا دخل محمد المدينة‪،‬‬
‫وسرعان ما أصبح واضًح ا أن قيادة قريش عازمة على إيقاف محمد بأي ثمن‪ .‬وفي اجتماع طارئ للمجمع‪ُ ،‬أرسل خالد بن‬
‫الوليد مع مائتي فارس لمهاجمة الحجاج العزل‪.‬‬
‫عندما سمع محمد هذا الخبر الخطير‪ ،‬امتأل محمد حزًنا على قبيلته‪ .‬لقد أعمى قريش الكراهية العقيمة للحرب لدرجة أنهم‬
‫كانوا على استعداد النتهاك المبادئ المقدسة التي تعتمد عليها أسلوب حياتهم بأكمله‪ .‬ما هو الهدف من هذا التعنت؟ «يا‬
‫قريش!» وصرخ قائال‪« :‬لقد أكلتهم الحرب! وأي ضرر عليهم لو تركوني وسائر العرب في طريقهم؟ كانت الرحلة‬
‫االستكشافية مختلفة تماًم ا عما كان يتخيله‪ .‬بسبب حلمه‪ ،‬ربما كان محمد يتوقع أن يتم قبوله في مكة‪ ،‬وأن تتاح له الفرصة‬
‫لشرح مبادئ اإلسالم لقريش في الظروف السلمية التي يفرضها الحج‪ .‬لكنه ال يستطيع العودة اآلن‪ .‬فقال‪ :‬وهللا ال أزال أجتهد‬
‫في المهمة التي كلفني هللا بها حتى يظهرها أو أهلك‪16.‬كانت مهمته األولى هي إيصال الحجاج بأمان إلى الحرم‪ .‬وجد‬
‫المسلمون مرشًدا من قبيلة أسلم البدوية الصديقة‪ ،‬الذي قاد المجموعة عبر طريق ملتوي وعر إلى المنطقة حيث ُيحظر كل‬
‫أشكال العنف‪ .‬بمجرد دخوله المنطقة المقدسة‪ ،‬ذّك ر محمد الحجاج بأنهم كانوا يمارسون نشاًطا دينًيا بحًتا‪ .‬يجب أال يسمحوا‬
‫ألنفسهم باالنجراف وراء إثارة العودة إلى الوطن؛ يجب أال يكون هناك انتصار سهل؛ وعليهم أن يتركوا خطاياهم وراءهم‪.‬‬
‫اآلن يجب عليهم أن يشقوا طريقهم إلى بئر الحديبية القريبة‪ ،‬ويطلبون من جمالهم ركل الرمال حتى يعرف خالد ورجاله‬
‫مكانهم بالضبط‪.‬‬
‫وعندما وصلوا إلى الحديبية‪ ،‬سقطت ناقة محمد قصواء على ركبتيها ورفضت التزحزح‪ .‬صرخ الحجاج في وجهها‬
‫محاولين حثها على النهوض‪ ،‬لكن محمد ذّك رهم بالفيل الذي ركع أمام الكعبة أثناء الغزو الحبشي منذ تلك السنوات الماضية‪،‬‬
‫وهي "عالمة" إلهية أقنعت جيش العدو بالعودة دون أن يدري‪ .‬قتال‪ .‬شيء مماثل كان يحدث اليوم‪ .‬وأوضح أن "الذي منع‬
‫الفيل من دخول مكة هو الذي منع القصواء"‪ ،‬وذّك ر الحجاج مرة أخرى بأنهم قادمون بروح المصالحة‪" :‬مهما كانت حالة‬
‫قريش التي يطلبون مني أن أظهرها" اللطف مع ذوي القربى‪ ،‬سأوافق على ذلك‪17 ".‬لم يخطط محمد أبًدا لإلطاحة بقريش‪،‬‬
‫لكنه أراد ببساطة إصالح النظام االجتماعي‪ ،‬الذي كان مقتنًعا بأنه سيؤدي إلى تدمير المدينة‪ .‬اعتقدت قريش أن حجهم كان‬
‫بمثابة إعالن حرب‪ ،‬لكن محمد‪ ،‬مثل القصواء‪ ،‬كان مصمًم ا على السجود بكل تواضع أمام قدسية مكة‪ .‬لم تحقق الحرب شيًئا‬
‫ذا قيمة دائمة وارتكب كال الجانبين فظائع‪ .‬كان من المقرر أن يكون هذا هجوًم ا سلمًيا‪ ،‬وليس غزًو ا‪.‬‬
‫لكن قلة قليلة من المسلمين أخذوا محمد على محمل الجد‪ .‬وبسبب اإلثارة والدراما التي شهدتها هذه المناسبة‪ ،‬كانوا‬
‫يتوقعون شيئًا مذهًال‪ .‬ربما ستكون هناك معجزة! وربما يدخلون مكة منتصرين ويطردون قريشًا من المدينة! وبدًال من ذلك‪،‬‬
‫أمرهم محمد بهدوء بسقي جمالهم والجلوس بجانبها‪ .‬وما تال ذلك كان ما كان يسمى "االعتصام"‪ .‬كان محمد‪ ،‬في انتظار‬
‫اإلذن بدخول المدينة‪ ،‬ممتنًعا عن العنف‪ ،‬يبرهن على أنه أكثر انسجاًم ا مع التقاليد العربية من قريش‪ ،‬التي كانت على استعداد‬
‫لقتله بينما كان في طريقه أعزاًل نحو األرض المقدسة‪.‬‬
‫وبالفعل وصلت الرسالة إلى البدو‪ .‬انطلق زعيم خزاعة الذي كان يزور مكة إلى الحديبية ليرى ما يجري‪ .‬لقد شعر‬
‫بالرعب عندما سمع أن الحجاج ُم نعوا من الوصول إلى األماكن المقدسة‪ ،‬فعاد إلى المدينة لالحتجاج بغضب لدى قريش‪ .‬لقد‬
‫كانت مكة دائًم ا مدينة شاملة؛ فقد رحبت بجميع العرب في الحرم‪ ،‬وكانت هذه التعددية مصدر نجاحها التجاري‪ .‬ماذا اعتقدوا‬
‫أنهم كانوا يفعلون؟ واشتكى من أنه ليس لديهم الحق في منع رجل من الواضح أنه جاء بسالم‪ .‬لكن شيوخ قريش ضحكوا في‬
‫وجهه‪ .‬وكانوا على استعداد للوقوف بين محمد والكعبة ومحاربته حتى مقتل آخر رجل لديهم‪ .‬وصرخوا‪« :‬ربما لم يأتي يريد‬
‫‪18‬‬
‫الحرب‪ ،‬ولكن وهللا ال يأتي رغًم ا عنا أبًدا‪ ،‬ولن يقول العرب أبًدا أننا سمحنا بذلك»‪.‬‬
‫عند هذه النقطة‪ ،‬كانت المقاومة المكية لمحمد بقيادة سهيل‪ ،‬الوثني التقي الذي كان محمد يأمل في جذبه إلى اإلسالم‪،‬‬
‫وأبناء بعض معارضي اإلسالم األوائل‪ :‬عكرمة‪ ،‬الذي كان مثل والده أبو جهل‪ ،‬يعارض بشدة إلى أي حل وسط؛ وصفوان‬
‫بن أمية الذي مات أبوه ببدر‪ .‬ومن المثير لالهتمام أن أبا سفيان يبدو أنه لم يلعب أي دور في أحداث الحديبية‪ .‬وهو رجل‬
‫يتمتع بذكاء متميز‪ ،‬وربما أدرك أن محمًدا قد أخطأ في قريش‪ ،‬وأنه لم يعد من الممكن التعامل معه بالتحدي التقليدي للجاهلية‪.‬‬
‫وقد حاول المكيون قتل الحجاج‪ ،‬لكن محمد استعصى عليهم؛ وكانت حيلتهم التالية هي محاولة إثارة الشقاق بين المسلمين‬
‫من خالل دعوة ابن أبي ألداء المناسك في الكعبة‪ .‬ولكن لمفاجأة الجميع‪ ،‬أجاب ابن أبي أنه ال يمكن أن يؤدي الطواف أمام‬
‫النبي‪ .‬سوف يصطدم مع محمد مرة أخرى في المستقبل‪ ،‬ولكن في الحديبية‪ ،‬كان ابن أبي مسلًم ا مخلًص ا‪ .‬أقنع صفوان وسهيل‬
‫عكرمة بالموافقة على التفاوض‪ ،‬وأرسال أحد حلفائهما البدو‪ ،‬حليس‪ ،‬زعيم الحارة‪ ،‬وهو رجل شديد التدين‪ ،‬ممثًال عنهما‪.‬‬
‫عندما رآه محمد قادًم ا‪ ،‬أرسل جمال األضحية لتحيته‪ ،‬وعندما رآهم حليس يهرعون نحوه‪ ،‬وقد زينوا أكاليلهم بشكل جميل‪،‬‬
‫تأثر كثيًر ا لدرجة أنه لم يكلف نفسه عناء استجواب محمد بل عاد على الفور إلى مدينة‪ .‬وذكر أن هؤالء كانوا حجاًجا‬
‫حقيقيين‪ ،‬ويجب السماح لهم بالدخول إلى الحرم على الفور‪ .‬فغضب صفوان‪ .‬كيف تجرأ حليس – بدوي جاهل – على إصدار‬
‫األوامر لهم! وكان هذا خطأ فادحا‪ .‬فقام حليس وأجاب بكل كرامة‪:‬‬

‫يا معشر قريش ما كان لهذا حلفناكم‪ .‬وهل الرجل الذي يأتي ليكرم بيت هللا يخرج منه؟ والذي‬
‫‪19‬‬
‫نفسي بيده لتدعن محمدًا يفعل ما جاء ليفعلن أو آلخذن جنودي إلى آخر رجل‪.‬‬
‫فاعتذر صفوان على عجل وطلب من حليس أن يتحملهم حتى يجدوا حًال يرضي الجميع‪.‬‬
‫وكان مبعوثهم التالي عروة بن مسعود من الطائف‪ ،‬وهو حليف حاسم لمكة‪ .‬وضع عروة إصبعه على الفور على نقطة‬
‫ضعف محمد‪ .‬فقال عروة وهو يشير إلى الحجاج باستهزاء‪« :‬فلقد جمعت يا محمد هذا القوم الذي رجعت به لتكسر جبروت‬
‫قبيلتك»‪« .‬وهللا إني ألرى هؤالء يتفرقون عليك غًدا!»‪20‬عرف محمد أنه على الرغم من هذا العرض الواضح للقوة والوحدة‪،‬‬
‫إال أنه لم يكن لديه سوى عدد قليل جًدا من الحلفاء الذين يمكن االعتماد عليهم‪ .‬ولم يكن لحلفائه من البدو‪ ،‬الذين رفضوا‬
‫مرافقته في رحلة الحج‪ ،‬سوى التزام سطحي باإلسالم؛ وكان منصبه في المدينة المنورة ال يزال غير آمن إلى حد كبير؛‬
‫وكان يعلم أن بعض رفاقه المقربين لن يفهموا ما كان على وشك القيام به‪ .‬فكيف يمكنه أن يعارض بشكل واقعي قريش ‪-‬‬
‫قبيلته ‪ -‬بهذا الرعاع المتنوعين؟ وأما قريش فكانوا متحدين بقوة ومسلحين حتى األسنان‪ ،‬كما أخبره عروة؛ حتى النساء‬
‫واألطفال تعاهدوا على منعه من دخول مكة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وعلى الرغم منه تقريًبا‪ ،‬تأثر عروة بإخالص المسلمين للنبي خالل‬
‫هذه األزمة‪ ،‬وقال لقريش ‪ -‬على األقل في الوقت الحالي ‪ -‬إن محمًدا يحمل أوراق الفوز وسيتعين عليهم بذل بعض الجهود‪.‬‬
‫نوع من االتفاق معه‪.‬‬
‫قرر محمد إرسال سفير خاص به إلى مكة‪ .‬في البداية أرسل أحد األنصار‪ ،‬معتقًدا أن هذا سيكون أقل إثارة للجدل‪ ،‬لكن‬
‫قريش عرقلت جمل الرجل وكانوا سيقتلونه لوال تدخل رجال قبيلة حليس‪ .‬بعد ذلك اقترب محمد من عمر‪ ،‬ولكن لم يكن أي‬
‫من رجال عشيرته في المدينة قوًيا بما يكفي لحمايته‪ ،‬لذلك تقرر أن يتولى عثمان بن عفان ذو العالقات الجيدة المهمة‪.‬‬
‫وسمعته قريش فلم يقتنعوا بإظهاره لإلسالم‪ ،‬مع أنهم أذنوا له في أداء مناسك الحج‪ .‬عثمان‪ ،‬بالطبع‪ ،‬رفض فقررت قريش أن‬
‫تبقيه رهينة‪ ،‬لكنها أرسلت رسالة إلى المسلمين تفيد بأنه ُقتل‪.‬‬
‫كانت هذه لحظة رهيبة‪ .‬يبدو األمر كما لو أن الرحلة االستكشافية قد فشلت بشكل فظيع‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬وقع محمد في‬
‫غيبوبة ولكن هذه المرة لم تكن هناك رسالة من هللا‪ ،‬وكان عليه أن يجد حًال بنفسه‪ ،‬ويستمع‪ ،‬كما كان يفعل دائًم ا‪ ،‬إلى التيار‬
‫الخفي لهذه األحداث المخيفة من أجل اكتشاف ما كان يحدث‪ .‬يحدث حقا‪ .‬وأخيرًا طلب من الحجاج أداء يمين الوالء‪ .‬أخذوا‬
‫بيده واحًدا تلو اآلخر وأقسموا يمين السرور‪ .‬لدى جميع المصادر تفسيرات مختلفة لهذا الحدث‪ ،‬لكن رواية الواقدي ربما‬
‫تكون األكثر إقناعا‪ .‬ويقول إن المسلمين أقسموا على طاعة محمد ضمنا واتباع ما "في روحه" خالل هذه األزمة‪21 .‬لم يكن‬
‫محمد قادًرا أبًدا على أن يأمر بالطاعة المطلقة‪ ،‬ولكن‪ ،‬بعد أن اهتز خبر مقتل عثمان‪ ،‬حتى ابن أبي والمنافقين كانوا على‬
‫استعداد ألداء القسم‪ .‬كان محمد قد عقد العزم‪ ،‬على مستوى غريزي عميق‪ ،‬على اتخاذ مسار العمل الذي كان يعلم أن‬
‫الكثيرين قد يجدونه غير محتمل‪ ،‬وأراد أن يضمن والئهم مقدًم ا‪ .‬وبعد أن أخذ الجميع على عاتقهم التعهد‪ ،‬بدأت األمور‬
‫تتحسن‪ .‬في البداية جاءت األخبار السارة بأن عثمان لم ُيقتل على اإلطالق‪ ،‬ثم رأى محمد سهيل‪ ،‬الذي كان يحترمه دائًم ا‪،‬‬
‫يقترب من المعسكر‪ ،‬وأدرك أن قريش مستعدة اآلن بشكل جدي للتفاوض‪.‬‬
‫وكان هذا في حد ذاته إنجازا مهما‪ .‬أخيًر ا‪ ،‬أرغم محمد قريش على أخذ كالمه على محمل الجد‪ ،‬وكان هناك احتمال‬
‫حقيقي للتوصل إلى حل سلمي‪ .‬وجلس محمد مع سهيل فترة طويلة ولكن الشروط التي تم االتفاق عليها أصابت الكثير من‬
‫أصحابه بالفزع‪ .‬في البداية وعد بالعودة إلى المدينة المنورة دون زيارة الحرم‪ ،‬على الرغم من وعد سهيل بأنه في العام‬
‫التالي يمكن للمسلمين العودة وأداء مناسك الحج التقليدية داخل حدود المدينة‪ .‬وتكون هدنة بين مكة والمدينة عشر سنين‪ .‬وعد‬
‫محمد بإعادة أي فرد من قريش اعتنق اإلسالم وهاجر إلى المدينة المنورة دون موافقة أولياء أموره‪ ،‬لكنه وافق على أن‬
‫قريش لن تضطر إلى إعادة مسلم انشق إلى مكة‪ .‬تم تحرير القبائل البدوية من التزاماتها السابقة بموجب المعاهدة ويمكنها‬
‫اختيار تشكيل تحالف مع المدينة المنورة أو مكة‪.‬‬

You might also like