You are on page 1of 19

‫سلسلة قصص االنبياء‬

‫قصة محمد صلى هللا عليه وسلم‬

‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫المقدمة‬
‫ان الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل تعالى من‬
‫شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده هللا فال مضل له‬
‫ومن يضلل فال هادي له وأشهد ان ال اله اال هللا وحده ال‬
‫شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم‬
‫نسب النبي ومولده‬
‫كان رسول هللا ‪-‬صّلى هللا عليه وسّلم‪ -‬أشرف الناس نسبًا وأعظمهم مكانًة وفضًال‪ ،‬فهو محمد بن عبد هللا بن عبد المطلب‬
‫بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن‬
‫[ ‪]١‬‬
‫خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‪.‬‬

‫وقد تزّو ج والد النبي عبد هللا من آمنة بنت وهب‪ ،‬وُو لد النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يوم االثنين الثاني عشر من شهر‬
‫ربيع األول من عام الفيل‪ ،‬وهو العام الذي توّج ه فيه أبرهة لهدم الكعبة‪ ،‬إاّل أّن العرب تصّدت له‪ ،‬وأخبره عبد المطّلب بأّن‬
‫للبيت رٌّب يحميه‪ ،‬فقدم أبرهة مع الفيلة‪ ،‬فأرسل عليهم هللا طيورًا تحمل حجارًة من ناٍر أهلكتهم‪ ،‬وبذلك حمى هللا البيت من‬
‫أي أذى‪ ]٢[،‬وقد توفي والده وهو حمٌل في بطن أمه على الصحيح من أقوال العلماء‪ ،‬فُو لد الرسول يتيمًا‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪َ( :-‬أَلْم‬
‫[ ‪]٤ []٣‬‬
‫َي ِجْد َك َي ِتيًم ا َفآَو ى)‪.‬‬

‫حياته في األربعين عاًم ا قبل النبوة‬


‫رضاعته‬
‫رضع محمٌد ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬من حليمة السعدية بعد أن قدمت إلى قريش تلتمس أٍي من الرضعاء‪ ،‬وكان لها ابنًا‬
‫رضيعًا ال تجد ما يسّد جوعه‪ ،‬ذلك بعد أن رفضت نساء بن سعد إرضاع النبي ‪-‬عليه السالم‪ -‬بسبب فقده لوالده؛ ظّنًا منهّن‬
‫أن ال تعود عليهّن رضاعته بالخير واألجر‪ ،‬وبسبب ذلك نالت حليمة السعدية بركًة في حياتها وخيرًا عظيمًا لم تَر مثله‬
‫[ ‪]٢‬‬
‫قّط ‪ ،‬ونشأ محّمد ‪-‬عليه السالم‪ -‬بخالف غيره من الشباب من حيث القوة والشدة‪.‬‬

‫وعادت به إلى أّمه بعد أن بلغ العامين من عمره واستأذنتها ببقاء محمٍد عندها خوفًا عليه من األمراض في مكة‪ ،‬وعاد‬
‫معها بالفعل‪ ،‬وفي أحد األيام أتاه جبريل وشّق صدره واستخرجه‪ ،‬واستخرج من قلبه علقًة وقال إنها حّظ الشيطان منه‪،‬‬
‫فغسلها بماء زمزم في طست من ذهب‪ ،‬ثّم ألمه وأعاده مكانه‪ ،‬فكانت حادثة شّق الصدر‪ ،‬وكان ذلك األمر الفاصل في‬
‫عودته إلى أمه‬
‫]‪.[٢‬‬

‫أخرج اإلمام مسلم عن أنس بن مالك ‪-‬رضي هللا عنه‪( :-‬أَّن َر سوَل ِهللا َص َّلى ُهَّللا عليه وسَّلَم أتاُه ِجْب ِر يُل َص َّلى ُهَّللا عليه‬
‫وسَّلَم وهو َي ْلَع ُب مع الِغ ْلماِن ‪ ،‬فأَخ َذ ُه َفَصَر َع ُه‪َ ،‬فَش َّق عن َقْلِبِه‪ ،‬فاْس َتْخ َر َج الَقْلَب ‪ ،‬فاْس َتْخ َر َج منه َع َلَقًة ‪ ،‬فقاَل‪ :‬هذا َح ُّظ‬
‫[ ‪]٥‬‬
‫الَّش ْي طاِن ِم ْن َك‪ُ ،‬ثَّم َغ َس َلُه في َط ْس ٍت ِمن َذ َهٍب بماِء َز ْم َز َم ‪ُ ،‬ثَّم َألَم ُه‪ُ ،‬ثَّم أعاَد ُه في َم كاِنِه‪.)...‬‬

‫كفالته‬
‫توفيت والدة النبي ‪-‬عليه السالم‪ -‬آمنة بنت وهب وهو ابن ست سنواٍت‪ ،‬وكانت عائدًة به من منطقة األبواء؛ وهي منطقٌة‬
‫واقعٌة بين مكة والمدينة‪ ،‬إذ كانت في زيارٍة ألخواله من بني عدي من بني النجار‪ ،‬فانتقل بعدها للعيش في كفالة جّده عبد‬
‫المطلب حيث كان يعتني به اعتناًء شديدًا؛ ظاّنًا فيه الخير والشأن العظيم‪ ،‬ثّم توفي جّده والنبي في الثامنة من عمره‪،‬‬
‫وانتقل بعدها للعيش في كفالة عمه أبي طالب‪ ،‬وكان يأخذه معه في رحالته التجارية‪ ،‬وفي إحدى الرحالت أخبره إحدى‬
‫[ ‪]٢‬‬
‫الرهبان بأّن محمدًا سيكون ذو شأٍن عظيٍم ‪.‬‬

‫عمله برعي لألغنام‬

‫عمل الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬في رعي أغنام أهل مكة‪ ،‬وفي ذلك يقول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪( :-‬ما َبَع َث ُهَّللا َن ِبًّي ا‬
‫[‬
‫إاَّل َر َع ى الَغ َن َم ‪ ،‬فقاَل أْص حاُبُه‪ :‬وَأْن َت ؟ فقاَل‪َ :‬ن َع ْم ‪ُ ،‬كْن ُت أْر عاها عَلى َقراِر يَط ‪-‬جزء من الدينار والدرهم‪ -‬ألْه ِل َم َّك َة )‪،‬‬
‫[ ‪]٧‬‬
‫‪ ]٦‬وبذلك كان النبي ‪-‬عليه السالم‪ -‬قدوًة في كسب الرزق‪.‬‬

‫عمله بالتجارة‬
‫كانت خديجة بنت خويلد ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬ذات ماٍل كثيٍر ونسٍب رفيٍع ‪ ،‬وكانت تعمل في التجارة‪ ،‬وحين بلغها أن محمدًا‬
‫رجٌل صادٌق في قوله أميٌن في عمله كريٌم في أخالقه استأمنته على الخروج تاجرًا بأموالها مع غالٍم لها ُيدعى ميسرة‬
‫مقابل األجر‪ ،‬فخرج ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬تاجرًا إلى بالد الشام‪ ،‬وجلس في الطريق تحت ظّل شجرٍة قريبٍة من راهٍب‪،‬‬
‫فأخبر الراهب ميسرة أّن َم ن نزل تحت تلك الشجرة لم يكن إاّل نبيًا‪ ،‬وأخبر ميسرة خديجة بقول الراهب‪ ،‬مّما كان سببًا في‬
‫[ ‪]٢‬‬
‫طلبها الزواج من الرسول‪ ،‬فخطبها له عّمه حمزة‪ ،‬وتزّو جا‪.‬‬

‫مشاركته في بناء الكعبة‬

‫عقدت قريش العزم على تجديد بناء الكعبة؛ لحمايتها من الهدم بسبب السيول‪ ،‬واشترطوا بناءها من األموال الطيبة التي لم‬
‫يدخلها أي نوٍع من الربا أو الظلم‪ ،‬وتجّر أ الوليد بن المغيرة على الهدم‪ ،‬ثم شرعوا بالبناء شيئًا فشيئًا إلى أن وصلوا إلى‬
‫موضع الحجر األسود‪ ،‬إذ وقع الخالف بينهم في َم ن سيضعه في موضعه‪ ،‬وتراضوا على قبول حكم أول داخٍل عليهم‪،‬‬
‫وكان الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬وأشار عليهم بأن يضع الحجر األسود على ثوٍب تحمله كل قبيلٍة من طرٍف ليضعه‬
‫في مكانه‪ ،‬وقبلوا بحكمه دون خالٍف ‪ ،‬وبذلك كان رأي الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬عامًال في عدم تنازع قبائل قريش‬
‫[ ‪]٢‬‬
‫وعدم خالفها فيما بينها‪.‬‬

‫بداية الوحي‬
‫كان الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يخلو بنفسه في غار حراء في شهر رمضان تاركًا كّل من حوله؛ مبتعدًا عن كّل‬
‫باطٍل ‪ ،‬محاوًال التقّر ب من كّل صواٍب قدر ما استطاع‪ ،‬متفّك رًا في خلق هللا وإبداعه في الكون‪ ،‬وكانت رؤياه واضحًة ال‬
‫لبس فيها‪ ،‬وبينما هو في الغار جاءه ملٌك قائًال‪( :‬اقرأ)‪ ،‬فرّد الرسول قائًال‪( :‬ما أنا بقارئ)‪ ،‬وتكرّر الطلب ثالث مّر اٍت‪،‬‬
‫وقال الملك في المرة األخيرة‪( :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق)‪ ،‬فعاد إلى خديجة وهو في حالة فزٍع شديٍد مّما حصل معه‪،‬‬
‫[ ‪]٨‬‬
‫فطمأنته‪.‬‬

‫وفي ذلك روت أم المؤمنين عائشة ‪-‬رضي هللا عنها‪َ( :-‬أَّو ُل ما ُبِد َئ به َر سوُل ِهَّللا َص َّلى ُهللا عليه وسَّلَم ِمَن الَو ْح ِي الُّر ْؤ َي ا‬
‫الَّص اِد َقُة في الَّن ْو ِم ‪َ ،‬فكاَن ال َيَر ى ُر ْؤ َي ا إاَّل َج اَء ْت ِم ْث َل َفَلِق الُّصْب ِح ‪َ ،‬فكاَن َي ْأتي ِحَر اًء َفَي َت َح َّن ُث ِفيِه‪ ،‬وهو الَّت َع ُّب ُد‪ ،‬الَّلَي اِلَي‬
‫َذ َو اِت الَع َدِد‪ ،‬وَي َتَز َّو ُد لذلَك‪ُ ،‬ثَّم َيْر ِجُع إلى َخ ِديَج َة َفُتَز ِّو ُد ُه ِلِم ْث ِلَه ا‪ ،‬حَّت ى َفِجَئ ُه الَح ُّق وهو في َغ اِر ِحَر اٍء ‪َ ،‬فَج اَءُه الَم َلُك ِفيِه‪،‬‬
‫َفقاَل‪ :‬اْق َر ْأ‪َ ،‬فقاَل له النبُّي َص َّلى ُهللا عليه وسَّلَم ‪َ :‬فُقلُت ‪ :‬ما أَن ا بَقاِر ٍئ‪ ،‬فأَخ َذ ِني َفَغ َّط ِني حَّت ى َب َلَغ ِم ِّن ي الَج ْه ُد‪ُ ،‬ثَّم أْر َس َلِني‬
‫َفقاَل‪ :‬اْق َر ْأ‪َ ،‬فُقلُت ‪ :‬ما أَن ا بَقاِر ٍئ ‪ ،‬فأَخ َذ ِني َفَغ َّط ِني الَّث اِنَي َة حَّت ى َب َلَغ ِم ِّن ي الَج ْه ُد‪ُ ،‬ثَّم أْر َس َلِني َفقاَل‪ :‬اْق َر ْأ‪َ ،‬فُقلُت ‪ :‬ما أَن ا بَقاِر ٍئ‪،‬‬
‫فأَخ َذ ِني َفَغ َّط ِني الَّث اِلَث َة حَّت ى َب َلَغ ِم ِّن ي الَج ْه ُد‪ُ ،‬ثَّم أْر َس َلِني َفقاَل‪{ :‬اْق َر ْأ باْس ِم َر ِّب َك الذي َخ َلَق } [العلق‪ -]1 :‬حَّت ى َب َلَغ ‪َ{ -‬ع َّلَم‬
‫[ ‪]٨ []٩‬‬
‫اإلْن َس اَن ما َلْم َيْع َلْم } [العلق‪.)]5 :‬‬

‫ثّم أخذت به خديجة ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬إلى ابن عّمها ورقة بن نوفل‪ ،‬وكان شيخًا كبيرًا ال ُيبصر يكتب اإلنجيل بالعبرية‪،‬‬
‫وأخبره الرسول بما حصل‪ ،‬فقال ورقة‪( :‬هذا الَّن اُم وُس الذي ُأْن ِز َل عَلى ُم وَس ى‪ ،‬يا َلْي َت ِني ِفيَه ا َج َذ ًع ا‪ ،‬أُك وُن َح ًّي ا ِحيَن‬
‫ُيْخ ِر ُج َك َقْو ُم َك‪َ ،‬فقاَل َر سوُل ِهَّللا َص َّلى ُهللا عليه وسَّلَم ‪ :‬أَو ُم ْخ ِر ِجَّي ُه ْم َفقاَل وَر َقُة ‪َ :‬ن َع ْم ‪َ ،‬لْم َي ْأِت َر ُج ٌل َقُّط بِم ْث ِل ما ِجْئ َت به‬
‫[ ‪]٩‬‬
‫إاَّل ُع وِد َي ‪ ،‬وإْن ُيْد ِر ْك ِني َيْو ُم َك أْن ُصْر َك َن ْص ًر ا ُم َؤ َّز ًر ا)‪.‬‬

‫ثّم توفي ورقة‪ ،‬وانقطع الوحي عن الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فترًة من الزمن‪ ]٨[،‬وقيل إّن ها استمرت ألياٍم فقط‪،‬‬
‫والغاية من ذلك طمأنة الرسول وتشويقه للوحي مرًة أخرى‪ ،‬إاّل أّن النبي ‪-‬عليه السالم‪ -‬لم ينقطع عن الخلوة بنفسه في‬
‫غار حراء‪ ،‬بل استمّر على ذلك‪ ،‬وفي إحدى األيام سمع صوتًا من السماء وكان جبريل ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬ونزل بقول هللا ‪-‬‬
‫تعالى‪َ( :-‬ي ا َأُّيَه ا اْلُم َّد ِّث ُر * ُقْم َفَأنِذر* َو َر َّب َك َفَك ِّبْر * َو ِثَي اَب َك َفَط ِّهْر * َو الُّر ْج َز َفاْه ُجْر )‪ ]١٠[،‬وبذلك أمر هللا ‪-‬تعالى‪ -‬نبّيه بالدعوة‬
‫[ ‪]١١‬‬
‫إلى توحيده وعبادته وحده‪.‬‬

‫العهد المكي‬
‫الدعوة السرية‬

‫لم تستقر أحوال الدعوة في مكة بسبب انتشار عبادة األصنام واإلشراك باهلل؛ لذلك كان من الصعب الدعوة إلى توحيد هللا‬
‫فيها بشكٍل مباشٍر في بداية األمر‪ ،‬فما كان من رسول هللا إاّل اإلسرار بالدعوة‪ ،‬وبدأ بدعوة أهل بيته ومن رأى فيه الصدق‬
‫والرغبة بمعرفة الحّق ‪ ،‬فكانت زوجته خديجة ومواله زيد بن حارثة وعلي بن أبي طالٍب وأبو بكر الصديق أّو ل من آمن‬
‫بدعوته‪ ،‬ثّم ساند أبو بكر الرسول في دعوته فأسلم على يديه‪:‬عثمان بن عفان‪ ،‬والزبير بن العّو ام‪ ،‬وعبد الرحمن بن‬
‫عوف‪ ،‬وسعد بن أبي وقاص‪ ،‬وطلحة بن عبيد هللا‪ ،‬ثّم انتشر اإلسالم في مكة شيئًا فشيئًا إلى أن جهر بالدعوة بعد ثالث‬
‫[ ‪]١٢‬‬
‫سنواٍت من اإلسرار بها‪.‬‬

‫بداية الدعوة الجهرية‬

‫بدأ رسول هللا ‪-‬عليه السالم‪ -‬بدعوة عشيرته جهرًا‪ ،‬قال تعالى‪َ( :‬و َأنِذ ْر َع ِش يَر َت َك اَأْلْق َر ِبيَن )‪ ]١٣[،‬فصعد الرسول على جبل‬
‫الصفا ودعا قبائل قريش إلى توحيد هللا فاستهزؤا به‪ ،‬إاّل أّن الرسول لم يتواَن في الدعوة‪ ،‬وأخذ أبو طالب على نفسه حماية‬
‫[ ‪]١٢‬‬
‫الرسول‪ ،‬ولم يلتفت إلى أقوال قريش بصّد الرسول عن دعوته‪.‬‬

‫المقاطعة‬

‫اّت فقت قبائل قريش على مقاطعة الرسول ومن آمن به ومحاصرتهم في ِش عب بني هاشم‪ ،‬وكانت تلك المقاطعة بعدم التعامل‬
‫معهم في البيع أو الشراء‪ ،‬إضافًة إلى عدم تزويجهم أو الزواج منهم‪ ،‬وقد ُو ّث قت تلك البنود على لوحٍة وُع ّلقت على جدار‬
‫الكعبة‪ ،‬واستمّر الحصار مدة ثالث سنواٍت‪ ،‬وانتهى بعد أن تشاور هشام بن عمرو مع زهير بن أبي أمّية وغيره في إنهاء‬
‫[ ‪]١٤‬‬
‫الحصار‪ ،‬وهّموا بشّق وثيقة المقاطعة ليجدوا بأّن ها قد اندثرت إاّل "باسمك اللهم" منها‪ ،‬وبذلك ُفّك الحصار‪.‬‬

‫عام الحزن‬

‫توفّيت السيدة خديجة التي كانت بمثابة السند لرسول هللا قبل هجرته إلى المدينة بثالث سنواٍت‪ ،‬وفي ذات العام مرض أبو‬
‫طالب الذي كان يحمي الرسول من أذى قريش مرضًا شديدًا‪ ،‬واستغّلت قريش موقف مرضه وبدأت بالتعّر ض للرسول‬
‫باألذى الشديد‪ ،‬وذهبت مجموعة من أشراف قريش إلى أبي طالب حين اشتّد مرضه وطلبت منه أن يكّف الرسول عن‬
‫دعوته‪ ،‬فحّد ثه أبو طالب بما يريدون‪ ،‬ولم يلتفت لذلك‪ ،‬وقبل وفاة أبي طالب حاول معه الرسول بنطق الشهادتين إاّل أّن ه لم‬
‫يستجب‪ ،‬وتوفي على حاله‪ ،‬وبوفاته ووفاة خديجة ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬حزن الرسول حزنًا شديدًا؛ إذ كانا بمثابة السند والدعم‬
‫[ ‪]١٥‬‬
‫والحماية له‪ ،‬وسّمي ذلك العام بعام الحزن‪.‬‬

‫الدعوة خارج مكة‬


‫توّج ه رسول هللا ‪-‬عليه السالم‪ -‬إلى الطائف في سبيل دعوة قبيلة ثقيف إلى توحيد هللا بعد وفاة عّمه وزوجته‪ ،‬وتعّر ض‬
‫لألذى من قريش‪ ،‬طالبًا من ثقيف نصرته وحمايته‪ ،‬واإليمان بما جاء‪ ،‬راجيًا منهم القبول‪ ،‬إاّل أنّهم لم يستجيبوا وقابلوه‬
‫[ ‪]١٦‬‬
‫بالسخرية واالستهزاء‪.‬‬

‫الهجرة إلى الحبشة‬

‫حّث رسول هللا أصحابه على الهجرة إلى أرض الحبشة؛ نظرًا لما تعّر ضوا له من التعذيب واألذى‪ ،‬مخبرًا إّياهم بأّن فيها‬
‫ملكًا ال ُيظلم عنده أحٌد ‪ ،‬فخرجوا مهاجرين‪ ،‬وكانت تلك أّو ل هجرٍة في اإلسالم‪ ،‬وقد بلغ عددهم ثالثًا وثمانين رجًال‪ ،‬وحين‬
‫علمت قريش بأمر الهجرة أرسلوا عبد هللا بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بالهدايا والعطايا إلى النجاشي ملك الحبشة‬
‫[ ‪]١٧‬‬
‫وطلبوا منه رّد المسلمين المهاجرين؛ احتجاجًا بأّن هم فارقوا دينهم الذي كانوا عليه‪ ،‬إاّل أّن النجاشي لم يستجب لهم‪.‬‬

‫طلب النجاشي من المسلمين بيان موقفهم‪ ،‬فتكّلم عنهم جعفر بن أبي طالب‪ ،‬وحّدث النجاشي بأّن الرسول أرشدهم إلى‬
‫طريق الصالح والحق بعيدًا عن طريق الفواحش والرذائل فآمنوا به‪ ،‬وتعّر ضوا لألذى والسوء بسبب ذلك‪ ،‬وقرأ عليه‬
‫جعفر بداية سورة مريم فبكى النجاشي بكاًء شديدًا‪ ،‬وأخبر رسل قريش بأّن ه لن يسّلم أحدًا منهم‪ ،‬ورّد هداياهم إليهم‪ ،‬إاّل‬
‫أّن هما عادا إلى النجاشي في اليوم التالي يخبرانه بأّن المسلمين يتأّو لون القول على عيسى بن مريم‪ ،‬وسمع من المسلمين‬
‫[ ‪]١٧‬‬
‫رأيهم بعيسى فأخبروه بأّن ه عبد هللا ورسوله‪ ،‬وبذلك صّدق النجاشي المسلمين ورّد عبد هللا وعمرو‪.‬‬

‫اإلسراء والمعراج‬

‫اختلفت الروايات التي حّددت تاريخ رحلة اإلسراء والمعراج؛ فقيل إّن ها كانت في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب‬
‫من السنة العاشرة من النبوة‪ ،‬ومنهم من قال بأّن ها كانت بعد البعثة بخمس سنواٍت‪ ،‬وكانت الرحلة بحيث ُأسري برسول هللا‬
‫[ ‪]١٨‬‬
‫من البيت الحرام في مكة المكرمة إلى بيت المقدس على دابٍة تسّمى البراق برفقة جبريل ‪-‬عليه السالم‪.-‬‬

‫ثّم ُعرج به إلى السماء الدنيا حيث التقى بآدم ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬ثّم إلى السماء الثانية والتقى بيحيى بن زكريا وعيسى بن‬
‫مريم ‪-‬عليهما السالم‪ ،-‬ثّم إلى السماء الثالثة التي رأى فيها يوسف ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬ثّم التقى بإدريس ‪-‬عليه السالم‪ -‬في‬
‫السماء الرابعة‪ ،‬وهارون بن عمران ‪-‬عليه السالم‪ -‬في السماء الخامسة‪ ،‬وموسى بن عمران في السماء السادسة‪ ،‬وإبراهيم‬
‫‪-‬عليه السالم‪ -‬في السماء السابعة‪ ،‬وتّم السالم بينهم وإقرارهم بنبّو ة محّمٍد ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬ثّم ُرفع بمحمٍد إلى سدرة‬
‫[ ‪]١٨‬‬
‫المنتهى‪ ،‬وفرض هللا عليه خمسين صالة‪ ،‬ثّم خفّفها إلى خمٍس ‪.‬‬

‫بيعة العقبة األولى والثانية‬

‫أتى وفٌد من األنصار يبلغ عددهم اثني عشر رجًال إلى الرسول ليبايعوه على توحيد هللا ‪-‬سبحانه‪ -‬وعدم السرقة وعدم‬
‫الوقوع في الزنا أو المعاصي أو القول الزور‪ ،‬وتّمت تلك البيعة في مكاٍن يسّمى العقبة؛ ولذلك سّميت ببيعة العقبة األولى‪،‬‬
‫وأرسل معهم الرسول مصعب بن عمير يعّلمهم القرآن ويبّين لهم أمور الدين‪ ،‬وفي العام التالي في موسم الحج قدم إلى‬
‫[ ‪]١٩‬‬
‫رسول هللا ثالث وسبعون رجًال وامرأتين؛ ليبايعوه‪ ،‬وتّمت بذلك بيعة العقبة الثانية‪.‬‬

‫الهجرة النبوية‬
‫هاجر المسلمون إلى المدينة المنورة؛ حفاظًا على دينهم وأنفسهم‪ ،‬وإلقامة وطٍن آمٍن يعيشون فيه وفق أصول الدعوة‪،‬‬
‫وكان أبو سلمة وعائلته أول من هاجر‪ ،‬وتبعه صهيب بعد أن تنازل عن كّل ما يملك من ماٍل لقريش في سبيل توحيد هللا‬
‫والهجرة في سبيله‪ ،‬وهكذا تبع المسلمون بعضهم البعض في الهجرة حتى كادت مّك ة أن تصبح خاليًة من المسلمين‪ ،‬مّما‬
‫أّد ى بقريش إلى الخوف على نفسها من عواقب هجرة المسلمين‪ ،‬فاجتمع نفٌر منها في دار الندوة بحثًا عن طريقٍة للتخّلص‬
‫بها من الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬وانتهى بهم األمر إلى أن يأخذوا من كل قبيلٍة شابًا ويضربون الرسول ضربة‬
‫[ ‪]٢٠‬‬
‫رجٍل واحٍد؛ ليتفّر ق دمه بين القبائل وال يستطيع بنو هاشم على الثأر منهم‪.‬‬

‫في ذات الليلة أِذن هللا لرسوله بالهجرة فاّت خذ أبا بكٍر رفيقًا له‪ ،‬وجعل علّي ًا في فراشه وأوصاه برّد األمانات التي كانت‬
‫عنده إلى أصحابها‪ ،‬واستأجر الرسول عبد هللا بن أريقط ليدّله على الطريق إلى المدينة‪ ،‬فخرج الرسول مع أبي بكٍر‬
‫قاصَد ين غار ثور‪ ،‬وحين علمت قريش بفشل خّط تها وهجرة الرسول بدأوا بالبحث عنه‪ ،‬إلى أن وصل أحدهم إلى الغار‬
‫فأصاب أبو بكر الخوف الشديد على الرسول‪ ،‬إاّل أّن الرسول طمأنه‪ ،‬وبقيا في الغار ثالثة أياٍم إلى أن استقّر ت األحوال‬
‫وتوّقف البحث عنهما‪ ،‬ثّم استأنفا مسيرهما إلى المدينة ووصال إليها في السنة الثالثة عشر من البعثة‪ ،‬في اليوم الثاني عشر‬
‫من شهر ربيع األول‪ ،‬وأقام أربعة عشر ليلة في بني عمرو بن عوف‪ ،‬أّسس خاللها مسجد قباء أول مسجٍد ُبني في‬
‫[ ‪]٢٠‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬وبدأ بعدها بإقامة أسس الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫العهد المدني‬
‫بناء المسجد‬

‫أمر رسول هللا ببناء المسجد على أرٍض اشتراها من غالمين يتيمين‪ ،‬وبدأ الرسول مع أصحابه بالبناء‪ ،‬وُجعلت قبلته إلى‬
‫بيت المقدس‪ ،‬وكانت للمسجد أهميٌة عظيمٌة ؛ إذ كان مكان لقاء المسلمين للصالة وغيرها من األمور‪ ،‬باإلضافة إلى تعّلم‬
‫[ ‪]٢١‬‬
‫العلوم الشرعية‪ ،‬وتعميق الصالت والعالقات بين المسلمين‪.‬‬

‫المؤاخاة‬

‫آخى رسول هللا بين المهاجرين واألنصار من المسلمين وفق أسس العدل والمساواة‪ ،‬فالدولة ال ُيمكن أن ُت قام إاّل بتوّحد‬
‫أفرادها‪ ،‬وإقامة العالقة بينهم على أساس حّب هللا ورسوله والبذل في سبيل الدعوة‪ ،‬وبذلك جعل رسول هللا مؤاخاتهم‬
‫[ ‪]٢١‬‬
‫مرتبطًة بعقيدتهم‪ ،‬ومنحت المؤاخاة لألفراد تحّمل مسؤولية بعضهم البعض‪.‬‬

‫وثيقة المدينة‬

‫كانت المدينة المنورة بحاجٍة إلى أمٍر ينظّمها ويضمن حقوق أفرادها‪ ،‬فكتب الرسول وثيقًة كانت بمثابة دستوٍر بين‬
‫المهاجرين واألنصار واليهود‪ ،‬وكانت لتلك الوثيقة أهمّي ٌة عظيمٌة ؛ إذ كانت بمثابة الدستور الذي ينّظ م أمور الدولة في‬
‫الداخل والخارج‪ ،‬وأقام الرسول البنود بحسب أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬كما كانت عادلًة من حيث المعاملة مع اليهود‪،‬‬
‫[ ‪]٢١‬‬
‫وقد دّلت بنودها على أربعٍة من األحكام الخاصة بالشريعة اإلسالمية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫دين اإلسالم هو الذي يعمل على وحدة المسلمين وتماسكهم‬ ‫‪.‬إّن‬
‫‪‬‬ ‫المجتمع اإلسالمي ال يقوم إاّل بتكافل وتضامن جميع األفراد‪ ،‬وتحّمل كٍّل منهم المسؤولية الخاصة به‬ ‫‪.‬إّن‬
‫‪‬‬ ‫العدالة ظاهرٌة بشكٍل مفّص ٍل ودقيٍق‬ ‫‪.‬إّن‬
‫مرّد المسلمين دائمًا إلى حكم هللا ‪-‬تعالى‪ -‬المبّين في شريعته ‪‬‬ ‫‪.‬إّن‬

‫الغزوات والسرايا‬

‫خاض النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬عددًا من الغزوات والمعارك بهدف إقامة الحق ودعوة الناس إلى توحيد هللا ‪-‬تعالى‪-‬‬
‫بإزالة العوائق التي ُت حيل دون نشر الدعوة‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أّن الغزوات التي خاضها الرسول كانت نموذجًا عمليًا في‬
‫[ ‪]٢٢‬‬
‫بيان صورة الُمحارب الفاضل واحترام اإلنسانية‪.‬‬

‫ذلك بعد أن بدأت العالقات تشتّد بين رسول هللا في المدينة والقبائل من خارجها‪ ،‬مّما أّدى إلى وقوٍع عدٍد من المواجهات‬
‫القتالية بين األطراف المختلفة‪ ،‬وسّمي القتال الذي شهده الرسول بالغزوة والذي لم يشهده بالسرية‪ ،‬وفيما يأتي بيان بعض‬
‫[ ‪]٢٣‬‬
‫تفاصيل الغزوات التي خاضها الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬مع من معه من المسلمين‪:‬‬

‫غزوة بدر الكبرى‬

‫وقعت في السنة الثانية من الهجرة‪ ،‬في السابع عشر من شهر رمضان‪ ،‬وسببها اعتراض المسلمين لقافلة قريش المّت جهة‬
‫إلى مكة بقيادة أبي سفيان‪ ،‬فهّبت قريش لحماية قافلتها وحصل القتال بين المسلمين‪ ،‬وبلغ عدد المشركين ألف مقاتٍل ‪ ،‬فيما‬
‫كان عدد المسلمين ثالثمئٍة وثالثة عشر رجًال‪ ،‬وانتهت بانتصار المسلمين وقتل سبعين من المشركين وأسر سبعين آخرين‬
‫‪.‬وتم عتقهم بالمال‬

‫غزوة أحد‬
‫وقعت في السنة الثالثة من الهجرة‪ ،‬يوم السبت الموافق الخامس عشر من شوال‪ ،‬وسببها رغبة قريش في الثأر من‬
‫المسلمين لما أصابها يوم بدر‪ ،‬حيث بلغ عدد المشركين ثالثة آالف مقاتل‪ ،‬فيما كان عدد المسلمين نحو سبعمئة رجل ُجعل‬
‫منهم خمسين على ظهر الجبل‪ ،‬وعندما ظّن المسلمون أّن هم انتصروا بدأوا بجمع الغنائم‪ ،‬فانتهز خالد بن الوليد وكان حينها‬
‫‪.‬على الشرك الفرصة‪ ،‬والتّف على المسلمين من وراء الجبل وقاتلهم‪ ،‬مّما أّدى إلى انتصار المشركين على المسلمين‬

‫غزوة بني الّن ضير‬

‫بنو النضير قوٌم من أقوام اليهود نقضوا العهد مع رسول هللا‪ ،‬فأمر الرسول بإبعادهم عن المدينة‪ ،‬وأخبرهم قائد المنافقين‬
‫‪.‬عبد هللا بن أبّي بالبقاء في أماكنهم مقابل دعمهم بالمقاتلين‪ ،‬وانتهت الغزوة بإجالء القوم من المدينة ومغادرتهم لها‬

‫غزوة األحزاب‬

‫وقعت في السنة الخامسة من الهجرة‪ ،‬وكان سببها توّج ه رؤساء بني النضير إلى قريش لتحريضهم على قتال رسول هللا‪،‬‬
‫وقد أشار سلمان الفارسي على الرسول بحفر خندق؛ لذلك تسّمى هذه الغزوة أيضًا بغزوة الخندق‪ ،‬وانتهت بانتصار‬
‫‪.‬المسلمين‬

‫غزوة بني قريظة‬

‫هي الغزوة التالية لغزوة األحزاب‪ ،‬وقد وقعت في السنة الخامسة للهجرة‪ ،‬وسببها نقض يهود بني قريظة العهد مع رسول‬
‫هللا‪ ،‬وتشكيلهم لألحزاب مع قريش‪ ،‬ورغبتهم في الغدر من المسلمين‪ ،‬فخرج رسول هللا إليهم مع ثالثة آالف مقاتل من‬
‫‪.‬المسلمين‪ ،‬وحاصروهم خمسة وعشرين ليلة‪ ،‬فضاقت عليهم الحال‪ ،‬وخضعوا ألمر رسول هللا‬

‫غزوة الحديبية‬

‫وقعت في السنة السادسة للهجرة من شهر ذي القعدة‪ ،‬ذلك بعد أن رأى رسول هللا في منامه أّن ه ذاهٌب ومن معه إلى البيت‬
‫الحرام وهم آمنين محّلقين رؤوسهم‪ ،‬فأمر المسلمين بالّت جهز ألداء العمرة‪ ،‬وأحرموا من ذي الحليفة‪ ،‬ولم يأخذوا معهم إاّل‬
‫سالم المسافر؛ لتعلم قريش أّن هم ال يبتغون القتال‪ ،‬ووصلوا إلى الحديبية إاّل أن قريشًا منعتهم من الدخول‪ ،‬فأرسل إليهم‬
‫الرسول عثمان بن عفان يخبرهم بحقيقة مجيئهم‪ ،‬وُأشيع أّن ه قتل‪ ،‬فرأى رسول هللا بأن يعّد العّدة ويقاتلهم‪ ،‬فأرسلوا سهيل‬
‫بن عمرو لالتفاق معهم على الصلح‪ ،‬وتّم الصلح بمنع الحرب مدة عشرة سنواٍت‪ ،‬وأن يرّد المسلمون من يأتيهم من قريش‬
‫‪.‬وأاّل ترّد قريش من يأتيها من المسلمين‪ ،‬وتحّلل المسلمون من إحرامهم‪ ،‬وعادوا إلى مّك ة‬

‫غزوة خيبر‬

‫وقعت في السنة السابعة للهجرة في آخر شهر محّر م‪ ،‬ذلك بعد أن رأى رسول هللا التخّلص من تجّمعات اليهود؛ حيث إّن ها‬
‫‪.‬تشّك ل خطرًا على المسلمين‪ ،‬وخرج الرسول بالفعل لتحقيق مقصده وانتهى األمر لصالح المسلمين‬

‫غزوة مؤتة‬

‫وقعت في السنة الثامنة للهجرة في جمادى األولى‪ ،‬وسببها غضب الرسول من مقتل الحارث بن عمير األزدي‪ ،‬وقد أّمر‬
‫الرسول على المسلمين زيد بن حارثة وأوصى بإمارة جعفر إن ُأصيب زيد ثّم بإمارة عبد هللا بن رواحة بعد جعفر‪ ،‬وطلب‬
‫‪.‬منهم دعوة الناس لإلسالم قبل البدء بالقتال‪ ،‬وانتهى القتال بانتصار المسلمين‬

‫غزوة الفتح‬

‫وقعت في السنة الثامنة للهجرة من شهر رمضان‪ ،‬وهي ذاتها فتح مكة‪ ،‬وتمّث ل سبب الفتح في اعتداء بني بكر على بني‬
‫خزاعة وقتل عدٍد منهم‪ ،‬وقد تجهّز رسول هللا ومن معه للسير إلى مكة‪ ،‬وأسلم حينها أبو سفيان‪ ،‬ومنح رسول هللا األمان‬
‫لمن يدخل بيته؛ تقديرًا لمكانته‪ ،‬ودخل الرسول مّك ة مكّبرًا شاكرًا هللا على الفتح المبين‪ ،‬وطاف بالكعبة المشّر فة وحّط م‬
‫‪.‬األصنام وصّلى ركعتين عند الكعبة‪ ،‬وعفى عن قريش‬

‫غزوة ُح نين‬
‫وقعت في السنة الثامنة للهجرة في اليوم العاشر من شهر شوال‪ ،‬وسببها يكُمن في اعتقاد أشراف قبيلتي هوازن وثقيف‬
‫بقتال الرسول لهم بعد فتح مكة فقّر روا مبادرته بالقتال وتوّج هوا لذلك‪ ،‬وخرج إليهم رسول هللا وكّل من أسلم معه إلى أن‬
‫‪.‬وصلوا وادي ُح نين‪ ،‬وكان النصر في بداية القتال لهوازن وثقيف ثّم تحّو ل للمسلمين بعد ثبات رسول هللا ومن معه‬

‫غزوة تبوك‬

‫وقعت في السنة التاسعة للهجرة من شهر رجب بسبب رغبة الروم بالقضاء على الدولة اإلسالمية في المدينة المنورة‪،‬‬
‫‪.‬وخرج المسلمون إلى القتال وأقاموا في منطقة تبوك ما يقارب عشرين ليلة‪ ،‬ورجعوا دون قتاٍل‬

‫مكاتبة الملوك و األمراء‬

‫أرسل رسول هللا عددًا من أصحابه رسًال لدعوة الملوك واألمراء إلى توحيد هللا ‪-‬سبحانه‪ ،-‬فمن الملوك من أسلم ومنهم‬
‫[ ‪]٢٤‬‬
‫بقي على دينه‪ ،‬وُيذكر من تلك الدعوات‪:‬‬

‫‪.‬عمرو بن أمّية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة‬


‫‪‬‬
‫‪.‬حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك مصر ‪‬‬
‫‪.‬عبد هللا بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس ‪‬‬
‫‪.‬دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم ‪‬‬
‫‪.‬العالء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي ملك البحرين ‪‬‬
‫‪.‬سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة ‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪.‬شجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة إلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق‬
‫‪.‬عمرو بن العاص إلى ملك ُعمان جيفر وأخيه ‪‬‬

‫الوفود‬

‫قدم أكثر من سبعين وفدًا من القبائل بعد فتح مكة إلى رسول هللا يعلنون إسالمهم‪ُ ،‬يذكر منهم‪:‬‬
‫[ ‪]٢٥‬‬

‫‪‬‬ ‫‪.‬وفد عبد القيس‪ ،‬وقد توافدوا مرتين؛ األولى في السنة الخامسة من الهجرة‪ ،‬والثانية في عام الوفود‬
‫‪.‬وفد دوس‪ ،‬إذ توافدوا في مطلع السنة السابعة للهجرة حين كان رسول هللا في خيبر ‪‬‬
‫‪.‬فروة بن عمرو الجذامي في السنة الثامنة للهجرة ‪‬‬
‫‪.‬وفد صداء في السنة الثامنة للهجرة ‪‬‬
‫‪.‬كعب بن زهير بن أبي سلمى ‪‬‬
‫‪.‬وفد عذرة في شهر صفر من السنة التاسعة للهجرة ‪‬‬
‫‪.‬وفد ثقيف في شهر رمضان من السنة التاسعة للهجرة ‪‬‬

‫كما أرسل رسول هللا خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب في نجران يدعوهم إلى اإلسالم ثالثة أياٍم ‪ ،‬ودخل عدٌد منهم‬
‫اإلسالم‪ ،‬وشرع خالد في تعليمهم أمور الدين وتعاليم اإلسالم‪ ،‬وقد أرسل رسول هللا أبو موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن‬
‫[ ‪]٢٦‬‬
‫قبل حّجة الوداع‪.‬‬

‫حّج ة الوداع‬

‫أبدى رسول هللا رغبته بالحّج‪ ،‬وأظهر نّيته في ذلك‪ ،‬وترك المدينة مؤّمرًا عليها أبا دجانة‪ ،‬وسار نحو البيت العتيق‪ ،‬وألقى‬
‫خطبًة ُع رفت فيما بعد بخطبة الوداع‪ ،‬ومن مضامينها‪ :‬التحذير من الربا‪ ،‬وضرورة التمسك بما جاء في القرآن الكريم‬
‫[ ‪]٢٧‬‬
‫والسنة النبوية الشريفة‪.‬‬

‫البيت النبوي‬
‫كان الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬مثاًال ُيحتذى به في أخالقه النبيلة والكريمة وتعامالته السامية مع زوجاته وأبنائه‬
‫وأصحابه‪ ،‬وبذلك استطاع ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬غرس المبادئ والقيم في النفوس‪ ،‬وقد سّن هللا في الكون التزاوج بين‬
‫الذكر واألنثى‪ ،‬وجعل العالقة بينهما قائمًة على المودة والرحمة والسكينة‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪َ( :-‬و ِمْن آَي اِتِه َأْن َخ َلَق َلُك م ِّم ْن‬
‫[ ‪]٢٨‬‬
‫َأنُفِس ُك ْم َأْز َو اًج ا ِّلَت ْس ُكُنوا ِإَلْيَه ا َو َج َع َل َبْي َنُك م َّمَو َّد ًة َو َر ْح َم ًة ِإَّن ِفي َذ ِلَك آَل َي اٍت ِّلَقْو ٍم َي َت َفَّك ُر وَن )‪.‬‬

‫وطّبق الرسول المعاني الواردة في اآلية السابقة‪ ،‬وأوصى أصحابه بالنساء وحّث غيره على رعاية حقوقهّن ومعاماتهن‬
‫معاملًة حسنًة ‪ ،‬فكان ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يواسي زوجاته ويخّفف من أحزانهّن ويقّدر مشاعرهّن وال يستهزئ منهّن‬
‫ويمدحهّن وُيثني عليهّن ‪ ،‬كما كان يساعدهّن في أعمال المنزل‪ ،‬ويأكل معهّن من إناٍء واحٍد‪ ،‬ويخرج معهّن للتنزه لزيادة‬
‫[ ‪]٣١ []٣٠‬‬
‫أواصر المحبة والمودة‪ ]٢٩[،‬وكان النبي قد تزّو ج من إحدى عشر زوجًة ‪ ،‬وهّن ‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫خديجة بنت خويلد‪ :‬وهي أول زوجٍة للنبي ولم يجمع معها غيرها من الزوجات‪ ،‬وأنجب منها كّل أبنائه وبناته إاّل‬
‫ابنه إبراهيم الذي ُو لد من مارية القبطية التي كانت ملك يميٍن عند الرسول ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وكان القاسم أول‬
‫[ ‪]٣٢‬‬
‫مولوٍد للرسول وُك نّي به‪ ،‬ثّم ُرزق بزينب فأّم كلثوم ففاطمة وأخيرًا بعبد هللا الذي ُلّقب بالطيب الطاهر‪.‬‬
‫سودة بنت زمعة‪ :‬وهي ثاني زوجاته‪ ،‬وَم ن وهبت يومها لعائشة حّب ًا بالنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬وتمّن ت ‪‬‬
‫‪.‬عائشة أن تكون مثلها وعلى هديها‪ ،‬وتوفيت سودة في زمن عمر بن الخطاب‬
‫عائشة بنت أبي بكر الصديق‪ :‬كانت أحّب أزواج النبي إلى قلبه بعد خديجة‪ ،‬وكان الصحابة يعّدونها مرجعًا؛ ‪‬‬
‫‪.‬حيث كانت من أفقه الناس في علوم الشريعة‪ ،‬ومن أفضالها أّن الوحي نزل على رسول هللا وهو في ِحْج رها‬
‫‪.‬حفصة بنت عمر بن الخطاب‪ :‬تزّو جها رسول هللا في السنة الثالثة للهجرة‪ ،‬وقد احتفظت بالمصحف حين ُجمع ‪‬‬
‫‪.‬زينب بنت خزيمة‪ :‬لّقبت بأّم المساكين؛ لشّدة حرصها على إطعامهم وقضاء حوائجهم ‪‬‬
‫أم سلمة هند بنت أبي أمية‪ :‬تزّو جها رسول هللا بعد وفاة زوجها أبي سلمة‪ ،‬وقد دعا لها وأخبر أّن ها من ‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.‬أهل الجنة‬
‫‪.‬زينب بنت جحش‪ :‬تزوجها الرسول بأمٍر من هللا‪ ،‬وهي أّو ل زوجٍة كانت وفاتها بعد وفاة رسول هللا ‪‬‬
‫جويرية بنت الحارث‪ :‬تزّو جها رسول هللا بعد وقوعها أسيرًة في غزوة بني المصطلق‪ ،‬وكان اسمها ُبّر ة فسّماها ‪‬‬
‫‪.‬الرسول جويرية‪ ،‬وتوفيت في السنة الخمسين للهجرة‬
‫‪.‬صفية بنت حيي بن أخطب‪ :‬تزّو جها رسول هللا بمهر عتقها بعد غزوة خيبر ‪‬‬
‫‪.‬أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان‪ :‬هي الزوجة األقرب لرسول هللا نسبًا بجّدهما عبد مناف ‪‬‬
‫‪-.‬ميمونة بنت الحارث‪ :‬وهي آخر زوجات النبي ‪-‬عليه السالم ‪‬‬

‫صفات النبي‬
‫صفاته الَخ لقية‬
‫[ ‪]٣٣‬‬
‫اجتمعت برسول هللا ‪-‬صّلى هللا عليه وسّلم‪ -‬مجموعًة من الصفات الَخ لقية‪ُ ،‬يذكر منها‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪.‬مربوعًا؛ أي ليس بالطويل وال بالقصير‬


‫‪.‬الصحل في الصوت؛ أي الخشونة ‪‬‬
‫‪.‬أزهر اللون؛ أي أبيض فيه ُحمرٌة ‪‬‬
‫‪.‬وسيٌم قسيٌم؛ أي حسٌن جميٌل ‪‬‬
‫‪.‬أزج الحاجب؛ أي رقيقًا في طوله ‪‬‬
‫‪.‬أكحل العينين ‪‬‬

‫صفاته الُخ لقية‬

‫بعث هللا ‪-‬تعالى‪ -‬رسوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ليبين للّن اس مكارم األخالق ويؤّك د الصالح منها وُيصلح ما فسد‪ ،‬وقد كان‬
‫[ ‪]٣٤‬‬
‫أعظم الناس أخالقًا وأكملهم‪ ،‬ومن صفاته الُخ لقية التي تحّلى بها‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫صدقه في أعماله وأقواله ونّياته مع المسلمين وغيرهم‪ ،‬ودليل ذلك تلقيبه بالصادق األمين‪ ،‬فعدم الصدق من‬
‫‪.‬صفات النفاق‬
‫‪‬‬ ‫سماحته وعفوه عن الناس وصفحه عنهم بقدر االستطاعة‪ ،‬ومن القصص الواردة في ذلك عفوه عن رجٍل أراد‬
‫قتله وهو نائٌم ‪ ،‬قال ‪-‬عليه الصالة والسالم‪( :-‬إَّن هذا اْخ َت َر َط َع َلَّي َسْي ِفي‪ ،‬وَأَن ا َن اِئٌم‪َ ،‬فاْس َت ْي َقْظ ُت وهو في َي ِدِه‬
‫[ ‪]٣٥‬‬
‫َص ْل ًت ا‪َ ،‬فقاَل‪َ :‬م ن َيْم َن ُع َك ِم ِّن ي؟ َفُقلُت ‪ُ :‬هَّللا‪َ- ،‬ثاَل ًث ا‪ -‬وَلْم ُيَع اِقْب ُه وَج َلَس )‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫كرمه وجوده وعطاؤه‪ ،‬فعن عبد هللا بن عباس ‪-‬رضي هللا عنهما‪( :-‬كاَن النبُّي َص َّلى ُهللا عليه وسَّلَم أْج َو َد الَّن اِس‬
‫بالَخ ْي ِر ‪ ،‬وكاَن أْج َو ُد ما َي كوُن في َر َمَض اَن ِحيَن َي ْلَقاُه ِجْب ِر يُل‪ ،‬وكاَن ِجْب ِر يُل عليه الَّس اَل ُم َي ْلَقاُه ُك َّل َلْي َلٍة في‬
‫َر َمَض اَن ‪ ،‬حَّت ى َي ْن َس ِلَخ ‪َ ،‬يْع ِر ُض عليه النبُّي َص َّلى ُهللا عليه وسَّلَم الُقْر آَن ‪َ ،‬فِإَذ ا َلِقَي ُه ِجْب ِر يُل عليه الَّس اَل ُم‪ ،‬كاَن‬
‫[ ‪]٣٦‬‬
‫أْج َو َد بالَخ ْي ِر ِمَن الِّر يِح الُمْر َس َلِة)‪.‬‬
‫تواضعه وعدم تعاليه وتكّبره على الناس أو االنتقاص من قيمتهم‪ ،‬ذلك كما أمره هللا ‪-‬سبحانه‪ ،-‬فالتواضع من ‪‬‬
‫األسباب التي ملك القلوب وتأليفها‪ ،‬وكان يجلس بين الصحابة دون أن يمّيز نفسه بأي شيٍء‪ ،‬وال يترّفع على أي‬
‫‪.‬أحٍد منهم‪ ،‬إذ كان يخرج في الجنائز‪ ،‬ويزور المرضى‪ ،‬ويجيب الدعوة‬
‫حفظه للسانه وعدم نطقه بالسيء والقبيح من األقوال‪ُ ،‬ر وي عن أنس بن مالك ‪-‬رضي هللا عنه‪َ( :-‬لْم َي ُك ْن َر سوُل ‪‬‬
‫[ ‪]٣٧‬‬
‫ِهَّللا َص َّلى ُهللا عليه وسَّلَم َفاِحًش ا‪ ،‬واَل َلَّع اًن ا‪ ،‬واَل َس َّب اًب ا‪ ،‬كاَن يقوُل ِع ْن َد الَمْع َت َب ِة‪ :‬ما له َت ِر َب َج ِبيُنُه)‪.‬‬
‫‪.‬احترامه للكبير وعطفه على الصغير‪ ،‬فكان ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يقّبل األطفال ويحنو عليهم ‪‬‬
‫‪.‬حياؤه من ارتكاب الشرور من األعمال‪ ،‬وبذلك ال يقع العبد بأي عمٍل ال ُت حمد عواقبه ‪‬‬

‫وفاة النبي‬
‫توّف ي النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يوم االثنين‪ ،‬الثاني عشر من شهر ربيع األول من السنة الحادية عشر للهجرة النبوية‪،‬‬
‫[‬

‫‪ ]٣٨‬ذلك بعد مرضه واشتداده عليه‪ ،‬وطلب من زوجاته أن يمّر ض ببيت أم المؤمنين عائشة‪ ،‬وكانت عادة رسول هللا في‬
‫مرضه أن يدعو هللا ‪-‬تعالى‪ -‬وُيرقي نفسه‪ ،‬وكانت عائشة تفعل ذلك له أيضًا‪ ،‬وفي مرضه أشار بقدوم ابنته فاطمة‬
‫الزهراء‪ ،‬وتحّدث إليها مرتين سّر ًا فبكت في األولى وضحكت في الثانية‪ ،‬فسألتها عائشة ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬عن ذلك‪،‬‬
‫[ ‪]٣٩‬‬
‫فأجابتها بأّن ه أخبرها في األولى بأّن روحه ستقبض‪ ،‬وأخبرها في الثانية بأّن ها ستكون أول من يلحق به من أهل بيته‪.‬‬

‫وفي يوم وفاته ‪-‬صّلى هللا عليه وسّلم‪ُ -‬ك شف ستار حجرته والمسلمين منتظمين للصالة وتبّسم ضاحكًا‪ ،‬فظّن أبا بكر أّن ه‬
‫يريد الصالة معهم‪ ،‬إاّل أّن النبي أشار عليه بإتمام الصالة ثّم أرخى الستار‪ ،‬واختلفت الروايات في تحديد عمره حين وفاته‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬ثالثة وستون سنًة وهو األشهر‪ ،‬وقيل خمسة وستون‪ ،‬أو ستون‪ ]٤٠[،‬ودفن مكان وفاته في حفرٍة ُح فرت تحت فراشه‬
‫الذي ُت وّفي فيه في المدينة المنورة‬

‫قصة خلق آدم عليه السالم‬


‫خلق هللا النبي آدم من الطين وكرمه بأن سواه بيديه‪ ،‬ونفخ فيه من روحه‪ ،‬وعندما سمعت المالئكة أن هللا ‪-‬تعالى‪ -‬يريد‬
‫استخالف آدم عليه السالم وذريته ليعمروا األرض‪ ،‬استغربوا ذلك كيف يكون ممن يفسد في األرض ويسفك الدماء‪،‬‬
‫قالوا‪َ( :‬قاُلوا َأَت ْج َع ُل ِفيَه ا َم ن ُيْف ِس ُد ِفيَه ا َو َيْس ِفُك الِّد َم اَء َو َن ْح ُن ُنَس ِّبُح ِبَح ْم ِدَك َو ُنَقِّد ُس َلَك) ‪.‬‬
‫[ ‪]٢ [ ]١‬‬

‫وعندما أتم هللا خلق آدم أمر المالئكة بالسجود له‪ ،‬فسجدت المالئكة كلهم استجابة ألمر هللا‪ ،‬إال أن إبليس وقد كان مرافًقا‬
‫للمالئكة لكثرة طاعته هلل ‪-‬تعالى‪ -‬أبى أن يسجد آلدم‪ ،‬مستكبًر ا من أن يسجد لمن خلقه هللا من طين‪.‬‬

‫فكتب هللا عليه لعصيانه أمر هللا أن يخرج من الجنة‪ ،‬وأن يكون من أهل النار‪ ،‬فطلب إبليس من هللا طلًبا في أن ينظره إلى‬
‫يوم القيامة فيفتن آدم وذريته‪ ،‬لينظر هل يطيعون هللا أم ال‪ ،‬فأنظره هللا إلى يوم القيامة‪ ،‬وأخبره أنه لن يكون له سلطان‬
‫[ ‪]٣‬‬
‫على عباده‪.‬‬

‫قصة خروج آدم عليه السالم من الجنة‬


‫كرم هللا آدم وزوجته بأن أسكنهما الجنة‪ ،‬وأباح لهما االستمتاع بكل ما فيها من نعيم‪ ،‬إال شجرة واحدة عينها هللا لهما‪،‬‬
‫ونهاهما أن يأكال منها مبيًن ا لهما أن قربهم منها سيكون فيه ظلًم ا ألنفسهم‪ ،‬وما إن ابتعدا عنها فهما في نعيم كبير‪ ،‬فال جوع‬
‫سيمسهما وال ظمأ وال نصب‪.‬‬

‫عاش آدم وحواء في الجنة في نعيم إلى أن جاء إبليس ليوسوس لهما بأن يأكال من تلك الشجرة مقنًع ا إياهما بأن األكل من‬
‫ثمارها سيجعلهما من الخالدين في الجنة‪.‬‬
‫أوهم إبليس كاًل من آدم وحواء وأغراهما باألكل من تلك الشجرة مقسًم ا لهما أنه من الناصحين وأنه لن يصيبهم أي ضرر‬
‫من ذلك‪ ،‬اغتر كل من آدم وحواء بقول إبليس‪ ،‬فأكال من الشجرة‪ ،‬فبدت لهما سوءاتهما وأخذا يستران عليها من أوراق‬
‫الجنة‪ ،‬وعلما أنهما قد وقعا في المعصية‪.‬‬

‫بادر آدم وحواء بالتوبة إلى هللا من ذنبهما‪ ،‬وما نجم عنهما من األكل من الشجرة التي نهى هللا عنها‪ ،‬فتاب هللا عليه‪ ،‬وكان‬
‫[ ‪]٤‬‬
‫لهذا الذنب عاقبته‪ ،‬وهي أن أخرج هللا آدم ‪-‬عليه السالم‪ -‬وحواء من الجنة‪ ،‬ليهبطا إلى األرض‪ ،‬فيعيشان وذريتهما فيها‪.‬‬

‫قصة ابني آدم‬


‫تبدأ القصة في القرآن الكريم من أن قابيل وهابيل قَّد م كل منهما صدقة إلى هللا ‪-‬تعالى‪ ،-‬فتقبل هللا صدقة هابيل؛ لصدقه‬
‫وإخالصه‪ ،‬بأن أكلتها النار‪ ،‬ولم يتقبل صدقة قابيل‪ ،‬فما كان من قبيل إال أن قال ألخيه ألقتلنك‪ ،‬فما كان رد هابيل إال أن‬
‫قال‪( :‬إنما يتقبل هللا من المتقين)‪ ،‬ناصًح ا إياه بلوم التقوى التي هي مدعاة القبول‪.‬‬

‫لكن ما كان من قابيل إال أن قتل أخاه ظلًما وحسًد ا‪ ،‬فخسر دنياه وآخرته‪ ،‬وبعد أن قتل قابيل أخاه‪ ،‬لم يعرف ما يفعل بجثة‬
‫أخيه‪ ،‬فحملها على عاتقه‪ ،‬إلى أن بعث هللا غراًبا أمامه وأراه إياه كيف حفر حفرة لغراب ميت ودفنه فيها‪ ،‬فحفر ألخيه‬
‫[ ‪]٥‬‬
‫حفرة ودفنه فيها‪ ،‬حينها شعر قابيل بالذنب وندم على قتله ألخيه‪.‬‬

‫قصة موسى عليه السالم‬


‫قّص ة موسى عليه السالم‬
‫والدة موسى وانتقاله إلى قصر فرعون‬

‫ُو ِلد موسى ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬في سنٍة ُي قَت ل فيها الذكور من بني إسرائيل بَأمٍر من فرعون ملك ِمصر؛ إذ كان يقتل‬
‫المواليد من الذكور في سنٍة‪ ،‬ويتركهم أحياء في سنٍة أخرى‪ ،‬وكان موسى قد ُو ِلد ولم يعلم أحد بوالدته‪ ،‬فاهتدت أّمه من‬
‫َأ‬
‫الخوف إلى أن ُت لقي رضيَع ها في اليّم ؛ وهو على قول المفِّسرين جميعهم نهر النيل‪ ،‬وذلك بعد َج ْع له في تابوٍت‪ ،‬وذلك ب ٍر‬
‫م‬
‫من هللا‪ ،‬مع طمئنته لها بأّن ه سُيرجعه إليها سالمًا ُمعافًى ‪ ،‬وسار الماء بموسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬إلى أن وصل إلى أيدي جواري‬
‫قصر فرعون‪ ،‬فأخذنه إلى امرأة فرعون؛ آسية بنت ُمزاحم التي طلبت من زوجها فرعون أن ُيبقَي عليه معها؛ ليّت خذوه‬
‫ولدًا لهم‪ ،‬فينفعهم حين ِكبر ِس ّن هم‪ ،‬وكانت أّمه قد أرسلت أخته؛ لتتُّبع أمره‪ ،‬وأثره‪ ،‬وكان قد رفض الُمرضعات جميعهم‪،‬‬
‫[ ‪]١‬‬
‫فأرشدتهم أخته إلى أّمه؛ لُت رضَع ه‪ ،‬وبذلك تحّقق وعد هللا ‪-‬سبحانه‪ -‬ألّم موسى بإرجاع ولدها إليها‪.‬‬

‫حادثة قتل القبطّي‬

‫دخل موسى ‪-‬عليه السالم ذات يوٍم إلى المدينة في وقت ُخ لّو الناس منها‪ ،‬وصادف رجَلين يقتتالن؛ أحدهما من الِقبط‪،‬‬
‫واآلخر من بني إسرائيل‪ ،‬فطلب الذي من بني إسرائيل منه الُّن صرة‪ ،‬فأجابه موسى‪ ،‬فوكز القبّط ي‪ ،‬وعلى الرغم من أّن‬
‫موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬لم يقصد َقتله‪ ،‬إاّل أّن الَو كز صادَف انتهاء أجله‪ ،‬فمات‪ ،‬ووقع الَقتل خطًأ‪ ،‬فتوّج ه موسى إلى رّبه‬
‫بالتوبة‪ ،‬واالعتراف بالَّذ نب‪ ،‬وطلب المغفرة منه؛ فقد ظلم نفسه بِفعله ذاك؛ إذ كان القتل بسبب شّدة غضبه‪ ،‬وكان بإمكانه‬
‫تمالك نفسه عند الغضب‪ ،‬فغفر هللا له‪ ،‬ثّم أصبح موسى ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬نصيرًا وظهيرًا للَح ّق وأهله‪ ،‬إاّل أّن خبر‬
‫[ ‪]٢‬‬
‫َم قتل القبطّي على يد موسى لم ينتشر في المدينة؛ ألّن الَقتل وقع وقت الراحة‪.‬‬

‫بقي موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬يترّقب ما سيحّل بأمره‪ ،‬ثّم لقي الرجل الذي استنصَر ه في اليوم السابق يقتتل مع ِقبطّي آخر‪،‬‬
‫فطلب من موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬أن ينصره عليه‪ ،‬فَز َج ره الِقبطّي عن الَب طش واإلفساد‪ ،‬وَح ّث ه على الَّسعي في تحقيق‬
‫التراضي بين الطرَف ين‪ ،‬فرفض موسى َقتل الِقبطّي ‪ ،‬ثّم أرشده رجٌل إلى الخروج من المدينة؛ خوفًا عليه من االنتقام‬
‫للقبطّي الذي َقَت له سابقًا‪ ،‬فخرج موسى ُمتوِّج هًا إلى مدين‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪َ( :-‬و َد َخ َل اْلَم ِديَن َة َع َلى ِحيِن َغْفَلٍة ِّم ْن َأْه ِلَه ا َفَو َج َد‬
‫ِفيَه ا َر ُج َلْي ِن َي ْق َت ِتاَل ِن َهـَذ ا ِمن ِش يَع ِتِه َو َهـَذ ا ِمْن َع ُد ِّو ِه َفاْس َت َغ اَث ُه اَّلِذي ِمن ِش يَع ِتِه َع َلى اَّلِذي ِمْن َع ُد ِّو ِه َفَو َكَز ُه ُم وَس ى َفَقَض ى‬
‫َع َلْي ِه َقاَل َهـَذ ا ِمْن َعَم ِل الَّش ْي َط اِن ِإَّن ُه َع ُد ٌّو ُّم ِض ٌّل ُّم ِبيٌن *َقاَل َر ِّب ِإِّن ي َظَلْم ُت َن ْف ِس ي َفاْغ ِفْر ِلي َفَغ َفَر َلُه ِإَّن ُه ُه َو اْلَغ ُفوُر‬
‫َأْل‬
‫الَّر ِحيُم *َقاَل َر ِّب ِبَم ا َأْن َع ْم َت َع َلَّي َفَلْن َأُك وَن َظ ِه يًر ا ِّلْلُمْج ِر ِميَن *َفَأْص َبَح ِفي اْلَم ِديَن ِة َخ اِئًفا َي َت َر َّقُب َفِإَذ ا اَّلِذي اْس َت نَصَر ُه ِبا ْم ِس‬
‫َيْس َت ْص ِر ُخ ُه َقاَل َلُه ُم وَس ى ِإَّن َك َلَغ ِو ٌّي ُّم ِبيٌن *َفَلَّم ا َأْن َأَر اَد َأن َيْب ِط َش ِباَّلِذي ُه َو َع ُد ٌّو َّلُهَم ا َقاَل َي ا ُم وَس ى َأُتِر يُد َأن َت ْق ُتَلِني َك َم ا‬
‫َقَت ْل َت َن ْف ًس ا ِباَأْلْم ِس ِإن ُتِر يُد ِإاَّل َأن َتُك وَن َج َّب اًر ا ِفي اَأْلْر ِض َو َم ا ُتِر يُد َأن َتُك وَن ِمَن اْلُمْص ِلِحيَن *َو َج اَء َر ُج ٌل ِّم ْن َأْق َص ى‬
‫اْلَم ِديَن ِة َيْس َع ى َقاَل َي ا ُم وَس ى ِإَّن اْل َم َأَل َي ْأَت ِم ُر وَن ِبَك ِلَي ْق ُتُلوَك َفاْخ ُرْج ِإِّن ي َلَك ِمَن الَّن اِص ِحيَن *َفَخ َر َج ِم ْن َه ا َخ اِئًفا َي َت َر َّقُب َقاَل‬
‫[ ‪]٢ []٣‬‬
‫َر ِّب َن ِّج ِني ِمَن اْلَقْو ِم الَّظ اِلِميَن )‪.‬‬

‫موسى في َم ْد ين‬

‫انطلق موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬من ِمْص ر قاصدًا َم ْد َي ن‪ ،‬ونزل في مكاٍن اجتمع الناس فيه؛ للسقاية‪ ،‬ورأى فتاَت ين واقفَت ين‬
‫تنتظران سقاية أغنامهما‪ ،‬فأقبل عليهما موسى ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬واستفسر منهما عن سبب وقوفهما‪ ،‬فأجابتاه بأّن هما تنتظران‬
‫السقاية؛ إذ إّن أبوهما شيٌخ كبيٌر ال يقوى عليها؛ فسقى لهما موسى‪ ،‬وقضى حاجتهما‪ ،‬ثّم توّج ه إلى هللا ‪-‬تعالى‪ -‬بالدعاء‬
‫والطلب‪ ،‬بينما قّصت الفتاتان على والَد يهما ما حدث معهما‪ ،‬وطلب من إحديهما إحضار موسى؛ لُشكره على ِفعله‪ ،‬فطلبت‬
‫منه الُمضّي معها‪ ،‬وكانت شديدة الحياء‪ ،‬فشكره الشيخ على صنيعه مع ابنَت يه‪ ،‬وكانت قد اقترحت إحداهما استئجار موسى‬
‫‪-‬عليه السالم‪-‬؛ للسقاية‪ ،‬فعرض الشيخ على موسى أن ُيزّو جه إحدى ابنَت يه مقابل العمل في الِّسقاية مّدة ثمانية أعواٍم ‪ ،‬وإن‬
‫أراد زيادة سَنَت ين من عنده‪ ،‬فَفعل موسى‪ ،‬وقضى تلك المّدة كاملًة ‪ ،‬ثّم توّجه عائدًا إلى مصر؛ قال ‪-‬تعالى‪َ( :-‬و َلَّم ا َو َر َد َم اَء‬
‫َم ْد َي َن َو َج َد َع َلْي ِه ُأَّم ًة ِّم َن الَّن اِس َيْس ُقوَن َو َو َج َد ِمن ُدوِنِهُم اْمَر َأَت ْي ِن َت ُذ وَد اِن َقاَل َم ا َخ ْط ُبُك َم ا َقاَلَت ا اَل َن ْس ِقي َح َّت ى ُيْص ِد َر‬
‫الِّر َع اُء َو َأُبوَن ا َش ْي ٌخ َك ِبيٌر *َفَس َقى َلُهَم ا ُثَّم َت َو َّلى ِإَلى الِّظ ِّل َفَقاَل َر ِّب ِإِّن ي ِلَم ا َأنَز ْل َت ِإَلَّي ِمْن َخ ْي ٍر َفِقيٌر *َفَج اَء ْت ُه ِإْح َد اُه َم ا‬
‫َت ْم ِش ي َع َلى اْس ِتْح َياٍء َقاَلْت ِإَّن َأِبي َي ْد ُع وَك ِلَيْج ِز َي َك َأْج َر َم ا َس َقْي َت َلَن ا َفَلَّم ا َج اَء ُه َو َقَّص َع َلْي ِه اْلَقَص َص َقاَل اَل َتَخ ْف َن َج ْو َت‬
‫ِمَن اْلَقْو ِم الَّظ اِلِميَن *َقاَلْت ِإْح َد اُه َم ا َي ا َأَب ِت اْس َت ْأِجْر ُه ِإَّن َخ ْيَر َم ِن اْس َت ْأَج ْر َت اْلَقِو ُّي اَأْلِميُن *َقاَل ِإِّن ي ُأِر يُد َأْن ُأنِك َح َك ِإْح َدى‬
‫اْب َنَت َّي َهاَت ْي ِن َع َلى َأن َت ْأُجَر ِني َث َم اِنَي ِحَج ٍج َفِإْن َأْت َمْم َت َع ْش ًر ا َفِمْن ِع نِدَك َو َم ا ُأِر يُد َأْن َأُشَّق َع َلْي َك َس َت ِجُدِني ِإن َش اَء الَّلـُه‬
‫[ ‪]٥ []٤‬‬
‫ِمَن الَّص اِلِحيَن *َقاَل َذ ِلَك َبْي ِني َو َبْي َن َك َأَّيَم ا اَأْلَج َلْي ِن َقَض ْي ُت َفاَل ُع ْد َو اَن َع َلَّي َو الَّلـُه َع َلى َم ا َن ُقوُل َو ِكيٌل)‪.‬‬

‫بعثة موسى عليه السالم‬

‫عاد موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬إلى مصر مع أهله‪ ،‬وأخذ يبحث عن ناٍر ليًال‪ ،‬فلم يجد‪ ،‬إلى أن رأى نارًا إلى جانب جبٍل ‪ ،‬فسار‬
‫إليها وحده تاركًا أهله في موضعهم‪ ،‬ثّم َسِمَع صوتًا ُيناديه حين وصوله إلى موضع النار‪ ،‬فكان هللا ‪-‬سبحانه‪ُ -‬يكّلمه؛ إذ‬
‫أخبره أّن ه رّب العاَلمين‪ ،‬وأّن ه اصطفاه؛ ليبّلَغ الناس‪ ،‬ويدعوهم إلى توحيد هللا‪ ،‬ويخبرهم أّن يوم القيامة واقٌع ال محالة؛‬
‫لُيجازى كّل عبٍد بما قَّد َم في حياته‪ ،‬ثّم سأله رّبه ‪-‬عّز وجّل‪ -‬عن العصا التي ُيمسكها ‪-‬وهو أعلم بها‪ ،-‬فأجابه ‪-‬عليه السالم‪-‬‬
‫بأّن ه يعتمد عليها في َر ْع ي الغنم‪ ،‬وأموٍر أخرى‪ ،‬فطلب منه ‪-‬سبحانه‪ -‬إلقاءها‪ ،‬فألقاها‪ ،‬فتحّو لت إلى حّيٍة تسعى بأمٍر وتقديٍر‬
‫من هللا‪ ،‬ففزع موسى‪ ،‬إاّل أّن هللا طمأَن ه وأخبره أّن ه سُيرجعها كما كانت‪ ،‬ثّم أمره هللا ‪-‬سبحانه‪ -‬أن ُيدخَل يَد ه في َج ْي ِبه‪،‬‬
‫[ ‪]٦‬‬
‫فأدخلها‪ ،‬فإذا بها تخرج بيضاء ُمنيرًة ‪ ،‬فأعادها إلى جبيه‪ ،‬فعادت إلى ِص فتها األولى‪.‬‬

‫وقد أجرى هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬عّدة آياٍت ُمعجزات ُت ؤّيد رسالة نبّيه موسى ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬ثّم أمره بالتوُّج ه إلى فرعون‬
‫ُم بِّلغًا‪ ،‬وداعيًا إّياه إلى توحيد العبادة هلل وحده‪ ،‬واِّت باع أوامره‪ ،‬فسأله موسى التيسير‪ ،‬وانشراح الصدر‪ ،‬وأن ُيعينه؛ بإرسال‬
‫أخيه هارون معه‪ ،‬فاستجاب له ‪-‬سبحانه‪ ،-‬وبذلك كان موسى رسول هللا وُم بِّلَغ أوامره إلى فرعون‪ ،‬وقومه؛ قال ‪-‬‬
‫تعالى‪َ( :-‬و ما ِتلَك ِبَي ميِنَك يا موسى*قاَل ِه َي َع صاَي َأَت َو َّك ُأ َع َليها َو َأُه ُّش ِبها َع لى َغ َن مي َو ِلَي فيها َم آِر ُب ُأخرى*قاَل لِقها‬
‫َأ‬
‫يا موسى*َفَألقاها َفِإذا ِه َي َح َّي ٌة َت سعى*قاَل ُخ ذها َو ال َتَخ ف َس ُنعيُدها سيَر َت َه ا األولى*َو اضُم م َي َد َك ِإلى َج ناِحَك َت خُر ج َب يضاَء‬
‫ِمن َغ يِر سوٍء آَي ًة ُأخرى*ِلُنِر َي َك ِمن آياِتَن ا الُك بَر ى*اذَهب ِإلى ِفرَع وَن ِإَّن ُه َط غى*قاَل َر ِّب اشَر ح لي َص دري*َو َيِّس ر لي‬
‫َأمري*َو احُلل ُع قَد ًة ِمن ِلساني*َي فَقهوا َقولي*َو اجَع ل لي َو زيًر ا ِمن َأهلي*هاروَن َأِخي*اشُدد ِبِه َأزري*َو َأشِر كُه في‬
‫[ ‪]٨ []٧‬‬
‫َأمري)‪.‬‬

‫ُم واجهة موسى لفرعوَن‬

‫وصل موسى إلى أرض ِمْص ر‪ ،‬والتقى بأخيه هارون‪ ،‬واّت جها إلى َق ْص ر فرعون الذي َأِذن لهما بالدخول‪ ،‬وبدأ موسى‬
‫يدعوه إلى توحيد هللا‪ ،‬والخضوع له وحده‪ ،‬والتوُّقف عن ُظ لم بني إسرائيل‪ ،‬وإرسال بني إسرائيل معهما‪ ،‬فرفض فرعون‬
‫ذلك‪ ،‬واستخّف بَقْو ل موسى ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬واستصغَر ه‪ ،‬وذّك َر ه بتربيته ورعايته له‪ ،‬وأّن ه قابل ذلك بَقْت ل الِقبطّي ‪ ،‬فكان رّد‬
‫موسى عليه أّن ذلك لم يكن عن َقْص ٍد‪ ،‬وبّيَن له أّن ه رسول هللا إليه مع أخيه هارون‪ ،‬فسألهما عن رّبهما‪ ،‬فأجاباه أّن ه هللا‬
‫مالك الُملك‪ ،‬وخالق كّل شيٍء ‪ ،‬فاستخّف فرعون بجوابهما‪ ،‬واستهان بما قااله‪ ،‬والتفت إلى قومه؛ ُمكِّذ بًا َقْو ل موسى‪،‬‬
‫وُم َّت ِه مًا إّياه بالجنون‪ ،‬فكان رّد موسى أّن هللا خالُقهم‪ ،‬وخالُق آبائهم‪ ،‬وأظهَر لهم المعجزات التي أّيده هللا بها؛ لتكون دليًال‬
‫على ِص دقه‪ ،‬فتعّجَب فرعون مّما رأى‪ ،‬وطلب رأي قومه ومشورتهم‪ ،‬فأخبروه أّن موسى وهارون ساحران يريدان‬
‫[ ‪]٨‬‬
‫االستحواذ على ُملكه‪ ،‬وإبعاده عن أرضه‪ ،‬وأرشدوه إلى َج مع الَّسَح رة‪ ،‬وإبطال ِس حرهما‪.‬‬
‫ُم واجهة موسى للَّس َح رة‬

‫اجتمع فرعون بالَّس حرة‪ ،‬وأخبرهم بما رآه من معجزات موسى‪ ،‬وسألهم عّما ُيمكنهم ِفْع له؛ إلبطال ما جاء به موسى‪،‬‬
‫فأخبروه بأّن هم سيغلبونه بِس ْح رهم‪ ،‬وطلبوا منه األجر‪ ،‬فأّك َد لهم أّن هم سيكونون ُمقَّر بين منه‪ ،‬ومأجورين‪ ،‬فلّما أتى موسى‪،‬‬
‫ورمى عصاه‪ ،‬لم يلبث الَّسحرة كثيرًا حتى آمنوا برّب موسى وهارون؛ ألّن هم عرفوا أّن ما كان من موسى ليس سحرًا‪،‬‬
‫وال يفعله إاّل نبٌّي ‪ ،‬فغضب فرعون غضبًا شديدًا منهم‪ ،‬واّدعى أّن موسى ‪-‬عليه السالم‪َ -‬م ن َع ّلَم هم الِّسحر‪ ،‬وأّن هم تابعون‬
‫له‪ ،‬فأمر بَص ْلب الَّسَح رة‪ ،‬واستمَّر فرعون في إنكار ما جاء به موسى ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬فأمَر وزيره هامان أن يبنَي له قصرًا‬
‫[ ‪]٩‬‬
‫عاليًا شاهقًا؛ ليصل به إلى أبواب السماء‪ ،‬ويرى إله موسى‪.‬‬

‫وكان قد أسلم مع موسى وهارون بنو إسرائيل‪ ،‬فأمرهم هللا ‪-‬تعالى‪ -‬أن يسكنوا بيوتًا في مصر‪ ،‬وأمره أن َي ِعظ َم ن آمن‬
‫معه‪ ،‬وُيبّش َر هم بما ينتظرهم من َن عيٍم في اآلخرة‪ ،‬ثّم هَّم فرعون بَقْت ل نبّي هللا موسى؛ ُمّد ِع يًا الخوف عليهم من أن ُيخرجهم‬
‫من دينهم‪ ،‬وينشَر في األرض الفساد‪ ،‬إاّل أّن مؤمنًا من آل فرعون كان ُيخفي إيمانه استنكر ذلك‪ ،‬وقال إّن موسى جاء‬
‫بالبّينات من رّبه؛ فإن كان صادقًا فإّن الشَّر سُيصيبهم‪ ،‬وإن كان كاذبًا فسُيظهر هللا كذَب ه‪ ،‬ولن يضَّر هم ذلك‪ ،‬قال ‪-‬‬
‫تعالى‪َ( :-‬و َقاَل َر ُج ٌل ُّم ْؤ ِمٌن ِّم ْن آِل ِفْر َعْو َن َي ْك ُتُم ِإيَم اَن ُه َأَت ْق ُتُلوَن َر ُج اًل َأن َي ُقوَل َر ِّبَي ُهَّللا َو َقْد َج اَء ُك م ِباْلَبِّي َن اِت ِمن َّر ِّب ْم ۖ َو ِإن‬
‫ُك‬
‫َي ُك َك اِذ ًب ا َفَع َلْي ِه َك ِذ ُبُهۖ َو ِإن َي ُك َص اِد ًقا ُيِص ْب ُك م َبْع ُض اَّلِذي َي ِعُد ُك ْم ۖ ِإَّن َهَّللا اَل َيْه ِدي َم ْن ُه َو ُمْس ِر ٌف َك َّذ اٌب )‪ ]١٠[،‬فتراجع فرعون‬
‫[ ‪]٩‬‬
‫عن َقْت ل موسى ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬إاّل أّن ه استمّر في تخويف أتباع موسى ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وظلمهم‪.‬‬

‫طلب موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬من قومه أن يصبروا‪ ،‬ويتمّسكوا بحبل هللا؛ فهو القادر على أن ُيهلك فرعون‪ ،‬وقومه‪ ،‬إاّل أّن‬
‫فرعون تجاوز الحَّد في ُظ لمه‪ ،‬وُط غيانه؛ فدعا موسى وهارون على فرعون وأعوانه بأن ُيبّدَد أموالهم‪ ،‬ويطبَع على‬
‫قلوبهم؛ فال يؤمنوا حتى َيَر وا العذاب األليم‪ ،‬فاستجاب هللا لدعائهم‪ ،‬إاّل أّن فرعون زاد في إصراره على الُّظ لم‪ ،‬واالستكبار‬
‫بغير الحّق ‪ ،‬فابتالهم هللا باحتباس الَم طر‪ ،‬وَن قص المحاصيل‪ ،‬ولم يزدادوا إاّل تكُّبرًا وَر ْف ضًا لرسالة الحّق ؛ فأرسل هللا ‪-‬‬
‫ًة [ ‪]٩‬‬
‫تعالى‪ -‬عليهم الطوفان‪ ،‬والجراد‪ ،‬والقّمل‪ ،‬والضفادع‪ ،‬والدم‪ ،‬وكانت تأتيهم آيات العذاب ُمتتاِلي ‪.‬‬

‫خروج موسى وبنو إسرائيل من ِم ْص ر‬


‫أمَر هللا ‪-‬تعالى‪ -‬موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬بالخروج من ِمْص ر ليًال مع َم ن آمن برسالته‪ ،‬فعلم بذلك فرعون‪ ،‬وغضب غضبًا‬
‫شديدًا‪ ،‬فلحق به مع جنده من كّل مكاٍن ؛ ليمنَع هم من الهروب من ِمْص ر‪ ،‬وأدركوا موسى وَم ن معه‪ ،‬وكانوا قد وصلوا إلى‬
‫البحر‪ ،‬ففزع قوم موسى؛ ألّن هم غير قادرين على هزيمة فرعون وأعوانه‪ ،‬وال يستطيعون الهرب عن طريق البحر‪ ،‬إاّل أّن‬
‫[ ‪]١١‬‬
‫موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬طمأنهم؛ وذلك أّن هللا معهم‪ ،‬ولن يتركهم‪.‬‬

‫حادثة َش ّق البحر وغرق فرعون‬

‫أوحى هللا إلى موسى أن يضرَب بعصاه البحر؛ فانقسم البحر‪ ،‬وانفلق‪ ،‬حتى ظهرت يابسة ُيحيط بها الماء من اليمين‬
‫والشمال‪ ،‬ثّم أمره أن يترك البحر على حاله‪ ،‬ويمضي مع قومه‪ ،‬فَم ضوا في طريقهم‪ ،‬وكان آل فرعون وراءهم يكادون‬
‫يدركونهم‪ ،‬فاستكبر فرعون ومضى خلفهم؛ ُمستِخ ّفًا بما ينتظره‪ ،‬فأغرقه هللا وَم ن معه جميعًا‪ ،‬ولم ُيبِق على أحٍد منهم‪،‬‬
‫[ ‪]١١‬‬
‫وأنجى موسى وقومه‪.‬‬

‫ذهاب موسى للقاء رّب ه واستخالف هارون‬

‫عبَر موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬وقومه البحر‪ ،‬وَمَض ْو ا في طريقهم حتى وصلوا إلى قوٍم يّت خذون األصنام آلهًة لهم‪ ،‬فطلب قوم‬
‫موسى منه أن يّت خذوا آلهًة كما لهم‪ ،‬فأجابهم موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬بأّن هللا إلُههم‪ ،‬وقد أنجاهم من الظلم‪ ،‬ثّم ذهب للقاء رّبه‪،‬‬
‫[ ‪]١٢‬‬
‫وجعل أخاه هارون خليفًة له في قومه‪.‬‬

‫غدا هارون رئيس القوم بعدما طلب منه موسى ذلك‪ ،‬فكان ُيعّلم الناَس الخيَر ‪ ،‬ويردُعهم عن ِفعل الشّر‪ ،‬أّما موسى ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ ،-‬فعندما ذهب للقاء رّبه‪ ،‬كَّلَم ه هللا ‪-‬تعالى‪ -‬من وراء حجاٍب‪ ،‬فطلب موسى منه ‪-‬سبحانه‪ -‬أن يراه‪ ،‬فأخبره رّبه بأّن‬
‫اإلنسان ال يمكنه تحُّمل ذلك؛ وأّن ه سيتجّلى للجبل‪ ،‬فإن استقَّر مكانه فسوف سيراه‪ ،‬ثّم تجّلى رّب العّز ة للجبل الذي لم يبَق‬
‫[ ‪]١٣‬‬
‫منه شيء‪ ،‬وأصبح حاله حال التراب‪ ،‬فُأغِش ي على موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬من هول ما وقع‪.‬‬
‫استغفر موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬هللا ‪-‬تعالى‪ -‬بعد إدراكه ما بدر منه‪ ،‬فأخبره هللا ‪-‬تعالى‪ -‬أّن ه فَّض َله على العاَلمين؛ باصطفائه‬
‫للنبّو ة‪ ،‬وتكليمه دون االستعانة بالمالئكة‪ ،‬فأمره بَأخذ األلواح‪ ،‬والحرص على العمل بما نزل فيها‪ ،‬وعدم تجاُو ز الحدود‬
‫المنصوص عليها‪ ،‬وتعليمها لقومه؛ باّت باعهم األحكام والتفصيالت الواردة فيها‪ ،‬وُشكر هللا ‪-‬عّز وجّل‪ -‬على إظهار الحّق ‪،‬‬
‫وهدايته إّياهم إليه‪ ،‬والحرص على إفراد نّية العمل هلل وحده‪ ،‬وَح َّذ ره من التكذيب بكتابه‪ ،‬ثّم مضى موسى إلى قومه؛‬
‫ُيعّلمهم‪ ،‬ويعرض عليهم التوراة؛ قال ‪-‬تعالى‪َ( :-‬و َلّم ا جاَء موسى ِلميقاِتنا َو َك َّلَم ُه َر ُّب ُه قاَل َر ِّب َأِر ني َأنُظ ر ِإَليَك قاَل َلن‬
‫َت راني َو لـِك ِن انُظ ر ِإَلى الَج َب ِل َفِإِن اسَت َقَّر َم كاَن ُه َفَس وَف َت راني َفَلّم ا َت َج ّلى َر ُّب ُه ِللَج َب ِل َج َع َلُه َد ًّك ا َو َخ َّر موسى َص ِع ًقا َفَلّم ا َأفاَق‬
‫قاَل ُس بحاَن َك ُتبُت ِإَليَك َو َأنا َأَّو ُل الُم ؤِمنيَن *قاَل يا موسى ِإِّن ي اصَط َفيُتَك َع َلى الّن اِس ِبِر ساالتي َو ِبَك المي َفُخ ذ ما آَت يُتَك َو ُك ن‬
‫[ ‪]١٣ []١٤‬‬
‫ِمَن الّش اِكريَن )‪.‬‬

‫السامرّي وصناعة العجل‬

‫غاب موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬عن قومه أربعين يومًا‪ ،‬وكان بنو إسرائيل قد انتظروا عشرين يومًا‪ ،‬وظّن وا أّن ه لن يعود‪،‬‬
‫فظهر رجٌل منهم ُيدعى السامرّي ‪ ،‬وصنع لهم عجًال من الحلّي ‪ ،‬واّدعى أّن ه إلُههم‪ ،‬وأّن عليهم عبادته‪ ،‬فُفِتن القوم‪ ،‬وعبدوه‬
‫من دون هللا‪ ،‬وُيشار إلى أّن هارون ‪-‬عليه السالم‪ -‬كان قد نهاهم عن ذلك‪ ،‬وأمرهم بالرجوع عن ِفعلهم‪ ،‬وحّث هم على عبادة‬
‫هللا رّب العاَلمين‪ ،‬فلم يستجيبوا له‪ ،‬بل اشتّد تمُّسكهم بعبادة العجل‪ ،‬فلّما عاد موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬بما وعدهم‪ ،‬ووجدهم‬
‫على حالهم‪ ،‬عاتَب أخاه هارون ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬فأخبره أّن هم استضعفوه‪ ،‬وكادوا يقتلونه‪ ،‬فلم يقَو على َر دعهم‪ ]١٥[،‬ثّم ذهب‬
‫موسى إلى السامرّي ‪ ،‬فسأله عن ِفعلته‪ ،‬فكان رّده أّن ه يملك ما ال يملكه بنو إسرائيل من بصيرٍة‪ ،‬فما كان من موسى ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬إاّل أن حَّر َق العجل‪ ،‬ونسَف رماده َن سفًا‪ ،‬وأخبره أّن له عقوبة في الُّد نيا‪ ،‬وفي اآلخرة‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪َ( :-‬قاَل َفاْذ َه ْب‬
‫َٰل‬
‫َفِإَّن َلَك ِفي اْل َح َي اِة َأْن َت ُقوَل اَل ِم َس اَس ۖ َو ِإَّن َلَك َمْو ِعًد ا َلْن ُتْخ َلَفُهۖ َو اْن ُظ ْر ِإَلٰى ِإ ِه َك اَّلِذي َظْلَت َع َلْي ِه َع اِك ًفاۖ َلُنَح ِّر َقَّن ُه ُثَّم‬
‫[ ‪]١٧‬‬
‫َلَنْن ِس َفَّن ُه ِفي اْل َي ِّم َن ْس ًفا)؛[‪ ]١٦‬فال إله إاّل هللا وحده‪.‬‬

‫غضب موسى وإلقاء األلواح‬

‫غضب موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬من قومه؛ بسبب اِّت خاذهم العجل إلهًا لهم ‪-‬كما ُذ ِكر سابقًا‪ ،-‬فلم يتمالك نفسه‪ ،‬وألقى األلواَح‬
‫التي اشتملت على أحكام هللا وتشريعاته؛ غضبًا وَأَس فًا على قومه‪ ،‬وعلى الرغم من عدم تعُّمده ذلك‪ ،‬وعدم تسُّبب إلقائه‬
‫إّياها في أّي أذًى لها‪ ،‬إاّل أّن موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬دعا رّبه ‪-‬سبحانه‪ -‬مباشرًة أن يغفَر له وألخيه‪ ،‬وطلب منه الرحم ‪.‬‬
‫َة [ ‪]١٨‬‬

‫موسى والبقرة الصفراء‬

‫ُقِتل في بني إسرائيل رجٌل غنّي لم يكن له ولٌد على يٍد قريٍب له؛ بهدف الحصول على الميراث‪ ،‬ثّم أتى القاتل إلى موسى ‪-‬‬
‫عليه السالم‪ -‬يخبره بموت قريبه‪ ،‬ويسأله أن يساعده في معرفة القاتل؛ ليقتَّص منه‪ ،‬ولم يكن عند موسى ‪-‬عليه السالم‪ِ -‬ع لٌم‬
‫بشيٍء؛ فجمع الناس وسألهم عن األمر‪ ،‬فلم يكن أّي أحٍد منهم يعلم شيئًا‪ ،‬فأوحى هللا ‪-‬تعالى‪ -‬إليه أن يأمر القوَم بَذ بح بقرٍة؛‬
‫لمعرفة القاتل‪ ،‬فاستغرب القوم‪ ،‬وأكثروا السؤال عن أوصافها‪ ،‬فبَّين هللا ‪-‬تعالى‪ -‬لهم أّن ها بقرٌة ال كبيرٌة ُمِس ّن ٌة ‪ ،‬وال صغيرٌة‪،‬‬
‫بل ُمتوِّسطة السّن ‪ ،‬ذات لون أصفر صاٍف لم ُتَّت َخ ذ للعمل في األرض أو السقاية‪ ،‬وهي خاليٌة من العيوب‪ ،‬وليس في‬
‫جسمها لوٌن آخر‪ ،‬فوجدوها بعد طول عناء‪ ،‬ولو أّن هم أطاعوا األمر بَذ بح بقرة‪ ،‬ألجزأهم ذلك‪ ،‬إاّل أّن هم بتشديدهم على‬
‫أنفسهم‪ ،‬شَّد د هللا عليهم‪ ،‬ثّم ذبحوها‪ ،‬وضربوا المّيت بعظمها بأمٍر من هللا‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬فأخبرهم المّيت عن قاتله؛ وهو قريبه‪،‬‬
‫[ ‪]١٩‬‬
‫فُأِخذ وُقِتل؛ لسوء َعَم له‪.‬‬

‫قال ‪-‬تعالى‪ -‬في بيان ما سبق‪َ( :‬و ِإْذ َقاَل ُم وَس ى ِلَقْو ِمِه ِإَّن الَّلـَه َي ْأُمُر ُك ْم َأن َت ْذ َبُح وا َب َقَر ًة َقاُلوا َأَتَّت ِخُذ َن ا ُه ُز ًو ا َقاَل َأُع وُذ ِبالَّلـِه‬
‫َأْن َأُك وَن ِمَن اْلَج اِهِليَن *َقاُلوا اْد ُع َلَن ا َر َّب َك ُيَبِّي ن َّلَن ا َم ا ِه َي َقاَل ِإَّن ُه َي ُقوُل ِإَّن َه ا َب َقَر ٌة اَّل َفاِر ٌض َو اَل ِبْك ٌر َعَو اٌن َبْي َن َذ ِلَك‬
‫َفاْف َع ُلوا َم ا ُتْؤ َمُر وَن *َقاُلوا اْد ُع َلَن ا َر َّب َك ُيَبِّي ن َّلَن ا َم ا َلْو ُنَه ا َقاَل ِإَّن ُه َي ُقوُل ِإَّن َه ا َب َقَر ٌة َص ْف َر اُء َفاِقٌع َّلْو ُنَه ا َت ُسُّر الَّن اِظ ِر يَن * اُلوا‬
‫َق‬
‫اْد ُع َلَن ا َر َّب َك ُيَبِّي ن َّلَن ا َم ا ِه َي ِإَّن اْل َب َقَر َتَش اَب َه َع َلْي َن ا َو ِإَّن ا ِإن َش اَء الَّلـُه َلُمْه َت ُدوَن *َقاَل ِإَّن ُه َي ُقوُل ِإَّن َه ا َب َقَر ٌة اَّل َذُلوٌل ُتِثيُر‬
‫اَأْلْر َض َو اَل َت ْس ِقي اْلَح ْر َث ُمَس َّلَم ٌة اَّل ِش َي َة ِفيَه ا َقاُلوا اآْل َن ِجْئ َت ِباْلَح ِّق َفَذ َبُح وَها َو َم ا َك اُدوا َي ْف َع ُلوَن *َو ِإْذ َقَت ْلُتْم َن ْف ًس ا َفاَّد اَر ُتْم‬
‫ْأ‬
‫[ ‪]٢٠‬‬
‫ِفيَه ا َو الَّلـُه ُم ْخ ِر ٌج َّم ا ُك نُتْم َتْك ُتُم وَن *َفُقْلَن ا اْض ِر ُبوُه ِبَبْع ِض َه ا َك َذ ِلَك ُيْح ِيي الَّلـُه اْلَمْو َت ى َو ُيِر يُك ْم آَي اِتِه َلَع َّلُك ْم َت ْع ِقُلوَن )‪.‬‬

‫قّص ة موسى مع الَخ ضر‬

‫خطب موسى في بني إسرائيل يومًا‪ ،‬فسأل أحُد القوم عن ِع لمه‪ ،‬وإن كان هناك َم ن هو أعلم منه‪ ،‬فأجاب موسى ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬بالَّنْف ي‪ ،‬فعاتبه هللا ‪-‬تعالى‪ ،-‬وأمَر ه أن ُي سِّلم أمره إليه؛ فال ِع لم له إاّل بِعلم هللا‪ ،‬وأخبره أّن هناك َم ن هو أعلُم منه‪،‬‬
‫فتوّسل موسى إلى رّبه أن ُيعِّر فه به؛ ليتعّلَم ويستزيد منه‪ ،‬فأخبره هللا ‪-‬تعالى‪ -‬أّن ه العبد الصالح الَخ ضر‪ ،‬وأعلمه بالمكان‬
‫الذي سيجده عنده؛ وهو َم جمع البحَر ين‪ ،‬وداللة الوصول إليه ُفقدان الحوت الذي يحمله معه بأمٍر منه ‪-‬سبحانه‪-‬؛[‪ ]٢١‬وحوت‬
‫موسى سمكة طبيعّية‪ ]٢٢[،‬فذهب موسى ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وأخذ معه يوشع بن نون الذي كان يخدمه‪ ،‬ويأخذ عنه الِعلم‪ ،‬وسارا‬
‫في طريقهما‪ ،‬فاستراحا عند صخرٍة‪ ،‬وأثناء راحتهما ُفِقد الحوت‪ ،‬ثّم أكمال الَم سير دون أن يتفّقد ُيوشع أمَر الحوت‪ ،‬وحين‬
‫اعتراهما التعب والجوع‪ ،‬طلب موسى من ُيوشع الطعام‪ ،‬فعلما حينها بفقدانهما الحوَت ‪ ،‬فرجعا إلى الصخرة‪ ،‬فوجدا‬
‫الخضر‪ ،‬فسّلم عليه موسى‪ ،‬واستأذنه أن يمضَي معه في طريقه؛ ليتعّلم منه‪ ،‬فحَّذ َر ه الخضر من كثرة السؤال‪ ،‬وعدم‬
‫[ ‪]٢١‬‬
‫الصبر‪ ،‬فكان رّد موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬أّن ه سيلتزُم أمَر ه‪ ،‬وُيطيُعه‪ ،‬فسارا في طريقهما‪.‬‬

‫أخبر الخضر موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬أاّل يسأله عن أّي ِفعٍل يفعله حتى ُيحّدثه هو بذلك‪ ،‬فوافق موسى‪ ،‬ثّم ركبا في السفينة‬
‫التي سمح لهم أصحابها أن يركبوها دون ُأجرٍة‪ ،‬فأخذ الخضر يعيب السفينة؛ فثقبها‪ ،‬وأتلف جزءًا منها‪ ،‬فاستنكر موسى‬
‫ِفعلته‪ ،‬فذَّك َر ه الخضر بالشرط‪ ،‬فطلب منه موسى أن يسامحه‪ ،‬ثّم َم ّروا بغالٍم ‪ ،‬فقتله الخضر‪ ،‬فتعّج ب موسى‪ ،‬ولم يتمالك‬
‫نفسه‪ ،‬وسأله عن سبب قتله نفسًا بريئًة ‪ ،‬فذّك َر ه الخضر بالشرط‪ ،‬فوعده موسى بعدم السؤال عن أمٍر آخر‪ ،‬وإن سأله فهو‬
‫في ِحٍّل من ُمصاحبته‪ ،‬فمّروا بقريٍة‪ ،‬وطلبوا طعامًا‪ ،‬فلم ُيعطوهم؛ لشّدة ُبخلهم‪ ،‬فوجدوا فيها جدارًا على وشك االنهيار‪،‬‬
‫فأصلحه الخضر‪ ،‬فأنكر عليه موسى‪ ،‬فكان ذلك آخر العهد بين موسى والخضر‪ ،‬وأخبره الخضر بلزوم الُمفاَر قة‪ ،‬وأخبره‬
‫بأسباب أفعاله؛ فبدأ بالسفينة التي عابها؛ ِلئاّل يأخذها الحاكم الظالم من أصحابها المساكين‪ ،‬وقد كان يأخذ الُّسفن الصالحة‬
‫من أصحابها‪ ،‬أّما الغالم‪ ،‬فقد كان سيغدو سببًا في شقاء أهله‪ ،‬فأوحى هللا إلى الخضر بَقْت له‪ ،‬واّن ه سُيبدل والَد يه بولٍد َخ ّي ٍر ‪،‬‬
‫أّما الجدار‪ ،‬فكان تحته كنٌز مدفوٌن لغالَم ين يتيَم ين حفظه لهم والدهم الصالح‪ ،‬فأصلحه حتى يكبرا‪ ،‬ويستخرجا كنزهما‪ ،‬فال‬
‫[ ‪]٢١‬‬
‫يأخذه أهل القرية‪ ،‬وأّك د الخضر على موسى أّن أفعاله لم تكن من تلقاء نفسه‪ ،‬وإّن ما بَو ْح ٍي من هللا ‪-‬تعالى‪.-‬‬

‫وقد قال ‪-‬تعالى‪ -‬في بيان ما سبق‪َ( :‬قاَل َلُه ُم وَس ى َه ْل َأَّت ِبُع َك َع َلى َأْن ُتَع ِّلَم ِن ِم َّم ا ُع ِّلْم َت ُر ْش ًد ا*َقاَل ِإَّن َك َلْن َت ْس َت ِط يَع َم ِع َي‬
‫َصْبًر ا*َو َك ْيَف َت ْص ِبُر َع َلى َم ا َلْم ُتِحْط ِبِه ُخ ْبًر ا*َقاَل َس َت ِجُدِني ِإْن َش اَء ُهَّللا َص اِبًر ا َو اَل َأْع ِص ي َلَك َأْمًر ا*َقاَل َفِإِن اَّت َبْع َت ِني َفاَل‬
‫َت ْس َأْلِني َع ْن َش ْي ٍء َح َّت ى ُأْح ِد َث َلَك ِم ْن ُه ِذ ْك ًر ا*َفاْن َطَلَقا َح َّت ى ِإَذ ا َر ِك َب ا ِفي الَّس ِفيَن ِة َخ َر َقَه ا َقاَل َأَخ َر ْق َت َه ا ِلُتْغ ِر َق َأْه َلَه ا َلَقْد ِجْئ َت‬
‫َش ْي ًئ ا ِإْم ًر ا*َقاَل َأَلْم َأُقْل ِإَّن َك َلْن َت ْس َت ِط يَع َم ِع َي َص ْبًر ا*َقاَل اَل ُتَؤ اِخْذ ِني ِبَم ا َن ِس يُت َو اَل ُتْر ِه ْق ِني ِمْن َأْم ِر ي ُعْس ًر ا*َفاْن َطَلَقا َح َّت ى‬
‫ِإَذ ا َلِقَي ا ُغاَل ًم ا َفَقَت َلُه َقاَل َأَقَت ْل َت َن ْف ًس ا َز ِك َّي ًة ِبَغ ْي ِر َن ْف ٍس َلَقْد ِجْئ َت َش ْي ًئ ا ُنْك ًر ا*َقاَل َأَلْم َأُقْل َلَك ِإَّن َك َلْن َت ْس َت ِط يَع َم ِع َي َصْبًر ا*َقاَل‬
‫ِإْن َس َأْلُتَك َع ْن َش ْي ٍء َبْع َدَها َفاَل ُتَص اِحْب ِني َقْد َب َلْغ َت ِمْن َلُد ِّن ي ُع ْذ ًر ا*َفاْن َطَلَقا َح َّت ى ِإَذ ا َأَت َي ا َأْه َل َقْر َي ٍة اْس َت ْط َع َم ا َأْه َلَه ا َفَأَبْو ا َأْن‬
‫ُيَضِّي ُفوُه َم ا َفَو َج َدا ِفيَه ا ِجَد اًر ا ُيِر يُد َأْن َي ْن َقَّض َفَأَقاَم ُه َقاَل َلْو ِش ْئ َت اَل َّتَخ ْذ َت َع َلْي ِه َأْج ًر ا*َقاَل َه َذ ا ِفَر اُق َبْي ِني َو َبْي ِنَك َس ُأَن ِّب ُئَك‬
‫ِبَت ْأِو يِل َم ا َلْم َت ْس َت ِط ْع َع َلْي ِه َصْبًر ا*َأَّم ا الَّس ِفيَن ُة َفَك اَن ْت ِلَمَس اِكيَن َيْع َم ُلوَن ِفي اْل َبْح ِر َفَأَر ْد ُت َأْن َأِعيَبَه ا َو َك اَن َو َر اَء ُه ْم َم ِلٌك‬
‫َي ْأُخ ُذ ُك َّل َس ِفيَن ٍة َغ ْص ًب ا*َو َأَّم ا اْلُغاَل ُم َفَك اَن َأَبَو اُه ُم ْؤ ِم َن ْي ِن َفَخ ِش يَن ا َأْن ُيْر ِه َقُهَم ا ُطْغ َي اًن ا َو ُك ْف ًر ا*َفَأَر ْد َن ا َأْن ُيْب ِد َلُهَم ا َر ُّبُهَم ا َخ ْيًر ا‬
‫ِم ْن ُه َز َك اًة َو َأْق َر َب ُرْح ًم ا*َو َأَّم ا اْلِجَد اُر َفَك اَن ِلُغاَل َمْي ِن َي ِتيَمْي ِن ِفي اْلَم ِديَن ِة َو َك اَن َت ْح َت ُه َكْنٌز َلُهَم ا َو َك اَن َأُبوُه َم ا َص اِلًح ا َفَأَر اَد َر ُّب َك‬
‫[ ‪]٢٣‬‬
‫َأْن َيْب ُلَغ ا َأُشَّدُه َم ا َو َيْس َتْخ ِر َج ا َكْنَز ُه َم ا َر ْح َم ًة ِمْن َر ِّب َك َو َم ا َفَع ْلُتُه َع ْن َأْم ِر ي َذ ِلَك َت ْأِو يُل َم ا َلْم َت ْس ِط ْع َع َلْي ِه َصْبًر ا)‬

‫مكانة موسى عليه السالم‬


‫نال نبّي هللا موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬مكانًة عظيمًة ؛ فهو أحد ُأولي العزم من الُّر سل؛ قال ‪-‬تعالى‪َ( :-‬و ِإْذ َأَخ ْذ َن ا ِمَن الَّن ِبِّي يَن‬
‫ِميَث اَقُهْم َو ِمنَك َو ِمن ُّن وٍح َو ِإْبَر اِهيَم َو ُم وَس ى َو ِع يَس ى اْب ِن َمْر َي َم َو َأَخ ْذ َن ا ِم ْن ُهم ِّم يَث اًقا َغ ِليًظ ا)‪ ]٢٤[،‬وقد اختاره هللا وفّضله على‬
‫الناس في زمانه؛ باختياره نبّي ًا؛ قال ‪-‬عّز وجّل‪( :-‬قاَل يا موسى ِإِّن ي اصَط َفيُتَك َع َلى الّن اِس ِبِر ساالتي َو ِبَك المي َفُخ ذ ما‬
‫آَت يُتَك َو ُك ن ِمَن الّش اِكريَن )‪ ]٢٥[،‬كما أّن له منزلًة عظيمًة عند هللا ‪-‬تعالى‪-‬؛ إذ قال‪َ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا اَل َتُك وُنوا َك اَّلِذيَن آ ْو ا‬
‫َذ‬
‫ُم وَس ى َفَبَّر َأُه الَّلـُه ِم َّم ا َقاُلوا َو َك اَن ِعنَد الَّلـِه َو ِجيًه ا)‪ ]٢٦[،‬وقد اصطفاه هللا ‪-‬تعالى‪ -‬من بين الُّر سل؛ بتكليمه إّياه؛ قال ‪-‬‬
‫تعالى‪َ( :-‬و َك َّلَم الَّلـُه ُم وَس ى َتْك ِليًم ا)‪ ]٢٧[،‬وقال‪َ( :‬و ناَد يناُه ِمن جاِنِب الّط وِر اَأليَم ِن َو َقَّر بناُه َن ِجًّي ا)‪ ]٢٨[،‬وقال أيضًا‪ِ( :‬تْلَك الُّر ُس ُل‬
‫[ ‪]٣٠ []٢٩‬‬
‫َفَّض ْل َن ا َبْع َضُهْم َع َلٰى َبْع ٍض ِّم ْن ُهم َّم ن َك َّلَم الَّلـُه َو َر َفَع َبْع َضُهْم َد َر َج اٍت)‪.‬‬

‫وكان موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬يملك من الِحكمة والِعلم الكثيَر ؛ قال ‪-‬عّز وجّل‪َ( :-‬و َلَّم ا َب َلَغ َأُشَّد ُه َو اْس َت َو ى آَت ْي َن اُه ُح ْك ًم ا َو ِع ْلًم ا‬
‫َو َك َذ ِلَك َن ْج ِز ي اْلُمْح ِس ِنين)‪ ]٣١[،‬وقد بَّلَغ رسالة هللا‪ ،‬وكتابه‪ ،‬وأحكامه بكّل إخالٍص ‪ ،‬وَع زٍم ‪ ،‬وَص بٍر ؛ قال ‪-‬تعالى‪َ( :-‬و َكَت بنا َلُه‬
‫[‬
‫ِفي اَأللواِح ِمن ُك ِّل َش يٍء َم وِع َظ ًة َو َت فصياًل ِلُك ِّل َش يٍء َفُخ ذها ِبُقَّو ٍة َو أُم ر َقوَم َك َي أُخ ذوا ِبَأحَس ِنها َس ُأريُك م داَر الفاِس قيَن )‪،‬‬
‫‪ ]٣٢‬وقال أيضًا‪ُ( :‬ثَّم آَت ينا موَس ى الِكتاَب َت ماًم ا َع َلى اَّلذي َأحَس َن َو َت فصياًل ِلُك ِّل َش يٍء َو ُهًدى َو َر حَم ًة َلَع َّلُهم ِبِلقاِء َر ِّب ِه م‬
‫ُيؤِمنوَن )‪ ]٣٣[،‬كما رفَع هللا ‪-‬تعالى‪ -‬من شأن قوم موسى‪ ،‬واختارهم‪ ،‬وفَّض َلهم على َم ن ظلَم هم‪ ،‬وَم َن حهم ِع ّز ًة وِر فعًة ؛ قال ‪-‬‬
‫تعالى‪َ( :-‬و ُنِر يُد َأن َّن ُم َّن َع َلى اَّلِذيَن اْس ُتْض ِع ُفوا ِفي اَأْلْر ِض َو َن ْج َع َلُهْم َأِئَّم ًة َو َن ْج َع َلُهُم اْلَو اِر ِثيَن *َو ُنَم ِّك َن َلُهْم ِفي اَأْلْر ِض‬
‫َو ُنِر َي ِفْر َعْو َن َو َهاَم اَن َو ُج ُنوَد ُه َم ا ِم ْن ُهم َّم ا َك اُنوا َيْح َذ ُر وَن )‪ ]٣٤[،‬وَي َّسر هللا له عبدًا صالحًا فطمأنه‪ ،‬وزَّو َج ه إحدى ابَن تيه؛ قال‬
‫‪-‬تعالى‪َ( :-‬فَلَّم ا َج اَءُه َو َقَّص َع َلْي ِه اْلَقَص َص َقاَل اَل َتَخ ْف َن َج ْو َت ِمَن اْلَقْو ِم الَّظ اِلِميَن )‪ ]٣٥[،‬وقال أيضًا‪َ( :‬قاَل ِإِّن ي ُأِر يُد َأْن‬
‫ُأنِك َح َك ِإْح َدى اْب َنَت َّي َهاَت ْي ِن )‪ ]٣٦[،‬وأّيد هللا نبّيه موسى بالمعجزات‪ ،‬ومنها‪ :‬إبطال ِس ْح ر الَّسَح رة؛ قال ‪-‬تعالى‪َ( :-‬و َأوَح ينا ِإلى‬
‫[ ‪]٣٠ []٣٧‬‬
‫موسى َأن َألِق َع صاَك َفِإذا ِه َي َت لَقُف ما َي أِفكوَن )‪.‬‬

‫قصة عيسى عليه السالم‬


‫قصة عيسى عليه السالم‬
‫رسول هللا عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬هو الرسول الذي جاء برسالة التوحيد التي انتشرت في العالم‪ ،‬وحمل اإلنجيل إلى قومه‬
‫وبلغهم به‪ ،‬ويعد عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬أحد أولي العزم الخمسة من الرسل الكرام‪ ،‬وفيما يأتي بيان ألهم ما يتعلق بقصة‬
‫سيدنا عيسى ‪-‬عليه السالم‪:-‬‬

‫والدته‬

‫قصة سيدنا عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬معجزة بحد ذاتها؛ وقد ظهر ذلك منذ أن حملت به والدته البتول مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬إلى‬
‫ًا [ ‪]١‬‬
‫والدته وحتى رفعة إلى السماء؛ فقد جاء الملك جبريل إلى السيدة مريم وهي تتعبد‪ ،‬وبشرها بأّن ها ستلد ابنًا مبارك ‪.‬‬

‫كما بشرها بأنه سيكون رسوًال من رسل هللا ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬ونبيًا من أنبيائه دون أن يكون له والد‪ ،‬وهذه هي معجزة بحّد‬
‫ًا [ ‪]١‬‬
‫ذاتها؛ فعيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬لم يولد كما ولد بقية الناس؛ بل كانت والدته استثنائية‪ ،‬وكان حمل والدته به أيضًا استثنائي ‪.‬‬

‫وعندما حان موعد الوالدة اتخذت مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬مكانًا بعيدًا عن قومها‪ ،‬ووضعت حملها عند جذع نخلة‪ ،‬وقد أوحى‬
‫إليها هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أن تهز جذع النخلة وأن تأكل من حبات الرطب النازلة؛ وهزت السيدة مريم جذع النخلة بالفعل‬
‫وتساقطت عليها حبات الرطب‪ ]٢[،‬وقد ولد رسول هللا عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬في المكان الذي يعرف اليوم باسم بيت لحم‪،‬‬
‫[ ‪]٣‬‬
‫وهو جزء من األرض المقدسة في فلسطين‪.‬‬

‫التكلم في المهد‬
‫حملت السيدة العذراء ابنها المبارك وعادت به إلى قومها‪ ،‬فتعجب الناس من هذا االبن‪ ،‬وبدأوا باتهامها بأنها لمست رجًال‬
‫[ ‪]٤‬‬
‫غريبًا عنها‪ ،‬إال أن هللا ‪-‬تعالى‪ -‬أنطق رسوله وهو في المهد وتكلم بكالم عجيب فأسكت كل من سمع صوته‪.‬‬

‫قال تعالى‪َ( :‬قاَل ِإِّن ي َع ْب ُد ِهَّللا َآَت اِنَي اْلِك َت اَب َو َج َع َلِني َن ِبًّي ا* َو َج َع َلِني ُمَب اَر ًك ا َأْي َن َم ا ُكْن ُت َو َأْو َص اِني ِبالَّص اَل ِة َو الَّز َك اِة َم ا ُد ْم ُت‬
‫[ ‪]٥‬‬
‫َح ًّي ا* َو َب ًّر ا ِبَو اِلَد ِتي َو َلْم َيْج َع ْلِني َج َّب اًر ا َش ِقًّي ا* َو الَّس اَل ُم َع َلَّي َيْو َم ُو ِلْد ُت َو َيْو َم َأُم وُت َو َيْو َم ُأْبَع ُث َح ًّي ا)‪.‬‬

‫رسالته ومعجزاته‬

‫عندما كبر المسيح أرسله هللا ‪-‬تعالى‪ -‬برسالة التوحيد‪ ،‬وأنزل عليه كتابه اإلنجيل‪ ،‬وبدأ رسول هللا المسيح بالسير في‬
‫األرض ودعوة الناس‪ ،‬وقد آمن له ولدعوته الكريمة الحواريون الذين تربوا على يديه الشريفتين وتعلموا منه‪ ،‬وسمعوا‬
‫[ ‪]٣‬‬
‫كالمه الحكيم‪.‬‬

‫[ ‪]٦‬‬
‫وقد أيده هللا تبارك وتعالى‪ -‬بمعجزات عديدة منها المعجزات اآلتية‪:‬‬

‫إحياء الموتى‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫شفاء األبرص‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫النفخ في هيئة الطير المصنوع من الطين ليصير طيرًا حقيقيًا‪ ،‬وكل هذه المعجزات كانت تحدث بإذن من هللا تعالى‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫رفعه إلى السماء‬

‫في نهاية رحلة عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬تآمر اليهود عليه خشية أن يفتن الناس ويتبعوه بسبب معجزاته‪ ،‬وهموا بقتله وصلبه‬
‫[ ‪]٣‬‬
‫للتخلص منه‪ ،‬ولكن هللا ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬رفعه إليه ونَّج اه من مكرهم وكيدهم‪.‬‬
‫وقد أشار القرآن الكريم إلى النهاية بقوله تعالى‪َ( :‬و َقوِلِه م ِإنا َقَت لَن ا الَم ِس يَح ِع يَس ى ابَن َم رَي َم َر ُس وَل ِهللا َو َم ا َقَت ُلوُه َو َم ا‬
‫َص َلُبوُه َو َلـِكن ُشّب َه َلُهم َو ِإن الِذيَن اخَت َلُفوا ِفيِه َلِفي َش ك منُه َم ا َلُهم ِبِه ِمن ِعلٍم ِإال اتَب اَع الظن َو َم ا َقَت ُلوُه َي ِقينًا‪َ ،‬ب ل ر َع ُه‬
‫َف‬
‫ُهللا ِإَليِه َو َك اَن ُهللا َع ِز يزًا َح ِكيم‬

‫قصة زكريا عليه السالم‬


‫زكريا عليه السالم‬
‫ورد في نسب زكريا ‪-‬عليه السالم‪ -‬أّن ه زكريا بن دان بن مسلم بن صدوق‪ ،‬ويمّر نسبه بسليمان بن داود عليهما السالم‪،‬‬
‫حتى يصل إلى يهوذا وهو ابن يعقوب عليه السالم‪ ،‬وورد أّن زكريا كان يعمل نّج ارًا‪ ،‬وقد ورد ذكره في القرآن‬
‫الكريم ثماني مّر اٍت‪ ،‬وُفّصلت قصته في سورتي مريم وآل عمران‪ ،‬وُبعث نبّي ًا في بني إسرائيل‪ ،‬بدعوة التوحيد‪ ،‬وعبادة‬
‫هللا سبحانه‪ ،‬وترك ما دون ذلك‪ ،‬في وقٍت كُث ر فيه إفسادهم وكفرهم‪ ،‬وانتشر الفسوق‪ ،‬والظلم والمنكر بعمومه بينهم‪ ،‬فقد‬
‫كان ملوك بني إسرائيل حينها كفرة وفجرة‪ُ ،‬ملؤوا ُبغضًا للدين وأهله‪ ،‬فتسّلطوا على األتقياء الصالحين‪ ،‬قتًال وظلمًا‪ ،‬وقد‬
‫[ ‪]١‬‬
‫طال زكريا ‪-‬عليه السالم‪ -‬من بالئهم حين أمر الملك هيرودس بقتل يحيى بن زكريا عليه السالم؛ إرضاًء لعشيقته‪.‬‬

‫عايش زكريا ‪-‬عليه السالم‪ -‬انتشار القتل‪ ،‬والظلم في بني إسرائيل‪ ،‬وكان هللا ‪-‬تعالى‪ -‬قد قّدر لحكمٍة يعلمها أاّل ُيرزق‬
‫زكريا بالولد‪ ،‬فلّما أحّس أن الكبر قد تغّش اه‪ ،‬وأّن ه وحيد ليس حوله من يقيم الدين معه‪ ،‬أو يخلفه فيه توّجه هلل ‪-‬‬
‫تعالى‪ -‬بالدعاء‪ ،‬فقال هللا عّز وجّل‪َ( :‬و ِإِّن ي ِخْف ُت اْلَمَو اِلَي ِمن َو َر اِئي َو َك اَن ِت اْم َر َأِتي َع اِقًر ا َفَهْب ِلي ِمن َّلُد نَك َو ِليا*َي ِر ِني‬
‫ُث‬
‫َو َي ِر ُث ِمْن آِل َيْع ُقوَب َو اْج َع ْلُه َر ِّب َر ِض ًّي ا)‪ ]٢[،‬فاستجاب هللا دعوته بأن جعله يكفل مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬أّو ًال‪ ،‬ثّم ُب ّش ر بأّن‬
‫[ ‪]١‬‬
‫زوجته حامل‪ ،‬وسيكون له ولد بإذن هللا تعالى‪.‬‬

‫قصة زكريا عليه السالم‬


‫بلغ زكريا ‪-‬عليه السالم‪ -‬مرحلة الضعف والشيب كما وصف في دعائه هلل سبحانه‪ ،‬لكّن ه بالرغم من ذلك لم ييأس من قدرة‬
‫هللا تعالى‪ ،‬وفضله عليه بأن يرزقه الولد رغم ظروفه‪ ،‬وكان لكفالته مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬سبب إضافّي لذلك اليقين‪ ،‬فزكريا‬
‫حين كفل مريم ‪-‬عليهما السالم‪ -‬رأى لها من الكرامات الشيء العظيم‪ ،‬فقد كان يدخل عندها فيجد أمامها فاكهة الصيف في‬
‫الشتاء‪ ،‬وفاكهة الشتاء في الصيف؛ تفّض ًال من هللا وكرامًة ‪ ،‬فزاد هذا من يقينه‪ ،‬ورغبته في أن يكرمه هللا ‪-‬تعالى‪ -‬بالولد‪،‬‬
‫[ ‪]٣‬‬
‫بالرغم من أّن زوجته عاقر ال تلد‪ ،‬وقد كُبر هو كذلك‪.‬‬

‫أجاب هللا ‪-‬تعالى‪ -‬دعوة نبّيه‪ ،‬فبّش ره بأن سيكون له ولد‪ ،‬اسمه يحيى‪ ،‬حيث قال هللا تعالى‪( :‬يا َز َك ِر ّي ا ِإّن ا ُنَب ِّش ُر َك ِبُغ الٍم‬
‫اسُم ُه َي حيى َلم َن جَع ل َلُه ِمن َقبُل َس ِم ًّي ا)‪ ]٤[،‬ففوجئ زكريا ‪-‬عليه السالم‪ -‬بالخبر‪ ،‬بالرغم من أّن ه كان متوّجه هلل ‪ُ-‬سبحانه‪-‬‬
‫بالدعاء‪ ،‬فطلب أن يجعل هللا له آيًة لهذه البشارة‪ ،‬ودليًال على وجود الحمل‪ ،‬فكانت آيته السكوت‪ ،‬فال ينطق ثالثة أيام‬
‫بالرغم من اعتدال مزاجه‪ ،‬ومعاشرته للناس‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إّن ه كان يستطع ذكر هللا ‪-‬تعالى‪ -‬فقط‪ ،‬وال يكّلم الناس‪ ،‬ولقد كان من‬
‫تمام نعمة هللا ‪-‬تعالى‪ -‬على نبّيه أن جعل ابنه يحيى صّديقًا‪ ،‬نبّي ًا‪ ،‬باّر ًا بوالديه‪ ،‬وآتاه هللا ‪-‬تعالى‪ -‬الكتاب‪ ،‬والحكم به صبّي ًا‪،‬‬
‫حتى جاءه صبيان يريدون اللعب معه وهو فتى‪ ،‬فقال لهم‪ :‬ما للعب ُخ لقنا‪ ،‬وكان من الِنعم التي حباه هللا ‪-‬تعالى‪ -‬إّياها أيضًا‬
‫في قول هللا تعالى‪َ( :‬و َح ناًن ا ِمن َلُد ّن ا َو َز كاًة َو كاَن َت ِقًّي ا)‪ ]٥[،‬فكان يحيى ‪-‬عليه السالم‪ -‬رحيمًا بوالديه‪ ،‬مشفقًا عليهما‪ ،‬باّر ًا‬
‫بهما‪ ،‬كما قال هللا ‪-‬تعالى‪ -‬أيضًا‪َ( :‬و َس الٌم َع َليِه َي وَم ُو ِلَد َو َي وَم َي موُت َو َي وَم ُيبَع ُث َح ًّي ا)‪ ]٦[،‬فكان هللا ‪-‬عّز وجّل‪ -‬قد سّلم عليه‬
‫[ ‪]٣‬‬
‫بنفسه‪ ،‬فُرفع شأنه‪ ،‬وعلى قدُره في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫كفالة زكريا لمريم‬


‫كانت أّم مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬زوجة عمران‪ ،‬امرأة صالحة‪ ،‬تقّية‪ ،‬لكّن ها كانت ال ُتنجب‪ ،‬وطال الوقت ولم ُت رزق بولد‪،‬‬
‫فنذرت هلل ‪-‬تعالى‪ -‬إن أعطاها ولدًا أن تجعله خادمًا لبيت المقدس‪ ،‬وعابدًا هلل تعالى‪ ،‬فما هو إاّل وقت قصير حتى أجاب هللا‬
‫رجاءها ودعاءها‪ ،‬وبّش رها بحملها‪ ،‬لكّن ها عندما وضعت المولود كان أنثى‪ ،‬فحارت فيها؛ كيف لها أن تكون خادمًة للدين‪،‬‬
‫وعابدة هلل وهي أنثى‪ ،‬إاّل أّن ها أوفت بنذرها‪ ،‬وأخذت مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬إلى بيت المقدس‪ ،‬لتجد َم ن يكفلها‪ ،‬فاقترع‬
‫الصالحون من بني إسرائيل لكفالة مريم عليها السالم؛ حّب ًا بوالدها الذي كان صالحًا تقّيا من علماء بني إسرائيل‪ ،‬فخرج‬
‫سهم زكريا عليه السالم‪ ،‬وكان زوج خالتها‪ ،‬فكفلها‪ ،‬وأحسن تربيتها‪ ،‬وأّدبها‪ ،‬وأسكنها في محرابه‪ ،‬وأوصلها إلى عبادة‬
‫[ ‪]٧ []١‬‬
‫هللا ‪-‬تعالى‪ -‬وحده‪ ،‬التي ُت رضيه عنها‪.‬‬

‫وفاة زكريا عليه السالم‬


‫ورد في وفاة نبّي هللا زكريا ‪-‬عليه السالم‪ -‬روايتان‪ ،‬كلتاهما ُتلّخ ص بأّن زكريا ‪-‬عليه السالم‪ -‬قد ُقتل على يد أفجر الخلق‬
‫من بني إسرائيل‪ ،‬فإّن هم من عادتهم قتل األنبياء كما قال ‪-‬تعالى‪ -‬في كتابه الكريم‪ ،‬وأولى الروايتين أّن ه لّما شاع خبر‬
‫والدة مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬اّدعى أناس من بني إسرائيل أّن زكريا ‪-‬عليه السالم‪ -‬أوقعها في الفاحشة‪ ،‬فأقبلوا إليه‪ ،‬فقتلوه‬
‫على ذلك ُظ لمًا‪ ،‬حيث نشروه بالمنشار‪ ،‬وأّما الرواية الثانية فهي أّن ه لّما ُقتل نبّي هللا يحيى ‪-‬عليه السالم‪ -‬أرسل الملك‬
‫هيرودس وهو قاتله َم ن يبحث عن زكريا عليه السالم‪ ،‬فاختفى زكريا ‪-‬عليه السالم‪ -‬عن االنظار‪ ،‬حتى نادته شجرة ‪-‬بإذن‬
‫هللا‪ -‬أن يدخل إلى داخلها‪ ،‬فانشّقت‪ ،‬ودخل فيها‪ ،‬فعرف بذلك الشيطان‪ ،‬فأخذ شيئًا من لباس زكريا‪ ،‬وذهب إلى القوم يدّلهم‬
‫مكانه‪ ،‬فأخبرهم بمكانه داخل الشجرة‪ ،‬وهو يملك الدليل‪ ،‬وهو شيء من مالبس زكريا عليه السالم‪ ،‬فأقبل القوم يقطعون‬
‫[ ‪]١‬‬
‫الشجرة‪ ،‬ويضربونها بفؤوسهم‪ ،‬حتى ُقتل زكريا عليه السالم‪.‬‬

‫قصة هارون عليه السالم‬


‫نشأة هارون عليه السالم‬
‫هارون بن عمران هو أخو نبي هللا موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬وشقيقه وهو األخ األكبر له‪ ،‬وقد ورد ذكره في كل من القرآن‬
‫الكريم والكتاب المقدس‪ ،‬فقد أرسله هللا ‪-‬تعالى‪ -‬مع موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬إلى فرعون وبني إسرائيل‪ ،‬فكان معينًا ومساعدًا‬
‫[ ‪]١‬‬
‫ووزيرًا له خالل دعوته لفرعون وخروج بني إسرائيل من أرض مصر‪.‬‬

‫بني إسرائيل والسامري‬


‫ذهب موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬لتَّلقي الوحي وترك أخاه هارون ‪-‬عليه السالم‪ -‬يتولى أمر بني إسرائيل‪ ،‬وفي غياب موسى ‪-‬‬
‫عليه السالم‪ -‬قام رجل من بني إسرائيل اسمه السامري بصنع عجل من ذهب وتحول عدد من بني إسرائيل لعبادته‪ ،‬حاول‬
‫هارون ‪-‬عليه السالم‪ -‬منعهم من ذلك ولكنه عجز عن صدهم وردعهم عن فعلهم بسبب عنادهم وكفرهم‪ ،‬وكانوا يعتقدون‬
‫[ ‪]٢‬‬
‫أَّن موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬لن يعود‪.‬‬

‫ولَّما رجع موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬إلى قومه من بني إسرائيل وجدهم قد عبدوا العجل من دون هللا ‪-‬تعالى‪ -‬وانحرفوا عن‬
‫الطريق الصحيح‪ ،‬فعاتب موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬أخاه هارون ‪-‬عليه السالم‪ -‬بسبب موقفه منهم وعدم منعهم من عبادة العجل‬
‫والتصدي لهم‪ ،‬فكان جواب هارون ‪-‬عليه السالم‪ -‬أَّن ه خاف من أن يؤدي إنكاره عليهم إلى ضرر أكبر من ذلك كوقوع‬
‫[ ‪]٣‬‬
‫الفتن والنزاعات بين القوم‪.‬‬

‫قال ‪-‬تعالى‪َ( :-‬و َلَّم ا َر َج َع ُم وَس ى ِإَلى َقْو ِمِه َغ ْض َب اَن َأِس ًفا َقاَل ِبْئ َس َم ا َخ َلْف ُتُم وِني ِمن َبْع ِديۖ َأَع ِجْلُتْم َأْم َر َر ِّب ُك ْم ۖ َو َأْلَقى‬
‫اَأْلْلَو اَح َو َأَخ َذ ِبَر ْأِس َأِخيِه َيُجُّر ُه ِإَلْي ِهۚ َقاَل اْب َن ُأَّم ِإَّن اْلَقْو َم اْس َت ْض َع ُفوِني َو َك اُدوا َي ْق ُتُلوَن ِني َفاَل ُتْش ِمْت ِبَي اَأْلْع َد اَء َو اَل‬
‫[ ‪]٥ []٤‬‬
‫َت ْج َع ْل ِني َمَع اْلَقْو ِم الَّظ اِلِميَن * َقاَل َر ِّب اْغ ِفْر ِلي َو َأِلِخي َو َأْد ِخْلَن ا ِفي َر ْح َم ِتَكۖ َو َأنَت َأْر َح ُم الَّر اِحِميَن )‪.‬‬

‫وفاة هارون عليه السالم‬


‫قصة موت هارون ‪-‬عليه السالم‪ -‬هي‪ :‬أَّن هللا ‪-‬تعالى‪ -‬أوحى إلى موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬بواسطة جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬أَّن ه‬
‫سُيميت هارون ‪-‬عليه السالم‪ -‬فذهب موسى وهارون ‪-‬عليهما السالم‪ -‬إلى مكان وكان موضع حسن وجميل يوجد فيه‬
‫[ ‪]٦‬‬
‫شجر جميل وفيه بيت حسن المظهر‪.‬‬
‫وفي هذا البيت يوجد سرير عليه فرش عندما نظر هارون ‪-‬عليه السالم‪ -‬إليه أعجبه المكان فقال لموسى ‪-‬عليه السالم‪:-‬‬
‫"أحب أن أنام على هذا السرير"‪ ،‬فقال له موسى ‪-‬عليه السالم‪" :-‬نم عليه"‪ ،‬فقال هارون ‪-‬عليه السالم‪" :-‬إني أخاف أن‬
‫[ ‪]٧‬‬
‫يأتي صاحب البيت فيغضب مني"‪ ،‬فقال له موسى ‪-‬عليه السالم‪" :-‬ال تخف"‪ ،‬فقال لموسى ‪-‬عليه السالم‪" :-‬نم معي"‪.‬‬

‫فلما ناما ‪-‬عليهما السالم‪ -‬مات هارون ‪-‬عليه السالم‪ -‬وُقبضت روحه‪ ،‬وُرفع البيت وُرفع السرير وبه هارون ‪-‬عليه‬
‫َّن‬
‫السالم‪ -‬إلى السماء‪ ،‬رجع موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬إلى قومه بني إسرائيل‪ ،‬وسألوه عن هارون ‪-‬عليه السالم فأخبرهم بأ ه‬
‫توفي‪ ،‬فاتهموا موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬بقتله فدعا هللا ‪-‬تعالى‪ -‬فاستجاب هللا ‪-‬تعالى‪ -‬دعائه‪ ،‬فجاءت المالئكة بالسرير‬
‫[ ‪]٨‬‬
‫ووضعته أمامهم‪ ،‬فصدقوا موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬وعرفوا صحة قوله‪.‬‬

You might also like