You are on page 1of 6

‫بحث موجز عن خيبر ‪:‬‬ ‫ــــ‬

‫أ ‪ -‬مدينة خيبر ‪:‬‬


‫لم أتحدث عن مدينة خيبر ضمن كتب سلسلة اآلثار اإلسالمية في البالد الحجازية ‪ ،‬وذلك‬
‫ألنها مدينة معروفة ‪ ،‬والطريق الموصل إليها واضح وسالك ‪ ،‬ولم تخف معالمها وآثارها ‪ ،‬ولم‬
‫يغير اسمها كما حصل في مدينة (فدك) الذي حول اسمها الى مدينة (الحائط) ‪ ،‬وكذلك كتب‬
‫الكثير من المؤلفين عنها ‪.‬‬

‫واستجابة القتراح بعض األخوة المؤمنين بضرورة التحدث عن مدينة خيبر ‪ ،‬وللفائدة‬
‫والمنفعة العامة سأتحدث عنها بشكل موجز ‪:‬‬

‫بما أننا ذكرنا جبل قريظة في كتاب المساجد واألماكن األثرية في المدينة المنورة ‪ ،‬والذي‬
‫اتخذه يهود بني قريظة حصنا وسورا واقيا لهم ‪ ،‬والذين حفروا محيط سطحه ‪ ،‬ليكون جدارا‬
‫عازال وحاميا لهم عند الحروب ‪.‬‬

‫كذلك ينطبق القول أعاله على يهود مدينــة خيبر ‪ ،‬الذين اتخذوا قراهم حصونا واقيا لهم ‪،‬‬
‫وذلك كما وصفهم هللا تعالى في محكم كتابه الكريم وفصل خطابه العظيم بقوله ‪ { :‬ال يقاتلونكم‬
‫جميعا إال في قرى محصنة أو من وراء جدر }‪.1‬‬

‫وتعتبر مدينة خيبر منذ قديم العصور واحة واسعة وتربة خصبة ‪ ،‬تتوفر فيها المياه الغزيرة‬
‫والعيون الكثيرة ‪ ،‬وأرضها تصلح لزراعة الحبوب والفواكه ‪ ،‬وهي من أكبر واحات النخيل في‬
‫جزيرة العرب ‪.‬‬

‫ب ــ موقع خيبر والطريق الموصل لها ‪:‬‬


‫تقع مدينة خيبر في شمال المدينة المنورة ‪ ،‬وتبعد عنها بمسافة تقدر بـ (‪ )153‬مائة‬
‫وثالثة وخمسين كيلومترا ‪ ،‬والطريق الموصل إليها معبدا ‪ ،‬وهي باتجاه الذاهب إلى‬
‫مدينة تبوك التي تبعد عن المدينة المنورة قرابة الـ (‪ )700‬سبعمائة كيلو مترا‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة الحشر ‪.14 / 59‬‬


‫ج ــ القرى المحصنة في مدينة خيبر ‪:‬‬
‫لقد زرت مدينة خيبر القديمة ‪ ،‬ذات البيوت الكثيرة المهدمة والقرى المحصنة ‪ ،‬وقد‬
‫القيت صعوبة في الخروج منها ‪ ،‬عند ذلك تذكرت قوله تعالى { ال يقاتلونكم جميعا إال‬
‫‪21‬‬
‫في قرى محصنة أومن وراء جدر } ‪.‬‬

‫ولقد ترك أهل خيبر المدينة القديمة ‪ ،‬وبنوا بالقرب منها مدينة جديدة ذات بيوت‬
‫حديثة ‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة الحشر ‪.14 / 59‬‬


‫د ــ باب خيبر ‪:‬‬
‫كان باب خيبر كبيرا فخما ‪ ،‬ال يســـتطيع أربع وأربعون رجال أن يغلقونه أو يفتحونه‬
‫‪ ،‬روي عن أحمد بن حنبل أنه قال ‪ ( :‬ولما قتل أمير المؤمنين عليه السالم مرحبا ‪،‬‬
‫رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم ‪ ،‬فصار أمير المؤمنين عليه السالم‬
‫فعالجه حتى فتحه ‪ ،‬وأكثر الناس من جانب الخندق لم يعبروا معه ‪ ،‬فأخذ أمير المؤمنين‬
‫عليه السالم باب الحصن وجعله على الخندق جسرا لهم ‪ ،‬حتى عبروا وظفروا بالحصن‬
‫ونالوا الغنائم ‪ ،‬فلما انصرفوا أخذ أمير المؤمنين الباب بيمناه فدحى به أذرعا من األرض‬
‫‪ .....‬قيل ‪ :‬إن الباب كان يغلقه أربع وأربعون رجال ‪ ،‬قال ابن أبي الحديد ‪:‬‬

‫عجزت أكف أربعون وأربع )‪.31‬‬ ‫يا قالع الباب التي عن فتحها‬

‫وقيل ‪ :‬إن الباب المذكور كان موجودا في المسجد الذي بني في أعلى حصن خيبر ‪،‬‬
‫وقد صعدت إلى ذلك المكان ‪ ،‬ولم استطع الدخول إلى المسجد المذكور ‪ ،‬ألن بابه كان‬
‫مغلقا بسلسلة حديدية ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬غزوات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السالم أو أشعة األنوار في فضل حيدر الكرار ‪ ،‬للعالمة الشيخ جعفر نقدي‬
‫ص ‪ ، 120‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1413‬هـ ــ ‪1991‬م ‪ ،‬وينظر ‪ :‬طرائف الحكم ونوادر اآلثار ‪ ،‬للسيد‬
‫محمد الحيدري ‪ ،‬الجزء (‪ ) 4‬فقرة (‪ )4593‬ص (‪ ، )294‬دار السالم للطباعة ‪ ،‬بيروت ــ لبنان ‪ ،‬الطبعة االولى ‪ 2008‬م ‪.‬‬
‫هـ ــ بئر عين علي (عليه السالم ) ‪:‬‬
‫توجد في خيبر عين ينبع منها الماء ‪ ،‬أطلق عليها اسم ( بئر عين علي عليه السالم ) ‪،‬‬
‫والتي نبعت بسيف اإلمام علي بن أبي طالب ( عليه السالم ) في معركة خيبر في مدينة خيبر‬
‫في منطقة المدينة المنورة ‪.‬‬

‫وماء هذه العين صاف عذب ‪ ،‬كان يشرب منها أهل خيبر ‪ ،‬وكذلك يشرب منها زوار مدينة‬
‫خيبر ويأخذوا من مائها معهم بنية التبرك والشفاء ‪.‬‬

‫ولقد تم تسويرها وإغالقها بشكل محكم لمنع الوصول إلى مائها المبارك ‪.‬‬
‫وــ الحديث الشريف عن غزوة خيبر ‪:‬‬
‫وقعت غزوة خيبر في السنة السابعة للهجرة ‪ ،‬وكان الرسول محمد ( صلى هللا عليه وآله‬
‫وسلم ) يقود المسلمين فيها ‪.‬‬

‫وتم فتحها على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السالم ) ‪ ،‬وقد ورد عن سعد بن‬
‫أبي وقاص أنه قال ‪ ( :‬بعث رسول هللا محمد (صلى هللا عليه وآله وسلم ) ‪ ،‬برايته إلى خيبر‬
‫مع أبي بكر فردها ‪ ،‬فبعث بها مع عمر فردها ‪ ،‬فغضب رســـــــــول هللا (صلى هللا عليه وآله‬
‫وسلم ) وقال ‪ ( :‬ألعطين الراية غدا رجال يحبه هللا ورسوله ‪ ،‬ويحب هللا ورسوله ‪ ،‬كرارا غير‬
‫فرار ‪ ،‬ال يرجع حتى يفتح هللا على يديه ) ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما أصبحنا جثونا على الركب فلم نره يدعو‬
‫أحدا منا ‪ ،‬ثم نادى أين علي بن أبي طالب ؟ فجيء به وهو أرمد ‪ ،‬فتفل في عينه ‪ ،‬وأعطاه‬
‫الراية ففتح هللا على يديه )‪.41‬‬

‫وعندما خرج مرحب اليهودي ‪ ،‬وهو أشجع بني يهود لمبارزة اإلمام علي (عليه السالم ) ‪،‬‬
‫أنشد قائال ‪:‬‬

‫شـــاكي الســـالح بطل مجرب‬ ‫قد علمت خيبر أني مرحب‬

‫إذ الليــــــــوث أقبلت تلتهـب‬ ‫أطعن أحيانـا وحينا أضرب‬

‫فرد عليه اإلمام علي (عليه السالم ) بقوله ‪:‬‬

‫ضرغام آجام (غابات) وليث قسوره‬ ‫أنا الذي ســــــــــمتني أمي حيدره‬

‫أكيلكم بالســــيف كيل الســـــــــندره‬ ‫على األعادي مثل ريــح صرصره‬


‫‪52‬‬
‫أضرب بالســــــــــــــيف رقا ب الكفره‬

‫وروي عن أمير المؤمنين (عليه السالم) أنه قال ‪ ( :‬فاختلفنا ضربتين فبدرته فضربته ‪،‬‬
‫‪6 3‬‬
‫فقددت المحجر والمغفر ورأسه ‪ ،‬حتى وقع السيف في أضراسه فخر صريعا ) ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬األمالي ‪ ،‬للشـــــــيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان بن المعلم أبي عبد هللا العكبري البغدادي ص ‪ 56‬ــ ‪ ، 57‬تحقيق ‪:‬‬
‫حسين االستادولي وعلي أكبر الغفاري ‪ ،‬دار المفيد للطباعة ــ الناشر ‪ :‬دار الهدى بقم المقدسة ــ الطبعة األولى ‪ 1431‬هـ ‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ ‪ 3‬ينظر غزوات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السالم ) ‪ ،‬أو أشعة األنوار في فضل حيدر الكرار ص ‪. 119‬‬
‫وجاء في كتاب (طرائف الحِكم ونوادر اآلثار للعالمة السـيد محمد الحيدري) ‪71‬اآلتي ‪:‬‬

‫( وأما خيبر ‪ ،‬فهو المكان الذي يســــــــكنه يهود الجزيرة العربية ‪ ،‬وقد تجمعت فيه فلولهم‬
‫وبقاياهم الذين أجالهم رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم عن المدينة ‪ ،‬وأقاموا فيه ســـــبعة‬
‫حصون منيعة يحســـبون أنها تمنعهم من غضب هللا ورســــولِه ‪ ،‬فصاروا يحوكون المؤامرات‬
‫ت أمام الدعوة اإلســــــالمية الغراء ‪ ،‬واتصلوا بالقبائل العربية لتحريضها على‬
‫ويضعون العقبا ِ‬
‫الهجوم مرة أخرى على المدينة بعد فشـــلها يوم األحزاب ‪ ،‬فلما علِم رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وآله وسلم بكيدهم ونشـــــاطهم المعادي لإلســــالم عزم على غزو حصونهم وإنزال العقوبــة‬
‫الرادعة بحقهم ليحمي دعوته وأمته من مكرهم وشرهم ‪ ،‬وزحف بجيشــــــه إليهم وعسكر في‬
‫منطقة تقع بين خيبر وغطفان حتى ال يأتيهم مدد من هذه القبيلة العربية التــــي وعدت اليهود‬
‫بالمعاضدة والمساندة إذا وقعت الحرب بينهم وبين رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫ولما علِم اليهود بقدوم المســــــــــــلمين دخلوا حصونهم وأغلقوا عليهم أبوابها ‪ ،‬وقد اشتد‬
‫القتال بين الطرفين ‪ ،‬وفتح المســــلمون الحصون حتى وصلوا إلــى أشـــــــــدها وأمنعها وهو‬
‫حصن القموص ‪ ،‬وفيـــــه مرحب بن الحارث قائد اليهود ‪ .......‬فلما أقبل أمير المؤمنين عليه‬
‫الســــــــــالم برز إليه مرحب وهو يقول ‪:‬‬

‫مجرب‬
‫َّ‬ ‫شــاكي الســالح بطل‬ ‫قد علمت خيبر أني مرحب‬

‫فأجابه عليه السالم بقوله ‪:‬‬

‫أكيلكم بالسيف كيل السندره‬ ‫أنا الذي سمتني أمي حيدره‬

‫ثم عاجله بضربة نجالء فلقت رأسـه وهامته وسقط على األرض قتيال ‪ ،‬فدب الفزع والرعب‬
‫فـي قلوب اليهود وأغلقوا عليهم باب الحصن ‪ ،‬فاقتلعـه أمير المؤمنين عليه الســـــــــــالم بيده‬
‫وتترس به ثم رماه بعيدا إلى األرض ‪ ،‬ودخل الحصن فاتحا ودخل معه المســــلمون فقتلوا من‬
‫قتلوا وأسروا من أسروا وغنِموا أموالهم وأسـلحتهم ‪ ،‬واصطفى رســـــــول هللا صلى هللا عليه‬
‫وآله وسلم لنفســه صفية بنت حيي بن أخطب ثم أعتقها وتزوجها بعد أن شــــرح هللا صدرها‬
‫لإلسالم ‪.‬‬

‫وبهذه الغزوة قضى النبي صلى هللا عليه وآله وســـــــــــلم على آخر وكر من أوكار الخيانة‬
‫والغدر ‪ ،‬وتخلص من هذه الفئة الباغية التي كاد ت وال تزال تكيد لإلسالم والمسلمين على مر‬
‫األعوام والسنين ) ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ج ‪ 7‬ص ‪ 28‬ــ ‪ ، 30‬فقرة ‪. 7059‬‬

You might also like