You are on page 1of 31

‫ص‪478-448 :‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪2023 )1( :‬‬ ‫مجلة الجامع في الدراسات النفسية والعلوم التربو ية‬

‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال املفهوم وطبيعة العالقة)‬


‫‪Between education and the philosophy of education (the question of‬‬
‫)‪the concept and the nature of the relationship‬‬
‫الربيع لصقع*‬

‫جامعة محمد بوضياف ‪ -‬املسيلة‬


‫‪Rabia Lasgaa‬‬
‫‪Mohamed Boudiaf University of M'sila‬‬
‫‪Rabia.lasgaa@univ-msila.dz‬‬
‫تاريخ النشر‪2023/04/16 :‬‬ ‫تاريخ القبول‪2023/03/12 :‬‬ ‫تاريخ االستالم‪2023/01/16 :‬‬
‫امللخص‪ :‬ترمي هذه الدراسة إلى محاولة ضبط العالقة بين التربية وبين مفهوم حديث النشأة مقارنة بغيره من‬
‫املفاهيم التربوية األخرى هو مفهوم فلسفة التربية‪ ،‬وتحديد طبيعة هذه العالقة القائمة بينهما‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫البحث في الطابع املفاهيمي لكل من الفلسفة والتربية وفلسفة التربية‪ ،‬والنظر في أسسهما وأدوارهما والتبصر في‬
‫املآالت العالئقية التي تنتج عن الربط بين هذه املفاهيم‪ ،‬اعتمادا على منهج جمع بين املقارنة والتحليل‪ ،‬وتحكمت‬
‫فيه ضوابط اللغة ودالالت االصطالح وجدل العالقات وطبيعتها‪.‬‬
‫إن النظر في طبيعة األسس وقيمة الوظيفة لكل من التربية وفلسفة التربية يساعدنا جيدا على تبصر تلك‬
‫الصلة القائمة بينهما‪ ،‬ومن ثم يمكننا أن ندرك حجم األهمية التي يكتسيها كل طرف بالنسبة للطرف اآلخر‬
‫وملا كانت التربية ومازالت املجال الذي تتحرك فيه الفلسفة‪ ،‬وهي الدرب الذي يترجم إلى أرض الواقع املثل‬
‫العليا‪ ،‬فإن ما يترتب على ذلك االستنتاج الالزم القائل‪" :‬إن الفلسفة هي عقل التربية "‪ ،‬وأن التربية هي مضمار‬
‫التجربة للفلسفة‪ ،‬وهي التي تساعدنا على التفكير في املفاهيم واملشكالت التربوية بصورة واضحة ودقيقة وعميقة‬
‫ومنتظمة‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه أن القضايا املشتركة بين الفلسفة والتربية يعكس أيضا العالقة املتينة بيتهما‪ ،‬فالقضايا‬
‫ً‬
‫الفلسفة تهم التربية وقضايا التربية غالبا ما تكون قضايا فلسفية‪ ،‬فالفلسفة والتربية كالهما يسعى ملعرفة طبيعة‬
‫ً‬
‫اإلنسان ويتخذ موقفا من طبيعة الحياة والكون واملعرفة والقيم والجمال واألخالق‪.‬‬
‫إذن يبدو أن هناك فرضية قائمة بذاتها وقيامها تتحدد أركانه في إقرارنا بالعالقة املتينة بين التربية وفلسفة‬
‫التربية‪ ،‬وهو ما سنحاول إبرازه في هذه الدراسة التي تكتس ي أهميتها بكونها تطرق موضوعا مهما لم يلق ‪-‬فيما أعتقد‬
‫‪ -‬االهتمام الكبير من قبل الدارسين‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬الفلسفة‪ ،‬التربية‪ ،‬فلسفة التربية‪ ،‬الخصائص‪ ،‬األسس‪.‬‬
‫‪Abstract :This study aims at trying to adjust the relationship between education and a newly‬‬
‫‪established concept compared to other educational concepts, which is the concept of the philosophy‬‬
‫‪of education, and to determine the nature of this existing relationship between them, through‬‬
‫‪researching the conceptual nature of philosophy, education and philosophy of education, and‬‬
‫‪looking at their foundations roles and the relational consequences that result from linking these‬‬
‫*‪ -‬املؤلف املرسل‬

‫‪ISSN: 2507-7414 --- EISSN: 2602-6368 https://www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/309‬‬


)‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة‬

Concepts، depending on a methodology that combines comparison and analysis, and is governed by
language controls, terminological semantics, and dialectical relationships and their nature.
Considering the nature of the foundations and the value of the function of both education
and philosophy of education helps us well to perceive the link between them, and then we can
realize the importance of each side in relation to the other، and since education is and still the field in
which philosophy moves, and it is the path that translates the ideals into The ground of reality
consequently, the necessary conclusion that says: “Philosophy is the mind of education”, and that
education is the field of experience for philosophy that helps us to think about educational concepts
and problems in a clear, accurate, deep and systematic manner,
Undoubtedly, the common issues between philosophy and education also reflect the strong
relationship between them. Philosophy issues matter. Education and education issues are often
philosophical issues. Philosophy and education both seek to know the nature of man and take a
position on the nature of life، the universe، knowledge، values beauty and morals.
So, it seems that there is a self-contained hypothesis and its pillars are determined by our
acknowledgment of the strong relationship between education and the philosophy of education،
which is what we will try to highlight in this study, because it deels with important topic that did not
receive - in my opinion - great interest by scholars.
Keywords: Philosophy, Education, Philosophy of education, Characteristics, Foundations.
:‫مقدمة‬
‫مما الشك فيه أن مجاالت البحث في العلوم اإلنسانية متعددة تعددا مرتبطا بطبيعة‬
‫ ومن ثمة فال غرابة أن تنهض علوم معينة فتختص بجانب معين من جوانب شخصية هذا‬،‫الفرد‬
‫ وتبدو مشكلة تقاطع‬،‫ وتختص أخرى بجانب ثاني وتذهب الثالثة إلى جانب ثالث وهكذا‬،‫الفرد‬
‫ وفي هذا‬،‫العلوم اإلنسانية من كبريات املشكالت التي أثارتها مختلف الدراسات وشتى املباحث‬
‫املجال تحضر أمامنا إشكالية هامة جديرة بالبحث والدراسة هي إشكالية عالقة التربية بفلسفة‬
‫ وإن كان هناك‬،‫ والحال أننا نعلم أن فلسفة التربية مبحث جديد مقارنة بمبحث التربية‬،‫التربية‬
‫بالتأكيد مناخا فلسفيا تراكميا في مضمار املعرفيات أدى إلى والدة جديدة لهذا املبحث إنها والدة‬
.‫ الفلسفة والتربية‬:‫تمخضت من رحم العالقة بين مجالين هما‬
‫ والبحث في طبيعة‬،‫نريد لهذه الدراسة أن تغوص في عمق املفاهيم املكونة لحقلها البحثي‬
‫ وإذا كانت الفلسفة والتربية وفلسفة التربية هي مثلث الدراسة‬،‫العالقات القائمة بين عناصرها‬
‫ ما عالقة التربية بفلسفة التربية؟ وما طبيعتها؟‬:‫فاإلشكالية األساسية التي تطرح هنا هي‬

2023 449 )1( :‫) العدد‬8( :‫المجلد‬


‫الربيع لصقع‬

‫وتتفرع هذه اإلشكالية إلى عدة مشكالت فرعية تشكل كل واحدة منها زاوية من زوايا‬
‫الدراسية أو ضلعا من أضالع مثلث الدراسة وهذه املشكالت هي‪ :‬أوال‪ :‬املشكلة األولى تتعلق باملفهمة‬
‫الخاصة بأضالع املشكلة البحثية (الفلسفة‪ ،‬التربية‪ ،‬فلسفة التربية)‪ ،‬أما املشكلة الثانية فهي ما‬
‫عالقة الفلسفة بالتربية؟‪ ،‬أما املشكلة الثالثة وهي جوهر اإلشكالية األساسية فهي ما عالقة التربية‬
‫بفلسفة التربية؟ وما طبيعتها؟‬
‫إن الخوض في الجانب املفاهيمي للفلسفة والتربية وفلسفة التربية ليس الغرض منه‬
‫استعراضا للتعريفات الرائجة لهم‪ ،‬وإنما نحن نرمي من وراء ذلك إلى غاية مهمة تعتبر جوهرية في‬
‫بحثنا وهي الوقوف عن بينة ووضوح في ظل املعاني املعروضة عبر تلك املفاهيم‪ ،‬على العالقة التي‬
‫تربط بين الفلسفة والتربية أوال‪ ،‬وعند قيامنا بذلك نكون قد خطونا خطوة كبيرة نحو تحديد أوال‬
‫العالقة بين التربية وفلسفة التربية بعد تحديدنا ملفهوم فلسفة التربية‪ ،‬ثم تفسيرنا لطبيعة‬
‫العالقة القائمة بينهما ثانيا‪.‬‬
‫وإذا كان البحث في طبيعة املعرفة يعتبر من أهم محاوالت الفلسفة فإن املعرفة ذاتها تمثل‬
‫أحد األركان الرئيسية في عملية التربية فالفكر التربوي نفسه معرفة تستخدم الفلسفة طريقة‬
‫ً‬
‫والتربية مجاال‪ ،‬ومما ال شك فيه أن القضايا املشتركة بين الفلسفة والتربية يعكس أيضا العالقة‬
‫ً‬
‫املتينة بيتهما‪ ،‬فالقضايا الفلسفة تهم التربية وقضايا التربية غالبا ما تكون قضايا فلسفية‪،‬‬
‫ً‬
‫فالفلسفة والتربية كالهما يسعى ملعرفة طبيعة اإلنسان ويتخذ موقفا من طبيعة الحياة والكون‬
‫واملعرفة والقيم والجمال واألخالق‪.‬‬
‫إذن يبدو أن هناك فرضية قائمة بذاتها وقيامها تتحدد أركانه في إقرارنا بالعالقة املتينة بين‬
‫التربية وفلسفة التربية‪ ،‬وهو ما سنحاول إبرازه في هذه الدراسة التي تكتس ي أهميتها بكونها تطرق‬
‫موضوعا مهما لم يلق االهتمام الكبير من قبل الدارسين‪.‬‬
‫‪ -1‬مفاهيم في مرايا اللغة واالصطالح‬
‫‪ -1 -1‬في مفهوم الفلسفة لغة واصطالحا‪:‬‬
‫البحث في أصل املفاهيم اللغوية محاولة منهجية مطلوبة بغية إدراك وفهم تطور مصطلح‬
‫أو كلمة ما عبر تقاطعات الزمكان‪ ،‬غذ املؤكد أن االستعماالت اللغوية تتبدل مع مرور الزمن‬
‫وتبدله ولذلك تبدو األهمية الكبيرة ملراعاة السياق العام وفقا للمعنى حين استخدامنا للكلمة أو‬
‫للمصطلح‪ ،‬ويجب بداية التمييز بين التعريف واملفهوم ألي مصطلح‪ ،‬فالتعريف يقصد به تحديد‬
‫الش يء أو موضوع التعريف بذكر خواصه أو صفاته الجوهرية التي بها يتميز ويتمايز عن غيره من‬

‫‪2023‬‬ ‫‪450‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫األشياء األخرى‪ ،‬مثل تعريفنا لإلنسان بأنه كائن حي عاقل‪ ،‬أما املفهوم فهو ذكر مجموع الصفات‬
‫والخصائص املوضحة ملعنى كلي‪ ،‬ومن هنا يظهر جليا أن املفهوم أوسع من التعريف‪.‬‬
‫‪-1-1-1‬التعريف اللغوي‪:‬‬
‫ينبغي أن نشير منذ البداية أنه ال يوجد اتفاق حول تعريف الفلسفة أو تحديد مضمونها‪،‬‬
‫ولعل أبسط تعريف للفلسفة هو التعريف الذي يحيلنا إلى األصل اإلغريقي للكلمة‪ ،‬فمن املعروف‬
‫أن املعنى االشتقاقي ‪-‬الداللة اللغوية‪ -‬لكلمة الفلسفة يعود إلى لفظين يونانيين هما‪ :‬فيلو تعني‬
‫املحبة‪ ،‬وصوفيا وتعني الحكمة‪ ،‬فيكون املعنى أن الفلسفة هي محبة الحكمة‪ ،‬ومن بين ما تشير‬
‫إليه الحكمة في العربية‪ ،‬النظر الصحيح والعمل املتقن وصواب األمر وسداده ووضع الش يء في‬
‫موضعه (املطهري‪ ،2011 ،‬ص‪.)11.‬‬
‫إن الحكمة تكتسب مكانتها وأهميتها من أنها تساعد على التزام السلوك الراشد الذي يحقق‬
‫السعادة واالستقامة والرقاة" (يشير‪ ،2000 ،‬ص‪ ،)15.‬والحكيم هو اإلنسان الذي يتصرف وفق‬
‫مقتض ى العقل وما يقتضيه من الترفع عن أذى الذات والناس معا تحقيقا للرفعة والسعادة‬
‫والفضيلة‪.‬‬
‫ويقدم جميل صليبا في معجمه الفلسفي تعريفا لغويا ال يخرج عن سياق ما قلناه‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫(لفظ فلسفة مشتق من اليونانية وأصله (فيال‪-‬صوفيا)‪ ،‬ومعناه محبة الحكمة‪ .‬ويطلق على العلم‬
‫بحقائق األشياء والعمل بما هو أصلح) (صليبا‪ ،1979 ،‬ص‪.)160.‬‬
‫‪-2-1-1‬املفهوم االصطالحي‪:‬‬
‫إننا حينما نبحث في كتب تاريخ الفكر الفلسفي عن أول من أطلق لفظة فلسفة‪ ،‬وأول‬
‫تعريف للفلسفة فإنها تحيلنا إلى "الحقيقة التي تؤكد على أن أول صياغة ملفهوم الفلسفة في التاريخ‬
‫تقدم به الفيلسوف اليوناني والعالم الرياض ي املشهور فيثاغورث‪ ،‬الذي عاش في القرن السادس‬
‫ق‪.‬م" (مطر‪ ،1997 ،‬ص‪.)215 .‬‬
‫حيث نجد أن فيثاغورث يعرف الفلسفة أنها"‪...‬محبة الحكمة‪ ،‬من الغرور أن يدعي‬
‫اإلنسان الحكمة‪ ،‬ألن اسم الحكيم ال يليق بإنسان قط‪ ،‬بل يليق باإلله‪ ،‬وكفى اإلنسان شرفا أن‬
‫يكون محبا للحكمة وساعيا ورائها" (موس ى وفرحة‪ ،‬د‪-‬ت‪ ،‬ص‪.)15.‬‬
‫هذا وقد زعم هيروقليدس وأيده سيشرون أن أول من استعملها–أي لفظ الفلسفة–‬
‫الفيلسوف اليوناني فيثاغو رث (‪ 572‬ه ‪ 497-‬ق‪.‬م) الذي وصف نفسه بالفيلسوف‪ ،‬الذي كان‬
‫يقصد من وراء ذلك أنه مجرد محب الحكمة وليس ممن وصلوا إليها وامتلكوا ناصيتها‪ ،‬أي (ليس‬
‫حكيما) فاملعرفة الحقيقية لكل عالم إنما هي من نصيب اإلله وحده‪ ،‬أما اإلنسان فإن عليه أن‬

‫‪2023‬‬ ‫‪451‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫يكتفي بمحبة الحكمة‪ ،‬ويذهب البعض إلى أن نسبة وضع الكلمة إلى فيثاغورث أمر مشكوك فيه ملا‬
‫عرف عنه من غرور وادعاء وبعد عن التواضع‪.‬‬
‫‪ -‬بعض تعريفات الفالسفة للفلسفة‪:‬‬
‫سقراط(‪ 470‬ق‪ .‬م ‪ 399 -‬ق‪.‬م)‪ :‬رفض سقراط اعتبار الفلسفة بحثا في طبيعة الكون‬
‫وعناصره ومكوناته‪ ،‬واعتبرها بحث في اإلنسان ودراسة ملشاكله وقضياه وحياته ودراسة األخالق‬
‫والسياسة‪ ،‬فالفلسفة في نظره هي محاولة لتبيان معاني األشياء وحقائق األمور بوضوح"‪ ،‬وقد دعا‬
‫اإلنسان إلى معرفة نفسه وعرف الفلسفة على أنها "البحث في الحقائق بحثا نظريا‪ ،‬وخاصة‬
‫الحقائق واملبادئ الخلقية من خير وعدل وفضيلة‪ ،‬وبالتالي انطالقا من هذا التعريف نستطيع‬
‫القول أن فلسفة سقراط تمحورت حول موضوع واحد وهو اإلنسان‪ ،‬و أشهر ما قيل عنها هي‬
‫عبارة شيشرون ومؤداها‪( :‬أن سقراط قد أنزل الفلسفة من السماء إلى األرض) (مطر‪ ،1997،‬ص‪.‬‬
‫‪ ،)15‬أي النظر في اإلنسان هو محور وموضوع الفلسفة‪.‬‬
‫أفالطون (‪ 427‬ق م ‪ 347-‬ق‪.‬م) نهج أفالطون نهج أستاذه سقراط‪ ،‬وجعل من معرفة الذات‬
‫أهم نقطة في كل بحث فلسفي‪ ،‬ولكنه لم يلبث أن أرجع للفلسفة طابعها العام‪ ،‬إذ جعلها تستوعب‬
‫موضوعات الطبيعة والنفس واألخالق وما وراء الطبيعة‪ ،‬ونضيف هنا أن أفالطون أصر على أن‬
‫تكون الفلسفة أسلوبا في العيش وليست آلية من آليات التفكير‪ ،‬وإذا سألنا عن معنى "الفلسفة"‬
‫عند أفالطون فإنه يجيب قائال‪( :‬إن الفلسفة هي العلم بالحقائق املطلقة املستترة تحت ظواهر‬
‫األشياء‪ ،‬إنها علم العلم املعقول‪ ،‬ألن الذي‪ .‬يقتصر على العلم املحسوس ال يدرك إال ظل الحقيقة)‬
‫(موس ى وفرحت‪ ،‬د‪-‬ت‪ ،‬ص‪.)14.‬‬
‫أرسطو (‪ 384‬ق م – ‪ 322‬ق‪.‬م)‪ :‬يعرف الفلسفة بعديد التعريفات لعل أهميتها هي "البحث‬
‫في املوجود بما هو موجود"‪ ،‬أي علم املبادئ أو العلل األولى للوجود‪ ،‬كما أنها أيضا علم العلة األولى‬
‫أو الوجود اإللهي الثابت‪ ،‬علم اإللهيات كما قالت العرب أو التيولوجيا‪ ،‬أي العلم اإللهي الذي‬
‫يتخذ من هللا مبحثا مركزيا باعتباره املوجود األول‪ ،‬كما استخدم أرسطو الفلسفة كمرادف للعلم‬
‫ووعاء جامعا لكامل املعرفة اإلنسانية" (زين العابدين‪ ،1959 ،‬ص‪....)5.‬على هذا النحو يمكن‬
‫التعبير عن الفرق بين الفلسفة والعلوم األخرى‪ ،‬فهذه العلوم تنظر في د راستها للوجود من زاوية‬
‫خاصة‪ ،‬فالعلوم الرياضية تنظر مثال إلى الوجود من زاوية الكم‪ ،‬ولكن الفلسفة هي العلم الكلي‪،‬‬
‫إنها ليست علم الوجود بما هو موجود‪ ،‬يتضح إذن أن املعلم األول (أرسطو)‪ ،‬قد ارتقى بالفلسفة‬
‫إلى درجة جد رفيعة في سلم املعرفة‪ ،‬فموضوع الفلسفة هو الكلي والضروري" (موس ى وفرحت‪ ،‬د‪-‬‬
‫ت‪ ،‬ص‪.)17 .‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪452‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫ومفهوم الفلسفة عنده يتناول أمرين هما‪ :‬األول‪ :‬الفلسفة بمعناها العام وتطلق على العلم‬
‫النظري‪ ،‬الذي يتناول دراسة الطبيعية والرياضيات واإللهيات‪ ،‬والعلم العملي وهو الذي يهتم‬
‫باألخالق والسياسة واالقتصاد الثاني‪ :‬هو املعنى الخاص وهو البحث عن العلل املوجودات األولى‬
‫أي–أسبابها– وما نسميه اليوم بما بعد الطبيعة أو امليتافيزيقا‪.‬‬
‫الكندي (‪ 796‬ه ‪ 873-‬م) في العصر الوسيط (يطلق على امليتافيزيقا ما بعد الطبيعة‬
‫والفلسفة األولى‪.‬‬
‫الفارابي (‪950‬م) فيتفق مع أرسطو في تعريفه للفلسفة بأنها العلم باملوجودات بما هي‬
‫موجودة أي العلم بجوهرها‪ ،‬ويرى أنه ليس هناك موجودات في العام دون أن يكون للفلسفة فيها‬
‫مدخل وعليها غرض‪.‬‬
‫ابن سينا (‪ 980‬ه ‪1037 -‬م) فيعرفها بأنها استكمال النفس البشرية بأن تعرف حقائق‬
‫املوجودات بالقدر الذي تصل إليه الطاقة البشرية عن طريق النظر العقلي‪ ،‬كما أنه فرق بين‬
‫نوعين من العلوم‪ ،‬علم (نظري) عملي يشمل علم األخالق وعلم يدبر املنزل وعلم السياسة) (زين‬
‫العابدين‪ ،1959 ،‬ص‪.)69.‬‬
‫‪ -2-1‬في مفهوم التربية‪:‬‬
‫ليس هناك تعريف واحد متفق عليه للتربية‪ ،‬فاالختالف بين املفكرين واألديان واملذاهب بين‬
‫واضح‪ ،‬كذلك يختلف معنى التربية ومفهومها من مجتمع ألخر‪ ،‬ومن ثقافة ألخرى‪ ،‬بل من فرد إلى‬
‫أخر‪ ،‬وعلى الرغم من االختالفات في املعنى والتعريف ملفهوم التربية قديما وحديثا‪ ،‬إال أنها تنطوي‬
‫على أبعاد مشتركة بصورة كلية أو جزئية‪ ،‬فإن اتجاه التربية إيجابي بحد ذاته‪ ،‬إننا نربي للتوصل إلى‬
‫الحسن والجيد‪ ،‬وليس إال ما هو س يء وخاطئ‪ ،‬إذن ال وجود للتربية بدون معايير (التميمي‪،2012 ،‬‬
‫ص‪.)60 .‬‬
‫‪-1-2-1‬التعريف اللغوي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬في اللغة العربية‪ :‬تأتي كلمة التربية في اللغة العربية من فعل ربى يربو بمعنى نما ينمو وهذا‬
‫املعنى نجده موجود في القرآن الكريم (فإذا أنزلنا عليها املاء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج)‬
‫وربت هنا تعني نمت وتربية األنسان تعني تطور قوته النفسية والجسدية والعقلية والخلقية‪.‬‬
‫فلو رجعنا إلى معنى مفهوم التربية لغويا لوجدناه يعود إلى ثالثة أصول هي "ربا" و ُ‬
‫"رب"‬
‫رب" ومعناه نشأ وترعرع واألصل الثالث‬ ‫و"ربي" فاآلصل األول "ربا" يربو بمعنى نما‪ ،‬ينمو واألصل" ُ‬
‫ونمى قواه الجسدية والعقلية والخلقية‪.‬‬ ‫"ربي" بمعنى‪ :‬أصلحه وتولى أمره ورعاه"‪ .‬ورباه بمعنى أنشأه‪ّ ،‬‬
‫فالتربية بمعناها اللغوي الواسع تعني كل عملية تساعد على تشكيل عقل الفرد وجسمه وخلقه‬

‫‪2023‬‬ ‫‪453‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫باستثناء ما قد يتدخل فيه من عمليات تكوينية أو وراثية‪ ،‬وبمعناها الضيق تعني غرس املعلومات‬
‫واملهارات املعرفية من خالل مؤسسات أنشئت لهذا الغرض كاملدارس‪ ،‬كذلك فإن تعريف التربية‬
‫يختلف باختالف وجهات النظر ويتعدد حسب الجوانب واملجاالت املؤثرة فيها واملتأثرة بها‪.‬‬
‫ويقدم لنا جميل صليبا في معجمه الفلسفي تعريفا دقيقا للتربية فيقول‪( :‬التربية هي تبليغ‬
‫الش يء إلى كماله‪ ،‬أو هي كما يقول املحدثون تنمية الوظائف النفسية بالتمرين حتى تبلغ كمالها‬
‫شيئا فشيئا‪ ،‬تقول ربيت الولد‪ ،‬إذا قويت ملكاته‪ ،‬ونميت قدراته‪ ،‬وهذبت سلوكه‪ ،‬حتى يصبح‬
‫صالحا للحياة في بيئة معينة) (صليبا‪ ،1978 ،‬ص‪.)266.‬‬
‫في اللغة الفرنسية مصطلح التربية في ليس له وجود في اللغة الفرنسية قبل سنة ‪1527‬م‪،‬‬
‫لكن بدأ يظهر من سنة ‪1549‬م لغاية سنة ‪ ،1649‬حيث كانت التربية تعرف وتدل على تكوين‬
‫ً‬
‫النفس والجسد‪ ،‬وأيضا هي تلك االهتمام والرعاية التي تقدمها لألطفال‪.‬‬
‫‪ -‬كلمة التربية في اللغة اإلنجليزية‪ :‬فقد أفاد قاموس أكسفورد أن كلمة ''‪ ''EDUCATION‬مشتقة‬
‫من الفعل الالتيني ''‪ '''EDUCO'' ''E‬وهي مكونة من تعني خارجا‪ ،‬و'' ‪ ''DUCO‬تعني أقود وهما معا‬
‫أي'' أقود خارجا '' أو '' ‪(''I LEAD OUT OFF‬الخوالدة‪ ،2003 ،‬ص ص‪ .)80-70 .‬ونجدها بمعني‬
‫أيضا (ربى‪ ،‬هذب‪ ،‬تربية‪ ،‬ومرب) ونجدها مرادف لــ'' ‪ ''Bring Up‬أرفع أو رفع (قاموس أكسفورد‪،‬‬
‫‪ ،1981‬ص‪.)372 .‬‬
‫أما مفهوم التربية عند املسيحية فقد جاء مرادفا للدين‪ ،‬بمعنى اتباع التعاليم الدينية أي‪:‬‬
‫إن (استقامة الفعل البشري تقاس بمدى اتفاقه مع اإلرادة اإللهية وكذلك مدى اتفاقه مع العقل‬
‫البشري) (اثين‪ ،1974 ،‬ص‪.)413.‬‬
‫‪ -2-2-1‬املفهوم االصطالحي‪ :‬أفالطون (‪427‬ق م‪347/‬ق م)‪ :‬يرى أن الهدف من التربية هو أن يكون‬
‫الفرد جزء صالح داخل الدائرة املجتمعية‪ .‬فهو يعرف التربية منح الجسم والروح قدر اإلمكان من‬
‫ً‬
‫الجمال وأيضا قدر اإلمكان من الكمال‪.‬‬
‫أرسطو (‪ 384‬قم‪ 322 /‬ق م)‪ :‬وهو تلميذ أفالطون فمن وجهة نظره يرى أن الهدف من‬
‫التربية يتلخص في أمرين‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬أن يفعل الفرد كل ما هو مفيد ومهم وضروري في الحرب والسلم‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬أن يعمل الفرد بكل ش يء نبيل وخير من األعمال‪ .‬ويعرف التربية بأنها إعداد العقل لكسب‬
‫العلم‪ ،‬حيث يشبهها مثل إعداد األرض لزرعها بالنباتات‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪454‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫ً‬
‫أما ما يخص التربية العلمية فيقول أرسطو في هذا الشأن (وجوب تعلم ما كان ضروريا من‬
‫ُ‬
‫داع موجب إلى تعلم كل األمور النافعة)‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫ما‬ ‫ولكن‬ ‫غامضة‬ ‫بحقيقة‬ ‫ليس‬ ‫النافعة‬ ‫مور‬‫األ‬
‫(ناصر‪ ،1977،‬ص‪.)193.‬‬
‫ابن سينا ُيعرف التربية بأنها التجهيز واإلعداد للحياة الدنيا وحياة اآلخرة‪ .‬وكتب رسالة‬
‫تحمل في أثنائها أفكارا تربوية وهي "رسالة في تدابير املنازل أو السياسات األهلية " يوحد ابن سينا في‬
‫كتابه هذا بين البحث بالتربية واألخالق والسياسة‪.‬‬
‫جون جاك روسو (‪ )1778-1712‬يقول‪ :‬ليس على التلميذ أن يتعلم ولكن عليه أن يكتشف‬
‫الحقائق بنفسه “ويدل في كالمه على أن التربية تأتي من الذات حيث تكون نابعة من طبيعة الطفل‪.‬‬
‫ويرى إميل دوركهايم (‪ )1917 -1858‬أنها " العملية التي تمارسها األجيال الراشدة على‬
‫األجيال التي لم تنضج بعد بالنسبة للحياة االجتماعية ويتمثل موضوع هذا الفعل في إثارة وتنمية‬
‫عدد من الحاالت الجسمية والفكرية واألخالقية لدى الطفل التي يطلبها منه املجتمع السياس ي في‬
‫برمته‪ ،‬والوسط الخاص املوجه إليه" (غريب‪ ،2009،‬ص‪.)136 .‬‬
‫ّ‬
‫جون ديوي يرى (‪ )1952-1859‬الذي عرف الفلسفة بأنها‪( :‬النظرية العامة للتربية)‬
‫(ديوي‪ ،1952،‬ص ‪ ،)340‬أما التربية عنده فيرى أنها (الحياة بكاملها وأراد من الفلسفة أن ترسم‬
‫أهداف التربية وتنفذ مناهجها وطرائق التدريس) (رحيم‪ ،1977،‬ص‪ .)5 .‬ومن وجهة نظره فإن‬
‫التربية هي بمثابة الحياة بذاتها وليست بمثابة التحضير واإلعداد للحياة‪ ،‬وهي ملية بمثابة النمو‬
‫ً‬
‫والتطور‪ ،‬وهي أيضا عملية تثقف وتعلم‪ ،‬وعملية تشييد وإنشاء وتجديد‪ ،‬مستمرة تجاه الخبرة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وعملية اجتماعية‪ ،‬جون ديوي يؤمن بأن تشكيل وتكون الخبرات ال يكتمل إال عن طريق حل‬
‫املشكالت‪ ،‬وأن ال أفضل من ش يء ال يشكل خبرة عند الطفل‪.‬‬
‫ّ‬
‫اإلمام الغزالي (‪458‬ه‪1058/‬م وتوفي سنة ‪505‬ه‪1111/‬م)‪ :‬الف الغزالي أكثر من ‪ 70‬كتابا‪،‬‬
‫كان ناقدا للفلسفة مدافعا عن الدين‪ ،‬وأشهر مؤلفاته التي تتضمن فيها اآلراء التربوية هي‪( :‬إحياء‬
‫علوم الدين) (رسالة ُّأيها الولد) )إن مجمل آراء الغزالي التربوية نجدها في رسالة ُّ‬
‫(أيها الولد) ولكنه‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫أخذ كثيرا من اآلراء واملبادئ التربوية املهمة من كتاب "إحياء علوم الدين"‪ .‬شبه الغزالي املربي‬
‫بالفالح‪ ،‬الفالح یخرج إلى املزرعة كل يوم ليزيل الشوك التالف ليستمر على الصالح‪ ،‬وهكذا املربي‪،‬‬
‫البعد والحد الفاصل بين اإلنسان والحيوان‪ ،‬واحتسب أن التربية‪ ،‬هي املرتكز‬ ‫والتربية عنده هي ُ‬
‫واملنطلق وذات األهمية في إصالح الفرد وإصالح مجتمعه والطريق إلى تحقيق الكثير من اإليجابية‬
‫والسعادة لإلنسان والصعود به من الحيوانية إلى اإلنسانية‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪455‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫التربية هي ذلك العمل املتناسق الذي يهدف إلى نقل املعرفة‪ ،‬وإلى تنمية القدرات وتدريب‬
‫وتحسين األداء اإلنساني في كافة املجاالت وخالل حياة اإلنسان كلها (الفرحان ‪ ،1999‬ص‪.)26 .‬‬
‫من خالل ما سبق يمكننا أن نستنتج أن مفهوم “التربية” يفيد معنى التنمية‪ ،‬وتربية الفرد‬
‫معناها نموه في جميع املجاالت والنواحي الجسمية‪ ،‬االنفعالية‪ ،‬النفسية‪ ،‬العقلية والخلقية‬
‫والجمالية‪.‬‬
‫‪ -3-1‬في مفهوم فلسفة التربية‪:‬‬
‫يعتبر مفهوم فلسفة التربية مفهوما جديدا في مجال العلوم اإلنسانية مقارنة بباقي املفاهيم‬
‫األخرى ومع ذلك فقد تزايد اهتمام الباحثين به نظرا ألهميته املعرفية والوظيفية في مجال التربية‬
‫بصفة عامة ومجال التعليم بصفة خاصة‪.‬‬
‫‪-1-3-1‬في الداللة اللغوية للمفهوم‪ :‬كلمة فلسفة التربية كلمة مركبة من لفظتين هما‪ :‬كلمة‬
‫فلسفة وكلمة تربية‪.‬‬
‫‪ -2-3-1‬الداللة االصطالحية للمفهوم‪ :‬يقوم مبحث فلسفة التربية على ميدانين بينهما تداخل‬
‫معرفي‪ ،‬هذين امليدانين هما الفلسفة والتربية‪ .‬الفلسفة كنشاط عقلي ومواقف فكرية من‬
‫الثقافات املتداولة والقضايا املطروحة‪.‬‬
‫الفلسفة كمعيار اجتماعي‪ :‬إن تشكل أي جماعة يستند إلى فلسفة معينة سائدة في املجتمع‬
‫فالفئة املجددة تسعى إلى النقلة االجتماعية‪ ،‬أما الفئة املحافظة فتسعى إلى املحافظة على‬
‫التقاليد واملصالح الفلسفة معيار للمعرفة العلمية‪ :‬تخوض الفلسفة في القضايا التي يقدمها العلم‬
‫مستفسرة عن األسس التي يرتكز عليها العلم وعن اليقين الذي تتميز به نتائجه‪.‬‬
‫هذه الجوانب الثالثة التي تتناولها الفلسفة بالنقد والتمحيص هي ذاتها األسس التي يقوم‬
‫عليها العمل التربوي‪ ،‬وهي في حاجة مستمرة إلى املناقشة والتجديد وهنا تكمن أهمية البحث‬
‫الفلسفي بالنسبة للعملية التربوية‪ ،‬وهذا املجال هو ما تنهض فلسفة التربية لدراسته‪.‬‬
‫ويعرف فينكس فلسفة التربية بأنها "البحث عن مفاهيم عامة توجد االتساق بين املظاهر‬
‫ً‬
‫املختلفة للعملية التربوية في خطة متكاملة شاملة تتضمن توضيحا للمعاني التي تقوم عليها‬
‫ً‬
‫التعبيرات التربوية وشرحا للقواعد األساسية التي تقوم عليها األفكار أو النظريات التربوية‪.‬‬
‫ويعرفها أوكونور أنها الدراسة التحليلية الناقدة ملجموعة القيم واملثل العليا التي تتضمنها‬
‫األهداف التربوية‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪456‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫عملية التربية؛ إذ تصبح فلسفة‬ ‫فلسفة التربية هي وسيلة لتطبيق الفكر الفلسفي على َّ‬
‫التربية عبارة عن نشاط منتظم للفكر‪ ،‬يعتمد على الفلسفة في تقوية العملية التربوية وتنظيمها‬
‫ويوضح األهداف القائمة عليها والساعية إلى تحقيقها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وتنسيقها ِّ‬
‫ُ‬
‫ت َع ُّد التربية بمثابة الجانب التطبيق العملي ألبعاد الفلسفة النظرية‪ ،‬وترتبط الفلسفة مع‬
‫التربية بعالقة وطيدة؛ ذلك أن التربية بال فلسفة هي نشاط فوضوي ينعدم فيه تصور الغايات‬
‫واملرامي واألهداف‪ ،‬والفلسفة بال تربية تغدو نشاط فكري بال فائدة عملية‪.‬‬
‫تعمل فلسفة التربية على تطبيق منهج ونظرة الفلسفة على التربية؛ فهي التي تتصور‬
‫األهداف وتحدد الوسائل كل ذلك في نطاق القيم االجتماعية السائدة وال يتوقف املر عند هذا‬
‫الحد بل تساهم في تحديد الطرق التربوية املتبعة في املجتمع كما تساهم في تعديلها ونقدها‬
‫ُ‬
‫الثقافية‪ ،‬كما تسعى فلسفة التر ّبية عبر جهودها لتنفيذ‬
‫ّ‬ ‫وتنسيقها لتواكب املشكالت والصراعات‬
‫الفلسفية في بيئة التربية‪ ،‬والسعي إلى نشر نظرة الفلسفة العامة ضمن املكونات الخاصة‬ ‫ّ‬ ‫األفكار‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫بالتربية‪ ،‬ومن ثم تبحث عن القيم واملعرفة‪ ،‬وتنتقد الفروض القائمة عليها‪ ،‬وتساهم في توفير‬
‫بوية‪ ،‬وجعلها تواكب مشكالت املجتمع‪.‬‬ ‫التنسيق الخاص بالعمليات التر ّ‬
‫وخالصة القول يمكن النظر إلى فلسفة التربية من حيث هي نشاط فكري منظم يتخذ من‬
‫الفلسفة وسيلة لتنظيم املعرفة التربوية وتنسيقها وانسجامها وتوضيح القيم واألهداف التي تهدف‬
‫إلى تحقيقها في إطار ثقافي مخصوص‪.‬‬
‫‪ -2‬التربية وسؤال األسس وطبيعة الخصائص وقيمة الوظيفة‪:‬‬
‫إن الغاية من الخوض في الحديث عن أسس التربية وخصائصها وأهميتها ووظيفتها هو‬
‫محاولة إدراك األبعاد الفلسفية لها جميعا‪ ،‬مما سيمكننا الحقا من ضبط طبيعة العالقة التي‬
‫تربط أوال بين التربية والفلسفة وبين التربية وفلسفة التربية ثانيا‪.‬‬
‫‪ -1-2‬أسس التربية‪ :‬ال شك أن لكل علم أسسه الخاصة التي يقوم عليها وسنتوقف هنا عند ثالثة‬
‫أسس من أسس التربية‪ ،‬وهي‪ :‬األساس الثقافي واألساس االجتماعي واألساس البيولوجي‪ ،‬مع العلم‬
‫أن لها أسس أخرى لها كاألساس التاريخي واألساس النفس ي‪ ،‬واألساس االقتصادي‪.‬‬
‫‪ -‬األساس الثقافي‪ :‬مصطلح الثقافة وضعه علماء اإلنسان (األنثروبولوجيون) ويستعمله في الوقت‬
‫الحاضر علماء االجتماع بصفة أكبر‪ ،‬وذلك نظرا الرتباط الثقافة بامليدان االجتماعي أكثر من أي‬
‫علم إنساني آخر‪ ،‬ملا للثقافة من أهمية في حياة اإلنسان كعضو في املجتمع‪.‬‬
‫ويعرفها "إدوارد تايلور"‪ ،‬الثقافة هي‪( :‬كل مركب يشتمل على املعرفة واملعتقدات والفنون‬
‫واألخالق‪ ،‬والقانون والعرف‪ ،‬وغير ذلك من اإلمكانيات أو العادات التي يكتسبها اإلنسان باعتباره‬

‫‪2023‬‬ ‫‪457‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫عضوا في مجتمع)‪( ،‬عناصر ال مادية ‪ +‬عناصر مادية)‪ ،‬ويعرف "روبرت بيرستد" الثقافة بقوله‪:‬‬
‫(الثقافة هي ذلك الكل املركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه‪ ،‬أو نقوم بتعلمه‪ ،‬أو نمتلكه‬
‫كأعضاء في املجتمع) (صيغة تأليفية لعناصر عقلية وأخرى مادية) (مجموعة من الكتاب‪،1997 :‬‬
‫ص ص‪.)10-9 .‬‬
‫تعد الثقافة من بين العوامل األساسية التي تتبلور شخصية الفرد ضمنها فهي تساعد على‬
‫التمييز بين فرد وآخر‪ ،‬وبين جماعة وأخرى‪ ،‬وبين مجتمع وآخر‪ ،‬بل إن الثقافة هي التي تميز الجنس‬
‫البشري عن غيره من األجناس‪ ،‬وتلعب التربية الدور األساس ي في اكتساب األفراد ثقافة مجتمعهم‬
‫هذا من جهة‪ ،‬كما نجد أن املدرسة والجامعة تنوب عن املجتمع في صقل األجيال وتعليمها الجزء‬
‫الراقي من الثقافة‪ ،‬ذلك الجزء العاملي الذي تشترك به ثقافة معينة مع ثقافات العالم األخرى من‬
‫جهة ثانية (فاملؤسسة التربوية بأشكالها املختلفة تثقف األجيال وتغير عناصر الثقافة بالنسبة‬
‫اليهم) (الهواش‪ ،2002 ،‬ص ص‪.)202- 200 .‬‬
‫‪ -‬األساس االجتماعي للتربية‪ :‬املجتمع هو مجموعة األفراد يعيشون في رقعة جغرافية واحدة‬
‫بتعاون متبادل‪ ،‬مرتبطين بتراث ثقافي معين‪ ،‬وثقافة مشتركة ولديهم اإلحساس باالنتماء ملجتمعهم‪،‬‬
‫وتلعب املؤسسات والنظم االجتماعية والنظم التربوية دورا مهما في إعداد الفرد ليصبح عضوا في‬
‫مجتمعه‪ ،‬وبالتالي يجب أن تتكيف لتخدم النظام االجتماعي (التل وآخرون‪ ،1993 ،‬ص ص‪-133 .‬‬
‫‪ ،)134‬وبنائه االقتصادي‪ ،‬لذلك كانت الصلة بين البناء االجتماعي ألي مجتمع ونظامه التربوي‬
‫كنظام فرعي من أنظمة املجتمع صلة متينة‪ ،‬وقد كانت هذه العالقة أو الصلة قائمة منذ أقدم‬
‫العصور‪ ،‬وزادت أهميتها وضرورتها أكثر فأكثر نتيجة التغيرات التي شهدها العالم املعاصر‪ ،‬وما‬
‫أحدثته الثورة العلمية والتقنية من تغيرات في حياة األفراد والشعوب واملجتمعات‪ ،‬بحيث أصبحت‬
‫متطلبات العمل والحياة سريعة التغير‪ ،‬مما يفرض على املؤسسات التربوية واالجتماعية مسايرة‬
‫هذا الواقع بكل أبعاده‪.‬‬
‫إن من أهداف التربية التكيف مع املجتمع وخدمة وتلبية حاجاته‪ ،‬ويمكن تلخيص هذه‬
‫األهداف كالتالي‪:‬‬
‫‪ -‬إعداد املواطن الصالح املؤمن بقيم مجتمعه املنتمي لوطنه وأمته‪.‬‬
‫‪ -‬مواكبة التطور الصناعي الحديث الذي يعرفه العالم‪.‬‬
‫‪ -‬نشر القيم االجتماعية والفضائل األخالقية وغرسها في نفوس الناشئة‪.‬‬
‫‪ -‬املحافظة على أفراد املجتمع واستمراريتهم‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪458‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫‪ -‬التخفيف من أعباء اإلنسان بالترفيه في أوقات فراغه من أجل تجديد طاقاته وحيويته‬
‫(التل وآخرون‪ ،1993 ،‬ص‪.)135 .‬‬
‫ولتحقيق هذه األهداف يقوم املجتمع بمختلف مؤسساته بتنشئة أفراده من خالل تحديد‬
‫اتجاهاتهم بما يخدم هذا املجتمع وتتم هذا التنشئة انطالقا من األسرة التي تقوم بتحديد سلوك‬
‫األطفال وتشكيله بعد ميالدهم‪ ،‬وذلك عن طريق أنماط تربوية متنوعة‪ ،‬مثل‪ :‬التربية الوطنية‪،‬‬
‫التربية املهنية‪ ،‬التربية الخلقية‪ ،‬التربية الدينية‪ .‬التربية الصحية‪ .‬وعملية التنشئة االجتماعية هذه‬
‫هي عملية تعلم اجتماعي‪ ،‬تتفاعل فيها عدة مهام وأساليب من أجل تحقيق أهدافها التي يمكن‬
‫تحديد بعضها من مثل‪:‬‬
‫‪ -‬تحقيق التكيف االجتماعي بين أفراد املجتمع الواحد‪.‬‬
‫‪ -‬تكوين االتجاهات النفسية واالجتماعية لألفراد‪.‬‬
‫‪ -‬تكوين القيم الخلقية والوجدانية في نفوس أفراد املجتمع‪ ،‬في إطار املعايير والضوابط‬
‫االجتماعية التي تحددها ثقافة املجتمع‪.‬‬
‫وتلعب املدرسة إلى جانب األسرة دورا رئيسيا في مواجهة التغيرات والتحديات التي تصاحب‬
‫التغير االجتماعي‪ ،‬وذلك بإعداد األطر الثقافية والقيمية األصيلة في املجتمع وذلك من خالل‪:‬‬
‫‪-‬العمل على املحافظة على التراث الثقافي وتنقيته من الشوائب‪.‬‬
‫‪-‬العمل على تسخير كل ما يؤثر إيجابيا في نمو النشء ونمو املجتمع وتكامله‪.‬‬
‫‪ -‬توفير بنية اجتماعية مالئمة لتنشئة املتعلمين‪ ،‬وتكوين شخصياتهم‪ ،‬بإيجادها نوعا من التوازن‬
‫ما بين العناصر املختلفة واملتعارضة خارج املدرسة‪ ،‬ليتكيف معها التلميذ بصورة أحسن‪.‬‬
‫‪ -‬تصحيح األخطاء التربوية التي قد ترتكبها مؤسسات أخرى في املجتمع حتى يتمكن من نقد املبادئ‬
‫التي يجب أن تراعى في عملية تعليمه (الكك‪ ،‬د‪-‬ت‪ ،‬ص ص‪)391-381 .‬‬
‫فاملتعلم كائن حي يولد وينمو عابرا في مسيرته نحو اكتمال نموه مراحل متعددة لكل منها‬
‫خصائصها ومميزاتها ومستلزمات عبورها عبورا آمنا إلى ما هو أرفع منها وأنضج وإال فإن الفعل‬
‫التربوي‪ ،‬يعجز أو يختل في طريقه لبلوغ غايته ويعاق املتعلم عن الوصول إلى حياة راشدة (شمس‬
‫الدين‪ ،1997 ،‬ص‪)287 .‬‬
‫‪ -‬األساس البيولوجي للتربية‪ :‬يعتبر الجانب البيولوجي من أهم الجوانب التي يتكون منها هذا الكائن‬
‫الحي لذا فإن علم البيولوجيا يمد بمعلوماته التجريبية فيلسوف التربية زادا ال غنى عنه نظرا ملا‬
‫لهذه املعلومات من أهمية ليس فقط لدورها وأثرها املباشر في حياة الكائن ككل‪ ،‬بل في انتمائه‬

‫‪2023‬‬ ‫‪459‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫النوعي بالنسبة للكائنات واإلنسان على الخصوص‪ ،‬كونه مفكرا وعاقال‪ ،‬ويمكن أن نشير إلى جملة‬
‫من املعطيات العلمية التي تقدمها البيولوجيا منها‪ :‬الجهاز العصبي‪.‬‬
‫ويعمل كمنظم ومنسق كبير بين الكائن وداخله من جهة‪ ،‬وبينه وبين محيطه من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬ففي داخل الحي نجد الخلية ومحتواها‪ ،‬كأصغر جزء من الجسم ثم نجد عالقة العضو‬
‫بالجهاز والبنية والكائن ككل‪ ،‬وصوال إلى خارج الكائن الحي وما تربطه به من روابط حيث يربط‬
‫الجهاز العصبي كل هذه الجوانب وينسق بينها عن طريق التحليل والتركيب‪ ،‬النمو والتكاثر‬
‫انقسامات داخلية وتفاعالت كيميائية‪ ،‬عضوية وكيميائية ‪ ،..‬من أجل غاية واحدة‪ ،‬ولغرض واحد‬
‫هو حياة الكائن بما فيه اإلنسان وبقاءه ولكي يتكامل عمل األجزاء مع عمل الكل‪ ،‬يقول كلود برنارد‪:‬‬
‫( البد أن يوجد وراء ذلك موضب ينسق بين كل هذه األجزاء على نحو هو في غاية االنسجام والدقة)‬
‫(سعادة‪ ،1990 ،‬ص‪.)59 .‬‬
‫‪ -‬الدماغ كبناء عضوي‪:‬‬
‫يعتبر الدماغ العضو األكثر تعقيدا في الجهاز العصبي ويلعب دورا حاسما وال يتوقف دوره‬
‫على كونه يقوم بضبط وتنظيم العمليات الداخلية للبنية‪ ،‬وال كونه يشكل نقطة التماس بين‬
‫اإلنسان الكائن الحي ومحيطه‪ ،‬بل أيضا دوره وأثره يتمثل بالقيام بالعمليات العقلية العليا‪ ،‬التي‬
‫يختص بها اإلنسان دون سواه من الكائنات كالذاكرة‪ ،‬الوعي‪ ،‬الخيال‪ ،‬التفكير‪ ،‬وقد تمكن العلماء‬
‫من خالل الدراسات التجريبية إلى عدة حقائق منها‪:‬‬
‫أ‪-‬الكشف عن طبيعة اإلحساسات وقياس عتباتها الدنيا والعليا‪ :‬لأللوان‪ ،‬واألصوات‪ ،‬للضوء‪،‬‬
‫والكشف عن مكونات كل عضو من أعضاء الدماغ وأجزائها وطبقاتها التي يتكون منها والوظيفة‬
‫املناطة بكل جزء (العين‪ ،‬األذن‪ ...‬اللسان)‪.‬‬
‫ب‪ -‬الكشف عن طبيعة اإلدراك والتمييز بينه وبين اإلحساس‪ ،‬على يد عالم النفس فونت (‪-1832‬‬
‫‪)1920‬‬
‫اإلحساس‪ :‬مجرد نتيجة إلثارة عضو حواس ي‪ ،‬اإلدراك‪ :‬أخذ علم باألشياء وبالحوادث الخارجية‪.‬‬
‫وقد تمكن "هيرمان" عالم النفس والفسيولوجي من أن يضع تقسيما رباعيا للدماغ‬
‫البشري‪ ،‬حسب مناطق أربعة‪ :‬أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬حيث أن كل صنف من هذه األصناف األربعة تسيطر‬
‫عليهم منطقة معينة من الدماغ تجعل لهم ميول ومهارات مميزة بحيث يختلف أصحاب كل منطقة‬
‫بميول ومهارات عن غيرهم من املناطق األخرى‪:‬‬
‫‪.1‬أصحاب املنطقة (أ)‪ :‬يتميز األشخاص الدين تسيطر عليهم هذه املنطقة بكوم أشخاص‬
‫منطقيون واقعيون ونقديون يميلون إلى تفضيل التعامل مع القضايا التقنية‪ ،‬ويفضلون املواد‪:‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪460‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫كالحساب الهندسة التطبيقية‪ ،‬الجبر والعلوم والتكنولوجيا ويفضلون الوظائف‪ :‬علوم الكمبيوتر‪،‬‬
‫الهندسة بفروعها‪ ،‬املحاماة‪ ،‬إدارة املصاريف والقضايا املالية‪ ،‬ويتميز هؤالء بحب العمل واألداء‬
‫وإنجاز املهام املناطة بهم‪.‬‬
‫‪ .2‬أصحاب املنطقة (ب)‪ :‬يتميزون بالتنظيم‪ ،‬الترتيب والتخطيط‪ ،‬واالهتمام بالتفاصيل‪،‬‬
‫يفضلون املواد التي تتمز بالهيكلة مثل مواد القواعد والنحو‪ ،‬العلوم‪ ،‬علوم املكتبات واإلدارة‪،‬‬
‫ويفضلون من الوظائف‪ :‬اإلدارة‪ ،‬تسيير املكتبات‪ ،‬التخطيط البيروقراطية والعسكرية‪.‬‬
‫‪.3‬أصحاب املنطقة (ج)‪ :‬يتميزون بأنهم حسيون‪ ،‬عاطفيون‪ ،‬اجتماعيون‪ ،‬يحبون إقامة العالقات‬
‫مع اآلخرين ويهتمون بالجوانب الروحية‪ ،‬ويفضلون من املواد‪ :‬العلوم االجتماعية‪ ،‬املوسيقى‪،‬‬
‫املسرح‪ ،‬ومن أهم الوظائف التي يفضلوا‪ :‬التعليم التمريض‪ ،‬الخدمة االجتماعية‬
‫‪.4‬أصحاب املنطقة (د)‪ :‬يتميزون بأنهم مبدعون‪ ،‬مجددون‪ ،‬يهتمون بالقضايا الكلية بدال من‬
‫القضايا الجزئية والتفاصيل يفضلون التخيل البصري‪ ،‬واستعمال الحدس‪ ،‬يحبون من املواد‪:‬‬
‫الرسم‪ ،‬النحت‪ ،‬الهندسة املعمارية‪ ،‬التصميم‪ ،‬الشعر‪ ،‬حب االكتشاف‪ ،‬االهتمام باملستقبل‪،‬‬
‫ويفضلون من الوظائف‪ :‬األعمال التي تتطلب اإلبداع‪ ،‬كالفنون‪ ،‬التصميم‪ ،‬العمران واملقاولة‬
‫بمختلف أشكالها‪.‬‬
‫إنه باإلضافة إلى ما يقدمه إلينا هذا التصنيف من تشخيص للقسم املسيطر من الدماغ‬
‫على سلوك األفراد‪ ،‬فإن هناك الكثير مما يستفيده املسيرون للمدارس واملؤسسات واملنظمات‬
‫املسؤولة عن استثمار املوارد‬
‫البشرية في ترقية واستعمال مختلف مناطق الدماغ بحيث يمكن لألفراد املدربين على استعمال‬
‫أدمغتهم بشكل أكثر فعالية حسب ما تتطلبه الظروف واملهام املناطة بهم وحسب املشكالت التي‬
‫تواجههم ومجمل القول إن القدرات الذهنية والقدرات اإلبداعية قابلة للتعلم والتحسين املستمر‬
‫بفضل التعليم والتدريب والتوجيه املستمرين (عشوي‪ ،2003 ،‬ص ص‪.)94 -90 .‬‬
‫الغدد‪ :‬وهي على نوعين‪:‬‬
‫أ‪ .‬نوع يفرز هرمونه في قنوات تصب في مواضع محددة لها‪ :‬مثل الغدد اللعابية التي تصب في الفم‪،‬‬
‫الغدد املدمعية التي تصب في العين‪ ،‬الغدد العرقية التي تصب خارج البدن‪.‬‬
‫ب‪ .‬نوع يفرز (هرمونات) في الدم مباشرة لتنظيم عمليات البدن الكيمائية من الداخل‪ ،‬وتحقق له‬
‫التوازن وتتحكم بالنمو وباتجاهاته‪ ،‬ولها مفاعيلها وأبعادها النفسية‪ ،‬العقلية والبنيوية كما أن‬
‫لحسن انتظام عمل هذه الغدد وإفرازاتها انعكاس مباشر على توازن شخصية الفرد وعلى السلوك‬
‫بشكل عام‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪461‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫وكمثال على عمل هذه الغدد ما تقوم به الغدة الدرقية وجارتها‪ ،‬وهي غدة موقعها العنق‬
‫أمام القصبة الهوائية‪ ،‬تحقق التوازن بين الهدم والبناء في الجسم الحي (عملية األيض)‪ ،‬فإذا ولد‬
‫الطفل بغدة درقية ضعيفة أو عاجزة ينتج عنده توقف في النمو العقلي ويكون عادة ضخم الرأس‬
‫ومتهدل الجسم وقصير األرجل (القزامة)‪.‬‬
‫من كل ما تقدم يمكن القول إن اإلنسان كائن بيولوجي في الدرجة األولى‪ ،‬مما يستوجب على‬
‫املحيطين به من املربين االهتمام بتنمية جسده إلى الحد الذي يصبح معه آلة طيعة تعين على نموه‬
‫اجتماعيا وعقليا‪ ،‬ذلك أن عالئق قوية بين سالمة النمو في مظاهره املختلفة وأطواره املتعددة‬
‫(التل وآخرون‪ ،‬د‪-‬ت‪ ،‬ص‪.)170 .‬‬
‫‪ -2 -2‬خصائص التربية‪:‬‬
‫خصائص التربية تتميز التربية بعدة خصائص من بينها‪:‬‬
‫‪ -‬التربية عملية تكاملية‪ :‬ال تقتصر التربية على جانب من جوانب شخصية الفرد‪ ،‬بل تتناول جميع‬
‫الجوانب الجسمية والعقلية والنفسية والخلقية واالنفعالية واالجتماعية فالتربية عملية واسعة‬
‫تبحث عن الكمال والتطور والنمو من جميع النواحي‪.‬‬
‫‪ -‬التربية عملية فردية اجتماعية‪ :‬ال يقتصر دور التربية وأهدافها على تحقيق نمو الفرد وتطوره‬
‫فحسب‪ ،‬وإنما يمتد تأثيرها على الفرد إلى الجانب االجتماعي إذ أنها تعمل على أن تخلق فرد صالحا‬
‫ومنتجا وفعاال في املجتمع باعتبار أنها تقوم بإعداده وتلقينه مبادئ تسمح له بان يكون مواطنا‬
‫صالحا‪ ،‬عن طريق تنشئته تنشئة سليمة من خالل غرس القيم األخالقية والدينية والجمالية فيه‪.‬‬
‫‪ -‬التربية تختلف باختالف الزمان واملكان‪ :‬تمتاز التربية بكونها غير ثابتة على حالة واحدة فهي ال‬
‫تعرف السكون واالستقرار‪ ،‬بل إنها تختلف في داخل املجتمع الواحد من مكان ملكان ومن مرحلة‬
‫زمنية إلى مرحلة أخرى‪ ،‬لذلك فان من صفاتها صنع التغيير‪ ،‬كما أن من صفات التغيير صنع‬
‫التجديد في التربية ‪ ،‬و يرى توفيق حداد أن التربية هي عملية مستمرة ال يحدها زمن معين‪ ،‬وهي‬
‫تمس كل جوانب حياة الفرد واملجتمع‪ ،‬وهي أساس صالح البشرية‪ ،‬وهي قوة هائلة يمكنها القضاء‬
‫على أمراض النفس وعيوبها‪ ،‬وأمراض املجتمع وعيوبه‪ ،‬ولذلك فهي كل مؤسسات املجتمع كاألسرة‪،‬‬
‫واملدرسة‪ ،‬والسجد‪ ،‬ودور الحضانة‪.‬‬
‫‪ -‬عملية إنسانية‪ :‬تمتاز التربية بكونها خاصية إنسانية فهي تختص باإلنسان وتوجه له‪ ،‬واإلنسان‬
‫مهنته التربية‪ ،‬ألنه هو املربى واملتربي‪ ،‬فهي تنظر إليه على أنه خليفة هللا في األرض‪ ،‬والذي فضله‬
‫وكرمه على سائر املخلوقات بالعقل ‪...‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪462‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫‪ -‬التربية عملية مستمرة‪ :‬تمتاز التربية بكونها عملية مستمرة ال تتوقف وال تتحدد بعمر اإلنسان‬
‫بل تستمر مع اإلنسان طيلة حياته‪ ،‬وما دام اإلنسان على قيد الحياة فهو يتربى‪ ،‬وكل يوم يمر معه‬
‫وكل ساعة تضاف إليه خبرات ومعارف وحقائق ومعلومات تساهم في بناءه وتطوره من جميع‬
‫النواحي‪.‬‬
‫‪ -‬التربية عملية تشاركية‪ :‬ليست التربية حكرا على األسرة لوحدها‪ ،‬وال تقتصر على املدرسة أو‬
‫مؤسسة واحدة فقط وال على فرد واحد من األسرة دون األفراد األخرين بل يشترك في تحقيقها الكل‬
‫ويساهم كل حسب دوره ووظيفته في تحقيق الهداف التربوية املرسومة‪.‬‬
‫‪ -3-2‬وظائف التربية‪ :‬للتربية عدة وظائف أهمها‪:‬‬
‫‪-1-3-2‬تغيير التراث الثقافي والتعديل في مكوناته بإضافة ما يفيد وحذف ما ال يفيد‪ :‬فعن طريق‬
‫التربية نقوم بغربلة وانتقاء الخبرات والجوانب واملكونات الصالحة والنافعة من تجارب وخبرات‬
‫اآلخرين ومن التراث الثقافي لواقع الفكر البشري والبيئي‪ ،‬فيها نقوم بتجنيب الصغار الوقوع في‬
‫املحظورات واألمور غير املفيدة واملناسبة لهم وغير الصالحة لنموهم وتطورهم ولبقائهم‪ ،‬فنقوم‬
‫بتهذيب بعض املكونات التي يمكن أن تخدم وتفيد املجتمع‪.‬‬
‫‪ 2-3-2‬نقل األنماط السلوكية للفرد من املجتمع بعد تعديل األخطاء فيها ‪ :‬يولد الطفل صفحة‬
‫بيضاء ليس لديه خبرات وطرق يقوم من خاللها بفهم وتبسيط وفك الغموض والالوعي بما يدور‬
‫حوله من تعقيد في ظروف الحياة املعاصرة‪ ،‬فالقائمين على التربية يقومون بإعطائه ما يحتاجه من‬
‫وسائل ومعلومات وأدوات تبسط له هذا التعقد دون إحداث أي خلل أو تشويه في النواحي‬
‫املختلفة من ثقافته واجتماعيته واقتصاده‪ ،‬وهم بذلك يبسطون له خبرات الحياة والتراث الثقافي‬
‫إلى أجزاء ووحدات يمكن استيعابها على حسب قدرته ومرحلته العمرية‪ ،‬وتعمل على املحافظة على‬
‫الخبرات اإلنسانية والبحث عن سبل استمرارها وتناقلها من بين األجيال ودمج الجيل الناش ئ في‬
‫الثقافة االجتماعية والعاملية‪.‬‬
‫‪-3-3-2‬إكساب الفرد خبرات اجتماعية نابعة من قيم ومعتقدات ونظم وعادات وتقاليد وسلوك‬
‫الجماعة التي يعيش بينها‪ :‬التربية وسيلة هامة للسيطرة االجتماعية فهي تستعمل كأداة لتحقيق‬
‫األهداف االجتماعية من خالل محاولة نقل التراث الثقافي بصفة عامة ألفراد املجتمع‪ ،‬وتعليم‬
‫وتلقين األنماط السلوكية الواجب إتباعها للطفل لكي يكون تابعا للكبار‪ ،‬كما تعمل عل تكوين‬
‫الطاقة البشرية لالزمة للمجتمع فهي تقوم بإعداد الكوادر البشرية املؤهلة في مختلف‬
‫التخصصات القادرة على القيام بوجباتها ووظائفها التي تضمن بقائها داخل املجتمع وتعمل على‬
‫تنميته‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪463‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫‪-4-3-2‬االقتصاد الثقافي‪ :‬إن العلوم تتزايد وتتطور بشكل سريع ومذهل حيث تقوم التربية بتوفير‬
‫أقص ى وانجح الطرق في مدة زمنية وجيزة وبأقل جهد ولذا لتمكينه من االطالع واإلملام ببعض‬
‫جوانب املعرفة املختلفة ومساره الزخم العلمي املتسارع‪ ،‬لهذا يتم تجديد التربية والتعليم تبعا لهذا‬
‫التطور السريع‪.‬‬
‫‪-5-3-2‬مساهمتها باستمرار في عملية نمو األفراد‪ :‬يولد الفرد ضعيفا من الناحية الجسمية وخالية‬
‫الوفاق من كل شكل من أشكال القيم االجتماعية فهو يحتاج إلى الرعاية وعناية الكبار فبهذه‬
‫العناية ينمو ويتطور من الناحية الجسمية والعقلية واالجتماعية وفي جوانب مختلفة عبر مراحل‬
‫نمو متعددة‪ ،‬فمن خالل التربية نقوم بالبحث عن النضج الكلي له عن طريق مسايرة خصوصية‬
‫املرحلة اآلنية واإلعداد للمراحل الالحقة والبحث عن نماء الشخصية واتساع أفقها بأسس سليمة‬
‫مع استغالل كل اإلمكانيات التي يتمتع بها الفرد‪.‬‬
‫‪-4-2‬أهمية التربية‪:‬‬
‫تكتس ي التربية أهمية كبيرة في حياة األفراد واملجتمعات ولعل أهمها‪:‬‬
‫‪-1-4-2‬تعتبر التربية وسيلة اتصال وتنمية لألفراد‪ :‬إن بقاء املجتمع ال يعتمد فقط على نقل نمط‬
‫الحياة عن طريق اتصال الكبار بالصغار أيا كان نوع هذا االتصال ولكن بقاء املجتمع يتم باالتصال‬
‫الذي يؤكد املشاركة في املفاهيم والتشابه في املشاعر للحصول على االستجابات املتوقعة من أفراد‬
‫املجتمع في املواقف‪.‬‬
‫‪-2-4 -2‬تعمل التربية على استمرار ثقافة املجتمع وتجديدها ونقل التراث الثقافي‪ :‬وبهذا املعنى تحتل‬
‫التربية مكانها البارز في ثقافة املجتمع فهي السبيل مهما كانت صورتها ومنظماتها إلي تشكيل األفراد‬
‫وتحقيق االستمرار بين األجيال املختلفة وفي حياة املجتمع بصفة عامة فالبد لكل جيل أن يدرك إلي‬
‫أين وصل أسالفه حتى يبدأ سيره من حيث قطعت عليهم آجالهم املسير تنتقل وتستمر عن طريق‬
‫التفاعل والتنشئة والتربية‪.‬‬
‫‪ -3-4-2‬تساهم التربية في تكون االتجاهات السلوكية‪ :‬وتتكون االتجاهات السلوكية في البيئة‬
‫بواسطة تشكيل العادات الدافعة للطفل وتثبيتها وبتعديل دوافعه األصلية علي تعديل مبدأ اللذة‬
‫واأللم فاألثر التربوي للبيئة االجتماعية ينعكس في تكون شخصية الفرد واتجاهاته العقلية‬
‫العاطفية وفي تحديد أنماطه السلوكية وإن البيئة تتطلب من األفراد استجابات معينة في مواقف‬
‫معينة فالوسط الخاص الذي يعيش فيه الفرد يقوده لرؤية أشياء أكثر من غيرها والتخاذ أسلوب‬
‫معين في العمل بنجاح مع اآلخرين وهكذا يكتسب الفرد من هذا الوسط اتجاها سلوكيا يظهر في‬
‫نشاطه وتفاعله مع أهل بيئته‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪464‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫‪-4-4-2‬تساهم التربية في تحقيق النمو الشامل واكتساب الخبرة‪ :‬تيهئ التربية الوسائل املختلفة‬
‫لتحقيق إمكانيات النمو للطفل عقليا واجتماعيا وجسمانيا والبيئة هي الوسط التربوي لذلك‬
‫فالطفل يعتمد على الكبار في إكسابه الخبرة الالزمة لتكيفه وتفاعله مع اآلخرين وتكتسب هذه‬
‫الخبرة بتكوين العادات اإليجابية التي يسيطر بها الطفل علي بيئته ويستخدمها في تحقيق أهدافه‪.‬‬
‫‪-5-4-2‬تساهم التربية في اكتساب اللغة‪ :‬يتضح أثر البيئة في تعليم اللغة وتحصيل املعرفة فالطفل‬
‫يتعلم اللغة وأساليب الكالم ممن يختلط بهم في مراحل نموه األولى وتكون اللغة واملعرفة عندئذ في‬
‫أبسط صورهما فالطفل عند سماعه للصوت فإنه غالبا ما يسمعه مصاحبا أو مرتبطا بش يء‬
‫محسوس‪.‬‬
‫‪ -6-4-2‬تعمل التربية علي تحقيق الديموقراطية ‪ :‬وللتربية في عاملنا املعاصر املكانة األولى في تحقيق‬
‫آمال الشعوب في حياة تستند إلى الحرية والعدالة وحكم القانون فهذه املفاهيم وما يرتبط بها من‬
‫ممارسات ال تولد مع األفراد وإنما يكتسبونها بالتعليم واملمارسة والتطبيق ولهذا طالب أصحاب‬
‫التربية املحدثون بأن تكون املدرسة مكانا يتهيأ فيه الناشئون ألساليب الحياة الديموقراطية‬
‫فيفهمون مبادئ هذه الحياة ويمارسونها في خبرات تربوية منظمة فالديموقراطية تستمر من تلقاء‬
‫نفسها وال تستقيم بإطالق حرية األفراد وإنما هي قيم وعالقات وأساليب تفكير وقواعد وضوابط‬
‫يجمع الفرد بمقتضاها بين حريته ومسئوليته وبين حقه في النمو وواجبة نحو الجماعة وبين‬
‫التفكير وكل هذا يتطلب نوعا من التربية يمكنه من ممارسة الحرية علي أساس من العلم ويتيح‬
‫الفرصة أمام كل الناس مع الكشف عن االمتياز والتفوق بينهم وهكذا‪.‬‬
‫‪ -7-4-2‬تعمل التربية علي تذويب الفوارق بين الطبقات‪ :‬ذلك ألن انتشار املعرفة وذيوع العلم ينحو‬
‫إلي إضعاف امليزات الصناعية التي تفرق بين الناس ويدعو إلي حسن التفاهم والتعاون بين هذه‬
‫الطبقات وبذلك تكون التربية هي الدعامة األساسية في تحقيق أي تحول اجتماعي يهدف إلي إذابة‬
‫الفوارق بين الطبقات وجعل االمتياز في املهارة والعمل ال الثروة أو النسب أو األصل هو أساس‬
‫الحكم علي األفراد ‪.‬ومن هنا ارتبطت التربية في عاملنا املعاصر بالفلسفات االجتماعية حيث أن أية‬
‫فلسفة ال يمكن أن تتحقق بالقانون وحده أو بإجراءات وتنظيمات إدارية دون أن تستند إلي فكرة‬
‫وسلوك يعبر عنه األفراد في تفاعالتهم وعالقاتهم وفي داخل أنظمتهم ودوائر نشاطهم‪.‬‬
‫‪-8-4-2‬تساهم التربية في اكتساب القيم الخلقية والجمالية وتذوقها‪ :‬لقد عرفنا أن للبيئة تأثيرها‬
‫الالشعوري في اكتساب عادات اللغة وأساليب الكالم من خالل نشاط الصغار وتفاعلهم مع الكبار‬
‫كما أن هذا التفاعل يترك أثاره العميقة في اكتسابهم القيم واالتجاهات والعادات الخلقية‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪465‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫‪-3‬سؤال فلسفة التربية واتجاهاتها وتطبيقاتها على التربية‪:‬‬


‫‪-1 -3‬خصائص فلسفة التربية وتطبيقاتها‪:‬‬
‫تسعى فلسفة التربية إلى فهم التربية في مجموعها وتفسيرها بمفاهيم عامة ‪ ،‬بغية تحديد‬
‫الغايات التربوية وترشيد سياساتها وكذلك تفسير املكتشفات العلمية املتجددة وفق عالقتها‬
‫بالتربية ويمكن القول أن معظم املشكالت التربوية الرئيسية هي في صميمها مشكالت تربوية‪ ،‬ذلك‬
‫أن انتقا د مثل عليا تربوية أو سياسات تربوية أو اقتراح مثل عليا يلزمنا باألخذ بعين االعتبار تلك‬
‫ُ‬
‫املشكالت الفلسفية العامة مثل ‪ :‬طبيعة الحياة الصالحة التي ينبغي أن تؤدي إليها التربية‪ ،‬طبيعة‬
‫اإلنسان ذاته‪ ،‬طبيعة املجتمع‪ ،‬طبيعة الحقيقة النهائية التي تنشد املعرفة سبر أغوارها‪.‬‬
‫من هنا يمكن أن نخلص إلى أن الفلسفة التربوية تتضمن تطبيق الفلسفة النظرية على‬
‫مجال التربية بل لقد ذهب ديوي إلى القول أنه‪( :‬يمكن وصف الفلسفة بأنها النظرية العامة للتربية)‬
‫(مرس ي‪ 1982،‬ص‪.)27 .‬‬
‫وهذه الفلسفة كالفلسفة العامة‪ :‬تأملية‪ ،‬تحليلية‪ ،‬توجيهية‪ ،‬ولنتعرف على وجوه فلسفة‬
‫التربية في السطور التالية‪:‬‬
‫الفلسفة التربوية تأملية‪ :‬فهي تسعى إلى إقامة نظريات حول طبيعة اإلنسان واملجتمع والعالم‪،‬‬
‫وذلك عن طريق تنظيم املعلومات املتصارعة املتعلقة بالبحث التربوي والعلوم اإلنسانية والعمل‬
‫على تفسيرها‪ .‬وذلك إما باستنتاج تلك النظريات من نظريات فلسفية عامة وتطبيقها على التربية‪،‬‬
‫أو باالنطالق من مشكالت تربوية بالذات‪ ،‬ثم وضعها في إطار فلسفي قادر على حلها‪.‬‬
‫إن التربية تثير عدة مشكالت ال تستطيع هي أو العلم القيام بحلها كل على حده‪ ،‬ذلك ألنها‬
‫مجرد أمثلة عن املسائل الخاصة بالفلسفة والتي تتكرر وتتواتر‪ ،‬كما أوضحنا في السطور السابقة‪.‬‬
‫الفلسفة التربوية إرشادية‪ :‬وتقوم بتحديد الغايات التي يجب على التربية أن تستهدفها والوسائل‬
‫العامة التي ينبغي أن تستخدمها لبلوغ تلك األهداف‪.‬‬
‫تحديد وتفسير األهداف والوسائل القائمة املتعلقة بنظامنا التعليمي وتقترح أهدافا‬
‫ووسائل أكثر صالحا لكي تؤخذ في االعتبار‪ ،‬ولتحقيق هذه الغاية فإن الوقائع حتى ولو كانت‬
‫محددة‪ ،‬فإنها ال يمكن أن تكون كافية‪ ،‬فالوقائع ال تعدو أن تشير على نحو دقيق إلى حد ما إلى‬
‫النتائج املترتبة على انتهاج سياسة بالذات وهي في حد ذاتها ال تقول ما إذا كانت هذه السياسات‬
‫مرغوبة أم ال‪ .‬وحتى إذا كانت مرغوبة‪ ،‬فإنها ال تقول ما إذا كانت تبرر إهمال السياسات األخرى‪.‬‬
‫وال يمكن وضع أهداف التربية وال أي من وسائلها ِّإال من خالل معايير صحيحة‪ .‬يقوم‬
‫بتمحيصها ووضعها فيلسوف التربية‪ ،‬فالتربية كفرع من فروع املعرفة ال يمكن أن تقوم وحدها‪،‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪466‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫وإنما على توجيه فلسفي لها مثال‪ :‬ال نستطيع مناقشة مشكلة‪ ،‬ما إذا كان على التربية أن تمارس‬
‫الديمقراطية أم ال في إدارة املدرسة وفي حكم الطلبة بغير أن نوجه أنظارنا إلى الفلسفة االجتماعية‬
‫املحيطة بهذه املدرسة‪.‬‬
‫الفلسفة التربوية تحليلية ونقدية‪ :‬تسعى إلى تحليل نظرياتها التأملية واإلرشادية‪ .‬وكذلك وزن‬
‫مثلنا العليا التربوية واتساقها مع املثل العليا األخرى‪ .‬ثم فحص الدور الذي يلعبه التفكير‬ ‫معقولية ِّ‬
‫غير املتفحص والتفكير الذي توجهه الرغبة‪ .‬وأيضا اختبار املنطق املوجود في مفاهيمنا وكفاءته في‬
‫مجابهة الحقائق التي ننشد تفسيرها‪ ،‬وذلك بفضح املتناقضات املوجودة بين نظرياتنا‪ ،‬وتوجيه‬
‫األنظار إلى مجموعة النظريات الدقيقة التي تبقى بعد إزالة املتناقضات‬
‫دراسة االنتشار الكبير الهائل للمفاهيم التربوية املتخصصة‪ ،‬كما تجتهد في توضيح العدد الذي ال‬
‫حصر له من املعاني املختلفة التي تناط بتلك املصطلحات التي أسرف في استخدامها مثل‪" :‬الحرية"‬
‫"التوافق" "النمو" "الخبرة" "االهتمام" و "النضج" (النجيحي‪ ،1997 ،‬ص‪.)29 .‬‬
‫‪-2-3‬اتجاهات فلسفة التربية الحديثة‪:‬‬
‫تميزت الفترة الحديثة بظهور مجموعة من االتجاهات الفكرية التي اهتمت بدراسة فلسفة‬
‫التربية وسنكتفي بالتركيز على أهمها‪:‬‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫‪-‬االتجاه الطبيعي‪ :‬هو اتجاه فلسفي ينتمي للفيلسوف واملفكر الفرنس ي (جون جاك روسو)‪ ،‬ولكن‬
‫ً‬
‫وتحديدا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لكل من الفالسفة ابن طفيل وابن سينا؛‬ ‫اإلسالمية‬ ‫تعود أصول هذا االتجاه إلى الفلسفة‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫بشكل واضح‪ ،‬وعموما ُيلخص‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫الطبيعي‬ ‫حيث ساهمت دراساتهما في ظهور مالمح ومعالم االتجاه‬
‫بأنه ُيدرك أن األطفال يمتلكون مهارات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فكرية منذ والدتهم‪ ،‬وقد‬ ‫االتجاه الطبيعي في فلسفة التربية‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫بشكل طبيعي دون تأثير من املجتمع‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫النمو‬ ‫تجعله بعيدا عن مجتمعه‪ ،‬ولكن تجعلهم يحققون‬
‫عد تفاعل‬‫لذلك يجب أن تحترم هذه القدرات ويكون دور املجتمع تقديم املساندة لألطفال‪ ،‬كما ُي ّ‬
‫ُ‬
‫الطفل خالل السنوات األولى من عمره مع الطبيعة من األمور التي تساعده على الحصول على خبرة‬
‫وحسية ذات أساس قوي يساعده الحقا على تحقيق التكيف واالنسجام مع أقرانه داخل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عقلية‬
‫املجتمع الواحد بل حتى التكيف هع ظروف الحياة‪.‬‬
‫‪-‬االتجاه البراغماتي‪ :‬عرفت البراغماتية منذ ظهورها على يد الفيلسوف األمريكي تشارلز بيرس‬
‫(فام‪ ،1985 ،‬ص‪ ،)137 .‬عدة تسميات مثل "األداتية" و"الوظيفية و"التجريبية" و"الذرائعية"‬
‫و"الوسيلية" وكل هذه التسميات تشير إلى معنى البراغماتية" بوجه من الوجوه فهي اتجاه فلسفي‬
‫يؤمن بالتجربة انطالقا من الجانب الحس ي لإلنسان كما أنها اتجاه ينظر إلى أهمية األدوات التي‬
‫تس تعمل للمعرفة والوظائف التي تؤديها األشياء وما نحمله حوله من أفكار‪ ،‬وبما أن البراغماتية ال‬

‫‪2023‬‬ ‫‪467‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫تؤمن بوجود حقائق مطلقة فهي تعتبر أن ما نملكه أو نعتمده من طرق ووسائل ما للوصول إلى‬
‫نتائج إلى هو إال مجرد ذرائع نتوصل نتائج مؤقتة (الحفني‪ ،1999 ،‬ص ص‪.)271-269 .‬‬
‫إن معيار الصدق في هذا االتجاه يقوم على االعتقاد‪ :‬أن األفكار تصبح صادقة عندما‬
‫ّ‬
‫تساعدنا على ربطها بأجزاء من خبرتنا بطريقة تؤدي إلى سلوك ناجح في الحياة‪ ،‬هو اتجاه فلسفي‬
‫مما ُيساهم في تعزيز تكيفه مع‬ ‫تهدف التربية املعتمدة عليه في تعليم اإلنسان كيفية التفكير؛ ّ‬
‫ُ‬ ‫املجتمع الذي ّ‬
‫بشكل دائم؛ لذلك يجب على املدارس أن تعزز عند الطالب الخبرات التي‬ ‫ٍ‬ ‫يتغي ُر‬
‫ُ‬
‫بحياة سعيدة؛ عن طريق اهتمام املدارس بمتابعة الطالب من حيث النواحي‬ ‫ٍ‬ ‫تساعدهم على العيش‬
‫جيد مع املشكالت‪ ،‬واالستعداد‬ ‫املهنية‪ ،‬والتعامل بشكل ّ‬ ‫ّ‬ ‫اآلتية‪ :‬الصحة‪ ،‬والهوايات‪ ،‬واملهارات‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫االجتماعية‪ُ ،‬ويعد املفكر والفيلسوف جون ديوي من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أهم الفالسفة الذين‬ ‫لألدوار والنشاطات‬
‫ساهموا بتأسيس الفلسفة البر ّ‬
‫اغماتية‪.‬‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬االتجاه التكويني‪ :‬هو اتجاه هو اتجاه في الفلسفة التربوية ساهم في تأسيسه املفكر والفيلسوف‬
‫فاهتم بدراسة وتحليل االنبناءات الذهنية الديناميكية؛ أي بمعنى الحاالت‬ ‫ّ‬ ‫"جان بياجيه"‪)1896( ،‬‬
‫تنمو خالل مراحل متسلسلة من الزمن‪ ،‬واعتمد "بياجيه" على هذه الدراسة‬ ‫املتكاملة التي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسفية للتعرف على املنطق وطبيعة املعرفة عند األطفال‪ ،‬وتمكن من الوصول إلى أن الذكاء أو‬
‫النمو‪ ،‬ويعتمد على طريقة التنشئة التي نشأ عليها الطفل‪،‬‬ ‫املعرفة عند الطفل يعتمد على مراحل ّ‬
‫ً‬ ‫حدد‪ ،‬ويدل ذلك على ّ‬ ‫كل مرحلة منها يظهر انبناء ُم ّ‬ ‫وخالل ّ‬
‫أن الذكاء عند األطفال ليس معتمدا على‬
‫ّ‬
‫االجتماعية أو‬ ‫داخلية سابقة‪ ،‬كما ال يعتمد على مجموعة من املعطيات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بيولوجية أو‬ ‫انبناءات‬
‫تطوره‪ ،‬ومعتمدة على‬ ‫الخارجية‪ ،‬بل إن املعرفة عند األطفال ناتجة عن وجود انبناء مستمر في ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن الذكاء ينمو مع نمو الطفل في كل مرحلة من‬ ‫وتبين َّ‬
‫مشاركة األطفال وتفاعلهم مع محيطهم‪َّ ،‬‬
‫ً َّ ً‬ ‫أن الطفل ُيظهر فك ًرا ً‬ ‫مراحل نموه‪ ،‬وفي كل مرحلة عمرية كان يالحظ َّ‬
‫عينا‪.‬‬ ‫وبناء ذهنيا م‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫هذا ما جعله يدرك َّ‬
‫أن الذكاء ال ُيولد مع الطفل أو يرثه بالجينات‪ ،‬وال يتأثر في املحيط‬
‫صقل نتيجة الدعم‬ ‫معينة ُوي َ‬
‫ولكنه يتطور كلما تجاوز مرحلة نمو َّ‬ ‫الخارجي واملؤثرات االجتماعية‪َّ ،‬‬
‫والتربية الصحيحة ومشاركة الطفل بالنشاطات والتفاعل مع املجتمع املحيط به‪.‬‬
‫لقد كان هدف "بياجيه" من دراساته في بادئ األمر متجه نحو البحث في مشكالت املعرفة‬
‫وتطورها لكنه وجد نفسه يخوض في مسائل علم النفس اإلدراكي والنتائج التربوية التي أسفر عنها‪،‬‬
‫حيث كان يظن أنه سيتفرغ إلى هدفه األساس ي بعد خمس سنوات لكنه استغرق (‪ 40‬سنة) باحثا‬
‫في تطور الذكاء عند األطفال وتطور تكوين املعرفة عند اإلنسان‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪468‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫‪-3-3‬أهمية فلسفة التربية‬


‫ال يمكن اليوم ألحد أن ينكر األهمية الكبيرة التي تكتسيها الدراسات التطبيقية للفلسفة في‬
‫مجال التربية خاصة مع التغيرات التي شهدتها األمم واملجتمعات على جميع األصعدة وسنقف هنا‬
‫باختصار عند أهم العناصر التي تعكس لنا بوضوح هذه األهمية‪:‬‬
‫ماهية النشاطات التربوية‪ ،‬وتنظيمها؛ إذ تصبح نشاطات‬ ‫• تعمل فلسفة التربية على إيضاح َّ‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫املرجوة منها بدال من كونها نشاطات عشوائية‪.‬‬ ‫واضحة تحقق األهداف‬
‫• تسعى فلسفة التربية إلى إدراك العالقة بين العمل التربوي ومجاالت الحياة املرتبطة به‪.‬‬
‫• تساهم فلسفة التربية في تحديد السياسة التربوية والعمل على بناء نظم التعليم وأدوات‬
‫التدريس ومحتويات املناهج وأساليب التربية والتعليم ومبادئها وأهدافها‪ ،‬والنظام اإلداري التابع‬
‫إليها‪.‬‬
‫ُّ‬
‫التوجهات التربوية والقدرة على‬ ‫• تعمل فلسفة التربية على تعزيز إمكانية طرح األسئلة ذات‬
‫ي ُ‬
‫إعدادها‪ ،‬وإنشاء وسائل فكرية جديدة تعزز نمو املجال التربو ‪ ،‬وتلغي التناقضات الحاصلة في‬
‫الجوانب العملية والتطبيقية فيه‪.‬‬
‫ُ ّ‬
‫تعلقة‬‫• تساعد فلسفة التربية املدرسين على فهم البرامج التعليمية‪ ،‬باإلضافة إلى األسس امل ِّ‬
‫بالتربية والقدرة على طرح آ ائهم ومناقشتها والنقد ّ‬
‫البناء‪.‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫توفق فلسفة التربية بين األشخاص والبيئة املحيطة؛ األمر الذي يقوي قدرتهم على فهم الظروف‬ ‫• ِّ‬
‫املحيطة بهم والعمل على تغييرها إلى ما يناسبهم‪.‬‬
‫‪-4-3‬أهداف فلسفة التربية‬
‫تهدف فلسفة التربية إلى خدمة املصلحة العامة عن طريق تطوير الفرد واملجتمع‪ُ ،‬وي َّ‬
‫وضح‬
‫ذلك فيما يأتي‪:‬‬
‫• تهدف فلسفة التربية إلى نشر التفاهم والعمل األخالقي‪.‬‬
‫• تعزيز احترام الذات وتقوية الفكر الديموقراطي والتصالح مع النفس وتحقيق الحرية وذاتية‬
‫الحكم‪.‬‬
‫• تسعى فلسفة التربية إلى إنشاء مواطنين صالحين ُ‬
‫يسمون بمجتمعاتهم‪.‬‬
‫• إنشاء مؤسسات تربوية تقوي قدرات أفرادها على االستكشاف والبحث واالستطالع الذي‬
‫ُيكسبهم الرغبة والحافز على السؤال واالستفسار عن كل ش يء‪.‬‬
‫• إغناء الوعي السياس ي وتطوير مبادئ العمل الجاد‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪469‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫ُّ‬
‫التقدم‬ ‫• تهدف فلسفة التربية إلى جعل أفراد املجتمع مواكبين لكل ما هو حديث؛ إذ يجارون‬
‫التطور وتحقيق اإلنجازات تجاه مجتمعهم‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫التكنولوجي وتزيدهم رغبة في‬
‫التشدد واالنغالق‪ ،‬وتسعى جاهدة إلى جعل‬ ‫ُّ‬ ‫• تحارب فلسفة التربية العقليات الرجعية وسياسات‬
‫ً‬
‫ومواكبا ل ُّ‬ ‫ً‬
‫لتطور الحضاري املستمر واملتزايد‪.‬‬ ‫املجتمع منفتحا على غيره‬
‫البناء والسؤال والشك والقدرة على تحليل املواقف واملشكالت والعمل على إيجاد‬ ‫تشجع النقد َّ‬
‫• ّ‬
‫ِّ‬
‫حلول لها تكوين مناخ متوازن يجمع بين حقوق املواطنين وواجباتهم وبين مجتمعهم فيما يعود‬
‫بالفائدة العامة عليهم وعلى مجتمعهم‪.‬‬
‫• تهدف إلى نشر اإليجابية والتعاون والتكاتف االجتماعي بين األفراد فيما يخدم ويساعد املجتمع‬
‫واملصلحة العامة‪.‬‬
‫‪-4‬عالقة التربية بفلسفة التربية (طبيعة العالقة وحكمة التقاطعات)‪:‬‬
‫‪-1 -4‬عالقة الفلسفة بالتربية‪:‬‬
‫يذهب كثير من املفكرين إلى أن املشكلة التربوية تقع في قلب التساؤل الفلسفي‪ :‬ما املعرفة‬
‫الحقيقية؟ ما غايتها؟ ما غاية اإلنسان؟ ويؤكدون أن تجاه اإلجابات عن هذه األسئلة التي تطرحها‬
‫الفلسفة يعين غايات التربية وأساليبها ومضمونها‪ ،‬أي أن الفلسفة العامة هي بالضرورة فلسفة‬
‫للتربية‪ .‬ولذا يجب أن تعكس التربية في غاياتها وطرائقها ومناهجها الفلسفة العامة للمجتمع في‬
‫مرحلة من مراحل تطوره‪ ،‬فالفلسفة سواء أكانت مثالية أم مادية‪ ،‬دينية أم علمانية‪ ،‬البد أن‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫تشكل أساسا للتربية تنطلق منه وترتد إليه‪ ،‬فتاريخ التربية بصورة عامة وتاريخ مؤسساتها‪ ،‬يجب أن‬
‫يرتبط في جانب مهم من جوانبه بتطور النظرية الفلسفية‪.‬‬
‫إن ما يدل على الصلة الوطيدة بين الفلسفة والتربية‪ ،‬ومدى اعتماد كل منهما على اآلخر هو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن مشاهير الفلسفة قديما وحديثا كانوا مربين‪ ،‬ومعظم كتب تاريخ الفكر التربوي تشير إلى أن‬
‫ّ‬
‫الحركة التربوية ليست إال وليدة للمذاهب الفلسفية‪ ،‬وأن رجال التربية هم رجال الفلسفة‪،‬‬
‫ً‬
‫واألمثلة على ذلك كثيرة‪ ،‬فـسقراط مثال رأى قديما بأن الفلسفة والتربية مظهران مختلفان لش يء‬
‫واحد‪ ،‬يمثل أحدهما فلسفة الحياة والثانية تطبيق لهذه الفلسفة‪ ،‬وهذا الرأي يعكس بوضوح‬
‫العالقة الكبيرة بين الفلسفة والتربية‪ ،‬فهذه األخيرة تابعة للفلسفة تتلقى منها األفكار والنظريات‪،‬‬
‫وتقوم بتطبيقها‪ ،‬وتنفيذها‪ ،‬فالتربية فهي التطبيق الفعلي والعملي لألفكار الفلسفية‪ ،‬ويؤكد‬
‫التربوي "جون ديوي" أن الفيلسوف يجب عليه أن يهتم بالتربية‪ ،‬وخصوصا تربية األطفال ألنها‬
‫الطريق إلى تحقيق األهداف الفلسفية التي لها تأثير في حياة اإلنسان‪ ،‬و يعتبر ديوي أن التربية هي‬
‫الفلسفة الحقيقية في حياة اإلنسان‪ .‬فهما وجهان لعملة واحدة؛ فإذا كانت الفلسفة فكرا نظريا‬

‫‪2023‬‬ ‫‪470‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫مجردا‪ ،‬فإن التربية هي ذلك التطبيقي العملي لألفكار الفلسفية‪ .‬لهذا نؤكد على العالقة الوطيدة‬
‫التي تجمع بينهما‪.‬‬
‫وقبل سقراط نجد السفسطائيين هم أول من ربط بين الفلسفة والتربية‪ ،‬واهتموا بالفرد‬
‫اهتماما واضحا‪ ،‬فغيروا بذلك مجرى الفكر الذي كان متجها في عهد الطبيعيين من طاليس‬
‫محل هذه‬‫ّ‬ ‫وأحل السفسطائيون‬ ‫وانكسمندريس وهيرقليدس إلى البحث عن أصل الكون‪ّ ( ،‬‬
‫املوضوعية فكرة النسبية لذلك نجد أن للسفسطائين الفضل األكبر في توجيه النظر إلى دراسة‬
‫الطبيعة اإلنسانية من نواحيها العقلية واألخالقية وإثارة اهتمام املفكرين بمشاكل الحياة العملية)‬
‫(أبو ريان‪ ،1969 ،‬ص‪.)41.‬‬
‫ً ً‬
‫أما أفالطون‪ ،‬فأوضح الصلة الوثيقة بين الفلسفة والتربية توضيحا كبيرا لدرجة أن مفكري‬
‫ً‬
‫التربية في العصر الحديث اعتبروه إماما لهم‪ ،‬ونظروا إلى كتاب "الجمهورية" على أنه أكبر كتاب في‬
‫عالم التربية‪ ،‬إذ أن بحثه عن طبيعة العدل قاده إلى التفكير بنظام خاص للتربية والتعليم‪.‬‬
‫إن حرص سقراط ومن بعده أفالطون وأرسطو على معالجة مشكالت الواقع املؤلم في أثينا‬
‫خاصة وبالد اليونان عامة‪ ،‬عن طريق إعادة بناء "أي تربية" املواطن اليوناني وإصالح املجتمع‬
‫األثيني يعكس بوضوح أن الفلسفة منذ نشأتها األولى ظهرت نتيجة الحتياجات تربوية‪ .‬واملتصفح‬
‫لفلسفة أفالطون سيكتشف أنها تنتهي بوضع نظام تربوي لتطبيق تلك الرؤية الفلسفية ألفالطون‬
‫عن املجتمع الفاضل‪.‬‬
‫وفي العصر الحديث أسس فرنسيس بيكون آراءه التربوية على فلسفته العلمية‪ ،‬فقد رأى‬
‫وجوب إعادة تربية اإلنسان بطريقة علمية‪ ،‬وأنه إذا استطاعت املدارس أن تنشر املعرفة فإن هذا‬
‫حيرت البشرية‪.‬‬‫سيؤدي إلى حل املشكالت التي ّ‬
‫أما جون لوك أكبر ممثلي النزعة التجريبية اإلنجليزية‪ ،‬ومؤلف كتاب "آراء في التربية"‪ ،‬فقد‬
‫انعكست أفكاره الفلسفية على أفكاره التربوية‪ ،‬ونادى بصون حرية الفرد في التفكير‪.‬‬
‫وفي القرن العشرين كان الفيلسوف األمريكي جون ديوي خير من وضع عالقة الفلسفة‬
‫بالتربية في موضعها السليم حين بين العالقة املتينة بينهما‪.‬‬
‫إن الفلسفة "أي فلسفة" تتكىء على التربية لنشر مبادئها وتعاليمها وكسب أنصار لها‬
‫وتعميق اإليمان بها وقبولها بين أكثر عدد من الناس‪ .‬فالفلسفة بعيدا عن التربية فكر نظري صرف‬
‫ال يغني من فقر وال يسمن من جوع‪ .‬وباملثل فإن التربية التي ال تستند على الفلسفة تتحول إلى عمل‬
‫غير هادف وعشوائي غير منظم محكوم عليه بالفشل المحالة‪ ،‬ولذلك قال ديوي إن الفلسفة هي‬
‫ً‬
‫النظرية العامة للتربية وأن التربية هي التطبيق العملي للفلسفة واألدلة على ذلك كثيرة قديما‬

‫‪2023‬‬ ‫‪471‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫ً‬
‫وحديثا فمحاورات أفالطون في مدرسته األكاديمية ‪ Academy‬وأرسطو عندما أنشأ مدرسته‬
‫الخاصة املعروفة باسم ليسيم ‪ Lycuim‬وهتلر في أملانيا النازية واملاركسية في االتحاد السوفيتي‬
‫السابق‪ ،‬كلها عالمات تدل على أن أية فلسفة ال يقدر لها أن تنتشر إال بالتربية‪.‬‬
‫ال شك أن القضايا املشتركة بين الفلسفة والتربية يعكس أيضا العالقة املتينة بيتهما‪،‬‬
‫ً‬
‫فالقضايا الفلسفة تهم التربية وقضايا التربية غالبا ما تكون قضايا فلسفية‪ ،‬فالفلسفة والتربية‬
‫ً‬
‫كالهما يسعى ملعرفة طبيعة اإلنسان ويتخذ موقفا من طبيعة الحياة والكون واملعرفة والقيم فهذه‬
‫ً‬
‫محاوالت تهم الفلسفة كما تهم التربية أيضا‪ ،‬وإذا كان البحث في طبيعة املعرفة يعتبر من أهم‬
‫محاوالت الفلسفة فإن املعرفة ذاتها تمثل أحد األركان الرئيسية في عملية التربية فالفكر التربوي‬
‫ً‬
‫نفسه معرفة تستخدم الفلسفة طريقة والتربية مجاال كما أن املنهج الدراس ي في جزء منه يعتمد‬
‫على ما وصل إليه املفكرون من معرفة وكذلك الحال فيما يتعلق بالقيم الجمالية‪ ،‬واألخالقية ومما‬
‫ً ً‬
‫ال شك فيه أن كال من التربية والفلسفة يعطي موضوع القيم هذا اهتماما كبيرا في دراساته‪.‬‬
‫ً‬
‫ويضيف محمد الهادي عفيفي جانبا آخر لتلك العالقة يتعلق باملنطق باعتباره علم قواعد‬
‫التفكير السليم وأن تنمية التفكير السليم هو أحد أهداف التربية‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا انتقلنا إلى مجال األهداف والوظائف فكال من الفلسفة والتربية يسعى إلى االرتقاء‬
‫باإلنسان الفرد وتنمية قدراته وتحقيق التقدم للمجتمع ومساعدته في حل مشكالته‪.‬‬
‫ً‬
‫وتتمثل العالقة بين الفلسفة والتربية أيضا فيما تقدمه الفلسفة لنا من مساعدات كبيرة تزيد من‬
‫قدرتنا على فهم التربية‪ ،‬فالفلسفة تقوم بتوضيح املفاهيم التربوية األساسية وتحديد املصطلحات‬
‫الرئيسية في علم التربية‪ ،‬كالذكاء والدافعية ومفهوم التربية نفسه وامليل واالتجاه وغيرها‪ ،‬كما تقوم‬
‫بدراسة وتحليل املسلمات التي تقوم عليها النظريات التربوية‪ ،‬كل ذلك بقصد توجيه العمل التربوي‬
‫وحل مشكالته في الواقع امليداني‪ ،‬ومن خالل التطبيق يظهر ما قد يكون في الفكر الفلسفي املوجه‬
‫من ثغرات فتغذي الفلسفة بمادة لتطوير أفكارها وهكذا فإن هذه العالقة تؤدي إلى مزيد من‬
‫ً‬
‫الفائدة والنمو املستمر لكل من التربية والفلسفة‪ ،‬تلك العالقة هي التي دفعت فيلسوفا مثل فخته‬
‫ً‬
‫‪ Fichte‬إلى أن يقول إن التربية لن تصل إلى حالة الوضوح التام بدون مساعدة الفلسفة‪ ،‬وأن كال‬
‫منهما ناقص بدون اآلخر‪.‬‬
‫‪-2-4‬عالقة التربية بفلسفة التربية‪:‬‬
‫يرى فريق من املربيين إلى أن العالقة بين الفلسفة والتربية هي عالقة قوية ووثيقة‪ :‬ألن‬
‫التربية عندهم تستمد من الفلسفة‪ ،‬وهذا يعني أن الفلسفة مجموعة من املعتقدات واملبادئ التي‬
‫ترشد التربية وتوجهها لتحقيق إصالح اجتماعي مرغوب فيه وأنها إملام بجوانب املعرفة كلها ونظرة‬

‫‪2023‬‬ ‫‪472‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫شاملة عن الخبرة اإلنسانية‪ ،‬فاملربي يضع نظريات تربوية ويشير إلى تطبيقات تربوية تكون نتيجة‬
‫حتمية التجاهه الفلسفي العام‪ ،‬فآراء أفالطون على سبيل املثال تنبثق من فلسفته املثالية"‪.‬‬
‫تسعى فلسفة التربية إلى فهم التربية في مجموعها‪ ،‬وتفسيرها بمفاهيم عامة‪ ،‬بغية تحديد‬
‫الغايات التربوية وترشيد سياساتها وكذلك تفسير املكتشفات العلمية املتجددة وفق عالقتها‬
‫بالتربية ويمكن القول أن معظم املشكالت التربوية الرئيسية هي في صميمها مشكالت تربوية‪ ،‬ذلك‬
‫أن انتقاد مثل عليا تربوية أو سياسات تربوية‪ ،‬أو اقتراح مثل عليا يلزمنا باألخذ بعين االعتبار تلك‬
‫ُ‬
‫املشكالت الفلسفية العامة مثل ‪ :‬طبيعة الحياة الصالحة التي ينبغي أن تؤدي إليها التربية‪ ،‬طبيعة‬
‫اإلنسان ذاته‪ ،‬طبيعة املجتمع‪ ،‬طبيعة الحقيقة النهائية التي تنشد املعرفة سبر أغوارها من هنا‬
‫يمكن أن نخلص إلى أن الفلسفة التربوية تتضمن تطبيق الفلسفة النظرية على مجال التربية بل‬
‫لقد ذهب ديوي إلى القول أنه‪( :‬يمكن وصف الفلسفة بأنها النظرية العامة للتربية) (محمد منير‬
‫مرس ي‪ ،1982 ،‬ص‪.)27 .‬‬
‫ويؤكد التالحم بين الفلسفة والتربية عندما نسعى إلى تحديد أهداف التربية و وغايتها‪ ،‬ومن‬
‫الثابت أن غاية التربية هي بالتأكيد غاية الحياة‪ ،‬والفلسفة تبحث وتنقب من أجل بيان ما هي‬
‫الغاية من الحياة‪ ،‬وأن التربية تتقدم بوسائل وطرائق من أجل إنجاز هذه الغاية" (موس ى وفرحت‪،‬‬
‫د‪-‬ت‪ ،‬ص‪ ،)27 .‬وعليه عن طريق التربية ننقل الفلسفة ونربطها بمواضيع الحياة املختلفة‪ ،‬والتربية‬
‫جزء من الفلسفة ومن الحياة اإلنسانية وغايتها الحياة‪ ،‬فإذا كانت غاية التربية هي غاية الحياة‪،‬‬
‫والفلسفة تبحث عن غاية الحياة فالنتيجة تكون أن الفلسفة والتربية وجهان لعملة واحدة ويظهر‬
‫االتصال الوثيق في "‪...‬النظر إليهما على أنهما جسم معرفي واحد يمثل أحدهما األخر بل يتضمنه‪،‬‬
‫إنهما صيغتان لنظرية اإلنسان في الحياة‪ ،‬فالفلسفة تمثل البعد النظري لإلنسان في الحياة‬
‫والتربية تمثل منهج العمل لتطبيق املفاهيم النظرية في شؤون اإلنسان داخل النظام االجتماعي‪،‬‬
‫وبهذا فإن التربية هي عملية إنسانية اجتماعية مهمة ال يستغني عنها اإلنسان‪ ،‬ألن التربية تحمل‬
‫مسؤولية الجانب الديناميكي للفكر الفلسفي‪ ،‬هي في نفس الوقت تمثل الوسيلة اإلجرائية لتحقيق‬
‫ما يحمله الفكر الفلسفي من منظومة معرفية عن الحياة‪ ،‬وبهذا تصبح التربية عملية ذات‬
‫مضمون فلسفي تقوم بها عن قصد وغاية لتحقيق وظائف الفرد واملجتمع والتراث الحضاري‬
‫لإلنسانية" (التميمي‪ ،2012 ،‬ص‪ ،)62 .‬فبالفلسفة والتربية نستطيع أن نفهم حياة اإلنسان وما‬
‫تتضمنه من مسائل اجتماعية‪ ،‬وعليه تصبح فلسفة التربية أمر يصعب االستغناء عنه في الحياة‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪473‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫إن التربية تمثل (العمل املتناسق الذي يهدف إلى نقل املعرفة والى تنمية القد رات وتدريب‬
‫وتحسين األداء اإلنساني في املجاالت جميعها‪ ،‬وخالل حياة اإلنسان كلها‪ ،‬والفلسفة هي ميدان‬
‫يثابر في صياغة النظريات التي تنزع التربية إلى تطبيقها) (الفرحان‪ ،1999 ،‬ص‪ ،)26 .‬وبهذا تصبح‬
‫التربية ذات هدف معرفي‪ ،‬والفلسفة يتجلى دورها في تطبيق هذه األهداف والنظريات‪( ،‬وهنا تأتي‬
‫وظيفة الفلسفة لكي تقرر ما هي الغايات الكبرى من الحياة‪ ،‬ومن ثم تقوم باختبار الوسائل‬
‫والطرائق التي تكفل تحقيق هذه الغايات‪ ،‬إذ ال ينبغي أن تناقض هذه األهداف التربوية في املجتمع‬
‫مع غايات الحياة اإلنسانية وأهدافها) (التميمي‪ ،2012 ،‬ص‪ ،)63 .‬فيجب على الهدف التربوي أن‬
‫يتماش ى وغايات الحياة اإلنسانية والفلسفة التي توجه العمل التربوي في املجتمعات اإلنسانية‬
‫ليست واحدة‪ ،‬بل هي متعددة االتجاهات واألفكار واملفاهيم‪ ،‬وباختالف الفلسفات العامة‬
‫للمجتمع تختلف الفلسفات التربوية والنظريات التي تحدد املبادئ التي تبنى في ضوئها وسائل‬
‫العملية التربوية)‪ ،‬فبتعدد االتجاهات واختالف املفاهيم وطرق التفكير ينتج عنه بالضرورة تنوع‬
‫الفلسفات التربوية‪( ،‬والفلسفة تشجع على التدبر في عمل املرء وتشجعه على الحكم على نفسه‬
‫واحترام ما يقول اآلخرون‪ ،‬وعلى عدم الخضوع لغير سلطة العقل‪ ،‬وهذا اإلسهام على الصعيد‬
‫الفردي يصبح أساسا لفهم التصورات العاملية واألسس الفلسفية لحقوق اإلنسان‪ .‬وحرية الفكر‪،‬‬
‫تؤكد فلسفة التربية على الصيغ العامة داخل النظام االجتماعي‪ ،‬وتجعل من األفراد أدوات لصيانة‬
‫املجتمع وما يحمله من مبادئ عامة تحقق مصلحة الجماعة وسعادتها‪ ،‬وتحافظ على الكيان‬
‫االجتماعي وما يحمله من هوية ثقافية في ضوء فلسفته االجتماعية‪ ،‬تحافظ على أصالة الهوية‬
‫الثقافية وتتطلع إلى التجديد في الحياة االجتماعية) (التميمي‪ ،2012 ،‬ص‪ ،)63 .‬تجعل الفلسفة‬
‫اإلنسان متفتحا قادرا على تقبل آراء اآلخرين وال تجعل منه متقوقعا حول أفكاره الخاصة‪ ،‬وهذا‬
‫تحت إعمال العقل وعدم تقبل ما ليس من العقل‪ ،‬وعن طريق هذا يصل إلى حرية التفكير‪ ،‬كما‬
‫تسعى فلسفة التربية من جعل اإلنسان الحامي لقيم املجتمع ‪.‬‬
‫إن التربية هي ذلك العمل املتناسق الذي يهدف إلى نقل املعرفة والى تنمية القدرات وتدريب‬
‫وتحسين األداء اإلنساني في كافة املجاالت وخالل الحياة كلها‪( ،‬أما الفلسفة فهي ميدان يثابر على‬
‫صياغة النظريات التي تهدف إلى بلوغ مثل عليا‪ ،‬وإن كان هدف الفلسفة هو املعرفة األعمق بالغاية‬
‫من الحياة‪ ،‬فإن التربية هي وسائل وطرق لذلك الهدف) (النجيحي‪ ،1967 ،‬ص‪.)7 .‬‬
‫وإذا كانت التربية تمد الفلسفة بالحقل الفكري والثقافي والعلمي والتاريخي التربوي‪ ،‬الذي‬
‫يتضمن الخبرة اإلنسانية في مجال التربية‪ ،‬لتكون موضوع دراسة وتحليل ونقد من قبل الفلسفة‬

‫‪2023‬‬ ‫‪474‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫والفالسفة‪ ،‬وهو ما يعرف بفلسفة التربية‪ ،‬فإنه في املقابل تقوم الفلسفة بدور تربوي على‬
‫مستويات عديدة في الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫تساعدنا فلسفة التربية على فهم بطريقة أفضل وأكثر عمقا معنى العملية التربوية ومعنى‬
‫القيام بها‪ ،‬كما تساعدنا على إدراك وتحديد أنواع النشاط اإلنساني املختلفة التي تكون أساسية‬
‫للفرد في واقعه الراهن‪.‬‬
‫تقوم فلسفة التربية بتوضيح الفروض واملفاهيم التي تقوم عليها النظريات التربوية املختلفة‬
‫وتوضيحها توضيحا ييسر إمكانية تطبقها في امليدان التربوي‪.‬‬
‫وفي خالصة القول يمكن أن نقول إن فلسفة التربية تصبح على درجة كبيرة من األهمية‬
‫لكل من له عالقة بالعملية التربوية والتعليمية‪ ،‬إذ أنها تفتح أذهاننا على حقائق التربية مما يزيد في‬
‫فهمنا لها وإدراكنا لجوانب الصراع املحتدمة بين النماذج الفكرية والتربوية املختلفة‪ ،‬وهي تبصرنا‬
‫كذلك بمدى عمق الهوة بين الفكر املوجه للتربية وبين التطبيق التربوي‪ ،‬وهي املرجع الذي يحدد لنا‬
‫غايات التربية وأهدافها‪ ،‬وال شك أن املعلم الذي يفتقد إلى الرؤية الواضحة سيكون عمله وجهده‬
‫التربوي عمال بال فائدة‪.‬‬
‫‪-‬خاتمة‪:‬‬
‫وخالصة القول إن فلسفة التربية تسعى إلى فهم التربية في كليتها اإلجمالية‪ ،‬بحيث تساعدنا‬
‫على تطوير نظرتنا للعملية التربوية‪ ،‬وعلى توجيه مجهوداتنا وتنسيقها‪ ،‬وعلى تحسين طرائقنا‬
‫وأساليبنا في التدريس والتقويم والتوجيه واإلدارة‪ ،‬وعلى رفع مستوى معالجتنا للمشكالت التربوية‬
‫ومستوى تصرفاتنا وأحكامنا وقراراتنا‪ ،‬وهذا يلزمنا بضرورة العودة إلى املعيار العملي للتأكد من‬
‫نجاح أو فشل فلسفة تربوية ما‪ ،‬فهي التي تساعدنا على تطوير نظرتنا للعملية التربوية‪.‬‬
‫وإذا كان هدف الفلسفة هو املعرفة األعمق بالغاية من الحياة‪ ،‬فإن التربية هي وسائل‬
‫وطرق لذلك الهدف وبهذا تصبح التربية ذات هدف معرفي‪ ،‬والفلسفة يتجلى دورها في تطبيق هذه‬
‫األهداف والنظريات‪ "،‬وهنا تأتي وظيفة الفلسفة لكي تقرر ما هي الغايات الكبرى من الحياة‪ ،‬ومن‬
‫ثم تقوم باختبار الوسائل والطرائق التي تكفل تحقيق هذه الغايات‪ ،‬إذ ال ينبغي أن تناقض هذه‬
‫األهداف التربوية في املجتمع مع غايات الحياة اإلنسانية وأهدافها‪.‬‬
‫ونستطيع أن نقول أن كال من الفلسفة والتربية تزودنا بما يمكننا من فهم حياة اإلنسان‬
‫وما تتضمنه من مسائل اجتماعية‪ ،‬وعليه تصبح فلسفة التربية أمر يصعب االستغناء عنه في‬
‫الحياة االجتماعية‪ ،‬وملا كانت التربية ومازالت املجال الذي تتحرك فيه الفلسفة‪ ،‬وهي الدرب الذي‬
‫يترجم إلى أرض الواقع املثل العليا‪ ،‬فإن ما يترتب على ذلك االستنتاج الالزم القائل‪" :‬إن الفلسفة‬

‫‪2023‬‬ ‫‪475‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫هي عقل التربية"‪ ،‬وأن التربية هي مضمار التجربة للفلسفة‪ ،‬وهي التي تساعدنا على التفكير في‬
‫املفاهيم واملشكالت التربوية بصورة واضحة و دقيقة و عميقة و منتظمة وهذا بدوره يؤدي إلى وعي‬
‫أكثر وإدراك ألبعاد املوضوعات الهامة‪ ،‬كما تساعدنا هذه الفلسفة أيضا على تقويم الحجج‬
‫ُّ‬
‫واألدلة التي تستند عليها اآلراء التربوية‪ ،‬مما يمكن العقل من التحرر والتعصب والتصلب في الرأي‬
‫ومن سلطان األفكار التقليدية القديمة‪ ،‬وتمكننا من إدراك التفاعل بين األهداف التربوية‬
‫املرسومة واملواقف التربوية املحددة والربط بينها لتوجيه قراراتنا مما يسمح برؤية أوضح لألهداف‬
‫الجديدة‪ ،‬باإلضافة إلى أنها تدفعنا للتحرك من أجل تحقيق هذه األهداف‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪476‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫بين التربية وفلسفة التربية (سؤال المفهوم وطبيعة العلاقة)‬

‫قائمة املراجع‪:‬‬
‫‪ -‬أبو ريان محمد علي‪ .)1969( .‬تاريخ الفكر الفلسفي الفلسفة الحديثة‪ ،‬ط‪ 1‬القاهرة‪ :‬دار الكتب‬
‫الجامعية‪.‬‬
‫‪ -‬اثين جلسون‪ .)1974( .‬روح الفلسفة املسيحية في العصر الوسيط‪ ،‬ترجمة‪ :‬إمام عبد الفتاح‬
‫إمام‪ ،‬ط‪ 2‬القاهرة‪ :‬دار الثقافة للطباعة والنشر‪.‬‬
‫‪ -‬التل سعيد وآخرون‪ .)1993( .‬املرجع في مبادئ التربية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الشروق للنشر‬
‫والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -‬التميمي وجدان كاظم عبد الحميد‪ .)2012( .‬مجلة كلية التربية‪ ،‬املجلد ‪ ،2‬العدد ‪،1‬‬
‫‪ -‬الحفني عبد املنعم‪ ،)1999( .‬موسوعة الفلسفة والفالسفة (الجزء األول)‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولي‪.‬‬
‫‪ -‬الفرحان محمد جلوب‪ ،)1999( .‬الخطاب الفلسفي التربوي الغربي‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ ،‬الشركة‬
‫العاملية للكتاب‪.‬‬
‫‪ -‬الكك فكتور‪( .‬د‪-‬ت)‪ .‬الثقافة والقيم االجتماعية (مقال)‪ ،‬أعمال املؤتمر الثقافي العربي السابع‪:‬‬
‫الثقافة والقيم‪.‬‬
‫‪ -‬املطهري الشهيد مرتض ى‪ ،‬والهاشمي حسين علي‪ ،)2011( ،‬الفلسفة‪ ،‬بيروت لبنان‪ :‬دار الوالء‬
‫‪ -‬الهواش عبد العزيز‪ ،)2002( .‬الثقافة والتربية‪ ،‬ط ‪ ،1‬أعمال املؤتمر الثقافي العربي السابع‪:‬‬
‫الثقافة والقيم‪ .‬بيروت‪ :‬دار الجيل‪.‬‬
‫‪ -‬ديوي جون‪ .)1952( .‬الديمقراطية والتربية‪ .‬ترجمة‪ :‬متي العقراوي وزكريا ميخائيل‪ .‬ط‪ ،2‬لجنة‬
‫التأليف والترجمة‪.‬‬
‫‪ -‬رحيم احمد حسن‪ ،)1977( .‬الفلسفة في التربية والحياة‪ ،‬النجف األشرف‪ ،‬مطبعة اآلداب‪.‬‬
‫‪ -‬زين العابدين أحمد عبد املنعال‪ .)1959( .‬مدخل جديد إلى الفلسفة‪ ،‬ط‪ ،1‬الخرطوم‪ :‬مطبعة‬
‫جامعة النيلين‪.‬‬
‫‪ -‬سعادة رضا‪ ،)1990( .‬الفلسفة ومشكالت اإلنسان‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الفكر اللبناني‪.‬‬
‫‪ -‬شمس الدين عبد األمير‪ ،)1997( .‬التربية بين الوراثة والبيئة‪ ،‬مدخل إلى فلسفة التربية ط‪،1‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار البالغة‪.‬‬
‫‪ -‬صليبا جميل‪ ،)1978( .‬املعجم الفلسفي‪ ،‬ج‪ ،1‬بيروت لبنان‪ :‬دار الكتاب اللبناني‪ .‬دار الكتاب‬
‫املصري‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪477‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬


‫الربيع لصقع‬

‫‪ -‬صليبا جميل‪ ،)1979( .‬املعجم الفلسفي‪ ،‬ج‪ ،2‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬دار الكتاب‬
‫املصري‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الكريم غريب‪ .)2009( .‬سوسيولوجية املدرسة‪ ،‬منشورات عالم التربية‪.‬‬
‫‪ -‬عشوي مصطفى‪ ،)2003( .‬مدخل إلى علم النفس املعاصر‪ ،‬ط‪ ،3‬الجزائر‪ :‬ديوان املطبوعات‬
‫الجامعية‪.‬‬
‫‪ -‬فام يعقوب‪ .)1985( .‬البراجماتزم أو مذهب الذرائع ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار الحداثة‪.‬‬
‫‪ -‬مجموعة من الكتاب‪ ،)1997( .‬نظرية الثقافة‪ ،‬سلسلة عالم املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،223‬الكويت‪،‬‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪.‬‬
‫‪ -‬مطر‪ ،‬أميرة‪ ،)1997( ،‬الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكالتها‪ ،‬د‪-‬ط‪ ،‬القاهرة مصر‪ :‬دار قباء‬
‫للطباعة والنشر‪.‬‬
‫‪ -‬موس ى محمد‪ ،‬وفرحت محمد (د‪-‬ت)‪ ،‬فلسفة التربية‪ ،‬جامعة البعث‪ ،‬كلية التربية‪.‬‬
‫‪ -‬ناصر محمد‪ )1977( .‬قراءات في الفكر التربوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،2‬الكويت‪ :‬وكالة املطبوعات‪.‬‬
‫‪ -‬يشير أمام زكريا‪ ،)2000( ،‬نشأة الفلسفة وجدواها‪ ،‬ط ‪ ،1‬الخرطوم‪ :‬مطابع السودان للعملة‪.‬‬

‫‪2023‬‬ ‫‪478‬‬ ‫المجلد‪ )8( :‬العدد‪)1( :‬‬

You might also like