‫اإلسم‪ :‬عبدالفريد عتيق‬

‫الرقم‪2172133043 :‬‬

‫ظاهرة الصعاليك‬

‫صعلوك‪ :‬الفقير الذي ال مال له‪ .‬وال اعتماد ‪".‬يقول‬

‫يقول ابن منظور في قاموسه الجامع "لسان العرب"‪" :‬ال ُّ‬
‫صعلوك‪ :‬الفقير الذي ال مال له‪ .‬وال اعتماد ‪".‬تدور معظم‬
‫ابن منظور في قاموسه الجامع "لسان العرب"‪" :‬ال ُّ‬
‫المعاجم العربية على هذا النحو في تعريفها للصعاليك أو الصعلوك‪ ،‬فهو الفقير الذي ال مال له يستعين به على‬
‫أعباء الحياة‪ ،‬وال اعتماد له على شيء أو أحد يتكئ عليه أو يتكل ليشق طريقه فيها‪ ،‬ويعينه عليها‪ ،‬حتى يسلك‬
‫واحدة‪.‬‬ ‫سبيله كما يسلكه سائر البشر الذين يتعاونون على الحياة‪ ،‬ويواجهون مشكالتها يدا‬
‫وقد ميز الباحثون في تاريخ العرب قبل اإلسالم بين ثالث مجموعات منهم‪ :‬مجموعة من الخلعاء‬
‫الشذاذ الذين خلعتهم قبائلهم لكثرة جرائرهم مثل حاجز األزدي وقيس بن الحدادية وأبي الطحان القيني‪.‬‬
‫ومجموعة من أبناء الحبشيات السود‪ ،‬ممن نبذهم آباؤهم ولم يلحقوهم بهم لعار والدتهم مثل السليك بن السلكة‬
‫ش ْنفَرى‪ .‬ومجموعة ثالثة احترفت الصعلكة احترافًا‪ ،‬وحينئذ قد تكون أفرادًا مثل عروة بن الورد‬
‫شرا وال َّ‬
‫وتأبط ًّ‬
‫العبسي‪ ،‬وقد تكون قبيلة برمتها مثل قبيلتي هذيل وفهم اللتين كانتا تنزالن بالقرب من مكة والطائف على‬
‫التوالي‪.‬‬
‫مظهرا من مظاهر التمرد‪،‬‬
‫ً‬ ‫إن الصعلوك كان يصطدم بمجتمعه الذي يرى في هذه الفوضوية الفردية‬
‫وتنقطع الصلة بين المجتمع والصعلوك‪ ،‬فيتخلى المجتمع عنه‪ ،‬وتحرمه قبيلته حمايتها‪ ،‬ويعيش الصعلوك‬
‫مشردًا‪ ،‬أو طريدًا متمردًا‪ ،‬حتى يلقى مصرعه‪ ،‬أما أعداؤه فقد استراحوا من هذا الفزع الذي كانوا‬
‫ّ‬ ‫خليعا‬
‫"منتظراَ أهلُه" ‪-‬على حد تعبير زعيم الصعاليك عروة بن الورد‬
‫َ‬ ‫يترقبونه كل حين كما يترقب غائبا‬
‫لقد استمرت مشكلة الصعاليك لفترة طويلة‪ ،‬يغيرون ويأكلون وينفقون على أنفسهم ومن يرونه فقيرا مثلهم من‬
‫مال األغنياء األشحاء‪ ،‬ثم في أوقات الصفاء أو الكدر والعناء يبرعون فيما يبرع فيه العربي القديم‪ ،‬في‬
‫الشعر‪ ،‬وقد ساعدهم على استمرار وجودهم طبيعة الجزيرة العربية القاسية‪ ،‬حيث الجبال والوديان الوعرة‪،‬‬
‫وصعوبة اللحاق بهم‪ ،‬أو العثور عليهم بسهولة‪.‬‬
‫ولذلك ال عجب أن تجد في شعر العرب عامة‪ ،‬والصعاليك خاصة ما يصور لنا جانبا من طبيعة البيئة‬
‫القاسية التي كانوا يحيون فيها‪ ،‬فتارة يصفون شدة البرودة‪ ،‬وتارة شدة الحر والهجير والرمضاء‪ ،‬فهذا أحدهم‬
‫يقول‪:‬‬
 ‫ب لوابه ** أفاعيه في رمضائه تتملم ُل‬
‫ويوم من الشّعرى يذو ُ‬

‫ك ُّل شيء في هذه الصحراء إذن قاس وعنيف‪ ،‬فال عجب أن تنجب أبناء قساة أشداء يألفونها‪ ،‬ويحيون فيها‪ ،‬لما‬
‫تُيسّره لهم من االختفاء في مجاهلها‪ ،‬وجبالها ومتاهاتها‪ ،‬لذلك نجد أن الصعاليك على الرغم من نشأتهم في‬
‫أماكن قريبة من الخصب إال أنهم يفضلون دائما أن يكونوا في كنف هذه الطبيعة صعبة المنال‪ ،‬فنجدهم يألفون‬
‫الجبال والقفار واألماكن التي يخشى غيرهم ارتيادها‬

‫أبرز شعراء الصعاليك‬

‫تعدد شعراء الصعاليك الذين اشتهروا بشعرهم في تلك الفترة‪ ،‬ومن بينهم‪:‬‬
‫عروة بن الورد‪ ،‬وهو من أهل نجد وكان من دهاة العرب وشجعانها الموصوفين‪ ،‬وكان لقبه أمير الصعاليك‪،‬‬
‫حيث أنه من أهم وأعظم شعراء الجاهلية‪ ،‬وهو الشخص الذي غير نظرة العالم لتلك الفئة المهمشة‪ ،‬وانتمى إليهم‬
‫ً‬
‫مقتوال في‬ ‫بإرداته وقادهم في الكثير من معارك اإلغارة على القبائل من أجل مساعدة الفقراء وإعانتهم‪ ،‬وتُوفي‬
‫واحدة في تلك الغارات‪.‬‬
‫حاجز بن عوف األزدي‪ ،‬هو شاعر جاهلي كان حليفًا لبني مخزوم‪ ،‬اشتهر بسرعته في العدو‪ ،‬وكان من الذين‬
‫عدوا في المعارك‪ ،‬ونظم الكثير من الشعر القوي‪.‬‬
‫يدركون الخيل ً‬
‫شرا‪ ،‬هو ثابت بن جابر من قبيلة الفهمي من أهل تهامة وسبب لقبه بأنه كان كلما خرج للغزو وضع سيفه‬
‫تأبط ً‬
‫شرا إلى الصعاليك ألن أمه‬
‫شرا وخرج‪ ،‬وانضم تأبط ً‬
‫تحت إبطه فقالت أمه مرة لمن جاء يسأل عنه لقد تأبط ً‬
‫كانت حبشية ولم يعترف والده بنسبه‪.‬‬
‫عا يفتك بمن يعاديه أو يخالفه‪ ،‬وتبرأت منه قبيلته في سوق عكاظ‪،‬‬
‫شاعرا شجا ً‬
‫ً‬ ‫قيس الحدادية الخزاعي‪ ،‬كان‬
‫وانضم إلى الصعاليك حيث يقال أن الحدادية هي أمه وقد كانت من كنانة واختار هو أن يُسمى باسمها‪.‬‬
 ‫الشنفرى األزدي‬
‫السيرة الذاتية لـ الشنفرى‬
‫يعتبر الشنفرى من الشعراء الصعاليك‪ ،‬تقول بعض الروايات أنه نشأ في قبيلة أمه بني فهم وهي قبيلة عدنانية‪،‬‬
‫وذلك بعد أن قتل بني سالمان بن مفرج والده‪ ،‬فأقسم أن يقتل مئة شخص منهم‪ ،‬تمكن من قتل تسعة وتسعين‬
‫رجل منهم‪ ،‬وأوفى بوعده بعد مماته عندما ركل رجل من بني سلمان برجله جمجمة الشنفرى فدخلت عظمة‬
‫في رجله ومات على إثرها‪.‬‬
‫واشتهر الشنفرى بالمية العرب‪ ،‬والتي تعتبر من أهم الوثائق الفنية التي تعبر عن طبيعة الحياة البدوية في‬
‫الفترة الجاهلية‪ ،‬باإلضافة إلى أنها تظهر عشق الشاعر للصحراء وولعه بالحرية والوحدة‪.‬‬
‫الشنفرى األزدي ونشأته‪:‬‬
‫بعد أن وقعت معركة بين بني الحارث بن ربيعة وبني هذيل‪ ،‬سبى مالك‪-‬والد الشنفرى‪ -‬سبيةً من بني هذيل‪،‬‬
‫فأنجبت منه الشنفرى وأ ٌخ آخر‪ ،‬ثم رحلت أمه به وبأخيه إلى بني فَهم بعد مقتل أبيهم‪ ،‬فأقامت عندهم‪ ،‬وهذا ما‬
‫ْ‬
‫شرا خاله‪ .‬أما سبب مقتل أبيه ورحيل أمه إلى بني فهم‪ ،‬هو َّ‬
‫أن أباه مالك‬ ‫جعل بعض الباحثين يظنون ّ‬
‫أن تأبط ً‬
‫حرب الغامديين الذين يطلبون دم‬
‫َ‬ ‫كان قليل المال‪ ،‬وقد أ َجار أحد الفَهميين من بني فَهم‪ ،‬لم يحتمل قو ُم مالك‬
‫ضا‪ ،‬إذ طالب الفَهميين بدم‬
‫الرجل الفَهمي فقتلوه‪ ،‬فثار عليهم مالك لقتلهم الرجل وهو بجواره فقتلوه هو أي ً‬
‫قوم مالك‪ ،‬فعلقوا األمر بذمة مالك وأنَّه قد قُتل‪ ،‬وألنَّهم قتلوه فقد سلموا أسرته إلى بني فهم‪ ،‬وهذا‬
‫رجلهم من ِ‬
‫شبابة وأ ُ َ‬
‫سر الشنفرى عند بني‬ ‫سبب انتقال الشنفرى وأخيه إلى بني فهم‪ ،‬لتجنب الحرب بين بني فَهم وبني ُ‬
‫أسير لهم عند بني سالمان بالشنفرى‪ ،‬وكان هذا االنتقال األخير للشنفرى ‪.‬‬
‫ً‬ ‫شبابة‪ ،‬استبدل بنو ُ‬
‫شبابة‬ ‫ُ‬
‫المية العرب للشنفري‪:‬‬
‫المية العرب من أشهر قصائد الشنفري األزدي‪ ،‬وهي قصيدة طويلة تضمنت الكثير من القيم واألخالق‬
‫الحميدة التي يفخر بها العرب‪ ،‬وقد أوصى عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أن يُعلم الناس أطفالهم المية‬
‫كبيرا من الشعراء وعلماء اللغة‪،‬‬
‫العرب للشنفري ألنها تعلمهم األخالق الحميدة‪ ،‬والقت هذه القصيدة اهتما ًما ً‬
‫وكتبوا حولها الكثير من الشروحات‪ ،‬ونالت استحسان المستشرقين‪ ،‬ولهذا تمت ترجمتها إلى عدة لغات‪ ،‬هي‬
‫ضا من أبياتها‪:‬‬
‫اإلنجليزية‪ ،‬والفرنسية‪ ،‬واإليطالية‪ ،‬واأللمانية‪ ،‬واليونانية‪ ]٥[،‬وفيما يأتي بع ً‬
‫ُور َم ِطيِّ ُك ْم‬
‫صد َ‬‫أَقِي ُموا بَنِي أ ُ ِ ّمي ُ‬
‫فَإنِّي إلى قَ ْوم ِس َوا ُك ْم َأل َ ْميَ ُل‬
 ‫نبذة عن خصائص شعر الشنفرى‪:‬‬
‫يمكن تلخيص خصائص شعر الشنفرى كما يأتي‪:‬‬
‫• وجود األلفاظ الحوشيّة ْ‬
‫أي الغريبة في شعر الشنفرى‪ ،‬وهي الصفة الغالبة على شعره وشعر‬
‫الصعاليك عامة‪ ،‬وجاءت هذه األلفاظ من قسوة حياتهم‪.‬‬
‫• عدم التكلف والقصر‪ ،‬وذلك بسبب طبيعة الحياة التي عاشها والتي تمتاز بالقلق المستمر والتوتر‬
‫والتنقل الدائم‪.‬‬
‫• الدقة في التعبير من أهم خصائص شعر الشنفرى‪ ،‬إذ تجلت هذه الدقة في العديد من األبيات‪ ،‬ومنها‬
‫الدقة في تحديد األماكن‪ ،‬والدقة في تحديد األلفاظ المناسبة للحدث‪ ،‬والصراحة الواقعية في األلفاظ‪.‬‬
‫• ابتعاد الشنفرى في معظم أشعاره عن سمة التصريع كالعديد من الشعراء الصعاليك‪ ،‬واستبدلها‬
‫بمقدّمات فروسيّة إذ كان معروفا ً عن الصعاليك ثورتهم على العادات والمجتمع حتى في الشعر‪،‬‬
‫فرفضوا تقليد باقي الشعراء في الجاهلية‪ ،‬ويمكن استثناء قصيدة للشنفرى وصلت لنا وكان مطلعها‪:‬‬
‫وما ودعت جيرانها إذ تولت‬ ‫ت‬
‫أال أم عمرو أجمعت فاستقل ِ‬
‫• عدم تقيده في معظم أشعاره بالقواعد النحوية والصرفية المعتمدة وكان يأتي في بعض األحيان‬
‫بأوزان لم يستعملها أحد من قبل وربما أفعال مصرفة على غير القياس المعتمد‪.‬‬

‫وتشرده وتغنى بالكرم‬

‫ّ‬ ‫الصراع والقتال وحياة البداوة‪ ،‬كباقي الشعراء الصعاليك‪ ،‬فذكر مغامراته‬ ‫•‬
‫والشجاعة‪ ،‬ونبذ الفقر واستنكر العادات القبليّة‪.‬‬

‫مقتل الشنفرى األزدي‪:‬‬

‫فشلت جميع محاوالت قتل الشنفرى األزدي إلى أن تعاونت القبائل ومنهم بنو سالمان بعد أن قتل الشنفرى‬
‫سا‪ ،‬فردموا اآلبار إال واحد وترصدوا للنشفرى حوله‪ ،‬واتفقوا أنَّه إذا أُصيب أحدهم بسهم‬
‫منهم تسعةٌ وتسعين نف ً‬
‫ّ‬
‫ليطمئن‬ ‫ً‬
‫متسلال ورمى سه ًما خلف الشجر‬ ‫ّ‬
‫يطمئن الشنفرى األزدي‪ ،‬فجاء الشنفرى إلى البئر‬ ‫ّأال يتحركوا حتى‬
‫بأمان المكان‪ ،‬فأصاب واحدًا منهم لكنه لم يتحرك‪ .‬شعر الشنفرى باألمان بعد رميه السهام ونزل إلى البئر‪،‬‬
‫وكانوا اتفقوا ّأال يُهاجموه حتى ينزل البئر لكونه سريعًا في الهرب‪ ،‬فهجموا عليه بعد نزوله إلى البئر وأخذوه‬
‫مصلوبًا‪.‬‬ ‫فقتلوه وصلبوه فلبث عا ًما أو أكثر‬