You are on page 1of 9

341 - 333 :‫ص‬،‫ ص‬،‫ ) | القسم(أ) العلوم اإلقتصادية و القانونية‬2022 ،01 ‫ العدد‬، 14 ‫ اجمللد‬،‫األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‬

‫ املنصة اجلزائرية للمجالت العلمية‬ASJP ‫قوائم احملتويات متاحة على‬


‫األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‬
www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/552 :‫الصفحة الرئيسية للمجلة‬

:‫العالقات املدنية العسكرية واالنتقال الدميقراطي يف الوطن العربي‬


‫ منوذجا‬2019‫موقف املؤسسة العسكرية اجلزائرية من حراك فرباير‬

Civil-military Relations and the democratic transation in the Arab


World: The Position of the Algerian Military on February 2019
Mobility as a model
‫ جهيدة ركاش‬،* ، 1‫خديجة بن قدور‬
2

.‫ الجزائر‬- ‫الشلف‬- ‫ جامعة حسيبة بن بوعلي‬- ‫ مخبر المجتمع ومشاكل التنمية المحلية بالجزائر‬،‫ الشلف‬،‫جامعة حسيبة بن بوعلي‬1
.‫ الجزائر‬،-‫ الشلف‬- ‫ جامعة حسيبة بن بوعلي‬- ‫ مخبر إصالح السياسات العربية في ظل تحديات العولمة‬،‫ الشلف‬،‫ جامعة حسيبة بن بوعلي‬2
Key words: Abstract
Civil-Military Relations This study is based on the differing position of the Arab armies in the First Wave of Arab
Democratic Transition Mobility named the Arab Spring that varied between respondent and dissident, and
the impact of this disparity on the democratic transition in these countries to enshrine
Popular Mobility democracy or overthrow it. It investigates the problem of the civil-military relations
the Military. and democratic transition in the Arab countries during the Second Wave of Mobility.
It addresses the Algerian context to examine the position of the Algerian Military on
February 2019 Mobility in which the Algerian people expressed their rejection of the
prevailing regime through their demonstrations and marches. The findings praised
the role of the army institution in securing the movement and accompanying it on the
one hand; demanding the activation of articles 07, 08, 102 of the Constitution stating
that people are the source of all authority and approving the President’s Office vacancy
because of his resignation as a result of a medical impediment on the other hand, as well
as saving the democratic transition in Algeria until the election of a civilian president in
elections supervised by an independent commission established for this purpose.
‫ملخص‬ ‫معلومات املقال‬
:‫تاريخ املقال‬
‫بناء على تباين موقف الجيوش العربية من االنتقال الديمقراطي في الدول العربية‬ 2021-05-07: ‫اإلرسال‬
‫ وتأثير هذا الدور على مسار االنتقال‬،‫خالل موجة الحراك األولى بين مستجيب ومواجه‬
‫ تسعى هذه الدراسة إلى‬،‫الديمقراطي في هذه الدول بتكريس للديمقراطية أو بإسقاطها‬
‫البحث في تأثير العالقات المدنية العسكرية على عملية االنتقال الديمقراطي في بلدان‬ 2021-06-08 : ‫القبول‬
،‫الوطن العربي خالل موجة الحراك الثانية من خالل التطرق إلى الحالة الجزائرية‬
،2019 ‫انطالقا من التساؤل عن موقف المؤسسة العسكرية الجزائرية من حراك فبراير‬ :‫الكلمات املفتاحية‬
‫ وقد توصلت نتائج الدراسة إلى التعريف‬،‫وتأثير هذا الدور على العملية الديمقراطية بها‬ ‫العالقات المدنية‬
‫ ومطالبتها‬،‫بالدور الذي لعبته مؤسسة الجيش في تأمين الحراك ومرافقته من جهة‬ ‫العسكرية‬
،‫ من الدستور القاضية بأن الشعب مصدر كل سلطة‬102 ،08 ،07 :‫بتفعيل المواد‬ ‫االنتقال الديمقراطي‬
،‫وإقرار شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب استقالته لحدوث مانع طبي من جهة ثانية‬ ‫الحراك الشعبي‬
‫وكذا الوصول باالنتقال الديمقراطي بالجزائر إلى غاية انتخاب رئيس مدني تحت‬
.‫المؤسسة العسكرية‬
.‫إشراف لجنة مستقلة أنشأت لهذا الغرض‬
333
* Corresponding author at : Hassiba Ben Bouali University of Chlef , ALGERIA.
Email : k.benkaddour@univ-chlef.dz
‫خ‪ .‬بن قدور وآخرون | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 14‬العدد ‪ | )2022 ،01‬القسم(أ) العلوم اإلقتصادية و القانونية‪ ،‬ص‪،‬ص‪341 - 333 :‬‬

‫املفاهيمية والتطبيقية بهدف معاجلة فرضيات الدراسة‬ ‫‪ .1‬مقدمة‬


‫واإلجابة على اإلشكالية بتتبع احملاور اآلتية ‪:‬‬
‫عرف الوطن العربي موجة حراك شعيب كبرية ابتداء من سنة‬
‫‪ ،2011‬طالبت من خالهلا الشعوب العربية بإسقاط األنظمة ‪.1‬مفهوم العالقات املدنية العسكرية واالنتقال الدميقراطي‬
‫االستبدادية القائمة واستبداهلا بأخرى دميقراطية‪ ،‬وهو والعالقة بينهما‪.‬‬
‫ما يعرف يف األدبيات السياسية باالنتقال الدميقراطي‪ ،‬وقد ‪ -2‬العالقات املدنية العسكرية العربية واالنتقال الدميقراطي‬
‫شهدت هذه التظاهرات تصديا كبريا من قبل هذه األنظمة يف الدول العربية خالل املوجة األوىل من احلراك‪.‬‬
‫اليت رفضت التنحي عن السلطة‪ ،‬بإقحام جيوشها يف التصدي‬
‫‪.3‬موقف املؤسسة العسكرية اجلزائرية من حراك فرباير‬
‫هلا وإسقاطها‪ ،‬مما نتج عنه اختالف يف ردود الفعل اخلاصة‬
‫‪ 2019‬وتأثريه يف االنتقال الدميقراطي يف اجلزائر ‪.‬‬
‫بهذه اجليوش من خالل تأييد السلطة احلاكمة حبمايتها‬
‫والعمل على إبقاءها أو برفض االنصياع ألوامرها يف التصدي ‪ .2‬مفهوم العالقات املدنية العسكرية واالنتقال الدميقراطي‬
‫هلذه التظاهرات مساندة ملطالبها‪ ،‬مما اجنر عنه تسهيل عملية والعالقة بينهم‬
‫خلصت التجارب الدولية إىل أن االنتقال الدميقراطي يف أي‬ ‫االنتقال الدميقراطي هلذه الدول أو إجهاضها ‪.‬‬
‫إن املتتبع لكرونولوجيا أحداث ما بعد موجات احلراك يف الوطن بلد مرهون مبجموعة من التحديات أهمها موقف املؤسسة‬
‫العربي منذ سنة ‪ ،2011‬يثبت وجود موجة ثانية تزامنت مع العسكرية منه وأداؤها خالله‪ ،‬وقبل اخلوض يف هذا التحليل‬
‫نهاية سنة ‪ 2018‬وبداية سنة ‪ ،2019‬ظهرت يف كل من البد من التعرف على اإلطار املعريف لكل متغري منهما وسياقاته‬
‫وحماولة إجياد العالقة اليت تربط كل متغري باآلخر‪.‬‬ ‫السودان واجلزائر لتتبعها لبنان ومصر بأقل تقدير‪.‬‬
‫‪ .1.2‬مفهوم العالقات املدنية العسكرية‬ ‫تقوم الدراسة بناء على منهج دراسة احلالة بالتطرق إىل‬
‫تدرس العالقات املدنية العسكرية من خالل تسميتها العالقة‬ ‫احلراك الشعيب الذي عرفته اجلزائر يف فرباير ‪ ،2019‬والذي‬
‫بني املدنيني والعسكريني‪ ،‬و ُتعترب مفهوما حديث النشأة يف حقل‬ ‫أخذ شكل مسريات وتظاهرات تطالب برفض ترشح الرئيس عبد‬
‫العلوم السياسية مقارنة مع باقي املفاهيم السياسية األخرى‪،‬‬ ‫العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة‪ ،‬لريتفع حجم املطالب بعدها‬
‫حيث ترجع أوىل الكتابات يف هذا املفهوم إىل عامل السياسة‬ ‫إىل إسقاط كلي للنظام ورموزه‪ ،‬وتظهر املؤسسة العسكرية‬
‫األمريكي "صاموال هينتكتون" ‪ Samuel Huntington‬يف‬ ‫حينها لتربز موقفها من هذا احلراك من خالل مجلة خطابات‬
‫كتابه "اجلندي والدولة "‪ ،‬والذي درس من خالله العالقة بني‬ ‫قائد أركانها السيد أمحد قايد صاحل‪ ،‬اليت ألقاها خالل زيارات‬
‫ركز يف كتابه على‬ ‫اجليش والدولة باملفاهيم اآلخرى‪ ،‬حيث ّ‬ ‫العمل والتفقد للنواحي العسكرية بالبالد‪ ،‬وعلى هذا األساس‬
‫أهمها ضرورة سيطرة‬ ‫جمموعة من االلزامات يف هذا الشأن ّ‬ ‫فإن هذه الدراسة سوف حتاول اإلجابة على اإلشكالية التالية‪:‬‬
‫املدنيني على العسكريني من خالل فكرة احرتافية اجليش‬ ‫فيم مت ّثل موقف املؤسسة العسكرية اجلزائرية من حراك‬
‫اليت توجب استقاليته وحياده السياسي‪ ،‬وجاء حتليله هلذا‬ ‫فرباير ‪ ،2019‬وما موقعها يف تسهيل عملية االنتقال‬
‫املفهوم مع بداية ما مساه باملوجة الثالثة للتحول الدميقراطي‬ ‫الدميقراطي اجلزائري من عدمه مقارنة مع موقف اجليوش‬
‫(عالم‪ ،)2018 ،‬وقد أطلق على دراسته يف هذا الشأن بالنظرية‬ ‫العربية األخرى يف موجة احلراك األوىل ؟‪.‬‬
‫التقليدية للعالقات املدنية العسكرية ألنها درست احلالة‬
‫ولإلجابة عن هذا اإلشكال مت االنطالق من ثالث فرضيات‬
‫األمريكية فقط مما أدّى إىل نقدها وطرح رؤى حديثة يف‬
‫أساسية تتمثل يف‪:‬‬
‫دراستها‪ ،‬وظهور نظريات حديثة يف تفسري هذه العالقة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬كلما مت حتييد املؤسسة العسكرية والسيطرة عليها‬
‫ال يوجد تعريف موحد للعالقات املدنية العسكرية نظرا لتعدد‬
‫من قبل خنب مدنية قوية ومتماسكة يف عملية االنتقال‬
‫وجهات النظر احملددة لطبيعتها‪ ،‬فعرفت على أنها التحدي‬
‫الدميقراطي أدّى ذلك إىل جناح هذه األخرية والعكس صحيح ‪.‬‬
‫األقوى يف معادلة الصراع املستمر على السلطة بني املدنيني‬
‫والعسكريني لتحديد من له اليد العليا يف التعامل مع القضايا‬ ‫ثانيا‪ :‬أ ّثرت العالقات املدنية العسكرية يف الدول العربية يف‬
‫اخلالفية (جالل‪ ،2015 ،‬صفحة ‪ ،)156‬ويرى جون كيمينو‬ ‫عملية االنتقال الدميقراطي من خالل تب ّنيها موقف التأييد أو‬
‫‪ JON Kimminau‬على أنها إما تكون عالقة تعاون أو صراع‬ ‫الرفض للحراك العربي يف مطالبه إلسقاط األنظمة السائدة‬
‫نتيجة الختالف التوجهات واألهداف لدى كل منهما (جالل‪،‬‬ ‫يف موجته األوىل سنة‪.2011‬‬
‫ثالثا‪ :‬ساهم موقف املؤسسة العسكرية اجلزائرية خالل حراك‬
‫‪ ،2015‬صفحة ‪.)156‬‬
‫‪ 2019‬يف تدعيم ومرافقة االنتقال الدميقراطي باجلزائر من أما عامر مصباح فقد رأى بأنها كل اإلجراءات والقرارات‬
‫والسياسات اليت جتعل القيادة العسكرية واآلنية تعمل حتت‬ ‫خالل محاية احلراك ومرافقته واالعرتاف مبطالبه‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس سوف يتم التطرق إىل جمموعة من احملاور إمرة القيادة السياسية املدنية‪ ،‬بأداء دور الدعم والتعزيز‬

‫‪334‬‬
‫خ‪ .‬بن قدور وآخرون | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 14‬العدد ‪ | )2022 ،01‬القسم(أ) العلوم اإلقتصادية و القانونية‪ ،‬ص‪،‬ص‪341 - 333 :‬‬

‫مغلقة‪ ،‬مدنية أو عسكرية‪ ،‬حكم فرد أو حكم قلة‪...‬إخل‪ ،‬كما‬ ‫لوظائف القيادة املدنية يف إدارة البالد داخليا وخارجيا‪،‬‬
‫أن هناك حاالت ومستويات متعددة للنظام الدميقراطي الذى‬ ‫واحلفاظ على األمن اجملتمعي يف بعدها االسرتاتيجي (مصباح‪،‬‬
‫يتم االنتقال إليه‪ .‬فقد ينتقل نظام تسلطي مغلق إىل نظام شبه‬ ‫نظرية العالقات املدنية العسكرية ‪-‬احلاالت التطبيقية يف التحليل‬
‫دميقراطي يأخذ شكل دميقراطية انتخابية‪ ،‬وميكن أن يتحول‬ ‫االسرتاتيجي‪.)2018 ،-‬‬
‫نظام شبه دميقراطي إىل نظام دميقراطي ليربالي أو يكون‬ ‫أما عن الطرح اجلديد واحلديث يف تفسري العالقات املدنية‬
‫قريبا منه (حسنني‪.)2013 ،‬‬ ‫العسكرية وحتليلها يف سياق غري غربي فقد متثل يف جمموعة‬
‫وهذه املفاهيم من شأنها متييز مفهوم االنتقال الدميقراطي‬ ‫من النظريات‪ ،‬أهمها نظرية التوافق للباحثة "ربيكا تشيف‬
‫عن غريه من املفاهيم املتشابهة خاصة مفهوم التحول‬ ‫" ‪ "Rebecca Schiff‬اليت تقوم على أساس أهمية احلوار‬
‫الدميقراطي‪ ،‬نظرا للتشابه الشكلي بينهما‪ ،‬يف حني أنهما‬ ‫واألهداف بني العسكريني والنخب السياسية احلاكمة‪،‬‬
‫مفهومان خمتلفان متاما عن بعضهما‪ ،‬حبيث يشري االنتقال‬ ‫والتأكيد على أسلوب احلوار والتوافق بينها‪ ،‬واعتماد املؤسستني‬
‫الدميقراطي إىل انتقال السلطة من احلكم االستبدادي إىل‬ ‫على املتغريات الثقافية واإلجتماعية لتشكيالتها القائمة‬
‫حكومة دميقراطية منتخبة‪ ،‬وبالتالي العبور من حكم غري‬ ‫باألساس على منع احتمال التدخالت العسكرية (عودة‪،2017 ،‬‬
‫دميقراطي إىل حكم دميقراطي‪ ،‬أما التحول الدميقراطي فإنه‬ ‫صفحة ‪ ،)516‬أما نظرية تقاسم السلطة لصاحبها "دوجالس‬
‫يعرب عن عملية طويلة وممتدة تشمل جمموعة من العمليات‬ ‫ليبالند" ‪ "DOUGLAS L.BLAND‬فتقوم على أساس‬
‫تتمثل يف تطوير الدميقراطية وتعزيزها بشكل جيعل من‬ ‫أن للعسكريني دور يف جمال الدّفاع بشكل أساسي إضافة إىل‬
‫النظام مستقرا وفاعال حقيقيا يف تأصيل ومأسسة القيم‬ ‫دورهم يف احلفاظ على األمن‪ ،‬حبيث تتحقق السيطرة املدنية‬
‫الدميقراطية وترسيخها (هاني‪.)2015 ،‬‬ ‫من خالل اقتسام املسؤوليات بينها وبني العسكريني يف جوانب‬
‫أ ‪ -‬أسباب االنتقال الدميقراطي وأشكاله‬ ‫معينة حبيث ال يكون تداخل بينهما‪ ،‬إضافة إىل تأكيدها‬
‫أن ال ّنخب املدنية هي اآلن املصدر الوحيد والشرعي للتوجيه‬
‫تتعدّد أسباب وأشكال االنتقال الدميقراطي من احلكم‬ ‫العسكري‪ ،‬إذال يوجد تعارض بني اقتسام املسؤوليات والسيطرة‬
‫االستبدادي إىل احلكم الدميقراطي‪ ،‬وقد أظهرت التجارب‬ ‫املدنية واالشرتاك يف اختاذ القرارات السيما ما يتعلق بالقضايا‬
‫مست دول العامل يف االنتقال الدميقراطي ذلك‬
‫الدولية اليت ّ‬ ‫ذات البعد االسرتاتيجي املتعلقة باألمن واجملتمع (عودة‪،2017 ،‬‬
‫وفقا ملا يلي‪( :‬حسنني‪.)2013 ،‬‬ ‫الصفحات ‪. )520-519‬‬
‫أ‪ .1.‬أسباب االنتقال الدميقراطي‬ ‫مت اإلشارة إليه أن العالقات املدنية العسكرية‬‫مما ّ‬
‫ي ّتضح ّ‬
‫تبعا للدراسات املقارنة‪ ،‬تتعدد أسباب االنتقال الدميقراطي‬ ‫مفهوم غربي جاء لتفسري دور العسكريني مقارنة مع املدنيني‬
‫وتنقسم إىل جمموعة من العوامل ميكن حصرها فيما يلي‪:‬‬ ‫يف أي نظام سياسي خارج الدور العسكري‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫أ‪ .1.1.‬أسباب تتعلق حبدة األزمات الداخلية وعجز النظام غري‬
‫سيطرة النخب املدنية على العسكرية‪ ،‬وقد شهد تطورا كبريا‬
‫الدميقراطي عن مواجهتها بفاعلية‬
‫إلخراجه من البيئة األمريكية الدميقراطية إىل بيئات أخرى‬
‫واحلديث خيص هنا الدميقراطيات الناشئة والدول النامية ‪.‬‬
‫عندما تشتد األزمات االقتصادية أو االجتماعية أو السياسية‪،‬‬
‫‪ .2.2‬مفهوم االنتقال الدميقراطي‬
‫ويعجز النظام عن مواجهة هذه األزمات فإنه يفقد شرعيته‪،‬‬
‫ع ّرف كل من أودونيل وشومبيرت االنتقال الدميقراطي بأنه وبالتالي تتصاعد حدة املعارضة ضده‪ ،‬مما حيتم انتقاال‬
‫املرحلة الفاصلة بني نظام سياسي وآخر‪ ،‬حبيث يتم تدعيم دميقراطيا إلعادة النظر يف النظام و فاعليته يف حل هاته‬
‫النظام اجلديد أثناء هذا االنتقال وأعقابه وتنتهي هذه العملية األزمات ‪.‬‬
‫أ‪ 2.1.‬أسباب تتعلق بطبيعة الفاعلني السياسيني حسب هوياتهم وموازين‬
‫يف اللحظة اليت جيري فيها اكتمال تأسيس النظام اجلديد"‬
‫(البوشي‪.)2019 ،‬‬
‫القوة بينهم‬
‫يتضمن ذلك جمموعة من العناصر أهمها‪ ،‬درجة متاسك‬ ‫وع ّرف أيضا بأنه االنتقال من حالة إىل حالة‪ ،‬من حالة‬
‫النخبة احلاكمة‪ ،‬وموقف كل من اجليش وقوات األمن منها‪،‬‬ ‫االستبداد إىل حالة املشاركة السياسية الفعالة من قبل‬
‫الشعب يف اجملتمع (عبد الفتاح ماضي‪ ،2009 ،‬صفحة ‪.)27‬‬
‫وحجم التأييد الشعيب هلا‪ ،‬وطبيعة قوى املعارضة السياسية‬
‫ومدى فاعليتها يف حتدي النخبة احلاكمة‪ ،‬ويف هذا السياق‬ ‫ويرى حسنني توفيق ابراهيم أنه مفهوم يشري إىل جمموع‬
‫يكون للقيادة السياسية أو اجلناح اإلصالحي يف النخبة‬ ‫العمليات والتفاعالت املتعلقة بانتقال نظام حكم غري‬
‫احلاكمة دور حاسم يف عملية االنتقال الدميقراطي‪ ،‬وحيدث‬ ‫دميقراطي إىل نظام حكم دميقراطي‪ ،‬مع اإلشارة يف هذا الشأن‬
‫ذلك باقتناع القيادة السياسية بضرورة التوجه حنو االنتقال‬ ‫إىل أن لالنتقال الدميقراطي أشكاال أو أمناطا لنظم احلكم‬
‫كحل آمن لتجنب تغيري النظام بالقوة‪.‬‬ ‫غري الدميقراطية‪ ،‬اليت ميكن أن تكون مشولية أو تسلطية‬

‫‪335‬‬
‫خ‪ .‬بن قدور وآخرون | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 14‬العدد ‪ | )2022 ،01‬القسم(أ) العلوم اإلقتصادية و القانونية‪ ،‬ص‪،‬ص‪341 - 333 :‬‬

‫قومية يتم من خالهلا بناء خارطة االنتقال‪( .‬عبد الفتاح ماضي‪،‬‬ ‫أ‪ .3.1.‬أسباب تتعلق بطبيعة اجملتمع املدني ومدى فاعلية منظماته يف‬
‫‪ ،2009‬الصفحات ‪)58-57‬‬ ‫ممارسة الضغوط من أجل االنتقال الدميقراطي‬
‫قامت منظمات اجملتمع املدني يف العديد من احلاالت يف بعض‬
‫أ‪ .3.2.‬االنتقال من أسفل‬
‫الدول بدور هام ومؤثر يف عملية االنتقال‪ ،‬وكل ذلك يتوقف يكون من خالل تصاعد االضرابات واالحتجاجات الشعبية‬
‫على وجود طلب شعيب على الدميقراطية‪ ،‬يقوم من خالله اليت تطالب بالتغيري‪ ،‬حبيث تظهر قوى دميقراطية معارضة‬
‫تستغل هذه األخرية بهدف الضغط على احلكام لإلستجابة‬ ‫اجملتمع املدني بدور رئيسي يف تعزيزه وتوسيع نطاقه‪.‬‬
‫إىل مطالبها‪ ،‬وتلعب املعارضة يف هذه الظروف دورا كبريا‬ ‫أ‪ .4.1.‬أسباب خارجية‬
‫تتمثل يف بروز دور القوى الغربية والتكتالت الكربى يف دعم وحموريا لالستفادة من مساحة الضغط اليت يوفرها النظام‬
‫عمليات االنتقال الدميقراطي من خالل تقديم املساعدات جراء األزمات السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬ومواصلة‬
‫االقتصادية للدول اليت متر مبراحل انتقال‪ ،‬أو تقديم الدعم الضغط من أجل الوصول إىل مرحلة االنتقال من خالل دفع‬
‫املادي والفين لألحزاب السياسية ومنظمات اجملتمع املدني‪ ،‬النظام إىل التنازل واالنفتاح لتلبية املطالب‪( .‬عبد الفتاح ماضي‪،‬‬
‫أو ممارسة الضغوط السياسية وفرض العقوبات على النظم ‪ ،2009‬الصفحات ‪. )65-64‬‬
‫التسلطية‪...‬إخل‪ ،‬إضافة إىل دور مؤسسات التمويل الدولية أ‪ 4-2-‬االنتقال من خالل التدخل العسكري اخلارجي‪:‬‬
‫خاصة دور كل من صندوق النقد والبنك الدوليني يف دعم‬
‫يرتبط هذا النوع من االنتقال بوجود حروب وصراعات حتكمها‬
‫سياسات التحرير االقتصادي والسياسي والتحول الدميقراطي‬
‫توازنات داخلية وإقليمية ودولية‪ ،‬وحيدث عادة يف حالة رفض‬
‫يف بلدان القارات الثالث وشرق ووسط أوروبا‪.‬‬
‫النظام احلاكم للتغيري‪ ،‬وعدم بروز جناح إصالحي داخله‪ ،‬مع‬
‫وعليه فإن األسباب الدافعة للمطالبة باالنتقال الدميقراطي تسجيل عجز قوى املعارضة عن حتديه واإلطاحة به بسبب‬
‫متعددة ومتنوعة اجملاالت‪ ،‬قد ترجع إىل عجز النظام عن حل ضعفها وهشاشتها نتيجة لسياساته القمعية‪ .‬ويف ظل هذا‬
‫األزمات الداخلية اليت يرفض الشعب عيشها‪ ،‬أو يكون نتاج الوضع ال يكون هناك من بديل إلطاحته واالنتقال إىل نظام‬
‫قوة اجملتمع املدني ومتاسكه يف تأثريه يف العملية السياسية‪ ،‬دميقراطي سوى التدخل العسكري اخلارجي الذي ميكن أن‬
‫وقد يرجع لعوامل خارجية وأجنبية‪ ،‬إما بعمل التكتالت تقوم به دولة واحدة أو حتالف يضم جمموعة من الدول‬
‫الغربية يف تدعيم االنتقال‪ ،‬أو من خالل املؤسسات الدولية حبجة اإلطاحة بنظام دكتاتوري‪ ،‬أو تدخل ألسباب إنسانية‬
‫من خالل آلية الدعم املشروط‪ ،‬وقد يعود سبب االنتقال أو حلل حرب أهلية (حسنني‪.)2013 ،‬‬
‫الدميقراطي لقوة الفاعلني السياسيني بالنظام وقدرتهم يف‬
‫وعلى هذا األساس نستخلص أن لإلنتقال الدميقراطي مناذج‬
‫إقرار إصالحات من شأنها إقناع النخب السياسية يف شكل‬
‫متعددة ختتلف حسب الظروف واملعطيات السياسية لكل بلد‪،‬‬
‫يضمن االنتقال اآلمن‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة يف هذا املقام أن الكثري من التجارب الناجحة‬
‫كان لسياق العالقات املدنية العسكرية دور كبري يف إرسائها‬ ‫أ‪ .2.‬أشكال االنتقال الدميقراطي‬
‫تتعدد أشكال االنتقال الدميقراطي وتتنوع حسب التجارب أو فشلها‪ ،‬فكيف ميكن للمؤسسة العسكرية أن تساهم يف‬
‫االنتقال الدميقراطي من عدمه؟‪.‬‬ ‫الدولية وميكن تصنيفها إىل أربع مناذج هي‪:‬‬
‫‪.2.3‬العالقات املدنية العسكرية واالنتقال الدميقراطي‪...‬أي عالقة؟‬ ‫أ‪ .1.2.‬االنتقال من أعلى‬
‫أفضت الدراسات املقارنة املتعلقة بتجارب االنتقال الدميقراطي‬ ‫يسمى االنتقال الدميقراطي مببادرة النخبة احلاكمة داخل‬
‫الناجحة يف العامل أن إنتقال السلطة من العسكريني إىل املدنيني‬ ‫النظام‪ ،‬ويكون نتيجة اقتناع النظام احلاكم بعدم القدرة على‬
‫تتنوع وختتلف طرقها باختالف األوضاع وتباينها حسب كل‬ ‫االستمرار باحلكم بالطرق القدمية والتقليدية بقناعة منه‪ ،‬أو‬
‫دولة‪ ،‬ففي الربازيل مثال انقسمت اجليوش بينها حول مسألة‬ ‫من خالل ظهور تيار إصالحي داخله يتبنى هذا الطرح‪ ،‬ويكون‬
‫متسكها بالسلطة وإعادتها للمدنيني مع ضمان مصاحل املؤسسة‬ ‫بتبين أفكار وخطوات انفتاحية حتت إشراف القائد اإلصالحي‬
‫العسكرية‪ ،‬أما يف كل من أندونيسيا وشيلي وكوريا اجلنوبية‬ ‫أو امللك‪ ،‬أو التيار االصالحي يف النظام (عبد الفتاح ماضي‪،2009 ،‬‬
‫فقد سّلمت النخب العسكرية السلطة للمدنيني أثناء مرحلة‬ ‫الصفحات ‪.)48 47-‬‬
‫االنتقال‪ ،‬نتيجة لنضال سياسي ممتد وتظاهرات شعبية قوية‪،‬‬
‫وأكدت التجارب من خالل هذا كله أن خروج اجليوش من‬ ‫أ‪.2.2.‬االنتقال عن طريق التفاوض‬
‫السلطة اختذ منحى تنازليا حبيث تقلص شيئا فشيئا‪ ،‬لتمارس‬ ‫يكون نتيجة تدهور أداء النظام وضعف شرعيته‪ ،‬ويتم من‬
‫وفقها النخب املدنية املنتخبة السلطة وفقا لربنامج سياسي‬ ‫خالل توافق النخب احلاكمة وقوى املعارضة‪ ،‬حبيث يقوم‬
‫ممتد يهدف إىل تقوية الدولة والدميقراطية واجليش كلها‬ ‫النظام احلاكم بالتفاوض مع قوى املعارضة بتبنيه خلطوات‬
‫معا (عبد الفتاح‪.)2017 ،‬‬ ‫انفتاحية جتاه القوى املعارضة‪ ،‬ويتخذ عادة شكل مؤمترات‬
‫‪336‬‬
‫خ‪ .‬بن قدور وآخرون | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 14‬العدد ‪ | )2022 ،01‬القسم(أ) العلوم اإلقتصادية و القانونية‪ ،‬ص‪،‬ص‪341 - 333 :‬‬

‫أ‌‪ -‬جيش السلطة‬ ‫ويتمثل دور املؤسسة العسكرية يف االنتقال الدميقراطي‬


‫بصفة عامة يف أن املهمة الرئيسية واحملورية املتعلقة‬
‫يكون فيها اجليش أداة يف يد السلطة أو النخبة احلاكمة ال‬
‫بالعالقات املدنية العسكرية هو الرتكيز على إخراج الفئة‬
‫جيشا للدولة‪ ،‬يتم استخدامه لقمع اجملتمع والقوى املعارضة‬
‫احلاكمة للجيش أو احلزب احلاكم من السياسة وتسليم‬
‫عند االقتضاء‪ ،‬وتكمن مهمته األساسية يف احلفاظ على استقرار‬
‫السلطة إىل حكومة مدنية منتخبة‪ ،‬فالتجارب الناجحة يف‬
‫النظام ودميومته‪ ،‬وبالتالي يعترب اجليش يف هذا النمط مبثابة‬
‫االنتقال الدميقراطي يف هذا اإلطار دعمت جيوش املتظاهرين‬
‫ملكية خاصة يف يد النخبة احلاكمة‪ ،‬وليس مؤسسة عمومية‬
‫والثورات الداعية للدميقراطية‪ ،‬وكان عدم ممانعتها يف‬
‫للدولة والشعب حبيث يكون والؤه هلا ال للوطن‪.‬‬
‫انتقال السلطة إىل قوى مدنية عامال حامسا يف ذلك‪ ،‬شرط‬
‫ب‪ -‬سلطة اجليش‬ ‫أن تكون القوى املدنية تشكل قوة حقيقية‪ ،‬تشكل حتالفا وطنيا‬
‫يسمى كذلك هذا النمط بدولة اجليش حيتكر العمليات‬ ‫النتقال السلطة دون التصادم مع املؤسسة العسكرية (عودة‪،‬‬
‫السياسية‪ ،‬ويدير السلطة بطريقة مباشرة من خالل حكم‬ ‫‪ ،2017‬الصفحات ‪.)498-496‬‬
‫عسكري أو بطريقة غري مباشرة بوضع شخصية سياسية‬ ‫وميكن أن نستنتج أن االنتقال الدميقراطي الناجح بهذا‬
‫صورية يف الواجهة مع اإلبقاء على اختاذ القرارات من قبل‬ ‫املعنى مرهون بدرجة أوىل بتسليم اجليش السلطة للمدنيني‬
‫كبار الشخصيات يف اجليش وتعلو بذلك سلطته يف اختاذ‬ ‫كقناعة‪ ،‬سيما وأن السلطة املنتخبة املستلمة تعرب عن إرادة‬
‫القرارات السياسية على السلطة احلاكمة‪ ،‬وعادة ما يتخذ‬ ‫الشعوب‪ ،‬ويكون ذلك بتدعيم الثورات ومطالبها‪ ،‬إضافة إىل‬
‫هذا الشكل أسلوب االنقالب العسكري‪.‬‬ ‫شرط وجود قوى مدنية وطنية وحقيقية‪.‬‬
‫ج‪-‬اجليش األهلي‬ ‫أما عن العالقات املدنية العسكرية اليت من شأنها إفشال عملية‬
‫عادة ما مييز هذا النمط الدولة اليت تعاني نقصا يف االندماج‬ ‫االنتقال الدميقراطي فإنها تكون حتما من خالل استمرار‬
‫االجتماعي من خالل الصراعات اإلثنية أواإلقتتال األهلي‪،‬‬ ‫اجليش يف التأثري يف العملية السياسية بسبب انقسام النخب‬
‫حيث يصبح لكل فئة أو عصبة جيشها الذي يدافع عنها‪،‬‬ ‫والقوى السياسية وعدم وجود إمجاع وطين على إخراج اجليش‪،‬‬
‫وبالتالي حتسني نصيب كل فئة من السلطة‪ ،‬ليصبح اجليش‬ ‫أو من خالل تسييس بعض قوى اجليش من خالل عقد اتفاقات‬
‫يف هذا املعنى عبارة عن ميليشيات منهمكة يف الدفاع عن فئة‬ ‫غري معلنة معه على حساب منافسيها مثل احلالة الرتكية يف‬
‫دون محاية الوطن‪.‬‬ ‫مثانينات القرن العشرين (ماضي‪.)2012 ،‬‬
‫وعليه يتبني أن اجليوش العربية ختتلف مكانتها يف إطار‬ ‫وخالصة لربط دور العالقات املدنية العسكرية باالنتقال‬
‫العالقات املدنية العسكرية عن باقي الدول الغربية اليت تعرف‬ ‫الدميقراطي فإنه مت إثبات صدق الفرضية القائلة بأنه كلما‬
‫انفتاحا دميقراطيا كبريا‪ ،‬وبالتالي اختذت أشكاال يف ممارستها‬ ‫تدخلت املؤسسة العسكرية يف ممارسة السلطة السياسية كلما‬
‫للسلطة وأمور احلكم لتأخذ صور جيش السلطة أو جيش‬ ‫ش ّكلت عائقا حقيقيا يف عملية االنتقال الدميقراطي‪ ،‬وكّلما‬
‫الدولة أو اجليش األهلي‪.‬‬ ‫ضعف أداء القوى املدنية وانقسمت فيما بينها بعيدا عن رسم‬
‫خارطة وطنية موحدة كلما ترك اجملال واسعا ّ‬
‫لتدخل املؤسسة‬
‫والتساؤل الذي يطرح يف هذا اإلطار بعد التعرف على أشكال‬
‫العسكرية‪ ،‬وبالتالي فشل عملية االنتقال‪ ،‬وهنا وجب التساؤل‬
‫ممارسة اجليوش للسلطة يف إطار الطابع املتميز لدراسة‬
‫يف هذا الطرح عن واقع العلقات املدنية العسكرية واالنتقال‬
‫العالقات املدنية العسكرية يف البلدان العربية‪ ،‬يتمحور حول‬
‫الدميقراطي يف الدول العربية يف موجة حراك سنة ‪.2011‬‬
‫أدوار هذه األخرية يف احلاالت االستثنائية وغري العادية اليت‬
‫‪.3‬العالقات املدنية العسكرية واالنتقال الدميقراطي يف الدول شهدتها املنطقة العربية ابتداء من سنة ‪ ،2010‬واملقام هنا‬
‫يتعلق بدور اجليوش يف الثورات العربية اليت طالبت من خالهلا‬ ‫العربية خالل موجة احلراك األوىل‬
‫ختتلف دراسة العالقات املدنية العسكرية يف الدول النامية الشعوب بتغيري األنظمة وبإسقاطها‪ ،‬وبالتالي التعرف على‬
‫عامة ويف الدول العربية باخلصوص عن مثيلتها يف الدول موقف ودور اجليوش العربية يف مرحلة االنتقال الدميقراطي‪.‬‬
‫الغربية الدميقراطية‪ ،‬ويرجع ذلك إىل اختالف طبيعة الدولة عرف تاريخ العالقات املدنية العسكرية العربية تصنيفني عرب‬
‫يف كل منهما‪ ،‬إضافة إىل الظروف التارخيية واالجتماعية مرحلتني مهمتني أوالها تتعلق بسنوات اخلمسينات والستينات‬
‫اليت ختتص بها جيوشها من جهة أخرى‪ ،‬ويف هذا االطار مييز من القرن العشرين أين كانت اجليوش منافسا رئيسيا‬
‫الباحث السياسي عبد االله بلقيز بني ثالثة أمناط للجيوش حلكومات غري دميقراطية عرب آلية االنقالبات العسكرية‪،‬‬
‫العربية خاصيتها األساسية تدخلها يف العملية السياسية وثانيها بدأت يف سنوات السبعينات‪ ،‬حيث متثل دور املؤسسة‬
‫والسيطرة عليها بطريقة مباشرة أو غري مباشرة‪ ،‬وتتمثل يف العسكرية فيها يف محاية األنظمة االستبدادية يف املنطقة‬
‫العربية (دخان‪ ،)2018 ،‬ومؤخرا بدأ احلديث عن تصنيف ثالث‬ ‫(عبد الفتاح ماضي‪ ،2009 ،‬الصفحات ‪:)23-20‬‬

‫‪337‬‬
‫خ‪ .‬بن قدور وآخرون | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 14‬العدد ‪ | )2022 ،01‬القسم(أ) العلوم اإلقتصادية و القانونية‪ ،‬ص‪،‬ص‪341 - 333 :‬‬

‫يتمثل يف دور اجليوش يف املوجة الرابعة للتحول الدميقراطي خالل جمموعة من اإلصالحات السياسية واالقتصادية ‪.‬‬
‫اليت كانت يف شكل موجات حلراك اجتماعي أخذ اسم الربيع ويتبني من خالل ما مت عرضه أن دور املؤسسة العسكرية يف‬
‫العربي بداية من ديسمرب ‪ ،2010‬واليت كانت سببا يف تغيري موجة احلراك األوىل يف الوطن العربي اختذ أشكاال ومناذجا‬
‫العديد من األنظمة احلاكمة أين كان للمؤسسة العسكرية متعددة‪ ،‬أثرت على منحى االنتقال الدميقراطي يف هذه الدول‬
‫الدور الكبري واحملوري يف بقاء األنظمة أو سقوطها وقتها (أمحد حيث متثل هذا الدور يف لعبه األدوار الداعمة من خالل مرافقة‬
‫امساعيل‪ ،)2018 ،‬وبالتالي التأثري يف االنتقال الدميقراطي احلراك وعدم استعمال القمع ضده‪ ،‬أو من خالل لعبه أدوار‬
‫معاداة االنتفاضات والوقوف سندا للنظام احلاكم وبالتالي‬ ‫هلذه الدول من عدمه‪.‬‬
‫ومحالت احلراك اليت عرفتها العديد من دول الوطن العربي عرقلة وإفشال عملية االنتقال‪ ،‬وذهبت مواقف اجليش لدرجة‬
‫املطالبة باسقاط األنظمة‪ ،‬مت من خالهلا إقحام اجليش يف انقسامه بني التأييد واملعارضة‪ ،‬لتنحو عملية االنتقال منحى‬
‫لعب دور سياسي مهم‪( ،‬أمحد امساعيل‪ ،)2018 ،‬وذلك من خالل آخر أثرت على قيام الدولة وكينونتها ككل‪.‬‬
‫األوضاع اليت فرضت عليه ضرورة اختاذ موقف من احلراك من ‪ .4‬موقف املؤسسة العسكرية اجلزائرية من حراك فرباير‬
‫جهة‪ ،‬وموقف جتاه األنظمة املستبدة من جهة أخرى من خالل ‪ 2019‬وتأثريه على االنتقال الدميقراطي يف اجلزائر‬
‫مساندتها (‪ ،)philipe, 2012, p. 151‬خاصة وأنه كان يتخذ‬
‫فمن خالل التعرف إىل أهم املواقف اليت اختذتها اجليوش‬ ‫صفة جيش السلطة‪.‬‬
‫العربية يف موجة احلراك األوىل بالوطن العربي‪ ،‬مت اإلشارة‬
‫بناء على املشهد السياسي العربي يف تلك املرحلة‪ ،‬مت تسجيل إىل النموذج اجلزائري احملايد للمؤسسة العسكرية وقتها‪،‬‬
‫أربعة مواقف متنوعة للجيوش العربية‪ ،‬وقد مت تصنيفها إىل نظرا إىل عمل النظام احلاكم باستغالل الفرصة واالستفادة‬
‫من جتارب الدول اليت سبقتها حبراكها‪ ،‬بإقرار إصالحات‬ ‫(‪: )HADDAD, 2016‬‬
‫‪ -‬اجليوش املشاركة واملرافقة مثل ما حدث يف كل من تونس سياسية واقتصادية ليجسد بهذا املعنى مفهوم االنتقال من‬
‫أعلى مببادرة من النظام احلاكم‪ ،‬إال أن االستقرار مل يدم‬ ‫ومصر يف حراك ‪.2011‬‬
‫‪ -‬اجليوش املدعمة للنظام واحلامية له من خالل قمع طويال‪ ،‬حيث قام الشعب اجلزائري بانتفاضة شعبية كبرية‬
‫مسيت‬‫نادت بإسقاط النظام‪ ،‬وتغيريه من خالل موجة حراك ّ‬ ‫املظاهرات مثل البحرين وسوريا ‪.‬‬
‫يف أدبيات اإلعالم والسياسة مبوجة احلراك الثانية يف البالد‬
‫‪ -‬اجليوش املنقسمة بني الواقفة لصف النظام والداعمة العربية‪ ،‬شهدتها تزامنا كل من السودان واجلزائر ولبنان‬
‫ومصر‪.‬‬ ‫للحركات االحتجاجية مثل ليبيا واليمن‪.‬‬

‫‪ -‬اجليوش احملايدة كما كان احلال يف كل من اجلزائر تسعى هذه الدراسة إىل الوقوف على احلالة اجلزائرية يف‬
‫هذا احلراك بالبحث يف موقف املؤسسة العسكرية اجلزائرية‬ ‫واملغرب‪.‬‬
‫ودورها فيه‪ ،‬ومنه إبراز موقفها حيال االنتقال الدميقراطي‬ ‫أما عن النموذج األول فقد متثل فيه دور اجليش يف رفض اطالق‬
‫باجلزائر‪ ،‬سيما وأن تارخيها يف هذا اإلطار يعرتف هلا بتدخلها‬ ‫النار على املتظاهرين واختاذ موقف احلياد إىل أن مت ضمان‬
‫يف احلياة السياسية قبل االستقالل يف إطار صراع أولوية‬ ‫انتقال السلطة إىل خنبة مدنية منتخبة‪ ،‬من خالل اإلسراع يف‬
‫السياسي على العسكري سنة ‪ ،1956‬عند ما أقر مؤمتر‬ ‫بناء مؤسسي دستوري بانتخاب هيئات برملانية وإقامة دستور‬
‫الصومام أولوية السياسي على العسكري‪ ،‬لرتجح الكفة بعدها‬ ‫وانتخاب لرئيس مجهورية كما هو احلال يف تونس ومصر‬
‫إىل العسكري بعدما رفضت القيادة العسكرية وقتها خمرجاته‪،‬‬ ‫(‪ ،)philipe, 2012, p. 151‬والنموذج الثاني باعتباره حامي‬
‫أما بعد االستقالل فقد مت تسجيل سيطرة التحالف السياسي‬ ‫السلطة احلاكمة فقد متثل دوره يف قمع املظاهرات والوقوف‬
‫العسكري بعد االنقالب الناجح ضد احلكومة املؤقتة للرئيس‬ ‫ضدها‪ ،‬ووصلت مالحمها إىل أقوى مشاهد العنف السياسي‪،‬‬
‫بن بلة بقيادة هواري بومدين قائد األركان وقتها سنة ‪،1965‬‬ ‫واعتمدت من خالهلا السلطة احلاكمة على والءات اجليش‬
‫وقد كان االنقالب ضد اجليل الذي قاد الثورة يف سنواتها‬ ‫يف عمليات القمع‪ ،‬واحلالة البحرينية هي أكرب مثال لذلك‪،‬‬
‫األوىل (مسعد‪ ،‬كيف يصنع القرار يف األنظمة العربية‪،)2010 ،‬‬ ‫مع اإلشادة إىل احلالة السورية قبل أن تصل حالة االنسداد‬
‫ليتطور دورها بعدها بتولي الشاذلي بن جديد رئاسة الدولة‪،‬‬ ‫بينها وبني القوى املنتفضة‪ ،‬وعن النموذج الثالث فيتمثل يف‬
‫و هو الرجل العسكري الثاني بعد هواري بومدين‪ ،‬لتأخذ منوذج‬ ‫السيناريو اللييب واليمين أين حدث انقسام داخلي للجيش بني‬
‫جيش الدولة الذي مت اإلشارة إليه سابقا‪ ،‬سيما ما يتعلق‬ ‫مؤيد ومعارض لالنتفاضات مما أدى إىل نشوب حرب أهلية‬
‫بتوقيف املسار االنتخابي سنة ‪ ،1991‬الذي فاز فيه احلزب‬ ‫بهما (‪ ،)154-philipe, 2012, pp. 153‬ليبقى النموذج الرابع‬
‫اإلسالمي مبعظم مقاعد الربملان واجملالس الشعبية البلدية‬ ‫الذي عرف يف كل من املغرب واجلزائر‪ ،‬فاختذ اجليش فيه‬
‫والوالئية (مسعد‪ ،‬اجلزائر و أزمة الربيع الثاني‪.)2019 ،‬‬ ‫صفة احلياد نظرا ملبادرة األنظمة بها النتقال دميقراطي من‬

‫‪338‬‬
‫خ‪ .‬بن قدور وآخرون | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 14‬العدد ‪ | )2022 ،01‬القسم(أ) العلوم اإلقتصادية و القانونية‪ ،‬ص‪،‬ص‪341 - 333 :‬‬

‫انطالقا من اللمحة الوجيزة عن التاريخ السياسي للمؤسسة وزير الدفاع السيد أمحد قايد صاحل من خالل الزيارات امليدانية‬
‫العسكرية‪ ،‬سوف يتم التطرق إىل موجة احلراك اليت عرفتها والتفتيشية اليت كان يقوم بها على مستوى الواليات العسكرية‬
‫اجلزائر سنة ‪ ،2019‬وحماولة ربطها باالنتقال الدميقراطي يف البالد‪ ،‬واليت كانت تشكل رد فعل لكل مسرية شعبية‪.‬‬
‫كمفهوم سياسي‪ ،‬ثم البت بعدها يف موقف املؤسسة العسكرية ‪.2.4‬مالمح موقف املؤسسة العسكرية من حراك ‪ 2019‬باجلزائر‬
‫منه ودورها فيه‪.‬‬
‫اختذ موقف املؤسسة العسكرية من احلراك الشعيب جمموعة‬
‫من املالمح أهمها‪:‬‬ ‫‪ 1.4‬احلراك الشعيب اجلزائري واالنتقال الدميقراطي‬

‫إن املتتبع لكرونولوجيا احلراك باجلزائر بداية من فرباير أ‌‪ -‬التعامل السلمي مع احلراك وتأمينه‬
‫‪ ،2019‬يتبني أن هذا األخري اتسم بهبة شعبية كبرية اختذت‬
‫عب من خالهلا الشعب كان ذلك من خالل تعامل املؤسسة العسكرية مع املسريات‬ ‫شكل مظاهرات ومسريات مليونية‪ّ ،‬‬
‫اجلزائري عن رفضه جملموعة من األزمات املتفاوتة احلدة أدّت والتظاهرات الشعبية يف شكل سلمي بعيدا عن القمع والعنف‪،‬‬
‫إىل عدم اقتناع الشعب اجلزائري بالفواعل السياسية وأدواتها ويرجع ذلك إىل عدة أسباب أهمها التجربة املريرة اليت عاشتها‬
‫التنفيذية (مصباح‪ ،‬احلراك الشعيب يف اجلزائر ‪ -‬جدلية االنتقال اجلزائر خالل العشرية السوداء‪ ،‬وحماولة االبتعاد عن الصورة‬
‫الدميقراطي واألمن اجملتمعي‪ ،2020 ،‬الصفحات ‪ ، )91-90‬وتظهر اليت قدمتها مؤسسة اجليش يف تلك املرحلة‪ ،‬إضافة إىل‬
‫االستفادة من جتارب دول الربيع العربي خالل املوجة األوىل‬ ‫عموما أهم هذه األسباب يف (أيت محادوش‪)2019 ،‬‬
‫أ‪ 1-‬أزمات سياسية ‪ :‬تتمثل يف أهم سبب يف بدايات الفعل للحراك اليت شهدت موجة كبرية من العنف والالاستقرار‬
‫االحتجاجي باجلزائر‪ ،‬وتعود حيثياتها إىل متسك الرئيس مثل ليبيا وسوريا واليمن‪( .‬يوسف أمحد‪.)2019 ،‬‬
‫عب رئيس األركان من خالل خطاباته عن‬ ‫ويف هذا اإلطار ّ‬ ‫عبد العزيز بوتفليقة بالرتشح لعهدة رئاسية خامسة وسط‬
‫تعهّده بالتزامه إزاء الشعب اجلزائري واحرتام مطالبه مبرافقة‬ ‫جدل كبري حول وضعه الصحي‪ ،‬وكذا أزمة اجمللس الوطين‬
‫احلراك وتأمينه وحتقيق ما يصبوا إليه الشعب من مطالب (وزارة‬ ‫الشعيب من خالل االنقالب على رئيسه‪ ،‬وتغيريات غري مسبوقة‬
‫الدفاع الوطين للجمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية‪،)2019 ،‬‬ ‫يف سلك املؤسسة العسكرية اليت شهدت عزل وإقالة ومتابعة‬
‫وذلك بعدم إراقة أي نقطة دم واحدة‪ ،‬من ّوها يف كل مرة ومعربا‬ ‫ضباط سامني يف مناصب جد حساسة‪ ،‬إضافة إىل فضيحة‬
‫عن العالقة الوطيدة اليت تربط الشعب اجلزائري جبيشه عرب‬ ‫تهريب املخدرات باجلزائر‪.‬‬
‫التاريخ بدءا من فرتة االستعمار الفرنسي وحتقيق االستقالل‬ ‫أ‪ 2-‬أزمات أقتصادية ‪ :‬تتمثل يف أهم التوجهات االقتصادية اليت‬
‫وصوال حملاربة اإلرهاب خالل العشرية السوداء‪ ،‬وأهم العبارات‬ ‫انتهجتها احلكومات املتتالية أثناء فرتة حكم الرئيس عبد‬
‫اليت أدىل بها يف هذا الشأن قوله" أجدد اليوم ما تعهدت به أمام اهلل‬ ‫العزيز بوتفليقة‪ ،‬وال سيما األزمة املالية النامجة عن انهيار‬
‫وأمام الشعب وأمام التاريخ بأن اجليش الوطين الشعيب سيكون دوما وفقا‬ ‫أسعار النفط عام ‪ 2014‬الذي يعترب املورد الوحيد خلزينة‬
‫ملهامه احلصن احلصني للشعب والوطن يف مجيع الظروف واألحوال" (وزارة‬ ‫الدولة وميزانيتها‪ ،‬أين اخنفضت املداخيل مبا يقارب ‪50‬‬
‫الدفاع للجمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية‪ ،2019 ،‬صفحة ‪)7‬‬ ‫باملائة‪ ،‬مما أدى إىل اللجوء إىل خيار التمويل غري التقليدي أي‬
‫وقوله‪ " :‬أتعهد أمام اهلل وأمام الوطن والشعب على ضمان واحلفاظ على‬ ‫طباعة نقود بدون مقابل‪.‬‬
‫استقرار الوطن والسهر على الدفاع عن السيادة الوطنية والوحدة الرتابية‬
‫ومحاية الشعب من كل مكروه"‪( .‬وزارة الدفاع للجمهورية اجلزائرية‬ ‫ويف ظل هذه الظروف اليت انعكست على االستقرار يف البالد‬
‫الدميقراطية الشعبية‪ ،2019 ،‬صفحة ‪ ،)13‬و قوله كذلك‪ " :‬أن‬ ‫داخليا وخارجيا‪ ،‬مع تواصل احلراك وتطور مطالبه‪ ،‬اختذ‬
‫العتاد واألسلحة توجه ضد أعداء الوطن وليس ضد الشعب" (وزارة الدفاع‬ ‫مصري االنتقال الدميقراطي سيناريوهات كثرية ومتعددة‬
‫للجمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية‪ ،2019 ،‬صفحة ‪،)30‬‬ ‫من قبل احملللني والنقاد بناء على جتارب الدول املماثلة‪ ،‬سيما‬
‫إضافة إىل حتذيره من استغالل املسريات من قبل أطراف‬ ‫ما يتعلق مبوقف املؤسسة العسكرية من احلراك والنظام‬
‫معادية داخليا وخارجيا تهدف إىل زعزعة االستقرار بالبالد‬ ‫السائد وقتها إما بتأييده أو باإلحنياز للحراك الشعيب وملطالبه‪،‬‬
‫مما يدل على الرغبة احلقيقية يف محاية احلراك والرتكيز‬ ‫وبالتالي تسيريه للمرحلة االنتقالية وتسليم السلطة إىل‬
‫على استمراريته وسلميته والتعبري عن النوايا احلقيقية لنية‬ ‫مدنيني أو عدمه‪.‬‬
‫مؤسسة اجليش يف تبين احللول األمنية والسلمية يف حل األزمة‬ ‫وانطالقا من اإلجابة على إشكالية العالقات املدنية العسكرية‬
‫باجلزائر‪ ،‬ويرجع جناح تعامل املؤسسة األمنية مع احلراك يف‬ ‫واالنتقال الدميقراطي‪ ،‬فإن موقف املؤسسة العسكرية يف‬
‫إطار تأمينه إىل اخلربة الرتاكمية لألجهزة األمنية يف التعامل‬ ‫اجلزائر أصبح هو احملدّد األساسي ملصري االنتقال الدميقراطي‬
‫مع األزمات سيما سنوات حماربة اإلرهاب‪ ،‬فقد تعاملت مع‬ ‫بها‪ ،‬وذلك بدراسة موقف اجليش حيال احلراك ومطالبه‪،‬‬
‫احملتجني مبرونة كبرية وقد قدّم من خالل ذلك رسالة قوية‬ ‫والذي اتضحت مالحمه عرب خطابات قائد األركان بها‪ ،‬نائب‬

‫‪339‬‬
‫خ‪ .‬بن قدور وآخرون | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 14‬العدد ‪ | )2022 ،01‬القسم(أ) العلوم اإلقتصادية و القانونية‪ ،‬ص‪،‬ص‪341 - 333 :‬‬

‫للتضامن وااللتحام الذي م ّيز املتظاهرين مع أفراد أجهزة األمن وزارة الداخلية كما كان معتادا ‪.‬‬
‫ج‪ -‬املرافقة األمنية لتحضري انتخابات رئاسية‪:‬‬ ‫على أساس أنهم أفراد من جمتمع واحد (بومدين‪.)2020 ،‬‬
‫ّ‬
‫وعلى هذا األساس يتبني أن أ ّول مظهر من مظاهر مساهمة لقد رافقت مؤسسة اجليش االنتخابات الرئاسية وسهرت على‬
‫املؤسسة العسكرية يف االنتقال الدميقراطي باجلزائر موقفها شفافيتها واليت متت حتت إشراف جلنة مستقلة ملراقبتها‬
‫اإلجيابي جتاه احلراك باالعرتاف به ومرافقته وتأمينه من أي بدال عن وزارة الداخلية كما جرت العادة‪ ،‬وذلك ملن خالل‬
‫تأمني صناديق االقرتاع من جهة ومن جهة أخرى ضمان سري‬ ‫إنزالق يضر باملتظاهرين‪.‬‬
‫مؤسسات الدولة يف املرحلة االنتقالية وتفادي حدوث فراغ‬ ‫ب‌‪ -‬االعرتاف باملطلب األساسي للحراك واالستجابة له‬
‫يتمثل يف إزاحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن احلكم سياسي ومؤسساتي بها‪ ،‬وقد أسفر ذلك عن انتخاب رئيس‬
‫مع ضرورة التأكيد على تبين احلل الدستوري يف تسيري مدني للجمهورية اجلزائرية السيد عبد اجمليد تبون ‪.‬‬
‫املرحلة اإلنتقالية بتطبيق املواد ‪ 08-07‬و‪ 102‬من الدستور د ‪ -‬مالحقة ملفات الفساد‬
‫تلبية ملطالب احلراك مت مالحقة ملفات الفساد‪ ،‬وتصفية‬ ‫(مصباح‪ ،‬احلراك الشعيب يف اجلزائر ‪ -‬جدلية االنتقال الدميقراطي‬
‫رموز النظام من سياسيني ورجال أعمال ومتابعتهم قضائيا‪،‬‬ ‫واألمن اجملتمعي‪ ،2020 ،‬الصفحات ‪ ،)254-253‬حيث تنص‬
‫مع ضمان املرافقة ملؤسسة العدالة يف ممارسة مهامها‬ ‫املادة السابعة (‪ )07‬منه على أن الشعب مصدر كل سلطة‬
‫بشكل مستقل وبعيدا عن ضغوطات‪ ،‬وإن دل على شيء إمنا‬ ‫وأن السيادة الوطنية ملك للشعب‪ ،‬أما املادة الثامنة (‪)08‬‬
‫يدل على حقيقة رغبة املؤسسة يف محاية مؤسسات الدولة‬ ‫منه فإنها تنص على أن السلطة التأسيسية ملك للشعب‬
‫وتلبية مطالب احلراك يف هذا الشأن (مصباح‪ ،‬احلراك الشعيب‬ ‫ميارسها من خالل املؤسسات الدستورية اليت خيتارها كما‬
‫يف اجلزائر ‪ -‬جدلية االنتقال الدميقراطي واألمن اجملتمعي‪،2020 ،‬‬ ‫ميارسها أيضا من خالل االستفتاء وبواسطة ممثليه‪ ،‬أما‬
‫الصفحات ‪.)225-224‬‬ ‫املادة ‪ 102‬من الدستور فإنها تنص على حالة استحالة أداء‬
‫رئيس اجلمهورية ملهامه لسبب صحي وإثبات ذلك من قبل‬
‫ومنه فإن دعم املؤسسة العسكرية ملطالب احلراك‪ ،‬ومرافقته‬ ‫الربملان والتصويت على املانع بناء على اقرتاح من قبل اجمللس‬
‫لتحقيق كل مطالبه سيما ما يتعلق بتفعيل املادة ‪ 102‬من‬ ‫الدستوري‪ ،‬وتضيف املادة كذلك أنه يف حالة استقالة رئيس‬
‫الدستور ومالحقة رموز النظام باملساءلة واحملاسبة‪ ،‬يعترب‬ ‫اجلمهورية من مهامه أو وفاته جيتمع اجمللس الدستوري‬
‫مؤشرا واضحا وقويا إلنهاء العالقة القائمة بني مؤسسة‬ ‫وجوبا ليثبت الشغور النهائي لرئاسة اجلمهورية وتبلغ‬
‫اجليش ومؤسسة الرئاسة‪ ،‬والوقوف يف صف احلراك‪.‬‬ ‫شهادة التصريح إىل الربملان ويتوىل بعدها رئيس جملس‬
‫‪ .5‬خامتة‬ ‫األمة رئاسة الدولة مدة ‪ 90‬يوما ّ‬
‫تنظم من خالهلا انتخابات‬
‫خلصت الدراسة إىل أن العالقات املدنية العسكرية تؤثر على‬ ‫رئاسية (القانون رقم ‪ .)2016 ،01-19‬وقد أدىل قائد األركان‬
‫مسار االنتقال الدميقراطي و خمرجاته إجيابا من خالل اختاذ‬ ‫حينها خطابا حيوي االعرتاف مبطالب الشعب اجلزائري‬
‫اجليوش موقفا جتاه احلراك‪ ،‬وذلك بعدم دعم النظام السائد‪،‬‬ ‫ووصفها بالشرعية‪ ،‬وأن احلل الدستوري بهذا املعنى مبثابة‬
‫وعدم التعرض للمتظاهرين بالقوة‪ ،‬و أن جناح جناح عملية‬ ‫احلل األنسب واألسلم واملقبول حلل األزمة واخلروج منها‪.‬‬
‫االنتقال الدميقراطي يف هذا اإلطار مرهون باألساس بتحييد‬ ‫عب قائال‪" :‬هبتكم الشعبية‪ ،‬اليت باركناها و‬‫ويف هذا اإلطار ّ‬
‫املؤسسة العسكرية والسيطرة عليها من قبل خنب مدنية‬ ‫باركنا غاياتها السامية "‪ ،‬وقوله كذلك أن‪" :‬إننا نقف مع‬
‫قوية ومتماسكة‪ ،‬أما عن مسار االنتقال الدميقراطي يف الدول‬ ‫الشعب حتى تتحقق مطالبه كاملة غري منقوصة"‪.‬‬
‫العربية‪ ،‬فإن دور اجليوش فيها كان كبريا يف حتديد مسارها‪،‬‬ ‫وبالتالي يظهر أن تأكيد مؤسسة اجليش ممثلة يف قائد‬
‫وقد جتسد ذلك عرب موقفها من احلراك ومطالبه‪ ،‬وجتربة‬ ‫أركانه السيد أمحد قايد صاحل على تفعيل املواد املذكورة‬
‫كل من تونس ومصر الناجحتني اىل حد ما وقتها أكرب دليل‬ ‫سلفا تعرب عن ضغط املؤسسة العسكرية على الرئيس عبد‬
‫على ذلك‪ ،‬أما عن موجة احلراك الثانية اليت مست اجلزائر‪،‬‬ ‫العزيز بوتفليقة من أجل تقديم استقالته‪ ،‬والذي مت فعال‬
‫فقد ساهم جيشها إىل حد ما‪ ،‬ولو بصفة مبدئية يف االستجابة‬ ‫بتاريخ ‪ 02‬أفريل ‪ ،2019‬ليليها تولي السيد عبد القادر بن‬
‫لإلرادة الشعبية من خالل عدم التصدي للمظاهرات الشعبية‬ ‫صاحل رئاسة الدولة إىل غاية البت يف التحضري النتخابات‬
‫بالعنف و القمع‪ ،‬والسهر على مرافقتها وتأمينها‪ ،‬إضافة اىل‬ ‫رئاسية‪ ،‬ويدل ذلك جليا يف تبين مؤسسة اجليش ملطلب‬
‫تدخله بالضغط على مؤسسة الرئاسة للتنحي عن السلطة‪،‬‬ ‫احلراك األساسي املتمثل يف إسقاط نظام الرئيس السابق عبد‬
‫واملطالبة بتطبيق املواد ‪ 07‬و‪ ،08‬و‪ 102‬من الدستور القاضية‬ ‫العزيز بوتفليقة وتبين الشرعية الدستورية يف تسيري املرحلة‬
‫بأن الشعب مصدر كل سلطة‪ ،‬وضرورة إعالن شغور منصب‬ ‫االنتقالية مع املرافقة األمنية لتحضري انتخابات رئاسية‬
‫رئيس اجلمهورية لتوفر املانع الطيب‪.‬‬ ‫شفافة حتت إشراف جلنة مستقلة ملراقبة اإلنتخابات بدال من‬

‫‪340‬‬
‫خ‪ .‬بن قدور وآخرون | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 14‬العدد ‪ | )2022 ،01‬القسم(أ) العلوم اإلقتصادية و القانونية‪ ،‬ص‪،‬ص‪341 - 333 :‬‬
‫الشعب هو املصدر الوحيد و األوحد للسلطة‪ .‬جملة اجليش ‪ ،‬الصفحات ‪.4-3‬‬
‫تضارب املصاحل‬
‫وزارة الدفاع للجمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية‪ .)2019( .‬خالصة‬
‫خطب و رسائل السيد الفريق أمحد قايد صاحل‪ ،‬نائب وير الدفاع ‪ ،‬رئيس أركان‬ ‫* يعلن املؤلفون أنه ليس لديهم تضارب يف املصاحل‪.‬‬
‫اجليش الوطين الشعيب‪ .‬اجلزائر‪ :‬املركز الوطين للمنشورات العسكرية‪.‬‬ ‫املصادر و املراجع‬
‫املراجع األجنبية‬ ‫‪.1‬املراجع العربية‬
‫‪HADDAD, S. (2016). les armées arabes et les mouvements‬‬
‫أمحد جالل‪ .)2015( .‬صراع القوى املدنية العسكرية و أثره على السياسة‬
‫‪révolutionnaires:positions et roles perspectives théhoriques et études de cas.‬‬
‫‪Rennes: presses universitaire de rennes .‬‬ ‫اخلارجية الرتكية يف منطقة الشرق األوسط (‪ .)2010-2002‬مصر‪ :‬املكتب‬
‫العربي للمعارف‪.‬‬
‫‪philipe, D.-v. (2012). le role des militaires dans les transition arabes.‬‬
‫أمحد يوسف أمحد‪( .‬يونيو‪ .)2019 ,‬املوجة الثانية من الربيع العربي ‪..‬البحث عن‬
‫‪Barcelone: Iemed.‬‬
‫منوذج‪ .‬امللف املصري ‪ ،‬الصفحات ‪.9-4‬‬
‫إسراء أمحد امساعيل‪ .)2018( .‬العالقات املدنية العسكرية و عملية التحول‬
‫الدميقراطي‪ :‬دراسة مقارنة بني مصر و اجلزائر‪ .‬مصر‪ :‬املكتب العربي للمعارف‪.‬‬
‫اجلمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية القانون رقم ‪,03 07( .01-19‬‬
‫كيفية اإلستشهاد بهذا املقال حسب أسلوب ‪: APA‬‬ ‫‪ .)2016‬االجلريدة الرمسية رقم ‪ .14‬املتعلق بتعديل الدستور اجلزائري ‪.‬‬
‫اجلزائر‪ :‬األمانة العامة للحكومة‪.‬‬
‫خدجية بن قدور‪ ،‬وآخرون (‪ ،)2022‬العالقات املدنية العسكرية‬
‫توفيق ابراهيم حسنني‪ .)2013 ,01 24( .‬االنتقال الدميقراطي‪ -‬إطار نظري واالنتقال الدميقراطي يف الوطن العربي‪ :‬موقف املؤسسة العسكرية‬
‫‪ .-‬تاريخ االسرتداد ‪ ،2020 ,04 18‬من مركز اجلزيرة للدراسات‪https:// :‬‬
‫اجلزائرية من حراك فرباير‪ 2019‬منوذجا‪ ،‬اجمللة األكادميية‬ ‫‪studies.aljazeera.net‬‬
‫جهاد عودة‪ .)2017( .‬األزمة االسرتاتيجية و العلقات املدنية العسكرية منذ ثورات للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،14‬العدد ‪ ،01‬جامعة‬
‫حسيبة بن بوعلي بالشلف‪ ،‬اجلزائر‪ .‬ص ص‪341-333 :‬‬ ‫الربيع العربي‪ .‬مصر‪ :‬املكتب العربي للمعارف‪.‬‬
‫سليمان هاني‪ .)2015( .‬العالقات املدنية العسكرية و التحول الديقراطي بعد‬
‫ثورة ‪ 25‬يناير‪ .‬مصر‪ :‬املركز العربي لألحباث و دراسة السياسات‪.‬‬
‫شريف البوشي‪ .)2019 ,10 25( .‬االنتقال الدميقراطي ‪ -‬األسس و اآلليات ‪.-‬‬
‫تاريخ االسرتداد ‪ ،2020 ,04 18‬من املعهد املصري للدراسات‪:‬‬
‫‪https://eipss-eg.or‬‬

‫عامر مصباح‪ .)2020( .‬احلراك الشعيب يف اجلزائر ‪ -‬جدلية االنتقال الدميقراطي‬


‫واألمن اجملتمعي‪ .‬مصر‪ :‬دارالكناب احلديث‪.‬‬
‫عامر مصباح‪ .)2018( .‬نظرية العالقات املدنية العسكرية ‪-‬احلاالت التطبيقية‬
‫يف التحليل االسرتاتيجي‪ .-‬مصر‪ :‬دار الكتاب احلديث‪.‬‬
‫عبد الفتاح‪ ،‬ماضي‪ .)2012 ,4 10( .‬اجليوش و التحول الدميقراطي‪ .‬تاريخ‬
‫االسرتداد ‪ ،2020 ,4 18‬من اجلزيرة‪https://www.aljazeera.net :‬‬
‫عبد اهلل فيصل عالم‪ .)2018( .‬العالقات املدنية العسكرية و التحول الدميقراطي‬
‫يف مصر يوليو ‪1952-‬يوليو ‪ .2013‬قطر‪ :‬مركز اجلزيرة للدراسات‪.‬‬
‫عربي بومدين‪ .)2020( .‬اجلزائر و السودان‪ :‬العرض السلطوي يف مواجهة زيادة‬
‫الطلب الشعيب على الدميقراطية‪ .‬أواصر ‪ ،‬الصفحات ‪.35-34‬‬
‫لويزة أيت محادوش‪ .)2019 ,03 19( .‬احلراك الشعيب يف اجلزائر‪ :‬بني االنتقال‬
‫املفروض و االنتقال التعاقدي ‪ .‬تاريخ االسرتداد ‪ ،2020 ,4 29‬من مركز‬
‫الدراسات للجزيرة‪https://studies.aljazeera.net :‬‬
‫ماضي عبد الفتاح‪( .‬يناير‪ .)2017 ,‬اجليوش و االنتقال الدميقراطي‪:‬كيف خترج‬
‫اجليوش من السلطة ؟ سياسات عربية ‪ ،‬الصفحات ‪.27-7‬‬
‫نور الدين دخان‪ .)2018( .‬العنف السياسي و انعكاساته على مسار التحول‬
‫الدميقراطي يف املنطقة العربية‪ .‬ألردن‪ :‬مركز الكتاب األكادميي‪.‬‬
‫نيفني مسعد‪( .‬يونيو‪ .)2019 ,‬اجلزائر و أزمة الربيع الثاني‪ .‬امللف املصري ‪،‬‬
‫الصفحات ‪.14-10‬‬
‫نيفني مسعد‪ .)2010( .‬كيف يصنع القرار يف األنظمة العربية‪ .‬لبنان‪ :‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية ‪.‬‬
‫و آخرون عبد الفتاح ماضي‪ .)2009( .‬ملاذا انتقل اآلخرون اىل الدميقراطية و تأخر‬
‫العرب؟ دراسة مقارنة لدول عربية‪ .‬لبنان‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫وزارة الدفاع الوطين للجمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية‪.)2019 ,4( .‬‬

‫‪341‬‬

You might also like