You are on page 1of 6

‫العنف والتسامح‬

‫‪-‬هل العنف إيجابي أو سلبي؟‬


‫مقدمة‪ :‬طرح المشكلة‬
‫يعتبر اإلنسان كائنا إجتماعيا بطبعه فهو يؤثر ويتأثر بغيره‪ ،‬هذا االحتكاك قد ينتج عنه بعض ردود األفعال التي قد تأخذ طابع العنف وتتسم به‪ .‬فالعنف هو كل عمل‬
‫يضغط به شخص على إرادة شخص آخر لسبب أو آخر باستعمال القوة‪ ،‬وبمعنى آخر العنف هو إلحاق األذى المادي أو المعنوي بالغير‪ ،‬ويبلغ مداه الرغبة‬
‫في إلغاء اآلخر وتدميره‪ .‬وباعتباره قضية ذات أهمية قصوى اختلف الفالسفة والمفكرون حول حقيقة ظاهرة العنف‪ ،‬إذ يرى البعض أ ّن العنف ظاهرة طبيعية‬
‫مشروعة إيجابية (يجب مقابلة العنف بالعنف)‪ ،‬قد تكون له ع ّدة أسباب‪ ،‬وأنّه ال مجال للتطور دون عنف‪ ،‬في حين ذهب آخرون أ ّن العنف ظاهرة‬
‫مرضية سلبية ليس له ما يبرره ال يؤدي إالّ إلى الدمار‪ ،‬فهو يحول حياة اإلنسان إلى حياة الغابة لذا نتساءل هل العنف ظاهرة طبيعية ضرورية أم مرضية‬
‫غير ضرورية؟‪.‬‬
‫حل المشكلة‬
‫الموقف األول‪ :‬العنف ظاهرة إيجابية‬
‫يرى جمهور من الفالسفة وعلماء أ ّن العنف ظاهرة إيجابية وسلوك إيجابي فهم يؤكدون على فكرة أساسية مضمونها أنها توجد جملة من األسباب‬
‫من رواد هذا الموقف هيرقليدس‪ ،‬هيغل‪ ،‬نتشه‪ ،‬هوبز‪،‬‬ ‫النفسية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية جعلت العنف مشروعا من أجل البقاء‪،‬‬
‫فرويد‪،‬‬ ‫مكيافيللي وغيرهم‪.‬‬
‫الحجج والبراهين‪ :‬وقد إعتمد هؤالء في تبرير موقفهم على مجموعة من الحجج‬
‫يؤكد هيرقليدس أن الصراع قانون الطبيعة وجوهر حركتها فهو المحرك األساسي للوجود‪ ،‬حيث أن الكون ما هو سوى مجموعة من‬
‫األضداد‬
‫المتصارعة يحاول إفناء نقيضه ألن النقيضين ال يجتمعان‪ ،‬صراع الحار والبارد‪ ،‬الليل والنهار‪ ،‬األخضر واليابس‪ .‬وهذا ينطبق على حياة البشر أيضا‪،‬‬
‫فالخير ضد الشر والحياة ضد الموت‪ ،‬والحرب ضد السلم‪ .‬أي أ ّن الصراع أصل كل األشياء‪ ،‬وهو ما يتجلى في قوله‪" :‬أ ّن القتال هو أب سائر‬
‫األشياء‪،‬‬
‫وملك كل شيء‪ ،‬والعنف هو موت يتضمن الحياة‪".‬‬
‫نفس الرأي نجده عند كلكالس فقد أشار إلى أ ّن العنف هو المسيطر في الطبيعة وينبغي أن يسيطر على حياة األفراد أيضا فإذا كان قانون الطبيعة هو البقاء‬
‫أللقوى وكان اإلنسان جزءا من هذه الطبيعة فلما ال ينطبق عليه هذا القانون‪ .‬ففي الطبيعة يسيطر من هو أقوى والعدل أن يكون ذلك في المجتمع اإلنساني‬
‫أيضا‪ ،‬فاللبؤة مثال تقتل أحد صغارها إذا ولد بعاهة أل ّن ذلك الشبل سيجد نفسه يوما غير قادر على اصطياد الفريسة وسيكون له أثر سلبي على مملكة الغابة‬
‫فيقول كلكالس"‪ :‬إذا كان القوي في الطبيعة هو الذي يسيطر فإنه من العدل أن يكون األمر كذلك في المجتمع اإلنساني‪ ،‬ومن العدل أن يكون‬
‫األقوى فيه هو المتفوق وصاحب السلطة‪ ،‬فالقانون الحقيقي هو قانون األقوى‪".‬‬
‫يؤكد توماس هوبز على أ ّن اإلنسان شرير بطبعه ميال إلى العنف فيطبق الحيلة والمكر من أجل الوصول إلى أهدافه‪ ،‬حيث يقول‪" :‬أن اإلنسان ذئب‬
‫لإلنسان‪ ".‬فطبيعة اإلنسان األنانية تقتضي استعمال العنف من أجل إثبات الذات‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى تصارع دائم بين النّاس‪ .‬وهو ما يفسر قيام البشر بحماية‬
‫بيوتهم بواسطة أقفال وحملهم السالح عند الخروج للسفر كأنهم يأخذون حذرهم من اإلنسان الذي شببه بالذئب‪.‬‬
‫وهي نفس الفكرة التي نجدها عند ميكيافيللي حيث يقدم في كتابه "األمير" جملة من النصائح لألمراء والحكام حتى يدوم حكمهم‪ ،‬وهذه النصائح قائمة‬
‫على القوة والعنف‪ ،‬فينصح األمير أن ال يكون طيبا ومتسامحا أل ّن ذلك يثير روح الثورة عليه في نفوس رعاياه أل ّن اإلنسان خبيث بطبعه‪ .‬فيقول‪ " :‬أن‬
‫يخافك الناس خير لك من أن يحبوك"‪ ،‬ويقول أيضا‪ " :‬الغاية تبرر الوسيلة"‪ ،‬والضرورة ال تعرف القانون‪.‬‬
‫كما نادى مجموعة من السياسيين أمثال الروسي ليون تروتوسكي واألمريكي ورد تشرشل كانوا من أشد الناقدين لمبدأ األعنف‪ ،‬فالعنف ضرورة‬
‫لتحقيق التغيير الثوري وحق الدفاع عن النفس مبدأ أساسي وطبيعة إنسانية‪.‬‬
‫وإلى نفس اإلتجاه يذهب ميشال فوكو الذي يعتبر أن القوي ماديا هو الذي يفرض حقيقته ولو كانت كذبا أل ّن رفض هذه الحقيقة من طرف الضعيف‬
‫معناه الحكم على نفسه بالموت‪ .‬مثال ذلك احتالل فلسطين من قبل إسرائيل التي فرضت سيطرتها ألنها قوية ماديا واستطاعت أن تخدع العالم بحقها المزعوم‬
‫‪1‬‬
‫في أرض فلسطين‪.‬‬
‫ويعتبر موسوليني أن السالم الدائم ال هو بالممكن وال هو بالمفيد‪ ،‬إ ّن الحرب وحدها بما تحدثه من توتر هي التي تبعث على أفضل نشاط في اإلنسان‪.‬‬
‫فهي وسام نبل في صور أولئك الذين يمتلكون الشجاعة لمواجهتها‪.‬‬
‫فالثورة الجزائرية خير مثال على ذلك عندما إقتنع الشعب الجزائري أن ما أخذ بالقوة ال يسترجع ّ‬
‫إال بالقوة ففجروا الثورة وحملوا الّسالح بكل شجاعة‬
‫في وجه المستعمر الغاشم وبفضل هذه التضحيات نالت الجزائر حريتها واستقاللها‪.‬‬
‫وبشكل عام فالثورات الشريفة ترى أ ّن العنف واجب أخالقي يستهدف استئصال الظلم من المجتمع وتصحيح الواقع اإلنساني‪ ،‬فيرى ماو تسي تونغ‬
‫(هو زعيم الثورة الصينية‪" ):‬إننا ال نقوم بالحرب من أجل الحرب‪ ،‬بل بالحرب من أجل السلم"‪ ،‬لذلك فتحرير األرض من مغتصبها غاية شريفة تبرر‬
‫استخدام العنف‪ ،‬ومنه العنف وسيلة شريفة شرف غايتها وضرورة تهدف من خاللها إلى تصحيح الواقع وإعادة األوضاع إلى نصابها‪.‬‬
‫فيعتبر جون لوك ّأنه إذا كان لهذا النمر الحق في أن يهاجمني فلي الحق في أن أقتله‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ويذهب فريدريك انجلز إلى أن العنف أساس البناء والتحرر فالظروف التي عاشتها الطبقة العمالية الكادحة في ظل االقتصاد الرأسمالي والقمع والسلب جعل‬
‫العامل يشعر بالغربة في عمله‪ ،‬ما يدفعه إلى القيام بالثورة من أجل تغيير هذا النظام الجائر وتحسين ظروفه االجتماعية وتحقيق العدالة‪ ،‬فال يمكن الحكم على‬
‫العنف بأنه ظاهرة سلبية بل هو وسيلة لتحقيق غايات سامية يقول جان جاك روسو‪" :‬ليس لنا الحق فقط بل من الواجب أن نثور إذا إقتضت الضرورة‬
‫ذلك‪ ".‬فهناك نوع من األخالقيات يدعونا إلى حمل السالح في أوقات ما‪ ،‬وهو ما عبرعنه الفرنسي ألبرت كامو‪" :‬أن الرجل الثائر هو الرجل الذي‬
‫يقول ال‪ ".‬وهذا يعني أن األمور قد تفاقمت وزادت عن حدودها فهناك حدود يجب الوقوف‬
‫عندها‪.‬‬
‫ويعتبر العنف مبدأ وغاية اقتصادية‪ ،‬فالعالم اليوم تحكمه القوة االقتصادية المهيمنة وما صراع الحرب الباردة إال دليل على أن الحرب لم تكن حرب‬
‫حدود بل حرب وجود غايتها فرض السيطرة على موارد ومقدرات الشعوب المستضعفة وهو ما حدث في ليبيا‪ ،‬العراق‪ ،‬السودان واليمن‪ ،...‬كما يتحول‬
‫اليوم الصراع من أجل البقاء إلى هيمنة الدول وسطوها على الموارد المائية فيمتلك القوة من يمتلك الماء‪.‬‬
‫ويؤكد فيلسوف القوة نيتشه فريديرك أ ّن القوة والعنف هما األساس لبقاء البشرية إذ ال مجال للتسامح واألخالق في حياة اإلنسان‪ ،‬فاألخالق من‬
‫صنع الضعفاء طبقوها كوسيلة لحماية أنفسهم من قمع األقوياء وتسلطهم لهذا يقول‪" :‬يجب القضاء على أخالق الضعفاء ولو أدى بنا السير على جماجم‬
‫البشر‪".‬‬
‫وهي نفس الفكرة التي طبقها بعده وتبناها أودولف هيثلر فقد طبق مبدأ البقاء أللقوى فهو ال يعترف بالرحمة فيقول‪" :‬لن أرحم الضعفاء حتى‬
‫يصبحوا أقوياء وإن أصبحوا أقوياء فال تجوز عليهم الرحمة‪ ".‬كما تعتبر الفلسفية‬

‫األلمانية بصفة عامة مع هيغل أن الجنس األلماني (اآلري) هم الجنس األرقى وهو يجب أن يحكم العالم ويسوده وما دونهم من األمم والشعوب خدم‬
‫وعبيد‬
‫فالدولة األلمانية قد وصلت إلى فكرة الدولة البروسية (الدولة التي تمثلت للتاريخ‪).‬‬
‫وقد يكون العنف مبررا إيجابيا من الناحية النفسية إذ يؤكد فرويد أن العنف غريزة متجذرة في اإلنسان يولد مزودا بها وال تغادره تماما رغم كبتها النسبي‪،‬‬
‫فالعنف حسب فرويد يرجع إلى وجود غريزتين األولى هي إيروس (غريزة الحياة) والثانية تاتانوس (غريزة الموت)‪ ،‬وهذا ما يفسر السلوك العدواني لدى‬
‫اإلنسان إذ يسعى للتملك وفرض سلطته وتلبية كل رغباته وميوله عندما يجد نفسه خاضعا لغريزة الموت وهذا ما يحدث في نفسه الكبت‬
‫والحقد على كل من وقف ضد رغبته‪( .‬مثال)‬
‫الــنـــقــــد‬
‫إ ّن ما جاء به أنصار هذا الموقف يبدو سليما إلى حد ما‪ ،‬فالعنف يتيح إللنسان البقاء على قيد الحياة‪ ،‬لكن هذا الكالم ال يصح في كل األحوال‪ .‬أل ّن‬
‫الذين يستخدمون العنف كثيرا ما يستترون وراء الدفاع عن النفس ويتخذون منه ذريعة للبطش والهيمنة وبسط نفوذهم على الضعفاء مثل ما تفعله‬
‫إسرائيل مع فلسطين‪.‬كما أ ّن العنف ال يولد إال العنف وهو ما من شأنه أن يفسد األمور ال أن يصلحها‪ ،‬فيؤدي إلى تأزم األوضاع وتحطيم العالقات بين‬
‫أفراد المجتمع الواحد واألسرة الواحدة‪ .‬كما أن العنف يعزز العداء والتوتر والرغبة في اإلنتقام فهو صور للتدمير والتخريب‪ .‬وينظر للعنف على أنّه أسلوب بدائي‬
‫غير متحضر ال يرقى إلى مستوى اإلنسان المدني‪ ،‬فالحيوان ال يلجأ إلى العنف إالّ عند الضرورة البيولوجية كالصيد أو الدفاع عن النفس‪ ،‬فكيف باإلنسان وهو‬
‫راع القيم األخالقية‪ ،‬والحقيقة أ ّن فكرة العنف قد وجدت مع المجتمعات البدائية وال يتناسب مع طبيعة اإلنسان المتحضرة‪ ،‬فال يمكن إخضاع‬
‫المجتمع اإلنساني لقانون يحكم الحيوان ما دام متفرد بملكة العقل‪.‬‬
‫الموقف الثاني‪ :‬العنف ظاهرة سلبية‬
‫يرى العديد من المفكرين والفالسفة بأن العنف ظاهرة سلبية وال يوجد أي مبرر مهما كان يبرر اإلعتماد عليه‪ .‬فهو ظاهرة مرضية‪ ،‬من رواد هذا‬
‫الموقف نجد غاندي‪ ،‬روجي غارودي‪ ،‬كانط‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫الحجج والبراهين‬
‫إ ّن العنف سلوك ال يتوافق مع طبيعة اإلنسان الذي يرفض التعدي عليه بأي شكل من األشكال‪ ،‬لهذا فإن كل الشرائع السماوية والوضعية فضلت‬
‫‪3‬‬
‫تقديم الوسائل السلمية بدل من الوسائل القمعية‪ ،‬وجعلت االلعنف أولى من العنف والتسامح أولى من االلتسامح‪ .‬فاإلنسان بطبيعته مياال إلى المسالمة ويأبى‬
‫أن يلحق الضرر باآلخرين‪ ،‬فهو في الغالب يميل إلى الوقوف عند الحدود التي ال تستلزم تهديد أمنه واستقراره‪.‬‬
‫إ ّن العنف ال يولد إالّ العنف‪ ،‬وبالتالي ينبغي أن ال يكون العنف حل‪ ،‬فالشيء الذي يطلبه اإلنسان العنيف هو أن يجد أمامه مقاوم عنيف يسمح له بإظهار‬
‫قوته وعنفة وعندما يغيب المقابل المطلوب فإن العنف سينقلب إلى طواعية ويقول ايريك فروم‪" :‬إ ّن الفيزيولوجية العصيبة والسيكولوجيا للحيوان تخبرنا أن جميع‬
‫الحيوانات ليست عدوانية إال بقصد الحصول على طعامها أو الحفاظ على حياتها أو كرد فعل ضد خطرا ال يمكن الفرار منه"‪( ،‬ومعنى هذا ّأنه إذا‬
‫كان العدوان قد ظهر عند الحيوان فليس ذلك يدافع أل ّن يظهر عنه اإلنسان أيضا خاصة إذا كان هذا اإلنسان عاقال‪).‬‬
‫ثم إ ّن العنف في الغالب يزول بزوال سببه‪ ،‬كما أ ّن العنف ليس قدر محتوما فيمكننا أن ننظر إليه بصفته تابعا لغاية أو نتيجة تولدت عن وضعية أو جملة‬
‫من العوامل وهو ما يتيح إللنسان األمل في محاربته عن طريق محاربة أسبابه‪ ،‬واألخطر من ذلك أن العنف ينبىء بتوكوس (أمراض نفسية) تردد والعودة‬
‫إلى الماضي ما هو إنساني نحو ما هو اإلنساني فااللعنف ال يمكن أن يسمى تراجعا أو تخاذل إنما هو أسلوب راقيا لمحاربة الشر لتغذيته بعنف مضاد‪،‬‬
‫فالعنف ال يولد ّ‬
‫إال عنف لهذا فالحل األسلم هو أن ال نطفىء النار بنار‪.‬‬
‫ثم إ ّن العنف يحول حياة اإلنسان إلى حياة الغابة الذي يستند إلى القوة والغابة غير أن قوة اإلنسان تكمن في حكمته وتعقله ال في عضلته يقول غاندي‪:‬‬
‫"االلعنف هو قانون الجنس البشري والعنف قانون البهيمة‪".‬‬

‫‪4‬‬
‫وقد شرع اإلسالم األساليب الحوارية وسبل اإلقناع لكسب عقول الناس بدل من تعنيف وتجريح وإقصاء اآلخر‪ ،‬يقول لّال عزوجل"‪:‬ادعوا إلى سبيل‬
‫ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادل بالتي هي أحسن‪ ".‬وأل ّن من سماة الحياة وجود األخالق بين الناس على مستوى العديد من األصعدة سواء في‬
‫الدين‬
‫أو الرؤى أو األفكار ‪ ،.‬فالوسيلة الوحيدة لجمع المتناقضة على نحو سلمي هي دائما عدم اإلكراه على الشيء يقول ّلال تعالى"‪:‬ال إكراه في الدين"‪ ،‬ثم إ ّن‬
‫اإلنسان هو الكائن الوحيد راعي القيم األخالقية لهذا فإن عليه أن يتفادى كل ما يحط بقيمته األخالقية وأن يتعالى ويتسامى عن األسلوب الحيواني في رد‬
‫العنف‪.‬‬
‫من أجل احترام اإلنسانية علينا أن نعامل اإلنسان كغاية في ذاته ال وسيلة نصل من خاللها إلى أهدافنا‪ ،‬فقد وضح كانط في كتابه نقد العقل العملي "أعمل دائما‬
‫بحيث تعامل اإلنسانية في شخصك وفي شخص كل إنسان آخر بوصفها دائما وفي نفس الوقت غاية ال مجرد وسيلة"‪ ،‬ولعل الغاية من االلعنف هي قيمة اإلنسان‬
‫وقداسته بغض النظر عن فصيلته أو قبيلته‪ ،‬فاإلنسان أرقى من أن ينزل إلى مستوى السلوك الحيواني‪ .‬لهذا عليه أن يتعالى عن هذا السلوك وهو ما وضحه المفكر‬
‫روجي غارودي الذي يدعو إلى حوار الحضارات بدل هدم الحضارات‪ ،‬وإلى إعتناق اإلنسان مهما كانت عقيدته أو جنسه وذلك‬
‫على أساس التسامح والمحبة‪.‬‬

‫ويذهب راسل الذي عاش الحربين العالميتين األولى والثانية إلى التخلي عن فكرة الصراع والحرب أل ّن مواجهة العنف بالعنف تؤدي إلى عنف‬
‫أشد وفتنة أعمق‪ ،‬وبما أن اإلنسان هو كائن عاقل فإ ّن العقل يضع الحكمة والحكمة تعني العمل بالتسامح فبقول الشيء الذي يحرر البشر هو التعاون وأول‬
‫خطوات فيه إنما تتم في قلوب األفراد والمألوف أن يتمنى المرء الخير لنفسه وينبغي كذلك أن يتمناه آللخرين‪.‬‬
‫ويؤكد الفرنسي فولتر في كتابه مقالة في التسامح أنه ينبغي التخلي عن العنف في كل المجاالت وبوجه أخص في مجال الدين والعقيدة فيقول‪" :‬إننا‬
‫أبناء من نفس األب ومخلوقات من نفس اإهلل‪ ،‬وإننا عجين من النقائص واألخطاء إذن فلنتسامح"‪ ،‬وقد رحب المجتمع الدولي بفكرة التسامح فخصص لها‬
‫يوم ‪ 16‬نوفمبر من كل سنة يوما للتسامح بمبادرة من منظمة اليونيسكو ‪1996.‬‬
‫الــنــقـــد‬
‫ّ صواب‪ ،‬فالتسامح هو نبذ العنف وهو فضيلة أخالقية وسلوك حميد يتحلى به اإلنسان العاقل غير‬
‫إن ما جاء به أنصار هذا الموقف به الكثير من ال‬
‫أنه ال يمكننا التسليم لهذا الرأي في جميع األحوال‪.‬‬
‫فالنظريات التي تجعل االلعنف بديل عن العنف ركزت على ما يجب أن يكون ال على ما هو كائن‪ ،‬أما ما هو كائن فالعنف ظاهرة ال يخلو‬
‫‪ ‬منها‬
‫أي مجتمع‬
‫‪ ‬كما ال يمكن الجمع بين العنف والتسامح فهم نقيضين أل ّن التسامح في أغلب األحيان قد يكون من باب الضعف ال من باب القوة‪ ،‬أل ّن التسامح‬
‫سلوك الضعفاء وليس األقوياء‪.‬‬

‫التركيب‬
‫ان القول بان العنف سلوك ايجابي‪ ،‬وينبغي ان يقابل بالعنف المماثل هو موقف ال اخالقي‪ ،‬فرغم ان العنف في بعض االحيان قد يكون ضروري‪ ،‬اال انه‬
‫دائما ما يحط بقيمة االنسان ويجرده من انسانيته‪ ،‬وينزل به الى مصاف الحيوان‪ ،‬لذا على االنسان ان يكون حكيما في تعامله مع الغير‪ ،‬وان ينبذ العنف‬
‫بكل اشكاله‪ ،‬وان يسامح من باب الصفح‪ ،‬على ان ال يكون هذا التسامح خوفا او جبنا‪ ،‬بل التسامح الذي يعد احتراما للغير‪ ،‬وان ال يتجه الى العنف او‬
‫وانساني‪،‬صيوان يتعامل مع غيره بالتسامح‬
‫واخالقيْع َُملو َن َب ِ‬
‫حضاريَّاللَـه ِب َما َت‬
‫سلوكَبْيَنُك ْم ِإ َّن‬
‫فااللعنف ْض َل‬
‫وحده‪َ،‬س ُوا ْالفَ‬
‫فقطو َال َتن‬
‫الحق َوى َ‬
‫الىب َِّللتْق‬
‫االنتصار َر ُ‬
‫وهيوأَن َتْعُفوا َأقْ‬ ‫االيجابيه‪،‬‬
‫‪-‬تعالى‪َ ( -:‬‬ ‫يستخدمه اال في صورته قال‬
‫ٌر‪).‬‬ ‫‪،‬وهو ما دلت عليه االيه الكريمه‬
‫حل المشكلة‬
‫من خالل ما سبق نستنتج ان اساليب التعامل لدى االنسان كثيرة ومتنوعة وبالتالي فالعفف سلوك ليس مشروعا وال مقبوال وال مطلوبا وهو ال يكون ايجابيا اال‬
‫اذا كان من اجل استرجاع الحقوق المهضومه والمغتصبه وعندما يستنفذ االنسان جميع الطرق السلميه وتنتهي كل الخيارات عندها تكون مبرراته دفاعيه مثل ما‬
‫‪5‬‬
‫يحدث اليوم بين الشعب الفلسطيني واالسرائيلي المحتل وما حدث ايضا بين الشعب الجزائري واالستدمار الفرنسي الغاشم فقط طالب الجزائريون والفلسطينيون‬
‫باستقاللهم بطرق سلميه لكن هذا االسلوب لم ينجح فكان العنف والقوه خيارا البد منه لكن هذا ال يبرر االعتماد على العنف في كل الحاالت فالعنف ال يولد اال عنفا‬
‫وجب مقابلته اذا بالتسامح واللعنف الن التسامح من القيم االخالقيه الساميه التي تساعد االنسان على التعايش مع‬
‫البشر فيما بينها ونشر قيم المحبه واالحترام واالخاء المتبادل فيقول عز وجل ا" وليعفوا وليصفحوا أالّ تحبون أن يغفر هلال لكم وهلال غفور‬
‫رحيم‪".‬‬

‫‪6‬‬

You might also like