Professional Documents
Culture Documents
2
ويذهب فريدريك انجلز إلى أن العنف أساس البناء والتحرر فالظروف التي عاشتها الطبقة العمالية الكادحة في ظل االقتصاد الرأسمالي والقمع والسلب جعل
العامل يشعر بالغربة في عمله ،ما يدفعه إلى القيام بالثورة من أجل تغيير هذا النظام الجائر وتحسين ظروفه االجتماعية وتحقيق العدالة ،فال يمكن الحكم على
العنف بأنه ظاهرة سلبية بل هو وسيلة لتحقيق غايات سامية يقول جان جاك روسو" :ليس لنا الحق فقط بل من الواجب أن نثور إذا إقتضت الضرورة
ذلك ".فهناك نوع من األخالقيات يدعونا إلى حمل السالح في أوقات ما ،وهو ما عبرعنه الفرنسي ألبرت كامو" :أن الرجل الثائر هو الرجل الذي
يقول ال ".وهذا يعني أن األمور قد تفاقمت وزادت عن حدودها فهناك حدود يجب الوقوف
عندها.
ويعتبر العنف مبدأ وغاية اقتصادية ،فالعالم اليوم تحكمه القوة االقتصادية المهيمنة وما صراع الحرب الباردة إال دليل على أن الحرب لم تكن حرب
حدود بل حرب وجود غايتها فرض السيطرة على موارد ومقدرات الشعوب المستضعفة وهو ما حدث في ليبيا ،العراق ،السودان واليمن ،...كما يتحول
اليوم الصراع من أجل البقاء إلى هيمنة الدول وسطوها على الموارد المائية فيمتلك القوة من يمتلك الماء.
ويؤكد فيلسوف القوة نيتشه فريديرك أ ّن القوة والعنف هما األساس لبقاء البشرية إذ ال مجال للتسامح واألخالق في حياة اإلنسان ،فاألخالق من
صنع الضعفاء طبقوها كوسيلة لحماية أنفسهم من قمع األقوياء وتسلطهم لهذا يقول" :يجب القضاء على أخالق الضعفاء ولو أدى بنا السير على جماجم
البشر".
وهي نفس الفكرة التي طبقها بعده وتبناها أودولف هيثلر فقد طبق مبدأ البقاء أللقوى فهو ال يعترف بالرحمة فيقول" :لن أرحم الضعفاء حتى
يصبحوا أقوياء وإن أصبحوا أقوياء فال تجوز عليهم الرحمة ".كما تعتبر الفلسفية
األلمانية بصفة عامة مع هيغل أن الجنس األلماني (اآلري) هم الجنس األرقى وهو يجب أن يحكم العالم ويسوده وما دونهم من األمم والشعوب خدم
وعبيد
فالدولة األلمانية قد وصلت إلى فكرة الدولة البروسية (الدولة التي تمثلت للتاريخ).
وقد يكون العنف مبررا إيجابيا من الناحية النفسية إذ يؤكد فرويد أن العنف غريزة متجذرة في اإلنسان يولد مزودا بها وال تغادره تماما رغم كبتها النسبي،
فالعنف حسب فرويد يرجع إلى وجود غريزتين األولى هي إيروس (غريزة الحياة) والثانية تاتانوس (غريزة الموت) ،وهذا ما يفسر السلوك العدواني لدى
اإلنسان إذ يسعى للتملك وفرض سلطته وتلبية كل رغباته وميوله عندما يجد نفسه خاضعا لغريزة الموت وهذا ما يحدث في نفسه الكبت
والحقد على كل من وقف ضد رغبته( .مثال)
الــنـــقــــد
إ ّن ما جاء به أنصار هذا الموقف يبدو سليما إلى حد ما ،فالعنف يتيح إللنسان البقاء على قيد الحياة ،لكن هذا الكالم ال يصح في كل األحوال .أل ّن
الذين يستخدمون العنف كثيرا ما يستترون وراء الدفاع عن النفس ويتخذون منه ذريعة للبطش والهيمنة وبسط نفوذهم على الضعفاء مثل ما تفعله
إسرائيل مع فلسطين.كما أ ّن العنف ال يولد إال العنف وهو ما من شأنه أن يفسد األمور ال أن يصلحها ،فيؤدي إلى تأزم األوضاع وتحطيم العالقات بين
أفراد المجتمع الواحد واألسرة الواحدة .كما أن العنف يعزز العداء والتوتر والرغبة في اإلنتقام فهو صور للتدمير والتخريب .وينظر للعنف على أنّه أسلوب بدائي
غير متحضر ال يرقى إلى مستوى اإلنسان المدني ،فالحيوان ال يلجأ إلى العنف إالّ عند الضرورة البيولوجية كالصيد أو الدفاع عن النفس ،فكيف باإلنسان وهو
راع القيم األخالقية ،والحقيقة أ ّن فكرة العنف قد وجدت مع المجتمعات البدائية وال يتناسب مع طبيعة اإلنسان المتحضرة ،فال يمكن إخضاع
المجتمع اإلنساني لقانون يحكم الحيوان ما دام متفرد بملكة العقل.
الموقف الثاني :العنف ظاهرة سلبية
يرى العديد من المفكرين والفالسفة بأن العنف ظاهرة سلبية وال يوجد أي مبرر مهما كان يبرر اإلعتماد عليه .فهو ظاهرة مرضية ،من رواد هذا
الموقف نجد غاندي ،روجي غارودي ،كانط
وغيرهم.
الحجج والبراهين
إ ّن العنف سلوك ال يتوافق مع طبيعة اإلنسان الذي يرفض التعدي عليه بأي شكل من األشكال ،لهذا فإن كل الشرائع السماوية والوضعية فضلت
3
تقديم الوسائل السلمية بدل من الوسائل القمعية ،وجعلت االلعنف أولى من العنف والتسامح أولى من االلتسامح .فاإلنسان بطبيعته مياال إلى المسالمة ويأبى
أن يلحق الضرر باآلخرين ،فهو في الغالب يميل إلى الوقوف عند الحدود التي ال تستلزم تهديد أمنه واستقراره.
إ ّن العنف ال يولد إالّ العنف ،وبالتالي ينبغي أن ال يكون العنف حل ،فالشيء الذي يطلبه اإلنسان العنيف هو أن يجد أمامه مقاوم عنيف يسمح له بإظهار
قوته وعنفة وعندما يغيب المقابل المطلوب فإن العنف سينقلب إلى طواعية ويقول ايريك فروم" :إ ّن الفيزيولوجية العصيبة والسيكولوجيا للحيوان تخبرنا أن جميع
الحيوانات ليست عدوانية إال بقصد الحصول على طعامها أو الحفاظ على حياتها أو كرد فعل ضد خطرا ال يمكن الفرار منه"( ،ومعنى هذا ّأنه إذا
كان العدوان قد ظهر عند الحيوان فليس ذلك يدافع أل ّن يظهر عنه اإلنسان أيضا خاصة إذا كان هذا اإلنسان عاقال).
ثم إ ّن العنف في الغالب يزول بزوال سببه ،كما أ ّن العنف ليس قدر محتوما فيمكننا أن ننظر إليه بصفته تابعا لغاية أو نتيجة تولدت عن وضعية أو جملة
من العوامل وهو ما يتيح إللنسان األمل في محاربته عن طريق محاربة أسبابه ،واألخطر من ذلك أن العنف ينبىء بتوكوس (أمراض نفسية) تردد والعودة
إلى الماضي ما هو إنساني نحو ما هو اإلنساني فااللعنف ال يمكن أن يسمى تراجعا أو تخاذل إنما هو أسلوب راقيا لمحاربة الشر لتغذيته بعنف مضاد،
فالعنف ال يولد ّ
إال عنف لهذا فالحل األسلم هو أن ال نطفىء النار بنار.
ثم إ ّن العنف يحول حياة اإلنسان إلى حياة الغابة الذي يستند إلى القوة والغابة غير أن قوة اإلنسان تكمن في حكمته وتعقله ال في عضلته يقول غاندي:
"االلعنف هو قانون الجنس البشري والعنف قانون البهيمة".
4
وقد شرع اإلسالم األساليب الحوارية وسبل اإلقناع لكسب عقول الناس بدل من تعنيف وتجريح وإقصاء اآلخر ،يقول لّال عزوجل":ادعوا إلى سبيل
ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادل بالتي هي أحسن ".وأل ّن من سماة الحياة وجود األخالق بين الناس على مستوى العديد من األصعدة سواء في
الدين
أو الرؤى أو األفكار ،.فالوسيلة الوحيدة لجمع المتناقضة على نحو سلمي هي دائما عدم اإلكراه على الشيء يقول ّلال تعالى":ال إكراه في الدين" ،ثم إ ّن
اإلنسان هو الكائن الوحيد راعي القيم األخالقية لهذا فإن عليه أن يتفادى كل ما يحط بقيمته األخالقية وأن يتعالى ويتسامى عن األسلوب الحيواني في رد
العنف.
من أجل احترام اإلنسانية علينا أن نعامل اإلنسان كغاية في ذاته ال وسيلة نصل من خاللها إلى أهدافنا ،فقد وضح كانط في كتابه نقد العقل العملي "أعمل دائما
بحيث تعامل اإلنسانية في شخصك وفي شخص كل إنسان آخر بوصفها دائما وفي نفس الوقت غاية ال مجرد وسيلة" ،ولعل الغاية من االلعنف هي قيمة اإلنسان
وقداسته بغض النظر عن فصيلته أو قبيلته ،فاإلنسان أرقى من أن ينزل إلى مستوى السلوك الحيواني .لهذا عليه أن يتعالى عن هذا السلوك وهو ما وضحه المفكر
روجي غارودي الذي يدعو إلى حوار الحضارات بدل هدم الحضارات ،وإلى إعتناق اإلنسان مهما كانت عقيدته أو جنسه وذلك
على أساس التسامح والمحبة.
ويذهب راسل الذي عاش الحربين العالميتين األولى والثانية إلى التخلي عن فكرة الصراع والحرب أل ّن مواجهة العنف بالعنف تؤدي إلى عنف
أشد وفتنة أعمق ،وبما أن اإلنسان هو كائن عاقل فإ ّن العقل يضع الحكمة والحكمة تعني العمل بالتسامح فبقول الشيء الذي يحرر البشر هو التعاون وأول
خطوات فيه إنما تتم في قلوب األفراد والمألوف أن يتمنى المرء الخير لنفسه وينبغي كذلك أن يتمناه آللخرين.
ويؤكد الفرنسي فولتر في كتابه مقالة في التسامح أنه ينبغي التخلي عن العنف في كل المجاالت وبوجه أخص في مجال الدين والعقيدة فيقول" :إننا
أبناء من نفس األب ومخلوقات من نفس اإهلل ،وإننا عجين من النقائص واألخطاء إذن فلنتسامح" ،وقد رحب المجتمع الدولي بفكرة التسامح فخصص لها
يوم 16نوفمبر من كل سنة يوما للتسامح بمبادرة من منظمة اليونيسكو 1996.
الــنــقـــد
ّ صواب ،فالتسامح هو نبذ العنف وهو فضيلة أخالقية وسلوك حميد يتحلى به اإلنسان العاقل غير
إن ما جاء به أنصار هذا الموقف به الكثير من ال
أنه ال يمكننا التسليم لهذا الرأي في جميع األحوال.
فالنظريات التي تجعل االلعنف بديل عن العنف ركزت على ما يجب أن يكون ال على ما هو كائن ،أما ما هو كائن فالعنف ظاهرة ال يخلو
منها
أي مجتمع
كما ال يمكن الجمع بين العنف والتسامح فهم نقيضين أل ّن التسامح في أغلب األحيان قد يكون من باب الضعف ال من باب القوة ،أل ّن التسامح
سلوك الضعفاء وليس األقوياء.
التركيب
ان القول بان العنف سلوك ايجابي ،وينبغي ان يقابل بالعنف المماثل هو موقف ال اخالقي ،فرغم ان العنف في بعض االحيان قد يكون ضروري ،اال انه
دائما ما يحط بقيمة االنسان ويجرده من انسانيته ،وينزل به الى مصاف الحيوان ،لذا على االنسان ان يكون حكيما في تعامله مع الغير ،وان ينبذ العنف
بكل اشكاله ،وان يسامح من باب الصفح ،على ان ال يكون هذا التسامح خوفا او جبنا ،بل التسامح الذي يعد احتراما للغير ،وان ال يتجه الى العنف او
وانساني،صيوان يتعامل مع غيره بالتسامح
واخالقيْع َُملو َن َب ِ
حضاريَّاللَـه ِب َما َت
سلوكَبْيَنُك ْم ِإ َّن
فااللعنف ْض َل
وحدهَ،س ُوا ْالفَ
فقطو َال َتن
الحق َوى َ
الىب َِّللتْق
االنتصار َر ُ
وهيوأَن َتْعُفوا َأقْ االيجابيه،
-تعالىَ ( -: يستخدمه اال في صورته قال
ٌر). ،وهو ما دلت عليه االيه الكريمه
حل المشكلة
من خالل ما سبق نستنتج ان اساليب التعامل لدى االنسان كثيرة ومتنوعة وبالتالي فالعفف سلوك ليس مشروعا وال مقبوال وال مطلوبا وهو ال يكون ايجابيا اال
اذا كان من اجل استرجاع الحقوق المهضومه والمغتصبه وعندما يستنفذ االنسان جميع الطرق السلميه وتنتهي كل الخيارات عندها تكون مبرراته دفاعيه مثل ما
5
يحدث اليوم بين الشعب الفلسطيني واالسرائيلي المحتل وما حدث ايضا بين الشعب الجزائري واالستدمار الفرنسي الغاشم فقط طالب الجزائريون والفلسطينيون
باستقاللهم بطرق سلميه لكن هذا االسلوب لم ينجح فكان العنف والقوه خيارا البد منه لكن هذا ال يبرر االعتماد على العنف في كل الحاالت فالعنف ال يولد اال عنفا
وجب مقابلته اذا بالتسامح واللعنف الن التسامح من القيم االخالقيه الساميه التي تساعد االنسان على التعايش مع
البشر فيما بينها ونشر قيم المحبه واالحترام واالخاء المتبادل فيقول عز وجل ا" وليعفوا وليصفحوا أالّ تحبون أن يغفر هلال لكم وهلال غفور
رحيم".
6