You are on page 1of 4

‫الفلسفة والقيم‬ ‫المحور الرابع‪:‬‬

‫القدرات المستهدفة‪:‬‬
‫القدرة على فهم بعض القيم التي يتأسس عليها نمط التفكير الفلسفي‪.‬‬
‫القدرة على اتخاذ مسافة نقدية إزاء المعارف والخطابات‪.‬‬
‫القدرة على اتخاذ المبادرة وااللتزام بشكل واع وإرادي واالنخراط في الحياة العملية والمساهمة في‬
‫الشأن العام‪.‬‬

‫تقديم عام‪:‬‬
‫إذا كانت الفلسفة تفكيرا عميقا في كل ما يتناوله المرء من شؤون المعرفة‪ ،‬ومساءلة مستمرة لها‪ ،‬قصد‬
‫الكشف عن مدى صحتها وزيفها‪ ،‬فما عالقة هذا النوع من التفكير بحياة الناس؟ وهل الفيلسوف بتلك الصورة‬
‫الساذجة‪ ،‬التي يقدمها اإلنسان العادي‪ ،‬شخص يقيم في برج عاج‪ ،‬ويعيش قطيعة مع مشاغل الناس اليومية؟‬
‫أم أن األمر عكس ذلك تماما؟‬
‫إن ما يدفع البعض إلى االعتقاد بعدم جدوى الفلسفة والتشكيك في قيمتها‪ ،‬هو طابعها التأملي‬
‫التجريدي‪ ،‬لكن وراء هذا الطابع يكمن فكر يقظ وحي‪ ،‬ينير الطريق لمن استعصى عليه فهم وإدراك ما يقض‬
‫مضجعه من مشاكل متنوعة‪ ،‬ذلك أن الفلسفة بأسلوبها القائم على النقد والمساءلة المستمرة‪ ،‬لكل ما هو‬
‫موروث وشائع ومتداول من األفكار واآلراء‪ ،‬وبنظرتها العميقة والشاملة‪ ،‬لكل مظاهر الكون والطبيعة‬
‫واإلنسان‪ ،‬يجعلها حاضرة بقوة في صلب حياة الناس‪ ،‬ويكفي أن نرجع إلى أكثر الفالسفة تجريدا‪ ،‬لكي‬
‫نتحقق من أن ثمة نفحة إنسانية تشع منها‪ ،‬فتكشف لنا عن انشغال أصحابها بمعنى الحياة‪ ،‬فهم دائمو االتصال‬
‫بواقعهم االجتماعي‪ ،‬ملتزمين بهموم الناس وقضاياهم إلى درجة التضحية بالذات‪ ،‬ولنا في تجربة سقراط‬
‫الفلسفية‪ ،‬أحسن مثال على هذا االرتباط الحميمي للفلسفة بواقعها االجتماعي‪ .‬لقد أبانت الفلسفة عبر تاريخها‪،‬‬
‫إلى أي حد يمكنها أن تخدم اإلنسان‪ ،‬وأي خدمة أعظم من تحديد قدراته وإمكاناته وطاقاته‪ ،‬وعلى رأسها أنه‬
‫كائن حر‪ ،‬إلى جانب كونه كائن فاعل وواع ‪ ،‬وهو األمر الذي عبر عنه الفيلسوف األلماني كارل ياسبرز‬
‫بقوله ‪ ":‬إن الفلسفة أبعد من أن تكون عاجزة في الميدان الذي قد تعني فيه شيئا للفرد‪ ،‬فهي هنا‪ ،‬السلطة‬
‫الوحيدة التي بها يجد اإلنسان دربه نحو الحرية‪ ،‬وهي وحدها تتيح االستقالل الباطني‪".‬‬
‫للفلسفة أيضا عالقة بالبعد األخالقي‪ ،‬وحين نتكلم عن هذا البعد‪ ،‬فإننا نتكلم عن مبدأ إيجابي يقوم عليه‬
‫سلوك الفرد والجماعة‪ ،‬إنه مبدأ احترام وتقدير اآلخر‪ ،‬مهما كانت طبيعة هذا اآلخر‪ ،‬ويتجلى هذا البعد‬
‫األخالقي للفلسفة في احتكامها للعقل وإقرارها بحرية التعبير‪ ،‬وفي ذلك نبذ العنف والخوف‪ ،‬كما إنها اعتراف‬
‫بأن العالقات البشرية‪ ،‬ينبغي أن تقوم على التفاهم والتسامح‪ ،‬ال على التخاصم والتنازع والعنف بكل أشكاله‬
‫الرمزية منها والمادية‪ .‬فال تفلسف إذن‪ ،‬إن لم يكن هناك شعور بالحرية‪ ،‬وإيقانا بأن الحق فوق القوة‪ ،‬وإن‬
‫الحوار هو الطريق إلى التفاهم‪ ،‬ولعل هذا ما عبر عنه المفكر الفرنسي ذو األصل األلماني إريك فايل‪:‬‬
‫في كتابه " منطق الفلسفة"‪ " :‬تبدأ الفلسفة‪ ،‬حين يتهيأ للبشر أن يتنازلوا عن روح العنف والشدة‪ ،‬لكي‬
‫يستعيضوا عنها بروح التفاهم والمودة"‪.‬‬
‫هكذا‪ ،‬فالتفكير الفلسفي كتفكير عقالني يتميز باالنفتاح والتسامح والدفاع عن الحرية واالختالف ونبذ‬
‫العنف والتعصب واإلقصاء‪ ...‬لكن كيف تدافع الفلسفة عن هذه القيم‪ ،‬وما السبيل إلى تكريسها بين الناس؟‬

‫‪ - 1‬من أجل سالم دائم‬


‫قراءة وتحليل نص‪ :‬إيمانويل كانط‬

‫‪1‬‬
‫بصاحب النص‪:‬‬
‫إيمانويل كانط (‪ ،)1724-1801‬فيلسوف ألماني‪ ،‬يعد من أبرز فالسفة القرن الثامن عشر‪ ،‬بل يلقب‬
‫بفيلسوف األنوار‪ .‬يتحدد مشروعه الفلسفي في النقد الذاتي للعقل بغرض تحديد ملكاته وحدوده‪ ،‬وهو ما تعبر‬
‫عنه أهم مؤلفاته التي نذكر بعضا منها‪:‬‬
‫نقد العقل الخالص‪- )1781( -‬نقد العقل العملي (‪- )1788‬نقد ملكة الحكم (‪.)1790‬‬
‫إشكال النص‪:‬‬
‫ما هي القيم تدافع عنها الفلسفة؟ وماهي اآلليات الكفيلة بتحقيق سالم دائم بين األمم؟‬
‫أطروحة النص‪:‬‬
‫الحفاظ على مبدأ الثقة ومنع كل أشكال الحروب بمنع الوسائل المؤدية إليها‪ ،‬شرط ضروري لتحقيق‬
‫سالم دائم بين األمم باعتباره أرقى القيم اإلنسانية النبيلة‪.‬‬
‫البنية المفاهيمية للنص‪:‬‬
‫الحرب‪ :‬شكل من أشكال القتال بين دولة وأخرى‪ ،‬أو بين دول متعددة‪ .‬ويعرفها كانط بأنها وسيلة‬
‫بائسة للدفاع عن الحق يضطر اإلنسان إليها في حالة الطبيعة‪.‬‬
‫حالة الطبيعة‪ :‬حالة افتراضية‪ ،‬عاشها اإلنسان األول‪ ،‬بحيث كان يستند في عيشها على ما تمليه قواه‬
‫الطبيعية ‪ ،‬وقد تميزت بالعنف واالقتتال بين البشر‪ ،‬حيث لم تكن هناك قوانين وال مؤسسات يمكنها أن تحكم‬
‫بينهم بقوة القانون‪.‬‬
‫السالم‪ :‬حالة تنعدم فيها الحرب بموجب معاهدة تنص على نبذ الحرب بمختلف أشكالها ومنع كل‬
‫الوسائل المؤدية إليها‪.‬‬
‫وفي االصطالح القانوني‪ :‬السالم مصطلح يستخدم في العالقات الدولية ليشير على انعدام العدوان‬
‫الدولي‪ ،‬مع وجود روابط للعالقات القوية بين مجموعة من الدول‪.‬‬
‫حرب اإلبادة‪ :‬هي حرب تقوم بها دولة أو جماعة ضد أخرى بهدف التصفية العرقية‪.‬‬
‫حرب التأديب‪ :‬هي حرب تقوم بها دولة قوية العتبارات سياسية أو اقتصادية أو استراتيجية ضد دولة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫تحليل أطروحة النص‪:‬‬
‫الحفاظ على تبادل الثقة بين األطراف المتنازعة شرط ضروري لعودة السالم‪.‬‬
‫الحرب وسيلة بائسة‪ ،‬تعبر عن حالة الهمجية والتوحش‪ ،‬ال على التحضر والمدنية‪.‬‬
‫ضرورة منع كل أنواع الحروب بمنع الوسائل المؤدية إليها‪ ،‬خاصة حروب اإلبادة التي ال تترك مجاال‬
‫للسالم الدائم بين األمم إال في المقبرة الكبرى للجنس البشري‪.‬‬
‫البنية الحجاجية للنص‪:‬‬
‫النص عبارة عن بنية حجاجية استداللية‪ ،‬تنطلق من مقدمة سالبة (ال يجوز‪ )...‬وتنتهي إلى نتيجة‬
‫(ينبغي منع كل أشكال الحروب)‪ ،‬وقد ا ستعان صاحب النص بآليات حجاجية أخرى من قبيل التعريف‬
‫واألمثلة والشروح‪.‬‬
‫استنتاج‪:‬‬
‫نستنتج من خالل النص‪ ،‬أن الفيلسوف يعمل جاهدا من أجل إبراز خطورة الحرب على الجنس البشري‬
‫بصفة عامة‪ ،‬ويجد في الدعوة إلى تأسيس مشروع لسالم دائم بين البشر الحل الوحيد لضمان حياة إنسانية‬
‫تسودها الطمأنينة واالحتكام لسلطة القانون من أجل فض النزاعات بين الدول‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ - 2‬مستقبل الفلسفة‬
‫قراءة وتحليل نص‪ :‬إريك فايل‬
‫صاحب النص‪:‬‬
‫إريك فايل فيلسوف فرنسي من أصل ألماني (‪ .)1904-1972‬من أهم أعماله " منطق الفلسفة "‪.‬‬

‫إشكال النص‪:‬‬
‫ما الفلسفة‪ ،‬وأي مستقبل ينتظرها‪ :‬هل هي قادرة على االستمرار في أداء مهمتها‪ ،‬أم أنها معرضة‬
‫لالنكفاء والتراجع؟‬
‫أطروحة النص‪:‬‬
‫الفلسفة مساءلة للقيم اإلنسانية ‪ ،‬تتميز بقدرتها على الفهم وتوحيد الخطابات البشرية التي يمكن‪ ،‬في‬
‫تعددها واختالفها‪ ،‬أن تكون مصدرا للعنف بين البشر‪ ،‬وهو ما يضمن مستقبال زاهرا لها‪.‬‬
‫البنية المفاهيمية للنص‪:‬‬
‫القيم‪ :‬هي ما يتيح لنا تثمين شيء من األشياء والحكم عليه‪ ،‬وهي التي توجه سلوكنا‪ .‬ومن بينها قيم أخالقية‬
‫وقيم جمالية وقيم اجتماعية‪.‬‬
‫الوثوقية‪ :‬ادعاء امتالك الحقيقة المطلقة والمعرفة اليقينية التي ال تقبل التشكيك في مصداقيتها‪.‬‬
‫األسئلة المكبوتة‪ :‬تلك األسئلة المقموعة التي ال يسمح لها بالظهور‪ ،‬وال تطرح بشكل علني وواضح‪.‬‬
‫تحليل أطروحة للنص‪:‬‬
‫إ ن الفلسفة مجال لنقد كل األفكار التي يتداولها الناس ويعتبرونها حقيقة مطلقة‪ ،‬سواء أكانت أفكارا‬
‫تراثية قديمة‪ ،‬أو ثورية جديدة‪.‬‬
‫الفلسفة نقيض ل لسذاجة والتسليم المطلق لخطابات البشر‪ ،‬وهي تفتح بابها بكل تواضع لمن يرغب في‬
‫الفهم وإعمال العقل‪.‬‬
‫الفلسفة إيقاظ لألسئلة الصعبة والمكبوتة‪ ،‬وقدرة على مواجهة المشاكل والصعوبات التي تعتري‬
‫الحاضر‪.‬‬
‫مستقبل الفلسفة مشرق‪ ،‬مادامت تثابر في مواجهة كل تلك المظاهر السابقة وتخلق المعنى وتقبل‬
‫التحدي‪.‬‬
‫البنية الحجاجية للنص‪:‬‬
‫من أجل الدفاع عن أطروحته الفلسفية قدم إريك فايل مجموعة من اآلليات الحجاجية‪ ،‬يمكن صياغتها‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫حجة النقد‪ :‬حيث عمل على نقد السذاجة واليقين التي دأب اإلنسان على التشبع بها‪ ،‬وأكد على أن‬
‫مهمة الفلسفة تتجلى في فحص جميع األفكار والقيم‪ ،‬وعدم اعتبارها حقائق مطلقة‪.‬‬
‫حجة المثال‪ :‬استعان بهذه الحجة من أجل توضيح األدوار التي تقوم بها الفلسفة‪ ،‬والمتمثلة في النقد‬
‫والفحص‪ ،‬وإيقاظ األسئلة المكبوتة‪ ،‬وخلخلة ما هو سائد في عقول الناس‪.‬‬
‫استنتاج‪:‬‬
‫نستنتج من خالل النص أن الفيلسوف إريك فايل يدافع عن رسالة الفلسفة وقيمتها‪ ،‬باعتبارها طريقا‬
‫للفهم‪ ،‬لمن يرغب فعال في ذلك‪ :‬ألن كثيرا من الناس يختارون العيش في األوهام اللذيذة بدل مواجهة الحقائق‬
‫المرة‪ .‬وذلك من خالل امتالك القدرة على نقد جميع األفكار والقيم‪ ،‬وإخضاعها لمحكمة العقل وحدها‪ ،‬ما‬

‫‪3‬‬
‫دامت األفكار‪ ،‬في كثير من األحيان‪ ،‬أقنعة تخفي رغبات خفية في الهيمنة واالستغالل‪ ،‬والسعي نحو توحيد‬
‫الخ طابات البشرية التي يمكن أن تكون مصدرا للعنف بين البشر‪.‬‬
‫خالصة المحور‪:‬‬
‫عبر النموذجان الفلسفيان‪ ،‬عند معالجتهما لمسألة القيم‪ ،‬عن موقفين مختلفين‪ ،‬لكنهما متكاملين‪ :‬موقف‬
‫يقول بضرورة التنديد بالحروب كيفما كان نوعها‪ ،‬بغرض إحالل سالم دائم بين األمم‪ .‬في حين عبر الموقف‬
‫الثاني عن ضرورة مواجهة األزمات اإلنسانية بتدخل ما هو فلسفي‪ ،‬انطالقا من مساءلة القيم اإلنسانية‪ ،‬ونقد‬
‫السائد منها‪ ،‬والعمل على توحيد الخطابات البشرية التي تكون مصدرا للعنف بين البشر‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like