You are on page 1of 12

‫السنة الدراسية‪2021- 2020 :‬‬ ‫األستاذ محبوب الطبال‬

‫ثانوية أبي بكر الصديق‬


‫مادة الفلسفة‬

‫مجزوءة‪ :‬الوضع البشري‬

‫المفهوم األول‪ :‬الشخص‬

‫تمهيد للمجزوءة‪:‬‬

‫تشير داللة الوضع البشري إلى مجموع الشروط والعوامل والمحددات التي تحيط‬
‫بحياة اإلنسان ووجوده‪ ،‬فهو وضع معقد ومتشعب يستعصي علينا ضبطه أو التحكم فيه‬
‫نظرا لتضافر مجموعة من األبعاد تساهم في تشكيله‪ ،‬منها ما هو ذاتي يتصف فيه الكائن‬
‫اإلنساني بقدرته على الوعي بذاته ومعرفته بها والتساؤل عن القواعد التي تجعل منه في‬
‫المستقبل كائنا أفضل‪ .‬مما هو عليه اآلن لبلوغ درجة تالئم حقيقته البشرية‪ .‬كما يتميز أيضا‬
‫بقدرته على التفاعل مع المحيط الخ ارجي‪ .‬واإلنخراط مع الغير في عالقة تأثير متبادلة‪ ،‬وال‬
‫غرابة في األمر ما دام الغير هو الذي يمنح الذات وعيا بوجودها‪ ،‬ويضفي على هذا الوجود‬
‫طابعا إنسانيا‪ .‬وعالقة األنا بالغير ال تنسج من فراغ بل تتم داخل مجال زماني متعين‬
‫وبداخله يراكم اإلنسان منتجاته وإبداعاته م ما يضيف إليه بعدا تاريخيا‪ ،‬فاإلنسان ال يوجد‬
‫سوى بوصفه امتدادا لتاريخ يتجاوزه‪ ،‬يعيش الماضي والحاضر والمستقبل‪.‬‬

‫فالكائن البشري إذن هو كائن ذو أبعاد وآفاق توسع نطاق عمله وتأثيره‪ ،‬وتمنح‬
‫لوجوده معنى‪ .‬فأول ما يثير في اإلنسان هو أنه شخص ‪ Personne‬له هوية يتفرد بها‪،‬‬
‫وهذا ال يعني أنه صنم أو هيكل جامد بل كائن يظهر بمظاهر شتى‪ ،‬إنه يخفي كينونته بأقنعة‬
‫متنوعة ومختلفة تفرضها طبيعة العالقة التي ينسجها مع األغيار راسما معهم معالم تاريخه‬
‫الخاص وتاريخ المجتمع الذي ينتمي إليه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫السنة الدراسية‪2021- 2020 :‬‬ ‫األستاذ محبوب الطبال‬
‫ثانوية أبي بكر الصديق‬
‫مادة الفلسفة‬

‫‪ .I‬المفهوم األول‪ :‬الشخص ‪La Personne‬‬

‫يمثل الشخص واحدا من أهم أبعاد الوضع البشري‪ ،‬وهو لفظ يشير في قواميس اللغة‬
‫العربية إلى "كل جسم له ارتفاع وظهور‪ "...‬مرادفا بذلك كلمات الضخامة والعظمة‬
‫والظهور والبروز‪ ...‬أما في الداللة الفرنسية فلفظ الشخص ‪ Personne‬مشتق من األصل‬
‫الالتيني ‪ Personna‬التي تدل على القناع الذي يضعه الممثل على وجهه لتشخيص دور‬
‫على خشبة المسرح‪ .‬وبذلك يتبدى مفهوم الشخص أمامنا حامال لمفارقة عظيمة بسبب داللته‬
‫على الظهور تارة‪ ،‬واالختفاء والتستر تارة أخرى إنها مفارقة تستوجب التأمل وتحفز على‬
‫طرح التساؤالت التالية‪:‬‬

‫– هل يملك الشخص هوية معينة ومحددة في ظل التغيرات التي يخضع لها على‬
‫المستوى الجسدي والنفسي واالجتماعي؟‬
‫– هل للشخص قيمة ما؟ وما الذي يؤسس هذه القيمة؟‬
‫– ما موقع الشخص بين الضرورة والحرية؟‬

‫‪2‬‬
‫السنة الدراسية‪2021- 2020 :‬‬ ‫األستاذ محبوب الطبال‬
‫ثانوية أبي بكر الصديق‬
‫مادة الفلسفة‬

‫المحور األول‪ :‬الشخص والهوية‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫إذا كان مفهوم الشخص يشير – كما سبق تحديده – كل ذات مفكرة واعية قادرة على‬
‫التمييز بين الخير والشر والصدق والكذب وتتحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها‪ ،‬فإن مفهوم‬
‫الهوية ‪ identité‬يشير لغويا إلى حقيقة الشيء أو الشخص أي إلى الصفات الجوهرية التي‬
‫تميز الشخص عن غيره وتجعله هو نفسه أي "هو – هو" أي مطابق لذاته‪.‬‬

‫فإذا كانت الهوية هي حقيقة الشخص المشتملة على صفاته الجوهرية وإذا كان كل‬
‫شخص يدرك ذاته بوصفه "أنا " فكيف تتحدد حقيقة هذه األنا أي هويتها‪ ،‬هل بالرجوع إلى‬
‫المظهر الخارجي للشخص المتمثل في الجسد؟ أم إلى األدوار االجتماعية التي ينهض بها‬
‫داخل المجتمع؟ أم إلى ما ي شكل باطن الذات من ذاكرة ووعي وإرادة ومسؤولية أخالقية؟ أم‬
‫أن الفهم الحقيقي لهوية الشخص ال يمكن أن يتأتى لنا إال بالنظر إلى الشخص كوحدة تساهم‬
‫في تشكيلها أبعاد متضافرة ومتكاملة فيما بينها؟‬

‫❖ تحليل النص األول‪ :‬لجون لوك ص‪( 15 :‬من كتاب في رحاب الفلسفة)‬

‫– التأطير الفلسفي التاريخي للنص‪:‬‬

‫النص مقتطف من كتاب لوك "مقالة في الفهم البشري" حيث يشكل هذا الكتاب‬
‫مساهمة أساسية في الجواب عن سؤال الفلسفة خالل القرنين ‪ 17‬و‪18‬م وهو سؤال كيف‬
‫يدرك اإلنسان ذاته؟ وكيف يدرك العالم؟ وكيف يبني معرفته؟ وكيف يحافظ على بقائه في‬
‫الزمن؟‬

‫ولحل ه ذه اإلشكاليات يعتمد لوك مفهوم الهوية الشخصية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫السنة الدراسية‪2021- 2020 :‬‬ ‫األستاذ محبوب الطبال‬
‫ثانوية أبي بكر الصديق‬
‫مادة الفلسفة‬

‫– صاحب النص‪:‬‬

‫جون لوك (‪ )1704 – 1632‬فيلسوف تجريبي ومفكر سياسي‪ ،‬ولد في إقليم‬


‫‪ Somerset‬وتخرج من جامعة أكسفورد‪ ،‬له مجموعة من المؤلفات والمقاالت‪( :‬مقال في‬
‫الفهم البشري – رسالة في التسامح – ورسالة في الحكم المدني)‪.‬‬

‫– إشكالية النص‪:‬‬

‫كيف تتحدد الهوية الشخصية؟ وما عالقة هذه الهوية بالشعور؟ وهل يعتبر الشعور‬
‫كافيا لتحديد الهوية الشخصية؟‬

‫– أطروحة النص‪:‬‬

‫يذهب الفيلسوف جون لوك على أن المحدد األساسي للهوية الشخصية هو الشعور‬
‫فضال عن الذاكرة بوصفها امتدادا للشعور في الزمن الماضي‪ .‬أي أن الشخص بوصفه كائنا‬
‫مفكرا قادرا على التأمل والعودة إلى الذات‪ ،‬يشعر بأنه مطابقا لذاته ولنفسه دوما أي يمتلك‬
‫هوية خاصة رغم مظاهر التغير التي تعتريه في مختلف األزمنة واألمكنة‪.‬‬

‫نعم قد تصدر عن الشخص أفعال وأفكار مختلفة لكن ذلك ال يفقده الشعور بهويته وهذا‬
‫الشعور ال يقترن بالحاضر فقط بل وعبر الذاكرة يتعلق بالماضي أيضا مما ينجم عنه توسع‬
‫وامتداد لتلك الهوية دون إلغاء وحدة الذات‪.‬‬

‫– البنية المفاهيمية‪:‬‬

‫‪ ‬الهوية‪ :‬مفه وم فلسفي يدل على حقيقة الشيء أو الشخص أي ما يتعلق بماهيته‬
‫وجوهره‪.‬‬

‫‪ ‬الذات‪ :‬مفهوم فلسفي يرتبط باألنا الواعي والمفكر ويدل على الشخص‪.‬‬

‫‪ ‬الجوهر‪ :‬جوهر الشيء يعني ما هو ثابت فيه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫السنة الدراسية‪2021- 2020 :‬‬ ‫األستاذ محبوب الطبال‬
‫ثانوية أبي بكر الصديق‬
‫مادة الفلسفة‬
‫‪ ‬الشعور‪ :‬هو ما يجعل الفرد متوافقا مع ذاته ومع العالم الخارجي عن طريق االنتباه‬
‫واإلحساس واإلدراك‪.‬‬

‫– البنية الحجاجية‪:‬‬

‫أسلوب الشرط وجوابه (لكي‪ .)...‬أسلوب التعريف (مفهوم الشخص)‪ .‬أسلوب النفي‬
‫(الشعور ال يقبل االنفصال‪.)...‬‬

‫اعتماد بنية مفاهيمية قوية‪ :‬الشعور – الذاكرة – هوية‪.‬‬

‫– استنتاج‪:‬‬

‫نستنتج مع جون لوك أن الهوية الشخصية ال تتحقق إال باقتران الشعور بالفقر إذ أن‬
‫الذات مهما امتد شعورها في الزمن فذلك ال يؤثر في هويتها لكن هل يبقى الشخص هو –‬
‫هو رغم التغيرات التي تطرأ عليه؟ وهل الشعور كافي لجعل الذات في هويتها مع نفسها؟‬

‫‪ ‬لحظة المناقشة‪ :‬االنفتاح على تصور شوبنهاور‬

‫في مقابل التصورين السابقين يذهب "شوبنهاور" في مؤلفه الشهير "العالم بوصفه‬
‫إرادة وتمثل " إلى أن األساس الذي تقوم عليه هوية الشخص ال يجب البحث عليه في الجسم‬
‫البشري وال حتى في صورته المحسوسة بالنظر إلى تعرضهما للتغير المستمر‪ ،‬وإنما يجب‬
‫البحث عنه في شيء ما ثابت يقبع خلف تغيرات مظاهرنا الخارجية‪ ،‬وهذا الشيء الثابت ال‬
‫يتعلق بالشعور أو الذاكرة كما زعم جون لوك ما دمنا في حياتنا اليومية نتذكر أشياء وننسى‬
‫أشياء أخرى‪ ،‬وما دمنا أيضا في حالة التقدم في السن أو المرض أو والجنون نفقد الذاكرة‬
‫بالمرة‪ .‬بل يتع لق باإلرادة بوصفها نواة الوجود البشري وحقيقته الجوانية الباطنية وبوصفها‬
‫محركة له ولإلرادة كمحدد جوهري لهوية الشخص حسب شوبنهاور عدو لذوذ هو الموت‪،‬‬
‫غير أنها تهزمه ضامنة بقاء الوجود البشري اعتمادا على وسيلتين هما‪ :‬العقل والغريزة‬
‫الجنسية‪ .‬فالعقل من صنع اإلرادة تعمل من خالله على التمويه حتى يقبل اإلنسان األلم‬
‫والشقاء‪ ،‬أما الغريزة الجنسية وعن طريق التناسل هي بدورها تقاوم ما يفعله الموت‬
‫باألنواع الحية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫السنة الدراسية‪2021- 2020 :‬‬ ‫األستاذ محبوب الطبال‬
‫ثانوية أبي بكر الصديق‬
‫مادة الفلسفة‬

‫– تركيب للمحور‪:‬‬

‫رغم اختالف هذه التصورات من حيث منطلقاتها وأطرها المرجعية ونوع األساس‬
‫الذي اختارته لتحديد هوية الشخص يبقى القاسم المشترك بينها هو اعترافها بوجود هوية‬
‫شخصية لدى الفرد‪ ،‬تشعره بأنه واحد مطابق لذاته أي هو – هو دائما رغم حاالت التغير‬
‫والتبدل التي يتعرض لها في ال زمان والمكان ورغم وجاهة هذا الطرح فقد تنكر له العديد‬
‫من علماء األنتروبولوجيا مستندين في ذلك إلى نتائج الثورات العلمية والفكرية المعاصرة‬
‫التي أثبتت أن الحديث عن مفاهيم الثبات والوحدة واإلطالق والتطابق أصبح غير ذي‬
‫معنى‪ .‬كان هذا عن هوية الشخص فماذا عن قيمته في الحياة والوجود؟‬

‫‪6‬‬
‫السنة الدراسية‪2021- 2020 :‬‬ ‫األستاذ محبوب الطبال‬
‫ثانوية أبي بكر الصديق‬
‫مادة الفلسفة‬

‫المحور الثاني‪ :‬الشخص بوصفه قيمة‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫يشير مفهوم الشخص – كما حددنا سابقا – إلى اإلنسان بما هو ذات مفكرة وواعية‪،‬‬
‫قادرة على التمييز عن الخير الشر والصدق والكذب‪ ،‬وتشمل مسؤولية أفعالها أما مفهوم‬
‫القيمة ‪ Valeur‬فهو الميزة الخاصة بشي أو سلوك إنساني مرغوب فيه‪ ،‬فالقيمة هي كل ما‬
‫يرغب فيه اإلنسان ويسعى نحوه وتتنوع القيم بحيث يمكن الحديث عن قيم اقتصادية لها‬
‫ارتباط بحاجيات اإلنسان المادية وقيم عقلية وجمالية وأخالقية وروحية‪...‬‬

‫فإذا كانت القيمة هي الميزة الخاصة بالشيء أو بسلوك إنساني مرغوب فيه وإذا كل‬
‫شخص يدرك نفسه بوصفه أنا‪ .‬فما الذي يمنح هذه األنا قيمتها؟ هل مما يتبدى به الفرد لذاته‬
‫ولآلخرين؟ أم من الدور الذي ينهض به داخل المجتمع؟ أم مما يشكل باطن األنا أو الذات‬
‫من وعي وإرادة ومسؤولية أخالقية؟‬

‫❖ تحليل النص األول‪ :‬تحليل نص "إيمانويل كانط"‪( :‬في رحاب الفلسفة)‬

‫– إشكالية النص‪:‬‬

‫أين تكمن قيمة الشخص هل في كونه ذاتا لعقل أخالقي أم أن قيمته تتحدد انطالقا من‬
‫مدى انخراطه وتضامنه مع اآلخرين؟‬

‫– األطروحة‪:‬‬

‫يؤكد إيمانويل كانط على أطروحة مفادها أن قيمة الشخص تكمن في كونه ذاتا لعقل‬
‫أخالقي عملي‪ ،‬أي باعتباره غاية في ذاته وليس مجرد وسيلة‪ ،‬وال يمكن لهذه القيمة أن‬
‫توجد إال إذا كان الشخص يعمل وفقا للواجب األخالقي القائم والمتأسس على قاعدة مفادها‪:‬‬
‫"تصرف على نحو تعامل فيه اإلنسانية في شخصك وفي األشخاص اآلخرين كغاية وليس‬
‫كوسيلة بتاتا"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫السنة الدراسية‪2021- 2020 :‬‬ ‫األستاذ محبوب الطبال‬
‫ثانوية أبي بكر الصديق‬
‫مادة الفلسفة‬
‫– تحليل األطروحة‪:‬‬

‫يعتقد إيمانويل كانط أن قيمة الشخص ال يمكن أن توجد إال بالنظر إليه كغاية في ذاته‬
‫بحيث ال تجد هذه القيمة مصدرها في ميوالت اإلنسان وغرائزه الطبيعية ما دام يسعى‬
‫جاهدا إلى اقصا ئها والتحرر منها‪ ،‬بل نجد مصدرها في العقل واإلرادة الطيبة‪ ،‬وليقنعنا أكثر‬
‫بصدق ما ذهب إليه ميز بين عالم األشياء وعالم األشخاص‪ .‬فاألشياء بوصفها موجودات‬
‫محرومة من العقل واإلرادة‪ ،‬تمتلك فقط قيمة مشروطة بينما األشخاص بوصفهم كائنات‬
‫عاقلة ومريدة فينظر إليهم بوصفهم غايات في ذاتهم‪ ،‬وهذه الغاية ليست ذاتية بل هي غاية‬
‫موضوعية بحيث ال يمكن أن تنحل إلى غاية أخرى‪.‬‬

‫– استنتاج‪:‬‬

‫يتبين من خالل تحليلنا للنص أن تصور إيمانويل كانط لقيمة الشخص محكوم بنظرية‬
‫الواجب األخالقي وباإلرادة الطيبة واألوامر الشرطية والقطعية التي تؤسس هذا الواجب‪،‬‬
‫لكن هل يمكن القبول بهذا التصور كحل إلشكالية قيمة الشخص؟ هل فعال القيمة األخالقية‬
‫هي القيمة الوحيدة التي يمكن أن نسندها للشخص؟ أال يمكن أن نلمس قيم أخرى لها ارتباط‬
‫بهويتها المركبة؟‬

‫– المناقشة‪:‬‬

‫استثمار نص جورج غوسدروف‪( :‬في رحاب الفلسفة)‬

‫يذهب الفيلسوف والسوسيولوجي الفرنسي جورج غوسدروف بعيدا عن الحمولة‬


‫التجريدية والصورية لألخالق الكانطية‪ ،‬بحيث نجده في مؤلفه "بحث في الوجود األخالقي"‬
‫يضع تقابال بين الفرد والشخص األخالقي معتبرا أن الفرد أشبه بإمبراطور أوسيد يعيش‬
‫حالة االنعزال واالنغالق واالستك فاء الذاتي في عالقته بالعالم واآلخرين‪ ،‬بينما الشخص‬
‫األخالقي هو دائم االنفتاح على العالم والغير مدركا أنه ال يمكن أن يوجد إال بمشاركة الغير‬
‫والتضامن معهم أي أن يأخذ منهم بنفس القدر الذي يعطي ويمنح‪ .‬لكن إذا كان الفالسفة‬
‫الفردانيون قد وجدوا استقاللية الذات دل يال على رفعتها وسموها وقيمتها فإن غوسدروف‬
‫يرفض ذلك شارطا استقاللية الشخص وقيمته بمشاركة الغير والتضامن اآللي مع الناس‪،‬‬
‫‪8‬‬
‫السنة الدراسية‪2021- 2020 :‬‬ ‫األستاذ محبوب الطبال‬
‫ثانوية أبي بكر الصديق‬
‫مادة الفلسفة‬
‫وبذلك يصبح مفهوم الشخص عنده جامعا بين ما هو فردي وما هو جماعي‪ ،‬ومن ثم فالبحث‬
‫عن قيمة الشخص اإلنساني وحتى عن استقالله الذاتي ال يجب أن يتم خارج هذا النطاق‪.‬‬

‫– تركيب‪:‬‬

‫تأسيسا على ما سبق يمكن القول أن الرهان على القيمة المطلقة للشخص اإلنساني ال‬
‫يعني اإلغراق في الهوية‪ ،‬وبالتالي تجاوز حقوق الغير بقدرها يعني االنفتاح على الغير‬
‫والتعاون معهم في إطار قيم الحرية والعدالة والمساواة واإلنصاف‪ ،‬ثم إن التنديد على قيمة‬
‫الشخص اإلنساني ومنه اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لم يعد الشخص مطلبا أخالقيا بحثا‬
‫بل غدا مطمحا قانونيا وحقوقيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا مما سيضفي عليه طابع‬
‫الواقعية أوال‪ ،‬وطابع الكونية ثانيا غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا‪ ،‬هل قيمة الشخص‬
‫مش روطة بحريته أم أنها حاضرة حتى في حالة خضوعه إلكراهات وضرورات مختلفة؟‬

‫‪9‬‬
‫السنة الدراسية‪2021- 2020 :‬‬ ‫األستاذ محبوب الطبال‬
‫ثانوية أبي بكر الصديق‬
‫مادة الفلسفة‬

‫المحور الثالث‪ :‬الشخص بين الضرورة والحرية‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫بعد أن وقفنا على محددات الهوية الشخصية وما به يمتلك الشخص قيمته نحاول في‬
‫هذا المحور مقاربة موضوع الشخص بين الضرورة والحرية منطلقين في ذلك من سؤال‬
‫بسيط‪ :‬ما المقصود بالضرورة وما معنى الحرية؟ أما الضرورة فمقولة تقابل اإلمكان ال‬
‫الحرية وترمز إلى ما ال يمكن أن يكون‪ ،‬أي ما يتصف بالحتمية والوجوب بينما الحرية‬
‫وفي أكثر معانيها شيوعا هي القيام بفعل ما بمحض اإلرادة واالختيار بعيدا عن أية ضغوط‬
‫أو عوائق خارجية‪ .‬وإذا كان بعض الفالسفة قد وسعوا من دائرة الضرورة‪ ،‬وقلصوا من‬
‫مساحة الحرية لدى الشخص‪ ،‬فإن آخرين وعلى النقيض من ذلك وسعوا من دائرة الحرية‬
‫وقلصوا من مساحة الضرورة لديه‪ ،‬مما يحفزنا على طرح التساؤالت التالية‪:‬‬

‫ما موقع الشخص بين الضرورة والحرية؟ بمعنى آخر هل يخضع الشخص في وجوده‬
‫وحياته الشتراطات الضرورة؟ أم هو ذات حرة وفاعلة وقادرة على التحكم في ناحية‬
‫أفعالها؟‬

‫❖ تحليل النص األول لجون بول سارتر‪( :‬في رحاب الفلسفة)‬

‫– إشكالية النص‪:‬‬

‫هل يشكل اإلنسان ذاته وهويته في ضوء ما يختار لنفسه بوصفه مشروعا أم أنه كائن‬
‫خاضع إلشراطات وحتميات ال يمكن تأثيراتها؟‬

‫– األطروحة‪:‬‬

‫يرى سارتر أن وجود اإلنسان يسبق ماهيته بحيث ال تتحدد هذه األخيرة إال بالمشروع‬
‫الذي يختاره‪ ،‬بمعنى أن اإلنسان يشكل ذاته وهويته في ضوء ما يختاره لنفسه بوصفه‬
‫مشروعا يتميز بالتعالي واالنفتاح على العالم‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫السنة الدراسية‪2021- 2020 :‬‬ ‫األستاذ محبوب الطبال‬
‫ثانوية أبي بكر الصديق‬
‫مادة الفلسفة‬

‫– تحليل األطروحة‪:‬‬

‫إن ما يمثل دعامة الوجود اإلنساني حسب جون بول سارتر هو الحرية على اعتبار‬
‫أن اإلنسان حر في أن يختار ذاته‪ ،‬وبالتالي حر في أن يكون جبانا أو شجاعا أو فاعل خير‬
‫أو مجرما‪ ،‬وبموجب هذه الحرية نظر سارتر إلى اإلنسان بوصفه مشروعا يعيش حالة‬
‫اإلمكان ال التحقق ما دام يعمل جاهدا لتجاوز أوضاعه الحاضرة والتعالي عنها من خالل‬
‫التطلع نحو المستقبل‪ .‬أما وسيلته في ذلك فهي الشغل والفعل والحركة‪ ،‬إن نشاطه العملي‬
‫هذا ال ينفي ذاته ويحددها بشكل دائم‪ ،‬وإنما يجعل منها ذاتا حرة مستقلة في اختياراتها مع‬
‫العلم أن الحرية ليست صفة مضافة أو خاصية ثانوية من خصائص الوجود اإلنساني‪ ،‬ومن‬
‫ثم اعترض على كل الفلسفات الجدلية رغم تأثره بها لكونها اتسمت بوجودية الالمعقول‬
‫وأفكارها عن الحرية الصنمية ألن أغلبها أمانت عن اآللي والميكانيكي ولجوءها إلى‬
‫االختزال وعدم احترامها المقومات المنهج الجدلي‪ ،‬لقد انتقد فكرة ‪ dialectique‬الطبيعة‬
‫والحتمية التاريخية وفكرة القوانين الموضوعية وبالتالي تكريس قيم الضرورة والتحجر‬
‫والعبودية‪.‬‬

‫يذهب إمانويل مونيي إلى جانب جون بول سارتر إلى تأكيده على الحرية وترجيحها‬
‫على حساب الضرورة‪ ،‬غير أن الحرية حسب مويني ليست في مستوى الكائن أو الفرد بل‬
‫هي في درجة أعلى من درجة الشخص صاحب القيمة المطلقة والمكانة األرقى في الكون‪،‬‬
‫وهذه الحرية ليست عشوائية بل مشروطة بوضعنا الواقعي وبكل الحدود التي يضعها أمامنا‬
‫خاصة وأنها ال تتقدم وال تتطور إال بوجود التضحية وعطاء مسترسل‪ ،‬غير أن اعتراف‬
‫مونيي بوجود شروط ونقاط ارتكاز محيطة بحرية الشخص ال يعني إيمانه بفكرة الضرورة‪،‬‬
‫وبما أن الشخص بوصفه قيمة أولى فهذه الحرية ال تعطى له بدفعه واحدة بل عن طريق‬
‫التحرر المستمر وعن طريق فعل التشخص‪ ،‬يحاول الشخص أن يحصل حريته‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫السنة الدراسية‪2021- 2020 :‬‬ ‫األستاذ محبوب الطبال‬
‫ثانوية أبي بكر الصديق‬
‫مادة الفلسفة‬

‫موقف العلوم اإلنسانية‪:‬‬

‫تذهب العلوم اإلنسانية على عكس الموقفين السابقين إلى إنكار حرية اإلنسان وقدرته‬
‫على خلق أفعاله وعلى التصرف بمحض إرادته واختياره ومن ثم فهي تستبعد الحرية من‬
‫مجال الفعل اإلنساني‪ .‬وتسجل بالمقابل كون سلوكات األفراد مجرد استجابات آلية‬
‫وميكانيكية لشروط وحتميات خارجة عن نطاق إرادتهم فمع التحليل النفسي مثال فالشخص‬
‫ما هو إال نتيجة حتمية مجموع العقد واألزمات النفسية التي تعرض لها في مرحلة الطفولة‬
‫فالفرد اإلنساني حسب علم النفس محكوم بثالثة قوى (الهو – األنا – واألنا األعلى)‪ ،‬أما مع‬
‫علم االجتماع فليست مواقف وميوالت الشخص سوى نتيجة لحتمية التأثيرات المختلفة التي‬
‫مارسها عليه المجتمع الذي يعيش فيه عن طريق التربية والتنشئة االجتماعية‪.‬‬

‫تركيب‪:‬‬

‫إن ما يمكن أن نخلص إليه ونحن يحدد موقع الشخص بين الضرورة والحرية هو أن‬
‫اإلنسان فعال‪ ،‬في الحياة والوجود خاضع لضرورات وحتميات ال يمكن رد تأثيراتها غير‬
‫أنه مع ذلك وبما يملك من وعي وحرية وإرادة قادر على استيعابها وبالتالي توجيهها إلى‬
‫الوجهة التي تخدم مصالحه ومطامحه وأهدافه‪.‬‬

‫‪12‬‬

You might also like