You are on page 1of 4

‫بسم هللا‪ ،‬توكلت على هللا وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‬

‫" اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل العقدة من لساني يفقه قولي"‬

‫نص السؤال‪( :‬صيغ مختلفة للسؤال)‬


‫‪ -‬هل نتائج الرياضيات ثابتة أم متغيرة؟‬
‫‪-‬هل االنساق الرياضية واحدة أم متعددة؟‬
‫‪-‬هل اليقين الرياضي مطلق أم نسبي؟‬
‫‪ -‬هل تعدد األنساق الرياضية يقلل من شأن الرياضيات؟‬
‫‪ -‬هل تقاس الرياضيات ببداهتها أم بمدى انسجامها؟‬

‫طرح المشكلة‪:‬‬
‫تعتبر الرياضيات آلة ضرورة لجميع العلوم‪ ،‬ولغة يتطلع إلى اكتسابها كل تفكيرعلمي ناشئ‪ .‬حيث تعرف بأنها علم المقادير والكميات وتدرس لنا الكم‬
‫‪.‬بنوعيه‪ :‬الكم المتصل (الهندسة)‪ ،‬والكم المنفصل (الحساب)‪ ،‬العالقات بين الثوابت والمتغيرات‪.‬‬
‫غير أن الفالسفة لم يختلفوا حول مفهومها بل اختلفوا حول نتائجها‪ ،‬فمنهم من يرى أن نتائج الرياضيات ثابتة ومطلقة وال يمكن أن يعتريها الخطأ‪ ،‬ومنهم من‬
‫يرى أن نتائجها نسبية متغيرة‪ .‬وتهذيبا لهذا الصراع نتساءل‪ :‬هل نتائج الرياضيات مطلقة أم نسبية؟ وبعبارة أخرى‪ :‬هل الحقيقة الرياضية ثابتة أم متغيرة؟‬

‫محاولة حل المشكلة‪:‬‬
‫ان نتائج الرياضيات نسبية‪ ،‬متغيرة‪ ،‬متعددة‬ ‫إن نتائج الرياضيات مطلقة‪ ،‬ثابتة‪ ،‬ازلية‪ ،‬واحدة‬
‫في مقابل ذلك يرى أصحاب الوقف الثاني وهم أصحاب الهندسة الالقليدية‬ ‫يرى أصحاب الموقف األول (األطروحة األولى) وهم أصحاب الهندسة‬
‫االقليدية (الرياضيات الكالسيكية) أن نتائج الرياضيات مطلقة وثابثة ومستحيل (الرياضيات المعاصرة) أن نتائج الرياضيات متغيرة ونسبية‪.‬‬
‫ان يعتريها الخطأ‪.‬‬
‫حيث ينطلقون من مسلمة مفادها أن‪ :‬الرياضيات تقوم على االستدالل العقلي حيث ينطلقون من مسلمة مفادها‪ :‬أن الرياضيات ليست علما يقينيا ثابتا بل‬
‫علم نسبي متغير ألن نزول الحقائق الرياضية إلى مجال الحسي افقدها دقتها‬ ‫كما أنها تتميز بالدقة والوضح واليقين‪.‬‬
‫لتقع في التقريبات لتكون نتائجها نسبية لكن صادقة‪ .‬ذلك ان الرياضيات‬
‫المعاصرة أصبحت مجرد فرضيات استنتاجية‪ .‬ونظرا لتعدد االنساق الرياضية‬
‫(هندسة ريمان‪ ،‬هندسة لوبا تشوفسكي)‬
‫ومن بين المدافعين عن هذا الطرح‪ :‬بالنشي‪ ،‬كانتور‪ ،‬راسل‪ ،‬بوليغان‬ ‫ومن بين المدافعين عن هذا الطرح‪ :‬اقليدس‪ ،‬افالطون‪ ،‬ديكارت‬
‫ويبررون موقفهم بالحجج والبراهين التالية‪:‬‬ ‫ويبررون موقفهم بالحجج والبراهين التالية‪:‬‬

‫بالنشي‪ :‬انتقد بالنشي المنطلقات الثالث للهندسة االقليدية حيث أكد أن‬ ‫‪ -‬إقليدس‪ :‬يرى إقليدس أن اليقين الرياضي مطلق ذلك أن البرهان الرياضي‬
‫التعريفات ماهي إال تعريفات لغوية ال عالقة لها بالحقيقة الرياضية وال يمكن‬ ‫يقوم على ثالث منطلقات والتي تتمثل في‪:‬‬
‫الحكم عليها بالصدق او الكذب ألنها تصف المكان الهندسي كما هو في الواقع‪.‬‬ ‫البديهيات‪ :‬وهي قضية يقينية بذاتها مثل ‪ 2=1+1‬وبديهية الكل أكبر من‬
‫كما انتقد أيضا فكرة البداهة واعتبرها خاطئة وأنه يجب البرهنة عليها حيث‬ ‫الجزء‬
‫المسلمات‪ :‬قضية أقل وضوحا من البديهية يسلم بها العقل كنظرية يبرهن بها يقول‪ " :‬لم تعد الرياضيات اليوم تتحدث عن المنطلقات الرياضية باعتبارها‬
‫مبادئ بديهية ألنها في الحقيقة مجرد افتراضات الختيار العقل الرياضي‬ ‫وال يبرهن عليها‪ .‬ومن بين مسلماته أن السطح مستوي وهو مأخوذ من واقع‬
‫حسي عيني‪ ،‬وأنه من نقطة خارج مستقيم ال يمكن رسم إال موازي واحد‪ ،‬وأن الحر"‪ .‬أما بالنسبة للمسلمات فقد اعتبرها قضايا ال نستطيع البرهنة عليها‬
‫ولذلك فاألنسب أن تعتمد المنهج األكسيومي ولهذا يقول‪" :‬أن الرياضيات اليوم‬ ‫الخطان المتوازيان ال يلتقيان أبدا‪ ،‬مجموع زوايا المثلث ‪ ،°180‬وأن المكان‬
‫لم تعد تتكلم عن المبادئ باعتبارها مسلمات بل هي مجرد فرضيات"‪.‬‬ ‫المحسوس له أبعاد (عرض‪ ،‬طول ارتفاع)‪ .‬وتسمى المسلمة الخامسة‬
‫لالقليدس‪.‬‬
‫التعريفات‪ :‬فهي إنشاء مفاهيم توضيحية أي تحديد للمفاهيم والرموز المستعملة كانتور‪ :‬أثبت كانتور ان الكل يساوي الجزء او أقل منه وبهذا أصبح اليقين‬
‫مرتبط بالنسق األكسيومي وهو عبارة عن مجموعة من الفرضيات التي‬ ‫في البرهان الرياضي ومثال ذلك تعريف المثلث‪ :‬شكل هندسي له ثالث‬
‫ينطلق منها الرياضي في بناء نسقه الرياضي ويعتبر صحيحا بشرط أن ال‬ ‫أضالع وثالث زوايا مجموع زواياه ‪.°180‬‬
‫تتعارض المقدمات مع النتائج‪ .‬في هذا يقول هلبرت‪ " :‬لقد خلق لنا كانتور‬
‫افالطون‪ :‬يرى أفالطون أن العالم الحقيقي هو عالم المثل حيث توجد المعارف فردوسا وليس باستطاعة احد ان يخرجنا منه‪"...‬‬
‫والحقائق المطلقة ومن بين هذه المعارف المعرفة الرياضية التي تمثل الحقيقة ‪ -‬ان ازمة اليقين الرياضي أدت إلى ظهور هندسات جديدة أهمها‪ :‬هندسة‬
‫ريمان و لوبا تشوفسكي حيث ان لكل منها نسق رياضي خاص به وهنا يقول‬
‫راسل‪ " :‬الرياضيات هي ذلك العلم الذي ال يعرف عما يتحدث وال إذا ما كان‬ ‫الثابتة واألزلية الواضحة التي تفرض نفسها على العقل‪ ،‬حيث يقول‪ " :‬عالم‬
‫ما يتحدث عنه صحيح أم ال"‪ .‬ويقول أيضا‪ " :‬عن الرياضي المعاصر يشبه‬ ‫المثل مبدأ كل موجود"‪.‬‬
‫خياط المالبس يخيط بدالت وال يعرف أصحابها"‪.‬‬
‫ديكارت‪ :‬أكد ديكارت على أن البداهة هي أساس اليقين في الرياضيات حيث‬
‫فريمان اعتقد ان السطح محدب في حين اعتقد لوبا ان السطح مقعر‪ ،‬كما اعتقد‬ ‫يقول‪ " :‬ال أقبل شيئا على أنه حق إال إذا كان بديهيا وعليه فمهمة الرياضي‬
‫ريمان ان مجموع زوايا المثلث أكبر من ‪ °180‬أما لوبا فقد اعتقد انها أقل من‬ ‫هي اإلضافة وليست إعادة النظر"‪ .‬والمقصود هنا هو إعادة النظر في األسس‬
‫‪ ... °180‬وهذا ما يؤكده بوليغان في قوله‪ " :‬إن تعدد األنظمة في الهندسة‬ ‫والمبادئ الرياضية فالهدف من االلتزام بمبادئ الرياضيات كما وضعها‬
‫دليل على أن الرياضيات ليس فيها حقائق مطلقة"‪.‬‬ ‫إقليدس هي ضمان اليقين للرياضيات‪.‬‬

‫هوسرل‪ :‬أن تطور العلم حطم فكرة البداهة التي تقوم عليها الهندسة االقليدية‬ ‫سبينوزا‪ :‬كما أكد سبينوزا على نفس الفكرة أي أنه ال يمكن الشك في البداهة‬
‫وفي هذا يقول‪ " :‬في القرن ‪ 19‬م حدثت ثورة في المجال الرياضي فلم تعد‬ ‫ألن الشك في البديهية هو شك في مبادئ العقل الفطرية‪.‬‬
‫الهندسة االقليدية والهندسة التحليلية لديكارت هي الوحيدة في مجال العمل‬
‫عند الرياضيين"‪.‬‬ ‫باسكال‪ :‬يؤكد باسكال على صدق ومطلقية المفاهيم الرياضية من خالل قوله‪:‬‬
‫" الهندسة هي الوحيدة من العلوم اإلنسانية التي تنتج براهين معصومة من‬
‫الخطأ"‪.‬‬

‫أوغيست كونط‪ :‬يقول‪ ":‬الرياضيات هي اآللة الضرورية لجميع العلوم"‪.‬‬


‫فالفيزياء تستعمل المنهج الرياضي من أجل بلوغ اليقين الذي حققته‬
‫الرياضيات‪.‬‬

‫وبذلك فنتائج الرياضيات مطلقة ويقينية وال يمكن الشك فيها وال في مصدقيتها‬
‫وهذا ما يؤكده بورال في قوله‪ " :‬عن الرياضيات لم تفقد معيار يقينها"‪.‬‬

‫النقد والمناقشة‪:‬‬ ‫النقد والمناقشة‪:‬‬


‫‪ -‬صحيح ما ذهب اليه أصحاب هذا الموقف لكم لو كان النسق االكسيومي قد‬ ‫‪ -‬صحيح ما ذهب اليه أصحاب هذا الموقف لكن ارتباط الرياضيات بالواقع‬
‫تجاوز النسق االقليدي فلماذا ال يزال الفكر اإلنساني يعتمد على الهندسة‬ ‫الحسي النسبي يفقدها مطلقيتها‪ ،‬باالضافة الى انها ابداع انساني ومن غير‬
‫االقليدية في البحث الحديث؟‬ ‫الممكن ان ينتج العقل النسبي مفاهيم مطلقة‪.‬‬
‫‪ -‬كما ان تجاوز فكرة البداهة لم يعد تحطيما لمطلقية الرياضيات وانما هو‬ ‫‪ -‬كما ان تطور الريالضيات واتساعها افقدها مطلقيتها خاصة مع ظهور‬
‫تحطيم لمبادئ العقل‪.‬‬ ‫االنساق الرياضية الجديدة التي استطاعت ان تتجاوز الهندسة الكالسيكية‬
‫ومبادئها‪.‬‬

‫التركيب‪:‬‬
‫بعد عرضنا للموقفين السابقين اتضح لنا أن‪ :‬الرياضيات ثابتة ويقينية من حيث المنهج ونسبية من حيث النتائج‪ ،‬أي ان كل نسق رياضي صحيح في سياقه‬
‫وبذلك فالحقيقة الرياضية ثابتة ومتغيرة في آن واحد‪ .‬فهندسة ريمان الخيالية أصبحت اليوم شرط ضروري لنسبية أينشتاين‪ .‬وهذا ما يؤكده بوانكاريه في قوله‪:‬‬
‫" إن كل هندسة من هذه الهندسات صحيحة إلى ما ذهبت إليه مادامت ال تتناقض تصوراتها األولى ومع مسلماتها التي انطلقت منها"‪.‬‬

‫حل المشكلة‪:‬‬
‫وكحل لهذه المشكلة نرى‪ :‬ان الحقيقة الرياضية مطلقة ونسبية في آن واحد‪ .‬فهي مطلقة الن كل هندسة صحيحة الى ما ذهبت اليه ونسبية لكثرة االنساق فيها‪.‬‬
‫وعليه فإن الهندسة االقليدية ليست هي الوحيدة التي تمثل الحقيقة الرياضية بل أصبحت جزء فقط من عدد ال نهائي من الهندسات الممكنة التي لكل منها مبادئها‬
‫الخاصة وبذلك فإن تعدد االنساق الرياضية هو دليل على خصوبة الفكر في المجال الرياضي‪ .‬في هذا يقول راسل‪ " :‬الهندسة االقليدية والهندسة الالقليدية‬
‫كالهما صحيح على حد سواء من وجه نظر الرياضيات البحثة"‪.‬‬

You might also like