You are on page 1of 11

‫األستاذة‪ :‬نعيمة احميدان‬

‫منهجية القولة المرفقة بسؤال‬

‫تنبيه هام ‪ :‬يجب على التلميذ أن يراعي مطلب السؤال المرفق بالقولة‬

‫خطوات الكتابة‪:‬‬
‫‪ -1‬التقديم‪ - :‬تأطير القولة بتحديد مجال االنتماء (المجزوءة)‪.‬‬

‫‪ -‬تحديد موضوع القولة والمشكلة التي تثيرها ‪.‬‬


‫‪ -‬إبراز المفارقة الكامنة في القولة‪.‬‬
‫‪ -‬صياغة اإلشكال الرئيسي الذي تعالجه القولة‪.‬‬
‫‪ -‬صياغة السؤال الموجه للتحليل والمناقشة بناء على السؤال المرفق بالقولة‬
‫‪ -‬استخراج أطروحة القولة‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحليل‪:‬‬

‫‪ -‬تحديد المفاهيم المتضمنة في القولة مع شرحها وإبراز العالقات بينها‪.‬‬


‫‪ -‬استخراج البنية الحجاجية المتضمنة في القولة أو الحجاج المفترض بناء‬
‫على منطق القولة‪.‬‬
‫‪ -‬إنهاء التحليل باستنتاج مركز ومختصر‪.‬‬
‫‪ -‬مناقشة قيمة األطروحة المتضمنة في القولة وإبراز مواطن قوتها‬ ‫‪ – 3‬المناقشة‪:‬‬
‫باالنفتاح على مواقف فلسفية داعمة لها‪.‬‬
‫‪ -‬مناقشة محدودية األطروحة باستدعاء مواقف فلسفية معارضة‪.‬‬
‫‪ -‬يجب المزاوجة بين المناقشة الداخلية والخارجية‪.‬‬
‫‪ -‬الحرص على إدراج بعض األمثلة التوضيحية أو أقوال فلسفية‬
‫شريطة شرحها‪.‬‬

‫‪ -‬استخالص نتائج التحليل والمناقشة‪.‬‬ ‫‪ – 4‬التركيب‪:‬‬


‫‪ -‬إدراج الرأي الخاص شريطة أن يكون واضحا وذا معنى وله ارتباط‬
‫بالموضوع‪.‬‬
‫‪ -‬يستحسن إنهاء الموضوع بسؤال إشكالي مفتوح‪.‬‬

‫توجيهات هامة ‪:‬‬


‫‪ -‬ينبغي للتلميذ أن يفرق في صيغة القولة المرفقة بسؤال بين شيئين اثنين وهما‪:‬‬
‫‪ -‬أوال المعطى المتمثل في القولة باعتبارها أطروحة شبه صريحة أو‬
‫معطاة تتضمن المشكل وما تراهن عليه‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا المطلوب والمتمثل في السؤال المرفق بالقولة إذ يجب على التلميذ‬
‫أن ينتبه جيدا إلى نوع المطلوب في السؤال الذي على أساسه سيتم‬
‫تحليل ومناقشة القولة‪ .‬وقد يأتي السؤال المرفق بالقولة بعدة صيغ‬
‫نجملها في ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬وضح القولة مبرزا قيمتها‪.‬‬
‫‪ -‬وضح القولة مبرزا حدودها‪.‬‬
‫‪ -‬حلل القول مبرزا أبعادها‪.‬‬
‫‪ -‬بين القولة مبرزا إلى أي حد‪...‬أو بأي معنى‪...‬‬
‫‪ -‬في ضوء القولة ‪ /‬انطالقا من القولة بين‪........‬‬
‫‪ -‬إن قراءة المطلوب في القولة يجنب التلميذ الخروج عن الموضوع‪ ،‬لذلك ال يجوز للتلميذ‬
‫الشروع في التحليل دون قراءة السؤال المرفق بالقولة ألنه هو المطلوب‪ ،‬والحجة في ذلك‬
‫يمكن أن نعطي نفس القولة ولكن األسئلة المرفقة بها تكون مختلفة وهذا يجسد إمكانية قراءة‬
‫القولة من منظورات مختلفة‪.‬لهذا وجب على التلميذ احترام قراءة القولة وتحليلها في ضوء‬
‫السؤال المرفق بها‪.‬‬
‫‪ -‬عادة إذا كانت القولة تتضمن أطروحة ال يمكن تبنيها أو الدفاع عنها فالسؤال المرفق‬
‫بالقولة يطلب من المترشح أن يبرز محدوديتها ومواطن عيوبها‪.‬‬
‫‪ -‬تعتبر القولة إحدى صيغ االمتحان الوطني والتي ال تقل أهمية عن صيغة النص وصيغة‬
‫السؤال اإلشكالي المفتوح لذلك ينبغي للتلميذ أن يعرف الفروقات المنهجية بين الصيغ الثالث‬
‫( النص والقولة والسؤال) وأن لكل صيغة طريقة ومسلك في الكتابة وإن كانت الصيغ الثالث‬
‫تخضع جميعها لنفس مراحل اإلنشاء الفلسفي أي تتطلب كتابة تقديم مرورا بالتحليل‬
‫والمناقشة وصوال إلى التركيب‪ ،‬فمثال على مستوى الفروقات يختلف مطلب التحليل في‬
‫صيغة السؤال اإلشكالي عن صيغة النص‪.‬‬

‫بعض األساليب المساعدة في كتابة اإلنشاء الفلسفي‬


‫‪ -1‬صيغ األطروحة‪ - :‬ينتصر صاحب النص ‪/‬القولة لألطروحة التي ‪....‬‬
‫‪ -‬يدافع صاحب النص ‪/‬القولة عن أطروحة مؤداها أن ‪...‬‬
‫‪ -‬إن النص في مجمله دفاع عن أطروحة مفادها‪...‬‬
‫‪ -‬يشير منطوق السؤال إلى إمكانية أن‪.....‬‬
‫‪ -‬يتضح من خالل منطوق السؤال ظاهريا أن ‪...‬‬
‫‪ -‬بالعودة إلى مبنى السؤال يتضح من منطوقه أن‪...‬‬
‫‪ -‬جوابا عن التساؤالت السالفة يتقدم صاحب النص بأطروحة‪...‬‬
‫‪ -‬يشكك منطوق السؤال في إمكانية أن تكون ‪....‬‬
‫‪ -‬إن اإلجابة عن التساؤالت السالفة تقتضي العودة إلى مبنى السؤال وتفكيك الصيغة التي ورد‬
‫بها وهي صيغة تفيد طلب التصديق إثباتا أو نفيا ألطروحة يكشف عنها منطوق السؤال والتي‬
‫تعتبر أن‪ (...‬يوظف هذا األسلوب في حالة كان السؤال المطروح يفيد طلب التصديق أي‬
‫الجواب بنعم أو ال أما إن كان يدعو لنفي التخصيص فاألمر مختلف)‬
‫‪ - 2‬صيغ تخص البناء المفاهيمي‪:‬‬

‫‪ -‬يتضمن النص ‪ /‬القولة بنية مفاهيمية من ضمنها مفهوم‪...‬ومفهوم‪......‬‬


‫‪ -‬لبناء أطروحته وظف صاحب النص‪ /‬القولة عدة مفاهيمية تتخذ من مفهوم‪...‬مرتكزا لها‬

‫‪ -‬إن المفاهيم التي تنتظم حولها األطروحة هي ‪...‬و‪...‬و‪...‬فما داللة هذه المفاهيم؟ يشير‬
‫مفهوم ‪...‬إلى ‪...‬بينما يحيل مفهوم‪...‬على‪...‬أما مفهوم ‪...‬فيعني‪...‬‬
‫‪ -‬قبل تحليل مضمون السؤال ينبغي الوقوف عند داللة المفاهيم المؤطرة له‪...‬‬
‫‪ -‬يكشف مبنى السؤال عن بنية مفاهيمية تتخذ من مفهومي ‪...‬و‪...‬مرتكزا لها‪...‬‬
‫‪ -‬يتخذ منطوق السؤال من مفهوم ‪...‬منطلقا له‪...‬‬
‫‪ -‬قبل تحليل مضمون السؤال ينبغي أن نتطرق ابتداء لداللة المفاهيم المؤطرة له‪...‬‬
‫‪ -‬يكشف منطوق السؤال‪/‬النص‪/‬القولة عن حضور قوي لمفهوم‪...‬فماداللته؟‬
‫‪ - 3‬صيغ تخص البناء الحجاجي‪:‬‬

‫‪-‬إلثبات أطروحته وظف صاحب النص‪ /‬القولة بنية حجاجية استهلها ب‪...‬‬
‫‪ -‬وظف صاحب النص بنية حجاجية شكلت الهيكل االستداللي ألطروحته حيث استحضر‪...‬‬
‫‪ -‬إلقناعنا بأطروحته وظف صاحب النص آليات حجاجية أهمها آلية العرض الدحض حيث‬
‫عرض ‪...‬‬
‫‪ -‬لتأكيد أطروحته وظف صاحب النص بنية حجاجية تتخذ من ‪...‬منطلقا لها‪...‬‬
‫‪ - 4‬صيغ للحديث عن االستنتاج الجزئي‪:‬‬
‫‪-‬انتهى بنا مسار التحليل إلى تأكيد مؤداه أن ‪...‬‬
‫‪ -‬نخلص مما تقدم ‪ /‬مما سبق‪....‬‬
‫‪ -‬نستبين مما تقدم أن ‪...‬‬
‫‪ -‬نستشف مما سبق‪...‬‬
‫‪ - 5‬صيغ المناقشة للحديث عن المواقف الداعمة و لألطروحة‪:‬‬
‫‪-‬هذا القول نجد له حضورا قويا لدى‪...‬‬
‫‪ -‬وفي السياق نفسه ‪ /‬في اإلطار نفسه‪ /‬في المضمار نفسه ‪ /‬في هذا المضمار أو في المساق‬
‫نفسه نستحضر موقف‪...‬الذي يتماشى وأطروحة النص‪/‬القولة‪...‬‬
‫‪ -‬نجد التصور نفسه حاضرا بقوة لدى‪...‬‬
‫‪ -‬يتماشى هذا التصور وموقف الفيلسوف‪...‬‬
‫‪ -‬ضد هذا التصور يؤكد ‪...‬‬
‫‪ -‬إن ما قدمه صاحب النص‪/‬القولة يجانب الصواب‪...‬‬
‫‪ -‬إن تصور صاحب النص يظل قاصرا و محدودا‪...‬‬
‫‪ -‬على النقيض من ذلك ‪ /‬مقابل ذلك يقدم الفيلسوف‪...‬طرحا مغاير لما تقدم سلفا إذ يؤكد‬
‫أن‪...‬‬

‫‪ - 6‬صيغ المناقشة الداخلية‪:‬‬

‫‪-‬إن ماقدمه صاحب النص‪/‬القولة له قيمته الفكرية‪...‬‬


‫‪ -‬تتأسس القيمة الفلسفية لألطروحة قيد التحليل على أهميتها‪...‬‬
‫‪ -‬تتجلى قيمة النص ‪/‬القولة في تأكيدها على ‪...‬وفي ذلك إعالء من ‪...‬‬
‫‪ -‬تكمن القيمة الفكرية لألطروحة المتضمنة في النص‪/‬القولة ( أو المفترضة في السؤال) في‬
‫تأكيدها على أن ‪...‬‬
‫‪ -‬إن جدة هذا التصور تكمن في ‪............‬‬
‫‪ -‬ما يؤاخذ به صاحب النص‪/‬القوله إغفاله ل‪....‬‬
‫‪ -‬لقد تناسى صاحب النص‪...‬وهو ما يشي بمحدودية التصور الذي قدمه‪..‬‬
‫‪ - 7‬صيغ للخالصة التركيبية‪:‬‬

‫انتهى بنا مسار التحليل والمناقشة إلى أن‪...‬‬ ‫‪-‬‬


‫قصارى القول‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫على سبيل الختم‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫صفوة القول‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫نخلص مما تقدم ‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫نستشف من التحليل والمناقشة أن‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومما أسلفنا ذكره يتضح أن ‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫وعلى سبيل اإلجمال ولتلخيص ما تقدم‪ ،‬يمكن القول أن صاحب‬ ‫‪-‬‬
‫النص‪/‬القولة ‪...........‬‬
‫يمكن القول بالمختصر أن ‪....‬‬ ‫‪-‬‬
‫إجماال يمكن أن نوجز ما تقدم في ‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫مجمل القول‪......‬‬ ‫‪-‬‬
‫صيغ لإلدالء بالرأي الشخصي‪:‬‬
‫لكن يبقى التصور األقرب إلى الصواب‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫إن التصور األكثر واقعية هو الذي‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫إذا كان من الصعب الحسم في إشكال‪...‬فيمكننا على األقل‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫يبقى موقف صاحب النص األكثر إقناعا ومبرر ذلك أن‪...‬‬ ‫‪-‬‬

‫روابط اإلضافة‪ :‬عالوة على ذلك ‪ /‬إضافة إلى ذلك‪ /‬زد على ذلك ‪ /‬فضال عن ذلك ‪/‬‬ ‫•‬
‫يضاف إلى ذلك‪...‬‬
‫روابط التعليل والتفسير‪ :‬ألن ‪ /‬علة ذلك أو العلة في ذلك ‪ /‬الحجة في ذلك‪ /‬مبرر‬ ‫•‬
‫ذلك ‪ /‬والقصد من ذلك‪ /‬مرد ذلك ‪ /‬مرجع ذلك إلى ‪ /‬ويعزى ذلك‪ /‬لكي‪ /‬السبب في‬
‫ذلك‪ /‬معنى ذلك ‪ /‬المبتغى من ذلك ‪...‬‬
‫روابط التمثيل‪ :‬مثال ذلك ‪ /‬آية ذلك ‪ /‬من هذا القبيل ‪ /‬مثال‪ /‬على سبيل المثال‪ /‬حسبنا‬ ‫•‬
‫في هذا المساق أن نسوق مثااليوضح‪...‬‬
‫روابط أخرى مساعدة‪ - :‬يتجلى ‪ /‬يكمن ‪ /‬يتمثل في ‪ /‬يتمظهر‪ /‬يتوضح مما تقدم أن‬ ‫•‬
‫‪...‬‬
‫‪ -‬الشاهد في ذلك أن ‪....................................................‬‬
‫‪ -‬الواضح مما تقدم‪/ .‬يبدو جليا ‪..................................‬‬
‫‪ -‬المتحصل من هذا القول‪...........................‬‬
‫‪ -‬تساوقا مع ماسبق ‪ /‬ارتباطا بما سبق‪........................‬‬
‫‪ -‬بناء على ذلك‪............................‬‬
‫‪ -‬لكن من المفيد في القصد الذي يعنينا أن نشير إلى داللة ‪......‬‬
‫‪ -‬لكن الذي ينبغي التوكيد عليه أن ‪.............‬‬
‫‪ -‬الناظر المتبصر لموقف صاحب النص يجد أن ‪.......‬‬
‫‪ -‬أسلفنا الذكر‪ /‬الجدير بالذكر‪ /‬بهذا االعتبار‪...‬‬
‫نموذج تطبيقي في صيغة القولة المرفقة بسؤال‬

‫" الحقيقي هو المفيد"‬


‫في ضوء القولة بين أال يؤدي ربط الحقيقة بالفائدة إلى انهيار األساس األخالقي للحقيقة؟‬

‫تنبيه‪ :‬ينبغي للتلميذ أن يراعي دوما مطلب السؤال المرفق بالقولة‪ .‬ففي القولة أعاله يطالبنا‬
‫السؤال بنقد التصور الذي يربط الحقيقة بالمنفعة وذلك بإبراز عيوبه ومحدوديته ومكامن‬
‫ضعفه‪( .‬يرجى االنتباه إلى الصيغة التي يطرح بها السؤال اإلشكالي المرفق بالقولة)‪.‬‬

‫يرتبط التفكير الفلسفي في مسألة المعرفة ارتباطا قويا بمفهوم الحقيقة‪ ،‬فقد ظل االشتغال‬
‫على قضايا إمكانية المعرفة ومعاييرها وقيمتها و حدودها في مختلف مراحل التفكير الفلسفي‬
‫تساؤال حول حقيقة المعارف البشرية‪ ،‬ومدى يقينها ومقياس اليقين فيها‪ ،‬في هذا الصدد‬
‫تتأطر القولة المطروحة داخل مجزوءة المعرفة كمجال عام‪ ،‬وضمن اإلشكال المرتبط بقيمة‬
‫االحقيقة كمجال خاص‪ ،‬وتحديدا في ما إذا كانت قيمة الحقيقة تتحدد بما هو أخالقي أو بما‬
‫هو عملي نفعي‪ ،‬وهو ما يدفعنا لطرح التساؤالت التالية‪ :‬هل الفائدة هي ما يمنح للحقيقة‬
‫قيمتها أم أن قيمة الحقيقة تستوجب النظر إليها بوصفها غاية في ذاتها؟ بمعنى آخر هل‬
‫للحقيقة قيمة أخالقية تجعلها منزهة عن المنفعة والميوالت الذاتية أم أن قيمتها ترتبط فقط‬
‫بالجانب العملي النفعي؟ و إذا كانت الحقيقة تقاس بنجاعتها و فائدتها أال يؤدي ذلك إلى‬
‫للحقيقة؟‬ ‫األخالقي‬ ‫األساس‬ ‫انهيار‬
‫‪.‬‬
‫تكشف القولة عن أطروحة مؤداها أن قيمة الحقيقة تتجلى في الفائدة‪ ،‬فالفائدة هي‬
‫مقياس ثبوت الحقيقة بمعنى أن قيمة الحقيقة ال تقاس إال بنتائجها العملية‪ ،‬وما تحققه من نفع‬
‫وفائدة ‪ ،‬لكن قبل تحليل مضمون القولة سنقف ابتداء عند داللة المفاهيم المؤطرة لها ‪،‬‬
‫فالقولة تتخذ من مفهوم الحقيقة منطلقا لها‪ ،‬إذ تشير الحقيقة إلى ما هو واقعي‪ ،‬وتقال أيضا‬
‫على الصدق والحق مقابل الكذب‪ ،‬لكن يبقى المعنى المقصود في القولة أن الحقيقة تعرف‬
‫وتقاس بنتائجها العملية‪ ،‬فماهو مفيد وناجع ونافع هو الحق‪ ،‬أما مفهوم الفائدة فيشير إلى‬
‫المنفعة والقيمة المضافة التي قد نجنيها من فعل أو شيء ما‪ .‬الواضح من البعد العالئقي‬
‫للمفهومين أن الحقيقة ترتبط بالفائدة‪ ،‬وحاصل هذا االرتباط أن قيمة الحقيقة ترجع إلى الفائدة‪،‬‬
‫وليس لنا أن نقيس الحق بمقياس آخر غير مقياس المنفعة‪ ،‬فالحقيقة من هذا المنطلق ليست‬
‫غاية في ذاتها‪ ،‬وإنما وسيلة إلشباع حاجاتنا الضرورية وتحقيق أغراضنا الفكرية والعملية‪ ،‬فال‬
‫مجال إذن للحديث عن الحقيقة دون استحضار الجانب التطبيقي العملي كضرورة أساسية‬
‫المحيد عنها‪ .‬لذلك حصرت القولة الحقيقة في ماهو مفيد‪ ،‬فامتالك الحقيقة يعني امتالك ماهو‬
‫مفيد أو بمعنى أدق الحقيقة هي المنفعة والمنفعة هي الحقيقة‪ .‬وبناء على ذلك لم تعد الفكرة‬
‫صادقة في ذاتها‪ ،‬بل أضحت حقيقتها مرهونة بما تحققه من منفعة عملية في حياة الفرد‪.‬‬
‫ولتوضيح أكثر لنأخذ مثال فكرة "الكهرباء" في حد ذاتها‪ ،‬فنحن ال نعرف ماهية محددة للكهرباء‪،‬‬
‫بل كل ما نعرفه عنها إنما تحدده اآلثار العملية المترتبة عليها والتي نلمسها جميعا في حياتنا‬
‫اليومية‪ .‬فإذا قام أحدنا بتركيب مصباح في سلك يسري فيه التيار الكهربائي ألضاء المكان‬
‫وأناره‪ ،‬وإذا قام أحدنا بلمس هذا السلك عاريا لصعقه التيار الكهربائي‪ ،‬وهكذا فنحن نعرف‬
‫الكهرباء من اآلثار العملية التي تحدثها‪ ،‬والمستفاد مما سبق أن صدق األفكار يتوقف على ما‬
‫تحققه من نتائج ملموسة في حياتنا اليومية‪ ،‬فالحقيقي هو المفيد والنافع لي في حياتي الشخصية‬
‫واالجتماعية‪.‬‬
‫هذا القول يتماشى وتصور الفيلسوف األمريكي "وليام جيمس" الذي أكد أن قيمة الحقيقة‬
‫تقاس بمدى تأثيرها في الواقع‪ ،‬ومدى الفائدة التي يمكن تحصيلها‪ ،‬وما تحققه لإلنسان من‬
‫نتائج ومنافع عملية في حياته اليومية‪ ،‬إذ يقول في هذا المضمار‪ " :‬إن األفكار التي ينبغي‬
‫أن نعتبرها صحيحة هي تلك التي تقول أي من الحقائق نافع لنا وأيضا ضار بالنسبة‬
‫إلينا‪...‬هنا يظهر أن امتالك الحقيقة عوض أن يكون غاية في ذاته‪ ،‬يصبح وسيلة مقدمة‬
‫يتوصل بها إلى إشباع حاجات حيوية" أي أن الحقيقة ليست غاية في ذاتها‪ ،‬بل وسيلة يتم‬
‫تسخيرها لتحقيق غايات ومصالح مادية‪ ،‬الشيء الذي يبين الجانب الوظيفي للحقيقة ‪ ،‬فالحقيقة‬
‫مرتبطة بالمردودية و اإلنتاجية‪ ،‬واألفكار تصير حقيقة بتحقيقها لوظيفة مطلوبة في التجربة‬
‫اإلنسانية‪ .‬لكن أال يؤدي ربط الحقيقة بالمنفعة والفائدة إلى نسف الحقيقة وانهيار األساس‬
‫األخالقي لها؟‬

‫إن ربط الحقيقة بالمنفعة المحصلة منها على مستوى الممارسة يلزم عنه أن األفكار‬
‫الحقيقية في وضع ما‪ ،‬قد تكون غير حقيقية في وضع آخر‪ ،‬وفي ذلك استخفاف بالحقيقة‬
‫ونسف تام لكل القيم األخالقية التي هي من صميم التركيبة اإلنسانية‪ ،‬فإقامة المجتمعات على‬
‫موازين الكسب والخسارة وحدهما‪ ،‬كفيل بهدم تلك المجتمعات‪ ،‬إذ كيف يستقيم الحديث عن‬
‫قيام مجتمع إذا كانت العالقة بين أفراده قائمة على أساس المصلحة والكسب المادي؟ وإذا‬
‫كان تقييم األفكار يتم فعال على أساس ما تؤدي إليه من نتائج عملية فعند أي حد نستطيع‬
‫أن نحكم على فكرة معينة بناء على هذا األساس ؟ فلو كان هناك شخص يعتقد أن السطو‬
‫على أحد البنوك هو الحل األنسب ليتجاوز مشكالته االقتصادية‪ ،‬لكانت هذه الفكرة صحيحة‬
‫أحيانا لما يترتب عليها من نتائج عملية‪ .‬المتحصل مما سلف أن مساواة الحقيقة بالنجاعة‬
‫الواقعية‪ ،‬أي مرادفة ماهو حق بماهو ناجع ومفيد يجعل الحقيقة مبتذلة فيغدو القانون بدوره‬
‫مترنحا وعديم الجدوى‪ .‬ولهذه االعتبارات يبقى التصور البراغماتي الذي يربط الحقيقة بالمنفعة‬
‫مغرقا في مثالية ذاتية‪ ،‬ومفتق ار لالتساق والتوافق‪ ،‬ومنافيا للعقل اإلنساني ‪ ،‬وتفسيره بالكاد‬
‫يقتصر على كيفية الوصول إلى الحقيقة ال على ماهية الحقيقة ذاتها‪ ،‬لذلك لم يعبأ كانط الذي‬
‫ارتبط اسمه بالواجب األخالقي بمذهب المنفعة العامة‪ ،‬بل نجده يتوخى التأكيد على أن الحقيقة‬
‫غاية في ذاتها‪ ،‬وقول الحقيقة واجب قطعي على اإلنسان تجاه كل إنسان مهما كانت جسامة‬
‫الضرر المترتبة عن قوله للحقيقة‪ ،‬بهذا المعنى فالكذب غير مشروع‪ ،‬إنه ظلم في حق الواجب‬
‫وفي حق اإلنسانية جمعاء‪ ، ،‬ومس بكرامة اآلخر‪ ،‬وإفساد للقدرات األخالقية لإلنسان ‪ ،‬من‬
‫هذا المنطلق لم يأخذ كانط بقانون الضرورة لخرق الواجب مهما كانت النتائج والدوافع‬
‫والظروف‪ ،‬ومبرره في ذلك أن التسامح في القانون ولو بأقل استثناء سيجعل منه قانونا مبتذال‬
‫وعديم الفائدة ‪ ،‬والمترتب عن ذلك أن التسامح مع الطرح "القائل بالحق في الكذب" قد يسهم‬
‫في إنتاج مجتمع متفسخ أخالقيا‪ ،‬لهذا عد "كانط" الكذب فضاء حقيقيا لفساد الطبيعة البشرية‪،‬‬
‫وش ار مطلقا مهما كانت النوايا الطيبة التي تقف وراءه‪ ،‬وأيا كان نفعه للذات أو للغير‪ .‬فقول‬
‫الحقيقة أمر عقلي مقدس إلزامي وغير مشروط ‪ ،‬و فعل كوني يتعالى عن كل ميل أو مصلحة‪،‬‬
‫فال وجود حتى لكذب نافع‪ ،‬بل الكذب النافع جريمة في حق الواجب وفي حق األخالق‬
‫اإلنسانية‪ ،‬بل تدمير لكرامتها التي هي قيمة داخلية غير قابلة للمساومة والتسعير‪ ،‬إذن فكانط‬
‫بتأكيده على أن الحقيقة غاية في ذاتها يضفي بعدا أخالقيا على الحقيقة ويعتبر قولها واجبا‬
‫قطعيا يجب االلتزام به مهما كانت الظروف والمقاصد والنتائج‪.‬‬

‫انتهى بنا مسار التحليل والمناقشة إلى أن للحقيقة قيمة‪ ،‬لكن أساس قيمة الحقيقة ليس‬
‫واحدا ‪ ،‬فالحقيقة تجد قيمتها تارة في ما تحققه من نفع وفائدة‪ ،‬وتارة أخرى تتحدد قيمتها بوصفها‬
‫غاية في ذاتها لتتعالى بذلك عن كل ميل أو مصلحة‪ ،‬وتتجاوز االستجابة لمنافع عملية‪ .‬لكن‬
‫يبقى التصور الذي يقيس الحقيقة بمقياس المنفعة تصو ار قاصر ومحدودا ألنه يعلي من الجانب‬
‫النفعي العملي‪ ،‬ومن شأن هذا المبدأ أن يفسد طبيعة العالقات والحقائق التي ال تقوم على نفع‬
‫مباشر‪ ،‬كما أن الدعوة إلى جعل الحياة ذات نزعة مادية نفعية فحسب‪ ،‬يجعل الحقيقة نسبية‬
‫ومبتذلة ويفضي إلى انهيار القيم األخالقية‪ ،‬ولو سلمنا كذلك بالنفع العملي ألدى ذلك إلى هدم‬
‫الفلسفة نفسها‪ ،‬وأفضى أيضا إلى الصراع بين البشر ألن العقول تتفاوت والمصالح الشخصية‬
‫قد تتعارض‪ .‬لذلك فالحقيقة ستظل قيمة أخالقية والبحث عنها لذاتها يجعلها غاية ومطلبا وسقفا‬
‫للفكر اإلنساني من أجل تحقيق إنسانية اإلنسان‪ .‬لكن إذا كانت الحقيقة تستقي قيمتها من‬
‫أساس أخالقي فهل يمكن تخليق السياسة أم أن العالقة بين السياسة واألخالق عالقة قطيعة‬
‫وانفصال؟ وهل السياسة رفق واعتدال أم أنها مجال للكذب و المكر والخداع؟‬

You might also like