Professional Documents
Culture Documents
لبن زريق
جعُهُ
ضنَى القلبِ مو َ
من عُنفه ,فهو ُم ْ فـاسـتعملي الرفقَ في تأنيبه بدلً
i i
........................
ح الشاعرُ بعد ذلك يصور معاناته القاسية الرهيبة في أسفاره التي لم يخرج منها بما
ورا َ
يرضي مطامحه ,ومع ذلك فهو كالمجبر علي النطلق في قفار المرارة والعذاب ,ومن قوله
المعبر عن ذلك:
لـلـرزق سعيًا ,ولكن ليس يجمعه
i i تـأبـي الـمـطـالب إل أن تكلفه
i i
مـوكـل بـقـضـاء ال يذرعه.. i i كـأنـمـا هـو فـي حل ومرتحل i i
ولو إلي السند -أضحي وهو يقطعه إذا الـزمـان أراه في الرحيل غني
i i
.......................
وبعد أن يسوق الشاعر بعض الحكم في قسمة الرزاق ,وضراوة الحرص والجشع ,يتحدث
عن ابنة عمه ,مسترجعًا مشهد الوداع في إيجاز تصويري بارع مؤثر ,وكان حديثه عنها بضمير
المذكر ,غيرة عليها:
عهُ
صـفـوُ الـحياةِ وأني ل أودّ ُ
i i ودّعـتُـه ,وبـودّي لو يودعني i i
وأدمـعـي مـسـتهلت وأدمعُهُ i i وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحي
.......................
وبعد هذا الستحضار المأساوي لمشهد الوداع ,نري الشاعر وقد استبد به شعور حاد بالندم,
دفعه إلي العتراف بالخطأ -بل الخطيئة ,لنه بالسفر فرط في حق صاحبته التي ُبدّل بها
المرارة والحرمان ,كما تعبر عنه البيات التية:
جرّعُهُ
كـأسًـا يُـجرّع منها ما ُأ ُ i i اعتضتُ من وجه خِلّي بعد فُرقتِهِ
i i
الـذنـبُ وال دنبي لستُ أدفعه
i i كم قائلٍ ليَ «ذقتَ البينَ»؟ قلتُ له
لـو أنـني حين بان الرشد أتبعه
i i هـلّ أقـمتُ فكان الرشدُ أجمعُه
i i
........................
وتتوهج عاطفة الشاعر ,وتفيض بالحزن الليم ,فيتجه بالخطاب إلي صاحبته ,فهو يريق عمره
من أجلها ,ول يعرف للنوم طعمًا:
بـه ,ول أن بـي اليـامَ تفجعُه i i ما كنتُ أحسب أن الدهر يفجعني
i i
عـرّاءَ تـمـنعني حقي ..وتمنعه i i حـتـي جري الدهر فيما بيننا بيد
i i
فـلـم أ َوقّ الذي قد كنتُ أجزعُه i i وكنت من ريبِ دهري جازعًا فَ ِرقًا
.......................
ونقترب من نهاية «الفراقية اليتيمة» لنري الشاعر يبدأ تدريجيًا في النسلخ من قيود الجزع
والتمزق والنهيار ,ويسترد بعضًا من تماسكه ,ووقاره العقلي ,داعيًا متمنيًا أن يعيد ال أيام
بغداد ,ويؤكد الشاعر هذه الرؤية بقرار نفسي هو ضرورة التحلي بالصبر ,فالصبر طريق
اليسر ,ومفتاح الفرج ,والموت نهاية كل حي ,والستسلم لقضاء ال هو جوهر اليمان .يقول
ابن زريق:
فأضيقُ المرِ -إن فكرتُ -أوسعُهُ عـلمًا بأن اصطباري ُمعْقب فرجًا
i i
لبـد فـي غده -الثاني سيت َبعُـهُ وإن تَـغُـلْ أحـدًا مـنا منيّـتُـهُ i i
*********************
وبعد أن عايشنا هذه القصيدة الرائعة ننبّه القارئ إلي أن هناك أكذوبة -أو أغلوطة -شاعت
في تاريخنا الدبي ,وهي أن ابن زريق لم ينظم في حياته إل هذه القصيدة ,لذا أطلقوا عليها
«اليتيمة العصماء» أي التي لم ينظم من القصائد غيرها وهو حكم مرفوض -من وجهة نظري
-للسباب التية:
- 1أن هناك إجماعًا بأن ابن زريق قد مدح أبا الخيبر بقصيدة أو أكثر.
- 2أن وصف القصيدة «باليتم» ل يعبر عن مفهوم كمي ,هو «الحادية» أو الواحدية ,بل
عن مفهوم كيفي هو التفوق ,والتفرد ,والمتياز ,فيقال هذه قصيدة يتيمة أي متفوقة -فنيا
وموضوعيا -علي غيرها من قصائد الخرين ,وقصائد الشاعر نفسه ,وبنفس المعني يقال :درّة
يتيمة عصماء.
- 3كما أن ما تتمتع به القصيدة من نضح فني وفكري يقطع بأن الشاعر نظم قبلها عشرات
-وربما مئات من القصائد -إلي أن وصل إلي مرتبة النضج في «العينية» ,وفُقدت مع ما فقد
من تراثنا العلمي والدبي والفلسفي.
والقصيدة الفراقية تتدفق بالصدق الفني ,والتوهج العاطفي ,ووحدة موضوعية محورها
الساسي هو الفراق ,وطوابع درامية من مظاهرها التتابع الحدثي ,والسترجاع ,Flash back
والحوار بنوعيه .زيادة علي الداء التعبيري السهل الموحي ...إلخ .وكل ذلك أدخل القصيدة
التاريخ من أوسع أبوابه ,وأجملها ,وأزهاها.
المصدر:
http://www.odabasham.net/show.php?sid=22743
الولى >> العصر العباسي >> ابن زريق البغدادي >> ل تعذليه فإن العذل يولعه
موقع أدب