Professional Documents
Culture Documents
**2سورة الحج
**3مقدمة السورة
@ وهحي مكيحة ،سحوى ثلث آيات :قوله تعالى" :هذان خصحمان" [الححج ]19 :إلى تمام ثلث
آيات ،قاله ابحن عباس ومجاهحد .وعحن ابحن عباس أيضحا (أنهحن أربحع آيات) ،قوله "عذاب الحريحق"
[الحج ]22 :وقال الضحاك وابن عباس أيضا( :هي مدنية) -وقاله قتادة -إل أربع آيات" :وما
أرسحلنا محن قبلك محن رسحول ول نحبي" [الححج ]52 :إلى "عذاب يوم عقيحم" [الححج ]55 :فهحن
مكيات .وعححد النقاش مححا نزل بالمدينححة عشححر آيات .وقال الجمهور :السححورة مختلطححة ،منهححا مكححي
ومنهحا مدنحي .وهذا هحو الصحح؛ لن اليات تقتضحي ذلك ،لن "يحا أيهحا الناس" مكحي ،و"يحا أيهحا
الذيحن آمنوا" مدنحي .الغزنوي :وهحي محن أعاجيحب السحور ،نزلت ليل ونهارا ،سحفرا وحضرا ،مكيحا
ومدنيا ،سلميا وحربيا ،ناسخا ومنسوخا ،محكما ومتشابها؛ مختلف العدد.
قلت :وجاء في فضلها ما رواه الترمذي وأبو داود والدارقطني عن عقبة بن عامر قال قلت :يا
رسول ال ،فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين؟ قال( :نعم ،ومن لم يسجدهما فل يقرأهما) .لفظ
الترمذي .وقال :هذا حديث حسن ليس إسناده بالقوي.
واختلف أهحل العلم فحي هذا؛ فروي عحن عمحر بحن الخطاب -رضحي ال عنحه -وابحن عمحر أنهمحا
قال" :فضلت سحورة الححج بأن فيهحا سحجدتين" .وبحه يقول ابحن المبارك والشافعحي وأحمحد وإسححاق.
ورأى بعضهحم أن فيهحا سحجدة واحدة؛ وهحو قول سحفيان الثوري .روى الدارقطنحي عحن عبدال بحن
ثعلبة قال :رأيت عمر بن الخطاب سجد في الحج سجدتين؛ قلت في الصبح؟ قال في الصبح.
**3الية{ 1 :يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم}
@ روى الترمذي عن عمران بن حصين أن النبي صلى ال عليه وسلم لما نزلت "يا أيها الناس
اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم -إلى قوله -ولكن عذاب ال شديد" قال :أنزلت عليه هذا
اليحة وهحو فحي سحفر فقال( :أتدرون أي يوم ذلك؟ فقالوا :ال ورسحول أعلم؛ قال :ذاك يوم يقول ال
لدم ابعث بعث النار قال يا رب وما بعث النار قال تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى
الجنة) .فأنشأ المسلمون يبكون؛ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :قاربوا وسددوا فإنه لم تكن
نبوة قححط إل كان بيححن يديهححا جاهليححة -قال -فيؤخححذ العدد مححن الجاهليححة فإن تمححت وإل كملت مححن
المنافقين وما مثلكم والمم إل كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير -ثم قال -
إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة -فكبروا؛ ثم قال -إني لرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة -
فكبروا؛ ثم قال -إني لرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة) فكبروا .قال :ل أدري قال الثلثين أم ل.
قال :هذا حديث حسن صحيح ،قد روي من غير وجه الحسن عن عمران بن حصين .وفيه :فيئس
القوم حتحى محا أبدوا بضاحكحة ،فلمحا رأى رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم قال( :اعملوا وأبشروا
فوالذي نفسحي بيده إنكحم لمحع خليقتيحن محا كانتحا محع شيحء إل كثرتاه يأجوج ومأجوج ومحن مات محن
بنححي آدم وبنحي إبليحس قال :فسححري عحن القوم بعححض الذي يجدون؛ فقال( :اعملوا وأبشروا فوالذي
نفحس محمحد بيده محا أنتحم فحي الناس إل كالشامحة فحي جنحب البعيحر أو كالرقمحة فحي ذراع الدابحة) قال:
هذا حديث حسن صحيح .وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم( :يقول ال تعالى يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك -قال -يقول أخرج بعث
النار قال ومحا بعحث النار قال محن كحل ألف تسحعمائة وتسحعة وتسحعين قال فذاك حيحن يشيحب الصحغير
وتضحع كحل ذات حمحل ،حملهحا وترى الناس سحكارى ومحا هحم بسحكارى ولكحن عذاب ال شديحد .قال:
فاشتد ذلك عليهم؛ قالوا :يا رسول ال ،أينا ذلك الرجل؟ فقال :أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفا
ومنكم رجل) .وذكر الحديث بنحو ما تقدم في حديث عمران بن حصين .وذكر أبو جعفر النحاس
قال :حدثنحا أحمحد بحن محمحد بحن نافحع قال حدثنحا سحلمة قال حدثنحا عبدالرزاق قال أخبرنحا معمحر عحن
قتادة عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم
-إلى -ولكحن عذاب ال شديحد" قال :نزلت على النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وهحو فحي مسحير له،
فرفحع بهحا صحوته حتحى ثاب إليحه أصححابه فقال( :أتدرون أي يوم هذا هذا يوم يقول ال عحز وجحل
لدم صحلى ال عليحه وسحلم يحا آدم قحم فابعحث بعحث أهحل النار محن كحل ألف تسحعمائة وتسحعة وتسحعون
إلى النار وواحححد إلى الجنححة .فكححبر ذلك على المسححلمين؛ فقال النححبي صححلى ال عليححه وسححلم :سححدوا
وقاربوا وأبشروا فوالذي نفسحي بيده محا أنتحم فحي الناس إل كالشامة فحي جنحب البعيحر أو كالرقمة فحي
ذراع الحمار وإن معكحم خليقتيحن محا كانتحا محع شيحء إل كثرتاه يأجوج ومأجوج ومحن هلك محن كفرة
الجن والنس).
@قوله تعالى" :يا أيها الناس اتقوا ربكم" المراد بهذا النداء المكلفون؛ أي اخشوه في أوامره أن
تتركوهحا ،ونواهيحه أن تقدموا عليهحا .والتقاء :الحتراس محن المكروه؛ وقحد تقدم فحي أول "البقرة"
القول فيه مستوفى ،فل معنى لعادته .والمعنى :احترسوا بطاعته عن عقوبته.
@قوله تعالى" :إن زلزلة الساعة شيء عظيم" الزلزلة شدة الحركة؛ ومنه "وزلزلوا حتى يقول
الرسول" [البقرة .]214 :وأصل الكلمة من زل عن الموضع؛ أي زال عنه وتحرك .وزلزل ال
قدمه؛ أي حركها .وهذه اللفظة تستعمل في تهويل الشيء .وقيل :هي الزلزلة المعروفة التي هي
إحدى شرائط السحاعة ،التحي تكون فحي الدنيحا قبحل يوم القيامحة؛ هذا قول الجمهور .وقحد قيحل :إن هذه
الزلزلة تكون في النصف من شهر رمضان ،ومن بعدها طلوع الشمس من مغربها ،فال أعلم.
**3الية{ 2 :يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى
الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب ال شديد}
@قوله تعالى" :يوم ترونهحا" الهاء فحي "ترونهحا" عائدة عنحد الجمهور على الزلزلة؛ ويقوي هذا
قوله عحز وجحل " :تذهحل كحل مرضعحة عمحا أرضعحت وتضحع كحل ذات حمحل حملهحا" والرضاع
والحمحل إنمحا هحو فحي الدنيحا .وقالت فرقحة :الزلزلة فحي يوم القيامحة؛ واحتجوا بحديحث عمران بحن
حصحين الذي ذكرناه ،وفيحه( :أتدرون أي يوم ذلك )...الحديحث .وهحو الذي يقتضيحه سحياق مسحلم فحي
حديث أبي سعيد الخدري.
@قوله" :تذهل" أي تشتغل؛ قاله قطرب .وأنشد:
ويذهل الخليل عن خليله ضربا يزيل الهام عن مقيله
وقيل تنسى .وقيل تلهو؛ وقيل تسلو؛ والمعنى متقارب" .عما أرضعت" قال المبرد" :ما" بمعنى
المصححدر؛ أي تذهححل عححن الرضاع .قال :وهذا يدل على أن هذه الزلزلة فححي الدنيححا؛ إذ ليححس بعححد
البعحث حمحل وإرضاع .إل أن يقال :محا ماتحت حامل تبعحث حامل فتضحع حملهحا للهول .ومحن ماتحت
مرضعحة بعثحت كذلك .ويقال :هذا كمحا قال ال عحز وجحل" :يومحا يجعحل الولدان شيبحا" [المزمحل:
.]17وقيحل :تكون محع النفخحة الولى .وقيحل :تكون محع قيام السحاعة ،حتحى يتحرك الناس محن
قبورهحم فحي النفخحة الثانيحة .ويحتمحل أن تكون الزلزلة فحي اليحة عبارة عحن أهوال يوم القيامحة؛ كمحا
قال تعالى" :مسحتهم البأسحاء والضراء وزلزلوا" [البقرة .]214 :وكمحا قال عليحه السحلم( :اللهحم
اهزمهححم وزلزلهححم) .وفائدة ذكححر هول ذلك اليوم التحريححض على التأهححب له والسححتعداد بالعمححل
الصحالح .وتسحمية الزلزلة بحح "شيحء" إمحا لنهحا حاصحلة متيقحن وقوعهحا ،فيسحتسهل لذلك أن تسحمى
شيئا وهحي معدومحة؛ إذ اليقيحن يشبحه الموجدات .وإمحا على المآل؛ أي هحي إذا وقعحت شيحء عظيحم.
وكأنه لم يطلق السم الن ،بحل المعنحى أنهحا إذا كانت فهي إذا شيحء عظيحم ،ولذلك تذهل المراضحع
وتسكر الناس؛ كما قال:
@قوله تعالى " :وترى الناس سكارى" أي من هولها ومما يدركهم من الخوف والفزع " .وما هم
بسكارى" من الخمر .وقال أهل المعاني :وترى الناس كأنهم سكارى .يدل عليه قراءة أبي زرعة
هرم بن عمرو بن جرير بن عبدال "وترى الناس" بضم التاء؛ أي تظن ويخيل إليك .وقرأ حمزة
والكسائي "سكرى" بغير ألف .الباقون "سكارى" وهما لغتان لجمع سكران؛ مثل كسلى وكسالى.
والزلزلة :التحريحك العنيحف .والذهول .الغفلة عن الشيحء بطروء محا يشغحل عنه من هحم أو وجحع أو
غيره .قال ابن زيد :المعنى تترك ولدها للكرب الذي نزل بها.
**3الية{ 3 :ومن الناس من يجادل في ال بغير علم ويتبع كل شيطان مريد}
@قوله تعالى " :ومن الناس من يجادل في ال بغير علم" قيل :المراد النضر بن الحارث ،قال:
إن ال عحز وجحل غيحر قادر على إحياء محن قحد بلي وعاد ترابحا" .ويتبحع" أي فحي قوله ذلك " .كحل
شيطان مريد" متمرد.
**3الية{ 4 :كتب عليه أنه من توله فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير}
@ قال قتادة ومجاهد :أي من تولى الشيطان" .فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير".
**3الية{ 5 :يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من
علقحة ثحم محن مضغحة مخلقحة وغيحر مخلقحة لنحبين لكحم ونقحر فحي الرحام محا نشاء إلى أجحل مسحمى ثحم
نخرجكم طفل ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم من بعد
علم شيئا وترى الرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج}
@قوله تعالى" :إن كنتم في ريب" متضمنة التوقيف .وقرأ الحسن بن أبي الحسن "البعث" بفتح
العيحن؛ وهحي لغحة فحي "البعحث" عنحد البصحريين .وهحي عنحد الكوفييحن بتخفيحف "بعحث" .والمعنحى :يحا
أيها الناس إن كنتم في شك من العادة" .فإنا خلقناكم" أي خلقنا أباكم الذي هو أصل البشر ،يعني
آدم عليحه السلم "من تراب"" .ثحم" خلقنحا ذريتحه" .من نطفحة" وهو المنحي؛ سحمي نطفة لقلته ،وهو
القليحل محن الماء ،وقحد يقحع على الكثيحر منحه؛ ومنحه الحديحث (حتحى يسحير الراكحب بيحن النطفتيحن ل
يخشحى جورا) .أراد بححر المشرق وبححر المغرب .والنطحف :القطحر .نطحف ينطحف وينطحف .وليلة
نطوفة دائمة القطر" .ثم من علقة" وهو الدم الجامد .والعلق الدم العبيط؛ أي الطري .وقيل :الشديد
الحمرة" .ثححم مححن مضغححة" وهححي لحمححة قليلة قدر مححا يمضححغ؛ ومنححه الحديححث (أل وإن فححي الجسححد
مضغحة) .وهذه الطوار أربعحة أشهحر .قال ابحن عباس( :وفحي العشحر بعحد الشهحر الربعحة ينفحخ فيحه
الروح) ،فذلك عدة المتوفى عنها زوجها؛ أربعة أشهر وعشر.
@ روى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثنا داود عن عامر عن علقمة عن ابن مسعود وعن ابن
عمر أن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه فقال" :يا رب ،ذكر أم أنثى ،شقي أم سعيد،
مححا الجححل والثححر ،بأي أرض تموت؟ فيقال له انطلق إلى أم الكتاب فإنححك تجححد فيهححا قصححة هذه
النطفة ،فينطلق فيجد قصتها في أم الكتاب ،فتخلق فتأكل رزقها وتطأ أثرها فإذا جاء أجلها قبضت
فدفنحت فحي المكان الذي قدر لهحا؛ ثحم قرأ عامحر "يحا أيهحا الناس إن كنتحم فحي ريحب محن البعحث فإنحا
خلقناكحم محن تراب" .وفحي الصححيح عحن أنحس بحن مالك -ورفحع الحديحث -قال( :إن ال قحد وكحل
بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة .أي رب علقة .أي رب مضغة .فإذا أراد ال أن يقضي خلقا قال
قال الملك أي رب ذكر أو أنثى شقي أو سعيد .فما الرزق فما الجل .فيكتب كذلك في بطن أمه).
وفحي الصححيح أيضحا عحن حذيفحة بحن أسحيد الغفاري قال :سحمعت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم
يقول( :إذا محر بالنطفحة اثنتان وأربعون ليلة بعحث ال إليهحا ملكحا فصحورها وخلق سحمعها وبصحرها
وجلدهحا ولحمهحا وعظامهحا ثحم يقول أي رب أذكحر أم أنثحى )...وذكحر الحديحث .وفحي الصححيح عحن
عبدال بن مسعود قال :حدثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو الصادق المصدوق (إن أحدكم
يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم
يرسحل الملك فينفحخ فيحه الروح ويؤمحر بأربحع كلمات بكتحب رزقحه وأجله وعمله وشقحي أو سحعيد)...
الحديحث .فهذا الحديحث مفسحر للحاديحث الول؛ فإنحه فيحه( :يجمحع أحدكحم فحي بطحن أمحه أربعيحن يومحا
نطفحة ثحم أربعيحن يومحا علقحة ثحم أربعيحن يومحا مضغحة ثحم يبعحث الملك فينفحخ فيحه الروح) فهذه أربعحة
أشهر وفي العشر ينفخ الملك الروح ،وهذه عدة المتوفى عنها زوجها كما قال ابن عباس .وقوله:
(إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه) قد فسره ابن مسعود ،سئل العمش :ما يجمع في بطن أمه؟
فقال :حدثنحا خيثمحة قال قال عبدال :إذا وقعحت النطفحة فحي الرححم فأراد أن يخلق منهحا بشرا طارت
فحي بشرة المرأة تححت كحل ظفحر وشعحر ثحم تمكحث أربعيحن يومحا ثحم تصحير دمحا فحي الرححم؛ فذلك
جمعها ،وهذا وقت كونها علقة.
@ نسبة الخلق والتصوير للملك نسبة مجازية ل حقيقية ،وأن ما صدر عنه فعل ما في المضغة
كان عنحد التصحوير والتشكيحل بقدرة ال وخلقحه واختراعحه؛ أل تراه سحبحانه قحد أضاف إليحه الخلقحة
الحقيقيحة ،وقطحع عنهحا نسحب جميحع الخليقحة فقال" :ولقحد خلقناكحم ثحم صحورناكم" [العراف.]11 :
وقال" :ولقد خلقنا النسان من سللة من طين .ثم جعلناه نطفة في قرار مكين" [المؤمنون- 12 :
.]13وقال" :يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة" .وقال
تعالى" :هحو الذي خلقكحم فمنكحم كافحر ومنكحم مؤمحن" [التغابحن .]2 :ثحم قال" :وصحوركم فأحسحن
صحوركم" [غافحر .]64 :وقال" :لقحد خلقنحا النسحان فحي أحسحن تقويحم" [التيحن .]4 :وقال" :خلق
النسان من علق" [العلق .]2 :إلى غير ذلك من اليات ،مع ما دلت عليه قاطعات البراهين أن ل
خالق لشيحء محن المخلوقات إل رب العالميحن .وهكذا القول فحي قوله" :ثحم يرسحل الملك فينفحخ فيحه
الروح" أي أن النفحخ سحبب خلق ال فيهحا الروح والحياة .وكذلك القول فحي سحائر السحباب المعتادة؛
فإنه بإحداث ال تعالى ل بغيره .فتأمل هذا الصل وتمسك به ،ففيه النجاة من مذاهب أهل الضلل
الطبعيين وغيرهم.
@ لم يختلف العلماء أن نفحخ الروح فيحه يكون بعحد مائة وعشريحن يومحا ،وذلك تمام أربعحة أشهحر
ودخوله في الخامس؛ كما بيناه بالحاديث .وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الحكام في الستلحاق
عنحد التنازع ،وفحي وجوب النفقات على حمحل المطلقات؛ وذلك لتيقنحه بحركحة الجنيحن فحي الجوف.
وقحد قيحل :إنحه الحكمحة فحي عدة المرأة محن الوفاة بأربعحة أشهحر وعشحر ،وهذا الدخول فحي الخامحس
يحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة إذا لم يظهر حمل.
@ النطفة ليست بشيء يقينا ،ول يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة إذا لم تجتمع في الرحم ،فهي كما
لو كانححت فححي صححلب الرجححل؛ فإذا طرحتححه علقححة فقححد تحققنححا أن النطفححة قححد اسححتقرت واجتمعححت
واستحالت إلى أول أحوال يتحقق به أنه ولد .وعلى هذا فيكون وضع العلقة فما فوقها من المضغة
وضحع حمحل ،تحبرأ بحه الرححم ،وتنقضحي بحه العدة ،ويثبحت بحه لهحا حكحم أم الولد .وهذا مذهحب مالك
رضي ال عنه وأصحابه .وقال الشافعي رضي ال عنه :ل اعتبار بإسقاط العلقة ،وإنما العتبار
بظهور الصورة والتخطيط؛ فإن خفي التخطيط وكان لحما فقولن بالنقل والتخريج ،والمنصوص
أنه تنقضي به العدة ول تكون أم ولد .قالوا :لن العدة تنقضي بالدم الجاري ،فبغيره أولى.
قوله تعالى" :مخلقة وغير مخلقة" قال الفراء" :مخلقة" تامة الخلق" ،وغير مخلقة" السقط .وقال
ابن العرابي" :مخلقة" قد بدأ خلقها" ،وغير مخلقة" لم تصور بعد .ابن زيد :المخلقة التي خلق
ال فيهحا الرأس واليديحن والرجليحن ،وغيحر مخلقحة التحي لم يخلق فيهحا شيحء .قال ابحن العربحي :إذا
رجعنححا إلى أصححل الشتقاق فإن النطفححة والعلقحة والمضغححة مخلقححة؛ لن الكححل خلق ال تعالى ،وإن
رجعنا إلى التصوير الذي هو منتهى الخلقة كما قال ال تعالى" :ثم أنشأناه خلقا آخر" [المؤمنون:
]14فذلك ما قال ابن زيد .قلت :التخليق من الخلق ،وفيه معنى الكثرة ،فما تتابع عليه الطوار
فقحد خلق خلقحا بعحد خلق ،وإذا كان نطفحة فهحو مخلوق؛ ولهذا قال ال تعالى" :ثحم أنشأناه خلقحا آخحر"
[المؤمنون ]14 :وال أعلم .وقد قيل :إن قوله" :مخلقة وغير مخلقة" يرجع إلى الولد بعينه ل إلى
السقط؛ أي منهم من يتم الرب سبحانه مضغته فيخلق له العضاء أجمع ،ومنهم من يكون خديجا
ناقصحا غيحر تمام .وقيحل( :المخلقحة أن تلد المرأة لتمام الوقحت) .ابحن عباس :المخلقحة محا كان حيحا،
وغير المخلقة السقط .قال.
فأين الحزم ويحك والحياء أفي غير المخلقة البكاء
@ أجمع العلماء على أن المة تكون أم ولد بما تسقطه من ولد تام الخلق .وعند مالك والوزاعي
وغيرهما بالمضغة كانت مخلقة أو غير مخلقة .قال مالك :إذا علم أنها مضغة .وقال الشافعي وأبو
حنيفححة :إن كان قححد تححبين له شيححء مححن خلق بنححي آدم أصححبع أو عيححن أو غيححر ذلك فهححي له أم ولد.
وأجمعوا على أن المولود إذا اسحتهل صحارخا يصحلى عليحه؛ فإن لم يسحتهل صحارخا لم يصحل عليحه
عند مالك وأبي حنيفة والشافعي وغيرهم .وروي عن ابن عمر أنه يصلى عليه؛ وقال ابن المسيب
وابحن سحيرين وغيرهمحا .وروي عحن المغيرة بحن شعبحة أنحه (كان يأمحر بالصحلة على السحقط ،ويقول
سموهم واغسلوهم وكفنوهم وحنطوهم؛ فإن ال أكرم بالسلم كبيركم وصغيركم ،ويتلو هذه الية
"فإنحا خلقناكحم محن تراب -إلى -وغيحر مخلقحة" ).قال ابحن العربحي :لعحل المغيرة بحن شعبحة أراد
بالسقط ما تبين خلقه فهو الذي يسمى ،وما لم يتبين خلقه فل وجود له .وقال بعض السلف :يصلى
عليحه متحى نفحخ فيحه الروح وتمحت له أربعحة أشهحر .وروى أبحو داود عحن أبحي هريرة رضحي ال عنحه
عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال( :إذا اسحتهل المولود ورث) .السحتهلل :رفحع الصحوت؛ فكحل
مولود كان ذلك منه أو حركة أو عطاس أو تنفس فإنه يورث لوجود ما فيه من دللة الحياة .وإلى
هذا ذهب سفيان الثوري والوزاعي والشافعي .قال الخطابي :وأحسنه قول أصحاب الرأي .وقال
مالك :ل ميراث له وإن تحرك أو عطححس مححا لم يسححتهل .وروي عححن محمححد بححن سححيرين والشعححبي
والزهري وقتادة.
@ قال مالك رضي ال عنه :ما طرحته المرأة من مضغة أو علقة أو ما يعلم أنه ولد إذا ضرب
بطنها ففيه الغرة .وقال الشافعي :ل شيء فيه حتى يتبين من خلقه .قال مالك :إذا سقط الجنين فلم
يستهل صارخا ففيه الغرة .وسواء تحرك أو عطس فيه الغرة أبدا ،حتى يستهل صارخا ففيه الدية
كاملة .وقال الشافعي رضي ال عنه وسائر فقهاء المصار :إذا علمت حياته بحركة أو بعطاس أو
باستهلك أو بغير ذلك مما تستيقن به حياته ففيه الدية.
@ ذكر القاضي إسماعيل أن عدة المرأة تنقضي بالسقط الموضوع ،واحتج عليه بأنه حمل ،وقال
قال ال تعالى" :وأولت الحمال أجلهحن أن يضعحن حملهحن" .قال القاضحي إسحماعيل :والدليحل على
ذلك أنه يرث أباه ،فدل على وجوده خلقا وكونه ولدا وحمل .قال ابن العربي :ول يرتبط به شيء
من هذه الحكام إل أن يكون مخلقا.
قلت :ما ذكرناه من الشتقاق وقول عليه الصلة والسلم( :إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه)
يدل على صححة محا قلناه ،ولن مسحقطة العلقحة والمضغحة يصحدق على المرأة إذا ألقتحه أنهحا كانحت
حامل وضعحت محا اسحتقر فحي رحمهحا ،فيشملهحا قوله تعالى" :وأولت الحمال أجلهحن أن يضعحن
حملهن" [الطلق ]4 :ولنها وضعت مبدأ الولد عن نطفة متجسدا كالمخطط ،وهذا بين.
@ روى ابحن ماجحه حدثنحا أبحو بكحر بحن أبحي شيبحة حدثنحا خالد بحن مخلد حدثنحا يزيحد عحن عبدالملك
النوفلي عن يزيد بن رومان عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :لسقط أقدمه
بيحن يدي أححب إلي محن فارس أخلفحه [خلفحي]) .وأخرجحه الحاكحم فحي معرفحة علوم الحديحث له عحن
سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة فقال( :أحب إلي من ألف فارس أخلفه ورائي).
@ "لنحبين لكحم" يريحد :كمال قدرتنحا بتصحريفنا أطوار خلقكحم" .ونقحر فحي الرحام" قرئ بنصحب
"نقر" و"نخرج" ،رواه أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل عن عاصم قال قال أبو حاتم :النصب
على العطحف .وقال الزجاج" :نقحر" بالرفحع ل غيحر؛ لنحه ليحس المعنحى :فعلنحا ذلك لنقحر فحي الرحام
ما نشاء ،وإنما خلقهم عز وجل ليدلهم على الرشد والصلح .وقيل :المعنى لنبين لهم أمر البعث؛
فهحو اعتراض بيحن الكلميحن .وقرأت هذه الفرقحة بالرفحع "ونقحر"؛ المعنحى :ونححن نقحر .وهحي قراءة
الجمهور .وقرئ" :ويقر" و"يخرجكم" بالياء ،والرفع على هذا سائغ .وقرأ .ابن وثاب "ما نشاء"
بكسحر النون .والجحل المسحمى يختلف بحسحب جنيحن جنيحن؛ فثحم محن يسحقط وثحم محن يكمحل أمره
ويخرج حيحا .وقال "محا نشاء" ولم يقحل محن نشاء لنحه يرجحع إلى الحمحل؛ أي يقحر فحي الرحام محا
نشاء من الحمل ومن المضغة وهي جماد فكنى عنها بلفظ ما.
@قوله تعالى" :ثم نخرجكم طفل" أي أطفال؛ فهو اسم جنس .وأيضا فإن العرب قد تسمي الجمع
باسم الواحد؛ قال الشاعر:
إن العواذل ليس لي بأمير يلحينني في حبها ويلمنني
ولم يقححل أمراء .وقال المححبرد :وهححو اسححم يسححتعمل مصححدرا كالرضححا والعدل ،فيقححع على الواحححد
والجمححع؛ قال ال تعالى" :أو الطفححل الذيححن لم يظهروا على عورات النسححاء" [النور .]31 :وقال
الطبري :وهو نصب على التمييز ،كقوله تعالى" :فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا" [النساء.]4 :
وقيحل :المعنحى ثحم نخرج كحل واححد منكحم طفل .والطفحل يطلق محن وقحت انفصحال الولد إلى البلوغ.
وولد كحل وحشيحة أيضحا طفحل .ويقال :جاريحة طفحل ،وجاريتان طفحل وجوار طفحل ،وغلم طفحل،
وغلمان طفحححل .ويقال أيضحححا :طفحححل وطفلة وطفلن وطفلتان وأطفال .ول يقال :طفلت .وأطفلت
المرأة صحارت ذات طفحل .والمطفلة :الظبيحة معهحا طفلهحا ،وهحي قريبحة عهحد بالنتاج .وكذلك الناقحة،
[والجمع] مطافل ومطافيل .والطفل (بالفتح في الطاء) الناعم؛ يقال :جارية طفلة أي ناعمة ،وبنان
طفل .وقد طفل الليل إذا أقبل ظلمه .والطفل (بالتحريك) :بعد العصر إذا طفلت الشمس للغروب.
والطفل (أيضا) :مطر؛ قال:
لوهد جاده طفل الثريا
@قوله تعالى" :ثم لتبلغوا أشدكم" قيل :إن "ثم" زائدة كالواو في قوله "حتى إذا جاؤوها وفتحت
أبوابها" [الزمحر]73 :؛ لن ثم من حروف النسق كالواو" .أشدكحم" كمال عقولكم ونهاية قواكم.
وقحد مضحى فحي "النعام" بيانحه" .ومنكحم محن يرد إلى أرذل العمحر" أي أخسحه وأدونحه ،وهحو الهرم
والخرف حتحى ل يعقحل؛ ولهذا قال" :لكيل يعلم محن بعحد علم شيئا" كمحا قال فحي سحورة يحس" :ومحن
نعمره ننكسحه فحي الخلق" [يحس .]68 :وكان النحبي صحلى ال عليحه وسحلم يدعحو فيقول( :اللهحم إنحي
أعوذ بحك محن البخحل وأعوذ بحك محن الجبحن وأعوذ بحك أن أرد إلى أرذل العمحر وأعوذ بحك محن فتنحة
الدنيا وعذاب القبر) .أخرجه النسائي عن سعد ،وقال :وكان يعلمهن بنيه كما يعلم المكتب الغلمان.
وقد مضى في النحل هذا المعنى.
@قوله تعالى" :وترى الرض هامدة" ذكر دللة أقوى على البعث فقال في الول" :فإنا خلقناكم
محن تراب" فخاطحب جمعحا .وقال فحي الثانحي" :وترى الرض" فخاطحب واحدا ،فانفصحل اللفحظ عحن
اللفظ ،ولكن المعنى متصل من حيث الحتجاج على منكري البعث" .هامدة" يابسة ل تنبت شيئا؛
قال ابن جريج .وقيل :دارسة .والهمود الدروس .قال العشى:
وأرى ثيابك باليات همدا قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا
الهروي" :هامدة" أي جافححة ذات تراب .وقال شمححر :يقال :همححد شجححر الرض إذا بلي وذهححب.
وهمدت أصححواتهم إذا سححكنت .وهمود الرض أل يكون فيهححا حياة ول نبححت ول عود ولم يصححبها
مطر .وفي الحديث( :حتى كاد يهمد من الجوع) أي يهلك .يقال :همد الثوب يهمد إذا بلي .وهمدت
النار تهمد.
@قوله تعالى" :فإذا أنزلنحا عليهحا الماء اهتزت" أي تحركحت .والهتزاز :شدة الحركحة؛ يقال:
هززت الشيء فاهتز؛ أي حركته فتحرك .وهز الحادي البل هزيزا فاهتزت هي إذا تحركت في
سيرها بحدائه .واهتز الكوكب في انقضاضه .وكوكب هاز .فالرض تهتز بالنبات؛ لن النبات ل
يخرج منهحا حتحى يزيحل بعضهحا محن بعحض إزالة خفيحة؛ فسحماه اهتزازا مجازا .وقيحل :اهتحز نباتهحا،
فحذف المضاف؛ قال المبرد ،واهتزازه شدة حركته ،كما قال الشاعر:
كما اهتز غصن البان في ورق خضر تثنى إذا قامت وتهتز إن مشت
والهتزاز فححي النبات أظهححر منححه فححي الرض" .وربححت" أي ارتفعححت وزادت .وقيححل :انتفخححت؛
والمعنى واحد ،وأصله الزيادة .ربا الشيء يربو ربوا أي زاد؛ ومنه الربا والربوة .وقرأ يزيد بن
القعقاع وخالد بن إلياس "وربأت" أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة ،وهو الذي يحفظ القوم
على شيء مشرف؛ فهو رابئ وربيئة على المبالغة .قال امرؤ القيس:
كذئب الغضا يمشي الضراء ويتقي بعثنا ربيئا قبل ذاك مخمل
"وأنبتت" أي أخرجت" .من كل زوج" أي لون" .بهيج" أي حسن؛ عن قتادة .أي يبهج من يراه.
والبهجحة الحسحن؛ يقال :رجحل ذو بهجحة .وقحد بهحج (بالضحم) بهاجحة وبهجحة فهحو بهيحج .وأبهجنحي
أعجبنححي بحسححنه .ولمححا وصححف الرض بالنبات دل على أن قوله" :اهتزت وربححت" يرجححع إلى
الرض ل إلى النبات .وال أعلم.
**3اليتان{ 7 - 6 :ذلك بأن ال هحو الححق وأنحه يحيحي الموتحى وأنحه على كحل شيحء قديحر ،وأن
الساعة آتية ل ريب فيها وأن ال يبعث من في القبور}
@قوله تعالى" :ذلك بأن ال هحو الححق" لمحا ذكحر افتقار الموجودات إليحه وتسحخيرها على وفحق
اقتداره واختياره في قوله" :يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث -إلى قوله -بهيج" .قال بعد
ذلك" :ذلك بأن ال هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير .وأن الساعة آتية ل ريب
فيهححا وأن ال يبعححث مححن فححي القبور" .فنبححه سححبحانه وتعالى بهذا على أن كححل مححا سححواه وإن كان
موجودا حقححا فإنححه ل حقيقححة له مححن نفسححه؛ لنححه مسححخر مصححرف .والحححق الحقيقححي :هححو الموجود
المطلق الغنحي المطلق؛ وأن وجود كحل ذي وجود عحن وجوب وجوده؛ ولهذا قال فحي آخحر السحورة:
"وأن محا يدعون محن دونحه هحو الباطحل" [الححج .]62 :والححق الموجود الثابحت الذي ل يتغيحر ول
يزول ،وهحو ال تعالى .وقيحل :ذو الححق على عباده .وقيحل :الححق بمعنحى فحي أفعاله .وقال الزجاج:
"ذلك" في موضع رفع؛ أي المر ما وصف لكم وبين" .بأن ال هو الحق" أي لن ال هو الحق.
وقال :ويجوز أن يكون "ذلك" نصحبا؛ أي فعحل ال ذلك بأنحه هحو الححق" .وأنحه يحيحي الموتحى" أي
بأنه "وأنه على كل شيء قدير" أي وبأنه قادر على ما أراد" .وأن الساعة آتية" عطف على قوله:
"ذلك بأن ال هو الحق" من حيث اللفظ ،وليس عطفا في المعنى؛ إذ ل يقال فعل ال ما ذكر بأن
الساعة آتية ،بل لبد من إضمار فعل يتضمنه؛ أي وليعلموا أن الساعة آتية "ل ريب فيها" أي ل
شك" .وأن ال يبعث من في القبور" يريد للثواب والعقاب.
**3اليات{ 10 - 8 :ومن الناس من يجادل في ال بغير علم ول هدى ول كتاب منير ،ثاني
عطفحه ليضحل عحن سحبيل ال له فحي الدنيحا خزي ونذيقحه يوم القيامحة عذاب الحريحق ،ذلك بمحا قدمحت
يداك وأن ال ليس بظلم للعبيد}
@قوله تعالى" :ومحن الناس محن يجادل فحي ال بغيحر علم ول هدى ول كتاب منيحر" أي نيحر بيحن
الحجحة .نزلت فحي النضحر بحن الحارث .وقيحل :فحي أبحي جهحل بحن هشام؛ قال ابحن عباس( .والمعظحم
على أنها نزلت في النضر بن الحارث كالية الولى ،فهما في فريق واحد ،والتكرير للمبالغة في
الذم؛ كمحا تقول للرجحل تذمحه وتوبخحه :أنحت فعلت هذا! أنحت فعلت هذا! ويجوز أن يكون التكريحر
لنه وصفه في كل آية بزيادة؛ فكأنه قال :إن النضر بن الحارث يجادل في ال بغير علم ويتبع كل
شيطان مريححد ،والنضححر بححن الحارث يجادل فححي ال مححن غيححر علم ومحن غيححر هدى وكتاب منيححر؛
ليضل عن سبيل ال) .وهو كقولك :زيد يشتمني وزيد يضربني؛ وهو تكرار مفيد؛ قال القشيري.
وقحد قيحل :نزلت فيحه بضحع عشرة آيحة .فالمراد باليحة الولى إنكاره البعحث ،وبالثانيحة إنكاره النبوة،
وأن القرآن منزل محن جهحة ال .وقحد قيحل :كان محن قول النضحر بحن الحارث أن الملئكحة بنات ال،
وهذا جدال في ال تعالى" :من" في موضع رفع بالبتداء .والخبر في قوله" :ومن الناس"" .ثاني
عطفححه" نصححب على الحال .ويتأول على معنييححن :أحدهمححا :روي عححن ابححن عباس أنححه قال( :هححو
النضر بن الحارث ،لوى عنقه مرحا وتعظما) .والمعنى الخر :وهو قول الفراء :أن التقدير :ومن
الناس من يجادل في ال بغير علم ثاني عطفه ،أي معرضا عن الذكر؛ ذكره النحاس .وقال مجاهد
وقتادة :لويححا عنقححه كفرا .ابححن عباس :معرضححا عمححا يدعححى إليححه كفرا .والمعنححى واحححد .وروى
الوزاعحي عحن مخلد بحن حسحين عحن هشام بحن حسحان عحن ابحن عباس فحي قوله عحز وجحل"( :ثانحي
عطفه ليضل عن سبيل ال" قال :هو صاحب البدعة .المبرد) :العطف ما انثنحى من العنق .وقال
المفضحل :والعطحف الجانحب؛ ومنحه قولهحم :فلن ينظحر فحي أعطافحه ،أي فحي جوانبحه .وعطفحا الرجحل
من لدن رأسه إلى وركه .وكذلك عطفا كل شيء جانباه .ويقال :ثنى فلن عني عطفه إذا أعرض
عنحك .فالمعنحى :أي هحو معرض عحن الححق فحي جداله ومول عحن النظحر فحي كلمحه؛ وهحو كقوله
تعالى" :ولى مسحتكبرا كأن لم يسحمعها" [لقمان .]7 :وقوله تعالى" :لووا رؤوسحهم" [المنافقون:
.]5وقوله" :أعرض ونأى بجانبحه" [السحراء .]83 :وقوله" :ذهحب إلى أهله يتمطحى" [القيامحة:
" .]33ليضحل عحن سحبيل ال" أي عحن طاعحة ال تعالى .وقرئ "ليضحل" بفتحح الياء .واللم لم
العاقبحة؛ أي يجادل فيضحل؛ كقوله تعالى" :ليكون لهحم عدوا وحزنحا" [القصحص .]8 :أي فكان لهحم
كذلك .ونظيره "إذا فريحق منكحم بربهحم يشركون .ليكفروا" [النححل" .]55 - 54 :له فحي الدنيحا
خزي" أي هوان وذل بمحا يجري له محن الذكحر القبيحح على ألسحنة المؤمنيحن إلى يوم القيامحة؛ كمحا
قال" :ول تطحع كحل حلف مهيحن" [القلم ]10 :اليحة .وقوله تعالى" :تبحت يدا أبحي لهحب وتحب"
[المسد .]1 :وقيل :الخزي ههنا القتل؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم قتل النضر بن الحارث يوم
بدر صبرا؛ كما تقدم في آخر النفال" .ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق" أي نار جهنم" .ذلك بما
قدمححت يداك" أي يقال له فححي الخرة إذا دخححل النار :ذلك العذاب بمححا قدمححت يداك مححن المعاصححي
والكفر .وعبر باليد عن الجملة؛ لن اليد التي تفعل وتبطش للجملة .و"ذلك" بمعنى هذا ،كما تقدم
في أول البقرة.
**3الية{ 11 :ومن الناس من يعبد ال على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة
انقلب على وجهه خسر الدنيا والخرة ذلك هو الخسران المبين}
@قوله تعالى" :ومحن الناس محن يعبحد ال على حرف" "محن" فحي موضحع رفحع بالبتداء ،والتمام
"انقلب على وجهه" على قراءة الجمهور "خسر" .وهذه الية خبر عن المنافقين .قال ابن عباس:
يريحد شيبحة بحن ربيعحة كان قحد أسحلم قبحل أن يظهحر رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم؛ فلمحا أوححى إليحه
ارتحد شيبحة بحن ربيعحة .وقال أبو سحعيد الخدري :أسحلم رجحل محن اليهود فذهحب بصحره وماله؛ فتشاءم
بالسحلم فأتحى النحبي صحلى ال عليحه وسحلم فقال أقلنحي! فقال( :إن السحلم ل يقال) فقال :إنحي لم
أصححب فححي دينححي هذا خيرا! ذهححب بصححري ومالي وولدي! فقال( :يححا يهودي إن السححلم يسححبك
الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب)؛ فأنزل ال تعالى" :ومن الناس من يعبد ال
على حرف" .وروى إسحرائيل عحن أبحي حصحين عحن سحعيد بحن جحبير عحن ابحن عباس قال"( :ومحن
الناس مححن يعبححد ال على حرف" قال :كان الرجححل يقدم المدينححة فإن ولدت امرأتححه غلمححا ونتجححت
خيله قال هذا ديحن صحالح؛ فإن لم تلد امرأتحه ولم تنتحج خيله قال هذا ديحن سحوء) .وقال المفسحرون:
نزلت فحي أعراب كانوا يقدمون على النحبي صحلى ال عليحه وسحلم فيسحلمون؛ فإن نالوا رخاء أقاموا،
وإن نالتهححم شدة ارتدوا .وقيححل نزلت فححي النضححر بححن الحارث .وقال ابححن زيححد وغيره :نزلت فححي
المنافقيححن .ومعنححى "على حرف" على شححك؛ قاله مجاهححد وغيره .وحقيقتححه أنححه على ضعححف فححي
عبادتحه ،كضعحف القائم على حرف مضطرب فيحه .وحرف كحل شيحء طرفحه وشفيره وحده؛ ومنحه
حرف الجبحل ،وهحو أعله المحدد .وقيحل" :على حرف" أي على وجحه واححد ،وهحو أن يعبده على
السحراء دون الضراء؛ ولو عبدوا ال على الشكحر فحي السحراء والصحبر على الضراء لمحا عبدوا ال
على حرف .وقيحل" :على حرف" على شرط؛ وذلك أن شيبحة بحن ربيعحة قال للنحبي صحلى ال عليحه
وسحلم قبحل أن يظهحر أمره :ادع لي ربحك أن يرزقنحي مال وإبل وخيل وولدا حتحى أومحن بحك وأعدل
إلى دينك؛ فدعا له فرزقه ال عز وجل ما تمنى؛ ثم أراد ال عز وجل فتنته واختباره وهو أعلم به
فأخذ منه ما كان رزقه بعد أن أسلم فارتد عن السلم فأنزل ال تبارك وتعالى فيه" :ومن الناس
من يعبد ال على حرف" يريد شرط .وقال الحسن :هو المنافق يعبد ال بلسانه دون قلبه .وبالجملة
فهذا الذي يعبد ال على حرف ليس داخل بكليته؛ وبين هذا بقوله" :فإن أصابه خيحر" صححة جسم
ورخاء معيشحة رضحي وأقام على دينحه" .وإن أصحابته فتنحة" أي خلف ذلك ممحا يختحبر بحه" .انقلب
على وجهحه" أي ارتحد فرجحع إلى وجهحه الذي كان عليحه محن الكفحر" .خسحر الدنيحا والخرة ذلك هحو
الخسحران المحبين" قرأ مجاهحد وحميحد بحن قيحس والعرج والزهري وابحن أبحي إسححاق -وروي عن
يعقوب " -خاسر الدنيا" بألف ،نصبا على الحال ،وعليه فل يوقف على "وجهه" .وخسرانه الدنيا
بأن لحظ في غنيمة ول ثناء ،والخرة بأن ل ثواب له فيها.
**3الية{ 12 :يدعو من دون ال ما ل يضره وما ل ينفعه ذلك هو الضلل البعيد}
@قوله تعالى" :يدعو من دون ال" أي هذا الذي يرجع إلى الكفر يعبد الصنم الذي ول ينفع ول
يضر" .ذلك هو الضلل البعيد" قال الفراء :الطويل.
**3الية{ 13 :يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير}
@قوله تعالى" :يدعو لمن ضره أقرب من نفعه" أي هذا الذي انقلب على وجهه يدعو من ضره
أدنحى محن نفعحه؛ أي فحي الخرة لنحه بعبادتحه دخحل النار ،ولم يحر منحه نفعحا أصحل ،ولكنحه قال :ضره
أقرب محن نفعحه ترفيعحا للكلم؛ كقوله تعالى" :وإنحا أو إياكحم لعلى هدى أو فحي ضلل محبين" [سحبأ:
.]24وقيل :يعبدونهم توهم أنهم يشفعون لهم غدا كما؛ قال ال تعالى" :ويعبدون من دون ال ما
ل يضرهحم ول ينفعهحم ويقولون هؤلء شفعاؤنحا عنحد ال" [يونحس .]18 :وقال تعالى" :محا نعبدهحم
إل ليقربونحا إلى ال زلفحى" [الزمحر .]3 :وقال الفراء والكسحائي والزجاج :معنحى الكلم القسحم
والتأخيحر؛ أي يدعحو وال لمحن ضره أقرب محن نفعحه .فاللم مقدمحه فحي غيحر موضعهحا .و"محن" فحي
موضحع نصحب بحح "يدعحو" واللم جواب القسحم .و"ضره" مبتدأ .و"أقرب" خحبره .وضعحف النحاس
تأخيحر الكلم وقال :وليحس للم محن التصحرف محا يوجحب أن يكون فيهحا تقديحم ول تأخيحر .قلت :ححق
اللم التقديم وقد تؤخر؛ قال الشاعر:
ينل العلء ويكرم الخوال خالي لنت ومن جرير خال
أي لخالي أنحت؛ وقحد تقدم .النحاس :وحكحى لنحا علي بن سحليمان عن محمحد بن يزيحد قال :فحي الكلم
حذف؛ والمعنحى يدعحو لمحن ضره أقرب محن نفعحه إلهحا .قال النحاس :وأحسحب هذا القول غلطحا على
محمحد بحن يزيحد؛ لنحه ل معنحى له ،لن محا بعحد اللم مبتدأ فل يجوز نصحب إله ،ومحا أحسحب مذهحب
محمحد بحن يزيحد إل قول الخفحش ،وهحو أحسحن محا قيحل فحي اليحة عندي ،وال أعلم ،قال" :يدعحو"
بمعنى يقول .و"من" مبتدأ وخبره محذوف ،والمعنى يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه.
قلت :وذكحر هذا القول القشيري رحمحه ال عحن الزجاج والمهدوي عحن الخفحش ،وكمحل إعرابحه
فقال" :يدعحو" بمعنحى يقول ،و"محن" مبتدأ ،و"ضره" مبتدأ ثان ،و"أقرب" خحبره ،والجملة صحلة
"من" ،وخبر "من" محذوف ،والتقدير يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه؛ ومثله قول عنترة:
أشطان بئر في لبان الدهم يدعون عنتر والرماح كأنها
قال القشيري :والكافححر الذي يقول الصححنم معبودي ل يقول ضره أقرب مححن نفعححه؛ ولكححن المعنححى
يقول الكافحر لمحن ضره أقرب محن نفعحه فحي قول المسحلمين معبودي وإلهحي .وهحو كقوله تعالى" :يحا
أيها الساحر ادع لنا ربك" [الزخرف]49 :؛ أي يا أيها الساحر عند أولئك الذين يدعونك ساحرا.
وقال الزجاج :يجوز أن يكون "يدعو" في موضع الحال ،وفيه هاء محذوفة؛ أي ذلك هو الضلل
البعيحد يدعوه ،أي فحي حال دعائه إياه؛ ففحي "يدعحو" هاء مضمرة ،ويوقحف على هذا على "يدعحو".
وقوله" :لمحن ضره أقرب محن نفعحه" كلم مسحتأنف مرفوع بالبتداء ،وخحبره "لبئس المولى" وهذا
لن اللم لليميحن والتوكيحد فجعلهحا أول الكلم .قال الزجاج :ويجوز أن يكون "ذلك" بمعنحى الذي،
ويكون فحي محل النصحب بوقوع "يدعو" عليه؛ أي الذي هو الضلل البعيحد يدعو؛ كمحا قال" :ومحا
تلك بيمنك يا موسى" أي ما الذي .ثم قوله "لمن ضره" كلم مبتدأ ،و"لبئس المولى" خبر المبتدأ؛
وتقديحر اليحة على هذا :يدعحو الذي هحو الضلل البعيحد؛ قدم المفعول وهحو الذي؛ كمحا تقول :زيدا
يضرب؛ واستحسنه أبو علي .وزعم الزجاج أن النحويين أغفلوا هذا القول؛ وأنشد:
نجوت وهذا تحملين طليق عدس ما لعباد عليك إمارة
أي والذي .وقال الزجاج أيضحا والفراء :يجوز أن يكون "يدعحو" مكررة على محا قبلهحا ،على جهحة
تكثيحر هذا الفعحل الذي هحو الدعاء ،ول تعديحه إذ قحد عديتحه أول؛ أي يدعحو محن دون ال محا ل ينفعحه
ول يضره يدعحو؛ مثحل ضربحت زيدا ضربحت ،ثحم حذفحت يدعحو الخرة اكتفاء بالولى .قال الفراء:
ويجوز "لمن ضره" بكسر اللم؛ أي يدعو إلى من ضره أقرب من نفعه ،قال ال عز وجل" :بأن
ربحك أوححى لهحا" أي إليهحا .وقال الفراء أيضحا والقفال :اللم صحلة؛ أي يدعحو محن ضره أقرب محن
نفعه؛ أي يعبده .وكذلك هو في قراءة عبدال بن مسعود" .لبئس المولى" أي في التناصر "ولبئس
العشير" أي المعاشر والصاحب والخليل .مجاهد :يعني الوثن.
**3الية{ 14 :إن ال يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها النهار إن
ال يفعل ما يريد}
@قوله تعالى" :إن ال يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها النهار" لما
ذكر حال المشركين وحال المنافقين والشياطين ذكر حال المؤمنين في الخرة أيضا" .إن ال يفعل
مححا يريححد" أي يثيححب مححن يشاء ويعذب مححن يشاء؛ فللمؤمنيححن الجنححة بحكححم وعده الصححدق وبفضله،
وللكافرين النار بما سبق من عدله؛ ل أن فعل الرب معلل بفعل العبيد.
**3الية{ 15 :من كان يظن أن لن ينصره ال في الدنيا والخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم
ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ}
@قوله تعالى" :من كان يظن أن لن ينصره ال في الدنيا والخرة فليمدد بسبب إلى السماء" قال
أبو جعفر النحاس :من أحسن ما قيل فيها أن المعنحى من كان يظن أن لن ينصحر ال محمدا صلى
ال عليحه وسحلم وأنحه يتهيحأ له أن يقطحع النصحر الذي أوتيحه" .فليمدد بسحبب إلى السحماء" أي فليطلب
حيلة يصل بها إلى السماء" .ثم ليقطع" أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له "فلينظر هل يذهبن كيده ما
يغيظ" وحيلته ما يغيظه من نصر النبي صلى ال عليه وسلم .والفائدة في الكلم أنه إذا لم يتهيأ له
الكيحد والحيلة بأن يفعحل مثحل هذا لم يصحل إلى قطحع النصحر .وكذا قال ابحن عباس( :إن الكنايحة فحي
"ينصحره ال" ترجحع إلى محمحد صحلى ال عليحه وسحلم ،وهحو وإن لم يجحر ذكره فجميحع الكلم دال
عليه؛ لن اليمان هو اليمان بال وبمحمد صلى ال عليه وسلم ،والنقلب عن الدين انقلب عن
الدين الذي أتى به محمد صلى ال عليه وسلم؛ أي من كان يظن ممن يعادي محمدا صلى ال عليه
وسحلم ومحن يعبحد ال على حرف أنحا ل ننصحر محمدا فليفعحل كذا وكذا) .وعحن ابحن عباس أيضحا (أن
الهاء تعود على "محن" والمعنحى :محن كان يظحن أن ال ل يرزقحه فليختنحق ،فليقتحل نفسحه؛ إذ ل خيحر
فحي حياة تخلو محن عون ال) .والنصحر على هذا القول الرزق؛ تقول العرب :محن ينصحرني نصحره
ال؛ أي محححن أعطانححححي أعطاه ال .ومحححن ذلك قول العرب :أرض منصححححورة؛ أي ممطورة .قال
الفقعسي:
ول تملك الشق الذي الغيث ناصره وإنك ل تعطي امرأ فوق حقه
وكذا روى ابحن أبحي نجيحح عحن مجاهحد قال" :محن كان يظحن أن لن ينصحره ال" أي لن يرزقحه .وهحو
قول أبحي عحبيدة .وقيحل :إن الهاء تعود على الديحن؛ والمعنحى :محن كان يظحن أن لن ينصحر ال دينحه.
"فليمدد بسبب" أي بحبل .والسبب ما يتوصل به إلى الشيء" .إلى السماء" إلى سقف البيت .ابن
زيحد :هحي السحماء المعروفحة .وقرأ الكوفيون "ثحم ليقطحع" بإسحكان اللم .قال النحاس :وهذا بعيحد فحي
العربيححة؛ لن "ثححم" ليسححت مثححل الواو والفاء ،لنهححا يوقححف ،عليهححا وتنفرد .وفححي قراءة عبدال
"فليقطعه ثم لينظر هل يذهبن كيده ما يغيظه" .قيل" :ما" بمعنى الذي؛ أي هل يذهبن كيده الذي
يغيظه ،فحذف الهاء ليكون أخف .وقيل" :ما" بمعنى المصدر؛ أي هل يذهبن كيده غيظه.
**3الية{ 16 :وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن ال يهدي من يريد}
@قوله تعالى" :وكذلك أنزلناه آيات بينات" يعني القرآن" .وأن ال" أي وكذلك أن ال "يهدي من
يريد" علق وجود الهداية بإرادته؛ فهو الهادي ل هادي سواه.
**3اليحة{ 17 :إن الذيحن آمنوا والذيحن هادوا والصحابئين والنصحارى والمجوس والذيحن أشركوا
إن ال يفصل بينهم يوم القيامة إن ال على كل شيء شهيد}
@قوله تعالى" :إن الذيحن آمنوا" أي بال وبمحمحد صحلى ال عليحه وسحلم" .والذيحن هادوا" اليهود،
وهحم المنتسحبون إلى ملة موسحى عليحه السحلم" .والصحابئين" هحم قوم يعبدون النجوم" .والنصحارى"
هححم المنتسححبون إلى ملة عيسححى" .والمجوس" هححم عبدة النيران القائليححن أن للعالم أصححلين :نور
وظلمحة .قال قتادة :الديان خمسحة ،أربعحة للشيطان وواححد للرحمحن .وقيحل :المجوس فحي الصحل
النجوس لتدينهحم باسحتعمال النجاسحات؛ والميحم والنون يتعاقبان كالغيحم والغيحن ،واليحم واليحن .وقحد
مضححى فححي البقرة هذا كله مسححتوفى" .والذيححن أشركوا" هححم العرب عبدة الوثان" .إن ال يفصححل
بينهحم يوم القيامحة" أي يقضحي ويحكحم؛ فللكافريحن النار ،وللمؤمنيحن الجنحة .وقيحل :هذا الفصحل بأن
يعرفهم المحق من المبطل بمعرفة ضرورية ،واليوم يتميز المحق عن المبطل بالنظر والستدلل.
"إن ال على كل شيء شهيد" أي من أعمال خلقه وحركاتهم وأقوالهم ،فل يعزب عنه شيء منها،
سحبحانه! وقوله "إن ال يفصحل بينهحم" خحبر "إن" فحي قوله "إن الذيحن آمنوا" كمحا تقول :إن زيدا إن
الخيحر عنده .وقال الفراء :ول يجوز فحي الكلم إن زيدا إن أخاه منطلق؛ وزعحم أنحه إنمحا جاز فحي
اليححة لن فححي الكلم معنححى المجازاة؛ أي مححن آمححن ومححن تهود أو تنصححر أو صححبأ يفصححل بينهححم،
وحسحابهم على ال عحز وجحل .ورد أبحو إسححاق على الفراء هذا القول ،واسحتقبح قوله :ل يجوز إن
زيدا إن أخاه منطلق؛ قال :لنه ل فرق بين زيد وبين الذين ،و"إن" تدخل على كل مبتدأ فتقول إن
زيدا هو منطلق ،ثم تأتي بإن فتقول :إن زيدا إنه منطلق .وقال الشاعر:
سربال عز به ترجى الخواتيم إن الخليفة إن ال سربله
**3اليحة{ 18 :ألم تحر أن ال يسحجد له محن فحي السحماوات ومحن فحي الرض والشمحس والقمحر
والنجوم والجبال والشجحر والدواب وكثيحر محن الناس وكثيحر ححق عليحه العذاب ومحن يهحن ال فمحا له
من مكرم إن ال يفعل ما يشاء}
@قوله تعالى" :ألم تر أن ال يسجد له من في السماوات ومن في الرض" هذه رؤية القلب؛ أي
ألم تحر بقلبحك وعقلك .وتقدم معنحى السحجود فحي "البقرة" ،وسحجود الجماد فحي "النححل"" .والشمحس"
معطوفة على "من" .وكذا "والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس" .ثم قال:
"وكثير حق عليه العذاب" وهذا مشكل من العراب ،كيف لم ينصب ليعطف ما عمل فيه الفعل
على محا عمحل فيحه الفعحل؛ مثحل "والظالميحن أعحد لهحم عذابحا أليمحا"؟ [النسحان ]31 :فزعحم الكسحائي
والفراء أنه لو نصب لكان حسنا ،ولكن اختير الرفع لن المعنى وكثير أبي السجود ،فيكون ابتداء
وخبرا ،وتم الكلم عند قوله "وكثير من الناس" .ويجوز أن يكون معطوفا ،على أن يكون السجود
التذلل والنقياد لتدبيحر ال عز وجل محن ضعحف وقوة وصححة وسقم وحسحن وقبح ،وهذا يدخل فيه
كل شيء .ويجوز أن ينتصب على تقدير :وأهان كثيرا حق عليه العذاب ،ونحوه .وقيل :تم الكلم
عنحد قوله "والدواب" ثحم ابتدأ فقال "وكثيحر محن الناس" فحي الجنحة "وكثيحر ححق عليحه العذاب" .وكذا
روي عن ابن عباس أنه قال( :المعنى وكثير من الناس في الجنة وكثير حق عليه العذاب)؛ ذكره
ابحن النباري .وقال أبحو العاليحة :محا فحي السحماوات نجحم ول قمحر ول شمحس إل يقحع سحاجدا ل حيحن
يغيحب ،ثحم ل ينصحرف حتحى يؤذن له فيرجحع محن مطلعحه) .قال القشيري :وورد هذا فحي خحبر مسحند
في حق الشمس؛ فهذا سجود حقيقي ،ومن ضرورته تركيب الحياة والعقل في هذا الساجد.
قلت :الحديحث المسحند الذي أشار إليحه خرجحه مسحلم ،وسحيأتي فحي سحورة "يحس" عنحد قوله تعالى:
"والشمس تجري لمستقر لها" [يس .]38 :وقد تقدم في البقرة معنى السجود لغة ومعنى.
@قوله تعالى" :ومن يهن ال فما له من مكرم" أي من أهانه بالشقاء والكفر ل يقدر أحد على دفع
الهوان عنه .وقال ابن عباس( :إن تهاون بعبادة ال صار إلى النار).
@قوله تعالى" :إن ال يفعحل محا يشاء" يريحد أن مصحيرهم إلى النار فل اعتراض لححد عليحه.
وحكى الخفش والكسائي والفراء "ومن يهن ال فما له من مكرم" أي إكرام.
**3اليات{ 21 - 19 :هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من
نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم ،يصهر به ما في بطونهم والجلود ،ولهم مقامع من حديد}
@قوله تعالى" :هذان خصمان اختصموا في ربهم" خرج مسلم عن قيس بن عباد قال :سمعت أبا
ذر يقسم قسما إن "هذان خصمان اختصموا في ربهم" إنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر :حمزة
وعلي وعبيدة بن الحارث رضي ال عنهم وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة .وبهذا الحديث
ختحم مسحلم رحمحه ال كتابحه .وقال ابحن عباس( :نزلت هذه اليات الثلث على النحبي صحلى ال عليحه
وسحلم بالمدينحة فحي ثلثحة نفحر محن المؤمنيحن وثلثحة نفحر كافريحن) ،وسحماهم ،كمحا ذكحر أبحو ذر .وقال
علي بن أبي طالب رضي ال عنه( :إني لول من يجثو للخصومة بين يدي ال يوم القيامة؛ يريد
قصحته فحي مبارزتحه هحو وصحاحباه)؛ ذكره البخاري .وإلى هذا القول ذهحب هلل بحن يسحاف وعطاء
بحن يسحار وغيرهمحا .وقال عكرمحة :المراد بالخصحمين الجنحة والنار؛ اختصحمتا فقالت النار :خلقنحي
لعقوبته .وقالت الجنة خلقني لرحمته.
قلت :وقد ورد بتخاصحم الجنحة والنار حديحث عن أبى هريرة قال قال رسول ال صحلى ال عليحه
وسحححلم( :احتجحححت الجنحححة والنار فقالت هذه يدخلنحححي الجبارون والمتكحححبرون وقالت هذه يدخلنحححي
الضعفاء والمسحاكين فقال ال تعالى لهذه أنحت عذابحي أعذب بحك محن أشاء وقال لهذه أنحت رحمتحي
أرححم بحك محن أشاء ولكحل واحدة منكمحا ملؤهحا) .خرجحه البخاري ومسحلم والترمذي وقال :حديحث
حسن صحيح .وقال ابن عباس أيضا( :هم أهل الكتاب قالوا للمؤمنين نحن أولى بال منكم ،وأقدم
منكحم كتابحا ،ونبينحا قبحل نحبيكم .وقال المؤمنون :نححن أححق بال منكحم ،آمنحا بمحمحد وآمنحا بنحبيكم وبمحا
أنزل إليحه محن كتاب ،وأنتحم تعرفون نبينحا وتركتموه وكفرتحم بحه حسحدا؛ فكانحت هذه خصحومتهم)،
وأنزلت فيهحم هذه اليحة .وهذا قول قتادة ،والقول الول أصحح رواه البخاري عحن حجاج بحن منهال
عحن هشيحم عحن أبحي هاشحم عحن أبحي مجلز عحن قيحس بحن عباد عحن أبحي ذر ،ومسحلم عحن عمرو بحن
زرارة عن هشيم ،ورواه سليمان التيمي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن علي قال :فينا نزلت
هذه اليحححة وفحححي مبارزتنحححا يوم بدر "هذان خصحححمان اختصحححموا فحححي ربهحححم -إلى قوله -عذاب
الحريحق" .وقرأ ابحن كثيححر "هذان خصححمان" بتشديححد النون محن "هذان" .وتأول الفراء الخصححمين
على أنهمحا فريقان أهحل دينيحن ،وزعحم أن الخصحم الواححد المسحلمون والخحر اليهود والنصحارى،
اختصحموا فحي ديحن ربهحم؛ قال :فقال "اختصحموا" لنهحم جمحع ،قال :ولو قال "اختصحما" لجاز .قال
النحاس :وهذا تأويحل محن ل درايحة له بالحديحث ول بكتحب أهحل التفسحير؛ لن الحديحث فحي هذه اليحة
مشهور ،رواه سفيان الثوري وغيره عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال :سمعت
أبحا ذر يقسحم قسحما إن هذه اليحة نزلت فحي حمزة وعلي وعحبيدة بحن الحارث بحن عبدالمطلب وعتبحة
وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة .وهكذا روى أبو عمرو بن العلء عن مجاهد عن ابن عباس.
وفيحه قول رابححع (أنهححم المؤمنون كلهححم والكافرون كلهححم مححن أي ملة كانوا)؛ قاله مجاهححد والحسحن
وعطاء بححن أبححي رباح وعاصححم بححن أبححي النجود والكلبححي .وهذا القول بالعموم يجمححع المنزل فيهححم
وغيرهم .وقيل :نزلت في الخصومة في البعث والجزاء؛ إذ قال به قوم وأنكره قوم.
@قوله تعالى" :فالذين كفروا" يعني من الفرق الذين تقدم ذكرهم" .قطعت لهم ثياب من نار" أي
خيطت وسويت؛ وشبهت النار بالثياب لنها لباس لهم كالثياب .وقوله "قطعت" أي تقطع لهم في
الخرة ثياب محن نار؛ وذكحر بلفحظ الماضحي لن محا كان محن أخبار الخرة فالموعود منحه كالواقحع
المحقحق؛ قال ال تعالى" :وإذ قال ال يحا عيسحى بحن مريحم أأنحت قلت للناس" [المائدة ]116 :أي
يقول ال تعالى .ويحتمححل أن يقال قححد أعدت الن تلك الثياب لهححم ليلبسححوها إذا صححاروا إلى النار.
وقال سححعيد بححن جححبير" :مححن نار" مححن نحاس؛ فتلك الثياب مححن نحاس قححد أذيبححت وهححي السححرابيل
المذكورة في "قطران" [إبراهيم ]50 :وليس في النية شيء إذا حمي يكون أشد حرا منه .وقيل:
المعنحى أن النار قحد أحاطحت بهحم كإحاطحة الثياب المقطوعحة إذا لبسحوها عليهحم؛ فصحارت محن هذا
الوجحه ثيابحا لنهحا بالحاطحة كالثياب؛ مثحل "وجعلنحا الليحل لباسحا" [النبحأ" .]10 :يصحب محن فوق
رؤوسحهم الحميحم" أي الماء الحار المغلى بنار جهنحم .وروى الترمذي عحن أبحي هريرة عحن النحبي
صحلى ال عليحه وسحلم قال( :إن الحميحم ليصحب على رؤوسحهم فينفحذ الحميحم حتحى يخلص إلى جوفحه
فيسحلت محا فحي جوفحه حتحى يمرق محن قدميحه وهحو الصحهر ثحم يعاد كمحا كان) .قال :حديحث حسحن
صححيح غريحب" .يصحهر" يذاب" .بحه محا فحي بطونهحم" والصحهر إذابحة الشححم .والصحهارة محا ذاب
منه؛ يقال :صهرت الشيء فانصهر ،أي أذبته فذاب ،فهو صهير .قال ابن أحمر يصف فرخ قطاة:
تصهره الشمس فما ينصهر تروي لقى ألقي في صفصف
أي تذيبححه الشمححس فيصححبر على ذلك" .والجلود" أي وتحرق الجلود ،أو تشوى الجلود؛ فإن الجلود
ل تذاب؛ ولكن يضم في كل شيء ما يليق به ،فهو كما تقول :أتيته فأطعمني ثريدا ،إي وال ولبنا
قارصا؛ أي وسقاني لبنا .وقال الشاعر:
علفتها تبنا وماء باردا
"ولهحم مقامحع محن حديحد" أي يضربون بهحا ويدفعون؛ الواحدة مقمعحة ،ومقمحع أيضحا كالمحجحن،
يضرب به على رأس الفيل .وقد قمعته إذا ضربته بها .وقمعته وأقمعته بمعنى؛ أي قهرته وأذللته
فانقمحع .قال ابحن السحكيت :أقمعحت الرجحل عنحي إقماعحا إذا طلع عليحك فرددتحه عنحك .وقيحل :المقامحع
المطارق ،وهحي المرازب أيضحا .وفحي الحديحث (بيحد كحل ملك محن خزنحة جهنحم مرزبحة لهحا شعبتان
فيضرب الضربحة فيهوي بهحا سحبعين ألفحا) .وقيحل :المقامحع سحياط محن نار ،وسحميت بذلك لنهحا تقمحع
المضروب ،أي تذل.
**3الية{ 22 :كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق}
@قوله تعالى" :كلمحا أرادوا أن يخرجوا منهحا محن غحم" أي محن النار" .أعيدوا فيهحا" بالضرب
بالمقامحع .وقال أبحو ظحبيان :ذكحر لنحا أنهحم يحاولون الخروج محن النار حيحن تجيحش بهحم وتفور فتلقحي
محن فيهحا إلى أعلى أبوابهحا فيريدون الخروج فتعيدهحم الخزان إليهحا بالمقامحع .وقيحل :إذا اشتحد غمهحم
فيهحا فروا؛ فمحن خلص منهحم إلى شفيرهحا أعادتهحم الملئكحة فيهحا بالمقامحع ،ويقولون لهحم "وذوقوا
عذاب الحريححق" أي المحرق؛ مثححل الليححم والوجيححع .وقيححل :الحريححق السححم مححن الحتراق .تحرق
الشيء بالنار واحترق ،والسم الحرقة والحريق .والذوق :مماسة يحصل معها إدراك الطعم؛ وهو
هنا توسع ،والمراد به إدراكهم اللم.
**3اليحة{ 23 :إن ال يدخحل الذيحن آمنوا وعملوا الصحالحات جنات تجري محن تحتهحا النهار
يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير}
@قوله تعالى" :إن ال يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها النهار" لما
ذكر أحد الخصمين وهو الكافر ذكر حال الخصم الخر وهو المؤمن" .يحلون فيها من أساور من
ذهب" "من" صلة .والساور جمع أسورة ،وأسورة واحدها سوار؛ وفيه ثلث لغات :ضم السين
وكسرها وإسوار .قال المفسرون :لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الساور والتيجان جعل ال ذلك
لهحل الجنحة ،وليحس أححد محن أهحل الجنحة إل وفحي يده ثلثحة أسحورة :سحوار محن ذهحب ،وسحوار محن
فضة ،وسوار من لؤلؤ .قال هنا وفي فاطر" :من أساور من ذهب ولؤلؤا" [فاطر ]33 :وقال في
سحورة النسحان" :وحلوا أسحاور محن فضحة" [النسحان .]21 :وفحي صححيح مسحلم محن حديحث أبحي
هريرة سحمعت خليلي صحلى ال عليحه وسحلم يقول( :تبلغ الحليحة محن المؤمحن حيحث يبلغ الوضوء).
وقيحل :تحلى النسحاء بالذهحب والرجال بالفضحة .وفيحه نظحر ،والقرآن يرده" .ولؤلؤا" قرأ نافحع وابحن
القعقاع وشيبححة وعاصححم هنححا وفححي سححورة الملئكححة "لؤلؤا" بالنصححب ،على معنححى ويخلون لؤلؤا؛
واستدلوا بأنها مكتوبة فحي جميحع المصاحف هنحا بألف .وكذلك قرأ يعقوب والجحدري وعيسحى بن
عمحر بالنصحب هنحا والخفحض فحي "فاطحر" اتباعحا للمصححف ،ولنهحا كتبحت ههنحا بألف وهناك بغيحر
ألف .الباقون بالخفحض فحي الموضعيحن .وكان أبحو بكحر ل يهمحز "اللولؤ" فحي كحل القرآن؛ وهحو محا
يسحتخرج محن البححر محن جوف الصحدف .قال القشيري :والمراد ترصحيع السحوار باللؤلؤ؛ ول يبعحد
أن يكون في الجنة سوار من لؤلؤ مصمت.
قلت :وهحو ظاهحر القرآن بحل نصحه .وقال ابحن النباري :محن قرأ "ولؤلؤ" بالخفحض وقحف عليحه
ولم يقحف على الذهحب .وقال السحجستاني :محن نصحب "اللؤلؤ" فالوقحف الكافحي "محن ذهحب"؛ لن
المعنى ويحلون لؤلؤا .قال ابن النباري :وليس كما قال ،لنا إذا خفضنا "اللؤلؤ" نسقناه على لفظ
الساور ،وإذا نصحبناه نسقناه على تأويل الساور ،وكأنا قلنحا :يحلون فيها أساور ولؤلؤا ،فهو فحي
النصب بمنزلته في الخفض ،فل معنى لقطعه من الول.
@قوله تعالى" :ولباسهم فيها حرير" أي وجميع ما يلبسونه من فرشهم ولباسهم وستورهم حرير،
وهو أعلى مما في الدنيا بكثير .وروى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
(من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الخرة
ومحن شرب فحي آنيحة الذهحب والفضحة لم يشرب فيهحا فحي الخرة -ثحم قال رسحول ال صحلى ال عليحه
وسحلم :لباس أهحل الجنحة وشراب أهحل الجنحة وآنيحة أهحل الجنحة) .فإن قيحل :قحد سحوى النحبي صحلى ال
عليحه وسحلم بيحن هذه الشياء الثلثحة وأنحه يحرمهحا فحي الخرة؛ فهحل يحرمهحا إذا دخحل الجنحة؟ قلنحا:
نعم! إذا لم يتب منها حرمها في الخرة وإن دخل الجنة؛ لستعجاله ما حرم ال عليه في الدنيا .ل
يقال :إنمحا يحرم ذلك فحي الوقحت الذي يعذب فحي النار أو بطول مقامحه فحي الموقحف ،فأمحا إذا دخحل
الجنة فل؛ لن حرمان شيء من لذات الجنة لمن كان في الجنة نوع عقوبة ومؤاخذة والجنة ليست
بدار عقوبححة ،ول مؤاخذة فيهححا بوجححه .فإنححا نقول :مححا ذكرتموه محتمححل ،لول مححا جاء مححا يدفححع هذا
الحتمال ويرده محن ظاهحر الحديحث الذي ذكرناه .ومحا رواه الئمحة محن حديحث ابحن عمحر عحن النحبي
صحلى ال عليحه وسحلم (محن شرب الخمحر فحي الدنيحا ثحم لم يتحب منهحا حرمهحا فحي الخرة) .والصحل
التمسحك بالظاهحر حتحى يرد نحص يدفعحه ،بل قحد ورد نص على صححة ما ذكرناه ،وهو محا رواه أبو
داود الطيالسي في مسنده :حدثنا هشام عن قتادة عن داود السراج عن أبي سعيد الخدري قال قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الخرة وإن دخل الجنة
لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو) .وهذا نص صريح وإسناده صحيح .فإن كان (وإن دخل الجنة لبسه
أهحل الجنة ولم يلبسحه هو) من قول النحبي صحلى ال عليه وسلم فهو الغايحة في البيان ،وإن كان من
كلم الراوي على محححا ذكحححر فهحححو أعلى بالمقال وأقعحححد بالحال ،ومثله ل يقال بالرأي ،وال أعلم.
وكذلك (من شرب الخمر ولم يتب) و(من استعمل آنية الذهب والفضة) وكما ل يشتهي منزلة من
هحو أرفحع منحه ،وليحس ذلك بعقوبحة كذلك ل يشتهحي خمحر الجنحة ول حريرهحا ول يكون ذلك عقوبحة.
وقحد ذكرنحا هذا كله فحي كتاب التذكرة مسحتوفى ،والحمحد ل ،وذكرنحا فيهحا أن شجحر الجنحة وثمارهحا
يتفتق عن ثياب الجنة ،وقد ذكرناه في سورة الكهف.
**3الية{ 24 :وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد}
@قوله تعالى" :وهدوا إلى الطيب من القول" أي أرشدوا إلى ذلك .قال ابن عباس( :يريد ل إله
إل ال والحمححد ل) .وقيححل :القرآن ،ثححم قيححل :هذا فححي الدنيححا ،هدوا إلى الشهادة ،وقراءة القرآن.
"وهدوا إلى صراط الحميد" أي إلى صراط ال .وصراط ال :دينه وهو السلم .وقيل :هدوا في
الخرة إلى الطيب من القول ،وهو الحمد ل؛ لنهم يقولون غدا الحمد ل الذي هدانا لهذا ،الحمد ل
الذي أذهب عنا الحزن؛ فليس في الجنة لغو ول كذب فما يقولونه فهو طيب القول .وقد هدوا في
الجنحة إلى صحراط ال ،إذ ليحس فحي الجنحة شيحء محن مخالفحة أمحر ال .وقيحل :الطيحب محن القول محا
يأتيهم من ال من البشارات الحسنة" .وهدوا إلى صراط الحميد" أي إلى طريق الجنة.
**3اليحة{ 25 :إن الذيحن كفروا ويصحدون عحن سحبيل ال والمسحجد الحرام الذي جعلناه للناس
سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}
@قوله تعالى" :إن الذيحن كفروا ويصحدون" أعاد الكلم إلى مشركحي العرب حيحن صحدوا رسحول
ال صحلى ال عليحه وسحلم عحن المسحجد الحرام عام الحديبيحة ،وذلك أنحه لم يعلم لهحم صحد قبحل ذلك
الجمحع؛ إل أن يريحد صحدهم لفراد محن الناس ،فقحد وقحع ذلك فحي صحدر المبعحث .والصحد :المنحع؛ أي
وهحم يصحدون .وبهذا حسحن عطحف المسحتقبل على الماضحي .وقيحل :الواو زائدة "ويصحدون" خحبر
"إن" .وهذا مفسد للمعنى المقصود ،وإنما الخبر محذوف مقدر عند قوله (والباد) تقديره :خسروا
إذا هلكوا .وجاء "ويصححدون" مسححتقبل إذ هححو فعححل يديمونححه؛ كمححا جاء قوله تعالى" :الذيححن آمنوا
وتطمئن قلوبهم بذكر ال" [الرعد]28 :؛ فكأنه قال :إن الذين كفروا من شأنهم الصد .ولو قال إن
الذين كفروا وصدروا لجاز .قال النحاس :وفي كتابي عن أبي إسحاق قال وجائز أن يكون -وهو
الوجه -الخبر "نذقه من عذاب أليم" .قال أبو جعفر :وهذا غلط ،ولست أعرف ما الوجه فيه؛ لنه
جاء بخحبر "إن" جزمحا ،وأيضحا فإنحه جواب الشرط ،ولو كان خحبر "إن" لبقحي الشرط بل جواب،
ول سيما والفعل الذي في الشرط مستقبل فل بد له من جواب.
@قوله تعالى" :والمسجد الحرام" قيل :إنه المسجد نفسه ،وهو ظاهر القرآن؛ لنه لم يذكر غيره.
وقيححل :الحرم كله؛ لن المشركيححن صححدوا رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم وأصحححابه عنححه عام
الحديبيحة ،فنزل خارجحا عنحه؛ قال ال تعالى" :وصحدوكم عحن المسحجد الحرام" [الفتحح ]25 :وقال:
"سبحان الذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام" [السراء .]1 :وهذا صحيح ،لكنه قصد هنا
بالذكحر المهحم المقصحود محن ذلك" .الذي جعلناه للناس" أي للصحلة والطواف والعبادة؛ وهحو كقوله
تعالى" :إن أول بيت وضع للناس" [آل عمران" .]96 :سواء العاكف فيه والباد" العاكف :المقيم
الملزم .والبادي :أهحل الباديحة ومحن يقدم عليهحم .يقول :سحواء فحي تعظيحم حرمتحه وقضاء النسحك فيحه
الحاضر والذي يأتيه من البلد؛ فليس أهل مكة أحق من النازح إليه .وقيل :إن المساواة إنما هي
فحي دوره ومنازله ،ليحس المقيحم فيهحا أولى محن الطارئ عليهحا .وهذا على أن المسحجد الحرام الحرم
كله؛ وهذا قول مجاهحد ومالك؛ رواه عنحه ابحن القاسحم .وروي عحن عمحر وابحن عباس وجماعحة (إلى
أن القادم له النزول حيحححث وجحححد ،وعلى رب المنزل أن يؤويحححه شاء أو أبحححى) .وقال ذلك سحححفيان
الثوري وغيره ،وكذلك كان المححر فححي الصححدر الول ،كانححت دورهححم بغيححر أبواب حتححى كثرت
السحرقة؛ فاتخحذ رجحل بابحا فأنكحر عليحه عمحر وقال :أتغلق بابحا فحي وجحه حاج بيحت ال؟ فقال :إنمحا
أردت حفظ متاعهم من السرقة ،فتركه فاتخذ الناس البواب .وروي عن عمر بن الخطاب رضي
ال عنحه أيضحا أنحه كان يأمحر فحي الموسحم بقلع أبواب دور مكحة ،حتحى يدخلهحا الذي يقدم فينزل حيحث
شاء ،وكانححت الفسححاطيط تضرب فححي الدور .وروي عححن مالك أن الدور ليسححت كالمسححجد ولهلهححا
المتناع منها والستبداد؛ وهذا هو العمل اليوم .وقال بهذا جمهور من المة.
وهذا الخلف يبنى على أصلين :أحدهما أن دور مكة هل هي ملك لربابها أم للناس .وللخلف
سببان :أحدهما هل فتح مكة كان عنوة فتكون مغنومة ،لكن النبي صلى ال عليه وسلم لم يقسمها
وأقرهحا لهلهحا ولمحن جاء بعدهحم؛ كمحا فعحل عمحر رضحي ال عنحه بأرض السحواد وعفحا لهحم عحن
الخراج كمحا عفحا عحن سحبيهم واسحترقاقهم إحسحانا إليهحم دون سحائر الكفار فتبقحى على ذلك لتباع ول
تكرى ،ومن سبق إلى موضع كان أولى به .وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والوزاعي .أو كان فتحها
صلحا -وإليه ذهب الشافعي -فتبقى ديارهم بأيديهم ،وفي أملكهم يتصرفون كيف شاؤوا .وروي
عحن عمحر أنحه اشترى دار صحفوان بحن أميحة بأربعحة آلف وجعلهحا سحجنا ،وهحو أول محن حبحس فحي
السجن في السلم ،على ما تقدم بيانه في آية المحاربين من سورة "المائدة" .وقد روي أن النبي
صلى ال عليه وسلم حبس في تهمة .وكان طاوس يكره السجن بمكة ويقول :ل ينبغي لبيت عذاب
أن يكون في بيت رحمة.
قلت :الصحيح ما قاله مالك؛ وعليه تدل ظواهر الخبار الثابتة بأنها فتحت عنوة .قال أبو عبيد:
ول نعلم مكة يشبهها شيء من البلد .وروى الدارقطني عن علقمة بن نضلة قال :توفي رسول ال
صحلى ال عليحه وسحلم وأبحو بكحر وعمحر رضحي ال عنهمحا ومحا تدعحى رباع مكحة إل السحوائب؛ محن
احتاج سحكن ومحن اسحتغنى أسحكن .وزاد فحي روايحة :وعثمان .وروي أيضحا عحن علقمحة بحن نضلة
الكنانحي قال :كانحت تدعحى بيوت مكحة على عهحد رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم وأبحي بكحر وعمحر
رضي ال عنهما السوائب ،ل تباع؛ من احتاج سكن ومن استغنى أسكن .وروي أيضا عن عبدال
بحن عمرو عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال( :إن ال تعالى حرم مكحة فحرام بيحع رباعهحا وأكحل
ثمنهحا -وقال -محن أكحل محن أجحر بيوت مكحة شيئا فإنمحا يأكحل نارا) .قال الدارقطنحي :كذا رواه أبحو
حنيفة مرفوعا ووهم فيه ،ووهم أيضا في قوله عبيدال بن أبي يزيد وإنما هو ابن أبي زياد القداح،
والصححيح أنحه موقوف ،وأسحند الدارقطنحي أيضحا عحن عبدال بحن عمرو قال قال رسحول ال( :مكحة
مناخ ل تباع رباعها ول تؤاجر بيوتها) .وروى أبو داود عن عائشة رضي ال عنها قالت :قلت يا
رسحول ال؛ أل أبنحي لك بمنحى بيتحا أو بناء يظلك محن الشمحس؟ فقال( :ل ،إنمحا هحو مناخ محن سحبق
إليحه) .وتمسحك الشافعحي رضحي ال عنحه بقوله تعالى" :الذيحن أخرجوا محن ديارهحم" الححج]40 :
فأضافها إليهم .وقال عليه السلم يوم الفتح( :من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو
آمن).
@ قرأ جمهور الناس "سحواء" بالرفحع ،وهحو على البتداء ،و"العاكحف" خحبره .وقيحل :الخحبر
"سحواء" وهحو مقدم؛ أي العاكحف فيحه والبادي سحواء؛ وهحو قول أبحي علي ،والمعنحى :الذي جعلناه
للناس قبلة أو متعبدا العاكحف فيحه والبادي سحواء .وقرأ حفحص عحن عاصحم "سحواء" بالنصحب ،وهحي
قراءة العمححش .وذلك يحتمححل أيضححا وجهيححن :أحدهمححا :أن يكون مفعول ثانيححا لجعححل ،ويرتفححع
"العاكف" به لنه مصدر ،فأعمل عمل اسم الفاعل لنه في معنى مستو .والوجه الثاني :أن يكون
حال من الضمير في جعلناه .وقرأت فرقة "سواء" بالنصب "العاكف" بالخفض ،و"البادي" عطفا
على الناس ،التقديحر :الذي جعلناه للناس العاكحف والبادي .وقراءة ابحن كثيحر فحي الوقحف والوصحل
بالياء ،ووقف أبو عمرو بغير ياء ووصل بالياء .وقرأ نافع بغير ياء في الوصل والوقف .وأجمع
الناس على الستواء في نفس المسجد الحرام ،واختلفوا في مكة؛ وقد ذكرناه.
@قوله تعالى" :ومحن يرد فيحه بإلحاد بظلم" شرط ،وجوابحه "نذقحه محن عذاب أليحم" .واللحاد فحي
اللغحة :الميحل؛ إل أن ال تعالى بيحن أن الميحل بالظلم هحو المراد .واختلف فحي الظلم؛ فروى علي ابحن
أبي طلحة عن ابن عباس ("ومن يرد فيه بإلحاد بظلم" قال :الشرك) .وقال عطاء :الشرك والقتل.
وقيححل :معناه صححيد حمامححه ،وقطححع شجره؛ ودخول غيححر محرم .وقال ابححن عمححر( :كنححا نتحدث أن
اللحاد فيححه أن يقول النسححان :ل وال! وبلى وال! وكل وال! ولذلك كان له فسححطاطان ،أحدهمححا
في الحل والخر في الحرم؛ فكان إذا أراد الصلة دخل فسطاط الحرم ،وإذا أراد بعض شأنه دخل
فسطاط الحل ،صيانة للحرم عن قولهم كل وال وبلى وال ،حين عظم ال الذنب فيه) .وكذلك كان
لعبدال بحن عمرو بحن العاص فسحطاطان أحدهمحا فحي الححل والخحر فحي الحرم ،فإذا أراد أن يعاتحب
أهله عاتبهم في الحل ،وإذا أراد أن يصلي صلى في الحرم ،فقيل له في ذلك فقال :إن كنا لنتحدث
أن محن اللحاد فحي الحرم أن نقول كل وال وبلى وال ،والمعاصحي تضاعحف بمكحة كمحا تضاعحف
الحسنات ،فتكون المعصية معصيتين ،إحداهما بنفس المخالفة والثانية بإسقاط حرمة البلد الحرام؛
وهكذا الشهحر الحرم سحواء .وقحد تقدم .وروى أبحو داود عحن يعلى بحن أميحة أن رسحول ال صحلى ال
عليحه وسحلم قال( :احتكار الطعام فحي الحرم إلحاد فيحه) .وهحو قول عمحر بحن الخطاب .والعموم يأتحي
على هذا كله.
@ ذهحب قوم محن أهحل التأويحل منهحم الضحاك وابحن زيحد إلى أن هذه اليحة تدل على أن النسحان
يعاقب على ما ينويه محن المعاصحي بمكحة وإن لم يعمله .وقحد روي نححو ذلك عن ابن مسحعود وابحن
عمر قالوا :لو هم رجل بقتل رجل بهذا البيت وهو (بعدن أبين) لعذبه ال.
قلت :هذا صححيح ،وقحد جاء هذا المعنحى فحي سحورة "ن والقلم" القلم ]1 :مبينحا ،على محا يأتحي
بيانه هناك إن شاء ال تعالى.
@ الباء فحي "بإلحاد" زائدة كزيادتهحا فحي قوله تعالى" :تنبحت بالدهحن" [المؤمنون]20 :؛ وعليحه
حملوا قول الشاعر:
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج نحن بنو جعدة أصحاب الفلج
أراد :نرجو الفرج .وقال العشى:
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا
أي رزق :وقال آخر:
بما لقت لبون بني زياد ألم يأتيك والنباء تنمي
أي ما لقت؛ والباء زائدة ،وهو كثير .وقال الفراء :سمعت أعرابيا وسألته عن شيء فقال :أرجو
بذاك ،أي أرجو ذاك .وقال الشاعر:
وأسفله بالمرخ والشبهان بواد يمان ينبت الشث صدرة
أي المرخ .وهحو قول الخفحش ،والمعنحى عنده :ومحن يرد فيحه إلحادا بظلم .وقال الكوفيون :دخلت
الباء لن المعنى بأن يلحد ،والباء مع أن تدخل وتحذف .ويجوز أن يكون التقدير :ومن برد الناس
فيحه بإلحاد .وهذا اللحاد والظلم يجمحع المعاصحي محن الكفحر إلى الصحغائر؛ فلعظحم حرمحة المكان
توعد ال تعالى على نية السيئة فيه .ومن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب عليها إل في مكة .هذا
قول ابن مسعود وجماعة من الصحابة وغيرهم .وقد ذكرناه آنفا.
**3اليحة{ 26 :وإذ بوأنحا لبراهيحم مكان البيحت أن ل تشرك بحي شيئا وطهحر بيتحي للطائفيحن
والقائمين والركع السجود}
@قوله تعالى" :وإذ بوأنحا لبراهيحم مكان البيحت" أي واذكحر إذ بوأنحا لبراهيحم؛ يقال :بوأتحه منزل
وبوأت له .كمحا يقال :مكنتحك ومكنحت لك؛ فاللم فحي قوله" :لبراهيحم" صحلة للتأكيحد؛ كقوله" :ردف
لكم" [النمل ،]72 :وهذا قول الفراء .وقيل" :بوأنا لبراهيم مكان البيت" أي أريناه أصله ليبنيه،
وكان قحد درس بالطوفان وغيره ،فلمحا جاءت مدة إبراهيحم عليحه السحلم أمره ال ببنيانحه ،فجاء إلى
موضعحه وجعحل يطلب أثرا ،فبعحث ال ريححا فكشفحت عحن أسحاس آدم عليحه السحلم؛ فرتحب قواعده
عليحه؛ حسحبما تقدم بيانحه فحي "البقرة" .وقيحل" :بوأنحا" نازلة منزلة فعحل يتعدى باللم؛ كنححو جعلنحا،
أي جعلنا لبراهيم مكان البيت مبوأ .وقال الشاعر:
بوأته بيدي لحدا كم من أخ لي ماجد
@ "أن ل تشرك" هحي مخاطبحة لبراهيحم عليحه السحلم فحي قول الجمهور .وقرأ عكرمحة "أن ل
يشرك" بالياء ،على نقل معنى القول الذي قيل له .قال أبو حاتم :ول بد من نصب الكاف على هذه
القراءة ،بمعنى لئل يشرك .وقيل :إن "أن" مخففة من الثقيلة .وقيل مفسرة .وقيل زائدة؛ مثل "فلما
أن جاء البشيحر" [يوسحف .]96 :وفحي اليحة طعحن على محن أشرك محن قطان البيحت؛ أي هذا كان
الشرط على أبيكححم ممححن بعده وأنتححم ،فلم تفوا بححل أشركتححم .وقالت فرقححة :الخطاب مححن قول "أن ل
تشرك" لمحمد صلى ال عليه وسلم؛ وأمر بتطهيحر البيت والذان بالحج .والجمهور على أن ذلك
لبراهيم؛ وهو الصح .وتطهير البيت عام في الكفر والبدع وجميع النجاس والدماء .وقيل :عنى
بحه التطهيحر عحن الوثان؛ كمحا قال تعالى" :فاجتنبوا الرجحس محن الوثان" [الححج]30 :؛ وذلك أن
جرهما والعمالقة كانت لهم أصنام في محل البيت وحوله قبل أن يبنيه إبراهيم عليه السلم .وقيل:
المعنحى نزه بيتحي عحن أن يعبحد فيحه صحنم .وهذا أمحر بإظهار التوحيحد فيحه .وقحد مضحى محا للعلماء فحي
تنزيححه المسححجد الحرام وغيره مححن المسححاجد بمححا فيححه كفايححة فححي سححورة "التوبححة" .والقائمون هححم
المصلون .وذكر تعالى من أركان الصلة أعظمها ،وهو القيام والركوع والسجود.
**3الية{ 27 :وأذن في الناس بالحج يأتوك رجال وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}
@قوله تعالى" :وأذن في الناس بالحج" قرأ جمهور الناس "وأذن" بتشديد الذال .وقرأ الحسن بن
أبحي الحسحن وابحن محيصحن "وآذن" بتخفيحف الذال ومحد اللف .ابحن عطيحة :وتصححف هذا على ابحن
جنححي ،فإنححه حكححى عنهمححا "وآذن" على أنححه فعححل ماض ،وأعرب على ذلك بأن جعله عطفححا على
"بوأنا" .والذان العلم ،وقد تقدم في "التوبة".
@ لما فرغ إبراهيم عليه السلم من بناء البيت ،وقيل له :أذن في الناس بالحج ،قال :يا رب! وما
يبلغ صحوتي؟ قال :أذن وعلي البلغ؛ فصحعد إبراهيحم خليحل ال جبحل أبحي قحبيس وصحاح :يحا أيهحا
الناس! إن ال قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النار ،فحجوا؛ فأجابه
محن كان فحي أصحلب الرجال وأرحام النسحاء :لبيحك اللهحم لبيحك! فمحن أجاب يومئذ ححج على قدر
الجابحة؛ إن أجاب مرة فمرة ،وإن أجاب مرتيحن فمرتيحن؛ وجرت التلبيحة على ذلك؛ قاله ابن عباس
وابن جبير .وروي عن أبي الطفيل قال قال لي ابن عباس( :أتدري ما كان أصل التلبية؟ قلت ل!
قال :لمحا أمحر إبراهيحم عليحه السحلم أن يؤذن فحي الناس بالححج خفضحت الجبال رؤوسحها ورفعحت له
القرى؛ فنادى فحي الناس بالححج فأجابحه كحل شيحء :لبيحك اللهحم لبيحك) .وقيحل :إن الخطاب لبراهيحم
عليحه السحلم تحم عنحد قوله "السحجود" ،ثحم خاطحب ال عحز وجحل محمدا عليحه الصحلة والسحلم فقال
"وأذن فحي الناس بالححج" أي أعلمهحم أن عليهحم الححج .وقول ثالث :إن الخطاب محن قوله "أن ل
تشرك" مخاطبحة للنحبي صحلى ال عليحه وسحلم .وهذا قول أهحل النظحر؛ لن القرآن أنزل على النحبي
صحلى ال عليحه وسحلم ،فكحل محا فيحه محن المخاطبحة فهحي له إل أن يدل دليحل قاطحع على غيحر ذلك.
وههنا دليل آخر يدل على أن المخاطبة للنبي صلى ال عليه وسلم ،وهو "أن ل تشرك بي" بالتاء،
وهذا مخاطبحة لمشاهحد ،وإبراهيحم عليحه السحلم غائب ،فالمعنحى على هذا :وإذ بوأنحا لبراهيحم مكان
البيحت فجعلنحا لك الدلئل على توحيحد ال تعالى وعلى أن إبراهيحم كان يعبحد ال وحده .وقرأ جمهور
الناس "بالححج" بفتحح الحاء .وقرأ ابحن أبحي إسححاق فحي كحل القرآن بكسحرها .وقيحل :إن نداء إبراهيحم
من جملة ما أمر به من شرائع الدين .وال أعلم.
@قوله تعالى" :يأتوك رجال وعلى كل ضامر" وعده إجابة الناس إلى حج البيت ما بين راجل
وراكحب ،وإنمحا قال "يأتوك" وإن كانوا يأتون الكعبحة لن المنادي إبراهيحم ،فمحن أتحى الكعبحة حاجحا
فكأنما أتى إبراهيم؛ لنه أجاب نداءه ،وفيه تشريف إبراهيم .ابن عطية" :رجال" جمع راجل مثل
تاجحر وتجار ،وصحاحب وصححاب .وقيحل :الرجال جمحع رجحل ،والرجحل جمحع راجحل؛ مثحل تجار
وتجحر وتاجحر ،وصححاب وصححب وصحاحب .وقحد يقال فحي الجمحع :رجال ،بالتشديحد؛ مثحل كافحر
وكفار .وقرأ ابحن أبحي إسححاق وعكرمحة "رجال" بضحم الراء وتخفيحف الجيحم ،وهحو قليحل فحي أبنيحة
الجمححع ،ورويححت عححن مجاهححد .وقرأ مجاهححد "رجالى" على وزن فعالى؛ فهححو مثححل كسححالى .قال
النحاس :في جمع راجل خمسة أوجه ،ورجالة مثل ركاب ،وهو الذي روي عن عكرمة ،ورجال
مثحل قيام ،ورجلة ،ورجحل ،ورجالة .والذي روي عحن مجاهحد رجال غيحر معروف ،والشبحه بحه أن
يكون غيحر منون مثحل كسحالى وسحكارى ،ولو نون لكان على فعال ،وفعال فحي الجمحع قليحل .وقدم
الرجال على الركبان فحي الذكحر لزيادة تعبهحم فحي المشحي" .وعلى كحل ضامحر يأتيحن" لن معنحى
"ضامر" معنى ضوامر .قال الفراء :ويجوز "يأتي" على اللفظ .والضامر :البعير المهزول الذي
أتعبحه السحفر؛ يقال :ضمحر يضمحر ضمورا؛ فوصحفها ال تعالى بالمآل الذي انتهحت عليحه إلى مكحة.
وذكر سبب الضمور فقال" :يأتين من كل فج عميق" أي أثر فيها طول السفر .ورد الضمير إلى
البل تكرمة لها لقصدها الحج مع أربابها؛ كما قال" :والعاديات ضبحا" [العاديات ]1 :في خيل
الجهاد تكرمة لها حين سعت في سبيل ال.
قال بعضهحححححم :إنمحححححا قال "رجال" لن الغالب خروج الرجال إلى الححححححج دون الناث؛ فقول
"رجال" من قولك :هذا رجل؛ وهذا فيه بعد؛ لقوله "وعلى كل ضامر" يعني الركبان ،فدخل فيه
الرجال والنسحاء .ولمحا قال تعالى" :رجال" وبدأ بهحم دل ذلك على أن ححج الراجحل أفضحل محن ححج
الراكب .قال ابن عباس( :ما آسى على شيء فاتني إل أن ل أكون حججت ماشيا ،فإني سمعت ال
عحز وجحل يقول "يأتوك رجال") .وقال ابحن أبحي نجيحح :ححج إبراهيحم وإسحماعيل عليهمحا السحلم
ماشييححن .وقرأ أصحححاب ابححن مسححعود "يأتون" وهححي قراءة ابححن أبححي عبلة والضحاك ،والضميححر
للناس.
@ ل خلف في جواز .الركوب والمشي ،واختلفوا في الفضل منهما؛ فذهب مالك والشافعي في
آخريحن إلى أن الركوب أفضحل ،اقتداء بالنحبي صحلى ال عليحه وسحلم ،ولكثرة النفقحة ولتعظيحم شعائر
الحج بأهبة الركوب .وذهب غيرهم إلى أن المشي أفضل لما فيه من المشقة على النفس ،ولحديث
أبي سعيد قال :حج النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة ،وقال( :اربطوا
أوسحاطكم بأزركحم) ومشحى خلط الهرولة؛ خرجحه ابحن ماجحه فحي سحننه .ول خلف فحي أن الركوب
عند مالك في المناسك كلها أفضل؛ للقتداء بالنبي صلى ال عليه وسلم.
@ استدل بعض العلماء بسقوط ذكر البحر من هذه الية على أن فرض الحج بالبحر ساقط .قال
مالك فحي الموازيحة :ل أسحمع للبححر ذكرا ،وهذا تأنحس ،ل أنحه يلزم محن سحقوط ذكره سحقوط الفرض
فيه؛ وذلك أن مكة ليست في ضفة بحر فيأتيها الناس في السفن؛ ولبد لمن ركب البحر أن يصير
فحي إتيان مكحة إمحا راجل وإمحا على ضامحر؛ فإنمحا ذكرت حالتحا الوصحول؛ وإسحقاط فرض الححج
بمجرد البحححر ليححس بالكثيححر ول بالقوي .فأمححا إذا اقترن بححه عدو وخوف أو هول شديححد أو مرض
يلحححق شخصححا ،فمالك والشافعححي وجمهور الناس على سححقوط الوجوب بهذه العذار ،وأنححه ليححس
بسححبيل يسححتطاع .قال ابححن عطيححة :وذكححر صححاحب السححتظهار فححي هذا المعنححى كلمححا .ظاهره أن
الوجوب ل يسقط بشيء من هذه العذار؛ وهذا ضعيف.
قلت :وأضعحف محن ضعيحف ،وقحد مضحى فحي "البقرة" بيانحه .والفحج :الطريحق الواسحعة ،والجمحع
فجاج .وقحد مضحى فحي "النحبياء" .والعميحق معناه البعيحد .وقراءة الجماعحة "يأتيحن" .وقرأ أصححاب
عبدال "يأتون" وهذا للركبان و"يأتيحن" للجمال؛ كأنحه قال :وعلى إبحل ضامرة يأتيحن "محن كحل فحج
عميق" أي بعيد؛ ومنه بئر عميقة أي بعيدة القعر؛ ومنه:
وقاتم العماق خاوي المخترق
@ واختلفوا فحي الواصحل إلى البيحت ،هحل يرفحع يديحه عنحد رؤيتحه أم ل؛ فروى أبحو داود قال :سحئل
جابر بححن عبدال عححن الرجححل يرى البيححت ويرفححع يديححه فقال :مححا كنححت أرى أن أحدا يفعححل هذا إل
اليهود ،وقحد حججنحا محع رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم فلم نكحن نفعله .وروى ابحن عباس رضحي
ال عنهمحا عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم أنحه قال( :ترفحع اليدي فحي سحبع مواطحن افتتاح الصحلة
واستقبال البيت والصفا والمروة والموقفين والجمرتين) .وإلى حديث ابن عباس هذا ذهب الثوري
وابن المبارك وأحمد وإسحاق وضعفوا حديث جابر؛ لن مهاجرا المكي راوية مجهول .وكان ابن
عمر يرفع يديه عند رؤية البيت .وعن ابن عباس مثله.
**3اليتان{ 29 - 28 :ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم ال في أيام معلومات على ما رزقهم
محن بهيمحة النعام فكلوا منهحا وأطعموا البائس الفقيحر ،ثحم ليقضوا تفثهحم وليوفوا نذورهحم وليطوفوا
بالبيت العتيق}
@قوله تعالى" :ليشهدوا" أي أذن بالحج يأتوك رجال وركبانا ليشهدوا؛ أي ليحضروا .والشهود
الحضور" .منافع لهم" أي المناسك ،كعرفات والمشعر الحرام .وقيل المغفرة .وقيل التجارة .وقيل
هحو عموم؛ أي ليحضروا منافحع لهحم ،أي محا يرضحي ال تعالى محن أمحر الدنيحا والخرة؛ قال مجاهحد
وعطاء واختاره ابحن العربحي؛ فإنحه يجمحع ذلك كله محن نسحك وتجارة ومغفرة ومنفعحة دنيحا وأخرى.
ول خلف فححي أن المراد بقوله" :ليححس عليكححم جناح أن تبتغوا فضل مححن ربكححم" [البقرة]198 :
التجارة" .ويذكروا اسحم ال فحي أيام معلومات" قحد مضحى فحي "البقرة" الكلم فحي اليام المعلومات
والمعدودات .والمراد بذكحر اسحم ال ذكحر التسحمية عنحد الذبحح والنححر؛ مثحل قولك :باسحم ال وال
أكحبر ،اللهحم منحك ولك .ومثحل قولك عنحد الذبحح "إن صحلتي ونسحكي" [النعام ]162:اليحة .وكان
الكفار يذبحون على أسحماء أصحنامهم ،فحبين الرب أن الواجحب الذبحح على اسحم ال؛ وقحد مضحى فحي
"النعام".
@ واختلف العلماء فحي وقحت الذبحح يوم النححر؛ فقال مالك رضحي ال عنحه :بعحد صحلة المام
وذبححه؛ إل أن يؤخحر تأخيرا يتعدى فيحه فيسحقط القتداء بحه .وراعحى أبحو حنيفحة الفراغ محن الصحلة
دون ذبححح .والشافعححي دخول وقححت الصححلة ومقدار مححا توقححع فيححه الخطبتيححن؛ فاعتححبر الوقححت دون
الصلة ،هذه رواية المزني عنه ،وهو قول الطبري .وذكر الربيع عن البويطي قال قال الشافعي:
ول يذبح أحد حتى يذبح المام إل أن يكون ممن ل يذبح ،فإذا صلى وفرغ من الخطبة حل الذبح.
وهذا كقول مالك .وقال أحمحد :إذا انصحرف المام فاذبحح .وهحو قول إبراهيحم .وأصحح هذه القوال
قول مالك؛ لحديححث جابر بححن عبدال قال :صححلى بنححا رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم يوم النحححر
بالمدينحة ،فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قحد نححر ،فأمحر النحبي صحلى ال
عليحه وسحلم محن كان نححر أن يعيحد بنححر آخحر ،ول ينحروا حتحى ينححر النحبي صحلى ال عليحه وسحلم
خرجحه مسحلم والترمذي وقال :وفحي الباب عحن جابر وجندب وأنحس وعويمحر بحن أشقحر وابحن عمحر
وأبحي زيحد النصحاري ،وهذا حديحث حسحن صححيح ،والعمحل على هذا عنحد أهحل العلم أل يضححى
بالمصر حتى يصلي المام .وقد احتج أبو حنيفة بحديث البراء ،وفيه( :ومن ذبح بعد الصلة فقد
تحم نسحكه وأصحاب سحنة المسحلمين) .خرجحه مسحلم أيضحا .فعلق الذبحح على الصحلة ولم يذكحر الذبحح،
وحديث جابر يقيده .وكذلك حديث البراء أيضا ،قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أول ما
نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا) الحديث .وقال أبو
عمر بن عبدالبر :ل أعلم خلفا بين العلماء أن من ذبح قبل الصلة وكان من أهل المصر أنه غير
مضح؛ لقوله عليه السلم( :من ذبح قبل الصلة فتلك شاة لحم).
وأمححا أهححل البوادي ومححن ل أمام له فمشهور مذهححب مالك يتحرى وقححت ذبححح المام ،أو أقرب
الئمحة إليحه .وقال ربيعحة وعطاء فيمحن ل إمام له :إن ذبحح قبحل طلوع الشمحس لم يجزه ،ويجزيحه إن
ذبحح بعده .وقال أهحل الرأي :يجزيهحم محن بعحد الفجحر .وهحو قول ابحن المبارك ،ذكره عنحه الترمذي.
وتمسحكوا بقوله تعالى" :ويذكروا اسحم ال فحي أيام معلومات على محا رزقهحم محن بهيمحة النعام"،
فأضاف النحر إلى اليوم .وهل اليوم من طلوع الفجر أو من طلوع الشمس ،قولن .ول خلف أنه
ل يجزى ذبح الضحية قبل طلوع الفجر من يوم النحر.
@ واختلفوا كحم أيام النححر؟ فقال مالك :ثلثحة ،يوم النححر ويومان بعده .وبحه قال أبحو حنيفحة
والثوري وأحمحد بحن حنبحل ،وروي ذلك عحن أبحي هريرة وأنحس بحن مالك محن غيحر اختلف عنهمحا.
وقال الشافعي :أربعة ،يوم النحر وثلثة بعده .وبه قال الوزاعي ،وروي ذلك عن علي رضي ال
عنه وابن عباس وابن عمر رضي ال عنهم ،وروي عنهم أيضا مثل قول مالك وأحمد .وقيل( :هو
يوم النححر خاصحة وهحو العاشحر محن ذي الحجحة)؛ وروي عحن ابحن سحيرين .وعحن سحعيد بحن جحبير
وجابر بححن زيححد أنهمححا قال :النحححر فححي المصححار يوم واحححد وفححي منححى ثلثححة أيام .وعححن الحسححن
البصري في ذلك ثلث روايات :إحداها كما قال مالك ،والثانية كما قال الشافعي ،والثالثة إلى آخر
يوم من ذي الحجة؛ فإذا أهل هلل المحرم فل أضحى.
قلت :وهحو قول سحليمان بحن يسحار وأبحي سحلمة بحن عبدالرحمحن ،ورويحا حديثحا مرسحل مرفوعحا
خرجححه الدارقطنححي :الضحايححا إلى هلل ذي الحجححة؛ ولم يصححح ،ودليلنححا قوله تعالى" :فححي أيام
معلومات" الية ،وهذا جمع قلة؛ لكن المتيقن منه الثلثة ،وما بعد الثلثة غير متيقن فل يعمل به.
قال أبحو عمحر بحن عبدالبر :أجمحع العلماء على أن يوم النححر يوم أضححى ،وأجمعوا أن ل أضححى
بعححد انسححلخ ذي الحجححة ،ول يصححح عندي فححي هذه إل قولن :أحدهمححا :قول مالك والكوفييححن.
والخحر :قول الشافعحي والشامييحن؛ وهذان القولن مرويان عحن الصححابة فل معنحى للشتغال بمحا
خالفهما؛ لن ما خالفهما ل أصل له في السنة ول في قول الصحابة ،وما خرج عن هذين فمتروك
لهمحا .وقحد روي عحن قتادة قول سحادس ،وهحو أن الضححى يوم النححر وسحتة أيام بعده؛ وهذا أيضحا
خارج عحن قول الصححابة فل معنحى له .واختلفوا فحي ليالي النححر هحل تدخحل محع اليام فيجوز فيهحا
الذبححح أول؛ فروي عححن مالك فححي المشهور أنهححا ل تدخححل فل يجوز الذبححح بالليححل .وعليححه جمهور
أصحابه وأصحاب الرأي؛ لقوله تعالى" :ويذكروا اسم ال في أيام" فذكر اليام ،وذكر اليام دليل
على أن الذبحح فحي الليحل ل يجوز .وقال أبحو حنيفحة والشافعحي وأحمحد وإسححاق وأبحو ثور :الليالي
داخلة فحي اليام ويجزى الذبحح فيهحا .وروي عحن مالك وأشهحب نحوه ،ولشهحب تفريحق بيحن الهدي
والضحية ،فأجاز الهدي ليل ولم يجز الضحية ليل .قوله تعالى" :على ما رزقهم" أي على ذبح ما
رزقهحم" .محن بهيمحة النعام" والنعام هنحا البحل والبقحر والغنحم .وبهيمحة النعام هحي النعام ،فهحو
كقولك صلة الولى ،ومسجد الجامع.
@قوله تعالى" :فكلوا منهحا" أمحر معناه الندب عنحد الجمهور .ويسحتحب للرجحل أن يأكحل من هديحه
وأضحيتحه وأن يتصحدق بالكثحر ،محع تجويزهحم الصحدقة بالكحل وأكحل الكحل .وشذت طائفحة فأوجبحت
الكححل والطعام بظاهححر اليححة .ولقول عليححه السححلم( :فكلوا وادخروا وتصححدقوا) .قال الكيححا :قوله
تعالى" :فكلوا منها وأطعموا" يدل على أنه ل يجوز بيع جميعه ول التصدق بجميعه.
@ دماء الكفارات ل يأكل منها أصحابها .ومشهور مذهب مالك رضي ال عنه أنه ل يأكل من
ثلث :جزاء الصحيد ،ونذر المسحاكين وفديحة الذى ،ويأكحل ممحا سحوى ذلك إذا بلغ محله واجبحا كان
أو تطوعا ،ووافقه على ذلك جماعة من السلف وفقهاء المصار.
فإن أكل مما منع منه فهل يغرم قدر ما أكل أو يغرم هديا كامل؛ قولن في مذهبنا ،وبالول قال
ابحن الماجشون .قال ابحن العربحي :وهحو الححق ،ل شيحء عليحه غيره .وكذلك لو نذر هديحا للمسحاكين
فيأكل منه بعد أن بلغ محله ل يغرم إل ما أكل -خلفا للمدونة -لن النحر قد وقع ،والتعدي إنما
هو على اللحم ،فيغرم قدر ما تعدى فيه.
@قوله تعالى" :وليوفوا نذورهحم" يدل على وجوب إخراج النذر إن كان دمحا أو هديحا أو غيره،
ويدل ذلك على أن النذر ل يجوز أن يأكل منه وفاء بالنذر ،وكذلك جزاء الصيد وفدية الذى؛ لن
المطلوب أن يأتي به كامل من غير نقص لحم ول غيره ،فإن أكل من ذلك كان عليه هدي كامل.
وال أعلم.
هحل يغرم قيمحة اللححم أو يغرم طعامحا؛ ففحي كتاب محمحد عحن عبدالملك أنحه يغرم طعامحا .والول
أصح؛ لن الطعام إنما هو في مقابلة الهدي كله عند تعذره عبادة ،وليس حكم التعدي حكم العبادة.
فإن عطحب محن هذا الهدي المضمون الذي هحو جزاء الصحيد وفديحة الذى ونذر المسحاكين شيحء
قبحل محله أكحل منحه صحاحبه وأطعحم منحه الغنياء والفقراء ومحن أححب ،ول يحبيع محن لحمحه ول جلده
ول محن قلئده شيئا .قال إسحماعيل بحن إسححاق :لن الهدي المضمون إذا عطحب قبحل أن يبلغ محله
كان عليحه بدله ،ولذلك جاز أن يأكحل منحه صحاحبه ويطعحم .فإذا عطحب الهدي التطوع قبحل أن يبلغ
محله لم يجز أن يأكل منه ول يطعم؛ لنه لما لم يكن عليه بدله خيف أن يفعل ذلك بالهدي وينحر
من غير أن يعطب ،فاحتيط على الناس ،وبذلك مضى العمل .وروى أبو داود عن ناجية السلمي
أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث معه بهدي وقال( :إن عطب منها شيء فانحره ثم اصبغ
نعله فحي دمحه ثحم خحل بينحه وبيحن الناس) .وبهذا الحديحث قال مالك والشافعحي فحي أححد قوليحه ،وأحمحد
وإسححاق وأبحو ثور وأصححاب الرأي ومحن اتبعهحم فحي الهدي التطوع :ل يأكحل منهحا سحائقها شيئا،
ويخلى بينهحا وبيحن الناس يأكلونهحا .وفحي صححيح مسحلم( :ول تأكحل منهحا أنحت ول أححد محن أهحل
رفقتحك) .وبظاهحر هذا النهحي قال ابحن عباس والشافعحي فحي قوله الخحر ،واختاره ابحن المنذر ،فقال:
ل يأكل منها ول أحد من أهل رفقته .قال أبو عمر :قوله عليه السلم (ول يأكل منها أحد ول أحد
من أهل رفقتك) ل يوجد إل في حديث ابن عباس .وليس ذلك في حديث هشام بن عروة عن أبيه
عن ناجية .وهو عندنا أصح من حديث ابن عباس ،وعليه العمل عند الفقهاء .ويدخل في قوله عليه
السحلم( :خحل بينهحا وبيحن الناس) أهحل رفقتحه وغيرهحم .وقال الشافعحي وأبحو ثور :محا كان محن الهدي
أصحله واجبحا فل يأكحل منحه ،ومحا كان تطوعحا ونسحكا أكحل منحه وأهدى وادخحر وتصحدق .والمتعحة
والقرآن عنده نسحك .ونحوه مذهحب الوزاعحي .وقال أبحو حنيفحة وأصححابه :يأكحل محن هدي المتعحة
والتطوع ،ول يأكحل ممحا سحوى ذلك ممحا وجحب بحكحم الحرام .وحكحي عحن مالك :ل يأكحل محن دم
الفسحاد .وعلى قياس هذا ل يأكحل محن دم الجحبر؛ كقول الشافعحي والوزاعحي .تمسحك مالك بأن جزاء
الصحيد جعله ال للمسحاكين بقوله تعالى" :أو كفارة طعام مسحاكين" [المائدة .]95 :وقال فحي فديحة
الذى" :ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" [البقرة .]196 :وقال صلى ال عليه وسلم لكعب بن
عجرة( :أطعحم سحتة مسحاكين مديحن لكحل مسحكين أو صحم ثلثحة أيام أو انسحك شاة) .ونذر المسحاكين
مصحرح بحه ،وأمحا غيحر ذلك محن الهدايحا فهحو باق على أصحل قوله" :والبدن جعلناهحا لكحم محن شعائر
ال" إلى قوله "فكلوا منهحا" [الححج .]36 :وقحد أكحل النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وعلي رضحي ال
عنححه مححن الهدي الذي جاء بححه وشربححا مححن مرقححه .وكان عليححه السححلم قارنححا فححي أصححح القوال
والروايات؛ فكان هديه على هذا واجبا ،فما تعلق به أبو حنيفة غير صحيح .وال أعلم .وإنما أذن
ال سحبحانه محن الكحل محن الهدايحا لجحل أن العرب كانحت ل ترى أن تأكحل محن نسحكها ،فأمحر ال
سحبحانه وتعالى نحبيه صحلى ال عليحه وسحلم بمخالفتهحم؛ فل جرم كذلك شرع وبلغ ،وكذلك فعحل حيحن
أهدى وأحرم صلى ال عليه وسلم.
@ "فكلوا منها" قال بعض العلماء :قوله تعالى" :فكلوا منها" ناسخ لفعلهم ،لنهم كانوا يحرمون
لحوم الضحايحا على أنفسحهم ول يأكلون منهحا -كمحا قلناه فحي الهدايحا -فنسحخ ال ذلك بقوله" :فكلوا
منها" وبقول النبي صلى ال عليه وسلم( :من ضحى فليأكل من أضحيته) ولنه عليه السلم أكل
من أضحيته وهديه .وقال الزهري :من السنة أن تأكل أول من الكبد.
ذهب أكثر العلماء إلى أنه يستحب أن يتصدق بالثلث ويطعم الثلث ويأكل هو وأهله الثلث .وقال
ابن القاسم عن مالك :ليس عندنا في الضحايا قسم معلوم موصوف .قال مالك في حديثه :وبلغني
عحن ابحن مسحعود ،وليحس عليحه العمحل .روى الصححيح وأبحو داود قال :ضححى رسحول ال صحلى ال
عليحه وسحلم بشاة ثحم قال( :يحا ثوبان ،أصحلح لححم هذه الشاة) قال :فمحا زلت أطعمحه منهحا حتحى قدم
المدينة .وهذا نص في الفرض .واختلف قول الشافعي؛ فمرة قال :يأكل النصف ويتصدق بالنصف
لقوله تعالى" :فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير" فذكر شخصين .وقال مرة :يأكل ثلثا ويهدي ثلثا
ويطعم ثلثا ،لقوله تعالى" :فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر" [الحج ]36 :فذكر ثلثة.
@ المسافر يخاطب بالضحية كما يخاطب بها الحاضر؛ إذ الصل عموم الخطاب بها ،وهو قول
كافححة العلماء .وخالف فححي ذلك أبححو حنيفححة والنخعححي ،وروي عححن علي؛ والحديححث حجححة عليهححم.
واستثنى مالك من المسافرين الحاج بمنى ،فلم ير عليه أضحية ،وبه قال النخعي .وروي ذلك عن
الخليفتيحن أبحي بكحر وعمحر وجماعحة محن السحلف رضحي ال عنهحم؛ لن الحاج إنمحا هحو مخاطحب فحي
الصحححل بالهدي .فإذا أراد أن يضححححي جعله هديحححا ،والناس غيحححر الحاج إنمحححا أمروا بالضحيحححة
ليتشبهوا بأهل منى فيحصل لهم حظ من أجرهم.
@ اختلف العلماء في الدخار على أربعة أقوال .روي عن علي وابن عمر رضي ال عنهما من
وجه صحيح أنه ل يدخر من الضحايا بعد ثلث .وروياه عن النبي صلى ال عليه وسلم ،وسيأتي.
وقالت جماعحة :محا روي محن النهحي عحن الدخار منسحوخ؛ فيدخحر إلى أي وقحت أححب .وبحه قال أبحو
سحعيد الخدري وبريدة السحلمي ،وقالت فرقحة :يجوز الكحل منهحا مطلعحا .وقالت طائفحة :إن كانحت
بالناس حاجحة إليهحا فل يدخحر ،لن النهحي إنمحا كان لعلة وهحي قوله عليحه السحلم( :إنمحا نهيتكحم محن
أجل الدافة التي دفت) ولما ارتفعت ارتفع المنع المتقدم لرتفاع موجبه ،ل لنه منسوخ .وتنشأ هنا
مسألة أصولية :وهي الفرق بين رفع الحكم بالنسخ ورفعه لرتفاع علته .أعلم أن المرفوع بالنسخ
ل يحكحححم بحححه أبدا ،والمرفوع لرتفاع علتحححه يعود الحكحححم لعود العلة؛ فلو قدم على أهحححل بلدة ناس
محتاجون فحي زمان الضححى؛ ولم يكحن عنحد أهحل ذلك البلد سحعة يسحدون بهحا فاقتهحم إل الضحايحا
لتعين عليهم أل يدخروها فوق ثلث كما فعل النبي صلى ال عليه وسلم.
@ الحاديحث الواردة فحي هذا الباب بالمنحع والباححة صححاح ثابتحة .وقحد جاء المنحع والباححة معحا؛
كمحا هحو منصحوص فحي حديحث عائشحة وسحلمة بحن الكوع وأبحي سحعيد الخدري رواهحا الصححيح.
وروى الصحيح عن أبي عبيد مولى ابن أزهر أنه شهد العيد مع عمر بن الخطاب قال :ثم صليت
العيد مع علي بن أبي طالب رضي ال عنه؛ قال :فصلى لنا قبل الخطبة ثم خطب الناس فقال :إن
رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم قححد نهاكححم أن تأكلوا لحوم نسححككم فوق ثلث ليال فل تأكلوهححا.
وروي عحن ابحن عمحر أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم قحد نهحى أن تؤكحل لحوم الضاححي فوق
ثلث .قال سحالم :فكان ابحن عمحر ل يأكحل لحوم الضاححي فوق ثلث .وروى أبحو داود عحن نبيشحة
قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إنا كنا نهيناكحم عن لحومها فوق ثلث لكي تسحعكم جاء
ال بالسعة فكلوا وادخروا واتجروا إل أن هذه اليام أيام أكل وشرب وذكر ل عز وجل) .قال أبو
جعفر النحاس :وهذا القول أحسن ما قيل في هذا حتى تتفق الحاديث ول تضاد ،ويكون قول أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب وعثمان محصور ،لن الناس كانوا في شدة محتاجين ،ففعل كما فعل
رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم حيحن قدمحت الدافحة .والدليحل على هذا محا حدثنحا إبراهيحم بحن شريحك
قال :حدثنا أحمد قال حدثنا ليث قال حدثني الحارث بن يعقوب عن يزيد بن أبي يزيد عن امرأته
أنهحا سحألت عائشحة رضحي ال عنهحا عحن لحوم الضاححي فقالت :قدم علينحا علي بحن أبحي طالب محن
سفر فقدمنا إليه منه ،فأبى أن يأكل حتى يسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فسأله فقال" :كل
محن ذي الحجحة إلى ذي الحجحة) .وقال الشافعحي :محن قال بالنهحي عحن الدخار بعحد ثلث لم يسحمع
الرخصحة .ومحن قال بالرخصحة مطلقحا لم يسحمع النهحي عحن الدخار .ومحن قال بالنهحي والرخصحة
سحمعهما جميعحا فعمحل بمقتضاهمحا .وال أعلم .وسحيأتي فحي سحورة "الكوثحر" الختلف فحي وجوب
الضحية وندبيتها وأنها ناسخة لكل ذبح تقدم ،إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :وأطعموا البائس الفقير" "الفقير" من صفة البائس ،وهو الذي ناله البؤس وشدة
الفقحر؛ يقال :بئس يبأس بأسحا إذا افتقحر؛ فهحو بائس .وقحد يسحتعمل فيمحن نزلت بحه نازلة دهحر وإن لم
يكن فقيرا؛ ومنه قوله عليه السلم( :لكن البائس سعد بن خولة) .ويقال :رجل بئيس أي شديد .وقد
بؤس يبؤس بأسححا إذ اشتححد؛ ومنححه قوله تعالى" :وأخذنححا الذيححن ظلموا بعذاب بئيححس" [العراف:
]165أي شديد .وكلما كان التصدق بلحم الضحية أكثر كان الجر أوفر .وفي القدر الذي يجوز
أكله خلف قحد ذكرناه؛ فقيحل النصحف؛ لقوله" :فكلوا"" ،وأطعموا" وقيحل الثلثان؛ لقوله( :أل فكلوا
وادخروا واتجروا) أي اطلبوا الجحر بالطعام .واختلف فحي الكحل والطعام؛ فقيحل واجبان .وقيحل
مستحبان .وقيل بالفرق بين الكل والطعام؛ فالكل مستحب والطعام واجب؛ وهو قول الشافعي.
@قوله تعالى" :ثم ليقضوا تفثهم" أي ثم ليقضوا بعد نحر الضحايا والهدايا ما بقي عليهم من أمر
الحج؛ كالحلق ورمي الجمار وإزالة شعث ونحوه .قال ابن عرفة :أي ليزيلوا عنهم أدرانهم .وقال
الزهري :التفحث الخحذ محن الشارب وقحص الظفار ونتحف البحط وحلق العانحة؛ وهذا عنحد الخروج
محن الحرام .وقال النضححر بحن شميحل :التفحث فححي كلم العرب إذهاب الشعحث وسحمعت الزهري
يقول :التفحث فحي كلم العرب ل يعرف إل محن قول ابحن عباس وأهحل التفسحير .وقال الحسحن( :هحو
إزالة قشححف الحرام .وقيححل :التفححث مناسححك الحححج كلهححا) ،رواه ابححن عمححر وابححن عباس .قال ابححن
العربحي :لو صحح عنهمحا لكان حجحة لشرف الصححبة والحاطحة باللغحة ،قال :وهذه اللفظحة غريبحة لم
يجد أهل العربية فيها شعرا ول أحاطوا بها خبرا؛ لكني تتبعت التفث لغة فرأيت أبا عبيدة معمر
بحن المثنحى قال :إنحه قحص الظفار وأخحذ الشارب ،وكحل محا يحرم على المحرم إل النكاح .قال :ولم
يجيء فيه شعر يحتج به .وقال صاحب العين :التفث هو الرمي والحلق والتقصير والذبح وقص
الظفار والشارب والبحط .وذكحر الزجاج والفراء نحوه ،ول أراه أخذوه إل محن قول العلماء .وقال
قطرب :تفث الرجل إذا كثر وسخه .قال أمية بن أبي الصلت:
ولم يسلوا لهم قمل وصئبانا حفوا رؤوسهم لم يحلقوا تفثا
ومحا أشار إليحه قطرب هحو الذي قال ابحن وهحب عحن مالك ،وهحو الصححيح فحي التفحث .وهذه صحورة
إلقاء التفث لغة ،وأما حقيقته الشرعية فإذا نحر الحاج أو المعتمر هديه وحلق رأسه وأزال وسخه
وتطهر وتنقى ولبس فقد أزال تفثه ووفى نذره؛ والنذر ما لزم النسان والتزمه .قلت :ما حكاه عن
قطرب وذكر من الشعر قد ذكره في تفسيره الماوردي وذكر بيتا آخر فقال:
إلى نجد وما انتظروا عليا قضوا تفثا ونحبا ثم ساروا
وقال الثعلبحي :وأصحل التفحث فحي اللغحة الوسحخ؛ تقول العرب للرجحل تسحتقذره :محا أتفثحك؛ أي محا
أوسخك وأقذرك .قال أمية بن أبي الصلت:
وينزعوا عنهم قمل وصئبانا ساخين آباطهم لم يقذفوا تفثا
الماوردي :قيححل لبعححض الصححلحاء مححا المعنححى فححي شعححث المحرم؟ قال :ليشهححد ال تعالى منححك
العراض عن العناية بنفسك فيعلم صدقك في بذلها لطاعته.
@قوله تعالى" :وليوفوا نذورهم" أمروا بوفاء النذر مطلقا إل ما كان معصية؛ لقوله عليه السلم:
(ل وفاء لنذر فحي معصحية ال) ،وقوله( :محن نذر أن يطيحع ال فليطعحه ومحن نذر أن يعصحيه فل
يعصحه) "وليطوفوا بالبيحت العتيحق" الطواف المذكور فحي هذه اليحة هحو طواف الفاضحة الذي هحو
محن واجبات الححج .قال الطحبري :ل خلف بيحن المتأوليحن فحي ذلك .للححج ثلثحة أطواف :طواف
القدوم ،وطواف الفاضححة ،وطواف الوداع .قال إسححماعيل بححن إسحححاق :طواف القدوم سححنة ،وهححو
ساقط عن المراهق وعن المكي وعن كل من يحرم بالحج من مكة .قال :والطواف الواجب الذي
ل يسححقط بوجححه مححن الوجوه ،وهححو طواف الفاضححة الذي يكون بعححد عرفححة؛ قال ال تعالى" :ثححم
ليقضوا تفثهححم وليوفوا نذورهححم وليطوفوا بالبيححت العتيححق" .قال :فهذا هححو الطواف المفترض فححي
كتاب ال عحز وجحل ،وهحو الذي يححل بحه الحاج محن إحرامحه كله .قال الحافحظ أبحو عمحر :محا ذكره
إسحماعيل فحي طواف الفاضحة هحو قول مالك عنحد أهحل المدينحة ،وهحي روايحة ابحن وهحب وابحن نافحع
وأشهحب عنحه .وهحو قول جمهور أهحل العلم محن فقهاء أهحل الحجاز والعراق .وقحد روى ابحن القاسحم
وابحن عبدالحكحم عحن مالك أن طواف القدوم واجحب .وقال ابحن القاسحم فحي غيحر موضحع محن المدونحة
ورواه أيضححا عححن مالك :الطواف الواجححب طواف القادم مكححة .وقال :مححن نسححي الطواف فححي حيححن
دخوله مكة أو نسي شوطا منه ،أو نسي السعي أو شوطا منه حتى رجع إلى بلده ثم ذكره ،فإن لم
يكحن أصحاب النسحاء رجحع إلى مكحة حتحى يطوف بالبيحت ويركحع ويسحعى بيحن الصحفا والمروة ،ثحم
يهدي .وإن أصحاب النسحاء رجحع فطاف وسحعى ،ثحم اعتمحر وأهدى .وهذا كقوله فيمحن نسحي طواف
الفاضحة سحواء .فعلى هذه الروايحة الطوافان جميعحا واجبان ،والسحعي أيضحا .وأمحا طواف الصحدر
وهو المسمى بطواف الوداع فروى ابن القاسم وغيره عن مالك فيمن طاف طواف الفاضة على
غيحر وضوء :أنحه يرجحع محن بلده فيفيحض إل أن يكون تطوع بعحد ذلك .وهذا ممحا أجمحع عليحه مالك
وأصحابه ،وأنه يجزيه تطوعه عن الواجب المفترض عليه من طوافه .وكذلك أجمعوا أن من فعل
فحي حجه شيئا تطوع به من عمحل الحج ،وذلك الشيء واجب فحي الحج قحد جاز وقته ،فإن تطوعه
ذلك يصير للواجب ل للتطوع؛ بخلف الصلة .فإذا كان التطوع ينوب عن الفرض في الحج كان
الطواف لدخول مكححة أحرى أن ينوب عححن طواف الفاضححة ،إل مححا كان مححن الطواف بعححد رمححي
جمرة العقبحة يوم النححر أو بعده للوداع .ورواية ابحن عبدالحكحم عن مالك بخلف ذلك؛ لن فيهحا أن
طواف الدخول محع السحعي ينوب عحن طواف الفاضحة لمحن رجحع إلى بلده محع الهدي ،كمحا ينوب
طواف الفاضحة محع السحعي لمحن لم يطحف ولم يسحع حيحن دخوله مكحة محع الهدي أيضحا عحن طواف
القدوم .ومن قال هذا قال :إنمحا قيحل لطواف الدخول واجحب ولطواف الفاضحة واجحب لن بعضهمحا
ينوب عحن بعحض ،ولنحه قحد روي عحن مالك أنحه يرجحع محن نسحي أحدهمحا محن بلده على محا ذكرنحا،
ولن ال عحز وجحل لم يفترض على الحاج إل طوافحا واحدا بقوله" :وأذن فحي الناس بالححج" ،وقال
في سياق الية" :وليطوفوا بالبيت العتيق" والواو عندهم في هذه الية وغيرها ل توجب رتبة إل
بتوقيحف .وأسحند الطحبري عحن عمرو بحن أبحي سحلمة قال :سحألت زهيرا عحن قوله تعالى" :وليطوفوا
بالبيت العتيق" فقال :هو طواف الوداع .وهذا يدل على أنه واجب ،وهو أحد قولي الشافعي؛ لنه
عليه السلم رخص للحائض أن تنفر دون أن تطوفه ،ول يرخص إل في الواجب.
@ اختلف المتأولون فحي وجحه صحفة البيحت بالعتيحق؛ فقال مجاهحد والحسحن :العتيحق القديحم .يقال:
سيف عتيق ،وقد عتق أي قدم؛ وهذا قول يعضده النظر .وفي الصحيح (أنه أول مسجد وضع في
الرض) .وقيححل عتيقححا لن ال أعتقححه مححن أن يتسححلط عليححه جبار بالهوان إلى انقضاء الزمان؛ قال
معناه ابحن الزبيحر مجاهحد .وفحي الترمذي عحن عبدال بحن الزبيحر قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه
وسلم( :إنما سمي البيت العتيق لنه لم يظهر عليه جبار) قال :هذا حديث حسن صحيح ،وقد روي
عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم مرسحل .فإن ذكحر ذاكحر الحجاج بحن يوسحف ونصحبه المنجنيحق على
الكعبححة حتححى كسححرها قيححل له :إنمححا أعتقهححا عححن كفار الجبابرة؛ لنهححم إذا أتوا بأنفسححهم متمرديححن
ولحرمحة البيحت غيحر معتقديحن ،وقصحدوا الكعبحة بالسحوء فعصحمت منهحم ولم تنلهحا أيديهحم ،كان ذلك
دللة على أن ال عحز وجحل صحرفهم عنهحا قسحرا .فأمحا المسحلمون الذيحن اعتقدوا حرمتهحا فإنهحم إن
كفوا عنهحا لم يكحن فحي ذلك محن الدللة على منزلتهحا عنحد ال مثحل محا يكون منهحا فحي كحف العداء؛
فقصححر ال تعالى هذه الطائفححة عححن الكححف بالنهححي والوعيححد ،ولم يتجاوزه إلى الصححرف باللجاء
والضطرار ،وجعحل السحاعة موعدهحم ،والسحاعة أدهحى وأمحر .وقالت طائفحة :سحمي عتيقحا لنحه لم
يملك موضعه قط .وقالت فرقة :سمي عتيقا لن ال عز وجل يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب.
وقيحل :سحمي عتيقحا لنحه أعتحق محن غرق الطوفان؛ قال ابحن جحبير .وقيحل :العتيحق الكريحم .والعتحق
الكرم .قال طرفة يصف أذن الفرس:
كسامعتي مذعورة وسط ربرب مؤللتان تعرف العتق فيهما
وعتق الرقيق :الخروج من ذل الرق إلى كرم الحرية .ويحتمل أن يكون العتيق صفة مدح تقتضي
جودة الشيححء؛ كمححا قال عمححر :حملت على فرس عتيححق؛ الحديححث .والقول الول أصححح للنظححر
والحديحث الصححيح .قال مجاهحد :خلق ال البيحت قبحل الرض بألفحي عام ،وسحمي عتيقحا لهذا؛ وال
أعلم.
**3اليتان{ 31 - 30 :ذلك ومن يعظم حرمات ال فهو خير له عند ربه وأحلت لكم النعام إل
محا يتلى عليكحم فاجتنبوا الرجحس محن الوثان واجتنبوا قول الزور ،حنفاء ل غير مشركين به ومن
يشرك بال فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}
@قوله تعالى" :ذلك" يحتمحل أن يكون فحي موضحع رفحع بتقديحر :فرضكحم ذلك ،أو الواجحب ذلك.
ويحتمل أن يكون في موضع نصب بتقدير :امتثلوا ذلك؛ ونحو هذه الشارة البليغة قول زهير:
وسط الندي إذا ما قائل نطقا هذا وليس كمن يعيا بخطته
والحرمات المقصححودة هنححا هححي أفعال الحححج المشار إليهححا فححي قوله" :ثححم ليقضوا تفثهححم وليوفوا
نذورهحم" ويدخحل فحي ذلك تعظيحم المواضحع؛ قاله ابحن زيحد وغيره .ويجمحع ذلك أن تقول :الحرمات
امتثال المر من فرائضه وسننه .وقوله" :فهو خير له عند ربه" أي التعظيم خير له عند ربه من
التهاون بشيء منها .وقيل :ذلك التعظيم خير من خيراته ينتفع به ،وليست للتفضيل وإنما هي عدة
بخيحر" .وأحلت لكحم النعام" أن تأكلوهحا؛ وهحي البحل والبقحر والغنحم" .إل محا يتلى عليكحم" أي فحي
الكتاب محن المحرمات؛ وهحي الميتحة والموقوذة وأخواتهحا .ولهذا اتصحال بأمحر الححج؛ فإن فحي الححج
الذبح ،فبين ما يحل ذبحه وأكل لحمه .وقيل" :إل ما يتلى عليكم" غير محلي الصيد وأنتم حرم.
@قوله تعالى" :فاجتنبوا الرجس من الوثان" الرجس :الشيء القذر .الوثن :التمثال من خشب أو
حديحد أو ذهحب أو فضحة ونحوهحا ،وكانحت العرب تنصحبها وتعبدهحا .والنصحارى تنصحب الصحليب
وتعبده وتعظمحه فهحو كالتمثال أيضحا .وقال عدي بحن حاتحم :أتيحت النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وفحي
عنقحي صحليب من ذهحب فقال( :ألق هذا الوثحن عنحك) أي الصحليب؛ وأصحله من وثحن الشيحء أي أقام
فحي مقامحه .وسحمي الصحنم وثنحا لنحه ينصحب ويركحز فحي مكان فل يحبرح عنحه .يريحد اجتنبوا عبادة
الوثان ،روي عن ابن عباس وابن جريج .وسماها رجسا لنها سبب الرجز وهو العذاب .وقيل:
وصحفها بالرجحس ،والرجحس النجحس فهحي نجسحة حكمحا .وليسحت النجاسحة وصحفا ذاتيحا للعيان وإنمحا
هححي وصححف شرعححي مححن أحكام اليمان ،فل تزال إل باليمان كمححا ل تجوز الطهارة إل بالماء.
"من" في قوله" :من الوثان" قيل :إنها لبيان الجنس ،فيقع نهيه عن رجس الوثان فقط ،ويبقى
سحائر الرجاس نهيهحا فحي غيحر هذا الموضحع .ويحتمحل أن تكون لبتداء الغايحة؛ فكأنحه نهاهحم عحن
الرجحس عامحا ثحم عيحن لهحم مبدأه الذي منحه يلحقهحم؛ إذ عبادة الوثحن جامعحة لكحل فسحاد ورجحس .ومحن
قال إن "من" للتبعيض ،قلب معنى الية وأفسده" .واجتنبوا قول الزور" والزور :الباطل والكذب.
وسمي زورا لنه أميل عن الحق؛ ومنه "تزاور عن كهفهم"[ ،الكهف ،]17 :ومدينة زوراء؛ أي
مائلة .وكحل محا عدا الححق فهحو كذب وباطحل وزور .وفحي الخحبر أنحه عليحه السحلم قام خطيبحا فقال:
(عدلت شهادة الزور الشرك بال) قالها مرتين أو ثلثا .يعني أنها قد جمعت مع عبادة الوثن في
النهي عنها.
@ هذه الية تضمنت الوعيد على الشهادة بالزور ،وينبغي للحاكم إذا عثر على الشاهد بالزور أن
يعزره وينادي عليحه ليعرف لئل يغتحر بشهادتحه أححد .ويختلف الحكحم فحي شهادتحه إذا تاب؛ فإن كان
محن أهحل العدالة المشهور بهحا المحبرز فيهحا لم تقبحل؛ لنحه ل سحبيل إلى علم حاله فحي التوبحة؛ إذ ل
يستطيع أن يفعل من القربات أكثر مما هو عليه .وإن كان دون ذلك فشمر في العبادة وزادت حاله
في التقى قبل شهادته .وفي الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :إن من أكبر الكبائر
الشراك بال وعقوق الوالدين وشهادة الزور وقول الزور) .وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم
متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
@قوله تعالى" :حنفاء ل" معناه مسحتقيمين أو مسحلمين مائليحن إلى الححق .ولفظحة "حنفاء" محن
الضداد تقححع على السححتقامة وتقححع على الميححل .و"حنفاء" نصححب على الحال .وقيححل" :حنفاء"
حجاجا؛ وهذا تخصيص ل حجة معه" .ومن يشرك بال فكأنما خر من السماء" أي هو يوم القيامة
بمنزلة من ل يملك لنفسه نفعا ول يدفع عن نفسه ضرا ول عذابا؛ فهو بمنزلة من خر من السماء،
فهحو ل يقدر أن يدفحع عحن نفسحه .ومعنحى "فتخطفحه الطيحر" أي تقطعحه بمخالبهحا .وقيحل :هذا عنحد
خروج روحه وصعود الملئكة بها إلى سماء الدنيا ،فل يفتح لها فيرمى بها إلى الرض؛ كما في
حديححث البراء ،وقححد ذكرناه فححي التذكرة .والسحححيق :البعيححد؛ ومنححه قوله تعالى" :فسحححقا لصحححاب
السعير" [الملك ،]11 :وقوله عليه الصلة والسلم( :فسحقا فسحقا).
**3اليتان{ 33 - 32 :ذلك ومن يعظم شعائر ال فإنها من تقوى القلوب ،لكم فيها منافع إلى
أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق}
@قوله تعالى" :ذلك" فيحه ثلثحة أوجحه .قيحل :يكون فحي موضحع رفحع بالبتداء ،أي ذلك أمحر ال.
ويجوز أن يكون فحي موضحع رفحع على خحبر ابتداء محذوف .ويجوز أن يكون فحي موضحع نصحب،
أي اتبعوا ذلك" .ومحن يعظحم شعائر ال" الشعائر جمحع شعيرة ،وهحو كحل شيحء ل تعالى فيحه أمحر
أشعر به وأعلم؛ ومنه شعار القوم في الحرب؛ أي علمتهم التي يتعارفون بها .ومنه إشعار البدنة
وهو الطعن في جانبها اليمن حتى يسيل الدم فيكون علمة ،فهي تسمى شعيرة بمعنى المشعورة.
فشعائر ال أعلم دينحه ل سحيما محا يتعلق بالمناسحك .وقال قوم :المراد هنحا تسحمين البدن والهتمام
بأمرهحا والمغالة بهحا؛ قال ابحن عباس ومجاهحد وجماعحة .وفيحه إشارة لطيفحة ،وذلك أن أصحل شراء
البدن ربمححا يحمححل على فعححل مححا ل بححد منححه ،فل يدل على الخلص ،فإذا عظمهححا مححع حصححول
الجزاء بما دونه فل يظهر له عمل إل تعظيم الشرع ،وهو من تقوى القلوب .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فإنهحا محن تقوى القلوب" الضميحر فحي "إنهحا" عائد على الفعلة التحي يتضمنهحا
الكلم ،ولو قال فإنحححه لجاز .وقيحححل إنهحححا راجعحححة إلى الشعائر؛ أي فإن تعظيحححم الشعائر ،فحذف
المضاف لدللة الكلم عليحححه ،فرجعحححت الكنايحححة إلى الشعائر" .فإنهحححا محححن تقوى القلوب" قرئ
"القلوب" بالرفحع على أنهحا فاعلة بالمصحدر الذي هحو "تقوى" وأضاف التقوى إلى القلوب لن
حقيقحة التقوى فحي القلب؛ ولهذا قال عليحه الصحلة والسحلم فحي صححيح الحديحث( :التقوى هاهنحا)
وأشار إلى صدره.
@قوله تعالى" :لكم فيها منافع" يعني البدن من الركوب والدر والنسل والصوف وغير ذلك ،إذا
لم يبعثها ربها هديا ،فإذا بعثها فهو الصل المسمى؛ قال ابن عباس .فإذا صارت بدنا هديا فالمنافع
فيهحا أيضحا ركوبهحا عنحد الحاجحة ،وشرب لبنهحا بعحد ري فصحيلها .وفحي الصححيح عحن أبحي هريرة أن
رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم (رأى رجل يسحوق بدنحة فقال( :اركبهحا) فقال :إنهحا بدنحة .فقال:
(اركبهحا) قال :إنهحا بدنحة .قال( :اركبهحا ويلك) فحي الثانيحة أو الثالثحة) .وروي عحن جابر بحن عبدال
وسحئل عحن ركوب الهدي فقال :سحمعت النحبي صحلى ال عليحه وسحلم يقول( :اركبهحا بالمعروف إذا
ألجئت إليها حتى تجد ظهرا) .والجل المسمى على هذا القول نحرها؛ قاله عطاء بن أبي رباح.
ذهب بعض العلماء إلى وجوب ركوب البدنة لقوله عليه الصلة والسلم( :اركبها) .وممن أخذ
بظاهره أحمحد واسححاق وأهحل الظاهحر .وروى ابحن نافحع عحن مالك :ل بأس بركوب البدنحة ركوبحا
غير فادح .والمشهور أنه ل يركبها إل إن اضطر إليها لحديث جابر فإنه مقيد والمقيد يقضي على
المطلق .وبنحححو ذلك قال الشافعححي وأبححو حنيفححة .ثححم إذا ركبهححا عنده الحاجححة نزل؛ قال إسححماعيل
القاضحي .وهو الذي يدل عليه مذهب مالك ،وهو خلف ما ذكره ابن القاسحم أنه ل يلزمه النزول،
وحجته إباححة النبي صلى ال عليه وسحلم له الركوب فجاز له اسحتصحابه .وقوله( :إذا ألجئت إليها
حتحى تجحد ظهرا) يدل على صححة محا قاله المام الشافعحي وأبحو حنيفحة رضحي ال عنهمحا؛ ومحا حكاه
إسماعيل عن مذهب مالك .وقد جاء صريحا أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى رجل يسوق بدنة
وقحد جهحد ،فقال( :اركبهحا) .وقال أبحو حنيفحة والشافعحي :إن نقصحها الركوب المباح فعليحه قيمحة ذلك
ويتصدق به.
@قوله تعالى" :ثحم محلهحا إلى البيحت العتيحق" يريحد أنهحا تنتهحي إلى البيحت ،وهحو الطواف .فقول:
"محلهحا" مأخوذ محن إحلل المحرم .والمعنحى أن شعائر الححج كلهحا محن الوقوف بعرفحة ورمحي
الجمار والسحعي ينتهحي إلى طواف الفاضحة بالبيحت العتيحق .فالبيحت على هذا التأويحل مراد بنفسحه؛
قاله مالك فحي الموطحأ .وقال عطاء :ينتهحي إلى مكحة .وقال الشافعحي :إلى الحرم .وهذا بناء على أن
الشعائر هحي البدن ،ول وجحه لتخصحيص الشعائر محع عمومهحا وإلغاء خصحوصية ذكحر البيحت .وال
أعلم.
**3الية{ 34 :ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم ال على ما رزقهم من بهيمة النعام فإلهكم
إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين}
@قوله تعالى" :ولكل أمة جعلنا منسكا" لما ذكر تعالى الذبائح بين أنه لم يخل منها أمة ،والمة
القوم المجتمعون على مذهب واحد؛ أي ولكل جماعة مؤمنة جعلنا منسكا .والمنسك الذبح وإراقة
الدم؛ قاله مجاهحد .يقال :نسحك إذا ذبحح ينسحك نسحكا .والذبيححة نسحيكة ،وجمعهحا نسحك؛ ومنحه قوله
تعالى" :أو صحدقة أو نسحك" [البقرة .]196 :والنسحك أيضحا الطاعحة .وقال الزهري فحي قوله
تعالى" :ولكحل أمحة جعلنحا منسحكا" :إنحه يدل على موضحع النححر فحي هذا الموضحع ،أراد مكان نسحك.
ويقال :منسك ومنسك ،لغتان ،وقرئ بهما .قرأ الكوفيون إل عاصما بكسر السين ،الباقون بفتحها.
وقال الفراء :المنسحك فحي كلم العرب الموضحع المعتاد فحي خيحر أو شحر .وقيحل مناسحك الححج لترداد
الناس إليها من الوقوف بعرفة ورمي الجمار والسعي .وقال ابن عرفة في قوله "ولكل أمة جعلنا
منسحكا" :أي مذهبحا محن طاعحة ال تعالى؛ يقال :نسحك نسحك قومحه إذا سحلك مذهبهحم .وقيحل :منسحكا
عيدا؛ قاله الفراء .وقيحل حجحا؛ قاله قتادة .والقول الول أظهحر؛ لقوله تعالى" :ليذكروا اسحم ال على
ما رزقهم من بهيمة النعام" ي على ذبح ما رزقهم .فأمر تعالى عند الذبح بذكره وأن يكون الذبح
له؛ لنحه رازق ذلك .ثحم رجحع اللفحظ محن الخحبر عحن المحم إلى إخبار الحاضريحن بمحا معناه :فالله
واحد لجميعكم ،فكذلك المر في الذبيحة إنما ينبغي أن تخلص له.
@قوله تعالى" :فله أسححلموا" معناه لحقححه ولوجهححه وإنعامححه آمنوا وأسححلموا .ويحتمححل أن يريححد
السحتسلم؛ أي له أطيعوا وانقادوا" .وبشحر المخبتيحن" المخبحت :المتواضحع الخاشحع محن المؤمنيحن.
والخبت ما انخفض من الرض؛ أي بشرهم بالثواب الجزيل .قال عمرو بن أوس :المخبتون الذين
ل يظلمون ،وإذا ظلموا لم ينتصححروا .وقال مجاهححد فيمححا روى عنححه سححفيان عححن ابححن أبححي نجيححح:
المخبتون المطمئنون بأمر ال عز وجل.
**3الية{ 35 :الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلة
ومما رزقناهم ينفقون}
@قوله تعالى" :وجلت قلوبهم" أي خافت وحذرت مخالفته .فوصفهم بالخوف والوجل عند ذكره،
وذلك لقوة يقينهم ومراعاتهم لربهم ،وكأنهم بين يديه ،ووصفهم بالصبر وإقامة الصلة وإدامتها.
وروي أن هذه الية قوله" :وبشحر المخبتين" نزلت فحي أبي بكر وعمر وعلي رضوان ال عليهم.
وقرأ الجمهور "الصحلة" بالخفحض على الضافحة ،وقرأ أبحو عمرو "الصحلة" بالنصحب على توهحم
النون ،وأن حذفها للتخفيف لطول السم .وأنشد سيبويه:
الحافظو عورة العشيرة...
هذه اليحة نظيحر قوله تعالى" :إنمحا المؤمنون الذيحن إذا ذكحر ال وجلت قلوبهحم وإذا تليحت عليهحم
آياتحه زادتهحم إيمانحا وعلى ربهحم يتوكلون" [النفال ،]2 :وقوله تعالى" :ال نزل أحسحن الحديحث
كتابحا متشابهحا مثانحي تقشعحر منحه جلود الذيحن يخشون ربهحم ثحم تليحن جلودهحم وقلوبهحم إلى ذكحر ال"
[الزمر .]23 :هذه حالة العارفين بال ،الخائفين من سطوته وعقوبته؛ ل كما يفعله جهال العوام
والمبتدعحة الطغام محن الزعيحق والزئيحر ،ومحن النهاق الذي يشبحه نهاق الحميحر ،فيقال لمحن تعاطحى
ذلك وزعم أن ذلك وجد وخشوع :إنك لم تبلغ أن تساوي حال رسول ال صلى ال عليه وسلم ول
حال أصححابه فحي المعرفحة بال تعالى والخوف منحه والتعظيحم لجلله؛ ومحع ذلك فكانحت حالهحم عنحد
المواعحظ الفهحم عحن ال والبكاء خوفحا محن ال .وكذلك وصحف ال تعالى أحوال أهحل المعرفحة عنحد
سحماع ذكره وتلوة كتابحه ،ومن لم يكحن كذلك فليحس على هديهحم ول على طريقتهحم؛ قال ال تعالى:
"وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا
آمنحا فاكتبنحا محع الشاهديحن" [المائدة .]83 :فهذا وصحف حالهحم وحكايحة مقالهحم؛ فمحن كان مسحتنا
فليسححتن ،ومححن تعاطححى أحوال المجانيححن والجنون فهححو مححن أخسححهم حال؛ والجنون فنون .روى
الصححيح عحن أنحس بحن مالك أن الناس سحألوا النحبي صحلى ال عليحه وسحلم حتحى أحفوه فحي المسحألة،
فخرج ذات يوم فصعد المنبر فقال( :سلوني ل تسألوني عن شيء إل بينته لكم ما دمت في مقامي
هذا) فلمححا سححمع ذلك القوم أرموا ورهبوا أن يكون بيححن [يدي] أمححر قححد حضححر .قال أنححس :فجعلت
ألتفت يمينا وشمال فإذا كل إنسان لف رأسه في ثوبه يبكي .وذكر الحديث .وقد مضى القول في
هذه المسألة بأشبع من هذا في سورة "النفال" والحمد ل.
**3الية{ 36 :والبدن جعلناها لكم من شعائر ال لكم فيها خير فاذكروا اسم ال عليها صواف
فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون}
@قوله تعالى" :وال ُبدْن" وقرأ ابحن أبحي إسححاق "وال ُبدُن" لغتان ،واحدتهحا َبدَنَة .كمحا يقال :ثمرة
و ُثمُر و ُثمْر ،وخشبحة وخشُب وخشْب .وفحي التنزيحل "وكان له ثمحر" وقرئ "ثمحر" لغتان .وسحميت
بدنة لنها تبدن ،والبدانة السمن .وقيل :إن هذا السم خاص بالبل .وقيل :البدن جمع "بدن" بفتح
الباء والدال .ويقال :بدن الرجححل (بضححم الدال) إذا سححمن .وبدن (بتشديدهححا) إذا كححبر وأسححن .وفححي
الحديحث (إنحي قحد بدنحت) أي كحبرت وأسحننت .وروي (بدنحت) وليحس له معنحى؛ لنحه خلف صحفته
صلى ال عليه وسلم ،ومعناه كثرة اللحم .يقال :بدن الرجل يبدُن بدنا وبدانة فهو بادن؛ أي ضخم.
@ اختلف العلماء فحي البدن هل تطلق على غير البل محن البقحر أم ل؛ فقال ابن مسحعود وعطاء
والشافعي :ل .وقال مالك وأبو حنيفة :نعم .وفائدة الخلف فيمن نذر بدنة فلم يجد البدنة أو لم يقدر
عليهحا وقدر على البقرة؛ فهحل تجزيحه أم ل؛ فعلى مذهحب الشافعحي وعطاء ل تجزيحه .وعلى مذهحب
مالك تجزيه .والصحيح ما ذهب إليه الشافعي وعطاء؛ لقوله عليه السلم في الحديث الصحيح في
يوم الجمعحة( :محن راح فحي السحاعة الولى فكأنمحا قرب بدنحة ومحن راح فحي السحاعة الثانيحة فكأنمحا
قرب بقرة) الحديث .فتفريقه عليه السلم بين البقرة والبدنة يدل على أن البقرة ل يقال عليها بدنة؛
وال أعلم .وأيضححا قوله تعالى" :فإذا وجبححت جنوبهححا" يدل على ذلك؛ فإن الوصححف خاص بالبححل.
والبقحر يضجحع ويذبحح كالغنحم؛ على محا يأتحي .ودليلنحا أن البدنحة مأخوذة محن البدانحة وهحو الضخامحة،
والضخامححة توجححد فيهمححا جميعححا .وأيضححا فإن البقرة فححي التقرب إلى ال تعالى بإراقححة الدم بمنزلة
البحل؛ حتحى تجوز البقرة فحي الضحايحا على سحبعة كالبحل .وهذا حجحة لبحي حنيفحة حيحث وافقحه
الشافعحي على ذلك ،وليحس ذلك فحي مذهبنحا .وحكحى ابحن شجرة أنحه يقال فحي الغنحم بدنحة ،وهحو قول
شاذ .والبدن هي البل التي تهدى إلى الكعبة .والهدي عام في البل والبقر والغنم.
@قوله تعالى" :محن شعائر ال" نحص فحي أنهحا بعحض الشعائر .وقوله" :لكحم فيهحا خيحر" يريحد بحه
المنافحع التحي تقدم ذكرهحا .والصحواب عمومحه فحي خيححر الدنيحا والخرة" .فاذكروا اسحم ال عليهحا
صواف" أي انحروها على اسم ال .و"صواف" أي قد صفت قوائمها .والبل تنحر قياما معقولة.
وأصل هذا الوصف في الخيل؛ يقال :صفن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلثة قوائم وثنى سنبك
الرابعة؛ والسنبك طرف الحافر .والبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه فيقوم على ثلث قوائم.
وقرأ الحسحن والعرج ومجاهحد وزيحد بحن أسحلم وأبحو موسحى الشعري "صحوافي" أي خوالص ل
عز وجل ل يشركون به في التسمية على نحرها أحدا .وعن الحسن أيضا "صواف" بكسر الفاء
وتنوينهحا مخففحة ،وهحي بمعنحى التحي قبلهحا ،لكحن حذفحت الياء تخفيفحا على غيحر قياس و"صحواف"
قراءة الجمهور بفتححح الفاء وشدهححا؛ مححن صححف يصححف .وواحححد صححواف صححافة ،وواحححد صححوافي
صحافية .وابحن مسحعود وابحن عباس وابحن عمحر وأبحو جعفحر محمحد بحن علي "صحوافن" بالنون جمحع
صافنة .ول يكون واحدها صافنا؛ لن فاعل ل يجمع على فواعل إل في حروف مختصة ل يقاس
عليهحا؛ وهحي فارس وفوارس ،وهالك وهوالك ،وخالف وخوالف .والصحافنة هحي التحي قحد رفعحت
إحدى يديها بالعقل لئل تضطرب .ومنه قوله تعالى" :الصافنات الجياد" [ص .]31 :وقال عمرو
بن كلثوم:
مقلدة أعنتها صفونا تركنا الخيل عاكفة عليه
ويروي:
مقلدة أعنتها صفونا تظل جياده نوحا عليه
وقال آخر:
مما يقوم على الثلث كسيرا ألف الصفون فما يزال كأنه
وقال أبححو عمرو الجرمححي :الصححافن عرق فححي مقدم الرجححل ،فإذا ضرب على الفرس رفححع رجله.
وقال العشى:
ق يرنو القناء إذا ما صفن وكل كميت كجذع السحو
@ قال ابن وهب :أخبرني ابن أبي ذئب أنه سأل ابن شهاب عن الصواف فقال :تقيدها ثم تصفها.
وقال لي مالك بن أنس مثله .وكافة العلماء على استحباب ذلك؛ إل أبا حنيفة والثوري فإنهما أجازا
أن تنححر باركحة وقيامحا .وشحذ عطاء فخالف واسحتحب نحرهحا باركحة .والصححيح محا عليحه الجمهور؛
لقوله تعالى" :فإذا وجبحت جنوبهحا" معناه سحقطت بعحد نحرهحا؛ ومنحه وجبحت الشمحس .وفحي صححيح
مسحلم عحن زياد بحن جحبير أن ابحن عمحر أتحى على رجحل وهحو ينححر بدنتحه باركحة فقال :ابعثهحا قائمحة
مقيدة سححنة نححبيكم صححلى ال عليححه وسححلم .وروى أبححو داود عححن أبححي الزبيححر عححن جابر ،وأخححبرني
عبدالرحمححن بححن سححابط أن النححبي صححلى ال عليححه وسححلم وأصحححابه كانوا ينحرون البدنححة معقولة
اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها.
قال مالك :فإن ضعحححف إنسحححان أو تخوف أن تنفلت بدنتحححه فل أرى بأسحححا أن ينحرهحححا معقولة.
والختيار أن تنححر البحل قائمحة غيحر معقولة؛ إل أن يتعذر ذلك فتعقحل ول تعرقحب إل أن يخاف أن
يضعف عنها ول يقوى عليها .ونحرها باركة أفضل من أن تعرقب .وكان ابن عمر يأخذ الحربة
بيده فحي عنفوان أيده فينحرهحا فحي صحدرها ويخرجهحا على سحنامها ،فلمحا أسحن كان ينحرهحا باركحة
لضعفه ،ويمسك معه الحربة رجل آخر ،وآخر بخطامها .وتضجع البقر والغنم.
ول يجوز النححر قبحل الفجحر محن يوم النححر بإجماع .وكذلك الضحيحة ل تجوز قبحل الفجحر .فإذا
طلع الفجر حل النحر بمنى ،وليس عليهم انتظار نحر إمامهم؛ بخلف الضحية في سائر البلد.
والمنححر منحى لكحل حاج ،ومكحة لكحل معتمحر .ولو نححر الحاج بمكحة والمعتمحر بمنحى لم يحرج واححد
منهما ،إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :فإذا وجبحت جنوبهحا" يقال :وجبحت الشمحس إذا سحقطت ،ووجحب الحائط إذا سحقط.
قال قيس بن الخطيم:
عن السلم حتى كان أول واجب أطاعت بنو عوف أميرا نهاهم
وقال أوس بن حجر:
واكب للجبل الواجب ألم تكسف الشمس والبدر وال
فقوله تعالى" :فإذا وجبحت جنوبهحا" يريحد إذا سحقطت على جنوبهحا ميتحة .كنحى عحن الموت بالسحقوط
على الجنب كما كنى عن النحر والذبح بقوله تعالى" :فاذكروا اسم ال عليها" والكنايات في أكثر
المواضع أبلغ من التصريح .قال الشاعر:
ما بين قلة رأسه والمعصم فتركته جزر السباع ينشنه
وقال عنترة:
وضربت قرني كبشها فتجدل
أي سقط مقتول إلى الجدالة ،وهي الرض؛ ومثله كثير .والوجوب للجنب بعد النحر علمة نزف
الدم وخروج الروح منهحا ،وهحو وقحت الكحل ،أي وقحت قرب الكحل؛ لنهحا إنمحا تبتدأ بالسحلخ وقطحع
شيء من الذبيحة ثم يطبخ .ول تسلخ حتى تبرد لن ذلك من باب التعذيب؛ ولهذا قال عمر رضي
ال عنه :ل تعجلوا النفس أن تزهق.
@قوله تعالى" :فكلوا منهحا" أمحر معناه الندب .وكحل العلماء يسحتحب أن يأكحل النسحان محن هديحة
وفيححه أجححر وامتثال؛ إذا كان أهححل الجاهليححة ل يأكلون مححن هديهححم كمححا تقدم .وقال أبححو العباس بححن
شريحح :الكحل والطعام مسحتحبان ،وله القتصحار على أيهمحا شاء .وقال الشافعحي :الكحل مسحتحب
والطعام واجب ،فإن أطعم جميعها أجزاه وإن أكل جميعها لم يجزه ،وهذا فيما كان تطوعا؛ فأما
واجبات الدماء فل يجوز أن يأكححل منهححا شيئا حسححبما تقدم بيانححه" .وأطعموا القانححع والمعتححر" قال
مجاهحد وإبراهيحم والطحبري :قوله "وأطعموا" أمحر إباححة .و"القانحع" السحائل .يقال :قنحع الرجحل يقنحع
قنوعحا إذا سحأل ،بفتحح النون فحي الماضحي وكسحرها فحي المسحتقبل ،يقنحع قناعحة فهحو قنحع ،إذا تعفحف
واسحتغنى ببلغتحه ولم يسحأل؛ مثحل حمحد يحمحد ،قناعحة وقنعحا وقنعانحا؛ قاله الخليحل .ومحن الول قول
الشماخ:
مفاقره أعف من القنوع لمال المرء يصلحه فيغني
وقال ابححن السححكيت :مححن العرب مححن ذكححر القنوع بمعنححى القناعححة ،وهححي الرضححا والتعفححف وترك
المسححألة .وروي عححن أبححى رجاء أنححه قرأ "وأطعموا القنححع" ومعنححى هذا مخالف للول .يقال :قنححع
الرجل فهو قنع إذا رضي .وأما المعتر فهو الذي يطيف بك يطلب ما عندك ،سائل كان أو ساكنا.
وقال محمححد بححن كعححب القرظححي ومجاهححد وإبراهيححم والكلبححي والحسححن بححن أبححي الحسححن :المعتححر
المعترض من غير سؤال .قال زهير:
وعند المقلين السماحة والبذل على مكثريهم رزق من يعتريهم
وقال مالك :أحسححن مححا سححمعت أن القانححع الفقيححر ،والعتححر الزائر .وروي عححن الحسححن أنححه قرأ
"والمعتري" ومعناه كمعنحى المعتحر .يقال :اعتره واعتراه وعره وعراه إذا تعرض لمحا عنده أو
طلبه؛ ذكره النحاس.
**3اليحة{ 37 :لن ينال ال لحومهحا ول دماؤهحا ولكحن يناله التقوى منكحم كذلك سحخرها لكحم
لتكبروا ال على ما هداكم وبشر المحسنين}
@قوله تعالى" :لن ينال ال لحومها" قال ابن عباس( :كان أهل الجاهلية يضرجون البيت بدماء
البدن ،فأراد المسححلمون أن يفعلوا ذلك) فنزلت اليححة .والنيححل ل يتعلق بالبارئ تعالى ،ولكنححه عححبر
عنحه تعححبيرا مجازيححا عحن القبول ،المعنححى :لن يصححل إليحه .وقال ابحن عباس :لن يصححعد إليححه .ابحن
عيسحى :لن يقبحل لحومهحا ول دماءهحا ،ولكحن يصحل إليحه التقوى منكحم؛ أي محا أريحد بحه وجهحه ،فذلك
الذي يقبله ويرفحع إليحه ويسحمعه ويثيحب عليحه؛ ومنحه الحديحث (إنمحا العمال بالنيات) .والقراءة "لن
ينال ال" و"يناله" بالياء فيهما .وعن يعقوب بالتاء فيهما ،نظرا إلى اللحوم.
@قوله تعالى" :كذلك سحخرها لكحم" محن سحبحانه علينحا بتذليلهحا وتمكيننحا محن تصحريفها وهحي أعظحم
منا أبدانا وأقوى منا أعضاء ،ذلك ليعلم العبد أن المور ليست على ما تظهر إلى العبد من التدبير،
وإنمحا هحي بحسحب محا يريدهحا العزيحز القديحر ،فيغلب الصحغير الكحبير ليعلم الخلق أن الغالب هحو ال
الواححد القهار فوق عباده" .لتكحبروا ال على محا هداكحم" ذكحر سحبحانه ذكحر اسحمه عليهحا محن اليحة
قبلهحا فقال عحز محن قائل" :فاذكروا اسحم ال عليهحا" ،وذكحر هنحا التكحبير .وكان ابحن عمحر رضحي ال
عنهما يجمع بينهما إذا نحر هديه فيقول :باسم ال وال أكبر؛ وهذا من فقهه رضي ال عنه .وفي
الصححيح عحن أنحس قال :ضححى رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم بكبشيحن أملحيحن أقرنيحن .قال:
ورأيته يذبحها بيده ،ورأيته واضعا قدمه على صفاحهما ،وسمى وكبر.
وقحد اختلف العلماء فحي هذا؛ فقال أبحو ثور :التسحمية متعينحة كالتكحبير فحي الصحلة؛ وكافحة العلماء
على استحباب ذلك .فلو قال ذكرا أخر فيه اسم من أسماء ال تعالى وأراد به التسمية جاز .وكذلك
لو قال :ال أكبر فقط ،أول إله إل ال؛ قال ابحن حبيب .فلو لم يرد التسمية لم يجحز عن التسمية ول
تؤكحل؛ قال الشافعحي ومحمحد بحن الحسحن .وكره كافحة العلماء محن أصححابنا وغيرهحم الصحلة على
النحبي صحلى ال عليحه وسحلم عنحد التسحمية فحي الذبحح أو ذكره ،وقالوا :ل يذكحر هنحا إل ال وحده.
وأجاز الشافعححي الصححلة على النححبي صححلى ال عليححه وسححلم أو ذكره ،وقالوا :ل يذكححر هنححا إل ال
وحده .وأجاز الشافعي الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم عند الذبح.
ذهحب الجمهور إلى أن قول المضححي :اللهحم تقبحل منحي؛ جائز .وكره ذلك أبحو حنيفحة؛ والحجحة
عليحه محا رواه الصححيح عحن عائشحة رضحي ال عنهحا ،وفيحه :ثحم قال (باسحم ال اللهحم تقبحل محن محمحد
وآل محمحد ومحن أمحة محمحد) ثحم ضححى بحه .واسحتحب بعضهحم أن يقول ذلك بنحص اليحة "ربنحا تقبحل
منحا إنحك أنحت السحميع العليحم" [البقرة .]127 :وكره مالك قولهحم :اللهحم منحك وإليحك ،وقال :هذه
بدعحة .وأجاز ذلك ابحن ححبيب محن أصححابنا والحسحن ،والحجحة لهمحا محا رواه أبحو داود عحن جابر بحن
عبدال قال :ذبحح النحبي صحلى ال عليحه وسحلم يوم الذبحح كبشيحن أقرنيحن موجوءيحن أملحيحن ،فلمحا
وجههمحا قال( :إنحي وجهحت وجهحي للذي فطحر السحموات والرض حنيفحا -وقرأ إلى قوله :وأنحا أول
المسحلمين -اللهحم منحك ولك عحن محمحد وأمتحه باسحم ال وال أكحبر) ثحم ذبحح .فلعحل مالكحا لم يبلغحه هذا
الخبر ،أو لم يصح عنده ،أو رأى العمل يخالفه .وعلى هذا يدل قوله :إنه بدعة .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وبشر المحسنين" روي أنها نزلت في الخلفاء الربعة؛ حسبما تقدم في الية التي
قبلها .فأما ظاهر اللفظ فيقتضي العموم في كل محسن.
**3الية{ 38 :إن ال يدافع عن الذين آمنوا إن ال ل يحب كل خوان كفور}
@ روي أنها نزلت بسحبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجحر من هاجر إلى أرض
الحبشحة؛ أراد بعحض مؤمنحي مكحة أن يقتحل محن أمكنحه محن الكفار ويغتال ويغدر ويحتال؛ فنزلت هذه
اليحة إلى قوله" :كفور" .فوعحد فيهحا سحبحانه بالمدافعحة ونهحى أفصحح نهحي عحن الخيانحة والغدر .وقحد
مضحى فحي "النفال" التشديحد فحي الغدر؛ وأنه (ينصحب للغادر لواء عنحد اسحته بقدر غدرتحه يقال هذه
غدرة فلن) .وقيحل :المعنحى يدفحع عحن المؤمنيحن بأن يديحم توفيقهحم حتحى يتمكحن اليمان محن قلوبهحم،
فل تقدر الكفار على إمالتهم عن دينهم؛ وإن جرى إكراه فيعصمهم حتى ل يرتدوا بقلوبهم .وقيل:
يدفع عن المؤمنين بإعلئهم بالحجة .ثم قتل كافر مؤمنا نادر ،وإن فيدفع ال عن ذلك المؤمن بأن
قبضحه إلى رحمتحه .وقرأ نافحع "يدافحع" "ولول دفاع" .وقرأ أبحو عمرو وابحن كثيحر "يدفحع" "ولول
دفحع" .وقرأ عاصحم وحمزة والكسحائي "يدافحع" "ولول دفحع ال" .ويدافحع بمعنحى يدفحع؛ مثحل عاقبحت
اللص ،وعافاه ال؛ والمصدر دفعا .وحكى الزهراوي أن "دفاعا" مصدر دفع؛ كحسب حسابا.
**3الية{ 39 :أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن ال على نصرهم لقدير}
@قوله تعالى" :أذن للذين يقاتلون" قيل :هذا بيان قوله "إن ال يدافع عن الذين آمنوا" أي يدفع
عنهحم غوائل الكفار بأن يبيحح لهحم القتال وينصحرهم؛ وفيحه إضمار ،أي أذن للذيحن يصحلحون للقتال
فحي القتال؛ فحذف لدللة الكلم على المحذوف .وقال الضحاك :اسحتأذن أصححاب رسحول ال صحلى
ال عليحه وسحلم فحي قتال الكفار إذ آذوهحم بمكحة؛ فأنزل ال "إن ال ل يححب كحل خوان كفور" فلمحا
هاجحر نزلت "أذن للذيحن يقاتلون بأنهحم ظلموا" .وهذا ناسحخ لكحل محا فحي القرآن محن إعراض وترك
صحفح .وهحي أول آيحة نزلت فحي القتال .قال ابحن عباس وابحن جحبير :نزلت عنحد هجرة رسحول ال
صلى ال عليه وسلم إلى المدينة .وروى النسائي والترمذي عن ابن عباس قال( :لما أخرج النبي
صحلى ال عليحه وسحلم محن مكحة قال أبحو بكحر :أخرجوا نحبيهم ليهلكحن؛ فأنزل ال تعالى" :أذن للذيحن
يقاتلون بأنهم ظلموا وإن ال على نصرهم لقدير" فقال أبو بكر :لقد علمت أنه سيكون قتال) .فقال:
هذا حديحث حسحن .وقحد روى غيحر واححد عحن سحفيان عحن العمحش عحن مسحلم البطيحن عحن سحعيد بحن
جبير مرسل ،ليس فيه :عن ابن عباس.
@ في هذه الية دليل على أن الباحة من الشرع ،خلفا للمعتزلة؛ لن قوله" :أذن" معناه أبيح؛
وهحو لفحظ موضوع فحي اللغحة لباححة كحل ممنوع .وقحد تقدم هذا المعنحى فحي "البقرة" وغيحر موضحع.
وقرئ "أذن" بفتحححححح الهمزة؛ أي أذن ال" .يقاتلون" بكسحححححر التاء أي يقاتلون عدوهحححححم .وقرئ
"يقاتلون" بفتح التاء؛ أي يقاتلهم المشركون وهم المؤمنون .ولهذا قال" :بأنهم ظلموا" أي أخرجوا
من ديارهم.
**3الية{ 40 :الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا ال ولول دفع ال الناس
بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيرا ولينصرن ال من
ينصره إن ال لقوي عزيز}
@قوله تعالى" :الذين أخرجوا من ديارهم" هذا أحد ما ظلموا به؛ وإنما أخرجوا لقولهم :ربنا ال
وحده .فقوله" :إل أن يقولوا ربنحا ال" اسحتثناء منقطحع؛ أي لكحن لقولهحم ربنحا ال؛ قال سحيبويه .وقال
الفراء يجوز أن تكون فححي موضححع خفححض ،يقدرهححا مردودة على الباء؛ وهححو قول أبححي إسحححاق
الزجاج ،والمعنحى عنده :الذيحن أخرجوا محن ديارهحم بغيحر ححق إل بأن يقولوا ربنحا ال؛ أي أخرجوا
بتوحيدهححم ،أخرجهحم أهحل الوثان .و"الذيحن أخرجوا" فحي موضحع خفحض بدل محن قوله" :للذيحن
يقاتلون".
@ قال ابن العربي :قال علماؤنا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له
فححي الحرب ولم تحححل له الدماء؛ إنمححا يؤمححر بالدعاء إلى ال والصححبر على الذى والصححفح عححن
الجاهحل مدة عشرة أعوام؛ لقامحة حجحة ال تعالى عليهحم ،ووفاء بوعده الذي امتحن بحه بفضله فحي
قوله" :ومحا كنحا معذبيحن حتحى نبعحث رسحول" [السحراء .]15 :فاسحتمر الناس فحي الطغيان ومحا
اسحتدلوا بواضحح البرهان ،وكانحت قريحش قحد اضطهدت محن اتبعحه محن قومحه محن المهاجريحن حتحى
فتنوهحم عحن دينهحم ونفوهحم عحن بلدهحم؛ فمنهحم محن فحر إلى أرض الحبشحة ،ومنهحم محن خرج إلى
المدينحة ،ومنهحم محن صحبر على الذى .فلمحا عتحت قريحش على ال تعالى وردوا أمره وكذبوا نحبيه
عليه السلم ،وعذبوا من آمن به ووحده وعبده ،وصدق نبيه عليه السلم واعتصم بدينه ،أذن ال
لرسوله في القتال والمتناع والنتصار ممن ظلمهم ،وأنزل "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا -إلى
قوله -المور".
في هذه الية دليل على أن نسبة الفعل الموجود من الملجأ المكره إلى الذي ألجأه وأكرهه؛ لن
ال تعالى نسحب الخراج إلى الكفار ،لن الكلم فحي معنحى تقديحر الذنحب وإلزامحه .وهذه اليحة مثحل
قوله تعالى" :إذ أخرجحه الذيحن كفروا" [التوبحة ]40 :والكلم فيهمحا واححد؛ وقحد تقدم فحي "التوبحة"
والحمد ل.
@قوله تعالى" :ولول دفحع ال الناس بعضهحم ببعحض" أي لول محا شرعحه ال تعالى للنحبياء
والمؤمنيحن محن قتال العداء ،لسحتولى أهحل الشرك وعطلوا محا بينتحه أرباب الديانات محن مواضحع
العبادات ،ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة .فالجهاد أمر متقدم في المم ،وبه
صحلحت الشرائع واجتمعحت المتعبدات؛ فكأنحه قال :أذن فحي القتال ،فليقاتحل المؤمنون .ثحم قوي هذا
المحر فحي القتال بقوله" :ولول دفحع ال الناس" اليحة؛ أي لول القتال والجهاد لتغلب على الححق فحي
كل أمة .فمن استبشع من النصارى والصابئين الجهاد فهو مناقض لمذهبه؛ إذ لول القتال لما بقي
الديحن الذي يذب عنحه .وأيضحا هذه المواضحع التحي اتخذت قبحل تحريفهحم وتبديلهحم وقبحل نسحخ تلك
الملل بالسحلم إنمحا ذكرت لهذا المعنحى؛ أي لول هذا الدفحع لهدم فحي زمحن موسحى الكنائس ،وفحي
زمن عيسى الصوامع والبيع ،وفي زمن محمد عليه السلم المساجد" .لهدمت" من هدمت البناء
أي نقضتحه فانهدم .قال ابحن عطيحة :هذا أصحوب محا قيحل فحي تأويحل اليحة .وروي عحن علي بحن أبحي
طالب رضحي ال عنحه أنحه قال :ولول دفحع ال بأصححاب محمحد صحلى ال عليحه وسحلم الكفار عحن
التابعيحن فمححن بعدهححم .وهذا وإن كان فيححه دفححع قوم بقوم إل أن معنححى القتال أليححق؛ كمحا تقدم .وقال
مجاهحد لول دفحع ال ظلم قوم بشهادة العدول .وقالت فرقحة :ولول دفحع ال ظلم الظلمحة بعدل الولة.
وقال أبو الدرداء :لول أن ال عز وجل يدفع بمن في المساجد عمن ليس في المساجد ،وبمن يغزو
عمححن ل يغزو ،لتاهححم العذاب .وقالت فرقححة :ولول دفححع ال العذاب بدعاء الفضلء والخيار إلى
غيحر ذلك محن التفصحيل المفسحر لمعنحى اليحة؛ وذلك أن اليحة ول بحد تقتضحي مدفوعحا محن الناس
ومدفوعا عنه ،فتأمله.
@ قال ابحن خويحز منداد :تضمنحت هذه اليحة المنحع محن هدم كنائس أهحل الذمحة وبيعهحم وبيوت
نيرانهم ،ول يتركون أن يحدثوا ما لم يكن ،ول يزيدون في البنيان ل سعة ول ارتفاعا ،ول ينبغي
للمسلمين أن يدخلوها ول يصلوا فيها ،ومتى أحدثوا زيادة وجب نقضها .وينقض ما وجد في بلد
الحرب محن البيحع والكنائس .وإنمحا لم ينقحض محا فحي بلد السحلم لهحل الذمحة؛ لنهحا جرت مجرى
بيوتهحم وأموالهحم التحي عاهدوا عليهحا فحي الصحيانة .ول يجوز أن يمكنوا محن الزيادة لن فحي ذلك
إظهار أسحباب الكفحر .وجائز أن ينقحض المسحجد ليعاد بنيانحه؛ وقحد فعحل ذلك عثمان رضحي ال عنحه
بمسجد النبي صلى ال عليه وسلم .قرئ "لهدمت" بتخفيف الدال وتشديدها.
@قوله تعالى" :صحوامع وبيحع" جمحع صحومعة ،وزنهحا فوعلة ،وهحي بناء مرتفحع حديحد العلى؛
يقال :صحمع الثريدة أي رفحع رأسحها وحدده .ورجحل أصحمع القلب أي حاد الفطنحة .والصحمع محن
الرجال الحديحد القول .وقيحل :هحو الصحغير الذن محن الناس وغيرهحم .وكانحت قبحل السحلم مختصحة
برهبان النصحارى وبعباد الصحابئين -قال قتادة -ثحم اسحتعمل فحي مئذنحة المسحلمين .والبيحع .جمحع
بيعحة ،وهحي كنيسحة النصحارى .وقال الطحبري :قيحل هحي كنائس اليهود؛ ثحم أدخحل عحن مجاهحد محا ل
يقتضي ذلك.
@قوله تعالى" :وصحلوات ومسحاجد يذكحر فيهحا اسحم ال كثيرا" قال الزجاج والحسحن :هحي كنائس
اليهود؛ وهحي بالعبرانيحة صحلوتا .وقال أبحو عحبيدة :الصحلوات بيوت تبنحى للنصحارى فحي البراري
يصحلون فيهحا فحي أسحفارهم ،تسحمى صحلوتا فعربحت فقيحل صحلوات .وفحي "صحلوات" تسحع قراءات
ذكرها ابن عطية :صحلوات ،صحلوات ،صحلوات ،صحلولي على وزن فعولي ،صلوب بالباء بواحدة
جمع صليب ،صلوث بالثاء المثلثة على وزن فعول ،صلوات بضم الصاد واللم وألف بعد الواو،
صحلوثا بضحم الصحاد واللم وقصحر اللف بعحد الثاء المثلثحة[ ،صحلويثا بكسحر الصحاد وإسحكان اللم
وواو مكسورة بعدها ياء بعدها ثاء منقوطة بثلث بعدها ألف] .وذكر النحاس :وروي عن عاصم
الجحدري أنحه قرأ "وصحلوب" .وروي عحن الضحاك "وصحلوث" بالثاء معجمحة بثلث؛ ول أدري
أفتح الصاد أم ضمها.
قلت :فعلى هذا تجيحء هنحا عشحر قراءات .وقال ابحن عباس( :الصحلوات الكنائس) .أبحو العاليحة:
الصحلوات مسحاجد الصحابئين .ابحن زيحد :هحي صحلوات المسحلمين تنقطحع إذا دخحل عليهحم العدو وتهدم
المسححاجد؛ فعلى هذا اسححتعير الهدم للصححلوات مححن حيححث تعطححل ،أو أراد موضححع صححلوات فحذف
المضاف .وعلى قول ابححححن عباس والزجاج وغيرهححححم يكون الهدم حقيقححححة .وقال الحسححححن :هدم
الصحلوات تركهحا ،قطرب :هحي الصحوامع الصحغار ولم يسحمع لهحا واححد .وذهحب خصحيف إلى أن
القصححد بهذه السححماء تقسححيم متعبدات المححم .فالصححوامع للرهبان ،والبيححع للنصححارى ،والصححلوات
لليهود ،والمسحاجد للمسحلمين .قال ابحن عطيحة :والظهحر أنهحا قصحد بهحا المبالغحة فحي ذكحر المتعبدات.
وهذه السحماء تشترك المحم فحي مسحمياتها ،إل البيعحة فإنهحا مختصحة بالنصحارى فحي لغحة العرب.
ومعانححي هذه السححماء هححي فححي المححم التححي لهححا كتاب على قديححم الدهححر .ولم يذكححر فححي هذه اليححة
المجوس ول أهل الشراك؛ لن هؤلء ليس لهم ما يجب حمايته ،ول يوجد ذكر ال إل عند أهل
الشرائع .وقال النحاس" :يذكححر فيهححا اسححم ال" الذي يجححب فححي كلم العرب على حقيقححة النظححر أن
يكون "يذكر فيها اسم ال" عائدا على المساجد ل على غيرها؛ لن الضمير يليها .ويجوز أن يعود
على "صحوامع" ومحا بعدهحا؛ ويكون المعنحى وقحت شرائعهحم وإقامتهحم الححق .فإن قيحل :لم قدمحت
مسحاجد أهحل الذمحة ومصحلياتهم على مسحاجد المسحلمين؟ قيحل :لنهحا أقدم بناء .وقيحل لقربهحا محن الهدم
وقرب المسحاجد محن الذكحر؛ كمحا أخحر السحابق فحي قوله" :فمنهحم ظالم لنفسحه ومنهحم مقتصحد ومنهحم
سابق بالخيرات" [فاطر.]32 :
@قوله تعالى" :ولينصحرن ال محن ينصحره" أي محن ينصحر دينحه ونحبيه" .إن ال لقوي" أي قادر.
قال الخطابحي :القوي يكون بمعنحى القادر ،ومحن قوي على شيحء فقحد قدر عليحه" .عزيحز" أي جليحل
شريحف؛ قال الزجاج .وقيحل الممتنحع الذي ل يرام؛ وقحد بيناهمحا فحي الكتاب السحنى فحي شرح أسحماء
ال الحسنى.
**3اليحة{ 41 :الذيحن إن مكناهحم فحي الرض أقاموا الصحلة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف
ونهوا عن المنكر ول عاقبة المور}
@ قال الزجاج" :الذين" في موضع نصب ردا على "من" ،يعني في قوله" :ولينصرن ال من
ينصححره" .وقال غيره" :الذيححن" فححي موضححع خفححض ردا على قوله" :أذن للذيححن يقاتلون" ويكون
"الذيحن إن مكناهحم فحي الرض" أربعحة محن أصححاب رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم لم يكحن فحي
الرض غيرهحم .وقال ابحن عباس( :المراد المهاجرون والنصحار والتابعون بإحسحان) .وقال قتادة:
هحم أصححاب محمحد صحلى ال عليحه وسحلم .وقال عكرمحة :هحم أهحل الصحلوات الخمحس .وقال الحسحن
وأبو العالية :هم هذه المة إذا فتح ال عليهم أقاموا الصلة .وقال ابن أبي نجيح :يعني الولة .وقال
الضحاك :هحو شرط شرطحه ال عحز وجحل على محن أتاه الملك؛ وهذا حسحن .قال سحهل بحن عبدال:
المر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على السلطان وعلى العلماء الذين يأتونه .وليس على
الناس أن يأمروا السلطان؛ لن ذلك لزم له واجب عليه ،ول يأمروا العلماء فإن الحجة قد وجبت
عليهم.
**3اليات{ 44 - 42 :وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ،وقوم إبراهيم وقوم
لوط ،وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير}
@ هذا تسليه للنبي صلى ال عليه وسلم وتعزية؛ أي كان قبلك أنبياء كذبوا فصبروا إلى أن أهلك
ال المكذبيحن ،فاقتحد بهحم واصحبر" .وكذب موسحى" أي كذبحه فرعون وقومحه .فأمحا بنحو إسحرائيل فمحا
كذبوه ،فلهذا لم يعطفححه على مححا قبله فيكون وقوم موسححى" .فأمليححت للكافريححن" أي أخرت عنهححم
العقوبحة" .ثحم أخذتهحم" فعاقبتهحم" .فكيحف كان نكيحر" اسحتفهام بمعنحى التغييحر؛ أي فانظحر كيحف كان
تغييري ما كانوا فيه من النعم بالعذاب والهلك ،فكذلك أفعل بالمكذبين من قريش .قال الجوهري:
النكير والنكار تغيير المنكر ،والمنكر واحد المناكير.
**3اليحة{ 45 :فكأيحن محن قريحة أهلكناهحا وهحي ظالمحة فهحي خاويحة على عروشهحا وبئر معطلة
وقصر مشيد}
@قوله تعالى" :فكأين من قرية أهلكناها" أي أهلكنا أهلها .وقد مضى في "آل عمران" الكلم في
كأيححن" .وهححي ظالمححة" أي بالكفححر" .فهححي خاويحة على عروشهححا" تقدم فححي الكهححف" .وبئر معطلة
وقصر مشيد" قال الزجاج" :وبئر معطلة" معطوف على "من قرية" أي ومن أهل قرية ومن أهل
بئر .والفراء يذهب إلى أن "وبئر" معطوف على "عروشها" .وقال الصمعي :سألت نافع بن أبي
نعيححم أيهمححز البئر والذئب؟ فقال :إن كانححت العرب تهمزهمححا فاهمزهمححا .وأكثححر الرواة عححن نافححع
بهمزهما؛ إل ورشا فإن روايته عنه بغير همز فيهما ،والصل الهمز .ومعنى "معطلة" متروكة؛
قاله الضحاك .وقيححل :خاليححة مححن أهلهححا لهلكهححم .وقيححل :غائرة الماء .وقيححل :معطلة مححن دلئهححا
وأرشيتها؛ والمعنى متقارب" .وقصر مشيد" قال قتادة والضحاك ومقاتل :رفيع طويل .قال عدي
بن زيد:
حسا فللطير في ذراه وكور شاده مرمرا وجلله كلح
أي رفعه .وقال سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومجاهد :مجصص؛ من الشيد وهو الجص .قال
الراجز:
كحية الماء بين الطين والشيد ل تحسبني وإن كنت امرأ غمرا
وقال امرؤ القيس:
ول أطما إل مشيدا بجندل
وقال ابحن عباس"( :مشيحد" أي حصحين)؛ وقال الكلبحي .وهحو مفعحل بمعنحى مفعول كمحبيع بمعنحى
محبيوع .وقال الجوهري :والمشيحد المعمول بالشيحد .والشيحد (بالكسحر) :كحل شيحء طليحت بحه الحائط
مححن جححص أو بلط ،وبالفتححح المصححدر .تقول :شاده يشيده شيدا جصححصه .والمشيححد (بالتشديححد)
المطول .وقال الكسحائي" :المشيحد" للواححد ،محن قوله تعالى" :وقصحر مشيحد" والمشيحد للجمحع ،محن
قوله تعالى" :في بروج مشيدة"[ .النساء .]78 :وفي الكلم مضمر محذوف تقديره :وقصر مشيد
مثلهحا معطحل .ويقال :إن هذه البئر والقصحر بحضرموت معروفان ،فالقصحر مشرف على قلة جبحل
ل يرتقى إليه بحال ،والبئر في سفحه ل تقر الريح شيئا سقط فيه إل أخرجته .وأصحاب القصور
ملوك الحضر ،وأصحاب البار ملوك البوادي؛ أي فأهلكنا هؤلء وهؤلء .وذكر الضحاك وغيره
فيما ذكر الثعلبي وأبو بكر محمد بن الحسن المقرئ وغيرهما أن البئر الرس ،وكانت بعدن باليمن
بحضرموت ،فحي بلد يقال له حضور ،نزل بهحا أربعحة آلف ممحن آمحن بصحالح ،ونجوا محن العذاب
ومعهم صالح ،فمات صالح فسمي المكان حضرموت؛ لن صالحا لما حضره مات فبنوا حضور
وقعدوا على هذه البئر ،وأمروا عليهحححم رجل يقال له العلس بحححن جلس بحححن سحححويد؛ فيمحححا ذكحححر
الغزنوي .الثعلبححي :جلهححس بححن جلس .وكان حسححن السححيرة فيهححم عامل عليهححم ،وجعلوا وزيره
سنحاريب بن سوادة ،فأقاموا دهرا وتناسلوا حتى كثروا ،وكانت البئر تسقي المدينة كلها وباديتها
وجميع ما فيها من الدواب والغنم والبقر وغير ذلك؛ لنها كانت لها بكرات كثيرة منصوبة عليها،
ورجال كثيرون موكلون بهححا ،وأبازن (بالنون) مححن رخام وهححي شبححه الحياض كثيرة تمل للناس،
وأخحر للدواب ،وأخحر للبقحر ،وأخحر للغنحم .والقوام يسحقون عليهحا بالليحل والنهار يتداولون ،ولم يكحن
لهححم ماء غيرهححا .وطال عمححر الملك الذي أمروه ،فلمححا جاءه الموت طلي بدهححن لتبقححى صححورته ل
تتغير ،وكذلك كانوا يفعلون إذا مات منهم الميت وكان ممن يكرم عليهم .فلما مات شق ذلك عليهم
ورأوا أن أمرهم قد فسد ،وضجوا جميعا بالبكاء ،واغتنمها الشيطان منهم فدخل في جثة الملك بعد
موتحه بأيام كثيرة ،فكلمهحم وقال :إنحي لم أمحت ولكحن تغيبحت عنكحم حتحى أرى صحنيعكم؛ ففرحوا أشحد
الفرح وأمحر خاصحته أن يضربوا له حجابحا بينحه وبينهحم ويكلمهحم محن ورائه لئل يعرف الموت فحي
صحورته .فنصحبوا صحنما محن وراء الحجاب ل يأكحل ول يشرب .وأخحبرهم أنحه ل يموت أبدا وأنحه
إلههحم؛ فذلك كله يتكلم بحه الشيطان على لسحانه ،فصحدق كثيحر منهحم وارتاب بعضهحم ،وكان المؤمحن
المكذب منهم أقل من المصدق له ،وكلما تكلم ناصح لهم زجر وقهر .فأصفقوا على عبادته ،فبعث
ال إليهم نبيا كان الوحي ينزل عليه في النوم دون اليقظة ،كان اسمه حنظلة بن صفوان ،فأعلمهم
أن الصححورة صححنم ل روح له ،وأن الشيطان قححد أضلهححم ،وأن ال ل يتمثححل بالخلق ،وأن الملك ل
يجوز أن يكون شريكحا ل ،ووعظهحم ونصححهم وحذرهحم سحطوة ربهحم ونقمتحه؛ فآذوه وعادوه وهحو
يتعهدهححم بالموعظححة ول يغبهححم بالنصححيحة ،حتححى قتلوه فححي السححوق وطرحوه فححي بئر؛ فعنححد ذلك
أصحابتهم النقمحة ،فباتوا شباعحا رواء محن الماء وأصحبحوا والبئر قحد غار ماؤهحا وتعطحل رشاؤهحا،
فصحاحوا بأجمعهحم وضحج النسحاء والولدان ،وضجحت البهائم عطشحا؛ حتحى عمهحم الموت وشملهحم
الهلك ،وخلفتهحم فحي أرضهحم السحباع ،وفحي منازلهحم الثعالب والضباع ،وتبدلت جناتهحم وأموالهحم
بالسححدر وشوك العضاه والقتاد ،فل يسححمع فيهححا إل عزيححف الجححن وزئيححر السححد ،نعوذ بال مححن
سطواته؛ ومن الصرار على ما يوجب نقماته.
قال السهيلي .وأما القصر المشيد فقصر بناه شداد بن عامر بن إرم ،لم يبن في الرض مثله -
فيما ذكروا وزعموا -وحاله أيضا كحال هذه البئر المذكورة فحي إيحاشه بعد النيس ،وإقفاره بعد
العمران ،وإن أحدا ل يستطيع أن يدنو منه على أميال؛ لما يسمع فيه من عزيف الجن والصوات
المنكرة بعحد النعيحم والعيحش الرغحد وبهاء الملك وانتظام الهحل كالسحلك فبادروا ومحا عدوا؛ فذكرهحم
ال تعالى فحي هذه اليحة موعظحة وعحبرة وتذكرة ،وذكرا وتحذيرا محن مغبحة المعصحية وسحوء عاقبحة
المخالفة؛ نعوذ بال من ذلك ونستجير به من سوء المآل .وقيل :إن الذي أهلكهم بختنصر على ما
تقدم فحي سحورة "النحبياء" فحي قوله" :وكحم قصحمنا محن قريحة" [النحبياء .]11 :فتعطلت بئرهحم
وخربت قصورهم.
**3الية{ 46 :أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها
ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}
@قوله تعالى" :أفلم يسيروا في الرض" يعني كفار مكة فيشاهدوا هذه القرى فيتعظوا ،ويحذروا
عقاب ال أن ينزل بهم كما نزل بمن قبلهم" .فتكون لهم قلوب يعقلون بها" أضاف العقل إلى القلب
لنه محله كما أن السمع محله الذن .وقد قيل :إن العقل محله الدماغ؛ وروي عن أبي حنيفة؛ وما
أراها عنه صحيحة" .فإنها ل تعمى البصار" قال الفراء :الهاء عماد ،ويجوز أن يقال فإنه ،وهي
قراءة عبدال بن مسحعود ،والمعنحى واححد ،التذكيحر على الخحبر ،والتأنيحث على البصحار أو القصحة؛
أي فإن البصار ل تعمى ،أو فإن القصة" .ل تعمى البصار" أي أبصار العيون ثابتة لهم" .ولكن
تعمحى القلوب التحي فحي الصحدور" أي عحن درك الححق والعتبار .وقال قتادة :البصحر الناظحر جعحل
بلغة ومنفعة ،والبصر النافع في القلب .وقال مجاهد :لكل عين أربع أعين؛ يعني لكل إنسان أربع
أعين :عينان في رأسه لدنياه ،وعينان في قلبه لخرته؛ فإن عميت عينا رأسه وأبصرت .عينا قلبه
فلم يضره عماه شيئا ،وإن أبصحرت عينحا رأسحه وعميحت عينحا قلبحه فلم ينفعحه نظره شيئا .وقال قتادة
وابحن جحبير :نزلت هذه اليحة فحي ابحن أم مكتوم العمحى .قال ابحن عباس ومقاتحل( :لمحا نزل "ومحن
كان في هذه أعمى" [السراء ]72 :قال ابن أم مكتوم :يا رسول ال ،فأنا في الدنيا أعمى أفأكون
في الخرة أعمى؟ فنزلت "فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" .أي من
كان في هذه أعمى بقلبه عن السلم فهو في الخرة في النار).
**3الية{ 47 :ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف ال وعده وإن يوما عند ربحك كألف سنة مما
تعدون}
@قوله تعالى" :ويستعجلونك بالعذاب" نزلت في النضر بن الحارث ،وهو قوله" :فأتنا بما تعدنا
إن كنت من الصادقين" [العراف .]70 :وقيل :نزلت في أبي جهل بن هشام ،وهو قوله" :اللهم
إن كان هذا هحو الححق محن عندك" [النفال" .]32 :ولن يخلف ال وعده" أي فحي إنزال العذاب.
قال الزجاج :استعجلوا العذاب فأعملهم ال أنه ل يفوته شيء؛ وقد نزل بهم في الدنيا يوم بدر.
@قوله تعالى" :وإن يومحا عنحد ربحك كألف سحنة ممحا تعدون" قال ابحن عباس ومجاهحد( :يعنحي محن
اليام التححي خلق ال فيهححا السححموات والرض) .عكرمححة :يعنححي مححن أيام الخرة؛ أعلمهححم ال إذ
اسحتعجلوه بالعذاب فحي أيام قصحيرة أنحه يأتيهحم بحه فحي أيام طويلة .قال الفراء :هذا وعيحد لهحم بامتداد
عذابهحم فحي الخرة؛ أي يوم محن أيام عذابهحم فحي الخرة ألف سحنة .وقيحل :المعنحى وإن يومحا فحي
الخوف والشدة فحي الخرة كألف سحنة محن سحني الدنيحا فيهحا خوف وشدة؛ وكذلك يوم النعيحم قياسحا.
وقرأ ابححن كثيححر وحمزة والكسححائي "ممححا يعدون" بالياء المثناة تحححت ،واختاره أبححو عبيححد لقوله:
"ويستعجلونك" .والباقون بالتاء على الخطاب ،واختاره أبو حاتم.
**3الية{ 48 :وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير}
@قوله تعالى" :وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة" أي أمهلتها مع عتوها" .ثم أخذتها" أي
بالعذاب" .وإلي المصير".
**3الية{ 51 - 49 :قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ،فالذين آمنوا وعملوا الصالحات
لهم مغفرة ورزق كريم ،والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم}
@قوله تعالى" :قل يا أيها الناس" يعني أهل مكة" .إنما أنا لكم نذير" أي منذر مخوف .وقد تقدم
فحي البقرة النذار فحي أولهحا" .محبين" أي أبيحن لكحم محا تحتاجون إليحه محن أمحر دينكحم" .فالذيحن آمنوا
وعملوا الصحالحات لهحم مغفرة ورزق كريحم" يعنحي الجنحة" .والذيحن سحعوا فحي آياتنحا" أي فحي إبطال
آياتنححا" .معاجزيححن" أي مغالبيححن مشاقيححن؛ قال ابححن عباس( .الفراء :معانديححن) .وقال عبدال ابححن
الزبير :مثبطين عن السلم .وقال الخفش :معاندين مسابقين .الزجاج :أي ظانين أنهم يعجزوننا
لنهححم ظنوا أن ل بعححث ،وظنوا أن ال ل يقدر عليهححم؛ وقاله قتادة .وكذلك معنححى قراءة ابححن كثيححر
وأبحححي عمرو "معجزيحححن" بل ألف مشددا .ويجوز أن يكون معناه أنهحححم يعجزون المؤمنيحححن فحححي
اليمان بالنبي عليه السلم وباليات؛ قاله السدي .وقيل :أي ينسبون من اتبع محمدا صلى ال عليه
وسلم إلى العجز؛ كقولهم :جهلته وفسقته.
**3اليحة{ 52 :ومحا أرسحلنا محن قبلك محن رسحول ول نحبي إل إذا تمنحى ألقحى الشيطان فحي أمنيتحه
فينسخ ال ما يلقي الشيطان ثم يحكم ال آياته وال عليم حكيم}
@قوله تعالى" :تمنى" أي قرأ وتل .و"ألقى الشيطان في أمته" أي قراءته وتلوته .وقد تقدم في
البقرة .قال ابن عطية :وجاء عن ابن عباس أنه كان يقرأ "وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي
ول محدث" ذكره مسلمة بن القاسم بن عبدال ،ورواه سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس.
قال مسححلمة :فوجدنححا المحدثيححن معتصححمين بالنبوة -على قراءة ابححن عباس -لنهححم تكلموا بأمور
عاليححة مححن أنباء الغيححب خطرات ،ونطقوا بالحكمححة الباطنححة فأصححابوا فيمححا تكلموا وعصححموا فيمححا
نطقوا؛ كعمر بن الخطاب في قصة سارية ،وما تكلم به من البراهين العالية.
قلت :وقحد ذكحر هذا الخحبر أبحو بكحر النباري قحي كتاب الرد له ،وقحد حدثنحي أبحي رحمحه ال حدثنحا
علي بحن حرب حدثنحا سحفيان بحن عيينحة عحن عمرو عحن ابحن عباس رضحي ال عنهمحا أنحه قرأ "ومحا
أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي ول محدث" قال أبو بكر :فهذا حديث ل يؤخذ به على أن ذلك
قرآن .والمحدث هو الذي يوحي إليه في نومه؛ لن رؤيا النبياء وحي.
@ قال العلماء :إن هذه الية مشكلة من جهتين :إحداهما :أن قوما يرون أن النبياء صلوات ال
عليهم فيهم مرسلون وفيهم غير مرسلين .وغيرهم يذهب إلى أنه ل يجوز أن يقال نبي حتى يكون
مرسحل .والدليحل على صححة هذا قوله تعالى" :ومحا أرسحلنا محن قبلك محن رسحول ول نحبي" فأوجحب
للنحبي صحلى ال عليه وسلم الرسالة .وأن معنحى "نبي" أنبحأ عن ال عحز وجحل ،ومعنحى أنبحأ عن ال
عز وجل الرسال بعينه .وقال الفراء :الرسول الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل عليه السلم
إليحه عيانحا ،والنحبي الذي تكون نبوتحه إلهامحا أو منامحا؛ فكحل رسحول نحبي وليحس كحل نحبي رسحول .قال
المهدوي :وهذا هو الصحيح ،أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول .وكذا ذكر القاضي عياض
في كتاب الشفا قال :والصحيح والذي عليه الجم الغفير أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول؛
واحتحج بحديحث أبحي ذر ،وأن الرسحل محن النحبياء ثلثمائة وثلثحة عشحر ،أولهحم آدم وآخرهحم محمحد
صلى ال عليه وسلم.
والجهحة الخرى التحي فيهحا الشكال وهحي الحاديحث المرويحة فحي نزول هذه اليحة ،وليحس منهحا
شيء يصح .وكان مما تموه به الكفار على عوامهم قولهم :حق النبياء أل يعجزوا عن شيء ،فلم
ل يأتينحا محمحد بالعذاب وقحد بالغنحا فحي عداوتحه؟ وكانوا يقولون أيضحا :ينبغحي أل يجري عليهحم سحهو
وغلط؛ فحبين الرب سحبحانه أنهحم بشحر ،والتحي بالعذاب هحو ال تعالى على محا يريحد ،ويجوز على
البشر السهو والنسيان والغلط إلى أن يحكم ال آياته وينسخ حيل الشيطان .روى الليث عن يونس
عن الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام قال :قرأ رسول ال صلى ال عليه
وسحلم "والنجحم إذا هوى" [النجحم ]1 :فلمحا بلغ "أفرأيتحم اللت والعزى .ومناة الثالثحة الخرى"
[النجم ]20 - 19 :سها فقال( :إن شفاعتهم ترتجى) فلقيه المشركون والذين في قلوبهم مرض
فسحلموا عليحه وفرحوا؛ فقال( :إن ذلك محن الشيطان) فأنزل ال تعالى" :ومحا أرسحلنا محن قبلك محن
رسول ول نبي" الية .قال النحاس :وهذا حديث منقطع وفيه هذا المر العظيم .وكذا حديث قتادة
وزاد فيحه (وإنهحن لهحن الغرانيحق العل) .وأقطحع محن هذا محا ذكره الواقدي عحن كثيحر بحن زيحد عحن
المطلب بحن عبدال قال :سحجد المشركون كلهحم إل الوليحد بحن المغيرة فإنحه أخحذ ترابحا محن الرض
فرفعه إلى جبهته وسجد عليه ،وكان شيخا كبيرا .ويقال إنه أبو أحيحة سعيد بن العاص ،حتى نزل
جبريحل عليحه السحلم فقرأ عليحه النحبي صحلى ال عليحه وسحلم؛ فقال( :محا جئتحك بحه)! وأنزل ال "لقحد
كدت تركن إليهم شيئا قليل" [السراء .]74 :قال النحاس :وهذا حديث منكر منقطع ول سيما من
حديث الواقدي .وفي البخاري أن الذي أخذ قبضة من تراب ورفعها إلى جبهته هو أمية بن خلف.
وسحيأتي تمام كلم النحاس على الحديحث -إن شاء ال -أخحر الباب .قال ابحن عطيحة :وهذا الحديحث
الذي فيحه هحي الغرانيحق العل وقحع فحي كتحب التفسحير ونحوهحا ،ولم يدخله البخاري ول مسحلم ،ول
ذكره فحي علمحي مصحنف مشهور؛ بحل يقتضحي مذهحب أهحل الحديحث أن الشيطان ألقحى ،ول يعينون
هذا السحبب ول غيره .ول خلف أن إلقاء الشيطان إنمحا هحو للفاظ مسحموعة؛ بهحا وقعحت الفتنحة .ثحم
اختلف الناس فحي صحورة هذا اللقاء ،فالذي فحي التفاسحير وهحو مشهور القول أن النحبي صحلى ال
عليحه وسحلم تكلم بتلك اللفاظ على لسحانه .وحدثنحي أبحي رضحي ال عنحه أنحه لقحي بالشرق محن شيوخ
العلماء والمتكلميححن مححن قال :هذا ل يجوز على النححبي صححلى ال عليححه وسححلم وهححو المعصححوم فححي
التبليحغ ،وإنمحا المحر أن الشيطان نطحق بلفحظ أسحمعه الكفار عنحد قول النحبي صحلى ال عليحه وسحلم:
"أفرأيتحم اللت والعزى .ومناة الثالثحة الخرى" [النجحم ]20 - 19 :وقرب صحوته محن صحوت
النبي صلى ال عليه وسلم حتى التبس المر على المشركين ،وقالوا :محمد قرأها .وقد روي نحو
هذا التأويحل عحن المام أبحي المعالي .وقيحل :الذي ألقحى شيطان النحس؛ كقوله عحز وجحل" :والغوا
فيه" [فصلت .]26 :قتادة :هو ما تله ناعسا.
وقال القاضي عياض في كتاب الشفا بعد أن ذكر الدليل على صدق النبي صلى ال عليه وسلم،
وأن المة أجمعت فيما طريقه البلغ أنه معصوم فيه من الخبار عن شيء بخلف ما هو عليه،
ل قصحدا ول عمدا ول سحهوا وغلطحا :اعلم أكرمحك ال أن لنحا فحي الكلم على مشكحل هذا الحديحث
مأخذين :أحدهمحا :فحي توهيحن أصله ،والثانحي على تسليمه .أمحا المأخحذ الول فيكفيحك أن هذا حديحث
لم يخرجه أحد من أهل الصحة ،ول رواه بسند سليم متصل ثقة؛ وإنما أولع به وبمثله المفسرون
والمؤرخون المولعون بكل غريب ،المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم .قال أبو بكر البزار:
وهذا الحديحث ل نعلمحه يروى عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم بإسحناد متصحل يجوز ذكره؛ إل محا
رواه شعبحة عحن أبحي بشحر عحن سحعيد بحن جحبير عحن ابحن عباس (فيمحا أحسحب ،الشحك فحي الحديحث أن
النحبي صحلى ال عليحه وسحلم كان بمكحة )...وذكحر القصحة .ولم يسحنده عحن شعبحة إل أميحة بحن خالد،
وغيره يرسله عن سعيد بن جبير .وإنما يعرف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس؛ فقد بين
لك أبحو بكحر رحمحه ال أنحه ل يعرف محن طريحق يجوز ذكره سحوى هذا ،وفيحه محن الضعحف محا نبحه
عليه مع وقوع الشك فيه الذي ذكرناه ،الذي ل يوثق به ول حقيقة معه .وأما حديث الكلبي فما ل
تجوز الروايحة عنحه ول ذكره لقوة ضعفحه وكذبحه؛ كمحا أشار إليحه البزار رحمحه ال .والذي منحه فحي
الصحححيح :أن النححبي صححلى ال عليححه وسححلم قرأ "والنجححم" بمكححة فسححجد وسححجد معححه المسححلمون
والمشركون والجن والنس؛ هذا توهينه من طريق النقل.
وأما المأخذ الثاني فهو مبني على تسليم الحديث لو صح .وقد أعاذنا ال من صحته ،ولكن على
كحل حال فقحد أجاب أئمحة المسحلمين عنحه بأجوبحة؛ منهحا الغحث والسحمين .والذي يظهحر ويترجحح فحي
تأويله على تسليمه أن النبي صلى ال عليه وسلم كان كما أمره ربه يرتل القرآن ترتيل ،ويفصل
الي تفصحيل فحي قراءتحه؛ كمحا رواه الثقات عنحه ،فيمكحن ترصحد الشيطان لتلك السحكنات ودسحه فيهحا
ما اختلقه من تلك الكلمات ،محاكيا نغمة النبي صلى ال عليه وسلم بحيث يسمعه من دنا إليه من
الكفار ،فظنوها من قول النبي صلى ال عليه وسلم وأشاعوها .ولم يقدح ذلك عند المسلمين لحفظ
السحورة قبحل ذلك على محا أنزلهحا ال ،وتحققهحم محن حال النحبي صحلى ال عليحه وسحلم فحي ذم الوثان
وعيبها ما عرف منه؛ فيكون ما روي من حزن النبي صلى ال عليه وسلم لهذه الشاعة والشبهة
وسبب هذه الفتنة ،وقد قال ال تعالى" :وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي" الية.
قلت :وهذا التأويل ،أحسن ما قيل في هذا .وقد قال سليمان بن حرب :إن "في" بمعنى عنده؛ أي
ألقحى الشيطان فحي قلوب الكفار عنحد تلوة النحبي صحلى ال عليحه وسحلم؛ كقوله عحز وجحل" :ولبثحت
فينا" [الشعراء ]18 :أي عندنا .وهذا هو معنى ما حكاه ابن عطية عن أبيه عن علماء الشرق،
وإليحه أشار القاضحي أبحو بكحر بحن العربحي ،وقال قبله :إن هذه اليحة نحص فحي غرضنحا ،دليحل على
صححة مذهبنحا ،أصحل فحي براءة النحبي صحلى ال عليحه وسحلم ممحا ينسحب إليحه أنحه قاله؛ وذلك أن ال
تعالى قال" :وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي إل إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" أي في
تلوته .فأخبر ال تعالى أن من سنته في رسله وسيرته في أنبيائه إذا قالوا عن ال تعالى قول زاد
الشيطان فيحه من قبحل نفسه كمحا يفعحل سائر المعاصحي .تقول :ألقيحت في دار كذا وألقيحت فحي الكيحس
كذا؛ فهذا نص في الشيطان أنه زاد في الذي قال النبي صلى ال عليه وسلم ،ل أن النبي صلى ال
عليه وسلم تكلم به .ثم ذكر معنى كلم عياض إلى أن قال :وما هدي لهذا إل الطبري لجللة قدره
وصفاء فكره وسعة باعه في العلم ،وشدة ساعده في النظر؛ وكأنه أشار إلى هذا الغرض ،وصوب
على هذا المرمحى ،وقرطحس بعدمحا ذكحر فحي ذلك روايات كثيرة كلهحا باطحل ل أصحل لهحا ،ولو شاء
ربك لما رواها أحد ول سطرها ،ولكنه فعال لما يريد.
وأمححا غيره مححن التأويلت فمححا حكاه قوم أن الشيطان أكرهححه حتححى قال كذا فهححو محال؛ إذ ليححس
للشيطان قدرة على سحلب النسحان الختيار ،قال ال تعالى مخحبرا عنحه" :ومحا كان لي عليكحم محن
سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لي" [إبراهيم]22 :؛ ولو كان للشيطان هذه القدرة لما بقي لحد
محن بنحي آدم قوة فحي طاعحة ،ومحن توهحم أن للشيطان هذه القوة فهحو قول الثنويحة والمجوس فحي أن
الخير من ال والشر من الشيطان .ومن قال جرى ذلك على لسانه سهوا قال :ل يبعد أنه كان سمع
الكلمتيحن محن المشركيحن وكانتحا على حفظحه فجرى عنحد قراءة السحورة محا كان فحي حفظحه سحهوا؛
وعلى هذا يجوز السححهو عليهححم ول يقرون عليححه ،وأنزل ال عححز وجححل هذه اليححة تمهيدا لعذره
وتسحليه له؛ لئل يقال :إنحه رجحع عحن بعحض قراءتحه ،وبيحن أن مثحل هذا جرى على النحبياء سحهوا،
والسحهو إنمحا ينتفحي عحن ال تعالى ،وقحد قال ابحن عباس( :إن شيطانحا يقال له البيحض كان قحد أتحى
رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم فحي صحورة جبريحل عليحه السحلم وألقحى فحي قراءة النحبي صحلى ال
عليحه وسحلم :تلك الغرانيحق العل ،وأن شفاعتهحن لترتجحى) .وهذا التأويحل وإن كان أشبحه ممحا قبله
فالتأويححل الول عليححه المعول ،فل يعدل عنححه إلى غيره لختيار العلماء المحققيححن إياه ،وضعححف
الحديحث مغحن عحن كحل تأويحل ،والحمحد ل .وممحا يدل على ضعفحه أيضحا وتوهينحه محن الكتاب قوله
تعالى" :وإن كادوا ليفتنونحك" [السحراء ]73 :اليتيحن؛ فإنهمحا تردان الخحبر الذي رووه؛ لن ال
تعالى ذكححر أنهححم كادوا يفتنونححه حتححى يفتري ،وأنححه لول أن ثبتححه لكان يركححن إليهححم .فمضمون هذا
ومفهومحه أن ال تعالى عصحمه محن أن يفتري وثبتحه حتحى لم يركحن إليهحم قليل فكيحف كثيرا ،وهحم
يروون فحي أخبارهحم الواهيحة أنحه زاد على الركون والفتراء بمدح آلهتهحم ،وأنحه قال عليحه الصحلة
والسلم :افتريت على ال وقلت ما لم يقل .وهذا ضد مفهوم الية ،وهي تضعف الحديث لو صح؛
فكيف ول صحة له .وهذا مثل قوله تعالى" :ولول فضل ال عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن
يضلوك ومحا يضلون إل أنفسحهم ومحا يضرونحك محن شيحء" [النسحاء .]113 :قال القشيري :ولقحد
طالبتحه قريحش وثقيحف إذ محر بآلهتهحم أن يقبحل بوجهحه إليهحا ،ووعده باليمان بحه إن فعحل ذلك ،فمحا
فعححل! ول كان ليفعححل! قال ابححن النباري :مححا قارب الرسححول ول ركححن .وقال الزجاج :أي كادوا،
ودخلت إن واللم للتأكيححد .وقححد قيححل :إن معنححى "تمنححى" حدث ،ل "تل" .روي عححن علي بححن أبححي
طلححة عحن ابحن عباس فحي قوله عحز وجحل"( :إل إذا تمنحى" قال :إل إذا حدث "ألقحى الشيطان فحي
أمنيتححه") قال :فححي حديثححه "فينسححخ ال مححا يلقححي الشيطان" قال :فيبطححل ال مححا يلقححي الشيطان .قال
النحاس :وهذا من أحسن ما قيل في الية وأعله وأجله .وقد قال أحمد بن محمد بن حنبل بمصر
صحيفة في التفسير ،رواها علي بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا.
والمعنحى عليحه :أن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم كان إذا حدث نفسحه ألقحى الشيطان فحي حديثحه على
جهحة الحيطحة فيقول :لو سحألت ال عحز وجحل أن يغنمحك ليتسحع المسحلمون؛ ويعلم ال عحز وجحل أن
الصحلح فحي غيحر ذلك؛ فيبطحل محا يلقحي الشيطان كمحا قال ابحن عباس رضحي ال عنهمحا .وحكحى
الكسائي والفراء جميعا "تمنى" إذا حدث نفسه؛ وهذا هو المعروف في اللغة .وحكيا أيضا "تمنى"
إذا تل .وروي عن ابن عباس أيضا وقاله مجاهد والضحاك وغيرهما .وقال أبو الحسن بن مهدي:
ليحس هذا التمنحي محن القرآن والوححي فحي شيحء ،وإنمحا كان النحبي صحلى ال عليحه وسحلم إذا صحفرت
يداه محن المال ،ورأى محا بأصححابه محن سحوء الحال ،تمنحى الدنيحا بقلبحه ووسحوسة الشيطان .وذكحر
المهدوي عن ابن عباس أن المعنى( :إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه)؛ وهو اختيار الطبري.
قلت :قوله تعالى" :ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة" الية ،يرد حديث النفس ،وقد قال ابن عطية:
ل خلف أن إلقاء الشيطان إنما هو للفاظ مسموعة ،بها وقعت الفتنة؛ فال أعلم .قال النحاس :ولو
صحح الحديحث واتصحل إسحناده لكان المعنحى فيحه صححيحا ،ويكون معنحى سحها أسحقط ،ويكون تقديره:
أفرأيتم اللت والعزى؛ وتم الكلم ،ثم أسقط (والغرانيق العل) يعني الملئكة (فإن شفاعتهم) يعود
الضميحر على الملئكحة .وأمحا محن روى :فإنهحن الغرانيحق العل ،ففحي روايتحه أجوبحة؛ منهحا أن يكون
القول محذوفحا كمحا تسحتعمل العرب فحي أشياء كثيرة ،ويجوز أن يكون بغيحر حذف ،ويكون توبيخحا؛
لن قبله "أفرأيتححم" ويكون هذا احتجاجححا عليهححم؛ فإن كان فححي الصححلة فقححد كان الكلم مباحححا فححي
الصلة .وقد روى في هذه القصة أنه كان مما يقرأ :أفرأيتم اللت والعزى .ومناة الثالثة الخرى.
والغرانقححة العل .وأن شفاعتهححن لترتجححى .روى معناه عححن مجاهححد .وقال الحسححن :أراد بالغرانيححق
العل الملئكححة؛ وبهذا فسححر الكلبححي الغرانقححة أنهححا الملئكححة .وذلك أن الكفار كانوا يعتقدون [أن]
الوثان والملئكحة بنات ال ،كمحا حكحى ال تعالى عنهحم ،ورد عليهحم فحي هذه السحورة بقوله "ألكحم
الذكحر وله النثحى" فأنكحر ال كحل هذا محن قولهحم .ورجاء الشفاعحة محن الملئكحة صححيح؛ فلمحا تأوله
المشركون على أن المراد بهذا الذكححر آلهتهححم ولبححس عليهححم الشيطان بذلك ،نسححخ ال مححا ألقححى
الشيطان ،وأحكم ال آياته ،ورفع تلوة تلك اللفظتين اللتين وجد الشيطان بهما سبيل للتلبيس ،كما
نسخ كثير من القرآن؛ ورفعت تلوته .قال القشيري :وهذا غير سديد؛ لقوله" :فينسخ ال ما يلقي
الشيطان" أي يبطله ،وشفاعحة الملئكحة غيحر باطلة" .وال عليحم حكيحم" "عليحم" بمحا أوححى إلى نحبيه
صلى ال عليه وسلم" .حكيم" في خلقه.
**3اليحة{ 53 :ليجعحل محا يلقحي الشيطان فتنحة للذيحن فحي قلوبهحم مرض والقاسحية قلوبهحم وإن
الظالمين لفي شقاق بعيد}
@قوله تعالى" :ليجعحل محا يلقحي الشيطان فتنحة" أي ضللة" .للذيحن فحي قلوبهحم مرض" أي شرك
ونفاق" .والقاسحية قلوبهحم" فل تليحن لمحر ال تعالى .قال الثعلبحي :وفحي اليحة دليحل على أن النحبياء
يجوز عليهحم السحهو والنسحيان والغلط بوسحواس الشيطان أو عنحد شغحل القلب حتحى يغلط ،ثحم ينبحه
ويرجع إلى الصحيح؛ وهو معنى قوله" :فينسخ ال ما يلقي الشيطان ثم يحكم ال آياته" .ولكن إنما
يكون الغلط على حسحب محا يغلط أحدنحا ،فأمحا محا يضاف إليه محن قولهحم :تلك الغرانيحق العل ،فكذب
على النحبي صحلى ال عليحه وسحلم؛ لن فيحه تعظيحم الصحنام ،ول يجوز ذلك على النحبياء ،كمحا ل
يجوز أن يقرأ بعض القرآن ثم ينشد شعرا ويقول :غلطت وظننته قرآنا" .وإن الظالمين لفي شقاق
بعيد" أي الكافرين لفي خلف وعصيان ومشاقة ل عز وجل ولرسوله صلى ال عليه وسلم .وقد
تقدم في "البقرة" والحمد ل وحده.
**3الية{ 54 :وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن ال
لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم}
@قوله تعالى" :وليعلم الذين أوتوا العلم" أي من المؤمنين .وقيل :أهل الكتاب" .أنه" أي أن الذي
أحكم من آيات القرآن هو "الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم" أي تخشع وتسكن .وقيل:
تخلص" .وإن ال لهادي الذيححن آمنوا" قرأ أبححو حيوة "وإن ال لهاد الذيححن آمنوا" بالتنويححن" .إلى
صراط مستقيم" أي يثبتهم على الهداية.
**3الية{ 55 :ول يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم
عقيم}
@قوله تعالى" :ول يزال الذين كفروا في مرية منه" يعني في شك من القرآن؛ قال ابن جريج.
وغيره :محن الديحن؛ وهحو الصحراط المسحتقيم .وقيحل :ممحا ألقحى الشيطان على لسحان محمحد صحلى ال
عليه وسلم ،ويقولون :ما باله ذكر الصنام بخير ثم ارتد عنها .وقرأ أبو عبدالرحمن السلمي "في
مريحة" بضحم الميحم .والكسحر أعرف؛ ذكره النحاس" .حتحى تأتيهحم السحاعة" أي القيامحة" .بغتحة" أي
فجأة" .أو يأتيهححم عذاب يوم عقيححم" قال الضحاك :عذاب يوم ل ليلة له وهححو يوم القيامححة .النحاس:
سمي يوم القيامة عقيما لنه ليس يعقب بعده يوما مثله؛ وهو معنى قول الضحاك .والعقيم في اللغة
عبارة عمححن ل يكون له ولد؛ ولمححا كان الولد يكون بيححن البويححن وكانححت اليام تتوالى قبححل وبعححد،
جعحل التباع فيهحا بالبعديحة كهيئة الولدة ،ولمحا لم يكحن بعحد ذلك اليوم يوم وصحف بالعقيحم .وقال ابن
عباس ومجاهحد وقتادة :المراد عذاب يوم بدر ،ومعنحى عقيحم ل مثحل له فحي عظمحه؛ لن الملئكحة
قاتلت فيحه .ابحن جريحج :لنهحم لم ينظروا فيحه إلى الليحل ،بحل قتلوا قبحل المسحاء فصحار يومحا ل ليلة له.
وكذلك يكون معنحى قول الضحاك أنحه يوم القيامحة؛ لنحه ل ليلة له .وقيحل :لنحه لم يكحن فيحه رأفحة ول
رحمحة ،وكان عقيمحا محن كحل خيحر؛ ومنحه قوله تعالى" :إذ أرسحلنا عليهحم الريحح العقيحم" [الذاريات:
]41أي التي ل خير فيها ول تأتي بمطر ول رحمة.
**3اليتان{ 57 - 56 :الملك يومئذ ل يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات
النعيم ،والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين}
@قوله تعالى" :الملك يومئذ ل يحكحم بينهحم" يعنحي يوم القيامحة هحو ل وحده ل منازع له فيحه ول
مدافحع .والملك هحو اتسحاع المقدور لمحن له تدبيحر المور .ثحم بيحن حكمحه فقال" :فالذيحن آمنوا وعملوا
الصالحات في جنات النعيم .والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين".
قلت :وقحد يحتمحل أن تكون الشارة بحح "يومئذ" ليوم بدر ،وقحد حكحم فيحه بإهلك الكافحر وسحعادة
المؤمن؛ وقد قال عليه السلم لعمر( :وما يدريك لعل ال اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم
فقد غفرت لكم).
**3اليتان{ 59 - 58 :والذين هاجروا في سبيل ال ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم ال رزقا حسنا
وإن ال لهو خير الرازقين ،ليدخلنهم مدخل يرضونه وإن ال لعليم حليم}
@ أفرد ذكر المهاجرين الذين ماتوا وقتلوا تفضيل لهم وتشريفا على سائر الموتى.
وسحبب نزول هذه اليحة أنحه لمحا مات بالمدينحة عثمان بحن مظعون وأبحو سحلمة بحن عبحد السحد قال
بعحض الناس :محن قتحل فحي سحبيل ال أفضحل ممحن مات حتحف أنفحه؛ فنزلت هذه اليحة مسحوية بينهحم،
وأن ال يرزق جميعهحم رزقحا حسحنا .وظاهحر الشريعحة يدل على أن المقتول أفضحل .وقحد قال بعحض
أهل العلم :إن المقتول في سبيل ال والميت في سبيل ال شهيد؛ ولكن للمقتول مزية ما أصابه في
ذات ال .وقال بعضهم :هما سواء ،واحتج بالية ،وبقوله تعالى" :ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى
ال ورسحوله ثحم يدركحه الموت فقحد وقحع أجره على ال" [النسحاء ،]100 :وبحديحث أم حرام؛ فإنهحا
صحرعت عحن دابتهحا فماتحت ولم تقتحل فقال لهحا النحبي صحلى ال عليحه وسحلم( :أنحت محن الوليحن)،
وبقول النحبي صحلى ال عليحه وسحلم فحي حديحث عبدال بحن عتيحك( :محن خرج محن بيتحه مهاجرا فحي
سبيل ال فخر عن دابته فمات أو لدغته حية فمات أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على ال ومن
مات قعصحا فقحد اسحتوجب المآب) .وذكحر ابحن المبارك عحن فضالة بحن عبيحد فحي حديحث ذكحر فيحه
رجلين أحدهما أصيب في غزاة بمنجنيق فمات والخر مات هناك؛ فجلس فضالة عند الميت فقيل
له :تركححت الشهيححد ولم تجلس عنده؟ فقال :مححا أبالي مححن أي حفرتيهمححا بعثححت؛ ثححم تل قوله تعالى:
"والذين هاجروا فحي سحبيل ال ثحم قتلوا أو ماتوا" اليحة كلها .وقال سليمان بن عامر :كان فضالة
برودس أميرا على الرباع فخرج بجنازتي رجلين أحدهما قتيل والخر متوفي؛ فرأى ميل الناس
مع جنازة القتيل إلى حفرته؛ فقال :أراكم أيها الناس تميلون مع القتيل! فوالذي نفسي بيده ما أبالي
من أي حفرتيهما بعثت ،اقرؤوا قوله تعالى" :والذين هاجروا في سبيل ال ثم قتلوا أو ماتوا" .كذا
ذكره الثعلبحي فحي تفسحيره ،وهحو معنحى محا ذكره ابحن المبارك .واحتحج محن قال :إن للمقتول زيادة
فضل بما ثبت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه سئل :أي الجهاد أفضل؟ قال( :من أهريق
دمه وعقر جواده) .وإذا كان من أهريق دمه وعقر جواده أفضل الشهداء علم أنه من لم يكن بتلك
الصححفة مفضول .قرأ ابححن عامححر وأهححل الشام "قتلوا" بالتشديححد على التكثيححر .الباقون بالتخفيححف.
"ليدخلنهحم مدخل يرضونحه" أي الجنان .قراءة أهحل المدينحة "مدخل" بفتحح الميحم؛ أي دخول.
وضمها الباقون ،وقد مضى في السراء" .وإن ال لعليم حليم" قال ابن عباس :عليم بنياتهم ،حليم
عن عقابهم.
**3اليحة{ 60 :ذلك ومحن عاقحب بمثحل محا عوقحب بحه ثحم بغحي عليحه لينصحرنه ال إن ال لعفحو
غفور}
@قوله تعالى" :ذلك ومحن عاقحب" "ذلك" فحي موضحع رفحع؛ أي ذلك المحر الذي قصحصنا عليحك.
قال مقاتل :نزلت في قوم من مشركي مكة لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا:
إن أصحححاب محمححد يكرهون القتال فححي الشهححر الحرام فاحملوا عليهححم؛ فناشدهححم المسححلمون أل
يقاتلوهم في الشهر الحرام؛ فأبى المشركون إل القتال ،فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم ال
على المشركين؛ وحصل في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام شيء؛ فنزلت هذه الية.
وقيحل :نزلت فحي قوم محن المشركيحن ،مثلوا بقوم محن المسحلمين قتلوهحم يوم أححد فعاقبهحم رسحول ال
بمثله .فمعنحى "محن عاقحب بمثحل محا عوقحب بحه" أي محن جازى الظالم بمثحل محا ظلمحه؛ فسحمى جزاء
العقوبة عقوبة لستواء الفعلين في الصورة؛ فهو مثل "وجزاء سيئة سيئة مثلها" [الشورى.]40 :
ومثحل "فمحن اعتدى عليكحم فاعتدوا عليحه بمثحل محا اعتدى عليكحم" [البقرة .]194 :وقحد تقدم" .ثحم
بغحي عليحه" أي بالكلم والزعاج محن وطنحه؛ وذلك أن المشركيحن كذبوا نحبيهم وآذوا محن آمحن بحه
وأخرجوه وأخرجوهحم محن مكحة ،وظاهروا على إخراجهحم" .لينصحرنه ال" أي لينصحرن ال محمدا
صلى ال عليه وسلم وأصحابه؛ فإن الكفار بغوا عليهم" .إن ال لعفو غفور" أي عفا عن المؤمنين
ذنوبهم وقتالهم في الشهر الحرام وستر.
**3الية{ 61 :ذلك بأن ال يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن ال سميع بصير}
@قوله تعالى" :ذلك بأن ال يولج الليحل فحي النهار" أي ذلك الذي قصحصت عليحك محن نصحر
المظلوم هو بأني أنا الذي أولج الليل في النهار فل يقدر أحد على ما أقدر عليه؛ أي من قدر على
هذا قدر على أن ينصحر عبده .وقحد مضحى فحي "آل عمران" معنحى يولج الليحل فحي النهار" .وأن ال
سحميع بصحير" يسحمع القوال ويبصحر الفعال ،فل يعزب عنحه مثقال ذرة ول دبيحب نملة إل يعلمهحا
ويسمعها ويبصرها.
**3اليحة{ 62 :ذلك بأن ال هحو الححق وأن محا يدعون محن دونحه هحو الباطحل وأن ال هحو العلي
الكبير}
@قوله تعالى" :ذلك بأن ال هحو الححق" أي ذو الححق؛ فدينحه الححق وعبادتحه ححق .والمؤمنون
يستحقون منه النصر بحكم وعده الحق "وأن ما يدعون من دونه هو الباطل" أي الصنام التي ل
استحقاق لها في العبادات .وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر "وأن ما تدعون" بالتاء على
الخطاب ،واختاره أبو حاتم .الباقون بالياء على الخبر هنا وفي لقمان ،واختاره أبو عبيد" .وأن ال
هححو العلي" أي العالي على كححل شيححء بقدرتححه ،والعالي عححن الشباه والنداد ،المقدس عمححا يقول
الظالمون مححن الصححفات التححي ل تليححق بجلله" .الكححبير" أي الموصححوف بالعظمححة والجلل وكححبر
الشأن .وقيححل :الكححبير ذو الكححبرياء .والكححبرياء عبارة عححن كمال الذات؛ أي له الوجود المطلق أبدا
وأزل ،فهو الول القديم ،والخر الباقي بعد فناء خلقه.
**3اليحة{ 63 :ألم تحر أن ال أنزل محن السحماء ماء فتصحبح الرض مخضرة إن ال لطيحف
خبير}
@قوله تعالى" :ألم تحر أن ال أنزل محن السحماء ماء فتصحبح الرض مخضرة" دليحل على كمال
قدرته؛ أي من قدر على هذا قدر على إعادة الحياة بعد الموت؛ كما قال ال عز وجل" :فإذا أنزلنا
عليها الماء اهتزت وربت" [فصلت .]39 :ومثله كثير" .فتصبح" ليس بجواب فيكون منصوبا،
وإنمحا هحو خحبر عنحد الخليحل وسحيبويه .قال الخليحل :المعنحى انتبحه! أنزل ال محن السحماء ماء فكان كذا
وكذا؛ كما قال:
وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق ألم تسأل الربع القواء فينطق
معناه قحد سحألته فنطحق .وقيحل اسحتفهام تحقيحق؛ أي قحد رأيحت ،فتأمحل كيحف تصحبح! أو عطحف لن
المعنى ألم تر أن ال ينزل .وقال الفراء" :ألم تر" خبر؛ كما تقول في الكلم :اعلم أن ال عز وجل
ينزل محن السحماء ماء" .فتصحبح الرض مخضرة" أي ذات خضرة؛ كمحا تقول :مقلة ومسحبعة؛ أي
ذات بقحل وسحباع .وهحو عبارة عحن اسحتعجالها إثحر نزول الماء بالنبات واسحتمرارها كذلك عادة .قال
ابحن عطيحة :وروي عحن عكرمحة أنحه قال :هذا ل يكون إل بمكحة وتهامحة .ومعنحى هذا :أنحه أخحذ قوله
"فتصحبح" مقصحودا بحه صحباح ليلة المطحر وذهحب إلى أن ذلك الخضرار يتأخحر فحي سحائر البلد،
وقحد شاهدت هذا [فحي] السحوس القصحى نزل المطحر ليل بعحد قححط أصحبحت تلك الرض الرملة
التححي نسححفتها الرياح قححد أخضرت بنبات ضعيححف رقيححق" .إن ال لطيححف خححبير" قال ابححن عباس:
("خحبير" بمحا ينطوي عليحه العبحد محن القنوط عنحد تأخيحر المطحر" .لطيحف" بأرزاق عباده) .وقيحل:
لطيف باستخراج النبات من الرض ،خبير بحاجتهم وفاقتهم.
**3الية{ 64 :له ما في السماوات وما في الرض وإن ال لهو الغني الحميد}
@قوله تعالى" :له ما في السماوات وما في الرض" خلقا وملكا؛ وكل محتاج إلى تدبيره وإتقانه.
"وإن ال لهو الغني الحميد" فل يحتاج إلى شيء ،وهو المحمود في كل حال.
**3اليحة{ 65 :ألم تحر أن ال سحخر لكم ما فحي الرض والفلك تجري في البححر بأمره ويمسحك
السماء أن تقع على الرض إل بإذنه إن ال بالناس لرؤوف رحيم}
@قوله تعالى" :ألم تر أن ال سخر لكم ما في الرض" ذكر نعمة أخرى ،فأخبر أنه سخر لعباده
محا يحتاجون إليحه محن الدواب والشجحر والنهار" .والفلك" أي وسحخر لكحم الفلك فحي حال جريهحا.
وقرأ أبحو عبدالرحمحن العرج "والفلك" رفعحا على البتداء ومحا بعده خحبره .الباقون بالنصحب نسحقا
على قوله "مححا فححي الرض"" .ويمسححك السححماء أن تقححع على الرض" أي كراهيححة أن تقححع .وقال
الكوفيون :لئل تقحع .وإمسحاكه لهحا خلق السحكون فيهحا حال بعحد حال" .إل بإذنحه" أي إل بإذن ال لهحا
بالوقوع ،فتقع بإذنه ،أي بإرادته وبحيلته" .إن ال بالناس لرؤوف رحيم" أي في هذه الشياء التي
سخرها لهم.
**3الية{ 66 :وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن النسان لكفور}
@قوله تعالى" :وهحو الذي أحياكحم" أي بعحد أن كنتحم نطفحا" .ثحم يميتكحم" عنحد انقضاء آجالكحم" .ثحم
يحييكم" أي للحساب والثواب والعقاب" .إن النسان لكفور" أي لجحود لما ظهر من اليات الدالة
على قدرته ووحدانيته .قال ابن عباس :يريد السود بن عبد السد وأبا جهل بن هشام والعاص بن
هشام وجماعحة محن المشركيحن .وقيحل :إنمحا قال ذلك لن الغالب على النسحان كفحر النعحم؛ كمحا قال
تعالى" :وقليل من عبادي الشكور" [سبأ.]13 :
**3اليحة{ 67 :لكحل أمحة جعلنحا منسحكا هحم ناسحكوه فل ينازعنحك فحي المحر وادع إلى ربحك إنحك
لعلى هدى مستقيم}
@قوله تعالى" :لكل أمة جعلنا منسكا" أي شرعا" .هم ناسكوه" أي عاملون به" .فل ينازعنك في
المر" أي ل ينازعنك أحد منهم فيما يشرع لمتك؛ فقد كانت الشرائع في كل عصر .وروت فرقة
أن هذه اليححة نزلت بسححبب جدال الكفار فححي أم الذبائح ،وقولهححم للمؤمنيححن :تأكلون مححا ذبحتححم ول
تأكلون محا ذبحح ال محن الميتحة ،فكان محا قتحل ال أححق أن تأكلوه ممحا قتلتحم أنتحم بسحكاكينكم؛ فنزلت
اليحة بسحبب هذه المنازعحة .وقحد مضحى هذا فحي "النعام" والحمحد ل .وقحد تقدم فحي هذه السحورة محا
للعلماء فحي قوله تعالى "منسحكا" [الححج .]34 :وقوله" :هحم ناسحكوه" يعطحي أن المنسحك المصحدر،
ولو كان الموضع لقال هم ناسكون فيحه .وقال الزجاج" :فل ينازعنحك فحي المر" أي فل يجادلنحك؛
ودل على هذا "وإن جادلوك" .ويقال :قحد نازعوه فكيحف قال فل ينازعنحك؛ فالجواب أن المعنحى فل
تنازعهحم أنحت .نزلت اليحة قبحل المحر بالقتال؛ تقول :ل يضاربنحك فلن فل تضاربحه أنحت؛ فيجري
هذا فحي باب المفاعلة .ول يقال :ل يضربنحك زيحد وأنحت تريحد ل تضرب زيدا .وقرأ أبحو مجلز "فل
ينزعنحك فحي المحر" أي ل يسحتخلفنك ول يغلبنحك عحن دينحك .وقراءة الجماعحة محن المنازعحة .ولفحظ
النهحي فحي القراءتيحن للكفار ،والمراد النحبي صحلى ال عليحه وسحلم" .وادع إلى ربحك" أي إلى توحيده
ودينه واليمان به" .إنك لعلى هدى" أي دين" .مستقيم" أي قويم ل اعوجاج فيه.
**3اليتان{ 69 - 68 :وإن جادلوك فقل ال أعلم بما تعملون ،ال يحكم بينكم يوم القيامة فيما
كنتم فيه تختلفون}
@قوله تعالى" :وإن جادلوك" أي خاصحموك يحا محمحد؛ يريحد مشركحي مكحة" .فقحل ال أعلم بمحا
تعملون" يريحد محن تكذيبهحم محمدا صحلى ال عليحه وسحلم؛ عحن ابحن عباس .وقال مقاتحل( :هذه اليحة
نزلت على النبي صلى ال عليه وسلم ليلة السراء وهو في السماء السابعة لما رأى من آيات ربه
الكبرى؛ فأوحى ال إليه) "وإن جادلوك" بالباطل فدافعهم بقولك "ال أعلم بما تعملون" من الكفر
والتكذيحب؛ فأمره ال تعالى بالعراض عحن مماراتهحم صحيانة له عحن الشتغال بتعنتهحم؛ ول جواب
لصحاحب العناد" .ال يحكحم بينكحم يوم القيامحة" يريحد بيحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وقومحه" .فيمحا
كنتم فيه تختلفون" يريد في خلفكم آياتي ،فتعرفون حينئذ الحق من الباطل.
مسحألة :فحي هذه اليحة أدب حسحن علمحه ال عباده فحي الرد على محن جادل تعنتحا ومراء أل يجاب
ول يناظحر ويدفحع بهذا القول الذي علمحه ال لنحبيه صحلى ال عليحه وسحلم .وقحد قيحل :إن هذه اليحة
منسوخة بالسيف؛ يعني السكوت عن مخالفه والكتفاء بقوله" :ال يحكم بينكم".
**3الية{ 70 :ألم تعلم أن ال يعلم ما في السماء والرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على ال
يسير}
@قوله تعالى" :ألم تعلم أن ال يعلم محا فحي السحماء والرض" أي وإذ قحد علمحت يحا محمحد هذا
وأيقنحت فاعلم أنحه يعلم أيضحا محا أنتحم مختلفون فيحه فهحو يحكحم بينكحم .وقحد قيحل :إنحه اسحتفهام تقريحر
للغيحر" .إن ذلك فحي كتاب" أي محا يجري فحي العالم فهحو مكتوب عنحد ال فحي أم الكتاب" .إن ذلك
على ال يسير" أي إن الفصل بين المختلفين على يسير .وقيل :المعنى إن كتاب القلم الذي أمره أن
يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة على ال يسير.
**3الية{ 71 :ويعبدون من دون ال ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين
من نصير}
@قوله تعالى" :ويعبدون" يريحد كفار قريحش" .محن دون ال محا لم ينزل بحه سحلطانا" أي حجحة
وبرهانا .وقد تقدم في (آل عمران)" .وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير".
**3اليحة{ 72 :وإذا تتلى عليهحم آياتنحا بينات تعرف فحي وجوه الذيحن كفروا المنكحر يكادون
يسحطون بالذيحن يتلون عليهحم آياتنحا قحل أفأنبئكحم بشحر محن ذلكحم النار وعدهحا ال الذيحن كفروا وبئس
المصير}
@قوله تعالى" :وإذا تتلى عليهحم آياتنحا بينات" يعنحي القرآن" .تعرف فحي وجوه الذيحن كفروا
المنكر" أي الغضب والعبوس" .يكادون يسطون" أي يبطشون .والسطوة شدة البطش؛ يقال :سطا
بحه يسحطو إذا بطحش بحه؛ كان ذلك بضرب أو بشتحم ،وسحطا عليحه" .بالذيحن يتلون عليهحم آياتنحا" وقال
ابححن عباس( :يسححطون يبسححطون إليهححم أيديهححم) .محمححد بححن كعححب :أي يقعون بهححم .الضحاك :أي
يأخذونهحم أخذا باليحد ،والمعنحى واححد .وأصحل السحطو القهحر .وال ذو سحطوات؛ أي أخذات شديدة.
"قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار" أي أكره من هذا القرآن الذي تسمعون هو النار .فكأنهم قالوا :ما
الذي هحو شحر؛ فقيحل هحو النار .وقيحل :أي هحل أنبكحم بشحر ممحا يلححق تالي القرآن منكحم هحو النار؛
فيكون هذا وعيدا لهححم على سححطواتهم بالذيححن يتلون القرآن .ويجوز فححي "النار" الرفححع والنصححب
والخفحض؛ فالرفحع على هحو النار ،أو هحي النار .والنصحب بمعنحى أعنحي ،أو على إضمار فعحل مثحل
الثانحي ،أو يكون محمول على المعنحى؛ أي أعرفكحم محن ذلكحم النار .والخفحض على البدل" .وعدهحا
ال الذين كفروا" في القيامة" .وبئس المصير" أي الموضع الذي يصيرون إليه وهو النار.
**3الية{ 73 :يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون ال لن يخلقوا
ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا ل يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب}
@قوله تعالى" :يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له" هذا متصل بقوله" :ويعبدون من دون ال
ما لم ينزل به سلطانا" .وإنما قال "ضرب مثل" لن حجج ال تعالى عليهم بضرب المثال أقرب
إلى أفهامهحم .فإن قيحل :فأيحن المثحل المضروب؛ ففيحه وجهان :الول :قال الخفحش :ليحس ثحم مثحل،
وإنما المعنى ضربوا لي مثل فاستمعوا قولهم؛ يعني أن الكفار جعلوا ل مثل بعبادتهم غيره؛ فكأنه
قال جعلوا لي شبيها في عبادتي فاستمعوا خبر هذا الشبه .الثاني :قول القتبي :وأن المعنى يا أيها
الناس ،مثحل محن عبحد آلهحة لم تسحتطع أن تخلق ذبابحا وإن سحلبها الذباب شيئا لم تسحتطع أن تسحتنقذه
منحه .وقال النحاس :المعنحى ضرب ال عحز وجحل محا يعبحد محن دونحه مثل ،قال :وهذا محن أحسحن محا
قيل فيه؛ أي بين ال لكم شبها ولمعبودكم" .إن الذين تدعون من دون ال" قراءة العامة "تدعون"
بالتاء .وقرأ السححلمي وأبححو العاليححة ويعقوب "يدعون" بالياء على الخححبر .والمراد الوثان الذيححن
عبدوهحم محن دون ال ،وكانحت حول الكعبححة ،وهحي ثلثمائة وسحتون صحنما .وقيححل :السحادة الذيححن
صرفوهم عن طاعة ال عز وجل .وقيل :الشياطين الذين حملوهم على معصية ال تعالى؛ والول
أصوب" .لن يخلقوا ذبابا" الذباب اسم واحد للذكر والنثى ،والجمع القليل أذبة والكثير ذبان؛ على
مثل غراب وأغربة وغربان؛ وسمي به لكثرة حركته .الجوهري :والذباب معروف الواحدة ذبابة،
ول تقحل ذبانحة .والمذبحة محا يذب بحه الذباب .وذباب أسحنان البحل حدهحا .وذباب السحيف طرفحه الذي
يضرب بحه .وذباب العيحن إنسحانها .والذبابحة البقيحة محن الديحن .وذبحب النهار إذا لم يبحق منحه إل بقيحة.
والتذبذب التحرك .والذبذبحة نوس الشيحء المعلق فحي الهواء .والذبذب الذكحر لتردده .وفحي الحديحث
(من وقي شر ذبذبه) .وهذا مما لم يذكره -أعني -قوله :وفي الحديث" .وإن يسلبهم الذباب شيئا
ل يسحتنقذوه منحه" السحتنقاذ والنقاذ التخليحص .قال ابحن عباس( :كانوا يطلون أصحنامهم بالزعفران
فتجححف فيأتححي فيختلسححه) .وقال السححدي :كانوا يجعلون للصححنام طعامححا فيقححع عليححه الذباب فيأكله.
"ضعف الطالب والمطلوب" قيل :الطالب اللهة والمطلوب الذباب .وقيل بالعكس .وقيل :الطالب
عابححد الصححنم والمطلوب الصححنم؛ فالطالب يطلب إلى هذا الصححنم بالتقرب إليححه ،والصححنم المطلوب
إليه .وقد قيل" :وإن يسلبهم الذباب شيئا" راجع إلى ألمه في قرص أبدانهم حتى يسلبهم الصبر لها
والوقار معها .وخص الذباب لربعة أمور تخصه :لمهانته وضعفه ولستقذاره وكثرته؛ فإذا كان
هذا الذي هححو أضعححف الحيوان وأحقره ل يقدر مححن عبدوه مححن دون ال عححز وجححل على خلق مثله
ودفحع أذيتحه فكيحف يجوز أن يكونوا آلهحة معبوديحن وأربابحا مطاعيحن .وهذا محن أقوى حجحة وأوضحح
برهان.
**3الية{ 74 :ما قدروا ال حق قدره إن ال لقوي عزيز}
@قوله تعالى" :محا قدروا ال ححق قدره" أي محا عظموه ححق عظمتحه؛ حيحث جعلوا هذه الصحنام
شركاء له .وقد مضى في "النعام"" .إن ال لقوي عزيز" تقدم.
**3اليتان{ 76 - 75 :ال يصطفي من الملئكة رسل ومن الناس إن ال سميع بصير ،يعلم
ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى ال ترجع المور}
@قوله تعالى" :ال يصطفي من الملئكة رسل ومن الناس" ختم السورة بأن ال اصطفى محمدا
صلى ال عليه وسلم لتبليغ الرسالة؛ أي ليس بعثه محمدا أمرا بدعيا .وقيل :إن الوليد بن المغيرة
قال :أو أنزل عليحه الذكحر محن بيننحا؛ فنزلت اليحة .وأخحبر أن الختيار إليحه سحبحانه وتعالى" .إن ال
سميع" لقوال عباده "بصير" بمن يختاره من خلقه لرسالته" .يعلم ما بين أيديهم" يريد ما قدموا.
"ومحا خلفهحم وإلى ال ترجحع المور" يريحد محا خلفوا؛ مثحل قوله فحي يحس" :إنحا نححن نحيحي الموتحى
ونكتب ما قدموا" [يس ]12 :يريد ما بين أيديهم "وآثارهم" يريد ما خلفوا.
**3الية{ 77 :يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا" تقدم في أول السورة أنها فضلت بسجدتين؛
وهذه السجدة الثانية لم يرها مالك وأبو حنيفة من العزائم؛ لنه قرن الركوع بالسجود ،وأن المراد
بهحا الصحلة المفروضحة؛ وخحص الركوع والسحجود تشريفحا للصحلة .وقحد مضحى القول فحي الركوع
والسحجود مبينحا فحي "البقرة" والحمحد ل وحده" .واعبدوا ربكحم" أي امتثلوا أمره" .وافعلوا الخيحر"
ندب فيما عدا الواجبات التي صح وجوبها من غير هذا الموضع.
**3الية{ 78 :وجاهدوا في ال حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة
أبيكحم إبراهيحم هحو سحماكم المسحلمين محن قبحل وفحي هذا ليكون الرسحول شهيدا عليكحم وتكونوا شهداء
على الناس فأقيموا الصلة وآتوا الزكاة واعتصموا بال هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير}
@قوله تعالى" :وجاهدوا فحي ال ححق جهاده" قيحل :عنحى بحه جهاد الكفار .وقيحل :هحو إشارة إلى
امتثال جميحع محا أمحر ال بحه ،والنتهاء عحن كحل محا نهحى ال عنحه؛ أي جاهدوا أنفسحكم فحي طاعحة ال
وردوهحا عحن الهوى ،وجاهدوا الشيطان فحي رد وسحوسته ،والظلمحة فحي رد ظلمهحم ،والكافريحن فحي
رد كفرهحم .قال ابن عطية :وقال مقاتحل وهذه الية منسوخة بقوله تعالى" :فاتقوا ال ما استطعتم"
[التغابن .]16 :وكذا قال هبة ال :إن قول "حق جهاده" وقوله في الية الخرى" .حق تقاته" [آل
عمران ]102 :منسحوخ بالتخفيحف إلى السحتطاعة فحي هذه الوامحر .ول حاجحة إلى تقديحر النسحخ؛
فإن هذا هحو المراد محن أول الحكحم؛ لن "ححق جهاده" محا ارتفحع عنحه الحرج .وقحد روى سحعيد بحن
المسحيب قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم( :خيحر دينكحم أيسحره) .وقال أبحو جعفحر النحاس.
وهذا ممحا ل يجوز أن يقحع فيحه نسحخ؛ لنحه واجحب على النسحان ،كمحا روى حيوة بحن شريحح يرفعحه
إلى النبي صلى ال عليه وسلم قال( :المجاهد من جاهد نفسه ل عز وجل) .وكما روى أبو غالب
عن أبي أمامة أن رجل سأل النبي صلى ال عليه وسلم :أي الجهاد أفضل؟ عند الجمرة الولى فلم
يجبحه ،ثحم سحأله عنحد الجمرة الثانيحة فلم يجبحه ،ثحم سحأله عنحد جمرة العقبحة؛ فقال النحبي صحلى ال عليحه
وسلم( :أين السائل)؟ فقال :أنا ذا؛ فقال عليه السلم( :كلمة عدل عند سلطان جائر).
@قوله تعالى" :هححو اجتباكححم" أي اختاركححم للذب عححن دينححه والتزام أمره؛ وهذا تأكيححد للمححر
بالمجاهدة؛ أي وجب عليكم أن تجاهدوا لن ال اختاركم له.
@قوله تعالى" :من حرج" أي من ضيق .وقد تقدم في "النعام" .وهذه الية تدخل في كثير من
الحكام؛ وهي مما خص ال بها هذه المة .روى معمر عن قتادة قال :أعطيت هذه المة ثلثا لم
يعطها إل نبي :كان يقال للنبي اذهب فل حرج عليك ،وقيل لهذه المة" :وما جعل عليكم في الدين
محن حرج" .والنحبي شهيحد على أمتحه ،وقيحل لهذه المحة" :لتكونوا شهداء على الناس" .ويقال للنحبي:
سل تعطه ،وقيل لهذه المة" :ادعوني أستجب لكم".
واختلف العلماء فحي هذا الحرج الذي رفعحه ال تعالى؛ فقال عكرمحة :هحو محا أححل محن النسحاء
مثنحى وثلث ورباع ،ومحا ملكحت يمينحك .وقيحل :المراد قصحر الصحلة ،والفطار للمسحافر ،وصحلة
اليماء لمحن ل يقدر على غيره ،وححط الجهاد عحن العمحى والعرج والمريحض والعديححم الذي ل
يجحد محا ينفحق فحي غزوه ،والغريحم ومحن له والدان ،وححط الصحر الذي كان على بنحي إسحرائيل .وقحد
مضى تفصيل أكثر هذه الشياء .وروي عن ابن عباس والحسن البصري (أن هذا في تقديم الهلة
وتأخيرهحا فحي الفطحر والضححى والصحوم؛ فإذا أخطأت الجماعحة هلل ذي الحجحة فوقفوا قبحل يوم
عرفحة بيوم أو وقفوا يوم النححر أجزأهحم) ،على خلف فيحه بيناه فحي كتاب المقتبحس فحي شرح موطحأ
مالك بحن أنحس رضحي ال عنحه .ومحا ذكرناه هحو الصححيح فحي الباب .وكذلك الفطحر والضححى؛ لمحا
رواه حماد بحن زيحد عحن أيوب عن محمحد بن المنكدر عن أبحي هريرة قال قال رسحول ال صحلى ال
عليه وسلم( :فطركحم يوم تفطرون وأضحاكحم يوم تضحون) .خرجحه أبو داود والدارقطنحي ،ولفظحه
ما ذكرناه .والمعنى :باجتهادكم من غير حرج يلحقكم .وقد روى الئمة أنه عليه السلم سئل يوم
النحر عن أشياء ،فما يسأل عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم المور بعضها قبل بعض
وأشباهها إل قال فيها( :أفعل ول حرج).
قال العلماء :رفححع الحرج إنمححا هححو لمححن اسححتقام على منهاج الشرع ،وأمححا السححلبة والسححراق
وأصححاب الحدود فعليهحم الحرج ،وهحم جاعلوه على أنفسحهم بمفارقتهحم الديحن ،وليحس فحي الشرع
أعظم حرجا من إلزام ثبوت رجل لثنين في سبيل ال تعالى؛ ومع صحة اليقين وجودة العزم ليس
بحرج.
@قوله تعالى" :ملة أبيكم" قال الزجاج :المعنى اتبعوا ملة أبيكم .الفراء :انتصب على تقدير حذف
الكاف؛ كأنه قال كملة .وقيل :المعنى وافعلوا الخير فعل أبيكم ،فأقام الفعل مقام الملة .وإبراهيم هو
أبو العرب قاطبة .وقيل :الخطاب لجميع المسلمين ،وإن لم يكن الكل من ولده؛ لن حرمة إبراهيم
على المسحلمين كحرمحة الوالد على الولد" .هحو سحماكم المسحلمين محن قبحل" قال ابحن زيحد والحسحن:
"هو" راجع إلى إبراهيم؛ والمعنى :هو سماكم المسلمين من قبل النبي صلى ال عليه وسلم" .وفي
هذا" أي وفي حكمه أن من اتبع محمدا صلى ال عليه وسلم فهو مسلم .قال ابن زيد :وهو معنحى
قوله" :ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنحا أمة مسلمة لك" [البقرة .]128 :قال النحاس :وهذا
القول مخالف لقول عظماء المحة .روى علي بحن أبحي طلححة عحن ابحن عباس قال( :سحماكم ال عحز
وجحل المسحلمين محن قبحل ،أي فحي الكتحب المتقدمحة وفحي هذا القرآن)؛ قال مجاهحد وغيره" .ليكون
الرسحول شهيدا عليكحم" أي بتبليغحه إياكحم" .وتكونوا شهداء على الناس" أن رسحلهم قحد بلغتهحم؛ كمحا
تقدم فححي "البقرة"" .فأقيموا الصححلة وآتوا الزكاة واعتصححموا بال هححو مولكححم فنعححم المولى ونعححم
النصير" تقدم مستوفى والحمد ل.
**2سورة المؤمنون
**3اليات{ 11 - 1 :قد أفلح المؤمنون ،الذين هم في صلتهم خاشعون ،والذين هم عن اللغو
معرضون ،والذيححن هححم للزكاة فاعلون ،والذيححن هححم لفروجهححم حافظون ،إل على أزواجهححم أو مححا
ملكحت أيمانهحم فإنهحم غيحر ملوميحن ،فمحن ابتغحى وراء ذلك فأولئك هحم العادون ،والذيحن هحم لماناتهحم
وعهدهم راعون ،والذين هم على صلواتهم يحافظون ،أولئك هم الوارثون ،الذين يرثون الفردوس
هم فيها خالدون}
@قوله تعالى" :قد أفلح المؤمنون" روى البيهقي من حديث أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم
أنحه قال( :لمحا خلق ال جنحة عدن وغرس أشجارهحا بيده قال لهحا تكلمحي فقالت قحد أفلح المؤمنون).
وروى النسحائي عحن عبدال بحن السحائب قال :حضرت رسحول ال صحلى يوم الفتحح فصحلى فحي قبحل
الكعبحة ،فخلع نعليحه فوضعهمحا عحن يسحره فافتتحح سحورة المؤمنيحن ،فلمحا جاء ذكحر موسحى أو عيسحى
عليهما السلم أخذته سعلة فركع .خرجه مسلم بمعناه .وفي الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي
ال عنه قال :كان النبي صلى ال عليه وسحلم إذا أنزل علي الوححي سحمع عند وجهه كدوي النحل؛
وأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسري عنه فاستقبل القبل فرفع يديه وقال( :اللهم زدنا ول تنقصنا
وارضنحا وأرض عنحا -ثحم قال -أنزل علي عشحر آيات محن أقامهحن دخحل الجنحة -ثحم قرأ -قحد أفلح
المؤمنون) حتى ختم عشر آيات؛ صححه ابن العربي .وقال النحاس :معنى "من أقامهن" من أقام
عليهحن ولم يخالف محا فيهحن؛ كمحا تقول :فلن يقوم بعمله .ثحم نزل بعحد هذه اليات فرض الوضوء
والحححج فدخححل معهححن .وقرأ طلحححة بححن مصححرف "قححد أفلح المؤمنون" بضححم اللف على الفعححل
المجهول؛ أي أبقوا فححي الثواب والخيححر .وقححد مضححى فححي أول "البقرة" مححن الفلح لغححة ومعنححى،
والحمد ل وحده.
@قوله تعالى" :خاشعون" روى المعتمر عن خالد عن محمد بن سيرين قال :كان النبي صلى ال
عليحه وسحلم ينظحر إلى السحماء فحي الصحلة؛ فأنزل ال عحز وجحل هذه اليحة "الذيحن هحم فحي صحلتهم
خاشعون" .فجعحل رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ينظحر حيحث يسحجد .وفحي روايحة هشيحم :كان
المسحلمون يلتفتون فحي الصحلة وينظرون حتحى أنزل ال تعالى" :قحد أفلح المؤمنون الذيحن هحم فحي
صحلتهم خاشعون"؛ فأقبلوا على صحلتهم وجعلوا ينظرون أمامهحم .وقحد تقدم محا للعلماء فحي حكحم
المصححلي إلى حيححث ينظححر فححي "البقرة" عنححد قول "فول وجهححك شطححر المسححجد الحرام" [البقرة:
.]144وتقدم أيضا معنى الخشوع لغة ومعنى في البقرة أيضا عند قوله تعالى" :وإنها لكبيرة إل
على الخاشعين" [البقرة .]45 :والخشوع محله القلب؛ فإذا خشع خشعت الجوارح كلها لخشوعه؛
إذ هحو ملكهحا ،حسححبما بيناه أول البقرة .وكان الرجحل محن العلماء إذا أقام الصححلة وقام إليهحا يهاب
الرحمحن أن يمحد بصحره إلى شيحء وأن يحدث نفسحه بشيحء محن الدنيحا .وقال عطاء :هحو أل يعبحث
بشيحء محن جسحده فحي الصحلة .وأبصحر صحلى ال عليحه وسحلم صحلى رجل يعبحث بلحيتحه فحي الصحلة
فقال( :لو خشع قلب هذا لخشعحت جوارحه) .وقال أبو ذر قال النبي صلى ال عليه وسلم( .إذا قام
أحدكم إلى الصلة فإن الرحمة تواجهه فل يحركن الحصى" .رواه الترمذي .وقال الشاعر:
لن بها الراب ل تخضع أل الصلة الخير والفضل أجمع
وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع وأول فرض من شريعة ديننا
وكان كعبد باب موله يقرع فمن قام للتكبير لقته رحمة
نجيا فيا طوباه لو كان يخشع وصار لرب العرش حين صلته
وروى أبو عمر أن الجوني قال :قيل لعائشة ما كان خلق رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قالت:
أتقرؤون سحورة المؤمنيحن؟ قيحل نعحم .قالت :اقرؤوا؛ فقرئ عليهحا "قحد أفلح المؤمنون -حتحى بلغ -
يحافظون" .وروى النسحائي عحن ابحن عباس رضحي ال عنهمحا قال :كان رسحول ال صحلى ال عليحه
وسحلم يلححظ فحي صحلته يمينحا وشمال ،ول يلوي عنقحه خلف ظهره .وقال كعحب بحن مالك فحي حديثحه
الطويحل :ثم أصلي قريبا منه -يعنحي من النحبي صلى ال عليه وسلم -وأسارقه النظحر ،فإذا أقبلت
على صلتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني ...الحديث؛ ولم يأمره بإعادة.
@ اختلف الناس في الخشوع ،هل هو من فرائض الصلة أو من فضائلها ومكملتها على قولين.
والصحححيح الول ،ومحله القلب ،وهححو أول علم يرفححع مححن الناس؛ قاله عبادة بححن الصححامت ،رواه
الترمذي محن حديحث جحبير بحن نفيحر عحن أبحي الدرداء ،وقال :هذا حديحث حسحن غريحب .وقحد خرجحه
النسائي من حديث جبير بن نفير أيضا عن عوف بن مالك الشجعي من طريق صحيحة .قال أبو
عيسحى :ومعاويحة بحن صحالح ثقحة عنحد أهحل الحديحث ،ول نعلم أحدا تكلم فيحه غيحر يحيحى بحن سحعيد
القطان.
قلت :معاوية بن صحالح أبو عمرو ويقال أبو عمر الحضرمي الحمصحي قاضحي الندلس ،سئل
عنه أبو حاتحم الرازي فقال :صحالح الحديث ،كتب حديثه ول يحتج به .واختلف فيه قول يحيى بن
معيحن ،ووثقحه عبدالرحمحن بحن مهدي أحمحد بحن حنبحل وأبحو زرعحة الرازي ،واحتحج بحه مسحلم فحي
صححيحه .وتقدم فحي "البقرة" معنحى اللغحو والزكاة فل معنحى للعادة .وقال الضحاك :إن اللغحو هنحا
الشرك .وقال الحسحن :إنحه المعاصحي كلهحا .فهذا قول جامحع يدخحل فيحه قول محن قال :هحو الشرك؛
وقول من قال هو الغناء؛ كما روى مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر ،على ما يأتي في "لقمان"
بيانه .ومعنى "فاعلون" أي مؤدون؛ وهي فصيحة ،وقد جاءت في كلم العرب .قال أمية ابن أبي
الصلت:
مة والفاعلون للزكوات المطعمون الطعام في السنة الز
@قوله تعالى" :والذيحن هحم لفروجهحم حافظون" قال ابحن العربحي" :محن غريحب القرآن أن هذه
اليات العشحر عامحة فحي الرجال والنسحاء ،كسحائر ألفاظ القرآن التحي هحي محتملة لهحم فإنهحا عامحة
فيهحم ،إل قول "والذيحن هحم لفروجهحم حافظون" فإنمحا خاطحب بهحا الرجال خاصحة دون الزوجات،
"إل على أزواجهحم أو محا ملكحت أيمانهحم" وإنمحا عرف حفحظ المرأة فرجهحا محن أدلة أخرى كآيات
الحصان عموما وخصوصا وغير ذلك من الدلة.
قلت :وعلى هذا التأويل في الية فل يحل لمرأة أن يطأها من تملكه إجماعا من العلماء؛ لنها
غيحر داخلة فحي اليحة ،ولكنهحا لو أعتقتحه بعحد ملكهحا له جاز له أن يتزوجهحا كمحا يجوز لغيره عنحد
الجمهور .وروي عن عبيدال بن عبدال بن عتبة والشعبي والنخعي أنها لو أعتقته حين ملكته كانا
على نكاحهما .قال أبو عمر :ول يقل هذا أحد من فقهاء المصار؛ لن تملكها عندهم يبطل النكاح
بينهما ،وليس ذلك بطلق وإنا هو فسخ للنكاح؛ وأنها لو أعتقته بعد ملكها له لم يراجعها إل بنكاح
جديد ولو كانت في عدة منه.
@ قال محمد بن الحكم :سمعت حرملة بن عبدالعزيز قال :سألت مالكا عن الرجل يجلد عميرة،
فتل هذه اليححة "والذيححن هححم لفروجهححم حافظون" -إلى قوله " -العادون" .وهذا لنهححم يكنون عححن
الذكر بعميرة؛ وفيه يقول الشاعر:
فاجلد عميرة ل داء ول حرج إذا حللت بواد ل أنيس به
ويسحميه أهحل العراق السحتمناء ،وهحو اسحتفعال محن المنحي .وأحمحد بحن حنبحل على ورعحه يجوزه،
ويحتحج بأنحه إخراج فضلة محن البدن فجاز عنحد الحاجحة؛ أصحله القصحد والحجامحة .وعامحة العلماء
على تحريمه .وقال بعض العلماء :إنه كالفاعل بنفسه ،وهي معصية أحدثها الشيطان وأجراها بين
الناس حتحى صحارت قيلة ،ويحا ليتهحا لم تقحل؛ ولو قام الدليحل على جوازهحا لكان ذو المروءة يعرض
عنهحا لدناءتهحا .فإن قيحل :إنهحا خيحر محن نكاح المحة؛ قلنحا :نكاح المحة ولو كانحت كافرة على مذهحب
بعض العلماء خير من هذا ،وإن كان قد قال به قائل أيضا ،ولكن الستمناء ضعيف في الدليل أو
بالرجل الدنيء فكيف بالرجل الكبير.
@قوله تعالى" :إل على أزواجهم" قال الفراء :أي من أزواجهم اللتي أحل ال لهم ل يجاوزون.
"أو ما ملكت أيمانهم" في موضع خفض معطوفة على "أزواجهم" و"ما" مصدرية .وهذا يقتضي
تحريم الزنى وما قلناه من الستنماء ونكاح المتعة؛ لن المتمتع بها ل تجري مجرى الزوجات ،ل
ترث ول تورث ،ول يلححق بحه ولدهحا ،ول يخرج محن نكاحهحا بطلق يسحتأنف لهحا ،وإنمحا يخرج
بانقضاء المدة التي عقدت عليها وصارت كالمسحتأجرة .ابن العربحي :إن قلنحا إن نكاح المتعحة جائز
فهحي زوجحة إلى أجحل ينطلق عليهحا اسحم الزوجيحة .وإن قلنحا بالححق الذي أجمعحت عليحه المحة محن
تحريم نكاح المتعة لما كانت زوجة فلم تدخل في الية.
قلت :وفائدة هذا الخلف هحل يجحب الححد ول يلححق الولد كالزنحى الصحريح أو يدفحع الححد للشبهحة
ويلححق الولد ،قولن لصححابنا .وقحد كان للمتعة فحي التحليل والتحريم أحوال؛ فمحن ذلك أنهحا كانحت
مباحة ثم حرمها رسول ال صلى ال عليه وسلم زمن خيبر ،ثم حللها في غزاة الفتح؛ ثم حرمها
بعحد؛ قاله ابحن خويحز منداد محن أصححابنا وغيره ،وإليحه أشار ابحن العربحي .وقحد مضحى فحي "النسحاء"
القول فيها مستوفى.
@قوله تعالى" :فمحن ابتغحى وراء ذلك فأولئك هحم العادون" فسحمى محن نكحح محا ل يححل عاديحا
وأوجحب عليحه الححد لعدوانحه ،واللئط عاد قرآنحا ولغحة ،بدليحل قوله تعالى" :بحل أنتحم قوم عادون"
[الشعراء ]166 :وكمحا تقدم فحي "العراف"؛ فوجحب أن يقام الححد عليهحم ،وهذا ظاهحر ل غبار
عليه.
قلت :فيحححه نظحححر ،محححا لم يكحححن جاهل أو متأول ،وإن كان الجماع منعقدا على أن قوله تعالى:
"والذين هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين" خص به
الرجال دون النسححاء؛ فقححد روى معمححر عححن قتادة قال :تسححررت امرأة غلمهححا؛ فذكححر ذلك لعمححر
فسحألها :محا حملك على ذلك؟ قالت :كنحت أراه يححل لي ملك يمينحي كمحا يححل للرجحل المرأة بملك
اليمين؛ فاستشار عمر في رجمها أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا :تأولت كتاب ال
عز وجل على غير تأويله ،ل رجم عليها .فقال عمر :ل جرم! وال ل أحلك لحر بعده أبدا .عاقبها
ط لك ودرأ الححد عنهحا ،وأم العبحد أل يقربهحا .وعحن أبحي بكحر بحن عبدال أنحه سحمع أباه يقول :أنحا
حضرت عمحر ابحن عبدالعزيحز جاءتحه امرأة بغلم لهحا وضيحء فقالت :إنحي اسحتسررته فمنعنحي بنحو
عمي عن ذلك ،وإنما أنا بمنزلة الرجل تكون له الوليدة فيطؤها؛ فإنه عني بني عمي؛ فقال عمر:
أتزوجحت قبله؟ قالت نعحم؛ قال :أمحا وال لول منزلتحك محن الجهالة لرجمتحك بالحجارة؛ ولكحن اذهبوا
بحه فحبيعوه إلى محن يخرج بحه إلى غيحر بلدهحا .و"وراء" بممنحى سحوى ،وهحو مفعول بحح "ابتغحى" أي
محن طلب سحوى الزواج والولئد المملوكحة له .وقال الزجاج :أي فمحن ابتغحى محا بعحد ذلك؛ فمفعول
البتغاء محذوف ،و"وراء" ظرف .و"ذلك" يشار بحححححه إلى كحححححل مذكور مؤنثحححححا كان أو مذكرا.
"فأولئك هم العادون" أي المجاوزون الحد؛ من عدا أي جاوز الحد وجازه.
@ قرأ الجمهور "لماناتهحم" بالجمحع .وابحن كثيحر بالفراد .والمانحة والعهحد يجمحع كحل محا يحمله
النسان من أمر دينه ودنياه قول فعل .وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك؛ وغاية ذلك
حفظه والقيام به .والمانة أعم من العهد ،وكل عهد فهو أمانة فيما تقدم فيه قول أو فعل أو معتقد.
@ قرأ الجمهور "صلواتهم" وحمزة والكسائي "صلتهم" بالفراد؛ وهذا الفراد اسم جنس فهو
فحي معنحى الجميحع .والمحافظحة على الصحلة إقامتهحا والمبادرة إليهحا أوائل أوقاتهحا ،وإتمام ركوعهحا
وسجودها .وقد تقدم في "البقرة" مستوفى .ثم قال" :أولئك هم الوارثون" أي من عمل بما ذكر في
هذه اليات فهححم الوارثون؛ أي يرثون منازل أهححل النار مححن الجنححة .وفححي الخححبر عححن أبححي هريرة
رضحي ال عنحه عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم (إن ال تعالى جعحل لكحل إنسحان مسحكنا فحي الجنحة
ومسكنا في النار فأما المؤمنون فيأخذون منازلهم ويرثون منازل الكفار ويجعل الكفار في منازلهم
في النار) .خرجه ابن ماجة بمعناه .عن أبي هريرة أيضا قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(ما منكم من أحد إل وله منزلن منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل
الجنة منزله فذلك قوله تعالى" :أولئك هم الوارثون") .إسناده صحيح .ويحتمل أن يسمى الحصول
على الجنحة وراثحة محن حيحث حصحولها دون غيرهحم ،فهحو اسحم مسحتعار على الوجهيحن .والفردوس
ربوة الجنحة وأوسحطها وأفضلهحا .خرجحه الترمذي محن حديحث الربيحع بحن النضحر أم حارثحة ،وقال:
حديحث حسحن صححيح .وفحي حديحث مسحلم (فإذا سحألتم ال فسحلوه الفردوس فإنحه أوسحط الجنحة وأعلى
الجنحة ومنحه تفجحر أنهار الجنحة) .قال أبحو حاتحم محمحد بحن حبان :قوله صحلى ال عليحه وسحلم (فإنحه
أوسط الجنة) يريد أن الفردوس في وسط الجنان في العرض وهو أعلى الجنة ،يريد في الرتفاع.
وهذا كله يصححح قول أبحي هريرة :إن الفردوس جبحل الجنحة التحي تتفجحر منحه أنهار الجنحة .واللفظحة
فيما قال مجاهد :رومية عربت .وقيل :هي فارسية عربت .وقيل :حبشية؛ وإن ثبت ذلك فهو وفاق
بيححن اللغات .وقال الضحاك :هححو عربححي وهححو الكرم؛ والعرب تقول للكروم فراديححس" .هححم فيهححا
خالدون" فأنث على معنى الجنة.
**3اليات{ 14 - 12 :ولقد خلقنا النسان من سللة من طين ،ثم جعلناه نطفة في قرار مكين،
ثحم خلقنحا النطفحة علقحة فخلقنحا العلقحة مضغحة فخلقنحا المضغحة عظامحا فكسحونا العظام لحمحا ثحم أنشأناه
خلقا آخر فتبارك ال أحسن الخالقين}
@قوله تعالى" :ولقد خلقنا النسان" النسان هنا آدم عليه الصلة والسلم؛ قاله قتادة وغيره ،لنه
اسحتل محن الطيحن .ويجيحء الضميحر فحي قوله" :ثحم جعلناه" عائدا على ابحن آدم ،وإن كان لم يذكحر
لشهرة المر؛ فإن المعنى ل يصلح إل له .نظير ذلك "حتى توارت بالحجاب" [ص .]32 :وقيل:
المراد بالسححللة ابححن آدم؛ قاله ابححن عباس وغيره .والسححللة على هذا صححفوة الماء ،يعنححي المنححي.
والسحللة فعالة محن السحل وهحو اسحتخراج الشيحء محن الشيحء؛ يقال :سحللت الشعحر محن العجيحن،
والسيف من الغمد فانسل؛ ومنه قوله:
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
فالنطفة سللة ،والولد سليل وسللة؛ عنى به الماء يسل من الظهر سل .قال الشاعر:
سللة فرج كان غير حصين فجاءت به عضب الديم غضنفرا
وقال آخر:
سليلة أفراس تجللها بغل وما هند إل مهرة عربية
وقوله "من طين" أي أن الصل آدم وهو من طين .قلت :أي من طين خالص؛ فأما ولده فهو من
طين ومني ،حسبما بيناه في أول سورة النعام .وقال الكلبي :السللة الطين إذا عصرته انسل من
بين أصابعك؛ فالذي يخرج هو السللة" .نطفة" قد مضى القول فيه" .ثم أنشأناه خلقا آخر" اختلف
الناس في الخلق الخر؛ فقال ابن عباس والشعبي وأبو العالية والضحاك وابن زيد :هو نفخ الروح
فيححه بعححد أن كان جمادا .وعححن ابححن عباس :خروج إلى الدنيححا .وقال قتادة عححن فرقححة :نبات شعره.
الضحاك :خروج السنان ونبات الشعر .مجاهد :كمال شبابه؛ وروي عن ابن عمر :والصحيح أنه
عام في هذا وفي غيره من النطق والدراك وحسن المحاولة وتحصيل المعقولت إلى أن يموت.
@قوله تعالى" :فتبارك ال أحسن الخالقين" يروى أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الية إلى
قوله "خلقححا آخححر" قال فتبارك ال أحسححن الخالقيححن؛ فقال رسححو ال صححلى ال عليححه وسححلم( :هكذا
أنزلت) .وفي مسند الطيالسي :ونزلت "ولقد خلقنا النسان من سللة من طين" الية؛ فلما نزلت
قلت أنا :تبارك ال أحسن الخالقين؛ فنزلت "تبارك ال أحسن الخالقين" .ويروى أن قائل ذلك معاذ
ابحن جبحل .وروي أن قائل ذلك عبدال بحن أبحي سحرح ،وبهذا السحبب ارتحد وقال :أتحي بمثحل محا يأتحي
محمد؛ وفيه نزل "ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن
قال سحأنزل مثحل محا أنزل ال" [النعام ]93 :على محا تقدم بيانحه فحي "النعام" .وقوله تعالى:
"فتبارك" تفاعحل محن البركحة" .أحسحن الخالقيحن" أتقحن الصحانعين .يقال لمحن صحنع شيئا خلقحه؛ ومنحه
قول الشاعر:
حض القوم يخلق ثم ل يفري ولنت تقري ما خلقت وبعح
وذهحب بعحض الناس إلى نفحي هذه اللفظحة عحن الناس وإنمحا يضاف الخلق إلى ال تعالى .وقال ابحن
جريحج :إنمحا قال "أحسحن الخالقيحن" لنحه تعالى قحد أذن لعيسحى عليحه السحلم أن يخلق؛ واضطرب
بعضهحم فحي ذلك .ول تنفحى اللفظحة عحن البشحر فحي معنحى الصحنع؛ وإنمحا هحي منفيحة بمعنحى الختراع
وإيجاد من العدم.
مسحألة :من هذه الية قال ابن عباس لعمحر حيحن سأل مشيخة الصححابة عن ليلة القدر فقالوا :ال
أعلم؛ فقال عمر :ما تقول يا ابن عباس؟ فقال :يا أمير المؤمنين إن ال تعالى خلق السموات سبعا
والرضيحن سحبعا ،وخلق ابحن آدم محن سحبع وجعحل رزقحه فحي سحبع ،فأراهحا فحي ليلة سحبع وعشريحن.
فقال عمحر رضحي ال عنه :أعجزكحم أن تأتوا بمثل ما أتحى هذا الغلم الذي لم تجتمحع شؤون رأسه.
وهذا الحديث بطول في مسند ابن أبي شيبة .فأراد ابن عباس "خلق ابن آدم من سبع" بهذه الية،
وبقوله "وجعحل رزقحه فحي سحبع" قوله "فأنبتنحا فيهحا حبحا .وعنبحا وقضبحا .وزيتونحا ونخل .وحدائق
علبا .وفاكهة وأبا" [عبس ]31 - 27 :الية .السبع منها لبن آدم ،والب للنعام .والقضب يأكله
ابحن آدم ويسحمن منحه النسحاء؛ هذا قول .وقيحل :القضحب البقول لنهحا تقضحب؛ فهحي رزق ابحن آدم.
وقيحل :القضحب والب للنعام ،والسحت الباقيحة لبحن آدم ،والسحابعة هحي للنعام؛ إذ هحي محن أعظحم
رزق ابن آدم.
**3اليتان{ 16 - 15 :ثم إنكم بعد ذلك لميتون ،ثم إنكم يوم القيامة تبعثون}
@قوله تعالى" :أي بعد الخلق والحياة .والنحاس :ويقال في هذا المعنى لمائتون" .ثم أخبر بالبعث
بعد الموت فقال" :ثم إنكم يوم القيامة تبعثون".
**3الية{ 17 :ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين}
@قوله تعالى" :ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق" قال أبو عبيدة :أي سبع سموات .وحكى عنه أنه
يقال :طارقت الشيء ،أي جعل بعضه فوق بعض؛ فقيل للسموات طرائق لن بعضها فوق بعض.
والعرب تسحمي كحل شيحء فوق شيحء طريقحة .وقيحل :لنهحا طرائق الملئكحة" .ومحا كنحا عحن الخلق
غافليحن" قال بعحض العلماء :عحن خلق السحماء .وقال أكثحر المفسحرين :أي عحن الخلق كلهحم محن أن
تسقط عليهم فتهلكهم.
قلت :ويحتمحل أن يكون المعنحن "ومحا كنحا عحن الخلق غافليحن" أي فحي القيام بمصحالحه وحفظحه؛
وهو معنى الحي القيوم؛ على ما تقدم.
**3الية{ 18 :وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الرض وإنا على ذهاب به لقادرون}
@الولى :هذه اليحة محن نعحم ال تعالى على خلقحه وممحا آمتحن بحه عليهحم؛ ومحن أعظحم المنحن الماء
الذي هححو حياة البدان ونماء الحيوان .والماء المنزل مححن السححماء على قسححمين :هذا الذي ذكححر ال
سححبحانه وتعالى وأخححبر بأنححه اسححتودعه فالرض ،وجعله فيهححا مختزنححا لسححقي الناس يجدونححه عنححد
الحاجة إليه؛ وهو ماء النهار والعيون وما يستخرج من البار .وروي عن ابن عباس وغيره أنه
إنمحا أراد النهار الربعحة :سحيحان وجيحان ونيحل مصحر والفرات .وقال مجاهحد :ليحس فحي الرض
ماء إل وهحو محن السحماء .وهذا ليحس على إطلقحه ،وإل فالجاج ثابحت فحي الرض ،فيمكحن أن يقيحد
قوله بالماء العذب ،ول محالة أن ال تعالى قحد جعحل فحي الرض ماء وأنزل محن السحماء ماء .وقحد
قيحل :إن قوله "وأنزلنحا محن السحماء ماء" إشارة إلى الماء العذب ،وأن أصحله محن البححر ،رفعحه ال
تعالى بلطفه وحسن تقديره من البحر إلى السماء ،حتى طاب بذلك الرفع والتصعيد؛ ثم أنزله إلى
الرض لنتفع به ،ولو كان المر إلى ماء البحر لما انتفع به من ملوحته.
@قوله تعالى" :بقدر" أي على مقدار مصحلح ،لنحه لو كثحر أهلك؛ ومنحه قوله تعالى" :وإن محن
شيحء إل عندنحا خزائنحه ومحا تنزله إل بقدر معلوم" الحجحر" .]21 :وإنحا على ذهاب بحه لقادرون"
يعنحي الماء المختزن .وهذا تهديحد ووعيحد؛ أي فحي قدرتنحا إذهابحه وتغويره ،ويهلك الناس بالعطحش
وتهلك مواشيهحم؛ وهذا كقوله تعالى" :قحل أرأيتحم إن أصحبح ماؤكحم غورا" أي غائرا "فمحن يأتيكحم
بماء معين" [الملك.]30 :
@ ذكحر النحاس :قرئ على أبحي يعقوب إسححاق بن إبراهيحم بحن يونحس عحن جامحع بن سحوادة فال:
حدثنحا سحعيد بحن سحابق قال حدثنحا مسحلمة بحن علي عحن مقاتحل بحن حيان عحن عكرمحة عحن ابحن عباس
رضحي ال عنهمحا عحن النحبي صحلى ال عليه وسحلم قال( :أنزل ال عحز وجحل محن الجنة إلى الرض
خمسحة أنهار سحيحون وهحو نهحر الهنحد وجيحون وهحو نهحر بلخ ودجلة والفرات وهمحا نهرا العراق
والنيحل وهحو نهحر مصحر أنزلهحا ال تعالى محن عيحن واحدة محن عيون الجنحة فحي أسحفل درجحة محن
درجاتها على جناح جبريل عليه السلم فاستودعها الجبال وأجراها في الرض وجعل فيها منافع
للناس فححي أصححناف معايشهححم وذلك قوله جححل ثناؤه" :وأنزلنححا مححن السححماء ماء بقدر فأسححكناه فححي
الرض" فإذا كان عنححد خروج يأجوج ومأجوج أرسححل ال عححز وجححل جبريححل فرفححع مححن الرض
القرآن والعلم وجميع النهار الخمسة فيرفع ذلك إلى السماء فذلك قوله تعالى" :وإنا على ذهاب به
لقادرون" فإذا رفعت هذه الشياء من الرض فقد أهلها خير الدين والدنيا).
كل ما نزل من السماء مختزنا كان أو غير مختزن فهو طاهر مطهر يغتسل به ويتوضأ منه؛
على ما يأتي في "الفرقان" بيانه.
**3الية{ 19 :فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون}
@قوله تعالى" :فأنشأنحا" أي جعلنحا ذلك سحبب النبات ،وأوجدناه بحه وخلقناه .وذكحر تعالى النخيحل
والعناب لنهححا ثمرة الحجاز بالطائف والمدينححة وغيرهمححا؛ قاله الطححبري .ولنهححا أيضححا أشرف
الثمار ،فذكرهحا تشريفحا لهحا وتنبيهحا عليهحا" .لكحم فيهحا" أي فحي الجنات" .فواكحه" محن غيحر الرطحب
والعنب .ويحتمل أن يعود على النخيل والعناب خاصة إذ فيها مراتب وأنواع؛ والول أعم لسائر
الثمرات.
@ محن حلف أل يأكحل فاكهحة؛ فحي الروايحة عندنحا يحنحث بالباقلء الخضراء ومحا أشبههحا .وقال أبحو
حنيفححة :ل يحنححث بأكححل القثاء والخيار والجزر ،لنهححا مححن القبول ل مححن الفاكهححة .وكذلك الجوز
واللوز والفستق؛ لن هذه الشياء ل تعد من الفاكهة وإن أكل تفاحا أو خوخا أو مشمشا أو تينا أو
إجاصحا يحنحث .وكذلك البطيحخ؛ لن هذه الشياء كلهحا تؤكحل على جهحة التفكحه قبحل الطعام وبعده؛
فكانحت فاكهحة .وكذلك يابحس هذه الشياء إل البطيحخ اليابحس لن ذلك ل يؤكحل إل فحي بعحض البلدان.
ول يحنث بأكل البطيخ الهندي لنه ل يعد من الفواكه .وإن أكل عنبا أو رمانا أو رطبا ل يحنث.
وخالفه صاحباه فقال يحنث؛ لن هذه الشياء من أعز الفواكه ،وتؤكل على وجه التنعم .والفراد
لها بالذكر في كتاب ال عز جل لكمال معانيها؛ كتخصيص جبريل وميكائيل من الملئكة .واحتج
أبححو حنيفححة بأن قال :عطححف هذه الشياء على الفاكهححة مرة فقال "فيهمححا فاكهححة ونخححل ورمان"
]31 [الرحمححن ]68 :ومرة عطححف الفاكهححة على هذه الشياء فقال" :وفاكهححة وأبححا" [عبححس:
والمعطوف غيححر المعطوف عليححه ،ول يليححق بالحكمححة ذكححر الشيححء الواحححد بلفظيححن مختلفيححن فححي
موضع المنة .والعنب والرمان يكتفى بهما في بعض البلدان فل يكون فاكهة؛ ولن ما كان فاكهة
ل فرق بين رطبه ويابسه ،ويابس هذه الشياء ل يعد فاكهة فكذلك رطبها.
**3الية{ 20 :وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للكلين}
@قوله تعالى" :وشجرة" شجرة عطحف على جنات .وأجاز الفراء الرفحع لنحه لم يظهحر الفعحل،
بمعنححى وثححم شجرة؛ ويريححد بهححا شجرة الزيتون .وأفردهححا بالذكححر لعظيححم منافعهححا فححي أرض الشام
والحجاز وغيرهمحا محن البلد ،وقلة تعاهدهحا بالسحقي والحفحر وغيحر ذلك محن المراعاة فحي سحائر
الشجار" .تخرج" فحي موضع الصفة" .من طور سيناء" أي أنبتها ال في الصحل من هذا الجبل
الذي بارك ال فيححه .وطور سححيناء مححن أرض الشام وهححو الجبححل الذي كلم ال عليححه موسححى عليححه
السحلم؛ قال ابحن عباس وغيره ،وقحد تقدم فحي البقرة والعراف .والطور الجبحل فحي كلم العرب.
وقيحل :هحو ممحا عرب محن كلم العجحم .وقال ابحن زيحد :هحو جبحل بيحت المقدس ممدود محن مصحر إلى
أيلة .واختلف فححي سححيناء؛ فقال قتادة :معناه الحسححن؛ ويلزم على هذا التأويححل أن ينون الطور على
النعت .وقال مجاهد :معناه مبارك .وقال معمر عن فرقة :معناه شجر؛ ويلزمهم أن ينونوا الطور.
وقال الجمهور :هو اسم الجبل؛ كما تقول جبل أحد .وعن مجاهد أيضا :سيناء حجر بعينه أضيف
الجبل إليه لوجوده عنده .وقال مقاتل :كل جبل يحمل الثمار فهو سيناء؛ أي حسن .وقرأ الكوفيون
بفتححح السححين على وزن فعلء؛ وفعلء فححي كلم العرب كثيححر؛ يمنححع مححن الصححرف فححي المعرفححة
والنكرة؛ لن في آخرها ألف التأنيث ،وألف التأنيث ملزمة لما هي فيه ،وليس في الكلم فعلء،
ولكحن محن قرأ سحيناء بكسحر السحين جعحل فعلل؛ فالهمزة فيحه كهمزة حرباء ،ولم يصحرف فحي هذه
الية لنه جعل اسم بقعة 0وزعم الخفش أنه اسم أعجمي.
@قوله تعالى" :تنبت بالدهن" قرأ الجمهور "تنبت" بفتح التاء وضم الباء ،والتقدير :تنبت ومعها
الدهن؛ كما تقول :خرج زيد بسلحه .وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بقسم التاء وكسر الباء .واختلف
فحي التقديحر على هذه القراءة؛ فقال أبحو علي الفارسحي :التقديحر تنبحت جناهحا ومعحه الدهحن؛ فالمفعول
محذوف .وقيل :الباء زائدة؛ مثل "ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" [البقرة ]195 :وهذا مذهب أبي
عبيدة .وقال الشاعر:
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
وقال آخر:
سود المحاجر ل يقرأن بالسور هن الحرائر ل ربات أخمرة
ونححو هذا قال أبحو علي أيضحا؛ وقحد تقدم .وقيحل :نبحت وأنبحت بمعنحى؛ فيكون المعنحى كمحا مضحى فحي
قراءة الجمهور ،وهو مذهب الفراء وأبي إسحاق ،ومنه قول زهير:
حتى إذا أنبت البقل
والصمعي ينكر أنبت ،ويتهم قصيدة زهير التي فيها:
قطينا بها حتى إذا أنبت البقل رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم
أي نبحت .وقرأ الزهري والحسحن والعرج "تنبحت بالدهحن" برفحع التاء ونصحب الباء .قال ابحن جنحي
والزجاج :هحي باء الحال؛ أي تنبحت ومعهحا دهنهحا .وفحي قراءة ابحن مسحعود" :تخرج بالدهحن" وهحي
باء الحال .ابحن درسحتويه :الدهحن الماء الليحن؛ تنبحت محن النبات .وقرأ زر بحن حيحش "تنبحت -بضحم
التاء وكسحر الباء -الدهحن" بحذف الباء ونصحبه .وقرأ سحليمان بحن عبدالملك والشهحب "بالدهان".
والمراد محن اليحة تعديحه نعمحة الزيحت على النسحان ،وهحي محن أركان النعحم التحي ل غنحى بالصححة
عنها .ويدخل في معنى الزيتون شجر الزيت كله على اختلفه بحسب القطار.
@قوله تعالى" :وصبغ للكلين" قراءة الجمهور .وقرأت فرقة "وأصباغ" بالجمع .وقرأ عامر بن
عبحد قيحس "ومتاعحا"؛ ويراد بحه الزيحت الذي يصحطبغ بحه الكحل؛ يقال :صحبغ وصحباغ؛ مثحل دبحغ
ودباغ ،ولبس ولباس .وكل إدام يؤتدم به فهو صبغ؛ حكاه الهروي وغيره .وأصل الصبغ ما يلون
بححه الثوب ،وشبححه الدام بححه لن الخبححز يلون بالصححبغ إذا غمححس فيححه .وقال مقاتححل :الدم الزيتون،
والدهن الزيت .وقد جعل ال تعالى في هذه الشجرة أدما ودهنا؛ فالصبغ على هذا الزيتون.
ل خلف أن كحل محا يصحطبغ فيحه محن المائعات كالزيحت والسحمن والعسحل والرب والخحل وغيحر
ذلك محن المراق أنحه إدام .وقحد نحص رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم على الخحل فقال( :نعحم الدام
الخحل) رواه تسحعة محن الصححابة ،سحبعة رجال وامرأتان .وممحن رواه فحي الصححيح جابر وعائشحة
وخارجة وعمر وابنه عبيدال وابن عباس وأبو هريرة وسمرة بن جندب وأنس وأم هانئ.
واختلف فيمحا كان جامدا كاللححم والتمحر والزيتون وغيحر ذلك محن الجوامحد؛ فالجمهور أن ذلك
كله إدام؛ فمحن حلف أل يأكحل إدامحا فأكحل لحححا أو جبنحا حنحث .وقال أبحو حنيفحة :ل يحنحث؛ وخالفحه
صاحباه .وقد روي عن أبي يوسف مثل قول أبي حنيفة .والبقل ليس بإدام في قولهم جميعا .وعن
الشافعحي فحي التمحر وجهان؛ والمشهور أنحه ليحس بإدام لقوله فحي التنحبيه .وقيحل يحنحث؛ والصححيح أن
هذا كله إدام .وقحد روى أبحو داود عحن يوسحف بحن عبدال بحن سحلم قال :رأيحت النحبي صحلى ال عليحه
وسحلم أخحذ كسحرة محن خبحز شعيحر فوضحع عليهحا تمرة فقال( :هذا إدام هذه) .وقال صحلى ال عليحه
وسلم( :سيد إدام الدنيا والخرة اللحم) .ذكره أبو عمر .وترجم البخاري (باب الدام) وساق حديث
عائشحة؛ ولن الدام مأخوذ محن المؤادمحة وهحي الموافقحة ،وهذه الشياء توافحق الخبحز فكان إدامحا.
وفحي الحديحث عنحه عليحه السحلم( :ائتدموا ولو بالماء) .ولبحي حنيفحة أن حقيقحة الدام الموافقحة فحي
الجتماع على وجحه ل يقبحل الفصحل؛ كالخحل والزيحت ونحوهمحا ،وأمحا اللححم والبيحض وغيرهمحا ل
يوافحق الخبحز بحل يجاوزه كالبطيحخ والتمحر والعنحب .والحاصحل :أن كحل محا يحتاج فحي الكحل إلى
موافقة الخبز كان إداما ،وكل ما ل يحتاج ويؤكل على حدة ل يكون إداما ،وال أعلم.
@ روى الترمذي من حديث عمر بن الخطاب رضي ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه
وسححلم( :لوا الزيححت وادهنوا بححه فإنححه مححن شجرة مباركححة) .هذا حديححث ل يعرف إل مححن حديححث
عبدالرزاق ،وكان يضطرب فيه ،فربما يذكر فيه عن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم ،وربما
رواه على الشحك فقال :أحسحبه عحن عمحر عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم ،وربمحا قال :عحن زيحد بحن
أسلم عن أبيه عن النبي صلى ال عليه وسلم .وقال مقاتل :خص الطور بالزيتون لن أول الزيتون
نبت منها .وقيل :إن الزيتون أول شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان .وال أعلم.
**3اليات{ 27 - 21 :وإن لكم في النعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة
ومنها تأكلون ،وعليها وعلى الفلك تحملون ،ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا ال ما
لكححم مححن إله غيره أفل تتقون ،فقال المل الذيححن كفروا مححن قومححه مححا هذا إل بشححر مثلكححم يريححد أن
يتفضل عليكم ولو شاء ال لنزل ملئكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الولين ،إن هو إل رجل به جنة
فتربصوا به حتى حين ،قال رب انصرني بما كذبون ،فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا
فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إل من سبق عليه القول منهم
ول تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون}
@قوله تعالى" :وإن لكحم فحي النعام لعحبرة نسحقيكم ممحا فحي بطونهحا ولكحم فيهحا منافحع كثيرة ومنهحا
تأكلون ،وعليها وعلى الفلك تحملون" تقدم القول فيهمحا فحي النححل" .وعليهحا" أي وعلى النعام فحي
البر" .وعلى الفلك" فحي البححر" .تحملون" وإنمحا يحمحل فحي البر على البر فيجوز أن ترجحع الكنايحة
إلى بعض النعام .وروي أن رجل ركحب بقرة فحي الزمان الول فأنطقهحا ال تعالى معه فقالت :إنا
لم نخلق لهذا! وإنما خلقت للحرث" .ما لكم من إله غيره" قرئ بالخفض ردا على اللفظ ،وبالرفع
ردا على المعنى .وقد مضى في "العراف".
@قوله تعالى" :محا هذا إل بشحر مثلكحم يريحد أن يتفضحل عليكحم" أي يسحودكم ويشرف عليكحم بأن
يكون متبوعا ونحن له تبع" .ولو شاء ال لنزل ملئكة" أي لو شاء ال أل يعبد شيء سواه لجعل
رسول ملكا" .ما سمعنا بهذا" أي بمثل دعوته .وقيل :ما سمعنا بمثله بشرا؛ أي برسالة ربه" .في
آبائنحا الوليحن" أي فحي المحم الماضيحة؛ قال ابحن عباس .والباء فحي "بهذا" زائدة؛ أي محا سحمعنا هذا
كائنحا فحي أبائنحا الوليحن ،ثحم عطحف بعضهحم على بعحض فقالوا" :إن هحو" يعنون نوححا "إل رجحل بحه
جنة" أي جنون ل يدري ما يقول" .فتربصوا به حتى حين" أي انتظروا موته .وقيل :حتى يستبين
جنونحه .وقال الفراء :ليحس يراد بالحيحن هحا هنحا وقحت بعينحه ،إنمحا هحو كقول :دعحه إلى يوم محا .فقال
حيحن تمادوا على كفرهحم" :رب انصحرني بمحا كذبون" أي انتقحم ممحن لم يطعحن ولم يسحمع رسحالتي.
"فأوحينا إليه" أي أرسلنا إليه رسل من السماء "أن اصنع الفلك" على ما تقدم بيانه.
@قوله تعالى" :فاسلك فيها" أي أدخل فيها واجعل فيها؛ يقال :سلكته في كذا وأسلكته فيه في كذا
وأسلكته فيه إذا أدخلته .قال عبد مناف بن ربع الهذلي:
شل كما تطرد الجمالة الشردا حتى إذا أسلكوهم في قتائدة
"من كلّ زوجين اثنين" قرأ حفص "من كل" بالتنوين ،الباقون بالضافة؛ وقد ذكر .وقال الحسن:
لم يحتمل نوج في السفينة إل ما يلد ويبيض ،فأما البق والذباب والدود فلم يحمل شيئا منها ،وإنما
خرج من الطين .وقد مضى القول في السفينة والكلم فيها مستوفى ،والحمد ل.
**3اليحة{ 28 :فإذا اسحتويت أنحت ومحن معحك على الفلك فقحل الحمحد ل الذي نجانحا محن القوم
الظالمين}
@قوله تعالى" :فإذا استويت" أي علوت" .أنت ومن معك على الفلك" راكبين" .فقل الحمد ل"
أي احمدوا ال على تخليصه إياكم" .الذي نجانا من القوم الظالمين" ومن الغرق .والحمد ل :كلمة
كل شاكر ل .وقد مضى في الفاتحة بيانه.
**3الية{ 29 :وقل رب أنزلني منزل مباركا وأنت خير المنزلين}
@قوله تعالى" :وقحل رب أنزلنحي منزل مباركحا" قراءة العامحة "منزل" بضحم الميحم وفتحح الزاي،
على المصححدر الذي هححو النزال؛ أي انزلنححي إنزال مباركححا .وقرأ زر بححن حححبيش وأبححو بكححر عححن
عاصحم والمفضحل "منزل" بفتحح الميحم وكسحر الزاي على الموضحع؛ أي أنزلنحي موضعحا مباركحا.
الجوهري :المنزل (بفتح الميم والزاي) النزول وهو الحلول؛ تقول :نزلت نزول ومنزل .وقال:
بكيت فدم العين منحدر سجل أأن ذكرتك الدار منزلها جمل
نصححب "المنزل" لنححه مصححدر .وأنزل غيره واسححتنزله بمعنححى .ونزله تنزيل؛ والتنزيححل أيضححا
الترتيحب .قال ابحن عباس ومجاهحد :هذا حيحن خرج محن السحفينة؛ مثحل قوله تعالى" :اهبحط بسحلم منحا
وبركات عليحك وعلى أمحم ممحن معحك" [هود .]48 :وقيحل :حيحن دخلهححا؛ فعلى هذا يكون قول
"مباركا" يعني بالسلمة والنجاة.
قلت :وبالجملة فالية تعليم من ال عز وجل لعباده إذا ركبوا وإذا نزلوا أن يقولوا هذا؛ بل وإذا
دخلوا بيوتهحم وسحلموا قالوا .وروي عحن علي رضحي ال عنحه أنحه كان إذا دخحل المسحجد قال :اللهحم
أنزلني منزل مباركا وأنت خير المنزلين.
**3الية{ 30 :إن في ذلك ليات وإن كنا لمبتلين}
@قوله تعالى" :إن فحي ذلك" أي فحي أمحر نوج والسحفينة وإهلك الكافريحن" .ليات" أي دللت
على كمال قدرة ال تعالى ،وأنحه ينصحر أنحبياءه ويهلك أعداءهحم" .وإن كنحا لمبتليحن" أي محا كنحا إل
مبتلين المم قبلكم؛ أي مختبرين لهم بإرسال الرسل إليهم ليظهر المطيع والعاصي فيتبين للملئكة
حالهحم؛ ل أن يسحتجد الرب علمحا .وقيحل :أي نعاملهحم معاملة المختحبرين .وقحد تقدم هذا المعنحى فحي
"البقرة" وغيرها .وقيل" :إن كنا" أي وقد كنا.
**3اليتان{ 32 - 31 :ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ،فأرسلنا فيهم رسول منهم أن اعبدوا
ال ما لكم من إله غيره أفل تتقون}
@قوله تعالى" :ثم أنشأنا من بعدهم" أي من بعد هلك قوم نوح" .قرنا آخرين" قيل :هم قوم عاد.
"فأرسلنا فيهم رسول" يعني هودا؛ لنه ما كانت أمة أنشأت في إثر قوم نوح إل عاد .وقيل :هم
قوم ثمود "فأرسلنا فيهم رسول" يعني صالحا .قالوا :والدليل عليه قوله تعالى آخر الية "فأخذتهم
الصيحة" [المؤمنون]41 :؛ نظيرها" :وأخذ الذين ظلموا الصيحة" [هود.]67 :
قلت :وممن أخذ بالصيحة أيضا أصحاب مدين قوم شعيب ،فل يبعد أن يكونوا هم ،وال أعلم.
"منهم" أي من عشيرتهم ،يعرفون مولده ومنشأه ليكون سكونهم إلى قول أكثر.
**3اليات{ 35 - 33 :وقال المل محن قومحه الذيحن كفروا وكذبوا بلقاء الخرة وأترفناهحم فحي
الحياة الدنيحا محا هذا إل بشحر مثلكحم يأكحل ممحا تأكلون منحه ويشرب ممحا تشربون ،ولئن أطعتحم بشرا
مثلكم إنكم إذا لخاسرون ،أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون}
@قوله تعالى" :وقال المل من قومه" أي الشراف والقادة والرؤساء" .الذين كفروا وكذبوا بلقاء
الخرة" يريحد بالبعحث والحسحاب" .وأترفناهحم فحي الحياة الدنيحا" أي وسحعنا عليهحم نعحم الدنيحا حتحى
بطروا وصحاروا يؤتون بالترفحة ،وهحي مثحل التحفحة" .محا هذا إل بشحر مثلكحم يأكحل ممحا تأكلون منحه
ويشرب ممحا تشربون" فل فضحل له عليكحم لنحه محتاج إلى الطعام والشراب كأنتحم .وزعحم الفراء
أن معنححى "ويشرب ممححا تشربون" على حذف مححن ،أي ممححا تشربون منححه؛ وهذا ل يجوز عنححد
البصحريين ول يحتاج إلى حذف البتحة؛ لن "محا" إذا كان مصحدرا لم يحتحج إلى عائد ،فإن جعلتهحا
بمعنحححى الذي حذفحححت المفعول ولم يحتحححج إلى إضمار محححن" .ولئن أطعتحححم بشرا مثلكحححم إنكحححم إذا
لخاسرون" يريد لمغبونون بترككم آلهتكم واتباعكم إياه من غير فضيلة له عليكم" .أيعدكم أنكم إذا
متحم وكنتحم ترابحا وعظامحا أنكحم مخرجون" أي مبعوثون محن قبوركحم .و"أن" الولى فحي موضحع
نصححب بوقوع "يعدكححم" عليهححا ،والثانيححة بدل منهححا؛ هذا مذهححب سححيبويه .والمعنححى :أيعدكححم أنكححم
مخرجون إذا متححم .قال الفراء :وفححي قراءة عبدال "أيعدكححم إذا متححم وكنتححم ترابححا وعظامححا أنكححم
مخرجون"؛ وهحو كقولك :أظحن إن خرجحت أنحك نادم .وذهحب الفراء والجرمحي وأبحو العباس المحبرد
إلى أن الثانيحة مكررة للتوكيحد ،لمحا طال الكلم كان تكريرهحا حسحنا .وقال الخفحش :المعنحى أيعدكحم
أنكحم إذا متم وكنتم ترابحا وعظاما يحدث إخراجكحم؛ فحح "أن" الثانية فحي موضحع رفحع بفعحل مضمحر؛
كما تقول :اليوم القتال ،فالمعنى اليوم يحدث القتال .وقال أبو إسحاق :ويجوز "أيعدكم إنكم إذا متم
وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون"؛ لن معنى "أيعدكم" أيقول إنكم.
**3الية{ 36 :هيهات هيهات لما توعدون}
@ قال ابن عباس :هي كلمة للبعد؛ كأنهم قالوا بعيد ما توعدون؛ أي أن هذا ل يكون ما يذكر من
البعث .وقال أبو علي :هي بمنزلة الفعل؛ أي بعد ما توعدون .وقال ابن النباري :وفي "هيهات"
عشححر لغات :هيهات لك (بفتححح التاء) وهححي قراءة الجماعححة .وهيهات لك (بخفححض التاء)؛ ويروى
عن أبي جعفر بن القعقاع .وهيهات لك (بالخفض والتنوين) يروى عن عيسى ابن عمر .وهيهات
لك (برفحع التاء)؛ الثعلبحي :وبهحا قرأ نصحر بحن عاصحم وأبحو العاليحة .وهيهات لك (بالرفحع والتنويحن)
وبها قرأ أبو حيوة الشامي؛ ذكره الثعلبي أيضا .وهيهاتا لك (بالنصب والتنوين) قال الحوص:
وهيهات هيهاتا إليك رجوعها تذكرت أياما مضين من الصبا
واللغة السابعة :أيهات أيهات؛ وأنشد الفراء:
به وأيهات خل بالعقيق نواصله فأيهات أيهات العقيق ومن
قال المهدوي :وقرأ عيسى الهمداني "هيهات هيهات" بإسكان .قال ابن النباري :ومن العرب من
يقول "أيهان" بالنون ،ومنهم من يقول "أيها" بل نون .وأنشد الفراء:
وكتمان أيها ما أشت وأبعدا ومن دوني العيان والقنع كله
فهذه عشر لغات .فمن قال "هيهات" بفتح التاء جعله مثل أين وكيف .وقيل :لنهما أداتان مركبتان
مثحل خمسحة عشحر وبعلبحك ورام هرمحز ،وتقحف على الثانحي بالهاء؛ كمحا تقول :خمحس عشرة وسحبع
عشرة .وقال الفراء :نصححبها كنصححب ثمحت وربححت ،ويجوز أن يكون الفتحح إتباعححا لللف والفتححة
التي قبلها .ومن كسره جعله مثل أمس وهؤلء .قال:
وهيهات هيهات إليك رجوعها
قال الكسحائي :ومحن كسحر التاء وقحف عليهحا بالهاء؛ فيقول هيهاه .ومحن نصحبها وقحف بالتاء وإن شاء
بالهاء .ومن ضمها فعلى مثل منذ وقط وحيث .ومن قرأ "هيهات" بالتنوين فهو جمع ذهب به إلى
التنكيححر؛ كأنححه قال بعدا بعدا .وقيححل :خفححض ونون تشبيهححا بالصححوات بقولهححم :غاق وطاق .وقال
الخفش :يجوز في "هيهات" أن تكون جماعة فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث .ومن
قرأ "هيهات" جاز أن يكون أخلصحها اسحما معربحا فيحه معنحى البعحد ،ولم يجعله اسحما للفعحل فيبنيحه.
وقيل :شبه التاء بتاء الجمع ،كقوله تعالى" :فإذا أفضتم من عرفات" [البقرة .]198 :قال الفراء:
وكأنحي أسحتحب الوقحف على التاء؛ لن محن العرب محن يخفحض التاء على كحل حال؛ فكأنهححا مثحل
عرفات وملكوت ومحا أشبحه ذلك .وكان مجاهحد وعيسحى بحن عمحر وأبحو عمرو بحن العلء والكسحائي
وابن كثير يقفون عليها هيهاه" بالهاء .وقد روي عن أبي عمرو أيضا أنه كان يقف على "هيهات"
بالتاء ،وعليحه بقيحة القراء لنهحا حرف .قال ابحن النباري .محن جعلهمحا حرفحا واحدا ل يفرد أحدهمحا
محن الخحر ،وقحف على الثانحي بالهاء ولم يقحف على الول؛ فيقول :هيهات هيهاه ،كمحا يقول خمحس
عشرة ،على مححا تقدم .ومححن نوى إفراد أحدهمححا محن الخححر وقححف فيهمححا جميعححا بالهاء والتاء؛ لن
أصل الهاء تاء.
**3الية{ 37 :إن هي إل حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين}
@قوله تعالى" :إن هي إل حياتنا الدنيا" "هي" كناية عن الدنيا؛ أي ما الحياة إل ما نحن فيه ل
الحياة الخرة التحي تعدنحا بعحد البعحث" .نموت ونحيحا" يقال :كيحف قالوا نموت ونحيحا وهحم ل يقرون
بالبعث؟ ففي هذا أجوبة؛ منها أن يكون المعنى :نكون مواتا ،أي نطفا ثم نحيا في الدنيا .وقيل :فيه
تقديحم وتأخيحر؛ أي إن هحي إل حياتنحا الدنيحا نحيحا فيهحا ونموت؛ كمحا قال" :واسحجدي واركعحي" [آل
عمران .]43 :وقيحل" :نموت" يعنحي الباء" ،ونحيحا" يعنحي الولد" .ومحا نححن بمبعوثيحن" بعحد
الموت.
**3اليات{ 41 - 38 :إن هو إل رجل افترى على ال كذبحا ومحا نحن له بمؤمنين ،قال رب
انصرني بما كذبون ،قال عما قليل ليصبحن نادمين ،فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا
للقوم الظالمين}
@قوله تعالى" :إن هو إل رجل" يعنون الرسول" .افترى" أي اختلق" .على ال كذبا وما نحن له
بمؤمنين ،قال رب انصرني بما كذبون" تقدم" .قال عما قليل" أي عن قليل،و "ما" زائدة مؤكدة.
"ليصحبحن نادميحن" على كفرهحم ،واللم لم القسحم؛ أي وال ليصحبحن" .فأخذتهحم الصحيحة" فحي
التفاسير :صاح بهم جبريل عليه السلم صيحة واحدة مع الريح التي أهلكهم ال تعالى بها فماتوا
عن آخرهم" .فجعلناهم غثاء" أي هلكى هامدين كغثاء السيل ،وهو ما يحمله من بالي الشجر من
الحشيحش والقصحب ممحا يبحس وتفتحت" .فبعدا للقوم الظالميحن" أي هلكحا لهحم .وقيحل بعدا لهحم محن
رحمة ال؛ وهو منصوب على المصدر .ومثله سقيا له ورعيا.
**3اليات{ 44 - 42 :ثحم أنشأنحا محن بعدهحم قرونحا آخريحن ،محا تسحبق محن أمحة أجلهحا ومحا
يسحتأخرون ،ثحم أرسحلنا رسحلنا تترا كلمحا جاء أمحة رسحولها كذبوه فأتبعنحا بعضهحم بعضحا وجعلناهحم
أحاديث فبعدا لقوم ل يؤمنون}
@قوله تعالى" :ثم أنشأنا من بعدهم" أي من بعد هلك هؤلء" .قرونا" أي أمما" .آخرين" قال
ابحن عباس :يريحد بنحي إسحرائيل؛ وفحي الكلم حذف :فكذبوا أنحبياءهم فأهلكناهحم" .محا تسحبق محن أمحة
أجلهحا" "محن" صحلة؛ أي محا تسحبق أمحة الوقحت المؤقحت لهحا ول تتأخره؛ مثحل قوله تعالى" :فإذا جاء
أجلهححم ل يسححتأخرون سححاعة ول يسححتقدمون" [العراف .]34 :ومعنححى "تترى" تتواتححر ،ويتبححع
بعضهم بعضا ترغيبا وترهيبا .قال الصمعي :وأترت كتبي عليه أتبعت بعضها بعضا؛ إل أن بين
كل كل واحد وبين الخر مهلة .وقال غيره :المواترة التتابع بغير مهلة .وقرأ ابن كثير وأبو عمرو
"تترى" بالتنويحن على أنحه مصحدر أدخحل فيحه التنويحن على فتحح الراء؛ كقولك :حمدا وشكرا؛ فال
فالوقحف على هذا على اللف المعوضحة محن التنويحن .ويجوز أن يكون ملحقحا بجعفحر ،فيكون مثحل
أرطى وعلقى؛ كما قال:
يستن في علقى وفي مكور
فإذا وقححف على هذا الوجححه جازت المالة ،على أن ينوي الوقححف على اللف الملحقححة .وقرأ ورش
بيحن اللفظتيحن؛ مثحل سحكرى وغضحبى ،وهحو اسحم جمحع؛ مثحل شتحى وأسحرى .وأصحله وترى محن
المواترة والتواتحر ،فقلبحت الواو تاء؛ مثحل التقوى والتكلن وتجاه ونحوهحا .وقيحل :هحو الوتحر وهحو
الفرد؛ فالمعنحححححى أرسحححححلناهم فردا فردا .النحاس :وعلى هذا يجوز "تترا" بكسحححححر التاء الولى،
وموضعهحا نصحب على المصحدر؛ لن معنحى "ثحم أرسحلنا" واترنحا .ويجوز أن يكون فحي موضحع
الحال أي متواترين" .فأتبعنا بعضهم بعضا" أي بالهلك" .وجعلناهم أحاديث" جمع أحدوثة وهي
ما يتحدث به؛ كأعاجيب جمع أعجوبة ،وهي ما يتعجب منه .قال الخفش :إنما يقال هذا في الشر
"جعلناهم أحاديث" ول يقال في الخير؛ كما يقال :صار فلن حديثا أي عبرة ومثل؛ كما قال في
آية أخرى" :فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق" [سبأ.]19 :
قلت :وقد يقال فلن حديث حسن ،إذا كان مقيدا بذكر ذلك؛ ومنه قول ابن دريد:
فكن حديثا حسنا لمن وعى وإنما المرء حديث بعده
**3اليات{ 48 - 45 :ثحم أرسحلنا موسحى وأخاه هارون بآياتنحا وسحلطان محبين ،إلى فرعون
وملئه فاسحتكبروا وكانوا قومحا عاليحن ،فقالوا أنؤمحن لبشريحن مثلنحا وقومهمحا لنحا عابدون ،فكذبوهمحا
فكانوا من المهلكين}
@قوله تعالى" :ثحم أرسحلنا موسحى وأخاه هارون بآياتنحا وسحلطان محبين" تقدم .ومعنحى "عاليحن"
متكحبرين قاهريحن لغيرهحم بالظلم؛ كمحا قال تعالى" :إن فرعون عل فحي الرض" [القصحص]4 :
"فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا" الية .تقدم أيضا .ومعنى "من المهلكين" أي بالغرق في البحر.
**3الية{ 49 :ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون}
@قوله تعالى" :ولقد آتينا موسى الكتاب" يعني التوراة؛ وخص موسى بالذكر لن التوراة أنزلت
عليحه فحي الطور ،وهارون خليفحة فحي قومحه .ولو قال "ولقحد آتيناهمحا" جاز؛ كمحا قال" :ولقحد آتينحا
موسى وهارون الفرقان" [النبياء.]48 :
**3الية{ 50 :وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين}
@قوله تعالى" :وجعلنحا ابحن مريحم وأمحه آية" تقدم فحي "النحبياء" القول فيحه" .وآويناهمحا إلى ربوة
ذات قرار ومعين" الربوة المكان المرتفع من الرض؛ وقد تقدم في "البقرة" .والمراد بها ههنا في
قول أبحي هريرة فلسحطين .وعنحه أيضحا الرملة؛ وروي عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم .وقال ابحن
عباس وابحن المسحيب وابحن سحلم :دمشحق .وقال كعحب وقتادة :بيحت المقدس .قال كعحب :وهحي أقرب
الرض إلى السماء بثمانية عشر ميل .قال:
تعاورني ريح جنوب وشمال فكنت هميدا تحت رمس بربوة
وقال ابن زيد :مصر .وروى سالم الفطس عن سعيد بن جبير "وآويناهما إلى ربوة" قال :النشز
محن الرض" .ذات قرار" أي مسحتوية يسحتقر عليهحا .وقيحل :ذات ثمار ،ولجحل الثمار يسحتقر فيهحا
السحاكنون" .ومعيحن" ماء جار ظاهحر للعيون .يقال :معيحن ومعحن؛ كمحا يقال :رغيحف ورغحف؛ قاله
علي بحن سحليمان .وقال الزجاج :هحو الماء الجاري فحي العيون؛ فالميحم على هذا زائدة كزيادتهحا فحي
مححبيع ،وكذلك الميححم زائدة فحي قول محن قال إنحه الماء الذي يرى بالعيحن .وقيححل :إنحه فعيححل بمعنححى
مفعول .قال علي بحن سحليمان :يقال محن الماء إذا جرى فهحو معيحن ومعيون .ابحن العرابحي :معحن
الماء يمعن معونا إذا جرى وسهل ،وأمعن أيضا وأمعنته ،ومياه معنان.
**3الية{ 51 :يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم}
@ روى الصححيح عن أبحي هريرة قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم( :أيهحا الناس إن ال
طيحب ل يقبحل إل طيبحا وإن ال أمحر المؤمنيحن بمحا أمحر بحه المرسحلين فقال "يحا أيهحا الرسحل كلوا محن
الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم" وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما
رزقناكم" [البقرة - ]172 :ثم ذكر -الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب
يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك).
قال بعض العلماء :والخطاب في هذه الية للنبي صلى ال عليه وسلم ،وأنه أقامه مقام الرسل؛
كمحا قال" :الذيحن قال لهحم الناس" [آل عمران ]173 :يعنحي نعيحم بحن مسحعود .وقال الزجاج :هذه
مخاطبحة للنحبي صحلى ال عليحه وسحلم ،ودل الجمحع على أن الرسحل كلهحم كذا أمروا؛ أي كلوا محن
الحلل .وقال الطبري :الخطاب لعيسى عليه السلم؛ روي أنه كان يأكل من غزل أمه .والمشهور
عنه أنه كان يأكل من بقل البرية .ووجه خطابه لعيسى ما ذكرناه من تقديره لمحمد صلى ال عليه
وسحلم تشريفحا له .وقيحل :إن هذه المقالة خوطحب بهحا كحل نحبي؛ لن هذه طريقتهحم التحي ينبغحي لهحم
الكون عليهحا .فيكون المعنحى :وقلنحا يحا أيهحا الرسحل كلوا محن الطيبات؛ كمحا تقول لتاجحر :يحا تجار
ينبغححي أن تجتنبوا الربححا؛ فأنححت تخاطبححه بالمعنححى .وقححد اقترن بذلك أن هذه المقالة تصححلح لجميححع
صنفه ،فلم يخاطبوا قط مجتمعين صلوات ال عليهم أجمعين ،وإنما خوطب كل واحد في عصره.
قال الفراء :هو كما تقول للرجل الواحد :كفوا عنا أذاكم.
@ سحوى ال تعالى بيحن النحبيين والمؤمنيحن فحي الخطاب بوجوب أكحل الحلل وتجنحب الحرام ،ثحم
شمحل الكحل فحي الوعيحد الذي تضمنحه قوله تعالى" :إنحي بمحا تعملون عليحم" صحلى ال على رسحله
وأنبيائه .وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم .وقد مضى القول في الطيبات والرزق في
غيحر موضحع ،والحمحد ل .وفحي قوله عليحه السحلم (يمحد يديحه) دليحل على مشروعيحة محد اليديحن عنحد
الدعاء إلى السحماء؛ وقحد مشحى الخلف فحي هذا والكلم فيحه والحمحد ل .وقوله عليحه السحلم (فأنحى
يستجاب لذلك) على جهة الستبعاد؛ أي أنه ليس أهل لجابة دعائه لكن يجوز أن يستجيب ال له
تفضل ولطفا وكرما.
**3اليات{ 54 - 52 :وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ،فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا
كل حزب بما لديهم فرحون ،فذرهم في غمرتهم حتى حين}
@قوله تعالى" :وإن هذه أمتكحم أمحة واحدة" المعنحى :هذا الذي تقدم ذكره هحو دينكحم وملتكحم
فالتزموه .والمححة هنححا الديححن؛ وقححد تقدم محامله؛ ومنححه قوله تعالى" :إنححا وجدنححا آباءنححا على أمححة"
[الزخرف ]22 :أي على دين .وقال النابغة:
وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع حلفت فلم أترك لنفسك ريبه
قرئ "وإن هذه" بكسحر "إن" على القطحع ،وبفتحهحا وتشديحد النون .قال الخليحل :هحي فحي موضحع
نصب لما زال الخافض؛ أي أنا عالم بأن هذا دينكم الذي أمرتكم أن تؤمنوا به .وقال الفراء" :أن"
متعلقححة بفعححل مضمححر تقديره :واعلموا أن هذه أمتكححم .وهحي عنححد سححيبويه متعلقحة بقوله "فاتقون"؛
والتقديححر فاتقون لن أمتكححم واحدة .وهذا كقوله تعالى" :وأن المسححاجد ل فل تدعوا مححع ال أحححد"
[الجن]18 :؛ أي لن المساجد ل فل تدعوا معه غيره .وكقوله" :ليلف قريش" [قريش]1 :؛
أي فليعبدوا رب هذا البيت ليلف قريش.
@ وهذه اليحة تقوي أن قوله تعالى" :يحا أيهحا الرسحل" إنمحا هحو مخاطبحة لجميعهحم ،وأنحه بتقديحر
حضورهم .وإذا قدرت "يا أيها الرسل" مخاطبة لمحمد صلى ال عليه وسلم فلق اتصال هذه الية
واتصحال قوله "فتقطعوا" .أمحا أن قوله "وأنحا ربكحم فاتقونحي" وإن كان قيحل للنحبياء فأممهحم داخلون
فيحه بالمعنحى؛ فيحسحن بعحد ذلك اتصحال" .فتقطعوا" أي افترقوا ،يعنحي المحم ،أي جعلوا دينهحم أديانحا
بعد ما أمروا بالجتماع .ثم ذكر تعالى أن كل منهم معجب برأيه وضللته وهذا غاية الضلل.
@ هذه الية تنظر إلى قوله صلى ال عليه وسلم( :أل إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على
اثنتيحن وسحبعين ملة وإن هذه المحة سحتفترق على ثلث وسحبعين اثنتان وسحبعون فحي النار وواحدة
في الجنة وهي الجماعة) الحديث .خرجه أبو داود ،ورواه الترمذي وزاد :قالوا ومن هي يا رسول
ال؟ قال( :محا أنحا عليحه وأصححابي) خرجحه محن حديحث عبدال بحن عمرو .وهذا يحبين أن الفتراق
المحذر منه في الية والحديث إنما هو في أصول الدين وقواعده ،لنه قد أطلق عليها ملل ،وأخبر
أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار .ومثل هذا ل يقال في الفروع ،فإنه ل يوجب
تعديد الملل ول عذاب النار؛ قال ال تعالى" :لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" [المائدة.]48 :
@قوله تعالى" :زبرا" يعنحي كتبحا وضعوهحا وضللت ألفوهحا؛ قاله ابحن زيحد .وقيحل :إنهحم فرقوا
الكتحب فاتبعحت فرقحة الصححف وفرقحة التوراة وفرقحة الزبور وفرقحة النجيحل ،ثحم حرف الكحل وبدل؛
قاله قتادة .وقيل :أخذ كل فريق منهم كتابا آمن به وكفر بما سواه .و"زبرا" بضم الباء قراءة نافع،
جمع زبور .والعمش وأبو عمرو بخلف عنه "زبرا" بفتح الباء ،أي قطعا كقطع الحديد؛ كقوله
تعالى" :آتوني زبر الحديد"[ .الكهف" .]96 :كل حزب" أي فريق وملة" .بما لديهم" أي عندهم
من الدين" .فرحون" أي معجبون به .وهذه الية مثال لقريش خاطب محمدا صلى ال عليه وسلم
في شأنهم متصل بقوله "فذرهم في غمرتهم" أي فذر هؤلء الذين هم بمنزلة من تقدم ،ول يضيق
صحدرك بتأخيحر العذاب عنهحم؛ فلكحل شيحء وقحت .والغمرة فحي اللغحة محا يغمرك ويعلوك؛ وأصحله
الستر؛ ومنه الغمر الحقد لنه يغطي القلب .والغمر الماء الكثير لنه يغطي الرض .وغمر الرداء
الذي يشمل الناس بالعطاء؛ قال:
غلقت لضحكته رقاب المال غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا
المراد هنحا الحيرة الغفلة والضللة .ودخحل فلن فحي غمار الناس ،أي فحي زحمتهحم .وقوله تعالى:
"حتى حين" قال مجاهد :حتى الموت ،فهو تهديد ل توقيت؛ كما يقال :سيأتي لك يوم.
**3اليتان{ 56 - 55 :أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين ،نسارع لهم في الخيرات بل ل
يشعرون}
@قوله تعالى" :أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين" "ما" بمعنى الذي؛ أي أيحسبون يا محمد
أن الذي نعطيهححم فححي الدنيححا مححن المال والولد هححو ثواب لهححم ،إنمححا هححو اسححتدراج وإملء ،ليححس
إسححراعا فححي الخيرات .وفححي خححبر "أن" ثلثححة أقوال ،منهححا أنححه محذوف .وقال الزجاج :المعنححى
نسححارع لهححم بححه فححي الخيرات ،وحذفححت بححه .وقال هشام الضريححر قول دقيقححا ،قال" :أنمححا" هححي
الخيرات؛ فصحار المعنحى :نسحارع لهحم فيحه ،ثحم أظهحر فقال "فحي الخيرات" ،ول حذف فيحه على هذا
التقديحر .ومذهحب الكسحائي أن "أنمحا" حرف واححد فل يحتاج إلى تقديحر حذف ،ويجوز الوقحف على
قول "وبنيحن" .ومحن قال "أنمحا" حرفان فل بحد محن ضميحر يرجحع محن الخحبر إلى اسحم "أن" ولم يتحم
الوقف على "وبنين" .وقال السختياني :ل يحسن الوقف على "وبنين"؛ لن "يحسبون" يحتاج إلى
مفعوليحن ،فتمام المفعوليحن "فحي الخيرات" قال ابحن النباري :وهذا خطحأ؛ لن "أن" كافيحة محن اسحم
أن وخبرها ول يجوز أن يؤتى بعد "أن" بمفعول ثان .وقرأ أبو عبدالرحمن السلمي وعبدالرحمن
بن أبي بكرة "يسارع" بالياء ،على أن يكون فاعله إمدادنا .وهذا يجوز أن يكون على غير حذف؛
أي يسارع لهم المداد .ويجوز أن يكون فيه حذف ،ويكون المعنى يسارع ال لهم .وقرئ "يسارع
لهم في الخيرات" وفيه ثلثة أوجه :أحدها على حذف به .ويجوز أن يكون يسارع المداد .ويجوز
أن يكون "لهم" اسم ما لم يسم فاعله؛ ذكره النحاس .قال المهدوي :وقرأ الحر النحوي "نسرع لهم
فحي الخيرات" وهحو معنحى قراءة الجماعحة .قال الثعلبحي :والصحواب قراءة العامحة؛ لقوله "نمدهحم".
"بل ل يشعرون" أن ذلك فتنة لهم واستدراج.
**3اليات{ 60 - 57 :إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ،والذين هم بآيات ربهم يؤمنون،
والذين هم بربهم ل يشركون ،والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون}
@قوله تعالى" :لمحا فرغ محن ذكحر الكفرة وتوعدهحم عقحب ذلك بذكحر المؤمنيحن المسحارعين فحي
الخيرات ووعدهحم ،وذكحر ذلك بأبلغ صحفاتهم .و"مشفقون" خائفون وجلون ممحا خوفهحم ال تعالى.
"والذيحن يؤتون محا آتوا وقلوبهحم وجلة" قال الحسحن :يؤتون الخلص ويخافون أل يقبحل منهحم.
وروى الترمذي عن عائشة رضي ال عنها زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت :سألت رسول
ال صحلى ال عليحه وسحلم عحن هذه اليحة "والذيحن يؤتون محا آتوا وقلوبهحم وجلة" قالت عائشحة :أهحم
الذيححن يشربون الخمححر ويسححرقون؟ قال( :ل يححا بنححت الصححديق ولكنهححم الذيححن يصححومون ويصححلون
ويتصحدقون وهحم يخافون أل يقبحل منهحم أولئك الذيحن يسحارعون فحي الخيرات) .وقال الحسحن :لقحد
أدركنحا أقوامحا كانوا محن حسحناتهم أن ترد عليهحم أشفحق منكحم على سحيئاتكم أن تعذبوا عليهحا .وقرأت
عائشحة رضحي ال عنهحا وابحن عباس والنخعحي "والذيحن يأتون محا أتوا" مقصحورا محن التيان .قال
الفراء :ولو صححت هذه القراءة عحن عائشحة لم تخالف قراءة الجماعحة؛ لن الهمحز محن العرب محن
يلزم فيحه اللف فحي كحل الحالت إذا كتحب؛ فيكتحب سحئل الرجحل بألف بعحد السحين ،ويسحتهزئون بألف
بيححن الزاي والواو ،وشيححء وشيححء بألف بعححد الياء ،فغيححر مسححتنكر فححي مذهححب هؤلء أن يكتححب
"يؤتون" بألف بعحد الياء ،فيحتمحل هذا اللفحظ بالبناء على هذا الخحط قراءتيحن "يؤتون محا آتوا"
و"يأتون ما أتوا" .وينفرد ما عليه الجماعة باحتمال تأويلين :أحدهما :الذين يعطون ما أعطوا من
الزكاة والصدقة وقلوبهم خائفة .والخر :والذين يؤتون الملئكة الذين يكتبون العمال على العباد
محا آتوا وقلوبهحم وجلة؛ فحذف مفعول فحي هذا الباب لوضوح معناه؛ كمحا حذف فحي قوله عز وجل:
"فيحه يغاث الناس وفيحه يعصحرون" [يوسحف ]49 :والمعنحى يعصحرون السحمسم والعنحب؛ فاختزل
المفعول لوضوح تأويله .ويكون الصحل فحي الحرف على هجائه الوجود فحي المام "يأتون" بألف
مبدلة من الهمزة فكتبت اللف واوا لتآخي حروف المد واللين في الخفاء؛ حكاه ابن النباري .قال
النحاس :المعروف محن قراءة ابحن عباس "والذيحن يأتون محا أتوا" وهحي القراءة المرويحة عحن النحبي
صححلى ال عليححه وسححلم وعححن عائشححة رضححي ال عنهححا ،ومعناهححا يعملون مححا عملوا؛ مححا روي فححي
الحديحث .والوجحل نححو الشفاق والخوف؛ فالتقحي والتائب خوفحه أمحر العاقبحة ومحا يطلع عليحه بعحد
الموت .وفحي قوله" :أنهحم إلى ربهحم راجعون" تنحبيه على الخاتمحة .وفحي صححيح البخاري (وإنمحا
العمال بالخواتيم) .وأما المخلط فينبغي له أن يكون تحت خوف من أن ينفذ عليه الوعيد بتخليطه.
وقال أصحاب الخواطر :وجل العارف من طاعته أكثر وجل من وجله من مخالفته؛ لن المخالفة
تمحوهحا التوبحة ،والطاعحة تطلب بتصححيح الفرض" .أنهحم" أي لنهحم ،أو محن أجحل أنهحم إلى ربهحم
راجعون.
**3الية{ 61 :أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}
@قوله تعالى" :أولئك يسارعون في الخيرات" أي في الطاعات ،كي ينالوا بذلك أعلى الدرجات
والغرفات .وقرئ "يسححرعون فححي الخيرات ،أي يكونوا سححراعا إليهححا .ويسححارعون على معنححى
يسابقون من سابقهم إليها؛ فالمفعول محذوف .قال الزجاج :يسارعون أبلغ من يسرعون" .وهم لها
سابقون" أحسن ما قيل فيه :أنهم يسبقون إلى أوقاتها .ودل بهذا أن الصلة في أول الوقت أفضل؛
كما تقدم في "البقرة" وكل من تقدم في شيء فهو سابق إليه ،وكل من تأخر عنه فقد سبقه وفاته؛
فاللم في "لها" على هذا القول بمعنى إلى؛ كما قال "بأن ربك أوحى لها" [الزلزلة ]5 :أي أوحى
إليها .وأنشد سيبويه:
وما قصدت من أهلها لسوائكا تجانف عن جو اليمامة ناقتي
وعحن ابحن عباس فحي معنحى "وهحم لهحا سحابقون" سحبقت لهحم محن ال السحعادة؛ فلذلك سحارعوا فحي
الخيرات .وقيل :المعنى وهم من أجل الخيرات سابقون.
**3الية{ 62 :ول نكلف نفسا إل وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم ل يظلمون}
@قوله تعالى" :ول نكلف نفسحا إل وسحعها" قحد مضحى فحي "البقرة"" .ولدينحا كتاب ينطحق بالححق"
أظهحر محا قيحل فيحه :إنحه أراد كتاب إحصحاء العمال الذي ترفعحه الملئكحة؛ وأضافحه إلى نفسحه لن
الملئكحة كتبحت فيحه أعمال العباد بأمره ،فهحو ينطحق بالححق .وفحي هذا تهديحد وتأييحس محن الحيحف
والظلم .ولفحظ النطحق يجوز فحي الكتاب؛ والمراد أن النحبيين تنطحق بمحا فيحه .وال أعلم .وقيحل :عنحى
اللوح المحفوظ ،وقححد أثبححت فيححه كححل شيححء ،فهححم ل يجاوزون ذلك .وقيححل :الشارة بقوله "ولدينححا
كتاب" القرآن ،فال أعلم ،وكل محتمل والول أظهر.
**3اليات{ 65 - 63 :بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون،
حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون ،ل تجأروا اليوم إنكم منا ل تنصرون}
@قوله تعالى" :بحل قلوبهحم فحي غمرة محن هذا" قال مجاهحد :أي فحي غطاء وغفلة وعمايحة عحن
القرآن .ويقال :غمره الماء إذا غطاه .ونهر غمر يغطي من دخله .ورجل غمر يغمره آراء الناس.
وقيحل" :غمرة" لنهحا تغطحي الوجحه .ومنحه دخحل فحي غمار الناس وخمارهحم ،أي فيمحا يغطيحه محن
الجمحع .وقيحل" :بحل قلوبهحم فحي غمرة" أي فحي حيرة وعمحى؛ أي ممحا وصحف محن أعمال البر فحي
اليات المتقدمحة؛ قال قتادة .أو محن الكتاب الذي ينطحق بالححق" .ولهحم أعمال محن دون ذلك هحم لهحا
عاملون" قال قتادة ومجاهحد :أي لهحم خطايحا ل بحد أن يعملوهحا محن دون الححق .وقال الحسحن وابحن
زيحد :المعنحى ولهحم أعمال رديئة لم يعملوهحا محن دون محا هحم عليحه ،ل بحد أن يعملوهحا دون أعمال
المؤمنيحن ،فيدخلون بهحا النار ،لمحا سحبق لهحم محن الشقوة .ويحتمحل ثالثحا :أنحه ظلم الخلق محع الكفحر
بالخالق؛ ذكره الماوردي .والمعنحى متقارب" .حتحى إذا أخذنحا مترفيهحم بالعذاب" يعنحي بالسحيف يوم
بدر؛ قال ابحن عباس .وقال الضحاك :يعنحي بالجوع حيحن قال النحبي صحلى ال عليحه وسحلم صحلى:
(اللهحم أشدد وطأتحك على مضحر ال اجعلهحا عليهحم سحنين كسحني يوسحف) .فابتلهحم ال بالقححط
والجوع حتحى أكلوا العظام والميتحة والكلب والجيحف ،وهلك الموال والولد" .إذا هحم يجأرون"
أي يضجون ويسحتغيثون .وأصحل الجؤار رفحع الصحوت بالتضرع كمحا يفعحل الثور .وقال العشحى
يصف بقرة:
وكان النكير أن تضيف وتجأرا فطافت ثلثا بين يوم وليلة
قال الجوهري :الجؤار مثحل الخوار؛ يقال :جأر الثور يجأر أي صحاح .وقرأ بعضهحم "عجل جسحدا
له جؤار" حكاه الخفش .وجأر الرجل إلى ال عز وجل تضرع بالدعاء .قتادة :يصرخون بالتوبة
فل تقبل منهم .قال:
فطورا سجودا وطورا جؤارا يراوج من صلوات المليك
وقال ابحن جريحج" :حتحى إذا أخذنحا مترفيهحم بالعذاب" هحم الذيحن قتلوا ببدر "إذا هحم يجأرون" هحم
الذيححن بمكححة؛ فجمححع بيححن القوليححن المتقدميححن ،وهححو حسححن" .ل تجأروا اليوم" أي مححن عذابنححا" .ل
تنصحرون" ل تمنعون ول ينفعكحم جزعكحم .وقال الحسحن :ل تنصحرون بقبول التوبحة .وقيحل :معنحى
هذا النهي الخبار؛ أي إنكم إن تضرعتم لم ينفعكم.
**3اليتان{ 67 - 66 :قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون ،مستكبرين به
سامرا تهجرون}
@قوله تعالى" :قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون" اليات يريد بها القرآن.
"تتلى عليكحم" أي تقرأ .قال الضحاك :قبحل أن تعذبوا بالقتحل و"تنكصحون" ترجعون وراءكحم.
مجاهد :تستأخرون؛ وأصله أن ترجع القهقرى .قال الشاعر:
ة وإنما نكص على العقاب زعموا بأنهم على سبل النجا
وهحو هنحا اسحتعارة للعراض عحن الححق .قرأ علي بحن أبحي طالب رضحي ال عنحه "على أدباركحم"
بدل "على أعقابكحم"" ،تنكصحون" بضحم الكاف .و"مسحتكبرين بحه" حال ،والضميحر فحي "بحه" قال
الجمهور :هو عائد على الحرم أو المسجد أو البلد الذي هو مكة ،وإن لم يتقدم له ذكر لشهرته في
المحر؛ أي يقولون نححن أهحل الحرم فل نخاف .وقيحل :المعنحى أنهحم يعتقدون فحي نفوسحهم أن لهحم
بالمسححجد والحرم أعظححم الحقوق على الناس والمنازل؛ فيسححتكبرون لذلك ،وليححس السححتكبار مححن
الحق .وقالت فرقة :الضمير عائد عل القرآن من حيث ذكرت اليات؛ والمعنى :يحدث لكم سماع
آياتحي كحبرا وطغيانحا فل تؤمنوا بحه .قال ابحن عطيحة :وهذا قول جيحد .النحاس :والقول الول أولى،
والمعنى :أنهم يفتخرون بالحرم ويقولون نحن أهل حرم ال تعالى.
@قوله تعالى" :سحامرا تهجرون" "سحامرا" نصحب على الحال ،ومعناه سحمارا ،وهحو الجماعحة
يتحدثون بالليححل ،مأخوذ مححن السححمر وهححو ظححل القمححر؛ ومنححه سححمرة اللون .وكانوا يتحدثون حول
الكعبحة فحي سحمر القمحر؛ فسحمي التحدث بحه .قال الثوري :يقال لظحل القمحر السحمر؛ ومنحه السحمرة فحي
اللون ،ويقال له :الفخحت؛ ومنحه قيحل فاختحة .وقرأ أبحو رجاء "سحمارا" وهحو جمحع سحامر؛ كمحا قال:
ألسحت ترى السحمار والناس أحوالي وفحي حديحث قيلة :إذا جاء زوجهحا محن السحامر؛ يعنحي محن القوم
الذيحن يسحمرون بالليحل؛ فهحو اسحم مفرد بمعنحى الجمحع ،كالحاضحر وهحم القوم النازلون على الماء،
والباقر جمع البقر ،والجامل جمع البل ،ذكورتها وإناثها؛ ومنه قوله تعالى" :ثم نخرجكم طفل"
[الحج ]5 :أي أطفال .يقال :قوم سمر وسمر وسامر ،ومعناه سهر الليل؛ مأخوذ من السمر وهو
مححا يقححع على الشجار محن ضوء القمححر .قال الجوهري :السححامر أيضححا السححمار ،وهححم القوم الذيحن
يسمرون؛ كما يقال للحاج حجاج ،وقول الشاعر:
وسامر طال فيه اللهو والسمر
كأنه سمى المكان الذي يجتمع فيه للسمر بذلك .وقيل :وحد سامرا وهو بمعنى السمار؛ لنه وضع
موضع الوقت ،كقول الشاعر:
عزف القيان ومجلس غمر من دونهم إن جئتهم سمرا
فقال :سحمرا لن معناه :إن جئتهحم ليل وجدتهحم وهحم يسحمرون .وابنحا سحمير :الليحل والنهار؛ لنحه
يسمر فيهما ،يقال :ل أفعله ما سمر ابنا سمير أبدا .ويقال :السمير الدهر ،وابناه الليل والنهار .ول
أفعله السحححمر والقمحححر؛ أي محححا دام الناس يسحححمرون فححي ليلة قمراء .ول أفعله سحححمير الليالي .قال
الشنفرى:
سمير الليالي مبسل بالجرائر هنالك ل أرجو حياة تسرني
والسححمار (بالفتححح) اللبححن الرقيححق .وكانححت العرب تجلس للسححمر تتحدث ،وهذا أوجححب معرفتهححا
بالنجوم؛ لنها تجلس في الصحراء فترى الطوالع من الغوارب .وكانت قريش تسمر حول الكعبة
مجالس فححي أباطيلهححا وكفرهححا ،فعابهححم ال بذلك .و"تهجرون" قرئ بضححم التاء وكسححر الجيححم مححن
أهجر ،إذا نطق بالفحش .وبنصب التاء وضم الجيم من هجر المريض إذا هدى .ومعناه :يتكلمون
بهوس وسيء من القول في النبي صلى ال عليه وسلم وفي القرآن؛ عن ابن عباس وغيره.
@ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :إنما كره السمر حين نزلت هذه الية "مستكبرين به
سحامرا تهجرون"؛ يعنحي أن ال تعالى ذم أقوامحا يسحمرون فحي غيحر طاعة ال تعالى ،إمحا فحي هذيان
وإمحا فحي إذايحة .وكان العمحش يقول :إذا رأيحت الشيحخ ولم يكتحب الحديحث فاصحفعه فإنحه محن شيوخ
القمححر؛ يعنححي يجتمعون فححي ليالي القمححر فيتحدثون بأيام الخلفاء والمراء ول يحسححن أحدهححم أن
يتوضأ للصلة.
@ روى مسحلم عحن أبحي برزة قال :كان النحبي صحلى ال عليحه وسحلم يؤخحر العشاء إلى ثلث الليحل
ويكره النوم قبلها والحديث بعدها .قال العلماء :أما الكراهية للنوم قبلها فلئل يعرضها للفوات عن
كحل وقتهحا أو أفضحل وقتهحا؛ ولهذا قال عمحر :فمحن نام فل نامحت عينحه؛ ثلثحا .وممحن كره النوم قبلهحا
عمحر وابنحه عبدال وابن عباس وغيرهحم ،وهو مذهحب مالك .ورخص فيحه بعضهحم ،منه علي وأبو
موسى وغيرهم؛ وهو مذهب الكوفيين .وشرط بعضهم أن يجعل معه من يوقظه للصلة .وروي
عحن ابحن عمحر مثله ،وإليحه ذهحب الطحاوي .وأمحا كراهيحة الحديحث بعدهحا فلن الصحلة قحد كفرت
خطاياه فينام على سححلمة ،وقححد ختححم الكتاب صحححيفته بالعبادة؛ فإن هححو سححمر وتحدث فيملؤهححا
بالهوس ويجعحل خاتمتهحا اللغحو والباطحل ،وليحس هذا محن فعحل المؤمنيحن .وأيضحا فإن السحمر فحي
الحديحث مظنحة غلبحة النوم آخحر الليحل فينام عحن قيام آخحر الليحل ،وربمحا ينام عحن صحلة الصحبح .وقحد
قيل :إنما يكره السمر بعدها لما روى جابر بن عبدال قال قال رسول ال( :إياكم والسمر بعد هدأة
الرجححل فإن أحدكححم ل يدري مححا يبححث ال تعالى مححن خلقححه أغلقوا البواب وأوكوا السححقاء وخمروا
الناء وأطفؤوا المصححابيح) .وروي عححن عمححر أنححه كان يضرب الناس على الحديححث بعححد العشاء،
ويقول :أسحمرا أول الليحل ونومحا آخره! أريحوا كتابكحم .حتحى أنحه روي عحن ابحن عمحر أنحه قال :محن
قرض بيت شعر بعد العشاء لم تقبل له صلة حتى يصبح .وأسنده شداد بن أوس إلى النبي صلى
ال عليه وسلم .وقد قيل :إن الحكمة في كراهية الحديث بعدها إنما هو لما أن ال تعالى جعل الليل
سكنا ،أي يسكن فيه ،فإذا تحدث النسان فيه فقد جعله في النهار الذي هو متصرف المعاش؛ فكأنه
قصحد إلى مخالفحة حكمحة ال تعالى التحي أجرى عليهحا وجوده فقال "وهحو الذي جعحل لكحم الليحل لباسحا
والنوم سباتا وجعل النهار نشورا" [الفرقان.]47 :
هذه الكراهحة إنمحا تختحص بمحا ل يكون محن قبيحل القرب والذكار وتعليحم العلم ،ومسحامرة الهحل
بالعلم وبتعليم المصالح وما شابه ذلك؛ فقد ورد عن النبي صلى ال عليه وسلم وعن السلف ما يدل
على جواز ذلك ،بحل على ندبيتحه .وقحد قال البخاري( :باب السحمر فححي الفقحه والخيحر بعحد العشاء)
وذكحر أن قرة بحن خالد قال :انتظرنحا الحسحن وراث علينحا حتحى جاء قريبحا محن وقحت قيامحه ،فجاء
فقال :دعانحا جيراننحا هؤلء .ثحم قال أنحس :انتظرنحا رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ذات ليلة حتحى
كان شطحر الليحل فجاء فصحلى ثحم خطبنحا فقال( :إن الناس قحد صحلوا وإنكحم لم تزالوا فحي صحلة محا
انتظرتحم الصحلة) .قال الحسحن :فإن القوم ل يزالون فحي خيحر محا انتظروا الخيحر .قال( :باب السحمر
محع الضيحف والهحل) وذكحر حديحث أبحي بكحر بحن عبدالرحمحن أن أصححاب الصحفة كانوا فقراء...
الحديث .أخرجه مسلم أيضا .وقد جاء في حراسة الثغور وحفظ العساكر بالليل من الثواب الجزيل
والجر العظيم ما هو مشهور في الخبار .وقد مضى من ذلك جملة في آخر "آل عمران" والحمد
ل وحده.
**3الية{ 68 :أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الولين}
@قوله تعالى" :أفلم يدبروا القول" يعنحي القرآن؛ وهحو كقوله تعالى" :أفل يتدبرون القرآن"
[النساء .]82 :وسمى القرآن قول لنهم خوطبوا به" .أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الولين" فأنكره
وأعرضوا عنه .وقيل" :أم" بمعنى بل؛ أي بل جاءهم ما ل عهد لبائهم به ،فلذلك أنكروه وتركوا
التدبر له .وقال ابحن عباس :وقيحل المعنحى أم جاءهحم أمان محن العذاب ،وهحو شيحء لم يأت آباءهحم
الولين فتركوا العز.
**3الية{ 69 :أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون}
@ هذا تستعمله العرب على معنى التوقيف والتقبيح ،فيقولون :الخير أحب إليك أم الشر؛ أي قد
أخحبرت الشحر فتجنبحه ،وقحد عرفوا رسحولهم وأنحه محن أهحل الصحدق والمانحة؛ ففحي اتباعحه النجاة
والخير لول العنت .قال سفيان :بلى! قد عرفوه ولكنهم حسدوه!
**3الية{ 70 :أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون}
@قوله تعالى" :أم يقولون بحه جنحة" أي أم يحتجون فحي ترك اليمان بحه بأنحه مجنون ،فليحس هحو
هكذا لزوال أمارات الجنون عنحه" .بحل جاءهحم بالححق" يعنحي القرآن والتوحيحد الححق والديحن الححق.
"وأكثرهم" أي كلهم "للحق كارهون" حسدا وبغيا وتقليدا.
**3اليحة{ 71 :ولو اتبحع الححق أهواءهحم لفسحدت السحماوات والرض ومحن فيهحن بحل أتيناهحم
بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون}
@قوله تعالى" :ولو اتبع الحق" "الحق" هنا هو ال سبحانه وتعالى؛ قال الكثرون ،منهم مجاهد
وابن جريج وأبو صالح وغيرهم .وتقديره في العربية :ولو اتبع صاحب الحق؛ قاله النحاس .وقد
قيحل :هحو مجاز ،أي لو وافحق الححق أهواءهحم؛ فجعحل موافقتحه اتباعحا مجازا؛ أي لو كانوا يكفرون
بالرسل ويعصون ال عز وجل ثم ل يعاقبون ول يجازون على ذلك إما عجزا وإما جهل لفسدت
السحموات والرض .وقيحل :المعنحى ولو كان الححق محا يقولون محن اتخاذ آلهحة محع ال تعالى لتنافحت
اللهححة ،وأراد بعضهححم مححا ل يريده بعححض ،فاضطرب التدبيححر وفسححدت السححموات والرض ،وإذا
فسحدتا فسحد محن فيهمحا .وقيحل" :لو اتبحع الححق أهواءهحم" أي بمحا يهواه الناس ويشتهونحه لبطحل نظام
العالم؛ لن شهوات الناس تختلف وتتضاد ،وسحبيل الحححق أن يكون متبوعححا ،وسححبيل الناس النقياد
للححق .وقيحل" :الححق" القرآن؛ أي لو نزل القرآن بمحا يحبون لفسحدت السحموات والرض" .ومحن
فيهحن" إشارة إلى محن يعقحل محن ملئكحة السحموات وإنحس الرض وجنهحا؛ الماوردي .وقال الكلبحي:
يعني وما بينهما من خلق؛ وهي قراءة ابن مسعود "لفسدت السموات والرض وما بينهما" فيكون
على تأويل الكلبي وقراءة ابن مسعود محمول على فساد من يعقل وما ل يعقل من حيوان وجماد.
وظاهر التنزيل في قراءة الجمهور يكون محمول على فساد ما يعقل من الحيوان؛ لن ما ل يعقل
تابع لما يعقل في الصلح والفساد ،فعلى هذا ما يكون من الفساد يعود على من في السموات من
الملئكة بأن جعلت أربابا وهي مربوبة ،وعبدت وهي مستعبدة .وفساد النس يكون على وجهين:
أحدهمححا :باتباع الهوى ،وذلك مهلك .الثانححي :بعبادة غيححر ال ،وذلك كفححر .وأمححا فسححاد مححا عدا ذلك
فيكون على وجه التبع؛ لنهم مدبرون بذوي العقول فعاد فساد المدبرين عليهم.
@قوله تعالى" :بل أتيناهم بذكرهم" أي بما فيه شرفهم وعزهم؛ قاله السدي وسفيان .وقال قتادة:
أي بمحا لهحم فيحه ذكحر ثوابهحم وعقابهحم .ابحن عباس :أي بحبيان الححق وذكحر محا لهحم بحه حاجحة محن أمحر
الدين" .فهم عن ذكرهم معرضون"
**3الية{ 72 :أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين}
@قوله تعالى" :أم تسألهم خرجا" أي أجرا على ما جئتهم به؛ قال الحسن وغيره" .فخراج ربك
خير" وقرأ حمزة والكسائي والعمش ويحيى بن وثاب "خراجا" بألف .الباقون بغير ألف .وكلهم
قحد قرؤوا "فخراج" باللف إل ابحن عامحر وأبحا حيوة فإنهمحا قرأ بغيحر اللف .والمعنحى :أم تسحألهم
رزقحا فرزق ربحك خيحر" .وهحو خيحر الرازقيحن" أي ليحس يقدر أححد أن يرزق مثحل رزقحه ،ول ينعحم
مثل إنعامه .وقيل :أي ما يؤتيك ال من الجر على طاعتك له والدعاء إليه خير من عرض الدنيا،
وقححد عرضوا عليحك أموالهححم حتححى تكون كأعيحن رجحل محن قريحش فلم تجبهححم إلى ذلك؛ قال معناه
الحسححن .والخرج والخراج واحححد ،إل أن اختلف الكلم أحسححن؛ قال الخفححش .وقال أبححو حاتححم:
الخرج الجعححل ،والخراج العطاء .المححبرد :الخرج المصححدر ،والخراج السححم .وقال النضححر بححن
شميححل :سححألت أبححا عمرو بححن العلء عححن الفرق بيححن الخرج والخراج فقال :الخراج مححا لزمححك،
والخرج محا تحبرعت بحه .وعنحه أن الخرج محن الرقاب ،والخراج محن الرض .ذكحر الول الثعلبحي
والثاني الماوردي.
**3اليتان{ 74 - 73 :وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ،وإن الذين ل يؤمنون بالخرة عن
الصراط لناكبون}
@قوله تعالى" :وإنحك لتدعوهحم إلى صحراط مسحتقيم" أي إلى ديحن قويحم .والصحراط فحي اللغحة
الطريححق؛ فسححمي الديححن طريقححا لنححه يؤدي إلى الجنححة فهححو طريححق إليهححا" .وإن الذيححن ل يؤمنون
بالخرة" أي بالبعحث" .عحن الصحراط لناكبون" قيحل :هحو مثحل الول .وقيحل :إنهحم عحن طريحق الجنحة
لناكبون حتحى يصحيروا إلى النار .نكحب عحن الطريحق ينكحب نكوبحا إذا عدل عنحه ومال إلى غيره؛
ومنه نكبت الريح إذا لم تستقم على مجرى .وشر الريح النكباء.
**3الية{ 75 :ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون}
@قوله تعالى" :ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر" أي لو رددناهم إلى الدنيا ولم ندخلهم النار
وامتحناهحم "للجوا فحي طغيانهحم" قال السحدي :فحي معصحيتهم" .يعمهون" قال العمحش :يترددون.
قال ابحن جريحج" :ولو رحمناهحم" يعنحي فحي الدنيحا "وكشفنحا محا بهحم محن ضحر" أي محن قححط وجوع
"للجوا" أي لتمادوا "في طغيانهم" وضللتهم وتجاوزهم الحد "يعمون" يتذبذبون ويخبطون.
**3الية{ 76 :ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون}
@قوله تعالى" :ولقححد أخذناهححم بالعذاب" قال الضحاك :بالجوع .وقيححل :بالمراض والحاجححة
والجوع .وقيحل :بالقتحل والجوع" .فمحا اسحتكانوا لربهحم" أي محا خضعوا" .ومحا يتضرعون" أي محا
يخشعون ل عحز وجحل فحي الشدائد تصحيبهم .قال ابحن عباس :نزلت فحي قصحة ثمامحة بحن أثال لمحا
أسحرته السحرية وأسحلم وخلى رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم سحبيله ،حال بيحن مكحة وبيحن الميرة
وقال :وال ل يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم .وأخذ
ال قريشا بالقحط والجوع حتى أكلوا الميتة والكلب والعلهز؛ قيل وما العلهز؟ قل :كانوا يأخذون
الصحوف والوبر فيبلونحه بالدم ثحم يشوونحه ويأكلونحه .فقال له أبحو سحفيان :أنشدك ال والرححم! أليحس
تزعم أن ال بعثك رحمة للعالمين؟ قال (بلى) .قال :فوال ما أراك إل قتلت الباء بالسيف ،وقتلت
البناء بالجوع؛ فنزل قوله" :ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون".
**3الية{ 77 :حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون}
@قوله تعالى" :حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد" قال عكرمة :هو باب من أبواب جهنم،
عليحه من الخزنحة أربعمائة ألف ،سحود وجوههحم ،كالححة أنيابهحم ،وقحد قلعحت الرحمحة من قلوبهحم؛ إذا
بلغوه فتححه ال عحز وجحل عليهحم .وقال ابحن عباس :هحو قتلهحم بالسحيف يوم بدر .مجاهحد :هحو القححط
الذي أصابهم حتى أكلوا العلهز من الجوع؛ على ما تقدم .وقيل فتح مكة" .إذا هم فيه مبلسون" أي
يائسححون متحيرون ل يدرون مححا يصححنعون ،كاليححس مححن الفرج ومححن كححل خيححر .وقححد تقدم فححي
"النعام".
**3الية{ 78 :وهو الذي أنشأ لكم السمع والبصار والفئدة قليل ما تشكرون}
@قوله تعالى" :وهو الذي أنشأ لكم السمع والبصار والفئدة" عرفهم كثرة نعمه وكمال قدرته.
"قليل ما تشكرون" أي ما تشكرون إل شكرا قليل .وقيل :أي ل تشكرون البتة.
**3الية{ 79 :وهو الذي ذرأكم في الرض وإليه تحشرون}
@قوله تعالى" :وهحو الذي ذرأكحم فحي الرض" أي أنشأكحم وبثكحم وخلقكحم" .وإليحه تحشرون" أي
تجمعون للجزاء.
**3اليات{ 89 - 80 :وهحو الذي يحيحي ويميحت وله اختلف الليحل والنهار أفل تعقلون ،بحل
قالوا مثل ما قال الولون ،قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ،لقد وعدنا نحن وآباؤنا
هذا محن قبحل إن هذا إل أسحاطير الوليحن ،قحل لمحن الرض ومحن فيهحا إن كنتحم تعلمون ،سحيقولون ل
قحل أفل تذكرون ،قحل محن رب السحماوات السحبع ورب العرش العظيحم ،سحيقولون ل قحل أفل تتقون،
قحل محن بيده ملكوت كحل شيحء وهحو يجيحر ول يجار عليحه إن كنتحم تعلمون ،سحيقولون ل قحل فأنحى
تسحرون}
@قوله تعالى" :وهحو الذي يححي ويميحت وله اختلف الليحل والنهار" أي جعلهمحا مختلفيحن؛ كقولك:
لك الجحر والصحلة؛ أي إنحك تؤجحر وتوصحل؛ قاله الفراء .وقيحل :اختلفهمحا نقصحان أحدهمحا وزيادة
الخر .وقيل :اختلفهما في النور والظلمة .وقيل :تكررهما يوما بعد ليلة وليلة بعد يوم .ويحتمل
خامسححا :اختلف مححا مضححى فيهمححا مححن سححعادة وشقاء وضلل وهدى" .أفل تعقلون" كنححه قدرتححه
وربوبيته ووحدانيته ،وأنه ل يجوز أن يكون له شريك من خلقه ،وأنه قادر على البعث .ثم عيرهم
بقولهحم وأخحبر عنهحم أنهحم "قالوا مثحل محا قال الولون" هذا ل يكون ول يتصحور" .لقحد وعدنحا نححن
وآباؤنا هذا من قبل" أي من قبل مجيء محمد صلى ال عليه وسلم ،فلم نر له حقيقة" .إن هذا" أي
محا هذا "إل أسحاطير الوليحن" أي أباطيلهحم وترهاتهحم؛ وقحد تقدم هذا كله .قال ال تعالى" :قحل" يحا
محمحد جوابحا لهحم عمحا قالوه "لمحن الرض ومحن فيهحا إن كنتحم تعلمون" يخحبر بربوبيتحه ووحدانيتحه
وملكححه الذي ل يزول ،وقدرتححه التححي ل تحول؛ فحح "سححيقولون ل" ول بححد لهححم مححن ذلك" .قححل أفل
تتذكرون" أي أفل تتعظون وتعلمون أن محن قدر على خلق ذلك ابتداء فهحو على إحياء الموتحى بعحد
موتهم قادر.
@قوله تعالى" :يريحد أفل تخافون حيحث تجعلون لي محا تكرهون؛ زعمتحم أن الملئكحة بناتحي،
وكرهتحم لنفسحكم البنات" .قحل محن بيده ملكوت كحل شيحء" بريحد السحموات ومحا فوقهحا ومحا بينهحن،
والرضيحن ومحا تحتهحن ومحا بينهحن ،ومحا ل يعلمحه أححد إل هحو .وقال مجاهحد" :ملكوت كحل شيحء"
خزائن كل شيء .الضحاك :ملك كل شيء .والملكوت من صفات المبالغة كالجبروت والرهبوت؛
وقحد مضحى فحي "النعام"" .وهحو يجيحر ول يجار عليحه إن كنتحم تعلمون" أي يمنحع ول يمنحع منحه.
وقيل" :يجير" يؤمن من شاء" .ول يجار عليه" أي ل يؤمن من أخافه .ثم قيل :هذا في الدنيا؛ أي
من أراد ال إهلكه وخوفه لم يمنعه منه مانع ،ومن أراد نصره وأمنه لم يدفعه من نصره وأمنه
دافع .وقيل :هذا في الخرة ،أي ل يمنعه من مستحق الثواب مانع ول يدفعه عن مستوجبه العذاب
دافحع" .فأنحى تسححرون" أي فكيحف تخدعون وتصحرفون عحن طاعتحه وتوحيده .أو كيحف يخيحل إليكحم
أن تشركوا بحه محا ل يضحر ول ينفحع! والسححر هحو التخييحل .وكحل هذا احتجاج على العرب المقريحن
بالصححانع وقرأ أبححو عمرو "سححيقولون ل" فححي الموضعيححن الخيريححن؛ وهححي قراءة أهححل العراق.
الباقون "ل" ،ول خلف فحي الول أنحه "ل"؛ لنحه جواب لحح "قحل لمحن الرض ومحن فيهحا" فلمحا
تقدمحت اللم فحي "لمحن" رجعحت فحي الجواب .ول خلف أنحه مكتوب فحي جميحع المصحاحف بغيحر
ألف .وأمحا محن قرأ "سحيقولون ال" فحن السحؤال بغيحر لم فجاء الجواب على لفظحه ،وجاء فحي الول
"ل" لما كان السؤال باللم .وأما من قرأ "ل" باللم في الخيرين وليس في السؤال لم فن معنى
"محن رب السحموات السحبع ورب العرش العظيحم" :قحل لمن السحموات السحبع ورب العرش العظيحم.
فكان الجواب "ل"؛ حين قدرت اللم في السؤال .وعلة الثالثة كعلة الثانية .وقال الشاعر:
ورب الجياد الجرد قلت لخالد إذا قيل من رب المزالف والقرى
أي لمححن المزالف .ودلت هذه اليات على جواز جدال الكفار وإقامححة الحجححة عليهححم .وقححد تقدم فححي
"البقرة" .ونبهحت على أن محن ابتدأ بالخلق والختراع واليجاد والبداع هحو المسحتحق لللوهيحة
والعبادة.
**3الية{ 92 - 90 :بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ،ما اتخذ ال من ولد وما كان معه من
إله إذا لذهححب كحل إله بمحا خلق ولعل بعضهحم على بعحض سححبحان ال عمححا يصححفون ،عالم الغيحب
والشهادة فتعالى عما يشركون}
@قوله تعالى" :بل أتيناهم بالحق" أي بالقول الصدق ،ل ما تقوله الكفار من إثبات الشريك ونفي
البعث" .وإنهم لكاذبون" أن الملئكة بنات ال .فقال ال تعالى" :ما اتخذ ال من ولد" "من" صلة.
"وما كان معه من إله" "من" زائدة؛ والتقدير :ما اتخذ ال ولدا كما زعمتم ،ول كان معه إله فيما
خلق .وفحي الكلم حذف؛ والمعنحى :لو كانحت معحه آلهحة لنفرد كحل إله بخلقحه" .ولعل بعضهحم على
بعحححض" أي ولغالب وطلب القوي الضعيحححف كالعادة بيحححن الملوك ،وكان الضعيحححف المغلوب ل
يستحق اللهية .وهذا الذي يدل على نفي الشريك يدل على نفي الولد أيضا؛ لن الولد ينازع الب
في الملك منازعة الشريك" .سبحان ال عما يصفون" تنزيها له عن الولد والشريك" .عالم الغيب
والشهادة فتعالى عمححا يشركون" تنزيححه وتقديححس .وقرأ نافححا وأبححو بكححر وحمزة والكسححائي "عالم"
بالرفحع على السحتئناف؛ أي هحو عالم الغيحب .الباقون بالجحر على الصحفة ل .وروى رويحس عحن
يعقوب "عالم" إذا وصل خفضا .و"عالم" إذا ابتدأ رفعا.
**3اليتان{ 94 - 93 :قل رب إما تريني ما يوعدون ،رب فل تجعلني في القوم الظالمين}
@ علمه ما يدعو به؛ أي قل رب ،أي يا رب إن أريتني ما يوعدون من العذاب" .فل تجعلني في
القوم الظالميحن" أي فحي نزول العذاب بهحم ،بحل أخرجنحي منهحم .وقيحل :النداء معترض؛ و"محا" فحي
"إما" زائدة .وقيل :إن أصل إما إن ما؛ فح "إن" شرط و"ما" شرط ،فجمع بين الشرطين توكيدا،
والجواب "فل تجعلنحي فحي القوم الظالميحن"؛ أي إذا أردت بهحم عقوبحة فأخرجنحي منهحم .وكان عليحه
السححلم يعلم أن ال تعالى ل يجعله فححي القوم الظالميححن إذا نزل بهححم العذاب ،ومححع هذا أمره الرب
بهذا الدعاء والسؤال ليعظم أجره وليكون في كل الوقات ذاكرا لربه تعالى.
**3الية{ 95 :وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون}
@ نبه على أن خلف المعلوم مقدور ،وقد أراه ال تعالى ذلك فيهم بالجوع والسيف ،ونجاه ال
ومن آمن به من ذلك.
**3الية{ 96 :ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون}
@قوله تعالى" :ادفع بالتي هي أحسن السيئة" أمر بالصفح ومكارم الخلق؛ فما كان منها لهذه
المة فيما بينهم فهو محكم باق في المة أبدا .وما كان فيها من موادعة الكفار وترك التعرض لهم
والصحفح عحن أمورهحم فمنسحوخ بالقتال" .نححن أعلم بمحا يصحفون" أي محن الشرك والتكذيحب .وهذا
يقتضي أنها آية موادعة ،وال تعالى أعلم.
**3اليتان{ 98 - 97 :وقححل رب أعوذ بححك مححن همزات الشياطيححن ،وأعوذ بححك رب أن
يحضرون}
@قوله تعالى" :محن همزات الشياطيحن" "الهمزات" هحي جمحع همزة .والهمحز فحي اللغحة النخحس
والدفحع؛ يقال :همزة ولمزه ونخسحه دفعحه .قال الليحث :الهمحز كلم محن وراء القفحا ،واللمحز مواجهحة.
والشيطان يوسحوس فيهمحس فحي وسحواسه فحي صحدر ابحن آدم؛ وهحو قوله" :أعوذ بحك محن همزات
الشياطيحن" أي نزغات الشياطيحن الشاغلة عحن ذكحر ال تعالى .وفحي الحديحث :كان يتعوذ محن همحز
الشيطان ولمزه وهمسححه .قال أبححو الهيثححم :إذا أسححر الكلم وأخفاه فذلك الهمححس مححن الكلم .وسححمي
السد هوسا؛ لنه يمشي بخفه ل يسمع صوت وطئه .وقد تقدم في "طه".
@ أمحر ال تعالى نحبيه صحلى ال عليحه وسحلم والمؤمنيحن بالتعوذ محن الشيطان فحي همزاتحه ،وهحي
سورات الغضب التي ل يملك النسان فيها نفسه ،كأنها هي التي كانت تصيب المؤمنين مع الكفار
فتقححع المحادة فلذلك اتصححلت بهذه اليححة .فالنزغات وسححورات الغضححب الواردة مححن الشيطان هححي
المتعوذ منهحا فحي اليحة؛ وقحد تقدم فحي آخحر "العراف" بيانحه مسحتوفى ،وفحي أول الكتاب أيضحا.
وروي عحن علي بحن حرب بحن محمحد الطائي حدثنحا سحفيان عحن أيوب عحن محمحد بحن حبان أن خالدا
كان يؤرق من الليل؛ فذكر ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم ،فأمره أن يتعوذ بكلمات ال التامة من
غضحب ال وعقابحه ومحن شحر عباده ومحن همزات الشياطيحن وأن يحضرون .وفحي كتاب أبحي داود
قال عمحر :وهمزه الموتحة؛ قال ابحن ماجحة :الموتحة يعنحي الجنون .والتعوذ أيضحا محن الجنون وكيحد.
وفي قراءة أبي "رب عائذا بك من همزات الشياطين ،وعائذا بك أن يحضرون"؛ أي يكونوا معي
فحي أموري ،فإنهحم إذ ا حضروا النسحان كانوا معديحن للهمحز ،وإذا لم يكحن حضور فل همحز .وفحي
صححيح مسحلم عحن جابر قال :سحمعت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم يقول" :إن الشيطان يحضحر
أحدكحم عنحد كحل شيحء محن شأنحه حتحى يحضره عنحد طعامحه فإذا سحقطت محن أحدكحم اللقمحة فليمحط محا
كان بهححا مححن أذى ثححم ليأكلهححا ول يدعهححا للشيطان فإذا فرغ فليلعححق أصححابعه فإنححه ل يدري فححي أي
طعامه البركة).
**3اليتان{ 100 - 99 :حتحى إذا جاء أحدهحم الموت قال رب ارجعون ،لعلي أعمحل صالحا
فيما تركت كل إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون}
@قوله تعالى" :حتى إذا جاء أحدهم الموت" عاد الكلم إلى ذكر المشركين؛ أي قالوا "أئذا متنا -
إلى قوله -إن هذا إل أساطير الولين" .ثم احتج عليهم وذكرهم قدرته على كل شيء ،ثم قال هم
مصحرون على ذلك حتحى إذا جاء أحدهحم الموت تيقحن ضللتحه وعايحن الملئكحة التحي تقبحض روححه؛
كمحا قال تعالى" :ولو ترى إذ يتوفحى الذيحن كفروا الملئكحة" [النفال" .]50 :قال رب ارجعون"
تمنى الرجعة كي يعمل صالحا فيما ترك .وقد يكون القول في النفس؛ قال ال عز وجل" :ويقولون
في أنفسهم لول يعذبنا ال بما نقول" [المجادلة .]8 :فأما قوله "ارجعون" وهو مخاطب ربه عز
وجحل ولم يقحل "ارجعنحي" جاء على تعظيحم الذكحر للمخاطحب .وقيحل :اسحتغاثوا بال عحز وجحل أول،
فقال قائلهحم :ثحم رجحع إلى مخاطبحة الملئكحة فقال :ارجعون إلى الدنيحا؛ قال ابحن جريحج .وقيحل :إن
معنحى "ارجعون" على جهحة التكريحر؛ أي أرجعنحي أرجعنحي أرجعنحي وهكذا .قال المزنحي فحي قوله
تعالى "ألقيا في جهنم" [ق ]24 :قال :معناه ألق ألق .قال الضحاك :المراد به أهل الشرك.
قلت :ليس سؤال الرجعة مختصا بالكافر فقد يسألها المؤمن كما في آخر سورة المنافقين على
ما يأتي .ودلت الية على أن أحدا ل يموت حتى يعرف اضطرارا أهو من أولياء ال أم من أعداء
ال ،ولول ذلك لما سأل الرجعة ،فيعلموا ذلك قبل نزول الموت وذواقه.
@قوله تعالى" :لعلي أعمل صحالحا" قال ابن عباس :يريحد أشهحد أن ل إله إل ال" .فيما تركت"
أي فيما ضيعت وتركت العمل به من الطاعات .وقيل "فيما تركت" من المال فأتصدق .و"لعل"
تتضمن ترددا؛ وهذا الذي يسحأل الرجعة قحد استيقن العذاب ،وهو يوطحن نفسه على العمل الصالح
قطعا من غير تردد .فالتردد يرجع إما إلى رده إلى الدنيا ،وإما إلى التوفيق؛ أي أعمل صالحا إن
وفقتنحي؛ إذ ليحس على قطحع محن وجود القدرة والتوفيحق لو رد إلى الدنيحا" .كل" هذه كلمحة رد؛ أي
ليس المر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا ،بل هو كلم يطيح في أدراج الريح.
وقيححل :لو أجيححب إلى مححا يطلب لمححا وفححى بمححا يقول؛ كمححا قال" :ولو ردوا لعادوا لمححا نهوا عنححه"
[النعام .]28 :وقيل" :كل إنها كلمة هو قائلها" ترجع إلى ال تعالى؛ أي ل خلف في خبره ،وقد
أخحبر أنحه لن يؤخحر نفسحا إذا جاء أجلهحا ،وأخحبر بأن هذا الكافحر ل يؤمحن .وقيحل" :إنهحا كلمحة هحو
قائلها" عند الموت ،ولكن ل تنفع" .ومن ورائهم برزخ" أي ومن أمامهم وبين أيديهم .وقيل :من
خلفهحم" .برزخ" أي حاجحز بيحن الموت والبعحث؛ قال الضحاك ومجاهحد وابحن زيحد .وعحن مجاهحد
أيحض أن البرز هحو الحاجحز بيحن الموت والرجوع إلى الدنيحا .وعحن الضحاك :هحو محا بيحن الدنيحا
والخرة .ابن عباس .حجاب .السدي :أجل .قتادة :بقية الدنيا .وقيل :المهال إلى يوم القيامة؛ حكاه
ابن عيسى .الكلبي :هو الجل ما بين النفختين ،وبينهما أربعون سنة .وهذه القوال متقاربة .وكل
حاجز بين شيئين فهو برزخ .قال الجوهري :البرزخ الحاجز بين الشيئين .والبرزخ ما بين الدنيا
والخرة محن وقحت الموت إلى البعحث؛ فمحن مات فقحد دخحل فحي البرز .وقال رجحل بحضرة الشعحبي:
رححم ال فلنحا فقحد صحار محن أهحل الخرة! فقال :لم يصحر محن أهحل الخرة ،ولكنحه صحار محن أهحل
البرزخ ،وليححس مححن الدنيححا ول مححن الخرة .وأضيححف "يوم" إلى "يبعثون" لنححه ظرف زمان،
والمراد بالضافة المصدر.
**3الية{ 101 :فإذا نفخ في الصور فل أنساب بينهم يومئذ ول يتساءلون}
@قوله تعالى" :فإذا نفخ في الصور" المراد بهذا النفخ النفخة الثانية" .فل أنساب بينهم يومئذ ول
يتسححاءلون" قال ابحن عباس :ل يفتخرون بالنسحاب فححي الخرة كمححا يفتخرون بهححا فححي الدنيححا ،ول
يتساءلون فيها كما يتساءلون في الدنيا؛ من أي قبيلة أنت ول من أي نسب ،ول يتعارفون لهول ما
أذهلهم .وعن ابن عباس أن ذلك في النفخة الولى حين يصعق من في السموات ومن في الرض
إل محن شاء ال فل أنسحاب بينهحم يومئذ ول يتسحاءلون ،ثحم نفحخ فيحه أخرى فإذا هحم قيام ينظرون،
وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون .وسأل رجل ابن عباس عن هذه الية وقول" :فأقبل بعضهم
على بعض يتساءلون" [الصافات ]50 :فقال :ل يتساءلون في النفخة الولى؛ لنه ل يبقى على
الرض حي ،فل أنساب ول تساؤل .أما قوله "فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون فإنهم إذا دخلوا
الجنحة تسحاءلوا .وقال ابحن مسحعود :إنمحا عنحى فحي هذه اليحة النفخحة الثانيحة .وقال أبحو عمحر زادان:
دخلت على ابن مسعود فوجدت أصحاب الخير واليمنة قد سبقوني إليه ،فناديت بأعلى صوت :،يا
عبدال بن مسعود! من أجل أني رجل أعجمي أدنيت هؤلء وأقصيتني! فقال :ادنه؛ فدنوت ،حتى
ما كان بيني وبينه جليس فسمعته يقول :يؤخذ بيد العبد أو المة يوم القيامة فينصب على رؤوس
الولين والخرين ثم ينادي مناد :هذا فلن بن فلن ،من كان له حق فليأت إلى حقه؛ فتفرح المرأة
أن يدور لها الحق على أبيها أو على زوجها أو على أخيها أو على ابنها؛ ثم قرأ ابن مسعود" :فل
أنساب بينهم يومئذ ول يتساءلون" فيقول الرب سبحانه وتعالى (آت هؤلء حقوقهم) فيقول :يا رب
قحد فنيحت الدنيحا فمحن أيحن أوتيهحم؛ فيقول الرب للملئكحة( :خذوا محن حسحناته فأعطوا كحل إنسحان بقدر
طلبته) فإن كان وليحا ل فضلت من حسحناته مثقال حبة من خردل فيضاعفها ال تعالى حتى يدخله
بهحا الجنحة ،ثحم قرأ ابحن مسحعود "إن ال ل يظلم مثقال ذرة وإن تحك حسحنة يضاعفهحا ويؤت محن لدنحه
أجرا عظيمحا" [النسحاء .]40 :وإن كان شقيحا قالت الملئكحة :رب! فنيحت حسحناته وبقحي طالبون؛
فيقول ال تعالى( :خذوا من أعمالهم فأضيفوها إلى سيئاته وصكوا له صكا إلى جهنم).
**3اليتان{ 105 - 102 :فمحن ثقلت موازينحه فأولئك هحم المفلحون ،ومحن خفحت موازينحه
فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون}
@ تقدم الكلم فيهما.
**3اليتان{ 105 - 104 :تلفح وجوههحم النار وهحم فيهحا كالحون ،ألم تكحن آياتحي تتلى عليكحم
فكنتم بها تكذبون}
@قوله تعالى" :تلفحح وجوههحم النار" ويقال "تنفحح" بمعناه؛ ومنحه "ولئن مسحتهم نفححة محن عذاب
ربك" [النبياء .]46 :إل أن "تلفح" أبلغ بأسا؛ يقال :لفحته النار والسموم بحرها أحرقته .ولفحته
بالسحيف لفحة إذا ضربته بحه [ضربة] خفيفة" .وهم فيها كالحون" قال ابن عباس :عابسحون .وقال
هل اللغة :الكلوح تكشر في عبوس .والكالح :الذي قد تشمرت شفتاه وبدت أسنانه .قال العمش:
ساعة الشدق عن الناب كلح وله المقدم ل مثل له
وقحد كلح الرجحل كلوححا وكلححا .ومحا أقبحح كلحتحه؛ يراد بحه الفحم ومحا حواليحه .ودهحر كالح أي شديحد.
وعحن ابحن عباس أيضحا "وهحم فيهحا كالحون" يريحد كالذي كلح وتقلصحت شفتاه وسحال صحديده .وقال
ابحن مسحعود :ألم تحر إلى الرأس المشيحط بالنار ،وقحد بدت أسحنانه وقلصحت شفتاه .وفحي الترمذي عحن
أبحي سحعيد الخدري عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال( :وهحم فيهحا كالحون -قال -تشويحه النار
فتقلص شفتحه العليحا حتحى تبحل وسحط رأسحه وتسحترخي شفتحه السحفلى حتحى تضرب سحرته) قال :هذا
حديث حسن صحيح غريب.
**3اليات{ 108 - 106 :قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ،ربنا أخرجنا منها
فإن عدنا فإنا ظالمون ،قال اخسؤوا فيها ول تكلمون}
@قوله تعالى" :قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا" قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم "شقوتنا"
وقرأ الكوفيون إل عاصما "شقاوتنا" .وهذه القراءة مروية عن ابن مسعود والحسن .ويقال :شقاء
وشقححا؛ بالمححد والقصححر .وأحسححن مححا قيححل فححي معناه :غلبححت علينححا لذاتنححا وأهواؤنححا؛ فسححمى اللذات
والهواء شقوة ،لنهما يؤديان إليها ،كما قال ال عز وجل" :إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما
إنما يأكلون في بطونهم نارا" [النساء]10 :؛ لن ذلك يؤديهم إلى النار .وقيل :ما سبق في علمك
وكتب علينا في أم الكتاب من الشقاوة .وقيل :حسن الظن بالنفس وسوء الظن بالخلق" .وكنا قوما
ضاليحن" أي كنحا فحي فعلنحا ضاليحن عحن الهدى .وليحس هذا اعتذار منهحم إنمحا هحو إقرار ،ويدل على
ذلك قولهحم "ربنحا أخرجنحا منهحا فإن عدنحا فإنحا ظالمون" طلبوا الرجعحة إلى الدنيحا كمحا طلبوهحا عنحد
الموت" .فإن عدنا" إلى الكفر "فإنا ظالمون" لنفسنا بالعود إليه فيجابون بعد ألف سنة" :اخسؤوا
فيهححا ول تكلمون" أي ابعدوا فححي جهنححم؛ كمححا يقال للكلب :اخسححأ؛ أي أبعححد .خسححأت الكلب خسححئا
طردتحه .وخسحأ الكلب بنفسحه خسحوءا ،يتعدى ول يتعدى .وانخسحأ الكلب أيضحا .وذكحر ابحن المبارك
قال :حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة يذكره عن أبي أيوب عن عبدال بن عمرو بن العاصي
قال :إن أهل جهنم يدعون مالكا فل يجيبهم أربعين عاما ،ثم يرد عليهم :إنكم ماكثون .قال :هانت
وال دعوتهم على مالك ورب مالك .قال :ثم يدعون ربهم فيقولون" :ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا
قوما ضالين .ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون" .قال :فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين .قال:
ثم يرد عليهم اخسؤوا فيها .قال :فوال ما نبس القوم بعدها بكلمة ،وما هو إل الزفير والشهيق من
نار جهنحم فشبحه أصحواتهم بصحوت الحميحر ،أولهحا زفيحر وآخرهحا شهيحق .خرجحه الترمذي مرفوعحا
بمعناه مححن حيححث أبححي الدرداء .وقال قتادة :صححوت الكفار فححي النار كصححوت الحمار ،أوله زفيححر
وآخره شهيحق .وقال ابحن عباس :يصحير لهحم نباح كنباح الكلب .وقال محمحد بحن كعحب القرظحي:
بلغنحي أو ذكحر لي أن أهحل النار اسحتغاثوا بالخزنحة ...الخحبر بطوله ،ذكره ابحن المبارك ،وقحد ذكرناه
بكمال فحي التذكرة ،وفحي آخره :ثحم مكحث عنهحم محا شاء ال ،ثحم ناداهحم "ألم تكحن آياتحي تتلى عليكحم
فكنتحم بهحا تكذبون" قال :فلمحا سحمعوا صحوته قالوا الن يرحمنحا ربنحا فقالوا عنحد ذلك "ربنحا غلبحت
علينحا شقوتنحا" أي الكتاب الذي كتحب علينحا "وكنحا قومحا ضاليحن .ربنحا أخرجنحا منهحا فإن عدنحا فإنحا
ظالمون" فقال عنححد ذلك "اخسححؤوا فيهححا ول تكلمون" فانقطححع عنححد ذلك الدعاء والرجاء ،وأقبححل
بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجوه بعض ،وأطبقت عليهم.
**3اليات{ 111 - 109 :إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت
خير الراحمين ،فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون ،إني جزيتهم اليوم
بما صبروا أنهم هم الفائزون}
@قوله تعالى" :إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا" الية .قال مجاهد :هم بلل
وخباب وصححهيب ،وفلن وفلن مححن ضعفاء المسححلمين؛ كان أبححو جهححل وأصحححابه يهزؤون بهححم.
"فاتخذتموهم سخريا" بالضم قراءة نافع وحمزة والكسائي ها هنا وفي "ص" .وكسر الباقون .قال
النحاس :وفرق أبححو عمرو بينهمححا ،فجعححل المكسححورة مححن جهححة التهزؤ ،والمضمومححة مححن جهححة
السحخرة ،ول يعرف هذا التفريحق الخليحل ول سحيبويه ول الكسحائي ول الفراء .قال الكسحائي :همحا
لغتان بمعنى واحد؛ كما يقال :عصي وعصي ،ولجي ولجي .وحكى الثعلبي عن الكسائي والفراء
الفرق الذي ذكره أبححو عمرو ،وأن الكسححر بمعنححى السححتهزاء والسححخرية بالقول ،والضححم بمعنححى
التسخير والستبعاد بالفعل .وقال المبرد :إنما يؤخذ التفريق بين المعاني عن العرب ،وأما التأويل
فل يكون .والكسر في سخري في المعنيين جميعا؛ لن الضمة تستثقل في مثل هذا" .حتى أنسوكم
ذكري" أي اشتغلتحم بالسحتهزاء بهحم عحن ذكرى" .وكنتحم منهحم تضحكون" اسحتهزاء بهحم ،وأضاف
الساء إلى المؤمنين لنهم كانوا سببا لشتغالهم عن ذكره؛ وتعدي شؤم استهزائهم بالمؤمنين إلى
اسحتيلء الكفحر على قلوبهحم" .إنحي جزيتهحم اليوم بمحا صحبروا" على أذاكحم ،وصحبروا على طاعتحي.
"أنهم هم الفائزون" قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على ابتداء المدح من ال تعالى لهم وفتح
الباقون؛ أي لنهححم هححم الفائزون .ويجوز نصححبه بوقوع الجزاء عليححه ،تقديره :إنححي جزيتهححم اليوم
الفوز بالجنحة .قلت :وينظحر إلى معنحى هذا قوله تعالى فحي آخحر المطففيحن" :فاليوم الذيحن آمنوا محن
الكفار يضحكون" [المطففين ]34 :إلى آخر السورة ،على ما يأتي بيانه هناك إن شاء ال تعالى.
ويستفاد من هذا :التحذير من السخرية والستهزاء بالضعفاء والمساكين والحتقار لهم ،والزراء
عليهم والشتغال بهم فيما ل يغني ،وأن ذلك مبعد من ال عز وجل.
**3اليات{ 114 - 112 :قال كم لبثتم في الرض عدد سنين ،قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم
فاسأل العادين ،قال إن لبثتم إل قليل لو أنكم كنتم تعلمون}
@قوله تعالى" :قال كحم لبثتحم فحي الرض" قيحل :يعنحي فحي القبور .وقيحل :هحو سحؤال لهحم عحن مدة
حياتهحم فحي الدنيحا .وهذا السحؤال للمشركيحن فحي عرصحات القيامحة أو فحي النار" .عدد سحنين" بفتحح
النون على أنحه جمحع مسحلم ،ومحن العرب محن يخفضهحا وينونهحا" .قالوا لبثنحا يومحا أو بعحض يوم"
أنسحاهم شدة العذاب مدة مكثهحم فحي القبور .وقيحل :لن العذاب رفحع عنهحم بيحن النفختيحن فنسحوا محا
كانوا فيحه محن العذاب فحي قبورهحم .قال ابحن عباس :أنسحاهم محا كانوا فيحه محن العذاب محن النفخحة
الولى إلى الثانية؛ وذلك أنه ليحس من أحد قتله نحبي أو قتل نبيا أو مات بحضرة نحبي إل عذب محن
سححاعة يموت إلى النفخحة الولى ،ثححم يمسححك عنححه العذاب فيكون كالماء حتححى ينفححخ الثانيححة .وقيححل:
اسححتقصروا مدة لبثهححم فححي الدنيححا وفححي القبور ورأوه يسححيرا بالنسححبة إلى مححا هححم بصححدده" .فاسححأل
العادين" أي سل الحساب الذين يعرفون ذلك فإنا قد نسيناه ،أو فاسأل الملئكة الذين كانوا معنا في
الدنيحا؛ الول قول قتادة ،والثانحي قول مجاهحد ،وقرأ ابحن كثيحر وحمزة والكسحائي "قحل كحم لبثتحم فحي
الرض" على المحر .ويحتمحل ثلثحة معان :أحدهححا :قولوا كححم لبثتححم؛ فأخرج الكلم مخرج المحر
للواححد والمراد الجماعحة؛ إذ كان المعنحى مفهومحا .الثانحي :أن يكون أمرا للملك ليسحألهم يوم البعحث
عحن قدر مكثهحم فحي الدنيحا .أو أراد قحل أيهحا الكافحر كحم لبثتحم ،وهحو الثالث .الباقون "قال كحم" على
الخحبر؛ أي قال ال تعالى لهحم ،أو قالت الملئكحة لهحم كحم لبثتحم .وقرأ حمزة والكسحائي أيضحا "قحل إن
لبثتم إل قليل" الباقون "قال" على الخبر ،على ما ذكر من التأويل الول؛ أي ما لبثتم في الرض
إل قليل؛ وذلك أن مكثهحم فحي القبور وإن طال كان متناهيحا .وقيحل :هحو قليحل بالنسحبة إلى مكثهحم فحي
النار؛ لنه ل نهاية له" .لو أنكم كنتم تعلمون" ذلك.
**3الية{ 115 :أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ل ترجعون}
@قوله تعالى" :أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا" أي مهملين كما خلقت البهائم ل ثواب لها ول عقاب
عليهحا؛ مثحل قوله تعالى" :أيحسحب النسحان أن يترك سحدى" [القيامحة ]36 :يريحد كالبهائم مهمل
لغير فائدة .قال الترمذي الحكيم أبو عبدال محمد بن علي :إن ال تعالى خلق الخلق عبيدا ليعبدوه،
فيثيبهم على العبادة ويعاقبهم على تركها ،فإن عبدوه فهم اليوم له عبيد أحرار كرام من رق الدنيا،
ملوك فححي دار السححلم؛ وإن رفضوا العبوديححة فهححم اليوم عبيححد أباق سححقاط لئام ،وغدا أعداء فححي
السجون بين أطباق النيران .و"عبثا" نصب على الحال عند سيبويه وقطرب .وقال أبو عبيدة :هو
نصحب على المصحدر أو لنحه مفعول له" .وأنكحم إلينحا ل ترجعون" فتجازون بأعمالكحم .قرأ حمزة
والكسائي "ترجعون" بفتح التاء وكسر الجيم من الرجوع.
**3الية{ 116 :فتعالى ال الملك الحق ل إله إل هو رب العرش الكريم}
@قوله تعالى" :فتعالى ال الملك الححق" أي تنزه وتقدس ال الملك الححق عحن الولد والشركاء
والنداد ،وعن أن يخلق شيئا عبثحا أو سفها؛ لنحه الحكيم" .ل إله إل هو رب العرش الكريحم" ليس
في القرآن غيرها .وقرأ ابن محيصن وروي عن ابن كثير "الكريم" بالرفع نعتا ل.
**3اليتان{ 118 - 117 :ومن يدع مع ال إلها آخر ل برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه
ل يفلح الكافرون ،وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين}
@قوله تعالى" :ومن يدع مع ال إلها آخر ل برهان له به" أي ل حجة له عليه "فإنما حسابه عند
ربحه" أي هحو يعاقبحه ويحاسحبه" .إنحه" الهاء ضميححر المححر والشأن" .إنحه ل يفلح الكافرون" وقرأ
الحسحن وقتادة "ل يفلح" -بالفتحح -محن كذب وجححد محا جئت بحه وكفحر نعمتحي .ثحم أمحر نحبيه عليحه
الصحلة والسحلم بالسحتغفار لتقتدي بحه المحة .وقيحل :أمره بالسحتغفار لمتحه .وأسحند الثعلبحي محن
حديث ابن لهيعة عن عبدال بن هبيرة عن حنش بن عبدال الصنعاني عن عبدال بن مسعود أنه
مر بمصاب مبتلى فقرأ في أذنه "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا" حتى ختم السورة فبرأ .فقال رسول
ال صححلى ال عليححه وسححلم( :ماذا قرأت فححي أذنححه)؟ فأخححبره ،فقال( :والذي نفسححي بيده لو أن رجل
موقنا قرأها على جبل لزال).
**2سورة النور
**3الية{ 1 :سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون}
@ مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر .وكتب عمر رضي ال عنه إلى أهل الكوفة:
(علموا نسحاءكم سحورة النور) .وقالت عائشحة رضحي ال عنهحا( :ل تنزلوا النسحاء الغرف ول
تعلموهحن الكتابحة وعلموهحن سحورة النور والغزل)" .وفرضناهحا" قرئ بتخفيحف الراء؛ أي فرضنحا
عليكحم وعلى محن بعدكحم محا فيهحا محن الحكام .وبالتشديحد :أي أنزلنحا فيهحا فرائض مختلفحة .وقرأ أبحو
عمرو" :وفرضناهحا" بالتشديحد أي قطعناهحا فحي النزال نجمحا نجمحا .والفرض القطحع ،ومنحه فرضحة
القوس .وفرائض الميراث وفرض النفقحة .وعنحه أيضحا "فرضناهحا" فصحلناها وبيناهحا .وقيحل :هحو
على التكثيحر؛ لكثرة محا فيهحا محن الفرائض .والسحورة فحي اللغحة اسحم للمنزلة الشريفحة؛ ولذلك سحميت
السورة من القرآن سورة .قال زهير:
ترى كل ملك دونها يتذبذب ألم تر أن ال أعطاك سورة
وقححد مضححى فححي مقدمححة الكتاب القول فيهححا .وقرئ "سححورة" بالرفححع على أنهححا مبتدأ وخبرهححا
"أنزلناهحا"؛ قاله أبحو عحبيدة والخفحش .وقال الزجاج والفراء والمحبرد" :سحورة" بالرفحع لنهحا خحبر
البتداء؛ لنهححا نكرة ول يبتدأ بالنكرة فححي كححل موضححع ،أي هذه سححورة .ويحتمححل أن يكون قوله
"سورة" ابتداء وما بعدها صفة لها أخرجتها عن حد النكرة المحضة فحسن البتداء لذلك ،ويكون
الخحبر فحي قوله "الزانيحة والزانحي" .وقرئ "سحورةً" بالنصحب ،على تقديحر أنزلنحا سحورة أنزلناهحا.
وقال الشاعر:
وحدي وأخشى الرياح والمطرا والذئب أخشاه إن مررت به
أو تكون منصوبة بإضمار فعل أي اتل سورة .وقال الفراء :هي حال من الهاء واللف والحال من
المكنى يجوز أن يتقدم عليه.
**3الية{ 2 :الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ول تأخذكم بهما رأفة في دين
ال إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}
@قوله تعالى" :الزانيحة والزانحي" كان الزنحى فحي اللغحة معروفحا قبحل الشرع ،مثحل اسحم السحرقة
والقتحل .وهحو اسحم لوطحء الرجحل امرأة فحي فرجهحا محن غيحر نكاح ول شبهحة نكاح بمطاوعتهحا .وإن
شئت قلت :هحو إدخال فرج فحي فرج مشتهحى طبعحا محرم شرعحا؛ فإذا كان ذلك وجحب الححد .وقحد
مضحى الكلم فحي ححد الزنحى وحقيقتحه ومحا للعلماء فحي ذلك .وهذه اليحة ناسحخة ليحة الحبحس وآيحة
الذى اللتين في سورة "النساء" باتفاق.
@قوله تعالى" :مائة جلدة" هذا حد الزاني الحر البالغ البكر ،وكذلك الزانية البالغة البكر الحرة.
وثبحت بالسحنة تغريحب عام؛ على الخلف فحي ذلك .وأمحا المملوكات فالواجحب خمسحون جلدة؛ لقوله
تعالى" :فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب" [النساء ]25 :وهذا في
المحة ،ثحم العبحد فحي معناهحا .وأمحا المحصحن محن الحرار فعليحه الرجحم دون الجلد .ومحن العلماء محن
يقول :يجلد مائة ثم يرجم .وقد مضى هذا كله ممهدا في "النساء" فأغنى عن إعادته ،والحمد ل.
@ قرأ الجمهور "الزانية والزاني" بالرفع .وقرأ عيسى بن عمر الثقفي "الزانية" بالنصب ،وهو
أوجحه عنحد سحيبويه؛ لنحه عنده كقولك :زيدا اضرب .ووجحه الرفحع عنده :خحبر ابتداء ،وتقديره :فيمحا
يتلى عليكم [حكم] الزانية والزاني .وأجمع الناس على الرفع وإن كان القياس عند سيبويه النصب.
وأمححا الفراء والمححبرد والزجاج فإن الرفححع عندهححم هححو الوجححه ،والخححبر فححي قوله "فاجلدوا" لن
المعنى :الزانية والزاني مجلودان بحكم ال وهو قول جيد وهو قول أكثر النحاة .وإن شئت قدرت
الخبر :ينبغي أن يجلدا .وقرأ ابن مسعود "والزان" بغير ياء.
@ ذكحر ال سحبحانه وتعالى الذكحر والنثحى ،والزانحي كان يكفحي منهمحا؛ فقيحل :ذكرهمحا للتأكيحد كمحا
قال تعالى" :والسحارق والسحارقة فاقطعوا أيديهمحا" [المائدة .]38 :ويحتمحل أن يكون ذكرهمحا هنحا
لئل يظحن ظان أن الرجحل لمحا كان هحو الواطحئ والمرأة مححل ليسحت بواطئة فل يجحب عليهحا ححد
فذكرهححا رفعححا لهذا الشكال الذي أوقححع جماعححة مححن العلماء منهححم الشافعححي .فقالوا :ل كفارة على
المرأة فحي الوطحء فحي رمضان؛ لنحه قال جامعحت أهلي فحي نهار رمضان؛ فقال له النحبي صحلى ال
عليه وسلم (كفر) .فأمره بالكفارة ،والمرأة ليس بمجامعة ول واطئة.
@ قدمت "الزانية" في الية من حيث كان في ذلك الزمان زنى النساء فاش وكان لماء العرب
وبغايحا الوقحت رايات ،وكحن مجاهرات بذلك .وقيحل :لن الزنحى فحي النسحاء أعحر وهحو لجحل الحبحل
أضر .وقيل :لن الشهوة في المرأة أكثر وعليها أغلب فصدرها تغليظا لتردع شهوتها وإن كان قد
ركحب فيهحا حياء لكنهحا إذا زنحت ذهحب الحياء كله .وأيضحا فإن العار بالنسحاء ألححق إذ موضوعهحن
الحجب والصيانة فقدم ذكرهن تغليظا واهتماما.
@ اللف واللم في قول "الزانية والزاني" للجنس ،وذلك يعطي أنها عامة في جميع الزناة .ومن
قال بالجلد محع الرجحم قال :السحنة جاءت بزيادة حكحم فيقام محع الجلد .وهحو قول إسححاق بحن راهويحه
والحسححن بححن أبححي الحسححن ،وفعله علي بححن أبححي طالب رضححي ال عنححه بشراحححة وقححد مضححى فححي
"النسحاء" بيانحه .وقال الجمهور :هحي خاصحة فحي البكريحن ،واسحتدلوا على أنهحا غيحر عامحة بخروج
العبيد والماء منها.
@ نص ال سبحانه وتعالى على ما يجب على الزانيين إذا شُهد بذلك عليهما على ما يأتي وأجمع
العلماء على القول به .واختلفوا فيما يجب على الرجل يوجد مع المرأة في ثوب واحد فقال إسحاق
بحن راهويحه :يضرب كحل واححد منهمحا مائة جلدة .وروي ذلك عحن عمحر وعلى وليحس يثبحت ذلك
عنهمحا .وقال عطاء وسحفيان الثوري :يؤدبان .وبحه قال مالك وأحمحد على قدر مذاهبهحم فحي الدب.
قال ابحن المنذر :والكثحر ممحن رأيناه يرى على محن وجحد على هذه الحال الدب .وقحد مضحى فحي
"هود" اختيار ما في هذه المسألة ،والحمد ل وحده.
@قوله تعالى" :فاجلدوا" دخلت الفاء لنه موضع أمر والمر مضارع للشرط .وقال المبرد :فيه
معنححى الجزاء ،أي إن زنححى زان فافعلوا بححه كذا ،ولهذا دخلت الفاء؛ وهكذا "السححارق والسححارقة
فاقطعوا أيديهما" [المائدة.]38 :
@ ل خلف أن المخاطحب بهذا المحر المام ومحن ناب منابحه .وزاد مالك والشافعحي :السحادة فحي
العبيححد .قال الشافعححي :فححي كححل جلد وقطححع .وقال مالك :فححي الجلد دون القطححع .وقيححل :الخطاب
للمسححلمين لن إقامححة مراسححم الديححن واجبححة على المسححلمين ،ثححم المام ينوب عنهححم إذ ل يمكنهححم
الجتماع على إقامة الحدود.
@ أجمحع العلماء على أن الجلد بالسحوط يجحب .والسحوط الذي يجحب أن يجلد بحه يكون سحوطا بيحن
سوطين .ل شديدا ول لينا .وروى مالك عن زيد بن أسلم أن رجل اعترف على نفسه بالزنى على
عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فدعا له رسول ال صلى ال عليه وسلم بسوط ،فأتي بسوط
مكسور ،فقال( :فوق هذا) فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال( :دون هذا) فأتي بسوط قد ركب
بحه ولن .فأمحر بحه رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم فجلد )...الحديحث .قال أبحو عمحر :هكذا روى
الحديث مرسل جميع رواة الموطأ ول أعلمه يستند بهذا اللفظ بوجه من الوجوه ،وقد روى معمر
عن يحيى بن أبي كثير عن النبي صلى ال عليه وسلم مثله سواء .وقد تقدم في "المائدة" ضرب
عمر قدامة في الخمر بسوط تام .يريد وسطا.
اختلف العلماء فحي تجريحد المجلود فحي الزنحى؛ فقال مالك وأبحو حنيفحة وغيرهمحا :يجرد ،ويترك
على المرأة ما يسترها دون ما يقيها الضرب .وقال الوزاعي :المام مخير إن شاء جرد وإن شاء
ترك .وقال الشعبي والنخعي :ل يجرد ولكن يترك عليه قميص .قال ابن مسعود :ل يحل في المة
تجريد ول مد وبه فال الثوري.
اختلف العلماء فحي كيفيحة ضرب الرجال والنسحاء؛ فقال مالك :الرجحل والمرأة فحي الحدود كلهحا
سحواء ل يقام واححد منهمحا؛ ول يجزى عنده إل فحي الظهحر .وأصححاب الرأي والشافعحي يرون أن
يجلد الرجحل وهحو واقحف ،وهحو قول علي بحن أبحي طالب رضحي ال عنحه .وقال الليحث وأبحو حنيفحة
والشافعحي :الضرب فحي الحدود كلهحا وفحي التعزيحر مجردا قائمحا غيحر ممدود إل ححد القذف فإنحه
يضرب وعليحه ثيابحه .وحكاه المهدوي فحي التحصحيل عحن مالك .وينزع عنحه الحشحو والفرو .وقال
الشافعي :إن كان مده صلحا مد.
واختلفوا فححي المواضححع التححي تضرب مححن النسححان فححي الحدود؛ فقال مالك :الحدود كلهححا ل
تضرب إل فحي الظهحر ،وكذلك التعزيحر .وقال الشافعحي وأصححابه :يتقحى الوجحه والفرج وتضرب
سائر العضاء؛ وروي عن علي .وأشار ابن عمر بالضرب إلى رجلي أمة جلدها في الزنى .قال
ابححن عطيححة :والجماع فححي تسححليم الوجححه والعورة والمقاتححل .واختلفوا فححي ضرب الرأس فقال
الجمهور :يتقحى الرأس .وقال أبحو يوسحف :يضرب الرأس .وروي عحن عمحر وابنحه فقال :يضرب
الرأس .وضرب عمحر رضحي ال عنحه صحبيا فحي رأسحه وكان تعزيرا ل حدا .ومحن حجحة مالك محا
أدرك عليه الناس ،وقوله عليه السلم( :البينة وإل حد في ظهرك) وسيأتي.
@ الضرب الذي يجب هو أن يكون مؤلما ل يجرح ول يبضع ،ول يخرج الضارب يده من تحت
إبطه .وبه قال الجمهور ،وهو قول علي وابن مسعود رضي ال عنهما .وأتي عمر رضي ال عنه
برجحل فحي ححد فأتحي بسحوط بيحن سحوطين وقال للضارب :اضرب ول يرى إبطحك وأعحط كحل عضحو
حقه .وأتي رضي ال عنه بشارب فقال :لبعثنك إلى رجل ل تأخذه فيك هوادة فبعثه إلى مطيع بن
السحود العدوي فقال :إذا أصحبحت الغحد فاضربحه الححد فجاء عمحر رضحي ال عنحه وهحو يضربحه
ضربا شديدا فقال :قتلت الرجل كم ضربته؟ فقال ستين؛ فقال :أقص عنه بعشرين .قال أبو عبيدة:
(أقحص عنحه بعشريحن) يقول :اجعحل شدة هذا الضرب الذي ضربتحه قصحاصا بالعشريحن التحي بقيحت
ول تضربه العشرين .وفي هذا الحديث من الفقه أن ضرب الشارب ضرب خفيف.
وقحد اختلف العلماء فحي أشحد الحدود ضربحا فقال مالك وأصححابه والليحث بحن سحعد :الضرب فحي
الحدود كلهحا سحواء ضرب غيحر محبرح؛ ضرب بيحن ضربيحن .هحو قول الشافعحي رضحي ال عنحه.
وقال أبحو حنيفحة وأصححابه :التعزيحر أشحد الضرب؛ وضرب الزنحى أشحد محن الضرب فحي الخمحر،
وضرب الشارب أشححد مححن ضرب القذف .وقال الثوري :ضرب الزنححى أشححد مححن ضرب القذف،
وضرب القذف أشد من ضرب الخمر .احتج مالك بورود التوقيف عل عدد الجلدات ،ولم يرد في
شيحء منهحا تخفيحف ول تثقيحل عمحن يجحب التسحليم له .احتحج أبحو حنيفحة بفعحل عمحر ،فإنحه ضرب فحي
التعزيححر ضربححا أشححد منححه فححي الزنححى .احتححج الثوري بأن الزنححى لمححا كان أكثححر عددا فححي الجلدات
اسحتحال أن يكون القذف أبلغ فحي النكايحة .وكذلك الخمحر؛ لنحه لم يثبحت الححد إل بالجتهاد ،وسحبيل
مسائل الجتهاد ل يقوي قوة مسائل التوقيف.
@ الحد الذي أوجب ال في الزنى والخمر والقذف وغير ذلك ينبغي أن يقام بين أيدي الحكام ،ول
يقيمه إل فضلء الناس وخيارهحم يختارهم المام لذلك .وكذلك كانت الصحابة تفعل كلما وقع لهم
شيء من ذلك ،رضي ال عنهم .وسبب ذلك أنه قيام بقاعدة شرعية وقربة تعبدية ،تجب المحافظة
على فعلهححا وقدرهححا ومحلهححا وحالهححا ،بحيححث ل يتعدى شيححء مححن شروطهححا ول أحكامهححا ،فإن دم
المسلم وحرمته عظيمة ،فيجب مراعاته بكل ما أمكن .روى الصحيح عن حضين بن المنذر أبي
ساسان قال :شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال :أزيدكم؟ فشهد
عليه رجلن ،أحدهما حمران أنه شرب الخمر ،وشهد آخر أنه رآه يتقيأ؛ فقال عثمان :إنه لم يتقيأ
حتحى شربهحا؛ فقال :يحا علي قحم فاجلده ،فقال علي :قحم يحا حسحن فاجلده .فقال الحسحن :ول حارهحا محن
تولى قارها -فكأنه وجد عليه -فقال :يا عبدال بن جعفر ،قم فاجلده ،فجلده وعلي يعد )...الحديث.
وقد تقدم في المائدة .فانظر قول عثمان للمام علي :قم فاجلده.
نحص ال تعالى على عدد الجلد فحي الزنحى والقذف ،وثبحت التوقيحف فحي الخمحر على ثمانيحن محن
فعحل عمحر فحي جميحع الصححابة -على محا تقدم فحي المائدة -فل يجوز أن يتعدى الححد فحي ذلك كله.
قال ابححن العربححي :وهذا مححا لم يتابححع الناس فححي الشححر ول احلولت لهححم المعاصححي ،حتححى يتخذوهححا
ضراوة ويعطفون عليها بالهوادة فل يتناهوا عن منكر فعلوه؛ فحينئذ تتعين الشدة ويزاد الحد لجل
زيادة الذنب .وقد أتحي عمحر بسحكران فحي رمضان فضربحه مائة؛ ثمانين ححد الخمحر وعشريحن لهتك
حرمحة الشهحر .فهكذا يجحب أن تركحب العقوبات على تغليحظ الجنايات وهتحك الحرمات .وقحد لعحب
رجل بصبي فضربه الوالي ثلثمائة سوط فلم يغير ذلك مالك حين بلغه ،فكيف لو رأى زماننا هذا
بهتحك الحرمات والسحتهتار بالمعاصحي ،والتظاهحر بالمناكحر وبيحع الحدود واسحتيفاء العبيحد لهحا فحي
منصب القضاة ،لمات كمدا ولم يجالس أحدا؛ وحسبنا ال ونعم الوكيل.
قلت :ولهذا المعنى -وال أعلم -زيد في حد الخمر حتى انتهى إلى ثمانين .وروى الدارقطني
حدثنحا القاضحي الحسحين بحن إسحماعيل حدثنحا يعقوب بحن إبراهيحم الدورقحي حدثنحا صحفوان بحن عيسحى
حدثنا أسامة بن زيد عن الزهري قال أخبرني عبدالرحمن بن أزهر قال :رأيت رسول ال صلى
ال عليحه وسحلم يوم حنيحن وهحو يتخلل الناس يسحأل عحن منزل خالد بحن الوليحد ،فأتحي بسحكران ،قال
فقال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم لمحن عنده فضربوه بمحا فحي أيديهحم .وقال :وحثحا رسحول ال
صلى ال عليه وسلم عليه التراب .قال :ثم أتي أبو بكر رضي ال عنه بسكران ،قال :فتوخى الذي
كان محن ضربهحم يومئذ؛ فضرب أربعيحن .قال الزهري :ثحم أخحبرني حميحد بحن عبدالرحمحن عحن ابن
وبرة الكلبي قال :أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر ،قال فأتيته ومعه عثمان بن عفان وعبدالرحمن
بحن عوف وعلي وطلححة والزبيحر وهحم معحه متكئون فحي المسحجد فقلت :إن خالد بحن الوليحد أرسحلني
إليحك وهحو يقرأ عليحك السحلم ويقول :إن الناس قحد انهمكوا فحي الخمحر وتحاقروا العقوبحة فيحه؛ فقال
عمححر :هححم هؤلء عندك فسححلهم .فقال علي :نراه إذا سححكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري
ثمانون؛ قال فقال عمححر :أبلغ صححاحبك مححا قال .قال :فجلد خالد ثمانيححن وعمححر ثمانيححن .قال :وكان
عمر إذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الذلة ضربه أربعين ،قال :وجلد عثمان أيضا ثمانين
وأربعين .ومن هذا المعنى قوله صلى ال عليه وسلم( :لو تأخر الهلل لزدتكم) كالمنكل لهم حين
أبوا أن ينتهوا .في رواية (لو مد لنا الشهر لواصلنا وصال يدع المتعمقون تعمقهم) .وروى حامد
بن يحيى عن سقيان عن مسعر عن عطاء بن أبي مروان أن عليا ضرب النجاشي في الخمر مائة
جلدة؛ ذكره أبو عمرو ولم يذكر سببا.
@قوله تعالى" :ول تأخذكم بهما رأفة" أي ل تمتنعوا عن إقامة الحدود شفقة على المحدود ،ول
تخففوا الضرب من غير إيجاع ،وهذا قول جماعة أهل التفسير .وقال الشعبي والنخعي وسعيد بن
جبير" :ل تأخذكم بهما رأفة" قالوا في الضرب والجلد .وقال أبو هريرة رضي ال عنه :إقامة حد
بأرض خيحر لهلهحا محن مطحر أربعيحن ليلة؛ ثحم قرأ هذه اليحة .والرأفحة أرق الرحمحة .وقرئ "رأفحة"
بفتححح اللف على وزن فعلة .وقرئ "رأفححة" على وزن فعالة؛ ثلث لغات ،هححي كلهححا مصححادر،
أشهرهحا الولى؛ محن رؤوف إذا رق ورححم .ويقال :رأفحة ورآفحة؛ مثحل كأبحة وكآبحة .وقحد رأفحت بحه
ورؤفت به .والرؤوف من صفات ال تعالى :العطوف الرحيم" .في دين ال" أي في حكم ال؛ كما
قال تعالى" :ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" [يوسف ]76 :أي في حكمه .وقيل" :في دين ال"
أي فحي طاعحة ال وشرعحه فيمحا أمركحم بحه محن إقامحة الحدود" .إن كنتحم تؤمنون بال واليوم الخحر"
قررهحم على معنحى التثحبيت والححض بقوله تعالى":إن كنتحم تؤمنون بال" .وهذا كمحا تقول لرجحل
تحضه :إن كنت رجل فافعل كذا ،أي هذه أفعال الرجال.
@قوله تعالى" :وليشهحد عذابهمحا طائفحة محن المؤمنيحن" قيحل :ل يشهحد التعذيحب إل محن ل يسحتحق
التأديحب .قال مجاهحد :رجحل فمحا فوقحه إلى ألف .وقال ابحن زيحد :ل بحد محن حضور أربعحة قياسحا على
الشهادة على الزنحى ،وأن هذا باب منحه؛ وهحو قول مالك والليحث والشافعحي .وقال عكرمحة وعطاء:
ل بحد محن اثنيحن؛ وهذا مشهور قول مالك ،فرآهحا موضحع شهادة .وقال الزهري :ثلثحة ،لنحه أقحل
الجمحع .الحسحن :واححد فصحاعدا ،وعنحه عشرة .الربيحع :محا زاد على الثلثحة .وحجحة مجاهحد قوله
تعالى" :فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة" [التوبة ،]122 :وقوله" :وإن طائفتان" [الحجرات:
،]9ونزلت في تقاتل رجلين؛ فكذلك قوله تعالى" :وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" .والواحد
يسحمى طائفحة إلى اللف؛ وقاله ابحن عباس وإبراهيحم .وأمحر أبحو برزة السحلمي بجاريحة له قحد زنحت
وولدت فألقى عليها ثوبا ،وأمر ابنه أن يضربها خمسين ضربة غير مبرح ول خفيف لكن مؤلم،
ودعا جماعة ثم تل "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين".
@ اختلف في المراد بحضور الجماعة .هل المقصود بها الغلط على الزناة والتوبيخ بحضرة
الناس ،وأن ذلك يدع المحدود ،ومن شهده وحضره يتعظ به ويزدجر لجله ،ويشيع حديثه فيعتبر
به من بعده ،أو الدعاء لهما بالتوبة والرحمة؛ قولن للعلماء.
روي عحن حذيفحة رضحي ال عنحه أن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال( :يحا معاشحر الناس اتقوا
الزنحى فإن فيحه سحت خصحال ثلثحا فحي الدنيحا وثلثحا فحي الخرة فأمحا اللواتحي الدنيحا فيذهحب البهاء
ويورث الفقحر وينقص العمحر وأما اللواتحي فحي الخرة فيوجب السحخط وسوء الحسحاب والخلود فحي
النار) .وعن أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :إن أعمال أمتي تعرض علي كل جمعة
مرتين فاشتد غضب ال على الزناة) .وعن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إذا كان ليلة النصف
محن شعبان اطلع ال على أمتحي فغفحر لكحل مؤمحن ل يشرك بال شيئا إل خمسحة سحاحرا أو كاهنحا أو
عاقا لوالديه أو مدمن خمر أو مصرا على الزنى).
**3الية{ 3 :الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة والزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك وحرم
ذلك على المؤمنين}
@ اختلف العلماء في معنى هذه الية على ستة أوجه من التأويل :الول :أن يكون مقصد الية
تشنيحع الزنحى وتبشيحع أمره ،وأنحه محرم على المؤمنيحن .واتصحال هذا المعنحى بمحا قبحل حسحن بليحغ.
ويريحد بقوله "ل ينكحح" أي ل يطحأ؛ فيكون النكاح بمعنحى الجماع .وردد القصحة مبالغحة وأخذا كل
الطرفيححن ،ثححم زاد تقسححيم المشركححة والمشرك مححن حيححث الشرك أعححم فححي المعاصححي مححن الزنححى؛
فالمعنححى :الزانححي ل يطححأ فححي وقححت زناه إل زانيححة مححن المسححلمين ،أو مححن هححي أحسححن منهححا مححن
المشركات .وقد روي عن ابن عباس وأصحابه أن النكاح في هذه الية الوطء .وأنكر ذلك الزجاج
وقال :ل يعرف النكاح فحي كتاب ال تعالى إل بمعنحى التزويحج .وليحس كمحا قال؛ وفحي القرآن "حتحى
تنكح زوجا غيره" [البقرة ]230 :وقد بينه النبي صلى ال عليه وسلم أنه بمعنى الوطء ،وقد تقدم
فحي "البقرة" .وذكحر الطحبري محا ينححو إلى هذا التأويحل عحن سحعيد بحن جحبير وابحن عباس وعكرمحة،
ولكن غير مخلص ول مكمل .وحكاه الخطابي عن ابن عباس ،وأن معناه الوطء أي ل يكون زنى
إل بزانية ،ويفيد أنه زنى في الجهتين؛ فهذا قول.
الثانحي :محا رواه أبحو داود والترمذي عحن عمرو بحن شعيحب عحن أبيحه عحن جده أن مرثحد بحن أبحي
مرثد كان يحمل السارى بمكة ،وكان بمكة بغي يقال لها عناق وكانت صديقته ،قال :فجئت النبي
صحلى ال عليحه وسحلم فقلت :يحا رسحول ال؛ أنكحح عناق؟ قال :فسحكت عنحي؛ فنزلت "والزانيحة ل
ينكحهححا إل زان أو مشرك"؛ فدعانححي فقرأهححا علي وقال( :ل تنكحهححا) .لفححظ أبححي داود ،وحديححث
الترمذي أكمححل .قال الخطابححي :هذا خاص بهذه المرأة إذ كانححت كافرة ،فأمححا الزانيححة المسححلمة فإن
العقد عليها ل يفسخ.
الثالث :أنهحا مخصحوصة فحي رجحل من المسحلمين أيضحا اسحتأذن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم
فحي نكاح امرأة يقال لهحا أم مهزول وكانحت محن بغايحا الزانيات ،وشرطحت أن تنفحق عليحه؛ فأنزل ال
تعالى هذه الية؛ قاله عمرو بن العاصي ومجاهد.
الرابع :أنها نزلت في أهل الصفة وكانوا قوما من المهاجرين ،ولم يكن لهم في المدينة مساكن
ول عشائر فنزلوا صفة المسجد وكانوا أربعمائة رجل يلتمسون الرزق بالنهار ويأوون إلى الصفة
بالليحل ،وكان بالمدينحة بغايحا متعالنات بالفجور ،مخاصحيب بالكسحوة والطعام؛ فهحم أهحل الصحفة أن
يتزوجوهن فيأووا إلى مساكنهن ويأكلوا من طعامهن وكسوتهن؛ فنزلت هذه الية صيانة لهم عن
ذلك؛ قال ابن أبي صالح.
الخامححس :ذكره الزجاج وغيره عححن الحسححن ،وذلك أنححه قال :المراد الزانححي المحدو والزانيححة
المحدودة ،قال :وهذا حكحححم محححن ال فل يجوز لزان محدود أن يتزوج إل محدودة .وقال إبراهيحححم
النخعحي نحوه .وفحي مصحنف أبحي داود عحن أبحي هريرة قال :قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم:
(ل ينكح الزاني المحدود إل مثله) .وروى أن محدودا تزوج غير محدودة ففرق علي رضي ال
عنحه بينهمحا .قال ابحن العربحي :وهذا معنحى ل يصحح نظرا كمحا لم يثبحت نقل ،وهحل يصحح أن يوقحف
نكاح من حد من الرجال على نكاح من حد من النساء فبأي أثر يكون ذلك ،وعلى أي أصل يقاس
من الشريعة.
قلت :وحكحى هذا القول الكيحا عحن بعحض أصححاب الشافعحي المتأخريحن ،وأن الزانحي إذا تزوج
غير زانية فرق بينهما لظاهر الية .قال الكيا :وإن هو عمل بالظاهر فيلزمه عليه أن يجوز للزاني
التزوج بالمشركحة ،ويجوز للزانيحة أن تزوج نفسحها محن مشرك؛ وهذا فحي غايحة البعحد ،وهحو خروج
عن السلم بالكلية ،وربما قال هؤلء :إن الية منسوخة في المشرك خاص دون الزانية.
السحادس :أنهحا منسحوخة؛ روى مالك عحن يحيحى بحن سحعيد عحن سحعيد بحن المسحيب قال" :الزانحي ل
ينكح إل زانية أو مشركة والزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك" قال :نسخت هذه الية التي بعدها
"وأنكحوا اليامى منكم" [النور]32 :؛ وقاله ابن عمرو ،قال :دخلت الزانية في أيامى المسلمين.
قال أبو جعفر النحاس :وهذا القول عليه أكثر العلماء .وأهل الفتيا يقولون :إن من زنى بامرأة فله
أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها .وهو قول ابن عمر وسالم وجابر بن زيد وعطاء وطاوس ومالك
بن أنس وهو قول أبي حنيفة وأصحابه .وقال الشافعي :القول فيها كما قال سعيد بن المسيب ،إن
شاء ال هي منسوخة .قال ابن عطية :وذكر الشراك في هذه الية يضعف هذه المناحي .قال ابن
العربحي :والذي عندي أن النكاح ل يخلو أن يراد بحه الوطحء كمحا قال ابحن عباس أو العقحد؛ فإن أريحد
بحه الوطحء فإن معناه :ل يكون زنحى إل بزانيحة ،وذلك عبارة عحن أن الوطأيحن محن الرجحل والمرأة
زنى من الجهتين؛ ويكون تقدير الية :وطء الزانية ل يقع إل من زان أو مشرك؛ وهذا يؤثر عن
ابحن عباس ،وهحو معنحى صححيح .فإن قيحل :فإذا زنحى بالغ بصحبية ،أو عاقحل بمجنونحة ،أو مسحتيقظ
بنائمة فإن ذلك من جهة الرجل زنى؛ فهذا زان نكح غير زانية ،فيخرج المراد عن بابه الذي تقدم.
قلنا :هو زنى من كل جهة ،إل أن أحدهما سقط فيه الحد والخر ثبت فيه .وإن أريد به العقد كان
معناه :أن متزوج الزانية التي قد زنت ودخل بها ولم يستبرئها يكون بمنزلة الزاني ،إل أنه ل حد
عليححه لختلف العلماء فححي ذلك .وأمححا إذا عقححد عليهححا ولم يدخححل بهححا حتححى يسححتبرئها فذلك جائز
إجماعا .وقيل :ليس المراد في الية أن الزاني ل ينكح قط إل زانية إذ قد يتصور أن يتزوج غير
زانيححة ،ولكححن المعنححى أن مححن تزوج بزانيححة فهححو زان ،فكأنححه قال :ل ينكححح الزانيححة إل زان فقلب
الكلم ،وذلك أنحه ل ينكحح الزانيحة إل وهحو راض بزناهحا ،وإنمحا يرضحى بذلك إذا كان هحو أيضحا
يزني.
@ فحي هذه اليحة دليحل على أن التزوج بالزانيحة صححيح .وإذا زنحت زوجحة الرجحل لم يفسحد النكاح
وإذا زنححى الزوج لم يفسححد نكاححه مححع زوجتحه؛ وهذا على أن اليحة منسحوخة .وقيحل إنهححا محكمححة.
وسيأتي.
روي أن رجل زنحى بامرأة فحي زمحن أبحي بكحر رضحي ال عنحه فجلدهمحا مائة جلدة ،ثحم زوج
أحدهما من الخر مكانه ،ونفاهما سنة .وروي مثل ذلك عن عمر وابن مسعود وجابر رضي ال
عنهم .وقال ابن عباس :أوله سفاح وآخره نكاح .ومثل ذلك مثل رجل سرق من حائط ثمرة ثم أتى
صحاحب البسحتان فاشترى منحه ثمرة فمحا سحرق حرام ومحا اشترى حلل .وبهذا أخحذ الشافعحي وأبحو
حنيفححة ،ورأوا أن الماء ل حرمححة له .وروي عححن ابححن مسححعود رضححي ال عنححه أنححه قال :إذا زنححى
الرجحل بالمرأة ثحم نكحهحا بعحد ذلك فهمحا زانيان أبدا .وبهذا أخحذ مالك رضحي ال عنحه؛ فرأى أنحه ل
ينكحهححا حتححى يسححتبرئها مححن مائه الفاسححد لن النكاح له حرمححة ومححن حرمتححه أل يصححب على ماء
السفاح؛ فيختلط الحرام بالحلل ويمتزج ماء المهانة بماء العزة.
@ قال ابن خويز منداد :من كان معروفا بالزنى أو بغيره من الفسوق معلنا به فتزوج إلى أهل
بيحت سحتر وغرهحم محن نفسحه فلهحم الخيار فحي البقاء معحه أو فراقحه؛ وذلك كعيحب محن العيوب واحتحج
بقوله عليحه السحلم( :ل ينكحح الزانحي المجلود إل مثله) .قال ابحن خويحز منداد .وإنمحا ذكحر المجلود
لشتهاره بالفسق ،وهو الذي يجب أن يفرق بينه وبين غيره؛ فأما من لم يشتهر بالفسق فل.
قال قوم محن المتقدميحن :اليحة محكمحة غيحر منسحوخة ،وعنحد هؤلء :محن زنحى فسحد النكاح بينحه
وبيحن زوجتحه ،وإذا زنحت الزوجحة فسحد النكاح بينهحا وبيحن زوجهحا .وقال قوم محن هؤلء :ل ينفسحخ
النكاح بذلك ،ولكن يؤمر الرجل بطلقها إذا زنت ،ولو أمسكها أثم ،ول يجوز التزوج بالزانية ول
من الزاني ،بل لو ظهرت التوبة فحينئذ يجوز النكاح.
@قوله تعالى" :وحرم ذلك على المؤمنين" أي نكاح أولئك البغايا؛ فيزعم بعض أهل التأويل أن
نكاح أولئك البغايا حرمه ال تعالى على أمة محمد عليه السلم ،ومن أشهرهن عناق.
حرم ال تعالى الزنحى فحي كتابحه؛ فحيثمحا زنحى الرجحل فعليحه الححد .وهذا قول مالك والشافعحي وأبحي
ثور .وقال أصححاب الرأي فحي الرجحل المسحلم إذا كان فحي دار الحرت بأمان وزنحى هنالك ثحم خرج
لم يححد .قال ابحن المنذر :دار الحرب ودار السحلم سحواء ،ومحن زنحى فعليحه الححد على ظاهحر قوله
"الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" [النور.]2 :
**3اليتان{ 5 - 4 :والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة
ول تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ،إل الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن ال غفور
رحيم}
@ هذه اليحة نزلت فحي القاذفيحن .قال سحعيد بحن جحبير :كان سحببها محا قيحل فحي عائشحة أم المؤمنيحن
رضي ال عنها .وقيل :بل نزلت بسبب القذفة عاما ل في تلك النازلة .وقال ابن المنذر :لم نجد في
أخبار رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم خححبرا يدل على تصححريح القذف ،وظاهححر كتاب ال تعالى
مستغنى به دال على القذف الذي يوجب الحد ،وأهل العلم على ذلك مجمعون.
@قوله تعالى" :والذيحن يرمون" يريحد يسحبون ،واسحتعير له اسحم الرمحي لنحه إذايحة بالقول كمحا قال
النابغة:
وجرح اللسان كجرح اليد
وقال آخر:
بريئا ومن أجل الطوي رماني رماني بأمر كنت منه ووالدي
ويسمى قذفا ومنه الحديث :إن ابن أمية قذف امرأته بشريك بن السحماء؛ أي رماها.
@ ذكحر ال تعالى فحي اليحة النسحاء محن حيحث هحن أهحم ،ورميهحن بالفاحشحة أشنحع وأنكحى للنفوس.
وقذف الرجال داخل في حكم الية بالمعنى ،وإجماع المة على ذلك .وهذا نحو نصه على تحريم
لحححم الخنزيححر ودخححل شحمححه وغضاريفححه ،ونحححو ذلك بالمعنححى والجماع .وحكححى الزهراوي أن
المعنحححى :والنفحححس المحصحححنات؛ فهحححي بلفظهحححا تعحححم الرجال والنسحححاء ،ويدل على ذلك قوله:
"والمحصحنات محن النسحاء"[ .النسحاء .]24 :وقال قوم :أراد بالمحصحنات الفروج كمحا قال تعالى:
"والتي أحصنت فرجها" [النبياء ]91 :فيدخل فيه فروج الرجال والنساء .وقيل :إنما ذكر المرأة
الجنبية إذا قذفت ليعطف علها قذف الرجل زوجته؛ وال أعلم .وقرأ الجمهور "المحصنات" بفتح
الصاد ،وكسرها يحيى بن وثاب .والمحصنات العفائف في هذا الموضع .وقد مضى في "النساء"
ذكر الحصان ومراتبه .والحمد ل.
@ للقذف شروط عنحد العلماء تسحعة :شرطان فحي القاذف ،وهمحا العقحل والبلوغ؛ لنهمحا أصحل
التكليحف ،إذ التكليحف سحاقط دونهمحا .وشرطان فحي الشيحء المقذوف بحه وهحو أن يقذف بوطحء يلزمحه
فيحه الححد ،وهحو الزنحى واللواط أو بنفيحه محن أبيحه دون سحائر المعاصحي .وخمسحة محن المقذوف وهحي
العقحل والبلوغ والسحلم والحريحة والعفحة عحن الفاحشحة التحي رمحي بهحا كان عفيفحا محن غيرهحا أم ل.
وإنمححا شرطنححا فححي المقذوف العقححل والبلوغ كمححا شرطناهمححا فححي القاذف وإن لم يكونححا مححن معانححي
الحصححان لجححل أن الحححد إنمححا وضححع للزجححر عححن الذابححة بالمضرة الداخلة على المقذوف ،ول
مضرة على من عدم العقل والبلوغ؛ إذ ل يوصف اللواط فيهما ول منهما بأنه زنى.
@ اتفحق العلماء على أنه إذا صحرح بالزنحى كان قذفحا ورميحا موجبحا للححد فإن عرض ولم يصحرح
فقال مالك :هو قذف .وقال الشافعي وأبو حنيفة :ل يكون قذفا حتى يقول أردت به القذف .والدليل
لما قال مالك هو أن موضوع الحد في القذف إنما هو لزالة المعرة التي أوقعها القاذف بالمقذوف،
فإذا حصحلت المعرة بالتعرض وجحب أن يكون قذفحا كالتصحريح والمعول على الفهحم وقحد قال تعالى
مخبرا عن شعيب" :إنك لنت الحليم الرشيد" [هود ]87 :أي السفيه الضال فعرضوا له بالسب
بكلم ظاهر المدح في أحد التأويلت ،حسبما تقدم في "هود" .وقال تعالى في أبي جهل" :ذق إنك
أنت العزيز الكريم" [الدخان .]49 :وقال حكاية عن مريم" :يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ
سححوء ومححا كانححت أمححك بغيححا" [مريححم]28 :؛ فمدحوا أباهححا ونفوا عححن أمهححا البغاء ،أي الزنححى،
وعرضوا لمريحم بذلك؛ ولذلك قال تعالى" :وبكفرهحم وقولهحم على مريحم بهتانحا عظيمحا" [النسحاء:
،]156وكفرهحم معروف ،والبهتان العظيحم هحو التعريحض لهحا؛ أي محا كان أبوك امرأ سحوء ومحا
كانت أمك بغيا ،أي أنت بخلفهما وقد أتيت بهذا الولد .وقال تعالى" :قل من يرزقكم من السموات
والرض قحل ال وإنحا أو إياكحم لعلى هدى أو فحي ضلل محبين" [سحبأ]24:؛ فهذا اللفحظ قحد فهحم منحه
أن المراد به أن الكفار على غير هدى ،وأن ال تعالى ورسوله على الهدى ففهم من هذا التعريض
ما يفهم من صريحه .وقد حبس عمر رضي ال عنه الحطيئة لما قال:
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي دع المكارم ل ترحل لبغيتها
لنه شبهه بالنساء في أنهن يطعمن ويسقين ويكسون .ولما سمع قول النجاشي:
ول يظلمون الناس حبة خردل قبيلته ل يغدرون بذمة
قال :ليت الخطاب كذلك؛ وإنما أراد الشاعر ضعف القبيلة؛ ومثله كثير.
@ الجمهور من العلماء على أنه ل حد على من قذف رجل من أهل الكتاب أو امرأة منهم .وقال
الزهري وسحعيد بحن المسيب وابن أبحي ليلى :عليحه الحد إذا كان لها ولد من مسحلم .وفيه قول ثالث:
وهححو أنححه إذا قذف النصححرانية تحححت المسححلم جلد الحححد .قال ابححن المنذر :وجححل العلماء مجمعون
وقائلون بالقول الول ،ولم أدرك أحدا ول لقيته يخالف في ذلك .وإذا قذف النصراني المسلم الحر
فعليه ما على المسلم ثمانون جلدة؛ ل أعلم في ذلك خلفا.
@ والجمهور من العلماء على أن العبد إذا قذف حرا يجلد أربعين؛ لنه حد يتشطر بالرق كحد
الزنى .وروي عن ابن مسعود وعمر بن عبدالعزيز وقبيصة بن ذؤيب يجلد ثمانين .وجلد أبو بكر
بحن محمحد عبدًا قذف حرا ثمانيحن؛ وبحه قال الوزاعحي .احتحج الجمهور بقول ال تعالى" :فإن أتيحن
بفاحشحة فعليهحن نصحف محا على المحصحنات محن العذاب" [النسحاء .]25 :وقال الخرون :فهمنحا
هناك أن حد الزنى ل تعالى ،وأنه ربما كان أخف فيمن قلّت نعم ال عليه ،وأفحش فيمن عظمت
نعم ال عليه .وأما حد القذف فحق للدمي وجب للجناية على عرض المقذوف والجناية ل تختلف
بالرق والحرية .وربما قالوا :لو كان يختلف لذكر كما ذكر من الزنى .قال ابن المنذر :والذي عليه
علماء المصار القول الول ،وبه أقول.
@ وأجمع العلماء على أن الحر ل يجلد للعبد إذا افترى عليه لتباين مرتبتهما ولقوله عليه السلم:
(من قذف مملوكه بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إل أن يكون كما قال) خرجه البخاري ومسلم.
وفحي بعحض طرقحه( :محن قذف عبده بزنحى ثحم لم يثبحت أقيحم عليحه بوم القيامحة الححد ثمانون) ذكره
الدارقطنححي .قال العلماء :وإنمححا كان ذلك فححي الخرة لرتفاع الملك واسححتواء الشريححف والوضيححع
والححر والعبحد ،ولم يكحن لححد فضحل إل بالتقوى؛ ولمحا كان ذلك تكافحأ الناس فحي الحدود والحرمحة،
واقتحص محن كحل واححد لصحاحبه إل أن يعفحو المظلوم عحن الظالم .وإنمحا لم يتكافؤوا فحي الدنيحا لئل
تدخحل الداخلة على المالكيحن محن مكافأتهحم لهحم ،فل تصحح لهحم حرمحة ول فضحل فحي منزلة ،وتبطحل
فائدة التسخير؛ حكمة من الحكيم العليم ،ل إله إل هو.
@ قال مالك والشافعي :من قذف من يحسبه عبدا فإذا هو حر فعليه الحد؛ وقاله الحسن البصري
واختاره ابححن المنذر .قال مالك :ومححن قذف أم الولد حححد وروى عححن ابححن عمححر وهححو قياس قول
الشافعي .وقال الحسن البصري :ل حد عليه.
@ واختلف العلماء فيمحن قال لرجحل :يحا من وطحئ بين الفخذيحن؛ فقال ابن القاسحم :عليه الحد لنه
تعريض .وقال أشهب :ل حد فيه لنه نسبة إلى فعل ل يعد زنى إجماعا.
الحاديحة عشرة :إذا رمحى صحبية يمكحن وطؤهحا قبحل البلوغ بالزنحى كان قذفحا عنحد مالك .وقال أبحو
حنيفة والشافعي وأبو ثور :ليس بقذف؛ لنه ليس بزنى إذ ل حد عليها ،ويعزر .قال ابن العربي:
والمسححألة محتملة مشكلة ،لكححن مالك طلب حمايححة عرض المقذوف ،وغيره راعححى حمايححة ظهححر
القاذف وحماية عرض المقذوف أولى؛ لن القاذف كشف ستره بطرف لسانه فلزمه الحد .قال ابن
المنذر :وقال أحمد في الجارية بنت تسع :يجلد قاذفها ،وكذلك الصبي إذا بلغ عشرا ضرب قاذفه.
قال إسححاق :إذا قذف غلمحا يطحأ مثله فعليحه الححد ،والجاريحة إذا جاوزت تسحعا مثحل ذلك .قال ابحن
المنذر :ل يححد محن قذف محن لم يبلغ؛ لن ذلك كذب ،ويعزر على الذى .قال أبحو عبيحد :فحي حديحث
علي رضححي ال عنححه أن امرأة جاءتححه فذكرت أن زوجهححا يأتححي جاريتهححا فقال :إن كنححت صححادق
رجمناه وإن كنححت كاذبححة جلدناك .فقالت :ردونححي إلى أهلي غيرى نغرة .قال أبححو عبيححد :فححي هذا
الحديث من الفقه أن على الرجل إذا واقع جارية امرأته الحد.
وفيحه أيضحا إذا قذفحه بذلك قاذف كان على قاذفحه الححد؛ أل تسحمع قوله :وإن كنحت كاذبحة جلدناك.
ووجحه هذا كله إذا لم يكحن الفاعحل جاهل بمحا يأتحي وبمحا يقول ،فإن كان جاهل وادعحى شبهحة درئ
عنه الحد في ذلك كله.
وفيحه أيضحا أن رجل لو قذف رجل بحضرة حاكحم وليحس المقذوف بحاضحر أنحه ل شيحء على
القاذف حتححى يجيححء فيطلب حده؛ لنححه ل يدري لعله يصححدقه؛ أل ترى أن عليححا عليححه السححلم لم
يعرض لها.
وفيه أن الحاكم إذا قذف عنده رجل ثم جاء المقذوف فطلب حقه أخذه الحاكم بالحد بسماعه أل
تراه يقول :وإن كنت كاذبة جلدناك وهذا لنه من حقوق الناس.
قلت :اختلف هححل هححو مححن حقوق ال أو مححن حقوق الدمييححن؛ وسححيأتي .قال أبححو عبيححد :قال
الصحمعي سحألني شعبحة عحن قول :غيرى نغرة؛ فقلت له :هحو مأخوذ محن نغحر القدر ،وهحو غليانهحا
وفورهححا يقال منححه :نغرت تنغححر ،ونغرت تنغححر إذا غلت .فمعناه أنهححا أرادت أن جوفهححا يغلي مححن
الغيظ والغيرة لما لم تجد عنده ما تريد .قال :ويقال منه رأيت فلنا يتنغر على فلن أي يغلي جوفه
عليه غيظا.
@ محن قذف زوجحة محن أزواج النحبي صحلى ال عليحه وسحلم ححد حديحن؛ قاله مسحروق .قاله ابحن
العربححي :والصحححيح أنححه حححد واحححد؛ لعموم قوله تعالى" :والذيححن يرمون المحصححنات" اليححة ،ول
يقتضي شرفهن زيادة في حد من قذفهن؛ لن شرف المنزلة ل يؤثر في الحدود ،ول نقصها يؤثر
في الحد بتنقيص وال أعلم .وسيأتي الكلم فيمن قذف عائشة رضي ال عنها ،هل يقتل أم ل.
@قوله تعالى" :ثحم لم يأتوا بأربعحة شهداء" الذي يفتقحر إلى أربعحة شهداء دون سحائر الحقوق هحو
الزنى؛ رحمة بعباده وسترا لهم .وقد تقدم في سورة "النساء"
محن شرط أداء الشهود الشهادة عنحد مالك رحمحه ال أن يكون ذلك فحي مجلس واححد فإن افترقحت
لم تكحن شهادة .وقال عبدالملك :تقبحل شهادتهحم مجتمعيحن ومفترقيحن .فرأى مالك أن اجتماعهحم تعبحد؛
وبحه قال ابحن الحسحن .ورأى عبدالملك أن المقصحود أداء الشهادة واجتماعهحا وقحد حصحل؛ وهحو قول
عثمان البتحي وأبحي ثور واختاره ابحن المنذر لقوله تعالى" :ثحم لم يأتوا بأربعحة شهداء" وقوله" :فإذ
لم يأتوا بالشهداء" [النور ]13 :ولم يذكر مفترقين ول مجتمعين.
فإن تمححت الشهادة إل أنهححم لم يعدلوا؛ فكان الحسححن البصححري والشعححبي يريان أن ل حححد على
الشهود ول على المشهود؛ وبحه قال أحمحد والنعمان ومحمحد بحن الحسحن .وقال مالك :إذا شهحد عليحه
أربعحة بالزنحى فإن كان أحدهحم مسحقوطا عليحه أو عبدا يجلدون جميعحا .وقال سحفيان الثوري وأحمحد
وإسحاق في أربعة عميان يشهدون على امرأة بالزنى :يضربون.
فإن رجحع أححد الشهود وقحد رجحم المشهود عليحه فحي الزنحى؛ فقالت طائفحة :يغرم ربحع الديحة ول
شيء على الخرين .وكذلك قال قتادة وحماد وعكرمة وأبو هاشم ومالك وأحمد وأصحاب الرأي.
وقال الشافعححححي :إن قال عمدت ليقتححححل؛ فالولياء بالخيار إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا عفوا وأخذوا
ربع الدية ،وعليه الحد .وقال الحسن البصري :يقتل ،وعلى الخرين ثلثة أرباع الدية .وقال ابن
سيرين :إذا قال أخطأت وأردت غيره فعليه الدية كاملة ،وإن قال تعمدت قتل وبه قال ابن شبرمة.
@ واختلف العلماء فحي ححد القذف هحل هحو محن حقوق ال أو محن حقوق الدمييحن أو فيحه شائبحة
منهمحا؛ الول -قول أبحي حنيفحة .والثانحي :قول مالك والشافعحي .والثالث :قاله بعحض المتأخريحن.
وفائدة الخلف أنحححه إن كان حقحححا له تعالى وبلغ المام أقامحححه وإن لم يطلب ذلك المقذوف ونفعحححت
القاذف التوبة فيما بينه وبين ال تعالى ،ويتشطر فيه الحد بالرق كالزنى .وإن كان حقا للدمي فل
يقيمه المام إل بمطالبة المقذوف ،ويسقط بعفوه ،ولم تنفع القاذف التوبة حتى يحلله المقذوف.
@قوله تعالى "بأربعة شهداء" قراءة الجمهور على إضافة الربعة إلى الشهداء .وقرأ عبدال بن
مسحلم بحن يسحار وأبحو زرعحة بحن عمرو بحن جريحر "بأربعحة" التنويحن "شهداء" .وفيحه أربعحة أوجحه:
يكون في موضع جر على النعت لربعة ،أو بدل .ويجوز أن يكون حال من نكرة أو تمييزا؛ وفي
الحال والتمييحز نظحر؛ إذ الحال محن نكرة ،والتمييحز مجموع .وسحيبويه يرى أنحه تنويحن العدد ،وترك
إضافتحه إنما يجوز فحي الشعحر .وقد حسحن أبو الفتح عثمان بن جنحي هذه القراءة وحبحب على قراءة
الجمهور .قال النحاس :ويجوز أن يكون "شهداء" في موضع نصب بمعنى ثم لم يحضروا أربعة
شهداء.
@ حكحم شهادة الربعحة أن تكون على معاينحة يرون ذلك كالمرود فحي المكحلة على محا تقدم فحي
"النساء" في نص الحديث .وأن تكون في موطن واحد؛ على قول مالك .وإن اضطرب واحد منهم
جلد الثلثة؛ كما فعل عمر في أمر المغيرة بن شعبة؛ وذلك أنه شهد عليه بالزنى أبو بكرة نفيع بن
الحارث وأخوه نافححع؛ وقال الزهراوي :عبدال بححن الحارث ،وزياد أخوهمححا لم وهححو مسححتلحق
معاويححة ،وشبححل بححن معبححد البجلي ،فلمححا جاؤوا لداء الشهادة وتوقححف زياد ولم يؤدهححا ،جلد عمححر
الثلثة المذكورين.
@قوله تعالى" :فاجلدوهم" الجلد الضرب .والمجالدة المضاربة في الجلود أو بالجلود؛ ثم استعير
الجلد لغير ذلك من سيف أو غيره .ومنه قول قيس بن الخطيم:
كأن يدي بالسيف محراق لعب أجالدهم يوم الحديقة حاسرا
"ثمانيحن" نصحب على المصحدر" .جلدة" تمييحز" .ول تقبلوا لهحم شهادة أبدا" هذا يقتضحي مدة
أعمارهم ،ثم حكم عليهم بأنهم فاسقون؛ أي خارجون عن طاعة ال عز وجل.
@قوله تعالى" :إل الذيحن تابوا" فحي موضحع نصحب على السحتثناء .ويجوز أن يكون فحي موضحع
خفحض على البدل .المعنحى ول تقبلوا لهحم شهادة أبدا إل الذيحن تابوا وأصحلحوا محن بعحد القذف "فإن
ال غفور رحيححم" .فتضمنححت اليححة ثلثححة أحكام فححي القاذف :جلده ،ورد شهادتححه أبدا ،وفسححقه.
فالسححتثناء غيححر عامححل فححي جلده بإجماع؛ إل مححا روي الشعححبي على مححا يأتححي .وعامححل فححي فسححقه
بإجماع .واختلف الناس فحي عمله فحي رد الشهادة؛ فقال شريحح القاضحي وإبراهيحم النخعحي والحسحن
البصري وسفيان الثوري وأبو حنيفة :ل يعمل الستثناء في رد شهادته ،وإنما يزول فسقه عند ال
تعالى .وأمحححا شهادة القاذف فل تقبحححل البتحححة ولو تاب وأكذب نفسحححه ول بحال محححن الحوال .وقال
الجمهور :السحتثناء عامحل فححي رد الشهادة ،فإذا تاب القاذف قبلت شهادتحه؛ وإنمحا كان ردهححا لعلة
الفسق فإذا زال بالتوبة قبلت شهادته مطلقا قبل الحد وبعده ،وهو قول عامة الفقهاء .ثم اختلفوا في
صحورة توبتحه؛ فمذهحب عمحر بحن الخطاب رضحي ال عنحه والشعحبي وغيره ،أن توبتحه ل تكون إل
بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي حد فيه .وهكذا فعل عمر؛ فإنه قال للذين شهدوا على المغيرة:
محن أكذب نفسحه أجزت شهادتحه فيمحا اسحتقبل ،ومن لم يفعحل لم أجحز شهادتحه؛ فأكذب الشبحل بحن معبحد
ونافع بن الحارث بن كلدة أنفسهما وتابا ،وأبى أبو بكرة أن يفعل فكان ل يقبل شهادته .وحكى هذا
القول النحاس عححن أهححل المدينححة .وقالت فرقححة -منهححا مالك رحمححه ال تعالى وغيره : -توبتححه أن
يصلح ويحسن حاله وإن لم يرجع عن قوله بتكذيب وحسبه الندم على قذفه والستغفار منه وترك
العود إلى مثله؛ وهحو قول ابحن جريحر .ويروى عحن الشعحبي أنحه قال :السحتثناء محن الحكام الثلثحة،
إذا تاب وظهرت توبتحه لم يححد وقبلت شهادتحه وزال عنحه التفسحيق؛ لنحه قحد صحار ممحن يرضحى محن
الشهداء؛ وقد قال ال عز وجل" :وإني لغفار لمن تاب" [طه ]82 :الية.
@ اختلف علماؤنا رحمهم ال تعالى متى تسقط شهادة القاذف؛ فقال ابن الماجشون :بنفس قذفه.
وقال ابحن القاسحم وأشهحب وسححنون :ل تسحقط حتحى يجلد ،فإن منحع محن جلده مانحع عفحو أو غيره لم
ترد شهادتحه .وقال الشيحخ أبحو الحسحن اللخمحي :شهادتحه فحي مدة الجحل موقوفحة؛ ورجحح القول بأن
التوبة إنما تكون بالتكذيب في القذف ،وإل فأي رجوع لعدل إن قذف وحد وبقي على عدالته.
واختلفوا أيضحا على القول بجواز شهادتحه بعحد التوبحة فحي أي شيحء تجوز؛ فقال مالك رحمحه ال
تعالى :تجوز فحي كحل شيحء مطلقحا؛ وكذلك كحل محن ححد فحي شيحء محن الشياء؛ رواه نافحع وابحن
عبدالحكحم عحن مالك ،وهحو قول ابحن كنانحة .وذكحر الوقار عحن مالك أنحه ل تقبحل شهادتحه فيمحا ححد فيحه
خاصححة ،وتقبححل فيمححا سححوى ذلك؛ وهححو قول مطرف وابححن الماجشون .وروى العتححبي عححن أصححبغ
وسححنون مثله .قال سححنون :محن ححد فحي شيحء محن الشياء فل تجوز شهادتحه فحي مثحل محا ححد فيحه.
وقال مطرف وابحن الماجشون :محن ححد فحي قذف أو زنحى فل تجوز شهادتحه فحي شيحء محن وجوه
الزنحححى ،ول فحححي قذف ول لعان وإن كان عدل؛ وروياه عحححن مالك .واتفقوا على ولد الزنحححى أن
شهادته ل تجوز في الزنى.
@ الستثناء إذا تعقب جمل معطوفة عاد إلى جميعها عند مالك والشافعي وأصحابهما .وعند أبي
حنيفحة وجحل أصححابه يرجحع السحتثناء إلى أقرب مذكور وهحو الفسحق؛ ولهذا ل تقبحل شهادتحه ،فإن
الستثناء راجع إلى الفسق خاصة ل إلى قبول الشهادة.
وسبب الخلف في هذا الصل سببان :أحدهما :هل هذه الجمل في حكم الجملة الواحدة للعطف
الذي فيهححا ،أو لكححل جملة حكححم نفسححها فححي السححتقلل وحرف العطححف محسححن ل مشرك ،وهححو
الصحيح في عطف الجمل؛ لجواز عطف الجمل المختلفة بعضها على بعض ،على ما يعرف من
النحو.
السبب الثاني :يشبه الستثناء بالشرط في عوده إلى الجمل المتقدمة ،فإنه يعود إلى جميعها عند
الفقهاء ،أو ل يشبحه بحه ،لنحه محن باب القياس فحي اللغحة وهحو فاسحد على محا يعرف فحي أصحول الفقحه.
والصل أن كل ذلك محتمل ول ترجيح ،فتعين ما قال القاضي من الوقف .ويتأيد الشكال بأنه قد
جاء في كتاب ال عز وجل كل المرين؛ فإن آية المحاربة فيها عود الضمير إلى الجميع باتفاق،
وآية قتحل المؤمن خطحأ فيها رد السحتثناء إلى الخيرة باتفاق ،وآية القذف محتملة للوجهين ،فتعين
الوقف من غير مين .قال علماؤنا :وهذا نظر كلي أصولي .ويترجح قول مالك والشافعي رحمهما
ال محن جهحة نظحر الفقحه الجزئي بأن يقال :السحتثناء راجحع إلى الفسحق والنهحي عحن قبول الشهادة
جميعحا إل أن يفرق بيحن ذلك بخحبر يجحب التسحليم له .وأجمعحت المحة على أن التوبحة تمححو الكفحر،
فيجحب أن يكون محا دون ذلك أولى؛ وال أعلم .قال أبحو عبيحد :السحتثناء يرجحع إلى الجمحل السحابقة؛
قال :وليس من نسب إلى الزنى بأعظم جرما من مرتكب الزنى ،ثم الزاني إذا تاب قبلت شهادته؛
لن التائب من الذنب كمن ل ذنب له ،وإذا قبل ال التوبة من العبد كان العباد بالقبول أولى؛ مع أن
مثل هذا الستثناء موجود في مواضع من القرآن؛ منها قوله تعالى" :إنما جزاء الذين يحاربون ال
ورسوله" [المائدة ]33 :إلى قوله "إل الذين تابوا" [المائدة .]34 :ول شك أن هذا الستثناء إلى
الجميححع؛ وقال الزجاج :وليححس القاذف بأشححد جرمححا مححن الكافححر ،فحقححه إذا تاب وأصححلح أن تقبححل
شهادتحه .قال :وقوله "أبدا" أي محا دام قاذفحا؛ كمحا يقال :ل تقبحل شهادة الكافحر أبدا؛ فإن معناه محا دام
كافرا .وقال الشعححبي للمخالف فححي هذه المسححألة :يقبححل ال توبتححه ول تقبلون شهادتححه! ثححم إن كان
الستثناء يرجع إلى الجملة الخيرة عند أقوام من الصوليين فقوله" :وأولئك هم الفاسقون" تعليل
ل جملة مستقلة بنفسها؛ أي ل تقبلوا شهادتهم لفسقهم ،فإذا زال الفسق فلم ل تقبل شهادتهم .ثم توبة
القاذف إكذابحه نفسحه ،كمحا قال عمحر لقذفحة المغيرة بحضرة الصححابة محن غيحر نكيحر ،محع إشاعحة
القضيحة وشهرتهحا محن البصحرة إلى الحجاز وغيحر ذلك محن القطار .ولو كان تأويحل اليحة محا تأوله
الكوفيون لم يجز أن يذهب علم ذلك عن الصحابة ،ولقالوا لعمر :ل يجوز قبول توبة القاذف أبدا،
ولم يسعهم السكوت عن القضاء بتحريف تأويل الكتاب؛ فسقط قولهم ،وال المستعان.
@ قال القشيري :ول خلف أنحه إذا لم يجلد القاذف بأن مات المقذوف قبحل أن يطالب القاذف
بالححد ،أو لم يرفحع إلى السحلطان ،أو عفحا المقذوف ،فالشهادة مقبولة؛ لن عنحد الخصحم فحي المسحألة
النهي عن قبول الشهادة معطوف على الجلد؛ قال ال تعالى" :فاجلدوهم ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم
شهادة أبدا" .وعند هذا قال الشافعي :هو قبل أن يحد شر منه حين حد؛ لن الحدود كفارات فكيف
ترد شهادته في أحسن حاليه دون أخسهما.
قلت :هكذا قال ول خلف .وقد تقدم عن ابن الماجشون أنه بنفس القذف ترد شهادته .وهو قول
الليث والوزاعي والشافعي :ترد شهادته وإن لم يحد؛ لنه بالقذف يفسق ،لنه من الكبائر فل تقبل
شهادته حتى تصح براءته بإقرار المقذوف له بالزنى أو بقيام البينة عليه.
@قوله تعالى" :وأصحلحوا" يريحد إظهار التوبحة .وقيحل :وأصحلحوا العمحل" .فإن ال غفور رحيحم"
حيث تابوا وقبل توبتهم.
**3اليات{ 10 - 6 :والذيحن يرمون أزواجهحم ولم يكحن لهحم شهداء إل أنفسحهم فشهادة أحدهحم
أربحع شهادات بال إنحه لمحن الصحادقين ،والخامسحة أن لعنحة ال عليحه إن كان محن الكاذبيحن ،ويدرأ
عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بال إنه لمن الكاذبين ،والخامسة أن غضب ال عليها إن كان
من الصادقين ،ولول فضل ال عليكم ورحمته وأن ال تواب حكيم}
@قوله تعالى" :ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم" "أنفسهم" بالرفع على البدل .ويجوز النصب على
الستثناء ،وعلى خبر "يكن"" .فشهادة أحدهم أربع شهادات" بالرفع قراءة الكوفيين على البتداء
والخبر؛ أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات .وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو
"أربع" بالنصب؛ لن معنى "فشهادة" أن يشهد؛ والتقدير :فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات،
أو فالمر أن يشهد أحدهم أربع شهادات؛ ول خلف في الثاني أنه منصوب بالشهادة" .والخامسة"
رفحع بالبتداء .والخحبر "أن" وصحلتها؛ ومعنحى المخففحة كمعنحى المثقلة لن معناهحا أنحه .وقرأ أبحو
عبدالرحمححن وطلحححة وعاصححم فححي روايححة حفححص "والخامسححة" بالنصححب ،بمعنححى وتشهححد الشهادة
الخامسة .الباقون بالرفع على البتداء ،والخبر في "أن لعنة ال عليه"؛ أي والشهادة الخامسة قول
لعنة ال عليه.
@ فحي سحبب نزولهحا ،وهحو محا رواه أبحو داود عحن ابحن عباس أن هلل بحن أميحة قذف امرأتحه عنحد
النبي صلى ال عليه وسلم بشريك بن سحماء؛ فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :البينة أو حد في
ظهرك) قال :يحا رسحول ال ،إذا رأى أحدنحا رجل على امرأتحه يلتمحس البينحة فجعحل النحبي صحلى ال
عليه وسلم يقول( :البينة وإل حد في ظهرك) فقال هلل :والذي بعثك بالحق إني لصادق ،ولينزلن
ال فحي أمري محا يحبرئ ظهري محن الححد؛ فنزلت "والذيحن يرمون أزواجهحم ولم يكحن لهحم شهداء إل
أنفسحهم" فقرأ حتحى بلغ "محن الصحادقين الحديحث بكماله .وقيحل :لمحا نزلت اليحة المتقدمحة فحي الذيحن
يرمون المحصنات وتناول ظاهرها الزواج وغيرهم قال سعد بن معاذ :يا رسول ال ،إن وجدت
مع امرأتي رجل أمهله حتى آتي بأربعة وال لضربنه بالسيف غير مصفح عنه .فقال رسول ال
صحلى ال عليحه وسحلم( :أتعجبون محن غيرة سحعد لنحا أغيحر منحه وال أغيحر منحي) .وفحي ألفاظ سحعد
روايات مختلفة ،هذا نحو معناها .ثم جاء من بعد ذلك هلل بن أمية الواقفي فرمى زوجته بشريك
بن سحماء البلوي على ما ذكرنا ،وعزم النبي صلى ال عليه وسلم على ضربه حد القذف؛ فنزلت
هذه الية عنحد ذلك ،فجمعهما رسحول ال صلى ال عليه وسحلم فحي المسحجد وتلعنا ،فتلكأت المرأة
عند الخامسة لما وعظت وقيل إنها موجبة؛ ثم قالت :ل أفضح قومي سائر اليوم؛ فالتعنت وفرق
رسول ال صلى ال عليه وسلم بينهما ،وولدت غلما كأنه جمل أورق -على النعت المكروه -ثم
كان الغلم بعحد ذلك أميرا بمصحر ،وهحو ل يعرف لنفسحه أبحا .وجاء أيضحا عويمحر العجلنحي فرمحى
امرأتحه ولعحن .والمشهور أن نازلة هلل كانحت قبحل ،وأنهحا سحبب اليحة .وقيحل :نازلة عويمحر بحن
أشقححر كانححت قبححل؛ وهححو حديححث صحححيح مشهور خرجححه الئمححة قال أبححو عبدال بححن أبححي صححفرة:
الصححيح أن القاذف لزوجحه عويمحر ،وهلل بحن أميحة خطحأ .قال الطحبري يسحتنكر قوله فحي الحديحث
هلل بن أمية :وإنما القاذف عويمر بن زيد بن الجد بن العجلني ،شهد أحدا مع النبي صلى ال
عليه وسلم ،رماها بشريك بن السحماء ،والسحماء أمه؛ قيل لها ذلك لسوادها ،وهو ابن عبدة بن
الجد بن العجلني؛ كذلك كان يقول أهل الخبار .وقيل :قرأ النبي صلى ال عليه وسلم على الناس
في الخطبة يوم الجمعة "والذين يرمون المحصنات" فقال عاصم بن عدي النصاري :جعلني ال
فداك لو أن رجل منحا وجحد على بطححن امرأتححه رجل؛ فتكلم فأخحبر بمححا جرى جلد ثمانيحن ،وسحماه
المسحلمون فاسحقا فل تقبحل شهادتحه؛ فكيحف لحدنحا عنحد ذلك بأربعحة شهداء ،وإلى أن يلتمحس أربعحة
شهود فقحد فرغ الرجحل محن حاجتحه فقال عليحه السحلم( :كذلك أنزلت يحا عاصحم بحن عدي) .فخرج
عاصم سامعا مطيعا؛ فاستقبله هلل بن أمية يسترجع؛ فقال :ما وراءك؟ فقال :شر وجدت شريك
بحن السححماء على بطحن امرأتحي خولة يزنحي بهحا؛ وخولة هذه بنحت عاصحم بحن عدي ،كذا فحي هذا
الطريق أن الذي وجد مع امرأته شريكا هو هلل بن أمية ،والصحيح خلفه حسبما تقدم بيانه .قال
الكلبي :والظهر أن الذي وجد مع امرأته شريكا عويمر العجلني؛ لكثرة ما روي أن النبي صلى
ال عليه وسلم لعن بين العجلني وامرأته .واتفقوا على أن هذا الزاني هو شريك بن عبدة وأمه
السححماء ،وكان عويمحر وخولة بنحت قيحس وشريحك بنحي عحم عاصحم ،وكانحت هذه القصحة فحي شعبان
سححنة تسححع مححن الهجرة ،منصححرف رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم مححن تبوك إلى المدينححة؛ قال
الطحبري .وروى الدارقطنحي عحن عبدال بحن جعفحر قال :حضرت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم
حين لعن بين عويمر العجلني وامرأته ،مرجع رسول ال صلى ال عليه وسلم من غزوة تبوك،
وأنكحر حملهحا الذي فحي بطنهحا وقال هحو لبحن السححماء؛ فقال له رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم:
(هات امرأتك فقد نزل القرآن فيكما)؛ فلعن بينهما بعد العصر عند المنبر على خمل .في طريقه
الواقدي عن الضحاك بن عثمان عن عمران بن أبي أنس قال :سمعت عبدال بن جعفر يقول......
فذكره.
@قوله تعالى" :والذيحن يرمون أزواجهحم" عام فحي كحل رمحي ،سحواء قال :زنيحت أو يحا زانيحة أو
رأيتهححا تزنححي ،أو هذا الولد ليححس منححي؛ فإن اليححة مشتملة عليححه .ويجححب اللعان إن لم يأت بأربعححة
شهداء؛ وهذا قول جمهور العلماء وعامحة الفقهاء وجماعحة أهحل الحديحث .وقحد روي عحن مالك مثحل
ذلك .وكان مالك يقول :ل يلعن إل أن يقول :رأيتك تزني؛ أو ينفي حمل أو ولدا منها .وقول أبي
الزناد ويحيى بن سعيد والبتي مثل قول مالك :إن الملعنة ل تجب بالقذف وإنما تجب بالرؤية أو
نفي الحمل مع دعوى الستبراء؛ هذا هو المشهور عند مالك ،وقاله ابن القاسم .والصحيح .الول
لعموم قوله" :والذيححن يرمون أزواجهححم" .قال ابححن العربححي :وظاهححر القرآن يكفححي ليجاب اللعان
بمجرد القذف من غير رؤية؛ فلتعولوا عليه ،ل سيما وفي الحديث الصحيح :أرأيت رجل وجد مع
امرأته رجل؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :فاذهب فأت بها) ولم يكلفه ذكر الرؤية .وأجمعوا
أن العمحى يلعحن إذا قذف امرأتحه .ولو كانحت الرؤيحة محن شرط اللعان محا لعحن العمحى؛ قاله ابن
عمحر رضحي ال عنهحم .وقحد ذكحر ابحن القصحار عحن مالك أن لعان العمحى ل يصحح إل أن يقول:
لمسحت فرجحه فحي فرجهحا .والحجحة لمالك ومحن اتبعحه محا رواه أبحو داود عحن ابحن عباس رضحي ال
عنهمحا قال :جاء هلل بحن أميحة وهحو أححد الثلثحة الذيحن تيحب عليهحم ،فجاء محن أرضحه عشاء فوجحد
عنحد أهله رجل ،فرأى بعينحه وسحمع بأذنحه فلم يهجه حتحى أصحبح ،ثم غدا على رسول ال صحلى ال
عليه وسلم فقال :يا رسول ال ،إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندهم رجل ،فرأيت بعيني وسمعت
بأذنححي فكره رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم مححا جاء بححه واشتححد عليححه؛ فنزلت "والذيححن يرمون
أزواجهحم ولم يكحن لهحم شهداء إل أنفسحهم" اليحة؛ وذكحر الحديحث .وهحو نحص على أن الملعنحة التحي
قضحى فيهحا رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم إنمحا كانحت فحي الرؤيحة ،فل يجحب أن يتعدى ذلك .ومحن
قذف امرأته ولم يذكر رؤية حد؛ لعموم قوله تعالى" :والذين يرون المحصنات".
@ إذا نفى الحمل فإنه يلتعن؛ لنه أقوى من الرؤية ول بد من ذكر عدم الوطء والستبراء بعده.
واختلف علماؤنحا فحي السحتبراء؛ فقال المغيرة ومالك أححد قوليهمحا :يجزى فحي ذلك حيضحة .وقال
مالك أيضحا :ل ينفيحه إل بثلث حيحض .والصححيح الول؛ لن براءة الرححم محن الشغحل يقحع بهحا كمحا
في استبراء المة ،وإنما راعينا الثلث حيض في العدد لحكم آخر يأتي بيانه في الطلق إن شاء
ال تعالى .وحكى اللخمي عن مالك أنه قال مرة :ل يُنفى الولد بالستبراء؛ لن الحيض يأتي على
الحمحل .وبحه قال أشهحب فحي كتاب ابحن المواز ،وقاله المغيرة .وقال :ل ينفحى الولد إل بخمحس سحنين
لنه أكثر مدة الحمل على ما تقدم.
@ اللعان عندنحا يكون فحي كحل زوجيحن حريحن كانحا أو عبديحن ،مؤمنيحن أو كافريحن ،فاسحقين أو
عدليحن .وبحه قال الشافعحي .ول لعان بيحن الرجحل وأمتحه ،ول بينحه وبيحن أم ولده .وقيحل :ل ينتفحي ولد
المححة عنححه إل بيميححن واحدة؛ بخلف اللعان .وقححد قيححل :إنححه إذا نفححى ولد أم الولد لعححن .والول
تحصححيل مذهححب مالك وهححو الصححواب .وقال أبححو حنيفححة :ل يصححح اللعان إل مححن زوجيححن حريححن
مسحلمين؛ وذلك لن اللعان عنده شهادة ،وعندنحا وعنحد الشافعحي يميحن ،فكحل محن صححت يمينحه صحح
قذفحه ولعانحه .واتفقوا على أنحه ل بحد أن يكونحا مكلفيحن .وفحي قوله" :وجحد محع امرأتحه رجل" .دليحل
على أن الملعنحة تجحب على كحل زوجيحن؛ لنحه لم يخحص رجل محن رجحل ول امرأه محن امرأة،
ونزلت آيحة اللعان على هذا الجواب فقال" :والذيحن يرمون أزواجهحم" ولم يخحص زوجحا محن زوج.
وإلى هذا ذهحب مالك وأهحل المدينحة؛ وهحو قول الشافعحي وأحمحد وإسححاق وأبحي عبيحد وأبحي ثور.
وأيضحا فإن اللعان يوجحب فسحخ النكاح فأشبحه الطلق؛ فكحل محن يجوز طلقحه يجوز لعانحه .واللعان
أيمان ل شهادات؛ قال ال تعالى وهححو أصححدق القائليححن" :لشهادتنححا أحححق مححن شهادتهمححا" [المائدة:
]107أي أيماننا .وقال تعالى" :إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إن لرسول ال" [المنافقون.]1 :
ثحم قال تعالى" :اتخذوا أيمانهحم جنحة" [المجادلة .]16 :وقال عليحه السحلم( :لول اليمان لكان لي
ولها شأن) .وأما ما احتج به الثوري وأبو حنيفة فهي حجج ل تقوم على ساق؛ منها حديث عمرو
بحن شعيحب عحن أبيحه عحن جده عبدال بحن عمرو قال :قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم( :أربعحة
ليححس بينهححم لعان ليححس بيحن الحححر والمحة لعان وليححس بيححن الحرة والعبححد لعان وليححس بيححن المسححلم
واليهوديحة لعان وليحس بيحن المسحلم والنصحرانية لعان) .أخرجحه الدارقطنحي محن طرق ضعفهحا كلهحا.
وروي عن الوزاعي وابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قوله ،ولم
يرفعحه إلى النبي صحلى ال عليه وسحلم .واحتجوا من جهة النظحر أن الزواج لمحا استثنوا من جملة
الشهداء بقول" :ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم" وجب أل يلعن إل من تجوز شهادته .وأيضا فلو
كانحت يمينحا محا رددت ،والحكمحة فحي ترديدهحا قيامهحا فحي العداد مقام الشهود فحي الزنحى .قلنحا :هذا
يبطل بيمين القسامة فإنها تكرر وليست بشهادة إجماعا؛ والحكمة في تكرارها التغليظ في الفروج
والدماء .قال ابن العربي :والفيصل في أنها يمين ل شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبات دعواه
وتخليصه من العذاب ،وكيف يجوز لحد أن يدعي في الشريعة أن شاهدا يشهد لنفسه بما يوجب
حكما على غيره هذا بعيد في الصل معدوم في النظر.
@ واختلف العلماء فحي ملعنحة الخرس؛ فقال مالك والشافعحي :يلعحن؛ لنحه ممحن يصحح طلقحه
وظهاره وإيلؤه ،إذا فهحم ذلك عنحه .وقال أبحو حنيفحة :ل يلعحن؛ لنحه ليحس محن أهحل الشهادة ،ولنحه
قحد ينطحق بلسحانه فينكر اللعان ،فل يمكننحا إقامة الححد عليه .وقحد تقدم هذا المعنى فحي سحورة [مريحم]
والدليل عليه ،والحمد ل.
@ قال ابن العربي :رأى أبو حنيفة عموم الية فقال :إن الرجل إذا قذف زوجته بالزنى قبل أن
يتزوجهحا فإنحه يلعحن؛ ونسحي أن ذلك قحد تضمنحه قوله تعالى" :والذيحن يرمون المحصحنات" وهذا
رماها محصنة غير زوجة؛ وإنما يكون اللعان في قذف يلحق فيه النسب ،وهذا قذف ل يلحق فيه
نسب فل يوجب لعانا ،كما لو قذف أجنبية.
@ إذا قذفها بعد الطلق نظرت؛ فإن كان هنالك نسب يريد أن ينفيه أو حمل يتبرأ منه لعن وإل
لم يلعحن .وقال عثمان البتحي :ل يلعحن بحال لنهحا ليسحت بزوجحة .وقال أبحو حنيفحة :ل يلعحن فحي
الوجهيحن؛ لنهحا ليسحت بزوج .وهذا ينتقحض عليحه بالقذف قبحل الزوجيحة كمحا ذكرناه آنفحا ،بحل هذا
أولى؛ لن النكاح قد تقدم وهو يري النتفاء من النسب وتبرئته من ولد يلحق به فل بد من اللعان.
وإذا لم يكحن هنالك حمحل يرجحى ول نسحب يخاف تعلقحه لم يكحن للعان فائدة فلم يحكحم بحه وكان قذفحا
مطلقا داخل تحت عموم قوله تعالى" :والذين يرمون المحصنات" الية ،فوجب عليه الحد وبطل
ما قال البتي لظهور فساده.
@ ل ملعنة بين الرجل وزوجته بعد انقضاء العدة إل في مسألة واحدة ،وهي أن يكون الرجل
غائبحا فتأتحي امرأتحه بولد فحي مغيبحه وهحو ل يعلم فيطلقهحا فتنقضحي عدتهحا ،ثحم يقدم فينفيحه فله أن
يلعنها ها هنا بعد العدة .وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفي الولد لعن لنفسه وهي ميتة بعد مدة من
العدة ،ويرثها لنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما.
@ إذا انتفى من الحمل ووقع ذلك بشرطه لعن قبل الوضع؛ وبه قال الشافعي .وقال أبو حنيفة:
ل يلعن إل بعد أن تضع ،لنه يحتمل أن يكون ريحا أو داء من الدواء .ودليلنا النص الصريح
بأن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم لعحن قبحل الوضحع ،وقال( :إن جاءت بحه كذا فهحو لبيحه وإن جاءت
به كذا فهو لفلن) فجاءت به على النعت المكروه.
@ إذا قذف بالوطء في الدبر [لزوجه] لعن .وقال أبو حنيفة :ل يلعن؛ وبناه على أصله في أن
اللواط ل يوجحب الححد .وهذا فاسحد؛ لن الرمحي بحه فيحه معرة وقحد دخحل تححت عموم قوله تعالى:
"والذين يرمون أزواجهم" وقد تقدم في "العراف والمؤمنون] أنه يجب به الحد.
@ قال ابن العربي :من غريب أمر هذا الرجل أنه قال إذا قذف زوجته وأمها بالزنى :إنه إن حد
للم سقط حد البنت ،وإن لعن للبنت لم يسقط حد الم؛ وهذا ل وجه له ،وما رأيت لهم فيه شيئا
يحكحى ،وهذا باطحل جدا؛ فإنحه خحص عموم اليحة فحي البنحت وهحي زوجحة بححد الم محن غيحر أثحر ول
أصل قاسه عليه.
@ إذا قذف زوجته ثحم زنحت قبحل التعانحه فل ححد ول لعان .وبهذا قال أبحو حنيفحة والشافعحي وأكثحر
أهل العلم .وقال الثوري والمزني :ل يسقط الحد عن القاذف ،وزنى المقذوف بعد أن قذف ل يقدح
فحي حصحانته المتقدمحة ول يرفعهحا؛ لن العتبار الحصحانة والعفحة فحي حال القذف ل بعده .كمحا لو
قذف مسلما فارتد المقذوف بعد القذف وقبل أن يحد القاذف لم يسقط الحد عنه .وأيضا فإن الحدود
كلها معتبرة بوقت الوجوب ل وقت القامة .ودليلنا هو أنه قد ظهر قبل استيفاء اللعان والحد معنى
لو كان موجودا في البتداء منع صحة اللعان ووجوب الحد فكذلك إذا طرأ في الثاني؛ كما إذا شهد
شاهدان ظاهرهمحا العدالة فلم يحكحم الحاكحم بشهادتهمحا حتحى ظهحر فسحقهما بأن زنيحا أو شربحا خمرا
فلم يجحز للحاكحم أن يحكحم بشهادتهمحا تلك .وأيضحا فإن الحكحم بالعفحة والحصحان يؤخحذ محن طريحق
الظاهحر ل محن حيحت القطحع واليقيحن ،وقحد قال عليحه السحلم( :ظهحر المؤمحن حمحى)؛ فل يححد القاذف
إل بدليل قاطع ،وبال التوفيق.
@ محن قذف امرأتحه وهحي كحبيرة ل تحمحل تلعنحا؛ هحو لدفحع الححد ،وهحي لدرء العذاب .فإن كانحت
صحغيرة ل تحمحل لعحن هحو لدفحع الححد ولم تلعحن هحي لنهحا لو أقرت لم يلزمهحا شيحء .وقال ابحن
الماجشون :ل ححد على قاذف محن لم تبلغ .قال اللخمحي :فعلى هذا ل لعان على زوج الصحغيرة التحي
ل تحمل.
@ إذا شهد أربعة على امرأة بالزنى أحدهم زوجها فإن الزوج يلعن وتحد الشهود الثلثة؛ وهو
أححد قولي الشافعحي .والقول الثانحي أنهحم ل يحدون .وقال أبحو حنيفحة :إذا شهحد الزوج والثلثحة ابتداء
قبلت شهادتهم وحدت المرأة .ودليلنا قوله تعالى" :والذين يرمون المحصنات" الية .فأخبر أن من
قذف محصحنا ولم يأت بأربعحة شهداء ححد؛ فظاهره يقتضحي أن يأتحي بأربعحة شهداء سحوى الرامحي،
والزوج رام لزوجته فخرج عن أن يكون أحد الشهود ،وال أعلم.
@ إذا ظهر بامرأته حمل فترك أن ينفيه لم يكن له نفيه بعد سكوته .وقال شريح ومجاهد :له أن
ينفيه أبدا .وهذا خطأ؛ لن سكوته بعد العلم به رضى به؛ كما لو أقر به ثم ينفيه فإنه ل يقبل منه،
وال أعلم.
@ فإن أخحر ذلك إلى أن وضعحت وقال :رجوت أن يكون ريححا يفحش أو تسحقطه فأسحتريح محن
القذف؛ فهل لنفيه بعد وضعه مدة ما فإذا تجاوزها لم يكن له ذلك؛ فقد اختلف في ذلك ،فنحن نقول:
إذا لم يكححن له عذر فححي سححكوته حتححى مضححت ثلثححة أيام فهححو راض بححه ليححس له نفيححه؛ وبهذا قال
الشافعي .وقال أيضا :متى أمكنه نفيه على ما جرت به العادة تمكنه من الحاكم فلم يفعل لم يكن له
نفيه من بعد ذلك .وقال أبو حنيفة :ل أعتبر مدة .وقال أبو يوسف ومحمد :يعتبر فيه أربعون يوما،
مدة النفاس .قال ابن القصار :والدليل لقولنا هو أن نفي ولده محرم عليه ،واستلحاق ولد ليس منه
محرم عليه ،فل بد أن يوسع عليه لكي ينظر فيه ويفكر ،هل يجوز له نفيه أو ل .وإنما جعلنا الحد
ثلثحة لنحه أول ححد الكثرة وآخحر ححد القلة ،وقحد جعلت ثلثحة أيام يختحبر بهحا حال المصحراة؛ فكذلك
ينبغححي أن يكون هنححا .وأمححا أبححو يوسححف ومحمححد فليححس اعتبارهححم بأولى مححن اعتبار مدة الولدة
والرضاع؛ إذ ل شاهد لهم في الشريعة ،وقد ذكرنا نحن شاهدا في الشريعة من مدة المصراة.
@ قال ابحن القصحار :إذا قالت امرأة لزوجهحا أو لجنحبي يحا زانيحه -بالهاء -وكذلك الجنحبي
لجنحبي ،فلسحت أعرف فيحه نصحا لصححابنا ،ولكنحه عندي يكون قذفحا وعلى قائله الححد ،وقحد زاد
حرفا ،وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن .وقال أبو حنيفة وأبو يوسف :ل يكون قذفا .واتفقوا أنه
إذا قال لمرأته يا زان أنه قذف .والدليل على أنه يكون في الرجل قذفا هو أن الخطاب إذا فهم منه
معناه ثبت حكمه ،سواء كان بلفظ أعجمي أو عربي .أل ترى أنه إذا قال للمرأة زنيت (بفتح التاء)
كان قذفا؛ لن معناه يفهم منه ،ولبي حنيفة وأبي يوسف أنه لما جاز أن يخاطب المؤنث بخطاب
المذكر لقوله تعالى" :وقال نسوة" صلح أن يكون قول يا زان للمؤنث قذفا .ولما لم يجز أن يؤنث
فعل المذكر إذا تقدم عليه لم يكن لخطابه بالمؤنث حكم ،وال أعلم.
يلعن في النكاح الفاسد زوجته لنها صارت فراشا ويلحق النسب فيه فجرى اللعان عليه.
@ اختلفوا في الزوج إذا أبى من اللتعان؛ فقال أبو حنيفة :ل حد عليه؛ لن ال تعالى جعل على
الجنححبي الحححد وعلى الزوج اللعان ،فلمححا لم ينتقححل اللعان إلى الجنححبي لم ينتقححل الحححد إلى الزوج،
ويسجن أبدا حتى يلعن لن الحدود ل تؤخر قياسا .وقال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء :إن لم
يلتعحن الزوج ححد؛ لن اللعان له براءة كالشهود للجنحبي ،فإن لم يأت الجنحبي بأربعحة شهداء ححد،
فكذلك الزوج إن لم يلتعححن .وفحي حديحث العجلنححي محا يدل على هذا؛ لقوله :إن سححكت سحكت على
ت جُلدت.
ت قُتلت وإن نطق ُ
غيظ وإن قتل ُ
واختلفوا أيضحا هحل للزوج أن يلعحن محع شهوده؛ فقال مالك والشافعحي :يلعحن كان له شهود أو
لم يكن؛ لن الشهود ليس لهم عمل في غير درء الحد ،وأما رفع الفراش ونفي الولد فل بد فيه من
اللعان .وقال أبحو حنيفحة وأصححابه :إنمحا جعحل اللعان للزوج إذا لم يكحن له شهود غيحر نفسحه؛ لقوله
تعالى" :ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم".
البداءة في اللعان بما بدأ ال به ،وهو الزوج؛ وفائدته درء الحد عنه ونفي النسب منه؛ لقوله عليه
السحلم( :البينحة وإل ححد فحي ظهرك) .ولو بدئ بالمرأة قبله لم يجحز لنحه عكحس محا رتبحه ال تعالى.
وقال أبو حنيفة :يجزى .وهذا باطل؛ لنه خلف القرآن ،وليس له أصل يرده إليه ول معنى يقوى
به ،بل المعنى لنا؛ لن المرأة إذا بدأت باللعان فتنفي ما لم يثبت وهذا ل وجه له.
@ وكيفيحة اللعان أن يقول الحاكحم للملعحن :قحل أشهحد بال لرأيتهحا تزنحي ورأيحت فرج الزانحي فحي
فرجهحا كالمرود فحي المكحلة ومحا وطئتهحا بعحد رؤيتحي .وإن شئت فلت :لقحد زنحت ومحا وطئتهحا بعحد
زناهحا .يردد محا شاء محن هذيحن اللفظيحن أربحع مرات ،فإن نكحل عحن هذه اليمان أو عحن شيحء منهحا
ححد .وإذا نفحى حمل قال :أشهحد بال لقحد اسحتبرأتها ومحا وطئتهحا بعحد ،ومحا هذا الحمحل منحي ،ويشيحر
إليه؛ فيحلف بذلك أربع مرات ويقول في كل يمين منها :وإني لمن الصادقين في قولي هذا عليها.
ثم يقول في الخامسة :علي لعنة ال إن كنت من الكاذبين ،وإن شاء قال :إن كنت كاذبا فيما ذكرت
عنها .فإذا قال ذلك سقط عنه الحد وانتفى عنه الولد .فإذا فرغ الرجل من التعانه قامت المرأة بعده
فحلفحت بال أربعحة أيمان ،تقول فيهحا :أشهحد بال إنحه لكاذب أو إنحه لمحن الكاذبيحن فيمحا ادعاه علي
وذكحر عنحي .وإن كانحت حامل قالت :وإن حملي هذا منحه .ثحم تقول فحي الخامسحة :وعلي غضحب ال
إن كان صحادقا ،أو إن كان محن الصحادقين فحي قول ذلك .ومحن أوجحب اللعان بالقذف يقول فحي كحل
شهادة محن الربحع :أشهحد بال إنحي لمحن الصحادقين فيمحا رميحت بحه فلنحة محن الزنححى .ويقول فحي
الخامسة :علي لعنة ال إن كنحت كاذبحا فيما رميت به من الزنحى .وتقول هحي :أشهحد بال إنه لكاذب
فيما رماني به من الزنى .وتقول في الخامسة :علي غضب ال إن كان صادقا فيما رماني به من
الزنحى .وقال الشافعحي :يقول الملعحن أشهحد بال إنحي لمحن الصحادقين فيمحا رميحت بحه زوجحي فلنحة
بنحت فلن ،ويشيحر إليهحا إن كانحت حاضرة ،يقول ذلك أربحع مرات ،ثحم يوعظحه المام ويذكره ال
تعالى ويقول :إنحي أخاف إن لم تكحن صحدقت أن تبوء بلعنحة ال؛ فإن رآه يريحد أن يمضحي على ذلك
أمر من يضع يده على فيه ،ويقول :إن قولك وعلي لعنة ال إن كنت من الكاذبين موجبا؛ فإن أبى
تركه يقول ذلك :لعنة ال علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلنة من الزنى .احتج بما رواه
أبحو داود عحن ابحن عباس أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم أمحر رجل حيحث أمحر المتلعنيحن أن
يضع يده على فيه عند الخامسة يقول :إنها موجبة.
@ اختلف العلماء في حكم من قذف امرأته برجل سماه ،هل يحد أم ل؛ فقال مالك :عليه اللعان
لزوجتحه ،وححد للمرمحي .وبحه قال أبحو حنيفحة؛ لنحه قاذف لمحن لم يكحن له ضرورة إلى قذفحه .وقال
الشافعحي :ل ححد عليحه؛ لن ال عحز وجحل لم يجعحل على محن رمحى زوجتحه بالزنحى إل حدا واحدا
بقول" :والذين يرمون أزواجهم" ،ولم يفرق بين من ذكر رجل بعينه وبين من لم يذكر؛ وقد رمى
العجلنحي زوجتحه بشريحك وكذلك هلل بحن أميحة؛ فلم يححد واححد منهمحا .قال ابحن العربحي :وظاهحر
القرآن لنحا؛ لن ال تعالى وضحع الححد فحي قذف الجنحبي والزوجحة مطلقيحن ،ثحم خحص ححد الزوجحة
بالخلص باللعان وبقي الجنبي على مطلق الية .وإنما لم يحد العجلني لشريك ول هلل لنه لم
يطلبه؛ وحد القذف ل يقيمه المام إل بعد المطالبة إجماعا منا ومنه.
@ إذا فرغ المتلعنان محن تلعنهمحا جميعحا تفرقحا وخرج كحل واححد منهمحا على باب محن المسحجد
الجامحع غيحر الباب الذي يخرج منحه صحاحبه ،ولو خرجحا محن باب واححد لم يضحر ذلك لعانهمحا .ول
خلف فحي أنحه ل يكحن اللعان إل فحي مسحجد جامحع تجمحع فيحه الجمعحة بحضرة السحلطان أو محن يقوم
مقامحه محن الحكام .وقحد اسحتحب جماعحة محن أهحل العلم أن يكون اللعان فحي الجامحع بعحد العصحر.
وتلتعحن النصحرانية محن زوجهحا المسحلم فحي الموضحع الذي تعظمحه محن كنيسحتها مثحل محا تلتعحن بحه
المسلمة.
@ قال مالك أصحابه :وبتمام اللعان تقع الفرقة بين المتلعنين ،فل يجتمعان أبدا ول يتوارثان،
ول يحححل له مراجعتهححا أبدا ل قبححل زوج ول بعده؛ وهححو قول الليححث بححن سححعد وزفححر بححن الهذيححل
والوزاعي .وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن :ل تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان
حتى يفرق الحاكم بينهما؛ وهو قول الثوري؛ لقول ابن عمر :فرق رسول ال صلى ال عليه وسلم
بين المتلعنين؛ فأضاف الفرقة إليه ،ولقوله عليه السلم( :ل سبيل لك عليها) .وقال الشافعي :إذا
أكمل الزوج الشهادة واللتعان فقد زال فراش امرأته ،التعنت أو لم تلتعن .قال :وأما التعان المرأة
فإنمحا هحو لدرء الححد عنهحا ل غيحر؛ وليحس للتعانهحا فحي زوال الفراش معنحى .ولمحا كان لعان الزوج
ينفحي الولد ويسحقط الححد رفحع الفراش .وكان عثمان البتحي ل يرى التلعحن ينقحص شيئا محن عصحمة
الزوجيححن حتححى يطلق .وهذا قول لم يتقدمححه إليححه أحححد مححن الصحححابة؛ على أن البتححي قححد اسححتحب
للملعحن أن يطلق بعحد اللعان ،ولم يسحتحسنه قبحل ذلك؛ فدل على أن اللعان عنده قحد أحدث حكمحا.
وبقول عثمان قال جابر بحن زيحد فيمحا ذكره الطحبري ،وحكاه اللخمحي عحن محمحد بحن أبحي صحفرة.
ومشهور المذهب أن نفس تمام اللعان بينهما فرقة .واحتج أهل هذه المقالة بأنه ليس في كتاب ال
تعالى إذا لعحن أو لعنحت يجحب وقوع الفرقحة ،وبقول عويمحر :كذبحت عليهحا إن أمسحكتها؛ فطلقهحا
ثلثحا ،قال :ولم ينكحر النحبي صحلى ال عليحه وسحلم ذلك عليحه ولم يقحل له لم قلت هذا ،وأنحت ل تحتاج
إليه؛ لن باللعان قد طلقت .والحجة لمالك في المشهور ومن وافقه قوله عليه السلم( :ل سبيل لك
عليهحا) .وهذا إعلم منحه أن تمام اللعان رفحع سحبيله عنهحا وليحس تفريقحه بينهمحا باسحتئناف حكحم وإنمحا
كان تنفيذا لما أوجب ال تعالى بينهما من المباعدة ،وهو معنى اللعان في اللغة.
@ ذهب الجمهور من العلماء أن المتلعنين ل يتناكحان أبدا ،فإن أكذب نفسه جلد الحد ولحق به
الولد ،ولم ترجحع إليحه أبدا .وعلى هذا السحنة التحي ل شحك فيهحا ول اختلف .وذكحر ابحن المنذر عحن
عطاء أن الملعن إذا أكذب نفسه بعد اللعان لم يحد ،وقال :قد تفرقا بلعنة من ال .وقال أبو حنيفة
ومحمحد :إذا أكذب نفسحه جلد الححد ولححق بحه الولد ،وكان خاطبحا محن الخطاب إن شاء؛ وهحو قول
سحعيد بن المسحيب والحسحن وسعيد بن جحبير وعبدالعزيحز بن أبحي سحلمة ،وقالوا :يعود النكاح حلل
كما لحق به الولد؛ لنه ل فرق بين شيء من ذلك .وحجة الجماعة قوله عليه السلم( :ل سبيل لك
عليها)؛ ولم يقل إل أن تكذب نفسك .وروى ابن إسحاق وجماعة عن الزهري قال :فمضت السنة
أنهمحا إذا تلعنحا فرق بينهمحا فل يجتمعان أبدا .ورواه الدارقطنحي ،ورواه مرفوعحا محن حديحث سحعيد
بن جبير عن ابن عمر رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :المتلعنان إذا افترقا
ل يجتمعان أبدا) .وروي عححن علي وعبدال قال :مضححت السححنة أل يجتمححع المتلعنان .عححن علي:
أبدا.
@ اللعان يفتقر إلى أربعة أشياء:
عدد اللفاظ :وهو أربع شهادات على ما تقدم.
والمكان :وهحو أن يقصحد بحه أشرف البقاع بالبلدان ،إن كان بمكحة فعنحد الركحن والمقام ،وإن كان
بالمدينححة فعنححد المنححبر ،وإن كان بححبيت المقدس فعنححد الصححخرة ،وإن كان فححي سححائر البلدان ففححي
مسححاجدها ،وإن كانححا كافريححن بعححث بهمححا إلى الموضححع الذي يعتقدان تعظيمححه ،إن كانححا يهودييححن
فالكنيسة ،وإن كانا مجوسيين ففي بيت النار ،وإن كانا ل دين لهما مثل الوثنيين فإنه يلعن بينهما
في مجلس حكمه.
والوقت :وذلك بعد صلة العصر.
وجمححع الناس :وذلك أن يكون هناك أربعححة أنفححس فصححاعدا؛ فاللفححظ وجمححع الناس مشروطان،
والزمان والمكان مستحبان.
@ من قال :إن الفراق ل يقحع إل بتمام التعانهمحا ،فعليه لو مات أحدهما قبحل تمامحه ورثه الخحر.
ومحن قال :ل يقحع إل بتفريحق المام فمات أحدهمحا قبحل ذلك وتمام اللعان ورثحه الخحر .وعلى قول
الشافعي :إن مات أحدهما قبل أن تلتعن المرأة لم يتوارثا.
قال ابن القصحار :تفريحق اللعان عندنحا ليس بفسحخ؛ وهو مذهب المدونحة :فإن اللعان حكم تفريحق
الطلق ،ويعطى لغير المدخول بها نصف الصداق .وفي مختصر ابن الجلب :ل شيء لها؛ وهذا
على أن تفريق اللعان فسخ.
**3اليات{ 22 - 11 :إن الذين جاؤوا بالفك عصبة منكم ل تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم
لكل امرئ منهم ما اكتسب من الثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ،لول إذ سمعتموه ظن
المؤمنون والمؤمنات بأنفسححهم خيرا وقالوا هذا إفححك مححبين ،لول جاؤوا عليححه بأربعححة شهداء فإذ لم
يأتوا بالشهداء فأولئك عنححد ال هححم الكاذبون ،ولول فضححل ال عليكححم ورحمتححه فححي الدنيححا والخرة
لمسحكم فيمحا أفضتحم فيحه عذاب عظيحم ،إذ تلقونحه بألسحنتكم وتقولون بأفواهكحم محا ليحس لكحم بحه علم
وتحسبونه هينا وهو عند ال عظيم ،ولول إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا
بهتان عظيححم ،يعظكححم ال أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتححم مؤمنيححن ،ويححبين ال لكححم اليات وال عليححم
حكيحم ،إن الذيحن يحبون أن تشيحع الفاحشحة فحي الذيحن آمنوا لهحم عذاب أليحم فحي الدنيحا والخرة وال
يعلم وأنتم ل تعلمون ،ولول فضل ال عليكم ورحمته وأن ال رؤوف رحيم ،يا أيها الذين آمنوا ل
تتبعوا خطوات الشيطان ومحن يتبحع خطوات الشيطان فإنحه يأمحر بالفحشاء والمنكحر ولول فضحل ال
عليكحم ورحمتحه محا زكحى منكحم محن أححد أبدا ولكحن ال يزكحي محن يشاء وال سحميع عليحم ،ول يأتحل
أولوا الفضحل منكحم والسحعة أن يؤتوا أولي القربحى والمسحاكين والمهاجريحن فحي سحبيل ال وليعفوا
وليصفحوا أل تحبون أن يغفر ال لكم وال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :إن الذين جاؤوا بالفك عصبة منكحم" "عصبة" خبر "إن" .ويجوز نصبها على
الحال ،ويكون الخحبر "لكحل امرئ منهحم محا اكتسحب محن الثحم" .وسحبب نزولهحا محا رواه الئمحة محن
حديححث الفححك الطويححل فححي قصححة عائشححة رضوان ال عليهححا ،وهححو خححبر صحححيح مشهور ،أغنححى
اشتهاره عن ذكره ،وسيأتي مختصرا .وأخرجه البخاري تعليقا ،وحديثه أتم .قال :وقال أسامة عن
هشام بحن عروة عحن أبيحه عحن عائشحة ،وأخرجحه أيضحا عحن محمحد بحن كثيحر عحن أخيحه سحليمان محن
حديحث مسحروق عحن أم رومان أم عائشحة أنهحا قالت :لمحا رميحت عائشحة خرت مغشيحا عليهحا .وعحن
موسحى بحن إسحماعيل محن حديحث أبحي وائل قال :حدثنحي مسحروق بحن الجدع قال حدثتنحي أم رومان
وهي أم عائشة قالت :بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من النصار فقالت :فعل ال بفلن
وفعحل بفلن فقالت أم رومان :ومحا ذاك؟ قالت ابنحي فيمحن حدّث الحديحث قالت :ومحا ذاك؟ قالت كذا
وكذا .قالت عائشحة :سحمع رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم؟ قالت نعحم .قالت :وأبحو بكحر؟ قالت نعحم
فخرت مغشيا عليها فما أفاقت إل وعليها حمى بنافض فطرحت عليها ثيابها فغطيتها فجاء النبي
صلى ال عليه وسلم فقال( :ما شأن هذه؟) فقلت :يا رسول ال ،أخذتها الحمى بنافض .قال( :فلعل
فحي حديحث ُتحُدث بحه) قالت نعحم .فقعدت عائشحة فقالت :وال ،لئن حلفحت ل تصحدقوني ولئن قلت ل
تعذرونحي مثلي ومثلكحم كيعقوب وبنيحه وال المسحتعان على محا تصحفون .قالت :وانصحرف ولم يقحل
شيئا فأنزل ال عذرهححا .قالت :بحمححد ال ل بحمححد أحححد ول بحمدك .قال أبححو عبدال الحميدي :كان
بعض من لقينا من الحفاظ البغداديين يقول الرسال في هذا الحديث أبين واستدل على ذلك بأن أم
رومان توفيحت فحي حياة رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ومسحروق لم يشاهحد النحبي صحلى ال عليحه
وسحلم بل خلف .وللبخاري محن حديحث عحبيدال بحن عبدال بحن أبحي مليكحة أن عائشحة كانحت تقرأ "إذ
تلقونه بألسنتكم" وتقول :الولق الكذب .قال ابن أبي مليكة :وكانت أعلم بذلك من غيرها لنه نزل
فيها .قال البخاري :وقال معمر بن راشد عن الزهري :كان حديث الفك في غزوة المريسيع .قال
ابن إسحاق :وذلك سنة ست .وقال موسى بن عقبة :سنة أربع .وأخرج البخاري من حديث معمر
عحن الزهري قال :قال لي الوليحد بحن عبدالملك :أبلغحك أن عليحا كان فيمحن قذف؟ قال :قلت ل ،ولكحن
قحد أخحبرني رجلن من قومحك أبو سحلمة بحن عبدالرحمحن وأبحو بكحر بحن عبدالرحمحن بحن الحارث بن
هشام أن عائشحة قالت لهمحا :كان عليّ مُسَحلّما فحي شأنهحا .وأخرجحه أبحو بكحر السحماعيلي فحي كتابحه
المخرج على الصحيح من وجه آخر من حديث معمر عن الزهري ،وفيه :قال كنت عند الوليد بن
عبدالملك فقال :الذي تولى كححبره منهححم علي بححن أبححي طالب؟ فقلت ل ،حدثنححي سححعيد بححن المسححيب
وعروة وعلقمحة وعحبيدال بحن عبدال بحن عتبحة كلهحم يقول سحمعت عائشحة تقول :والذي تولى كحبره
عبدال بحن أبحي .وأخرج البخاري أيضحا محن حديحث الزهري عحن عروة عحن عائشحة :والذي تولى
كبره منهم عبدال بن أبي.
@قوله تعالى" :بالفحك" الفحك الكذب .والعصحبة ثلثحة رجال؛ قال ابحن عباس .وعنحه أيضحا محن
الثلثحة إلى العشرة .ابحن عيينحة :أربعون رجل .مجاهحد :محن عشرة إلى خمسحة عشحر .وأصحلها فحي
اللغة وكلم العرب الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض .والخير حقيقته ما زاد نفعه على ضره.
والشحر محا زاد ضره على نفعحه .وإن خيرا ل شحر فيحه هحو الجنحة .وشرا ل خيحر فيحه هحو جهنحم .فأمحا
البلء النازل على الولياء فهححو خيححر؛ لن ضرره مححن اللم قليححل فححي الدنيححا ،وخيره هححو الثواب
الكثيحر فحي الخرى .فنبحه ال تعالى عائشحة وأهلهحا وصحفوان ،إذ الخطاب لهحم فحي قوله "ل تحسحبوه
شرا لكم بل هو خير لكم"؛ لرجحان النفع والخير على جانب الشر.
لمححا خرج رسحول ال صححلى ال عليحه وسحلم بعائشحة معححه فححي غزوة بنححي المصححطلق وهحي غزوة
المريسيع ،وقفل ودنا من المدينة آذن ليلة بالرحيل قامت حين آذنوا بالرحيل فمشت حتى جاوزت
الجيحش ،فلمحا فرغحت محن شأنهحا أقبلت إلى الرححل فلمسحت صحدرها فإذا عقحد محن جزع ظفار قحد
انقطع ،فرجعت فالتمسته فحبسها ابتغاؤه ،فوجدته وانصرفت فلما لم تجد أحدا ،وكانت شابة قليلة
اللححم ،فرفحع الرجال هودجهحا ولم يشعروا بزوالهحا منحه؛ فلمحا لم تجحد أحدا اضطجعحت فحي مكانهحا
رجاء أن تفتقحد فيرجحع إليهحا ،فنامحت فحي الموضحع ولم يوقظهحا إل قول صحفوان بحن المعطحل :إنحا ل
وإنححا إليححه راجعون؛ وذلك أنححه كان تخلف وراء الجيححش لحفححظ السححاقة .وقيححل :إنهححا اسححتيقظت
لسترجاعه ،ونزل عن ناقته وتنحى عنها حتى ركبت عائشة ،وأخذ يقودها حتى بلغ بها الجيش
فحي نححر الظهيرة؛ فوقحع أهحل الفحك فحي مقالتهحم ،وكان الذي يجتمحع إليحه فيحه ويسحتوشيه ويشعله
عبدال بحن أبحي بحن سحلول المنافحق ،وهحو الذي رأى صحفوان آخذا بزمام ناقحة عائشحة فقال :وال محا
نجت منه ول نجا منها ،وقال :امرأة نبيكم باتت مع رجل .وكان من قالته حسان بن ثابت ومسطح
بن أثاثة وحمنة بنت جحش .هذا اختصار الحديث ،وهو بكماله وإتقانه في البخاري ومسلم ،وهو
فحي مسحلم أكمحل .ولمحا بلغ صحفوان قول حسحان فحي الفحك جاء فضربحه بالسحيف ضربحة على رأسحه
وقال:
غلم إذا هوجيت ليس بشاعر تلق ذباب السيف عني فإنني
فأخذ جماعة حسان ولببوه وجاؤوا به إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأهدر رسول ال صلى
ال عليحه وسحلم جرح حسحان واسحتوهبه إياه .وهذا يدل على أن حسحان ممحن تولى الكحبر؛ على محا
ب سحاقة رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم فحي غزواتحه يأتحي وال أعلم .وكان صحفوان هذا صحاح َ
لشجاعتحه ،وكان محن خيار الصححابة .وقيحل :كان حصحورا ل يأتحي النسحاء؛ ذكره ابحن إسححاق محن
طريق عائشة .وقيل :كان له ابنان؛ يدل على ذلك حديثه المروي مع امرأته ،وقول النبي صلى ال
عليه وسلم في ابنيه( :لهما أشبه به من الغراب بالغراب) .وقوله في الحديث :وال ما كشف كنف
أنثحى قحط؛ يريحد بزنحى .وقتحل شهيدا رضحي ال عنحه فحي غزوة أرمينيحة سحنة تسحع عشرة فحي زمان
عمر ،وقيل :ببلد الروم سنة ثمان وخمسين في زمان معاوية.
@قوله تعالى" :لكحل امرئ منهحم محا اكتسحب محن الثحم" يعنحي ممحن تكلم بالفحك .ولم يسحم محن أهحل
الفك إل حسان ومسطح وحمنة وعبدال؛ وجهل الغير؛ قال عروة بن الزبير ،وقد سأله عن ذلك
عبدالملك بححن مروان ،وقال :إل أنهححم كانوا عصححبة؛ كمححا قال ال تعالى .وفححي مصحححف حفصححة
"عصبة أربعة".
@قوله تعالى" :والذي تولى كحبره منهحم" وقرأ حميحد العرج ويعقوب "كُبره" بضحم الكاف .قال
الفراء :وهحو وجحه جيحد؛ لن العرب تقول :فلن تولى عظحم كذا وكذا؛ أي أكحبره .روي عحن عائشحة
أنه حسان ،وأنها قالت حين عمي :لعل العذاب العظيم الذي أوعده ال به ذهاب بصره؛ رواه عنها
مسحروق .وروي عنهحا أنحه عبدال بحن أبحي؛ وهحو الصححيح ،وقال ابحن عباس .وحكحى أبحو عمحر بحن
عبدالبر أن عائشة برأت حسان من الفرية ،وقالت :إنه لم يقل شيئا .وقد أنكر حسان أن يكون قال
شيئا من ذلك في قوله:
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل حصان رزان ما تزن بريبة
حليلة خير الناس دينا ومنصبا نبي الهدى والمكرمات الفواضل
كرام المساعي مجدها غير زائل عقيلة حي من لؤي بن غالب
وطهرها من كل شين وباطل مهذبة قد طيب ال خيمها
فإن كان ما بلغت أني قلته فل رفعت سوطي إلي أناملي
فكيف وودي ما حييت ونصرتي لل رسول ال زين المحافل
له رتب عال على الناس فضلها تقاصر عنها سورة المتطاول
وقد روي أنه لما أنشدها :حصان رزان؛ قالت له :لست كذلك؛ تريد أنك وقعت في الغوافل .وهذا
تعارض ،ويمكححن الجمححع بأن يقال :إن حسححانا لم يقححل ذلك نصححا وتصححريحا ،ويكون عرض بذلك
وأومأ إليه فنسب ذلك إليه؛ وال أعلم.
@ وقد اختلف الناس فيه هل خاض في الفك أم ل ،وهل جلد الحد أم ل؛ فال أعلم أي ذلك كان
فروى محمححد بححن إسحححاق وغيره أن النححبي صححلى ال عليححه وسححلم جلد فححي الفححك رجليححن وامرأة:
مسطحا وحسان وحمنة ،وذكره الترمذي وذكر القشيري عن ابن عباس قال :جلد رسول ال صلى
ال عليحه وسحلم ابحن أبحي ثمانيحن جلدة ،وله فحي الخرة عذاب النار .قال القشيري :والذي ثبحت فحي
الخبار أنه ضرب ابن أبي وضرب حسان وحمنة ،وأما مسطح فلم يثبت عنه قذف صريح ،ولكنه
كان يسحمع ويشيحع محن غيحر تصحريح .قال الماوردي وغيره :اختلفوا هحل ححد النحبي صحلى ال عليحه
وسلم أصحاب الفك؛ على قولين :أحدهما أنه لم يحد أحدا من أصحاب الفك لن الحدود إنما تقام
بإقرار أو ببينحة ،ولم يتعبده ال أن يقيمهحا بإخباره عنهحا؛ كمحا لم يتعبده بقتحل المنافقيحن ،وقحد أخحبره
بكفرهم.
قلت :وهذا فاسحد مخالف لنحص القرآن؛ فإن ال عحز وجحل يقول" :والذيحن يرمون المحصحنات ثحم
لم يأتوا بأربعحة شهداء" أي على صحدق قولهحم" :فاجلدوهحم ثمانيحن جلدة" .والقول الثانحي :أن النحبي
صلى ال عليه وسلم حد أهل الفك عبدال بن أبي ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت
جحش؛ وفي ذلك قال شاعر من المسلمين:
لقد ذاق حسان الذي كان أهله وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح
وابن سلول ذاق في الحد خزية كما خاض في إفك من القول يفصح
وسخطة ذي العرش الكريم فأبرحوا تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم
مخازي تبقى عمموها وفضحوا وآذوا رسول ال فيها فجلدوا
شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح فصب عليهم محصدات كأنها
قلت :المشهور محن الخبار والمعروف عنحد العلماء أن الذي ححد حسحان ومسحطح وحمنحة ،ولم
يسحمع بححد لعبدال بحن أبحي .روى أبحو داود عحن عائشحة رضحي ال عنهحا قالت :لمحا نزل عذري قام
النحبي صحلى ال عليحه وسحلم فذكحر ذلك ،وتل القرآن؛ فلمحا نزل محن المنحبر أمحر بالرجليحن والمرأة
فضربوا حدهححم ،وسححماهم :حسححان بححن ثابححت ومسححطح بحن أثاثححة وحمنححة بنححت جحححش .وفححي كتاب
الطحاوي "ثمانين ثمانين" .قال علماؤنا .وإنما لم يحد عبدال بن أبي لن ال تعالى قد أعد له في
الخرة عذابحا عظيمحا؛ فلو ححد فحي الدنيحا لكان ذلك نقصحا محن عذابحه فحي الخرة وتخفيفحا عنه محع أن
ال تعالى قد شهد ببراءة عائشة رضي ال عنها وبكذب كل من رماها؛ فقد حصلت فائدة الحد ،إذ
مقصححوده إظهار كذب القاذف وبراءة المقذوف؛ كمححا قال ال تعالى" :فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك
عند ال هم الكاذبون" .وإنما حد هؤلء المسلمون ليكفر عنهم إثم ما صدر عنهم من القذف حتى ل
يبقحى عليهحم تبعحة محن ذلك فحي الخرة ،وقحد قال صحلى ال عليحه وسحلم فحي الحدود (إنهحا كفارة لمحن
أقيمت عليه)؛ كما في حديث عبادة بن الصامت .ويحتمل أن يقال :إنما ترك حد ابن أبي استئلفا
لقومه واحتراما لبنه ،وإطفاء لثائرة الفتنة المتوقعحة من ذلك ،وقد كان ظهحر مبادئها من سحعد بحن
عبادة ومن قومه؛ كما في صحيح مسلم .وال أعلم.
@قوله تعالى" :لول إذ سحمعتموه ظحن المؤمنون والمؤمنات بأنفسحهم خيرا" هذا عتاب محن ال
سبحانه وتعالى للمؤمنين في ظنهم حين قال أصحاب الفك ما قالوا .قال ابن زيد :ظن المؤمنون
أن المؤمححن ل يفجححر بأمححه؛ قال المهدوي .و"لول" بمعنححى هل .وقيححل :المعنححى أنححه كان ينبغححي أن
يقيحس فضلء المؤمنيحن والمؤمنات المحر على أنفسحهم؛ فإن كان ذلك يبعحد فيهحم فذلك فحي عائشحة
وصفوان أبعد .وروي أن هذا النظر السديد وقع من أبي أيوب النصاري وامرأته؛ وذلك أنه دخل
عليها فقالت له :يا أبا أيوب أسمعت ما قيل فقال نعم وذلك الكذب أكنت أنت يا أم أيوب تفعلين ذلك
قالت :ل وال قال :فعائشة وال أفضل منك؛ قالت أم أيوب نعم .فهذا الفعحل ونحوه هو الذي عاتحب
ال تعالى عليه المؤمنين إذ لم يفعله جميعهم.
@قوله تعالى" :بأنفسهم" قال النحاس :معنى "بأنفسهم" بإخوانهم .فأوجب ال على المسلمين إذا
سحمعوا رجل يقذف أحدا ويذكره بقبيحح ل يعرفونحه بحه أن ينكروا عليحه ويكذبوه وتواعحد محن ترك
ذلك ومن نقله.
قلت :ولجل هذا قال العلماء :إن الية أصل في أن درجة اليمان التي حازها النسان؛ ومنزلة
الصلح التي حلها المؤمن ،ولبسة العفاف التي يستتر بها المسلم ل يزيلها عنه خبر محتمل وإن
شاع إذا كان أصله فاسدا أو مجهول.
@قوله تعالى" :لول جاؤوا عليه بأربعة شهداء" هذا توبيخ لهل الفك .و"لول" بمعنى هل؛ أي
هل جاؤوا بأربعححة شهداء على مححا زعموا مححن الفتراء .وهذا رد على الحكححم الول وإحالة على
الية السابقة في آية القذف" .فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند ال هم الكاذبون" أي هم في حكم ال
كاذبون .وقحد يعجحز الرجحل عحن إقامحة البينحة وهحو صحادق فحي قذفحه ،ولكنحه فحي حكحم الشرع وظاهحر
المر كاذب ل في علم ال تعالى؛ وهو سبحانه إنما رتب الحدود على حكمه الذي شرعه في الدنيا
ل على مقتضى علمه الذي تعلق بالنسان على ما هو عليه ،فإنما يبني على ذلك حكم الخرة.
قلت :ومما يقوي هذا المعنى ويعضده ما خرجه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه
أنه قال :أيها الناس إن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الن بما ظهر لنا من أعمالكم ،فمن أظهر لنا
خيرا أمناه وقربناه؛ وليس لنا من سريرته شيء ال يحاسبه في سريرته ،ومن أظهر لنا سوءا لم
نؤمنحه ولم نصحدقه ،وإن قال إن سحريرته حسحنة .وأجمحع العلماء أن أحكام الدنيحا على الظاهحر ،وأن
السرائر إلى ال عز وجل.
@قوله تعالى" :فضحل" رفحع بالبتداء عنحد سحيبويه ،والخحبر محذوف ل تظهره العرب .وحذف
جواب "لول" لنحه قحد ذكحر مثله بعحد؛ قال ال عحز وجحل "ولول فضحل ال عليكحم ورحمتحه لمسحكم"
أي بسبب ما قلتم في عائشة عذاب عظيم في الدنيا والخرة .وهذا عتاب من ال تعالى بليغ ،ولكنه
برحمته ستر عليكم في الدنيا ويرحم في الخرة من أتاه تائبا والفاضة :الخذ في الحديث؛ وهو
الذي وقع عليه العتاب؛ يقال :أفاض القوم في الحديث أي أخذوا فيه.
@قوله تعالى" :إذ تلقّونه بألسنتكم" قراءة محمد بن السميقع بضم التاء وسكون اللم وضم القاف؛
من اللقاء ،وهذه قراءة بينة .وقرأ أبي وابن مسعود "إذ تتلقونه" من التلقي ،بتاءين .وقرأ جمهور
السححبعة بحرف التاء الواحدة وإظهار الذال دون إدغام؛ وهذا أيضححا مححن التلقححي .وقرأ أبححو عمرو
وحمزة والكسحائي بإدغام الذال فحي التاء .وقرأ ابحن كثيحر بإظهار الذال وإدغام التاء فحي التاء؛ وهذه
قراءة قلقحة؛ لنهحا تقتضحي اجتماع سحاكنين ،وليسحت كالدغام فحي قراءة محن قرأ "فل تناجوا .ول
تنابزوا" لن دونه اللف الساكنة ،وكونها حرف لين حسنت هنالك ما ل تحسن مع سكون الذال.
وقرأ ابحن يعمحر وعائشحة رضحي ال عنهمحا -وهحم أعلم الناس بهذا المحر " -إذ تلقّونحه" بفتحح التاء
وكسححر اللم وضححم القاف؛ ومعنححى هذه القراءة مححن قول العرب :ولق الرجححل يلق ولقححا إذا كذب
واسححتمر عليححه؛ فجاؤوا بالمتعدي شاهدا على غيححر المتعدي .قال ابححن عطيححة :وعندي أنححه أراد إذ
تلقون فيحه؛ فحذف حرف الجحر فاتصحل الضميحر .وقال الخليحل وأبحو عمرو :أصحل الولق السحراع؛
يقال :جاءت البل تلق؛ أي تسرع .قال:
جاؤوا بأسراب من الشأم ولق لما رأوا جيشا عليهم قد طرق
جاءت به عنس من الشأم تلق إن الحصين زلق وزملق
يقال :رجححل زلق وزملق؛ مثال ُهدَبِحد ،وزمالق وزملق (بتشديححد الميححم) وهححو الذي ينزل قبححل أن
يجامع؛ قال الراجز:
إن الحصين زلق وزملق
والولق أيضححا أخححف الطعححن .وقحد ولقحه يلقحه ولقحا .يقال :ولقحه بالسححيف ولقات ،أي ضربات؛ فهحو
مشترك.
@قوله تعالى" :وتقولون بأفواهكم ما" مبالغة وإلزام وتأكيد .والضمير في "تحسبونه" عائد على
الحديث والخوض فيه والذاعة له .و"هينا" أي شيئا يسيرا ل يلحقكم فيه إثم" .وهو عند ال" في
الوزر "عظيحم" .وهذا مثحل قوله عليحه السحلم فحي حديحث القحبرين( :إنهمحا ليعذبان ومحا يعذبان فحي
كبير) أي بالنسبة إليكم.
@قوله تعالى" :ولول إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ،يعظكم
ال أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتححم مؤمنيححن ،ويححبين ال لكححم اليات وال عليححم حكيححم" عتاب لجميححع
المؤمنيححن أي كان ينبغححي عليكححم أن تنكروه ول يتعاطاه بعضكححم مححن بعححض على جهححة الحكايححة
والنقحل ،وأن تنزهوا ال تعالى عحن أن يقحع هذا محن زوج نحبيه عليحه الصحلة والسحلم .وأن تحكموا
على هذه المقالة بأنها بهتان؛ وحقيقة البهتان أن يقال في النسان ما ليس فيه ،والغيبة أن يقال في
النسحان محا فيحه .وهذا المعنحى قحد جاء فحي صححيح الحديحث عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم .ثحم
وعظهم تعالى في العودة إلى مثل هذه الحالة .و"أن" مفعول من أجله ،بتقدير :كراهية أن ونحوه.
"إن كنتم مؤمنين" توقيف وتوكيد؛ كما تقول :ينبغي لك أن تفعل كذا وكذا إن كنت رجل.
@قوله تعالى" :يعظكم ال أن تعودوا لمثله" يعني في عائشة؛ لن مثله ل يكون إل نظير القول
المقول عنه بعينه ،أو فيمن كان في مرتبته من أزواج النبي صلى ال عليه وسلم؛ لما في ذلك من
إذاية رسول ال صلى ال عليه وسلم في عرضه وأهله؛ وذلك كفر من فاعله.
@ قال هشام بن عمار سمعت مالكا يقول :من سب أبا بكر وعمر أدب ،ومن سب عائشة قتل لن
ال تعالى يقول" :يعظكححم ال أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتححم مؤمنيححن" فمححن سححب عائشححة فقححد خالف
القرآن ،ومن خالف القرآن قتل .قال ابن العربي :قال أصحاب الشافعي من سب عائشة رضي ال
عنها أدب كما في سائر المؤمنين ،وليس قوله" :إن كنتم مؤمنين" في عائشة لن ذلك كفر ،وإنما
هو كما قال عليه السلم( :ل يؤمن من ل يأمن جاره بوائقه) .ولو كان سلب اليمان في سب من
سب عائشة حقيقة لكان سلبه في قوله( :ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) حقيقة .قلنا :ليس
كمحا زعمتحم؛ فإن أهحل الفحك رموا عائشحة المطهرة بالفاحشحة فبرأهحا ال تعالى فكحل محن سحبها بمحا
برأها ال منه مكذب ل ،ومن كذب ال فهو كافر؛ فهذا طريق قول مالك ،وهي سبيل لئحة لهل
البصائر .ولو أن رجل سب عائشة بغير ما برأها ال منه لكان جزاؤه الدب.
@قوله تعالى" :إن الذيحن يحبون أن تشيحع الفاحشحة" أي تفشحو؛ يقال :شاع الشيحء شيوعحا وشيعحا
وشيعانحا وشيوعحه؛ أي ظهحر وتفرق" .فحي الذيحن آمنوا" أي فحي المحصحنين والمحصحنات .والمراد
بهذا اللفحظ العام عائشحة وصحفوان رضحي ال عنهمحا .والفاحشحة :الفعحل القبيحح المفرط القبحح .وقيحل:
الفاحشة في هذه الية القول السيء" .لهم عذاب أليم في الدنيا" أي الحد .وفي الخرة عذاب النار؛
أي للمنافقيحن ،فهحو مخصحوص .وقحد بينحا أن الححد للمؤمنيحن كفارة .وقال الطحبري :معناه إن مات
مصرا غير تائب.
@قوله تعالى" :وال يعلم" أي يعلم مقدار عظم هذا الذنب والمجازاة عليه ويعلم كل شيء" .وأنتم
ل تعلمون" روي محن حديحث أبحي الدرداء أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم قال( :أيمحا رجحل شحد
عضد امرئ من الناس في خصومة ل علم له بها فهو في سخط ال حتى ينزع عنها .وأيما رجل
قال بشفاعتحه دون ححد محن حدود ال أن يقام فقحد عانحد ال حقحا وأقدم على سحخطه وعليحه لعنحة ال
تتابحع إلى يوم القيامة .وأيما رجل أشاع عل رجحل مسحلم كلمة وهو منهحا بريء يرى أن يشينه بهحا
في الدنيا كان حقا على ال تعالى أن يرميه بها في النار -ثم تل مصداقه من كتاب ال تعالى" :إن
الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا" الية.
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا ل تتبعوا خطوات الشيطان" يعني مسالكه ومذاهبه؛ المعنى :ل
تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليها الشيطان .وواحد الخطوات خطوة هو ما بين القدمين .والخطوة
(بالفتح) المصدر؛ يقال :خطوت خطوة ،وجمعها خطوات .وتخطى إلينا فلن؛ ومنه الحديث أنه
رأى رجل يتخطحححى رقاب الناس يوم الجمعحححة .وقرأ الجمهور "خطوات" بضحححم الطاء .وسحححكنها
عاصحم والعمحش .وقرأ الجمهور "محا زكحى" بتخفيحف الكاف؛ أي محا اهتدى ول أسحلم ول عرف
رشدا .وقيحل" :محا زكحى" أي محا صحلح؛ يقال :زكحا يزكحو زكاء؛ أي صحلح .وشددهحا الحسحن وأبحو
حيوة؛ أي أن تزكيتحه لكحم وتطهيره وهدايتحه إنمحا هحي بفضله ل بأعمالكحم .وقال الكسحائي" :يحا أيهحا
الذيححن آمنوا ل تتبعوا خطوات الشيطان" معترض ،وقوله" :مححا زكححى منكححم مححن أحححد أبدا" جواب
لقوله أول وثانيا" :ولول فضل ال عليكم".
@قوله تعالى" :ول يأتحل أولو الفضحل منكحم والسحعة" اليحة .المشهور محن الروايات أن هذه اليحة
نزلت فحي قصحة أبحي بكحر بحن أبحي قحافحة رضحي ال عنه ومسحطح بحن أثاثحة .وذلك أنه كان ابحن بنحت
خالته وكان من المهاجرين البدريين المساكين .وهو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد
مناف .وقيححل :اسححمه عوف ،ومسححطح لقححب .وكان أبححو بكححر رضححي ال عنححه ينفححق عليححه لمسححكنته
وقرابته؛ فلما وقع أمر الفك وقال فيه مسطح ما قال ،حلف أبو بكر أل ينفق عليه ول ينفعه بنافعة
أبدا ،فجاء مسطح فاعتذر وقال :إنما كنت أغشى مجالس حسان فأسمع ول أقول .فقال له أبو بكر:
لقحد ضحكحت وشاركحت فيمحا قيحل؛ ومحر على يمينحه ،فنزلت اليحة .وقال الضحاك وابحن عباس :إن
جماعحة محن المؤمنيحن قطعوا منافعهحم عن كحل محن قال فحي الفحك وقالوا :وال ل نصحل محن تكلم فحي
شأن عائشحة؛ فنزلت اليحة فحي جميعهحم .والول أصحح؛ غيحر أن اليحة تتناول المحة إلى يوم القيامحة
بأل يغتاظ ذو فضحل وسحعة فيحلف أل ينفحع فحي هذه صحفته غابر الدهحر .روي فحي الصححيح أن ال
تبارك وتعالى لمحا أنزل" :إن الذيحن جاؤوا بالفحك عصحبة منكحم" العشحر آيات ،قال أبحو بكحر وكان
ينفححق على مسححطح لقرابتححه وفقره :وال ل أنفححق عليححه شيئا أبدا بعححد الذي قال لعائشححة؛ فأنزل ال
تعالى" :ول يأتحل أولوا الفضحل منكحم والسحعة" إلى قوله "أل تحبون أن يغفحر ال لكحم" .قال عبدال
بحن المبارك :هذه أرجحى آيحة فحي كتاب ال تعالى؛ فقال أبحو بكحر :وال إنحي لححب أن يغفحر ال لي؛
فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال :ل أنزعها منه أبدا.
@ فحي هذه اليحة دليحل على أن القذف وإن كان كحبيرا ل يحبحط العمال؛ لن ال تعالى وصحف
مسححطحا بعححد قوله بالهجرة واليمان؛ وكذلك سححائر الكبائر؛ ول يحبححط العمال غيححر الشرك بال،
قال ال تعالى" :لئن أشركت ليحبطن عملك" [الزمر.]65 :
@ محن حلف على شيحء ل يفعله فرأى فعله أولى منحه أتاه وكفحر عحن يمينحه ،أو كفحر عحن يمينحه
وأتاه؛ كمحا تقدم فحي "المائدة] .ورأى الفقهاء أن محن حلف أل يفعحل سحنة محن السحنن أو مندوبحا وأبّد
ذلك أنها جُرحة في شهادته؛ ذكره الباجي في المنتقى.
@قوله تعالى" :ول يأتحل أولوا الفضحل" "ول يأتحل" معناه يحلف؛ وزنهحا يفتعحل ،محن الليحة وهحي
اليميحن؛ ومنحه قوله تعالى" :للذيحن يؤلون محن نسحائهم" وقحد تقدم فحي "البقرة" .وقالت فرقحة :معناه
يقصر؛ من قولك :ألوت في كذا إذا قصرت فيه؛ ومنه قوله تعالى" :ل يألونكم خبال" [آل عمران:
.]118
@قوله تعالى" :أل تحبون أن يغفحر ال لكحم" تمثيحل وحجحة أي كمحا تحبون عفحو ال عحن ذنوبكحم
فكذلك اغفروا لمن دونكم؛ وينظر إلى هذا المعنى قوله عليه السلم( :من ل يرحم ل يرحم).
@ قال بعض العلماء :هذه أرجى آية في كتاب ال تعالى ،من حيث لطف ال بالقذفة العصاة بهذا
اللفظ .وقيل .أرجى آية في كتاب ال عز وجل قوله تعالى" :وبشر المؤمنين بأن لهم من ال فضل
كحبيرا" [الحزاب .]47 :وقحد قال تعالى فحي آيحة أخرى" :والذيحن آمنوا وعملوا الصحالحات فحي
روضات الجنات لهححم مححا يشاؤون عنححد ربهححم ذلك هححو الفضححل الكححبير" [الشورى]22 :؛ فشرح
الفضحل الكحبير فحي هذه اليحة ،وبشحر بحه المؤمنيحن فحي تلك .ومحن آيات الرجاء قوله تعالى" :قحل يحا
عبادي الذيحن أسحرفوا على أنفسحهم" [الزمحر .]53 :وقوله تعالى" :ال لطيحف بعباده" [الشورى:
.]19وقال بعضهححم :أرجححى آيححة فححي كتاب ال عححز وجححل" :ولسححوف يعطيححك ربححك فترضححى"
[الضحى]5 :؛ وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يرضى ببقاء أحد من أمته في النار.
@قوله تعالى" :أن تؤتوا" أي أل يؤتوا ،فحذف "ل"؛ كقول القائل:
فقلت يمين ال أبرح قاعدا
ذكره الزجاج .وعلى قول أبي عبيدة ل حاجة إلى إضمار "ل"" .وليعفو" من عفا الربع أي درس
فهو محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع.
**3الية{ 23 :إن الذين يرمون المحصنات الغافلت المؤمنات لعنوا فحي الدنيحا والخرة ولهم
عذاب عظيم}
@قوله تعالى" :المحصحنات" تقدم فحي "النسحاء" .وأجمحع العلماء على أن حكحم المحصحنين فحي
القذف كحكحم المحصحنات قياسحا واسحتدلل ،وقحد بيناه أول السحورة والحمحد ل .واختلف فيمحن المراد
بهذه الية؛ فقال سعيد بن جبير :هي في رماة عائشة رضوان ال عليها خاصة .وقال قوم :هي في
عائشحة وسحائر أزواج النحبي صحلى ال عليحه وسحلم؛ قاله ابحن عباس والضحاك وغيرهمحا .ول تنفحع
التوبححة .ومححن قذف غيرهححن مححن المحصححنات فقححد جعححل ال له توبححة؛ لنححه قال" :والذيححن يرمون
المحصححنات ثححم لم يأتوا بأربعححة شهداء -إلى قوله -إل الذيححن تابوا" فجعححل ال لهؤلء توبححة ،ولم
يجعحل لولئك توبحة؛ قاله الضحاك .وقيحل هذا الوعيحد لمحن أصحر على القذف ولم يتحب .وقيحل :نزلت
في عائشة ،إل أنه يراد بها كل من اتصف بهذه الصفة .وقيل :إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر
وأنثحى؛ ويكون التقديحر :إن الذيحن يرمون النفحس المحصحنات؛ فدخحل فحي هذا المذكحر والمؤنحث؛
واختاره النحاس .وقيحل :نزلت فحي مشركحي مكحة؛ لنهححم يقولون للمرأة إذا هاجرت إنمحا خرجحت
لتفجر.
@قوله تعالى" :لعنوا فحي الدنيحا والخرة" قال العلماء :إن كان المراد بهذه اليحة المؤمنيحن محن
القذفة فالمراد باللعنة البعاد وضرب الحد واستيحاش المؤمنين منهم وهجرهم لهم ،وزوالهم عن
رتبه العدالة والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين .وعلى قول من قال :هي خاصة لعائشة
تترتب هذه الشدائد في جانب عبدال بن أبيّ وأشباهه .وعلى قول من قال :نزلت في مشركي مكة
فل كلم ،فإنهم مبعدون ،ولهم في الخرة عذاب عظيم؛ ومن أسلم فالسلم يجب ما قبله .وقال أبو
جعفر النحاس :من أحسن ما قيل في تأويل هذه الية إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر وأنثى؛
ويكون التقديحر :إن الذيحن يرمون النفحس المحصحنات ،فدخحل فحي هذا المذكحر والمؤنحث ،وكذا فحي
الذين يرمون؛ إل أنه غلب المذكر على المؤنث.
**3الية{ 24 :يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}
@ قراءة العامة بالتاء ،واختاره أبو حاتم .وقرأ العمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف "يشهد"
بالياء ،واختاره أبحو عبيحد؛ لن الجار والمجرور قحد حال بيحن السحم والفعحل ،والمعنحى :يوم تشهحد
ألسحنة بعضهحم على بعحض بمحا كانوا يعملون محن القذف والبهتان .وقيحل :تشهحد عليهحم ألسحنتهم ذلك
اليوم بما تكلموا به" .وأيديهم وأرجلهم" أي وتتكلم الجوارح بما عملوا في الدنيا.
**3الية{ 25 :يومئذ يوفيهم ال دينهم الحق ويعلمون أن ال هو الحق المبين}
@قوله تعالى" :يومئذ يوفيهم ال دينهم الحق" أي حسابهم وجزاؤهم .وقرأ مجاهد "يومئذ يوفيهم
ال دينهحم الححق" برفحع "الححق" على أنحه نعحت ل عحز وجحل .قال أبحو عبيحد :ولول كراهحة خلف
الناس لكان الوجه الرفع؛ ليكون نعتا ل عز وجل ،وتكون موافقة لقراءة أب يّ ،وذلك أن جرير بن
حازم قال :رأيحت فحي مصححف أبيّح "يوفيهحم ال الححق دينهحم" .قال النحاس :وهذا الكلم محن أبحي
عبيد غير مرضي؛ لنه احتج بما هو مخالف للسواد العظم .ول حجة أيضا فيه لنه لو صح هذا
أنحه فحي مصححف أبيّح كذا جاز أن تكون القراءة :يومئذ يوفيهحم ال الححق دينهحم ،يكون "دينهحم" بدل
من الحق .وعلى قراءة "دينهم الحق" يكون "الحق" نعتا لدينهم ،والمعنى حسن؛ لن ال عز وجل
ذكحر المسحيئين وأعلم أنحه يجازيهحم بالححق؛ كمحا قال عحز وجحل" :وهحل نجازي إل الكفور" [سحبأ:
]17؛ لن مجازاة ال عحز وجحل للكافحر والمسحيء بالححق والعدل ،ومجازاتحه للمحسحن بالحسحان
والفضحل" .ويعلمون أن ال هحو الححق المحبين" اسحمان محن أسحمائه سحبحانه .وقحد ذكرناهمحا فحي غيحر
موضع ،وخاصة في الكتاب السنى.
**3اليحة{ 26 :الخحبيثات للخحبيثين والخحبيثون للخحبيثات والطيبات للطيحبين والطيبون للطيبات
أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم}
@ قال ابن زيد :المعنى الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ،وكذا الخبيثون للخبيثات ،وكذا
الطيبات للطيحبين والطيبون للطيبات .وقال مجاهحد وابحن جحبير وعطاء وأكثحر المفسحرين :المعنحى
الكلمات الخحبيثات محن القول للخحبيثين محن الرجال ،وكذا الخحبيثون محن الناس للخحبيثات محن القول،
وكذا الكلمات الطيبات محن القول للطيحبين محن الناس ،والطيبون محن الناس للطيبات محن القول .قال
النحاس فحي كتاب معانحي القرآن :وهذا أحسحن محا قيحل فحي هذه اليحة .ودل على صححة هذا القول
"أولئك محبرؤون ممحا يقولون" أي عائشة وصحفوان مما يقول الخحبيثون والخبيثات .وقيل :إن هذه
الية مبنية على قوله "الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة" [النور ]3 :الية؛ فالخبيثات الزواني،
والطيبات العفائف ،وكذا الطيبون والطيبات .واختار هذا القول النحاس أيضا ،وهو معنى قول ابن
زيد" .أولئك مبرؤون مما يقولون" يعني به الجنس .وقيل :عائشة وصفوان فجمع كما قال" :فإن
كان له إخوة" [النسحاء ]11 :والمراد أخوان؛ قاله الفراء .و"محبرؤون" يعنحي منزهيحن ممحا رموا
بحه .قال بعحض أهحل التحقيحق :إن يوسحف عليحه السحلم لمحا رمحي بالفاحشحة برأه ال على لسحان صحبي
في المهد ،وإن مريم لما رميت بالفاحشة برأها ال على لسان ابنها عيسى صلوات ال عليه ،وإن
عائشحة لمحا رميحت بالفاحشحة برأهحا ال تعالى بالقرآن؛ فمحا رضحي لهحا بحبراءة صحبي ول نحبي حتحى
برأهحا ال بكلمحه محن القذف والبهتان .وروي عحن علي بحن زيحد بحن جدعان عحن جدتحه عحن عائشحة
رضححي ال عنهححا قالت( :لقححد أعطيححت تسححعا مححا أعطيتهححن امرأة :لقححد نزل جبريححل عليححه السححلم
بصحورتي فحي راحتحه حيحن أمحر رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم أن يتزوجنحي ولقحد تزوجنحي بكرا
ومحا تزوج بكرا غيري ،ولقحد توفحي صحلى ال عليحه وسحلم وإن رأسحه لفحي حجري ،ولقحد قحبر فحي
بيتحي ،ولقحد حفحت الملئكحة بيتحي ،وإن كان الوححي لينزل عليحه وهحو فحي أهله فينصحرفون عنه ،وإن
كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه فما يبينني عن جسده ،وإني لبنة خليفته وصديقه ،ولقد نزل
عذري محن السحماء ،ولقحد خلقحت طيبحة وعنحد طيحب ،ولقحد وعدت مغفرة ورزقحا كريمحا؛ تعنحي قوله
تعالى" :لهم مغفرة ورزق كريم" وهو الجنة.
**3اليحة{ 27 :يحا أيهحا الذيحن آمنوا ل تدخلوا بيوتحا غيحر بيوتكحم حتحى تسحتأنسوا وتسحلموا على
أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون}
@ لمحا خصحص ال سحبحانه ابحن آدم الذي كرمحه وفضله بالمنازل وسحترهم فيهحا عحن البصحار،
وملكهححم السححتمتاع بهححا على النفراد ،وحجححر على الخلق أن يطلعوا على مححا فيهححا مححن خارج أو
يلجوهحا محن غيحر إذن أربابهحا ،أدبهحم بمحا يرجحع إلى السحتر عليهحم لئل يطلع أححد منهحم على عورة.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :من اطلع في بيت قوم من
غيحر إذنهحم ححل لهحم أن يفقؤوا عينحه) .وقحد اختلف فحي تأويله فقال بعحض العلماء :ليحس هذا على
ظاهره ،فإن فقحححأ فعليحححه الضمان ،والخحححبر منسحححوخ ،وكان قبحححل نزول قوله تعالى" :وإن عاقبتحححم
فعاقبوا" [النحل ]126 :ويحتمل أن يكون خرج على وجه الوعيد ل على وجه الحتم ،والخبر إذا
كان مخالفحا لكتاب ال تعالى ل يجوز العمحل بحه .وقحد كان النحبي صحلى ال عليحه وسحلم يتكلم بالكلم
في الظاهر وهو يريد شيئا آخر؛ كما جاء في الخبر أن عباس بن مرداس لما مدحه قال لبلل( :قم
فاقطع لسانه) وإنما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئا ،ولم يرد به القطع في الحقيقة .وكذلك هذا يحتمل
أن يكون ذكحر فقحء العيحن والمراد أن يعمحل بحه عمحل حتحى ل ينظحر بعحد ذلك فحي بيحت غيره .وقال
بعضهم :ل ضمان عليه ول قصاص؛ وهو الصحيح إن شاء ال تعالى لحديث أنس على ما يأتي.
@ سبب نزول هذه الية ما رواه الطبري وغيره عن عدي بن ثابت أن امرأة من النصار قالت:
يحا رسحول ال ،إنحي أكون فحي بيتحي على حال ل أححب أن يرانحي عليهحا أححد ،ل والد ول ولد فيأتحي
الب فيدخحل عليّح وإنحه ل يزال يدخحل عليّح رجحل محن أهلي وأنحا على تلك الحال ،فكيحف أصحنع ؟
فنزلت اليحة .فقال أبحو بكحر رضحي ال عنحه :يحا رسحول ال ،أفرأيحت الخانات والمسحاكن فحي طرق
الشام ليس فيها ساكن؛ فأنزل ال تعالى" :ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة"[النور:
.]29
@محد ال سحبحانه وتعالى التحريحم فحي دخول بيحت ليحس هحو بيتحك إلى غايحة هحي السحتئناس ،وهحو
الستئذان .قال ابن وهب قال مالك :الستئناس فيما نرى وال أعلم الستئذان؛ وكذا في قراءة أب يّ
وابحن عباس وسحعيد بحن جحبير "حتحى تسحتأذنوا وتسحلموا على أهلهحا" .وقيحل :إن معنحى "تسحتأنسوا"
تستعلموا؛ أي تستعلموا من في البيت .قال مجاهد :بالتنحنح أو بأي وجه أمكن ،ويتأنى قدر ما يعلم
أنحه قحد شعحر بحه ،ويدخحل إثحر ذلك .وقال معناه الطحبري؛ ومنحه قوله تعالى" :فإن آنسحتم منهحم رشدا"
[النساء ]6 :أي علمتم .وقال الشاعر:
عصرا وقد دنا المساء آنست نبأة وأفزعها القناص
قلت :وفي سنن ابن ماجه :حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدالرحيم بن سليمان عن واصل
بحن السحائب عحن أبحي سحورة عحن أبحي أيوب النصحاري قال قلنحا :يحا رسحول ال ،هذا السحلم ،فمحا
الستئذان؟ قال( :يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح ويؤذن أهل البيت).
قلت :وهذا نص في أن الستئناس غير الستئذان؛ كما قال مجاهد ومن وافقه.
@ وروي عن ابن عباس وبعض الناس يقول عن سعيد بن جبير "حتى تستأنسوا" خطأ أو وهم
محن الكاتحب ،إنمحا هحو "حتحى تسحتأذنوا" .وهذا غيحر صححيح عحن ابحن عباس وغيره؛ فإن مصحاحف
السلم كلها قد ثبت فيها "حتى تستأنسوا" ،وصح الجماع فيها من لدن مدة عثمان ،فهي التي ل
يجوز خلفها .وإطلق الخطأ والوهم على الكاتب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول ل يصح عن
ابن عباس؛ وقد قال عز وجل" :ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد"
[فصلت ،]42 :وقال تعالى" :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر .]9 :وقد روي عن
ابحن عباس أن فحي الكلم تقديمحا وتأخيرا؛ والمعنحى :حتحى تسحلموا على أهلهحا وتسحتأنسوا حكاه أبحو
حاتحم .قال ابحن عطيحة .وممحا ينفحي هذا القول عحن ابحن عباس وغيره أن "تسحتأنسوا" متمكنحة فحي
المعنى ،بينة الوجه في كلم العرب .وقد قال عمر للنبي صلى ال عليه وسلم :أستأنس يا رسول
ال؛ وعمر واقف على باب الغرفة ،الحديث المشهور .وذلك يقتضي أنه طلب النس به صلى ال
عليه وسلم ،فكيف يخطّئ ابن عباس أصحاب الرسول في مثل هذا.
قلت :قحد ذكرنحا محن حديحث أبحي أيوب أن السحتئناس إنمحا يكون قبحل السحلم ،وتكون اليحة على
بابها ل تقديم فيها ول تأخير ،وأنه إذا دخل سلم .وال أعلم.
@ السنة في الستئذان ثلث مرات ل يزاد عليها .قال ابن وهب قال مالك :الستئذان ثلث ،ل
أحب أن يزيد أحد عليها ،إل من علم أنه لم يسمع ،فل أرى بأسا أن يزيد إذا استيقن أنه لم يسمع.
وصحورة السحتئذان أن يقول الرجحل :السحلم عليكحم أأدخحل؛ فإن أذن له دخحل ،وإن أمحر بالرجوع
انصرف ،وإن سكت عنه استأذن ثلثا؛ ثم ينصرف من بعد الثلث .وإنما قلنا :إن السنة الستئذان
ثلث مرات ل يزاد عليها لحديث أبي موسى الشعري ،الذي استعمله مع عمر بن الخطاب وشهد
بحه لبحي موسحى أبحو سحعيد الخدري ،ثحم أبيّح بحن كعحب .وهو حديحث مشهور أخرجحه الصححيح ،وهحو
نص صريح؛ فإن فيه :فقال -يعني عمر -ما منعك أن تأتينا؟ فقلت :أتيت فسلمت على بابك ثلث
مرات فلم ترد علي فرجعت ،وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا استأذن أحدكم ثلثا فلم
يؤذن له فليرجحع) .وأمحا محا ذكرناه محن صحورة السحتئذان فمحا رواه أبحو داود عحن ربعحي قال :حدثنحا
رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى ال عليه وسلم وهو في بيت ،فقال :ألج؟ فقال النبي
صلى ال عليه وسلم لخادمه( :أخرج إلى هذا فعلمه الستئذان -فقال له -قل السلم عليكم أأدخل)
فسححمعه الرجححل فقال :السححلم عليكححم أأدخححل؟ فأذن له النححبي صححلى ال عليححه وسححلم فدخححل .وذكره
الطحبري وقال :فقال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم لمحة له يقال لهحا روضحة( :قولي لهذا يقول
السلم عليكم أدخل؟ )...الحديث .وروي أن ابن عمر آذته الرمضاء يوما فأتى فسطاطا لمرأة من
قريححش فقال :السححلم عليكححم أأدخححل؟ فقالت المرأة :ادخححل بسححلم؛ فأعاد فأعادت ،فقال لهححا :قولي
أدخل .فقالت ذلك فدخل؛ فتوقف لما قالت :بسلم؛ لحتمال اللفظ أن تريد بسلمك ل بشخصك.
@ قال علماؤنا رحمة ال عليهم :إنما خص الستئذان بثلث لن الغالب من الكلم إذا كرر ثلثا
سمع وفهم؛ ولذلك كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلثا حتى يفهم عنه ،وإذا
سححلم على قوم سححلم عليهححم ثلثححا .وإذا كان الغالب هذا؛ فإذا لم يؤذن له بعححد ثلث ظهححر أن رب
المنزل ل يريحد الذن ،أو لعله يمنعحه محن الجواب عنحه عذر ل يمكنحه قطعحه؛ فينبغحي للمسحتأذن أن
ينصحرف؛ لن الزيادة على ذلك قحد تقلق رب المنزل ،وربمحا يضره اللحاح حتحى ينقطحع عمحا كان
مشغول بحه؛ كمحا قال النحبي صحلى ال عليحه وسحلم لبحي أيوب حيحن اسحتأذن عليحه فخرج مسحتعجل
فقال( :لعلنحا أعجلناك ) ...الحديحث .وروى عقيحل عحن ابحن شهاب قال :أمحا سحنة التسحليمات الثلث
فإن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم أتحى سحعد بحن عبادة فقال( :السحلم عليكحم) فلم يردوا ،ثحم قال
رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم( :السحلم عليكحم) فلم يردوا ،فانصحرف رسحول ال صحلى ال عليحه
وسلم؛ فلما فقد سعد تسليمه عرف أنه قد انصرف؛ فخرج سعد في أثره حتى أدركه ،فقال :وعليك
السحلم يحا رسحول ال ،إنمحا أردنحا أن نسحتكثر محن تسحليمك ،وقحد وال سحمعنا؛ فأنصحرف رسحول ال
صلى ال عليه وسلم مع سعد حتى دخل بيته .قال ابن شهاب :فإنما أخذ التسليم ثلثا من قبل ذلك؛
رواه الوليحد بحن مسحلم عحن الوزاعحي قال :سحمعت يحيحى بحن أبحي كثيحر يقول حدثنحي محمحد بحن
عبدالرحمن بن أسعد بن زرارة عن قيس بن سعد قال :زارنا رسول ال صلى ال عليه وسلم في
منزلنحا فقال( :السحلم عليكحم ورحمحة ال) قال فرد سحعد ردا خفيحا ،قال قيحس :فقلت أل تأذن لرسحول
ال صلى ال عليه وسلم؟ فقال :ذره يكثر علينا من السلم ...الحديث ،أخرجه أبو داود وليس فيه
قال ابن شهاب فإنما أخذ التسليم ثلثا من قبل ذلك .قال أبو داود :ورواه عمر بن عبدالواحد وابن
سماعة عن الوزاعي مرسل لم يذكرا قيس بن سعد.
@ روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أن الستئذان ترك العمل به الناس .قال علماؤنا رحمة
ال عليهححم :وذلك لتخاذ الناس البواب وقرعهححا؛ وال أعلم .روى أبححو داود عححن عبدال بححن بسححر
قال :كان رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم إذا أتحى باب قوم لم يسحتقبل الباب محن تلقاء وجهحه ولكحن
محن ركنحه اليمحن أو اليسحر فيقول( :السحلم عليكحم السحلم عليكحم) وذلك أن الدور لم يكحن عليهحا
يومئذ ستور.
فإن كان الباب مردودا فله أن يقحف حيحث شاء منحه ويسحتأذن ،وإن شاء دق الباب؛ لمحا رواه أبحو
موسحى الشعري أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم كان فحي حائط بالمدينحة على قُف البئر فمحد
رجليححه فححي البئر فدق الباب أبححو بكححر فقال له رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم( :إيذن له وبشره
بالجنحة) .هكذا رواه عبدالرحمحن بحن أبحي الزناد وتابعحه صحالح بحن كيسحان ويونحس بحن يزيحد؛ فرووه
جميعا عن أبي الزناد عن أبي سلمة عن عبدالرحمن بن نافع عن أبي موسى .وخالفهم محمد بن
عمرو الليثحي فرواه عحن أبحي الزناد عحن أبحي سحلمة عحن نافحع بحن عبحد الحارث عحن النحبي صحلى ال
عليه وسلم كذلك؛ وإسناده الول أصح ،وال اعلم.
وصفة الدق أن يكون خفيفا بحيث يسمع ،ول يعنف في ذلك؛ فقد روى أنس بن مالك رضي ال
عنه قال :كانت أبواب النبي صلى ال عليه وسلم تقرع بالظافير؛ ذكره أبو بكر أحمد بن علي بن
ثابت الخطيب في جامعه.
@ روى الصححيحان وغيرهمحا عحن جابر بحن عبدال رضحي ال عنهمحا قال :اسحتأذنت على النحبي
صحلى ال عليحه وسحلم فقال( :محن هذا)؟ فقلت أنحا ،فقال النحبي صحلى ال عليحه وسحلم( :أنحا أنحا)! كأنحه
كره ذلك .قال علماؤنححا :إنمححا كره النححبي صححلى ال عليححه وسححلم ذلك لن قوله أنححا ل يحصححل بهححا
تعريحف ،وإنمحا الحكحم فحي ذلك أن يذكحر اسحمه كمحا فعحل عمحر بحن الخطاب رضحي ال عنحه وأبحو
موسى؛ لن في ذكر السم إسقاط كلفة السؤال والجواب .ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أتى النبي
صحلى ال عليحه وسحلم وهحو فحي مشربحة له فقال :السحلم عليحك يحا رسحول ال ،السحلم عليكحم أيدخحل
عمحر؟ وفحي صححيح مسحلم أن أبحا موسحى جاء إلى عمحر بحن الخطاب فقال :السحلم عليكحم ،هذا أبحو
موسى ،السلم عليكم ،هذا الشعري ...الحديث.
@ ذكر الخطيب في جامعه عن علي بن عاصم الواسطي قال :قدمت البصرة فأتيت منزل شعبة
فدققت عليه الباب فقال :من هذا؟ قلت أنا؛ فقال :يا هذا ما لي صديق يقال له أنا ثم خرج إليّ فقال:
حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدال قال :أتيت النبي صلى ال عليه وسلم في حاجة لي
فطرقت عليه الباب فقال( :من هذا)؟ فقلت أنا؛ فقال( :أنا أنا) كأن رسول ال صلى ال عليه وسلم
كره قولي هذا ،أو قوله هذا .وذكحر عحن عمحر بحن شبحة حدثنحا محمحد بحن سحلم عحن أبيحه قال :دققحت
على عمرو بحن عبيحد الباب فقال لي :محن هذا؟ فقلت أنحا؛ فقال :ل يعلم الغيحب إل ال .قال الخطيحب:
سحمعت علي بن المحسحن القاضحي يحكحي عحن بعحض الشيوخ أنحه كان إذا دق بابحه فقال محن ذا؟ فقال
الذي على الباب أنا ،يقول الشيخ :أنا هم دق.
ثحم لكحل قوم فحي السحتئذان عرفهحم فحي العبارة؛ كمحا رواه أبحو بكحر الخطيحب مسحندا عحن أبحي
عبدالملك مولى أم مسكين بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قال :أرسلتني مولتي إلى أبي هريرة
فجاء معي ،فلما قام بالباب قال :أندر؟ قالت أندرون .وترجم عليه باب الستئذان بالفارسية .وذكر
عحن أحمحد بحن صحالح قال :كان الدراوردي محن أهحل أصحبهان نزل المدينحة ،فكان يقول للرجحل إذا
أراد أن يدخل :أندرون ،فلقبه أهل المدينة الدراوردي.
@ روى أبو داود عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم
بلبحن وجدايحة وضغابيحس والنحبي صحلى ال عليحه وسحلم بأعلى مكحة ،فدخلت ولم أسحلم فقال( :ارجحع
فقل السلم عليكم) وذلك بعدما أسلم صفوان بن أمية .وروى أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى
ال عليححه وسححلم قال( :مححن لم يبدأ بالسححلم فل تأذنوا له) .وذكححر ابححن جريححج أخححبرني عطاء قال:
سحمعت أبحا هريرة يقول :إذا قال الرجحل أدخحل؟ ولم يسحلم فقحل ل حتحى تأتحي بالمفتاح؛ فقلت السحلم
عليكحم؟ قال نعحم .وروي أن حذيفحة جاءه رجحل فنظحر إلى محا فحي البيحت فقال :السحلم عليكحم أأدخحل؟
فقال حذيفة :أما بعينك فقد دخلت وأما باستك فلم تدخل.
ومما يدخل في هذا الباب ما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
(رسحول الرجحل إلى الرجحل إذنحه)؛ أي إذا أرسحل إليحه فقحد أذن له فحي الدخول ،يحبينه قوله عليحه
السلم( :إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن) .أخرجه أبو داود أيضا عن
أبي هريرة.
فإن وقعحت العيحن على العيحن فالسحلم قحد تعيحن ،ول تعحد رؤيتحه إذنحا لك فحي دخولك عليحه ،فإذا
قضيت حق السلم لنك الوارد عليه تقول :أدخل؟ فإن أذن لك وإل رجعت.
@ هذه الحكام كلها إنما هي في بيت ليس لك ،فأما بيتك الذي تسكنه فإن كان فيه أهلك فل إذن
عليهحا ،إل أنحك تسحلم إذا دخلت .قال قتادة :إذا دخلت بيتحك فسحلم على أهلك ،فهحم أححق محن سحلمت
عليهحم .فإن كان فيحه معحك أمحك أو أختحك فقالوا :تنحنحح واضرب برجلك حتحى ينتبهحا لدخولك؛ لن
الهحل ل حشمحة بينحك وبينهحا .وأمحا الم والخحت فقحد يكونحا على حالة ل تححب أن تراهمحا فيهحا .قال
ابحن القاسحم قال مالك :ويسحتأذن الرجحل على أمحه وأختحه إذا أراد أن يدخحل عليهمحا .وقحد روى عطاء
بن يسار أن رجل قال للنبي صلى ال عليه وسلم :أستأذن على أمي؟ قال (نعم) قال :إني أخدمها؟
قال( :اسحتأذن عليهحا) فعاوده ثلثحا؛ قال (أتححب أن تراهحا عريانحة)؟ قال ل؛ قال( :فاسحتأذن عليهحا)
ذكره الطبري.
@ فإن دخل بيت نفسه وليس فيه أحد؛ فقال علماؤنا :يقول السلم علينا من ربنا التحيات الطيبات
المباركات ،ل السلم .رواه ابن وهب عن النبي صلى ال عليه وسلم ،وسنده ضعيف .وقال قتادة:
إذا دخلت بيتحا ليحس فيحه أححد فقحل السحلم علينحا وعلى عباد ال الصحالحين؛ فإنحه يؤمحر بذلك .قال:
وذكر لنا أن الملئكة ترد عليهم .قال ابن العربي :والصحيح ترك السلم والستئذان ،وال أعلم.
قلت :قول قتادة حسن.
**3اليحة{ 28 :فإن لم تجدوا فيهحا أحدا فل تدخلوهحا حتحى يؤذن لكحم وإن قيحل لكحم ارجعوا
فارجعوا هو أزكى لكم وال بما تعملون عليم}
@قوله تعالى" :فإن لم تجدوا فيها أحدا" الضمير في "تجدوا فيها" للبيوت التي هي بيوت الغير.
وحكحى الطحبري عحن مجاهحد أنحه قال :معنحى قوله" :فان لم تجدوا فيهحا أحدا" أي لم يكحن لكحم فيهحا
متاع .وضعحف الطحبري هذا التأويحل ،وكذلك هحو فحي غايحة الضعحف؛ وكأن مجاهدا رأى أن البيوت
غيحر المسحكونة إنمحا تدخحل دون إذن إذا كان للداخحل فيهحا متاع .ورأى لفظحة "المتاع" متاع البيحت،
الذي هو البسط والثياب؛ وهذا كله ضعيف .والصحيح أن هذه الية مرتبطة بما قبلها والحاديث؛
التقديحر :يحا أيهحا الذيحن أمنوا ل تدخلوا بيوتحا غيحر بيوتكحم حتحى تسحتأنسوا وتسحلموا ،فإن أذن لكحم
فادخلوا وإل فارجعوا؛ كما فعل عليه السلم مع سعد ،وأبو موسى مع عمر رضي ال عنهما .فإن
لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم فل تدخلوها حتى تجدوا إذنا .وأسند الطبري عن قتادة قال :قال رجل
محن المهاجريحن :لقد طلبحت عمري هذه اليحة فمحا أدركتها أن أستأذن على بعحض إخواني فيقول لي
ارجع فارجع وأنا مغتبط؛ لقوله تعالى" :هو أزكى لكم".
@ سواء كان الباب مغلقا أو مفتوحا؛ لن الشرع قد أغلقه بالتحريم للدخول حتى يفتحه الذن من
ربحه ،بحل يجحب عليحه أن يأتحي الباب ويحاول الذن على صحفة ل يطلع منحه على البيحت ل فحي إقباله
ول في انقلبه .فقد روى علماؤنا عن عمر بن الخطاب أنه قال( :من مل عينيه من قاعة بيت فقد
فسق) وروي في الصحيح عن سهل بن سعد أن رجل اطلع في جحر في باب رسول ال صلى ال
عليه وسلم ومع رسول ال صلى ال عليه وسلم مدرى يرجل به رأسه؛ فقال له رسول ال صلى
ال عليحه وسحلم( :لو أعلم أنحك تنظحر لطعنحت بحه فحي عينحك إنمحا جعحل ال الذن محن أجحل البصحر).
وروي عححن أنححس أن رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم قال( :لو أن رجل اطلع عليححك بغيححر إذن
فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح).
@ إذا ثبت أن الذن شرط في دخول المنزل فإنه يجوز من الصغير والكبير .وقد كان أنس بن
مالك دون البلوغ يسححتأذن على رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم ،وكذلك الصحححابة مححع أبنائهححم
وغلمانهم رضي ال عنهم .وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر السورة إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :وال بمحا تعملون عليحم" توعحد لهحل التجسحس على البيوت وطلب الدخول على
غفلة للمعاصي والنظر إلى ما ل يحل ول يجوز ،ولغيرهم ممن يقع في محظور.
**3الية{ 29 :ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم وال يعلم ما تبدون
وما تكتمون}
@ روي أن بعض الناس لما نزلت آية الستئذان تعمق في المر ،فكان ل يأتي موضعا خربا ول
مسحكونا إل سحلم واسحتأذن؛ فنزلت هذه اليحة ،أباح ال تعالى فيهحا رفحع السحتئذان فحي كحل بيحت ل
يسحكنه أححد لن العلة فحي السحتئذان إنمحا هحي لجحل خوف الكشفحة على الحرمات فإذا زالت العلة
زال الحكم.
@ اختلف العلماء في المراد بهذه البيوت؛ فقال محمد بن الحنفية وقتادة ومجاهد :هي الفنادق التي
في طرق السابلة .قال مجاهد :ل يسكنها أحد بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل ،وفيها متاع
لهم؛ أي استمتاع بمنفعتها .وعن محمد بن الحنفية أيضا أن المراد بها دور مكة ويبينه قول مالك.
وهذا على القول بأنهحا غيحر متملكحة ،وأن الناس شركاء فيهحا وأن مكحة أخذت عنوة .وقال ابحن زيحد
والشعبي :هي حوانيت القيساريات .قال الشعبي :لنهم جاؤوا بيوعهم فجعلوها فيها ،وقالوا للناس
هلم .وقال عطاء :المراد بهحا الخرب التحي يدخلهحا الناس للبول والغائط؛ ففحي هذا أيضحا متاع .وقال
جابر بن زيد :ليس يعني بالمتاع الجهاز ،ولكن ما سواه من الحاجة؛ أما منزل ينزله قوم من ليل
أو نهار ،أو خربحة يدخلهحا لقضاء حاجحة ،أو دار ينظحر إليهحا فهذا متاع وكحل منافحع الدنيحا متاع .قال
أبحو جعفحر النحاس :وهذا شرح حسحن محن قول إمام محن أئمحة المسحلمين ،وهحو موافحق للغحة .والمتاع
في كلم العرب :المنفعة؛ ومنه أمتع ال بك .ومنه "فمتعوهن" [الحزاب.]49 :
قلت :واختاره أيضا القاضي أبو بكر بن العربي وقال :أما من فسر المتاع بأنه جميع النتفاع
فقد طبق المفصل وجاء بالفيصل ،وبين أن الداخل فيها إنما هو لما له من النتفاع فالطالب يدخل
فححي الخانكات وهححي المدارس لطلب العلم ،والسححاكن يدخححل الخانات وهححي الفناتححق ،أي الفنادق،
والزبون يدخحل الدكان للبتياع ،والحاقحن يدخحل الخلء للحاجحة؛ وكحل يؤتحي على وجهحه محن بابحه.
وأما قول ابن زيحد والشعبي فقول وذلك أن بيوت القيساريات محظورة بأموال الناس ،غيحر مباححة
لكل من أراد دخولها بإجماع ،ول يدخلها إل من أذن له ربها ،بل أربابها موكلون بدفع الناس.
**3اليحة{ 30 :قحل للمؤمنيحن يغضوا محن أبصحارهم ويحفظوا فروجهحم ذلك أزكحى لهحم إن ال
خبير بما يصنعون}
@قوله تعالى" :قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" وصل تعالى بذكر الستر ما يتعلق به من أمر
النظر؛ يقال :غض بصره يغضه غضا؛ قال الشاعر:
فل كعبا بلغت ول كلبا فغض الطرف إنك من نمير
وقال عنترة.
حتى يواري جارتي مأواها وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
ولم يذكحر ال تعالى محا يغحض البصحر عنحه ويحفحظ الفرج ،غيحر أن ذلك معلوم بالعادة ،وأن المراد
منه المحرم دون المحلل .وفي البخاري :وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن
صحححدورهن ورؤوسحححهن؟ قال :اصحححرف بصحححرك؛ يقول ال تعالى" :قحححل للمؤمنيحححن يغضوا محححن
أبصححارهم ويحفظوا فروجهححم" وقال قتادة :عمححا ل يحححل لهححم؛ "وقححل للمؤمنات يغضضححن مححن
أبصارهن ويحفظن فروجهن" [النور ]31 :خائنة العين من النظر إلى ما نهي عنه.
@قوله تعالى" :محن أبصحارهم" "محن" زائدة؛ كقوله" :فمحا منكحم محن أححد عنه حاجزيحن" [الحاقحة:
.]47وقيحل" :محن" للتبعيحض؛ لن محن النظحر محا يباح .وقيحل :الغحض النقصحان؛ يقال :غض فلن
من فلن أي وضع منه؛ فالبصر إذا لم يمكن من عمله فهو موضوع منه ومنقوص" .فمن" صلة
للغض ،وليست للتبعيض ول للزيادة.
@ البصر هو الباب الكبر إلى القلب ،وأعمر طرق الحواس إليه ،وبحسب ذلك كثر السقوط من
جهته .ووجب التحذير منه ،وغضه واجب عن جميع المحرمات ،وكل ما يخشى الفتنة من أجله؛
وقحد قال صحلى ال عليحه وسحلم( :إياكحم والجلوس على الطرقات) فقالوا :يحا رسحول ال ،محا لنحا محن
مجالسنا بد نتحدث فيها .فقال( :فإذا أبيتم إل المجلس فأعطوا الطريق حقه) قالوا :وما حق الطريق
يححا رسححول ال؟ قال( :غححض البصححر وكححف الذى ورد السححلم والمححر بالمعروف والنهححي عححن
المنكحر) .رواه أبحو سحعيد الخدري ،خرجحه البخاري ومسحلم .وقال صحلى ال عليحه وسحلم لعلي( :ل
تتبع النظرة النظرة فإنما لك الولى وليست لك الثانية) .وروى الوزاعي قال :حدثني هارون بن
رئاب أن غزوان وأبححا موسححى الشعري كانححا فححي بعححض مغازيهححم ،فكشفححت جاريححة فنظححر إليهححا
غزوان ،فرفحع يده فلطحم عينحه حتحى نفرت ،فقال :إنحك للحاظحة إلى محا يضرك ول ينفعحك؛ فلقحي أبحا
موسحى فسحأله فقال :ظلمحت عينحك ،فاسحتغفر ال وتحب ،فإن لهحا أول نظرة وعليهحا محا كان بعحد ذلك.
قال الوزاعي :وكان غزوان ملك نفسه فلم يضحك حتى مات رضي ال عنه .وفي صحيح مسلم
عحن جريحر بحن عبدال قال :سحألت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم عحن نظرة الفجاءة؛ فأمرنحي أن
أصحرف بصحري .وهذا يقوي قول محن يقول :إن "محن" للتبعيحض؛ لن النظرة الولى ل تملك فل
تدخحل تححت خطاب تكليحف ،إذ وقوعهحا ل يتأتحى أن يكون مقصحودا ،فل تكون مكتسحبة فل يكون
مكلفحا بهحا؛ فوجحب التبعيحض لذلك ،ولم يقحل ذلك فحي الفرج؛ لنهحا تملك .ولقحد كره الشعحبي أن يديحم
الرجحل النظحر إلى ابنتحه أو أمه أو أخته؛ وزمانه خيحر محن زماننحا هذا وحرام على الرجحل أن ينظحر
إلى ذات محرمة نظر شهوة يرددها.
@قوله تعالى" :ويحفظوا فروجهحم" أي يسحتروها عحن أن يراهحا محن ل يححل .وقيحل" :ويحفظوا
فروجهحم" أي عحن الزنحى؛ وعلى هذا القول لو قال" :محن فروجهحم" لجاز .والصححيح أن الجميحع
مراد واللفظ عام .وروى بهز بن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه عن جده قال :قلت يا رسول
ال ،عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال( :احفظ عورتك إل من زوجتك أو ما ملكت يمينك) .قال:
الرجحل يكون محع الرجحل؟ قال( :إن اسحتطعت أل يراهحا فافعحل) .قلت :فالرجحل يكون خاليحا؟ فقال:
(ال أحق أن يستحيا منه من الناس) .وقد ذكرت عائشة رضي ال عنها رسول ال صلى ال عليه
وسلم وحالها معه فقالت :ما رأيت ذلك منه ،ول رأى ذلك مني.
@ بهذه الية حرم العلماء نصا دخول الحمام بغير مئزر .وقد روي عن ابن عمر أنه قال :أطيب
محا أنفحق الرجحل درهحم يعطيحه للحمام فحي خلوة .وصحح عحن ابحن عباس أنحه دخحل الحمام وهحو محرم
بالجحفحة .فدخوله جائز للرجال بالمآزر ،وكذلك النسحاء للضرورة كغسحلهن محن الحيحض أو النفاس
أو مرض يلحقهن؛ والولى بهن والفضل لهن غسلهن إن أمكن ذلك في بيوتهن ،فقد روى أحمد
بحن منيحع حدثنحا الحسحن بن موسحى حدثنحا ابن لهيعحة حدثنحا زبان عن سحهل بحن معاذ عن أبيحه عن أم
الدرداء أنه سمعها تقول :لقيني رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد خرجت من الحمام فقال( :من
أيحن يحا أم الدرداء)؟ فقالت محن الحمام؛ فقال( :والذي نفسحي بيده محا محن امرأة تضحع ثيابهحا فحي غيحر
بيحت أححد محن أمهاتهحا إل وهحي هاتكحة كحل سحتر بينهحا وبيحن الرحمحن عحز وجحل) .وخرج أبحو بكحر
البزار عححن طاوس عحن ابحن عباس رضححي ال عنهمححا قال قال رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم:
(احذروا بيتا يقال له الحمام) .قالوا :يا رسول ال ،ينقي الوسخ؟ قال( :فاستتروا) .قال أبو محمد
عبدالححق :هذا أصحح إسحناد حديحث فحي هذا الباب؛ على أن الناس يرسحلونه عحن طاوس ،وأمحا محا
خرجحه أبحو داود فحي هذا محن الحظحر والباححة فل يصحح منحه شيحء لضعحف السحانيد ،وكذلك محا
خرجه الترمذي.
قلت :أمححا دخول الحمام فححي هذه الزمان فحرام على أهححل الفضححل والديححن؛ لغلبححة الجهححل على
الناس واسحتسهالهم إذا توسحطوا الحمام رمحي مآزرهحم ،حتحى يرى الرجحل البهحي ذو الشيبحة قائمحا
منتصبا وسط الحمام وخارجه باديا عن عورته ضاما بين فخذيه ول أحد يغير عليه .هذا أمر بين
الرجال فكيحف محن النسحاء ل سحيما بالديار المصحرية إذ حماماتهحم خاليحة عحن المظاهحر التحي هحي محن
أعين الناس سواتر ،ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم.
@ قال العلماء :فإن استتر فليدخل بعشرة شروط
الول :أل يدخل إل بنية التداوي أو بنية التطهير عن الرحضاء.
الثاني :أن يعتمد أوقات الخلوة أو قلة الناس.
الثالث :أن يستر عورته بإزار صفيق.
الرابع :أن يكون نظره إلى الرض أو يستقبل الحائط لئل يقع بصره على محظور.
الخامس :أن يغير ما يرى من منكر برفق ،يقول :استتر سترك ال
السادس :إن دلكه أحد ل يمكنه من عورته ،من سرته إلى ركبته إل امرأته أو جاريته .وقد اختلف
في الفخذين هل هما عورة أم ل.
السابع :أن يدخله بأجرة معلومة بشرط أو بعادة الناس.
الثامن :أن يصب الماء على قدر الحاجة.
التاسع :إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع قوم يحفظون أديانهم على كرائه.
العاشر :أن يتذكر به جهنم .فإن لم يمكنه ذلك كله فليستتر وليجتهد في غض البصر .ذكر الترمذي
أبحو عبدال فحي نوادر الصحول محن حديحث طاوس عحن عبدال بحن عباس قال قال رسحول ال صحلى
ال عليحه وسحلم( :اتقوا بيتحا يقال له الحمام) .قيحل :يحا رسحول ال ،إنحه يذهحب بحه الوسحخ ويذكّر النار
فقال( :إن كنتحم ل بحد فاعليحن فادخلوه مسحتترين) .وخرج محن حديحث أبحي هريرة قال قال رسحول ال
صحلى ال عليحه وسحلم( :نعحم البيحت يدخله الرجحل المسحلم بيحت الحمام -وذلك لنحه إذا دخله سحأل ال
الجنة واستعاذ به من النار -وبئس البيت يدخله الرجل بيت العروس) .وذلك لنه يرغبه في الدنيا
وينسحيه الخرة .قال أبحو عبدال :فهذا لهحل الغفلة ،صحير ال هذه الدنيحا بمحا فيهحا سحببا للذكحر لهحل
الغفلة ليذكروا بهححا آخرتهححم؛ فأمححا أهححل اليقيححن فقححد صححارت الخرة نصححب أعينهححم فل بيححت حمام
يزعجحه ول بيحت عروس يسحتفزه ،لقحد دقحت الدنيحا بمحا فيهحا محن الصحنفين والضربيحن فحي جنحب
الخرة ،حتى إن جميع نعيم الدنيا في أعينهم كنثارة الطعام من مائدة عظيمة ،وجميع شدائد الدنيا
في أعينهم كتفلة عوقب بها مجرم أو مسيء قد كان استوجب القتل أو الصلب من جميع عقوبات
أهل الدنيا.
@قوله تعالى" :ذلك أزكحى لهحم" أي غحض البصحر وحفحظ الفرج أطهحر فحي الديحن وأبعحد محن دنحس
النام" .إن ال خبير" أي عالم" .بما يصنعون" تهديد ووعيد.
**3الية{ 31 :وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ول يبدين زينتهن إل
محا ظهحر منهحا وليضربحن بخمرهحن على جيوبهحن ول يبديحن زينتهحن إل لبعولتهحن أو آبائهحن أو آباء
بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما
ملكحت أيمانهحن أو التابعيحن غيحر أولي الربحة محن الرجال أو الطفحل الذيحن لم يظهروا على عورات
النساء ول يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى ال جميعا أيها المؤمنون لعلكم
تفلحون}
@قوله تعالى" :وقحل للمؤمنات" خحص ال سحبحانه وتعالى الناث هنحا بالخطاب على طريحق
التأكيحد؛ فإن قوله "قحل للمؤمنين" يكفي؛ لنحه قول عام يتناول الذكر والنثحى من المؤمنين ،حسب
كحل خطاب عام فحي القرآن .وظهحر التضعيحف فحي "يغضضحن" ولم يظهحر فحي "يغضوا" لن لم
الفعل من الثاني ساكنة ومن الول متحركة ،وهما في موضع جزم جوابا .وبدأ بالغض قبل الفرج
لن البصر رائد للقلب؛ كما أن الحُمى رائد الموت .وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال:
فما تألف العينان فالقلب آلف ألم تر أن العين للقلب رائد
وفحي الخحبر (النظحر سحهم محن سحهام إبليحس مسحموم فمحن غحض بصحره أورثحه ال الحلوة فحي قلبحه).
وقال مجاهد :إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فزينها لمن ينظر؛ فإذا أدبرت جلس على
عجزها فزينها لمن ينظر .وعن خالد بن أبي عمران قال :ل تتبعن النظرة النظرة فربما نظر العبد
نظرة نغحل منهحا قلبحه كمحا ينغحل الديحم فل ينتفحع بحه .فأمحر ال سحبحانه وتعالى المؤمنيحن والمؤمنات
بغححض البصححار عمححا ل يحححل؛ فل يحححل للرجححل أن ينظححر إلى المرأة ول المرأة إلى الرجححل؛ فإن
علقتها به كعلقته بها؛ وقصدها منه كقصده منها .وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال :سمعت
رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم يقول( :إن ال كتحب على ابحن آدم حظحه محن الزنحى أدرك ذلك ل
محالة فالعينان تزنيان وزناهما النظر )...الحديث .وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من
النساء :ل يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليهن وإن كانت صغيرة .وكره عطاء
النظحر إلى الجواري اللتحي يبعحن بمكحة إل أن يريحد أن يشتري .وفحي الصححيحين عنحه عليحه السحلم
أنحه صحرف وجحه الفضحل عحن الخثعميحة حيحن سحألته ،وطفحق الفضحل ينظحر إليهحا .وقال عليحه السحلم:
(الغيرة محن اليمان والمذاء محن النفاق) .والمذاء هحو أن يجمحع الرجحل بيحن النسحاء والرجال ثحم
يخليهم يماذي بعضهم بعضا؛ مأخوذ من المذي .وقيل :هو إرسال الرجال إلى النساء؛ من قولهم:
مذيحت الفرس إذا أرسحلتها ترعحى .وكحل ذكحر يمذي ،وكحل أنثحى تقذي؛ فل يححل لمرأة تؤمحن بال
واليوم الخحر أن تبدي زينتهحا إل لمحن تححل له؛ أو لمحن هحي محرمحة عليحه على التأبيحد؛ فهحو آمن أن
يتحرك طبعه إليها لوقوع اليأس له منها.
@ روى الترمذي عن نبهان مولى أم سلمة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لها ولميمونة وقد
دخل عليها ابن أم مكتوم( :احتجبا) فقالتا :إنه أعمى ،قال( :أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه) .فإن
قيل :هذا الحديث ل يصح عند أهل النقل لن راويه عن أم سلمة نبهان مولها وهو ممن ل يحتج
بحديثحه .وعلى تقديحر صححته فإن ذلك منحه عليحه السحلم تغليحظ على أزواجحه لحرمتهحن كمحا غلظ
عليهحن أمحر الحجاب؛ كمحا أشار إليحه أبحو داود وغيره محن الئمحة .ويبقحى معنحى الحديحث الصححيح
الثابت وهو أن النبي صلى ال عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت أم شريك؛ ثم قال:
(تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك ول يراك).
قلنا :قد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن المرأة يجوز لها أن تطلع من الرجل على ما ل
يجوز للرجحححححل أن يطلع محححححن المرأة كالرأس ومعلق القرط؛ وأمحححححا العورة فل .فعلى هذا يكون
مخصحصا لعموم قوله تعالى" :وقحل للمؤمنات يغضضحن محن أبصحارهن" ،وتكون "محن" للتبعيحض
كما هي في الية قبلها .قال ابن العربي :وإنما أمرها بالنتقال من بيت أم شريك إلى ببت ابن أم
مكتوم لن ذلك أولى بهحا محن بقائهحا فحي بيحت أمحر شريحك؛ إذ كانحت أم شريحك مؤثرة بكثرة الداخحل
إليها ،فيكثر الرائي لها ،وفي بيت ابن أم مكتوم ل يراها أحد؛ فكان إمساك بصرها عنه أقرب من
ذلك وأولى ،فرخص لها في ذلك ،وال أعلم.
@ أمحر ال سحبحانه وتعالى النسحاء بأل يبديحن زينتهحن للناظريحن ،إل محا اسحتثناه محن الناظريحن فحي
باقي الية حذارا من الفتتان ،ثم استثنى ،ما يظهر من الزينة؛ واختلف الناس في قدر ذلك؛ فقال
ابحن مسحعود :ظاهحر الزينحة هحو الثياب .وزاد ابحن جحبير الوجحه .وقال سحعيد بحن جحبير أيضحا وعطاء
والوزاعحي :الوجحه والكفان والثياب .وقال ابحن عباس وقتادة والمسحور بحن مخرمحة :ظاهحر الزينحة
هححو الكحححل والسححوار والخضاب إلى نصححف الذراع والقرطححة والفتححخ؛ ونحححو هذا فمباح أن تبديححه
المرأة لكل من دخل عليها من الناس .وذكر الطبري عن قتادة في معنى نصف الذراع حديثا عن
النبي صلى ال عليه وسلم ،وذكر آخر عن عائشة رضي ال عنها عن النبي صلى ال عليه وسلم
أنحه قال( :ل يححل لمرأة تؤمحن بال واليوم الخحر إذا عركحت أن تظهحر إل وجههحا ويديهحا إلى هحا
هنحا) وقبحض على نصحف الذراع .قال ابحن عطيحة :ويظهحر لي بحكحم ألفاظ اليحة أن المرأة مأمورة
بأل تبدي وأن تجتهد في الخفاء لكل ما هو زينة ،ووقع الستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة
فيما ل بد منه ،أو إصلح شأن ونحو ذلك .فح "ما ظهر" على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة
في النساء فهو المعفو عنه.
قلت :هذا قول حسحن ،إل أنحه لمحا كان الغالب محن الوجحه والكفيحن ظهورهمحا عادة وعبادة وذلك
فحي الصحلة والححج ،فيصحلح أن يكون السحتثناء راجعحا إليهمحا .يدل على ذلك محا رواه أبحو داود عحن
عائشة رضي ال عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضي ال عنهما دخلت على رسول ال صلى ال
عليه وسلم وعليها ثياب رقاق ،فأعرض عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال لها( :يا أسماء
إن المرأة إذا بلغحت المحيحض لم يصحلح أن يرى منهحا إل هذا) وأشار إلى وجهحه وكفيحه .فهذا أقوى
مححن جانحب الحتياط؛ ولمراعاة فسححاد الناس فل تبدي المرأة مححن زينتهححا إل مححا ظهححر محن وجههحا
وكفيها ،وال الموفق ل رب سواه .وقد قال ابن خويز منداد من علمائنا :إن المرأة إذا كانت جميلة
وخيحف محن وجههحا وكفيهحا الفتنحة فعليهحا سحتر ذلك؛ وإن كانحت عجوزا أو مقبححة جاز أن تكشحف
وجهها وكفيها.
@ الزينحة على قسحمين :خلقيحة ومكتسحبة؛ فالخلقيحة وجههحا فإنحه أصحل الزينحة وجمال الخلقة ومعنحى
الحيوانيحة؛ لمحا فيحه محن المنافحع وطرق العلوم .وأمحا الزينحة المكتسحبة فهحي محا تحاوله المرأة فحي
تحسين خلقتها؛ كالثياب والحلي والكحل والخضاب؛ ومنه قوله تعالى" :خذوا زينتكم" [العراف:
.]31وقال الشاعر:
وإذا عطلن فهن خير عواطل يأخذن زينتهن أحسن ما ترى
@ من الزينة ظاهر وباطن؛ فما ظهر فمباح أبدا لكل الناس من المحارم والجانب؛ وقد ذكرنا ما
للعلماء فيحه .وأمحا محا بطحن فل يححل إبداؤه إل لمحن سحماهم ال تعالى فحي هذه اليحة ،أو ححل محلهحم.
واختلف في السوار؛ فقالت عائشة :هي من الزينة الظاهرة لنها في اليدين .وقال مجاهد :هي من
الزينحة الباطنحة ،لنهحا خارج عحن الكفيحن وإنمحا تكون فحي الذراع .قال ابحن العربحي :وأمحا الخضاب
فهو من الزينة الباطنة إذا كان في القدمين.
@قوله تعالى" :وليضربحن بخمرهحن على جيوبهحن" قرأ الجمهور بسحكون اللم التحي هحي للمحر.
وقرأ أبحو عمرو فحي روايحة ابحن عباس بكسحرها على الصحل؛ لن الصحل فحي لم المحر الكسحر،
وحذفت الكسرة لثقلها ،وإنما تسكينها لتسكين عضد وفخذ .و"يضربن" في موضع جزم بالمحر،
إل أنحه بنحي على حالة واحدة إتباعحا للماضحي عنحد سحيبويه .وسحبب هذه اليحة أن النسحاء كحن فحي ذلك
الزمان إذا غطيححن رؤوسححهن بالخمرة وهححي المقانححع سححدلنها مححن وراء الظهححر .قال النقاش :كمححا
يصحنع النبحط؛ فيبقحى النححر والعنحق والذنان ل سحتر على ذلك؛ فأمحر ال تعالى بليّح الخمار على
الجيوب ،وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارهحا على جيبهحا لتسححتر صحدرها .روى البخاري عحن
عائشة أنها قالت :رحم ال نساء المهاجرات الول؛ لما نزل" :وليضربن بخمرهن على جيوبهن"
شققحن أزرهحن فاختمرن بهحا .ودخلت على عائشحة حفصحة بنحت أخيهحا عبدالرحمحن رضحي ال عنهحم
وقحد اختمرت بشيحء يشحف عحن عنقهحا ومحا هنالك؛ فشقتحه عليهحا وقالت :إنمحا يضرب بالكثيحف الذي
يستر.
@ الخمر :جمع الخمار ،وهو ما تغطي به رأسها؛ ومنه اختمرت المرأة وتخمرت ،وهي حسنة
الخِمرة .والجيوب :جمحع الجيحب ،وهحو موضحع القطحع محن الدرع والقميحص؛ وهحو محن الجوب وهحو
القطحع .ومشهور القراءة ضحم الجيحم محن "جيوبهحن" .وقرأ بعحض الكوفييحن بكسحرها بسحبب الياء؛
كقراءتهححححم ذلك فححححي :بيوت وشيوخ .والنحويون القدماء ل يجيزون هذه القراءة ويقولون :بيححححت
وبيوت كفلس وفلوس .وقال الزجاج :يجوز على أن تبدل مححن الضمححة كسححرة؛ فأمححا مححا روي عححن
حمزة محن الجمحع بيحن الضحم والكسحر فمحال ،ل يقدر أححد أن ينطحق بحه إل على اليماء إلى محا ل
يجوز .وقال مقاتل" :على جيوبهن" أي على صدورهن؛ يعني على مواضع جيوبهن.
@ في هذه الية دليل على أن الجيب إنما يكون في الثوب موضع الصدر .وكذلك كانت الجيوب
في ثياب السلف رضوان ال عليهم؛ على ما يصنعه النساء عندنا بالندلس وأهل الديار المصرية
من الرجال والصبيان وغيرهم .وقد ترجم البخاري رحمة ال تعالى عليه (باب جيب القميص من
عنحد الصحدر وغيره) وسحاق حديحث أبحي هريرة قال :ضرب رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم مثحل
البخيححل والمتصححدق كمثححل رجليححن عليهمححا جبتان مححن حديححد قححد اضطرت أيديهمححا إلى ثُديّهمححا
وتراقيهمحا ) ...الحديحث ،وقحد تقدم بكماله ،وفيحه :قال أبحو هريرة :فأنحا رأيحت رسحول ال صحلى ال
عليه وسلم يقول بإصبعيه هكذا في جيبه؛ فلو رأيته يوسعها ول تتوسع .فهذا يبين لك أن جيبه عليه
السححلم كان فححي صححدره؛ لنححه لو كان فححي منكبححه لم تكححن يداه مضطرة إلى ثدييححه وتراقيححه .وهذا
استدلل حسن.
@قوله تعالى" :لبعولتهن" والبعل هو الزوج والسيد في كلم العرب؛ ومنه قول النبي صلى ال
عليحه وسحلم فححي جبريححل( :إذا ولدت المحة بعلهححا) يعنححي سححيدها؛ إشارة إلى كثرة السححراري بكثرة
الفتوحات ،فيأتي الولد من الماء فتعتق كل أم بولدها وكأنه سيدها الذي من عليها بالعتق إذ كان
العتق حاصل لها من سببه؛ قاله ابن العربي.
قلت :ومنحه قوله عليحه السحلم فحي ماريحة( :أعتقهحا ولدهحا) فنسحب العتحق إليحه .وهذا محن أحسحن
تأويلت هذا الحديث .وال أعلم.
مسألة :فالزوج والسيد يرى الزينة من المرأة وأكثر من الزينة إذ كل محل من بدنها حلل له
لذة ونظرا .ولهذا المعنحححى بدأ بالبعولة؛ لن اطلعهحححم يقحححع على أعظحححم محححن هذا ،قال ال تعالى:
"والذيححن هححم لفروجهححم حافظون إل على أزواجهححم أو مححا ملكححت أيمانهححم فإنهححم غيححر ملوميححن"
[المؤمنون.]6 - 5 :
@ اختلف الناس فحي جواز نظحر الرجحل إلى فرج المرأة؛ على قوليحن :أحدهمحا :يجوز؛ لنحه إذا
جاز له التلذذ بحه فالنظحر أولى .وقيحل :ل يجوز؛ لقول عائشحة رضحي ال عنهحا فحي ذكحر حالهحا محع
رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم( :مححا رأيححت ذلك منححه ول رأى ذلك منححي) والول أصححح ،وهذا
محمول على الدب؛ قال ابن العربي .وقد قال أصبغ من علمائنا :يجوز له أن يلحسه بلسانه .وقال
ابن خويز منداد :أما الزوج والسيد فيجوز له أن ينظر إلى سائر الجسد وظاهر الفرج دون باطنه.
وكذلك المرأة يجوز أن تنظر إلى عورة زوجها ،والمة إلى عورة سيدها.
قلت :وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :النظحر إلى الفرج يورث الطمس) أي العمى،
أي في الناظر .وقيل :إن الولد بينهما يولد أعمى .وال أعلم.
@ لما ذكر ال تعالى الزواج وبدأ بهم ثنى بذوي المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة ،ولكن
تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر .فل مرية أن كشف الب والخ على المرأة أحوط من
كشحف ولد زوجهحا .وتختلف مراتحب محا يبدى لهحم؛ فيبدى للب محا ل يجوز إبداؤه لولد الزوج .وقحد
ذكر القاضي إسماعيل عن الحسن والحسين رضي ال عنهما أنهما كانا ل يريان أمهات المؤمنين.
وقال ابحن عباس :إن رؤيتهمحا لهحن تححل .قال إسحماعيل :أحسحب أن الحسحن والحسحين ذهبحا فحي ذلك
إلى أن أبناء البعولة لم يذكروا فحي اليحة التحي فحي أزواج النحبي صحلى ال عليحه وسحلم ،وهحي قوله
تعالى" :ل جناح عليهن في آبائهن" [الحزاب .]55 :وقال في سورة النور" :ول يبدين زينتهن
إل لبعولتهن" الية .فذهب ابن عباس إلى هذه الية ،وذهب الحسن والحسين إلى الية أخرى.
@قوله تعالى" :أو أبناء بعولتهحن" يريحد ذكور أولد الزواج ،ويدخحل فيحه أولد الولد وإن
سفلوا ،من ذكران كانوا أو إناث؛ كبني البنين وبني البنات .وكذلك آباء البعولة والجداد وإن علوا
محن جهحة الذكران لباء الباء وآباء المهات ،وكذلك أبناؤهحن وإن سحفلوا .وكذلك أبناء البنات وإن
سحفلن؛ فيسحتوي فيحه أولد البنيحن وأولد البنات .وكذلك أخواتهحن ،وهحم محن ولد الباء والمهات أو
أححد الصحنفين .وكذلك بنحو الخوة وبنحو الخوات وإن سحفلوا محن ذكران كانوا أو إناث كبنحي بنحي
الخوات وبنحي بنات الخوات .وهذا كله فحي معنحى محا حرم محن المناكحح فإن ذلك على المعانحي فحي
الولدات وهؤلء محارم ،وقحد تقدم فحي "النسحاء" .والجمهور على أن العحم والخال كسحائر المحارم
في جواز النظر لهما إلى ما يجوز لهم .وليس في الية ذكر الرضاع ،وهو كالنسب على ما تقدم.
وعند الشعبي وعكرمة ليس العم والخال من المحارم .وقال عكرمة :لم يذكرهمحا في الية لنهما
تبعان لبنائهما.
@قوله تعالى" :أو نسائهن" يعني المسلمات ،ويدخل في هذا الماء المؤمنات ،ويخرج منه نساء
المشركين من أهل الذمة وغيرهم؛ فل يحل لمرأة مؤمنة أن تكشف شيئا من بدنها بين يدي امرأة
مشركحة إل أن تكون أمحة لهحا؛ فذلك قوله تعالى" :أو محا ملكحت أيمانهحن" .وكان ابحن جريحج وعبادة
بححن نسححي وهشام القارئ يكرهون أن تقبححل النصححرانية المسححلمة أو ترى عورتهححا؛ ويتأولون "أو
نسحائهن" .وقال عبادة بحن نسحي :وكتحب عمحر رضحي ال عنحه إلى أبحي عبيدة بحن الجراح :أنحه بلغنحي
أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين؛ فامنع من ذلك ،وحل دونه؛ فإنه ل يجوز
أن ترى الذميحة عريحة المسحلمة .قال :فعنحد ذلك قام أبو عحبيدة وابتهحل وقال :أيمحا امرأة تدخحل الحمام
محن غيحر عذر ل تريحد إل أن تحبيض وجههحا فسحود ال وجههحا يوم تحبيض الوجوه .وقال ابحن عباس
رضحي ال عنهمحا :ل يححل للمسحلمة أن تراهحا يهوديحة أو نصحرانية؛ لئل تصحفها لزوجهحا .وفحي هذه
المسحألة خلف للفقهاء .فإن كانحت الكافرة أمحة لمسحلمة جاز أن تنظحر إلى سحيدتها؛ وأمحا غيرهحا فل،
لنقطاع الولية بين أهل السلم وأهل الكفر ،ولما ذكرناه .وال أعلم.
@قوله تعالى" :أو محا ملكحت أيمانهحن" ظاهحر اليحة يشمحل العبيحد والماء المسحلمات والكتابيات.
وهو قول جماعة من أهل العلم ،وهو الظاهر من مذهب عائشة وأم سلمة رضي ال عنهما .وقال
ابححن عباس :ل بأس أن ينظححر المملوك إلى شعححر مولتححه .وقال أشهححب :سححئل مالك أتلقححي المرأة
خمارها بين يدي الخصي؟ فقال نعم ،إذا كان مملوكا لها أو لغيرها؛ وأما الحر فل .وإن كان فحل
كبيرا َوغْداً تملكه ،ل هيئة له ول منظر فلينظر إلى شعرها .قال أشهب قال مالك :ليس بواسع أن
تدخل جارية الولد أو الزوجة على الرجل المرحاض؛ قال ال تعالى" :أو ما ملكت أيمانكم" .وقال
أشهححب عححن مالك :ينظححر الغلم الوغححد إلى شعححر سححيدته ،ول أحبححه لغلم الزوج .وقال سححعيد بححن
المسيب :ل تغرنكم هذه الية "أو ما ملكت أيمانهن" إنما عني بها الماء ولم يعن بها العبيد .وكان
الشعحبي يكره أن ينظحر المملوك إلى شعحر مولتحه .وهحو قول مجاهحد وعطاء .وروى أبحو داود عحن
أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها ،قال :وعلى فاطمة ثوب إذا
غطحت بحه رأسحها لم يبلغ إلى رجليهحا ،وإذا غطحت بحه رجليهحا لم يبلغ إلى رأسحها؛ فلمحا رأى النحبي
صلى ال عليه وسلم ما تلقى من ذلك قال( :إنه ل بأس عليك إنما هو أبوك وغلمك).
@قوله تعالى" :أو التابعين غير أولي الربة من الرجال" أي غير أولي الحاجة والربة الحاجة،
يقال :أربححت كذا آرب أربححا .والرب والربححة والمأربححة والرب :الحاجححة؛ والجمححع مأرب؛ أي
حوائج .ومنه قوله تعالى" :ولي فيها مآرب أخرى" [طه ]18 :وقد تقدم وقال طرفة:
تقدم يوما ثم ضاعت مآربه إذا المرء قال الجهل والحوب والخنا
واختلف الناس في معنى قوله" :أو التابعين غير أولي الربة" فقيل :هو الحمق الذي ل حاجة به
إلى النساء .وقيل البله .وقيل :الرجل يتبع القوم فيأكل معهم ويرتفق بهم؛ وهو ضعيف ل يكترث
للنسحاء ول يشتهيهحن .وقيحل العنيحن .وقيحل الخصحي .وقيحل المخنحث .وقيحل الشيحخ الكحبير ،والصحبي
الذي لم يدرك .وهذا الختلف كله متقارب المعنى ،ويجتمع فيمن ل فهم له ول همة ينتبه بها إلى
أمر النساء .وبهذه الصفة كان هيت المخنث عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلما سمع منه ما
سحمع محن وصحف محاسحن المرأة :باديحة ابنحة غيلن ،أمحر بالحتجاب منحه .أخرج حديثحه مسحلم وأبحو
داود ومالك فحي الموطحأ وغيرهحم عحن هشام بحن عروة عحن عروة عحن عائشحة .قال أبحو عمحر :ذكحر
عبدالملك بحن ححبيب عحن ححبيب كاتحب مالك قال قلت لمالك :إن سحفيان زاد فحي حديحث ابنحة غيلن:
(أن مخنثا يقال له هيت) وليس في كتابك هيت؟ فقال مالك :صدق ،هو كذلك وغربه النبي صلى
ال عليه وسلم إلى الحمى وهو موضع من ذي الحليفة ذات الشمال من مسجدها .قال حبيب وقلت
لمالك :وقال سحفيان فحي الحديحث :إذا قعدت تبنحت ،وإذا تكلمحت تغنحت .قال مالك :صحدق ،هحو كذلك.
قال أبحو عمحر :محا ذكره ححبيب كاتحب مالك عحن سحفيان أنحه قال فحي الحديحث يعنحي حديحث هشام بحن
عروة (أن مخنثا يدعى هيتا) فغير معروف عند أحد من رواته عن هشام ،ل ابن عيينة ول غيره،
ولم يقحل فحي نسحق الحديحث (إن مخنثحا يدعحى هيتحا) وإنمحا ذكره عحن ابحن جريحج بعحد تمام الحديحث،
وكذلك قوله عحن سحفيان أنحه يقول فحي الحديحث :إذا قعدت تبنحت وإذا تكلمحت تغنحت ،هذا محا لم يقله
سحفيان ول غيره فحي حديحث هشام بحن عروة ،وهذا اللفحظ ل يوجحد إل محن روايحة الواقدي ،والعجحب
أنحه يحكيحه عحن سحفيان ويحكحي عحن مالك أنحه كذلك ،فصحارت روايحة عحن مالك ،ولم يروه عحن مالك
غيححر حححبيب ول ذكره عححن سححفيان غيره أيضححا ،وال أعلم .وحححبيب كاتححب مالك متروك الحديححث
ضعيحف عنحد جميعهحم ،ل يكتحب حديثحه ول يلتفحت إلى محا يجيحء بحه .ذكحر الواقدي والكلبحي أن هيتحا
المخنث قال لعبدال بن أمية المخزومي وهو أخو أم سلمة لبيها وأمه عاتكة عمة رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،قال له وهو في بيت أخته أم سلمة ورسول ال صلى ال عليه وسلم يسمع :إن فتح
ال عليكم الطائف فعليك ببادية بنت غيلن بن سلمة الثقفي ،فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ،مع ثغر
كالقحوان ،إن جلسحت تبنحت وإن تكلمحت تغنحت ،بيحن رجليهحا كالناء المكفوء ،وهحي كمحا قال قيحس
بن الخطيم:
كأنما شف وجهها نزف تغترق الطرف وهي لهية
قصد فل جبلة ول قضف بين شكول النساء خلقتها
قامت رويدا تكاد تنقصف تنام عن كبر شأنها فإذا
فقال له النبي صلى ال عليه وسلم( :لقد غلغلت النظر إليها يا عدو ال) .ثم أجله عن المدينة إلى
الحمحى .قال :فلمحا افتتححت الطائف تزوجهحا عبدالرحمحن بحن عوف فولدت له منحه بريهحة؛ فحي قول
الكلبحي .ولم يزل هيحت بذلك المكان حتحى قبحض النحبي صحلى ال عليحه وسحلم ،فلمحا ولي أبحو بكحر كلم
فيه فأبى أن يرده ،فلما ولي عمر كلم فيه فأبى ،ثم كلم فيه عثمان بعد .وقيل :إنه قد كبر وضعف
واحتاج ،فأذن له أن يدخحل كحل جمعحة فيسحأل ويرجحع إلى مكانحه .قال :وكان هيحت مولى لعبدال بحن
أبحي أميحة المخزومحي ،وكان له طُوَيحس أيضحا ،فمحن ثحم قبحل الخنحث .قال أبحو عمحر :يقال باديحة بالياء
وبادنة بالنون ،والصواب فيه عندهم بالياء ،وهو قول أكثرهم ،وكذلك ذكره الزبيري بالياء.
@ وصححف التابعيححن بحح "غيححر" لن التابعيححن غيححر مقصححودين بأعيانهححم ،فصححار اللفححظ كالنكرة.
و"غيحر" ل يتمححض نكرة فجاز أن يجري وصحفا على المعرفحة .وإن شئت قلت هحو بدل .والقول
فيها كالقول في "غير المغضوب عليهم" [الفاتحة .]7 :وقرأ عاصم وابن عامر "غير" بالنصب
فيكون اسحتثناء؛ أي يبديحن زينتهحن للتابعيحن إل ذا الربحة منهحم .ويجوز أن يكون حال؛ أي والذيحن
يتبعونهن عاجزين عنهن؛ قاله أبو حاتم .وذو الحال ما في "التابعين" من الذكر.
@قوله تعالى" :أو الطفحل" اسحم جنحس بمعنحى الجمحع ،والدليحل على ذلك نعتحه "بالذيحن" .وفحي
مصحححف حفصححة "أو الطفال" على الجمححع .ويقال :طفححل مححا لم يراهححق الحلم .و"يظهروا" معناه
يطلعوا بالوطء؛ أي لم يكشفوا عن عوراتهن للجماع لصغرهن .وقيل :لم يبلغوا أن يطيقوا النساء؛
يقال :ظهرت على كذا أي علمتحه ،وظهرت على كذا أي قهرتحه .والجمهور على سحكون الواو محن
"عورات" لسحتثقال الحركحة على الواو .وروي عحن ابحن عباس فتحح الواو؛ مثحل جفنحة وجفنات.
وحكى الفراء أنها لغة قيس "عورات" بفتح الواو .النحاس :وهذا هو القياس؛ لنه ليس بنعت ،كما
تقول :جفنة وجفنات؛ إل أن التسكين أجود في "عورات" وأشباهه ،لن الواو إذا تحركت وتحرك
ما قبلها قلبت ألفا؛ فلو قيل هذا لذهب المعنى.
@ اختلف العلماء في وجوب ستر ما سوى الوجه والكفين منه على قولين :أحدهما :ل يلزم؛ لنه
ل تكليحف عليحه ،وهحو الصححيح .والخحر يلزمحه؛ لنحه قحد يشتهحي وقحد تشتهحي أيضحا هحي فإن راهحق
فحكمحه حكحم البالغ وجوب السحتر .ومثله الشيحخ الذي سحقطت شهوتحه اختلف فيحه أيضحا على قوليحن
كما في الصبي ،والصحيح بقاء الحرمة؛ قاله ابن العربي.
@ أجمحع المسحلمون على أن السحوأتين عورة محن الرجحل والمرأة ،وأن المرأة كلهحا عورة ،إل
وجههحا ويديهحا فإنهحم اختلفوا فيهمحا .وقال أكثحر العلماء فحي الرجحل :محن سحرته إلى ركبتحه عورة؛ ل
يجوز أن ترى .وقد مضى في "العراف" القول في هذا مستوفى.
قال أصحاب الرأي :عورة المرأة مع عبدها من السرة إلى الركبة .ابن العربي :وكأنهم ظنوها
رجل أو ظنوه امرأة ،وال تعالى قحححد حرم المرأة على الطلق لنظحححر أو لذة ،ثحححم اسحححتثنى اللذة
للزواج وملك اليميحن ،ثحم اسحتثنى الزينحة لثنحي عشحر شخصحا العبحد منهحم ،فمحا لنحا ولذلك هذا نظحر
فاسد واجتهاد عن السداد متباعد .وقد تأول بعض الناس قوله" :أو ما ملكت أيمانهن" على الماء
دون العبيحد؛ منهحم سحعيد بحن المسحيب ،فكيحف يحملون على العبيحد ثحم يلحقون بالنسحاء هذا بعيحد جدا
وقحد قيحل :إن التقديحر أو محا ملكحت أيمانهحن محن غيحر أولي الربحة أو التابعيحن غيحر أولي الربحة محن
الرجال؛ حكاه المهدوي.
@قوله تعالى" :ول يضربحن بأرجلهحن" أي ل تضرب المرأة برجلهحا إذا مشحت لتسحمع صحوت
خلخالها؛ فإسماع صوت الزينة كإبداء الزينة وأشد ،والغرض التستر .أسند الطبري عن المعتمر
عحن أبيحه أنحه قال :زعحم حضرمحي أن امرأة اتخذت برتيحن محن فضحة واتخذت جزعحا فجعلت فحي
سحاقها فمرت على القوم فضربحت برجلهحا الرض فوقحع الخلخال على الجزع فصحوت؛ فنزلت هذه
الية .وسماع هذه الزينة أشد تحريكا للشهوة من إبدائها؛ قاله الزجاج.
@ من فعل ذلك منهن فرحا بحليهن فهو مكروه .ومن فعل ذلك منهن تبرجا وتعرضا للرجال فهو
حرام مذموم .وكذلك مححن ضرب بنعله مححن الرجال ،إن فعححل ذلك تعجبححا حرم فإن العجححب كححبيرة.
وإن فعل ذلك تبرجا لم يجز.
@ قال مكي رحمحه ال تعالى :ليس فحي كتاب ال تعالى آية أكثحر ضمائر من هذه جمعت خمسة
وعشرين ضميرا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع.
@قوله تعالى" :وتوبوا" أمحر .ول خلف بيحن المحة فحي وجوب التوبحة ،وأنهحا فرض متعيحن وقحد
مضحى الكلم فيهحا فحي "النسحاء" وغيرهحا فل معنحى لعادة ذلك .والمعنحى :وتوبوا إلى ال فإنكحم ل
تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق ال تعالى ،فل تتركوا التوبة في كل حال.
@ قرأ الجمهور "أيحه" بفتحح الهاء .وقرأ ابحن عامحر بضمهحا؛ ووجهحه أن تجعحل الهاء محن نفحس
الكلمحة ،فيكون إعراب المنادى فيهحا .وضعحف أبحو علي ذلك جدا وقال :آخحر السحم هحو الياء الثانيحة
من أي ،فالمضموم ينبغي أن يكون آخر السم ،ولو جاز ضحم الهاء ها هنا لقترانها بالكلمة لجاز
ضم الميم في "اللهم" لقترانها بالكلمة في كلم طويل .والصحيح أنه إذا ثبت عن النبي صلى ال
عليه وسلم قراءة فليس إل اعتقاد الصحة في اللغة ،فإن القرآن هو الحجة .وأنشد الفراء:
أفق عن البيض الحسان اللعس يا أيه القلب اللجوج النفس
اللعححس :لون الشفححة إذا كانححت تضرب إلى السححواد قليل ،وذلك يسححتملح؛ يقال :شفححة لعسححاء ،وفتيححة
ونسوة لعس .وبعضهم يقف "أيه" .وبعضهم يقف "أيها" باللف؛ لن علة حذفها في الوصل إنما
هحي سحكونها وسحكون اللم ،فإذا كان الوقحف ذهبحت العلة فرجعحت اللف كمحا ترجحع الياء إذا وقفحت
على "محلي" محن قوله تعالى" :غيحر محلي الصحيد" [المائدة .]1 :وهذا الختلف الذي ذكرناه
كذلك هو في "يا أيه الساحر"" .يا أيه الثقلن".
**3اليحة{ 32 :وأنكحوا اليامحى منكحم والصحالحين محن عبادكحم وإمائكحم إن يكونوا فقراء يغنهحم
ال من فضله وال واسع عليم}
@ هذه المخاطبحة تدخحل فحي باب السحتر والصحلح؛ أي زوجوا محن ل زوج له منكحم فإنحه طريحق
التعفحف؛ والخطاب للولياء .وقيحل للزواج .والصححيح الول؛ إذ لو أراد الزواج لقال "وأنكحوا"
بغيحر همحز ،وكانحت اللف للوصحل .وفحي هذا دليحل على أن المرأة ليحس لهحا أن تنكحح نفسحها بغيحر
ولي؛ وهو قول أكثر العلماء .وقال أبو حنيفة :إذا زوجت الثيب أو البكر نفسها بغير ولي كفء لها
جاز .وقد مضى هذا في "البقرة" مستوفى.
@ اختلف العلماء في هذا المر على ثلثة أقوال؛ فقال علماؤنا :يختلف الحكم في ذلك باختلف
حال المؤمن من خوف العنت ،ومن عدم صبره ،ومن قوته على الصبر وزوال خشية العنت عنه.
وإذا خاف الهلك في الدين أو الدنيا أو فيهما فالنكاح حتم .وإن لم يخش شيئا وكانت الحال مطلقة
فقال الشافعححي :النكاح مباح .وقال مالك وأبحو حنيفححة :هحو مسحتحب .تعلق الشافعححي بأنحه قضاء لذة
فكان مباحا كالكل والشرب.
وتعلق علماؤنا بالحديث الصحيح( :من رغب عن سنتي فليس مني).
@قوله تعالى" :اليامى منكم" أي الذين ل أزواج لهم من الرجال والنساء؛ واحدهم أيم .قال أبو
عمرو :أيامى مقلوب أيايم .واتفق أهل اللغة على أن اليم في الصل هي المرأة التي ل زوج لها،
بكرا كانححت أو ثيبححا؛ حكححى ذلك أبححو عمرو والكسححائي وغيرهمححا .تقول العرب :تأيمححت المرأة إذا
أقامحت ل تتزوج .وفحي حديحث النحبي صحلى ال عليحه وسحلم( :أنحا وامرأة سحفعاء الخديحن تأيمحت على
ولدها الصغار حتى يبلغوا أو يغنيهم ال من فضله كهاتين في الجنة) .وقال الشاعر:
وإن كنت أفتى منكم أتأيم فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي
ويقال :أيم بين اليمة .وقد آمت هي ،وإمت أنا .قال الشاعر:
رجاء بسلمي أن تئيم كما إمت لقد إمت حتى لمني كل صاحب
قال أبحو عبيحد :يقال رجحل أيحم وامرأة أيحم؛ وأكثحر محا يكون ذلك فحي النسحاء ،وهحو كالمسحتعار فحي
الرجال .وقال أمية بن أبي الصلت:
ل در بني علي أيم منهم وناكح
وقال قوم :هذه اليحة ناسحخة لحكحم قوله تعالى" :والزانيحة ل ينكحهحا إل زان أو مشرك وحرم ذلك
على المؤمنين" [النور .]3 :وقد بيناه في أول السورة والحمد ل.
@ المقصحود من قوله تعالى" :وأنكحوا اليامحى منكم" الحرائر والحرار؛ ثم بين حكحم المماليحك
فقال" :والصحالحين محن عبادكحم وإمائكحم" .وقرأ الحسحن "والصحالحين محن عحبيدكم" ،وعبيحد اسحم
للجمحع .قال الفراء :ويجوز "وإماءكحم" بالنصحب ،يرده على "الصحالحين" يعنحي الذكور والناث؛
والصححلح اليمان .وقيححل :المعنححى ينبغححي أن تكون الرغبححة فححي تزويححج الماء والعبيححد إذا كانوا
صحالحين فيجوز تزويجهحم ،ولكن ل ترغيحب فيحه ول اسحتحباب؛ كمحا قال "فكاتبوهحم إن علمتحم فيهحم
خيرا" [النور .]33 :ثم قد تجوز الكتابة وإن لم يعلم أن في العبد خيرا ،ولكن الخطاب ورد في
الترغيب واستحباب ،وإنما يستحب كتابة من فيه خير.
@ أكثحر العلماء على أن للسحيد أن يكره عبده وأمتحه على النكاح؛ وهحو قول مالك وأبحي حنيفحة
وغيرهمححا .قال مالك :ول يجوز ذلك إذا كان ضررا .وروي نحوه عححن الشافعححي ،ثححم قال :ليححس
للسحححيد أن يكره العبحححد على النكاح .وقال النخعحححي :كانوا يكرهون المماليحححك على النكاح ويغلقون
عليهحم البواب .تمسحك أصححاب الشافعحي فقالوا :العبحد مكلف فل يجحبر على النكاح؛ لن التكليحف
يدل على أن العبد كامل من جهة الدمية ،وإنما تتعلق به المملوكية فيما كان حظا للسيد من ملك
الرقبة والمنفعة ،بخلف المة فإنه له حق المملوكية في بضعها ليستوفيه؛ فأما بضع العبد فل حق
له فيححه ،ولجححل ذلك ل تباح السححيدة لعبدهححا .هذه عمدة أهححل خراسححان والعراق ،وعمدتهححم أيضححا
الطلق ،فإنحه يملكحه العبحد بتملك عقده .ولعلمائنحا النكتحة العظمحى فحي أن مالكيحة العبحد اسحتغرقتها
مالكيحة السحيد؛ ولذلك ل يتزوج إل بإذنحه بإجماع .والنكاح وبابحه إنمحا هحو محن المصحالح ،ومصحلحة
العبد موكولة إلى السيد ،هو يراها ويقيمها للعبد.
@قوله تعالى" :إن يكونوا فقراء يغنهحم ال من فضله" رجع الكلم إلى الحرار؛ أي ل تمتنعوا
عن التزويج بسبب فقر الرجل والمرأة؛ "إن يكونوا فقراء يغنهم ال من فضله" .وهذا وعد بالغنى
للمتزوجيحن طلب رضحا ال واعتصحاما محن معاصحيه .وقال ابحن مسحعود :التمسحوا الغنحى فحي النكاح؛
وتل هذه اليحة .وقال عمحر رضحي ال عنحه :عجحبي ممحن ل يطلب الغنحي فحي النكاح ،وقحد قال ال
تعالى" :إن يكونوا فقراء يغنهححم ال مححن فضله" .وروي هذا المعنححى عححن ابححن عباس رضححي ال
عنهمحا أيضحا .ومحن حديحث أبحي هريرة رضحي ال عنحه أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم قال:
(ثلثة كلهم حق على ال عونه المجاهد في سبيل ال والناكح يريد العفاف والمكاتب يريد الداء).
أخرجحه ابحن ماجحه فحي سحننه .فإن قيحل :فقحد نجحد الناكحح ل يسحتغني؛ قلنحا :ل يلزم أن يكون هذا على
الدوام ،بل لو كان في لحظة واحدة لصدق الوعد .وقد قيل :يغنيه؛ أي يغني النفس .وفي الصحيح
(ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس) .وقد قيل :ليس وعد ل يقع فيه خلف ،بل
المعنححى أن المال غاد ورائح ،فارجوا الغنححى .وقيححل :المعنححى يغنهححم ال مححن فضله إن شاء؛ كقوله
تعالى" :فيكشحف محا تدعون إليحه إن شاء" [النعام ،]41 :وقال تعالى" :يبسحط الرزق لمحن يشاء"
[الشورى .]12 :وقيل :المعنى إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم ال بالحلل ليتعففوا عن الزنى.
@ هذه الية دليل على تزويج الفقير ،ول يقول كيف أتزوج وليس لي مال؛ فإن رزقه على ال.
وقحد زوج النحبي صحلى ال عليحه وسحلم المرأة التحي أتتحه تهحب له نفسحها لمحن ليحس له إل إزار واححد،
وليس لها بعد ذلك فسخ النكاح بالعسار لنها دخلت عليه؛ وإنما يكون ذلك إذا دخلت على اليسار
فخرج معسحرا ،أو طرأ العسحار بعحد ذلك لن الجوع ل صحبر عليحه؛ قال علماؤنحا .وقال النقاش:
هذه اليحة حجحة على محن قال :إن القاضححي يفرق بيحن الزوجيحن إذا كان الزوج فقيرا ل يقدر على
النفقة؛ لن ال تعالى قال" :يغنهم ال" ولم يقل يفرق .وهذا انتزاع ضعيف ،وليس هذه الية حكما
فيمحن عجحز عحن النفقحة ،وإنمحا هحي وعحد بالغناء لمحن تزوج فقيرا .فأمحا محن تزوج موسحرا وأعسحر
بالنفقحة فإنحه يفرق بينهمحا؛ قال ال تعالى" :وإن يتفرقحا يغحن ال كل محن سحعته" [النسحاء.]130 :
ونفحات ال تعالى مأمولة في كل حال موعود بها.
**3اليتان{ 34 - 33 :وليسحتعفف الذيحن ل يجدون نكاححا حتحى يغنيهحم ال محن فضله والذيحن
يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال ال الذي آتاكم ول
تكرهوا فتياتكحم على البغاء إن أردن تحصحنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيحا ومحن يكرههحن فإن ال محن
بعد إكراههن غفور رحيم ،ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثل من الذين خلوا من قبلكم وموعظة
للمتقين}
@قوله تعالى" :وليسحتعفف الذيحن" الخطاب لمحن يملك أمحر نفسحه ،ل لمحن زمامحه بيحد غيره فإنحه
يقوده إلى ما يراه؛ كالمحجور -قول واحدا -والمة والعبد؛ على أحد قولي العلماء.
و"اسحتعفف" وزنحه اسحتفعل؛ ومعناه طلب أن يكون عفيفحا؛ فأمحر ال تعالى بهذه اليحة كحل محن
تعذر عليه النكاح ول يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف .ثم لما كان أغلب الموانع على النكاح عدم
المال وعحد بالغناء محن فضله؛ فيرزقحه محا يتزوج بحه ،أو يجحد امرأة ترضحى باليسحير محن الصحداق،
أو تزول عنحه شهوة النسحاء .وروى النسحائي عحن أبحي هريرة عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال:
(ثلثحة كلهحم ححق على ال عحز وجحل عونهحم المجاهحد فحي سحبيل ال والناكحح الذي يريحد العفاف
والمكاتب الذي يريد الداء).
@قوله تعالى" :ل يجدون نكاحا" أي طول نكاح؛ فحذف المضاف .وقيل :النكاح ها هنا ما تنكح
به المرأة من المهر والنفقة؛ كاللحاف اسم لما يلتحف به .واللباس اسم لما يلبس فعلى هذا ل حذف
فحي اليحة ،قاله جماعحة محن المفسحرين؛ وحملهحم على هذا قوله تعالى" :حتحى يغنيهحم ال محن فضله"
فظنوا أن المأمور بالسحتعفاف إنمحا هحو محن عدم المال الذي يتزوج بحه .وفحي هذا القول تخصحيص
المأموريحن بالسحتعفاف؛ وذلك ضعيحف ،بحل المحر بالسحتعفاف متوجحه لكحل محن تعذر عليحه النكاح
بأي وجه تعذر ،كما قدمناه ،وال تعالى أعلم.
@ من تاقت نفسه إلى النكاح فإن وجد الطول فالمستحب له أن يتزوج ،وإن لم يجد الطول فعليه
بالستعفاف ما أمكن ولو بالصوم فإن الصوم له وجاء؛ كما جاء في الخبر الصحيح .ومن لم تتق
نفسححه إلى النكاح فالولى له التخلي لعبادة ال تعالى .وفححي الخححبر (خيركححم الخفيححف الحاذ الذي ل
أهل له ول ولد) .وقد تقدم جواز نكاح الماء عند عدم الطول للحرة في "النساء" والحمد ل .ولما
لم يجعحل ال له محن العفحة والنكاح درجحة دل على أن محا عداهمحا محرم ول يدخحل فيحه ملك اليميحن
لنححه بنححص آخححر مباح وهححو قوله تعالى" :أو مححا ملكححت أيمانهححم" فجاءت فيححه زيادة ويبقححى على
التحريححم السححتمناء ردا على أحمححد .وكذلك يخرج عنححه نكاح المتعححة بنسححخه وقححد تقدم هذا فححي
"المؤمنون].
@قوله تعالى" :والذيحن يبتغون الكتاب" "الذيحن" فحي موضحع رفحع .وعنحد الخليحل وسحيبويه فحي
موضحع نصحب على إضمار فعحل؛ لن بعده أمرا .ولمحا جرى ذكحر العبيحد والماء فيمحا سحبق وصحل
به أن العبد إن طلب الكتاب فالمستحب كتابته؛ فربما يقصد بالكتابة أن يستقل ويكتسب ويتزوج إذا
أراد ،فيكون أعف له .قيل :نزلت في غلم لحويطب بن عبد العزى يقال له صبح -وقيل صبيح -
طلب من موله أن يكاتبه فأبى؛ فأنزل ال تعالى هذه الية ،فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب
له منها عشرين دينارا فأداها ،وقتل بحنين في الحرب؛ ذكره القشيري وحكاه النقاش .وقال مكي:
هحو صحبيح القبطحي غلم حاطحب بحن أبحي بلتعحة .وعلى الجملة فإن ال تعالى أمحر المؤمنيحن كافحة أن
يكاتب منهم كل من له مملوك وطلب المملوك الكتابة وعلم سيده منه خيرا.
@ الكتاب والمكاتبحة سحواء؛ مفاعلة ممحا ل تكون إل بيحن اثنيحن ،لنهحا معاقدة بيحن السحيد وعبده؛
يقال :كاتحب يكاتحب كتابحا ومكاتبحة ،كمحا يقال :قاتحل قتال ومقاتلة .فالكتاب فحي اليحة مصحدر كالقتال
والجلد والدفاع .وقيحل :الكتاب هحا هنحا هحو الكتاب المعروف الذي يكتحب فيحه الشيحء وذلك أنهحم
كانوا إذا كاتبوا العبحد كتبوا عليحه وعلى أنفسحهم بذلك كتابحا .فالمعنحى يطلبون العتحق الذي يكتحب بحه
الكتاب فيدفع إليهم.
@ معنحى المكاتبحة فحي الشرع :هحو أن يكاتحب الرجحل عبده على مال يؤديحه منجمحا عليحه؛ فإذا أداه
فهو حر .ولها حالتان :الولى :أن يطلبها العبد ويجيبه السيد؛ فهذا مطلق الية وظاهرها .الثانية:
أن يطلبهحا العبحد ويأباهحا السحيد؛ وفيهحا قولن :الول :لعكرمحة وعطاء ومسحروق وعمرو بحن دينار
والضحاك بحن مزاححم وجماعحة أهحل الظاهحر أن ذلك واجحب على السحيد .وقال علماء المصحار :ل
يجب ذلك .وتعلق من أوجبها بمطلق المر ،وأفعل بمطلقه على الوجوب حتى يأتي الدليل بغيره.
وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس ،واختاره الطبري .واحتج داود أيضا بأن سيرين أبا
محمحد بحن سحيرين سحأل أنحس بحن مالك الكتابحة وهحو موله فأبحى أنحس؛ فرفحع عمحر عليحه الدرة ،وتل:
"فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا" ،فكاتبه أنس .قال داود :وما كان عمر ليرفع الدرة على أنس فيما
له مباح أل يفعله .وتمسححك الجمهور بأن الجماع منعقححد على أنححه لو سححأله أن يححبيعه مححن غيره لم
يلزمححه ذلك ،ولم يجححبر عليححه وإن ضوعححف له فححي الثمححن .وكذلك لو قال له أعتقنححي أو دبرنححي أو
زوجنحي لم يلزمحه ذلك بإجماع ،فكذلك الكتابحة؛ لنهحا معاوضحة فل تصحح إل عحن تراض .وقولهحم:
مطلق المحر يقتضحي الوجوب صححيح ،لكحن إذا عري عحن قرينحة تقتضحي صحرفه عحن الوجوب،
وتعليقحه هنحا بشرط علم الخيحر فيحه؛ فعلق الوجوب على أمحر باطحن وهحو علم السحيد بالخيريحة .وإذا
قال العبحد :كاتبنحي؛ وقال السحيد :لم أعلم فيحك خيرا؛ وهحو أمحر باطحن ،فيرجحع فيحه إليحه ويعول عليحه.
وهذا قوي في بابه.
@ واختلف العلماء فحي قوله تعالى" :خيرا" فقال ابحن عباس وعطاء :المال .مجاهحد :المال
والداء .والحسحن والنخعحي :الديحن والمانحة .وقال مالك :سحمعت بعحض أهحل العلم يقولون هحو القوة
على الكتساب والداء .وعن الليث نحوه ،وهو قول الشافعي .وقال عبيدة السلماني :إقامة الصلة
والخير .قال الطحاوي :وقول من قال إنه المال ل يصح عندنحا لن العبد مال لموله ،فكيف يكون
له مال .والمعنى عندنا :إن علمتم فيهم الدين والصدق ،وعلمتم أنهم يعاملونكم على أنهم متعبدون
بالوفاء لكحم بمحا عليهحم محن الكتابحة والصحدق فحي المعاملة فكاتبوهحم .وقال أبحو عمحر :محن لم يقحل إن
الخيححر هنححا المال أنكححر أن يقال إن علمتححم فيهححم مال ،وإنمححا يقال :علمححت فيححه الخيححر والصححلح
والمانة؛ ول يقال :علمت فيه المال ،وإنما يقال علمت عنده المال.
قلت :وحديث بريرة يرد قول من قال :إن الخير المال؛ على ما يأتي.
@ اختلف العلماء فحي كتابحة محن ل حرفحة له؛ فكان ابحن عمحر يكره أن يكاتحب عبده إذا لم تكحن له
حرفة ،ويقول :أتأمرني أن آكل أوساخ الناس؛ ونحوه عن سلمان الفارسي .وروى حكيم بن حزام
فقال :كتحب عمحر بحن الخطاب إلى عميحر بحن سحعد :أمحا بعحد فإنحه مَن ِقبَلك محن المسحلمين أن يكاتبوا
أرقاءهم على مسألة الناس .وكرهه الوزاعي وأحمد وإسحاق .ورخص في ذلك مالك وأبو حنيفة
والشافعي .وروي عن علي رضي ال عنه أن ابن التياح مؤذنه قال له :أكاتب وليس لي مال؟ قال
نعم؛ ثم حض الناس على الصدقة عليّ؛ فأعطوني ما فضل عن مكاتبتي ،فأتيت عليا فقال :اجعلها
في الرقاب .وقد روي عن مالك كراهة ذلك ،وأن المة التي ل حرفة لها يكره مكاتبتها لما يؤدي
إليه من فسادها .والحجة في السنة ل فيما خالفها .روى الئمة عن عائشة رضي ال عنها قالت:
دخلت علي بريرة فقالت :إن أهلي كاتبونححي على تسححع أواق فححي تسححع سححنين كححل سححنة أوقيححة،
فأعينينحي ). ..الحديحث .فهذا دليحل على أن للسحيد أن يكاتحب عبده وهحو ل شيحء معحه؛ أل ترى أن
بريرة جاءت عائشحة تخبرهحا بأنهحا كاتبحت أهلهحا وسحألتها أن تعينهحا ،وذلك كان فحي أول كتابتهحا قبحل
أن تؤدي منها شيئا؛ كذلك ذكره ابن شهاب عن عروة أن عائشة أخبرته أن بريرة جاءت تستعينها
في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا؛ أخرجه البخاري وأبو داود .وفي هذا دليل على جواز
كتابحة المحة ،وهحي غيحر ذات صحنعة ول حرفحة ول مال ،ولم يسحأل النحبي صحلى ال عليحه وسحلم هحل
لها كسب أو عمل واصب أو مال ،ولو كان هذا واجبا لسأل عنه ليقع حكمه عليه؛ لنه بعث مبينا
معلما صلى ال عليه وسلم .وفي هذا الحديث ما يدل على أن من تأول في قوله تعالى" :إن علمتم
فيهم خيرا" أن المال الخير ،ليس بالتأويل الجيد ،وأن الخير المذكور هو القوة على الكتساب مع
المانة .وال أعلم.
@ الكتابة تكون بقليل المال وكثيره ،وتكون على أنجم؛ لحديث بريرة .وهذا ما ل خلف فيه بين
العلماء والحمحد ل .فلو كاتبحه على ألف درهحم ولم يذكحر أجل نجمحت عليحه بقدر سحعايته وإن كره
السحيد .قال الشافعحي :ل بحد فيهحا محن أجحل؛ وأقلهحا ثلثحة أنجحم .واختلفوا إذا وقعحت على نجحم واححد
فأكثحر أهحل العلم يجيزونهحا على نجحم واححد .وقال الشافعحي :ل تجوز على نجحم واححد ،ول تجوز
حالة البتحة ،وإنمحا ذلك عتحق على صحفة؛ كأنحه قال :إذا أديحت كذا وكذا فأنحت ححر وليسحت كتابحة .قال
ابن العربي:
@ اختلف العلماء والسلف في الكتابة إذا كانت حالة على قولين ،واختلف قول علمائنا كاختلفهم.
والصحيح في النظر أن الكتابة مؤجلة؛ كما ورد بها الثر في حديث بريرة حين كاتبت أهلها على
تسع أواق في كل عام أوقية ،وكما فعلت الصحابة؛ ولذلك سميت كتابة لنها تكتب ويشهد عليها،
فقحد اسحتوسق السحم والثحر ،وعضده المعنحى؛ فإن المال إن جعله حال وكان عنحد العبحد شيحء فهحو
مال مقاطعة وعقد مقاطعة ل عقد كتابة .وقال ابن خويز منداد :إذا كاتبه على مال معجل كان عتقا
على مال ،ولم تكحن كتابحة .وأجاز غيره محن أصححابنا الكتابحة الحالة وسحماها قطاعحة ،وهحو القياس؛
لن الجل فيها إنما هو فسحة للعبد في التكسب .أل ترى أنه لو جاء بالمنجم عليه قبل محله لوجب
على السيد أن يأخذه ويتعجل للمكاتب عتقه .وتجوز الكتابة الحالة؛ قاله الكوفيون.
قلت :لم يرد عححن مالك نححص فححي الكتابححة الحالة؛ والصحححاب يقولون :إنهححا جائزة ،ويسححمونها
قطاعحة .وأمحا قول الشافعحي إنهحا ل تجوز على أقحل محن ثلثحة أنجحم فليحس بصححيح؛ لنحه لو كان
صححيحا لجاز لغيره أن يقول :ل يجوز على أقحل محن خمسحة نجوم؛ لنهحا أقحل النجوم التحي كانحت
على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم في بريرة ،وعلم بها النبي صلى ال عليه وسلم وقضى
فيهحا ،فكان بصحواب الحجحة أولى .روى البخاري عحن عائشحة أن بريرة دخلت عليهحا تسحتعينها فحي
كتابتها وعليها خمسة أواق نجمت عليها في خمس سنين )...الحديث .كذا قال الليث عن يونس عن
ابحن شهاب عحن عروة عحن عائشحة :وعليهحا خمسحة أواق نجمحت عليهحا فحي خمحس سحنين .وقال أبحو
أسحامة عحن هشام بحن عروة عحن أبيحه عحن عائشحة رضحي ال عنهحا قالت :جاءت بريرة فقالت :إنحي
كاتبحت أهلي على تسحع أواق )...الحديحث .وظاهحر الروايتيحن تعارض ،غيحر أن حديحث هشام أولى
لتصحاله وانقطاع حديحث يونحس؛ لقول البخاري :وقال الليحث حدثنحي يونحس؛ ولن هشامحا أثبحت فحي
حديث أبيه وجده من غيره ،وال أعلم.
@ المكاتب عبد ما بقي عليه من مال الكتابة شيء؛ لقوله عليه السلم( :المكاتب عبد ما بقي عليه
من مكاتبته درهم) .أخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .وروي عنه أيضا أن
النبي صلى ال عليه وسلم قال( :أيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إل عشرة دنانير فهو عبد).
وهذا قول مالك والشافعححي وأبححي حنيفححة وأصحححابهم والثوري وأحمححد وإسحححاق وأبححي ثور وداود
والطبري .وروي ذلك عن ابن عمر من وجوه ،وعن زيد بن ثابت وعائشة وأم سلمة ،لم يختلف
عنهحم فحي ذلك رضحي ال عنهحم .وروي ذلك عحن عمحر بحن الخطاب ،وبحه قال ابحن المسحيب والقاسحم
وسالم وعطاء .قال مالك :وكل من أدركنا ببلدنا يقول ذلك .وفيها قول آخر روي عن علي أنه إذا
أدى الشطر فهو غريم؛ وبه قال النخعي .وروي ذلك عن عمر رضي ال عنه ،والسناد عنه بأن
المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ،خير من السناد عنه بأن المكاتب إذا أدى الشطر فل رق عليه؛
فال أبو عمر .وعن علي أيضا يعتق منه بقدر ما أدى .وعنه أيضا أن العتاقة تجري فيه بأول نجم
يؤديححه .وقال ابححن مسححعود :إذا أدى ثلث الكتابححة فهححو عتيححق غريححم؛ وهذا قول شريححح .وعححن ابححن
مسعود :لو كانت الكتابة مائتي دينار وقيمة العبد مائة دينار فأدى العبد المائة التي هي قيمته عتق؛
وهو قول النخعي أيضا .وقول سابع :إذا أدى الثلثة الرباع وبقي الربع فهو غريم ول يعود عبدا
قاله عطاء بحن أبحي رباح ،رواه ابحن جريحج عنحه .وحكحي عحن بعحض السحلف أنحه بنفحس عقحد الكتابحة
حر ،وهو غريم بالكتابة ول يرجع إلى الرق أبدا .وهذا القول يرده حديث بريرة لصحته عن النبي
صلى ال عليه وسلم .وفيه دليل واضح على أن المكاتب عبد ،ولول ذلك ما بيعت بريرة ،ولو كان
فيهحا شيحء محن العتحق محا أجاز بيحع ذلك؛ إذ محن سحنته المجمحع عليهحا أل يباع الححر .وكذلك كتابحة
سلمان وجويرية؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم حكم لجميعهم بالرق حتى أدوا الكتابة .وهي حجة
للجمهور في أن المكاتب عبد ما بقي عليه شيء .وقد ناظحر علي بن أبي طالب زيد بن ثابت في
المكاتب؛ فقال لعلي :أكنت راجمه لو زنى ،أو مجيزا شهادته لو شهد؟ فقال علي ل .فقال زيد :هو
عبحد ما بقي عليه شيحء .وقحد روى النسحائي عن علي وابن عباس رضحي ال عنهم عن رسول ال
صلى ال عليه وسم أنه قال( :المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما أدى ويرث
بقدر محا عتحق منحه) .وإسحناده صححيح .وهحو حجحة لمحا روي عحن علي ،ويعتضحد بمحا رواه أبحو داود
عن نبهان مكاتب أم سلمة قال سمعت أم سلمة تقول :قال لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا
كان لحداكحن مكاتحب وكان عنده محا يؤدي فلتحتجحب منحه) .وأخرجحه الترمذي وقال :حديحث حسحن
صححيح .إل أنحه يحتمحل أن يكون خطابحا محع زوجاتحه ،أخذا بالحتياط والورع فحي حقهحن؛ كمحا قال
لسودة( :احتجبي منه) مع أنه قد حكم بأخوتها له ،وبقوله لعائشة وحفصة( :أفعمياوان أنتما ألستما
تبصرانه) يعني ابن أم مكتوم ،مع أنه قال لفاطمة بنت قيس( :اعتدي عند ابن أم مكتوم) وقد تقدم
هذا المعنى.
@ أجمع العلماء على أن المكاتب إذا حل عليه نجحم من نجومه أو نجمان أو نجومه كلها فوقف
السيد عن مطالبته وتركه بحال أن الكتابة ل تنفسخ ما داما على ذلك ثابتين.
قال مالك :ليس للعبد أن يعجز نفسه إذا كان له مال ظاهر ،وإن لم يظهر له مال فذلك إليه .وقال
الوزاعحي :ل يمكحن محن تعجيحز نفسحه إذا كان قويحا على الداء .وقال الشافعحي :له أن يعجحز نفسحه،
علم له مال أو قوة على الكتابححة أو لم يعلم؛ فإذا قال :قححد عجزت وأبطلت الكتابححة فذلك إليححه .وقال
مالك :إذا عجحز المكاتحب فكحل محا قبضحه منحه سحيده قبحل العجحز ححل له ،كان محن كسحبه أو محن صحدقة
عليه .وأما ما أعين به على فكاك رقبته فلم يف ذلك بكتابته كان لكل من أعانه الرجوع بما أعطى
أو تحلل منحه المكاتحب .ولو أعانوه صحدقة ل على فكاك رقبتحه فذلك إن عجحز ححل لسحيده ولو تحم بحه
فكاكحه وبقيحت منحه فضلة .فإن كان بمعنحى الفكاك ردهحا إليهحم بالحصحص أو يحللونحه منهحا .هذا كله
مذهحب مالك فيمحا ذكحر ابحن القاسحم .وقال أكثحر أهحل العلم :إن محا قبضحه السحيد منحه محن كتابتحه ،ومحا
فضحل بيده بعحد عجزه محن صحدقة أو غيرهحا فهحو لسحيده ،يطيحب له أخحذ ذلك كله .هذا قول الشافعحي
وأبي حنيفة وأصحابهما وأحمد بن حنبل ،ورواية عن شريح .وقال الثوري :يجعل السيد ما أعطاه
فحي الرقاب؛ وهحو قول مسحروق والنخعحي ،وروايحة عحن شريحح .وقالت طائفحة :محا قبحض منحه السحيد
فهو له ،وما فضل بيده بعد العجز فهو له دون سيده؛ وهذا قول بعض من ذهب إلى أن العبد يملك.
وقال إسحاق :ما أعطي بحال الكتابة رد على أربابه.
@ حديحث بريرة على اختلف طرقحه وألفاظحه يتضمحن أن بريرة وقحع فيهحا بيحع بعحد كتابحة تقدمحت.
واختلف الناس فحي بيحع المكاتحب بسحبب ذلك .وقحد ترجحم البخاري (باب بيحع المكاتحب إذا رضحي).
وإلى جواز بيعحه للعتحق إذا رضحي المكاتحب بالبيحع ولو لم يكحن عاجزا ،ذهحب ابحن المنذر والداودي،
وهحو الذي ارتضاه أبحو عمحر بحن عبدالبر ،وبحه قال ابحن شهاب وأبحو الزناد وربيعحة غيحر أنهحم قالوا:
لن رضاه بالبيحع عجحز منحه .وقال مالك وأبحو حنيفحة وأصححابهما :ل يجوز بيحع المكاتحب محا دام
مكاتبحا حتحى يعجحز ،ول يجوز بيحع كتابتحه بحال؛ وهحو قول الشافعحي بمصحر ،وكان بالعراق يقول:
بيعحه جائز وأمحا بيحع كتابتحه فغيحر جائزة .وأجاز مالك بيحع الكتابحة؛ فإن أداهحا عتحق وإل كان رقيقحا
لمشتري الكتابحة .ومنحع محن ذلك أبحو حنيفحة؛ لنحه بيحع غرر .واختلف قول الشافعحي فحي ذلك بالمنحع
والجازة .وقالت طائفة :يجوز بيع المكاتب على أن يمضي في كتابته؛ فإن أدى عتق وكان ولؤه
للذي ابتاعححه ،ولو عجححز فهححو عبححد له .وبححه قال النخعححي وعطاء والليححث وأحمححد وأبححو ثور .وقال
الوزاعحي :ل يباع المكاتحب إل للعتحق ،ويكره أن يباع قبحل عجزه؛ وهحو قول أحمحد وإسححاق .قال
أبحو عمحر :فحي حديحث بريرة إجازة بيحع المكاتحب إذا رضحي بالبيحع ولم يكحن عاجزا عحن أداء نجحم قحد
ححل عليحه؛ بخلف قول محن زعحم أن بيحع المكاتحب غيحر جائز إل بالعجحز؛ لن بريرة لم تذكحر أنهحا
عجزت عن أداء نجم ،ول أخبرت بأن النجم قد حل عليها ،ول قال لها النبي صلى ال عليه وسلم
أعاجزة أنحت أم هحل ححل عليحك نجحم .ولو لم يجحز بيحع المكاتحب والمكاتبحة إل بالعجحز عحن أداء محا قحد
حل لكان النبي صلى ال عليه وسلم قد سألها أعاجزة هي أم ل ،وما كان ليأذن في شرائها إل بعد
علمه صلى ال عليه وسلم أنها عاجزة ولو عن أداء نجم واحد قد حل عليها .وفي حديث الزهري
أنها لم تكن قضت من كتابتها شيئا .ول أعلم فحي هذا الباب حجة أصح من حديث بريرة هذا ،ولم
يرو عن النبي صلى ال عليه وسلم شيء يعارضه ،ول في شيء من الخبار دليل على عجزها.
اسحتدل محن منحع محن بيحع المكاتحب بأمور :منهحا أن قالوا إن الكتابحة المذكورة لم تكحن انعقدت ،وأن
قولها كاتبت أهلي معناه أنها راودتهم عليها ،وقدروا مبلغها وأجلها ولم يعقدوها .وظاهر الحاديث
خلف هذا إذا تؤمحل مسحاقها .وقيحل :إن بريرة عجزت عحن الداء فاتفقحت هحي وأهلهحا على فسحخ
الكتابحة ،وحينئذ صحح البيحع؛ إل أن هذا إنمحا يتمشحى على قول محن يقول :إن تعجيحز المكاتحب غيحر
مفتقر إلى حكم حاكم إذا اتفق العبد والسيد عليه؛ لن الححق ل يعدوهما ،وهو المذهب المعروف.
وقال سححنون :ل بحد من السحلطان؛ وهذا إنمحا خاف أن يتواطحأ على ترك ححق ال تعالى .ويدل على
صحححة أنهحا عجزت محا روي أن بريرة جاءت عائشحة تسححتعينها فححي كتابتهححا ولم تكححن قضححت محن
كتابتها شيئا؛ فقالت لها عائشة :ارجعحي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك فعلت .فظاهر
هذا أن جميحع كتابتهحا أو بعضهحا اسحتحق عليهحا؛ لنحه ل يقضحى محن الحقوق إل محا وجبحت المطالبحة
بحه ،وال أعلم .هذه التأويلت أشبحه محا لهحم وفيهحا محن الدخحل محا بيناه .وقال ابحن المنذر :ول أعلم
حجحة لمحن قال ليحس له بيحع المكاتحب إل أن يقول لعحل بريرة عجزت .قال الشافعحي :وأظهحر معانيحه
أن لمالك المكاتب بيعه.
@ المكاتب إذا أدى كتابته عتق ول يحتاج إلى ابتداء عتق من السيد .كذلك ولده الذين ولدوا في
كتابتحه محن أمتحه ،يعتقون بعتقحه ويرقون برقحه؛ لن ولد النسحان محن أمتحه بمثابتحه اعتبارا بالححر
وكذلك ولد المكاتبة ،فإن كان لهما ولد قبل الكتابة لم يدخل في الكتابة إل بشرط.
@قوله تعالى" :وآتوهم من مال ال الذي آتاكم" هذا أمر للسادة بإعانتهم في مال الكتابة إما بأن
يعطوهم شيئا مما في أيديهم -أعني أيدي السادة -أو يحطوا عنهم شيئا من مال الكتابة .قال مالك:
يوضحع عحن المكاتحب محن آخحر كتابتحه .وقحد وضحع ابحن عمحر خمسحة آلف محن خمسحة وثلثيحن ألفحا.
واسحتحسن علي رضحي ال عنحه أن يكون ذلك ربحع الكتابحة .قال الزهراوي :روي ذلك عحن النحبي
صحلى ال عليحه وسحلم .واسحتحسن ابحن مسحعود والحسحن بحن أبحي الحسحن ثلثهحا .وقال قتادة :عشرهحا.
ابححن جححبير :يسححقط عنححه شيئا ،ولم يحده؛ وهححو قول الشافعححي ،واسححتحسنه الثوري .قال الشافعححي:
والشيء أقل شيء يقع عليه اسم شيء ،ويجبر عليه السيد ويحكم به الحاكحم على الورثة إن مات
السححيد .ورأى مالك رحمححه ال تعالى هذا المححر على الندب ،ولم يححر لقدر الوضعيححة حدا .احتححج
الشافعحي بمطلق المحر فحي قوله "وآتوهم" ،ورأى أن عطحف الواجب على الندب معلوم في القرآن
ولسحان العرب كمحا قال تعالى" :إن ال يأمحر بالعدل والحسحان وإيتاء ذي القربحى" [النححل]90 :
ومحا كان مثله .قال ابحن العربحي :وذكره قبله إسحماعيل بحن إسححاق القاضحي ،جعحل الشافعحي اليتاء
واجبا ،والكتابة غير واجبة؛ فجعل الصل غير واجب والفرع واجبا ،وهذا ل نظير له ،فصارت
دعوى محضحة .فإن قيحل :يكون ذلك كالنكاح ل يجحب فإذا انعقحد وجبحت أحكامحه ،منهحا المتعحة .قلنحا:
عندنحا ل تجحب المتعحة فل معنحى لصححاب الشافعحي .وقحد كاتحب عثمان بحن عفان عبده وحلف أل
يحطه ،...في حديث طويل.
قلت :وقححد قال الحسححن والنخعححي وبريدة إنمححا الخطاب بقوله "وآتوهححم" للناس أجمعيححن فححي أن
يتصحدقوا على المكاتحبين ،وأن يعينوهحم فحي فكاك رقابهحم .وقال زيحد بحن أسحلم :إنمحا الخطاب للولة
بأن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حظهم؛ وهو الذي تضمنه قوله تعالى "وفي الرقاب" .وعلى
هذين القولين فليس لسيد المكاتب أن يضع شيئا عن مكاتبه .ودليل هذا أنه لو أراد حط شيء من
نجوم الكتابة لقال وضعوا عنهم كذا.
@ إذا قلنحا :إن المراد بالخطاب السحادة فرأى عمحر بحن الخطاب أن يكون ذلك محن أول نجومحه،
مبادرة إلى الخير خوفا أل يدرك آخرها .ورأى مالك رحمه ال تعالى وغيره أن يكون الوضع من
آخر نجم .وعلة ذلك أنه إذا وضع من أول نجم ربما عجز العبد فرجع هو وماله إلى السيد ،فعادت
إليه وضيعته وهي شبه الصدقة .وهذا قول عبدال بن عمر وعلي .وقال مجاهد :يترك له من كل
نجححم .قال ابححن العربححي :والقوى عندي أن يكون فححي آخرهححا؛ لن السححقاط أبدا إنمححا يكون فححي
أخريات الديون.
@ المكاتب إذا بيع للعتق رضا منه بعد الكتابة وقبض بائعه ثمنه لم يجب عليه أن يعطيه من ثمنه
شيئا ،سحواء باعحه لعتحق أو لغيحر عتحق ،وليحس ذلك كالسحيد يؤدي إليحه مكاتحب كتابتحه فيؤتيحه منهحا أو
يضع عنه من آخرها نجما أو ما شاء؛ على ما أمر ال به في كتابه لن النبي صلى ال عليه وسلم
لم يأمر موالي بريرة بإعطائها مما قبضوا شيئا ،وإن كانوا قد باعوها للعتق.
@ اختلفوا في صفة عقد الكتابة؛ فقال ابن خويز منداد :صفتها أن يقول السيد لعبده كاتبتك على
كذا وكذا محن المال ،فحي كذا وكذا نجمحا ،إذا أديتحه فأنحت ححر .أو يقول له أد إلي ألفحا فحي عشرة أنجحم
وأنحت ححر .فيقول العبحد قحد قبلت ونححو ذلك محن اللفاظ؛ فمتحى أداهحا عتحق .وكذلك لو قال العبحد
كاتبنححي ،فقال السححيد قححد فعلت ،أو قححد كاتبتححك .قال ابححن العربححي :وهذا ل يلزم لن لفححظ القرآن ل
يقتضيه والحال يشهد له؛ فإن ذكره فحسن ،وإن تركه فهو معلوم ل يحتاج إليه .ومسائل هذا الباب
وفروعه كثيرة ،وقد ذكرنا من أصوله جملة ،فيها لمن اقتصر عليها كفاية ،وال الموفق للهداية.
@ في ميراث المكاتب؛ واختلف العلماء في ذلك على ثلثة أقوال
[فمذهحب مالك] أن المكاتحب إذا هلك وترك مال أكثحر ممحا بقحي عليه من كتابتحه وله ولد ولدوا فحي
كتابتحه أو كاتحب عليهحم ،ورثوا محا بقحي محن المال بعحد قضاء كتابتحه؛ لن حكمهحم كحكمحه ،وعليهحم
السحعي فيمحا بقحي محن كتابتحه لو لم يخلف مال ،ول يعتقون إل بعتقحه ،ولو أدى عنهحم محا رجحع بذلك
عليهم؛ لنهم يعتقون عليه؛ فهم أولى بميراثه لنهم مساوون له في جميع حاله.
والقول الثاني :أنه يؤدى عنه من مال جميع كتابته ،وجعل كأنه قد مات حرا ،ويرثه جميع ولده
وسحواء فحي ذلك محن كان حرا قبحل موتحه محن ولده ومحن كاتحب عليهحم أو ولدوا فحي كتابتحه لنهحم قحد
اسحتووا فحي الحريحة كلهحم حيحن تأدت عنهحم كتابتهحم .روي هذا القول عحن علي وابحن مسحعود ومحن
التابعيحن عحن عطاء والحسحن وطاوس وإبراهيحم ،وبحه قال فقهاء الكوفحة سحفيان الثوري وأبحو حنيفحة
وأصحابه والحسن بن صالح بن حي ،وإليه ذهب إسحاق.
والقول الثالث :أن المكاتحب إذا مات قبحل أن يؤدي جميحع كتابتحه فقحد مات عبدا ،وكحل محا يخلفحه
من المال فهو لسيده ،ول يرثه أحد من أولده ،ل الحرار ول الذين معه في كتابته؛ لنه لما مات
قبحل أن يؤدي جميحع كتابتحه فقحد مات عبدا وماله لسحيده ،فل يصحح عتقحه بعحد موتحه؛ لنحه محال أن
يعتق عبد بعد موته ،وعلى ولده الذين كاتب عليهم أو ولدوا في كتابته أن يسعوا في باقي الكتابة،
ويسحقط عنهحم منهحا قدر حصححته ،فإن أدوا عتقوا لنهحم كانوا فيهححا تبعححا لبيهححم ،وإن لم يؤدوا ذلك
رقوا .هذا قول الشافعحي ،وبحه قال أحمحد بحن حنبحل ،وهحو قول عمحر بحن الخطاب وزيحد بحن ثابحت
وعمر بن عبدالعزيز والزهري وقتادة.
@قوله تعالى" :ول تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا" روي عن جابر بن عبدال وابن
عباس رضحي ال عنهحم أن هذه اليحة نزلت فحي عبدال بن أبيحّ ،وكانحت له جاريتان إحداهمحا تسحمى
معاذة والخرى مسحيكة ،وكان يكرههمحا على الزنحى ويضربهمحا عليحه ابتغاء الجحر وكسحب الولد
فشكتحا ذلك إلى النبي صحلى ال عليه وسحلم فنزلت الية فيحه وفيمن فعل فعله من المنافقيحن .ومعاذة
هذه أم خولة التحي جادلت النحبي صحلى ال عليه وسحلم فحي زوجهحا .وفحي صححيح مسحلم عحن جابر أن
جاريحة لعبدال بحن أبيّح يقال لهحا مسحيكة وأخرى يقال لهحا أميمحة فكان يكرههمحا على الزنحى ،فشكتحا
ذلك إلى النححبي صححلى ال عليححه وسححلم فأنزل ال عحز وجحل "ول تكرهوا فتياتكححم على البغاء -إلى
قوله -غفور رحيححم"" .إن أردن تحصححنا" راجححع إلى الفتيات ،وذلك أن الفتاة إذا أرادت التحصححن
فحينئذ يمكحن ويتصحور أن يكون السحيد مكرهحا ،ويمكحن أن ينهحى عحن الكراه .وإذا كانحت الفتاة ل
تريححد التحصححن فل يتصححور أن يقال للسححيد ل تكرههححا؛ لن الكراه ل يتصححور فيهححا وهححي مريدة
للزني .فهذا أمر في سادة وفتيات حالهم هذه .وإلى هذا المعنى أشار ابن العربي فقال :إنما ذكر ال
تعالى إرادة التحصحن محن المرأة لن ذلك هحو الذي يصحور الكراه؛ فأمحا إذا كانحت هحي راغبحة فحي
الزنحى لم يتصحور إكراه ،فحصلوه .وذهحب هذا النظحر عن كثيحر من المفسحرين؛ فقال بعضهحم قوله:
"إن أردن تحصنا" راجع إلى اليامى ،قال الزجاج والحسين بن الفضل :في الكلم تقديم وتأخير؛
أي وأنكحوا اليامى والصالحين من عبادكم إن أردن تحصنا .وقال بعضهم :هذا الشرط في قوله:
"إن أردن" ملغى ،ونحو ذلك مما يضعف وال الموفق.
@قوله تعالى" :لتبتغوا عرض الحياة الدنيا" أي الشيء الذي تكسبه المة بفرجها والولد يسترق
فيباع .وقيحل :كان الزانحي يفتدي ولده محن المزنحي بهحا بمائة محن البحل يدفعهحا إلى سحيدها" .ومحن
يكرههحن" أي يقهرهحن" .فإن ال محن بعحد إكراههحن غفور" لهحن "رحيحم" بهحن .وقرأ ابحن مسحعود
وجابر بن عبدال وابن جبير "لهن غفور" بزيادة لهن .وقد مضى الكلم في الكراه في "النحل"
والحمحد ل .ثحم عدد تعالى على المؤمنيحن نعمحه فيمحا أنزل إليهحم محن اليات المنيرات وفيهحا ضرب
لهم من أمثال الماضين من المم ليقع التحفظ مما وقع أولئك فيه.
**3اليحة{ 35 :ال نور السحماوات والرض مثحل نوره كمشكاة فيهحا مصحباح المصحباح فحي
زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها
يضيحححء ولو لم تمسحححسه نار نور على نور يهدي ال لنوره محححن يشاء ويضرب ال المثال للناس
وال بكل شيء عليم}
@ النور فحي كلم العرب :الضواء المدركحة بالبصحر .واسحتعمل مجازا فيمحا صحح محن المعانحي
ولح فيقال منه :كلم له نور .ومنه :الكتاب المنير ،ومنه قول الشاعر:
نورا ومن فلق الصباح عمودا نسب كأن عليه من شمس الضحا
والناس يقولون :فلن نور البلد ،وشمس العصر وقمره .وقال:
فإنك شمس والملوك كواكب
وقال آخر:
قمر القبائل خالد بن يزيد هل خصصت من البلد بمقصد
وقال آخر:
فقد سار منها نورها وجمالها إذا سار عبد ال من مرو ليلة
فيجوز أن يقال :ل تعالى نور من جهة المدح لنه أوجحد الشياء ونور جميحع الشياء منه ابتداؤهحا
وعنحه صحدورها وهحو سحبحانه ليحس محن الضواء المدركحة جحل وتعالى عمحا يقول الظالمون علوا
كحبيرا .وقحد قال هشام الجوالقحي وطائفحة محن المجسحمة :هحو نور ل كالنوار ،وجسحم ل كالجسحام.
وهذا كله محال على ال تعالى عقل ونقل على ما يعرف في موضعه من علم الكلم .ثم إن قولهم
متناقض؛ فإن قولهم جسم أو نور حكم عليه بحقيقة ذلك ،وقولهم ل كالنوار ول كالجسام نفي لما
أثبتوه من الجسمية والنور؛ وذلك متناقض ،وتحقيقه في علم الكلم .والذي أوقعهم في ذلك ظواهر
اتبعوهححا منهححا هذه اليححة ،وقول عليححه السححلم إذا قام مححن الليححل يتهجححد (اللهححم لك الحمححد أنححت نور
السحموات والرض) .وقال عليحه السحلم وقحد سحئل :هحل رأيحت ربحك؟ فقال( :رأيحت نورا) .إلى غيحر
ذلك من الحاديث.
واختلف العلماء في تأويل هذه الية؛ فقيل :المعنى أي به وبقدرته أنارت أضواؤها ،واستقامت
أمورهحا ،وقامحت مصحنوعاتها .فالكلم على التقريحب للذهحن؛ كمحا يقال :الملك نور أهحل البلد؛ أي بحه
قوام أمرها وصلح جملتها؛ لجريان أموره على سنن السداد .فهو في الملك مجاز ،وهو في صفة
ال حقيقحة محضحة ،إذ هحو الذي أبدع الموجودات وخلق العقحل نورا هاديحا؛ لن ظهور الموجود بحه
حصححل كمححا حصححل بالضوء ظهور المبصححرات ،تبارك وتعالى ل رب غيره .قال معناه مجاهححد
والزهري وغيرهمحا .قال ابحن عرفحة :أي منور السحموات والرض .وكذا قال الضحاك والقرظحي.
كما يقولون :فلن غياثنا؛ أي مغيثنا .وفلن زادي؛ أي مزودي .قال جرير:
ونبت لمن يرجو نداك وريق وأنت لنا نور وغيث وعصمة
أي ذو ورق .وقال مجاهححد :مدبر المور فححي السححموات والرض .أبي حّ بححن كعححب والحسححن وأبححو
العاليحة :مزيحن السحموات بالشمحس والقمحر والنجوم ،ومزيحن الرض بالنحبياء والعلماء والمؤمنيحن.
وقال ابن عباس وأنس :المعنى ال هادي أهل السموات والرض .والول أعم للمعاني وأصح مع
التأويل.
@قوله تعالى" :مثحل نوره" أي صحفة دلئله التحي يقذفهحا فحي قلب المؤمحن؛ والدلئل تسحمى نورا.
وقد سمى ال تعالى كتابه نورا فقال" :وأنزلنا إليكم نورا مبينا" [النساء ]174 :وسمى نبيه نورا
فقال" :قد جاءكم من ال نور وكتاب مبين" [المائدة .]15 :وهذا لن الكتاب يهدي ويبين ،وكذلك
الرسحول .ووجحه الضافحة إلى ال تعالى أنحه مثبحت الدللة ومبينهحا وواضعهحا .وتحتمحل اليحة معنحى
آخر ليس فيه مقابلة جزء من المثال بجزء من الممثل به ،بل وقع التشبيه فيه جملة بجملة ،وذلك
أن يريحد مثحل نور ال الذي هحو هداه وإتقانحه صحنعة كحل مخلوق وبراهينحه السحاطعة على الجملة،
كهذه الجملة محن النور الذي تتخذونحه أنتحم على هذه الصحفة ،التحي هحي أبلغ صحفات النور الذي بيحن
أيدي الناس؛ فمثحل نور ال فحي الوضوح كهذا الذي هحو منتهاكحم أيهحا البشحر .والمشكاة :الكوة فحي
الحائط غيحر النافذة؛ قال ابحن جحبير وجمهور المفسحرين ،وهحي أجمحع للضوء ،والمصحباح فيهحا أكثحر
إنارة منحه فحي غيرهحا ،وأصحلها الوعاء يجعحل فيحه الشيحء .والمشكاة وعاء محن أدم كالدلو يحبرد فيهحا
الماء؛ وهو على وزن مفعلة كالمقراة والمصفاة .قال الشاعر:
قيضا اقتياضا بأطراف المناقير كأن عينيه مشكاتان في حجر
وقيحل :المشكاة عمود القنديحل الذي فيحه الفتيلة .وقال مجاهحد :هحي القنديحل .وقال "فحي زجاجحة" لنحه
جسحم شفاف ،والمصحباح فيحه أنور منحه فحي غيحر الزجاج .والمصحباح :الفتيحل بناره "كأنهحا كوكحب
دري" أي فحي النارة والضوء .وذلك يحتمحل معنييحن :إمحا أن يريحد أنهحا بالمصحباح كذلك ،وإمحا أن
يريد أنها في نفسها لصفائها وجودة جوهرها كذلك .وهذا التأويل أبلغ في التعاون على النور .قال
الضحاك :الكوكب الدري هو الزهرة.
@قوله تعالى" :يوقد من شجرة مباركة" أي من زيت شجرة ،فحذف المضاف .والمبارة المنماة؛
والزيتون مححن أعظححم الثمار نماء ،والرمان كذلك .والمعنححى يقتضححي ذلك .وقول أبححي طالب يرثححي
مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبدشمس:
رو وليت يقولها المحزون ليت شعري مسافر بن أبي عمح
رك نبع الرمان والزيتون بورك الميت الغريب كما بو
وقيحل :محن بركتهمحا أن أغصحانهما تورق محن أسحفلها إلى أعلهحا .وقال ابحن عباس :فحي الزيتونحة
منافع ،يسرج بالزيت ،وهو إدام ودهان ودباغ ،ووقود يوقد بحطبه وتفله ،وليس فيه شيء إل وفيه
منفعحة ،حتحى الرماد يغسحل بحه البريسحم .وهحي أول شجرة نبتحت فحي الدنيحا ،وأول شجرة نبتحت بعحد
الطوفان ،وتنبححت فححي منازل النححبياء والرض المقدسححة ،ودعححا لهححا سححبعون نبيححا بالبركححة؛ منهححم
إبراهيحم ،ومنهحم محمححد صحلى ال عليحه وسحلم فإنحه قال( :اللهحم بارك فححي الزيحت والزيتون) .قاله
مرتين.
@قوله تعالى" :ل شرقية ول غربية" اختلف العلماء في قوله تعالى" :ل شرقية ول غربية" فقال
ابحن عباس وعكرمحة وقتادة وغيرهحم :الشرقيحة التحي تصحيبها الشمحس إذا شرقحت ول تصحيبها إذا
غربحت لن لهحا سحترا .والغربيحة عكسحها؛ أي أنهحا شجرة فحي صححراء ومنكشحف محن الرض ل
يواريهحا عحن الشمحس شيحء وهحو أجود لزيتهحا ،فليسحت خالصحة للشرق فتسحمى شرقيحة ول للغرب
فتسحمى غربيحة ،بحل هحي شرقيحة غربيحة .وقال الطحبري عحن ابحن عباس :إنهحا شجرة فحي دوححة قحد
أحاطت بها؛ فهي غير منكشفة من جهة الشرق ول من جهة الغرب .قال ابن عطية :وهذا قول ل
يصحح عحن ابحن عباس لن الثمرة التحي بهذه الصحفة يفسحد جناهحا وذلك مشاهحد فحي الوجود .وقال
الحسن :ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا ،وإنما هو مثل ضربه ال تعالى لنوره ،ولو كانت في
الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية .الثعلبي :وقد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا؛ لنها بدل من
الشجرة ،فقال "زيتونححة" .وقال ابححن زيححد :إنهححا مححن شجححر الشأم؛ فإن شجححر الشأم ل شرقححي ول
غربحي ،وشجحر الشأم هحو أفضحل الشجحر ،وهحي الرض المباركحة ،و"شرقيحة" نعحت "لزيتونحة"
و"ل" ليست تحول بين النعت والمنعوت" ،ول غربية" عطف عليه.
@قوله تعالى" :يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار" مبالغة في حسنه وصفائه وجودته" .نور
على نور" أي اجتمحع فحي المشكاة ضوء المصحباح إلى ضوء الزجاجحة وإلى ضوء الزيحت فصحار
لذلك نور على نور .واعتقلت هذه النوار فحي المشكاة فصحارت كأنور محا يكون فكذلك براهيحن ال
تعالى واضحة وهي برهان بعد برهان ،وتنبيه بعد تنبيه؛ كإرساله الرسل وإنزاله الكتب ،ومواعظ
تتكرر فيها لمن له عقل معتبر .ثم ذكر تعالى هداه لنوره من شاء وأسعد من عباده ،وذكر تفضله
لعباد فحي ضرب المثال لتقحع لهحم العحبرة والنظحر المؤدي إلى اليمان .وقرأ عبدال بحن عياش بحن
أبي ربيعة وأبو عبدالرحمن السلمي "ال نور" بفتح النون والواو المشددة .واختلف المتأولون في
عود الضميححر فححي "نوره" على مححن يعود؛ فقال كعححب الحبار وابححن جححبير :هححو عائد على محمححد
صححلى ال عليححه وسححلم؛ أي مثححل نور محمححد صححلى ال عليححه وسححلم .قال ابححن النباري" :ال نور
السححموات والرض" وقحف حسحن ،ثحم تبتدئ "مثحل نوره كمشكاة فيهححا مصحباح" على معنححى نور
محمد صلى .وقال أبي بن كعب وابن جبير أيضا والضحاك :هو عائد على المؤمنين .وفي قراءة
أبيّح "مثحل نور المؤمنيحن" .وروي أن فحي قراءتحه "مثحل نور المؤمحن" .وروي أن فيهحا "مثحل نور
محن آمحن بحه" .وقال الحسحن :هحو عائد على القرآن واليمان .قال مكحي :وعلى هذه القوال يوقحف
على قوله" :والرض" .قال ابن عطية :وهذه القوال فيها عود الضمير على من لم يجر له ذكر،
وفيهحا مقابلة جزء محن المثال بجزء محن الممثحل فعلى محن قال :الممثحل بحه محمحد صحلى ال عليحه
وسحلم ،وهحو قول كعحب الححبر؛ فرسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم هحو المشكاة أو صحدره والمصحباح
هححو النبوة ومححا يتصححل بهححا مححن عمله وهداه ،والزجاجححة قلبححه ،والشجرة المباركححة هححي الوحححي،
والملئكحة رسحل ال إليه وسحببه المتصحل بحه ،والزيحت هحو الحجحج والبراهيحن واليات التحي تضمنهحا
الوحي .ومن قال :الممثل به المؤمن ،وهو قول أب يّ؛ فالمشكاة صدره ،والمصباح اليمان والعلم،
والزجاجة قلبه ،وزيتها هو الحجج والحكمة التي تضمنها .قال أب يّ :فهو على أحسن الحال يمشي
فحي الناس كالرجحل الححي يمشحي فحي قبور الموات .ومحن قال :إن الممثحل بحه هحو القرآن واليمان؛
فتقديحر الكلم :مثحل نوره الذي هحو اليمان فحي صحدر المؤمحن فحي قلبحه كمشكاة؛ أي كهذه الجملة.
وهذا القول ليححس فححي مقابلة التشححبيه كالوليححن؛ لن المشكاة ليسححت تقابححل اليمان .وقالت طائفححة:
الضميححر فححي "نوره" عائد على ال تعالى .وهذا قول ابححن عباس فيمححا ذكححر الثعلبححي والماوردي
والمهدوي ،وقد تقدم معناه .ول يوقحف على هذا القول على "الرض" .قال المهدوي :الهاء ل عز
وجل؛ والتقدير :ال هادي أهل السموات والرض ،مثل هداه في قلوب المؤمنين كمشكاة؛ وروي
ذلك عحن ابحن عباس .وكذلك قال زيحد بحن أسحلم ،والحسحن :إن الهاء ل عحز وجحل .وكان أبيّح وابحن
مسحعود يقرآنهحا "مثحل نوره فحي قلب المؤمحن كمشكاة" .قال محمحد بحن علي الترمذي :فأمحا غيرهمحا
فلم يقرأها في التنزيل هكذا ،وقد وافقهما في التأويل أن ذلك نوره قلب المؤمن ،وتصديقه في آية
أخرى يقول" :أفمن شرح ال صدره للسلم فهو على نور من ربه" [الزمر.]22 :
واعتل الولون بأن قالوا :ل يجوز أن يكون الهاء ل عز وجل؛ لن ال عز وجل ل حدّ لنوره.
وأمال الكسائي فيما روى عنه أبو عمر الدوري اللف من "مشكاة" وكسر الكاف التي قبلها .وقرأ
نصر بن عاصم "زجاجة" بفتح الزاي و"الزجاجة" كذلك ،وهي لغة .وقرأ ابن عامر وحفص عن
عاصححم "دري" بضححم الدال وشححد الياء ،ولهذه القراءة وجهان :إمححا أن ينسححب الكوكححب إلى الدر
لبياضه وصفائه ،وإما أن يكون أصله دريء مهموز ،فعيل من الدرء وهو الدفع ،وخففت الهمزة.
ويقال للنجوم العظام التحي ل تعرف أسحماؤها :الدراري ،بغيحر همحز فلعلهحم خففوا الهمزة ،والصحل
من الدرء الذي هو الدفع .وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم "دريء" بالهمز والمد ،وهو فعيل من
الدرء؛ بمعنى أنها يدفع بعضها بعضا .وقرأ الكسائي وأبو عمرو "دريء" بكسر الدال والهمز من
الدرء والدفحع؛ مثحل السحكير والفسحيق .قال سحيبويه :أي يدفحع بعحض ضوئه بعضحا محن لمعانحه .قال
النحاس :وضعحف أبحو عبيحد قراءة أبحي عمرو والكسحائي تضعيفحا شديدا ،لنحه تأولهحا محن درأت أي
دفعحت؛ أي كوكحب يجري محن الفحق إلى الفحق .وإذا كان التأويحل على محا تأوله لم يكحن فحي الكلم
فائدة ،ول كان لهذا الكوكحب مزية على أكثحر الكواكحب؛ أل ترى أنه ل يقال جاءني إنسحان من بنحي
آدم .ول ينبغي أن يتأول لمثل أبي عمرو والكسائي مع علمهما وجللتهما هذا التأويل البعيد ،ولكن
التأويل لهما على ما روي عن محمد بن يزيد أن معناهما في ذلك :كوكب مندفع بالنور؛ كما يقال:
اندرأ الحريحق أن اندفحع .وهذا تأويحل صححيح لهذه القراءة .وحكحى سحعيد بحن مسحعدة أنحه يقال :درأ
الكوكحب بضوئه إذا امتحد ضوءه وعل .وقال الجوهري فحي الصححاح :ودرأ علينحا فلن يدرأ دروءا
أي طلع مفاجأة .ومنه كوكب دريء ،على فعيل؛ مثل سكير وخمير؛ لشدة توقده وتللئه .وقد درأ
الكوكب دروءا .قال أبو عمرو بن العلء :سألت رجل من سعد بن بكر من أهل ذات عرق فقلت:
هذا الكوكحب الضخحم محا تسحمونه؟ قال :الدريحء ،وكان محن أفصحح الناس .قال النحاس :فأمحا قراءة
حمزة فأهحل اللغحة جميعحا قالوا :هحي لححن ل تجوز ،لنحه ليحس فحي كلم العرب اسحم على فعيحل .وقحد
اعترض أبو عبيد في هذا فاحتج لحمزة فقال :ليس هو فعيل وإنما هو فعول ،مثل سبوح ،أبدل من
الواو ياء؛ كما قالوا :عتي.
قال أبحو جعفحر النحاس :وهذا العتراض والحتجاج محن أعظحم الغلط وأشده؛ لن هذا ل يجوز
البتحة ،ولو جاز محا قال لقيحل فحي سحبوح سحبيح ،وهذا ل يقوله أححد ،وليحس عتحي محن هذا ،والفرق
بينهما واضح بين؛ لنه ليس يخلو عتي من إحدى جهتين :إما أن يكون جمع عات فيكون البدل فيه
لزمحا ،لن الجمحع باب تغييحر ،والواو ل تكون طرفحا فحي السحماء وقبلهحا ضمحة ،فلمحا كان قبحل هذه
سحاكن وقبحل السحاكن ضمحة والسحاكن ليحس بحاجحز حصحين أبدل محن الضمحة كسحرة فقلبحت الواو ياء.
وإن كان عتحي واحدا كان بالواو أولى ،وجاز قلبهحا لنهحا طرف ،والواو فحي فعول ليسحت طرفحا فل
يجوز قلبهححا .قال الجوهري :قال أبححو عبيححد إن ضممححت الدال قلت دري ،يكون منسححوبا إلى الدر،
على فعلي ولم تهمزه لنه ليس في كلم العرب فعيل .ومن همزه من القراء فإنما أراد فعول مثل
سبوح فاستثقل فرد بعضه إلى الكسر .وحكى الخفش عن بعضهم "دريء" من درأته ،وهمزها
وجعلها على فعيل مفتوحة الول .قال :وذلك من تللئه .قال الثعلبي :وقرأ سعيد بن المسيب وأبو
رجاء "دريحء" بفتحح الدال مهموزا .قال أبحو حاتحم :هذا خطحأ لنحه ليحس فحي الكلم فعيحل؛ فإن صحح
عنهمحا فهمحا حجة" .يوقد" قرأ شيبحة ونافع وأيوب وسحلم وابن عامر وأهحل الشام وحفص "يوقحد"
بياء مضمومححة وتخفيححف القاف وضححم الدال .وقرأ الحسححن والسححلمي وأبححو جعفححر وأبححو عمرو بححن
العلء البصحري "توقحد" مفتوححة الحروف كلهحا مشددة القاف ،واختارهحا أبحو حاتحم وأبحو عبيحد .قال
النحاس :وهاتان القراءتان متقاربتان؛ لنهما جميعا للمصباح ،وهو أشبه بهذا الوصف؛ لنه الذي
ينيحر ويضيحء ،وإنمحا الزجاجحة وعاء له .و"توقحد" فعحل ماض محن توقحد يتوقحد ،ويوقحد فعحل مسحتقبل
من أوقد يوقد .وقرأ نصر بن عاصم "توقد" والصل على قراءته تتوقد حذف إحدى التاءين لن
الخرى تدل عليهححا .وقرأ الكوفيون "توقححد" بالتاء يعنون الزجاجححة .فهاتان القراءتان على تأنيححث
الزجاجة.
@قوله تعالى" :محن شجرة مباركحة زيتونحة ل شرقيحة ول غربيحة" تقدم القول فيحه" .يكاد زيتهحا
يضيحء ولو لم تمسحسه نار نور على نور" على تأنيحث النار .وزعحم أبحو عبيحد أنحه ل يعرف إل هذه
القراءة .وحكحى أبحو حاتحم أن السحدي روى عحن أبحي مالك عحن ابحن عباس أنحه قرأ "ولو لم يمسحسه
نار" بالياء .قال محمحد بحن يزيحد :التذكيحر على أنحه تأنيحث غيحر حقيقحي ،وكذا سحبيل المؤنحث عنده.
وقال ابن عمر :المشكاة جوف محمد صلى ال عليه وسلم ،والزجاجة قلبه ،والمصباح النور الذي
جعله ال تعالى فحي قلبحه يوقحد شجرة مباركحة؛ أي أن أصحله محن إبراهيحم وهحو شجرتحه؛ فأوقحد ال
تعالى فحي قلب محمحد صحلى ال عليحه وسحلم النور كمحا جعله فحي قلب إبراهيحم عليحه السحلم .وقال
محمححد بححن كعححب :المشكاة إبراهيححم ،والزجاجححة إسححماعيل ،والمصححباح محمححد صححلوات ال عليهححم
أجمعيحن؛ سحماه ال تعالى مصحباحا كمحا سحماه سحراجا فقال" :وداعيحا إلى ال بإذنحه وسحراجا منيرا"
[الحزاب ]46 :يوقد من شجرة مباركة وهي آدم عليه السلم ،بورك في نسله وكثر منه النبياء
والولياء .وقيحل :هحي إبراهيحم عليحه السحلم ،سحماه ال تعالى مباركحا لن أكثحر النحبياء كانوا محن
صحلبه" .ل شرقيحة ول غربيحة" أي لم يكحن يهوديحا ول نصحرانيا وإنمحا كان حنيفحا مسحلما .وإنمحا قال
ذلك لن اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى تصلي فبل المشرق" .يكاد زيتها يضيء" أي يكاد
محاسحن محمحد صحلى ال عليحه وسحلم تظهحر للناس قبحل أن أوححى ال تعالى إليحه" .نور على نور"
نحبي محن نسحل نحبي .وقال الضحاك :شبحه عبدالمطلب بالمشكاة وعبدال بالزجاجحة والنحبي صحلى ال
عليحه وسحلم بالمصحباح كان فحي قلبهمحا ،فورث النبوة محن إبراهيحم" .محن شجرة" أي شجرة التقحى
والرضوان وعشيرة الهدى واليمان ،شجرة أصححلها نبوة ،وفرعهححا مروءة ،وأغصححانها تنزيححل،
وورقها تأويل ،وخدمها جبريل وميكائيل .قال القاضي أبو بكر بن العربي :ومن غريب المر أن
بعححض الفقهاء قال إن هذا مثححل ضربححه ال تعالى لبراهيححم ومحمححد ولعبدالمطلب وابنححه عبدال؛
فالمشكاة هحي الكوة بلغحة الحبشحة ،فشبحه عبدالمطلب بالمشكاة فيهحا القنديحل وهحو الزجاجحة ،وشبحه
عبدال بالقنديحل وهحو الزجاجحة؛ ومحمحد كالمصحباح يعنحي محن أصحلبهما ،وكأنحه كوكحب دري وهحو
المشتري "يوقححد مححن شجرة مباركححة" يعنححي إرث النبوة مححن إبراهيححم عليححه السححلم هححو الشجرة
المباركحة ،يعنحي حنيفيحة ل شرقيحة ول غربيحة ،ل يهوديحة ول نصحرانية" .يكاد زيتهحا يضيحء ولو لم
تمسسه نار" يقول :يكاد إبراهيم يتكلم بالوحي من قبل أن يوحي إليه" .نور على نور" إبراهيم ثم
محمد صلى ال عليه وسلم .قال القاضي :وهذا كله عدول عن الظاهر ،وليس يمتنع في التمثيل أن
يتوسع المرء فيه.
قلت :وكذلك فحي جميحع القوال لعدم ارتباطحه باليحة محا عدا القول الول ،وأن هذا مثحل ضربحه
ال تعالى لنوره ،ول يمكحن أن يضرب لنوره المعظحم مثل تنبيهحا لخلقحه إل ببعحض خلقحه لن الخلق
لقصححورهم ل يفهمون إل بأنفسححهم ومححن أنفسححهم ،ولول ذلك مححا عرف ال إل ال وحده ،قاله ابححن
العربحي .قال ابحن عباس :هذا مثحل نور ال وهداه فحي قلب المؤمحن كمحا يكاد الزيحت الصحافي يضيحء
قبل أن تمسه النار ،فإن مسته النار زاد ضوءه ،كذلك قلب المؤمن يكاد يعمل بالهدى قبل أن يأتيه
العلم ،فإذا جاءه العلم زاده هدى على هدى ونورا على نور؛ كقول إبراهيححححم مححححن قبححححل أن تجيئه
المعرفة" :هذا ربي" ،من قبل أن يخبره أحد أن له ربا؛ فلما أخبره ال أنه ربه زاد هدى ،فقال له
ربحه" :أسحلم قال أسحلمت لرب العالميحن" [البقرة .]131 :ومحن قال إن هذا مثحل للقرآن فحي قلب
المؤمححن قال :كمححا أن هذا المصححباح يسححتضاء بححه ول ينقححص فكذلك القرآن يهتدى بححه ول ينقححص
فالمصباح القرآن والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة لسانه وفهمه والشجرة المباركة شجرة الوحي.
"يكاد زيتهحا يضيحء ولو لم تمسحسه نار" تكاد حجحج القرآن تتضحح ولو لم يقرأ" .نور على نور"
يعنحي أن القرآن نور محن ال تعالى لخلقحه ،محع محا أقام لهحم محن الدلئل والعلم قبحل نزول القرآن،
فازدادوا بذلك نورا على نور .ثحم أخحبر أن هذا النور المذكور عزيحز وأنحه ل يناله إل محن أراد ال
هداه فقال" :يهدي ال لنوره محححن يشاء ويضرب ال المثال للناس" أي يحححبين الشباه تقريبحححا إلى
الفهام" .وال بكحل شيحء عليحم" أي بالمهدي والضال .وروي عحن ابحن عباس أن اليهود قالوا :يحا
محمد ،كيف يخلص نور ال تعالى من دون السماء فضرب ال تعالى ذلك مثل لنوره.
**3اليات{ 38 - 36 :فحي بيوت أذن ال أن ترفحع ويذكحر فيهحا اسحمه يسحبح له فيهحا بالغدو
والصحال ،رجال ل تلهيهحم تجارة ول بيحع عحن ذكحر ال وإقام الصحلة وإيتاء الزكاة يخافون يومحا
تتقلب فيه القلوب والبصار ،ليجزيهم ال أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله وال يرزق من يشاء
بغير حساب}
@قوله تعالى" :في بيوت أذن ال أن ترفع" الباء فحي "بيوت" تضم وتكسحر؛ وقد تقدم .واختلف
في الفاء من قول "في" فقيل :هي متعلقة "بمصباح" .وقيل :بح"يسبح له"؛ فعلى هذا التأويل يوقف
على "عليحم" .قال ابحن النباري :سحمعت أبحا العباس يقول هحو حال للمصحباح والزجاجحة والكوكحب؛
كأنحه قال وهحي فحي بيوت .وقال الترمذي الحكيحم محمحد بحن علي" :فحي بيوت" منفصحل ،كأنحه يقول:
ال في بيوت أذن ال أن ترفع؛ وبذلك جاءت الخبار أنه (من جلس في المسجد فإنه يجالس ربه).
وكذا محا جاء فحي الخحبر فيمحا يحكحى عحن التوراة (أن المؤمحن إذا مشحى إلى المسحجد قال ال تبارك
اسححمه عبدي زارنححي وعلي قراه ولن أرضححى له قرى دون الجنححة) .قال ابححن النباري :إن جعلت
"في" متعلقة بح"يسبح" أو رافعة للرجال حسن الوقف على قوله "وال بكل شيء عليم" [البقرة:
.]282وقال الرماني :هي متعلقة بح"يوقد" وعليه فل يوقف على "عليم" .فإن قيل :فما الوجه إذا
كان البيوت متعلقة بح"يوقد" في توحيد المصباح والمشكاة وجمع البيوت ،ول يكون مشكاة واحدة
إل في بيت واحد .قيل :هذا من الخطاب المتلون الذي يفتح :التوحيد ويختم بالجمع؛ كقوله تعالى:
"يا أيها النبي إذا طلقتم النساء" [الطلق ]1 :ونحوه .وقيل :رجع إلى كل واحد من البيوت .وقيل:
هو كقوله تعالى" :وجعل القمر فيهن نورا" [نوح ]16:وإنما هو في واحدة منها .واختلف الناس
فححي البيوت هنححا على خمسححة أقوال :الول -أنهححا المسححاجد المخصححوصة ل تعالى بالعبادة ،وأنهححا
تضيء لهل السحماء كمحا تضيء النجوم لهحل الرض؛ قاله ابن عباس ومجاهحد والحسن .الثانحي:
هحي بيوت بيحت المقدس؛ عحن الحسحن أيضحا .الثالث :بيوت النحبي صحلى ال عليحه وسحلم؛ عن مجاهحد
أيضحا .الرابحع :هحي البيوت كلهحا؛ قاله عكرمحة .وقوله" :يسحبح له فيهحا بالغدو والصحال" يقوي أنهحا
المسحاجد .وقول خامحس :أنهحا المسحاجد الربعحة التحي لم يبنهحا إل نحبي :الكعبحة وبيحت أريححا ومسحجد
المدينة ومسجد قباء؛ قال ابن بريدة .وقد تقدم ذلك في "التوبة].
قلت :الظهحر القول الول؛ لمحا رواه أنحس بحن مالك عحن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم قال:
(من أحب ال عز وجل فليحبني ومن أحبني فليحب أصحابي ومن أحب أصحابي فليحب القرآن
ومحن أححب القرآن فليححب المسحاجد فإنهحا أفنيحة ال أبنيتحه أذن ال فحي رفعهحا وبارك فيهحا ميمونحة
ميمون أهلها محفوظة محفوظ أهلها هم في صلتهم وال عز وجل في حوائجهم هم في مساجدهم
وال من ورائهم).
@قوله تعالى" :أذن ال أن ترفحع" "أذن" معناه أمحر وقضحي .وحقيقحة الذن العلم والتمكيحن دون
حظححر؛ فإن اقترن بذلك أمححر وإنقاذ كان أقوى .و"ترفححع" قيححل :معناه تبنححى وتعلى؛ قال مجاهححد
وعكرمة .ومنه قوله تعالى" :وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت" [البقرة ]127:وقال صلى ال
عليحه وسحلم( :محن بنحى مسحجدا محن ماله بنحي ال له بيتحا فحي الجنحة) .وفحي هذا المعنحى أحاديحث كثيرة
تححض على بنيان المسحاجد .وقال الحسحن البصحري وغيره :معنحى "ترفحع" تعظحم ،ويرفحع شأنهحا،
وتطهر من النجاس والقذار؛ ففي الحديث (إن المسجد لينزوي من النجاسة كما ينزوي الجلد من
النار ) .وروى ابن ماجه في سننه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول ال( :من أخرج أذى من
المسجد بنى ال له بيتا في الجنة) .وروي عن عائشة قالت :أمرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم
أن نتخذ المساجد في الدور وأن تطهر وتطيب.
@ إذا قلنحا :إن المراد بنيانهحا فهحل تزيحن وتنقحش؟ اختلف فحي ذلك؛ فكرهحه قوم وأباححه آخرون.
فروى حماد بحن سحلمة عحن أيوب عحن أبحي قلبحة عحن أنحس وقتادة عحن أنحس أن رسحول ال صحلى ال
عليه وسلم قال( :ل تقوم الساعة حتى تتباهى الناس في المساجد) .أخرجه أبو داود .وفي البخاري
-وقال أنحس( :يتباهون بهحا ثحم ل يعمرونهحا إل قليل) .وقال ابحن عباس :لتزخرفنهحا كمحا زخرفحت
اليهود والنصحارى .وروى الترمذي الحكيحم أبحو عبدال فحي نوادر الصحول محن حديحث أبحي الدرداء
قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدبار عليكم).
احتج من أباح ذلك بأن فيه تعظيم المساجد وال تعالى أمر بتعظيمها في قوله" :في بيوت أذن ال
أن ترفححع" يعنحي تعظححم .وروي عحن عثمان أنحه بنحى مسححجد النححبي صحلى ال عليحه وسحلم بالسحاج
وحسحنه .قال أبحو حنيفحة :ل بأس بنقحش المسحاجد بماء الذهحب .وروي عحن عمحر بحن عبدالعزيحز أنحه
نقحش مسحجد النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وبالغ فحي عمارتحه وتزيينحه ،وذلك فحي زمحن وليتحه قبحل
خلفته ،ولم ينكر عليه أحد ذلك .وذكر أن الوليد بن عبدالملك أنفق في عمارة مسجد دمشق وفي
تزيينحه مثحل خراج الشام ثلث مرات .وروي أن سحليمان بحن داود عليهمحا السحلم بنحى مسحجد بيحت
المقدس وبالغ في تزيينه.
@ وممحا تصحان عنحه المسحاجد وتنزه عنحه الروائح الكريهحة والقوال السحيئة وغيحر ذلك على محا
نبينه؛ وذلك من تعظيمها .وقد صح من حديث ابن عمر رضي ال عنهما أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال في غزوة تبوك( :من أكل من هذه الشجرة -يعني الثوم -فل يأتين المساجد) .وفي
حديحث جابر بحن عبدال عحن النحبي صحلى ال عليحه سحلم قال( :محن أكحل محن هذه البقلة الثوم) وقال
مرة( :محن أكحل البصحل والثوم والكراث فل يقربحن مسحجدنا فإن الملئكحة تتأذى ممحا يتأذى منحه بنحو
آدم) .وقال عمر بن الخطاب رضحي ال عنه في خطبته( :ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين ول
أراهما إل خبيثتين ،هذا البصل والثوم ،لقد رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا وجد ريحهما
محن رجحل فحي المسحجد أمحر بحه فأخرج إلى البقيحع ،فمحن أكلهمحا فليمتهمحا طبخحا) .خرجحه مسحلم فحي
صحيحه .قال العلماء :وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يتأذى به ففي القياس أن كل من
تأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيها عليهم ،أو كان ذا رائحة قبيحة ل تريمه
لسوء صناعته ،أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه .وكل ما يتأذى به الناس كان لهم إخراجه ما كانت
العلة موجودة حتى تزول .وكذلك يجتنب مجتمع الناس حيث كان لصلة أو غيرها كمجالس العلم
والولئم وما أشبهها ،من أكل الثوم وما في معناه ،مما له رائحة كريهة تؤذي الناس .ولذلك جمع
بين البصل والثوم والكراث ،وأخبر أن ذلك مما يتأذى به .قال أبو عمر بن عبدالبر :وقد شاهدت
شيخنا أبا عمر أحمد بن عبدالملك بن هشام رحمه ال أفتى في رجل شكاه جيرانه واتفقوا عليه أنه
يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده فشوور فيه؛ فأفتحى بإخراجه من المسحجد وإبعاده عنه ،وأل يشاهد
معهحم الصحلة إذ ل سحبيل محع جنونحه واسحتطالته إلى السحلمة منحه ،فذاكرتحه يومحا أمره وطالبتحه
بالدليل فيما أفتى به من ذلك وراجعته فيه القول؛ فاستدل بحديث الثوم ،وقال :هو عندي أكثر أذى
من أكل الثوم ،وصاحبه يمنع من شهود الجماعة في المسجد.
قلت :وفحي الثار المرسحلة "إن الرجحل ليكذب الكذبحة فيتباعحد عنحه الملك محن نتحن ريححه" .فعلى
هذا يخرج من عرف منه الكذب والتقول بالباطل فإن ذلك يؤذي.
@ أكثحر العلماء على أن المسحاجد كلهحا سحواء؛ لحديحث ابحن عمحر .وقال بعضهحم :إنمحا خرج النهحي
على مسحجد رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم محن أجحل جبريحل عليحه السحلم ونزوله فيحه؛ ولقوله فحي
حديحث جابر( :فل يقربحن مسحجدنا) .والول أصحح ،لنحه ذكحر الصحفة فحي الحكحم وهحي المسحجدية،
وذكر الصفة في الحكم تعليل .وقد روى الثعلبي بإسناده عن أنس رضي ال عنه قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم( :يأتي ال يوم القيامة بمساجد الدنيا كأنها نجائب بيض قوائها من العنبر
وأعناقهحا محن الزعفران ورؤوسحها محن المسحك وأزمتهحا محن الزبرجحد الخضحر وقوامهحا والمؤذنون
فيهحا يقودونهحا وأئمتهحا يسحوقونها وعمارهحا متعلقون بهحا فتجوز عرصحات القيامحة كالبرق الخاطحف
فيقول أهحل الموقحف هؤلء ملئكحة مقربون وأنحبياء مرسحلون فينادي محا هؤلء بملئكحة ول أنحبياء
ولكنهححم أهححل المسححاجد والمحافظون على الصححلوات مححن أمححة محمححد صححلى ال عليححه وسححلم) وفححي
التنزيل" :إنما يعمر مساجد ال من آمن بال" [التوبة .]18 :وهذا عام في كل مسجد .وقال النبي
صححلى ال عليححه وسححلم( :إذا رأيتححم الرجححل يعتاد المسححجد فاشهدوا له باليمان) إن ال تعالى يقول:
"إنما يعمر مساجد ال من آمن بال واليوم الخر") [التوبة .]18 :وقد تقدم.
وتصان المساجد أيضا عن البيع والشراء وجميع الشتغال؛ لقوله صلى ال عليه وسلم للرجل
الذي دعا إلى الجمل الحمر(:ل وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له) .أخرجه مسلم من حديث
سحليمان بحن بريدة عحن أبيحه أن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم لمحا صحلى قام رجحل فقال :محن دعحا إلى
الجمل الحمر؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :ل وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له) .وهذا
يدل على أن الصححل أل يعمححل فححي المسححجد غيححر الصححلوات والذكار وقراءة القرآن .وكذا جاء
مفسحرا محن حديحث أنحس قال :بينمحا نححن فحي المسحجد محع رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم إذ جاء
أعرابي فقام يبول في المسجد ،فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم :مه مه؛ فقال النبي
صلى ال عليه وسلم( :ل تزرموه دعوه) .فتركوه حتى بال ،ثم إن رسول ال صلى ال عليه وسلم
دعاه فقال له( :إن هذه المساجد ل تصلح لشيء من هذا البول ول القذر إنما هي لذكر ال والصلة
وقراءة القرآن) .أو كمحا قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم .قال :فأمحر رجل محن القوم فجاء بدلو
من ماء فشنه عليه .خرجه مسلم .ومما يدل على هذا من الكتاب قول الحق" :ويذكر فيها اسمه".
وقوله صحلى ال عليحه وسحلم لمعاويحة بحن الحكحم السحلمي( :إن هذه المسحاجد ل يصحلح فيهحا شيحء محن
كلم الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) .أو كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم.
الحديث بطوله خرجه مسلم في صحيحه ،وحسبك وسمع عمر بن الخطاب رضي ال عنه صوت
رجل في المسجد فقال :ما هذا الصوت؟ أتدري أين أنت! وكان خلف بن أيوب جالسا في مسجده
فأتاه غلمه يسأله عن شيء فقام وخرج من المسجد وأجابه؛ فقيل له في ذلك فقال :ما تكلمت في
المسجد بكلم الدنيا منذ كذا وكذا ،فكرهت أن أتكلم اليوم.
@ روى الترمذي من حديحث عمرو بن شعيحب عن أبيه عن جده عن رسحول ال صحلى ال عليه
وسحلم أنحه نهحى عحن تناشحد الشعار فحي المسحجد ،وعحن البيحع والشراء فيحه ،وأن يتحلق الناس يوم
الجمعحة قبحل الصحلة .قال :وفحي الباب عحن بريدة وجابر وأنحس حديحث عبدال بحن عمحر وحديحث
حسحن .قال محمحد بحن إسحماعيل :رأيحت محمدا وإسححاق وذكحر غيرهمحا يحتجون بحديحث عمرو بحن
شعيب .وقد كره قوم من أهل العلم البيع والشراء في المسجد؛ وبه يقول أحمد وإسحاق .وروي أن
عيسى ابن مريم عليهما السلم أتى على قوم يتبايعون فحي المسجد فجعل رداءه مخراقا ،ثم جعل
يسعى عليهم ضربا ويقول :يا أبناء الفاعي ،اتخذتم مساجد ال أسواقا هذا سوق الخرة.
قلت :وقحد كره بعحض أصححابنا تعليحم الصحبيان فحي المسحاجد ،ورأى أنحه محن باب البيحع .وهذا إذا
كان بأجرة ،فلو كان بغيحر أجرة لمنحع أيضحا محن وجحه آخحر ،وهحو أن الصحبيان ل يتحرزون عحن
القذار والوسحخ؛ فيؤدي ذلك إلى عدم تنظيحف المسحاجد ،وقحد أمحر صحلى ال عليحه وسحلم بتنظيفهحا
وتطييبها فقال( :جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم ورفع أصواتكم
وخصحوماتكم وأجمروهحا فحي الجمحع واجعلوا على أبوابهحا المطاهحر) .فحي إسحناده العلء بحن كثيحر
الدمشقي مولى بني أمية ،وهو ضعيف عندهم؛ ذكره أبو أحمد بن عدي الجرجاني الحافظ .وذكر
أبو أحمد أيضا من حديث علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال :صليت العصر مع عثمان أمير
المؤمنيحن فرأى خياطحا فحي ناحيحة المسحجد فأمحر بإخراجحه؛ فقيحل له :يحا أميحر المؤمنيحن ،إنحه يكنحس
المسحجد ويغلق البواب ويرش أحيانحا .فقال عثمان :إنحي سحمعت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم
يقول( :جنبوا صححناعكم مححن مسححاجدكم) .هذا حديححث غيححر محفوظ ،فححي إسححناده محمححد بححن مجيححب
الثقفي ،وهو ذاهب الحديث.
قلت :محا ورد فحي هذا المعنحى وإن كان طريقحه لينحا فهحو صححيح معنحى؛ يدل على صححته محا
ذكرناه قبل .قال الترمذي :وقد روي عن بعض أهل العالم من التابعين رخصة في البيع والشراء
في المسجد .وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم في غير حديث رخصة في إنشاد الشعر في
المسجد.
قلت :أمححا تناشححد الشعار فاختلف فححي ذلك ،فمححن مانححع مطلقححا ،ومححن مجيححز مطلقححا .والولى
التفصيل ،وهو أن ينظحر إلى الشعر فإن كان مما يقتضحي الثناء على ال عز وجل أو على رسوله
صلى ال عليه وسلم أو الذب عنهما كما كان شعر حسان ،أو يتضمن الحض على الخير والوعظ
والزهد في الدنيا والتقلل منها ،فهو حسن في المساجد وغيرها؛ كقول القائل:
وذريني لست أبغي غير ربي أحدا طوفي يا نفس كي أقصد فردا صمدا
فما إن تجدي من دونه ملتحدا فهو أنسي وجليسي ودعي الناس
ومحا لم يكحن كذلك لم يجحز؛ لن الشعحر فحي الغالب ل يخلو عحن الفواححش والكذب والتزيحن بالباطحل،
ولو سحلم محن ذلك فأقحل محا فيحه اللغحو والهذر ،والمسحاجد منزهحة عحن ذلك؛ لقوله تعالى" :قحي بيوت
أذن ال أن ترفع" .وقد يجوز إنشاده في المسجد؛ كقول القائل:
تعلى الندى في متنه وتحدرا كفحل العداب القرد يضربه الندى
وقول الخر:
رعيناه وإن كانوا غضابا إذا سقط السماء بأرض قوم
فهذا النوع وإن لم يكحن فيحه حمحد ول ثناء يجوز؛ لنحه خال عحن الفواححش والكذب .وسحيأتي ذكحر
الشعار الجائزة وغيرها بما فيه كفاية في "الشعراء" إن شاء ال تعالى .وقد روي الدارقطني من
حديحث هشام بحن عروة عحن أبيحه عحن عائشحة رضحي ال عنهحا قالت :ذكحر الشعراء عنحد رسحول ال
صلى ال عليه وسلم فقال( :هو كلم حسنه حسن وقبيحه قبيح) .وفي الباب عن عبدال بن عمرو
بن العاص وأبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم .ذكره في السنن.
قلت :وأصحححاب الشافعححي يأثرون هذا الكلم عححن الشافعححي وأنححه لم يتكلم بححه غيره؛ وكأنهححم لم
يقفوا على الحاديث في ذلك .وال أعلم.
@ وأمحا رفحع الصحوت فإن كان ممحا يقتضحي مصحلحة للرافحع صحوته دعحي عليحه بنقيحض قصحده؛
لحديحث بريرة المتقدم ،وحديحث أبحي هريرة قال :قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم( :محن سحمع
رجل ينشحد ضالة فحي المسحجد فليقحل ل ردهحا ال عليحك فإن المسحاجد لم تبحن لهذا) .وإلى هذا ذهحب
مالك وجماعة ،حتى كرهوا رفع الصوت في المسجد في العلم وغيره .وأجاز أبو حنيفة وأصحابه
ومحمد بن مسلمة من أصحابنا رفع الصوت في الخصومة والعلم؛ قالوا :لنهم ل بد لهم من ذلك.
وهذا مخالف لظاهحر الحديحث ،وقولهحم :ل بحد لهحم محن ذلك ،ممنوع ،بحل لهحم بحد محن ذلك لوجهيحن:
أحدهمحا :بملزمحة الوقار والحرمحة ،وبإحضار ذلك بالبال والتحرز محن نقيضحه .والثانحي :أنحه إذا لم
يتمكن من ذلك فليتخذ لذلك موضعا يخصه ،كما فعل عمر حيث بنى رحبة تسمي البطيحاء ،وقال:
محن أراد أن يلغحط أو ينشحد شعرا -يعنحي فحي مسحجد رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم -فليخرج إلى
هذه الرحبححة .وهذا يدل على أن عمححر كان يكره إنشاد الشعححر فححي المسححجد ،ولذلك بنححى البطيحاء
خارجه.
@ وأمحا النوم فحي المسحجد لمحن احتاج إلى ذلك محن رجحل أو امرأة محن الغرباء ومحن ل بيحت له
فجائز؛ لن في البخاري -وقال أبو قلبة عن أنس :قدم رهط من عكل على النبي صلى ال عليه
وسححلم فكانوا فححي الصححفة ،وقال عبدالرحمححن بححن أبححي بكححر :كان أصحححاب الصححفة فقراء .وفححي
الصحيحين عن ابن عمر أنه كان ينام وهو شاب أعزب ل أهل له في مسجد النبي صلى ال عليه
وسلم .لفظ البخاري :وترجم [باب نوم المرأة في المسجد] وأدخل حديث عائشة في قصة السوداء
التي اتهمها أهلها بالوشاح ،قالت عائشة :وكان لها خباء في المسجد أو حفش )...الحديث .ويقال:
كان مبيت عطاء بن أبي رباح في المسجد أربعين سنة.
@ روى مسحلم عحن أحمحد أو عحن أبحي أسحيد قال :قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم( :إذا دخحل
أحدكحم المسحجد فليقحل اللهحم افتحح لي أبواب رحمتحك وإذا خرج فليقحل اللهحم إنحي أسحألك محن فضلك).
خرجحه أبحو داود كذلك؛ إل أنحه زاد بعحد قوله( :إذا دخحل أحدكحم المسحجد :فليسحلم وليصحل على النحبي
صحلى ال عليحه وسحلم ثحم ليقحل اللهحم افتحح لي )...الحديحث .وروى ابحن ماجحه عن فاطمحة بنحت رسحول
ال صحلى ال عليحه وسحلم قالت :كان رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم إذا دخحل المسحجد قال( :باسحم
ال والسلم على رسول ال اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال باسم ال
والصلة على رسول ال اللهم اغفر لي ذنوبي وأفتح لي أبواب رحمتك وفضلك" .وروى عن أبي
هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى
ال عليحه وسحلم وليقحل اللهحم افتحح لي أبواب رحمتحك وإذا خرج فليسحلم على النحبي صحلى ال عليحه
وسلم وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم) .وخرج أبو داود عن حيوة بن شريح قال :لقيت
عقبحة بحن مسحلم فقلت له بلغنحي أنحك حدثحت عحن عبدال بحن عمرو بحن العاصحي عحن النحبي صحلى ال
عليحه وسحلم أنحه كان إذا دخحل المسحجد قال( :أعوذ بال العظيحم وبوجهحه الكريحم وسحلطانه القديحم محن
الشيطان الرجيم) قال نعم .قال :فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر اليوم.
@ روى مسلم عن أبي قتادة أن رسول ال صلى عليه وسلم قال( :إذا دخل أحدكم المسجد فليركع
ركعتيحن قبحل أن يجلس) وعنحه قال :دخلت المسحجد ورسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم جالس بيحن
ظهراني الناس ،قال فجلست فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما منعك أن تركع ركعتين قبل
أن تجلس)؟ فقلت :يحا رسحول ال ،رأيتحك جالسحا والناس جلوس .قال( :فإذا دخحل أحدكحم المسحجد فل
يجلس حتى يركع ركعتين) .قال العلماء :فجعل صلى ال عليه وسلم للمسجد مزية يتميز بها عن
سححائر البيوت ،وهححو أل يجلس حتححى يركححع .وعامححة العلماء على أن المححر بالركوع على الندب
والترغيب .وقد ذهب داود وأصحابه إلى أن ذلك على الوجوب؛ وهذا باطل ،ولو كان المر على
محا قالوه لحرم دخول المسحجد على المحدث الحدث الصحغر حتحى يتوضحأ ،ول قائل بحه فيمحا أعلم،
وال أعلم .فإن قيحل :فقحد روى إبراهيحم بحن يزيحد عحن الوزاعحي عحن يحيحى بحن أبحي كثيحر عحن أبحي
سحلمة عحن عبدالرحمحن عحن أبحي هريرة قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم( :إذا دخحل أحدكحم
المسجد فل يجلس حتى يركع ركعتين وإذا دخل أحدكم بيته فل يجلس حتى يركع ركعتين فإن ال
جاعل من ركعتيه في بيته خيرا) ،وهذا يقتضي التسوية بين المسجد والبيت .قيل :هذه الزيادة في
الركوع عنحد دخول البيحت ل أصحل لهحا؛ قال ذلك البخاري .وإنمحا يصحح فحي هذا حديحث أبحي قتادة
الذي تقدم لمسححلم ،وإبراهيححم هذا ل أعلم روى عنححه إل سححعد بححن عبدالحميححد ،ول أعلم له إل هذا
الحديث الواحد؛ قاله أبو محمد عبدالحق.
@ روى سعيد بن زبان حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أبي هند رضي ال عنه قال :حمل تميم
-يعني الداري -من الشام إلى المدينة قناديل وزيتا ومقطا ،فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك ليلة
الجمعحة فأمحر غلمحا يقال له أبحو البزاد فقام فنشحط المقحط وعلق القناديحل وصحب فيهحا الماء والزيحت
وجحل فيها الفتيل؛ فلما غربت الشمس أمر أبا البزاد فأسرجها ،وخرج رسول ال صلى ال عليه
وسلم إلى المسجد فإذا هو بها تزهر؛ فقال( :من فعل هذا)؟ قالوا :تميم الداري يا رسول ال؛ فقال:
(نورت السلم نور ال عليك في الدنيا والخرة أما إنه لو كانت لي ابنة لزوجتكها) .قال نوفل بن
الحارث :لي ابنحة يحا رسحول ال تسحمى المغيرة بنحت نوفحل فافعحل بهحا محا أردت؛ فأنكححه إياهحا .زبان
(بفتح الزاي والباء وتشديدا بنقطة واحدة من تحتها) ينفرد بالتسمي به سعيد وحده ،فهو أبو عثمان
سعيد بن زبان بن قائد بن زبان بن أبي هند ،وأبو هند هذا مولى ابن بياضة حجام النبي صلى ال
عليحه وسحلم .والمقحط :جمحع المقاط ،وهحو الحبحل ،فكأنحه مقلوب القماط .وال أعلم .وروى ابحن ماجحه
عحن أبحي سحعيد الخدري قال :أول محن أسحرج فحي المسحاجد تميحم الداري .وروي عحن أنحس أن النحبي
صحلى ال عليحه وسحلم قال( :محن أسحرج فحي مسحجد سحراجا لم تزل الملئكحة وحملة العرش يصحلون
عليه ويستغفرون له ما دام ذلك الضوء فيه وإن كنس غبار المسجد نقد الحور العين) .قال العلماء:
ويستحب أن ينور البيت الذي يقرأ فيه القرآن بتعليق القناديل ونصب الشموع فيه ،ويزاد في شهر
رمضان في أنوار المساجد.
@قوله تعالى" :يسحبح له فيهحا بالغدو والصحال ،رجال" اختلف العلماء فحي وصحف ال تعالى
المسبحين؛ فقيل :هم المراقبون أمر ال ،الطالبون رضاءه ،الذين ل يشغلهم عن الصلة وذكر ال
شيء من أمور الدنيا .وقال كثير من الصحابة :نزلت هذه الية في أهل السواق الذين إذا سمعوا
النداء بالصحلة تركوا كحل شغححل وبادروا .ورأى سححالم بحن عبدال أهححل السحواق وهححم مقبلون إلى
الصلة فقال :هؤلء الذين أراد ال بقول" :ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال" .وروي ذلك عن
ابن مسعود .وقرأ عبدال بن عامر وعاصم في رواية أبي بكر عنه والحسن "يسبح له فيها" بفتح
الباء على ما لم يسم فاعله .وكان نافع وابن عمر وأبو عمرو وحمزة يقرؤون "يسبح" بكسر الباء؛
وكذلك روى أبحو عمرو عحن عاصحم .فمحن قرأ "يسحبح" بفتحح الباء كان على معنييحن :أحدهمحا أن
يرتفححع "رجال" بفعححل مضمححر دل عليححه الظاهححر؛ بمعنححى يسححبحه رجال؛ فيوقححف على هذا على
"الصال" .وقد ذكر سيبويه مثل هذا .وأنشد:
ومختبط مما تطيح الطوائح ليبك يزيد ضارع لخصومة
المعنححى :يبكيححه ضارع .وعلى هذا تقول :ضرب زيححد عمرو؛ على معنححى ضربححه عمرو .والوجححه
الخحر :أن يرتفحع "رجال" بالبتداء ،والخحبر "فحي بيوت"؛ أي فحي بيوت أذن ال أن ترفحع رجال.
و"يسحبح له فيهحا" حال محن الضميحر فحي "ترفحع"؛ كأنحه قال :أن ترفحع؛ مسحبحا له فيهحا ،ول يوقحف
على "الصححال" على هذا التقديححر .ومححن قرأ "يسححبح" بكسححر الباء لم يقححف على "الصححال"؛ لن
"يسحبح" فعحل للرجال ،والفعحل مضطحر إلى فاعله ول إضمار فيحه .وقحد تقدم القول فحي "الغدو
والصال" في آخر "العراف" والحمد ل وحده.
@قوله" :يسبح له فيها" قيل :معناه يصلي .وقال ابن عباس :كل تسبيح في القرآن صلة؛ ويدل
عليحححه قوله" :بالغدو والصحححال" ،أي بالغداة والعشحححي .وقال أكثحححر المفسحححرين :أراد الصحححلة
المفروضة؛ فالغدو صلة الصحبح ،والصال صلة الظهر والعصحر والعشائين؛ لن اسم الصحال
يجمعها.
@ روى أبو داود عن أبي أمامة أن رسول ال صلى عليه وسلم قال( :من خرج من بيته متطهرا
إلى صححلة مكتوبححة فأجره كأجححر الحاج المحرم ومححن خرج إلى تسححبيح الضحححا ل ينصححبه إل إياه
فأجره المعتمر وصلة على إثر صلة ل لغو بينهما كتاب في عليين) .وخرج عن بريدة عن النبي
صحلى ال عليحه وسحلم قال( :بشحر المشائيحن فحي الظلم إلى المسحاجد بالنور التام يوم القيامحة) .وفحي
صححيح مسحلم عحن أبحي هريرة عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال( :محن غدا إلى المسحجد أو راح
أعد ال له نزل في الجنة كلما غدا أو راح) .في غير الصحيح من الزيادة (كما أن أحدكحم لو زار
محن يححب زيارتحه لجتهحد فحي كرامتحه)؛ ذكره الثعلبحي .وخرج مسحلم محن حديحث أبحي هريرة رضحي
ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت
ال ليقضحي فريضحة محن فرائض ال كانحت خطوتاه إحداهمحا تححط خطيئة والخرى ترفحع درجحة).
وعنحه قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم( :صحلة الرجحل فحي جماعحة تزيحد على صحلته فحي بيتحه
وصحلته فحي سحوقه بضعحا وعشريحن درجحة وذلك أن أحدهحم إذا توضحأ فأحسحن الوضوء ثحم أتحى
المسجد ل ينهزه إل الصلة ل يريد إل الصلة فلم يخط خطوة إل رفع له بها درجة وحط عنه بها
خطيئة حتححى يدخححل المسححجد فإذا دخححل المسححجد كان فححي الصححلة مححا كانححت الصححلة هححي تحبسححه
والملئكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون اللهم ارحمه اللهم اغفر له
اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه) .في رواية :ما يحدث؟ قال( :يفسو أو يضرط) .وقال
حكيم بن زريق :قيل لسعيد بن المسيب أحضور الجنازة أحب إليك أم الجلوس في المسجد؟ فقال:
محن صحلى على جنازة فله قيراط ،ومحن شهحد دفنهحا فله قيراطان؛ والجلوس فحي المسحجد أححب إلي
لن الملئكة تقول :اللهم اغفر له اللهم أرحمه اللهم تب عليه .وروي عن الحكم بن عمير صاحب
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :كونوا في الدنيا أضيافا
واتخذوا المسححاجد بيوتححا وعودوا قلوبكححم الرقححة وأكثروا التفكححر والبكاء ول تختلف بكححم الهواء.
تبنون مححا ل تسححكنون وتجمعون مححا ل تأكلون وتؤملون مححا ل تدركون) .وقال أبححو الدرداء لبنححه:
ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :إن المساجد بيوت المتقين
ومن كانت المساجد بيته ضمن ال تعالى له الروح والراحة والجواز على الصراط).
وكتب أبو صادق الزدي إلى شعيب بن الحبحاب :أن عليك بالمساجد فالزمها؛ فإنه بلغني أنها
كانحت مجالس النحبياء .وقال أبحو إدريحس الخولنحي :المسحاجد مجالس الكرام محن الناس .وقال مالك
بححن دينار :بلغنححي أن ال تبارك وتعالى يقول( :إنححي أهححم بعذاب عبادي فأنظححر إلى عمار المسححاجد
وجلسحاء القرآن وولدان السحلم فيسحكن غضحبي) .وروي عنحه عليحه السحلم أنحه قال( :سحيكون فحي
آخر الزمان رجال يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا حلقا ذكرهم الدنيا وحبها فل تجالسوهم فليس
ل بهحم حاجحة) .وقال ابحن المسحيب :محن جلس فحي مسحجد فإنمحا يجالس ربحه ،فمحا حقحه أن يقول إل
خيرا .وقحد مضحى محن تعظيحم المسحاجد وحرمتهحا محا فيحه كفايحة .وقحد جمحع بعحض العلماء فحي ذلك
خمس عشرة خصلة ،فقال :من حرمة المسجد أن يسلم وقت الدخول إن كان القوم جلوسا ،وإن لم
يكحن فحي المسحجد أححد قال :السحلم علينحا وعلى عباد ال الصحالحين ،وأن يركحع ركعتيحن قبحل أن
يجلس ،وأل يشتري فيه ول يبيع ،ول يسل فيه سهما ول سيفا ،ول يطلب فيه ضالة ،ول يرفع فيه
صوتا بغير ذكر ال تعالى ،ول يتكلم فيه بأحاديث الدنيا ،ول يتخطى رقاب الناس ،ول ينازع في
المكان ،ول يضيحق على أححد فحي الصحف ،ول يمحر بيحن يدي مصحل ،ول يبصحق ،ول يتنخحم ،ول
يتمخحط فيحه ،ول يفرقحع أصحابعه ،ول يعبحث بشيحء محن جسحده ،وأن ينزه عحن النجاسحات والصحبيان
والمجانين ،وإقامة الحدود ،وأن يكثر ذكر ال تعالى ول يغفل عنه .فإذا فعل هذه الخصال فقد أدى
ححق المسحجد ،وكان المسحجد حرزا له وحصحنا محن الشيطان الرجيحم .وفحي الخحبر (أن مسحجدا ارتفحع
بأهله إلى السحماء يشكوهحم إلى ال لمحا يتحدثون فيحه محن أحاديحث الدنيحا) .وروي الدارقطنحي عحن
عامحر الشعحبي قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم( :محن اقتراب السحاعة أن يرى الهلل قبل
فيقال لليلتيحن وأن تتخحذ المسحاجد طرقحا وأن يظهحر موت الفجأة) .هذا يرويحه عبدالكحبير بحن المعافحي
عحن شريحك عحن العباس بحن ذريحح عحن الشعحبي عحن أنحس .وغيره يرويحه عحن الشعحبي مرسحل ،وال
أعلم .وقال أبو حاتم :عبدالكبير بن معافي ثقة كان يعد من البدال .وفي البخاري عن أبي موسى
عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال( :محن محر فحي شيحء محن مسحاجدنا أو أسحواقنا بنبحل فليأخحذ على
نصحالها ل يعقحر بكفحه مسحلما) .وخرج مسحلم عحن أنحس قال قال وسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم:
(البزاق فحي المسحجد خطيئة وكفارتهحا دفنهحا) .وعحن أبحي ذر عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال:
(عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الذى يماط عن الطريق
ووجدت فحي مسحاوي أعمالهحا النخاعحة تكون فحي المسحجد ل تدفحن) .وخرج أبحو داود عحن الفرج بحن
فضالة عن أبي سعد الحميري قال :رأيت واثلة بن السقع فحي مسحجد دمشحق بصحق على الحصير
ثم مسحه برجله؛ فقيل له :لم فعلت هذا؟ قال :لني رأيت رسول ال صلى عليه وسلم يفعله .فرج
بحن فضالة ضعيف ،وأيضحا فلم يكحن فحي مسحجد رسول ال صحلى ال عليه وسلم حصر .والصححيح
أن رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما بصق على الرض ودلكه بنعله اليسرى ،ولعل واثلة إنما
أراد هذا فحمل الحصير عليه.
@ لمحا قال تعالى" :رجال" وخصحهم بالذكحر دل على أن النسحاء ل ححظ لهحن فحي المسحاجد؛ إذ ل
جمعحة عليهحن ول جماعحة ،وأن صحلتهن فحي بيوتهحن أفضحل .روى أبو داود عن عبدال رضحي ال
عنه عن النبي صلى ال عليه وسحلم قال( :صحلة المرأة في بيتهحا أفضل من صحلتها في حجرتهحا
وصلتها في مخدعها أفضل من صلتها في بيتها).
@قوله تعالى" :ل تلهيهحم" أي ل تشغلهحم" .تجارة ول بيحع عحن ذكحر ال" خحص التجارة بالذكحر
لنها أعظم ما يشتغل بها النسان عن الصلة .فإن قيل :فلم كرر ذكر البيع والتجارة تشمله .قيل
له :أراد بالتجارة الشراء لقول" :ول بيححححع" .نظيره قوله تعالى" :وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا
إليهحا" [الجمعحة ]11 :قال الواقدي .وقال الكلبحي :التجار هحم الجلب المسحافرون ،والباعحة هحم
المقيمون" .عن ذكر ال" اختلف في تأويله؛ فقال عطاء :يعني حضور الصلة؛ وقال ابن عباس،
وقال :المكتوبحة .وقيحل عحن الذان؛ ذكره يحيحى بحن سحلم .وقيحل :عحن ذكره بأسحمائه الحسحنى؛ أي
يوحدونه ويمجدونه .والية نزلت في أهل السواق؛ قال ابن عمر .قال سالم :جاز عبدال بن عمر
بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال :فيهم نزلت" :رجال ل تلهيهم تجارة
ول بيحع" اليحة .وقال أبحو هريرة عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم :هحم الذيحن يضربون فحي الرض
يبتغون من فضل ال .وقيل :إن رجلين كانا في عهد النبي صلى ال عليه وسلم ،أحدهما بياعا فإذا
سحمع النداء بالصحلة فإن كان الميزان بيده طرححه ول يضعحه وضعحا ،وإن كان بالرض لم يرفعحه.
وكان الخحر قينحا يعمحل السحيوف للتجارة ،فكان إذا كانحت مطرقتحه على السحندان أبقاهحا موضوعحة،
وإن كان قحد رفعهحا ألقاهحا محن وراء ظهره إذا سحمع الذان؛ فأنزل ال تعالى هذا ثناء عليهمحا وعلى
كل من اقتدى بهما.
@قوله تعالى" :وإقام الصحلة" هذا يدل على أن المراد بقوله "عحن ذكر ال" غيحر الصحلة؛ لنحه
يكون تكرارا .يقال :أقام الصححلة إقامححة ،والصححل إقوامححا فقلبححت حركححة الواو على القاف فانقلبححت
الواو ألفا وبعدها ألف ساكنة فحذفت إحداهما ،وأثبتت الهاء لئل تحذفها فتجحف ،فلما أضيفت قام
المضاف مقام الهاء فجاز حذفهححا ،وإن لم تضححف لم يجححز حذفهححا؛ أل ترى أنححك تقول :وعححد عدة،
ووزن زنحة ،فل يجوز حذف الهاء ،لنحك قحد حذفحت واوا؛ لن الصحل وعحد وعدة ،ووزن وزنحة،
فإن أضفت حذفت الهاء ،وأنشد الفراء:
وأخلفوك عد المر الذي وعدوا إن الخليط أجدوا البين فانجردوا
يريححد عدة ،فحذف الهاء لمححا أضاف .وروي مححن حديححث أنححس قال قال رسححول ال صححلى ال عليححه
وسحلم( :يأتحي ال يوم القيامحة بمسحاجد الدنيحا كأنهحا نجحب بيحض قوائمهحا محن العنحبر وأعناقهحا محن
الزعفران ورؤوسها من المسك وأزمتها من الزبرجد الخضر وقوامها والمؤذنون فيها يقودونها
وأئمتهحا يسحوقونها وعمارهححا متعلقون بهحا فتجوز عرصحات القيامحة كالبرق الخاطحف فيقول أهحل
الموقف هؤلء ملئكة مقربون أو أنبياء مرسلون فينادى ما هؤلء بملئكة ول أنبياء ولكنهم أهل
المسحاجد والمحافظون على الصحلوات محن أمحة محمحد صحلى ال عليحه وسحلم) .وعحن علي رضحي ال
عنحه أنحه قال( :يأتحي على الناس زمان ل يبقحى محن السحلم إل اسحمه ،ول محن القرآن إل رسحمه،
يعمرون مسحاجدهم وهحي محن ذكحر ال خراب ،شحر أهحل ذلك الزمحن علماؤهحم ،منهحم تخرج الفتنحة
وإليهم تعود) يعني أنهم يعلمون ول يعملون بواجبات ما علموا.
@قوله تعالى" :وإيتاء الزكاة" قيل :الزكاة المفروضة؛ قاله الحسن .وقال ابن عباس :الزكاة هنا
طاعحة ال تعالى والخلص؛ إذ ليحس لكحل مؤمحن مال" .يخافون يومحا" يعنحي يوم القيامحة" .تتقلب
فيحححه القلوب والبصحححار" يعنحححي محححن هوله وحذر الهلك .والتقلب التحول ،والمراد قلوب الكفار
وأبصحارهم .فتقلب القلوب انتزاعهحا محن أماكنهحا إلى الحناجحر ،فل هحي ترجحع إلى أماكنهحا ول هحي
تخرج .وأما تقلب البصار فالزرق بعد الكحل والعمى بعد البصر .وقيل :تتقلب القلوب بين الطمع
في النجاة والخوف من الهلك ،والبصار تنظر من أي ناحية يعطون كتبهم ،وإلى أي ناحية يؤخذ
بهم .وقيل :إن قلوب الشاكين تتحول عما كانت عليه من الشك ،وكذلك أبصارهم لرؤيتهم اليقين؛
وذلك مثحل قوله تعالى" :فكشفنحا عنحك غطاءك فبصحرك اليوم حديحد" [ق ]22:فمحا كان يراه فحي
الدنيحا غيحا يراه رشدا؛ إل أن ذلك ل ينفعهحم فحي الخرة .وقيحل :تقلب على جمحر جهنحم كقوله تعالى:
"يوم تقلب وجوههم في النار" [الحزاب" ،]66 :ونقلب أفئدتهم وأبصارهم" [النعام.]110 :
في قول من جعل المعنى تقلبها على لهب النار .وقيل :تقلب بأن تلفحها النار مرة وتنضجها مرة.
وقيل إن تقلب القلوب وجيبها ،وتقلب البصار النظر بها إلى نواحي الهوال" .ليجزيهم ال أحسن
مححا عملوا" فذكححر الجزاء على الحسححنات ،ولم يذكححر الجزاء على السححيئات وإن كان يجازي عليهححا
لمرين :أحدهما :أنه ترغيب ،فاقتصر على ذكر الرغبة .الثاني :أنه في صفة قوم ل تكون منهم
الكبائر؛ فكانت صغائرهم مغفورة" .ويزيدهم من فضله" يحتمل وجهين :أحدهما :ما يضاعفه من
الحسحنة بعشحر أمثالهحا .الثانحي :محا يتفضحل بحه محن غيحر جزاء" .وال يرزق محن يشاء بغيحر حسحاب"
أي محن غيحر أن يحاسحبه على محا أعطاه؛ إذ ل نهايحة لعطائه .وروي أنحه لمحا نزلت هذه اليحة أمحر
رسول ال صلى ال عليه وسلم ببناء مسجد قباء ،فحضر عبدال بن رواحة فقال :يا رسول ال ،قد
أفلح من بنى المساجد؟ قال( :نعم يا ابن رواحة) قال :وصلى فيها قائما وقاعدا؟ قال( :نعم يا ابن
رواحة) قال :ولم يبت ل إل ساجدا؟ قال( :نعم يا ابن رواحة كف عن السجع فما أعطي عبد شرا
من طلقة في لسانه)؛ ذكره الماوردي.
**3الية{ 39 :والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده
شيئا ووجد ال عنده فوفاه حسابه وال سريع الحساب}
@قوله تعالى" :والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة" لما ضرب مثل المؤمن ضرب مثل الكافر.
قال مقاتل :نزلت في شيبة بن ربيعة بن عبدشمس ،كان يترهب متلمسا للدين ،فلما خرج صلى ال
عليه وسلم كفر .أبو سهل :في أهل الكتاب .الضحاك :في أعمال الخير للكافر؛ كصلة الرحم ونفع
الجيران .والسحراب :محا يرى نصحف النهار فحي اشتداد الححر ،كالماء فحي المفاوز يلتصحق بالرض.
والل الذي يكون ضححا كالماء إل أنحه يرتفحع عحن الرض حتحى يصحير كأنحه بيحن الرض والسحماء.
وسحمي السحراب سحرابا لنحه يسحرب أي يجري كالماء .ويقال :سحرب الفححل أي مضحى وسحار فحي
الرض .ويسمي الل أيضا ،ول يكون إل في البرية والحر فيغتر به العطشان .قال الشاعر:
لرقراق آل فوق رابية صلد فكنت كمهريق الذي في سقائه
وقال آخر:
لمع سراب بالفل متألق فلما كففنا الحرب كانت عهودهم
وقال امرؤ القيس:
أمق الطول لماع السراب ألم أنض المطي بكل خرق
والقيعححة جمححع القاع؛ مثححل جيرة وجار؛ قاله الهروي وقال أبححو عححبيدة :قيعححة وقاع واحححد؛ حكاه
النحاس .والقاع ما انبسط من الرض واتسع ولم يكن فيه نبت ،وفيه يكون السراب .وأصل القاع
الموضححع المنخفححض الذي يسححتقر فيححه الماء ،وجمعححه قيعان .قال الجوهري :والقاع المسححتوي مححن
الرض؛ والجمع أقوع وأقواع وقيعان ،صارت الواو ياء لكسر ما قبلها؛ والقيعة مثل القاع ،وهو
أيضححا مححن الواو .وبعضهححم يقول :هححو جمححع" .يحسححبه الظمآن" أي العطشان" .ماء" أي يحسححب
السحراب ماء" .حتحى إذا جاءه لم يجده شيئا" ممحا قدره ووجحد أرضحا ل ماء فيهحا .وهذا مثحل ضربحه
ال تعالى للكفار ،يعولون على ثواب أعمالهحححححم فإذا قدموا على ال تعالى وجدوا ثواب أعمالهحححححم
محبطة بالكفر؛ أي لم يجدوا شيئا كما لم يجد صاحب السراب إل أرضا ل ماء فيها؛ فهو يهلك أو
بموت" .ووجحححد ال عنده" أي وجحححد ال بالمرصحححاد" .فوفاه حسحححابه" أي جزاء عمله .قال امرؤ
القيس:
وأيقن أنه لقى الحسابا فولى مدبرا يهوي حثيثا
وقيل :وجد وعد ال بالجزاء على عمله .وقيل :وجد أمر ال عند حشره؛ والمعنى متقارب .وقرئ
"بقيعات" .المهدوي :ويجوز أن تكون اللف مشبعة من فتحه العين .ويجوز أن تكون مثل رجل
عزه وعزهاة ،للذي ل يقرب النسحححاء .ويجوز أن يكون جمحححع قيعحححة ،ويكون على هذا بالتاء فحححي
الوصحل والوقحف .وروي عحن نافحع وأبحي جعفحر وشيبحة "الظمآن" بغيحر همحز ،والمشهور عنهمحا
الهمز؛ يقال :ظمئ يظمأ ظمأ فهو ظمآن ،وإن خففت الهمزة قلت الظمان .وقوله" :والذين كفروا"
ابتداء "أعمالهم" ابتداء ثان .والكاف من "كسراب" الخبر ،والجملة خبر عن "الذين" .ويجوز أن
تكون "أعمالهم" بدل من "الذين كفروا"؛ أي وأعمال الذين كفروا كسراب ،فحذف المضاف.
**3اليحة{ 40 :أو كظلمات فحي بححر لجحي يغشاه موج محن فوقحه موج محن فوقحه سححاب ظلمات
بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل ال له نورا فما له من نور}
@قوله تعالى" :أو كظلمات فحي بححر لجحي" ضرب تعالى مثل آخحر للكفار أي أعمالهحم كسحراب
بقيعحة أو كظلمات .قال الزجاج :إن شئت مثحل بالسحراب وإن شئت مثحل بالظلمات فحح "أو" للباححة
حسحبما تقدم محن القول فحي "أو كصحيب" [البقرة .]19 :وقال الجرجانحي :اليحة الولى فحي ذكحر
أعمال الكفار والثانية في ذكر كفرهم ونسق الكفر على أعمالهم لن الكفر أيضا من أعمالهم وقد
قال تعالى" :يخرجهم من الظلمات إلى النور" [البقرة ]257 :أي من الكفر إلى اليمان وقال أبو
علي" :أو كظلمات" أو كذي ظلمات ودل على هذا المضاف قوله تعالى" :إذا أخرج يده" فالكنايححة
تعود إلى المضاف المحذوف .قال القشيري :فعنحححد الزجاج التمثيحححل وقحححع لعمال الكفار ،وعنحححد
الجرجانحي لكفحر الكافحر ،وعنحد أبحي علي للكافحر .وقال ابحن عباس فحي روايحة :هذا مثحل قلب الكافحر.
"فحي بححر لجحي" قيحل :هو منسحوب اللجة ،وهو الذي ل يدرك قعره .واللجة معظحم الماء ،والجمع
لجج .والتج البحر إذا تلطمت أمواجه؛ ومنه ما روي عن النبي أنه قال( :من ركب البحر إذا التج
فقد برئت منه الذمة) .والتج المر إذا عظم واختلط .وقوله تعالى" :حسبته لجة" [النمل ]44 :أي
محا له عمحق .ولججحت السحفينة أي خاضحت اللجحة (بضحم اللم) .فأمحا اللجحة (بفتحح اللم) فأصحوات
الناس يقول :سمعت لجة الناس أي أصواتهم وصخبهم .قال أبو النجم:
في لجة أمسك فلنا عن فل
والتجحت الصحوات أي اختلطحت وعظمحت" .يغشاه موج" أي يعلو ذلك البححر اللجحي موج" .محن
فوقحه موج" أي محن فوق الموج موج ،ومحن فوق هذا الموج الثانحي سححاب؛ فيجتمحع خوف الموج
وخوف الريحح وخوف السححاب .وقيحل :المعنحى يغشاه موج محن بعده موج؛ فيكون المعنحى :الموج
يتبحع بعضحه بعضحا حتحى كأن بعضحه فوق بعحض ،وهحو أخوف محا يكون إذا توالى موجحه وتقارب
ومحن فوق هذا الموج سححاب .وهحو أعظحم للخوف محن وجهيحن :أحدهمحا :أنحه قحد غطحى النجوم التحي
يهتدي بهحا .الثانحي :الريحح التحي تنشحأ محع السححاب والمطحر الذي ينزل منحه" .ظلمات بعضهحا فوق
بعححض" قرأ ابححن محيصححن والبزي عححن ابححن كثيححر "سحححاب ظلمات" بالضافححة والخفححض .قنبححل
"سححاب" منونحا "ظلمات" بالجحر والتنويحن .الباقون بالرفحع والتنويحن .قال المهدوي :محن قرأ "محن
فوقحه سححاب ظلمات" بالضافحة فلن السححاب يرتفحع وقحت هذه الظلمات فأضيحف إليهحا؛ كمحا يقال:
سححاب رحمحة إذا ارتفحع فحي وقحت المطحر .ومحن قرأ "سححاب ظلمات" جحر "ظلمات" على التأكيحد
لححح"ظلمات" الولى أو البدل منهححا .و"سحححاب" ابتداء و"مححن فوقححه" الخححبر .ومححن قرأ "سحححاب
ظلمات" فظلمات خبر ابتداء محذوف التقدير :هي ظلمات أو هذه ظلمات .قال ابن النباري" :من
فوقححه موج" غيححر تام؛ لن قول "مححن فوقححه سحححاب" صححلة للموج ،والوقححف على قول "مححن فوقححه
سحاب" حسن ثم تبتدئ "ظلمات بعضها فوق بعض" على معنى هي ظلمات بعضها فوق بعض.
وروي عحن أهحل مكحة أنهححم قرؤوا "ظلمات" على معنححى أو كظلمات ظلمات بعضهححا فوق بعحض
فعلى هذا المذهحب ل يحسحن الوقحف على السححاب .ثحم قيحل :المراد بهذه الظلمات ظلمحة السححاب
وظلمحة الموج وظلمحة الليحل وظلمحة البححر؛ فل يبصحر محن كان فحي هذه الظلمات شيئا ول كوكبحا.
وقيل :المراد بالظلمات الشدائد؛ أي شدائد بعضها فوق بعض .وقيل :أراد بالظلمات أعمال الكافر،
وبالبححر اللجحي قلبحه ،وبالموج فوق الموج محا يغشحى قلبحه محن الجهحل والشحك والحيرة ،وبالسححاب
الريححن والختححم والطبححع على قلبححه .روي معناه عححن ابححن عباس وغيره؛ أي ل يبصححر بقلبححه نور
اليمان ،كمححا أن صححاحب الظلمات فححي البحححر إذا أخرج يده لم يكححد يراهححا .وقال أبيّح ابححن كعححب:
الكافر يتقلب في خمس من الظلمات :كلمه ظلمة ،وعمله ظلمة ،ومدخله ظلمة ،ومخرجه ظلمة،
ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات في النار وبئس المصير.
@قوله تعالى" :إذا أخرج يده" يعنحي الناظحر" .لم يكد يراها" أي من شدة الظلمات .قال الزجاج
وأبو عبيدة :المعنى لم يرها ولم يكد؛ وهو معنى قول الحسن .ومعنى "لم يكد" لم يطمع أن يراها.
وقال الفراء :كاد صلة ،أي لم يرها؛ كما تقول :ما كدت أعرفه .وقال المبرد :يعني لم يرها إل من
بعحد الجهحد؛ كمحا تقول :محا كدت أراك محن الظلمحة ،وقحد رآه بعحد يأس وشدة .وقيحل :معناه قرب محن
الرؤيححة ولم يححر كمححا يقال :كاد العروس يكون أميرا وكاد النعام يطيححر وكاد المنتعححل يكون راكبححا.
النحاس :وأصح القوال في هذا أن المعنى لم يقارب رؤيتها ،فإذا لم يقارب رؤيتها فلم يرها رؤية
بعيدة ول قريبححة" .ومححن لم يجعححل ال له نورا" يهتدي بححه حيححن أظلمححت عليححه المور .وقال ابححن
عباس :أي من لم يجعل ال له دينا فما له من دين ،ومن لم يجعل ال له نورا يمشي به يوم القيامة
لم يهتد إلى الجنة؛ كقوله تعالى" :ويجعل لكم نورا تمشون به" [الحديد .]28 :وقال الزجاج :ذلك
في الدنيا والمعنى :من لم يهده ال لم يهتد .وقال مقاتل بن سليمان :نزلت في عتبة بن ربيعة ،كان
يلتمحس الديحن فحي الجاهليحة ،ولبحس المسحوح ،ثحم كفحر فحي السحلم .الماوردي :فحي شيبحة بحن ربيعحة،
وكان يترهب في الجاهلية ويلبس الصوف ويطلب الدين ،فكفر في السلم.
قلت :وكلهمحا مات كافرا ،فل يبعحد أن يكونحا همحا المراد باليحة وغيرهمحا .وقحد قيحل :نزلت فحي
عبدال بحن جححش ،وكان أسحلم وهاجحر إلى أرض الحبشحة ثحم تنصحر بعحد إسحلمه .وذكحر الثعلبحي:
وقال أنس قال النبي صلى ال عليه وسلم( :إن ال تعالى خلقني من نور وخلق أبا بكر من نوري
وخلق عمر وعائشة من نور أبي بكر وخلق المؤمنين من أمتي من نور عمر وخلق المؤمنات من
أمتي من نور عائشة فمن لم يحبني ويحب أبا بكر وعمر وعائشة فما له من نور) .فنزلت "ومن
لم يجعل ال له نورا فما له من نور".
**3اليتان{ 42 - 41 :ألم تر أن ال يسبح له من في السماوات والرض والطير صافات كل
قد علم صلته وتسبيحه وال عليم بما يفعلون ،ول ملك السماوات والرض وإلى ال المصير}
@قوله تعالى" :ألم تحر أن ال" لمحا ذكحر وضوح اليات زاد فحي الحجحة والبينات ،وبيحن أن
مصنوعاته تدل بتغييرها على أن لها صانعا قادرا على الكمال؛ فله بعثة الرسل ،وقد بعثهم وأيدهم
بالمعجزات ،وأخحبروا بالجنحة والنار .والخطاب فحي "ألم تحر" للنحبي صحلى ال عليحه وسحلم ،ومعناه:
ألم تعلم؛ والمراد الكحل" .أن ال يسحبح له محن فحي السحماوات" محن الملئكحة" .والرض" محن الجحن
والنحس" .والطيحر صحافات" قال مجاهحد وغيره :الصحلة للنسحان والتسحبيح لمحا سحواه محن الخلق.
وقال سحفيان :للطيحر صحلة ليحس فيهحا ركوع ول سحجود .وقيحل :إن ضربهحا بأجنحتهحا صحلة ،وإن
أصواتها تسبيح؛ حكاه النقاش .وقيل :التسبيح ها هنا ما يرى في المخلوق من أثر الصنعة .ومعنى
"صافات" مصطفات الجنحة في الهواء .وقرأ الجماعة "والطير" بالرفع عطفا على "من" .وقال
الزجاج :ويجوز "والطيحر" بمعنحى محع الطيحر .قال النحاس :وسحمعته يخحبر -قمتُح وزيدا -بمعنحى
مححع زيححد .قال :وهححو أجود مححن الرفححع .قال :فإن قلت قمححت أنححا وزيححد ،كان الجود الرفححع ،ويجوز
النصب" .كل قد علم صلته وتسبيحه" يجوز أن يكون المعنحى :كل قد علم ال صلته وتسبيحه؛
أي علم صحلة المصححلي وتسححبيح المسححبح .ولهذا قال" :وال عليحم بمحا يفعلون" أي ل يخفحي عليحه
طاعتهم ول تسبيحهم .ومن هذه الجهة يجوز نصب "كل" عند البصريين والكوفيين بإضمار فعل
يفسحره ما بعده .وقد قيل :المعنى قحد علم كحل مصل ومسحبح صحلة نفسه وتسبيحه الذي كلفه .وقرأ
بعض الناس "كل قد علم صلته وتسبيحه" غير مسمى الفاعل .وذكر بعض النحويين أن بعضهم
قرأ "كحل قحد عُلم صحلته وتسحبيحه"؛ فيجوز أن يكون تقديره :كحل قحد علمحه ال صحلته وتسحبيحه.
ويجوز أن يكون المعنحى :كحل قحد علم غيره صحلته وتسحبيحه أي صحلة نفسحه؛ فيكون التعليحم الذي
هو الفهام والمراد الخصوص؛ لن من الناس من لم يعلم .ويجوز أن يكون المعنى كل قد استدل
منحه المسحتدل ،فعحبر عحن السحتدلل بالتعليحم قاله المهدوي .والصحلة هنحا بمعنحى التسحبيح ،وكرر
تأكيدا؛ كقول "يعلم السر والنجوى" .والصلة قد تسمى تسبيحا؛ قاله القشيري.
**3اليتان{ 44 - 43 :ألم تر أن ال يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق
يخرج من خلله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من
يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالبصار ،يقلب ال الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لولي البصار}
@قوله تعالى" :ألم تحر أن ال يزجحي سححابا" ذكحر محن حججحه شيئا آخحر؛ أي ألم تحر بعينحي قلبحك.
"يزجحي سححابا" أي يسحوق إلى حيحث يشاء .والريحح تزجحي السححاب ،والبقرة تزجحي ولدهحا أي
تسوقه .ومنه زجا الخراج يزجو زجاء -ممدودا -إذا تيسرت جبايته .وقال النابغة:
أزجي حشاشة نفس ما بها رمق إني أتيتك من أهلي ومن وطني
وقال أيضا:
تزجي الشمال عليه جامد البرد أسرت عليه من الجوزاء سارية
"ثحم يؤلف بينحه" أي يجمعحه عنحد انتشائه؛ ليقوى ويتصحل ويكثحف .والصحل فحي التأليحف الهمحز،
تقول :تألف .وقرئ "يؤلف" بالواو تخفيفححا .والسحححاب واحححد فححي اللفححظ ،ولكححن معناه جمححع؛ ولهذا
قال" :وينشحئ السححاب" [الرعحد .]12 :و"بيحن" ل يقحع إل لثنيحن فصحاعدا ،فكيحف جاز بينحه؟
فالجواب أن "بينحه" هنحا لجماعحة السححاب؛ كمحا تقول :الشجحر قحد جلسحت بينحه لنحه جمحع ،وذكحر
الكنايححة على اللفححظ؛ قال معناه الفراء .وجواب آخححر :وهححو أن يكون السحححاب واحدا فجاز أن يقال
بينه لنه مشتمل على قطع كثيرة ،كما قال:
...بين الدخول فحومل
فأوقححع "بيححن" على الدخول ،وهححو واحححد لشتماله على مواضححع .وكمححا تقول :مححا زلت أدور بيححن
الكوفححة لن الكوفححة أماكححن كثيرة؛ قال الزجاج وغيره .وزعححم الصححمعي أن هذا ل يجوز وكان
يروى:
...بين الدخول وحومل
"ثم يجعله ركاما" أي مجتمعا ،يركب بعضه بعضا؛ كقوله تعالى" :وإن يروا كسفا من السماء
ساقطا يقولوا سحاب مركوم" [الطور .]44 :والركم جمع الشيء؛ يقال منه :ركم الشيء يركمه
ركمحا إذا جمعحه وألقحى بعضحه على بعححض .وارتكحم الشيححء وتراكحم إذا اجتمححع .والركمحة الطيحن
المجموع .والركام :الرمل المتراكم .وكذلك السحاب وما أشبهه .ومرتكحم الطريق -بفتح الكاف -
جادته" .فترى الودق يخرج من خلله" في "الودق" قولن :أحدهما :أنه البرق؛ قاله أبو الشهب
العقيلي .ومنه قول الشاعر:
خروج الودق من خلل السحاب أثرنا عجاجة وخرجن منها
الثاني :أنه المطر؛ قاله الجمهور .ومنه قول الشاعر:
ول أرض أبقل إبقالها فل مزنة ودقت ودقها
وقال امرؤ القيس:
وسكب وتوكاف وتنهملن فدمعهما ودق وسح وديمة
يقال :ودقحت السححابة فهحي وادقحة .وودق المطحر يدق ودقحا؛ أي قطحر .وودقحت إليحه دنوت منحه .وفحي
المثحل :ودق العيحر إلى الماء؛ أي دنحا منحه .يضرب لمحن خضحع للشيحء لحرصحه عليحه .والموضحع
مودق .وودقححت بححه ودقححا اسححتأنست بححه .ويقال لذات الحافححر إذا أرادت الفحححل :ودقححت تدق ودقححا،
وأودقحت واسحتودقت .وأتان ودوق وفرس ودوق ،ووديحق أيضحا ،وبهحا وداق .والوديقحة :شدة الححر.
وخلل جمع خلل؛ مثل الجبل والجبال ،وهي فرجه ومخارج القطر منه .وقد تقدم في "البقرة" أن
كعبا قال :إن السحاب غربال المطر؛ لو ل السحاب حين ينزل الماء من السماء لفسد ما يقع عليه
محن الرض .وقرأ ابحن عباس والضحاك وأبحو العاليحة "محن خلله" على التوحيحد .وتقول :كنحت فحي
خلل القوم؛أي وسحطهم" .وينزل محن السحماء محن جبال فيهحا محن برد" قيحل :خلق ال فحي السحماء
جبال محححن برد ،فهحححو ينزل منهحححا بردا؛ وفيحححه إضمار ،أي ينزل محححن جبال البرد بردا ،فالمفعول
محذوف .ونحححححو هذا قول الفراء؛ لن التقديححححر عنده :مححححن جبال برد؛ فالجبال عنده هححححي البرد.
و"برد" فحي موضحع خفحض؛ ويجحب أن يكون على قوله المعنحى :محن جبال برد فيهحا ،بتنويحن جبال.
وقيحل :إن ال تعالى خلق فحي السحماء جبال فيهحا برد؛ فيكون التقديحر :وينزل محن السحماء محن جبال
فيهحا برد .و"محن" صحلة .وقيحل :المعنحى وينزل محن السحماء قدر جبال ،أو مثحل جبال محن برد إلى
الرض؛ "فمحن" الولى للغايحة لن ابتداء النزال محن السحماء ،والثانيحة للتبعيحض لن البرد بعحض
الجبال ،والثالثححة لتححبيين الجنححس لن جنححس تلك الجبال مححن البرد .وقال الخفححش :إن "مححن" فححي
"الجبال" و"برد" زائدة في الموضعين ،والجبال والبرد في موضع نصب؛ أي ينزل من السماء
بردا يكون كالجبال .وال أعلم" .فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء" فيكون إصابته نقمة
وصرفه نعمة .وقد مضى في "البقرة" .و[الرعد] أن من قال حين يسمع الرعد :سبحان من يسبح
الرعد بحمده والملئكة من خيفته عوفي مما يكون في ذلك الرعد" .يكاد سنا برقه" أي ضوء ذلك
البرق الذي في السحاب "يذهب بالبصار" من شدة بريقه وضوئه .قال الشماخ:
ليبصر ضوءها إل البصير وما كادت إذا رفعت سناها
وقال امرؤ القيس:
أهان السليط في الذبال المفتل يضيء سناه أو مصابيح راهب
فالسحنا -مقصحور -ضوء البرق .والسحنا أيضحا نبحت يتداوى بحه .والسحناء محن الرفعحة ممدود .وكذلك
قرأ طلححة بحن مصحرف "سحناء" بالمحد على المبالغحة محن شدة الضوء والصحفاء؛ فأطلق عليحه اسحم
الشرف .قال المححبرد :السححنا -مقصححور -وهحو اللمححع؛ فإذا كان مححن الشرف والحسححب فهححو ممدود
وأصحلهما واححد وهحو اللتماع .وقرأ طلححة بحن مصحرف "سحناء برقحه" قال أحمحد بحن يحيحى :وهحو
جمحع برقحة .قال النحاس :البرقحة المقدار محن البرق ،والبرقحة المرة الواحدة .وقرأ الجحدري وابحن
القعقاع "يُذهحب بالبصحار" بضحم الياء وكسحر الهاء؛ محن الذهاب ،وتكون الباء فحي "بالبصحار"
صححلة زائدة .الباقون "يذهححب بالبصححار" بفتححح الياء والهاء ،والباء لللصححاق .والبرق دليححل على
تكاثف السحاب ،وبشير بقوة المطر ،ومحذر من نزول الصواعق.
@قوله تعالى" :يقلب ال الليل والنهار" قيل :تقليبهما أن يأتي بأحدهما بعد الخر .وقيل :تقليبهما
نقصحهما وزيادتهمحا .وقيحل :هحو تغييحر النهار بظلمحة السححاب مرة وبضوء الشمحس أخرى؛ وكذا
الليحل مرة بظلمحة السححاب ومرة بضوء القمحر؛ قاله النقاش .وقيحل :تقليبهمحا باختلف محا تقدر فيهمحا
محن خيحر وشحر ونفحع وضحر" .إن فحي ذلك" أي فحي الذي ذكرناه محن تقلب الليحل والنهار ،وأحوال
المطر والصيف والشتاء "لعبرة" أي اعتبارا "لولي البصار" أي لهل البصائر من خلقي.
**3اليتان{ 46 - 45 :وال خلق كحل دابحة محن ماء فمنهحم محن يمشحي على بطنحه ومنهحم محن
يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق ال ما يشاء إن ال على كل شيء قدير ،لقد
أنزلنا آيات مبينات وال يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}
@قوله تعالى" :وال خلق كحل دابحة محن ماء" قرأ يحيحى بحن وثاب والعمحش وحمزة والكسحائي
"وال خالق كل" بالضافة .الباقون "خلق" على الفعل .قيل :إن المعنيين في القراءتين صحيحان.
أخحبر ال عحز وجحل بخحبرين ،ول ينبغحي أن يقال فحي هذا :إحدى القراءتيحن أصحح محن الخرى .وقحد
قيحل :إن "خلق" لشيحء مخصحوص ،وإنمحا يقال خالق على العموم؛ كمحا قال ال عحز وجحل" :الخالق
البارئ" [الحشر .]24 :وفي الخصوص "الحمد ل الذي خلق السموات والرض" [النعام]1 :
وكذا" :هو الذي خلقكم من نفس واحدة" [العراف .]189 :فكذا يجب أن يكون "وال خلق كل
دابة من ماء" .والدابة كل ما دب على وجه الرض من الحيوان؛ يقال :دب يدب فهو داب؛ والهاء
للمبالغة .وقد تقدم في "البقرة"" .من ماء" لم يدخل في هذا الجن والملئكة؛ لنا لم نشاهدهم ،ولم
يثبت أنهم خلقوا من ماء ،بل في الصحيح (إن الملئكة خلقوا من نور والجن من نار) .وقد تقدم.
وقال المفسحرون" :محن ماء" أي محن نطفحة .قال النقاش :أراد أمنيحة الذكور .وقال جمهور النظرة:
أراد أن خلقحة كحل حيوان فيهحا ماء كمحا خلق آدم محن الماء والطيحن؛ وعلى هذا يتخرج قول النحبي
صحلى ال عليحه وسحلم للشيحخ الذي سحأله فحي غزاة بدر :ممحن أنتمحا؟ فقال رسحول ال صحلى ال عليحه
وسحلم( :نححن محن ماء) .الحديحث .وقال قوم :ل يسحتثني الجحن والملئكحة ،بحل كحل حيوان خلق محن
الماء؛ وخلق النار محن الماء ،وخلق الريحح محن الماء؛ إذ أول محا خلق ال تعالى محن العالم الماء ،ثحم
خلق منه كل شيء.
قلت :ويدل على صحححة هذا قوله تعالى" :فمنهححم مححن يمشححي على بطنححه" المشححي على البطححن
للحيات والحوت ،ونحوه مححن الدود وغيره .وعلى الرجليححن للنسححان والطيححر إذا مشححى .والربححع
لسائر الحيوان .وفي مصحف أبي "ومنهم من يمشي على أكثر"؛ فعم بهذه الزيادة جميع الحيوان
كالسرطان والخشاش؛ ولكنه قرآن لم يثبته إجماع؛ لكن قال النقاش :إنما اكتفى في القول بذكر ما
يمشحي على أربع عن ذكر ما يمشحي على أكثر؛ لن جميع الحيوان إنما اعتماده على أربع ،وهي
قوام مشيححه ،وكثرة الرجححل فححي بعضححه زيادة فححي خلقتححه ،ل يحتاج ذلك الحيوان فححي مشيححه إلى
جميعها .قال ابن عطية :والظاهر أن تلك الرجل الكثيرة ليست باطل بل هي محتاج إليها في تنقل
الحيوان ،وهحي كلهحا تتحرك فحي تصحرفه .وقال بعضهحم :ليحس فحي الكتاب محا يمنحع محن المشحي على
أكثحر محن أربحع؛ إذ لم يقحل ليحس منهحا محا يمشحي على أكثحر محن أربحع .وقيحل فيحه إضمار :ومنهحم محن
يمشي على أكثر من أربع؛ كما وقع في مصحف أبي .وال أعلم .و"دابة" تشمل من يعقل وما ل
يعقحل؛ فغلب محن يعقحل لمحا اجتمحع محع محن ل يعقحل؛ لنحه المخاطحب والمتعبحد؛ ولذلك قال "فمنهحم".
وقال" :محن يمشحي" فأشار بالختلف إلى ثبوت الصحانع؛ أي لو ل أن للجميحع صحانعا مختارا لمحا
اختلفوا ،بل كانوا من جنس واحد؛ وهو كقوله" :يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في
الكل إن في ذلك ليات"[ .الرعد" .]4 :إن ال على كل شيء" مما يريد خلقه "قدير".
**3اليحة{ 47 :ويقولون آمنحا بال وبالرسحول وأطعنحا ثحم يتولى فريحق منهحم محن بعحد ذلك ومحا
أولئك بالمؤمنين}
@قوله تعالى" :ويقولون آمنححا بال وبالرسححول" يعنححي المنافقيححن ،يقولون بألسححنتهم آمنححا بال
وبالرسول من غير يقين ول إخلص" .وأطعنا" أي ويقولون "وأطعنا" وكذبوا" .ثم يتولى فريق
منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين".
**3اليات{ 50 - 48 :وإذا دعوا إلى ال ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ،وإن
يكحن لهحم الححق يأتوا إليحه مذعنيحن ،أفحي قلوبهحم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيحف ال عليهحم
ورسوله بل أولئك هم الظالمون}
@ قال الطحبري وغيره :إن رجل محن المنافقيحن اسحمه بشحر كانحت بينحه وبيحن رجحل محن اليهود
خصومة في أرض فدعاه اليهودي إلى التحاكم عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وكان المنافق
مبطل ،فأبحى محن ذلك وقال :إن محمدا يحيحف علينحا فلنحكحم كعحب بحن الشرف فنزلت اليحة فيحه.
وقيحل :نزلت فحي المغيرة بحن وائل محن بنحي أميحة كان بينحه وبيحن علي بحن أبحي طالب رضحي ال عنه
خصومة في ماء وأرض فامتنع المغيرة أن يحاكم عليا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وقال:
إنححه يبغضنححي؛ فنزلت اليححة ،ذكره الماوردي .وقال" :ليحكححم" ولم يقححل ليحكمححا لن المعنححي بححه
الرسول صلى ال عليه وسلم ،وإنما بدأ بذكر ال إعظاما ل واستفتاح كلم.
@قوله تعالى" :وإن يكحن لهحم الححق يأتوا إليحه مذعنيحن" أي طائعيحن منقاديحن؛ لعلمهحم أنحه عليحه
السلم يحكم بالحق .يقال :أذعن فلن لحكم فلن يذعن إذعانا .وقال النقاش" :مذعنين" خاضعين،
ومجاهححد :مسححرعين .الخفححش وابححن العرابححي :مقريححن" .أفححي قلوبهححم مرض" شححك وريححب" .أم
ارتابوا" أم حدث لهحم شحك فحي نبوتحه وعدله" .أم يخافون أن يحيحف ال عليهحم ورسحوله" أي يجور
في الحكم والظلم .وأتي بلفظ الستفهام لنه أشد في التوبيخ وأبلغ في الذم؛ كقوله جرير في المدح:
وأندى العالمين بطون راح ألستم خير من ركب المطايا
"بل أولئك هم الظالمون" أي المعاندون الكافرون؛ لعراضهم عن حكم ال تعالى.
@ القضاء يكون للمسلمين إذا كان الحكم بين المعاهد والمسلم ول حق لهل الذمة فيه .وإذا كان
بيحن ذمييحن فذلك إليهمحا .فإن جاءا قاضحي السحلم فإن شاء حكحم وإن شاء أعرض؛ كمحا تقدم فحي
"المائدة]
@ هذه الية دليل على وجوب إجابة الداعي إلى الحاكم لن ال سبحانه ذم من دعي إلى رسوله
ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذم فقال" :أفي قلوبهم مرض" الية .قال ابن خويز منداد :واجب
على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب ،ما لم يعلم أن الحاكم فاسق أو عداوة بين المدعي
والمدعحى عليحه .وأسحند الزهراوي عحن الحسحن بحن أبحي الحسحن أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم
قال( :مححن دعاه خصححمه إلى حاكححم مححن حكام المسححلمين فلم يجححب فهححو ظالم ول حححق له) .ذكره
الماوردي أيضحا .قال ابحن العربحي :وهذا حديحث باطحل :فأمحا قوله (فهحو ظالم)فكلم صححيح وأمحا
قوله( :فل حق له) فل يصح ،ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق.
**3الية{ 51 :إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى ال ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا
وأطعنا وأولئك هم المفلحون}
@قوله تعالى" :إنمحا كان قول المؤمنيحن إذا دعوا إلى ال ورسحوله" أي إلى كتاب ال وحكحم
ورسوله" .أن يقولوا سمعنا وأطعنا" قال ابن عباس :أخبر بطاعة المهاجرين والنصار ،وإن كان
ذلك فيمحا يكرهون؛ أي هذا قولهحم ،وهؤلء لو كانوا مؤمنيحن لكانوا يقولون سحمعنا وأطعنحا .فالقول
نصحب على خحبر كان ،واسحمها فحي قوله "أن يقولوا" نححو "ومحا كان قولهحم إل أن قالوا ربنحا اغفحر
لنحا ذنوبنحا" [آل عمران .]147 :وقيحل :إنمحا قول المؤمنيحن ،وكان صحلة فحي الكلم؛ كقوله تعالى:
"كيف نكلم من كان في المهد صبيا"[ .مريم .]29 :وقرأ ابن القعقاع "ليحكم بينهم" غير مسمي
الفاعل .علي بن أبي طالب "إنما كان قول" بالرفع.
**3الية{ 52 :ومن يطع ال ورسوله ويخش ال ويتقه فأولئك هم الفائزون}
@قوله تعالى" :ومحن يطحع ال ورسحوله" فيمحا أمحر بحه حكحم" .ويخحش ال ويتقيحه" قرأ حفحص
"ويتقه" بإسكان القاف على نية الجزم؛ قال الشاعر:
ورزق ال مؤتاب وغادي ومن يتق فإن ال معه
وكسححرها الباقون ،لن جزمححه بحذف آخححر .وأسححكن الهاء أبحو عمرو وأبحو بكححر .واختلس الكسححرة
يعقوب وقالون عن نافع والبستي عن أبي عمرو وحفص .وأشبع كسرة الهاء الباقون" .فأولئك هم
الفائزون" ذكحر أسحلم أن عمحر بينمحا هحو قائم فحي مسحجد النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وإذا رجحل محن
دهاقيحن الروم قائم على رأسحه وهحو يقول :أنحا أشهحد أن ل إله إل ال وأشهحد أن محمدا رسحول ال.
فقال له عمر :ما شأنك؟ قال :أسلمت ل .قال :هل لهذا سبب ؟ قال :نعم إني قرأت التوراة والزبور
والنجيل وكثيرا من كتب النبياء ،فسمعت أسيرا يقرأ آية من القرآن جمع فيها كل ما في الكتب
المتقدمة ،فعلمت أنه من عند ال فأسلمت .قال :ما هذه الية؟ قال قوله تعالى" :ومن يطع ال" في
الفرائض "ورسحوله" فحي السحنن "ويخحش ال" فيمحا مضحى محن عمره "ويتقحه" فيمحا بقحي محن عمره:
"فأولئك هم الفائزون" والفائز من نجا من النار وأدخل الجنة .فقال عمر :قال النبي صلى ال عليه
وسلم( :أوتيت جوامع الكلم).
**3الية{ 53 :وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل ل تقسموا طاعة معروفة إن
ال خبير بما تعملون}
@قوله تعالى" :وأقسحموا بال جهحد أيمانهحم" عاد إلى ذكحر المنافقيحن ،فإنحه لمحا بيحن كراهتهحم لحكحم
النححبي صححلى ال عليححه وسححلم أتوه فقالوا :وال لو أمرتنححا أن نخرج مححن ديارنححا ونسححائنا وأموالنححا
فخرجنحا ،ولو أمرتنحا بالجهاد لجاهدنحا؛ فنزلت هذه اليحة .أي وأقسحموا بال أنهحم يخرجون معحك فحي
المسحتأنف ويطيعون" .جهد أيمانهحم" أي طاقة محا قدروا أن يحلفوا .وقال مقاتل :من حلف بال فقد
أجهححد فححي اليميححن .وقححد مضححى فححي "النعام" بيان هذا .و"جهححد" منصححوب على مذهححب المصححدر
تقديره :إقساما بليغا" .قل ل تقسموا" وتم الكلم" .طاعة معروفة" أولى بكم من أيمانكم؛ أو ليكن
منكحم طاعحة معروفحة ،وقول معروف بإخلص القلب ،ول حاجحة إلى اليميحن .وقال مجاهحد :المعنحى
قححد عرفححت طاعتكححم وهححي الكذب والتكذيححب؛ أي المعروف منكححم الكذب دون الخلص" .إن ال
خبير بما تعملون" من طاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل.
**3الية{ 54 :قل أطيعوا ال وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم
وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إل البلغ المبين}
@قوله تعالى" :قل أطيعوا ال وأطيعوا الرسول" بإخلص الطاعة وترك النفاق" .فإن تولوا" أي
فإن تتولوا ،فحذف إحدى التاءيحن .ودل على هذا أن بعده "وعليكحم" ولم يقحل وعليهحم" .فإنمحا عليحه
محا حمحل" أي محن تبليحغ الرسحالة" .وعليكحم محا حملتحم" أي محن الطاعحة له؛ عحن ابحن عباس وغيره.
"وإن تطيعوه تهتدوا" جعحل الهتداء مقرونحا بطاعتحه" .ومحا على الرسحول إل البلغ المحبين" أي
التبليغ "المبين".
**3اليحة{ 55 :وعحد ال الذيحن آمنوا منكحم وعملوا الصحالحات ليسحتخلفنهم فحي الرض كمحا
اسحتخلف الذيحن محن قبلهحم وليمكنحن لهحم دينهحم الذي ارتضحى لهحم وليبدلنهحم محن بعحد خوفهحم أمنحا
يعبدونني ل يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}
@ نزلت فحي أبحي بكحر وعمحر رضحي ال عنهمحا؛ قاله مالك .وقيحل :إن سحبب هذه اليحة أن بعحض
أصححاب النحبي صحلى ال عليحه وسحلم شكحا جهحد مكافححة العدو ،ومحا كانوا فيحه محن الخوف على
أنفسحهم ،وأنهحم ل يضعون أسحلحتهم؛ فنزلت اليحة .وقال أبحو العاليحة :مكحث رسحول صحلى ال عليحه
وسلم بمكة عشر سنين بعدما أوحي إليه خائفا هو وأصحابه ،يدعون إلى ال سرا وجهرا ،ثم أمر
بالهجرة إلى المدينة ،وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلح .فقال رجل :يا رسول ال،
أمحا يأتحي علينحا يوم نأمحن فيحه ونضحع السحلح؟ فقال عليحه السحلم( :ل تلبثون إل يسحيرا حتحى يجلس
الرجحل منكحم فحي المل العظيحم محتبيحا ليحس عليحه حديدة) .ونزلت هذه اليحة ،وأظهحر ال نحبيه على
جزيرة العرب فوضعوا السلح وأمنوا .قال النحاس :فكان في هذه الية دللة على نبوة رسول ال
صححلى ال عليححه وسححلم؛ لن ال جحل وعححز أنجحز ذلك الوعححد .قال الضحاك فحي كتاب النقاش :هذه
تتضمحن خلفحة أبحي بكحر وعمحر وعثمان وعلي لنهحم أهحل اليمان وعملوا الصحالحات .وقحد قال
رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم( :الخلفحة بعدي ثلثون) .وإلى هذا القول ذهحب ابحن العربحي فحي
أحكامحه ،واختاره وقال :قال علماؤنحا هذه اليحة دليحل على خلفحة الخلفاء الربعحة رضحي ال عنهحم،
وأن ال استخلفهم ورضي أمانتهم ،وكانوا على الدين الذي ارتضى لهم ،لنهم لم يتقدمهم أحد في
الفضيلة إلى يومنا هذا ،فاستقر المر لهم ،وقاموا بسياسة المسلمين ،وذبوا عن حوزة الدين؛ فنفذ
الوعحد فيهحم ،وإذا لم يكحن هذا الوعحد لهحم نجحز ،وفيهحم نفحذ ،وعليهحم ورد ،ففيمحن يكون إذا ،وليحس
بعدهحم مثلهحم إلى يومنحا هذا ،ول يكون فيمحا بعده .رضحي ال عنهحم .وحكحى هذا القول القشيري عن
ابن عباس .واحتجوا بما رواه سفينة مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :سمعت رسول ال
صحلى ال عليحه وسحلم يقول( :الخلفحة بعدي ثلثون سحنة ثحم تكون ملكحا) .قال سحفينة :أمسحك عليحك
خلفة أبي بكر سنتين ،وخلفة عمر عشرا ،وخلفة عثمان اثنتي عشرة سنة ،وخلفة علي ستا.
وقال قوم :هذا وعد لجميع المة في ملك الرض كلها تحت كلمة السلم؛ كما قال عليه الصحلة
والسحلم( :زويحت لي الرض فرأيحت مشارقهحا ومغاربهحا وسحيبلغ ملك أمتحي محا زوي لي منهحا).
واختار هذا القول ابححن عطيححة فححي تفسححيره حيححث قال :والصحححيح فححي اليححة أنهححا فححي اسححتخلف
الجمهور ،واسححتخلفهم هححو أن يملكهححم البلد ويجعلهححم أهلهححا؛ كالذي جرى فححي الشام والعراق
وخراسحان والمغرب .قال ابحن العربحي :قلنحا لهحم هذا وعحد عام فحي النبوة والخلفحة وإقامحة الدعوة
وعموم الشريعحة ،فنفحذ الوعحد فحي كحل أححد بقدره وعلى حاله؛ حتحى فحي المفتيحن والقضاة والئمحة،
وليس للخلفة محل تنفذ فيه الموعدة الكريمة إل من تقدم من الخلفاء .ثم ذكر اعتراضا وانفصال
معناه :فإن قيل هذا المر ل يصح إل في أبي بكر وحده ،فأما عمر وعثمان فقتل غيلة ،وعلي قد
نوزع فحي الخلفحة .قلنحا :ليحس فحي ضمحن المحن السحلمة محن الموت بأي وجحه كان ،وأمحا علي فلم
يكن نزاله فحي الحرب مذهبا للمن ،وليس من شرط المن رفع الحرب إنما شرطه ملك النسان
لنفسحه باختياره ،ل كمحا كان أصححاب النحبي صحلى ال عليحه وسحلم بمكحة .ثحم قال فحي آخحر كلمحه:
وحقيقة الحال أنهم كانوا مقهورين فصاروا قاهرين ،وكانوا مطلوبين فصاروا طالبين؛ فهذا نهاية
المن والعز.
قلت :هذه الحال لم تختص بالخلفاء الربعة رضي ال عنهم حتى يخصوا بها من عموم الية،
بحل شاركهحم فحي ذلك جميحع المهاجريحن بحل وغيرهحم .أل ترى إلى إغزاء قريحش المسحلمين فحي أححد
وغيرهحا وخاصحة الخندق ،حتحى أخحبر ال تعالى عحن جميعهحم فقال" :إذ جاؤوكحم محن فوقكحم ومحن
أسححفل منكححم وإذ زاغححت البصححار وبلغححت القلوب الحناجححر وتظنون بال الظنونححا .هنالك ابتلي
المؤمنون وزلزلوا زلزال شديدا" [الحزاب .]11 - 10 :ثم إن ال رد الكافرين لم ينالوا خيرا،
وأمن المؤمنين وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم ،وهو المراد بقوله" :ليستخلفنهم في الرض".
وقوله" :كما استخلف الذين من قبلهم" يعني بني إسرائيل ،إذ أهلك ال الجبابرة بمصر ،وأورثهم
أرضهححم وديارهححم فقال" :وأورثنححا القوم الذيححن كانوا يسححتضعفون مشارق الرض ومغاربهححا"
[العراف .]137 :وهكذا كان الصححابة مسحتضعفين خائفيحن ،ثحم إن ال تعالى أمنهحم ومكنهحم
وملكهم ،فصح أن الية عامة لمة محمد صلى ال عليه وسلم غير مخصوصة؛ إذ التخصيص ل
يكون إل بخبر ممن يجب له التسليم ،ومن الصل المعلوم التمسك بالعموم .وجاء في معنى تبديل
خوفهحم بالمحن أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم لمحا قال أصححابه :أمحا يأتحي علينحا يوم نأمحن فيحه
ونضحع السحلح؟ فقال عليحه السحلم( :ل تلبثون إل قليل حتحى يجلس الرجحل منكحم فحي المل العظيحم
محتبيا ليس عليه حديدة) .وقال صلى ال عليه وسلم( :وال ليتمن ال هذا المر حتى يسير الراكب
محن صحنعاء إلى حضرموت ل يخاف إل ال والذئب على غنمحه ولكنكحم تسحتعجلون) .خرجحه مسحلم
في صحيحه؛ فكان كما أخبر صلى ال عليه وسلم .فالية معجزة النبوة؛ لنها إخبار عما سيكون
فكان.
@قوله تعالى" :ليسحتخلفنهم فحي الرض" فيحه قولن :أحدهمحا :يعنحي أرض مكحة؛ لن المهاجريحن
سححألوا ال تعالى ذلك فوعدوا كمححا وعدت بنححو إسححرائيل؛ قال معناه النقاش .الثانححي :بلد العرب
والعجم .قال ابن العربي :وهو الصحيح؛ لن أرض مكة محرمة على المهاجرين ،قال النبي صلى
ال عليحه وسحلم( :لكحن البائس سحعد بحن خولة) .يرثحي له رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم أن مات
بمكححة .وقال فححي الصحححيح أيضححا( :يمكححث المهاجححر بمكححة بعححد قضاء نسححكه ثلثححا) .واللم فححي
"ليستخلفهم" جواب قسم مضمر؛ لن الوعد قول ،مجازها :قال ال للذين آمنوا وعملوا الصالحات
وال ليسحتخلفنهم فحي الرض فيجعلهحم ملوكهحا وسكانها" .كمحا اسحتخلف الذيحن من قبلهحم" يعني بنحي
إسحرائيل ،أهلك الجبابرة بمصر والشام وأورثهم أرضهم وديارهم .وقراءة العامة "كما استخلف"
بفتح التاء واللم؛ لقوله" :وعد" .وقوله" :ليستخلفنهم" .وقرأ عيسى بن عمر وأبو بكحر والمفضل
عحن عاصحم "اسحتخلف" بضحم التاء وكسحر اللم على الفعحل المجهول" .وليمكنحن لهحم دينهحم الذي
ارتضحى لهحم" وهحو السحلم؛ كمحا قال تعالى" :ورضيحت لكحم السحلم دينحا" [المائدة ]3 :وقحد تقدم.
وروي سحليم بحن عامحر عحن المقداد بحن السحود قال :سحمعت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم يقول:
(ما على ظهر الرض بيت حجر ول مدر إل أدخله ال كلمة السلم بعز عزيز أو ذل ذليل أما
بعزهححم فيجعلهححم مححن أهلهححا وأمححا بذلهححم فيدينون بهححا) .ذكره الماوردي حجححة لمححن قال :إن المراد
بالرض بلد العرب والعجحم؛ وهحو القول الثانحي :على محا تقدم آنفحا" .وليبدلنهحم" قرأ ابحن محيصحن
وابن كثير ويعقوب وأبو بكر بالتخفيف؛ من أبدل ،وهي قراءة الحسن ،واختيار أبي حاتم .الباقون
بالتشديحد؛ محن بدل ،وهحي اختيار أبحي عبيحد؛ لنهحا أكثحر محا فحي القرآن ،قال ال تعالى" :ل تبديحل
لكلمات ال" [يونحس .]64 :وقال" :وإذا بدلنحا آيحة" [النححل ]101 :ونحوه ،وهمحا لغتان .قال
النحاس :وحكحى محمحد بحن الجهحم عحن الفراء قال :قرأ عاصحم والعمحش "وليبدلنهحم" مشددة ،وهذا
غلط على عاصحم؛ وقحد ذكحر بعده غلطحا أشحد منحه ،وهحو أنحه حكحى عحن سحائر الناس التخفيحف .قال
النحاس :وزعم أحمد بن يحيى أن بين التثقيل والتخفيف فرقا ،وأنه يقال :بدلته أي غيرته ،وأبدلته
أزلتححه وجعلت غيره .قال النحاس :وهذا القول صحححيح؛ كمححا تقول :أبدل لي هذا الدرهححم ،أي أزله
وأعطنحي غيره .وتقول :قحد بدلت بعدنحا ،أي غيرت؛ غيحر أنحه قحد يسحتعمل أحدهمحا موضحع الخحر؛
والذي ذكره أكثر .وقد مضى هذا في "النساء" والحمد ل ،وذكرنا في سورة "إبراهيم" الدليل من
السححنة على أن بدل معناه إزالة العيححن؛ فتأمله هناك .وقرئ "عسححى ربنححا أن يبدلنححا" [القلم]32 :
مخففا ومثقل" .يعبدونني" هو في موضع الحال؛ أي في حال عبادتهم ال بالخلص .ويجوز أن
يكون استئنافا على طريق الثناء عليهم" .ل يشركون بي شيئا" فيه أربعة أقوال :أحدها ،ل يعبدون
إلهححا غيري؛ حكاه النقاش .الثانححي ،ل يراؤون بعبادتححي أحدا .الثالث ،ل يخافون غيري؛ قاله ابححن
عباس .الرابحع ،ل يحبون غيري؛ قال مجاهحد" .ومحن كفحر بعحد ذلك" أي بهذه النعحم .والمراد كفران
النعمة؛ لنه قال تعالى" :فأولئك هم الفاسقون" والكافر بال فاسق بعد هذا النعام وقبله.
**3الية{ 56 :وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون}
@ تقدم؛ فأعاد المر بالعبادة تأكيدا.
**3الية{ 57 :ل تحسبن الذين كفروا معجزين في الرض ومأواهم النار ولبئس المصير}
@قوله تعالى" :ل تحسحبن الذيحن كفروا" هذا تسحلية للنحبي صحلى ال عليحه وسحلم ووعحد بالنصحرة.
وقراءة العامة "تحسبن" بالتاء خطابا .وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو حيوة "يحسبن" بالياء ،بمعنى
ل يحسحبن الذيحن كفروا أنفسحهم معجزيحن ال فحي الرض ،لن الحسحبان يتعدى إلى مفعوليحن .وهذا
قول الزجاج .وقال الفراء وأبححو علي :يجوز أن يكون الفعححل للنححبي صححلى ال عليححه وسححلم؛ أي ل
يحسحبن محمحد الذيحن كفروا معجزيحن الرض .فحح "الذيحن" مفعول أول ،و"معجزيحن" مفعول ثان.
وعلى القول الول "الذيححن كفروا" فاعححل "أنفسححهم" مفعول أول ،وهححو محذوف مراد "معجزيححن"
مفعول ثان .قال النحاس :وما علمت أحدا من أهل العربية بصريا ول كوفيا إل وهو يخطئ قراءة
حمزة؛ فمنهم من يقول :هي لحن؛ لنه لم يأت إل بمفعول واحد ليحسبن .وممن قال هذا أبو حاتم.
وقال الفراء :هححو ضعيححف؛ وأجازه على ضعفححه ،على أنححه يحذف المفعول الول ،وقححد بيناه .قال
النحاس :وسمعت علي بن سليمان يقول في هذه القراءة :يكون "الذين كفروا" في موضع نصب.
قال :ويكون المعنى ول يحسبن الكافر الذين كفروا معجزين في الرض.
قلت :وهذا موافق لما قاله الفراء وأبو علي؛ لن الفاعل هناك النبي صلى ال عليه وسلم .وفي
هذا القول الكافححر .و"معجزيححن" معناه فائتيححن .وقححد تقدم" .ومأواهححم النار ولبئس المصححير" أي
المرجع.
**3اليحة{ 58 :يحا أيهحا الذيحن آمنوا ليسحتأذنكم الذيحن ملكحت أيمانكحم والذيحن لم يبلغوا الحلم منكحم
ثلث مرات من قبل صلة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلة العشاء ثلث
عورات لكم ليس عليكم ول عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين ال
لكم اليات وال عليم حكيم}
@ قال العلماء ،هذه الية خاصة والتي قبلها عامة؛ لنه قال" :يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوتا
غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" [النور ]27 :ثم خص هنا فقال" :ليستأذنكم الذين
ملكحت أيمانكحم" فخحص فحي هذه اليحة بعحض المسحتأذنين ،وكذلك أيضحا يتأول القول فحي الولى فحي
جميحع الوقات عمومحا .وخحص فحي هذه اليحة بعحض الوقات ،فل يدخحل فيهحا عبحد ول أمحة؛ وغْداً
كان أو ذا منظحر إل بعحد السحتئذان .قال مقاتحل :نزلت فحي أسحماء بنحت مرثحد ،دخحل عليهحا غلم لهحا
كبير ،فاشتكت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فنزلت عليه الية .وقيل :سبب نزولها دخول
مدلج على عمر؛ وسيأتي.
@ اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى "ليستأذنكم" على ستة أقوال
الول :أنها منسوخة ،قاله ابن المسيب وابن جبير.
الثاني :أنها ندب غير واجبة؛ قاله أبو قلبة ،قال :إنما أمروا بهذا نظرا لهم.
الثالث :عنى بها النساء؛ قاله أبو عبدالرحمن السلمي.
الرابع :وقال ابن عمر :هي في الرجال دون النساء.
الخامحححس :كان ذلك واجبحححا ،إذ كانوا ل غلق لهحححم ول أبواب ،ولو عاد الحال لعاد الوجوب حكاه
المهدوي عن ابن عباس.
السحادس :أنهحا محكمحة واجبحة ثابتحة على الرجال والنسحاء؛ وهحو قول أكثحر أهحل العلم؛ منهحم القاسحم
وجابر بن زيد والشعبي .وأضعفها قول السلمي لن "الذين" ل يكون للنساء في كلم العرب ،إنما
يكون للنسحاء -اللتحي واللواتحي -وقول ابحن عمحر يسحتحسنه أهحل النظحر ،لن "الذيحن" للرجال فحي
كلم العرب ،وإن كان يجوز أن يدخححل معهححم النسححاء فإنمححا يقححع ذلك بدليححل ،والكلم على ظاهره،
غير أن في إسناده ليث بن أبي سليم .وأما قول ابن عباس فروى أبو داود عن عبيدال بن أبي يزيد
سحمع ابحن عباس يقول :آية لم يؤمحر بهحا أكثحر الناس آية السحتئذان وإنحي لمحر جاريتحي هذه تسحتأذن
علي .قال أبو داود :وكذلك رواه عطاء عن ابن عباس "يأمر به" .وروى عكرمة أن نفرا من أهل
العراق قالوا :يا ابن عباس ،كيف ترى في هذه الية التي أمرنا فيها بما أمرنا ول يعمل بها أحد،
قول ال عحز وجحل "يحا أيهحا الذيحن آمنوا ليسحتأذنكم الذيحن ملكحت أيمانكحم والذيحن لم يبلغوا الحلم منكحم
ثلث مرات من قبل صلة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلة العشاء ثلث
عورات لكحم ليحس عليكحم ول عليهحم جناح بعدهحن طوافون عليكحم" .قال أبحو داود :قرأ القعنحبي إلى
"عليم حكيم" قال ابن عباس :إن ال حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر ،وكان الناس ليس لبيوتهم
سححتور ول حجال ،فربمححا دخححل الخادم أو الولد أو يتيمححة الرجححل والرجححل على أهله ،فأمرهححم ال
بالستئذان في تلك العورات ،فجاءهم ال بالستور والخير ،فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد.
قلت :هذا متن حسن ،وهو يرد قول سعيد وابن جبير؛ فإنه ليس فيه دليل على نسخ الية ،ولكن
على أنها كانت على حال ثم زالت ،فإن كان مثل ذلك الحال فحكمها قائم كما كان ،بل حكمها لليوم
ثابت في كثير من مساكن المسلمين في البوادي والصحارى ونحوها .وروى وكيع عن سفيان عن
موسى بن أبي عائشة عن الشعبي "يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم" قال :ليست
بمنسوخة .قلت :إن الناس ل يعملون بها؛ قال :ال عز وجل المستعان.
@ قال بعض أهل العلم :إن الستئذان ثلثا مأخوذ من قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم
الذيحن ملكحت أيمانكحم والذيحن لم يبلغوا الحلم منكحم ثلث مرات" قال يزيحد :ثلث دفعات .قال :فورد
القرآن في المماليك والصبيان ،وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم في الجميع .قال ابن عبدالبر:
محا قاله محن هذا وإن كان له وجحه فإنحه غيحر معروف عحن العلماء فحي تفسحير اليحة التحي نزع بهحا،
والذي عليحه جمهورهحم فحي قوله "ثلث مرات" أي فحي ثلث أوقات .ويدل على صححة هذا القول
ذكره فيها "من قبل صلة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلة العشاء".
@ أدب ال عز وجل عباده في هذه الية بأن يكون العبيد إذ ل بال لهم ،والطفال الذين لم يبلغوا
الحلم إل أنهحم عقلوا معانحي الكشفحة ونحوهحا ،يسحتأذنون على أهليهحم فحي هذه الوقات الثلثحة ،وهحي
الوقات التحي تقتضحي عادة الناس النكشاف فيهحا وملزمحة التعري .فمحا قبحل الفجحر وقحت انتهاء
النوم ووقححت الخروج مححن ثياب النوم ولبححس ثياب النهار .ووقححت القائلة وقححت التجرد أيضححا وهححي
الظهيرة ،لن النهار يظهححر فيهححا إذا عل شعاعححه واشتححد حره .وبعححد صححلة العشاء وقححت التعري
للنوم؛ فالتكشف غالب في هذه الوقات .يروي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث غلما من
النصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب ظهيرة ليدعوه ،فوجده نائما قد أغلق عليه الباب ،فدق
عليحه الغلم الباب فناداه ،ودخحل ،فاسحتيقظ عمحر وجلس فانكشحف منحه شيحء ،فقال عمحر :وددت أن
ال نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إل بإذن؛ ثم انطلق إلى رسول
ال صلى ال عليه وسلم فوجد هذه الية قد أنزلت ،فخر ساجدا شكرا ل .وهي مكية.
@قوله تعالى" :والذيحن لم يبلغوا الحلم منكحم" أي الذيحن لم يحتلموا محن أحراركحم؛ قال مجاهحد.
وذكحر إسحماعيل بحن إسححاق كان يقول :ليسحتأذنكم الذيحن لم يبلغوا الحلم ممحا ملكحت أيمانكحم ،على
التقديحم والتأخيحر ،وأن اليحة فحي الماء .وقرأ الجمهور بضحم اللم ،وسحكنها الحسحن بحن أبحي الحسحن
لثقحل الضمحة ،وكان أبحو عمرو يسحتحسنها .و"ثلث مرات" نصحب على الظرف؛ لنهحم لم يؤمروا
بالسحتئذان ثلثحا ،إنمحا أمروا بالسحتئذان فحي ثلثحة مواطحن ،والظرفيحة فحي "ثلث" بينحة :محن قبحل
صلة الفجر ،وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ،ومن صلة العشاء .وقد مضى معناه .ول يجب
أن يسحتأذن ثلث مرات فحي كحل وقحت" .ثلث عورات لكحم" قرأ جمهور السحبعة "ثلث عورات"
برفححع "ثلث" .وقرأ حمزة والكسححائي وأبححو بكححر عححن عاصححم "ثلث" بالنصححب على البدل مححن
الظرف فحي قوله "ثلث مرات" .قال أبحو حاتحم :النصحب ضعيحف مردود .وقال الفراء :الرفحع أححب
إلي .قال :وإنمححا اخترت الرفححع لن المعنححى :هذه الخصححال ثلث عورات .والرفححع عنححد الكسححائي
بالبتداء ،والخححبر عنده مححا بعده ،ولم يقححل بالعائد ،وقال نصححا بالبتداء .قال :والعورات السححاعات
التحي تكون فيهحا العورة؛ إل أنحه قرأ بالنصحب ،والنصحب فيحه قولن :أحدهمحا :أنحه مردود على قوله
"ثلث مرات"؛ ولهذا اسحتبعده الفراء .وقال الزجاج :المعنحى ليسحتأذنكم أوقات ثلث عورات؛
فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه .و"عورات" جمع عورة ،وبابه في الصحيح أن يجيء
على فعلت (بفتح العين) كجفنة وجفنات ،ونحو ذلك ،وسكنوا العين في المعتل كبيضة وبيضات؛
لن فتحه داع إلى اعتلله فلم يفتح لذلك؛ فأما قول الشاعر:
رفيق بمسح المنكبين سبوح أبو بيضات رائح متأوب
فشاذ.
@قوله تعالى" :ليحس عليكحم ول عليهحم جناح بعدهحن" أي فحي الدخول محن غيحر أن يسحتأذنوا وإن
كنتححم متبذليححن" .طوافون" بمعنححى هححم طوافون .قال الفراء :كقولك فححي الكلم إنمححا هححم خدمكححم
وطوافون عليكحم .وأجاز الفراء نصحب "طوافيحن" لنحه نكرة ،والمضمحر فحي "عليكحم" معرفحة .ول
يجيححز البصححريون أن يكون حال مححن المضمريححن اللذيححن فححي "عليكححم" وفححي "بعضكححم" لختلف
العامليحن .ول يجوز مررت يزيحد ونزلت على عمرو العاقليحن ،على النعحت لهمحا .فمعنحى "طوافون
عليكم" أي يطوفون عليكم وتطوفون عليهم؛ ومنه الحديث في الهرة (إنما هي من الطوافين عليكم
أو الطوافات) .فمنحع فحي الثلث العورات محن دخولهحم علينحا؛ لن حقيقحة العورة كحل شيحء ل مانحع
دونححه ،ومنححه قوله "إن بيوتنححا عورة" [الحزاب ]13 :أي سححهلة للمدخححل ،فححبين العلة الموجبححة
للذن ،وهححي الخلوة فححي حال العورة؛ فتعيححن امتثاله وتعذر نسححخه .ثححم رفححع الجناح بقوله" :ليححس
عليكححم ول عليهححم جناح بعدهححن طوافون عليكححم بعضكححم على بعححض" أي يطوف بعضكححم على
بعحض" .كذلك يحبين ال لكحم اليات" الكاف فحي موضحع نصحب؛ أي يحبين ال لكحم آياتحه الدالة على
متعبداته بيانا مثل ما يبين لكم هذه الشياء" .وال عليم حكيم" تقدم.
@قوله تعالى" :ومحن بعحد صحلة العشاء" يريحد العتمحة .وفحي صححيح مسحلم عحن عبدال بحن عمحر
رضحي ال عنهمحا قال سحمعت رسحول ال صحلى يقول( :ل تغلبنكحم العراب على اسحم صحلتكم أل
إنها العشاء وهم يعتمون بالبل) .وفي رواية (فإنها في كتاب ال العشاء وإنها تعتم بحلب البل).
وفي البخاري عن أبي برزة :كان النبي صلى ال عليه وسلم يؤخر العشاء .وقال أنس :أخر النبي
صلى ال عليه وسلم العشاء .وهذا يدل على العشاء الولى .وفي الصحيح :فصلها ،يعني العصر
بين العشاءين المغرب والعشاء .وفي الموطأ وغيره( :ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لتوهما
ولو حبوا) .وفححي مسححلم عححن جابر بححن سححمرة قال :كان رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم يصححلي
الصحلوات نحوا محن صحلتكم ،وكان يؤخحر العتمحة بعحد صحلتكم شيئا ،وكان يخحف الصحلة .وقال
القاضي أبو بكر بن العربي :وهذه أخبار متعارضة ،ل يعلم منها الول من الخر بالتاريخ ،ونهيه
عليححه السححلم عححن تسححمية المغرب عشاء وعححن تسححمية العشاء عتمححة ثابححت ،فل مرد له مححن أقوال
الصححابة فضل عمحن عداهحم .وقحد كان ابحن عمحر يقول :محن قال صحلة العتمحة فقحد أثحم .وقال ابحن
القاسحم قال مالك" :ومحن بعحد صحلة العشاء" فال سحماها صحلة العشاء فأححب النحبي صحلى ال عليحه
وسلم أن تسمي بما سماها ال تعالى به ويعلمها النسان أهله وولده ،ول يقال عتمة إل عند خطاب
من ل يفهم وقد قال حسان:
خلل مروجها نعم وشاء وكانت ل يزال بها أنيس
يؤرقني إذا ذهب العشاء فدع هذا ولكن من لطيف
وقد قيل :إن هذا النهي عن اتباع العراب فحي تسميتهم العشاء عتمة ،إنما كان لئل يعدل بها عما
سماها ال تعالى في كتابه إذ قال" :ومن بعد صلة العشاء"؛ فكأنه نه يُ إرشاد إلى ما هو الولى،
وليس على جهة التحريم ،ول على أن تسميتها العتمة ل يجوز .أل ترى أنه قد ثبت أن النبي صلى
ال عليه وسلم قد أطلق عليها ذلك ،وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وعمر رضي ال عنهما .وقيل:
إنما نهى عن ذلك تنزيها لهذه العبادة الشريفة الدينية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلة دنيوية،
وهحي الحلبحة التحي كانوا يحلبونهحا فحي ذلك الوقحت ويسحمونها العتمحة؛ ويشهحد لهذا قوله( :فإنهحا تعتحم
بحلب البل).
@ روى ابن ماجه في سننه حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمارة بن
غزية عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه كان يقول( :من
صحلى فحي جماعحة أربعيحن ليلة ل تفوتحه الركعحة الولى محن صحلة العشاء كتحب ال بهحا عتقحا محن
النار) .وفحي صححيح مسحلم عحن عثمان بحن عفان قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم( :محن
صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله).
وروي الدارقطنحي فحي سحننه عحن سحبيع أو تحبيع عحن كعحب قال :محن توضحأ فأحسحن الوضوء وصحلى
العشاء الخرة وصحلى بعدهحا أربحع ركعات فأتحم ركوعهحن وسحجودهن ويعلم محا يقترئ فيهحن كحن له
بمنزلة ليلة القدر.
**3الية{ 59 :وإذا بلغ الطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين ال
لكم آياته وال عليم حكيم}
@ قرأ الحسن "الحلم" فحذف الضمة لثقلها .والمعنى :أن الطفال أمروا بالستئذان في الوقات
الثلثة المذكورة؛ وأبيح لهم المر في غير ذلك كما ذكرنا .ثم أمر تعالى في هذه الية أن يكونوا
إذا بلغوا الحلم على حكم الرجال في الستئذان في كل وقت .وهذا بيان من ال عز وجل لحكامه
وإيضاح حلله وحرامحه ،وقال "فليسحتأذنوا" ولم يقحل فليسحتأذنوكم .وقال فحي الولى "ليسحتأذنكم"
لن الطفال غيححر مخاطححبين ول متعبديححن .وقال ابححن جريححج :قلت لعطاء "وإذا بلغ الطفال منكححم
الحلم فليسححتأذنوا" قال :واجححب على الناس أن يسححتأذنوا إذا احتلموا ،أحرارا كانوا أو عححبيدا .وقال
أبحو إسححاق الفزاري :قلت للوزاعحي محا ححد الطفحل الذي يسحتأذن؟ قال :أربحع سحنين ،قال ل يدخحل
على امرأة حتحى يسحتأذن .وقال الزهري :أي يسحتأذن الرجحل على أمحه وفحي هذا المعنحى نزلت هذه
الية.
**3اليحة{ 60 :والقواعحد محن النسحاء اللتحي ل يرجون نكاححا فليحس عليهحن جناح أن يضعحن
ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن وال سميع عليم}
@قوله تعالى" :والقواعد من النساء" القواعد واحدتها قاعد ،بل هاء؛ ليدل حذفها على أنه قعود
الكبر ،كما قالوا :امرأة حامل؛ ليدل بحذف الهاء أنه حمل حبل .قال الشاعر:
حبلن وإن كن القواعد عقرا فلو أن ما في بطنه بين نسوة
وقالوا فحي غيحر ذلك :قاعدة فحي بيتهحا ،وحاملة على ظهرهحا ،بالهاء .والقواعحد أيضحا :إسحاس البيحت
واحدة قاعدة ،بالهاء.
@ القواعد :العجز اللواتي قعدن عن التصرف من السن ،وقعدن عن الولد والمحيض؛ هذا قول
أكثحر العلماء .قال ربيعحة :هحي التحي إذا رأيتهحا تسحتقذرها محن كبرهحا .وقال أبحو عحبيدة :اللتحي قعدن
عن الولد؛ وليس ذلك بمستقيم ،لن المرأة تقعد عن الولد وفيها مستمتع ،قاله المهدوي.
@قوله تعالى" :فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن" إنما خص القواعد بذلك لنصراف النفس
عنهن؛ إذ ل يذهب للرجال فيهن ،فأبيح لهن ما لم يبح لغيرهن ،وأزيل عنهم كلفة التحفظ المتعب
لهن.
@ قرأ ابن مسعود وأبي وابن عباس "أن يضعن من ثيابهن" بزيادة "من" قال ابن عباس :وهو
الجلباب .وروي عن ابن مسعود أيضا "من جلبيبهن" والعرب تقول :امرأة واضع ،للتي كبرت
فوضعحت خمارهحا .وقال قوم :الكحبيرة التحي أيسحت محن النكاح ،لو بدا شعرهحا فل بأس؛ فعلى هذا
يجوز لهحا وضحع الخمار .والصححيح أنهحا كالشابحة فحي التسحتر؛ إل أن الكحبيرة تضحع الجلباب الذي
يكون فوق الدرع والخمار ،قاله ابن مسعود وابن جبير وغيرهما.
@قوله تعالى" :غيحر متحبرجات بزينحة" أي غيحر مظهرات ول متعرضات بالزينحة لينظحر إليهحن؛
فإن ذلك مححن أقبححح الشياء وأبعده عححن الحححق .والتححبرج :التكشححف والظهور للعيون؛ ومنححه :بروج
مشيدة .وبروج السحماء والسحوار؛ أي ل حائل دونهحا يسحترها .وقيحل لعائشحة رضحي ال عنهحا :يحا أم
المؤمنيحن ،محا تقوليحن فحي الخضاب والصحباغ والتمائم والقرطيحن والخلخال وخاتحم الذهحب ورقاق
الثياب؟ فقالت :يحا معشحر النسحاء ،قصحتكن قصحة امرأة واحدة ،أححل ال لكنّح الزينحة غيحر متحبرجات
لمحن ل يححل لكنّح أن يروا منكحن محرمحا .وقال عطاء :هذا فحي بيوتهحن ،فإذا خرجحت فل يححل لهحا
وضحع الجلباب .وعلى هذا "غيحر متحبرجات" غيحر خارجات محن بيوتهحن .وعلى هذا يلزم أن يقال:
إذا كانحت فحي بيتهحا فل بدلهحا محن جلبان فوق الدرع ،وهذا بعيحد ،إل إذا دخحل عليهحا أجنحبي .ثحم ذكحر
تعالى أن تحفظ الجميع منهن ،واستعفافهن عن وضع الثياب والتزامهن ما يلزم الشباب أفضل لهن
وخيحر .وقرأ ابحن مسحعود "وأن يتعففحن" بغيحر سحين .ثحم قيحل :محن التحبرج أن تلبحس المرأة ثوبيحن
رقيقين يصفانها .روى الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :صنفان
من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات
مميلت مائلت رؤوسححهن كأسححنمة البخححت المائلة ل يدخلن الجنححة ول يجدن ريحهححا وإن ريحهححا
ليوجحد محن مسحيرة كذا وكذا) .قال ابحن العربحي :وإنمحا جعلهحن كاسحيات لن الثياب عليهحن وإنمحا
وصفهن بأنهن عاريات لن الثواب إذا رق يصفهن ،ويبدي محاسنهن؛ وذلك حرام.
قلت :هذا أححد التأويليحن للعلماء فحي هذا المعنحى .والثانحي :أنهحن كاسحيات محن الثياب عاريات من
لباس التقوى الذي قال ال تعالى فيه" :ولباس التقوى ذلك خير" .وأنشدوا:
تقلب عريانا وإن كان كاسيا إذا المرء لم يلبس ثياب من التقى
ول خير فيمن كان ل عاصيا وخير لباس المرء طاعة ربه
وفحي صححيح مسحلم عحن أبحي سحعيد الخدري قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم( :بينحا أنحا نائم
رأيحت الناس يعرضون علي وعليهحم قمحص منهحا محا يبلغ الثدي ومنهحا محا دون ذلك ومحر عمحر بحن
الخطاب وعليحه قميحص يجره) قالوا :ماذا أولت ذلك يحا رسحول ال؟ قال( :الديحن) .فتأويله صحلى ال
عليحه وسحلم القميحص بالديحن مأخوذ محن قوله تعالى" :ولباس التقوى ذلك خيحر" .والعرب تكنحي عحن
الفضل والعفاف بالثياب؛ كما قال شاعرهم:
ثياب بني عوف طهارى نقية
وقحد قال صحلى ال عليحه وسحلم لعثمان( :إن ال سحيلبسك قميصحا فإن أرادوك أن تخلعحه فل تخلعحه).
فعبر عن الخلفة بالقميص وهي استعارة حسنة معروفة.
قلت :هذا التأويحل أصحح التأويليحن ،وهحو اللئق بهحن فحي هذه الزمان ،وخاصحة الشباب ،فإنهحن
يتزين ويخرجن متبرجات؛ فهن كاسيات بالثياب عاريات من التقوى حقيقة ،ظاهرا وباطنا ،حيث
تبدي زينتهحا ،ول تبالي بمحن ينظحر إليهحا ،بحل ذلك مقصحودهن ،وذلك مشاهحد فحي الوجود منهحن ،فلو
كان عندهن شيء من التقوى لما فعلن ذلك ،ولم يعلم أحد ما هنالك .ومما يقوي هذا التأويل ما ذكر
محن وصحفهن فحي بقيحة الحديحث فحي قوله( :رؤوسحهن كأسحنمة البخحت) .والبخحت ضرب محن البحل
عظام الجسحام ،عظام السحنمة؛ شبحه رؤوسحهن بهحا لمحا رفعحن محن ضفائر شعورهحن على أوسحاط
رؤوسحهن .وهذا مشاهحد معلوم ،والناظحر إليهحن ملوم .قال صحلى ال عليحه وسحلم( :محا تركحت بعدي
فتنة أضر على الرجال من النساء) .خرجه البخاري.
**3اليحة{ 61 :ليس على العمحى حرج ول على العرج حرج ول على المريض حرج ول
على أنفسححكم أن تأكلوا مححن بيوتكححم أو بيوت آبائكححم أو بيوت أمهاتكححم أو بيوت إخوانكححم أو بيوت
أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالتكم أو ما ملكتم مفاتحه
أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعحا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية
من عند ال مباركة طيبة كذلك يبين ال لكم اليات لعلكم تعقلون}
@قوله تعالى" :ليس على العمى حرج" اختلف العلماء في تأويل هذه الية على أقوال ثمانية.
أقربها -هل هي منسوخة أو ناسخة أو محكمة؛ فهذه ثلثة أقوال:
الول :أنها منسوخة من قوله تعالى" :ول على أنفسكم" إلى آخر الية؛ قاله عبدالرحمن بن زيد،
قال :هذا شيحء انقطحع ،كانوا فحي أول السحلم ليحس على أبوابهحم أغلق ،وكانحت السحتور مرخاة،
فربمحا جاء الرجحل فدخحل البيحت وهحو جائع وليحس فيحه أححد؛ فسحوغ ال عحز وجحل أن يأكحل منحه ،ثحم
صحارت الغلق على البيوت فل يححل لححد أن يفتحهحا ،فذهحب هذا وانقطحع .قال صحلى ال عليحه
وسلم( :ل يحتلبن أحد ماشية أحد إل بإذنه )..الحديث .خرجه الئمة.
الثانحي :أنهحا ناسحخة؛ قاله جماعحة .روى علي بحن أبحي طلححة عحن ابحن عباس قال :لمحا أنزل ال عحز
وجل "يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" قال المسلمون :إن ال عز وجل قد نهانا
أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ،وأن الطعام من أفضل الموال ،فل يحل لحد منا أن يأكل عند أحد،
فكف الناس عن ذلك؛ فأنزل ال عز وجل" :ليس على العمى حرج -إلى -أو ما ملكتم مفاتحه".
قال :هو الرجل يوكل الرجل بضيعته.
قلت :علي بن أبي طلحة هذا هو مولى بني هاشم سكن الشام ،يكنى أبا الحسن ويقال أبا محمد،
اسم أبيه أبي طلحة سالم ،تكلم في تفسيره؛ فقيل :إنه لم ير ابن عباس ،وال أعلم.
الثالث :أنهححا محكمححة؛ قاله جماعححة مححن أهححل العلم ممححن يقتدي بقولهححم؛ منهححم سححعيد بححن المسححيب
وعحبيدال بحن عبدال بحن عتبحة بحن مسحعود .وروى الزهري عحن عروة عحن عائشحة رضحي ال عنهحا
قالت :كان المسححلمون يوعبون فححي النفيححر مححع رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم ،فكانوا يدفعون
مفاتيحهحم إلى ضمناهحم ويقولون :إذا احتجتحم فكلوا؛ فكانوا يقولون إنمحا أحلوه لنحا عحن غيحر طيحب
نفس؛ فأنزل ال عز وجل" :ول على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم" إلى آخر الية.
قال النحاس :يوعبون أي يخرجون بأجمعهححم فححي المغازي؛ يقال :أوعححب بنححو فلن لبنححي فلن إذا
جاؤوهم بأجمعهم .وقال ابن السكيت :يقال أوعب بنو فلن جلء؛ فلم يبق ببلدهم منهم أحد .وجاء
الفرس بركض وعيب؛ أي بأقصحى محا عنده .وفي الحديحث( :فحي النحف إذا استوعب جدعه الدية)
إذا لم يترك منحه شيحء .واسحتيعاب الشيحء اسحتئصاله .ويقال :بيحت وعيحب إذا كان واسحعا يسحتوعب
كل ما جعل فيه .والضمنى هم الزمنى ،واحدهم ضمن زمن .قال النحاس :وهذا القول من أجل ما
روي في الية؛ لما فيه عن الصحابة والتابعين من التوفيق أن الية نزلت في شيء بعينه .قال ابن
العربحي :وهذا كلم منتظحم لجحل تخلفهحم عنهحم فحي الجهاد وبقاء أموالهحم بأيديهحم ،لكحن قوله "أو محا
ملكتم مفاتحه" قد اقتضاه؛ فكان هذا القول بعيدا جدا .لكن المختار أن يقال :إن ال رفع الحرج عن
العمحى فيمحا يتعلق بالتكليحف الذي يشترط فيحه البصحر ،وعحن العرج فيمحا يشترط فحي التكليحف بحه
مححن المشححي؛ ومححا يتعذر مححن الفعال مححع وجود العرج ،وعححن المريححض فيمححا يؤثححر المرض فححي
إسحقاطه؛ كالصحوم وشروط الصحلة وأركانهحا ،والجهاد ونححو ذلك .ثحم قال بعحد ذلك مبينحا :وليحس
عليكححم حرج فححي أن تأكلوا مححن بيوتكححم .فهذا معنحى صحححيح ،وتفسحير بيححن مفيحد ،ويعضده الشرع
والعقل ،ول يحتاج في تفسير الية إلى نقل.
قلت :وإلى هذا أشار ابحن عطيحة فقال :فظاهحر اليحة وأمحر الشريعحة يدل على أن الحرج عنهحم
مرفوع فحي كحل محا يضطرهحم إليحه العذر ،وتقتضحي نيتهحم فيحه التيان بالكمحل ،ويقتضحي العذر أن
يقع منهم النقص ،فالحرج مرفوع عنهم في هذا ،فأما ما قال الناس في الحرج :قال ابن زيد :هو
الحرج فحي الغزو؛ أي ل حرج عليهحم فحي تأخرهحم .وقوله تعالى" :ول على أنفسحكم" اليحة ،معنحى
مقطوع من الول .وقالت فرقة :الية كلها في معنى المطاعم .قالت :وكانت العرب ومن بالمدينة
قبل المبعث تتجنب الكل مع أهل العذار؛ فبعضهم كان يفعل ذلك تقذرا لجولن اليد من العمى،
ولنبساط الجلسة من العرج ،ولرائحة المريض وعلته؛ وهي أخلق جاهلية وكبر ،فنزلت الية
مؤذنححة .وبعضهححم كان يفعححل ذلك تحرجححا مححن غيححر أهححل العذار ،إذ هححم مقصححرون عححن درجححة
الصححاء فحي الكحل ،لعدم الرؤيحة فحي العمحى ،وللعجحز عحن المزاحمحة فحي العرج ،ولضعحف
المريححض؛ فنزلت اليححة فححي إباحححة الكححل معهححم .وقال ابححن عباس فححي كتاب الزهراوي :إن أهححل
العذار تحرجوا في الكل مع الناس من أجل عذرهم؛ فنزلت الية مبيحة لهم .وقيل :كان الرجل
إذا سحاق أهحل العذر إلى بيتحه فلم يجحد فيحه شيئا ذهحب بحه إلى بيوت قرابتحه؛ فتحرج أهحل العذار من
ذلك؛ فنزلت الية.
@قوله تعالى" :ول على أنفسحكم" هذا ابتداء كلم أي ول عليكحم أيهحا الناس .ولكحن لمحا اجتمحع
المخاطحب وغيحر المخاطحب غلب المخاطحب لينتظحم الكلم .وذكحر بيوت القربات وسحقط منهحا بيوت
البناء؛ فقال المسحفرون :ذلك لنهحا داخلة فحي قوله" :فحي بيوتكحم" لن بيحت ابحن الرجحل بيتحه وفحي
الخححبر (أنححت ومالك لبيححك) .لنححه ذكححر القرباء بعححد ولم يذكححر الولد .قال النحاس :وعارض
بعضهححم هذا القول فقال :هذا تحكححم على كتاب ال تعالى؛ بححل الولى فححي الظاهححر أل يكون البححن
مخالفحا لهؤلء ،وليحس الحتجاج بمحا روي عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم (أنحت ومالك لبيحك)
بقوي لوهحي هذا الحديحث ،وأنحه لو صحح لم تكحن فيحه حجحة؛ إذ قحد يكون النحبي صحلى ال عليحه وسحلم
علم أن مال ذلك المخاطحب لبيحه .وقحد قيحل إن المعنحى :أنحت لبيححك ،ومالك مبتدأ؛ أي ومالك لك.
والقاطححع لهذا التوارث بيححن الب والبححن .وقال الترمذي الحكيححم :ووجححه قوله تعالى" :ول على
أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم" كأنه يقول مساكنكم التي فيها أهاليكم وأولدكم؛ فيكون للهل والولد
هناك شيء قد أفادهم هذا الرجل الذي له المسكن ،فليس عليه حرج أن يأكل معهم من ذلك القوت،
أو يكون للزوجة والولد هناك شيء من ملكهم فليس عليه في ذلك حرج.
@قوله تعالى" :أو بيوت آبائكحم أو بيوت أمهاتكحم أو بيوت إخوانكحم أو بيوت أخواتكحم أو بيوت
أعمامكحم أو بيوت عماتكحم أو بيوت أخوالكحم أو بيوت خالتكحم" قال بعحض العلماء :هذا إذا أذنوا له
فحي ذلك .وقال آخرون :أذنوا له أو لم يأذنوا فله أن يأكحل؛ لن القرابحة التحي بينهحم هحي إذن منهحم.
وذلك لن في تلك القرابة عطفا تسمح النفوس منهم بذلك العطف أن يأكل هذا من شيئهم ويسروا
بذلك إذا علموا .ابحن العربححي :أباح لنحا الكحل محن جهحة النسحب محن غيحر اسحتئذان إذا كان الطعام
مبذول ،فإذا كان محرزا دونهحم لم يكحن لهحم أخذه ،ول يجوز أن يجاوزوا إلى الدخار ،ول إلى محا
ليس بمأكول وإن غير محرز عنهم إل بإذن منهم.
@قوله تعالى" :أو ما ملكتم مفاتحه" يعني مما اختزنتم وصار في قبضتكم .وعظم ذلك ما ملكه
الرجحل فحي بيتحه وتححت غلقحه؛ وذلك هحو تأويحل الضحاك وقتادة ومجاهحد .وعنحد جمهور المفسحرين
يدخححل فححي اليححة الوكلء والعبيححد والجراء .قال ابححن عباس :عنححي وكيححل الرجححل على ضيعتححه،
وخازنحه على ماله؛ فيجوز له أن يأكحل ممحا قيحم عليحه .وذكحر معمحر عحن قتادة عحن عكرمحة قال :إذا
ملك الرجحل المفتاح فهحو خازن ،فل بأس أن يطعحم الشيحء اليسحير .ابحن العربحي :وللخازن أن يأكحل
مما يخزن إجماعا؛ وهذا إذا لم تكن له أجرة ،فأما إذا كانت له أجرة على الخزن حرم عليه الكل.
وقرأ سعيد بن جبير "ملكتم" بضم الميم وكسر اللم وشدها .وقرأ أيضا "مفاتيحه" بياء بين التاء
والحاء ،جمححع مفتاح؛ وقححد مضححى فححي "النعام" .وقرأ قتادة "مفتاحححه" على الفراد .وقال ابححن
عباس :نزلت هذه اليحة فحي الحارث بحن عمرو ،خرج محع رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم غازيحا
وخلف مالك بن زيد على أهله ،فلما رجع وجده مجهودا فسأله عن حاله فقال :تحرجت أن آكل من
طعامك بغير إذنك؛ فأنزل ال تعالى هذه الية.
@قوله تعالى" :أو صحديقكم" الصحديق بمعنحى الجمحع ،وكذلك العدو؛ قال ال تعالى" :فإنهحم عدو
لي" [الشعراء .]77 :وقال جرير:
بأسهم أعداء وهن صديق دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا
والصحديق محن يصحدقك فحي مودتحه وتصحدقه فحي مودتحك .ثحم قيحل :إن هذا منسحوخ بقوله" :ل تدخلوا
بيوت النححبي إل أن يؤذن لكححم" [الحزاب ،]53 :وقوله تعالى" :فإن لم تجدوا فيهححا أحدا فل
تدخلوها" [النور ]28 :الية ،وقوله عليه السلم( :ل يحل مال امرئ مسلم إل بطيبة نفس منه).
وقيل :هي محكمة؛ وهو أصح .ذكر محمد بن ثور عن معمر قال :دخلت بيت قتادة فأبصرت فيه
رطبحا فجعلت آكله؛ فقال :مححا هذا؟ فقلت :أبصححرت رطبححا فححي بيتحك فأكلت؛ قال :أحسحنت؛ قال ال
تعالى" :أو صححديقكم" .وذكححر عبدالرزاق عححن معمححر عححن قتادة فححي قوله" :أو صححديقكم" قال :إذا
دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته لم يكن بذلك بأس .وقال معمر قلت لقتادة :أل أشرب من هذا
الحب؟ قال :أنت لي صديق! فما هذا الستئذان .وكان صلى ال عليه وسلم يدخل حائط أبي طلحة
المسحمى ببيرححا ويشرب محن ماء فيهحا طيحب بغيحر إذنحه ،على محا قاله علماؤنحا؛ قالوا :والماء متملك
لهله .وإذا جاز الشرب من ماء الصديق بغير إذنه جاز الكل من ثماره وطعامه إذا علم أن نفس
صاحبه تطيب به لتفاهته ويسير مؤنته ،أو لما بينهما من المودة .ومن هذا المعنى إطعام أم حرام
له صلى ال عليه وسلم إذا نام عندها؛ لن الغلب أن ما في البيت من الطعام هو للرجل ،وأن يد
زوجتحه فحي ذلك عاريحة .وهذا كله محا لم يتخحذ الكحل خُبنحة ،ولم يقصحد بذلك وقايحة ماله ،وكان تافهحا
يسيرا.
قرن ال عحز وجحل فحي هذه اليحة الصحديق بالقرابحة المحضحة الوكيدة ،لن قرب المودة لصحيق .قال
ابحن عباس فحي كتاب النقاش :الصحديق أو كحد محن القرابحة؛ أل ترى اسحتغاثة الجهنمييحن "فمحا لنحا محن
شافعين .ول صديق حميم" [الشعراء.]101 - 100 :
قلت :ولهذا ل تجوز عندنحا شهادة الصحديق لصحديقه ،كمحا ل تجوز شهادة القريحب لقريبحه .وقحد
مضى بيان هذا والعلة فيه في "النساء" .وفي المثل -أيهم أحب إليك أخوك أم صديقك -قال :أخي
إذا صديقي.
@قوله تعالى" :ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا" قيل :إنها نزلت في بني ليث بن بكر،
وهم حي من بني كنانة ،وكان الرجل منهم ل يأكل وحده ويمكث أياما جائعا حتى يجد من يؤاكله.
ومنه قول بعض الشعراء:
أكيل فإني لست آكله وحدي إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له
قال ابن عطية :وكانت هذه السيرة موروثه عندهم عن إبراهيم صلى ال عليه وسلم؛ فإنه كان ل
يأكحل وحده .وكان بعحض العرب إذا كان له ضيحف ل يأكحل إل أن يأكحل محع ضيفحه؛ فنزلت اليحة
مبينحة سحنة الكحل ،ومذهبحة كحل محا خالفهحا محن سحيرة العرب ،ومبيححة محن أكحل المنفرد محا كان عنحد
العرب محرما ،نحت به نحو كرم الخلق ،فأفرطت في إلزامه ،وإن إحضار الكيل لحسن ،ولكن
بأل يحرم النفراد" .جميعححا" نصححب على الحال .و"أشتاتححا" جمححع شححت والشححت المصححدر بمعنححى
التفرق يقال :شت القوم أي تفرقوا .وقد ترجم البخاري في صحيحه باب (ليس على العمى حرج
ول على العرج حرج ول على المريحض حرج) اليحة .و -النهحد والجتماع . -ومقصحوده فيمحا
قاله علماؤنحا فحي هذا الباب :إباححة الكحل جميعحا وإن اختلفحت أحوالهحم فحي الكحل .وقحد سحوغ النحبي
صححلى ال عليححه وسححلم ذلك ،فصححارت تلك سححنة فححي الجماعات التححي تدعححى إلى الطعام فححي النهححد
والولئم وفحي الملق فحي السحفر .ومحا ملكحت مفاتححه بأمانحة أو قرابحة أو صحداقة فلك أن تأكحل محع
القريب أو الصديق ووحدك .والنهد :ما يجمعه الرفقاء من مال أو طعام على قدر في النفقة ينفقونه
بينهحم؛ وقحد تناهدوا؛ عحن صحاحب العيحن .وقال ابحن دريحد :يقال محن ذلك :تناهحد القوم الشيحء بينهحم.
الهروي :وفحي حديحث الحسحن (أخرجوا نهدكحم فإنحه أعظحم للبركحة وأحسحن لخلقكحم) .النهحد :محا
تخرجحه الرفقحة عنحد المناهدة؛ وهحو اسحتقسام النفقحة بالسحوية فحي السحفر وغيره .والعرب تقول :هات
نهدك؛ بكسحر النون .قال المهلب :وطعام النهحد لم يوضحع للكليحن على أنهحم يأكلون بالسحواء ،وإنمحا
يأكل كل واحد على قدر نهمته ،وقد يأكل الرجل أكثر من غيره .وقد قيل :إن تركها أشبه بالورع.
وإن كانحت الرفقحة تجتمحع كحل يوم على طعام أحدهحم فهحو أحسحن محن النهحد لنهحم ل يتناهدون إل
ليصحيب كحل واححد منهحم محن ماله ،ثحم ل يدري لعحل أحدهحم يقصحر عحن ماله ويأكحل غيره أكثحر محن
ماله وإذا كانوا يوما عند هذا ويوما عند هذا بل شرط فإنما يكونون أضيافا والضيف يأكل بطيب
نفس مما يقدم إليه .وقال أيوب السختياني :إنما كان النهد أن القوم كانوا يكونون في السفر فيسبق
بعضهحم إلى المنزل فيذبحح ويهيحئ الطعام ثحم يأتيهحم ،ثحم يسحبق أيضحا إلى المنزل فيفعحل مثحل ذلك؛
فقالوا :إن هذا الذي تصنع كلنا نحب أن نصنع مثله فتعالوا نجعل بيننا شيئا ل يتفضل بعضنا على
بعحض ،فوضعوا النهحد بينهحم .وكان الصحلحاء إذا تناهدوا تحرى أفضلهحم أن يزيحد على محا يخرجحه
أصحابه ،وإن لم يرضوا بذلك منه إذا علموه فعله سرا دونهم.
@قوله تعالى" :فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند ال مباركة طيبة كذلك يبين ال
لكحم اليات لعلكحم تعقلون" اختلف المتأولون فحي أي البيوت أراد؛ فقال إبراهيحم النخعحي والحسحن:
أراد المساجد؛ والمعنى :سلموا على من فيها من ضيفكم .فإن لم يكن في المساجد أحد فالسلم أن
يقول المرء :السحلم على رسحول ال .وقيحل :يقول السحلم عليكحم؛ يريحد الملئكحة ،ثحم يقول :السحلم
علينحا وعلى عباد ال الصحالحين .وذكحر عبدالرزاق أخبرنحا معمحر عحن عمرو بحن دينار عحن ابحن
عباس رضحي ال عنهمحا فحي قوله تعالى" :فإذا دخلتحم بيوتحا فسحلموا على أنفسحكم" اليحة ،قال :إذا
دخلت المسحححجد فقحححل السحححلم علينحححا وعلى عباد ال الصحححالحين .وقيحححل :المراد بالبيوت البيوت
المسحكونة؛ أي فسحلموا على أنفسحكم .قال جابر بحن عبدال وابحن عباس أيضحا وعطاء بحن أبحي رباح.
وقالوا :يدخل في ذلك البيوت غير المسكونة ،ويسلم المرء فيها على نفسه بأن يقول :السلم علينا
وعلى عباد ال الصالحين .قال ابن العربي :القول بالعموم في البيوت هو الصحيح ،ول دليل على
التخصحيص؛ وأطلق القول ليدخحل تححت هذا العموم كحل بيحت كان للغيحر أو لنفسحه ،فإذا دخحل بيتحا
لغيره أسحتأذن كمحا تقدم ،فإذا دخحل بيتحا لنفسحه سحلم كمحا ورد فحي الخحبر ،يقول :السحلم علينحا وعلى
عباد ال الصحالحين؛ قال ابحن عمحر .وهذا إذا كان فارغحا ،فإن كان فيحه أهله وخدمحه فليقحل :السحلم
عليكم .وإن كان مسجدا فليقل :السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين .وعليه حمل ابن عمر البيت
الفارغ .قال ابن العربي :والذي أختاره إذا كان البيت فارغا أل يلزم السلم ،فإنه إن كان المقصود
الملئكحة فالملئكحة ل تفارق العبحد بحال ،أمحا إنحه إذا دخلت بيتحك يسحتحب لك ذكحر ال بأن تقول :محا
شاء ال ل قوة إل بال .وقحد تقدم فحي سحورة [الكهحف] .وقال القشيري فحي قوله" :إذا دخلتحم بيوتحا":
والوجحه أن يقال إن هذا عام فحي دخول كحل بيحت ،فإن كان فيحه سحاكن مسحلم يقول السحلم عليكحم
ورحمة ال وبركاته ،وإن لم يكن فيه ساكن يقول السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين ،وإن كان
فححي البيححت مححن ليححس بمسححلم قال السححلم على مححن اتبححع الهدى ،أو السححلم علينححا وعلى عباد ال
الصالحين .وذكر ابن خويز منداد قال :كتب إلى أبو العباس الصم قال حدثنا محمد بن عبدال بن
عبدالحكم قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا جعفر بن ميسرة عن زيد بن أسلم أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال( :إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أهلها واذكروا اسم ال فإن أحدكم إذا سلم حين يدخل
بيته وذكر اسم ال تعالى على طعامه يقول الشيطان لصحابه ل مبيت لكم ها هنا ول عشاء وإذا
لم يسححلم أحدكححم إذا دخححل ولم يذكححر اسححم ال على طعامححه قال الشيطان لصحححابه أدركتححم المححبيت
والعشاء).
قلت :هذا الحديحث ثبحت معناه مرفوع محن حديحث جابر ،خرجحه مسحلم .وفحي كتاب أبحي داود عحن
أبي مالك الشجعي قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا ولج الرجل بيته فليقل اللهم إني
أسحألك خيحر الولوج وخيحر الخروج باسحم ال ولجنحا وباسحم ال خرجنحا وعلى ال ربنحا توكلنحا ليسحلم
على أهله).
@قوله تعالى" :تحية" مصدر؛ لن قوله" :فسلموا" معناه فحيوا .وصفها بالبركة لن فيها الدعاء
واسحتجلب مودة المسحلم عليحه .ووصحفها أيضحا بالطيحب لن سحامعها يسحتطيبها .والكاف محن قوله:
"كذلك" كاف تشحبيه .و"ذلك" إشارة إلى هذه السحنن؛ أي كمحا بيحن لكحم سحنة دينكحم فحي هذه الشياء
يبين لكم سائر ما بكم حاجة إليه في دينكم.
**3الية{ 62 :إنما المؤمنون الذين آمنوا بال ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا
حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بال ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم
فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم ال إن ال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :إنما المؤمنون" "إنما" في هذه الية للحصر؛ المعنى :ل يتم ول يكمل إيمان من
آمحن بال ورسحول إل بأن يكون محن الرسحول سحامعا غيحر معنحت فحي أن يكون الرسحول يريحد إكمال
أمحر فيريحد هحو إفسحاده بزواله فحي وقحت الجمحع ،ونححو ذلك .وبيحن تعالى فحي أول السحورة أنحه أنزل
آيات بينات ،وإنما النزول على محمد صلى ال عليه وسلم؛ فختم السورة بتأكيد المر في متابعته
عليه السلم؛ ليعلم أن أوامره كأوامر القرآن.
@ واختلف فحي المحر الجامحع محا هحو؛ فقيحل :المراد بحه محا للمام محن حاجحة إلى تجمحع الناس فيحه
لذاعحة مصحلحة ،محن إقامحة سحنة فحي الديحن ،أو لترهيحب عدو باجتماعهحم وللحروب؛ قال ال تعالى:
"وشاورهم في المر" [آل عمران .]159 :فإذا كان أمر يشملهم نفعه وضره جمعهم للتشاور في
ذلك .والمام الذي يترقححب إذنححه هحو إمام المرة ،فل يذهححب أحححد لعذر إل بإذنححه ،فإذا ذهححب بإذنححه
ارتفحع عنحه الظحن السحيئ .وقال مكحول والزهري :الجمعحة محن المحر الجامحع .وإمام الصحلة ينبغحي
أن يسحتأذن إذا قدمحه إمام المرة ،إذا كان يرى المسحتأذن .قال ابحن سحيرين :كانوا يسحتأذنون المام
على المنححبر؛ فلمححا كثححر ذلك قال زياد :مححن جعححل يده على فيححه فليخرج دون إذن ،وقححد كان هذا
بالمدينة حتى أن سهل بن أبي صالح رعف يوم الجمعة فاستأذن المام .وظاهر الية يقتضي أن
يسحتأذن أميحر المرة الذي هحو فحي مقعحد النبوة ،فإنحه ربمحا كان له رأي فحي حبحس ذلك الرجحل لمحر
من أمور الدين .فأما إمام الصلة فقط فليس ذلك إليه؛ لنه وكيل على جزء من أجزاء الدين للذي
هحو فحي مقعحد النبوة .وروي أن هذه اليحة نزلت فحي حفحر الخندق حيحن جاءت قريحش وقائدهحا أبحو
سححفيان ،وغطفان وقائدهححا عيينححة بححن حصححن؛ فضرب النححبي صححلى ال عليححه وسححلم الخندق على
المدينححة ،وذلك فححي شوال سححنة خمححس مححن الهجرة ،فكان المنافقون يتسححللون لواذا مححن العمححل
ويعتذرون بأعذار كاذبححة .ونحوه روى أشهححب وابححن عبدالحكححم عححن مالك ،وكذلك قال محمححد بححن
إسحاق .وقال مقاتل :نزلت في عمر رضي ال عنه ،استأذن النبي صلى ال عليه وسلم في غزوة
تبوك في الرجعة فأذن له وقال( :انطلق فو ال ما أنت بمنافق) يريد بذلك أن يسمع المنافقين .وقال
ابن عباس رضي ال عنهما :إنما استأذن عمر رضي ال عنه في العمرة فقال عليه السلم لما أذن
له( :يا أبا حفص ل تنسنا في صالح دعائك).
قلت :والصححيح الول لتناوله جميحع القوال .واختار ابحن العربحي محا ذكره فحي نزول اليحة عحن
مالك وابحن إسححاق ،وأن ذلك مخصحوص فحي الحرب .قال :والذي يحبين ذلك أمران :أحدهمحا :قوله
في الية الخرى" :قد يعلم ال الذين يتسللون منكم لواذا" [النور .]63 :وذلك أن المنافقين كانوا
يتلوذون ويخرجون عن الجماعة ويتركون رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأمر ال جميعهم بأل
يخرج أححد منهحم حتحى يأذن له رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم؛ وبذلك يتحبين إيمانحه .الثانحي :قوله:
"لم يذهبوا حتى يستأذنوه" وأي إذن في الحدث والمام يخطب ،وليس للمام خيار في منعه ول
إبقائه ،وقد قال" :فأذن لمن شئت منهم"؛ فبين بذلك أنه مخصوص في الحرب.
قلت :القول بالعموم أولى وأرفحع وأحسحن وأعلى" .فأذن لمحن شئت منهحم" فكان النحبي صحلى ال
عليحححه وسحححلم بالخيار إن شاء أن يأذن وإن شاء منحححع .وقال قتادة :قوله" :فأذن لمحححن شئت منهحححم"
منسوخة بقوله" :عفا ال عنك لم أذنت لهم" [التوبة" .]43 :واستغفر لهم ال" أي لخروجهم عن
الجماعة إن علمت لهم عذرا" .إن ال غفور رحيم".
**3الية{ 63 :ل تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم ال الذين يتسللون
منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}
@قوله تعالى" :ل تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا" يريد :يصيح من بعيد :يا أبا
القاسححم! بححل عظموه كمححا قال فححي الحجرات" :إن الذيححن يغضون أصححواتهم عنححد رسححول ال"
[الحجرات ]3:اليحة .وقال سحعيد بحن جحبير ومجاهحد :المعنحى قولوا يحا رسحول ال ،فحي رفحق وليحن،
ول تقولوا يا محمد بتجهم .وقال قتادة :أمرهم أن يشرفوه ويفخموه .ابن عباس :ل تتعرضوا لدعاء
الرسححول عليكححم بإسححخاطه فإن دعوتححه موجبححة" .قححد يعلم ال الذيححن يتسححللون منكححم لواذا" التسححلل
والنسلل :الخروج واللواذ من الملوذة ،وهي أن تستتر بشيء مخافة من يراك؛ فكان المنافقون
يتسحللون عحن صحلة الجمعحة" .لواذا" مصحدر فحي موضحع الحال؛ أي متلوذيحن ،أي يلوذ بعضهحم
ببعحض ،ينضحم إليحه اسحتتارا محن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم؛ لنحه لم يكحن على المنافقيحن أثقحل
محن يوم الجمعحة وحضور الخطبحة؛ حكاه النقاش ،وقحد مضحى القول فيحه .وقيحل :كانوا يتسحللون فحي
الجهاد رجوعا عنه يلوذ بعضهم ببعض .وقال الحسن :لواذا فرارا من الجهاد؛ ومنه قول حسان:
لم تحافظ وخف منها الحلوم وقريش تجول منا لواذا
وصححت واوهحا لتحركهحا فحي لوذ .يقال :لوذ يلوذ ملوذة ولواذا .ولذ يلوذ لوذا ولياذا؛ انقلبحت
الواو ياء لنكسحار محا قبلهحا اتباعحا للذ فحي العتلل؛ فإذا كان مصحدر فاعحل لم يعحل؛ لن فاعحل ل
يجوز أن يعل.
@قوله تعالى" :فليحذر الذيحن يخالفون عحن أمره" بهذه اليحة احتحج الفقهاء على أن المحر على
الوجوب .ووجههححا أن ال تبارك وتعالى قححد حذر مححن مخالفحة أمره ،وتوعححد بالعقاب عليهححا بقوله:
"أن تصحيبهم فتنحة أو يصحيبهم عذاب أليحم" فتحرم مخالفتحه ،فيجحب امتثال أمره .والفتنحة هنحا القتحل؛
قاله ابحن عباس .عطاء :الزلزل والهوال .جعفحر بحن محمحد :سحلطان جائر يسحلط عليهحم .وقيحل:
الطبحع على القلوب بشؤم مخالفحة الرسحول .والضميحر فحي "أمره" قيحل هحو عائد إلى أمحر ال تعالى؛
قاله يحيحى بحن سحلم .وقيحل :إلى أمحر رسحوله عليحه السحلم؛ قال قتادة .ومعنحى "يخالفون عحن أمره"
أي يعرضون عحن أمره .وقال أبحو عحبيدة والخفحش" :عحن" فحي هذا الموضحع زائدة .وقال الخليحل
وسيبويه :ليست بزائدة؛ والمعنى :يخالفون بعد أمره؛ كما قال:
...لم تنتطق عن تفضل
ومنحه قوله" :ففسحق عحن أمحر ربحه" [الكهحف ]50 :أي بعحد أمحر ربحه .و"أن" فحي موضحع نصحب
"بيحذر" .ول يجوز عنحد أكثحر النحوييحن حذر زيدا ،وهحو فحي "أن" جائز؛ لن حروف الخفحض
تحذف معها.
**3اليحة{ 64 :أل إن ل محا فحي السحماوات والرض قحد يعلم محا أنتحم عليحه ويوم يرجعون إليحه
فينبئهم بما عملوا وال بكل شيء عليم}
@قوله تعالى" :أل إن ل محا فحي السحماوات والرض" خلقحا وملكحا" .قحد يعلم محا أنتحم عليحه" فهحو
يجازيكم به .و"يعلم" هنا بمعنى علم" .ويوم يرجعون إليه" بعد ما كان في خطاب رجع في خبر
وهذا يقال له :خطاب التلوين" .فينبئهم بما عملوا" أي يخبرهم بأعمالهم ويجازيهم بها" .وال بكل
شيء عليم" من أعمالهم وأحوالهم.