You are on page 1of 994

‫الكتاب ‪ :‬تفسير القرآن العظيم‬

‫المؤلف ‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي‬


‫الدمشقي ] ‪ 774- 700‬هـ [‬
‫المحقق ‪ :‬سامي بن محمد سلمة‬
‫الناشر ‪ :‬دار طيبة للنشر والتوزيع‬
‫الطبعة ‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‬
‫عدد الجزاء ‪8 :‬‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف‬
‫الشريف‬
‫‪www.qurancomplex.com‬‬
‫] ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ‪ ،‬والصفحات مذيلة بحواشي‬
‫المحقق [‬

‫ن)‬
‫مو َ‬ ‫م َل ت َعْل َ ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ل الذ ّك ْرِ إ ِ ْ‬‫سأ َُلوا أ َهْ َ‬
‫م َفا ْ‬ ‫حي إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫جاًل ُنو ِ‬ ‫ك إ ِّل رِ َ‬
‫سل َْنا قَب ْل َ َ‬ ‫َ‬
‫ما أْر َ‬‫وَ َ‬
‫ما َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صد َقَْناهُ ُ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (8‬ث ُ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫كاُنوا َ‬ ‫م وَ َ‬
‫ن الطَعا َ‬ ‫دا ل ي َأك ُلو َ‬ ‫س ً‬‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَلَناهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ (7‬وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫شاُء وَأهْلكَنا ال ُ‬ ‫ن نَ َ‬‫م ْ‬‫م وَ َ‬‫جي َْناهُ ْ‬‫ال ْوَعْد َ فَأن ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫بذلك ‪ ،‬أفهؤلء يؤمنون باليات لو )‪َ (1‬رأْوها دون أولئك ؟ كل بل } إ ِ ّ‬
‫ب‬‫ذا َ‬ ‫حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ‬ ‫م كُ ّ‬
‫ل آي َةٍ َ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬‫ن وَل َوْ َ‬ ‫ك ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬
‫َ‬
‫م { ] يونس ‪.[ 97 ، 96 :‬‬ ‫َ‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫ال‬
‫هذا كله ‪ ،‬وقد شاهدوا من اليات الباهرات ‪ ،‬والحجج القاطعات ‪ ،‬والدلئل‬
‫البينات ‪ ،‬على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أظهر وأجلى ‪،‬‬
‫شوهِد َ مع غيره من النبياء ‪ ،‬صلوات الله وسلمه‬ ‫وأبهر وأقطع وأقهر ‪ ،‬مما ُ‬
‫عليهم أجمعين‪.‬‬
‫َ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬ذكر عن زيد بن الحباب ‪ ،‬حدثنا ابن لِهيعة ‪،‬‬
‫حدثنا الحارث بن زيد الحضرمي ‪ ،‬عن علي بن رباح اللخمي ‪ ،‬حدثني من‬
‫شهد عبادة بن الصامت ‪ ،‬يقول ‪ :‬كنا في المسجد ومعنا أبو بكر الصديق ‪،‬‬
‫قرِئُ بعضنا بعضا القرآن ‪ ،‬فجاء عبد الله بن أبي بن سلول ‪،‬‬ ‫رضي الله عنه ‪ ،‬ي ُ ْ‬
‫حا جدل فقال ‪ :‬يا أبا بكر‬ ‫حا فصي ً‬ ‫مُرقة وزِْرب ِّية ‪ ،‬فوضع واتكأ ‪ ،‬وكان صبي ً‬ ‫ومعه ن ُ ْ‬
‫‪ ،‬قل لمحمد يأتينا بآية كما جاء الولون ؟ جاء موسى باللواح ‪ ،‬وجاء داود‬
‫بالزبور ‪ ،‬وجاء صالح بالناقة ‪ ،‬وجاء عيسى بالنجيل وبالمائدة‪ .‬فبكى أبو بكر ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪:‬‬
‫قوموا إلى رسول الله )‪ (2‬صلى الله عليه وسلم نستغيث به من هذا‬
‫المنافق‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنه ل يقام لي ‪ ،‬إنما يقام‬
‫لله عز وجل"‪ .‬فقلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنا لقينا من هذا المنافق‪ .‬فقال ‪" :‬إن )‬
‫‪ (3‬جبريل قال )‪ (4‬لي ‪ :‬اخرج فأخبر بنعم الله التي أنعم بها عليك ‪ ،‬وفضيلته‬
‫ضلت بها ‪ ،‬فبشرني أني بعثت إلى الحمر والسود ‪ ،‬وأمرني أن أنذر‬ ‫التي فُ ّ‬
‫مي ‪ ،‬وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر ‪ ،‬وذكر اسمي‬ ‫الجن ‪ ،‬وآتاني كتابه وأنا أ ّ‬
‫في الذان وأيدني )‪ (5‬بالملئكة ‪ ،‬وآتاني النصر ‪ ،‬وجعل الرعب أمامي ‪،‬‬
‫وآتاني الكوثر ‪ ،‬وجعل حوضي من أعظم الحياض يوم القيامة ‪ ،‬ووعدني‬
‫المقام المحمود والناس مهطعون مقنعو )‪ (6‬رءوسهم ‪ ،‬وجعلني في أول‬
‫فا من أمتي الجنة بغير‬ ‫زمرة تخرج من الناس ‪ ،‬وأدخل في شفاعتي سبعين أل ً‬
‫حساب وآتاني السلطان والملك ‪ ،‬وجعلني في أعلى غرفة في الجنة في‬
‫جنات النعيم )‪ ، (7‬فليس فوقي أحد إل الملئكة الذين يحملون العرش ‪،‬‬
‫وأحل لي )‪ (8‬الغنائم )‪ ، (9‬ولم تحل لحد كان قبلنا"‪ .‬وهذا الحديث غريب‬
‫دا‪.‬‬‫ج ً‬
‫َ‬
‫سأُلوا أهْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل الذ ّك ْرِ إ ِ ْ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫حى إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫جال ُيو َ‬ ‫ك ِإل رِ َ‬ ‫سل َْنا قَب ْل َ َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪ (8‬ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫كاُنوا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬‫ن الطَعا َ‬ ‫دا ل ي َأك ُلو َ‬ ‫س ً‬‫ج َ‬‫م َ‬ ‫جعَلَناهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (7‬وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (9‬‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء وَأهْل َك َْنا ال ْ ُ‬ ‫ن نَ َ‬‫م ْ‬‫م وَ َ‬ ‫جي َْناهُ ْ‬ ‫م ال ْوَعْد َ فَأن ْ َ‬ ‫صد َقَْناهُ ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سلَنا قَب ْل َ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫البشر‬ ‫من‬ ‫الرسل‬ ‫بعثة‬ ‫أنكر‬ ‫من‬ ‫على‬ ‫دا‬ ‫را‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫َ َ ْ َ‬ ‫ّ‬
‫م{‬ ‫حى )‪ (10‬إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫جال ُيو َ‬ ‫ِإل رِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬ولو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬إلى رسوله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬أتى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬وأمرني"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬مقنعي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عدن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لي ولمتي"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬المغانم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نوحي"‪.‬‬

‫) ‪(5/333‬‬

‫قد أ َنزل ْنا إل َيك ُم كتابا فيه ذك ْرك ُ َ‬


‫قُلو َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫م أفََل ت َعْ ِ‬
‫لَ َ ْ ْ َ َ ِ ْ ْ ِ َ ً ِ ِ ِ ُ ْ‬

‫أي ‪ :‬جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجال من البشر ‪ ،‬لم يكن فيهم أحد من‬
‫َ‬
‫حى )‬ ‫جال ُيو َ‬ ‫ك ِإل رِ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫الملئكة ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ل ال ْ ُ‬ ‫‪ (1‬إل َيهم م َ‬
‫ت‬‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قَرى { ] يوسف ‪ ، [ 109 :‬وقال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ِْ ْ ِ ْ‬
‫ل { ] الحقاف ‪ ، [ 9 :‬وقال تعالى حكاية عمن تقدم من المم‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ب ِد ْ ً‬
‫دون ََنا { ] التغابن ‪ [ 6 :‬؛ ولهذا قال‬ ‫َ‬
‫أنهم أنكروا ذلك فقالوا ‪ } :‬أب َ َ‬
‫شٌر ي َهْ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬اسألوا أهل العلم من‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ل ت َعْل ُ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ل الذ ّك ْرِ إ ِ ْ‬ ‫سأ َُلوا أ َهْ َ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬فا ْ‬
‫المم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف ‪ :‬هل كان الرسل الذين أتوهم بشًرا‬
‫م الله على خلقه ؛ إذ بعث‬ ‫أو ملئكة ؟ إنما كانوا بشًرا ‪ ،‬وذلك من تمام ِنع َ‬
‫فيهم رسل )‪ (2‬منهم يتمكنون من تناول البلغ منهم والخذ عنهم‪.‬‬
‫ْ‬
‫م { أي ‪ :‬بل قد كانوا أجساًدا‬ ‫ن الط َّعا َ‬ ‫دا ل ي َأك ُُلو َ‬ ‫س ً‬ ‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِإل إ ِن ّهُ ْ‬‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫سلَنا قب ْلك ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫يأكلون الطعام ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ْ‬
‫ق { ] الفرقان ‪ [20 :‬أي ‪ :‬قد كانوا بشرا‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ْ‬ ‫شو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ن الط َّعا َ‬ ‫ل َي َأك ُُلو َ‬
‫من البشر ‪ ،‬يأكلون ويشربون مثل الناس ‪ ،‬ويدخلون السواق للتكسب‬
‫والتجارة ‪ ،‬وليس ذلك بضار لهم ول ناقص منهم شيًئا ‪ ،‬كما توهمه المشركون‬
‫ول ُأنز َ‬
‫ل‬ ‫ق لَ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬‫شي ِفي ال ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ل الط َّعا َ‬ ‫ل ي َأ ْك ُ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫في قولهم ‪َ } :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫من َْها وََقا َ‬
‫ل‬ ‫ل ِ‬ ‫ة ي َأك ُ ُ‬ ‫جن ّ ٌ‬
‫ه َ‬‫نل ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫كنز أوْ ت َ ُ‬ ‫قى إ ِلي ْهِ َ‬ ‫ذيًرا أوْ ي ُل َ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫ك فَي َ ُ‬ ‫إ ِل َي ْهِ َ‬
‫حوًرا { ] الفرقان ‪.[ 8 ، 7 :‬‬ ‫س ُ‬‫م ْ‬ ‫جل َ‬ ‫ن ِإل َر ُ‬ ‫ن ت َت ّب ُِعو َ‬ ‫ن إِ ْ‬‫مو َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬في الدنيا ‪ ،‬بل كانوا يعيشون ثم يموتون ‪،‬‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬‫كاُنوا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫خلد َ { ] النبياء ‪ ، [ 34 :‬وخاصتهم أنهم يوحى‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن قب ْل ِك ال ُ‬ ‫م ْ‬
‫شرٍ ِ‬ ‫جعَل َْنا ل ِب َ َ‬
‫ما َ‬ ‫} وَ َ‬
‫إليهم من الله عز وجل ‪ ،‬تنزل عليهم الملئكة عن الله بما يحكم )‪ (3‬في‬
‫خلقه مما يأمر به وينهى عنه‪.‬‬
‫م ال ْوَعْد َ { أي ‪ :‬الذي وعدهم ربهم ‪" :‬ليهلكن‬ ‫صد َقَْناهُ ُ‬‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫الظالمين" ‪ ،‬صدقهم الله وعده ففعل ذلك ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَأن ْ َ‬
‫جي َْناهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬المكذبين‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫شاُء { أي ‪ :‬أتباعهم من المؤمنين ‪ } ،‬وَأهْل َك َْنا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫نَ َ‬
‫بما جاءت الرسل به‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫} لَ َ َ‬
‫ن )‪{ (10‬‬ ‫قلو َ‬ ‫م ك َِتاًبا ِفيهِ ذِك ُْرك ُ ْ‬
‫م أَفل ت َعْ ِ‬ ‫قد ْ أنزل َْنا إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نوحي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول" ‪ ،‬وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬يحكمه"‪.‬‬

‫) ‪(5/334‬‬

‫ظالمة وأ َن َ ْ‬
‫ن )‪ (11‬فَل َ ّ‬
‫ما‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ما آ َ َ‬
‫خ‬ ‫ها قَوْ ً‬ ‫شأَنا ب َعْد َ َ‬ ‫ت َ ِ َ ً َ ْ‬ ‫ن قَْري َةٍ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا ِ‬‫ص ْ‬ ‫م قَ َ‬ ‫وَك َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫جُعوا إ َِلى َ‬
‫ما أت ْرِفْت ُ ْ‬ ‫ضوا َواْر ِ‬ ‫ن )‪َ (12‬ل ت َْرك ُ ُ‬ ‫ضو َ‬‫من َْها ي َْرك ُ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫سَنا إ َِذا هُ ْ‬
‫سوا ب َأ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫أ َ‬
‫ن )‪َ (13‬قاُلوا َيا وَي ْل ََنا إ ِّنا ك ُّنا َ‬ ‫فيه ومساكنك ُم ل َعل ّك ُم ت َ‬
‫ما‬‫ن )‪ (14‬فَ َ‬ ‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫سأُلو َ‬ ‫ِ ِ َ َ َ ِِ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫ِ ِ َ‬‫دي‬ ‫م‬ ‫خا‬
‫َ‬ ‫دا‬
‫حّتى َ َ َ ْ َ ِ ً‬
‫صي‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫نا‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫م َ‬ ‫واهُ ْ‬
‫ك د َعْ َ‬ ‫ت ت ِل ْ َ‬
‫َزال َ ْ‬
‫ظالمة وأ َن َ ْ‬
‫ما‬ ‫ن )‪ (11‬فَل َ ّ‬ ‫ري َ‬‫ِ‬ ‫خ‬
‫ما آ َ‬‫ها قَوْ ً‬ ‫شأَنا ب َعْد َ َ‬ ‫ت َ ِ َ ً َ ْ‬ ‫كان َ ْ‬‫ن قَْري َةٍ َ‬ ‫م ْ‬‫مَنا ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫م قَ ْ َ‬ ‫} وَك َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫جُعوا إ َِلى َ‬
‫ما أت ْرِفْت ُ ْ‬ ‫ضوا َواْر ِ‬ ‫ن )‪ (12‬ل ت َْرك ُ ُ‬ ‫ضو َ‬ ‫من َْها ي َْرك ُ ُ‬
‫م ِ‬ ‫سَنا إ َِذا هُ ْ‬ ‫سوا ب َأ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫أ َ‬
‫ن )‪َ (13‬قاُلوا َيا وَي ْل ََنا إ ِّنا ك ُّنا َ‬ ‫فيه ومساكنك ُم ل َعل ّك ُم ت َ‬
‫ما‬‫ن )‪ (14‬فَ َ‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫سأُلو َ‬ ‫ِ ِ َ َ َ ِِ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫ن )‪.{ (15‬‬ ‫حّتى َ َ َ ُ ْ َ ِ ً َ ِ ِ َ‬
‫دي‬ ‫م‬ ‫خا‬ ‫دا‬ ‫صي‬‫ح‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫م َ‬‫واهُ ْ‬ ‫ك د َعْ َ‬ ‫ت ت ِل ْ َ‬ ‫َزال َ ْ‬
‫ضا لهم على معرفة قدره ‪:‬‬ ‫يقول تعالى منبًها على شرف القرآن ‪ ،‬ومحر ً‬
‫} لَ َ َ‬
‫شَرُفكم‪.‬‬ ‫م { قال ابن عباس ‪َ :‬‬ ‫م ك َِتاًبا ِفيهِ ذِك ُْرك ُ ْ‬ ‫قد ْ أنزل َْنا إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬حديثكم‪ .‬وقال الحسن ‪ :‬دينكم‪.‬‬

‫) ‪(5/334‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫خذ َ ل َهْ ً‬
‫وا‬ ‫ن ن َت ّ ِ‬‫ن )‪ (16‬ل َوْ أَرد َْنا أ ْ‬ ‫عِبي َ‬ ‫ما َل ِ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ماَء َواْلْر َ‬ ‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫ه‬ ‫ل فَي َد ْ َ‬
‫مغُ ُ‬ ‫ْ‬
‫حقّ عَلى الَباط ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف ِبال َ‬ ‫قذ ِ ُ‬ ‫ن )‪ (17‬ب َ ْ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫عِلي َ‬ ‫ُ‬
‫ن كّنا َفا ِ‬ ‫َ‬
‫ن لد ُّنا إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َْناه ُ ِ‬‫َلت ّ َ‬
‫َْ‬
‫ض‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (18‬وَل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫فو َ‬‫ص ُ‬‫ما ت َ ِ‬ ‫م ّ‬‫ل ِ‬ ‫م ال ْوَي ْ ُ‬‫فَإ َِذا هُوَ َزاهِقٌ وَل َك ُ ُ‬
‫ن الل ّي ْ َ‬
‫ل‬ ‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫ن )‪ (19‬ي ُ َ‬ ‫سُرو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫عَباد َت ِهِ وََل ي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫عن ْد َه ُ َل ي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫فت ُُرو َ‬ ‫َ‬
‫َوالن َّهاَر ل ي َ ْ‬
‫ك وس و ف ت َ‬
‫ن { ] الزخرف ‪.[ 44 :‬‬ ‫سأُلو َ‬ ‫م َ َ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ك وَل ِ َ‬ ‫ه ل َذِك ٌْر ل َ َ‬ ‫} وَإ ِن ّ ُ‬
‫ة { هذه صيغة تكثير ‪ ،‬كما قال‬ ‫م ً‬ ‫َ‬
‫ت ظال ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن قَْري َةٍ كان َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫م قَ َ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَك ْ‬
‫ْ‬ ‫} وك َ َ‬
‫ن ب َعْد ِ ُنوٍح { ] السراء ‪.[17 :‬‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫م أهْل َك َْنا ِ‬ ‫َ ْ‬
‫ة عََلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خاوِي َ ٌ‬‫ي َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ظا‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ه‬‫و‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫ْ ْ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ها‬
‫شأَنا ب َعْد َ َ‬ ‫شيدٍ { ] الحج ‪ .[45 :‬وقوله ‪ } :‬وَأن ْ َ‬ ‫م ِ‬
‫صرٍ َ‬ ‫معَطلةٍ وَقَ ْ‬ ‫شَها وَب ِئ ْرٍ ُ‬ ‫عُُرو ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬أمة أخرى بعدهم‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬‫ما آ َ‬ ‫قَوْ ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫سَنا { أي ‪ :‬تيقنوا أن العذاب واقع )‪ (2‬بهم ‪ ،‬كما وعدهم‬ ‫سوا ب َأ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬يفرون هاربين‪.‬‬ ‫ضو َ‬ ‫من َْها ي َْرك ُ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫نبيهم ‪ } ،‬إ َِذا هُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م { هذا تهكم بهم قدًرا‬ ‫ساك ِن ِك ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ِفيهِ وَ َ‬ ‫ْ‬
‫ما أت ْرِفت ُ ْ‬ ‫جُعوا إ ِلى َ‬ ‫ضوا َواْر ِ‬ ‫} ل ت َْرك ُ ُ‬
‫أي ‪ :‬قيل لهم قدًرا ‪ :‬ل تركضوا هاربين من نزول العذاب ‪ ،‬وارجعوا إلى ما‬
‫كنتم فيه من النعمة والسرور ‪ ،‬والمعيشة والمساكن الطيبة‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬استهزاء بهم‪.‬‬
‫} ل َعل ّك ُم ت َ‬
‫ن { أي ‪ :‬عما كنتم فيه من أداء شكر النعمة‪.‬‬ ‫سأُلو َ‬ ‫َ ْ ُ ْ‬
‫ن { اعترفوا بذنوبهم حين ل ينفعهم ذلك ‪ } ،‬فَ َ‬
‫ما‬ ‫مي َ‬ ‫} َقاُلوا َيا وَي ْلَنا إ ِّنا ك ُّنا ظال ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ما )‪ (3‬زالت تلك‬ ‫دي َ‬ ‫م ِ‬‫خا ِ‬ ‫دا َ‬ ‫صي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫م َ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ك د َعْ َ‬ ‫ت ت ِل ْ َ‬ ‫َزال َ ْ‬
‫دا )‪(4‬‬ ‫هجيراهم حتى حصدناهم حص ً‬ ‫المقالة ‪ ،‬وهي العتراف بالظلم ‪ِ ،‬‬
‫وخمدت حركاتهم وأصواتهم خموًدا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫خذ َ لهْ ً‬
‫وا‬ ‫ن ن َت ّ ِ‬ ‫ن )‪ (16‬لوْ أَرد َْنا أ ْ‬ ‫عِبي َ‬ ‫ما ل ِ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ماَء َوالْر َ‬ ‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ه‬
‫مغُ ُ‬‫ل فَي َد ْ َ‬ ‫ْ‬
‫حقّ عَلى الَباط ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف ِبال َ‬ ‫قذ ِ ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ن )‪ (17‬ب َ ْ‬ ‫عِلي َ‬ ‫ن كّنا َفا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن لد ُّنا إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َْناه ُ ِ‬ ‫لت ّ َ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫م الوَي ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فَإ َِذا هُوَ َزاهِقٌ وَلك ُ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن )‪ (18‬وَل ُ‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ت َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬
‫ن الل ّي ْ َ‬
‫ل‬ ‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫ن )‪ (19‬ي ُ َ‬ ‫سُرو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫عَباد َت ِهِ َول ي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫عن ْد َه ُ ل ي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪.{ (20‬‬ ‫فت ُُرو َ‬ ‫َوالن َّهاَر ل ي َ ْ‬
‫يخبر تعالى أنه خلق السموات والرض بالحق ‪ ،‬أي ‪ :‬بالعدل والقسط ‪،‬‬
‫} ل ِيجزي ال ّذين أ َساُءوا بما عَمُلوا ويجزي ال ّذي َ‬
‫سَنى { ] النجم ‪:‬‬ ‫ح ْ‬ ‫سُنوا ِبال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ََ ْ ِ َ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ ِ َ ِ َ َ‬
‫ماَء )‪(5‬‬ ‫ّ َ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ما‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫با‬‫ً‬ ‫لع‬ ‫ول‬ ‫ثا‬‫ً‬ ‫عب‬ ‫ذلك‬ ‫يخلق‬ ‫‪ ، [31‬وأنه لم‬
‫ن الّنارِ {‬ ‫م َ‬‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫فُروا فَوَي ْ ٌ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ك ظَ ّ‬ ‫طل ذ َل ِ َ‬ ‫ما َبا ِ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫َوالْر َ‬
‫] ص ‪[27 :‬‬
‫ن ك ُّنا َفا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { قال‬ ‫عِلي َ‬ ‫ن لد ُّنا إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َْناه ُ ِ‬ ‫وا لت ّ َ‬ ‫خذ َ لهْ ً‬ ‫ن ن َت ّ ِ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬لوْ أَرد َْنا أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن لد ُّنا { يعني‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َْناه ُ ِ‬ ‫وا لت ّ َ‬ ‫خذ َ لهْ ً‬ ‫ن ن َت ّ ِ‬ ‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ } :‬لوْ أَرد َْنا أ ْ‬ ‫ابن أبي ن َ ِ‬
‫‪ :‬من عندنا ‪ ،‬يقول ‪ :‬وما خلقنا جنة ول ناًرا ‪ ،‬ول موًتا ‪ ،‬ول بعًثا ‪ ،‬ول حساًبا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وا { اللهو ‪ :‬المرأة‬ ‫خذ َ ل َهْ ً‬ ‫ن ن َت ّ ِ‬ ‫وقال الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما ‪ } :‬ل َوْ أَرد َْنا أ ْ‬
‫بلسان أهل اليمن‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬وكأين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬تيقنوا العذاب أنه واقع"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬فما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬جعلناهم حصيدا خامدين"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬السماوات"‪.‬‬

‫) ‪(5/335‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫خذ َْناه ُ { من الحور العين‪.‬‬ ‫وا لت ّ َ‬ ‫خذ َ ل َهْ ً‬ ‫وقال إبراهيم الّنخِعي ‪ } :‬ل َوْ أَرد َْنا أ ْ‬
‫ن ن َت ّ ِ‬
‫وقال عكرمة والسدي ‪ :‬المراد باللهو هاهنا ‪ :‬الولد‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خذ َ وَل ً‬
‫دا‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬
‫هأ ْ‬ ‫وهذا والذي قبله متلزمان ‪ ،‬وهو كقوله تعالى ‪ } :‬لوْ أَراد َ الل ُ‬
‫ه { ]الزمر ‪ ، [4 :‬فنزه نفسه عن اتخاذ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬‫شاُء ُ‬ ‫خل ُقُ َ‬
‫ما ي َ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫م ّ‬ ‫فى ِ‬‫صط َ َ‬
‫ل ْ‬
‫قا ‪ ،‬ل سيما عما يقولون من الفك والباطل ‪ ،‬من اتخاذ عيسى ‪ ،‬أو‬ ‫الولد مطل ً‬
‫وا كِبيًرا { ] السراء‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن عُل ّ‬ ‫ُ‬
‫قولو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ه وَت ََعالى عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬
‫العزير )‪ (1‬أو الملئكة ‪ُ } ،‬‬
‫‪.[43 :‬‬
‫ن { قال قتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وإبراهيم النخعي ‪ ،‬ومغيرة‬ ‫عِلي َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن كّنا فا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫سم ‪ ،‬أي ‪ :‬ما كنا فاعلين‪.‬‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬ ‫بن ِ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬كل شيء في القرآن "إن" فهو إنكار‪.‬‬
‫ل { أي ‪ :‬نبين الحق فيدحض الباطل ؛‬ ‫حقّ عََلى ال َْباط ِ ِ‬ ‫ف ِبال ْ َ‬ ‫قذ ِ ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫م‬ ‫ه فَإ َِذا هُوَ َزاهِقٌ { أي ‪ :‬ذاهب مضمحل ‪ } ،‬وَل َك ُ ُ‬ ‫مغُ ُ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬فَي َد ْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬تقولون‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬‫ما ت َ ِ‬ ‫م ّ‬‫ل { أي ‪ :‬أيها القاتلون ‪ :‬لله ولد ‪ِ } ،‬‬ ‫ال ْوَي ْ ُ‬
‫وتفترون‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى عن عبودية الملئكة له ‪ ،‬ودأبهم في طاعته ليل ونهاًرا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫عن ْد َه ُ { يعني ‪ :‬الملئكة ‪ } ،‬ل‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫} وَل َ ُ‬
‫ف‬
‫ست َن ْك ِ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫عَباد َت ِهِ { أي ‪ :‬ل يستنكفون عنها ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ل َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫عَباد َت ِ ِ‬
‫ن ِ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫ست َن ْك ِ ْ‬
‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫قّرُبو َ‬ ‫م َ‬‫ة ال ُ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫دا ل ِلهِ َول ال َ‬ ‫ن عَب ْ ً‬ ‫ن ي َكو َ‬‫ُ‬ ‫حأ ْ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ميًعا { ] النساء ‪.[172 :‬‬ ‫ج ِ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫ست َك ْب ِْر فَ َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يتعبون ول َيملون‪.‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ي َ ْ‬
‫ن { فهم دائبون في العمل ليل ونهاًرا ‪،‬‬ ‫فت ُُرو َ‬ ‫ل َوالن َّهاَر ل ي َ ْ‬ ‫ن الل ّي ْ َ‬ ‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫} يُ َ‬
‫ما‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫صو َ‬ ‫دا وعمل قادرون عليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ل ي َعْ ُ‬ ‫مطيعون قص ً‬
‫َ‬
‫ن { ] التحريم ‪.[6 :‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما ي ُؤْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن أبي ُدلمة البغدادي ‪ ،‬أنبأنا عبد الوهاب‬
‫رز ‪ ،‬عن حكيم بن‬ ‫مح ِ‬‫بن عطاء ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن صفوان بن ُ‬
‫حَزام قال ‪ :‬بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ‪ ،‬إذ قال لهم ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫"هل تسمعون ما أسمع ؟" قالوا ‪ :‬ما نسمع من شيء‪ .‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إني لسمع أطيط السماء ‪ ،‬وما تلم أن تئط ‪ ،‬وما‬
‫شْبر إل وعليه ملك ساجد أو قائم"‪ .‬غريب ولم يخرجوه )‪.(2‬‬ ‫فيها موضع ِ‬
‫ثم رواه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن ُزَرْيع ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة‬
‫مرسل‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق )‪ ، (3‬عن حسان بن مخارق ‪ ،‬عن عبد الله بن الحارث بن‬
‫نوفل قال ‪ :‬جلست إلى كعب الحبار وأنا غلم ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬أرأيت قول الله‬
‫ن{‬ ‫فت ُُرو َ‬ ‫ل َوالن َّهاَر ل ي َ ْ‬ ‫ن الل ّي ْ َ‬ ‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫]للملئكة[ )‪ } (4‬ي ُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬أو عزيز"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (3/201‬والطحاوي في مشكل‬
‫الثار برقم )‪ (1134‬من طريق عبد الوهاب بن عطاء به ‪ ،‬وله شاهد من‬
‫حديث أبي ذر الغفاري أخرجه الترمذي في السنن برقم )‪ (2312‬وقال ‪:‬‬
‫"هذا حديث حسن غريب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬محمد بن إسحاق" والمثبت من الطبري ‪.17/70‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(5/336‬‬

‫ة إ ِّل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما آ َل ِهَ ٌ‬‫ن ِفيهِ َ‬ ‫ن )‪ (21‬ل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ ِ‬
‫ض هُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن اْل َْر‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ة ِ‬ ‫ذوا آ َل ِهَ ً‬‫خ ُ‬‫أ َم ِ ات ّ َ‬
‫م‬
‫ل وَهُ ْ‬‫فعَ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫ل عَ ّ‬ ‫سأ َ ُ‬‫ن )‪َ (22‬ل ي ُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬‫ما ي َ ِ‬ ‫ش عَ ّ‬ ‫ب العَْر ِ‬
‫ن الل ّهِ َر ّ ْ‬ ‫حا َ‬‫سب ْ َ‬‫سد ََتا فَ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫معِ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ذِك ُْر َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫هان َك ُ ْ‬
‫هاُتوا ب ُْر َ‬‫ل َ‬ ‫ة قُ ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ آ َل ِهَ ً‬ ‫م ْ‬
‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن )‪ (23‬أم ِ ات ّ َ‬ ‫سأُلو َ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬‫حقّ فهُ ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫ل أكث َُرهُ ْ‬ ‫ن قب ِْلي ب َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وَذِكُر َ‬
‫أما يشغلهم عن التسبيح الكلم والرسالة والعمل ؟‪ .‬فقال ‪ :‬فمن هذا الغلم ؟‬
‫فقالوا ‪ :‬من بني عبد المطلب ‪ ،‬قال ‪ :‬فقبل رأسي ‪ ،‬ثم قال لي ‪ :‬يا بني ‪ ،‬إنه‬
‫جعل لهم التسبيح ‪ ،‬كما جعل لكم النفس ‪ ،‬أليس تتكلم وأنت تتنفس )‪(1‬‬
‫وتمشي وأنت تتنفس ؟‪.‬‬
‫ة ِإل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما آل ِهَ ٌ‬ ‫ن ِفيهِ َ‬‫كا َ‬ ‫ن )‪ (21‬ل َوْ َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ ِ‬ ‫ض هُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن الْر‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ة ِ‬ ‫ذوا آل ِهَ ً‬ ‫خ ُ‬‫} أ َم ِ ات ّ َ‬
‫م‬
‫ل وَهُ ْ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫سأ َ ُ‬
‫ن )‪ (22‬ل ي ُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ش عَ ّ‬ ‫ب العَْر ِ‬
‫ن الل ّهِ َر ّ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫سد ََتا فَ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫لَ َ‬
‫ن )‪{ (23‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سألو َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫ذوا آل ِهَ ً‬ ‫خ ُ‬‫ينكر )‪ (2‬تعالى على من اتخذ من دونه آلهة ‪ ،‬فقال ‪ :‬بل } ات ّ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الرض ؟ أي ‪:‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ ِ‬ ‫ض هُ ْ‬ ‫الْر ِ‬
‫دا وعبدوها معه‪.‬‬ ‫ل يقدرون على شيء من ذلك‪ .‬فكيف جعلوها لله ن ً‬
‫ثم أخبر تعالى أنه لو كان في الوجود آلهة غيره لفسدت السموات الرض ‪،‬‬
‫سد ََتا { ‪ ،‬كقوله‬ ‫ف َ‬ ‫ة { أي ‪ :‬في السماء والرض ‪ } ،‬ل َ َ‬ ‫ما آل ِهَ ٌ‬ ‫ن ِفيهِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫فقال } ل َوْ َ‬
‫ما‬‫ل إ ِل َهٍ ب ِ َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ن إ ِل َهٍ إ ًِذا ل َذ َهَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن وَل َد ٍ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬‬
‫ن { ] المؤمنون ‪، [91 :‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ن اللهِ عَ ّ‬ ‫ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ض ُ‬ ‫َ‬ ‫خل َقَ وَل ََعل ب َعْ ُ‬
‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬عما يقولون إن‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ش عَ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫ن اللهِ َر ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫وقال هاهنا ‪ } :‬ف ُ‬
‫كا ‪ ،‬سبحانه وتعالى وتقدس وتنزه عن الذي يفترون ويأفكون‬ ‫دا أو شري ً‬ ‫له ول ً‬
‫وا كبيًرا‪.‬‬ ‫عل ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬هو الحاكم الذي ل معقب‬ ‫سأُلو َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ل وَهُ ْ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫سأ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ي ُ ْ‬
‫لحكمه ‪ ،‬ول يعترض عليه أحد ‪ ،‬لعظمته وجلله وكبريائه ‪ ،‬وعلوه وحكمته‬
‫وعدله ولطفه ‪ } ،‬وهم ي َ‬
‫ن { أي ‪ :‬وهو سائل خلقه عما يعملون ‪،‬‬ ‫سأُلو َ‬ ‫َ ُ ْ ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ك ل َن َ‬
‫ن { ] الحجر ‪[93 ، 92 :‬‬ ‫ملو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سأل َن ّهُ ْ‬ ‫كقوله ‪ } :‬فَوََرب ّ َ َ ْ‬
‫جاُر عَلي ْهِ { ] المؤمنون ‪.[88 :‬‬ ‫َ‬ ‫جيُر َول ي ُ َ‬ ‫وهذا كقوله تعالى ‪ } :‬وَهُوَ ي ُ ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ي وَذِكُر َ‬ ‫معِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ذا ذِكُر َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ُ‬
‫هان َك ْ‬ ‫هاُتوا ب ُْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫ة قُ ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ آل ِهَ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬‫} أ َم ِ ات ّ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (24‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫حقّ فَهُ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫قَب ِْلي ب َ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬وأنت تمشي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬فينكر"‪.‬‬

‫) ‪(5/337‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن )‪(25‬‬ ‫ه إ ِّل أَنا َفاعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬ ‫ه َل إ ِل َ َ‬
‫حي إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬
‫ل إ ِّل ُنو ِ‬
‫سو ٍ‬
‫ن َر ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫ك ِ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما أْر َ‬
‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫دو ِ‬ ‫ه ِإل أَنا َفاعْب ُ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫حي إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫ل ِإل ُنو ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬‫ما أْر َ‬ ‫} وَ َ‬
‫‪{ (25‬‬
‫م{‬ ‫ُ‬
‫هان َك ْ‬ ‫هاُتوا ب ُْر َ‬ ‫ل { يا محمد ‪َ } :‬‬ ‫ُ‬
‫ةق ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ آل ِهَ ً‬ ‫م ْ‬‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬بل } ات ّ َ‬
‫ي { يعني ‪ :‬القرآن ‪ } ،‬وَذِكُرْ‬ ‫معِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ذا ذِكُر َ‬ ‫ْ‬ ‫أي ‪ :‬دليلكم على ما تقولون ‪ } ،‬هَ َ‬
‫ن قَب ِْلي { يعني ‪ :‬الكتب المتقدمة على خلف ما تقولون وتزعمون ‪ ،‬فكل‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫كتاب أنزل على كل نبي أرسل ‪ ،‬ناطق بأنه ل إله إل الله ‪ ،‬ولكن أنتم أيها‬
‫سل َْنا‬ ‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫المشركون ل تعلمون الحق ‪ ،‬فأنتم معرضون عنه ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬كما‬ ‫دو ِ‬ ‫ه ِإل أَنا َفاعْب ُ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫حى )‪ (1‬إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫ل ِإل ُيو َ‬ ‫سو ٍ‬‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن آل ِهَ ً‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ن‬
‫ِ ْ ُ ُ َ َ َ َ ِ ْ ُ ِ ّ ْ َ ِ‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ ْ ْ َ َ ِ ْ ْ‬‫نا‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫س‬
‫َ ْ‬‫وا‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬
‫ن { ]الزخرف ‪، [45 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫ي ُعْب َ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نوحي"‪.‬‬

‫) ‪(5/337‬‬

‫ل‬‫قو ْ ِ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬ ‫قون َ ُ‬‫سب ِ ُ‬ ‫ن )‪َ (26‬ل ي َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مك َْر ُ‬ ‫عَباد ٌ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫دا ُ‬ ‫ن وَل َ ً‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫خذ َ الّر ْ‬ ‫وََقاُلوا ات ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ِ‬ ‫ن إ ِّل ل ِ َ‬ ‫فُعو َ‬ ‫ش َ‬ ‫م وََل ي َ ْ‬ ‫فهُ ْ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (27‬ي َعْل َ ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫مرِهِ ي َعْ َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫ه‬
‫ن ُدون ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫م إ ِّني إ ِل ٌ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (28‬وَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫شفِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شي َت ِهِ ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضى وَهُ ْ‬ ‫اْرت َ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫فَذ َل ِ َ‬
‫فُروا أ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ي ََر ال ِ‬ ‫ن )‪ (29‬أوَل ْ‬ ‫مي َ‬ ‫زي الظال ِ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫زيهِ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬
‫ي أ َفَلَ‬ ‫ح ّ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ماِء ك ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَلَنا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫قَناهُ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫قا فَ َ‬ ‫ض كان ََتا َرت ْ ً‬‫َ‬ ‫ت َوالْر َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫سب ُلً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫جا ُ‬ ‫جا ً‬ ‫جعَلَنا ِفيَها فِ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ميد َ ب ِهِ ْ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫يأ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ض َرَوا ِ‬ ‫جعَلَنا ِفي الْر ِ‬ ‫ن )‪ (30‬وَ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ن)‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ن آَيات َِها ُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫فوظا وَهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فا َ‬ ‫ق ً‬ ‫س ْ‬ ‫ماَء َ‬ ‫س َ‬ ‫جعَلَنا ال ّ‬ ‫ن )‪ (31‬وَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫م ي َهْت َ ُ‬ ‫ل َعَل ّهُ ْ‬
‫ن)‬ ‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ل ِفي فَل َ ٍ‬ ‫مَر ك ُ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َوالن َّهاَر َوال ّ‬ ‫خل َقَ الل ّي ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ (32‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫‪(33‬‬
‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫َ‬ ‫قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫ت{‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن ا ُعْب ُ ُ‬ ‫سول أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫وقال ‪ } :‬وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬
‫] النحل ‪ ، [36 :‬فكل نبي بعثه الله يدعو إلى عبادة الله وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫والفطرة شاهدة بذلك أيضا ‪ ،‬والمشركون ل برهان لهم ‪ ،‬وحجتهم داحضة‬
‫عند ربهم ‪ ،‬وعليهم غضب ‪ ،‬ولهم عذاب شديد‪.‬‬
‫ه‬
‫قون َ ُ‬ ‫سب ِ ُ‬ ‫ن )‪ (26‬ل ي َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مكَر ُ‬ ‫ْ‬ ‫عَباد ٌ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫دا ُ‬ ‫ن وَل َ ً‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫خذ َ الّر ْ‬ ‫} وََقاُلوا ات ّ َ‬
‫خل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫فُعو َ‬ ‫ش َ‬ ‫م َول ي َ ْ‬ ‫فهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (27‬ي َعْل َ ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫مرِهِ ي َعْ َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫ل وَهُ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م إ ِّني إ ِل َ ٌ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (28‬وَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫شفِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شي َت ِهِ ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضى وَهُ ْ‬ ‫ن اْرت َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ِإل ل ِ َ‬
‫ن )‪.{ (29‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫زي الظال ِ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫م كذ َل ِك ن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫زيهِ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ُدون ِهِ فذ َل ِك ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫دا من الملئكة ‪،‬‬ ‫يقول تعالى رًدا على من زعم أن له ‪ -‬تعالى وتقدس ‪ -‬ول ً‬
‫عَباٌد‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫ه‬
‫ُ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ن‬ ‫حا‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫}‬ ‫كمن قال ذلك من العرب ‪ :‬إن الملئكة بنات الله ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ن { أي ‪ :‬الملئكة عباد الله مكرمون عنده ‪ ،‬في منازل عالية‬ ‫مو َ‬ ‫مك َْر ُ‬ ‫ُ‬
‫ومقامات سامية ‪ ،‬وهم له في غاية الطاعة قول وفعل‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يتقدمون بين يديه بأمر ‪،‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫مرِهِ ي َعْ َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫ل وَهُ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬ ‫قون َ ُ‬ ‫سب ِ ُ‬ ‫} ل يَ ْ‬
‫علمه محيط‬ ‫ْ‬ ‫ول يخالفونه فيما أمر )‪ (1‬به بل يبادرون إلى فعله ‪ ،‬وهو تعالى ِ‬
‫م{‬ ‫خل ْ َ‬ ‫بهم ‪ ،‬فل يخفى عليه منهم خافية ‪ } ،‬يعل َم ما بي َ‬
‫فهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫َْ ُ َ َْ َ‬
‫عن ْد َهُ‬ ‫فع ُ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن َذا ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ضى { كقوله ‪َ } :‬‬ ‫ن اْرت َ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ِإل ل ِ َ‬ ‫فُعو َ‬ ‫ش َ‬
‫ن‬‫ن أذِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ْد َه ُ ِإل ل ِ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫فاعَ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫فعُ ال ّ‬ ‫ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ { ] البقرة ‪ ، [255 :‬وقوله ‪َ } :‬ول ت َن ْ َ‬
‫ه { ]سبأ ‪ ، [23 :‬في آيات كثيرة في معنى ذلك‪.‬‬ ‫لَ ُ‬
‫م إ ِّني‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫شفِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شي َت ِهِ { أي ‪ :‬من خوفه ورهبته } ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫} وَهُ ْ‬
‫ن ُدون ِهِ { أي ‪ :‬من ادعى منهم أنه إله من دون الله ‪ ،‬أي ‪ :‬مع الله ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫إ ِل َ ٌ‬
‫ن { أي ‪ :‬كل من قال ذلك ‪ ،‬وهذا‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫زي ال ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫زيهِ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫} فَذ َل ِ َ‬
‫كان للرحمن ول َد فَأناَ‬
‫ن َ َ ِ ّ ْ َ ِ َ ٌ َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫شرط ‪ ،‬والشرط ل يلزم وقوعه ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫مل ُ َ‬ ‫َ‬ ‫أ َوّ ُ‬
‫ك{‬ ‫ن عَ َ‬ ‫حب َط َ ّ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫شَرك ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن { ]الزخرف ‪ ، [81 :‬وقوله } ل َئ ِ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ل ال َْعاب ِ ِ‬
‫]الزمر ‪.[65 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫قَناهُ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫قا فَ َ‬ ‫كان ََتا َرت ْ ً‬ ‫ض َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫فُروا أ ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ي ََر ال ّ ِ‬ ‫} أوَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ن )‪ (30‬وَ َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ميد َ ب ِهِ ْ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫يأ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ض َرَوا ِ‬ ‫جعَلَنا ِفي الْر ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي أَفل ي ُؤْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ماِء ك ُ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فوظاً‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فا َ‬ ‫ق ً‬ ‫س ْ‬ ‫ماَء َ‬ ‫س َ‬ ‫جعَلَنا ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن )‪ (31‬وَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫م ي َهْت َ ُ‬ ‫ّ‬
‫سُبل لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫جا ُ‬ ‫جا ً‬ ‫جعَلَنا ِفيَها فِ َ‬ ‫ْ‬ ‫وَ َ‬
‫مَر‬ ‫ق َ‬ ‫ْ‬
‫س َوال َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َوالن َّهاَر َوال ّ‬ ‫ّ‬
‫خلقَ اللي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (32‬وَهُوَ ال ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ن آَيات َِها ُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫ن )‪.{ (33‬‬‫حو َ‬
‫سب َ ُ‬ ‫ل ِفي فَل َ ٍ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫يقول تعالى منبًها على قدرته التامة ‪ ،‬وسلطانه العظيم في خلقه الشياء ‪،‬‬
‫َ‬
‫ن كَ َ‬
‫فُروا { أي ‪ :‬الجاحدون‬ ‫م ي ََر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وقهره لجميع المخلوقات ‪ ،‬فقال ‪ } :‬أوَل َ ْ‬
‫للهيته العابدون )‪ (2‬معه غيره ‪ ،‬ألم يعلموا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أمرهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬العابدين"‪.‬‬

‫) ‪(5/338‬‬

‫أن الله هو المستقل بالخلق ‪ ،‬المستبد بالتدبير ‪ ،‬فكيف يليق أن يعبد غيره أو‬
‫قا { أي ‪:‬‬ ‫ض َ‬
‫كان ََتا َرت ْ ً‬ ‫َ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫يشرك به ما سواه ‪ ،‬ألم )‪ (1‬يروا } أ ّ‬
‫كان الجميع متصل بعضه ببعض متلصق متراكم ‪ ،‬بعضه فوق بعض في ابتداء‬
‫المر ‪ ،‬ففتق هذه من هذه‪ .‬فجعل السموات سبًعا ‪ ،‬والرض )‪ (2‬سبًعا ‪،‬‬
‫وفصل بين سماء الدنيا والرض بالهواء ‪ ،‬فأمطرت السماء وأنبتت الرض ؛‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬وهم‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي أَفل ي ُؤْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ماِء ك ُ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬
‫ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫يشاهدون المخلوقات تحدث شيًئا فشيًئا عياًنا ‪ ،‬وذلك دليل على وجود الصانع‬
‫ل عَلى أّنه‬ ‫ه آَية‪ ...‬ت َد ُ ّ‬‫ل شيء ل َ ُ‬ ‫في ك ُ ّ‬ ‫الفاعل المختار القادر على ما يشاء ‪ :‬فَ ِ‬
‫َواحد‪...‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عكرمة قال ‪ :‬سئل ابن عباس ‪ :‬الليل‬
‫قا ‪ ،‬هل كان‬ ‫كان قبل أو النهار ؟ فقال ‪ :‬أرأيتم السموات والرض حين كانتا رت ً‬
‫بينهما إل ظلمة ؟ ذلك لتعلموا أن الليل قبل النهار‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن أبي حمزة ‪ ،‬حدثنا حاتم ‪،‬‬
‫عن حمزة بن أبي محمد ‪ ،‬عن عبد الله بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن رجل أتاه‬
‫ما { ؟‪ .‬قال ‪ :‬اذهب إلى‬ ‫قَناهُ َ‬ ‫قا فَ َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫كان ََتا َرت ْ ً‬ ‫يسأله عن السموات والرض } َ‬
‫ذلك الشيخ فاسأله ‪ ،‬ثم تعال فأخبرني بما قال لك‪ .‬قال ‪ :‬فذهب إلى ابن‬
‫قا ل تمطر ‪ ،‬وكانت‬ ‫عباس فسأله‪ .‬فقال ابن عباس ‪ :‬نعم ‪ ،‬كانت السموات رت ً‬
‫قا ل تنبت‪.‬‬ ‫الرض رت ً‬
‫فلما خلق للرض أهل فتق هذه بالمطر ‪ ،‬وفتق هذه بالنبات‪ .‬فرجع الرجل‬
‫إلى ابن عمر فأخبره ‪ ،‬فقال ابن عمر ‪ :‬الن قد علمت أن ابن عباس قد أوتي‬
‫ما ‪ ،‬صدق ‪ -‬هكذا كانت‪ .‬قال ابن عمر ‪ :‬قد كنت أقول ‪ :‬ما‬ ‫في القرآن عل ً‬
‫يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن ‪ ،‬فالن قد علمت أنه قد أوتي‬
‫ما‪.‬‬ ‫في القرآن عل ً‬
‫قا ل‬ ‫قا ل تمطر ‪ ،‬فأمطرت‪ .‬وكانت هذه رت ً‬ ‫وفي ‪ :‬كانت هذه رت ً‬ ‫وقال عطية العَ ْ‬
‫تنبت ‪ ،‬فأنبتت‪.‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫في عن قوله ‪ } :‬أ ّ‬ ‫وقال إسماعيل بن أبي خالد ‪ :‬سألت أبا صالح الحن َ ِ‬
‫ما { ‪ ،‬قال ‪ :‬كانت السماء واحدة ‪،‬‬ ‫قَناهُ َ‬ ‫قا فَ َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫ض َ‬
‫كان ََتا َرت ْ ً‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫ففتق منها سبع سماوات ‪ ،‬وكانت الرض واحدة ففتق منها سبع أرضين‪.‬‬
‫وهكذا قال مجاهد ‪ ،‬وزاد ‪ :‬ولم تكن السماء والرض متماستين‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬بل كانت السماء والرض ملتزقتين ‪ ،‬فلما رفع السماء‬
‫وأبرز منها الرض ‪ ،‬كان ذلك فتقهما الذي ذكر الله في كتابه‪ .‬وقال الحسن ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬كانتا جميًعا ‪ ،‬ففصل بينهما بهذا الهواء‪.‬‬
‫ي { أي ‪ :‬أصل كل الحياء منه‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ماِء ك ُ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬‫جعَل َْنا ِ‬‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أولم"‪".‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والرضين"‪.‬‬

‫) ‪(5/339‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الجماهر )‪ ، (1‬حدثنا سعيد بن‬
‫بشير ‪ ،‬حدثنا قتادة عن أبي ميمونة )‪ ، (2‬عن أبي هريرة أنه قال ‪ :‬يا نبي الله‬
‫إذا رأيتك قرت عيني ‪ ،‬وطابت نفسي ‪ ،‬فأخبرني عن كل شيء ‪ ،‬قال ‪" :‬كل‬
‫شيء خلق من ماء"‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبي ميمونة ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني إذا رأيتك طابت نفسي ‪،‬‬
‫وقرت عيني ‪ ،‬فأنبئني عن كل شيء‪ .‬قال ‪" :‬كل شيء خلق من ماء" قال ‪:‬‬
‫ت به دخلت الجنة‪ .‬قال ‪" :‬أْفش السلم ‪،‬‬ ‫قلت ‪ :‬أنبئني عن أمر إذا عمل ُ‬
‫صل الرحام ‪ ،‬وقم بالليل والناس نيام ‪ ،‬ثم ادخل الجّنة‬ ‫وأطعم الطعام ‪ ،‬و ِ‬
‫بسلم" )‪.(3‬‬
‫ورواه أيضا عبد الصمد وعفان وب َْهز ‪ ،‬عن همام )‪ .(4‬تفرد به أحمد ‪ ،‬وهذا‬
‫إسناد على شرط الصحيحين ‪ ،‬إل أن أبا ميمونة من رجال السنن ‪ ،‬واسمه‬
‫سليم ‪ ،‬والترمذي يصحح له‪ .‬وقد رواه سعيد بن أبي عَُروبة ‪ ،‬عن قتادة‬
‫مرسل والله )‪ (5‬أعلم‪.‬‬
‫ي { أي ‪ :‬جبال أرسى الرض بها وقّررها‬ ‫س َ‬‫ض َرَوا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ ْ‬
‫جعَلَنا ِفي الْر ِ‬
‫وثقلها ؛ لئل تميد بالناس ‪ ،‬أي ‪ :‬تضطرب وتتحرك ‪ ،‬فل يحصل لهم عليها قرار‬
‫)‪ (6‬لنها غامرة في الماء إل مقدار الربع ‪ ،‬فإنه باد للهواء والشمس ‪ ،‬ليشاهد‬
‫أهلها السماء وما فيها من اليات الباهرات ‪ ،‬والحكم والدللت ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫م { أي ‪ :‬لئل تميد بهم‪.‬‬ ‫َ‬
‫ميد َ ب ِهِ ْ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫}أ ْ‬
‫سُبل { أي ‪ :‬ثغًرا في الجبال ‪ ،‬يسلكون فيها‬ ‫جا ُ‬ ‫جا ً‬ ‫جعَل َْنا ِفيَها فِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫طرًقا من قطر إلى قطر ‪ ،‬وإقليم إلى إقليم ‪ ،‬كما هو المشاهد في الرض ‪،‬‬
‫يكون الجبل حائل بين هذه البلد وهذه البلد ‪ ،‬فيجعل الله فيه فجوة ‪ -‬ثغرة ‪-‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫ليسلك الناس فيها من هاهنا إلى هاهنا ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َهْت َ ُ‬
‫فا { أي ‪ :‬على الرض وهي كالقبة عليها ‪ ،‬كما‬ ‫ق ً‬‫س ْ‬ ‫ماَء َ‬ ‫س َ‬ ‫جعَل َْنا ال ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ]الذاريات ‪ ، [47 :‬وقال ‪:‬‬ ‫عو‬‫س‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ها‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫ما‬
‫َََْ َ ِ ْ ٍ َ ِّ ُ ِ ُ َ‬ ‫قال ‪َ } :‬وال ّ َ‬
‫س‬
‫َ‬
‫ماِء فَوْقَهُ ْ‬
‫م‬ ‫س َ‬ ‫م ي َن ْظ ُُروا إ َِلى ال ّ‬
‫ها { ]الشمس ‪ } ، [5 :‬أفَل َ ْ‬ ‫ما ب ََنا َ‬ ‫ماِء وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫} َوال ّ‬
‫ن فُُروٍج { ]ق ‪ ، [6 :‬والبناء هو نصب القبة ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫ما ل ََها ِ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ها وََزي ّّنا َ‬ ‫ف ب َن َي َْنا َ‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ب ُِني السلم على خمس" أي ‪:‬‬
‫خمس )‪ (7‬دعائم ‪ ،‬وهذا ل يكون إل في الخيام ‪ ،‬على ما )‪ (8‬تعهده العرب‪.‬‬
‫سا أن ُينال‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬مرفوعا‪.‬‬ ‫ظا { أي ‪ :‬عالًيا محرو ً‬ ‫فو ً‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫} ّ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد الرحمن‬
‫شَتكي ‪ ،‬حدثني‬ ‫الد ّ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الجماهير"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبي ميمون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (2/295‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (4/129‬من طريق يزيد‬
‫بن هارون وصححه‪ .‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم )‪" (642‬موارد" من‬
‫طريق أبي عامر العقدي عن همام به‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (493 - 2/323‬من طريق عبد الصمد ‪ (2/323) ،‬من طريق‬
‫عفان ‪ (2/324) ،‬من طريق بهز‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (5/16‬رجاله‬
‫رجال الصحيح ‪ ،‬خل أبي ميمونة وهو ثقة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬فالله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬قرار عليها"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬خمسة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ " :‬كما"‪.‬‬

‫) ‪(5/340‬‬

‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ف ٍ‬ ‫ن )‪ (34‬ك ُ ّ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬ ‫ت فَهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫خل ْد َ أفَإ ِ ْ‬
‫ك ال ْ ُ‬‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬
‫شرٍ ِ‬ ‫جعَل َْنا ل ِب َ َ‬
‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(35‬‬‫جُعو َ‬ ‫َ‬
‫ة وَإ ِلي َْنا ت ُْر َ‬
‫خي ْرِ فِت ْن َ ً‬ ‫ْ‬
‫شّر َوال َ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت وَن َب ْلوك ْ‬‫مو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ال َ‬ ‫َذائ ِ َ‬
‫ق ُ‬

‫مي ‪ -‬عن جعفر بن أبي‬ ‫ق ّ‬ ‫أبي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أشعث ‪ -‬يعني ابن إسحاق ال ُ‬
‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما‬ ‫المغيرة ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫هذه السماء ‪ ،‬قال ‪" :‬موج مكفوف عنكم" )‪ (1‬إسناد غريب‪.‬‬
‫َ‬
‫ن آي َةٍ ِفي‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن { ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَك َأي ّ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ن آَيات َِها ُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُ ْ‬
‫ن { ]يوسف ‪ [105 :‬أي ‪:‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م عَن َْها ُ‬ ‫ن عَلي َْها وَهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫مّرو َ‬ ‫ض يَ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ل يتفكرون فيما خلق الله فيها من التساع العظيم ‪ ،‬والرتفاع الباهر ‪ ،‬وما‬
‫زينت به من الكواكب الثوابت والسيارات في ليلها ‪ ،‬وفي نهارها )‪ (2‬من هذه‬
‫الشمس التي تقطع الفلك بكماله ‪ ،‬في يوم وليلة فتسير غاية ل يعلم قدرها‬
‫إل الذي )‪ (3‬قدرها وسخرها وسيرها‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن أبي الدنيا ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬في كتابه "التفكر والعتبار" ‪ :‬أن بعض‬
‫عباد بني إسرائيل تعبد ثلثين سنة ‪ ،‬وكان الرجل منهم إذا تعبد ثلثين سنة‬
‫أظلته غمامة ‪ ،‬فلم ير ذلك الرجل شيًئا مما كان يرى لغيره ‪ ،‬فشكى ذلك‬
‫إلى أمه ‪ ،‬فقالت له ‪ :‬يا بني ‪ ،‬فلعلك أذنبت في مدة عبادتك هذه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل‬
‫والله ما أعلم ‪ ،‬قالت ‪ :‬فلعلك هممت ؟ قال ‪ :‬ل )‪ (4‬ول هممت‪ .‬قالت ‪:‬‬
‫فلعلك رفعت بصرك إلى السماء ثم رددته بغير فكر ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬كثيًرا‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فمن هاهنا أتيت‪.‬‬
‫ل َوالن َّهاَر { أي ‪ :‬هذا في‬ ‫ّ‬
‫خلقَ اللي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ثم قال منبًها على بعض آياته ‪ } :‬وَهُوَ ال ِ‬
‫ظلمه وسكونه ‪ ،‬وهذا بضيائه وأنسه ‪ ،‬يطول هذا تارة ثم يقصر أخرى ‪،‬‬
‫مَر { هذه لها نور يخصها ‪ ،‬وفلك بذاته ‪،‬‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬‫وعكسه الخر‪َ } .‬وال ّ‬
‫وزمان على حدة ‪ ،‬وحركة وسير خاص ‪ ،‬وهذا بنور خاص آخر ‪ ،‬وفلك آخر ‪،‬‬
‫ن { ] يس ‪ ، [40 :‬أي ‪:‬‬ ‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫ل ِفي فَل َ ٍ‬ ‫وسير آخر ‪ ،‬وتقدير آخر ‪ } ،‬وَك ُ ّ‬
‫يدورون‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬يدورون كما يدور المغزل في الفلكة‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ :‬فل‬
‫يدور المغزل إل بالفلكة ‪ ،‬ول الفلكة إل بالمغزل ‪ ،‬كذلك النجوم والشمس‬
‫والقمر ‪ ،‬ل يدورون إل به ‪ ،‬ول يدور إل بهن ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬فال ِقُ ال ْ‬
‫صَباِح‬
‫زيزِ ال ْعَِليم ِ {‬‫ديُر ال ْعَ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫سَباًنا ذ َل ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫مَر ُ‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫سك ًَنا َوال ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل الل ّي ْ َ‬‫جعَ َ‬ ‫وَ َ‬
‫] النعام ‪.[96 :‬‬
‫ن )‪ (34‬ك ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫جعَل َْنا ل ِب َ َ‬
‫س‬
‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ت فَهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫خلد َ أفَإ ِ ْ‬ ‫ك ال ُ‬ ‫م ْ‬‫شرٍ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن )‪.{ (35‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫َ‬
‫ة وَإ ِلي َْنا ت ُْر َ‬ ‫خي ْرِ فِت ْن َ ً‬ ‫ْ‬
‫شّر َوال َ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ُ‬
‫ت وَن َب ْلوك ُ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ال َ‬ ‫ق ُ‬‫َذائ ِ َ‬
‫خل ْد َ { أي ‪:‬‬ ‫ك { أي ‪ :‬يا محمد ‪ } ،‬ال ْ ُ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫شرٍ ِ‬ ‫جعَل َْنا ل ِب َ َ‬‫ما َ‬
‫يقول تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ْ‬
‫ل َوالكَرام ِ {‬ ‫جل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه َرب ّك ُذو ال َ‬ ‫ج ُ‬‫قى وَ ْ‬ ‫ن وَي َب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي َْها فا ٍ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬‫في الدنيا بل } ك ُ ّ‬
‫] الرحمن ‪.[27 ، 26 :‬‬
‫وقد استدل بهذه الية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الخضر ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬مات وليس بحي إلى الن ؛ لنه بشر ‪ ،‬سواء كان ولًيا أو نبًيا أو‬
‫خل ْد َ {‪.‬‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫م ْ‬‫شرٍ ِ‬ ‫جعَل َْنا ل ِب َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫رسول وقد قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم )‪ (539‬من طريق أحمد بن القاسم‬
‫عن أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي به‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬النهار"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بل والله"‪.‬‬

‫) ‪(5/341‬‬

‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن { ؟! أي ‪ :‬يؤملون أن‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ت { أي ‪ :‬يا محمد ‪ } ،‬فَهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬‫وقوله ‪ } :‬أفَإ ِ ْ‬
‫ة‬ ‫س َذائ ِ َ‬
‫ق ُ‬ ‫ف ٍ‬ ‫يعيشوا بعدك ‪ ،‬ل يكون هذا ‪ ،‬بل كل إلى فناء ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ك ُ ّ‬
‫ل نَ ْ‬
‫ت { ‪ ،‬وقد روي عن الشافعي ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬أنه أنشد واستشهد بهذين‬ ‫مو ْ ِ‬‫ال ْ َ‬
‫ست فيَها بأْوحد‬ ‫سبيل ل َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫البيتين ‪ :‬تمنى رجال أن أموت وإن أمت َفتل ْ َ‬
‫كأن قد )‪(1‬‬ ‫خرى مْثلها ف َ‬ ‫ل لّلذي ي َْبغي خلف الذي مضى ‪ :‬ت َهَّيأ ل ْ‬ ‫ق ْ‬‫ف ُ‬
‫ة { أي ‪ :‬نختبركم بالمصائب تارة ‪،‬‬ ‫خي ْرِ فِت ْن َ ً‬ ‫ْ‬
‫شّر َوال َ‬‫م ِبال ّ‬ ‫ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَن َب ْلوك ُ ْ‬
‫وبالنعم أخرى ‪ ،‬لننظر من يشكر ومن يكفر ‪ ،‬ومن يصبر ومن يقنط ‪ ،‬كما‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ونبلوكم { ‪ ،‬يقول ‪ :‬نبتليكم‬
‫بالشر والخير فتنة ‪ ،‬بالشدة والرخاء ‪ ،‬والصحة والسقم ‪ ،‬والغنى والفقر ‪،‬‬
‫والحلل والحرام ‪ ،‬والطاعة والمعصية والهدى والضلل‪..‬‬
‫ن { أي ‪ :‬فنجازيكم بأعمالكم‪.‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِل َي َْنا ت ُْر َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البيتان ذكرهما البيهقي في مناقب الشافعي )‪ (2/62‬والرازي في مناقب‬
‫الشافعي )ص ‪.(119‬‬

‫) ‪(5/342‬‬

‫م ب ِذِك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫م وَهُ ْ‬
‫َ‬
‫ذي ي َذ ْك ُُر آل ِهَت َك ُ ْ‬ ‫ك إ ِّل هُُزًوا أ َهَ َ‬
‫ذا ال ّ ِ‬ ‫ذون َ َ‬
‫خ ُ‬
‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫وَإ َِذا َرآ َ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬
‫م آ ََياِتي فََل‬ ‫ُ‬
‫سأِريك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬
‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬‫سا ُ‬‫خل ِقَ اْل ِن ْ َ‬‫ن )‪ُ (36‬‬ ‫كافُِرو َ‬‫م َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫ُ‬
‫جلو ِ‬ ‫ست َعْ ِ‬
‫تَ ْ‬

‫م‬
‫م وَهُ ْ‬‫ذي ي َذ ْك ُُر آل ِهَت َك ُ ْ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬‫ك ِإل هُُزًوا أ َهَ َ‬ ‫ذون َ َ‬‫خ ُ‬
‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫} وَإ َِذا َرآ َ‬
‫ُ‬
‫م آَياِتي َفل‬ ‫سأِريك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫خل ِقَ الن ْ َ‬‫ن )‪ُ (36‬‬ ‫م َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬‫ب ِذِك ْرِ الّر ْ‬
‫ن )‪.{ (37‬‬ ‫جُلو ِ‬‫ست َعْ ِ‬
‫تَ ْ‬
‫فُروا {‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫يقول تعالى لنبيه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ } ،‬وَإ َِذا َرآ َ‬
‫ك ِإل هُُزًوا { أي ‪:‬‬ ‫ذون َ َ‬‫خ ُ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬‫يعني ‪ :‬كفار قريش كأبي جهل وأشباهه } إ ِ ْ‬
‫م { يعنون ‪:‬‬ ‫ذي ي َذ ْك ُُر آل ِهَت َك ُ ْ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬ ‫يستهزئون بك وينتقصونك ‪ ،‬يقولون ‪ } :‬أ َهَ َ‬
‫ن‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬‫م ب ِذِك ْرِ الّر ْ‬ ‫أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلمكم ‪ ،‬قال تعالى ‪ } :‬وَهُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬وهم كافرون بالله ‪ ،‬ومع هذا يستهزئون برسول الله ‪ ،‬كما‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫هُ ْ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذون َك ِإل هُُزًوا أهَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ث الل ُ‬ ‫ذي ب َعَ َ‬‫ذا ال ِ‬ ‫قال في الية الخرى ‪ } :‬وَإ َِذا َرأوْك إ ِ ْ‬
‫ن ي َت ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬‫ف ي َعْل ُ‬‫سو ْ َ‬‫صب َْرَنا عَلي َْها وَ َ‬
‫ن َ‬ ‫ول أ ْ‬‫ن آل ِهَت َِنا ل َ ْ‬ ‫ضل َّنا عَ ْ‬ ‫كاد َ ل َي ُ ِ‬
‫ن َ‬ ‫سول‪ .‬إ ِ ْ‬ ‫َر ُ‬
‫سِبيل { ] الفرقان ‪.[42 ، 41 :‬‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫ي ََر ْ َ َ‬
‫ع‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬‫و‬
‫ن)‬ ‫كا َ‬ ‫ل { ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫خل ِقَ الن ْ َ‬ ‫وقوله ‪ُ } :‬‬
‫جول { ]السراء ‪ [11 :‬أي ‪ :‬في المور‪.‬‬ ‫ن عَ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫‪ (1‬الن ْ َ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬خلق الله آدم بعد كل شيء من آخر النهار ‪ ،‬من يوم خلق‬
‫الخلئق فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه ‪ ،‬ولم يبلغ )‪ (2‬أسفله قال ‪ :‬يا‬
‫رب ‪ ،‬استعجل بخلقي قبل غروب الشمس‪.‬‬
‫سَنان ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أنبأنا‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن ِ‬
‫محمد بن علقمة بن وقاص الليثي ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬خير يوم طلعت فيه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬وخلق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬تبلغ"‪.‬‬

‫) ‪(5/342‬‬

‫ن َل‬ ‫حي َ‬‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬


‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (38‬ل َوْ ي َعْل َ ُ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ‬‫مَتى هَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫ْ‬
‫م‬ ‫ن )‪ (39‬ب َ ْ‬
‫ل ت َأِتيهِ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م وََل هُ ْ‬
‫م ي ُن ْ َ‬ ‫ن ظ ُُهورِهِ ْ‬ ‫م الّناَر وََل عَ ْ‬ ‫جوهِهِ ُ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫ي َك ُ ّ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫َ‬
‫م ي ُن ْظُرو َ‬ ‫َ‬
‫ها وَل هُ ْ‬ ‫ن َرد ّ َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫َ‬
‫م فَل ي َ ْ‬ ‫ة فَت َب ْهَت ُهُ ْ‬
‫ب َغْت َ ً‬

‫الشمس يوم الجمعة ‪ ،‬فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة ‪ ،‬وفيه أهبط منها ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وفيه تقوم الساعة ‪ ،‬وفيه ساعة ل يوافقها مؤمن يصلي ‪ -‬وقبض أصابعه قللها‬
‫)‪ - (1‬فسأل الله خيًرا ‪ ،‬إل أعطاه إياه"‪ .‬قال أبو سلمة ‪ :‬فقال عبد الله بن‬
‫سلم ‪ :‬قد عرفت تلك الساعة ‪ ،‬وهي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة ‪،‬‬
‫ل‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫خل ِقَ الن ْ َ‬ ‫وهي التي خلق الله فيها آدم ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ُ } :‬‬
‫ُ‬
‫ن { )‪.(2‬‬ ‫جُلو ِ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫م آَياِتي َفل ت َ ْ‬ ‫سأِريك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫والحكمة في ذكر عجلة النسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول ‪،‬‬
‫صلوات الله ]وسلمه[ )‪ (3‬عليه ‪ ،‬وقع في النفوس سرعة النتقام منهم‬
‫ل { ؛ لنه تعالى‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫خل ِقَ الن ْ َ‬ ‫واستعجلت )‪ ، (4‬فقال الله تعالى ‪ُ } :‬‬
‫يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ‪ ،‬يؤجل ثم يعجل ‪ ،‬وينظر ثم ل يؤخر ؛‬
‫ُ‬
‫م آَياِتي { أي ‪ :‬نقمي وحكمي واقتداري على من‬ ‫سأوِْريك ُ ْ‬ ‫ولهذا قال ‪َ } :‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫جلو ِ‬ ‫ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫عصاني ‪َ } ،‬فل ت َ ْ‬
‫ن‬
‫حي َ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (38‬لوْ ي َعْل ُ‬ ‫صادِِقي َ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ذا الوَعْد ُ إ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫مَتى هَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫} وَي َ ُ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل ي َك ُ ّ‬
‫ن )‪ (39‬ب َل ت َأِتيهِ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ن ظُهورِهِ ْ‬ ‫م الّناَر َول عَ ْ‬ ‫جوهِهِ ُ‬ ‫ن وُ ُ‬‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬
‫ن )‪.{ (40‬‬ ‫م ي ُن ْظ َُرو َ‬ ‫ها َول هُ ْ‬ ‫ن َرد ّ َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م َفل ي َ ْ‬ ‫ة فَت َب ْهَت ُهُ ْ‬ ‫ب َغْت َ ً‬
‫ضا بوقوع العذاب بهم ‪ ،‬تكذيًبا‬ ‫ً‬ ‫أي‬ ‫يستعجلون‬ ‫أنهم‬ ‫المشركين‬ ‫عن‬ ‫تعالى‬ ‫يخبر‬
‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬
‫َ ُ ِ ْ ُْ ْ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫تى‬ ‫م‬
‫َ َ َ‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫وجحوًدا وكفًرا وعناًدا واستبعاًدا ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫ن{‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫َ‬
‫م الّناَر َول‬ ‫ه‬
‫ْ ُ ُ ِ ِ ُ‬ ‫ه‬ ‫جو‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫فو‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫حي‬‫ِ‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ َْ ُ‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫الله‬ ‫قال‬
‫م { أي ‪ :‬لو تيقنوا أنها واقعة بهم ل محالة لما استعجلوا ‪ ،‬به ولو‬ ‫ن ظ ُُهورِهِ ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫َ‬
‫يعلمون حين يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ‪ } ،‬لهُ ْ‬
‫م‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ل { ] الزمر ‪ } ، [16 :‬ل َهُ ْ‬ ‫م ظ ُل َ ٌ‬
‫حت ِهِ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الّنارِ وَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ظ ُل َ ٌ‬ ‫فَوْقِهِ ْ‬
‫نل‬ ‫حي َ‬ ‫ش { ] العراف ‪ ، [41 :‬وقال في هذه الية ‪ِ } :‬‬ ‫وا ٍ‬ ‫م غَ َ‬ ‫ن فَوْقِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مَهاد ٌ وَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫ن قط َِرا ٍ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫سَراِبيلهُ ْ‬
‫م { وقال ‪َ } :‬‬
‫ن ظُهورِهِ ْ‬‫ُ‬ ‫م الّناَر َول عَ ْ‬ ‫جوهِهِ ُ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫ُ‬
‫ي َك ّ‬
‫م الّناُر { ]إبراهيم ‪ ، [50 :‬فالعذاب محيط بهم من جميع‬ ‫ه‬
‫ُ ُ َ ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫جو‬ ‫و‬ ‫شى‬ ‫َ‬ ‫وَت َغْ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ن { أي ‪ :‬ل ناصر لهم كما قال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬ ‫جهاتهم ‪َ } ،‬ول هُ ْ‬
‫ق { ]الرعد ‪.[34 :‬‬ ‫ن َوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ة { )‪ (5‬أي ‪" :‬تأتيهم النار بغتة" ‪ ،‬أي ‪ :‬فجأة‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م ب َغْت َ ً‬ ‫ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫تي‬
‫ِ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫م { أي ‪ :‬تذعرهم )‪ (6‬فيستسلمون لها حائرين ‪ ،‬ل )‪ (7‬يدرون ما‬ ‫} فَت َب ْهَت ُهُ ْ‬
‫م‬‫ها { أي ‪ :‬ليس لهم حيلة في ذلك ‪َ } ،‬ول هُ ْ‬ ‫ن َرد ّ َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫يصنعون ‪َ } ،‬فل ي َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ول يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة‪.‬‬ ‫ي ُن ْظ َُرو َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬يقللها"‬
‫)‪ (2‬أخرج مالك في الموطأ )‪ (1/108‬من طريق يزيد بن الهاد عن محمد بن‬
‫إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه دون ذكر الية وأخرج الشيخان‬
‫أوله والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬واستعجلت ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬بغته فتبهتهم"‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تدعوهم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬حائرون ول"‪.‬‬

‫) ‪(5/343‬‬

‫ما َ‬
‫كاُنوا ب ِهِ‬ ‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬
‫خُروا ِ‬ ‫س ِ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫حاقَ ِبال ّ ِ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٍ‬‫ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ‬
‫قد ِ ا ْ‬ ‫وَل َ َ‬
‫ن ذِك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ل هُ ْ‬‫ن بَ ْ‬‫م ِ‬‫ح َ‬‫ن الّر ْ‬
‫م َ‬ ‫ل َوالن َّهارِ ِ‬ ‫م ِبالل ّي ْ ِ‬‫ن ي َك ْل َؤُك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪ (41‬قُ ْ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬‫يَ ْ‬
‫صَر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن نَ ْ‬ ‫طيُعو َ‬‫ست َ ِ‬‫ن ُدون َِنا ل ي َ ْ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫من َعُهُ ْ‬ ‫ة تَ ْ‬‫م آل ِهَ ٌ‬ ‫م لهُ ْ‬ ‫ن )‪ (42‬أ ْ‬ ‫ضو َ‬‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫حُبو َ‬ ‫ص َ‬ ‫مّنا ي ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫م وَل هُ ْ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬

‫كاُنوا ب ِهِ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خُروا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حاقَ ِبال ّ ِ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫ن ذِك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل َوالن َّهارِ ِ‬ ‫م ِبالل ّي ْ ِ‬‫ن ي َك ْل َؤُك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪ (41‬قُ ْ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫صَر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن نَ ْ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن ُدون َِنا ل ي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من َعُهُ ْ‬‫ة تَ ْ‬‫م آل ِهَ ٌ‬ ‫م لهُ ْ‬ ‫ن )‪ (42‬أ ْ‬ ‫ضو َ‬‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫ن )‪.{ (43‬‬ ‫حُبو َ‬ ‫ص َ‬ ‫مّنا ي ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫يقول تعالى مسلًيا لرسوله ]صلوات الله وسلمه عليه[ )‪ (1‬عما آذاه به‬
‫ق‬
‫حا َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫المشركون من الستهزاء والتكذيب ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن { يعني ‪ :‬من العذاب الذي كانوا‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خُروا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ِبال ّ ِ‬
‫صب َُروا‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫قد ْ ك ُذ ّب َ ْ‬ ‫يستبعدون وقوعه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ت الل ّهِ وَل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬ ‫مب َد ّ َ‬
‫صُرَنا َول ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫حّتى أَتاهُ ْ‬ ‫ما ك ُذ ُّبوا وَأوُذوا َ‬ ‫عََلى َ‬
‫ن { ]النعام ‪.[34 :‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن َب َإ ِ ال ْ ُ‬
‫ثم ذكر تعالى نعمته على عبيده في حفظه لهم بالليل والنهار ‪ ،‬وكلءته‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ل َوالن َّهارِ ِ‬ ‫م ِبالل ّي ْ ِ‬ ‫ن ي َك ْل َؤُك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وحراسته لهم بعينه التي ل تنام ‪ ،‬فقال ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ن { ؟ أي ‪ :‬بدل الرحمن بمعني غيره كما قال الشاعر )‪(2‬‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫الّر ْ‬
‫سُتقا‪...‬‬ ‫ف ْ‬ ‫ن الُبقول ال ُ‬ ‫َ‬
‫مرّققا‪ ...‬وَلم َتذق م َ‬ ‫م ت َلَبس ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جارية ل ْ‬ ‫َ‬
‫أي ‪ :‬لم تذق بدل البقول الفستق‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يعترفون )‪ (3‬بنعمه‬ ‫ضو َ‬
‫معْرِ ُ‬ ‫ن ذِك ْرِ َرب ّهِ ْ‬
‫م ُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫ة‬
‫م آل ِهَ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م لهُ ْ‬
‫عليهم وإحسانه إليهم ‪ ،‬بل يعرضون عن آياته وآلئه ‪ ،‬ثم قال } أ ْ‬
‫ن ُدون َِنا { استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ ‪ ،‬أي ‪ :‬ألهم آلهة تمنعهم‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫من َعُهُ ْ‬‫تَ ْ‬
‫وتكلؤهم غيرنا ؟ ليس المر كما توهموا ول كما )‪ (4‬زعموا ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل‬
‫م { أي ‪ :‬هذه ]اللهة[ )‪ (5‬التي استندوا إليها غير الله‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫صَر أ َن ْ ُ‬‫ن نَ ْ‬‫طيُعو َ‬‫ست َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ل يستطيعون نصر أنفسهم‪.‬‬
‫مّنا‬
‫م ِ‬ ‫ن { قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬ول هُ ْ‬ ‫حُبو َ‬ ‫ص َ‬ ‫مّنا ي ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول هُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬يجارون )‪ (6‬وقال قتادة ل يصحبون ]من الله[ )‪ (7‬بخير‬ ‫حُبو َ‬‫ص َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن { يمنعون‪.‬‬ ‫حُبو َ‬ ‫ص َ‬ ‫مّنا ي ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وقال غيره ‪َ } :‬ول هُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬هو أبو نخيلة يعمر بن حزن ‪ ،‬والبيت في اللسان مادة )فسق( وصدره ‪:‬‬
‫دسته لم تأكل المرققا‬
‫وقد حمل صاحب اللسان قوله بأنه ظن الفستق من البقول‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل يعرفون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ول قد كما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يجازون"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف‪.‬‬

‫) ‪(5/344‬‬

‫َ‬ ‫ل عل َيهم ال ْعمر أ َفََل يرو َ ْ‬ ‫َ‬


‫ن أّنا ن َأِتي اْلْر َ‬
‫ض‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫طا َ َ ْ ِ ُ ُ ُ ُ‬‫حّتى َ‬ ‫م َ‬‫مت ّعَْنا هَؤَُلِء وَآَباَءهُ ْ‬‫ل َ‬‫بَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫ن أطَرافَِها أفَهُ ُ‬
‫م الَغال ُِبو َ‬ ‫م ْ‬
‫صَها ِ‬ ‫ق ُ‬‫ن َن ْ ُ‬
‫ل عل َيهم ال ْعمر أ ََفل يرو َ ْ‬ ‫حّتى َ‬
‫ض‬
‫ن أّنا ن َأِتي الْر َ‬
‫ََ ْ َ‬ ‫طا َ َ ْ ِ ُ ُ ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ؤلِء َوآَباَءهُ ْ‬‫مت ّعَْنا هَ ُ‬
‫ل َ‬‫} بَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (44‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬
‫ن أط َْرافَِها أفَهُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صَها ِ‬‫ق ُ‬ ‫ن َن ْ ُ‬

‫) ‪(5/345‬‬

‫ُ‬
‫ن )‪ (45‬وَل َئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ما ي ُن ْذ َُرو َ‬ ‫عاَء إ َِذا َ‬‫م الد ّ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫معُ ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ي وََل ي َ ْ‬ ‫ح ِ‬‫م ِبال ْوَ ْ‬ ‫ما أن ْذُِرك ُ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫قُ ْ‬
‫ع‬
‫ض ُ‬ ‫ن )‪ (46‬وَن َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َيا وَي ْلَنا إ ِّنا كّنا ظال ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫قول ّ‬ ‫َ‬
‫ك لي َ ُ‬ ‫ب َرب ّ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫ح ٌ‬‫ف َ‬ ‫م نَ ْ‬‫ست ْهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫إ‬
‫َِ‬ ‫و‬ ‫ً‬
‫ئا‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫س‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ظ‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ة‬‫م‬‫َ‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ط‬‫َ‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬
‫ا َ ِ َ‬
‫زي‬ ‫وا‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫ْ ِ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫سِبي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫فى ب َِنا َ‬ ‫ل أ َت َي َْنا ب َِها وَك َ‬
‫َ‬ ‫خْرد َ ٍ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن )‪ (45‬وَل َئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ما ي ُن ْذ َُرو َ‬ ‫عاَء إ َِذا َ‬ ‫م الد ّ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫معُ ال ّ‬ ‫س َ‬‫ي َول ي َ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ِبال ْوَ ْ‬ ‫ما أن ْذُِرك ُ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫} قُ ْ‬
‫ع‬
‫ض ُ‬ ‫ن )‪ (46‬وَن َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َيا وَي ْلَنا إ ِّنا ك ُّنا ظال ِ ِ‬ ‫قول ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك لي َ ُ‬ ‫ب َرب ّ َ‬ ‫ذا ِ‬‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ست ْهُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫إ‬
‫َِ‬ ‫و‬ ‫ئا‬‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ش‬‫َ‬ ‫س‬‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ظ‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬‫م‬‫َ‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ط‬‫َ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬
‫ا َ َ ِ َ‬
‫زي‬ ‫وا‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬
‫ْ ِ‬
‫ن )‪.{ (47‬‬ ‫سِبي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫فى ب َِنا َ‬ ‫ل أ َت َي َْنا ب َِها وَك َ‬
‫َ‬ ‫خْرد َ ٍ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن المشركين ‪ :‬إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من‬
‫مّتعوا في الحياة الدنيا ‪ ،‬ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم‬ ‫الضلل ‪ ،‬أنهم ُ‬
‫فيه ‪ ،‬فاعتقدوا أنهم على شيء‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ثم قال واع ً‬
‫ن أطَرافَِها {‬ ‫م ْ‬‫صَها ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ض ن َن ْ ُ‬ ‫ن أّنا ن َأِتي الْر َ‬ ‫ظا لهم ‪ } :‬أَفل ي ََروْ َ‬
‫اختلف المفسرون في معناه ‪ ،‬وقد أسلفناه في سورة "الرعد" ‪ ،‬وأحسن ما‬
‫فسر بقوله تعالى ‪ } :‬ول َ َ َ‬
‫ت ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫صّرفَْنا الَيا ِ‬ ‫قَرى وَ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوْل َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫قد ْ أهْل َك َْنا َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]الحقاف ‪.[27 :‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي َْر ِ‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬يعني بذلك ظهور السلم على الكفر‪.‬‬
‫والمعنى ‪ :‬أفل يعتبرون بنصر الله لوليائه على أعدائه ‪ ،‬وإهلكه المم المكذبة‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫والقرى الظالمة ‪ ،‬وإنجائه لعباده المؤمنين ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أفَهُ ُ‬
‫يعني ‪ :‬بل هم المغلوبون السفلون الخسرون الرذلون‪.‬‬
‫ُ‬
‫ي { أي ‪ :‬إنما أنا مبلغ )‪ (1‬عن الله ما أنذركم‬ ‫ح ِ‬ ‫م ِبال ْوَ ْ‬ ‫ما أن ْذُِرك ُ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫وقوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ي ‪ ،‬ولكن ل‬ ‫)‪ (2‬به من العذاب والنكال ‪ ،‬ليس ذلك إل عما أوحاه الله إل ّ‬
‫يجدي هذا عمن أعمى الله بصيرته ‪ ،‬وختم على سمعه وقلبه ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ما ي ُن ْذ َُرو َ‬ ‫عاَء إ َِذا َ‬ ‫م الد ّ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫معُ ال ّ‬ ‫س َ‬‫} َول ي َ ْ‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن َيا وَي ْلَنا إ ِّنا كّنا ظال ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫قول ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب َرب ّك لي َ ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ف َ‬‫م نَ ْ‬ ‫ست ْهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَلئ ِ ْ‬
‫أي ‪ :‬ولئن مس هؤلء المكذبين أدنى شيء من عذاب الله ‪ ،‬ليعترفن‬
‫بذنوبهم ‪ ،‬وأنهم كانوا ظالمين أنفسهم في الدنيا‪.‬‬
‫شي ْئا { أي ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مةِ فل ت ُظل ُ‬ ‫َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ط ل ِي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫واِزي َ‬ ‫م َ‬ ‫ضعُ ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَن َ َ‬
‫ونضع الموازين العدل ليوم القيامة‪ .‬الكثر على أنه إنما هو ميزان واحد ‪،‬‬
‫وإنما جمع باعتبار تعدد العمال الموزونة فيه‪.‬‬
‫َ‬
‫فى‬ ‫ل أت َي َْنا ب َِها وَك َ َ‬ ‫خْرد َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حب ّةٍ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫شي ًْئا وَإ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فل ت ُظ ْل َ ُ‬
‫َ‬
‫دا { ]الكهف ‪ ، [49 :‬وقال‬ ‫ح ً‬ ‫كأ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ن { كما قال تعالى ‪َ } :‬ول ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫سِبي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ب َِنا َ‬
‫َ‬
‫جًرا‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن ل َد ُن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫فَها وَي ُؤْ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫ل ذ َّرةٍ وَإ ِ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ل ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫‪ } :‬إِ ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫حب ّةٍ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ك ِ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫ي إ ِن َّها إ ِ ْ‬ ‫ما { ]النساء ‪ ، [40 :‬وقال لقمان ‪َ } :‬يا ب ُن َ ّ‬ ‫ظي ً‬ ‫عَ ِ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ت ب َِها الل ُ‬ ‫ض ي َأ ِ‬ ‫ت أوْ ِفي الْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خَرةٍ أوْ ِفي ال ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ل فَت َك ُ ْ‬ ‫خْرد َ ٍ‬‫َ‬
‫خِبيٌر { ] لقمان ‪.[16 :‬‬ ‫ف َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫لَ ِ‬
‫وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬كلمتان خفيفتان على اللسان ‪ ،‬ثقيلتان في الميزان ‪ ،‬حبيبتان إلى‬
‫الرحمن ‪ :‬سبحان الله وبحمده ‪ ،‬سبحان الله العظيم" )‪.(3‬‬
‫قاني ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪،‬‬ ‫طال َ َ‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن إسحاق ال ّ‬
‫عن ليث بن سعد ‪ ،‬حدثني عامر بن يحيى ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن الحبلي ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن الله عز وجل يستخلص رجل من أمتي على رءوس الخلئق‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬فينشر عليه تسعة وتسعين سجل كل سجل مد البصر ‪ ،‬ثم‬
‫يقول أتنكر من هذا شيًئا ؟‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مبلغكم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أنذرتكم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (7563‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2694‬‬

‫) ‪(5/345‬‬

‫أظلمتك كتبتي الحافظون ؟ قال ‪ :‬ل يا رب ‪ ،‬قال ‪ :‬أفلك عذر ‪ ،‬أو حسنة ؟"‬
‫قال ‪ :‬فيبهت الرجل فيقول ‪ :‬ل يا رب‪ .‬فيقول ‪ :‬بلى ‪ ،‬إن لك عندنا حسنة‬
‫واحدة ‪ ،‬ل ظلم اليوم عليك‪ .‬فيخرج له بطاقة فيها ‪" :‬أشهد أن ل إله إل الله ‪،‬‬
‫دا عبده ورسوله" فيقول ‪ :‬أحضروه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ما هذه‬ ‫وأن )‪ (1‬محم ً‬
‫البطاقة مع هذه السجلت ؟ فيقول ‪ :‬إنك ل تظلم ‪ ،‬قال ‪" :‬فتوضع السجلت‬
‫في كفة ]والبطاقة في كفة[" )‪ ، (2‬قال ‪" :‬فطاشت السجلت وثقلت‬
‫البطاقة" قال ‪" :‬ول يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم" )‪.(3‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث الليث بن سعد ‪ ،‬به ‪ (4) ،‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬عن عمرو بن يحيى ‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد الرحمن الحبلي ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو بن العاص ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬توضع الموازين )‪ (5‬يوم القيامة ‪ ،‬فيؤتى‬
‫بالرجل ‪ ،‬فيوضع في كفة ‪ ،‬فيوضع )‪ (6‬ما أحصى عليه ‪ ،‬فتايل )‪ (7‬به‬
‫الميزان" قال ‪" :‬فيبعث به إلى النار" قال ‪ :‬فإذا أدبر به إذا )‪ (8‬صائح من عند‬
‫الرحمن عز وجل يقول ‪] :‬ل تعجلوا[ )‪ ، (9‬فإنه قد بقي له ‪ ،‬فيؤتى ببطاقة‬
‫فيها "ل إله إل الله" فتوضع مع الرجل في كفة )‪ (10‬حتى يميل به الميزان" )‬
‫‪.(11‬‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا أبو نوح قراد )‪ (12‬أنبأنا ليث بن سعد ‪ ،‬عن‬ ‫وقال المام أحمد أي ً‬
‫مالك بن أنس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ؛ أن رجل من أصحاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬جلس بين يديه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫إن لي مملوكين ‪ ،‬يكذبونني ‪ ،‬ويخونونني ‪ ،‬ويعصونني ‪ ،‬وأضربهم وأشتمهم ‪،‬‬
‫فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يحسب ما‬
‫خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم ‪ ،‬إن )‪ (13‬كان عقابك إياهم دون‬
‫ذنوبهم ‪ ،‬كان فضل لك ]عليهم[ )‪ (14‬وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم ‪،‬‬
‫كان كفافا ل لك ول عليك ‪ ،‬وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم ‪ ،‬اقتص لهم‬
‫منك الفضل الذي يبقى )‪ (15‬قبلك"‪ .‬فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ويهتف ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما‬
‫مةِ َفل ت ُظ ْل َ ُ‬
‫م‬ ‫ط ل ِي َوْم ِ ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫س َ‬
‫ق ْ‬‫ن ال ْ ِ‬ ‫واِزي َ‬ ‫م َ‬‫ضعُ ال ْ َ‬
‫له أما يقرأ كتاب الله ؟ ‪ } :‬وَن َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫ن { فقال‬ ‫سِبي َ‬
‫حا ِ‬‫فى ب َِنا َ‬ ‫ل أت َي َْنا ب َِها وَك َ‬ ‫خْرد َ ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫حب ّةٍ ِ‬
‫ل َ‬‫قا َ‬
‫مث ْ َ‬‫ن ِ‬
‫كا َ‬ ‫شي ًْئا وَإ ِ ْ‬
‫س َ‬
‫ف ٌ‬ ‫نَ ْ‬
‫الرجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما أجد شيًئا خيًرا من فراق هؤلء ‪ -‬يعني عبيده ‪ -‬إني‬
‫أشهدك أنهم أحرار كلهم )‪.(16‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬وأشهد أن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(2/213‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي برقم )‪ (2639‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(4300‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬يوضع الميزان"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬ويوضع"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬فيمايل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬فإذا"‬
‫)‪ (9‬زيادة من ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬كفته"‪.‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪.(2/221‬‬
‫)‪ (12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مرارا"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ف ‪" :‬فإن"‪.‬‬
‫)‪ (14‬زيادة من ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (15‬في ف ‪" :‬بقي"‪.‬‬
‫)‪ (16‬المسند )‪.(6/280‬‬
‫) ‪(5/346‬‬

‫ن )‪ (48‬ال ّ ِ‬ ‫ول َ َ َ‬
‫ن‬
‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ضَياًء وَذِك ًْرا ل ِل ْ ُ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫فْرَقا َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ك أن َْزل َْناهُ أفَأن ْت ُ ْ‬ ‫ذا ذِك ٌْر ُ‬
‫مَباَر ٌ‬ ‫ن )‪ (49‬وَهَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫شفِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ساعَةِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬
‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫َر ُ‬
‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (51‬إ ِذ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫عال ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ل وَكّنا ب ِهِ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫شد َه ُ ِ‬ ‫م ُر ْ‬ ‫هي َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا إ ِب َْرا ِ‬ ‫ن )‪ (50‬وَل َ‬ ‫من ْك ُِرو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جد َْنا‬ ‫ن )‪َ (52‬قاُلوا وَ َ‬ ‫فو َ‬ ‫عاك ِ ُ‬ ‫م ل ََها َ‬ ‫ل ال ِّتي أن ْت ُ ْ‬ ‫ماِثي ُ‬ ‫ما هَذِهِ الت ّ َ‬ ‫مهِ َ‬ ‫ل ِلِبيهِ وَقَوْ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (53‬قا َ‬ ‫آ ََباَءَنا لَها َ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (54‬قالوا‬ ‫ٍ‬ ‫مِبي‬
‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫م وَآَباؤُك ْ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫قد ْ كن ْت ُ ْ‬ ‫لل َ‬ ‫دي َ‬ ‫عاب ِ ِ‬
‫َْ‬ ‫ن الّل ِ‬ ‫أ َجئ ْتنا بال ْحق أ َ َ‬
‫ض‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫م َر ّ‬ ‫ل َرب ّك ُ ْ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫ن )‪َ (55‬قا َ‬ ‫عِبي َ‬ ‫م َ‬
‫ت ِ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫ِ ََ ِ َ ّ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫دي َ‬ ‫ن الشاهِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن وَأَنا عَلى ذل ِك ْ‬ ‫ذي فَط ََرهُ ّ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (48‬ال ّ ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ضَياًء وَذِك ًْرا ل ِل ْ ُ‬


‫مت ّ ِ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫فْرَقا َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫مَباَر ٌ‬
‫ك‬ ‫ذا ذِك ٌْر ُ‬ ‫ن )‪ (49‬وَهَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫شفِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ساعَةِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب وَهُ ْ‬ ‫م ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (50‬‬ ‫من ْك ُِرو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫مل ُ‬ ‫أنزلَناهُ أفَأن ْت ُ ْ‬
‫قد تقدم التنبيه على أن الله تعالى كثيًرا ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد ‪،‬‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫صلوات الله وسلمه عليهما ‪ ،‬وبين كتابيهما ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن {‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬يعني ‪ :‬الكتاب‪ .‬وقال أبو صالح ‪ :‬التوراة ‪،‬‬ ‫فْرَقا َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫وَ َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬التوراة ‪ ،‬حللها وحرامها ‪ ،‬وما فرق الله بين الحق والباطل‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬يعني ‪ :‬النصر‪.‬‬
‫وجامع القول في ذلك ‪ :‬أن الكتب السماوية تشتمل على التفرقة بين الحق‬
‫والباطل ‪ ،‬والهدى والضلل ‪ ،‬والغي والرشاد ‪ ،‬والحلل والحرام ‪ ،‬وعلى ما‬
‫يحصل نوًرا في القلوب ‪ ،‬وهداية وخوًفا وإنابة وخشية ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫ن { أي ‪] :‬تذكيًرا[ )‪ (1‬لهم وعظة‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ضَياًء وَذِك ًْرا ل ِل ْ ُ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫فْرَقا َ‬ ‫} ال ْ ُ‬
‫ي‬
‫ش َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب { كقوله } َ‬ ‫م ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ثم وصفهم فقال ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ن‬
‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ب { ] ق ‪ ، [33 :‬وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫مِني ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫قل ْ ٍ‬ ‫جاَء ب ِ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ن ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫الّر ْ‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ساعَ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جٌر كِبيٌر { ]الملك ‪ } ، [12 :‬وَهُ ْ‬ ‫فَرةٌ وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب لهُ ْ‬ ‫م ِبالغَي ْ ِ‬ ‫َرب ّهُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬خائفون وجلون‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫شفِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫مَباَرك أنزلَناهُ { يعني ‪ :‬القرآن العظيم ‪ ،‬الذي ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬وَهَ َ‬
‫ذا ذِكٌر ُ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل ُ‬ ‫يأتيه الباطل من بين يديه ‪ ،‬ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد ‪ } ،‬أفأن ْت ُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬أفتنكرونه وهو في غاية ]الجلء[ )‪ (2‬والظهور ؟‪.‬‬ ‫من ْك ُِرو َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (51‬إ ِذ قال لِبيهِ وَقوْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مي َ‬ ‫عال ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن قب ْل وَكّنا ب ِهِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُرشد َه ُ ِ‬ ‫ْ‬ ‫هي َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا إ ِب َْرا ِ‬ ‫َ‬
‫} وَل َ‬
‫ن)‬ ‫دي‬ ‫ب‬ ‫عا‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫با‬ ‫آ‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫(‬‫‪52‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫عا‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫تي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ثي‬‫ما هَذِ ِ ّ َ ِ‬
‫ما‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ه‬
‫َ َ َْ َ َ َ َ ِ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ْ َ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫نا‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫(‬ ‫‪54‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ضل‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ؤ‬ ‫با‬ ‫وآ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫(‬ ‫‪53‬‬
‫ِ ََ ِ َ ّ ْ‬ ‫َ ٍ ُ ِ ٍ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ْ ُْ ْ ُْ ْ َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ط‬ ‫ف‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫وال‬
‫ّ َ َ ِ َ ْ ِ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ما‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ن )‪َ (55‬قا َ َ ّ ْ َ ّ‬
‫ر‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫بل‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫عِبي َ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫أن ْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (56‬‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫وَأَنا عََلى ذ َل ِك ُ ْ‬
‫يخبر تعالى عن خليله إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه آتاه رشده من قبل ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫جت َُنا‬ ‫ح ّ‬ ‫ك ُ‬ ‫من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَت ِل ْ َ‬
‫مهِ { ]النعام ‪ ، [83 :‬وما يذكر من الخبار عنه )‪(3‬‬ ‫م عََلى قَوْ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ها إ ِب َْرا ِ‬ ‫آت َي َْنا َ‬
‫في إدخال أبيه له في السرب ‪ ،‬وهو رضيع ‪ ،‬وأنه خرج به بعد أيام ‪ ،‬فنظر‬
‫إلى الكوكب والمخلوقات ‪ ،‬فتبصر فيها وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم‬
‫‪ -‬فعامتها أحاديث بني إسرائيل ‪ ،‬فما وافق منها الحق مما بأيدينا عن‬
‫المعصوم قبلناه لموافقته الصحيح ‪ ،‬وما خالف شيًئا من ذلك رددناه ‪ ،‬وما‬
‫قا ‪ ،‬وما كان‬ ‫ليس فيه موافقة ول مخالفة ل نصدقه ول نكذبه ‪ ،‬بل نجعله وف ً‬
‫من هذا الضرب منها فقد ترخص كثير من السلف في روايتها ‪ ،‬وكثير من‬
‫ذلك ما ل فائدة فيه ‪ ،‬ول حاصل له‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬عنه من الخبار"‪.‬‬

‫) ‪(5/347‬‬

‫َ‬ ‫وتالل ّه َل َكيد َ‬


‫ن )‪(57‬‬
‫ري َ‬ ‫ن ت ُوَّلوا ُ‬
‫مد ْب ِ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م ب َعْد َ أ ْ‬ ‫صَنا َ‬
‫نأ ْ‬‫ََ ِ ِ َ ّ‬

‫مما ينتفع به في الدين‪ .‬ولو كانت فيه فائدة تعود على المكلفين في دينهم‬
‫لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة‪ .‬والذي نسلكه )‪ (1‬في هذا التفسير‬
‫العراض عن كثير من الحاديث السرائيلية ‪ ،‬لما فيها من تضييع الزمان ‪،‬‬
‫ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم ‪ ،‬فإنهم ل تفرقة )‪(2‬‬
‫عندهم بين صحيحها وسقيمها كما حرره الئمة الحفاظ المتقنون من هذه‬
‫المة‪.‬‬
‫والمقصود هاهنا ‪ :‬أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده ‪ ،‬من قبل ‪،‬‬
‫ن { أي ‪ :‬وكان أهل لذلك‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫عال ِ ِ‬‫أي ‪ :‬من قبل ذلك ‪ ،‬وقوله ‪ } :‬وَك ُّنا ب ِهِ َ‬
‫م ل ََها َ‬ ‫َ‬
‫ن { هذا‬ ‫فو َ‬ ‫عاك ِ ُ‬ ‫ل ال ِّتي أن ْت ُ ْ‬ ‫ماِثي ُ‬ ‫ما هَذِهِ الت ّ َ‬ ‫مهِ َ‬ ‫ل لِبيهِ وَقَوْ ِ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬إ ِذ ْ َقا َ‬
‫هو الرشد الذي أوتيه من صغره ‪ ،‬النكار على قومه في عبادة الصنام من‬
‫م ل ََها َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫فو َ‬ ‫عاك ِ ُ‬ ‫ل ال ِّتي أن ْت ُ ْ‬ ‫ماِثي ُ‬ ‫ما هَذِهِ الت ّ َ‬ ‫دون الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬‬
‫معتكفون على عبادتها‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد الصباح ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية الضرير‬
‫ي ‪ ،‬على قوم‬ ‫‪ ،‬حدثنا سعد بن طريف ‪ ،‬عن الصبغ بن نباته ‪ ،‬قال ‪ :‬مر عل ّ‬
‫يلعبون بالشطرنج ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ لن‬
‫يمس أحدكم جمًرا حتى يطفأ خير له من أن يمسها‪.‬‬
‫ن { ‪ :‬لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم‬ ‫دي َ‬ ‫عاب ِ ِ‬‫جد َْنا آَباَءَنا ل ََها َ‬ ‫} َقاُلوا وَ َ‬
‫َ‬ ‫الضلل ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬الكلم‬ ‫مِبي ٍ‬‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫م َوآَباؤُك ُ ْ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫قد ْ ك ُن ْت ُ ْ‬
‫مع آبائكم الذين احتججتم بصنيعهم كالكلم معكم ‪ ،‬فأنتم وهم في ضلل على‬
‫غير الطريق المستقيم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫حق ّ أ ْ‬‫جئ ْت ََنا ِبال َ‬‫فلما سفه أحلمهم ‪ ،‬وضلل آباءهم ‪ ،‬واحتقر آلهتهم } َقالوا أ ِ‬
‫قا‬
‫ن { يقولون )‪ : (3‬هذا الكلم الصادر عنك تقوله لعًبا أو مح ً‬ ‫َ‬
‫عِبي َ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫أن ْ َ‬
‫فيه ؟ فإنا لم نسمع به قبلك‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ربكم الذي ل‬ ‫َ‬
‫ذي فَطَرهُ ّ‬ ‫ّ‬
‫ض ال ِ‬ ‫ل َبل َرب ّك ُ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬‫م َر ّ‬
‫إله غيره ‪ ،‬هو الذي خلق السموات ]والرض[ )‪ (4‬وما حوت من المخلوقات‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫الذي ابتدأ خلقهن ‪ ،‬وهو الخالق لجميع الشياء } وَأَنا عََلى ذ َل ِك ُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬وأنا أشهد أنه ل إله غيره ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬ ‫دي َ‬
‫شاهِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪{ (57‬‬ ‫ري‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫لوا‬‫ّ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫} وتالل ّه لكيدن أ َصنامك ُم بعد أ َ‬
‫ُ ِْ ِ َ‬ ‫ََ ِ ِ َ ّ ْ َ َ ْ َْ َ ْ ُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في هـ ‪" :‬يذكر" والمثبت من ف‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬ل معرفة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف‪.‬‬
‫) ‪(5/348‬‬

‫ل هَ َ‬
‫ذا‬ ‫ن فَعَ َ‬ ‫م ْ‬‫ن )‪َ (58‬قاُلوا َ‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ي َْر ِ‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬‫ذاًذا إ ِّل ك َِبيًرا ل َهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م)‬ ‫هي ُ‬ ‫ه إ ِب َْرا ِ‬ ‫لل ُ‬ ‫قا ُ‬‫م يُ َ‬‫معَْنا فًَتى ي َذ ْكُرهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ن )‪َ (59‬قالوا َ‬ ‫مي َ‬‫ن الظال ِ ِ‬ ‫مْ َ‬‫هل ِ‬ ‫ب ِآل ِهَت َِنا إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت فَعَل ْ َ‬
‫ت‬ ‫ن )‪َ (61‬قاُلوا أأن ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫شهَ ُ‬‫م يَ ْ‬‫س ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬
‫َ‬
‫‪ََ (60‬قالوا فَأُتوا ب ِهِ عَلى أعْي ُ ِ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫سأُلوهُ ْ‬ ‫ذا َفا ْ‬ ‫م هَ َ‬‫ه ك َِبيُرهُ ْ‬ ‫ل فَعَل َ ُ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫م )‪َ (62‬قا َ‬ ‫هي ُ‬‫ذا ب ِآل ِهَت َِنا َيا إ ِب َْرا ِ‬ ‫هَ َ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫قو َ‬ ‫ي َن ْط ِ ُ‬

‫ل هَ َ‬
‫ذا‬ ‫ن فَعَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪َ (58‬قاُلوا َ‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ي َْر ِ‬‫م ل َعَل ّهُ ْ‬
‫ذاًذا ِإل ك َِبيًرا ل َهُ ْ‬ ‫ج َ‬‫م ُ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫} فَ َ‬
‫م)‬ ‫هي ُ‬
‫ه إ ِب َْرا ِ‬ ‫َ‬
‫لل ُ‬ ‫قا ُ‬
‫م يُ َ‬ ‫ُ‬
‫معَْنا فًَتى ي َذ ْكُرهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪َ (59‬قالوا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظال ِ ِ‬ ‫مْ َ‬ ‫َ‬
‫هل ِ‬ ‫ِبآل ِهَت َِنا إ ِن ّ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬‫ت فَعَل َ‬ ‫ن )‪َ (61‬قالوا أأن ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫شهَ ُ‬‫م يَ ْ‬‫س لعَلهُ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫‪َ (60‬قالوا فَأُتوا ب ِهِ عَلى أعْي ُ ِ‬
‫َ‬
‫كاُنوا‬‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫سأُلوهُ ْ‬ ‫ذا َفا ْ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ه ك َِبيُرهُ ْ‬ ‫ل فَعَل َ ُ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫م )‪َ (62‬قا َ‬ ‫هي ُ‬‫ذا ِبآل ِهَت َِنا َيا إ ِب َْرا ِ‬ ‫هَ َ‬
‫ن )‪.{ (63‬‬ ‫قو َ‬ ‫ي َن ْط ِ ُ‬
‫ما أسمعه بعض قومه ليكيدن أصنامهم ‪ ،‬أي ‪ :‬ليحرصن‬ ‫ثم أقسم الخليل قس ً‬
‫على أذاهم وتكسيرهم بعد أن يولوا )‪ (1‬مدبرين أي ‪ :‬إلى عيدهم‪ .‬وكان لهم‬
‫عيد يخرجون إليه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬تولو"‪.‬‬

‫) ‪(5/348‬‬

‫قال السدي ‪ :‬لما اقترب )‪ (1‬وقت ذلك العيد قال أبوه ‪ :‬يا بني ‪ ،‬لو خرجت‬
‫معنا إلى عيدنا لعجبك ديننا! فخرج معهم ‪ ،‬فلما كان ببعض الطريق ألقى‬
‫نفسه إلى الرض‪ .‬وقال ‪ :‬إني سقيم ‪ ،‬فجعلوا يمرون عليه وهو صريع ‪،‬‬
‫فيقولون ‪ :‬مه! فيقول ‪ :‬إني سقيم ‪ ،‬فلما جاز عامتهم وبقي ضعفاؤهم قال ‪:‬‬
‫} تالل ّه لكيد َ‬
‫م { فسمعه أولئك‪.‬‬ ‫مك ُ ْ‬‫صَنا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ِ ِ َ ّ‬
‫وقال أبو إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬لما خرج قوم‬
‫إبراهيم ‪ ،‬إلى عيدهم مروا عليه فقالوا ‪ :‬يا إبراهيم أل تخرج معنا ؟ قال ‪ :‬إني‬
‫ن ت ُوَّلوا‬ ‫َ‬ ‫سقيم‪ .‬وقد كان بالمس قال ‪ } :‬تالل ّه لكيد َ‬
‫م ب َعْد َ أ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫صَنا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ِ ِ َ ّ‬
‫ن { فسمعه ناس منهم‪.‬‬ ‫ري َ‬‫مد ْب ِ ِ‬
‫ُ‬
‫م { يعني ‪:‬‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬
‫ِ ً ُ ْ‬ ‫را‬ ‫بي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫إل‬ ‫ِ‬ ‫}‬ ‫كلها‬ ‫كسرها‬ ‫ما‬ ‫ً‬ ‫حطا‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ً‬
‫ذا‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ج‬ ‫م‬
‫َ َ ُ ْ ُ‬‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫ن { ] الصافات ‪:‬‬ ‫مي‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫با‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫را‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫عندهم‬ ‫إل الصنم الكبير‬
‫ِْ ْ َ ْ ً ِ َ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫‪.[93‬‬
‫ن { ذكروا أنه وضع القدوم في يد كبيرهم ‪،‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ي َْر ِ‬‫وقوله ‪ } :‬ل َعَل ّهُ ْ‬
‫غاَر لنفسه ‪ ،‬وأنف أن تعبد معه هذه الصنام‬ ‫لعلهم يعتقدون أنه هو الذي َ‬
‫الصغار ‪ ،‬فكسرها‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬حين رجعوا وشاهدوا ما‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫هل ِ‬ ‫ذا ِبآل ِهَت َِنا إ ِن ّ ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ن فَعَ َ‬ ‫م ْ‬‫} َقاُلوا َ‬
‫فعله الخليل بأصنامهم من الهانة والذلل الدال على عدم إلهيتها ‪ ،‬وعلى‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫ذا ِبآل ِهَت َِنا إ ِن ّ ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ن فَعَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سخافة عقول عابديها } َقاُلوا َ‬
‫في صنيعه هذا‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬قال من سمعه يحلف أنه‬ ‫هي ُ‬ ‫ه إ ِب َْرا ِ‬ ‫َ‬
‫لل ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ُ‬
‫معَْنا فًَتى ي َذ ْكُرهُ ْ‬ ‫س ِ‬‫} َقاُلوا َ‬
‫م{‬ ‫هي ُ‬ ‫ه إ ِب َْرا ِ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫م يُ َ‬‫معَْنا فًَتى { أي ‪ :‬شاًبا } ي َذ ْك ُُرهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ليكيدنهم ‪َ } :‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عوف ‪ ،‬حدثنا سعيد بن منصور ‪ ،‬حدثنا‬
‫جرير بن عبد الحميد ‪ ،‬عن قابوس ]عن أبيه[ )‪ ، (2‬عن ابن عباس قال ‪ :‬ما‬
‫بعث الله نبًيا إل شاًبا ‪ ،‬ول أوتي العلم عالم إل وهو شاب ‪ ،‬وتل هذه الية ‪:‬‬
‫م {‪.‬‬ ‫هي ُ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه إ ِب َْرا ِ‬ ‫قا ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫معَْنا فًَتى ي َذ ْك ُُرهُ ْ‬‫س ِ‬ ‫} َقاُلوا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫س { أي ‪ :‬على رءوس الشهاد في‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬قالوا فَأُتوا ب ِهِ عَلى أعْي ُ ِ‬
‫المل الكبر بحضرة الناس كلهم ‪ ،‬وكان هذا هو المقصود الكبر لبراهيم أن‬
‫يتبين )‪ (3‬في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم )‪ (4‬في عبادة‬
‫هذه الصنام التي ل تدفع عن نفسها ضًرا ‪ ،‬ول تملك )‪ (5‬لها نصًرا ‪ ،‬فكيف‬
‫يطلب منها شيء من ذلك ؟‪.‬‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫ذا { يعني ‪:‬‬ ‫م هَ َ‬ ‫َ‬ ‫ل فَعَل ُ‬
‫ه كِبيُرهُ ْ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫هي ُ‬ ‫ذا ِبآل ِهَت َِنا َيا إ ِب َْرا ِ‬ ‫ت هَ َ‬ ‫ت فَعَل ْ َ‬‫} َقاُلوا أأن ْ َ‬
‫َ‬
‫ن { وإنما أراد بهذا أن‬ ‫قو َ‬ ‫ن َ‬
‫كاُنوا ي َن ْط ِ ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫سأُلوهُ ْ‬ ‫الذي تركه لم يكسره } َفا ْ‬
‫يبادروا من تلقاء أنفسهم ‪ ،‬فيعترفوا أنهم ل ينطقون ‪ ،‬فإن هذا ل يصدر عن‬
‫هذا الصنم ‪ ،‬لنه جماد‪.‬‬
‫وفي الصحيحين من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن إبراهيم ‪ ،‬عليه‬
‫هَ‬
‫ل فَعَل ُ‬
‫السلم ‪ ،‬لم يكذب غير ثلث ‪ :‬ثنتين في ذات الله )‪ ، (6‬قوله ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫م { قال ‪" :‬وبينا هو يسير في أرض جبار من‬ ‫قي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ذا { وقوله } إ ِّني َ‬ ‫م هَ َ‬‫ك َِبيُرهُ ْ‬
‫الجبابرة ومعه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬قرب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يبين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬عقولهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬ول تستطيع"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كتاب"‪.‬‬

‫) ‪(5/349‬‬

‫سوا عََلى‬ ‫م ال ّ‬ ‫قاُلوا إنك ُ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫جُعوا إ َِلى أ َن ْ ُ‬


‫م ن ُك ِ ُ‬‫ن )‪ (64‬ث ُ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م أن ْت ُ ُ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫فََر َ‬
‫ما َل‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ل أفَت َعْب ُ ُ‬‫ن )‪َ (65‬قا َ‬ ‫قو َ‬ ‫ما هَؤَُلِء ي َن ْط ِ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م َ‬‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫م لَ َ‬‫سهِ ْ‬ ‫ُرُءو ِ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ب‬ ‫ع‬‫ت‬ ‫ما‬ ‫ل‬‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫(‬ ‫‪66‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ً‬
‫ئا‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َِ َ َُْ ُ َ ِ ْ ُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ َ ُ ّ ْ‬ ‫فعُك ْ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫)‪(67‬‬

‫سارة ‪ ،‬إذ نزل منزل فأتى الجبار رجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنه قد نزل بأرضك رجل معه‬
‫امرأة أحسن الناس ‪ ،‬فأرسل إليه فجاء ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذه المرأة منك ؟ قال ‪:‬‬
‫ي ‪ ،‬فانطلق إلى سارة فقال ‪ :‬إن هذا‬ ‫هي أختي‪ .‬قال ‪ :‬فاذهب فأرسل بها إل ّ‬
‫الجبار )‪ (1‬سألني عنك فأخبرته أنك أختي فل تكذبيني عنده ‪ ،‬فإنك أختي في‬
‫كتاب الله ‪ ،‬وأنه ليس في الرض مسلم غيري وغيرك ‪ ،‬فانطلق بها إبراهيم‬
‫ثم قام يصلي‪ .‬فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها ‪ ،‬فتناولها ‪ ،‬فأخذ أخ ً‬
‫ذا‬
‫دا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ادعي الله لي ول أضرك ‪ ،‬فدعت له فأرسل ‪ ،‬فأهوى إليها ‪،‬‬ ‫شدي ً‬
‫فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد‪ .‬ففعل ذلك الثالثة فأخذ ‪] ،‬فذكر[ )‪ (2‬مثل‬
‫المرتين الوليين )‪ (3‬فقال ادعي الله فل أضرك‪ .‬فدعت ‪ ،‬له فأرسل ‪ ،‬ثم دعا‬
‫أدنى حجابه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنك لم تأتني بإنسان ‪ ،‬وإنما )‪ (4‬أتيتني بشيطان ‪،‬‬
‫أخرجها وأعطها هاجر ‪ ،‬فأخرجت وأعطيت هاجر ‪ ،‬فأقبلت ‪ ،‬فلما أحس‬
‫مهَْيم ؟ قالت ‪ :‬كفى الله كيد‬ ‫إبراهيم بمجيئها انفتل من صلته ‪ ،‬قال )‪َ : (5‬‬
‫الكافر الفاجر ‪ ،‬وأخدمني هاجر" قال محمد بن سيرين )‪ (6‬وكان )‪ : (7‬أبو‬
‫هريرة إذا حدث بهذا الحديث قال ‪ :‬فتلك أمكم يا بني ماء السماء )‪(8‬‬
‫سوا عََلى‬ ‫م ال ّ‬ ‫قاُلوا إنك ُ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫جُعوا إ َِلى أ َن ْ ُ‬
‫م ن ُك ِ ُ‬ ‫ن )‪ (64‬ث ُ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م أن ْت ُ ُ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫} فََر َ‬
‫َ‬
‫ما ل‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ل أفَت َعْب ُ ُ‬ ‫ن )‪َ (65‬قا َ‬ ‫قو َ‬ ‫ؤلِء ي َن ْط ِ ُ‬ ‫ما هَ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫م لَ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ُرُءو ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫قلو َ‬ ‫ن اللهِ أَفل ت َعْ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م وَل ِ َ‬ ‫ف لك ُ ْ‬ ‫م )‪ (66‬أ ّ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬ ‫شي ًْئا َول ي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فعُك ُ ْ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫)‪.{ (67‬‬
‫جُعوا‬ ‫يقول تعالى مخبًرا )‪ (9‬عن قوم إبراهيم حين قال لهم ما قال ‪ } :‬فََر َ‬
‫م { أي ‪ :‬بالملمة في عدم احترازهم وحراستهم للهتهم ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫إ َِلى أ َن ْ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في ترككم لها مهملة ل حافظ عندها ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م أن ْت ُ ُ‬ ‫} إ ِن ّك ُ ْ‬
‫ما‬‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫م { أي ‪ :‬ثم أطرقوا في الرض فقالوا ‪ } :‬ل َ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫سوا عََلى ُرُءو ِ‬ ‫ن ُك ِ ُ‬
‫ت‬
‫م َ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { قال قتادة ‪ :‬أدركت القوم حيرة سوء فقالوا ‪ } :‬ل َ‬ ‫قو َ‬ ‫ؤلِء ي َن ْط ِ ُ‬ ‫هَ ُ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫ؤلِء ي َن ْط ِ ُ‬ ‫ما هَ ُ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬في الفتنة‪.‬‬ ‫سهِ ْ‬ ‫سوا عَلى ُرُءو ِ‬ ‫َ‬ ‫م ن ُك ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫وقال السدي ‪ } :‬ث ّ‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬أي في الرأي‪.‬‬
‫وقول قتادة أظهر في المعنى ؛ لنهم إنما فعلوا ذلك حيرة وعجًزا ؛ ولهذا‬
‫ن { ‪ ،‬فكيف تقول لنا ‪ :‬سلوهم إن‬ ‫قو َ‬ ‫ؤلِء ي َن ْط ِ ُ‬ ‫ما هَ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫قالوا له ‪ } :‬ل َ َ‬
‫كانوا ينطقون ‪ ،‬وأنت تعلم أنها ل تنطق فعندها قال لهم إبراهيم لما اعترفوا‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬إذا‬ ‫ضّرك ُ ْ‬ ‫شي ًْئا َول ي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فعُك ُ ْ‬ ‫ما ل ي َن ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫بذلك ‪ } :‬أفَت َعْب ُ ُ‬
‫كانت ل تنطق )‪ ، (10‬وهي ل تضر ول تنفع ‪ ،‬فلم تعبدونها من دون الله‪.‬‬
‫َ‬ ‫} أُ ّ‬
‫ن{‬ ‫قُلو َ‬ ‫ن الل ّهِ أَفل ت َعْ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م وَل ِ َ‬ ‫ف ل َك ُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬الجبار قد سألني"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬والسنن‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الولتين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬ولكنك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إدريس"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫)‪ (8‬لم أجده في الصحيحين من طريق هشام بن حسان وإنما هو في‬
‫السنن ‪ :‬فرواه أبو داود في السنن برقم )‪ (2212‬من طريق عبد الوهاب‬
‫الثقفي عن هشام بن حسان‪ .‬ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪ (8374‬من طريق أبي أسامة عن هشام بن حسان‪ .‬وهو في الصحيحين من‬
‫طريق أيوب عن محمد بن سيرين ؛ صحيح البخاري برقم )‪ ، (5084‬وصحيح‬
‫مسلم برقم )‪.(2371‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يخبر تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬كان ل ينطق"‪.‬‬

‫) ‪(5/350‬‬

‫ن )‪ (68‬قُل َْنا َيا َناُر ُ‬ ‫َ‬ ‫َقاُلوا َ‬


‫كوِني ب َْرًدا‬ ‫م َفا ِ‬
‫عِلي َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬‫صُروا آل ِهَت َك ُ ْ‬‫حّرُقوه ُ َوان ْ ُ‬
‫َ‬
‫م اْل ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫ري َ‬
‫س ِ‬ ‫خ َ‬ ‫جعَل َْناهُ ُ‬
‫دا فَ َ‬‫م )‪ (69‬وَأَراُدوا ب ِهِ ك َي ْ ً‬ ‫ما عََلى إ ِب َْرا ِ‬
‫هي َ‬ ‫سَل ً‬
‫وَ َ‬
‫أي ‪ :‬أفل تتدبرون ما أنتم فيه من الضلل والكفر الغليظ ‪ ،‬الذي ل يروج إل‬
‫على جاهل ظالم فاجر ؟ فأقام عليهم الحجة ‪ ،‬وألزمهم بها ؛ ولهذا قال تعالى‬
‫مهِ { الية ] النعام ‪.[83 :‬‬ ‫م عََلى قَوْ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ها إ ِب َْرا ِ‬‫جت َُنا آت َي َْنا َ‬
‫ح ّ‬ ‫ك ُ‬ ‫‪ } :‬وَت ِل ْ َ‬
‫كوِني ب َْرًدا‬ ‫ن )‪ (68‬قُل َْنا َيا َناُر ُ‬ ‫عِلي َ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫م إِ ْ‬ ‫صُروا آل ِهَت َك ُ ْ‬ ‫حّرُقوه ُ َوان ْ ُ‬ ‫} َقاُلوا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (70‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬
‫خ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫جعَل َْناهُ ُ‬‫دا فَ َ‬ ‫م )‪ (69‬وَأَراُدوا ب ِهِ ك َي ْ ً‬ ‫هي َ‬ ‫ما عََلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫سل ً‬ ‫وَ َ‬
‫حضت حجتهم ‪ ،‬وبان عجزهم ‪ ،‬وظهر الحق ‪ ،‬واندفع الباطل ‪ ،‬عدلوا إلى‬ ‫لما د َ َ‬
‫ن{‬ ‫عِلي َ‬‫م َفا ِ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫م إِ ْ‬‫صُروا آل ِهَت َك ُ ْ‬ ‫حّرُقوه ُ َوان ْ ُ‬ ‫استعمال جاه ملكهم ‪ ،‬فقالوا ‪َ } :‬‬
‫دا ‪ -‬قال السدي ‪ :‬حتى إن كانت المرأة تمرض ‪ ،‬فتنذر‬ ‫فجمعوا حطًبا كثيًرا ج ً‬
‫وبة من الرض ‪،‬‬ ‫ج ْ‬
‫إن عوفيت أن تحمل حطًبا لحريق إبراهيم ‪ -‬ثم جعلوه في َ‬
‫وأضرموها ناًرا ‪ ،‬فكان لها شرر عظيم ولهب مرتفع ‪ ،‬لم توقد قط نار )‪(1‬‬
‫مثلها ‪ ،‬وجعلوا إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في كفة المنجنيق بإشارة رجل من‬
‫شَعيب الجبائي ‪ :‬اسمه هيزن ‪ -‬فخسف الله‬ ‫أعراب فارس من الكراد ‪ -‬قال ُ‬
‫به الرض ‪ ،‬فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ‪ ،‬فلما ألقوه قال ‪" :‬حسبي الله‬
‫ونعم الوكيل" ‪ ،‬كما رواه البخاري ‪ ،‬عن ابن عباس أنه قال ‪" :‬حسبي )‪ (2‬الله‬
‫ونعم الوكيل" قالها إبراهيم حين ألقي في النار ‪ ،‬وقالها )‪ (3‬محمد حين‬
‫هّ‬
‫سب َُنا الل ُ‬
‫ح ْ‬‫ماًنا وََقاُلوا َ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫م فََزاد َهُ ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫مُعوا ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬‫س قَد ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫قالوا ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ل { ] آل عمران ‪.(4) [173 :‬‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬ ‫وَن ِعْ َ‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا ابن هشام ‪ ،‬حدثنا إسحاق )‪ (5‬بن سليمان ‪،‬‬
‫عن أبي جعفر ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما ألقي إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في النار‬
‫قال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إنك في السماء واحد ‪ ،‬وأنا في الرض واحد أعبدك" )‪.(6‬‬
‫ويروى أنه لما جعلوا يوثقونه قال ‪ :‬ل إله إل أنت سبحانك لك الحمد ‪ ،‬ولك‬
‫الملك ‪ ،‬ل شريك لك )‪.(7‬‬
‫وقال شعيب الجبائي ‪ :‬كان عمره ست عشرة سنة‪ .‬فالله أعلم‪.‬‬
‫وذكر بعض السلف أنه عرض له جبريل وهو في الهواء ‪ ،‬فقال ‪ :‬ألك حاجة ؟‬
‫فقال ‪ :‬أما إليك فل ]وأما من الله فبلى[ )‪.(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" ،‬نار قط"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬حسبنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪(4563‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو إسحاق"‪.‬‬
‫)‪ (6‬ورواه البزار في مسنده برقم )‪" (2349‬كشف الستار" وأبو نعيم في‬
‫الحلية )‪ (1911‬والخطيب في تاريخ بغداد )‪ (10/346‬من طريق أبي هشام‬
‫الرفاعي به‪ .‬وقال البزار ‪" :‬ل نعلم رواه عن عاصم إل أبا جعفر ‪ ،‬ول عنه إل‬
‫إسحاق ‪ ،‬ولم نسمعه إل من أبي هشام" قلت ‪ :‬عاصم بن عمر بن حفص‬
‫متكلم فيه‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه الطبري في تفسيره كما في الدار المنثور )‪ (5/642‬عن أرقم‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف‪.‬‬

‫) ‪(5/351‬‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫ضا ‪ -‬قال ‪ :‬لما ألق َ‬ ‫وقال سعيد بن جبير ‪ -‬ويروى )‪ (1‬عن ابن عباس أي ً‬
‫إبراهيم جعل خازن المطر يقول ‪ :‬متى أومر بالمطر فأرسله ؟ قال ‪ :‬فكان )‬
‫كوِني ب َْرًدا‬ ‫‪ (2‬أمر الله أسرع من أمره ‪ ،‬قال الله ‪] :‬عز وجل[ )‪َ } (3‬يا َناُر ُ‬
‫م { قال ‪ :‬لم )‪ (4‬يبق نار في الرض إل طفئت‪.‬‬ ‫هي َ‬ ‫ما عََلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫سل ً‬‫وَ َ‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬لم ينتفع ]أحد[ )‪ (5‬يومئذ بنار ‪ ،‬ولم تحرق النار من‬
‫إبراهيم سوى وثاقه‪.‬‬
‫ْ‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن شيخ ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب ‪ } :‬قُلَنا َيا‬
‫ت عليه حتى كادت تقتله ‪،‬‬ ‫م { ]قال ‪ :‬ب ََرد َ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ما عََلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫سل ً‬ ‫كوِني ب َْرًدا وَ َ‬ ‫َناُر ُ‬
‫ما { [ )‪ ، (6‬قال ‪ :‬ل تضّريه‪.‬‬ ‫سل ً‬ ‫حتى قيل ‪ } :‬وَ َ‬
‫ما { لذى‬ ‫سل ً‬ ‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وأبو العالية ‪ :‬لول أن الله عز وجل قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫إبراهيم ب َْرُدها‪.‬‬
‫م { قال ‪:‬‬ ‫هي َ‬ ‫َ‬
‫ما عَلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫سل ً‬ ‫ُ‬
‫ويبر ‪ ،‬عن الضحاك ‪ } :‬كوِني ب َْرًدا وَ َ‬ ‫ج َ‬‫وقال ُ‬
‫جْزل ‪ ،‬وأشعلوا فيه النار من كل جانب ‪ ،‬فأصبح‬ ‫حطب َ‬ ‫َ‬ ‫صنعوا له حظيرة من َ‬
‫صبه منها شيء حتى أخمدها الله ‪ -‬قال ‪ :‬ويذكرون أن جبريل كان معه‬ ‫ولم ي ِ‬
‫صْبه منها شيء غيُر ذلك‪.‬‬ ‫يمسح وجهه من العرق ‪ ،‬فلم ي ُ ِ‬
‫وقال السدي ‪ :‬كان معه فيها ملك الظل‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا يوسف بن موسى ‪،‬‬
‫من َْهال بن عمرو قال ‪:‬‬ ‫مْهران ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن ال ِ‬ ‫حدثنا ِ‬
‫أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان )‪ (7‬فيها إما خمسين وإما‬
‫شا إذ كنت فيها ‪ ،‬وددت أن‬ ‫ما وليالي قط أطيب عي ً‬ ‫أربعين ‪ ،‬قال ‪ :‬ما كنت أيا ً‬
‫عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها‪.‬‬
‫عة بن عمرو بن جرير ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬إن أحسن ]شيء[‬ ‫وقال أبو ُزْر َ‬
‫)‪ (8‬قال أبو إبراهيم ‪ -‬لما رفع عنه الطبق وهو في النار ‪ ،‬وجده يرش جبينه ‪-‬‬
‫ب ربك يا إبراهيم‪.‬‬ ‫م الر ّ‬ ‫قال عند ذلك ‪ :‬نعْ َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬لم يأت يومئذ دابة إل أطفأت عنه النار ‪ ،‬إل الوََزغ ‪ -‬وقال‬
‫قا )‪.(9‬‬ ‫الزهري ‪ :‬أمر النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬بقتله وسماه فويس ً‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ‪ ،‬حدثني عمي ‪،‬‬
‫حدثنا جرير بن حازم ‪ ،‬أن نافًعا حدثه قال ‪ :‬حدثتني مولة )‪ (10‬الفاكه بن‬
‫المغيرة المخزومي قالت ‪ :‬دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحا‪ .‬فقلت ‪:‬‬
‫يا أم المؤمنين ‪ ،‬ما تصنعين بهذا الرمح ؟ فقالت ‪ :‬نقتل به هذه الوزاغ ‪ ،‬إن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن إبراهيم حين ألقي في النار ‪ ،‬لم‬
‫يكن )‪ (11‬في الرض دابة إل تطفئ النار ‪ ،‬غير الوََزغ ‪ ،‬فإنه كان ينفخ على‬
‫إبراهيم" ‪ ،‬فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله )‪.(12‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وروي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (9‬جاء من حديث أم شريك ‪ :‬رواه البخاري برقم )‪ (3307‬ومسلم في‬
‫صحيحه برقم )‪.(2237‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثني موله"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ف ‪" :‬تكن"‬
‫)‪ (12‬ورواه أحمد في المسند )‪ (109 ، 6/83‬وابن ماجه في السنن برقم )‬
‫‪ (3231‬من طريق نافع عن سائبة مولة الفاكه به‪.‬‬

‫) ‪(5/352‬‬

‫َْ‬
‫ق‬
‫حا َ‬
‫س َ‬ ‫ن )‪ (71‬وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫ض ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها ل ِل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ُ ً َ‬
‫جي َْناه ُ وَلوطا إ ِلى الْر ِ‬ ‫وَن َ ّ‬
‫ن )‪(72‬‬ ‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا َ‬ ‫ّ‬
‫ة وَك ُل َ‬ ‫َ‬
‫ب َنافِل ً‬
‫قو َ‬
‫وَي َعْ ُ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬المغلوبين السفلين ؛‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬
‫خ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫جعَل َْناهُ ُ‬ ‫دا فَ َ‬‫وقوله ‪ } :‬وَأَراُدوا ب ِهِ ك َي ْ ً‬
‫لنهم أرادوا بنبي الله كيدا ‪ ،‬فكادهم الله ونجاه من النار ‪ ،‬فغلبوا هنالك‪.‬‬
‫ي إبراهيم في النار ‪ ،‬جاء ملكهم لينظر إليه‬ ‫ق َ‬ ‫وقال عطية العوفي ‪ :‬لما أل ِ‬
‫فطارت شرارة فوقعت على إبهامه ‪ ،‬فأحرقته مثل الصوفة‪.‬‬
‫حاقَ‬‫س َ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (71‬وَوَهَب َْنا ل ُ‬ ‫ض ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها ل ِل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ُ ً َ‬
‫جي َْناه ُ وَلوطا إ ِلى الْر ِ‬ ‫} وَن َ ّ‬
‫ن )‪{ (72‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا َ‬ ‫كل َ‬ ‫ة وَ ُ‬ ‫َ‬
‫ب َنافِل ً‬
‫قو َ‬ ‫وَي َعْ ُ‬

‫) ‪(5/353‬‬

‫صَلةِ وَِإيَتاَء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وجعل ْناهُ َ‬


‫م ال ّ‬ ‫ت وَإ َِقا َ‬‫خي َْرا ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫م فِعْ َ‬‫حي َْنا إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫مرَِنا وَأوْ َ‬ ‫ن ب ِأ ْ‬‫دو َ‬ ‫ة ي َهْ ُ‬ ‫م ً‬‫م أئ ِ ّ‬ ‫َ َ َ َ ْ‬
‫ة‬
‫قْري َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الّز َ‬
‫م َ‬ ‫جي َْناه ُ ِ‬
‫ما وَن َ ّ‬‫عل ً‬ ‫ما وَ ِ‬ ‫حك ً‬ ‫ن )‪ (73‬وَلوطا آت َي َْناه ُ ُ‬ ‫دي َ‬‫عاب ِ ِ‬ ‫كاةِ وَكاُنوا لَنا َ‬
‫خل َْناه ُ ِفي‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ال ِّتي َ‬
‫ن )‪ (74‬وَأد ْ َ‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫سوٍْء َفا ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاُنوا قَوْ َ‬ ‫ث إ ِن ّهُ ْ‬‫خَبائ ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ت َعْ َ‬ ‫كان َ ْ‬
‫ن )‪(75‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫مت َِنا إ ِن ّ ُ‬‫ح َ‬
‫َر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫} وجعل ْناهُ َ‬
‫صلةِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ت وَإ َِقا َ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫م فِعْ َ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫مرَِنا وَأوْ َ‬ ‫ن ب ِأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ة ي َهْ ُ‬ ‫م ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫َ َ َ َ ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫جي َْناه ُ ِ‬‫ما وَن َ ّ‬ ‫ْ‬
‫عل ً‬ ‫ما وَ ِ‬ ‫حك ً‬‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (73‬وَلوطا آت َي َْناه ُ ُ‬ ‫دي َ‬ ‫عاب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫كاةِ وَكاُنوا لَنا َ‬ ‫َ‬ ‫وَِإيَتاَء الّز َ‬
‫َ‬
‫خل َْناهُ‬‫ن )‪ (74‬وَأد ْ َ‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫سوٍْء َفا ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاُنوا قَوْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ث إ ِن ّهُ ْ‬
‫خَبائ ِ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م ُ‬‫ت ت َعْ َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫قْري َةِ ال ِّتي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن )‪.{ (75‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫مت َِنا إ ِن ّ ُ‬
‫ح َ‬
‫ِفي َر ْ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن إبراهيم ‪ ،‬أنه سلمه الله من نار قومه ‪ ،‬وأخرجه من‬
‫بين أظهرهم مهاجًرا إلى بلد الشام ‪ ،‬إلى الرض المقدسة منها ‪ ،‬كما قال‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫ي بن كعب في قوله ‪ } :‬إ ِلى الْر ِ‬ ‫الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أب ّ‬
‫ن { قال ‪ :‬الشام ‪ ،‬وما من ماء عذب إل يخرج من‬ ‫مي َ‬ ‫ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها ل ِل َْعال َ ِ‬
‫تحت الصخرة‪.‬‬
‫ضا‪.‬‬ ‫وكذا قال أبو العالية أي ً‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان بأرض العراق ‪ ،‬فأنجاه الله إلى الشام ‪] ،‬وكان يقال‬
‫للشام ‪ :‬عماد دار الهجرة ‪ ،‬وما نقص من الرض زيد في الشام[ )‪ (1‬وما‬
‫نقص من الشام زيد في فلسطين‪ .‬وكان يقال ‪ :‬هي أرض المحشر‬
‫والمنشر ‪ ،‬وبها ينزل عيسى ابن مريم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وبها يهلك المسيح‬
‫الدجال‪.‬‬
‫ن { إلى‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض الِتي َباَركَنا ِفيَها ل ِلَعال ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وقال كعب الحبار في قوله ‪ } :‬إ ِلى الْر ِ‬
‫حران‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬انطلق إبراهيم ولوط قَِبل الشام ‪ ،‬فلقي إبراهيم سارة ‪ ،‬وهي‬
‫ابنة ملك حران ‪ ،‬وقد طعنت على قومها في دينهم ‪ ،‬فتزوجها على أل يغيرها‪.‬‬
‫رواه ابن جرير ‪ ،‬وهو غريب ]والمشهور أنها ابنة عمه ‪ ،‬وأنه خرج بها مهاجًرا‬
‫من بلده[ )‪.(2‬‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أوّل ب َي ْ ٍ‬ ‫وقال الَعوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬إلى مكة ؛ أل تسمع قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن { ] آل عمران ‪.[96 :‬‬ ‫مي َ‬‫دى ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫كا وَهُ ً‬ ‫مَباَر ً‬‫ة ُ‬ ‫ذي ب ِب َك ّ َ‬ ‫س ل َل ّ ِ‬
‫ضعَ ِللّنا ِ‬
‫وُ ِ‬
‫ة { قال عطاء ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬عطية‪.‬‬ ‫ب َنافِل َ ً‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬‫ه إِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫عيينة ‪ :‬النافلة ولد الولد ‪ ،‬يعني ‪ :‬أن‬ ‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والحكم بن ُ‬
‫ق‬
‫حا َ‬‫س َ‬ ‫ن وََراِء إ ِ ْ‬
‫م ْ‬
‫حاقَ وَ ِ‬
‫س َ‬
‫ها ب ِإ ِ ْ‬
‫شْرَنا َ‬ ‫يعقوب ولد إسحاق ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬فَب َ ّ‬
‫ب { ] هود ‪.[71 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫ي َعْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف‪.‬‬

‫) ‪(5/353‬‬

‫َ‬
‫ظيم ِ )‪(76‬‬ ‫ب ال ْعَ ِ‬
‫ن ال ْك َْر َِ‬
‫م َ‬‫ه ِ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل َ ُ‬
‫ه فَن َ ّ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ست َ َ‬ ‫ل َفا ْ‬‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬‫حا إ ِذ ْ َناَدى ِ‬
‫وَُنو ً‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫مأ ْ‬‫سوٍْء فأغَرقَناهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م كاُنوا قوْ َ‬ ‫ن كذ ُّبوا ب ِآَيات َِنا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫قوْم ِ ال ِ‬‫ن ال َ‬
‫م َ‬
‫صْرَناه ُ ِ‬ ‫وَن َ َ‬
‫)‪(77‬‬

‫ن‬
‫م َ‬ ‫ب ِلي ِ‬ ‫ب هَ ْ‬ ‫دا فقال ‪َ } :‬ر ّ‬ ‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬سأل واح ً‬
‫ن { ] الصافات ‪ ، [100 :‬فأعطاه الله إسحاق وزاده يعقوب نافلة‪.‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ة{‬ ‫م ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م أئ ِ ّ‬ ‫جعَلَناهُ ْ‬ ‫ن { أي ‪ :‬الجميع أهل خير وصلح ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫جعَلَنا َ‬ ‫} وَكل َ‬
‫مرَِنا { أي ‪ :‬يدعون إلى الله بإذنه ؛ ولهذا قال ‪:‬‬ ‫َ‬
‫ن ب ِأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫أي ‪ :‬يقتدي بهم ‪ } ،‬ي َهْ ُ‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫صلةِ وَِإيَتاَء الّزكاةِ { من باب عطف‬ ‫َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫َ‬
‫ت وَإ ِقا َ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫م فِعْ َ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫} وَأوْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فاعلين لما يأمرون الناس به‪.‬‬ ‫دي َ‬ ‫عاب ِ ِ‬ ‫كاُنوا ل ََنا َ‬ ‫الخاص على العام ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ثم عطف بذكر لوط ‪ -‬وهو لوط بن هاران بن آزر ‪ -‬كان قد آمن بإبراهيم ‪،‬‬
‫جٌر إ َِلى‬ ‫مَها ِ‬ ‫ل إ ِّني ُ‬ ‫ط وََقا َ‬ ‫ه ُلو ٌ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫واتبعه ‪ ،‬وهاجر معه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬فآ َ‬
‫ما ‪ ،‬وأوحى إليه ‪ ،‬وجعله نبًيا ‪،‬‬ ‫ما وعل ً‬ ‫َرّبي { ]العنكبوت ‪ ، [26 :‬فآتاه الله حك ً‬
‫مر عليهم ‪،‬‬ ‫م وأعمالها ‪ ،‬فخالفوه وكذبوه ‪ ،‬فأهلكهم الله ود َ ّ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫وبعثه إلى َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫جي َْناه ُ ِ‬ ‫كما قص خبرهم في غير موضع من كتابه العزيز ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَن َ ّ‬
‫خلَناه ُ ِفي‬ ‫ْ‬ ‫ن * وَأ َد ْ َ‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫سوٍْء َفا ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاُنوا قَوْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ث إ ِن ّهُ ْ‬ ‫خَبائ ِ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ت َعْ َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫قْري َةِ ال ِّتي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫مت َِنا إ ِن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظيم ِ )‪(76‬‬ ‫ب العَ ِ‬ ‫ن الكْر َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل ُ‬ ‫ه فَن َ ّ‬ ‫جب َْنا ل ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ل َفا ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حا إ ِذ ْ َناَدى ِ‬ ‫} وَُنو ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫سوٍْء فَأغَْرقَْناهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م كاُنوا قَوْ َ‬ ‫ن كذ ُّبوا ِبآَيات َِنا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوْم ِ ال ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫صْرَناه ُ ِ‬ ‫وَن َ َ‬
‫)‪.{ (77‬‬
‫يخبر تعالى عن استجابته لعبده ورسوله نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين دعا على‬
‫عا رب َ‬
‫صْر { ] القمر ‪ } ، [10 :‬وََقالَ‬ ‫ب َفان ْت َ ِ‬ ‫مغُْلو ٌ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫قومه لما كذبوه ‪ } :‬فَد َ َ َ ّ ُ‬
‫عَباد َ َ‬
‫ك‬ ‫ضّلوا ِ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ن ت َذ َْرهُ ْ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫ن د َّياًرا‪ .‬إ ِن ّ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ب ل ت َذ َْر عَلى الْر ِ‬
‫َ‬ ‫ح َر ّ‬ ‫ُنو ٌ‬
‫فاًرا { ]نوح ‪ ، [27 ، 26 :‬ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬إ ِذ ْ َناَدى‬ ‫جًرا ك َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫إل‬ ‫َول َ ِ ُ ِ‬
‫دوا‬ ‫ل‬ ‫ي‬
‫َ‬
‫ه { أي ‪ :‬الذين آمنوا به كما قال ‪:‬‬ ‫جي َْناه ُ )‪ (1‬وَأهْل َ ُ‬ ‫ه فَن َ ّ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ل َفا ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ل { ]هود ‪:‬‬ ‫ه ِإل قَِلي ٌ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫إل‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫}‬
‫َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ َ ْ َ َ َ‬
‫‪.[40‬‬
‫ظيم ِ { أي ‪ :‬من الشدة والتكذيب والذى ‪ ،‬فإنه لبث‬ ‫ب العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن الك َْر ِ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬‬
‫ما يدعوهم إلى الله عز وجل ‪ ،‬فلم يؤمن به‬ ‫فيهم ألف سنة إل خمسين عا ً‬
‫منهم إل القليل ‪ ،‬وكانوا يقصدون لذاه )‪ (2‬ويتواصون قرًنا بعد قرن ‪ ،‬وجيل‬
‫بعد جيل على خلفه‪.‬‬
‫قوْم ِ { أي ‪ :‬ونجيناه وخلصناه منتصًرا من القوم‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫صْرَناه ُ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَن َ َ‬
‫َ‬ ‫كانوا قَوم سوٍء فَأ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أهلكهم‬ ‫عي‬‫م‬ ‫ج‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫نا‬
‫َ َ ُ ْ ْ َ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ْ َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِ َ ِ َ ِ ّ ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫بآ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫دا ؛ إذ )‪ (3‬دعا عليهم نبيهم‪.‬‬ ‫ق على وجه الرض منهم أح ً‬ ‫الله بعامة ‪ ،‬ولم ي ُب ْ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ونجيناه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ :‬أذاه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬كما"‪.‬‬

‫) ‪(5/354‬‬

‫قوْم ِ وَك ُّنا‬ ‫م ال ْ َ‬‫ت ِفيهِ غَن َ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ث إ ِذ ْ ن َ َ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫ن إ ِذ ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫وََداُوود َ وَ ُ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ ِ‬
‫خْرَنا َ‬ ‫س ّ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫عل ً‬ ‫ما وَ ِ‬ ‫حك ً‬ ‫ن وَكل آت َي َْنا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬ ‫ها ُ‬ ‫مَنا َ‬‫فهّ ْ‬ ‫ن )‪ (78‬ف َ‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫لِ ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة لُبو ٍ‬ ‫صن ْعَ َ‬‫مَناه ُ َ‬ ‫ن )‪ (79‬وَعَل ْ‬ ‫عِلي َ‬ ‫ن َوالطي َْر وَكّنا فا ِ‬
‫َ‬
‫ح َ‬ ‫سب ّ ْ‬‫جَبال ي ُ َ‬
‫ْ‬
‫َداُوود َ ال ِ‬
‫ري‬‫ج ِ‬‫ة تَ ْ‬ ‫ف ً‬‫ص َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّري َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫سلي ْ َ‬ ‫ن )‪ (80‬وَل ِ ُ‬ ‫شاك ُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م فهَل أن ْت ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سك ْ‬‫ُ‬ ‫ن ب َأ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صن َك ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل ِت ُ ْ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫مي‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬‫ي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫با‬ ‫تي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ ِ ِ َ‬ ‫ْ ِ ِ َ َ َ ِ َ َ ّ ِ‬ ‫م ِ ِ ِ‬
‫إ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ب ِأ ْ‬

‫قوْم ِ وَك ُّنا‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ت ِفيهِ غَن َ ُ‬ ‫ف َ‬


‫ش ْ‬ ‫ث إ ِذ ْ ن َ َ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫حك ُ َ‬
‫ن إ ِذ ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫} وََداوُد َ وَ ُ‬
‫ع‬
‫م َ‬‫خْرَنا َ‬ ‫س ّ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫ْ‬
‫عل ً‬ ‫ما وَ ِ‬ ‫ْ‬
‫حك ً‬ ‫ُ‬
‫ن وَكل آت َي َْنا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬‫َ‬ ‫ها ُ‬ ‫مَنا َ‬ ‫فهّ ْ‬ ‫ن )‪ (78‬فَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مهِ ْ‬‫حك ْ ِ‬ ‫لِ ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫س لك ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن َوالطي َْر وَكّنا َفا ِ‬ ‫ّ‬ ‫جَبا َ‬ ‫ْ‬
‫ة لُبو ٍ‬ ‫صن ْعَ َ‬‫مَناه ُ َ‬ ‫ن )‪ (79‬وَعَل ْ‬ ‫عِلي َ‬
‫َ‬
‫ح َ‬‫سب ّ ْ‬
‫ْ‬
‫ل يُ َ‬ ‫َداوُد َ ال ِ‬
‫ري‬‫ج ِ‬‫ة تَ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫ص َ‬‫عا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّري َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫سلي ْ َ‬ ‫ن )‪ (80‬وَل ِ ُ‬ ‫شاك ُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م فهَ ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن ب َأ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صن َك ُ ْ‬‫ح ِ‬ ‫ل ِت ُ ْ‬
‫ن )‪{ (81‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ض الِتي َباَركَنا ِفيَها وَكّنا ب ِكل َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫عال ِ ِ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫مرِهِ إ ِلى الْر ِ‬ ‫ب ِأ ْ‬

‫) ‪(5/355‬‬

‫ن)‬
‫ظي َ‬
‫حافِ ِ‬ ‫ك وَك ُّنا ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫مًل ُدو َ‬
‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه وَي َعْ َ‬ ‫صو َ‬
‫ن ي َُغو ُ‬
‫م ْ‬
‫ن َ‬
‫طي ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫شَيا ِ‬ ‫م َ‬
‫وَ ِ‬
‫‪(82‬‬

‫ن‬
‫ظي َ‬
‫حافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك وَك ُّنا ل َهُ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬‫مل ُدو َ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه وَي َعْ َ‬ ‫صو َ‬ ‫ن ي َُغو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬‫طي ِ‬
‫شَيا ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫} وَ ِ‬
‫)‪.{ (82‬‬
‫ما قد‬ ‫مّرة ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ :‬كان ذلك الحرث كر ً‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ ،‬عن ُ‬
‫شَرْيح‪.‬‬ ‫ت عناقيده‪ .‬وكذا قال ُ‬ ‫ن َب َت َ ْ‬
‫ش ‪ :‬الرعي‪.‬‬ ‫ف ُ‬ ‫قال ابن عباس ‪ :‬الن ّ ْ‬
‫ل بالنهار‪.‬‬ ‫م ُ‬ ‫ش بالليل‪ .‬زاد قتادة ‪ :‬والهَ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شَريح ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬الن ّ ْ‬ ‫وقال ُ‬
‫س الصم قال حدثنا‬ ‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو ك َُرْيب وهارون بن إدري َ‬
‫مّرة ‪ ،‬عن ابن مسعود في‬ ‫المحاربي ‪ ،‬عن أشعت ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن ُ‬
‫قوْم ِ {‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ت ِفيهِ غَن َ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ف َ‬‫ث إ ِذ ْ ن َ َ‬‫حْر ِ‬‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫ما ِ‬‫حك ُ َ‬‫ن إ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ما َ‬‫سل َي ْ َ‬
‫قوله ‪ } :‬وََداوُد َ وَ ُ‬
‫قال ‪ :‬كرم قد أنبتت عناقيده ‪ ،‬فأفسدته‪ .‬قال ‪ :‬فقضى داود بالغََنم لصاحب‬
‫الك َْرم ‪ ،‬فقال سليمان ‪ :‬غيُر هذا يا نبي الله! قال ‪ :‬وما ذاك ؟ قال ‪ :‬تدفع‬
‫الكرم إلى صاحب الغنم ‪ ،‬فيقوم عليه حتى يعود كما كان ‪ ،‬وتدفع الغنم إلى‬
‫صاحب الكرم فُيصيب منها حتى إذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم إلى‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ها ُ‬ ‫مَنا َ‬‫فهّ ْ‬ ‫صاحبه ‪ ،‬ودفعت الغنم إلى صاحبها ‪ ،‬فذلك قوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬ ‫وهكذا روى العَ ْ‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬حدثنا )‪ (1‬خليفة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫قال ‪ :‬فحكم )‪ (2‬داود بالغنم لصحاب الحرث ‪ ،‬فخرج الّرعاء معهم الكلب ‪،‬‬
‫فقال لهم سليمان ‪ :‬كيف قضى بينكم ؟‬
‫ت بغير هذا! فأخبر بذلك داود ‪ ،‬فدعاه‬ ‫فأخبروه ‪ ،‬فقال ‪ :‬لو وليت أمركم لقضي ُ‬
‫فقال ‪ :‬كيف تقضي بينهم ؟ قال )‪ (3‬أدفع الغنم إلى صاحب الحرث ‪ ،‬فيكون‬
‫ل‬‫ذر أصحاب الغنم لهل الحرث مث َ‬ ‫له أولدها وألبانها وسلؤها ومنافعها ويب ُ‬
‫ث وردوا‬ ‫حرثهم ‪ ،‬فإذا بلغ الحرث الذي كان عليه أخذ أصحاب الحرث الحر َ‬
‫الغنم إلى أصحابها‪.‬‬
‫خد َْيج ‪ ،‬عن‬‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫مّرة ‪ ،‬عن مسروق قال ‪ :‬الحرث الذي نفشت فيه الغنم‬ ‫أبي إسحاق ‪ ،‬عن ُ‬
‫دع فيه ورقة ول عنقوًدا من عنب إل‬ ‫إنما كان كرما نفشت فيه الغنم ‪ ،‬فلم ت َ َ‬
‫أكلته ‪ ،‬فأتوا داود ‪ ،‬فأعطاهم رقابها ‪ ،‬فقال سليمان ‪ :‬ل بل تؤخذ الغنم‬
‫ل الكرم ‪ ،‬فيكون لهم لبنها ونفعها ‪ ،‬ويعطى أهل الغنم الكرم‬ ‫فيعطاها )‪ (4‬أه ُ‬
‫فشت فيه الغنم ‪ ،‬ثم‬ ‫فيصلحوه ويعمروه )‪ (5‬حتى يعود كالذي كان ليلة ن َ َ‬
‫طى أهل الغنم غنمهم ‪ ،‬وأهل الكرم كرمهم‪.‬‬ ‫ُيع َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬حدثني"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قضى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬فتعطى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬فيعمره ويصلحوه"‪.‬‬

‫) ‪(5/355‬‬

‫مّرة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد وغير واحد‪.‬‬ ‫شَريح ‪ ،‬و ُ‬ ‫وهكذا قال ُ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن أبي زياد ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أنبأنا إسماعيل ‪،‬‬
‫شَريح ‪ ،‬فقال أحدهما ‪ :‬إن شاة هذا قطعت‬ ‫عن عامر ‪ ،‬قال ‪ :‬جاء رجلن إلى ُ‬
‫غزل لي ‪ ،‬فقال شريح ‪ :‬نهاًرا أم ليل ؟ فإن كان نهاًرا فقد برئ صاحب‬
‫ن ِفي‬ ‫حك ُ َ‬
‫ما ِ‬ ‫ن إ ِذ ْ ي َ ْ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫من ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬وََداوُد َ وَ ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫الشاة ‪ ،‬وإن كان ليل َ‬
‫ت ِفيهِ { الية‪.‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ف َ‬‫ث إ ِذ ْ ن َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حْر ِ‬
‫شَريح شبيه بما رواه المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬وابن ماجه ‪،‬‬ ‫وهذا الذي قاله ُ‬
‫حْيصة )‪ (1‬؛ أن ناقة‬ ‫م َ‬ ‫حرام بن ُ‬ ‫من حديث الليث بن سعد ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن َ‬
‫طا ‪ ،‬فأفسدت فيه ‪ ،‬فقضى رسول الله صلى الله‬ ‫البراء بن عازب دخلت حائ ً‬
‫عليه وسلم على أهل الحوائط حفظها بالنهار ‪ ،‬وما أفسدت المواشي بالليل‬
‫ضامن على أهلها )‪ .(2‬وقد عُّلل هذا الحديث ‪ ،‬وقد بسطنا الكلم عليه في‬
‫كتاب "الحكام" وبالله التوفيق‪.‬‬
‫ما { قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬ ‫ْ‬
‫عل ً‬ ‫ما وَ ِ‬ ‫ْ‬
‫حك ً‬ ‫ُ‬
‫ن وَكل آت َي َْنا ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫ها ُ‬ ‫مَنا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫فهّ ْ‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن حميد ؛ أن إياس بن‬
‫معاوية لما استقضى أتاه الحسن فبكى ‪ ،‬قال )‪ (3‬ما يبكيك ؟ قال )‪ (4‬يا أبا‬
‫سعيد ‪ ،‬بلغني أن القضاة ‪ :‬رجل اجتهد فأخطأ ‪ ،‬فهو في النار ‪ ،‬ورجل مال به‬
‫الهوى فهو في النار ‪ ،‬ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة‪ .‬فقال الحسن‬
‫البصري ‪ :‬إن فيما قص الله من نبأ داود وسليمان ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬والنبياء‬
‫ن‬
‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ما يرد قول هؤلء الناس عن قولهم ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬وََداوُد َ وَ ُ‬ ‫حك ً‬
‫ن{‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬‫م َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫ْ‬
‫حك ِ‬ ‫ُ‬
‫قوْم ِ وَكّنا ل ِ ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫َ‬
‫ت ِفيهِ غن َ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ث إ ِذ ْ ن َ َ‬
‫حْر ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ِفي ال َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ُ‬
‫حك َ‬ ‫إ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫فأثنى الله على سليمان ولم يذم داود‪ .‬ثم قال ‪ -‬يعني ‪ :‬الحسن ‪ : -‬إن الله‬
‫اتخذ على الحكماء ثلًثا ‪ :‬ل يشترون به ثمًنا قليل ول يتبعون فيه الهوى ‪ ،‬ول‬
‫ن‬
‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك ُ ْ‬‫ض َفا ْ‬ ‫ة ِفي الْر ِ‬ ‫ف ً‬ ‫خِلي َ‬
‫ك َ‬‫جعَل َْنا َ‬ ‫دا ‪ ،‬ثم تل } َيا َداوُد ُ إ ِّنا َ‬ ‫يخشون فيه أح ً‬
‫ل الل ّهِ )‪] { [ (5‬ص ‪[26 :‬‬ ‫سِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ضل ّ َ‬‫وى فَي ُ ِ‬ ‫حقّ َول ت َت ّب ِِع ال ْهَ َ‬ ‫س ِبال ْ َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫شت َُروا‬ ‫ن { ] المائدة ‪ ، [44 :‬وقال } َول ت َ ْ‬ ‫شو ْ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫س َوا ْ‬ ‫وا الّنا َ‬ ‫ش ُ‬ ‫خ َ‬ ‫وقال ‪َ } :‬فل ت َ ْ‬
‫مًنا قَِليل { ] المائدة ‪.[44 :‬‬ ‫ِبآَياِتي ث َ َ‬
‫مؤّيدون من الله عز‬ ‫قلت ‪ :‬أما النبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬فكلهم معصومون ُ‬
‫وجل‪ .‬وهذا مما ل خلف )‪ (6‬فيه بين العلماء المحققين من السلف والخلف ‪،‬‬
‫وأما من سواهم فقد ثبت في صحيح البخاري ‪ ،‬عن عمرو بن العاص أنه‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله‬
‫أجران ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬عن حرام عن الزهري بن محيصة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (5/435‬وسنن أبي داود برقم )‪ (3570‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(2332‬‬
‫تنبيه ‪ :‬هذا الطريق إنما هو طريق ابن ماجه ‪ ،‬أما أحمد فرواه عن مالك‬
‫وسفيان ومعمر عن الزهري ‪ ،‬وأما أبو داود فرواه عن معمر والوزعي عن‬
‫الزهري‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬ما ل اختلف فيه"‪.‬‬

‫) ‪(5/356‬‬

‫وإذا اجتهد فأخطأ )‪ (1‬فله أجر" )‪ (2‬فهذا الحديث يرد نصا ما توهمه "إياس"‬
‫من أن القاضي إذا اجتهد فأخطأ فهو في النار ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وفي السنن ‪" :‬القضاة ثلثة ‪ :‬قاض في الجنة ‪ ،‬وقاضيان في النار ‪ :‬رجل علم‬
‫الحق وقضى به فهو في الجنة ‪ ،‬ورجل حكم بين الناس على جهل فهو في‬
‫النار ‪ ،‬ورجل علم الحق وقضى بخلفه ‪ ،‬فهو في النار )‪.(3‬‬
‫وقريب من هذه القصة المذكورة في القرآن ما رواه المام أحمد في مسنده‬
‫فص ‪ ،‬أخبرنا وَْرقاء عن أبي الّزَناد ‪ ،‬عن العرج‬ ‫ح ْ‬
‫‪ ،‬حيث قال ‪ :‬حدثنا علي بن َ‬
‫‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬بينما امرأتان‬
‫معهما ابنان لهما ‪ ،‬جاء )‪ (4‬الذئب فأخذ أحد البنين ‪ ،‬فتحاكمتا إلى داود ‪،‬‬
‫فقضى به للكبرى ‪ ،‬فخرجتا‪ .‬فدعاهما سليمان فقال ‪ :‬هاتوا السكين أشقه‬
‫شقه ‪ ،‬فقضى به‬ ‫بينهما ‪ ،‬فقالت الصغرى ‪ :‬يرحمك الله هو ابنها ‪ ،‬ل ت َ ُ‬
‫للصغرى" )‪.(5‬‬
‫وب عليه النسائي في كتاب‬ ‫وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما )‪ (6‬وب ّ‬
‫القضاء ‪) :‬باب الحاكم يوهم خلف الحكم ليستعلم الحق( )‪.(7‬‬
‫وهكذا القصة التي أوردها الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة‬
‫"سليمان عليه السلم" من تاريخه ‪ ،‬من طريق الحسن بن سفيان ‪ ،‬عن‬
‫صفوان بن صالح ‪ ،‬عن الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن سعيد بن بشر ‪ ،‬عن قتادة ‪،‬‬
‫عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬فذكر قصة مطولة )‪ (8‬ملخصها ‪ : -‬أن امرأة‬
‫حسناء في زمان بني إسرائيل ‪ ،‬راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم ‪،‬‬
‫فامتنعت على )‪ (9‬كل منهم ‪ ،‬فاتفقوا فيما بينهم عليها ‪ ،‬فشهدوا عليها عند‬
‫كنت من نفسها كلًبا لها ‪ ،‬قد عودته ذلك منها ‪،‬‬‫م ّ‬‫داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنها َ‬
‫فأمر برجمها‪ .‬فلما كان عشية ذلك اليوم ‪ ،‬جلس سليمان ‪ ،‬واجتمع معه‬
‫ما وتزيا أربعة منهم بزيّ أولئك ‪ ،‬وآخر بزيّ المرأة‬
‫ن ‪ ،‬مثله ‪ ،‬فانتصب حاك ً‬ ‫وِْلدا ٌ‬
‫كنت من نفسها كلًبا ‪ ،‬فقال سليمان ‪ :‬فرقوا بينهم‪.‬‬ ‫‪ ،‬وشهدوا عليها بأنها م َ‬
‫فقال لولهم ‪ :‬ما كان لون الكلب ؟ فقال ‪ :‬أسود‪ .‬فعزله ‪ ،‬واستدعى الخر‬
‫فسأله عن لونه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أحمر‪ .‬وقال الخر ‪ :‬أغبش‪ .‬وقال الخر ‪ :‬أبيض‪.‬‬
‫فأمر بقتلهم ‪ ،‬فحكي ذلك لداود ‪ ،‬فاستدعى من فوره بأولئك الربعة ‪،‬‬
‫فسألهم متفرقين عن لون ذلك الكلب ‪ ،‬فاختلفوا عليه ‪ ،‬فأمر بقتلهم )‪.(10‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬وأخطأ"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(7352‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪ (3573‬وسنن النسائي الكبرى برقم )‪(5922‬‬
‫وسنن ابن ماجه برقم )‪(2315‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬إذ جاء"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪(2/322‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬صحيحيهما"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪ (6769‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1720‬وسنن‬
‫النسائي الكبرى برقم )‪ (5958‬والباب فيه "التوسعة للحاكم في أن يقول‬
‫للشيء الذي ل يفعله أفعل ليستبين له الحق"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬طويلة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (10‬تاريخ دمشق )‪" 7/565‬المخطوط"(‬

‫) ‪(5/357‬‬

‫ن { ‪ :‬وذلك‬ ‫ن َوالط ّي َْر وَك ُّنا َفا ِ‬


‫عِلي َ‬ ‫ح َ‬
‫سب ّ ْ‬ ‫ل يُ َ‬ ‫جَبا َ‬ ‫معَ َداوُد َ ال ْ ِ‬ ‫خْرَنا َ‬ ‫س ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫لطيب صوته بتلوة كتابه الزبور ‪ ،‬وكان إذا ت ََرّنم به تقف الطير في الهواء ‪،‬‬
‫مّر النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ما َ‬ ‫فتجاوبه ‪ ،‬وَترد عليه الجبال تأويًبا ؛ ولهذا ل ّ‬
‫على أبي موسى الشعري ‪ ،‬وهو يتلو القرآن من الليل ‪ ،‬وكان له صوت طيب‬
‫دا[ )‪ .(1‬فوقف واستمع لقراءته ‪ ،‬وقال ‪" :‬لقد أوتي هذا مزامير آل داود"‪.‬‬ ‫]ج ً‬
‫قال يا رسول الله ‪ ،‬لو علمت أنك تسمع )‪ (2‬لحبرته لك تحبيًرا )‪.(3‬‬
‫صْنج ول بربط ول مزمار مثل‬ ‫وقال أبو عثمان النهدي ‪ :‬ما سمعت صوت َ‬
‫صوت أبي موسى رضي الله عنه ‪ ،‬ومع هذا قال ‪ :‬لقد أوتي مزماًرا من‬
‫مزامير آل داود‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { يعني صنعة‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ن ب َأ ِ‬
‫م ْ‬‫م )‪ِ (4‬‬ ‫ُ‬
‫صن َك ْ‬‫ح ِ‬ ‫م ل ِي ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫س لك ْ‬ ‫ة لُبو ٍ‬ ‫صن ْعَ َ‬‫مَناه ُ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَعَل ّ ْ‬
‫الدروع‪.‬‬
‫قا‪ .‬كما‬ ‫َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬إنما كانت الدروع قبله صفائح ‪ ،‬وهو أول من سردها حل ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت وَقَد ّْر ِفي ال ّ‬
‫سْرد ِ { ]سبأ ‪:‬‬ ‫ساب َِغا ٍ‬‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن اع ْ َ‬ ‫د‪ .‬أ ِ‬ ‫دي َ‬‫ح ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫قال تعالى ‪ } :‬وَأل َّنا ل َ ُ‬
‫قد ّ‬‫‪ [11 ، 10‬أي ‪ :‬ل توسع الحلقة فتقلق )‪ (5‬المسمار ‪ ،‬ول تغلظ المسمار فت َ َ‬
‫ْ‬
‫م { يعني ‪ :‬في القتال ‪،‬‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ن ب َأ ِ‬‫م ْ‬‫م )‪ِ (6‬‬ ‫صن َك ُ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫حْلقة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل ِي ُ ْ‬ ‫ال َ‬
‫ن { أي ‪ :‬نعم الله عليكم ‪ ،‬لما ألهم به عبده داود ‪ ،‬فعلمه‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شاك ُِرو َ‬ ‫} فهَل أن ْت ُ ْ‬
‫ذلك من أجلكم‪.‬‬
‫ة { أي ‪ :‬وسخرنا لسليمان الريح العاصفة ‪،‬‬ ‫سل ْ َ َ ّ َ َ ِ ً‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫ص‬ ‫عا‬ ‫ح‬ ‫ري‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ِ ُ‬
‫ض ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها { يعني أرض الشام ‪ } ،‬وَك ُّنا ب ِك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مرِهِ إ ِلى الْر ِ‬ ‫ري ب ِأ ْ‬ ‫ج ِ‬
‫} تَ ْ‬
‫ن { وذلك أنه كان له بساط من خشب ‪ ،‬يوضع عليه كل ما يحتاج‬ ‫مي َ‬ ‫عال ِ ِ‬‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫إليه من أمور المملكة ‪ ،‬والخيل والجمال والخيام والجند ‪ ،‬ثم يأمر الريح أن‬
‫تحمله فتدخل تحته ‪ ،‬ثم تحمله فترفعه وتسير به ‪ ،‬وتظله الطير من الحر ‪،‬‬
‫إلى حيث يشاء من الرض ‪ ،‬فينزل وتوضع آلته وخشبه )‪ ، (7‬قال الله‬
‫خاًء حي ُ َ‬ ‫َ‬
‫ب { ]ص ‪، [36 :‬‬ ‫صا َ‬
‫ثأ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫مرِهِ ُر َ‬
‫ري ب ِأ ْ‬ ‫ج ِ‬‫ح تَ ْ‬
‫ه الّري َ‬ ‫خْرَنا ل َ ُ‬ ‫س ّ‬‫تعالى ‪ } :‬فَ َ‬
‫شهٌْر { ]سبأ ‪.[12 :‬‬ ‫حَها َ‬ ‫شهٌْر وََرَوا ُ‬ ‫ها َ‬ ‫وقال } غُد ُوّ َ‬
‫سَنان ‪ ،‬عن سعيد بن‬ ‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن أبي ِ‬
‫ضع لسليمان ستمائة ألف كرسي ‪ ،‬فيجلس مما يليه مؤمنو‬ ‫جبير قال ‪ :‬كان ُيو َ‬
‫النس ‪ ،‬ثم يجلس من ورائهم مؤمنو الجن ‪ ،‬ثم يأمر الطير فتظلهم ‪ ،‬ثم يأمر‬
‫الريح فتحمله صلى الله عليه وسلم )‪.(8‬‬
‫ّ‬
‫وقال عبد الله بن عُب َْيد بن عمير ‪ :‬كان سليمان يأمر الريح ‪ ،‬فتجَتمع كالطود‬
‫العظيم ‪ ،‬كالجبل ‪ ،‬ثم يأمر بفراشه فيوضع على أعلى مكان منها ‪ ،‬ثم يدعو‬
‫فَرس من ذوات الجنحة ‪ ،‬فترتفع )‪ (9‬حتى تصعد )‪ (10‬على فراشه ‪ ،‬ثم‬ ‫ب َ‬
‫شَرف دون السماء ‪ ،‬وهو مطأطئ رأسه ‪ ،‬ما يلتفت‬ ‫كل َ‬ ‫يأمر الريح فترتفع به ُ‬
‫ما لله عز وجل ‪ ،‬وشكًرا لما يعلم من صغر ما هو فيه‬ ‫يمينا ول شمال تعظي ً‬
‫في ملك الله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬تستمع"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سبق الحديث في فضائل القرآن‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لتحصنكم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬فتفلق"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لتحصنكم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬وحشمه"‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬فتحملهم عليه السلم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيرتفع"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يصعد"‪.‬‬

‫) ‪(5/358‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ َيوب إذ ْ نادى رب َ‬


‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ن )‪َ (83‬فا ْ‬
‫ست َ َ‬ ‫مي َ‬‫ح ِ‬ ‫م الّرا ِ‬‫ح ُ‬
‫أْر َ‬ ‫ت‬‫ضّر وَأن ْ َ‬‫ي ال ّ‬ ‫سن ِ َ‬
‫م ّ‬ ‫ه أّني َ‬
‫َ ّ َ ِ َ َ َ ّ ُ‬
‫عن ْدَِنا وَذِك َْرى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَك َ َ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬
‫م َر ْ‬
‫معَهُ ْ‬
‫َ‬ ‫مث ْلهُ ْ‬
‫م‬ ‫ه وَ ِ‬
‫ضّر وَآت َي َْناه ُ أهْل ُ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ما ب ِهِ ِ‬
‫فَنا َ‬
‫ش ْ‬
‫ن )‪(84‬‬ ‫دي َ‬‫ل ِل َْعاب ِ ِ‬

‫تعالى )‪ (1‬حتى تضعه )‪ .(2‬الريح حيث شاء أن تضعه )‪(3‬‬


‫ه { أي ‪ :‬في الماء يستخرجون‬ ‫ن لَ ُ‬
‫صو َ‬‫ن ي َُغو ُ‬
‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫طي ِ‬‫شَيا ِ‬‫ن ال ّ‬‫م َ‬‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ك { أي ‪ :‬غير ذلك ‪ ،‬كما قال‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫مل ُدو َ‬ ‫ن عَ َ‬‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫الللئ ]وغير ذلك‪ } .‬وَي َعْ َ‬
‫ن ِفي‬‫قّرِني َ‬
‫م َ‬
‫ن ُ‬
‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫ص * [ )‪َ (4‬وآ َ‬ ‫وا ٍ‬‫ل ب َّناٍء وَغَ ّ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫طي َ‬
‫شَيا ِ‬‫تعالى ‪َ } :‬وال ّ‬
‫فاد ِ {‪] .‬ص ‪.[38 ، 37 :‬‬ ‫ص َ‬‫ال ْ‬
‫ن { )‪ (5‬أي ‪ :‬يحرسه الله أن يناله أحد من‬ ‫ظي َ‬
‫حافِ ِ‬‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَكّنا لهُ ْ‬
‫الشياطين بسوء ‪ ،‬بل كل في قبضته وتحت قهره ل يتجاسر أحد منهم على‬
‫كم )‪ (6‬فيهم ‪ ،‬إن شاء أطلق ‪ ،‬وإن شاء‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫الدنو إليه والقرب منه ‪ ،‬بل هو ُ‬
‫فاد ِ {‬‫ص َ‬‫ن ِفي ال ْ‬ ‫قّرِني َ‬‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬ ‫حبس منهم من يشاء ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬وآ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫} وأ َيوب إذ ْ نادى رب َ‬
‫جب َْنا‬ ‫ن )‪َ (83‬فا ْ‬
‫ست َ َ‬ ‫مي َ‬
‫ح ِ‬‫م الّرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت أْر َ‬ ‫ضّر وَأن ْ َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سن ِ َ‬‫م ّ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫َ ّ َ ِ َ َ َ ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫نا ما به من ضر وآتيناه أ َ‬
‫عن ْدَِنا وَذِك َْرى‬‫ن ِ‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ع‬‫م‬
‫ُ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫و‬
‫ُ َ‬‫ه‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ف َ َ ِ ِ ِ ْ ُ ّ َ ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ش ْ‬‫ه فَك َ َ‬ ‫لَ ُ‬
‫ن )‪.{ (84‬‬ ‫دي َ‬‫ل ِل َْعاب ِ ِ‬
‫يذكر تعالى عن أيوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ما كان أصابه من البلء ‪ ،‬في ماله‬
‫وولده وجسده )‪ ، (7‬وذلك أنه كان له من الدواب والنعام والحرث شيء‬
‫كثير ‪ ،‬وأولد كثيرة ‪ ،‬ومنازل مرضية‪ .‬فابتلي في ذلك كله ‪ ،‬وذهب عن آخره ‪،‬‬
‫ثم ابتلي في جسده ‪ -‬يقال ‪ :‬بالجذام في سائر بدنه ‪ ،‬ولم يبق منه سليم‬
‫سوى قلبه ولسانه ‪ ،‬يذكر بهما الله عز وجل ‪ ،‬حتى عافه الجليس ‪ ،‬وأفرد َ في‬
‫ناحية من البلد ‪ ،‬ولم يبق من الناس أحد )‪ (8‬يحنو عليه سوى زوجته ‪ ،‬كانت‬
‫تقوم بأمره )‪ ، (9‬ويقال ‪ :‬إنها احتاجت فصارت تخدم الناس من أجله ‪ ،‬وقد‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أشد الناس بلء النبياء ‪ ،‬ثم الصالحون ‪،‬‬
‫ثم المثل فالمثل" )‪ (10‬وفي الحديث الخر ‪" :‬يبتلى الرجل على قدر دينه ‪،‬‬
‫فإن كان في دينه صلبة زيد في بلئه" )‪.(11‬‬
‫وقد كان نبي الله أيوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬غاية في الصبر ‪ ،‬وبه يضرب المثل‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫وقال يزيد بن ميسرة ‪ :‬لما ابتلى الله أيوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بذهاب الهل‬
‫والمال والولد ‪ ،‬ولم له يبق شيء ‪ ،‬أحسن الذكر ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أحمدك رب‬
‫الرباب ‪ ،‬الذي أحسنت إلي ‪ ،‬أعطيتني المال والولد ‪ ،‬فلم يبق من قلبي‬
‫شعبة ‪ ،‬إل قد دخله ذلك ‪ ،‬فأخذت ذلك كله مني ‪ ،‬وفّرغت قلبي ‪ ،‬ليس يحول‬
‫بيني وبينك شيء ‪ ،‬لو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت ‪ ،‬حسدني‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فلقي إبليس من ذلك منكًرا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقال أيوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إنك أعطيتني المال والولد ‪ ،‬فلم‬
‫يقم على بابي أحد يشكوني لظلم ظلمته ‪ ،‬وأنت تعلم ذلك‪ .‬وأنه كان يوطأ‬
‫لي الفراش فأتركها وأقول لنفسي ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬يضعه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حيث يشاء أن يضعه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬له"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يحكم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬وجسده وولده"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬أحد من الناس"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬بأوده"‪.‬‬
‫)‪ (10‬رواه أحمد في المسند )‪ (1/172‬والترمذي في السنن برقم )‪(2398‬‬
‫وابن ماجه في السنن برقم )‪ (4023‬من حديث سعد بن أبي وقاص رضي‬
‫الله عنه‪ .‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫)‪ (11‬هو جزء من الحديث المتقدم ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫) ‪(5/359‬‬

‫يا نفس ‪ ،‬إنك لم تخلقي لوطء الفرش )‪ ، (1‬ما تركت ذلك إل ابتغاء وجهك‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقد ذكر عن وهب بن منبه في خبره قصة طويلة ‪ ،‬ساقها ابن جرير وابن أبي‬
‫حاتم بالسند عنه ‪ ،‬وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين ‪ ،‬وفيها غرابة‬
‫تركناها لحال الطول )‪.(2‬‬
‫وقد روى أنه مكث في البلء مدة طويلة ‪ ،‬ثم اختلفوا في السبب المهيج له‬
‫على هذا الدعاء ‪ ،‬فقال الحسن وقتادة ‪ ،‬ابتلي أيوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬سبع‬
‫سة بني إسرائيل ‪ ،‬تختلف الدواب في جسده‬ ‫سنين وأشهًرا ‪ ،‬ملقى على ك َُنا َ‬
‫م له الجر ‪ ،‬وأحسن عليه الثناء‪.‬‬ ‫ففرج الله عنه ‪ ،‬وعَظ َ ّ‬
‫وقال وهب بن منبه ‪ :‬مكث في البلء ثلث سنين ‪ ،‬ل يزيد ول ينقص‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬تساقط لحم أيوب حتى لم يبق إل العصب والعظام ‪ ،‬فكانت‬
‫امرأته تقوم عليه وتأتيه بالزاد يكون فيه ‪ ،‬فقالت له امرأته لما طال وجعه ‪:‬‬
‫يا أيوب ‪ ،‬لو دعوت ربك )‪ (3‬يفرج عنك ؟ فقال ‪ :‬قد عشت سبعين سنة‬
‫جَزعت من ذلك‬ ‫حا ‪ ،‬فهل )‪ (4‬قليل لله أن أصبر له سبعين سنة ؟ ف َ‬ ‫صحي ً‬
‫فخرجت ‪ ،‬فكانت تعمل للناس بأجر وتأتيه بما تصيب فتطعمه ‪ ،‬وإن إبليس‬
‫انطلق إلى رجلين من فلسطين كانا صديقين له وأخوين ‪ ،‬فأتاهما فقال ‪:‬‬
‫أخوكما أيوب أصابه من البلء كذا وكذا ‪ ،‬فأتياه وزوراه واحمل معكما من خمر‬
‫أرضكما ‪ ،‬فإنه إن شرب منه ب ََرأ‪ .‬فأتياه ‪ ،‬فلما نظرا إليه بكيا ‪ ،‬فقال ‪ :‬من‬
‫حب بهما وقال ‪ :‬مرحًبا بمن ل‬ ‫أنتما ؟ فقال )‪ : (5‬نحن فلن وفلن! فر ّ‬
‫ً‬
‫يجفوني عند البلء ‪ ،‬فقال يا أيوب ‪ ،‬لعلك كنت ُتسر شيئا وتظهر غيره ‪،‬‬
‫فلذلك ابتلك الله ؟ فرفع رأسه إلى السماء ثم قال ‪ :‬هو يعلم ‪ ،‬ما أسررت‬
‫شيًئا أظهرت غيره‪ .‬ولكن ربي ابتلني لينظر أأصبر أم أجزع ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا‬
‫أيوب ‪ ،‬اشرب من خمرنا فإنك إن شربت منه ب ََرأت‪ .‬قال ‪ :‬فغضب وقال‬
‫ي حرام‪.‬‬ ‫جاءكما الخبيث فأمركما بهذا ؟ كلمكما وطعامكما وشرابكما عل ّ‬
‫فقاما من عنده ‪ ،‬وخرجت امرأته تعمل للناس فخبزت لهل بيت لهم صبي ‪،‬‬
‫ما ‪ ،‬فكرهوا أن يوقظوه ‪ ،‬فوهبوه لها‪.‬‬ ‫صا )‪ ، (6‬وكان ابنهم نائ ً‬ ‫فجعلت لهم قر ً‬
‫فأتت به إلى أيوب ‪ ،‬فأنكره وقال ‪ :‬ما كنت تأتيني بهذا ‪ ،‬فما بالك اليوم ؟‬
‫فأخبرته الخبر‪ .‬قال ‪ :‬فلعل الصبي قد استيقظ ‪ ،‬فطلب القرص فلم يجده‬
‫فهو يبكي على أهله‪] .‬فانطلقي به إليه‪ .‬فأقبلت حتى بلغت درجة القوم ‪،‬‬
‫فنطحتها شاة لهم ‪ ،‬فقالت ‪ :‬تعس أيوب الخطاء! فلما صعدت وجدت الصبي‬
‫قد استيقظ وهو يطلب القرص ‪ ،‬ويبكي على أهله[ )‪ ، (7‬ل يقبل منهم شيًئا‬
‫غيره ‪ ،‬فقالت ‪ :‬رحم الله أيوب فدفعت القرص إليه ورجعت‪ .‬ثم إن إبليس‬
‫سقمه ‪ ،‬فإن أراد أن‬ ‫أتاها في صورة طبيب ‪ ،‬فقال لها ‪ :‬إن زوجك قد طال ُ‬
‫يبرأ فليأخذ ذباًبا فليذبحه باسم صنم بني فلن فإنه يبرأ ويتوب بعد ذلك‪.‬‬
‫ي إن برأت أن أجلدك‬ ‫فقالت ذلك ليوب ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد أتاك الخبيث‪ .‬لله عل ّ‬
‫مائة جلدة‪ .‬فخرجت تسعى عليه ‪ ،‬فحظر عنها الرزق ‪ ،‬فجعلت ل تأتي أهل‬
‫بيت فيريدونها ‪ ،‬فلما اشتد عليها ذلك وخافت على أيوب‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬الفراش"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(1/42‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الله"‪.‬‬
‫في أ ‪" :‬فهو"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قرصة"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬

‫) ‪(5/360‬‬

‫الجوع حلقت من شعرها قرًنا فباعته من صبية من بنات الشراف ‪ ،‬فأعطوها‬


‫ما طيًبا كثيًرا فأتت به أيوب ‪ ،‬فلما رآه أنكره وقال ‪ :‬من أين لك هذا ؟‬ ‫طعا ً‬
‫قالت ‪ :‬عملت لناس فأطعموني‪ .‬فأكل منه ‪ ،‬فلما كان الغد خرجت فطلبت‬
‫ضا قرًنا فباعته من تلك الجارية ‪ ،‬فأعطوها من‬ ‫أن تعمل فلم تجد فحلقت أي ً‬
‫ذلك الطعام ‪ ،‬فأتت به أيوب ‪ ،‬فقال ‪ :‬والله ل أطعمه حتى أعلم من أين هو ؟‬
‫دا ‪ ،‬فعند ذلك دعا‬ ‫عا شدي ً‬ ‫فوضعت خمارها ‪ ،‬فلما رأى رأسها محلوًقا جزع جز ً‬
‫ن {‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬
‫ح ِ‬‫م الّرا ِ‬
‫ح ُ‬ ‫ت أْر َ‬ ‫ضّر وَأن ْ َ‬ ‫ي ال ّ‬‫سن ِ َ‬
‫م ّ‬
‫ربه عز وجل ‪ } :‬أّني َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪،‬‬
‫كالي ؛ أن الشيطان الذي عرج في‬ ‫وف الب ِ َ‬ ‫حدثنا أبو عمران الجوني ‪ ،‬عن ن َ ْ‬
‫أيوب كان يقال له ‪" :‬سوط" )‪ ، (1‬قال ‪ :‬وكانت امرأة أيوب تقول ‪" :‬ادع الله‬
‫فيشفيك" ‪ ،‬فجعل ل يدعو ‪ ،‬حتى مر به نفر من بني إسرائيل ‪ ،‬فقال بعضهم‬
‫لبعض ‪ :‬ما أصابه ما أصابه إل بذنب عظيم أصابه ‪ ،‬فعند ذلك قال ‪" :‬رب إني‬
‫مسني الضر وأنت أرحم الراحمين"‪.‬‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو سلمة ‪ ،‬حدثنا جرير بن حازم ‪ ،‬عن عبد الله بن عبيد‬
‫ما ‪ ،‬فلم يستطيعا‬ ‫بن عمير قال ‪ :‬كان ليوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أخوان فجاءا يو ً‬
‫أن يدنوا منه ‪ ،‬من ريحه ‪ ،‬فقاما من بعيد ‪ ،‬فقال أحدهما للخر ‪ :‬لو كان الله‬
‫جزعا لم يجزع‬ ‫علم من أيوب خيًرا ما ابتله بهذا ؟ فجزع أيوب من قولهما َ‬
‫من شيء قط ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان )‪(2‬‬
‫وأنا أعلم مكان جائع ‪ ،‬فصدقني‪ .‬فصدق من السماء وهما يسمعان‪ .‬ثم قال ‪:‬‬
‫اللهم ‪ ،‬إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط ‪ ،‬وأنا أعلم مكان عار ‪،‬‬
‫دا ‪،‬‬
‫صدقني فصدق من السماء وهما يسمعان‪ .‬اللهم )‪ (3‬بعزتك ثم خر ساج ً‬ ‫فَ َ‬
‫دا حتى تكشف عني‪ .‬فما رفع رأسه‬ ‫ثم قال )‪ (4‬اللهم بعزتك ل أرفع رأسي أب ً‬
‫حتى كشف عنه‪.‬‬
‫عا بنحو هذا فقال ‪ :‬أخبرنا يونس‬ ‫ً‬ ‫مرفو‬ ‫آخر‬ ‫وجه‬ ‫من‬ ‫حاتم‬ ‫أبي‬ ‫وقد رواه ابن‬
‫قيل ‪ ،‬عن‬‫بن عبد العلى ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب أخبرني نافع بن يزيد ‪ ،‬عن ع ُ َ‬
‫الزهري ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"إن نبي الله أيوب لبث به بلؤه ثماني عشرة سنة ‪ ،‬فرفضه القريب والبعيد ‪،‬‬
‫إل رجلين من إخوانه ‪ ،‬كانا من أخص إخوانه ‪ ،‬كانا )‪ (5‬يغدوان إليه ويروحان ‪،‬‬
‫فقال أحدهما لصاحبه ‪ :‬ت َعَّلم ‪ -‬والله ‪ -‬لقد أذنب أيوب ذنًبا ما أذنبه أحد من‬
‫العالمين‪ .‬فقال له صاحبه ‪ :‬وما ذاك ؟ قال ‪ :‬منذ ثماني عشرة سنة لم‬
‫يرحمه الله فيكشف )‪ (6‬ما به‪ .‬فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك‬
‫له ‪ ،‬فقال أيوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬ما أدري ما تقول ‪ ،‬غير أن الله عز وجل يعلم‬
‫أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله ‪ ،‬فأرجع إلى بيتي فأكفر‬
‫عنهما ‪ ،‬كراهة أن يذكرا الله إل في حق‪ .‬قال ‪ :‬وكان يخرج في حاجته )‪، (7‬‬
‫فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ‪ ،‬فلما كان ذات يوم أبطأت عليه ‪،‬‬
‫فأوحى إلى‬
‫__________‬
‫أ ‪" :‬مبسوط"‪.‬‬ ‫)‪ (1‬في ف ‪،‬‬
‫"شبعانا"‪.‬‬ ‫)‪ (2‬في ف ‪:‬‬
‫أ ‪" :‬ثم قال ‪ :‬اتللهم"‪.‬‬ ‫)‪ (3‬في ف ‪،‬‬
‫"فقال"‪.‬‬ ‫)‪ (4‬في ف ‪:‬‬
‫أ ‪" :‬له"‪.‬‬ ‫)‪ (5‬في ف ‪،‬‬
‫"فكشف"‪.‬‬ ‫)‪ (6‬في ف ‪:‬‬
‫"حاجة"‪.‬‬ ‫)‪ (7‬في ف ‪:‬‬

‫) ‪(5/361‬‬

‫أيوب في مكانه ‪ :‬أن اركض برجلك ‪ ،‬هذا مغتسل بارد وشراب" )‪.(1‬‬
‫دا‪.‬‬ ‫رفع هذا الحديث غريب ج ً‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪،‬‬
‫مْهران ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬وألبسه‬ ‫أخبرنا علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن ِ‬
‫الله حلة من الجنة ‪ ،‬فتنحى أيوب فجلس في ناحية ‪ ،‬وجاءت امرأته ‪ ،‬فلم‬
‫تعرفه ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا عبد الله ‪ ،‬أين ذهب المبتلى الذي كان هاهنا ؟ لعل الكلب‬
‫ذهبت به أو الذئاب ‪ ،‬فجعلت تكلمه ساعة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ويحك! أنا أيوب! قالت ‪:‬‬
‫أتسخر مني يا عبد الله ؟ فقال ‪ :‬ويحك! أنا أيوب ‪ ،‬قد رد الله علي جسدي‪.‬‬
‫وبه قال ابن عباس ‪ :‬ورد عليه ماله وولده عيانا ‪ ،‬ومثلهم معهم‪.‬‬
‫وقال وهب بن منبه ‪ :‬أوحى الله إلى أيوب ‪ :‬قد رددت عليك أهلك ومالك‬
‫ومثلهم معهم ‪ ،‬فاغتسل بهذا الماء ‪ ،‬فإن فيه شفاءك ‪ ،‬وقرب عن صاحبتك )‬
‫‪ (2‬قرباًنا ‪ ،‬واستغفر لهم ‪ ،‬فإنهم قد عصوني فيك‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا عمرو بن مرزوق ‪ ،‬حدثنا همام ‪،‬‬ ‫ضا ‪ :‬حدثنا أبو ُزْر َ‬ ‫]وقال[ )‪ (3‬أي ً‬
‫عن قتادة ‪ ،‬عن النضر ابن أنس ‪ ،‬عن َبشير )‪ (4‬بن ن َِهيك ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬لما عافى الله أيوب ‪ ،‬أمطر عليه‬
‫جراًدا من ذهب ‪ ،‬فجعل يأخذ بيده ويجعله في ثوبه"‪ .‬قال ‪" :‬فقيل له ‪ :‬يا‬
‫أيوب ‪ ،‬أما تشبع ؟ قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ومن يشبع من رحمتك"‪.‬‬
‫أصله في الصحيحين )‪ ، (5‬وسيأتي في موضع آخر‪.‬‬
‫َ‬
‫م { قد تقدم عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬ردوا‬ ‫معَهُ ْ‬‫م َ‬ ‫مث ْل َهُ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وآت َي َْناه ُ أهْل َ ُ‬
‫ه وَ ِ‬
‫ضا‪ .‬وروي مثله عن ابن‬ ‫عليه بأعيانهم‪ .‬وكذا رواه العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس أي ً‬
‫مسعود ومجاهد ‪ ،‬وبه قال الحسن وقتادة‪.‬‬
‫وقد زعم بعضهم أن اسم زوجته رحمة ‪ ،‬فإن كان أخذ ذلك من سياق الية‬
‫جَعة ‪ ،‬وإن كان أخذه من نقل أهل الكتاب ‪ ،‬وصح ذلك عنهم ‪،‬‬ ‫فقد أبعد الن ّ ْ‬
‫فهو مما ل يصدق ول يكذب‪ .‬وقد سماها ابن عساكر في تاريخه ‪ -‬رحمه الله‬
‫شا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق‬ ‫من َ ّ‬
‫تعالى ‪ -‬قال ‪ :‬ويقال ‪ :‬اسمها ليا ابنة ِ‬
‫بن إبراهيم ‪ ،‬قال ‪ :‬ويقال ‪ :‬ليا بنت يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬زوجة أيوب كانت‬
‫معه بأرض الب ََثنّية‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬قيل له ‪ :‬يا أيوب ‪ ،‬إن أهلك لك في الجنة ‪ ،‬فإن شئت أتيناك‬
‫بهم ‪ ،‬وإن شئت‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم )‪" (2091‬موارد" من طريق حرملة‬
‫بن يحيى عن ابن وهب بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬صحابتك"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬بشر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/582‬من طرق عن عمرو بن مرزوق‬
‫به ‪ ،‬وسيأتي أصل الحديث في صحيح البخاري عند تفسير الية ‪ 42 :‬من‬
‫سورة ص‪.‬‬

‫) ‪(5/362‬‬

‫مت َِنا‬
‫ح َ‬
‫م ِفي َر ْ‬ ‫ن )‪ (85‬وَأ َد ْ َ‬
‫خل َْناهُ ْ‬ ‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬ ‫ل كُ ّ‬
‫ل ِ‬ ‫س وََذا ال ْك ِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫عي َ‬
‫ل وَإ ِد ِْري َ‬ ‫ما ِ‬
‫س َ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(86‬‬ ‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬‫م َ‬‫م ِ‬‫إ ِن ّهُ ْ‬

‫تركناهم لك في الجنة ‪ ،‬وعوضناك مثلهم‪ .‬قال ‪ :‬ل بل اتركهم لي في الجنة‪.‬‬


‫فُتركوا له في الجنة وعوض مثلهم في الدنيا‪.‬‬
‫كالي قال ‪ :‬أوتي‬ ‫وني ‪ ،‬عن َنوف الب ِ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫وقال حماد بن زيد ‪ ،‬عن أبي عمران ال َ‬
‫َ‬
‫مطّرفا ‪،‬‬ ‫أجرهم في الخرة ‪ ،‬وأعطي مثلهم في الدنيا‪ .‬قال ‪ :‬فحدثت به ُ‬
‫فقال ‪ :‬ما عرفت وجهها قبل اليوم‪.‬‬
‫وهكذا روي عن قتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير واحد من السلف ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ْ‬
‫عن ْدَِنا { أي ‪ :‬فعلنا به ذلك رحمة من الله به ‪ } ،‬وَذِكَرى‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬‫م ً‬ ‫ح َ‬‫وقوله ‪َ } :‬ر ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬وجعلناه في ذلك قدوة ‪ ،‬لئل يظن أهل البلء إنما فعلنا بهم‬ ‫دي َ‬‫ل ِل َْعاب ِ ِ‬
‫ذلك )‪ (1‬لهوانهم علينا ‪ ،‬وليتأسوا به في الصبر على مقدورات الله وابتلئه‬
‫لعباده بما )‪ (2‬يشاء ‪ ،‬وله الحكمة البالغة في ذلك‪.‬‬
‫م ِفي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫س وََذا ال ْك ِ ْ‬ ‫عي َ‬
‫خلَناهُ ْ‬ ‫ن )‪ (85‬وَأد ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل وَإ ِد ِْري َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬
‫} وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪.{ (86‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫مت َِنا إ ِن ّهُ ْ‬
‫ح َ‬‫َر ْ‬
‫أما إسماعيل فالمراد به ابن إبراهيم الخليل ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬وقد تقدم‬
‫ذكره في سورة مريم ‪ ،‬وكذلك إدريس ‪ ،‬عليه السلم )‪ (3‬وأما ذو الكفل‬
‫فالظاهر من السياق أنه ما قرن مع النبياء إل وهو نبي‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬إنما‬
‫طا ‪ ،‬وتوقف ابن جرير في‬ ‫ما مقس ً‬ ‫كا عادل وحك ً‬ ‫حا ‪ ،‬وكان مل ً‬ ‫كان رجل صال ً‬
‫ذلك ‪ ،‬فالله أعلم‪.‬‬
‫ل { قال ‪ :‬رجل صالح غير‬ ‫ف ِ‬ ‫ْ‬
‫جَريج ‪ ،‬عن مجاهد في قوله ‪ } :‬وََذا الك ِ ْ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫نبي ‪ ،‬تكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل ‪،‬‬
‫ضا‪.‬‬‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد أي ً‬ ‫سمي ‪ :‬ذا الكفل‪ .‬وكذا رَوى ابن أبي ن َ ِ‬ ‫ففعل ذلك ‪ ،‬فَ ُ‬
‫هيب ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا وُ َ‬
‫داود ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬لما كبر اليسع قال ‪ :‬لو أني استخلفت رجل على‬
‫الناس يعمل عليهم في حياتي ‪ ،‬حتى أنظر كيف يعمل ؟ فجمع الناس ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬من يتقبل مني بثلث ‪ :‬أستخلفه يصوم النهار ‪ ،‬ويقوم الليل ‪ ،‬ول‬
‫يغضب‪ .‬قال ‪ :‬فقام رجل تزدريه العين ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا‪ .‬فقال ‪ :‬أنت تصوم‬
‫النهار ‪ ،‬وتقوم الليل ‪ ،‬ول تغضب ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فردهم )‪ (4‬ذلك اليوم ‪،‬‬
‫وقال مثلها في اليوم الخر ‪ ،‬فسكت الناس ‪ ،‬وقام ذلك الرجل وقال )‪ (5‬أنا‪.‬‬
‫فاستخلفه ‪ ،‬قال ‪ :‬وجعل إبليس يقول للشياطين ‪ :‬عليكم بفلن‪ .‬فأعياهم ذلك‬
‫)‪ ، (6‬قال ‪ :‬دعوني )‪ (7‬وإياه ‪ ،‬فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ‪ ،‬فأتاه حين‬
‫أخذ مضجعه للقائلة‬
‫__________‬
‫في ف ‪" :‬إنما فعل ذلك بهم"‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫في ف ‪" :‬فيما"‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫انظر ‪ :‬تفسير اليات ‪.57 - 54 :‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيردهم"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في ف ‪" :‬فقال"‬ ‫)‪(5‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ذلك الرجل"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫في أ ‪" :‬دعوني أنا وإياه"‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬

‫) ‪(5/363‬‬

‫‪ -‬وكان ل ينام الليل والنهار إل تلك النومة ‪ -‬فدق الباب ‪ ،‬فقال ‪ :‬من هذا ؟‬
‫قال ‪ :‬شيخ كبير مظلوم‪ .‬قال ‪ :‬فقام ففتح الباب ‪ ،‬فجعل يقص عليه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫إن بيني وبين قومي خصومة ‪ ،‬وإنهم ظلموني ‪ ،‬وفعلوا بي وفعلوا‪ .‬وجعل‬
‫طول عليه حتى حضر الرواح وذهبت القائلة ‪ ،‬فقال )‪ : (1‬إذا رحت فأتني‬ ‫يُ َ‬
‫آخذ لك بحقك‪ .‬فانطلق ‪ ،‬وراح‪ .‬فكان في مجلسه ‪ ،‬فجعل ينظر هل يرى‬
‫الشيخ ؟ فلم يره ‪ ،‬فقام يتبعه ‪ ،‬فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس ‪،‬‬
‫وينتظره ول )‪ (2‬يراه ‪ ،‬فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه ‪ ،‬أتاه فدق الباب ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬من هذا ؟ قال )‪ (3‬الشيخ الكبير المظلوم‪ .‬ففتح له )‪ (4‬فقال ‪ :‬ألم‬
‫أقل لك إذا قعدت فأتني ؟ قال ‪ :‬إنهم أخبث قوم ‪ ،‬إذا عرفوا )‪ (5‬أنك قاعد‬
‫قالوا ‪ :‬نحن نعطيك حقك‪ .‬وإذا قمت جحدوني‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق ‪ ،‬فإذا رحت‬
‫فأتني‪ .‬قال ‪ :‬ففاتته القائلة ‪ ،‬فراح فجعل ينتظره )‪ (6‬ول يراه ‪ ،‬وشق عليه‬
‫دا َيقرب هذا الباب حتى أنام ‪ ،‬فإني‬ ‫النعاس ‪ ،‬فقال لبعض أهله ‪ :‬ل تدعن أح ً‬
‫ي النوم‪ .‬فلما كان تلك الساعة أتاه )‪ (7‬فقال له الرجل ‪ :‬وراءك‬ ‫قد شق عل ّ‬
‫وراءك ؟ فقال ‪ :‬إني قد أتيته أمس ‪ ،‬فذكرت له أمري ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل والله لقد‬
‫وة في البيت ‪ ،‬فتسور منها ‪،‬‬ ‫دا يقربه‪ .‬فلما أعياه نظر فرأى ك ُ ّ‬
‫أمرنا أل ندع أح ً‬
‫فإذا هو في البيت ‪ ،‬وإذا هو يدق الباب من داخل ‪ ،‬قال ‪ :‬فاستيقظ الرجل‬
‫ت ‪ ،‬فانظر‬ ‫فقال ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬ألم آمرك ؟ فقال )‪ (8‬أما من قبلي والله فلم تؤ َ‬
‫من أين أتيت ؟ قال ‪ :‬فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه ‪ ،‬وإذا الرجل‬
‫معه في البيت ‪ ،‬فعرفه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أعدو الله ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬أعييتني في كل‬
‫شيء ‪ ،‬ففعلت ما ت ََرى لغضبك‪ .‬فسماه الله ذا الكفل ؛ لنه تكفل بأمر فوفى‬
‫به )‪.(9‬‬
‫وهكذا رواه بن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث زهير بن إسحاق ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد ‪ ،‬بمثله‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن يونس ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن‬
‫عياش ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن مسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬كان قاض في‬
‫بني إسرائيل ‪ ،‬فحضره الموت ‪ ،‬فقال ‪ :‬من يقوم مقامي على أل يغضب ؟‬
‫قال ‪ :‬فقال رجل ‪ :‬أنا‪ .‬فسمي ذا الكفل‪ .‬قال ‪ :‬فكان )‪ (10‬ليله جميًعا‬
‫ما فيقضي بين الناس ‪ -‬قال ‪ :‬وله )‪ (11‬ساعة يقيلها ‪-‬‬ ‫يصلي ‪ ،‬ثم يصبح صائ ً‬
‫قال ‪ :‬فكان كذلك ‪ ،‬فأتاه الشيطان عند نومته ‪ ،‬فقال له أصحابه ‪ :‬ما لك ؟‬
‫قال ‪ :‬إنسان مسكين ‪ ،‬له على رجل حق ‪ ،‬وقد غلبني عليه‪ .‬قالوا ‪ :‬كما أنت‬
‫حتى يستيقظ ‪ -‬قال ‪ :‬وهو فوق نائم ‪ -‬قال ‪ :‬فجعل يصيح عمدا حتى يوقظه )‬
‫‪ ، (12‬قال ‪ :‬فسمع ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لك ؟ قال ‪ :‬إنسان مسكين ‪ ،‬له على رجل‬
‫حق‪ .‬قال ‪ :‬اذهب فقل له يعطيك‪ .‬قال ‪ :‬قد أبى‪ .‬قال ‪ :‬اذهب أنت إليه‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فذهب ‪ ،‬ثم جاء من الغد ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لك ؟ قال ‪ :‬ذهبت إليه فلم يرفع بكلمك‬
‫سا‪ .‬قال ‪ :‬اذهب إليه فقل له يعطيك حقك ‪ ،‬قال ‪ :‬فذهب ‪ ،‬ثم جاء من الغد‬ ‫رأ ً‬
‫حين قال ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال له أصحابه ‪ :‬اخرج ‪ ،‬فعل الله بك ‪ ،‬تجيء كل يوم حين‬
‫ينام ‪ ،‬ل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬ففتح الباب"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬اعترفوا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬ينتظر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬جاءه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪.(17/59‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ف ‪" :‬فله"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ف ‪" :‬يغضبه"‪.‬‬

‫) ‪(5/364‬‬

‫تدعه ينام ؟‪ .‬فجعل )‪ (1‬يصيح ‪ :‬من أجل أني إنسان مسكين ‪ ،‬لو كنت غنيا ؟‬
‫ضا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لك ؟ قال ‪ :‬ذهبت إليه فضربني‪ .‬قال ‪ :‬امش‬ ‫قال ‪ :‬فسمع أي ً‬
‫حتى أجيء معك‪ .‬قال ‪ :‬فهو ممسك بيده ‪ ،‬فلما رآه ذهب معه ن ََثر يده منه )‬
‫‪ (2‬فَ َ‬
‫فر‪.‬‬
‫جيرة الكبر ‪،‬‬ ‫ح َ‬
‫وهكذا روي عن عبد الله بن الحارث ‪ ،‬ومحمد بن قيس ‪ ،‬وابن ُ‬
‫وغيرهم من السلف ‪ ،‬نحو من هذه القصة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الجماهر )‪ ، (3‬أخبرنا سعيد بن‬
‫بشير ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪ ،‬عن أبي كنانة بن الخنس قال ‪ :‬سمعت الشعري وهو‬
‫يقول على هذا المنبر ‪ :‬ما كان ذو الكفل بنبي ‪ ،‬ولكن كان ‪ -‬يعني ‪ :‬في بني‬
‫إسرائيل ‪ -‬رجل صالح يصلي كل يوم مائة صلة ‪ ،‬فتكفل له ذو الكفل من‬
‫بعده ‪ ،‬فكان يصلي كل يوم مائة صلة ‪ ،‬فسمي ذا الكفل‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬عن قتادة قال ‪:‬‬ ‫معْ َ‬
‫وقد رواه ابن جرير من حديث عبد الرزاق ‪ ،‬عن َ‬
‫"قال أبو موسى الشعري‪ "...‬فذكره منقطعا )‪ ، (4‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد حديًثا غريًبا فقال ‪:‬‬
‫حدثنا أسباط بن محمد ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن عبد الله بن عبد الله ‪ ،‬عن سعد‬
‫)‪ (5‬مولى طلحة ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬سمعت من رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حديثا لو لم أسمعه إل مرة أو مرتين ‪ -‬حتى عد ّ سبع مرات ‪ -‬ولكن قد‬
‫سمعته أكثر من ذلك ‪ ،‬قال ‪" :‬كان الكفل من بني إسرائيل ‪ ،‬ل يتوّرع من‬
‫طأها ‪ ،‬فلما قعد‬ ‫ذنب عمله ‪ ،‬فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا ‪ ،‬على أن ي َ َ‬
‫دت )‪ (7‬وبكت ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما يبكيك ؟‬ ‫ع َ‬
‫مقعد َ الرجل من امرأته ‪ ،‬أر ِ‬
‫منها )‪َ (6‬‬
‫ملني عليه‬ ‫ح َ‬‫أك َْرهُْتك ؟ قالت ‪ :‬ل ولكن هذا عمل لم أعمله قط ‪ ،‬وإنما َ‬
‫الحاجة‪ .‬قال ‪ :‬فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ؟ َفنزل )‪ (8‬فقال ‪ :‬اذهبي‬
‫دا‪ .‬فمات من ليلته‬ ‫فالدنانير لك‪ .‬ثم قال ‪" :‬والله ل َيعصي الله الكفل أب ً‬
‫فأصبح مكتوًبا على بابه ‪ :‬قد غفر الله للكفل" )‪.(9‬‬
‫هكذا وقع في هذه الرواية "الكفل" ‪ ،‬من غير إضافة ‪ ،‬فالله أعلم‪ .‬وهذا‬
‫الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة )‪ ، (10‬وإسناده غريب ‪،‬‬
‫وعلى كل تقدير فلفظ الحديث إن كان "الكفل" ‪ ،‬ولم يقل ‪" :‬ذو الكفل" ‪،‬‬
‫فلعله رجل آخر ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬فجعل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬منه فذهب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو الجماهير"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(17/60‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬معها"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬ارتعدت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬ثم نزل"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(2/23‬‬
‫)‪ (10‬قلت ‪ :‬بل أخرجه الترمذي في السنن برقم )‪ (2496‬من طريق عبيد‬
‫بن أسباط عن أبيه به ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث حسن قد رواه شيبان وغير واحد‬
‫عن العمش نحو هذا ورفعوه وروى بعضهم عن العمش فلم يرفعه"‪.‬‬

‫) ‪(5/365‬‬

‫ن َل‬ ‫َ‬ ‫وَذا النون إذ ْ ذ َهَب مَغاضبا فَظ َ َ‬


‫تأ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫قدَِر عَل َي ْهِ فََناَدى ِفي الظ ّل ُ َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ً‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ َ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ج‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫ُ َ‬‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫(‬‫‪87‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مي‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ظا‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ني‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫حا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫إِ َ ِ‬
‫إ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ْ‬
‫جي ال ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَكذ َل ِك ن ُن ْ ِ‬ ‫ال ْغَ ّ‬
‫َ‬ ‫} وَذا النون إذ ْ ذ َهَب مَغاضبا فَظ َ َ‬
‫نل‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫قدَِر عَل َي ْهِ فََناَدى ِفي الظ ّل ُ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫ن نَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ً‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ّ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫ْ َ َ َْ ُ ََ ّ َْ ُ ِ َ‬‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ج‬‫ت‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫(‬ ‫‪87‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مي‬
‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ظا‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬
‫ْ ُ ِ َ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ني‬ ‫َ‬
‫ه ِ ْ َ ُ ْ َ َ ِّ‬
‫إ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫حا‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫إل‬ ‫إ ِل َ َ‬
‫ن )‪.{ (88‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫جي ال ْ ُ‬ ‫ك ن ُن ْ ِ‬ ‫م وَك َذ َل ِ َ‬ ‫ال ْغَ ّ‬
‫هذه القصة مذكورة هاهنا وفي سورة "الصافات" وفي سورة "ن" )‪ (1‬وذلك‬
‫مّتى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بعثه الله إلى أهل قرية "نينوى" ‪ ،‬وهي‬ ‫أن يونس بن َ‬
‫قرية من أرض الموصل ‪ ،‬فدعاهم إلى الله ‪ ،‬فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم ‪،‬‬
‫فخرج من بين أظهرهم مغاضبا لهم ‪ ،‬ووعدهم بالعذاب بعد ثلث‪ .‬فلما‬
‫تحققوا منه ذلك ‪ ،‬وعلموا أن النبي ل يكذب ‪ ،‬خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم‬
‫وأنعامهم ومواشيهم ‪ ،‬وفرقوا بين المهات وأولدها ‪ ،‬ثم تضرعوا إلى الله عز‬
‫ضلنها ‪ ،‬وخارت البقر وأولدها ‪،‬‬ ‫وجل ‪ ،‬وجأروا )‪ (2‬إليه ‪ ،‬ورغت البل وفُ ْ‬
‫ملنها ‪ ،‬فرفع الله عنهم العذاب ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬فَل َ ْ‬
‫ول‬ ‫ح ْ‬ ‫وثغت الغنم و ُ‬
‫ب)‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فَنا عَن ْهُ ْ‬
‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ك َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫َ‬
‫سل ّ‬ ‫م ُيون ُ َ‬ ‫َ‬
‫مان َُها ِإل قوْ َ‬ ‫فعََها ِإي َ‬ ‫َ‬
‫ت فن َ َ‬ ‫من َ ْ‬ ‫ةآ َ‬ ‫ت قَْري َ ٌ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ]يونس ‪.[98 :‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫م إ َِلى ِ‬ ‫مت ّعَْناهُ ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫ي ِفي ال ْ َ‬ ‫خْز ِ‬ ‫‪ (3‬ال ْ ِ‬
‫ججت بهم‬ ‫وأما يونس ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة فَل َ ّ‬
‫‪ ،‬وخافوا أن يغرقوا )‪ .(4‬فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه ‪،‬‬
‫فوقعت القرعة على يونس ‪ ،‬فأبوا )‪ (5‬أن يلقوه ‪ ،‬ثم أعادوا القرعة فوقعت‬
‫م‬
‫ساهَ َ‬ ‫ضا ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬فَ َ‬ ‫ضا ‪ ،‬فأبوا ‪ ،‬ثم أعادوها فوقعت عليه أي ً‬ ‫عليه أي ً‬
‫ن { ] الصافات ‪ ، [141 :‬أي ‪ :‬وقعت عليه القرعة )‪، (6‬‬ ‫ضي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫فَ َ‬
‫فقام يونس ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وتجرد من ثيابه ‪ ،‬ثم ألقى نفسه في البحر ‪ ،‬وقد‬
‫أرسل الله ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬من البحر الخضر ‪ -‬فيما قاله ابن مسعود ‪-‬‬
‫حوًتا يشق البحار ‪ ،‬حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة ‪،‬‬
‫ما ‪ ،‬ول تهشم له عظما ؛ فإن‬ ‫فأوحى الله إلى ذلك الحوت أل تأكل له لح ً‬
‫يونس ليس لك رزقا ‪ ،‬وإنما بطنك له يكون سجًنا‪.‬‬
‫ن { يعني ‪ :‬الحوت ‪ ،‬صحت الضافة إليه بهذه النسبة‪.‬‬ ‫وقوله ‪ } :‬وََذا الّنو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قدَِر‬
‫ن نَ ْ‬‫نل ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ضًبا { ‪ :‬قال الضحاك ‪ :‬لقومه ‪ } ،‬فَظ ّ‬ ‫مَغا ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِذ ْ ذ َهَ َ‬
‫عَل َي ْهِ { ]أي ‪ :‬نضيق عليه في بطن الحوت‪ُ .‬يرَوى نحو هذا عن ابن عباس ‪،‬‬
‫ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬واختاره )‪ (7‬ابن جرير ‪ ،‬واستشهد عليه بقوله‬
‫ما‬
‫سا ِإل َ‬ ‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬‫ف الل ّ ُ‬‫ه ل ي ُك َل ّ ُ‬‫ما آَتاهُ الل ّ ُ‬
‫م ّ‬
‫فق ْ ِ‬ ‫ه فَل ْي ُن ْ ِ‬ ‫ن قُدَِر عَل َي ْهِ رِْزقُ ُ‬‫م ْ‬‫تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫سًرا { ] الطلق ‪.[7 :‬‬ ‫سرٍ ي ُ ْ‬‫ه ب َعْد َ عُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫جعَ ُ‬‫سي َ ْ‬
‫ها َ‬
‫آَتا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قدَِر عَلي ْهِ { )‪ ، (8‬أي ‪ :‬نقضي عليه ‪،‬‬ ‫ن نَ ْ‬
‫نل ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وقال عطية الَعوفي ‪ } :‬فَظ ّ‬
‫در بمعنى واحد ‪،‬‬ ‫در وقَ ّ‬ ‫كأنه جعل ذلك بمعنى التقدير ‪ ،‬فإن العرب تقول ‪ :‬ق َ‬
‫وقال الشاعر ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة الصافات اليات ‪ ، (148 - 139) :‬وسورة نون )القلم( اليات ‪) :‬‬
‫‪.(50 - 48‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ولجؤوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬العذاب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تغرق بهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬فأتوا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬فوقعت القرعة عليه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬واختارهم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(5/366‬‬

‫مُر‪...‬‬
‫ك ال ْ‬ ‫ن ‪ ،‬فَل َ َ‬ ‫قدْر ي َك ُ ْ‬
‫ضى‪ ...‬تباركت ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬
‫ن الذي َ‬ ‫ما ُ‬‫ك الّز َ‬‫عائد َذا َ‬ ‫َفل َ‬
‫َ‬
‫مرٍ قَد ْ قُدَِر { ]القمر ‪ ، [12 :‬أي ‪:‬‬ ‫ماُء عََلى أ ْ‬ ‫قى ال ْ َ‬‫ومنه قوله تعالى ‪َ } :‬فال ْت َ َ‬
‫قدر‪.‬‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن‬ ‫حا‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَنادى في الظ ّل ُمات أ َن ل إل َه إل أ َ‬
‫ْ ُ ِ َ‬ ‫ِ َ ِ ْ َ ُ ْ َ َ ِّ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬
‫ن { قال ابن مسعود ‪ :‬ظلمة بطن الحوت ‪ ،‬وظلمة البحر ‪ ،‬وظلمة‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫جَبير ‪،‬‬‫الليل‪ .‬وكذا روي عن ابن عباس )‪ ، (1‬وعمرو بن ميمون ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫ومحمد بن كعب ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫حوت في بطن حوت )‪ ، (2‬في ظلمة‬ ‫ة ُ‬‫وقال سالم بن أبي الجعد ‪ :‬ظلم ُ‬
‫البحر‪.‬‬
‫ت في البحار‬ ‫ن عباس وغيرهما ‪ :‬وذلك أنه ذهب به الحو ُ‬ ‫قال ابن مسعود ‪ ،‬واب ُ‬
‫س تسبيح الحصى في‬ ‫قها ‪ ،‬حتى انتهى به إلى قرار البحر ‪ ،‬فسمع )‪ (3‬يون ُ‬ ‫ش ّ‬‫يَ ُ‬
‫َ‬
‫حان َك {‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سب ْ َ‬
‫ت ُ‬ ‫ه ِإل أن ْ َ‬ ‫قراره ‪ ،‬فعند ذلك وهنالك قال ‪ } :‬ل إ ِل َ‬
‫وقال عوف ‪ :‬لما صار يونس في بطن الحوت ‪ ،‬ظن أنه قد مات ‪ ،‬ثم حرك‬
‫دا )‬
‫رجليه فلما تحركت سجد مكانه ‪ ،‬ثم نادى ‪ :‬يا رب )‪ ، (4‬اتخذت لك مسج ً‬
‫‪ (5‬في موضع ما اتخذه )‪ (6‬أحد‪.‬‬
‫ما‪.‬‬
‫وقال سعيد بن أبي الحسن البصري ‪ :‬مكث في بطن الحوت أربعين يو ً‬
‫رواهما )‪ (7‬ابن جبير‪.‬‬
‫سار ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن عبد الله بن رافع ‪ -‬مولى‬ ‫وقال محمد بن إسحاق بن ي َ َ‬
‫ت أبا هريرة يقول ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫أم سلمة ‪ -‬سمع ُ‬
‫س يونس في بطن الحوت ‪ ،‬أوحى الله إلى الحوت أن خذه‬ ‫حب ْ َ‬
‫" لما أراد الله َ‬
‫‪ ،‬ول تخدش لحما ول تكسر عظما ‪ ،‬فلما انتهى به إلى أسفل البحر ‪ ،‬سمع‬
‫سا ‪ ،‬فقال في نفسه ‪ :‬ما هذا ؟ فأوحى الله إليه ‪ ،‬وهو في بطن )‪(8‬‬ ‫يونس ح ً‬
‫سّبح وهو في بطن الحوت ‪،‬‬ ‫الحوت ‪ :‬إن هذا تسبيح دواب البحر‪ .‬قال ‪ :‬فَ َ‬
‫فا ]بأرض‬‫فسمع )‪ (9‬الملئكة تسبيحه فقالوا ‪ :‬يا ربنا ‪ ،‬إنا نسمع صوًتا ضعي ً‬
‫غريبة[ )‪ (10‬قال ‪ :‬ذلك عبدي يونس ‪ ،‬عصاني فحبسته في بطن الحوت في‬
‫البحر‪ .‬قالوا ‪ :‬العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عم ٌ‬
‫ل‬
‫صالح ؟‪ .‬قال ‪ :‬نعم"‪ .‬قال ‪" :‬فشفعوا له عند ذلك ‪ ،‬فأمر الحوت فقذفه في‬
‫م { ]الصافات ‪.[145 :‬‬ ‫قي ٌ‬
‫س ِ‬
‫الساحل ‪ ،‬كما قال الله عز وجل ‪ } (11) :‬وَهُوَ َ‬
‫ورواه ابن جرير )‪ ، (12‬ورواه البزار في مسنده ‪ ،‬من طريق محمد بن‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن عبد الله بن رافع ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬فذكره بنحوه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ل‬
‫نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إل من هذا الوجه بهذا السناد )‬
‫‪ ، (13‬وروى ابن عبد الحق من حديث شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪ ،‬عن عبد‬
‫مة )‪، (14‬‬‫سل َ‬‫الله بن َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬ابن مسعود"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حوت آخر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حتى يسمع" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬حتى سمع"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬رب الحوت"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬مسجد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما أخده"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬رواها"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬وهو ببطن"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فسمعت"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬الله تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (12‬تفسير الطبري )‪.(17/65‬‬
‫)‪ (13‬مسند البزار برقم )‪" (2254‬كشف الستار"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬مسلم"‪.‬‬

‫) ‪(5/367‬‬

‫عا ‪ :‬ل ينبغي لعبد أن يقول ‪ " :‬أنا )‪ (1‬خير من يونس بن متى"‬‫عن علي مرفو ً‬
‫؛ سبح لله في الظلمات )‪.(2‬‬
‫وقد روي هذا الحديث بدون هذه الزيادة ‪ ،‬من حديث ابن عباس ‪ ،‬وابن‬
‫مسعود ‪ ،‬وعبد الله بن جعفر ‪ ،‬وسيأتي أسانيدها في سورة "ن" )‪.(3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحمن بن أخي ابن‬
‫وهب ‪ ،‬حدثنا عمي ‪ :‬حدثني أبو صخر ‪ :‬أن يزيد الرقاشي حدثه قال ‪ :‬سمعت‬
‫أنس بن مالك ‪ -‬ول أعلم إل أن أنسا يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬أن يونس النبي ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين بدا له أن يدعو بهذه‬
‫الكلمات وهو في بطن الحوت ‪ ،‬قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬سبحانك ‪ ،‬إني‬
‫كنت من الظالمين"‪ .‬فأقبلت هذه الدعوة تحف بالعرش )‪ ، (4‬فقالت الملئكة‬
‫‪ :‬يا رب ‪ ،‬صوت ضعيف معروف من بلد غريبة ؟ فقال ‪ :‬أما تعرفون ذاك )‪(5‬‬
‫؟ قالوا ‪ :‬ل يا رب )‪ ، (6‬ومن هو ؟ قال ‪ :‬عبدي يونس‪ .‬قالوا ‪ :‬عبدك يونس‬
‫ل متقبل )‪ ، (7‬ودعوة مجابة ؟‪] .‬قال ‪ :‬نعم[ )‪.(8‬‬ ‫م ٌ‬‫الذي لم يزل ُيرَفع له عَ َ‬
‫قالوا ‪ :‬يا رب ‪ ،‬أ ََول )‪ (9‬ترحم ما كان يصنع )‪ (10‬في الرخاء فتنجَيه من البلء‬
‫؟ قال ‪ :‬بلى‪ .‬فأمر الحوت فطرحه في العراء )‪.(11‬‬
‫م { أي ‪ :‬أخرجناه من بطن الحوت ‪،‬‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬ ‫م َ‬
‫جي َْناه ُ ِ‬ ‫ه وَن َ ّ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فا ْ‬
‫ست َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إذا كانوا في الشدائد‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ْ‬
‫جي ال ُ‬ ‫ك ن ُن ْ ِ‬ ‫وتلك الظلمات ‪ } ،‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫عونا منيبين إلينا ‪ ،‬ول سيما إذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلء ‪ ،‬فقد جاء‬ ‫ود َ َ‬
‫الترغيب في الدعاء بها عن سيد النبياء ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫مر ‪ ،‬حدثنا يونس بن أبي إسحاق الهمداني ‪ ،‬حدثنا‬ ‫حدثنا إسماعيل بن عُ َ‬
‫إبراهيم بن محمد )‪ (12‬ابن سعد ‪ ،‬حدثني والدي محمد عن أبيه سعد ‪ - ،‬وهو‬
‫ابن أبي وقاص ‪ -‬قال ‪ :‬مررت بعثمان بن عفان ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬في‬
‫ي السلم ‪ ،‬فأتيت‬ ‫المسجد ‪ ،‬فسلمت عليه ‪ ،‬فمل عينيه مني ثم لم َيرد ُد ْ عل ّ‬
‫عمر بن الخطاب فقلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬هل حدث في السلم شيء ؟‬
‫ت بعثمان )‪ (13‬آنفا في‬ ‫مرتين ‪ ،‬قال ‪ :‬ل وما ذاك ؟ قلت ‪ :‬ل إل أني مرر ُ‬
‫المسجد ‪ ،‬فسلمت عليه ‪ ،‬فمل عينيه مني ‪ ،‬ثم لم ي َْرُدد )‪ (14‬علي السلم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما منعك أل تكون َرَددت على‬
‫أخيك‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬أنا عند الله خير"‪.‬‬
‫)‪ (2‬كذا )ابن عبد الحق( ‪ ،‬وأظنه تحريف عن عبد بن حميد ‪ ،‬إل أني ل أجزم‬
‫بذلك ‪ ،‬وقد ذكره الهندي في كنز العمال )‪ (12/476‬وعزاه لبن أبي شيبة‬
‫وعبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر في تاريخه‪.‬‬
‫)‪ (3‬كذا قال الحافظ ابن كثير ‪ ،‬وإنما ذكره هناك من حديث ابن مسعود وأبي‬
‫هريرة رضي الله عنهما‪.‬‬
‫فأما حديث ابن عباس ‪ :‬فرواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (3395‬ومسلم‬
‫في صحيحه برقم )‪.(2377‬‬
‫وأما حديث عبد الله بن جعفر ‪ :‬فرواه أبو داود في السنن برقم )‪.(4670‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬نحو العرش" وفي ف ‪" :‬تحت العرش"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يا ربنا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬متقبل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أفل"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يصنعه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬ورواه ابن أبي الدنيات في الفرج بعد الشدة برقم )‪ (32‬من طريق‬
‫أحمد بن صالح عن عبد الله بن وهب به‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬محمد بن إبراهيم"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بعثمان بن عفان رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪" :‬يرد"‪.‬‬

‫) ‪(5/368‬‬
‫ف وحلفت ‪،‬‬ ‫ت ‪ :‬بلى )‪ (1‬حتى حل َ‬ ‫ت‪ .‬قال سعد ‪ :‬قل ُ‬ ‫السلم ؟ قال ‪ :‬ما فعل ُ‬
‫قال ‪ :‬ثم إن عثمان ذكَر فقال ‪ :‬بلى ‪ ،‬وأستغفر الله وأتوب إليه ‪ ،‬إنك مررت‬
‫دث نفسي بكلمة سمعُتها من رسول الله صلى الله عليه‬ ‫بي آنفا وأنا أح ّ‬
‫شاوة‪ .‬قال سعد ‪ :‬فأنا‬ ‫شى بصري وقلبي غ َ‬ ‫وسلم ل والله ما ذكرتها قط إل ت َغْ َ‬
‫أنبئك بها ‪ ،‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لنا ]أول دعوة[ )‪ (2‬ثم‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته ‪،‬‬ ‫جاء أعرابي فشغله ‪ ،‬حتى َقام رسو ُ‬
‫ي‬‫فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربت بقدمي الرض ‪ ،‬فالتفت إل ّ‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬من هذا ؟ أبو إسحاق ؟" قال ‪:‬‬ ‫رسو ُ‬
‫ت لنا‬ ‫قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬يا رسول الله‪ .‬قال ‪" :‬فمه ؟" قلت ‪ :‬ل والله ‪ ،‬إل أنك ذكر َ‬
‫أول دعوة ‪ ،‬ثم جاء هذا العرابي فشغلك‪ .‬قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬دعوةُ ذي النون ‪ ،‬إذ‬
‫ن ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ك إ ِّني ك ُن ْ ُ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ت ُ‬ ‫ه ِإل أن ْ َ‬ ‫هو في بطن الحوت ‪ } :‬ل إ ِل َ َ‬
‫فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إل استجاب له"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬والنسائي في "اليوم والليلة" ‪ ،‬من حديث إبراهيم بن محمد‬
‫بن سعد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن سعد )‪ ، (3‬به )‪.(4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد الحمر ‪ ،‬عن ك َِثير‬
‫بن زيد ‪ ،‬عن المطلب بن حنطب ‪ -‬قال أبو خالد ‪ :‬أحسبه عن مصعب ‪،‬‬
‫يعني ‪ :‬ابن سعد ‪ -‬عن سعد )‪ (5‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫جيب )‪ (6‬له"‪ .‬قال أبو سعيد ‪ :‬يريد به‬ ‫وسلم ‪" :‬من دعا بدعاء يونس ‪ ،‬است ُ ِ‬
‫ن { )‪.(7‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫جي ال ْ ُ‬ ‫ك ن ُن ْ ِ‬‫} وَك َذ َل ِ َ‬
‫كلعي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن صالح ‪،‬‬ ‫كار ال َ‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني عمران بن ب َ ّ‬
‫شر بن منصور ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪،‬‬ ‫حدثنا أبو يحيى بن عبد الرحمن ‪ ،‬حدثني ب ِ ْ‬
‫عن سعيد بن المسيب قال ‪ :‬سمعت سعد بن مالك ‪ -‬وهو ابن أبي وقاص ‪-‬‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬اسم الله الذي إذا‬ ‫يقول ‪ :‬سمعت رسو َ‬
‫سِئل به أعطى ‪ ،‬دعوة ُ يونس بن متى"‪ .‬قال ‪ :‬قلت )‬ ‫ُدعي به أجاب ‪ ،‬وإذا ُ‬
‫‪ : (8‬يا رسول الله ‪ ،‬هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال ‪ :‬هي‬
‫ليونس بن متى خاصة وللمؤمنين عامة ‪ ،‬إذا دعوا بها ‪ ،‬ألم تسمع قول الله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ك إ ِّني ك ُن ْ ُ‬‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ت ُ‬ ‫ه ِإل أن ْ َ‬ ‫ن ل إ ِل َ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما ِ‬‫عز وجل ‪ : } :‬فََناَدى ِفي الظ ّل ُ َ‬
‫ن {‪ .‬فهو شرط‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫جي ال ْ ُ‬ ‫م وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك ن ُن ْ ِ‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬ ‫م َ‬‫جي َْناه ُ ِ‬ ‫ه وَن َ ّ‬‫جب َْنا ل َ ُ‬‫ست َ َ‬‫ن‪َ .‬فا ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫من الله لمن دعاه به" )‪.(9‬‬
‫سَريج ‪ ،‬حدثنا داود بن‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن أبي ُ‬
‫ذم المقدسي ‪ ،‬عن كثير بن معبد قال ‪ :‬سألت الحسن ‪ ،‬قلت ‪:‬‬ ‫ح َ‬‫حّبر بن قَ ْ‬ ‫م َ‬‫ال ُ‬
‫يا أبا سعيد ‪ ،‬اسم الله العظم الذي إذا دعي به أجاب ‪ ،‬وإذا سئل به‬
‫ن إ ِذ ْ ذ َهَ َ‬
‫ب‬ ‫ن أخي ‪ ،‬أما تقرأ القرآن ؟ قول الله ‪ } :‬وََذا الّنو ِ‬ ‫أعطى ؟ قال ‪ :‬اب َ‬
‫ضًبا {‬ ‫مَغا ِ‬ ‫ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬ويلي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ابن سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (1/170‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3505‬وسنن النسائي الكبرى‬
‫برقم )‪.(10492‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬عن سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬استجبت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/584‬من طريق يحيى بن عبد الحميد ‪،‬‬
‫وابن عدي في الكامل )‪ (6/68‬من طريق أبي هشام الرفاعي كلهما عن أبي‬
‫خالد الحمر به‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فقلت"‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪.(17/65‬‬

‫) ‪(5/369‬‬

‫َ‬
‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ن )‪َ (89‬فا ْ‬
‫ست َ َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬
‫وارِِثي َ‬ ‫ت َ‬‫ب َل ت َذ َْرِني فَْرًدا وَأن ْ َ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫وََزك َرِّيا إ ِذ ْ َناَدى َرب ّ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عون ََنا‬‫ت وَي َد ْ ُ‬ ‫خي َْرا ِ‬
‫ن ِفي ال َ‬ ‫عو َ‬‫سارِ ُ‬ ‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫م َ‬
‫ه إ ِن ّهُ ْ‬
‫ج ُ‬
‫ه َزوْ َ‬
‫حَنا ل ُ‬ ‫صل ْ‬‫حَيى وَأ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬‫وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬‫كاُنوا ل ََنا َ‬‫َرغًَبا وََرهًَبا وَ َ‬

‫ن { ‪ ،‬ابن أخي ‪ ،‬هذا اسم الله العظم ‪ ،‬الذي إذا ُدعي‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫إلى قوله ‪ } :‬ال ْ ُ‬
‫به أجاب ‪ ،‬وإذا سئل به أعطى‪.‬‬
‫َ‬
‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ست َ َ‬‫ن )‪َ (89‬فا ْ‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ب ل ت َذ َْرِني فَْرًدا وَأن ْ َ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫} وََزك َرِّيا إ ِذ ْ َناَدى َرب ّ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عون ََنا‬
‫ت وَي َد ْ ُ‬‫خي َْرا ِ‬ ‫ن ِفي ال َ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ج ُ‬
‫ه َزوْ َ‬ ‫حَنا ل ُ‬ ‫صل َ ْ‬‫حَيى وَأ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫ن )‪.{ (90‬‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫كاُنوا ل ََنا َ‬ ‫َرغًَبا وََرهًَبا وَ َ‬
‫يخبر تعالى عن عبده زكريا ‪ ،‬حين طلب أن َيهَبه الله ولدا ‪ ،‬يكون من بعده‬
‫نبًيا‪ .‬وقد تقدمت القصة مبسوطة في أول سورة "مريم" وفي سورة "آل‬
‫ه { أي ‪ :‬خفية عن قومه ‪:‬‬ ‫عمران" أيضا ‪ ،‬وهاهنا أخصر منهما ؛ } إ ِذ ْ َناَدى َرب ّ ُ‬
‫ث يقوم بعدي في الناس ‪،‬‬ ‫ب ل ت َذ َْرِني فَْرًدا { أي ‪ :‬ل ولد َ لي ول وار َ‬ ‫} َر ّ‬
‫ن { دعاء وثناء مناسب للمسألة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وارِِثي َ‬ ‫خي ُْر ال َ‬ ‫ت َ‬ ‫} وَأن ْ َ‬
‫َ‬
‫ه { أي ‪:‬‬ ‫ج ُ‬
‫ه َزوْ َ‬ ‫حَنا ل َ ُ‬
‫صل َ ْ‬‫حَيى وَأ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ه وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬‫ست َ َ‬ ‫قال الله تعالى ‪َ } :‬فا ْ‬
‫امرأته‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ :‬كانت عاقرا ل تلد ‪ ،‬فولدت‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن مهدي )‪ ، (1‬عن طلحة بن عمرو ‪ ،‬عن عطاء ‪ :‬كان في‬
‫خْلقها شيء فأصلحها الله‪.‬‬ ‫لسانها طول فأصلحها الله‪ .‬وفي رواية ‪ :‬كان في َ‬
‫دي‪ .‬والظهر من السياق الول‪.‬‬ ‫وهكذا قال محمد بن كعب ‪ ،‬والس ّ‬
‫قُربات وفعل‬ ‫ت { أي ‪ :‬في عمل ال ُ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫عون ََنا َرغًَبا وََرهًَبا { قال الثوري ‪َ } :‬رغًَبا { فيما عندنا ‪،‬‬ ‫الطاعات ‪ } ،‬وَي َد ْ ُ‬
‫ن { قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا لَنا َ‬ ‫} وََرهًَبا { مما عندنا ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ابن عباس ‪ :‬أي مصدقين بما أنزل الله‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬مؤمنين حقا‪ .‬وقال أبو‬
‫سَنان ‪ :‬الخشوع هو الخوف اللزم للقلب ‪ ،‬ل‬ ‫العالية ‪ :‬خائفين‪ .‬وقال أبو ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬متواضعين‪ .‬وقال الحسن ‪،‬‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ضا } َ‬ ‫دا‪ .‬وعن مجاهد أي ً‬ ‫يفارقه أب ً‬
‫ن { أي ‪ :‬متذللين لله عز وجل‪ .‬وكل هذه‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪َ } :‬‬
‫القوال متقاربة‪ .‬وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن محمد‬
‫ي ‪ ،‬حدثنا محمد بن فضيل ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق بن )‪(2‬‬ ‫الط َّناِفس ّ‬
‫عبد الله القرشي ‪ ،‬عن عبد الله بن حكيم قال ‪ :‬خطبنا أبو بكر ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬فإني أوصيكم بتقوى الله ‪ ،‬وُتثُنوا عليه بما هو له أهل‬
‫‪ ،‬وتخلطوا الرغبة بالرهبة ‪ ،‬وتجمعوا اللحاف بالمسألة ‪ ،‬فإن الله عز وجل‬
‫ت‬ ‫خي َْرا ِ‬‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫أثنى على زكريا وأهل بيته ‪ ،‬فقال ‪ } :‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫كاُنوا ل ََنا َ‬ ‫عون ََنا َرغًَبا وََرهًَبا وَ َ‬ ‫وَي َد ْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ابن منبه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عن"‪.‬‬

‫) ‪(5/370‬‬

‫ها َواب ْن ََها آ َي َ ً‬ ‫َ‬


‫ن )‪(91‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫حَنا وَ َ‬‫ن ُرو ِ‬ ‫م ْ‬‫خَنا ِفيَها ِ‬ ‫ف ْ‬‫جَها فَن َ َ‬‫ت فَْر َ‬‫صن َ ْ‬
‫ح َ‬ ‫َوال ِّتي أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫إن هَذه أ ُمتك ُ ُ‬
‫م كُ ّ‬
‫ل‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫قط ُّعوا أ ْ‬ ‫ن )‪ (92‬وَت َ َ‬ ‫دو ِ‬‫م َفاعْب ُ ُ‬‫حد َة ً وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ة َوا ِ‬‫م ً‬
‫مأ ّ‬‫ِ ّ ِ ِ ّ ُ ْ‬
‫ه‬
‫سعْي ِ ِ‬
‫ن لِ َ‬ ‫فَرا َ‬ ‫َ‬
‫ن فَل ك ُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ت وَهُوَ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬‫ن )‪ (93‬فَ َ‬ ‫جُعو َ‬ ‫إ ِل َي َْنا َرا ِ‬
‫ن )‪(94‬‬ ‫ه َ‬
‫كات ُِبو َ‬ ‫وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫ها َواب ْن ََها آي َ ً‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫حَنا وَ َ‬ ‫ن ُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خَنا ِفيَها ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫جَها فَن َ َ‬ ‫ت فَْر َ‬ ‫صن َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫} َوال ِّتي أ ْ‬
‫‪.{ (91‬‬
‫هكذا قََرن تعالى )‪ (1‬قصة مريم وابنها عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بقصة زكريا‬
‫وابنه يحيى ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬فيذكر أول قصة زكريا ‪ ،‬ثم يتبعها بقصة مريم ؛‬
‫طئة لهذه ‪ ،‬فإنها إيجاد ولد من شيخ كبير قد ط ََعن في السن ‪،‬‬ ‫مو َ ّ‬ ‫لن تلك ُ‬
‫ومن امرأة عجوز عاقر لم تكن تلد في حال شبابها ‪ ،‬ثم يذكر قصة مريم‬
‫وهي أعجب ‪ ،‬فإنها إيجاد ولد من أنثى بل ذكر‪ .‬هكذا وقع في سورة "آل‬
‫عمران" ‪ ،‬وفي سورة "مريم" ‪ ،‬وهاهنا ذكر قصة زكريا ‪ ،‬ثم أتبعها بقصة‬
‫َ‬
‫جَها { يعني ‪ :‬مريم ‪ ،‬عليها السلم ‪ ،‬كما‬ ‫ت فَْر َ‬ ‫صن َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫مريم ‪ ،‬فقوله ‪َ } :‬وال ِّتي أ ْ‬
‫َ‬
‫خَنا‬ ‫ف ْ‬ ‫جَها فَن َ َ‬ ‫ت فَْر َ‬ ‫صن َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ِّتي أ ْ‬ ‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م اب ْن َ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫قال في سورة التحريم ‪ } :‬وَ َ‬
‫حَنا { ]التحريم ‪.[12 :‬‬ ‫ن ُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِفيهِ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬دللة على أن الله على كل‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ة ل ِلَعال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ها َواب ْن ََها آي َ ً‬ ‫جعَلَنا َ‬ ‫ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مُره ُ إ َِذا أَراد َ َ‬ ‫َ‬
‫هك ْ‬ ‫قول ل ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫شي ْئا أ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫شيء قدير ‪ ،‬وأنه يخلق ما يشاء ‪ ،‬و } إ ِن ّ َ‬
‫س { ]مريم ‪.[21 :‬‬ ‫َ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫ة ِللّنا ِ‬ ‫ه آي َ ً‬ ‫جعَل ُ‬ ‫ن { ]يس ‪ .[82 :‬وهذا كقوله ‪ } :‬وَل ِن َ ْ‬ ‫كو ُ‬
‫مرو بن علي ‪ ،‬حدثنا أبو عاصم‬ ‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عَ ْ‬
‫شِبيب )‪ - (3‬يعني ابن بشر )‪ - (4‬عن عكرمة ‪،‬‬ ‫خّلد )‪ (2‬عن َ‬ ‫م َ‬‫الضحاك بن ُ‬
‫ن { قال ‪ :‬العالمين ‪ :‬الجن والنس‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫عن ابن عباس ‪ ،‬في قوله ‪ } :‬ل ِل َْعال َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫} إن هَذه أ ُمتك ُ ُ‬
‫م‬
‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫قط ُّعوا أ ْ‬ ‫ن )‪ (92‬وَت َ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫م َفاعْب ُ ُ‬ ‫حد َة ً وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫ِ ّ ِ ِ ّ ُ ْ‬
‫ن‬
‫فَرا َ‬ ‫ن َفل ك ُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت وَهُوَ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (93‬فَ َ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ل إ ِل َي َْنا َرا ِ‬ ‫كُ ّ‬
‫ن )‪.{ (94‬‬ ‫كات ُِبو َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫سعْي ِهِ وَإ ِّنا ل ُ‬ ‫لِ َ‬
‫جب َْير ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‬ ‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫حد َة ً { يقول ‪ :‬دينكم دين واحد‪.‬‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫في قوله ‪ } :‬إن )‪ (5‬هَذه أ ُمتك ُ ُ‬
‫مأ ّ‬ ‫ِ ِ ّ ُ ْ‬ ‫ِ ّ‬
‫وقال الحسن البصري ؛ في )‪ (6‬هذه الية ‪ :‬بين لهم ما يتقون وما يأتون ثم‬
‫ن‬ ‫قال ‪ } :‬إن هَذه أ ُمتك ُ ُ‬
‫حد َة ً { أي ‪ :‬سنتكم سنة واحدة‪ .‬فقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫ِ ّ ِ ِ ّ ُ ْ‬
‫م { خبر إن ‪ ،‬أي ‪ :‬هذه شريعتكم التي بينت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مت ُك ْ‬ ‫ن واسمها ‪ ،‬و } أ ّ‬ ‫هَذِهِ { إ ّ‬
‫حد َة ً { نصب )‪ (7‬على الحال ؛ ولهذا‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫ُ‬
‫لكم ووضحت لكم ‪ ،‬وقوله ‪ } :‬أ ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ن الطي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سل كلوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ما قال ‪َ } :‬يا أي َّها الّر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن{‪،‬ك َ‬ ‫دو ِ‬ ‫م َفاعْب ُ ُ‬ ‫قال ‪ } :‬وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫واعْمُلوا صال ِحا إني بما تعمُلون عَِليم * وإن هَذه أ ُمتك ُ ُ‬
‫م‬ ‫حد َة ً وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫َِ ّ ِ ِ ّ ُ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ً ِّ ِ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ن { ]المؤمنون ‪ ، [52 ، 51 :‬وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫َفات ّ ُ ِ‬
‫قو‬
‫علت ديننا واحد" ‪ ،‬يعني ‪ :‬أن المقصود هو عبادة‬ ‫"نحن معشر النبياء أولد َ‬
‫جعَل َْنا‬ ‫ل َ‬ ‫الله وحده ل شريك له بشرائع متنوعة لرسله ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ل ِك ُ ّ‬
‫جا { ]المائدة ‪.[48 :‬‬ ‫من َْها ً‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫شْرعَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ِ‬
‫__________‬
‫ت ‪" :‬يقرن الله تعالى" وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يقرن تعالى"‪.‬‬ ‫في‬ ‫)‪(1‬‬
‫ف ‪" :‬عن مجلز"‪.‬‬ ‫في‬ ‫)‪(2‬‬
‫ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬شعيب"‪.‬‬ ‫في‬ ‫)‪(3‬‬
‫ف ‪" :‬بشير"‪.‬‬ ‫في‬ ‫)‪(4‬‬
‫ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وإن"‪.‬‬ ‫في‬ ‫)‪(5‬‬
‫ت ‪" :‬من"‪.‬‬ ‫في‬ ‫)‪(6‬‬
‫ت ‪" :‬نصيب"‪.‬‬ ‫في‬ ‫)‪(7‬‬

‫) ‪(5/371‬‬

‫ْ‬ ‫وحرام عََلى قَرية أ َهْل َك ْنا َ َ‬


‫ج‬
‫جو ُ‬
‫ت ي َأ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫حّتى إ َِذا فُت ِ َ‬‫ن )‪َ (95‬‬ ‫م َل ي َْر ِ‬
‫جُعو َ‬ ‫ها أن ّهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ٍ‬ ‫َ َ َ ٌ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫و ْ‬
‫حقّ فَإ َِذا هِ َ‬
‫ي‬ ‫ب الوَعْد ُ ال َ‬ ‫ن )‪َ (96‬واقْت ََر َ‬ ‫سلو َ‬ ‫ب ي َن ْ ِ‬
‫حد َ ٍ‬ ‫ل َ‬‫نك ّ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ج وَهُ ْ‬ ‫جو ُ‬ ‫مأ ُ‬‫َ َ‬
‫ن)‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ذا ب َ ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فُروا َيا وَي ْلَنا قَد ْ كّنا ِفي غ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬
‫ل كّنا ظال ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فلةٍ ِ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫صاُر ال ِ‬ ‫ة أب ْ َ‬
‫ص ٌ‬‫خ َ‬ ‫شا ِ‬
‫‪(97‬‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬اختلفت المم على رسلها ‪ ،‬فمن بين‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫قط ُّعوا أ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يوم القيامة ‪،‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلي َْنا َرا ِ‬ ‫صدق لهم ومكذب ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ك ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫فيجاَزى كل بحسب عمله ‪ ،‬إن خيًرا فخير ‪ ،‬وإن شًرا فشر ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫ن { أي ‪ :‬قلبه مصدق ‪ ،‬وعمل عمل‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت وَهُوَ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫} فَ َ‬
‫مل {‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صالحا ‪َ } ،‬فل ك ْ‬
‫ن عَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر َ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫سعْي ِهِ { ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬إ ِّنا ل ن ُ ِ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫فَرا َ‬
‫شكر ‪ ،‬فل يظلم مثقال‬ ‫َ‬ ‫فر سعُيه ‪ ،‬وهو عمله ‪ ،‬بل ي ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫]الكهف ‪ [30 :‬أي ‪ :‬ل ي ُك َ‬
‫ن { أي ‪ُ :‬يكتب جميعُ عمله ‪ ،‬فل َيضيع عليه‬ ‫ه كات ُِبو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذرة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَإ ِّنا ل ُ‬
‫منه شيء‪.‬‬
‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جو ُ‬ ‫ت ي َأ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫حّتى إ ِذا فت ِ َ‬ ‫ن )‪َ (95‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ل ي َْر ِ‬ ‫ها أن ّهُ ْ‬ ‫م عَلى قْري َةٍ أهْلكَنا َ‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫} وَ َ‬
‫ي‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ق‬ ‫وا‬ ‫(‬ ‫‪96‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫و ْ‬
‫َ ْ ُ َ ّ ِ ِ َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٍ َْ ِ‬ ‫مأ ُ ُ َ ُ ْ ِ ْ‬
‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ج‬ ‫جو‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مي‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ل‬ ‫ظا‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫ه‬
‫ٍ ِ ْ َ‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫في‬ ‫ْ ّ ِ‬‫نا‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫نا‬
‫َ َْ َ‬‫ل‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫يا‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ ِ َ ٌ ْ َ ُ‬
‫ر‬ ‫صا‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ص‬ ‫خ‬ ‫شا‬
‫‪.{ (97‬‬
‫م عََلى قَْري َةٍ { قال ابن عباس ‪ :‬وجب ‪ ،‬يعني ‪ :‬قدًرا‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫قدًرا )‪ (1‬أن أهل كل )‪ (2‬قرية )‪ (3‬أهلكوا أنهم ل يرجعون إلى الدنيا قبل‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫يوم القيامة‪ .‬هكذا صرح به ابن عباس ‪ ،‬وأبو جعفر الباقر ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير‬
‫واحد‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يتوبون‪.‬‬ ‫َ‬
‫جُعو َ‬ ‫م ل ي َْر ِ‬ ‫وفي رواية عن ابن عباس ‪ } :‬أن ّهُ ْ‬
‫والقول الول أظهر ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ج { ‪ :‬قد قدمنا أنهم من سللة آدم ‪،‬‬ ‫جو ُ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ج وَ َ‬ ‫جو ُ‬ ‫ت ي َأ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫حّتى إ َِذا فُت ِ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬بل هم من نسل نوح أيضا )‪ (4‬من أولد يافث أبي الترك ‪،‬‬
‫والترك شرذمة منهم ‪ ،‬تركوا من وراء السد الذي بناه ذو القرنين‪.‬‬
‫ن وَعْد ُ َرّبي‬ ‫كا َ‬ ‫كاَء وَ َ‬ ‫ه دَ ّ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫جاَء وَعْد ُ َرّبي َ‬ ‫ن َرّبي فَإ َِذا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا َر ْ‬ ‫وقال ‪ } :‬هَ َ‬
‫مًعا {‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ّ ِ َ َ َْ ُ ْ َ ْ‬ ‫نا‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫صو‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫َ‬
‫خ‬
‫َْ ٍ َُِ ِ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫في‬ ‫قا‪ .‬وَت ََرك َْنا َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ِ ٍ َ ُ ُ ِ‬
‫ج‬ ‫مو‬ ‫ي‬ ‫ذ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ج‬ ‫جو‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الكريمة‬ ‫الية‬ ‫هذه‬ ‫في‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪99‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]الكهف‬
‫ِ َ ْ َ ُ ُ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫و ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬يسرعون في المشي إلى‬ ‫سُلو َ‬ ‫ب ي َن ْ ِ‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ج وَهُ ْ‬ ‫جو ُ‬ ‫مأ ُ‬ ‫َ َ‬
‫الفساد‪.‬‬
‫دب ‪ :‬هو المرتفع من الرض ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وأبو صالح ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫وال َ‬
‫والثوري وغيرهم ‪ ،‬وهذه صفتهم في حال خروجهم ‪ ،‬كأن السامع مشاهد‬
‫خِبيرٍ { ]فاطر ‪ : [14 :‬هذا إخبار عالم ما كان وما‬ ‫مث ْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫لذلك ‪َ } ،‬ول ي ُن َب ّئ ُ َ‬
‫ك ِ‬
‫يكون ‪ ،‬الذي يعلم غيب السموات والرض ‪ ،‬ل إله إل هو‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن مثنى ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪،‬‬
‫عن عَُبيد الله بن أبي يزيد قال ‪ :‬رأى اُبن عباس صبيانا ينزو بعضهم على‬
‫بعض ‪ ،‬يلعبون ‪ ،‬فقال ابن عباس ‪ :‬هكذا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬مقدورا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬إن كل أهل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬القرية"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬

‫) ‪(5/372‬‬

‫يخرج يأجوج ومأجوج )‪.(1‬‬


‫وقد ورد ذكر خروجهم في أحاديث متعددة من السنة النبوية ‪:‬‬
‫فالحديث الول ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ابن‬
‫مر بن قتادة ‪ ،‬عن محمود بن َلبيد ‪ ،‬عن أبي سعيد‬ ‫إسحاق ‪ ،‬عن عاصم بن عُ َ‬
‫ج‬
‫الخدري قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ُ" :‬يفَتح يأجو ُ‬
‫ب‬
‫حد َ ٍ‬‫ل َ‬‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬
‫م [ )‪ِ (2‬‬ ‫ج ‪ ،‬فيخرجون كما قال الله عز وجل" ‪] } :‬وَهُ ْ‬ ‫ومأجو ُ‬
‫ن الناس ‪ ،‬وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم‬ ‫ن { ‪ ،‬فيغشو َ‬ ‫سُلو َ‬
‫ي َن ْ ِ‬
‫ضهم‬ ‫)‪ ، (3‬ويضمون إليهم مواشَيهم ‪ ،‬ويشربون مياه الرض ‪ ،‬حتى إن بع َ‬
‫ن بعدهم ليمر‬ ‫م ْ‬‫ليمر بالنهر ‪ ،‬فيشربون ما فيه حتى يتركوه ي ََبسا ‪ ،‬حتى إن َ‬
‫بذلك النهر فيقول )‪ : (4‬قد كان هاهنا ماء مرة ً حتى إذا لم يبقَ من الناس‬
‫ل الرض ‪ ،‬قد فرغنا‬ ‫أحد إل أحد ٌ في حصن أو مدينة قال قائلهم ‪ :‬هؤلء أه ُ‬
‫ل السماء‪ .‬قال ‪" :‬ثم يهّز أحدهم حربته ‪ ،‬ثم يرمي بها إلى‬ ‫منهم ‪ ،‬بقي أه ُ‬
‫ة دما ؛ للبلء والفتنة‪ .‬فبينما هم على ذلك إذ بعث‬ ‫خَتضب َ ً‬ ‫م ْ‬
‫السماء ‪ ،‬فترجع إليه ُ‬
‫الله عز وجل دودا في أعناقهم كن ََغف الجراد الذي يخرج في أعناقه ‪،‬‬
‫شري‬ ‫مع لهم حس ‪ ،‬فيقول المسلمون ‪ :‬أل رجل ي َ ْ‬ ‫فيصبحون )‪ (5‬موتى ل ُيس َ‬
‫لنا نفسه ‪ ،‬فينظر ما فعل هذا العدو ؟" قال ‪" :‬فيتجّرد رجل منهم محتسبا‬
‫نفسه ‪ ،‬قد أوطنها على أنه مقتول ‪ ،‬فينزل فيجدهم موتى ‪ ،‬بعضهم على‬
‫بعض ‪ ،‬فينادي ‪ :‬يا معشر المسلمين ‪ ،‬أل أبشروا ‪ ،‬إن الله عز وجل قد كفاكم‬
‫سّرحون مواشيهم ‪ ،‬فما يكون‬ ‫عدوكم ‪ ،‬فيخرجون من مدائنهم وحصونهم وي ُ َ‬
‫شكَرت عن شيء من النبات‬ ‫شكر عنه كأحسن ما َ‬ ‫لها رعي إل لحومهم ‪ ،‬فَت َ ْ‬
‫أصابته قط‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجه ‪ ،‬من حديث يونس بن ب ُك َْير ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬به )‪.(6‬‬
‫الحديث الثاني ‪ :‬قال ]المام[ )‪ (7‬أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا الوليد بن مسلم أبو‬
‫العباس الدمشقي ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ‪ ،‬حدثني يحيى بن‬
‫فير‬‫جَبير بن ن ُ َ‬‫جابر الطائي ‪ -‬قاضي حمص ‪ -‬حدثني عبد الرحمن بن ُ‬
‫ن الكلبي قال ‪ :‬ذكر رسول‬ ‫معا َ‬ ‫واس بن س ْ‬ ‫الحضرمي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬أنه سمع الن ّ ّ‬
‫فض فيه وَرَفع ‪ ،‬حتى ظنناه‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة ‪ ،‬ف َ‬
‫حَنا إليه عرف ذلك في وجوهنا ‪ ،‬فسألناه فقلنا ‪ :‬يا‬ ‫في طائفة النخل ‪] ،‬فلما ُر ْ‬
‫رسول الله ‪ ،‬ذكرت الدجال الغداة ‪ ،‬فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في‬
‫خوَُفني عليكم ‪ ،‬فإن يخرج وأنا فيكم‬ ‫طائفة النخل[ )‪ .(8‬فقال ‪" :‬غير الدجال أ ْ‬
‫جه دونكم ‪ ،‬وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ‪ ،‬والله‬ ‫جي ُ‬
‫ح ِ‬
‫فأنا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جعْد ُ قطط عينه‬
‫خليفتي على كل مسلم ‪ :‬إنه شاب َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(17/70‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وحضرتهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬فيقولون"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬فيحصون"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (3/77‬وسنن ابن ماجه برقم )‪ ، (4079‬وقال البوصيري في‬
‫الزوائد )‪" : (3/260‬هذا إسناد صحيح رجاله ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫) ‪(5/373‬‬

‫ة بين الشام والعراق ‪ ،‬فعاث يمينا وشمال يا عباد الله‬ ‫خل َ َ‬


‫طافية ‪ ،‬وإنه يخرج َ‬
‫اثبتوا"‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما لبثه في الرض ؟ قال ‪" :‬أربعين يوما ‪ ،‬يوم كسنة ‪،‬‬
‫ويوم كشهر ‪ ،‬ويوم كجمعة ‪ ،‬وسائر أيامه كأيامكم"‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬فذاك اليوم الذي هو كسنة ‪ ،‬أتكفينا فيه صلة يوم وليلة‬
‫؟ قال ‪" :‬ل اقدروا له قدره"‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬فما إسراعه في الرض ؟ قال ‪" :‬كالغيث استدبرته‬
‫الريح"‪ .‬قال ‪" :‬فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون له ‪ ،‬فيأمر السماء فتمطر ‪،‬‬
‫والرض فتنبت ‪ ،‬وتروح عليهم سارحتهم وهي أطول ما كانت ذ َُرى ‪ ،‬وأمده‬
‫خواصر ‪ ،‬وأسبغه ضروعا‪ .‬ويمر بالحي فيدعوهم فيردون عليه قوَله ‪ ،‬فتتبعه‬
‫خربة فيقول‬ ‫محلين ‪ ،‬ليس لهم من أموالهم‪ .‬ويمر بال َ‬ ‫م ْ‬ ‫أموالهم ‪ ،‬فيصبحون ُ‬
‫لها ‪ :‬أخرجي كنوزك ‪ ،‬فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل"‪ .‬قال ‪" :‬ويأمر برجل‬
‫ة الغََرض ‪ ،‬ثم يدعوه فيقبل إليه‬ ‫مي َ َ‬‫جْزلتين َر ْ‬
‫فُيقَتل ‪ ،‬فيضربه بالسيف فيقطعه َ‬
‫]يتهلل وجهه[ )‪.(1‬‬
‫فبينما هم على ذلك ‪ ،‬إذ بعث الله عز وجل المسيح ابن مريم ‪ ،‬فينزل عند‬
‫ده على أجنحة‬ ‫مهُْرود ََتين واضعا ي َ َ‬ ‫المنارة )‪ (2‬البيضاء ‪ ،‬شرقي دمشق ‪ ،‬بين َ‬
‫مَلكين ‪ ،‬فيتبعه فيدركه ‪ ،‬فيقتله عند باب ل ُد ّ الشرقي"‪.‬‬ ‫َ‬
‫قال ‪" :‬فبينما هم كذلك ‪ ،‬إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم ‪ :‬أني‬
‫وز عبادي إلى الطور ‪،‬‬ ‫ح ّ‬‫ن لك بقتالهم ‪ ،‬فَ َ‬ ‫دا ِ‬
‫قد أخرجت عبادا من عبادي ل ي َ َ‬
‫ب‬
‫حد َ ٍ‬
‫ل َ‬‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فيبعث الله عز وجل يأجوج ومأجوج ‪ ،‬وهم كما قال الله ‪ِ } :‬‬
‫ن { فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل ‪ ،‬فيرسل الله عليهم‬ ‫سُلو َ‬‫ي َن ْ ِ‬
‫فا في رقابهم ‪ ،‬فيصبحون فَْرسى ‪ ،‬كموت نفس واحدة‪.‬‬ ‫ن َغَ ً‬
‫مهم‬‫فيهبط عيسى وأصحابه ‪ ،‬فل يجدون في الرض بيتا إل قد مله َزهَ ُ‬
‫ون َْتنُهم ‪ ،‬فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله ‪ ،‬فيرسل عليهم طيًرا كأعناق‬
‫خت ‪ ،‬فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله"‪.‬‬ ‫الب ُ ْ‬
‫ي )‪ ، (4‬عن كعب ‪ -‬أو‬ ‫سك ّ‬ ‫ْ‬
‫سك َ‬ ‫قال ابن جابر )‪ (3‬فحدثني عطاء بن يزيد ال ّ‬
‫مهِْبل‪] .‬قال ابن جابر ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا أبا يزيد ‪ ،‬وأين‬ ‫غيره ‪ -‬قال ‪ :‬فتطرحهم بال َ‬
‫مهِْبل ؟[ )‪ ، (5‬قال ‪ :‬مطلع الشمس‪.‬‬ ‫ال َ‬
‫در ول وََبر أربعين يوما ‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (6‬منه بيت َ‬ ‫قال ‪" :‬ويرسل الله مطًرا ل ي َك ُ ّ‬
‫قةِ ‪ ،‬ويقال للرض ‪ :‬أنبتي ثمرتك ‪ ،‬وُردي‬ ‫فيغسل الرض حتى يتركها كالّزل َ َ‬
‫حفها ‪ ،‬وي َُبارك‬
‫بركتك"‪ .‬قال ‪" :‬فيومئذ يأكل النفر من الرمانة ويستظلون بق ْ‬
‫م من الناس ‪ ،‬واللقحة من‬ ‫فَئا َ‬‫ة من البل لتكفي ال ِ‬ ‫ح َ‬
‫ق َ‬‫سل ‪ ،‬حتى إن الل ّ ْ‬‫في الَر ْ‬
‫البقر تكفي الفخذ ‪ ،‬والشاة من الغنم تكفي أهل البيت"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬المنازل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬جرير"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬السلسلي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬يكون"‪.‬‬

‫) ‪(5/374‬‬

‫قال ‪" :‬فبينما هم على ذلك )‪ ، (1‬إذ بعث الله عز وجل ريحا طيبة تحت‬
‫آباطهم ‪ ،‬فتقبض روح كل مسلم ‪ -‬أو قال ‪ :‬كل مؤمن ‪ -‬ويبقى شرار الناس‬
‫يتهارجون تهارج الحمير ‪ ،‬وعليهم تقوم الساعة"‪.‬‬
‫انفرد )‪ (2‬بإخراجه مسلم دون البخاري ‪ ،‬فرواه مع بقية أهل السنن من‬
‫طرق ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ‪ ،‬به )‪ (3‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫الحديث الثالث ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن بشر ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫مَلة ‪ ،‬عن خالته قالت ‪ :‬خطب رسول الله صلى الله عليه‬ ‫حْر َ‬‫عمرو ‪ ،‬عن ابن َ‬
‫قرب ‪ ،‬فقال ‪" :‬إنكم تقولون ‪" :‬ل عدو )‬ ‫وسلم وهو عاصب أصبُعه من لدغة ع َ ْ‬
‫‪ ، (4‬وإنكم ل تزالون تقاتلون عدًوا ‪ ،‬حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض‬
‫دب ينسلون ‪ ،‬كأن‬ ‫ح َ‬
‫شعاف ‪ ،‬من كل َ‬ ‫ب ال ّ‬
‫صهْ َ‬ ‫الوجوه ‪ ،‬صغار العيون ‪ُ ،‬‬
‫مطَرقة" )‪.(5‬‬ ‫ن ال ُ‬
‫جا ّ‬‫م َ‬
‫وجوههم ال َ‬
‫وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث محمد بن عمرو ‪ ،‬عن خالد بن عبد الله‬
‫ملة المدلجي ‪ ،‬عن خالة له ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فذكر‬ ‫حْر َ‬‫بن َ‬
‫مثله )‪.(6‬‬
‫الحديث الرابع ‪ :‬قد تقدم في تفسير آخر سورة العراف من رواية المام‬
‫فاَزة َ ‪،‬‬
‫مؤثر بن ع َ َ‬
‫حْيم ‪ ،‬عن ُ‬‫س َ‬‫جب ََلة بن ُ‬
‫وام ‪ ،‬عن َ‬ ‫شْيم ‪ ،‬عن العَ ّ‬ ‫أحمد ‪ ،‬عن هُ َ‬
‫عن ابن مسعود ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬لقيت ليلة‬
‫أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فتذاكروا أمر‬
‫الساعة ‪ ،‬فردوا أمرهم إلى إبراهيم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل علم لي بها )‪ .(7‬فردوا أمرهم‬
‫إلى موسى ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل علم لي بها )‪ .(8‬فردوا أمرهم إلى عيسى ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫جَبتها فل يعلم بها أحد إل الله ‪ ،‬وفيها عهد إلي ربي أن الدجال خارج"‪.‬‬ ‫أما وَ ْ‬
‫قال ‪" :‬ومعي قضيبان ‪ ،‬فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص" قال ‪" :‬فيهلكه‬
‫الله إذا رآني ‪ ،‬حتى إن الحجر والشجر يقول ‪ :‬يا مسلم إن تحتي كافًرا ‪،‬‬
‫فتعال فاقتله"‪ .‬قال ‪" :‬فيهلكهم الله ‪ ،‬ثم يرجع الناس إلى بلدهم وأوطانهم"‪.‬‬
‫دب َينسلون ‪ ،‬فيطؤون‬ ‫ح َ‬
‫قال ‪" :‬فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل َ‬
‫بلدهم ‪ ،‬ل )‪ (9‬يأتون على شيء إل أهلكوه ‪ ،‬ول يمرون على ماء إل شربوه"‪.‬‬
‫ي يشكونهم ‪ ،‬فأدعو الله عليهم ‪ ،‬فيهلكهم ويميتهم ‪،‬‬ ‫قال ‪" :‬ثم يرجع الناس إل ّ‬
‫حتى َتجوى الرض من ن َْتن ريحهم ‪ ،‬وينزل الله المطر فيجترف أجسادهم ‪،‬‬
‫ي ربي أن ذلك إذا كان كذلك ‪ ،‬أن‬ ‫حتى يقذفهم في البحر‪ .‬ففيما عهد إل ّ‬
‫جؤهم بولدها ليل أو نهارا"‪.‬‬‫ف ُ‬
‫م ‪ ،‬ل يدري أهلها متى ت َ ْ‬ ‫مت ِ ّ‬
‫الساعة كالحامل ال ُ‬
‫وام بن‬‫َ ّ‬ ‫ع‬‫ال‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫هارون‬ ‫بن‬ ‫يزيد‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫بشار‬ ‫بن‬ ‫محمد‬ ‫عن‬ ‫ورواه ابن ماجه ‪،‬‬
‫شب ‪ ،‬به )‪(10‬‬ ‫حو ْ َ‬
‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬هم كذلك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وانفرد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (4/181‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2137‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (4321‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2240‬وسنن النسائي الكبرى برقم )‬
‫‪ (10783‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(4075‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل عدو لكم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(5/217‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مثله سواء"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪ (1/375‬وسنن ابن ماجه برقم )‪ (4081‬وسبق عند تفسير‬
‫الية ‪ 187 :‬من سورة العراف‪.‬‬

‫) ‪(5/375‬‬

‫وام ‪ ،‬ووجد تصديق ذلك في كتاب الله عز وجل ‪:‬‬ ‫‪ ،‬نحوه وزاد ‪" :‬قال ْ العَ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن {‪.‬‬‫سلو َ‬ ‫ب ي َن ْ ِ‬‫حد َ ٍ‬‫ل َ‬‫نك ّ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬
‫ج وَهُ ْ‬
‫جو ُ‬
‫مأ ُ‬ ‫ج وَ َ‬ ‫جو ُ‬‫ت ي َأ ُ‬ ‫حّتى إ َِذا فُت ِ َ‬
‫ح ْ‬ ‫} َ‬
‫ورواه ابن جرير هاهنا من حديث جبلة ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫والحاديث في هذا كثيرة جدا ‪ ،‬والثار عن السلف كذلك‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬عن غير واحد ‪ ،‬عن‬ ‫معْ َ‬‫وقد روى اُبن جرير وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث َ‬
‫صيف قال ‪ :‬قال كعب ‪ :‬إذا كان عند خروج يأجوج‬ ‫حميد بن هلل ‪ ،‬عن أبي ال ّ‬
‫ومأجوج ‪ ،‬حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ‪ ،‬فإذا كان الليل‬
‫قالوا ‪ :‬نجيء غدا فنخرج ‪ ،‬فيعيده الله كما كان‪ .‬فيجيئون من الغد فيجدونه‬
‫قد أعاده الله كما كان ‪ ،‬فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ‪،‬‬
‫فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول ‪ :‬نجيء غدا فنخرج إن‬
‫شاء الله‪ .‬فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه ‪ ،‬فيحفرون حتى يخرجوا‪.‬‬
‫فتمر الزمرة الولى بالبحيرة ‪ ،‬فيشربون ماءها ‪ ،‬ثم تمر الزمرة الثانية‬
‫فيلحسون طينها ‪ ،‬ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون )‪ : (2‬قد كان هاهنا مرة‬
‫ماء ‪ ،‬ويفر الناس منهم ‪ ،‬فل يقوم لهم شيء‪ .‬ثم يرمون بسهامهم إلى‬
‫ضبة بالدماء فيقولون ‪ :‬غلبنا أهل الرض وأهل‬ ‫خ ّ‬ ‫م َ‬‫السماء فترجع إليهم ُ‬
‫السماء‪ .‬فيدعو عليهم عيسى ابن مريم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيقول ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ل‬
‫دين لنا بهم ‪ ،‬فاكفناهم بما شئت" ‪ ،‬فيسلط الله عليهم دودا يقال‬ ‫طاقة ول ي َ َ‬
‫له ‪ :‬النغف ‪ ،‬فيفرس )‪ (3‬رقابهم ‪ ،‬ويبعث الله عليهم طيرا تأخذهم بمناقيرها‬
‫فتلقيهم في البحر ‪ ،‬ويبعث الله عينا يقال لها ‪" :‬الحياة" يطهر الله الرض‬
‫سكن يا كعب ؟‬ ‫كن"‪ .‬قيل ‪ :‬وما ال ّ‬ ‫س ْ‬‫وينبتها ‪ ،‬حتى أن الرمانة ليشبع منها ال ّ‬
‫صريخ أن ذا‬ ‫قال ‪ :‬أهل البيت ‪ -‬قال ‪" :‬فبينما الناس كذلك إذ أتاهم ال ّ‬
‫قَتين يريده‪ .‬قال ‪ :‬فيبعث )‪ (4‬عيسى ابن مريم طليعة سبعمائة ‪ ،‬أو بين‬ ‫سوي َ‬ ‫ال ّ‬
‫السبعمائة والثمانمائة ‪ ،‬حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحا يمانية‬
‫جاج )‪ (5‬الناس ‪ ،‬فيتسافدون‬ ‫طيبة ‪ ،‬فيقبض فيها روح كل مؤمن ‪ ،‬ثم يبقى عَ َ‬
‫مثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها‬ ‫سافَد ُ البهائم ‪ ،‬فَ َ‬ ‫كما ت َ َ‬
‫متى تضع ؟ قال كعب ‪ :‬فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا ‪ -‬أو بعد علمي هذا‬
‫شيئا ‪ -‬فهو المتكلف )‪.(6‬‬
‫هذا من أحسن سياقات كعب الحبار ‪ ،‬لما شهد له من صحيح الخبار‪.‬‬
‫وقد ثبت في الحديث أن عيسى ابن مريم يحج البيت العتيق ‪ ،‬وقال المام‬
‫أحمد ‪ :‬حدثنا سليمان بن داود ‪ ،‬حدثنا عمران ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫ة ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫عتب َ َ‬‫أبي ُ‬
‫ن بعد خروج يأجوج ومأجوج"‪ .‬انفرد بإخراجه‬ ‫مر ّ‬
‫ن هذا البيت ‪ ،‬ولي ُعْت َ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ح ّ‬
‫"لي ُ َ‬
‫البخاري )‪.(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(17/72‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬فيقول"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فيفرش"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬فيبعث الله عيسى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عجاج من"‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(17/71‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (3/27‬وصحيح البخاري برقم )‪.(1593‬‬

‫) ‪(5/376‬‬

‫ن )‪ (98‬ل َوْ َ‬ ‫إنك ُم وما تعبدون من دون الل ّه حصب جهن َ‬


‫ن‬
‫كا َ‬ ‫م ل ََها َوارُِدو َ‬
‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ َ َ ّ َ‬ ‫ِّ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ ِ ْ ُ ِ‬
‫م ِفيَها لَ‬ ‫م ِفيَها َزِفيٌر وَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (99‬لهُ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫ل ِفيَها َ‬‫ها وَك ُ ّ‬ ‫ما وََرُدو َ‬ ‫هَؤَُلِء آ َل ِهَ ً‬
‫ة َ‬
‫ُ‬
‫سَنى أول َئ ِ َ‬
‫ن)‬ ‫دو َ‬
‫مب ْعَ ُ‬‫ك عَن َْها ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫مّنا ال ْ ُ‬‫م ِ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬‫ق ْ‬‫سب َ َ‬
‫ن َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫ن )‪ (100‬إ ِ ّ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬
‫يَ ْ‬
‫‪(101‬‬

‫حقّ { يعني ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬إذا ُوجدت هذه‬ ‫ب ال ْوَعْد ُ ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬واقْت ََر َ‬
‫الهوال والزلزل والبلبل ‪ ،‬أزفت الساعة واقتربت ‪ ،‬فإذا كانت ووقعت قال‬
‫سٌر { ]القمر ‪ .[8 :‬ولهذا قال تعالى ‪ } :‬فَإ َِذا هِ َ‬
‫ي‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ذا ي َوْ ٌ‬ ‫الكافرون ‪ } :‬هَ َ‬
‫خص ٌ َ‬
‫فُروا { أي ‪ :‬من شدة ما يشاهدونه من المور‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صاُر ال ّ ِ‬ ‫ة أب ْ َ‬ ‫شا ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن هَ َ‬
‫ذا {‬ ‫م ْ‬‫فلةٍ ِ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫العظام ‪َ } :‬يا وَي ْلَنا { أي ‪ :‬يقولون ‪َ } :‬يا وَي ْلَنا قَد ْ كّنا ِفي غَ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬يعترفون بظلمهم لنفسهم ‪ ،‬حيث ل‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ل ك ُّنا َ‬ ‫أي ‪ :‬في الدنيا ‪ } ،‬ب َ ْ‬
‫ينفعهم ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫ن )‪ (98‬لوْ كا َ‬ ‫م لَها َوارُِدو َ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ص ُ‬‫ح َ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫م وَ َ‬ ‫} إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م ِفيَها ل‬ ‫م ِفيَها َزِفيٌر وَهُ ْ‬ ‫ن )‪ (99‬ل َهُ ْ‬ ‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬‫ل ِفيَها َ‬ ‫ها وَك ُ ّ‬ ‫ما وََرُدو َ‬ ‫ة َ‬ ‫ؤلِء آل ِهَ ً‬ ‫هَ ُ‬
‫ن)‬ ‫دو‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫أو‬ ‫نى‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ب‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪100‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫ََْ ُ َْ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ِ َ َ َ ْ ُ ْ ِ ّ‬ ‫ِ ّ‬ ‫يَ ْ َ ُ َ‬
‫عو‬ ‫م‬ ‫س‬
‫‪.{ (101‬‬

‫) ‪(5/377‬‬
‫م‬ ‫ن )‪َ (102‬ل ي َ ْ‬
‫حُزن ُهُ ُ‬ ‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬
‫م َ‬ ‫سهُ ْ‬
‫ف ُ‬ ‫ت أ َن ْ ُ‬‫شت َهَ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سَها وَهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬‫مُعو َ‬ ‫َل ي َ ْ‬
‫س َ‬
‫م ال ّ ِ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(103‬‬‫دو َ‬
‫م ُتوعَ ُ‬‫ذي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫ة هَ َ‬
‫ذا ي َوْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫فَزعُ اْلك ْب َُر وَت َت َل َ ّ‬
‫قاهُ ُ‬ ‫ال ْ َ‬

‫ن )‪ (102‬ل‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬


‫م َ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف ُ‬ ‫ت أ َن ْ ُ‬‫شت َهَ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سَها وَهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫} ل يَ ْ‬
‫ن)‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫ُ‬
‫ذي كن ْت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫ُ‬
‫مك ُ‬ ‫ذا ي َوْ ُ‬‫ة هَ َ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫قاهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فَزعُ الكب َُر وَت َت َل ّ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫حُزن ُهُ ُ‬‫يَ ْ‬
‫‪.{ (103‬‬
‫يقول تعالى مخاطبا لهل مكة من مشركي قريش ‪ ،‬ومن دان بدينهم من‬
‫م{‪،‬‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫عبدة الصنام والوثان ‪ } :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫جاَرةُ {‬ ‫ح َ‬ ‫س َوال ْ ِ‬‫ها الّنا ُ‬ ‫قال ابن عباس ‪ :‬أي وقودها ‪ ،‬يعني كقوله ‪ } :‬وَُقود ُ َ‬
‫]التحريم ‪.[6 :‬‬
‫م { بمعنى ‪ :‬شجر جهنم‪ .‬وفي رواية‬ ‫ن‬ ‫ه‬‫ج‬
‫َ َ ُ َ َّ َ‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ح‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫أيضا‬ ‫عباس‬ ‫وقال ابن‬
‫م { يعني ‪ :‬حطب جهنم ‪ ،‬بالزنجية‪.‬‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قال ‪َ } :‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬حطبها‪ .‬وهي كذلك في قراءة علي وعائشة‬
‫‪ -‬رضي الله عنهما‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬ما يرمى به فيها‪.‬‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وقال الضحاك ‪َ } :‬‬
‫وكذا قال غيره‪ .‬والجميع قريب‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬داخلون‪.‬‬ ‫م ل ََها َوارُِدو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أن ْت ُ ْ‬
‫ها { يعني ‪ :‬لو كانت هذه الصنام والنداد التي‬ ‫ما وََرُدو َ‬ ‫ة َ‬ ‫ؤلِء آل ِهَ ً‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫كا َ‬‫} ل َوْ َ‬
‫ل‬‫اتخذتموها من دون الله آلهة صحيحة لما وردوا النار ‪ ،‬ولما دخلوها ‪ } ،‬وَك ُ ّ‬
‫م ِفيَها‬‫ن { أي ‪ :‬العابدون ومعبوداتهم ‪ ،‬كلهم فيها خالدون ‪ } ،‬ل َهُ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫ِفيَها َ‬
‫شِهيقٌ { ]هود ‪ ، [106 :‬والزفير ‪:‬‬ ‫م ِفيَها َزِفيٌر وَ َ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ } :‬لهُ ْ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫َ‬
‫َزِفيٌر { ‪ ،‬ك َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفيَها ل ي َ ْ‬ ‫خروج أنفاسهم ‪ ،‬والشهيق ‪ :‬ولوج أنفاسهم ‪ } ،‬وَهُ ْ‬
‫ي ‪ ،‬حدثنا ابن‬ ‫ّ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن محمد الطَناِفس ّ‬
‫ضْيل ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن ‪ -‬يعني ‪ :‬المسعودي ‪ -‬عن أبيه قال ‪ :‬قال ابن‬ ‫فُ َ‬
‫جعلوا في توابيت من نار ‪ ،‬فيها‬ ‫مسعود ‪ :‬إذا بقي من يخلد في النار ‪ُ ،‬‬
‫مسامير من نار ‪ ،‬فل ي ََرى أحد منهم أنه يعذب في النار غيره ‪ ،‬ثم تل‬

‫) ‪(5/377‬‬

‫ن {‪.‬‬ ‫مُعو َ‬‫س َ‬


‫م ِفيَها ل ي َ ْ‬ ‫م ِفيَها َزِفيٌر وَهُ ْ‬ ‫عبد الله ‪ } :‬ل َهُ ْ‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬من حديث حجاج بن محمد ‪ ،‬عن المسعودي ‪ ،‬عن يونس‬
‫خّباب )‪ ، (1‬عن ابن مسعود فذكره‪.‬‬ ‫بن َ‬
‫سَنى { ‪ :‬قال عكرمة ‪ :‬الرحمة‪ .‬وقال‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫مّنا ال ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ت لهُ ْ‬‫َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن { لما ذكر تعالى أهل النار وعذابهم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫دو َ‬ ‫مب ْعَ ُ‬
‫غيره ‪ :‬السعادة ‪ } ،‬أولئ ِك عَن َْها ُ‬
‫سله )‪، (2‬‬‫بسبب شركهم بالله ‪ ،‬عطف بذكر السعداء من المؤمنين بالله ور ُ‬
‫وهم الذين سبقت لهم من الله السعادة ‪ ،‬وأسلفوا العمال الصالحة في‬
‫الدنيا ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ل ِل ّذي َ‬
‫سَنى وَزَِياد َة ٌ { ]يونس ‪ : [26 :‬وقال }‬ ‫ح ْ‬ ‫سُنوا ال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬
‫ن { ]الرحمن ‪ ، [60 :‬فكما أحسنوا العمل في‬ ‫ح َ ُ‬
‫سا‬ ‫ن ِإل ال ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جَزاُء ال ْ‬‫ل َ‬‫هَ ْ‬
‫صل )‪ (3‬لهم‬ ‫ح َ‬‫الدنيا ‪ ،‬أحسن الله مآلهم وثوابهم ‪ ،‬فنجاهم من العذاب ‪ ،‬و َ‬
‫سَها { أي ‪:‬‬
‫سي َ‬
‫ح ِ‬‫ن َ‬‫مُعو َ‬
‫س َ‬
‫ن‪ .‬ل ي َ ْ‬‫دو َ‬‫مب ْعَ ُ‬‫ك عَن َْها ُ‬ ‫جزيل الثواب ‪ ،‬فقال ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫حريقها في الجساد‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عمار ‪ ،‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا‬
‫حماد بن سلمة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن الجريري )‪ ، (4‬عن أبي عثمان ‪ } :‬ل‬
‫سَها { ‪ ،‬قال ‪ :‬حيات على الصراط )‪ (5‬تلسعهم ‪ ،‬فإذا لسعتهم‬ ‫سي َ‬ ‫ح ِ‬
‫ن َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫يَ ْ‬
‫س‪.‬‬
‫ح َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫قال ‪َ :‬‬
‫ن { فسلمهم من المحذور‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سهُ ْ‬
‫ف ُ‬
‫ت أن ْ ُ‬ ‫ما اشت َهَ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُ ْ‬
‫والمرهوب ‪ ،‬وحصل لهم المطلوب والمحبوب‪.‬‬
‫سَريج ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬ ‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن أبي ُ‬
‫الحسن بن أبي يزيد الهمداني ‪ ،‬عن ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن ابن عم النعمان‬
‫مَر مع علي ذات ليلة ‪ ،‬فقرأ ‪:‬‬ ‫س َ‬‫بن بشير ‪ ،‬عن النعمان بن بشير قال ‪ -‬و َ‬
‫ن { قال ‪ :‬أنا منهم ‪،‬‬ ‫دو َ‬‫مب ْعَ ُ‬
‫ك عَن َْها ُ‬ ‫سَنى ُأول َئ ِ َ‬‫ح ْ‬ ‫مّنا ال ْ ُ‬ ‫م ِ‬‫ت ل َهُ ْ‬‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫وعمر منهم ‪ ،‬وعثمان منهم ‪ ،‬والزبير منهم ‪ ،‬وطلحة منهم ‪ ،‬وعبد الرحمن‬
‫منهم ‪ -‬أو قال ‪ :‬سعد منهم ‪ -‬قال ‪ :‬وأقيمت الصلة فقام ‪ ،‬وأظنه يجر ثوبه ‪،‬‬
‫سَها {‪.‬‬‫سي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫وهو يقول ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن يوسف المكي ‪ ،‬عن محمد بن حاطب )‪(6‬‬
‫سَنى {‬ ‫ح ْ‬ ‫مّنا ال ْ ُ‬‫م ِ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬‫ق ْ‬‫سب َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال ‪ :‬سمعت عليا يقول في قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫قال ‪ :‬عثمان وأصحابه‪.‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم أيضا ‪ ،‬ورواه ابن جرير من حديث يوسف بن سعد ‪-‬‬
‫وليس بابن ماهك ‪ -‬عن محمد بن حاطب ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬فذكره ولفظه ‪ :‬عثمان‬
‫منهم‪.‬‬
‫ت ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ق ْ‬
‫سب َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن { ‪ :‬فأولئك أولياء الله يمرون على الصراط‬ ‫دو َ‬ ‫مب ْعَ ُ‬‫ك عَن َْها ُ‬ ‫سَنى ُأول َئ ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫مّنا ال ْ ُ‬‫ِ‬
‫جثًيا‪.‬‬‫ِ‬ ‫فيها‬ ‫الكفار‬ ‫ويبقى‬ ‫‪،‬‬ ‫البرق‬ ‫من‬ ‫أسرع‬ ‫هو‬ ‫را‬‫ً‬ ‫م‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ابن حبان"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ورسوله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وجعل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن أبي عثمان الجريري"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬على الصراط المستقيم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬خاطب"‪.‬‬

‫) ‪(5/378‬‬

‫فهذا مطابق لما ذكرناه ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬بل نزلت استثناء من المعبودين ‪،‬‬
‫وخرج منهم عزير والمسيح ‪ ،‬كما قال حجاج بن محمد العور ‪ ،‬عن ابن جريج‬
‫ن‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫وعثمان بن عطاء ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫مّنا‬‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ت لهُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫م { ‪ ،‬ثم استثنى فقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫ب َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ح َ‬‫الل ّهِ َ‬
‫سَنى { فيقال )‪ : (1‬هم الملئكة ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬ونحو ذلك مما يعبد من دون‬ ‫ح ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫الله عز وجل‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وابن جريج )‪.(2‬‬
‫مّنا‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ت لهُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫سَنى { قال ‪ :‬نزلت في عيسى ابن مريم وعَُزير ‪ ،‬عليهما السلم‪.‬‬ ‫ح ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫سَرة ‪ ،‬حدثنا‬ ‫مي ْ َ‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الحسين بن عيسى بن َ‬
‫ن‬
‫ي في قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫عل ّ‬ ‫ريف ‪ ،‬عن الصبغ ‪ ،‬عن َ‬ ‫هير ‪ ،‬حدثنا سعد بن ط َ ِ‬ ‫أبو ُز َ‬
‫سَنى { قال ‪ :‬كل شيء يعبد من دون الله في النار‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫مّنا ال ُ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ت لهُ ْ‬ ‫ق ْ‬
‫سب َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫إل الشمس والقمر وعيسى ابن مريم‪ .‬إسناده ضعيف‪.‬‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪ :‬عيسى ‪،‬‬ ‫دو َ‬ ‫مب ْعَ ُ‬ ‫ك عَن َْها ُ‬ ‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫وعَُزْير ‪ ،‬والملئكة‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬عيسى ‪ ،‬ومريم ‪ ،‬والملئكة ‪ ،‬والشمس ‪ ،‬والقمر‪ .‬وكذا روي‬
‫جب َْير ‪ ،‬وأبي صالح وغير واحد‪.‬‬ ‫عن سعيد بن ُ‬
‫وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثا غريًبا جدا ‪ ،‬فقال ‪ :‬حدثنا الفضل بن‬
‫خاني ‪ ،‬حدثنا سعيد بن مسلمة بن عبد الملك ‪ ،‬حدثنا الليث بن أبي‬ ‫يعقوب الّر ّ‬
‫مغيث ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم في‬ ‫سليم ‪ ،‬عن ُ‬
‫ن { قال ‪:‬‬ ‫َ‬
‫سَنى أولئ ِ َ‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫دو َ‬ ‫مب ْعَ ُ‬‫ك عَن َْها ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫مّنا ال ُ‬‫م ِ‬ ‫ت لهُ ْ‬ ‫ق ْ‬‫سب َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫عيسى ‪ ،‬وعَُزير ‪ ،‬والملئكة )‪.(3‬‬
‫مْرُدويه‬ ‫وذكر بعضهم قصة ابن الّزب َعَْرى ومناظرةَ المشركين ‪ ،‬قال أبو بكر بن َ‬
‫‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن علي بن سهل ‪ ،‬حدثنا محمد بن حسن النماطي ‪ ،‬حدثنا‬
‫إبراهيم بن محمد بن عَْرعََرة َ ‪ ،‬حدثنا يزيد بن أبي حكيم ‪ ،‬حدثنا الحكم ‪-‬‬
‫يعني ‪ :‬ابن أبان ‪ -‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬جاء عبد الله بن‬
‫الزبعرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬تزعم أن الله أنزل عليك‬
‫هذه الية ‪ } :‬إنك ُم وما تعبدون من دون الل ّه حصب جهن َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫م ل ََها َوارُِدو َ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ َ َ ّ َ‬ ‫ِّ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ ِ ْ ُ ِ‬
‫عبدت الشمس والقمر والملئكة ‪ ،‬وعَُزير وعيسى‬ ‫فقال ابن الزبعرى ‪ :‬قد ُ‬
‫م‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ب‬‫ا‬
‫َ ّ ُ ِ َ ْ ُ َ ْ َ َ‬‫ب‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫فنزلت‬ ‫؟‬ ‫آلهتنا‬ ‫مع‬ ‫النار‬ ‫ابن مريم ‪ ،‬كل هؤلء في‬
‫ضَرُبوه ُ ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬وََقاُلوا أآل ِهَت َُنا َ‬ ‫م َ‬
‫دل )‬ ‫ج َ‬‫ك ِإل َ‬ ‫ما َ‬ ‫م هُوَ َ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫ه يَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫مَثل إ َِذا قَوْ ُ‬ ‫َ‬
‫سَنى‬ ‫ُ ْ‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ِ َ َ َ ْ ُ ْ ِ ّ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫نزلت‬ ‫ثم‬ ‫‪،‬‬ ‫{‬ ‫ن‬
‫ِ ُ َ‬‫مو‬ ‫ص‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ْ ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫(‬‫‪4‬‬
‫ن {‪ .‬رواه الحافظ أبو عبد الله في كتابه "الحاديث‬ ‫دو‬
‫َ ُ َْ ُ َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ها‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ُأول َئ ِ‬
‫المختارة"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وابن ماجه وابن جريج"‪.‬‬
‫)‪ (3‬وفي إسناده سعيد بن مسلمة وشيخه ليث بن أبي سليم وهما ضعيفان‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬مثل"‪.‬‬

‫) ‪(5/379‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا قَِبيصة بن عقبة ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ -‬يعني‬
‫‪ :‬الثوري ‪ -‬عن العمش ‪ ،‬عن أصحابه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما نزلت ‪:‬‬
‫} إنك ُم وما تعبدون من دون الل ّه حصب جهن َ‬
‫ن { قال‬ ‫م ل ََها َوارُِدو َ‬‫م أن ْت ُ ْ‬‫ِ َ َ ُ َ َّ َ‬ ‫ِّ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ ِ ْ ُ ِ‬
‫المشركون ‪ :‬فالملئكة )‪ ، (1‬عَُزير ‪ ،‬وعيسى ي ُعَْبدون من دون الله ؟ فنزلت ‪:‬‬
‫ل ِفيَها‬ ‫ها { ‪ ،‬اللهة التي يعبدون ‪ } ،‬وَك ُ ّ‬ ‫ما وََرُدو َ‬
‫ة َ‬ ‫ن هَ ُ‬
‫ؤلِء آل ِهَ ً‬ ‫كا َ‬‫} ل َوْ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬‫َ‬
‫جَبير ‪ ،‬عن ابن‬ ‫وروي عن أبي ك ُد َي َْنة ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫سَنى أولئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ح ْ‬ ‫مّنا ال ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫عباس مثل ذلك ‪ ،‬وقال فنزلت ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫دو َ‬
‫مب ْعَ ُ‬
‫عَن َْها ُ‬
‫وقال ]المام[ )‪ (2‬محمد بن إسحاق بن يسار )‪ ، (3‬رحمه الله ‪ ،‬في كتاب‬
‫ما مع الوليد بن المغيرة في‬ ‫"السيرة" ‪ :‬وجلس رسول الله ‪ -‬فيما بلغني ‪ -‬يو ً‬
‫المسجد ‪ ،‬فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم ‪ ،‬وفي المسجد )‪ (4‬غير‬
‫واحد من رجال قريش ‪ ،‬فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له‬
‫النضر بن الحارث ‪ ،‬فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ‪،‬‬
‫م ل ََها‬ ‫وتل عليه وعليهم } إنك ُم وما تعبدون من دون الل ّه حصب جهن َ‬
‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ َ َ ّ َ‬ ‫ِّ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ ِ ْ ُ ِ‬
‫ن { )‪ ، (5‬ثم قام رسول الله‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفيَها ل ي َ ْ‬ ‫ن { إلى قوله ‪ } :‬وَهُ ْ‬ ‫َوارُِدو َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأقبل عبد الله بن الزب َعَْرى السهمي حتى جلس ‪،‬‬
‫فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعرى ‪ :‬والله ما قام النضر بن‬
‫فا ول قعد ‪ ،‬وقد زعم محمد أّنا وما نعبد )‪ (6‬من‬ ‫الحارث لبن عبد المطلب آن ً‬
‫آلهتنا هذه حصب جهنم‪ .‬فقال عبد الله بن الزبعرى ‪ :‬أما والله لو وجدته‬
‫دا ‪ :‬كل ما ي ُعَْبد )‪ (7‬من دون الله في جهنم مع من‬ ‫خصمته ‪ ،‬فسلوا محم ً‬ ‫لَ َ‬
‫عََبده ‪ ،‬فنحن نعبد الملئكة ‪ ،‬واليهود تعبد عزيًرا ‪ ،‬والنصارى تعبد عيسى ابن‬
‫مريم ؟ فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس ‪ ،‬من قول عبد الله بن‬
‫الزبعرى ‪ ،‬ورأوا أنه قد احتج وخاصم‪.‬‬
‫ب أن ي ُعْب َد َ‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬كل َ‬ ‫فَ ُ‬
‫من دون الله فهو مع من عبده ‪ ،‬إنهم إنما يعبدون الشياطين )‪ (8‬ومن‬
‫سَنى ُأول َئ ِكَ‬ ‫ح ْ‬ ‫مّنا ال ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مَرت ُْهم )‪ (9‬بعبادته‪ .‬وأنزل الله ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫أ َ‬
‫ن{‬ ‫َ‬ ‫ما ا ْ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ت أن ْ ُ‬ ‫شت َهَ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سَها وَهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ن‪ .‬ل ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫مب ْعَ ُ‬ ‫عَن َْها ُ‬
‫عبدوا من الحبار والرهبان ‪ ،‬الذين مضوا على طاعة‬ ‫أي ‪ :‬عيسى وعزير ومن ُ‬
‫الله ‪ ،‬فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضللة أرباًبا من دون الله‪ .‬ونزل فيما‬
‫ن‬
‫م ُ‬‫ح َ‬ ‫خذ َ الّر ْ‬ ‫يذكرون ‪ ،‬أنهم يعبدون الملئكة ‪ ،‬وأنهم بنات الله ‪ } :‬وََقاُلوا ات ّ َ‬
‫َ‬
‫ن { إلى‬ ‫مُلو َ‬ ‫مرِهِ ي َعْ َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫ل وَهُ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬ ‫قون َ ُ‬ ‫سب ِ ُ‬‫ن‪ .‬ل ي َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مك َْر ُ‬ ‫عَباد ٌ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫دا ُ‬ ‫وَل َ ً‬
‫زي‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫زيهِ َ‬ ‫ج ِ‬‫ك نَ ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ فَذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م إ ِّني إ ِل َ ٌ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ق ْ‬‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ]النبياء ‪ ، [29 - 26 :‬ونزل فيما ُذكر من أمر عيسى ‪ ،‬وأنه يعبد‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫ب‬‫ضرِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫َ‬
‫جته وخصومته ‪ } :‬وَل ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ضره من ُ‬ ‫ح َ‬ ‫جب الوليد ومن َ‬ ‫من دون الله ‪ ،‬وعَ َ‬
‫َ‬
‫ضَرُبوه ُ ل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‪ .‬وََقالوا أآل ِهَت َُنا َ‬ ‫م َ‬
‫ك‬ ‫ما َ‬ ‫م هُوَ َ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ك ِ‬ ‫مَثل إ َِذا قَوْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫اب ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَثل ل ِب َِني‬ ‫جعَلَناه ُ َ‬ ‫مَنا عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ن هُوَ ِإل عَب ْد ٌ أن ْعَ ْ‬ ‫ن‪ .‬إ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫دل ب َ ْ‬ ‫ج َ‬‫ِإل َ‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫ه لعِل ٌ‬ ‫َ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫فو َ‬ ‫خل ُ‬‫ُ‬ ‫ض يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪ .‬وَلوْ ن َ َ‬ ‫سَراِئي َ‬
‫ة ِفي الْر ِ‬ ‫ملئ ِك ً‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫جعَلَنا ِ‬ ‫شاُء ل َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن ب َِها { ]الزخرف ‪[61 - 57 :‬‬ ‫مت َُر ّ‬ ‫ساعَةِ َفل ت َ ْ‬ ‫ِلل ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬والملئكة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ابن بشار"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬المجلس"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أنتم لها واردون‪ .‬لو كان هؤلء آلهة ما وردوها وكل فيها‬
‫خالدون‪ .‬لهم فيها زفير وهم فيها ل يسمعون"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬تعبدون"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬يعبدون"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الشيطان"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬أمرهم"‪.‬‬

‫) ‪(5/380‬‬

‫أي ‪ :‬ما وضعت على يديه من اليات من إحياء الموتى وإبراء السقام ‪ ،‬ف َ‬
‫كفى‬
‫صَرا ٌ‬
‫ط‬ ‫ن هَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ن ب َِها َوات ّب ُِعو ِ‬ ‫به دليل على علم الساعة ‪ ،‬يقول ‪َ } :‬فل ت َ ْ‬
‫مت َُر ّ‬
‫م { ]الزخرف ‪.(1) [61 :‬‬
‫قي ٌ‬
‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫وهذا الذي قاله ابن الزبعرى خطأ كبير ؛ لن الية إنما نزلت خطاًبا لهل مكة‬
‫خا‬‫في عبادتهم الصنام التي هي جماد ل تعقل ‪ ،‬ليكون ذلك تقريًعا وتوبي ً‬
‫م { فكيف‬ ‫جهَن ّ َ‬‫ب َ‬‫ص ُ‬
‫ح َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬
‫م وَ َ‬ ‫لعابديها ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫يورد على هذا المسيح والعزير )‪ (2‬ونحوهما ‪ ،‬ممن )‪ (3‬له عمل صالح ‪ ،‬ولم‬
‫ول ابن جرير في تفسيره في الجواب على أن‬ ‫ض بعبادة من عبده‪ .‬وعَ ّ‬ ‫ي َْر َ‬
‫"ما" لما ل يعقل عند العرب‪.‬‬
‫وقد أسلم عبد الله بن الزبعرى بعد ذلك ‪ ،‬وكان من الشعراء المشهورين‪.‬‬
‫وكان يهاجي المسلمين أول ثم قال معتذًرا ‪:‬‬
‫ت إذ ْ أَنا ُبوُر‪...‬‬ ‫ق ُ‬ ‫ما فت َ ْ‬ ‫ن لساني‪َ ...‬راتقٌ َ‬ ‫ل المليك ‪ ،‬إ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫يا َر ُ‬
‫مث ُْبور )‪(4‬‬ ‫َ‬
‫مي ْله َ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫سَنن الَغي‪ ...‬وَ َ‬ ‫ن في َ‬ ‫َ‬
‫شيطا َ‬ ‫جاري ال ّ‬ ‫إذ ْ أ َ‬
‫فَزعُ الكب َُر { قيل المراد بذلك الموت‪ .‬رواه عبد‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫حُزن ُهُ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫الرزاق ‪ ،‬عن يحيى بن ربيعة عن عطاء‪.‬‬
‫وفي عن ابن‬ ‫وقيل ‪ :‬المراد بالفزع الكبر ‪ :‬النفخة في الصور‪ .‬قاله العَ ْ‬
‫سَنان سعيد )‪ (5‬ابن سنان الشيباني ‪ ،‬واختاره ابن جرير في‬ ‫عباس ‪ ،‬وأبو ِ‬
‫تفسيره‪.‬‬
‫مر بالعبد إلى النار‪ .‬قاله الحسن البصري‪.‬‬ ‫وقيل ‪ :‬حين ي ُؤْ َ‬
‫جَريج‪.‬‬ ‫جب َْير ‪ ،‬وابن ُ‬ ‫وقيل ‪ :‬حين ُتطبق النار على أهلها‪ .‬قاله سعيد بن ُ‬
‫وقيل ‪ :‬حين ُيذَبح الموت بين الجنة والنار‪ .‬قاله أبو بكر الهذلي )‪ ، (6‬فيما‬
‫رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عنه‪.‬‬
‫ن { ‪ ،‬يعني ‪ :‬تقول‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫ذي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫ذا ي َوْ ُ‬‫ة هَ َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قاهُ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت َت َل َ ّ‬
‫مك ُ ُ‬
‫م‬ ‫لهم الملئكة ‪ ،‬تبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم ‪ } :‬هَ َ‬
‫ذا ي َوْ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬قابلوا )‪ (7‬ما يسركم‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫ذي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬السيرة النبوية لبن هشام )‪ ، (1/358‬ورواه الطبري في تفسيره )‬
‫‪.(17/76‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬وعزير"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وممن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬البيتين في السيرة النبوية لبن هشام )‪.(2/419‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الهمداني"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فأملوا"‪.‬‬

‫) ‪(5/381‬‬

‫دا عَل َي َْنا‬


‫ق ن ُِعيد ُه ُ وَعْ ً‬
‫خل ٍ‬ ‫ما ب َد َأ َْنا أ َوّ َ‬
‫ل َ ْ‬ ‫ل ل ِل ْك ُت ُ ِ‬
‫ب كَ َ‬ ‫ج ّ‬
‫س ِ‬ ‫ماَء ك َط َ ّ‬
‫ي ال ّ‬ ‫س َ‬
‫وي ال ّ‬ ‫م ن َط ْ ِ‬‫ي َوْ َ‬
‫ن )‪(104‬‬ ‫إ ِّنا ك ُّنا َفا ِ‬
‫عِلي َ‬
‫دا‬
‫ق ن ُِعيد ُه ُ وَعْ ً‬ ‫ل َ ْ‬
‫خل ٍ‬ ‫ما ب َد َأ َْنا أ َوّ َ‬ ‫ب كَ َ‬ ‫ل ل ِل ْك ُت ُ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫س ِ‬‫ي ال ّ‬ ‫ماَء ك َط َ ّ‬‫س َ‬
‫وي ال ّ‬ ‫م ن َط ْ ِ‬ ‫} ي َوْ َ‬
‫ن )‪.{ (104‬‬ ‫لي‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ع‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫عَل َي َْنا ِ ّ ّ‬
‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫نا‬ ‫إ‬
‫ج ّ‬
‫ل‬ ‫س ِ‬‫ي ال ّ‬ ‫ماَء ك َط َ ّ‬ ‫س َ‬‫وي ال ّ‬ ‫م ن َط ْ ِ‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬هذا كائن يوم القيامة ‪ } ،‬ي َوْ َ‬
‫ه‬ ‫ميًعا قَب ْ َ‬
‫ضت ُ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫حقّ قَد ْرِهِ َوالْر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ما قَد َُروا الل ّ َ‬ ‫ب { كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ل ِل ْك ُت ُ ِ‬
‫ن{‬ ‫كو َ‬‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫ه وَت ََعاَلى عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬ ‫مين ِهِ ُ‬ ‫ت ب ِي َ ِ‬‫مط ْوِّيا ٌ‬‫ت َ‬‫سماَوا ُ‬ ‫مةِ َوال ّ‬‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫]الزمر ‪ [67 :‬وقد قال البخاري ‪:‬‬
‫قدم بن محمد ‪ ،‬حدثني عمي القاسم بن يحيى ‪ ،‬عن عَُبيد الله ‪ ،‬عن‬ ‫م َ‬‫حدثنا ُ‬
‫نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪" :‬إن الله‬
‫ضين ‪ ،‬وتكون السموات بيمينه" )‪.(1‬‬ ‫يقبض يوم القيامة الر َ‬
‫انفرد به من هذا الوجه البخاري ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن أحمد بن الحجاج الّرّقي ‪،‬‬
‫حدثنا محمد بن سلمة ‪ ،‬عن أبي الواصل )‪ ، (2‬عن أبي المليح الزدي )‪، (3‬‬
‫عن أبي الجوزاء الزدي ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬يطوي الله )‪ (4‬السموات‬
‫السبع بما فيها من الخليقة والرضين السبع بما فيها من الخليقة ‪ ،‬يطوي ذلك‬
‫كله )‪ (5‬بيمينه ‪ ،‬يكون ذلك كله في يده بمنزلة خردلة‪.‬‬
‫ب { ‪ ،‬قيل ‪ :‬المراد بالسجل ]الكتاب‪ .‬وقيل ‪:‬‬ ‫ل ل ِل ْك ُت ُ ِ‬ ‫ج ّ‬‫س ِ‬‫ي ال ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َط َ ّ‬
‫مَلك من الملئكة‪.‬‬ ‫المراد بالسجل[ )‪ (6‬هاهنا ‪َ :‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن العلء ‪ ،‬حدثنا‬
‫يحيى بن يمان ‪ ،‬حدثنا أبو الوفاء الشجعي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عمر في قوله‬
‫مَلك ‪،‬‬‫ب { ‪ ،‬قال ‪ :‬السجل ‪َ :‬‬ ‫ل ل ِل ْك ُت ُ ِ‬‫ج ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ماَء ك َط َ ّ‬ ‫س َ‬ ‫وي ال ّ‬ ‫م ن َط ْ ِ‬
‫تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫فإذا صعد بالستغفار قال ‪ :‬اكتبها نوًرا‪.‬‬
‫وهكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن أبي ك َُرْيب ‪ ،‬عن ابن يمان ‪ ،‬به‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬وروي عن أبي جعفر )‪ (7‬محمد بن علي بن الحسين أن‬
‫السجل ملك‪.‬‬
‫مَلك موكل بالصحف ‪ ،‬فإذا مات‬ ‫وقال السدي في هذه الية ‪ :‬السجل ‪َ :‬‬
‫النسان رفع )‪ (8‬كتاُبه إلى السجل فطواه ‪ ،‬ورفعه إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد به اسم رجل صحابي ‪ ،‬كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ي‪،‬‬‫ضم ّ‬‫جهْ َ‬
‫الوحي ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو ُزْرعة ‪ ،‬حدثنا نصر بن علي ال َ‬
‫حدثنا نوح بن قيس ‪ ،‬عن عمرو بن مالك ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫ب { [ )‪ ، (9‬قال ‪ :‬السجل ‪ :‬هو‬ ‫ل ل ِل ْك ُت ُ ِ‬‫ج ّ‬‫س ِ‬
‫ي ال ّ‬ ‫ماَء ك َط َ ّ‬ ‫س َ‬‫وي ال ّ‬ ‫م ن َط ْ ِ‬
‫] } ي َوْ َ‬
‫الرجل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(7412‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬المواصل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬الودي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬إليه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬كله ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أبي حفص"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬دفع"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ف‪.‬‬

‫) ‪(5/382‬‬

‫وذي ‪ -‬عن عمرو بن مالك ‪ ،‬عن‬ ‫قال نوح ‪ :‬وأخبرني يزيد بن كعب ‪ -‬هو العَ ْ‬
‫أبي الجوزاء عن ابن عباس قال ‪ :‬السجل كاتب )‪ (1‬للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة بن سعيد )‪ ، (2‬عن نوح بن قيس ‪،‬‬
‫عن يزيد بن كعب ‪ ،‬عن عمرو بن مالك ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬السجل كاتب )‪ (3‬للنبي صلى الله عليه وسلم )‪.(4‬‬
‫ورواه ابن جرير عن نصر بن علي الجهضمي ‪ ،‬كما تقدم‪ .‬ورواه ابن عدي من‬
‫كريّ عن أبيه ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن ابن‬ ‫رواية يحيى بن عمرو بن مالك الن ّ ْ‬
‫عباس قال ‪ :‬كان للنبي )‪ (5‬صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى )‪ (6‬السجل‬
‫ب { ‪ ،‬قال ‪ :‬كما يطوى‬ ‫ل ل ِل ْك ُت ُ ِ‬
‫ج ّ‬‫س ِ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ماَء ك َط َ ّ‬ ‫س َ‬‫وي ال ّ‬ ‫م ن َط ْ ِ‬ ‫وهو قوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫السجل الكتاب ‪ ،‬كذلك نطوي السماء ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وهو غير محفوظ )‪.(7‬‬
‫وقال الخطيب البغدادي في تاريخه ‪ :‬أنبأنا أبو بكر الب َْرَقاني ‪ ،‬أنبأنا محمد بن‬
‫محمد بن يعقوب الحجاجي ‪ ،‬أنبأنا أحمد بن الحسن الكرخي ‪ ،‬أن حمدان بن‬
‫سعيد حدثهم ‪ ،‬عن عبد الله بن نمير ‪ ،‬عن عبيد الله بن عمر ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن‬
‫ل ‪ :‬كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم )‪.(8‬‬ ‫ابن عمر ‪ ،‬قال ‪ :‬السج ّ‬
‫دا من حديث نافع عن ابن عمر ‪ ،‬ل يصح أصل وكذلك ما تقدم‬ ‫وهذا منكر ج ً‬
‫ضا‪ .‬وقد صرح جماعة‬ ‫عن ابن عباس ‪ ،‬من رواية أبي داود وغيره ‪ ،‬ل يصح أي ً‬
‫من الحفاظ بوضعه ‪ -‬وإن كان في سنن أبي داود ‪ -‬منهم شيخنا الحافظ‬
‫سأ في أجله ‪ ،‬وختم له‬ ‫سح الله في عمره ‪ ،‬ون َ َ‬ ‫مّزي ‪ ،‬فَ َ‬ ‫الكبير أبو الحجاج ال ِ‬
‫بصالح عمله ‪ ،‬وقد أفردت لهذا الحديث جزًءا على حدة )‪ ، (9‬ولله الحمد‪.‬‬
‫وقد تصدى المام أبو جعفر بن جرير للنكار على هذا الحديث ‪ ،‬ورده أتم رد ‪،‬‬
‫جل ‪ ،‬وك ُّتاب النبي صلى‬ ‫وقال ‪ :‬ل ي َُعرف في الصحابة أحد )‪ (10‬اسمه الس ِ‬
‫دق رحمه‬ ‫ص‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫السجل‬ ‫الله عليه وسلم معروفون ‪ ،‬وليس فيهم أحد اسمه‬
‫ن ذكر في‬ ‫م ْ‬
‫كارة هذا الحديث‪ .‬وأما َ‬ ‫الله في ذلك ‪ ،‬وهو من أقوى الدلة على ن َ َ‬
‫أسماء الصحابة هذا ‪ ،‬فإنما اعتمد على هذا الحديث ‪ ،‬ل على غيره ‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪ .‬والصحيح عن ابن عباس أن السجل هي الصحيفة ‪ ،‬قاله علي بن أبي‬
‫طلحة والعوفي ‪ ،‬عنه‪ .‬ونص على ذلك مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬واختاره‬
‫م‬
‫ابن جرير ؛ لنه المعروف في اللغة ‪ ،‬فعلى هذا يكون معنى الكلم ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ب { أي ‪ :‬على ]هذا[ )‪ (11‬الكتاب ‪ ،‬بمعنى‬ ‫ل ل ِل ْك ُت ُ ِ‬‫ج ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ماَء ك َط َ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ن َط ْ ِ‬
‫وي ال ّ‬
‫َ‬
‫ن { ]الصافات ‪ ، [103 :‬أي ‪:‬‬ ‫جِبي ِ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬
‫ما وَت َل ّ ُ‬ ‫سل َ َ‬‫ما أ ْ‬ ‫المكتوب ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫على الجبين ‪ ،‬وله نظائر في اللغة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ن { يعني ‪ :‬هذا‬ ‫دا عَل َي َْنا إ ِّنا كّنا َفا ِ‬
‫عِلي َ‬ ‫ُ‬ ‫ق ن ُِعيد ُه ُ وَعْ ً‬ ‫خل ٍ‬
‫ل َ ْ‬ ‫ما ب َد َأ َْنا أ َوّ َ‬‫وقوله ‪ } :‬ك َ َ‬
‫دا ‪ ،‬كما بدأهم هو القادر على‬ ‫قا جدي ً‬ ‫كائن ل محالة ‪ ،‬يوم يعيد الله الخلئق خل ً‬
‫إعادتهم )‪ ، (12‬وذلك واجب الوقوع ‪ ،‬لنه من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬كانت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬كانت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن أبي داود برقم )‪ (2935‬وسنن النسائي الكبرى برقم )‪.(11335‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬كان لرسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬كانت تسمى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬الكامل )‪.(7/205‬‬
‫)‪ (8‬تاريخ بغداد )‪.(8/175‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬حدته"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬ل يعرف أحد في الصحابة"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬إعادته"‪.‬‬

‫) ‪(5/383‬‬
‫من ب َعْدِ الذ ّك ْر أ َ ّ َ‬
‫ن )‪(105‬‬‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬‫عَبادِيَ ال ّ‬ ‫ض ي َرِث َُها ِ‬‫ن اْلْر َ‬ ‫ِ‬ ‫وَل َ َ‬
‫قد ْ ك َت َب َْنا ِفي الّزُبورِ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(107‬‬
‫مي َ‬‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬
‫م ً‬ ‫ك إ ِّل َر ْ‬
‫ح َ‬ ‫سل َْنا َ‬‫ما أْر َ‬
‫ن )‪ (106‬وَ َ‬ ‫دي َ‬‫عاب ِ ِ‬
‫قوْم ٍ َ‬ ‫ذا ل َب ََل ً‬
‫غا ل ِ َ‬ ‫ن ِفي هَ َ‬ ‫إِ ّ‬

‫جملة وعد الله الذي ل يخلف ول يبدل ‪ ،‬وهو القادر على ذلك‪ .‬ولهذا قال ‪:‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫عِلي َ‬‫} إ ِّنا ك ُّنا َفا ِ‬
‫كيع وابن جعفر المعنى )‪ ، (1‬قال )‪ : (2‬حدثنا‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬ ‫شعبة ‪ ،‬عن المغيرة بن النعمان ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال ‪" :‬إنكم محشورون‬
‫دا علينا إنا‬ ‫إلى الله عز وجل حفاة عراة غُْرل كما بدأنا أول خلق نعيده ‪ ،‬وع ً‬
‫كنا فاعلين" ؛ وذكر تمام الحديث ‪ ،‬أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة‪.‬‬
‫ورواه )‪ (3‬البخاري عند هذه الية في كتابه )‪.(4‬‬
‫وقد روى ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن عائشة عن النبي )‪ (5‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬
‫ل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ق ن ُِعيد ُه ُ { قال ‪:‬‬ ‫خل ٍ‬ ‫ما ب َد َأَنا أوّ َ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬ك َ َ‬
‫نهلك كل شيء ‪ ،‬كما كان أول مرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫ن)‬ ‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫عَبادِيَ ال ّ‬ ‫ض ي َرِث َُها ِ‬ ‫ن الْر َ‬ ‫ن ب َعْدِ الذ ّك ْرِ أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ْ ك َت َب َْنا ِفي الّزُبورِ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫ك ِإل َر ْ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ن )‪ (106‬وَ َ‬ ‫دي َ‬
‫عاب ِ ِ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫غا ل ِ َ‬ ‫ذا ل ََبل ً‬ ‫ن ِفي هَ َ‬ ‫‪ (105‬إ ِ ّ‬
‫)‪.{ (107‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين ‪ ،‬من السعادة في‬
‫ض‬‫ن الْر َ‬ ‫الدنيا والخرة ‪ ،‬ووراثة الرض في الدنيا والخرة ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن { ]العراف ‪ .[128 :‬وقال ‪:‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫عَبادِهِ َوال َْعاقِب َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِل ّهِ ُيورِث َُها َ‬
‫شَهاد ُ { ]غافر ‪:‬‬ ‫م ال ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫} إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫م ِفي‬ ‫فن ّهُ ْ‬‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫‪ .[51‬وقال ‪ } :‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م‬‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫َ‬
‫مًنا [ )‪ ، { (6‬الية ]النور ‪.[55 :‬وأخبر تعالى أن‬ ‫]وَل َي ُب َد ّ ّ ُ ْ ِ ْ َ ْ ِ َ ْ ِ ِ ْ ْ‬
‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬
‫هذا مكتوب مسطور في الكتب الشرعية والقدرية فهو كائن ل محالة ؛ ولهذا‬
‫ن ب َعْدِ الذ ّك ْرِ { ‪ ،‬قال العمش ‪ :‬سألت‬ ‫م ْ‬ ‫قد ْ ك َت َب َْنا ِفي الّزُبورِ ِ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن ب َعْدِ الذ ّك ْرِ {‬ ‫م ْ‬ ‫قد ْ ك َت َب َْنا ِفي الّزُبورِ ِ‬ ‫َ‬
‫جَبير عن قوله تعالى ‪ } :‬وَل َ‬ ‫سعيد بن ُ‬
‫فقال الزبور ‪ :‬التوراة ‪ ،‬والنجيل ‪ ،‬والقرآن )‪.(7‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬الزبور ‪ :‬الكتاب‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬الزبور ‪ :‬الذي‬
‫أنزل على داود ‪ ،‬والذكر ‪ :‬التوراة ‪ ،‬وعن ابن عباس ‪ :‬الزبور ‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫جَبير ‪ :‬الذكر ‪ :‬الذي في السماء‪.‬‬ ‫وقال سعيد بن ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وابن جعفر ‪ ،‬وعفان المعنى" والمثبت من‬
‫المسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬قالوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وذكره" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ذكره"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (1/235‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4740) ، (4625‬وصحيح‬
‫مسلم برقم )‪.(2860‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عن رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬الفرقان"‪.‬‬
‫) ‪(5/384‬‬

‫م الكتاب عند الله‪.‬‬ ‫ب بعد الذكر ‪ ،‬والذكر ‪ :‬أ ّ‬ ‫وقال مجاهد ‪ :‬الزبور ‪ :‬الكت ُ‬
‫واختار ذلك ابن جرير رحمه الله )‪ ، (1‬وكذا قال زيد بن أسلم ‪ :‬هو الكتاب‬
‫الول‪ .‬وقال الثوري ‪ :‬هو اللوح المحفوظ‪ .‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‬
‫‪ :‬الزبور ‪ :‬الكتب التي نزلت على النبياء ‪ ،‬والذكر ‪ :‬أم الكتاب الذي )‪ (2‬يكتب‬
‫فيه الشياء قبل ذلك‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أخبر الله سبحانه )‪ (3‬في التوراة‬
‫ة محمد‬ ‫ث أم َ‬ ‫والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السموات والرض ‪ ،‬أن ُيور َ‬
‫صلى الله عليه وسلم الرض ويدخلهم الجنة ‪ ،‬وهم الصالحون‪.‬‬
‫ن { قال ‪:‬‬ ‫ض ي َرِث َُها ِ‬ ‫َ‬
‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫عَبادِيَ ال ّ‬ ‫ن الْر َ‬ ‫وقال مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬أ ّ‬
‫جَبير ‪ ،‬والشعبي ‪،‬‬ ‫أرض الجنة‪ .‬وكذا قال أبو العالية ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬والثوري ]رحمهم الله‬
‫تعالى[ )‪.(4‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إن في هذا القرآن الذي‬ ‫دي َ‬ ‫عاب ِ ِ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫غا ل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ذا لَبل ً‬ ‫ن ِفي هَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ة وكفاية لقوم‬ ‫مْنفع َ‬ ‫غا ‪ :‬ل َ‬ ‫أنزلناه على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم لَبل ً‬
‫عابدين ‪ ،‬وهم الذين عبدوا الله بما شرعه وأحبه ورضيه ‪ ،‬وآثروا طاعة الله‬
‫على طاعة الشيطان وشهوات أنفسهم‪.‬‬
‫ن { ‪ :‬يخبر تعالى أن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫ة ل ِلَعال ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك ِإل َر ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫وقوله ]تعالى[ )‪ } : (5‬وَ َ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ‪ ،‬أي ‪ :‬أرسله رحمة‬ ‫جَعل محم ً‬ ‫الله َ‬
‫سعد في الدنيا‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫ة وشكر هذه النعم َ‬ ‫َ‬ ‫لهم كلهم ‪ ،‬فمن قِبل هذه الرحم َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫والخرة ‪ ،‬ومن َرّدها وجحدها خسر في الدنيا والخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جهَن ّ َ‬
‫وارِ َ‬ ‫م َداَر ال ْب َ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫حّلوا قَوْ َ‬ ‫فًرا وَأ َ‬ ‫ة الل ّهِ ك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫قَراُر { ]إبراهيم ‪ ، [29 ، 28 :‬وقال الله تعالى في صفة‬ ‫س )‪ (6‬ال ْ َ‬ ‫صل َوْن ََها وَب ِئ ْ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م وَقٌْر‬
‫ن ِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫فاٌء َوال ّ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫دى وَ ِ‬ ‫مُنوا هُ ً‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل هُوَ ل ِل ّ ِ‬ ‫القرآن ‪ } :‬قُ ْ‬
‫مى أول َئ ِ َ‬‫ُ‬
‫ن ب َِعيد ٍ { ]فصلت ‪.[44 :‬‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك ي َُناد َوْ َ‬ ‫م عَ ً‬ ‫وَهُوَ عَل َي ْهِ ْ‬
‫فَزاريّ ‪ ،‬عن‬ ‫وقال مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا مروان ال َ‬
‫سان ‪ ،‬عن ابن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول‬ ‫يزيد بن ك َي ْ َ‬
‫ت رحمة"‪.‬‬ ‫ث لّعاًنا ‪ ،‬وإنما ُبعث ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫الله ‪ ،‬ادع على المشركين ‪ ،‬قال ‪" :‬إني لم أبعَ ْ‬
‫انفرد بإخراجه مسلم )‪.(7‬‬
‫وفي الحديث الخر ‪" :‬إنما أنا رحمة مهداة"‪ .‬رواه عبد الله بن أبي عرابة ‪،‬‬
‫كيع ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعا )‬ ‫وغيره ‪ ،‬عن وَ ِ‬
‫‪ .(8‬قال إبراهيم الحربي ‪ :‬وقد رواه غيره عن وكيع ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(17/81‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أم الكتاب والذي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬الله تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فبئس"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم برقم )‪.(2559‬‬
‫)‪ (8‬رواه أبو الحسن السكري في "الفوائد المنتقاة" )‪ .(157/2‬كما في‬
‫السلسلة الصحيحة )‪ (1/803‬لللباني ‪ -‬حدثنا عبد الله بن محمد ابن أسد ‪،‬‬
‫حدثنا حاتم بن منصور الشاشي قال ‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي عرابة الشاشي‬
‫به‪ .‬ورواه غيره متصل ‪ :‬فرواه عبد الله بن نصر الصم عن وكيع عن العمش‬
‫عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا‪ .‬خرجه ابن عدي في الكامل )‪(4/231‬‬
‫من طريق عمر بن سنان عن عبد الله بن نصر‪.‬‬
‫وقال ‪" :‬هكذا حدثناه عمر بن سنان عن عبد الله بن نصر عن وكيع عن‬
‫العمش ‪ ،‬وهذا غير محفوظ عن وكيع عن العمش ‪ ،‬إنما يرويه مالك بن‬
‫سعيد عن العمش ‪ ،‬وعبد الله بن نصر هذا له غير ما ذكرت مما أنكرت‬
‫عليه"‪.‬‬

‫) ‪(5/385‬‬

‫فلم يذكر أبا هريرة )‪ .(1‬وكذا قال البخاري ‪ ،‬وقد سئل عن هذا الحديث ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬كان عند حفص بن غياث مرسل‪.‬‬
‫مس ‪ ،‬عن‬ ‫خ ْ‬ ‫ْ‬
‫سَعير بن ال ِ‬‫قال الحافظ ابن عساكر ‪ :‬وقد رواه مالك بن ُ‬
‫العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعا )‪ .(2‬ثم ساقه من طريق‬
‫أبي بكر بن المقرئ وأبي أحمد الحاكم ‪ ،‬كلهما عن بكر بن محمد بن إبراهيم‬
‫الصوفي ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ‪ ،‬عن أبي أسامة ‪ ،‬عن إسماعيل‬
‫بن أبي خالد ‪ ،‬عن قيس )‪ (3‬بن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنما أنا رحمة مهداة"‪.‬‬
‫سَعر )‬ ‫صْلت بن مسعود ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ثم أورده من طريق ال ّ‬
‫‪ ، (4‬عن سعيد بن خالد ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫ت برفع قوم وخفض‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله بعثني رحمة مهداة ‪ُ ،‬بعث ْ ُ‬
‫آخرين" )‪.(5‬‬
‫قال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بن نافع الطحان ‪ ،‬حدثنا‬
‫دراوردي‬ ‫أحمد بن صالح قال ‪ :‬وجدت كتاًبا بالمدينة عن عبد العزيز ال ّ‬
‫وإبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬عن‬
‫جَبير بن مطعم ‪،‬‬ ‫محمد بن صالح التمار ‪ ،‬عن ابن ]شهاب[ )‪ (6‬عن محمد بن ُ‬
‫مَزة ‪ :‬يا‬
‫ح ْ‬‫عن أبيه قال ‪ :‬قال أبو جهل حين قدم ]مكة[ )‪ (7‬منصرفة عن َ‬
‫دا نزل يثرب وأرسل طلئعه ‪ ،‬وإنما يريد أن يصيب‬ ‫معشر قريش ‪ ،‬إن محم ً‬
‫قه أو تقاربوه )‪ ، (8‬فإنه كالسد الضاري ؛‬ ‫منكم شيئا ‪ ،‬فاحذروا أن تمروا طري َ‬
‫قْرَدان عن المناسم )‪ ، (9‬والله إن له‬ ‫حِنق عليكم ؛ لنكم نفيتموه نفي ِ‬
‫ال‬ ‫إنه َ‬
‫دا من أصحابه إل رأيت معهم الشيطان ‪ ،‬وإنكم‬ ‫حَرةً ‪ ،‬ما رأيته قط ول أح ً‬ ‫َلس ْ‬
‫ة ‪ -‬يعني ‪ :‬الوس والخزرج ‪ -‬لهو عدو استعان‬ ‫قد عرفتم عداوة ابني َقيل َ َ‬
‫ق‬
‫دا أصد َ‬ ‫ت أح ً‬‫بعدو ‪ ،‬فقال له مطعم بن عدي ‪ :‬يا أبا الحكم ‪ ،‬والله ما رأي ُ‬
‫دا ‪ ،‬من أخيكم الذي طردتم ‪ ،‬وإذ فعلتم الذي فعلتم‬ ‫لساًنا ‪ ،‬ول أصدق موع ً‬
‫فكونوا أكف الناس عنه‪ .‬قال ]أبو سفيان[ )‪ (10‬بن الحارث ‪ :‬كونوا أشد ّ ما‬
‫فُروا بكم لم يْرُقبوا فيكم إل ول ذمة ‪،‬‬ ‫ة إن ظ َ‬ ‫كنتم عليه ‪ ،‬إن )‪ (11‬ابني قيل َ َ‬
‫دا‬
‫وإن أطعتموني ألجأتموهم خير كنابة ‪ ،‬أو تخرجوا محم ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه ابن أبي شيبة في المصنف )‪ (11/504‬عن وكيع مرسل ‪ ،‬ورواه ابن‬
‫سعد في الطبقات )‪ (1/182‬عن وكيع مرسل ‪ ،‬ورواه البيهقي في دلئل‬
‫النبوة )‪ (1/157‬من طريق إبراهيم بن عبد الله عن وكيع مرسل‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه البزار في مسنده برقم )‪" (2369‬كشف الستار" والبيهقي في‬
‫دلئل النبوة )‪ (1/158‬من طريق زياد بن يحيى عن مالك بن سعيد به ‪ ،‬وقال‬
‫البزار ‪" :‬ل نعلم أحدا وصله إل مالك بن سعيد ‪ ،‬وغيره يرسله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حسن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عن شعبة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬وذكره السيوطي في الجامع الصغير ورمز له اللباني بالضعف‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬أو تحاربوه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬الناس"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬فإن"‪.‬‬

‫) ‪(5/386‬‬

‫من بين ظهرانيهم ‪ ،‬فيكون وحيدا مطرودا ‪ ،‬وأما ]ابنا قَْيلة فوالله ما هما[ )‪(1‬‬
‫وأهل ]دهلك[ )‪ (2‬في المذلة إل سواء وسأكفيكم حدهم ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫ن ُقرب وَب ُْعد‪...‬‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ظا‪ ...‬عََلى َ‬ ‫غلي ً‬ ‫جانًبا مّني َ‬ ‫ح َ‬ ‫من َ ُ‬ ‫سأ ْ‬‫َ‬
‫ن هَْزل ب َعْد َ جد‪...‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫إذا‬ ‫ذل‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ه‬‫أ‬ ‫ية‬ ‫رج‬
‫ْ َ ّ‬ ‫ز‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫جا‬
‫ر َ‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪،‬‬ ‫فبلغ ذلك رسو َ‬
‫لقتلنهم ولصلب َّنهم ولهدينهم وهم كارهون ‪ ،‬إني رحمة بعثني الله ‪ ،‬ول‬
‫ي ََتوّفاني حتى يظهر الله دينه ‪ ،‬لي خمسة أسماء ‪ :‬أنا محمد ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬وأنا‬
‫الماحي الذي يمحي الله بي الكفر ‪ ،‬وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على‬
‫قدمي ‪ ،‬وأنا العاقب" )‪.(3‬‬
‫حا‪.‬‬
‫وقال أحمد بن صالح ‪ :‬أرجو أن يكون الحديث صحي ً‬
‫مرو بن‬ ‫م أحمد ‪ :‬حدثنا معاوية بن عمرو ‪ ،‬حدثنا زائدة ‪ ،‬حدثني عَ ْ‬ ‫وقال الما ُ‬
‫ة بالمدائن ‪ ،‬فكان‬ ‫حذيف ُ‬ ‫َقيس ‪ ،‬عن عمرو بن أبي قُّرة الك ِْنديّ قال ‪ :‬كان ُ‬
‫سلمان‬ ‫ْ‬ ‫ة إلى َ‬ ‫ل الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فجاء حذيف ُ‬ ‫يذكر أشياء قالها رسو ُ‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم ]كان يغضب‬ ‫ن رسو َ‬ ‫ة‪،‬إ ّ‬ ‫فقال سلمان ‪ :‬يا حذيف َ‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم[ )‬ ‫فيقول ‪ ،‬ويرضى فيقول ‪ :‬لقد علمت أ ّ‬
‫ضبي أو لعنته‬ ‫َ‬
‫ة[ )‪ (5‬في غ َ‬ ‫سب ّ ً‬
‫سَببُته ] َ‬‫طب فقال ‪" :‬أيما رجل من أمتي َ‬ ‫‪ (4‬خ َ‬
‫ة‬
‫ة ‪ ،‬فإنما أنا رجل من ولد آدم ‪ ،‬أغضب كما يغضبون ‪ ،‬وإنما بعثني رحم ً‬ ‫لعن ً‬
‫للعالمين ‪ ،‬فاجعلها صلة عليه يوم القيامة"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬عن أحمد بن يونس ‪ ،‬عن زائدة )‪.(6‬‬
‫فر به ؟ فالجواب ما رواه أبو جعفر بن‬ ‫فإن قيل ‪ :‬فأيّ رحمة حصلت لمن ك َ َ‬
‫جرير ‪ :‬حدثنا إسحاق بن شاهين ‪ ،‬حدثنا إسحاق الزرق ‪ ،‬عن المسعودي ‪،‬‬
‫جَبير ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪:‬‬ ‫عن رجل يقال له ‪ :‬سعيد ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ُ‬
‫ن { قال ‪ :‬من آمن بالله واليوم الخر ‪ ،‬كت ِ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬
‫م ً‬ ‫ح َ‬‫ك ِإل َر ْ‬ ‫سل َْنا َ‬‫ما أْر َ‬ ‫} وَ َ‬
‫وفي مما أصاب‬ ‫له الرحمة في الدنيا والخرة ‪ ،‬ومن لم يؤمن بالله ورسوله عُ ِ‬
‫المم من الخسف والقذف )‪.(7‬‬
‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث المسعودي ‪ ،‬عن أبي سعد ‪ -‬وهو سعيد‬
‫قال ‪ -‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬فذكره بنحوه ‪،‬‬ ‫بن المرزبان الب ّ‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫م الطبراني عن عبدان بن أحمد ‪ ،‬عن عيسى بن يونس‬ ‫وقد رواه أبو القاس ُ‬
‫ويد ‪ ،‬عن المسعودي ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت ‪،‬‬ ‫س َ‬
‫مِلي ‪ ،‬عن أيوب ابن ُ‬
‫الَر ْ‬
‫ن{‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬
‫ة ل ِلَعال ِ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬
‫سلَناك ِإل َر ْ‬ ‫ما أْر َ‬
‫جَبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَ َ‬‫عن سعيد بن ُ‬
‫عوِفي مما‬ ‫قال ‪ :‬من تبعه كان له رحمة في الدنيا والخرة ‪ ،‬ومن لم يتبعه ُ‬
‫كان يبتلى به سائر المم من الخسف والقذف )‪.(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬المعجم الكبير )‪.(2/123‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (5/437‬وسنن أبي داود برقم )‪.(4659‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪.(17/83‬‬
‫)‪ (8‬المعجم الكبير )‪.(12/23‬‬

‫) ‪(5/387‬‬

‫حد فَه ْ َ‬ ‫ل إنما يوحى إل َ َ‬


‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫وا‬ ‫ن )‪ (108‬فَإ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ه َوا ِ ٌ َ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬ ‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬ ‫ي أن ّ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫قُ ْ ِ ّ َ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق ْ َ‬
‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫ن )‪ (109‬إ ِن ّ ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُتوعَ ُ‬ ‫م ب َِعيد ٌ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ري ٌ‬‫ِ‬ ‫ن أد ِْري أقَ‬ ‫واٍء وَإ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫ل آذ َن ْت ُك ُ ْ‬ ‫فَ ُ‬
‫مَتاع ٌ إ َِلى‬ ‫َ‬
‫م وَ َ‬‫ة ل َك ُ ْ‬
‫ه فِت ْن َ ٌ‬ ‫ن أد ِْري ل َعَل ّ ُ‬ ‫ن )‪ (110‬وَإ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ت َك ْت ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل وَي َعْل َ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَْر ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن)‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫ست ََعا ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫حقّ وََرب َّنا الّر ْ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫با ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪َ (111‬قا َ‬ ‫حي ٍ‬ ‫ِ‬
‫‪(112‬‬
‫حد فَه ْ َ‬ ‫ل إنما يوحى إل َ َ‬
‫ن )‪ (108‬فَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ه َوا ِ ٌ َ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬ ‫ي أن ّ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫} قُ ْ ِ ّ َ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن )‪ (109‬إ ِن ّ ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُتوعَ ُ‬ ‫م ب َِعيد ٌ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن أد ِْري أقَ ِ‬ ‫واٍء وَإ ِ ْ‬ ‫م عََلى َ‬
‫س َ‬ ‫ل آذ َن ْت ُك ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫وا فَ ُ‬ ‫ت َوَل ّ ْ‬
‫َ‬
‫ة ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه فِت ْن َ ٌ‬ ‫ن أد ِْري ل َعَل ّ ُ‬ ‫ن )‪ (110‬وَإ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ت َك ْت ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل وَي َعْل َ ُ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫جهَْر ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ما‬‫ن عََلى َ‬ ‫ست ََعا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫حقّ وََرب َّنا الّر ْ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫با ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪َ (111‬قا َ‬ ‫حي ٍ‬ ‫مَتاع ٌ إ َِلى ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪.{ (112‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫تَ ِ‬
‫يقول تعالى آمًرا رسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬أن يقول للمشركين ‪:‬‬
‫حد فَه ْ َ‬ ‫} إنما يوحى إل َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬متبعون على‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ه َوا ِ ٌ َ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬ ‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬ ‫ي أن ّ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ِّ َ ُ َ‬
‫ذلك ‪ ،‬مستسلمون منقادون )‪ (1‬له‪.‬‬
‫واٍء { أي ‪:‬‬ ‫س َ‬ ‫م عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل آذ َن ْت ُك ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫وا { أي ‪ :‬تركوا ما دعوتهم إليه ‪ } ،‬فَ ُ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫} فَإ ِ ْ‬
‫ب لي ‪ ،‬بريء منكم كما أنكم ُبرآء مني‬ ‫حْر ٌ‬ ‫حْرب لكم ‪ ،‬كما أنكم َ‬ ‫أعلمتكم أني َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫م ُ‬ ‫ما أعْ َ‬ ‫م ّ‬‫ن ِ‬ ‫ريُئو َ‬ ‫م بَ ِ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫ملك ْ‬ ‫م عَ َ‬ ‫مِلي وَلك ْ‬ ‫ل ِلي عَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن كذ ُّبوك فَ ُ‬ ‫‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن قَوْم ٍ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫خَيان َ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خافَ ّ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ن { ]يونس ‪ .[41 :‬وقال } وَإ ِ ّ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م ّ‬‫ريٌء ِ‬ ‫وَأَنا ب َ ِ‬
‫واٍء { ]النفال ‪ : [58 :‬ليكن )‪ (2‬علمك وعلمهم بنبذ‬ ‫س َ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫َفان ْب ِذ ْ إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫واٍء { أي‬ ‫س َ‬‫م عََلى َ‬ ‫ل آذ َن ْت ُك ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫وا فَ ُ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫العهود على السواء ‪ ،‬وهكذا هاهنا ‪ } ،‬فَإ ِ ْ‬
‫‪ :‬أعلمتكم ببراءتي منكم ‪ ،‬وبراءتكم مني ؛ لعلمي بذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وإ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬هو واقع ل محالة ‪،‬‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُتوعَ ُ‬ ‫م ب َِعيد ٌ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن أد ِْري أقَ ِ‬ ‫َِ ْ‬
‫ما‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ ِ ََْ ُ َ‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ ْ َ ِ َ‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ِّ ُ َ ْ ُ‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫ببعده‬ ‫ول‬ ‫بقربه‬ ‫لي‬ ‫ولكن ل علم‬
‫ن { أي ‪ :‬إن الله يعلم الغيب جميَعه ‪ ،‬ويعلم ما يظهره العباد وما‬ ‫مو َ‬ ‫ت َك ْت ُ ُ‬
‫يسرون ‪ ،‬يعلم الظواهر والضمائر ‪ ،‬ويعلم السر وأخفى ‪ ،‬ويعلم ما العباد‬
‫عاملون في أجهارهم وأسرارهم ‪ ،‬وسيجزيهم على ذلك ‪ ،‬على القليل‬
‫والجليل‪.‬‬
‫مَتاع ٌ إ َِلى ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وإ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬وما أدري لعل هذا‬ ‫حي ٍ‬ ‫ة ل َك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ه فِت ْن َ ٌ‬ ‫ن أد ِْري ل َعَل ّ ُ‬ ‫َِ ْ‬
‫فتنة لكم ومتاع إلى حين‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬لعل تأخير ذلك )‪ (3‬عنكم فتنة لكم ‪ ،‬ومتاع إلى أجل مسمى‬
‫)‪ .(4‬وحكاه عون ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫حقّ { أي ‪ :‬افصل بيننا وبين قومنا المكذبين بالحق‪.‬‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫با ْ‬‫ل َر ّ‬ ‫} َقا َ‬
‫ن‬ ‫قال قتادة ‪ :‬كان النبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬يقولون ‪َ } :‬رب َّنا افْت َ ْ‬
‫ح ب َي ْن ََنا وَب َي ْ َ‬
‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]العراف ‪ ، [89 :‬وأمر رسول الله صلى‬ ‫حي َ‬ ‫فات ِ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حقّ وَأن ْ َ‬ ‫مَنا ِبال ْ َ‬
‫قَوْ ِ‬
‫الله عليه وسلم أن يقول ذلك‪.‬‬
‫وعن مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا‬
‫حقّ {‪.‬‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫با ْ‬ ‫شهد قتال قال ‪َ } :‬ر ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬على ما يقولون‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ت َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن عَلى َ‬ ‫ست ََعا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وََرب َّنا الّر ْ‬
‫ويفترون من الكذب ‪ ،‬ويتنوعون في مقامات التكذيب والفك ‪ ،‬والله‬
‫المستعان عليكم في ذلك )‪.(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬متقاربين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬لكن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(17/84‬‬
‫)‪ (5‬وقع في ت ‪" :‬آخر تفسير "سورة النبياء" عليهم السلم ‪ ،‬ولله الحمد‬
‫والمنة ‪ ،‬عفا الله لمن نظر فيه ولكاتبه وللمسلمين أجمعين"‪.‬‬

‫) ‪(5/388‬‬

‫ن َزل َْزل َ َ‬ ‫َ‬


‫م ت ََروْن ََها ت َذ ْهَ ُ‬
‫ل‬ ‫م )‪ (1‬ي َوْ َ‬
‫ظي ٌ‬
‫يٌء عَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ساعَةِ َ‬‫ة ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫س ات ّ ُ‬
‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫كاَرى وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫س ُ‬ ‫مل ََها وَت ََرى الّنا َ‬
‫ح ْ‬
‫ل َ‬‫م ٍ‬‫ح ْ‬
‫ت َ‬ ‫ضع ُ ك ُ ّ‬
‫ل َذا ِ‬ ‫ت وَت َ َ‬‫ضعَ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ضعَةٍ عَ ّ‬
‫مْر ِ‬‫ل ُ‬ ‫كُ ّ‬
‫ديد ٌ )‪(2‬‬‫ش ِ‬ ‫ب الل ّهِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كاَرى وَل َك ِ ّ‬‫س َ‬
‫م بِ ُ‬ ‫هُ ْ‬

‫تفسير سورة الحج‬


‫]وهي مكية[ )‪.(1‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ت ََروْن ََها‬‫م )‪ (1‬ي َوْ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫يٌء عَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ساعَةِ َ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫ن َزلَزل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫س ات ّ ُ‬‫} َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫َ‬
‫مل ََها وَت ََرى الّنا َ‬
‫س‬ ‫ح ْ‬‫ل َ‬ ‫م ٍ‬‫ح ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ل َذا ِ‬ ‫ضع ُ ك ُ ّ‬‫ت وَت َ َ‬ ‫ضعَ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ضعَةٍ عَ ّ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫ت َذ ْهَ ُ‬
‫ديد ٌ )‪.{ (2‬‬ ‫ش ِ‬‫ب اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬
‫سكاَرى وَلك ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫كاَرى وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ُ‬
‫يقول تعالى آمرا عباده بتقواه ‪ ،‬ومخبرا لهم بما يستقبلون من أهوال يوم‬
‫القيامة وزلزلها وأحوالها‪ .‬وقد اختلف المفسرون في زلزلة الساعة ‪ :‬هل هي‬
‫صات القيامة ؟ أو ذلك‬ ‫عر َ‬ ‫بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم إلى َ‬
‫عبارة عن زلزلة الرض قبل قيام الناس من أجداثهم ؟ كما قال تعالى ‪ } :‬إ َِذا‬
‫قال ََها { ] الزلزلة ‪ ، [ 2 ، 1 :‬وقال‬ ‫ض أ َث ْ َ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ض زِل َْزال ََها‪ .‬وَأ َ ْ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫ُزل ْزِل َ ِ‬
‫ت‬‫مئ ِذ ٍ وَقَعَ ِ‬
‫حد َة ً فَي َوْ َ‬‫ة * َوا ِ‬ ‫ل فَد ُك َّتا د َك ّ ً‬ ‫جَبا ُ‬‫ض َوال ْ ِ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫مل َ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَ ُ‬
‫جا‪.‬‬ ‫ض َر ّ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫ج ِ‬‫ة { ] الحاقة ‪ ، [ 15 ، 14 :‬وقال تعالى ‪ } :‬إ َِذا ُر ّ‬ ‫واقِعَ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫من ْب َّثا { ] الواقعة ‪.[ 6 - 4 :‬‬ ‫ت هََباًء ُ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫سا‪ .‬فَ َ‬ ‫ل بَ ّ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫وَب ُ ّ‬
‫فقال قائلون ‪ :‬هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا ‪ ،‬وأول أحوال الساعة‪.‬‬
‫شار ‪ ،‬حدثنا يحيى ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن ب َ ّ‬
‫يٌء‬‫ش ْ‬ ‫ساعَةِ َ‬ ‫ة ال ّ‬‫ن َزل َْزل َ َ‬
‫مة في قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن عَل ْ َ‬
‫ق َ‬
‫م { ‪ ،‬قال ‪ :‬قبل الساعة‪.‬‬ ‫ظي ٌ‬‫عَ ِ‬
‫ورواه ابن أبي حاتم من حديث الثوري ‪ ،‬عن منصور والعمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪،‬‬
‫مْير ‪،‬‬‫عن علقمة ‪ ،‬فذكره‪ .‬قال ‪ :‬وروي عن الشعبي ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وعُب َْيد بن عُ َ‬
‫نحو ذلك‪.‬‬
‫قوا‬‫س ات ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫وقال أبو ك ُد َي ْن َ َ‬
‫ة ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن عامر الشعبي ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫م { الية ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا في الدنيا قبل يوم القيامة‪.‬‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫صور ‪،‬‬ ‫ن قال ذلك في حديث ال ّ‬ ‫م ْ‬
‫ست َن َد َ َ‬
‫م ْ‬
‫وقد أورد المام أبو جعفر بن جرير ُ‬
‫من رواية إسماعيل ابن رافع قاضي أهل المدينة ‪ ،‬عن يزيد بن أبي زياد ‪ ،‬عن‬
‫رجل من النصار ‪ ،‬عن محمد بن كعب القرظي ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله لما فرغ من خلق‬
‫صور ‪ ،‬فأعطاه إسرافيل ‪ ،‬فهو واضعه على ِفيه ‪،‬‬ ‫السموات والرض خلق ال ّ‬
‫شاخص ببصره إلى الَعرش ‪ ،‬ينتظر متى يؤمر"‪ .‬قال أبو هريرة ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬وما الصور ؟‬
‫قال ‪" :‬قرن" قال ‪ :‬فكيف هو ؟ قال ‪" :‬قرن عظيم ينفخ فيه ثلث نفخات ‪،‬‬
‫الولى نفخة الفزع ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(5/389‬‬

‫صْعق ‪ ،‬والثالثة نفخة )‪ (1‬القيام لرب العالمين ‪ ،‬يأمر الله‬ ‫والثانية نفخة ال ّ‬
‫إسرافيل بالنفخة الولى فيقول ‪ :‬انفخ نفخة الفزع‪ .‬فيفزع ُ أهل السموات‬
‫وأهل الرض ‪ ،‬إل من شاء الله ‪ ،‬ويأمره فيمدها ويطولها ول يفتر ‪ ،‬وهي التي‬
‫ق{]ص‬ ‫وا ٍ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ل ََها ِ‬‫حد َة ً َ‬ ‫ة َوا ِ‬‫ح ً‬ ‫صي ْ َ‬‫ؤلِء ِإل َ‬ ‫ما ي َن ْظ ُُر هَ ُ‬‫يقول الله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫‪ [ 15 :‬فَُيسير الله الجبال ‪ ،‬فتكون سرابا وُترج الرض بأهلها رجا ‪ ،‬وهي التي‬
‫مئ ِذٍ‬
‫ب ي َوْ َ‬ ‫ة‪ .‬قُُلو ٌ‬ ‫ة‪ .‬ت َت ْب َعَُها الّرادِفَ ُ‬ ‫ف ُ‬
‫ج َ‬‫ف الّرا ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ت َْر ُ‬
‫يقول الله تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ة { ] النازعات ‪ ، [ 8 - 6 :‬فتكون الرض ‪ ،‬كالسفينة الموبقة )‪ (2‬في‬ ‫ف ٌ‬
‫ج َ‬
‫َوا ِ‬
‫البحر ‪ ،‬تضربها المواج تكفؤها بأهلها ‪ ،‬وكالقنديل المعلق بالعرش ترجحه‬
‫الرواح‪.‬‬
‫فيمتد الناس على ظهرها ‪ ،‬فتذهل المراضع ‪ ،‬وتضع الحوامل‪ .‬ويشيب )‪(3‬‬
‫الولدان ‪ ،‬وتطير الشياطين هاربة ‪ ،‬حتى تأتي القطار ‪ ،‬فتلقاها الملئكة‬
‫فتضرب وجوهها ‪ ،‬فترجع ‪ ،‬ويولي )‪ (4‬الناس مدبرين ‪ ،‬ينادي بعضهم بعضا ‪،‬‬
‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬‫ن ُ‬‫م ت ُوَّلو َ‬ ‫م الت َّناد ِ )‪ * (5‬ي َوْ َ‬ ‫وهو الذي يقول الله تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫هاد ٍ { ] غافر ‪[ 33 ، 32 :‬‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬ ‫ه فَ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صم ٍ و َ َ‬ ‫عا ِ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬
‫ِ‬
‫فبينما هم على ذلك إذ انصدعت الرض من قطر إلى قطر ‪ ،‬فََرأوا أمرا‬
‫عظيما ‪ ،‬فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به ‪ ،‬ثم نظروا إلى السماء‬
‫ف قمرها ‪ ،‬وانتثرت نجومها ‪ ،‬ثم‬ ‫خس َ‬ ‫فإذا هي كالمهل ‪ ،‬ثم خسف شمسها و ُ‬
‫شطت عنهم" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬والموات ل يعلمون‬ ‫كُ ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫فزِع َ َ‬ ‫بشيء من ذلك" قال أبو هريرة ‪ :‬فمن استثنى الله حين يقول ‪ } :‬فَ َ‬
‫ه { ] النمل ‪ [ 87 :‬؟‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن )‪َ (6‬‬ ‫م ْ‬‫ض ِإل َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬
‫ِفي ال ّ‬
‫قال ‪ :‬أولئك الشهداء ‪ ،‬وإنما يصل الفزع إلى الحياء ‪ ،‬أولئك أحياء عند ربهم‬
‫يرزقون ‪ ،‬وقاهم الله شر ذلك اليوم وآمنهم ‪ ،‬وهو عذاب الله يبعثه على‬
‫ن َزل َْزل َ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫م إِ ّ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫شرار خلقه ‪ ،‬وهو الذي يقول الله ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ضع ُ ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫م ت ََروْن ََها ت َذ ْهَ ُ‬ ‫ساعَةِ َ‬
‫ت وَت َ َ‬ ‫ضعَ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ضعَةٍ عَ ّ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫م * ي َوْ َ‬‫ظي ٌ‬ ‫يٌء عَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ال ّ‬
‫هّ‬
‫ب الل ِ‬ ‫َ‬
‫ن عَذا َ‬ ‫َ‬
‫سكاَرى وَلك ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫سكاَرى وَ َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬ ‫ملَها وَت ََرى الّنا َ‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٍ‬
‫ح ْ‬ ‫ت َ‬ ‫َذا ِ‬
‫ديد ٌ { )‪.(7‬‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫وهذا الحديث قد رواه الطبراني ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬وغير واحد )‬
‫دا‪.‬‬
‫‪ (8‬مطول ج ً‬
‫والغرض منه أنه دل على أن هذه الزلزلة )‪ (9‬كائنة قبل يوم الساعة ‪،‬‬
‫وأضيفت إلى الساعة لقربها منها ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬أشراط الساعة ‪ ،‬ونحو ذلك ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل ذلك هول وفزع وزلزال وبلبال ‪ ،‬كائن يوم القيامة في‬
‫العرصات ‪ ،‬بعد القيامة من القبور‪ .‬واختار ذلك ابن جرير‪ .‬واحتجوا بأحاديث ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬حدثنا )‪ (10‬قتادة ‪ ،‬عن‬
‫صين ؛ أن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ح َ‬ ‫الحسن ‪ ،‬عن عمران ]ابن[ )‪ُ (11‬‬
‫وسلم قال وهو في بعض أسفاره ‪ ،‬وقد تفاوت بين أصحابه السير ‪ ،‬رفع‬
‫ن َزل َْزل َ َ‬ ‫َ‬
‫يٌء‬‫ش ْ‬ ‫ساعَةِ َ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫س ات ّ ُ‬‫بهاتين اليتين صوته ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫مل ََها‬ ‫ضع ُ ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫م ت ََروْن ََها ت َذ ْهَ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ل َذا ِ‬ ‫ت وَت َ َ‬ ‫ضعَ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ضعَةٍ عَ ّ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫ظي ٌ‬
‫عَ ِ‬
‫ديد ٌ {‬ ‫ِ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫َ ِ ّ َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫رى‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫س‬ ‫ب‬
‫َ َ ُ ْ ِ ُ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫رى‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫س‬
‫ّ َ ُ َ‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫رى‬ ‫وَت َ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬والنفخة الثالثة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬المرسية"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وتشيب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وتولي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬التنادي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪.(17/85‬‬
‫)‪ (8‬حديث الصور سبق عند تفسير الية ‪ 73‬من سورة النعام‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬الزلزلة له"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫) ‪(5/390‬‬

‫مطي ‪ ،‬وعرفوا أنه عند قول يقوله ‪ ،‬فلما‬‫حْثوا ال ُ‬


‫فلما سمع أصحابه بذلك َ‬
‫تأشهوا حوله قال ‪ " :‬أتدرون أي يوم ذاك ؟ يوم ينادى آدم ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫فيناديه ربه عز وجل ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا آدم ‪ ،‬ابعث بعثك إلى النار فيقول ‪ :‬يا رب ‪،‬‬
‫وما بعث النار ؟ فيقول ‪ :‬من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار ‪،‬‬
‫وواحد في الجنة"‪ .‬قال فأبلس أصحابه حتى ما أوضحوا بضاحكة ‪ ،‬فلما رأى‬
‫ذلك قال ‪" :‬أبشروا واعملوا ‪ ،‬فوالذي نفس محمد بيده ‪ ،‬إنكم لمع )‪(1‬‬
‫خليقتين ما كانتا مع شيء قط إل كثرتاه ‪ :‬يأجوج ومأجوج ‪ ،‬ومن هلك من بني‬ ‫َ‬
‫سّري عنهم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬اعملوا وأبشروا ‪ ،‬فوالذي‬ ‫آدم وبني إبليس" قال ‪ :‬ف ُ‬
‫نفس محمد بيده ‪ ،‬ما أنتم في الناس إل كالشامة في جنب البعير ‪ ،‬أو الرقمة‬
‫في ذراع الدابة"‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما ‪ ،‬عن محمد‬
‫طان ‪ -‬عن هشام ‪ -‬وهو الدستوائي ‪ -‬عن قتادة‬ ‫ق ّ‬
‫شار ‪ ،‬عن يحيى ‪ -‬وهو ال َ‬ ‫بن ب َ ّ‬
‫‪ ،‬به )‪ (2‬بنحوه‪ .‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫طريق أخرى لهذا الحديث ‪ :‬قال )‪ (3‬الترمذي ‪ :‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا‬
‫صْين ؛‬ ‫ح َ‬ ‫جدعان ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن عمران بن ُ‬ ‫سفيان بن عيينة ‪ ،‬حدثنا ابن ُ‬
‫قوا‬‫س )‪ (4‬ات ّ ُ‬ ‫َ‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬لما نزلت ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ب الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ذا َ‬ ‫م { إلى قوله ‪ } :‬وَل َك ِ ّ‬
‫ن عَ َ‬ ‫ظي ٌ‬
‫يٌء عَ ِ‬‫ش ْ‬‫ساعَةِ َ‬ ‫ن َزل َْزل َ َ‬
‫ة ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬‫َرب ّك ُ ْ‬
‫ديد ٌ { ‪ ،‬قال ‪ :‬أنزلت عليه هذه ‪ ،‬وهو في سفر ‪ ،‬فقال ‪" :‬أتدرون أي يوم‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫ذلك ؟" فقالوا ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬ذلك يوم يقول الله لدم ‪ :‬ابعث‬
‫بعث النار‪ .‬قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وما بعث النار ؟ قال ‪ :‬تسعمائة وتسعة وتسعون‬
‫إلى النار ‪ ،‬وواحد إلى الجنة" فأنشأ المسلمون يبكون ‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫ددوا ‪ ،‬فإنها لم تكن نبوة قط إل كان بين‬ ‫س ّ‬‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬قاربوا و َ‬
‫ملت من‬ ‫ُ‬
‫يديها جاهلية" قال ‪" :‬فيؤخذ العدد من الجاهلية ‪ ،‬فإن تمت وإل ك ّ‬
‫المنافقين ‪ ،‬وما مثلكم والمم إل كمثل الّرقمة في ذراع الدابة ‪ ،‬أو كالشامة )‬
‫‪ (5‬في جنب البعير" ثم قال ‪" :‬إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" فكبروا‬
‫ثم قال ‪" :‬إني لرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة" فكبروا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إني‬
‫لرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" فكبروا ‪ ،‬قال ‪ :‬ول أدري أقال الثلثين أم‬
‫ل؟‬
‫ة )‪ ، (6‬ثم قال الترمذي أيضا ‪ :‬هذا‬ ‫وكذا رواه المام أحمد عن سفيان بن عُي َي ْن َ َ‬
‫حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫وقد روي عن سعيد بن أبي عَُروبة عن الحسن ‪ ،‬عن عمران بن الحصين‪ .‬وقد‬
‫رواه ابن أبي حاتم من حديث سعيد بن أبي عروبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن‬
‫والعلء بن زياد العدوي ‪ ،‬عن عمران بن الحصين )‪ ، (7‬فذكره‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬مع"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (4/435‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3169‬وسنن النسائي الكبرى‬
‫برقم )‪.(11340‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يا أيها الذين آمنوا" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وكالشامة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن الترمذي برقم )‪ (3168‬والمسند )‪.(4/432‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬ابن حصين"‪.‬‬

‫) ‪(5/391‬‬

‫در ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن الحسن قال ‪:‬‬ ‫دار ‪ ،‬عن غُن ْ َ‬ ‫وهكذا روى ابن جرير عن ب ُن ْ َ‬
‫بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة الُعسرة ومعه‬
‫ن َزل َْزل َ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫م إِ ّ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ْ‬
‫س ات ّ ُ‬
‫أصحابه بعد ما شارف المدينة قرأ ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫عان ‪،‬‬ ‫جد ْ َ‬‫م { وذكر الحديث )‪ ، (1‬فذكر نحو سياق ابن ُ‬ ‫ظي ٌ‬‫يٌء عَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ساعَةِ َ‬
‫ال ّ‬
‫فالله أعلم‪.‬‬
‫َ‬
‫الحديث الثاني ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن الطّباع ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫مر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس قال ‪:‬‬ ‫معْ َ‬‫سفيان ‪] -‬يعني[ )‪ (2‬المعمري ‪ -‬عن َ‬
‫م { وذكر ‪ -‬يعني ‪ :‬نحو سياق الحسن‬ ‫ظي ٌ‬‫يٌء عَ ِ‬ ‫ساعَةِ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ة ال ّ‬‫ن َزل َْزل َ َ‬
‫نزلت ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫عن عمران ‪ -‬غير أنه قال ‪" :‬ومن هلك من كفرة الجن والنس"‪.‬‬
‫رواه ابن جرير بطوله ‪ ،‬من حديث معمر )‪.(3‬‬
‫الحديث الثالث ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سليمان ‪،‬‬
‫حدثنا عباد ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن العوام ‪ -‬حدثنا هلل بن خباب )‪ ، (4‬عن عكرمة ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬تل )‪ (5‬رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الية فذكر‬
‫نحوه ‪ ،‬وقال فيه ‪" :‬إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إني‬
‫لرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة" ثم قال ‪" :‬إني لرجو أن تكونوا شطر أهل‬
‫ضا ‪" :‬وإنما أنتم جزء من ألف جزء" )‪.(6‬‬ ‫الجنة" ففرحوا ‪ ،‬وزاد أي ً‬
‫الحديث الرابع ‪ :‬قال البخاري عند هذه الية ‪ :‬حدثنا عمر بن حفص ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبي ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬حدثنا أبو صالح ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يقول الله تعالى يوم القيامة ‪ :‬يا آدم ‪ ،‬فيقول ‪ :‬لبيك‬
‫ربنا وسعديك‪ .‬فينادي بصوت ‪ :‬إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعًثا إلى‬
‫النار‪ .‬قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وما بعث النار ؟ قال ‪ :‬من كل ألف ‪ -‬أراه قال ‪ -‬تسعمائة‬
‫وتسعة وتسعين )‪ .(7‬فحينئذ تضع الحامل حملها ‪ ،‬ويشيب الوليد ‪ } ،‬وَت ََرى‬
‫ديد ٌ { فشق ذلك على‬ ‫ب الل ّهِ َ‬
‫ش ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫كاَرى وَل َك ِ ّ‬
‫ن عَ َ‬ ‫س َ‬
‫م بِ ُ‬
‫ما هُ ْ‬ ‫س َ‬
‫كاَرى وَ َ‬ ‫س ُ‬
‫الّنا َ‬
‫الناس حتى تغيرت وجوههم ‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من يأجوج‬
‫ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين )‪ ، (8‬ومنكم واحد ‪ ،‬ثم أنتم في الناس‬
‫كالشعرة السوداء في جنب الثور البيض ‪ ،‬أو كالشعرة البيضاء في جنب‬
‫الثور السود ‪ ،‬وإني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة"‪ .‬فكبرنا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ثلث‬
‫أهل الجنة"‪ .‬فكبرنا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬شطر أهل الجنة" فكبرنا )‪.(9‬‬
‫وقد رواه البخاري أيضا في غير هذا الموضع ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬والنسائي في‬
‫تفسيره ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به )‪.(10‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(17/86‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(17/87‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ابن حبان"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬ورواه البزار في مسنده برقم )‪" (2235‬كشف الستار" حدثنا أبو بكر بن‬
‫إسحاق عن سعد بن سليمان به ‪ ،‬وقال ‪" :‬ل نعلمه يروى عن ابن عباس إل‬
‫بهذا السناد"‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/69‬قلت في الصحيح بعضه ‪،‬‬
‫رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير هلل بن خباب وهو ثقة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وتسعون"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وتسعون"‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري برقم )‪.(4741‬‬
‫)‪ (10‬صحيح البخاري برقم )‪ (7483 ، 3348‬وصحيح مسلم برقم )‪(222‬‬
‫وسنن النسائي الكبرى برقم )‪.(11339‬‬

‫) ‪(5/392‬‬

‫الحديث الخامس ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عمار )‪ (1‬بن محمد ‪ -‬ابن أخت‬
‫سفيان الثوري ‪ -‬وعبيدة المعنى ‪ ،‬كلهما عن إبراهيم بن مسلم ‪ ،‬عن أبي‬
‫الحوص ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن‬
‫الله يبعث يوم القيامة مناديا ]ينادي[ )‪ : (2‬يا آدم ‪ ،‬إن الله يأمرك أن تبعث‬
‫بعًثا من ذريتك إلى النار ‪ ،‬فيقول آدم ‪ :‬يا رب ‪ ،‬من هم ؟ فيقال له ‪ :‬من كل‬
‫مائة تسعة وتسعين"‪ .‬فقال رجل من القوم ‪ :‬من هذا الناجي منا بعد هذا يا‬
‫رسول الله ؟ قال )‪" : (3‬هل تدرون ما أنتم في الناس إل كالشامة في صدر‬
‫البعير" )‪.(4‬‬
‫انفرد بهذا السند وهذا السياق المام أحمد‪.‬‬
‫الحديث السادس ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن حاتم بن أبي‬
‫ة ؛ أن القاسم بن محمد أخبره ‪ ،‬عن عائشة ‪،‬‬ ‫مل َي ْك َ َ‬
‫صغيرة ‪ ،‬حدثنا ابن أبي ُ‬
‫حفاة‬‫عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إنكم تحشرون يوم القيامة ُ‬
‫عراة غرل"‪ .‬قالت عائشة ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى‬
‫بعض ؟ قال ‪" :‬يا عائشة ‪ ،‬إن المر أشد من أن يهمهم ذاك"‪ .‬أخرجاه في‬
‫الصحيحين )‪.(5‬‬
‫الحديث السابع ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫مران ‪ ،‬عن القاسم بن محمد ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪:‬‬ ‫ع ْ‬ ‫ل َِهيعة ‪ ،‬عن خالد بن أبي ِ‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة ؟ قال ‪" :‬يا‬
‫عائشة ‪ ،‬أما عند ثلث فل أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف ‪ ،‬فل‪ .‬وأما عند‬
‫تطاير الكتب فإما يعطى بيمينه أو يعطى بشماله ‪ ،‬فل‪ .‬وحين يخرج عُُنق من‬
‫النار فينطوي عليهم ‪ ،‬ويتغيظ عليهم ‪ ،‬ويقول ذلك العنق ‪ :‬وكلت بثلثة ‪،‬‬
‫وكلت بثلثة ‪ ،‬وكلت بثلثة ‪ :‬وكلت بمن ادعى مع الله إلها آخر ‪ ،‬ووكلت بمن‬
‫ل يؤمن بيوم الحساب ‪ ،‬ووكلت بكل جبار عنيد" قال ‪" :‬فينطوي )‪ (6‬عليهم ‪،‬‬
‫ويرميهم في غمرات ‪ ،‬ولجهنم جسر أدق من الشعر وأحد من السيف ‪ ،‬عليه‬
‫ن من شاء الله ‪ ،‬والناس عليه كالطرف وكالبرق وكالريح‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫كلليب وحسك يأ ُ‬
‫سلم‪ .‬فناج‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سلم ‪َ ،‬‬‫‪ ،‬وكأجاويد الخيل والركاب ‪ ،‬والملئكة يقولون ‪ :‬رب ‪َ ،‬‬
‫ور )‪ (7‬في النار على وجهه )‪.(9) " (8‬‬ ‫مسلم ‪ ،‬ومخدوش مسلم ‪ ،‬ومك َ ّ‬
‫والحاديث في أهوال يوم القيامة والثار كثيرة جدا ‪ ،‬لها موضع آخر ‪ ،‬ولهذا‬
‫م { أي ‪ :‬أمر كبير ‪ ،‬وخطب جليل‬ ‫ظي ٌ‬
‫يٌء عَ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ساعَةِ َ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫ن َزل َْزل َ َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫‪ ،‬وطارق مفظع ‪ ،‬وحادث هائل ‪ ،‬وكائن عجيب‪.‬‬
‫والزلزال )‪ : (10‬هو ما يحصل للنفوس من الفزع ‪ ،‬والرعب كما قال تعالى ‪:‬‬
‫دا { ] الحزاب ‪.[ 11 :‬‬‫دي ً‬
‫ش ِ‬‫ن وَُزل ْزُِلوا زِل َْزال َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤْ ِ‬‫ي ال ْ ُ‬ ‫} هَُنال ِ َ‬
‫ك اب ْت ُل ِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬عمارة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(1/388‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (6/53‬وصحيح البخاري برقم )‪ (6527‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2855‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وينطوي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬ومكبوب"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وجوههم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(6/110‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬والزلزل"‪.‬‬

‫) ‪(5/393‬‬
‫ريد ٍ )‪ (3‬ك ُت ِ َ‬
‫ب‬ ‫م ِ‬
‫ن َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫عل ْم ٍ وَي َت ّب ِعُ ك ُ ّ‬ ‫ل ِفي الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫جادِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬‫م ْ‬
‫س َ‬
‫َ‬ ‫ن َالّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَ ِ‬
‫سِعيرِ )‪(4‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫َ‬
‫ديهِ إ ِلى عَ َ‬ ‫ه وَي َهْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ضل ُ‬‫ه يُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ت َوَله ُ فأن ّ ُ‬‫م ْ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬
‫عَلي ْهِ أن ّ ُ‬

‫م ت ََروْن ََها { ‪ :‬هذا من باب ضمير الشأن ؛ ولهذا قال‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ت { أي ‪ :‬تشتغل لهول ما ترى‬ ‫َ‬ ‫لك ّ‬ ‫ُ‬ ‫مفسًرا له ‪ } :‬ت َذ ْهَ ُ‬
‫ضعَ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ضعَةٍ عَ ّ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ل ُ‬
‫عن أحب الناس إليها ‪ ،‬والتي هي أشفق الناس عليه ‪ ،‬تدهش عنه في حال‬
‫ضعَةٍ { ‪ ،‬ولم يقل ‪" :‬مرضع" وقال ‪:‬‬ ‫مْر ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫إرضاعها له ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ك ُ ّ‬
‫ت { أي ‪ :‬عن رضيعها قبل فطامه‪.‬‬ ‫َ‬
‫ضعَ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫} عَ ّ‬
‫ملَها { أي ‪ :‬قبل تمامه لشدة الهول ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٍ‬‫ح ْ‬‫ت َ‬ ‫ضعُ كل َذا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت َ َ‬
‫سكَرى" أي ‪ :‬من شدة المر الذي ]قد[ )‬ ‫ْ‬ ‫سكاَرى { وقرئ ‪َ " :‬‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬ ‫} وَت ََرى الّنا َ‬
‫‪ (1‬صاروا فيه قد دهشت عقولهم ‪ ،‬وغابت أذهانهم ‪ ،‬فمن رآهم حسب أنهم‬
‫ديد ٌ {‪.‬‬ ‫ش ِ‬ ‫ب الل ّهِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كاَرى وَل َك ِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫سكارى ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫ِ َ‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫(‬ ‫‪3‬‬ ‫)‬ ‫د‬ ‫ري‬ ‫م‬
‫ٍ َ ِ ٍ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ش‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ع‬ ‫ب‬‫ت‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ ْ ِ ِ ٍ ََِّ ُ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫} َ ِ َ ّ ِ َ ْ ُ َ ِ‬
‫د‬ ‫جا‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ديهِ إ َِلى عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سِعيرِ )‪.{ (4‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ه وَي َهْ ِ‬ ‫ضل ّ ُ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫وله ُ فَأن ّ ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عَل َي ْهِ أن ّ ُ‬
‫ما لمن كذب بالبعث ‪ ،‬وأنكر قدرة الله على إحياء الموتى ‪،‬‬ ‫يقول تعالى ذا ً‬
‫معرضا عما أنزل الله على أنبيائه ‪ ،‬متبًعا في قوله وإنكاره وكفره كل شيطان‬
‫مريد ‪ ،‬من النس والجن ‪ ،‬وهذا حال أهل الضلل )‪ (2‬والبدع ‪ ،‬المعرضين عن‬
‫الحق ‪ ،‬المتبعين للباطل ‪ ،‬يتركون ما أنزله الله على رسوله من الحق‬
‫المبين ‪ ،‬ويتبعون أقوال رءوس الضللة ‪ ،‬الدعاة إلى البدع بالهواء والراء ‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ل ِفي الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ِ‬‫جادِ ُ‬
‫علم ٍ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ولهذا قال في شأنهم وأشباههم ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ب عَلي ْهِ { قال مجاهد ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ريدٍ كت ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن‪َ .‬‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫{ ‪ ،‬أي ‪ :‬علم صحيح ‪ } ،‬وَي َت ّب ِعُ ك ُ ّ‬
‫ولهُ { أي ‪ :‬اتبعه‬ ‫َ‬
‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫يعني الشيطان ‪ ،‬يعني ‪ :‬كتب عليه كتابة قدرية } أن ّ ُ‬
‫َ‬
‫سِعيرِ { أي ‪ :‬يضله في الدنيا‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ديهِ إ َِلى عَ َ‬ ‫ه وَي َهْ ِ‬ ‫ضل ّ ُ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫وقلده ‪ } ،‬فَأن ّ ُ‬
‫ويقوده في الخرة إلى عذاب السعير ‪ ،‬وهو الحار المؤلم المزعج المقلق‪.‬‬
‫وقد قال السدي ‪ ،‬عن أبي مالك ‪ :‬نزلت هذه الية في النضر بن الحارث‪.‬‬
‫وكذلك )‪ (3‬قال ابن جريج‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمرو بن سلم )‪ (4‬البصري ‪ ،‬حدثنا عمرو بن‬
‫المحرم أبو قتادة ‪ ،‬حدثنا المعمر )‪ ، (5‬حدثنا أبو كعب المكي قال ‪ :‬قال‬
‫خبثاء قريش ‪ :‬أخبرنا )‪ (6‬عن ربكم ‪ ،‬من ذهب هو ‪ ،‬أو من فضة‬ ‫خبيث من ُ‬
‫هو ‪ ،‬أو من نحاس هو ؟ فقعقعت السماء قعقعة ‪ -‬والقعقعة في كلم‬
‫حف رأسه ساقط بين يديه‪.‬‬ ‫العرب ‪ :‬الرعد ‪ -‬فإذا قِ ْ‬
‫وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬جاء يهودي فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أخبرنا‬
‫عن ربك ‪ :‬من أي شيء هو ؟ من در أم من ياقوت ؟ قال ‪ :‬فجاءت صاعقة‬
‫فأخذته‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬الضللة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬وكذا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ابن مسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬المعتمر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬حدثنا"‪.‬‬

‫) ‪(5/394‬‬
‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ث فَإ ِّنا َ‬ ‫ن ال ْب َعْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫م ِفي َري ْ ٍ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫س إِ ْ‬ ‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫قّر ِفي‬ ‫م وَن ُ ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫قةٍ ل ِن ُب َي ّ َ‬ ‫خل ّ َ‬ ‫م َ‬‫قةٍ وَغَي ْرِ ُ‬ ‫خل ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ضغَةٍ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قةٍ ث ُ ّ‬ ‫ن عَل َ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫فةٍ ث ُ ّ‬‫ن ُط ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَ ِ‬‫شد ّك ُ ْ‬ ‫م ل ِت َب ْل ُُغوا أ ُ‬ ‫فًل ث ُ ّ‬ ‫م طِ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬‫خرِ ُ‬ ‫م نُ ْ‬ ‫مى ث ُ ّ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫شاُء إ َِلى أ َ‬ ‫ما ن َ َ‬‫حام ِ َ‬ ‫اْل َْر َ‬
‫عل ْم ٍ َ‬ ‫َ‬
‫شي ًْئا وَت ََرى‬ ‫ن ب َعْد ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مرِ ل ِك َي َْل ي َعْل َ َ‬ ‫ل ال ْعُ ُ‬ ‫ن ي َُرد ّ إ َِلى أْرذ َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ي ُت َوَّفى وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل َزوٍْج ب َِهيٍج )‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْ َّ ْ ََ َ ْ َ ََْ ْ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ا ْ َ َ ِ َ ً ِ‬
‫إ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ها‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ل‬
‫‪(5‬‬

‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ب ثُ ّ‬ ‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ث فَإ ِّنا َ‬ ‫ن ال ْب َعْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫م ِفي َري ْ ٍ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫س إِ ْ‬ ‫} َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫قّر ِفي‬ ‫م وَن ُ ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫قةٍ ل ِن ُب َي ّ َ‬ ‫خل ّ َ‬ ‫م َ‬‫قةٍ وَغَي ْرِ ُ‬ ‫خل ّ َ‬‫م َ‬ ‫ضغَةٍ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قةٍ ث ُ ّ‬ ‫ن عَل َ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫فةٍ ث ُ ّ‬ ‫ن ُط ْ َ‬
‫َ‬
‫م ل ِت َب ْل ُُغوا أ ُ‬ ‫َ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَ ِ‬‫شد ّك ُ ْ‬ ‫فل ث ُ ّ‬ ‫م طِ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬‫م نُ ْ‬ ‫مى ث ُ ّ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫شاُء إ َِلى أ َ‬ ‫ما ن َ َ‬
‫حام ِ َ‬ ‫الْر َ‬
‫شي ًْئا وَت ََرى‬ ‫عل ْم ٍ َ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫يل‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫د‬‫ر‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫فى‬ ‫ّ‬
‫ْ ِ ُ ُ ِ ِ ْ َْ َ ِ ْ َْ ِ ِ‬ ‫َ ِ ْ ْ ََ ْ ُ َ ّ ِ‬ ‫ن يُ َ َ‬
‫و‬ ‫ت‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫ل َزوٍْج ب َِهيٍج )‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫أنز‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ها‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬
‫ْ َّ ْ ََ َ ْ َ ََْ ْ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ِ َ ً ِ‬
‫‪.{ (5‬‬

‫) ‪(5/395‬‬

‫َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ َل َ َ‬


‫ن‬ ‫يءٍ قَ ِ‬
‫ديٌر )‪ (6‬وَأ ّ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫موَْتى وَأن ّ ُ‬ ‫حِيي‬‫ه يُ ْ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬
‫حقّ وَأن ّ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ن ِفي ال ْ ُ‬
‫قُبورِ )‪(7‬‬ ‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬
‫ث َ‬‫ي َب ْعَ ُ‬ ‫ن الل َ‬‫ب ِفيَها وَأ ّ‬ ‫ة ل َري ْ َ‬ ‫ة آت ِي َ ٌ‬‫ساعَ َ‬‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫} ذ َل َ َ‬
‫ن‬
‫ديٌر )‪ (6‬وَأ ّ‬ ‫يءٍ قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫موَْتى وَأن ّ ُ‬ ‫حِيي ال ْ َ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫حقّ وَأن ّ ُ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫قُبورِ )‪.{ (7‬‬ ‫ن ِفي ال ْ ُ‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ة‬
‫سا َ ِ َ ٌ‬
‫ي‬‫ت‬ ‫آ‬ ‫ة‬ ‫ع‬
‫َ ََْ ُ َ ْ‬ ‫َ ْ َ ِ َ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫لما ذكر تعالى المخالف للبعث ‪ ،‬المنكر للمعاد ‪ ،‬ذكر تعالى الدليل على قدرته‬
‫س‬ ‫َ‬
‫تعالى على المعاد ‪ ،‬بما يشاهد من بدئه للخلق )‪ ، (1‬فقال ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ث { وهو المعاد وقيام الرواح‬ ‫ن ال ْب َعْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب { أي ‪ :‬في شك } ِ‬ ‫م ِفي َري ْ ٍ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ب { أي ‪ :‬أصل ب َْرئه )‪ (2‬لكم‬ ‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫قَناك ْ‬ ‫خل ْ‬ ‫َ‬ ‫والجساد يوم القيامة } فَإ ِّنا َ‬
‫فةٍ { أي ‪ :‬ثم‬ ‫ْ‬
‫ن ن ُط َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫من تراب ‪ ،‬وهو الذي خلق منه آدم ‪ ،‬عليه السلم } ث ُ ّ‬
‫ضغَةٍ { ذلك أنه‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قةٍ ث ُ ّ‬‫ن عَل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جعل نسله من سللة من ماء مهين ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫إذا استقرت النطفة في رحم المرأة ‪ ،‬مكثت أربعين يوما كذلك ‪ ،‬يضاف إليه‬
‫ما يجتمع إليها ‪ ،‬ثم تنقلب علقة حمراء بإذن الله ‪ ،‬فتمكث كذلك أربعين‬
‫يوما ‪ ،‬ثم تستحيل فتصير مضغة ‪ -‬قطعة من لحم ل شكل فيها ول تخطيط ‪-‬‬
‫ثم يشرع في التشكيل والتخطيط ‪ ،‬فيصور منها رأس ويدان ‪ ،‬وصدر وبطن ‪،‬‬
‫وفخذان ورجلن ‪ ،‬وسائر العضاء‪ .‬فتارة ُتسقطها المرأة قبل التشكيل‬
‫والتخطيط ‪ ،‬وتارة تلقيها وقد صارت ذات شكل وتخطيط ؛ ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫قةٍ { أي ‪ :‬كما تشاهدونها ‪،‬‬ ‫خل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫قةٍ وَغَي ْرِ ُ‬ ‫خل ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ضغَةٍ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قةٍ ث ُ ّ‬ ‫ن عَل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫} ثُ ّ‬
‫َ‬
‫مى { أي ‪ :‬وتارة تستقر‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫شاُء إ َِلى أ َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫حام ِ َ‬ ‫قّر ِفي الْر َ‬ ‫م وَن ُ ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫} ل ِن ُب َي ّ َ‬
‫في الرحم ل تلقيها المرأة ول تسقطها ‪ ،‬كما قال مجاهد في قوله تعالى ‪:‬‬
‫قةٍ { قال ‪ :‬هو السقط مخلوق وغير مخلوق‪ .‬فإذا مضى‬ ‫خل ّ َ‬
‫م َ‬ ‫قةٍ وَغَي ْرِ ُ‬ ‫خل ّ َ‬‫م َ‬ ‫} ُ‬
‫عليها أربعون يوما ‪ ،‬وهي مضغة ‪ ،‬أرسل الله تعالى إليها ملكا فنفخ )‪ (3‬فيها‬
‫الروح ‪ ،‬وسواها كما يشاء الله عز وجل )‪ ، (4‬من حسن وقبيح ‪ ،‬وذكر وأنثى ‪،‬‬
‫وكتب رزقها وأجلها ‪ ،‬وشقي أو سعيد ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين ‪ ،‬من حديث‬
‫العمش ‪ ،‬عن زيد بن وهب ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬حدثنا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وهو الصادق المصدوق ‪" : -‬إن خلق أحدكم ُيجمع في بطن‬
‫مضغة مثل ذلك ‪ ،‬ثم‬ ‫أمه أربعين ليلة ‪ ،‬ثم يكون علقة مثل ذلك ‪ ،‬ثم يكون ُ‬
‫يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات ‪ :‬بكتب عمله وأجله ورزقه ‪ ،‬وشقي‬
‫أو سعيد ‪ ،‬ثم ينفخ فيه الروح" )‪.(5‬‬
‫وروى ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم من حديث داود بن أبي هند ‪ ،‬عن الشعبي ‪،‬‬
‫عن علقمة ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬النطفة إذا استقرت في الرحم ‪ ،‬أخذها )‪(6‬‬
‫ملك بكفه قال )‪ : (7‬يا رب ‪ ،‬مخلقة أو غير‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬بما شاهد من بين يديه للخلق" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬بما يشاهده من‬
‫بين يديه للخلق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تربه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فينفخ"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الله تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (6594‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2643‬‬
‫)‪ (6‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪" :‬جاءها" ‪ ،‬والمثبت من الدر المنثور ‪.3/345‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫) ‪(5/395‬‬

‫مخلقة ؟ فإن قيل ‪" :‬غير مخلقة" لم تكن نسمة ‪ ،‬وقذفتها الرحام دما‪ .‬وإن‬
‫قيل ‪" :‬مخلقة" ‪ ،‬قال ‪ :‬أي رب ‪ ،‬ذكر أو أنثى ؟ شقي أو سعيد ؟ ما الجل ؟‬
‫وما الثر ؟ وبأي أرض يموت )‪ (1‬؟ قال ‪ :‬فيقال للنطفة ‪ :‬من ربك ؟ فتقول ‪:‬‬
‫الله‪ .‬فيقال ‪ :‬من رازقك ؟ فتقول ‪ :‬الله‪ .‬فيقال له ‪ :‬اذهب إلى الكتاب ‪ ،‬فإنك‬
‫ستجد فيه قصة هذه النطفة‪ .‬قال ‪ :‬فتخلق فتعيش في أجلها ‪ ،‬وتأكل رزقها ‪،‬‬
‫وتطأ أثرها ‪ ،‬حتى إذا جاء أجلها ماتت ‪ ،‬فدفنت في ذلك المكان ‪ ،‬ثم تل عامر‬
‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ن ت َُرا ٍ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫قَناك ُ ْ‬ ‫ث فَإ ِّنا َ‬‫ن ال ْب َعْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫م ِفي َري ْ ٍ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫س إِ ْ‬ ‫الشعبي ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫قةٍ { فإذا بلغت‬ ‫خل ّ َ‬
‫م َ‬‫قةٍ وَغَي ْرِ ُ‬ ‫خل ّ َ‬
‫م َ‬‫ضغَةٍ ُ‬‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قةٍ ث ُ ّ‬‫ن عَل َ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫فةٍ ث ُ ّ‬ ‫ن ن ُط ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫مضغة نكست في الخلق الرابع فكانت نسمة ‪ ،‬فإن كانت غير مخلقة قذفتها‬
‫الرحام دما ‪ ،‬وإن كانت مخلقة نكست في الخلق‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ‪ ،‬حدثنا سفيان‬
‫‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن أبي الطفيل ‪ ،‬عن حذيفة بن أسيد ‪ -‬يبلغ به النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في‬
‫الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أي رب ‪ ،‬أشقي أم سعيد ؟‬
‫فيقول الله ‪ ،‬ويكتبان ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله ويكتبان ‪ ،‬ويكتب‬
‫عمله وأثره ورزقه وأجله ‪ ،‬ثم تطوى الصحف ‪ ،‬فل يزاد على ما فيها ول‬
‫ينتقص )‪.(2‬‬
‫ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬ومن طرق أخر ‪ ،‬عن أبي‬
‫فيل ‪ ،‬بنحو معناه )‪.(3‬‬ ‫الط ّ َ‬
‫فل { أي ‪ :‬ضعيفا في بدنه ‪ ،‬وسمعه وبصره‬ ‫م طِ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬‫خرِ ُ‬‫م نُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫وحواسه ‪ ،‬وبطشه وعقله‪ .‬ثم يعطيه الله القوة شيئا فشيئا ‪ ،‬ويلطف )‪ (4‬به ‪،‬‬
‫م ل ِت َب ْل ُُغوا‬
‫ويحنن عليه والديه في آناء الليل وأطراف النهار ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫م { أي ‪ :‬يتكامل )‪ (5‬القوى ويتزايد ‪ ،‬ويصل إلى عنفوان الشباب‬ ‫شد ّك ُ ْ‬ ‫أَ ُ‬
‫وحسن المنظر‪.‬‬
‫َ‬
‫ن ي َُرد ّ إ ِلى‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫ن ي ُت َوَفى { ‪ ،‬أي ‪ :‬في حال شبابه وقواه ‪ } ،‬وَ ِ‬ ‫ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫} وَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مرِ { ‪ ،‬وهو الشيخوخة والهََرم وضعف القوة والعقل والفهم ‪،‬‬ ‫ل العُ ُ‬ ‫أْرذ َ ِ‬
‫خَرف )‪ (6‬وضعف الفكر ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل ِك َْيل )‪(7‬‬ ‫وتناقص الحوال من ال َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫فث ّ‬ ‫ضعْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫قك ْ‬ ‫َ‬
‫خل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫شي ًْئا { ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬الل ُ‬ ‫عل ْم ٍ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ ِ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ي َعْل َ َ‬
‫ما ي َ َ‬
‫شاُء‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫فا وَ َ‬
‫شي ْب َ ً‬ ‫ضعْ ً‬ ‫ن ب َعْد ِ قُوّةٍ َ‬
‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬
‫م َ‬‫ف قُوّة ً ث ُ ّ‬‫ضعْ ٍ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬
‫ديُر { ] الروم ‪.[ 54 :‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫وَ ُ َ َ ِ ُ‬
‫لي‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫وقد قال الحافظ أبو يعلى ]أحمد[ )‪ (8‬بن علي بن المثنى الموصلي في‬
‫مسنده ‪ :‬حدثنا منصور بن أبي مزاحم )‪ ، (9‬حدثنا خالد الزيات ‪ ،‬حدثني داود‬
‫أبو سليمان ‪ ،‬عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر ابن حزم النصاري ‪ ،‬عن‬
‫أنس بن مالك ‪ -‬رفع الحديث ‪ -‬قال ‪" :‬المولود حتى يبلغ الحنث ‪ ،‬ما عمل من‬
‫حسنة ‪ ،‬كتبت لوالده أو لوالدته )‪ (10‬وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ول‬
‫على والديه ‪ ،‬فإذا بلغ الحنث جرى الله عليه القلم أمر الملكان اللذان معه‬
‫أن يحفظا وأن يشددا ‪ ،‬فإذا بلغ أربعين سنة في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬تموت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬ول ينقص"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(2644‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ويتلطف"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬تتكامل"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من الحزن"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬ل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬ابن أبي عاصم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬لوالديه"‪.‬‬

‫) ‪(5/396‬‬

‫السلم أمنه الله من البليا الثلث ‪ :‬الجنون ‪ ،‬والجذام ‪ ،‬والبرص‪ .‬فإذا بلغ‬
‫الخمسين ‪ ،‬خفف الله حسابه‪ .‬فإذا بلغ ستين رزقه الله النابة إليه بما يحب ‪،‬‬
‫فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء ‪ ،‬فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته‬
‫وتجاوز عن سيئاته ‪ ،‬فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما‬
‫تأخر ‪ ،‬وشفعه في أهل بيته ‪ ،‬وكان أسير الله في أرضه ‪ ،‬فإذا بلغ أرذل العمر‬
‫شي ًْئا { كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته‬ ‫عل ْم ٍ َ‬
‫ن ب َعْد ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫} ل ِك َْيل ي َعْل َ َ‬
‫م ِ‬
‫من الخير ‪ ،‬فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه" )‪.(1‬‬
‫هذا حديث غريب جدا ‪ ،‬وفيه نكارة شديدة‪ .‬ومع هذا قد رواه المام أحمد بن‬
‫حنبل في مسنده مرفوعا وموقوفا فقال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو النضر ‪ ،‬حدثنا الفرج ‪ ،‬حدثنا محمد بن عامر ‪ ،‬عن محمد بن عبد الله‬
‫العامري )‪ ، (2‬عن عمرو بن جعفر ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬إذا بلغ الرجل المسلم‬
‫أربعين سنة ‪ ،‬أمنه الله من أنواع البليا ‪ ،‬من الجنون والجذام والبرص )‪، (3‬‬
‫فإذا بلغ الخمسين ل َّين الله حسابه ‪ ،‬وإذا بلغ الستين رزقه الله إنابة يحبه‬
‫عليها ‪ ،‬وإذا بلغ السبعين أحبه الله ‪ ،‬وأحبه أهل السماء ‪ ،‬وإذا بلغ الثمانين‬
‫تقبل الله حسناته ‪ ،‬ومحا عنه سيئاته ‪ ،‬وإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم‬
‫من ذنبه وما تأخر ‪ ،‬وسمي أسير الله في الرض ‪ ،‬وشفع في أهله )‪.(4‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا هاشم ‪ ،‬حدثنا الفرج ‪ ،‬حدثني محمد بن عبد الله العامري ‪،‬‬
‫عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ‪ ،‬عن عبد الله بن عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬مثله )‪.(5‬‬
‫ورواه المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا أنس بن عياض ‪ ،‬حدثني يوسف بن أبي ذرة )‬
‫مري ‪ ،‬عن أنس بن مالك ؛ أن‬ ‫ض ْ‬‫‪ (6‬النصاري ‪ ،‬عن جعفر بن عمرو بن أمية ال ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ما من معمر يعمر في السلم‬
‫أربعين سنة ‪ ،‬إل صرف الله عنه ثلثة أنواع من البلء ‪ :‬الجنون والجذام‬
‫والبرص )‪ .....(7‬وذكر تمام الحديث ‪ ،‬كما تقدم سواء )‪.(8‬‬
‫ورواه الحافظ أبو بكر البزار ‪ ،‬عن عبد الله بن شبيب ‪ ،‬عن أبي شيبة ‪ ،‬عن‬
‫ذري ‪ ،‬عن ابن أخي الزهري ‪،‬‬ ‫عبد الله بن عبد الملك )‪ ، (9‬عن أبي قتادة العُ ْ‬
‫عن عمه ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"ما من عبد يعمر في السلم أربعين سنة ‪ ،‬إل صرف الله عنه أنواعا من‬
‫البلء ‪ :‬الجنون والجذام والبرص ‪ ،‬فإذا بلغ خمسين سنة لين الله له‬
‫الحساب ‪ ،‬فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله النابة إليه بما يحب ‪ ،‬فإذا بلغ‬
‫سبعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ‪ ،‬وسمي أسير الله ‪ ،‬وأحبه‬
‫أهل السماء )‪ ، (10‬فإذا بلغ الثمانين تقبل الله منه حسناته وتجاوز عن‬
‫سمي أسير‬ ‫فر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ‪ ،‬و ُ‬ ‫سيئاته ‪ ،‬فإذا بلغ التسعين غ َ َ‬
‫الله في أرضه ‪ ،‬وشفع في أهل بيته" )‪.(11‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند أبي يعلى )‪.(6/352‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬العاملي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬البرص والجذام"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(2/89‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪(2/89‬‬
‫)‪ (6‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أبي بردة" ‪ ،‬والتصويب من كتب الرجال‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أو الجذام أو البرص"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (3/217‬وفي إسناده يوسف بن أبي ذرة وهو ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬عبد الله بن مالك"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬السموات"‪.‬‬
‫)‪ (11‬مسند البزار برقم )‪" (3588‬كشف الستار"‪.‬‬

‫) ‪(5/397‬‬

‫مد َة ً { ‪ :‬هذا دليل آخر على قدرته تعالى على إحياء‬ ‫ها ِ‬‫ض َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت ََرى الْر َ‬
‫الموتى ‪ ،‬كما يحيي الرض الميتة الهامدة ‪ ،‬وهي القحَلة التي ل نبت فيها ول‬
‫شيء )‪.(1‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬غبراء متهشمة‪ .‬وقال السدي ‪ :‬ميتة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َزوٍْج ب َِهيٍج { أي ‪ :‬فإذا‬ ‫ن كُ ّ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬‫ت وَأن ْب َت َ ْ‬
‫ت وََرب َ ْ‬‫ماَء اهْت َّز ْ‬ ‫} فَإ َِذا أنزل َْنا عَل َي َْها ال ْ َ‬
‫ت { أي ‪ :‬تحركت وحييت بعد موتها ‪،‬‬ ‫أنزل الله عليها المطر } اهْت َّز ْ‬
‫ت { أي ‪ :‬ارتفعت لما سكن فيها الثرى ‪ ،‬ثم أنبتت ما فيها من اللوان‬ ‫} وََرب َ ْ‬
‫والفنون ‪ ،‬من ثمار وزروع ‪ ،‬وأشتات النباتات في اختلف ألوانها وطعومها ‪،‬‬
‫ل َزوٍْج‬‫ن كُ ّ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬
‫وروائحها وأشكالها ومنافعها ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬وَأن ْب َت َ ْ‬
‫ب َِهيٍج { أي ‪ :‬حسن المنظر طيب الريح‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬ذ َل َ َ‬
‫حقّ { أي ‪ :‬الخالق المدبر الفعال لما يشاء ‪،‬‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫موَْتى { ]أي ‪ :‬كما أحيا الرض الميتة وأنبت منها هذه النواع ؛‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حِيي ال َ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫} وَأن ّ ُ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر {‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫موَْتى { [ )‪ } ، (2‬إ ِن ّ ُ‬ ‫حِيي ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ل َ ُ‬ ‫حَيا َ‬‫ذي أ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ن{‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مُرهُ إ َِذا أَراد َ َ‬ ‫َ‬
‫ن في َكو ُ‬ ‫هك ْ‬ ‫قول ل ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫شي ْئا أ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫] فصلت ‪ [ 39 :‬فـ } إ ِن ّ َ‬
‫] يس ‪.[82 :‬‬
‫ن‬ ‫ة ل ريب فيها { أي ‪ :‬كائنة ل شك فيها ول مرية ‪ } ،‬وأ َ‬ ‫ساعَ َ ِ َ ٌ‬
‫ي‬‫ت‬ ‫آ‬ ‫ة‬ ‫َ‬
‫َ ّ‬ ‫َ ْ َ ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫} وَأ ّ‬
‫قُبورِ { أي ‪ :‬يعيدهم بعد ما صاروا في قبورهم رمما ‪،‬‬ ‫ن ِفي ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ث َ‬ ‫ه ي َب ْعَ ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ي َ‬ ‫س َ‬ ‫مَثل وَن َ ِ‬ ‫ب ل ََنا َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ويوجدهم بعد العدم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذي أ َن ْ َ‬
‫ق‬
‫خل ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫مّرةٍ وَهُوَ ب ِك ُ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ها أوّ َ‬ ‫شأ َ‬ ‫حِييَها ال ّ ِ‬‫ل يُ ْ‬ ‫م‪ .‬قُ ْ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ي َر ِ‬ ‫م وَهِ َ‬ ‫ظا َ‬‫حِيي ال ْعِ َ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬ ‫ه ُتوقِ ُ‬ ‫من ْ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ضرِ َناًرا فَإ َِذا أن ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫جرِ ال ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل لك ُ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م‪ .‬ال ِ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫] يس ‪ [ 80 - 78 :‬واليات في هذا كثيرة )‪.(3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َبهز )‪ ، (4‬حدثنا حماد بن سلمة قال ‪ :‬أنبأنا يعلى‬
‫دس )‪ ، (5‬عن عمه أبي َرزين العقيلي ‪ -‬واسمه‬ ‫ح ُ‬ ‫عن عطاء ‪ ،‬عن وكيع بن ُ‬
‫قيط بن عامر )‪ - (6‬أنه قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أكلنا يرى ربه عز وجل يوم‬ ‫لَ ِ‬
‫القيامة ؟ وما آية ذلك في خلقه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫خليا به ؟ " قلنا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪" :‬فالله أعظم"‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫"أليس كلكم ينظر إلى القمر ُ‬
‫قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬كيف يحيي الله الموتى ‪ ،‬وما آية ذلك في‬
‫خلقه ؟ قال ‪" :‬أما مررت بوادي أهلك محل )‪ " (7‬قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪" :‬ثم‬
‫مررت به يهتز خضرا ؟"‪ .‬قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪" :‬فكذلك يحيي الله الموتى ‪ ،‬وذلك‬
‫آيته في خلقه"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود وابن ماجه ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬به )‪.(8‬‬
‫ثم رواه المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا علي بن إسحاق ‪ ،‬أنبأنا ابن المبارك ‪ ،‬أنبأنا‬
‫عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ‪ ،‬عن سليمان بن موسى ‪ ،‬عن أبي َرزين‬
‫قْيلي قال ‪ :‬أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬ ‫العُ َ‬
‫ة ‪ ،‬ثم مررت‬ ‫جدب ً‬ ‫م ْ‬ ‫كيف يحيي الله الموتى ؟ قال ‪" :‬أمررت بأرض من أرضك ُ‬
‫بها‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬التي ل ينبت فيهات شيئا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬لكثيرة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬عدس" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عدي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬ليث بن أبي عامر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬ممحل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (4/11‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4731‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(180‬‬

‫) ‪(5/398‬‬

‫مِنيرٍ )‪َ (8‬ثان ِ َ‬


‫ي‬ ‫ب ُ‬‫دى وََل ك َِتا ٍ‬ ‫عل ْم ٍ وََل هُ ً‬ ‫ل ِفي الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫جادِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬‫س َ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَ ِ‬
‫ب‬‫ذا َ‬ ‫مةِ عَ َ‬
‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬‫ه ي َوْ َ‬
‫ق ُ‬
‫ذي ُ‬ ‫خْزيٌ وَن ُ ِ‬ ‫ه ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ ل ُ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ض ّ‬‫فهِ ل ِي ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫عط ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫س ب ِظلم ٍ ل ِلعَِبيد ِ )‪(10‬‬ ‫ه لي ْ َ‬‫ن الل َ‬ ‫داك وَأ ّ‬ ‫ت يَ َ‬
‫م ْ‬‫ما قَد ّ َ‬ ‫ق )‪ (9‬ذ َل ِك ب ِ َ‬ ‫ري ِ‬‫ح ِ‬ ‫ال َ‬

‫مخصبة ؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬كذلك النشور" )‪.(1‬‬


‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عَُبيس )‪ (2‬بن مرحوم ‪ ،‬حدثنا ب ُك َْير بن‬
‫مْيط ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبي الحجاج ‪ ،‬عن معاذ بن جبل قال ‪ :‬من علم‬ ‫س َ‬ ‫أبي ال ّ‬
‫أن الله هو الحق المبين ‪ ،‬وأن الساعة آتية ل ريب فيها ‪ ،‬وأن الله يبعث من‬
‫في القبور ‪ -‬دخل الجنة‪] .‬والله أعلم[ )‪.(3‬‬
‫ي‬
‫ِ َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ثا‬ ‫(‬ ‫‪8‬‬ ‫)‬ ‫ر‬‫ني‬
‫َ َِ ٍ ُ ِ ٍ‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫ول‬ ‫دى‬ ‫عل ْ ٍ َ ُ ً‬
‫ه‬ ‫ول‬ ‫م‬ ‫ل ِفي الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫جادِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫} وَ ِ‬
‫ب‬ ‫ذا َ‬ ‫مةِ عَ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي ُ‬ ‫خْزيٌ وَن ُ ِ‬ ‫ه ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫ل الل ّهِ ل َ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫فهِ ل ِي ُ ِ‬ ‫عط ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ظلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ )‪.{ (10‬‬ ‫س بِ َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫دا‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫(‬ ‫‪9‬‬ ‫)‬ ‫ق‬ ‫ْ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ ّ‬ ‫ّ َ ْ َ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ا َ ِ ِ‬
‫ري‬ ‫ح‬ ‫ل‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ّ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫لما ذكر تعالى حال الضلل الجهال المقلدين في قوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ريد ٍ { ‪ ،‬ذكر في هذه حال الدعاة‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ٍ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫عل ْم ٍ وَي َت ّب ِعُ ك ُ ّ‬ ‫ل ِفي الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫جادِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ل ِفي‬ ‫جادِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫إلى الضلل من رءوس الكفر والبدع ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَ ِ‬
‫مِنيرٍ { أي ‪ :‬بل عقل صحيح ‪ ،‬ول نقل صحيح‬ ‫ب ُ‬ ‫دى َول ك َِتا ٍ‬ ‫عل ْم ٍ َول هُ ً‬ ‫الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ِ‬
‫صريح ‪ ،‬بل بمجرد الرأي والهوى‪.‬‬
‫فهِ { قال ابن عباس وغيره ‪ :‬مستكبًرا عن الحق إذا دعي‬ ‫عط ْ ِ‬ ‫ي ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ثان ِ َ‬
‫فهِ { أي ‪:‬‬ ‫عط ِ‬‫ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫إليه‪ .‬وقال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومالك عن زيد بن أسلم ‪َ } :‬ثان ِ َ‬
‫َ‬
‫لوي عنقه ‪ ،‬وهي رقبته ‪ ،‬يعني ‪ :‬يعرض عما يدعى إليه من الحق رقَبته‬
‫سل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫طا ٍ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫سل َْناه ُ إ َِلى فِْرعَوْ َ‬ ‫سى إ ِذ ْ أْر َ‬ ‫مو َ‬ ‫استكباًرا ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬وَِفي ُ‬
‫ل سا ِ َ‬
‫ن { ] الذاريات ‪ ، [ 39 ، 38 :‬وقال‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫حٌر أوْ َ‬ ‫ن‪ .‬فَت َوَّلى ب ُِرك ْن ِهِ وََقا َ َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫قي‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫أنز‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫عا‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قي‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬
‫ُ َ ِ ِ َ‬ ‫ّ ُ ِ َ ْ َ‬ ‫ُ َِ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ََ ْ ِ‬ ‫َِ ِ‬
‫وا‬ ‫م ت ََعال َْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قي‬
‫َِ ِ‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪61‬‬ ‫‪:‬‬ ‫النساء‬ ‫]‬ ‫{‬ ‫دا‬ ‫ص ُ ً‬
‫دو‬ ‫ك ُ‬ ‫ن عَن ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫يَ ُ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م وََرأي ْت َهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ل َوّْوا ُرُءو َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫س { ] لقمان ‪:‬‬ ‫ك ِللّنا ِ‬ ‫خد ّ َ‬ ‫صعّْر َ‬ ‫] المنافقون ‪ : [ 5 :‬وقال لقمان لبنه ‪َ } :‬ول ت ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ [ 18‬أي ‪ :‬تميله عنهم استكباًرا عليهم ‪ ،‬وقال تعالى ‪ } :‬وَإ َِذا ت ُت ْلى عَلي ْهِ آَيات َُنا‬
‫ب أ َِليم ٍ {‬ ‫ن ِفي أ ُذ ُن َي ْهِ وَقًْرا فَب َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫شْرهُ ب ِعَ َ‬ ‫معَْها ك َأ ّ‬ ‫س َ‬‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ست َك ْب ًِرا ك َأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وَّلى ُ‬
‫] لقمان ‪.[ 7 :‬‬
‫ل اللهِ { ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬هذه لم العاقبة ؛ لنه قد ل‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ِي ُ ِ‬
‫يقصد ذلك ‪ ،‬ويحتمل أن تكون لم التعليل‪ .‬ثم إما أن يكون المراد بها‬
‫المعاندين )‪ ، (4‬أو يكون المراد بها أن هذا الفاعل لهذا إنما جبلناه على هذا‬
‫الخلق الذي يجعله ممن يضل عن سبيل الله‪.‬‬
‫خْزيٌ { وهو الهانة والذل ‪ ،‬كما أنه لما‬ ‫ه ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬ل َ ُ‬
‫قاه الله المذلة في الدنيا ‪ ،‬وعاقبه فيها قبل الخرة ؛‬ ‫استكبر عن آيات الله ل َ ّ‬
‫ما‬‫ك بِ َ‬ ‫ق‪ .‬ذ َل ِ َ‬ ‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫مةِ عَ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي ُ‬ ‫مه ومبلغ علمه ‪ } ،‬وَن ُ ِ‬ ‫لنها أكبر هَ ّ‬
‫ك{‬ ‫دا َ‬ ‫ت يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَد ّ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪(4/11‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عيسى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬المعاندون"‪.‬‬

‫) ‪(5/399‬‬

‫ه‬ ‫خير اط ْمأ َن به وإ َ‬ ‫ومن الناس من يعبد الل ّه عََلى حرف فَإ َ‬
‫صاب َت ْ ُ‬
‫نأ َ‬ ‫َ ّ ِ ِ َِ ْ‬ ‫ه َ ٌْ‬
‫صاب َ ُ‬
‫نأ َ‬ ‫َ ْ ٍ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ َ ّ ِ َ ْ َُْ ُ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خَرةَ ذ َل ِك هُوَ ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب عََلى وَ ْ‬ ‫قل َ َ‬
‫مِبي ُ‬
‫ن ال ُ‬ ‫سَرا ُ‬
‫خ ْ‬ ‫سَر الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫جهِهِ َ‬ ‫ة ان ْ َ‬
‫فِت ْن َ ٌ‬
‫عو‬ ‫ْ‬
‫ضلل الب َِعيد ُ )‪ (12‬ي َد ْ ُ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ذ َل ِك هُوَ ال ّ‬ ‫فعُ ُ‬ ‫َ‬
‫ما ل ي َن ْ َ‬ ‫ضّره ُ وَ َ‬ ‫ما ل ي َ ُ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شيُر )‪(13‬‬ ‫س العَ ِ‬ ‫ْ‬
‫موْلى وَلب ِئ َ‬ ‫س ال َ‬ ‫ْ‬
‫فعِهِ لب ِئ َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ْ‬
‫ضّره ُ أقَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫لَ َ‬
‫ظلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ { كقوله‬ ‫س بِ َ‬ ‫َ‬
‫ه ل َي ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أي ‪ :‬يقال له هذا تقريًعا وتوبيخا ‪ } ،‬وَأ ّ‬
‫ْ‬
‫ب‬‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫سهِ ِ‬ ‫صّبوا فَوْقَ َرأ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫حي ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫واِء ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ذوه ُ َفاعْت ُِلوه ُ إ َِلى َ‬ ‫خ ُ‬‫تعالى ‪ُ } :‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ] الدخان ‪:‬‬ ‫مت َُرو َ‬ ‫م ب ِهِ ت َ ْ‬ ‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن هَذا َ‬ ‫َ‬ ‫م‪ .‬إ ِ ّ‬ ‫ري ُ‬ ‫َ‬
‫زيُز الك ِ‬ ‫ت العَ ِ‬ ‫َ‬
‫م‪ .‬ذ ُقْ إ ِن ّك أن ْ َ‬ ‫مي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪.[ 50 - 47‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن الصّباح ‪ ،‬حدثنا يزيد بن‬
‫هارون ‪ ،‬أنبأنا هشام ‪ ،‬عن الحسن قال ‪ :‬بلغني أن أحدهم ُيحرق في اليوم‬
‫سبعين ألف مرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه‬
‫صاب َت ْ ُ‬
‫نأ َ‬ ‫ن ب ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫خي ٌْر اط َ‬ ‫ه َ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫ف فَإ ِ ْ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫ه عَلى َ‬ ‫ن ي َعْب ُد ُ الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫} وَ ِ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫سَرا ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ْ‬
‫ك هُوَ ال ُ‬ ‫خَرةَ ذ َل ِ َ‬ ‫سَر الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫جهِهِ َ‬ ‫ب عَلى وَ ْ‬ ‫َ‬ ‫قل َ‬ ‫َ‬ ‫ة ان ْ َ‬ ‫فِت ْن َ ٌ‬
‫عو‬ ‫ل الب َِعيد ُ )‪ (12‬ي َد ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ضل ُ‬ ‫ك هُوَ ال ّ‬ ‫ه ذ َل ِ َ‬ ‫فعُ ُ‬ ‫ما ل ي َن ْ َ‬ ‫ضّره ُ وَ َ‬ ‫ما ل ي َ ُ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شيُر )‪.{ (13‬‬ ‫س العَ ِ‬ ‫موْلى وَلب ِئ ْ َ‬ ‫س ال َ‬ ‫فعِهِ لب ِئ ْ َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ضّره ُ أقَْر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫لَ َ‬
‫ف { ‪ :‬على شك )‪.(1‬‬ ‫حْر ٍ‬ ‫قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما ‪ } :‬عََلى َ‬
‫وقال غيرهم ‪ :‬على طرف‪ .‬ومنه حرف الجبل ‪ ،‬أي ‪ :‬طرفه ‪ ،‬أي ‪ :‬دخل في‬
‫الدين على طرف ‪ ،‬فإن وجد ما يحبه استقر ‪ ،‬وإل انشمر‪.‬‬
‫َ‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن الحارث ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي ب ُكْير )‪، (2‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫صين ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس } وَ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫ف { قال ‪ :‬كان الرجل َيقدم المدينة ‪ ،‬فإن‬ ‫ه عََلى َ ْ ٍ‬
‫ر‬ ‫ح‬ ‫ن ي َعْب ُد ُ الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫جت خيُله ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا دين صالح‪ .‬وإن لم تلد امرأته ‪،‬‬ ‫ولدت امرأته غلما ‪ ،‬ون ُت ِ َ‬
‫ولم ُتنَتج )‪ (3‬خيله قال ‪ :‬هذا دين سوء )‪.(4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ‪،‬‬
‫مي ‪ ،‬عن جعفر بن أبي‬ ‫ق ّ‬ ‫حدثني أبي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أشعث بن إسحاق ال ُ‬
‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان ناس من العراب‬ ‫المغيرة ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫سِلمون ‪ ،‬فإذا رجعوا إلى بلدهم ‪ ،‬فإن‬ ‫يأتون النبي صلى الله عليه وسلم في ُ ْ‬
‫غيث وعام خصب وعام ولد حسن ‪ ،‬قالوا ‪" :‬إن ديننا هذا لصالح ‪،‬‬ ‫وجدوا عام َ‬
‫سوء وعام قحط ‪ ،‬قالوا ‪" :‬ما‬ ‫جدوبة وعام ولد َ‬ ‫كوا به"‪ .‬وإن وجدوا عام ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫فت َ‬
‫َ‬
‫ه عَلى‬ ‫ّ‬
‫ن ي َعْب ُد ُ الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫في ديننا هذا خير"‪ .‬فأنزل الله على نبيه ‪ } :‬وَ ِ‬
‫خير اط ْمأ َن به وإ َ‬ ‫حرف فَإ َ‬
‫جهِهِ {‪.‬‬ ‫ب عَلى وَ ْ‬ ‫َ‬ ‫قل َ‬ ‫َ‬ ‫ة ان ْ َ‬ ‫ه فِت ْن َ ٌ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ّ ِ ِ َِ ْ‬ ‫ه َ ٌْ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ْ ٍ ِ ْ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان أحدهم إذا قدم المدينة ‪ ،‬وهي أرض‬ ‫َ‬
‫وبيئة )‪ ، (5‬فإن صح بها جسمه ‪ ،‬ون ُِتجت فرسه مهًرا حسنا ‪ ،‬وولدت امرأته‬
‫ت على ديني هذا إل‬ ‫ما ‪ ،‬رضي به واطمأن إليه ‪ ،‬وقال ‪" :‬ما أصبت منذ كن ُ‬ ‫غل ً‬
‫خيرا"‪ .‬وإن أصابته فتنة ‪ -‬والفتنة ‪ :‬البلء ‪ -‬أي ‪ :‬وإن أصابه وجع المدينة ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬على شدة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬ابن أبي بكر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ينتج"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(4742‬‬
‫)‪ (5‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬وهم أرض دونه" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(5/400‬‬

‫حت َِها اْل َن َْهاُر إ ِ ّ‬


‫ن‬ ‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬
‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٍ‬
‫ت َ‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫ذي َ‬
‫نآ َ‬‫ل ال ّ ِ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫ريد ُ )‪(14‬‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ُ‬
‫فعَل َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫الل َ‬
‫وولدت امرأته جارية ‪ ،‬وتأخرت عنه الصدقة ‪ ،‬أتاه الشيطان فقال ‪ :‬والله ما‬
‫أصبت منذ كنت على دينك هذا إل شًرا‪ .‬وذلك الفتنة‪.‬‬
‫جريج ‪ ،‬وغير واحد من السلف ‪ ،‬في‬ ‫وهكذا ذكر قتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وابن ُ‬
‫تفسير هذه الية‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬هو المنافق ‪ ،‬إن صلحت له دنياه أقام‬
‫على العبادة ‪ ،‬وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت ‪ ،‬انقلب فل يقيم على العبادة‬
‫ما صلح من دنياه ‪ ،‬فإن )‪ (1‬أصابته فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق ‪ ،‬ترك‬ ‫إل ل ِ َ‬
‫دينه ورجع إلى الكفر‪.‬‬
‫جهِهِ { أي ‪ :‬ارتد كافًرا‪.‬‬ ‫َ‬
‫ب عَلى وَ ْ‬ ‫قل َ‬‫َ‬ ‫وقال مجاهد في قوله ‪ } :‬ان ْ َ‬
‫صل من الدنيا على شيء ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫خَرة َ { أي ‪ :‬فل هو َ‬ ‫سَر الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫وأما الخرة فقد كفر بالله العظيم ‪ ،‬فهو فيها في غاية الشقاء والهانة ؛ ولهذا‬
‫ن { أي ‪ :‬هذه هي الخسارة العظيمة ‪،‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫سَرا ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ك هُوَ ال ْ ُ‬ ‫قال ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫والصفقة الخاسرة‪.‬‬
‫ه { أي ‪ :‬من الصنام‬ ‫فعُ ُ‬ ‫ما ل ي َن ْ َ‬ ‫ضّره ُ وَ َ‬ ‫ما ل ي َ ُ‬ ‫ن اللهِ َ‬‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َد ْ ُ‬
‫والنداد ‪ ،‬يستغيث بها ويستنصرها ويسترزقها ‪ ،‬وهي ل تنفعه ول تضره ‪،‬‬
‫َ‬
‫فعِهِ { أي ‪ :‬ضرره في‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ضّرهُ أقَْر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ل َ َ‬ ‫د‪ .‬ي َد ْ ُ‬ ‫ل ال ْب َِعي ُ‬ ‫ضل ُ‬ ‫ك هُوَ ال ّ‬ ‫} ذ َل ِ َ‬
‫الدنيا قبل الخرة أقرب من نفعه فيها ‪ ،‬وأما في الخرة فضرره محقق‬
‫متيقن‪.‬‬
‫شيُر { ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬يعني الوثن ‪،‬‬ ‫س ال ْعَ ِ‬ ‫موَْلى وَل َب ِئ ْ َ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َب ِئ ْ َ‬
‫يعني ‪ :‬بئس هذا الذي دعا به من دون الله مولى ‪ ،‬يعني ‪ :‬ولًيا وناصًرا ‪،‬‬
‫شيُر { وهو المخالط والمعاشر‪.‬‬ ‫س ال ْعَ ِ‬ ‫} وَل َب ِئ ْ َ‬
‫واختار ابن جرير أن المراد ‪ :‬لبئس ابن العم والصاحب من يعبد ]الله[ )‪(2‬‬
‫ب عََلى‬ ‫خير اط ْمأ َن به وإ َ‬ ‫على حرف ‪ } ،‬فَإ َ‬
‫قل َ َ‬
‫ة ان ْ َ‬ ‫ه فِت ْن َ ٌ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ّ ِ ِ َِ ْ‬ ‫ه َ ٌْ‬ ‫صاب َ ُ‬‫نأ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫جهِهِ {‬ ‫وَ ْ‬
‫وقول مجاهد ‪ :‬إن المراد به الوثن ‪ ،‬أولى وأقرب إلى سياق الكلم ‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫حت َِها الن َْهاُر‬‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ال ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ريد ُ )‪.{ (14‬‬ ‫ما ي ُ ِ‬‫فعَل َ‬ ‫ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫إِ ّ‬
‫لما ذكر أهل الضللة الشقياء ‪ ،‬عطف بذكر البرار السعداء ‪ ،‬من الذين آمنوا‬
‫دقوا إيمانهم بأفعالهم ‪ ،‬فعملوا الصالحات من جميع أنواع‬ ‫بقلوبهم ‪ ،‬وص ّ‬
‫القربات ‪] ،‬وتركوا المنكرات[ )‪ (3‬فأورثهم ذلك سكنى الدرجات العاليات ‪،‬‬
‫في روضات الجنات‪.‬‬
‫ريد ُ {‬ ‫ما ي ُ ِ‬
‫ل َ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ولما ذكر أنه أضل أولئك ‪ ،‬وهدى هؤلء ‪ ،‬قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فإذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(5/401‬‬

‫ه ِفي الد ّن َْيا َواْل َ ِ‬ ‫كان يظ ُ َ‬


‫ماِء‬ ‫ب إ َِلى ال ّ‬
‫س َ‬ ‫سب َ ٍ‬ ‫خَرةِ فَل ْي َ ْ‬
‫مد ُد ْ ب ِ َ‬ ‫صَرهُ الل ّ ُ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬‫ن لَ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫ن َ َ َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ما ي َِغيظ )‪(15‬‬ ‫َ‬
‫ن كي ْد ُه ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قطعْ فلي َن ْظْر هَل ي ُذ ْهِب َ ّ‬‫م ل ِي َ ْ‬‫ثُ ّ‬
‫ب إ َِلى‬ ‫كان يظ ُ َ‬
‫سب َ ٍ‬ ‫خَرةِ فَل ْي َ ْ‬
‫مد ُد ْ ب ِ َ‬ ‫ه ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫صَرهُ الل ّ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن َ َ َ ّ‬ ‫م ْ‬‫} َ‬
‫ُ‬
‫ما ي َِغيظ )‪{ (15‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قطعْ فلي َن ْظْر هَل ي ُذ ْهِب َ ّ‬
‫ن كي ْد ُه ُ َ‬ ‫َ‬ ‫م ل ِي َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ماءِ ث ّ‬‫س َ‬‫ال ّ‬

‫) ‪(5/402‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬ ‫وك َذ َل ِ َ َ‬


‫مُنوا‬‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ َ‬‫ريد ُ )‪ (16‬إ ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن يُ‬
‫م ْ‬‫دي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫ت ب َي َّنا ٍ‬‫ك أن َْزل َْناهُ آ ََيا ٍ‬ ‫َ‬
‫ص ُ‬
‫ل‬ ‫ن الل َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫هادوا والصابِئين والنصارى وال ْمجوس وال ّذين أ َ‬ ‫ّ‬
‫ه ي َفْ ِ‬ ‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫كوا‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ّ ِ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫َ‬
‫شِهيد ٌ )‪(17‬‬ ‫يٍء َ‬‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬
‫َ ِ‬‫ِ‬ ‫ة‬‫م‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬
‫بَ ُ ْ ْ َ‬
‫و‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫} وك َذ َل ِ َ َ‬
‫ريد ُ )‪.{ (16‬‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫ت ب َي َّنا ٍ‬ ‫ك أنزل َْناهُ آَيا ٍ‬ ‫َ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلى الله عليه وسلم‬
‫ماِء { أي ‪:‬‬ ‫س َ‬ ‫ب { أي ‪ :‬بحبل } إ َِلى ال ّ‬ ‫سب َ ٍ‬ ‫مد ُد ْ ب ِ َ‬ ‫في الدنيا والخرة ‪ } ،‬فَل ْي َ ْ‬
‫قط َعْ { يقول ‪ :‬ثم ليختنق به‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪،‬‬ ‫م لي َ ْ‬ ‫سماء بيته ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫وعكرمة ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وأبو الجوزاء ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ماِء {‬ ‫س َ‬‫ب إ ِلى ال ّ‬ ‫َ‬ ‫سب َ ٍ‬ ‫مد ُد ْ )‪ (1‬ب ِ َ‬ ‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ } :‬فَل ْي َ ْ‬
‫دا من السماء ‪،‬‬ ‫أي ‪ :‬ليتوصل إلى بلوغ السماء ‪ ،‬فإن النصر إنما يأتي محم ً‬
‫قط َعْ { ذلك عنه ‪ ،‬إن قدر على ذلك‪.‬‬ ‫م ل ِي َ ْ‬ ‫} ثُ ّ‬
‫وقول ابن عباس وأصحابه أولى وأظهر في المعنى ‪ ،‬وأبلغ في التهكم ؛ فإن‬
‫دا وكتابه ودينه ‪ ،‬فليذهب فليقتل‬ ‫المعنى ‪ :‬من ظن أن الله ليس بناصر محم ً‬
‫نفسه ‪ ،‬إن كان ذلك غائظه ‪ ،‬فإن الله ناصره ل محالة ‪ ،‬قال الله تعالى ‪:‬‬
‫مل‬ ‫شَهاُد‪ .‬ي َوْ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫} إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫دارِ { ] غافر ‪ [52 ، 51 :‬؛‬ ‫سوُء ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ة وَل َهُ ْ‬ ‫م الل ّعْن َ ُ‬ ‫م وَل َهُ ُ‬ ‫معْذَِرت ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬‫فعُ ال ّ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫ُ‬
‫ما ي َِغيظ {‬ ‫ن كي ْد ُه ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ولهذا قال ‪ } :‬فلي َن ْظْر هَل ي ُذ ْهِب َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن شأن محمد )‪ (2‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫قال السدي ‪ :‬يعني ‪ِ :‬‬
‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬فلينظر هل يشفي ذلك ما يجد في صدره من‬
‫الغيظ‪.‬‬
‫َ‬
‫ت { أي ‪ :‬واضحات في‬ ‫ت ب َي َّنا ٍ‬ ‫ك أنزل َْناه ُ { أي ‪ :‬القرآن } آَيا ٍ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫ريد ُ { أي ‪:‬‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ة من الله على الناس } وَأ ّ‬ ‫لفظها ومعناها ‪ ،‬حج ً‬
‫يضل من يشاء ‪ ،‬ويهدي من يشاء ‪ ،‬وله الحكمة التامة والحجة )‪ (3‬القاطعة‬
‫ل وهم ي َ‬ ‫سأ َ ُ‬
‫ن { ] النبياء ‪ ، [ 23 :‬أما هو‬ ‫سأُلو َ‬ ‫فعَ ُ َ ُ ْ ُ ْ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫في ذلك ‪ } ،‬ل )‪ (4‬ي ُ ْ‬
‫فلحكمته ورحمته وعدله ‪ ،‬وعلمه وقهره وعظمته ‪ ،‬ل معقب لحكمه ‪ ،‬وهو‬
‫سريع الحساب‪.‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫س َوال ِ‬ ‫جو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫صاَرى َوال َ‬ ‫ن َوالن ّ َ‬ ‫صاب ِِئي َ‬ ‫هاُدوا َوال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مُنوا َوال ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫شِهيد ٌ )‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَلى ك ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مةِ إ ِ ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ل ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫شَركوا إ ِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫‪.{ (17‬‬
‫يخبر تعالى عن أهل هذه الديان المختلفة من المؤمنين ‪ ،‬ومن سواهم من‬
‫ف‬‫اليهود والصابئين ‪ -‬وقد قدمنا في سورة "البقرة" التعريف بهم ‪ ،‬واختل َ‬
‫الناس فيهم ‪ -‬والنصارى والمجوس ‪ ،‬والذين أشركوا فعبدوا غير الله معه ؛‬
‫مةِ { ‪ ،‬ويحكم بينهم بالعدل )‪ ، (5‬فيدخل‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ل ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫فإنه تعالى } ي َ ْ‬
‫من آمن به الجنة ‪ ،‬ومن كفر به )‪ (6‬النار ‪ ،‬فإنه تعالى شهيد على أفعالهم ‪،‬‬
‫كن ضمائرهم‪.‬‬ ‫حفيظ لقوالهم ‪ ،‬عليم بسرائرهم ‪ ،‬وما ت ُ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وليمدد"‪.‬‬
‫"محمدا"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(2‬‬
‫"وله الحجة"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(3‬‬
‫"ول"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(4‬‬
‫"بالعذاب"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(5‬‬
‫أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(6‬‬

‫) ‪(5/402‬‬

‫س َوال ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫مُر‬
‫ق َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ض َوال ّ‬‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬‫ت وَ َ‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫جد ُ ل َ ُ‬ ‫س ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫أل َ ْ‬
‫ب‬
‫ذا ُ‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ال ْعَ َ‬ ‫س وَك َِثيٌر َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫ب وَك َِثيٌر ِ‬
‫م َ‬ ‫جُر َوالد َّوا ّ‬ ‫ش َ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫جَبا ُ‬‫م َوال ْ ِ‬ ‫جو ُ‬
‫َوالن ّ ُ‬
‫شاُء )‪(18‬‬ ‫ما ي َ َ‬
‫ل َ‬ ‫فعَ ُ‬‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ْ‬
‫مكرِم ٍ إ ِ ّ‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ن ي ُهِ ِ‬‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ض َوال ّ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫جد ُ ل َ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫حقّ عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫س وَك َِثيٌر َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب وَك َِثيٌر ِ‬ ‫جُر َوالد َّوا ّ‬ ‫ش َ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫م َوال ْ ِ‬ ‫جو ُ‬ ‫مُر َوالن ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫شاُء )‪.{ (18‬‬ ‫ما ي َ َ‬
‫ل َ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مك ْرِم ٍ إ ِ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ن ي ُهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ذا ُ‬
‫يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده ل شريك له ‪ ،‬فإنه يسجد )‪ (1‬لعظمته‬
‫كل شيء طوعا وكرها وسجود ]كل شيء مما[ )‪ (2‬يختص به ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫شيٍء يت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫مائ ِ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫مي َِ‬ ‫ن ال ْي َ ِ‬
‫ه عَ َِ‬ ‫ظلل ُ ُ‬‫في ّأ ِ‬ ‫ن َ ْ ََ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م ي ََرْوا )‪ (3‬إ َِلى َ‬ ‫} أوَل َ ْ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫ن { ] النحل ‪ .[ 48 :‬وقال هاهنا ‪ } :‬أل َ ْ‬ ‫خُرو َ‬ ‫م َدا ِ‬ ‫دا ل ِل ّهِ وَهُ ْ‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫ُ‬
‫ض { أي ‪ :‬من الملئكة في أقطار‬ ‫َ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫جد ُ ل ُ‬ ‫س ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫السموات ‪ ،‬والحيوانات في جميع الجهات ‪ ،‬من النس والجن والدواب والطير‬
‫مدِهِ { ] السراء ‪.[ 44 :‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫يٍء ِإل ي ُ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫‪ } ،‬وَإ ِ ْ‬
‫م { ‪ :‬إنما ذكر هذه على التنصيص ؛ لنها‬ ‫جو َ‬ ‫مَر َوالن ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ْ‬
‫س َوال َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ‬
‫عبدت من دون الله ‪ ،‬فبين أنها تسجد لخالقها ‪ ،‬وأنها مربوبة مسخرة } ل‬ ‫قد ُ‬
‫ن{‬ ‫دو‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫يا‬‫إ‬ ‫م‬
‫َ ُ ّ ِ ْ ُْ ْ ِّ ُ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫دوا‬
‫ْ ِ َ ِ َ ِ َ ْ ُ ُ ِ ِ ِ‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫لل‬
‫ج ُ ِ‬
‫دوا‬ ‫س ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫] فصلت ‪.[ 37 :‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي ذر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬أتدري أين تذهب هذه الشمس ؟"‪ .‬قلت ‪ :‬الله ورسوله‬
‫أعلم‪ .‬قال ‪" :‬فإنها تذهب فتسجد تحت العرش ‪ ،‬ثم تستأمر فيوشك أن يقال‬
‫لها ‪ :‬ارجعي من حيث جئت" )‪.(4‬‬
‫وفي المسند وسنن أبي داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬في حديث الكسوف ‪:‬‬
‫خْلق الله ‪ ،‬وإنهما ل ينكسفان لموت أحد ول‬ ‫خْلقان من َ‬ ‫"إن الشمس والقمر َ‬
‫جلى لشيء من خلقه خشع )‪ (5‬له" )‪.(6‬‬ ‫لحياته ‪ ،‬ولكن الله عز وجل إذا ت َ َ‬
‫دا‬‫وقال أبو العالية ‪ :‬ما في السماء نجم ول شمس ول قمر ‪ ،‬إل يقع لله ساج ً‬
‫حين يغيب ‪ ،‬ثم ل ينصرف حتى يؤذن له ‪ ،‬فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى‬
‫مطلعه‪.‬‬
‫فيء ظللهما )‪ (7‬عن اليمين والشمائل ‪:‬‬ ‫وأما الجبال والشجر فسجودهما ب َ‬
‫وعن ابن عباس قال ‪ :‬جاء رجل فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني رأيتني الليلة وأنا‬
‫دت الشجرة لسجودي ‪،‬‬ ‫ج َ‬ ‫ت فس َ‬ ‫نائم ‪ ،‬كأني أصلي خلف شجرة ‪ ،‬فسجد ُ‬
‫فسمعُتها وهي تقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬اكتب لي بها عندك أجًرا ‪ ،‬وضع عني بها وزًرا ‪،‬‬
‫واجعلها لي عندك ذخًرا ‪ ،‬وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود‪ .‬قال ابن‬
‫عباس ‪ :‬فقرأ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬سجد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬يرى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (4803‬وصحيح مسلم برقم )‪.(159‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خضع"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (4/267‬وسنن أبي داود برقم )‪ (1177‬وسنن النسائي )‬
‫‪ (14113‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(1262‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فسجودها على ظللها"‪.‬‬

‫) ‪(5/403‬‬

‫ل ما‬ ‫ل مث َ‬ ‫جد ‪ ،‬فسمعته وهو يقو ُ‬ ‫س َ‬


‫النبي )‪ (1‬صلى الله عليه وسلم سجدة ثم َ‬
‫أخبره الرجل عن قول الشجرة‪.‬‬
‫رواه الترمذي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬وابن حّبان في صحيحه )‪.(2‬‬
‫ب { أي ‪ :‬الحيوانات كلها‪.‬‬ ‫وقوله ‪َ } :‬والد َّوا ّ‬
‫وقد جاء في الحديث عن المام أحمد ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫نهى عن اتخاذ ظهور الدواب )‪ (3‬منابر )‪ (4‬فرب مركوبة خير )‪ (5‬وأكثر ذكًرا‬
‫لله من راكبها‪.‬‬
‫دا بذلك ‪،‬‬ ‫س { أي ‪ :‬يسجد لله طوعا مختاًرا متعب ً‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَك َِثيٌر ِ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ي ُهِ ِ‬‫م ْ‬‫ب { أي ‪ :‬ممن امتنع وأبى واستكبر ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ال ْعَ َ‬ ‫} وَك َِثيٌر َ‬
‫شاُء {‪.‬‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫فعَ ُ‬
‫ل َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مك ْرِم ٍ إ ِ ّ‬‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫فَ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن شيبان الرملي ‪ ،‬حدثنا القداح ‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن محمد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬قيل لعلي ‪ :‬إن هاهنا رجل يتكلم‬
‫في المشيئة‪ .‬فقال له علي ‪ :‬يا عبد الله ‪ ،‬خلقك الله كما يشاء أو كما شئت )‬
‫‪ (6‬؟ قال ‪ :‬بل كما شاء‪ .‬قال ‪ :‬فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال ‪ :‬بل إذا‬
‫شاء‪ .‬قال ‪ :‬فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال ‪ :‬بل إذا شاء‪ .‬قال ‪ :‬فيدخلك‬
‫حيث شئت أو حيث يشاء ؟ قال ‪ :‬بل حيث يشاء‪ .‬قال ‪ :‬والله لو قلت غير‬
‫ت الذي فيه عيناك بالسيف‪.‬‬ ‫ذلك لضرب ُ‬
‫ن‬
‫وعن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا قرأ اب ُ‬
‫آدم السجدة اعتزل )‪ (7‬الشيطان يبكي يقول ‪ :‬يا ويله‪ .‬أمر ابن آدم بالسجود‬
‫ت ‪ ،‬فلي النار" رواه مسلم )‪.(8‬‬ ‫ت بالسجود فأبي ُ‬ ‫مر ُ‬ ‫فسجد ‪ ،‬فله الجنة ‪ ،‬وأ ِ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم وأبو عبد الرحمن‬
‫مصعب‬ ‫شَرح بن هاعان )‪ (9‬أبو ُ‬ ‫م ْ‬‫المقرئ قال حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫المعافري قال ‪ :‬سمعت عقبة بن عامر يقول ‪ :‬قلت يا رسول الله ‪ ،‬أفضلت‬
‫سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬فمن لم يسجد بهما‬
‫فل يقرأهما"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من حديث عبد الله بن لهيعة ‪ ،‬به )‪ .(10‬وقال‬
‫صرح فيه‬ ‫الترمذي ‪" :‬ليس بقوي )‪ " (11‬وفي هذا نظر ؛ فإن ابن ل َِهيعة قد َ‬
‫قموا عليه تدليسه‪.‬‬ ‫بالسماع ‪ ،‬وأكثر ما ن َ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي برقم )‪ (579‬وسنن ابن ماجه برقم )‪ (1053‬وقال‬
‫الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب من حديث ابن عباس ل نعرفه إل من هذا‬
‫الوجه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الحيوانات"‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه أبو داود في السنن برقم )‪ (2567‬من حديث أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬خيرا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬لما يشاء أو لما شئت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬فاعتزل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم برقم )‪.(81‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬عاهان"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪ (4/151‬وسنن أبي داود برقم )‪ (1402‬وسنن الترمذي برقم‬
‫)‪.(578‬‬
‫)‪ (11‬في ف ‪" :‬ليس هو بقوي"‪.‬‬

‫) ‪(5/404‬‬

‫ن َنارٍ‬
‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫م ث َِيا ٌ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫فُروا قُط ّعَ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫م َفال ّ ِ‬ ‫موا ِفي َرب ّهِ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫خت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ص َ‬‫خ ْ‬ ‫ن َ‬‫ذا ِ‬‫هَ َ‬
‫جُلود ُ )‪(20‬‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬
‫ِِ ْ َ ُ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫طو‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫في‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫ُ ْ َ ُ ِ ِ َ ِ‬‫ه‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫(‬‫‪19‬‬ ‫)‬ ‫م‬
‫َ ِ ُ‬‫مي‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِ ِ ُ‬ ‫س‬ ‫ءو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫يُ َ ّ ِ ْ ْ ِ ُ‬
‫ق‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ص‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا ِفيَها‬ ‫عي ُ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ن غَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫من َْها ِ‬‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬
‫ن يَ ْ‬‫ما أَراُدوا أ ْ‬ ‫ديد ٍ )‪ (21‬ك ُل ّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫مع ُ ِ‬ ‫قا ِ‬
‫م َ‬‫م َ‬‫وَل َهُ ْ‬
‫ق )‪(22‬‬ ‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَُذوُقوا عَ َ‬

‫سرح ‪ ،‬أنبأنا ابن‬ ‫وقد قال أبو داود في المراسيل ‪ :‬حدثنا أحمد بن عمرو بن ال ّ‬
‫شب )‪ ، (1‬عن خالد بن‬ ‫ج ِ‬ ‫هب ‪ ،‬أخبرني معاوية بن صالح ‪ ،‬عن عامر بن َ‬ ‫وَ ْ‬
‫ضلت سورة الحج‬ ‫ُ‬
‫مْعدان ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ف ّ‬ ‫َ‬
‫على القرآن بسجدتين"‪.‬‬
‫ثم قال أبو داود ‪ :‬وقد أسند َ هذا ‪ ،‬يعني ‪ :‬من غير هذا الوجه ‪ ،‬ول يصح )‪.(2‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر السماعيلي ‪ :‬حدثنا ابن أبي داود ‪ ،‬حدثنا يزيد بن عبد‬
‫الله ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا أبو عمرو ‪ ،‬حدثنا حفص بن عنان ‪ ،‬حدثني نافع ‪،‬‬
‫حدثني أبو الجهم ‪ :‬أن عمر سجد سجدتين في الحج ‪ ،‬وهو بالجابية ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫إن هذه فضلت بسجدتين )‪.(3‬‬
‫ي ‪ ،‬عن عبد‬ ‫وروى أبو داود وابن ماجه ‪ ،‬من حديث الحارث بن سعيد العَُتق ّ‬
‫مَنين ‪ ،‬عن عمرو بن العاص ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫الله بن ُ‬
‫صل ‪ ،‬وفي سورة‬ ‫ف ّ‬ ‫م َ‬ ‫أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن ‪ ،‬منها ثلث في ال ُ‬
‫شد ّ بعضها بعضا‪.‬‬ ‫الحج سجدتان )‪ .(4‬فهذه )‪ (5‬شواهد ي َ ُ‬
‫ن َناٍر‬‫م ْ‬
‫ب ِ‬ ‫م ث َِيا ٌ‬ ‫َ‬
‫ت لهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫فُروا قُطعَ ْ‬ ‫نك َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َفال ّ ِ‬
‫موا ِفي َرب ّهِ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫خت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ص َ‬‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫} هَ َ‬
‫ذا ِ‬
‫جلود ُ )‪(20‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م َوال ُ‬ ‫ُ‬
‫ما ِفي ب ُطون ِهِ ْ‬ ‫صهَُر ب ِهِ َ‬ ‫م )‪ (19‬ي ُ ْ‬ ‫مي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬
‫سهِ ُ‬‫ق ُرُءو ِ‬ ‫َ‬
‫ن فو ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫يُ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫دوا ِفيَها‬ ‫عي ُ‬ ‫مأ ِ‬ ‫َ‬
‫نغ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫من َْها ِ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ما أَراُدوا أ ْ‬ ‫ُ‬
‫ديد ٍ )‪ (21‬كل َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫مع ُ ِ‬ ‫قا ِ‬‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫وَل َهُ ْ‬
‫ق )‪.{ (22‬‬ ‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَُذوُقوا عَ َ‬
‫جَلز ‪ ،‬عن قيس بن عَُباد ‪ ،‬عن أبي‬ ‫م ْ‬‫ثبت في الصحيحين ‪ ،‬من )‪ (6‬حديث أبي ِ‬
‫موا ِفي‬ ‫ص ُ‬‫خت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ص َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذا ِ‬‫ذر ؛ أنه كان يقسم قسما أن هذه الية ‪ } :‬هَ َ‬
‫ة وصاحبيه ‪ ،‬يوم برزوا في بدر )‪.(7‬‬ ‫حَبيه ‪ ،‬وعتب َ‬ ‫م { نزلت في حمزة وصا ِ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫لفظ البخاري عند تفسيرها ‪ ،‬ثم قال البخاري ‪:‬‬
‫من َْهال ‪ ،‬حدثنا المعتمر بن سليمان ‪ ،‬سمعت أبي ‪ ،‬حدثنا أبو‬ ‫حدثنا الحجاج بن ِ‬
‫جلز عن قيس بن عَُباد ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب أنه قال ‪ :‬أنا أول من َيجُثو‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة‪ .‬قال قيس ‪ :‬وفيهم نزلت ‪ } :‬هَ َ‬
‫ذا ِ‬
‫ي وحمزة‬ ‫م { ‪ ،‬قال ‪ :‬هم الذين بارزوا يوم بدر ‪ :‬عل ّ‬ ‫موا ِفي َرب ّهِ ْ‬
‫ص ُ‬
‫خت َ َ‬
‫نا ْ‬‫ما ِ‬ ‫ص َ‬‫خ ْ‬
‫َ‬
‫وعبيدة ‪ ،‬وشيبة ابن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة‪ .‬انفرد به البخاري‬
‫)‪.(8‬‬
‫موا‬‫ص ُ‬‫خت َ َ‬‫نا ْ‬
‫ما ِ‬
‫ص َ‬
‫خ ْ‬
‫ن َ‬ ‫وقال سعيد بن أبي عَُروبة ‪ ،‬عن قتادة في قوله ‪ } :‬هَ َ‬
‫ذا ِ‬
‫م { قال ‪ :‬اختصم المسلمون وأهل الكتاب ‪ ،‬فقال أهل الكتاب ‪ :‬نبينا‬ ‫ِفي َرب ّهِ ْ‬
‫قبل نبيكم ‪ ،‬وكتابنا قبل كتابكم‪ .‬فنحن أولى بالله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬جيب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المراسيل برقم )‪.(78‬‬
‫)‪ (3‬ورواه البيهقي في السنن الكبرى )‪ (2/317‬من طريق نافع عن رجل من‬
‫أهل مصر أنه صلى مع عمر بن الخطاب فذكر مثله‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن أبي داود برقم )‪ (1401‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(1057‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬فهو"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪ (4743‬وصحيح مسلم برقم )‪.(3033‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪.(4744‬‬

‫) ‪(5/405‬‬

‫منكم‪ .‬وقال المسلمون ‪ :‬كتابنا يقضي على الكتب كلها ‪ ،‬ونبينا خاتم النبياء ‪،‬‬
‫ن‬
‫ذا ِ‬ ‫م على من ناوأه ‪ ،‬وأنزل ‪ } :‬هَ َ‬ ‫فنحن أولى بالله منكم‪ .‬فأفلج الله السل َ‬
‫م {‪ .‬وكذا روى الَعوفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬ ‫موا ِفي َرب ّهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ص َ‬‫خ ْ‬‫َ‬
‫م { قال‬ ‫موا ِفي َرب ّهِ ْ‬ ‫ص ُ‬‫خت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ما ِ‬‫ص َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وقال شعبة ‪ ،‬عن قتادة في قوله ‪ } :‬هَ َ‬
‫ذا ِ‬
‫مصدق ومكذب‪.‬‬ ‫‪ُ :‬‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد في هذه الية ‪ :‬مثل الكافر والمؤمن اختصما‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫في البعث‪ .‬وقال ‪ -‬في رواية ‪ :‬هو وعطاء في هذه الية ‪ : -‬هم المؤمنون‬
‫والكافرون‪.‬‬
‫م { قال ‪ :‬هي الجنة والنار ‪،‬‬ ‫موا ِفي َرب ّهِ ْ‬ ‫ص ُ‬‫خت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ص َ‬
‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وقال عكرمة ‪ } :‬هَ َ‬
‫ذا ِ‬
‫قالت النار ‪ :‬اجعلني للعقوبة ‪ ،‬وقالت الجنة ‪ :‬اجعلني للرحمة‪.‬‬
‫ل مجاهد وعطاء ‪ :‬إن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون ‪ ،‬يشمل القوال‬ ‫وقو ُ‬
‫كلها ‪ ،‬وينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها ؛ فإن المؤمنين يريدون نصرة دين‬
‫ن الحق وظهور الباطل‪.‬‬ ‫الله ‪ ،‬والكافرون يريدون إطفاء نور اليمان وخذل َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ت لهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫فُروا قُطعَ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫سن ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬فال ِ‬ ‫ح َ‬ ‫وهذا اختيار ابن جرير ‪ ،‬وهو َ‬
‫ن َنارٍ { أي ‪ :‬فصلت لهم مقطعات من نار‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ث َِيا ٌ‬
‫قال سعيد بن جبير ‪ :‬من نحاس وهو أشد الشياء حرارة إذا حمي‪.‬‬
‫جُلود ُ { أي ‪:‬‬ ‫م َوال ْ ُ‬ ‫طون ِهِ ْ‬ ‫ما ِفي ب ُ ُ‬ ‫صهَُر ب ِهِ َ‬‫م‪ .‬ي ُ ْ‬‫مي ُ‬‫ح ِ‬‫م ال ْ َ‬‫سهِ ُ‬ ‫ق ُرُءو ِ‬ ‫ن فَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫} يُ َ‬
‫إذا صب على رءوسهم الحميم ‪ ،‬وهو الماء الحار في غاية الحرارة‪.‬‬
‫وقال سعيد ]بن جبير[ )‪ (1‬هو النحاس المذاب ‪ ،‬أذاب ما في بطونهم من‬
‫الشحم والمعاء‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وكذلك تذوب )‪ (2‬جلودهم ‪ ،‬وقال ابن عباس وسعيد ‪ :‬تساقط‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا إبراهيم أبو إسحاق‬
‫مح ‪ ،‬عن‬ ‫الطاَلقاني ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك عن سعيد بن زيد )‪ ، (3‬عن أبي ال ّ‬
‫س ْ‬
‫جيرة ‪ ،‬عن أبي هَُريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن‬ ‫ح َ‬‫ابن )‪ُ (4‬‬
‫ة حتى يخلص إلى جوفه ‪،‬‬ ‫فد الجمجم َ‬ ‫صب على رءوسهم ‪ ،‬فين ُ‬ ‫الحميم لي ُ َ‬
‫فيسلت )‪ (5‬ما في جوفه ‪ ،‬حتى يبلغ قدميه ‪ ،‬وهو الصهر ‪ ،‬ثم يعاد كما كان"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي من حديث ابن المبارك )‪ ، (6‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وهكذا‬
‫رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي نعيم ‪ ،‬عن ابن المبارك ‪ ،‬به ثم قال‬
‫ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫واريّ ‪ ،‬سمعت عبد الله ابن‬ ‫ح َ‬
‫حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أحمد بن أبي ال َ‬
‫سّريّ قال ‪ :‬يأتيه الملك يحمل الناء ب ِك َْلبتين من حرارته ‪ ،‬فإذا أدناه من‬ ‫ال ّ‬
‫مَعة معه فيضرب‬ ‫ق َ‬
‫م ْ‬
‫وجهه تكرهه ‪ ،‬قال ‪ :‬فيرفع ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬يذوب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬أبي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فيسلت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪ (17/100‬وسنن الترمذي برقم )‪.(2582‬‬

‫) ‪(5/406‬‬

‫حت َِها اْل َن َْهاُر‬


‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٍ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫ذي َ‬
‫نآ َ‬‫ل ال ّ ِ َ‬
‫خ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ب وَلؤْل ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ريٌر )‪(23‬‬ ‫ح ِ‬
‫م ِفيَها َ‬‫سهُ ْ‬‫ؤا وَل َِبا ُ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬
‫م ْ‬
‫ساوَِر ِ‬‫نأ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِفيَها ِ‬ ‫حلوْ َ‬ ‫يُ َ‬

‫بها رأسه ‪ ،‬فَُيفرغ )‪ (1‬دماغه ‪ ،‬ثم ُيفرغ )‪ (2‬الناء من دماغه ‪ ،‬فيصل إلى‬
‫جُلود ُ {‬ ‫م َوال ْ ُ‬‫طون ِهِ ْ‬ ‫ما ِفي ب ُ ُ‬ ‫صهَُر ب ِهِ َ‬ ‫جوفه من دماغه ‪ ،‬فذلك قوله ‪ } :‬ي ُ ْ‬
‫ديد ٍ { ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مع ُ ِ‬ ‫قا ِ‬
‫م َ‬
‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َهُ ْ‬
‫حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬حدثنا د َّراج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن‬
‫من‬ ‫معا ِ‬ ‫ق َ‬‫م ْ‬‫أبي سعيد ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬لو أن ِ‬
‫ضع في )‪ (3‬الرض ‪ ،‬فاجتمع له الثقلن ما أقَّلوه من الرض" )‪.(4‬‬ ‫حديد وُ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا موسى بن داود ‪ ،‬حدثنا ابن لِهيعة ‪ ،‬حدثنا )‪(5‬‬
‫د َّراج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫مع من حديد ‪ ،‬لتفتت ثم عاد كما‬ ‫ق َ‬‫م ْ‬‫لب ِ‬ ‫ضرب الجب ُ‬ ‫الله عليه وسلم ‪" :‬لو ُ‬
‫ساق ي ُهََراق في الدنيا لنتن أهل الدنيا" )‪.(6‬‬ ‫كان ‪ ،‬ولو أن دلوا من غَ ّ‬
‫ديدٍ { قال ‪ :‬يضربون بها ‪،‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مع ُ ِ‬‫قا ِ‬ ‫م َ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫وقال ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَلهُ ْ‬
‫فيقع كل عضو على حياله ‪ ،‬فيدعون )‪ (7‬بالثبور‪.‬‬
‫دوا ِفيَها { ‪ :‬قال العمش ‪،‬‬ ‫عي ُ‬ ‫م أُ ِ‬
‫ن غَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫من َْها ِ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫ما أَراُدوا أ ْ‬
‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬ك ُل ّ َ‬
‫عن أبي ظ ِْبيان ‪ ،‬عن سلمان قال ‪ :‬النار سوداء مظلمة ‪ ،‬ل يضيء لهبها ول‬
‫دوا ِفيَها {‬ ‫م أُ ِ‬
‫عي ُ‬ ‫ن غَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫من َْها ِ‬‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫ما أَراُدوا أ ْ‬
‫َ‬
‫جمرها ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬ك ُل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن غَ ّ‬
‫م ْ‬ ‫من َْها ِ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ما أَراُدوا أ ْ‬ ‫وقال زيد بن أسلم في هذه الية ‪ } :‬ك ُل ّ َ‬
‫دوا ِفيَها { قال ‪ :‬بلغني أن أهل النار في النار ل يتنفسون‪.‬‬ ‫عي ُ‬‫أُ ِ‬
‫فضيل )‪ (8‬بن عياض ‪ :‬والله ما طمعوا في الخروج ‪ ،‬إن الرجل‬ ‫وقال ال ُ‬
‫لمقيدة ‪ ،‬وإن اليدي لموثقة ‪ ،‬ولكن يرفعهم لهبها ‪ ،‬وتردهم )‪ (9‬مقامعها‪.‬‬
‫ب الّناِر‬ ‫ذا َ‬ ‫م ُذوُقوا عَ َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ق { كقوله } وَِقي َ‬ ‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَُذوُقوا عَ َ‬
‫ن { ] السجدة ‪ [ 20 :‬ومعنى الكلم ‪ :‬أنهم يهانون‬ ‫م ب ِهِ ت ُك َذ ُّبو َ‬‫ذي ك ُن ْت ُ ْ‬‫ال ّ ِ‬
‫بالعذاب قول وفعل‪.‬‬
‫حت َِها الن َْهاُر‬
‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬
‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٍ‬‫ت َ‬ ‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬
‫خ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ريٌر )‪.{ (23‬‬ ‫ح ِ‬ ‫م ِفيَها َ‬‫سهُ ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ب وَلؤلؤا وَل َِبا ُ‬ ‫َ‬
‫ن ذهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِفيَها ِ‬ ‫حل ّوْ َ‬
‫يُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فيقرع"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يقرع"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(3/29‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (3/83‬ودراج عن أبي الهيثم ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فيدعو"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬الفضل"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬ويردهم"‪.‬‬

‫) ‪(5/407‬‬

‫ميد ِ )‪(24‬‬ ‫ط ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫دوا إ َِلى ِ‬
‫صَرا ِ‬ ‫ل وَهُ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫دوا إ َِلى الط ّي ّ ِ‬
‫ب ِ‬ ‫وَهُ ُ‬

‫ميد ِ )‪.{ (24‬‬ ‫ط ال ْ َ‬


‫ح ِ‬ ‫دوا إ َِلى ِ‬
‫صَرا ِ‬ ‫ل وَهُ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫دوا إ َِلى الط ّي ّ ِ‬
‫ب ِ‬ ‫} وَهُ ُ‬
‫لما أخبر تعالى عن حال أهل النار ‪ ،‬عياًذا بالله من حالهم ‪ ،‬وما هم فيه من‬
‫العذاب والّنكال‬

‫) ‪(5/407‬‬

‫والحريق والغلل ‪ ،‬وما أعد لهم من الثياب من النار ‪ ،‬ذكر حال أهل الجنة ‪-‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫خ ُ‬‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫نسأل الله من فضله وكرمه أن يدخلنا الجنة ‪ -‬فقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫خّرق في‬ ‫حت َِها الن َْهاُر { أي ‪ :‬تت َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫آ َ‬
‫أكنافها وأرجائها وجوانبها ‪ ،‬وتحت أشجارها وقصورها ‪ ،‬يصرفونها حيث شاءوا‬
‫وأين شاءوا ‪ } ،‬يحل ّون فيها { من الحلية ‪ } ،‬يحل ّون فيها م َ‬
‫ن ذ َهَ ٍ‬
‫ب‬ ‫م ْ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ُ َ ْ َ ِ َ ِ ْ‬ ‫ُ َ ْ َ ِ َ‬
‫ؤا { أي ‪ :‬في أيديهم ‪ ،‬كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث‬ ‫وَل ُؤْل ُ ً‬
‫ضوء" )‪.(1‬‬ ‫حل َْية من المؤمن حيث يبلغ الوُ ُ‬ ‫المتفق عليه ‪" :‬تبلغ ال ِ‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬إن في الجنة ملكا لو شئت أن أسميه لسميُته ‪ ،‬يصوغ‬ ‫ً‬
‫لهل الجنة الحلي منذ خلقه الله إلى يوم القيامة ‪ ،‬لو أبرز قُْلب منها ‪ -‬أي ‪:‬‬
‫سوار منها ‪ -‬لرد شعاع الشمس ‪ ،‬كما ترد )‪ (2‬الشمس نور القمر‪.‬‬
‫ريٌر { ‪ :‬في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم‬ ‫ح ِ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َِبا ُ‬
‫ب‬ ‫م ث َِيا ُ‬ ‫عال ِي َهُ ْ‬ ‫دسه ‪ ،‬كما قال ‪َ } :‬‬ ‫سن ْ ُ‬ ‫‪ ،‬لباس هؤلء من الحرير ‪ ،‬إستبرقه و ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شَراًبا طُهوًرا‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬‫قاهُ ْ‬‫س َ‬
‫ضةٍ وَ َ‬
‫ن فِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫حّلوا أ َ‬ ‫ست َب َْرقٌ وَ ُ‬ ‫ضٌر وَإ ِ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫س ُ‬‫سن ْد ُ ٍ‬ ‫ُ‬
‫مشكوًرا { ] النسان ‪ ، [ 22 ، 21 :‬وفي‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫سعْي ُك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫جَزاًء وَكا َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن لك ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن هَذا كا َ‬ ‫إِ ّ‬
‫الصحيح ‪" :‬ل تلبسوا الحرير ول الديباج في الدنيا ‪ ،‬فإنه من لبسه في الدنيا‬
‫لم يلبسه في الخرة" )‪.(3‬‬
‫قال عبد الله بن الزبير ‪ :‬ومن لم يلبس الحرير في الخرة ‪ ،‬لم يدخل الجنة ‪،‬‬
‫ريٌر {‬ ‫ح ِ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬وَل َِبا ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ل { كقوله } وَأد ْ ِ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫دوا إ َِلى الطي ّ ِ‬
‫ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُ ُ‬
‫م‬‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫ن ِفيَها ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫خلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ْ‬
‫م { ] إبراهيم ‪ ، [23 :‬وقوله ‪َ } :‬وال َ‬ ‫سل ٌ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫حي ّت ُهُ ْ‬ ‫تَ ِ‬
‫دارِ { ] الرعد ‪، 23 :‬‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫َ‬
‫م فن ِعْ َ‬ ‫ما صب َرت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م عَلي ْك ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ب‪َ .‬‬ ‫ن كل َبا ٍ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ما {‬ ‫سل‬ ‫ما‬ ‫سل‬ ‫قيل‬ ‫إل‬ ‫*‬ ‫ما‬ ‫ثي‬‫وقوله ‪ } :‬ل يسمعون في َها ْ ل َغوا ول تأ ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪24‬‬
‫َ ً َ ً‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ ْ َ ُ َ ِ َ ْ ً َ َ ِ ً‬
‫] الواقعة ‪ ، [ 26 ، 25 :‬فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلم الطيب ‪،‬‬
‫ما { ] الفرقان ‪ ، [ 75 :‬ل كما يهان أهل النار‬ ‫سل ً‬ ‫ة وَ َ‬
‫حي ّ ً‬
‫ن ِفيَها ت َ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫} وَي ُل َ ّ‬
‫ب‬‫ذا َ‬ ‫بالكلم الذي ي َُرّوعون به )‪ (4‬ويقرعون به ‪ ،‬يقال لهم ‪ } :‬وَُذوُقوا عَ َ‬
‫ق{‬ ‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ميد ِ { أي ‪ :‬إلى المكان الذي يحمدون فيه‬ ‫ح ِ‬‫ط ال ْ َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫دوا إ َِلى ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُ ُ‬
‫ربهم ‪ ،‬على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪:‬‬
‫س"‪.‬‬ ‫ف َ‬ ‫"إنهم يلهمون التسبيح والتحميد ‪ ،‬كما يلهمون الن ّ َ‬
‫ل { أي ‪:‬‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫دوا إ َِلى الطي ّ ِ‬
‫ّ‬ ‫وقد قال بعض المفسرين في قوله ‪ } :‬وَهُ ُ‬
‫َ‬
‫دوا إ ِلى‬ ‫القرآن‪ .‬وقيل ‪ :‬ل إله إل الله‪ .‬وقيل ‪ :‬الذكار المشروعة ‪ } ،‬وَهُ ُ‬
‫ميد ِ { أي ‪ :‬الطريق المستقيم في الدنيا‪ .‬وكل هذا ل ينافي ما‬ ‫ح ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ِ‬
‫ذكرناه ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (246‬من حديث أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬يرد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬الحديث في صحيح البخاري برقم )‪ (5426‬وصحيح مسلم برقم )‪(2067‬‬
‫من حديث حذيفة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يوبخون فيه" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يوبخون به"‪.‬‬

‫) ‪(5/408‬‬

‫س‬ ‫ذي َ ْ‬ ‫حَرام ِ ال ّ ِ‬‫جدِ ال ْ َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬


‫جعَل ََناه ُ ِللّنا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫فُروا وَي َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ب أِليم ٍ )‪(25‬‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫حاد ٍ ب ِظلم ٍ ن ُذِقْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ي ُرِد ْ ِفيهِ ب ِإ ِل َ‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ف ِفيهِ َوالَباد ِ وَ َ‬ ‫ْ‬
‫واًء الَعاك ِ ُ‬ ‫س َ‬‫َ‬

‫جعَل َْناهُ‬ ‫ذي َ‬ ‫حَرام ِ ال ّ ِ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬
‫فُروا وَي َ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ب‬‫ذا ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫حادٍ ب ِظلم ٍ ن ُذِقْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ي ُرِد ْ ِفيهِ ب ِإ ِل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ف ِفيهِ َوالَباد ِ وَ َ‬ ‫ْ‬
‫واًء الَعاك ِ ُ‬ ‫س َ‬
‫س َ‬ ‫َِللّنا ِ‬
‫أِليم ٍ )‪.{ (25‬‬
‫دهم المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام‬ ‫ص ّ‬ ‫يقول تعالى منكًرا على الكفار في َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا أوْل َِياَءهُ إ ِ ْ‬ ‫‪ ،‬وقضاء مناسكهم فيه ‪ ،‬ودعواهم أنهم أولياؤه ‪ } :‬وَ َ‬
‫قون ول َك َ‬ ‫َ‬
‫ن { ] النفال ‪.[ 34 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫مت ّ ُ َ َ ِ ّ‬ ‫أوْل َِياؤُه ُ ِإل ال ْ ُ‬
‫وفي هذه الية دليل ]على[ )‪ (1‬أنها مدنية ‪ ،‬كما قال في سورة "البقرة" ‪:‬‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫صد ّ ع َ ْ‬ ‫ل ِفيهِ ك َِبيٌر وَ َ‬ ‫ل قَِتا ٌ‬ ‫ل ِفيهِ قُ ْ‬ ‫حَرام ِ قَِتا ٍ‬ ‫شهْرِ ال ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ك عَ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬ ‫} يَ ْ‬
‫عن ْد َ اللهِ { ] البقرة ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ه أكب َُر ِ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الل ّهِ وَك ْ‬
‫ُ‬
‫من ْ ُ‬
‫ج أهْل ِهِ ِ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫حَرام ِ وَإ ِ ْ‬ ‫جدِ ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فٌر ب ِهِ َوال َ‬
‫جد ِ‬
‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫فُروا وَي َ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫‪ ، [ 217‬وقال ‪ :‬هاهنا ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫حَرام ِ { أي ‪ :‬ومن صفتهم مع كفرهم أنهم يصدون عن سبيل الله والمسجد‬ ‫ال ْ َ‬
‫الحرام ‪ ،‬أي ‪ :‬ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين الذين هم‬
‫أحق الناس به في نفس المر ‪ ،‬وهذا التركيب في هذه الية كقوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ب{‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬‫م ب ِذِك ْرِ الل ّهِ أل ب ِذِك ْرِ الل ّهِ ت َط ْ َ‬ ‫ن قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫مُنوا وَت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫] الرعد ‪ [ 28 :‬أي ‪ :‬ومن صفتهم أنهم تطمئن قلوبهم بذكر الله‪.‬‬
‫ف ِفيهِ َوال َْباد ِ { ]أي ‪ :‬يمنعون‬ ‫واًء ال َْعاك ِ ُ‬
‫س َ‬
‫س َ‬ ‫ذي َ ْ‬
‫جعَلَناه ُ ِللّنا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫الناس عن الوصول إلى المسجد الحرام ‪ ،‬وقد جعله الله شرعا سواء ‪ ،‬ل‬
‫ه‬
‫ف ِفي ِ‬ ‫واًء ال َْعاك ِ ُ‬
‫س َ‬
‫فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه ‪َ } ،‬‬
‫َوال َْباد ِ { [ )‪ (2‬ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها ‪ ،‬كما قال علي‬
‫ف ِفيهِ َوال َْباد ِ { قال ‪:‬‬ ‫واًء ال َْعاك ِ ُ‬
‫س َ‬
‫بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ } :‬‬
‫ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام‪.‬‬
‫ْ‬
‫ف ِفيهِ َوالَباد ِ { ‪ :‬أهل مكة‬ ‫واًء ال َْعاك ِ ُ‬
‫س َ‬‫وقال مجاهد ]في قوله[ )‪َ } : (3‬‬
‫وغيرهم فيه سواء في المنازل‪ .‬وكذا قال أبو صالح ‪ ،‬وعبد الرحمن بن‬
‫سابط ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد ]بن أسلم[ )‪.(4‬‬
‫مر ‪ ،‬عن قتادة ‪ :‬سواء فيه أهله وغير أهله‪.‬‬ ‫معْ َ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َ‬
‫خيف ‪،‬‬ ‫هويه بمسجد ال ِ‬ ‫وهذه المسألة اختلف فيها الشافعي وإسحاق بن را َ‬
‫ضا ‪ ،‬فذهب الشافعي ‪ ،‬رحمه الله )‪ (6‬إلى أن‬ ‫وأحمد بن حنبل حاضر )‪ (5‬أي ً‬
‫سين‬ ‫ح َ‬ ‫رباع مكة تملك وتورث وتؤجر ‪ ،‬واحتج بحديث الزهري ‪ ،‬عن علي بن ال ُ‬
‫‪ ،‬عن عمرو بن عثمان ‪ ،‬عن أسامة بن زيد قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أتنزل‬
‫عقيل من رباع"‪ .‬ثم قال ‪:‬‬ ‫دا في دارك )‪ (7‬بمكة ؟ فقال ‪" :‬وهل ترك لنا َ‬ ‫غ ً‬
‫خّرج في‬ ‫م َ‬‫"ل يرث الكافر المسلم ‪ ،‬ول المسلم الكافر"‪ .‬وهذا الحديث ُ‬
‫الصحيحين )‪] (8‬وبما ثبت أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية‬
‫دارا بمكة ‪ ،‬فجعلها سجنا بأربعة آلف درهم‪ .‬وبه قال طاوس ‪ ،‬وعمرو بن‬
‫دينار‪.‬‬
‫هويه إل أنها تورث ول تؤجر‪ .‬وهو مذهب طائفة من‬ ‫وذهب إسحاق بن را َ‬
‫السلف ‪ ،‬ونص عليه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬حاضرا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬رضي الله عنه" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬رضي الله تعالى عنه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬بدارك"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (6764‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1614‬من حديث‬
‫أسامة بن زيد رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(5/409‬‬

‫هويه بما رواه ابن ماجه ‪ ،‬عن أبي بكر‬ ‫مجاهد وعطاء ‪ ،‬واحتج إسحاق بن را َ‬
‫سين )‪(1‬‬‫ح َ‬
‫مر بن سعيد بن أبي ُ‬ ‫بن أبي شيبة ‪ ،‬عن عيسى ابن يونس ‪ ،‬عن عُ َ‬
‫وفي رسول الله‬ ‫ضلة قال ‪ :‬ت ُ ُ‬
‫‪ ،‬عن عثمان بن أبي سليمان ‪ ،‬عن علقمة بن ن َ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ‪ ،‬وما تدعى رباع مكة إل[ )‪ (2‬السوائب‬
‫‪ ،‬من احتاج سكن ‪ ،‬ومن استغنى أسكن )‪.(3‬‬
‫وقال عبد الرزاق ابن مجاهد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو أنه قال ‪ :‬ل‬
‫يحل بيع دور مكة ول كراؤها‪.‬‬
‫ضا عن ابن جريج ‪ :‬كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم ‪ ،‬وأخبرني‬ ‫وقال أي ً‬
‫وب دور مكة ؛ لن ينزل الحاج في‬ ‫أن عمر بن الخطاب كان ينهي عن ُتب ّ‬
‫سَهيل بن عمرو ‪ ،‬فأرسل إليه عمر بن‬ ‫وب داره ُ‬ ‫عََرصاتها ‪ ،‬فكان أول من ب َ ّ‬
‫الخطاب في ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنظرني يا أمير المؤمنين ‪ ،‬إني كنت امرأ تاجرا ‪،‬‬
‫فأردت أن أتخذ بابين يحبسان لي ظهري قال ‪ :‬فذلك إًذا‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد ؛ أن عمر بن‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َ‬
‫الخطاب قال ‪ :‬يا أهل مكة ‪ ،‬ل تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث يشاء‬
‫)‪.(4‬‬
‫واًء‬ ‫س َ‬ ‫مْعمر ‪ ،‬عمن سمع عطاء يقول ]في قوله[ )‪َ } : (5‬‬ ‫قال ‪ :‬وأخبرنا َ‬
‫ف ِفيهِ َوال َْباد ِ { ‪ ،‬قال ‪ :‬ينزلون حيث شاءوا‪.‬‬ ‫ال َْعاك ِ ُ‬
‫جيح ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو موقوفا )‬ ‫وروى الدارقطني من حديث ابن أبي ن َ ِ‬
‫‪ (6‬من أكل كراء بيوت مكة أكل نارا )‪.(7‬‬
‫"وتوسط المام أحمد ]فيما نقله صالح ابنه[ )‪ (8‬فقال ‪ :‬تملك وتورث ول‬
‫تؤجر ‪ ،‬جمعا بين الدلة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬
‫ب أِليم ٍ { قال بعض‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬‫حادٍ ب ِظ ُل ْم ٍ ن ُذِقْ ُ‬ ‫ن ي ُرِد ْ ِفيهِ ب ِإ ِل ْ َ‬‫م ْ‬‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن{‬ ‫ت ِبالد ّهْ ِ‬ ‫المفسرين من أهل العربية ‪ :‬الباء هاهنا زائدة ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ت َن ْب ُ ُ‬
‫حاد ٍ )‪(9‬‬ ‫ْ‬
‫ن ي ُرِد ْ ِفيهِ ب ِإ ِل َ‬ ‫م ْ‬‫ت الدهن ‪ ،‬وكذا قوله ‪ } :‬وَ َ‬ ‫] المؤمنون ‪ [ 20 :‬أي ‪ :‬ت ُن ْب ِ ُ‬
‫{ تقديره إلحاًدا ‪ ،‬وكما قال العشى ‪:‬‬
‫ح الجرد )‪(10‬‬ ‫صري‬
‫ّ َ‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬ ‫جل‬ ‫م َ ِ‬
‫را‬ ‫حنا‪ ...‬بين ال َ‬ ‫ت برزق عيالنا أْرما ُ‬ ‫ضمن َ ْ‬‫َ‬
‫وقال الخر ‪:‬‬
‫شب ََهان‪...‬‬ ‫مْرخ وال ّ‬ ‫فله بال َ‬ ‫س َ‬‫ه‪َ ...‬وأ ْ‬ ‫صد ُْر ُ‬ ‫ث َ‬ ‫ش ّ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ن ي ُْنب ُ‬
‫واد َيما ِ‬ ‫ب َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬جبير" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حيوة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (3107‬وهو مرسل‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬شاء"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مرفوعا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬سنن الدارقطني )‪(2/300‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بإلحاد بظلم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬البيت في تفسير الطبري )‪ (17/103‬غير منسوب‪.‬‬

‫) ‪(5/410‬‬

‫م" ‪ ،‬ولهذا )‪ (1‬عداه بالباء ‪ ،‬فقال ‪} :‬‬ ‫والجود أنه ضمن الفعل هاهنا معنى "ي َهُ ّ‬
‫م فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار‪.‬‬ ‫حاد ٍ ب ِظ ُل ْم ٍ { أي ‪ :‬ي َهُ ّ‬
‫ن ي ُرِد ْ ِفيهِ ب ِإ ِل ْ َ‬
‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫وقوله ‪ } :‬ب ِظلم ٍ { أي ‪ :‬عامدا قاصدا أنه ظلم ليس بمتأول ‪ ،‬كما قال ابن‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫جريج )‪ ، (2‬عن ابن عباس ‪ :‬هو ]التعمد[ )‪.(3‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ب ِظلم ٍ { بشرك‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬أن يعبد فيه غير الله‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫حّرم‬
‫ل من الحرم ما َ‬ ‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ب ِظ ُل ْم ٍ { هو أن َتستح َ‬ ‫وقال العَ ْ‬
‫الله عليك من لسان أو قتل ‪ ،‬فتظلم من ل يظلمك ‪ ،‬وتقتل من ل يقتلك ‪،‬‬
‫ل ذلك فقد وجب ]له[ )‪ (4‬العذاب الليم‪.‬‬ ‫فإذا فَعَ َ‬
‫وقال مجاهد ‪ } :‬ب ِظ ُل ْم ٍ { ‪ :‬يعمل فيه عمل سيئا‪.‬‬
‫وهذا من خصوصية الحرم أنه يعاَقب البادي فيه الشر ‪ ،‬إذا كان عازما عليه ‪،‬‬
‫وإن لم يوقعه ‪ ،‬كما قال ابن أبي حاتم في تفسيره ‪:‬‬
‫دي ‪ :‬أنه‬ ‫س ّ‬‫سَنان ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أنبأنا شعبة ‪ ،‬عن ال ّ‬ ‫حدثنا أحمد بن ِ‬
‫ن ي ُرِْد‬ ‫م‬
‫َ َ ْ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫‪-‬‬ ‫مسعود‬ ‫ابن‬ ‫يعني‬ ‫‪-‬‬ ‫الله‬ ‫عبد‬ ‫عن‬ ‫مّرة يحدث‬ ‫سمع ُ‬
‫ن‪،‬‬‫دن أبي َ‬ ‫جل أراد فيه بإلحاد بظلم ‪ ،‬وهو بعَ َ‬ ‫حادٍ ب ِظ ُل ْم ٍ { قال ‪ :‬لو أن َر ُ‬
‫ِفيهِ ب ِإ ِل ْ َ‬
‫أذاقه )‪ (5‬الله من العذاب الليم‪.‬‬
‫قال شعبة ‪ :‬هو رفعه لنا ‪ ،‬وأنا ل أرفعه لكم‪ .‬قال يزيد ‪ :‬هو قد رفعه ‪ ،‬ورواه‬
‫أحمد ‪ ،‬عن يزيد بن هارون ‪ ،‬به )‪.(6‬‬
‫]قلت ‪ :‬هذا السناد[ )‪ (7‬صحيح على شرط البخاري ‪ ،‬ووقفه أشبه من‬
‫صمم شعبة على وَْقفه من كلم ابن مسعود‪ .‬وكذلك رواه‬ ‫رفعه ؛ ولهذا َ‬
‫مرة ‪ ،‬عن ابن مسعود موقوفا ‪،‬‬ ‫أسباط ‪ ،‬وسفيان الثوري ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن ُ‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫مّرة ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬ما من رجل يهم‬ ‫وقال الثوري ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن ُ‬
‫م أن يقتل رجل بهذا البيت ‪،‬‬ ‫ن هَ ّ‬
‫دن أبي َ‬
‫بسيئة فتكتب عليه ‪ ،‬ولو أن رجل بعَ َ‬
‫مزاحم‪.‬‬‫لذاقه الله من العذاب الليم‪ .‬وكذا قال الضحاك بن ُ‬
‫وقال سفيان ]الثوري[ )‪ ، (8‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد "إلحاد فيه" ‪ ،‬ل والله ‪،‬‬
‫وبلى والله‪ .‬وروي عن مجاهد ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو ‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬ولذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬جرير"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لذاقه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪(1/428‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف‪.‬‬

‫) ‪(5/411‬‬

‫جَبير ‪ :‬شتم الخادم ظلم فما فوَقه‪.‬‬ ‫وقال سعيد بن ُ‬


‫مهَْران ‪ ،‬عن‬ ‫ِ‬ ‫بن‬ ‫ميمون‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫عطاء‬ ‫بن‬ ‫الله‬ ‫عبد‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫الثوري‬ ‫وقال سفيان‬
‫حاد ٍ ب ِظ ُل ْم ٍ { قال ‪ :‬تجارة المير فيه‪.‬‬ ‫ن ي ُرِد ْ ِفيهِ ب ِإ ِل ْ َ‬
‫م ْ‬
‫ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫وعن ابن عمر ‪ :‬بيع الطعام ]بمكة[ )‪ (1‬إلحاد‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫حادٍ ب ِظلم ٍ { قال ‪ :‬المحتكر‬ ‫ْ‬
‫ن ي ُرِد ْ ِفيهِ ب ِإ ِل َ‬ ‫م ْ‬‫وقال حبيب )‪ (2‬بن أبي ثابت ‪ } :‬وَ َ‬
‫بمكة‪ .‬وكذا قال غير واحد‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري ‪ ،‬أنبأنا‬
‫أبو عاصم ‪ ،‬عن جعفر بن يحيى ‪ ،‬عن عمه عمارة بن ثوبان ‪ ،‬حدثني موسى‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫بن باذان ‪ ،‬عن يعلى بن أمية ؛ أن رسو َ‬
‫"احتكار الطعام بمكة إلحاد" )‪.(3‬‬
‫َ‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عبد الله بن ب ُكْير )‪، (4‬‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬حدثني عطاء بن دينار ‪ ،‬حدثني سعيد بن جبير قال ‪ :‬قال‬
‫حادٍ ب ِظ ُل ْم ٍ { قال ‪ :‬نزلت في عبد‬ ‫ن ي ُرِد ْ ِفيهِ ب ِإ ِل ْ َ‬ ‫م ْ‬‫ابن عباس في قول الله ‪ } :‬وَ َ‬
‫الله بن أنيس ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين ‪ ،‬أحدهما‬
‫مهاجر والخر من النصار ‪ ،‬فافتخروا في النساب ‪ ،‬فغضب عبد الله بن‬
‫أنيس ‪ ،‬فقتل النصاريّ ‪ ،‬ثم ارتد عن السلم ‪ ،‬وهََرب إلى مكة ‪ ،‬فنزلت فيه ‪:‬‬
‫حاد ٍ ب ِظ ُل ْم ٍ { يعني ‪ :‬من لجأ إلى الحرم بإلحاد يعني بميل‬ ‫ن ي ُرِد ْ ِفيهِ ب ِإ ِل ْ َ‬‫م ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫عن السلم‪.‬‬
‫هو أعم من‬ ‫ن ُ‬‫وهذه الثار ‪ ،‬وإن دلت على أن هذه الشياء من اللحاد ‪ ،‬ولك ْ‬
‫ذلك ‪ ،‬بل فيها تنبيه على ما هو أغلظ منها ‪ ،‬ولهذا لما هم أصحاب الفيل على‬
‫ل*‬‫جي ٍ‬‫س ّ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫جاَرةٍ ِ‬
‫ح َ‬
‫م بِ ِ‬‫ميهِ ْ‬
‫تخريب البيت أرسل الله عليهم طيًرا أبابيل } ت َْر ِ‬
‫مرهم وجعلهم عبرة‬ ‫ل { ] الفيل ‪ ، [ 5 ، 4 :‬أي ‪ :‬د ّ‬ ‫كو ٍ‬‫مأ ْ ُ‬‫ف َ‬ ‫ص ٍ‬‫م ك َعَ ْ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬‫فَ َ‬
‫ونكال لكل من أراده بسوء ؛ ولذلك ثبت في الحديث أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪" :‬يغزو هذا البيت جيش ‪ ،‬حتى إذا كانوا ببيداء من‬
‫سف بأولهم وآخرهم" الحديث )‪.(5‬‬ ‫خ ِ‬ ‫الرض ُ‬
‫ُ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن كَناسة ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن سعيد ‪ ،‬عن أبيه‬
‫قال ‪ :‬أتى عبد ُ الله بن عمر عبد َ الله بن الزبير ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ابن الزبير ‪ ،‬إياك‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ت رسو َ‬ ‫حَرم الله ‪ ،‬فإني سمع ُ‬ ‫واللحاد في َ‬
‫يقول ‪" :‬إنه سيلحد ُ فيه رجل من قريش ‪ ،‬لو ُتوَزن ذنوبه بذنوب الثقلين‬
‫لرجحت" ‪ ،‬فانظر ل تكن هو )‪.(6‬‬
‫وقال أيضا ]في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص[ )‪ : (7‬حدثنا هاشم ‪،‬‬
‫حدثنا إسحاق بن سعيد ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬جندب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬ورواه أبو داود في السنن برقم )‪ ، (2020‬والفاكهي في تاريخ مكة برقم‬
‫)‪ (1771‬من طريق أبي عاصم به‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬بكر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (2118‬من حديث عائشة رضي الله‬
‫عنها‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪(2/136‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(5/412‬‬

‫ي ِلل ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬


‫ن‬
‫في َ‬‫طائ ِ ِ‬ ‫شي ًْئا وَط َهّ ْْر ب َي ْت ِ َ‬‫ك ِبي َ‬ ‫شرِ ْ‬‫ن َل ت ُ ْ‬‫تأ ْ‬ ‫ن ال ْب َي ْ ِ‬‫كا َ‬ ‫م َ‬‫م َ‬ ‫وَإ ِذ ْ ب َوّأَنا ِل ِب َْرا ِ‬
‫هي َ‬
‫جاًل وَعََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ك رِ َ‬‫ج ي َأُتو َ‬ ‫س ِبال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ن ِفي الّنا ِ‬ ‫جود ِ )‪ (26‬وَأذ ّ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ن َوالّرك ِّع ال ّ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫قائ ِ ِ‬‫َوال ْ َ‬
‫ق )‪(27‬‬ ‫مي ٍ‬ ‫ج عَ ِ‬ ‫ل فَ ّ‬‫ن كُ ّ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫مرٍ ي َأِتي َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫َ‬

‫ن الزبير ‪ ،‬وهو جالس‬ ‫حدثنا سعيد بن عمرو قال ‪ :‬أتى عبد ُ الله بن عمرو اب َ‬
‫جر فقال ‪ :‬يا بن الزبير ‪ ،‬إياك واللحاد َ في الحرم ‪ ،‬فإني أشهد‬ ‫ح ْ‬‫في ال ِ‬
‫ت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬يحلها ويحل به رجل من‬ ‫سمع ُ‬ ‫ل َ‬
‫قريش ‪ ،‬ولو ُوزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها"‪ .‬قال ‪ :‬فانظر ل تكن )‪ (1‬هو‬
‫)‪.(2‬‬
‫ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذين الوجهين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫في َ‬
‫ي ِللطائ ِ ِ‬
‫طهّْر ب َي ْت ِ َ‬ ‫شي ًْئا وَ‬‫ك ِبي َ‬ ‫شرِ ْ‬
‫ن ل تُ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ن ال ْب َي ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫} وَإ ِذ ْ ب َوّأَنا لب َْرا ِ‬
‫هي َ‬
‫جال وَعََلى ك ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ك رِ َ‬ ‫ج ي َأُتو َ‬‫ح ّ‬‫س ِبال ْ َ‬
‫ن ِفي الّنا ِ‬‫جود ِ )‪ (26‬وَأذ ّ ْ‬ ‫ن َوالّرك ِّع ال ّ‬
‫س ُ‬ ‫مي َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫قائ ِ ِ‬
‫ن كُ ّ‬ ‫ْ‬
‫ق )‪.{ (27‬‬ ‫مي ٍ‬ ‫ج عَ ِ‬ ‫ل فَ ّ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫مرٍ ي َأِتي َ‬ ‫ضا ِ‬‫َ‬
‫هذا فيه تقريع وتوبيخ لمن عبد غير الله ‪ ،‬وأشرك به من قريش ‪ ،‬في البقعة‬
‫ت من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده ل شريك له ‪ ،‬فذكر‬ ‫س ْ‬ ‫التي أس ّ‬
‫ن البيت ‪ ،‬أي ‪ :‬أرشده إليه ‪ ،‬وسلمه له ‪ ،‬وأذن له‬ ‫َ‬ ‫مكا‬ ‫إبراهيم‬ ‫بوأ‬ ‫تعالى أنه َ‬
‫في بنائه‪.‬‬
‫واستدل به كثير ممن قال ‪" :‬إن إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬هو أول من بنى‬
‫البيت العتيق ‪ ،‬وأنه لم يبن قبله" ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح )‪ (3‬عن أبي ذر قلت‬
‫‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أي مسجد ُوضعَ أول ؟ قال ‪" :‬المسجد الحرام"‪ .‬قلت ‪ :‬ثم‬
‫أي ؟ قال ‪" :‬بيت المقدس"‪ .‬قلت كم بينهما ؟ قال ‪" :‬أربعون سنة" )‪.(4‬‬
‫دى‬ ‫كا وَهُ ً‬ ‫مَباَر ً‬
‫ة ُ‬ ‫ذي ب ِب َك ّ َ‬ ‫س ل َل ّ ِ‬ ‫ضعَ ِللّنا ِ‬‫ت وُ ِ‬ ‫ن أ َوّ َ‬
‫ل ب َي ْ ٍ‬ ‫وقد قال الله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫هيم { الية ] آل عمران ‪، [ 97 ، 96 :‬‬ ‫م إ ِب َْرا ِ‬‫قا ُ‬ ‫م َ‬‫ت َ‬ ‫ت ب َي َّنا ٌ‬ ‫ن‪ِ .‬فيهِ آَيا ٌ‬ ‫مي َ‬ ‫ل ِل َْعال َ ِ‬
‫ي ِلل ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫في َ‬ ‫طائ ِ ِ‬ ‫ن ط َهَّرا ب َي ْت ِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫عي َ‬
‫ما ِ‬
‫س َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬‫وقال تعالى ‪ } :‬وَعَهِد َْنا إ َِلى إ ِب َْرا ِ‬
‫جود ِ { ] البقرة ‪.[ 125 :‬‬ ‫س ُ‬ ‫ن َوالّرك ِّع ال ّ‬ ‫في َ‬ ‫َوال َْعاك ِ ِ‬
‫وقد قدمنا ذكر ما ورد في بناء البيت من الصحاح والثار ‪ ،‬بما أغنى عن‬
‫إعادته هاهنا )‪.(5‬‬
‫ن ل ت ُشرِك ِبي { أي ‪ :‬اْبنه على اسمي وحدي ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وقال تعالى هاهنا ‪ } :‬أ ْ‬
‫ن‬ ‫مي‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ئ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ن‬
‫ِِ َ َ‬ ‫في‬ ‫ئ‬ ‫طا‬‫ّ‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫الشرك‬ ‫من‬ ‫‪:‬‬ ‫وقتادة‬ ‫مجاهد‬ ‫ي { قال‬ ‫} وَط َهّْر ب َي ْت ِ َ‬
‫جودِ { أي ‪ :‬اجعله خالصا لهؤلء الذين يعبدون الله وحده ل شريك‬ ‫س ُ‬ ‫َوالّرك ِّع ال ّ‬
‫له‪.‬‬
‫فالطائف به معروف ‪ ،‬وهو أخص العبادات عند البيت ‪ ،‬فإنه ل يفعل ببقعة من‬
‫ن { أي ‪ :‬في الصلة ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬والّرك ِّع‬ ‫مي َ‬ ‫قائ ِ ِ‬ ‫الرض سواها ‪َ } ،‬وال ْ َ‬
‫جود ِ { فقرن الطواف بالصلة ؛ لنهما ل يشرعان إل مختصين بالبيت ‪،‬‬ ‫س ُ‬ ‫ال ّ‬
‫فالطواف عنده ‪ ،‬والصلة إليه في غالب الحوال ‪ ،‬إل ما استثني من الصلة‬
‫عند اشتباه القبلة وفي الحرب ‪ ،‬وفي النافلة في السفر ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ل يكون" وفي ف ‪" :‬ل تكون"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(21912‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬الصحيحين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (3366‬وصحيح مسلم برقم )‪(520‬‬
‫)‪ (5‬انظر تفسير الية ‪ 125 :‬من سورة البقرة‪.‬‬

‫) ‪(5/413‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ما َرَزقَهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ت عََلى َ‬ ‫معُْلو َ‬
‫ما ٍ‬ ‫م الل ّهِ ِفي أّيام ٍ َ‬ ‫س َ‬ ‫مَنافِعَ ل َهُ ْ‬
‫م وَي َذ ْك ُُروا ا ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫شهَ ُ‬‫ل ِي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫فث َهُ ْ‬
‫ضوا ت َ َ‬‫ق ُ‬ ‫قيَر )‪ (28‬ث ُ ّ‬
‫م لي َ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫س ال َ‬‫موا الَبائ ِ َ‬ ‫من َْها وَأطعِ ُ‬ ‫مةِ الن َْعام ِ فَك ُلوا ِ‬ ‫ب َِهي َ‬
‫ق )‪(29‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م وَلي َطوُّفوا ِبالب َي ْ ِ‬ ‫وَل ُْيوُفوا ن ُ ُ‬
‫ت العَِتي ِ‬ ‫ذوَرهُ ْ‬
‫َ‬
‫ج { أي ‪ :‬ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج‬ ‫س ِبال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأذ ّ ْ‬
‫ن ِفي الّنا ِ‬
‫ذكر أنه قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وكيف أبلغ الناس‬ ‫إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه‪ .‬فَ ُ‬
‫وصوتي ل ينفذهم ؟ فقيل ‪ :‬ناد وعلينا البلغ‪.‬‬
‫فقام على مقامه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬على الحجر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬على الصفا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬على‬
‫أبي قَُبيس ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه ‪ ،‬فيقال ‪ :‬إن‬
‫من في الرحام‬ ‫مع َ َ‬
‫الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الرض ‪ ،‬وأس َ‬
‫در وشجر ‪ ،‬ومن كتب الله‬ ‫م َ‬ ‫جر و َ‬ ‫ح َ‬‫والصلب ‪ ،‬وأجابه كل شيء سمعه من َ‬
‫أنه يحج إلى يوم القيامة ‪" :‬لبيك اللهم لبيك"‪.‬‬
‫جَبير ‪،‬‬ ‫هذا مضمون ما روي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫وغير واحد من السلف ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ولة )‪.(2) (1‬‬
‫ْ‬ ‫مط َ ّ‬ ‫جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ُ‬ ‫أوردها ابن َ‬
‫ل‬‫ق { قد َيستد ّ‬ ‫مي ٍ‬ ‫ج عَ ِ‬ ‫ل فَ ّ‬‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مرٍ ي َأِتي َ‬ ‫ضا ِ‬‫ل َ‬ ‫جال وَعََلى ك ُ ّ‬ ‫ك رِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َأ ُْتو َ‬
‫ل‬‫بهذه الية من ذهب من العلماء إلى أن الحج ماشيا ‪ ،‬لمن قدر عليه ‪ ،‬أفض ُ‬
‫من الحج راكبا ؛ لنه قدمهم في الذكر ‪ ،‬فدل على الهتمام بهم وقوة هممهم‬
‫وشدة عزمهم ‪ ،‬والذي عليه الكثرون أن الحج راكبا أفضل ؛ اقتداء برسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإنه حج راكبا مع كمال قوته ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫ْ‬
‫جا‬
‫جا ً‬ ‫جعَل َْنا ِفيَها فِ َ‬ ‫ج { يعني ‪ :‬طريق ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ل فَ ّ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َأِتي َ‬
‫سُبل { ] النبياء ‪.[ 31 :‬‬ ‫ُ‬
‫ق { أي ‪ :‬بعيد‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬ ‫مي ٍ‬ ‫وقوله ‪ } :‬عَ ِ‬
‫ومقاتل بن حيان ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫جعَلْ‬ ‫َ‬
‫وهذه الية كقوله تعالى إخبارا عن إبراهيم ‪ ،‬حيث قال في دعائه ‪ } :‬فا ْ‬
‫َ‬
‫م { ] إبراهيم ‪ [ 37 :‬فليس أحد من أهل السلم‬ ‫وي إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫س ت َهْ ِ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫أفْئ ِد َة ً ِ‬
‫إل وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف ‪ ،‬فالناس يقصدونها من سائر الجهات‬
‫والقطار‪.‬‬
‫َ‬
‫ما َرَزقَهُ ْ‬
‫م‬ ‫ت عََلى َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫معُْلو َ‬
‫م الل ّهِ ِفي أّيام ٍ َ‬ ‫م وَي َذ ْك ُُروا ا ْ‬
‫س َ‬ ‫مَنافِعَ ل َهُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫شهَ ُ‬‫} ل ِي َ ْ‬
‫م ل ْي َ ْ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫فث َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ضوا ت َ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫قيَر )‪ (28‬ث ُ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫موا ال َْبائ ِ َ‬ ‫من َْها وَأط ْعِ ُ‬ ‫مةِ الن َْعام ِ فَك ُُلوا ِ‬ ‫ن ب َِهي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ق )‪.{ (29‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م وَلي َطوُّفوا ِبالب َي ْ ِ‬‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫وَلُيوُفوا ن ُ ُ‬ ‫ْ‬
‫ت العَِتي ِ‬ ‫ذوَرهُ ْ‬
‫م { قال ‪ :‬منافع الدنيا والخرة ؛ أما‬ ‫َ‬
‫مَنافِعَ لهُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫قال ابن عباس ‪ } :‬ل ِي َ ْ‬
‫دن‬ ‫منافع الخرة فرضوان الله ‪ ،‬وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع الب ُ ْ‬
‫والربح )‪ (3‬والتجارات‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬إنها منافع الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ل َيس عَل َيك ُم جنا َ‬
‫م { ] البقرة ‪:‬‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬‫ضل ِ‬ ‫ن ت َب ْت َُغوا فَ ْ‬ ‫حأ ْ‬ ‫ْ ْ ُ َ ٌ‬ ‫ْ َ‬
‫‪.[ 198‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬بطوله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(17/106‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والذبائح"‪.‬‬

‫) ‪(5/414‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ت [ )‪ (1‬عََلى َ‬
‫ما َرَزقَهُ ْ‬ ‫معُْلو َ‬
‫ما ٍ‬ ‫م الل ّهِ ] ِفي أّيام ٍ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َذ ْك ُُروا ا ْ‬
‫س َ‬
‫شْيم[ )‪ (2‬عن ]أبي بشر عن سعيد[ )‪ (3‬عن‬ ‫مةِ الن َْعام ِ { قال شعبة ]وهُ َ‬ ‫ب َِهي َ‬
‫ابن عباس ‪ :‬اليام المعلومات ‪ :‬أيام العشر ‪ ،‬وعلقه البخاري عنه بصيغة‬
‫الجزم به )‪ .(4‬ويروى مثله عن أبي موسى الشعري ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪،‬‬
‫وسعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪،‬‬
‫وإبراهيم الّنخعي‪ .‬وهو مذهب الشافعي ‪ ،‬والمشهور عن أحمد بن حنبل‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا محمد بن عَْرعََرة ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن سليمان ‪ ،‬عن‬
‫طين ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى الله‬ ‫مسلم الب َ ِ‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬ما العمل في أيام أفضل منها في هذه" قالوا ‪ :‬ول الجهاد‬
‫في سبيل الله ؟ قال ‪" :‬ول الجهاد في سبيل الله ‪ ،‬إل رجل ‪ ،‬يخرج يخاطر‬
‫بنفسه وماله فلم يرجع بشيء"‪.‬‬
‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وابن ماجه )‪ .(5‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حديث حسن غريب صحيح‪ .‬وفي الباب عن ابن عمر ‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬وعبد‬
‫الله بن عمرو ‪ ،‬وجابر‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد تقصيت هذه الطرق ‪ ،‬وأفردت لها جزًءا على حدته )‪ ، (6‬فمن‬
‫وانة ‪ ،‬عن يزيد بن أبي‬ ‫فان ‪ ،‬أنبأنا أبو عَ َ‬ ‫ذلك ما قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عَ ّ‬
‫زياد ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ل فيهن ‪ ،‬من هذه اليام‬ ‫‪" :‬ما من أيام أعظم عند الله ول أحب إليه العم ُ‬
‫العشر ‪ ،‬فأكثروا فيهم من التهليل والتكبير والتحميد" )‪ (7‬وروي من وجه‬
‫آخر ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬بنحوه )‪ .(8‬وقال البخاري ‪ :‬وكان ابن‬
‫عمر ‪ ،‬وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر ‪ ،‬فيكبران ويكبر‬
‫الناس بتكبيرهما )‪.(9‬‬
‫وقد روى أحمد عن جابر مرفوعا ‪ :‬أن هذا هو العشر الذي أقسم الله به في‬
‫شرٍ { ] الفجر ‪.(10) [ 2 ، 1 :‬‬ ‫ل عَ ْ‬‫جرِ وَل ََيا ٍ‬ ‫قوله ‪َ } :‬وال ْ َ‬
‫ف ْ‬
‫شرٍ { ] العراف ‪:‬‬‫ها ب ِعَ ْ‬‫مَنا َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬إنه المراد بقوله ‪ } :‬وَأت ْ َ‬
‫‪.[ 142‬‬
‫وفي سنن أبي داود ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذا‬
‫العشر )‪.(11‬‬
‫وهذا العشر مشتمل على يوم عرفة الذي ثبت في صحيح مسلم عن أبي‬
‫قتادة قال ‪ :‬سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والتية" )‪.(12‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري )‪" (2/457‬فتح"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (969‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2438‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪ (757‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(1727‬‬
‫)‪ (6‬سماه ‪" :‬الحاديث الواردة في فضل اليام العشرة من ذي الحجة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(2/75‬‬
‫)‪ (8‬رواه أبو عوانة ‪ -‬كما في إرواء الغليل )‪ (39813‬عن الحافظ ابن حجر ‪-‬‬
‫من طريق موسى بن أبي عائشة عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري )‪" (2/457‬فتح"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪.(3/327‬‬
‫)‪ (11‬سنن أبي داود برقم )‪.(2437‬‬
‫)‪ (12‬صحيح مسلم برقم )‪ (1162‬من حديث أبي قتادة رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(5/415‬‬

‫ويشتمل على يوم النحر الذي هو يوم الحج الكبر ‪ ،‬وقد ورد في حديث أنه‬
‫أفضل اليام عند الله )‪.(1‬‬
‫وبالجملة ‪ ،‬فهذا العشر قد قيل ‪ :‬إنه أفضل أيام السنة ‪ ،‬كما نطق به‬
‫الحديث ‪ ،‬ففضله كثير على عشر رمضان الخير ؛ لن هذا يشرع فيه ما‬
‫يشرع في ذلك ‪ ،‬من صيام وصلة وصدقة وغيره ‪ ،‬ويمتاز هذا باختصاصه بأداء‬
‫فرض الحج فيه‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬ذاك أفضل لشتماله على ليلة القدر ‪ ،‬التي هي خير من ألف شهر‪.‬‬
‫وتوسط آخرون فقالوا ‪ :‬أيام هذا أفضل ‪ ،‬وليالي ذاك أفضل‪ .‬وبهذا يجتمع‬
‫شمل الدلة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫سم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬ ‫ق َ‬
‫م ْ‬‫قول ثان في اليام المعلومات ‪ :‬قال الحكم ‪ ،‬عن ِ‬
‫اليام المعلومات ‪ :‬يوم النحر وثلثة أيام بعده‪ .‬ويروى هذا عن ابن عمر ‪،‬‬
‫خعي ‪ ،‬وإليه ذهب أحمد بن حنبل في رواية عنه‪.‬‬ ‫وإبراهيم الن ّ َ‬
‫قول ثالث ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن المديني ‪ ،‬حدثنا‬
‫جلن ‪ ،‬حدثني نافع ؛ أن ابن عمر كان يقول ‪:‬‬ ‫يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا ابن عَ ْ‬
‫اليام المعلومات والمعدودات هن جميعهن أربعة أيام ‪ ،‬فاليام المعلومات‬
‫يوم النحر ويومان بعده ‪ ،‬واليام المعدودات ثلثة أيام يوم النحر‪.‬‬
‫هذا إسناد صحيح إليه ‪ ،‬وقاله )‪ (2‬السدي ‪ :‬وهو مذهب المام مالك بن أنس ‪،‬‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫ن ب َِهي َ‬
‫م ْ‬ ‫ما َرَزقَهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ويعضد هذا القول والذي قبله قوله تعالى ‪ } :‬عََلى َ‬
‫الن َْعام ِ { يعني به ‪ :‬ذكر الله عند ذبحها‪.‬‬
‫قول رابع ‪ :‬إنها يوم عرفة ‪ ،‬ويوم النحر ‪ ،‬ويوم آخر بعده‪ .‬وهو مذهب أبي‬
‫حنيفة‪.‬‬
‫وقال ابن وهب ‪ :‬حدثني )‪ (3‬ابن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبيه أنه قال ‪ :‬المعلومات‬
‫يوم عرفة ‪ ،‬ويوم النحر ‪ ،‬وأيام التشريق‪.‬‬
‫مةِ الن َْعام ِ { يعني ‪ :‬البل والبقر والغنم ‪،‬‬ ‫ن ب َِهي َ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما َرَزقَهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬عََلى َ‬
‫َ‬
‫ة أْزَواٍج { الية ] النعام ‪:‬‬ ‫كما فصلها تعالى في سورة النعام وأنها } ث َ َ‬
‫مان ِي َ َ‬
‫‪.[ 143‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قيَر { استدل بهذه الية من ذهب‬ ‫ف ِ‬
‫س ال َ‬
‫موا الَبائ ِ َ‬ ‫من َْها وَأطعِ ُ‬ ‫وقوله } فَكلوا ِ‬
‫إلى وجوب الكل من الضاحي وهو قول غريب ‪ ،‬والذي عليه الكثرون أنه‬
‫من باب الرخصة أو الستحباب ‪ ،‬كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ ‪ ،‬فأكل من لحمها ‪ ،‬وحسا‬
‫من مرقها )‪.(4‬‬
‫وقال عبد الله بن وهب ‪] :‬قال لي مالك ‪ :‬أحب أن يأكل من أضحيته ؛ لن‬
‫من َْها { ‪ :‬قال ابن وهب[ )‪ (5‬وسألت الليث ‪ ،‬فقال لي‬ ‫الله يقول ‪ } :‬فَك ُُلوا ِ‬
‫مثل ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه أحمد في المسند )‪ (4/350‬وأبو داود في السنن برقم )‪ (1765‬من‬
‫حديث عبد الله بن قرط رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وقال ابن وهب وحدثني"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (1218‬من حديث جابر رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(5/416‬‬

‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ } :‬فَك ُُلوا ِ‬


‫من َْها { قال ‪ :‬كان‬
‫المشركون ل يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين ‪ ،‬فمن شاء أكل ‪ ،‬ومن‬
‫شاء لم يأكل‪ .‬وروي عن مجاهد ‪ ،‬وعطاء نحو ذلك‪.‬‬
‫من َْها { ‪ :‬هي كقوله ‪:‬‬ ‫صين ‪ ،‬عن مجاهد في قوله } فَك ُُلوا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫شْيم ‪ ،‬عن ُ‬ ‫قال هُ َ‬
‫صلةُ‬ ‫ت )‪ (1‬ال ّ‬ ‫ضي َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صطاُدوا { ] المائدة ‪ } ، [ 2 :‬فإ َِذا ق ِ‬ ‫َ‬ ‫م فا ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حللت ُ ْ‬ ‫} وَإ َِذا َ‬
‫ض { ] الجمعة ‪.[ 10 :‬‬ ‫شُروا ِفي الْر ِ‬ ‫َفان ْت َ ِ‬
‫وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره ‪ ،‬واستدل من نصر القول بأن الضاحي‬
‫َ‬
‫موا ال َْبائ ِ َ‬
‫س‬ ‫من َْها وَأط ْعِ ُ‬ ‫يتصدق منها بالنصف بقوله في هذه الية ‪ } :‬فَك ُُلوا ِ‬
‫قيَر { ‪ ،‬فجزأها نصفين ‪ :‬نصف للمضحي ‪ ،‬ونصف للفقراء‪.‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫والقول الخر ‪ :‬أنها تجزأ ثلثة أجزاء ‪ :‬ثلث له ‪ ،‬وثلث يهديه ‪ ،‬وثلث يتصدق‬
‫َ‬
‫معْت َّر { ] الحج ‪:‬‬ ‫قان ِعَ َوال ْ ُ‬ ‫موا ال ْ َ‬ ‫من َْها وَأط ْعِ ُ‬ ‫به ؛ لقوله في الية الخرى ‪ } :‬فَك ُُلوا ِ‬
‫‪ [ 36‬وسيأتي الكلم عليها عندها ‪ ،‬إن شاء الله ‪ ،‬وبه الثقة‪.‬‬
‫قيَر { ‪ ،‬قال عكرمة ‪ :‬هو المضطر الذي عليه البؤس ‪،‬‬ ‫ف ِ‬‫س ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ال َْبائ ِ َ‬
‫]والفقير[ )‪ (2‬المتعفف‪.‬‬
‫من‪ .‬وقال مقاتل‬ ‫وقال مجاهد ‪ :‬هو الذي ل يبسط يده‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هو الّز ِ‬
‫بن حيان ‪ :‬هو الضرير‪.‬‬
‫م { ‪ :‬قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هو‬ ‫فث َهُ ْ‬
‫ضوا ت َ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ل ْي َ ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫وضع ]الحرام[ )‪ (3‬من حلق الرأس ولبس الثياب وقص الظفار ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وهكذا روى عطاء ومجاهد ‪ ،‬عنه‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬ومحمد بن كعب‬
‫قَرظي‪.‬‬ ‫ال ُ‬
‫م { قال ‪ :‬التفث ‪:‬‬ ‫فث َهُ ْ‬
‫ضوا ت َ َ‬ ‫م ل ْي َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫وقال عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫المناسك‪.‬‬
‫م { ‪ ،‬قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬ ‫ذوَرهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ُْيوُفوا ن ُ ُ‬
‫يعني ‪ :‬نحر ما نذر من أمر الُبدن‪.‬‬
‫م { ‪ (4) :‬نذر الحج‬ ‫ذوَرهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ } :‬وَلُيوُفوا ن ُ ُ‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫والهدي وما نذر النسان من شيء يكون في الحج‪.‬‬
‫م { قال ‪ :‬الذبائح‪.‬‬ ‫ذوَرهُ ْ‬ ‫سَرة ‪ ،‬عن مجاهد ‪ } :‬وَل ُْيوُفوا ن ُ ُ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫وقال إبراهيم بن َ‬
‫م { كل نذر إلى‬ ‫ذوَرهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ } :‬وَلُيوُفوا ن ُ ُ‬
‫أجل‪.‬‬
‫م { ‪ ،‬قال ‪ ] :‬حجهم‪.‬‬ ‫ذوَرهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫وقال عكرمة ‪ } :‬وَلُيوفوا ن ُ ُ‬
‫وكذا روى المام ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا‬
‫م { قال ‪ (5) [ :‬نذر الحج ‪ ،‬فكل من دخل‬ ‫ذوَرهُ ْ‬‫سفيان في قوله ‪ } :‬وَل ُْيوُفوا ن ُ ُ‬
‫الحج فعليه من العمل فيه ‪ :‬الطواف بالبيت‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬قضيتم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ"‪.‬‬

‫) ‪(5/417‬‬

‫وبين الصفا والمروة ‪ ،‬وعرفة ‪ ،‬والمزدلفة ‪ ،‬ورمي الجمار ‪ ،‬على ما أمروا به‪.‬‬
‫وروي عن مالك نحو هذا‪.‬‬
‫ق { ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬يعني ‪ :‬الطواف الواجب‬ ‫ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ْي َط ّوُّفوا ِبال ْب َي ْ ِ‬
‫ت العَِتي ِ‬
‫يوم النحر‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪،‬‬
‫عن أبي حمزة قال ‪ :‬قال لي ابن عباس ‪ :‬أتقرأ سورة الحج ؟ يقول )‪(1‬‬
‫ق { ‪ ،‬فإن آخر المناسك الطواف بالبيت‪.‬‬ ‫الله ‪ } :‬وَل ْي َط ّوُّفوا ِبال ْب َي ْ ِ ْ‬
‫ت العَِتي ِ‬
‫قلت ‪ :‬وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإنه لما رجع إلى منى‬
‫يوم النحر بدأ يرمي الجمرة ‪ ،‬فرماها بسبع حصيات ‪ ،‬ثم نحر هديه ‪ ،‬وحلق‬
‫رأسه ‪ ،‬ثم أفاض فطاف بالبيت‪ .‬وفي الصحيح عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬أمر‬
‫الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف ‪ ،‬إل أنه خفف عن المرأة‬
‫الحائض )‪.(2‬‬
‫ق { ‪ :‬فيه مستدل لمن ذهب إلى أنه يجب الطواف‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت العَِتي ِ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬بالب َي ْ ِ‬
‫من وراء الحجر ؛ لنه من أصل )‪ (3‬البيت الذي بناه إبراهيم ‪ ،‬وإن كانت‬
‫قريش قد أخرجوه من البيت ‪ ،‬حين قصرت بهم النفقة ؛ ولهذا طاف رسول‬
‫جر ‪ ،‬وأخبر أن الحجر من البيت ‪ ،‬ولم‬ ‫ح ْ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم من وراء ال ِ‬
‫يستلم الركنين الشاميين ؛ لنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم العتيقة ؛ ولهذا‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫جر ‪،‬‬ ‫ح ْ‬‫دني ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن هشام بن ُ‬ ‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر العَ َ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫عن رجل ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ } :‬وَلي َطوّفوا ِبالب َي ْ ِ‬
‫ق { ‪ ،‬طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه )‪.(4‬‬ ‫ْ‬
‫العَِتي ِ‬
‫ق{‬ ‫وقال قتادة ‪ ،‬عن الحسن البصري في قوله ‪ } :‬وَل ْي َط ّوُّفوا ِبال ْب َي ْ ِ ْ‬
‫ت العَِتي ِ‬
‫]قال[ )‪ : (5‬لنه أول بيت وضع للناس‪ .‬وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم‪.‬‬
‫وعن عكرمة أنه قال ‪ :‬إنما سمي البيت العتيق ؛ لنه أعتق يوم الغرق زمان‬
‫نوح‪.‬‬
‫صيف ‪ :‬إنما سمي البيت العتيق ؛ لنه لم يظهر عليه جبار قط‪.‬‬ ‫خ ِ‬
‫وقال َ‬
‫جيح وليث عن مجاهد ‪ :‬أعتق من الجبابرة أن يسلطوا عليه‪.‬‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫وكذا قال قتادة‪.‬‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن الحسن بن مسلم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬لنه‬
‫رده أحد بسوء إل هلك‪.‬‬ ‫لم ي ُ ِ‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن ابن الزبير قال ‪ :‬إنما سمي‬ ‫معْ َ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َ‬
‫البيت العتيق ؛ لن الله أعتقه من الجبابرة )‪.(6‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حدثنا محمد بن إسماعيل وغير واحد ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن‬
‫صالح ‪ ،‬أخبرني‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فيقول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (329‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1328‬من حديث‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬داخل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه ابن مردوية في تفسيره كما في الدر المنثور )‪.(6/41‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير عبد الرزاق )‪.(2/32‬‬

‫) ‪(5/418‬‬
‫م إ ِّل َ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫م اْلن َْعا ُ‬
‫ت ل َك ُ ُ‬
‫حل ّ ْ‬‫عن ْد َ َرب ّهِ وَأ ُ ِ‬
‫ه ِ‬‫خي ٌْر ل َ ُ‬‫ت الل ّهِ فَهُوَ َ‬ ‫ما ِ‬
‫حُر َ‬
‫م ُ‬ ‫ن ي ُعَظ ّ ْ‬‫م ْ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك وَ َ‬
‫َ‬
‫ل الّزورِ )‪(30‬‬ ‫جت َن ُِبوا قَوْ َ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫ن اْلوَْثا ِ‬ ‫م َ‬‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫جت َن ُِبوا الّر ْ‬ ‫ي ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م َفا ْ‬

‫الليث ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن خالد ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن محمد بن عروة ‪،‬‬
‫عن عبد الله بن الزبير قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنما‬
‫سمي البيت العتيق ؛ لنه لم يظهر عليه جبار"‪.‬‬
‫وكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن محمد بن سهل النجاري )‪ ، (1‬عن عبد الله بن‬
‫حا وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن‬ ‫صالح ‪ ،‬به )‪ .(2‬وقال ‪ :‬إن كان صحي ً‬
‫غريب ‪ ،‬ثم رواه من وجه آخر عن الزهري ‪ ،‬مرسل )‪.(3‬‬
‫ما‬
‫م ِإل َ‬
‫م الن َْعا ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت لك ُ‬ ‫ّ‬
‫حل ْ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ وَأ ُ ِ‬
‫ه ِ‬‫خي ٌْر ل َ ُ‬
‫ت الل ّهِ فَهُوَ َ‬
‫ما ِ‬‫حُر َ‬
‫م ُ‬‫ن ي ُعَظ ّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫} ذ َل ِ َ‬
‫ل الّزورِ )‪{ (30‬‬ ‫جت َن ُِبوا قَوْ َ‬‫ن َوا ْ‬ ‫ن الوَْثا ِ‬‫م َ‬‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫م َفا ْ‬
‫جت َن ُِبوا الّر ْ‬ ‫ي ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬المحاربي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي برقم )‪ (3170‬وفيه "هذا حديث حسن صحيح" وأظنه‬
‫خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (2654‬وصحيح مسلم برقم )‪.(87‬‬

‫) ‪(5/419‬‬

‫خط َ ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ف ُ‬ ‫ماِء فَت َ ْ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫خّر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَك َأن ّ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب ِهِ وَ َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فاَء ل ِل ّهِ غَي َْر ُ‬ ‫حن َ َ‬ ‫ُ‬
‫ق )‪(31‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حي ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مكا ٍ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫وي ب ِهِ الّري ُ‬ ‫الطي ُْر أوْ ت َهْ ِ‬
‫َ‬
‫ماِء‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خّر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَك َأن ّ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب ِهِ وَ َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فاَء ل ِل ّهِ غَي َْر ُ‬ ‫حن َ َ‬ ‫} ُ‬
‫ق )‪.{ (31‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فَت َ ْ‬
‫حي ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫وي ب ِهِ الّري ُ‬ ‫ه الطي ُْر أوْ ت َهْ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫خط ُ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬هذا الذي أمرنا به من الطاعات في أداء المناسك ‪ ،‬وما لفاعلها‬
‫من الثواب الجزيل‪.‬‬
‫ت اللهِ { أي ‪ :‬ومن يجتنب معاصيه ومحارمه ويكون‬ ‫ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫حُر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُعَظ ّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ { أي ‪ :‬فله على ذلك خير‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر ل ُ‬ ‫ارتكابها عظيما في نفسه ‪ } ،‬فَهُوَ َ‬
‫كثير وثواب جزيل ‪ ،‬فكما على فعل الطاعات ثواب جزيل وأجر كبير ‪ ،‬وكذلك‬
‫على ترك المحرمات و]اجتناب[ )‪ (1‬المحظورات‪.‬‬
‫ت اللهِ { قال‬ ‫ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫حُر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُعَظ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫قال ابن جريج ‪ :‬قال مجاهد في قوله ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫‪ :‬الحرمة ‪ :‬مكة والحج والعمرة ‪ ،‬وما نهى الله عنه من معاصيه كلها‪ .‬وكذا‬
‫قال ابن زيد‪.‬‬
‫ُ‬
‫م { أي ‪ :‬أحللنا )‪ (2‬لكم جميع‬ ‫ما ي ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ِإل َ‬ ‫م الن َْعا ُ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫حل ّ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ِ‬
‫النعام ‪ ،‬وما جعل الله من بحيرة ‪ ،‬ول سائبة ‪ ،‬ول وصيلة ‪ ،‬ول حام‪.‬‬
‫ر‬
‫خنزي ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫ح ُ‬‫م وَل َ ْ‬ ‫ة َوالد ّ ُ‬ ‫مي ْت َ ُ‬‫م { أي ‪ :‬من تحريم } ال ْ َ‬ ‫ما ي ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬إل َ‬
‫ما أك َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ما أ ُهِ ّ‬
‫ل‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ح ُ‬‫طي َ‬ ‫ة َوالن ّ ِ‬ ‫مت ََرد ّي َ ُ‬ ‫موُْقوذ َة ُ َوال ُ‬ ‫ة َوال َ‬ ‫ق ُ‬‫خن ِ َ‬ ‫من ْ َ‬‫ل ل ِغَي ْرِ اللهِ ب ِهِ َوال ُ‬ ‫وَ َ‬
‫م[ )‪ { (3‬الية ] المائدة ‪ ، [ 3 :‬قال ذلك ابن جرير ‪ ،‬وحكاه‬ ‫ما ذ َك ّي ْت ُ ْ‬ ‫سب ُعُ ]ِإل َ‬ ‫ال ّ‬
‫عن قتادة‪.‬‬
‫ل الّزورِ { ‪" :‬من" هاهنا‬ ‫جت َن ُِبوا قَوْ َ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫ن الوَْثا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫جت َن ُِبوا الّر ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فا ْ‬
‫لبيان الجنس ‪ ،‬أي ‪ :‬اجتنبوا الرجس الذي هو الوثان‪ .‬وقرن الشرك بالله )‪(4‬‬
‫ن‬‫ما ب َط َ َ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ي ال ْ َ‬‫م َرب ّ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫بقول الزور ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قولوا‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫سلطاًنا وَأ ْ‬ ‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫م ُينز ْ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫شرِكوا ِباللهِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫حقّ وَأ ْ‬ ‫ي ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫م َوال ْب َغْ َ‬ ‫َوالث ْ َ‬
‫ن { ] العراف ‪ ، [ 33 :‬ومنه شهادة الزور‪ .‬وفي‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫عََلى الل ّهِ َ‬
‫الصحيحين عن أبي ب َك َْرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أل‬
‫أنبئكم بأكبر الكبائر ؟" قلنا ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا رسول الله‪ .‬قال ‪" :‬الشراك بالله‬
‫وعقوق الوالدين ‪ -‬وكان متكئا فجلس ‪ ،‬فقال ‪ - :‬أل وقول الزور ‪ ،‬أل وشهادة‬
‫الزور"‪ .‬فما زال يكررها ‪ ،‬حتى قلنا ‪ :‬ليته سكت )‪.(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أحلت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬به"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (2654‬وصحيح مسلم برقم )‪.(87‬‬

‫) ‪(5/419‬‬

‫مَنافِعُ إ َِلى‬ ‫ب )‪ (32‬ل َك ُ ْ‬


‫م ِفيَها َ‬ ‫قُلو ِ‬
‫وى ال ْ ُ‬
‫ق َ‬
‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫شَعائ َِر الل ّهِ فَإ ِن َّها ِ‬‫م َ‬‫ن ي ُعَظ ّ ْ‬‫م ْ‬‫ك وَ َ‬‫ذ َل ِ َ‬
‫حل َّها إ َِلى ال ْب َي ْ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ق )‪(33‬‬ ‫ت العَِتي ِ‬ ‫م ِ‬
‫م َ‬‫مى ث ُ ّ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬‫ج ٍ‬‫أ َ‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ‪ ،‬أنبأنا سفيان بن زياد ‪،‬‬
‫عن فاتك بن فضالة ‪ ،‬عن أيمن بن خريم قال ‪ :‬قام رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم خطيًبا فقال ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬عدلت شهادة الزور إشراكا بالله"‬
‫ل الّزورِ {‬ ‫جت َن ُِبوا قَوْ َ‬
‫ن َوا ْ‬‫ن الوَْثا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫جت َن ُِبوا الّر ْ‬‫ثلثا ‪ ،‬ثم قرأ ‪َ } :‬فا ْ‬
‫وهكذا رواه الترمذي ‪ ،‬عن أحمد بن منيع ‪ ،‬عن مروان بن معاوية ‪ ،‬به )‪ (1‬ثم‬
‫قال ‪" :‬غريب ‪ ،‬إنما نعرفه من حديث سفيان بن زياد‪ .‬وقد اختلف عنه في‬
‫رواية هذا الحديث ‪ ،‬ول نعرف ليمن بن خريم سماعا من النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم"‪.‬‬
‫فرِيّ ‪ ،‬عن‬ ‫ص ُ‬ ‫وقال المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن عبيد ‪ ،‬حدثنا سفيان العُ ْ‬
‫أبيه ‪ ،‬عن حبيب ابن النعمان السدي ‪ ،‬عن خريم بن فاتك )‪ (2‬السدي قال ‪:‬‬
‫صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ‪ ،‬فلما انصرف قام قائما فقال‬
‫‪" :‬عدلت شهادة الزور الشراك بالله ‪ ،‬عز وجل" ‪ ،‬ثم تل هذه الية ‪:‬‬
‫ن ب ِهِ‬
‫كي َ‬‫شرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫فاَء ل ِل ّهِ غَي َْر ُ‬
‫حن َ َ‬
‫ل الّزورِ ُ‬ ‫جت َن ُِبوا قَوْ َ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫ن الوَْثا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫جت َن ُِبوا الّر ْ‬‫} َفا ْ‬
‫{ )‪.(3‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن عاصم بن أبي النجود ‪ ،‬عن وائل بن ربيعة ‪ ،‬عن‬
‫ابن مسعود أنه قال ‪ :‬تعدل شهادة الزور بالشرك بالله ‪ ،‬ثم قرأ هذه الية )‬
‫‪.(4‬‬
‫فاَء ل ِلهِ { أي ‪ :‬مخلصين له الدين ‪ ،‬منحرفين عن الباطل قصدا‬ ‫ّ‬ ‫حن َ َ‬
‫وقوله ‪ُ } :‬‬
‫ن ب ِهِ {‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫إلى الحق ؛ ولهذا قال } غي َْر ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫ثم ضرب للمشرك مثل في ضلله وهلكه وبعده عن الهدى فقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ه الط ّي ُْر { ‪،‬‬ ‫خط َ ُ‬ ‫َ‬
‫ف ُ‬ ‫ماِء { أي ‪ :‬سقط منها ‪ } ،‬فَت َ ْ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫خّر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَك َأن ّ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫ق { أي ‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫حي ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫وي ب ِهِ الّري ُ‬ ‫أي ‪ :‬تقطعه الطيور في الهواء ‪ } ،‬أوْ ت َهْ ِ‬
‫بعيد مهلك لمن هوى فيه ؛ ولهذا جاء في حديث البراء ‪" :‬إن الكافر إذا توفته‬
‫ملئكة الموت ‪ ،‬وصعدوا بروحه إلى السماء ‪ ،‬فل تفتح له أبواب السماء ‪ ،‬بل‬
‫تطرح روحه طرحا من هناك"‪ .‬ثم قرأ هذه الية ‪ ،‬وقد تقدم الحديث في‬
‫سورة "إبراهيم" )‪ (5‬بحروفه وألفاظه وطرقه‪.‬‬
‫وقد ضرب ]الله[ )‪ (6‬تعالى للمشرك مثل آخر في سورة "النعام" ‪ ،‬وهو‬
‫قاب َِنا ب َعْد َ‬‫ضّرَنا وَن َُرد ّ عََلى أ َع ْ َ‬ ‫فعَُنا َول ي َ ُ‬ ‫ما ل ي َن ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ل أ َن َد ْ ُ‬‫قوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫عون َ ُ‬
‫ب ي َد ْ ُ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ص َ‬‫هأ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬‫حي َْرا َ‬‫ض َ‬ ‫ن ِفي ال ُْر ِ‬ ‫طي ُ‬‫شَيا ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ست َهْوَت ْ ُ‬
‫ذي ا ْ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫داَنا الل ّ ُ‬ ‫إ ِذ ْ هَ َ‬
‫ن[ )‪(7‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫م ل َِر ّ‬‫سل ِ َ‬
‫مْرَنا ل ِن ُ ْ‬ ‫دى ]وَأ ِ‬ ‫دى الل ّهِ هُوَ ال ْهُ َ‬ ‫ن هُ َ‬ ‫ل إِ ّ‬‫دى ائ ْت َِنا قُ ْ‬ ‫إ َِلى ال ْهُ َ‬
‫{ ] النعام ‪.[ 71 :‬‬
‫ع‬
‫مَنافِ ُ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫ب )‪ (32‬ل َك ُ ْ‬ ‫قُلو ِ‬ ‫وى ال ْ ُ‬ ‫ق َ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬‫شَعائ َِر الل ّهِ فَإ ِن َّها ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي ُعَظ ّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫} ذ َل ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ق )‪.{ (33‬‬ ‫ت العَِتي ِ‬ ‫حلَها إ ِلى الب َي ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م َ‬‫مى ث ُ ّ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬‫إ َِلى أ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (4/178‬وسنن الترمذي برقم )‪.(2299‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬مقاتل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(4/321‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(17/112‬‬
‫)‪ (5‬انظر تفسير الية ‪27 :‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي الصل ‪" :‬الية"‪.‬‬

‫) ‪(5/420‬‬

‫وى‬‫ق َ‬
‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬‫شَعائ َِر الل ّهِ { أي ‪ :‬أوامره ‪ } ،‬فَإ ِن َّها ِ‬
‫م َ‬ ‫ن ي ُعَظ ّ ْ‬ ‫م ْ‬‫يقول تعالى ‪ :‬هذا } وَ َ‬
‫سم ‪،‬‬ ‫ق َ‬‫ب { ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن ‪ ،‬كما قال الحكم ‪ ،‬عن م ْ‬ ‫قُلو ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫عن ابن عباس ‪ :‬تعظيمها ‪ :‬استسمانها واستحسانها‪.‬‬
‫ج ‪ ،‬حدثنا حفص بن غياث ‪ ،‬عن ابن‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الش ّ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ك وَ َ‬‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬ ‫أبي ليلى ‪ ،‬عن ابن أبي ن َ ِ‬
‫شَعائ َِر الل ّهِ { قال ‪ :‬الستسمان والستحسان والستعظام‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ي ُعَظ ّ ْ‬
‫وقال أبو أمامة بن سهل ‪ :‬كنا نسمن الضحية بالمدينة ‪ ،‬وكان المسلمون‬
‫منون‪ .‬رواه البخاري )‪.(1‬‬ ‫ُيس ّ‬
‫ب‬‫وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬دم عفراَء أح ّ‬
‫سوداوين"‪ .‬رواه أحمد ‪ ،‬وابن ماجه )‪.(2‬‬ ‫إلى الله من دم َ‬
‫ضا ليس بناصع ‪ ،‬فالبيضاء أفضل من غيرها ‪،‬‬ ‫قالوا ‪ :‬والعفراء هي البيضاء بيا ً‬
‫وغيرها يجزئ أيضا ؛ لما ثبت في صحيح البخاري ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين )‪.(3‬‬
‫وعن أبي سعيد ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن‬
‫َفحيل )‪ (4‬يأكل في سواد ‪ ،‬وينظر في سواد ‪ ،‬ويمشي في سواد‪.‬‬
‫رواه أهل السنن ‪ ،‬وصححه الترمذي )‪ ، (5‬أي ‪ :‬بكبش أسود )‪ (6‬في هذه‬
‫الماكن‪.‬‬
‫وفي سنن ابن ماجه ‪ ،‬عن أبي رافع ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ضحى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين )‪ .(7‬قيل ‪ :‬هما‬
‫صياهما ‪ ،‬ولم يقطعهما )‪ ، (8‬والله أعلم‪.‬‬ ‫خ ْ‬‫ض ُ‬ ‫صَيان‪ .‬وقيل ‪ :‬اللذان ُر ّ‬ ‫خ ِ‬‫ال َ‬
‫وكذا روى أبو داود وابن ماجه عن جابر ‪ :‬ضحى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بكبشين أقرنين أملحين موجوءين ]والموجوءين قيل ‪ :‬هما الخصيين[ )‬
‫‪.(10) (9‬‬
‫ُ‬
‫وعن علي رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫شْرقاء ‪ ،‬ول‬ ‫نستشرف العين والذن ‪ ،‬وأل نضحي بمقاب ََلة ‪ ،‬ول مداب ََرة ‪ ،‬ول َ‬
‫خْرقاء‪.‬‬
‫َ‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وأهل السنن ‪ ،‬وصححه الترمذي )‪.(11‬‬
‫ولهم عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ُنضحي )‪(12‬‬
‫بأعضب القرن والذن )‪.(13‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري )‪" (10/9‬فتح" معلقا‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (2/417‬ولم يقع لي في سنن ابن ماجه‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(5558‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬فحل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود برقم )‪ (2796‬وسنن الترمذي برقم )‪ (1496‬وسنن‬
‫النسائي )‪ (7/221‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(3128‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬فيه نكتة سوداء"‪.‬‬
‫)‪ (7‬لم يقع في سنن ابن ماجه من حديث أبي رافع وإنما من حديث عائشة‬
‫وأبي هريرة برقم )‪ (3122‬وحديث أبي رافع رواه أحمد في المسند )‪.(6/8‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬ولم يقطعها"‬
‫)‪ (9‬زيادة من من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬سنن أبي داود برقم )‪.(2795‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪ ، (1/80‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2804‬وسنن الترمذي برقم‬
‫)‪ (1498‬وسنن النسائي )‪ (7/217‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(3142‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬يضحي"‪.‬‬
‫)‪ (13‬المسند )‪ (1/83‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2805‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (1504‬وسنن النسائي )‪ (7/217‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(3145‬‬

‫) ‪(5/421‬‬

‫صف فأكثر‪.‬‬ ‫وقال سعيد بن المسيب ‪ :‬العضب ‪ :‬الن ْ‬


‫ضب فهو‬ ‫كسر قرنها العلى فهي قصماء ‪ ،‬فأما العَ ْ‬ ‫وقال بعض أهل اللغة ‪ :‬إن ُ‬
‫كسر السفل ‪ ،‬وعضب الذن قطع بعضها‪.‬‬
‫وعند الشافعي أن التضحية بذلك مجزئة ‪ ،‬لكن تكره‪.‬‬
‫وقال ]المام[ )‪ (1‬أحمد ‪ :‬ل تجزئ الضحية بأعضب القرن والذن ؛ لهذا‬
‫الحديث‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ :‬إن كان الدم يسيل من القرن لم يجزئ ‪ ،‬وإل أجزأ ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وأما المقابلة ‪ :‬فهي التي قطع مقدم أذنها ‪ ،‬والمدابرة ‪ :‬من مؤخر أذنها‪.‬‬
‫والشرقاء ‪ :‬هي التي قطعت أذنها طول قاله الشافعي‪ .‬والخرقاء ‪ :‬هي التي‬
‫مد َوًّرا ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬‫ة أذنها خرقا ُ‬ ‫م ُ‬
‫س َ‬
‫خَرقت ال ّ‬
‫َ‬
‫وعن البراء قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أربع ل تجوز في‬
‫مَرضها ‪ ،‬والعرجاء البين‬ ‫ورها ‪ ،‬والمريضة البين َ‬ ‫الضاحي ‪ :‬العوراء البّين عَ َ‬
‫قي"‪.‬‬ ‫ظ ََلعها )‪ ، (2‬والكسيرة التي ل ُتن ِ‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وأهل السنن ‪ ،‬وصححه الترمذي )‪.(3‬‬
‫وهذه العيوب تنقص اللحم ‪ ،‬لضعفها وعجزها عن استكمال الرعي ؛ لن‬
‫الشاء يسبقونها إلى المرعى ‪ ،‬فلهذا ل تجزئ التضحية )‪ (4‬بها عند الشافعي‬
‫وغيره من الئمة ‪ ،‬كما هو ظاهر الحديث‪.‬‬
‫ضا يسيًرا ‪ ،‬على قولين‪.‬‬
‫واختلف قول الشافعي في المريضة مر ً‬
‫سَلمي ؛ أن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫عتبة بن عبد ال ّ‬ ‫وروى أبو داود ‪ ،‬عن ُ‬
‫خقاء ‪ ،‬والمشّيعة ‪ ،‬والكسراء )‬ ‫َ‬
‫صلة ‪ ،‬والب َ ْ‬ ‫فَرةِ ‪ ،‬والمستأ َ‬‫ص َ‬
‫م ْ‬‫وسلم نهى عن ال ُ‬
‫‪.(6) (5‬‬
‫ن‪ .‬والمستأصلة ‪ :‬المكسورة‬ ‫ُ‬ ‫الذ‬ ‫المستأصلة‬ ‫‪:‬‬ ‫وقيل‬ ‫الهزيلة‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫قيل‬ ‫فالمصفرة‬
‫ف الغنم‬
‫َ‬ ‫خل‬‫َ‬ ‫يع‬ ‫َ‬
‫ش‬
‫ُ ّ‬ ‫ت‬ ‫تزال‬ ‫ل‬ ‫التي‬ ‫القرن‪ .‬والبخقاء ‪ :‬هي العوراء‪ .‬والمشيعة ‪ :‬هي‬
‫‪ ،‬ول ت َت َْبع لضعفها‪ .‬والكسراء ‪ :‬العرجاء‪.‬‬
‫فهذه العيوب كلها مانعة ]من الجزاء ‪ ،‬فإن طرأ العيب[ )‪ (7‬بعد تعيين‬
‫الضحية فإنه ل يضر عيبه عند الشافعي خلفا لبي حنيفة‪.‬‬
‫م أحمد ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬اشتريت كبشا أضحي به ‪ ،‬فعدا‬ ‫وقد روى الما ُ‬
‫ح به" )‬
‫ض ّ‬
‫الذئب فأخذ اللية‪ .‬فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪َ " :‬‬
‫‪ (8‬ولهذا ]جاء[ )‪ (9‬في الحديث ‪ :‬أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫نستشرف العين والذن‪ .‬أي ‪ :‬أن تكون‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عرجها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (4/284‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2802‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (1497‬وسنن النسائي )‪ (7/215‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(3144‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الضحية"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الكسرة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن أبي داود برقم )‪.(2803‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(3/32‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(5/422‬‬

‫الهدية أو الضحية سمينة حسنة ثمينة ‪ ،‬كما رواه المام أحمد وأبو داود ‪ ،‬عن‬
‫عبد الله بن عمر قال ‪ :‬أهدى عمر َنجيًبا ‪ ،‬فأعطى بها ثلثمائة دينار ‪ ،‬فأتى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني أهديت نجيًبا ‪،‬‬
‫ت بها ثلثمائة دينار ‪ ،‬أفأبيعها وأشتري بثمنها بد ًْنا ؟ قال ‪" :‬ل انحرها‬ ‫طي ُ‬‫فأع ِ‬
‫إياها" )‪.(1‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬البدن من شعائر الله‪.‬‬
‫وقال محمد بن أبي موسى ‪ :‬الوقوف ومزدلفة والجمار والرمي والبدن‬
‫والحلق ‪ :‬من شعائر الله‪.‬‬
‫وقال ابن عمر ‪ :‬أعظم الشعائر البيت‪.‬‬
‫مَنافِعُ { أي ‪ :‬لكم في البدن منافع ‪ ،‬من لبنها ‪ ،‬وصوفها‬ ‫م ِفيَها َ‬‫قوله ‪ } :‬ل َك ُ ْ‬
‫وأوبارها وأشعارها ‪ ،‬وركوبها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫سم ‪ ،‬عن ابن عباس ]في قوله[ )‪ } : (2‬لك ْ‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬‫مى { ‪ :‬قال ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫} إ َِلى أ َ‬
‫َ‬
‫مى { قال ‪ :‬ما لم يسم بدنا‪.‬‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مَنافِعُ إ َِلى أ َ‬
‫ج ٍ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫مى { ‪ ،‬قال ‪ :‬الركوب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س ّ‬
‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬
‫مَنافِعُ إ ِلى أ َ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫وقال مجاهد في قوله ‪ } :‬لك ْ‬
‫هدًيا ‪ ،‬ذهب ذلك كله‪ .‬وكذا قال عطاء ‪،‬‬ ‫ة أو َ‬ ‫ميت َبدن َ ً‬ ‫س ّ‬
‫واللبن والولد ‪ ،‬فإذا ُ‬
‫والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪] ،‬ومقاتل[ )‪ (3‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل له أن ينتفع بها وإن كانت هديا ‪ ،‬إذا احتاج إلى ذلك ‪ ،‬كما‬
‫ثبت في الصحيحين عن أنس ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى‬
‫ة ‪ ،‬قال ‪" :‬اركبها"‪ .‬قال ‪ :‬إنها َبدَنة‪ .‬قال ‪" :‬اركبها ‪ ،‬ويحك" ‪،‬‬ ‫رجل يسوق بد َن َ ً‬
‫في الثانية أو الثالثة )‪.(4‬‬
‫وفي رواية لمسلم ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‬
‫ت إليها" )‪.(5‬‬ ‫‪" :‬اركبها بالمعروف إذا ألجئ َ‬
‫ذف ‪ ،‬عن‬ ‫ح ْ‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن زهير بن أبي ثابت العمى ‪ ،‬عن المغيرة بن َ‬
‫علي ؛ أنه رأى رجل يسوق بدنة ومعها ولدها ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل تشرب من لبنها إل‬
‫دها‪.‬‬ ‫ما فضل عن ولدها ‪ ،‬فإذا كان يوم النحر فاذبحها وول َ‬
‫حل الهدي وانتهاؤه إلى البيت‬ ‫م ِ‬‫ق { أي ‪َ :‬‬ ‫حل َّها إ َِلى ال ْب َي ْ ِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ت العَِتي ِ‬ ‫م ِ‬‫م َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫العتيق ‪ ،‬وهو الكعبة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬هَد ًْيا َبال ِغَ الكعْب َةِ { ] المائدة ‪:‬‬
‫َ‬
‫ه { ] الفتح ‪.[25 :‬‬ ‫حل ّ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ن ي َب ْل ُغَ َ‬‫كوًفا أ ْ‬ ‫‪ ، [ 95‬وقال } َوال ْهَد ْيَ َ‬
‫معْ ُ‬
‫وقد تقدم الكلم على معنى "البيت العتيق" قريبا ‪ ،‬ولله الحمد )‪.(6‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن عطاء ‪ :‬كان ابن عباس يقول ‪ :‬كل من طاف بالبيت ‪،‬‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫ق{‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫فقد حل ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ت العَِتي ِ‬ ‫حلَها إ ِلى الب َي ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (2/145‬وسنن أبي داود برقم )‪.(1756‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (1690‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1323‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(1323‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬والله أعلم"‪.‬‬

‫) ‪(5/423‬‬

‫َْ‬ ‫ول ِك ُ ّ ُ‬
‫مةِ الن َْعام ِ‬ ‫ن ب َِهي َ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما َرَزقَهُ ْ‬ ‫م الل ّهِ عََلى َ‬ ‫س َ‬ ‫كا ل ِي َذ ْك ُُروا ا ْ‬ ‫س ً‬ ‫من ْ َ‬‫جعَل َْنا َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ‬
‫حد فَل َه أ َ‬
‫ت‬‫جل َ ْ‬
‫ه وَ ِ‬ ‫ن إ َِذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫(‬‫‪34‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫تي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫و‬ ‫موا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫س‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬‫فَ ِ‬
‫إ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫قو َ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬
‫م ي ُن ْفِ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ص لة ِ و َ ِ‬ ‫مي ال ّ‬ ‫قي ِ‬ ‫م ِ‬‫م َوال ُ‬ ‫صاب َهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬‫ن عَلى َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫‪(35‬‬
‫} ول ِك ُ ّ ُ‬
‫مةِ الن َْعام ِ‬ ‫ن ب َِهي َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َرَزقَهُ ْ‬ ‫م الل ّهِ عََلى َ‬ ‫س َ‬ ‫كا ل ِي َذ ْك ُُروا ا ْ‬ ‫س ً‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫من ْ َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫حد فَل َه أ َ‬
‫ت‬ ‫ل‬
‫ُ َ ِ ْ‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫َ ِ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫(‬ ‫‪34‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫تي‬
‫ِ‬
‫ِ ُ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ر‬‫ش‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫موا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬
‫ُ ْ ُ‬‫س‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫فَإ ِل َ ُ ْ ِ ٌ َ‬
‫وا‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ه‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫قو َ‬ ‫م ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫صلةِ وَ ِ‬ ‫مي ال ّ‬ ‫قي ِ‬ ‫م ِ‬‫م َوال ْ ُ‬‫صاب َهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫‪.{ (35‬‬
‫عا‬
‫ة الدماء على اسم الله مشرو ً‬ ‫ح المناسك وإراق ُ‬ ‫يخبر تعالى أنه لم ي ََزل ذب ُ‬
‫في جميع الملل‪.‬‬
‫سكا { قال ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫من ْ َ‬‫جعَلَنا َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَل ِكل أ ّ‬
‫دا‪.‬‬
‫عي ً‬
‫س ً‬
‫كا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ل أُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬
‫َِ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫أسلم‬ ‫بن‬ ‫زيد‬ ‫وقال‬ ‫ذبحا‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫عكرمة‬ ‫وقال‬
‫ّ ٍ َ َ َ َ ْ َ‬
‫{ ‪ ،‬إنها مكة ‪ ،‬لم يجعل الله لمة قط منسكا غيرها‪.‬‬
‫مةِ الن َْعام ِ { ‪ ،‬كما‬ ‫ن ب َِهي َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َرَزقَهُ ْ‬ ‫م الل ّهِ عََلى َ‬ ‫س َ‬ ‫]وقوله[ )‪ } : (1‬ل ِي َذ ْك ُُروا ا ْ‬
‫ثبت في الصحيحين عن أنس قال ‪ :‬أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فاحهما )‪.(2‬‬ ‫ص َ‬‫مى وكبر ‪ ،‬ووضع رجله على ِ‬ ‫بكبشين أملحين أقرنين ‪ ،‬فس ّ‬
‫سلم بن مسكين ‪،‬‬ ‫وقال المام أحمد بن حنبل ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أنبأنا َ‬
‫فْيع بن الحارث ‪ -‬عن زيد بن‬ ‫عن عائذ الله المجاشعي ‪ ،‬عن أبي داود ‪ -‬وهو ن ُ َ‬
‫أرقم قال ‪ :‬قلت ‪ -‬أو ‪ :‬قالوا ‪ : -‬يا رسول الله ‪ ،‬ما هذه الضاحي ؟ قال ‪:‬‬
‫"سنة أبيكم إبراهيم"‪ .‬قالوا ‪ :‬ما لنا منها ؟ قال ‪" :‬بكل شعرة حسنة" قالوا ‪:‬‬
‫فالصوف ؟ قال ‪" :‬بكل شعرة من الصوف حسنة"‪.‬‬
‫وأخرجه المام أبو عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجه في سننه ‪ ،‬من حديث‬
‫سلم بن مسكين ‪ ،‬به )‪.(3‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عت‬ ‫موا { أي ‪ :‬معبودكم واحد ‪ ،‬وإن َتنوّ َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫هأ ْ‬ ‫حد ٌ فَل ُ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬
‫وقوله ‪ } :‬فَإ ِل َهُك ُ ْ‬
‫ضا ‪ ،‬فالجميع يدعون إلى عبادة الله وحده ‪ ،‬ل‬ ‫خ بعضها بع ً‬ ‫شرائع النبياء وَنس َ‬
‫ه ِإل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه ل إ ِل َ‬
‫حي )‪ (4‬إ ِلي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫ل ِإل ُنو ِ‬ ‫سو ٍ‬
‫ن َر ُ‬
‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سلَنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫شريك له ‪ } ،‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موا { أي ‪ :‬أخلصوا‬ ‫سل ِ ُ‬
‫هأ ْ‬‫ن { )‪ ] (5‬النبياء ‪ .[25 :‬ولهذا قال ‪ } :‬فَل ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫أَنا َفاعْب ُ ُ‬
‫كمه وطاعته‪.‬‬ ‫ح ْ‬‫واستسلموا ل ُ‬
‫ن { ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬المطمئنين ‪ ،‬وقال الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪:‬‬ ‫خب ِِتي َ‬‫م ْ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫} وَب َ ّ‬
‫المتواضعين‪ .‬وقال السدي ‪ :‬الوجلين‪ .‬وقال عمرو بن أوس )‪ : (6‬المخبتون )‬
‫ظلموا لم ينتصروا‪.‬‬ ‫‪ : (7‬الذين ل َيظلمون ‪ ،‬وإذا ُ‬
‫ن { قال ‪ :‬المطمئنين الراضين بقضاء الله ‪،‬‬ ‫خب ِِتي َ‬‫م ْ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫وقال الثوري ‪ } :‬وَب َ ّ‬
‫المستسلمين له‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (5558‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1966‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(4/368‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يوحى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬فاعبدوني"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إدريس"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬المختبتين"‪.‬‬

‫) ‪(5/424‬‬

‫م الل ّهِ عَل َي َْها‬ ‫خي ٌْر َفاذ ْك ُُروا ا ْ‬


‫س َ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫شَعائ ِرِ الل ّهِ ل َك ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫ها ل َك ُ ْ‬‫جعَل َْنا َ‬ ‫ن َ‬ ‫َوال ْب ُد ْ َ‬
‫َ‬
‫ها‬
‫خْرَنا َ‬‫س ّ‬ ‫ك َ‬ ‫قان ِعَ َوال ْ ُ‬
‫معْت َّر ك َذ َل ِ َ‬ ‫موا ال ْ َ‬
‫من َْها وَأط ْعِ ُ‬ ‫جُنوب َُها فَك ُُلوا ِ‬
‫ت ُ‬ ‫ف فَإ َِذا وَ َ‬
‫جب َ ْ‬ ‫وا ّ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫ُ‬
‫م ت َشكُرو َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م لعَلك ْ‬ ‫َ‬ ‫ل َك ْ‬
‫ُ‬

‫م{‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬‫جل َ ْ‬ ‫ن إ َِذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬


‫ه وَ ِ‬ ‫سر بما بعده وهو قوله ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وأحسن ما يف ّ‬
‫م { أي ‪ :‬من المصائب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صاب َهُ ْ‬
‫ما أ َ‬ ‫ن عَلى َ‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬
‫أي ‪ :‬خافت منه قلوُبهم ‪َ } ،‬وال ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫ن أو لتهلك ّ‬ ‫قال الحسن البصري ‪ :‬والله لتصبر ّ‬
‫ة العشرة أيضا‪.‬‬ ‫ة ‪ ،‬وبقي َ‬ ‫صلةِ { ‪ :‬قرأ الجمهور بالضافة‪ .‬السبع َ‬ ‫مي ال ّ‬ ‫قي ِ‬
‫م ِ‬‫} َوال ْ ُ‬
‫ن الصلة" بالنصب‪.‬‬ ‫قع ‪" :‬والمقيمي َ‬ ‫مي ْ َ‬
‫س َ‬
‫وقرأ ابن )‪ (1‬ال ّ‬
‫صلةِ { ‪ ،‬وإنما حذفت النون هاهنا‬ ‫مي ال ّ‬ ‫قي ِ‬
‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫وقال الحسن البصري ‪َ } :‬وال ُ‬
‫تخفيفا ‪ ،‬ولو حذفت للضافة لوجب خفض الصلة ‪ ،‬ولكن على سبيل التخفيف‬
‫فنصبت‪.‬‬
‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬
‫م‬ ‫م ّ‬‫أي ‪ :‬المؤدين حق الله فيما أوجب عليهم من أداء فرائضه ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬وينفقون ما آتاهم الله من طيب الرزق على أهليهم وأرقائهم‬ ‫قو َ‬ ‫ي ُن ْفِ ُ‬
‫وقراباتهم ‪ ،‬وفقرائهم ومحاويجهم ‪ ،‬ويحسنون إلى خلق الله مع محافظتهم‬
‫على حدود الله‪ .‬وهذه بخلف صفات المنافقين ‪ ،‬فإنهم بالعكس من هذا‬
‫كله ‪ ،‬كما تقدم تفسيره في سورة "براءة" ]فلله الحمد والمنة[ )‪.(3) (2‬‬
‫م الل ّهِ عَل َي َْها‬ ‫س َ‬ ‫خي ٌْر َفاذ ْك ُُروا ا ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫شَعائ ِرِ الل ّهِ ل َك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ها ل َك ُ ْ‬
‫جعَل َْنا َ‬ ‫ن َ‬ ‫} َوال ْب ُد ْ َ‬
‫َ‬
‫ها‬
‫خْرَنا َ‬ ‫س ّ‬ ‫ك َ‬ ‫معْت َّر ك َذ َل ِ َ‬ ‫قان ِعَ َوال ْ ُ‬‫موا ال ْ َ‬ ‫من َْها وَأط ْعِ ُ‬ ‫جُنوب َُها فَك ُُلوا ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫جب َ ْ‬‫ف فَإ َِذا وَ َ‬ ‫وا ّ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (36‬‬ ‫ُ َ‬‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫لَ ْ َ ْ َ‬
‫ت‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫يقول تعالى ممتنا على عباده فيما خلق لهم من البدن ‪ ،‬وجعلها من شعائره ‪،‬‬
‫وهو أنه جعلها تهدى إلى بيته الحرام ‪ ،‬بل هي أفضل ما يهدى ]إلى بيته‬
‫م َول‬ ‫حَرا َ‬ ‫شهَْر ال ْ َ‬ ‫شَعائ َِر الل ّهِ َول ال ّ‬ ‫حّلوا َ‬ ‫الحرام[ )‪ ، (4‬كما قال تعالى ‪ } :‬ل ت ُ ِ‬
‫واًنا[ )‪(5‬‬ ‫ض َ‬‫م وَرِ ْ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ضل ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ي َب ْت َُغو َ‬ ‫حَرا َ‬ ‫ت ال ْ َ‬‫ن ال ْب َي ْ َ‬‫مي َ‬ ‫قلئ ِد َ ]َول آ ّ‬ ‫ال ْهَد ْيَ َول ال ْ َ‬
‫{ الية ‪ ] :‬المائدة ‪.[ 2 :‬‬
‫ر‬
‫شَعائ ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ها لك ْ‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫جَريج ‪ :‬قال عطاء في قوله ‪َ } :‬والب ُد ْ َ‬ ‫قال ابن ُ‬
‫الل ّهِ { ‪ ،‬قال ‪ :‬البقرة ‪ ،‬والبعير‪ .‬وكذا ُروي عن ابن عمر ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫المسيب ‪ ،‬والحسن البصري‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬إنما البدن من البل‪.‬‬
‫دنة على البعير فمتفق عليه ‪ ،‬واختلفوا في صحة إطلق‬ ‫قلت ‪ :‬أما إطلق الب َ َ‬
‫البدنة على البقرة ‪ ،‬على قولين ‪ ،‬أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعا كما‬
‫صح في الحديث‪.‬‬
‫ثم جمهور العلماء على أنه ُتجزئ البدنة عن سبعة ‪ ،‬والبقرة عن سبعة ‪ ،‬كما‬
‫ثبت به الحديث عند مسلم ‪ ،‬من رواية جابر بن عبد الله ]وغيره[ )‪ ، (6‬قال ‪:‬‬
‫ك في الضاحي ‪،‬‬ ‫ل الله صلى الله عليه وسلم أن نشتر َ‬ ‫أمرنا رسو ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر تفسير الية ‪.67 :‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(5/425‬‬

‫ة عن سبعة ‪ ،‬والبقرة عن سبعة )‪.(1‬‬ ‫البدن ُ‬


‫هويه وغيره ‪ :‬بل ُتجزئ البقرة عن سبعة ‪ ،‬والبعير عن‬ ‫ن َرا َ‬
‫]وقال إسحاق ب ُ‬
‫عشرة[ )‪ .(2‬وقد ورد به حديث في مسند المام أحمد ‪ ،‬وسنن النسائي ‪،‬‬
‫وغيرهما )‪ ، (3‬فالله أعلم‪.‬‬
‫خي ٌْر { ‪ ،‬أي ‪ :‬ثواب في الدار الخرة‪.‬‬
‫م ِفيَها َ‬‫وقوله ‪ } :‬ل َك ُ ْ‬
‫وعن سليمان بن يزيد الكعبي ‪ ،‬عن هشام بن عُْرَوة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪،‬‬
‫مل ابن آدم يوم النحر عمل‬ ‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ما عَ ِ‬
‫ب إلى الله من هَِراقه دم ‪ ،‬وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلفها‬ ‫أح ّ‬
‫طيُبوا‬
‫وأشعارها ‪ ،‬وإن الدم ليقع من الله بمكان ‪ ،‬قبل أن يقع على الرض ‪ ،‬ف ِ‬
‫حسنه )‪.(4‬‬ ‫بها نفسا"‪ .‬رواه ابن ماجه ‪ ،‬والترمذي و َ‬
‫دن ‪ ،‬فقيل له ‪:‬‬ ‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬كان أبو حاتم )‪ (5‬يستدين ويسوق الب ُ ْ‬
‫خي ٌْر {‬ ‫تستدين وتسوق البدن ؟ فقال ‪ :‬إني سمعت الله يقول ‪ } :‬ل َك ْ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫ُ‬
‫وعن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما أنفقت‬
‫ل من نحيرة في يوم عيد"‪ .‬رواه الدارقطني في سننه )‬ ‫ورقَ في شيء أفض َ‬ ‫ال َ‬
‫‪.(6‬‬
‫خي ٌْر { قال ‪ :‬أجر ومنافع‪.‬‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬ل َك ُ ْ‬
‫ي ‪ :‬يركبها ويحلبها إذا احتاج إليها‪.‬‬ ‫خعِ ّ‬ ‫وقال إبراهيم الن ّ َ‬
‫ف { وعن ]المطلب بن عبد الله بن‬ ‫وا ّ‬
‫ص َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م اللهِ عَلي َْها َ‬
‫س َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فاذ ْك ُُروا ا ْ‬
‫ت مع رسول الله صلى الله‬ ‫حنطب ‪ ،‬عن[ )‪ (7‬جابر ابن عبد الله قال ‪ :‬صلي ُ‬
‫عليه وسلم عيد َ الضحى ‪ ،‬فلما انصرف أتى بكبش فذبحه ‪ ،‬فقال ‪" :‬بسم‬
‫ح من أمتي"‪.‬‬ ‫ض ّ‬
‫الله والله أكبر ‪ ،‬اللهم هذا عني وعمن لم ي ُ َ‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي )‪.(8‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن جابر‬
‫حى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين في يوم عيد ‪ ،‬فقال‬ ‫قال ‪ :‬ض ّ‬
‫ما ‪،‬‬
‫فا مسل ً‬
‫حين وجههما ‪" :‬وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض حني ً‬
‫وما أنا من المشركين ‪ ،‬إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين‪.‬‬
‫ل شريك له ‪ ،‬وبذلك أمرت ‪ ،‬وأنا أول المسلمين ‪ ،‬اللهم منك ولك ‪ ،‬وعن‬
‫محمد وأمته"‪ .‬ثم سمى الله وكبر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(1318‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (1/275‬وسنن النسائي )‪ (7/222‬عن عبد الله بن عباس رضي‬
‫الله عنه قال ‪" :‬كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر‬
‫النحر فاشتركنا في البعير عن عشرة والبقرة عن سبعة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي برقم )‪ (1493‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(3126‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أبو حازم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن الدارقطني )‪ (4/282‬من طريق إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن‬
‫دينار عن طاوس عن ابن عباس‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (3/356‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2810‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (1521‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب من هذا الوجه"‪.‬‬

‫) ‪(5/426‬‬

‫وذبح )‪.(1‬‬
‫وعن علي بن الحسين ‪ ،‬عن أبي رافع ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ‪ ،‬فإذا صلى وخطب‬
‫الناس أتى )‪ (2‬بأحدهما وهو قائم في مصله فذبحه بنفسه بالمدية )‪ ، (3‬ثم‬
‫ن شهد لك بالتوحيد وشهد لي‬ ‫م ْ‬
‫يقول ‪" :‬اللهم هذا عن أمتي جميعها ‪َ ،‬‬
‫بالبلغ"‪ .‬ثم ُيؤتى بالخر فيذبحه بنفسه ‪ ،‬ثم يقول ‪" :‬هذا عن محمد وآل‬
‫محمد" فُيطعمها جميًعا المساكين ‪] ،‬ويأكل[ )‪ (4‬هو وأهله منهما‪.‬‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وابن ماجه )‪.(5‬‬
‫م‬
‫س َ‬ ‫ُ‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي ظ ِب َْيان ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ } :‬فاذ ْكُروا ا ْ‬
‫دها اليسرى ‪،‬‬ ‫ف { ‪ ،‬قال ‪ :‬قيام على ثلث قوائم ‪ ،‬معقولة ي ُ‬ ‫وا ّ‬ ‫الل ّهِ عَل َي َْها َ‬
‫ص َ‬
‫يقول ‪" :‬بسم الله والله أكبر )‪ ، (6‬اللهم منك ولك"‪ .‬وكذلك روى مجاهد ‪،‬‬
‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬نحو هذا‪.‬‬ ‫وعلي بن أبي طلحة ‪ ،‬والعَ ْ‬
‫عقلت رجلها اليسرى قامت على ثلث‪ .‬وَرَوى ابن‬ ‫وقال ليث‪ .‬عن مجاهد ‪ :‬إذا ُ‬
‫جيح ‪ ،‬عنه ‪ ،‬نحوه )‪.(7‬‬ ‫أبي ن َ ِ‬
‫وقال الضحاك ‪ُ :‬تعقل رجل )‪ (8‬واحدة فتكون على ثلث‪.‬‬
‫دنته وهو ينحرها ‪،‬‬ ‫وفي الصحيحين عن ابن عمر ‪ :‬أنه أتى على رجل قد أناخ ب َ َ‬
‫ما مقيدة سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم )‪.(9‬‬ ‫فقال ‪ :‬ابعثها قيا ً‬
‫حرون‬ ‫َ‬ ‫ين‬ ‫كانوا‬ ‫به‬
‫َ‬ ‫وأصحا‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫وعن جابر ‪ :‬أن‬
‫ة اليسرى ‪ ،‬قائمة على ما بقي من قوائمها‪ .‬رواه أبو داود )‪.(10‬‬ ‫دن معقول َ‬ ‫الب ُ ْ‬
‫وقال ابن ل َِهيعة ‪ :‬حدثني عطاء بن دينار ‪ ،‬أن سالم بن عبد الله قال لسليمان‬
‫حر من شقها اليسر‪.‬‬ ‫ف من شقها اليمن ‪ ،‬وان ْ َ‬ ‫بن عبد الملك ‪ :‬ق ْ‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬في صفة حجة الوََداع ‪ ،‬قال فيه ‪ :‬فنحر‬
‫دنة ‪ ،‬جعل )‪َ (11‬يطعَُنها‬ ‫ل الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلًثا وستين ب َ َ‬ ‫رسو ُ‬
‫حربة في يده )‪.(12‬‬ ‫ب َ‬
‫مر ‪ ،‬عن قتادة قال ‪ :‬في حرف ابن مسعود ‪:‬‬ ‫معْ َ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َ‬
‫قلة )‪ (13‬قياما )‪.(14‬‬ ‫مع ّ‬‫"صوافن" ‪ ،‬أي ‪ُ :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تقدم تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 162 :‬من سورة "النعام"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أمر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بالمدينة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (6/8‬وتقدم الحديث في هذه السورة‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والله أكبر ‪ ،‬ل إله إل الله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬نحو هذا"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يعقل يدا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري برقم )‪ (1713‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1320‬‬
‫)‪ (10‬سنن أبي داود برقم )‪.(1767‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬وجعل"‪.‬‬
‫)‪ (12‬صحيح مسلم برقم )‪.(1218‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬معلقة"‪.‬‬
‫)‪ (14‬تفسير عبد الرزاق )‪.(2/33‬‬

‫) ‪(5/427‬‬

‫من قرأها "صوافن" قال ‪:‬‬ ‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد ‪َ :‬‬
‫ف { قال ‪ :‬تصف بين يديها‪.‬‬ ‫وا ّ‬
‫ص َ‬
‫معقولة‪ .‬ومن قرأها } َ‬
‫وقال طاوس ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغيرهما ‪" :‬فاذكروا اسم الله عليها صوافي"‬
‫يعني ‪ :‬خالصة لله عز وجل‪ .‬وكذا رواه مالك ‪ ،‬عن الزهري‪.‬‬
‫ي" ‪ :‬ليس فيها شرك كشرك الجاهلية‬ ‫وقال عبد الرحمن بن زيد ‪" :‬صواف َ‬
‫لصنامهم‪.‬‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬يعني ‪:‬‬ ‫جُنوب َُها { قال ‪ :‬ابن أبي ن َ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَإ َِذا وَ َ‬
‫جب َ ْ‬
‫سقطت إلى الرض‪.‬‬
‫وهو رواية عن ابن عباس ‪ ،‬وكذا قال مقاتل بن حيان‪.‬‬
‫جُنوب َُها { يعني ‪ :‬نحرت‪.‬‬ ‫ت ُ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬فَإ َِذا وَ َ‬
‫جب َ ْ‬
‫جُنوب َُها { يعني ‪ :‬ماتت‪.‬‬ ‫ت ُ‬ ‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ } :‬فَإ َِذا وَ َ‬
‫جب َ ْ‬
‫دنة )‪(1‬‬ ‫مَراد ُ ابن عباس ومجاهد ‪ ،‬فإنه ل يجوز الكل من الب َ َ‬ ‫وهذا القول هو ُ‬
‫ُ‬
‫جلوا‬ ‫إذا ُنحرت حتى تموت وت َْبرد حركتها‪ .‬وقد جاء في حديث مرفوع ‪" :‬ول ُتع ِ‬
‫هق" )‪ .(2‬وقد رواه الثوري في جامعه ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن يحيى‬ ‫س أن ت َْز َ‬‫النفو َ‬
‫صة الحنفي ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ؛ أنه قال ذلك )‬ ‫َ‬
‫ابن أبي كثير ‪ ،‬عن فراف َ‬
‫داد بن أوس في صحيح مسلم ‪" :‬إن الله كتب الحسان‬ ‫ش ّ‬ ‫‪ (3‬ويؤيده حديث َ‬
‫قْتلة ‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح )‪(4‬‬ ‫على كل شيء ‪ ،‬فإذا قتلتم فأحسنوا ال ِ‬
‫ح ذ َِبيحته" )‪.(5‬‬ ‫فَرته ‪ ،‬ول ْي ُرِ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ول ُْيحد ّ أحدكم َ‬
‫وعن أبي واقد الليثي قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما ُقطع‬
‫من البهيمة وهي حية ‪ ،‬فهو ميتة"‪.‬‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي وصححه )‪.(6‬‬
‫َ‬
‫معْت َّر { قال بعض السلف )‪: (7‬‬ ‫قان ِعَ َوال ْ ُ‬
‫موا ال ْ َ‬‫من َْها وَأط ْعِ ُ‬‫وقوله ‪ } :‬فَك ُُلوا ِ‬
‫من َْها { أمر إباحة‪.‬‬ ‫قوله ‪ } :‬فَك ُُلوا ِ‬
‫جه لبعض الشافعية‪.‬‬ ‫ب‪ .‬وهو وَ ْ‬
‫ج ُ‬
‫وقال مالك ‪ :‬يستحب ذلك‪ .‬وقال غيره ‪ :‬ي َ ِ‬
‫واختلف في المراد بالقانع والمعتر ‪ ،‬فقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬القانع ‪:‬‬
‫م بك‬ ‫المستغني بما أعطيته ‪ ،‬وهو في بيته‪ .‬والمعتّر ‪ :‬الذي يتعرض لك ‪ ،‬وُيل ّ‬
‫أن تعطيه من اللحم ‪ ،‬ول يسأل‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬ومحمد بن كعب‬
‫ي‪.‬‬
‫قَرظ ِ ّ‬
‫ال ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬البدن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه الدارقطني في السنن )‪ (4/283‬من طريق سعيد بن سلم العطار‬
‫عن عبد الله بن بديل عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫مرفوعا وسعيد بن سلم العطار كذبه أحمد وابن نمير ‪ ،‬وضعف البيهقي هذا‬
‫الحديث في السنن الكبرى )‪.(9/278‬‬
‫)‪ (3‬ومن طريقه رواه البيهقي في السنن الكبرى )‪.(9/278‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬الذبحة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(1955‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (5/218‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2858‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪.(1480‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬الناس"‪.‬‬

‫) ‪(5/428‬‬

‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬القانع ‪ :‬المتعفف‪ .‬والمعتر ‪:‬‬
‫خعي ‪ ،‬ومجاهد في رواية عنه‪.‬‬ ‫ل قتادة ‪ ،‬وإبراهيم الن ّ َ‬ ‫السائل‪ .‬وهذا قو ُ‬
‫مة )‪ ، (1‬والحسن البصري ‪ ،‬وابن‬ ‫عك ْرِ َ‬‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وزيد بن أسلم و ِ‬
‫قنع إليك‬‫حّيان ‪ ،‬ومالك بن أنس ‪ :‬القانع ‪ :‬هو الذي ي َ ْ‬ ‫قاِتل بن َ‬ ‫م َ‬
‫الكلبي ‪ ،‬و ُ‬
‫ويسألك‪ .‬والمعتر ‪ :‬الذي يعتريك ‪ ،‬يتضرع ول يسألك‪ .‬وهذا لفظ الحسن‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬القانع ‪ :‬هو السائل ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما سمعت قول‬
‫قُنوع )‪(3‬‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ف ِ‬ ‫فاقَِره )‪ ، (2‬أ َعَ ّ‬
‫م َ‬ ‫حه فَي ُْغني‪َ ...‬‬
‫صل ِ ُ‬
‫مْرِء ي ُ ْ‬ ‫ما ُ‬
‫ل ال َ‬ ‫ماخ‪ .‬ل َ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ش ّ‬
‫قال ‪ :‬يعني من السؤال ‪ ،‬وبه قال ابن زيد‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪ :‬القانع ‪ :‬المسكين الذي يطوف‪ .‬والمعتر ‪ :‬الصديق‬
‫والضعيف )‪ (4‬الذي يزور‪ .‬وهو رواية عن عبد الله )‪ (5‬بن زيد أيضا‪.‬‬
‫وعن مجاهد أيضا ‪ :‬القانع ‪ :‬جارك الغني ]الذي يبصر ما يدخل بيتك[ )‪(6‬‬
‫والمعتر ‪ :‬الذي يعتريك )‪ (7‬من الناس‪.‬‬
‫دن من غني أو‬ ‫وعنه ‪ :‬أن القانع ‪ :‬هو الطامع‪ .‬والمعتر ‪ :‬هو الذي ي َعَْتر بالب ُ ْ‬
‫فقير‪.‬‬
‫وعن عكرمة نحوه ‪ ،‬وعنه القانع ‪ :‬أهل مكة‪.‬‬
‫ن القانع ‪ :‬هو السائل ؛ لنه من أقنع بيده إذا رفعها للسؤال‬ ‫ن جرير أ ّ‬ ‫واختار اب ُ‬
‫‪ ،‬والمعتر من العترار ‪ ،‬وهو ‪ :‬الذي يتعرض لكل اللحم‪.‬‬
‫من ذهب من العلماء إلى أن الضحية ُتجّزأ ثلثة‬ ‫وقد احتج بهذه الية الكريمة َ‬
‫أجزاء ‪ :‬فثلث لصاحبها يأكله ]منها[ )‪ ، (8‬وثلث يهديه لصحابه ‪ ،‬وثلث يتصدق‬
‫َ‬
‫قان ِعَ َوال ْ ُ‬
‫معْت َّر {‪.‬‬ ‫موا ال ْ َ‬
‫من َْها وَأط ْعِ ُ‬‫به على الفقراء ؛ لنه تعالى قال ‪ } :‬فَك ُُلوا ِ‬
‫وفي الحديث الصحيح ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس ‪:‬‬
‫"إني كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الضاحي فوق ثلث ‪ ،‬فكلوا وادخروا ما بدا‬
‫لكم" )‪ (9‬وفي رواية ‪" :‬فكلوا وادخروا وتصدقوا"‪ .‬وفي رواية ‪" :‬فكلوا‬
‫وأطعموا وتصدقوا" )‪.(10‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬إن المضحي يأكل النصف ويتصدق بالنصف ‪ ،‬لقوله في الية‬
‫س ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫قيَر { ]الحج ‪ ، [28 :‬ولقوله في‬ ‫ف ِ‬ ‫موا ال َْبائ ِ َ‬
‫من َْها وَأط ْعِ ُ‬
‫المتقدمة ‪ } :‬فَك ُُلوا ِ‬
‫الحديث ‪" :‬فكلوا وادخروا وتصدقوا"‪.‬‬
‫سَريج من الشافعية‪.‬‬ ‫فإن أكل الكل فقيل )‪ : (11‬ل يضمن شيئا‪ .‬وبه قال ابن ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وعكرمة وزيد بن أسلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬مفاقه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬البيت في ديوانه )ص ‪ (221‬أ‪.‬هـ مستفادا من حاشية الشعب‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬والضيف"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬عن أبيه عبد الرحمن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬يعتزل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح مسلم برقم )‪ (977‬من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه‬
‫)‪ (10‬رواه مالك في الموطأ )‪ (2/484‬من حديث جابر رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪" .‬فقد فقيل"‪.‬‬

‫) ‪(5/429‬‬

‫وقال بعضهم ‪ :‬يضمنها كلها بمثلها أو قيمتها‪ .‬وقيل ‪ :‬يضمن نصفها‪ .‬وقيل ‪:‬‬
‫ثلثها‪ .‬وقيل ‪ :‬أدنى جزء منها‪ .‬وهو المشهور من مذهب الشافعي‪.‬‬
‫وأما الجلود ‪ ،‬ففي مسند أحمد عن قتادة ابن النعمان في حديث الضاحي ‪:‬‬
‫"فكلوا وتصدقوا ‪ ،‬واستمتعوا بجلودها ‪ ،‬ول تبيعوها" )‪.(1‬‬
‫ومن العلماء من رخص ]في ذلك[ )‪ ، (2‬ومنهم من قال ‪ :‬يقاسم الفقراء‬
‫ثمنها ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫]مسألة[ )‪.(3‬‬
‫عن البراء بن عازب قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن أول‬
‫ما نبدأ )‪ (4‬به في يومنا هذا أن نصلي ‪ ،‬ثم نرجع فننحر‪ .‬فمن فعل ذلك فقد‬
‫أصاب سنتنا ‪ ،‬ومن ذبح قبل الصلة فإنما هو لحم ]عجله[ )‪ (5‬لهله ‪ ،‬ليس‬
‫من النسك في شيء" أخرجاه )‪.(6‬‬
‫فلهذا قال الشافعي وجماعة من العلماء ‪ :‬إن أول وقت الضحى إذا طلعت‬
‫الشمس يوم النحر ‪ ،‬ومضى قدر صلة العيد والخطبتين‪ .‬زاد أحمد ‪ :‬وأن يذبح‬
‫المام بعد ذلك ‪ ،‬لما جاء في صحيح مسلم ‪ :‬وأل تذبحوا حتى يذبح المام" )‬
‫‪.(7‬‬
‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬أما أهل السواد من القرى ونحوهم )‪ ، (8‬فلهم أن يذبحوا‬
‫بعد طلوع الفجر ‪ ،‬إذ ل صلة عيد )‪ (9‬عنده لهم‪ .‬وأما أهل المصار فل يذبحوا‬
‫حتى يصلي المام ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ثم قيل ‪ :‬ل يشرع الذبح إل يوم النحر وحده‪ .‬وقيل ‪ :‬يوم النحر لهل المصار ‪،‬‬
‫لتيسر )‪ (10‬الضاحي عندهم ‪ ،‬وأما أهل القرى فيوم النحر وأيام التشريق‬
‫بعده ‪ ،‬وبه قال سعيد بن جبير‪ .‬وقيل ‪ :‬يوم النحر ‪ ،‬ويوم بعده للجميع‪ .‬وقيل ‪:‬‬
‫ويومان بعده ‪ ،‬وبه قال أحمد‪ .‬وقيل ‪ :‬يوم النحر وثلثة أيام التشريق بعده ‪،‬‬
‫وبه قال الشافعي ؛ لحديث جبير بن مطعم ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬وأيام التشريق كلها ذبح"‪ .‬رواه أحمد وابن حبان )‪.(11‬‬
‫ي‪،‬‬‫خعِ ّ‬ ‫وقيل ‪ :‬إن وقت الذبح يمتد إلى آخر ذي الحجة ‪ ،‬وبه قال إبراهيم الن ّ َ‬
‫وأبو سلمة بن عبد الرحمن‪ .‬وهو قول غريب‪.‬‬
‫ن { ‪ :‬يقول تعالى ‪ :‬من أجل‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬‫ها ل َك ُ ْ‬
‫خْرَنا َ‬ ‫س ّ‬ ‫ك َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫كم { أي ‪ :‬ذللناها لكم ‪ ،‬أي ‪ :‬جعلناها منقادة لكم خاضعة ‪،‬‬ ‫ها ل َ ُ‬ ‫خْرَنا َ‬‫س ّ‬
‫هذا } َ‬
‫إن شئتم ركبتم ‪ ،‬وإن شئتم حلبتم ‪ ،‬وإن شئتم ذبحتم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ن‪ .‬وَذ َل ّل ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ي ََرْوا أ َّنا َ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫نا‬ ‫كو َ‬‫مال ِ ُ‬‫م ل ََها َ‬
‫ما فَهُ ْ‬‫ديَنا أن َْعا ً‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫مل َ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م ّ‬‫م ِ‬ ‫قَنا ل َهُ ْ‬
‫خل َ ْ‬ ‫} أوَل َ ْ‬
‫ب أ ََفل ي َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن{‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫شارِ ُ‬ ‫م َ‬‫مَنافِعُ وَ َ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫ن‪ .‬وَل َهُ ْ‬ ‫من َْها ي َأك ُُلو َ‬‫م وَ ِ‬ ‫كوب ُهُ ْ‬‫من َْها َر ُ‬
‫م فَ ِ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫] يس ‪، [ 73 - 71 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(4/15‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يبدأ‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬يبديه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (5545‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1961‬‬
‫)‪ (7‬لم يقع لي في مسلم هذا اللفظ وينظر صحيح مسلم )‪.(3/1551‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬وغيرها"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬عيد تشرع"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬لتيسر"‪.‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪.(4/82‬‬

‫) ‪(5/430‬‬

‫ها ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خَر َ‬
‫س ّ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫وى ِ‬‫ق َ‬ ‫ن ي ََنال ُ ُ‬
‫ه الت ّ ْ‬ ‫ها وَل َك ِ ْ‬
‫ماؤُ َ‬ ‫مَها وََل دِ َ‬ ‫ه لُ ُ‬
‫حو ُ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن ي ََنا َ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫داك ُ ْ‬
‫م وَب َ ّ‬ ‫ما هَ َ‬‫ه عََلى َ‬ ‫ل ِت ُك َب ُّروا الل ّ َ‬

‫ن{‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬


‫ها ل َك ُ ْ‬ ‫خْرَنا َ‬ ‫س ّ‬ ‫ك َ‬ ‫وقال في هذه الية الكريمة ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ها ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خَر َ‬
‫س ّ‬‫ك َ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫وى ِ‬ ‫ق َ‬‫ه الت ّ ْ‬‫ن ي ََنال ُ ُ‬‫ها وَل َك ِ ْ‬‫ماؤُ َ‬ ‫مَها َول دِ َ‬ ‫حو ُ‬‫ه لُ ُ‬
‫ل الل ّ َ‬ ‫} لَ ْ‬
‫ن ي ََنا َ‬
‫ن )‪.{ (37‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫م وَب َ ّ‬‫داك ُ ْ‬ ‫ه عََلى َ‬
‫ما هَ َ‬ ‫ل ِت ُك َب ُّروا الل ّ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا ‪ ،‬لتذكروه عند ذبحها ‪،‬‬
‫فإنه الخالق الرازق )‪ (1‬ل أنه يناله شيء من لحومها ول دمائها ‪ ،‬فإنه تعالى‬
‫هو الغني عما سواه‪.‬‬
‫وقد كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوها للهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابتنهم ‪،‬‬
‫ها {‬ ‫ماؤُ َ‬ ‫مَها َول دِ َ‬ ‫حو ُ‬ ‫ه لُ ُ‬‫ل الل ّ َ‬‫ن ي ََنا َ‬‫ونضحوا عليها من دمائها ‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن أبي حماد ‪،‬‬
‫حدثنا إبراهيم بن المختار ‪ ،‬عن ابن جريج قال ‪ :‬كان أهل الجاهلية ينضحون‬
‫البيت بلحوم البل ودمائها ‪ ،‬فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ها وَل َك ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ماؤُ َ‬
‫مَها َول دِ َ‬ ‫حو ُ‬ ‫ه لُ ُ‬‫ل الل ّ َ‬ ‫فنحن أحق أن ننضح ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫ن ي ََنا َ‬
‫م { أي ‪ :‬يتقبل ذلك ويجزي عليه‪.‬‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫وى ِ‬ ‫ق َ‬
‫ه الت ّ ْ‬‫ي ََنال ُ ُ‬
‫كما جاء في الصحيح ‪" :‬إن الله ل ينظر إلى صوركم ول إلى أموالكم )‪، (2‬‬
‫ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" )‪ (3‬وما جاء في الحديث ‪" :‬إن الصدقة‬
‫تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد السائل ‪ ،‬وإن الدم ليقع من الله‬
‫بمكان قبل أن يقع على الرض" كما تقدم الحديث‪ .‬رواه )‪ (4‬ابن ماجه ‪،‬‬
‫سنه عن عائشة مرفوعا‪ .‬فمعناه ‪ :‬أنه سيق لتحقيق القبول من‬ ‫ح ّ‬ ‫والترمذي و َ‬
‫الله لمن أخلص في عمله ‪ ،‬وليس له معنى يتبادر عند العلماء المحققين‬
‫سوى هذا ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫كيع ‪ ،‬عن ]يحيى[ )‪ (5‬بن مسلم أبي الضحاك ‪ :‬سألت عامًرا الشعبي‬ ‫وقال وَ ِ‬
‫ها { ‪ ،‬إن شئت‬ ‫ُ‬
‫ماؤ َ‬ ‫مَها َول دِ َ‬ ‫حو ُ‬ ‫هل ُ‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ي ََنال الل َ‬ ‫َ‬
‫عن جلود الضاحي ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ل ْ‬
‫فبع ‪ ،‬وإن شئت فأمسك ‪ ،‬وإن شئت فتصدق‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬من أجل ذلك سخر )‪ (6‬لكم الُبدن ‪،‬‬ ‫ها ل َك ُ ْ‬‫خَر َ‬‫س ّ‬‫ك َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫م { أي ‪ :‬لتعظموه كما هداكم لدينه وشرعه وما‬ ‫داك ُ ْ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫} ل ِت ُك َب ُّروا الل ّ َ‬
‫يحبه ‪ ،‬وما يرضاه ‪ ،‬ونهاكم عن فعل ما يكرهه ويأباه‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬وبشر يا محمد المحسنين ‪ ،‬أي ‪ :‬في‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَب َ ّ‬
‫شَرع لهم ‪ ،‬المصدقين الرسو َ‬
‫ل‬ ‫عملهم ‪ ،‬القائمين بحدود الله ‪ ،‬المتبعين ما َ‬
‫فيما أبلغهم وجاءهم به من عند ربه عز وجل‪.‬‬
‫]مسألة[ )‪.(7‬‬
‫وقد ذهب أبو حنيفة ومالك والثوري إلى القول )‪ (8‬بوجوب الضحية على من‬
‫ملك نصابا ‪ ،‬وزاد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الرزاق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ألوانكم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(2564‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬سخرناها"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬بالقول"‪.‬‬

‫) ‪(5/431‬‬

‫ضا‪ .‬واحتج لهم بما رواه أحمد وابن ماجه بإسناد‬ ‫أبو حنيفة اشتراط القامة أي ً‬
‫ح ‪ ،‬فل‬‫ض ّ‬
‫سَعة فلم ي ُ َ‬
‫رجاله كلهم ثقات ‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعا ‪" :‬من وجد َ‬
‫صلنا" )‪ (1‬على أن فيه غرابة ‪ ،‬واستنكره أحمد بن حنبل )‪.(2‬‬ ‫م َ‬
‫يقربن ُ‬
‫وقال ابن عمر ‪ :‬أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين يضحي‪.‬‬
‫رواه الترمذي )‪.(3‬‬
‫وقال الشافعي ‪ ،‬وأحمد ‪ :‬ل تجب الضحية ‪ ،‬بل هي مستحبة ؛ لما جاء في‬
‫الحديث ‪" :‬ليس في المال حق سوى الزكاة" )‪ .(4‬وقد تقدم أنه ‪ ،‬عليه‬
‫السلم )‪ (5‬ضحى عن أمته فأسقط ذلك وجوبها عنهم‪.‬‬
‫ة ‪ :‬كنت جاًرا لبي بكر وعمر ‪ ،‬فكانا ل يضحيان خشية أن‬ ‫سريح َ‬ ‫وقال أبو َ‬
‫يقتدي الناس بهما‪.‬‬
‫وقال بعض الناس ‪ :‬الضحية سنة كفاية ‪ ،‬إذا قام بها واحد من أهل دار أو‬
‫محلة ‪ ،‬سقطت عن الباقين ؛ لن المقصود إظهار الشعار‪.‬‬
‫خَنف بن‬‫م ْ‬
‫وقد روى المام أحمد ‪ ،‬وأهل السنن ‪ -‬وحسنه الترمذي ‪ -‬عن ِ‬
‫سليم ؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعرفات ‪" :‬على كل‬
‫أهل بيت في كل عام أضحاة وعَِتيرة ‪ ،‬هل تدرون ما العتيرة ؟ هي )‪ (6‬التي‬
‫تدعونها الّرجبية"‪ .‬وقد تكلم في إسناده )‪.(7‬‬
‫وقال أبو أيوب ‪ :‬كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ‪ ،‬يأكلون ويطعمون ]حتى تباهي[ )‬
‫‪ (8‬الناس فصار كما ترى‪.‬‬
‫رواه الترمذي وصححه ‪ ،‬وابن ماجه )‪.(9‬‬
‫وكان عبد الله بن هشام يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله‪ .‬رواه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫ن الضحية ‪ ،‬فقد روى مسلم عن جابر ؛ أن رسول الله صلى‬ ‫س ّ‬‫وأما مقدار ِ‬
‫سّنة ‪ ،‬إل أن يعسر عليكم ‪ ،‬فتذبحوا‬ ‫م ِ‬
‫الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل تذبحوا إل ُ‬
‫جذعة من الضأن" )‪.(10‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (2/321‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(3123‬‬
‫)‪ (2‬في إسناده عبد الله بن عياش ‪ ،‬قال البوصيري في الزوائد )‪: (3/50‬‬
‫"وإن روى له مسلم فإنما روى له في المتابعات والشواهد فقد ضعفه أبو‬
‫داود والنسائي ‪ ،‬وقال أبو حاتم ‪ ،‬وابن يونس ‪ :‬منكر الحديث وذكره ابن حبان‬
‫في الثقات"‪ .‬ثم نقل عن البيهقي أنه بلغه عن الترمذي ‪ :‬أن الصحيح عن أبي‬
‫هريرة موقوف أ‪ .‬هـ‪.‬‬
‫ويمكن أن يجاب بأن هذا الحديث ل يدل على الوجوب ‪ ،‬كما في حديث ‪:‬‬
‫"من أكل الثوم فل يقربن مصلنا" ذكر ذلك ابن الجوزي وهناك ل يلزم‬
‫استنكاره‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪ (1507‬وحسنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه ابن ماجه في السنن برقم )‪ (1789‬من حديث فاطمة بنت قيس‬
‫رضي الله عنها‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬هي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (4/125‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2788‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (1518‬وسنن النسائي )‪ (7/167‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(3125‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫)‪ (9‬سنن الترمذي برقم )‪ (1505‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(3147‬‬
‫)‪ (10‬صحيح مسلم برقم )‪.(1963‬‬

‫) ‪(5/432‬‬
‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ذي َ‬
‫ن كَ ُ‬
‫فورٍ )‪(38‬‬ ‫وا ٍ‬
‫خ ّ‬ ‫ب كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫مُنوا إ ِ ّ‬
‫نآ َ‬‫ن ال ّ ِ َ‬
‫دافِعُ عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ َ‬ ‫إِ ّ‬

‫ومن هاهنا ذهب الزهري إلى أن الجذ َعَ ل يجزئ‪ .‬وقابله الوزاعي فذهب إلى‬
‫ذع يجزئ من كل جنس ‪ ،‬وهما غريبان‪ .‬وقال الجمهور ‪ :‬إنما يجزئ‬ ‫ج َ‬
‫أن ال َ‬
‫الّثني من البل والبقر والمعز ‪ ،‬والجذع من الضأن ‪ ،‬فأما الثني من البل ‪:‬‬
‫فهو الذي له خمس سنين ‪ ،‬ودخل في السادسة‪ .‬ومن البقر ‪ :‬ما له ]سنتان[‬
‫)‪ (1‬ودخل في ]الثالثة[ )‪ ، (2‬وقيل ‪] :‬ما له[ )‪ (3‬ثلث ]ودخل في[ )‪(4‬‬
‫الرابعة‪ .‬ومن المعز ‪ :‬ما له سنتان‪ .‬وأما الجذع من الضأن فقيل ‪ :‬ما له سنة ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬عشرة أشهر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ثمانية أشهر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ستة أشهر ‪ ،‬وهو أقل ما‬
‫مل ‪ ،‬والفرق بينهما ‪ :‬أن الحمل شعر ظهره‬ ‫ح َ‬ ‫سّنه ‪ ،‬وما دونه فهو َ‬ ‫قيل في ِ‬
‫دعين ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ص‬ ‫انعدل‬ ‫قد‬ ‫‪،‬‬ ‫نائم‬ ‫ظهره‬ ‫شعر‬ ‫ذع‬‫َ‬ ‫والج‬ ‫قائم ‪،‬‬
‫فورٍ )‪.{ (38‬‬ ‫ن كَ ُ‬‫وا ٍ‬
‫خ ّ‬ ‫ب كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫مُنوا إ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫دافِعُ عَ ِ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫} إِ ّ‬
‫يخبر تعالى أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه شر الشرار‬
‫َ‬
‫س الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫وكيد الفجار ‪ ،‬ويحفظهم ويكلؤهم وينصرهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬أل َي ْ َ‬
‫ن‬
‫ه إِ ّ‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ فَهُوَ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن ي َت َوَك ّ ْ‬‫م ْ‬‫ف عَب ْد َهُ { ] الزمر ‪ [ 36 :‬وقال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫يٍء قَد ًْرا { ] الطلق ‪.[ 3 :‬‬ ‫ه ل ِك ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫جعَ َ‬‫مرِهِ قَد ْ َ‬ ‫ه َبال ِغُ أ ْ‬ ‫الل َ‬
‫فورٍ { أي ‪ :‬ل يحب من عباده من‬ ‫َ‬
‫نك ُ‬ ‫وا ٍ‬ ‫خ ّ‬‫ل َ‬ ‫بك ّ‬‫ُ‬ ‫ح ّ‬‫ه ل يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫اتصف بهذا ‪ ،‬وهو الخيانة في العهود والمواثيق ‪ ،‬ل يفي بما قال‪ .‬والكفر )‬
‫‪ : (5‬الجحد للنعم ‪ ،‬فل يعترف بها‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬والكفور"‪.‬‬

‫) ‪(5/433‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬‫ديٌر )‪ (39‬ال ّ ِ‬ ‫م لَ َ‬
‫ق ِ‬ ‫صرِهِ ْ‬ ‫ه عََلى ن َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫م ظ ُل ِ ُ‬ ‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫قات َُلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫أذِ َ‬
‫َ‬ ‫أُ ْ‬
‫ه وَل َوَْل د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬
‫س‬ ‫قوُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫حقّ إ ِّل أ ْ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬
‫م الل ّهِ‬ ‫س ُ‬‫جد ُ ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬ ‫معُ وَب ِي َعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ل َهُد ّ َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫زيٌز )‪(40‬‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫هل َ‬ ‫َ‬ ‫ن الل َ‬‫ّ‬ ‫صُرهُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ُ‬‫ّ‬ ‫صَر ّ‬ ‫َ‬
‫ك َِثيًرا وَلي َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ديٌر )‪ (39‬ال ّ ِ‬ ‫ق ِ‬‫م لَ َ‬‫صرِهِ ْ‬ ‫ه عََلى ن َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫م ظ ُل ِ ُ‬ ‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫قات َُلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫} أذِ َ‬
‫َ‬ ‫أُ ْ‬
‫س‬‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫ه وَل َ ْ‬ ‫قوُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫حقّ ِإل أ ْ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬
‫م الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫س ُ‬‫جد ُ ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬ ‫معُ وَب ِي َعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ل َهُد ّ َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫زيٌز )‪.{ (40‬‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫هل َ‬ ‫َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫صُرهُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫صَر ّ‬ ‫َ‬
‫ك َِثيًرا وَلي َن ْ ُ‬
‫قال الَعوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬نزلت في محمد وأصحابه حين أخرجوا من‬
‫مكة‪.‬‬
‫وقال غير واحد من السلف )‪ (1‬هذه أول آية نزلت في الجهاد ‪ ،‬واستدل بهذه‬
‫الية بعضهم على أن السورة مدنية ‪ ،‬وقاله مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫وغير واحد‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يحيى بن داود الواسطي ‪ :‬حدثنا إسحاق بن يوسف ‪،‬‬
‫جبير ‪،‬‬
‫طين ‪ -‬عن سعيد بن ُ‬ ‫عن سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن مسلم ‪ -‬هو الب َ ِ‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬لما أخرج )‪ (2‬النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال‬
‫كن‪ .‬قال ابن عباس ‪:‬‬ ‫أبو بكر ‪ :‬أخرجوا نبيهم‪ .‬إنا لله وإنا إليه راجعون ‪ ،‬ليهل ُ‬
‫ه عََلى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫موا وَإ ِ ّ‬‫م ظ ُل ِ ُ‬ ‫قات َُلو َ‬
‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فأنزل الله عز وجل ‪ } :‬أذِ َ‬
‫ديٌر { ‪ ،‬قال أبو بكر ‪ ،‬رضي الله تعالى عنه ‪ :‬فعرفت أنه سيكون‬ ‫م لَ َ‬
‫ق ِ‬ ‫صرِهِ ْ‬
‫نَ ْ‬
‫قتال‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال مجاهد والضحاك وقتادة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬خرج"‪.‬‬

‫) ‪(5/433‬‬

‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬عن إسحاق بن يوسف الزرق ‪ ،‬به )‪ (1‬وزاد ‪ :‬قال ابن‬
‫عباس ‪ :‬وهي أول آية نزلت في القتال‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬والنسائي في التفسير من سننيهما ‪ ،‬وابن أبي حاتم )‪ (2‬من‬
‫كيع ‪ ،‬كلهما عن سفيان الثوري ‪،‬‬ ‫حديث إسحاق بن يوسف ‪ -‬زاد الترمذي ‪ :‬ووَ ِ‬
‫به‪ .‬وقال الترمذي ‪ :‬حديث حسن ‪ ،‬وقد رواه غير واحد ‪ ،‬عن الثوري ‪ ،‬وليس‬
‫فيه ابن عباس )‪.(3‬‬
‫ديٌر { أي ‪ :‬هو قادر على نصر عباده‬ ‫ق ِ‬ ‫م لَ َ‬ ‫صرِهِ ْ‬ ‫ه عََلى ن َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫المؤمنين من غير قتال ‪ ،‬ولكن هو يريد من عباده أن يبلوا )‪ (4‬جهدهم في‬
‫حّتى إ َِذا‬ ‫ب َ‬ ‫ب الّرَقا ِ‬ ‫ضْر َ‬ ‫فُروا فَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قيت ُ ُ‬ ‫طاعته ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬فَِإذا ل َ ِ‬
‫ها‬‫ب أ َوَْزاَر َ‬ ‫حْر ُ‬ ‫ضعَ ال ْ َ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫داًء َ‬ ‫ما فِ َ‬ ‫مّنا ب َعْد ُ وَإ ِ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫دوا ال ْوََثاقَ فَإ ِ ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫خن ْت ُ ُ‬ ‫أ َث ْ َ‬
‫ن قُت ُِلوا ِفي‬ ‫ذي َ‬ ‫ض َوال ّ ِ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ن ل ِي َب ْل ُوَ ب َعْ َ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫صَر ِ‬ ‫ه لن ْت َ َ‬ ‫شاُء الل ّ ُ‬ ‫ك وَل َوْ ي َ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ة عَّرفََها‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫جن ّ َ‬ ‫م ال َ‬
‫َ‬
‫خلهُ ُ‬ ‫م وَي ُد ْ ِ‬ ‫ح َبالهُ ْ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫م وَي ُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫م‪َ .‬‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫ل أعْ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ل اللهِ فَل ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫م )‪(5‬‬ ‫ُ‬
‫ديك ْ‬ ‫ه ب ِأي ْ ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫م ي ُعَذ ّب ْهُ ُ‬ ‫ُ‬
‫م { ] محمد ‪ ، [ 6 - 4 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬قات ِلوهُ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ظ قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ب غَي ْ َ‬ ‫ن‪ .‬وَي ُذ ْهِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫دوَر قَوْم ٍ ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫م وَي َن ْ ُ‬ ‫خزِهِ ْ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫م { ] التوبة ‪ ، [ 15 ، 14 :‬وقال ‪:‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫شاُء َوالل ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫وَي َُتو ُ‬
‫ن‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫م ي َت ّ ِ‬ ‫م وَل ْ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ما ي َعْلم ِ الل ُ‬ ‫ن ت ُت َْركوا وَل ّ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫}أ ْ‬
‫ن { ] التوبة ‪:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ة َوالل ّ ُ‬ ‫ج ً‬ ‫ن وَِلي َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫سول ِهِ َول ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َول َر ُ‬ ‫ُدو ِ‬
‫دوا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه [ )‪ (6‬ال ِ‬ ‫ما ي َعْلم ِ ] الل ُ‬ ‫ة وَل ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خلوا ال َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫‪ } ، [ 16‬أ ْ‬
‫حّتى‬ ‫م‬
‫َ َْ َّ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫و‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪142‬‬ ‫‪:‬‬ ‫عمران‬ ‫آل‬ ‫]‬ ‫{‬ ‫ن‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫ري‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫م‬‫م وَي َعْل َ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫م { ] محمد ‪.[ 31 :‬‬ ‫خَباَرك ُْ‬ ‫َ‬
‫ن وَن َب ْل ُوَ أ ْ‬ ‫ري‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫وال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ُ َ ِ ِ َ ِ ْ ْ َ ّ ِ ِ َ‬ ‫نَ ْ َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫ه عََلى‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫واليات في هذا كثيرة ؛ ولهذا قال ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫ديٌر { وقد فعل‪.‬‬ ‫ق ِ‬ ‫م لَ َ‬ ‫صرِهِ ْ‬ ‫نَ ْ‬
‫وإنما شرع ]الله[ )‪ (7‬تعالى الجهاد في الوقت الليق به ؛ لنهم لما كانوا‬
‫بمكة كان المشركون أكثر عدًدا ‪ ،‬فلو أمَر المسلمين ‪ ،‬وهم أقل من العشر ‪،‬‬
‫ل يثرب ليلة العقبة رسول‬ ‫شقّ عليهم ؛ ولهذا لما بايع أه ُ‬ ‫بقتال الباقين )‪ (8‬ل َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكانوا نيفا وثمانين ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أل‬
‫منى فنقتلهم ؟ فقال رسول‬ ‫مَنى ‪ -‬ليالي ِ‬ ‫نميل على أهل الوادي ‪ -‬يعنون أهل ِ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم "إني لم أومر بهذا"‪ .‬فلما ب ََغى المشركون ‪،‬‬
‫وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم ‪ ،‬وهموا بقتله ‪،‬‬
‫ذر ‪ ،‬فذهب )‪ (9‬منهم طائفة إلى الحبشة ‪ ،‬وآخرون‬ ‫م َ‬ ‫شذَر َ‬ ‫وشردوا أصحابه َ‬
‫إلى المدينة‪ .‬فلما استقروا بالمدينة ‪ ،‬ووافاهم رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ُ‬
‫مْعقل‬‫وسلم ‪ ،‬واجتمعوا عليه ‪ ،‬وقاموا بنصره وصارت لهم دار إسلم و َ‬
‫يلجؤون إليه ‪ -‬شرع الله جهاد العداء ‪ ،‬فكانت هذه الية أول ما نزل في ذلك‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ه عََلى ن َ ْ‬
‫صرِهِ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ظ ُل ِ ُ‬
‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫قات َُلو َ‬
‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬
‫ذي َ‬‫ن ل ِل ّ ِ‬‫‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬أذِ َ‬
‫حق ّ {‬ ‫م ب ِغَي ْرِ َ‬
‫ن دَِيارِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫ن أُ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫ديٌر‪ .‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫لَ َ‬
‫ق ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ماجه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪ (3171‬وسنن النسائي الكبرى برقم )‪.(11345‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يبذلوا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬بأيديهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪ (17/123‬والمسند )‪.(1/216‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬المنافقين"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬فذهبت"‪.‬‬

‫) ‪(5/434‬‬

‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق ‪،‬‬ ‫قال العَ ْ‬
‫دا وأصحابه‪.‬‬ ‫يعني ‪ :‬محم ً‬
‫َ‬
‫ه { أي ‪ :‬ما كان لهم إلى قومهم إساءة ‪ ،‬ول كان لهم‬ ‫قوُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫} ِإل أ ْ‬
‫ذنب إل أنهم عبدوا الله )‪ (1‬وحده ل شريك له‪ .‬وهذا استثناء منقطع بالنسبة‬
‫إلى ما في نفس المر ‪ ،‬وأما عند المشركين فهو أكبر الذنوب ‪ ،‬كما قال‬
‫ل وإياك ُ َ‬
‫م { ] الممتحنة ‪، [ 1 :‬‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سو َ َ ِ ّ ْ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ي ُ ْ‬
‫مُنوا ِباللهِّ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُؤْ ِ‬
‫م ِإل أ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫موا ِ‬ ‫ق ُ‬‫ما ن َ َ‬ ‫وقال تعالى في قصة أصحاب الخدود ‪ } :‬وَ َ‬
‫ميد ِ { ] البروج ‪ .[ 8 :‬ولهذا لما كان المسلمون يرتجزون في بناء‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫صّليَنا‪...‬‬ ‫َ‬
‫صد ّْقنا َول َ‬ ‫دينا‪َ ...‬ول ت َ َ‬ ‫ت ما اهت َ َ‬ ‫م )‪َ (2‬لول أن َ‬ ‫الخندق ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬ل هُ ّ‬
‫ن لَقيَنا‪...‬‬ ‫مإ ْ‬ ‫ة عََليَنا‪ ...‬وَث َّبت القْ َ‬
‫دا َ‬ ‫سكين َ ً‬ ‫ن َ‬ ‫َفأنزل َ ْ‬
‫ة أب َي َْنا )‪(3‬‬ ‫ن الَلى قد ب ََغوا عََليَنا‪ ...‬إَذا أَرادوا فت ْن َ ً‬ ‫إ ّ‬
‫فيوافقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ويقول معهم آخر كل قافية ‪،‬‬
‫فإذا قالوا ‪" :‬إذا أرادوا فتنة أبينا" ‪ ،‬يقول ‪" :‬أبينا" ‪ ،‬يمد بها صوته‪.‬‬
‫ض { أي ‪ :‬لول أنه يدفع‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫س ب َعْ َ‬ ‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫شّر أناس عن غيرهم ‪ ،‬بما يخلقه ويقدره من‬ ‫ف َ‬ ‫عن قوم بقوم ‪ ،‬ويكش ُ‬
‫السباب ‪ ،‬لفسدت الرض ‪ ،‬وأهلك القوي الضعيف‪.‬‬
‫معُ { وهي المعابد الصغار للرهبان ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪،‬‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫} ل َهُد ّ َ‬
‫ومجاهد ‪ ،‬وأبو العالية ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هي معابد الصابئين‪ .‬وفي رواية عنه ‪ :‬صوامع المجوس‪.‬‬
‫حّيان ‪ :‬هي البيوت التي على الطرق‪.‬‬ ‫وقال مقاتل بن َ‬
‫ضا‪ .‬قاله أبو‬ ‫} وَب ِي َعٌ { ‪ :‬وهي أوسع منها ‪ ،‬وأكثر عابدين فيها‪ .‬وهي للنصارى أي ً‬
‫صيف ‪،‬‬ ‫خ َ‬ ‫العالية ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وابن )‪ (4‬صخر ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪ ،‬و ُ‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وحكى ابن جبير عن مجاهد وغيره ‪ :‬أنها كنائس اليهود‪ .‬وحكى السدي ‪ ،‬عمن‬
‫دثه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنها كنائس اليهود ‪ ،‬ومجاهد إنما قال ‪ :‬هي الكنائس ‪،‬‬ ‫ح ّ‬‫َ‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫ت { ‪ :‬قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الصلوات ‪ :‬الكنائس‪.‬‬ ‫صل َ َ‬
‫وا ٌ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫وكذا قال عكرمة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬إنها كنائس اليهود‪ .‬وهم يسمونها‬
‫صُلوتا‪.‬‬
‫َ‬
‫وحكى السدي ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنها كنائس النصارى‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وحد الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬والله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬البيات لعامر بن الكوع كما في صحيح مسلم برقم )‪.(1803‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أبو"‪.‬‬

‫) ‪(5/435‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ِفي اْل َْر‬


‫ف‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫كاةَ وَأ َ‬ ‫صَلة َ وَآت َ ُ‬
‫وا الّز َ‬ ‫ض أَقا ُ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫ن َ‬‫ن إِ ْ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫مورِ )‪(41‬‬ ‫ة اْل ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫من ْك َرِ وَل ِل ّهِ َ‬
‫ن ال ْ ُ‬
‫وا عَ ِ‬‫وَن َهَ ْ‬
‫وقال أبو العالية ‪ ،‬وغيره ‪ :‬الصلوات ‪ :‬معابد الصابئين‪.‬‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬الصلوات ‪ :‬مساجد لهل الكتاب ولهل‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫السلم بالطرق‪ .‬وأما المساجد فهي للمسلمين‪.‬‬
‫م الل ّهِ ك َِثيًرا { فقد قيل ‪ :‬الضمير في قوله ‪ } :‬ي ُذ ْكَرَ‬ ‫س ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬
‫ِفيَها { عائد إلى المساجد ؛ لنها أقرب المذكورات‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬الجميع يذكر فيها اسم الله كثيرا‪.‬‬
‫ب ‪ :‬لهدمت صوامع الرهبان وِبيعُ النصارى وصلوات‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬الصوا ُ‬
‫اليهود ‪ ،‬وهي كنائسهم ‪ ،‬ومساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيرا ؛‬
‫لن هذا هو المستعمل المعروف في كلم العرب‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء ‪ :‬هذا ت ََرقّ من القل إلى الكثر إلى أن ينتهي إلى‬
‫مارا وأكثر عبادا ‪ ،‬وهم ذوو القصد الصحيح‪.‬‬ ‫المساجد ‪ ،‬وهي أكثر عُ ّ‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صُره ُ { كقوله )‪ (1‬تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َي َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫م وَأ َ‬ ‫سا ل َهُ ْ‬ ‫فُروا فَت َعْ ً‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫م‪َ .‬وال ّ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫إِ ْ‬
‫م { ] محمد ‪.[ 8 ، 7 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مالهُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫صف نفسه بالقوة والعزة ‪ ،‬فبقوته خلق‬ ‫زيٌز { وَ َ‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫كل شيء فقدره تقديرا ‪ ،‬وبعزته ل يقهره قاهر ‪ ،‬ول يغلبه غالب ‪ ،‬بل كل‬
‫شيء ذليل لديه ‪ ،‬فقير إليه‪ .‬ومن كان القويّ العزيز ناصَره فهو المنصور ‪،‬‬
‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وعدوه هو المقهور ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن { ] الصافات ‪:‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫جن ْد ََنا ل َهُ ُ‬‫ن ُ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِ ّ‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬‫م ل َهُ ُ‬ ‫ن‪ .‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫ه لغْل ِب َ ّ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫‪ [ 173 - 171‬وقال ]الله[ )‪ (2‬تعالى ‪ } :‬ك َت َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫زيٌز { ] المجادلة ‪.[ 21 :‬‬ ‫قَوِيّ عَ ِ‬
‫ف‬‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫كاة َ وَأ َ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫مورِ )‪.{ (41‬‬ ‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫من ْك َرِ وَل ِل ّهِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وا عَ ِ‬ ‫وَن َهَ ْ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الربيع الّزهَْراني ‪ ،‬حدثنا حماد بن‬
‫زيد ‪ ،‬عن أيوب وهشام ‪ ،‬عن محمد قال ‪ :‬قال عثمان بن عفان ‪ :‬فينا نزلت ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫كاة َ وَأ َ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫من ْك َرِ { ‪ ،‬فأخرجنا من ديارنا بغير حق ‪ ،‬إل أن قلنا ‪" :‬ربنا الله" ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫وا عَ ِ‬ ‫وَن َهَ ْ‬
‫مكّنا في الرض ‪ ،‬فأقمنا الصلة ‪ ،‬وآتينا الزكاة ‪ ،‬وأمرنا بالمعروف ‪ ،‬ونهينا‬ ‫ثم ُ‬
‫عن المنكر ‪ ،‬ولله عاقبة المور ‪ ،‬فهي لي ولصحابي‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬لقوله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(5/436‬‬

‫م وَقَوْ ُ‬
‫م‬ ‫هي َ‬ ‫م إ ِب َْرا ِ‬ ‫مود ُ )‪ (42‬وَقَوْ ُ‬ ‫عاد ٌ وَث َ ُ‬ ‫م ُنوٍح وَ َ‬ ‫م قَوْ ُ‬ ‫ت قَب ْل َهُ ْ‬ ‫قد ْ ك َذ ّب َ ْ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ن ي ُك َذ ُّبو َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م فَك َي ْ َ‬
‫ف‬ ‫خذ ْت ُهُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫ن ثُ ّ‬
‫ري َ‬ ‫ت ل ِل َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ملي ْ ُ‬ ‫سى فَأ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن وَك ُذ ّ َ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫ط )‪ (43‬وَأ ْ‬ ‫ُلو ٍ‬
‫َ‬
‫ة عََلى‬ ‫خاوِي َ ٌ‬ ‫ي َ‬ ‫ة فَهِ َ‬‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ها وَهِ َ‬ ‫ن قَْري َةٍ أ َهْل َك َْنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كيرِ )‪ (44‬فَك َأي ّ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬
‫كا َ‬ ‫َ‬
‫سيُروا ِفي اْل َْرض فَت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫كو َ‬ ‫ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫شيد ٍ )‪ (45‬أفَل َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صرٍ َ‬ ‫معَط ّل َةٍ وَقَ ْ‬ ‫شَها وَب ِئ ْرٍ ُ‬ ‫عُُرو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مى‬ ‫ن ت َعْ َ‬ ‫صاُر وَلك ِ ْ‬ ‫مى الب ْ َ‬ ‫ن ب َِها فَإ ِن َّها ل ت َعْ َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن ب َِها أوْ آَذا ٌ‬ ‫قلو َ‬ ‫ب ي َعْ ِ‬‫قُُلو ٌ‬
‫دورِ )‪(46‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ب ال ِّتي ِفي ال ّ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫وقال أبو العالية ‪ :‬هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال الصباح بن سوادة الكندي ‪ :‬سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو‬
‫ض { الية ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إل أنها ليست على‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫يقول ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫الوالي وحده ‪ ،‬ولكنها على الوالي والمولى عليه ‪ ،‬أل أنبئكم بما لكم على‬
‫ذلكم ‪ ،‬وبما للوالي عليكم منه ؟ إن لكم على الوالي من ذلكم أن‬ ‫الوالي من َ‬
‫يؤاخذكم بحقوق الله عليكم ‪ ،‬وأن يأخذ لبعضكم من بعض ‪ ،‬وأن يهديكم للتي‬
‫هي أقوم ما استطاع ‪ ،‬وإن عليكم من ذلك الطاعة غير المبزوزة ول‬
‫المستكرهة ‪ ،‬ول المخالف سرها علنيتها‪.‬‬
‫ملوا‬ ‫ُ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫وقال عطية العوفي ‪ :‬هذه الية كقوله ‪ } :‬وَعَد َ الل ُ‬
‫م [ )‪{ (1‬‬ ‫ن قب ْل ِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ِ‬‫ّ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض ] كَ َ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫م ِفي الْر ِ‬ ‫فن ّهُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫] النور ‪.[ 55 :‬‬
‫ن{‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫مورِ { ‪ ،‬كقوله تعالى } َوال َْعاقِب َ ُ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ِل ّهِ َ‬
‫] القصص ‪.[ 83 :‬‬
‫مورِ { ‪ :‬وعند الله ثواب ما صنعوا‪.‬‬ ‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫وقال زيد بن أسلم ‪ } :‬وَل ِل ّهِ َ‬
‫م‬‫هي َ‬ ‫م إ ِب َْرا ِ‬ ‫مود ُ )‪ (42‬وَقَوْ ُ‬ ‫عاد ٌ وَث َ ُ‬ ‫م ُنوٍح وَ َ‬ ‫م قَوْ ُ‬ ‫ت قَب ْل َهُ ْ‬ ‫قد ْ ك َذ ّب َ ْ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ن ي ُك َذ ُّبو َ‬ ‫} وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت ل ِل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫خذ ْت ُهُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ملي ْ ُ‬ ‫سى فَأ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن وَك ُذ ّ َ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ط )‪ (43‬وَأ ْ‬ ‫م لو ٍ‬ ‫وَقَوْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة عَلى‬ ‫خاوِي َ ٌ‬ ‫ي َ‬ ‫ة فَهِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ي ظال ِ َ‬ ‫ها وَهِ َ‬ ‫ن قَْري َةٍ أهْلكَنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كيرِ )‪ (44‬فَكأي ّ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ف كا َ‬ ‫فَك َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫كو َ‬ ‫سيُروا ِفي الْرض فَت َ ُ‬
‫ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫شيد ٍ )‪ (45‬أفَل َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صرٍ َ‬ ‫معَط ّل َةٍ وَقَ ْ‬ ‫شَها وَب ِئ ْرٍ ُ‬ ‫عُُرو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مى‬ ‫ن ت َعْ َ‬ ‫صاُر وَلك ِ ْ‬ ‫مى الب ْ َ‬ ‫ن ب َِها فَإ ِن َّها ل ت َعْ َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن ب َِها أوْ آَذا ٌ‬ ‫قلو َ‬ ‫ب ي َعْ ِ‬ ‫قُُلو ٌ‬
‫دورِ )‪.{ (46‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ب ال ِّتي ِفي ال ّ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫يقول تعالى مسليا نبّيه محمدا صلى الله عليه وسلم في تكذيب من خالفه‬
‫م ُنوٍح { إلى أن قال )‪: (2‬‬ ‫م قَوْ ُ‬ ‫ت قَب ْل َهُ ْ‬ ‫قد ْ ك َذ ّب َ ْ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ن ي ُك َذ ُّبو َ‬ ‫من قومه ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫سى { أي ‪ :‬مع ما جاء به من اليات البينات والدلئل الواضحات‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫} وَك ُذ ّ َ‬
‫َ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫كي ِ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫م فَك َي ْ َ‬ ‫خذ ْت ُهُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫ن { أي ‪ :‬أنظرتهم وأخرتهم ‪ } ،‬ث ُ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫مل َي ْ ُ‬ ‫} فَأ ْ‬
‫{ أي ‪ :‬فكيف كان إنكاري عليهم ‪ ،‬ومعاقبتي لهم ؟!‬
‫م العَْلى {‬ ‫َ‬
‫ذكر بعض السلف أنه كان بين قول فرعون لقومه ‪ } :‬أَنا َرب ّك ُ ُ‬
‫] النازعات ‪ ، [ 24 :‬وبين إهلك الله له أربعون سنة‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي موسى ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫خذ ُ‬ ‫ك أَ ْ‬ ‫فل ِْته ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬ ‫قال ‪" :‬إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم ي ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ك إ َِذا أ َ َ‬
‫خذ َ ال ْ ُ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ديد ٌ { ] هود ‪.(3) [ 102 :‬‬
‫ش ِ‬ ‫خذ َه ُ أِلي ٌ‬ ‫ة إِ ّ‬
‫م ٌ‬
‫ظال ِ َ‬ ‫قَرى وَهِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وعاد وثمود‪ .‬وقوم إبراهيم وقوم لوط‪ .‬وأصحاب مدين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (4686‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2583‬‬

‫) ‪(5/437‬‬

‫َ‬
‫ها { أي ‪ :‬كم من قرية أهلكتها‬ ‫ن قَْري َةٍ أ َهْل َك َْنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ِ (1‬‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬فَك َأي ّ ْ‬
‫شَها {‬ ‫ة عََلى عُُرو ِ‬ ‫خاوِي َ ٌ‬
‫ي َ‬ ‫ة { [ )‪ (2‬أي ‪ :‬مكذبة لرسولها ‪ } ،‬فَهِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫ي َ‬ ‫} وَهِ َ‬
‫قال الضحاك ‪ :‬سقوفها ‪ ،‬أي ‪ :‬قد خربت منازلها وتعطلت حواضرها‪.‬‬
‫معَط ّل َةٍ { أي ‪ :‬ل يستقى منها ‪ ،‬ول ي َرُِدها أحد بعد كثرة وارديها‬ ‫} وَب ِئ ْرٍ ُ‬
‫والزدحام عليها‪.‬‬
‫مب َّيض بالجص‪.‬‬ ‫شيدٍ { قال عكرمة ‪ :‬يعني ال ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صرٍ َ‬ ‫} وَقَ ْ‬
‫وروي عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وأبي‬
‫مِليح ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬ ‫ال َ‬
‫منيف المرتفع‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫هو‬ ‫‪:‬‬ ‫آخرون‬ ‫وقال‬
‫وقال آخرون ‪ :‬الشديد المنيع الحصين‪.‬‬
‫حم ِ أهله شدة بنائه ول‬ ‫وكل هذه القوال متقاربة ‪ ،‬ول منافاة بينها ‪ ،‬فإنه لم ي َ ْ‬
‫ارتفاعه ‪ ،‬ول إحكامه ول حصانته ‪ ،‬عن حلول بأس الله بهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫شي ّد َةٍ { ] النساء ‪.[ 78 :‬‬ ‫م َ‬ ‫م ِفي ب ُُروٍج ُ‬ ‫ت وَل َوْ ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫موْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫كوُنوا ي ُد ْرِك ُك ُ ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫} أي ْن َ َ‬
‫َ‬
‫ض { أي ‪ :‬بأبدانهم وبفكرهم أيضا ‪ ،‬وذلك‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أفَل َ ْ‬
‫كاف ‪ ،‬كما قال ابن أبي الدنيا في كتاب "التفكر والعتبار" ‪:‬‬
‫سّيار ‪ ،‬حدثنا )‪ (3‬جعفر ‪ ،‬حدثنا مالك بن‬ ‫حدثنا هارون بن عبد الله ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫دينار قال ‪ :‬أوحى الله تعالى إلى موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أن يا موسى ‪ ،‬اتخذ‬
‫ح في الرض ‪ ،‬واطلب الثار والعبر ‪ ،‬حتى‬ ‫س ْ‬ ‫نعلين من حديد وعصا ‪ ،‬ثم ِ‬
‫تتخرق النعلن )‪ (4‬وتكسر العصا‪.‬‬
‫وره‬ ‫ي قلبك بالمواعظ ‪ ،‬ون َ ّ‬ ‫ح ِ‬‫وقال ابن أبي الدنيا ‪ :‬قال بعض الحكماء ‪ :‬أ ْ‬
‫ه بالموت )‪ ، (5‬وقّرره بالفناء )‪(6‬‬ ‫وه باليقين ‪ ،‬وذ َل ّل ْ ُ‬ ‫وته بالزهد ‪ ،‬وقَ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫كر ‪ ،‬و َ‬ ‫ف ْ‬ ‫بال ِ‬
‫قلب اليام ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ة )‪ (8‬الدهر وفحش ت َ َ‬ ‫حذره صول َ‬ ‫ّ‬ ‫صره فجائع )‪ (7‬الدنيا ‪ ،‬و َ‬ ‫‪ ،‬وب َ ّ‬
‫سْر في‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫قبله‬ ‫كان‬ ‫من‬ ‫(‬ ‫‪9‬‬ ‫)‬ ‫أصاب‬ ‫ما‬ ‫وذكره‬ ‫‪،‬‬ ‫الماضين‬ ‫أخبار‬ ‫عليه‬ ‫واعرض‬
‫م انقلبوا‪.‬‬ ‫حّلوا ‪ ،‬وعَ ّ‬ ‫ديارهم وآثارهم ‪ ،‬وانظر ما فعلوا ‪ ،‬وأين َ‬
‫ن‬
‫كو َ‬‫أي ‪ :‬فانظروا )‪ (10‬ما حل بالمم المكذبة من النقم والنكال )‪ } (11‬فَت َ ُ‬
‫َ‬
‫ن ب َِها { أي ‪ :‬فيعتبرون بها ‪ } ،‬فَإ ِن َّها ل‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ن ب َِها أوْ آَذا ٌ‬ ‫قُلو َ‬ ‫ب ي َعْ ِ‬ ‫م قُُلو ٌ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫دورِ { أي ‪ :‬ليس العمى عمى‬ ‫ص ُ‬‫ب ال ِّتي ِفي ال ّ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫مى ال ْ ُ‬ ‫ن ت َعْ َ‬ ‫صاُر وَل َك ِ ْ‬ ‫مى الب ْ َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫البصر ‪ ،‬وإنما العمى عمى البصيرة ‪ ،‬وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها ل‬
‫تنفذ إلى العبر ‪ ،‬ول تدري ما الخبر‪ .‬وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في هذا‬
‫المعنى ‪ -‬وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن سارة )‪ (12‬الندلسي‬
‫شن َْتريني ‪ ،‬وقد كانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وكأين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تخرق النعال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬بالقرب"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وتدبره بالثناء"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بمجامع"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬بصولة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وذكره بأم كتاب"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فينظروا"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ابن حبان"‪.‬‬

‫) ‪(5/438‬‬

‫ب والكب َُر‪...‬‬ ‫قاء ‪ ،‬وَقد‪َ ...‬ناَدى به الناعَيان ‪ :‬الشي ُ‬ ‫ش َ‬ ‫خ إلى َداعي ال َ‬ ‫من ُيصي ُ‬ ‫يا َ‬
‫ع‬
‫واعيان ‪ :‬السم ُ‬ ‫مع الذكَرى ‪ ،‬ففيم ت َُرى‪ ...‬في َرأسك ال َ‬ ‫ْ‬ ‫س َ‬
‫ت ل تَ ْ‬ ‫إن كن َ‬‫ُ‬
‫صُر?‪...‬‬ ‫والب َ َ‬
‫َ‬
‫ن والثُر‪...‬‬ ‫جل‪ ...‬لم ي َْهده الَهاديان ‪ :‬الَعي ُ‬ ‫وى َر ُ‬ ‫مى س َ‬ ‫م ول الع َ‬ ‫ص ّ‬ ‫س ال َ‬ ‫لي َ‬
‫س‬
‫ْ ُ‬ ‫م‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫‪:‬‬ ‫يران‬ ‫ّّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ول‬ ‫أعلى‬ ‫الـ‪...‬‬ ‫لك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫ال‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫الدنيا‬ ‫ول‬
‫َ‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫ب‬
‫َْ‬ ‫ي‬ ‫دهر‬ ‫ل ال ّ‬
‫مُر‪...‬‬ ‫ق َ‬ ‫َوال َ‬
‫ضُر‪...‬‬
‫ح َ‬‫دو وال َ‬ ‫رها )‪ (1‬فَراقها ‪ ،‬الثاويان ‪ :‬الب َ ْ‬ ‫عن الدنيا ‪َ ،‬وإن ك َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫حل َ ّ‬ ‫ل َي َْر َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كرهن"‪.‬‬

‫) ‪(5/439‬‬

‫ذاب ول َن يخلف الل ّه وعده وإن يوما عند رب َ َ‬


‫سن َةٍ‬
‫ف َ‬ ‫ك ك َأل ْ ِ‬ ‫ُ َ ْ َ ُ َِ ّ َ ْ ً ِ ْ َ َ ّ‬ ‫ك ِبال ْعَ َ ِ َ ْ ُ ْ ِ َ‬ ‫جُلون َ َ‬‫ست َعْ ِ‬‫وَي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خذ ْت َُها وَإ ِل ّ‬
‫ي‬ ‫مأ َ‬ ‫ة ثُ ّ‬
‫م ٌ‬
‫ي ظال ِ َ‬
‫ت لَها وَهِ َ‬
‫ملي ْ ُ‬‫ن قَْري َةٍ أ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫ن )‪ (47‬وَكأي ّ ْ‬ ‫دو َ‬‫ما ت َعُ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫صيُر )‪(48‬‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ال َ‬
‫ذاب ول َن يخلف الل ّه وعده وإن يوما عند رب َ َ‬
‫سن َةٍ‬‫ف َ‬ ‫ك ك َأل ْ ِ‬ ‫ُ َ ْ َ ُ َِ ّ َ ْ ً ِ ْ َ َ ّ‬ ‫ك ِبال ْعَ َ ِ َ ْ ُ ْ ِ َ‬ ‫جُلون َ َ‬ ‫ست َعْ ِ‬‫} وَي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬‫خذ ْت َُها وَإ ِل ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫ة ثُ ّ‬ ‫م ٌ‬‫ي ظال ِ َ‬ ‫ت لَها وَهِ َ‬ ‫ملي ْ ُ‬ ‫ن قَْري َةٍ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن )‪ (47‬وَك َأي ّ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعُ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫صيُر )‪.{ (48‬‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ال َ‬
‫ب{‬ ‫ذا ِ‬ ‫ْ‬
‫ك ِبالعَ َ‬ ‫جلون َ َ‬‫ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫يقول تعالى لنبيه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه )‪ } : (1‬وَي َ ْ‬
‫أي ‪ :‬هؤلء الكفار الملحدون المكذبون )‪ (2‬بالله وكتابه ورسوله واليوم‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ذا هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫الخر ‪ ،‬كما قال ]الله[ )‪ (3‬تعالى ‪ } :‬وَإ ِذ ْ َقاُلوا الل ّهُ ّ‬
‫َ‬ ‫ماِء أ َوِ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬ ‫من عند َ َ‬
‫ب أِليم ٍ { ] النفال ‪:‬‬ ‫ذا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جاَرة ً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مط ِْر عَل َي َْنا ِ‬ ‫ك فَأ ْ‬ ‫ِ ْ ِ ْ ِ‬
‫ب { ] ص ‪.[ 16 :‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ل ي َوْم ِ ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل لَنا قِطَنا قب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪ } ، [ 32‬وَقالوا َرب َّنا عَ ّ‬
‫عد ‪ ،‬من إقامة الساعة‬ ‫ه وَعْد َهُ { أي ‪ :‬الذي قد وَ َ‬ ‫ّ‬
‫ف الل ُ‬ ‫خل ِ َ‬‫ن يُ ْ‬‫وقوله ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫والنتقام من أعدائه ‪ ،‬والكرام لوليائه‪.‬‬
‫قال الصمعي ‪ :‬كنت عند أبي عمرو بن العلء ‪ ،‬فجاء عمرو بن عبيد ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫يا أبا عمرو ‪ ،‬وهل يخلف الله الميعاد ؟ فقال ‪ :‬ل‪ .‬فذكر آية وعيد ‪ ،‬فقال له ‪:‬‬
‫أمن )‪ (4‬العجم أنت ؟ إن العرب َتعد ُ الرجوع عن الوعد لؤما ‪ ،‬وعن اليعاد‬
‫ت قول الشاعر )‪: (5‬‬ ‫ما سمع َ‬ ‫كرما ‪ ،‬أو َ‬
‫دد‪...‬‬ ‫مت َهَ ّ‬ ‫سطوة ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫خت َِتي )‪ (7‬من َ‬ ‫وتي‪ ...‬ول أ ْ‬ ‫ْ‬
‫سط َ‬ ‫ن العم منى )‪َ (6‬‬ ‫ب اب َ‬ ‫ل ي ُْرهِ ُ‬
‫وعدي‪...‬‬ ‫م ْ‬ ‫مْنجُز َ‬ ‫ف إيَعادي و ُ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫م ْ‬‫فإّني َوإن أوْعَد ُْته أوْ وَعَد ُْته‪ ...‬ل َ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬وإن يوما عند رب َ َ‬
‫جل‬‫ن { أي ‪ :‬هو تعالى ل َيع َ‬ ‫دو َ‬
‫ما ت َعُ ّ‬
‫م ّ‬
‫سن َةٍ ِ‬
‫ف َ‬ ‫ك ك َأل ْ ِ‬ ‫َِ ّ َ ْ ً ِ ْ َ َ ّ‬
‫‪ ،‬فإن مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حكمه ‪ ،‬لعلمه‬
‫ظر وأملى ؛ ولهذا‬ ‫ل وأن َ‬ ‫ج َ‬ ‫بأنه على النتقام قادر ‪ ،‬وأنه ل يفوته شيء ‪ ،‬وإن أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خذ ْت َُها وَإ ِل َ ّ‬
‫ي‬ ‫مأ َ‬ ‫ة ثُ ّ‬
‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫ي َ‬‫ت ل ََها وَهِ َ‬‫مل َي ْ ُ‬
‫ن قَْري َةٍ أ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫قال بعد هذا ‪ } :‬وَك َأي ّ ْ‬
‫صيُر {‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ِ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن عََرفة ‪ ،‬حدثني عبدة بن سليمان ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عمرو ‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه وسلمه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الملحدين المكذبين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (5‬هو عامر بن الطفيل والبيت في اللسان مادة )ختأ( ‪) ،‬وعد(‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والجار"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ينثني"‪.‬‬

‫) ‪(5/439‬‬

‫أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬‬
‫يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الغنياء بنصف يوم ‪ ،‬خمسمائة عام"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي والنسائي ‪ ،‬من حديث الثوري ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وقد رواه ابن جرير ‪ ،‬عن أبي هريرة موقوفا )‬
‫‪ ، (2‬فقال ‪:‬‬
‫ضَرة ‪ ،‬عن‬ ‫جَريري ‪ ،‬عن أبي ن َ ْ‬ ‫ة ‪ ،‬حدثنا سعيد ال ُ‬ ‫َ‬
‫حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُلي ّ َ‬
‫مْير بن نهار قال ‪ :‬قال أبو هريرة ‪ :‬يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل‬ ‫س َ‬‫ُ‬
‫الغنياء بمقدار نصف يوم‪ .‬قلت ‪ :‬وما نصف يوم ؟ قال ‪ :‬أَوما تقرأ القرآن ؟‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ } :‬وإن يوما عند رب َ َ‬
‫ن { )‪.(3‬‬ ‫دو َ‬‫ما ت َعُ ّ‬
‫م ّ‬‫سن َةٍ ِ‬‫ف َ‬ ‫ك ك َأل ْ ِ‬ ‫َِ ّ َ ْ ً ِ ْ َ َ ّ‬
‫وقال أبو داود في آخر كتاب الملحم من سننه ‪ :‬حدثنا عمرو بن عثمان ‪،‬‬
‫شَريح بن )‪ (4‬عَُبيد ‪ ،‬عن سعد بن أبي‬ ‫حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬عن ُ‬
‫جَز أمتي‬ ‫َوقاص ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إني لرجو أل ت َعْ ِ‬
‫عند ربها ‪ ،‬أن يؤخرهم نصف يوم"‪ .‬قيل لسعد ‪ :‬وما نصف يوم ؟ قال ‪:‬‬
‫خمسمائة سنة )‪.(5‬‬
‫ي‬
‫مهْدِ ّ‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سَنان )‪ ، (6‬حدثنا عبد الرحمن بن َ‬
‫عن ْد َ‬
‫ما ِ‬ ‫ن ي َوْ ً‬‫ماك ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬ ‫س َ‬‫‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن ِ‬
‫رب َ َ‬
‫ن { قال ‪ :‬من اليام التي خلق الله فيها السموات‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعُ ّ‬
‫م ّ‬‫سن َةٍ ِ‬
‫ف َ‬ ‫ك ك َأل ْ ِ‬ ‫َ ّ‬
‫والرض‪.‬‬
‫شار )‪ ، (7‬عن ابن مهدي )‪ .(8‬وبه قال مجاهد ‪،‬‬ ‫رواه ابن جرير ‪ ،‬عن ابن ب َ ّ‬
‫وعكرمة ‪ ،‬ونص عليه أحمد بن حنبل في كتاب "الرد ّ على الجهمية"‪.‬‬
‫ج‬
‫م ي َعُْر ُ‬ ‫ض ثُ ّ‬ ‫َ‬
‫ماِء إ ِلى الْر ِ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬‫م َ‬ ‫مَر ِ‬ ‫وقال مجاهد ‪ :‬هذه الية كقوله ‪ } :‬ي ُد َب ُّر ال ْ‬
‫ن { ] السجدة ‪.[ 5 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعُ ّ‬
‫م ّ‬‫سن َةٍ ِ‬
‫ف َ‬ ‫داُره ُ أ َل ْ َ‬‫ق َ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ِفي ي َوْم ٍ َ‬
‫كا َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عارم ‪ -‬محمد بن الفضل ‪ -‬حدثنا حماد‬
‫بن زيد ‪ ،‬عن يحيى بن عَِتيق ‪ ،‬عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن رجل من أهل‬
‫م قال ‪ :‬إن الله تعالى خلق السموات والرض في ستة أيام ‪،‬‬ ‫الكتاب أسل َ‬
‫ن { وجعل أجل الدنيا ستة أيام ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫ما ت َعُ ّ‬
‫م ّ‬‫سن َةٍ ِ‬
‫ف َ‬
‫عن ْد َ َرب ّك كأل ِ‬
‫ما ِ‬‫ن ي َوْ ً‬
‫} وَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دو َ‬
‫ما ت َعُ ّ‬
‫م ّ‬
‫سن َةٍ ِ‬
‫ف َ‬
‫عن ْد َ َرب ّك كأل ِ‬
‫ما ِ‬
‫ن ي َوْ ً‬‫وجعل الساعة في اليوم السابع ‪ } ،‬وَإ ِ ّ‬
‫{ ‪ ،‬فقد مضت الستة اليام ‪ ،‬وأنتم في اليوم السابع‪ .‬فمثل ذلك كمثل‬
‫الحامل إذا دخلت شهرها ‪ ،‬في أية لحظة ولدت كان تماما‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي برقم )‪ (2354‬وسنن النسائي الكبرى برقم )‪ (11348‬أي‬
‫أن النصف يوم خمسمائه عام‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬مرفوعا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(17/129‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود برقم )‪.(4350‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬شيبان"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬يسار"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(17/129‬‬

‫) ‪(5/440‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ت‬
‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن )‪َ (49‬فال ّ ِ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫ما أَنا ل َك ُ ْ‬ ‫س إ ِن ّ َ‬ ‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫ن أول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫كأ ْ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬
‫مَعا ِ‬ ‫وا ِفي آَيات َِنا ُ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (50‬وال ّ ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫فَرةٌ وَرِْزقٌ َك َ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قى‬ ‫مّنى أل َ‬ ‫ي إ ِل إ َِذا ت َ َ‬ ‫ل وَل ن َب ِ ّ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سلَنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫حيم ِ )‪ (51‬وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حك ِم الل ّ َ‬ ‫ُ‬
‫ه آَيات ِهِ َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫م يُ ْ ُ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫قي ال ّ‬ ‫ما ي ُل ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫خ الل ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫من ِي ّت ِهِ فَي َن ْ َ‬ ‫ن ِفي أ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ض‬
‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ة ل ِل ِ‬ ‫ن فِت ْن َ ً‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫قي ال ّ‬ ‫ْ‬
‫ما ي ُل ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م )‪ (52‬ل ِي َ ْ‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ن أوُتوا‬ ‫ذي َ‬‫م ال ِ‬ ‫ق ب َِعيد ٍ )‪ (53‬وَل ِي َعْل َ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫في ِ‬ ‫نل ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫سي َةِ قُلوب ُهُ ْ‬ ‫قا ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ه ل ََهادِ ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ه قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫خب ِ َ‬‫مُنوا ب ِهِ فَت ُ ْ‬ ‫ك فَي ُؤْ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ال ْعِل ْ َ‬
‫قيم ٍ )‪(54‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫مُنوا إ َِلى ِ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫آ َ‬

‫مُلوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (49‬فال ّ ِ‬ ‫مِبي ٌ‬‫ذيٌر ُ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫ما أَنا ل َك ُ ْ‬ ‫س إ ِن ّ َ‬ ‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ن‬‫زي َ‬‫ج ِ‬ ‫مَعا ِ‬ ‫وا ِفي آَيات َِنا ُ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م )‪َ (50‬وال ِ‬ ‫فَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬
‫ري ٌ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ت لهُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫حيم ِ )‪.{ (51‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬
‫يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حين طلب منه الكفار وُُقوع َ العذاب ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما‬ ‫مِبي ٌ‬‫ذيٌر ُ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫ما أَنا ل َك ُ ْ‬ ‫س إ ِن ّ َ‬
‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫واستعجلوه به ‪ } :‬قُ ْ‬
‫أرسلني الله إليكم نذيًرا لكم بين يدي عذاب شديد ‪ ،‬وليس إلي من حسابكم‬
‫من شيء ‪ ،‬أمركم إلى الله ‪ ،‬إن شاء عجل لكم العذاب ‪ ،‬وإن شاء أخره‬
‫عنكم ‪ ،‬وإن شاء تاب على من يتوب إليه ‪ ،‬وإن شاء أضل من كتب عليه‬
‫ه‬
‫م ِ‬‫حك ْ ِ‬‫ب لِ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫معَ ّ‬
‫الشقاوة ‪ ،‬وهو الفعال لما يشاء ويريد ويختار ‪] ،‬و[ )‪ } (1‬ل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬فال ِ‬ ‫مِبي ٌ‬‫ذيٌر ُ‬ ‫م نَ ِ‬‫ما أَنا ل َك ُ ْ‬ ‫ب { ] الرعد ‪ [ 41 :‬و } إ ِن ّ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫وَهُوَ َ‬
‫ت { أي ‪ :‬آمنت قلوبهم وصدقوا إيمانهم بأعمالهم ‪،‬‬ ‫حا‬
‫ّ ِ َ ِ‬ ‫ل‬‫صا‬ ‫ال‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫م‬
‫مُنوا َ َ ِ‬
‫ع‬ ‫و‬ ‫آ َ‬
‫م { أي ‪ :‬مغفرة لما سلف من سيئاتهم ‪ ،‬ومجازاة‬ ‫فَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬
‫ري ٌ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫} ل َهُ ْ‬
‫ة على القليل من حسناتهم‪.‬‬ ‫سن ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ت الله تعالى يقول ‪ } :‬وَرِْزقٌ‬ ‫َ‬ ‫سمع‬ ‫إذا‬ ‫‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ظ‬
‫َ ِ ّ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫كعب‬ ‫بن‬ ‫محمد‬ ‫قال‬ ‫(‬ ‫‪2‬‬ ‫)‬ ‫]و[‬
‫م { فهو الجنة‪.‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫كَ ِ‬
‫ن { ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬ي ُث َّبطون الناس‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫مَعا ِ‬ ‫وا ِفي آَيات َِنا ُ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقوله ‪َ } :‬وال ِ‬
‫عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬وكذا قال عبد الله بن الزبير ‪:‬‬
‫مثبطين‪.‬‬
‫ن { ‪ :‬مراغمين‪.‬‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫مَعا ِ‬ ‫وقال ابن عباس ‪ُ } :‬‬
‫} ُأول َئ ِ َ َ‬
‫حيم ِ { ‪ :‬وهي النار الحارة الموجعة الشديد عذابها‬ ‫ج ِ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬
‫ونكالها ‪ ،‬أجارنا الله منها‪.‬‬
‫ذاًبا فَوْ َ‬
‫ق‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل الل ّهِ زِد َْناهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫فُروا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ن { ] النحل ‪.[ 88 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ن ِفي‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫مّنى أ َل ْ َ‬ ‫ي ِإل إ َِذا ت َ َ‬ ‫ل َول ن َب ِ ّ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬
‫َ‬
‫} وَ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م)‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ه آَيات ِهِ َوالل ُ‬ ‫م الل ُ‬ ‫حك ِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫قي ال ّ‬ ‫ما ي ُل ِ‬ ‫ه َ‬ ‫خ الل ُ‬ ‫س ُ‬‫من ِي ّت ِهِ فَي َن ْ َ‬ ‫أ ْ‬
‫م‬‫سي َةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫ض َوال ْ َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬‫ن فِت ْن َ ً‬‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫قي ال ّ‬ ‫ما ي ُل ْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫‪ (52‬ل ِي َ ْ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م ْ‬‫حق ّ ِ‬ ‫ه ال َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ن أوُتوا العِل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ق ب َِعيد ٍ )‪ (53‬وَل ِي َعْل َ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫في ِ‬ ‫نل ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫ط‬
‫صَرا ٍ‬ ‫مُنوا إ ِلى ِ‬‫َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه لَهادِ ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ُ‬
‫ه قُلوب ُهُ ْ‬ ‫تل ُ‬ ‫َ‬ ‫خب ِ َ‬ ‫مُنوا ب ِهِ فَت ُ ْ‬ ‫َرب ّك فَي ُؤْ ِ‬‫َ‬
‫قيم ٍ )‪.{ (54‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغََرانيق ‪ ،‬وما كان من رجوع كثير‬
‫ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا‪.‬‬ ‫من المهاجرة إلى أرض الحبشة ‪َ ،‬‬
‫ولكنها من طرق كلها مرسلة ‪ ،‬ولم أرها مسندة من وجه صحيح ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(5/441‬‬

‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا يونس بن حبيب ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن‬
‫جب َْير ‪ ،‬قال ‪ :‬قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫شر ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬ ‫أبي ب ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَناةَ الّثال ِث َ َ‬
‫ة‬ ‫ت َوالعُّزى‪ .‬وَ َ‬ ‫م الل َ‬ ‫بمكة "النجم" فلما بلغ هذا الموضع ‪ } :‬أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫خَرى { قال ‪ :‬فألقى الشيطان على لسانه ‪" :‬تلك الغََرانيق العلى‪ .‬وإن‬ ‫ال ْ‬
‫جد َ‬‫شفاعتهن )‪ (1‬ترتجى"‪ .‬قالوا ‪ :‬ما ذكر آلَهتنا بخير قبل اليوم‪ .‬فس َ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫ما أْر َ‬ ‫وسجدوا ‪ ،‬فأنزل الله عز وجل هذه الية ‪ } :‬وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫س ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫قى ال ّ‬ ‫مّنى أ َل ْ َ‬
‫قي‬ ‫ما ي ُل ِ‬ ‫ه َ‬‫خ الل ُ‬ ‫من ِي ّت ِهِ ] في َن ْ َ‬‫ن ِفي أ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫ي ِإل إ َِذا ت َ َ‬
‫َول ن َب ِ ّ‬
‫م [ )‪{ (2‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫ه آَيات ِهِ َوالل ُ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫حك ِ ُ‬‫م يُ ْ‬ ‫ُ‬
‫نث ّ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫در ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬به نحوه )‪ ، (3‬وهو مرسل‬ ‫دار ‪ ،‬عن غُن ْ َ‬ ‫رواه ابن جرير ‪ ،‬عن ب ُن ْ َ‬
‫‪ ،‬وقد رواه البزار في مسنده ‪ ،‬عن يوسف بن حماد ‪ ،‬عن أمية بن خالد ‪ ،‬عن‬
‫شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬فيما أحسب ‪،‬‬
‫الشك في الحديث ‪ -‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بمكة سورة "النجم"‬
‫ت َوال ْعُّزى { ‪ ،‬وذكر بقيته‪ .‬ثم قال البزار ‪ :‬ل‬ ‫َ َ‬
‫م الل َ‬ ‫‪ ،‬حتى انتهى إلى ‪ } :‬أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫)‪ (4‬يروى متصل إل بهذا السناد ‪ ،‬تفرد بوصله أمية بن خالد ‪ ،‬وهو ثقة‬
‫مشهور‪ .‬وإنما ُيروى هذا من طريق الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس )‬
‫‪.(5‬‬
‫ثم رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬وعن السدي ‪ ،‬مرسل‪ .‬وكذا رواه‬
‫ابن جرير ‪ ،‬عن محمد بن كعب القرظي ‪ ،‬ومحمد بن قيس ‪ ،‬مرسل أيضا )‬
‫‪.(6‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم ]يصلي[ )‪ (7‬عند المقام إذ‬
‫ن ََعس ‪ ،‬فألقى الشيطان على لسانه "وإن شفاعتها لترتجى‪ .‬وإنها لمع‬
‫الغرانيق العلى" ‪ ،‬فحفظها المشركون‪ .‬وأجرى الشيطان أن نبي الله قد‬
‫َ‬
‫ل]‬‫سو ٍ‬‫ن َر ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫ك ِ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫قرأها ‪ ،‬فَزّلت بها ألسنتهم ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ما أْر َ‬
‫حَر الله الشيطان‪.‬‬ ‫ي ِإل إ َِذا ت َ َ‬
‫مّنى [ )‪ { (8‬الية ‪ ،‬فد َ َ‬ ‫َول ن َب ِ ّ‬
‫ثم قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫سي ِّبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن فُل َْيح ‪ ،‬عن موسى بن عقبة ‪ ،‬عن ابن‬ ‫م َ‬ ‫إسحاق ال ُ‬
‫شهاب قال ‪ :‬أنزلت سورة النجم ‪ ،‬وكان المشركون يقولون ‪ :‬لو كان هذا‬
‫الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ‪ ،‬ولكنه ل يذكر من خالف دينه من‬
‫اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر‪ .‬وكان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم ‪،‬‬
‫هداهم ‪ ،‬فلما أنزل الله سورة‬ ‫وأحزنه ضللهم ‪ ،‬فكان )‪ (9‬يتمنى ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬شفاعتهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ وفي ت ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(17/133‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل نعلمه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند البزار برقم )‪" (2263‬كشف الستار"‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(17/131‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬

‫) ‪(5/442‬‬

‫َ‬ ‫َ َ‬
‫م الذ ّك َُر وَل َ ُ‬
‫ه‬ ‫خَرى‪ .‬أل َك ُ ُ‬ ‫ة ال ْ‬ ‫ت َوال ْعُّزى‪ .‬وَ َ‬
‫مَناةَ الّثال ِث َ َ‬ ‫"النجم" قال ‪ } :‬أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫م الل َ‬
‫الن َْثى { ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"وإنهن لهن الغرانيق العلى‪ .‬وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى )‪ ." (1‬وكان‬
‫ذلك من سجع الشيطان وفتنته ‪ ،‬فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك‬
‫بمكة ‪ ،‬وزلت بها ألسنتهم ‪ ،‬وتباشروا بها ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن محمدا ‪ ،‬قد رجع إلى‬
‫دينه الول ‪ ،‬ودين قومه‪ .‬فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ]آخر‬
‫النجم[ )‪ ، (2‬سجد وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك‪ .‬غير أن الوليد‬
‫بن المغيرة كان رجل كبيرا ‪ ،‬فرفع على )‪ (3‬كفه ترابا فسجد عليه‪ .‬فعجب‬
‫الفريقان كلهما )‪ (4‬من جماعتهم في السجود ‪ ،‬لسجود رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير‬
‫إيمان ول يقين ‪ -‬ولم يكن المسلمون سمعوا الية التي )‪ (5‬ألقى الشيطان‬
‫ن في أمنية‬ ‫في مسامع المشركين ‪ -‬فاطمأنت أنفسهم لما ألقى الشيطا ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وحدثهم به الشيطان أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قد قرأها في السورة ‪ ،‬فسجدوا لتعظيم آلهتهم‪ .‬ففشت تلك‬
‫الكلمة في الناس ‪ ،‬وأظهرها الشيطان ‪ ،‬حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها‬
‫من المسلمين ‪ ،‬عثمان بن مظعون وأصحابه ‪ ،‬وتحدثوا أن أهل مكة قد‬
‫أسلموا كلهم ‪ ،‬وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وبلغهم سجود‬
‫دثوا أن المسلمين قد أمنوا‬ ‫ح ّ‬
‫الوليد بن المغيرة على التراب على كفه ‪ ،‬و ُ‬
‫بمكة فأقبلوا سراعا وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان ‪ ،‬وأحكم الله آياته ‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫سل َْنا ِ‬‫ما أْر َ‬ ‫وحفظه )‪ (6‬من الفرية ‪ ،‬وقال ]تعالى[ )‪ } : (7‬وَ َ‬
‫ُ‬ ‫مّنى أ َل ْ َ‬
‫قي‬ ‫ما ي ُل ْ ِ‬‫ه َ‬‫خ الل ّ ُ‬ ‫من ِي ّت ِهِ فَي َن ْ َ‬
‫س ُ‬ ‫ن ِفي أ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫ي ِإل إ َِذا ت َ َ‬ ‫ل َول ن َب ِ ّ‬ ‫سو ٍ‬ ‫َر ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫قي ال ّ‬ ‫ْ‬
‫ما ي ُل ِ‬ ‫َ‬
‫جعَل َ‬ ‫م * ل ِي َ ْ‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫ه آَيات ِهِ َوالل ُ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫حك ِ ُ‬‫م يُ ْ‬ ‫نث ّ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ق ب َِعيدٍ‬‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫في ِ‬ ‫َ‬
‫نل ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سي َةِ قلوب ُهُ ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫ض َوال َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ة ل ِل ِ‬‫فِت ْن َ ً‬
‫{ ‪ ،‬فلما بين الله قضاءه ‪ ،‬وبرأه من سجع الشيطان ‪ ،‬انقلب المشركون‬
‫ضا مرسل‪.‬‬ ‫بضللهم )‪ (8‬وعداوتهم المسلمين ‪ ،‬واشتدوا عليهم‪ .‬وهذا أي ً‬
‫وفي تفسير ابن جرير عن الزهري ‪ ،‬عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث‬
‫بن هشام ‪ ،‬نحوه )‪ .(9‬وقد رواه المام )‪ (10‬أبو بكر البيهقي في كتابه "دلئل‬
‫جْز به موسى بن عقبة ‪ ،‬ساقه في مغازيه بنحوه ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد‬ ‫النبوة" فلم ي َ ُ‬
‫روينا عن ابن إسحاق هذه القصة‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا ‪ ،‬وكلها‬
‫مرسلت ومنقطعات ‪ ،‬فالله أعلم‪ .‬وقد ساقها البغوي في تفسيره مجموعة‬
‫ي ‪ ،‬وغيرهما بنحو من ذلك ‪ ،‬ثم‬ ‫قَرظ ِ ّ‬ ‫من كلم ابن عباس ‪ ،‬ومحمد بن كعب ال ُ‬
‫سأل هاهنا سؤال كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله لرسوله ‪،‬‬
‫صلوات الله وسلمه عليه ؟ ثم حكى أجوبة عن الناس ‪ ،‬من ألطفها ‪ :‬أن‬
‫الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك ‪ ،‬فتوهموا أنه صدر عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وليس كذلك في نفس المر ‪ ،‬بل إنما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ترجى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ملء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬الفريقان منهما كلهما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وحفظه الله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬بضللتهم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪.(17/133‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬الحافظ"‪.‬‬

‫) ‪(5/443‬‬

‫كان من صنيع الشيطان ل من رسول الرحمن صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والله‬
‫أعلم )‪.(1‬‬
‫وهكذا تنوعت أجوبة المتكلمين عن هذا بتقدير صحته‪ .‬وقد تعرض القاضي‬
‫عياض ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬في كتاب "الشفاء" لهذا ‪ ،‬وأجاب بما حاصله )‪.(2‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬معالم التنزيل للبغوي )‪.(5/394‬‬
‫)‪ (2‬كذا في جميع النسخ وكلم القاضي عياض في الشفاء )‪ (2/107‬أذكره‬
‫مختصرا له ‪ ،‬قال رحمه الله ‪:‬‬
‫"فاعلم ‪ ،‬أكرمك الله أن لنا في الكلم على مشكل هذا الحديث مأخذين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬في توهين أصله‪ .‬والثانى ‪ :‬على تسليمه‪.‬‬
‫أما المأخذ الول ‪ :‬فيكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ول‬
‫رواه ثقة بسند سليم متصل‪ ..‬وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون‬
‫المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم‪.‬‬
‫وصدق القاضي بكر بن العلء المالكي حيث قال ‪ :‬لقد بلي الناس ببعض أهل‬
‫الهواء والتفسير ‪ ،‬وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته ‪ ،‬واضطراب‬
‫رواياته ‪ ،‬وانقطاع إسناده ‪ ،‬واختلف كلماته ‪ ،‬فقائل يقول ‪ :‬إنه فى الصلة ‪،‬‬
‫وآخر يقول ‪ :‬قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه السورة ‪ ،‬وآخر يقول ‪:‬‬
‫قالها وقد أصابته سنة ‪ ،‬وآخر بقول ‪ :‬بل حدث نفسه فسها ‪ ،‬وآخر يقول ‪ :‬إن‬
‫الشيطان قالها على لسانه وإن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرضها على‬
‫جبريل قال ‪ :‬ما هكذا أقرأتك ‪ ،‬وآخر يقول ‪ :‬بل أعلمهم الشيطان أن النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قرأها فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال ‪:‬‬
‫"والله ما هكذا أنزلت"‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من اختلف الرواة‪.‬‬
‫ومن حكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم‬
‫ول رفعها إلى صاحب ‪ ،‬وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية‪.‬‬
‫والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬فيما أحسب ‪ -‬الشك في الحديث أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬كان بمكة وذكر القصة‪.‬‬
‫قال أبو بكر البزار ‪ :‬هذا ل نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بإسناد متصل يجوز ذكره إل هذا ‪ ،‬ولم يسنده عن شعبة إل أمية بن خالد ‪،‬‬
‫وغيره يرسله عن سعيد بن جبير ‪ ،‬وإنما يعرف عن الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪،‬‬
‫عن ابن عباس‪.‬‬
‫فقد بين لك أبو بكر ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬أنه ل يعرف من طريق يجوز ذكره سوى‬
‫هذا ‪ ،‬وفيه من الضعف ما نبه عليه مع وقوع الشك فيه كما ذكرناه الذي ل‬
‫يوثق به ول حقيقة معه‪.‬‬
‫أما حديث الكلبي فمما ل تجوز الرواية عنه ول ذكره لقوة ضعفه وكذبه ‪ ،‬كما‬
‫أشار إليه البزار ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫والذي منه في الصحيح ‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ "والنجم" وهو‬
‫بمكة فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والنس هذا توهينه من‬
‫طريق النقل‪.‬‬
‫أما من جهة المعنى ‪ ،‬فقد قامت الحجة وأجمعت المة على عصمته صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة ‪ ،‬إما من تمنيه أن ينزل عليه‬
‫مثل هذا من مدح آلهة غير الله وهو كفر أو يتسور عليه الشيطان ويشبه عليه‬
‫القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه ويعتقد النبي صلى الله عليه وسلم أن‬
‫من القرأن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل ‪ -‬عليه السلم ‪ ، -‬وذلك كله ممتنع‬
‫في حقه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أو يقول ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه عمدا وذلك كفر ‪ ،‬أو‬
‫سهوا وهو معصوم من هذا كله‪.‬‬
‫ووجه ثان ‪ :‬هو استحالة هذه القصة نظرا وعرفا ‪ ،‬وذلك أن هذا الكلم لو كان‬
‫كما روى لكان بعيد اللتئام ‪ ،‬متناقض القسام ‪ ،‬ممتزج المدح بالذم ‪ ،‬متخاذل‬
‫التأليف والنظم ‪ ،‬ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم ول من بحضرته من‬
‫المسلمين وصناديد المشركين ممن يخفى عليه ذلك‪.‬‬
‫وهذا ل يخفى على أدنى متأمل فكيف بمن رجح حلمه ‪ ،‬واتسع في باب‬
‫البيان ومعرفة فصيح الكلم علمه!!‬
‫ووجه ثالث ‪ :‬أنه قد علم من عادة المنافقين ‪ ،‬ومعاندي المشركين ‪ ،‬وضعفة‬
‫القلوب ‪ ،‬والجهلة من المسلمين ‪ ،‬نفورهم لول وهلة ‪ ،‬وتخليط العدو على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لقل فتنة ‪ ،‬وتعيرهم المسلمين والشماتة بهم‬
‫الفينة بعد الفينة وارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر السلم لدنى‬
‫شبهة‪...‬‬
‫ولم يحك أحد في هذه القصة شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة‪.‬‬
‫ووجه رابع ‪ :‬ذكر الرواة لهذه القضية أن فيها نزلت " وإن كادوا ليفتنونك‪" ..‬‬
‫اليتين‪.‬‬
‫وهاتان اليتان تردان الخبر الذي رووه ؛ لن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه‬
‫‪ ،‬حتى يفتري وأنه لول أن ثبته لكاد يركن إليهم‪.‬‬
‫فمضمون هذا ومفهومه ‪ :‬أن الله تعالى عصمه من أن يفتري ‪ ،‬وثبته حتى لم‬
‫يركن اليهم قليل فكيف كثيرا وهم يروون في أخبارهم الواهية أنه زاد على‬
‫الركون والفتراء بمدح آلهتهم وأنه قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬افتريت على‬
‫الله وقلت ما لم يقل وهذا ضد مفهوم الية وهي تضعف الحديث لو صح ‪،‬‬
‫فكيف ول صحة له ‪ ،‬وهذا مثل قوله تعالى في الية الخرى ‪ " :‬ولول فضل‬
‫الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إل أنفسهم وما‬
‫يضرونك من شيء "‪.‬‬
‫وأما المأخذ الثاني ‪ :‬فهو مبني على تسليم الحديث لو صح‪ .‬وقد أعاذنا الله‬
‫من صحته ‪ ،‬ولكن على كل حال فقد أجاب عن ذلك أئمة المسلمين بأجوبة‬
‫منها الغث والسمين‪.‬‬
‫ثم ذكر الجوبة على ذلك )‪ (114 - 2/111‬وممن أنكرها المام ابن خزيمة‬
‫وقال ‪" :‬هذا من وضع الزنادقة" وهذا هو الصواب‪.‬‬
‫للستزادة ‪ :‬انظر ‪ :‬السرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص ‪314 -‬‬
‫لمحمد أبي شهبة ‪ ،‬ونصب المجانيق لبطال قصة الغرانيق لمحمد ناصر‬
‫الدين اللباني‪.‬‬

‫) ‪(5/444‬‬

‫ُ‬ ‫شي ْ َ‬‫قى ال ّ‬ ‫مّنى أ َل ْ َ‬


‫من ِي ّت ِهِ { ‪ ،‬هذا فيه تسلية له ‪،‬‬ ‫ن ِفي أ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬إل إ َِذا ت َ َ‬
‫صلوات الله وسلمه عليه )‪ ، (1‬أي ‪ :‬ل َيهيدّنك ذلك ‪ ،‬فقد أصاب مثل هذا من‬
‫قبلك من المرسلين والنبياء‪.‬‬
‫من ِي ّت ِهِ { إذا حدث ألقى الشيطان في‬ ‫ُ‬
‫قال البخاري ‪ :‬قال ابن عباس ‪ِ } :‬في أ ْ‬
‫حديثه ‪ ،‬فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته‪.‬‬
‫ن ِفي‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫قى‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬إَذا تمنى ] أ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ َ ّ‬
‫من ِي ّت ِهِ { ‪ ،‬يقول ‪ :‬إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أ ْ‬
‫مّنى { )‪ [ (2‬يعني ‪ :‬إذا قال‪.‬‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬إ َِذا ت َ َ‬
‫ي { ] البقرة ‪ ، [ 78 :‬يقولون ول‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مان ِ ّ‬
‫من ِي ّت ِهِ { ‪ :‬قراءته ‪ِ } ،‬إل أ َ‬ ‫ويقال ‪ } :‬أ ْ‬
‫يكتبون‪.‬‬
‫مّنى { أي ‪ :‬تل وقرأ‬ ‫قال البغوي ‪ :‬وأكثر المفسرين قالوا ‪ :‬معنى قوله ‪ } :‬ت َ َ‬
‫من ِي ّت ِهِ { أي ‪ :‬في تلوته ‪ ،‬قال الشاعر في‬ ‫ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫كتاب الله ‪ } ،‬أ َل ْ َ‬
‫ن ِفي أ ْ‬ ‫طا ُ‬
‫عثمان حين قتل ‪:‬‬
‫قادرِ )‪(3‬‬ ‫م َ‬‫م ال َ‬ ‫ب الله أّول لْيلة‪ ...‬وآخَرها لَقى ح َ‬
‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫مّنى كَتا َ‬
‫تَ َ‬
‫مّنى { ‪ :‬إذا تل‪.‬‬ ‫وقال الضحاك ‪ } :‬إ َِذا ت َ َ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬هذا القول أشبه بتأويل الكلم‪.‬‬
‫ن { ‪ ،‬حقيقة النسخ لغة ‪ :‬الزالة‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫قي ال ّ‬ ‫ما ي ُل ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫خ الل ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَي َن ْ َ‬
‫والرفع‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أي فيبطل الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪-‬‬
‫ما ألقى الشيطان‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان ‪ ،‬وأحكم الله آياته‪.‬‬
‫م )‪] ، { (4‬أي ‪ :‬بما يكون من المور والحوادث ‪ ،‬ل تخفى‬ ‫وقوله ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬
‫م { أي ‪ :‬في تقديره وخلقه وأمره ‪ ،‬له الحكمة‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫عليه خافية[ )‪َ } ، (5‬‬
‫ن‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن فِت ْن َ ً‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫قي ال ّ‬‫ما ي ُل ْ ِ‬ ‫جعَ َ‬
‫ل َ‬ ‫التامة والحجة البالغة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل ِي َ ْ‬
‫ض { أي ‪ :‬شك وشرك وكفر ونفاق ‪ ،‬كالمشركين حين فرحوا‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫بذلك ‪ ،‬واعتقدوا أنه صحيح ‪ ،‬وإنما كان من الشيطان‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه وسلمه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬البيت في اللسان ‪ ،‬مادة )منى( غير منسوب‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليم حكيم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(5/445‬‬

‫فروا في مرية منه حتى تأ ْتيهم الساعة بغت َ ْ‬


‫ب‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ة أوْ ي َأت ِي َهُ ْ‬
‫ّ َ ُ ََْ ً‬ ‫ِ ْ َ ٍ ِ ْ ُ َ ّ َ َُِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وََل ي ََزا ُ‬
‫قيم ٍ )‪(55‬‬ ‫ي َوْم ٍ عَ ِ‬

‫سي َةِ‬‫قا ِ‬ ‫ض { هم ‪ :‬المنافقون } َوال ْ َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬‫قال ابن جريج ‪ } :‬ل ِل ّ ِ‬
‫م { ‪ :‬المشركون‪.‬‬ ‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫وقال مقاتل بن حيان ‪ :‬هم ]الكافرون[ )‪ (1‬اليهود‪.‬‬
‫ق ب َِعيد ٍ { أي ‪ :‬في ضلل ومخالفة وعناد بعيد ‪،‬‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫في ِ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫} وَإ ِ ّ‬
‫أي ‪ :‬من الحق والصواب‪.‬‬
‫} ول ِيعل َم ال ّذين ُأوتوا ال ْعِل ْ َ‬
‫مُنوا ب ِهِ { أي ‪ :‬وليعلم الذين‬ ‫ك فَي ُؤْ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬‫م ْ‬‫حق ّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫م أن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫أوتوا العلم النافع الذي يفرقون به بين الحق والباطل ‪ ،‬المؤمنون بالله‬
‫ورسوله ‪ ،‬أن ما أوحيناه إليك هو الحق من ربك ‪ ،‬الذي أنزله بعلمه وحفظه‬
‫ن‬‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫وحرسه أن يختلط به غيره ‪ ،‬بل هو كتاب حكيم ‪ } ،‬ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫ميد ٍ { ] فصلت ‪.[ 42 :‬‬ ‫ح ِ‬‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫فهِ َتنزي ٌ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ي َد َي ْهِ َول ِ‬
‫م { أي‬ ‫ُ‬
‫ه قُلوب ُهُ ْ‬ ‫َ‬
‫تل ُ‬ ‫مُنوا ب ِهِ { أي ‪ :‬يصدقوه وينقادوا له ‪ } ،‬فَت ُ ْ‬
‫خب ِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَي ُؤْ ِ‬
‫قيم ٍ { أي ‪ :‬في‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫َ‬
‫مُنوا إ ِلى ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه لَهادِ ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ن الل َ‬‫ّ‬ ‫‪ :‬تخضع وتذل ‪ } ،‬وَإ ِ ّ‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬أما في الدنيا فيرشدهم إلى الحق واتباعه ‪ ،‬ويوفقهم لمخالفة‬
‫الباطل واجتنابه ‪ ،‬وفي الخرة يهديهم ]إلى[ )‪ (2‬الصراط المستقيم ‪،‬‬
‫الموصل إلى درجات الجنات ‪ ،‬ويزحزحهم عن العذاب الليم والدركات‪.‬‬
‫فروا في مرية منه حتى تأ ْتيهم الساعة بغت َ ْ‬
‫م‬
‫ة أوْ ي َأت ِي َهُ ْ‬ ‫ّ َ ُ َْ َ ً‬ ‫ِ ْ َ ٍ ِ ْ ُ َ ّ َ َُِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫} َول ي ََزا ُ‬
‫قيم ٍ )‪{ (55‬‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫عَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(5/446‬‬
‫ذي َ‬
‫ت الن ِّعيم ِ‬
‫جّنا ِ‬
‫ت ِفي َ‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬
‫ُ‬ ‫م َفال ّ ِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ِل ّهِ ي َ ْ‬
‫حك ُ ُ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ك ي َوْ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(57‬‬‫مِهي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬
‫فُروا وَك َذ ُّبوا ب ِآَيات َِنا فَأول َئ ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)‪َ (56‬وال ّ ِ‬

‫ت‬
‫جّنا ِ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫ُ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫م َفال ّ ِ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬‫حك ُ ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ِل ّهِ ي َ ْ‬‫ك ي َوْ َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫} ال ْ ُ‬
‫ن )‪.{ (57‬‬ ‫مِهي ٌ‬
‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫فُروا وَك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا فَأول َئ ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الن ِّعيم ِ )‪َ (56‬وال ّ ِ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن الكفار ‪ :‬أنهم ل يزالون في مرية ‪ ،‬أي ‪ :‬في شك‬
‫وريب من هذا القرآن ‪ ،‬قاله ابن جريج ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫ه { أي ‪ :‬مما ألقى الشيطان‪.‬‬ ‫من ْ ُ‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ ،‬وابن زيد ‪ِ } :‬‬
‫ة{‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ة { ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬فجأة‪ .‬وقال قتادة ‪ } :‬ب َغْت َ ً‬ ‫ة ب َغْت َ ً‬‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫حّتى ت َأت ِي َهُ ُ‬ ‫} َ‬
‫ما قط إل عند سكرتهم وغرتهم‬ ‫بغت ]القوم[ )‪ (1‬أمر الله ‪ ،‬وما أخذ الله قو ً‬
‫ونعمتهم ‪ ،‬فل تغتروا بالله ‪ ،‬إنه ل يغتر بالله )‪ (2‬إل القوم الفاسقون‪.‬‬
‫قيم ٍ { ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬قال أبي بن كعب ‪ :‬هو‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أوْ ي َأت ِي َهُ ْ‬
‫يوم بدر ‪ ،‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وقتادة وغير واحد‪ .‬واختاره‬
‫ابن جرير‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ ،‬ومجاهد ]في رواية عنهما[ )‪ : (3‬هو يوم القيامة ل ليلة له‪.‬‬
‫وكذا قال الضحاك ‪ ،‬والحسن البصري‪.‬‬
‫وهذا القول هو الصحيح ‪ ،‬وإن كان يوم بدر من جملة ما أوعدوا به ‪ ،‬لكن هذا‬
‫هو المراد ؛ ولهذا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬اليوم" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فل يغتر به"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(5/446‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫سًنا وَإ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ه رِْزًقا َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ماُتوا ل َي َْرُزقَن ّهُ ُ‬ ‫م قُت ُِلوا أوْ َ‬ ‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫سِبي ِ‬‫جُروا ِفي َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫م)‬ ‫حِلي ٌ‬
‫م َ‬ ‫ه ل َعَِلي ٌ‬
‫ن الل ّ َ‬‫ه وَإ ِ ّ‬ ‫ضوْن َ ُ‬‫خًل ي َْر َ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬
‫ن )‪ (58‬ل َي ُد ْ ِ‬ ‫ه ل َهُوَ َ‬
‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ه إِ ّ‬‫ه الل ّ ُ‬
‫صَرن ّ ُ‬‫ي عَل َي ْهِ ل َي َن ْ ُ‬‫م ب ُغِ َ‬‫ب ب ِهِ ث ُ ّ‬‫عوقِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫ل َ‬ ‫ب بِ ِ‬‫عاقَ َ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫ك وَ َ‬ ‫‪ (59‬ذ َل ِ َ‬
‫فوٌر )‪(60‬‬ ‫فو ّ غ َ ُ‬‫ل َعَ ُ‬

‫ن{‬ ‫دي ِ‬ ‫ك ي َوْم ِ ال ّ‬ ‫مال ِ ِ‬‫م { ‪ ،‬كقوله } َ‬ ‫حك ُ ُ‬


‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ِل ّهِ ي َ ْ‬‫ك ي َوْ َ‬‫مل ْ ُ‬‫قال ‪ } :‬ال ْ ُ‬
‫ما عََلى‬ ‫ن ي َوْ ً‬ ‫كا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬‫حقّ ِللّر ْ‬‫مئ ِذٍ ال ْ َ‬ ‫ك ي َوْ َ‬ ‫مل ْ ُ‬‫] الفاتحة ‪ [ 4 :‬وقوله ‪ } :‬ال ْ ُ‬
‫سيًرا { ] الفرقان ‪.[ 26 :‬‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ت { ‪ ،‬أي ‪ :‬آمنت قلوبهم ‪ ،‬وصدقوا بالله‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َفال ّ ِ‬
‫ورسوله ‪ ،‬وعملوا بمقتضى ما علموا ‪ ،‬وتوافق قلوبهم وأقوالهم وأعمالهم )‬
‫‪.(1‬‬
‫ت الن ِّعيم ِ {‪ .‬أي ‪ :‬لهم النعيم المقيم ‪ ،‬الذي ل يحول ول يزول ول‬ ‫جّنا ِ‬ ‫} ِفي َ‬
‫يبيد‪.‬‬
‫فُروا وَكذ ُّبوا ِبآَيات َِنا { أي ‪ :‬كفرت قلوبهم بالحق ‪ ،‬وجحدوا به )‪(2‬‬ ‫َ‬ ‫نك َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫} َوال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫وكذبوا به ‪ ،‬وخالفوا الرسل ‪ ،‬واستكبروا عن اتباعهم } فَأولئ ِك لهُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬مقابلة استكبارهم وإعراضهم )‪ (3‬عن الحق ‪ ،‬كقوله تعالى ‪:‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ُ‬
‫ن { ] غافر ‪[ 60 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬‫م َدا ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫خلو َ‬ ‫سي َد ْ ُ‬‫عَباد َِتي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ْ‬
‫ست َكب ُِرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫أي ‪ :‬صاغرين‪.‬‬
‫َ‬
‫سًنا‬
‫ح َ‬ ‫ه رِْزًقا َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ماُتوا ل َي َْرُزقَن ّهُ ُ‬ ‫م قُت ُِلوا أوْ َ‬ ‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫جُروا ِفي َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫م‬
‫حِلي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ل َعَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه وَإ ِ ّ‬ ‫ضوْن َ ُ‬ ‫خل ي َْر َ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬‫ن )‪ (58‬ل َي ُد ْ ِ‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬ ‫ه ل َهُوَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ّ‬
‫ه الل ُ‬ ‫صَرن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي عَلي ْهِ لي َن ْ ُ‬ ‫م ب ُغِ َ‬ ‫ُ‬
‫ب ب ِهِ ث ّ‬ ‫عوقِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب بِ ِ‬ ‫عاق َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫)‪ (59‬ذل ِك وَ َ‬ ‫َ‬
‫فوٌر )‪.{ (60‬‬ ‫فو ّ غ َ ُ‬ ‫ل َعَ ُ‬
‫يخبر تعالى عمن خرج مهاجًرا في سبيل الله ابتغاء مرضاته ‪ ،‬وطلبا لما‬
‫خلن ‪ ،‬وفارق بلده في الله ورسوله ‪،‬‬ ‫عنده ‪ ،‬وترك الوطان والهلين وال ِ‬
‫َ‬
‫ماُتوا { أي ‪ :‬حتف أنفهم‬ ‫م قُت ُِلوا { أي ‪ :‬في الجهاد } أوْ َ‬ ‫ونصرة لدين الله } ث ُ ّ‬
‫)‪ ، (4‬أي ‪ :‬من غير قتال على فرشهم ‪ ،‬فقد حصلوا على الجر الجزيل ‪،‬‬
‫جًرا إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫مَها ِ‬ ‫ن ب َي ْت ِهِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫والثناء الجميل ‪ ،‬كما قال تعالى } وَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جُرهُ عَلى اللهِ { ] النساء ‪.[ 100 :‬‬ ‫قد ْ وَقَعَ أ ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م ي ُد ْرِك ْ ُ‬ ‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫وََر ُ‬
‫جرَين عليهم )‪ (5‬من فضله‬ ‫سًنا { أي ‪ :‬لي ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ه رِْزًقا َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬لي َْرُزقَن ّهُ ُ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫خلن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬لي ُد ْ ِ‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬ ‫ه لهُوَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ورزقه من الجنة ما تقر به أعينهم ‪ } ،‬وَإ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫م َ‬‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫ما إ ِ ْ‬ ‫ه { أي ‪ :‬الجنة‪ .‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَأ ّ‬ ‫ضوْن َ ُ‬ ‫خل ي َْر َ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ة ن َِعيم ٍ { ] الواقعة ‪ [ 89 ، 88 :‬فأخبر أنه يحصل له الراحة‬ ‫جن ّ ُ‬‫ن وَ َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ح وََري ْ َ‬ ‫فََروْ ٌ‬
‫سًنا { ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬ ‫ح َ‬ ‫ه رِْزًقا َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫والرزق وجنة نعيم ‪ ،‬كما قال هاهنا ‪ } :‬ل َي َْرُزقَن ّهُ ُ‬
‫م { أي ‪ :‬بمن يهاجر ويجاهد في‬ ‫ه ل َعَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ه وَإ ِ ّ‬ ‫ضوْن َ ُ‬ ‫خل ي َْر َ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬ ‫} ل َي ُد ْ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬يحلم ويصفح ويغفر لهم الذنوب‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫سبيله ‪ ،‬وبمن يستحق ذلك ‪َ } ،‬‬
‫ويكفرها عنهم بهجرتهم إليه ‪ ،‬وتوكلهم عليه‪ .‬فأما من قتل في سبيل الله من‬
‫مهاجر أو غير مهاجر ‪ ،‬فإنه حي عند ربه يرزق ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬ول‬
‫تحسبن ال ّذين قُت ُِلوا في سبيل الل ّه أ َمواتا ب ْ َ‬
‫ن { ] آل‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫حَياٌء ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ِ ْ َ ً َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ َ َ ّ‬
‫وفي‬ ‫عمران ‪ ، [ 169 :‬والحاديث في هذا كثيرة ‪ ،‬كما تقدم )‪ (6‬وأما من ت ُ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وأفعالهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وجحدته"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬وإبائهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أنفسهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ليجزيهم عليه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬مر"‪.‬‬

‫) ‪(5/447‬‬

‫في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر ‪ ،‬فقد تضمنت هذه الية الكريمة مع‬
‫الحاديث الصحيحة إجراء الرزق عليه ‪ ،‬وعظيم إحسان الله إليه‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا المسّيب بن واضح ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫شَرْيح ‪ ،‬عن ابن )‪ (1‬الحارث ‪ -‬يعني ‪ :‬عبد‬ ‫المبارك ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن ُ‬
‫حِبيل‬ ‫الكريم ‪ -‬عن ابن عقبة ‪ -‬يعني ‪ :‬أبا عبيدة بن عقبة ‪ -‬قال ‪ :‬حدثنا )‪ُ (2‬‬
‫شَر ْ‬
‫مط ‪ :‬طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم ‪ ،‬فمر بي سلمان‬ ‫س ْ‬
‫بن ال ّ‬
‫‪ -‬يعني ‪ :‬الفارسي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني سمعت رسول الله يقول ‪:‬‬
‫طا ‪ ،‬أجرى الله عليه مثل ذلك الجر ‪ ،‬وأجرى عليه الرزق ‪،‬‬ ‫"من مات مراب ً‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سِبي ِ‬
‫جُروا ِفي َ‬ ‫ها َ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫فّتانين" واقرءوا إن شئتم ‪َ } :‬وال ّ ِ‬ ‫وأمن )‪ (3‬من ال َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬
‫ه لهُوَ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫سًنا وَإ ِ ّ‬
‫ح َ‬ ‫ً‬
‫ه رِْزقا َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫َ‬
‫ماُتوا لي َْرُزقن ّهُ ُ‬ ‫م قُت ُِلوا أوْ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م{‬ ‫حِلي ٌ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫ه لعَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه وَإ ِ ّ‬‫ضوْن َ ُ‬
‫خل ي َْر َ‬ ‫مد ْ َ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬
‫خلن ّهُ ْ‬‫ل َي ُد ْ ِ‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبو زرعة ‪ ،‬حدثنا زيد بن بشر ‪ ،‬أخبرني همام ‪ ،‬أنه سمع أبا‬
‫ضالة بن عبيد‬ ‫قبيل وربيعة بن سيف المعافري يقولن ‪ :‬كنا برودس ‪ ،‬ومعنا فَ َ‬
‫النصاري ‪ -‬صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فمر بجنازتين ‪،‬‬
‫إحداهما قتيل والخرى متوفى ‪ ،‬فمال الناس على القتيل ‪ ،‬فقال فضالة ‪ :‬ما‬
‫لي )‪ (4‬أرى الناس مالوا مع هذا ‪ ،‬وتركوا هذا ؟! فقالوا ‪ :‬هذا قتيل في سبيل‬
‫حفرتيهما ُبعثت ‪ ،‬اسمعوا كتاب‬ ‫الله تعالى‪ .‬فقال ‪ :‬والله ما أبالي من أي ُ‬
‫َ‬
‫ه رِْزًقا‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ماُتوا ] ل َي َْرُزقَن ّهُ ُ‬ ‫م قُت ُِلوا أوْ َ‬‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫جُروا ِفي َ‬ ‫ها َ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ن [ )‪{ (5‬‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬ ‫ه لهُوَ َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫سًنا وَإ ِ ّ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبدة بن سليمان ‪ ،‬أنبأنا ابن المبارك ‪ ،‬أنبأنا‬
‫دم‬ ‫ح َ‬‫ج ْ‬ ‫ابن ل َِهيعة ‪ ،‬حدثنا سلمان بن عامر الشعباني ‪ ،‬أن عبد الرحمن بن َ‬
‫الخولني حدثه ‪ :‬أنه حضر فضالة بن عبيد في البحر مع جنازتين ‪ ،‬أحدهما‬
‫أصيب بمنجنيق والخر توفي ‪ ،‬فجلس فضالة بن عبيد عند قبر المتوفى ‪،‬‬
‫فقيل له ‪ :‬تركت الشهيد فلم تجلس عنده ؟ فقال ‪ :‬ما أبالي من أي حفرتيهما‬
‫َ‬
‫ماُتوا‬ ‫م قُت ُِلوا أوْ َ‬ ‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬‫سِبي ِ‬
‫جُروا ِفي َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ‪ ،‬إن الله يقول ‪َ } :‬وال ّ ِ‬ ‫بعث ُ‬
‫خل [ )‪(6‬‬ ‫مد ْ َ‬‫م ُ‬ ‫َ‬
‫خلن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬لي ُد ْ ِ‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬
‫ه لهُوَ َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫سًنا وَإ ِ ّ‬‫ح َ‬ ‫ً‬
‫ه رِْزقا َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫] ل َي َْرُزقن ّهُ ُ‬
‫َ‬
‫ه { فما تبتغي )‪ (7‬أيها العبد إذا أدخلت مدخل ترضاه ورزقت رزًقا‬ ‫ضوْن َ ُ‬‫ي َْر َ‬
‫حسًنا ‪ ،‬والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن يونس بن عبد العلى ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬أخبرني عبد‬
‫شَرْيح ‪ ،‬عن سلمان بن عامر قال ‪ :‬كان فضالة برودس أميًرا‬ ‫الرحمن بن ُ‬
‫على الرباع ‪ ،‬فخرج بجنازتي رجلين ‪ ،‬أحدهما قتيل )‪ (8‬والخر متوفى‪...‬‬
‫فذكر نحو ما تقدم )‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أبي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬وأومن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ وفي هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬حتى آخر الية"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬وفي ت ‪" :‬إلى قوله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬ينبغي"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬قتل"‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪.(17/136‬‬

‫) ‪(5/448‬‬

‫َ‬ ‫ذ َل َ َ‬
‫ع‬
‫مي ٌ‬
‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ل وَأ ّ‬ ‫ج الن َّهاَر ِفي الل ّي ْ ِ‬ ‫ل ِفي الن َّهارِ وَُيول ِ ُ‬ ‫ج الل ّي ْ َ‬ ‫ه ُيول ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ُدون ِهِ هُوَ الَباط ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫صيٌر )‪ (61‬ذ َل ِ َ‬
‫ل وَأ ّ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ي َد ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫حقّ وَأ ّ‬ ‫ه هُوَ ال َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫بَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض‬
‫ح الْر ُ‬ ‫ماًء فَت ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬‫ه أن َْز َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫ي الك َِبيُر )‪ (62‬أل ْ‬ ‫ه هُوَ العَل ِ ّ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َْ‬
‫ن‬
‫ض وَإ ِ ّ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫خِبيٌر )‪ (63‬ل َ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ضّرةً إ ِ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ميد ُ )‪(64‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫ُ َ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬

‫ه{‪،‬‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ي عَل َي ْهِ ل َي َن ْ ُ‬


‫صَرن ّ ُ‬ ‫ب ب ِهِ ث ُ ّ‬
‫م ب ُغِ َ‬ ‫عوقِ َ‬
‫ما ُ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫ل َ‬ ‫عاقَ َ‬
‫ب بِ ِ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫ك وَ َ‬
‫ذكر )‪ (1‬مقاتل بن حيان وابن جريج أنها نزلت في سرية من الصحابة ‪ ،‬لقوا‬
‫جمًعا من المشركين في شهر محرم ‪ ،‬فناشدهم المسلمون لئل يقاتلوهم في‬
‫الشهر الحرام ‪ ،‬فأبى المشركون إل قتالهم وبغوا عليهم ‪ ،‬فقاتلهم المسلمون‬
‫فوٌر {‬ ‫فو ّ غ َ ُ‬ ‫ه ل َعَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫‪ ،‬فنصرهم الله عليهم ‪] ،‬و[ )‪ } (2‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ج الل ّي ْ َ‬ ‫} ذ َل َ َ‬
‫ع‬
‫مي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ل وَأ ّ‬ ‫ج الن َّهاَر ِفي اللي ْ ِ‬ ‫ل ِفي الن َّهارِ وَُيول ِ ُ‬ ‫ه ُيول ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ُدون ِهِ هُوَ الَباط ِل وَأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ي َد ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫حقّ وَأ ّ‬ ‫ه هُوَ ال َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫صيٌر )‪ (61‬ذل ِك ب ِأ ّ‬ ‫بَ ِ‬
‫ي ال ْك َِبيُر )‪.{ (62‬‬ ‫الل ّ َ ُ َ َ ِ ّ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫يقول تعالى منبها على أنه الخالق المتصرف في خلقه بما يشاء ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫شاُء وَت ُعِّز‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫شاُء وََتنزعُ ال ْ ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ك ت ُؤِْتي ال ْ ُ‬ ‫مل ْ ِ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫مال ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهُ ّ‬ ‫} قُ ِ‬
‫ل ِفي‬ ‫ّ‬
‫ج اللي ْ َ‬ ‫ديٌر‪ُ .‬تول ِ ُ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫خي ُْر إ ِن ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ك ال َ‬ ‫شاُء ب ِي َدِ َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫شاُء وَت ُذِ ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ ِ‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ج‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬
‫ِ َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫و‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ َ‬ ‫ها‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ج‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫تو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫]‬ ‫ر‬
‫َ ِ‬ ‫ها‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬
‫ب [ )‪ ] { (3‬آل عمران ‪ [ 27 ، 26 :‬ومعنى‬ ‫َ ٍ‬ ‫سا‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ِ ِ‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ت‬‫و‬ ‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫إيلجه الليل في النهار ‪ ،‬والنهار في الليل ‪ :‬إدخاله من هذا في هذا ‪ ،‬ومن هذا‬
‫في هذا ‪ ،‬فتارة يطول الليل ويقصر النهار ‪ ،‬كما في الشتاء ‪ ،‬وتارة يطول‬
‫النهار ويقصر الليل ‪ ،‬كما في الصيف‪.‬‬
‫َ‬
‫صيٌر { أي ‪ :‬سميع بأقوال عباده ‪ ،‬بصير بهم ‪ ،‬ل‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫يخفى عليه منهم خافية في أحوالهم وحركاتهم وسكناتهم‪.‬‬
‫ولما بين أنه المتصرف في الوجود ‪ ،‬الحاكم الذي ل معقب لحكمه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫} ذ َل َ َ‬
‫حقّ { أي ‪ :‬الله الحق الذي ل تنبغي العبادة إل له ؛ لنه‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ذو السلطان العظيم ‪ ،‬الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬وكل شيء‬
‫ل { أي ‪ :‬من‬ ‫ن ُدون ِهِ هُوَ ال َْباط ِ ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ي َد ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫فقير إليه ‪ ،‬ذليل لديه ‪ } ،‬وَأ ّ‬
‫الصنام والنداد والوثان ‪ ،‬وكل ما عبد من دونه تعالى فهو باطل ؛ لنه ل‬
‫يملك ضًرا ول نفًعا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م{‬ ‫ظي ُ‬ ‫ي العَ ِ‬ ‫ي الك َِبيُر { ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَهُوَ العَل ِ ّ‬ ‫ه هُوَ العَل ِ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫ل { ] الرعد ‪ [ 9 :‬فكل شيء‬ ‫مت ََعا ِ‬ ‫] البقرة ‪ ، [ 255 :‬وقال ‪ } :‬ال ْك َِبيُر )‪ (4‬ال ْ ُ‬
‫تحت قهره وسلطانه وعظمته ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه ؛ لنه العظيم‬
‫الذي ل أعظم منه ‪ ،‬العلي الذي ل أعلى منه ‪ ،‬الكبير الذي ل أكبر منه ‪ ،‬تعالى‬
‫وتقدس وتنزه ‪ ،‬وعز وجل عما يقول الظالمون ]المعتدون[ )‪ (5‬علوا كبيرا‪.‬‬
‫ف‬‫طي ٌ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ضّرةً إ ِ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ح الْر ُ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫ماًء فَت ُ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه َأنز َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫َ‬
‫م ت ََر أ ّ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫َ‬
‫ميد ُ )‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ه ل َهُوَ ال ْغَن ِ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ض وَإ ِ ّ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫خِبيٌر )‪ (63‬ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫‪{ (64‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ :‬وفي ت ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وهو الكبير"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(5/449‬‬

‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫مرِهِ‬ ‫ري ِفي ال ْب َ ْ‬
‫حرِ ب ِأ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك تَ ْ‬‫فل ْ َ‬‫ض َوال ْ ُ‬ ‫ما ِفي َ الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬‫س ّ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬‫م ت ََر أ ّ‬‫أل َ ْ‬
‫س ل ََرُءو ٌ‬ ‫َ‬
‫م)‬
‫حي ٌ‬
‫ف َر ِ‬ ‫ه ِبالّنا ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ض إ ِّل ب ِإ ِذ ْن ِهِ إ ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫قعَ عَلى الْر ِ‬
‫َ‬ ‫ن تَ َ‬‫ماَء أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫س ُ‬
‫م ِ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫فوٌر )‪(66‬‬ ‫ن لك ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حِييك ْ‬ ‫م يُ ْ‬‫م ثُ ّ‬
‫ميت ُك ْ‬
‫م يُ ِ‬‫م ثُ ّ‬ ‫حَياك ْ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫‪ (65‬وَهُوَ ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مرِهِ‬ ‫ري ِفي ال ْب َ ْ‬
‫حرِ ب ِأ ْ‬ ‫ج ِ‬‫ك تَ ْ‬ ‫فل ْ َ‬‫ض َوال ْ ُ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬‫} أل َ ْ‬
‫س ل ََرُءو ٌ‬ ‫َ‬
‫م)‬
‫حي ٌ‬‫ف َر ِ‬ ‫ه ِبالّنا ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ض ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫قعَ عَلى الْر ِ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ماَء أ ْ‬ ‫س َ‬‫ك ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫فوٌر )‪.{ (66‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن لك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حِييك ْ‬ ‫م يُ ْ‬
‫مث ّ‬‫ميت ُك ْ‬
‫م يُ ِ‬ ‫مث ّ‬ ‫حَياك ْ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫‪ (65‬وَهُوَ ال ِ‬

‫) ‪(5/449‬‬

‫وهذا أيضا من الدللة على قدرته وعظيم سلطانه ‪ ،‬فإنه يرسل )‪ (1‬الرياح ‪،‬‬
‫جُرز التي )‪ (2‬ل نبات فيها ‪ ،‬وهي هامدة‬ ‫فتثير سحابا ‪ ،‬فيمطر على الرض ال ُ‬
‫َ‬
‫ت { ] الحج ‪.[5 :‬‬ ‫ت وََرب َ ْ‬ ‫ماَء اهْت َّز ْ‬ ‫يابسة سوداء قحلة ‪ } ،‬فَإ َِذا أنزل َْنا عَل َي َْها ال َ‬
‫ْ‬
‫ضّرة ً { ‪ ،‬الفاء هاهنا للتعقيب ‪ ،‬وتعقيب كل شيء‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ح الْر ُ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَت ُ ْ‬
‫قَنا‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ضغَ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ق َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قَنا العَل َ‬ ‫خل ْ‬‫َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ق ً‬ ‫َ‬
‫ة عَل َ‬ ‫ف َ‬ ‫ْ‬
‫قَنا الن ّط َ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫بحسبه ‪ ،‬كما قال ‪َ } :‬‬
‫ما { ] المؤمنون ‪ ، [ 14 :‬وقد ثبت في الصحيحين ‪" :‬أن بين كل‬ ‫ظا ً‬ ‫ع َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ضغَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫شيئين أربعين يوما" ومع هذا هو معقب )‪ (3‬بالفاء ‪ ،‬وهكذا هاهنا قال ‪:‬‬
‫حولها )‪.(4‬‬ ‫م ُ‬ ‫ضّرةً { أي ‪ :‬خضراء بعد يبسها و ُ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ح الْر ُ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫} فَت ُ ْ‬
‫وقد ذكر عن بعض أهل )‪ (5‬الحجاز ‪ :‬أنها تصبح عقب المطر خضراء ‪ ،‬فالله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫خِبيٌر { أي ‪ :‬عليم بما في أرجاء الرض وأقطارها‬ ‫ِ ٌ َ‬ ‫ف‬ ‫طي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫وأجزائها من الحب وإن صغر ‪ ،‬ل يخفى عليه خافية ‪ ،‬فيوصل إلى كل منه‬
‫ة‬
‫حب ّ ٍ‬‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫ي إ ِن َّها إ ِ ْ‬ ‫قسطه من الماء فينبته به ‪ ،‬كما قال لقمان ‪َ } :‬يا ب ُن َ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ه إِ ّ‬ ‫ت ب َِها الل ّ ُ‬ ‫ض ي َأ ِ‬ ‫ت أ َوْ ِفي الْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خَرةٍ أوْ ِفي ال ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ل فَت َك ُ ْ‬ ‫خْرد َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ج‬
‫ُ ِ ُ‬‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫دوا‬ ‫ج‬
‫َ ْ ُ ُ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫أل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪16‬‬ ‫‪:‬‬ ‫لقمان‬ ‫]‬ ‫{‬ ‫ر‬‫ِ ٌ‬ ‫بي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ف‬‫ٌ‬ ‫طي‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬
‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪25‬‬ ‫‪:‬‬ ‫النمل‬ ‫]‬ ‫{‬ ‫ض‬
‫َ ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫وال‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ّ َ َ‬ ‫ما‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خ‬
‫س ِإل‬ ‫ب َول َياب ِ ٍ‬ ‫ض َول َرط ْ ٍ‬ ‫ت الْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫حب ّةٍ ِفي ظ ُل ُ َ‬ ‫مَها َول َ‬ ‫ن وََرقَةٍ ِإل ي َعْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫س ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ل‬
‫قا ِ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ِ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ما ي َعُْز ُ‬ ‫ن { ] النعام ‪ ، [ 59 :‬وقال } وَ َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ِفي ك َِتا ٍ‬
‫ذ َّرةٍ { الية ] يونس ‪ [ 61 :‬؛ ولهذا قال أمية بن ]أبي[ )‪ (6‬الصلت ‪ -‬أو ‪ :‬زيد‬
‫بن عمرو بن ُنفيل ‪ -‬في قصيدته ‪:‬‬
‫ل ي َهْت َّز َرابَيا?‪...‬‬ ‫ق ُ‬ ‫ه الب َ ْ‬ ‫ح من ْ ُ‬ ‫ب في الث َّرى‪ ...‬فَُيصب َ‬ ‫ت الح ّ‬ ‫من ي ُن ْب ِ ُ‬ ‫وَُقول َله ‪َ :‬‬
‫ن َواعيا )‪(7‬‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ؤوسه‪َ ...‬ففي َذاك آيات ل َ‬ ‫حّبه في ُر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ج من ْ ُ‬ ‫خر ُ‬ ‫وي ُ ْ‬
‫ميد ُ {‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ه لهُوَ الغَن ِ ّ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ض وَإ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ُ‬
‫أي ‪ :‬ملكه جميع الشياء ‪ ،‬وهو غني عما سواه ‪ ،‬وكل شيء فقير إليه ‪ ،‬عبد‬
‫لديه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض { أي ‪ :‬من حيوان ‪،‬‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫ما ِفي‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫وجماد ‪ ،‬وزروع ‪ ،‬وثمار‪ .‬كما قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ه { ] الجاثية ‪ [ 13 :‬أي ‪ :‬من إحسانه وفضله وامتنانه ‪،‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ميًعا ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫مرِهِ { أي ‪ :‬بتسخيره وتسييره ‪ ،‬أي ‪ :‬في البحر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فل َ‬ ‫ْ‬ ‫} َوال ْ ُ‬
‫حرِ ب ِأ ْ‬ ‫ري ِفي الب َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك تَ ْ‬
‫جاج ‪ ،‬وتلطم المواج ‪ ،‬تجري الفلك بأهلها )‪ (8‬بريح طيبة ‪ ،‬ورفق وتؤدة ‪،‬‬ ‫العَ َ‬
‫فيحملون فيها ما شاءوا من تجائر وبضائع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وأنه مرسل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬تعقيب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وقحوطا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في هـ ت ‪" :‬أرض" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/228‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬بأمرها"‪.‬‬

‫) ‪(5/450‬‬

‫مرِ َواد ْع ُ إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ل ِك ُ ّ ُ‬


‫ك‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ك ِفي اْل ْ‬ ‫كوه ُ فََل ي َُنازِعُن ّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َنا ِ‬ ‫س ً‬
‫كا هُ ْ‬ ‫من ْ َ‬‫جعَل َْنا َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫لأ ّ‬
‫قل الل ّ َ‬
‫ن )‪ (68‬الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫م بِ َ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬
‫ُ‬ ‫ك فَ ُ ِ‬ ‫جاد َُلو َ‬ ‫ن َ‬ ‫قيم ٍ )‪ (67‬وَإ ِ ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫دى ُ‬ ‫ل َعََلى هُ ً‬
‫ن )‪(69‬‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬
‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫مةِ ِفي َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬‫حك ُ ُ‬
‫يَ ْ‬

‫ومنافع ‪ ،‬من بلد إلى بلد ‪ ،‬وقطر إلى قطر ‪ ،‬ويأتون بما عند أولئك إلى‬
‫هؤلء ‪ ،‬كما ذهبوا بما عند هؤلء إلى أولئك ‪ ،‬مما يحتاجون إليه ‪ ،‬ويطلبونه‬
‫ض ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ { أي ‪ :‬لو شاء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬
‫قعَ عَلى الْر ِ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ماَء أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ويريدونه ‪ } ،‬وَي ُ ْ‬
‫لذن للسماء فسقطت على الرض ‪ ،‬فهلك من فيها ‪ ،‬ولكن من لطفه‬
‫ورحمته وقدرته يمسك السماء أن تقع على الرض إل بإذنه ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫م { أي ‪ :‬مع ظلمهم ‪ ،‬كما قال في الية الخرى‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫س ل ََرُءو ٌ‬ ‫ه ِبالّنا ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ب{‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ العِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫كل َ‬ ‫َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫س عَلى ظل ِ‬ ‫َ‬ ‫كل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫فَرةٍ ِللّنا ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫] الرعد ‪.[ 6 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫فوٌر { ‪،‬‬ ‫ن لك ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حِييك ْ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ميت ُك ْ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫حَياك ْ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ ال ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫حِييك ْ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ميت ُك ْ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫حَياك ْ‬ ‫واًتا فَأ ْ‬ ‫م َ‬‫مأ ْ‬ ‫ن ِباللهِ وَكن ْت ُ ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ف ت َك ُ‬ ‫كقوله ‪ } :‬ك َي ْ َ‬
‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫ميت ُك ُ ْ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫حِييك ُ ْ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن { ] البقرة ‪ ، [ 28 :‬وقوله ‪ } :‬قُ ِ‬ ‫جُعو َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬
‫ب ِفيهِ { ] الجاثية ‪ ، [ 26 :‬وقوله ‪َ } :‬قاُلوا َرب َّنا‬ ‫مةِ ل َري ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫معُك ُ ْ‬ ‫ج َ‬
‫يَ ْ‬
‫ن { ] غافر ‪ [ 11 :‬ومعنى الكلم ‪ :‬كيف تجعلون ]مع[‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حي َي ْت ََنا اثن َت َي ْ ِ‬ ‫ن وَأ ْ‬ ‫مت َّنا اثن َت َي ْ ِ‬ ‫أ َ‬
‫)‪ (1‬الله أندادا وتعبدون معه غيره ‪ ،‬وهو المستقل بالخلق والرزق والتصرف ‪،‬‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬خلقكم بعد أن لم تكونوا شيًئا يذكر ‪ ،‬فأوجدكم‬ ‫حَياك ُ ْ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫} وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫فوٌر { أي ‪:‬‬ ‫ن ل َك َ ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫م { أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ } ،‬إ ِ ّ‬ ‫حِييك ُ ْ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ميت ُك ُ ْ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫} ثُ ّ‬
‫جحود‪.‬‬
‫مرِ َواد ْع ُ إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫ُ‬
‫ك إ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫ك ِفي ال ْ‬ ‫كوه ُ َفل ي َُنازِعُن ّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َنا ِ‬ ‫كا هُ ْ‬ ‫س ً‬ ‫من ْ َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫} ل ِك ُ ّ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (68‬الل ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه أعْل ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك فَ ُ‬ ‫جاد َلو َ‬ ‫ن َ‬ ‫قيم ٍ )‪ (67‬وَإ ِ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دى ُ‬ ‫ل َعََلى هُ ً‬
‫ن )‪.{ (69‬‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫مةِ ِفي َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫يخبر تعالى أنه جعل لكل قوم )‪ (2‬منسكا‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يعني ‪ :‬لكل أمة نبي منسكا‪ .‬قال ‪ :‬وأصل المنسك في كلم‬
‫العرب ‪ :‬هو الموضع الذي يعتاده النسان ‪ ،‬ويتردد إليه ‪ ،‬إما لخير أو شر‪ .‬قال‬
‫‪ :‬ولهذا سميت مناسك الحج بذلك ‪ ،‬لترداد الناس إليها وعكوفهم عليها )‪.(3‬‬
‫فإن كان كما قال من أن المراد ‪ } :‬ل ِك ُ ّ ُ‬
‫كا { فيكون المراد‬ ‫س ً‬ ‫من ْ َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫لأ ّ‬
‫مرِ { أي ‪ :‬هؤلء المشركون‪ .‬وإن كان المراد ‪:‬‬ ‫ك ِفي ال ْ‬ ‫بقوله ‪َ } :‬فل ي َُنازِعُن ّ َ‬
‫موَّليَها {‬ ‫ة هُوَ ُ‬ ‫جهَ ٌ‬ ‫ل وِ ْ‬ ‫"لكل أمة جعلنا منسكا جعل قدريا ‪ -‬كما قال ‪ } :‬وَل ِك ُ ّ‬
‫كوه ُ { أي ‪ :‬فاعلوه ‪ -‬فالضمير‬ ‫س ُ‬ ‫م َنا ِ‬ ‫] البقرة ‪ [ 148 :‬ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬هُ ْ‬
‫هاهنا عائد على هؤلء الذين لهم مناسك وطرائق ‪ ،‬أي ‪ :‬هؤلء إنما يفعلون‬
‫هذا عن قدر الله وإرادته ‪ ،‬فل تتأثر بمنازعتهم لك ‪ ،‬ول يصرفك ذلك عما أنت‬
‫قيم ٍ { أي ‪:‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دى ُ‬ ‫ك ل َعََلى هُ ً‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫عليه من الحق ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬واد ْع ُ إ َِلى َرب ّ َ‬
‫طريق واضح مستقيم موصل إلى المقصود‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك{‬ ‫ك َواد ْع ُ إ ِلى َرب ّ َ‬ ‫ت إ ِلي ْ َ‬ ‫ت الل ّهِ ب َعْد َ إ ِذ ْ أنزل ْ‬
‫َ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫صد ّن ّ َ‬ ‫وهذه كقوله ‪َ } :‬ول ي َ ُ‬
‫] القصص ‪.[ 87 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أمة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(17/138‬‬

‫) ‪(5/451‬‬

‫ك عََلى‬ ‫َْ‬ ‫أ َل َم تعل َ َ‬


‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ب إِ ّ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ض إِ ّ‬
‫ماءِ َوالْر ِ‬
‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫مأ ّ‬‫ْ َْ ْ‬
‫سيٌر )‪(70‬‬ ‫الل ّهِ ي َ ِ‬
‫قل الل ّ َ‬
‫ن ك َذ ُّبو َ‬
‫ك‬ ‫ن { ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك فَ ُ ِ‬ ‫جاد َُلو َ‬ ‫ن َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ل وَأَنا ب َ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ما أعْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ريُئو َ‬ ‫م بَ ِ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫مل ُك ُ ْ‬ ‫م عَ َ‬ ‫مِلي وَل َك ُ ْ‬ ‫ل ِلي عَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فَ ُ‬
‫] يونس ‪.[ 41 :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫ن { تهديد شديد ‪ ،‬ووعيد أكيد ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬هُ َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه أعْل ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫م { ] الحقاف ‪ [ 8 :‬؛ ولهذا‬ ‫دا ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫شِهي ً‬ ‫فى ب ِهِ َ‬ ‫ن ِفيهِ ك َ َ‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫أعْل َ ُ‬
‫ن{‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬
‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫مةِ ِفي َ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ه )‪ (1‬ي َ ْ‬ ‫قال ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫ت‬ ‫م وَقُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ك َفادع ُ واستقم ك َ ُ‬ ‫وهذه كقوله ‪ } :‬فَل ِذ َل ِ َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫لآ َ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ت َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ْ َ ْ َ ِ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ما َأنز َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫مالَنا وَلك ْ‬ ‫م لَنا أعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ه َرب َّنا وََرب ّك ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫ل ب َي ْن َك ُ‬ ‫ت لعْدِ َ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ب وَأ ِ‬ ‫ن ك َِتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫بِ َ‬
‫صيُر { ] الشورى ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬‫معُ ب َي ْن ََنا وَإ ِلي ْهِ ال َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ة ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ‬ ‫ج َ‬‫ح ّ‬ ‫مل ُ‬ ‫مالك ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫‪.[ 15‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِكَ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ن ذ َل ِك ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ض إِ ّ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫م ت َعْل ْ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫سيٌر )‪.{ (70‬‬ ‫عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬
‫يخبر تعالى عن كمال علمه بخلقه ‪ ،‬وأنه محيط بما في السموات وما في‬
‫الرض ‪ ،‬فل يعزب عنه مثقال ذرة في الرض ول في السماء ‪ ،‬ول أصغر من‬
‫ذلك ول أكبر ‪ ،‬وأنه تعالى علم الكائنات كلها قبل وجودها ‪ ،‬وكتب ذلك في‬
‫كتابه اللوح المحفوظ ‪ ،‬كما ثبت في صحيح مسلم ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو‬
‫در مقادير الخلئق‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله ق ّ‬
‫قبل خلق السموات والرض بخمسين ألف سنة ‪ ،‬وكان عرشه على الماء" )‬
‫‪.(2‬‬
‫وفي السنن ‪ ،‬من حديث جماعة من الصحابة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬أول ما خلق الله القلم ‪ ،‬قال له ‪ :‬اكتب ‪ ،‬قال ‪ :‬وما أكتب ؟‬
‫قال ‪ :‬اكتب ما هو كائن‪ .‬فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة" )‪.(3‬‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا ابن ب ُك َْير ‪ ،‬حدثني ابن ل َِهيعة ‪،‬‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫جب َْير قال ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬خلق‬ ‫حدثني عطاء بن دينار ‪ ،‬حدثني سعيد بن ُ‬
‫سيَرة مائة عام ‪ ،‬وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق ‪-‬‬ ‫م ِ‬ ‫الله اللوح المحفوظ َ‬
‫وهو على العرش تبارك وتعالى ‪ : -‬اكتب‪ .‬قال القلم ‪ :‬وما أكتب ؟ قال ‪:‬‬
‫علمي في خلقي إلى يوم تقوم الساعة‪ .‬فجرى القلم بما هو كائن في علم‬
‫َ‬
‫الله إلى يوم القيامة‪ .‬فذلك قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫م‬
‫تعل َ َ‬
‫ض{‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َْ ْ‬
‫ضا ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أي‬ ‫وكتبها‬ ‫وقدرها‬ ‫‪،‬‬ ‫كونها‬ ‫قبل‬ ‫الشياء‬ ‫علم‬ ‫أنه‬ ‫تعالى‬ ‫علمه‬ ‫تمام‬ ‫من‬ ‫وهذا‬
‫فما العباد عاملون قد علمه تعالى قبل ذلك ‪ ،‬على الوجه الذي يفعلونه ‪،‬‬
‫فيعلم قبل الخلق أن هذا يطيع باختياره ‪ ،‬وهذا يعصي باختياره ‪ ،‬وكتب ذلك‬
‫عنده ‪ ،‬وأحاط بكل شيء علما ‪ ،‬وهو سهل عليه ‪ ،‬يسير لديه ؛ ولهذا قال‬
‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬
‫سيٌر {‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ب إِ ّ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬والله" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪ (2653‬بلفظ "كتب الله مقادير الخلئق"‪.‬‬
‫)‪ (3‬جاء من حديث عبادة بن الصامت ‪ :‬أخرجه أبو داود في السنن برقم )‬
‫‪ (4700‬والترمذي في السنن برقم )‪ (3319‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث‬
‫حسن غريب"‪ .‬وجاء من حديث ابن عباس ‪ :‬رواه البيهقي في السماء‬
‫والصفات )ص ‪.(378‬‬

‫) ‪(5/452‬‬

‫ما‬
‫م وَ َ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫م ب ِهِ ِ‬ ‫س ل َهُ ْ‬
‫ما ل َي ْ َ‬ ‫طاًنا وَ َ‬ ‫سل ْ َ‬‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي ُن َّز ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫وَي َعْب ُ ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِلل ّ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫جوهِ ال ِ‬ ‫ف ِفي وُ ُ‬ ‫ت ت َعْرِ ُ‬ ‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫صيرٍ )‪ (71‬وَإ َِذا ت ُت ْلى عَلي ْهِ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫شّر ِ‬ ‫م بِ َ‬‫ل أفَأن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬
‫م آَيات َِنا قُ ْ‬ ‫ن ي َت ُْلو َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫طو َ‬‫س ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كاُدو َ‬ ‫فُروا ال ْ ُ‬
‫من ْك ََر ي َ َ‬ ‫كَ َ‬
‫صيُر )‪(72‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫فُروا وَب ِئ ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ها الل ّ ُ‬ ‫م الّناُر وَعَد َ َ‬ ‫ذ َل ِك ُ ُ‬

‫ما‬‫م وَ َ‬‫عل ْ ٌ‬ ‫م ب ِهِ ِ‬ ‫س ل َهُ ْ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫طاًنا وَ َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫م ُينز ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫} وَي َعْب ُ ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫جوهِ ال ِ‬ ‫ف ِفي وُ ُ‬ ‫ت ت َعْرِ ُ‬ ‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صيرٍ )‪ (71‬وَإ َِذا ت ُت ْلى عَلي ْهِ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ِلل ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫شّر ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ل أفَأن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫م آَيات َِنا قُ ْ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ي َت ُْلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬ ‫طو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كاُدو َ‬ ‫من ْك ََر ي َ َ‬ ‫فُروا ال ْ ُ‬ ‫كَ َ‬
‫صيُر )‪.{ (72‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫فُروا وَب ِئ ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ها الل ّ ُ‬ ‫م الّناُر وَعَد َ َ‬ ‫ذ َل ِك ُ ُ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما جهلوا وكفروا ‪ ،‬وعبدوا من دون الله‬
‫معَ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ي َد ْع ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما لم ينزل به سلطانا ‪ ،‬يعني ‪ :‬حجة وبرهانا ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن{‬ ‫ح ال ْكافُِرو َ‬ ‫َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫ه ل يُ ْ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ساب ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه ب ِهِ فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫خَر ل ب ُْر َ‬ ‫إ ِل ًَها آ َ‬
‫ما ل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫طاًنا وَ َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫م ُينز ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫] المؤمنون ‪ .[ 117 :‬ولهذا قال هاهنا ‪َ } :‬‬
‫م { أي ‪ :‬ول علم لهم فيما اختلقوه وائتفكوه ‪ ،‬وإنما هو أمر تلقوه‬ ‫عل ْ ٌ‬‫م ب ِهِ ِ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫عن آبائهم وأسلفهم ‪ ،‬بل دليل ول حجة ‪ ،‬وأصله مما سول لهم الشيطان‬
‫صيرٍ { أي ‪:‬‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ما ِلل ّ‬ ‫وزينه لهم ؛ ولهذا توعدهم تعالى بقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫من ناصر ينصرهم من الله ‪ ،‬فيما يحل بهم من العذاب والنكال‪.‬‬
‫ت { أي ‪ :‬وإذا ذكرت لهم آيات القرآن‬ ‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَإ َِذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫والحجج والدلئل الواضحات على توحيد الله ‪ ،‬وأنه ل إله إل هو ‪ ،‬وأن رسله‬
‫م آَيات َِنا { أي ‪:‬‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ي َت ُْلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬ ‫طو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كاُدو َ‬ ‫الكرام حق وصدق ‪ } ،‬ي َ َ‬
‫يكادون يبادرون الذين يحتجون عليهم بالدلئل الصحيحة من القرآن ‪،‬‬
‫ل { أي ‪ :‬يا محمد لهؤلء‪.‬‬ ‫ويبسطون إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء! } قُ ْ‬
‫َ ُ‬
‫فُروا )‪ { (1‬أي ‪ :‬النار‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ها الل ّ ُ‬ ‫م الّناُر وَعَد َ َ‬ ‫ن ذ َل ِك ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شّر ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫} أفَأن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫وعذابها ونكالها أشد وأشق وأطم وأعظم مما تخوفون به أولياء الله‬
‫المؤمنين في الدنيا ‪ ،‬وعذاب الخرة على صنيعكم هذا أعظم مما تنالون‬
‫منهم ‪ ،‬إن نلتم بزعمكم وإرادتكم‪.‬‬
‫صيُر { أي ‪ :‬وبئس النار منزل ومقيل ومرجعا وموئل‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَب ِئ ْ َ‬
‫ما { ] الفرقان ‪.[ 66 :‬‬ ‫قا ً‬ ‫م َ‬‫قّرا وَ ُ‬ ‫ست َ َ‬‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫ومقاما ‪ } ،‬إ ِن َّها َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كفروا وبئس المصير"‪.‬‬
‫) ‪(5/453‬‬

‫َ‬
‫ن الل ّهِ ل َ ْ‬
‫ن‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬ ‫ل َفا ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫مث َ ٌ‬
‫ب َ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ف‬
‫ضعُ َ‬
‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ذوه ُ ِ‬ ‫ق ُ‬
‫ست َن ْ ِ‬ ‫شي ًْئا َل ي َ ْ‬‫ب َ‬ ‫م الذ َّبا ُ‬‫سل ُب ْهُ ُ‬
‫ن يَ ْ‬
‫ه وَإ ِ ْ‬‫مُعوا ل َ ُ‬ ‫جت َ َ‬ ‫قوا ذ َُباًبا وَل َوِ ا ْ‬ ‫خل ُ ُ‬‫يَ ْ‬
‫زيٌز )‪(74‬‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬‫حقّ قَد ْرِهِ إ ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ما قَد َُروا الل َ‬ ‫ب )‪َ (73‬‬ ‫ُ‬
‫مطلو ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ب َوال َ‬ ‫ّ‬
‫الطال ِ ُ‬
‫َ‬
‫ن الل ّهِ ل َ ْ‬
‫ن‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ست َ ِ‬‫ل َفا ْ‬ ‫مث َ ٌ‬
‫ب َ‬‫ضرِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫} َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ف‬
‫ضعُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ذوه ُ ِ‬ ‫ق ُ‬‫ست َن ْ ِ‬ ‫شي ًْئا ل ي َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫م الذ َّبا ُ‬ ‫سل ُب ْهُ ُ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ه وَإ ِ ْ‬‫مُعوا ل َ ُ‬‫جت َ َ‬ ‫قوا ذ َُباًبا وَل َوِ ا ْ‬ ‫خل ُ ُ‬‫يَ ْ‬
‫زيٌز )‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫هل َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫حقّ قَد ْرِهِ إ ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ما قَد َُروا الل َ‬ ‫ب )‪َ (73‬‬ ‫مطلو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ب َوال َ‬ ‫ّ‬
‫الطال ِ ُ‬
‫‪.{ (74‬‬
‫َ‬
‫يقول تعالى منبها على حقارة الصنام وسخافة عقول عابديها ‪َ } :‬يا أي َّها‬
‫ل { أي ‪ :‬لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به ‪،‬‬ ‫مث َ ٌ‬‫ب َ‬ ‫ضرِ َ‬‫س ُ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ل ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ه { أي ‪ :‬أنصتوا وتفهموا ‪ } ،‬إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫مُعوا ل ُ‬ ‫} َفا ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫ه { أي ‪ :‬لو اجتمع جميع ما تعبدون من الصنام‬ ‫َ‬
‫مُعوا ل ُ‬ ‫جت َ َ‬ ‫َ‬
‫قوا ذ َُباًبا وَلوِ ا ْ‬ ‫خل ُ ُ‬‫يَ ْ‬
‫والنداد على أن يقدروا‬

‫) ‪(5/453‬‬

‫صيٌر )‪ (75‬ي َعْل َ ُ‬


‫م‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬
‫س ِ‬
‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬
‫س إِ ّ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫سًل وَ ِ‬
‫مَلئ ِك َةِ ُر ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫في ِ‬ ‫صط َ ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫موُر )‪(76‬‬ ‫جعُ اْل ُ‬‫م وَإ َِلى الل ّهِ ت ُْر َ‬ ‫خل ْ َ‬
‫فهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬
‫ديهِ ْ‬‫ن أي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫َ‬

‫على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك‪ .‬كما قال المام أحمد‪.‬‬
‫ريك ‪ ،‬عن عمارة بن القعقاع ‪ ،‬عن أبي‬ ‫ش ِ‬ ‫حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫ُزْرعة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ -‬رفع الحديث ‪ -‬قال ‪" :‬ومن أظلم ممن خلق ]خلقا[ )‬
‫حّبة" )‪.(2‬‬ ‫‪ (1‬كخلقي ؟ فليخلقوا مثل خلقي ذ َّرة ‪ ،‬أو ذبابة ‪ ،‬أو َ‬
‫ة ‪ ،‬عن أبي‬ ‫مارة ‪ ،‬عن أبي ُزْرع َ‬ ‫وأخرجه صاحبا الصحيح ‪ ،‬من طريق عُ َ‬
‫هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬قال الله عز وجل ‪" :‬ومن‬
‫أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ؟ فليخلقوا ذرة ‪ ،‬فليخلقوا شعيرة" )‪.(3‬‬
‫ه { أي ‪ :‬هم‬ ‫من ْ ُ‬
‫ذوه ُ ِ‬ ‫ق ُ‬
‫ست َن ْ ِ‬‫شي ًْئا ل ي َ ْ‬
‫ب َ‬ ‫م الذ َّبا ُ‬ ‫سل ُب ْهُ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ثم قال تعالى أيضا ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫عاجزون عن خلق ذباب واحد ‪ ،‬بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته‬
‫والنتصار منه ‪ ،‬لو سلبها شيًئا من الذي عليها من الطيب ‪ ،‬ثم أرادت أن‬
‫تستنقذه منه لما قدرت على ذلك‪ .‬هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله‬
‫ب { [ )‪.(4‬‬ ‫مط ُْلو ُ‬ ‫ب َوال ْ َ‬ ‫ف ال ّ‬
‫طال ِ ُ‬ ‫ضعُ َ‬ ‫وأحقرها ولهذا ]قال ‪َ } :‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬الطالب ‪ :‬الصنم ‪ ،‬والمطلوب ‪ :‬الذباب‪ .‬واختاره ابن جرير ‪،‬‬
‫وهو ظاهر السياق‪ .‬وقال السدي وغيره ‪ :‬الطالب ‪ :‬العابد ‪ ،‬والمطلوب ‪:‬‬
‫الصنم‪.‬‬
‫حقّ قد ْرِهِ { أي ‪ :‬ما عرفوا قدر الله وعظمته حين‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ما قد َُروا الل َ‬‫َ‬ ‫ثم قال ‪َ } :‬‬
‫ن‬
‫عبدوا معه غيره ‪ ،‬من هذه )‪ (5‬التي ل تقاوم الذباب لضعفها وعجزها ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫و‬
‫زيٌز { أي ‪ :‬هو القوي الذي بقدرته وقوته خلق كل شيء ‪ } ،‬وَهُ َ‬ ‫يّ ع َ ِ‬ ‫قو ِ‬‫ه لَ َ‬‫الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ب َط ْ َ‬
‫ش‬ ‫ن عَل َي ْهِ { ] الروم ‪ } ، [ 27 :‬إ ِ ّ‬ ‫م ي ُِعيد ُه ُ وَهُوَ أهْوَ ُ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ذي ي َب ْد َأ ال ْ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫و‬
‫ه هُ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ه هُوَ ي ُب ْدِئُ وَي ُِعيد ُ { ] البروج ‪ } ، [ 13 ، 12 :‬إ ِ ّ‬ ‫د‪ .‬إ ِن ّ ُ‬ ‫دي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ن { ] الذاريات ‪.[ 58 :‬‬ ‫قوّةِ ال ْ َ‬
‫مِتي ُ‬ ‫الّرّزاقُ ُذو ال ْ ُ‬
‫زيٌز { أي ‪ :‬قد عز )‪ (6‬كل شيء فقهره وغلبه ‪ ،‬فل يمانع ول‬ ‫وقوله ‪ } :‬عَ ِ‬
‫يغالب ‪ ،‬لعظمته وسلطانه ‪ ،‬وهو الواحد القهار‪.‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫صيٌر )‪ (75‬ي َعْل ُ‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬ ‫س ِ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫ملئ ِك َةِ ُر ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫صط َ ِ‬ ‫} الل ّ ُ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سل وَ ِ‬ ‫م َ‬
‫في ِ‬ ‫ه يَ ْ‬
‫َ‬
‫موُر )‪.{ (76‬‬ ‫جعُ ال ُ‬ ‫م وَإ َِلى الل ّهِ ت ُْر َ‬ ‫فهُ ْ‬ ‫خل ْ َ‬‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬‫ن أي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬
‫َ‬
‫دره ‪ ،‬ومن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫شرعه‬ ‫من‬ ‫يشاء‬ ‫فيما‬ ‫رسل‬ ‫الملئكة‬ ‫من‬ ‫يختار‬ ‫أنه‬ ‫تعالى‬ ‫يخبر‬
‫صيٌر { أي ‪ :‬سميع لقوال عباده ‪،‬‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫الناس لبلغ رسالته ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫جعَ ُ‬
‫ل‬ ‫ث يَ ْ‬
‫حي ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬ ‫بصير بهم ‪ ،‬عليم بمن يستحق ذلك منهم ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫ه { ] النعام ‪.[ 124 :‬‬ ‫سال َت َ ُ‬‫رِ َ‬
‫موُر { أي ‪ :‬يعلم‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعُ ال ُ‬ ‫م وَإ ِلى اللهِ ت ُْر َ‬ ‫فهُ ْ‬ ‫خل َ‬ ‫ما َ‬‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َعْل ُ‬
‫ما يفعل برسله فيما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪(2/391‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (5953‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2111‬‬
‫)‪ (4‬زيادة ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬هذا الذي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬قدر"‪.‬‬

‫) ‪(5/454‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م تُ ْ‬‫خي َْر ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م َوافْعَُلوا ال ْ َ‬ ‫دوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫دوا َواعْب ُ ُ‬ ‫ج ُ‬‫س ُ‬ ‫مُنوا اْرك َُعوا َوا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬
‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جت ََباك ُ ْ‬ ‫جَهادِهِ هُوَ ا ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫دوا ِفي الل ّهِ َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫)‪ (77‬وَ َ‬
‫ذا ل ِي َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مل ّ َ‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫ل وَِفي هَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ماك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م هُوَ َ‬ ‫هي َ‬ ‫ة أِبيك ُ ْ‬
‫م إ ِب َْرا ِ‬ ‫حَرٍج ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صلة َ وَآُتوا الّزكاةَ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫س فَأِقي ُ‬ ‫داَء عَلى الّنا ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م وَت َكوُنوا ُ‬ ‫دا عَلي ْك ْ‬ ‫شِهي ً‬ ‫ل َ‬ ‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫صيُر )‪(78‬‬ ‫م الن ّ ِ‬ ‫موْلى وَن ِعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫م فَن ِعْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫موْلك ْ‬ ‫ّ‬
‫موا ِباللهِ هُوَ َ‬ ‫ص ُ‬‫َواعْت َ ِ‬

‫ب َفل‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬ ‫عال ِ ُ‬‫أرسلهم به ‪ ،‬فل يخفى عليه من أمورهم شيء ‪ ،‬كما قال ‪َ } :‬‬
‫سل ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن ي َد َي ْ ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ل ] فَإ ِن ّ ُ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضى ِ‬ ‫ن اْرت َ َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫دا‪ِ .‬إل َ‬ ‫ح ً‬‫ي ُظ ْهُِر عََلى غَي ْب ِهِ أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫خل ْفه رصدا‪ .‬ل ِيعل َ َ‬
‫م [ )‪(1‬‬ ‫ما ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫ط بِ َ‬ ‫حا َ‬ ‫م وَأ َ‬ ‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫سال ِ‬ ‫ن قَد ْ أب ْل َُغوا رِ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ن َ ِ ِ َ َ ً‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫يٍء عَد ًَدا { ] الجن ‪ ، [ 28 - 26 :‬فهو سبحانه رقيب عليهم ‪،‬‬ ‫ل َ‬ ‫صى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬ ‫ح َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ل ب َل ّ ْ‬
‫غ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫شهيد على ما يقال لهم ‪ ،‬حافظ لهم ‪ ،‬ناصر لجنابهم ؛ } َيا أي َّها الّر ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه ي َعْ ِ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫سال َت َ ُ‬ ‫ت رِ َ‬ ‫ما ب َل ّغْ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُأنز َ‬ ‫َ‬
‫س { الية ] المائدة ‪.[ 67 :‬‬ ‫َِ‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫ال‬
‫خي َْر ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َوافْعَُلوا ال ْ َ‬ ‫دوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫دوا َواعْب ُ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫مُنوا اْرك َُعوا َوا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ها‬ ‫} َيا أ َ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫م ِفي‬ ‫ُ‬
‫ل عَلي ْك ْ‬‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫جت ََباك ْ‬ ‫جَهادِهِ هُوَ ا ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫دوا ِفي اللهِ َ‬‫ّ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ن )‪ (77‬وَ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫ل وَِفي هَ َ‬
‫ذا‬ ‫ن قب ْ ُ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م َْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ماك ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م هُوَ َ‬ ‫هي َ‬ ‫م إ ِب َْرا ِ‬ ‫ة أِبيك ْ‬ ‫مل َ‬ ‫حَرٍج ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫صلة َ َوآُتوا‬ ‫موا ال ّ‬ ‫س فأِقي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م وَت َكوُنوا ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سول َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫داَء عَلى الّنا ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫دا عَلي ْك ْ‬ ‫شِهي ً‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ل ِي َكو َ‬
‫صيُر )‪.{ (78‬‬ ‫م الن ّ ِ‬ ‫موْلى وَن ِعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫َ‬
‫م فن ِعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ولك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫موا ِباللهِ هُوَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫كاةَ َواعْت َ ِ‬ ‫الّز َ‬
‫اختلف الئمة ‪ ،‬رحمهم الله ‪ ،‬في هذه السجدة الثانية من سورة الحج ‪ :‬هل‬
‫هي مشروع السجود ُ فيها أم ل ؟ على قولين‪ .‬وقد قدمنا عند الولى حديث‬
‫عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ُ" :‬فضلت سورة الحج‬
‫بسجدتين ‪ ،‬فمن لم يسجدهما فل يقرأهما"‪.‬‬
‫جَهادِهِ { أي ‪ :‬بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم ‪،‬‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫دوا ِفي الل ّهِ َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫قات ِهِ { ] آل عمران ‪.[ 102 :‬‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬ات ّ ُ‬
‫م { أي ‪ :‬يا هذه المة ‪ ،‬الله اصطفاكم واختاركم على‬ ‫جت ََباك ُ ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬هُوَ ا ْ‬
‫سائر المم ‪ ،‬وفضلكم وشرفكم وخصكم بأكرم رسول ‪ ،‬وأكمل شرع‪.‬‬
‫حَرٍج { أي ‪ :‬ما كلفكم ما ل تطيقون ‪ ،‬وما‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬
‫دي ِ‬
‫م ِفي ال ّ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫ما َ‬‫} وَ َ‬
‫شقَ عليكم إل جعل الله لكم فرجا ومخرجا ‪ ،‬فالصلة ‪ -‬التي‬ ‫ألزمكم بشيء فَ َ‬
‫ضر أربًعا وفي السفر‬‫ح َ‬‫هي أكبر أركان السلم بعد الشهادتين ‪ -‬تجب في ال َ‬
‫صر إلى ث ِن َْتين ‪ ،‬وفي الخوف يصليها بعض الئمة ركعة ‪ ،‬كما ورد به الحديث‬ ‫ق َ‬ ‫تُ ْ‬
‫صلى رجال وركبانا ‪ ،‬مستقبلي القبلة وغير مستقبليها‪ .‬وكذا في النافلة‬ ‫‪ ،‬وت ُ َ‬
‫في السفر إلى القبلة وغيرها ‪ ،‬والقيام فيها يسقط بعذر المرض ‪ ،‬فيصليها‬
‫المريض جالسا ‪ ،‬فإن لم يستطع فعلى جنبه ‪ ،‬إلى غير ذلك من الرخص‬
‫والتخفيفات ‪ ،‬في سائر الفرائض والواجبات ؛ ولهذا قال ‪ ،‬عليه السلم )‪: (2‬‬
‫سمحة" )‪ (3‬وقال لمعاذ وأبي موسى ‪ ،‬حين بعثهما أميَرين‬ ‫ت بالحِنيفّية ال ّ‬ ‫"ب ُعِث ْ ُ‬
‫شرا ول‬ ‫إلى اليمن ‪" :‬ب َ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪ .‬وفي ت ‪" :‬إلى قوله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬عليه الصلة والسلم" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه أحمد في مسنده )‪ (5/266‬من حديث أبي أمامة رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(5/455‬‬

‫سَرا" )‪ .(1‬والحاديث في هذا كثيرة ؛ ولهذا قال ابن‬ ‫سرا ول ُتع ّ‬ ‫تنفرا ‪ ،‬وي َ ّ‬
‫حَرٍج { يعني ‪ :‬من ضيق‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫ل عَلي ْك ُ ْ‬ ‫جعَ َ‬
‫دي ِ‬
‫م ِفي ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫عباس في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫وقوله ‪ } :‬مل ّ َ َ‬
‫ما‬ ‫م { ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬نصب على تقدير ‪ } :‬وَ َ‬ ‫هي َ‬ ‫م إ ِب َْرا ِ‬ ‫ة أِبيك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫سعه عليكم كملة‬ ‫ج { أي ‪ :‬من ضيق ‪ ،‬بل وَ ّ‬ ‫حَر ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬
‫أبيكم إبراهيم‪] .‬قال ‪ :‬ويحتمل أنه منصوب على تقدير ‪ :‬الزموا ملة أبيكم‬
‫إبراهيم[ )‪.(2‬‬
‫ط‬
‫صَرا ٍ‬ ‫داِني َرّبي إ ِلى ِ‬ ‫َ‬ ‫ل إ ِن ِّني هَ َ‬ ‫قلت ‪ :‬وهذا المعنى في هذه الية كقوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫فا { الية ] النعام ‪.[ 161 :‬‬ ‫حِني ً‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫ة إ ِب َْرا ِ‬ ‫مل ّ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫قيم ٍ ِديًنا قِي َ ً‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ذا { قال المام عبد الله بن‬ ‫ل وَِفي هَ َ‬ ‫َ‬
‫ن قب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫ماك ُ‬‫ُ‬ ‫س ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬هُوَ َ‬
‫و‬
‫المبارك ‪ ،‬عن ابن جريج ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬هُ َ‬
‫ل { قال ‪ :‬الله عز وجل‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪،‬‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ماك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫حّيان‪.‬‬ ‫َ‬ ‫بن‬ ‫ومقاتل‬ ‫‪،‬‬ ‫وقتادة‬ ‫‪،‬‬ ‫والسدي‬ ‫‪،‬‬ ‫والضحاك‬ ‫‪،‬‬ ‫وعطاء‬
‫ل{‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ال ْ ُ ْ ِ ِ َ ِ ْ‬
‫م‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ماك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ } :‬هُوَ َ‬
‫ُ‬ ‫ن لَ َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ن ذ ُّري ّت َِنا أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫مي ْ ِ‬
‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جعَل َْنا ُ‬‫يعني ‪ :‬إبراهيم ‪ ،‬وذلك لقوله ‪َ } :‬رب َّنا َوا ْ‬
‫ك { ] البقرة ‪.[ 128 :‬‬ ‫ة لَ َ‬ ‫م ً‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م هذه‬ ‫ّ‬ ‫يس‬ ‫لم‬ ‫إبراهيم‬ ‫أن‬ ‫المعلوم‬ ‫من‬ ‫لنه‬ ‫؛‬ ‫له‬ ‫وجه‬ ‫ل‬ ‫وهذا‬ ‫‪:‬‬ ‫جرير‬ ‫ابن‬ ‫قال‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ماك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫المة في القرآن مسلمين ‪ ،‬وقد قال الله تعالى ‪ } :‬هُوَ َ‬
‫ذا { قال مجاهد ‪ :‬الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب‬ ‫ل وَِفي هَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ذا { يعني ‪ :‬القرآن‪ .‬وكذا قال غيره‪.‬‬ ‫المتقدمة وفي الذكر ‪ } ،‬وَِفي هَ َ‬
‫م ِفي‬ ‫ُ‬
‫ل عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫جت ََباك ْ‬‫قلت ‪ :‬وهذا هو الصواب ؛ لنه تعالى قال ‪ } :‬هُوَ ا ْ‬
‫ج { ‪ ،‬ثم حثهم وأغراهم على ما جاء به الرسول ‪ ،‬صلوات الله‬ ‫حَر ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وسلمه عليه ‪ ،‬بأنه ملة أبيهم إبراهيم الخليل ‪ ،‬ثم ذكر منته تعالى على هذه‬
‫وه به من ذكرها والثناء عليها في سالف الدهر وقديم الزمان ‪ ،‬في‬ ‫المة بما ن َ ّ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫ماك ُ‬‫ُ‬ ‫س ّ‬ ‫كتب النبياء ‪ ،‬يتلى على الحبار والرهبان ‪ ،‬فقال ‪ } :‬هُوَ َ‬
‫ذا { ‪ ،‬وقد قال النسائي عند‬ ‫ل { أي ‪ :‬من قبل هذا القرآن } وَِفي هَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫تفسير هذه الية ‪:‬‬
‫ُ‬
‫أنبأنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا محمد بن شَعيب ‪ ،‬أنبأنا معاوية بن سلم )‪ (3‬أن‬
‫أخاه زيد بن سلم أخبره ‪ ،‬عن أبي سلم أنه أخبره قال ‪ :‬أخبرني الحارث‬
‫الشعري ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬من دعا بدعوى‬
‫ي جهنم"‪ .‬قال رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وإن صام وصلى ؟‬ ‫جث ّ‬ ‫الجاهلية فإنه من ِ‬
‫قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬وإن صام وصلى ‪ ،‬فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين‬
‫المؤمنين عباد الله" )‪.(4‬‬
‫َ‬
‫دوا َرب ّك ُ ُ‬
‫م‬ ‫س اعْب ُ ُ‬ ‫وقد قدمنا هذا الحديث بطوله عند تفسير قوله ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ن { من سورة البقرة ] الية ‪[21 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬
‫قك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫س{‬ ‫َ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫م وَت َ ُ‬‫دا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ُ‬ ‫؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل ِي َ ُ‬
‫داَء عَلى الّنا ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫شِهي ً‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫كو َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (3038‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪.(1732‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬سالم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن النسائي الكبرى برقم )‪.(11349‬‬

‫) ‪(5/456‬‬

‫عدول )‪ (1‬خيارا ‪ ،‬مشهودا بعدالتكم عند‬ ‫أي ‪ :‬إنما جعلناكم هكذا أمة وسطا ُ‬
‫س { لن جميع المم‬ ‫َ‬ ‫جميع المم ‪ ،‬لتكونوا يوم القيامة } ُ‬
‫داَء عَلى الّنا ِ‬‫شهَ َ‬
‫معترفة يومئذ بسيادتها وفضلها )‪ (2‬على كل أمة سواها ؛ فلهذا تقبل‬
‫شهادتهم عليهم يوم القيامة ‪ ،‬في أن الرسل بلغتهم رسالة ربهم ‪ ،‬والرسول‬
‫يشهد على هذه المة أنه بلغها ذلك‪ .‬وقد تقدم الكلم على هذا عند قوله ‪:‬‬
‫س وَي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫س ً‬
‫طا ل ِت َ ُ‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ن الّر ُ‬
‫كو َ‬ ‫داَء عَلى الّنا ِ‬
‫شهَ َ‬‫كوُنوا ُ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫م ً‬
‫مأ ّ‬ ‫} وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫دا { ] البقرة ‪ ، [ 143 :‬وذكرنا حديث نوح وأمته بما أغنى عن‬ ‫شِهي ً‬‫م َ‬‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫إعادته‪.‬‬
‫َ‬
‫صلة َ َوآُتوا الّزكاةَ { أي ‪ :‬قابلوا هذه النعمة العظيمة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موا ال ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فأِقي ُ‬
‫بالقيام بشكرها ‪ ،‬وأدوا حق الله عليكم في أداء ما افترض ‪ ،‬وطاعة ما أوجب‬
‫م الصلة وإيتاُء الزكاة ‪ ،‬وهو الحسان إلى‬ ‫‪ ،‬وترك ما حرم‪ .‬ومن أهم ذلك إقا ُ‬
‫خلق الله ‪ ،‬بما أوجب ‪ ،‬للفقير على الغني ‪ ،‬من إخراج جزء نزر من ماله في‬
‫سنة للضعفاء والمحاويج ‪ ،‬كما تقدم بيانه وتفصيله في آية الزكاة من سورة‬ ‫ال ّ‬
‫"التوبة" )‪.(3‬‬
‫موا ِباللهِ { أي ‪ :‬اعتضدوا بالله )‪ ، (4‬واستعينوا به ‪ ،‬وتوكلوا‬ ‫ّ‬ ‫ص ُ‬‫وقوله ‪َ } :‬واعْت َ ِ‬
‫مظفر ُ‬
‫كم‬ ‫م { أي ‪ :‬حافظكم وناصركم و ُ‬ ‫ولك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫)‪ (5‬عليه ‪ ،‬وَتأّيدوا به ‪ } ،‬هُوَ َ‬
‫صيُر { يعني ‪] :‬نعم[ )‪ (6‬الولي ونعم‬ ‫م الن ّ ِ‬‫موَْلى وَن ِعْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫على أعدائكم ‪ } ،‬فَن ِعْ َ‬
‫الناصر من العداء‪.‬‬
‫ت أذكرك‬ ‫قال وُهَْيب بن الورد ‪ :‬يقول الله تعالى ‪ :‬ابن آدم ‪ ،‬اذكرني إذا غضب َ‬
‫ت فاصبر ‪ ،‬وارض بنصرتي ‪،‬‬ ‫ظلم َ‬ ‫ت ‪ ،‬فل أمحقك فيمن أمحق ‪ ،‬وإذا ُ‬ ‫إذا غضب ُ‬
‫فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫والله تعالى أعلم وله الحمد والمنة ‪ ،‬والثناء الحسن والنعمة ‪ ،‬وأسأله التوفيق‬
‫والعصمة ‪ ،‬في سائر الفعال والقوال‪.‬‬
‫هذا آخر تفسير سورة "الحج" ‪ ،‬وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه‬
‫وسلم وشرف وكرم ‪ ،‬ورضي الله تعالى عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان‬
‫إلى يوم الدين )‪.(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عدل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬بسيادتهم وفضلهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر تفسير الية ‪ 60 :‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬به"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬اتكلوا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين ‪ ،‬وحسبنا الله ونعم‬
‫الوكيل"‪.‬‬

‫) ‪(5/457‬‬

‫َ‬
‫ن‬‫م عَ ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (2‬وال ّ ِ‬ ‫شُعو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صَلت ِهِ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (1‬ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫قَد ْ أفْل َ َ‬
‫م‬‫جهِ ْ‬ ‫فُرو ِ‬ ‫م لِ ُ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (4‬وال ّ ِ‬ ‫عُلو َ‬ ‫كاةِ َفا ِ‬ ‫م ِللّز َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (3‬وال ّ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫الل ّغْوِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫مي َ‬ ‫مُلو ِ‬ ‫م غَي ُْر َ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫مان ُهُ ْ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أوْ َ‬ ‫جهِ ْ‬ ‫ن )‪ (5‬إ ِّل عََلى أْزَوا ِ‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫نا‬
‫َ ِ َ ُ ْ ِ َ َ ِِ ْ َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫(‬ ‫‪7‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫دو‬
‫ُ ُ َ ُ َ‬‫عا‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬‫أو‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫را‬ ‫ََ‬ ‫و‬ ‫غى‬ ‫َ‬ ‫فَ َ ِ ْ َ‬
‫ت‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫وارُِثو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ن )‪ (9‬أول َئ ِ َ‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫وات ِهِ ْ‬ ‫صل َ َ‬
‫م عََلى َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (8‬وال ّ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫َرا ُ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫س هُ ْ‬ ‫فْرد َوْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ن ي َرُِثو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫تفسير سورة المؤمنون )‪(1‬‬


‫مكية‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م عَ ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن )‪َ (2‬وال ّ ِ‬ ‫شُعو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صلت ِهِ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (1‬ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ح ال ْ ُ‬‫} قَد ْ أفْل َ َ‬
‫م‬
‫جهِ ْ‬ ‫فُرو ِ‬ ‫م لِ ُ‬ ‫ن هُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (4‬وال ّ ِ‬ ‫عُلو َ‬ ‫كاةِ َفا ِ‬ ‫م ِللّز َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (3‬وال ّ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫الل ّغْوِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫مي َ‬ ‫مُلو ِ‬ ‫م غَي ُْر َ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫مان ُهُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أوْ َ‬ ‫جهِ ْ‬ ‫ن )‪ِ (5‬إل عََلى أْزَوا ِ‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ِ ْ َ ْ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ما‬ ‫ل‬
‫ْ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ل‬‫وا‬
‫َ‬ ‫(‬ ‫‪7‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫دو‬ ‫ُ‬ ‫عا‬‫َ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫را‬ ‫ََ‬ ‫و‬ ‫غى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫فَ َ ِ‬
‫م‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫وارُِثو َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (9‬أولئ ِ َ‬ ‫حافِظو َ‬ ‫ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫وات ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫صل َ‬ ‫م عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪َ (8‬وال ِ‬ ‫عو َ‬ ‫َرا ُ‬
‫ن )‪.{ (11‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫س هُ ْ‬ ‫فْرد َوْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ن ي َرُِثو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫سل َْيم قال ‪ :‬أملى‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرني يونس بن ُ‬
‫ي يونس بن يزيد )‪ (2‬اليلي ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن عُْرَوة بن الزبير ‪ ،‬عن‬ ‫عل ّ‬
‫عبد الرحمن بن عَب ْد ٍ القاريّ قال ‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب يقول ‪ :‬كان إذا‬
‫ي‬
‫ي ‪ ،‬يسمع عند وجهه كد َوِ ّ‬ ‫نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوح ُ‬
‫مكثنا ساعة ‪ ،‬فاستقبل القبلة ورفع يديه ‪ ،‬فقال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬زدنا ول‬ ‫النحل فَ َ‬
‫صنا ‪ ،‬وأكرمنا ول ت ُهِّنا ‪ ،‬وأعطنا ول تحرمنا ‪ ،‬وآث ِْرنا ول تؤثر ]علينا ‪ ،‬وارض‬ ‫ق ْ‬ ‫ت َن ْ ُ‬
‫ضنا" ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬لقد أنزلت علي عشر آيات ‪ ،‬من أقامهن دخل‬ ‫ِ‬ ‫وأر‬ ‫(‬ ‫‪3‬‬ ‫)‬ ‫عنا[‬
‫شر‪.‬‬ ‫ن { حتى ختم العَ ْ‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫الجنة" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬قَد أ َ‬
‫ُ ِ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وكذا روى )‪ (4‬الترمذي في تفسيره ‪ ،‬والنسائي في الصلة ‪ ،‬من حديث عبد‬
‫الرزاق ‪ ،‬به )‪.(5‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬منكر ‪ ،‬ل نعرف أحدا رواه غير يونس بن سليم ‪ ،‬ويونس ل‬
‫نعرفه‪.‬‬
‫ة بن سعيد ‪ ،‬حدثنا جعفر ‪ ،‬عن أبي‬ ‫وقال النسائي في تفسيره ‪ :‬أنبأنا قُت َي ْب َ َ‬
‫عمران عن يزيد بن باب َُنوس قال ‪ :‬قلنا لعائشة ‪ :‬يا أم المؤمنين ‪ ،‬كيف كان )‬
‫خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت ‪ :‬كان خلق رسول الله‬ ‫‪ُ (6‬‬
‫ن { حتى انتهت‬ ‫نو‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ف‬‫صلى الله عليه وسلم القرآن ‪ ،‬فقرأت ‪ } :‬قَد أ َ‬
‫ُ ِ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫خُلق‬
‫ن { ‪ ،‬قالت ‪ :‬هكذا كان ُ‬ ‫حافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫صل َ َ‬
‫وات ِهِ ْ‬ ‫م عََلى َ‬‫ن هُ ْ‬ ‫إلى ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪(7) .‬‬
‫ما خلق الله‬ ‫َ‬
‫وقد ُروي عن كعب الحبار ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وأبي العالية ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬ل ّ‬
‫جنة عدن ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬المؤمنين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬رواه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (1/34‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3173‬وسنن النسائي الكبرى‬
‫برقم )‪.(1439‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬حال"‪.‬‬
‫)‪ (7‬سنن النسائي الكبرى برقم )‪.(11350‬‬

‫) ‪(5/359‬‬

‫َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ح ال ْ ُ‬‫وغرسها بيده ‪ ،‬نظر إليها وقال لها‪ .‬تكلمي‪ .‬فقالت ‪ } :‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫ما أعد ّ لهم فيها من الكرامة‪ .‬وقال أبو العالية ‪ :‬فأنزل‬ ‫قال كعب الحبار ‪ :‬ل ِ َ‬
‫الله ذلك في كتابه‪.‬‬
‫وقد ُروي ذلك عن أبي سعيد الخدري مرفوعا ‪ ،‬فقال أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا‬
‫جَرْيري ‪،‬‬ ‫مث َّنى ‪ ،‬حدثنا المغيرة بن سلمة ‪ ،‬حدثنا وُهَْيب ‪ ،‬عن ال ُ‬ ‫محمد بن ال ُ‬
‫ة من ذهب ولبنة‬ ‫َ‬
‫ضَرة ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬خلق الله الجنة ‪ ،‬لب ِن َ ً‬ ‫عن أبي ن َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ح ال ُ‬ ‫من فضة ‪ ،‬وغرسها ‪ ،‬وقال لها ‪ :‬تكلمي‪ .‬فقالت ‪ } :‬قَد ْ أفْل َ‬
‫ل الملوك!‪(1) .‬‬ ‫فدخلتها الملئكة فقالت ‪ :‬طوبى لك ‪ ،‬منز َ‬
‫مري ‪ ،‬حدثنا‬ ‫شر بن آدم ‪ ،‬وحدثنا يونس بن عبيد الله العُ َ‬ ‫ثم قال )‪ : (2‬وحدثنا ب ِ ْ‬
‫ري ‪ ،‬عن أبي نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن النبي‬ ‫جَري ْ ِ‬‫دي بن الفضل ‪ ،‬حدثنا ال ُ‬ ‫عَ ِ‬
‫ة من ذهب ولبنة من فضة ‪،‬‬ ‫ن‬
‫َِ ً‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫‪،‬‬ ‫الجنة‬ ‫الله‬ ‫"خلق‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬
‫وملطها )‪ (3‬المسك"‪ .‬قال أبو بكر ‪ :‬ورأيت في موضع آخر في )‪ (4‬هذا‬
‫طها المسك‪ .‬فقال لها ‪:‬‬ ‫مل ُ‬ ‫الحديث ‪" :‬حائط الجنة ‪ ،‬لبنة ذهب ولبنة فضة ‪ ،‬و ِ‬
‫َ‬
‫ن { فقالت الملئكة ‪ :‬طوبى لك ‪ ،‬منزل‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫تكلمي‪ .‬فقالت ‪ } :‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫الملوك!"‪.‬‬
‫دا رفعه إل عَدِيّ بن الفضل ‪ ،‬وليس هو بالحافظ ‪،‬‬ ‫ثم قال البزار ‪ :‬ل نعلم أح ً‬
‫وهو شيخ متقدم الموت )‪.(5‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن علي ‪ ،‬حدثنا هشام بن‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال‬ ‫قّية ‪ ،‬عن ابن ُ‬ ‫خالد ‪ ،‬حدثنا ب َ ِ‬
‫دن ‪ ،‬خلق فيها ما ل عين‬ ‫ما خلق الله جنة عَ ْ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل ّ‬
‫رأت ‪] ،‬ول أذن سمعت[ )‪ ، (6‬ول خطر على قلب بشر‪ .‬ثم قال لها ‪ :‬تكلمي‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { )‪.(7‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫فقالت ‪ } :‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫قّية ‪ :‬عن الحجازيين ضعيف‪.‬‬ ‫بَ ِ‬
‫ب بن‬ ‫جا ُ‬‫من ْ َ‬‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا ِ‬
‫سد ّيّ ‪ ،‬عن أبي‬ ‫الحارث ‪ ،‬حدثنا حماد ابن عيسى العبسي ‪ ،‬عن إسماعيل ال ّ‬
‫ّ‬
‫دن بيده ‪ ،‬ود َلى فيها‬ ‫صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬يرفعه ‪" : -‬لما خلق الله جنة عَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن {‪ .‬قال‬ ‫نو‬
‫ُ ِ ُ َ‬‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ثمارها ‪ ،‬وشق فيها أنهارها ‪ ،‬ثم نظر إليها فقال ‪ } :‬قَد ْ أ َ‬
‫ح‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ف‬
‫‪ :‬وعزتي )‪ (8‬ل يجاورني فيك بخيل" )‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند البزار برقم )‪" (3507‬كشف الستار"‪ .‬تنبيه ‪ :‬وقع في مسند البزار‬
‫سنده هكذا ‪" :‬حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا حجاج بن المنهال ‪ ،‬حدثنا حماد‬
‫بن سلمة عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬بلطها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند البزار برقم )‪" (3508‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (10/397‬رجال الموقوف رجال الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬المعجم الكبير )‪.(11/184‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬وعزتي وجللي"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المعجم الوسط برقم )‪" (4861‬مجمع البحرين" ‪ ،‬وأبي صالح ضعيف‪.‬‬

‫) ‪(5/460‬‬

‫وقال أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى الب َّزار ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫زياد الكلبي ‪ ،‬حدثنا يعيش بن حسين ‪ ،‬عن سعيد بن أبي عَُروَبة ‪ ،‬عن َقتادة ‪،‬‬
‫عن أنس ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"خلق الله جنة عدن بيده ‪ ،‬لبنة من د ُّرة بيضاء ‪ ،‬ولبنة من ياقوتة حمراء ‪،‬‬
‫شيشها‬ ‫ح ِ‬ ‫صباؤها اللؤلؤ ‪ ،‬و َ‬ ‫ح ْ‬‫طها المسك ‪ ،‬و َ‬ ‫جد َةَ خضراء ‪ ،‬مل ُ‬ ‫ولبنة من َزب َْر َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { فقال‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫الزعفران ‪ ،‬ثم قال لها ‪ :‬انطقي‪ .‬قالت ‪ } (1) :‬قَد ْ أفْل َ‬
‫ح ال ُ‬
‫الله ‪ :‬وعزتي ‪ ،‬وجللي ل يجاورني فيك بخيل"‪ .‬ثم تل رسول الله صلى الله‬
‫ن { )‪] (2‬الحشر ‪:‬‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫سهِ فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫ن ُيوقَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عليه وسلم ‪ } :‬وَ َ‬
‫صلوا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح َ‬‫دوا و َ‬ ‫سعِ ُ‬ ‫ن { أي ‪ :‬قد فازوا و ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ح ال ُ‬ ‫‪ [9‬فقوله تعالى ‪ } :‬قد ْ أفل َ‬
‫على الفلح ‪ ،‬وهم المؤمنون المتصفون بهذه الوصاف‪.‬‬
‫ن { " قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن‬ ‫شُعو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صلت ِهِ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن هُ ْ‬
‫ذي َ‬‫} ال ّ ِ‬
‫ن { ‪ :‬خائفون ساكنون‪ .‬وكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬ ‫شُعو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫عباس ‪َ } :‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬والزهري )‪.(3‬‬
‫ب‪ .‬وكذا‬ ‫ضي الله عنه ‪ :‬الخشوع ُ ‪ :‬خشوعُ القل ِ‬ ‫وعن علي بن أبي طالب ‪َ ،‬ر ِ‬
‫قال إبراهيم النخعي‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬كان خشوعهم في قلوبهم ‪ ،‬فغضوا بذلك أبصارهم ‪،‬‬
‫وخفضوا الجناح‪.‬‬
‫وقال محمد بن سيرين ‪ :‬كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلة ‪ ،‬فلما نزلت هذه الية ‪ } :‬قَد ْ أفْل َ‬
‫ح‬
‫ن { خفضوا أبصارهم إلى موضع‬ ‫شُعو َ‬ ‫خا ِ‬
‫م َ‬ ‫صلت ِهِ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن‪ .‬ال ّ ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫سجودهم‪.‬‬
‫صله ‪ ،‬فإن كان‬ ‫م َ‬ ‫]و[ )‪ (4‬قال ابن سيرين ‪ :‬وكانوا يقولون ‪ :‬ل يجاوز بصره ُ‬
‫ض‪ .‬رواه ابن جرير وابن أبي حاتم‪.‬‬ ‫م ْ‬‫قد اعتاد النظر فَل ْي ُغْ ِ‬
‫ضا مرسل أن رسول‬ ‫ثم َرَوى )‪ (5‬ابن جرير عنه ‪ ،‬وعن عطاء بن أبي َرَباح أي ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ‪ ،‬حتى نزلت هذه الية‪.‬‬
‫والخشوع في الصلة إنما يحصل بمن فَّرغ قلبه لها ‪ ،‬واشتغل بها عما عداها ‪،‬‬
‫وآثرها على غيرها ‪ ،‬وحينئذ تكون راحة له وقُّرة عين ‪ ،‬كما قال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬في الحديث الذي رواه المام أحمد والنسائي ‪ ،‬عن أنس ‪،‬‬
‫طيب والنساء ‪،‬‬‫ي ال ّ‬
‫ب إل ّ‬‫حب ّ َ‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ُ " :‬‬
‫وجعلت قرة عيني في الصلة" )‪.(6‬‬
‫مّرة ‪ ،‬عن سالم‬ ‫سَعر ‪ ،‬عن عمرو بن ُ‬ ‫م ْ‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا ِ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫جْعد ‪،‬‬
‫بن أبي ال َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صفة الجنة لبن أبي الدنيا برقم )‪ (20‬وفي إسناده محمد بن زياد الكلبي‬
‫‪ ،‬قال ابن معين ‪ :‬ل شيء‪.‬‬
‫تنبيه ‪ :‬وقع في صفة الجنة ‪" :‬حدثنا محمد بن زياد الكلبي حدثنا بشر بن‬
‫الحسين" وفي النهاية في الفتن والملحم لبن كثير )‪" (2/279‬نفيس بن‬
‫ضين "‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والزهري وقتادة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (3/128‬وسنن النسائي )‪.(6117‬‬

‫) ‪(5/461‬‬

‫عن رجل من أسَلم ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬يا بلل ‪،‬‬
‫أرحنا بالصلة" )‪.(1‬‬
‫دي ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن‬ ‫مهْ ِ‬
‫ضا ؛ حدثنا عبد الرحمن بن َ‬ ‫وقال المام أحمد أي ً‬
‫عثمان بن المغيرة ‪ ،‬عن سالم ابن أبي الجعد ‪ ،‬أن محمد بن الحنفية قال ‪:‬‬
‫ضرت الصلة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا جارية ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫دخلت مع أبي على صهر لنا من النصار ‪ ،‬ف َ‬
‫ضوء لعلي أصلي فأستريح‪ .‬فرآنا )‪ (2‬أنكرنا عليه ذلك )‪ ، (3‬فقال ‪:‬‬ ‫ائتني بوَ ُ‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬قم يا بلل ‪ ،‬فأرحنا‬
‫بالصلة" )‪.(4‬‬
‫ن { أي ‪ :‬عن الباطل ‪ ،‬وهو يشمل‬ ‫ضو َ‬ ‫ن الل ّغْوِ ُ‬
‫معْرِ ُ‬ ‫م عَ ِ‬‫ن هُ ْ‬ ‫وقال )‪َ } : (5‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪ :‬الشرك ‪ -‬كما قاله بعضهم ‪ -‬والمعاصي ‪ -‬كما قاله آخرون ‪ -‬وما ل فائدة فيه‬
‫ما {‬ ‫مّروا ِبالل ّغْوِ َ‬
‫مّروا ك َِرا ً‬ ‫من القوال والفعال ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫]الفرقان ‪.[72 :‬‬
‫ذهم عن ذلك‪.‬‬ ‫قال قتادة ‪ :‬أتاهم والله من أمر الله ما وقَ َ‬
‫ن { ‪ :‬الكثرون على أن المراد بالزكاة‬ ‫عُلو َ‬ ‫م ِللّز َ‬
‫كاةِ َفا ِ‬ ‫ن هُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫هاهنا زكاة الموال ‪ ،‬مع أن هذه ]الية[ )‪ (6‬مكية ‪ ،‬وإنما فرضت الزكاة‬
‫بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة‪ .‬والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما‬
‫صب والمقادير الخاصة ‪ ،‬وإل فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجًبا‬ ‫هي ذات الن ّ َ‬
‫م‬
‫ه ي َوْ َ‬‫ق ُ‬
‫ح ّ‬‫بمكة ‪ ،‬كما قال تعالى في سورة النعام ‪ ،‬وهي مكية ‪َ } :‬وآُتوا َ‬
‫صادِهِ { ]النعام ‪.[141 :‬‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة هاهنا ‪ :‬زكاة النفس من الشرك‬
‫َ‬
‫ها { ]الشمس ‪9 :‬‬ ‫سا َ‬‫ن دَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫ها‪ .‬وَقَد ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َز ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫والدنس ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫كاة َ { ]فصلت ‪، 6 :‬‬ ‫ن الّز َ‬ ‫ن ل ي ُؤُْتو َ‬ ‫ذي َ‬‫ن‪ .‬ال ّ ِ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫‪ ، [10 ،‬وكقوله ‪ } :‬وَوَي ْ ٌ‬
‫‪ ، [7‬على أحد القولين في تفسيرها‪.‬‬
‫وقد يحتمل أن يكون كل المرين مرادا ‪ ،‬وهو زكاة النفوس وزكاة الموال ؛‬
‫فإنه من جملة زكاة النفوس ‪ ،‬والمؤمن الكامل هو الذي يتعاطى هذا وهذا ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مل ك َ ْ‬
‫ت‬ ‫ما َ‬ ‫م أوْ َ‬ ‫جهِ ْ‬ ‫ن‪ِ .‬إل عَلى أْزَوا ِ‬ ‫حافِظو َ‬ ‫م َ‬ ‫جهِ ْ‬‫فُرو ِ‬ ‫م لِ ُ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك فَأولئ ِ َ‬ ‫ن اب ْت ََغى وََراَء ذ َل ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫م الَعاُدو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن * فَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ملو ِ‬ ‫م غَي ُْر َ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫مان ُهُ ْ‬
‫أي ْ َ‬
‫والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام ‪ ،‬فل يقعون فيما نهاهم الله عنه من‬
‫زنا أو لواط ‪ ،‬ول يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم ‪ ،‬وما ملكت‬
‫أيمانهم من السراري ‪ ،‬ومن تعاطى ما أحله الله له فل لوم عليه ول حرج ؛‬
‫ك { أي ‪ :‬غير‬ ‫ن اب ْت ََغى وََراَء ذ َل ِ َ‬ ‫م ِ‬‫ن فَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫مُلو ِ‬ ‫م غَي ُْر َ‬ ‫ولهذا )‪ (7‬قال ‪ } :‬فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬المعتدون‪.‬‬ ‫م الَعاُدو َ‬ ‫الزواج والماء ‪ } ،‬فَأول َئ ِك هُ ُ‬
‫َ‬
‫شار ‪ ،‬حدثنا عبد العلى ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن ب َ ّ‬
‫قتادة ‪ ،‬أن امرأة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(5/364‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فرأى أنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬ذلك عليه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(5/371‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬فلهذا"‪.‬‬

‫) ‪(5/462‬‬

‫َ‬
‫ت‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫اتخذت مملوكها ‪ ،‬وقالت ‪ :‬تأوّْلت آية من كتاب الله ‪ } :‬أوْ َ‬
‫ما َ‬
‫م { ]قال[ )‪ : (1‬فُأتي بها عمر ابن الخطاب ‪ ،‬فقال له ناس من‬ ‫مان ُهُ ْ‬ ‫أي ْ َ‬
‫َ‬
‫أصحاب النبي )‪ (2‬صلى الله عليه وسلم ‪ :‬تأولت آية من كتاب الله على غير‬
‫وجهها‪ .‬قال ‪َ :‬فغرب )‪ (3‬العبد وجّز رأسه ‪ :‬وقال ‪ :‬أنت بعده حرام على كل‬
‫مسلم‪ .‬هذا أثر غريب منقطع ‪ ،‬ذكره )‪ (4‬ابن جرير في أول تفسير سورة‬
‫المائدة )‪ ، (5‬وهو هاهنا أليق ‪ ،‬وإنما حرمها على الرجال معاملة لها بنقيض‬
‫قصدها ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقد استدل المام الشافعي ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬ومن وافقه على تحريم الستمناء‬
‫َ‬
‫م أْو‬ ‫ن‪ِ .‬إل عََلى أْزَوا ِ‬
‫جهِ ْ‬ ‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬
‫م َ‬
‫جهِ ْ‬
‫فُرو ِ‬‫م لِ ُ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫باليد بهذه الية الكريمة } َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م { قال ‪ :‬فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين ‪ ،‬وقد قال ‪:‬‬ ‫مان ُهُ ْ‬ ‫مل َك َ ْ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { وقد استأنسوا بحديث رواه‬ ‫م الَعاُدو َ‬ ‫ن اب ْت ََغى وََراَء ذ َل ِك فَأولئ ِك هُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬
‫ة في جزئه المشهور حيث قال ‪:‬‬ ‫المام الحسن بن عََرفَ َ‬
‫جَزريّ ‪ ،‬عن مسلمة بن جعفر ‪ ،‬عن حسان بن حميد )‬ ‫حدثني علي بن ثابت ال َ‬
‫‪ ، (6‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬سبعة ل‬
‫ينظر الله إليهم يوم القيامة ‪ ،‬ول يزكيهم ‪ ،‬ول يجمعهم مع العاملين ‪ ،‬ويدخلهم‬
‫النار أول الداخلين ‪ ،‬إل أن يتوبوا ‪ ،‬فمن تاب تاب الله عليه ‪ :‬ناكح يده )‪، (7‬‬
‫والفاعل ‪ ،‬والمفعول به ‪ ،‬ومدمن )‪ (8‬الخمر ‪ ،‬والضارب والديه حتى يستغيثا ‪،‬‬
‫والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه ‪ ،‬والناكح حليلة جاره" )‪.(9‬‬
‫هذا حديث غريب ‪ ،‬وإسناده فيه من ل يعرف ؛ لجهالته ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إذا اؤتمنوا لم يخونوا ‪،‬‬
‫عو َ‬ ‫م َرا ُ‬‫م وَعَهْدِهِ ْ‬ ‫ماَنات ِهِ ْ‬
‫مل َ‬‫ن هُ ْ‬‫ذي َ‬‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫بل يؤدونها إلى أهلها ‪ ،‬وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك ‪ ،‬ل كصفات‬
‫المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬آية المنافق‬
‫دث كذب ‪ ،‬وإذا وعد أخلف ‪ ،‬وإذا اؤتمن خان"‪.‬‬ ‫ح ّ‬‫ثلث ‪ :‬إذا َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يواظبون عليها في‬ ‫ُ‬
‫حافِظو َ‬ ‫م يُ َ‬
‫وات ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫صل َ‬ ‫م عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ن هُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقوله ‪َ } :‬وال ِ‬
‫مواقيتها ‪ ،‬كما قال ابن مسعود ‪ :‬سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ‪:‬‬
‫يا رسول الله ‪ ،‬أيّ العمل أحب إلى الله ؟ قال ‪" :‬الصلة على وقتها"‪ .‬قلت ‪:‬‬
‫ثم أيّ ؟ قال ‪" :‬ب ِّر الوالدين"‪ .‬قلت ‪ :‬ثم أي ؟ قال ‪" :‬الجهاد في سبيل الله"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين )‪ .(10‬وفي مستدرك الحاكم قال ‪" :‬الصلة في أول‬
‫وقتها" )‪.(11‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فضرب" وهو الصحيح‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ذكرها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪ (9/586‬ط ‪ -‬المعارف‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أحمد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الناكح يده"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المدمن"‪.‬‬
‫)‪ (9‬جزء الحسن بن عرفة برقم )‪.(41‬‬
‫)‪ (10‬صحيح البخاري برقم )‪ (5970‬وصحيح مسلم برقم )‪.(85‬‬
‫)‪ (11‬المستدرك )‪ (1/188‬وقال الحاكم ‪" :‬فقد صحت هذه اللفظة باتفاق‬
‫الثقتين بندار بن بشار ‪ ،‬والحسن بن مكرم على روايتهما عن عثمان بن‬
‫عمرو ‪ ،‬وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"‪.‬‬

‫) ‪(5/463‬‬

‫م‬ ‫صل َ َ‬
‫وات ِهِ ْ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫وقال ابن مسعود ‪ ،‬ومسروق في قوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫حى ‪ ،‬وعلقمة بن قيس‬ ‫ض َ‬ ‫ن { يعني ‪ :‬مواقيت الصلة‪ .‬وكذا قال أبو ال ّ‬ ‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعكرمة‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬على مواقيتها وركوعها وسجودها‪.‬‬
‫وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلة ‪ ،‬واختتمها بالصلة ‪ ،‬فدل‬
‫على أفضليتها ‪ ،‬كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬استقيموا ولن‬
‫تحصوا ‪ ،‬واعلموا أن خير أعمالكم الصلة ‪ ،‬ول يحافظ على الوضوء إل‬
‫مؤمن" )‪.(1‬‬
‫فهم ]الله[ )‪ (2‬تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والفعال‬ ‫ص َ‬‫وَلما وَ َ‬
‫ُ‬
‫م ِفيَها‬ ‫س هُ ْ‬
‫فْرد َوْ َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬‫ن ي َرُِثو َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫وارُِثو َ‬ ‫الرشيدة قال ‪ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬‫َ‬
‫وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إذا سألتم‬
‫الله الجنة فاسألوه الفردوس ‪ ،‬فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ‪ ،‬ومنه تفجر‬
‫أنهار الجنة ‪ ،‬وفوقه عرش الرحمن" )‪.(3‬‬
‫سَنان ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن ِ‬
‫‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما منكم من أحد إل وله منزلن ‪ :‬منزل في الجنة‬
‫ث أهل الجنة منزله ‪ ،‬فذلك قوله ‪:‬‬ ‫ومنزل في النار ‪ ،‬فإن مات فدخل النار َور َ‬
‫ن { )‪.(4‬‬ ‫م ال ْ َ‬
‫وارُِثو َ‬ ‫} ُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬
‫ن { قال ‪ :‬ما‬ ‫م ال ْ َ‬
‫وارُِثو َ‬ ‫جَرْيج ‪ ،‬عن ل َْيث ‪ ،‬عن مجاهد ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫من عبد إل وله منزلن ‪ :‬منزل في الجنة ‪ ،‬ومنزل في النار ‪ ،‬فأما المؤمن‬
‫دم بيته الذي في النار )‪ ، (5‬وأما الكافر‬ ‫فُيبَنى بيته الذي في الجنة ‪ ،‬وُيه ّ‬
‫دم بيته الذي في الجنة ‪ ،‬وُيبنى بيته الذي في النار‪ .‬وروي عن سعيد بن‬ ‫في ُهْ َ‬
‫جب َْير نحو ذلك‪.‬‬ ‫ُ‬
‫فالمؤمنون يرثون منازل الكفار ؛ لنهم ]كلهم[ )‪ (6‬خلقوا لعبادة الله تعالى )‬
‫ك أولئك ما‬‫‪ ، (7‬فلما قام هؤلء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة ‪ ،‬وتَر َ‬
‫خلقوا له ‪ -‬أحرَز هؤلء نصيب‬ ‫أمُروا به مما ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬جاء من حديث ثوبان ‪ :‬رواه ابن ماجه في السنن برقم )‪ (277‬من‬
‫طريق سفيان عن منصور عن ابن أبي الجعد عنه به وفيه انقطاع‪ .‬ومن‬
‫حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ‪ :‬رواه ابن ماجه في السنن برقم )‪(278‬‬
‫من طريق المعتمر عن ليث عن مجاهد عنه به ‪ ،‬وليث بن أبي سليم ضعيف‪.‬‬
‫ومن حديث أبي أمامة ‪ :‬رواه ابن ماجه في السنن برقم )‪ (279‬من طريق‬
‫إسحاق بن أسيد عن أبي حفص الدمشقي عنه به ‪ ،‬وضعفه البوصيري في‬
‫الزوائد‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬البخاري في صحيحه برقم )‪ (7423) ، (2790‬عن أبي هريرة ‪ ،‬ولم يعزه‬
‫صاحب التحفة إلى غير البخاري‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه ابن ماجه في السنن برقم )‪ (4341‬عن أبي بكر بن أبي شيبة‬
‫وأحمد بن سنان ‪ ،‬كلهما عن أبي معاوية به‪ .‬وقال البوصيري في الزوائد )‬
‫‪" : (3/327‬هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيهدم بيته الذي في النار ‪ ،‬ويبنى بيته الذي في الجنة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وحده ل شريك له"‪.‬‬

‫) ‪(5/464‬‬

‫ن‬
‫كي ٍ‬ ‫ة ِفي قََرارٍ َ‬
‫م ِ‬ ‫ف ً‬‫جعَل َْناه ُ ن ُط ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (12‬ث ُ ّ‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سَلل َةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا اْل ِن ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬‫قد ْ َ‬ ‫وَل َ َ‬
‫ما‬
‫ظا ً‬‫ع َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ضغَ َ‬
‫م ْ‬ ‫قَنا ال ْ ُ‬‫خل َ ْ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ضغَ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫قَنا ال ْعَل َ َ‬
‫ق َ‬ ‫خل َ ْ‬‫ة فَ َ‬ ‫ة عَل َ َ‬
‫ق ً‬ ‫ف َ‬‫قَنا الن ّط ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫م َ‬ ‫)‪ (13‬ث ُ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫قي َ‬‫خال ِ ِ‬
‫ن ال َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫خَر فَت ََباَر َ‬ ‫قا آ َ‬ ‫خل ً‬ ‫شأَناه ُ َ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫ما ث ُ ّ‬ ‫ح ً‬ ‫مل ْ‬ ‫سوَْنا العِظا َ‬ ‫فَك َ َ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫مةِ ت ُب ْعَُثو َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬‫م ي َوْ َ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (15‬ث ُ ّ‬ ‫مي ُّتو َ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫م ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬‫ثُ ّ‬

‫ضا ‪ ،‬وهو ما ثبت في‬


‫أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل ‪ ،‬بل أبلغ من هذا أي ً‬
‫صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي ُبرد َة َ )‪ ، (1‬عن أبيه ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال ‪ ،‬فيغفرها‬
‫ضُعها على اليهود والنصارى" )‪.(2‬‬ ‫الله لهم ‪ ،‬وي َ‬
‫وفي لفظ له ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا كان يوم القيامة‬
‫ك من النار"‪.‬‬ ‫كاك ُ َ‬ ‫د َفَعَ الله لكل مسلم يهودّيا أو نصرانّيا ‪ ،‬فيقال )‪ : (3‬هذا فَ َ‬
‫عمر بن عبد العزيز أبا ُبرد َة َ بالله الذي ل إله إل هو ‪ ،‬ثلث مرات ‪،‬‬ ‫فاستحلف ُ‬
‫دثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فحلف له )‪.(4‬‬ ‫ح ّ‬ ‫أن أباه َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫عَبادَِنا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫ة ال ِّتي ُنورِ ُ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫قلت ‪ :‬وهذه الية كقوله تعالى ‪ } :‬ت ِل ْ َ‬
‫ُ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫ها ب ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ة ال ِّتي أورِث ْت ُ ُ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫قّيا { ]مريم ‪ ، [63 :‬وكقوله ‪ } :‬وَت ِل ْ َ‬ ‫تَ ِ‬
‫جب َْير ‪ :‬الجنة بالرومية هي‬ ‫{ ]الزخرف ‪ .[73 :‬وقد قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫الفردوس‪.‬‬
‫سا إل إذا كان فيه عنب ‪ ،‬فالله‬ ‫وقال بعض السلف ‪ :‬ل يسمى البستان فردو ً‬
‫أعلم )‪.(5‬‬
‫ة ِفي قََراٍر‬ ‫ف ً‬ ‫ْ‬
‫جعَلَناه ُ ن ُط َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (12‬ث ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سللةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا الن ْ َ‬ ‫خل ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫ة‬
‫ضغَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَنا ال ْ ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ضغَ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ق َ‬‫قَنا ال ْعَل َ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ق ً‬ ‫ة عَل َ َ‬ ‫ف َ‬‫قَنا الن ّط ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (13‬ث ُ ّ‬ ‫كي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫خَر فَت ََباَرك الل ُ‬ ‫قا آ َ‬ ‫خل ً‬ ‫شأَناه ُ َ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫ما ث ُ ّ‬ ‫ح ً‬ ‫مل ْ‬ ‫سوَْنا العِظا َ‬ ‫ما فَك َ‬ ‫عظا ً‬ ‫ِ‬
‫ن)‬ ‫مةِ ت ُب ْعَُثو َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ُ‬
‫م إ ِن ّك ْ‬ ‫ن )‪ (15‬ث ُ ّ‬ ‫مي ُّتو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ب َعْد َ ذ َل ِك ل َ‬ ‫ُ‬
‫م إ ِن ّك ْ‬ ‫ن )‪ (14‬ث ُ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ال َ‬
‫‪.{ (16‬‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن ابتداء خلق النسان من سللة من طين ‪ ،‬وهو آدم ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬خلقه الله من صلصال من حمأ مسنون‪.‬‬
‫مْنهال بن عمرو ‪ ،‬عن أبي يحيى ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬ ‫وقال العمش ‪ ،‬عن ال ِ‬
‫صفوة ُ الماء‪.‬‬ ‫ن { قال ‪َ :‬‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫سلل َةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫} ِ‬
‫ي آدم‪.‬‬ ‫سلل َةٍ { أي ‪ :‬من من ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال مجاهد ‪ِ } :‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وإنما سمي آدم طيًنا لنه مخلوق منه‪.‬‬
‫م من الطين‪ .‬وهذا أظهر في المعنى ‪ ،‬وأقرب إلى‬ ‫ل آد ُ‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬است ُ ّ‬
‫السياق ‪ ،‬فإن آدم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬خلق من طين لزب ‪ ،‬وهو الصلصال من‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫الحمأ المسنون ‪ ،‬وذلك مخلوق من التراب ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫َ‬ ‫خل َ َ‬
‫ن { ]الروم ‪.[20 :‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫شٌر ت َن ْت َ ِ‬ ‫م بَ َ‬ ‫م إ َِذا أن ْت ُ ْ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بردة بن أبي موسى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪.(2767‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيقول"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪.(2767‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والله أعلم‪.‬‬

‫) ‪(5/465‬‬

‫سامة بن‬ ‫وف ‪ ،‬حدثنا قَ َ‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا عَ ْ‬
‫ُزهَْير ‪ ،‬عن أبي موسى ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن الله خلق‬
‫در الرض ‪ ،‬جاء‬ ‫آدم من قبضة قبضها من جميع الرض ‪ ،‬فجاء بنو آدم على قَ ْ‬
‫منهم الحمر والسود والبيض ‪ ،‬وبين ذلك ‪ ،‬والخبيث والطيب ‪ ،‬وبين ذلك"‪.‬‬
‫وقد رواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن عوف العرابي ‪ ،‬به نحوه )‪.(1‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫ة { ‪ :‬هذا الضمير عائد على جنس النسان ‪ ،‬كما قال في‬ ‫جعَل َْناه ُ ن ُط ْ َ‬
‫ف ً‬ ‫م َ‬‫} ثُ ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫سللةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سل ُ‬ ‫جعَل ن َ ْ‬‫م َ‬‫ن*ث ّ‬‫طي ٍ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫سا ِ‬
‫خلقَ الن ْ َ‬‫الية الخرى ‪ } :‬وَب َد َأ َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قك ْ‬ ‫خل ْ‬ ‫م نَ ْ‬‫ن { ]السجدة ‪ [8 ، 7 :‬أي ‪ :‬ضعيف ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬أل ْ‬ ‫مِهي ٍ‬
‫ماٍء َ‬‫َ‬
‫مَعد لذلك مهيأ له ‪،‬‬ ‫م ُ‬ ‫ن { )‪ ، (2‬يعني ‪ :‬الرح ُ‬ ‫كي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫جعَل َْناه ُ ِفي قََرارٍ َ‬ ‫ن‪ .‬فَ َ‬ ‫مِهي ٍ‬ ‫ماٍء َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]المرسلت ‪ ، [23 ، 22 :‬أي ‪:‬‬ ‫قادُِرو َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫َ‬
‫قد َْرَنا فن ِعْ َ‬ ‫َ‬
‫معْلوم ٍ * ف َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫} إ ِلى قد َرٍ َ‬ ‫َ‬
‫قل من حال إلى حال ‪،‬‬ ‫]إلى[ )‪ (3‬مدة معلومة وأجل معين حتى استحكم وتن َ ّ‬
‫ة { أي ‪ :‬ثم‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬
‫ف َ َ ً‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ة‬ ‫قَنا الن ّط ْ َ‬‫خل َ ْ‬
‫م َ‬ ‫وصفة إلى صفة ؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫صّيرنا النطفة ‪ ،‬وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل ‪ -‬وهو ظهره‬ ‫َ‬
‫‪ -‬وترائب المرأة ‪ -‬وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى الثندوة ‪ -‬فصارت‬
‫علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬وهي دم‪.‬‬
‫ة { ‪ :‬وهي قطعة كالَبضعة من اللحم ‪ ،‬ل شكل فيها ول‬ ‫ضغَ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ق َ‬ ‫قَنا ال ْعَل َ َ‬ ‫خل َ ْ‬‫} فَ َ‬
‫ما { يعني ‪ :‬شكلناها ذات رأس ويدين‬ ‫َ‬
‫عظا ً‬ ‫ة ِ‬ ‫ضغَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫قَنا ال ُ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫تخطيط ‪ } ،‬فَ َ‬
‫ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها‪.‬‬
‫ما )‪.{ (4‬‬ ‫َ‬
‫عظا ً‬ ‫ة ِ‬ ‫ضغَ َ‬‫م ْ‬ ‫قَنا ال ْ ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫وقرأ آخرون ‪ } :‬فَ َ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬وهو عظم الصلب‪.‬‬
‫وفي الصحيح ‪ ،‬من حديث أبي الّزَناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال‬
‫ب الذ َّنب ‪،‬‬ ‫ج ُ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كل جسد ابن آدم يبلى إل عَ ْ‬
‫منه خلق ومنه )‪ (5‬يركب" )‪.(6‬‬
‫ما { أي ‪ :‬وجعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه ‪} ،‬‬ ‫ح ً‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ظا َ‬ ‫سوَْنا ال ْعِ َ‬ ‫} فَك َ َ‬
‫خل ْ ً‬ ‫خل ْ ً‬ ‫ْ‬ ‫م أ َن ْ َ‬
‫خَر {‬‫قا آ َ‬ ‫خَر { أي ‪ :‬ثم نفخنا فيه الروح ‪ ،‬فتحرك وصار } َ‬ ‫قا آ َ‬ ‫شأَناه ُ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫قي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب } فَت ََباَر َ‬
‫مسافر ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا جعفر بن ُ‬
‫يحيى بن حسان ‪ ،‬حدثنا النضر ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن كثير ‪ ،‬مولى بني هاشم ‪ -‬حدثنا‬
‫زيد بن علي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا‬
‫ملك فنفخ فيها الروح في‬ ‫أتمت النطفة أربعة أشهر ‪ ،‬ب ُِعث إليها َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (4/400‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4693‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪.(2955‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فجعلناه نطفة" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬النطفة عظاما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬وفيه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (4935‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2955‬من حديث‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(5/466‬‬

‫خَر { يعني ‪ :‬نفخنا فيه‬ ‫خل ْ ً‬ ‫الظلمات الثلث ‪ ،‬فذلك قوله ‪ } :‬ث ُم أ َن َ ْ‬
‫قا آ َ‬ ‫شأَناه ُ َ‬ ‫ّ ْ‬
‫الروح )‪.(1‬‬
‫خ الروح‪.‬‬ ‫ف ُ‬ ‫وُروي عن أبي سعيد الخدري أنه ن َ ْ‬
‫خَر { يعني به ‪ :‬الروح )‪ .(2‬وكذا قال‬ ‫خل ْ ً‬ ‫قال ابن عباس ‪ } :‬ث ُم أ َن َ ْ‬
‫قا آ َ‬ ‫شأَناه ُ َ‬ ‫ّ ْ‬
‫مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وأبو العالية ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والربيع بن‬
‫ن جرير )‪.(3‬‬ ‫ن زيد ‪ ،‬واختاره اب ُ‬ ‫أنس ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬واب ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خَر { يعني ‪ :‬ننقله من‬ ‫قا آ َ‬‫خل ً‬ ‫شأَناه ُ َ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫ي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ث ُ ّ‬ ‫وقال العَوْفِ ّ‬
‫حال إلى حال ‪ ،‬إلى أن خرج طفل ثم نشأ صغيًرا ‪ ،‬ثم احتلم ‪ ،‬ثم صار شاّبا ‪،‬‬
‫خا ‪ ،‬ثم هرما‪.‬‬ ‫ثم كهل ثم شي ً‬
‫وعن قتادة ‪ ،‬والضحاك نحو ذلك‪ .‬ول منافاة ‪ ،‬فإنه من ابتداء )‪ (4‬نفخ الروح‬
‫شَرع في هذه التنقلت والحوال‪ .‬والله أعلم‪.‬‬ ‫]فيه[ )‪َ (5‬‬
‫قال المام أحمد في مسنده ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن زيد بن‬
‫وهب ‪ ،‬عن عبد الله ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬حدثنا رسول الله صلى الله‬
‫قه في بطن أمه‬ ‫خل ُ‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو الصادق المصدوق ‪" :‬إن أحدكم لُيجمع َ‬
‫ما ‪ ،‬ثم يكون علقة مثل ذلك ‪ ،‬ثم يكون مضغة مثل ذلك ‪ ،‬ثم يرسل‬ ‫أربعين يو ً‬
‫إليه الملك فينفخ فيه الروح ‪ ،‬ويؤمر بأربع كلمات ‪ :‬رزقه ‪ ،‬وأجله ‪ ،‬وعمله ‪،‬‬
‫وهل هو شقي أو سعيد ‪ ،‬فوالذي ل إله غيره ‪ ،‬إن أحدكم ليعمل بعمل أهل‬
‫الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع ‪ ،‬فيسبق عليه الكتاب ‪ ،‬فيختم له‬
‫بعمل أهل النار فيدخلها ‪ ،‬وإن الرجل )‪ (6‬ليعمل بعمل أهل النار ‪ ،‬حتى ما‬
‫يكون بينه وبينها إل ذراع ‪ ،‬فيسبق عليه الكتاب ‪ ،‬فيختم له بعمل أهل الجنة‬
‫فيدخلها"‪.‬‬
‫مهَْران العمش )‪.(7‬‬ ‫ن بن ِ‬‫أخرجاه من حديث سليما َ‬
‫سَنان ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية عن العمش ‪،‬‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن ِ‬
‫مة قال ‪ :‬قال عبد الله )‪ - (8‬يعني ‪ :‬ابن مسعود ‪ -‬إن النطفة إذا‬ ‫خي ْث َ َ‬
‫عن َ‬
‫وقعت في الرحم ‪ ،‬طارت في كل شعر وظفر ‪ ،‬فتمكث أربعين يوما ‪ ،‬ثم‬
‫در )‪ (9‬في الرحم فتكون علقة‪.‬‬ ‫تتح ّ‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا حسين بن الحسن ‪ ،‬حدثنا أبو ك ُد َْينة ‪ ،‬عن‬ ‫وقال المام أحمد أي ً‬
‫عطاء بن السائب ‪ ،‬عن القاسم بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد الله قال‬
‫مّر يهوديّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه ‪ ،‬فقالت‬ ‫‪َ :‬‬
‫م أنه نبي‪ .‬فقال ‪ :‬لسألنه عن شيء ل يعلمه‬ ‫قريش ‪ :‬يا يهودي ‪ ،‬إن هذا َيزع ُ‬
‫م يخلق النسان ؟‬ ‫م ّ‬
‫إل نبي‪ .‬قال ‪ :‬فجاءه حتى جلس ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ِ ،‬‬
‫ل‬‫فقال ‪" :‬يا يهودي ‪ ،‬من ك ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬يعني به الروح"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬يعني نفخنا فيه الروح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(81 - 8‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬ابتدأ"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬أحدكم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (1/382‬وصحيح البخاري برقم )‪ (6594‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2643‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬عن خيثمة عن عبد الله قال ‪ :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تنحدر"‪.‬‬

‫) ‪(5/467‬‬

‫خل َقُ ‪ ،‬من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة ‪ ،‬فأما نطفة الرجل فنطفة غليظة‬ ‫يُ ْ‬
‫صب ‪ ،‬وأما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم"‬ ‫منها العظم والعَ َ‬
‫فقام اليهودي فقال ‪ :‬هكذا كان يقول من قبلك‪(1) .‬‬
‫حذ َي ْ َ‬
‫فة بن‬ ‫فْيل ‪ُ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان عن عمرو ‪ ،‬عن أبي الط َ‬
‫ت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬يدخل‬ ‫ُ‬
‫سْيد الغفاري قال ‪ :‬سمع ُ‬ ‫أ َ‬
‫ملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين ليلة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا رب ‪،‬‬ ‫ال َ‬
‫ماذا ؟ أشقي أم سعيد ؟ أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله ‪ ،‬فيكتبان )‪ .(2‬فيقولن ‪:‬‬
‫ب عمله ‪ ،‬وأثره ‪،‬‬ ‫ماذا ؟ أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله عز وجل ‪ ،‬فيكتبان وي ُك ْت َ ُ‬
‫ومصيبته ‪ ،‬ورزقه ‪ ،‬ثم تطوى الصحيفة ‪ ،‬فل ُيزاد على ما فيها ول ينقص"‪.‬‬
‫وقد رواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن عمرو ‪ -‬وهو‬
‫ابن دينار ‪ -‬به )‪ (3‬نحوه‪ .‬ومن ط َُرق أخَرى ‪ ،‬عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ‪،‬‬
‫عن حذيفة بن أسيد أبي سريحة )‪ (4‬الغفاري بنحوه ‪ ،‬والله أعلم )‪.(5‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا أحمد بن عبدة ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪،‬‬
‫حدثنا عبيد الله بن أبي بكر ‪ ،‬عن أنس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كا فيقول ‪ :‬أي رب ‪ ،‬نطفة‪ .‬أيْ رب ‪ ،‬علقة )‪(6‬‬ ‫مل ً‬ ‫كل بالرحم َ‬ ‫قال ‪" :‬إن الله و ّ‬
‫أي رب ‪ ،‬مضغة‪ .‬فإذا أراد الله خلقها قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ذكر أو أنثى ؟ شقي أو‬
‫سعيد ؟ فما الرزق والجل ؟" قال ‪" :‬فذلك يكتب في بطن أمه"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حديث حماد بن زيد به )‪.(7‬‬
‫ن { يعني ‪ :‬حين ذكر قدرته ولطفه في‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ك الل ّ َ‬‫وقوله ‪ } :‬فَت ََباَر َ‬
‫قي َ‬
‫خال ِ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫هأ ْ‬ ‫ُ‬
‫خلق هذه النطفة من حال إلى حال ‪ ،‬وشكل إلى شكل ‪ ،‬حتى تصورت إلى‬
‫ك الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫سوِيّ الكامل الخلق ‪ ،‬قال ‪ } :‬فَت ََباَر َ‬ ‫ما صارت إليه من النسان ال ّ‬
‫ن{‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫قي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا يونس بن حبيب ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬حدثنا علي بن زيد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال عمر ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن الخطاب‬
‫رضي الله عنه ‪ : -‬وافقت ربي ووافقني في أربع ‪ :‬نزلت هذه الية ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫قد ْ‬
‫ن { الية ‪ ،‬قلت )‪ (8‬أنا ‪ :‬فتبارك الله أحسن‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سلل َةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَنا الن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الخالقين‪ .‬فنزلت ‪ } :‬فَت ََباَر َ‬
‫قي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫ن ال َ‬‫س ُ‬‫ح َ‬‫هأ ْ‬ ‫ك الل ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(1/465‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬ويكتبان"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (4/6‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2644‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬سريح"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(2645‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬فحلقه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪ (318‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2646‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الية ‪ ،‬فلما نزلت قلت"‪.‬‬

‫) ‪(5/468‬‬

‫ن )‪(17‬‬ ‫ق َ‬
‫غافِِلي َ‬ ‫ما ك ُّنا عَن ال ْ َ ْ‬
‫سب ْعَ ط ََرائ ِقَ وَ َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَنا فَوْقَك ُ ْ‬ ‫وَل َ َ‬
‫خل ِ‬ ‫ِ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ َ‬

‫ضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا آدم بن أبي إياس ‪ ،‬حدثنا َ‬


‫شي َْبان ‪ ،‬عن جابر‬ ‫وقال أي ً‬
‫ي‬
‫في ‪ ،‬عن عامر الشعبي ‪ ،‬عن زيد بن ثابت النصاري قال ‪ :‬أملى عل ّ‬ ‫جعْ ِ‬
‫ال ُ‬
‫ن { إلى قوله‬ ‫طي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫سل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫سا‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫َ‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الية‬ ‫هذه‬ ‫الله‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫رسو‬
‫ٍ ِ ْ ِ ٍ‬ ‫ْ َ َ ِ ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬فضحك‬ ‫قي‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ل‬‫خا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫س‬
‫ُ ْ َ ُ‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫خَر { ‪ ،‬فقال معاذ ‪ } :‬فَت َ َ َ‬
‫ر‬ ‫با‬ ‫خل ْ ً‬
‫قا آ َ‬ ‫‪َ }:‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقال له معاذ ‪ :‬مم ضحكت يا رسول‬
‫ن { )‪.(1‬‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ك الل ّ َ‬ ‫الله ؟ قال ‪" :‬بها ختمت } فَت ََباَر َ‬
‫قي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬
‫شديدة ‪ ،‬وذلك أن‬ ‫كارة َ‬ ‫دا ‪ ،‬وفي خبره هذا ن َ َ‬ ‫في ضعيف ج ّ‬ ‫جعْ ِ‬
‫جابر بن يزيد ال ُ‬
‫هذه السورة مكية ‪ ،‬وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة ‪ ،‬وكذلك )‪(2‬‬
‫ضا ‪ ،‬فالله أعلم )‪.(3‬‬ ‫إسلم معاذ بن جبل إنما كان بالمدينة أي ً‬
‫ن { يعني ‪ :‬بعد هذه النشأة الولى من‬ ‫مي ُّتو َ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫م ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ن { يعني ‪ :‬النشأة‬ ‫مةِ ت ُب ْعَُثو َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫م إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫العدم َتصيرون إلى الموت ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫خَرة َ { ]العنكبوت ‪ [20 :‬يعني ‪ :‬يوم‬ ‫الخرة ‪ } ،‬ث ُم الل ّه ينشئ الن ْ َ‬
‫شأةَ ال ِ‬ ‫ُ ُْ ِ ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫المعاد ‪ ،‬وقيام الرواح والجساد ‪ ،‬فيحاسب الخلئق ‪ ،‬ويوفي كل عامل‬
‫عمله ‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا فشر‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫سب ْعَ ط ََرائ ِقَ وَ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫ن )‪.{ (17‬‬ ‫غافِِلي َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ما ك ُّنا عَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَنا فَوْقَك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫خْلق النسان ‪ ،‬عطف بذكر خلق السموات السبع ‪ ،‬وكثيًرا ما‬ ‫لما ذكر تعالى َ‬
‫يذكر تعالى خلق السموات والرض )‪ (4‬مع خلق النسان ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫س { ]غافر ‪ .[57 :‬وهكذا في‬ ‫ق الّنا ِ‬ ‫خل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض أك ْب َُر ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل ْقُ ال ّ‬ ‫} لَ َ‬
‫أول } الم { السجدة ‪ ،‬التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها‬
‫خل ْقُ السموات والرض ‪ ،‬ثم بيان‬ ‫]في[ )‪ (5‬صبيحة يوم الجمعة ‪ ،‬في أولها َ‬
‫خلق النسان من سللة من طين ‪ ،‬وفيها أمر المعاد والجزاء ‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫المقاصد‪.‬‬
‫سب ْعَ طَرائ ِقَ { ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬يعني السموات السبع ‪ ،‬وهذه كقوله‬ ‫َ‬ ‫فقوله ‪َ } :‬‬
‫ن { ]السراء ‪، [44 :‬‬ ‫ن ِفيهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫سب ْعُ َوالْر ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫حل ُ‬ ‫َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ت ُ َ‬
‫ه ال ِّ‬ ‫ت ط َِباًقا { ]نوح ‪ } ، [15 :‬الل ُّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫وا‬ ‫ما‬
‫ُ َ ْ َ َ َ َ ٍ‬‫س‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م ت ََرْوا ك َي ْ َ َ َ‬
‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ف‬ ‫} أل َ ْ‬
‫ه عََلى‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ن ل ِت َعْل َ ُ‬‫مُر ب َي ْن َهُ ّ‬ ‫ل ال ْ‬ ‫ن ي ََتنز ُ‬ ‫مث ْل َهُ ّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن الْر َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ ِ‬ ‫ماَوا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫سب ْعَ َ‬ ‫خل َقَ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ما { ]الطلق ‪ .[12 :‬وهكذا‬ ‫عل ْ ً‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ط ب ِك ُ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ه قَد ْ أ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ديٌر وَأ ّ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ن { أي‬ ‫غافِِلي َ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ك ُّنا عَن ال ْ َ ْ‬ ‫سب ْعَ ط ََرائ ِقَ وَ َ‬ ‫قَنا فَوْقَك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قال هاهنا ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫خل ِ‬ ‫ِ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ َ‬
‫‪ :‬ويعلم ما يلج في الرض وما يخرج منها ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )‪" (3367‬مجمع البحرين"‬
‫عن أبي زرعة عن آدم بن إياس به وجابر الجعفي ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وكذا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والله أعلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬السبع"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(5/469‬‬

‫وما ينزل من السماء وما يعُرج فيها ‪ ،‬وهو معكم أينما كنتم ‪ ،‬والله بما‬
‫ضا ‪،‬‬ ‫ب عنه سماء سماء ‪ ،‬ول أرض أر ً‬ ‫تعملون بصير‪ .‬وهو ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ل َيحج ُ‬
‫عره ‪ ،‬ول بحر إل يعلم ما في قَْعره ‪ ،‬يعلم عدد ما‬ ‫ول جبل إل يعلم ما في وَ ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫قط ِ‬ ‫س ُ‬
‫ما ت َ ْ‬‫في الجبال والتلل والرمال ‪ ،‬والبحار والقفار والشجار ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ب‬‫س ِإل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ض َول َرط ْ ٍ‬
‫ب َول َياب ِ ٍ‬ ‫ت الْر ِ‬ ‫حب ّةٍ ِفي ظ ُل ُ َ‬
‫ما ِ‬ ‫وََرقَةٍ ِإل ي َعْل َ ُ‬
‫مَها َول َ‬
‫ن { ]النعام ‪.[59 :‬‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ُ‬

‫) ‪(5/470‬‬

‫ب ب ِهِ ل َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫قادُِرو َ‬ ‫ها ٍ‬‫ض وَإ ِّنا عََلى ذ َ َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫سك َّناه ُ ِ‬ ‫قد َرٍ فَأ ْ‬‫ماًء ب ِ َ‬
‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫وَأن َْزل َْنا ِ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫)‪ (18‬فَأ َن َ ْ‬
‫ه ك َِثيَرة ٌ وَ ِ‬
‫من َْها‬ ‫م ِفيَها فَ َ‬
‫واك ِ ُ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬
‫ل وَأعَْنا ٍ‬ ‫خي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫شأَنا ل َك ُ ْ‬
‫م ب ِهِ َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫صب ٍْغ ل ِْلك ِِلي َ‬
‫ن وَ ِ‬ ‫ت ِبالد ّهْ ِ‬ ‫سي َْناَء ت َن ْب ُ ُ‬
‫طورِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬
‫جَرةً ت َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ن )‪ (19‬وَ َ‬ ‫ت َأك ُُلو َ‬
‫َ‬
‫مَنافِعُ ك َِثيَرةٌ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫طون َِها وَل َك ُ ْ‬ ‫ما ِفي ب ُ ُ‬ ‫م ّ‬‫م ِ‬ ‫قيك ُ ْ‬‫س ِ‬ ‫م ِفي اْلن َْعام ِ ل َعِب َْرةً ن ُ ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫وَإ ِ ّ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ملو َ‬ ‫ح َ‬
‫ك تُ ْ‬ ‫فل ِ‬ ‫ن )‪ (21‬وَعَلي َْها وَعَلى ال ُ‬ ‫من َْها ت َأكلو َ‬ ‫وَ ِ‬

‫ب ب ِهِ‬ ‫ض وَإ ِّنا عََلى ذ َ َ‬


‫ها ٍ‬ ‫قد َرٍ فَأ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫} وَأنزل َْنا ِ‬
‫سكّناه ُ ِفي الْر َ ِ‬ ‫ماًء ب ِ َ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫قادرون )‪ (18‬فَأ َن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ه ك َِثيَرةٌ‬ ‫واك ِ ُ‬ ‫م ِفيَها فَ َ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬‫ل وَأعَْنا ٍ‬ ‫خي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫جّنا ٍ‬‫م ب ِهِ َ‬ ‫شأَنا ل َك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫لَ َ ِ ُ َ‬
‫ن ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫صب ٍْغ ِللك ِِلي َ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫ت ِبالد ّهْ ِ‬ ‫سي َْناَء ت َن ْب ُ ُ‬‫طورِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬
‫خُر ُ‬ ‫جَرةً ت َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ن )‪ (19‬وَ َ‬ ‫من َْها ت َأك ُُلو َ‬‫وَ ِ‬
‫ع‬
‫مَنافِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما ِفي ب ُطون َِها وَلك ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫قيك ْ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫م ِفي الن َْعام ِ لعِب َْرةً ن ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن لك ْ‬ ‫َ‬ ‫)‪ (20‬وَإ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪.{ (22‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ح َ‬
‫ك تُ ْ‬‫فل ِ‬ ‫ن )‪ (21‬وَعَلي َْها وَعَلى ال ُ‬ ‫من َْها ت َأكلو َ‬ ‫ك َِثيَرة ٌ وَ ِ‬
‫طر‬ ‫ق ْ‬ ‫يذكر تعالى نعمه على عبيده )‪ (1‬التي ل تعد ّ ول تحصى ‪ ،‬في إنزاله ال َ‬
‫قد َرٍ { أي ‪ :‬بحسب الحاجة ‪ ،‬ل كثيًرا فيفسد الرض‬ ‫من السماء } ب ِ َ‬
‫والعمران ‪ ،‬ول قليل فل يكفي الزروع والثمار ‪ ،‬بل بقدر الحاجة إليه من‬
‫السقي والشرب والنتفاع به ‪ ،‬حتى إن الراضي التي تحتاج ماء كثيًرا لزرعها‬
‫منتها إنزال المطر عليها ‪ ،‬يسوق إليها الماء من بلد أخرى ‪ ،‬كما‬ ‫ول تحتمل دِ ْ‬
‫في أرض مصر ‪ ،‬ويقال لها ‪" :‬الرض الجُرز" ‪ ،‬يسوق الله إليها ماء النيل معه‬
‫طين أحمر يجترفه من بلد الحبشة في زمان أمطارها ‪ ،‬فيأتي الماء يحمل‬
‫طيًنا )‪ (2‬أحمر ‪ ،‬فيسقي أرض مصر ‪ ،‬ويقر الطين على أرضهم ليزدرعوا‬
‫فيه ‪ ،‬لن أرضهم سباخ يغلب عليها الرمال ‪ ،‬فسبحان اللطيف الخبير الرحيم‬
‫الغفور‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض { أي ‪ :‬جعلنا الماء إذا نزل من السحاب يخلد‬ ‫سكّناه ُ ِفي الْر ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأ ْ‬
‫في الرض ‪ ،‬وجعلنا )‪ (3‬في الرض قابلّية له ‪ ،‬تشربه ويتغذى به ما فيها من‬
‫الحب والنوى‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬لو شئنا أل تمطر لفعلنا ‪ ،‬ولو‬ ‫قادُِرو َ‬ ‫َ‬
‫ب ب ِهِ ل َ‬ ‫ها ٍ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِّنا عَلى ذ َ َ‬
‫شئنا لصرفناه عنكم إلى السباخ والبراري ]والبحار[ )‪ (4‬والقفار لفعلنا ‪ ،‬ولو‬
‫شرب ول لسقي لفعلنا ‪ ،‬ولو شئنا لجعلناه ل‬ ‫جا ل ينتفع به ل ُ‬ ‫شئنا لجعلناه أجا ً‬
‫جّر على وجهها لفعلنا‪ .‬ولو شئنا لجعلناه إذا نزل فيها‬ ‫ينزل في الرض ‪ ،‬بل ين َ‬
‫دى ل تصلون إليه ول تنتفعون به لفعلنا‪ .‬ولكن بلطفه ورحمته‬ ‫م َ‬ ‫يغور إلى َ‬
‫كه‬‫سل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ينزل عليكم الماء من السحاب عذًبا فراًتا زلل فيسكنه في الرض وي َ ْ‬
‫ينابيع في الرض ‪ ،‬فيفتح )‪ (5‬العيون والنهار ‪ ،‬فيسقي )‪ (6‬به الزروع‬
‫والثمار ‪ ،‬وتشربون منه ودوابكم وأنعامكم ‪ ،‬وتغتسلون )‪ (7‬منه وتتطهرون‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬الطين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وجعل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬فيفجر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ويسقي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬ويغتسلون وتغتسلون"‪.‬‬

‫) ‪(5/470‬‬

‫وتتنظفون ‪ ،‬فله الحمد والمنة‪.‬‬


‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأ َن َ ْ‬
‫ب { يعني ‪ :‬فأخرجنا لكم بما‬
‫ل وَأعَْنا ٍ‬
‫خي ٍ‬
‫ن نَ ِ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬
‫جّنا ٍ‬ ‫شأَنا ل َك ُ ْ‬
‫م ب ِهِ َ‬ ‫ْ‬
‫ت { أي ‪ :‬بساتين وحدائق ذات بهجة ‪ ،‬أي ‪ :‬ذات منظر‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫أنزلنا من الماء } َ‬
‫حسن‪.‬‬
‫ب { أي ‪ :‬فيها نخيل وأعناب‪ .‬وهذا ما كان يألف‬ ‫َ‬
‫ل وَأعَْنا ٍ‬ ‫خي ٍ‬‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬‬
‫أهل الحجاز ‪ ،‬ول فرق بين الشيء وبين نظيره ‪ ،‬وكذلك في حق كل أهل‬
‫جُزون عن القيام بشكره‪.‬‬ ‫إقليم ‪ ،‬عندهم من الثمار من نعمة الله عليهم ما ي َعْ ِ‬
‫ت‬‫ه ك َِثيَرة ٌ { أي ‪ :‬من جميع الثمار ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ي ُن ْب ِ ُ‬ ‫واك ِ ُ‬ ‫م ِفيَها فَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َك ُ ْ‬
‫ت { ]النحل ‪.[11 :‬‬ ‫ل الث ّ َ‬
‫مَرا ِ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫م ْ‬
‫ب وَ ِ‬ ‫ل َوالعَْنا َ‬‫خي َ‬‫ن َوالن ّ ِ‬ ‫م ب ِهِ الّزْرعَ َوالّزي ُْتو َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن { كأنه معطوف على شيء مقدر ‪ ،‬تقديره ‪ :‬تنظرون‬ ‫من َْها ت َأك ُُلو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫إلى حسنه ونضجه ‪ ،‬ومنه تأكلون‪.‬‬
‫سي َْناَء { يعني ‪ :‬الزيتونة‪ .‬والطور ‪ :‬هو‬ ‫طورِ َ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫جَرةً ت َ ْ‬‫ش َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫عرى عنها‬ ‫الجبل‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬إنما يسمى طورا إذا كان فيه شجر ‪ ،‬فإن َ‬
‫جَبل ل طوًرا ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وطور سيناء ‪ :‬هو طور سينين ‪ ،‬وهو الجبل‬ ‫سمي َ‬
‫الذي ك َّلم ]الله[ )‪ (1‬عليه موسى بن عمران ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وما حوله من‬
‫الجبال التي فيها شجر الزيتون‪.‬‬
‫ن { ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬الباء زائدة ‪ ،‬وتقديره ‪ :‬تنبت‬ ‫ت ِبالد ّهْ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ت َن ْب ُ ُ‬
‫الدهن ‪ ،‬كما في قول العرب ‪ :‬ألقى فلن بيده ‪ ،‬أي ‪ :‬يده‪ .‬وأما على قول من‬
‫من الفعل فتقديره ‪ :‬تخرج بالدهن ‪ ،‬أو )‪ (2‬تأتي بالدهن ؛ ولهذا قال ‪:‬‬ ‫ض ّ‬‫يُ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فيها ما ينتفع به من‬ ‫صب ٍْغ { أي ‪ :‬أْدم ‪ ،‬قاله قتادة‪ِ } .‬للك ِِلي َ‬ ‫} وَ ِ‬
‫كيع ‪ ،‬عن عبد الله بن‬ ‫الدهن والصطباغ ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫سْيد ‪ -‬واسمه مالك بن ربيعة‬ ‫عيسى ‪ ،‬عن عطاء الشامي ‪ ،‬عن أبي أ َ‬
‫الساعدي النصاري ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كلوا‬
‫الزيت وادهنوا به )‪ (3‬؛ فإنه من شجرة مباركة" )‪.(4‬‬
‫مر ‪،‬‬ ‫معْ َ‬‫ميد في مسنده وتفسيره ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َ‬ ‫ح َ‬‫وقال عبد بن ُ‬
‫عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬ائتدموا بالزيت وادهنوا به ‪ ،‬فإنه يخرج من شجرة مباركة"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه من غير وجه ‪ ،‬عن عبد الرزاق )‪ .(5‬قال الترمذي ‪:‬‬
‫ول يعرف إل من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬والله تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬بالزيت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(3/497‬‬
‫)‪ (5‬المنتخب لعبد بن حميد برقم )‪ (13‬وسنن الترمذي برقم )‪ (1851‬وسنن‬
‫ابن ماجه برقم )‪.(3319‬‬

‫) ‪(5/471‬‬

‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْرهُ أ َفََل‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫مهِ فَ َ‬ ‫حا إ َِلى قَوْ ِ‬ ‫سل َْنا ُنو ً‬
‫ول َ َ َ‬
‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ل ال ْمَل ُ‬
‫ن‬
‫ريد ُ أ ْ‬ ‫م ي ُِ‬ ‫مث ْل ُك ُ ْ‬‫شٌر ِ‬‫ذا إ ِّل ب َ َ‬‫ما هَ َ‬ ‫مهِ َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫روا‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬‫‪23‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫تَ‬
‫ن)‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫معَْنا ب ِهَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه لن َْز َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م وَلوْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ض َ‬
‫ذا ِفي آَبائ َِنا الوِّلي َ‬ ‫س ِ‬
‫ما َ‬ ‫ة َ‬ ‫ملئ ِك ً‬ ‫ل َ‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫ل عَلي ْك ْ‬ ‫ف ّ‬
‫ي َت َ َ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ّ‬
‫حي ٍ‬ ‫حّتى ِ‬ ‫صوا ب ِهِ َ‬ ‫ة فت ََرب ّ ُ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ل ب ِهِ ِ‬ ‫ن هُوَ إ ِل َر ُ‬ ‫‪ (24‬إ ِ ْ‬
‫حديثه ‪ ،‬وكان يضطرب فيه ‪ ،‬فربما ذكر فيه عمر )‪ (1‬وربما لم يذكره‪.‬‬
‫قال )‪ (2‬أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ‪ ،‬حدثنا‬
‫صْعب بن حكيم بن شريك بن نملة ‪،‬‬ ‫أبي ‪ ،‬حدثنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬حدثني ال ّ‬
‫فت عمَر بن الخطاب ليلة عاشوراء )‪، (3‬‬ ‫ض ْ‬ ‫عن أبيه عن جده ‪ ،‬قال ‪ِ :‬‬
‫فأطعمني )‪ (4‬من رأس بعير بارد ‪ ،‬وأطعمنا زيًتا ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا الزيت المبارك‬
‫الذي قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم )‪.(5‬‬
‫م ِفيَها‬ ‫َ‬
‫ما ِفي ب ُطون َِها وَلك ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫قيك ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ِفي الن َْعام ِ ل َعِب َْرة ً ن ُ ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن { ‪ :‬يذكر تعالى ما‬ ‫ملو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك تُ ْ‬ ‫فل ِ‬ ‫ن وَعَلي َْها وَعَلى ال ُ‬ ‫من َْها ت َأك ُلو َ‬ ‫مَنافِعُ ك َِثيَرة ٌ وَ ِ‬ ‫َ‬
‫جعل لخلقه في النعام من المنافع ‪ ،‬وذلك أنهم يشربون من ألبانها الخارجة‬
‫من بين فْرث ودم ‪ ،‬ويأكلون من حملنها ‪ ،‬ويلبسون من أصوافها وأوبارها‬
‫وأشعارها ‪ ،‬ويركبون ظهورها ويحملونها )‪ (6‬الحمال الثقال إلى البلد النائية‬
‫ق‬
‫ش ّ‬ ‫كوُنوا َبال ِِغيهِ ِإل ب ِ ِ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫م إ َِلى ب َل َد ٍ ل َ ْ‬ ‫قال َك ُ ْ‬ ‫ل أ َث ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫عنهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَت َ ْ‬
‫حيم { ]النحل ‪ ، [7 :‬وقال تعالى ‪ } :‬أ َول َم يروا أناَ‬ ‫م ل ََرُءو ٌ‬
‫َ ْ ََ ْ ّ‬ ‫ف َر ِ ٌ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫الن ْ ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‪ .‬وَذ َللَنا َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫من َْها َركوب ُهُ ْ‬ ‫مف ِ‬ ‫ها لهُ ْ‬ ‫مال ِكو َ‬ ‫م لَها َ‬ ‫ما فهُ ْ‬ ‫ديَنا أن َْعا ً‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫قَنا لهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ]يس ‪.[73 - 71 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ب أفل ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫شكُرو َ‬ ‫شارِ ُ‬ ‫مَنافِعُ وَ َ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ن‪ .‬وَلهُ ْ‬ ‫من َْها ي َأكلو َ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلهٍ غي ُْرهُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل َ‬ ‫قال َيا قوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫مهِ ف َ‬ ‫حا إ ِلى قوْ ِ‬ ‫سلَنا ُنو ً‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫} وَل َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫د‬ ‫ري‬
‫ْ ُ ِ ُ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ َ ٌ ِ‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫إل‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ه‬ ‫ما‬
‫ِ ْ ْ ِ ِ َ َ‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫مل‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪23‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫أَفل ت َ ّ‬
‫ت‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫ذا ِفي آَبائ َِنا الوِّلي َ‬ ‫معَْنا ب ِهَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ً‬ ‫ل َ‬ ‫ه لنز َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫م وَل َوْ َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪.{ (25‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫حّتى ِ‬ ‫صوا ب ِهِ َ‬ ‫ة فَت ََرب ّ ُ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ل ب ِهِ ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن هُوَ ِإل َر ُ‬ ‫‪ (24‬إ ِ ْ‬
‫يخبر تعالى عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين بعثه )‪ (7‬إلى قومه ‪ ،‬لينذرهم عذاب‬
‫الله وبأسه الشديد ‪ ،‬وانتقامه ممن أشرك به وخالف أمره وكذب رسله ‪،‬‬
‫ن { أي ‪ :‬أل تخافون‬ ‫قو َ‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْره ُ أ ََفل ت َت ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫} فَ َ‬
‫من الله في إشراككم به ؟!‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ريد ُ أ ْ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫مث ْلك ْ‬ ‫شٌر ِ‬ ‫ذا ِإل ب َ َ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫فقال المل ‪ -‬وهم السادة والكابر منهم ‪َ } : -‬‬
‫م { يعنون ‪ :‬يترفع عليكم ويتعاظم بدعوى )‪ (8‬النبوة ‪ ،‬وهو بشر‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ة { أي ‪ :‬لو أراد‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ً‬ ‫ل َ‬ ‫ه لنز َ‬ ‫ّ‬
‫شاَء الل ُ‬ ‫َ‬
‫مثلكم‪ .‬فكيف أوحي إليه دونكم ؟ } وَلوْ َ‬
‫ذا { أي ‪:‬‬ ‫معَْنا ب ِهَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫كا من عنده ولم يكن بشًرا! } َ‬ ‫مل َ ً‬ ‫أن يبعث نبّيا ‪ ،‬لبعث َ‬
‫ببعثة البشر في آبائنا الولين‪ .‬يعنون )‪ (9‬بهذا أسلفهم وأجدادهم والمم )‬
‫‪ (10‬الماضية‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬ضفت ليلة عمر بن الخطاب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ :‬فأطعمني "عودا"‪ .‬وفي أ ‪" :‬عسورا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المعجم الكبير )‪ (1/74‬والصعب بن حكيم ل يعرف كما قال الذهبي‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬ويحملون"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بعثه الله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بدعوة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬يعني"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الدهور"‪.‬‬

‫) ‪(5/472‬‬
‫فل ْ َ َ‬ ‫صن َِع ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حي َِنا‬
‫ك ب ِأعْي ُن َِنا وَوَ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْهِ أ ِ‬
‫ن )‪ (26‬فَأوْ َ‬ ‫ما ك َذ ُّبو ِ‬ ‫صْرِني ب ِ َ‬ ‫ب ان ْ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ك إ ِّل َ‬
‫م ْ‬ ‫ن وَأهْل َ َ‬‫ن اث ْن َي ْ ِ‬‫جي ْ ِ‬‫ل َزوْ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِفيَها ِ‬‫سل ُ ْ‬
‫مُرَنا وََفاَر الت ّّنوُر َفا ْ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫فَإ َِذا َ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫مغَْرُقو َ‬ ‫م ُ‬ ‫موا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫خاط ِب ِْني ِفي ال ّ ِ‬ ‫م وََل ت ُ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫سب َقَ عَل َي ْهِ ال ْ َ‬
‫قو ْ ُ‬ ‫َ‬

‫ة { أي ‪ :‬مجنون فيما يزعمه ‪ ،‬من أن الله‬ ‫جن ّ ٌ‬


‫ل ب ِهِ ِ‬ ‫ج ٌ‬
‫ن هُوَ ِإل َر ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫حّتى ِ‬ ‫صوا ب ِهِ َ‬ ‫أرسله إليكم ‪ ،‬واختصه من بينكم بالوحي } فَت ََرب ّ ُ‬
‫انتظروا به ريب المنون ‪ ،‬واصبروا عليه مدة حتى تستريحوا منه‪.‬‬
‫َ‬ ‫فل ْ َ‬ ‫صن َِع ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك ب ِأعْي ُن َِنا‬ ‫نا ْ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْهِ أ ِ‬
‫ن )‪ (26‬فَأوْ َ‬ ‫ما ك َذ ُّبو ِ‬‫صْرِني ب ِ َ‬ ‫ب ان ْ ُ‬ ‫} َقا َ‬
‫ل َر ّ‬
‫َ‬
‫ن وَأهْل َ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫سل ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ك ِإل‬ ‫ن اث ْن َي ْ ِ‬ ‫جي ْ ِ‬‫ل َزوْ َ‬ ‫م ْ‬‫ك ِفيَها ِ‬ ‫مُرَنا وََفاَر الت ّّنوُر َفا ْ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫حي َِنا فَإ َِذا َ‬
‫وَوَ ْ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫مغَْرقو َ‬‫ُ‬ ‫م ُ‬ ‫موا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫خاط ِب ِْني ِفي ال ِ‬ ‫م َول ت ُ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫قوْل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سب َقَ عَلي ْهِ ال َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫{‬

‫) ‪(5/473‬‬

‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ِ‬ ‫م َ‬
‫جاَنا ِ‬‫ذي ن َ ّ‬‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ح ْ‬‫ل ال ْ َ‬
‫ق ِ‬‫ك فَ ُ‬‫فل ْ ِ‬ ‫ك عََلى ال ْ ُ‬ ‫معَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫فَإ َِذا ا ْ‬
‫ست َوَي ْ َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مَباَر ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (28‬وَقُ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪ (29‬إ ِ ّ‬ ‫من ْزِِلي َ‬
‫خي ُْر ال ُ‬ ‫ت َ‬ ‫كا وَأن ْ َ‬ ‫من َْزل ُ‬ ‫ب أن ْزِلِني ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫ن ك ُّنا ل َ ُ‬
‫مب ْت َِلي َ‬ ‫ت وَإ ِ ْ‬ ‫ك َل ََيا ٍ‬‫ِفي ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫جاَنا ِ‬ ‫ذي ن َ ّ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك فَ ُ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫ك عََلى ال ْ ُ‬ ‫معَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ت وَ َ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫ست َوَي ْ َ‬ ‫} فَإ َِذا ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫منزِلي َ‬ ‫خي ُْر ال ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫كا وَأن ْ َ‬ ‫مَباَر ً‬ ‫منزل ُ‬ ‫ب أنزل ِْني ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪ (28‬وَقُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫قوْم ال ّ‬
‫ال َ ِ‬
‫ْ‬
‫ن )‪.{ (30‬‬ ‫مب ْت َِلي َ‬ ‫ن ك ُّنا ل َ ُ‬ ‫ت وَإ ِ ْ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه دعا ربه يستنصره على‬
‫ه أّني‬ ‫َ‬ ‫قومه ‪ ،‬كما قال تعالى مخبرا ]عنه[ )‪ (1‬في الية الخرى ‪ } :‬فَد َ َ‬
‫عا َرب ّ ُ‬
‫ما‬
‫صْرِني ب ِ َ‬ ‫ب ان ْ ُ‬ ‫ل[ )‪َ (2‬ر ّ‬ ‫صْر { ]القمر ‪ ، [10 :‬وقال هاهنا ‪َ] } :‬قا َ‬ ‫ب َفان ْت َ ِ‬ ‫مغُْلو ٌ‬ ‫َ‬
‫ن { فعند ذلك أمره الله تعالى بصنعة السفينة وإحكامها وإتقانها ‪ ،‬وأن‬ ‫ِ‬ ‫بو‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬
‫يحمل فيها من كل زوجين اثنين ‪ ،‬أي ‪ :‬ذكًرا وأنثى من كل صنف من‬
‫ق‬
‫سب َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫الحيوانات والنباتات والثمار ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬وأن يحمل فيها أهله } ِإل َ‬
‫ل { أي ‪ :‬سبق فيه القول من الله بالهلك ‪ ،‬وهم الذين لم يؤمنوا به‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ال ْ َ‬
‫من أهله ‪ ،‬كابنه وزوجته ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬عند معاينة‬ ‫مغَْرقو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ُ‬ ‫موا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫خاط ِب ِْني ِفي ال ّ ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ت ُ َ‬
‫مع في‬ ‫َ‬
‫إنزال المطر العظيم ‪ ،‬ل تأخذنك رأفة بقومك ‪ ،‬وشفقة عليهم ‪ ،‬وط َ‬
‫تأخيرهم لعلهم يؤمنون ‪ ،‬فإني قد قضيت أنهم مغرقون على ما هم عليه من‬
‫الكفر والطغيان‪ .‬وقد تقدمت القصة مبسوطة في سورة "هود" )‪ (3‬بما يغني‬
‫عن إعادة ذلك هاهنا‪.‬‬
‫َ‬
‫جاَنا‬ ‫ذي ن َ ّ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك فَ ُ‬ ‫فل ْ ِ‬‫ك عََلى ال ْ ُ‬ ‫معَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫ست َوَي ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَإ َِذا ا ْ‬
‫ما‬
‫ك َوالن َْعام ِ َ‬ ‫ْ‬
‫فل ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل لك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ل ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ن { ‪ ،‬كَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫قوْم ال ّ‬ ‫م َ ْ‬
‫ن ال َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫قولوا‬ ‫م عَلي ْهِ وَت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ست َوَي ْت ُ ْ‬ ‫م إ َِذا ا ْ‬ ‫ة َرب ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ت َذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ووا عَلى ظُهورِهِ ث ُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ست َ ُ‬ ‫ن‪ .‬ل ِت َ ْ‬ ‫ت َْرك َُبو َ‬
‫ن{‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬وَإ ِّنا إ ِلى َرب َّنا ل ُ‬ ‫قرِِني َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫ما ك ُّنا ل ُ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫خَر لَنا هَ َ‬‫َ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫]الزخرف ‪ .[14 - 12 :‬وقد امتثل نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬هذا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ه‬
‫كر الل َ‬ ‫ها { ]هود ‪ .[41 :‬فذ َ َ‬ ‫سا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫جَرا َ‬ ‫م ْ‬‫سم ِ الل ّهِ َ‬ ‫ل اْرك َُبوا ِفيَها ب ِ ْ‬ ‫} وََقا َ‬
‫منزل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫تعالى عند ابتداء سيره وعند انتهائه ‪ ،‬وقال تعالى ‪ } :‬وَقُ ْ‬
‫ب أنزلِني ُ‬ ‫ل َر ّ‬
‫مبار ً َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫منزِلي َ‬ ‫خي ُْر ال ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫كا وَأن ْ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ت { أي ‪ :‬إن في هذا الصنيع ‪ -‬وهو إنجاء المؤمنين‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ذ َل ِك لَيا ٍ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫وإهلك الكافرين ‪-‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر تفسير اليات ‪.48 - 25 :‬‬

‫) ‪(5/473‬‬

‫خرين )‪ (31‬فَأ َرسل ْنا فيهم رسوًل منه َ‬ ‫َ‬ ‫ث ُم أ َن َ ْ‬


‫دوا‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ِ ُْ ْ‬ ‫ْ َ َ ِ ِ ْ َ ُ‬ ‫م قَْرًنا آ َ ِ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫شأَنا ِ‬ ‫ّ ْ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فُروا‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مهِ ال ِ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مل ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ن )‪ (32‬وََقا َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن إ ِلهٍ غَي ُْره ُ أفَل ت َت ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ما لك ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫م ي َأك ُ ُ‬ ‫مث ْل ُك ُ ْ‬ ‫شٌر ِ‬ ‫ذا إ ِّل ب َ َ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫خَرةِ وَأت َْرفَْناهُ ْ‬ ‫قاِء اْل َ ِ‬ ‫وَك َذ ُّبوا ب ِل ِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م إ ًِذا‬‫م إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫مث ْل َك ُ ْ‬ ‫شًرا ِ‬ ‫م بَ َ‬ ‫ن أط َعْت ُ ْ‬ ‫ن )‪ (33‬وَل َئ ِ ْ‬ ‫شَرُبو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫ن ِ‬ ‫ما ت َأك ُُلو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫ن)‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما أن ّك ْ‬ ‫عظا ً‬ ‫م ت َُراًبا وَ ِ‬ ‫م وَكن ْت ُ ْ‬ ‫مت ّ ْ‬ ‫م إ َِذا ِ‬ ‫م أن ّك ْ‬ ‫ن )‪ (34‬أي َعِد ُك ْ‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬
‫ما‬‫حَيا وَ َ‬ ‫ت وَن َ ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي إ ِّل َ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫ن )‪ (36‬إ ِ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُتوعَ ُ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ت هَي َْها َ‬ ‫‪ (35‬هَي َْها َ‬
‫هَ‬
‫نل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫جل افت ََرى عَلى اللهِ كذًِبا وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫ن هُوَ إ ِل َر ُ‬ ‫ن )‪ (37‬إ ِ ْ‬ ‫مب ُْعوِثي َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن‬ ‫ح ّ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ل لي ُ ْ‬ ‫ما قِلي ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (39‬قال عَ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما كذ ُّبو ِ‬ ‫صْرِني ب ِ َ‬ ‫ب ان ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (38‬قال َر ّ‬ ‫َ‬ ‫مِني‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫بِ ُ‬
‫ن)‬ ‫مي‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ظا‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫دا‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫ثا‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫ة‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫نادمين َ)‪ (40‬فَأ َ‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ُْ ً ِ ْ ِ‬ ‫ّ ْ َ ُ ِ َ ّ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ ُْ ُ‬ ‫َ ِ ِ َ‬
‫‪(41‬‬

‫جا )‪ (1‬ودللت واضحات على صدق النبياء فيما جاءوا به‬ ‫ت { أي ‪ :‬لحج ً‬ ‫} لَيا ٍ‬
‫عن الله تعالى ‪ ،‬وأنه تعالى فاعل لما يشاء ‪ ،‬وقادر على كل شيء ‪ ،‬عليم‬
‫بكل شيء‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬لمختبرين للعباد بإرسال المرسلين‪.‬‬ ‫مب ْت َِلي َ‬ ‫َ‬
‫ن كّنا ل ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫} ث ُم أ َن َ ْ‬
‫مأ ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سول ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫سلَنا ِفيهِ ْ‬ ‫ن )‪ (31‬فأْر َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫خ‬‫م قْرًنا آ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شأَنا ِ‬ ‫ّ ْ‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫مل‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪32‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫اعْبدوا الل ّه ما ل َك ُم من إل َه غَيره أ َ‬
‫َ ِ ْ ْ ِ ِ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ ِ ْ ِ ٍ ُْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫م‬‫مث ْل ُك ُْ‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫إل‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ما‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫بوا‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫روا‬ ‫كَ َ‬
‫ِ َ ٌ ِ‬ ‫َ َ ِ َّْ َ َ‬ ‫ِ َ ِ َ َْ َ ُ ْ ِ‬ ‫َ ُ ِِ‬
‫ْ‬ ‫ف ُ‬
‫مث ْل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫شًرا ِ‬ ‫م بَ َ‬ ‫ن أط َعْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (33‬وَل َئ ِ ْ‬ ‫شَرُبو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ت َأك ُُلو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ي َأ ْك ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ع َ‬ ‫خاسرون )‪ (34‬أ َيعِدك ُ َ‬
‫م‬ ‫ما أن ّك ُ ْ‬ ‫ظا ً‬ ‫م ت َُراًبا وَ ِ‬ ‫م وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫مت ّ ْ‬ ‫م إ َِذا ِ‬ ‫م أن ّك ُ ْ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫م إ ًِذا ل َ َ ِ ُ َ‬ ‫إ ِن ّك ُ ْ‬
‫ت‬‫مو ُ‬ ‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي ِإل َ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫ن )‪ (36‬إ ِ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُتوعَ ُ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ت هَي َْها َ‬ ‫ن )‪ (35‬هَي َْها َ‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ُ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫با‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ٌ‬ ‫ج‬‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ ِ َ‬‫إل‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪37‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ثي‬ ‫ِ‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫ُ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ما‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫وَ‬
‫ن‬
‫ح ّ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫ل لي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما قَِلي ٍ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫ن )‪َ (39‬قا َ‬ ‫ما كذ ُّبو ِ‬ ‫َ‬ ‫صْرِني ب ِ َ‬ ‫ب ان ْ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪َ (38‬قا َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫قوْم ال ّ‬ ‫م غَُثاًء فَب ُعْ ً ْ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫دا ل ِل َ ِ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫حق ّ ف َ َ‬ ‫ة ِبال ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬
‫م ال ّ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬ ‫ن )‪ (40‬فَأ َ‬ ‫مي َ‬ ‫َنادِ ِ‬
‫‪.{ (41‬‬
‫يخبر تعالى أنه أنشأ بعد قوم نوح قرًنا آخرين )‪ - (2‬قيل ‪ :‬المراد بهم عاد ‪،‬‬
‫فإنهم كانوا مستخلفين بعدهم‪ .‬وقيل ‪ :‬المراد بهؤلء ثمود ؛ لقوله ‪:‬‬
‫َ‬
‫حقّ { ‪ -‬وأنه تعالى أرسل فيهم رسول منهم ‪ ،‬فدعاهم‬ ‫ة ِبال ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬ ‫} فَأ َ‬
‫إلى عبادة الله وحده ل شريك له‪ .‬فكذبوه وخالفوه ‪ ،‬وأبوا من اتباعه لكونه‬
‫بشًرا مثلهم ‪ ،‬واستنكفوا عن اتباع رسول بشري ‪ ،‬فكذبوا بلقاء الله في‬
‫القيامة ‪ ،‬وأنكروا المعاد الجثماني ‪ ،‬وقالوا } أ َيعِدك ُ َ‬
‫م ت َُراًبا‬ ‫م وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫مت ّ ْ‬ ‫م إ َِذا ِ‬ ‫م أن ّك ُ ْ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ع َ‬
‫ن { أي ‪ :‬بعيد بعيد ذلك‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُتوعَ ُ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ت هَي َْها َ‬ ‫ن‪ .‬هَي َْها َ‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما أن ّك ُ ْ‬ ‫ظا ً‬ ‫وَ ِ‬
‫ل افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َذًِبا { أي ‪ :‬فيما جاءكم )‪ (3‬به من‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن هُوَ ِإل َر ُ‬ ‫} إِ ْ‬
‫صْرِني‬ ‫ب ان ْ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن‪َ .‬قا َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫نل ُ‬ ‫َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫الرسالة والنذارة والخبار بالمعاد‪ } .‬وَ َ‬
‫صَر رّبه عليهم ‪ ،‬فأجاب‬ ‫ن { أي ‪ :‬استفتح عليهم الرسول واستن َ‬ ‫ما ك َذ ُّبو ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬بمخالفتك وعنادك فيما‬ ‫مي َ‬‫ن َنادِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل ل َي ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬ ‫ما قَِلي ٍ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫دعاءه ‪َ } ،‬قا َ‬
‫جئتهم به ‪،‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫حقّ { أي ‪ :‬وكانوا يستحقون ذلك من الله لكفرهم‬ ‫ة ِبال َ‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫} فَأ َ‬
‫خذ َت ْهُ ُ‬
‫وطغيانهم‪.‬‬
‫صْرصر العاصف القويّ الباردة ‪،‬‬ ‫صيحة مع الريح ال ّ‬ ‫والظاهر أنه اجتمع عليهم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مُر ك ُ ّ‬
‫م { ]الحقاف ‪:‬‬ ‫ساك ِن ُهُ ْ‬
‫م َ‬
‫حوا ل ي َُرى )‪ِ (4‬إل َ‬ ‫مرِ َرب َّها فَأ ْ‬
‫صب َ ُ‬ ‫يٍء ب ِأ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫} ت ُد َ ّ‬
‫‪.[25‬‬
‫ْ‬
‫م غَُثاًء { أي ‪ :‬صرعى هَلكى كغثاء السيل ‪ ،‬وهو الشيء‬ ‫جعَلَناهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫الحقير التافه الهالك الذي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لحجج"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬آخر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ "جاء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ترى"‪.‬‬

‫) ‪(5/474‬‬

‫ث ُم أ َن َ ْ‬
‫ن )‪(42‬‬
‫ري َ‬ ‫م قُُروًنا آ َ َ‬
‫خ ِ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫شأَنا ِ‬ ‫ّ ْ‬

‫م‬ ‫ما ظ َل َ ْ‬
‫مَناهُ ْ‬ ‫ن { ‪ ،‬كقوله )‪ } : (1‬وَ َ‬
‫مي َ‬ ‫قوْم ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ل ينتفع بشيء منه‪ } .‬فَب ُعْ ً ْ‬
‫دا ل ِل َ ِ‬
‫ن { ]الزخرف ‪ [76 :‬أي ‪ :‬بكفرهم وعنادهم ومخالفة‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫كاُنوا هُ ُ‬‫ن َ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫رسول الله ‪ ،‬فليحذر السامعون أن يكذبوا رسولهم‪.‬‬
‫} ث ُم أ َن َ ْ‬
‫ن )‪{ (42‬‬ ‫ري َ‬ ‫م قُُروًنا آ َ‬
‫خ ِ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫شأَنا ِ‬ ‫ّ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬كقولهم"‪.‬‬

‫) ‪(5/475‬‬

‫سل ََنا ت َت َْرى ك ُ ّ‬ ‫خرون )‪ (43‬ث ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ما تسبق م ُ‬


‫ما‬‫ل َ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫م أْر َ‬ ‫ّ‬ ‫ست َأ ِ ُ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫جل ََها وَ َ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ َ ْ ِ ُ ِ ْ‬
‫قوْم لَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫دا ل ِ َ ٍ‬ ‫ث فَب ُعْ ً‬ ‫حاِدي َ‬ ‫مأ َ‬ ‫جعَلَناهُ ْ‬ ‫ضا وَ َ‬‫م ب َعْ ً‬
‫ضهُ ْ‬ ‫سولَها ك َذ ُّبوه ُ فَأت ْب َعَْنا ب َعْ َ‬ ‫ة َر ُ‬ ‫م ً‬ ‫جاَء أ ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (45‬إ ِلى‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ن ب ِآَيات َِنا وَ ُ‬ ‫هاُرو َ‬‫خاه ُ َ‬ ‫سى وَأ َ‬ ‫مو َ‬ ‫سلَنا ُ‬ ‫م أْر َ‬ ‫ن )‪ (44‬ث ُ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن )‪ (46‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مث ْل َِنا‬‫ن ِ‬ ‫شَري ْ ِ‬ ‫ن ل ِب َ َ‬‫م ُ‬‫قالوا أن ُؤْ ِ‬ ‫عاِلي َ‬ ‫ما َ‬‫ست َكب َُروا وَكاُنوا قَوْ ً‬ ‫ملئ ِهِ َفا ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫فِْرعَوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما فَكاُنوا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ آت َي َْنا‬‫ن )‪ (48‬وَل َ‬ ‫كي َ‬ ‫مهْل ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (47‬فَكذ ُّبوهُ َ‬ ‫دو َ‬ ‫عاب ِ ُ‬ ‫ما لَنا َ‬ ‫مهُ َ‬ ‫وَقَوْ ُ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ي َهْت َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ب لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سى الك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫سل ََنا ت َت َْرى ك ُ ّ‬ ‫خرون )‪ (43‬ث ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫} ما تسبق م ُ‬
‫ما‬
‫ل َ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫م أْر َ‬
‫ّ‬ ‫ست َأ ِ ُ َ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫جل ََها وَ َ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ َ ْ ِ ُ ِ ْ‬
‫قوْم ٍ ل‬ ‫دا ل ِ َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫دي‬ ‫حا‬ ‫ة رسول ُها ك َذ ّبوه فَأ َتبعنا بعضهم بعضا وجعل ْناهُم أ َ‬ ‫ُ‬
‫ُْ ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َْ َ ُ ْ َْ ً َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫م ً َ ُ َ‬ ‫جاَء أ ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (44‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫يقول تعالى ‪ } :‬ث ُم أ َن َ ْ‬
‫ما‬
‫ن { أي ‪ :‬أمما وخلئق ‪َ } ،‬‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬‫م قُُروًنا آ َ‬
‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْْ‬ ‫شأَنا ِ‬ ‫ّ ْ‬
‫َ‬ ‫تسبق م ُ‬
‫سب ما‬ ‫ح َ‬ ‫خذون )‪َ (2‬‬ ‫ن { يعني )‪ : (1‬بل ي ُؤْ َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫جل ََها وَ َ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫نأ ّ‬‫َ ْ ِ ُ ِ ْ‬
‫قدر لهم تعالى في كتابه المحفوظ وعلمه قبل كونهم ‪ ،‬أمة بعد أمة ‪ ،‬وقرنا‬
‫فا بعد سلف‪.‬‬ ‫خل ً‬ ‫بعد قرن ‪ ،‬وجيل بعد جيل ‪ ،‬و َ‬
‫} ثُ َ‬
‫ضا‪ .‬وهذه‬ ‫سل ََنا ت َت َْرى { ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬يعني يتبع بعضهم بع ً‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬‫م أْر َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫جت َن ُِبوا‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن ا ُعْب ُ ُ‬ ‫سول أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫كقوله تعالى ‪ } :‬وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬
‫ة { ]النحل ‪[36 :‬‬ ‫ضلل َ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ال ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ه وَ ِ‬‫دى الل ّ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت فَ ِ‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬‫ال ّ‬
‫سول َُها ك َذ ُّبوه ُ { يعني ‪ :‬جمهورهم وأكثرهم ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ ،‬وقوله ‪ } :‬ك ُ ّ‬
‫ة َر ُ‬ ‫م ً‬‫جاَء أ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬
‫ْ‬
‫ه‬
‫كاُنوا ب ِ ِ‬ ‫ل ِإل َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأِتيهِ ْ‬ ‫سَرةً عََلى ال ْعَِباد ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫كقوله تعالى ‪َ } :‬يا َ‬
‫ن { ]يس ‪.[30 :‬‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م أهْل َك َْنا ِ‬
‫م َ‬ ‫ضا { أي ‪ :‬أهلكناهم ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَك َ ْ‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأت ْب َعَْنا ب َعْ َ‬
‫ن ب َعْد ِ ُنوٍح { ]السراء ‪.[17 :‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫} وجعل ْناهُ َ‬
‫جعَل َْناهُ ْ‬
‫م‬ ‫ث { أي ‪ :‬أخباًرا وأحاديث للناس ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬فَ َ‬ ‫حاِدي َ‬ ‫مأ َ‬ ‫َ َ َ َ ْ‬
‫م كُ ّ‬ ‫َ‬
‫قوْم ٍ ل‬ ‫دا ل ِ َ‬ ‫ق { ]الية[ )‪] (3‬سبأ ‪ } ] [19 :‬فَب ُعْ ً‬ ‫مّز ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مّزقَْناهُ ْ‬ ‫ث وَ َ‬ ‫حاِدي َ‬ ‫أ َ‬
‫ن { [ )‪.(4‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن )‪ (45‬إ ِلى فِْرعَوْ َ‬ ‫مِبي ٍ‬‫ن ُ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ن ِبآَيات َِنا وَ ُ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫خاه ُ َ‬ ‫سى وَأ َ‬ ‫مو َ‬ ‫سلَنا ُ‬ ‫م أْر َ‬ ‫} ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مث ْل َِنا‬ ‫ن ِ‬ ‫شَري ْ ِ‬ ‫ن ل ِب َ َ‬‫م ُ‬ ‫قالوا أن ُؤْ ِ‬ ‫ن )‪ (46‬فَ َ‬ ‫عاِلي َ‬
‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ست َكب َُروا وَكاُنوا قَوْ ً‬ ‫ْ‬ ‫مل َئ ِهِ َفا ْ‬ ‫وَ َ‬
‫قد ْ آت َي َْنا‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (48‬وَل َ‬ ‫كي َ‬ ‫َ‬
‫مهْل ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ما فَكاُنوا ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (47‬فَكذ ُّبوهُ َ‬ ‫دو َ‬ ‫عاب ِ ُ‬ ‫ما لَنا َ‬ ‫َ‬ ‫مهُ َ‬ ‫وَقَوْ ُ‬
‫ن )‪.{ (49‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ي َهْت َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ب لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫سى الك َِتا َ‬ ‫ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫يخبر تعالى أنه بعث رسوله موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وأخاه هارون إلى فرعون‬
‫وملئه ‪ ،‬باليات والحجج الدامغات ‪ ،‬والبراهين القاطعات ‪ ،‬وأن فرعون وقومه‬
‫استكبروا عن اتباعهما ‪ ،‬والنقياد لمرهما ‪ ،‬لكونهما َبشرين كما أنكرت المم‬
‫الماضية بعثة الرسل من البشر ‪ ،‬تشابهت قلوبهم ‪ ،‬فأهلك الله فرعون ومله‬
‫‪ ،‬وأغرقهم في يوم واحد أجمعين ‪ ،‬وأنزل على موسى الكتاب ‪ -‬وهو التوراة ‪-‬‬
‫فيها أحكامه وأوامره ونواهيه ‪ ،‬وذلك بعد ما قصم الله فرعون والقبط ‪،‬‬
‫وأخذهم أخذ عزيز مقتدر ؛ وبعد أن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يوجدون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف‪ .‬وفي هـ ‪) :‬إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون(‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف‪.‬‬

‫) ‪(5/475‬‬

‫ما إ َِلى َرب ْوَةٍ َذا ِ‬ ‫جعَل َْنا اب ْن مري َم وأ ُمه آ َي َ ً َ‬


‫ن )‪(50‬‬ ‫ت قََرارٍ وَ َ‬
‫مِعي ٍ‬ ‫ة وَآوَي َْناهُ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ّ ُ‬ ‫وَ َ‬

‫أنزل الله التوراة لم يهلك أمة بعامة ‪ ،‬بل أمر المؤمنين بقتال الكافرين ‪ ،‬كما‬
‫ن الوَلى‬
‫قُرو َ‬ ‫ما أ َهْل َك َْنا ال ْ ُ‬
‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن { ]القصص ‪.[43 :‬‬ ‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬‫ة ل َعَل ّهُ ْ‬‫م ً‬‫ح َ‬‫دى وََر ْ‬ ‫س وَهُ ً‬ ‫صائ َِر ِللّنا ِ‬ ‫بَ َ‬
‫ثم قال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪.{ (50‬‬ ‫مِعي ٍ‬
‫ت قَرارٍ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ما إ ِلى َرب ْوَةٍ َذا ِ‬ ‫ة َوآوَي َْناهُ َ‬ ‫ه آي َ ً‬
‫م ُ‬‫م وَأ ّ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬‫جعَل َْنا اب ْ َ‬
‫} وَ َ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن عبده ورسوله عيسى ابن مريم ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬أنه‬
‫جعلهما آية للناس ‪ :‬أي حجة قاطعة على قدرته على ما يشاء ‪ ،‬فإنه خلق آدم‬
‫من غير أب ول أم ‪ ،‬وخلق حواء من ذكر بل أنثى ‪ ،‬وخلق عيسى من أنثى بل‬
‫ذكر ‪ ،‬وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى‪.‬‬
‫ن { قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫ت قََرارٍ وَ َ‬ ‫ما إ َِلى َرب ْوَةٍ َذا ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وآوَي َْناهُ َ‬
‫عباس ‪ :‬الربوة ‪ :‬المكان المرتفع من الرض ‪ ،‬وهو أحسن ما يكون فيه‬
‫النبات‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫ن { يعني‬ ‫ت قََرارٍ { يقول ‪ :‬ذات خصب } وَ َ‬
‫مِعي ٍ‬ ‫قال ابن عباس ‪ :‬وقوله ‪َ } :‬ذا ِ‬
‫‪ :‬ماء ظاهًرا )‪.(1‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬ربوة مستوية‪.‬‬
‫ن { ‪ :‬استوى الماء فيها‪ .‬وقال مجاهد‬ ‫عي‬‫م‬ ‫و‬ ‫ر‬‫را‬‫َ‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪َ } :‬ذا ِ َ ٍ َ َ ِ ٍ‬
‫ق‬ ‫ت‬
‫ن { ‪ :‬الماء الجاري‪.‬‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫‪ ،‬وقتادة ‪ } :‬وَ َ‬
‫ثم اختلف المفسرون في مكان هذه الربوة في أيّ أرض ]الله[ )‪ (2‬هي ؟‬
‫فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬ليس الربى إل بمصر‪ .‬والماء حين‬
‫يرسل )‪ (3‬يكون الربى عليها القرى ‪ ،‬ولول الربى غرقت القرى‪.‬‬
‫دا‪.‬‬
‫من َّبه نحو هذا ‪ ،‬وهو بعيد ج ّ‬ ‫وروي عن وهب بن ُ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ‪ ،‬حدثنا سفيان‬
‫ما‬
‫‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى ‪َ } :‬وآوَي َْناهُ َ‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪ :‬هي دمشق )‪.(4‬‬ ‫ت قََرارٍ وَ َ‬
‫مِعي ٍ‬ ‫إ َِلى َرب ْوَةٍ َذا ِ‬
‫قال ‪ :‬وُروي عن عبد الله بن سلم ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وخالد بن‬
‫مْعدان نحو ذلك‪.‬‬ ‫َ‬
‫كيع ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا وَ ِ‬
‫ن { قال ‪ :‬أنهار‬ ‫ت قََرارٍ وَ َ‬
‫مِعي ٍ‬ ‫مة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬ذا ِ‬ ‫عك ْرِ َ‬‫ماك ‪ ،‬عن ِ‬ ‫س َ‬
‫ِ‬
‫دمشق‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬طاهرا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬يسيل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الدمشق"‪.‬‬

‫) ‪(5/476‬‬

‫َ‬
‫م )‪(51‬‬ ‫ن عَِلي ٌ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫حا إ ِّني ب ِ َ‬ ‫مُلوا َ‬
‫صال ِ ً‬ ‫ت َواعْ َ‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ك ُُلوا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫َيا أي َّها الّر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وإن هَذه أ ُمتك ُ ُ‬
‫م ُزب ًُرا‬‫م ب َي ْن َهُ ْ‬
‫مَرهُ ْ‬ ‫قط ُّعوا أ ْ‬ ‫ن )‪ (52‬فَت َ َ‬ ‫قو ِ‬‫م َفات ّ ُ‬‫حد َة ً وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫َِ ّ ِ ِ ّ ُ ْ‬
‫ن )‪(54‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫حّتى ِ‬ ‫م َ‬ ‫مَرت ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫م ِفي غ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (53‬فذ َْرهُ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫َ‬
‫م فرِ ُ‬ ‫ما ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫ب بِ َ‬‫حْز ٍ‬‫ل ِ‬ ‫كُ ّ‬
‫ل َل‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت بَ ْ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫سارِعُ ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (55‬ن ُ َ‬ ‫ل وَب َِني َ‬ ‫ما ٍ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ ِ‬ ‫مد ّهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ِ‬ ‫ن أن ّ َ‬
‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫أي َ ْ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬

‫ت قََراٍر‬‫ما إ َِلى َرب ْوَةٍ ]َذا ِ‬


‫وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪َ } :‬وآوَي َْناهُ َ‬
‫ن [ )‪ ، { (1‬قال ‪ :‬عيسى ابن مريم وأمه ‪ ،‬حين أويا إلى غوطة دمشق‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫وَ َ‬
‫وما حولها‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن بشر بن رافع ‪ ،‬عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬سمعت أبا هريرة يقول ‪ :‬في قوله )‪ : } : (2‬إ َِلى َرب ْوَةٍ َذا ِ‬
‫ت قََراٍر‬
‫ن { قال ‪ :‬هي الرملة من فلسطين‪.‬‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫وَ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف‬
‫الفْريابي ‪ ،‬حدثنا َرّواد )‪ (3‬بن الجراح ‪ ،‬حدثنا عباد بن عباد الخواص أبو عتبة ‪،‬‬
‫مّرة‬ ‫سحولي ‪ ،‬عن ُ‬ ‫حدثنا السيباني )‪ ، (4‬عن ابن )‪ (5‬وَعَْلة ‪ ،‬عن ك َُرْيب ال ّ‬
‫زي قال ‪ :‬سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لرجل ‪" :‬إنك ميت )‬ ‫الب َهْ ِ‬
‫دا‪.‬‬
‫‪ (6‬بالربوة" فمات بالرملة‪ (7) .‬وهذا حديث غريب ج ّ‬
‫ي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪:‬‬ ‫وأقرب القوال في ذلك ما رواه العَوْفِ ّ‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪ :‬المعين الماء الجاري ‪ ،‬وهو‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫ت قََرارٍ وَ َ‬ ‫ما إ َِلى َرب ْوَةٍ َذا ِ‬ ‫} َوآوَي َْناهُ َ‬
‫سرِّيا { ]مريم ‪.[24 :‬‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫جعَل َرب ّ ِ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫النهر الذي قال الله تعالى ‪ } :‬قد ْ َ‬
‫ن { ‪ :‬هو بيت‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫ت قَرارٍ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫وكذا قال الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ } :‬إ َِلى َرب ْوَةٍ ذا ِ‬
‫َ‬
‫المقدس‪ .‬فهذا والله أعلم هو الظهر ؛ لنه المذكور في الية الخرى‪.‬‬
‫والقرآن يفسر بعضه بعضا‪ .‬وهو أولى ما يفسر به ‪ ،‬ثم الحاديث الصحيحة ‪،‬‬
‫ثم الثار‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م )‪(51‬‬ ‫ن عَِلي ٌ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫حا إ ِّني ب ِ َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ملوا َ‬ ‫ت َواعْ َ‬ ‫ن الطي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ك ُلوا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫} َيا أي َّها الّر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وإن هَذه أ ُمتك ُ ُ‬
‫م ُزب ًُرا‬
‫م ب َي ْن َهُ ْ‬
‫مَرهُ ْ‬ ‫قط ُّعوا أ ْ‬ ‫ن )‪ (52‬فَت َ َ‬ ‫قو ِ‬ ‫م َفات ّ ُ‬ ‫حد َة ً وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ة َوا ِ‬‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫َِ ّ ِ ِ ّ ُ ْ‬
‫ن )‪(54‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫حّتى ِ‬ ‫م َ‬ ‫مَرت ِهِ ْ‬ ‫م ِفي غَ ْ‬ ‫ن )‪ (53‬فَذ َْرهُ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫ما ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫حْز ٍ‬ ‫ل ِ‬‫كُ ّ‬
‫ت َبل ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خي َْرا ِ‬‫م ِفي ال َ‬ ‫سارِعُ لهُ ْ‬ ‫ن )‪ (55‬ن ُ َ‬ ‫ل وَب َِني َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ب ِهِ ِ‬ ‫مد ّهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ِ‬ ‫ن أن ّ َ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬‫أي َ ْ‬
‫ن )‪.{ (56‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫يأمر تعالى عباده المرسلين ‪ ،‬عليهم الصلة والسلم أجمعين ‪ ،‬بالكل من‬
‫عون على‬ ‫الحلل ‪ ،‬والقيام بالصالح من العمال ‪ ،‬فدل هذا على أن الحلل َ‬
‫العمل الصالح ‪ ،‬فقام النبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬بهذا أتم القيام‪ .‬وجمعوا بين‬
‫حا ‪ ،‬فجزاهم الله عن العباد خيًرا‪.‬‬ ‫كل خير ‪ ،‬قول وعمل ودللة ونص ً‬
‫ت { قال ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن الطي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سل كلوا ِ‬ ‫قال الحسن البصري في قوله ‪َ } :‬يا أي َّها الّر ُ‬
‫مُروا بأصفركم ول أحمركم ‪ ،‬ول حلوكم ول حامضكم ‪ ،‬ولكن‬ ‫ُ‬
‫أما والله ما أ ِ‬
‫قال ‪ :‬انتهوا إلى الحلل منه‪.‬‬
‫ت { يعني ‪ :‬الحلل‪.‬‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقال سعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاك ‪ } :‬ك ُُلوا ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬في قول الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬داود"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الشيباني" وهو الصحيح‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبي" وهو الصحيح‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تموت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬فيه عباد بن عباد له مناكير‪.‬‬

‫) ‪(5/477‬‬

‫حِبيل ‪ :‬كان عيسى ابن‬ ‫شَر ْ‬‫سَرة َ بن ُ‬


‫مي ْ َ‬
‫سِبيعي ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫وقال أبو إسحاق ال ّ‬
‫مريم يأكل من غزل أمه‪.‬‬
‫وفي الصحيح ‪" :‬ما من نبي إل رعى الغنم"‪ .‬قالوا ‪ :‬وأنت يا رسول الله ؟ قال‬
‫‪" :‬نعم ‪ ،‬كنت أرعاها على قراريط لهل مكة" )‪.(1‬‬
‫وفي الصحيح ‪ :‬أن داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان يأكل من كسب يده )‪.(2‬‬
‫وفي الصحيحين ‪" :‬إن أحب الصيام إلى الله صيام داود ‪ ،‬وأحب القيام إلى‬
‫سه ‪ ،‬وكان‬ ‫سد َ‬
‫الله قيام داود ‪ ،‬كان )‪ (3‬ينام نصف الليل ‪ ،‬ويقوم ثلثه وينام ُ‬
‫ما ‪ ،‬ول َيفر إذا لقى" )‪.(4‬‬ ‫ما ويفطر يو ً‬
‫يصوم يو ً‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫مَرة بن حبيب ‪ ،‬أن أم عبد الله ‪ ،‬أخت )‪ (5‬شداد‬ ‫ض ْ‬
‫بكر بن أبي مريم ‪ ،‬عن َ‬
‫بن )‪ (6‬أوس بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره وهو‬
‫صائم ‪ ،‬وذلك في أول النهار وشدة الحر ‪ ،‬فرد إليها رسولها ‪ :‬أّنى كانت لك‬
‫الشاة ؟ فقالت ‪ :‬اشتريتها من مالي ‪ ،‬فشرب منه ‪ ،‬فلما كان الغد أتته أم‬
‫ة)‬‫مرثي ً‬ ‫ت إليك بلبن َ‬ ‫عبد الله أخت )‪ (7‬شداد فقالت ‪ :‬يا رسول الله )‪ ، (8‬بعث ُ‬
‫ي الرسول فيه ؟‪ .‬فقال لها ‪:‬‬ ‫‪ (9‬لك من طول النهار وشدة الحر ‪ ،‬فرددت إل ّ‬
‫"بذلك أمرت الرسل ‪ ،‬أل تأكل إل طيبا ‪ ،‬ول تعمل إل صالحا" )‪.(10‬‬
‫وقد ثبت في صحيح مسلم ‪ ،‬وجامع الترمذي ‪ ،‬ومسند المام أحمد ‪ -‬واللفظ‬
‫ضْيل بن مرزوق ‪ ،‬عن عَدِيّ بن ثابت ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن‬ ‫له ‪ -‬من حديث فُ َ‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ب ل يقبل إل طيبا ‪ ،‬وإن الله أمر المؤمنين بما أمر‬ ‫ن الله ط َي ّ ٌ‬‫"يا أيها الناس ‪ ،‬إ ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حا إ ِّني‬‫صال ِ ً‬
‫ملوا َ‬ ‫ت َواعْ َ‬ ‫ن الطي َّبا ِ‬ ‫ل ك ُلوا ِ‬
‫م َ‬ ‫س ُ‬
‫به المرسلين ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬يا أي َّها الّر ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ت َ‬ ‫ن طي َّبا ِ‬ ‫مُنوا ك ُلوا ِ‬
‫م ْ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬
‫م {‪ .‬وقال ‪َ } :‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن عَِلي ٌ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫بِ َ‬
‫َ‬
‫ث أغْب ََر ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شعَ َ‬ ‫م { ]البقرة ‪ .[172 :‬ثم ذكر الرجل يطيل السفر أ ْ‬ ‫َرَزقَْناك ْ‬
‫ذي بالحرام ‪ ،‬يمد يديه‬ ‫ومطعمه حرام ‪ ،‬ومشربه حرام ‪ ،‬وملبسه حرام ‪ ،‬وغُ ّ‬
‫إلى السماء ‪ :‬يا رب ‪ ،‬يا رب ‪ ،‬فأّنى يستجاب لذلك" )‪.(11‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث ُفضيل بن مرزوق‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (2262‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (2073‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (1131‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1159‬من حديث‬
‫عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬بنت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬بنت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بنت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬يا رسول الله صلى الله عليك" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬يا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬مرئته"‪.‬‬
‫)‪ (10‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (4/125‬من طريق المعافي بن عمران‬
‫عن أبي بكر بن أبي مريم به نحوه ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح السناد ولم‬
‫يخرجاه" وتعقبه الذهبي ‪" :‬قلت ‪ :‬وابن أبي مريم واه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬صحيح مسلم برقم )‪ (1015‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2989‬والمسند )‬
‫‪.(6/159‬‬

‫) ‪(5/478‬‬

‫حد َةً { أي )‪ : (1‬دينكم ‪ -‬يا معشر النبياء ‪-‬‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫وقوله ‪ } :‬وإن هَذه أ ُمتك ُ ُ‬
‫مأ ّ‬ ‫َِ ّ ِ ِ ّ ُ ْ‬
‫دين واحد ‪ ،‬وملة واحدة ‪ ،‬وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده ل شريك له ؛‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬وقد تقدم الكلم على ذلك في سورة‬ ‫قو ِ‬ ‫م َفات ّ ُ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬
‫حد َة ً { منصوب على الحال‪.‬‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫ُ‬
‫"النبياء" ‪ ،‬وأن قوله ‪ } :‬أ ّ‬
‫َ‬
‫م ُزب ًُرا { أي ‪ :‬المم الذين ُبعث إليهم النبياء ‪،‬‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫قط ُّعوا أ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَت َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يفرحون بما هم فيه من الضلل ؛ لنهم‬ ‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫َ‬
‫ما لد َي ْهِ ْ‬‫ب بِ َ‬ ‫حْز ٍ‬
‫ل ِ‬ ‫} كُ ّ‬
‫م ِفي‬‫دا ‪ } :‬فَذ َْرهُ ْ‬ ‫يحسبون أنهم مهتدون ؛ ولهذا قال متهدًدا لهم ومتواع ً‬
‫ن { أي ‪ :‬إلى حين حينهم‬ ‫حي ٍ‬ ‫حّتى ِ‬ ‫م { أي ‪ :‬في غيهم وضللهم } َ‬ ‫غَ ْ‬
‫مَرت ِهِ ْ‬
‫َ‬
‫دا { ]الطارق ‪[17 :‬‬ ‫مهِل ْهُ ْ‬
‫م ُروَي ْ ً‬ ‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫مهّ ِ‬ ‫وهلكهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَ َ‬
‫ْ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫ف ي َعْل َ ُ‬
‫سو ْ َ‬ ‫ل فَ َ‬‫م ُ‬‫م ال َ‬ ‫مت ُّعوا وَي ُل ْهِهِ ُ‬‫م ي َأك ُُلوا وَي َت َ َ‬ ‫‪ ،‬وقال تعالى ‪ } :‬ذ َْرهُ ْ‬
‫]الحجر ‪.[3 :‬‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خي َْرا ِ‬ ‫م ِفي ال َ‬ ‫سارِع ُ لهُ ْ‬ ‫ن * نُ َ‬ ‫ل وَب َِني َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ ِ‬ ‫مد ّهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ِ‬ ‫ن أن ّ َ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أي َ ْ‬
‫ن { يعني ‪ :‬أيظن هؤلء المغرورون أن ما نعطيهم من الموال‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫َبل ل ي َ ْ‬
‫والولد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا ؟! كل ليس المر كما يزعمون في‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قولهم ‪ } :‬نح َ‬
‫ن { ]سبأ ‪ ، [35 :‬لقد‬ ‫معَذ ِّبي َ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫وال وَأْولًدا وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أك ْث َُر أ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫جا وإنظاًرا‬ ‫ً‬ ‫استدرا‬ ‫ذلك‬ ‫بهم‬ ‫نفعل‬ ‫إنما‬ ‫بل‬ ‫‪،‬‬ ‫رجاؤهم‬ ‫وخاب‬ ‫ذلك‬ ‫أخطؤوا في‬
‫ك‬‫جب ْ َ‬ ‫ن { ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬فل ت ُعْ ِ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫وإملء ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬بل ل ي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَت َْزهَ َ‬ ‫م ب َِها ِفي ال َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ريد ُ الل ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫م َول أْولد ُهُ ْ‬ ‫وال ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫م‬‫مِلي ل َهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ْ‬ ‫ن { ]التوبة ‪ ، [55 :‬وقال تعالى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ذا‬‫ب ب ِهَ َ‬ ‫ن ي ُك َذ ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما { ]آل عمران ‪ ، [178 :‬وقال تعالى ‪ } :‬فَذ َْرِني وَ َ‬ ‫ل ِي َْزَداُدوا إ ِث ْ ً‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫مِتي ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫َ‬
‫ن كي ْ ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مِلي لهُ ْ‬ ‫ن * وَأ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ث ل ي َعْل ُ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ست َد ْرِ ُ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مال‬ ‫ه َ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫دا * وَ َ‬ ‫حي ً‬ ‫ت وَ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫]القلم ‪ ، [45 ، 44 :‬وقال ‪ } :‬ذ َْرِني وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫َ‬
‫ن أِزيد َ * كل إ ِن ّ ُ‬ ‫مع ُ أ ْ‬ ‫م ي َط َ‬ ‫دا * ث ُ ّ‬ ‫مِهي ً‬ ‫ه تَ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫مهّد ْ ُ‬ ‫شُهوًدا * وَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫دوًدا * وَب َِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م َول أْولد ُك ْ‬ ‫والك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫دا { ]المدثر ‪ [16 - 11 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫لَيات َِنا عَِني ً‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِبال ِّتي ت ُ َ‬
‫ضعْ ِ‬ ‫جَزاُء ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫حا فأولئ ِك لهُ ْ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫مل َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فى ِإل َ‬ ‫عن ْد ََنا ُزل َ‬ ‫م ِ‬ ‫قّرب ُك ْ‬
‫ن { ]سبأ ‪ [37 :‬واليات في هذا كثيرة‪.‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫تآ ِ‬ ‫م ِفي ال ْغُُرَفا ِ‬ ‫مُلوا وَهُ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ع‬ ‫ر‬
‫ُ َ ِ ُ‬ ‫سا‬ ‫ن‬ ‫*‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫بو‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫قتادة‬ ‫(‬ ‫‪2‬‬ ‫)‬ ‫قال‬
‫َ ْ َ ُ َ ّ َ ُ ِ ّ ُ ْ ِ ِ ِ ْ َ ٍ ََِ َ‬
‫مك َِر والله بالقوم في أموالهم‬ ‫ن { قال ‪ُ :‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ت َبل ل ي َ ْ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫وأولدهم ‪ ،‬يا ابن آدم ‪ ،‬فل تعتبر الناس بأموالهم وأولدهم ‪ ،‬ولكن اعتبرهم‬
‫باليمان والعمل الصالح‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد ]بن عُب َْيد ‪ ،‬حدثنا أبان بن إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫الصباح بن محمد ‪ ،‬عن مرة الهمداني ‪ ،‬حدثنا عبد الله[ )‪ (3‬بن مسعود رضي‬
‫سم بينكم‬ ‫الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله قَ َ‬
‫ب ومن ل‬ ‫ح ّ‬ ‫أخلقكم ‪ ،‬كما قسم بينكم أرزاقكم ‪ ،‬وإن الله ُيعطي الدنيا من ي ُ ِ‬
‫دين إل لمن أحب ‪ ،‬فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ‪،‬‬ ‫يحب ‪ ،‬ول يعطي ال ّ‬
‫والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يسلم )‪ (4‬عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ‪ ،‬ول يؤمن‬
‫حتى يأمن جاره بوائقه ‪ -‬قالوا ‪ :‬وما بوائقه يا نبي الله ؟ قال ‪ :‬غشمه وظلمه‬
‫‪-‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬يؤمن"‪.‬‬

‫) ‪(5/479‬‬

‫ن‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫م ب ِآ ََيا ِ‬
‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن )‪َ (57‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قو َ‬
‫شفِ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫خ ْ‬
‫شي َةِ َرب ّهِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫ُ‬
‫شرِكو َ‬ ‫م ل يُ ْ‬‫َ‬ ‫م ب َِرب ّهِ ْ‬‫هُ ْ‬ ‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫)‪َ (58‬وال ِ‬

‫ول يكسب عبد مال من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ‪ ،‬ول يتصدق به فيقبل‬
‫)‪ (1‬منه ‪ ،‬ول يتركه خلف ظهره إل كان زاده إلى النار ‪ ،‬إن الله ل يمحو‬
‫السيئ بالسيئ ‪ ،‬ولكن يمحو السيئ بالحسن ‪ ،‬إن الخبيث ل يمحو الخبيث" )‬
‫‪.(2‬‬
‫م‬
‫ت َرب ّهِ ْ‬
‫م ِبآَيا ِ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ن )‪َ (57‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قو َ‬‫شفِ ُ‬‫م ْ‬‫م ُ‬
‫شي َةِ َرب ّهِ ْ‬‫خ ْ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ن )‪{ (59‬‬ ‫ُ‬
‫شرِكو َ‬ ‫م ل يُ ْ‬‫م ب َِرب ّهِ ْ‬
‫ن هُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪َ (58‬وال ِ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬منه ليتقبل" وفي أ ‪" :‬فيتقبل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(1/387‬‬

‫) ‪(5/480‬‬

‫ن )‪ُ (60‬أول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ َِلى َرب ّهِ ْ‬
‫م َرا ِ‬
‫وال ّذين يؤْتون ما آ َتوا وقُُلوبهم وجل َ ٌ َ‬
‫ة أن ّهُ ْ‬ ‫ُُ ْ َ ِ‬ ‫َ ِ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫م لَها َ‬‫ت وَهُ ْ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬
‫خي َْرا ِ‬ ‫عو َ‬
‫سارِ ُ‬
‫يُ َ‬
‫ن )‪ُ (60‬أول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫جُعو َ‬ ‫م َرا ِ‬ ‫م إ َِلى َرب ّهِ ْ‬
‫} وال ّذين يؤْتون ما آتوا وقُُلوبهم وجل َ ٌ َ‬
‫ة أن ّهُ ْ‬ ‫ُُ ْ َ ِ‬ ‫َ ِ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ‬
‫ن )‪.{ (61‬‬ ‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ت وَ ُ ْ َ َ ِ‬
‫ب‬ ‫سا‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬هم مع )‪(1‬‬ ‫قو َ‬ ‫شفِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫شي َةِ َرب ّهِ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫يقول تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح ‪ ،‬مشفقون من الله خائفون منه ‪ ،‬وجلون‬
‫من مكره بهم ‪ ،‬كما قال الحسن البصري ‪ :‬إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة ‪،‬‬
‫وإن المنافق جمع إساءة وأمًنا‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يؤمنون بآياته الكونية والشرعية ‪،‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِبآَيا ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫ت َرب َّها‬‫ما ِ‬ ‫ت ب ِك َل ِ َ‬ ‫صد ّقَ ْ‬ ‫كقوله تعالى إخباًرا عن مريم ‪ ،‬عليها السلم ‪ } :‬وَ َ‬
‫وَك ُت ُب ِهِ { ]التحريم ‪ ، [12 :‬أي ‪ :‬أيقنت أن ما كان فإنما هو عن قدر الله‬
‫وقضائه ‪ ،‬وما شرعه الله فهو إن كان أمًرا فمما يحبه ويرضاه ‪ ،‬وإن كان نهًيا‬
‫)‪ (2‬فهو مما يكرهه ويأباه ‪ ،‬وإن كان خيًرا فهو حق ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪:‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يعبدون معه غيره ‪ ،‬بل يوحدونه‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫م ب َِرب ّهِ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫دا ‪ ،‬وأنه ل نظير‬ ‫دا ‪ ،‬لم يتخذ صاحبة ول ول ً‬ ‫دا صم ً‬ ‫ويعلمون أنه ل إله إل الله أح ً‬
‫له ول كفء له‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م َرا ِ‬ ‫م إ َِلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ة أن ّهُ ْ‬ ‫جل َ ٌ‬‫م وَ ِ‬ ‫وا وَقُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ما آت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي ُؤُْتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫يعطون العطاء )‪ (3‬وهم خائفون )‪ (4‬أل يتقبل منهم ‪ ،‬لخوفهم )‪ (5‬أن يكونوا‬
‫قد قصروا في القيام بشروط العطاء‪ .‬وهذا من باب الشفاق والحتياط ‪،‬‬
‫كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫ول ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن سعيد بن‬ ‫مغْ َ‬ ‫حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا مالك بن ِ‬
‫وا‬‫ما آت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي ُؤُْتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وهب ‪ ،‬عن عائشة ؛ أنها قالت ‪ :‬يا رسول الله ‪َ } ،‬وال ِ‬
‫ة { ‪ ،‬هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر ‪ ،‬وهو يخاف الله عز‬ ‫جل َ ٌ‬‫م وَ ِ‬ ‫وَقُُلوب ُهُ ْ‬
‫وجل ؟ قال ‪" :‬ل يا بنت أبي بكر ‪ ،‬يا بنت الصديق ‪ ،‬ولكنه الذي يصلي ويصوم‬
‫ويتصدق ‪ ،‬وهو يخاف الله عز وجل"‪.‬‬
‫ول ‪ ،‬به بنحوه )‬ ‫مغْ َ‬ ‫وهكذا رواه الترمذي وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث مالك بن ِ‬
‫‪ .(6‬وقال ‪" :‬ل يا بنت الصديق ‪ ،‬ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ‪،‬‬
‫ت { قال‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ك يُ َ‬ ‫وهم يخافون أل يقبل منهم ‪ُ } ،‬أول َئ ِ َ‬
‫الترمذي ‪ :‬وُروي هذا الحديث من حديث عبد الرحمن بن سعيد ‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬في" وفي أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬منهيا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬العطاء فيه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬خائفون وجلون"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬تخوفهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (6/159‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3175‬‬

‫) ‪(5/480‬‬

‫ن )‪ (62‬ب َ ْ‬
‫ل‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫حقّ وَهُ ْ‬ ‫ب ي َن ْط ِقُ ِبال ْ َ‬ ‫سعََها وَل َد َي َْنا ك َِتا ٌ‬ ‫سا إ ِّل وُ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫ف نَ ْ‬ ‫وََل ن ُك َل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م ل ََها َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن َ ُدو ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ٌ‬‫م أعْ َ‬ ‫ذا وَل َهُ ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬‫مَرةٍ ِ‬ ‫م ِفي غَ ْ‬ ‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مّنا‬‫م ِ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬
‫جأُروا الي َوْ َ‬ ‫ن )‪ (64‬ل ت َ ْ‬ ‫جأُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬‫ب إ َِذا هُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ِبالعَ َ‬ ‫خذ َْنا ُ‬
‫مت َْرِفيهِ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا أ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫صو َ‬ ‫م ت َن ْك ِ ُ‬ ‫قاب ِك ُ ْ‬‫م عَلى أع ْ َ‬ ‫م فَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ت آَياِتي ت ُت ْلى عَلي ْك ُ ْ‬ ‫كان َ ْ‬‫ن )‪ (65‬قَد ْ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫َل ت ُن ْ َ‬
‫ن )‪(67‬‬ ‫جُرو َ‬ ‫مًرا ت َهْ ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن ب ِهِ َ‬‫ري َ‬‫ست َك ْب ِ ِ‬‫م ْ‬‫‪ُ (66‬‬

‫أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا )‪.(1‬‬
‫وهكذا قال ابن عباس ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬والحسن البصري في‬
‫تفسير هذه الية‪.‬‬
‫وقد قرأ آخرون هذه الية ‪" :‬والذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة" أي ‪:‬‬
‫عا إلى النبي صلى الله‬ ‫يفعلون ما يفعلون وهم خائفون ‪ ،‬وروي هذا مرفو ً‬
‫عليه وسلم أنه قرأ كذلك‪.‬‬
‫رية ‪ ،‬حدثنا إسماعيل‬ ‫جوَي ْ ِ‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا صخر بن ُ‬
‫مْير على )‬ ‫مح ‪ :‬أنه دخل مع عَُبيد بن عُ َ‬ ‫ج َ‬ ‫المكي ‪ ،‬حدثني أبو خلف مولى بني ُ‬
‫‪ (2‬عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬مرحًبا بأبي عاصم ‪ ،‬ما يمنعك أن‬
‫مّلك‪ .‬فقالت ‪ :‬ما كنت لتفعل ؟‬ ‫م بنا ؟ ‪ -‬فقال ‪ :‬أخشى أن أ ُ‬ ‫تزورنا ‪ -‬أو ‪ :‬ت ُل ِ ّ‬
‫قال ‪ :‬جئت لسأل )‪ (3‬عن آية في كتاب الله عز وجل ‪ ،‬كيف كان رسول الله‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وا‬
‫ما أت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي َأُتو َ‬ ‫ذي َ‬‫صلى الله عليه وسلم يقرؤها ؟ قالت ‪ :‬أّية آية ؟ فقال ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫وا { ؟ فقالت ‪ :‬أيتهما )‪ (4‬أحب إليك ؟ فقلت ‪:‬‬ ‫ما آت َ ْ‬ ‫ن َ‬‫ن ي ُؤُْتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫{ أو } ال ّ ِ‬
‫والذي نفسي بيده ‪ ،‬لحداهما أحب إلي من الدنيا جميًعا )‪ - (5‬أو ‪ :‬الدنيا وما‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وا { فقالت ‪ :‬أشهد أن‬ ‫ما أت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي َأُتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فيها ‪ -‬قالت ‪ :‬وما هي ؟ فقلت ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يقرؤها ‪ ،‬وكذلك أنزلت ‪ ،‬ولكن‬
‫الهجاء حرف )‪.(6‬‬
‫إسماعيل بن مسلم المكي ‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫والمعنى على القراءة الولى ‪ -‬وهي قراءة الجمهور ‪ :‬السبعة وغيرهم ‪ -‬أظهر‬
‫ن { ‪ ،‬فجعلهم‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫م ل ََها َ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ك يُ َ‬ ‫؛ لنه قال ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫من السابقين‪ .‬ولو كان المعنى على القراءة الخرى لوشك أل يكونوا من‬
‫السابقين ‪ ،‬بل من المقتصدين أو المقصرين ‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫ن )‪(62‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل ُ‬
‫َ‬ ‫حقّ وَهُ ْ‬ ‫ب ي َن ْط ِقُ ِبال ْ َ‬ ‫سعََها وَل َد َي َْنا ك َِتا ٌ‬ ‫سا ِإل وُ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫ف نَ ْ‬‫} َول ن ُك َل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م ل ََها َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ما ٌ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ذا وَل َهُ ْ‬‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرةٍ ِ‬ ‫م ِفي غَ ْ‬ ‫ل قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫بَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مّنا‬‫م ِ‬ ‫م إ ِن ّك ْ‬ ‫جأُروا الي َوْ َ‬ ‫ن )‪ (64‬ل ت َ ْ‬ ‫جأُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ب إ َِذا هُ ْ‬ ‫م ِبالعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫مت َْرِفيهِ ْ‬ ‫خذ َْنا ُ‬ ‫حّتى إ َِذا أ َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صو َ‬ ‫م ت َن ْك ِ ُ‬ ‫قاب ِك ْ‬ ‫م عَلى أع ْ َ‬ ‫م فكن ْت ُ ْ‬ ‫ت آَياِتي ت ُت ْلى عَلي ْك ْ‬ ‫ن )‪ (65‬قد ْ كان َ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ل ت ُن ْ َ‬
‫ن )‪.{ (67‬‬ ‫‪َ ُ ُ ْ َ ً ِ َ ِ ِ َ ِ ِ َ ْ ُ (66‬‬
‫رو‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫را‬ ‫م‬ ‫سا‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا ‪ :‬أنه ل يكلف‬
‫سا إل وسعها ‪ ،‬أي ‪ :‬إل ما تطيق حمله والقيام به ‪ ،‬وأنه يوم القيامة‬ ‫نف ً‬
‫يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور ل يضيع منه شيء ؛‬
‫مل‬ ‫حقّ { يعني ‪ :‬كتاب العمال ‪ } ،‬وَهُ ْ‬ ‫ب ي َن ْط ِقُ ِبال ْ َ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬وَل َد َي َْنا ك َِتا ٌ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يبخسون من الخير شيئا ‪ ،‬وأما السيئات فيعفو ويصفح عن‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُظ ْل َ ُ‬
‫كثير منها لعباده المؤمنين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي برقم )‪.(3175‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬لسألك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أيتها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬جميعها"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(6/95‬‬

‫) ‪(5/481‬‬

‫مَرةٍ {‬ ‫م ِفي غَ ْ‬ ‫ل قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ثم قال منكًرا على الكفار والمشركين من قريش ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫ذا { أي ‪ :‬القرآن الذي أنزله ]الله تعالى[ )‪ (1‬على‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫أي ‪ :‬غفلة وضللة } ِ‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما ٌ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ول َه َ‬
‫ن { ‪ :‬قال الحكم )‪ (2‬بن‬ ‫ملو َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م لَها َ‬ ‫ن ذ َل ِك هُ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫مال { أي ‪ :‬سيئة من دون‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أعْ َ‬ ‫أبان ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَلهُ ْ‬
‫ن { قال ‪ :‬ل بد أن يعملوها‪ .‬كذا روي‬ ‫مُلو َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م ل ََها َ‬ ‫ذلك ‪ ،‬يعني ‪ :‬الشرك ‪ } ،‬هُ ْ‬
‫عن مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ } :‬ول َه َ‬
‫ن { أي ‪ :‬قد كتب‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ل ََها َ‬
‫عا ِ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ما ٌ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫عليهم أعمال سيئة ل بد أن يعملوها قبل موتهم ل محالة ‪ ،‬لتحق عليهم كلمة‬
‫سد ّيّ ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد‬ ‫العذاب‪ .‬وُرِوي َنحو هذا عن مقاتل بن حّيان وال ّ‬
‫بن أسلم‪ .‬وهو ظاهر قوي حسن‪ .‬وقد قدمنا في حديث ابن مسعود ‪:‬‬
‫"فوالذي ل إله غيره ‪ ،‬إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه‬
‫وبينها إل ذراع ‪ ،‬فيسبق عليه الكتاب ‪ ،‬فيعمل بعمل أهل النار ‪ ،‬فيدخلها"‪.‬‬
‫ذاب إَذا هم ي َ‬
‫ن { يعني ‪ :‬حتى إذا‬ ‫جأُرو َ‬ ‫م ِبال ْعَ َ ِ ِ ُ ْ َ ْ‬ ‫مت َْرِفيهِ ْ‬ ‫خذ َْنا ُ‬ ‫حّتى إ َِذا أ َ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫ب الله وبأسه ونقمته‬ ‫جاء مترفيهم ‪ -‬وهم السعداء المنعمون في الدنيا ‪ -‬عذا ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬يصرخون ويستغيثون ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫بهم } إَذا هم ي َ‬
‫جأُرو َ‬ ‫ِ ُ ْ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ما‪.‬‬ ‫حي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ن لد َي َْنا أن ْكال وَ َ‬ ‫م قِليل‪ .‬إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫مهّلهُ ْ‬ ‫مةِ وَ َ‬ ‫ن أوِلي الن ّعْ َ‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫} وَذ َْرِني َوال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ما { ]المزمل ‪ ، [13 - 11 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ك َ ْ‬
‫م‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫صةٍ وَعَ َ‬ ‫ما َذا غُ ّ‬ ‫وَط ََعا ً‬
‫َ‬
‫ص { ]ص ‪.[3 :‬‬ ‫مَنا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫حي َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن فََناد َْوا َول َ‬ ‫ن قَْر ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫أهْل َك َْنا ِ‬
‫م‬
‫وقوله ‪ } :‬ل ت َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل نجيركم )‪ (3‬مما حل‬ ‫صُرو َ‬ ‫مّنا ل ت ُن ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫جأُروا ال ْي َوْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫بكم ‪ ،‬سواء جأرتم أو سكّتم ‪ ،‬ل محيد ول مناص ول وََزَر لزم المر ووجب‬
‫العذاب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قاب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م عَلى أع ْ َ‬ ‫م فَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ت آَياِتي ت ُت ْلى عَلي ْك ُ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ثم ذكر أكبر ذنوبهم فقال ‪ } :‬قَد ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه إ َِذا‬‫م ب ِأن ّ ُ‬ ‫ن { أي ‪ :‬إذا دعيتم أبيتم ‪ ،‬وإن )‪ (4‬طلبتم امتنعتم ؛ } ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ت َن ْك ِ ُ‬
‫ي الك َِبيرِ {‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م ل ِلهِ العَل ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا َفال ُ‬ ‫ك ب ِهِ ت ُؤْ ِ‬ ‫شَر ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫حد َه ُ ك َ َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ع َ‬ ‫دُ ِ‬
‫]غافر ‪.[12 :‬‬
‫ن { ‪ :‬في تفسيره قولن ‪ ،‬أحدهما ‪:‬‬ ‫جُرو َ‬ ‫مًرا ت َهْ ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن ب ِهِ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ْ‬
‫ست َكب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ُ } :‬‬
‫أن مستكبرين حال منهم حين نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه ‪ ،‬استكباًرا عليه‬
‫واحتقاًرا له ولهله ‪ ،‬فعلى هذا الضمير في } ب ِهِ { فيه ثلثة أقوال ‪:‬‬
‫جر )‪ (6‬من‬ ‫أحدهما )‪ : (5‬أنه الحرم بمكة ‪ ،‬ذموا لنهم كانوا يسمرون بالهُ ْ‬
‫الكلم‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أنه )‪ (7‬ضمير القرآن ‪ ،‬كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من‬
‫الكلم ‪" :‬إنه سحر ‪ ،‬إنه شعر ‪ ،‬إنه كهانة" إلى غير ذلك من القوال الباطلة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الحكيم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يجيركم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وإذا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أحدها"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬الهجر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬هو"‪.‬‬

‫) ‪(5/482‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫جاَءهُم ما ل َم ي َأ ْ ِ َ‬ ‫قو َ َ‬ ‫َ‬


‫م ي َعْرُِفوا‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ن )‪ (68‬أ ْ‬ ‫م اْلوِّلي َ‬ ‫ت آَباَءهُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫م ي َد ّب ُّروا ال ْ َ ْ‬ ‫أفَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حقّ وَأك ْث َُرهُ ْ‬
‫م‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ل َ‬‫ة بَ ْ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ن ب ِهِ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن )‪ (69‬أ ْ‬ ‫من ْك ُِرو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫سول َهُ ْ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ض وَ َ‬ ‫والْر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ت ال ّ‬ ‫سد َ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫مل َ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫حقّ أهْ َ‬ ‫ن )‪ (70‬وَلوِ ات ّب َعَ ال َ‬ ‫هو َ‬ ‫َ‬
‫حقّ كارِ ُ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جا‬‫خْر ً‬ ‫م َ‬ ‫سأل ُهُ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن )‪ (71‬أ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ذِك ْرِهِ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬‫م ب ِذِك ْرِهِ ْ‬ ‫ل أت َي َْناهُ ْ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫ِفيهِ ّ‬
‫م‬ ‫قي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ط‬ ‫را‬ ‫ص‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫عو‬
‫َ ْ ُ ُ ْ ِ‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪72‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ز‬ ‫را‬ ‫ال‬
‫َ ٌْ َ ُ َ َ ُْ ّ ِ ِ َ‬‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫خ َ ُ َ ّ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫را‬ ‫فَ َ‬
‫ِ َ ٍ ُ ْ َِ ٍ‬ ‫َ ِّ‬
‫ن )‪(74‬‬ ‫ط ل ََناك ُِبو َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن ِباْل ِ‬ ‫ن َل ي ُؤْ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫خَرةِ عَ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)‪ (73‬وَإ ِ ّ‬

‫والثالث ‪ :‬أنه محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كانوا يذكرونه في سمرهم‬
‫بالقوال الفاسدة ‪ ،‬ويضربون له المثال الباطلة ‪ ،‬من أنه شاعر ‪ ،‬أو كاهن ‪،‬‬
‫أو ساحر ‪ ،‬أو كذاب ‪ ،‬أو مجنون‪ .‬وكل ذلك باطل ‪ ،‬بل هو عبد الله ورسوله ‪،‬‬
‫الذي أظهره الله عليهم ‪ ،‬وأخرجهم من )‪ (1‬الحرم صاغرين أذلء‪.‬‬
‫ن ب ِهِ { أي ‪ :‬بالبيت ‪ ،‬يفتخرون به ويعتقدون‬ ‫ري َ‬ ‫ست َك ْب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله ‪ُ } :‬‬
‫أنهم )‪ (2‬أولياؤه ‪ ،‬وليسوا )‪ (3‬بهم ‪ ،‬كما قال النسائي في التفسير )‪ (4‬من‬
‫سننه ‪:‬‬
‫أخبرنا أحمد بن سليمان ‪ ،‬أخبرنا عبيد الله ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن عبد العلى ‪،‬‬
‫أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬إنما كره السمر حين‬
‫ن { ‪ ،‬فقال ‪ :‬مستكبرين‬ ‫جُرو َ‬ ‫مًرا ت َهْ ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن ب ِهِ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ست َك ْب ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫نزلت هذه الية ‪ُ } :‬‬
‫مًرا { قال ‪ :‬يتكبرون ]ويسمرون فيه ‪،‬‬ ‫سا ِ‬ ‫بالبيت ‪ ،‬يقولون ‪ :‬نحن أهله ‪َ } ،‬‬
‫ول[ )‪ (5‬يعمرونه ‪ ،‬ويهجرونه )‪.(6‬‬
‫وقد أطنب ابن أبي حاتم هاهنا بما ذا )‪ (7‬حاصله‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قو َ َ‬ ‫َ‬
‫م ي َعْرُِفوا‬ ‫مل ْ‬ ‫ن )‪ (68‬أ ْ‬ ‫م الوِّلي َ‬ ‫ت آَباَءهُ ُ‬ ‫م ي َأ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫م ي َد ّب ُّروا ال ْ َ ْ‬ ‫} أفَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫حقّ وَأك ْث َُرهُ ْ‬ ‫م ِبال ْ َ‬‫جاَءهُ ْ‬ ‫ل َ‬‫ة بَ ْ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ن ب ِهِ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن )‪ (69‬أ ْ‬ ‫من ْك ُِرو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫سول َهُ ْ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت ََوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬
‫ت ال ّ‬ ‫سد َ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫مل َ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫حقّ أهْ َ‬ ‫ن )‪ (70‬وَلوِ ات ّب َعَ ال َ‬ ‫هو َ‬ ‫َ‬
‫حقّ كارِ ُ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جا‬‫خْر ً‬ ‫م َ‬ ‫سأل ُهُ ْ‬ ‫م تَ ْ‬‫ن )‪ (71‬أ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ذِك ْرِهِ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫م ب ِذِك ْرِهِ ْ‬ ‫ل أت َي َْناهُ ْ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫ِفيهِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫قيم ٍ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫م إ ِلى ِ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ن )‪ (72‬وَإ ِن ّك لت َد ْ ُ‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬ ‫خي ٌْر وَهُوَ َ‬ ‫ج َرب ّك َ‬ ‫خَرا ُ‬
‫ن )‪{ (74‬‬ ‫ط ل ََناك ُِبو َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫خَرةِ عَ ِ‬ ‫ن ِبال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫)‪ (73‬وَإ ِ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وتعتقدون أنكم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬وليسم" وفي أ ‪" :‬ولستم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تفسيره"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن النسائي الكبرى برقم )‪.(11351‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬هذا"‪.‬‬

‫) ‪(5/483‬‬

‫ن )‪(75‬‬
‫مُهو َ‬ ‫جوا ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬
‫م ي َعْ َ‬ ‫ضّر ل َل َ ّ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ما ب ِهِ ْ‬
‫فَنا َ‬ ‫م وَك َ َ‬
‫ش ْ‬ ‫مَناهُ ْ‬ ‫وَل َوْ َر ِ‬
‫ح ْ‬

‫ن )‪.{ (75‬‬ ‫مُهو َ‬ ‫جوا ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬


‫م ي َعْ َ‬ ‫ضّر ل َل َ ّ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ب ِهِ ْ‬
‫فَنا َ‬ ‫ش ْ‬‫م وَك َ َ‬ ‫مَناهُ ْ‬ ‫} وَل َوْ َر ِ‬
‫ح ْ‬
‫يقول تعالى منكًرا على المشركين في عدم تفهمهم للقرآن العظيم ‪،‬‬
‫وتدبرهم له وإعراضهم عنه ‪ ،‬مع أنهم قد خصوا بهذا الكتاب الذي لم ينزل‬
‫الله على رسول أكمل منه ول أشرف ‪ ،‬ل سيما وآباؤهم الذين ماتوا في‬
‫الجاهلية ‪ ،‬حيث لم يبلغهم كتاب ول أتاهم نذير ‪ ،‬فكان اللئق بهؤلء أن يقابلوا‬
‫النعمة التي أسداها الله إليهم بقبولها ‪ ،‬والقيام بشكرها وتفهمها ‪ ،‬والعمل‬
‫بمقتضاها آناء الليل وأطراف النهار ‪ ،‬كما فعله النجباء منهم ممن أسلم واتبع‬
‫الرسول ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬ورضي عنهم‪.‬‬
‫م ي َد ّب ُّروا ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل { إًذا والله يجدون )‪ (1‬في القرآن زاجًرا‬ ‫قو ْ َ‬ ‫وقال قتادة ‪ } :‬أفَل َ ْ‬
‫عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه ‪ ،‬ولكنهم أخذوا بما تشابه ‪ ،‬فهلكوا‬
‫عند ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تجدون"‪.‬‬

‫) ‪(5/483‬‬

‫َ‬
‫م لَ ُ‬
‫ه‬ ‫سول َهُ ْ‬
‫م فَهُ ْ‬ ‫م ي َعْرُِفوا َر ُ‬ ‫م لَ ْ‬
‫ثم قال منكرا على الكافرين من قريش ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫دا وصدقه وأمانته وصيانته التي نشأ‬ ‫م )‪ (1‬ل يعرفون محم ً‬ ‫ن { أي ‪ :‬أفَهُ ْ‬ ‫من ْك ُِرو َ‬
‫ُ‬
‫بها فيهم ‪ ،‬أفيقدرون )‪ (2‬على إنكار ذلك والمباهتة فيه ؟ ولهذا قال جعفر بن‬
‫أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬للنجاشي ملك الحبشة ‪ :‬أيها الملك ‪ ،‬إن الله‬
‫بعث إلينا رسول نعرف نسبه وصدقه وأمانته‪ .‬وهكذا قال المغيرة بن شعبة‬
‫لنائب كسرى حين بارزهم وكذلك قال أبو سفيان صخر بن حرب لملك الروم‬
‫هرقل ‪ ،‬حين سأله وأصحابه عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه‬
‫وصدقه وأمانته ‪ ،‬وكانوا بعد كفاًرا لم يسلموا ‪ ،‬ومع هذا ما أمكنهم إل الصدق‬
‫فاعترفوا بذلك‪.‬‬
‫ة { يحكي قول المشركين عن النبي صلى الله‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ب ِهِ ِ‬‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫ول )‪ (3‬القرآن ‪ ،‬أي ‪ :‬افتراه من عنده ‪ ،‬أو أن به جنونا ل‬ ‫عليه وسلم أنه تق ّ‬
‫يدري ما يقول‪ .‬وأخبر عنهم أن قلوبهم ل تؤمن به ‪ ،‬وهم يعلمون بطلن ما‬
‫يقولونه في القرآن ‪ ،‬فإنه قد أتاهم من كلم الله ما ل ُيطاق ول ُيدافع ‪ ،‬وقد‬
‫تحداهم وجميع أهل الرض أن يأتوا بمثله ‪ ،‬فما استطاعوا ول يستطيعون أبد‬
‫َ‬
‫ن { يحتمل أن‬ ‫هو َ‬ ‫كارِ ُ‬ ‫م ل ِل ْ َ‬
‫حق ّ َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫حقّ وَأك ْث َُرهُ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬
‫ل َ‬ ‫البدين ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫تكون هذه جملة حالية ‪ ،‬أي ‪ :‬في حال كراهة )‪ (4‬أكثرهم للحق ‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫تكون خبرية مستأنفة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ُ :‬ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لقي رجل فقال له ‪:‬‬
‫"أسلم" فقال الرجل ‪ :‬إنك لتدعوني إلى أمر أنا له كاره‪ .‬فقال نبي الله صلى‬
‫كر لنا أنه لقي رجل فقال له ‪" :‬أسلم"‬ ‫الله عليه وسلم ‪" :‬وإن كنت كارها"‪ .‬وذ ُ ِ‬
‫ت في طريق‬ ‫صّعده )‪ (5‬ذلك وكبر عليه ‪ ،‬فقال له نبي الله ‪" :‬أرأيت لو كن َ‬ ‫فَت َ َ‬
‫عث ‪ ،‬فلقيت رجل تعرف وجهه ‪ ،‬وتعرف نسبه ‪ ،‬فدعاك إلى طريق‬ ‫عر وَ ْ‬ ‫وَ ْ‬
‫واسع سهل ‪ ،‬أكنت متبعه )‪ (6‬؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقال ‪" :‬فوالذي )‪ (7‬نفس‬
‫محمد بيده ‪ ،‬إنك لفي أوعر من ذلك الطريق لو قد كنت عليه ‪ ،‬وإني لدعوك‬
‫إلى أسهل من ذلك لو دعيت إليه"‪ .‬وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه‬
‫ده ذلك ‪ ،‬فقال له نبي الله صلى‬ ‫صعّ َ‬ ‫وسلم لقي رجل فقال له ‪" :‬أسلم" فَت َ َ‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬أرأيت فتييك ‪ ،‬أحدهما إذا حدثك صدقك ‪ ،‬وإذا )‪ (8‬ائتمنته‬
‫أدى إليك أهو أحب إليك ‪ ،‬أم فتاك الذي إذا حدثك كذبك وإذا )‪ (9‬ائتمنته‬
‫خانك ؟"‪ .‬قال ‪ :‬بل فتاي الذي إذا حدثني صدقني ‪ ،‬وإذا ائتمنته أدى إلي‪.‬‬
‫فقال النبي )‪ (10‬صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كذاكم أنتم عند ربكم"‪.‬‬
‫م لَ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ض )‪ (11‬وَ َ‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫سد َ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫حقّ أهْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َوِ ات ّب َعَ ال ْ َ‬
‫ن { قال مجاهد ‪ ،‬وأبو صالح والسدي ‪ :‬الحق هو الله عز وجل ‪ ،‬والمراد ‪:‬‬ ‫ِفيهِ ّ‬
‫لو أجابهم الله إلى ما في أنفسهم من الهوى ‪ ،‬وشرع المور على وفق ذلك‬
‫ن { أي ‪ :‬لفساد أهوائهم‬ ‫ن ِفيهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ض )‪ (12‬وَ َ‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬
‫ت ال ّ‬ ‫سد َ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫} لَ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ل ِ‬‫ج ٍ‬ ‫ن عََلى َر ُ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫قْرآ ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ول نز َ‬ ‫واختلفها ‪ ،‬كما أخبر عنهم في قولهم ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫ك { ]الزخرف ‪، 31 :‬‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫مو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م يَ ْ‬‫ظيم ٍ { ثم قال ‪ } :‬أهُ ْ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫قْري َت َي ْ ِ‬
‫َ‬
‫سك ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫مةِ َرّبي إ ًِذا ل ْ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫خَزائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ل ل َوْ أن ْت ُ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫‪ [32‬وقال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫م ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن قَُتوًرا { ]السراء ‪ [100 :‬وقال ‪ } :‬أ ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ق وَ َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ة الن ْ َ‬ ‫شي َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬
‫قيًرا { ]النساء ‪، [53 :‬‬ ‫س نَ ِ‬‫ن الّنا َ‬ ‫ك فَإ ًِذا ل ي ُؤُْتو َ‬ ‫مل ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫صي ٌ‬ ‫نَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬هم" وفي أ ‪" :‬أهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أفتقدرون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬كراهته"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فصعد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬تتبعه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬والذي"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬نبي الله"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ف ‪" :‬الرض والسموات"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ف ‪" :‬الرض والسموات"‪.‬‬

‫) ‪(5/484‬‬

‫ففي هذا كله تبيين عجز العباد واختلف آرائهم وأهوائهم ‪ ،‬وأنه تعالى هو‬
‫الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله ‪ ،‬وشرعه وقدره ‪ ،‬وتدبيره لخلقه )‬
‫‪ (1‬تعالى وتقدس ‪ ،‬فل إله غيره ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ب ْ َ‬
‫م‬
‫ن ذِكرِهِ ْ‬
‫م عَ ْ‬ ‫م ب ِذِك ْرِهِ ْ‬
‫م { يعني ‪ :‬القرآن ‪ } ،‬فَهُ ْ‬ ‫ل أت َي َْناهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن {‪.‬‬‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬
‫ُ‬
‫جا { ‪ :‬قال الحسن ‪ :‬أجرا‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬جعل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خْر ً‬ ‫م َ‬ ‫سألهُ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫خي ٌْر { أي أنت ل تسألهم أجرة ول جعل ول شيئا على دعوتك‬ ‫َ‬
‫ج َرب ّك َ‬ ‫} فَ َ‬
‫خَرا ُ‬
‫إياهم إلى الهدى ‪ ،‬بل أنت في ذلك تحتسب عند الله جزيل ثوابه ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫جرِيَ ِإل عََلى الل ّهِ { ]سبأ ‪، [47 :‬‬ ‫ل ما سأ َل ْتك ُم من أ َجر فَهو ل َك ُم إ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫} قُ ْ َ َ ُ ْ ِ َ ْ ْ ٍ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]ص ‪، [86 :‬‬ ‫مت َك َل ّ ِ‬
‫في َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬
‫ما أَنا ِ‬ ‫جرٍ وَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ِ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وقال ‪ } :‬قُ ْ‬
‫موَد ّة َ ِفي ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قْرَبى { ]الشورى ‪، [23 :‬‬ ‫جًرا ِإل ال ْ َ‬ ‫م عَل َي ْهِ أ ْ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫للأ ْ‬ ‫وقال ‪ } :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ل َيا قَوْم ِ ات ّب ُِعوا‬ ‫سَعى َقا َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫دين َةِ َر ُ‬ ‫م ِ‬‫صى ال ْ َ‬ ‫ن أ َقْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جاَء ِ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن { ]يس ‪.[21 ، 20 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫جًرا وَهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ات ّب ُِعوا َ‬ ‫سِلي َ‬
‫مْر َ‬‫ال ْ ُ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬‫ن ِبال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م‪ .‬وَإ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِن ّ َ‬
‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫م إ ِلى ِ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ك لت َد ْ ُ‬
‫ن { قال المام أحمد ‪:‬‬ ‫ط ل ََناك ُِبو َ‬ ‫صَرا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫عَ ِ‬
‫عان ‪،‬‬ ‫جد ْ َ‬ ‫حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد بن ُ‬
‫مْهران ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫عن يوسف بن ِ‬
‫أتاه ‪ -‬فيما يرى النائم ‪ -‬ملكان ‪ ،‬فقعد أحدهما عند رجليه ‪ ،‬والخر عند رأسه ‪،‬‬
‫مَثل هذا ومثل أمته‪ .‬فقال ‪:‬‬ ‫فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه ‪ :‬اضرب َ‬
‫فازة ‪ ،‬فلم يكن معهم‬ ‫م َ‬‫فر انتهوا إلى رأس َ‬ ‫س ْ‬‫مث ََله ومثل أمته ‪ ،‬كمثل قوم ُ‬ ‫إن َ‬
‫من الزاد ما يقطعون به المفازة ول ما يرجعون به ‪ ،‬فبينا )‪ (2‬هم كذلك إذ‬
‫أتاهم رجل في حلة حبرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة ‪،‬‬
‫وحياضا رواء تتبعوني ؟ فقالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق ‪ ،‬فأوردهم رياضا معشبة‬
‫وحياضا رواء ‪ ،‬فأكلوا وشربوا وسمنوا فقال لهم ‪ :‬ألم ألفكم على تلك‬
‫الحال ‪ ،‬فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أن تتبعوني ؟‬
‫قالوا )‪ : (3‬بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن بين أيديكم رياضا أعشب من هذه ‪ ،‬وحياضا هي‬
‫أروى من هذه ‪ ،‬فاتبعوني‪ .‬قال ‪ :‬فقالت طائفة ‪ :‬صدق والله ‪ ،‬لنتبعه‪ .‬وقالت‬
‫طائفة ‪ :‬قد رضينا بهذا نقيم عليه )‪.(4‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا زهير ‪ ،‬حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا‬
‫يعقوب بن عبد الله الشعري ‪ ،‬حدثنا حفص بن حميد ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫م عن النار ‪ ،‬هلم عن النار ‪،‬‬ ‫الله عليه وسلم ‪" :‬إني ممسك بحجزكم ‪ :‬هَل ُ ّ‬
‫حم الفراش والجنادب ‪ ،‬فأوشك أن أرسل‬ ‫قا ُ‬ ‫وتغلبوني وتقاحمون فيها ت َ َ‬
‫حجزكم وأنا فََرطكم على الحوض ‪ ،‬فتردون علي معا وأشتاتا ‪ ،‬أعرفكم‬
‫هب‬ ‫بسيماكم وأسمائكم ‪ ،‬كما يعرف الرجل الغريب من البل في إبله ‪ ،‬في ُذ ْ َ‬
‫بكم ذات اليمين وذات الشمال ‪ ،‬فأناشد فيكم رب العالمين ‪ :‬أي رب ‪ ،‬قومي‬
‫‪ ،‬أي رب أمتي‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬بخلقه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فبينما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فقالوا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(1/267‬‬

‫) ‪(5/485‬‬

‫فيقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬إنك ل تدري ما أحدثوا بعدك ‪ ،‬إنهم كانوا يمشون بعدك‬
‫القهقرى على أعقابهم ‪ ،‬فلعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها‬
‫ثغاء ‪ ،‬ينادي ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا محمد‪ .‬فأقول ‪ :‬ل أملك لك شيئا‪ .‬قد بلغت ‪،‬‬
‫ولعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا له ُر َ‬
‫غاء ‪ ،‬ينادي ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا‬
‫محمد‪ .‬فأقول ‪ :‬ل أملك )‪ (1‬شيئا ‪ ،‬قد بلغت ‪ ،‬ولعرفن أحدكم يأتي يوم‬
‫القيامة يحمل فرسا لها حمحمة ‪ ،‬فينادي ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا محمد ‪ ،‬فأقول ‪ :‬ل‬
‫أملك لك شيئا ‪ ،‬قد بلغت ‪ ،‬ولعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل سقاء من‬
‫أدم ‪ ،‬ينادي ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا محمد ‪ :‬فأقول ‪ :‬ل أملك لك شيئا قد بلغت" )‪.(2‬‬
‫وقال علي بن المديني ‪ :‬هذا حديث حسن السناد ‪ ،‬إل أن حفص بن حميد‬
‫مجهول ‪ ،‬ل أعلم روى عنه غير يعقوب بن عبد الله الشعري القمي‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬بل قد روى عنه أيضا أشعث بن إسحاق ‪ ،‬وقال فيه يحيى بن معين ‪:‬‬
‫صالح‪ .‬ووثقه النسائي وابن حبان‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬لعادلون‬ ‫َ‬
‫ط لَناك ُِبو َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫خَرةِ عَ ِ‬ ‫ن ِبال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫جائرون منحرفون‪ .‬تقول العرب ‪ :‬نكب فلن عن الطريق ‪ :‬إذا زاغ عنها‪.‬‬
‫م‬‫جوا ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬ ‫ضّر ل َل َ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ب ِهِ ْ‬ ‫فَنا َ‬ ‫م وَك َ َ‬
‫ش ْ‬ ‫مَناهُ ْ‬
‫ح ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َوْ َر ِ‬
‫ن { ‪ :‬يخبر تعالى عن غلظهم )‪ (3‬في كفرهم بأنه لو أراح عللهم‬ ‫مُهو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫وأفهمهم القرآن ‪ ،‬لما انقادوا له ولستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم ‪،‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫وا وَهُ ْ‬ ‫م ل َت َوَل ّ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م وَل َوْ أ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫س َ‬‫خي ًْرا ل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِفيهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫كما قال تعالى ‪ } :‬وَل َوْ عَل ِ َ‬
‫قاُلوا َيا‬ ‫فوا عََلى الّنارِ فَ َ‬ ‫ن { ]النفال ‪ ، [23 :‬وقال ‪ } :‬وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ وُقِ ُ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫فو َ‬ ‫خ ُ‬
‫ما كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫دا لهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‪ .‬ب َل ب َ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫ت َرب َّنا وَن َكو َ‬ ‫ب ِبآَيا ِ‬ ‫ل َي ْت ََنا ن َُرد ّ َول ن ُكذ ّ َ‬
‫َ‬
‫حَيات َُنا‬
‫ي ِإل َ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫ن‪ .‬وََقاُلوا إ ِ ْ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ه وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ما ن ُُهوا عَن ْ ُ‬ ‫ل وَل َوْ ُرّدوا ل ََعاُدوا ل ِ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن { ]النعام ‪ ، [29 - 27 :‬فهذا من باب علمه تعالى‬ ‫ثي‬ ‫عو‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ن‬
‫َّْ َ َ َ ْ ُ ِ َ ُْ ِ َ‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬
‫بما ل يكون ‪ ،‬لو كان كيف يكون )‪.(4‬‬
‫]و[ )‪ (5‬قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كل ما فيه "لو" ‪ ،‬فهو مما ل يكون‬
‫أبدا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل أملك لك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه البزار في مسنده برقم )‪ (900‬وابن عبد البر في التمهيد )‬
‫‪ (2/300‬من طريق مالك بن إسماعيل عن يعقوب بن عبد الله الشعري به‬
‫نحوه‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (3/85‬رواه أبو يعلى في الكبير والبزار‬
‫إل أنه قال ‪ :‬يحمل قشعا مكان سقاء‪ .‬ورجال الجميع ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬غلطهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ولو كان كيف كان يكون"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة في ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(5/486‬‬

‫حَنا‬‫حّتى إ َِذا فَت َ ْ‬ ‫ن )‪َ (76‬‬ ‫عو َ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫كاُنوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ب فَ َ‬‫ِ‬ ‫م ِبال ْعَ َ‬
‫ذا‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫قد ْ أ َ َ‬‫وَل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬‫شأ لك ُ ُ‬ ‫ذي أن ْ َ‬ ‫ن )‪ (77‬وَهُوَ ال ِ‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫م ِفيهِ ُ‬ ‫ديد ٍ إ َِذا هُ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫م َباًبا َذا عَ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫م ِفي ا َلْر ِ‬ ‫ذي ذ ََرأك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (78‬وَهُوَ ال ّ ِ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫صاَر َواْلفْئ ِد َة َ قَِليًل َ‬ ‫معَ َواْلب ْ َ‬ ‫س ْ‬‫ال ّ‬
‫ل َوالن َّهارِ أفَلَ‬ ‫ّ‬
‫ف اللي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫خت ِل ُ‬ ‫ها ْ‬ ‫َ‬
‫ت وَل ُ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (79‬وَهُوَ ال ِ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬‫وَإ ِل َي ْهِ ت ُ ْ‬
‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن )‪َ (81‬قاُلوا أ َئ ِ َ‬ ‫ل اْل َوُّلو َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل َقاُلوا ِ‬
‫مث ْ َ‬ ‫ن )‪ (80‬ب َ ْ‬ ‫قُلو َ‬ ‫ت َعْ ِ‬
‫ذا إ ِلّ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن هَ َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن وَآَباؤَُنا هَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫عد َْنا ن َ ْ‬‫قد ْ و ُ ِ‬ ‫ن )‪ (82‬ل َ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬ ‫ما أئ ِّنا ل َ‬ ‫عظا ً‬ ‫وَ ِ‬
‫ن )‪(83‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫أ َ‬

‫حّتى إ َِذا‬ ‫ن )‪َ (76‬‬ ‫عو َ‬


‫ضّر ُ‬
‫ما ي َت َ َ‬
‫م وَ َ‬ ‫ست َ َ‬
‫كاُنوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ب فَ َ‬‫ِ‬ ‫م ِبال ْعَ َ‬
‫ذا‬ ‫قد ْ أ َ َ‬
‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫شأ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذي أن ْ َ‬ ‫ن )‪ (77‬وَهُوَ ال ِ‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬
‫م ِفيهِ ُ‬ ‫ديد ٍ إ َِذا هُ ْ‬
‫ش ِ‬‫ب َ‬ ‫ذا ٍ‬‫م َباًبا َذا عَ َ‬ ‫حَنا عَلي ْهِ ْ‬ ‫فَت َ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫م ِفي‬ ‫ذي ذ ََرأك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (78‬وَهُوَ ال ِ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬‫صاَر َوالفْئ ِد َة َ قَِليل َ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ل َك ُ ُ‬
‫ل َوالن َّهارِ‬ ‫ف الل ّي ْ ِ‬ ‫خِتل ُ‬ ‫ها ْ‬ ‫ت وَل َ ُ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ن )‪ (79‬وَهُوَ ال ّ ِ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬‫ض وَإ ِل َي ْهِ ت ُ ْ‬ ‫َالْر ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مت َْنا وَكّنا ت َُراًبا‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن )‪ (81‬قالوا أئ ِ َ‬ ‫ما قال الوّلو َ‬ ‫َ‬ ‫مثل َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن )‪ (80‬ب َل قالوا ِ‬ ‫ْ‬ ‫قلو َ‬ ‫أَفل ت َعْ ِ‬
‫ن )‪ (82‬ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ذا ِإل‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن َوآَباؤَُنا هَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫عد َْنا ن َ ْ‬ ‫قد ْ و ُ ِ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬ ‫ما أئ ِّنا ل َ َ‬ ‫ظا ً‬ ‫ع َ‬ ‫وَ ِ‬
‫ن )‪.{ (83‬‬ ‫لي‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ِّ َ‬ ‫أ َ ِ ُ‬
‫طي‬ ‫سا‬
‫ب { أي ‪ :‬ابتليناهم بالمصائب والشدائد ‪،‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ِبال ْعَ َ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫قد ْ أ َ َ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فما ردهم ذلك عما كانوا فيه من‬ ‫عو َ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫كاُنوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫} فَ َ‬
‫كاُنوا { أي ‪:‬‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫الكفر والمخالفة ‪ ،‬بل استمروا على ضللهم وغيهم‪ } .‬فَ َ‬
‫ول إ ِذ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ما دعوا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَل ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫ما خشعوا ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫كاُنوا‬ ‫ن َ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫م وََزي ّ َ‬ ‫ت قُلوب ُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫عوا وَلك ِ ْ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫سَنا ت َ َ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ]النعام ‪.[43 :‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن حمزة‬
‫المروزي ‪ ،‬حدثنا علي ابن الحسين ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن يزيد ‪ -‬يعني ‪ :‬النحوي ‪-‬‬
‫عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أنشدك الله والرحم ‪ ،‬فقد أكلنا العلهز ‪-‬‬
‫كاُنوا‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ِبال ْعَ َ‬‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫قد ْ أ َ َ‬ ‫يعني ‪ :‬الوبر والدم ‪ -‬فأنزل الله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن{‬ ‫عو َ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ل َِرب ّهِ ْ‬
‫وهكذا رواه النسائي عن محمد بن عقيل ‪ ،‬عن علي بن الحسين ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫به )‪ .(1‬وأصل هذا الحديث في الصحيحين ‪ :‬أن )‪ (2‬رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم دعا على قريش حين استعصوا فقال ‪" :‬اللهم أعني عليهم بسبع‬
‫كسبع يوسف" )‪.(3‬‬
‫شِبيب ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا سلمة بن َ‬
‫عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن ك َْيسان ‪ ،‬عن )‪ (4‬وهب بن عمر بن كيسان‬
‫من َّبه ‪ ،‬فقال له رجل من البناء ‪ :‬أل أنشدك بيتا من‬ ‫حِبس وهب بن ُ‬ ‫قال ‪ُ :‬‬
‫شعر يا أبا عبد الله ؟ فقال وهب ‪ :‬نحن في طرف من عذاب الله ‪ ،‬والله‬
‫ن{‬ ‫عو َ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫كاُنوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ِبال ْعَ َ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫قد ْ أ َ َ‬ ‫تعالى يقول ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫قال ‪ :‬وصام وهب ثلثا متواصلة ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬ما هذا الصوم يا أبا عبد الله ؟‬
‫دث لنا فأحدثنا‪ .‬يعني ‪ :‬أحدث لنا الحبس ‪ ،‬فأحدثنا زيادة عبادة‪.‬‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫قال ‪ :‬أ َ‬
‫ن{‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫م ِفيهِ ُ‬ ‫ديد ٍ إ َِذا هُ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫م َباًبا َذا عَ َ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا فَت َ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫أي ‪ :‬حتى إذا جاءهم أمر الله وجاءتهم الساعة بغتة وأخذهم من عقاب الله‬
‫سوا )‪ (5‬من كل خير ‪ ،‬وأيسوا من كل‬ ‫ما لم يكونوا يحتسبون ‪ ،‬فعند ذلك أب ْل َ ُ‬
‫راحة ‪ ،‬وانقطعت آمالهم ورجاؤهم‪.‬‬
‫ثم ذكر تعالى نعمته على عباده في أن جعل لهم السمع والبصار والفئدة ‪،‬‬
‫وهي العقول والفهوم ‪ ،‬التي يدركون )‪ (6‬بها الشياء ‪ ،‬ويعتبرون بما في‬
‫الكون من اليات الدالة على وحدانية الله تعالى ‪ ،‬وأنه الفاعل المختار لما‬
‫يشاء‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن النسائي الكبرى برقم )‪.(11352‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (4693‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2798‬من حديث‬
‫ابن مسعود رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثني"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أيسوا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬تدركون"‬
‫) ‪(5/487‬‬

‫ل أ َفََل‬
‫ن ل ِل ّهِ قُ ْ‬‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫ن )‪َ (84‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ن ِفيَها إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬
‫َ‬
‫ن اْلْر ُ‬ ‫م ِ‬‫ل لِ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ظيم ِ )‪(86‬‬ ‫ش العَ ِ‬‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن )‪ (85‬قُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ت َذ َكُرو َ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫سب ِْع وََر ّ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬
‫َ‬
‫جيُر‬
‫يٍء وَهُوَ ي ُ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫تك ّ‬ ‫ملكو ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ب ِي َدِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪ (87‬قُ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫َ‬
‫ل أفَل ت َت ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ل ِلهِ قُ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(89‬‬ ‫حُرو َ‬ ‫س َ‬‫ل فَأّنى ت ُ ْ‬ ‫ن ل ِلهِ قُ ْ‬ ‫قولو َ‬ ‫سي َ ُ‬‫ن )‪َ (88‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل ُ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫جاُر عَلي ْهِ إ ِ ْ‬ ‫وَل ي ُ َ‬

‫ن { أي ‪ :‬وما أقل شكركم لله على ما أنعم به‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬قَِليل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]يوسف ‪.[103 :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫س وَلوْ َ‬ ‫ما أك ْث َُر الّنا ِ‬ ‫عليكم ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة وسلطانه القاهر ‪ ،‬في ب َْرئة الخليقة وذرئه‬
‫لهم في سائر أقطار الرض ‪ ،‬على اختلف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم ‪ ،‬ثم‬
‫يوم القيامة يجمع الولين منهم والخرين لميقات يوم معلوم ‪ ،‬فل يترك منهم‬
‫صغيرا ول كبيرا ‪ ،‬ول ذكرا ول أنثى ‪ ،‬ول جليل ول حقيرا ‪ ،‬إل أعاده كما بدأه ؛‬
‫ت { أي ‪ :‬يحيي الرمم ويميت المم ‪،‬‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ل َوالن َّهارِ { أي ‪ :‬وعن أمره تسخير الليل والنهار ‪ ،‬كل‬ ‫ف الل ّي ْ ِ‬ ‫خِتل ُ‬ ‫ها ْ‬ ‫} وَل َ ُ‬
‫منهما يطلب الخر طلبا حثيثا ‪ ،‬يتعاقبان ل يفتران ‪ ،‬ول يفترقان بزمان‬
‫مَر َول الل ّي ْ ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ق َ‬ ‫ن ت ُد ْرِ َ‬ ‫س ي َن ْب َِغي ل ََها أ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫غيرهما ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬ل ال ّ‬
‫ن { ]يس ‪.[40 :‬‬ ‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ل ِفي فَل َ ٍ‬ ‫ساب ِقُ الن َّهارِ وَك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم ‪،‬‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ َ‬
‫َ‬ ‫َْ ِ‬
‫الذي قد قهر كل شيء ‪ ،‬وعز كل شيء ‪ ،‬وخضع له كل شيء‪.‬‬
‫ثم قال مخبرا عن منكري البعث ‪ ،‬الذين أشبهوا من قبلهم من المكذبين ‪:‬‬
‫ما أ َئ ِّنا‬ ‫ظا ً‬ ‫ع َ‬ ‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا وَ ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن‪َ .‬قاُلوا أ َئ ِ َ‬ ‫ل الوُّلو َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ل َقاُلوا ِ‬ ‫} بَ ْ‬
‫قد ْ‬ ‫َ‬
‫ن { يعني يستبعدون وقوع ذلك بعد صيرورتهم إلى البلى ‪ } ،‬ل َ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬ ‫لَ َ‬
‫ن { يعنون ‪] :‬أن[ )‪(1‬‬ ‫َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ن َوآَباؤَُنا هَ َ‬
‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا ِإل أ َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫عد َْنا ن َ ْ‬ ‫وُ ِ‬
‫العادة محال ‪ ،‬إنما يخبر بها من تلقاها عن كتب الولين واختلقهم‪ .‬وهذا‬
‫ة‪.‬‬ ‫خَر ً‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫ظا ً‬‫ع َ‬ ‫ذا ك ُّنا ِ‬ ‫النكار والتكذيب منهم كقوله تعالى إخبارا عنهم ‪ } :‬أ َئ ِ َ‬
‫ساهَِرةِ {‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ة‪ .‬فَإ َِذا هُ ْ‬ ‫حد َ ٌ‬ ‫جَرةٌ َوا ِ‬ ‫ي َز ْ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ة‪ .‬فَإ ِن ّ َ‬ ‫سَر ٌ‬ ‫خا ِ‬ ‫ك إ ًِذا ك َّرةٌ َ‬ ‫َقاُلوا ت ِل ْ َ‬
‫ن ن ُط ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ف ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫قَناهُ ِ‬ ‫ن أّنا َ‬ ‫سا ُ‬ ‫م ي ََر الن ْ َ‬ ‫]النازعات ‪ ، [14 - 11 :‬وقال تعالى ‪ } :‬أوَل َ ْ‬
‫ي‬
‫م وَهِ َ‬ ‫ظا َ‬ ‫حِيي ال ْعِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ي َ‬ ‫س َ‬ ‫مَثل وَن َ ِ‬ ‫ب ل ََنا َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ن‪ .‬وَ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫صي ٌ‬ ‫خ ِ‬ ‫فَإ َِذا هُوَ َ‬
‫ل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { ]يس ‪- 77 :‬‬ ‫ق عَِلي ٌ‬ ‫خل ٍ‬ ‫مّرةٍ وَهُوَ ب ِك ُ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ها أوّ َ‬ ‫شأ َ‬ ‫ذي أن ْ َ‬ ‫حِييَها ال ّ ِ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫مي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫‪.[79‬‬
‫ل أ ََفل‬ ‫ن ل ِل ّهِ قُ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫ن )‪َ (84‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن ِفيَها إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ن الْر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ظيم ِ )‪(86‬‬ ‫ش ال ْعَ ِ‬ ‫ب العَْر ِ‬
‫سب ْع وََر ّ ْ‬
‫ت ال ّ ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪ (85‬قُ ْ‬ ‫ت َذ َك ُّرو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫جيُر‬ ‫يٍء وَهُوَ ي ُ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫كو ُ‬ ‫مل ُ‬ ‫ن ب ِي َدِهِ َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ل َ‬ ‫ن )‪ (87‬قُ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ل أَفل ت َت ّ ُ‬ ‫ن ل ِلهِ قُ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (89‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫نى‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫لو‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫(‬ ‫‪88‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫جا‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(5/488‬‬

‫م لَ َ‬ ‫ب ْ َ‬
‫ن )‪(90‬‬
‫كاذُِبو َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫حقّ وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ل أت َي َْناهُ ْ‬ ‫َ‬
‫م لَ َ‬ ‫}ب ْ َ‬
‫ن )‪.{ (90‬‬‫كاذُِبو َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫حقّ وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ل أت َي َْناهُ ْ‬ ‫َ‬
‫يقرر تعالى وحدانيته ‪ ،‬واستقلله بالخلق والتصرف والملك ‪ ،‬ليرشد إلى أنه‬
‫الذي ل إله إل هو ‪ ،‬ول تنبغي العبادة إل له وحده ل شريك له ؛ ولهذا قال‬
‫لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه‬
‫غيره ‪ ،‬المعترفين له بالربوبية ‪ ،‬وأنه ل شريك له فيها ‪ ،‬ومع هذا فقد أشركوا‬
‫معه في‬

‫) ‪(5/488‬‬

‫اللهية ‪ ،‬فعبدوا غيره معه ‪ ،‬مع اعترافهم أن الذين عبدوهم ل يخلقون شيًئا ‪،‬‬
‫دون بشيء ‪ ،‬بل اعتقدوا أنهم يقربونهم إليه‬ ‫ول يملكون شيًئا ‪ ،‬ول يستب ّ‬
‫فى { ]الزمر ‪ ، [3 :‬فقال ‪} :‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قّرُبوَنا إ ِلى اللهِ ُزل َ‬‫م ِإل ل ِي ُ َ‬ ‫ما )‪ (1‬ن َعْب ُد ُهُ ْ‬ ‫زلفى ‪َ } :‬‬
‫ن ِفيَها { أي ‪ :‬من مالكها الذي خلقها ومن )‪ (2‬فيها من‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ن الْر ُ‬ ‫م ِ‬‫ل لِ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن‪.‬‬
‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ت َعْل ُ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬
‫الحيوانات والنباتات والثمرات ‪ ،‬وسائر صنوف المخلوقات } إ ِ ْ‬
‫ن ل ِل ّهِ { أي ‪ :‬فيعترفون لك بأن ذلك لله وحده ل شريك له ‪ ،‬فإذا كان‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن { ]أي ‪ :‬ل تذكرون[ )‪ (4‬أنه ل تنبغي )‪ (5‬العبادة‬ ‫ذلك )‪ } (3‬قل أفل ت َذ َكُرو َ‬
‫إل للخالق الرازق )‪ (6‬ل لغيره‪.‬‬
‫ظيم ِ { أي ‪ :‬من هو خالق‬ ‫ش ال ْعَ ِ‬ ‫سب ْع وََر ّ ْ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫} قُ ْ‬
‫العالم العُْلوي بما فيه من الكواكب النّيرات ‪ ،‬والملئكة الخاضعين له في‬
‫سائر القطار منها والجهات ‪ ،‬ومن هو رب العرش العظيم ‪ ،‬يعني ‪ :‬الذي هو‬
‫سقف المخلوقات ‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود ‪ ،‬عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬شأن الله أعظم من ذلك ‪ ،‬إن )‪ (7‬عرشه‬
‫على سمواته هكذا" وأشار بيده مثل القبة )‪.(8‬‬
‫وفي الحديث الخر ‪" :‬ما السموات السبع والرضون السبع وما فيهن وما‬
‫بينهن في الكرسي إل كحلقة ملقاة بأرض فلة ‪ ،‬وإن الكرسي بما فيه‬
‫بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلة" )‪.(9‬‬
‫ولهذا قال بعض السلف ‪ :‬إن مسافة ما بين قطري العرش من جانب إلى‬
‫جانب مسيرة خمسين ألف سنة ‪] ،‬وارتفاعه عن الرض السابعة مسيرة‬
‫خمسين ألف سنة[ )‪.(10‬‬
‫ً‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬إنما سمي عرشا لرتفاعه‪.‬‬
‫وقال العمش عن كعب الحبار ‪ :‬إن السموات والرض في العرش ‪،‬‬
‫كالقنديل المعلق بين السماء والرض‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬ما السموات والرض في العرش إل كحلقة في أرض َفلة‪.‬‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا )‪ (11‬سفيان‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا العلء بن سالم ‪ ،‬حدثنا وَ ِ‬
‫طين ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪،‬‬ ‫دهني )‪ ، (12‬عن مسلم الب َ ِ‬ ‫الثوري ‪ ،‬عن عمار ال ّ‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬العرش ل يقدر أحد قدره‪ .‬وفي رواية ‪ :‬إل الله عز وجل‬
‫)‪.(13‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬العرش من ياقوتة حمراء‪.‬‬
‫ظيم ِ { يعني ‪ :‬الكبير ‪ :‬وقال في آخر‬ ‫ش ال ْعَ ِ‬
‫ب العَْر ِ‬
‫ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬وََر ّ ْ‬
‫ريم ِ {‬ ‫ش ال ْك َ ِ‬‫ب العَْر ِ‬
‫السورة ‪َ } :‬ر ّ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬إنما" وهو خطأ‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كذلك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬يليق"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬الرزاق"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬لن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬سنن أبي داود برقم )‪ (4726‬عن حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (9‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (5/399‬من طريق ابن وهب عن ابن زيد‬
‫عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه ‪ ،‬وقد سبق من رواية ابن مردوية عند‬
‫تفسير الية ‪ 2 :‬من سورة الرعد‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في أ ‪" :‬الذهبي"‪.‬‬
‫)‪ (13‬ورواه ابن أبي شيبة في صفة العرش )ق ‪ (114‬والحاكم في‬
‫المستدرك )‪ (2/282‬من طريق الضحاك بن مخلد عن سفيان عن عمار‬
‫الذهني به ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وأقره‬
‫الذهبي‪.‬‬

‫) ‪(5/489‬‬

‫أي ‪ :‬الحسن البهي‪ .‬فقد جمع العرش بين العظمة في التساع والعلو ‪،‬‬
‫والحسن الباهر ؛ ولهذا قال من قال ‪ :‬إنه من ياقوتة حمراء‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ :‬إن ربكم ليس عنده ليل ول نهار ‪ ،‬نور )‪ (1‬العرش من‬
‫نور وجهه‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إذا كنتم تعترفون )‪ (2‬بأنه رب‬ ‫َ‬
‫ل أَفل ت َت ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ل ِلهِ قُ ْ‬ ‫ُ‬
‫قو َ‬ ‫قولو َ‬ ‫سي َ ُ‬
‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫السموات ورب العرش العظيم ‪ ،‬أفل تخافون عقابه وتحذرون عذابه ‪ ،‬في‬
‫عبادتكم معه غيره وإشراككم به ؟‬
‫قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا القرشي في كتاب "التفكر‬
‫والعتبار" ‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬أخبرنا عبد الله )‪ (3‬بن جعفر ‪ ،‬أخبرني‬
‫عبد الله بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كثيًرا ما يحدث عن امرأة كانت في الجاهلية على رأس جبل ‪ ،‬معها ابن لها‬
‫يرعى غنما ‪ ،‬فقال لها ابنها ‪ :‬يا أماه ‪ ،‬من خلقك ؟ قالت ‪ :‬الله‪ .‬قال ‪ :‬فمن‬
‫خلق أبي ؟ قالت ‪ :‬الله‪ .‬قال ‪ :‬فمن خلقني ؟ قالت ‪ :‬الله‪ .‬قال ‪ :‬فمن خلق‬
‫السماء ؟ قالت ‪ :‬الله‪ .‬قال ‪ :‬فمن خلق الرض ؟ قالت ‪ :‬الله‪ .‬قال ‪ :‬فمن‬
‫خلق الجبل ؟ قالت ‪ :‬الله‪ .‬قال ‪ :‬فمن خلق هذه الغنم ؟ قالت ‪ :‬الله‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فإني أسمع لله شأنا ثم ألقى نفسه من الجبل فتقطع‪.‬‬
‫قال ابن عمر ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيًرا ما يحدثنا هذا‬
‫الحديث‪.‬‬
‫قال عبد الله بن دينار ‪ :‬كان )‪ (4‬ابن عمر كثيًرا ما يحدثنا بهذا الحديث‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬في إسناده عبد الله )‪ (5‬بن جعفر المديني ‪ ،‬والد المام علي بن‬
‫المديني ‪ ،‬وقد تكلموا فيه ‪ ،‬فالله أعلم )‪.(6‬‬
‫و‬
‫ن َداب ّةٍ ِإل هُ َ‬
‫م ْ‬
‫ما ِ‬
‫يٍء { أي ‪ :‬بيده الملك ‪َ } ،‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫كو ُ‬‫مل َ ُ‬‫ن ب ِي َدِهِ َ‬
‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫} قُ ْ‬
‫صي َت َِها { ]هود ‪ ، [56 :‬أي ‪ :‬متصرف فيها‪ .‬وكان رسول الله صلى الله‬ ‫خذ ٌ ب َِنا ِ‬
‫آ ِ‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬ل والذي نفسي بيده" ‪ ،‬وكان إذا اجتهد في اليمين قال )‬
‫‪ " : (7‬ل ومقلب القلوب" ‪ ،‬فهو سبحانه الخالق المالك المتصرف ‪ } ،‬وَهُوَ‬
‫ن { كانت العرب إذا كان السيد فيهم فأجار‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫جاُر عَل َي ْهِ إ ِ ْ‬‫جيُر َول ي ُ َ‬‫يُ ِ‬
‫فر في جواره ‪ ،‬وليس لمن دونه أن يجير عليه ‪ ،‬لئل يفتات عليه ‪،‬‬ ‫خ َ‬
‫دا ‪ ،‬ل ي ُ ْ‬ ‫أح ً‬
‫جاُر عَل َي ْهِ { أي ‪ :‬وهو السيد العظيم الذي ل‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫ر‬
‫َ ُ َ ُ ِ ُ َ ُ َ‬‫جي‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الله‬ ‫قال‬ ‫ولهذا‬
‫أعظم منه ‪ ،‬الذي له الخلق والمر ‪ ،‬ول معقب لحكمه ‪ ،‬الذي ل يمانع ول‬
‫ما‬‫ل عَ ّ‬ ‫سأ َ ُ‬
‫يخالف ‪ ،‬وما شاء )‪ (8‬كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬وقال الله ‪ } :‬ل ي ُ ْ‬
‫ل وهم ي َ‬
‫ن { ]النبياء ‪ ، [23 :‬أي ‪ :‬ل يسئل عما يفعل ؛ لعظمته‬ ‫سأُلو َ‬ ‫فعَ ُ َ ُ ْ ُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫وكبريائه ‪ ،‬وقهره وغلبته ‪ ،‬وعزته وحكمته )‪ ، (9‬والخلق كلهم ُيسألون عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فوق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬تعرفون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبيد الله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬عبيد الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬ورواه ابن عدي في الكامل )‪ (4/178‬من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل‬
‫عن عبد الله بن جعفر به ‪ ،‬وقال ‪" :‬غير محفوظ ل يحدث به عن ابن دينار‬
‫غير عبد الله بن جعفر" وعبد الله بن جعفر المديني ضعيف عند الئمة‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وما شاء الله"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وحكمته وعدله"‪.‬‬

‫) ‪(5/490‬‬

‫خل َقَ وَل َعََل‬


‫ما َ‬‫ل إ ِل َهٍ ب ِ َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ن إ ِل َهٍ إ ًِذا ل َذ َهَ َ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫معَ ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬‫ن وَل َدٍ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫خذ َ الل ّ ُ‬‫ما ات ّ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫شَهاد َ ِ‬‫ب َوال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫عا‬
‫َ‬ ‫(‬‫‪91‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ما‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫حا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫ض‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ض‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫بَ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ن )‪(92‬‬ ‫ُ‬
‫شرِكو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فَت ََعالى عَ ّ‬
‫ك ل َنسأ َل َنه َ‬
‫ن{‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫أعمالهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَوََرب ّ َ َ ْ ّ ُ ْ‬
‫]الحجر ‪.[93 ، 92 :‬‬
‫ن ل ِلهِ { أي ‪ :‬سيعترفون أن السيد العظيم الذي يجير ول‬ ‫ّ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫حُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫ل فَأّنى ت ُ ْ‬ ‫يجار عليه ‪ ،‬هو الله تعالى ‪ ،‬وحده ل شريك له } قُ ْ‬
‫فكيف تذهب عقولكم في عبادتكم معه غيره مع اعترافكم وعلمكم بذلك‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ } :‬ب ْ َ‬
‫حقّ { ‪ ،‬وهو العلم بأنه ل إله إل الله ‪ ،‬وأقمنا‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ل أت َي َْناهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في‬ ‫م لكاذُِبو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الدلة الصحيحة الواضحة القاطعة على ذلك ‪ } ،‬وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫عبادتهم مع الله غيره ‪ ،‬ول دليل لهم على ذلك ‪ ،‬كما قال في آخر السورة ‪:‬‬
‫ح‬‫فل ِ ُ‬
‫ه ل يُ ْ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ساب ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه ب ِهِ فَإ ِن ّ َ‬‫ن لَ ُ‬‫ها َ‬ ‫خَر ل ب ُْر َ‬ ‫معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ‬ ‫ن ي َد ْع ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن { ‪ ،‬فالمشركون ل يفعلون ذلك ]عن دليل قادهم إلى ما هم فيه‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫من الفك والضلل ‪ ،‬وإنما يفعلون ذلك[ )‪ (1‬اتباعا لبائهم وأسلفهم الحيارى‬
‫ُ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬ ‫قت َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫مةٍ وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬ ‫جد َْنا آَباَءَنا عََلى أ ّ‬ ‫الجهال ‪ ،‬كما قالوا ‪ } :‬إ ِّنا وَ َ‬
‫]الزخرف ‪.[23 :‬‬
‫خل َقَ وَل ََعل‬ ‫ما َ‬ ‫ل إ ِل َهٍ ب ِ َ‬‫ب كُ ّ‬ ‫ن إ ِل َهٍ إ ًِذا ل َذ َهَ َ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن وَل َد ٍ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬‫ما ات ّ َ‬ ‫} َ‬
‫ة‬
‫شَهاد َ ِ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫ْ‬
‫عال ِم ِ الغَي ْ ِ‬ ‫ن )‪َ (91‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ عَ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ض ُ‬ ‫َ‬
‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫ن )‪.{ (92‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فَت ََعالى عَ ّ‬
‫ما‬
‫ينزه تعالى نفسه عن أن يكون له ولد أو شريك في الملك ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬‬
‫خل َقَ وَل ََعل‬
‫ما َ‬ ‫ل إ ِل َهٍ ب ِ َ‬
‫ب كُ ّ‬‫ن إ ِل َهٍ إ ًِذا ل َذ َهَ َ‬‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫معَ ُ‬
‫ن َ‬‫كا َ‬ ‫ن وَل َد ٍ وَ َ‬
‫ما َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫ات ّ َ‬
‫در تعدد اللهة ‪ ،‬لنفرد كل منهم بما يخلق ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ض { أي ‪ :‬لو ق ّ‬ ‫َ‬
‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫فما كان ينتظم الوجود‪ .‬والمشاهد أن الوجود منتظم متسق ‪ ،‬كل من العالم‬
‫ق‬ ‫ما ت ََرى ِفي َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض ‪ ،‬في غاية الكمال ‪َ } ،‬‬
‫ت { ]الملك ‪ [3 :‬ثم لكان كل منهم يطلب قهر الخر وخلفه‬ ‫فاوُ ٍ‬ ‫ن تَ َ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬
‫الّر ْ‬
‫‪ ،‬فيعلو بعضهم على بعض‪ .‬والمتكلمون ذكروا هذا المعنى وعبروا عنه بدليل‬
‫التمانع ‪ ،‬وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا ‪ ،‬فأراد واحد تحريك جسم وأراد‬
‫الخر سكونه ‪ ،‬فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين ‪ ،‬والواجب ل‬
‫يكون عاجًزا ‪ ،‬ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد‪ .‬وما جاء هذا المحال إل من‬
‫فرض التعدد ‪ ،‬فيكون محال فأما إن حصل مراد أحدهما دون الخر ‪ ،‬كان‬
‫الغالب هو الواجب ‪ ،‬والخر المغلوب ممكًنا ؛ لنه ل يليق بصفة الواجب أن‬
‫ن الل ّهِ عَ ّ‬
‫ما‬ ‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬‫ض ُ‬ ‫ضهُ ْ َ‬
‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫يكون مقهورا ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَل ََعل ب َعْ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬عما يقول الظالمون المعتدون في دعواهم الولد أو الشريك‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫يَ ِ‬
‫علوا كبيرا‪.‬‬
‫ب َوالشَهاد َةِ { أي ‪ :‬يعلم ما يغيب عن المخلوقات وما‬ ‫ّ‬ ‫عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ‬ ‫} َ‬
‫ن { أي ‪ :‬تقدس وتنزه وتعالى وعز وجل‬ ‫َ‬ ‫كو‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ش‬
‫َ ّ ُ ِ‬ ‫ي‬ ‫ما‬‫ع‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫عا‬‫ََ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫يشاهدونه‬
‫]عما يقول الظالمون والجاحدون[ )‪.(2‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(5/491‬‬

‫ن)‬
‫مي َ‬ ‫قوْم ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب فََل ت َ ْ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫جعَلِني ِفي ال َ ِ‬ ‫ن )‪َ (93‬ر ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُيوعَ ُ‬ ‫ما ت ُرِي َّني َ‬
‫َ‬
‫ب إِ ّ‬‫ل َر ّ‬
‫ن‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (95‬اد ْفَعْ ِبالِتي هِ َ‬ ‫قادُِرو َ‬ ‫َ‬
‫مل َ‬ ‫ما ن َعِد ُهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ن ُرِي َك َ‬ ‫َ‬
‫‪ (94‬وَإ ِّنا عَلى أ ْ‬
‫َ‬ ‫ة نح َ‬
‫ن‬
‫طي ِ‬
‫شَيا ِ‬‫ت ال ّ‬ ‫مَزا ِ‬
‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫عوذ ُ ب ِك ِ‬
‫بأ ُ‬ ‫ل َر ّ‬‫ن )‪ (96‬وَقُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬‫ما ي َ ِ‬‫م بِ َ‬‫ن أعْل َ ُ‬ ‫سي ّئ َ َ َ ْ ُ‬
‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(98‬‬ ‫ضُرو ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن يَ ْ‬‫بأ ْ‬ ‫عوذ ُ ب ِك َر ّ‬ ‫)‪ (97‬وَأ ُ‬

‫ن)‬ ‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫قوْم ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ب َفل ت َ ْ ْ‬ ‫} قُ ْ‬
‫جعَلِني ِفي ال َ َِ‬ ‫ن )‪َ (93‬ر ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُيوعَ ُ‬ ‫ما ت ُرِي َّني َ‬
‫َ‬
‫ب إِ ّ‬ ‫ل َر ّ‬
‫ن‬‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (95‬اد ْفَعْ ِبالِتي هِ َ‬ ‫قادُِرو َ‬ ‫مل َ‬‫َ‬ ‫ما ن َعِد ُهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ن ُرِي َ َ‬ ‫َ‬
‫‪ (94‬وَإ ِّنا عَلى أ ْ‬
‫َ‬ ‫ة نح َ‬
‫ن‬
‫طي ِ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫مَزا ِ‬ ‫ن هَ َ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫عوذ ُ ب ِك ِ‬ ‫بأ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪ (96‬وَقُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫م بِ َ‬‫ن أعْل َ ُ‬ ‫سي ّئ َ َ َ ْ ُ‬
‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (98‬‬ ‫ضُرو ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫بأ ْ‬ ‫عوذ ُ ب ِك َر ّ‬ ‫)‪ (97‬وَأ ُ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم[ )‪ (1‬أن يدعو هذا الدعاء‬ ‫يقول تعالى آمًرا ]نبيه محم ً‬
‫ن { أي ‪ :‬إن عاقبتهم ‪ -‬وإني‬ ‫دو َ‬
‫ما ُيوعَ ُ‬ ‫ما ت ُرِي َّني َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫عند حلول النقم ‪َ } :‬ر ّ‬
‫شاهد ُ ذلك ‪ -‬فل تجعلني فيهم ‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي رواه المام أحمد‬
‫والترمذي ‪ -‬وصححه ‪" : -‬وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون" )‪.(2‬‬
‫م لَ َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬لو شئنا لريناك ما‬ ‫قادُِرو َ‬ ‫ما ن َعِد ُهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ن ُرِي َ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِّنا عََلى أ ْ‬
‫نحل )‪ (3‬بهم من النقم والبلء والمحن‪.‬‬
‫دا له إلى الت ّْرياق النافع في مخالطة الناس ‪ ،‬وهو الحسان إلى‬ ‫ثم قال مرش ً‬
‫من يسيء ‪ ،‬ليستجلب خاطره ‪ ،‬فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫َ‬
‫ة { ‪ ،‬وهذا كما قال في الية الخرى ‪ } :‬اد ْفَ ْ‬
‫ع‬
‫َ‬
‫سي ّئ َ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫} اد ْفَعْ ِبال ِّتي هِ َ‬
‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫َ‬
‫ها ِإل‬ ‫قا َ‬ ‫م‪ .‬وَ َ‬‫مي ٌ‬
‫ح ِ‬‫ي َ‬ ‫داوَة ٌ ك َأن ّ ُ‬
‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ك وَب َي ْن َ ُ‬ ‫ذي ب َي ْن َ َ‬ ‫ن فَإ َِذا ال ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ِبال ِّتي هِ َ‬
‫ظيم ٍ { ]فصلت ‪ : [35 ، 34 :‬أي ما يلهم‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ح ّ‬‫ها ِإل ُذو َ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬
‫صب َُروا وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫صب َُروا { أي ‪ :‬على أذى‬ ‫ن َ‬ ‫هذه الوصية أو الخصلة )‪ (4‬أو الصفة } ِإل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ها ِإل ُذو‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬
‫قا َ‬ ‫الناس ‪ ،‬فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم إليهم القبيح ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ظيم ٍ { أي ‪ :‬في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ :‬أمره أن يستعيذ من‬ ‫طي‬ ‫يا‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫زا‬ ‫م‬‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫عو‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ِ ْ َ َ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬
‫الشياطين ‪ ،‬لنهم ل تنفع )‪ (5‬معهم الحيل ‪ ،‬ول ينقادون بالمعروف‪.‬‬
‫وقد قدمنا عند الستعاذة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ‪:‬‬
‫فثه" )‬ ‫فخه ون َ ْ‬ ‫مزه ون َ ْ‬ ‫"أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ‪ ،‬من هَ ْ‬
‫‪.(6‬‬
‫ن { أي ‪ :‬في شيء من أمري ؛ ولهذا‬ ‫َ‬ ‫عوذ ُ ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫ضُرو ِ‬ ‫ح ُ‬‫ن يَ ْ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ك َر ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ُ‬
‫أمر بذكر الله في ابتداء المور ‪ -‬وذلك مطردة للشياطين )‪ - (7‬عند الكل‬
‫والجماع والذبح ‪ ،‬وغير ذلك من المور ؛ ولهذا روى أبو داود أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يقول ‪" :‬اللهم إني أعوذ بك من الهََرم ‪ ،‬وأعوذ بك‬
‫دم ومن الغرق ‪ ،‬وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت" )‪.(8‬‬ ‫من الهَ ْ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬أخبرنا محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (5/243‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3235‬من حديث معاذ بن جبل‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح ‪ ،‬سألت محمد بن‬
‫إسماعيل عن هذا الحديث فقال ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح"‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما يحل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬الخصلة أو الوصية"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل ينفع"‪.‬‬
‫)‪ (6‬انظر الستعاذة عند تفسير سورة الفاتحة‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬للشيطان"‪.‬‬
‫)‪ (8‬سنن أبي داود برقم )‪.(1552‬‬

‫) ‪(5/492‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫حا ِفي َ‬
‫صال ِ ً‬
‫ل َ‬ ‫ن )‪ (99‬ل َعَّلي أعْ َ‬
‫م ُ‬ ‫جُعو ِ‬
‫ب اْر ِ‬‫ل َر ّ‬‫ت َقا َ‬ ‫مو ْ ُ‬‫م ال ْ َ‬
‫حد َهُ ُ‬ ‫جاَء أ َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬‫َ‬
‫ن )‪(100‬‬ ‫ثو‬‫ُ‬ ‫ع‬‫ب‬ ‫ي‬
‫َ ْ ِ َُْ َ‬ ‫م‬ ‫و‬‫ي‬ ‫لى‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫ٌ‬
‫خ‬ ‫ز‬‫ر‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ئ‬‫را‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ها‬‫ُ‬
‫ِ َ ٌ ُ َ ِ َ َ ِ ْ ََ ِِ ْ َْ َ ِ‬‫ل‬ ‫ئ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ها‬ ‫ن‬
‫ِّ َ‬ ‫إ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ت‬‫ْ‬
‫تَ َ ُ‬
‫ك‬‫ر‬

‫عن جده قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات يقولهن‬
‫عند النوم ‪ ،‬من الفزع ‪" :‬بسم الله ‪ ،‬أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه‬
‫وعقابه ‪ ،‬ومن شر عباده ‪ ،‬ومن همزات الشياطين وأن يحضرون" قال ‪:‬‬
‫فكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه ‪ ،‬ومن‬
‫كان منهم صغيرا ل يعقل أن يحفظها ‪ ،‬كتبها له ‪ ،‬فعلقها في عنقه‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث محمد بن إسحاق )‪، (1‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫حا ِفي َ‬
‫صال ِ ً‬
‫ل َ‬‫م ُ‬‫ن )‪ (99‬ل َعَّلي أعْ َ‬ ‫جُعو ِ‬ ‫ب اْر ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ت َقا َ‬‫مو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫حد َهُ ُ‬‫جاَء أ َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬‫} َ‬
‫ن )‪.{ (100‬‬ ‫َ‬
‫خ إ ِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬
‫م ب َْرَز ٌ‬‫ن وََرائ ِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ة هُوَ َقائ ِلَها وَ ِ‬ ‫م ٌ‬‫كل إ ِن َّها ك َل ِ َ‬
‫ت َ‬
‫ت ََرك ْ ُ‬
‫يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت ‪ ،‬من الكافرين أو المفرطين في‬
‫أمر الله تعالى ‪ ،‬وقيلهم عند ذلك ‪ ،‬وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا ‪ ،‬ليصلح ما‬
‫َ‬
‫حا‬ ‫صال ِ ً‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬
‫ل‬ ‫ن * ل َعَّلي أعْ َ‬ ‫جُعو ِ‬ ‫ب اْر ِ‬ ‫كان أفسده في مدة حياته ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬ر ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كل { كما قال تعالى ‪ } :‬وَأ َن ْفِ ُ‬ ‫ت َ‬
‫ي‬
‫ن ي َأت ِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ‬
‫ن قب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َرَزقَناك ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫قوا ِ‬ ‫ما ت ََرك ْ ُ‬ ‫ِفي َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ني‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ّ ّ َ َ ْ ِ َ‬ ‫َ ٍ ِ ٍ‬ ‫َِ‬ ‫ّ ْ َِ‬ ‫َ ّ ْ‬ ‫َ ْ ُ َ‬ ‫ح َ ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫أ َ‬
‫ن{‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫جل َُها َوالل ّ ُ‬ ‫جاَء أ َ‬ ‫سا إ َِذا َ‬ ‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫خَر الل ّ ُ‬ ‫ن ي ُؤَ ّ‬ ‫ن‪ .‬وَل َ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ب‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذا ُ‬ ‫م ي َأِتيهِ ُ‬ ‫س ي َوْ َ‬ ‫]المنافقون ‪ ، [11 ، 10 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَأن ْذِرِ الّنا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫موا َرب َّنا أ َ ّ‬
‫م‬
‫ل أوَل ْ‬ ‫س َ‬ ‫ك وَن َت ّب ِِع الّر ُ‬ ‫ب د َعْوَت َ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ب نُ ِ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ل قَ ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫خْرَنا إ َِلى أ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل { ]إبراهيم ‪ ، [44 :‬وقال تعالى ‪} :‬‬ ‫ن َزَوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫كوُنوا أقْ َ‬ ‫تَ ُ‬
‫َ‬ ‫حقّ فَهَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل لَنا‬ ‫ل َرب َّنا ِبال َ‬ ‫س ُ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سوه ُ ِ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫م ي َأِتي ت َأِويل ُ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل { ]العراف ‪:‬‬ ‫م ُ‬ ‫ذي كّنا ن َعْ َ‬ ‫ل غَي َْر ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫فُعوا لَنا أوْ ن َُرد ّ فَن َعْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫فَعاَء فَي َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م َرب َّنا‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫سو ُرُءو ِ‬ ‫ن َناك ِ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫‪ ، [53‬وقال تعالى ‪ } :‬وَلوْ ت ََرى إ ِذِ ال ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن { ]السجدة ‪ ، [12 :‬وقال‬ ‫موقُِنو َ‬ ‫حا إ ِّنا ُ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫جعَْنا ن َعْ َ‬ ‫معَْنا َفاْر ِ‬ ‫س ِ‬ ‫صْرَنا وَ َ‬ ‫أب ْ َ‬
‫ت َرب َّنا‬ ‫ب ِبآَيا ِ‬ ‫قاُلوا َيا ل َي ْت ََنا ن َُرد ّ َول ن ُك َذ ّ َ‬ ‫فوا عََلى الّنارِ فَ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ وُقِ ُ‬
‫ما‬ ‫ل وَل َوْ ُرّدوا ل ََعاُدوا ل ِ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫دا ل َهُ ْ‬ ‫ل بَ َ‬ ‫ن‪ .‬ب َ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫وَن َ ُ‬
‫ن { ]النعام ‪ ، [28 ، 27 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَت ََرى‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ه وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن ُُهوا عَن ْ ُ‬
‫ل { ]الشورى ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرد ّ ِ‬ ‫ن هَل إ ِلى َ‬ ‫قولو َ‬ ‫ب يَ ُ‬ ‫ما َرأُوا العَذا َ‬ ‫نل ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َفاعْت ََرفَْنا ب ِذ ُُنوب َِنا‬ ‫حي َي ْت ََنا اث ْن َت َي ْ ِ‬ ‫ن وَأ ْ‬ ‫مت َّنا اث ْن َت َي ْ ِ‬ ‫‪ ، [44‬وقال تعالى ‪َ } :‬قاُلوا َرب َّنا أ َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ك بِ ِ‬ ‫شَر ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫حد َه ُ ك َ َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ه إ َِذا د ُ ِ‬ ‫م ب ِأن ّ ُ‬ ‫ل ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خُروٍج ِ‬ ‫ل إ َِلى ُ‬ ‫فَهَ ْ‬
‫م‬‫ي ال ْك َِبيرِ { ]غافر ‪ ، [12 ، 11 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَهُ ْ‬ ‫م ل ِل ّهِ ال ْعَل ِ ّ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫مُنوا َفال ْ ُ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫م َ‬ ‫مْرك ُ ْ‬ ‫م ن ُعَ ّ‬ ‫ل أوَل َ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ذي ك ُّنا ن َعْ َ‬ ‫حا غَي َْر ال ّ ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَنا ن َعْ َ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ن ِفيَها َرب َّنا أ ْ‬ ‫خو َ‬ ‫صط َرِ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫صيرٍ { ]فاطر ‪:‬‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ما ِللظال ِ ِ‬ ‫ذوُقوا فَ َ‬ ‫ذيُر فَ ُ‬ ‫م الن ّ ِ‬ ‫جاَءك ُ ُ‬ ‫ن ت َذ َك َّر وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َت َذ َك ُّر ِفيهِ َ‬
‫‪ ، [37‬فذكر تعالى أنهم يسألون الرجعة ‪ ،‬فل يجابون ‪ ،‬عند الحتضار ‪ ،‬ويوم‬
‫النشور ووقت العرض على الجبار ‪ ،‬وحين يعرضون على النار ‪ ،‬وهم في‬
‫غمرات عذاب الجحيم‪.‬‬
‫ة هُوَ َقائ ِلَها { ‪ :‬كل حرف ردع وزجر ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬ ‫ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫َ‬
‫كل إ ِن َّها كل ِ َ‬ ‫وقوله ‪ :‬هاهنا ‪َ } :‬‬
‫نجيبه إلى ما طلب ول نقبل منه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (2/181‬وسنن أبي داود برقم )‪ (3893‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (3528‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(10601‬‬

‫) ‪(5/493‬‬

‫ة هُوَ َقائ ِل َُها { ‪ :‬قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬أي‬ ‫م ٌ‬‫كل إ ِن َّها ك َل ِ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫ل بد أن يقولها ل محالة كل محتضر ظالم‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون ذلك علة لقوله ‪" :‬كل" ‪ ،‬أي ‪ :‬لنها كلمة ‪ ،‬أي ‪ :‬سؤاله‬
‫الرجوع ليعمل صالحا هو كلم منه ‪ ،‬وقول ل عمل معه ‪ ،‬ولو رد لما عمل‬
‫صالحا ‪ ،‬ولكان يكذب في مقالته هذه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَل َوْ ُرّدوا ل ََعاُدوا ل ِ َ‬
‫ما‬
‫ن{‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ه وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫ن ُُهوا عَن ْ ُ‬
‫ت َقا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ل َر ّ‬ ‫مو ْ ُ‬
‫م ال َ‬
‫حد َهُ ُ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬
‫جاَء أ َ‬ ‫وقال محمد بن كعب القرظي ‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ت { قال ‪ :‬فيقول الجبار ‪ } :‬كل إ ِن َّها‬ ‫ْ‬
‫ما ت ََرك ُ‬‫حا ِفي َ‬
‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫ن ل َعَّلي أعْ َ‬
‫م ُ‬ ‫جُعو ِ‬ ‫اْر ِ‬
‫ُ‬
‫ة هُوَ قائ ِلَها {‪.‬‬‫َ‬ ‫ك َل ِ َ‬
‫م ٌ‬
‫كل { فإنما‬ ‫فَرة ‪ :‬إذا سمعت الله يقول ‪َ } :‬‬ ‫وقال عمر بن عبد الله مولى غُ ْ‬
‫يقول ‪ :‬كذب‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت { ‪ :‬قال ‪ :‬كان‬ ‫موْ ُ‬
‫م ال َ‬ ‫حد َهُ ُ‬
‫جاَء أ َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬
‫وقال قتادة في قوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫العلء بن زياد يقول ‪ :‬لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت ‪ ،‬فاستقال‬
‫ربه فأقاله ‪ ،‬فليعمل بطاعة الله عز وجل‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬والله ما تمنى أن يرجع إلى أهل ول إلى عشيرة ‪ ،‬ولكن تمنى‬
‫أن يرجع فيعمل بطاعة الله ‪ ،‬فانظروا أمنية الكافر المفرط فاعملوا بها ‪ ،‬ول‬
‫قوة إل بالله‪ .‬وعن محمد بن كعب القرظي نحوه‪.‬‬
‫وقال محمد بن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن يوسف ‪ ،‬حدثنا فضيل ‪-‬‬
‫صّرف ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن‬ ‫م َ‬ ‫يعني ‪ :‬ابن عياض ‪ -‬عن ل َْيث ‪ ،‬عن طلحة بن ُ‬
‫أبي هريرة قال ‪ :‬إذا وضع ‪ -‬يعني ‪ :‬الكافر ‪ -‬في قبره ‪ ،‬فيرى مقعده من‬
‫النار‪ .‬قال ‪ :‬فيقول ‪ :‬رب ‪ ،‬ارجعون أتوب وأعمل صالحا‪ .‬قال ‪ :‬فيقال ‪ :‬قد‬
‫مرا‪ .‬قال ‪ :‬فيضيق عليه قبره ‪ ،‬قال ‪ :‬فهو كالمنهوش ‪ ،‬ينام‬ ‫معَ ّ‬
‫مرت ما كنت ُ‬ ‫عُ ّ‬
‫م الرض وحياتها وعقاربها‪.‬‬ ‫وا ّ‬
‫ويفزع ‪ ،‬تهوي )‪ (2‬إليه هَ َ‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثني سلمة بن تمام ‪ ،‬حدثنا‬
‫علي بن زيد )‪ .(3‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬أنها قالت ‪ :‬ويل لهل‬
‫المعاصي من أهل القبور!! تدخل )‪ (4‬عليهم في قبورهم حيات سود ‪ -‬أو ‪:‬‬
‫هم ‪ -‬حية عند رأسه ‪ ،‬وحية عند رجليه ‪ ،‬يقرصانه حتى يلتقيا )‪ (5‬في وسطه‬ ‫دُ ُ‬
‫خ إ َِلى‬
‫م ب َْرَز ٌ‬
‫ن وََرائ ِهِ ْ‬
‫م ْ‬‫‪ ،‬فذلك العذاب في البرزخ الذي قال الله تعالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ن{‬‫ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬
‫م { يعني ‪ :‬أمامهم‪.‬‬ ‫ن وََرائ ِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫وقال أبو صالح وغيره في قوله تعالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬البرزخ ‪ :‬الحاجز ما بين الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬البرزخ ‪ :‬ما بين الدنيا والخرة‪ .‬ليسوا )‪ (6‬مع أهل‬
‫الدنيا يأكلون ويشربون ‪ ،‬ول مع أهل الخرة يجازون بأعمالهم‪.‬‬
‫وقال أبو صخر ‪ :‬البرزخ ‪ :‬المقابر ‪ ،‬ل هم في الدنيا ‪ ،‬ول هم في الخرة ‪ ،‬فهم‬
‫مقيمون إلى يوم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬كذبت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ويهوي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يدخل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬تقرصانه حتى تلتقيا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ليس"‪.‬‬

‫) ‪(5/494‬‬

‫َ‬
‫قل َ ْ‬
‫ت‬ ‫ن ثَ ُ‬‫م ْ‬ ‫ن )‪ (101‬فَ َ‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫مئ ِذ ٍ وََل ي َت َ َ‬
‫م ي َوْ َ‬
‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬‫سا َ‬ ‫صورِ فََل أن ْ َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫فَإ َِذا ن ُ ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه فَأولئ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه فَأولئ ِ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫واِزين ُ ُ‬
‫م َ‬
‫ت َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (102‬وَ َ‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬
‫م ال ُ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫واِزين ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫م ِفيَها‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م الّناُر وَهُ ْ‬‫جوهَهُ ُ‬ ‫ح وُ ُ‬ ‫ف ُ‬‫ن )‪ (103‬ت َل َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫م َ‬‫جهَن ّ َ‬‫م ِفي َ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف َ‬‫سُروا أن ْ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(104‬‬ ‫حو َ‬ ‫كال ِ ُ‬‫َ‬

‫يبعثون‪.‬‬
‫خ { ‪ :‬تهديد لهؤلء المحتضرين من الظلمة‬ ‫م ب َْرَز ٌ‬
‫ن وََرائ ِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫وفي قوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫م { ]الجاثية ‪ [10 :‬وقال } وَ ِ‬
‫جهَن ّ ُ‬
‫م َ‬
‫ن وََرائ ِهِ ْ‬‫م ْ‬
‫بعذاب البرزخ ‪ ،‬كما قال ‪ِ } :‬‬
‫ظ { ]إبراهيم ‪.[17 :‬‬ ‫ب غَِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫وََرائ ِهِ عَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يستمر به العذاب إلى يوم البعث ‪ ،‬كما جاء‬ ‫ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬إ ِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَثو َ‬ ‫َ‬
‫في الحديث ‪" :‬فل يزال معذبا فيها" )‪ ، (1‬أي ‪ :‬في الرض‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪101‬‬ ‫)‬ ‫ساَءُلو َ‬
‫ن‬ ‫مئ ِذ ٍ َول ي َت َ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫صورِ َفل أن ْ َ‬ ‫خ ِفي ُال ّ‬ ‫ف َ‬ ‫} فَإ َِذا ن ُ ِ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬ ‫ه فَأول َئ ِ َ‬ ‫واِزين ُ ُ‬ ‫م َ‬‫ت َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (102‬وَ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَأول َئ ِ َ‬ ‫واِزين ُ ُ‬ ‫م َ‬‫ت َ‬ ‫قل َ ْ‬‫ثَ ُ‬
‫م ِفيَها‬ ‫ن )‪ (103‬ت َل ْ َ‬ ‫َ‬
‫م الّناُر وَهُ ْ‬ ‫جوهَهُ ُ‬ ‫ح وُ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫سُروا أن ْ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (104‬‬ ‫حو َ‬ ‫كال ِ ُ‬‫َ‬
‫يخبر تعالى أنه إذا نفخ في الصور نفخة النشور ‪ ،‬وقام الناس من القبور ‪،‬‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬ل تنفع النساب يومئذ ‪ ،‬ول يرثي والد لولده ‪ ،‬ول‬ ‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫} َفل أن ْ َ‬
‫م { ]المعارج‬ ‫سأ ُ‬‫َ‬
‫صُرون َهُ ْ‬ ‫ما‪ .‬ي ُب َ ّ‬ ‫مي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل َ‬ ‫يلوي عليه ‪ ،‬قال الله تعالى ‪َ } :‬ول ي َ ْ‬
‫‪ [11 ، 10 :‬أي ‪ :‬ل يسأل القريب قريبه وهو يبصره ‪ ،‬ولو كان عليه من‬
‫الوزار ما قد أثقل ظهره ‪ ،‬وهو كان أعز الناس عليه ‪ -‬كان ‪ -‬في الدنيا ‪ ،‬ما‬
‫فّر‬ ‫م يَ ِ‬ ‫التفت إليه ول حمل عنه وزن جناح بعوضة ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫ن ي ُغِْني ِ‬ ‫شأ ٌ‬ ‫مئ ِذ ٍ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ئ ِ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫لا ْ‬ ‫ه‪ .‬ل ِك ُ ّ‬ ‫حب َت ِهِ وَب َِني ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ه‪ .‬وَ َ‬ ‫مهِ وَأِبي ِ‬ ‫ه‪ .‬وَأ ّ‬ ‫خي ِ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مْرُء ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫{ ]عبس ‪.[37 - 34 :‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ :‬إذا كان يوم القيامة جمع الله الولين والخرين ثم نادى‬
‫مناد ‪ :‬أل من كان له مظلمة فليجئ فليأخذ حقه ‪ :‬قال ‪ :‬فيفرح )‪ (2‬المرء أن‬
‫يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيرا; ومصداق ذلك‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫مئ ِذ ٍ َول ي َت َ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬‫سا َ‬ ‫صورِ َفل أن ْ َ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫ف َ‬ ‫في كتاب الله ‪ } :‬فَإ َِذا ن ُ ِ‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو سعيد ‪ -‬مولى بني هاشم ‪ -‬حدثنا عبد الله بن‬
‫مة ‪ ،‬عن عُب َْيد الله بن أبي رافع ‪،‬‬ ‫خَر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ور بن َ‬ ‫س َ‬ ‫م ْ‬ ‫جعفر ‪ ،‬حدثتنا أم بكر بنت ال ِ‬
‫مة ‪ -‬رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬ ‫خَر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ور ‪ -‬هو ابن َ‬ ‫س َ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ال ِ‬
‫سطني ما‬ ‫ضني ما يقبضها ‪ ،‬وي َب ْ ُ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫ة مني ‪ ،‬ي َ ْ‬ ‫ضعَ ٌ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ :‬فاطمة ب َ ْ‬
‫يبسطها )‪ (3‬وإن النساب تنقطع )‪ (4‬يوم القيامة غير نسبي وسببي‬
‫وصهري"‪(5) .‬‬
‫هذا الحديث له أصل في الصحيحين عن المسور أن )‪ (6‬رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪" :‬فاطمة بضعة مني ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (1071‬من حديث أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬وقال ‪" :‬حديث حسن غريب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فيفرح والله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يفيضني ما يفيضها وينشطني ما ينشطها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬منقطع"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(4/323‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬

‫) ‪(5/495‬‬

‫يريبني ما رابها ‪ ،‬ويؤذيني ما آذاها" )‪.(1‬‬


‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا زهير ‪ ،‬عن عبد الله بن محمد ‪،‬‬
‫عن حمزة بن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر ‪" :‬ما بال رجال يقولون ‪ :‬إن رحم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ل تنفع قومه ؟ بلى ‪ ،‬والله إن رحمي‬
‫موصولة في الدنيا والخرة ‪ ،‬وإني ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬فرط لكم ‪ ،‬إذا )‪ (2‬جئتم"‬
‫قال رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أنا فلن بن فلن ‪ ] ،‬وقال أخوه ‪ :‬أنا فلن ابن‬
‫فلن[ )‪ (3‬فأقول لهم ‪" :‬أما النسب فقد عرفت ‪ ،‬ولكنكم أحدثتم بعدي‬
‫وارتددتم القهقري"‪(4) .‬‬
‫وقد ذكرنا في مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب )‪ (5‬من طرق متعددة‬
‫عنه ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬أنه لما تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬أما ‪ -‬والله ‪ -‬ما بي إل أني سمعت رسول الله صلى الله‬
‫ب وَنسب فإنه منقطع يوم القيامة ‪ ،‬إل سببي‬ ‫عليه وسلم يقول ‪" :‬كل سب َ ٍ‬
‫ونسبي"‪.‬‬
‫رواه )‪ (6‬الطبراني ‪ ،‬والبزار والهيثم بن كليب ‪ ،‬والبيهقي ‪ ،‬والحافظ الضياء‬
‫في "المختارة" )‪ (7‬وذكرنا أنه أصدقها أربعين ألفا ؛ إعظاما وإكراما ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه ؛ فقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي العاص بن الربيع ‪-‬‬
‫زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من طريق أبي القاسم‬
‫البغوي ‪ :‬حدثنا سليمان بن عمر بن القطع ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن عبد السلم ‪،‬‬
‫عن إبراهيم بن يزيد ‪ ،‬عن محمد ابن عباد بن جعفر ‪ ،‬سمعت ابن عمر يقول ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة‬
‫إل نسبي وصهري" )‪ .(8‬وروي فيها من طريق عمار بن سيف ‪ ،‬عن هشام بن‬
‫عُْرَوة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو مرفوعا ‪" :‬سألت ربي عز وجل أل‬
‫أتزوج إلى أحد من أمتي ‪ ،‬ول يتزوج إلي أحد منهم ‪ ،‬إل كان معي في الجنة ‪،‬‬
‫فأعطاني ذلك" )‪ .(9‬ومن حديث عمار بن سيف ‪ ،‬عن إسماعيل ‪ ،‬عن عبد‬
‫الله بن عمرو‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه فَأولئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬من رجحت‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬
‫م ال ُ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫واِزين ُ ُ‬
‫م َ‬‫ت َ‬
‫قل ْ‬ ‫ن ثَ ُ‬ ‫م ْ‬‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫حسناته على سيئاته ولو بواحدة ‪ ،‬قاله ابن عباس‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬الذين فازوا فنجوا من النار وأدخلوا الجنة‪.‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫} فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬أولئك الذين فازوا بما طلبوا ‪ ،‬ونجوا من شر ما منه هربوا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (3714‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2449‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فإذا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(3/18‬‬
‫)‪ (5‬مسند عمر بن الخطاب لبن كثير )‪.(1/389‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ورواه الحافظ"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المعجم الكبير )‪ (3/45‬ومسند البزار برقم )‪" (2445‬كشف الستار"‬
‫وسنن البيهقي الكبرى )‪ (7/64‬والمختارة للمقدسي برقم )‪.(281‬‬
‫)‪ (8‬تاريخ دمشق )‪" 19/119‬المخطوط"( ورواه علي بن سعيد عن سليمان‬
‫بن عمر الرقي عن إبراهيم بن عبد السلم عن إبراهيم بن يزيد عن محمد بن‬
‫عباد بن جعفر عن عبد الله بن الزبير مرفوعا ‪ ،‬وأخرجه الطبراني في‬
‫الوسط برقم )‪.(3963‬‬
‫)‪ (9‬تاريخ دمشق )‪" 19/119‬المخطوط"( ورواه الطبراني في الوسط برقم‬
‫)‪" (3961‬مجمع البحرين" من طريق يزيد بن الكميت عن عمار بن سيف به‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر في الفتح )‪" : (7/85‬إسناده واه" وفي الباب عن ابن‬
‫أبي أوفى رضي الله عنه‪.‬‬
‫) ‪(5/496‬‬

‫ن‬‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬ ‫ه { أي ‪ :‬ثقلت سيئاته على حسناته ‪ } ،‬فَُأول َئ ِ َ‬ ‫واِزين ُ ُ‬‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫م { أي ‪ :‬خابوا وهلكوا ‪ ،‬وباؤوا بالصفقة )‪ (1‬الخاسرة‪.‬‬ ‫َ‬
‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫سُروا أن ْ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث ‪ ،‬حدثنا داود بن‬
‫مّريّ ‪ ،‬عن ثابت الُبناني وجعفر بن زيد ومنصور بن‬ ‫حّبر ‪ ،‬حدثنا صالح ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ال ُ‬
‫زاذان ‪ ،‬عن أنس بن مالك يرفعه قال ‪" :‬إن لله ملكا موكل بالميزان ‪ ،‬فيؤتى‬
‫بابن آدم ‪ ،‬فيوقف بين كفتي الميزان ‪ ،‬فإن ثقل ميزانه نادى ملك بصوت‬
‫يسمع الخلئق ‪ :‬سعد فلن سعادة ل يشقى بعدها أبدا ‪ ،‬وإن خف ميزانه نادى‬
‫دا" )‪.(3‬‬ ‫ملك بصوت يسمع الخلئق ‪ :‬شقي فلن شقاوة ل )‪ (2‬يسعد بعدها أب ً‬
‫حّبر متروك‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫إسناده ضعيف ‪ ،‬فإن داود بن ال ُ‬
‫ولهذا قال ‪" :‬في جهنم خالدون" أي ‪ :‬ماكثون ‪ ،‬دائمون مقيمون ل يظعنون‪.‬‬
‫م الّناُر {‬ ‫جوهَهُ ُ‬ ‫شى وُ ُ‬ ‫م الّناُر { ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَت َغْ َ‬ ‫جوهَهُ ُ‬ ‫ح وُ ُ‬ ‫ف ُ‬‫} ت َل ْ َ‬
‫م‬
‫جوهِهِ ُ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬‫ن ل ي َك ُ ّ‬ ‫حي َ‬‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬‫]إبراهيم ‪ ، [50 :‬وقال } ل َوْ ي َعْل َ ُ‬
‫ن { ]النبياء ‪.[39 :‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ن ظ ُُهورِهِ ْ‬ ‫الّناَر َول عَ ْ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا فَْرَوة بن أبي المغراء )‪ ، (4‬حدثنا‬
‫مّرة ‪ ،‬عن عبد الله بن‬ ‫ضَرار بن ُ‬ ‫سَنان ِ‬ ‫محمد بن سلمان الصبهاني ‪ ،‬عن أبي ِ‬
‫أبي الهذيل ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن جهنم‬
‫لما سيق ]إليها[ )‪ (5‬أهلها يلقاهم )‪ (6‬لهبها ‪ ،‬ثم تلفحهم لفحة ‪ ،‬فلم يبق لحم‬
‫إل سقط على العرقوب"‪(7) .‬‬
‫فّزاز ‪ ،‬حدثنا الخضر بن‬ ‫وقال ابن مردويه ‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى ال َ‬
‫قطان ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫علي بن يونس القطان ‪ ،‬حدثنا عمر بن أبي الحارث بن الخضر ال َ‬
‫حدثنا سعد بن سعيد )‪ (8‬المقبري ‪ ،‬عن أخيه ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله‬
‫م الّناُر { قال ‪" :‬تلفحهم لفحة ‪ ،‬فتسيل لحومهم على‬ ‫جوهَهُ ُ‬ ‫ح وُ ُ‬ ‫ف ُ‬‫تعالى ‪ } :‬ت َل ْ َ‬
‫أعقابهم" )‪.(9‬‬
‫ن { قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ِفيَها َ‬
‫كال ِ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُ ْ‬
‫يعني عابسون‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود ‪:‬‬
‫شّيط الذي قد بدا أسنانه‬ ‫م َ‬
‫ن { قال ‪ :‬ألم تر إلى الرأس ال ُ‬ ‫حو َ‬ ‫كال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫} وَهُ ْ‬
‫وقََلصت شفتاه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬أخبرنا علي بن إسحاق ‪ ،‬أخبرنا عبد الله ‪ -‬هو‬
‫ابن المبارك ‪ ،‬رحمه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وفازوا بالصفة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬فل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬ورواه أبو نعيم في الحلية كما في تخريج الحياء )‪ (4098‬وقال ‪" :‬تفرد‬
‫به داود بن المحبر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أبي الفراء"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬تلقيهم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬ورواه أبو نعيم في الحلية )‪ (4/363‬وقال ‪" :‬لم يروه مرفوعا متصل عن‬
‫أبي سنان عن عبد الله إل محمد بن سليمان الصبهاني ‪ ،‬ورواه ابن عيينة‬
‫وابن فضيل وجرير عن أبي سنان فأوقفه ابن فضيل على أبي هريرة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سعيد بن أبي سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (9‬ورواه الضياء المقدسي في صفة النار كما في الدر المنثور )‪ (6/117‬من‬
‫حديث أبي الدرداء رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(5/497‬‬

‫مح ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد‬ ‫س ْ‬


‫الله ‪ -‬أخبرنا سعيد بن يزيد ‪ ،‬عن أبي ال ّ‬
‫ن { ‪ ،‬قال‬
‫حو َ‬ ‫م ِفيَها َ‬
‫كال ِ ُ‬ ‫دري ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ } :‬وَهُ ْ‬ ‫خ ْ‬‫ال ُ‬
‫سط رأسه ‪ ،‬وتسترخي شفته‬ ‫َ‬ ‫ص شفته العليا حتى تبلغ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫قل ُ‬ ‫شويه النار فَت َ َ‬
‫‪" :‬ت َ ْ‬
‫سّرته"‪.‬‬
‫ضرب ُ‬ ‫السفلى حتى ت َ ْ‬
‫سوَْيد بن نصر )‪ (1‬عن عبد الله بن المبارك ‪ ،‬به )‪(2‬‬ ‫ورواه الترمذي ‪ ،‬عن ُ‬
‫وقال ‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬نصير"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (3/88‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3176‬‬

‫) ‪(5/498‬‬

‫ت عَل َي َْنا‬ ‫أ َل َم ت َك ُ َ‬
‫ن )‪َ (105‬قاُلوا َرب َّنا غَل َب َ ْ‬ ‫م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ‬ ‫م فَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن آَياِتي ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن)‬ ‫مو‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ظا‬ ‫نا‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫ر‬‫خ‬ ‫قوتنا وك ُنا قَوما ضاّلين )‪ (106‬ربنا أ َ‬
‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ ً َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ش َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫قولو َ‬‫ُ‬ ‫عَباِدي ي َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن )‪ (108‬إ ِن ّ ُ‬ ‫مو ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سُئوا ِفيَها وَل ت ُك َل ُ‬ ‫خ َ‬ ‫لا ْ‬ ‫‪َ (107‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خرِّيا‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫خذ ْت ُ ُ‬ ‫ن )‪َ (109‬فات ّ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫خي ُْر الّرا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا وَأن ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر لَنا َواْر َ‬ ‫مّنا َفاغْ ِ‬ ‫َرب َّنا آ َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬
‫م بِ َ‬ ‫جَزي ْت ُهُ ُ‬ ‫ن )‪ (110‬إ ِّني َ‬ ‫كو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ري وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م ذِك ْ ِ‬ ‫سوْك ُ ْ‬ ‫حّتى أن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(111‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فائ ُِزو َ‬ ‫م ال َ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫صب َُروا أن ّهُ ْ‬ ‫َ‬

‫ت عَل َي َْنا‬ ‫َ‬


‫ن )‪َ (105‬قاُلوا َرب َّنا غَل َب َ ْ‬ ‫م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ‬ ‫م فَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن آَياِتي ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫ن)‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ن عُد َْنا فَإّنا َ‬
‫ِ‬ ‫من َْها فَإ ِ ْ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ن )‪َ (106‬رب َّنا أ َ ْ‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ما َ‬ ‫قوَت َُنا وَك ُّنا قَوْ ً‬ ‫ش ْ‬ ‫ِ‬
‫‪.{ (107‬‬
‫هذا تقريع من الله تعالى لهل النار ‪ ،‬وتوبيخ لهم على ما ارتكبوا من الكفر‬
‫َ‬
‫ن آَياِتي‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫والمآثم والمحارم والعظائم ‪ ،‬التي أوبقتهم في ذلك ‪ ،‬فقال ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬قد أرسلت إليكم الرسل ‪ ،‬وأنزلت‬ ‫م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ‬ ‫م فَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬
‫شَبهكم ‪ ،‬ولم يبق لكم حجة تدلون بها كما قال ‪ } :‬ل َِئل‬ ‫الكتب ‪ ،‬وأزلت )‪ُ (1‬‬
‫ما كّناُ‬ ‫ل { ]النساء ‪ ، [165 :‬وقال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ة ب َعْد َ الّر ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ح ّ‬ ‫س عََلى الل ّهِ ُ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫كو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ُ‬
‫ج‬‫ي ِفيَها فَوْ ٌ‬ ‫ق َ‬ ‫ما أل ْ ِ‬ ‫سول { ]السراء ‪ ، [15 :‬وقال ‪ } :‬ك ُل ّ َ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫حّتى ن َب ْعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫معَ َذ ِّبي َ‬ ‫ُ‬
‫ما نز َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ذيٌر فكذ ّب َْنا وَقلَنا َ‬ ‫جاَءَنا ن َ ِ‬ ‫ذيٌر‪ .‬قالوا ب َلى قد ْ َ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫م ي َأت ِك ْ‬ ‫خَزن َت َُها أل ْ‬ ‫م َ‬ ‫سألهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ما كّناُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬
‫قل َ‬ ‫معُ أوْ ن َعْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ر‪ .‬وَقالوا لوْ كّنا ن َ ْ‬ ‫ل كِبي ٍ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫م ِإل ِفي َ‬ ‫ن أن ْت ُ ْ‬ ‫يٍء إ ِ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ُ‬
‫سِعيرِ { ]الملك ‪8 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ال ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫قا ل ْ‬ ‫ح ً‬ ‫س ْ‬ ‫مف ُ‬ ‫ر‪ .‬فاعْت ََرفوا ب ِذن ْب ِهِ ْ‬ ‫سِعي ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ِفي أ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬قد‬ ‫َ‬ ‫لي‬‫ّ‬ ‫ضا‬
‫ْ ً َ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ت‬
‫َ ْ َ َْ ِ ََُ َ ّ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ش‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ت‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫نا‬
‫َ َّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قالوا‬ ‫ولهذا‬ ‫‪،‬‬ ‫‪[11 -‬‬
‫ضل َل َْنا عنها‬ ‫قامت علينا الحجة ‪ ،‬ولكن كنا أشقى من أن ننقاد لها ونتبعها ‪ ،‬فَ َ‬
‫ولم ن ُْرَزقَْها‪.‬‬
‫ن عُد َْنا فَإّنا َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ُ :‬رّدنا إلى الدار‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫من َْها فَإ ِ ْ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ثم قالوا ‪َ } :‬رب َّنا أ ْ‬
‫الدنيا ‪ ،‬فإن عدنا إلى ما سلف منا ‪ ،‬فنحن ظالمون مستحقون للعقوبة ‪ ،‬كما‬
‫َ‬
‫ي الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ع َ‬ ‫ه إ َِذا د ُ ِ‬ ‫م ب ِأن ّ ُ‬ ‫ل‪ .‬ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خُروٍج ِ‬ ‫ل إ َِلى ُ‬ ‫قالوا ‪َ } :‬فاعْت ََرفَْنا ب ِذ ُُنوب َِنا فَهَ ْ‬
‫ي ال ْك َِبيرِ { ]غافر ‪، 11 :‬‬ ‫م ل ِل ّهِ ال ْعَل ِ ّ‬‫حك ْ ُ‬ ‫مُنوا َفال ْ ُ‬‫ك ب ِهِ ت ُؤْ ِ‬ ‫شَر ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬‫فْرت ُ ْ‬ ‫حد َه ُ ك َ َ‬ ‫وَ ْ‬
‫‪ [12‬أي ‪ :‬ل سبيل إلى الخروج ؛ لنكم كنتم تشركون بالله إذا وحده‬
‫المؤمنون‪.‬‬
‫ن َرب َّنا‬‫قوُلو َ‬ ‫عَباِدي ي َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن )‪ (108‬إ ِن ّ ُ‬ ‫مو ِ‬ ‫سُئوا ِفيَها َول ت ُك َل ّ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫لا ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫َ‬
‫حّتى‬ ‫خرِّيا َ‬ ‫س ْ‬‫م ِ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫خذ ْت ُ ُ‬‫ن )‪َ (109‬فات ّ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ح ِ‬‫خي ُْر الّرا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا وَأن ْ َ‬ ‫فْر ل ََنا َواْر َ‬
‫ح ْ‬ ‫مّنا َفاغْ ِ‬ ‫آ َ‬
‫ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫َ‬
‫صب َُروا‬‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م الي َوْ َ‬ ‫جَزي ْت ُهُ ُ‬
‫ن )‪ (110‬إ ِّني َ‬ ‫كو َ‬ ‫ض َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ري وَك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ذِك ْ ِ‬ ‫سوْك ُ ْ‬ ‫أن ْ َ‬
‫ن )‪.{ (111‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫فائ ُِزو َ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫أن ّهُ ْ‬
‫هذا جواب من الله تعالى للكفار إذا سألوا الخروج من النار والرجعة إلى هذه‬
‫مهانين أذلء‪.‬‬ ‫سُئوا ِفيَها { أي ‪ :‬امكثوا فيها صاغرين ُ‬ ‫خ َ‬ ‫الدار )‪ ، (2‬يقول ‪ } :‬ا ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل تعودوا إلى سؤالكم هذا ‪ ،‬فإنه ل جواب لكم عندي‪.‬‬ ‫مو ِ‬ ‫} َول ت ُك َل ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وأرخت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الدنيا"‪.‬‬

‫) ‪(5/498‬‬

‫ن { قال ‪ :‬هذا قول‬ ‫مو ِ‬ ‫سُئوا ِفيَها َول ت ُك َل ّ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫قال العَوِْفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ا ْ‬
‫الرحمن حين انقطع كلمهم منه‪.‬‬
‫دة بن سليمان المروزي ‪ ،‬حدثنا عبد‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عَب ْ َ‬
‫الله بن المبارك ‪ ،‬عن سعيد بن أبي عَُروَبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبي أيوب ‪ ،‬عن‬
‫عبد الله بن عمرو قال ‪ :‬إن أهل جهنم يدعون مالكا ‪ ،‬فل يجيبهم أربعين‬
‫عاما ‪ ،‬ثم يرد ّ عليهم ‪ :‬إنكم ماكثون‪ .‬قال ‪ :‬هانت دعوتهم ‪ -‬والله )‪ - (1‬على‬
‫قوَت َُنا وَك ُّنا‬ ‫ش ْ‬ ‫ت عَل َي َْنا ِ‬ ‫مالك ورب مالك‪ .‬ثم يدعون ربهم فيقولون ‪َ } :‬رب َّنا غَل َب َ ْ‬
‫ن { قال ‪ :‬فيسكت عنهم‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ن عُد َْنا فَإّنا َ‬
‫ِ‬ ‫من َْها فَإ ِ ْ‬‫جَنا ِ‬‫خرِ ْ‬ ‫ن‪َ .‬رب َّنا أ َ ْ‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ما َ‬ ‫قَوْ ً‬
‫ن { قال ‪ :‬والله‬ ‫مو ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سُئوا ِفيَها َول ت ُكل ُ‬ ‫خ َ‬ ‫قدر الدنيا مرتين ‪ ،‬ثم يرد عليهم ‪ } :‬ا ْ‬
‫ما ن ََبس )‪ (2‬القوم بعدها بكلمة واحدة ‪ ،‬وما هو إل الزفير والشهيق في نار‬
‫جهنم‪ .‬قال ‪ :‬فشبهت أصواتهم بأصوات الحمير ‪ ،‬أولها زفير وآخرها شهيق‪.‬‬
‫دي ‪ ،‬حدثنا‬ ‫مهْ ِ‬ ‫سَنان ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن َ‬ ‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أحمد بن ِ‬
‫سَلمة بن ك ُهَْيل ‪ ،‬حدثنا أبو الّزعَْراء قال ‪ :‬قال عبد الله بن‬ ‫سفيان ‪ ،‬عن َ‬
‫دا ‪ -‬يعني ‪ :‬من جهنم ‪ -‬غير وجوههم‬ ‫ً‬ ‫أح‬ ‫منهم‬ ‫يخرج‬ ‫أل‬ ‫الله‬ ‫أراد‬ ‫مسعود ‪ :‬إذا‬
‫وألوانهم ‪ ،‬فيجيء الرجل من المؤمنين ‪ ،‬فيشفع فيقول ‪ :‬يا رب )‪ .(3‬فيقول ‪:‬‬
‫دا فيقول ‪ :‬أنا‬ ‫دا فليخرجه‪ .‬فيجيء الرجل فينظر فل يعرف أح ً‬ ‫من عرف أح ً‬
‫فلن‪ .‬فيقول ‪ :‬ما أعرفك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬فعند‬ ‫مو َ‬ ‫ن عُد َْنا فَإ ِّنا ظال ِ ُ‬ ‫من َْها فَإ ِ ْ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫‪ ،‬قال ‪ :‬فعند ذلك يقول ‪َ } :‬رب َّنا أ ْ‬
‫ن {‪ .‬وإذا )‪ (4‬قال ذلك ‪ ،‬أطبقت عليهم‬ ‫مو ِ‬ ‫سُئوا ِفيَها َول ت ُك َل ّ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ذلك يقول ‪ } :‬ا ْ‬
‫شر‪.‬‬ ‫فل )‪ (5‬يخرج منهم ب َ َ‬
‫ثم قال تعالى مذكًرا لهم بذنوبهم في الدنيا ‪ ،‬وما كانوا يستهزئون بعباده‬
‫مّنا‬
‫ن َرب َّنا آ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫عَباِدي ي َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫المؤمنين وأوليائه ‪ ،‬فقال ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬
‫خرِّيا { أي ‪:‬‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫خذ ْت ُ ُ‬ ‫ن * َفات ّ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ح ِ‬‫خي ُْر الّرا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا وَأن ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر ل ََنا َواْر َ‬
‫َفاغْ ِ‬
‫َ‬
‫ري {‬ ‫م ذِك ْ ِ‬ ‫سوْك ُ ْ‬ ‫حّتى أن ْ َ‬ ‫ي‪َ }،‬‬ ‫فسخرتم منهم في دعائهم إياي وتضرعهم إل ّ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫حكو َ‬ ‫ُ‬ ‫ض َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫سيتم معاملتي } وَكن ْت ُ ْ‬ ‫أي ‪ :‬حملكم بغضهم على أن ن َ ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫موا كاُنوا ِ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫من صنيعهم وعبادتهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن { ]المطففين ‪ [30 ، 29 :‬أي ‪:‬‬ ‫مُزو َ‬
‫م ي َت ََغا َ‬ ‫ن * وَإ َِذا َ‬
‫مّروا ب ِهِ ْ‬ ‫ح ُ‬
‫كو َ‬ ‫ض َ‬
‫مُنوا ي َ ْ‬‫آ َ‬
‫يلمزونهم استهزاء‪.‬‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫م الي َوْ َ‬‫جَزي ْت ُهُ ُ‬ ‫ثم أخبر عما جازى به أولياءه وعباده الصالحين ‪ ،‬فقال ‪ } :‬إ ِّني َ‬
‫ن{‬ ‫زو‬ ‫ئ‬ ‫فا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ُِ َ‬ ‫م هُ ُ‬
‫صب َُروا { أي ‪ :‬على أذاكم لهم واستهزائكم منهم ‪ } ،‬أن ّهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫أي ‪ :‬جعلتهم هم الفائزين )‪ (6‬بالسعادة والسلمة والجنة ‪ ،‬الناجين )‪ (7‬من‬
‫النار‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والله دعوتهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬فوالله ما يبس"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يا رب يا رب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فإذا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فلم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬الفائزون"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬الناجون"‪.‬‬

‫) ‪(5/499‬‬

‫َ‬ ‫م ِفي اْل َْر‬


‫ض ي َوْم ٍ‬‫ما أوْ ب َعْ َ‬ ‫ن )‪َ (112‬قاُلوا ل َب ِث َْنا ي َوْ ً‬ ‫سِني َ‬ ‫ض عَد َد َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫م ل َب ِث ْت ُ ْ‬ ‫ل كَ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(114‬‬ ‫مو َ‬‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫م إ ِّل قَِليًل ل َوْ أن ّك ُ ْ‬
‫م ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن ل َب ِث ْت ُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬‫ن )‪َ (113‬قا َ‬ ‫ل ال َْعاّدي َ‬ ‫سأ ِ‬ ‫َفا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫ن )‪ (115‬فَت ََعاَلى الل ّ ُ‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي َْنا َل ت ُْر َ‬ ‫م عَب ًَثا وَأن ّك ُ ْ‬‫قَناك ُ ْ‬‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬‫م أن ّ َ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬‫ح ِ‬ ‫أفَ َ‬
‫ريم ِ )‪(116‬‬ ‫ش ال ْك َ ِ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ َر ّ ْ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫حقّ َل إ ِل َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ض ي َوْم ٍ‬ ‫ما أوْ ب َعْ َ‬ ‫ن )‪َ (112‬قاُلوا ل َب ِث َْنا ي َوْ ً‬ ‫سِني َ‬ ‫ض عَد َد َ ِ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫م ل َب ِث ْت ُ ْ‬ ‫ل كَ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫َ‬ ‫َفا َ‬
‫ن )‪(114‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬‫م ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م ِإل قَِليل ل َوْ أن ّك ُ ْ‬ ‫ن ل َب ِث ْت ُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫ن )‪َ (113‬قا َ‬ ‫ل ال َْعاّدي َ‬ ‫سأ ِ‬ ‫ْ‬
‫مل ِ ُ‬‫ه ال َْ‬ ‫ن )‪ (115‬فَت ََعاَلى الل ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫قناك ُم عَبًثا وأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫عو‬
‫ُْ َ ُ َ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫نا‬‫ح ِ ُْ ْ ّ َ َ َ ْ َ َ ّ ْ ِ َْ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫أفَ َ‬
‫ريم ِ )‪.{ (116‬‬ ‫ش ال ْك َ ِ‬ ‫ه ِإل هُوَ َر ّ ْ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫حقّ ل إ ِل َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫يقول تعالى منبها لهم على ما أضاعوه في عمرهم القصير في الدنيا من‬
‫صَبروا في مدة الدنيا القصيرة لفازوا‬ ‫طاعة الله تعالى وعبادته وحده ‪ ،‬ولو َ‬
‫ن { أي ‪ :‬كم‬ ‫ني َ‬ ‫س ِ‬‫ض عَد َد َ ِ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م ل َب ِث ْت ُ ْ‬‫ل كَ ْ‬ ‫كما فاز أولياؤه المتقون ‪َ } ،‬قا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫ل الَعاّدي َ‬ ‫سأ ِ‬ ‫ض ي َوْم ٍ َفا ْ‬ ‫ما أوْ ب َعْ َ‬ ‫كانت إقامتكم في الدنيا ؟ } َقاُلوا لب ِث َْنا ي َوْ ً‬
‫َ‬
‫أي ‪ :‬الحاسبين‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫م كن ْت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫م ِإل قَِليل { أي ‪ :‬مدة يسيرة على كل تقدير } لوْ أن ّك ْ‬ ‫ن ل َب ِث ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫صّرفتم لنفسكم هذا‬ ‫ن { أي ‪ :‬لما آثرتم الفاني على الباقي ‪ ،‬ولما ت َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫سيئ ‪ ،‬ول استحققتم من الله سخطه في تلك المدة اليسيرة ‪،‬‬ ‫التصرف ال ّ‬
‫ولو أنكم صبرتم على طاعة الله وعبادته )‪ - (1‬كما فعل المؤمنون ‪ -‬لفزتم‬
‫كما فازوا‪.‬‬
‫وزير ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا‬ ‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن ال َ‬
‫كلعي ؛ أنه سمعه يخطب الناس فقال ‪ :‬قال‬ ‫صفوان ‪ ،‬عن أيفع بن عبد ال َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إن الله إذا أدخل أهل الجنة الجنة ‪ ،‬وأهل‬
‫النار النار ‪ ،‬قال ‪ :‬يا أهل الجنة ‪ ،‬كم لبثتم في الرض عدد سنين ؟ قالوا ‪ :‬لبثنا‬
‫يوما أو بعض يوم‪ .‬قال ‪ :‬لنعم ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم ‪ :‬رحمتي‬
‫ورضواني وجنتي ‪ ،‬امكثوا فيها خالدين مخلدين ؟ ثم يقول ‪ :‬يا أهل النار ‪ ،‬كم‬
‫ما أو بعض يوم‪ .‬فيقول ‪ :‬بئس ما‬ ‫لبثتم في الرض عدد سنين ؟ قالوا ‪ :‬لبثنا يو ً‬
‫اتجرتم في يوم أو بعض يوم ‪ :‬ناري وسخطي ‪ ،‬امكثوا فيها خالدين مخلدين"‬
‫)‪.(2‬‬
‫م عَب َثا { أي ‪ :‬أفظننتم أنكم مخلوقون عبثا بل‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قَناك ْ‬ ‫خل ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬
‫ح ِ‬‫وقوله ‪ } :‬أف َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل تعودون‬ ‫عو‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫قصد ول إرادة منكم ول حكمة لنا ‪ } ،‬وأ َ‬
‫ُْ َ ُ َ‬ ‫َ ّ ْ ِ َْ‬
‫دى { ]القيامة ‪:‬‬ ‫س‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫سان أ َ‬ ‫َ‬
‫ُ ً‬ ‫ب الن ْ َ ُ ْ ُ ْ َ‬
‫ت‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫في الدار الخرة ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬أي َ ْ‬
‫‪ ، [36‬يعني همل )‪.(3‬‬
‫دس أن يخلق شيئا عبثا ‪ ،‬فإنه‬ ‫حقّ { أي ‪ :‬تق ّ‬ ‫ْ‬
‫ك ال َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه ال َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَت ََعاَلى الل ّ ُ‬
‫ريم ِ { ‪ ،‬فذكر‬ ‫ش ال ْك َ ِ‬
‫ب العَْر ِ‬
‫ه ِإل هُوَ َر ّ ْ‬ ‫الملك الحق المنزه عن ذلك ‪ } ،‬ل إ ِل َ َ‬
‫العرش ؛ لنه سقف جميع المخلوقات ‪ ،‬ووصفه بأنه كريم ‪ ،‬أي ‪ :‬حسن‬
‫َ‬
‫ل َزوٍْج ك َ ِ‬
‫ريم ٍ {‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫المنظر بهي الشكل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَأن ْب َت َْنا ِفيَها ِ‬
‫]لقمان ‪.[10 :‬‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا علي بن محمد الطَناِفس ّ‬
‫‪ ،‬حدثنا إسحاق بن سليمان ‪ -‬شيخ من أهل العراق ‪ -‬أنبأنا شعيب بن صفوان ‪،‬‬
‫عن رجل من آل سعيد بن العاص قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬على عبادته وطاعته"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه ابن الثير في أسد الغابة )‪ (1/187‬بإسناده إلى الحكم بن موسى‬
‫عن الوليد عن صفوان به‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬مهمل"‪.‬‬

‫) ‪(5/500‬‬

‫كان آخر خطبة خطب عمر بن عبد العزيز أن حمد الله وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫أما بعد ‪ ،‬فإنكم لم تخلقوا عبثا ‪ ،‬ولن )‪ (1‬تتركوا سدى ‪ ،‬وإن لكم معادا ينزل‬
‫من خرج من رحمة الله ‪،‬‬ ‫الله فيه للحكم بينكم والفصل بينكم ‪ ،‬فخاب وخسر َ‬
‫وحرم جنة عرضها السموات والرض ‪ ،‬ألم تعلموا أنه ل يأمن غدا إل من حذر‬
‫هذا اليوم وخافه ‪ ،‬وباع نافدا بباق ‪ ،‬وقليل بكثير ‪ ،‬وخوفا بأمان ‪ ،‬أل ترون أنكم‬
‫من أصلب الهالكين ‪ ،‬وسيكون من بعدكم الباقين ‪ ،‬حتى تردون )‪ (2‬إلى خير‬
‫شّيعون غاديا ورائحا إلى الله عز وجل ‪ ،‬قد‬ ‫الوارثين ؟ ثم إنكم في كل يوم ت ُ َ‬
‫دع من الرض ‪ ،‬في بطن‬ ‫ص ْ‬ ‫قضى نحبه ‪ ،‬وانقضى أجله ‪ ،‬حتى تغيبوه في َ‬
‫صدع غير ممهد ول موسد ‪ ،‬قد فارق الحباب وباشر التراب ‪ ،‬وواجه الحساب‬
‫مْرت ََهن بعمله ‪ ،‬غني عما ترك ‪ ،‬فقير إلى ما قدم‪ .‬فاتقوا الله عباد الله قبل‬ ‫‪ُ ،‬‬
‫انقضاء مواثيقه ‪ ،‬ونزول الموت بكم ثم جعل طرف ردائه على وجهه ‪ ،‬فبكى‬
‫وأبكى من حوله‪.‬‬
‫هب ‪،‬‬ ‫ولني ‪ ،‬حدثنا ابن وَ ْ‬ ‫خ ْ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا يحيى بن نصر )‪ (3‬ال َ‬
‫حَنش )‪ (4‬بن عبد الله ؛ أن رجل‬ ‫أخبرني ابن ل َِهيَعة ‪ ،‬عن أبي هُب َي َْرة َ عن َ‬
‫ما‬ ‫مصابا مر به عبد الله بن مسعود ‪ ،‬فقرأ في أذنه هذه الية ‪ } :‬أ َفَحسبت َ‬
‫م أن ّ َ‬
‫َ ِ ُْ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫خل َ ْ‬
‫حقّ { ‪ ،‬حتى ختم‬ ‫مل ِك ال َ‬
‫ه ال َ‬ ‫ن * فَت ََعالى الل ُ‬
‫جُعو َ‬ ‫م عَب ًَثا وَأن ّك ْ‬
‫م إ ِلي َْنا ل ت ُْر َ‬ ‫قَناك ْ‬ ‫َ‬
‫السورة فَب ََرأ ‪] ،‬فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم[ )‪ ، (5‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬بماذا قرأت في أذنه ؟" فأخبره ‪ ،‬فقال‬
‫موقنا‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لو أن رجل ُ‬
‫جَبل لزال"‪.‬‬ ‫قرأها على َ‬
‫وروى أبو )‪ (6‬ن َُعيم من طريق خالد بن نزار ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن‬
‫كدر ‪ ،‬عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬بعثنا‬ ‫من ْ َ‬
‫محمد بن ال ُ‬
‫سّرية ‪ ،‬وأمرنا أن نقول إذا نحن أمسينا‬ ‫َ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫وأصبحنا ‪ } :‬أ َفَحسبت َ‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫جُعو َ‬‫م إ ِلي َْنا ل ت ُْر َ‬ ‫م عَب ًَثا وَأن ّك ْ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬
‫فقرأناها فغنمنا وسلمنا )‪.(7‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم أيضا ‪ :‬حدثنا إسحاق بن وهب العلف الواسطي ‪ ،‬حدثنا‬
‫شل بن سعيد‬ ‫خن َْيس )‪ ، (8‬عن ن َهْ َ‬ ‫سّيب سلمة بن سلم ‪ ،‬حدثنا بكر بن ُ‬ ‫م َ‬
‫أبو ال ُ‬
‫حم ‪ ،‬عن عبد الله بن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله‬ ‫مَزا ِ‬ ‫حاك بن ُ‬ ‫‪ ،‬عن الض ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أمان لمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن ‪ :‬بسم‬
‫م‬
‫ه ي َوْ َ‬ ‫ميًعا قَب ْ َ‬
‫ضت ُ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫حقّ قَد ْرِهِ َوالْر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ما قَد َُروا الل ّ َ‬ ‫الله الملك الحق ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن { ]الزمر ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫شرِكو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه وَت ََعالى عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬‫مين ِهِ ُ‬ ‫ت ب ِي َ ِ‬ ‫مط ْوِّيا ٌ‬ ‫ت َ‬ ‫سماَوا ُ‬ ‫مةِ َوال ّ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬
‫م { ]هود ‪(9) .[41 :‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن َرّبي ل َغَ ُ‬ ‫ها إ ِ ّ‬‫سا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫جَرا َ‬ ‫م ْ‬ ‫سم ِ الل ّهِ َ‬ ‫‪ } ، [67‬ب ِ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬ولم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬حين تردوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬نصير"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬حسن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫)‪ (7‬معرفة الصحابة لبي نعيم برقم )‪.(726‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬حبيش"‪.‬‬
‫)‪ (9‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (12/124‬وفي كتاب الدعاء برقم )‬
‫‪ (804‬من طرق عن عبد الحميد الهللي ‪ ،‬عن نهشل به ‪ ،‬وقال الهيثمي في‬
‫المجمع )‪" : (10/132‬نهشل بن سعيد متروك"‪.‬‬

‫) ‪(5/501‬‬

‫ح‬ ‫ه َل ي ُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ساب ُ ُ‬
‫ح َ‬
‫ما ِ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ب ِهِ فَإ ِن ّ َ‬ ‫ها َ‬ ‫معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ َ‬
‫خَر َل ب ُْر َ‬ ‫ن ي َد ْع ُ َ‬
‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(118‬‬ ‫مي َ‬‫ح ِ‬ ‫خي ُْر الّرا ِ‬
‫ت َ‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫ح ْ‬‫فْر َواْر َ‬ ‫ْ‬
‫ب اغ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (117‬وَق ْ‬ ‫ال ْكافُِرو َ‬
‫َ‬

‫ح‬‫فل ِ ُ‬
‫ه ل يُ ْ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ساب ُ ُ‬
‫ح َ‬
‫ما ِ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ب ِهِ فَإ ِن ّ َ‬ ‫ها َ‬
‫خَر ل ب ُْر َ‬ ‫معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ‬ ‫ن ي َد ْع ُ َ‬
‫م ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن )‪.{ (118‬‬ ‫مي َ‬ ‫ح ِ‬‫خي ُْر الّرا ِ‬‫ت َ‬ ‫م وَأن ْ َ‬‫ح ْ‬‫فْر َواْر َ‬‫ب اغ ْ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪ (117‬وَقُ ْ‬ ‫كافُِرو َ‬
‫يقول تعالى متوعدا من أشرك به غيره ‪ ،‬وعَب َد َ معه سواه ‪ ،‬ومخبًرا أن من‬
‫ن ي َد ْعُ‬‫م ْ‬‫ه { أي ‪ :‬ل دليل له على قوله ‪ -‬فقال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫أشرك بالله } ل ب ُْر َ‬
‫ه ب ِهِ { ‪ ،‬وهذه جملة معترضة ‪ ،‬وجواب الشرط‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫ها َ‬ ‫خَر ل ب ُْر َ‬ ‫معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ { أي ‪ :‬الله يحاسبه على ذلك‪.‬‬ ‫ه ِ‬ ‫ساب ُ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫في قوله ‪ } :‬فإ ِن ّ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬لديه يوم القيامة ‪ ،‬ل فلح لهم ول‬ ‫ح الكافُِرو َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فل ِ ُ‬‫ه ل يُ ْ‬ ‫ثم أخبر ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫نجاة‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل ‪" :‬ما‬
‫تعبد ؟" قال ‪ :‬أعبد الله ‪ ،‬وكذا وكذا ‪ -‬حتى عد ّ أصناما ‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫ضّر فدعوَته ‪ ،‬كشفه عنك ؟"‪.‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬فأّيهم إذا أصابك ُ‬
‫قال ‪ :‬الله عز وجل‪ .‬قال ‪"] :‬فأّيهم إذا كانت لك حاجة فدعوَته أعطاكها ؟"‬
‫قال ‪ :‬الله عز وجل‪ .‬قال[ )‪" : (1‬فما يحملك على أن تعبد هؤلء معه ؟"‬
‫قال ‪ :‬أردت شكره بعبادة هؤلء معه أم حسبت أن يغلب عليه‪ .‬فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬تعلمون ول يعلمون" قال )‪ (2‬الرجل بعد ما‬
‫أسلم ‪ :‬لقيت رجل خصمني‪.‬‬
‫دا‬
‫هذا مرسل من هذا الوجه ‪ ،‬وقد روى أبو عيسى الترمذي في جامعه مسن ً‬
‫صْين ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ح َ‬‫عن عمران بن ال ُ‬
‫نحو ذلك )‪.(3‬‬
‫َ‬
‫ن { هذا إرشاد من الله‬‫مي َ‬
‫ح ِ‬
‫خي ُْر الّرا ِ‬
‫ت َ‬
‫م وَأن ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ب اغ ْ ِ‬
‫فْر َواْر َ‬ ‫ل َر ّ‬‫وقوله ‪ } :‬وَقُ ْ‬
‫فُر ‪ -‬إذا أطِلق ‪ -‬معناه محو الذنب وستره عن الناس ‪،‬‬ ‫إلى هذا الدعاء ‪ ،‬فالغَ ْ‬
‫والرحمة معناها ‪ :‬أن يسدده ويوفقه في القوال والفعال‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة المؤمنون‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪ (3483‬وقال ‪" :‬هذا حديث غريب"‪.‬‬

‫) ‪(5/502‬‬

‫ها وفَرضنا َ َ‬ ‫َ‬


‫ة‬
‫ن )‪ (1‬الّزان ِي َ ُ‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ت ب َي َّنا ٍ‬ ‫ها وَأن َْزل َْنا ِفيَها آ ََيا ٍ‬ ‫سوَرة ٌ أن َْزل َْنا َ َ َ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ة ِفي ِدين الل ِّ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ل واحد منهما مئ َة جل ْدة وَل تأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫دوا‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ني‬ ‫زا‬‫وال‬
‫ِ‬ ‫ْ ِِ َ َ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ ٍ ِ ُْ َ ِ َ َ َ ٍ َ َ‬ ‫ْ ِ ُ‬ ‫َ ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫ني‬ ‫م‬‫ْ‬
‫ُ ِ ِ َ‬ ‫ؤ‬‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ ٌ ِ َ‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫ف‬‫ئ‬ ‫طا‬ ‫ما‬‫َُ َ‬‫ه‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫ي‬
‫ِ ِ َ َ َ ْ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن ك ُن ْ ُ ْ ُ ِ ُ َ ِ ِ َ َ ْ ِ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ت‬ ‫إِ ْ‬

‫سورة النور‬
‫وهي مدنية‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سوَرة ٌ َأنزل َْنا َ‬
‫ة‬‫ن )‪ (1‬الّزان ِي َ ُ‬ ‫م ت َذكُرو َ‬ ‫َ‬ ‫ت لعَلك ْ‬ ‫ت ب َي َّنا ٍ‬ ‫ها وَأنزلَنا ِفيَها آَيا ٍ‬ ‫ضَنا َ‬ ‫ها وَفََر ْ‬ ‫} ُ‬
‫ة ِفي ِدين الل ِّ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ل واحد منهما مائ َة جل ْدة ول تأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫دوا‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫ْ ِِ َ َ ٌ‬ ‫َ ِ ٍ ِ ُْ َ ِ َ َ َ ٍ َ َ ُ‬ ‫ْ ِ ُ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫زا‬
‫ن)‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ذاب َهُ َ‬ ‫شهَد ْ عَ َ‬ ‫خرِ وَل ْي َ ْ‬‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫‪{ (2‬‬
‫ها { فيه تنبيه على )‪ (1‬العتناء بها ول ينفى‬ ‫َ‬
‫سوَرة ٌ أنزل َْنا َ‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬هذه } ُ‬
‫ما عداها‪.‬‬
‫} وفرضناها { قال مجاهد وقتادة ‪ :‬أيْ بّينا الحلل والحرام والمر والنهي ‪،‬‬
‫والحدود‪.‬‬
‫ضنا عليكم وعلى من بعدكم‪.‬‬ ‫ضناها" يقول ‪ :‬فََر ْ‬ ‫وقال البخاري ‪ :‬ومن قرأ "فََر ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ّ‬
‫م ت َذ َكُرو َ‬ ‫ُ‬
‫حات ‪ } ،‬لعَلك ْ‬ ‫سرات واض َ‬ ‫ت { أي ‪ :‬مف ّ‬ ‫ت ب َي َّنا ٍ‬ ‫} وَأنزل َْنا ِفيَها آَيا ٍ‬
‫جل ْد َةٍ { هذه‬ ‫ة َ‬ ‫مائ َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫دوا ك ُ ّ‬ ‫جل ِ ُ‬‫ة َوالّزاِني َفا ْ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬الّزان ِي َ ُ‬
‫الية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد ‪ ،‬وللعلماء فيه تفصيل ونزاع ؛ فإن‬
‫الزاني ل يخلو إما أن يكون بكًرا ‪ ،‬وهو الذي لم يتزوج ‪ ،‬أو محصنا ‪ ،‬وهو الذي‬
‫ئ في نكاح صحيح ‪ ،‬وهو حر بالغ عاقل‪ .‬فأما إذا كان بكًرا لم يتزوج ‪،‬‬ ‫قد وَط ِ َ‬
‫ده مائة جلدة )‪ (2‬كما في الية ويزاد على ذلك أن ُيغّرب عاما ]عن‬ ‫فإن ح ّ‬
‫بلده[ )‪ (3‬عند جمهور العلماء ‪ ،‬خلفا لبي حنيفة ‪ ،‬رحمه الله ؛ فإن عنده أن‬
‫ب إلى رأي المام ‪ ،‬إن شاء غَّرب وإن شاء لم يغّرب‪.‬‬ ‫التغري َ‬
‫وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين ‪ ،‬من رواية الزهري ‪ ،‬عن‬
‫عتبة بن مسعود ‪ ،‬عن أبي هريرة وزيد بن خالد‬ ‫عُب َْيد الله بن عبد الله بن ُ‬
‫ل الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ي ‪ ،‬في العرابيين اللذين أتيا رسو َ‬ ‫جَهن ّ‬ ‫ال ُ‬
‫سيفا ‪ -‬يعني أجيرا ‪ -‬على هذا‬ ‫فقال أحدهما ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن ابني كان عَ ِ‬
‫دة ‪ ،‬فسألت أهل‬ ‫فزنى بامرأته ‪ ،‬فافتديت ]ابني] )‪ (4‬منه بمائة شاة وََولي َ‬
‫ب عام ‪ ،‬وأن على امرأة‬ ‫العلم ‪ ،‬فأخبروني أن )‪ (5‬على ابني جلد مائة وتغري َ‬
‫هذا الرجم‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪،‬‬
‫جل ْد ُ مائة‬
‫لقضين بينكما بكتاب الله ‪ :‬الوليدة والغنم َرد ّ عليك ‪ ،‬وعلى ابنك َ‬
‫ب عام‪ .‬واغد يا أنيس ‪ -‬لرجل من أسلم ‪ -‬إلى امرأة هذا ‪ ،‬فإن اعترفت‬ ‫وتغري ُ‬
‫فارجمها"‪ .‬فغدا عليها فاعترفت ‪ ،‬فرجمها )‪.(6‬‬
‫ففي هذا دللة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكرا لم يتزوج ‪ ،‬فأما‬
‫إن كان محصنا فإنه يرجم ‪ ،‬كما قال المام مالك ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬جلد مائة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وصحيحي البخاري ومسلم‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬إنما"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (6633 ، 2314‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1697‬‬

‫) ‪(6/5‬‬

‫حدثني ابن شهاب ‪ ،‬أخبرنا )‪ (1‬عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ‪ ،‬أن‬
‫ابن عباس أخبره أن عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قام فحمد الله وأثنى عليه ‪ ،‬ثم‬
‫دا بالحق ‪ ،‬وأنزل عليه‬ ‫قال ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬أيها الناس ‪ ،‬فإن )‪ (2‬الله بعث محم ً‬
‫م رسول‬ ‫الكتاب ‪ ،‬فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ‪ ،‬فقرأناها وَوَعَْيناها ‪ ،‬وََرج َ‬
‫منا بعده ‪ ،‬فأخشى أن يطول بالناس زمان أن‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم وََرج ْ‬
‫يقول قائل ‪ :‬ل نجد آية الرجم في كتاب الله ‪ ،‬فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها‬
‫الله ‪ ،‬فالرجم في كتاب الله حق على من زنى ‪ ،‬إذا أحصن ‪ ،‬من الرجال‬
‫والنساء ‪ ،‬إذا قامت البينة ‪ ،‬أو الحبل ‪ ،‬أو العتراف‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطول )‪ (3‬وهذا )‪ (4‬قطعة منه ‪،‬‬
‫فيها مقصودنا هاهنا‪.‬‬
‫َ‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬عن هُشْيم ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عَُبيد الله بن عبد الله ‪،‬‬
‫عن ابن عباس ‪ :‬حدثني عبد الرحمن بن عوف ؛ أن عمر بن الخطاب خطب‬
‫ل الرجم ؟ في كتاب‬ ‫ن أناسا )‪ (5‬يقولون ‪ :‬ما با ُ‬ ‫الناس فسمعته يقول ‪ :‬أل َوإ ّ‬
‫منا بعده‪ .‬ولول أن‬ ‫جم رسول الله صلى الله عليه وسلم وَرج َ‬ ‫د‪ .‬وقد َر َ‬
‫الله الجل ُ‬
‫يقول قائلون ‪ -‬أو يتكلم )‪ (6‬متكلمون ‪ -‬أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس‬
‫منه )‪ (7‬لثبتها كما نزلت‪.‬‬
‫وأخرجه النسائي ‪ ،‬من حديث عُب َْيد الله بن عبد الله ‪ ،‬به )‪.(8‬‬
‫شْيم ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن‬ ‫ضا ‪ ،‬عن هُ َ‬ ‫وقد روى أحمد )‪ (9‬أي ً‬
‫مْهران ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬خطب عمر بن الخطاب فذكر الرجم فقال ‪ :‬ل‬ ‫ِ‬
‫حد ّ من حدود الله أل إن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫عن )‪ (10‬عنه ؛ فإنه َ‬ ‫خد َ ُ‬
‫تُ ْ‬
‫منا بعده ‪ ،‬ولول أن يقول قائلون ‪ :‬زاد عمر في كتاب الله‬ ‫وسلم قد رجم وَرج َ‬
‫ما ليس فيه ‪ ،‬لكتبت في ناحية من المصحف ‪ :‬وشهد عمر بن الخطاب ‪،‬‬
‫وعبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬وفلن وفلن ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قد رجم ورجمنا بعده‪ .‬أل وإنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم‬
‫وبالدجال )‪ (11‬وبالشفاعة وبعذاب القبر ‪ ،‬وبقوم يخرجون من النار بعدما‬
‫شوا )‪.(12‬‬ ‫ح ُ‬
‫امت ُ ِ‬
‫قطان ‪ ،‬عن يحيى النصاري ‪ ،‬عن سعيد‬ ‫ّ‬ ‫وروى أحمد )‪ (13‬أيضا ‪ ،‬عن يحيى ال َ‬
‫بن المسّيب ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب )‪ : (14‬إياكم أن تَهلكوا عن آية الرجم‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬وقال ‪ :‬صحيح )‪.(15‬‬ ‫الحديث رواه الترمذي ‪ ،‬من حديث سعيد ‪ ،‬عن عُ َ‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا عُب َْيد الله بن عمر القواريري ‪ ،‬حدثنا‬
‫رين ‪ -‬قال ‪:‬‬‫سي ِ‬
‫ون ‪ ،‬عن محمد ‪ -‬هو ابن ِ‬ ‫يزيد بن ُزَرْيع ‪ ،‬حدثنا ابن )‪ (16‬عَ ْ‬
‫ت عن ك َِثير بن الصلت قال ‪ :‬كنا عند‬ ‫ن ُّبئ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬إن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬الموطأ )‪ (2/822‬وصحيح البخاري برقم )‪ (6830 ، 6829‬وصحيح مسلم‬
‫برقم )‪ (1691‬وهو عندهما بهذا السياق من حديث ابن شهاب الزهري‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬ناسا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬ويتكلم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (1/29‬والنسائي في السنن الكبرى )‪.(7154‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المام أحمد"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬ل تحيد عنه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ف ‪" :‬والدجال"‪.‬‬
‫)‪ (12‬المسند )‪.(1/23‬‬
‫)‪ (13‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المام أحمد"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عمر رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (15‬المسند )‪ (1/36‬وسنن الترمذي برقم )‪.(1431‬‬
‫)‪ (16‬في ف ‪" :‬أبو"‪.‬‬

‫) ‪(6/6‬‬

‫مروان وفينا زيد ‪ ،‬فقال زيد ‪ :‬كنا نقرأ ‪" :‬والشيخ والشيخة فارجموهما )‪(1‬‬
‫البتة"‪ .‬قال مروان ‪ :‬أل كتبَتها في المصحف ؟ قال ‪ :‬ذكرنا ذلك وفينا عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا أشفيكم من ذلك‪.‬قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬فكيف ؟ قال ‪ :‬جاء رجل‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فذكر كذا وكذا ‪ ،‬وذكر الرجم ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أك ْت ِْبني آية الرجم ‪ :‬قال ‪" :‬ل أستطيع الن"‪ .‬هذا أو‬
‫نحو )‪ (2‬ذلك‪.‬‬
‫در ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن‬ ‫وقد رواه النسائي ‪ ،‬عن محمد بن المثنى ‪ ،‬عن غُن ْ َ‬
‫صْلت ‪ ،‬عن زيد بن ثابت ‪ ،‬به )‪.(3‬‬ ‫جَبير ‪ ،‬عن ك َِثير بن ال ّ‬‫قتادة ‪ ،‬عن يونس بن ُ‬
‫وهذه طرق كلها متعددة )‪ (4‬ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ‬
‫تلوتها ‪ ،‬وبقي حكمها معمول به ‪ ،‬ولله الحمد )‪.(5‬‬
‫وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم هذه المرأة ‪ ،‬وهي زوجة‬
‫الرجل الذي استأجر الجير لما َزَنت مع الجير‪ .‬ورجم النبي )‪ (6‬صلى الله‬
‫قل عن رسول الله صلى الله‬ ‫مدِّية‪ .‬وكل هؤلء لم ُين َ‬ ‫عليه وسلم ماعًزا والغا ِ‬
‫حاح المتعددة‬ ‫ص َ‬
‫جلدهم قبل الرجم‪ .‬وإنما وردت الحاديث ال ّ‬ ‫عليه وسلم أنه َ‬
‫الطرق واللفاظ ‪ ،‬بالقتصار على رجمهم ‪ ،‬وليس فيها ذكر الجلد ؛ ولهذا كان‬
‫هذا مذهب جمهور العلماء ‪ ،‬وإليه ذهب أبو حنيفة ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬والشافعي ‪،‬‬
‫رحمهم الله‪ .‬وذهب المام أحمد ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬إلى أنه يجب أن يجمع على‬
‫صن بين )‪ (7‬الجلد للية والرجم للسنة ‪ ،‬كما روي ‪ ،‬عن أمير‬ ‫الزاني المح َ‬
‫شَراحة )‪ (8‬وكانت‬ ‫المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ‪ ،‬أنه لما أتي ب ُ‬
‫ة ‪ ،‬فجلدها يوم الخميس ‪ ،‬ورجمها يوم الجمعة ‪ ،‬ثم‬ ‫صن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫قد زنت وهي ُ‬
‫قال ‪ :‬جلدتُها بكتاب الله ‪ ،‬ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد ومسلم ‪ ،‬وأهل السنن الربعة ‪ ،‬من حديث قتادة ‪ ،‬عن‬
‫ي ‪ ،‬عن عبادة بن الصامت قال ‪:‬‬ ‫ش ّ‬‫طان )‪ (9‬بن عبد الله الّرَقا ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫الحسن ‪ ،‬عن ِ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬خذوا عني ‪ ،‬خذوا عني ‪ ،‬قد جعل‬
‫جْلد مائة وتغريب سنة )‪ (10‬والثيب بالثيب ‪،‬‬ ‫كر ‪َ ،‬‬ ‫كر بالب ِ ْ‬ ‫الله لهن سبيل الب ِ ْ‬
‫جلد مائة والرجم" )‪.(11‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن اللهِ { أي ‪ :‬في حكم الله‪ .‬ل‬ ‫ة ِفي ِدي ِ‬ ‫ما َرأفَ ٌ‬ ‫م ب ِهِ َ‬‫خذ ْك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ت َأ ُ‬
‫ترجموهما وترأفوا بهما في شرع الله ‪ ،‬وليس المنهي عنه )‪ (12‬الرأفة‬
‫الطبيعية ]أل تكون حاصلة[ )‪ (13‬على ترك الحد ‪] ،‬وإنما هي الرأفة التي‬
‫تحمل الحاكم على ترك الحد[ )‪ (14‬فل )‪ (15‬يجوز ذلك‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن الل ّهِ { قال ‪ :‬إقامة الحدود إذا‬ ‫ة ِفي ِدي ِ‬ ‫ما َرأ ْفَ ٌ‬ ‫خذ ْك ُ ْ‬
‫م ب ِهِ َ‬ ‫قال مجاهد ‪َ } :‬ول ت َأ ُ‬
‫جب َْير ‪،‬‬
‫ُرفعت إلى السلطان ‪ ،‬فتقام ول تعطل‪ .‬وكذا ُروي عن سعيد بن ُ‬
‫طاء بن أبي َرَباح‪ .‬وقد جاء في الحديث ‪:‬‬ ‫وع َ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬أو نحوه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(7148‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬متعاضدة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والله أعلم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول الله"‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬بسراجة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬عطاء"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬عام"‬
‫)‪ (11‬المسند )‪ (5/317‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1690‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (4416‬وسنن الترمذي برقم )‪ (1434‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪ (11092‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(2550‬‬
‫)‪ (12‬في ف ‪" :‬النهي عن"‬
‫)‪ (13‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‬
‫)‪ (14‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‬
‫)‪ (15‬في ف ‪" :‬فإنه ل"‪.‬‬

‫) ‪(6/7‬‬

‫جب" )‪ .(1‬وفي الحديث‬ ‫حد ّ فقد وَ َ‬ ‫وا الحدود فيما بينكم ‪ ،‬فما بلغني من َ‬ ‫"تعافَ ُ‬
‫طروا أربعين صباحا" )‪.(2‬‬‫حد ّ يقام في الرض ‪ ،‬خير لهلها من أن ُيم َ‬ ‫الخر ‪" :‬ل َ َ‬
‫ن الل ّهِ { فل تقيموا الحد كما‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ما َرأفَ ٌ‬
‫ة ِفي ِدي ِ‬ ‫خذ ْك ُ ْ‬
‫م ب ِهِ َ‬ ‫وقيل ‪ :‬المراد ‪َ } :‬ول ت َأ ُ‬
‫ينبغي ‪ ،‬من شدة الضرب الزاجر عن المأثم ‪ ،‬وليس المراد الضرب المبّرح‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن الل ّهِ { قال ‪ :‬رحمة )‪(3‬‬ ‫ة ِفي ِدي ِ‬ ‫ما َرأ ْفَ ٌ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫خذ ْك ُ ْ‬ ‫قال عامر الشعبي ‪َ } :‬ول ت َأ ُ‬
‫في شدة الضرب‪ .‬وقال عطاء ‪ :‬ضرب ليس بالمبّرح‪ .‬وقال سعيد بن أبي‬
‫عَُرُوبة ‪ ،‬عن حماد بن أبي سليمان ‪ :‬يجلد )‪ (4‬القاذف وعليه ثيابه ‪ ،‬والزاني‬
‫ْ‬
‫ن الل ّهِ { فقلت ‪ :‬هذا في‬ ‫ة ِفي ِدي ِ‬ ‫ما َرأ ْفَ ٌ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫خذ ْك ُ ْ‬ ‫تخلع ثيابه ‪ ،‬ثم تل } َول ت َأ ُ‬
‫الحكم ؟ قال ‪ :‬هذا في الحكم والجلد ‪ -‬يعني في إقامة الحد ‪ ،‬وفي شدة‬
‫الضرب‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمرو بن عبد الله الوْدِيّ )‪ (5‬حدثنا َوكيع ‪ ،‬عن‬
‫كة ‪ ،‬عن عبيد الله )‪ (8‬بن‬ ‫مل َي ْ َ‬‫نافع ‪] ،‬عن[ )‪ (6‬ابن عمرو ‪ ،‬عن )‪ (7‬ابن أبي ُ‬
‫عبد الله بن عمر ‪ :‬أن جارية لبن عمر زنت ‪ ،‬فضرب رجليها ‪ -‬قال نافع ‪ :‬أراه‬
‫ْ‬
‫ن الل ّهِ { قال ‪ :‬يا‬ ‫ة ِفي ِدي ِ‬ ‫ما َرأ ْفَ ٌ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫خذ ْك ُ ْ‬ ‫قال ‪ :‬وظهرها ‪ -‬قال ‪ :‬قلت ‪َ } :‬ول ت َأ ُ‬
‫خذ َْتني بها رأفة ؟ إن الله لم يأمرني أن أقتلها ‪ ،‬ول أن أجعل‬ ‫بني ‪ ،‬ورأيَتني أ َ‬
‫جلدها في رأسها ‪ ،‬وقد أوجعت حيث ضربت )‪.(9‬‬ ‫َ‬
‫خرِ { أي ‪ :‬فافعلوا ذلك ‪ :‬أقيموا‬ ‫ْ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫الحدود على من زنى ‪ ،‬وشددوا عليه الضرب ‪ ،‬ولكن ليس مبّرحا ؛ ليرتدع هو‬
‫ومن يصنع مثله بذلك‪ .‬وقد جاء في المسند عن بعض الصحابة أنه قال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬إني لذبح الشاة وأنا أرحمها ‪ ،‬فقال ‪" :‬ولك في ذلك أجر" )‪.(10‬‬
‫ن { ‪ :‬هذا فيه تنكيل للزانيين‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬‫طائ ِ َ‬‫ما َ‬ ‫ذاب َهُ َ‬ ‫شهَد ْ عَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ْي َ ْ‬
‫جِلدا بحضرة الناس ‪ ،‬فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما ‪ ،‬وأنجع في ردعهما‬ ‫إذا ُ‬
‫‪ ،‬فإن في ذلك تقريًعا وتوبيخا وفضيحة إذا كان الناس حضورا‪.‬‬
‫ن{‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ما َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫ذاب َهُ َ‬ ‫شهَد ْ عَ َ‬ ‫قال الحسن البصري في قوله ‪ } :‬وَل ْي َ ْ‬
‫يعني ‪ :‬علنية‪.‬‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫َ‬
‫ما طائ ِ َ‬ ‫ذاب َهُ َ‬‫شهَد ْ عَ َ‬ ‫ْ‬
‫ثم قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَلي َ ْ‬
‫ن { الطائفة ‪ :‬الرجل فما فوقه‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬الطائفة ‪ :‬رجل إلى اللف‪ .‬وكذا قال عكرمة ؛ ولهذا قال‬
‫دق على واحد‪.‬‬ ‫أحمد ‪ :‬إن الطائفة تص ُ‬
‫هويه‪ .‬وكذا قال سعيد‬ ‫وقال عطاء بن أبي رباح ‪ :‬اثنان‪ .‬وبه قال إسحاق بن َرا َ‬
‫ن { قال ‪ :‬يعني ‪ :‬رجلين فصاعدا‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬‫طائ ِ َ‬ ‫بن جبير ‪َ } :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪ (4376‬والنسائي في السنن )‪ (8/70‬من‬
‫حديث عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (2/362‬والنسائي في السنن )‪ (8/75‬من حديث أبي هريرة ‪،‬‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رحمة الله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬نجلد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬الزدي" وفي أ ‪" :‬الرزمي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من جـ ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وعن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (9‬ورواه الطبري في تفسيره )‪ (18/52‬من طريق نافع ‪ ،‬عن ابن عمر‬
‫فذكره‪.‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪ (3/436‬من حديث قرة المزني ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(6/8‬‬
‫م‬ ‫شرِ ٌ‬
‫م ْ‬ ‫ة َل ينكحها إّل زا َ‬ ‫شرِك َ ً‬
‫م ْ‬ ‫الزاِني َل ينكح إّل زان ِي ً َ‬
‫حّر َ‬
‫ك وَ ُ‬ ‫ن أوْ ُ‬
‫َْ ِ ُ َ ِ َ ٍ‬ ‫ة َوالّزان ِي َ ُ‬ ‫ة أوْ ُ‬ ‫َْ ِ ُ ِ َ َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫ني‬ ‫م‬‫ْ‬
‫ُ ِ ِ َ‬ ‫ؤ‬‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ذ َل ِ‬

‫وقال الزهري ‪ :‬ثلث نفر فصاعدا‪.‬‬


‫شهَد ْ‬ ‫ْ‬
‫هب ‪ ،‬عن المام مالك في قوله ‪ } :‬وَلي َ ْ‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬حدثني ابن وَ ْ‬
‫ن { قال ‪ :‬الطائفة ‪ :‬أربعة نفر فصاعدا ؛ لنه ل‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ما َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫عَ َ‬
‫ذاب َهُ َ‬
‫دا‪ .‬وبه قال الشافعي‪.‬‬ ‫يكون شهادة في الزنى دون أربعة شهداء فصاع ً‬
‫وقال ربيعة ‪ :‬خمسة‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ :‬عشرة‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬أمر الله‬
‫أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ‪ ،‬أي ‪ :‬نفر من المسلمين ؛ ليكون ذلك‬
‫موعظة وعبرة ونكال‪.‬‬
‫ة قال ‪:‬‬ ‫قي ّ ُ‬‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عثمان ‪ ،‬حدثنا ب َ ِ‬
‫ن{‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫طائ ِ َ‬‫ما َ‬ ‫ذاب َهُ َ‬ ‫شهَد ْ عَ َ‬ ‫سمعت نصر بن علقمة في قوله ‪ } :‬وَل ْي َ ْ‬
‫ه تعالى لهما بالتوبة والرحمة‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬ليس ذلك للفضيحة ‪ ،‬إنما ذلك ليدعى الل ُ‬
‫ك‬‫شرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫شرِك َ ً‬ ‫م ْ‬ ‫} الزاِني ل ينكح إل زان ِي ً َ‬
‫ن أوْ ُ‬ ‫حَها ِإل َزا ٍ‬ ‫ة ل ي َن ْك ِ ُ‬ ‫ة َوالّزان ِي َ ُ‬ ‫ة أوْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ِ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪{ (3‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ك عَلى ال ُ‬ ‫َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫وَ ُ‬
‫خَبر من الله تعالى بأن الزاني ل َيطأ إل زانية أو مشركة‪ .‬أي ‪ :‬ل يطاوعه‬ ‫هذا َ‬
‫على مراده من الزنى إل زانية عاصية أو مشركة ‪ ،‬ل ترى حرمة ذلك ‪،‬‬
‫ك{ل‬ ‫شرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬عاص بزناه ‪ } ،‬أوْ ُ‬ ‫حَها ِإل َزا ٍ‬ ‫ة ل ي َن ْك ِ ُ‬ ‫وكذلك ‪ } :‬الّزان ِي َ ُ‬
‫يعتقد تحريمه‪.‬‬
‫مرة ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن‬ ‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن حبيب بن أبي عَ َ‬
‫ة { قال ‪ :‬ليس‬ ‫شرِك ً‬‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ة أوْ ُ‬ ‫ح إل َزان ِي َ ً‬ ‫عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ } :‬الّزاِني ل ي َن ْك ِ ُ‬
‫ن أو مشرك‪.‬‬ ‫هذا بالنكاح ‪ ،‬إنما هو الجماع ‪ ،‬ل يزني بها إل زا ٍ‬
‫وهذا إسناد صحيح عنه ‪ ،‬وقد ُروي عنه من غير وجه أيضا‪ .‬وقد ُروي عن‬
‫مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعُْرَوة بن الزبير ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫حّيان ‪ ،‬وغير واحد ‪ ،‬نحوُ ذلك‪.‬‬ ‫قاِتل بن َ‬ ‫م َ‬ ‫ومكحول ‪ ،‬و ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬تعاطيه والتزويج بالبغايا ‪،‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ك عََلى ال ْ ُ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَ ُ‬
‫أو تزويج العفائف بالفجار من الرجال‪.‬‬
‫صين ‪ ،‬عن سعيد بن‬ ‫ح َ‬ ‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا قَْيس ‪ ،‬عن أبي ُ‬
‫حرم الله الزنى‬ ‫ن { قال ‪ّ :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ك عََلى ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫جب َي ْرٍ ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَ ُ‬ ‫ُ‬
‫على المؤمنين‪.‬‬
‫دم‬ ‫ق ّ‬‫حّيان ‪ :‬حرم الله على المؤمنين نكاح البغايا ‪ ،‬وت َ َ‬ ‫وقال قتادة ‪ ،‬ومقاتل بن َ‬
‫ن{‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ذ َل ِك عَلى ال ُ‬ ‫َ‬ ‫حّر َ‬ ‫في ذلك فقال ‪ } :‬وَ ُ‬
‫ن{‬ ‫َ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫دا ٍ‬ ‫خ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ت َول ُ‬ ‫حا ٍ‬ ‫سافِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت غي َْر ُ‬ ‫صَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫وهذه الية كقوله تعالى ‪ُ } :‬‬
‫ن { الية‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا ٍ‬ ‫خ َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫خ ِ‬
‫مت ّ ِ‬‫ن َول ُ‬ ‫حي َ‬‫سافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن غي َْر ُ‬ ‫صِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫]النساء ‪ [25 :‬وقوله } ُ‬
‫]المائدة ‪ [5 :‬ومن هاهنا ذهب المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬إلى أنه ل‬
‫يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت‬

‫) ‪(6/9‬‬

‫كذلك حتى تستتاب ‪ ،‬فإن تابت صح العقد عليها وإل فل وكذلك ل يصح تزويج‬
‫المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح ‪ ،‬حتى يتوب توبة صحيحة ؛‬
‫ن{‬‫مِني َ‬ ‫ك عََلى ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬
‫حّر َ‬
‫لقوله تعالى ‪ } :‬وَ ُ‬
‫مر بن سليمان قال ‪ :‬قال أبي‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عارم )‪ ، (1‬حدثنا ُ‬
‫مرو ‪ ،‬رضي‬ ‫‪ :‬حدثنا الحضرمي ‪ ،‬عن القاسم بن محمد ‪ ،‬عن عبد الله بن عَ ْ‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫الله عنهما ‪ ،‬أن رجل من المسلمين استأذ َ‬
‫في امرأة يقال لها ‪" :‬أم مهزول" كانت تسافح ‪ ،‬وتشترط له أن تنفق عليه ‪-‬‬
‫قال ‪ :‬فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أو ‪ :‬ذكر له أمرها ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫ة‬
‫ح إل َزان ِي َ ً‬ ‫فقرأ عليه رسول )‪ (2‬الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬الّزاِني ل ي َن ْك ِ ُ‬
‫ة ل ينكحها إل زا َ‬ ‫َ‬
‫ن{)‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ك عََلى ال ْ ُ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ك وَ ُ‬ ‫شرِ ٌ‬ ‫م ْ‬‫ن أوْ ُ‬ ‫َْ ِ ُ َ ِ َ ٍ‬ ‫ة َوالّزان ِي َ ُ‬ ‫شرِك َ ً‬ ‫م ْ‬ ‫أوْ ُ‬
‫‪.(3‬‬
‫وقال النسائي ‪ :‬أخبرنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن الحضرمي ‪ ،‬عن القاسم بن محمد ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو قال ‪ :‬كانت‬
‫امرأة يقال لها ‪" :‬أم مهزول" وكانت تسافح ‪ ،‬فأراد رجل من أصحاب رسول‬
‫)‪ (4‬الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها ‪ ،‬فأنزل الله عز وجل ‪ } :‬الّزاِني ل‬
‫ك عََلى‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫شرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ل ينكحها إل زا َ‬ ‫شرِك َ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ينكح إل زان ِي ً َ‬
‫حّر َ‬ ‫ك وَ ُ‬ ‫ن أوْ ُ‬ ‫َْ ِ ُ َ ِ َ ٍ‬ ‫ة َوالّزان ِي َ ُ‬ ‫ة أوْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ِ ُ‬
‫ن { )‪.(5‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫]و[ )‪ (6‬قال الترمذي ‪ :‬حدثنا عبد بن حميد ‪ ،‬حدثنا روح بن عَُبادة بن عَُبيد‬
‫شَعيب عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬كان‬ ‫الله بن الخنس ‪ ،‬أخبرني عمرو بن ُ‬
‫مْرَثد بن أبي مرثد" وكان رجل يحمل السارى من مكة حتى‬ ‫رجل يقال له " َ‬
‫يأتي بهم المدينة‪ .‬قال ‪ :‬وكانت امرأة ٌ َبغي )‪ (7‬بمكة يقال لها "عََناق" ‪،‬‬
‫وكانت صديقة له ‪ ،‬وأنه واعد )‪ (8‬رجل من أسارى مكة يحمله‪ .‬قال ‪ :‬فجئت‬
‫ت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة ‪ ،‬قال ‪ :‬فجاءت‬ ‫حتى انتهي ُ‬
‫ي عرفتني )‪، (9‬‬ ‫"عناق" فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط ‪ ،‬فلما انتهت إل ّ‬
‫مْرَثد ؟ فقلت ‪ :‬مرثد فقالت ‪ :‬مرحًبا وأهل هلم فبت عندنا الليلة‪.‬‬ ‫فقالت ‪َ :‬‬
‫قال ‪ :‬فقلت )‪ (10‬يا عناق ‪ ،‬حرم الله الزنى‪ .‬فقالت )‪ (11‬يا أهل الخيام ‪،‬‬
‫حندمة )‪(12‬‬ ‫هذا الرجل يحمل أسراكم‪ .‬قال ‪ :‬فتبعني ثمانية ودخلت ال َ‬
‫فانتهيت إلى غار ‪ -‬أو كهف فدخلت فيه )‪ (13‬فجاءوا حتى قاموا على رأسي‬
‫فبالوا ‪ ،‬فظل بولهم على رأسي ‪ ،‬فأعماهم الله عني ‪ -‬قال ‪ :‬ثم رجعوا ‪،‬‬
‫خر ‪،‬‬ ‫فرجعت إلى صاحبي فحملته ‪ ،‬وكان رجل ثقيل حتى انتهيت إلى الذ َ‬
‫ففككت عنه أكُبله ‪ (14) ،‬فجعلت أحمله ويِعينني ‪ ،‬حتى أتيت به )‪(15‬‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬ ‫المدينة ‪ ،‬فأتيت رسو َ‬
‫أنكح عناقا ؟ أنكح عناقا ؟ ‪ -‬مرتين ‪ -‬فأمسك رسول الله صلى الله عليه‬
‫شرِك َ ً‬
‫ة‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم ‪ ،‬فلم يرد علي شيئا ‪ ،‬حتى نزلت } الزاِني ل ينكح إل زان ِي ً َ‬
‫ة أوْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ِ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن { فقال رسول‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م ذ َل ِ‬ ‫شرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ل ينكحها إل زا َ‬
‫ُ ِ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫حّر َ‬
‫ك وَ ُ‬ ‫ن أوْ ُ‬ ‫َْ ِ ُ َ ِ َ ٍ‬ ‫َوالّزان ِي َ ُ‬
‫شرِك َ ً‬
‫ة‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ة أوْ ُ‬ ‫ح إل َزان ِي َ ً‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا مرثد ‪ } ،‬الّزاِني ل ي َن ْك ِ ُ‬
‫ك [ { )‪(16‬‬ ‫شرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ل ينكحها إل زا َ‬
‫ن أوْ ُ‬ ‫َْ ِ ُ َ ِ َ ٍ‬ ‫]َوالّزان ِي َ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عارم بن الفضل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نبي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(2/159‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11359‬‬
‫)‪ (6‬زيادة في ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬تغني"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬وعد"‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عرفت"‪.‬‬
‫في ف ‪" :‬قلت"‪.‬‬ ‫)‪(10‬‬
‫في ف ‪" :‬قالت"‪.‬‬ ‫)‪(11‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الحديقة"‪.‬‬ ‫)‪(12‬‬
‫في أ ‪" :‬به"‪.‬‬ ‫)‪(13‬‬
‫في أ ‪" :‬أكليلة"‪.‬‬ ‫)‪(14‬‬
‫في ف ‪" :‬قدمت"‪.‬‬ ‫)‪(15‬‬
‫زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(16‬‬

‫) ‪(6/10‬‬

‫فل تنكحها" ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من هذا‬
‫الوجه‪.‬‬
‫وقد رواه أبو داود والنسائي ‪ ،‬في كتاب النكاح من سننهما )‪ (1‬من حديث‬
‫عبيد الله بن الخنس ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫دد أبو الحسن ‪ ،‬حدثنا عبد‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫قب ُرِيّ ‪،‬‬
‫م ْ‬ ‫الوارث ‪ ،‬عن حبيب المعلم ‪ ،‬حدثني عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن سعيد ال َ‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ل ينكح الزاني المجلود إل مثله"‪.‬‬
‫وهكذا أخرجه أبو داود في سننه ‪ ،‬عن مسدد وأبي معمر ‪ -‬عبد الله بن عمرو‬
‫‪ -‬كلهما ‪ ،‬عن عبد الوارث ‪ ،‬به )‪.(3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله‬
‫بن عمر بن الخطاب ‪ ،‬عن أخيه عمر بن محمد ‪ ،‬عن عبد الله بن يسار ‪-‬‬
‫مولى ابن عمر ‪ -‬قال ‪ :‬أشهد لسمعت سالما يقول ‪ :‬قال عبد الله ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ثلثة ل يدخلون الجنة ‪ ،‬ول ينظر الله‬
‫إليهم يوم القيامة ‪ :‬العاق لوالديه ‪ ،‬والمرأة المترجلة ‪ -‬المتشبهة بالرجال ‪-‬‬
‫من‬ ‫مد ْ ِ‬
‫والديوث‪ .‬وثلثة ل ينظر الله إليهم يوم القيامة ‪ :‬العاق لوالديه ‪ ،‬و ُ‬
‫الخمر ‪ ،‬والمّنان بما أعطى"‪.‬‬
‫مر بن‬ ‫ورواه النسائي ‪ ،‬عن عمرو بن علي الفلس ‪ ،‬عن يزيد بن ُزَريع ‪ ،‬عن عُ َ‬
‫مري ‪ ،‬عن عبد الله بن يسار ‪ ،‬به )‪.(4‬‬ ‫محمد العُ َ‬
‫وقال المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الوليد بن كثير ‪،‬‬
‫طن بن وهب ‪ ،‬عن عُوَْيمر بن الجدع ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن سالم بن عبد‬ ‫عن قَ َ‬
‫الله بن عمر قال ‪ :‬حدثني عبد الله بن عمر ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬ثلثة حرم الله عليهم الجنة ‪ :‬مدمن الخمر ‪ ،‬والعاق ‪ ،‬والد ّّيوث‬
‫الذي يقر في أهله الخبث" )‪.(5‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي في مسنده ‪ :‬حدثنا شعبة ‪ ،‬حدثني رجل ‪ -‬من آل‬
‫مار ‪ ،‬عن عمار بن ياسر قال ‪ :‬قال رسول‬ ‫حن َْيف ‪ ، -‬عن محمد بن عَ ّ‬‫سهل بن ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يدخل الجنة د َّيوث" )‪.(6‬‬
‫يستشهد به لما قبله من الحاديث‪.‬‬
‫َ‬
‫وار ‪ ،‬حدثنا كِثير بن‬ ‫س ّ‬
‫سلم بن َ‬ ‫وقال ابن ماجه ‪ :‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫حم ‪ :‬سمعت أنس بن مالك يقول ‪ :‬سمعت‬ ‫سَليم ‪ ،‬عن الضحاك بن ُ‬
‫مَزا ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ]يقول[ )‪ " (7‬من أراد أن يلقى الله طاهًرا‬
‫مط َهًّرا ‪ ،‬فليتزوج الحرائر"‪.‬‬ ‫ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬سننيهما"‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي برقم )‪ (3177‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2051‬وسنن‬
‫النسائي )‪.(6/66‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪.(2052‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (2/134‬وسنن النسائي )‪.(8/80‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (2/69‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (8/147‬فيه راوٍ لم‬
‫يسم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬مسند الطيالسي برقم )‪.(642‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/11‬‬

‫في إسناده ضعف )‪.(1‬‬


‫ماد الجوهري في كتاب "الصحاح في اللغة‬ ‫ح ّ‬
‫قال المام أبو نصر إسماعيل بن َ‬
‫غيَرة َ له )‪.(2‬‬‫ذع وهو الذي ل َ‬ ‫قن ُ‬
‫‪ " :‬الد ّّيوث ال ُ‬
‫فأما الحديث الذي رواه المام أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب "النكاح"‬
‫من )‪ (3‬سننه ‪ :‬أخبرنا محمد بن إسماعيل بن عُل َّية ‪ ،‬عن يزيد بن هارون ‪،‬‬
‫عن حماد بن سلمة وغيره ‪ ،‬عن هارون ابن رئاب ‪ ،‬عن عبد الله بن عَُبيد بن‬
‫عمير ‪ -‬وعبد الكريم ‪ ،‬عن عبد الله بن عبيد بن عمير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬عبد ُ‬
‫الكريم رفعه إلى ابن عباس ‪ ،‬وهارون لم يرفعه ‪ -‬قال جاء رجل إلى رسول‬
‫ب الناس‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬إن عندي امرأة ]هي[ )‪ (4‬من أح ّ‬
‫مس قال ‪" :‬طلقها"‪ .‬قال ‪ :‬ل صبر لي عنها قال ‪:‬‬ ‫إلي )‪ (5‬وهي ل تمنع يد ل ِ‬
‫"استمتع بها" ‪ ،‬ثم قال النسائي ‪ :‬هذا الحديث غير ثابت ‪ ،‬وعبد الكريم ليس‬
‫بالقوي ‪ ،‬وهارون أثبت منه ‪ ،‬وقد أرسل الحديث وهو ثقة ‪ ،‬وحديثه أولى‬
‫بالصواب من حديث عبد الكريم‪.(6) .‬‬
‫قلت ‪ :‬وهو ابن أبي المخارق البصري المؤدب تابعي ضعيف الحديث ‪ ،‬وقد‬
‫خالفه هارون بن رئاب ‪ ،‬وهو تابعي ثقة من رجال مسلم ‪ ،‬فحديثه المرسل‬
‫أولى كما قال النسائي‪ .‬لكن قد رواه النسائي في كتاب "الطلق" ‪ ،‬عن‬
‫ميل )‪ (7‬عن حماد بن سلمة ‪ ،‬عن‬ ‫إسحاق بن راهويه ‪ ،‬عن النضر بن ش َُ‬
‫هارون بن رئاب ‪ ،‬عن عبد الله بن عَُبيد بن عمير ‪ ،‬عن ابن عباس مسندا ‪،‬‬
‫فذكره بهذا السناد ‪ ،‬رجاله على شرط مسلم ‪ ،‬إل أن النسائي بعد روايته له‬
‫قال ‪" :‬وهذا خطأ ‪ ،‬والصواب مرسل" )‪ (8‬ورواه غير النضر على الصواب‪.‬‬
‫حَريث ‪ ،‬أخبرنا الفضل بن‬ ‫وقد رواه النسائي أيضا وأبو داود ‪ ،‬عن الحسين بن ُ‬
‫مارة بن أبي حفصة ‪ ،‬عن عكرمة ‪،‬‬ ‫موسى ‪ ،‬أخبرنا الحسين بن واقد ‪ ،‬عن عُ َ‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره‪ .‬وهذا إسناد جيد )‬
‫‪.(9‬‬
‫دم ‪ ،‬عن‬‫ضّعف له ‪ ،‬كما تق ّ‬ ‫م َ‬
‫وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين ُ‬
‫النسائي ‪ ،‬وكما قال المام أحمد ‪ :‬هو حديث منكر‪.‬‬
‫وقال ابن قتيبة ‪ :‬إنما أراد أنها سخية ل تمنع سائل‪ .‬وحكاه النسائي في‬
‫سننه ‪ ،‬عن بعضهم فقال ‪ :‬وقيل ‪" :‬سخية تعطي" ‪ ،‬وُرد ّ هذا بأنه لو كان‬
‫المراد لقال ‪ :‬ل ت َُرد ّ يد ملتمس‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (1862‬ووجه ضعف إسناده ؛ لن فيه كثير بن‬
‫سليم ‪ ،‬وهو ضعيف ‪ ،‬وسلم هو ابن سليمان بن سوار المدائني ‪ ،‬قال ابن‬
‫عدي ‪" :‬عنده مناكير" وقال العقيلي ‪" :‬في حديثه مناكير" قال ذلك البوصيري‬
‫في مصباح الزجاجة )‪.(2/73‬‬
‫)‪ (2‬الصحاح )‪.(1/282‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬في‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والنسائي‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬لي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن النسائي )‪(6/67‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إسماعيل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬سنن النسائي )‪.(6/170‬‬
‫)‪ (9‬سنن النسائي )‪.(6/169‬‬

‫) ‪(6/12‬‬

‫جل ْد َةً‬
‫ن َ‬ ‫م ثَ َ‬
‫ماِني َ‬ ‫دوهُ ْ‬ ‫داَء َفا ْ‬
‫جل ِ ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ي َأ ُْتوا ب ِأ َْرب َعَةِ ُ‬‫م لَ ْ‬‫ت ثُ ّ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْدِ‬
‫م ْ‬‫ن َتاُبوا ِ‬ ‫ن )‪ (4‬إ ِّل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قو َ‬‫س ُ‬
‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫دا وَأول َئ ِ َ‬ ‫شَهاد َة ً أب َ ً‬ ‫م َ‬ ‫قب َُلوا ل َهُ ْ‬ ‫وََل ت َ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪(5‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫حوا فَإ ِ ّ‬ ‫صل َ ُ‬
‫ك وَأ ْ‬ ‫ذ َل ِ َ‬

‫وقيل ‪ :‬المراد أن سجيتها ل ت َُرد ّ يد لمس ‪ ،‬ل أن المراد أن هذا واقع منها ‪،‬‬
‫وأنها تفعل الفاحشة ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ل يأذن في‬
‫مصاحبة من هذه صفتها‪ .‬فإن زوجها ‪ -‬والحالة هذه ‪ -‬يكون د َّيوثا ‪ ،‬وقد تقدم‬
‫الوعيد على ذلك‪ .‬ولكن لما كانت سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ول مخالفة‬
‫ل صلى الله عليه وسلم بفراقها‪ .‬فلما‬ ‫لمن أرادها لو خل بها أحد ‪ ،‬أمره رسو ُ‬
‫ذكر أنه يحبها أباح له البقاء معها ؛ لن محبته لها محققة ‪ ،‬ووقوع الفاحشة‬
‫صار إلى الضرر العاجل لتوهم الجل ‪ ،‬والله سبحانه‬ ‫منها متوهم )‪ (1‬فل ي ُ َ‬
‫وتعالى أعلم‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬فأما إذا حصلت توبة فإنه يحل التزويج ‪ ،‬كما قال المام أبو محمد بن‬
‫أبي حاتم رحمه الله ‪:‬‬
‫ج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت‬ ‫ش ّ‬ ‫حدثنا أبو سعيد ال َ‬
‫]شعبة[ )‪ - (2‬مولى ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت ابن عباس‬
‫حّرم الله عز وجل‬ ‫وسأله رجل قال )‪ : (3‬إني كنت ألم بامرأة آتي منها ما َ‬
‫ي ‪ ،‬فرزق الله عز وجل من ذلك توبة ‪ ،‬فأردت أن أتزوجها ‪ ،‬فقال أناس ‪:‬‬ ‫عل ّ‬
‫إن الزاني ل ينكح إل زانية‪ .‬فقال ابن عباس ‪ :‬ليس هذا في هذا ‪ ،‬انكحها فما‬
‫كان من إثم فعلي‪.‬‬
‫وقد ادعى طائفة آخرون من العلماء أن هذه الية منسوخة ‪ ،‬قال ابن أبي‬
‫حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن سعيد ابن‬
‫ةل‬ ‫شرِك َ ً‬
‫ة َوالّزان ِي َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫المسيب‪ .‬قال ‪ُ :‬ذكر عنده } الزاِني ل ينكح إل زان ِي ً َ‬
‫ة أوْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ِ ُ‬ ‫ّ‬
‫ك { قال ‪ :‬كان يقال ‪ :‬نسختها ]الية[ )‪ (4‬التي بعدها ‪:‬‬ ‫شرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ينكحها إل زا َ‬
‫ن أوْ ُ‬‫َْ ِ ُ َ ِ َ ٍ‬
‫م { ]النور ‪ [32 :‬قال ‪ :‬كان يقال اليامى من‬ ‫من ْك ُْ‬ ‫مى‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫حوا ال َ َ‬
‫يا‬ ‫} وَأن ْك ِ ُ‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫وهكذا رواه المام أبو عبيد القاسم بن سلم في كتاب "الناسخ والمنسوخ"‬
‫له ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب‪ .‬ونص على ذلك أيضا المام أبو عبد الله محمد‬
‫بن إدريس الشافعي ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جلد َةً‬ ‫ن َ‬ ‫ماِني َ‬ ‫َ‬
‫مث َ‬ ‫دوهُ ْ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫داَء فا ْ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ي َأُتوا ب ِأْرب َعَةِ ُ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬‫} َوال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْدِ‬ ‫م ْ‬
‫ن َتاُبوا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ِ (4‬إل ال ّ ِ‬ ‫قو َ‬‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ك هُ ُ‬ ‫دا وَأول َئ ِ َ‬ ‫شَهاد َة ً أب َ ً‬ ‫م َ‬ ‫قب َُلوا ل َهُ ْ‬ ‫َول ت َ ْ‬
‫م )‪{ (5‬‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫فو‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫حوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ٌ َ ِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ك َ ْ ُ‬
‫ل‬‫ص‬ ‫أ‬ ‫و‬
‫هذه الية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة ‪ ،‬وهي الحرة البالغة‬
‫ضا ‪ ،‬ليس في هذا‬ ‫العفيفة ‪ ،‬فإذا كان المقذوف رجل فكذلك يجلد قاذفه أي ً‬
‫نزاع بين العلماء‪ .‬فأما إن أقام القاذف بينة على صحة ما قاله ‪ُ ،‬رد ّ عنه‬
‫جلد َةً‬‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ماِني َ‬‫م ثَ َ‬‫دوهُ ْ‬ ‫جل ِ ُ‬‫داَء َفا ْ‬‫شهَ َ‬‫م ي َأ ُْتوا ب ِأ َْرب َعَةِ ُ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫الحد ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ن { ‪ ،‬فأوجب على القاذف إذا‬ ‫قو َ‬‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫دا وَُأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫شَهاد َة ً أب َ ً‬ ‫م َ‬ ‫قب َُلوا ل َهُ ْ‬ ‫َول ت َ ْ‬
‫لم يقم بينة على‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬يتوهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/13‬‬

‫شهادةُ أ َحده َ‬ ‫داُء إ ِّل أ َن ْ ُ‬ ‫وال ّذين يرمو َ‬


‫ع‬
‫م أْرب َ ُ‬ ‫َ ِ ِ ْ‬ ‫م فَ َ َ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫م وَل َ ْ‬‫جهُ ْ‬ ‫ن أْزَوا َ‬ ‫َ ِ َ َْ ُ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ة أَ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫َ ِ َ‬‫م‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ّ ْ َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫ِ َ‬ ‫م‬ ‫خا‬
‫َ‬ ‫ل‬‫وا‬‫َ‬ ‫(‬‫‪6‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قي‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫د‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫ت ِبالل ّهِ ِ ّ ُ ِ َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫شَهاَدا ٍ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ال َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫شهَد َ أْرب َعَ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (7‬وَي َد َْرأ عَن َْها العَ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كاذِِبي َ‬ ‫م َ‬‫هل ِ‬ ‫ت ِباللهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫شَهاَدا ٍ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫كاذِِبي َ‬
‫خامس َ َ‬
‫ض ُ‬
‫ل‬ ‫ن )‪ (9‬وَل َوَْل فَ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫ب الل ّهِ عَل َي َْها إ ِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ن غَ َ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫)‪َ (8‬وال ْ َ ِ َ‬
‫َ‬
‫م )‪(10‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫ب َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ه تَ ّ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ه وَأ ّ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م وََر ْ‬

‫صحة ما قاله ثلثة أحكام ‪:‬‬


‫أحدها ‪ :‬أن يجلد ثمانين جلدة‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه )‪ (1‬ترد شهادته دائما‪.‬‬
‫قا ليس بعدل ‪ ،‬ل عند الله ول عند الناس‪.‬‬ ‫الثالث ‪ :‬أن يكون فاس ً‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م{‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫ن الل َ‬ ‫حوا فَإ ِ ّ‬ ‫صل ُ‬ ‫ك وَأ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ ذ َل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن َتاُبوا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ِ } :‬إل ال ّ ِ‬
‫‪ ،‬اختلف العلماء في هذا الستثناء ‪ :‬هل يعود إلى الجملة الخيرة فقط فترفع‬
‫التوبة الفسق فقط ‪ ،‬ويبقى مردود الشهادة دائما وإن تاب ‪ ،‬أو يعود إلى‬
‫الجملتين الثانية والثالثة ؟ وأما الجلد فقد ذهب وانقضى ‪ ،‬سواء تاب أو أصر ‪،‬‬
‫ول حكم له بعد ذلك بل خلف ‪ -‬فذهب المام مالك والشافعي وأحمد بن‬
‫حنبل إلى أنه إذا تاب قبلت شهادته ‪ ،‬وارتفع عنه حكم الفسق‪ .‬ونص عليه‬
‫ضا‪.‬‬
‫سعيد بن المسيب ‪ -‬سيد التابعين ‪ -‬وجماعة من السلف أي ً‬
‫وقال المام أبو حنيفة ‪ :‬إنما يعود الستثناء إلى الجملة الخيرة فقط ‪ ،‬فيرتفع‬
‫دا‪ .‬وممن ذهب إليه من السلف‬ ‫الفسق بالتوبة ‪ ،‬ويبقى مردود الشهادة أب ً‬
‫جب َْير ‪ ،‬ومكحول ‪ ،‬وعبد‬ ‫ُ‬ ‫بن‬ ‫وسعيد‬ ‫ي‪،‬‬‫خعِ ّ‬ ‫شَريح ‪ ،‬وإبراهيم الن ّ َ‬ ‫القاضي ‪ُ -‬‬
‫الرحمن بن زيد بن أسلم )‪.(2‬‬
‫وقال الشعبي والضحاك ‪ :‬ل تقبل شهادته وإن تاب ‪ ،‬إل أن يعترف على نفسه‬
‫بأنه قد قال البهتان ‪ ،‬فحينئذ تقبل شهادته ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫داُء ِإل أ َن ْ ُ‬ ‫} وال ّذين يرمو َ‬
‫م‬‫حدِهِ ْ‬ ‫شَهاد َةُ أ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫م ي َك ُ ْ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ن أْزَوا َ‬ ‫َ ِ َ َْ ُ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أ َْرب َعُ َ‬
‫ة اللهِ عَلي ْهِ إ ِ ْ‬ ‫ن لعْن َ َ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن )‪َ (6‬وال َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫هل ِ‬ ‫ت ِباللهِ إ ِن ّ ُ‬
‫شَهاَدا ٍ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ه لَ ِ‬ ‫ت ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫شَهاَدا ٍ‬ ‫شهَد َ أ َْرب َعَ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫بأ ْ‬
‫َ‬
‫ذا َ‬‫ن )‪ (7‬وَي َد َْرأ ُ عَن َْها ال ْعَ َ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ول‬ ‫ن )‪ (9‬وَل َ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ب الل ّهِ عَل َي َْها إ ِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ن غَ َ‬‫ةأ ّ‬ ‫س َ‬‫م َ‬ ‫ن )‪َ (8‬وال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م )‪{ (10‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب َ‬ ‫وا ٌ‬‫ه تَ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه وَأ ّ‬ ‫مت ُ ُ‬‫ح َ‬‫م وََر ْ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫فَ ْ‬
‫هذه الية الكريمة فيها فََرج للزواج وزيادة مخرج ‪ ،‬إذا قذف أحدهم زوجته‬
‫وتعسر عليه إقامة البينة ‪ ،‬أن يلعنها ‪ ،‬كما أمر الله عز وجل )‪ (3‬وهو أن‬
‫يحضرها إلى المام ‪ ،‬فيدعي عليها بما رماها به ‪ ،‬فيحلفه الحاكم أربع‬
‫ن { أي ‪ :‬فيما‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ه لَ ِ‬
‫م َ‬ ‫شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫خامس ُ َ‬
‫ن{‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫ت اللهِ عَلي ْهِ إ ِ ْ‬ ‫ن ل َعْن َ َ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫رماها به من الزنى ‪َ } ،‬وال ْ َ ِ َ‬
‫فإذا قال ذلك ‪ ،‬بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من‬
‫دا ‪ ،‬ويعطيها مهرها ‪ ،‬ويتوجه عليها حد الزنى ‪ ،‬ول‬ ‫العلماء ‪ ،‬وحرمت عليه أب ً‬
‫يدرأ عنها العذاب إل أن تلعن ‪ ،‬فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ‪،‬‬
‫خامس َ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ب الل ّهِ عَل َي َْها إ ِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ن غَ َ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫أي ‪ :‬فيما رماها به ‪َ } ،‬وال ْ َ ِ َ‬
‫ب{‬ ‫ُ‬
‫ن { ولهذا قال ‪ } :‬وَي َد َْرأ عَن َْها ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬جابر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬الله تعالى"‪.‬‬

‫) ‪(6/14‬‬

‫خامس َ َ‬ ‫شهَد َ أ َْرب َعَ َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫ةأ ّ‬ ‫ن َوال ْ َ ِ َ‬ ‫كاذِِبي َ‬‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬‫ه لَ ِ‬ ‫ت ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬‫شَهاَدا ٍ‬ ‫ن تَ ْ‬‫يعني ‪ :‬الحد ‪ } ،‬أ ْ‬
‫ن { فخصها بالغضب ‪ ،‬كما أن الغالب‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ب الل ّهِ عَل َْيها إ ِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫غَ َ‬
‫أن الرجل ل ا فضيحة أهله ورميها بالزنى إل وهو صادق معذور ‪ ،‬وهي تعلم‬
‫صدقه فيما رماها به‪ .‬ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها‪.‬‬
‫والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه‪.‬‬
‫ثم ذكر تعالى لطفه بخلقه ‪ ،‬ورأفته بهم ‪ ،‬وشرعه )‪ (1‬لهم الفرج والمخرج‬
‫م‬‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬‫ول فَ ْ‬ ‫من شدة ما يكون فيه من الضيق ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ه { أي ‪ :‬لحرجتم )‪ (2‬ولشق عليكم كثير من أموركم ‪ } ،‬وَأ ّ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ح َ‬‫وََر ْ‬
‫ب { ]أي[ )‪ : (3‬على عباده ‪ -‬وإن كان ذلك بعد الحلف واليمان المغلظة ‪-‬‬ ‫وا ٌ‬ ‫تَ ّ‬
‫م { فيما يشرعه )‪ (4‬ويأمر به وفيما ينهى عنه‪.‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫} َ‬
‫وقد وردت الحاديث بمقتضى العمل بهذه الية ‪ ،‬وذكر سبب نزولها ‪ ،‬وفيمن‬
‫نزلت فيه من الصحابة ‪ ،‬فقال المام أحمد ‪:‬‬
‫مة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما‬ ‫كر َ‬ ‫حدثنا يزيد ‪ ،‬أخبرنا عَّباد بن منصور ‪ ،‬عن ع ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫دوهُ ْ‬ ‫داَء َفا ْ‬
‫جل ِ ُ‬ ‫شهَ َ‬‫م ي َأُتوا ب ِأْرب َعَةِ ُ‬ ‫م لَ ْ‬
‫ت ثُ ّ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫نزلت ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫دا { ‪ ،‬قال سعد بن عبادة ‪ -‬وهو سيد‬ ‫شَهاد َةً أب َ ً‬ ‫م َ‬ ‫قب َُلوا ل َهُ ْ‬‫جل ْد َة ً َول ت َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ماِني َ‬ ‫ثَ َ‬
‫النصار ‪ : -‬هكذا أنزلت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم" ‪ :‬يا معشر النصار أل تسمعون ما يقول سيدكم ؟" قالوا ‪ :‬يا رسول‬
‫ط ]إل بكًرا ‪ ،‬وما طلق‬ ‫الله ‪ ،‬ل ت َُلمه فإنه رجل غيور ‪ ،‬والله ما تزوج امرأة قَ ّ‬
‫امرأة له قط[ )‪ (5‬فاجترأ رجل منا أن يتزوجها ‪ ،‬من شدة غيرته‪ .‬فقال‬
‫سعد ‪ :‬والله ‪ -‬يا رسول الله ‪ -‬إني لعلم أنها حق وأنها من الله ‪ ،‬ولكني قد‬
‫خذها رجل ‪ ،‬لم يكن لي أن أهّيجه ول‬ ‫ف ّ‬
‫عا قد ت َ َ‬ ‫جبت أني لو وجدت َلكا ً‬ ‫تع َ‬
‫أحركه حتى آتي بأربعة شهداء ‪ ،‬فوالله ل آتي بهم حتى يقضي حاجته‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ب عليهم‬ ‫فما لبثوا إل يسيًرا حتى جاء هلل بن أمية ‪ -‬وهو أحد الثلثة الذين ِتي َ‬
‫‪ -‬فجاء من أرضه عشاء ‪ ،‬فوجد عند أهله رجل فرأى بعينيه ‪ ،‬وسمع بأذنيه ‪،‬‬
‫فلم ي ُهَّيجه حتى أصبح ‪ ،‬فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا‬
‫ت عندها رجل فرأيت بعيني ‪،‬‬ ‫رسول الله إني جئت أهلي عشاء ‪ ،‬فوجد ُ‬
‫ّ‬ ‫د‬ ‫واشت‬ ‫‪،‬‬ ‫به‬ ‫جاء‬ ‫ما‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫ل الله صلى‬ ‫وسمعت بأذني‪ .‬فَك َرِه َ رسو ُ‬
‫عليه ‪ ،‬واجتمعت النصار فقالوا )‪ : (6‬قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة ‪ ،‬الن‬
‫ل بن أمية ‪ ،‬ويْبطل شهادته في‬ ‫يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هل َ‬
‫جا‪.‬‬ ‫المسلمين )‪ .(7‬فقال هلل ‪ :‬والله إني لرجو أن يجعل الله لي منها مخر ً‬
‫وقال هلل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني قد أرى ما اشتد عليك مما )‪ (8‬جئت به ‪،‬‬
‫والله يعلم إني لصادق‪ .‬فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن‬
‫يأمر بضربه ‪ ،‬إذ أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ‪-‬‬
‫وكان إذا نزل عليه الوحي عرفوا ذلك ‪ ،‬في ت ََرّبد وجهه )‪ .(9‬يعني ‪ :‬فأمسكوا‬
‫عنه حتى فرغ من الوحي ‪ -‬فنزلت ‪ } :‬وال ّذين يرمو َ‬
‫ن ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫م ي َك ُ ْ‬‫م وَل َ ْ‬
‫جهُ ْ‬
‫ن أْزَوا َ‬‫َ ِ َ َْ ُ َ‬
‫َ‬ ‫داُء ِإل أ َن ْ ُ‬
‫سّري عن رسول الله‬ ‫م { )‪ (10‬الية ‪ ،‬فَ ُ‬ ‫حدِهِ ْ‬ ‫م فَ َ‬
‫شَهاد َةُ أ َ‬ ‫سهُ ْ‬
‫ف ُ‬ ‫ُ‬
‫شهَ َ‬
‫جا‬‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬أبشر يا هلل ‪ ،‬قد جعل الله لك فر ً‬
‫جا"‪ .‬فقال هلل ‪ :‬قد كنت أرجو ذلك من ربي ‪ ،‬عز وجل‪ .‬فقال رسول‬ ‫ومخر ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أرسلوا إليها"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬في شرعه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬خرجتم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬فيما شرعه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في هـ ‪" :‬ويبطل شهادته في الناس" والمثبت من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬فيما"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬جلده"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪) :‬فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله(‪.‬‬

‫) ‪(6/15‬‬

‫فأرسلوا إليها ‪ ،‬فجاءت ‪ ،‬فتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما ‪،‬‬
‫ب الخرة أشد ّ من عذاب الدنيا‪ .‬فقال هلل ‪ :‬والله‬ ‫وذكرهما وأخبرهما أن عذا َ‬
‫ت عليها‪ .‬فقالت ‪ :‬كذب‪ .‬فقال رسول الله صلى‬ ‫دق ُ‬‫ص َ‬
‫‪ -‬يا رسول الله ‪ -‬لقد َ‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬لعنوا بينهما"‪ .‬فقيل لهلل ‪ :‬اشهد‪ .‬فشهد أربع شهادات‬
‫بالله إنه لمن الصادقين ‪ ،‬فلما كان في الخامسة قيل له ‪ :‬يا هلل ‪ ،‬اتق الله ‪،‬‬
‫ة التي توجب‬‫ن من عذاب الخرة ‪ ،‬وإن هذه الموجب ُ‬ ‫فإن عذاب الدنيا أهو ُ‬
‫عليك العذاب‪ .‬فقال ‪ :‬والله ل يعذبني الله عليها ‪ ،‬كما لم يجلدني عليها‪.‬‬
‫فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين‪ .‬ثم قيل ]لها ‪:‬‬
‫اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ‪ ،‬فلما كانت الخامسة قيل[ )‪(1‬‬
‫ة‬‫لها ‪ :‬اتقي الله ‪ ،‬فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة ‪ ،‬وإن هذه الموجب ُ‬
‫التي توجب عليك العذاب‪ .‬فتلكأت ساعة ‪ ،‬ثم قالت ‪ :‬والله ل أفضح قومي‬
‫فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين‪ .‬ففرق‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ‪ ،‬وقضى أل يدعى ولدها لب ول‬
‫يرمى ولدها ‪ ،‬ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد ‪ ،‬وقضى أل ]بيت لها عليه‬
‫وفى عنها‪.‬‬ ‫مت َ َ‬
‫ول[ )‪ (2‬قوت لها ‪ ،‬من أجل أنهما يتفرقان من غير طلق ‪ ،‬ول ُ‬
‫مش الساقين فهو لهلل ‪ ،‬وإن جاءت‬ ‫ح ْ‬
‫صي ِْهب أَريسح َ‬ ‫وقال ‪" :‬إن جاءت به أ َ‬
‫خدّلج الساقين سابغ الليتين ‪ ،‬فهو الذي رميت به"‬ ‫مالّيا َ‬ ‫ج َ‬
‫دا َ‬
‫جع ً‬‫به أورق َ‬
‫فجاءت به أورق جعدا جمالّيا خدلج الساقين سابغ الليتين ‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لول اليمان لكان لي ولها شأن"‪.‬‬
‫قال عكرمة ‪ :‬فكان بعد ذلك أميًرا على مصر ‪ ،‬وكان يدعى لمه ول يدعى‬
‫لب‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬عن يزيد )‪ (3‬بن هارون ‪ ،‬به نحوه‬ ‫ورواه أبو داود عن الحسن بن عل ّ‬
‫مختصًرا )‪.(4‬‬
‫ولهذا الحديث شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرة‪ .‬فمنها ما‬
‫شار ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عَدِيّ ‪ ،‬عن هشام بن‬ ‫قال البخاري ‪ :‬حدثني محمد بن ب َ ّ‬
‫مة ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن هلل بن أمية قذف امرأته عند‬ ‫عك ْرِ َ‬ ‫حسان ‪ ،‬حدثني ِ‬
‫حماء ‪ ،‬فقال رسول الله )‪ (5‬صلى‬ ‫س ْ‬
‫ريك بن َ‬ ‫ش ِ‬‫النبي صلى الله عليه وسلم ب َ‬
‫حد ّ في ظهرك" فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إذا أري )‬ ‫الله عليه وسلم ‪ " :‬البينة أو َ‬
‫‪ (6‬أحدنا على امرأته رجل ينطلقُ يلتمس البينة ؟ فجعل النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬البينة وإل حد ّ في ظهرك"‪ .‬فقال هلل ‪ :‬والذي بعثك بالحق‬
‫إني لصادق ‪ ،‬ولينزلن )‪ (7‬الله ما ُيبرئ ظهري )‪ (8‬من الحد‪ .‬فنزل جبريل ‪،‬‬
‫ن‬ ‫ن َ‬ ‫وأنزل )‪ (9‬عليه ‪ } :‬وال ّذين يرمو َ‬
‫كا َ‬ ‫م { ‪ ،‬فقرأ حتى بلغ ‪ } :‬إ ِ ْ‬ ‫جهُ ْ‬
‫ن أْزَوا َ‬‫َ ِ َ َْ ُ َ‬
‫ن { فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما ‪ ،‬فجاء‬ ‫صادِِقي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬‫ِ‬
‫هلل فشهد ‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬الله يشهد أن أحدكما‬
‫كاذب ‪ ،‬فهل منكما تائب" ؟ ثم قامت فشهدت ‪ ،‬فلما كانت عند الخامسة‬
‫موجبة‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها‬ ‫فوها وقالوا ‪ :‬إنها ُ‬ ‫وَقّ ُ‬
‫ترجع ‪ ،‬ثم قالت ‪ :‬ل أفضح قومي سائر اليوم‪ .‬فمضت ‪ ،‬فقال النبي صلى الله‬
‫خد َّلج‬
‫ل العينين ‪ ،‬سابغ الليتين ‪َ ،‬‬ ‫صُروها ‪ ،‬فإن جاءت به أكح َ‬ ‫عليه وسلم ‪" :‬أب ْ ِ‬
‫ماَء"‪ .‬فجاءت به كذلك ‪ ،‬فقال النبي صلى الله‬ ‫ح َ‬‫س ْ‬‫ريك بن َ‬ ‫ش ِ‬ ‫الساقين ‪ ،‬فهو ل َ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬لول ما مضى من كتاب الله ‪ ،‬لكان لي ولها شأن"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (1/238‬وسنن أبي داود برقم )‪.(2256‬‬
‫)‪] (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رأى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬ولينزل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬ما يطهرني"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬فأنزل"‪.‬‬

‫) ‪(6/16‬‬

‫انفرد به البخاري من هذا الوجه )‪ (1‬وقد رواه من غير وجه ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫وغيره‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن منصور الزيادي )‪ (2‬حدثنا يونس بن‬
‫محمد ‪ ،‬حدثنا صالح ‪ -‬وهو ابن عمر ‪ -‬حدثنا عاصم ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن ك ُل َْيب ‪ ، -‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬حدثني ابن عباس قال ‪ :‬جاء رجل إلى رسول الله ‪ ،‬فرمى امرأته برجل‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فلم يزل ي َُرّدده حتى أنزل‬ ‫‪ ،‬فكره ذلك رسو ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م [ { )‪(3‬‬ ‫سهُ ْ‬‫ف ُ‬‫داُء ]ِإل أن ْ ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬‫ن ل َهُ ْ‬ ‫م وَل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬ ‫جهُ ْ‬
‫ن أْزَوا َ‬ ‫مو َ‬
‫ن ي َْر ُ‬‫ذي َ‬ ‫الله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫]فقرأ[ )‪ (4‬حتى فرغ من اليتين ‪ ،‬فأرسل إليهما فدعاهما ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن الله ‪،‬‬
‫عَّز وجل ‪ ،‬قد أنزل فيكما"‪ .‬فدعا الرجل فقرأ عليه ‪ ،‬فشهد أربع شهادات‬
‫بالله إنه لمن الصادقين‪ .‬ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه ‪ ،‬فقال له ‪" :‬كل‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت الل ّهِ عَل َي ْهِ إ ِ ْ‬ ‫شيء أهون عليه من لعنة الله"‪ .‬ثم أرسله فقال ‪ } :‬ل َْعن َ‬
‫ن { ثم دعاها بها ‪ ،‬فقرأ عليها ‪ ،‬فشهدت أربع شهادات بالله إنه‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬‫ِ‬
‫لمن الكاذبين ‪ ،‬ثم أمر بها فأمسك على فيها فوعظها ‪ ،‬وقال ‪" :‬ويحك‪ .‬كل‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ن كا َ‬ ‫ب الل ّهِ عَل َي َْها إ ِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫شيء أهون من غضب الله"‪ .‬ثم أرسلها ‪ ،‬فقالت ‪ } :‬غَ َ‬
‫ن‬
‫ن { فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أما والله لقضي ّ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫بينكما قضاء فصل"‪ .‬قال ‪ :‬فولدت ‪ ،‬فما رأيت مولوًدا بالمدينة أكثر غاشية‬
‫منه ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن جاءت به لكذا وكذا فهو كذا ‪ ،‬وإن جاءت به لكذا وكذا فهو‬
‫لكذا"‪ .‬فجاءت به يشبه الذي ُقذفت به‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان‬
‫ت عن المتلعنين أيفّرق بينهما ‪ -‬في‬ ‫سئل ْ ُ‬ ‫جَبير قال ‪ُ :‬‬ ‫قال ‪ :‬سمعت سعيد بن ُ‬
‫ت ما أقول ‪ ،‬فقمت من مكاني إلى منزل ابن عمر‬ ‫إمارة ابن الزبير ؟ فما د ََري ُ‬
‫ت ‪ :‬أبا عبد الرحمن ‪ ،‬المتلعنان أيفرق بينهما ؟ فقال ‪ :‬سبحان الله ‪ ،‬إن‬ ‫فقل ُ‬
‫أول من سأل عن ذلك فلن بن فلن فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أرأيت الرجل‬
‫يرى امرأته على فاحشة فإن ت َك َّلم تكلم بأمر عظيم ‪ ،‬وإن سكت سكت على‬
‫مثل ذلك‪ .‬فسكت فلم يجبه ‪ ،‬فلما كان بعد ذلك أتاه فقال ‪ :‬الذي سألتك عنه‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫قد ابُتليت به‪ .‬فأنزل الله عز وجل هذه اليات )‪ (5‬في سورة النور ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫يرمو َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ب الل ّهِ عَل َي َْها إ ِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ن غَ َ‬ ‫م { حتى بلغ ‪ } :‬أ ّ‬ ‫جهُ ْ‬‫ن أْزَوا َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫ن من عذاب‬ ‫فبدأ بالرجل فوعظه وذكره ‪ ،‬وأخبره أن عذاب الدنيا أهو ُ‬ ‫ّ‬
‫الخرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬والذي بعثك بالحق ما ك َذ َب ُْتك‪ .‬ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذ َكرها‬
‫ّ‬
‫‪ ،‬وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة ‪ ،‬فقالت ‪ :‬والذي بعثك‬
‫بالحق )‪ (6‬إنه لكاذب‪ .‬قال ‪ :‬فبدأ بالرجل ‪ ،‬فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن‬
‫الصادقين ‪ ،‬والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين‪ .‬ثم ثنى بالمرأة‬
‫فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ‪ ،‬والخامسة أن غضب الله‬
‫عليها إن كان من الصادقين ‪ ،‬ثم فَّرقَ بينهما‪.‬‬
‫رواه النسائي في التفسير ‪ ،‬من حديث عبد الملك بن أبي سليمان ‪ ،‬به )‪(7‬‬
‫وأخرجاه في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس )‪.(8‬‬
‫وانة ‪ ،‬عن العمش ‪،‬‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن حماد ‪ ،‬حدثنا أبو عَ َ‬
‫عن إبراهيم ‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪(4747‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الرمادي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪ .‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والذي بعثك بالحق ما كذبتك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (2/19‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11357‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (5312‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1493‬‬
‫) ‪(6/17‬‬

‫سا عشية الجمعة في المسجد ‪ ،‬فقال‬ ‫علقمة ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬كّنا جلو ً‬
‫رجل من النصار ‪ :‬أحدنا إذا رأى مع امرأته رجل فقتله قتلتموه ‪ ،‬وإن تكلم‬
‫حا لسألن‬ ‫جلدتموه ‪ ،‬وإن سكت سكت عن غيظ ؟ والله َلئن أصبحت صال ً‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬فسأله‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن‬
‫أحدنا إذا رأى مع امرأته رجل فقتله قتلتموه ‪ ،‬وإن تكلم جلدتموه ‪ ،‬وإن سكت‬
‫سكت على غيظ ؟ اللهم احكم‪ .‬قال ‪ :‬فأنزل آية اللعان ‪ ،‬فكان ذلك الرجل‬
‫أول من ابتلي به‪.‬‬
‫مْهران العمش ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بن‬ ‫سليمان‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫رق‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ط‬ ‫من‬ ‫فرواه‬ ‫‪،‬‬ ‫مسلم‬ ‫انفرد بإخراجه‬
‫به )‪.(1‬‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا أبو كامل ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعد ‪ ،‬حدثنا ابن‬ ‫وقال المام أحمد أي ً‬
‫شهاب ‪ ،‬عن سهل بن سعد ‪ ،‬قال ‪ :‬جاء عُوَْيمر إلى عاصم بن عَدِيّ فقال ‪:‬‬
‫ل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أرأيت رجل وجد رجل مع امرأته‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫فقتله ‪ ،‬أيقتل به أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم المسائل‪ .‬قال ‪ :‬فلقيه‬ ‫ب رسو َ‬ ‫وسلم ‪ ،‬فعا َ‬
‫ت ؟ قال ‪ :‬ما صنعت! إنك لم تأتني بخير ؛ سألت‬ ‫ويمر فقال ‪ :‬ما صنعْ َ‬ ‫عُ َ‬
‫ويمر ‪ :‬والله لتين‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل فقال عُ َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم َفلسألنه‪ .‬فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيهما‪.‬‬
‫ت بها يا رسول الله‬ ‫ويمر ‪ :‬لئن انطلق ُ‬ ‫عن بينهما‪ .‬قال عُ َ‬ ‫قال ‪ :‬فدعا بهما َفل َ‬
‫لقد كذبت عليها‪ .‬قال ‪ :‬ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فصارت سنة المتلعنين ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"أبصروها ‪ ،‬فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الليتين ‪ ،‬فل أراه إل قد‬
‫حَرة فل أراه إل كاذًبا"‪ .‬فجاءت به على‬ ‫صدق ‪ ،‬وإن جاءت به أحيمر كأنه وَ َ‬
‫النعت المكروه‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة إل الترمذي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن الزهري ‪،‬‬
‫به )‪.(2‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا إسحاق بن الضيف ‪ ،‬حدثنا النضر بن‬
‫مْيل ‪ ،‬حدثنا يونس بن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن زيد )‪ (3‬بن ي ُث َْيع ‪ ،‬عن‬ ‫ش َ‬ ‫ُ‬
‫حذيفة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبي‬
‫بكر ‪" :‬لو رأيت مع أم رومان رجل ما كنت فاعل به ؟ قال ‪ :‬كنت والله فاعل‬
‫ت والله فاعل كنت أقول ‪ :‬لعن‬ ‫ت يا عمر ؟"‪ .‬قال ‪ :‬كن ُ‬ ‫به شًرا‪ .‬قال ‪" :‬فأن َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م ي َك ْ‬ ‫م وَل ْ‬
‫جهُ ْ‬‫ن أْزَوا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬
‫ذي َ‬
‫الله العجز ‪ ،‬وإنه خبيث‪ .‬قال ‪ :‬فنزلت ‪َ } :‬وال ِ‬
‫م{‬ ‫سهُ ْ‬ ‫داُء ِإل أ َن ْ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫م ُ‬
‫شهَ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫شمْيل ‪ ،‬عن يونس بن أبي‬ ‫دا أسنده إل الّنضر بن ُ‬ ‫ثم قال ‪ :‬ل نعلم أح ً‬
‫إسحاق ‪ ،‬ثم رواه من حديث الثوري عن ]أبي[ )‪ (4‬أبي إسحاق ‪ ،‬عن زيد بن‬
‫ي ُث َْيع مرسل فالله أعلم )‪.(5‬‬
‫خل ّد ُ بن‬
‫م َ‬‫جْرمي ‪ ،‬حدثنا ُ‬ ‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا مسلم بن أبي مسلم ال َ‬
‫الحسين ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن ابن سيرين ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫ذفه هلل بن أمية‬ ‫ماء ق َ‬ ‫ح َ‬ ‫س ْ‬‫ك بن َ‬ ‫ري َ‬ ‫قال ‪ :‬لول لعان كان في السلم أن َ‬
‫ش ِ‬
‫بامرأته ‪ ،‬فرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫حد ّ في ظهرك" ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أربعة شهود وإل فَ َ‬
‫الله ‪ ،‬إن الله يعلم إني لصادق ‪ ،‬ولينزلن الله عليك ما يبرئ به ظهري من‬
‫الجلد‪ .‬فأنزل الله آية اللعان ‪ } :‬وال ّذين يرمو َ‬
‫داءُ‬
‫شهَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫م وَل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬ ‫جهُ ْ‬
‫ن أْزَوا َ‬
‫َ ِ َ َْ ُ َ‬
‫م { إلى آخر الية‪ .‬قال ‪ :‬فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪:‬‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ِإل أ َن ْ ُ‬
‫ف ُ‬
‫"اشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى" فشهد بذلك أربع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/421‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1495‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (5/334‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4745‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪ (1492‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2245‬وسنن النسائي )‪ (6/143‬وسنن ابن‬
‫ماجه برقم )‪.(2066‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند البزار برقم )‪" (2237‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (7/74‬رجاله ثقات"‪.‬‬

‫) ‪(6/18‬‬

‫ت من الكاذبين‬ ‫شهادات ‪ ،‬ثم قال له في الخامسة ‪" :‬ولعنة الله عليك إن كن َ‬


‫فيما رميتها به من الزنى" ‪ ،‬ففعل‪ .‬ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال ‪" :‬قومي فاشهدي بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من‬
‫غضب‬ ‫الزنى"‪ .‬فشهدت بذلك أربع شهادات ‪ ،‬ثم قال لها في الخامسة ‪" :‬و َ‬
‫الله عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنى" ‪ ،‬فقالت ‪ :‬فلما‬
‫كانت الرابعة أو الخامسة سكتت سكتة ‪ ،‬حتى ظنوا أنها ستعترف ‪ ،‬ثم‬
‫قالت ‪ :‬ل أفضح قومي سائر اليوم‪ .‬فمضت على القول ‪ ،‬ففّرق رسول الله‬
‫ش‬
‫م َ‬ ‫ح ْ‬
‫دا َ‬‫جعْ ً‬
‫صلى الله عليه وسلم بينهما ‪ ،‬وقال ‪" :‬انظروه ‪ ،‬فإن جاءت به َ‬
‫حماء ‪ ،‬وإن جاءت به أبيض سبطا َفضيء )‪(1‬‬ ‫س ْ‬
‫ريك بن َ‬‫ش ِ‬‫الساقين ‪ ،‬فهو ل َ‬
‫مش الساقين ‪ ،‬فقال‬ ‫ح ْ‬
‫دا َ‬
‫جعَ ً‬
‫م َ‬
‫العينين فهو لهلل بن أمية"‪ .‬فجاءت به آد َ َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لول ما نزل فيهما من كتاب الله ‪ ،‬لكان‬
‫لي ولها شأن" )‪.(2‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬قضي قصير"‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسند أبي يعلى )‪ (5/207‬ورواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (1496‬من‬
‫طريق هشام ‪ ،‬عن محمد ‪ ،‬به‬

‫) ‪(6/19‬‬

‫م ل ِك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬‫ل هُوَ َ‬‫م بَ ْ‬‫شّرا ل َك ُ ْ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬‫م َل ت َ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ة ِ‬ ‫صب َ ٌ‬
‫ك عُ ْ‬‫جاُءوا ِباْل ِفْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫إِ ّ‬
‫م)‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬‫ه عَ َ‬ ‫َ‬
‫مل ُ‬‫من ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ذي ت َوَلى ك ِب َْره ُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِث ْم ِ َوال ِ‬ ‫م َ‬
‫ب ِ‬
‫س َ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬
‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ئ ِ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫ا ْ‬
‫‪(11‬‬

‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل هُوَ َ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫شّرا ل َك ُ ْ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬
‫م ل تَ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ة ِ‬‫صب َ ٌ‬‫ك عُ ْ‬‫جاُءوا ِبالفْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫} إِ ّ‬
‫م‬
‫ظي ٌ‬
‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ه عَ َ‬‫م لَ ُ‬‫من ْهُ ْ‬‫ذي ت َوَّلى ك ِب َْره ُ ِ‬ ‫ن الث ْم ِ َوال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬
‫س َ‬ ‫م َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ئ ِ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫لا ْ‬ ‫ل ِك ُ ّ‬
‫)‪{ (11‬‬
‫هذه العشر اليات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنها ‪ ،‬حين رماها أهل الفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب‬
‫البحت والفرية التي غار الله تعالى )‪ (1‬لها ولنبيه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه‬
‫عليه ‪ ،‬فأنزل ]الله عز وجل[ )‪ (2‬براءتها صيانة لعرض الرسول ‪ ،‬عليه أفضل‬
‫ة { أي ‪ :‬جماعة‬ ‫صب َ ٌ‬ ‫جاُءوا ِبالفْ ِ‬
‫ك عُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الصلة والسلم )‪ (3‬فقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫دم في هذه اللعنة‬ ‫ّ‬ ‫المق‬ ‫فكان‬ ‫‪،‬‬ ‫جماعة‬ ‫بل‬ ‫اثنان‬ ‫منكم ‪ ،‬يعني ‪ :‬ما هو واحد ول‬
‫)‪ (4‬عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين ‪ ،‬فإنه كان يجمعه‬
‫وزه‬‫ويستوشيه ‪ ،‬حتى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين ‪ ،‬فتكلموا به ‪َ ،‬وج ّ‬
‫آخرون منهم ‪ ،‬وبقي المر كذلك قريًبا من شهر ‪ ،‬حتى نزل القرآن ‪ ،‬وسياق‬
‫ذلك في الحاديث الصحيحة‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري قال ‪:‬‬ ‫معْ َ‬‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫سّيب ‪ ،‬وعُْرَوة بن الزبير ‪ ،‬وعلقمة بن وقاص ‪ ،‬وعَُبيد‬ ‫أخبرني سعيد بن الم َ‬
‫الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ‪ ،‬عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حين قال لها أهل الفك ما قالوا ‪ ،‬فبرأها الله ‪ ،‬وكّلهم قد حدثني‬
‫صا ‪،‬‬‫بطائفة من حديثها ‪ ،‬وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصا ً‬
‫وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني ‪ ،‬وبعض حديثهم يصدق‬
‫ضا ‪ :‬ذكروا أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت ‪ :‬كان رسول‬ ‫بع ً‬
‫فًرا أقرع بين نسائه ‪ ،‬فأيتهن‬ ‫س َ‬‫الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج َ‬
‫خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ‪ ،‬قالت عائشة ‪:‬‬
‫فأقرع بيننا في غزوة غزاها ‪ ،‬فخرج فيها سهمي ‪ ،‬وخرجت مع رسول الله‬
‫هوَدجي‬ ‫مل في َ‬ ‫ح َ‬‫ب ‪ ،‬فأنا أ ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وذلك بعدما أنزل الحجا ُ‬
‫وأنزل فيه مسيرنا ‪ ،‬حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غَْزوه‬
‫وقفل ودنونا من المدينة ‪ ،‬آذن ليلة بالرحيل ‪ ،‬فقمت حين آذنوا بالرحيل ‪،‬‬
‫فمشيت حتى جاوزت الجيش ‪ ،‬فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست‬
‫ظفار قد انقطع ‪ ،‬فرجعت فالتمست عقدي ‪،‬‬ ‫جْزع َ‬ ‫قد من َ‬ ‫صدري ‪ ،‬فإذا ع ْ‬
‫حَبسني ابتغاؤه‪ .‬وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فحملوا هودجي‬ ‫ف َ‬
‫فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب ‪ -‬وهم يحسبون أني فيه ‪ -‬قالت ‪ :‬وكان‬
‫قة من‬ ‫م ‪ ،‬إنما يأكلن الُعل ْ‬ ‫ن ولم يغشهن اللح ُ‬ ‫النساء إذ ذاك خفافا لم ي ُهَل َب ْهُ ّ‬
‫الطعام‪ .‬فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه ‪ ،‬وكنت جارية‬
‫حديثة السن ‪ ،‬فبعثوا الجمل وساروا ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬جل شأنه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬العصبة"‪.‬‬

‫) ‪(6/19‬‬

‫ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ‪ ،‬فجئت منازلهم وليس بها داع ول‬
‫مجيب ‪ ،‬فتيممت منزلي الذي كنت فيه ‪ ،‬وظننت أن القوم سيفقدوني‬
‫ي‪ .‬فبينا أنا جالسة في منزلي ‪ ،‬غلبتني عيني فنمت ‪ -‬وكان‬ ‫فيرجعون إل ّ‬
‫ْ‬
‫صفوان بن المعطل السلمي ثم الذ ّك َ‬
‫واَني قد عََرس من وراء الجيش ‪ -‬فاّدلج‬
‫فأصبح عند منزلي ‪ ،‬فرأى سواد إنسان نائم ‪ ،‬فأتاني فعرفني حين رآني‪ .‬وقد‬
‫ي الحجاب ‪ ،‬فاستيقظت باسترجاعه حين‬ ‫ضَرب عل ّ‬
‫كان يراني قبل أن ي ُ ْ‬
‫مرت وجهي بجلبابي ‪ ،‬والله ما كلمني كلمة ‪ ،‬ول سمعت منه‬ ‫خ ّ‬‫عرفني ‪ ،‬ف َ‬
‫وطئ على َيدها فركبُتها ‪ ،‬فانطلق‬ ‫كلمة غيَر استرجاعه ‪ ،‬حتى أناخ راحلته ‪ ،‬فَ ْ‬
‫موغرين في نحر الظهيرة‪.‬‬ ‫يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا ُ‬
‫فهلك من هلك في شأني ‪ ،‬وكان الذي تولى ك ِْبره عبد الله بن أبي بن سلول‪.‬‬
‫ضون في قول أهل‬ ‫ت المدينة فاشتكيت حين قدمنا شهرا ‪ ،‬والناس ُيفي ُ‬ ‫قدم ُ‬‫فَ َ‬
‫الفك ‪ ،‬ول أشعر بشيء من ذلك ‪ ،‬وهو َيريبني في وجعي أني ل أعرف من‬
‫طف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ‪،‬‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الل ّ ْ‬
‫إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ‪ ،‬ثم يقول ‪ " :‬كيف‬
‫جت‬ ‫خَر َ‬‫قْهت و َ‬‫ريبني ول أشعر بالشر ‪ ،‬حتى خرجت بعدما ن َ ِ‬ ‫كم ؟" فذلك ي َ ِ‬ ‫ِتي ُ‬
‫مت َب َّرُزنا ‪ -‬ول نخرج إل ليل إلى ليل ‪،‬‬ ‫مسطح قبل المناصع ‪ -‬وهو ُ‬ ‫ْ‬ ‫معي أم ِ‬
‫ُ‬
‫وذلك قبل أن ن َّتخذ َ الكُنف قريبا من بيوتنا ‪ ،‬وأمرنا أمر العرب الول في‬
‫َ‬
‫سطح ‪-‬‬ ‫التنزه ‪ ،‬وكنا نتأذى بالك ُُنف أن نتخذها في بيوتنا‪ .‬فانطلقت أنا وأم م ْ‬
‫هم بن المطلب بن عبد مناف ‪ ،‬وأمها ابنة صخر بن عامر ‪،‬‬ ‫وهي ابنة أبي ُر ْ‬
‫سطح بن أثاثة بن عَّباد بن المطلب ‪ -‬فأقبلت‬ ‫َ‬ ‫خالة أبي بكر الصديق ‪ ،‬وابنها م ْ‬
‫سطح في‬ ‫ل بيتي حين فرغنا من شأننا ‪ ،‬فعثرت أم م ْ‬ ‫أنا وابنة أبي رهم قِب َ َ‬
‫سطح"‪ .‬فقلت لها ‪ :‬بئسما قلت ‪ ،‬تسبين رجل ]قد )‬ ‫مْرطها فقالت ‪َ" :‬تعس م ْ‬ ‫ِ‬
‫‪ [ (1‬شهد )‪ (2‬بدرا ؟ قالت ‪ :‬أي هَْنتاه ‪ ،‬ألم )‪ (3‬تسمعي ما قال ؟ قلت ‪:‬‬
‫ضا إلى )‪ (5‬مرضي‪.‬‬ ‫ت مر ً‬ ‫وماذا قال ؟ فأخبرتني )‪ (4‬بقول أهل الفك ‪ ،‬فازدد ُ‬
‫ت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ‪ ،‬ثم‬ ‫فلما رجع ُ‬
‫كم ؟" قلت ‪ :‬أتأذن لي أن آتي أبويّ ؟ ‪ -‬قالت ‪ :‬وأنا حينئذ أريد‬ ‫قال ‪" :‬كيف ِتي ُ‬
‫ن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫أن أتيقن الخبر من قَبلهما ‪ -‬فأذ َ‬
‫متاه ‪ ،‬ما يتحدث الناس ؟ فقالت ‪ :‬أيْ ب َُنية )‪(6‬‬ ‫فجئت أبوي فقلت لمي ‪ :‬يا أ ّ‬
‫ّ‬
‫وني عليك ‪ ،‬فوالله لقلما كانت )‪ (7‬امرأة قَط وضيئة ‪ ،‬عند رجل يحبها ‪،‬‬ ‫هَ ّ‬
‫ت ‪ :‬سبحان الله أوقد تحدث الناس‬ ‫ولها ضرائر إل أكثرن عليها‪ .‬قالت ‪ :‬فقل ُ‬
‫بهذا ؟ قالت ‪ :‬فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت ‪ ،‬ل يرقأ لي دمع ول أكتحل‬
‫بنوم ‪ ،‬ثم أصبحت أبكي‪ .‬فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عَل ِّيا )‪(8‬‬
‫ي ‪ ،‬يستشيرهما في فراق أهله ‪ ،‬قالت ‪:‬‬ ‫وأسامة بن زيد حين استلبث الوح ُ‬
‫فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم‬
‫من براءة أهله ‪ ،‬وبالذي يعلم في نفسه له من الود ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫هم أهلك ‪ ،‬ول نعلم إل خيرا‪ .‬وأما علي بن أبي طالب فقال ‪ :‬لم ُيضيق الله‬
‫دقك الخبر‪ .‬قالت )‪: (9‬‬ ‫عليك ‪ ،‬والنساء سواها كثير ‪ ،‬وإن تسأل الجارية تص ُ‬
‫ريرة ‪ ،‬هل رأيت‬ ‫فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم َبريرة ‪ ،‬فقال ‪" :‬أيْ ب َ ِ‬
‫ن رأيت‬ ‫من شيء َيريبك من عائشة ؟" فقالت له بريرة ‪ :‬والذي بعثك بالحق إ ْ‬
‫صه عليها ‪ ،‬أكثر من أنها جارية حديثة السن ‪ ،‬تنام عن‬ ‫ط أغم ُ‬ ‫عليها أمرا قَ ّ‬
‫عجين أهلها ‪ ،‬فتأتي الداجن فتأكله ‪ ،‬فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫سُلول‪ .‬قالت ‪ :‬فقال رسول الله صلى الله‬ ‫فاستعذر من عبد الله بن أبي بن َ‬
‫ن يعذرني من رجل قد‬ ‫م ْ‬ ‫عليه وسلم وهو على المنبر ‪" :‬يا معشر المسلمين َ‬
‫بلغني أذاه في أهل بيتي ‪ ،‬فوالله ما علمت على أهلي إل خيًرا ‪ ،‬ولقد ذكروا‬
‫رجل ما علمت عليه إل خيًرا ‪ ،‬وما كان يدخل على أهلي إل معي"‪ .‬فقام سعد‬
‫بن معاذ النصاري فقال ‪ :‬أنا أعذرك منه يا رسول الله ‪ ،‬إن كان من الوس‬
‫ضربنا عنقه ‪ ،‬وإن كان من إخواننا من الخزرج ‪ ،‬أمرتنا ففعلنا أمرك‪ .‬قالت ‪:‬‬
‫فقام سعد بن عبادة ‪ -‬وهو سيد الخزرج ‪ ،‬وكان رجل صالحا ‪ ،‬ولكن احتملته‬
‫الحمية ‪ -‬فقال لسعد ابن معاذ ‪ :‬لعمر الله ل تقتله )‪ (10‬ول تقدر على قتله‪.‬‬
‫حضير _ وهو ابن عم سعد بن معاذ ‪ -‬فقال لسعد بن عبادة ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫سيد بن ُ‬ ‫فقام أ َ‬
‫كذبت! لعمر الله )‪ (11‬لنقتلنه ‪ ،‬فإنك منافق تجادل عن المنافقين‪ .‬فتثاور‬
‫موا أن يقتتلوا ‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه‬ ‫الحيان الوس والخزرج حتى هَ ّ‬
‫وسلم ]قائم على المنبر‪ .‬فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم[ )‪(12‬‬
‫فضهم حتى سكتوا وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قالت ‪:‬‬ ‫خ ّ‬
‫يُ َ‬
‫وبكيت يومي ذلك ‪ ،‬ل يرقأ لي دمع ‪ ،‬ول أكتحل بنوم ‪ ،‬وأبواي يظنان أن البكاء‬
‫فالق كبدي‪ .‬قالت ‪ :‬فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي ‪ ،‬استأذ ََنت عل ّ‬
‫ي‬
‫ت لها ‪ ،‬فجلست تبكي معي ‪ ،‬فبينا نحن على ذلك )‬ ‫امرأة من النصار ‪ ،‬فأذن ُ‬
‫‪ (13‬إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس ‪ -‬قالت ‪:‬‬
‫حى إليه‬ ‫ولم يجلس عندي منذ قيل ]لي[ )‪ (14‬ما قيل ‪ ،‬وقد لبث شهًرا ل ُيو َ‬
‫في شأني شيء ‪ -‬قالت ‪ :‬فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين‬
‫جلس ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما بعد يا عائشة ‪ ،‬فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ‪ ،‬فإن كنت‬
‫مت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫بريئة فسيبرئك الله ‪ ،‬وإن كنت أل ْ َ‬
‫فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب ‪ ،‬تاب الله عليه‪ .‬قالت ‪ :‬فلما قضى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم مقالته قََلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ‪،‬‬
‫فقلت )‪ (15‬لبي ‪ :‬أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقال ‪ :‬والله‬
‫ما أدري ما أقول للرسول‪ .‬فقلت لمي ‪ :‬أجيبي عني رسول الله‪.‬فقالت ‪:‬‬
‫والله ما أدري ما أقول لرسول الله‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ -‬وأنا جارية حديثة السن ‪،‬‬
‫ل أحفظ )‪ (16‬كثيرا من القرآن ‪] : -‬إني[ )‪ (17‬والله لقد عرفت أنكم قد‬
‫سمعتم بهذا ‪ ،‬حتى استقر )‪ (18‬في أنفسكم وصدقتم به ‪ ،‬ول ََئن )‪ (19‬قلت‬
‫لكم إني بريئة ‪ -‬والله يعلم إني بريئة ‪ -‬ل تصدقوني ]بذلك‪ .‬ولئن اعترفت لكم‬
‫بأمر والله عز وجل يعلم أني بريئة تصدقوني[ )‪ ، (20‬وإني والله ما أجد لي )‬
‫ن عََلى‬ ‫ست ََعا ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫ل َوالل ّ ُ‬ ‫مي ٌ‬‫ج ِ‬ ‫صب ٌْر َ‬ ‫‪ (21‬ولكم مثل إل كما قال أبو يوسف ‪ } :‬فَ َ‬
‫ن { ]يوسف ‪ .[18 :‬قالت ‪ :‬ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ‪،‬‬ ‫فو َ‬‫ص ُ‬‫ما ت َ ِ‬‫َ‬
‫مب َّرئي ببراءتي ‪ ،‬ولكن‬ ‫ُ‬ ‫الله‬ ‫وأن‬ ‫‪،‬‬ ‫بريئة‬ ‫أني‬ ‫أعلم‬ ‫حينئذ‬ ‫والله‬ ‫وأنا‬ ‫‪:‬‬ ‫قالت‬
‫والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ‪ ،‬ولشأني كان أحقَر في‬
‫ي بأمر ُيتلى‪ .‬ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله‬ ‫نفسي من أن يتكلم الله فِ ّ‬
‫ؤيا يبّرئني الله بها‪ .‬قالت ‪ :‬فوالله ما رام‬ ‫صلى الله عليه وسلم في النوم ر ْ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه ‪ ،‬ول خرج من أهل البيت أحد ‪،‬‬
‫حتى أنزل الله على نبيه ‪ ،‬فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي ‪ ،‬حتى‬
‫قل القول‬ ‫مان من العرق في اليوم الشاتي ‪ ،‬من ث ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫إنه لينحدر منه مثل ال ُ‬
‫سّريَ عن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ُ‬ ‫فلما‬ ‫‪:‬‬ ‫(‬‫‪22‬‬ ‫)‬ ‫الذي أنزل عليه‪ .‬قالت‬
‫وسلم وهو يضحك ‪ ،‬كان أول كلمة تكلم بها أن قال ‪" :‬أبشري يا عائشة ‪ ،‬أما‬
‫الله )‪ (23‬فقد ب َّرأك )‪ .(24‬فقالت لي أمي ‪ :‬قومي إليه‪ .‬فقلت ‪ :‬والله ل‬
‫أقوم إليه ول أحمد إل الله عز وجل ‪ ،‬هو الذي أنزل براءتي )‪ (25‬وأنزل الله‬
‫م { عشر آيات‪ .‬فأنزل الله‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ة ِ‬‫صب َ ٌ‬
‫ك عُ ْ‬ ‫جاُءوا ِبالفْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عز وجل ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫هذه اليات في براءتي قالت ‪ :‬فقال أبو بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ -‬وكان ينفق‬
‫على مسطح لقرابته منه وفقره ‪ : -‬والله ل أنفق عليه شيًئا أبدا بعد الذي قال‬
‫ل ُأوُلو ال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫سعَةِ { إلى‬ ‫م َوال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ض ِ‬‫ف ْ‬ ‫لعائشة‪ .‬فأنزل الله عز وجل ‪َ } :‬ول ي َأت َ ِ‬
‫حبو َ‬ ‫َ‬
‫م { ]النور ‪ [22 :‬فقال أبو بكر )‪ : (26‬والله‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬‫فَر الل ّ ُ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫قوله } أل ت ُ ِ ّ َ‬
‫طح النفقة التي كان ينفق عليه‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫م ْ‬ ‫جع إلى ِ‬ ‫إني لحب أن يغفر الله لي ‪َ ،‬فر ّ‬
‫دا‪.‬‬ ‫وقال ‪ :‬ل أنزعها منه أب ً‬
‫ب بنت جحش‬ ‫قالت عائشة ‪ :‬وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زين َ‬
‫ج النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬عن أمري ‪ :‬يا زينب ‪ ،‬ما علمت ‪ ،‬أوما‬ ‫‪ -‬زو َ‬
‫رأيت ]أو ما بلغك[ )‪ (27‬؟ فقالت يا رسول الله ‪ ،‬أحمي سمعي وبصري ‪،‬‬
‫ساميني من أزواج‬ ‫ت إل خيًرا‪ .‬قالت عائشة ‪ :‬وهي التي كانت ت ُ َ‬ ‫والله ما علم ُ‬
‫قت أختها‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم )‪ ، (28‬فعصمها الله تعالى بالورع‪.‬وط َفِ َ‬
‫حمنة بنت جحش تحارب لها ‪ ،‬فهلكت فيمن هلك‪.‬‬ ‫َ‬
‫قال ابن شهاب ‪ :‬فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلء الرهط‪.‬‬
‫أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ‪ ،‬من حديث الزهري )‪ .(29‬وهكذا‬
‫رواه ابن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري كذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬وحدثني يحيى بن عباد بن عبد‬
‫الله بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة‪ .‬وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد‬
‫بن عمرو بن حزم النصاري ‪ ،‬عن عمرة ‪ ،‬عن عائشة )‪ (30‬بنحو )‪ (31‬ما‬
‫تقدم ‪ ،‬والله أعلم )‪.(32‬‬
‫ثم قال البخاري ‪ :‬وقال أبو أسامة ‪ ،‬عن هشام بن عُْروة قال ‪ :‬أخب ََرني أبي ‪،‬‬
‫ت‬
‫علم ُ‬ ‫عن عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬لما ُذكَر من شأني الذي ُذكر وما َ‬
‫مد َ الله‬ ‫ح ِ‬ ‫ي خطيبا ‪ ،‬فتشهد فَ َ‬ ‫ل الله صلى الله عليه وسلم ف ّ‬ ‫به ‪ ،‬قام رسو ُ‬
‫ي في أناس أب َُنوا‬ ‫َ‬
‫وأثنى عليه بما هو أهله ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬أما بعد ‪ ،‬أشيروا عَل ّ‬
‫من والله ما‬ ‫م الله ما علمت على أهلي من سوء )‪ ، (33‬وأب َُنوهم ب َ‬ ‫أهلي ‪َ ،‬واي ُ‬
‫ت عليه من سوء قط ‪ ،‬ول يدخل بيتي قط إل وأنا حاضر ‪ ،‬ول غبت في‬ ‫ّ‬ ‫علم ُ‬
‫سفر إل غاب معي"‪ .‬فقام سعد بن معاذ النصاري فقال ‪ :‬ائذن يا رسول الله‬
‫م حسان ]بن ثابت[ )‬ ‫أن نضرب أعناقهم ‪ ،‬فقام رجل من الخزرج ‪ -‬وكانت أ ّ‬
‫‪ (34‬من رهط ذلك الرجل ‪ -‬فقال ‪ :‬كذبت ‪ ،‬أما والله لو كانوا من الوس ما‬
‫شّر في‬ ‫ت أن ُتضرب أعناقهم‪ .‬حتى كاد أن يكون بين الوس والخزرج َ‬ ‫أحبب َ‬
‫ت‪ .‬فلما كان مساء ذلك اليوم ‪ ،‬خرجت لبعض حاجتي‬ ‫علم ُ‬‫المسجد ‪ ،‬وما َ‬
‫م ‪ ،‬أتسبين‬ ‫ت فقالت ‪َ :‬تعس مسطح ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أيْ أ ّ‬ ‫ومعي أم مسطح ‪ ،‬فعََثر ْ‬
‫م‪،‬‬ ‫ابنك ؟ وسكتت ‪ ،‬ثم عََثرت الثانية فقالت ‪َ :‬تعس مسطح‪ .‬فقلت لها ‪ :‬أيْ أ ّ‬
‫سطح‪ .‬فانتهرتها فقالت ‪:‬‬ ‫تسبين ابنك ؟ ثم عََثرت الثالثة فقالت ‪َ :‬تعس م ْ‬
‫قرت لي الحديث‪.‬‬ ‫والله ما أسبه إل فيك ‪ ،‬فقلت ‪ :‬في أيّ شأني ؟ قالت ‪ :‬فَب َ َ‬
‫ت إلى بيتي كأن الذي‬ ‫فقلت ‪ :‬وقد كان هذا ؟ قالت ‪ :‬نعم والله‪ .‬فرجع ُ‬
‫خرجت له ل أجد منه قليل ول كثيًرا ‪ ،‬وُوعكت ‪ ،‬وقلت لرسول الله صلى الله‬
‫ت الدار ‪،‬‬ ‫عليه وسلم ‪ :‬أرسلني إلى بيت أبي‪ .‬فأرسل معي الغلم ‪ ،‬فدخل ُ‬
‫سفل ‪ ،‬وأبا بكر فوق البيت يقرأ ‪ ،‬فقالت ]لي[ )‪(35‬‬ ‫فوجدت أم رومان في ال ّ‬
‫ت لها الحديث ‪ ،‬وإذا هو لم يبلغ‬ ‫أمي ‪ :‬ما جاء بك يا بنية ؟ فأخبرتها ‪ ،‬وذكر ُ‬
‫فضي عليك الشأن ؛ فإنه ‪ -‬والله ‪-‬‬ ‫خ ّ‬‫منها مثل ما بلغ مني ‪] ،‬فقالت ‪ :‬يا بنية ‪َ ،‬‬
‫قّلما كانت امرأة‬ ‫لَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ :‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬شاهد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬أولم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وماذا قال ؟ قالت ‪ :‬فأخبرتني"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يا بنية"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬ما كانت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في المسند ‪" :‬علي بن أبي طالب"‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬لعمر والله لنقتلنه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ف ‪" :‬والله"‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كذلك"‪.‬‬
‫)‪ (14‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (15‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قلت"‪.‬‬
‫)‪ (16‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل أقرأ"‪.‬‬
‫)‪ (17‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (18‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬استقرت"‪.‬‬
‫)‪ (19‬في ف ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫)‪ (20‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (21‬في ف ‪" :‬والله إني ل أجد لي"‪.‬‬
‫)‪ (22‬في ف ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (23‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والله"‪.‬‬
‫)‪ (24‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقد برأك الله"‪.‬‬
‫)‪ (25‬في أ ‪" :‬هو الذي برأني‪.‬‬
‫)‪ (26‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال أبو بكر ‪ :‬أي والله"‪.‬‬
‫)‪ (27‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (28‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (29‬المسند )‪ (6/194‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4750‬وصحيح مسلم برقم‬
‫)‪.(2770‬‬
‫)‪ (30‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عمرة ‪ ،‬أخبرني أبي ‪ ،‬عن عائشة"‪.‬‬
‫)‪ (31‬في ف ‪" :‬نحو"‪.‬‬
‫)‪ (32‬رواه ابن هشام في السيرة )‪ (2/297‬من طريق ابن إسحاق ‪ ،‬ورواه‬
‫الحافظ ابن ديزيل في جزئه برقم )‪ (2‬من طريق أبي أويس ‪ ،‬عن عبد الله‬
‫بن أبي بكر بن عمرو بن حزم النصاري ‪ ،‬عن عمرة ‪ ،‬عن عائشة‪.‬‬
‫)‪ (33‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما علمت على أهلي إل خيرا ‪ ،‬أو ما علمت على أهلي من‬
‫سوء"‪.‬‬
‫)‪ (34‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫)‪ (35‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقالت لي أمي"‪.‬‬

‫) ‪(6/20‬‬

‫سدنها ‪ ،‬وقيل فيها وإذا هو لم يبلغ‬ ‫ح َ‬


‫حسناء ‪ ،‬عند رجل يحبها ‪ ،‬لها ضرائر إل َ‬
‫منها ما بلغ مني ‪ ،‬فقلت ‪ :‬وقد عَِلم به أبي ؟ قالت ‪ :‬نعم‪ .‬قلت ‪ :‬ورسو ُ‬
‫ل الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم[ )‬
‫ت وبكيت ‪ ،‬فسمعَ أبو بكر صوتي ‪ ،‬وهو فوق البيت يقرأ ‪ ،‬فنزل‬ ‫‪.(1‬فاست َعْب َْر ُ‬
‫فقال لمي ‪ :‬ما شأنها ؟ قالت ‪ :‬بلغها الذي ُذكر من شأنها‪ .‬ففاضت عيناه‬
‫ت ‪ ،‬ولقد جاء‬ ‫وقال )‪ : (2‬أقسمت عليك ‪ -‬أيْ ب ُن َّية ‪ -‬إل رجعت إلى بيتك فََرجع ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي ‪ ،‬فسأل عني خادمي )‪ (3‬فقالت ‪ :‬ل‬
‫والله ما علمت عليها عيبا ‪ ،‬إل أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل‬
‫سو َ‬
‫ل الله‬ ‫دقي َر ُ‬
‫خميرها ‪ -‬أو ‪ :‬عجينها ‪ -‬وانتهرها بعض أصحابه فقال ‪ :‬اص ُ‬ ‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا لها به ‪ ،‬فقالت ‪ :‬سبحان الله‪ .‬والله ما‬
‫علمت عليها إل ما يعلم الصائغ على تْبر الذهب الحمر‪ .‬وبلغ المر ذلك الرج َ‬
‫ل‬
‫شفت ك ََنف أنثى قط ‪ -‬قالت‬ ‫الذي قيل له ‪ ،‬فقال ‪ :‬سبحان الله‪ .‬والله ما ك َ َ‬
‫عائشة ‪ :‬فقتل شهيدا في سبيل الله ‪ -‬قالت ‪ :‬وأصبح أبواي عندي ‪ ،‬فلم يزال‬
‫صّلى العصر ‪ ،‬ثم دخل‬ ‫حتى دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد َ‬
‫فني أبواي ‪ ،‬عن يميني وعن شمالي ‪ ،‬فحمد الله وأثنى عليه ‪ ،‬ثم‬ ‫وقد اكتن َ‬
‫سوًءا أو ظلمت فتوبي إلى الله ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال ‪" :‬أما بعد يا عائشة ‪ ،‬إن كنت قارفت ُ‬
‫فإن الله يقبل التوبة عن عباده"‪ .‬قالت ‪ :‬وقد جاءت امرأة من النصار ‪ ،‬فهي‬
‫)‪ (4‬جالسة بالباب ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أل تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيًئا ؟‬
‫فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فالتفت إلى أبي ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬أجْبه‪.‬‬
‫ت إلى أمي فقلت ‪ :‬أجيبيه‪ .‬قالت ‪ :‬أقول ماذا ؟‬ ‫قال ‪ :‬فماذا أقول ؟ فالتف ُ‬
‫ت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ‪ ،‬ثم قلت ‪:‬‬ ‫ت فحمد ُ‬ ‫شهد ُ‬ ‫فلما لم يجيباه ‪ ،‬ت َ ّ‬
‫والله َلئن قلت لكم إني لم أفعل ‪ -‬والله عز وجل يشهد إني‬ ‫أما بعد ‪ ،‬فَ َ‬
‫شربته قلوبكم ‪ ،‬وإن‬ ‫لصادقة ‪ -‬ما ذاك بنافعي عندكم ‪ ،‬لقد تكلمتم به ‪ ،‬وأ ْ‬
‫ن ‪ :‬قد باءت به على‬ ‫ُ‬
‫قلت ‪ :‬إني قد فعلت ‪ -‬والله يعلم أني لم أفعل ‪ -‬لتقول َ‬
‫ت اسم يعقوب فلم‬ ‫نفسها ‪ ،‬وإني ‪ -‬والله ‪ -‬ما أجد لي ولكم مثل ‪ -‬والتمس ُ‬
‫ما‬‫ن عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ست ََعا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ال ُ‬ ‫ّ‬
‫ل َوالل ُ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬‫صب ٌْر َ‬ ‫أقدر عليه ‪ -‬إل أبا يوسف حين قال ‪ } :‬فَ َ‬
‫ن { ]يوسف ‪ ، [18 :‬وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫تَ ِ‬
‫ساعته ‪ ،‬فسكتنا ‪ ،‬فُرفع عنه وإني لتبين السرور في وجهه ‪ ،‬وهو يمسح‬ ‫َ‬
‫جبينه ويقول ‪" :‬أبشري يا عائشة ‪ ،‬فقد أنزل الله براءتك" قالت ‪ :‬وكنت )‪(5‬‬
‫ت غضًبا ‪ ،‬فقال لي أبواي ‪ :‬قومي ]إليه[ )‪ (6‬فقلت ‪ :‬ل والله ل‬ ‫أشد ما كن ُ‬
‫أقوم إليه ول أحمده ول أحمدكما ‪ ،‬ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي ‪ ،‬لقد‬
‫سمعتموه فما أنكرتموه ول غَّيرتموه ‪ ،‬وكانت عائشة تقول ‪ :‬أما زينب بنت‬
‫حمنة بنت‬ ‫جحش فقد عصمها الله بدينها ‪ ،‬فلم تقل إل خيًرا‪ .‬وأما أختها َ‬
‫جحش ‪ ،‬فهلكت فيمن هلك‪ .‬وكان الذي يتكلم به )‪ (7‬مسطح وحسان بن‬
‫ثابت‪ .‬وأما المنافق عبد الله بن أبي بن سلول فهو الذي ]كان[ )‪ (8‬يستوشيه‬
‫ويجمعه ‪ ،‬وهو الذي تولى ك ِب َْره منهم هو وحمنة‪ .‬قالت ‪ :‬وحلف أبو بكر أل‬
‫ل ُأوُلو ال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫دا ‪ ،‬فأنزل الله ‪َ } :‬ول ي َأت َ ِ‬ ‫حا بنافعة أب ً‬ ‫ينفع مسط ً‬
‫قْرَبى‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن ي ُؤُْتوا أوِلي ال ُ‬ ‫َ‬
‫سعَةِ أ ْ‬ ‫سعَةِ { إلى آخر الية ‪ ،‬يعني ‪ :‬أبا بكر ‪َ } ،‬وال ّ‬ ‫َوال ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ه لك ْ‬ ‫فَر الل ُ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬‫نأ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ن { يعني ‪ :‬مسطحا ‪ ،‬إلى قوله ‪ } :‬أل ت ُ ِ‬ ‫كي َ‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫م { ]النور ‪ .[22 :‬فقال أبو بكر ‪ :‬بلى والله يا َرّبنا ‪ ،‬إنا لن ُ ِ‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫َوالل ّ ُ‬
‫أن تغفر لنا وعاد له بما كان يصنع‪.‬‬
‫معَلقا بصيغة الجزم )‪ (9‬عن أبي أسامة‬ ‫ّ‬ ‫هكذا رواه البخاري من هذا الوجه ُ‬
‫حماد بن أسامة ]أحد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خادمتي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬وهي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬فكنت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري برقم )‪.(4757‬‬

‫) ‪(6/23‬‬
‫الئمة الثقات‪ .‬وقد رواه ابن جرير في تفسيره ‪ ،‬عن سفيان بن َوكيع ‪ ،‬عن‬
‫أبي أسامة[ )‪ (1‬به مطول مثله أو نحوه‪ (2) .‬ورواه ابن أبي حاتم عن أبي‬
‫سعيد الشج ‪ ،‬عن أبي أسامة ‪ ،‬ببعضه‪.‬‬
‫شْيم ‪ ،‬أخبرنا عمر )‪ (3‬بن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬ ‫دثنا هُ َ‬ ‫ح َ‬
‫وقال المام أحمد ‪َ :‬‬
‫ذري من السماء ‪ ،‬جاءني‬ ‫عن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬لما نزل عُ ْ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني بذلك ‪ ،‬فقلت ‪َ :‬نحمد ُ الله ل َنحمدك )‬
‫‪.(4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثني ابن أبي عَدِيّ ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن عبد‬
‫ذري قام رسول‬ ‫مَرةَ ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬لما نزل عُ ْ‬ ‫الله بن أبي بكر ‪ ،‬عن عَ ْ‬
‫مر برجلين‬ ‫َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك ‪ ،‬وتل القرآن ‪ ،‬فلما نزل أ َ‬
‫ضربوا حدهم )‪.(5‬‬ ‫وامرأة فَ ُ‬
‫وأخرجه أهل السنن الربعة ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن‪ .‬ووقع عند‬
‫منة بنت جحش‪.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫سطح بن أثاثة ‪ ،‬و َ‬ ‫م ْ‬ ‫أبي داود تسميتهم ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬و ِ‬
‫فهذه طرق متعددة ‪ ،‬عن أم المؤمنين عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬في‬
‫المسانيد والصحاح والسنن وغيرها )‪.(6‬‬
‫م رومان ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬فقال المام أحمد ‪:‬‬ ‫وقد ُروي من حديث أمها أ ّ‬
‫صين ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن أم‬ ‫ُ َ‬ ‫ح‬ ‫أخبرنا‬ ‫حدثنا علي بن عاصم ‪،‬‬
‫رومان قالت ‪ :‬بينا أنا عند عائشة ‪ ،‬إذ دخلت عليها )‪ (7‬امرأة من النصار‬
‫فقالت ‪ :‬فعل الله ‪ -‬بابنها ‪ -‬وفعل‪ .‬فقالت عائشة ‪ :‬ولم ؟ قالت ‪ :‬إنه كان‬
‫دث الحديث‪ .‬قالت عائشة ‪ :‬وأي حديث ؟ قالت ‪ :‬كذا وكذا‪ .‬قالت ‪:‬‬ ‫ح ّ‬‫فيمن َ‬
‫وقد بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬وبلغ أبا بكر ؟‬
‫قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فخرت عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬مغشيا عليها ‪ ،‬فما أفاقت إل‬
‫وعليها حمى بنافض‪ .‬قالت ‪ :‬فقمت فدثرتها ‪ ،‬قالت ‪ :‬وجاء النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال ‪" :‬ما شأن هذه ؟" قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أخذتها حمى‬
‫دث به"‪ .‬قالت ‪ :‬فاستوت له عائشة قاعدة‬ ‫ح ّ‬
‫بنافض‪ .‬قال ‪ :‬فلعله في حديث ت ُ ُ‬
‫فقالت ‪ :‬والله لئن حلفت لكم ل تصدقوني ‪ ،‬ولئن اعتذرت إليكم ل ُتعذُروني ‪،‬‬
‫ن{‬‫فو َ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ت َ ِ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫ست ََعا ُ‬‫م ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه } َوالل ّ ُ‬
‫]يوسف ‪ [18 :‬قالت ‪ :‬وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأنزل الله‬
‫عذرها ‪ ،‬فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أبو بكر ‪] ،‬فدخل فقال ‪:‬‬
‫"يا عائشة ‪ ،‬إن الله تعالى قد أنزل عذرك"‪ .‬فقالت ‪ :‬بحمد الله ل بحمدك‪.‬‬
‫فقال لها أبو بكر ‪ :‬تقولين هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت ‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قالت ‪ :‬فكان فيمن حدث هذا الحديث رجل كان يعوله أبو بكر[ )‪(8‬‬
‫ل ُأوُلو ال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫سعَةِ {‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م َوال ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫فحلف أبو بكر أل يصله ‪ ،‬فأنزل الله ‪َ } :‬ول ي َأت َ ِ‬
‫إلى آخر الية]النور ‪ ، [22 :‬قال أبو بكر ‪ :‬بلى ‪ ،‬فوصله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪ (18/74‬ورواه الحافظ ابن ديزيل في جزئه برقم )‪(1‬‬
‫من طريق إسماعيل بن أبي أويس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه‬
‫‪ ،‬عن عائشة مثله‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(6/30‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (6/35‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4474‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (3181‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (7351‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(2567‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬وغيرهم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬علينا"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫) ‪(6/24‬‬

‫صين )‪ (1‬وقد رواه البخاري ‪ ،‬عن‬ ‫ح َ‬‫تفرد به البخاري دون مسلم ‪ ،‬من طريق ُ‬
‫وانة ‪ -‬وعن محمد بن سلم ‪ ، -‬عن محمد بن‬ ‫موسى بن إسماعيل ‪ ،‬عن أبي عَ َ‬
‫فضيل ‪ ،‬كلهما عن حصين ‪ ،‬به )‪ (2‬وفي لفظ أبي عوانة ‪ :‬حدثتني أم رومان‪.‬‬
‫وهذا صريح في سماع مسروق منها ‪ ،‬وقد أنكر ذلك جماعة من الحفاظ ‪،‬‬
‫منهم الخطيب البغدادي ‪ ،‬وذلك لما ذكره أهل التاريخ أنها ماتت في زمن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال الخطيب ‪ :‬وقد كان مسروق يرسله فيقول‬
‫سئلت" بألف ‪ ،‬فاعتقد‬ ‫‪" :‬سئلت أم رومان" ‪ ،‬ويسوقه ‪ ،‬فلعل بعضهم كتب " ُ‬
‫سألت" ‪ ،‬فظنه متصل‪ .‬قال الخطيب ‪" :‬وقد رواه البخاري‬ ‫الراوي أنها " َ‬
‫كذلك ‪ ،‬ولم تظهر )‪ (3‬له علته"‪ .‬كذا قال ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ك { أي ‪ :‬بالكذب والبهت والفتراء ‪،‬‬ ‫جاُءوا ِبالفْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫فقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م { أي ‪ :‬يا آل أبي بكر‬ ‫شّرا ل َك ُْ‬
‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح‬
‫َ ْ َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫منكم‬ ‫جماعة‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫ة{‬ ‫صب َ ٌ‬
‫} عُ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬في الدنيا والخرة ‪ ،‬لسان صدق في الدنيا ورفعة‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬‫ل هُوَ َ‬ ‫} بَ ْ‬
‫منازل في الخرة ‪ ،‬وإظهار شرف لهم باعتناء الله بعائشة أم المؤمنين ‪،‬‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫حيث أنزل الله تعالى براءتها في القرآن العظيم الذي } ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫ميد ٍ { ]فصلت ‪ [42 :‬ولهذا لما دخل‬ ‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫فهِ َتنزي ٌ‬ ‫خل ْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ َول ِ‬ ‫ب َي ْ ِ‬
‫عليها ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنه )‪ (4‬وهي في سياق الموت ‪ ،‬قال لها ‪:‬‬
‫أبشري فإنك زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكان يحبك ‪ ،‬ولم‬
‫يتزوج بكًرا غيرك ‪ ،‬وأنزل )‪ (5‬براءتك من السماء )‪.(6‬‬
‫وقال ابن جرير في تفسيره ‪ :‬حدثني محمد بن عثمان الواسطي ‪ ،‬حدثنا‬
‫حش‬ ‫ج ْ‬ ‫جعفر بن عون ‪ ،‬عن المعلى بن عرفان ‪ ،‬عن محمد بن عبد الله بن َ‬
‫ب ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬فقالت زينب ‪ :‬أنا التي نزل‬ ‫ة وزين ُ‬ ‫خَرت عائش ُ‬ ‫قال ‪ :‬تفا َ‬
‫عذري في كتابه‬ ‫تزّوجي ]من السماء[ )‪ (7‬قال ‪ :‬وقالت عائشة ‪ :‬أنا التي نزل ُ‬
‫‪ ،‬حين حملني ابن المعطل على الراحلة‪ .‬فقالت لها زينب ‪ :‬يا عائشة ‪ ،‬ما‬
‫قلت حين ركبتيها ؟ قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬حسبي الله ونعم الوكيل‪ .‬قالت ‪ :‬قلت‬
‫كلمة المؤمنين )‪.(8‬‬
‫ن الث ْم ِ { أي ‪ :‬لكل من تكلم في‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬‫س َ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ئ ِ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫لا ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ِك ُ ّ‬
‫مى أم المؤمنين عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬بشيء من‬ ‫هذه القضية وَر َ‬
‫الفاحشة ‪ ،‬نصيب عظيم من العذاب‪.‬‬
‫ذي ت َوَّلى ك ِب َْره ُ { )‪ (9‬قيل ‪ :‬ابتدأ به‪ .‬وقيل ‪ :‬الذي كان يجمعه ويستوشيه‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬على ذلك‪.‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ويذيعه ويشيعه ‪ } ،‬ل َ ُ‬
‫سُلول ‪ -‬قبحه‬ ‫ثم الكثرون على أن المراد بذلك إنما هو عبد الله بن أبي بن َ‬
‫الله ولعنه ‪ -‬وهو الذي تقدم النص عليه في الحديث ‪ ،‬وقال ذلك مجاهد وغير‬
‫واحد‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل المراد به حسان بن ثابت ‪ ،‬وهو قول غريب ‪ ،‬ولول أنه وقع في‬
‫صحيح البخاري ما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (6/367‬وصحيح البخاري برقم )‪.(4751‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (4143‬من رواية موسى بن إسماعيل ‪ ،‬وبرقم )‬
‫‪ (3388‬من رواية محمد بن سلم‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬يظهر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬عنها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬ونزلت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪.(4753‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(18/70‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كبره منهم"‪.‬‬

‫) ‪(6/25‬‬

‫ك‬ ‫ذا إ ِفْ ٌ‬‫خي ًْرا وََقاُلوا هَ َ‬


‫م َ‬‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ت ب ِأ َن ْ ُ‬
‫مَنا ُ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫موه ُ ظ َ ّ‬
‫معْت ُ ُ‬‫س ِ‬‫ل َوَْل إ ِذ ْ َ‬
‫ُ‬
‫داِء فَأول َئ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ‬
‫ك ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫داَء فَإ ِذ ْ ل َ ْ‬
‫م ي َأُتوا ِبال ّ‬ ‫شهَ َ‬ ‫جاُءوا عَل َي ْهِ ب ِأْرب َعَةِ ُ‬
‫ن )‪ (12‬ل َوَْل َ‬ ‫مِبي ٌ‬
‫ُ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫َ‬
‫م الكاذُِبو َ‬‫ْ‬ ‫ّ‬
‫اللهِ هُ ُ‬

‫قد يدل على ذلك لما كان ليراده كبير فائدة ‪ ،‬فإنه من الصحابة الذين كان‬
‫ذب عن رسول الله‬ ‫لهم فضائل ومناقب ومآثر ‪ ،‬وأحسن محاسنه أنه كان ي َ ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم ]بشعره[ )‪ ، (1‬وهو الذي قال له رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬هاجهم وجبريل معك"‬
‫ت عند َ عائشة ‪،‬‬ ‫حى ‪ ،‬عن مسروق قال ‪ :‬كن ُ‬ ‫ض َ‬ ‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي ال ّ‬
‫رضي الله عنها ‪ ،‬فدخل حسان بن ثابت ‪ ،‬فأمرت فألقي له وسادة ‪ ،‬فلما‬
‫خرج قلت لعائشة ‪ :‬ما تصنعين بهذا ؟ يعني ‪ :‬يدخل عليك ‪ -‬وفي رواية قيل‬
‫م لَ ُ‬
‫ه‬ ‫ذي ت َوَّلى ك ِب َْره ُ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫لها ‪ :‬أتأذنين لهذا يدخل عليك ‪ ،‬وقد قال الله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫م { ؟ قالت ‪ :‬وأيّ عذاب أشد ّ من العمى ‪ -‬وكان قد ذهب بصره ‪-‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫ح عن‬ ‫لعل الله أن يجعل ذلك هو العذاب العظيم‪ .‬ثم قالت ‪ :‬إنه كان ُيناف ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وفي رواية أنه أنشدها عندما دخل عليها ]شعرا[ )‪ (2‬يمتدحها به ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫وافل‪...‬‬ ‫صبح غَْرَثى من ُلحوم الغَ َ‬ ‫ن )‪ (3‬بريبة‪ ...‬وت ُ ْ‬ ‫ن ما ت َُز ّ‬‫صان َرَزا ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫فقالت ‪ :‬أما أنت فلست كذلك‪ .‬وفي رواية ‪ :‬لكنك لست كذلك )‪.(4‬‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا سلمة بن علقمة ‪ ،‬حدثنا داود‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا الحسن بن قَْز َ‬
‫‪ ،‬عن عامر ‪ ،‬عن عائشة أنها قالت ‪ :‬ما سمعت بشيء أحسن من شعر‬
‫حسان ‪ ،‬ول تمثلت به إل رجوت له الجنة ‪ ،‬قوله لبي سفيان ‪ -‬يعني ابن‬
‫]الحارث[ )‪ (5‬بن عبد المطلب ‪: -‬‬
‫ت )‪ (6‬عنه‪َ ...‬وعند َ الله في ذاك الجزاُء‪...‬‬ ‫مدا َفأجب ُ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬‫ت ُ‬
‫جو َ‬ ‫هَ َ‬
‫مد منكم وقاُء‪...‬‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ض ُ‬ ‫عْرضي‪ ...‬لعْر ِ‬ ‫ن أبي وََوالده و ِ‬ ‫َفإ َ‬
‫داُء‪...‬‬ ‫ما الف َ‬ ‫خْيرك ُ َ‬
‫ما ل َ‬ ‫شّرك ُ َ‬ ‫كفٍء?‪ ...‬فَ َ‬ ‫ت َله ب ُ‬ ‫مه ‪ ،‬ولس َ‬ ‫شت ُ ُ‬ ‫أ َت َ ْ‬
‫دلُء‪...‬‬ ‫ري ل ت ُك َد ُّره ال ّ‬ ‫ح ِ‬
‫ب ِفيه‪ ...‬وَب َ ْ‬ ‫م ل عَي ْ َ‬‫صار ٌ‬ ‫ساِني َ‬ ‫لِ َ‬
‫فقيل ‪ :‬يا أم المؤمنين ‪ ،‬أليس هذا لغوا ؟ قالت ‪ :‬ل إنما اللغو ما قيل عند‬
‫م{‪،‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫م لَ ُ‬
‫من ْهُ ْ‬‫ذي ت َوَّلى ك ِب َْره ُ ِ‬ ‫النساء‪ .‬قيل ‪ :‬أليس الله يقول } َوال ّ ِ‬
‫قالت ‪ :‬أليس قد أصابه ]عذاب[ )‪ (7‬عظيم ؟ ]أليس[ )‪ (8‬قد ذهب بصره‬
‫وك ُّنع بالسيف ؟ تعني ‪ :‬الضربة التي ضربه إياها )‪ (9‬صفوان بن المعطل‬
‫]السلمي[ )‪ ، (10‬حين بلغه عنه أنه يتكلم في ذلك ‪ ،‬فعله بالسيف ‪ ،‬وكاد أن‬
‫يقتله )‪.(11‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذا إ ِفْكٌ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫خي ًْرا وَقالوا هَ َ‬ ‫م َ‬
‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬
‫ْ‬
‫ت ب ِأن ْ ُ‬ ‫مَنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ن َوال ُ‬‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن ال ُ‬ ‫موه ُ ظ ّ‬ ‫معْت ُ ُ‬‫س ِ‬ ‫ول إ ِذ ْ َ‬ ‫} لَ ْ‬
‫عن ْد َ‬
‫ك ِ‬‫داِء فَأول َئ ِ َ‬ ‫م ي َأُتوا ِبال ّ‬
‫شهَ َ‬ ‫داَء فَإ ِذ ْ ل َ ْ‬ ‫شهَ َ‬‫جاُءوا عَل َي ْهِ ب ِأْرب َعَةِ ُ‬ ‫ول َ‬ ‫ن )‪ (12‬ل َ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪{ (13‬‬ ‫ُِ َ‬‫بو‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِ ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬
‫هذا تأديب من الله للمؤمنين في قضية )‪ (12‬عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬حين‬
‫أفاض بعضهم في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬ما ترن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (4146‬حدثني بشر بن خالد ‪ ،‬عن محمد بن جعفر‬
‫‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬وأجبت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬ضربها إياه"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬تفسير الطبري )‪.(18/69‬‬
‫)‪ (12‬في ف ‪" :‬قصة"‪.‬‬

‫) ‪(6/26‬‬

‫ول { بمعنى ‪ :‬هل }‬ ‫ذلك الكلم السيئ ‪ ،‬وما ذكر من شأن الفك ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫ذلك الكلم ‪ ،‬أي ‪ :‬الذي رميت به أم المؤمنين } ظ َ ّ‬
‫ن‬
‫َ‬
‫موه ُ { أي ‪:‬‬ ‫معْت ُ ُ‬
‫س ِ‬ ‫إ ِذ ْ َ‬
‫خي ًْرا { أي ‪ :‬قاسوا ذلك الكلم على أنفسهم ‪،‬‬ ‫م َ‬‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت ب ِأن ْ ُ‬ ‫مَنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫فإن كان ل يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الولى والحرى‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إنها نزلت في أبي أيوب خالد بن زيد النصاري وامرأته ‪ ،‬رضي‬
‫سار ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن بعض‬ ‫الله عنهما ‪ ،‬كما قال المام محمد بن إسحاق بن ي َ َ‬
‫رجال بني النجار ؛ أن أبا أيوب خالد َ بن زيد قالت له امرأته أم أيوب ‪ :‬يا أبا‬
‫أيوب ‪ ،‬أما تسمع ما يقول الناس في عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ؟ قال ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫ت لفعله‪.‬‬ ‫ت فاعلة ذلك يا أم أيوب ؟ قالت ‪ :‬ل والله ما كن ُ‬ ‫وذلك الكذب‪ .‬أكن ِ‬
‫قال ‪ :‬فعائشة والله خير منك‪ .‬قال ‪ :‬فلما نزل القرآن ذكر الله ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫ك‬‫جاُءوا ِبالفْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن قال في الفاحشة ما قال من أهل الفك ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫م { ]النور ‪ [11 :‬وذلك حسان وأصحابه ‪ ،‬الذين قالوا ما قالوا ‪ ،‬ثم‬ ‫من ْك ُْ‬ ‫ة ِ‬ ‫صب َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫ن { )‪ (1‬الية ‪ ،‬أي ‪ :‬كما قال أبو أيوب‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ُْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ه‬
‫ُ ُ‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫س‬
‫ْ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬‫إ‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬
‫وصاحبته )‪.(2‬‬
‫وقال محمد بن عمر الواقدي ‪ :‬حدثني ابن أبي حبيبة )‪ (3‬عن داود بن‬
‫الحصين ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ ،‬عن أفلح مولى أبي أيوب ‪ ،‬أن أم أيوب قالت‬
‫لبي أيوب ‪ :‬أل تسمع )‪ (4‬ما يقول الناس في عائشة ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬وذلك‬
‫الكذب ‪ ،‬أفكنت يا أم أيوب ]فاعلة ذلك[ )‪ (5‬؟ قالت ‪ :‬ل والله‪ .‬قال ‪ :‬فعائشة‬
‫والله خير منك‪ .‬فلما نزل القرآن ‪ ،‬وذكر أهل الفك ‪ ،‬قال الله عز وجل ‪:‬‬
‫ذا إ ِفْكٌ‬‫خي ًْرا وََقاُلوا هَ َ‬‫م َ‬‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت ب ِأ َن ْ ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مَنا ُ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫موه ُ ظ َ ّ‬ ‫معْت ُ ُ‬ ‫ول إ ِذ ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫} لَ ْ‬
‫ن { يعني ‪ :‬أبا أيوب حين قال لم أيوب ما قال‪.‬‬ ‫مِبي ٌ‬‫ُ‬
‫ويقال ‪ :‬إنما قالها أبي بن كعب‪.‬‬
‫َ‬
‫هل ظنوا الخير ‪،‬‬ ‫خي ًْرا { أي ‪َ :‬‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬
‫ت ب ِأن ْ ُ‬
‫مَنا ُ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ظ َ ّ‬
‫فإن أم المؤمنين أهله وأولى به ‪ ،‬هذا ما يتعلق بالباطن ‪ } ،‬وََقاُلوا { أي ‪:‬‬
‫ن { أي ‪ :‬كذب ظاهر على أم المؤمنين ‪ ،‬فإن الذي‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ك ُ‬ ‫ذا إ ِفْ ٌ‬ ‫بألسنتهم } هَ َ‬
‫جهَْرة على راحلة‬ ‫وقع لم يكن ريبة ‪ ،‬وذلك أن مجيء أم المؤمنين راكبة َ‬
‫صفوان بن المعطل في وقت الظهيرة ‪ ،‬والجيش بكماله يشاهدون ذلك ‪،‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ‪ ،‬لو كان هذا المر فيه ريبة‬
‫جهَْرة ‪ ،‬ول كانا ُيقدمان على مثل ذلك على رؤوس‬ ‫لم يكن هكذا )‪َ (6‬‬
‫الشهاد ‪ ،‬بل كان يكون هذا ‪ -‬لو ُقدر ‪ -‬خفية مستورا ‪ ،‬فتعّين أن ما جاء به‬
‫موا به أم المؤمنين هو الكذب البحت ‪ ،‬والقول الزور ‪،‬‬ ‫أهل الفك مما َر َ‬
‫عونة الفاحشة ]الفاجرة[ )‪ (7‬والصفقة الخاسرة‪.‬‬ ‫والّر ُ‬
‫جاُءوا عَلي ْهِ { أي ‪ :‬على ما قالوه‬ ‫َ‬ ‫ول { أي ‪ :‬هل } َ‬ ‫َ‬
‫قال َ الله تعالى ‪ } :‬ل ْ‬
‫ْ‬
‫م ي َأُتوا ِبال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫داِء‬
‫شهَ َ‬ ‫داَء { يشهدون على صحة ما جاءوا به } فإ ِذ ْ ل ْ‬ ‫} ب ِأْرب َعَةِ ُ‬
‫شهَ َ‬
‫ة فاجرون )‪.(8‬‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في حكم الله كذ َب َ ٌ‬ ‫َ‬
‫م الكاذُِبو َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َ اللهِ هُ ُ‬ ‫ك ِ‬‫فَُأول َئ ِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(18/77‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حبيب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬تستمع"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬فجرة"‪.‬‬

‫) ‪(6/27‬‬

‫َ‬ ‫ه ِفي الد ّن َْيا َواْل َ ِ‬


‫ه‬
‫م ِفي ِ‬ ‫ما أفَ ْ‬
‫ضت ُ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م ّ‬‫خَرةِ ل َ َ‬ ‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫وَل َوَْل فَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬ ‫س ل َك ُ ْ‬‫ما ل َي ْ َ‬
‫م َ‬‫واهِك ُ ْ‬
‫ن ب ِأفْ َ‬‫قوُلو َ‬ ‫م وَت َ ُ‬ ‫ه ب ِأل ْ ِ‬
‫سن َت ِك ُ ْ‬ ‫قوْن َ ُ‬‫م )‪ (14‬إ ِذ ْ ت َل َ ّ‬ ‫ظي ٌ‬‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬‫عَ َ‬
‫م )‪(15‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َ اللهِ عَ ِ‬ ‫ه هَي ًّنا وَهُوَ ِ‬ ‫سُبون َ ُ‬ ‫ح َ‬‫م وَت َ ْ‬‫عل ْ ٌ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ما أفَ ْ‬
‫ضت ُ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬‫م ّ‬ ‫خَرةِ ل َ َ‬ ‫ه ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬‫ول فَ ْ‬ ‫} وَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬‫س ل َك ُ ْ‬
‫ما ل َي ْ َ‬ ‫واهِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ب ِأفْ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سن َت ِك ُ ْ‬
‫م وَت َ ُ‬ ‫ه ب ِأل ْ ِ‬ ‫قوْن َ ُ‬ ‫م )‪ (14‬إ ِذ ْ ت َل َ ّ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬‫ِفيهِ عَ َ‬
‫م )‪{ (15‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َ اللهِ عَ ِ‬ ‫ه هَي ًّنا وَهُوَ ِ‬ ‫سُبون َ ُ‬
‫ح َ‬‫م وَت َ ْ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫ِ‬
‫خَرةِ { أيها‬ ‫ه ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ عَلي ْك ْ‬ ‫ّ‬ ‫ض ُ‬ ‫ول ف ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يقول ]الله[ )‪ } : (1‬وَل ْ‬
‫الخائضون في شأن عائشة ‪ ،‬بأن قبل توبتكم وإنابتكم إليه في الدنيا ‪ ،‬وعفا‬
‫َ‬
‫م ِفيهِ { ‪،‬‬ ‫ما أفَ ْ‬
‫ضت ُ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫عنكم ليمانكم بالنسبة إلى الدار الخرة ‪ } ،‬ل َ َ‬
‫م {‪ .‬وهذا فيمن عنده إيمان رزقه الله بسببه‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫من قضية الفك ‪ } ،‬عَ َ‬
‫ب بنت‬ ‫ة بنت جحش ‪ ،‬أخت زين َ‬ ‫من َ‬ ‫ح ْ‬ ‫طح ‪ ،‬وحسان ‪ ،‬و َ‬ ‫س َ‬‫م ْ‬ ‫التوبة إليه ‪ ،‬ك ِ‬
‫جحش‪ .‬فأما من خاض فيه من المنافقين كعبد الله بن أبي بن سلول‬
‫وأضرابه ‪ ،‬فليس أولئك مرادين في هذه الية ؛ لنه ليس عندهم من اليمان‬
‫والعمل الصالح ما يعادل هذا ول ما يعارضه‪ .‬وهكذا شأن ما يرد من الوعيد‬
‫مل‬ ‫قا مشروطا بعدم التوبة ‪ ،‬أو ما يقابله من عَ َ‬ ‫على فعل معين ‪ ،‬يكون مطل ً‬
‫صالح يوازُنه أو َيرجح عليه‪.‬‬
‫م { قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ :‬أي ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬إ ِذ ْ ت َل َ ّ‬
‫سن َت ِك ْ‬‫ه ب ِأل ِ‬ ‫قوْن َ ُ‬
‫يرويه بعضكم عن بعض ‪ ،‬يقول هذا ‪ :‬سمعته من فلن ‪ ،‬وقال فلن كذا ‪،‬‬
‫وذكر بعضهم كذا‪.‬‬
‫َ‬
‫م "‪ .‬وفي صحيح البخاري عن عائشة ‪ :‬أنها‬ ‫سن َت ِك ُ ْ‬ ‫قوَنه ب ِأل ْ ِ‬ ‫وقرأ آخرون " إ ِذ ْ َتل ُ‬
‫ن وََلق القول‪ .‬يعني ‪ :‬الكذب الذي‬ ‫م ْ‬ ‫كانت تقرؤها كذلك )‪ (2‬وتقول ‪ :‬هو ِ‬
‫َ‬
‫يستمر صاحبه عليه )‪ ، (3‬تقول العرب ‪ :‬وَلق فلن في السير ‪ :‬إذا استمر فيه‬
‫مْروّية عن أم‬ ‫)‪ ، (4‬والقراءة الولى أشهر ‪ ،‬وعليها الجمهور ‪ ،‬ولكن الثانية َ‬
‫المؤمنين عائشة‪.‬‬
‫ج ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن نافع بن‬ ‫ش ّ‬ ‫دثنا أبو سعيد ال َ‬ ‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬ح ّ‬
‫عمر )‪ ، (5‬عن ابن أبي مليكة ‪] ،‬عن عائشة أنها كانت تقرأ ‪ " :‬إ ِذ ْ َتل ُ‬
‫قوَنه "‬
‫وتقول ‪ :‬إنما هو وََلق القول ‪ -‬والوََلق ‪ :‬الكذب‪ .‬قال ابن أبي مليكة )‪: [ (6‬‬
‫هي أعلم به من غيرها‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬تقولون ما ل‬ ‫عل ٌ‬‫م ب ِهِ ِ‬ ‫ُ‬
‫س لك ْ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫واهِك ْ‬ ‫ن ب ِأفْ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت َ ُ‬
‫تعلمون‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬تقولون ما‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َ اللهِ عَ ِ‬ ‫ه هَي ًّنا وَهُوَ ِ‬ ‫سُبون َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬وَت َ ْ‬
‫تقولون في شأن أم المؤمنين ‪ ،‬وتحسبون ذلك يسيرا ]سهل[ )‪ (7‬ولو لم تكن‬
‫زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هَّينا ‪ ،‬فكيف وهي زوجة النبي‬
‫المي ‪ ،‬خاتم النبياء وسيد المرسلين ‪ ،‬فعظيم عند الله أن يقال في زوجة‬
‫در على زوجة نبي‬ ‫ق ّ‬
‫رسوله ما قيل! الله يغار لهذا ‪ ،‬وهو سبحانه وتعالى ‪ ،‬ل ي ُ َ‬
‫كل ولما ]لم يكن ذلك[ )‪ (8‬فكيف يكون هذا في‬ ‫من أنبيائه ذلك ‪ ،‬حاشا و َ‬
‫سيدة نساء النبياء ‪ ،‬وزوجة سيد ولد آدم على الطلق في الدنيا والخرة ؟!‬
‫م { ‪ ،‬وفي الصحيحين ‪:‬‬ ‫ظي ٌ‬‫عن ْد َ الل ّهِ عَ ِ‬ ‫ه هَي ًّنا وَهُوَ ِ‬ ‫سُبون َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ولهذا قال تعالى } وَت َ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(4752 ، 4144‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(4144‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نافع ‪ ،‬عن ابن عمر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/28‬‬

‫َ‬
‫م)‬
‫ظي ٌ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ذا ب ُهَْتا ٌ‬ ‫ك هَ َ‬ ‫حان َ َ‬‫سب ْ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م ب ِهَ َ‬ ‫ن ن َت َك َل ّ َ‬‫ن ل ََنا أ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫م َ‬‫موه ُ قُل ْت ُ ْ‬ ‫معْت ُ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫وَل َوَْل إ ِذ ْ َ‬
‫َ‬ ‫‪ (16‬يعِظ ُك ُم الل ّ َ‬
‫م‬‫ه ل َك ُ ُ‬‫ن الل ّ ُ‬‫ن )‪ (17‬وَي ُب َي ّ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫دا إ ِ ْ‬ ‫مث ْل ِهِ أب َ ً‬‫ن ت َُعوُدوا ل ِ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ة ِفي ال ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ْ‬
‫شيعَ ال َ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م )‪ (18‬إ ِ ّ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫ت َوالل ُ‬ ‫اْل ََيا ِ‬
‫َ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َواْل َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ت َعْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬‫خَرةِ َوالل ّ ُ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫مُنوا ل َهُ ْ‬ ‫آ َ‬

‫خط الله ‪ ،‬ل يدري ما ت َب ُْلغ ‪ ،‬يهوي بها في‬ ‫س َ‬‫إن الرجل ليتكلم بالكلمة من َ‬
‫النار أب َْعد ما بين السماء والرض" وفي رواية ‪" :‬ل يلقي لها بال" )‪.(1‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذا ب ُهَْتا ٌ‬ ‫حان َ َ‬
‫ك هَ َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ن ن َت َك َل ّ َ‬
‫م ب ِهَ َ‬ ‫ن ل ََنا أ ْ‬
‫كو ُ‬‫ما ي َ ُ‬ ‫موه ُ قُل ْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫معْت ُ ُ‬ ‫} وَل َ ْ‬
‫ول إ ِذ ْ َ‬
‫س ِ‬
‫َ‬ ‫عَظيم )‪ (16‬يعِظ ُك ُم الل ّ َ‬
‫ن‬‫ن )‪ (17‬وَي ُب َي ّ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫دا إ ِ ْ‬‫مث ْل ِهِ أب َ ً‬‫ن ت َُعوُدوا ل ِ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ٌ‬
‫م )‪{ (18‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫ت َوالل ُ‬ ‫م الَيا ِ‬ ‫ه ل َك ُ‬
‫ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫هذا تأديب آخر بعد الول ‪ :‬المر بالظن خيرا أي ‪ :‬إذا ذكر ما ل يليق من‬
‫القول في شأن الخيرة )‪ (2‬فأولى ينبغي الظن بهم خيرا ‪ ،‬وأل يشعر نفسه‬
‫ة أو خيال ‪ -‬فل ينبغي‬ ‫سوى ذلك ‪ ،‬ثم إن عَِلق بنفسه شيء من ذلك ‪ -‬وسوس ً‬
‫أن يتكلم به ‪ ،‬فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن الله تجاوز‬
‫دثت به أنفسها )‪ (3‬ما لم تقل أو تعمل" أخرجاه في الصحيحين‬ ‫لمتي عما ح ّ‬
‫)‪.(4‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذا {‬ ‫م ب ِهَ َ‬ ‫ن ن َت َك َل َ‬ ‫ن لَنا أ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫موه ُ قُلت ُ ْ‬ ‫معْت ُ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ول إ ِذ ْ َ‬ ‫وقال الله تعالى ‪ } :‬وَل ْ‬
‫ن‬‫ذا ب ُهَْتا ٌ‬ ‫ك هَ َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬‫أي ‪ :‬ما ينبغي لنا أن نتفوه بهذا الكلم ول نذكره لحد } ُ‬
‫م { أي ‪ :‬سبحان الله أن يقال هذا الكلم على )‪ (5‬زوجة ]نبيه و[ )‪(6‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫عَ ِ‬
‫رسوله وحليلة خليله‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫دا‬
‫دا { أي ‪ :‬ينهاكم الله متوعّ ً‬ ‫مث ْل ِهِ أب َ ً‬
‫ن ت َُعوُدوا ل ِ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬ي َعِظك ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫دا ‪ ،‬أي ‪ :‬فيما يستقبل‪ .‬فلهذا قال ‪ } :‬إ ِ ْ‬ ‫أن يقع منكم ما يشبه هذا أب ً‬
‫ن { أي ‪ :‬إن كنتم تؤمنون بالله وشرعه ‪ ،‬وتعظمون رسوله صلى الله‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فأما من كان متصفا بالكفر فذاك له حكم آخر‪.‬‬
‫ت { أي ‪ :‬يوضح لكم الحكام الشرعية‬ ‫م الَيا ِ‬ ‫ه ل َك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَي ُب َي ّ ُ‬
‫م { أي ‪ :‬عليم بما يصلح عباده ‪ ،‬حكيم‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫درّية ‪َ } ،‬والل ّ ُ‬ ‫ق َ‬‫م ال َ‬ ‫حك َ َ‬ ‫وال ِ‬
‫دره‪.‬‬ ‫شْرعه وقَ َ‬ ‫في َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬ ‫مُنوا ل َهُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ة ِفي ال ّ ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫شيعَ ال ْ َ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ن )‪{ (19‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬ ‫خَرةِ َوالل ُ‬ ‫الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫وهذا تأديب ثالث لمن سمع شيئا من الكلم السيئ ‪ ،‬فقام بذهنه منه شيء ‪،‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وتكلم به ‪ ،‬فل يكثر منه ويشيعه ويذيعه ‪ ،‬فقد قال تعالى )‪ } : (7‬إ ِ ّ‬
‫حبو َ‬
‫مُنوا { أي ‪ :‬يختارون ظهور الكلم عنهم‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ِفي ال ّ ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫شيعَ ال ْ َ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫يُ ِ ّ َ‬
‫م ِفي الد ّن َْيا { أي ‪ :‬بالحد ‪ ،‬وفي الخرة بالعذاب ‪} ،‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫بالقبيح ‪ } ،‬لهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا‪.‬‬ ‫ش ُ‬ ‫ن { أي ‪ :‬فردوا المور إليه ت َْر ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن بكر ‪ ،‬حدثنا ميمون بن أبي محمد‬
‫ي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عَّباد المخزومي ‪ ،‬عن ث َوَْبان ‪ ،‬عن النبي صلى الله‬ ‫مَرئ ّ‬ ‫ال َ‬
‫عباد َ الله ول ُتعّيروهم ‪ ،‬ول تطلبوا‬ ‫عليه وسلم قال ‪" :‬ل ُتؤذوا ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (6478‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2988‬من حديث‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الحرة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬نفسها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (5269‬وصحيح مسلم برقم )‪ (127‬من حديث‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال الله تعالى"‪.‬‬

‫) ‪(6/29‬‬

‫َ‬
‫م )‪(20‬‬
‫حي ٌ‬
‫ف َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َرُءو ٌ‬ ‫ه وَأ ّ‬
‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م وََر ْ‬ ‫وَل َوَْل فَ ْ‬
‫ض ُ‬
‫عوراتهم ‪ ،‬فإنه من طلب عورة أخيه المسلم ‪ ،‬طلب الله عورته ‪ ،‬حتى‬
‫يفضحه في بيته" )‪.(1‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫م )‪{ (20‬‬‫حي ٌ‬
‫ف َر ِ‬
‫ه َرُءو ٌ‬
‫ن الل َ‬
‫ه وَأ ّ‬
‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ْ‬
‫م وََر ْ‬ ‫ُ‬ ‫} وَل َ ْ‬
‫ول فَ ْ‬
‫ض ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(5/279‬‬

‫) ‪(6/30‬‬

‫شي ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬


‫ن‬‫طا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬‫خط ُ َ‬ ‫ن ي َت ّب ِعْ ُ‬‫م ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ت ال ّ‬‫وا ِ‬‫خط ُ َ‬ ‫مُنوا َل ت َت ّب ُِعوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ْال ّ ِ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ما َز َ‬
‫كا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬‫م وََر ْ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫من ْك َرِ وَل َوَْل فَ ْ‬
‫شاِء َوال ْ ُ‬ ‫ح َ‬
‫ف ْ‬ ‫مُر ِبال ْ َ‬
‫ه ي َأ ُ‬‫فَإ ِن ّ ُ‬
‫م )‪(21‬‬ ‫ّ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬
‫ه َ‬ ‫شاُء َوالل ُ‬ ‫م ْ‬‫ه ي َُزكي َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫دا وَلك ِ ّ‬ ‫حد ٍ أب َ ً‬ ‫أ َ‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫طا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط ُ َ‬ ‫ن ي َت ّب ِعْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط ُ َ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّب ُِعوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫كا ِ‬ ‫ما َز َ‬ ‫ه َ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ول فَ ْ‬ ‫من ْك َرِ وَل َ ْ‬ ‫شاِء َوال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫مُر ِبال ْ َ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫فَإ ِن ّ ُ‬
‫م )‪{ (21‬‬ ‫ّ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ه ي َُز ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫شاُء َوالل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كي َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫دا وَلك ِ ّ‬ ‫حد ٍ أب َ ً‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ه َرُءو ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه وَأ ّ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ول فَ ْ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫لول هذا لكان أمر آخر ‪ ،‬ولكنه تعالى رؤوف بعباده ‪ ،‬رحيم بهم‪ .‬فتاب على‬
‫من تاب إليه من هذه ]القضية[ )‪ (1‬وط َّهر من ط َّهر منهم بالحد الذي أقيم‬
‫عليه‪.‬‬
‫ن { يعني ‪ :‬طرائقه‬ ‫َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫شي ْطا ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط َ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّب ُِعوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ثم قال ‪َ } :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫شاِء‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ْ‬
‫مُر ِبال َ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫ن فَإ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط َ‬‫ُ‬ ‫ن ي َت ّب ِعْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ومسالكه وما يأمر به ‪ } ،‬وَ َ‬
‫من ْك َرِ { ‪ :‬هذا تنفير وتحذير من ذلك ‪ ،‬بأفصح العبارة وأوجزها وأبلغها‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫وأحسنها‪.‬‬
‫ن { ‪ :‬عمله‪.‬‬ ‫َ‬
‫ت الشي ْطا ِ‬ ‫ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫ُ‬
‫خط َ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ُ } :‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬نزغاته‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬كل معصية فهي من خطوات الشيطان‪.‬‬
‫جَلز ‪ :‬النذور في المعاصي من خطوات الشيطان‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫وقال أبو ِ‬
‫ما ؟‬ ‫وقال مسروق ‪ :‬سأل رجل ابن مسعود فقال ‪ :‬إني حرمت أن آكل طعا ً‬
‫كل‪.‬‬ ‫فر عن يمينك ‪ ،‬و ُ‬ ‫فقال ‪ :‬هذا من نزعات الشيطان ‪ ،‬ك َ ّ‬
‫ذر ذ َْبح ولده ‪ :‬هذا من نزغات الشيطان ‪ ،‬وأفتاه أن‬ ‫وقال الشعبي في رجل ن َ َ‬
‫شا‪.‬‬ ‫يذبح كب ً‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا حسان بن عبد الله المصري ‪ ،‬حدثنا‬
‫ي‬
‫السريّ بن يحيى ‪ ،‬عن سليمان التيمي ‪ ،‬عن أبي رافع قال ‪ :‬غضبت عل ّ‬
‫ما نصرانية ‪ ،‬وكل مملوك لها حر ‪ ،‬إن‬ ‫ما يهودية ‪ ،‬ويو ً‬ ‫امرأتي فقالت ‪ :‬هي يو ً‬
‫لم تطلق امرأتك‪ .‬فأتيت عبد الله بن عمر فقال ‪ :‬إنما هذه من نزغات‬
‫الشيطان‪ .‬وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة ‪ ،‬وهي يومئذ أفقه امرأة بالمدينة‬
‫‪ ،‬وأتيت عاصم بن عمر ‪ ،‬فقال مثل ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دا {‬ ‫حد ٍ أب َ ً‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫َ‬
‫ما َزكا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ول فَ ْ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫أي ‪ :‬لول هو يرزق من يشاء التوبة والرجوع إليه ‪ ،‬ويزكي النفوس من شركها‬
‫وفجورها ودسها وما فيها من أخلق رديئة ‪ ،‬كل بحسبه ‪ ،‬لما حصل أحد‬
‫شاُء { أي ‪ :‬من خلقه ‪ ،‬ويضل‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كي َ‬ ‫ه ي َُز ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫لنفسه زكاة ول خيرا } وَل َك ِ ّ‬
‫من يشاء ويرديه في مهالك الضلل والغي‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ميعٌ { أي ‪ :‬سميع لقوال عباده )‪ } (2‬عليم { بهم ‪َ ،‬‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫يستحق منهم الهدى والضلل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬العباد"‪.‬‬

‫) ‪(6/30‬‬

‫ن ي ُؤُْتوا ُأوِلي ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل ُأوُلو ال ْ َ‬ ‫ْ‬


‫ن‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قْرَبى َوال ْ َ‬ ‫سعَةِ أ ْ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫وََل ي َأت َ ِ‬
‫حبو َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫فَر الل ّ ُ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حوا أَل ت ُ ِ ّ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ص َ‬ ‫فوا وَل ْي َ ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَل ْي َعْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫ت ل ُعُِنوا‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ت ال َْغافَِل ِ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م )‪ (22‬إ ِ ّ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫شهد عَل َيه َ‬ ‫ِفي الد ّن َْيا َواْل َ ِ‬
‫م‬
‫ديهِ ْ‬ ‫م وَأي ْ ِ‬ ‫سن َت ُهُ ْ‬ ‫م أل ْ ِ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫م تَ ْ َ ُ‬ ‫م )‪ (23‬ي َوْ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خَرةِ وَل َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫نأ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫حقّ وَي َعْل َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ِدين َهُ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي ُوَّفيهِ ُ‬ ‫ن )‪ (24‬ي َوْ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫جل ُهُ ْ‬ ‫وَأْر ُ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫حقّ ال ْ ُ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬ ‫الل ّ َ‬

‫ن ي ُؤُْتوا ُأوِلي ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل ُأوُلو ال ْ َ‬ ‫ْ‬


‫ن‬
‫كي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قْرَبى َوال ْ َ‬ ‫سعَةِ أ ْ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫} َول ي َأت َ ِ‬
‫حبو َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫فَر الل ّ ُ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حوا أل ت ُ ِ ّ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ص َ‬ ‫فوا وَل ْي َ ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَل ْي َعْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫م )‪{ (22‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ل { من اللّية ‪] ،‬وهي ‪ :‬الحلف[ )‪ (1‬أي ‪ :‬ل يحلف‬ ‫ْ‬
‫يقول تعالى ‪َ } :‬ول ي َأت َ ِ‬
‫سَعة { أي ‪:‬‬ ‫م { أي ‪ :‬الطول والصدقة والحسان } َوال ّ‬ ‫ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫} ُأوُلو ال ْ َ‬
‫ل الل ّهِ { أي ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قْرَبى َوال ْ َ‬ ‫ن ي ُؤُْتوا أوِلي ال ْ ُ‬ ‫جد َة َ } أ ْ‬ ‫ال ِ‬
‫ل تحلفوا أل تصلوا قراباتكم المساكين والمهاجرين‪ .‬وهذه )‪ (2‬في غاية‬
‫حوا { أي ‪:‬‬ ‫ف ُ‬ ‫ص َ‬ ‫فوا وَل ْي َ ْ‬ ‫الترفق والعطف على صلة الرحام ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَل ْي َعْ ُ‬
‫عما تقدم منهم من الساءة والذى ‪ ،‬وهذا من حلمه تعالى وكرمه ولطفه‬
‫بخلقه مع ظلمهم لنفسهم‪.‬‬
‫سطح بن أثاثة بنافعة‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ديق ‪ ،‬حين حلف أل ينفع ِ‬ ‫وهذه الية نزلت في الص ّ‬
‫َ‬ ‫ة‬ ‫براء‬ ‫الله‬ ‫أنزل‬ ‫فلما‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫في‬ ‫تقدم‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫قال‬ ‫بعدما قال في عائشة ما‬
‫أم المؤمنين عائشة ‪ ،‬وطابت النفوس المؤمنة واستقرت ‪ ،‬وتاب الله على‬
‫من أقيم عليه )‪- (3‬‬ ‫من كان تكلم من المؤمنين في ذلك ‪ ،‬وأقيم الحد على َ‬ ‫َ‬
‫ديق على قريبه‬ ‫ّ‬ ‫الص‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫يعط‬ ‫‪،‬‬ ‫والمنة‬ ‫الفضل‬ ‫وله‬ ‫‪،‬‬ ‫وتعالى‬ ‫تبارك‬ ‫رع‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش‬
‫طح بن أثاثة ‪ ،‬فإنه كان ابن خالة الصديق ‪ ،‬وكان مسكيًنا ل‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫وهو‬ ‫‪،‬‬ ‫ونسيبه‬
‫مال له إل ما ينفق عليه أبو بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬وكان من المهاجرين في‬
‫ضرب الحد عليها‪ .‬وكان‬ ‫قة )‪ (4‬تاب الله عليه منها ‪ ،‬و ُ‬ ‫سبيل الله ‪ ،‬وقد وََلق وَل ْ َ‬
‫الصديق ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬معروًفا بالمعروف ‪ ،‬له الفضل واليادي على‬
‫هّ‬ ‫حبو َ‬ ‫َ‬
‫فَر الل ُ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫القارب والجانب‪ .‬فلما نزلت هذه الية إلى قوله ‪ } :‬أل ت ُ ِ ّ َ‬
‫م { أي ‪ :‬فإن الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬فكما تغفر )‪(5‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫عن المذنب إليك نغفر )‪ (6‬لك ‪ ،‬وكما تصفح نصفح )‪ (7‬عنك‪ .‬فعند ذلك قال‬
‫جع إلى مسطح ما‬ ‫الصديق ‪ :‬بلى ‪ ،‬والله إنا نحب ‪ -‬يا ربنا ‪ -‬أن تغفر لنا‪ .‬ثم َر َ‬
‫دا ‪ ،‬في مقابلة ما كان‬ ‫كان يصله من النفقة ‪ ،‬وقال ‪ :‬والله ل أنزعها منه أب ً‬
‫ديق هو الصديق ]رضي‬ ‫دا ‪ ،‬فلهذا كان الص ّ‬ ‫قال ‪ :‬والله ل )‪ (8‬أنفعه بنافعة أب ً‬
‫الله عنه وعن بنته[ )‪.(9‬‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬ ‫ت ل ُعُِنوا ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ت ال َْغاِفل ِ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫جل ُهُ ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫م وَأي ْ ِ‬ ‫سن َت ُهُ ْ‬ ‫م أل ْ ِ‬ ‫شهَد ُ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م )‪ (23‬ي َوْ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫وَل َهُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ه هُوَ ال َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫حقّ وَي َعْل ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ه ِدين َهُ ُ‬ ‫م الل ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي ُوَّفيهِ ُ‬ ‫ن )‪ (24‬ي َوْ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫ن )‪{ (25‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫خّرج مخرج‬‫هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلت ‪ُ -‬‬
‫الغالب ‪ -‬المؤمنات‪.‬‬
‫فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة ‪ ،‬ول سيما التي‬
‫كانت سبب النزول ‪ ،‬وهي عائشة بنت الصديق ‪ ،‬رضي الله عنهما‪.‬‬
‫سّبها بعد هذا ورماها بما‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫وقد أجمع العلماء ‪ ،‬رحمهم الله ‪ ،‬قاطبة على أن َ‬
‫رماها به ]بعد هذا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من أقيم الحد عليه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬زلق زلقة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬يغفر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬يغفر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬يصفح"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/31‬‬

‫الذي ذكر[ )‪ (1‬في هذه الية ‪ ،‬فإنه كافر ؛ لنه معاند للقرآن‪ .‬وفي بقية‬
‫أمهات المؤمنين قولن ‪ :‬أصحهما أنهن كهي ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ن‬
‫م { كقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬‫خَرةِ وَل َهُ ْ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬ل ُعُِنوا ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫َ‬
‫ذاًبا‬‫م عَ َ‬ ‫خَرةِ وَأعَد ّ ل َهُ ْ‬ ‫ه ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ل َعَن َهُ ُ‬‫سول َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مِهيًنا { ]الحزاب ‪.(2) [57 :‬‬ ‫ُ‬
‫وقد ذهب بعضهم إلى أنها خاصة بعائشة ‪ ،‬فقال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫وام ‪ ،‬عن سعيد بن‬ ‫خَراش ‪ ،‬عن العَ ّ‬ ‫حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن ِ‬
‫ت{‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ت ال ُ‬ ‫ت الَغاِفل ِ‬ ‫ْ‬ ‫صَنا ِ‬‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫]قال[ )‪ : (3‬نزلت في عائشة خاصة‪.‬‬
‫وكذا قال ]سعيد بن جبير و[ )‪ (4‬مقاتل بن حيان ‪ ،‬وقد ذكره ابن جرير عن‬
‫عائشة فقال ‪:‬‬
‫وانة ‪ ،‬عن عمر بن أبي سلمة ‪ ،‬عن‬ ‫َ َ‬ ‫ع‬ ‫أبو‬ ‫حدثنا‬ ‫‪،‬‬ ‫بي‬ ‫ض‬
‫ّ ّ‬ ‫ال‬ ‫دة‬ ‫ب‬
‫َْ َ‬ ‫ع‬ ‫بن‬ ‫حدثنا أحمد‬
‫أبيه قال ‪ :‬قالت عائشة ‪ُ :‬رميت بما رميت به وأنا غافلة ‪ ،‬فبلغني بعد ذلك‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عندي )‪ (5‬إذ أوحي ‪) ،‬‬
‫سبات ‪ ،‬وإنه أوحي إليه وهو‬ ‫‪ (6‬إليه‪ .‬قالت ‪ :‬وكان إذا أوحي إليه أخذه كهيئة ال ّ‬
‫جالس عندي ‪ ،‬ثم استوى جالسا يمسح على وجهه ‪ ،‬وقال ‪" :‬يا عائشة‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫أبشري"‪ .‬قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬بحمد الله ل بحمدك‪ .‬فقرأ ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ما‬‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫مب َّرُءو َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ت { ‪ ،‬حتى قرأ ‪ُ } (7) :‬أول َئ ِ َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬
‫ت ال َْغاِفل ِ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫ن { ]النور ‪.(8) [26 :‬‬ ‫قوُلو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫هكذا أورده ‪ ،‬وليس فيه أن الحكم خاص بها ‪ ،‬وإنما فيه أنها سبب النزول‬
‫دون غيرها ‪ ،‬وإن كان الحكم يعمها كغيرها ‪ ،‬ولعله مراد ابن عباس ومن قال‬
‫كقوله ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ي‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬وأبو الجوزاء ‪ ،‬وسلمة بن ن ُب َْيط ‪ :‬المراد بها أزواج النب ّ‬
‫خاصة ‪ ،‬دون غيرهن من النساء‪.‬‬
‫ت‬‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫وقال العَوْفِ ّ‬
‫ت { الية ‪ :‬يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬رماهن‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ال َْغاِفل ِ‬
‫أهل النفاق ‪ ،‬فأوجب الله لهم اللعنة والغضب ‪ ،‬وباؤوا بسخط من الله ‪ ،‬فكان‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫)‪ (9‬ذلك في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزل بعد ذلك ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫فوٌر‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫داَء { إلى قوله ‪ } :‬فَإ ِ ّ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ي َأ ُْتوا ب ِأ َْرب َعَةِ ُ‬‫م لَ ْ‬‫ت ثُ ّ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َْر ُ‬
‫م { ‪ ،‬فأنزل الله الجلد والتوبة ‪ ،‬فالتوبة تقبل ‪ ،‬والشهادة ت َُرّد‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫شْيم ‪ ،‬أخبرنا العوام‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثنا هُ َ‬
‫بن حوشب ‪ ،‬عن شيخ )‪ (10‬من بني أسد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬قال ‪ :‬فسر‬
‫ت‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سورة النور ‪ ،‬فلما أتى على هذه الية ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ت ل ُعُِنوا { الية ‪ -‬قال ‪ :‬في شأن عائشة ‪ ،‬وأزواج النبي‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ال َْغاِفل ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهي مبهمة ‪ ،‬وليست لهم توبة ‪ ،‬ثم قرأ ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ن َتاُبوا‬ ‫ذي َ‬‫داَء { إلى قوله ‪ِ } :‬إل ال ّ ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ي َأ ُْتوا ب ِأ َْرب َعَةِ ُ‬‫م لَ ْ‬‫ت ثُ ّ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َْر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حوا { الية ]النور ‪ ، [5 ، 4 :‬قال ‪ :‬فجعل‬ ‫صل ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ ذ َل ِك وَأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬والخرة ولهم عذاب مهين" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة في ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة في ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ‪" .‬عندي جالس"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ‪" .‬أوحى الله تعالى إليه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بلغ"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(18/82‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬العوام بن حوشب عن حوشب عن شيخ"‪.‬‬

‫) ‪(6/32‬‬

‫ض القوم أن يقوم‬ ‫م بع ُ‬ ‫لهؤلء توبة ولم يجعل لمن قذف أولئك توبة ‪ ،‬قال ‪ :‬فه ّ‬
‫سر به سورة النور )‪.(1‬‬ ‫إليه فيقبل رأسه ‪ ،‬من حسن ما ف ّ‬
‫َ‬
‫فقوله ‪" :‬وهي مبهمة" ‪ ،‬أي ‪ :‬عامة في تحريم قذف كل محصنة ‪ ،‬ولْعنته في‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬هذا في عائشة ‪ ،‬ومن صنع مثل‬
‫ضا اليوم في المسلمات ‪ ،‬فله ما قال الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ولكن عائشة‬ ‫هذا أي ً‬
‫م ذلك‪.‬‬‫كانت إما َ‬
‫وقد اختار ابن جرير عمومها ‪ ،‬وهو الصحيح ‪ ،‬ويعضد العموم )‪ (2‬ما رواه ابن‬
‫أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ‪ -‬ابن أخي ابن وهب ‪ -‬حدثنا عمي ‪ ،‬حدثنا‬
‫سليمان بن بلل ‪ ،‬عن ثور بن زيد ‪ ،‬عن أبي الَغيث )‪ (3‬عن أبي هريرة ؛ أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬اجتنبوا السبع الموبقات"‪ .‬قيل ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬وما هن ؟ قال ‪" :‬الشرك بالله ‪ ،‬والسحر ‪ ،‬وقتل النفس التي‬
‫حرم الله إل بالحق ‪ ،‬وأكل الربا ‪ ،‬وأكل مال اليتيم ‪ ،‬والتولي يوم الزحف ‪،‬‬
‫وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث سليمان بن بلل ‪ ،‬به )‪.(4‬‬
‫ذاء‬‫ح ّ‬‫مرو بن خالد ال َ‬ ‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن عَ ْ‬
‫شَعيب الحراني ‪ ،‬حدثنا جدي أحمد بن‬ ‫الحراني ‪ ،‬حدثني أبي ‪) ،‬ح( وحدثنا أبو ُ‬
‫صلةَ‬‫شَعيب ‪ ،‬حدثنا موسى بن أعين ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن ِ‬ ‫أبي ُ‬
‫بن ُزَفر ‪ ،‬عن حذيفة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬قذف المحصنة‬
‫يهدم عمل مائة سنة" )‪.(5‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { قال‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫جل ُهُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫م وَأْر ُ‬‫ديهِ ْ‬
‫م وَأي ْ ِ‬ ‫م أل ْ ِ‬
‫سن َت ُهُ ْ‬ ‫شهَد ُ عَل َي ْهِ ْ‬
‫م تَ ْ‬
‫وقوله } ي َوْ َ‬
‫ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫ج ‪ ،‬حدثنا أبو يحيى الرازي ‪ ،‬عن عمرو بن أبي قيس ‪،‬‬ ‫ش ّ‬ ‫حدثنا أبو سعيد ال َ‬
‫من َْهال ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إنهم ‪-‬‬ ‫مط َّرف ‪ ،‬عن ال ِ‬ ‫عن ُ‬
‫ة إل أهل الصلة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬تعالوا‬ ‫ل الجن َ‬ ‫يعني ‪ :‬المشركين ‪ -‬إذا َرأوا أنه ل يدخ ُ‬
‫حتى نجحد‪ .‬فيجحدون فيختم ]الله[ )‪ (6‬على أفواههم ‪ ،‬وتشهد أيديهم‬
‫وأرجلهم ‪ ،‬ول يكتمون الله حديًثا‪.‬‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا يونس بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم أي ً‬
‫ابن وهب ‪ ،‬أخبرني عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن د َّراج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي‬
‫عرف‬ ‫سعيد ‪ ،‬عن رسول الله صلى عليه وسلم قال ‪" :‬إذا كان يوم القيامة ‪ُ ،‬‬
‫الكافر بعمله ‪ ،‬فيجحد ويخاصم ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬هؤلء جيرانك يشهدون عليك‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬كذبوا‪ .‬فيقول ‪ :‬أهلك وعشيرتك‪ .‬فيقول ‪ :‬كذبوا ‪ ،‬فيقول ‪ :‬احلفوا‪.‬‬
‫متهم الله ‪ ،‬فتشهد عليهم أيديهم وألسنتهم ‪ ،‬ثم يدخلهم‬ ‫فيحلفون ‪ ،‬ثم ُيص ِ‬
‫النار" )‪.(7‬‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة‬ ‫وقال ابن أبي حاتم أي ً‬
‫الكوفي ‪ ،‬حدثنا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(18/83‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬المغيب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (2766‬وصحيح مسلم برقم )‪.(89‬‬
‫)‪ (5‬المعجم الكبير للطبراني )‪ (3/196‬وقال الهيثمي في المجمع )‪: (6/279‬‬
‫"وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وقد يحسن حديثه ‪ ،‬وبقية رجاله رجال‬
‫الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪ (18/105‬ورواه أبو يعلى في مسنده برقم )‪ (1392‬من‬
‫طريق ابن لهيعة ‪ ،‬عن دراج عن أبي الهيثم به ‪ ،‬ودراج عن أبي الهيثم ضعيف‪.‬‬

‫) ‪(6/33‬‬

‫ن ِللط ّي َّبا ِ‬
‫ت‬ ‫ن َوالط ّي ُّبو َ‬
‫ت ِللط ّي ِّبي َ‬ ‫ت َوالط ّي َّبا ُ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬
‫خِبيَثا ِ‬ ‫ن َوال ْ َ‬
‫خِبيُثو َ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬
‫خِبيِثي َ‬ ‫خِبيَثا ُ‬‫ال ْ َ‬
‫م )‪(26‬‬ ‫ري ٌ‬‫فَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬‫مغْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫قوُلو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫م ّ‬‫ن ِ‬‫مب َّرُءو َ‬ ‫ك ُ‬‫ُأول َئ ِ َ‬

‫سدِيَ ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن‬ ‫جاب بن الحارث التميمي )‪ (1‬حدثنا أبو عامر ال َ‬ ‫من ْ َ‬
‫ِ‬
‫قيمي ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن أنس بن‬ ‫ف َ‬
‫ضيل بن عمرو ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫كتب‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫عبيد‬
‫واج ُ‬
‫ذه ‪،‬‬ ‫َ َ‬ ‫ن‬ ‫بدت‬ ‫حتى‬ ‫فضحك‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫النبي‬ ‫عند‬ ‫كنا‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫مالك‬
‫م أضحك ؟" قلنا ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬من‬ ‫م ّ‬
‫ثم قال ‪" :‬أتدرون )‪ِ (2‬‬
‫جْرني من الظلم ؟‬ ‫مجادلة العبد ربه يوم القيامة ‪ ،‬يقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ألم ت ُ ِ‬
‫دا إل من نفسي‪ .‬فيقول ‪ :‬كفى‬ ‫ي شاه ً‬ ‫فيقول ‪ :‬بلى‪ .‬فيقول ‪ :‬ل أجيز عل ّ‬
‫بنفسك اليوم عليك شهيدا ‪ ،‬وبالكرام عليك شهودا )‪ (3‬فيختم على فيه ‪،‬‬
‫ويقال لركانه ‪ :‬انطقي فتنطق بعمله ‪ ،‬ثم يخلى بينه وبين الكلم ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫ت أناضل"‪.‬‬ ‫ن كن ُ‬ ‫قا ‪ ،‬فعنك ُ ّ‬ ‫ح ً‬ ‫س ْ‬‫نو ُ‬ ‫دا ل َك ُ ّ‬ ‫ُبع ً‬
‫وقد رواه مسلم والنسائي جميعا ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي النضر ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫عَُبيد الله )‪ (4‬الشجعي ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬به )‪ (5‬ثم قال النسائي ‪ :‬ل‬
‫أعلم أحدا روى هذا الحديث عن سفيان الثوري غير )‪ (6‬الشجعي ‪ ،‬وهو‬
‫حديث غريب ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬هكذا قال‪.‬‬
‫شهوًدا غيَر متهمة من بدنك ‪ ،‬فراقبهم‬ ‫َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ابن آدم ‪ ،‬والله إن عليك ل ُ‬
‫واتق الله في سرك )‪ (7‬وعلنيتك ‪ ،‬فإنه ل يخفى عليه خافية ‪ ،‬والظلمة عنده‬
‫ضوء )‪ (8‬والسر عنده علنية ‪ ،‬فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن‬
‫‪ ،‬فليفعل ول قوة إل بالله‪.‬‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫حقّ { قال ابن عباس ‪ِ } :‬دين َهُ ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ه ِدين َهُ ُ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي ُوَّفيهِ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫م { أي ‪ :‬حسابهم‪ .‬وكذا قال غير واحد‪.‬‬ ‫حسابهم ‪ ،‬وكل ما في القرآن } ِدين َهُ ُ‬
‫حقّ { على أنه صفة لدينهم ‪ ،‬وقرأ مجاهد‬ ‫ثم إن قراءة الجمهور بنصب } ال ْ َ‬
‫بالرفع ‪ ،‬على أنه نعت الجللة‪ .‬وقرأها بعض السلف في مصحف أبي بن كعب‬
‫‪" :‬يومئذ يوفيهم الله الحقّ دينهم" )‪.(9‬‬
‫وقوله ‪ } :‬ويعل َمو َ‬
‫ن { أي ‪ :‬وعده ووعيده وحسابه‬ ‫حقّ ال ْ ُ‬
‫مِبي ُ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ََْ ُ َ‬
‫هو العدل ‪ ،‬الذي ل جور فيه‪.‬‬
‫ن َوالط ّي ُّبو َ‬
‫ن‬ ‫ت ِللط ّي ِّبي َ‬
‫ت َوالط ّي َّبا ُ‬ ‫خِبيَثا ِ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫خِبيُثو َ‬ ‫ن َوال ْ َ‬‫خِبيِثي َ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬‫خِبيَثا ُ‬ ‫} ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م )‪{ (26‬‬ ‫ري ٌ‬‫فَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬ ‫مغْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫قولو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫مب َّرُءو َ‬‫ك ُ‬ ‫ت أولئ ِ َ‬ ‫ِللط ّي َّبا ِ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ‪ ،‬والخبيثون من‬
‫الرجال للخبيثات من القول‪ .‬والطيبات من القول ‪ ،‬للطيبين من الرجال ‪،‬‬
‫والطيبون من الرجال للطيبات من القول‪ .‬قال ‪ :‬ونزلت في عائشة وأهل‬
‫الفك‪.‬‬
‫جَبير ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬والحسن بن‬ ‫وهكذا ُروي عن مجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫أبي الحسن البصري ‪ ،‬وحبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬والضحاك‪ .‬واختاره ابن جرير ‪،‬‬
‫ه بأن الكلم القبيح أولى بأهل القبح من الناس ‪ ،‬والكلم الطيب أولى‬ ‫جهَ ُ‬ ‫وو ّ‬
‫بالطيبين من الناس ‪ ،‬فما نسبه أهل النفاق إلى عائشة هم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬التيمي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬تدرون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬شهيدا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(2969‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬إل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬سرائرك"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬ضياء"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬يوفيهم الله دينهم الحق"‪.‬‬

‫) ‪(6/34‬‬
‫موا عََلى‬ ‫ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫سل ّ ُ‬
‫سوا وَت ُ َ‬
‫ست َأن ِ ُ‬
‫حّتى ت َ ْ‬ ‫خُلوا ب ُُيوًتا غَي َْر ب ُُيوت ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ت َد ْ ُ‬ ‫مُنوا َل‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫ّ‬
‫م ت َذ َكُرو َ‬ ‫ل َعَل ّك ْ‬
‫ُ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫أهْل َِها ذ َل ِك ُ ْ‬

‫ك )‪(1‬‬ ‫أولى به ‪ ،‬وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم ؛ ولهذا قال ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫مب َّرُءو َ‬ ‫ُ‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬الخبيثات من النساء للخبيثين من‬
‫الرجال ‪ ،‬والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ‪ ،‬والطيبات من النساء‬
‫للطيبين من الرجال ‪ ،‬والطيبون من الرجال للطيبات من النساء‪.‬‬
‫ضا ‪ -‬يرجع إلى ما قاله أولئك باللزم ‪ ،‬أي ‪ :‬ما كان الله ليجعل‬ ‫وهذا ‪ -‬أي ً‬
‫عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إل وهي طيبة ؛ لنه أطيب‬
‫من كل طيب من البشر ‪ ،‬ولو كانت خبيثة لما صلحت له ‪ ،‬ل شرعا ول قدرا ؛‬
‫ن { أي ‪ :‬هم ب َُعداء عما يقوله أهل‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫م ّ‬‫ن ِ‬ ‫مب َّرُءو َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ولهذا قال ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫فَرة ٌ { أي ‪ :‬بسبب ما قيل فيهم من الكذب ‪،‬‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫الفك والعدوان ‪ } ،‬ل َهُ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬عند الله في جنات النعيم‪ .‬وفيه وعد بأن تكون زوجة‬ ‫ري ٌ‬ ‫} وَرِْزقٌ ك َ ِ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم في الجنة‪.‬‬ ‫النب ّ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن مسلم ‪ ،‬حدثنا أبو نعيم ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫السلم بن حرب ‪ ،‬عن يزيد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫الجزار قال ‪ :‬جاء أسير )‪ (2‬بن جابر إلى عبد الله فقال ‪ :‬لقد سمعت الوليد‬
‫بن عقبة تكلم بكلم أعجبني‪ .‬فقال عبد الله ‪ :‬إن الرجل المؤمن يكون في‬
‫قلبه الكلمة غير طيبة )‪ (3‬تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ‪،‬‬
‫فيسمعها )‪ (4‬رجل عنده ي َت ُّلها فيضمها إليه‪ .‬وإن الرجل الفاجر يكون في قلبه‬
‫الكلمة الطيبة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ‪ ،‬فيسمعها )‪(5‬‬
‫خِبيَثا ُ‬
‫ت‬ ‫الرجل الذي عنده ي َت ُّلها )‪ (6‬فيضمها إليه ‪ ،‬ثم قرأ عبد الله ‪ } :‬ال ْ َ‬
‫ت {‪.‬‬ ‫ن ِللط ّي َّبا ِ‬ ‫ن َوالط ّي ُّبو َ‬‫ت ِللط ّي ِّبي َ‬ ‫ت َوالط ّي َّبا ُ‬ ‫خِبيَثا ِ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫خِبيُثو َ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫خِبيِثي َ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫ويشبه هذا ما رواه المام أحمد في المسند مرفوعا ‪" :‬مثل الذي يسمع‬
‫دث إل بشّر ما سمع ‪ ،‬كمثل رجل جاء إلى صاحب غنم ‪،‬‬ ‫الحكمة ثم ل ُيح ّ‬
‫ت‪ .‬فذهب فأخذ بأذن‬ ‫خذ بأُذن أيها شئ َ‬ ‫زرني شاة‪ .‬فقال ‪ :‬اذهب فَ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫فقال ‪ :‬أ ْ‬
‫ك َْلب الغنم" )‪ (7‬وفي الحديث الخر ‪" :‬الحكمة )‪ (8‬ضالة المؤمن حيث‬
‫وجدها أخذها" )‪.(9‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫موا عَلى‬ ‫سل ُ‬ ‫سوا وَت ُ َ‬ ‫ست َأن ِ ُ‬‫حّتى ت َ ْ‬
‫م َ‬ ‫خلوا ب ُُيوًتا غَي َْر ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫مُنوا ل ت َد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (27‬‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أهْل َِها ذ َل ِك ُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فأولئك" وهو خطأ"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أسيد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬طائل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬فسمعها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فسمعها"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬مثلها"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (2/353‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬الكلمة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (2687‬وابن ماجه في السنن برقم )‬
‫‪ (4169‬من طريق عبد الله بن نمير ‪ ،‬عن إبراهيم بن الفضل ‪ ،‬عن سعيد‬
‫المقبري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه‪ .‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث‬
‫غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ‪ ،‬وإبراهيم ابن الفضل المدني المخزومي ‪،‬‬
‫يضعف في الحديث من قبل حفظه"‪.‬‬

‫) ‪(6/35‬‬

‫َ‬
‫جُعوا‬‫م اْر ِ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫ن ِقي َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬‫ن ل َك ُ ْ‬‫حّتى ي ُؤْذ َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫دا فََل ت َد ْ ُ‬ ‫ح ً‬ ‫دوا ِفيَها أ َ‬ ‫ج ُ‬‫م تَ ِ‬‫ن لَ ْ‬‫فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حأ ْ‬ ‫جَنا ٌ‬‫م ُ‬ ‫س عَل َي ْك ُ ْ‬‫م )‪ (28‬ل َي ْ َ‬ ‫ن عَِلي ٌ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫كى ل َك ُ ْ‬‫جُعوا هُوَ أْز َ‬ ‫َفاْر ِ‬
‫ن)‬‫مو َ‬‫ما ت َك ْت ُ ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫دو َ‬‫ما ت ُب ْ ُ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫ه ي َعْل ُ‬ ‫ّ‬
‫م َوالل ُ‬ ‫َ‬
‫مَتاع ٌ لك ُ ْ‬ ‫كون َةٍ ِفيَها َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬‫خُلوا ب ُُيوًتا غَي َْر َ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫‪(29‬‬
‫َ‬
‫جُعوا‬‫م اْر ِ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫ن ِقي َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫حّتى ي ُؤْذ َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫دا َفل ت َد ْ ُ‬ ‫ح ً‬‫دوا ِفيَها أ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م تَ ِ‬ ‫} فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حأ ْ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫س عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م )‪ (28‬ل َي ْ َ‬ ‫ن عَِلي ٌ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫كى ل َك ُ ْ‬‫جُعوا هُوَ أْز َ‬ ‫َفاْر ِ‬
‫ن)‬ ‫مو َ‬ ‫ما ت َك ْت ُ ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت ُب ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫مَتاع ٌ ل َك ُ ْ‬‫كون َةٍ ِفيَها َ‬ ‫س ُ‬‫م ْ‬ ‫خُلوا ب ُُيوًتا غَي َْر َ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫‪{ (29‬‬

‫) ‪(6/35‬‬

‫هذه آداب شرعية ‪ ،‬أّدب الله بها عباده المؤمنين ‪ ،‬وذلك في الستئذان أمر‬
‫الله المؤمنين أل يدخلوا بيوًتا غير بيوتهم حتى يستأنسوا ‪ ،‬أي ‪ :‬يستأذنوا قبل‬
‫الدخول ويسلموا بعده‪ .‬وينبغي أن يستأذن ثلًثا ‪ ،‬فإن أذن له ‪ ،‬وإل انصرف ‪،‬‬
‫كما ثبت )‪ (1‬في الصحيح ‪ :‬أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلًثا ‪ ،‬فلم‬
‫يؤذن له ‪ ،‬انصرف‪ .‬ثم قال عمر ‪ :‬ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن‬
‫جَعك ؟‬ ‫؟ ائذنوا له‪ .‬فطلبوه فوجدوه قد ذهب ‪ ،‬فلما جاء بعد ذلك قال ‪ :‬ما َر َ‬
‫قال ‪ :‬إني استأذنت ثلًثا فلم يؤذن لي ‪ ،‬وإني سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬إذا استأذن أحدكم ثلًثا ‪ ،‬فلم يؤذن له ‪ ،‬فلينصرف"‪.‬‬
‫ن على هذا ببينة وإل أوجعتك ضرًبا‪ .‬فذهب إلى مل من النصار ‪،‬‬ ‫فقال ‪ :‬ل ََتأت ِي َ ّ‬
‫فذكر لهم ما قال عمر ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ل يشهد )‪ (2‬لك إل أصغرنا‪ .‬فقام معه أبو‬
‫فق بالسواق )‪.(3‬‬ ‫ص ْ‬
‫دريّ فأخبر عمر بذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬ألهاني عنه ال ّ‬ ‫خ ْ‬‫سعيد ال ُ‬
‫مر عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ -‬أو‬ ‫معْ َ‬
‫دثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َ‬
‫ح ّ‬
‫وقال المام أحمد ‪َ :‬‬
‫‪ :‬غيره )‪ (4‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة‬
‫فقال ‪" :‬السلم عليك ورحمة الله"‪ .‬فقال سعد ‪ :‬وعليك السلم ورحمة الله‬
‫ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلًثا‪ .‬ورد عليه )‪ (5‬سعد‬
‫سمعه‪ .‬فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬واتبعه سعد فقال ‪ :‬يا‬ ‫ثلًثا ولم ي ُ ْ‬
‫ت تسليمة إل وهي بأذني ‪ ،‬ولقد َرد َْدت‬ ‫رسول الله ‪ ،‬بأبي أنت وأمي ‪ ،‬ما سلم َ‬
‫ت أن أستكثر من سلمك ومن البركة‪ .‬ثم أدخله‬ ‫ُ‬
‫معك ‪ ،‬وأرد ُ‬ ‫س ِ‬
‫عليك ولم أ ْ‬
‫البيت ‪ ،‬فقّرب إليه َزبيًبا ‪ ،‬فأكل نبي الله‪ .‬فلما فرغ قال ‪" :‬أكل طعامكم‬
‫صّلت عليكم الملئكة ‪ ،‬وأفطر عندكم الصائمون" )‪.(6‬‬ ‫البرار ‪ ،‬و َ‬
‫وقد َرَوى أبو داود والنسائي ‪ ،‬من حديث أبي عمرو الوزاعي ‪ :‬سمعت يحيى‬
‫بن أبي كثير يقول ‪ :‬حدثني محمد بن عبد الرحمن بن سعد )‪ (7‬بن زرارة ‪،‬‬
‫عن قيس بن سعد ‪ -‬هو ابن عبادة ‪ -‬قال ‪ :‬زارنا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في منزلنا ‪ ،‬فقال ‪" :‬السلم عليكم ورحمة الله"‪ .‬فرد ّ سعد رًدا خفًيا )‬
‫‪ ، (8‬قال قيس ‪ :‬فقلت ‪ :‬أل تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال ‪:‬‬
‫ذ َْره )‪ (9‬يكثر علينا من السلم‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"السلم عليكم ورحمة الله"‪ .‬فرد سعد َرًدا خفًيا )‪ ، (10‬ثم قال رسول الله‬
‫جع رسول الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬السلم عليكم ورحمة الله" ثم َر َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬واتبعه سعد فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني كنت أسمع‬
‫تسليمك ‪ ،‬وأرد عليك رّدا خفًيا )‪ ، (11‬لتكثر علينا من السلم‪ .‬قال ‪ :‬فانصرف‬
‫معه ]رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأمر له سعد بغسل ‪ ،‬فاغتسل ‪ ،‬ثم‬
‫فة مصبوغة[ )‪ (12‬بزعفران ‪ -‬أو ‪َ :‬ورس ‪ -‬فاشتمل بها ‪ ،‬ثم رفع‬ ‫ناوله مل ْ َ‬
‫ح َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول ‪" :‬اللهم اجعل صلتك‬
‫ورحمتك على آل سعد بن عبادة"‪ .‬قال ‪ :‬ثم أصاب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم من الطعام ‪ ،‬فلما أراد النصراف قّرب إليه سعد حماًرا قد وَطأّ‬
‫عليه بقطيفة ‪ ،‬فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد ‪ :‬يا‬
‫قيس ‪ ،‬اصحب رسول‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وثبت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ل نشهد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (6245‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2153‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وغيره"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(3/138‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬أسعد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬خفيفا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬ودعه"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬خفيفا"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬خفيفا"‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من أ ‪ ،‬وأبي داود‪.‬‬

‫) ‪(6/36‬‬

‫الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال قيس ‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬اركب"‪ .‬فأبيت ‪ ،‬فقال ‪" :‬إما أن تركب وإما أن تنصرف"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فانصرفت‪.‬‬
‫وقد روي هذا من وجه آخر )‪ (1‬فهو حديث جيد قويّ ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫م أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل أل يقف تلقاء الباب بوجهه ‪،‬‬ ‫ثم لي ُْعل ْ‬
‫مل‬‫مؤ َ ّ‬
‫ب ‪ ،‬عن يمينه أو يساره ؛ لما رواه أبو داود ‪ :‬حدثنا ُ‬ ‫ولكن لَيكن )‪ (2‬البا ُ‬
‫بن الفضل الحراني ‪ -‬في آخرين ‪ -‬قالوا ‪ :‬حدثنا َبقّية ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد‬
‫سر )‪ (3‬قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬ ‫الرحمن ‪ ،‬عن عبد الله بن ب ُ ْ‬
‫وسلم إذا أتى باب قوم ‪ ،‬لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ‪ ،‬ولكن من ركنه‬
‫اليمن أو اليسر ‪ ،‬ويقول ‪" :‬السلم عليكم ‪ ،‬السلم عليكم"‪ .‬وذلك أن الدور‬
‫فرد به أبو داود )‪.(4‬‬‫لم يكن عليها يومئذ ستور‪ .‬ت َ َ‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا جرير ‪) ،‬ح( قال أبو‬ ‫وقال أبو داود أي ً‬
‫داود ‪ :‬وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا حفص ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن طلحة ‪،‬‬
‫عن هَُزيل قال ‪ :‬جاء رجل ‪ -‬قال عثمان ‪ :‬سعد ‪ -‬فوقف على باب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يستأذن ‪ ،‬فقام على الباب ‪ -‬قال عثمان ‪ :‬مستقبل الباب ‪-‬‬
‫فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬هكذا عنك ‪ -‬أو ‪ :‬هكذا ‪ -‬فإنما‬
‫الستئذان من النظر" )‪.(5‬‬
‫وقد رواه أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬عن العمش عن طلحة‬
‫صّرف ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن سعد ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬رواه أبو‬ ‫م َ‬ ‫بن ُ‬
‫داود من حديثه )‪.(6‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬لو أن‬
‫ذفته بحصاة ‪ ،‬ففقأت عينه ‪ ،‬ما كان عليك من‬ ‫خ َ‬ ‫امرأ اطلع عليك بغير إذن فَ َ‬
‫جناح" )‪.(7‬‬
‫وأخرج الجماعة من حديث شعبة ‪ ،‬عن محمد بن المنكدر ‪ ،‬عن جابر قال ‪:‬‬
‫ت النبي صلى الله عليه وسلم في َدين كان على أبي ‪ ،‬فدققت الباب ‪،‬‬ ‫أتي ُ‬
‫فقال ‪" :‬من ذا" ؟ قلت ‪ :‬أنا‪ .‬قال ‪" :‬أنا ‪ ،‬أنا" كأنه كرهه )‪.(8‬‬
‫وإنما كره ذلك لن هذه اللفظة ل ُيعَرف صاحبها حتى ُيفصح باسمه أو كنيته‬
‫التي هو مشهور بها ‪ ،‬وإل فكل أحد ُيعّبر عن نفسه بـ"أنا" ‪ ،‬فل يحصل بها‬
‫المقصود من الستئذان ‪ ،‬الذي هو الستئناس المأمور به في الية‪.‬‬
‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الستئناس ‪ :‬الستئذان‪ .‬وكذا قال غيُر واحد‪.‬‬ ‫وقال العَ ْ‬
‫شار ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن ب َ ّ‬
‫ُ‬
‫خلوا‬ ‫شر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ } :‬ل ت َد ْ ُ‬ ‫أبي ب ِ ْ‬
‫ْ‬
‫موا { )‪(9‬‬ ‫سل ّ ُ‬
‫سوا وَت ُ َ‬ ‫ست َأن ِ ُ‬
‫حّتى ت َ ْ‬ ‫ب ُُيوًتا غَي َْر ب ُُيوت ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود برقم )‪ (5185‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪ (50159) ، (10157‬من طريق عبد الله ‪ ،‬عن الوزاعي ‪ ،‬عن يحيى بن أبي‬
‫كثير ‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أتى سعد بن عبادة زائرا ‪ ،‬فذكر الحديث‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ليكون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬بشر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن أبي داود برقم )‪.(5186‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود برقم )‪.(5174‬‬
‫)‪ (6‬سنن أبي داود برقم )‪.(5175‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪ (6902‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2158‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (6250‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2155‬وسنن أبي‬
‫داود برقم )‪ (5187‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2711‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم )‪ (10160‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(3709‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ زيادة ‪" :‬على أهلها"‪.‬‬

‫) ‪(6/37‬‬

‫سل ّ ُ‬
‫موا"‪.‬‬ ‫سَتأذُنوا وَت ُ َ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬‫قال ‪ :‬إنما هي خطأ من الكاتب ‪َ " ،‬‬
‫شيم ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ -‬وهو جعفر بن إياس ‪ -‬به‪ .‬وروى معاذ‬ ‫وهكذا رواه )‪ (1‬هُ َ‬
‫بن سليمان ‪ ،‬عن جعفر بن إياس ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬بمثله ‪ ،‬وزاد ‪:‬‬
‫موا" ‪ ،‬وكان يقرأ على قراءة أبي‬ ‫سل ّ ُ‬
‫سَتأذُنوا وَت ُ َ‬
‫حّتى ت َ ْ‬
‫وكان ابن عباس يقرأ ‪َ " :‬‬
‫بن كعب رضي الله عنه‪.‬‬
‫دا عن ابن عباس‪.‬‬ ‫وهذا غريب ج ّ‬
‫شْيم )‪ (2‬أخبرنا مغيرة ‪ ،‬عن إبراهيم قال ‪ :‬في مصحف ابن مسعود ‪:‬‬ ‫وقال هُ َ‬
‫ضا رواية عن ابن عباس ‪ ،‬وهو‬ ‫"حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا"‪ .‬وهذا أي ً‬
‫اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬أخبرني عمرو بن أبي‬ ‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َرْوح ‪ ،‬حدثنا ابن ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سفيان ‪ :‬أن عمرو بن أبي صفوان أخبره ‪ ،‬أن كلد َة َ بن الحنبل أخبره ‪ ،‬أن‬
‫ضَغابيس ‪ ،‬والنبي صلى الله عليه‬ ‫داَية و َ‬
‫ج َ‬‫صفوان بن أمية بعثه في الفتح ِبلَبأ و َ‬
‫ت عليه ولم أسلم ولم أستأذن‪ .‬فقال النبي‬ ‫وسلم بأعلى الوادي‪ .‬قال ‪ :‬فدخل ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ارجع فقل ‪ :‬السلم عليكم ‪ ،‬أأدخل ؟" وذلك بعدما‬
‫أسلم صفوان‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن جريج ‪ ،‬به )‪ (3‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديثه‪.‬‬
‫وص ‪ ،‬عن منصور ‪،‬‬ ‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا أبو الح َ‬
‫عن رِْبعي قال ‪ :‬حدثنا )‪ (4‬رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في بيته ‪ ،‬فقال ‪ :‬أألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لخادمه ‪" :‬اخرج إلى هذا فعّلمه الستئذان ‪ ،‬فقل له ‪ :‬قل ‪ :‬السلم عليكم ‪،‬‬
‫أأدخل ؟" فسمعه الرجل فقال ‪ :‬السلم عليكم ‪ ،‬أأدخل ؟ فأذن له النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فدخل )‪.(5‬‬
‫رين ‪ -‬وأخبرنا يونس بن عبيد ‪ ،‬عن‬ ‫سي ِ‬
‫شْيم ‪ :‬أخبرنا منصور ‪ ،‬عن ابن ِ‬ ‫وقال هُ َ‬
‫مرو بن سعيد الثقفي ‪ -‬أن رجل استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫عَ ْ‬
‫فقال ‪ :‬أألج ‪ -‬أو ‪ :‬أنلج ؟ ‪ -‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمة له ‪ ،‬يقال‬
‫لها روضة ‪" :‬قومي إلى هذا فعلميه ‪ ،‬فإنه ل يحسن يستأذن ‪ ،‬فقولي له يقول‬
‫‪ :‬السلم عليكم ‪ ،‬أأدخل"‪ .‬فسمعها الرجل ‪ ،‬فقالها ‪ ،‬فقال ‪" :‬ادخل" )‪.(6‬‬
‫سة‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حدثنا الفضل بن الصباح ‪ ،‬حدثنا سعيد بن زكريا ‪ ،‬عن عَن ْب َ َ‬
‫در ‪ ،‬عن جابر بن‬ ‫بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن محمد بن زاذان ‪ ،‬عن محمد بن المن ْك َ ِ‬
‫عبد الله قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬السلم قبل الكلم"‬
‫)‪.(7‬‬
‫منكرَ‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬عنبسة ضعيف الحديث ذاهب ‪ ،‬ومحمد بن زاذان ُ‬
‫الحديث‪.‬‬
‫شْيم ‪ :‬قال مغيرة ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬جاء ابن عمر من حاجة ‪ ،‬وقد آذاه‬ ‫وقال هُ َ‬
‫سطاط امرأة من قريش ‪ ،‬فقال ‪ :‬السلم عليكم ‪ ،‬أأدخل ؟‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الرمضاء ‪ ،‬فأتى ف ْ‬
‫قالت ‪ :‬ادخل بسلم‪ .‬فأعاد ‪ ،‬فأعادت ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬سفيان"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(3/414‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬جاء"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود برقم )‪.(5177‬‬
‫)‪ (6‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(18/87‬‬
‫)‪ (7‬سنن الترمذي برقم )‪.(2699‬‬

‫) ‪(6/38‬‬

‫وهو ي َُراوح بين قدميه ‪ ،‬قال ‪ :‬قولي ‪ :‬ادخل‪ .‬قالت ‪ :‬ادخل ‪ ،‬فدخل )‪.(1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو نعيم الحول ‪ ،‬حدثنا‬
‫خالد بن إياس ‪ ،‬حدثتني جدتي أم إياس قالت ‪ :‬كنت في أربع نسوة نستأذن‬
‫]على عائشة[ )‪ (2‬فقلت ‪ :‬ندخل ؟ قالت ‪ :‬ل قلن )‪ (3‬لصاحبتكن ‪ :‬تستأذن‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫فقالت ‪ :‬السلم عليكم ‪ ،‬أندخل ؟ قالت ‪ :‬ادخلوا ‪ ،‬ثم قالت ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫موا عََلى أ َهْل َِها { ]الية[‬ ‫ْ‬
‫سل ّ ُ‬‫سوا وَت ُ َ‬ ‫ست َأن ِ ُ‬
‫حّتى ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خُلوا ب ُُيوًتا غَي َْر ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫مُنوا ل ت َد ْ ُ‬ ‫آ َ‬
‫)‪.(4‬‬
‫وار ‪ ،‬عن ك ُْرُدوس ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪:‬‬ ‫س ّ‬ ‫شْيم ‪ :‬أخبرنا أشعث بن َ‬ ‫وقال هُ َ‬
‫عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم‪ .‬قال أشعث ‪ ،‬عن عدي بن ثابت ‪:‬‬
‫إن امرأة من النصار قالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني أكون في منزلي على الحال‬
‫ي رجل‬ ‫التي ل أحب أن يراني أحد عليها ‪ ،‬والد ول ولد ‪ ،‬وإنه ل يزال يدخل عل ّ‬
‫َ‬
‫مُنوا ل‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫من أهلي ‪ ،‬وأنا على تلك الحال ؟ قال ‪ :‬فنزلت ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫موا عََلى أ َهْل َِها { )‪.(5‬‬ ‫ْ‬
‫سل ّ ُ‬
‫سوا وَت ُ َ‬ ‫ست َأن ِ ُ‬‫حّتى ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خُلوا ب ُُيوًتا غَي َْر ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ثلث آيات جحدها الناس ‪ :‬قال الله ‪ } :‬إ َ‬
‫عن ْد َ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫ن أك َْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫َ َ‬
‫م { ]الحجرات ‪ ، [13 :‬قال ‪ :‬ويقولون ‪ :‬إن أكرمهم عند الله أعظمهم‬ ‫قاك ُ ْ‬‫أ َت ْ َ‬
‫بيًتا‪ .‬قال ‪ :‬والذن كله قد جحده الناس‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أستأذن على أخواتي‬
‫خص )‪ (6‬لي ‪،‬‬ ‫أيتام في حجري ‪ ،‬معي في بيت واحد ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فرددت لير ّ‬
‫فأبى‪ .‬قال ‪ :‬تحب أن تراها عريانة ؟ قلت ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬فاستأذن‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ضا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتحب أن تطيع الله ؟ قلت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فاستأذن‪.‬‬ ‫فراجعته أي ً‬
‫جَرْيج ‪ :‬وأخبرني ابن طاوس عن أبيه قال ‪ :‬ما من امرأة أكره إلي‬ ‫قال ابن ُ‬
‫أن أرى عريتها من ذات محرم‪ .‬قال ‪ :‬وكان يشدد في ذلك‪.‬‬
‫حِبيل الوْدِيّ العمى ‪،‬‬ ‫شَر ْ‬ ‫وقال ابن جريج ‪ ،‬عن الزهري ‪ :‬سمعت هَُزيل بن ُ‬
‫أنه سمع ابن مسعود يقول ‪ :‬عليكم الذن على أمهاتكم‪.‬‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬قلت لعطاء ‪ :‬أيستأذن الرجل على امرأته ؟ قال ‪ :‬ل‪.‬‬
‫وهذا محمول على عدم الوجوب ‪ ،‬وإل فالولى أن يعلمها بدخوله ول يفاجئها‬
‫به ‪ ،‬لحتمال أن تكون على هيئة ل تحب أن يراها عليها‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا القاسم ‪] ،‬قال[ )‪ (7‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثنا‬
‫مّرة ‪ ،‬عن يحيى بن الجزار ‪،‬‬ ‫محمد بن حازم ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عمرو بن ُ‬
‫عن ابن أخي زينب ‪ -‬امرأة عبد الله بن مسعود ‪ ، -‬عن زينب ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب ‪ ،‬تنحنح‬
‫جم منا على أمر يكرهه )‪ .(9‬إسناد صحيح‪.‬‬ ‫وبزق ؛ كراهية )‪ (8‬أن يه ُ‬
‫مْير‬‫ُ َ‬ ‫ن‬ ‫بن‬ ‫الله‬ ‫عبد‬ ‫حدثنا‬ ‫‪،‬‬ ‫الواسطي‬ ‫نان‬ ‫س‬
‫ِ َ‬ ‫بن‬ ‫أحمد‬ ‫حدثنا‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫‪ ،‬حدثنا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(18/87‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬قلت" ‪ ،‬والمثبت من ف‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(18/87‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬علي لمن خضرني"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬كراهة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪.(18/88‬‬

‫) ‪(6/39‬‬
‫مّرة ‪ ،‬عن أبي هُب َْيرة )‪ (1‬قال ‪ :‬كان عبد الله إذا‬ ‫العمش ‪ ،‬عن عمرو بن ُ‬
‫دخل الدار استأنس ‪ -‬تكلم ورفع صوته‪.‬‬
‫خموا‪.‬‬ ‫ْ‬
‫سوا { قال ‪ :‬تنحنحوا ‪ -‬أو )‪ (3‬ت َن َ ّ‬ ‫ست َأن ِ ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫]و[ )‪ (2‬قال مجاهد ‪َ } :‬‬
‫وعن المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬إذا دخل الرجل بيته ‪،‬‬
‫استحب له أن يتنحنح ‪ ،‬أو يحرك نعليه‪.‬‬
‫ولهذا جاء في الصحيح ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أنه ن ََهى أن‬
‫ونهم )‪.(4‬‬ ‫طروًقا ‪ -‬وفي رواية ‪ :‬ليل ي ََتخ ّ‬ ‫يطرق الرجل أهَله ُ‬
‫وفي الحديث الخر ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة نهاًرا ‪،‬‬
‫فأناخ بظاهرها ‪ ،‬وقال ‪" :‬انتظروا حتى تدخل عشاء ‪ -‬يعني ‪ :‬آخر النهار ‪ -‬حتى‬
‫مَغيبة" )‪.(5‬‬ ‫شعَثة وتستحد ّ ال ُ‬ ‫تمتشط ال ّ‬
‫دثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا عبد‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ح ّ‬
‫ورة ابن أخي‬ ‫س ْ‬ ‫دثني أبو َ‬ ‫الرحمن )‪ (6‬بن سليمان ‪ ،‬عن واصل بن السائب ‪ ،‬ح ّ‬
‫أبي أيوب ‪ ،‬عن أبي أيوب قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬هذا السلم ‪ ،‬فما‬
‫الستئناس ؟ قال ‪" :‬يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ‪ ،‬ويتنحنح َفيؤذ ُ‬
‫ن‬
‫أهل البيت"‪ .‬هذا حديث غريب )‪.(7‬‬
‫سوا { قال ‪ :‬هو الستئذان‪] .‬قال ‪ :‬وكان‬ ‫ْ‬
‫ست َأن ِ ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫وقال قتادة في قوله ‪َ } :‬‬
‫يقال ‪ :‬الستئذان[ )‪ (8‬ثلث ‪ ،‬فمن لم يؤذن له فيهن ‪ ،‬فليرجع‪ .‬أما الولى ‪:‬‬
‫فليسمع )‪ (9‬الحي ‪ ،‬وأما الثانية ‪ :‬فليأخذوا حذرهم ‪ ،‬وأما الثالثة ‪ :‬فإن شاءوا‬
‫ن على باب قوم ردوك عن بابهم ؛ فإن للناس‬ ‫ف ّ‬‫أذنوا وإن شاءوا َرّدوا‪ .‬ول ت َقِ َ‬
‫حاجات ولهم أشغال ‪ ،‬والله أولى بالعذر‪.‬‬
‫خلوا ب ُُيوًتا غَي َْر‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا ل ت َد ْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال مقاتل بن حّيان في قوله ‪َ } :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫موا عََلى أ َهْل َِها { كان الرجل في الجاهلية إذا‬ ‫ْ‬
‫سل ّ ُ‬ ‫سوا وَت ُ َ‬ ‫ست َأن ِ ُ‬
‫حّتى ت َ ْ‬ ‫م َ‬‫ب ُُيوت ِك ُ ْ‬
‫حا وحييت مساء ‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫ت صبا ً‬ ‫حّيي َ‬
‫لقي صاحبه ‪ ،‬ل يسلم عليه ‪ ،‬ويقول ‪ُ :‬‬
‫تحية القوم بينهم‪ .‬وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فل يستأذن حتى يقتحم ‪،‬‬
‫ت"‪ .‬فيشق ذلك على الرجل ‪ ،‬ولعله يكون مع أهله ‪ ،‬فغَّير‬ ‫ويقول ‪" :‬قد دخل ُ‬
‫ها من الدنس والقذر والدَرن ‪،‬‬ ‫الله ذلك كله ‪ ،‬في ستر وعفة ‪ ،‬وجعله نقًيا نز ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫سوا‬ ‫ست َأن ِ ُ‬‫حّتى ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خُلوا ب ُُيوًتا غَي َْر ب ُُيوت ِك ْ‬
‫ُ‬ ‫مُنوا ل ت َد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫فقال ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫موا عََلى أ َهْل َِها {‪.‬‬ ‫سل ّ ُ‬‫وَت ُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبيدة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬و"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (5244 ، 5243‬وصحيح مسلم برقم )‪ (715‬من‬
‫حديث جابر ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (5247‬من حديث جابر ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (6‬في هـ ‪" :‬عبد الرحيم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه ابن أبي شيبة في المصنف )‪ (8/607‬ومن طريقه ابن ماجه في‬
‫السنن برقم )‪ (3707‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ ، (4/178‬حدثنا‬
‫عبيد بن غنام ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬به‪ .‬قال البوصيري في الزوائد )‬
‫‪" : (3/171‬هذا إسناد ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فليستمع"‪.‬‬
‫) ‪(6/40‬‬

‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ك أ َْز َ‬
‫كى ل َهُ ْ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬
‫جهُ ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ظوا فُُرو َ‬ ‫ح َ‬
‫م وَي َ ْ‬
‫صارِهِ ْ‬
‫ل ل ِل ْمؤْمِنين يغُضوا م َ‬
‫ن أب ْ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ ّ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن )‪(30‬‬
‫صن َُعو َ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬
‫َ‬

‫م { يعني ‪:‬‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وهذا الذي قاله مقاتل حسن ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ذ َل ِك ُ ْ‬
‫الستئذان خير لكم ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬هو خير للطرفين )‪ : (1‬للمستأذن ولهل‬
‫ن {‪.‬‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫البيت ‪ .} ،‬ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫م { ‪ ،‬وذلك لما‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫حّتى ي ُؤْذ َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫دا َفل ت َد ْ ُ‬ ‫ح ً‬ ‫دوا ِفيَها أ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه ‪ ،‬فإن شاء أذن ‪ ،‬وإن شاء لم يأذن‬
‫م { أي ‪ :‬إذا َرّدوكم من الباب‬ ‫كى ل َك ُ ْ‬ ‫جُعوا هُوَ أ َْز َ‬ ‫جُعوا َفاْر ِ‬ ‫م اْر ِ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫ن ِقي َ‬ ‫} وَإ ِ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬رجوعكم )‪ (2‬أزكى لكم‬ ‫جُعوا هُوَ أْزكى لك ْ‬ ‫قبل الذن أو بعده } َفاْر ِ‬
‫ن عَِليم {‪.‬‬ ‫ما ت َْعمُلو َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫وأطهر } َوالل ُ‬
‫ت عمري كله هذه الية فما‬ ‫ّ‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬قال بعض المهاجرين ‪ :‬لقد طلب ُ‬
‫ن على بعض إخواني ‪ ،‬فيقول لي ‪" :‬ارجع" ‪ ،‬فأرجع وأنا‬ ‫أدركتها ‪ :‬أن أستأذ َ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َوالل ُ‬ ‫جُعوا هُوَ أْزكى لك ْ‬ ‫جُعوا فاْر ِ‬ ‫م اْر ِ‬ ‫ن ِقيل لك ُ‬ ‫مغتبط )‪] (3‬لقوله[ )‪ } ، (4‬وَإ ِ ْ‬
‫م {‪.‬‬ ‫ن عَِلي ٌ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫بِ َ‬
‫جُعوا { أي ‪ :‬ل تقفوا على‬ ‫جُعوا َفاْر ِ‬ ‫م اْر ِ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫ن ِقي َ‬ ‫وقال سعيد بن جبير ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫أبواب الناس‪.‬‬
‫َ‬
‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مَتاع ٌ ل َك ُ ْ‬
‫كون َةٍ ِفيَها َ‬ ‫س ُ‬‫م ْ‬ ‫خُلوا ب ُُيوًتا غَي َْر َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫حأ ْ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫س عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َي ْ َ‬
‫ص من التي )‪ (5‬قبلها ‪،‬‬ ‫ن { هذه الية الكريمة أخ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ت َك ْت ُ ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت ُب ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى البيوت التي ليس فيها أحد ‪ ،‬إذا كان له )‬
‫‪ (6‬فيها متاع ‪ ،‬بغير إذن ‪ ،‬كالبيت المعد للضيف ‪ ،‬إذا أذن له فيه أول مرة ‪،‬‬
‫كفى‪.‬‬
‫م { ‪ ،‬ثم نسخ‬ ‫ُ‬
‫خلوا ب ُُيوًتا غَي َْر ب ُُيوت ِك ْ‬ ‫ُ‬ ‫قال ابن جريج ‪ :‬قال ابن عباس ‪ } :‬ل ت َد ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫واستثني فقال } ل َيس عَل َيك ُم جنا َ‬
‫مَتاعٌ‬ ‫سكون َةٍ ِفيَها َ‬ ‫م ْ‬ ‫خلوا ب ُُيوًتا غَي َْر َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫حأ ْ‬ ‫ْ ْ ُ َ ٌ‬ ‫ْ َ‬
‫م { ‪ :‬وكذا روي عن عكرمة ‪ ،‬والحسن البصري‪.‬‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫وقال آخرون ‪ :‬هي بيوت التجار ‪ ،‬كالخانات )‪ (7‬ومنازل السفار ‪ ،‬وبيوت‬
‫مكة ‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬واختار ذلك ابن جرير ‪ ،‬وحكاه ‪ ،‬عن جماعة‪ .‬والول أظهر ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫شعر‪.‬‬ ‫وقال مالك عن زيد بن أسلم ‪ :‬هي بيوت ال ّ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫كى ل َهُ ْ‬ ‫ك أ َْز َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ظوا فُُرو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫صارِهِ ْ‬
‫ل ل ِل ْمؤْمِنين يغُضوا م َ‬
‫ن أب ْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ ّ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ن )‪.{ (30‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم‬
‫عليهم ‪ ،‬فل ينظروا إل إلى ما أباح لهم النظر إليه )‪ ، (8‬وأن يغضوا )‪(9‬‬
‫محّرم من غير قصد ‪،‬‬ ‫أبصارهم عن المحارم ‪ ،‬فإن اتفق أن وقع البصر على ُ‬
‫فليصرف بصره عنه سريًعا ‪ ،‬كما رواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬من حديث يونس‬
‫عة بن عمرو بن جرير ‪ ،‬عن جده‬ ‫بن عَُبيد ‪ ،‬عن عمرو بن سعيد ‪ ،‬عن أبي ُزْر َ‬
‫جرير بن عبد الله البجلي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سألت النبي صلى الله‬
‫صري‪.‬‬ ‫ف بَ َ‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬عن نظرة الفجأة ‪ ،‬فأمرني أن أصر َ‬
‫شْيم ‪ ،‬عن يونس بن عبيد ‪ ،‬به‪ .‬ورواه أبو داود‬ ‫وكذا رواه المام أحمد ‪ ،‬عن هُ َ‬
‫والترمذي‬
‫__________‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من الطرفين"‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫في أ ‪" :‬رجعوكم"‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫في أ ‪" :‬متغيط"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لكم"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫في أ ‪" :‬في الخانات"‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫في ف ‪" :‬إليهم"‪.‬‬ ‫)‪(8‬‬
‫في ف ‪" :‬يغمصوا"‪.‬‬ ‫)‪(9‬‬

‫) ‪(6/41‬‬

‫ضا )‪ .(1‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وفي رواية‬ ‫والنسائي ‪ ،‬من حديثه أي ً‬
‫لبعضهم ‪ :‬فقال ‪" :‬أطرقْ بصرك" ‪ ،‬يعني ‪ :‬انظر إلى الرض‪ .‬والصرف أعم ؛‬
‫فإنه قد يكون إلى الرض ‪ ،‬وإلى )‪ (2‬جهة أخرى ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫شريك ‪ ،‬عن أبي‬ ‫فَزاري ‪ ،‬حدثنا َ‬ ‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن موسى ال َ‬
‫ربيعة اليادي ‪ ،‬عن عبد الله بن ب َُرْيدة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم لعلي ‪" :‬يا علي ‪ ،‬ل تتبع النظرة النظرةَ ‪ ،‬فإن لك الولى‬
‫وليس لك الخرة"‬
‫ورواه الترمذي من حديث شريك )‪ ، (3‬وقال ‪ :‬غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من‬
‫حديثه‪.‬‬
‫وفي الصحيح عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إياكم والجلوس على الطرقات"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ل بد لنا من‬
‫مجالسنا ‪ ،‬نتحدث فيها‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن أبيتم ‪،‬‬
‫ض‬‫قه"‪ .‬قالوا ‪ :‬وما حقّ الطريق يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬غَ ّ‬ ‫فأعطوا الطريق ح ّ‬
‫ف الذى ‪ ،‬ورد ّ السلم ‪ ،‬والمر بالمعروف ‪ ،‬والنهي عن المنكر" )‬ ‫البصر ‪ ،‬وك َ ّ‬
‫‪.(4‬‬
‫وقال أبو القاسم البغوي ‪ :‬حدثنا طالوت بن عباد ‪ ،‬حدثنا فضل )‪ (5‬بن جبير ‪:‬‬
‫سمعت أبا أمامة يقول ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫دث أحدكم فل يكذب ‪ ،‬وإذا اؤتمن‬ ‫ت أكفل لكم بالجنة ‪ :‬إذا ح ّ‬ ‫"اكفلوا لي ِبس ّ‬
‫فوا أيديكم ‪ ،‬واحفظوا‬ ‫ضوا أبصاركم ‪ ،‬وك ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫غ‬ ‫و‬ ‫يخلف‪.‬‬ ‫فل‬ ‫عد‬‫خن ‪ ،‬وإذا وَ َ‬ ‫فل ي َ ُ‬
‫فروجكم" )‪.(6‬‬
‫حَييه وما بين رجليه ‪ ،‬أكفل‬ ‫وفي صحيح البخاري ‪" :‬من يكفل )‪ (7‬لي ما بين ل َ ْ‬
‫له الجنة" )‪.(8‬‬
‫مر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن ابن سيرين ‪ ،‬عن عبيدة‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا َ‬
‫ل‬ ‫ّ‬
‫عصي الله به ‪ ،‬فهو كبيرة‪ .‬وقد ذكر الطْرفين فقال ‪ } :‬قُ ْ‬ ‫قال ‪ :‬كل ما ُ‬
‫َ‬
‫م {‪.‬‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫ن ي َغُ ّ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ل ِل ْ ُ‬
‫ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب ‪ ،‬كما قال بعض السلف ‪" :‬النظر‬
‫سهام سم إلى القلب" ؛ ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ضوا ِ‬ ‫ن ي َغُ ّ‬
‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬
‫البصار التي هي بواعث إلى ذلك ‪ ،‬فقال ‪ } :‬قُ ْ‬
‫م {‪ .‬وحف ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫فرج تارة ً يكون بمنعه من الزنى ‪،‬‬ ‫ظ ال َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ظوا فُُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫أب ْ َ‬
‫َ‬
‫مل َك َ ْ‬
‫ت‬ ‫ما َ‬‫م أوْ َ‬ ‫ن ِإل عََلى أْزَوا ِ‬
‫جهِ ْ‬ ‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬‫م َ‬ ‫جهِ ْ‬ ‫فُرو ِ‬ ‫م لِ ُ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫كما قال } َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن { ]المعارج ‪ [30 ، 29 :‬وتارة يكون بحفظه من‬ ‫مي َ‬ ‫مُلو ِ‬ ‫م غَي ُْر َ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬‫مان ُهُ ْ‬ ‫أي ْ َ‬
‫النظر إليه ‪ ،‬كما جاء في الحديث في مسند أحمد )‪ (9‬والسنن ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪ (2159‬والمسند )‪ (4/361‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (2148‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2776‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪.(9233‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬أو إلى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪ (2149‬وسنن الترمذي برقم )‪.(2777‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (2465‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2121‬من حديث‬
‫أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في هـ ‪" :‬فضال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد )‪ (7/392‬من طريق أبي القاسم‬
‫البغوي ‪ ،‬به‪ .‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (8/314‬وابن حبان في‬
‫المجروحين )‪ (2/204‬من طريق فضال بن جبير‪ .‬ويقال ‪ :‬ابن زبير ‪ ،‬به‪ .‬وقال‬
‫ابن حبان ‪" :‬فضال بن جبير ل يحل الحتجاج به"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬كفل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (6474‬من حديث سهل بن سعد ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬المسند"‪.‬‬

‫) ‪(6/42‬‬

‫احفظ عورتك ‪ ،‬إل من زوجتك أو ما ملكت يمينك" )‪.(1‬‬


‫ن حفظ‬ ‫م ْ‬ ‫م { أي ‪ :‬أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم ‪ ،‬كما قيل ‪َ " :‬‬ ‫كى ل َهُ ْ‬ ‫ك أ َْز َ‬ ‫} ذ َل ِ َ‬
‫بصره ‪ ،‬أورثه الله نوًرا في بصيرته"‪ .‬ويروى ‪" :‬في قلبه"‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عتاب ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن المبارك ‪ ،‬أخبرنا يحيى‬
‫حر ‪ ،‬عن علي بن يزيد ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬عن أبي‬ ‫بن أيوب ‪ ،‬عن عُب َْيد الله بن َز ْ‬
‫أمامة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ما من‬
‫ض بصره ‪ ،‬إل أخلف‬ ‫مّرة[ )‪ (2‬ثم ي َغُ ّ‬ ‫مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ]أّول َ‬
‫الله له عبادة يجد حلوتها" )‪.(3‬‬
‫عا عن ابن عمر ‪ ،‬وحذيفة ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬رضي الله عنهم )‪(4‬‬ ‫وُروي هذا مرفو ً‬
‫ولكن في إسنادها ضعف ‪ ،‬إل أنها في الترغيب ‪ ،‬ومثله يتسامح فيه‪.‬‬
‫حر ‪ ، ،‬عن علي بن يزيد ‪ ،‬عن‬ ‫وفي الطبراني من طريق عبيد الله بن َز ْ‬
‫ن أبصاركم ‪ ،‬ولتحفظن فروجكم ‪،‬‬ ‫ض ّ‬ ‫القاسم ‪ ،‬عن أبي أمامة مرفوعا ‪َ" :‬لتغ ُ‬
‫ن وجوهكم ‪ -‬أو ‪ :‬لتكسفن وجوهكم" )‪.(5‬‬ ‫م ّ‬ ‫ولتقي ُ‬
‫سُتري قال ‪ :‬قرأنا على محمد بن‬ ‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن زهير الت ّ ْ‬
‫حفص بن عمر الضرير المقرئ ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي ب ُك َْير ‪ ،‬حدثنا هَُرْيم بن‬
‫سفيان ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن القاسم بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه‬
‫‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم ‪ ،‬من تركه مخافتي ‪،‬‬
‫أبدلته إيمانا يجد حلوته في قلبه" )‪.(6‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ة العْي ُ ِ‬‫خائ ِن َ َ‬
‫م َ‬‫ن { ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ي َعْل ُ‬ ‫صن َُعو َ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫دوُر { ]غافر ‪.[19 :‬‬ ‫ص ُ‬
‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬
‫ما ت ُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫وفي الصحيح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫ك ذلك ل محالة‪.‬‬ ‫ظه من الزنى ‪ ،‬أدَر َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب على ابن آدم َ‬ ‫الله عليه وسلم ‪" :‬ك ُت ِ َ‬
‫ق‪ .‬وزنى الذنين ‪ :‬الستماع‪ .‬وزنى‬ ‫َفزنى العينين ‪ :‬النظر‪ .‬وزنى اللسان ‪ :‬النط ُ‬
‫مّنى وتشتهي ‪ ،‬والفرج‬ ‫اليدين ‪ :‬البطش‪ .‬وزنى الرجلين ‪ :‬الخطى‪ .‬والنفس ت َ‬
‫دق ذلك أو ُيكذبه"‪.‬‬‫ص ّ‬
‫يُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (4 ، 3 /5‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4017‬وسنن ابن ماجه برقم‬
‫)‪ (1920‬من حديث معاوية بن حيدة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ .(5/264‬وفي إسناده عبيد الله بن زحر ‪ ،‬قال ابن حبان ‪:‬‬
‫"يروي الموضوعات عن الثبات وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات ‪،‬‬
‫وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد‬
‫الرحمن ‪ ،‬لم يكن ذلك الخبر إل مما عملته أيديهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬أما حديث حذيفة ‪ ،‬فرواه الحاكم في المستدرك )‪ (4/314‬من طريق‬
‫إسحاق القرشي ‪ ،‬عن هشيم ‪ ،‬عن عبد الرحمن ‪ ،‬عن إسحاق ‪ ،‬عن محارب ‪،‬‬
‫عن صلة بن زفر ‪ ،‬عن حذيفة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬وصححه الحاكم ‪ ،‬وتعقبه‬
‫الذهبي‪ .‬قلت ‪ :‬إسحاق واه وعبد الرحمن هو الواسطي ضعفوه‪ .‬وأما حديث‬
‫ابن عمر ‪ ،‬فرواه أبو نعيم في الحلية )‪ (6/101‬من طريق أبي اليمان ‪ ،‬عن‬
‫أبي المهدي ‪ ،‬عن أبي الزاهرية ‪ ،‬عن كثير بن مرة ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنهما ‪ ،‬وإسناده ضعيف جدا‪.‬‬
‫)‪ (5‬المعجم الكبير )‪ (8/246‬وعبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم‬
‫ضعفاء‪.‬‬
‫)‪ (6‬المعجم الكبير )‪ (10/214‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (8/63‬وفيه‬
‫عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف"‪.‬‬

‫) ‪(6/43‬‬

‫ن إ ِّل‬ ‫ل ل ِل ْمؤْمنات يغْضضن م َ‬


‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ن وََل ي ُب ْ ِ‬ ‫جهُ ّ‬‫ن فُُرو َ‬ ‫فظ ْ َ‬ ‫ح َ‬
‫ن وَي َ ْ‬
‫صارِهِ ّ‬ ‫ن أب ْ َ‬‫ُ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫خمرهن عََلى جيوبهن وَل يبدين زينتهن إّل ل ِبعول َت ِهن أوَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ ّ ْ‬ ‫ُ ُ ِِ ّ َ ُْ ِ َ ِ ََُ ّ ِ ُُ‬ ‫ن بِ ُ ُ ِ ِ ّ‬ ‫ضرِب ْ َ‬ ‫من َْها وَلي َ ْ‬ ‫ما ظهََر ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وان ِهِ ّ‬ ‫خ َ‬‫ن أوْ ب َِني إ ِ ْ‬ ‫وان ِهِ ّ‬
‫خ َ‬
‫ن أوْ إ ِ ْ‬‫ن أوْ أب َْناِء ب ُُعولت ِهِ ّ‬‫ن أوْ أب َْنائ ِهِ ّ‬ ‫ن أوْ آَباِء ب ُُعولت ِهِ ّ‬ ‫آَبائ ِهِ ّ‬
‫ُ‬ ‫خوات ِهن أ َو ن ِسائ ِهن أ َو ما مل َك َت أ َيمانه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن غَي ْرِ أوِلي اْل ِْرب َ ِ‬
‫ة‬ ‫ن أوِ الّتاب ِِعي َ‬ ‫ْ ْ َ ُُ ّ‬ ‫أوْ ب َِني أ َ َ ِ ّ ْ َ ِ ّ ْ َ َ‬
‫ن‬
‫ضرِب ْ َ‬ ‫ساِء وََل ي َ ْ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫م ي َظ ْهَُروا عََلى عَوَْرا ِ‬ ‫ن لَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫ف ِ‬ ‫ل أ َوِ الط ّ ْ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫مَ َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬‫خفين من زينت ِهن وتوبوا إَلى الل ّه جميعا أ َ‬ ‫َ‬
‫ُ ِ ُ َ‬ ‫ِ َ ِ ً َّ‬ ‫بِ ْ ُ ِ ِ ّ ِ ُ ْ َ َ ُ ْ ِ َ ِ ْ ِ َ ِ ّ َ ُ ُ ِ‬‫ي‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫أ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫ل َعَل ّك ُ ْ‬

‫دا من وجه آخر )‪ (1‬بنحو ما تقدم‪.‬‬ ‫قا ‪ ،‬ومسلم مسن ً‬ ‫رواه البخاري تعلي ً‬
‫صره )‪ (2‬إلى‬ ‫وقد قال كثير من السلف ‪ :‬إنهم كانوا ينَهون أن يحد ّ الرجل ب َ َ‬
‫حّرمه طائفة من أهل‬ ‫دد كثير من أئمة الصوفية في ذلك ‪ ،‬و َ‬ ‫ش ّ‬‫المرد‪ .‬وقد َ‬
‫دا‪.‬‬
‫دد آخرون في ذلك كثيًرا ج ً‬ ‫العلم ‪ ،‬لما فيه من الفتتان ‪ ،‬و َ‬
‫ش ّ‬
‫وقال ابن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا أبو سعيد المدني )‪ ، (3‬حدثنا عمر بن سهل‬
‫صهَْبان ‪ ،‬حدثني صفوان بن سليم ‪ ،‬عن‬ ‫المازني ‪ ،‬حدثني عمر بن محمد بن ُ‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ضت عن محارم الله ‪ ،‬وعيًنا‬ ‫"كل عين باكية )‪ (4‬يوم القيامة ‪ ،‬إل عيًنا غَ ّ‬
‫سِهرت في سبيل الله ‪ ،‬وعيًنا يخرج منها مثل رأس الذباب ‪ ،‬من خشية الله ‪،‬‬
‫عز وجل" )‪.(5‬‬
‫ل ل ِل ْمؤْمنات يغْضضن م َ‬
‫ن‬
‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ن َول ي ُب ْ ِ‬ ‫جهُ ّ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫فظ ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن وَي َ ْ‬‫صارِهِ ّ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ُ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ‬ ‫} وَقُ ْ‬
‫ن ِإل ل ِب ُُعول َت ِهِ ّ‬
‫ن‬ ‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ن َول ي ُب ْ ِ‬ ‫جُيوب ِهِ ّ‬ ‫ن عََلى ُ‬ ‫مرِهِ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ضرِب ْ َ‬ ‫من َْها وَل ْي َ ْ‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬ ‫ِإل َ‬
‫ن أوْ ب َِني‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وان ِهِ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ن أوْ إ ِ ْ‬ ‫ن أوْ أب َْناِء ب ُُعولت ِهِ ّ‬ ‫ن أوْ أب َْنائ ِهِ ّ‬ ‫ن أوْ آَباِء ب ُُعولت ِهِ ّ‬ ‫أوْ آَبائ ِهِ ّ‬
‫ن غَي ْرِ ُأوِلي‬ ‫ن أوِ الّتاب ِِعي َ‬
‫خوات ِهن أ َو ن ِسائ ِهن أ َو ما مل َك َت أ َيمانه َ‬
‫ْ ْ َ ُُ ّ‬ ‫ن أوْ ب َِني أ َ َ ِ ّ ْ َ ِ ّ ْ َ َ‬
‫َ‬ ‫خوان ِه َ‬
‫إِ ْ َ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ضرِب ْ َ‬ ‫ساِء َول ي َ ْ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫م ي َظ ْهَُروا عََلى عَوَْرا ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل أوِ الط ّ ْ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م َ‬ ‫الْرب َةِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ميًعا أي َّها ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ‬ ‫ن ِزين َت ِهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل ِي ُعْل َ َ‬ ‫جل ِهِ ّ‬ ‫ب ِأْر ُ‬
‫ن )‪{ (31‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ن‪،‬‬ ‫مٌر من الله تعالى للنساء المؤمنات ‪ ،‬وغَي َْرة )‪ (7‬منه لزواجه ّ‬ ‫هذا )‪ (6‬أ ْ‬
‫عباده المؤمنين ‪ ،‬وتمييز لهن عن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات‪.‬‬
‫وكان سبب نزول هذه الية ما ذكره مقاتل بن حّيان قال ‪ :‬بلغنا ‪ -‬والله أعلم‬
‫دة" كانت في‬ ‫مْرش َ‬ ‫دث ‪ :‬أن "أسماء بنت ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫‪ -‬أن جابر بن عبد الله النصاري َ‬
‫مَتأّزرات فيبدو ما‬ ‫محل لها في بني حارثة ‪ ،‬فجعل النساء يدخلن عليها غير ُ‬
‫في أرجلهن من الخلخل ‪ ،‬وتبدو صدورهن وذوائبهن ‪ ،‬فقالت أسماء ‪ :‬ما أقبح‬
‫ل ل ِل ْمؤْمنات يغْضضن م َ‬
‫فظ ْ َ‬
‫ن‬ ‫ح َ‬‫ن وَي َ ْ‬ ‫صارِهِ ّ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ُ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ‬ ‫هذا‪ .‬فأنزل الله ‪ } :‬وَقُ ْ‬
‫ن { الية‪.‬‬ ‫جهُ ّ‬ ‫فُُرو َ‬
‫َ‬
‫حّرم الله‬ ‫ن { أي ‪ :‬عما َ‬ ‫صارِهِ ّ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ض ْ‬‫ت ي َغْ ُ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬‫فقوله تعالى ‪ } :‬وَقُ ْ‬
‫عليهن من النظر إلى غير أزواجهن‪ .‬ولهذا ذهب ]كثير من العلماء[ )‪ (8‬إلى‬
‫أنه ‪ :‬ل يجوز للمرأة أن تنظر إلى الجانب بشهوة ول بغير شهوة أصل‪ .‬واحتج‬
‫كثير منهم بما رواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من حديث الزهري ‪ ،‬عن نبهان ‪-‬‬
‫دثته ‪ :‬أنها كانت عند رسول الله‬ ‫ح ّ‬‫مولى أم سلمة ‪ -‬أنه حدثه ‪ :‬أن أم سلمة َ‬
‫م‬‫نأ ّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم وميمونة ‪ ،‬قالت ‪ :‬فبينما نحن عنده أقبل اب ُ‬
‫مْرنا بالحجاب ‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬ ‫ُ‬
‫مكتوم ‪ ،‬فدخل عليه ‪ ،‬وذلك بعدما أ ِ‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬احتجبا منه" فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أليس هو أعمى ل‬
‫يبصرنا ول يعرفنا ؟‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (6343‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2657‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬نظره"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬المقبري"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬زانية"‪.‬‬
‫)‪ (5‬ورواه أبو نعيم في الحلية )‪ (3/163‬من طريق داود بن عطاء ‪ ،‬عن عمر‬
‫بن صهبان ‪ ،‬عن صفوان ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬به‪ .‬فل أدري‬
‫أسقط أبو سلمة من إسناد ابن أبي الدنيا أم ل ؟ وعمر بن صهبان منكر‬
‫الحديث اتفق الئمة على تضعيفه‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬وعزة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/44‬‬

‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أو عمياوان )‪ (1‬أنتما ؟ ألستما‬
‫تبصرانه" )‪.(2‬‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫وذهب آخرون من العلماء إلى جواز نظرهن إلى الجانب بغير شهوة ‪ ،‬كما‬
‫ثبت في الصحيح ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينظر إلى‬
‫الحبشة وهم يلعبون بحرابهم يوم العيد في المسجد ‪ ،‬وعائشة أم المؤمنين‬
‫مّلت ورجعت )‪.(3‬‬ ‫تنظر إليهم من ورائه ‪ ،‬وهو يسترها منهم حتى َ‬
‫جب َْير ‪ ، :‬عن الفواحش‪ .‬وقال‬ ‫ن { قال سعيد بن ُ‬ ‫جهُ ّ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫فظ ْ َ‬ ‫ح َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫قتادة وسفيان ‪ :‬عما ل يحل لهن‪ .‬وقال مقاتل ‪ ، :‬عن الزنى‪ .‬وقال أبو‬
‫العالية ‪ :‬كل آية نزلت في القرآن يذكر فيها حفظ الفروج ‪ ،‬فهو من الزنى ‪،‬‬
‫ن { أل يراها أحد‪.‬‬ ‫جهُ ّ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫فظ ْ َ‬ ‫ح َ‬‫إل هذه الية ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫ن شيئا من‬ ‫من َْها { أي ‪ :‬ل ُيظهْر َ‬ ‫َ‬
‫ما ظهََر ِ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫دي َ‬‫وقال )‪َ } : (4‬ول ي ُب ْ ِ‬
‫الزينة للجانب ‪ ،‬إل ما ل يمكن إخفاؤه‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ :‬كالرداء والثياب‪ .‬يعني ‪ :‬على ما كان يتعاناه نساء العرب ‪،‬‬
‫جّلل ثيابها ‪ ،‬وما يبدو من أسافل الثياب فل حرج عليها‬ ‫قنعة التي ت ُ َ‬ ‫م ْ‬
‫من ال ِ‬
‫فيه ؛ لن هذا ل يمكن إخفاؤه‪] .‬ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها ‪،‬‬
‫وما ل يمكن إخفاؤه‪ .‬وقال[ )‪ (5‬بقول ابن مسعود ‪ :‬الحسن ‪ ،‬وابن سيرين ‪،‬‬
‫خعي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫وأبو الجوزاء ‪ ،‬وإبراهيم الن ّ َ‬
‫ن ِإل‬‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫دي َ‬‫جَبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬ول ي ُب ْ ِ‬ ‫وقال العمش ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫من َْها { قال ‪ :‬وجهها وكفيها والخاتم‪ .‬وُروي عن ابن عمر ‪ ،‬وعطاء ‪،‬‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬
‫َ‬
‫خعي ‪،‬‬ ‫ّ َ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫وإبراهيم‬ ‫‪،‬‬ ‫والضحاك‬ ‫‪،‬‬ ‫الشعثاء‬ ‫وأبي‬ ‫‪،‬‬ ‫جبير‬ ‫بن‬ ‫وسعيد‬ ‫‪،‬‬ ‫وعكرمة‬
‫وغيرهم ‪ -‬نحوُ ذلك‪ .‬وهذا يحتمل أن يكون تفسيًرا للزينة التي نهين عن‬
‫وص ‪ ،‬عن عبد الله قال‬ ‫ح َ‬‫سبيعي ‪ ،‬عن أبي ال ْ‬ ‫إبدائها ‪ ،‬كما قال أبو إسحاق ال ّ‬
‫مُلج والخلخال والقلدة‪.‬‬ ‫قْرط والد ّ ْ‬ ‫ن { ‪ :‬الزينة ال ُ‬ ‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫في قوله ‪َ } :‬ول ي ُب ْ ِ‬
‫وفي رواية عنه بهذا السناد قال ‪ :‬الزينة زينتان ‪ :‬فزينة ل يراها إل الزوج ‪:‬‬
‫الخاتم والسوار ‪] ،‬وزينة يراها الجانب ‪ ،‬وهي[ )‪ (6‬الظاهر من الثياب‪.‬‬
‫مى الله ممن ل يحل له إل‬ ‫س ّ‬
‫وقال الزهري ‪] :‬ل يبدو[ )‪ (7‬لهؤلء الذين َ‬
‫السورة والخمرة والقرطة من غير حسر ‪ ،‬وأما عامة الناس فل يبدو منها‬
‫إل الخواتم‪.‬‬
‫من َْها { الخاتم والخلخال‪.‬‬ ‫َ‬
‫ما ظهََر ِ‬ ‫وقال مالك ‪ ،‬عن الزهري ‪ِ } :‬إل َ‬
‫ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين ‪،‬‬
‫وهذا هو المشهور عند الجمهور ‪ ،‬ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود‬
‫في سننه ‪:‬‬
‫حّراني قال حدثنا‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫الفضل‬ ‫بن‬ ‫مل‬ ‫َ‬
‫ُ ّ‬‫ؤ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫النطاكي‬ ‫كعب‬ ‫بن‬ ‫يعقوب‬ ‫حدثنا‬
‫شير ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن خالد بن د َُريك ‪ ،‬عن عائشة ‪،‬‬ ‫الوليد ‪ ،‬عن سعيد بن ب َ ِ‬
‫رضي الله عنها ؛ أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وعليها ثياب رقاق ‪ ،‬فأعرض عنها وقال ‪" :‬يا أسماء ‪ ،‬إن المرأة إذا‬
‫بلغت المحيض لم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أفعمياوان"‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود برقم )‪ (4112‬وسنن الترمذي برقم )‪.(2778‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(454‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/45‬‬
‫يصلح أن ي َُرى منها إل هذا" وأشار إلى وجهه وكفيه )‪.(1‬‬
‫لكن قال أبو داود وأبو حاتم الرازي ‪ :‬هذا مرسل ؛ خالد بن د َُريك لم يسمع‬
‫من عائشة ‪ ،‬فالله أعلم‪.‬‬
‫صنفات‬ ‫ن { يعني ‪ :‬المقانع يعمل لها َ‬ ‫جُيوب ِهِ ّ‬ ‫ن عََلى ُ‬ ‫مرِهِ ّ‬ ‫خ ُ‬
‫ن بِ ُ‬
‫ضرِب ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ْي َ ْ‬
‫ضاربات على صدور النساء ‪ ،‬لتواري ما تحتها من صدرها وترائبها ؛ ليخالفن‬
‫شعاَر نساء أهل الجاهلية ‪ ،‬فإنهن لم يكن يفعلن ذلك ‪ ،‬بل كانت المرأة تمر‬
‫بين الرجال مسفحة بصدرها ‪ ،‬ل يواريه شيء ‪ ،‬وربما أظهرت )‪ (2‬عنقها‬
‫وذوائب شعرها وأقرطة آذانها‪ .‬فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن‬
‫ساِء‬ ‫ك وَب ََنات ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ي قُ ْ‬ ‫َ‬
‫ك وَن ِ َ‬ ‫ل لْزَوا ِ‬ ‫وأحوالهن ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ال ْمؤْمِنين يدِنين عَل َيهن من جلبيبهن ذ َل ِ َ َ‬
‫ن{‬ ‫ن َفل ي ُؤْذ َي ْ َ‬ ‫ن ي ُعَْرفْ َ‬ ‫ك أد َْنى أ ْ‬ ‫ِْ ّ ِ ْ َ ِ ِِ ّ‬ ‫ُ ِ َ ُ ْ َ‬
‫َ‬
‫ن عَلى‬ ‫مرِهِ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ضرِب ْ َ‬ ‫ْ‬
‫] الحزاب ‪ .[59 :‬وقال في هذه الية الكريمة ‪ } :‬وَلي َ ْ‬
‫خمر به ‪ ،‬أي ‪ :‬يغطى به الرأس ‪،‬‬ ‫خمار ‪ ،‬وهو ما ي ُ َ‬ ‫مر ‪ :‬جمع ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن { وال ُ‬ ‫جُيوب ِهِ ّ‬ ‫ُ‬
‫وهي التي تسميها الناس المقانع‪.‬‬
‫ن{‬ ‫جُيوب ِهِ ّ‬ ‫ن عَلى ُ‬ ‫َ‬ ‫مرِهِ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ضرِْبن { ‪ :‬وليشددن } ب ِ ُ‬ ‫قال سعيد بن جبير ‪ } :‬وَل ْي َ ْ‬
‫يعني ‪ :‬على النحر والصدر ‪ ،‬فل يرى منه شيء‪.‬‬
‫دثنا أبي ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن )‪(4‬‬ ‫شِبيب )‪ : (3‬ح ّ‬ ‫وقال البخاري ‪ :‬وقال أحمد بن َ‬
‫شَهاب ‪ ،‬عن عُْروَة َ ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬يرحم الله‬ ‫ابن ِ‬
‫ن{‬ ‫جُيوب ِهِ ّ‬ ‫ن عََلى ُ‬ ‫مرِهِ ّ‬ ‫خ ُ‬‫ن بِ ُ‬ ‫ضرِب ْ َ‬ ‫نساء المهاجرات الول ‪ ،‬لما أنزل الله ‪ } :‬وَل ْي َ ْ‬
‫مُروطهن فاختمرن به )‪.(6) (5‬‬ ‫ن ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ق ْ‬
‫ش َ‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبو ن َُعيم ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن نافع ‪ ،‬عن الحسن بن مسلم ‪،‬‬
‫صفّية بنت شيبة ؛ أن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬كانت تقول )‪ : (7‬لما‬ ‫عن َ‬
‫ن { ‪ :‬أخذن أزرهن‬ ‫جُيوب ِهِ ّ‬ ‫ن عَلى ُ‬ ‫َ‬ ‫مرِهِ ّ‬ ‫خ ُ‬‫ن بِ ُ‬‫ضرِب ْ َ‬ ‫ْ‬
‫نزلت هذه الية ‪ } :‬وَلي َ ْ‬
‫ققنها من قبل الحواشي ‪ ،‬فاختمرن بها )‪.(8‬‬ ‫ش َ‬ ‫فَ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ‪ ،‬حدثني‬
‫خث َْيم ‪ ،‬عن صفية بنت شيبة‬ ‫ي بن خالد ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن عثمان بن ُ‬ ‫الزنج ّ‬
‫قالت ‪ :‬بينا نحن عند عائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬فذكرنا نساء قريش وفضلهن‪ .‬فقالت‬
‫عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ :‬إن لنساء قريش لفضل وإني ‪ -‬والله ‪ -‬وما رأيت‬
‫قا بكتاب الله ‪ ،‬ول إيماًنا بالتنزيل‪ .‬لقد‬ ‫ل من نساء النصار أشد ّ تصدي ً‬ ‫أفض َ‬
‫ن { ‪ ،‬انقلب إليهن‬ ‫جُيوب ِهِ ّ‬ ‫ن عََلى ُ‬ ‫مرِهِ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن بِ ُ‬
‫ضرِب ْ َ‬ ‫أنزلت سورة النور ‪ } :‬وَل ْي َ ْ‬
‫رجالهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها ‪ ،‬ويتلو الرجل على امرأته وابنته‬
‫مْرطها‬ ‫وأخته ‪ ،‬وعلى كل ذي قرابة )‪ ، (9‬فما منهن امرأة إل قامت إلى ِ‬
‫ن وراء‬ ‫ح َ‬‫قا وإيماًنا بما أنزل الله من كتابه ‪ ،‬فأصب ْ‬ ‫حل فاعتجرت به ‪ ،‬تصدي ً‬ ‫مَر ّ‬ ‫ال ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح معتجرات ‪ ،‬كأن على رؤوسهن‬
‫الغربان‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود برقم )‪.(4104‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬ظهرت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪" :‬حدثنا أحمد بن شبيب" وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثنا أحمد بن شبيب‬
‫قال" والمثبت من البخاري‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬بها" وفي أ ‪" :‬بهن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪.(4758‬‬
‫)‪ (7‬في هـ ‪ ،‬ف ‪" :‬رضي الله عنها قالت ‪ :‬لما" ‪ ،‬والمثبت من البخاري‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪.(4759‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬قرابته"‪.‬‬

‫) ‪(6/46‬‬

‫ورواه أبو داود من غير وجه ‪ ،‬عن صفية بنت شيبة ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أن قُّرةَ بن عبد الرحمن‬
‫أخبره ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن عُْرَوة ‪ ،‬عن عائشة ؛ أنها قالت ‪ :‬يرحم الله‬
‫ن عََلى‬ ‫مرِهِ ّ‬ ‫خ ُ‬
‫ن بِ ُ‬ ‫النساء المهاجرات الَول ‪ ،‬لما أنزل الله ‪ } :‬وَل ْي َ ْ‬
‫ضرِب ْ َ‬
‫ققن أكَثف مروطهن فاختمرن به‪ .‬ورواه أبو داود من حديث ابن‬ ‫ش ّ‬ ‫ن{ َ‬ ‫جُيوب ِهِ ّ‬ ‫ُ‬
‫وهب ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫وقوله ‪ } :‬ول يبدين زينتهن إل ل ِبعول َت ِهن { يعني ‪ :‬أزواجهن ‪ } ،‬أ َو آبائ ِهن أوَ‬
‫ْ َ ِ ّ ْ‬ ‫ِ ّ‬ ‫َ ُْ ِ َ ِ ََُ ّ ِ ُُ‬
‫َ‬
‫ن أوْ ب َِني‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫آباِء بعول َت ِهن أ َو أ َبنائ ِه َ َ‬
‫وان ِهِ ّ‬
‫خ َ‬
‫ن أوْ ب َِني إ ِ ْ‬ ‫وان ِهِ ّ‬‫خ َ‬
‫ن أوْ إ ِ ْ‬‫ن أوْ أب َْناِء ب ُُعولت ِهِ ّ‬‫ِ ّ ْ َْ ِ ّ‬ ‫َ ُُ‬
‫ن { كل هؤلء محارم المرأة يجوز لها أن تظهر عليهم بزينتها ‪ ،‬ولكن‬ ‫وات ِهِ ّ‬‫خ َ‬‫أَ َ‬
‫من غير اقتصاد وتبهرج )‪.(3‬‬
‫وقال ابن المنذر ‪ :‬حدثنا موسى ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن هارون ‪ -‬حدثنا أبو بكر ‪ -‬يعني‬
‫ابن أبي شيبة ‪ -‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا داود ‪ ،‬عن‬
‫كرمة في هذه الية ‪ } :‬ول يبدين زينتهن إل ل ِبعول َت ِهن أ َو آبائ ِهن أوَ‬
‫ِ ّ ْ َ ِ ّ ْ‬ ‫َ ُْ ِ َ ِ ََُ ّ ِ ُُ‬ ‫ع ْ َ‬ ‫الشعبي و ِ‬
‫ن { ‪ -‬حتى فرغ منها قال ‪ :‬لم يذكر العم ول الخال ؛ لنهما ينَعتان‬ ‫آَباِء ب ُُعول َت ِهِ ّ‬
‫)‪ (4‬لبنائهما ‪ ،‬ول تضع خمارها عند العم والخال فأما الزوج فإنما ذلك كله‬
‫من أجله ‪ ،‬فتتصنع له ما ل يكون بحضرة غيره‪.‬‬
‫ضا للنساء المسلمات دون نساء‬ ‫َ‬
‫ن { يعني ‪ُ :‬تظهر زينتها أي ً‬ ‫سائ ِهِ ّ‬
‫وقوله ‪ } :‬أوْ ن ِ َ‬
‫أهل الذمة ؛ لئل تصفهن لرجالهن ‪ ،‬وذلك ‪ -‬وإن كان محذوًرا في جميع النساء‬
‫‪ -‬إل أنه في نساء أهل الذمة أشد ّ ‪ ،‬فإنهن ل يمنعهن من ذلك مانع ‪ ،‬وأما‬
‫المسلمة فإنها تعلم أن ذلك حرام فتنزجر عنه‪ .‬وقد قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬ل تباشر المرأةَ المرأةَ ‪ ،‬تنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬عن ابن مسعود )‪.(5‬‬
‫وقال سعيد بن منصور في سننه ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن هشام بن‬
‫ي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن الحارث بن قيس قال ‪ :‬كتب‬ ‫س ّ‬
‫الغاز ‪ ، ،‬عن عبادة بن ن ُ َ‬
‫أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬فإنه بلغني أن‬
‫ن‬‫ه َ ْ‬
‫م‬ ‫نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك ‪ ،‬فان ْ َ‬
‫قِب ََلك فل )‪ (6‬يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الخر أن ينظر إلى عورتها إل‬
‫أهل ملتها )‪.(7‬‬
‫ن { قال ‪ :‬نساؤهن المسلمات ‪ ،‬ليس‬ ‫َ‬
‫سائ ِهِ ّ‬‫وقال مجاهد في قوله ‪ } :‬أوْ ن ِ َ‬
‫المشركات من نسائهن ‪ ،‬وليس للمرأة المسلمة أن تنكشف بين يدي‬
‫المشركة‪.‬‬
‫عبد في تفسيره )‪ (8‬عن الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬ ‫وروى َ‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪ :‬هن المسلمات ل تبديه ليهودية ول نصرانية ‪ ،‬وهو‬ ‫َ‬
‫سائ ِهِ ّ‬ ‫} أوْ ن ِ َ‬
‫شاح ‪ ،‬وما ل يحل أن يراه إل محرم‪.‬‬ ‫قْرط والوٍ َ‬ ‫حر وال ُ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود برقم )‪.(4101 ، 4100‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪ (18/94‬وسنن أبي داود برقم )‪.(4102‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬بهرج"‪.‬‬
‫في أ ‪" :‬يتبعان"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫صحيح البخاري برقم )‪.(5241‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فإنه ل"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫ورواه البيهقي في السنن الكبرى )‪ (7/95‬من طريق سعيد بن منصور ‪،‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫به‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬تفسير"‪.‬‬

‫) ‪(6/47‬‬

‫وروى سعيد ‪ :‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬ل تضع المسلمة‬
‫ن { فليست )‪ (1‬من‬ ‫َ‬
‫سائ ِهِ ّ‬‫خمارها عند مشركة ؛ لن الله تعالى يقول ‪ } :‬أوْ ن ِ َ‬
‫نسائهن‪.‬‬
‫ة واليهودية‬ ‫ي ‪ :‬أنهما كرها أن تقبل النصراني ُ‬ ‫س ّ‬ ‫وعن مكحول وعبادة بن ن ُ َ‬
‫والمجوسية المسلمة‪.‬‬
‫فأما ما رواه ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أبو عمير ‪ ،‬حدثنا‬
‫مَرة قال ‪ :‬قال ابن عطاء ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬ولما قدم أصحاب النبي صلى الله‬ ‫ض ْ‬‫َ‬
‫وابل نسائهم اليهوديات والنصرانيات فهذا ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫كان‬ ‫‪،‬‬ ‫المقدس‬ ‫بيت‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬
‫ل على حال الضرورة ‪ ،‬أو أن ذلك من باب المتهان ‪ ،‬ثم إنه‬ ‫محمو ٌ‬ ‫إن صح ‪َ -‬‬
‫ليس فيه كشف عورة ول بد ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جَريج )‪ : (2‬يعني ‪ :‬من نساء‬ ‫ن { قال ابن ُ‬ ‫مان ُهُ ّ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أوْ َ‬
‫المشركين ‪ ،‬فيجوز لها أن تظهر ]زينتها لها وإن كانت مشركة ؛ لنها أمتها‪.‬‬
‫وإليه ذهب سعيد بن المسّيب‪ .‬وقال الكثرون ‪ :‬بل يجوز لها أن تظهر[ )‪(3‬‬
‫على رقيقها من الرجال والنساء ‪ ،‬واستدلوا بالحديث الذي رواه أبو داود ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عيسى ‪ ،‬حدثنا أبو جميع سالم بن دينار ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس‬
‫‪ ،‬أن النبي )‪ (4‬صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وعلى فاطمة ثوب إذا قَّنعت به رأسها لم يبلغ رجليها ‪ ،‬وإذا غطت به رجليها‬
‫لم يبلغ رأسها ‪ ،‬فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال ‪" :‬إنه‬
‫ليس عليك بأس ‪ ،‬إنما هو أبوك وغلمك" )‪.(5‬‬
‫ي‪-‬‬‫ص ّ‬‫خ ِ‬
‫حد َْيج ال َ‬
‫وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه ]في[ )‪ (6‬ترجمة ُ‬
‫دة الفزاري كان أسود شديد الدمة ‪ ،‬وأنه‬ ‫سعَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مولى معاوية ‪ -‬أن عبد الله بن َ‬
‫قد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهبه لبنته فاطمة ‪ ،‬فربته ثم أعتقته ‪ ،‬ثم‬
‫ي‬
‫قد كان بعد ذلك كله مع معاوية أيام صفين ‪ ،‬وكان من أشد الناس على عل ّ‬
‫بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه )‪.(7‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان بن عُي َي َْنة ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن ن َب َْهان ‪ ،‬عن أم‬
‫سلمة ‪ ،‬ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إذا كان لحداكن‬
‫كاَتب ‪ ،‬وكان له ما يؤدي ‪ ،‬فلتحتجب منه"‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫دد ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬به )‪.(8‬‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫داود‬ ‫أبو‬ ‫ورواه‬
‫ل { يعني ‪ :‬كالجراء والتباع‬ ‫جا‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫لي‬‫ِ‬ ‫أو‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ َو التابِعين غَير ُ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ّ ِ َ‬
‫م لهم‬‫وث )‪ ، (9‬ول ه ّ‬ ‫خ َ‬ ‫الذين ليسوا بأكفاء ‪ ،‬وهم مع ذلك في عقولهم َوله و َ‬
‫إلى النساء ول يشتهونهن‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬هو المغفل الذي ل شهوة له‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هو الب َْله‪.‬‬
‫خّنث الذي ل يقوم ُزّبه‪ .‬وكذلك قال غير واحد من‬ ‫وقال عكرمة ‪ :‬هو الم َ‬
‫السلف‪.‬‬
‫ً‬
‫وفي الصحيح من حديث الزهري ‪ ،‬عن عُْروَةَ ‪ ،‬عن عائشة ؛ أن مخنثا كان‬
‫يدخل على أهل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬فليس" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فلسن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬جرير"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬نبي الله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود برقم )‪.(4106‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬تاريخ دمشق )‪" 4/278‬المخطوط"(‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (6/289‬وسنن أبي داود برقم )‪.(3928‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وحوب"‪.‬‬

‫) ‪(6/48‬‬

‫دونه من غير أولي الربة ‪ ،‬فدخل‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكانوا يع ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وهو يَنعت امرأة ‪ :‬يقول إنها إذا أقبلت أقبلت‬ ‫النب ّ‬
‫بأربع ‪ ،‬وإذا أدبرت أدبرت بثمان‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ن" فأخرجه ‪ ،‬فكان بالبيداء يدخل‬ ‫"أل أرى هذا يعلم ما هاهنا ‪ ،‬ل يدخل َ ّ‬
‫ن عليك ُ َ‬
‫يوم كل جمعة يستطعم )‪.(1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا هشام بن عُْروَةَ ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫زينب بنت أبي سلمة ‪ ،‬عن أم سلمة قالت ‪ :‬دخل عليها ]رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم[ )‪ (2‬وعندها مخنث ‪ ،‬وعندها ]أخوها[ )‪ (3‬عبد الله بن أبي‬
‫أمية ]والمخنث يقول لعبد الله ‪ :‬يا عبد الله بن أبي أمية[ )‪ (4‬إن فتح الله‬
‫دا ‪ ،‬فعليك بابنة غيلن ‪ ،‬فإنها تقبل بأربع وتدبر )‪ (5‬بثمان‪.‬‬ ‫عليكم الطائف غ ً‬
‫قال ‪ :‬فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لم سلمة ‪" :‬ل يدخلن‬
‫هذا عليك"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث هشام بن عروة ‪ ،‬به )‪.(6‬‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة‬ ‫معْ َ‬‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫بن الزبير ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬كان رجل يدخل على أزواج‬
‫دونه من غير أولي الربة ‪،‬‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم مخنث ‪ ،‬وكانوا ي َعُ ّ‬
‫فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه ‪ ،‬وهو ينعت‬
‫امرأة‪ .‬فقال ‪ :‬إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ‪ ،‬وإذا أدبرت أدبرت بثمان‪ .‬فقال‬
‫ن عليكم‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أل أرى هذا يعلم ما هاهنا ؟ ل يدخل َ ّ‬
‫هذا" فحجبوه‪.‬‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي من طريق عبد الرزاق ‪ ،‬به )‪.(7‬‬
‫ساِء { يعني ‪ :‬لصغرهم‬ ‫م ي َظ ْهَُروا عََلى عَوَْرا ِ‬
‫ت الن ّ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ َوِ الط ّ ْ‬
‫ف ِ‬
‫ن من كلمهن )‪ (8‬الرخيم ‪ ،‬وتعطفهن في‬ ‫ل يفهمون أحوال النساء وعوراته ّ‬
‫المشية وحركاتهن ‪ ،‬فإذا كان الطفل صغيًرا ل يفهم ذلك ‪ ،‬فل بأس بدخوله‬
‫على النساء‪.‬فأما إن كان مراهقا أو قريبا منه ‪ ،‬بحيث يعرف ذلك ويدريه ‪،‬‬
‫ويفرق بين الشوهاء والحسناء ‪ ،‬فل يمكن من الدخول على النساء‪ .‬وقد ثبت‬
‫في الصحيحين ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إياكم‬
‫مو‬‫ح ْ‬‫مو ؟ قال ‪" :‬ال َ‬‫ح ْ‬
‫والدخول على النساء"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أفرأيت ال َ‬
‫الموت"‪.‬‬
‫ن { كانت المرأة في‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِزين َت ِهِ ّ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫في َ‬ ‫خ ِ‬‫ما ي ُ ْ‬ ‫م َ‬‫ن ل ِي ُعْل َ‬
‫جل ِهِ ّ‬‫ن ب ِأْر ُ‬‫ضرِب ْ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ي َ ْ‬
‫الجاهلية إذا كانت )‪ (9‬تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت ‪ -‬ل‬
‫يسمع صوته ‪ -‬ضربت برجلها الرض ‪ ،‬فيعلم الرجال طنينه ‪ ،‬فنهى الله‬
‫المؤمنات عن مثل ذلك‪ .‬وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستوًرا ‪ ،‬فتحركت‬
‫بحركة لتظهر )‪ (10‬ما هو خفي ‪ ،‬دخل في هذا النهي ؛ لقوله تعالى ‪َ } :‬ول‬
‫َ‬
‫ن { ‪ :‬ومن ذلك أيضا أنها تنهى عن‬ ‫ن ِزين َت ِهِ ّ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬‫خ ِ‬
‫ما ي ُ ْ‬‫م َ‬ ‫ن ل ِي ُعْل َ َ‬‫جل ِهِ ّ‬
‫ن ب ِأْر ُ‬
‫ضرِب ْ َ‬
‫يَ ْ‬
‫م )‪ (11‬الرجال طيبها ‪ ،‬فقد قال‬ ‫شت َ ّ‬‫التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها لي َ ْ‬
‫أبو عيسى الترمذي ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪ (2181‬وزيادة ‪" :‬فأخرجه ‪ ،‬فكان بالبيداء يدخل كل‬
‫يوم جمعة‪ ....‬الحديث" أخرجها أبو داود في السنن برقم )‪ (4109‬من طريق‬
‫الزهري ‪ ،‬به ‪ ،‬وليست في صحيح مسلم‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وتذهب"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (6/290‬وصحيح البخاري برقم )‪ (5887‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2180‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (6/152‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2181‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (4108‬والنسائي في السنن الكبرى )‪.(9247‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬كلمهم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬كانت المرأة إذا كانت في الجاهلية"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬ليظهر"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬ليشم"‪.‬‬

‫) ‪(6/49‬‬

‫مارة‬‫طان ‪ ،‬عن ثابت بن عُ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعيد ال ّ‬


‫الحنفي ‪ ،‬عن غُن َْيم بن قيس ‪ ،‬عن أبي موسى رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬كل عين زانية ‪ ،‬والمرأة إذا استعطرت فمّرت‬
‫بالمجلس فهي كذا وكذا" يعني زانية )‪.(1‬‬
‫قال ‪ :‬وفي الباب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬وهذا حسن صحيح‪.‬‬
‫رواه أبو داود والنسائي ‪ ،‬من حديث ثابت بن عمارة ‪ (2) ،‬به‪.‬‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا محمد بن كثير ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن عاصم بن )‪ (3‬عبيد‬
‫هم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫الله ‪ ،‬عن عبيد مولى أبي ُر ْ‬
‫لقيْته امرأة وجد منها ريح الطيب ‪ ،‬ولذيلها إعصار فقال ‪ :‬يا أمة الجبار ‪ ،‬جئت‬
‫ت ؟ قالت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫من المسجد ؟ قالت ‪ :‬نعم‪ .‬قال لها ‪] :‬وله[ )‪ (4‬ت َط َّيب ِ‬
‫إني سمعت حبي أبا القاسم )‪ (5‬صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬ل يقبل الله‬
‫غسلها من الجنابة"‪.‬‬ ‫طيبت لهذا المسجد ‪ ،‬حتى ترجع فتغتسل ُ‬ ‫صلة امرأة ت َ َ‬
‫ورواه ابن ماجه ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن سفيان ‪ -‬هو ابن عيينة ‪) -‬‬
‫‪ (6‬به‪.‬‬
‫ضا من حديث موسى بن عَُبيدة ‪ ،‬عن أيوب بن خالد ‪ ،‬عن‬ ‫وروى الترمذي أي ً‬
‫ميمونة بنت سعد ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬الرافلة في‬
‫الزينة في غير أهلها ‪ ،‬كمثل ظلمة يوم القيامة ل نور لها" )‪.(7‬‬
‫ومن ذلك أيضا أنهن ُينَهين عن المشي في وسط الطريق ؛ لما فيه من‬
‫التبرج‪ .‬قال أبو داود ‪:‬‬
‫ي ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن محمد ‪ -‬عن )‪ (8‬أبي اليمان ‪،‬‬ ‫قعْن َب ِ ّ‬
‫حدثنا ال َ‬
‫عن شداد بن أبي عمرو بن حماس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن حمزة بن أبي أسيد‬
‫النصاري ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو‬
‫خارج من المسجد ‪ -‬وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق ‪ -‬فقال رسول‬
‫قن )‬ ‫حق ْ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم للنساء ‪" :‬استأخرن ‪ ،‬فإنه ليس لكن أن ت َ ْ‬
‫‪ (9‬الطريق ‪ ،‬عليكن بحافات الطريق" ‪ ،‬فكانت المرأة تلصق بالجدار ‪ ،‬حتى‬
‫إن ثوبها ليتعلق بالجدار ‪ ،‬من لصوقها به )‪.(10‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬افعلوا‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن لعَلك ْ‬‫مُنو َ‬ ‫ميًعا أي َّها ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫ج ِ‬
‫ما آمركم به من هذه الصفات الجميلة والخلق الجليلة ‪ ،‬واتركوا ما كان عليه‬
‫فلح في فعل‬ ‫فلح كل ال َ‬ ‫أهل الجاهلية من الخلق والصفات الرذيلة ‪ ،‬فإن ال َ‬
‫ما أمر الله به ورسوله ‪ ،‬وترك ما نهيا )‪ (11‬عنه ‪ ،‬والله تعالى هو المستعان‬
‫]وعليه التكلن[ )‪.(12‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي برقم )‪.(2786‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود برقم )‪ (4173‬وسنن النسائي )‪.(8/153‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وأبي داود‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن أبي داود برقم )‪ (4174‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(4002‬‬
‫)‪ (7‬سنن الترمذي برقم )‪ (1167‬وقال الترمذي ‪" :‬وهذا حديث ل نعرفه إل‬
‫من حديث موسى بن عبيدة ‪ ،‬وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث من قبل‬
‫حفظه وهو صدوق ‪ ،‬وقد رواه بعضهم عن موسى بن عبيدة ولم يرفعه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬تحتضن" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬تختص"‪.‬‬
‫)‪ (10‬سنن أبي داود برقم )‪.(5272‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬ما نهاه"‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/50‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫قَراَء ي ُغْن ِهِ ُ‬ ‫كوُنوا فُ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫مائ ِك ُ ْ‬ ‫م وَإ ِ َ‬ ‫عَبادِك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مى ِ‬ ‫حوا اْلَيا َ‬ ‫وَأن ْك ِ ُ‬
‫حّتى‬ ‫حا َ‬ ‫كا ً‬ ‫ن نِ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫ن َل ي َ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫م )‪ (32‬وَل ْي َ ْ‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫ضل ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م إِ ْ‬ ‫كات ُِبوهُ ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬‫ب ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫ن ي َب ْت َُغو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ضل ِهِ َوال ّ ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ي ُغْن ِي َهُ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م عَلى‬ ‫هوا فَت ََيات ِك ْ‬ ‫م وَل ت ُكرِ ُ‬ ‫ذي آَتاك ْ‬ ‫ل اللهِ ال ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خي ًْرا وَآُتوهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ِفيهِ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬‫عَل ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ن فَإ ِ ّ‬ ‫ن ي ُكرِهّ ّ‬‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫ض ال َ‬ ‫صًنا ل ِت َب ْت َُغوا عََر َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ن أَرد ْ َ‬ ‫ال ْب َِغاِء إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مث ًَل ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مب َي َّنا ٍ‬ ‫ت ُ‬ ‫م آَيا ٍ‬ ‫قد ْ أن َْزل َْنا إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫م )‪ (33‬وَل َ َ‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫ب َعْد ِ إ ِك َْراهِهِ ّ‬
‫ن )‪(34‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫عظ َ ً‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬
‫قَراءَ‬ ‫كوُنوا فُ َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫مائ ِك ُ ْ‬ ‫م وَإ ِ َ‬ ‫عَبادِك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مى ِ‬ ‫حوا الَيا َ‬ ‫} وَأن ْك ِ ُ‬
‫حا‬
‫كا ً‬ ‫ن نِ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ل يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫م )‪ (32‬وَل ْي َ ْ‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫ضل ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ي ُغْن ِهِ ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مان ُك ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل ك ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن الك َِتا َ‬ ‫ن ي َب ْت َُغو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ضل ِهِ َوال ِ‬ ‫نف ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫حّتى ي ُغْن ِي َهُ ُ‬ ‫َ‬
‫هوا‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫َ ْ َ ُ ِ ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫تا‬ ‫آ‬ ‫ذي‬ ‫ِ ِ‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫فَ ِ ُ ُ ْ ِ ْ َ ِ ْ ُ ْ ِ ِ ْ َ ْ ً َ ُ ُ ْ ِ ْ َ ِ‬
‫ل‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫تو‬ ‫وآ‬ ‫را‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫بو‬ ‫ت‬ ‫كا‬‫َ‬
‫فَتيات ِك ُم عََلى ال ْبَغاِء إ َ‬
‫ن ي ُك ْرِهّ ّ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫صًنا ل ِت َب ْت َُغوا عََر َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ن أَرد ْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قد َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ت‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫َ ِ ْ ْ َ ٍ ُ ََّ ٍ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫آ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫ل‬ ‫أنز‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫(‬ ‫‪33‬‬ ‫)‬ ‫م‬‫ٌ‬ ‫حي‬‫ِ‬ ‫ر‬
‫ٌ َ‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫را‬
‫َ ِ ْ َْ ِ ِ َ ِ ِ ّ‬ ‫ك‬ ‫إ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫فَإ ِ ّ‬
‫ن )‪{ (34‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ل ِل ُ‬ ‫َ‬
‫عظ ً‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫مَثل ِ‬ ‫وَ َ‬
‫اشتملت هذه اليات الكريمات المبينة على جمل من الحكام المحكمة ‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مى ِ‬ ‫حوا الَيا َ‬ ‫والوامر المبرمة ‪ ،‬فقوله تعالى ‪ } :‬وَأن ْك ِ ُ‬
‫م { ‪ :‬هذا أمر بالتزويج‪ .‬وقد ذهب طائفة من العلماء إلى‬ ‫مائ ِك ُ ْ‬ ‫م وَإ ِ َ‬ ‫عَبادِك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫در عليه‪ .‬واحتجوا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫وجوبه ‪ ،‬على كل من قَ َ‬
‫"يا معشر الشباب ‪ ،‬من استطاع منكم الباءة فليتزوج ‪ ،‬فإنه أغض للبصر ‪،‬‬
‫وأحصن للفرج ‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"‪ .‬أخرجاه من‬
‫حديث ابن مسعود )‪.(1‬‬
‫وجاء في السنن ‪ -‬من غير وجه ‪ -‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫مَباهٍ بكم المم يوم القيامة" )‪ (2‬وفي‬ ‫"ت ََزّوجوا ‪ ،‬توالدوا ‪ ،‬تناسلوا ‪ ،‬فإني ُ‬
‫رواية ‪" :‬حتى بالسقط"‪.‬‬
‫اليامى ‪ :‬جمع أّيم ‪ ،‬ويقال ذلك للمرأة التي ل زوج لها ‪ ،‬وللرجل الذي ل‬
‫زوجة له‪ .‬وسواء كان قد تزوج ثم فارق ‪ ،‬أو لم يتزوج واحد منهما ‪ ،‬حكاه‬
‫الجوهري عن أهل اللغة ‪ ،‬يقال ‪ :‬رجل أّيم وامرأة أّيم أيضا‪.‬‬
‫م{‪،‬‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫ضل ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫قَراَء ي ُغْن ِهِ ُ‬ ‫كوُنوا فُ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬رغبهم الله في التزويج ‪ ،‬وأمر به‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫قَراَء ي ُغْن ِهِ ُ‬ ‫كوُنوا فُ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫الحرار والعبيد ‪ ،‬ووعدهم عليه الغنى ‪ ،‬فقال ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ضل ِهِ {‪.‬‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمود بن خالد الزرق ‪ ،‬حدثنا عمر‬
‫بن عبد الواحد ‪ ،‬عن سعيد ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن عبد العزيز ‪ -‬قال ‪ :‬بلغني أن أبا بكر‬
‫الصديق ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ‪ ،‬ينجز‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫قَراَء ي ُغْن ِهِ ُ‬ ‫كوُنوا فُ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫]لكم[ )‪ (3‬ما وعدكم من الغنى ‪ ،‬قال ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ضل ِهِ {‪.‬‬ ‫فَ ْ‬
‫كوُنوا‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫وعن ابن مسعود ‪ :‬التمسوا الغنى في النكاح ‪ ،‬يقول الله تعالى ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ضل ِهِ { رواه )‪ (4‬ابن جرير ‪ ،‬وذكر البغوي عن عمر‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫قَراَء ي ُغْن ِهِ ُ‬ ‫فُ َ‬
‫بنحوه‪.‬‬
‫ري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬ ‫قب ُ ِ‬ ‫جلن ‪ ،‬عن سعيد الم ْ‬ ‫وعن الليث ‪ ،‬عن محمد بن عَ ْ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ثلثة َ‬
‫ونهم ‪ :‬الناكح يريد العفاف ‪ ،‬والمكاَتب يريد الداء ‪ ،‬والغازي في‬ ‫على الله عَ ْ‬
‫سبيل الله"‪ .‬رواه المام أحمد ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه )‪(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (5066‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1400‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود برقم )‪ (2050‬وسنن النسائي )‪.(6/65‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (2/251‬وسنن الترمذي برقم )‪ (1655‬وسنن النسائي )‪(6/61‬‬
‫وسنن ابن ماجه برقم )‪.(2518‬‬
‫) ‪(6/51‬‬

‫وقد زّوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي لم يجد إل إزاره‬
‫)‪ ، (1‬ولم يقدر على خاتم من حديد ‪ ،‬ومع هذا فزّوجه بتلك المرأة ‪ ،‬وجعل‬
‫صداقها عليه أن يعلمها ما يحفظه من القرآن‪.‬‬
‫والمعهود من كرم الله تعالى ولطفه أن يرزقه ]وإياها[ )‪ (2‬ما فيه كفاية له‬
‫ولها‪ .‬فأما ما يورده كثير من الناس على أنه حديث ‪" :‬تزوجوا فقراء يغنكم‬
‫الله" ‪ ،‬فل أصل له ‪ ،‬ولم أره بإسناد قوي ول ضعيف إلى الن ‪ ،‬وفي القرآن‬
‫غنية عنه ‪ ،‬وكذا )‪ (3‬هذا الحديث الذي أوردناه‪ .‬ولله الحمد‪.‬‬
‫حا حتى يغنيهم الله من فضله‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وليستعفف الذين ل يجدون نكا ً‬
‫جا ]بالتعفف[ )‪ (4‬عن الحرام ‪ ،‬كما‬ ‫{‪ .‬هذا أمر من الله تعالى لمن ل يجد تزوي ً‬
‫قال ‪ -‬عليه الصلة والسلم )‪" : - (5‬يا معشر الشباب ‪ ،‬من استطاع منكم‬
‫ن للفرج‪ .‬ومن لم يستطع فعليه‬ ‫ص ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ض للبصر ‪ ،‬وأ ْ‬ ‫الباءة فليتزوج ‪ ،‬فإنه أغَ ّ‬
‫جاء"‪.‬‬ ‫بالصوم فإنه له وِ َ‬
‫وهذه )‪ (6‬الية مطلقة ‪ ،‬والتي في سورة النساء أخص منها ‪ ،‬وهي قوله‬
‫َ‬
‫ما‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ت فَ ِ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ح ال ْ ُ‬ ‫ن ي َن ْك ِ َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫م طَ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ست َط ِعْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ش َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ت { ‪ ،‬إلى أن قال ‪ } :‬ذ َل ِك ل ِ َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ُ‬
‫ن فَت ََيات ِك ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫َ‬
‫م { ]النساء ‪ [25 :‬أي صبركم عن تزويج‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫خي ٌْر لك ْ‬ ‫صب ُِروا َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫العَن َ َ‬
‫م {‪.‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫َ‬
‫هغ ُ‬ ‫ّ‬
‫الماء خير ؛ لن الولد يجيء رقيقا ‪َ } ،‬والل ُ‬
‫حا { قال ‪ :‬هو‬ ‫َ‬
‫ن ن ِكا ً‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫ن ل يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫قال عكرمة في قوله ‪ } :‬وَل ْي َ ْ‬
‫الرجل يرى المرأة فكأنه يشتهي ‪ ،‬فإن كانت له امرأة فليذهب إليها وليقض )‬
‫‪ (7‬حاجته منها ‪ ،‬وإن لم يكن له امرأة فلينظر في ملكوت السموات‬
‫]والرض[ )‪ (8‬حتى يغنيه الله‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫مت ُ ْ‬
‫ن عَل ِ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫كات ُِبوهُ ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬
‫ب ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫ن ي َب ْت َُغو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫خي ًْرا { هذا أمر من الله تعالى للسادة إذا طلب منهم عبيدهم الكتابة أن‬ ‫م َ‬ ‫ِفيهِ ْ‬
‫يكاتبوا )‪ ، (9‬بشرط أن يكون للعبد حيلة وكسب يؤدي إلى سّيده المال الذي‬
‫شارطه على أدائه‪ .‬وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن هذا المر أمُر إرشاد‬
‫واستحباب ‪ ،‬ل أمر تحتم وإيجاب ‪ ،‬بل السيد مخير ‪ ،‬إذا طلب منه عبده‬
‫الكتابة إن شاء كاتبه ‪ ،‬وإن شاء لم يكاتبه‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن الشعبي ‪ :‬إن شاء كاتبه وإن شاء لم يكاتبه‪.‬‬
‫وقال ابن وهب ‪ ،‬عن إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن عطاء بن أبي َرَباح‬
‫حّيان ‪،‬‬ ‫مقاتل بن َ‬ ‫‪ :‬إن يشأ يكاتبه وإن لم يشأ لم يكاتبه )‪ ، (10‬وكذا قال ُ‬
‫والحسن البصري‪.‬‬
‫ده ذلك ‪ ،‬أن يجيبه‬ ‫وذهب آخرون إلى أنه يجب على السيد إذا طلب منه عب ُ‬
‫ذا بظاهر هذا المر ‪:‬‬ ‫إلى ما طلب ؛ أخ ً‬
‫ي إذا‬ ‫ّ‬ ‫عل‬ ‫]أواجب‬ ‫‪:‬‬ ‫لعطاء‬ ‫قلت‬ ‫يج‬ ‫ُ َ ْ‬‫ر‬ ‫ج‬ ‫ابن‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫روح‬ ‫وقال‬ ‫قال البخاري ‪:‬‬
‫علمت له مال أن أكاتبه ؟ قال ‪ :‬ما أراه إل واجًبا‪ .‬وقال عمرو بن دينار ‪ :‬قلت‬
‫لعطاء[ )‪ ، (11‬أتأث ُُره عن أحد ؟ قال ‪ :‬ل‪ .‬ثم أخبرني أن موسى بن أنس‬
‫ة ‪ -‬وكان كثير المال ‪ ،‬فأبى‪.‬‬ ‫سا المكاتب َ‬ ‫أخبره ‪ ،‬أن سيرين سأل أن ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الزارة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬وكذلك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬فهذه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬فليقض"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬يكاتبوهم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إن شاء كاتبه وإن شاء لم يكاتبه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬

‫) ‪(6/52‬‬

‫درة ‪ ،‬ويتلو‬ ‫فانطلق إلى عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬كاتبه‪ .‬فأبى ‪ ،‬فضربه بال ّ‬
‫خي ًْرا { )‪ ، (1‬فكاتبه )‪(2‬‬ ‫م َ‬ ‫م ِفيهِ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ن عَل ِ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫كات ُِبوهُ ْ‬ ‫عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ } :‬فَ َ‬
‫هكذا ذكره البخاري تعليقا )‪ .(3‬ورواه عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا ابن جريج قال ‪:‬‬
‫ي إذا علمت له مال أن أكاتبه ؟ قال ‪ :‬ما أراه إل‬ ‫قلت لعطاء ‪ :‬أواجب عل ّ‬
‫واجًبا‪ .‬وقال عمرو )‪ (4‬بن دينار ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت لعطاء ‪ :‬أتأثره عن أحد ؟ قال ‪:‬‬
‫ل )‪(5‬‬
‫شار ‪ ،‬حدثنا محمد بن بكر ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪،‬‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن ب َ ّ‬
‫عن قتادة ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ :‬أن سيرين أراد أن يكاتبه ‪ ،‬فتلكأ عليه ‪ ،‬فقال‬
‫له عمر ‪ :‬لتكات ِب َّنه‪ .‬إسناد صحيح )‪.(6‬‬
‫جوَي ِْبر ‪ ،‬عن الضحاك قال ‪ :‬هي‬ ‫شْيم بن ُ‬ ‫وقال سعيد بن منصور ‪ :‬حدثنا هُ َ‬
‫عَْزمة‪.‬‬
‫وهذا هو القول القديم من قولي الشافعي ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬وذهب في الجديد‬
‫ل مال امرئ مسلم‬ ‫إلى أنه ل يجب ؛ لقوله عليه الصلة والسلم ‪ (7) :‬ل يح ّ‬
‫إل بطيب من نفسه" )‪.(8‬‬
‫ن ليس على سيد العبد أن يكاتبه‬ ‫وقال ابن وهب ‪ :‬قال مالك ‪ :‬المر عندنا أ ْ‬
‫دا على أن يكاتب عبده‪.‬‬ ‫دا من الئمة أكره أح ً‬ ‫إذا سأله ذلك ‪ ،‬ولم أسمع أح ً‬
‫قال مالك ‪ :‬وإنما ذلك أمر من الله ‪ ،‬وإذن منه للناس ‪ ،‬وليس بواجب‪.‬‬
‫وكذا قال الثوري ‪ ،‬وأبو حنيفة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫واختار ابن جرير قول الوجوب لظاهر الية‪.‬‬
‫خي ًْرا { ‪ ،‬قال بعضهم ‪ :‬أمانة‪ .‬وقال بعضهم ‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫م ِفيهِ ْ‬‫مت ُ ْ‬
‫ن عَل ِ ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫صدقا‪] .‬وقال بعضهم ‪ :‬مال[ )‪ (9‬وقال بعضهم ‪ :‬حيلة وكسبا‪.‬‬
‫وروى أبو داود في كتاب المراسيل ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير قال ‪ :‬قال رسول‬
‫خي ًْرا { قال ‪" :‬إن‬ ‫م َ‬ ‫م ِفيهِ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬‫ن عَل ِ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫كات ُِبوهُ ْ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬فَ َ‬
‫كل )‪ (10‬على الناس"‪.‬‬ ‫علمتم فيهم حرفة ‪ ،‬ول ترسلوهم َ‬
‫م { اختلف المفسرون فيه ‪ ،‬فقال‬ ‫ذي آَتاك ُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ال ّ ِ‬‫ما ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وآُتوهُ ْ‬
‫قائلون ‪ :‬معناه اطرحوا لهم من الكتابة بعضها ‪ ،‬ثم قال بعضهم ‪ :‬مقدار الربع‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬الثلث‪ .‬وقيل ‪ :‬النصف‪ .‬وقيل ‪ :‬جزء من الكتابة من غير واحد‪.‬‬
‫م { هو‬ ‫ُ‬
‫ذي آَتاك ْ‬‫ل الل ّهِ ال ّ ِ‬‫ما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وقال آخرون ‪ :‬بل المراد من قوله ‪َ } :‬وآُتوهُ ْ‬
‫النصيب الذي فرض الله لهم من أموال الزكوات‪ .‬وهذا قول الحسن ‪ ،‬وعبد‬
‫الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وأبيه ‪ ،‬ومقاتل بن حيان‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬وكاتبوهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري )‪" (5/184‬فتح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬معلقا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬ورواه الطبري في تفسيره )‪ (18/98‬من طريق عبد الرزاق به‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(18/98‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه أحمد في مسنده )‪ (5/72‬من حديث عم أبي حرة الرقاشي ‪ ،‬وفي‬
‫)‪ (5/425‬من حديث أبي حميد الساعدي ‪ ،‬وفي )‪ (3/423‬من حديث عمرو‬
‫بن يثربي‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كليا"‪.‬‬

‫) ‪(6/53‬‬

‫م { قال ‪:‬‬ ‫ذي آَتاك ُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ي في قوله ‪َ } :‬وآُتوهُ ْ‬ ‫خعِ ّ‬ ‫وقال إبراهيم الن ّ َ‬
‫صيب السلمي ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫ث الناس عليه )‪ (1‬موله وغيره‪ .‬وكذلك قال ب َُرْيدة بن ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫وقتادة‪.‬‬
‫م في‬ ‫وقال ابن عباس ‪ :‬أمر الله المؤمنين أن يعينوا في الرقاب‪ .‬وقد تقد ّ َ‬
‫الحديث ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ثلثة حق على الله‬
‫عونهم" ‪ :‬فذكر منهم المكاَتب يريد الداء ‪ ،‬والقول الول أشهر‪.‬‬
‫كيع ‪ ،‬عن ابن‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا وَ ِ‬
‫دا له ‪ ،‬يكنى أبا‬ ‫شِبيب ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن عمر ؛ أنه كاتب عب ً‬ ‫َ‬
‫أمية ‪ ،‬فجاء بنجمه حين حل ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أبا أمية ‪ ،‬اذهب فاستعن به في‬
‫مكاتبتك‪ .‬قال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬لو تركَته حتى يكون من آخر نجم ؟ قال ‪:‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خي ًْرا َوآُتوهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ِفيهِ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬‫ن عَل ِ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫أخاف أل أدرك ذلك‪ .‬ثم قرأ ‪ } :‬فَ َ‬
‫كات ُِبوهُ ْ‬
‫م { قال عكرمة ‪ :‬كان )‪ (2‬أول نجم أّدي في السلم‪.‬‬ ‫ذي آَتاك ُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ال ّ ِ‬‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫س َ‬‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا هارون بن المغيرة ‪ ،‬عن عنب َ‬
‫عن سالم الفطس ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬كان ابن عمر إذا كاتب مكاَتبه‬
‫لم يضع عنه شيئا من أول نجومه ‪ ،‬مخافة أن يعجز فترجع إليه صدقته‪ .‬ولكنه‬
‫إذا كان في آخر مكاتبته ‪ ،‬وضع عنه ما أحب )‪.(3‬‬
‫ذي‬ ‫ل الل ّهِ ال ِّ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬وآ ُ ُ ْ ِ ْ َ ِ‬
‫ما‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫تو‬
‫م { قال ‪ :‬يعني ‪ :‬ضعوا عنهم من مكاتبتهم‪ .‬وكذلك قال مجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪،‬‬ ‫آَتاك ُ ْ‬
‫جَزريّ ‪ ،‬والسدي‪.‬‬ ‫والقاسم بن أبي ب َّزة ‪ ،‬وعبد الكريم بن مالك ال َ‬
‫م { ‪ :‬كان‬ ‫ذي آَتاك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وقال محمد بن سيرين في قوله ‪َ } :‬وآُتوهُ ْ‬
‫يعجبهم أن يدع الرجل لمكاَتبه طائفة من مكاتبته‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬أخبرنا الفضل بن شاذان المقرئ ‪ ،‬أخبرنا إبراهيم بن‬
‫جَرْيج ‪ ،‬أخبرني عطاء بن‬ ‫موسى ‪ ،‬أخبرنا هشام بن يوسف ‪ ،‬عن ابن ُ‬
‫السائب ‪ :‬أن عبد الله بن جندب أخبره ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ربع الكتابة" )‪.(4‬‬
‫ي ‪ ،‬رضي الله‬ ‫وهذا حديث غريب ‪ ،‬ورفعه منكر ‪ ،‬والشبه أنه موقوف على عل ّ‬
‫عنه ‪ ،‬كما رواه عنه أبو عبد الرحمن السلمي ‪ ،‬رحمه الله )‪.(5‬‬
‫ة‬ ‫ْ‬ ‫هوا فَتيات ِك ُم عََلى ال ْبَغاِء إ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ت ُك ْرِ ُ‬
‫حَيا ِ‬‫ض ال َ‬ ‫صًنا ل ِت َب ْت َُغوا عََر َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ن أَرد ْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫الد ّن َْيا { الية ‪ :‬كان أهل الجاهلية إذا كان لحدهم أمة ‪ ،‬أرسلها تزني ‪ ،‬وجعل‬
‫ل وقت‪ .‬فلما جاء السلم ‪ ،‬نهى الله المسلمين )‬ ‫عليها ضريبة يأخذها منها ك ّ‬
‫‪ (6‬عن ذلك‪.‬‬
‫وكان سبب نزول هذه الية الكريمة ‪ -‬فيما ذكره غير واحد من المفسرين ‪،‬‬
‫من السلف والخلف ‪ -‬في شأن عبد الله بن أبي بن سلول ]المنافق[ )‪(7‬‬
‫خراجهن ‪ ،‬ورغبة في‬ ‫فإنه كان له إماء ‪ ،‬فكان يكرههن على الِبغاء طلبا ل َ‬
‫أولدهن ‪ ،‬ورئاسة منه فيما يزعم ]قبحه الله ولعنه[ )‪(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(18/101‬‬
‫)‪ (4‬ورواه عبد الرزاق في المصنف برقم )‪ (15589‬من طريق ابن جريج ‪،‬‬
‫به‪ .‬وقال ‪" :‬قال ابن جريج ‪ :‬وأخبرني غير واحد ‪ ،‬عن عطاء بن السائب أنه‬
‫كان يحدث بهذا الحديث ‪ ،‬ل يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬ورواه عبد الرزاق في مصنفه برقم )‪ (15590‬من طريق معمر ‪ ،‬عن‬
‫عطاء بن السائب ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن السلمي ‪ ،‬به‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المؤمنين"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/54‬‬

‫]ذكر الثار )‪ (1‬الواردة في ذلك[ )‪(2‬‬


‫قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البّزار ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬في‬
‫مسنده ‪ :‬حدثنا أحمد بن داود الواسطي ‪ ،‬حدثنا أبو عمرو اللخمي ‪ -‬يعني ‪:‬‬
‫محمد بن الحجاج ‪ -‬حدثنا محمد ابن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري قال ‪ :‬كانت جارية‬
‫لعبد الله بن أبي ابن سلول ‪ ،‬يقال لها ‪ :‬معاذة ‪ ،‬يكرهها على الزنى ‪ ،‬فلما‬
‫ن‬‫م عََلى ال ْب َِغاِء { إلى قوله ‪ } :‬فَإ ِ ّ‬ ‫هوا فَت ََيات ِك ُ ْ‬
‫جاء السلم نزلت ‪َ } :‬ول ت ُك ْرِ ُ‬
‫م { )‪(3‬‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬‫ن ب َعْد ِ إ ِك َْراهِهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫هوا‬ ‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ ،‬عن جابر في هذه الية ‪َ } :‬ول ت ُك ْرِ ُ‬
‫م عََلى ال ْب َِغاِء { قال ‪ :‬نزلت في أمة لعبد الله بن أبي بن سلول يقال‬ ‫فَت ََيات ِك ُ ْ‬
‫كة ‪ ،‬كان يكرهها على الفجور ‪ -‬وكانت ل بأس بها ‪ -‬فتأبى‪ .‬فأنزل‬ ‫سي ْ َ‬
‫م َ‬ ‫لها ‪ُ :‬‬
‫ن ب َعْدِ‬‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ن فَإ ِ ّ‬ ‫ن ي ُك ْرِهْهُ ّ‬
‫م ْ‬
‫الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬هذه الية إلى قوله } وَ َ‬
‫م { )‪.(4‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫إ ِك َْراهِهِ ّ‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر نحوه )‪(5‬‬ ‫وروى النسائي ‪ ،‬من حديث ابن ُ‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا علي بن سعيد ‪،‬‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ي اب ِ‬ ‫حدثنا العمش ‪ ،‬حدثني أبو سفيان ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬كان لعبد الله بن أب َ ّ‬
‫ل جارية يقال لها ‪ :‬مسيكة ‪ ،‬وكان يكرهها على البغاء ‪ ،‬فأنزل الله ‪:‬‬ ‫سلو َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ن فَإ ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ي ُكرِهْهُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَلى الب َِغاِء { ‪ ،‬إلى قوله ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هوا فَت ََيات ِك ْ‬ ‫ْ‬
‫} َول ت ُكرِ ُ‬
‫م {‪.‬‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫ب َعْد ِ إ ِك َْراهِهِ ّ‬
‫صرح العمش بالسماع من أبي سفيان طلحة بن نافع ‪ ،‬فدل على بطلن‬
‫قول من قال ‪" :‬لم يسمع منه ‪ ،‬إنما هو صحيفة" حكاه البزار‪.‬‬
‫رمة ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫عك ِ‬ ‫ماك ‪ ،‬عن ِ‬ ‫س َ‬ ‫قال أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن سليمان بن معاذ ‪ ،‬عن ِ‬
‫عن ابن عباس ؛ أن جارية لعبد الله بن أبي كانت تزني في الجاهلية ‪ ،‬فولدت‬
‫أولًدا من الزنى ‪ ،‬فقال لها ‪ :‬ما لك ل تزنين ؟ قالت )‪ (6‬ل والله ل أزني‪.‬‬
‫ن‬ ‫هوا فَتيات ِك ُم عََلى ال ْبَغاِء إ َ‬ ‫فضربها ‪ ،‬فأنزل الله عز وجل ‪َ } :‬ول ت ُك ْرِ ُ‬
‫ن أَرد ْ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫صًنا { )‪(7‬‬
‫ح ّ‬
‫تَ َ‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ :‬أن رجل من قريش ُأسر يوم‬ ‫ع‬
‫َ ْ َ‬‫م‬ ‫أخبرنا‬ ‫‪:‬‬ ‫الرزاق‬ ‫عبد‬ ‫وقال‬
‫ي جارية يقال‬ ‫بدر ‪ ،‬وكان عند عبد الله بن أ ُبي أسيرا ‪ ،‬وكانت لعبد الله بن ُ‬
‫أب‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ ّ‬
‫لها ‪ :‬معاذة ‪ ،‬وكان القرشي السير يريدها على نفسها ‪ ،‬وكانت مسلمة )‪.(8‬‬
‫وكانت تمتنع منه لسلمها ‪ ،‬وكان عبد الله بن أبي يكرهها على ذلك‬
‫ويضربها ‪ ،‬رجاء أن تحمل للقرشي ‪ ،‬فيطلب فداء ولده ‪ ،‬فقال تبارك‬
‫صًنا { )‪(9‬‬ ‫هوا فَتيات ِك ُم عََلى ال ْبَغاِء إ َ‬‫وتعالى ‪َ } :‬ول ت ُك ْرِ ُ‬
‫ح ّ‬‫ن تَ َ‬
‫ن أَرد ْ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الحاديث"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬مسند البزار برقم )‪" (2240‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (7/83‬فيه محمد بن الحجاج اللخمي وهو كذاب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (18/103‬من طريق العمش ‪ ،‬به‪.‬‬
‫)‪ (5‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (11365‬من طريق ابن جريج ‪ ،‬عن‬
‫أبي الزبير ‪ ،‬به‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (11/284‬من طريق أبي داود‬
‫الطيالسي ‪ ،‬به‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬تسلم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير عبد الرزاق )‪.(2/50‬‬

‫) ‪(6/55‬‬

‫وقال السدي ‪ :‬أنزلت هذه الية الكريمة في عبد الله بن أبي بن سلول رأس‬
‫المنافقين ‪ ،‬وكانت له جارية تدعى معاذة ‪ ،‬وكان إذا نزل به ضيف أرسلها إليه‬
‫ليواقعها ‪ ،‬إرادة الثواب منه والكرامة له‪ .‬فأقبلت الجارية إلى أبي بكر ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه فشكت إليه ذلك ‪ ،‬فذكره أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫ذرني من محمد ‪ ،‬يغلبنا على‬ ‫فأمره بقبضها‪ .‬فصاح عبد الله بن أبي ‪ :‬من ي َعْ ُ‬
‫مملوكتنا ؟ فأنزل الله فيهم هذا‪.‬‬
‫حّيان ‪ :‬بلغنا ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن هذه الية نزلت في رجلين كانا‬ ‫قاِتل بن َ‬ ‫م َ‬
‫وقال ُ‬
‫كة ‪ ،‬وكانت للنصاريّ ‪ ،‬وكانت‬ ‫سي ْ َ‬
‫م َ‬ ‫يكرهان أمتين لهما ‪ ،‬إحداهما اسمها ُ‬
‫أميمة أم مسيكة لعبد الله بن أبي ‪ ،‬وكانت معاذة وأروى بتلك المنزلة ‪ ،‬فأتت‬
‫مسيكة وأمها النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فذكرتا ذلك له ‪ ،‬فأنزل الله في‬
‫م عََلى ال ْب َِغاِء { يعني ‪ :‬الزنى‪.‬‬ ‫هوا فَت ََيات ِك ُ ْ‬ ‫ذلك } َول ت ُك ْرِ ُ‬
‫صًنا { هذا خرج مخرج الغالب ‪ ،‬فل مفهوم له‪.‬وقوله ‪:‬‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ن أَرد ْ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫خَراجهن ومهورهن وأولدهن‪.‬‬ ‫ة[ الد ّن َْيا { )‪ (1‬أي ‪ :‬من َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫ْ‬
‫ض ]ال َ‬ ‫} ل ِت َب ْت َُغوا عََر َ‬
‫ي‬‫جام ‪ ،‬ومهر الَبغ ّ‬‫وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬عن كسب الح ّ‬
‫حْلوان الكاهن )‪ - (2‬وفي رواية ‪" :‬مهر البغي خبيث ‪ ،‬وكسب الح ّ‬
‫جام‬ ‫و ُ‬
‫خبيث ‪ ،‬وثمن الكلب خبيث" )‪(3‬‬
‫م { ]أي ‪ :‬لهن ‪،‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫َ‬
‫نغ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ب َعْد ِ إ ِكَراهِهِ ّ‬‫م ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ِ‬ ‫ن فَإ ِ ّ‬ ‫ن ي ُك ْرِهْهُ ّ‬ ‫م ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫كما تقدم في الحديث عن جابر‪.‬‬
‫وقال ابن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬فإن فعلتم فإن الله لهن غفور رحيم[‬
‫)‪ (4‬وإثمهن على من أكرههن ‪ :‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪،‬‬
‫والعمش ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وف ‪ ،‬عن الحسن في هذه‬ ‫َ ْ‬ ‫ع‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫الزرق‬ ‫إسحاق‬ ‫حدثني‬ ‫وقال أبو عبيد ‪:‬‬
‫م { قال ‪ :‬لهن والله‪ .‬لهن والله‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ إ ِك َْراهِهِ ّ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الية ‪ } :‬فَإ ِ ّ‬
‫هن عليه‪.‬‬ ‫كر ْ‬ ‫ُ‬
‫وعن الزهري قال ‪ :‬غفور لهن ما أ ْ‬
‫وعن زيد بن أسلم قال ‪ :‬غفور رحيم للمكرهات‪.‬‬
‫حكاهن ابن المنذر في تفسيره بأسانيده‪.‬‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عبد الله ‪ ،‬حدثني ابن‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫جب َْير قال ‪ :‬في قراءة عبد الله بن‬ ‫ل َِهيَعة ‪ ،‬حدثني عطاء ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫م" وإثمهن على من‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر )‪ّ (5‬ر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬‫ن ل َهُ ّ‬ ‫ن ب َعْد ِ إ ِك َْراهِهِ ّ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مسعود ‪" :‬فَإ ِ ّ‬
‫أكرههن‪.‬‬
‫وفي الحديث المرفوع ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ُ" :‬رِفع‬
‫متي الخطأ والنسيان ‪ ،‬وما استكرهوا عليه"‪(6) .‬‬ ‫عن أ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪ .‬وهو الصواب‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (2237‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪ (1567‬من حديث أبي مسعود النصاري رضي الله عنه ‪" :‬أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن" وأما كسب‬
‫الحجام ‪ ،‬فروى ابن ماجه في السنن برقم )‪ (2165‬من حديث عقبة بن‬
‫عمرو ‪" :‬نهى النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬عن كسب الحجام"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه أحمد في مسنده )‪ (3/464‬من حديث رافع بن خديج ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬غفور لهن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬رواه ابن ماجه في السنن برقم )‪ (2043‬وقد سبق الكلم عليه في‬
‫سورة العراف‪.‬‬

‫) ‪(6/56‬‬

‫ح ال ْ ِ‬ ‫َْ‬
‫ح ِفي‬‫صَبا ُ‬‫م ْ‬ ‫صَبا ٌ‬ ‫م ْ‬‫كاةٍ ِفيَها ِ‬ ‫ش َ‬‫م ْ‬ ‫ل ُنورِهِ ك َ ِ‬‫مث َ ُ‬‫ض َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ه ُنوُر ال ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫شْرقِي ّةٍ وََل‬
‫مَباَرك َةٍ َزي ُْتون َةٍ َل َ‬ ‫َ‬
‫جَرةٍ ُ‬
‫ش َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب د ُّريّ ُيوقَد ُ ِ‬ ‫ة ك َأن َّها ك َوْك َ ٌ‬ ‫ج ُ‬
‫جا َ‬ ‫جةٍ الّز َ‬ ‫جا َ‬ ‫ُز َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫دي الل ّ ُ‬
‫ه ل ُِنورِهِ َ‬ ‫ه َناٌر ُنوٌر عََلى ُنورٍ ي َهْ ِ‬ ‫س ُ‬‫س ْ‬‫م َ‬‫م تَ ْ‬‫ضيُء وَل َوْ ل َ ْ‬ ‫كاد ُ َزي ْت َُها ي ُ ِ‬‫غَْرب ِي ّةٍ ي َ َ‬
‫م )‪(35‬‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫مَثا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫يَ َ‬
‫يٍء عَِلي ٌ‬
‫ش ْ‬ ‫س َوالل ُ‬‫ل ِللّنا ِ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬
‫ولما فصل تعالى )‪ (1‬هذه الحكام وبينها قال ‪ } :‬ول َ َ َ‬
‫ت‬ ‫م آَيا ٍ‬‫قد ْ أنزل َْنا إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬‫م َ‬ ‫مثل ِ‬ ‫َ‬ ‫ت { يعني ‪ :‬القرآن فيه آيات واضحات مفسرات ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫مب َي َّنا ٍ‬‫ُ‬
‫ل بهم في مخالفتهم‬ ‫م { أي ‪ :‬خبرا عن المم الماضية ‪ ،‬وما ح ّ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُْ‬ ‫م‬
‫َ ْ ِ ْ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ن{‬ ‫ري‬
‫ِ ِ ِ َ‬‫خ‬ ‫لل‬ ‫ثل‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫فا‬‫ً‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬‫نا‬‫ْ‬ ‫ل‬
‫َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ع‬‫ج‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫(‬‫‪2‬‬ ‫)‬ ‫تعالى‬ ‫الله‬ ‫أوامَر‬
‫]الزخرف ‪[56 :‬‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة { أي ‪ :‬زاجًرا عن ارتكاب المآثم والمحارم } ل ِل ْ ُ‬ ‫عظ َ ً‬‫مو ْ ِ‬‫} وَ َ‬
‫لمن اتقى الله وخافه‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬في صفة القرآن ‪ :‬فيه حكم ما‬
‫ن تركه‬ ‫م ْ‬ ‫صل ليس بالهَْزل ‪َ ،‬‬ ‫ف ْ‬ ‫بينكم ‪ ،‬وخبر ما قبلكم ‪ ،‬ونبأ ما بعدكم ‪ ،‬وهو ال َ‬
‫مه الله ‪ ،‬ومن ابتغى الهدى من )‪ (3‬غيره أضله الله‪.‬‬ ‫ص َ‬ ‫جّبار قَ َ‬ ‫من َ‬
‫ح ِفي‬ ‫صَبا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ح ال ِ‬ ‫صَبا ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫مشكاةٍ ِفيَها ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مثل ُنورِهِ ك ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ض َ‬ ‫} الل ّ ُ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬
‫َ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ه ُنوُر ال ّ‬
‫شْرقِي ّةٍ َول‬ ‫مَباَرك َةٍ َزي ُْتون َةٍ ل َ‬ ‫جَرةٍ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب د ُّريّ ُيوقَد ُ ِ‬ ‫ة ك َأن َّها ك َوْك َ ٌ‬ ‫ج ُ‬ ‫جا َ‬ ‫جةٍ الّز َ‬ ‫جا َ‬ ‫ُز َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ه ل ُِنورِهِ َ‬ ‫دي الل ّ ُ‬ ‫ه َناٌر ُنوٌر عََلى ُنورٍ ي َهْ ِ‬ ‫س ُ‬‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ضيُء وَل َوْ ل َ ْ‬ ‫كاد ُ َزي ْت َُها ي ُ ِ‬ ‫غَْرب ِي ّةٍ ي َ َ‬
‫م )‪{ (35‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬ ‫ل ِللّنا ِ‬ ‫مَثا َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫يَ َ‬
‫ض{‬ ‫ّ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫سم َ‬ ‫ه ُنوُر ال ّ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬الل ُ‬
‫يقول ‪ :‬هادي أهل السموات والرض‪.‬‬
‫ت‬
‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ه ُنوُر ال ّ‬ ‫ّ‬
‫جَرْيج ‪ :‬قال مجاهد وابن عباس في قوله ‪ } :‬الل ُ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫ض { يدبر المر فيهما ‪ ،‬نجومهما وشمسهما وقمرهما‪.‬‬ ‫َوالْر ِ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الَرّقي ‪ ،‬حدثنا وهب بن‬
‫راشد ‪ ،‬عن فَْرَقد ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬إن إلهي يقول ‪ :‬نوري هداي‪.‬‬
‫واختار هذا القول ابن جرير ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫ي بن‬ ‫ُ‬
‫وقال أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أب ّ‬
‫ض { قال ‪ :‬هو المؤمن‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ه ُنوُر ال ّ‬ ‫كعب في قول الله تعالى ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫الذي جعل ]الله[ )‪ (4‬اليمان والقرآن في صدره ‪ ،‬فضرب الله مثله فقال ‪} :‬‬
‫ض { فبدأ بنور نفسه ‪ ،‬ثم ذكر نور المؤمن فقال ‪:‬‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ه ُنوُر ال ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫مثل نور من آمن به‪ .‬قال ‪ :‬فكان أبي بن كعب يقرؤها ‪" :‬مثل نور من آمن به‬ ‫ُ‬
‫)‪ (5‬فهو المؤمن جعل اليمان والقرآن في صدره‪.‬‬
‫جبير ‪ ،‬وقيس بن سعد ‪ ،‬عن ابن عباس أنه قرأها‬ ‫وهكذا قال )‪ (6‬سعيد بن ُ‬
‫كذلك ‪" :‬نور من آمن بالله"‪.‬‬
‫ض" "‪.‬‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ور ال ّ‬ ‫ه نَ ّ‬ ‫وقرأ بعضهم ‪" :‬الل ّ ُ‬
‫ض "‪.‬‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ور ال ّ‬ ‫ه نَ ّ‬‫وعن الضحاك ‪" :‬الل ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ولما فصل تبارك وتعالى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬بالله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬روى"‪.‬‬

‫) ‪(6/57‬‬

‫ض { ‪ :‬فبنوره أضاءت‬‫ت َوالْر ِ‬


‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫وقال السدي في قوله ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫ه ُنوُر ال ّ‬
‫السموات والرض‪.‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق في السيرة ‪ ،‬عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أنه قال في دعائه يوم آذاه أهل الطائف ‪" :‬أعوذ بنور وجهك‬
‫الذي أشرقت له الظلمات ‪ ،‬وصلح عليه أمر الدنيا والخرة ‪ ،‬أن يحل بي‬
‫طك ‪ ،‬لك العتبى حتى ترضى ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بك‬ ‫خ ُ‬‫س َ‬
‫غضبك أو ينزل بي َ‬‫َ‬
‫)‪.(2) " (1‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه سلم إذا‬
‫قام من الليل يقول ‪" :‬اللهم لك الحمد ‪ ،‬أنت قَّيم السموات والرض ومن‬
‫فيهن ‪ ،‬ولك الحمد ‪ ،‬أنت نور السموات والرض ومن فيهن" الحديث )‪.(3‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إن ربكم ليس عنده ليل ول نهار ‪،‬‬
‫نور العرش من نور وجهه‪.‬‬
‫ل ُنورِهِ { في هذا الضمير قولن ‪:‬‬ ‫مث َ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنه عائد إلى الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أي ‪ :‬مثل هداه في قلب المؤمن ‪،‬‬
‫قاله ابن عباس } كمشكاة {‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن الضمير عائد إلى المؤمن الذي دل عليه سياق الكلم ‪ :‬تقديره ‪:‬‬
‫مثل نور المؤمن الذي في قلبه ‪ ،‬كمشكاة‪ .‬فشبه قلب المؤمن وما هو‬
‫مفطور عليه من الهدى ‪ ،‬وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه‬
‫ن َرب ّهِ وَي َت ُْلوه ُ َ‬ ‫َ‬
‫ه { ]هود ‪:‬‬ ‫من ْ ُ‬‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬أفَ َ‬
‫‪ ، [17‬فشبه قلب )‪ (4‬المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج‬
‫الشفاف الجوهري ‪ ،‬وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي‬
‫المشرق المعتدل ‪ ،‬الذي ل كدر فيه ول انحراف‪.‬‬
‫كاةٍ { ‪ :‬قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪،‬‬ ‫ش َ‬ ‫م ْ‬‫فقوله )‪ } : (5‬ك َ ِ‬
‫وغير واحد ‪ :‬هو موضع الفتيلة من القنديل‪ .‬هذا هو المشهور ؛ ولهذا قال بعده‬
‫ذبالة التي تضيء‪.‬‬ ‫ح { ‪ ،‬وهو ال ّ‬ ‫صَبا ٌ‬ ‫م ْ‬‫‪ِ } :‬فيَها ِ‬
‫ض‬ ‫ّ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫س َ‬‫ه ُنوُر ال ّ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ]في[ )‪ (6‬قوله ‪ } :‬الل ُ‬
‫ح { ‪ :‬وذلك أن اليهود قالوا لمحمد صلى الله‬ ‫صَبا ٌ‬‫م ْ‬ ‫كاةٍ ِفيَها ِ‬ ‫ش َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُنورِهِ ك َ ِ‬
‫مث َ ُ‬
‫َ‬
‫عليه وسلم ‪ :‬كيف يخلص نور الله من دون السماء ؟ فضرب الله مثل ذلك‬
‫وة‬
‫ل ُنورِهِ {‪ .‬والمشكاة ‪ :‬ك ّ‬ ‫مث َ ُ‬‫ض َ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ه ُنوُر ال ّ‬ ‫لنوره ‪ ،‬فقال ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫مى الله طاعََته ُنوًرا ‪،‬‬ ‫ضَربه الله لطاعته )‪ .(7‬فس ّ‬ ‫في البيت ‪ -‬قال ‪ :‬وهو مثل َ‬
‫شّتى‪.‬‬ ‫ماها أنواعا َ‬ ‫س َ‬‫ثم َ‬
‫ُ‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬الكوة بلغة الحبشة‪ .‬وزاد غيره فقال ‪:‬‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫المشكاة ‪ :‬الكوة التي ل منفذ لها‪ .‬وعن مجاهد ‪ :‬المشكاة ‪ :‬الحدائد التي‬
‫يعلق بها القنديل‪.‬‬
‫فتيلة من القنديل ؛‬ ‫والقول الول أولى ‪ ،‬وهو ‪ :‬أن المشكاة هي موضع ال َ‬
‫ذبالة‪.‬‬ ‫ح { وهو النور الذي في ال ّ‬ ‫صَبا ٌ‬‫م ْ‬ ‫ولهذا قال ‪ِ } :‬فيَها ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بالله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه ابن هشام في السيرة النبوية )‪ ، (1/420‬عن ابن إسحاق‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (1120‬وصحيح مسلم برقم )‪.(769‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬القلب"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬لهل طاعته"‪.‬‬

‫) ‪(6/58‬‬

‫ي بن كعب ‪ :‬المصباح ‪ :‬النور ‪ ،‬وهو القرآن واليمان الذي في صدره‪.‬‬ ‫قال أب ً‬


‫دي ‪ :‬هو السراج‪.‬‬ ‫س ّ‬‫وقال ال ّ‬
‫جةٍ { أي ‪ :‬هذا الضوء مشرق في زجاجة صافية‪.‬‬ ‫جا َ‬
‫ح ِفي ُز َ‬ ‫صَبا ُ‬ ‫م ْ‬‫} ال ْ ِ‬
‫َ‬
‫ة ك َأن َّها‬
‫ج ُ‬
‫جا َ‬
‫ي بن كعب وغير واحد ‪ :‬وهي نظير قلب المؤمن‪ } .‬الّز َ‬ ‫قال أب ّ‬
‫در ‪ ،‬أي ‪ :‬كأنها‬ ‫ب د ُّريّ { ‪ :‬قرأ بعضهم بضم الدال من غير همزة ‪ ،‬من ال ّ‬ ‫ك َوْك َ ٌ‬
‫كوكب من د ُّر‪.‬‬
‫وقرأ آخرون ‪" :‬دِّريء" و"د ُّريء" بكسر الدال وضمها مع الهمز ‪ ،‬من الد َْرء‬
‫وهو الدفع ؛ وذلك أن النجم إذا ُرمي به يكون أشد ّ استنارة من سائر‬
‫ي‪.‬‬
‫الحوال ‪ ،‬والعرب تسمي ما ل يعرف من الكواكب درار ّ‬
‫ي بن كعب ‪ :‬كوكب مضيء‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬مضيء مبين ضخم‪ُ } .‬يوقَد ُ )‬ ‫قال أب ّ‬
‫مَباَرك َةٍ { أي ‪ :‬يستمد من زيت زيتون شجرة مباركة‬ ‫جَرةٍ ُ‬ ‫ن َ‬
‫ش َ‬ ‫م ْ‬‫‪ِ (1‬‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ { أي ‪ :‬ليست في‬ ‫} زيتونة { بدل أو عطف بيان } ل َ‬
‫ّ‬
‫شرقي بقعتها فل تصل إليها الشمس من أول النهار ‪ ،‬ول في غربيها فيتقلص‬
‫فَرعه )‪ (2‬الشمس من‬ ‫عنها الفيء قبل الغروب ‪ ،‬بل هي في مكان وسط ‪ ،‬ت َ ْ‬
‫أول النهار إلى آخره ‪ ،‬فيجيء زيتها معتدل صافيا مشرقا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عمار قال ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن عبد‬
‫رمة‬ ‫عك ْ ِ‬
‫ماك بن حرب ‪ ،‬عن ِ‬ ‫س َ‬
‫الله بن سعد ‪ ،‬أخبرنا عمرو بن أبي قيس ‪ ،‬عن ِ‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ { قال ‪ :‬شجرة‬ ‫‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ } :‬زي ُْتون َةٍ ل َ‬
‫بالصحراء ‪ ،‬ل يظلها جبل ول شجر ول كهف ‪ ،‬ول يواريها شيء ‪ ،‬وهو أجود‬
‫لزيتها‪.‬‬
‫حد َْير ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬في‬ ‫قطان ‪ ،‬عن عمران بن ُ‬ ‫ّ‬ ‫وقال يحيى بن سعيد ال َ‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ { قال ‪ :‬هي بصحراء ‪ ،‬وذلك أصفى لزينتها‪.‬‬ ‫قوله ‪ } :‬ل َ‬
‫مر بن فَّروخ ‪ ،‬عن‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو ن ُعَْيم ‪ ،‬حدثنا عُ َ‬
‫شْرقِي ّةٍ َول‬ ‫حبيب بن الزبير ‪ ،‬عن عكرمة ‪ -‬وسأله رجل عن ‪َ } :‬زي ُْتون َةٍ ل َ‬
‫غَْرب ِي ّةٍ { قال )‪ (3‬تلك ]زيتونة[ )‪ (4‬بأرض فلة ‪ ،‬إذا أشرقت الشمس أشرقت‬
‫عليها ‪ ،‬وإذا غربت غربت عليها فذاك أصفى ما يكون من الزيت‪.‬‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ { )‪ (5‬قال ‪ :‬ليست‬ ‫وقال مجاهد في قوله ‪َ ] } :‬زي ُْتون َةٍ [ ل َ‬
‫بشرقية ‪ ،‬ل تصيبها الشمس إذا غربت ‪ ،‬ول غربية ل تصيبها الشمس إذا‬
‫طلعت ‪] ،‬ولكنها شرقية وغربية ‪ ،‬تصيبها إذا طلعت[ )‪ (6‬وإذا غربت‪.‬‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ ي َ َ‬
‫كاد ُ َزي ْت َُها‬ ‫جب َْير في قوله } َزي ُْتون َةٍ ل َ‬ ‫وقال سعيد بن ُ‬
‫ضيُء { قال ‪ :‬هو أجود الزيت‪ .‬قال ‪ :‬إذا طلعت الشمس أصابتها من صوب‬ ‫يُ ِ‬
‫المشرق ‪ ،‬فإذا أخذت في الغروب أصابتها الشمس ‪ ،‬فالشمس تصيبها‬
‫ي ‪ ،‬فتلك ل تعد شرقية ول غربية‪.‬‬ ‫ش ّ‬‫بالغداة والعَ ِ‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غْرب ِي ّةٍ { يقول ‪ :‬ليست‬ ‫َ‬ ‫وقال السدي ]في[ )‪ (7‬قوله ‪َ } :‬زي ُْتون َةٍ ل َ‬
‫بشرقية يحوزها‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬توقد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬تقصرها" والمثبت من ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/59‬‬

‫المشرق ‪ ،‬ول غربية يحوزها المغرب دون المشرق ‪ ،‬ولكنها على رأس جبل ‪،‬‬
‫أو في صحراء ‪ ،‬تصيبها الشمس النهاَر كّله‪.‬‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ { أنها في وسط الشجر ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله ‪َ } :‬زي ُْتون َةٍ ل َ‬
‫وليست بادية للمشرق ول للمغرب‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقال أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي بن‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ { قال ‪ :‬فهي‬ ‫كعب ‪ ،‬في قول الله تعالى ‪َ } :‬زي ُْتون َةٍ ل َ‬
‫خضراء ناعمة ‪ ،‬ل تصيبها الشمس على أي حال كانت ‪ ،‬ل إذا طلعت ول إذا‬
‫غربت‪ .‬قال ‪ :‬فكذلك هذا المؤمن ‪ ،‬قد أجير من أن يصيبه شيء من الفتن ‪،‬‬
‫دق ‪ ،‬وإن حكم‬ ‫ص َ‬
‫وقد ابتلي بها فيثبته الله فيها ‪ ،‬فهو بين أربع خلل ‪ :‬إن قال َ‬
‫عدل ‪ ،‬وإن ابتلي صبر ‪ ،‬وإن أعطي شكر ‪ ،‬فهو في سائر الناس كالرجل‬
‫الحي يمشي في قبور الموات‪.‬‬
‫دد قال ‪ :‬حدثنا أبو‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫شْرقِي ّةٍ َول‬ ‫وانة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير في قوله ‪َ } :‬زي ُْتون َةٍ ل َ‬ ‫عَ َ‬
‫غَْرب ِي ّةٍ { قال ‪ :‬هي وسط الشجر ‪ ،‬ل تصيبها الشمس شرقا ول غربا‪.‬‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ { قال ‪ :‬هي شجرة في موضع‬ ‫وقال عطية العوفي ‪ } :‬ل َ‬
‫من الشجر ‪ ،‬يرى ظل ثمرها في ورقها ‪ ،‬وهذه من الشجر ل تطلع عليها‬
‫الشمس ول تغرب‪.‬‬
‫كي ‪،‬‬‫شت َ ِ‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عمار ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن الد ّ ْ‬
‫حدثنا عمرو بن أبي قيس ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪،‬‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ { ليست شرقية‬ ‫رضي الله عنهما ‪ ،‬في قوله تعالى ‪ } :‬ل َ‬
‫ليس فيها غرب ‪ ،‬ول غربية ليس فيها شرق ‪ ،‬ولكنها شرقية غربية‪.‬‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ { قال ‪ :‬هي القْبلية‪.‬‬ ‫قَرظي ‪ } :‬ل َ‬ ‫وقال محمد بن كعب ال ُ‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ { قال ‪ :‬الشام‪.‬‬ ‫وقال زيد بن أسلم ‪ } :‬ل َ‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬لو كانت هذه الشجرة في الرض لكانت شرقية أو‬
‫غربية ‪ ،‬ولكنه مثل ضربه الله لنوره‪.‬‬
‫مَباَركةٍ { قال ‪ :‬رجل‬ ‫َ‬ ‫جَرةٍ ُ‬
‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬توقَد ُ ِ‬
‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ { قال ‪ :‬ل يهودي ول نصراني‪.‬‬ ‫صالح } َزي ُْتون َةٍ ل َ‬
‫ل الول ‪ ،‬وهو أنها في مستوى من الرض ‪ ،‬في مكان‬ ‫وأولى هذه القوال القو ُ‬
‫فرعه من أول النهار إلى آخره ‪ ،‬ليكون‬ ‫فسيح بارز ظاهر ضاح للشمس ‪ ،‬ت َ ْ‬
‫ذلك أصفى لزينتها وألطف ‪ ،‬كما قال غير واحد ممن تقدم ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫ه َناٌر { قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪:‬‬ ‫س ُ‬
‫س ْ‬‫م َ‬
‫م تَ ْ‬‫ضيُء وَل َوْ ل َ ْ‬ ‫} يَ َ‬
‫كاد ُ َزي ْت َُها ي ُ ِ‬
‫يعني ‪ :‬لضوء إشراق الزيت‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ } :‬نوٌر عََلى ُنورٍ { قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني بذلك إيمان‬
‫العبد وعمله‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬والسدي ‪ :‬يعني نور النار ونور الزيت‪.‬‬
‫وقال أبي بن كعب ‪ُ } :‬نوٌر عََلى ُنورٍ { فهو يتقلب في خمسة من النور ‪،‬‬
‫فكلمه نور ‪ ،‬وعمله نور ‪ ،‬ومدخله نور ‪ ،‬ومخرجه نور ‪ ،‬ومصيره إلى النور‬
‫يوم القيامة إلى الجنة‪.‬‬
‫عطية ‪ :‬جاء ابن عباس إلى كعب الحبار فقال ‪ :‬حدثني عن‬ ‫مر بن َ‬ ‫ش ْ‬ ‫وقال ِ‬
‫ه َناٌر {‬‫س ُ‬
‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضيُء وَلوْ ل ْ‬ ‫َ‬
‫قول الله ‪ } :‬ي َكاد ُ َزي ْت َُها ي ُ ِ‬

‫) ‪(6/60‬‬

‫قال ‪ :‬يكاد محمد يبين للناس ‪ ،‬وإن )‪ (1‬لم يتكلم ‪ ،‬أنه نبي ‪ ،‬كما يكاد ذلك‬
‫الزيت أن يضيء‪.‬‬
‫َ‬
‫دي في قوله ‪ُ } :‬نوٌر عَلى ُنورٍ { قال ‪ :‬نور النار ونور الزيت ‪ ،‬حين‬
‫س ّ‬
‫وقال ال ّ‬
‫اجتمعا أضاءا ‪ ،‬ول يضيء واحد بغير صاحبه ]كذلك نور القرآن ونور اليمان‬
‫حين اجتمعا ‪ ،‬فل يكون واحد منهما إل بصاحبه[ )‪(2‬‬
‫شاُء { أي ‪ :‬يرشد الله إلى هدايته من يختاره‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ه ل ُِنورِهِ َ‬ ‫دي الل ّ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َهْ ِ‬
‫‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا معاوية بن عمرو ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪،‬‬
‫حدثني ربيعة بن يزيد ‪ ،‬عن عبد الله ]بن[ )‪ (3‬الديلمي ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫عمرو ‪ ،‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إن الله خلق خلقه‬
‫في ظلمة ‪ ،‬ثم ألقى عليهم من نوره يومئذ ‪ ،‬فمن أصاب يومئذ من نوره‬
‫ف القلم على علم الله عز وجل"‬ ‫اهتدى ‪ ،‬ومن أخطأه ضل‪ .‬فلذلك أقول ‪ :‬ج ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫سوَْيد ‪ ،‬عن يحيى بن أبي‬ ‫طريق أخرى عنه ‪ :‬قال البزار ‪ :‬حدثنا أيوب )‪ (5‬بن ُ‬
‫شيباني ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد الله بن عمر ‪ :‬سمعت رسول الله صلى‬ ‫عمرو ال ّ‬
‫الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إن الله خلق خلقه في ظلمة ‪ ،‬فألقى عليهم نوًرا‬
‫من نوره ‪ ،‬فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ‪ ،‬ومن أخطأه )‪ (6‬ضل‪].‬ورواه‬
‫البزار ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو من طريق آخر ‪ ،‬بلفظه وحروفه[ )‪.(8) (7‬‬
‫م { لما ذكر‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬
‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ل ِللّنا ِ‬ ‫مَثا َ‬‫ه ال ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫ب الل ُّ‬
‫ه‬ ‫ر‬‫ض‬ ‫ي‬
‫ََ ْ ِ ُ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫بقوله‬ ‫الية‬ ‫ختم‬ ‫‪،‬‬ ‫المؤمن‬ ‫قلب‬ ‫في‬ ‫هداه‬ ‫تعالى هذا مثل لنور‬
‫م { أي ‪ :‬هو أعلم بمن يستحق الهداية‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬‫ل ِللّنا ِ‬ ‫مَثا َ‬‫ال ْ‬
‫ممن يستحق الضلل‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو النضر ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ -‬يعني )‪ (9‬شيبان ‪، -‬‬
‫خَتري ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري قال‬ ‫مّرة ‪ ،‬عن أبي الب َ ْ‬ ‫عن ليث ‪ ،‬عن عمرو بن ُ‬
‫‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬القلوب أربعة ‪ :‬قلب أجرد فيه‬
‫مثل السراج ُيزهُر ‪ ،‬وقلب أغلف مربوط على غلفه ‪ ،‬وقلب منكوس ‪ ،‬وقلب‬
‫فح ‪ :‬فأما القلب الجرد فقلب المؤمن ‪ ،‬سراجه فيه نوره‪ .‬وأما القلب‬ ‫ص َ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ف ثم‬ ‫الغلف فقلب الكافر‪ .‬وأما القلب المنكوس فقلب ]المنافق[ )‪ (10‬عََر َ‬
‫فح فقلب فيه إيمان ونفاق ‪ ،‬ومثل اليمان فيه كمثل‬ ‫ص َ‬‫م ْ‬ ‫أنكر‪ .‬وأما القلب ال ُ‬
‫دها القيح والدم‬ ‫م ّ‬
‫قرحة ي َ ُ‬‫دها الماء الطيب ‪ ،‬ومثل النفاق فيه كمثل ال ُ‬ ‫م ّ‬‫البقلة ي َ ُ‬
‫‪ ،‬فأي المدتين غلبت على الخرى غلبت عليه"‪ .‬إسناده جيد )‪ (11‬ولم‬
‫يخرجوه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ولو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(2/176‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال البزار ‪ :‬حدثنا شهاب بن عثمان حدثنا أيوب"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أخطأ"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬مسند البزار برقم )‪" (2145‬كشف الستار" ورواه أحمد في مسنده )‬
‫‪ (2/197‬من طريق محمد بن مهاجر ‪ ،‬عن عروة بن رويم ‪ ،‬عن ابن‬
‫الديلمي ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو ‪ ،‬به‪.‬‬
‫)‪ (9‬في هـ ‪" :‬حدثنا" والمثبت من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪.(3/17‬‬
‫) ‪(6/61‬‬

‫في بيوت أ َذن الل ّ َ‬


‫ل)‬ ‫ه ِفيَها ِبال ْغُد ُوّ َواْل َ َ‬
‫صا ِ‬ ‫ح لَ ُ‬
‫سب ّ ُ‬
‫ه يُ َ‬
‫م ُ‬ ‫ن ت ُْرفَعَ وَي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬
‫س ُ‬ ‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ُُ ٍ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫‪(36‬‬
‫} في بيوت أ َذن الل ّ َ‬
‫ل‬ ‫ه ِفيَها ِبال ْغُد ُوّ َوال َ‬
‫صا ِ‬ ‫ح لَ ُ‬
‫سب ّ ُ‬
‫ه يُ َ‬
‫م ُ‬ ‫ن ت ُْرفَعَ وَي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬
‫س ُ‬ ‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ُُ ٍ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫)‪{ (36‬‬

‫) ‪(6/62‬‬

‫خاُفو َ‬
‫ن‬ ‫كاةِ ي َ َ‬‫صَلةِ وَِإيَتاِء الّز َ‬‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ وَإ َِقام ِ ال ّ‬ ‫جاَرة ٌ وََل ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫م تِ َ‬‫ل َل ت ُل ِْهيهِ ْ‬ ‫جا ٌ‬‫رِ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫زيد َهُ ْ‬
‫ملوا وَي َ ِ‬ ‫ما عَ ِ‬
‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬‫هأ ْ‬ ‫م الل ُ‬‫جزِي َهُ ُ‬‫صاُر )‪ (37‬ل ِي َ ْ‬ ‫ب َوالب ْ َ‬ ‫قلو ُ‬ ‫ب ِفيهِ ال ُ‬ ‫قل ُ‬ ‫ما ت َت َ َ‬
‫ي َوْ ً‬
‫ب )‪(38‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫شاُء ب ِغَي ْرِ ِ‬‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ه ي َْرُزقُ َ‬ ‫ّ‬
‫ضل ِهِ َوالل ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬

‫ة‬ ‫صلةِ وَِإيَتاِء الّز َ‬


‫كا ِ‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ وَإ َِقام ِ ال ّ‬ ‫جاَرة ٌ َول ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫م تِ َ‬ ‫ل ل ت ُل ِْهيهِ ْ‬ ‫جا ٌ‬ ‫} رِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ملوا‬‫ما عَ ِ‬
‫ن َ‬ ‫س َ‬
‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م الل ُ‬‫جزِي َهُ ُ‬‫صاُر )‪ (37‬ل ِي َ ْ‬ ‫ب َوالب ْ َ‬ ‫قلو ُ‬ ‫ب ِفيهِ ال ُ‬ ‫قل ُ‬ ‫ما ت َت َ َ‬
‫ن ي َوْ ً‬‫خاُفو َ‬ ‫يَ َ‬
‫ب )‪{ (38‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫شاُء ب ِغَي ْرِ ِ‬‫ن يَ َ‬‫م ْ‬‫ه ي َْرُزقُ َ‬ ‫ّ‬
‫ضل ِهِ َوالل ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫زيد َهُ ْ‬‫وَي َ ِ‬
‫لما ضرب الله تعالى ]مثل[ )‪ (1‬قلب المؤمن ‪ ،‬وما فيه من الهدى والعلم ‪،‬‬
‫بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوّقد من زيت طيب ‪ ،‬وذلك كالقنديل ‪ ،‬ذكر‬
‫محلها وهي المساجد ‪ ،‬التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الرض ‪ ،‬وهي‬
‫ن ت ُْرفَعَ { أي ‪ :‬أمر‬ ‫بيوته التي يعبد فيها ويوحد ‪ ،‬فقال ‪ } :‬في بيوت أ َذن الل ّ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ ٍ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ ّ‬
‫الله تعالى برفعها ‪ ،‬أي ‪ :‬بتطهيرها من الدنس واللغو ‪ ،‬والفعال والقوال التي‬
‫ل تليق فيها ‪ ،‬كما قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية‬
‫ن ت ُْرفَعَ { قال ‪ :‬نهى الله سبحانه عن اللغو‬ ‫الكريمة ‪ } :‬في بيوت أ َذن الل ّ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ ٍ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫فيها‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬ونافع بن جبير ‪ ،‬وأبو بكر بن‬
‫حْثمة )‪ (2‬وسفيان بن حسين ‪ ،‬وغيرهم من علماء‬ ‫سليمان بن أبي َ‬
‫المفسرين‪(3) .‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هي هذه المساجد ‪ ،‬أمر الله ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬ببنائها ورفعها ‪ ،‬وأمر‬
‫بعمارتها وتطهيرها‪ .‬وقد ذكر لنا أن كعًبا كان يقول ‪ :‬إن في التوراة مكتوًبا ‪" :‬‬
‫أل إن بيوتي في الرض المساجد ‪ ،‬وإنه من توضأ فأحسن وضوءه ‪ ،‬ثم زارني‬
‫ة الزائر"‪ .‬رواه عبد الرحمن بن أبي‬ ‫مُزور كرام ُ‬ ‫حقّ على ال َ‬ ‫في بيتي أكرمته ‪ ،‬و َ‬
‫حاتم في تفسيره‪.‬‬
‫وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد ‪ ،‬واحترامها وتوقيرها ‪ ،‬وتطييبها‬
‫وتبخيرها‪ .‬وذلك له محل مفرد يذكر فيه ‪ ،‬وقد كتبت في ذلك جزًءا على‬
‫دة ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪ .‬ونحن بعون الله تعالى نذكر )‪ (4‬هاهنا طرفا من‬ ‫ح َ‬
‫ذلك ‪ ،‬إن شاء الله تعالى ‪ ،‬وبه الثقة وعليه التكلن ‪:‬‬
‫ت رسول‬ ‫فعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سمع ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله ‪ ،‬بنى‬
‫الله له مثله في الجنة"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين )‪.(5‬‬
‫وروى ابن ماجه ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله ‪ ،‬بنى الله‬
‫له بيتا في الجنة" )‪.(6‬‬
‫سة )‪ (7‬مثله )‪ .(8‬والحاديث في هذا كثيرة جدا‪.‬‬ ‫وللنسائي عن عمرو بن عَب َ َ‬
‫وعن عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ببناء المساجد في الدور ‪ ،‬وأن تنظف‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خيثمة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬التفسير"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬سنذكر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (450‬وصحيح مسلم برقم )‪.(533‬‬
‫)‪ (6‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (735‬من طريق الوليد بن أبي الوليد عن عثمان‬
‫بن عبد الله عن عمر‪ .‬وقال البوصيري في الزوائد )‪" : (1/260‬هذا إسناد‬
‫مرسل ‪ ،‬عثمان بن عبد الله بن سراقة روى عن عمر وهو جده لمه ‪ ،‬ولم‬
‫يسمع منه‪ .‬قاله المزي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬عنبسة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬سنن النسائي )‪.(2/31‬‬

‫) ‪(6/62‬‬

‫وتطيب )‪ .(1‬رواه أحمد وأهل السنن إل النسائي‪ .‬ولحمد وأبي داود ‪ ،‬عن‬
‫جْندب نحوه‪(2) .‬‬ ‫مرة بن ُ‬ ‫س ُ‬‫َ‬
‫وقال البخاري ‪ :‬قال عمر ‪ :‬ابن للناس ما يكنهم ‪ ،‬وإياك أن تحمر أو تصفر‬
‫فتفتن الناس )‪.(3‬‬
‫وروى ابن ماجه عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما ساء‬
‫ط إل زخرفوا مساجدهم"‪ (4) .‬وفي إسناده ضعف‪.‬‬ ‫ل قوم ق ّ‬ ‫عم ُ‬
‫وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫ت بتشييد المساجد"‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬ل َت َُزخرفُّنها‬ ‫مْر ُ‬ ‫الله عليه وسلم ‪" :‬ما أ ِ‬
‫خَرفت اليهود والنصارى )‪(5‬‬ ‫كما َز ْ‬
‫وعن أنس رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل‬
‫تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد"‪ .‬رواه المام أحمد وأهل‬
‫السنن إل الترمذي )‪(6‬‬
‫جل أنشد َ في المسجد ‪ ،‬فقال ‪ :‬من دعا إلى الجمل الحمر ؟‬ ‫وعن ب َُري ْد َةَ أن َر ُ‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل وجدت ‪ ،‬إنما ب ُِنيت المساجد لما بنيت‬
‫له"‪ .‬رواه مسلم‪(7) .‬‬
‫وعن عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬نهى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬عن البيع والبتياع ‪ ،‬وعن تناشد الشعار في المساجد‪ .‬رواه‬
‫أحمد وأهل السنن )‪ ، (8‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه سلم ‪:‬‬
‫قال ‪" :‬إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد ‪ ،‬فقولوا ‪ :‬ل أربح الله تجارتك‪.‬‬
‫شد ضالة في المسجد ‪ ،‬فقولوا ‪ :‬ل َرد ّ الله عليك"‪ .‬رواه‬ ‫وإذا رأيتم من َين ُ‬
‫الترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حسن غريب‪(9) .‬‬
‫عا ‪ ،‬قال ‪" :‬خصال ل‬ ‫وقد روى ابن ماجه وغيره ‪ ،‬من حديث ابن عمر مرفو ً‬
‫شهَُر فيه سلح ‪ ،‬ول ُينَبض فيه‬ ‫قا ‪ ،‬ول ي ُ ْ‬
‫تنبغي في المسجد ‪ :‬ل ي ُّتخذ ُ طري ً‬
‫حد ّ ‪ ،‬ول‬
‫ب فيه َ‬ ‫بقوس ‪ ،‬ول ينثر فيه نبل ‪ ،‬ول ُيمّر فيه بلحم ِنيء ‪ :‬ول ُيضَر ُ‬
‫قَتص فيه من أحد ‪ ،‬ول ي ُّتخذ سوًقا" )‪.(10‬‬ ‫يُ ْ‬
‫جّنبوا‬
‫وعن واثلة بن السقع ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪َ " :‬‬
‫المساجد صبيانكم ومجانينكم ‪ ،‬وشراءكم وبيعكم ‪ ،‬وخصوماتكم ورفع‬
‫أصواتكم ‪ ،‬وإقامة حدودكم وسل سيوفكم ‪ ،‬واتخذوا على أبوابها المطاهر ‪،‬‬
‫مع"‪.‬‬
‫ج َ‬
‫مروها في ال ُ‬‫ج ّ‬
‫و َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (6/279‬وسنن أبي داود برقم )‪ (455‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (594‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(759‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (5/17‬وسنن أبي داود برقم )‪.(456‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري )‪" (1/539‬فتح"‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (741‬من طريق جبارة بن المغلس عن عبد‬
‫الكريم بن عبد الرحمن عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬به‪ .‬قال‬
‫البوصيري في الزوائد )‪" : (1/262‬هذا إسناد فيه جبارة بن المغلس وقد‬
‫اتهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود برقم )‪.(448‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (3/134‬وسنن أبي داود برقم )‪ (449‬وسنن النسائي )‪(2/32‬‬
‫وسنن ابن ماجه برقم )‪.(739‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم برقم )‪.(569‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (2/179‬وسنن أبي داود برقم )‪ (1079‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (322‬وسنن النسائي )‪ (2/47‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(749‬‬
‫)‪ (9‬سنن الترمذي برقم )‪.(3121‬‬
‫)‪ (10‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (748‬وقال البوصيري في الزوائد )‪: (1/264‬‬
‫"هذا إسناد فيه زيد بن جبيرة‪ .‬قال ابن عبد البر ‪ :‬أجمعوا على أنه ضعيف"‪.‬‬

‫) ‪(6/63‬‬

‫ضا )‪ (1‬وفي إسنادهما )‪ (2‬ضعف‪.‬‬ ‫ورواه ابن ماجه أي ً‬


‫جد‬‫قا" فقد كره بعض العلماء المرور فيه إل لحاجة إذا وَ َ‬ ‫أما أنه "ل يتخذ طري ً‬
‫مندوحة عنه‪ .‬وفي الثر ‪" :‬إن الملئكة لتتعجب من الرجل يمر بالمسجد ل‬
‫يصلي فيه"‪.‬‬
‫وأما أنه "ل يشهر فيه بسلح )‪ .(3‬ول ينبض فيه بقوس ‪ ،‬ول ينثر فيه نبل )‪.(4‬‬
‫فلما يخشى من إصابة بعض الناس به ‪ ،‬لكثرة المصلين فيه ؛ ولهذا أمر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر أحد بسهام أن يقبض على نصالها ؛‬
‫دا ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح )‪.(5‬‬ ‫لئل يؤذي أح ً‬
‫وأما النهي عن المرور باللحم النيء فيه ‪ ،‬فَِلما يخشى من تقاطر الدم منه ‪،‬‬
‫كما نهيت الحائض عن المرور فيه إذا خافت التلويث‪.‬‬
‫وأما أنه "ل يضرب فيه حد ول يقتص" ‪ ،‬فلما يخشى من إيجاد نجاسة فيه من‬
‫المضروب أو المقطوع‪.‬‬
‫وأما أنه "ل يتخذ سوًقا" ‪ ،‬فلما تقدم من النهي عن البيع والشراء فيه ‪ ،‬فإنه‬
‫إنما بني لذكر الله والصلة كما قال النبي عليه الصلة والسلم ‪ (6) ،‬لذلك‬
‫العرابي الذي بال في طائفة المسجد ‪" :‬إن المساجد لم تبن لهذا ‪ ،‬إنما‬
‫جل من ماء ‪ ،‬فأهريق على بوله )‬ ‫س ْ‬‫بنيت لذكر الله والصلة فيها"‪ .‬ثم أمر ب َ‬
‫‪.(7‬‬
‫جّنبوا مساجدكم صبيانكم" ‪ ،‬وذلك لنهم يلعبون فيه‬ ‫وفي الحديث الثاني ‪َ " :‬‬
‫ول يناسبهم ‪ ،‬وقد كان عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬إذا رأى صبياًنا‬
‫س )‪(9‬‬ ‫قة ‪ -‬وهي الد ّّرة ‪ -‬وكان ي َعُ ّ‬‫ف َ‬
‫خ َ‬‫م ْ‬‫يلعبون في المسجد )‪ ، (8‬ضربهم بال ِ‬
‫دا‪.‬‬‫المسجد بعد العشاء ‪ ،‬فل يترك فيه أح ً‬
‫خر الناس بهم ‪ ،‬فيؤدي إلى )‬ ‫س‬
‫َ ْ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫عقولهم‬ ‫"ومجانينكم" يعني ‪ :‬لجل ضعف‬
‫‪ (10‬اللعب فيها ‪ ،‬ولما يخشى من تقذيرهم المسجد ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫"وبيعكم وشراءكم" كما تقدم‪.‬‬
‫"وخصوماتكم" يعني ‪ :‬التحاكم والحكم فيه ؛ ولهذا نص كثير من العلماء على‬
‫أن الحاكم ل ينتصب لفصل القضية في المسجد ‪ ،‬بل يكون في موضع‬
‫غيره ؛ لما فيه من كثرة الحكومات والتشاجر والعياط )‪ (11‬الذي ل يناسبه ؛‬
‫ولهذا قال بعده ‪" :‬ورفع أصواتكم"‪.‬‬
‫جعَْيد‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا علي بن عبد الله ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا ال ُ‬
‫فة )‪ ، (14‬عن‬ ‫صي َ‬‫خ َ‬‫)‪ (12‬بن عبد الرحمن قال ‪ :‬حدثني )‪ (13‬يزيد بن ُ‬
‫ما في المسجد ‪ ،‬فحصبني رجل ‪،‬‬ ‫السائب بن َيزيد َ الكْنديّ قال ‪ :‬كنت قائ ً‬
‫فنظرت فإذا عمر )‪ (15‬بن الخطاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬اذهب فأتني بهذين‪ .‬فجئته بهما‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬من أنتما ؟ أو ‪ :‬من أين أنتما ؟ قال من أهل الطائف‪ .‬قال ‪ :‬لو كنتما‬
‫من أهل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (750‬وقال البوصيري في الزوائد )‪: (1/265‬‬
‫"هذا إسناد ضعيف ‪ ،‬أبو سعيد هو محمد بن سعيد المصلوب ‪ ،‬قال أحمد ‪:‬‬
‫عمدا كان يضع الحديث ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬والحارث بن نبهان ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إسناده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬السلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬بنبل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2615‬من حديث أبي موسى الشعري‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (284‬من حديث أنس بن مالك ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يفتش"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬والغياظ"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الجعد"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حفصة"‪.‬‬
‫)‪ (15‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فإذا هو عمر"‪.‬‬

‫) ‪(6/64‬‬

‫البلد لوجعتكما ‪ :‬ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم )‪.(1‬‬
‫سوَْيد بن نصر ‪ ،‬عن عبد الله بن المبارك ‪ ،‬عن شعبة ‪،‬‬
‫وقال النسائي ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫عن سعد بن إبراهيم ‪ ،‬عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال ‪ :‬سمع‬
‫ضا صحيح‪(2) .‬‬ ‫عمر صوت رجل في المسجد فقال ‪ :‬أتدري أين أنت ؟ وهذا أي ً‬
‫وقوله ‪" :‬وإقامة حدودكم ‪ ،‬وسل سيوفكم" ‪ :‬تقدما‪(3) .‬‬
‫وقوله ‪" :‬واتخذوا على أبوابها المطاهر" يعني ‪ :‬المراحيض التي يستعان بها‬
‫على الوضوء وقضاء الحاجة‪ .‬وقد كانت قريًبا من مسجد رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم آبار )‪ (4‬يستقون منها ‪ ،‬فيشربون ويتطهرون ‪ ،‬ويتوضؤون‬
‫وغير ذلك‪.‬‬
‫مع لكثرة اجتماع‬ ‫ج َ‬
‫مع" يعني ‪ :‬بخروها في أيام ال ُ‬ ‫ج َ‬
‫مروها في ال ُ‬ ‫وقوله ‪" :‬وج ّ‬
‫الناس يومئذ‪.‬‬
‫وقد قال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا عبيد الله ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن )‬
‫‪ (5‬بن مهدي ‪ ،‬عن عبد الله بن عمر ‪ ،‬عن نافع عن ابن عمر ؛ أن عمر كان‬
‫مر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جمعة‪ .‬إسناده حسن ل‬ ‫ج ّ‬
‫يُ َ‬
‫بأس به )‪ (6‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫سا‬
‫ضّعف على صلته في بيته وفي سوقه ‪ ،‬خم ً‬ ‫"صلة الرجل في الجماعة ت ُ َ‬
‫فا‪ .‬وذلك أنه إذا توضأ فأحسن وضوءه )‪ (7‬ثم خرج إلى المسجد‬ ‫وعشرين ضع ً‬
‫ّ‬
‫خطوة إل ُرفع له بها درجة ‪ ،‬وحط عنه بها‬ ‫ُ‬
‫‪ ،‬ل يخرجه إل الصلة ‪ ،‬لم َيخط َ‬
‫صله ‪ :‬اللهم‬
‫م َ‬‫خطيئة ‪ ،‬فإذا صلى لم تزل الملئكة تصلي عليه ما دام في ُ‬
‫صل عليه ‪ ،‬اللهم ارحمه ‪ ،‬ول يزال في صلة ما انتظر الصلة" )‪(8‬‬
‫عا ‪" :‬ل صلة لجار المسجد إل في المسجد" )‪.(9‬‬ ‫وعند الدارقطني مرفو ً‬
‫شر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم‬ ‫وفي السنن ‪" :‬ب ّ‬
‫القيامة" )‪.(10‬‬
‫والمستحب لمن دخل المسجد أن يبدأ برجله اليمنى ‪ ،‬وأن يقول كما ثبت في‬
‫عمرو )‪ (11‬رضي الله عنه )‪ (12‬عن رسول‬ ‫صحيح البخاري عن عبد الله بن َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(470‬‬
‫)‪ (2‬وذكره المزي في تحفة الشراف )‪ (8/4‬وعزاه للنسائي في السنن‬
‫الكبرى في المواعظ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬تقدم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أباريق"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬مسند أبي يعلى )‪.(1/170‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الوضوء"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (647‬وصحيح مسلم برقم )‪ (649‬من حديث أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (9‬سنن الدارقطني )‪ (1/420‬من طريق سليمان بن داود اليمامي عن‬
‫يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا ‪ ،‬به‪ .‬وقد رواه‬
‫الحاكم في المستدرك )‪ (1/246‬والبيهقي في السنن الكبرى )‪ (3/57‬من‬
‫طريق سليمان بن داود ‪ ،‬به‪ .‬وسليمان بن داود مجمع على تضعيفه‪ .‬ومن‬
‫حديث جابر ‪ ،‬رواه الدارقطني أيضا في السنن )‪ (1/420‬من طريق محمد بن‬
‫مسكين عن عبد الله بن بكير عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن‬
‫جابر مرفوعا ‪ ،‬به‪ .‬وقال أبو الطيب في التعليق ‪" :‬فيه محمد بن مسكين ‪،‬‬
‫قال الذهبي ‪ :‬ل يعرف وخبره منكر‪ .‬وقال البخاري ‪ :‬في إسناد حديثه نظر"‪.‬‬
‫)‪ (10‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪ (561‬والترمذي في السنن برقم )‬
‫‪ (223‬من حديث بريدة بن الحصيب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا‬
‫حديث غريب من هذا الوجه مرفوع ‪ ،‬وهو صحيح مسند وموقوف إلى أصحاب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولم يسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عنهما"‪.‬‬

‫) ‪(6/65‬‬

‫أعوذ بالله العظيم ‪ ،‬وبوجهه الكريم ‪ ،‬وسلطانه القديم ‪ ،‬من الشيطان‬


‫الرجيم" ]قال ‪ :‬أقط ؟ قال ‪ :‬نعم[ )‪ .(1‬قال ‪ :‬فإذا قال ذلك قال الشيطان ‪:‬‬
‫حفظ مني سائر اليوم )‪.(2‬‬ ‫ُ‬
‫سْيد ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله‬ ‫وروى مسلم بسنده عن أبي حميد ‪ -‬أو ‪ :‬أبي أ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا دخل أحدكم المسجد فليقل ‪ :‬اللهم افتح لي‬
‫أبواب رحمتك ‪ ،‬وإذا خرج فليقل ‪ :‬اللهم إني أسألك من فضلك"‪.‬‬
‫ورواه النسائي عنهما ‪ ،‬عن النبي )‪ (3‬صلى الله عليه وسلم ]مثله[ )‪.(5) (4‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إذا دخل أحدكم المسجد ‪ ،‬فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وليقل ‪ :‬اللهم افتح لي أبواب رحمتك‪ .‬وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وليقل ‪ :‬اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم"‪.‬‬
‫حّبان في صحيحيهما )‪.(6‬‬ ‫ورواه ابن ماجه ‪ ،‬وابن خزيمة وابن ِ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ل َْيث بن أبي سليم ‪،‬‬
‫عن عبد الله بن حسن )‪ .(7‬عن أمه فاطمة بنت حسين ‪ ،‬عن جدتها فاطمة‬
‫بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬اغفر لي‬
‫ذنوبي ‪ ،‬وافتح لي أبواب رحمتك"‪ .‬وإذا خرج صلى على محمد وسلم ثم‬
‫قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬اغفر لي ذنوبي ‪ ،‬وافتح لي أبواب فضلك"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه )‪ ، (8‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن وإسناده‬
‫ليس بمتصل ؛ لن فاطمة بنت الحسين الصغرى لم تدرك فاطمة الكبرى‪.‬‬
‫فهذا الذي ذكرناه ‪ ،‬مع ما تركناه من الحاديث الواردة في ذلك لحال الطول‬
‫ن ت ُْرفَعَ {‪.‬‬ ‫)‪ .(9‬كله داخل في قوله تعالى ‪ } :‬في بيوت أ َذن الل ّ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ ٍ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫خذوا‬‫ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه { أي ‪ :‬اسم الله ‪ ،‬كقوله ‪َ } :‬يا ب َِني آد َ َ‬ ‫م ُ‬
‫س ُ‬‫وقوله ‪ } :‬وَي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬
‫َ‬
‫عن ْد َ‬ ‫م ِ‬ ‫جوهَك ُ ْ‬ ‫موا وُ ُ‬ ‫جد ٍ { ]العراف ‪ ، [31 :‬وقوله } وَأِقي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عن ْد َ ك ُ ّ‬‫م ِ‬ ‫ِزين َت َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن { ]العراف ‪ ، [29 :‬وقوله } وَأ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫عوه ُ ُ‬ ‫جد ٍ َواد ْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫َ‬
‫دا { ]الجن ‪.[18 :‬‬ ‫ح ً‬ ‫معَ الل ّهِ أ َ‬ ‫عوا َ‬ ‫جد َ ل ِل ّهِ َفل ت َد ْ ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه { يعني ‪ :‬يتلى فيها كتابه‪.‬‬ ‫م ُ‬
‫س ُ‬ ‫قال ابن عباس ‪ } :‬وَي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬
‫شّيات‪.‬‬ ‫كرات والعَ ِ‬ ‫ل { أي ‪ :‬في الب ُ َ‬ ‫صا ِ‬‫ه ِفيَها ِبال ْغُد ُوّ َوال َ‬ ‫ح لَ ُ‬‫سب ّ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬ي ُ َ‬
‫والصال ‪ :‬جمع أصيل ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬لم أجده في صحيح البخاري ‪ ،‬وقد ذكره المزي في تحفة الشراف وابن‬
‫الثير في جامع الصول ولم يعزواه إل لبي داود في السنن برقم )‪.(466‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪ (713‬وسنن النسائي )‪.(2/53‬‬
‫)‪ (6‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (773‬وصحيح ابن خزيمة برقم )‪ (452‬وصحيح‬
‫ابن حبان برقم )‪" (2048‬الحسان" كلهم من طريق أبي بكر الحنفي عن‬
‫الضحاك بن عثمان عن المقبري عن أبي هريرة ‪ ،‬به‪ .‬وقال البوصيري في‬
‫الزوائد )‪" : (1/97‬هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬حسين"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (6/282‬وسنن الترمذي برقم )‪ (314‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(771‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لجافي القول"‪.‬‬

‫) ‪(6/66‬‬

‫وهو آخر النهار‪.‬‬


‫جَبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كل تسبيح في القرآن هو الصلة‪.‬‬ ‫وقال سعيد بن ُ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني بالغدو ‪ :‬صلة الغداة ‪،‬‬
‫ويعني بالصال ‪ :‬صلة العصر ‪ ،‬وهما أول ما افترض الله من الصلة ‪ ،‬فأحب‬
‫كر بهما عباده‪.‬‬ ‫كرهما وأن ي ُذ َ ّ‬ ‫أن ي َذ ْ ُ‬
‫ل { يعني ‪:‬‬ ‫صا ِ‬ ‫ه ِفيَها ِبال ْغُد ُوّ َوال َ‬ ‫ح لَ ُ‬‫سب ّ ُ‬
‫وكذا قال الحسن ‪ ،‬والضحاك ‪ } :‬ي ُ َ‬
‫الصلة‪.‬‬
‫َ‬
‫ل" ‪ -‬بفتح الباء من‬ ‫صا ِ‬ ‫ه ِفيَها ِبال ْغُد ُوّ َوال َ‬ ‫ح لَ ُ‬‫سب ّ ُ‬
‫قَرأة )‪ " (1‬ي ُ َ‬ ‫ومن قرأ من ال َ‬
‫"ُيسبح" على أنه مبني لما لم يسم فاعله ‪ -‬وقف )‪ (2‬على قوله ‪:‬‬
‫ن‬
‫جاَرةٌ َول ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫م تِ َ‬ ‫ل ل ت ُل ِْهيهِ ْ‬
‫جا ٌ‬‫ما ‪ ،‬وابتدأ بقوله ‪ } :‬رِ َ‬ ‫فا تا ً‬ ‫صال { وق ً‬ ‫} وال َ‬
‫ذِك ْرِ الل ّهِ { وكأنه مفسر للفاعل المحذوف ‪ ،‬كما قال الشاعر )‪.(3‬‬
‫ح‪...‬‬‫وائ ُ‬ ‫ط مما ُتطيح الط ّ َ‬ ‫خَتب ٌ‬ ‫م ْ‬
‫صومة‪ ...‬و ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ك يزيد ُ ‪ ،‬ضارع ٌ ل ُ‬ ‫ل ِي ُب ْ َ‬
‫كأنه قال ‪ :‬من يبكيه ؟ قال ‪ :‬هذا يبكيه‪ .‬وكأنه قيل ‪ :‬من يسبح له فيها ؟‬
‫قال ‪ :‬رجال‪.‬‬
‫ن قرأ ‪ } :‬يسّبح { ‪ -‬بكسر الباء ‪ -‬فجعله فعل وفاعله ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫وأما على قراءة َ‬
‫جال { فل يحسن الوقف إل على الفاعل ؛ لنه تمام الكلم‪.‬‬ ‫} رِ َ‬
‫جال { فيه إشعار بهممهم السامية ‪ ،‬ونياتهم وعزائمهم العالية ‪،‬‬ ‫فقوله ‪ } :‬رِ َ‬
‫مارا للمساجد ‪ ،‬التي هي بيوت الله في أرضه ‪ ،‬ومواطن‬ ‫التي بها صاروا عُ ّ‬
‫جالٌ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ْ‬
‫مؤ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫عبادته وشكره ‪ ،‬وتوحيده وتنزيهه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ِ } :‬‬
‫ه عَل َي ْهِ { ]الحزاب ‪.[23 :‬‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫عاهَ ُ‬ ‫صد َُقوا َ‬
‫ما َ‬ ‫َ‬
‫صلتهن في بيوتهن أفضل لهن ؛ لما رواه أبو داود ‪ ،‬عن عبد الله‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫النساء‬ ‫فأما‬
‫بن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬صلة‬
‫المرأة في بيتها أفضل من صلتها في حجرتها ‪ ،‬وصلتها في مخدعها أفضل‬
‫من صلتها في بيتها" )‪.(4‬‬
‫دين ‪ ،‬حدثني عمرو ‪ ،‬عن‬ ‫ش ِ‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن غَْيلن ‪ ،‬حدثنا رِ ْ‬
‫أبي السمح ‪ ،‬عن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة ‪ -‬رضي الله عنها ‪- ،‬‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬خير مساجد النساء ]قعر[ )‬
‫‪ (5‬بيوتهن" )‪.(6‬‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا هارون ‪ ،‬أخبرني عبد الله بن وهب ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال المام أحمد أي ً‬
‫ويد النصاري ‪ ،‬عن عمته أم حميد ‪ -‬امرأة‬ ‫س َ‬ ‫داود بن قيس ‪ ،‬عن عبد الله بن ُ‬
‫أبي حميد الساعدي ‪ -‬أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬إني أحب الصلة معك قال ‪" :‬قد علمت أنك تحبين الصلة‬
‫جَرتك‬‫ح ْ‬
‫معي ‪ ،‬وصلتك في بيتك خير من صلتك في حجرتك ‪ ،‬وصلتك في ُ‬
‫خير من صلتك في دارك ‪ ،‬وصلتك في دارك خير من صلتك في مسجد‬
‫قومك ‪ ،‬وصلتك في مسجد قومك خير من صلتك في مسجدي"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫مَرت فُبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه )‪ ، (7‬فكانت‬ ‫فأ َ‬
‫تصلي فيه حتى لقيت الله ‪ ،‬عز وجل‪ .‬لم يخرجوه‪(8) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬القراء"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬ويقف"‪.‬‬
‫)‪ (3‬ينسب للشاعر نهشل بن حري ولغيره ‪ ،‬وهو من شواهد الكتاب لسيبويه‬
‫)‪ (1/145‬والمقتضب للمبرد )‪ (3/382‬ومغني اللبيب لبن هشام الشاهد رقم‬
‫)‪ (1048‬ا‪.‬هـ ‪ ،‬مستفادا من حاشية الشعب‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن أبي داود برقم )‪.(580‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(6/297‬‬
‫)‪ (7‬في هـ ‪" :‬بيوتها والله" وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بيتها والله" والمثبت من المسند‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(6/371‬‬

‫) ‪(6/67‬‬

‫دا من الرجال‬ ‫هذا ويجوز لها شهود جماعة الرجال ‪ ،‬بشرط أن ل تؤذي أح ً‬
‫مر أنه‬ ‫بظهور زينة ول ريح طيب كما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عُ َ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل تمنعوا إماء الله مساجد‬
‫الله" )‪.(1‬‬
‫رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬ولحمد وأبي داود ‪" :‬وبيوتهن خير لهن" )‪ (2‬وفي‬
‫فلت" )‪ (3‬أي ‪ :‬ل ريح لهن‪.‬‬ ‫رواية ‪" :‬وليخرجن وهن ت َ ِ‬
‫وقد ثبت في صحيح مسلم ‪ ،‬عن زينب ‪ -‬امرأة ابن مسعود ‪ -‬قالت ‪ :‬قال لنا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا شهدت إحداكن المسجد فل تمس‬
‫طيًبا" )‪.(4‬‬
‫وفي الصحيحين عن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬أنها قالت ‪ :‬كان نساء‬
‫المؤمنين )‪ (5‬يشهدن الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم‬
‫مُروطهن ‪ ،‬ما ي ُعَْرْفن من الغََلس )‪.(6‬‬ ‫يرجعن متلفعات ب ُ‬
‫ضا عنها أنها قالت ‪ :‬لو أدرك رسول الله صلى الله عليه‬ ‫وفي الصحيحين أي ً‬
‫منعت نساء بني إسرائيل )‪.(7‬‬ ‫ن المساجد ‪ ،‬كما ُ‬ ‫وسلم ما أحدث النساء لمنعهُ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ذِك ْرِ اللهِ { ‪ ،‬كقوله } َيا أي َّها‬ ‫ْ‬ ‫جاَرة ٌ َول ب َي ْعٌ عَ‬ ‫م تِ َ‬ ‫ل ل ت ُل ِْهيهِ ْ‬ ‫جا ٌ‬ ‫وقوله ‪ } :‬رِ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك‬‫ك فَأولئ ِ َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬‫فعَ ْ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ذِك ْرِ اللهِ وَ َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫م َول أْولد ُك ُ ْ‬ ‫والك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫مأ ْ‬ ‫مُنوا ل ت ُلهِك ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫مُنوا إ َِذا ُنودِ َ‬
‫ي‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن { ]المنافقون ‪ ، [9 :‬وقال تعالى } َيا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫هُ ُ‬
‫ن‬
‫م إِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر لك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫وا إ ِلى ذِكرِ اللهِ وَذ َُروا الب َي ْعَ ذ َل ِك ْ‬ ‫َ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫معَةِ َفا ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َوْم ِ ال ُ‬
‫م ْ‬ ‫صلةِ ِ‬ ‫ِلل ّ‬
‫ن { ]الجمعة ‪[9 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ت َعْل ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ملذ َبيعها وريحها ‪ ،‬عن ذكر‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬ل تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها و َ‬
‫ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم ‪ ،‬والذين يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم‬
‫وأنفع مما بأيديهم ؛ لن ما عندهم ينفد وما عند الله باق ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل‬
‫كاةِ { أي ‪ :‬يقدمون‬ ‫صلةِ وَِإيَتاِء الّز َ‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ وَإ َِقام ِ ال ّ‬ ‫جاَرة ٌ َول ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫م تِ َ‬ ‫ت ُل ِْهيهِ ْ‬
‫مَراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم‪.‬‬ ‫طاعته و ُ‬
‫ما‬
‫دثت عن ابن مسعود أنه رأى قو ً‬ ‫ح ّ‬
‫سّيار )‪] : (8‬قال[ )‪ُ (9‬‬ ‫شْيم ‪ :‬عن َ‬ ‫قال هُ َ‬
‫من أهل السوق ‪ ،‬حيث نودي بالصلة ‪ ،‬تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلة ‪،‬‬
‫جاَرةٌ‬ ‫ل ل ت ُل ِْهيهِ ْ‬
‫م تِ َ‬ ‫جا ٌ‬
‫فقال عبد الله ‪ :‬هؤلء من الذين ذكر الله في كتابه ‪ } :‬رِ َ‬
‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ { )‪.(10‬‬
‫َول ب َي ْعٌ عَ ْ‬
‫ي ‪ ،‬عن سالم ‪ ،‬عن عبد الله بن عمر ‪،‬‬ ‫مان ّ‬
‫قهَْر َ‬
‫مرو بن دينار ال َ‬ ‫وهكذا روى عَ ْ‬
‫رضي الله عنهما ‪ ،‬أنه كان في السوق )‪ (11‬فأقيمت الصلة ‪ ،‬فأغلقوا‬
‫حوانيتهم ودخلوا المسجد ‪ ،‬فقال ابن عمر ‪ :‬فيهم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (900‬وصحيح مسلم برقم )‪.(442‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (2/76‬وسنن أبي داود برقم )‪ (567‬من حديث عبد الله بن‬
‫عمر ‪ ،‬رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (3‬وهي في المسند )‪ (2/438‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪.(443‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المؤمنات"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (578‬وصحيح مسلم برقم )‪.(645‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪ (869‬وصحيح مسلم برقم )‪.(445‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬شيبان"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(18/113‬‬
‫)‪ (11‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بالسوق"‪.‬‬

‫) ‪(6/68‬‬

‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ {‪ .‬رواه ابن أبي حاتم ‪،‬‬ ‫جاَرة ٌ َول ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫ل ل ت ُل ِْهيهِ ْ‬
‫م تِ َ‬ ‫جا ٌ‬
‫نزلت ‪ } :‬رِ َ‬
‫وابن جرير )‪.(1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن بكر )‪ (2‬الصنعاني ‪ ،‬حدثنا‬
‫جْير ‪ ،‬حدثنا أبو عبد رب )‬ ‫أبو سعيد مولى بني هاشم )‪ (3‬حدثنا عبد الله بن ب ُ َ‬
‫‪ (4‬قال ‪ :‬قال أبو الدرداء ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬إني قمت )‪ (5‬على هذا الدرج‬
‫أبايع عليه ‪ ،‬أربح كل يوم ثلثمائة دينار ‪ ،‬أشهد الصلة في كل يوم في‬
‫المسجد ‪ ،‬أما إني ل أقول ‪" :‬إن ذلك ليس بحلل" ولكني أحب أن أكون من‬
‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ {‪.‬‬ ‫جاَرة ٌ َول ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫م تِ َ‬‫ل ل ت ُل ِْهيهِ ْ‬ ‫جا ٌ‬‫الذين قال الله ‪ } :‬رِ َ‬
‫وقال عمرو بن دينار العور ‪ :‬كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد‬
‫مرُوا متاعهم ‪،‬‬ ‫خ ّ‬
‫المسجد ‪ ،‬فمررنا بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلة و َ‬
‫لل‬‫جا ٌ‬‫فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد ‪ ،‬فتل سالم هذه الية ‪ } :‬رِ َ‬
‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ { ثم قال ‪ :‬هم هؤلء‪.‬‬ ‫جاَرة ٌ َول ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫ت ُل ِْهيهِ ْ‬
‫م تِ َ‬
‫وكذا قال سعيد بن أبي الحسن ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬ل تلهيهم التجارة والبيع أن يأتوا‬
‫الصلة في وقتها‪.‬‬
‫وقال مطر الوَّراق ‪ :‬كانوا يبيعون ويشترون ‪ ،‬ولكن كان أحدهم إذا سمع‬
‫النداء وميزاُنه في يده خفضه ‪ ،‬وأقبل إلى الصلة‪.‬‬
‫رْ‬
‫ن ذِك ِ‬
‫جاَرةٌ َول ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫م تِ َ‬‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس } ل ت ُل ِْهيهِ ْ‬
‫الل ّهِ { يقول ‪ :‬عن الصلة المكتوبة‪ .‬وكذا قال الربيع بن أنس ومقاتل بن‬
‫حيان‪.‬‬
‫دي ‪ :‬عن الصلة في جماعة‪.‬‬ ‫س ّ‬
‫وقال ال ّ‬
‫وعن مقاتل بن حيان ‪ :‬ل يلهيهم ذلك عن حضور الصلة ‪ ،‬وأن يقيموها كما‬
‫أمرهم )‪ (6‬الله ‪ ،‬وأن يحافظوا على مواقيتها ‪ ،‬وما استحفظهم الله فيها‪.‬‬
‫صاُر { أي ‪ :‬يوم القيامة الذي‬ ‫ب َوالب ْ َ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ب ِفيهِ ال ْ ُ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫ما ت َت َ َ‬ ‫ن ي َوْ ً‬ ‫خاُفو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َ َ‬
‫تتقلب فيه القلوب والبصار ‪ ،‬أي ‪ :‬من شدة الفزع وعظمة الهوال ‪ ،‬كما قال‬
‫َ‬
‫ن { ]غافر ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬ ‫جرِ َ‬ ‫حَنا ِ‬ ‫دى ال ْ َ‬ ‫ب لَ َ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫م الزِفَةِ إ ِذِ ال ْ ُ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫تعالى } وَأن ْذِْرهُ ْ‬
‫صاُر { ]إبراهيم ‪:‬‬ ‫ص ِفيهِ الب ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫م ل ِي َوْم ٍ ت َ ْ‬ ‫خُرهُ ْ‬ ‫ما ي ُؤَ ّ‬ ‫‪ ، [18‬وقال تعالى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫سيًرا إ ِن ّ َ‬ ‫ما وَأ ِ‬ ‫كيًنا وَي َِتي ً‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حب ّهِ ِ‬ ‫م عَلى ُ‬ ‫ن الطَعا َ‬ ‫مو َ‬ ‫‪ ، [42‬وقال تعالى ‪ } :‬وَي ُطعِ ُ‬
‫ما‬‫ن َرب َّنا ي َوْ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خا ُ‬ ‫كوًرا إ ِّنا ن َ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫جَزاًء َول ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ريد ُ ِ‬ ‫جهِ الل ّهِ ل ن ُ ِ‬ ‫م ل ِوَ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ن ُط ْعِ ُ‬
‫م‬
‫جَزاهُ ْ‬ ‫سُروًرا وَ َ‬ ‫ضَرة ً وَ ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫قاهُ ْ‬ ‫ك ال ْي َوْم ِ وَل َ ّ‬ ‫شّر ذ َل ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ريًرا فَوََقاهُ ُ‬ ‫مط َ ِ‬ ‫سا قَ ْ‬ ‫عَُبو ً‬
‫ريًرا { ]النسان ‪.[12 - 8 :‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫جن ّ ً‬ ‫صب َُروا َ‬ ‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫ملوا { أي ‪ :‬هؤلء من الذين يتقبل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما عَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫جزِي َهُ ُ‬ ‫وقال هاهنا } ل ِي َ ْ‬
‫عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم‪.‬‬
‫ضل ِهِ { أي ‪ :‬يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم ‪ ،‬كما‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫زيد ُهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َ ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫فَها وَي ُؤْ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ُ‬
‫ن ت َك َ‬ ‫ل ذ َّرةٍ وَإ ِ ْ‬ ‫قا َ‬‫مث ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ل ي َظل ِ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل َدن َ‬
‫سن َةِ فل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫جاَء ِبال َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما { ]النساء ‪ ، [40 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬‬ ‫ظي ً‬ ‫جًرا عَ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُْ ُ‬
‫سًنا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ضا َ‬ ‫ه قْر ً‬ ‫ض الل َ‬ ‫قرِ ُ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ن ذا ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مثال َِها { ]النعام ‪ ، [160 :‬وقال } َ‬ ‫شُر أ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ف لِ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ضَعاًفا ك َِثيَرةً { ]البقرة ‪ ، [245 :‬وقال } َوالل ّ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ف ُ‬‫ع َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫فَي ُ َ‬
‫شاُء { ]البقرة ‪[261 :‬‬ ‫يَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(18/113‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بكير"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد ربه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬قمت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أمر"‪.‬‬

‫) ‪(6/69‬‬

‫َ‬
‫جاَءهُ ل َ ْ‬
‫م‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ماًء َ‬ ‫ن َ‬ ‫مآ َ ُ‬‫ه الظ ّ ْ‬ ‫سب ُ ُ‬‫ح َ‬ ‫قيعَةٍ ي َ ْ‬‫ب بِ ِ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫م كَ َ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫فُروا أعْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫حساب )‪ (39‬أوَ‬
‫ْ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫ساب َ ُ‬‫ح َ‬ ‫عن ْد َه ُ فَوَّفاه ُ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد َ الل ّ َ‬ ‫شي ًْئا وَوَ َ‬
‫جد ْه ُ َ‬ ‫يَ ِ‬
‫ت‬
‫َ ٌ‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ب‬ ‫حا‬ ‫س‬ ‫ه‬‫ق‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ُ َ ْ ٌ ِ ْ ْ ِ ِ َ ْ ٌ ِ ْ ْ ِ ِ َ َ ٌ‬ ‫ه‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ج‬
‫َ ْ ٍ ّ ّ َْ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫في‬‫َ ٍ ِ‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫كَ‬
‫َ‬
‫ما‬‫ه ُنوًرا فَ َ‬ ‫ه لَ ُ‬‫ل الل ّ ُ‬
‫جعَ ِ‬ ‫م يَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ها وَ َ‬ ‫ج ي َد َه ُ ل َ ْ‬
‫م ي َك َد ْ ي ََرا َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ض إ َِذا أ ْ‬ ‫ضَها فَوْقَ ب َعْ ٍ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫ن ُنورٍ )‪(40‬‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬

‫ب {‪.‬‬ ‫سا ٍ‬
‫ح َ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ي َْرُزقُ َ‬‫كما قال هاهنا ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫دا ‪ ،‬فكلهم‬‫دا واح ً‬ ‫وعن ابن مسعود ‪ :‬أنه جيء بلبن فعرضه على جلسائه واح ً‬
‫ما ‪ ،‬فتناوله ابن مسعود وكان مفطًرا فشربه ‪ ،‬ثم تل‬ ‫لم يشربه لنه كان صائ ً‬
‫صاُر { ‪ ،‬رواه النسائي‬ ‫ب‬ ‫وال‬
‫ُ َ ْ َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬‫في‬
‫ُ ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫خاُفو َ َ ْ ً َ َ‬
‫ت‬ ‫ت‬ ‫ما‬‫و‬‫ي‬ ‫ن‬ ‫قوله تعالى )‪ } (1‬ي َ َ‬
‫‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن علقمة ‪ ،‬عنه )‪.(2‬‬
‫سوَْيد بن سعيد ‪ ،‬حدثنا‬ ‫ضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ُ‬ ‫وقال ]ابن أبي حاتم[ )‪ (3‬أي ً‬
‫شب عن‬ ‫حو ْ َ‬
‫سِهر عن عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن شهر بن َ‬ ‫م ْ‬
‫علي بن ُ‬
‫أسماء بنت يزيد قالت ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا جمع‬
‫الله الولين والخرين يوم القيامة ‪ ،‬جاء مناد فنادى بصوت ُيسمع الخلئق ‪:‬‬
‫ل الجمع من أولى بالكرم ‪ ،‬ليقم الذين ل تلهيهم تجارة ول بيع عن‬ ‫سيعلم أه ُ‬
‫ذكر الله‪ .‬فيقومون ‪ ،‬وهم قليل ‪ ،‬ثم يحاسب سائر الخلئق" )‪.(4‬‬
‫وروى الطبراني ‪ ،‬من حديث َبقّية ‪ ،‬عن إسماعيل بن عبد الله الكندي ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في قوله ‪ } :‬ل ِيوفّيه ُ‬
‫ضل ِهِ { ]فاطر ‪ [30 :‬قال ‪:‬‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫زيد َهُ ْ‬ ‫م وَي َ ِ‬ ‫جوَرهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ُ َ َُ ْ‬
‫ضل ِهِ { ‪ ،‬الشفاعة لمن وجبت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫زي‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫}‬ ‫الجنة‬ ‫م { يدخلهم‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ََ ِ ُ ْ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫جوَرهُ ْ‬ ‫}أ ُ‬
‫له الشفاعة ‪ ،‬لمن صنع لهم المعروف في الدنيا )‪.(5‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جاَءه ُ ل ْ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ماًء َ‬ ‫ن َ‬ ‫مآ ُ‬ ‫ه الظ ّ ْ‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قيعَةٍ ي َ ْ‬ ‫ب بِ ِ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫م كَ َ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫فُروا أعْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫} َوال ّ ِ‬
‫ب )‪ (39‬أ َْو‬ ‫سا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫ساب َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫عن ْد َه ُ فَوَّفاه ُ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد َ الل ّ َ‬‫شي ًْئا وَوَ َ‬‫جد ْه ُ َ‬ ‫يَ ِ‬
‫ت‬ ‫ما ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ب ظل َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫س َ‬‫ن فَوْقِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫مو ْ ٌ‬ ‫ن فَوْقِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫مو ْ ٌ‬ ‫شاه ُ َ‬ ‫ي ي َغْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ُ‬
‫حرٍ ل ّ‬ ‫ت ِفي ب َ ْ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ُ‬
‫ك َظل َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ه ُنوًرا فَ َ‬
‫ما‬ ‫ه لَ ُ‬‫ل الل ّ ُ‬‫جعَ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫م ي َك َد ْ ي ََرا َ‬ ‫ج ي َد َه ُ ل َ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫ض إ َِذا أ ْ‬ ‫ضَها فَوْقَ ب َعْ ٍ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫ن ُنورٍ )‪{ (40‬‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫هذان مثلن ضربهما الله تعالى لنوعي الكفار ‪ ،‬كما ضرب للمنافقين في أول‬
‫"البقرة" )‪ (6‬مثلين نارًيا ومائًيا ‪ ،‬وكما ضرب لما يقر في القلوب من الهدى‬
‫والعلم في سورة "الرعد" )‪ (7‬مثلين مائًيا ونارًيا ‪ ،‬وقد تكلمنا على كل منها )‬
‫‪ (8‬في موضعه بما أغنى عن إعادته ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫فأما الول من هذين المثلين ‪ :‬فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم ‪ ،‬الذين‬
‫يحسبون أنهم على شيء من العمال والعتقادات ‪ ،‬وليسوا في نفس المر‬
‫على شيء ‪ ،‬فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يرى في القيعان من الرض عن‬
‫)‪ (9‬بعد كأنه بحر طام‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ذكره المزي في تحفة الشراف برقم )‪ (9435‬وعزاه للنسائي في‬
‫المواعظ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه هناد في الزهد برقم )‪ (176‬من طريق أبي معاوية عن عبد‬
‫الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬به‪ .‬وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (5‬المعجم الكبير للطبراني )‪ (10/248‬وقال الحافظ ابن كثير عند تفسير‬
‫الية ‪ 173 :‬من سورة النساء ‪" :‬هذا إسناد ل يثبت ‪ ،‬وإذا روي عن ابن‬
‫مسعود موقوفا فهو جيد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬عند الية ‪ ، 17 :‬والية ‪.19 :‬‬
‫)‪ (7‬عند الية ‪.17 :‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬منهما"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬من"‪.‬‬

‫) ‪(6/70‬‬

‫ضا ‪ :‬واحد القيعان ‪ ،‬كما يقال ‪:‬‬ ‫ة‪ .‬والقاع أي ً‬


‫والقيعة ‪ :‬جمع قاع ‪ ،‬كجار وجيَر ٍ‬
‫جار وجيران‪ .‬وهي ‪ :‬الرض المستوية المتسعة المنبسطة ‪ ،‬وفيه يكون‬
‫السراب ‪ ،‬وإنما يكون ذلك بعد نصف النهار‪ .‬وأما الل )‪ (1‬فإنما يكون أول‬
‫النهار ‪ ،‬يرى كأنه ماء بين السماء والرض ‪ ،‬فإذا رأى السراب من هو محتاج‬
‫جد ْهُ‬ ‫إلى الماء ‪ ،‬حسبه ماًء فقصده ليشرب منه ‪ ،‬فلما انتهى إليه } ل َ ْ‬
‫م يَ ِ‬
‫صل شيًئا ‪ ،‬فإذا‬ ‫شي ًْئا { ‪ ،‬فكذلك الكافر يحسب أنه قد عمل عمل وأنه قد َ‬
‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫وافى الله يوم القيامة وحاسبه عليها ‪ ،‬ونوقش على أفعاله ‪ ،‬لم يجد له شيًئا‬
‫بالكلية قد ُقبل ‪ ،‬إما لعدم الخلص ‪ ،‬وإما لعدم سلوك الشرع ‪ ،‬كما قال‬
‫من ُْثوًرا { ]الفرقان ‪:‬‬ ‫جعَل َْناه ُ هََباًء َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُلوا ِ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَقَدِ ْ‬
‫‪.[23‬‬
‫ب {‪ .‬وهكذا‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫ساب َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫عن ْد َه ُ فَوَّفاه ُ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد َ الل ّ َ‬ ‫وقال هاهنا ‪ } :‬وَوَ َ‬
‫ُروي عن ُأبي بن كعب ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة وغير واحد‪.‬‬
‫وفي الصحيحين )‪ : (2‬أنه يقال يوم القيامة لليهود ‪ :‬ما كنتم تعبدون ؟‬
‫فيقولون ‪ :‬كنا نعبد عَُزْير ابن الله‪ .‬فيقال ‪ :‬كذبتم ‪ ،‬ما اتخذ الله من ولد ‪ ،‬ماذا‬
‫عطشنا فاسقنا‪ .‬فيقال ‪ :‬أل ترون ؟ فتمثل لهم‬ ‫تبغون ؟ فيقولون ‪ :‬أي َرب َّنا ‪َ ،‬‬
‫ضا ‪ ،‬فينطلقون فيتهافتون فيها )‪.(3‬‬ ‫النار كأنها سراب يحطم بعضها بع ً‬
‫وهذا المثال مثال لذوي الجهل المركب‪ .‬فأما أصحاب الجهل البسيط ‪ ،‬وهم‬
‫طماطم الغشام المقلدون لئمة الكفر ‪ ،‬الصم البكم الذين ل يعقلون ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ي { ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬وهو‬ ‫ج ّ‬ ‫حرٍ ل ُ ّ‬ ‫ت ِفي ب َ ْ‬ ‫ما ٍ‬ ‫فمثلهم كما قال تعالى ‪ } :‬أوْ ك َظ ُل ُ َ‬
‫ضَها فَوْ َ‬
‫ق‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫ما ٌ‬ ‫ب ظ ُل ُ َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫س َ‬ ‫ن فَوْقِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫مو ْ ٌ‬ ‫ن فَوْقِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫مو ْ ٌ‬ ‫شاه ُ َ‬ ‫العميق‪ } .‬ي َغْ َ‬
‫ها { أي ‪ :‬لم يقارب رؤيتها من شدة الظلم ‪،‬‬ ‫م ي َكد ْ ي ََرا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج ي َد َه ُ ل ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫ض إ َِذا أ َ ْ‬ ‫ب َعْ ٍ‬
‫فهذا مثل قلب الكافر الجاهل البسيط المقلد الذي ل يدري أين يذهب ‪ ،‬ول‬
‫]هو[ )‪ (4‬يعرف حال من يقوده ‪ ،‬بل كما يقال في المثل للجاهل ‪ :‬أين تذهب‬
‫؟ قال ‪ :‬معهم‪ .‬قيل ‪ :‬فإلى أين يذهبون ؟ قال ‪ :‬ل أدري‪.‬‬
‫ن فَوْقِ ِ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫مو ْ ٌ‬‫شاهُ َ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ } :‬ي َغْ َ‬
‫ب { يعني بذلك ‪ :‬الغشاوة التي على القلب والسمع‬ ‫حا ٌ‬ ‫س َ‬‫ن فَوْقِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫مو ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م وَعَلى‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫َ ْ ِ ْ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ِِ ْ َ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫كقوله‬ ‫وهي‬ ‫‪،‬‬ ‫والبصر‬
‫وكقوله )‪ } : (5‬أ َفَرأ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪7‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]البقرة‬ ‫{‬ ‫م‬‫ٌ‬ ‫ظي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫شاوَةٌ وَل َهُ ْ‬ ‫م ِغ َ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫أب ْ َ‬
‫ل عََلى‬ ‫َ‬
‫جعَ َ‬ ‫معِهِ وَقَل ْب ِهِ وَ َ‬ ‫س ْ‬‫م عََلى َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫عل ْم ٍ وَ َ‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ضل ّ ُ‬ ‫واه ُ وَأ َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن { ]الجاثية ‪.[23 :‬‬ ‫ن ب َعْد ِ اللهِ أَفل ت َذ َكُرو َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫دي‬
‫ِ‬ ‫ه‬‫َ‬
‫َ ْ ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫غ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫بَ َ ِ‬
‫ر‬ ‫ص‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ض { فهو يتقلب في‬ ‫ضَها فَوْقَ ب َعْ ٍ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫ما ٌ‬ ‫ي بن كعب في قوله ‪ } :‬ظل َ‬ ‫وقال أب ّ‬
‫خمسة من الظلم ‪ :‬كلمه ظلمة ‪ ،‬وعمله ظلمة ‪ ،‬ومدخله ظلمة ‪ ،‬ومخرجه‬
‫ظلمة ‪ ،‬ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات ‪ ،‬إلى النار‪.‬‬
‫ضا‪.‬‬ ‫دي نحو ذلك أي ً‬ ‫س ّ‬ ‫وقال الربيع بن أنس ‪ ،‬وال ّ‬
‫ن ُنورٍ { أي ‪ :‬من لم يهده الله‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬ ‫َ‬
‫ه ُنوًرا ف َ‬ ‫هل ُ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫جعَ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ي‬
‫َ ِ َ‬ ‫د‬ ‫ها‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ض‬
‫َ ْ ُ ْ ِ ِ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫كافر‬ ‫بائر‬ ‫حائر‬ ‫جاهل‬ ‫فهو هالك‬
‫ه { ]العراف ‪ [186 :‬وهذا ]في[ )‪(6‬‬ ‫لَ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (4581‬وصحيح مسلم برقم )‪ (183‬من حديث‬
‫أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/71‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل قَد ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫صاّفا ٍ‬ ‫ض َوالط ّي ُْر َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ح لَ ُ‬ ‫سب ّ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫أل َ ْ‬
‫ت‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ن )‪ (41‬وَل ِل ّهِ ُ‬ ‫فعَُلو َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سِبي َ‬‫ه وَت َ ْ‬ ‫صَلت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عَل ِ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫هث ّ‬ ‫ف ب َي ْن َ ُ‬ ‫م ي ُؤل ُ‬ ‫حاًبا ث ّ‬ ‫س َ‬ ‫جي َ‬ ‫ه ي ُْز ِ‬‫ن الل َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫صيُر )‪ (42‬أل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ض وَإ ِلى اللهِ ال َ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫ل ِفيَها‬ ‫جَبا ٍ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫خَلل ِهِ وَي ُن َّز ُ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬‫خُر ُ‬‫ما فَت ََرى ال ْوَد ْقَ ي َ ْ‬ ‫كا ً‬ ‫ه ُر َ‬ ‫جعَل ُ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ب‬ ‫سَنا ب َْرقِهِ ي َذ ْهَ ُ‬ ‫كاد ُ َ‬ ‫شاُء ي َ َ‬‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫صرِفُ ُ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫ن ب ََرد ٍ فَي ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫صارِ )‪(43‬‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫با‬
‫ِ ْ َ‬

‫شاُء { فنسأل الله‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ل ُِنورِهِ َ‬ ‫دي الل ّ ُ‬ ‫مقابلة ما قال في مثل المؤمنين ‪ } :‬ي َهْ ِ‬ ‫ُ‬
‫العظيم أن يجعل في قلوبنا نوًرا ‪ ،‬وعن أيماننا نوًرا ‪ ،‬وعن شمائلنا نوًرا ‪ ،‬وأن‬
‫يعظم لنا نوًرا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬‫ٍ‬ ‫فا‬ ‫ّ‬ ‫صا‬ ‫ُْ َ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫وال‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫وال‬
‫ّ َ َ ِ َ ْ ِ َ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ن ال َ ُ َ ّ ُ ُ َ ْ ِ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫ت‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ن )‪ (41‬وَل ِل ّهِ ُ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ه وَت َ ْ‬ ‫صلت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عَل ِ َ‬
‫صيُر )‪{ (42‬‬ ‫م ِ‬ ‫ض وَإ َِلى الل ّهِ ال ْ َ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫سّبحه من في السموات والرض ‪ ،‬أي ‪ :‬من الملئكة‬ ‫يخبر تعالى أنه ي ُ َ‬
‫هَ‬
‫حل ُ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫والناسي ‪ ،‬والجان والحيوان ‪ ،‬حتى الجماد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ت ُ َ‬
‫نل‬ ‫َ‬
‫مدِهِ وَلك ِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬‫سب ّ ُ‬ ‫يٍء ِإل ي ُ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ن ِفيهِ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ض وَ َ‬ ‫سب ْعُ َوالْر ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫فوًرا { ]السراء ‪.[44 :‬‬ ‫ما غ َ ُ‬ ‫حِلي ً‬‫ن َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫حهُ ْ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ت { أي ‪ :‬في حال طيرانها تسبح ربها وتعبده بتسبيح‬ ‫صاّفا ٍ‬ ‫ّ‬
‫وقوله ‪َ } :‬والطي ُْر َ‬
‫ل قَد ْ عَل ِ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ألهمها وأرشدها إليه ‪ ،‬وهو يعلم ما هي فاعلة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ك ّ‬
‫ه { أي ‪ :‬كل قد أرشده إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله ‪،‬‬ ‫ح ُ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ه وَت َ ْ‬ ‫صلت َ ُ‬ ‫َ‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫ثم أخبر أنه عالم بجميع ذلك ‪ ،‬ل يخفى عليه من ذلك شيء ؛ ولهذا )‪ (1‬قال ‪:‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫} َوالل ّ ُ‬
‫ثم أخبر تعالى ‪ :‬أن له ملك السموات والرض ‪ ،‬فهو الحاكم المتصرف الذي‬
‫ل معقب لحكمه ‪ ،‬وهو الله المعبود الذي ل تنبغي العبادة إل له‪ } .‬وَإ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬
‫ساُءوا‬ ‫ال ْمصير { أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬فيحكم فيه بما يشاء ؛ } ل ِيجزي ال ّذي َ‬
‫نأ َ‬ ‫َ ْ ِ َ ِ َ‬ ‫َ ِ ُ‬
‫سَنى { ]النجم ‪ ، [31 :‬فهو الخالق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫نوا‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫بما عَمُلوا ويجزي ال ّذين أ َ‬
‫ََ ْ ِ َ ِ َ ْ َ ُ ِ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬
‫المالك ‪ ،‬أل له الحكم في الدنيا والخرى ‪ ،‬وله الحمد في الولى والخرة ؟!‪.‬‬
‫ما فَت ََرى ال ْوَد ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫كا ً‬ ‫ه ُر َ‬‫جعَل ُ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫ف ب َي ْن َ ُ‬‫م ي ُؤَل ّ ُ‬ ‫حاًبا ث ُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫جي َ‬ ‫ه ي ُْز ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫شاءُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫ن ب ََردٍ فَي ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِفيَها ِ‬ ‫جَبا ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫خلل ِهِ وَُينز ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫صارِ )‪{ (43‬‬ ‫ب ِبالب ْ َ‬ ‫سَنا ب َْرقِهِ ي َذ ْهَ ُ‬ ‫َ‬
‫شاُء ي َكاد ُ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫صرِفُ ُ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ولذا"‪.‬‬

‫) ‪(6/72‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك ل َعِب َْرة ً ِلوِلي اْلب ْ َ‬
‫صارِ )‪(44‬‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ه الل ّي ْ َ‬
‫ل َوالن َّهاَر إ ِ ّ‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫قل ّ ُ‬
‫يُ َ‬

‫صارِ )‪{ (44‬‬ ‫ك ل َعِب َْرةً لوِلي الب ْ َ‬


‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ل َوالن َّهاَر إ ِ ّ‬ ‫ه الل ّي ْ َ‬‫ب الل ّ ُ‬
‫قل ّ ُ‬
‫} يُ َ‬
‫يذكر تعالى أنه بقدرته يسوق السحاب أول ما ينشئها وهي ضعيفة ‪ ،‬وهو‬
‫ما { أي ‪:‬‬ ‫كا ً‬ ‫جعَل ُ ُ‬
‫ه ُر َ‬ ‫م يَ ْ‬‫ه { أي ‪ :‬يجمعه بعد تفرقه ‪ } ،‬ث ُ ّ‬ ‫ف ب َي ْن َ ُ‬‫م ي ُؤَل ّ ُ‬‫الزجاء } ث ُ ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ج ِ‬‫خُر ُ‬ ‫ْ‬
‫ضا ‪ } ،‬فَت ََرى الوَد ْقَ { أي المطر } ي َ ْ‬ ‫ما ‪ ،‬أي ‪ :‬يركب بعضه بع ً‬ ‫متراك ً‬
‫خلله‪ .‬وكذا )‪ (1‬قرأها ابن عباس والضحاك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خلل ِهِ { أي ‪ :‬من َ‬ ‫ِ‬
‫ما ‪ ،‬ثم يبعث الله‬
‫م الرض ق ً‬ ‫قال عبيد بن عمير الليثي ‪ :‬يبعث الله المثيرة فَت َ ُ‬
‫ق ّ‬
‫الناشئة فتنشئ السحاب ‪ ،‬ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف بينه ‪ ،‬ثم يبعث ]الله[‬
‫)‪ (2‬اللواقح فتلقح السحاب‪ .‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬رحمهما الله‪.‬‬
‫ن ب ََرد ٍ { ‪ :‬قال بعض النحاة ‪:‬‬ ‫م ْ‬
‫ل ِفيَها ِ‬
‫جَبا ٍ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ماِء ِ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَُينز ُ‬
‫ل ِ‬
‫"من" الولى ‪ :‬لبتداء الغاية ‪ ،‬والثانية ‪ :‬للتبعيض ‪ ،‬والثالثة ‪ :‬لبيان الجنس‪.‬‬
‫وهذا إنما يجيء على قول من ذهب من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وكذلك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف‪.‬‬

‫) ‪(6/72‬‬

‫شي‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫شي عََلى ب َط ْن ِهِ وَ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ماٍء فَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َداب ّةٍ ِ‬ ‫خل َقَ ك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شاُء إ ِ ّ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ُقُ الل ّ ُ‬ ‫شي عََلى أْرب ٍَع ي َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫عََلى رِ ْ َ‬
‫جلي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ط‬‫صَرا ٍ‬ ‫شاُء إ َِلى ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫مب َي َّنا ٍ‬ ‫ت ُ‬ ‫قد ْ أن َْزل َْنا آَيا ٍ‬ ‫ديٌر )‪ (45‬ل َ َ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫م ي َت َوَلى ف ِ‬ ‫ل وَأطعَْنا ث ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫مّنا ِباللهِ وَِبالّر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫قولو َ‬ ‫قيم ٍ )‪ (46‬وَي َ ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫عوا‬ ‫د‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪47‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬‫ُ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫بَ ْ ِ ِ‬
‫ل‬ ‫ذ‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫ِ ََ ُ ِ ِ َِ ْ َ ََُْ ْ‬
‫ْ‬ ‫َِ ُ ُ ِ‬ ‫ِ ِ ُ ِ ِ َ‬ ‫َ َ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫عِني َ‬ ‫مذ ْ ِ‬ ‫حقّ ي َأُتوا إ ِل َي ْهِ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (48‬وَإ ِ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫إ ََِذا فَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ه بَ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫م يَ َ‬ ‫ض أم ِ اْرَتاُبوا أ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫أِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫عوا إ َِلى الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ن إ َِذا د ُ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (50‬إ ِن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ن ي ُط ِِع‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (51‬وَ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫معَْنا وَأ َط َعَْنا وَُأول َئ ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مأ ْ‬
‫ل ِيحك ُم بينه َ‬
‫َ ْ َ ََُْ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫م ال َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫قهِ فَأولئ ِ َ‬ ‫ه وَي َت ّ ْ‬ ‫ش الل َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫الل ّ َ‬

‫ن ب ََرد ٍ { ومعناه ‪ :‬أن في السماء‬ ‫م ْ‬‫ل ِفيَها ِ‬ ‫جَبا ٍ‬


‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫المفسرين إلى أن قوله ‪ِ } :‬‬
‫ل ب ََرد ينزل الله منها البرد‪ .‬وأما من جعل الجبال ههنا عبارة )‪ (1‬عن‬ ‫جبا َ‬
‫دل من‬ ‫السحاب ‪ ،‬فإن "من" الثانية عند هذا لبتداء الغاية أيضا ‪ ،‬لكنها ب َ َ‬
‫الولى ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫شاُء { يحتمل أن يكون‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫صرِفُ ُ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَي ُ ِ‬
‫ب ب ِهِ { أي ‪ :‬بما ينزل من السماء من نوعي البرد‬ ‫صي ُ‬ ‫المراد بقوله ‪ } :‬فَي ُ ِ‬
‫صرِفُ ُ‬
‫ه‬ ‫شاُء { رحمة لهم ‪ } ،‬وَي َ ْ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫والمطر )‪ (2‬فيكون قوله ‪ } :‬فَي ُ ِ‬
‫شاُء { أي ‪ :‬يؤخر عنهم الغيث‪.‬‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ب ب ِهِ { أي ‪ :‬بالبرد نقمة على من‬ ‫صي ُ‬ ‫ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‪ } :‬فَي ُ ِ‬
‫يشاء لما فيه من نثر ثمارهم وإتلف زروعهم وأشجارهم‪ .‬ويصرفه عمن يشاء‬
‫]أي ‪ (3) [ :‬رحمة بهم‪.‬‬
‫صارِ { أي ‪ :‬يكاد ضوء برقه من شدته‬ ‫ب ِبالب ْ َ‬ ‫سَنا ب َْرقِهِ ي َذ ْهَ ُ‬ ‫كاد ُ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َ َ‬
‫يخطف البصار إذا اتبعته وتراءته‪.‬‬
‫ل َوالن َّهاَر { أي ‪ :‬يتصرف فيهما ‪ ،‬فيأخذ من طول هذا‬ ‫ه الل ّي ْ َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫وقوله } ي ُ َ‬
‫في قصر هذا حتى يعتدل ثم يأخذ من هذا في هذا ‪ ،‬فيطول الذي كان‬
‫قصيًرا ‪ ،‬ويقصر الذي كان طويل‪ .‬والله هو المتصرف في ذلك بأمره وقهره‬
‫وعزته وعلمه‪.‬‬
‫صارِ { أي ‪ :‬لدليل على عظمته تعالى ‪ ،‬كما‬ ‫ك ل َعِب َْرةً لوِلي الب ْ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ل َوالن َّهاِر‬ ‫ّ‬
‫ف اللي ْ ِ‬‫خِتل ِ‬
‫ض َوا ْ‬ ‫ْ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬‫ق ال ّ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ب { ]آل عمران ‪ .[190 :‬وما بعدها من اليات الكريمات‪.‬‬ ‫ت لوِلي الل َْبا ِ‬ ‫لَيا ٍ‬
‫شي‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫شي عََلى ب َط ْن ِهِ وَ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ماٍء فَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َداب ّةٍ ِ‬ ‫خل َقَ ك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫} َوالل ّ ُ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شاُء إ ِ ّ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ُقُ الل ّ ُ‬ ‫شي عََلى أْرب ٍَع ي َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫جلي ْ ِ‬
‫عََلى رِ ْ َ‬
‫ديٌر )‪.{ (45‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم ‪ ،‬في خلقه أنواع ]المخلوقات[ )‬
‫‪ .(4‬على اختلف أشكالها وألوانها ‪ ،‬وحركاتها وسكناتها ‪ ،‬من ماء واحد ‪،‬‬
‫شي‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫شي عََلى ب َط ْن ِهِ { كالحية وما شاكلها ‪ } ،‬وَ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫} فَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شي عَلى أْرب ٍَع { كالنعام‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن { كالنسان والطير ‪ } ،‬وَ ِ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫عََلى رِ ْ‬
‫شاُء { أي ‪ :‬بقدرته ؛ لنه ما‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ُقُ الل ّ ُ‬ ‫وسائر الحيوانات ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫شاء كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ديٌر {‪.‬‬ ‫قَ ِ‬
‫قيم ٍ )‪.{ (46‬‬ ‫َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫شاُء إ ِلى ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ت َوالل ُ‬ ‫مب َي َّنا ٍ‬ ‫ت ُ‬ ‫قد ْ أنزلَنا آَيا ٍ‬ ‫}ل َ‬
‫يقرر تعالى أنه أنزل في هذا القرآن من الحكم )‪ (5‬والمثال البينة المحكمة ‪،‬‬
‫دا ‪ ،‬وأنه يرشد إلى تفهمها وتعقلها أولي اللباب والبصائر‬ ‫كثيًرا )‪ (6‬ج ً‬
‫قيم ٍ {‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫شاُء إ ِلى ِ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ّ‬
‫والنهى ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬والل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْد ِ ذ َل ِك وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫َ‬
‫م ي َت َوَلى ف ِ‬ ‫ُ‬
‫ل وَأطعَْنا ث ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَِبالّر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫} وَي َ ُ‬
‫ق‬
‫ري ٌ‬ ‫َ‬
‫م إ ِذا َ ف ِ‬ ‫َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك َ‬ ‫ُ‬ ‫سول ِهِ ل ِي َ ْ‬ ‫عوا إ ِلى اللهِ وََر ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (47‬وَإ ِذا د ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫مِني‬‫مؤ ِ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ك ِبال ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ْ‬
‫ن )‪ (49‬أِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫عِني َ‬ ‫مذ ْ ِ‬ ‫حقّ ي َأُتوا إ ِل َي ْهِ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (48‬وَإ ِ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ف‬ ‫حي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫بوا‬ ‫تا‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِْ ْ ََ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ ِ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ٌ ِ ْ َ ُ‬
‫حك َُ‬
‫م‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ِ ََ ُ ِ َ ْ‬‫ل‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫عوا‬ ‫ُ‬ ‫د‬
‫ُ ِ َ ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫ِّ َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪50‬‬ ‫ن)‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (51‬وَ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫معَْنا وَأط َعَْنا وَأول َئ ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ن )‪{ (52‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قهِ فَأولئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫فائ ُِزو َ‬ ‫م ال َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه وَي َت ّ ْ‬ ‫ش الل َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫سول ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كناية"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬المطر والبرد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في هـ ‪" :‬من الحكم والحكم والمثال"‪ .‬والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬المحكمة ما هو كثير"‪.‬‬

‫) ‪(6/73‬‬

‫يخبر تعالى عن صفات المنافقين ‪ ،‬الذين يظهرون خلف ما يبطنون ‪ ،‬يقولون‬


‫َ‬
‫ن ب َعْدِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫م ي َت َوَّلى فَ ِ‬ ‫ل وَأط َعَْنا ث ُ ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَِبالّر ُ‬ ‫قول بألسنتهم ‪ } :‬آ َ‬
‫ك { أي ‪ :‬يخالفون أقوالهم بأعمالهم ‪ ،‬فيقولون ما ل يفعلون ؛ ولهذا قال‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما أولئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ك ِبال ُ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬‫ريقٌ ِ‬ ‫م إ َِذا فَ ِ‬ ‫حك ُ َ‬
‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫سول ِهِ ل ِي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫عوا إ ِلى اللهِ وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ َِذا د ُ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬إذا طلبوا إلى اتباع الهدى ‪ ،‬فيما أنزل الله على رسوله ‪،‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫م ت ََر إ ِلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه‪ .‬وهذه كقوله ‪ } :‬أل ْ‬
‫ك يريدو َ‬ ‫ما ُأنز َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬‫ما ُأنز َ‬ ‫ال ّذين يزعُمو َ‬
‫ن‬
‫نأ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ ُ ِ ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ِ َ َْ ُ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫ضلهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫فُروا ب ِهِ وَي ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َك ُ‬ ‫مُروا أ ْ‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫موا إ َِلى الطاغو ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫حاك َ ُ‬
‫ي َت َ َ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما أنز َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫دا وَإ َِذا ِقي َ‬
‫ل َرأي ْ َ‬ ‫سو ِ‬‫ه وَإ ِلى الّر ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫وا إ ِلى َ‬ ‫م ت ََعال ْ‬ ‫ل لهُ ْ‬ ‫ضلل ب َِعي ً‬ ‫َ‬
‫دوًدا { ]النساء ‪.[61 ، 60 :‬‬ ‫ص ُ‬ ‫َ‬
‫ن عَن ْك ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬
‫ن يَ ُ‬‫قي َ‬‫مَنافِ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وفي الطبراني من حديث روح بن عطاء بن )‪ (1‬أبي ميمونة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫عا ‪" :‬من ُدعي إلى سلطان فلم يجب ‪ ،‬فهو ظالم‬ ‫مَرة مرفو ً‬ ‫س ُ‬‫الحسن ‪ ،‬عن َ‬
‫ل حق له" )‪.(2‬‬
‫ن { ‪ ،‬أي ‪ :‬وإذا كانت الحكومة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عِني َ‬
‫مذ ِ‬ ‫حقّ ي َأُتوا إ ِلي ْهِ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫ن ي َك ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن { وإذا‬ ‫ني‬ ‫ع‬
‫ُ ِ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫م‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫معنى‬ ‫وهو‬ ‫مطيعين‬ ‫سامعين‬ ‫جاؤوا‬ ‫لهم ل عليهم ‪،‬‬
‫كانت الحكومة عليه أعرض ودعا إلى غير الحق ‪ ،‬وأحب أن يتحاكم إلى غير‬
‫م‪ .‬فإذعانه أول لم يكن عن اعتقاد‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم ليروج باطله ث َ ّ‬
‫منه أن ذلك هو الحق ‪ ،‬بل لنه موافق لهواه ؛ ولهذا لما خالف الحقّ قصده ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ض أم ِ اْرَتاُبوا أ ْ‬ ‫مَر ٌ‬
‫م َ‬‫عدل عنه إلى غيره ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬أِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫خاُفو َ‬
‫ه { يعني ‪ :‬ل يخرج أمرهم عن أن يكون‬ ‫سول ُ ُ‬‫م وََر ُ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫نأ ْ‬‫َ‬ ‫يَ َ‬
‫مَرض لزم لها ‪ ،‬أو قد عرض لها شك في الدين ‪ ،‬أو يخافون أن‬ ‫في القلوب َ‬
‫يجور الله ورسوله عليهم في الحكم‪ .‬وأّيا ما كان فهو كفر محض ‪ ،‬والله عليم‬
‫بكل منهم ‪ ،‬وما هو عليه منطو من هذه الصفات‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬بل هم الظالمون الفاجرون ‪ ،‬والله‬ ‫مو َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ل ُأول َئ ِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫ورسوله مبرآن مما يظنون ويتوهمون من الحيف والجور ‪ ،‬تعالى الله‬
‫ورسوله عن ذلك‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا مبارك ‪،‬‬
‫حدثنا الحسن قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المعجم الكبير للطبراني )‪ (7/225‬وقال الهيثمي في المجمع )‪: (4/198‬‬
‫"فيه روح بن عطاء ‪ ،‬وثقه ابن عدي وضعفه الئمة"‪.‬‬

‫) ‪(6/74‬‬

‫كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة ‪ ،‬فدعي إلى النبي صلى الله‬
‫حقّ أذعن ‪ ،‬وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي‬ ‫م ِ‬ ‫عليه وسلم وهو ُ‬
‫دعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض ‪،‬‬ ‫له بالحق‪ .‬وإذا أراد أن يظلم ف ُ‬
‫وقال ‪ :‬أنطلقُ إلى فلن‪ .‬فأنزل الله هذه الية ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫كام‬ ‫ح ّ‬‫كم من ُ‬ ‫ح َ‬ ‫عي إلى َ‬ ‫عليه وسلم ‪" :‬من كان بينه وبين أخيه شيء ‪ ،‬فد ُ ِ‬
‫المسلمين فأبى أن يجيب ‪ ،‬فهو ظالم ل حق له" )‪.(1‬‬
‫وهذا حديث غريب ‪ ،‬وهو مرسل‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله ‪ ،‬الذين ل يبغون‬
‫ن إ َِذا‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن قَوْ َ‬‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫دينا سوى كتاب الله وسنة رسوله ‪ ،‬فقال ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫عوا إَلى الل ّه ورسول ِه ل ِيحك ُم بينه َ‬
‫معَْنا وَأطعَْنا { أي ‪ :‬سمًعا‬ ‫س ِ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِ ََ ُ ِ َ ْ َ ََُْ ْ‬ ‫دُ ُ ِ‬
‫وطاعة ؛ ولهذا وصفهم تعالى بفلح ‪ ،‬وهو نيل المطلوب والسلمة من‬
‫ن {‪.‬‬‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ك هُ ُ‬‫المرهوب ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَُأول َئ ِ َ‬
‫معَْنا وَأ َط َعَْنا { ُذكر لنا أن عَُبادة بن‬ ‫س ِ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬
‫وقال قتادة في هذه الية ‪ } :‬أ ْ‬
‫قبّيا بدريا ‪ ،‬أحد نقباء النصار ‪ -‬أنه لما حضره الموت قال‬ ‫الصامت ‪ -‬وكان ع َ َ‬
‫ماذا لك ؟ قال ‪ :‬بلى‪.‬‬ ‫لبن أخيه جنادة بن أبي أمية ‪ :‬أل أنبئك بماذا عليك وَ َ‬
‫شطك‬ ‫من ْ َ‬
‫قال ‪ :‬فإن عليك السمع والطاعة ‪ ،‬في عسرك ويسرك ‪ ،‬و َ‬
‫ومكرهك ‪ ،‬وأثرةً عليك‪ .‬وعليك أن تقيم لسانك بالعدل ‪ ،‬وأل تنازع المَر‬
‫واحا ‪ ،‬فما أمرت به من شيء يخالف‬ ‫أهله ‪ ،‬إل أن يأمروك بمعصية الله ب َ َ‬
‫كتاب الله ‪ ،‬فاتبع كتاب الله‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬وَُذكر )‪ (2‬لنا أن أبا الدرداء قال ‪ :‬ل إسلم إل بطاعة الله ‪ ،‬ول‬
‫خير إل في جماعة ‪ ،‬والنصيحة لله ولرسوله ‪ ،‬وللخليفة وللمؤمنين عامة‪.‬‬
‫عروة‬ ‫ذكر لنا أن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬كان يقول ‪ُ :‬‬ ‫قال ‪ :‬وقد ُ‬
‫م الصلة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬والطاعة لمن‬ ‫السلم شهادةُ أن ل إله إل الله ‪ ،‬وإقا ُ‬
‫وله الله أمر المسلمين‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬والحاديث والثار في وجوب الطاعة لكتاب الله ]وسنة‬
‫دا ‪،‬‬
‫رسوله ‪ ،‬وللخلفاء الراشدين ‪ ،‬والئمة إذا أمروا بطاعة الله[ )‪ (3‬كثيرة ج ً‬
‫أكثر من أن تحصر في هذا المكان‪.‬‬
‫ه { أي ‪ :‬فيما أمراه به وترك )‪ (4‬ما نهياه )‪(5‬‬ ‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫وقوله } وَ َ‬
‫قهِ { فيما يستقبل‪.‬‬
‫ه { فيما مضى من ذنوبه ‪ } ،‬وَي َت َ ِ‬ ‫ّ‬
‫ش الل َ‬ ‫خ َ‬ ‫عنه ‪ } ،‬وَي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن { يعني ‪ :‬الذين فازوا بكل خير ‪ ،‬وأمُنوا من كل‬ ‫فائ ُِزو َ‬
‫م ال َ‬ ‫وقوله } فَأولئ ِك هُ ُ‬
‫شر )‪ (6‬في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن مرسل كما في الدر المنثور‬
‫)‪.(6/213‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬وذكروا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ويترك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نهيا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سوء"‪.‬‬

‫) ‪(6/75‬‬

‫معُْروفَ ٌ‬
‫ة‬ ‫موا َ‬ ‫ل َل ت ُ ْ‬
‫ن قُ ْ‬ ‫م ل َي َ ْ‬ ‫وأ َقْسموا بالل ّه جهد أ َيمان ِهم ل َئ ِ َ‬
‫ة َ‬
‫طاعَ ٌ‬ ‫س ُ‬
‫ق ِ‬ ‫ج ّ‬
‫خُر ُ‬ ‫مْرت َهُ ْ‬
‫نأ َ‬‫ْ‬ ‫ِ ِ َ ْ َ ْ َ ِ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫إِ ّ‬

‫ة‬ ‫موا َ‬
‫طاعَ ٌ‬ ‫ن قُ ْ‬ ‫م ل َي َ ْ‬ ‫} وأ َقْسموا بالل ّه جهد أ َيمان ِهم ل َئ ِ َ‬
‫س ُ‬
‫ق ِ‬
‫ل ل تُ ْ‬ ‫ج ّ‬
‫خُر ُ‬ ‫مْرت َهُ ْ‬
‫نأ َ‬‫ْ‬ ‫ِ ِ َ ْ َ ْ َ ِ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (53‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫م‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ما‬‫ب‬ ‫ر‬
‫َ ِ ٌ ِ َ ْ َ‬‫بي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫رو‬
‫معْ ُ‬
‫َ‬

‫) ‪(6/76‬‬

‫َ‬ ‫قُ ْ َ‬
‫ما‬ ‫ل وَعَل َي ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬
‫ح ّ‬‫ما ُ‬ ‫ما عَل َي ْهِ َ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫وا فَإ ِن ّ َ‬ ‫ل فَإ ِ ْ‬
‫سو َ‬
‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫لأ ِ‬
‫ن )‪(54‬‬ ‫ل إ ِّل ال ْب ََلغُ ال ْ ُ‬
‫مِبي ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ما عََلى الّر ُ‬ ‫دوا وَ َ‬
‫طيُعوه ُ ت َهْت َ ُ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫مل ْت ُ ْ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫} قُ ْ َ‬
‫ما‬
‫م َ‬ ‫ل وَعَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ّ‬‫ما ُ‬ ‫ما عَل َي ْهِ َ‬ ‫وا فَإ ِن ّ َ‬‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫ل فَإ ِ ْ‬
‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫لأ ِ‬
‫ن )‪{ (54‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ل ِإل ال َْبلغُ ال ْ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ما عََلى الّر ُ‬ ‫دوا وَ َ‬ ‫طيُعوه ُ ت َهْت َ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫مل ْت ُ ْ‬‫ح ّ‬
‫ُ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن أهل النفاق ‪ ،‬الذين كانوا يحلفون للرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم لئن أمرهم )‪ (1‬بالخروج ]في الغزو[ )‪ (2‬قال الله تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل‬
‫موا { أي ‪ :‬ل تحلفوا‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ل تُ ْ‬
‫ة { قيل ‪ :‬معناه )‪ (3‬طاعتكم طاعة معروفة ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫معُْروفَ ٌ‬ ‫ة َ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬طاعَ ٌ‬
‫علمت طاعتكم ‪ ،‬إنما هي قول ل فعل معه ‪ ،‬وكلما حلفتم كذبتم ‪ ،‬كما‬ ‫قد ُ‬
‫ضى‬ ‫ه ل ي َْر َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م فَإ ِ ّ‬ ‫وا عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ْ‬
‫ن ت َْر َ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫وا عَن ْهُ ْ‬‫ض ْ‬
‫م ل ِت َْر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن لك ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ة‬
‫جن ّ ً‬ ‫َ‬ ‫خ ُ‬ ‫قوْم ِ ال ْ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ُ‬ ‫مان َهُ ْ‬
‫ذوا أي ْ َ‬ ‫ن { ]التوبة ‪ ، [96 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ات ّ َ‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫عَ ِ‬
‫ن { ]المنافقون ‪ ، [2 :‬فهم‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫من سجيتهم الكذب حتى فيما يختارونه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫ن‬
‫ج ّ‬ ‫خُر َ‬‫م ل َن َ ْ‬ ‫جت ُ ْ‬‫خرِ ْ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫ب ل َئ ِ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬
‫فروا م َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫وان ِهِ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫نل ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫قوا ي َ ُ‬ ‫َنافَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫صَرن ّك ُ ْ‬ ‫م ل َن َن ْ ُ‬ ‫ن ُقوت ِل ْت ُ ْ‬ ‫دا وَإ ِ ْ‬ ‫دا أب َ ً‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫طيعُ ِفيك ُ ْ‬ ‫م َول ن ُ ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َْ ُ ُ َُ ْ َ ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫لوا‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫قو‬ ‫ن‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬
‫َ ُ ُ َ َ َ ُ ْ َ ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫جو‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫جوا‬ ‫ِ ُ‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫لَ ِ ُ َ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫بو‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫كا‬
‫ن { ]الحشر ‪[12 ، 11 :‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ي ُن ْ َ‬ ‫ن الد َْباَر ث ُ ّ‬ ‫م ل َي ُوَل ّ ّ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫نَ َ‬
‫ة { أي ‪ :‬ليكن أمركم طاعة‬ ‫معُْروفَ ٌ‬ ‫ة َ‬ ‫َ‬
‫وقيل ‪ :‬المعنى في قوله ‪ } :‬طاعَ ٌ‬
‫حلف ول إقسام ‪ ،‬كما يطيع الله ورسوله‬ ‫معروفة ‪ ،‬أي ‪ :‬بالمعروف من غير َ‬
‫المؤمنون بغير حلف ‪ ،‬فكونوا أنتم مثلهم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬هو خبير بكم وبمن يطيع ممن يعصي ‪،‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫فالحلف وإظهار الطاعة ‪ -‬والباطن بخلفه ‪ ،‬وإن راج على المخلوق )‪- (4‬‬
‫فالخالق ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬يعلم السر وأخفى ‪ ،‬ل يروج عليه شيء من التدليس ‪ ،‬بل‬
‫هو خبير بضمائر عباده ‪ ،‬وإن أظهروا خلفها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬قُ ْ َ‬
‫ل { أي ‪ :‬اتبعوا كتاب الله‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫لأ ِ‬
‫وسنة رسوله‪.‬‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ما عَلي ْهِ َ‬ ‫َ‬
‫وا { أي ‪ :‬تتولوا عنه وتتركوا ما جاءكم به ‪ } ،‬فإ ِن ّ َ‬ ‫ّ‬
‫ن ت َوَل ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬من‬ ‫مل ْت ُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل { أي ‪ :‬إبلغ الرسالة وأداء المانة ‪ } ،‬وَعَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ُ‬
‫دوا { ‪ ،‬وذلك لنه يدعو‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ه‬
‫َِ ْ ُ ِ ُ ُ َْ َ ُ‬ ‫عو‬ ‫طي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫بمقتضاه‬ ‫والقيام‬ ‫وتعظيمه‬ ‫ذلك‬
‫ض‬‫ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ما ِفي ال ّ َ َ ِ َ َ ِ‬
‫ما‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ط الل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫إلى صراط مستقيم } ِ‬
‫َ‬
‫موُر { ]الشورى ‪.[53 :‬‬ ‫صيُر ال ُ‬ ‫أل إ َِلى الل ّهِ ت َ ِ‬
‫ك ال َْبلغُ‬ ‫ما عَل َي ْ َ‬ ‫ن { كقوله ‪ } :‬فَإ ِن ّ َ‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ل ِإل ال َْبلغُ ال ْ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ما عََلى الّر ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَعَل َي َْنا ال ْ ِ‬
‫م‬
‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫مذ َك ٌّر ل ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ب { ]الرعد ‪ ، [40 :‬وقوله } فَذ َك ّْر إ ِن ّ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬
‫سي ْط ِرٍ { ]الغاشية ‪.[22 ، 21 :‬‬ ‫م َ‬ ‫بِ ُ‬
‫من َّبه ‪ :‬أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل ‪ -‬يقال له ‪:‬‬ ‫وقال وهب بن ُ‬
‫شعياء ‪ -‬أن قم في بني إسرائيل فإني سأطلق لسانك بوحي‪ .‬فقام فقال ‪ :‬يا‬
‫سماء اسمعي ‪ ،‬ويا أرض انصتي ‪ ،‬فإن الله يريد أن يقضي شأًنا ويدبر أمًرا‬
‫هو منفذه ‪ ،‬إنه يريد أن يحول الريف إلى الفلة ‪ ،‬والجام )‪ (5‬في الغيطان ‪،‬‬
‫والنهار في الصحاري ‪ ،‬والنعمة في الفقراء ‪ ،‬والملك في الرعاة ‪ ،‬ويريد أن‬
‫خاب في السواق ‪ ،‬لو يمر‬ ‫س ّ‬ ‫يبعث أميا من الميين ‪ ،‬ليس بفظ ول غليظ ول َ‬
‫إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته ‪ ،‬ولو يمشي على القصب اليابس لم‬
‫شرا ونذيًرا ‪ ،‬ل يقول‬ ‫مب َ ّ‬ ‫يسمع من تحت قدميه‪ .‬أبعثه ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أمرتهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تقديره"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬المحلوف"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الجسام"‪.‬‬

‫) ‪(6/76‬‬

‫َْ‬ ‫ذي َ‬
‫ما‬‫ض كَ َ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫فن ّهُ ْ‬
‫خل ِ َ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬‫ه ال ّ ِ َ‬
‫وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬‫م وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬
‫ضى ل َهُ ْ‬‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫مك ّن َ ّ‬‫م وَل َي ُ َ‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ف ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خل َ َ‬‫ست َ ْ‬
‫ا ْ‬
‫م‬ ‫ك فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فَر ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِبي َ‬
‫كو َ‬ ‫دون َِني َل ي ُ ْ‬
‫شرِ ُ‬ ‫مًنا ي َعْب ُ ُ‬
‫خوفه َ‬
‫مأ ْ‬‫ب َعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فا ِ‬

‫دده لكل أمر جميل‬ ‫س ّ‬ ‫فا ‪ ،‬وأ َ‬ ‫ما ‪ ،‬وقلوبا غُل ْ ً‬ ‫ص ّ‬ ‫مًيا ‪ ،‬وآذاًنا ُ‬ ‫الخَنا ‪ ،‬أفتح به أعينا عُ ْ‬
‫‪ ،‬وأهب له كل خلق كريم ‪ ،‬وأجعل السكينة لباسه ‪ ،‬والبر شعاره ‪ ،‬والتقوى‬
‫ضميره ‪ ،‬والحكمة منطقه ‪ ،‬والصدق والوفاء طبيعته ‪ ،‬والعفو والمعروف‬
‫خلقه ‪ ،‬والحق شريعته ‪ ،‬والعدل سيرته ‪ ،‬والهدى إمامه ‪ ،‬والسلم ملته ‪،‬‬
‫دي به بعد الضللة ‪ ،‬وأعّلم به من الجهالة ‪ ،‬وأْرفَعُ به بعد‬ ‫وأحمد اسمه ‪ ،‬أهْ ِ‬
‫َ‬
‫مالة ‪ ،‬وأعرف به بعد الن ّكَرة ‪ ،‬وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد الَعيلة ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الخ َ‬
‫وأجمع به بعد الفرقة ‪ ،‬وأؤلف به بين أمم متفرقة ‪ ،‬وقلوب مختلفة ‪ ،‬وأهواء‬
‫ما من الناس عظيما من الهََلكة ‪ ،‬وأجعل أمته خير‬ ‫متشتتة ‪ ،‬وأستنقذ به فئا ً‬
‫أمة أخرجت للناس ‪ ،‬يأمرون بالمعروف ‪ ،‬وينهون عن المنكر ‪ ،‬موحدين‬
‫سلي‪ .‬رواه ابن أبي حاتم )‪.(1‬‬ ‫مؤمنين مخلصين ‪ ،‬مصدقين بما جاءت به ُر ُ‬
‫ما‬‫ض كَ َ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫فن ّهُ ْ‬‫خل ِ َ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬ ‫} وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَلي ُب َد ّلن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ضى لهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫َ‬
‫ن لهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫َ‬
‫م وَلي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ف ال ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك فَأولئ ِ َ‬ ‫فَر ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ك هُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫دون َِني ل ي ُ ْ‬ ‫مًنا ي َعْب ُ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫ب َعْد ِ َ‬
‫ن )‪{ (55‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫هذا وعد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم )‪ .(2‬بأنه سيجعل أمته خلفاء‬
‫ة الناس والولة َ عليهم ‪ ،‬وبهم تصلح )‪ (3‬البلد ‪ ،‬وتخضع )‪(4‬‬ ‫الرض ‪ ،‬أي ‪ :‬أئم َ‬
‫ن بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم ‪ ،‬وقد فعل تبارك‬ ‫لهم العباد ‪ ،‬ول َُيبدل َ ّ‬
‫وتعالى ذلك‪ .‬وله الحمد والمنة ‪ ،‬فإنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين ‪ ،‬وسائر جزيرة العرب وأرض‬
‫جر ‪ ،‬ومن بعض أطراف الشام ‪،‬‬ ‫جوس هَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫اليمن بكمالها‪ .‬وأخذ الجزية من َ‬
‫وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر والسكندرية ‪ -‬وهو المقوقس ‪-‬‬
‫حمة ‪ ،‬رحمه الله‬ ‫ص َ‬ ‫وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة ‪ ،‬الذي َتمّلك بعد أ ْ‬
‫وأكرمه‪.‬‬
‫ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الله له ما عنده من‬
‫هى عند )‬ ‫شَعث ما وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫الكرامة ‪ ،‬قام بالمر بعده خليفته أبو بكر الصديق ‪ ،‬فَل َ ّ‬
‫‪ (5‬موته ‪ ،‬عليه الصلة والسلم )‪ (6‬وأط ّد َ جزيرة العرب ومهدها ‪ ،‬وبعث‬
‫الجيوش السلمية إلى بلد فارس صحبة خالد بن الوليد ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫ففتحوا طرفا منها ‪ ،‬وقتلوا خلقا من أهلها‪ .‬وجيشا آخر صحبة أبي عبيدة ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬ومن معه من المراء إلى أرض الشام ‪ ،‬وثالًثا صحبة عمرو‬
‫بن العاص ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬إلى بلد مصر ‪ ،‬ففتح الله للجيش الشامي في‬
‫حوران وما والها ‪ ،‬وتوفاه الله عز‬ ‫خاليفهما من بلد َ‬ ‫م َ‬ ‫أيامه ُبصرى ودمشق و َ‬
‫ن على السلم وأهله بأن ألهم‬ ‫م ّ‬ ‫وجل ‪ ،‬واختار له ما عنده من الكرامة‪ .‬و َ‬
‫در‬ ‫الصديق أن استخلف عمر الفاروق ‪ ،‬فقام في المر بعده قياما تاما ‪ ،‬لم ي َ ُ‬
‫الفلك بعد النبياء ]عليهم السلم[ )‪ (7‬على مثله ‪ ،‬في قوة سيرته وكمال‬
‫عدله‪ .‬وتم في أيامه فتح البلد الشامية بكمالها ‪ ،‬وديار مصر إلى آخرها ‪،‬‬
‫سر كسرى وأهانه غاية الهوان ‪ ،‬وتقهقر إلى أقصى‬ ‫وأكثر إقليم فارس ‪ ،‬وك َ ّ‬
‫صر قيصر ‪ ،‬وانتزع يده عن بلد الشام فانحاز إلى قسطنطينة ‪،‬‬ ‫مملكته ‪ ،‬وقَ ّ‬
‫وأنفق أموالهما في سبيل الله ‪ ،‬كما أخبر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬وروي عن عبد الله بن سلم وكعب الحبار كما في الشفا للقاضي عياض‬
‫)‪.(1/15‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات الله وسلمه عليه"‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يصلح"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ويخضع"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في ف ‪" :‬بعد"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬

‫) ‪(6/77‬‬

‫بذلك ووعد به رسول الله ‪ ،‬عليه من ربه أتم سلم وأزكى صلة‪.‬‬
‫ثم لما كانت الدولة العثمانية ‪ ،‬امتدت المماليك )‪ (1‬السلمية إلى أقصى‬
‫مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬ففتحت بلد المغرب إلى أقصى ما هنالك ‪:‬‬
‫ة مما يلي البحر المحيط ‪،‬‬ ‫سب ْت َ َ‬
‫الندلس ‪ ،‬وقبرص ‪ ،‬وبلد القيروان ‪ ،‬وبلد َ‬
‫ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلد الصين ‪ ،‬وقتل كسرى ‪ ،‬وباد ملكه‬
‫بالكلية‪ .‬وفتحت مدائن العراق ‪ ،‬وخراسان ‪ ،‬والهواز ‪ ،‬وقتل المسلمون من‬
‫جبي الخراج‬ ‫الترك مقتلة عظيمة جدا ‪ ،‬وخذل الله ملكهم العظم خاقان ‪ ،‬و ُ‬
‫من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه‪ .‬وذلك ببركة تلوته ودراسته وجمعه المة على حفظ القرآن ؛ ولهذا‬
‫ثبت في الصحيح )‪ (2‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن‬
‫الله َزَوى لي الرض ‪ ،‬فرأيت مشارقها ومغاربها ‪ ،‬وسيبلغ ملك أمتي ما ُزوي‬
‫لي منها" )‪ (3‬فها نحن نتقلب فيما وعدنا الله ورسوله ‪ ،‬وصدق الله ورسوله ‪،‬‬
‫فنسأل )‪ (4‬الله اليمان به ‪ ،‬وبرسوله ‪ ،‬والقيام بشكره على الوجه الذي‬
‫يرضيه عنا‪.‬‬
‫قال المام مسلم بن الحجاج ‪ :‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبد‬
‫ل الله صلى الله‬ ‫ت رسو َ‬ ‫مَرة قال ‪ :‬سمع ُ‬ ‫س ُ‬
‫الملك بن عمير ‪ ،‬عن جابر بن َ‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬ل يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجل"‪ .‬ثم‬
‫تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عني )‪ (5‬فسألت أبي ‪ :‬ماذا‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال ‪" :‬كلهم من قريش"‪.‬‬
‫ورواه البخاري من حديث شعبة ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬به )‪(6‬‬
‫وفي رواية لمسلم أنه قال ذلك عشية رجم ماعز بن مالك ‪ ،‬وذكر معه‬
‫أحاديث أخر )‪(7‬‬
‫وهذا الحديث فيه دللة على أنه ل بد من وجود اثني عشر خليفة عادل وليسوا‬
‫هم بأئمة الشيعة الثني عشر فإن كثيًرا من أولئك لم يكن إليهم من المر‬
‫شيء ‪ ،‬فأما هؤلء فإنهم يكونون من قريش ‪ ،‬ي َُلون فيعدلون‪ .‬وقد وقعت‬
‫البشارة بهم في الكتب المتقدمة ‪ ،‬ثم ل يشترط أن يكون متتابعين ‪ ،‬بل‬
‫جد منهم أربعة على الولء ‪،‬‬ ‫يكون وجودهم في المة متتابعا ومتفرقا ‪ ،‬وقد وُ ِ‬
‫وهم أبو بكر ‪ ،‬ثم عمر ‪ ،‬ثم عثمان ‪ ،‬ثم علي ‪ ،‬رضي الله عنهم‪ .‬ثم كانت )‪(8‬‬
‫من بقي في‬ ‫جد منهم َ‬ ‫جد منهم ما شاء الله ‪ ،‬ثم قد ُيو َ‬ ‫بعدهم )‪ (9‬فترة ‪ ،‬ثم وُ ِ‬
‫وقت يعلمه الله‪ .‬ومنهم المهدي الذي يطابق اسمه اسم رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وكنيته كنيته ‪ ،‬يمل الرض عدل وقسطا ‪ ،‬كما ملئت جوًرا‬
‫وظلما‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث سعيد‬
‫فينة ‪ -‬مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪:‬‬ ‫س ِ‬
‫مهان ‪ ،‬عن َ‬ ‫ج ْ‬
‫بن ُ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )‪ : (10‬الخلفة بعدي ثلثون سنة ‪ ،‬ثم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في جـ ‪ ،‬أ ‪" :‬الممالك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الصحيحين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪ (2889‬من حديث ثوبان ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬ونسأل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬علي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪ (1821‬وصحيح البخاري برقم )‪.(7222‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم برقم )‪.(1822‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كان"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بينهم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" والمثبت من المسند وسنني أبي داود‬
‫والترمذي‪.‬‬

‫) ‪(6/78‬‬

‫ضوضا" )‪.(1‬‬ ‫يكون ملكا عَ ُ‬


‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫وقال الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية في قوله ‪ } :‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫فن ّهُ ْ‬‫خل ِ َ‬
‫ست َ ْ‬‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مًنا { )‬ ‫أ‬
‫ْ ِ ْ ْ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬
‫ْ َْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬
‫ُ ْ َ َُ ّ ُ ْ‬ ‫ل‬‫د‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ضى‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫دي‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ّ ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫قَ ْ ِ ْ َ ُ َ‬
‫م‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ب‬
‫‪ (2‬الية ‪ ،‬قال ‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة )‪ (3‬نحوا من‬
‫عشر سنين ‪ ،‬يدعون إلى الله وحده ‪ ،‬وعبادته وحده ل شريك له سًرا وهم‬
‫خائفون ‪ ،‬ل يؤمرون بالقتال ‪ ،‬حتى أمروا بعد ُ بالهجرة إلى المدينة ‪ ،‬فقدموا‬
‫سون في السلح‬ ‫م ُ‬ ‫المدينة ‪ ،‬فأمرهم الله بالقتال ‪ ،‬فكانوا بها خائفين ي ُ ْ‬
‫ويصبحون في السلح ‪ ،‬فَغَي ُّروا )‪ (4‬بذلك ما شاء الله‪ .‬ثم إن رجل من أصحابه‬
‫)‪ (5‬قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أبد َ الدهر نحن خائفون هكذا ؟ أما يأتي علينا يوم‬
‫نأمن فيه ونضع عنا ]فيه[ )‪ (6‬السلح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬لن ت َْغبروا إل يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في المل العظيم‬
‫حت َب ًِيا ليست فيهم حديدة"‪ .‬وأنزل الله هذه الية ‪ ،‬فأظهر الله نبيه على‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫جزيرة العرب ‪ ،‬فأمنوا ووضعوا السلح‪ .‬ثم إن الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قبض نبيه‬
‫صلى الله عليه وسلم فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان‬
‫جَزةَ‬ ‫ح َ‬ ‫حتى وقعوا فيما وقعوا ‪ ،‬فأدخل ]الله[ )‪ (7‬عليهم الخوف فاتخذوا ال َ‬
‫والشرط وغَّيروا ‪ ،‬فَغُّير بهم‪.‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬خلفة أبي بكر وعمر ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬حق في‬
‫كتابه ‪ ،‬ثم تل هذه الية‪.‬‬
‫وقال البراء بن عازب ‪ :‬نزلت هذه الية ‪ ،‬ونحن في خوف شديد‪.‬‬
‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫فو َ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م قَِلي ٌ‬ ‫وهذه الية الكريمة كقوله تعالى ‪َ } :‬واذ ْك ُُروا إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫خط ّ َ‬ ‫خاُفو َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫صرِهِ وََرَزقَك ُ ْ‬ ‫م ب ِن َ ْ‬ ‫م وَأي ّد َك ُ ْ‬ ‫س َفآَواك ُ ْ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫فك ُ ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ض تَ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ن { ]النفال ‪.[26 :‬‬ ‫شكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ُ‬
‫ت لعَلك ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الط ّي َّبا ِ‬
‫م { كما قال تعالى عن موسى ‪ ،‬عليه‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َ َ‬
‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫فك ُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫ك عَد ُوّك ُ ْ‬ ‫ن ي ُهْل ِ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سى َرب ّك ُ ْ‬ ‫السلم ‪ ،‬أنه قال لقومه ‪ } :‬عَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ن { ]العراف ‪ ، [129 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَن ُ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ف ت َعْ َ‬ ‫ض فَي َن ْظ َُر ك َي ْ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫فوا في الرض ونجعل َه َ‬
‫ن‬
‫وارِِثي َ‬‫م ال ْ َ‬
‫جعَل َهُ ُ‬‫ة وَن َ ْ‬ ‫م ً‬‫م أئ ِ ّ‬‫ْ ِ ََ ْ َ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ضعِ ُ‬‫ست ُ ْ‬‫نا ْ‬ ‫ن عََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ّ‬ ‫نَ ُ‬
‫َ‬
‫ما كاُنوا‬ ‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬‫ما ِ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ما َ‬
‫ها َ‬
‫ن وَ َ‬‫ض وَن ُرِيَ فِْرعَوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫مك َ‬ ‫وَن ُ َ‬
‫ن { ]القصص ‪.[6 ، 5 :‬‬ ‫حذُرو َ‬ ‫َ‬ ‫يَ ْ‬
‫مًنا‬ ‫خوفهم أ َ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫د‬ ‫ب‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ضى‬ ‫ت‬ ‫ر‬‫ا‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫دي‬ ‫م‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫ك‬ ‫م‬‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫ُ ْ َ َُ ّ ُّ ْ ِ ْ َْ ِ َ ْ ِ ِ ْ ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ َ ّ ُ ْ ِ َُ ُ‬
‫{ ‪ ،‬كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعديّ بن حاتم ‪ ،‬حين وفد عليه‬
‫‪" :‬أتعرف الحيرة ؟" قال )‪ : (8‬لم أعرفها ‪ ،‬ولكن قد )‪ (9‬سمعت بها‪ .‬قال ‪:‬‬
‫حيَرة‬
‫ن الله هذا المر حتى تخرج الظعينة من ال ِ‬ ‫"فوالذي نفسي بيده ‪ ،‬لُيتم ّ‬
‫حتى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (5/220‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4646‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (2226‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (8155‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث‬
‫حسن ل نعرفه إل من حديث سعيد بن جمهان" ولم ترد لفظة ‪" :‬عضوض"‬
‫في هذه المصادر ‪ ،‬وإنما وردت في حديث آخر عن أبي عبيدة بن الجراح‬
‫ومعاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن الله تعالى بدأ هذا‬
‫المر نبوة ورحمة ‪ ،‬وكائنا خلفة ورحمة ‪ ،‬وكائنا ملكا عضوضا ‪ ،‬وكائنا عنوة‬
‫وجبرية وفسادا في المة‪ ...‬الحديث" أخرجه البيهقي في السنن الكبرى )‬
‫‪.(8/159‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬لنستخلفنهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪ " :‬بمكة وأصحابة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬فصبروا" وفي أ ‪" :‬فعيروا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الصحابة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ ‪ ،‬والدر المنثور ‪.5/55‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ ‪ ،‬والدر المنثور ‪.5/55‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬قلت له"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لم أرها وقد"‬

‫) ‪(6/79‬‬

‫تطوف بالبيت في غير جوار أحد ‪ ،‬ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز"‪ .‬قلت ‪:‬‬
‫ل حتى ل‬ ‫كسرى بن هرمز ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬كسرى بن هرمز ‪ ،‬ولُيبذ َل َ ّ‬
‫ن الما ُ‬
‫يقبله أحد"‪ .‬قال عدي بن حاتم ‪ :‬فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف‬
‫بالبيت في غير جوار أحد ‪ ،‬ولقد كنت فيمن افتتح )‪ (1‬كنوز كسرى بن هرمز ‪،‬‬
‫والذي نفسي بيده ‪ ،‬لتكونن الثالثة ؛ لن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد‬
‫قالها )‪.(2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن‬
‫الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي بن كعب قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫سناء والرفعة ‪ ،‬والدين والنصر‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬بشر هذه المة بال ّ‬
‫والتمكين في الرض ‪ ،‬فمن عمل منهم عمل الخرة للدنيا ‪ ،‬لم يكن له في‬
‫الخرة نصيب" )‪.(3‬‬
‫وقوله ‪ } :‬يعبدونني ل يشركون بي شيئا { قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬حدثنا قتادة عن أنس ‪ ،‬أن معاذ بن جبل حدثه قال‬
‫‪ :‬بينا )‪ (4‬أنا رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إل آخرة‬
‫سْعديك‪ .‬قال ‪ :‬ثم سار‬ ‫حل ‪ ،‬قال ‪" :‬يا معاذ" ‪ ،‬قلت ‪ :‬لبيك يا رسول الله و َ‬
‫الّر ْ‬
‫ساعة ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬يا معاذ بن جبل " ‪ ،‬قلت ‪ :‬لبيك يا رسول الله وسعديك‪.‬‬
‫]ثم سار ساعة ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬يا معاذ بن جبل" ‪ ،‬قلت ‪ :‬لبيك يا رسول الله‬
‫وسعديك"[ )‪ .(5‬قال ‪" :‬هل تدري ما حق الله على العباد" ؟ قلت ‪ :‬الله‬
‫ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪]" :‬فإن[ )‪ (6‬حق الله على العباد أن يعبدوه ول يشركوا‬
‫به شيًئا"‪ .‬قال ‪ :‬ثم سار ساعة‪ .‬ثم قال ‪" :‬يا معاذ بن جبل" ‪ ،‬قلت ‪ :‬لبيك يا‬
‫رسول الله وسعديك‪ .‬قال ‪" :‬فهل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا‬
‫ذلك" ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬فإن حق العباد على الله أن‬
‫ل يعذبهم"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة )‪.(7‬‬
‫ن { أي ‪ :‬فمن خرج عن‬ ‫قو َ‬‫س ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫فا ِ‬ ‫ك فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فَر ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫سقَ عن أمر ربه وكفى بذلك ذنًبا عظيما‪.‬‬ ‫طاعتي بعد ذلك ‪ ،‬فقد فَ َ‬
‫فالصحابة ‪ ،‬رضي الله عنهم ‪ ،‬لما كانوا أقوم الناس بعد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بأوامر الله عز وجل ‪ ،‬وأطوعهم لله ‪ -‬كان نصرهم بحسبهم ‪ ،‬وأظهروا‬
‫دا عظيما ‪ ،‬وتحكموا في سائر‬ ‫كلمة الله في المشارق والمغارب ‪ ،‬وأيدهم تأيي ً‬
‫صر الناس بعدهم في بعض الوامر ‪ ،‬نقص ظهورهم‬ ‫العباد والبلد‪ .‬ولما قَ ّ‬
‫بحسبهم ‪ ،‬ولكن قد ثبت في الصحيحين ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق‬
‫‪ ،‬ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم إلى اليوم )‪ (8‬القيامة" وفي رواية ‪:‬‬
‫"حتى يأتي أمر الله ‪ ،‬وهم كذلك )‪ ." (9‬وفي رواية ‪" :‬حتى يقاتلوا الدجال"‪.‬‬
‫وفي رواية ‪" :‬حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم ظاهرون"‪ .‬وكل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فتح"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪.(3595‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(5/134‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬بينما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (5/242‬وصحيح البخاري برقم )‪ (5967‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(30‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يوم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬على ذلك"‪.‬‬

‫) ‪(6/80‬‬

‫َ‬ ‫صَلة َ وَآ َُتوا الّز َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫سب َ ّ‬
‫ح َ‬ ‫ن )‪َ (56‬ل ت َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬‫م ت ُْر َ‬ ‫ل ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫كاة َ وَأ ِ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫وَأِقي ُ‬
‫صيُر )‪َ (57‬يا أ َي َّها‬ ‫ْ‬ ‫ن ِفي اْل َْر‬
‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫م الّناُر وَل َب ِئ ْ َ‬ ‫مأَواهُ ُ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫زي َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫معْ ِ‬‫فُروا ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ذي َ‬
‫م‬‫من ْك ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫حل ُ َ‬
‫م ي َب ْل ُُغوا ال ْ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬
‫ست َأذِن ْك ُ ُ‬ ‫مُنوا ل ِي َ ْ‬‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ َ‬
‫ن ب َعْدِ‬ ‫م ْ‬‫ن الظ ِّهيَرةِ وَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ث َِياب َك ُ ْ‬ ‫ضُعو َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫جرِ وَ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫صَلةِ ال ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫ث ََل َ‬
‫ن‬‫واُفو َ‬ ‫ن طَ ّ‬ ‫ح ب َعْد َهُ ّ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫م وََل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫س عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ل َي ْ َ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫ث عَوَْرا ٍ‬ ‫شاِء ث ََل ُ‬ ‫صَلةِ ال ْعِ َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م )‪(58‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ت َوالل ُ‬ ‫م الَيا ِ‬ ‫ه لك ُ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ض كذ َل ِك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ضك ْ‬ ‫م ب َعْ ُ‬ ‫عَلي ْك ْ‬

‫هذه الروايات صحيحة ‪ ،‬ول تعارض بينها‪.‬‬


‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (56‬ل‬
‫مو َ‬
‫ح ُ‬ ‫ل لعَلك ُ ْ‬
‫م ت ُْر َ‬ ‫سو َ‬
‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫صلة َ َوآُتوا الّز َ‬
‫كاةَ وَأ ِ‬ ‫موا ال ّ‬
‫} وَأِقي ُ‬
‫فروا معجزين في الرض و ْ‬
‫صيُر )‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬‫م الّناُر وَل َب ِئ ْ َ‬ ‫مأَواهُ ُ‬ ‫ْ ِ َ َ‬ ‫ُ ْ ِ ِ َ ِ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪.{ (57‬‬
‫يقول تعالى آمًرا عباده المؤمنين بإقام الصلة ‪ ،‬وهي عبادة الله وحده ل‬
‫شريك له ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وهي ‪ :‬الحسان إلى المخلوقين ضعفائهم‬
‫وفقرائهم ‪ ،‬وأن يكونوا في ذلك مطيعين للرسول ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬سالكين وراءه فيما به أمرهم ‪ ،‬وتاركين )‪ (1‬ما عنه زجرهم ‪ ،‬لعل الله‬
‫يرحمهم بذلك‪ .‬ول شك أن من فعل ذلك أن الله سيرحمهم ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫ه { ]التوبة ‪.[71 :‬‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َْر َ‬‫ك َ‬ ‫في الية الخرى ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫فُروا { أي ‪:‬‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن { أي ‪] :‬ل تظن[ )‪ (2‬يا محمد } ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫وقوله } ل ت َ ْ‬
‫ض { أي ‪ :‬ل يعجزون الله ‪ ،‬بل الله‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫خالفوك وكذبوك ‪ُ } ،‬‬
‫م{‬ ‫ْ‬
‫مأَواهُ ُ‬ ‫قادر عليهم ‪ ،‬وسيعذبهم على ذلك أشد العذاب ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫صيُر { أي ‪ :‬بئس المآل مآ ُ‬
‫ل‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫أي ‪ :‬في الدار الخرة } الّناُر وَل َب ِئ ْ َ‬
‫الكافرين ‪ ،‬وبئس القرار وبئس المهاد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حل َ‬ ‫م ي َب ْلُغوا ال ُ‬ ‫نل ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ِ‬ ‫ُ‬
‫مان ُك ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫ملك ْ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫ست َأذِن ْك ُ ُ‬ ‫مُنوا ل ِي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن الظ ِّهيَر ِ‬
‫ة‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ث َِياب َك ُ ْ‬‫ضُعو َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫جرِ وَ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫صلةِ ال ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫م َثل َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫ح ب َعْد َهُ ّ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫م َول عَلي ْهِ ْ‬ ‫ُ‬
‫س عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫م لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ث عَوَْرا ٍ‬ ‫َ‬
‫صلةِ العِشاِء ثل ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫م‬ ‫لي‬ ‫ع‬
‫َ ِ َ ُ َِ ٌ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫ِ َُّ ُ‬‫ب‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ض‬
‫َ َ ْ ْ َْ ُ ْ َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫طَ ّ‬
‫وا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ٍ‬
‫م )‪{ (58‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬وترك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/81‬‬

‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وَإ َِذا ب َل َغَ اْل َط ْ َ‬


‫م ك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ست َأذ َ َ‬‫ما ا ْ‬ ‫ست َأذُِنوا ك َ َ‬ ‫م فَل ْي َ ْ‬ ‫حل ُ َ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫من ْك ُ ُ‬‫ل ِ‬‫فا ُ‬
‫ساِء الّلِتي َل‬ ‫م )‪َ (59‬وال ْ َ‬ ‫ي ُب َي ّن الل ّه ل َك ُ َ‬
‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬‫عد ُ ِ‬‫وا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م آَيات ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫زين َةٍ وَأ ْ‬ ‫ت ب ِِ‬ ‫جا ٍ‬ ‫مت َب َّر َ‬‫ن غي َْر ُ‬ ‫ن ث َِياب َهُ ّ‬ ‫ضعْ َ‬
‫ن يَ َ‬ ‫حأ ْ‬ ‫جَنا ٌ‬‫ن ُ‬ ‫س عَلي ْهِ ّ‬ ‫حا فَلي ْ َ‬ ‫ن ن ِكا ً‬ ‫جو َ‬ ‫ي َْر ُ‬
‫م )‪(60‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوالل ُ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر لهُ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ف َ‬‫ست َعْفِ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م ك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ست َأذ َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م فَل ْي َ ْ‬
‫ست َأذُِنوا ك َ َ‬ ‫حل ُ َ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫من ْك ُ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫فا ُ‬ ‫} وَإ َِذا ب َل َغَ الط ْ َ‬
‫ساِء اللِتي ل‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬‫عد ُ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م )‪َ (59‬وال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م آَيات ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫ي ُب َي ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫زين َةٍ وَأ ْ‬ ‫ت بِ ِ‬‫جا ٍ‬‫مت َب َّر َ‬‫ن غَي َْر ُ‬ ‫ن ث َِياب َهُ ّ‬
‫ضعْ َ‬
‫ن يَ َ‬ ‫حأ ْ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫س عَلي ْهِ ّ‬ ‫حا فَلي ْ َ‬ ‫ن ن ِكا ً‬ ‫جو َ‬ ‫ي َْر ُ‬
‫م )‪{ (60‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوالل ُ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر لهُ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ف َ‬‫ست َعْفِ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫هذه اليات الكريمة اشتملت على استئذان القارب بعضهم على بعض‪ .‬وما‬
‫دم في أول السورة فهو استئذان الجانب بعضهم على بعض‪ .‬فأمر الله‬ ‫تق ّ‬
‫مهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم‬ ‫َ‬ ‫خد َ ُ‬‫تعالى المؤمنين أن يستأذَنهم َ‬
‫يبلغوا الحلم منهم في ثلثة أحوال ‪ :‬الول من قبل صلة الغداة ؛ لن الناس‬
‫ن الظ ِّهيَرةِ { أي ‪:‬‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ن ث َِياب َك ُ ْ‬ ‫ضُعو َ‬ ‫ن تَ َ‬‫حي َ‬ ‫ما في فرشهم } وَ ِ‬ ‫إذ ذاك يكونون نيا ً‬
‫في وقت القيلولة ؛ لن النسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله ‪،‬‬
‫م والطفال أل‬ ‫مُر الخد ُ‬ ‫شاِء { لنه وقت النوم ‪ ،‬فُيؤ َ‬ ‫صلةِ ال ْعِ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬‫} وَ ِ‬
‫موا على أهل البيت في هذه الحوال ‪ ،‬لما يخشى من أن يكون الرجل‬ ‫يهج ُ‬

‫) ‪(6/81‬‬
‫م ل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫ث عَوَْرا ٍ‬ ‫على أهله ‪ ،‬ونحو ذلك من العمال ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬ثل ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬إذا دخلوا في حال غير هذه الحوال فل‬ ‫ح ب َعْد َهُ ّ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫م َول عَل َي ْهِ ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫جناح عليكم في تمكينكم إياهم من ذلك ‪ ،‬ول عليهم إن رأوا شيئا في غير تلك‬
‫ن { عليكم ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫واُفو َ‬ ‫الحوال ؛ لنه قد أذن لهم في الهجوم ‪ ،‬ولنهم } ط َ ّ‬
‫في الخدمة وغير ذلك ‪ ،‬ويغتفر في الطوافين ما ل يغتفر في غيرهم ؛ ولهذا‬
‫َرَوى المام مالك وأحمد بن حنبل وأهل السنن أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫جس ؛ إنها من الطوافين عليكم ‪ -‬أو ‪-‬‬ ‫وسلم قال في الهِّرة ‪" :‬إنها ليست بن َ‬
‫والطوافات" )‪.(1‬‬
‫ولما كانت هذه الية محكمة ولم تنسخ بشيء ‪ ،‬وكان عمل الناس بها قليل‬
‫دا ‪ ،‬أنكر عبد الله بن عباس ذلك على الناس ‪ ،‬كما قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬ ‫ج ً‬
‫َ‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عبد الله بن ب ُكْير ‪ ،‬حدثني عبد الله بن‬ ‫حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫جب َْير قال ‪ :‬قال ابن عباس ‪:‬‬ ‫ل َِهيعة ‪ ،‬حدثني عطاء بن دينار ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ست َأذِن ْك ُ ُ‬ ‫مُنوا ل ِي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ترك الناس ثلث آيات فلم يعملوا بهن ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ت [ { )‪ (2‬إلى آخر‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫م َثل َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫م] ِ‬ ‫حل ُ َ‬ ‫م ي َب ْل ُُغوا ال ْ ُ‬‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫َ‬
‫قْرَبى‬ ‫ة أوُلو ال ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ِ ْ َ َ‬‫س‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫النساء‬ ‫سورة‬ ‫في‬ ‫التي‬ ‫والية‬ ‫‪،‬‬ ‫الية‬
‫َِ َ َ َ‬
‫ه { ]النساء ‪ ، [8 :‬والية التي في‬ ‫من ْ ُ‬‫م ِ‬‫ن َفاْرُزُقوهُ ْ‬ ‫كي ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫َوال ْي ََتا َ‬
‫َ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ أت ْ َ‬ ‫َ‬
‫م { ]الحجرات ‪[13 :‬‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫ن أك َْر َ‬ ‫الحجرات ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ضا من حديث إسماعيل بن مسلم ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬عن عمرو بن دينار‬ ‫وروي أي ً‬
‫‪ ،‬عن عطاء بن أبي َرَباح ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬غلب الشيطان الناس على‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫مل َك َ ْ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ست َأذِن ْك ُ ُ‬‫مُنوا ل ِي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ثلث آيات ‪ ،‬فلم يعملوا بهن ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م { إلى آخر الية‪.‬‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫أي ْ َ‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا ابن الصباح بن سفيان وابن عبدة ‪ -‬وهذا حديثه ‪ -‬أخبرنا‬
‫سفيان ‪ ،‬عن عبيد الله بن أبي يزيد ‪ ،‬سمع ابن عباس يقول ‪ :‬لم يؤمن بها‬
‫أكثر )‪ (3‬الناس ‪ -‬آية الذن ‪ -‬وإني لمر جاريتي هذه تستأذن علي‪.‬‬
‫قال أبو داود ‪ :‬وكذلك رواه عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس يأمر به )‪.(4‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ست َأذِن ْك ُ‬ ‫وقال الثوري ‪ ،‬عن موسى بن أبي عائشة سألت الشعبي ‪ } :‬ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫م { ‪ ،‬قال ‪ :‬لم تنسخ‪ .‬قلت ‪ :‬فإن الناس ل يعملون بها‪.‬‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫فقال ‪ :‬الله المستعان‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الربيع بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرنا‬
‫عمرو ‪ ،‬عن عكرمة عن ابن عباس ؛ أن‬ ‫سليمان بن بلل ‪ ،‬عن عمرو بن أبي َ‬
‫رجلين سأله عن الستئذان في الثلث عورات التي أمر الله بها في القرآن ‪،‬‬
‫فقال ابن عباس ‪ :‬إن الله سّتير يحب الستر ‪ ،‬كان الناس ليس لهم ستور‬
‫مه أو ولده أو يتيمه‬ ‫ل خاد ُ‬ ‫حجال في بيوتهم ‪ ،‬فربما فاجأ الرج َ‬ ‫على أبوابهم ول ِ‬
‫في حجره ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الموطأ )‪ (1/23‬والمسند )‪ (5/296‬وسنن أبي داود برقم )‪ (75‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪ (92‬وسنن النسائي )‪ (1/55‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(367‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كثير من"‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن أبي داود برقم )‪.(5191‬‬

‫) ‪(6/82‬‬
‫مى الله‪.‬‬ ‫وهو على أهله ‪ ،‬فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي س ّ‬
‫ثم جاء الله بعد بالستور )‪ ، (1‬فبسط ]الله[ )‪ (2‬عليهم الرزق ‪ ،‬فاتخذوا‬
‫جال ‪ ،‬فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الستئذان الذي‬ ‫ح َ‬ ‫الستور واتخذوا ال ِ‬
‫أمروا به‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬عن‬ ‫قعْن َب ِ ّ‬‫وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ‪ ،‬ورواه أبو داود ‪ ،‬عن ال َ‬
‫مرو به )‪.(3‬‬ ‫الد َّراوَْردِيّ ‪ ،‬عن عمرو بن أبي عَ ْ‬
‫واقعوا‬ ‫دي ‪ :‬كان أناس من الصحابة ‪ ،‬رضي الله عنهم ‪ ،‬يحبون أن ي ُ َ‬ ‫س ّ‬ ‫وقال ال ّ‬
‫نساءهم في هذه الساعات ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلة ‪ ،‬فأمرهم الله أن‬
‫يأمروا المملوكين والغلمان أل يدخلوا عليهم في تلك الساعات إل بإذن‪.‬‬
‫حّيان ‪ :‬بلغنا ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن رجل من النصار وامرأته‬ ‫وقال مقاتل بن َ‬
‫مْرشدة صنعا للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ‪ ،‬فجعل الناس‬ ‫أسماء بنت ُ‬
‫يدخلون بغير إذن ‪ ،‬فقالت أسماء ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما أقبح هذا! إنه ليدخل‬
‫على المرأة وزوجها وهما في ثوب واحد ‪ ،‬غلمهما بغير إذن! فأنزل الله في‬
‫م ي َب ْل ُُغوا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ست َأذِن ْك ُ ُ‬ ‫مُنوا ل ِي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ذلك ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ت [ { )‪ (4‬الية‪.‬‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫م ] َثل َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫حل ُ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ت‬
‫م الَيا ِ‬ ‫ه ل َك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫ومما يدل على أنها محكمة لم تنسخ ‪ ،‬قوله ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫م {‪.‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫ست َأذ َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ست َأذُِنوا ك َ َ‬ ‫م فَل ْي َ ْ‬ ‫حل ُ َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫من ْك ُ ُ‬‫ل ِ‬ ‫فا ُ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ .} :‬وَإ َِذا ب َل َغَ الط ْ َ‬
‫م { يعني ‪ :‬إذا بلغ الطفال الذين إنما كانوا يستأذنون في العورات‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫الثلث ‪ ،‬إذا بلغوا الحلم ‪ ،‬وجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال ‪ ،‬يعني‬
‫بالنسبة إلى أجانبهم وإلى الحوال التي يكون الرجل على امرأته ‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن في الحوال الثلث‪.‬‬
‫قال الوزاعي ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ :‬إذا كان الغلم رباعيا فإنه يستأذن‬
‫في العورات الثلث على أبويه ‪ ،‬فإذا بلغ الحلم فليستأذن على كل حال‪.‬‬
‫وهكذا قال سعيد بن جبير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م { يعني ‪ :‬كما استأذن الكبار‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ست َأذ َ َ‬‫ما ا ْ‬ ‫وقال في قوله ‪ } :‬ك َ َ‬
‫من ولد الرجل وأقاربه‪.‬‬
‫حّيان ‪،‬‬ ‫قاتل بن َ‬ ‫م َ‬ ‫جب َْير ‪ ،‬و ُ‬ ‫ساِء { قال سعيد بن ُ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫عد ُ ِ‬ ‫وا ِ‬‫ق َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ْ َ‬
‫وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬هن اللواتي انقطع عنهن الحيض ويئسن من الولد ‪،‬‬
‫وف إلى التزويج ‪ } ،‬فَل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫حا { أي ‪ :‬لم يبق لهن َتش ّ‬ ‫كا ً‬ ‫ن نِ َ‬ ‫جو َ‬ ‫} اللِتي ل ي َْر ُ‬
‫عَل َيهن جنا َ‬
‫زين َةٍ { أي ‪ :‬ليس عليها من‬ ‫ت بِ ِ‬ ‫جا ٍ‬ ‫مت َب َّر َ‬‫ن غَي َْر ُ‬ ‫ن ث َِياب َهُ ّ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫حأ ْ‬ ‫ِْ ّ ُ َ ٌ‬
‫الحرج في التستر كما على غيرها من النساء‪.‬‬
‫قال أبو داود ‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن الحسين بن‬
‫ل‬ ‫واقد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن يزيد النحوي ‪ ،‬عن عكرمة عن ابن عباس ‪ } :‬وَقُ ْ‬
‫ن { الية ]النور ‪ [31 :‬فنسخ ‪ ،‬واستثنى من‬ ‫ل ِل ْمؤْمنات يغْضضن م َ‬
‫صارِهِ ّ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ُ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ‬
‫حا { الية )‪(5‬‬ ‫َ‬
‫ن ن ِكا ً‬ ‫جو َ‬ ‫ساِء اللِتي ل ي َْر ُ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫عد ُ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ذلك } َوال ْ َ‬
‫ن{‬ ‫قال ابن مسعود ]في قوله[ )‪ } : (6‬فَل َيس عَل َيهن جنا َ‬
‫ن ث َِياب َهُ ّ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫حأ ْ‬ ‫ِْ ّ ُ َ ٌ‬ ‫ْ َ‬
‫قال ‪ :‬الجلباب ‪ ،‬أو‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬بعده بالستور" وفي أ ‪" :‬بعده الستر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ ‪ ،‬والدر المنثور ‪.5/56‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪.(5192‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود برقم )‪.(4111‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(6/83‬‬

‫ج وََل عََلى‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ض َ‬‫َِ‬ ‫ري‬‫م ِ‬ ‫ج وََل عََلى ال ْ َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ج وََل عََلى اْل َعَْرِج َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫مى َ‬ ‫َ‬
‫س عََلى اْلعْ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ت‬‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬ ‫تأ ّ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫ت آَبائ ِك ُ ْ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫ن ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫ت‬ ‫خوات ِك ُم أ َو بيوت أ َعْمامك ُم أ َو بيوت عَمات ِك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫خوان ِك ُ َ‬
‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ ْ ْ ُُ ِ‬ ‫ْ ْ ُُ ِ‬ ‫تأ َ َ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫ْ‬ ‫إِ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ح‬
‫جَنا ٌ‬
‫م ُ‬ ‫س عَلي ْك ُ ْ‬ ‫م لي ْ َ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫دي ِ‬‫ص ِ‬
‫ه أوْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫فات ِ َ‬‫م َ‬‫م َ‬‫ملك ْت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أوْ َ‬ ‫خالت ِك ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫خ َ‬
‫موا عََلى أ َن ْ ُ‬ ‫ميًعا أ َوْ أ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عن ْدِ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫حي ّ ً‬‫م تَ ِ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫م ب ُُيوًتا فَ َ‬ ‫خل ْت ُ ْ‬‫شَتاًتا فَإ َِذا د َ َ‬ ‫ج ِ‬‫ن ت َأك ُُلوا َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َعْ ِ‬ ‫م اْل ََيا ِ‬ ‫ه ل َك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫ك ي ُب َي ّ ُ‬‫ة ك َذ َل ِ َ‬ ‫ة ط َي ّب َ ً‬ ‫مَباَرك َ ً‬ ‫الل ّهِ ُ‬

‫الرداء ‪ :‬وكذا ُروي عن ابن عباس ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪،‬‬
‫ي ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والزهري ‪،‬‬ ‫خعِ ّ‬ ‫وأبي الشعثاء )‪ (1‬وإبراهيم الن ّ َ‬
‫والوزاعي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال أبو صالح ‪ :‬تضع الجلباب ‪ ،‬وتقوم بين يدي الرجل في الدرع والخمار‪.‬‬
‫جب َْير وغيره ‪ ،‬في قراءة عبد الله بن مسعود ‪" :‬أن يضعن من‬ ‫وقال سعيد بن ُ‬
‫ثيابهن" وهو الجلباب من فوق الخمار فل بأس أن يضعن عند غريب أو غيره ‪،‬‬
‫صفيق‪.‬‬ ‫بعد أن يكون عليها خمار َ‬
‫زين َةٍ { يقول ‪ :‬ل يتبرجن بوضع‬ ‫ت بِ ِ‬
‫جا ٍ‬ ‫مت َب َّر َ‬ ‫وقال سعيد بن جبير ‪ } :‬غَي َْر ُ‬
‫الجلباب ‪ ،‬أن يرى ما عليها من الزينة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عبيد الله ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫وار بن ميمون ‪ ،‬حدثتنا طلحة بنت عاصم ‪ ،‬عن أم‬ ‫س ّ‬ ‫المبارك ‪] ،‬حدثني َ‬
‫ي[ )‪ (2‬فقلت‬ ‫المصاعن ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬أنها قالت ‪ :‬دخلت عل ّ‬
‫قرطين ‪،‬‬ ‫‪ :‬يا أم المؤمنين ‪ ،‬ما تقولين في الخضاب ‪ ،‬والنفاض ‪ ،‬والصباغ ‪ ،‬وال ُ‬
‫والخلخال ‪ ،‬وخاتم الذهب ‪ ،‬وثياب الرقاق ؟ فقالت ‪ :‬يا معشر النساء ‪،‬‬
‫قصتكن )‪ (3‬كلها واحدة ‪ ،‬أحل الله لكن الزينة غير متبرجات‪ .‬أي ‪ :‬ل يح ّ‬
‫ل‬
‫ن أن ي ََرْوا منكن محرما‪.‬‬ ‫لك ّ‬
‫وقال السدي ‪ :‬كان شريك لي يقال له ‪" :‬مسلم" ‪ ،‬وكان مولى لمرأة حذيفة‬
‫بن اليمان ‪ ،‬فجاء يوما إلى السوق وأثر الحّناء في يده ‪ ،‬فسألته عن ذلك ‪،‬‬
‫ضب رأس مولته ‪ -‬وهي امرأة حذيفة ‪ -‬فأنكرت ذلك‪ .‬فقال ‪:‬‬ ‫خ َ‬ ‫فأخبرني أنه َ‬
‫إن شئت أدخلتك عليها ؟ فقلت ‪ :‬نعم‪ .‬فأدخلني عليها ‪ ،‬فإذا امرأة جليلة ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬إن مسلما حدثني أنه خضب رأسك ؟ فقالت ‪ :‬نعم يا بني ‪ ،‬إني من‬
‫حا ‪ ،‬وقد قال الله في ذلك ما سمعت‪.‬‬ ‫القواعد اللتي ل يرجون نكا ً‬
‫ن { أي ‪ :‬وترك وضعهن لثيابهن ‪ -‬وإن كان‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر لهُ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ف َ‬ ‫ست َعْفِ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫جائًزا ‪ -‬خير وأفضل لهن ‪ ،‬والله سميع عليم‪.‬‬
‫ج َول‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ج َول عََلى العَْرِج َ‬ ‫س عََلى العْ َ‬ ‫} ل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ري ِ‬ ‫مُ ِ‬ ‫ج َول عَلى ال َ‬
‫َ‬
‫حَر ٌ‬
‫َ‬
‫حَر ٌ‬ ‫مى َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬‫تأ ّ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫ت آَبائ ِك ُ ْ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫ن ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫عََلى أ َن ْ ُ‬
‫ت‬ ‫خوات ِك ُم أ َو بيوت أ َعْمامك ُم أ َو بيوت عَمات ِك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫خوان ِك ُ َ‬
‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ ْ ْ ُُ ِ‬ ‫ْ ْ ُُ ِ‬ ‫تأ َ َ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫ْ‬ ‫إِ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ح‬
‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫س عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ل َي ْ َ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫دي ِ‬
‫ص ِ‬ ‫ه أوْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫فات ِ َ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬‫مل َك ْت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أوْ َ‬ ‫خالت ِك ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫موا عََلى أ َن ْ ُ‬ ‫ميًعا أ َوْ أ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عن ْدِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫حي ّ ً‬ ‫م تَ ِ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫م ب ُُيوًتا فَ َ‬ ‫خل ْت ُ ْ‬ ‫شَتاًتا فَإ َِذا د َ َ‬ ‫ن ت َأك ُُلوا َ‬
‫ج ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪{ (61‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م الَيا ِ‬ ‫ه ل َك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫ة ك َذ َل ِ َ‬ ‫ة ط َي ّب َ ً‬ ‫مَباَرك َ ً‬ ‫الل ّهِ ُ‬
‫اختلف المفسرون ‪ -‬رحمهم الله ‪ -‬في المعنى الذي رفع من أجله الحرج عن‬
‫العمى والعرج والمريض هاهنا ‪ ،‬فقال عطاء الخراساني ‪ ،‬وعبد الرحمن بن‬
‫زيد بن أسلم ‪ :‬نزلت في الجهاد‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الشعبي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فصلن"‪.‬‬

‫) ‪(6/84‬‬

‫وجعلوا هذه الية هاهنا كالتي في سورة الفتح )‪ (1‬وتلك في الجهاد ل محالة ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬أنهم ل إثم عليهم في ترك الجهاد ؛ لضعفهم وعجزهم ‪ ،‬وكما قال تعالى‬
‫نل‬ ‫ذي َ‬ ‫ضى َول عََلى ال ّ ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫فاِء َول عََلى ال ْ َ‬ ‫ضعَ َ‬ ‫س عََلى ال ّ‬ ‫في سورة براءة ‪ } :‬ل َي ْ َ‬
‫ل‬‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ما عََلى ال ْ ُ‬ ‫سول ِهِ َ‬ ‫حوا ل ِل ّهِ وََر ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ج إ َِذا ن َ َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫ما ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫يَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫مل ك ْ‬ ‫ح ِ‬‫ما أ ْ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫تلأ ِ‬ ‫م قل َ‬ ‫ملهُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما أت َوْك ل ِت َ ْ‬ ‫ن إ َِذا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َول عَلى ال ِ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫هغ ُ‬ ‫َوالل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]التوبة ‪:‬‬ ‫قو َ‬ ‫ما ي ُن ْفِ ُ‬ ‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫حَزًنا أل ي َ ِ‬ ‫مِع َ‬ ‫ن الد ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫في ُ‬ ‫م تَ ِ‬‫وا وَأعْي ُن ُهُ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ت َوَل ْ‬
‫ّ‬
‫‪.[92 ، 91‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد ]هاهنا[ )‪ (2‬أنهم كانوا يتحرجون من الكل مع العمى ؛ لنه ل‬
‫يرى الطعام وما فيه من الطيبات ‪ ،‬فربما سبقه غيره إلى ذلك‪ .‬ول مع العرج‬
‫سه ‪ ،‬والمريض ل يستوفي من‬ ‫؛ لنه ل يتمكن من الجلوس ‪ ،‬فيفتات عليه جلي ُ‬
‫الطعام كغيره ‪ ،‬فكرهوا أن يؤاكلوهم لئل يظلموهم ‪ ،‬فأنزل الله هذه الية‬
‫سم‪.‬‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬ ‫رخصة في ذلك‪ .‬وهذا قول سعيد بن جبير ‪ ،‬و ِ‬
‫قّزًزا‬ ‫وقال الضحاك ‪ :‬كانوا قبل المبعث يتحرجون من الكل مع هؤلء تقذًرا وت َ َ‬
‫‪ ،‬ولئل يتفضلوا عليهم ‪ ،‬فأنزل الله هذه الية‪.‬‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد في قوله‬ ‫مر ‪ ،‬عن ابن أبي ن َ ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َ‬
‫ج { الية قال ‪ :‬كان الرجل يذهب بالعمى أو‬ ‫حَر ٌ‬ ‫مى َ‬ ‫س عََلى العْ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ل َي ْ َ‬
‫العرج أو المريض إلى بيت أبيه أو بيت أخيه ‪ ،‬أو بيت أخته ‪ ،‬أو بيت عمته ‪،‬‬
‫أو بيت خالته‪ .‬فكان الّزمنى يتحرجون )‪ (3‬من ذلك ‪ ،‬يقولون ‪ :‬إنما يذهبون بنا‬
‫ة لهم )‪.(5‬‬ ‫إلى بيوت غيرهم )‪ .(4‬فنزلت هذه الية رخص ً‬
‫دي ‪ :‬كان الرجل يدخل بيت أبيه ‪ ،‬أو أخيه أو ابنه ‪ ،‬فت ُْتحفه المرأة‬ ‫س ّ‬ ‫وقال ال ّ‬
‫م‪ .‬فقال الله‬ ‫َ‬
‫ب البيت ليس ث ّ‬ ‫بالشيء من الطعام ‪ ،‬فل يأكل من أجل أن َر ّ‬
‫ض‬ ‫ري‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ول‬ ‫ج َول عََلى ال ْ َ ِ َ َ ٌ َ‬
‫ج‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫حَر ٌ‬ ‫مى َ‬ ‫س عََلى العْ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ل َي ْ َ‬
‫َ ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { إلى قوله ‪:‬‬ ‫ت آَبائ ِك ُ ْ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫ن ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ج َول عََلى أن ْ ُ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫َ‬
‫شَتاًتا {‪.‬‬ ‫َ‬
‫ميًعا أوْ أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ج‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ح‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬
‫َ ِ‬ ‫ْ ْ ُ َ ٌ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫كر هذا ‪-‬‬ ‫م { ‪ ،‬إنما ذ َ َ‬ ‫ن ب ُُيوت ِك ُْ‬ ‫م‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫فسك ُم أ َن تأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬ول عََلى أ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف عليه غيره في اللفظ ‪ ،‬وليستأديه )‪ (6‬ما بعده في‬ ‫وهو معلوم ‪ -‬ليعط َ‬
‫الحكم‪ .‬وتضمن هذا بيوت البناء ؛ لنه لم ينص عليهم‪ .‬ولهذا استدل بهذا من‬
‫ن مال الولد بمنزلة مال أبيه ‪ ،‬وقد جاء في المسند والسنن ‪ ،‬من‬ ‫ذهب إلى أ ّ‬
‫غير وجه ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬أنت ومالك‬
‫لبيك" )‪(7‬‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ملكت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م { ‪ ،‬إلى قوله } أوْ َ‬ ‫مَهات ِك ْ‬ ‫تأ ّ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫ت آَبائ ِك ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أوْ ب ُُيو ِ‬
‫ه { ‪ ،‬هذا ظاهر‪ .‬وقد يستدل به من يوجب نفقة القارب بعضهم على‬ ‫ح ُ‬‫فات ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫بعض ‪ ،‬كما هو مذهب]المام[ )‪ (8‬أبي حنيفة والمام أحمد بن حنبل ‪ ،‬في‬
‫المشهور عنهما‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬عند الية ‪.17 :‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يحرجون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عشيرتهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير عبد الرزاق )‪.(2/53‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ول يساوي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (2/179‬وسنن أبي داود برقم )‪ (3530‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪ (2292‬من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ‪ ،‬رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/85‬‬

‫َ‬
‫دي ‪ :‬هو‬ ‫س ّ‬ ‫جَبير ‪ ،‬وال ّ‬ ‫ه { فقال سعيد بن ُ‬ ‫ح ُ‬
‫فات ِ َ‬‫م َ‬
‫م َ‬ ‫مل َك ْت ُ ْ‬‫ما َ‬ ‫وأما قوله ‪ } :‬أوْ َ‬
‫خادم الرجل من عبد وقَهَْرمان ‪ ،‬فل بأس أن يأكل مما استودعه من الطعام‬
‫بالمعروف‪.‬‬
‫وقال الزهري ‪ ،‬عن عُْرَوة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬كان‬
‫المسلمون يرغبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫منائهم ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬قد أحللنا لكم أن تأكلوا ما‬ ‫ض َ‬ ‫فيدفعون مفاتحهم إلى ُ‬
‫احتجتم إليه‪ .‬فكانوا يقولون ‪ :‬إنه ل يحل لنا أن نأكل ؛ إنهم أذنوا لنا عن غير‬
‫َ‬
‫ه {‪.‬‬ ‫ح ُ‬ ‫فات ِ َ‬ ‫م َ‬‫م َ‬ ‫مل َك ْت ُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫طيب أنفسهم ‪ ،‬وإنما نحن أمناء‪ .‬فأنزل الله ‪ } :‬أوْ َ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬بيوت أصدقائكم وأصحابكم ‪ ،‬فل جناح عليكم‬ ‫قك ُ ْ‬‫دي ِ‬ ‫ص ِ‬‫وقوله ‪ } :‬أوْ َ‬
‫شقّ عليهم ول يكرهون ذلك‪.‬‬ ‫في الكل منها ‪ ،‬إذا علمتم أن ذلك ل ي َ ُ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬إذا دخلت بيت صديقك فل بأس أن تأكل بغير إذنه‪.‬‬
‫ميًعا أ َوْ أ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َيس عَل َيك ُم جنا َ‬
‫شَتاًتا { ‪ ،‬قال علي بن أبي‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ت َأك ُُلوا َ‬ ‫حأ ْ‬ ‫ْ ْ ُ َ ٌ‬ ‫ْ َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬وذلك لما أنزل الله ‪َ } :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل { ]النساء ‪ [29 :‬قال المسلمون ‪ :‬إن‬ ‫م ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫وال َك ُ ْ‬
‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫مُنوا ل ت َأك ُُلوا أ ْ‬ ‫آ َ‬
‫الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ‪ ،‬والطعام هو أفضل من الموال ‪،‬‬
‫س عن ذلك ‪ ،‬فأنزل الله ‪:‬‬ ‫فل يحل لحد منا أن يأكل عند أحد‪ .‬فكف النا ُ‬
‫َ‬
‫ضا‬
‫م { )‪ ، (2‬وكانوا أي ً‬ ‫ُ‬
‫قك ْ‬ ‫دي ِ‬
‫ص ِ‬‫مى { )‪ (1‬إلى قوله ‪ } :‬أوْ َ‬ ‫س عََلى العْ َ‬ ‫} ل َي ْ َ‬
‫يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده ‪ ،‬حتى يكون معه غيره ‪،‬‬
‫فرخص الله لهم في ذلك ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ل َيس عَل َيك ُم جناح أ َن تأ ْك ُُلوا جميعا أوَ‬
‫َ ِ ً ْ‬ ‫ْ ْ ُ َ ٌ ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫شَتاًتا {‪.‬‬ ‫أَ ْ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬وكان هذا الحي من بني كنانة ‪ ،‬يرى أحدهم أن مخزاة عليه أن‬
‫فل وهو‬ ‫ح ّ‬‫ذود َ ال ُ‬ ‫ل ل ََيسوقُ ال ّ‬ ‫يأكل وحده في الجاهلية ‪ ،‬حتى إن كان الرج ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حأ ْ‬ ‫جَنا ٌ‬‫م ُ‬ ‫س عَلي ْك ُ ْ‬ ‫جائع ‪ ،‬حتى يجد من يؤاكله ويشاربه ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬لي ْ َ‬
‫ميًعا أ َوْ أ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫شَتاًتا {‪.‬‬ ‫ج ِ‬‫ت َأك ُُلوا َ‬
‫فهذه رخصة من الله تعالى في أن يأكل الرجل وحده ‪ ،‬ومع الجماعة ‪ ،‬وإن‬
‫كان الكل مع الجماعة أفضل وأبرك ‪ ،‬كما رواه المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن‬
‫حْرب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬ ‫ي بن َ‬ ‫حش ّ‬ ‫عبد ربه ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن وَ ْ‬
‫ل ول نشَبع‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إنا نأك ُ‬ ‫ن رجل قال للنب ّ‬ ‫جده ؛ أ ّ‬
‫"فلعلكم تأكلون متفرقين ‪ ،‬اجتمعوا على طعامكم ‪ ،‬واذكروا اسم الله ي َُباركْ‬
‫لكم فيه"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود وابن ماجه ‪ ،‬من حديث الوليد بن مسلم ‪ ،‬به )‪(3‬‬
‫ضا ‪ ،‬من حديث عمرو بن دينار القهرماني ‪ ،‬عن سالم ‪،‬‬ ‫وقد َرَوى ابن ماجه أي ً‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن عمر ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬كلوا‬
‫فّرُقوا ؛ فإن البركة مع الجماعة"‪(4) .‬‬ ‫جميًعا ول ت َ َ‬
‫َ‬
‫موا عََلى أن ْ ُ‬
‫م { قال سعيد بن جبير ‪،‬‬‫سك ُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫خل ْت ُ ْ‬
‫م ب ُُيوًتا فَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَإ َِذا د َ َ‬
‫والحسن البصري ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬بعدها في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ول على العرج حرج"‪.‬‬
‫)‪ (2‬قبلها في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أو ما ملكتم مفاتحه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (3/501‬وسنن أبي داود برقم )‪ (3764‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(3286‬‬
‫)‪ (4‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (3287‬وقال البوصيري في الزوائد )‪: (3/77‬‬
‫"هذا إسناد ضعيف"‪.‬‬

‫) ‪(6/86‬‬

‫وقتادة ‪ ،‬والزهري ‪ :‬فليسلم بعضكم على بعض‪.‬‬


‫ت جابر بن عبد الله يقول ‪ :‬إذا‬ ‫جَرْيج ‪ :‬حدثنا أبو الزبير ‪ :‬سمع ُ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫م عليهم تحية من عند الله مباركة طيبة‪ .‬قال ‪ :‬ما‬ ‫سل ّ ْ‬
‫ت على أهلك ‪ ،‬ف َ‬ ‫دخل َ‬
‫رأيته إل يوجبه‪.‬‬
‫ل‬‫قال ابن جريج ‪ :‬وأخبرني زياد ‪ ،‬عن ابن طاوس أنه كان يقول ‪ :‬إذا دخ َ‬
‫أحدكم بيته ‪ ،‬فليسلم‪.‬‬
‫ّ‬
‫جَرْيج ‪ :‬قلت لعطاء ‪ :‬أواجب إذا خرجت ثم دخلت أن أسلم عليهم ؟‬ ‫قال ابن ُ‬
‫ب إلي ‪ ،‬وما أدعه إل نابًيا )‪(1‬‬ ‫قال ‪ :‬ل ول آثر وجوبه عن أحد ‪ ،‬ولكن هو أح ّ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬إذا دخلت المسجد فقل ‪ :‬السلم على رسول الله‪ .‬وإذا دخلت‬
‫م عليهم ‪ ،‬وإذا دخلت بيًتا ليس فيه أحد فقل ‪ :‬السلم علينا‬ ‫على أهلك فسل ّ ْ‬
‫وعلى عباد الله الصالحين‪.‬‬
‫جَزريّ ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬إذا دخلت بيًتا ليس‬ ‫وروى الثوري ‪ ،‬عن عبد الكريم ال َ‬
‫فيه أحد فقل ‪ :‬بسم الله ‪ ،‬والحمد لله ‪ ،‬السلم علينا من ربنا ‪ ،‬السلم علينا‬
‫وعلى عباد الله الصالحين‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪] :‬إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم ‪ ،‬وإذا دخلت بيًتا ليس فيه‬
‫أحد ‪ ،‬فقل ‪ :‬السلم علينا وعلى عباد الله الصالحين[ )‪ (2‬فإنه كان يؤمر بذلك‬
‫دثنا أن الملئكة ترد عليه‪ .‬وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا محمد بن‬ ‫ح ّ‬‫‪،‬و ُ‬
‫المثنى ‪ ،‬حدثنا عَوْب َد ُ بن أبي عمران الجوني ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أنس قال ‪:‬‬
‫ي )‪ (3‬صلى الله عليه وسلم بخمس خصال ‪ ،‬قال ‪" :‬يا أنس ‪،‬‬ ‫أوصاني النب ّ‬
‫سلم على من لقيك من أمتي تك ُْثر حسناتك ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أسبغ الوضوء ي َُزد في عمرك ‪ ،‬و َ‬
‫وإذا دخلت ‪ -‬يعني ‪ :‬بيتك ‪ -‬فسلم على أهل بيتك ‪ ،‬يكثر خير بيتك ‪ ،‬وصل‬
‫ضحى فإنها صلة الوابين قبلك‪ .‬يا أنس ‪ ،‬ارحم الصغير ‪ ،‬ووّقر‬ ‫صلة ال ّ‬
‫ن من رفقائي يوم القيامة"‪(4) .‬‬ ‫ُ‬
‫الكبير ‪ ،‬ت َك ْ‬
‫ة { قال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني‬ ‫َ‬
‫ة طي ّب َ ً‬ ‫َ‬
‫مَباَرك ً‬ ‫ّ‬
‫عن ْدِ اللهِ ُ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫حي ّ ً‬ ‫وقوله ‪ } :‬ت َ ِ‬
‫داود بن الحصين ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس أنه كان يقول ‪ :‬ما أخذت‬
‫موا‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫خل ْت ُ ْ‬
‫م ب ُُيوًتا فَ َ‬ ‫التشهد َ إل من كتاب الله ‪ ،‬سمعت الله يقول ‪ } :‬فَإ َِذا د َ َ‬
‫ة { ‪ ،‬فالتشهد في الصلة ‪:‬‬ ‫ة ط َي ّب َ ً‬ ‫مَباَرك َ ً‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ ُ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬‫حي ّ ً‬‫م تَ ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬‫عََلى أ َن ْ ُ‬
‫التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأشهد‬
‫دا عبده ورسوله ‪ ،‬السلم عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ‪،‬‬ ‫أن محم ً‬
‫السلم علينا وعلى عباد الله الصالحين‪ .‬ثم يدعو لنفسه ويسلم‪.‬‬
‫هكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث ابن إسحاق‪.‬‬
‫والذي في صحيح مسلم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يخالف هذا )‪ ، (5‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ناسيا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه ابن عدي في الكامل )‪ (5/382‬من طريق موسى عن عويد بن‬
‫أبي عمران الجوني ‪ ،‬به‪ .‬ونقل عن البخاري ‪" :‬عويد بن أبي عمران عن أبيه‬
‫منكر الحديث" ثم قال ابن عدي ‪" :‬وعويد يبن على حديثه الضعف"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪ (403‬ولفظه ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ‪ ،‬فكان يقول ‪" :‬التحيات‬
‫المباركات الصلوات الطيبات لله ‪ ،‬السلم عليك أيها النبي ورحمة الله‬
‫وبركاته ‪ ،‬السلم علينا وعلى عباد الله الصالحين ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل الله وأن‬
‫محمدا رسول الله"‪.‬‬

‫) ‪(6/87‬‬

‫ن { لما ذكر تعالى ما في‬ ‫قُلو َ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬


‫م ت َعْ ِ‬ ‫ه ل َك ُ ُ‬
‫م الَيا ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ي ُب َي ّ ُ‬
‫السورة الكريمة من الحكام المحكمة والشرائع المتقنة المبرمة ‪ ،‬ن َّبه تعالى‬
‫على أنه ي ُب َّين لعباده اليات بياًنا شافًيا ‪ ،‬ليتدبروها ويتعقلوها‪.‬‬

‫) ‪(6/88‬‬

‫َ‬ ‫ذي َ‬
‫م‬‫مٍع ل َ ْ‬‫جا ِ‬ ‫مرٍ َ‬ ‫ه عََلى أ ْ‬ ‫معَ ُ‬‫كاُنوا َ‬ ‫سول ِهِ وَإ َِذا َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ْ ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ن ِباللهِ وََر ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬‫ذي َ‬
‫ست َأذُِنون َك أولئ ِك ال ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ست َأذُِنوه ُ إ ِ ّ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ي َذ ْهَُبوا َ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬‫م الل َ‬ ‫فْر لهُ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫م َوا ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫شئ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م فأذ َ ْ‬ ‫شأن ِهِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ست َأذ َُنوك ل ِب َعْ ِ‬ ‫فَإ َِذا ا ْ‬
‫ضا قَد ْ ي َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫عاِء ب َعْ ِ‬ ‫م ك َد ُ َ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫عاَء الّر ُ‬ ‫جعَُلوا د ُ َ‬ ‫م )‪َ (62‬ل ت َ ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫صيب َهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬ ‫واًذا فَل ْي َ ْ‬ ‫م لِ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سل ُّلو َ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫م )‪(63‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫فِت ْن َ ٌ‬
‫َ‬
‫م‬‫مٍع ل َ ْ‬
‫جا ِ‬‫مرٍ َ‬‫ه عََلى أ ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫كاُنوا َ‬‫سول ِهِ وَإ َِذا َ‬‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ما ال ْ ُ‬‫} إ ِن ّ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫سول ِهِ‬ ‫ن ِباللهِ وََر ُ‬‫مُنو َ‬‫ن ي ُؤْ ِ‬‫ذي َ‬
‫ست َأذُِنون َك أولئ ِك ال ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ست َأذُِنوه ُ إ ِ ّ‬‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ي َذ ْهَُبوا َ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬
‫م الل َ‬‫فْر لهُ ُ‬
‫ست َغْ ِ‬‫م َوا ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫شئ َ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫م فأذ َ ْ‬
‫ن لِ َ‬ ‫شأن ِهِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ست َأذ َُنوك ل ِب َعْ ِ‬ ‫فَإ َِذا ا ْ‬
‫م )‪.{ (62‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غَ ُ‬
‫ضا أدب أرشد الله عباَده المؤمنين إليه ‪ ،‬فكما أمرهم بالستئذان عند‬ ‫وهذا أي ً‬
‫الدخول ‪ ،‬كذلك أمرهم بالستئذان عند النصراف ‪ -‬ل سيما إذا كانوا في أمر‬
‫جامع مع الرسول ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬من صلة جمعة أو )‪ (1‬عيد أو‬
‫)‪ (2‬جماعة ‪ ،‬أو اجتماع لمشورة ونحو ذلك ‪ -‬أمرهم الله تعالى أل ينصرفوا‬
‫عنه والحالة هذه إل بعد استئذانه ومشاورته‪ .‬وإن من يفعل ذلك فهو من‬
‫المؤمنين الكاملين‪.‬‬
‫ثم أمر رسوله ‪ -‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ -‬إذا استأذنه أحد منهم في ذلك‬
‫ْ‬
‫م‬‫فْر ل َهُ ُ‬‫ست َغْ ِ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ت ِ‬ ‫شئ ْ َ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫أن يأذن له ‪ ،‬إن شاء ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَأذ َ ْ‬
‫م {‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬
‫دد ‪ ،‬قال حدثنا بشر ‪ -‬هو ابن‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫حن َْبل و ُ‬ ‫وقد قال أبو داود ‪ :‬حدثنا أحمد بن َ‬
‫قب ُرِيّ ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫جلن عن سعيد ال َ‬ ‫المفضل ‪ -‬عن عَ ْ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا انتهى أحدكم إلى المجلس‬
‫فليسّلم ‪ ،‬فإذا أراد أن يقوم فليسّلم ‪ ،‬فليست الولى بأحق من الخرة"‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي والنسائي ‪ ،‬من حديث محمد بن عجلن ‪ ،‬به )‪ .(3‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن‪.‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫َ‬
‫ضا قَد ْ ي َعْل ُ‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ْ‬‫ُ‬ ‫عاِء ب َعْ ِ‬ ‫َ‬
‫م كد ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ل ب َي ْن َك ْ‬
‫سو ِ‬ ‫عاَء الّر ُ‬ ‫جعَُلوا د ُ َ‬ ‫} ل تَ ْ‬
‫ة أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م فِت ْن َ ٌ ْ‬ ‫صيب َهُ ْ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫ن يُ َ‬ ‫حذ َرِ ال ِ‬
‫ذي َ‬ ‫واًذا فَلي َ ْ‬ ‫م لِ َ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سل ُّلو َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫م )‪.{ (63‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬‫يُ ِ‬
‫قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كانوا يقولون ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا أبا القاسم ‪،‬‬
‫ما لنبيه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه )‬ ‫فنهاهم الله عز وجل ‪ ،‬عن ذلك ‪ ،‬إعظا ً‬
‫‪ (4‬قال ‪ :‬فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬يا نبي الله‪ .‬وهكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جَبير‪.‬‬ ‫ُ‬
‫جل وأن‬ ‫ب‬
‫َُ ّ‬ ‫ي‬ ‫وأن‬ ‫‪،‬‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫نبيه‬ ‫يهاب‬ ‫أن‬ ‫الله‬ ‫أمر‬ ‫‪:‬‬ ‫قتادة‬ ‫وقال‬
‫ظم وأن يسود‪.‬‬ ‫يع ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬و"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬و"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪ (5208‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2706‬والنسائي‬
‫في السنن الكبرى برقم )‪.(10201‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫) ‪(6/88‬‬

‫عاِء‬‫م ك َد ُ َ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫عاَء الّر ُ‬ ‫جعَُلوا د ُ َ‬ ‫حّيان[ )‪ (1‬في قوله ‪ } :‬ل ت َ ْ‬ ‫وقال مقاتل ]بن َ‬
‫عوتموه ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ول تقولوا ‪ :‬يا بن‬ ‫موه إذا د َ َ‬ ‫س ّ‬‫ضا { يقول ‪ :‬ل ت ُ َ‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ب َعْ ِ‬
‫شّرفوه فقولوا ‪ :‬يا نبي الله ‪ ،‬يا رسول الله )‪.(2‬‬ ‫عبد الله ‪ ،‬ولكن َ‬
‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سو ِ‬ ‫عاَء الّر ُ‬ ‫جعَُلوا د ُ َ‬ ‫وقال مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم في قوله ‪ } :‬ل ت َ ْ‬
‫ضا { قال ‪ :‬أمرهم الله أن يشّرفوه‪.‬‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫عاِء ب َعْ ِ‬ ‫ك َد ُ َ‬
‫مُنوا ل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هذا قول‪ .‬وهو الظاهر من السياق ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫مُعوا { ]البقرة ‪ ، [104 :‬وقال } َيا أي َّها ال ِ‬ ‫س َ‬ ‫عَنا وَُقوُلوا ان ْظ ُْرَنا َوا ْ‬ ‫قوُلوا َرا ِ‬ ‫تَ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جهْرِ ب َعْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫قو ْ ِ‬‫ه ِبال َ‬ ‫جهَُروا ل ُ‬ ‫ي َول ت َ ْ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫صو ْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬ ‫وات َك ُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫مُنوا ل ت َْرفَُعوا أ ْ‬ ‫آ َ‬
‫ن ي َُناُدون َ َ‬
‫ك‬ ‫ّ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ن { إلى قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬‫مالك ْ‬ ‫حب َط أعْ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ل ِب َعْ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م لكا َ‬ ‫ج إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫خُر َ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫صب َُروا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَلوْ أن ّهُ ْ‬ ‫قلو َ‬ ‫م ل ي َعْ ِ‬ ‫ت أكث َُرهُ ْ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وََراِء ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م { ]الحجرات ‪[5 - 2 :‬‬ ‫َ‬
‫خي ًْرا لهُ ْ‬ ‫َ‬
‫فهذا كله من باب الدب ]في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم والكلم‬
‫معه وعنده كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته[ )‪(3‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ل ب َي ْن َك ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫عاَء الّر ُ‬ ‫جعَُلوا د ُ َ‬ ‫والقول الثاني في ذلك أن المعنى في ‪ } :‬ل ت َ ْ‬
‫ضا { أي ‪ :‬ل تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره ‪ ،‬فإن‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫عاِء ب َعْ ِ‬ ‫ك َد ُ َ‬
‫دعاءه مستجاب ‪ ،‬فاحذروا أن يدعو عليكم فتهلكوا‪ .‬حكاه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وعطية الَعوفي ‪ ،‬والله )‪ (4‬أعلم‪.‬‬
‫واًذا { قال مقاتل بن َ‬
‫حّيان ‪:‬‬ ‫م لِ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سل ُّلو َ‬‫ن ي َت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬قَد ْ ي َعْل َ ُ‬
‫هم المنافقون ‪ ،‬كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة ‪ -‬ويعني بالحديث‬
‫الخطبة ‪ -‬فيلوذون ببعض الصحابة ‪ -‬أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫حتى يخرجوا من المسجد ‪ ،‬وكان ل يصلح للرجل أن يخرج من المسجد إل‬
‫ي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة ‪ ،‬بعدما يأخذ في‬ ‫بإذن من النب ّ‬
‫ج أشاَر بإصبعه إلى النبي صلى الله عليه‬ ‫الخطبة ‪ ،‬وكان إذا أراد أحدهم الخرو َ‬
‫وسلم ‪ ،‬فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل ؛ لن الرجل منهم كان إذا تكلم‬
‫جمعته‪.‬‬ ‫ت ُ‬ ‫والنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يخطب ‪ ،‬بطل ْ‬
‫دي كانوا إذا كانوا معه في جماعة ‪ ،‬لذ بعضهم ببعض ‪ ،‬حتى يتغيبوا‬ ‫س ّ‬
‫قال ال ّ‬
‫عنه ‪ ،‬فل يراهم‪.‬‬
‫واًذا { ‪ ،‬يعني ‪:‬‬ ‫م لِ َ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫سللو َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫َ‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ } :‬قَد ْ ي َعْل ُ‬
‫لواذا ]عن نبي الله وعن كتابه‪.‬‬
‫واًذا { قال ‪ :‬من الصف‪.‬‬ ‫م لِ َ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سللو َ‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫وقال سفيان ‪ } :‬قَد ْ ي َعْل َ ُ‬
‫واًذا { [ )‪(5‬‬
‫م لِ َ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫سل ُّلو َ‬ ‫ن ي َت َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫وقال مجاهد في الية ‪ } :‬قَد ْ ي َعْل َ ُ‬
‫قال ‪ :‬خلًفا‪.‬‬
‫َ‬
‫مرِهِ { أي ‪ :‬عن أمر رسول الله صلى‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَل ْي َ ْ‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬سبيله هو )‪(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬يا رسول الله ‪ ،‬يا نبي الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فالله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬وهو سبيله"‪.‬‬

‫) ‪(6/89‬‬

‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬


‫ن إ ِل َي ْهِ‬
‫جُعو َ‬ ‫م عَل َي ْهِ وَي َوْ َ‬
‫م ي ُْر َ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ض قَد ْ ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ن ل ِل ّهِ َ‬‫أَل إ ِ ّ‬
‫م )‪(64‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مُلوا َوالل ّ ُ‬
‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ما عَ ِ‬
‫م بِ َ‬ ‫فَي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬

‫ومنهاجه وطريقته ]وسنته[ )‪ (1‬وشريعته ‪ ،‬فتوزن القوال والعمال بأقواله‬


‫مْرُدود على قائله وفاعله ‪،‬‬ ‫وأعماله ‪ ،‬فما وافق ذلك قُِبل ‪ ،‬وما خالفه فهو َ‬
‫كائنا ما كان ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله‬
‫مل ليس عليه أمرنا فهو َرّد" )‪.(2‬‬ ‫عليه وسلم أنه قال ‪" :‬من عمل عَ َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫صيب َهُ ْ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫ش من خالف شريعة الرسول باطًنا أو ظاهًرا } أ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫أي ‪ :‬فليحذر ولي ْ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ب‬ ‫صي‬
‫ْ ُ ِ َُ ْ َ‬‫ي‬ ‫و‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫بدعة‬ ‫أو‬ ‫نفاق‬ ‫أو‬ ‫كفر‬ ‫من‬ ‫‪،‬‬ ‫قلوبهم‬ ‫ة { أي ‪ :‬في‬ ‫فِت ْن َ ٌ‬
‫ٌ‬
‫حد ‪ ،‬أو حبس ‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬في الدنيا ‪ ،‬بقتل ‪ ،‬أو َ‬ ‫أِلي ٌ‬
‫من َّبه قال ‪:‬‬ ‫مر ‪ ،‬عن همام بن ُ‬ ‫معْ َ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫دثنا أبو هَُريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬مثلي‬ ‫هذا ما ح ّ‬
‫ومثلكم كمثل رجل استوقد ناًرا ‪ ،‬فلما أضاءت ما حولها )‪ .(3‬جعل الفراش‬
‫وهذه الدواب اللتي ]يقعن في النار[ )‪ (4‬يقعن فيها ‪ ،‬وجعل يحجزهن ويغلبنه‬
‫زكم عن النار هلم‬ ‫حمن فيها"‪ .‬قال ‪" :‬فذلك مثلي ومثلكم ‪ ،‬أنا آخذ بحج ِ‬ ‫ويتق ّ‬
‫عن النار ‪ ،‬فتغلبوني وتقتحمون فيها"‪ .‬أخرجاه من حديث عبد الرزاق )‪(5‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫جُعو َ‬ ‫م ي ُْر َ‬ ‫م عَل َي ْهِ وَي َوْ َ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض قَد ْ ي َعْل َ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ن ل ِل ّهِ َ‬ ‫} أل إ ِ ّ‬
‫م )‪.{ (64‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫مُلوا َوالل ّ ُ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ فَي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬
‫يخبر تعالى أنه مالك السموات والرض ‪ ،‬وأنه عالم غيب السموات والرض ‪،‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وهو عالم بما العباد عاملون في سرهم وجهرهم ‪ ،‬فقال ‪ } :‬قَد ْ ي َعْل َ ُ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ِ‬ ‫سل ّلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫عَل َي ْهِ { و"قد" للتحقيق ‪ ،‬كما قال قبلها ‪ } :‬قَد ْ ي َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫وان ِهِ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫نل ْ‬ ‫قائ ِِلي َ‬ ‫م َوال ْ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫معَوِّقي َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫واًذا { ‪ ،‬وقال تعالى ‪ } :‬قَد ْ ي َعْل َ ُ‬ ‫لِ َ‬
‫جادِل َ‬
‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ل الِتي ت ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ه قَوْ َ‬ ‫معَ الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫س ِ‬ ‫م إ ِلي َْنا { ]الحزاب ‪ .[18 :‬وقال تعالى ‪ } :‬قَد ْ َ‬ ‫َ‬ ‫هَل ّ‬ ‫ُ‬
‫صيٌر {‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫ُ‬
‫حاوَُرك َ‬ ‫مع ُ ت َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫كي إ ِلى اللهِ َوالل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫شت َ ِ‬ ‫جَها وَت َ ْ‬ ‫ِفي َزوْ ِ‬
‫مل‬ ‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫ذي ي َ ُ‬ ‫ّ‬
‫حُزن ُك ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ه لي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫]المجادلة ‪ ، [1 :‬وقال ‪ } :‬قَد ْ ن َعْل ُ‬
‫ن { ]النعام ‪ ، [33 :‬وقال ‪ } :‬قَد ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت الل ّهِ ي َ ْ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ك وَل َك ِ ّ‬ ‫ي ُك َذ ُّبون َ َ‬
‫ها [ { )‪] (6‬البقرة ‪:‬‬ ‫ضا َ‬ ‫ة ت َْر َ‬ ‫ك قِب ْل َ ً‬ ‫ماِء ] فَل َن ُوَل ّي َن ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫جهِ َ‬ ‫ب وَ ْ‬ ‫قل ّ َ‬ ‫ن ََرى ت َ َ‬
‫قا‬ ‫‪ [144‬فكل هذه اليات فيها تحقيق الفعل بـ"قد" ‪ ،‬كما يقول المؤذن تحقي ً‬
‫ما‬‫م َ‬ ‫وثبوًتا ‪" :‬قد قامت الصلة ‪ ،‬قد قامت الصلة" فقوله تعالى ‪ } :‬قَد ْ ي َعْل َ ُ‬
‫م عَل َي ْهِ { أي ‪ :‬هو عالم به ‪ ،‬مشاهد له ‪ ،‬ل يعزب عنه مثقال ذرة ‪ ،‬كما قال‬ ‫َ‬
‫أن ْت ُ ْ‬
‫ك ِفي‬ ‫قل ّب َ َ‬ ‫م * وَت َ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذي ي ََرا َ‬ ‫حيم ِ ال ّ ِ‬ ‫زيزِ الّر ِ‬ ‫ل عََلى ال ْعَ ِ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَت َوَك ّ ْ‬
‫ما‬ ‫م { ]الشعراء ‪ .[220 - 217 :‬وقال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ن * إ ِن ّ ُ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ْ‬
‫ل ِإل ك ُّنا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن َول ت َعْ َ‬ ‫ن قُْرآ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ما ت َت ُْلو ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫شأ ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫ض َول ِفي‬ ‫ل ذ َّرةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ما ي َعُْز ُ‬ ‫ن ِفيهِ وَ َ‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬ ‫شُهوًدا إ ِذ ْ ت ُ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]يونس ‪(7) ، [61 :‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ك َول أك ْب ََر ِإل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صغََر ِ‬ ‫ماِء َول أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت { ]الرعد ‪[33 :‬‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫م عَلى ك ُ ّ‬ ‫ن هُوَ َقائ ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬أفَ َ‬
‫من خير وشر‪ .‬وقال تعالى ‪ } :‬ألَ‬ ‫أي ‪ :‬هو شهيد على عباده بما هم فاعلون‬
‫ت‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن ] إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫سّرو َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫ن ث َِياب َهُ ْ‬ ‫شو َ‬ ‫ست َغْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سّر ال َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫واٌء ِ‬ ‫س َ‬ ‫دوِر[ { ]هود ‪ ، (8) [5 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ب ِبالن َّهارِ { ]الرعد ‪ ، [10 :‬وقال تعالى‬ ‫سارِ ٌ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ف ِباللي ْ ِ‬‫ّ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جهََر ب ِهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫ست َوْد َعََها‬ ‫م ْ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫قّر َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ض ِإل عَلى اللهِ رِْزقَها وَي َعْل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن َداب ّةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫‪ } :‬وَ َ‬
‫مَها ِإل‬ ‫َ‬
‫ب ل ي َعْل ُ‬ ‫ح الغَي ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫فات ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َه ُ َ‬ ‫ن { ]هود ‪ ، [6 :‬وقال ‪ } :‬وَ ِ‬ ‫كُ ّ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ل ِفي ك َِتا ٍ‬
‫حب ّةٍ ِفي‬ ‫مَها َول َ‬ ‫ن وََرقَةٍ ِإل ي َعْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫حرِ وَ َ‬ ‫ما ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هُوَ وَي َعْل َ ُ‬
‫ن { ]النعام ‪:‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫س ِإل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ب َول َياب ِ ٍ‬ ‫ض َول َرط ْ ٍ‬ ‫ت الْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ظ ُل ُ َ‬
‫دا‪.‬‬ ‫‪.[59‬واليات والحاديث في هذا كثيرة ج ً‬
‫جعُ )‪ (9‬الخلئق إلى الله ‪ -‬وهو‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ { أي ‪ :‬ويوم ت َْر ِ‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي ُْر َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫مُلوا { أي ‪ :‬يخبرهم بما فعلوا في الدنيا ‪ِ ،‬‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫يوم القيامة ‪ } -‬فَي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬
‫ُ‬
‫ما قَد ّ َ‬
‫م‬ ‫مئ ِذ ٍ ب ِ َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫جليل وحقير ‪ ،‬وصغير وكبير ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ي ُن َب ّأ الن ْ َ‬
‫ن‬
‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب فَت ََرى ال ْ ُ‬ ‫ضعَ ال ْك َِتا ُ‬ ‫خَر { ]القيامة ‪ .[13 :‬وقال ‪ } :‬وَوُ ِ‬ ‫وَأ َ ّ‬
‫صِغيَرة ً َول ك َِبيَرة ً ِإل‬ ‫ب ل ي َُغادُِر َ‬ ‫ذا ال ْك َِتا ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن َيا وَي ْل َت ََنا َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ِفيهِ وَي َ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫دا { ]الكهف ‪ .[49 :‬ولهذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ح ً‬ ‫م َرب ّك أ َ‬ ‫ضًرا َول ي َظل ِ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫ملوا َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ها وَوَ َ‬ ‫صا َ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫م{‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫مُلوا َوالل ّ ُ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ فَي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي ُْر َ‬ ‫قال هاهنا ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫والحمد لله رب العالمين ‪ ،‬ونسأله التمام‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (2697‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1718‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حوله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (2/312‬ومسلم برقم )‪ (2284‬وليس عند البخاري من هذا‬
‫الطريق‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬في السموات ول في الرض" ‪ ،‬وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬يرجع"‪.‬‬

‫) ‪(6/90‬‬

‫مل ْ ُ‬
‫ك‬ ‫ه ُ‬‫ذي ل َ ُ‬‫ذيًرا )‪ (1‬ال ّ ِ‬ ‫ن نَ ِ‬
‫مي َ‬‫ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫ن‬‫كو َ‬‫ن عََلى عَب ْدِهِ ل ِي َ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫فْرَقا َ‬ ‫ذي ن َّز َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ت ََباَر َ‬
‫خل َقَ ك ُ ّ‬ ‫مل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ك ِفي ال ْ ُ‬‫ري ٌ‬
‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫لَ ُ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫م ي َك ْ‬ ‫َ‬
‫دا وَل ْ‬ ‫َ‬
‫خذ ْ وَل ً‬
‫م ي َت ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ض وَل ْ‬‫ت َوالْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫ديًرا )‪(2‬‬ ‫ق ِ‬‫قد َّره ُ ت َ ْ‬‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬‫َ‬

‫تفسير سورة الفرقان‬


‫وهي مكية بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫هَ‬
‫ذي ل ُ‬ ‫ّ‬
‫ذيًرا )‪ (1‬ال ِ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ِلَعال ِ‬ ‫ْ‬ ‫كو َ‬ ‫ن عََلى عَب ْدِهِ ل ِي َ ُ‬ ‫فْرَقا َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ذي نز َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫} ت ََباَر َ‬
‫ق‬
‫خل َ‬ ‫َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ك ِفي ال ُ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫نل ُ‬ ‫َ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫دا وَل ْ‬ ‫َ‬
‫خذ ْ وَل ً‬ ‫م ي َت ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ض وَل ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ديًرا )‪.{ (2‬‬ ‫ق ِ‬ ‫قد َّره ُ ت َ ْ‬ ‫يٍء فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫يقول تعالى حامدا نفسه الكريمة على ما نزله على رسوله الكريم من‬
‫ب‬‫ل عََلى عَب ْدِهِ ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َأنز َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫القرآن العظيم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ال ْ َ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫شَر ال ْ ُ‬ ‫ه وَي ُب َ ّ‬ ‫ن ل َد ُن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ما ل ِي ُن ْذَِر ب َأ ً‬ ‫جا * قَي ّ ً‬ ‫عوَ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا [ )‪ ] { (1‬الكهف ‪1 :‬‬ ‫ن ِفيهِ أب َ ً‬ ‫ماك ِِثي َ‬ ‫سًنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫جًرا َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ت ]أ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫‪ [3 -‬وقال هاهنا ‪ } :‬ت ََباَرك { وهو تفاعَل من البركة المستقرة الدائمة الثابتة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { نزل ‪ :‬فَّعل ‪ ،‬من التكرر ‪ ،‬والتكثر ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬ ‫فْرَقا َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ذي نز َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ل { ] النساء ‪:‬‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ذي أنز َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫سول ِهِ َوال ْك َِتا ِ‬ ‫ل عََلى َر ُ‬ ‫ذي نز َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫} َوال ْك َِتا ِ‬
‫‪ [136‬؛ لن الكتب المتقدمة كانت تنزل جملة واحدة ‪ ،‬والقرآن نزل )‪(2‬‬
‫ور ‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫صل آيات بعد آيات ‪ ،‬وأحكاما بعد أحكام ‪ ،‬وسورا ً بعد ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫م َ‬ ‫فّرقا ً ُ‬ ‫م َ‬‫جما ً ُ‬ ‫من َ ّ‬ ‫ُ‬
‫وهذا أشد وأبلغ ‪ ،‬وأشد اعتناًء بمن أنزل عليه كما قال في أثناء هذه‬
‫ك ل ِن ُث َب ّ َ‬
‫ت‬ ‫حد َة ً ك َذ َل ِ َ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫مل َ ً‬ ‫ج ْ‬‫ن ُ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ال ْ ُ‬ ‫ول نز َ‬ ‫روا ل َ ْ‬ ‫ف ُ‬‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫السورة ‪ } :‬وََقا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫جئ َْنا َ‬ ‫ْ‬
‫ك وََرت ّل َْناه ُ ت َْرِتيل‪َ .‬ول ي َأُتون َ َ‬ ‫ؤاد َ َ‬ ‫ب ِهِ فُ َ‬
‫سيًرا {‬ ‫ف ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫حقّ وَأ ْ‬ ‫ك ِبال َ‬ ‫ل ِإل ِ‬ ‫مث َ ٍ‬ ‫ك بِ َ‬
‫] الفرقان ‪ .[33 ، 32 :‬ولهذا سماه هاهنا الفرقان ؛ لنه يفرق بين الحق‬
‫والباطل ‪ ،‬والهدى والضلل ‪ ،‬والغي والرشاد ‪ ،‬والحلل والحرام‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬عََلى عَب ْدِهِ { ‪ :‬هذه صفة مدح وثناء ؛ لنه أضافه إلى عبوديته ‪ ،‬كما‬
‫ذي‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫وصفه بها في أشرف أحواله ‪ ،‬وهي ليلة السراء ‪ ،‬فقال ‪ُ } :‬‬
‫سَرى ب ِعَب ْدِهِ ل َْيل { ] السراء ‪ ، [ 1 :‬وكما وصفه بذلك في مقام الدعوة‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫َ‬
‫دا { ] الجن ‪:‬‬ ‫ن عَل َي ْهِ ل ِب َ ً‬ ‫كوُنو َ‬ ‫كاُدوا ي َ ُ‬ ‫عوه ُ َ‬ ‫م عَب ْد ُ الل ّهِ ي َد ْ ُ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ه لَ ّ‬ ‫إليه ‪ } :‬وَأن ّ ُ‬
‫‪ ، [19‬وكذلك وصفه عند إنزال الكتاب عليه ونزول الملك إليه ‪ ،‬فقال‬
‫ذيًرا {‪.‬‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن عََلى عَب ْدِهِ ل ِي َ ُ‬ ‫فْرَقا َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ذي نز َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫} ت ََباَر َ‬
‫صه بهذا الكتاب العظيم المبين‬ ‫را { أي ‪ :‬إنما خ ّ‬ ‫ذي ً‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ِي َ ُ‬
‫ْ‬
‫فهِ َتنزي ٌ‬
‫ل‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ َول ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫المفصل المحكم الذي ‪ } :‬ل ي َأِتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫ميد ٍ { ] فصلت ‪ ، [42 :‬الذي جعله فرقانا عظيما ‪ -‬إنما خصه به‬ ‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ليخصه بالرسالة إلى من يستظل بالخضراء ‪ ،‬ويستقل على الغبراء ‪ ،‬كما قال‬
‫‪ -‬صلوات الله وسلمه عليه ‪" -‬بعثت إلى الحمر والسود" )‪ .(3‬وقال ‪:‬‬
‫سا لم‬
‫"أعطيت خم ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ينزل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (521‬هو والذي يليه من حديث جابر ‪،‬‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(6/92‬‬

‫يعطهن أحد من النبياء قبلي" ‪ ،‬فذكر منهن ‪ :‬أنه "كان النبي يبعث إلى قومه‬
‫س إ ِّني‬ ‫َ‬ ‫خاصة ‪ ،‬وبعثت إلى الناس عامة" ‪ ،‬وقال الله تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ه ِإل هُوَ [ )‪(1‬‬ ‫َ‬
‫ض ]ل إ ِل َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ميًعا ال ّ ِ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫َر ُ‬
‫ت { ] العراف ‪ [158 :‬أي ‪ :‬الذي أرسلني هو مالك السموات‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫والرض ‪ ،‬الذي يقول للشيء كن فيكون ‪ ،‬وهو الذي يحيي ويميت ‪ ،‬وهكذا‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫دا وَل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬ ‫خذ ْ وَل َ ً‬ ‫ض وَل َ ْ‬
‫م ي َت ّ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬‫ه ُ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫قال هاهنا ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ك { ‪َ ،‬فنزه نفسه عن الولد ‪ ،‬وعن الشريك‪.‬‬ ‫مل ْ ِ‬
‫ك ِفي ال ْ ُ‬ ‫ري ٌ‬
‫ش ِ‬‫َ‬
‫ديًرا { أي ‪ :‬كل شيء مما سواه‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ت‬
‫َّ ُ َ ِ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬‫ي‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ق‬
‫َ َ َ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫أنه‬ ‫أخبر‬ ‫ثم‬
‫مخلوق مربوب ‪ ،‬وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه ‪ ،‬وكل شيء تحت‬
‫قهره ]وتسخيره[ )‪ ، (2‬وتدبيره وتقديره )‪.(3‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ وهو الصواب‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قهره وتقديره وتسخيره وتدبيره"‪.‬‬

‫) ‪(6/93‬‬

‫ضّرا‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ِل َن ْ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن وََل ي َ ْ‬


‫مل ِ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫خل َ ُ‬
‫م يُ ْ‬‫شي ًْئا وَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫ن ُدون ِهِ آ َل ِهَ ً‬
‫ة َل ي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬‫خ ُ‬ ‫َوات ّ َ‬
‫ذا إ ِلّ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ال ِ‬ ‫َ‬
‫شوًرا )‪ (3‬وَقا َ‬ ‫َ‬
‫حَياة ً وَل ن ُ ُ‬ ‫َ‬
‫موًْتا وَل َ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ِكو َ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫فًعا وَل ي َ ْ‬ ‫وََل ن َ ْ‬
‫ما وَُزوًرا )‪ (4‬وََقاُلوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاُءوا ظ ُل ْ ً‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ قَوْ ٌ‬ ‫ك افْت ََراه ُ وَأ َ‬
‫عان َ ُ‬ ‫إ ِفْ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ذي ي َعْل َ ُ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ل أن َْزل َ ُ‬ ‫صيًل )‪ (5‬قُ ْ‬ ‫مَلى عَل َي ْهِ ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬ ‫ي تُ ْ‬ ‫ن اك ْت َت َب ََها فَهِ َ‬ ‫طيُر اْلوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫أ َ‬
‫ما )‪(6‬‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫َْ‬
‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫سّر ِفي ال ّ‬ ‫ال ّ‬

‫م‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫ن لن ْ ُ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن َول ي َ ْ‬‫قو َ‬ ‫خل َ ُ‬
‫م يُ ْ‬ ‫شي ًْئا وَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫خل ُ ُ‬‫ة ل يَ ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ آل ِهَ ً‬ ‫م ْ‬
‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫} َوات ّ َ‬
‫شوًرا )‪{ (3‬‬ ‫حَياة ً َول ن ُ ُ‬ ‫موًْتا َول َ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫مل ِكو َ‬ ‫فًعا َول ي َ ْ‬ ‫ضّرا َول ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫يخبر تعالى عن جهل المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ‪ ،‬الخالق لكل‬
‫مة المور ‪ ،‬الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‪ .‬ومع هذا‬ ‫شيء ‪ ،‬المالك لز ّ‬
‫دوا معه من الصنام ما ل يقدر على خلق جناح بعوضة ‪ ،‬بل هم مخلوقون ‪،‬‬ ‫عَب َ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫مل ِكو َ‬ ‫ول يملكون لنفسهم ضرا ول نفعا ‪ ،‬فكيف يملكون لعابديهم ؟ } َول ي َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شوًرا { أي ‪ :‬ليس لهم من ذلك شيء ‪ ،‬بل ذلك مرجعه كله‬ ‫حَياة ً َول ن ُ ُ‬ ‫موًْتا َول َ‬ ‫َ‬
‫إلى الله عز وجل ‪ ،‬الذي هو يحيي ويميت ‪ ،‬وهو الذي يعيد الخلئق يوم‬
‫حد َةٍ { ] لقمان ‪:‬‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫م ِإل ك َن َ ْ‬ ‫م َول ب َعْث ُك ُ ْ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫القيامة أولهم وآخرهم ‪َ } ،‬‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ما هِ َ‬ ‫صرِ { ] القمر ‪ } ، [50 :‬فَإ ِن ّ َ‬ ‫مٍح ِبال ْب َ َ‬ ‫حد َة ٌ ك َل َ ْ‬ ‫مُرَنا ِإل َوا ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫‪ } ، [28‬وَ َ‬
‫ي‬
‫ما هِ َ‬ ‫ساهَِرةِ { ] النازعات ‪ } ، [14 ، 13 :‬فَإ ِن ّ َ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫حد َة ٌ * فَإ َِذا هُ ْ‬ ‫جَرةٌ َوا ِ‬ ‫َز ْ‬
‫ة‬
‫ح ً‬ ‫صي ْ َ‬
‫ت ِإل َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن { ] الصافات ‪ } ، [19 :‬إ ِ ْ‬ ‫م ي َن ْظ ُُرو َ‬ ‫حد َة ٌ فَإ َِذا هُ ْ‬ ‫جَرةٌ َوا ِ‬ ‫َز ْ‬
‫ن { ] يس ‪ .[53 :‬فهو الله الذي ل إله‬ ‫ضُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ميعٌ لد َي َْنا ُ‬ ‫َ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫حد َة ً فإ َِذا هُ ْ‬ ‫َوا ِ‬
‫غيره ول رب سواه ‪ ،‬ول تنبغي العبادة إل له ؛ لنه ما شاء كان وما لم يشأ لم‬
‫يكن‪ .‬وهو الذي ل ولد له ول والد ‪ ،‬ول عديل ول نديد ول وزير ول نظير ‪ ،‬بل‬
‫هو الحد الصمد ‪ ،‬الذي لم يلد ولم يولد ‪ ،‬ولم يكن له كفوا أحد‪.‬‬
‫قد ْ‬ ‫ن فَ َ‬‫خُرو َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ قَوْ ٌ‬‫عان َ ُ‬ ‫ك افْت ََراه ُ وَأ َ َ‬ ‫ذا ِإل إ ِفْ ٌ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫} وََقا َ‬
‫َ‬
‫ملى عَلي ْهِ ب ُك َْرةً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ي تُ ْ‬ ‫ن اك ْت َت َب ََها فَهِ َ‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ما وَُزوًرا )‪ (4‬وََقالوا أ َ‬ ‫جاُءوا ظل ً‬ ‫َ‬
‫فوًرا‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وأ َ‬
‫كا َ‬ ‫ض إ ِن ُّ‬‫َ ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫وال‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫م‬
‫ّ َ َ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ّ ّ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫أنز‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫(‬ ‫‪5‬‬ ‫)‬ ‫صيل‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫ما )‪{ (6‬‬ ‫َر ً‬‫حي‬‫ِ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار ‪ ،‬في قولهم عن‬
‫ك { ‪ :‬أي ‪ :‬كذب ‪ } ،‬افْت ََراه ُ { يعنون النبي )‪ (1‬صلى‬ ‫ذا ِإل إ ِفْ ٌ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫القرآن ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬واستعان على جمعه‬ ‫خُرو َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ه عَلي ْهِ قَوْ ٌ‬ ‫عان َ ُ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ } ،‬وَأ َ‬
‫ما وَُزوًرا { أي ‪ :‬فقد افتروا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫جاُءوا ظل ً‬ ‫قد ْ َ‬ ‫بقوم آخرين‪ .‬قال الله تعالى ‪ } :‬فَ َ‬
‫هم قول باطل هم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬محمدا"‪.‬‬

‫) ‪(6/93‬‬

‫ل إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ق ل َوَْل أ ُن ْزِ َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫شي ِفي اْل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ل الط َّعا َ‬ ‫ل ي َأ ْك ُ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫وََقاُلوا َ‬
‫من َْها وََقا َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬
‫ة ي َأك ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قى إ ِلي ْهِ ك َن ٌْز أوْ ت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ك فَي َ ُ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫نل ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ذيًرا )‪ (7‬أوْ ي ُل َ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫َ‬
‫مَثا َ‬
‫ل‬ ‫ك اْل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫بوا‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫(‬ ‫‪8‬‬ ‫)‬ ‫را‬ ‫حو‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫إ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مو‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ظا‬‫ّ‬ ‫ال‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫را‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫(‬ ‫‪9‬‬ ‫)‬ ‫ً‬
‫ل‬ ‫بي‬
‫َ ِ‬ ‫س‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫طي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ضّلوا‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫ساعَ ِ‬ ‫ل كذ ُّبوا ِبال ّ‬ ‫صوًرا )‪ (10‬ب َ ْ‬ ‫ل لك ق ُ ُ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر وَي َ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سِعيًرا )‪(11‬‬ ‫ساعَةِ َ‬ ‫ب ِبال ّ‬ ‫ن كذ ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَأعْت َد َْنا ل ِ َ‬

‫يعلمون أنه باطل ‪ ،‬ويعرفون كذب أنفسهم فيما يزعمون )‪.(1‬‬


‫َ‬
‫ن اك ْت َت َب ََها { يعنون ‪ :‬كتب الوائل استنسخها ‪ } ،‬فَهِ َ‬
‫ي‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬‫سا ِ‬ ‫} وََقاُلوا أ َ‬
‫َ‬
‫صيل { أي ‪ :‬في أول النهار وآخره‪.‬‬ ‫مَلى عَل َي ْهِ { أي ‪ :‬تقرأ عليه } ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫ل أحد يعلم )‪ (2‬بطلنه ‪ ،‬فإنه قد‬ ‫وهذا الكلم ‪ -‬لسخافته وكذبه وبْهته منهم ‪ -‬ك ُ ّ‬
‫علم بالتواتر وبالضرورة ‪ :‬أن محمدا ً رسول الله لم يكن يعاني شيئا من‬ ‫ُ‬
‫الكتابة ‪ ،‬ل في أول عمره ول في آخره ‪ ،‬وقد نشأ بين أظهرهم من أول‬
‫مولده إلى أن بعثه الله نحوا من أربعين سنة ‪ ،‬وهم يعرفون مدخله‬
‫ومخرجه ‪ ،‬وصدقه ‪ ،‬وبره وأمانته ونزاهته من الكذب والفجور وسائر الخلق‬
‫الرذيلة ‪ ،‬حتى إنهم لم يكونوا يسمونه في صغره إلى أن ب ُِعث )‪ (3‬إل المين ‪،‬‬
‫لما يعلمون من صدقه وبره‪ .‬فلما أكرمه الله بما أكرمه به ‪ ،‬نصبوا له العداوة‬
‫‪ ،‬وََرموه بهذه القوال التي يعلم كل عاقل براءته منها ‪ ،‬وحاروا ماذا يقذفونه‬
‫به ‪ ،‬فتارة من إفكهم يقولون ‪ :‬ساحر ‪ ،‬وتارة يقولون ‪ :‬شاعر ‪ ،‬وتارة‬
‫ف‬‫يقولون ‪ :‬مجنون ‪ ،‬وتارة يقولون ‪ :‬كذاب ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬ان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫سِبيل { ] السراء ‪.[48 :‬‬ ‫ن َ‬ ‫طيُعو َ‬‫ست َ ِ‬ ‫ضّلوا َفل ي َ ْ‬ ‫ل فَ َ‬
‫مَثا َ‬‫ك ال ْ‬ ‫ضَرُبوا ل َ َ‬‫َ‬
‫سّر‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫أنز‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وافتروا‬ ‫هاهنا‬ ‫عاندوا‬ ‫ما‬ ‫جواب‬ ‫في‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬
‫ّ‬ ‫ُ ِ َْ ُ‬
‫ض { أي ‪ :‬أنزل القرآن المشتمل على أخبار الولين‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫س َ‬‫ِفي ال ّ‬
‫ً‬
‫والخرين إخبارا حقا صدقا مطابقا للواقع في الخارج ‪ ،‬ماضيا ومستقبل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫سّر { أي ‪ :‬الله الذي يعلم غيب السموات والرض ‪،‬‬ ‫م ال ّ‬ ‫ذي ي َعْل َ ُ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫} أنزل َ ُ‬
‫ويعلم السرائر كعلمه بالظواهر‪.‬‬
‫ما { ‪ :‬دعاء لهم إلى التوبة والنابة ‪ ،‬وإخبار بأن‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫رحمته واسعة ‪ ،‬وأن حلمه عظيم ‪ ،‬وأن من تاب إليه تاب عليه‪ .‬فهؤلء مع‬
‫كذبهم وافترائهم وفجورهم وبهتهم وكفرهم وعنادهم ‪ ،‬وقولهم عن الرسول‬
‫والقرآن ما قالوا ‪ ،‬يدعوهم إلى التوبة والقلع عما هم فيه إلى السلم‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ث َثلث َةٍ وَ َ‬ ‫ه َثال ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن َقاُلوا إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫فَر ال ّ ِ‬ ‫قد ْ ك َ َ‬ ‫والهدى ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ل َ َ‬
‫ب‬
‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ل َي َ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م ي َن ْت َُهوا عَ ّ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫حد ٌ وَإ ِ ْ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫إ ِل َهٍ ِإل إ ِل َ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { ] المائدة ‪- 73 :‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫فُرون َ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ن إ َِلى الل ّهِ وَي َ ْ‬ ‫م * أَفل ي َُتوُبو َ‬ ‫أِلي ٌ‬
‫م‬‫م ي َُتوُبوا فَل َهُ ْ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن فَت َُنوا ال ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ ، [74‬وقال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ق { ] البروج ‪ .[10 :‬قال الحسن البصري ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬ ‫عَ َ‬
‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ُ‬
‫انظروا إلى هذا الكرم والجود ‪ ،‬قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والرحمة‬
‫]سبحانه وتعالى[ )‪.(4‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫ل إ ِلي ْ ِ‬ ‫ول أنز َ‬ ‫ق ْل ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫شي ِفي ال ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ل الطَعا َ‬ ‫ُ‬
‫ل ي َأك ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫} وََقاُلوا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من َْها وََقا َ‬
‫ل‬ ‫ل ِ‬ ‫ة ي َأك ُ ُ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫كنز أوْ ت َ ُ‬ ‫قى إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ذيًرا )‪ (7‬أوْ ي ُل ْ َ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫ك فَي َ ُ‬ ‫مل َ ٌ‬ ‫َ‬
‫مَثالَ‬ ‫َ‬
‫ضَرُبوا لك ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حوًرا )‪ (8‬ان ْظْر كي ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جل َ‬ ‫ن ِإل َر ُ‬ ‫ن ت َت ّب ُِعو َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫الظال ِ ُ‬
‫ك‬‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م‬
‫َ ًْ ِ ْ‬ ‫را‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬
‫َ َ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ِ ِ ْ‬ ‫إ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ر‬ ‫با‬
‫ََ َ‬ ‫ت‬ ‫(‬ ‫‪9‬‬ ‫)‬ ‫بيل‬ ‫س‬ ‫ن‬
‫َ ْ َ ِ ُ َ َ ِ‬ ‫عو‬ ‫طي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫ضّلوا‬ ‫فَ َ‬
‫ة‬
‫ساعَ ِ‬ ‫ل ك َذ ُّبوا ِبال ّ‬ ‫صوًرا )‪ (10‬ب َ ْ‬ ‫ك قُ ُ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر وَي َ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫َ‬
‫سِعيًرا )‪{ (11‬‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫سا‬ ‫بال‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫وأ َ‬
‫ِ َ‬ ‫َ ِ ّ‬ ‫َ َ َْ َ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬زعموه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بهته كل أحد منهم يعلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬بعثه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/94‬‬

‫م َ‬
‫كاًنا‬ ‫من َْها َ‬
‫قوا ِ‬‫ظا وََزِفيًرا )‪ (12‬وَإ َِذا أ ُل ْ ُ‬ ‫مُعوا ل ََها ت َغَي ّ ً‬
‫س ِ‬
‫ن ب َِعيد ٍ َ‬‫كا ٍ‬‫م َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫َ‬
‫إ َِذا َرأت ْهُ ْ‬
‫عوا ث ُُبوًرا‬
‫دا َواد ْ ُ‬
‫ح ً‬ ‫عوا ال ْي َوْ َ‬
‫م ث ُُبوًرا َوا ِ‬ ‫ك ث ُُبوًرا )‪َ (13‬ل ت َد ْ ُ‬ ‫وا هَُنال ِ َ‬‫ن د َعَ ْ‬
‫قّرِني َ‬‫م َ‬
‫قا ُ‬ ‫ضي ّ ً‬
‫َ‬
‫ك َِثيًرا )‪(14‬‬

‫من َْها‬
‫قوا ِ‬‫ظا وََزِفيًرا )‪ (12‬وَإ َِذا أ ُل ْ ُ‬ ‫مُعوا ل ََها ت َغَي ّ ً‬‫س ِ‬
‫ن ب َِعيد ٍ َ‬‫كا ٍ‬‫م َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬
‫َ‬
‫} إ َِذا َرأت ْهُ ْ‬
‫عوا‬
‫دا َواد ْ ُ‬ ‫م ث ُُبوًرا َوا ِ‬
‫ح ً‬ ‫عوا ال ْي َوْ َ‬
‫ك ث ُُبوًرا )‪ (13‬ل ت َد ْ ُ‬ ‫وا هَُنال ِ َ‬
‫ن د َعَ ْ‬‫قّرِني َ‬‫م َ‬‫قا ُ‬‫ضي ّ ً‬ ‫كاًنا َ‬‫م َ‬
‫َ‬
‫ث ُُبوًرا كِثيًرا )‪.{ (14‬‬‫َ‬

‫) ‪(6/94‬‬

‫يخبر تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم وتكذيبهم للحق بل حجة ول دليل منهم ‪،‬‬
‫م { ‪ ،‬يعنون ‪ :‬كما‬ ‫ل الط َّعا َ‬ ‫ل ي َأ ْك ُ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬‫ل هَ َ‬
‫ما ِ‬
‫وإنما تعللوا بقولهم ‪َ } :‬‬
‫ق { أي ‪ :‬يتردد فيها‬ ‫وا ِ‬‫س َ‬‫شي ِفي ال ْ‬ ‫م ِ‬ ‫نأكله ‪ ،‬ويحتاج إليه كما نحتاج إليه ‪ } ،‬وَي َ ْ‬
‫ذيًرا {‬
‫ه نَ ِ‬‫معَ ُ‬‫ن َ‬‫كو َ‬‫ك فَي َ ُ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫ل إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ول ُأنز َ‬ ‫وإليها طلبا للتكسب والتجارة ‪ } ،‬ل َ ْ‬
‫دق‬‫ص ْ‬
‫يقولون )‪ : (1‬هل أنزل إليه ملك من عند الله ‪ ،‬فيكون له شاهدا على ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جاَء‬
‫ب أوْ َ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬‫م ْ‬‫سوَِرة ٌ ِ‬‫ي عَل َي ْهِ أ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ول أل ْ ِ‬ ‫دعيه! وهذا كما قال فرعون ‪ } :‬فَل َ ْ‬ ‫ما ي ّ‬
‫ن { ] الزخرف ‪ .[53 :‬وكذلك قال هؤلء على السواء ‪،‬‬ ‫قت َرِِني َ‬‫م ْ‬‫ة ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫معَ ُ‬ ‫َ‬
‫قى إ ِلي ْهِ كنز { أي ‪ :‬علم كنز ]يكون[ )‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫تشابهت قلوبهم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أوْ ي ُل َ‬
‫من َْها { أي ‪ :‬تسير معه حيث سار‪.‬‬ ‫ل ِ‬ ‫ة ي َأ ْك ُ ُ‬ ‫جن ّ ٌ‬
‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬‫كو ُ‬ ‫‪ (2‬ينفق منه ‪ } ،‬أ َوْ ت َ ُ‬
‫وهذا كله سهل يسير على الله ‪ ،‬ولكن له الحكمة في ترك ذلك ‪ ،‬وله الحجة‬
‫حوًرا {‪.‬‬ ‫س ُ‬
‫م ْ‬ ‫جل َ‬ ‫ن ِإل َر ُ‬ ‫ن ت َت ّب ُِعو َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫البالغة } وََقا َ‬
‫ل { أي ‪ :‬جاءوا بما يقذفونك‬ ‫مَثا َ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫ضَرُبوا ل َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬ان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫به ويكذبون به عليك ‪ ،‬من قولهم "ساحر ‪ ،‬مسحور ‪ ،‬مجنون ‪ ،‬كذاب ‪ ،‬شاعر"‬
‫وكلها أقوال باطلة ‪ ،‬كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم‬
‫وافتراءهم في ذلك ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فضلوا { أي ‪ :‬عن طريق الهدى ‪َ } ،‬فل‬
‫سِبيل { وذلك لن كل من خرج عن الحق فإنه ضال حيثما توجه ؛‬ ‫ن َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬‫يَ ْ‬
‫دق بعضه بعضا‪.‬‬ ‫ص ّ‬ ‫لن الحق واحد ومنهج متحد ‪ ،‬ي ُ َ‬
‫ثم قال تعالى مخبرا ً نبيه أنه لو شاء لتاه خيرا مما يقولون في الدنيا وأفضل‬
‫ً‬
‫ك‬‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫خي ًْرا ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫شاَء َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي إ ِ ْ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫وأحسن ‪ ،‬فقال ]تعالى[ )‪ } (3‬ت ََباَر َ‬
‫صوًرا {‪.‬‬ ‫ك قُ ُ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر وَي َ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫َ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬يعني ‪ :‬في الدنيا ‪ ،‬قال ‪ :‬وقريش يسمون كل بيت من حجارة‬
‫قصرا ‪ ،‬سواء كان كبيرا أو صغيرا )‪.(4‬‬
‫مة ؛ قيل للنبي صلى‬ ‫خي ْث ََ‬
‫َ‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫ثابت‬ ‫أبي‬ ‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن حبيب بن‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬إن شئت أن نعطيك خزائن الرض ومفاتيحها ما لم يعط‬
‫نبي قبلك ‪ ،‬ول ُيعطى أحد من بعدك ‪ ،‬ول ينقص ذلك مما لك عند الله ؟ فقال‬
‫ن‬
‫ذي إ ِ ْ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫‪ :‬اجمعوها لي في الخرة ‪ ،‬فأنزل الله عز وجل في ذلك ‪ } :‬ت ََباَر َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫لل َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر وَي َ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫خي ًْرا ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫شاَء َ‬ ‫َ‬
‫صوًرا { )‪.(5‬‬ ‫قُ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صغيرا أو كبيرا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (18/140‬من طريق سفيان به مرسل‪.‬‬

‫) ‪(6/95‬‬

‫ساعَةِ { أي ‪ :‬إنما يقول هؤلء هكذا تكذيبا ً وعنادا ً ‪ ،‬ل‬ ‫ل ك َذ ُّبوا ِبال ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫أنهم يطلبون ذلك تبصرا واسترشادا ‪ ،‬بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على‬
‫ب‬‫ن ك َذ ّ َ‬
‫م ْ‬
‫قول ما يقولونه من هذه القوال ‪ } ،‬وأعتدنا { أي ‪ :‬وأرصدنا } ل ِ َ‬
‫سِعيًرا { أي ‪ :‬عذابا أليما ً حارا ً ل يطاق في نار جهنم‪.‬‬ ‫ساعَةِ َ‬ ‫ِبال ّ‬
‫سِعير" ‪ :‬واد من‬ ‫وقال الثوري ‪ ،‬عن سلمة بن ك ُهَْيل ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪" :‬ال ّ‬
‫قيح جهنم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َِعيد ٍ { يعني ‪ :‬في مقام‬ ‫مكا ٍ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫م { أي ‪ :‬جهنم } ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ َِذا َرأت ْهُ ْ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫مُعوا لَها ت َغَي ّظا وََزِفيًرا {‬‫س ِ‬
‫المحشر‪ .‬قال السدي ‪ :‬من مسيرة مائة عام } َ‬
‫قا‬
‫شِهي ً‬ ‫َ‬
‫مُعوا لَها َ‬ ‫س ِ‬
‫قوا ِفيَها َ‬ ‫أي ‪ :‬حنقا )‪ (1‬عليهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬إ َِذا أ ُل ْ ُ‬
‫ظ { ] الملك ‪ [8 ، 7 :‬أي ‪ :‬يكاد ينفصل بعضها‬ ‫ن ال ْغَي ْ ِ‬
‫م َ‬
‫مي ُّز ِ‬ ‫فوُر ت َ َ‬
‫كاد ُ ت َ َ‬ ‫ي تَ ُ‬
‫وَهِ َ‬
‫من بعض ؛ من شدة غيظها على من كفر بالله‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا إدريس بن حاتم بن الخيف )‪ (2‬الواسطي ‪ :‬أنه‬
‫سمع محمد بن الحسن الواسطي ‪ ،‬عن أصبغ بن زيد ‪ ،‬عن خالد بن كثير ‪،‬‬
‫عن خالد بن د َُرْيك ‪ ،‬عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ي ما لم أقل ‪ ،‬أو ادعى‬ ‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من يقل عَل َ ّ‬
‫إلى غير والديه ‪ ،‬أو انتمى إلى غير مواليه ‪ ،‬فليتبوأ ]مقعده من النار"‪ .‬وفي‬
‫رواية ‪" :‬فليتبوأ[ )‪ (3‬بين عيني جهنم مقعدا" قيل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وهل لها‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َِعيد ٍ {‬
‫كا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫من عينين ؟ قال ‪" :‬أما سمعتم الله يقول ‪ } :‬إ َِذا َرأت ْهُ ْ‬
‫الية‪.‬‬
‫داش ‪ ،‬عن محمد بن يزيد )‪(5‬‬ ‫خ َ‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن محمد )‪ (4‬بن ِ‬
‫الواسطي ‪ ،‬به )‪.(6‬‬
‫ّ‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن محمد الطَناِفسي ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن‬ ‫وقال أي ً‬
‫عياش ‪ ،‬عن عيسى بن سليم ‪ ،‬عن أبي وائل قال ‪ :‬خرجنا مع عبد الله ‪ -‬يعني‬
‫خث َْيم فمروا على حداد ‪ ،‬فقام عبد الله ينظر‬ ‫‪ :‬ابن مسعود ‪ -‬ومعنا الربيع بن ُ‬
‫إلى حديدة في النار ‪ ،‬ونظر الربيع بن خثيم إليها فتمايل ليسقط ‪ ،‬فمر عبد‬
‫الله على أّتون على شاطئ الفرات ‪ ،‬فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في‬
‫مُعوا ل ََها ت َغَي ّ ً‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ظا وََزِفيًرا {‬ ‫س ِ‬‫ن ب َِعيد ٍ َ‬
‫كا ٍ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬‫جوفه قرأ هذه الية ‪ } :‬إ َِذا َرأت ْهُ ْ‬
‫خث َْيم ‪ -‬فحملوه إلى أهل بيته )‪ (7‬ورابطه عبد الله‬ ‫فصعق ‪ -‬يعني ‪ :‬الربيع بن ُ‬
‫ظهر فلم يفق ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬ ‫إلى ال ّ‬
‫وحدثنا أبي ‪ :‬حدثنا عبد الله بن رجاء ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي يحيى ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إن العبد ليجر إلى النار ‪ ،‬فتشهق إليه شهقة‬
‫البغلة إلى الشعير ‪ ،‬ثم تزفر زفرة ل يبقى أحد إل خاف‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬خنقا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الحنف"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬محمود"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(18/140‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬إلى أهله"‪.‬‬

‫) ‪(6/96‬‬

‫هكذا رواه ابن أبي حاتم مختصرا ‪ ،‬وقد رواه المام أبو جعفر بن جرير ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن إبراهيم الد ّوَْرقي ‪ ،‬حدثنا عُب َْيد الله بن موسى ‪ ،‬أخبرنا إسرائيل‬
‫‪ ،‬عن أبي يحيى ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إن الرجل ليجر إلى‬
‫النار ‪ ،‬فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض ‪ ،‬فيقول لها الرحمن ‪ :‬ما لك ؟ قالت‬
‫جّر إلى النار ‪،‬‬
‫‪ :‬إنه يستجير مني‪ .‬فيقول ‪ :‬أرسلوا )‪ (1‬عبدي‪ .‬وإن الرجل لي ُ َ‬
‫فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ما كان هذا الظن بك ؟ فيقول ‪ :‬فما كان ظنك ؟ فيقول ‪:‬‬
‫سعني رحمتك‪ .‬فيقول ‪ :‬أرسلوا عبدي ‪ ،‬وإن الرجل ليجر إلى النار ‪،‬‬ ‫أن ت َ َ‬
‫فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير ‪ ،‬وتزفر زفرة ل يبقى أحد إل‬
‫خاف‪ .‬وهذا إسناد صحيح‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن عَُبيد بن‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫مُعوا لَها ت َغَي ّظا وََزِفيًرا { قال ‪ :‬إن جهنم تزفر زفرة ‪ ،‬ل‬ ‫س ِ‬‫مْير في قوله ‪َ } :‬‬ ‫عُ َ‬
‫عد فرائصه ‪ ،‬حتى إن إبراهيم عليه السلم ‪ ،‬ليجثو‬ ‫خّر ت َْر َ‬‫يبقى ملك ول نبي إل َ‬
‫على ركبتيه ويقول ‪ :‬رب ‪ ،‬ل أسألك اليوم إل نفسي )‪.(2‬‬
‫قا { قال قتادة ‪ ،‬عن أبي أيوب ‪ ،‬عن عبد‬ ‫ضي ّ ً‬
‫كاًنا َ‬‫م َ‬‫من َْها َ‬
‫قوا ِ‬‫وقوله ‪ } :‬وَإ َِذا أ ُل ْ ُ‬
‫الله )‪ (3‬بن عمرو قال ‪ :‬مثل الزج في الرمح )‪ (4‬أي ‪ :‬من ضيقه‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن وهب ‪ :‬أخبرني نافع بن يزيد ‪ ،‬عن يحيى بن أبي أسيد ‪-‬‬
‫يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه سئل عن قول الله‬
‫ن { قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنهم‬ ‫قّرِني َ‬ ‫م َ‬
‫قا ُ‬‫ضي ّ ً‬ ‫م َ‬
‫كاًنا َ‬ ‫من َْها َ‬ ‫قوا ِ‬ ‫} وَإ َِذا أ ُل ْ ُ‬
‫سَتكرهون في النار ‪ ،‬كما يستكره الوتد في الحائط" )‪.(5‬‬ ‫لي ُ ْ‬
‫ك ث ُُبوًرا {‬ ‫وا هَُنال ِ َ‬‫ن { قال أبو صالح ‪ :‬يعني مكتفين ‪ } :‬د َعَ ْ‬ ‫قّرِني َ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله } ُ‬
‫عوا ث ُُبوًرا ك َِثيًرا‬ ‫دا َواد ْ ُ‬
‫ح ً‬ ‫م ث ُُبوًرا َوا ِ‬ ‫ْ‬
‫عوا الي َوْ َ‬
‫أي ‪ :‬بالويل والحسرة والخيبة‪ } .‬ل ت َد ْ ُ‬
‫{ وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد )‬
‫‪ (6‬عن أنس بن مالك ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬أول من‬
‫خْلفه ‪،‬‬ ‫ن َ‬‫ة من النار إبليس ‪ ،‬فيضعها على حاجبيه ‪ ،‬ويسحبها م ْ‬ ‫حل ّ ً‬‫سى ُ‬ ‫ُيك َ‬
‫وذريته من بعده ‪ ،‬وهو ينادي ‪ :‬يا ثبوراه ‪ ،‬وينادون ‪ :‬يا ثبورهم‪ .‬حتى يقفوا‬
‫على النار ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا ثبوراه‪ .‬ويقولون ‪ :‬يا ثبورهم‪ .‬فيقال لهم ‪ :‬ل تدعوا‬
‫اليوم ثبورا واحدا ‪ ،‬وادعوا ثبورا كثيرا"‪.‬‬
‫لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ‪ ،‬ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫سَنان ‪ ،‬عن عفان ‪ ،‬به ‪ :‬ورواه ابن جرير ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة به )‪.(7‬‬ ‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أن تنقلوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير عبد الرزاق )‪.(2/56‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبيد الله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬رمحه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬كما في الدر المنثور )‪.(6/240‬‬
‫)‪ (6‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ "علي بن يزيد" والصواب ما أثبتناه من المسند )‪.(3/252‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (3/152‬وتفسير الطبري )‪.(18/141‬‬

‫) ‪(6/97‬‬

‫َ‬ ‫ل أ َذ َل ِ َ‬
‫صيًرا )‪(15‬‬
‫م ِ‬
‫جَزاءً وَ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫عد َ ال ْ ُ‬
‫مت ّ ُ‬ ‫خل ْدِ ال ِّتي وُ ِ‬‫ة ال ْ ُ‬
‫جن ّ ُ‬
‫م َ‬
‫خي ٌْر أ ْ‬‫ك َ‬ ‫قُ ْ‬
‫سُئوًل )‪(16‬‬ ‫م ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ك وَعْ ً‬‫ن عََلى َرب ّ َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫ن َ‬ ‫شاُءو َ‬ ‫ما ي َ َ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫ل َهُ ْ‬

‫عوا‬
‫دا َواد ْ ُ‬ ‫م ث ُُبوًرا َوا ِ‬
‫ح ً‬ ‫عوا ال ْي َوْ َ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬ل ت َد ْ ُ‬
‫ث ُُبوًرا ك َِثيًرا { أي ‪ :‬ل تدعوا اليوم ويل واحدا ً ‪ ،‬وادعوا ويل )‪ (1‬كثيرا‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬الثبور ‪ :‬الهلك‪.‬‬
‫والظهر ‪ :‬أن الثبور يجمع الهلك والويل والخسار والدمار ‪ ،‬كما قال موسى‬
‫مث ُْبوًرا { ] السراء ‪ [102 :‬أي ‪ :‬هالكا‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫ك َيا فِْرعَوْ ُ‬ ‫لفرعون ‪ } :‬وَإ ِّني لظ ُن ّ َ‬
‫وقال عبد الله بن الزب َْعرى ‪:‬‬
‫مث ُْبوُر )‪(3‬‬‫َ‬ ‫(‬ ‫‪2‬‬ ‫)‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫َ ْ ُ‬‫ل‬‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ما‬‫َ ْ َ‬‫ن‬ ‫وم‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‪...‬‬ ‫َ‬ ‫الغ‬ ‫نن‬ ‫س َ‬
‫ن في َ‬ ‫شيطا َ‬ ‫جاري ال ّ‬ ‫إذ ْ أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صيًرا )‬ ‫م ِ‬ ‫جَزاًء وَ َ‬
‫م َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫كان َ ْ‬‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫عد َ ال ْ ُ‬
‫مت ّ ُ‬ ‫خل ْدِ ال ِّتي وُ ِ‬ ‫ة ال ْ ُ‬‫جن ّ ُ‬‫م َ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬
‫ك َ‬ ‫ل أذ َل ِ َ‬ ‫} قُ ْ‬
‫سُئول )‪.{ (16‬‬ ‫م ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ك وَعْ ً‬ ‫ن عََلى َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫ن َ‬ ‫شاُءو َ‬ ‫ما ي َ َ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫‪ (15‬ل َهُ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هذا )‪ (4‬الذي وصفناه من حال أولئك الشقياء )‪، (5‬‬
‫الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم ‪ ،‬فتتلقاهم بوجه عبوس وبغيظ )‪(6‬‬
‫قون في أماكنها الضيقة مقّرنين ‪ ،‬ل يستطيعون حراكا ‪ ،‬ول‬ ‫وزفير ‪ ،‬وُيل َ‬
‫انتصارا ً ول فكاكا مما هم فيه ‪ : -‬أهذا خير أم جنة الخلد التي وعدها الله‬
‫المتقين من عباده ‪ ،‬التي أعدها لهم ‪ ،‬وجعلها لهم جزاء على ما أطاعوه في‬
‫الدنيا ‪ ،‬وجعل مآلهم إليها‪.‬‬
‫ن { ]أي[ )‪ : (7‬من الملذ ‪ :‬من مآكل ومشارب ‪،‬‬ ‫شاُءو َ‬‫ما ي َ َ‬
‫م ِفيَها َ‬‫} ل َهُ ْ‬
‫وملبس ومساكن ‪ ،‬ومراكب ومناظر ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬مما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن‬
‫طر على قلب أحد )‪ .(8‬وهم في ذلك خالدون أبدا دائما )‪(9‬‬ ‫خ َ‬ ‫سمعت ‪ ،‬ول َ‬
‫عد‬ ‫ول‪ .‬وهذا من وَ ْ‬ ‫سرمدا بل انقطاع ول زوا ‪ ،‬ول انقضاء ‪ ،‬ل يبغون عنها ح َ‬
‫ن عَلى َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫الله الذي تفضل به عليهم ‪ ،‬وأحسن به إليهم ‪ ،‬ولهذا قال ‪َ } :‬‬
‫كا َ‬
‫سُئول { أي ل بد أن يقع وأن يكون ‪ ،‬كما حكاه أبو جعفر بن جرير ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫دا َ‬‫وَعْ ً‬
‫سُئول { أي ‪ :‬وعدا واجبا‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫دا َ‬ ‫عن بعض علماء العربية أن معنى قوله ‪ } :‬وَعْ ً‬
‫سُئول {‬ ‫م ْ‬ ‫دا َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلى َرب ّك وَعْ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس } كا َ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫جْز‪.‬‬‫يقول ‪ :‬سلوا الذي واعدتكم ‪ -‬أو قال ‪ :‬واعدناكم ‪ -‬ن ُن ْ ِ‬
‫سُئول { ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ن عََلى َرب ّك وَعْ ً‬
‫َ‬ ‫كا َ‬‫قَرظي في قوله ‪َ } :‬‬ ‫وقال محمد بن كعب ال ُ‬
‫م{‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن الِتي وَعَد ْت َهُ ْ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫م َ‬‫خلهُ ْ‬‫إن الملئكة تسأل لهم ذلك ‪َ } :‬رب َّنا وَأد ْ ِ‬
‫] غافر ‪.[8 :‬‬
‫وقال أبو حازم ‪ :‬إذا كان يوم القيامة قال المؤمنون ‪ :‬ربنا عملنا لك بالذي‬
‫سُئول {‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫دا َ‬ ‫أمرتنا ‪ ،‬فأنجز لنا ما وعدتنا‪ .‬فذلك قوله ‪ } :‬وَعْ ً‬
‫وهذا المقام في هذه السورة من ذكر النار ‪ ،‬ثم التنبيه على حال أهل الجنة ‪،‬‬
‫كما ذكر تعالى في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بلءا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬مثله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬البيت في السيرة النبوية لبن هشام )‪.(2/419‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أهذا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬من هؤلء الشقية"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬وتغيظ"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بشر"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬دائما أبدا"‪.‬‬

‫) ‪(6/98‬‬

‫َ‬ ‫ل أ َأ َنت َ‬
‫عَباِدي هَؤَُلِء أ ْ‬
‫م‬ ‫م ِ‬ ‫ضل َل ْت ُ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫قو ُ ْ ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ فَي َ ُ‬‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬
‫ما ي َعْب ُ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫ن ُدون ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ ِ‬‫ن ن َت ّ ِ‬ ‫ن ي َن ْب َِغي لَنا أ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل )‪َ (17‬قالوا ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ضلوا ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫هُ ْ‬
‫ما ُبوًرا )‪ (18‬فَ َ‬ ‫سوا الذ ّك َْر وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ‬ ‫كاُنوا قَوْ ً‬ ‫حّتى ن َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م وَآَباَءهُ ْ‬ ‫مت ّعْت َهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫أوْل َِياَء وَلك ِ ْ‬
‫م ن ُذِقْ ُ‬
‫ه‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن ي َظ ْل ِ ْ‬ ‫م ْ‬‫صًرا وَ َ‬ ‫صْرًفا وََل ن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬‫ما ت َ ْ‬‫ن فَ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ت َ ُ‬‫م بِ َ‬ ‫ك َذ ُّبوك ُ ْ‬
‫ذاًبا كِبيًرا )‪(19‬‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬

‫سورة "الصافات" حال أهل الجنة ‪ ،‬وما فيها من النضرة والحبور ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫ة ِلل ّ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫} أ َذ َل ِ َ‬
‫جَرةٌ‬ ‫ن * إ ِن َّها َ‬
‫ش َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ها فِت ْن َ ً‬ ‫جَرةُ الّزّقوم ِ * إ ِّنا َ‬ ‫ش َ‬‫م َ‬ ‫خي ٌْر نزل أ ْ‬ ‫ك َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من َْها‬
‫ن ِ‬ ‫م لك ُِلو َ‬ ‫ن * فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫طي ِ‬‫شَيا ِ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ه ُرُءو ُ‬ ‫حيم ِ * ط َل ْعَُها ك َأن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ج ِفي أ ْ‬ ‫خُر ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫م‬
‫جعَهُ ْ‬ ‫مْر ِ‬
‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ميم ٍ * ث ُ ّ‬ ‫ح ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫شوًْبا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَلي َْها ل َ‬ ‫َ‬
‫ن لهُ ْ‬ ‫ن * ثُ ّ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫من َْها الب ُطو َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مال ُِئو َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫عو َ‬ ‫م ي ُهَْر ُ‬ ‫م عَلى آَثارِهِ ْ‬ ‫ن * فَهُ ْ‬ ‫ضالي َ‬ ‫م َ‬ ‫وا آَباَءهُ ْ‬‫ف ْ‬‫م أل َ‬ ‫حيم ِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ج ِ‬‫لَلى ال َ‬
‫ْ‬
‫] الصافات ‪.[70 - 62 :‬‬
‫ؤلِء‬ ‫عَباِدي هَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ح ُ‬
‫ضللت ُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫قول أأن ْت ُ ْ‬ ‫ن اللهِ في َ ُ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ي َعْب ُ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫} وَي َوْ َ‬
‫ن ُدون ِكَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫خذ ِ‬ ‫ن ن َت ّ ِ‬ ‫ن ي َن ْب َِغي لَنا أ ْ‬ ‫ما كا َ‬ ‫حان َك َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫سِبيل )‪ (17‬قالوا ُ‬ ‫ضلوا ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م هُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫م َ‬
‫قد ْ‬ ‫ما ُبوًرا )‪ (18‬فَ َ‬ ‫كاُنوا قَوْ ً‬ ‫سوا الذ ّك َْر وَ َ‬ ‫حّتى ن َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م َوآَباَءهُ ْ‬ ‫مت ّعْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن أوْل َِياَء وَل َك ِ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ َ ْ ً َ َ ْ َ ِ ْ ِ ْ ْ ُ ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫را‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ول‬ ‫فا‬ ‫ً‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬
‫َ َ َ ْ َ ِ ُ َ َ ْ‬ ‫عو‬ ‫طي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ك َذ ّ ُ ْ ِ َ َ‬
‫ت‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫بو‬
‫ذاًبا ك َِبيًرا )‪.{ (19‬‬ ‫عَ َ‬
‫من‬ ‫قع يوم القيامة من تقريع الكفار في عبادتهم َ‬ ‫يقول تعالى مخبرا عما ي َ َ‬‫ً‬
‫ما‬‫م )‪ (1‬وَ َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫عبدوا من دون الله ‪ ،‬من الملئكة وغيرهم ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫ل‬‫قو ُ‬ ‫ن الل ّهِ {‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬عيسى ‪ ،‬والعَُزير ‪ ،‬والملئكة‪ } .‬فَي َ ُ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ي َعْب ُ ُ‬
‫ل { أي ‪ :‬فيقول الرب تبارك‬ ‫سِبي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عَباِدي هَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ضلوا ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م هُ ْ‬ ‫ؤلِء أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضللت ُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫أأن ْت ُ ْ‬
‫وتعالى ]للمعبودين[ )‪ (2‬أأنتم دعوتم هؤلء إلى عبادتكم من دوني ‪ ،‬أم هم‬
‫عبدوكم من تلقاء أنفسهم ‪ ،‬من غير دعوة منكم لهم ؟ كما قال الله تعالى ‪:‬‬
‫م َ َ‬ ‫ُ‬ ‫عيسى ابن مري َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي إ ِلهَي ْ ِ‬ ‫ذوِني وَأ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫س ات ّ ِ‬ ‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ت قُل ْ َ‬ ‫م أأن ْ َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫ه َيا ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫} وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن أقو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن الل ّهِ قا َ‬
‫َ‬
‫ت قلت ُ ُ‬ ‫ن كن ْ ُ‬ ‫حق ّ إ ِ ْ‬ ‫س ِلي ب ِ َ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ِلي أ ْ‬ ‫ما ي َكو ُ‬ ‫حان َك َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ُدو ِ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫م الغُُيو ِ‬ ‫عل ُ‬ ‫ت َ‬ ‫سك إ ِن ّك أن ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ِفي ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سي َول أعْل ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ِفي ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ت َعْل ُ‬ ‫مت َ ُ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬
‫ت ل َُهم { )‪ (3‬إلى آخر الية ؛ ] المائدة ‪ [117 - 116 :‬ولهذا قال تعالى‬ ‫ما قُل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ي َن ْب َِغي‬ ‫َ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ُ ْ َ َ‬ ‫حا‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫القيامة‬ ‫يوم‬ ‫المعبودون‬ ‫به‬ ‫يب‬ ‫ُ ِ‬ ‫يج‬ ‫عما‬ ‫را‬ ‫ً‬ ‫مخب‬
‫ن أ َوْل َِياَء { قرأ الكثرون بفتح "النون" من قوله ‪:‬‬ ‫ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل ََنا أ َ ْ َ ّ ِ ِ ْ ُ ِ‬
‫ن‬ ‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ن أ َوْل َِياَء { أي ‪ :‬ليس للخلئق كلهم أن يعبدوا أحدا‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ُدون ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫} ن َت ّ ِ‬
‫سواك ‪ ،‬ل نحن ول هم ‪ ،‬فنحن ما دعوناهم إلى ذلك ‪ ،‬بل هم قالوا )‪ (4‬ذلك‬
‫من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ول رضانا ونحن برآء منهم ومن عبادتهم ‪،‬‬
‫كاُنوا‬ ‫م َ‬ ‫ؤلِء إ ِّياك ُ ْ‬ ‫ملئ ِك َةِ أ َهَ ُ‬ ‫ل ل ِل ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ميًعا ث ُ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يعبدون َقاُلوا سبحان َ َ‬
‫م‬
‫م ب ِهِ ْ‬ ‫ن أكث َُرهُ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ل كاُنوا ي َعْب ُ ُ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَل ِي َّنا ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫َُْ ُ َ‬
‫خذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ن ُت ّ َ‬ ‫ن ي َن ْب َِغي لَنا أ ْ‬ ‫ما كا َ‬ ‫ن { ] سبأ ‪ (5) .[41 - 40 :‬وقرأ آخرون ‪َ " :‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن أوْل َِياَء" أي ‪ :‬ما ينبغي لحد أن يعبدنا ‪ ،‬فإنا عبيد لك ‪ ،‬فقراء‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫إليك‪ .‬وهي قريبة المعنى من الولى‪.‬‬
‫سوا الذكر ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫م { أي ‪ :‬طال عليهم العمر حتى ن َ ُ‬ ‫م َوآَباَءهُ ْ‬ ‫مت ّعْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫} وَل َك ِ ْ‬
‫نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك ‪ ،‬من الدعوة إلى عبادتك وحدك ل‬
‫شريك لك‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬يحشرهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬بعدها في ف ‪ ،‬أ ‪) :‬إل ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت‬
‫عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني(‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬فعلوا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في هـ ‪" :‬به" والمثبت من أ ‪ ،‬وهو الصواب‪.‬‬

‫) ‪(6/99‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫م ُ‬
‫شو َ‬ ‫ن الط َّعا َ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫م ل َي َأك ُُلو َ‬‫ن إ ِّل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬
‫مْر َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫سل َْنا قَب ْل َ َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صيًرا )‪(20‬‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ب َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن وَكا َ‬ ‫صب ُِرو َ‬ ‫ة أت َ ْ‬ ‫ض فِت ْن َ ً‬‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ُ‬
‫ضك ْ‬ ‫جعَلَنا ب َعْ َ‬ ‫ق وَ َ‬ ‫وا ِ‬
‫س َ‬‫اْل ْ‬
‫ما ُبوًرا { قال ابن عباس ‪ :‬أي هلكى‪ .‬وقال الحسن البصري ‪،‬‬ ‫كاُنوا قَوْ ً‬ ‫} وَ َ‬
‫ومالك عن الزهري ‪ :‬أي ل خير فيهم‪ .‬وقال ابن الزبعرى حين أسلم ‪:‬‬
‫ت إذ ْ أنا ُبوُر‪...‬‬ ‫ق ُ‬ ‫ساني‪َ ...‬راتقٌ ما فَت َ ْ‬ ‫نل َ‬ ‫مليك إ ّ‬ ‫ل ال َ‬ ‫سو َ‬ ‫يا َر ُ‬
‫مث ُْبوُر‪...‬‬ ‫َ‬ ‫له‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫من‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‪...‬‬ ‫ْ‬ ‫الغ‬ ‫نن‬ ‫َ َ‬‫س‬ ‫في‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫طا‬ ‫َ‬ ‫شي‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫أجاري‬ ‫إذ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬فقد كذبكم الذين عَب َد ُْتم‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫قد ْ ك َذ ُّبوك ُ ْ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬فَ َ‬
‫فيما زعمتم أنهم لكم أولياء ‪ ،‬وأنكم اتخذتموهم قربانا يقربونكم )‪ (1‬إليه‬
‫زلفى ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وم َ‬
‫ب‬
‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫م‬
‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫س‬‫ُ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ش‬ ‫ِ‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َِ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫غا‬ ‫َ‬ ‫م‬‫ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫عا‬‫َ‬ ‫ن دُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫مةِ وَهُ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ه إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫ن { ] الحقاف ‪.[6 - 5 :‬‬ ‫م َ‬ ‫داًء وَ َ‬ ‫َ‬
‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫كاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫صًرا { أي ‪ :‬ل يقدرون على صرف‬ ‫صْرًفا َول ن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما )‪ (2‬ت َ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫م { أي ‪ :‬يشرك بالله ‪،‬‬ ‫من ْك ْ‬‫ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َظل ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫العذاب عنهم ول النتصار لنفسهم ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ذاًبا ك َِبيًرا {‪.‬‬ ‫ه عَ َ‬ ‫} ن ُذِقْ ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫شو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ن الطَعا َ‬ ‫م لي َأكلو َ‬ ‫ن ِإل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫سلَنا قَب ْلك ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫} وَ َ‬
‫صيًرا )‪{ (20‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن َرب ّك ب َ ِ‬ ‫ن وَكا َ‬ ‫صب ُِرو َ‬ ‫ة أت َ ْ‬ ‫ض فِت ْن َ ً‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ْ‬ ‫جعَلَنا ب َعْ َ‬ ‫ق وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ْ‬
‫ن بعثه من الرسل المتقدمين ‪ :‬إنهم كانوا‬ ‫م ْ‬ ‫يقول تعالى مخبرا عن جميع َ‬
‫ق { أي ‪:‬‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ْ‬ ‫مشو َ‬ ‫ُ‬ ‫يأكلون الطعام ‪ ،‬ويحتاجون إلى التغذي به } وَي َ ْ‬
‫للتكسب والتجارة ‪ ،‬وليس ذلك بمناف لحالهم ومنصبهم ؛ فإن الله جعل لهم‬
‫من السمات الحسنة ‪ ،‬والصفات الجميلة ‪ ،‬والقوال الفاضلة ‪ ،‬والعمال‬
‫الكاملة ‪ ،‬والخوارق الباهرة ‪ ،‬والدلة ]القاهرة[ )‪ ، (3‬ما يستدل به كل ذي لب‬
‫سليم ‪ ،‬وبصيرة مستقيمة ‪ ،‬على صدق ما جاءوا به من الله عز وجل‪ .‬ونظير‬
‫َ‬
‫حي إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫جال ُنو ِ‬ ‫ك ِإل رِ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫هذه الية الكريمة قوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫م َ‬
‫م‬
‫ن الطَعا َ‬ ‫دا ل ي َأك ُلو َ‬ ‫س ً‬ ‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَلَناهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫قَرى { ] يوسف ‪ }[109 :‬وَ َ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن { ] النبياء ‪.[8 :‬‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ما كاُنوا َ‬ ‫َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬اختبرنا بعضكم ببعض ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫صب ُِرو َ‬ ‫ة أت َ ْ‬ ‫ض فِت ْن َ ً‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ْ‬ ‫جعَلَنا ب َعْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫صب ُِرو َ‬ ‫من ُيطيع ممن يعصي ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أت َ ْ‬ ‫وبلونا بعضكم ببعض ‪ ،‬لنعلم َ‬
‫هّ‬
‫صيًرا { أي ‪ :‬بمن يستحق أن يوحى إليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬الل ُ‬ ‫ك بَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ه { ] النعام ‪ ، [124 :‬ومن يستحق أن يهديه الله لما‬ ‫سال َت َ ُ‬ ‫ل رِ َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ث يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫أعْل َ ُ‬
‫أرسلهم به ‪ ،‬ومن ل يستحق ذلك‪.‬‬
‫ن{‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫صب ُِرو َ‬ ‫ة أت َ ْ‬ ‫ض فِت ْن َ ً‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ْ‬ ‫جعَلَنا ب َعْ َ‬ ‫وقال محمد بن إسحاق في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫قال ‪ :‬يقول الله ‪ :‬لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فل يخالفون ‪ ،‬لفعلت ‪،‬‬
‫ت أن أبتلي العباد بهم ‪،‬‬ ‫ولكّني قد أرد ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬يقربوبكم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فل" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(6/100‬‬

‫وأبتليهم )‪ (1‬بهم‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫ل بك" )‪ .(2‬وفي المسند عن رسول‬ ‫مب ْت َ ٍ‬
‫مب ْت َِليك ‪ ،‬و ُ‬
‫وسلم ‪" :‬يقول الله ‪ :‬إني ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لو شئت لجرى الله معي جبال الذهب والفضة"‬
‫خير بين أن يكون نبيا ً ملكا‬
‫‪ ،‬وفي الصحيح أنه ‪ -‬عليه أفضل الصلة والسلم ‪ُ -‬‬
‫أو عبدا ً رسول فاختار أن يكون عبدا رسول‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وأبتليكم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪.(2865‬‬

‫) ‪(6/101‬‬

‫ست َك ْب َُروا‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫ة أ َوْ ن ََرى َرب َّنا ل َ َ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬ ‫ل عَل َي َْنا ال ْ َ‬ ‫قاَءَنا ل َوَْل أ ُن ْزِ َ‬
‫ن لِ َ‬ ‫جو َ‬‫ن َل ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬ ‫ملئ ِك َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مئ ِذٍ‬‫شَرى ي َوْ َ‬ ‫ة ل بُ ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م ي ََروْ َ‬ ‫وا ك َِبيًرا )‪ (21‬ي َوْ َ‬ ‫وا عُت ُ ّ‬‫م وَعَت َ ْ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ِفي أن ْ ُ‬
‫ل‬‫م ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ملوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫مَنا إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫جوًرا )‪ (22‬وَقَدِ ْ‬ ‫ح ُ‬‫م ْ‬‫جًرا َ‬ ‫ح ْ‬‫ن ِ‬ ‫قولو َ‬‫ُ‬ ‫ن وَي َ ُ‬‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫قيًل )‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قّرا وَأ ْ‬ ‫ست َ َ‬‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ َ‬
‫جن ّةِ ي َوْ َ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫من ُْثوًرا )‪ (23‬أ ْ‬ ‫جعَل َْناه ُ هََباًء َ‬ ‫فَ َ‬
‫‪(24‬‬

‫قد ِ‬ ‫ة أ َوْ ن ََرى َرب َّنا ل َ َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ل عَل َي َْنا ال ْ َ‬ ‫ول ُأنز َ‬ ‫قاَءَنا ل َ ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ن ل ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫} وََقا َ‬
‫ملئ ِك َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شَرى‬ ‫ة ل بُ ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م ي ََروْ َ‬ ‫وا ك َِبيًرا )‪ (21‬ي َوْ َ‬ ‫وا عُت ُ ّ‬ ‫م وَعَت َ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ست َك ْب َُروا ِفي أن ْ ُ‬ ‫ا ْ‬
‫ل‬‫م ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ملوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫مَنا إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫جوًرا )‪ (22‬وَقَدِ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جًرا َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن وَي َ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫مئ ِذ ٍ ل ِل ُ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قيل )‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قّرا وَأ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ َ‬ ‫جن ّةِ ي َوْ َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫من ُْثوًرا )‪ (23‬أ ْ‬ ‫جعَلَناه ُ هََباًء َ‬ ‫فَ َ‬
‫‪.{ (24‬‬
‫ول‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن ت َعَّنت الكفار في كفرهم ‪ ،‬وعنادهم في قولهم ‪ } :‬ل ْ‬
‫ة { )‪ (1‬أي ‪ :‬بالرسالة كما نزل )‪ (2‬على النبياء ‪ ،‬كما أخبر‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ل عَل َي َْنا ال ْ َ‬ ‫ُأنز َ‬
‫ُ‬
‫ي‬
‫ما أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫حّتى ن ُؤَْتى ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫عنهم تعالى في الية الخرى ‪َ } :‬قاُلوا ل َ ْ‬
‫ُ‬
‫ول أنز َ‬
‫ل‬ ‫ل الل ّهِ { ] النعام ‪ ، [124 :‬ويحتمل أن يكون مرادهم هاهنا ‪ } :‬ل َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ُر ُ‬
‫ة { فنراهم عيانا ‪ ،‬فيخبرونا أن محمدا رسول الله ‪ ،‬كقولهم )‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫عَل َي َْنا ال َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك َةِ قَِبيل { ] السراء ‪ .[92 :‬وقد تقدم تفسيرها‬ ‫ي ِبالل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫‪ } : (3‬أوْ ت َأت ِ َ‬
‫في سورة "سبحان" ؛ ولهذا قال )‪ } : (4‬أوْ ن ََرى َرب َّنا { ولهذا قال الله‬ ‫َ‬
‫وا ك َِبيًرا {‪ .‬وقد قال ]الله[ )‪(5‬‬ ‫وا عُت ُ ّ‬ ‫م وَعَت َ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ست َك ْب َُروا ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ل َ َ‬
‫َ‬
‫ل‬‫م كُ ّ‬ ‫شْرَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫موَْتى وَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ة وَك َل ّ َ‬ ‫ملئ ِك َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَل َوْ أن َّنا نزل َْنا إ ِل َي ْهِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ] النعام ‪:‬‬ ‫جهَُلو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ه وَل َك ِ ّ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مُنوا ِإل أ ْ‬ ‫كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫يٍء قُُبل َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫‪.[111‬‬
‫جًرا‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن وَي َ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫مئ ِذ ٍ ل ِل ُ‬ ‫شَرى ي َوْ َ‬ ‫ة ل بُ ْ‬ ‫ملئ ِك َ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م ي ََروْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫جوًرا { أي ‪ :‬هم ل يرون الملئكة في يوم خير لهم ‪ ،‬بل يوم يرون الملئكة‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫دق على وقت الحتضار حين تبشرهم‬ ‫ص ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫وذلك‬ ‫‪،‬‬ ‫(‬ ‫‪6‬‬ ‫)‬ ‫لهم‬ ‫يومئذ‬ ‫بشرى‬ ‫ل‬
‫الملئكة بالنار ‪ ،‬وغضب الجبار ‪ ،‬فتقول الملئكة للكافر عند خروج روحه ‪:‬‬
‫حميم ‪،‬‬ ‫سموم و َ‬ ‫اخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث ‪ ،‬اخرجي إلى َ‬
‫ل من يحموم‪ .‬فتأبى الخروج وتتفرق في البدن )‪ ، (7‬فيضربونه ‪ ،‬كما قال‬ ‫وظ ّ‬
‫م‬‫جوهَهُ ْ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ضرُِبو َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ال َ‬ ‫نك َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الله تعالى ‪ } :‬وَلوْ ت ََرى إ ِذ ْ ي َت َوَفى ال ِ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَرا ِ‬ ‫ن ِفي غ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م { ] النفال ‪ .[50 :‬وقال ‪ } :‬وَلوْ ت ََرى إ ِذِ الظال ِ ُ‬ ‫وَأد َْباَرهُ ْ‬
‫م ال ْي َوْ َ‬
‫م‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫جوا أ َن ْ ُ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م { أي ‪ :‬بالضرب ‪ } ،‬أ َ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬
‫ة باس ُ َ‬
‫طو أي ْ ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ َ ِ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه‬
‫ن آَيات ِ ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫حقّ وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن عََلى الل ّهِ غَي َْر ال ْ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ب ال ُْهو ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫تُ ْ‬
‫ن { ] النعام ‪ [93 :‬؛ ولهذا قال في هذه الية‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عليه" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬تنزل"‪.‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وكقولهم"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قالوا"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬للمجرمين"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫في أ ‪" :‬الجسد"‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬

‫) ‪(6/101‬‬

‫ن { ‪ ،‬وهذا بخلف‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ِل ْ ُ‬ ‫شَرى ي َوْ َ‬ ‫ة ل بُ ْ‬ ‫ملئ ِك َ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ي ََروْ َ‬ ‫الكريمة ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫حال المؤمنين في وقت احتضارهم ‪ ،‬فإنهم يبشرون بالخيرات ‪ ،‬وحصول‬
‫موا ت ََتنز ُ‬
‫ل‬ ‫قا ُ‬‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫المسرات‪ .‬قال الله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ة َأل ت َ َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫ُ‬
‫جن ّةِ الِتي كن ْت ُ ْ‬ ‫شُروا ِبال َ‬ ‫حَزُنوا وَأب ْ ِ‬ ‫خاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫خَرةِ وَل َك ُ ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫أوْل َِياؤُك ُ ْ‬
‫حيم ٍ { ] فصلت ‪.[31 - 30 :‬‬ ‫فورٍ َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن نزل ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ّ ُ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫وفي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب ‪ :‬أن الملئكة تقول لروح المؤمن ‪:‬‬
‫"اخرجي أيتها النفس الطيبة )‪ (1‬في الجسد الطيب ‪ ،‬كنت تعمرينه ‪ ،‬اخرجي‬
‫إلى روح وريحان ورب غير غضبان"‪ .‬وقد تقدم الحديث في سورة "إبراهيم"‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا‬ ‫ت ِفي ال ْ َ‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫مُنوا ِبال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ت الل ّ ُ‬ ‫)‪ (2‬عند قوله تعالى ‪ } :‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫شاُء { ] إبراهيم ‪.[27 :‬‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ه ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫خَرةِ وَي ُ ِ‬ ‫وَِفي ال ِ‬
‫ة { يعني ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬ ‫ملئ ِك َ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ي ََروْ َ‬ ‫وقال آخرون ‪ :‬بل المراد بقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫قاله مجاهد ‪ ،‬والضحاك ؛ وغيرهما‪.‬‬
‫ول منافاة بين هذا وبين ما تقدم ‪ ،‬فإن الملئكة في هذين اليومين يوم‬
‫الممات ويوم المعاد تتجلى للمؤمنين وللكافرين ‪ ،‬فتبشر المؤمنين بالرحمة‬
‫والرضوان ‪ ،‬وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران ‪ ،‬فل بشرى يومئذ للمجرمين‪.‬‬
‫حَرام محرم‬ ‫جوًرا { أي ‪ :‬وتقول الملئكة للكافرين َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جًرا َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫} وَي َ ُ‬
‫عليكم الفلح اليوم‪.‬‬
‫جر القاضي على فلن ‪ ،‬إذا منعه‬ ‫ح َ‬ ‫وأصل "الحجر" ‪ :‬المنع ‪ ،‬ومنه يقال ‪َ :‬‬
‫جر"‬ ‫فه ‪ ،‬أو فََلس ‪ ،‬أو صغر ‪ ،‬أو نحو ذلك‪ .‬ومنه سمي "الح ْ‬ ‫التصرف إما لس َ‬
‫واف أن يطوفوا فيه )‪ ، (3‬وإنما يطاف من‬ ‫ُ‬
‫عند البيت الحرام ؛ لنه يمنع الط ّ‬
‫ورائه‪ .‬ومنه يقال للعقل "حجر" )‪ (4‬؛ لنه يمنع صاحبه عن تعاطي ما ل يليق‪.‬‬
‫ن { عائد على الملئكة‪ .‬هذا قول‬ ‫قوُلو َ‬ ‫والغرض أن الضمير في قوله ‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعطية العوفي ‪ ،‬وعطاء‬
‫صيف ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬واختاره ابن جرير )‪.(5‬‬ ‫خ َ‬ ‫الخراساني ‪ ،‬و ُ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو نعيم ‪ ،‬حدثنا موسى ‪ -‬يعني ابن قيس ‪ -‬عن‬
‫جوًرا { قال ‪:‬‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جًرا َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫عطية العوفي ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫شر بما يبشر به المتقون‪.‬‬ ‫حّرما أن ي ُب َ ّ‬ ‫م َ‬ ‫حراما ُ‬
‫جَرْيج أنه قال ‪ :‬ذلك من كلم المشركين ‪:‬‬ ‫وقد حكى ابن جرير ‪ ،‬عن ابن ُ‬
‫ة { ‪] ،‬أي ‪ :‬يتعوذون من الملئكة ؛ وذلك أن العرب كانوا‬ ‫ملئ ِك َ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ي ََروْ َ‬ ‫} ي َوْ َ‬
‫جوًرا {‪.‬‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬‫جًرا َ‬ ‫ح ْ‬ ‫إذا نزل بأحدهم نازلة أو شدة[ )‪ (6‬يقولون ‪ِ } :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المطمئنة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬عند الية ‪.27 :‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬به"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬حجرا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(19/2‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/102‬‬

‫وهذا القول ‪ -‬وإن كان له مأخذ ووجه ‪ -‬ولكنه بالنسبة إلى السياق في الية‬
‫جيح ‪،‬‬ ‫ن أبي ن َ ِ‬ ‫بعيد ‪ ،‬ل سيما قد نص الجمهور على خلفه‪ .‬ولكن قد روى اب ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جوًرا { أي ‪ :‬عوذا معاذا‪ .‬فيحتمل‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬
‫جًرا َ‬ ‫ح ْ‬
‫عن مجاهد ؛ أنه قال في قوله ‪ِ } :‬‬
‫)‪ (1‬أنه أراد ما ذكره ابن جريج‪ .‬ولكن في رواية ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫جوًرا { ]أي[ ‪ (2) :‬عوذا معاذا ‪،‬‬ ‫ح ُ‬
‫م ْ‬‫جًرا َ‬ ‫ح ْ‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد أنه قال ‪ِ } :‬‬ ‫نَ ِ‬
‫قوله‪ .‬فالله )‪ (3‬أعلم‪.‬‬ ‫الملئكة ت ُ‬
‫من ُْثوًرا { ‪ ،‬وهذا‬ ‫جعَلَناه ُ هََباًء َ‬‫ْ‬ ‫ل فَ َ‬‫م ٍ‬‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ملوا ِ‬‫ُ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫َ‬
‫مَنا إ ِلى َ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَقَدِ ْ‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من خير وشر ‪ ،‬فأخبر‬
‫أنه ل يتحصل لهؤلء المشركين من العمال ‪ -‬التي ظنوا أنها منجاة لهم ‪-‬‬
‫شيء ؛ وذلك لنها فقدت الشرط الشرعي ‪ ،‬إما الخلص فيها ‪ ،‬وإما المتابعة‬
‫لشرع الله‪ .‬فكل عمل ل يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية ‪ ،‬فهو باطل‪.‬‬
‫فأعمال الكفار ل تخلو من واحد من هذين ‪ ،‬وقد تجمعهما معا ‪ ،‬فتكون أبعد‬
‫ل‬
‫م ٍ‬ ‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬‫مُلوا ِ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬ ‫من القبول حينئذ ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬وَقَدِ ْ‬
‫من ُْثوًرا {‪.‬‬ ‫جعَل َْناه ُ هََباًء َ‬
‫فَ َ‬
‫مَنا { أي ‪ :‬عمدنا‪.‬‬ ‫قال مجاهد ‪ ،‬والثوري ‪ } :‬وَقَدِ ْ‬
‫مدنا‪ .‬وبعضهم يقول ‪ :‬أتينا عليه‪.‬‬ ‫وقال السدي ‪) :‬قدمنا( ‪ :‬عَ َ‬
‫من ُْثوًرا { قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن‬ ‫جعَل َْناه ُ هََباًء َ‬‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫ه[ )‪ (4‬هََباًء‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا ُ‬ ‫الحارث ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬في قوله ‪ ] } :‬فَ َ‬
‫وة‪ .‬وكذا روي من غير هذا‬ ‫من ُْثوًرا { ‪ ،‬قال ‪ :‬شعاع الشمس إذا دخل في الك ّ‬ ‫َ‬
‫الوجه عن علي‪ .‬وُروي مثله عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫دي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وكذا قال الحسن البصري ‪ :‬هو الشعاع‬ ‫س ّ‬
‫جَبير ‪ ،‬وال ّ‬ ‫ُ‬
‫في كوة أحدهم )‪ ، (5‬ولو ذهب يقبض عليه لم يستطع‪.‬‬
‫من ُْثوًرا { قال ‪ :‬هو الماء‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬هََباًء َ‬
‫المهراق‪.‬‬
‫وقال أبو الحوص ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن الحارث ‪ ،‬عن علي ‪ } :‬هََباًء‬
‫هج )‪ (6‬الدواب‪ .‬وُروي مثله عن ابن عباس أيضا ‪،‬‬ ‫من ُْثوًرا { قال ‪ :‬الهباء َر ْ‬ ‫َ‬
‫والضحاك ‪ ،‬وقاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪.‬‬
‫من ُْثوًرا { قال ‪ :‬أما رأيت ي َِبيس الشجر إذا ذرته‬ ‫وقال قتادة في قوله ‪ } :‬هََباًء َ‬
‫)‪ (7‬الريح ؟ فهو ذلك الورق‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن وهب ‪ :‬أخبرني عاصم بن حكيم ‪ ،‬عن أبي سريع الطائي ‪،‬‬
‫عن يعلى بن عبيد )‪ (8‬قال ‪ :‬وإن الهباء الرماد‪.‬‬
‫ه على مضمون الية ‪ ،‬وذلك أنهم عملوا أعمال‬ ‫وحاصل هذه القوال التنبي ُ‬
‫اعتقدوا أنها شيء ‪ ،‬فلما عرضت على الملك الحكيم )‪ (9‬العدل الذي ل يجور‬
‫ول يظلم أحدا ‪ ،‬إذا إنها ل شيء بالكلية‪ .‬وشبهت في ذلك بالشيء التافه‬
‫الحقير المتفرق ‪ ،‬الذي ل يقدر منه صاحبه على شيء بالكلية ‪ ،‬كما قال‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيحمل"‪.‬‬
‫زيادة من أ‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫في أ ‪" :‬والله"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أحدكم"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وهج"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫في أ ‪" :‬أذرته"‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫في أ ‪" :‬عبيد بن يعلى"‪.‬‬ ‫)‪(8‬‬
‫في ف ‪" :‬الحكم"‪.‬‬ ‫)‪(9‬‬

‫) ‪(6/103‬‬

‫فروا بربه َ‬
‫ح ِفي‬ ‫ت ب ِهِ الّري ُ‬ ‫شت َد ّ ْ‬ ‫مادٍ ا ْ‬ ‫م ك ََر َ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫َِ ِّ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫الله تعالى ‪َ } :‬‬
‫ل الب َِعيد ُ {‬ ‫ْ‬ ‫ضل ُ‬ ‫يٍء ذ َل ِك هُوَ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ش ْ‬ ‫سُبوا عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ما ك َ‬‫َ‬ ‫م ّ‬‫ن ِ‬ ‫قدُِرو َ‬ ‫ف ل يَ ْ‬ ‫ص ٍ‬ ‫عا ِ‬ ‫ي َوْم ٍ َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫م ِبال َ‬ ‫صد َقات ِك ْ‬ ‫مُنوا ل ت ُب ْط ِلوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫] إبراهيم ‪ [18 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫مال َ ُ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫َوالَذى َ‬
‫ل‬
‫مث ِ‬‫َ‬ ‫هك َ‬ ‫مثل ُ‬ ‫َ‬ ‫خرِ ف َ‬ ‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م ُ‬ ‫س َول ي ُؤْ ِ‬ ‫ه رَِئاَء الّنا ِ‬ ‫َ‬
‫فق ُ َ‬ ‫ذي ي ُن ْ ِ‬
‫سُبوا‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫قدُِرو َ‬ ‫دا ل ي َ ْ‬ ‫صل ْ ً‬ ‫ه َ‬ ‫ل فَت ََرك َ ُ‬ ‫ه َواب ِ ٌ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫ب فَأ َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ت َُرا ٌ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ع‬ ‫قي‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫را‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫روا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫[‬ ‫‪264‬‬ ‫‪:‬‬ ‫البقرة‬ ‫]‬ ‫{‬
‫َ َ ٍ ِ ِ َ ٍ‬ ‫ْ َ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ َ‬
‫شي ًْئا { ] النور ‪ [39 :‬وتقدم‬ ‫جد ْه ُ َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫جاَءهُ ل َ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ماًء َ‬ ‫ن َ‬ ‫مآ ُ‬ ‫ه الظ ّ ْ‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يَ ْ‬
‫الكلم على تفسير ذلك ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قيل { أي ‪ :‬يوم القيامة‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قّرا وَأ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ َ‬ ‫جن ّةِ ي َوْ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫جن ّةِ هُ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫جن ّةِ أ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ب الّنارِ وَأ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وي أ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫} ل يَ ْ‬
‫] الحشر ‪ [20 :‬؛ وذلك لن )‪ (1‬أهل الجنة يصيرون إلى الدرجات العاليات ‪،‬‬
‫والغرفات المنات ‪ ،‬فهم في مقام أمين ‪ ،‬حسن المنظر ‪ ،‬طيب المقام ‪،‬‬
‫ما { ] الفرقان ‪ ، [76 :‬وأهل النار‬ ‫قا ً‬ ‫م َ‬ ‫قّرا وَ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫} َ‬
‫يصيرون إلى الدركات السافلت ‪ ،‬والحسرات المتتابعات ‪ ،‬وأنواع العذاب‬
‫ما { ] الفرقان ‪ [66 :‬أي ‪ :‬بئس‬ ‫قا ً‬ ‫م َ‬ ‫قّرا وَ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫والعقوبات ‪ } ،‬إ ِن َّها َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مئ ِذٍ‬ ‫جن ّةِ ي َوْ َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫المنزل منظرا وبئس )‪ (2‬المقيل مقاما ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أ ْ‬
‫قيل { أي ‪ :‬بما عملوه من العمال المتقبلة ‪ ،‬نالوا ما‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قّرا وَأ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ُ‬ ‫َ‬
‫نالوا ‪ ،‬وصاروا إلى ما صاروا إليه )‪ ، (3‬بخلف أهل النار فإنه ليس لهم عمل‬
‫واحد يقتضي لهم دخول الجنة والنجاة من النار ‪ ،‬فَن َّبه ‪ -‬تعالى ‪ -‬بحال‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫السعداء على حال الشقياء ‪ ،‬وأنه ل خير عندهم بالكلية ‪ ،‬فقال ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫قيل {‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قّرا وَأ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ َ‬ ‫جن ّةِ ي َوْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قال الضحاك ‪ :‬عن ابن عباس ‪ :‬إنما هي ضحوة ‪ ،‬فيقيل أولياء الله على‬
‫السرة مع الحور العين ‪ ،‬وَيقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬يفرغ الله من الحساب نصف النهار ‪ ،‬فيقيل أهل الجنة‬
‫َ‬
‫خي ٌْر‬ ‫مئ ِذ ٍ َ‬ ‫جن ّةِ ي َوْ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫في الجنة ‪ ،‬وأهل النار في النار ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬أ ْ‬
‫قيل {‪.‬‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قّرا وَأ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬إني لعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة ‪ ،‬وأهل‬
‫النار النار ‪ :‬هي الساعة التي تكون في الدنيا عند ارتفاع الضحى الكبر ‪ ،‬إذا‬
‫انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة ‪ ،‬فينصرف أهل النار إلى النار ‪ ،‬وأما أهل‬
‫]الجنة فُينطلق بهم إلى[ )‪ (4‬الجنة ‪ ،‬فكانت قيلولتهم ]في الجنة[ )‪(5‬‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وأطعموا كبد حوت ‪ ،‬فأشبعهم ]ذلك[ )‪ (6‬كلهم ‪ ،‬وذلك قوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫قيل {‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قّرا وَأ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ َ‬ ‫جن ّةِ ي َوْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫من َْهال ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد الله بن‬ ‫سرة ‪ ،‬عن ال ِ‬ ‫مي َ‬ ‫وقال سفيان ‪ ،‬عن َ‬
‫مسعود ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬ل ينتصف النهار حتى يقيل هؤلء وهؤلء ثم قرأ ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جعَهُ ْ‬
‫مْر ِ‬
‫ن َ‬ ‫قيل { وقرأ } ث ُ ّ‬
‫م إِ ّ‬ ‫م ِ‬
‫ن َ‬
‫س ُ‬‫ح َ‬
‫قّرا وَأ ْ‬
‫ست َ َ‬
‫م ْ‬
‫خي ٌْر ُ‬
‫مئ ِذ ٍ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫جن ّةِ ي َوْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫}أ ْ‬
‫حيم ِ { ] الصافات ‪.[68 :‬‬ ‫ج ِ‬‫لَلى ال ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬أو"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬وصاروا إلى ما إليه صاروا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/104‬‬

‫حقّ‬ ‫مئ ِذٍ ال ْ َ‬ ‫ك ي َوْ َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫زيًل )‪ (25‬ال ْ ُ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬


‫ة ت َن ْ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫مام ِ وَن ُّز َ‬ ‫ماُء ِبال ْغَ َ‬ ‫س َ‬
‫ققُ ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫م تَ َ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫م عَلى ي َد َي ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ض الظال ِ ُ‬ ‫م ي َعَ ّ‬ ‫سيًرا )‪ (26‬وَي َوْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما عَلى الكافِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ي َوْ ً‬ ‫َ‬
‫ن وَكا َ‬
‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ِللّر ْ‬
‫خِليًل‬ ‫ً َ‬ ‫نا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ت‬
‫ْ ّ ِ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ني‬ ‫ت‬‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫تا‬
‫َ َْ َ َِْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫و‬ ‫يا‬ ‫(‬ ‫‪27‬‬ ‫)‬ ‫ل‬‫ً‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫سو‬
‫ّ َ ُ َ َ ّ ُ ِ َ ِ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ني‬ ‫َ‬
‫قو َ ْ َ ِ‬
‫ت‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫يا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫يَ ُ‬
‫ذوًل )‬ ‫َ‬
‫خ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن ل ِْل ِن ْ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬‫كا َ‬ ‫جاَءِني وَ َ‬ ‫ن الذ ّك ْرِ ب َعْد َ إ ِذ ْ َ‬ ‫ضلِني عَ ِ‬
‫قد ْ أ َ ّ‬ ‫)‪ (28‬ل َ َ‬
‫‪(29‬‬
‫َ‬
‫قّرا‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ َ‬ ‫جن ّةِ ي َوْ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬أ ْ‬ ‫وقال العَ ْ‬
‫قيل { قال ‪ :‬قالوا في الغرف من الجنة ‪ ،‬وكان حسابهم أن )‪(1‬‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫عرضوا على ربهم عرضة واحدة ‪ ،‬وذلك الحساب اليسير ‪ ،‬وهو مثل قوله‬ ‫ُ‬
‫سيًرا *‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ساًبا ي َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِ‬ ‫س ُ‬ ‫حا َ‬ ‫ف يُ َ‬‫سو ْ َ‬ ‫مين ِهِ * ف َ‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫ي ك َِتاب َ ُ‬ ‫ن أوت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬فأ ّ‬
‫َ‬
‫سُروًرا { ] النشقاق ‪.[9 - 7 :‬‬ ‫ب إ َِلى أ ْ ِ ِ َ ْ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫قل ِ ُ‬ ‫وَي َن ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قيل {‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قّرا وَأ ْ‬ ‫ست َ َ‬‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ َ‬‫جن ّةِ ي َوْ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وقال قتادة في قوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫رز أنه قال ‪ :‬يجاء يوم‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دث صفوان بن ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫أي ‪ :‬مأوى ومنزل قال قتادة ‪ :‬و َ‬
‫القيامة برجلين ‪ ،‬أحدهما كان ملكا )‪ (2‬في الدنيا إلى الحمرة والبياض‬
‫فيحاسب ‪ ،‬فإذا عبد ٌ ‪ ،‬لم يعمل خيرا فيؤمر به إلى النار‪ .‬والخر كان صاحب‬
‫كساء في الدنيا ‪ ،‬فيحاسب فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ما أعطيتني من شيء فتحاسبني‬
‫به‪ .‬فيقول ‪ :‬صدق عبدي ‪ ،‬فأرسلوه‪ .‬فيؤمر به إلى الجنة ‪ ،‬ثم يتركان ما شاء‬
‫ممة )‪ (4‬السوداء ‪ ،‬فيقال‬ ‫ح َ‬‫الله‪ .‬ثم يدعى صاحب )‪ (3‬النار ‪ ،‬فإذا هو مثل ال ُ‬
‫عى‬ ‫مقيل‪ .‬فيقال )‪ (5‬له ‪ :‬عد )‪ (6‬ثم ُيد َ‬ ‫له ‪ :‬كيف وجدت ؟ فيقول ‪ :‬شر َ‬
‫بصاحب الجنة ‪ ،‬فإذا هو مثل القمر ليلة البدر ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬كيف وجدت ؟‬
‫مقيل‪ .‬فيقال له ‪ :‬عد‪ .‬رواها ابن أبي حاتم كلها‪.‬‬ ‫فيقول ‪ :‬رب ‪ ،‬خير َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬أنبأنا ابن وهب ‪ ،‬أنبأنا عمرو بن الحارث ‪ ،‬أن‬
‫واف حدثه ‪ ،‬أنه بلغه ‪ :‬أن يوم القيامة يقصر على المؤمن )‪(8‬‬ ‫دا )‪ (7‬الص ّ‬ ‫سعي ً‬
‫حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس ‪ ،‬وأنهم ليقيلون في رياض‬
‫َ‬
‫مئ ِذٍ‬ ‫جن ّةِ ي َوْ َ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫الجنة حتى يفرغ من الناس ‪ ،‬وذلك )‪ (9‬قوله تعالى ‪ } :‬أ ْ‬
‫قيل { )‪.(10‬‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قّرا وَأ ْ‬ ‫ست َ َ‬
‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ُ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫مئ ِذٍ ال ْ َ‬ ‫ك ي َوْ َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ة َتنزيل )‪ (25‬ال ْ ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مام ِ َونز َ‬ ‫ماُء ِبال ْغَ َ‬ ‫س َ‬
‫ققُ ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫م تَ َ‬ ‫} وَي َوْ َ‬
‫ه‬
‫م عَلى ي َد َي ْ ِ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ض الظال ِ ُ‬ ‫م ي َعَ ّ‬ ‫سيًرا )‪ (26‬وَي َوْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ما عَلى ال َ‬ ‫َ‬ ‫ن ي َوْ ً‬ ‫كا َ‬ ‫ن وَ َ‬
‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ِللّر ْ‬
‫خذ ْ ُفلًنا‬ ‫م أت ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سِبيل )‪َ (27‬يا وَي ْلَتى لي ْت َِني ل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ الّر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫خذ ْ ُ‬ ‫ل َيا لي ْت َِني ات ّ َ‬‫َ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ذول‬ ‫خ ُ‬‫ن َ‬‫سا ِ‬
‫ن ِللن ْ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كا َ‬‫جاَءِني وَ َ‬ ‫ن الذ ّك ْرِ ب َعْد َ إ ِذ ْ َ‬ ‫قد ْ أ َ َ ّ‬ ‫خِليل )‪ (28‬ل َ َ‬
‫ضلِني عَ ِ‬ ‫َ‬
‫)‪.{ (29‬‬
‫هول يوم القيامة ‪ ،‬وما يكون فيه من المور العظيمة ‪ ،‬فمنها‬ ‫يخبر تعالى عن َ‬
‫انشقاق )‪ (11‬السماء وتفطرها وانفراجها بالغمام ‪ ،‬وهو ظ َُلل )‪ (12‬النور‬
‫العظيم الذي يبهر البصار ‪ ،‬ونزول ملئكة السموات يومئذ ‪ ،‬فيحيطون‬
‫بالخلئق في مقام المحشر‪ .‬ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ه ِفي ظل ٍ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ن ي َأت ِي َهُ ُ‬‫ن ِإل أ ْ‬‫ل ي َن ْظ ُُرو َ‬ ‫قال مجاهد ‪ :‬وهذا كما قال تعالى ‪ } :‬هَ ْ‬
‫موُر { ] البقرة ‪.[210 :‬‬ ‫جعُ ال ُ‬ ‫مُر وَإ َِلى اللهِ ت ُْر َ‬
‫ّ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬
‫ة وَقُ ِ‬ ‫مام ِ َوال ْ َ‬
‫ن ال ْغَ َ‬
‫م َ‬ ‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬إذ"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ملك"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬بصاحب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الفحمة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عده"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬المؤمنين"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فذلك"‪.‬‬
‫)‪ (10‬تفسير الطبري )‪.(19/5‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬اشتقاق"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في أ ‪" :‬ظل"‪.‬‬

‫) ‪(6/105‬‬

‫مل ‪ ،‬حدثنا حماد بن‬ ‫مؤ َ ّ‬


‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن الحارث ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫مهَْران ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أنه قرأ‬ ‫سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن ِ‬
‫ة َتنزيل { قال ابن‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫ماُء ِبال ْغَ َ‬
‫مام ِ َونز َ‬ ‫س َ‬
‫ققُ ال ّ‬ ‫م تَ َ‬
‫ش ّ‬ ‫هذه الية ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫عباس ‪ :‬يجمع الله الخلق يوم القيامة )‪ (1‬في صعيد واحد ‪ ،‬الجن والنس‬
‫والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق ‪ ،‬فتنشق السماء الدنيا ‪ ،‬فينزل أهلها ‪-‬‬
‫وهم أكثر من الجن والنس ومن جميع الخلئق )‪ - (2‬فيحيطون بالجن‬
‫والنس وبجميع الخلق‪ .‬ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها ‪ ،‬وهم أكثر من‬
‫أهل السماء الدنيا ومن الجن والنس ومن جميع الخلق ]فيحيطون بالملئكة‬
‫الذين نزلوا قبلهم والجن والنس وجميع الخلق )‪ (4) [ (3‬ثم تنشق السماء‬
‫الثالثة ‪ ،‬فينزل أهلها ‪ ،‬وهم أكثر من أهل السماء الثانية والسماء الدنيا ومن‬
‫جميع الخلق ‪ ،‬فيحيطون بالملئكة الذين نزلوا قبلهم ‪ ،‬وبالجن والنس وبجميع‬
‫الخلق‪ .‬ثم كذلك كل سماء ‪ ،‬حتى تنشق السماء السابعة ‪ ،‬فينزل أهلها وهم‬
‫أكثر ممن نزل قبلهم من أهل السموات ومن الجن والنس ‪ ،‬ومن جميع‬
‫الخلق ‪ ،‬فيحيطون )‪ (5‬بالملئكة الذين نزلوا قبلهم من أهل السموات ‪،‬‬
‫وبالجن والنس وجميع الخلق ‪ ،‬وينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام ‪،‬‬
‫وحوله الكروبيون ‪ ،‬وهم أكثر من أهل السموات السبع ومن النس )‪(6‬‬
‫جل‬‫والجن وجميع الخلق ‪ ،‬لهم قرون كأكعب القنا ‪ ،‬وهم تحت العرش ‪ ،‬لهم َز َ‬
‫بالتسبيح والتهليل )‪ (7‬والتقديس لله عز وجل ‪ ،‬ما بين أخمص قدم أحدهم‬
‫إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬وما بين كعبه إلى ركبته )‪ (8‬مسيرة‬
‫جَزته )‪ (9‬مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬وما‬ ‫ح ْ‬‫خمسمائة عام ‪ ،‬وما بين ركبته إلى ُ‬
‫جَزته )‪ (10‬إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬وما بين ترقوته إلى‬ ‫ح ْ‬
‫بين ُ‬
‫قرط مسيرة خمسمائة عام‪ .‬وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام ‪،‬‬ ‫موضع ال ُ‬
‫وجهنم مجنبته )‪ (11‬هكذا رواه ابن أبي حاتم بهذا السياق‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثني الحجاج ‪ ،‬عن مبارك‬
‫مهَْران ‪ ،‬أنه سمع‬
‫عان ‪ ،‬عن يوسف بن ِ‬ ‫جد ْ َ‬
‫بن فضالة ‪ ،‬عن علي بن زيد بن ُ‬
‫ابن عباس يقول ‪ :‬إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الملئكة أكثر من‬
‫الجن والنس ‪ ،‬وهو يوم التلق ‪ ،‬يوم يلتقي أهل السماء وأهل الرض ‪ ،‬فيقول‬
‫أهل الرض ‪ :‬جاء ربنا ؟ فيقولون ‪ :‬لم يجئ ‪ ،‬وهو آت‪ .‬ثم تنشق السماء‬
‫الثانية ‪ ،‬ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة‪.‬‬
‫فينزل منها من الملئكة أكثر من ]جميع من[ )‪ (12‬نزل من السموات ومن‬
‫الجن والنس‪ .‬قال ‪ :‬فتنزل )‪ (13‬الملئكة الك َُروبُيون ‪ ،‬ثم يأتي ربنا في حملة‬
‫العرش الثمانية ‪ ،‬بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة ‪ ،‬وبين فخذه‬
‫ومنكبه مسيرة سبعين سنة‪ .‬قال ‪ :‬وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه ‪،‬‬
‫وكل ملك منهم واضع رأسه بين ثدييه يقول ‪ :‬سبحان الملك القدوس‪ .‬وعلى‬
‫قَباء )‪ (14‬والعرش فوق ذلك‪.‬‬ ‫رؤوسهم شيء مبسوط كأنه ال َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يجمع الله تعالى الخلق كلهم يوم القيامة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الخلق"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الخلئق"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدر المنثور ‪.5/68‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فيحطون"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والنس"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بالتهليل والتسبيح"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬ركبتيه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أرنبته"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أرنبته"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في هـ ‪ ،‬ف غير منقوطة ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬مجنبته"‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فينزل"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في أ ‪" :‬القفاء"‪.‬‬

‫) ‪(6/106‬‬

‫دعان ‪ ،‬وفيه ضعف ‪ ،‬وفي سياقاته‬ ‫ج ْ‬


‫ي بن زيد بن ُ‬ ‫ثم وقف ‪ ،‬فمداره على عل ّ‬
‫غالبا نكارة شديدة‪ .‬وقد ورد في حديث الصور المشهور )‪ (1‬قريب من هذا ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫ماُء فَهِ َ‬
‫ي‬ ‫س َ‬‫ت ال ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ة َوان ْ َ‬
‫واقِعَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ وَقَعَ ِ‬
‫ت ال َ‬ ‫وقد قال ]الله[ )‪ (2‬تعالى ‪ } :‬فَي َوْ َ‬
‫َ‬
‫ة{‬ ‫مئ ِذ ٍ ث َ َ‬
‫مان ِي َ ٌ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫َ‬
‫ش َرب ّك فَوْقَهُ ْ‬ ‫ل عَْر َ‬‫م ُ‬‫ح ِ‬ ‫ك عََلى أْر َ‬
‫جائ َِها وَي َ ْ‬ ‫مل َ ُ‬
‫ة َوال ْ َ‬
‫مئ ِذ ٍ َواهِي َ ٌ‬
‫ي َوْ َ‬
‫شب ‪ :‬حملة العرش ثمانية ‪ ،‬أربعة‬ ‫حو ْ َ‬‫] الحاقة ‪ [17 - 15 :‬قال شهر بن َ‬
‫منهم يقولون ‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬لك الحمد على حلمك بعد علمك‪.‬‬
‫وأربعة يقولون ‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ‪،‬‬
‫رواه ابن جرير عنه‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن عبد الله ‪ :‬إذا نظر أهل الرض إلى العرش يهبط عليهم من‬
‫كلهم في أجوافهم ‪ ،‬وطارت‬ ‫جفت ُ‬ ‫فوقهم ‪ ،‬شخصت إليه أبصارهم ‪ ،‬وَر َ‬
‫قّرها من صدورهم إلى حناجرهم‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫قلوبهم من َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثنا معتمر بن سليمان ‪،‬‬
‫عن عبد الجليل ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو قال ‪ :‬يهبط الله حين‬
‫وت‬ ‫ص ّ‬
‫يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب ‪ ،‬منها النور والظلمة ‪ ،‬في ُ َ‬
‫الماء في تلك الظلمة صوتا تنخلع منه )‪ (3‬القلوب‪.‬‬
‫وهذا موقوف على )‪ (4‬عبد الله بن عمرو من كلمه ‪ ،‬ولعله من الزاملتين ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫سيًرا‬‫ن عَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما عَلى الكافِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ي َوْ ً‬ ‫َ‬
‫ن وَكا َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مل ُ‬ ‫ْ‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫حقّ ِللّر ْ‬ ‫مئ ِذٍ ال َ‬ ‫ك ي َوْ َ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬ال ُ‬
‫قّهارِ { ] غافر ‪[16 :‬‬ ‫ْ‬
‫حدِ ال َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ْ‬
‫م ل ِلهِ ال َ‬‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ملك الي َوْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م ِ‬ ‫{ ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ل ِ َ‬
‫وفي الصحيح ‪" :‬إن الله يطوي السموات بيمينه ‪ ،‬ويأخذ الرضين بيده الخرى‬
‫‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬أنا الملك ‪ ،‬أنا الديان ‪ ،‬أين ملوك الرض ؟ أين الجبارون ؟ أين‬
‫المتكبرون" ؟ )‪(5‬‬
‫سيًرا { أي ‪ :‬شديدا صعبا ؛ لنه يوم‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما عَلى الكافِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ي َوْ ً‬ ‫كا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫قَر ِفي الّناُقوِر[ { )‪، " (6‬‬ ‫عدل وقضاء فصل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪] } :‬فَإ َِذا ن ُ ِ‬
‫سيرٍ { ] المدثر ‪، [10 - 8 :‬‬ ‫ن غَي ُْر ي َ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫سيٌر * عََلى ال ْ َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َوْ ٌ‬‫ك ي َوْ َ‬ ‫} فَذ َل ِ َ‬
‫فهذا حال الكافرين في هذا اليوم‪ .‬وأما المؤمنون فكما قال تعالى ‪ } :‬ل‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫ذي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫ذا ي َوْ ُ‬ ‫ة هَ َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قاهُ ُ‬ ‫فَزعُ الك ْب َُر وَت َت َل َ ّ‬ ‫م ال ْ َ‬‫حُزن ُهُ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫] النبياء ‪.[103 :‬‬
‫َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن )‪ (7‬بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬حدثنا‬
‫د َّراج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول الله ‪} :‬‬
‫سن َةٍ { ما )‪ (8‬أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َل ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫داُره ُ َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ي َوْم ٍ َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنه ليخفف على المؤمن‬
‫حتى يكون‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تقدم الحديث عند تفسير الية ‪ 73 :‬من سورة النعام‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف‪ .‬أ ‪" :‬له"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪ (2788‬من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ‪،‬‬
‫وليس فيه ‪" :‬أنا الديان"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حسين"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وما"‪.‬‬

‫) ‪(6/107‬‬

‫جعَل َْنا‬ ‫جوًرا )‪ (30‬وَك َذ َل ِ َ‬


‫ك َ‬ ‫مهْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫قْرآ َ َ‬
‫ذا ال ْ ُ‬
‫ذوا هَ َ‬‫خ ُ‬
‫مي ات ّ َ‬‫ن قَوْ ِ‬‫ب إِ ّ‬ ‫سو ُ‬
‫ل َيا َر ّ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫صيًرا )‪(31‬‬ ‫هادًِيا وَن َ ِ‬ ‫َ‬
‫فى ب َِرب ّك َ‬ ‫َ‬
‫ن وَك َ‬
‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬
‫ي عَد ُّوا ِ‬‫ل ن َب ِ ّ‬‫ل ِك ُ ّ‬

‫أخف عليه من صلة مكتوبة يصليها في الدنيا" )‪.(1‬‬


‫ل‬
‫سو ِ‬
‫معَ الّر ُ‬
‫ت َ‬ ‫ل َيا ل َي ْت َِني ات ّ َ‬
‫خذ ْ ُ‬ ‫م عََلى ي َد َي ْهِ ي َ ُ‬
‫قو ُ‬ ‫ض ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫م ي َعَ ّ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫سِبيل { ‪ :‬يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول وما جاء به‬ ‫َ‬
‫من عند الله من الحق المبين ‪ ،‬الذي ل مْرية فيه ‪ ،‬وسلك طريقا أخرى غير‬
‫ض على‬ ‫م ‪ ،‬وع ّ‬ ‫ث ل ينفعه الن َد َ ُ‬ ‫م حي ُ‬ ‫سبيل الرسول ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة َند َ‬
‫يديه حسرة ً وأسفا‪.‬‬
‫مَعيط أو غيره من الشقياء ‪ ،‬فإنها‬ ‫وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي ُ‬
‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫م ِفي الّنارِ ي َ ُ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫ب وُ ُ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫م تُ َ‬ ‫عامة في كل ظالم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضلوَنا‬ ‫ساد َت ََنا وَك ُب ََراَءَنا فَأ َ‬ ‫سول وََقاُلوا َرب َّنا إ ِّنا أطعَْنا َ‬
‫َ‬ ‫ه وَأط َعَْنا الّر ُ‬ ‫َيا ل َي ْت ََنا أط َعَْنا الل ّ َ‬
‫م ل َعًْنا ك َِبيًرا { ] الحزاب ‪- 66 :‬‬ ‫ب َوال ْعَن ْهُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫في ْ ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫سِبيل * َرب َّنا آت ِهِ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ [68‬فكل )‪ (2‬ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم ‪ ،‬وي ََعض على يديه قائل } َيا‬
‫خِليل { يعني ‪:‬‬ ‫خذ ْ ُفلًنا َ‬ ‫م أ َت ّ ِ‬ ‫سِبيل َيا وَي ْل ََتى ل َي ْت َِني ل َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ الّر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫خذ ْ ُ‬ ‫ل َي ْت َِني ات ّ َ‬
‫من )‪ (3‬صرفه عن الهدى ‪ ،‬وعدل به إلى طريق الضللة ]من دعاة الضللة[ )‬ ‫َ‬
‫‪ ، (4‬وسواء في ذلك أمية بن خلف ‪ ،‬أو أخوه أبي بن خلف ‪ ،‬أو غيرهما‪.‬‬
‫جاَءِني { أي ‪ :‬بعد‬ ‫ن الذ ّك ْرِ { ]وهو القرآن[ )‪ } (5‬ب َعْد َ إ ِذ ْ َ‬ ‫قد ْ أ َ َ ّ‬ ‫} لَ َ‬
‫ضلِني عَ ِ‬
‫ذول { أي ‪ :‬يخذله‬ ‫خ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن ِللن ْ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كا َ‬ ‫بلوغه إلي ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫عن الحق ‪ ،‬ويصرفه عنه ‪ ،‬ويستعمله في الباطل ‪ ،‬ويدعوه إليه‪.‬‬
‫جوًرا )‪ (30‬وَك َذ َل ِكَ‬ ‫مهْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ذوا هَ َ‬ ‫خ ُ‬‫مي ات ّ َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ل َيا َر ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫} وََقا َ‬
‫صيًرا )‪{ (31‬‬ ‫هادًِيا وَن َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫فى ب َِرب ّ َ‬ ‫ن وَك َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي عَد ُّوا ِ‬ ‫ل ن َب ِ ّ‬‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد )‪ - (6‬صلوات الله وسلمه )‪(7‬‬
‫ن‬
‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫ذوا هَ َ‬ ‫خ ُ‬‫مي ات ّ َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫عليه دائما إلى يوم الدين ‪ -‬أنه قال ‪َ } :‬يا َر ّ‬
‫جوًرا { ‪ ،‬وذلك أن المشركين كانوا ل ُيصُغون للقرآن ول يسمعونه )‪، (8‬‬ ‫مهْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وا ِفيهِ لعَلك ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫غ‬‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬
‫ْ ِ َ‬ ‫ن‬ ‫رآ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫عوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ْ َ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫كما‬
‫ن { ] فصلت ‪ [26 :‬وكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلم‬ ‫ت َغْل ُِبو َ‬
‫في غيره ‪ ،‬حتى ل يسمعوه‪ .‬فهذا من هجرانه ‪ ،‬وترك ]علمه وحفظه أيضا من‬
‫هجرانه ‪ ،‬وترك[ )‪ (9‬اليمان به وتصديقه من هجرانه ‪ ،‬وترك تدبره وتفهمه‬
‫من هجرانه ‪ ،‬وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه ‪،‬‬
‫ل عنه إلى غيره ‪ -‬من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلم أو طريقة‬ ‫والعدو ُ‬
‫ن القادَر على ما‬ ‫م المنا َ‬ ‫مأخوذة من غيره ‪ -‬من هجرانه ‪ ،‬فنسأل الله الكري َ‬
‫سخطه ‪ ،‬ويستعملنا فيما يرضيه ‪ ،‬من حفظ كتابه‬ ‫يشاء ‪ ،‬أن يخّلصنا مما ي ُ ْ‬
‫ف النهار ‪ ،‬على الوجه الذي‬ ‫وفهمه ‪ ،‬والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطرا َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (3/75‬وفي إسناده دراج عن أبي الهيثم ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وكل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لمن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬محمدا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬يستمعونه"‬
‫)‪ (9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/108‬‬
‫ؤاد َ َ‬
‫ك‬ ‫ت ب ِهِ فُ َ‬ ‫حد َة ً ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ل ِن ُث َب ّ َ‬ ‫مل َ ً‬
‫ة َوا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫قْرآ َ ُ‬
‫ن ُ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ال ْ ُ‬
‫فُروا ل َوَْل ن ُّز َ‬
‫ن كَ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وََقا َ‬
‫وََرت ّل َْناه ُ ت َْرِتيًل )‪(32‬‬

‫يحبه ويرضاه ‪ ،‬إنه كريم وهاب‪.‬‬


‫ن { أي ‪ :‬كما حصل لك ‪-‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي عَد ُّوا ِ‬ ‫ل ن َب ِ ّ‬‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬‫ك َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫يا محمد ‪ -‬في قومك من الذين هجروا القرآن ‪ ،‬كذلك كان في المم الماضين‬
‫؛ لن الله جعل لكل نبي عدوا من المجرمين ‪ ،‬يدعون الناس إلى ضللهم‬
‫س‬‫ن الن ْ ِ‬ ‫طي َ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ي عَد ُّوا َ‬ ‫ل ن َب ِ ّ‬‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫وكفرهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ما فَعَُلوهُ‬ ‫ك َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫ل غُُروًرا وَل َوْ َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ َ‬ ‫حي ب َعْ ُ‬ ‫ن ُيو ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫َ‬
‫ضوْهُ‬
‫خَرةِ وَل ِي َْر َ‬ ‫ن ِبال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫صَغى إ ِل َي ْهِ أفْئ ِد َة ُ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن وَل ِت َ ْ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫فَذ َْرهُ ْ‬
‫م وَ َ‬
‫ن { ] النعام ‪ [113 - 112 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪:‬‬ ‫قت َرُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫قت َرُِفوا َ‬ ‫وَل ِي َ ْ‬
‫صيًرا { أي ‪ :‬لمن اتبع رسوله ‪ ،‬وآمن بكتابه وصدقه‬ ‫هادًِيا وَن َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫فى ب َِرب ّ َ‬ ‫} وَك َ َ‬
‫هادًِيا‬ ‫واتبعه ‪ ،‬فإن الله هاديه وناصره في الدنيا والخرة‪ .‬وإنما قال ‪َ } :‬‬
‫صيًرا { لن المشركين كانوا يصدون الناس عن اتباع القرآن ‪ ،‬لئل يهتدي‬ ‫وَن َ ِ‬
‫ل‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا ل ِك ُ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫أحد به ‪ ،‬ولتغلب طريقتهم طريقة القرآن ؛ فلهذا قال ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫صيًرا {‪.‬‬ ‫هادًِيا وَن َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫فى ب َِرب ّ َ‬ ‫ن وَك َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي عَد ُّوا ِ‬ ‫ن َب ِ ّ‬
‫ؤاد َ َ‬
‫ك‬ ‫ت ب ِهِ فُ َ‬ ‫َ‬
‫حد َة ً كذ َل ِ َ‬
‫ك ل ِن ُث َب ّ َ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫َ‬
‫مل ً‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل عَلي ْهِ ال ُ‬ ‫ول نز َ‬ ‫َ‬
‫فُروا ل ْ‬ ‫نك َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ال ِ‬‫} وََقا َ‬
‫وََرت ّل َْناه ُ ت َْرِتيل )‪{ (32‬‬

‫) ‪(6/109‬‬

‫ن عََلى‬ ‫ح َ‬
‫شُرو َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫سيًرا )‪ (33‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ف ِ‬‫ن تَ ْ‬
‫س َ‬‫ح َ‬
‫َ‬
‫حقّ وَأ ْ‬‫ك ِبال ْ َ‬
‫جئ َْنا َ‬ ‫ل إ ِّل ِ‬ ‫مث َ ٍ‬ ‫وََل ي َأ ُْتون َ َ‬
‫ك بِ َ‬
‫سِبيًل )‪(34‬‬ ‫َ‬ ‫م ُأول َئ ِ َ‬
‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫م َ‬
‫كاًنا وَأ َ‬ ‫شّر َ‬ ‫ك َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫م إ َِلى َ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫وُ ُ‬

‫ن‬‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫سيًرا )‪ (33‬ال ّ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬


‫َ‬
‫حقّ وَأ ْ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫جئ َْنا َ‬ ‫ل ِإل ِ‬ ‫مث َ ٍ‬‫ك بِ َ‬ ‫} َول ي َأ ُْتون َ َ‬
‫َ‬ ‫م ُأول َئ ِ َ‬
‫سِبيل )‪.{ (34‬‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫كاًنا وَأ َ‬ ‫م َ‬ ‫شّر َ‬ ‫ك َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫م إ َِلى َ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫عََلى وُ ُ‬
‫يقول تعالى مخبرا ً عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم ‪ ،‬وكلمهم فيما ل يعنيهم‬
‫حد َة ً { أي ‪ :‬هل أنزل عليه هذا‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫مل َ ً‬‫ج ْ‬‫ن ُ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ال ْ ُ‬ ‫ول نز َ‬ ‫‪ ،‬حيث قالوا ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫الكتاب الذي أوحي إليه جملة واحدة ‪ ،‬كما نزلت الكتب قبله ‪ ،‬كالتوراة‬
‫والنجيل والزبور ‪ ،‬وغيرها من الكتب اللهية‪ .‬فأجابهم الله عن ذلك بأنه إنما‬
‫أنزل منجما في ثلث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث ‪ ،‬وما يحتاج‬
‫إليه من الحكام لتثبيت )‪ (1‬قلوب المؤمنين به كما قال ‪ } :‬وَقُْرآًنا فََرقَْناهُ‬
‫ث َونزل َْناه ُ َتنزيل { ] السراء ‪ [106 :‬؛ ولهذا‬ ‫ل ِت ْ َ‬
‫مك ْ ٍ‬‫س عََلى ُ‬ ‫قَرأه ُ عَلى الّنا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك وََرت ّل َْناه ُ ت َْرِتيل {‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وبيناه تبيينا‪ .‬وقال عبد‬ ‫ؤاد َ َ‬ ‫ت ب ِهِ فُ َ‬ ‫ب‬
‫ُِ ّ َ‬‫َ‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬
‫الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬وفسرناه تفسيرا‪.‬‬
‫سيًرا {‬ ‫ف ِ‬
‫ن تَ ْ‬‫س َ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫حقّ وَأ ْ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬‫جئ َْنا َ‬ ‫ل { أي ‪ :‬بحجة وشبهة } ِإل ِ‬ ‫مث َ ٍ‬‫ك بِ َ‬ ‫} َول ي َأ ُْتون َ َ‬
‫أي ‪ :‬ول يقولون قول يعارضون به الحق ‪ ،‬إل أجبناهم )‪ (2‬بما هو الحق في‬
‫ح من مقالتهم‪.‬‬ ‫نفس المر ‪ ،‬وأبين وأوضح وأفص ُ‬
‫ْ‬
‫قال )‪ (3‬سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬ول ي َأُتون َ َ‬
‫ل { أي ‪ :‬بما‬ ‫مث َ ٍ‬
‫ك بِ َ‬
‫َ‬
‫سيًرا {‬ ‫ف ِ‬ ‫ن تَ ْ‬‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫حقّ وَأ ْ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫جئ َْنا َ‬ ‫يلتمسون به عيب القرآن والرسول } ِإل ِ‬
‫ن الله بجوابهم‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫أي ‪ :‬إل نزل جبريل ِ‬
‫ثم في هذا اعتناء كبير ؛ لشرف الرسول ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه )‪، (4‬‬
‫حيث كان يأتيه الوحي من الله بالقرآن صباحا ومساء ‪ ،‬ليل ونهارا ‪ ،‬سفرا‬
‫وحضرا ‪ ،‬فكل مرة كان يأتيه الملك بالقرآن كإنزال كتاب مما قبله من الكتب‬
‫المتقدمة ‪ ،‬فهذا المقام أعلى )‪ (5‬وأج ّ‬
‫ل ‪ ،‬وأعظم مكانة من سائر إخوانه من‬
‫النبياء ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين‪ .‬فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله‬
‫‪ ،‬ومحمد ‪ ،‬صلوات‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ليثبت"‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬جئناهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬ثنا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬عليه وسلمه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬لعلي"‪.‬‬

‫) ‪(6/109‬‬

‫قل َْنا اذ ْهََبا إ َِلى‬ ‫ن وَِزيًرا )‪ (35‬فَ ُ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫ه أَ َ‬


‫خاه ُ َ‬ ‫معَ ُ‬‫جعَل َْنا َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬
‫ول َ َ َ‬
‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫َ‬
‫سلَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ما كذ ُّبوا الّر ُ‬ ‫م ُنوٍح ل ّ‬ ‫ميًرا )‪ (36‬وَقوْ َ‬ ‫م ت َد ْ ِ‬‫مْرَناهُ ْ‬ ‫ن كذ ُّبوا ب ِآَيات َِنا فد َ ّ‬ ‫ذي َ‬‫قوْم ِ ال ِ‬ ‫ال َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عاًدا‬ ‫ما )‪ (37‬وَ َ‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫مي َ‬‫ة وَأعْت َد َْنا ِللظال ِ ِ‬ ‫س آي َ ً‬ ‫ِ‬ ‫م ِللّنا‬ ‫جعَلَناهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫أغَْرقَناهُ ْ‬
‫ْ‬
‫ل وَك ُّل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَثا َ‬‫ه اْل ْ‬ ‫ضَرب َْنا ل َ ُ‬‫ك ك َِثيًرا )‪ (38‬وَك ُّل َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫س وَقُُروًنا ب َي ْ َ‬ ‫ب الّر ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫مود َ وَأ ْ‬ ‫وَث َ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كوُنوا‬ ‫م يَ ُ‬‫سوِْء أفَل َ ْ‬ ‫مط ََر ال ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مط َِر ْ‬‫قْري َةِ ال ِّتي أ ْ‬ ‫وا عََلى ال ْ َ‬ ‫قد ْ أت َ ْ‬ ‫ت َب ّْرَنا ت َت ِْبيًرا )‪ (39‬وَل َ َ‬
‫شوًرا )‪(40‬‬ ‫ن نُ ُ‬ ‫جو َ‬ ‫كاُنوا َل ي َْر ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ي ََروْن ََها ب َ ْ‬

‫الله وسلمه عليه ‪ ،‬أعظم نبي أرسله الله وقد جمع الله تعالى للقرآن‬
‫الصفتين معا ‪ ،‬ففي المل العلى أنزل جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت‬
‫العزة في سماء الدنيا )‪ (1‬ثم نزل بعد ذلك إلى الرض منجما بحسب الوقائع‬
‫والحوادث‪.‬‬
‫قال أبو عبد الرحمن النسائي ‪ :‬أخبرنا أحمد بن سليمان ‪ ،‬حدثنا يزيد بن‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬أنزل القرآن جملة‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫هارون ‪ ،‬أخبرنا داود ‪ ،‬عن ِ‬
‫إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ‪ ،‬ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة ‪ ،‬قال ‪} :‬‬
‫سيًرا { ‪ ،‬وقوله } وَقُْرآًنا فََرقَْناهُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫حقّ وَأ ْ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫جئ َْنا َ‬ ‫ل ِإل ِ‬ ‫مث َ ٍ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫َول ي َأ ُْتون َ َ‬
‫ث َونزل َْناه ُ َتنزيل { ] السراء ‪.(2) [106 :‬‬ ‫ل ِت ْ َ‬
‫مك ْ ٍ‬ ‫س عََلى ُ‬ ‫قَرأه ُ عَلى الّنا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ثم قال تعالى مخبرا عن سوء حال الكفار في معادهم يوم القيامة وحشرهم‬
‫ن عََلى‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يُ ْ‬‫ذي َ‬‫إلى جهنم ‪ ،‬في أسوأ الحالت وأقبح الصفات ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫م ُأول َئ ِ َ‬
‫سِبيل { ‪ ،‬وفي الصحيح ‪ ،‬عن أنس‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫كاًنا وَأ َ‬ ‫م َ‬ ‫شّر َ‬ ‫ك َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫وُ ُ‬
‫‪ :‬أن رجل قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟‬
‫شَيه على وجهه يوم القيامة"‬ ‫فقال ‪" :‬إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن ُيم ِ‬
‫)‪ (3‬وهكذا قال مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد من المفسرين ‪،‬‬
‫]والله أعلم[ )‪.(4‬‬
‫ْ‬
‫قلَنا اذ ْهََبا‬ ‫َ‬
‫ن وَِزيًرا )‪ (35‬ف ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫هاُرو َ‬ ‫خاه ُ َ‬ ‫هأ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫جعَلَنا َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫سى الك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬
‫ما ك َذ ُّبوا‬ ‫م ُنوٍح ل َ ّ‬ ‫ميًرا )‪ (36‬وَقَوْ َ‬ ‫م ت َد ْ ِ‬ ‫مْرَناهُ ْ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا فَد َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوْم ِ ال ّ ِ‬ ‫إ َِلى ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ة وَأعْت َد َْنا ِلل ّ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ما )‪(37‬‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫ن عَ َ‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫س آي َ ً‬ ‫م ِللّنا ِ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ل أغَْرقَْناهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫الّر ُ‬
‫َ‬
‫ضَرب َْنا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫كل َ‬ ‫ك ك َِثيًرا )‪ (38‬وَ ُ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫س وَقُُروًنا ب َي ْ َ‬ ‫ب الّر ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫مود َ وَأ ْ‬ ‫عاًدا وَث َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سوِْء‬‫مط ََر ال ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مط َِر ْ‬ ‫قْري َةِ ال ِّتي أ ْ‬ ‫وا عََلى ال ْ َ‬ ‫قد ْ أت َ ْ‬ ‫كل ت َب ّْرَنا ت َت ِْبيًرا )‪ (39‬وَل َ َ‬ ‫ل وَ ُ‬ ‫مَثا َ‬ ‫ال ْ‬
‫َ‬
‫شوًرا )‪{ (40‬‬ ‫ن نُ ُ‬ ‫جو َ‬ ‫كاُنوا ل ي َْر ُ‬ ‫ل َ‬ ‫كوُنوا ي ََروْن ََها ب َ ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫أفَل َ ْ‬
‫ذب رسوَله محمدا ً ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬من‬ ‫يقول تعالى متوعدا ً من ك ّ‬
‫مشركي قومه ومن خالفه )‪ ، (5‬ومحذرهم من عقابه وأليم عذابه ‪ ،‬مما أحله‬
‫بالمم الماضية المكذبين لرسله ‪ ،‬فبدأ بذكر موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وأنه‬
‫وازرا ومؤيدا ً وناصرا ً ‪،‬‬ ‫م َ‬
‫ابتعثه وجعل معه أخاه هارون وزيرا ‪ ،‬أي ‪ :‬نبًيا ُ‬
‫مَثال َُها { ] محمد ‪:‬‬ ‫كافرين أ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫م َِ‬
‫ل‬‫و‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬
‫مَر الل ّ ُ‬
‫فكذبهما فرعون وجنوده ‪ ،‬فـ } د َ ّ‬
‫ذبوا رسوله نوحا ً ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ومن‬ ‫ل بقوم نوح حين ك ّ‬ ‫‪ ، .[10‬وكذلك فع َ‬
‫كذب برسول فقد كذب بجميع الرسل ؛ إذ ل فرق بين رسول ورسول ‪ ،‬ولو‬
‫فرض أن الله بعث إليهم كل رسول فإنهم كانوا يكذبونه ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫ل { ‪ ،‬ولم يبعث إليهم إل نوح فقط ‪ ،‬وقد لبث‬ ‫س َ‬ ‫م ُنوٍح ل َ ّ‬
‫ما ك َذ ُّبوا الّر ُ‬ ‫} وَقَوْ َ‬
‫قمه ‪ ،‬فما‬ ‫ً‬
‫فيهم ألف سنة إل خمسين عاما ‪ ،‬يدعوهم إلى الله ‪ ،‬ويحذرهم ن َ‬
‫آمن معه إل قليل‪ .‬ولهذا أغرقهم الله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬من السماء الدنيا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11372‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (4760‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2806‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خالفهم"‪.‬‬

‫) ‪(6/110‬‬

‫جميعا ‪ ،‬ولم َيبق منهم أحد ‪ ،‬ولم يبق على وجه الرض من بني آدم سوى‬
‫أصحاب السفينة فقط‪.‬‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ة { أي ‪ :‬عبرة يعتبرون بها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬إ ِّنا ل ّ‬ ‫س آي َ ً‬ ‫م ِللّنا‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬
‫} وَ َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ة{‬‫عي َ ٌ‬
‫ن َوا ِ‬‫م ت َذ ْك َِرةً وَت َعِي ََها أذ ُ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَلَها لك ْ‬ ‫جارِي َةِ * ل ِن َ ْ‬ ‫ْ‬
‫م ِفي ال َ‬ ‫ُ‬
‫ملَناك ْ‬ ‫ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ماُء َ‬‫ط ََغى ال َ‬
‫ْ‬
‫جج‬‫] الحاقة ‪ .[12 - 11 :‬أي ‪ :‬وأبقينا لكم من السفن ما تركبون في ل ُ َ‬
‫جْعلكم من ذّرية‬ ‫البحار ‪ ،‬لتذكروا نعمة الله عليكم في إنجائكم من الغرق ‪ ،‬و َ‬
‫دق أمره‪.‬‬ ‫ص ّ‬ ‫من آمن به و َ‬ ‫َ‬
‫مود َ { قد )‪ (1‬تقدم الكلم على قصتيهما في غير ما سورة‬ ‫عاًدا وَث َ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫‪ ،‬منها في سورة "العراف" بما أغنى عن العادة )‪.(2‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن )‪ (3‬ابن عباس ‪ :‬هم أهل قرية من‬ ‫وأما أصحاب الرس فقال ابن ُ‬
‫قرى ثمود‪.‬‬
‫فَلج وهم أصحاب يس‪ .‬وقال‬ ‫سب َ‬ ‫َ ّ‬ ‫ر‬‫ال‬ ‫أصحاب‬ ‫‪:‬‬ ‫عكرمة‬ ‫قال‬ ‫‪:‬‬ ‫جريج‬ ‫وقال ابن‬
‫قتادة ‪ :‬فََلج من قرى اليمامة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم ]النبيل[ )‪ ، (4‬حدثنا‬
‫خَلد أبو عاصم ‪ ،‬حدثنا شبيب بن بشر )‪ ، (5‬حدثنا عكرمة عن‬ ‫م ْ‬ ‫الضحاك بن َ‬
‫س { قال ‪ :‬بئر بأذربيجان‪.‬‬ ‫َ‬
‫ب الّر ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬
‫ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫وقال سفيان الثوري عن أبي ب ُك َْير )‪ ، (6‬عن عكرمة ‪ :‬الرس بئر َرسوا فيها‬
‫نبيهم‪ .‬أي ‪ :‬دفنوه بها )‪.(7‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن محمد بن كعب ]القرظي[ )‪ (8‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة‬
‫العبد السود ‪ ،‬وذلك أن الله ‪ -‬تعالى وتبارك ‪ -‬بعث نبيا )‪ (9‬إلى أهل قرية ‪،‬‬
‫دوا على‬ ‫فلم يؤمن به من أهلها إل ذلك العبد السود ‪ ،‬ثم إن أهل القرية ع َ‬
‫النبي ‪ ،‬فحفروا له بئرا فألقوه فيها ‪ ،‬ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم )‪ (10‬قال ‪:‬‬
‫"فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ‪ ،‬ثم يأتي بحطبه فيبيعه ‪،‬‬
‫ويشتري به طعاما وشرابا ‪ ،‬ثم يأتي به إلى تلك البئر ‪ ،‬فيرفع تلك الصخرة ‪،‬‬
‫ويعينه الله عليها ‪ ،‬فيدلي إليه طعامه وشرابه ‪ ،‬ثم يردها كما كانت"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ‪ ،‬ثم إنه ذهب يوما ً يحتطب كما كان يصنع ‪،‬‬
‫حزم وفرغ منها فلما أراد أن يحتملها وجد سنة ‪ ،‬فاضطجع فنام‬ ‫فجمع حطبه و َ‬
‫ب فتمطى ‪ ،‬فتحول لشقه‬ ‫‪ ،‬فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما ً ‪ ،‬ثم إنه هَ ّ‬
‫الخر فاضطجع ‪ ،‬فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى ‪ ،‬ثم إنه هب‬
‫ب إل أنه نام ساعة من نهار )‪ (11‬فجاء إلى القرية‬ ‫مته ول يحس ُ‬ ‫حْز َ‬
‫واحتمل ُ‬
‫فباع حزمته ‪ ،‬ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع‪ .‬ثم ذهب )‪ (12‬إلى‬
‫الحفيرة في موضعها الذي كانت فيه ‪ ،‬فالتمسه فلم يجده‪ .‬وكان قد بدا‬
‫لقومه فيه َبداء ‪ ،‬فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬وقد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إعادته"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بكر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف والطبري‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬بعث نبيا من النبياء"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬أصم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬النهار"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ثم إنه ذهب"‪.‬‬

‫) ‪(6/111‬‬

‫ن َ‬
‫كاد َ‬ ‫سوًل )‪ (41‬إ ِ ْ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫ذي ب َعَ َ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬‫ك إ ِّل هُُزًوا أ َهَ َ‬ ‫ذون َ َ‬ ‫خ ُ‬
‫ن ي َت ّ ِ‬
‫ك إِ ْ‬‫وَإ َِذا َرأ َوْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ب َ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ن ي ََروْ َ‬ ‫حي َ‬‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ي َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫صب َْرَنا عَل َي َْها وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ن آ َل ِهَت َِنا ل َوَْل أ ْ‬
‫ن‬ ‫ضل َّنا عَ ْ‬ ‫ل َي ُ ِ‬
‫كيًل )‪(43‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن عَل َي ْهِ وَ ِ‬
‫كو ُ‬ ‫ت تَ ُ‬ ‫واه ُ أفَأن ْ َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬
‫ن ات ّ َ‬
‫م ِ‬‫ت َ‬‫سِبيًل )‪ (42‬أَرأي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫أ َ‬

‫فكان نبيهم يسألهم عن ذلك السود ‪ :‬ما فعل ؟ فيقولون له ‪ :‬ل ندري‪ .‬حتى‬
‫ب السود َ من نومته بعد ذلك"‪ .‬فقال رسول الله صلى‬ ‫قبض الله النبي ‪َ ،‬وأه ّ‬
‫ل من يدخل الجنة"‪.‬‬ ‫الله عليه وسلم ‪" :‬إن ذلك السود َ لو ُ‬
‫وهكذا رواه ابن جرير )‪ (1‬عن ابن حميد ‪ ،‬عن سلمة عن ابن إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن كعب مرسل‪ .‬وفيه غرابة وَنكاَرةٌ ‪ ،‬ولعل فيه إد َْراجا ً ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وأما ابن جرير فقال ‪ :‬ل يجوز أن يحمل هؤلء على أنهم أصحاب الرس الذين‬
‫ذكروا في القرآن ؛ لن الله أخبر عنهم أنه أهلكهم ‪ ،‬وهؤلء قد بدا لهم فآمنوا‬
‫بنبيهم ‪ ،‬اللهم إل أن يكون حدث لهم أحداث ‪ ،‬آمنوا بالنبي بعد هلك آبائهم ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫واختار ابن جرير أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الخدود ‪ ،‬الذين ذكروا‬
‫في سورة البروج ‪ ،‬فالله أعلم‪.‬‬
‫ن ُذكر أهلكناهم‬‫م ْ‬ ‫ك ك َِثيًرا { أي ‪ :‬وأمما بين أضعاف َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَقُُروًنا ب َي ْ َ‬
‫ضحنا‬‫ل { أي ‪ :‬بينا لهم الحجج ‪ ،‬وو ّ‬ ‫مَثا َ‬
‫ه ال ْ‬ ‫َ‬
‫ضَرب َْنا ل ُ‬ ‫كثيرة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ ُ‬
‫كل َ‬
‫كل ت َب ّْرَنا ت َت ِْبيًرا { أي‬ ‫لهم الدلة ‪ -‬كما قال قتادة ‪ :‬أزحنا )‪ (2‬عنهم العذار ‪ } -‬وَ ُ‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫‪ :‬أهلكنا إهلكا ً ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وك َ َ‬
‫ن ب َعْد ِ ُنوٍح { ] السراء ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫م َ‬ ‫م أهْل َك َْنا ِ‬ ‫َ ْ‬
‫‪.[17‬‬
‫م قُُروًنا‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬‫شأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫والقرن ‪ :‬هو المة من الناس ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ث ُم أ َ‬
‫ّ ْ َ ِ ْ َْ ِ ِ ْ‬
‫ده بعضهم )‪ (3‬بمائة وعشرين سنة‪ .‬وقيل ‪:‬‬ ‫ن { ] المؤمنون ‪ [31 :‬وح ّ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫آ َ‬
‫بمائة سنة‪ .‬وقيل ‪ :‬بثمانين سنة‪ .‬وقيل ‪ :‬أربعين‪ .‬وقيل غير ذلك‪ .‬والظهر ‪ :‬أن‬
‫القرن هم المة المتعاصرون في الزمن الواحد ؛ فإذا ذهبوا وخلفهم جيل آخر‬
‫فهم قرن ثان ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال ‪" :‬خير القرون قرني ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم" الحديث‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ول َ َ َ‬
‫سوِْء { يعني ‪ :‬قوم‬ ‫مط ََر ال ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مط َِر ْ‬ ‫قْري َةِ ال ِّتي أ ْ‬ ‫وا عََلى ال ْ َ‬ ‫قد ْ أت َ ْ‬ ‫َ‬
‫لوط ‪ ،‬وهي سدوم ومعاملتها التي أهلكها الله بالقلب ‪ ،‬وبالمطر الحجارة من‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫من ْذ َِري َ‬‫مط َُر ال ْ ُ‬ ‫ساَء َ‬ ‫مط ًَرا فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫مط َْرَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫سجيل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫ل أ ََفل‬‫ن * وَِبالل ّي ْ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫صب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫مّرو َ‬ ‫م ل َت َ ُ‬ ‫] الشعراء ‪[173 :‬وقال } وَإ ِن ّك ُ ْ‬
‫قيم ٍ {‬ ‫م ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن { ] الصافات ‪ [138 - 137 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَإ ِن َّها ل َب ِ َ‬ ‫قُلو َ‬ ‫ت َعْ ِ‬
‫ن { ] الحجر ‪ [79 :‬؛ ولهذا قال ‪:‬‬ ‫َ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫مام ٍ ُ‬ ‫ما لب ِإ ِ َ‬ ‫] الحجر ‪ [76 :‬وقال } وَإ ِن ّهُ َ‬
‫َ‬
‫حل بأهلها من العذاب والنكال‬ ‫ّ‬ ‫كوُنوا ي ََروْن ََها { أي ‪ :‬فيعتبروا بما َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫} أفَل َ ْ‬
‫بسبب تكذيبهم بالرسول ومخالفتهم أوامر الله‪.‬‬
‫شوًرا { يعني ‪ :‬المارين بها من الكفار ل‬ ‫ن نُ ُ‬ ‫جو َ‬ ‫كاُنوا ل ي َْر ُ‬ ‫ل َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫يعتبرون لنهم ل يرجون نشورا ً ‪ ،‬أي ‪ :‬معاًدا يوم القيامة‪.‬‬
‫ن َ‬
‫كاد َ‬ ‫سول )‪ (41‬إ ِ ْ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫ذي ب َعَ َ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬ ‫ك ِإل هُُزًوا أ َهَ َ‬ ‫ذون َ َ‬ ‫خ ُ‬‫ن ي َت ّ ِ‬‫ك إِ ْ‬ ‫} وَإ َِذا َرأ َوْ َ‬
‫ن ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ب َ‬‫ذا َ‬ ‫ن ي ََروْ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ي َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫صب َْرَنا عَل َي َْها وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫ن آل ِهَت َِنا ل َ ْ‬ ‫ضل َّنا عَ ْ‬ ‫ل َي ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫كيل )‪{ (43‬‬ ‫ن عَل َي ْهِ وَ ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫ت تَ ُ‬ ‫واه ُ أفَأن ْ َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫سِبيل )‪ (42‬أَرأي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫أ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري ‪.19/10 :‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وأزحنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بعض المفسرين"‪.‬‬

‫) ‪(6/112‬‬

‫ل هُ َ‬
‫كاْل َن َْعام ِ ب َ ْ‬
‫م إ ِّل َ‬ ‫أ َم تحسب أ َن أ َك ْث َرهُم يسمعو َ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫مأ َ‬‫ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫قُلو َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ن أوْ ي َعْ ِ‬
‫َ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ ّ‬
‫سِبيًل )‪(44‬‬
‫َ‬
‫ل هُ َ‬ ‫} أ َم تحسب أ َن أ َك ْث َرهُم يسمعو َ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫مأ َ‬‫ْ‬ ‫م ِإل َ‬
‫كالن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫قُلو َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ن أوْ ي َعْ ِ‬
‫َ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ ّ‬
‫سِبيل )‪{ (44‬‬
‫َ‬

‫) ‪(6/112‬‬

‫َ‬
‫س عَل َي ْهِ‬
‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫م َ‬‫ساك ًِنا ث ُ ّ‬
‫ه َ‬ ‫جعَل َ ُ‬
‫شاَء ل َ َ‬
‫ل وَل َوْ َ‬‫مد ّ الظ ّ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ك َي ْ َ‬‫م ت ََر إ َِلى َرب ّ َ‬‫أل َ ْ‬
‫سا‬‫ل ل َِبا ً‬‫م الل ّي ْ َ‬
‫ل ل َك ُ ُ‬
‫جعَ َ‬‫ذي َ‬ ‫سيًرا )‪ (46‬وَهُوَ ال ّ ِ‬ ‫ضا ي َ ِ‬‫ضَناه ُ إ ِل َي َْنا قَب ْ ً‬‫م قَب َ ْ‬ ‫د َِليًل )‪ (45‬ث ُ ّ‬
‫شوًرا )‪(47‬‬ ‫ل الن َّهاَر ن ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫سَباًتا وَ َ‬‫م ُ‬ ‫َوالن ّوْ َ‬

‫يخبر تعالى عن استهزاء المشركين بالرسول ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪،‬‬
‫ذي‬ ‫ك ِإل هُُزًوا أ َهَ َ‬
‫ذا ال ّ ِ‬ ‫ذون َ َ‬
‫خ ُ‬
‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إذا رأوه ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَإ َِذا َرآ َ‬
‫م { ] النبياء ‪ [36 :‬يعنونه بالعيب والنقص ‪ ،‬وقال هاهنا ‪ } :‬وَإ َِذا‬ ‫ي َذ ْك ُُر آل ِهَت َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َرأ َوْ َ‬
‫سول { ؟ أي ‪ :‬على سبيل‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫ذي ب َعَ َ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬ ‫ك ِإل هُُزًوا أهَ َ‬ ‫ذون َ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ك إِ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫س ٍ‬ ‫ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫التنقص )‪ (1‬والزدراء ‪ -‬قّبحهم الله ‪ -‬كما قال ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫قَبل َ َ‬
‫ب { ] الرعد ‪.[32 :‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫م فَك َي ْ َ‬ ‫خذ ْت ُهُ ْ‬ ‫م أَ َ‬ ‫فُروا ث ُ ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ل ِل ّ ِ‬ ‫مل َي ْ ُ‬ ‫ك فَأ ْ‬ ‫ِْ‬
‫صب َْرَنا عَل َي َْها { يعنون ‪ :‬أنه‬ ‫ن‬ ‫كاد ل َيضل ّنا عَن آل ِهت ِنا ل َول أ َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫(‬ ‫‪2‬‬ ‫)‬ ‫وقولهم‬
‫ْ َ‬ ‫ْ َ َ ْ‬ ‫َ ُ ِ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫كاد يثنيهم عن عبادة أصنامهم ‪ ،‬لول أن صبروا وتجلدوا واستمروا على‬
‫ن‬
‫ن ي ََروْ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ي َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫عبادتها‪ .‬قال الله تعالى متوعدا لهم ومتهددا ‪ } :‬وَ َ‬
‫ذاب م َ‬
‫سِبيل {‪.‬‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫ال ْعَ َ َ َ ْ‬
‫ثم قال تعالى لنبيه ‪ ،‬منبًها له أن من كتب الله عليه الشقاوة والضلل ‪ ،‬فإنه‬
‫ل يهديه أحد إل الله‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ َ‬
‫واه ُ { أي ‪ :‬مهما استحسن من شيء ورآه حسنا في‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ت َ‬ ‫} أَرأي ْ َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫مل ِ ِ‬ ‫سوُء عَ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن ُزي ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫هوى نفسه ‪ ،‬كان ديَنه ومذهَبه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬أفَ َ‬
‫ك عَل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫س َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ب نَ ْ‬ ‫شاُء َفل ت َذ ْهَ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫شاُء وَي َهْ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سًنا فَإ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫فََرآه ُ َ‬
‫كيل {‪ .‬قال‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْهِ وَ ِ‬ ‫ت ت َكو ُ‬ ‫ت { ]فاطر ‪ [8 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬أفأن ْ َ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫ابن عباس ‪ :‬كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر البيض زمانا ‪ ،‬فإذا رأى‬
‫غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الول‪.‬‬
‫م ِإل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬أ َم تحسب أ َ َ‬
‫ل‬‫كالن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫ه‬
‫َ ِ ْ ُ ْ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ق‬
‫م ُ َ ْ َْ ِ‬
‫ع‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ ّ‬
‫سِبيل { أي ‪ :‬أسوأ حال من النعام السارحة ‪ ،‬فإن تلك تعقل ما‬ ‫ض ّ‬ ‫هُ َ‬
‫ل َ‬ ‫مأ َ‬ ‫ْ‬
‫خلقت له ‪ ،‬وهؤلء خلقوا لعبادة الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وهم يعبدون غيره‬
‫ويشركون به ‪ ،‬مع قيام الحجة عليهم ‪ ،‬وإرسال الرسل إليهم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫جعَلَنا ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ساك ًِنا ث ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫شاَء ل َ َ‬ ‫ل وَل َوْ َ‬ ‫مد ّ الظ ّ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ك َي ْ َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫ل‬‫م الل ّي ْ َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سيًرا )‪ (46‬وَهُوَ ال ّ ِ‬ ‫ضا ي َ ِ‬ ‫ضَناه ُ إ ِل َي َْنا قَب ْ ً‬ ‫م قَب َ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ د َِليل )‪ (45‬ث ُ ّ‬
‫شوًرا )‪{ (47‬‬ ‫ل الن َّهاَر ن ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫سَباًتا وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫سا َوالن ّوْ َ‬ ‫ل َِبا ً‬
‫من هاهنا شرع تعالى في بيان الدلة الدالة على وجوده ‪ ،‬وقدرته التامة على‬
‫م ت ََر إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫مد ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ك َي ْ َ‬ ‫خلق الشياء المختلفة والمتضادة ‪ ،‬فقال ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫ل { ؟ قال ابن عباس ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬وأبو‬ ‫الظ ّ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬التنقيص"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬

‫) ‪(6/113‬‬

‫ماًء ط َُهوًرا )‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ماِء َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫مت ِهِ وَأن َْزل َْنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ي َد َيْ َر ْ‬
‫شًرا ب َي ْ َ‬ ‫ح بُ ْ‬‫ل الّرَيا َ‬ ‫س َ‬‫ذي أْر َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ي ك َِثيًرا )‪ (49‬وَل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قد ْ‬ ‫س ّ‬‫ما وَأَنا ِ‬ ‫قَنا أن َْعا ً‬ ‫خل ْ‬ ‫ما َ‬
‫م ّ‬‫ه ِ‬‫قي َ ُ‬‫س ِ‬‫مي ًْتا وَن ُ ْ‬
‫ي ب ِهِ ب َلد َة ً َ‬ ‫حي ِ َ‬ ‫‪ (48‬ل ِن ُ ْ‬
‫ّ‬
‫س إ ِل ك ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فوًرا )‪(50‬‬ ‫م ل ِي َذ ّك ُّروا فَأَبى أك ْث َُر الّنا ِ‬ ‫صّرفَْناه ُ ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫َ‬

‫خِعي‬
‫العالية ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬ومسروق ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وإبراهيم الن ّ َ‬
‫‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هو ما بين‬
‫ساك ًِنا { أي ‪ :‬دائما ل‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫شاَء ل َ َ‬ ‫طلوع الفجر إلى طلوع الشمس‪ } .‬وَل َوْ َ‬
‫دا إ َِلى‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫يزول ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬قُ ْ َ َ‬
‫م ً‬ ‫سْر َ‬
‫ل َ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬
‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫م ً َ‬ ‫يوم ال ْقيامة { ‪ } ،‬قُ ْ َ َ‬
‫دا إ ِلى ي َوْم ِ‬ ‫سْر َ‬‫م الن َّهاَر َ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ُ‬‫ل الل ّ ُ‬‫جعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫َ ْ ِ ِ َ َ ِ‬
‫مةِ { ] القصص ‪.[72 - 71 :‬‬ ‫ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬
‫س عَل َي ْهِ د َِليل { أي ‪ :‬لول أن الشمس تطلع عليه ‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫م َ‬
‫لما عرف ‪ ،‬فإن )‪ (1‬الضد ل يعرف إل بضده‪.‬‬
‫سدي ‪ :‬دليل يتلوه ويتبعه حتى يأتي عليه كله‪.‬‬ ‫وقال قتادة ‪ ،‬وال ّ‬
‫سيًرا { أي ‪ :‬الظل ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الشمس‪.‬‬ ‫ضا ي َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضَناه ُ إ ِلي َْنا قب ْ ً‬ ‫م قَب َ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫} يسيرا { أي ‪ :‬سهل‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬سريعًا‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬خفيًا‪ .‬وقال‬
‫فيا ً ‪ ،‬حتى ل يبقى في الرض ظل إل تحت سقف أو تحت‬ ‫سدي ؛ قبضا ً خ َ‬ ‫ال ّ‬
‫شجرة ‪ ،‬وقد أظلت الشمس ما فوقه‪.‬‬
‫سيًرا { أي ‪ :‬قليل قليل‪.‬‬ ‫ضا ي َ ِ‬ ‫َ‬
‫ضَناه ُ إ ِلي َْنا قَب ْ ً‬ ‫م قَب َ ْ‬ ‫وقال أيوب بن موسى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫سا { أي ‪ :‬يلبس الوجود وي َُغشيه )‬ ‫ل ل َِبا ً‬ ‫م اللي ْ َ‬‫ّ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ل إ َِذا‬‫شى { ] الليل ‪ [ 1 :‬وقال[ )‪َ } (3‬والل ّي ْ ِ‬ ‫ل إ َِذا ي َغْ َ‬ ‫‪ ، (2‬كما قال ‪َ } ] :‬والل ّي ْ ِ‬
‫ها { ] الشمس ‪.[4 :‬‬ ‫شا َ‬ ‫ي َغْ َ‬
‫سَباًتا { أي ‪ :‬قَطَعا للحركة لراحة البدان ‪ ،‬فإن العضاء والجوارح‬ ‫ْ‬ ‫م ُ‬ ‫} َوالن ّوْ َ‬
‫تكل من كثرة الحركة في النتشار بالنهار في المعايش ‪ ،‬فإذا جاء الليل‬
‫وسكن سكنت الحركات ‪ ،‬فاستراحت فحصل النوم الذي فيه راحة البدن‬
‫والروح معا‪.‬‬
‫س فيه )‪ (4‬لمعايشهم ومكاسبهم‬ ‫شوًرا { أي ‪ :‬ينتشر النا ُ‬ ‫ل الن َّهاَر ن ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫سكُنوا‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م اللي ْل َوالن َّهاَر ل ِت َ ْ‬ ‫ُ‬
‫جعَل لك ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫مت ِهِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وأسبابهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ن { ] القصص ‪.[73 :‬‬ ‫ُ َ‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫م تَ‬ ‫ضل ِهِ وَل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِفيهِ وَل ِت َب ْت َُغوا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ماًء‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫مت ِهِ وَأنزل َْنا ِ‬ ‫ح َ‬‫ن ي َد َيْ َر ْ‬ ‫شًرا ب َي ْ َ‬ ‫ح بُ ْ‬ ‫ل الّرَيا َ‬ ‫س َ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫} وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ي ك َِثيًرا )‪(49‬‬ ‫س ّ‬ ‫ما وَأَنا ِ‬ ‫قَنا أن َْعا ً‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬‫ه ِ‬ ‫قي َ ُ‬ ‫س ِ‬‫مي ًْتا وَن ُ ْ‬ ‫ي ب ِهِ ب َل ْد َة ً َ‬ ‫حي ِ َ‬ ‫ط َُهوًرا )‪ (48‬ل ِن ُ ْ‬
‫س ِإل ك ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَل َ َ‬
‫فوًرا )‪.{ (50‬‬ ‫م ل ِي َذ ّك ُّروا فَأَبى أك ْث َُر الّنا ِ‬ ‫صّرفَْناه ُ ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫وهذا أيضا من قدرته التامة وسلطانه العظيم ‪ ،‬وهو أنه تعالى يرسل الرياح‬
‫مبشرات ‪ ،‬أي ‪ :‬بمجيء السحاب بعدها ‪ ،‬والرياح أنواع ‪ ،‬في صفات كثيرة‬
‫من التسخير ‪ ،‬فمنها ما يثير السحاب ‪ ،‬ومنها ما يحمله ‪ ،‬ومنها ما يسوقه ‪،‬‬
‫م‬
‫ق ّ‬‫شرا ‪ ،‬ومنها ما يكون قبل ذلك ي َ ُ‬ ‫ومنها ما يكون بين يدي السحاب مب ّ‬
‫ماِء‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫الرض ‪ ،‬ومنها ما يلقح السحاب ليمطر ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَأنزلَنا ِ‬
‫حور والوقود )‪ (5‬وما جرى مجراه‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫ماًء ط َُهوًرا { أي ‪ :‬آلة يتطهر بها ‪ ،‬كال ّ‬ ‫َ‬
‫فهذا أصح ما يقال في ذلك‪ .‬وأما من قال ‪ :‬إنه فعول‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬ويغشاه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬فيه الناس"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬والوجود"‪.‬‬

‫) ‪(6/114‬‬

‫بمعنى فاعل ‪ ،‬أو ‪ :‬إنه مبني للمبالغة أو التعدي ‪ ،‬فعلى كل منهما )‪(1‬‬
‫إشكالت من حيث اللغة والحكم ‪ ،‬ليس )‪ (2‬هذا موضع بسطها ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمر بن حفص بن غياث ‪ ،‬حدثنا أبي ‪،‬‬
‫ميد الطويل ‪ ،‬عن ثابت البناني قال ‪ :‬دخلت‬ ‫ح َ‬
‫عن أبي جعفر الرازي ‪ ،‬حدثني ُ‬
‫مع أبي العالية في يوم مطير ‪ ،‬وطرق البصرة قذرة ‪ ،‬فصلى ‪ ،‬فقلت له ‪،‬‬
‫ماًء ط َُهوًرا { قال ‪ :‬طهره ماء السماء‪.‬‬ ‫َ‬
‫ماِء َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫فقال ‪ } :‬وَأنزل َْنا ِ‬
‫م َ‬
‫هيب )‪ (3‬عن داود ‪ ،‬عن‬ ‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو سلمة ‪ ،‬حدثنا وُ َ‬
‫ماًء ط َُهوًرا { ]قال ‪:‬‬ ‫َ‬
‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫سعيد بن المسيب في هذه الية ‪ } :‬وَأنزل َْنا ِ‬
‫أنزله الله ماًء طاهرًا[ )‪ (4‬ل ينجسه شيء‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ ‪ -‬وهي‬
‫قى فيها الن َّتن ‪ ،‬ولحوم الكلب ‪ -‬فقال ‪" :‬إن الماء طهور ل ينجسه‬ ‫بئر ُيل َ‬
‫شيء" رواه الشافعي ‪ ،‬وأحمد وصححه ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي وحسنه ‪،‬‬
‫والنسائي )‪.(5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الشعث ‪ ،‬حدثنا معتمر ‪ ،‬سمعت‬
‫سّيار ‪ ،‬عن خالد بن يزيد ‪ ،‬قال ‪ :‬كان عند عبد الملك بن‬ ‫أبي يحدث عن َ‬
‫مروان ‪ ،‬فذكروا الماء ‪ ،‬فقال خالد بن يزيد ‪ :‬منه من السماء ‪ ،‬ومنه ما‬
‫ذبه الرعد والبرق‪ .‬فأما ما كان من البحر ‪ ،‬فل‬ ‫يسقيه الغيم من البحر فَي ُعْ ِ‬
‫يكون له نبات ‪ ،‬فأما النبات فمما كان من السماء‪.‬‬
‫وروي عن عكرمة قال ‪ :‬ما أنزل الله من السماء قطرة إل أنبت بها في‬
‫الرض عشبة أو في البحر لؤلؤة‪ .‬وقال غيره ‪ :‬في البر ُبر ‪ ،‬وفي البحر د ُّر‪.‬‬
‫مي ًْتا { أي ‪ :‬أرضا قد طال انتظارها للغيث ‪ ،‬فهي‬ ‫ي ب ِهِ ب َل ْد َة ً َ‬ ‫حي ِ َ‬‫وقوله ‪ } :‬ل ِن ُ ْ‬
‫هامدة ل نبات فيها ول شيء‪ .‬فلما جاءها الحيا عاشت واكتست رباها أنواع‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ت وََرب َ ْ‬ ‫ماَء اهْت َّز ْ‬ ‫الزاهير واللوان ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَإ َِذا أنزل َْنا عَل َي َْها ال ْ َ‬
‫ل َزوٍْج ب َِهيٍج { ] الحج ‪.[5 :‬‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وَأن ْب َت َ ْ‬
‫ي ك َِثيًرا { أي ‪ :‬وليشرب منه الحيوان من‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ َ‬
‫س ّ‬ ‫ما وَأَنا ِ‬ ‫قَنا أن َْعا ً‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬‫ه ِ‬ ‫قي َ ُ‬
‫س ِ‬ ‫} وَن ُ ْ‬
‫أنعام وأناسي محتاجين إليه غاية الحاجة ‪ ،‬لشربهم وزروعهم وثمارهم ‪ ،‬كما‬
‫و‬
‫ه وَهُ َ‬ ‫مت َ ُ‬
‫ح َ‬‫شُر َر ْ‬‫طوا وَي َن ْ ُ‬ ‫ما قَن َ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ل ال ْغَي ْ َ‬
‫ث ِ‬ ‫ذي ُينز ُ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫هّ‬
‫مةِ الل ِ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ميد ُ { ] الشورى ‪ [28 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬فان ْظْر إ ِلى آَثارِ َر ْ‬ ‫ح ِ‬‫ي ال ْ َ‬ ‫ال ْوَل ِ ّ‬
‫ديٌر‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫موَْتى وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬ ‫حِيي ال ْ َ‬ ‫م ْ‬‫ك لَ ُ‬‫ن ذ َل ِ َ‬‫موْت َِها إ ِ ّ‬ ‫ض ب َعْد َ َ‬ ‫حِيي الْر َ‬ ‫ف يُ ْ‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫{ ] الروم ‪.[50 :‬‬
‫م ل ِي َذ ّكُروا { أي ‪ :‬أمطرنا هذه الرض دون هذه ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫صّرفَْناه ُ ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫وسقنا السحاب فمر على الرض وتعداها وجاوزها إلى الرض الخرى ‪،‬‬
‫]فأمطرتها وكفتها فجعلتها عذقا ‪ ،‬والتي وراءها[ )‪ (6‬لم ينزل فيها قطرة من‬
‫ماء ‪ ،‬وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬منها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وليس"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬وهب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬الم للشافعي )‪ (1/9‬والمسند )‪ (3/15‬وسنن أبي داود برقم )‪ (66‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪ (66‬وسنن النسائي )‪.(1/174‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/115‬‬

‫جَهاًدا‬‫م ب ِهِ ِ‬ ‫جاهِد ْهُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬‫ري َ‬ ‫ذيًرا )‪ (51‬فََل ت ُط ِِع ال ْ َ‬


‫كافِ ِ‬ ‫ل قَْري َةٍ ن َ ِ‬ ‫شئ َْنا ل َب َعَث َْنا ِفي ك ُ ّ‬
‫وَل َوْ ِ‬
‫ُ‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫ج وَ َ‬‫جا ٌ‬ ‫حأ َ‬ ‫مل ْ ٌ‬
‫ذا ِ‬ ‫ت وَهَ َ‬ ‫ب فَُرا ٌ‬ ‫ذا عَذ ْ ٌ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ج ال ْب َ ْ‬
‫حَري ْ ِ‬ ‫مَر َ‬
‫ذي َ‬ ‫ك َِبيًرا )‪ (52‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫سًبا‬‫ه نَ َ‬‫جعَل َ ُ‬
‫شًرا فَ َ‬ ‫ماِء ب َ َ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬‫خل َقَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫جوًرا )‪ (53‬وَهُوَ ال ّ ِ‬ ‫ح ُ‬‫م ْ‬ ‫جًرا َ‬ ‫ح ْ‬‫خا وَ ِ‬‫ما ب َْرَز ً‬
‫ب َي ْن َهُ َ‬
‫ديًرا )‪(54‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ق ِ‬ ‫َ‬
‫صهًْرا وَكا َ‬ ‫وَ ِ‬
‫قال ابن مسعود وابن عباس ‪ :‬ليس عام بأكثر مطًرا من عام ‪ ،‬ولكن الله‬
‫م ل ِي َذ ّك ُّروا فَأ ََبى‬ ‫صّرفَْناه ُ ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫يصرفه كيف يشاء ‪ ،‬ثم قرأ هذه الية ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫س ِإل ك ُ ُ‬ ‫َ‬
‫فوًرا {‪.‬‬ ‫أك ْث َُر الّنا ِ‬
‫أي ‪ :‬ليذكروا بإحياء الله الرض الميتة أنه قادر على إحياء الموات )‪.(1‬‬
‫طر أنما أصابه ذلك بذنب أصابه ‪،‬‬ ‫ق ْ‬ ‫والعظام الرفات‪ .‬أو ‪ :‬ليذكر من منع ال َ‬
‫فيقلع عما هو فيه‪.‬‬
‫فَرة )‪ : (2‬كان جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في موضع الجنائز ‪،‬‬ ‫مر مولى غُ ْ‬ ‫وقال عُ َ‬
‫مَر‬ ‫فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا جبريل ‪ ،‬إني أحب أن أعلم أ ْ‬
‫السحاب ؟" قال ‪ :‬فقال جبريل ‪ :‬يا نبي الله ‪ ،‬هذا ملك السحاب فسله‪ .‬فقال‬
‫خّتمة ‪ :‬اسق بلد كذا وكذا ‪ ،‬كذا وكذا قطرة‪ .‬رواه ابن حاتم ‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫صكاك ُ‬ ‫‪ :‬تأتينا َ‬
‫وهو حديث مرسل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فوًرا { ‪ :‬قال عكرمة ‪ :‬يعني ‪ :‬الذين )‪(3‬‬ ‫س ِإل ك ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأَبى أك ْث َُر الّنا ِ‬
‫يقولون ‪ :‬مطرنا بَنوء كذا وكذا‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله عكرمة كما صح في الحديث المخرج في صحيح مسلم ‪ ،‬عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لصحابه يوما ً ‪ ،‬على أثر سماء‬
‫أصابتهم من الليل ‪" :‬أتدرون ماذا قال ربكم" قالوا ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪.‬‬
‫قال ‪" :‬قال ‪ :‬أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ‪ ،‬فأما من قال ‪ :‬مطرنا‬
‫بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب‪ .‬وأما من قال ‪ :‬مطرنا‬
‫بنوء كذا وكذا ‪ ،‬فذاك كافر بي ‪ ،‬مؤمن بالكوكب" )‪.(4‬‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬ ‫جاهِد ْهُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ذيًرا )‪َ (51‬فل ت ُط ِِع ال ْ َ‬ ‫ل قَْري َةٍ ن َ ِ‬ ‫شئ َْنا ل َب َعَث َْنا ِفي ك ُ ّ‬ ‫} وَل َوْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ج‬
‫جا ٌ‬ ‫حأ َ‬ ‫مل ٌ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ت وَهَ َ‬ ‫ب فَُرا ٌ‬ ‫ذا عَذ ْ ٌ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫حَري ْ ِ‬ ‫ج الب َ ْ‬ ‫مَر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جَهاًدا ك َِبيًرا )‪ (52‬وَهُوَ ال ِ‬ ‫ِ‬
‫شًرا‬ ‫ماِء ب َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫و‬ ‫(‬ ‫‪53‬‬ ‫)‬ ‫را‬
‫ً‬ ‫جو‬ ‫ُ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ً َ‬ ‫را‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫خا‬ ‫ً‬ ‫ز‬‫َ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ب‬
‫ُ َ ْ‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫وَ‬
‫ديًرا )‪.{ (54‬‬ ‫ك قَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫صهًْرا وَكا َ‬ ‫سًبا وَ ِ‬ ‫ه نَ َ‬ ‫َ‬
‫جعَل ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ذيًرا { يدعوهم إلى الله عز‬ ‫ل قَْري َةٍ ن َ ِ‬ ‫ُ‬
‫شئ َْنا لب َعَث َْنا ِفي ك ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ } :‬وَلوْ ِ‬
‫وجل ‪ ،‬ولكنا خصصناك ‪ -‬يا محمد ‪ -‬بالبعثة إلى جميع أهل الرض ‪ ،‬وأمرناك‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ب َل َغَ { ] النعام ‪ } ، [19 :‬وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ وَ َ‬ ‫أن تبلغ الناس هذا القرآن ‪ } ،‬لن ْذَِرك ُ ْ‬
‫م ال ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ي َك ْ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫قَرى وَ َ‬ ‫عد ُه ُ { ] هود ‪ }[17 :‬وَل ِت ُن ْذَِر أ ّ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ب َفالّناُر َ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬‫فْر ب ِهِ ِ‬
‫َ‬
‫ميًعا {‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫حوْل ََها { ] النعام ‪ } ، [92 :‬قُ ْ‬ ‫َ‬
‫] العراف ‪ .[158 :‬وفي الصحيحين ‪" :‬بعثت إلى الحمر والسود" وفيهما ‪:‬‬
‫"وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫جَهاًدا‬ ‫م ب ِهِ { يعني ‪ :‬بالقرآن ‪ ،‬قاله ابن عباس } ِ‬ ‫جاهِد ْهُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫} َفل ت ُط ِِع ال ْ َ‬
‫ن َواغْل ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ظ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫فاَر َوال ْ ُ‬ ‫جاهِدِ ال ْك ُ ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ك َِبيًرا { ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫م { ] التوبة ‪ ، 73 :‬التحريم ‪.[9 :‬‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الموتى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عقبة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪ (71‬من حديث زيد بن خالد الجهني‪.‬‬

‫) ‪(6/116‬‬

‫كافُِر عََلى َرب ّهِ ظ َِهيًرا )‬


‫ن ال ْ َ‬ ‫م وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫م وََل ي َ ُ‬
‫ضّرهُ ْ‬ ‫ما َل ي َن ْ َ‬
‫فعُهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫دو َ‬
‫وَي َعْب ُ ُ‬
‫‪(55‬‬
‫ذا مل ْ ُ‬
‫ج { أي ‪:‬‬ ‫جا ٌ‬ ‫حأ َ‬ ‫ت وَهَ َ ِ ٌ‬ ‫ب فَُرا ٌ‬ ‫ذا عَذ ْ ٌ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫حَري ْ ِ‬ ‫ج ال ْب َ ْ‬ ‫مَر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫خلق الماءين ‪ :‬الحلو والملح ‪ ،‬فالحلو كالنهار والعيون والبار ‪ ،‬وهذا هو البحر‬
‫الحلو الفرات العذب الزلل‪ .‬قاله ابن جريج ‪ ،‬واختاره ابن جرير ‪ ،‬وهذا الذي‬
‫ل شك فيه ‪ ،‬فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات‪ .‬والله سبحانه‬
‫إنما أخبر بالواقع )‪ (1‬لينبه العباد على نعمه عليهم ليشكروه ‪ ،‬فالبحر العذب‬
‫هو هذا السارح بين الناس ‪ ،‬فرقه تعالى بين خلقه لحتياجهم إليه أنهاًرا‬
‫وعيوًنا في كل أرض بحسب حاجتهم وكفايتهم لنفسهم وأراضيهم‪.‬‬
‫ذا مل ْ ُ‬
‫مّر زعاق ل يستساغ ‪ ،‬وذلك كالبحار‬ ‫ج { أي ‪ :‬مالح ُ‬ ‫جا ٌ‬ ‫حأ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهَ َ ِ ٌ‬
‫المعروفة في المشارق والمغارب ‪ :‬البحر المحيط وما يتصل به من الزقاق‬
‫وبحر القلزم ‪ ،‬وبحر اليمن ‪ ،‬وبحر البصرة ‪ ،‬وبحر فارس وبحر الصين والهند‬
‫وبحر الروم وبحر الخزر ‪ ،‬وما شاكلها وشابهها )‪ (2‬من البحار الساكنة التي ل‬
‫تجري ‪ ،‬ولكن تتموج وتضطرب وتغتلم في زمن الشتاء وشدة الرياح ‪ ،‬ومنها‬
‫جْزر ‪ ،‬ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض )‪ ، (3‬فإذا شرع‬ ‫ما فيه مد و َ‬
‫جَزرت ‪ ،‬حتى ترجع إلى غايتها الولى ‪ ،‬فإذا استهل‬ ‫الشهر في النقصان َ‬
‫الهلل من الشهر الخر شرعت في المد إلى الليلة الرابعة عشرة )‪ (4‬ثم‬
‫تشرع في النقص ‪ ،‬فأجرى الله سبحانه وتعالى ‪ -‬وله القدرة التامة ‪ -‬العادة‬
‫بذلك‪ .‬فكل هذه البحار الساكنة خلقها الله سبحانه وتعالى مالحة الماء ‪ ،‬لئل‬
‫يحصل بسببها نتن الهواء ‪ ،‬فيفسد الوجود بذلك ‪ ،‬ولئل تجوى الرض بما‬
‫يموت فيها من الحيوان‪ .‬ولما كان ماؤها ملحا كان هواؤها صحيحا وميتتها‬
‫طيبة ؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن ماء البحر ‪:‬‬
‫أنتوضأ به ؟ فقال ‪" :‬هو الطهور ماؤه ‪ ،‬الحل ميتته"‪ .‬رواه الئمة ‪ :‬مالك ‪،‬‬
‫والشافعي ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬وأهل السنن بإسناد جيد )‪.(5‬‬
‫جًرا { أي ‪ :‬بين العذب والمالح } برزخا {‬ ‫ح ْ‬ ‫خا وَ ِ‬ ‫ما ب َْرَز ً‬ ‫ل ب َي ْن َهُ َ‬ ‫جعَ َ‬‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ً‬
‫جوًرا { أي ‪ :‬مانعا أن‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬‫جًرا َ‬ ‫ح ْ‬ ‫أي ‪ :‬حاجزا ً ‪ ،‬وهو الي ََبس من الرض ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫خل‬ ‫ما ب َْرَز ٌ‬ ‫ن * ب َي ْن َهُ َ‬ ‫قَيا ِ‬ ‫ن ي َل ْت َ ِ‬ ‫حَري ْ ِ‬ ‫ج ال ْب َ ْ‬ ‫مَر َ‬ ‫يصل أحدهما إلى الخر ‪ ،‬كما قال ‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ن { ] الرحمن ‪ ، [21 - 19 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن * فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫ي َب ْغَِيا ِ‬
‫ن‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬
‫ل ب َي ْ َ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫س َ‬‫ل لَها َرَوا ِ‬ ‫خللَها أن َْهاًرا وَ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض قَراًرا وَ َ‬ ‫ل الْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫}أ ّ‬
‫ال ْبحرين حاجزا أ َإل َه مع الل ّه ب ْ َ‬
‫ن { ] النمل ‪.[61 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ َ ِ ً ِ ٌ َ َ‬
‫ن َرب ّكَ‬ ‫َ‬
‫صهًْرا وَكا َ‬ ‫سًبا وَ ِ‬ ‫ه نَ َ‬ ‫َ‬
‫جعَل ُ‬ ‫َ‬
‫شًرا ف َ‬ ‫ماِء ب َ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫خلقَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫دله ‪ ،‬وجعله كامل‬ ‫ديًرا { أي ‪ :‬خلق النسان من نطفة ضعيفة ‪ ،‬فسواه وعَ ّ‬ ‫قَ ِ‬
‫صهًْرا { ‪ ،‬فهو في ابتداء‬ ‫سًبا وَ ِ‬ ‫ه نَ َ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫الخلقة ‪ ،‬ذكرا ً أو أنثى ‪ ،‬كما يشاء ‪ } ،‬فَ َ‬
‫أمره ولد نسيب ‪ ،‬ثم يتزوج فيصير صهرا ً ‪ ،‬ثم يصير له أصهار وأختان‬
‫ديًرا {‪.‬‬ ‫ك قَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬ ‫وقرابات‪ .‬وكل ذلك من ماء مهين ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫كافُِر عَلى َرب ّهِ ظِهيًرا‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ضّرهُ ْ‬ ‫م َول ي َ ُ‬ ‫فعُهُ ْ‬ ‫ما ل ي َن ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬
‫} وَي َعْب ُ ُ‬
‫)‪{ (55‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عن الواقع"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وأشبهها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬وقيض"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عشر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سبق تخريجه عند تفسير الية ‪ 3 :‬من سورة المائدة‪.‬‬

‫) ‪(6/117‬‬
‫ل ما أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه م َ‬ ‫َ‬
‫شاَء‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جرٍ إ ِّل َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ذيًرا )‪ (56‬قُ ْ َ‬ ‫شًرا وَن َ ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫ك إ ِّل ُ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مد ِ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مو ُ‬ ‫ذي ل ي َ ُ‬ ‫ي ال ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫سِبيل )‪ (57‬وَت َوَكل عَلى ال َ‬ ‫خذ َ إ ِلى َرب ّهِ َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫َ‬
‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫خِبيًرا )‪ (58‬ال ّ ِ‬ ‫عَبادِهِ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫فى ب ِهِ ب ِذ ُُنو ِ‬ ‫وَك َ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خِبيًرا )‪ (59‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫ل‬ ‫ل ب ِهِ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ش الّر ْ‬ ‫وى عَلى العَْر ِ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ست ّةِ أّيام ٍ ث ُ ّ‬ ‫ِفي ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫فوًرا )‪(60‬‬ ‫م نُ ُ‬ ‫مُرَنا وََزاد َهُ ْ‬ ‫ما ت َأ ُ‬ ‫جد ُ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أن َ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫ما الّر ْ‬ ‫ن َقاُلوا وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫دوا ِللّر ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ْ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫ل ما أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه م َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫جرٍ ِإل َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ذيًرا )‪ (56‬قُ ْ َ‬ ‫شًرا وَن َ ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫ك ِإل ُ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سِبيل )‪ (57‬وَت َوَك ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح‬
‫سب ّ ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مو ُ‬ ‫ذي ل ي َ ُ‬ ‫ي ال ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل عَلى ال َ‬ ‫خذ َ إ ِلى َرب ّهِ َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫شاَء أ ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫خلقَ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫خِبيًرا )‪ (58‬ال ِ‬ ‫عَبادِهِ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫فى ب ِهِ ب ِذ ُُنو ِ‬ ‫َ‬
‫مدِهِ وَك َ‬ ‫ح ْ‬ ‫بِ َ‬
‫خِبيًرا )‪(59‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سأل ب ِهِ َ‬ ‫من فا ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ست َوى عَلى العَرش الر ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫ست ّةِ أّيام ٍ ث ّ‬ ‫ما ِفي ِ‬ ‫ب َي ْن َهُ َ‬
‫دوا للرحمَن َقاُلوا وما ْ ال ِرحم ّن أ َن ُسجد لما تأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫زا‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫ّ ْ َ ُ َ ْ ُ ُ ِ َ َ ُ ُ َ ََ َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ ْ ُ ُ ِ ّ ْ َ ِ‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫قي‬ ‫وَإ َِذا ِ‬
‫فوًرا )‪.{ (60‬‬ ‫نُ ُ‬

‫) ‪(6/117‬‬

‫يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير الله من الصنام ‪ ،‬التي ل‬


‫تملك لهم نفعا ً ول ضرا ‪ ،‬بل دليل قادهم إلى ذلك ‪ ،‬ول حجة أدتهم إليه ‪ ،‬بل‬
‫بمجرد الراء ‪ ،‬والتشهي والهواء ‪ ،‬فهم يوالونهم )‪ (1‬ويقاتلون في سبيلهم ‪،‬‬
‫كافُِر‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫كا َ‬‫ويعادون الله ورسوله ]والمؤمنون[ )‪ (2‬فيهم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫عََلى َرب ّهِ ظ َِهيًرا { أي ‪ :‬عونا في سبيل الشيطان على حزب الله ‪ ،‬وحزب‬
‫ة ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن الل ّهِ آل ِهَ ً‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬‫الله هم الغالبون ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬وات ّ َ‬
‫ن { ] يس ‪- 74 :‬‬ ‫ضُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫جن ْد ٌ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫طيُعو َ‬‫ست َ ِ‬ ‫ن * ل يَ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي ُن ْ َ‬
‫‪ [75‬أي ‪ :‬آلهتهم التي اتخذوها من دون الله ل تملك )‪ (3‬لهم نصرا ‪ ،‬وهؤلء‬
‫وزتهم ‪ ،‬ولكن‬ ‫ح ْ‬
‫الجهلة للصنام جند محضرون يقاتلون عنهم ‪ ،‬وَيذّبون عن َ‬
‫العاقبة والنصرة لله ولرسوله في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫كافُِر عََلى َرب ّهِ ظ َِهيًرا { قال ‪ :‬يظاهر الشيطان على‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قال مجاهد ‪ } :‬وَ َ‬
‫كا َ‬
‫معصية الله ‪ ،‬يعينه‪.‬‬
‫كافُِر عََلى َرب ّهِ ظ َهيًرا { يقول ‪ :‬عونا ً‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫وقال سعيد بن جبير ‪ } :‬وَ َ‬
‫ِ‬
‫للشيطان على ربه بالعداوة والشرك‪.‬‬
‫كافُِر عَلى َرب ّهِ ظِهيًرا { قال ‪ :‬مواليا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫وقال زيد بن أسلم ‪ } :‬وَ َ‬
‫شًرا‬ ‫مب َ ّ‬ ‫سلَنا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك ِإل ُ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ثم قال تعالى لرسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ } :‬وَ َ‬
‫ذيًرا { أي ‪ :‬بشيرا ً للمؤمنين ونذيرا ً للكافرين ‪ ،‬مبشرا بالجنة لمن أطاع‬ ‫وَن َ ِ‬
‫الله ‪ ،‬ونذيرا بين يدي عذاب شديد لمن خالف أمر الله‪.‬‬ ‫ً‬
‫ل ما أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه م َ‬
‫جرٍ { أي ‪ :‬على هذا البلغ وهذا النذار من أجرة‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫} قُ ْ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن َ‬
‫مأ ْ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫شاَء ِ‬ ‫م ْ‬ ‫أطلبها من أموالكم ‪ ،‬وإنما أفعل ذلك ابتغاء وجه الله ‪ } ،‬ل ِ َ‬
‫َ‬
‫سِبيل { أي ‪ :‬طريقا‬ ‫خذ َ إ َِلى َرب ّهِ َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫شاَء أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م { ] التكوير ‪ِ }[28 :‬إل َ‬ ‫قي َ‬
‫ست َ ِ‬‫يَ ْ‬
‫ومسلكا ومنهجا يقتدى فيها بما جئت به‪.‬‬
‫كن‬ ‫ت { أي ‪ :‬في أمورك كلها ُ‬ ‫ذي ل ي َ ُ ُ‬
‫مو‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل عََلى ال ْ َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَت َوَك ّ ْ‬
‫ظاهُِر‬ ‫خُر َوال ّ‬ ‫ل َوال ِ‬ ‫متوكل على الله الحي الذي ل يموت أبدا ‪ ،‬الذي هو } الوّ ُ‬
‫م { ] الحديد ‪ [3 :‬الدائم الباقي السرمدي البدي‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫َوال َْباط ِ ُ‬
‫ن وَهُوَ ب ِك ُ ّ‬
‫خرك وملجأك ‪ ،‬وهو الذي‬ ‫ب كل شيء ومليكه ‪ ،‬اجعله ذ ُ ْ‬ ‫‪ ،‬الحي القيوم ر ّ‬
‫ي َُتوكل عليه ويفزع إليه ‪ ،‬فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك ‪ ،‬كما قال‬
‫ت‬‫ما ب َل ّغْ َ‬ ‫ل فَ َ‬‫فعَ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُأنز َ‬ ‫ل ب َل ّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها الّر ُ‬
‫س { ] المائدة ‪.[67 :‬‬
‫ن الّنا ِ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه ي َعْ ِ‬ ‫سال َت َ ُ‬
‫رِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬والتشهي فيهم يوالون لهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬ل يملكون"‪.‬‬

‫) ‪(6/118‬‬

‫عة ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن محمد بن علي بن‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫قل ‪ -‬يعني ابن عبيد الله ‪ -‬عن عبد الله بن أبي‬ ‫معْ ِ‬ ‫فْيل قال ‪ :‬قرأت على َ‬ ‫نُ َ‬
‫ل الله صلى الله عليه‬ ‫ن رسو َ‬ ‫شب قال ‪ :‬لقي سلما ُ‬ ‫حو ْ َ‬ ‫شْهر بن َ‬ ‫حسين ‪ ،‬عن َ‬
‫وسلم في بعض فجاج )‪ (1‬المدينة ‪ ،‬فسجد له ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل تسجد لي يا‬
‫سلمان ‪ ،‬واسجد للحي الذي ل يموت" وهذا مرسل حسن )‪.(2‬‬
‫مدِهِ { ‪ ،‬أي ‪ :‬اقرن بين حمده وتسبيحه[ )‪ (3‬؛‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫]وقوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬سبحانك اللهم َرّبنا‬
‫ق‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬‫وبحمدك" أي ‪ :‬أخلص له العبادة والتوكل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬ر ّ‬
‫كيل { ] المزمل ‪.[9 :‬‬ ‫خذ ْه ُ وَ ِ‬ ‫ه ِإل هُوَ َفات ّ ِ‬ ‫ب ل إ ِل َ َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫مغْرِ ِ‬
‫مّنا ب ِهِ وَعَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫نآ َ‬ ‫م ُ‬
‫ح َ‬‫ل هُوَ الّر ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ { ] هود ‪ }[123 :‬قُ ْ‬ ‫وقال ‪َ } :‬فاعْب ُد ْه ُ وَت َوَك ّ ْ‬
‫ت َوَك ّل َْنا { ] الملك ‪.[29 :‬‬
‫خِبيًرا { أي ‪ :‬لعلمه )‪ (4‬التام الذي ل يخفى‬ ‫عَبادِهِ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫فى ب ِهِ ب ِذ ُُنو ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَك َ َ‬
‫عليه خافية ‪ ،‬ول يعزب عنه مثقال ذرة‪.‬‬
‫َ‬
‫ست ّةِ أّيام ٍ { أي ‪ :‬هو‬ ‫ما ِفي ِ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫الحي الذي ل يموت ‪ ،‬وهو خالق كل شيء وربه ومليكه ‪ ،‬الذي خلق بقدرته‬
‫وسلطانه السموات السبع في ارتفاعها واتساعها ‪ ،‬والرضين السبع في‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن [ { )‪، (5‬‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬
‫ش ]الّر ْ‬ ‫وى عَلى العَْر ِ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ست ّةِ أّيام ٍ ث ُ ّ‬ ‫سفولها وكثافتها ‪ِ } ،‬في ِ‬
‫أي ‪ :‬يدبر المر ‪ ،‬ويقضي الحق ‪ ،‬وهو خير الفاصلين‪.‬‬
‫خِبيًرا { أي ‪ :‬استعلم‬ ‫ل ب ِهِ َ‬ ‫سأ َ ْ‬‫ن َفا ْ‬ ‫م ُ‬‫ح َ‬ ‫ش الّر ْ‬ ‫ْ‬
‫وى عَلى العَْر ِ‬
‫َ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫عنه من هو خبير به عالم به فاتبعه واقتد به ‪ ،‬وقد عُِلم أنه ل أحد أعلم بالله‬
‫ول أخبر به من عبده ورسوله محمد ‪ ،‬صلوات الله وسلمه ‪ ،‬على )‪ (6‬سيد‬
‫ولد آدم على الطلق ‪ ،‬في الدنيا والخرة ‪ ،‬الذي ل ينطق عن الهوى ‪ ،‬إن هو‬
‫إل وحي يوحى ‪ -‬فما قاله فهو حق ‪ ،‬وما أخبر به فهو صدق ‪ ،‬وهو المام‬
‫المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء ‪ ،‬وجب رد ّ نزاعهم إليه ‪ ،‬فما يوافق‬
‫أقواله ‪ ،‬وأفعاله فهو الحق ‪ ،‬وما يخالفها )‪ (7‬فهو مردود على قائله وفاعله ‪،‬‬
‫يٍء فَُرّدوهُ إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ش ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن ت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫كائنا من كان ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫ل { ] النساء ‪.[59 :‬‬ ‫سو ِ‬ ‫َوالّر ُ‬
‫ه إ ِلى اللهِ { ] الشورى ‪، [10 :‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫حك ْ ُ‬‫يٍء فَ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِفيهِ ِ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫خت َل ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫وقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫دل { ] النعام ‪ [115 :‬أي ‪ :‬صدقا‬ ‫صد ًْقا وَعَ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ت كل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬وَت َ ّ‬
‫في الخبار وعدل في الوامر والنواهي ؛‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬مخارج"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان )‪ (2/103‬من طريق محمد بن أحمد بن‬
‫سيار عن هشام عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن‬
‫أبي حسين به‬
‫زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بعلمه"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫زيادة من أ‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫في أ ‪" :‬وما خالفها"‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬

‫) ‪(6/119‬‬

‫و‬
‫مِنيًرا )‪ (61‬وَهُ َ‬
‫مًرا ُ‬‫جا وَقَ َ‬
‫سَرا ً‬ ‫ل ِفيَها ِ‬ ‫جعَ َ‬‫جا وَ َ‬
‫ماِء ب ُُرو ً‬ ‫س َ‬‫ل ِفي ال ّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ت ََباَر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫شكوًرا )‪(62‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي َذ ّكَر أوْ أَراد َ ُ‬
‫ن أَراد َ أ ْ‬‫م ْ‬
‫ة لِ َ‬
‫ف ً‬‫خل َ‬ ‫ل َوالن َّهاَر ِ‬‫ل اللي ْ َ‬‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫خِبيًرا {‬ ‫ل ب ِهِ َ‬ ‫سأ َ ْ‬ ‫خِبيًرا { قال مجاهد في قوله ‪َ } :‬فا ْ‬ ‫ل ب ِهِ َ‬ ‫سأ َ ْ‬‫ولهذا قال ‪َ } :‬فا ْ‬
‫قال ‪ :‬ما أخبرتك )‪ (1‬من شيء فهو كما أخبرتك‪ .‬وكذا قال ابن جريج‪.‬‬
‫خِبيًرا { قال ‪ :‬هذا القرآن خبير‬ ‫ل ب ِهِ َ‬ ‫سأ َ ْ‬ ‫وقال شمر بن عطية في قوله ‪َ } :‬فا ْ‬
‫به‪.‬‬
‫ثم قال تعالى منكرا على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الصنام‬
‫ن { ؟ أي ‪ :‬ل‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ما الّر ْ‬ ‫ن َقاُلوا وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫دوا ِللّر ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ْ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫والنداد ‪ } :‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫مى الله باسمه الرحمن ‪ ،‬كما أنكروا‬ ‫س ّ‬ ‫نعرف الرحمن‪ .‬وكانوا ينكرون أن ي ُ َ‬
‫ذلك يوم الحديبية حين قال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب ‪" :‬اكتب بسم‬
‫الله الرحمن الرحيم" فقالوا ‪ :‬ل نعرف الرحمن ول الرحيم ‪ ،‬ولكن اكتب كما‬
‫عوا‬ ‫ه أ َوِ اد ْ ُ‬ ‫عوا الل ّ َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫كنت تكتب ‪ :‬باسمك اللهم ؛ ولهذا أنزل الله ‪ } :‬قُ ِ‬
‫الرحم َ‬
‫سَنى { ] السراء ‪ [110 :‬أي ‪ :‬هو الله‬ ‫ح ْ‬ ‫ماُء ال ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫عوا فَل َ ُ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫ن أّيا َ‬ ‫ّ ْ َ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وهو الرحمن‪ .‬وقال في هذه الية ‪ } (2) :‬وَإ َِذا ِقيل لهُ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫دوا ِللّر ْ‬
‫ْ‬
‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ْ‬
‫َ‬
‫مُرَنا { أي ‪:‬‬ ‫ما ت َأ ُ‬ ‫جد ُ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن { ؟ أي ‪ :‬ل نعرفه ول ُنقر به ؟ } أن َ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫ما الّر ْ‬ ‫َقاُلوا وَ َ‬
‫فوًرا { ‪ ،‬أما )‪ (3‬المؤمنون فإنهم يعبدون الله‬ ‫م نُ ُ‬‫لمجرد قولك ؟ } وََزاد َهُ ْ‬
‫فرُِدونه باللهية ويسجدون له‪ .‬وقد اتفق العلماء‬ ‫الذي هو الرحمن الرحيم ‪ ،‬وي ُ ْ‬
‫‪ -‬رحمهم الله ‪ -‬على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجود ُ‬
‫عندها لقارئها ومستمعها ‪ ،‬كما هو مقرر في موضعه ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫مِنيًرا )‪(61‬‬ ‫مًرا ُ‬ ‫جا وَقَ َ‬ ‫سَرا ً‬ ‫ل ِفيَها ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫جا وَ َ‬ ‫ماِء ب ُُرو ً‬ ‫س َ‬ ‫ل ِفي ال ّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫} ت ََباَر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫كوًرا )‪.{ (62‬‬ ‫ش ُ‬ ‫ن ي َذ ّك َّر أوْ أَراد َ ُ‬ ‫ن أَراد َ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫ف ً‬
‫خل َ‬ ‫ل َوالن َّهاَر ِ‬ ‫ل اللي ْ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫يقول تعالى ممجدا نفسه ‪ ،‬ومعظما على جميل ما خلق في السماء من‬
‫جبير ‪ ،‬وأبي‬ ‫البروج ‪ -‬وهي الكواكب العظام ‪ -‬في قول مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫صالح ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هي قصور في السماء للحرس ‪ ،‬يروى هذا عن علي ‪ ،‬وابن عباس ‪،‬‬
‫مْهران العمش‪ .‬وهو‬ ‫ومحمد بن كعب ‪ ،‬وإبراهيم النخعي ‪ ،‬وسليمان بن ِ‬
‫رواية عن أبي صالح أيضا ‪ ،‬والقول الول أظهر‪ .‬اللهم إل أن يكون الكواكب‬
‫قد ْ َزي ّّنا‬ ‫العظام هي قصور للحرس ‪ ،‬فيجتمع القولن ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن { ] الملك ‪ [5 :‬؛ ولهذا قال‬ ‫طي ِ‬
‫شَيا ِ‬ ‫ما ِلل ّ‬ ‫جو ً‬ ‫ها ُر ُ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫ح وَ َ‬ ‫صاِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ماَء الد ّن َْيا ب ِ َ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫جا { وهي الشمس‬ ‫سَرا ً‬ ‫ل ِفيَها ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫جا وَ َ‬ ‫ماِء ب ُُرو ً‬ ‫س َ‬ ‫ل ِفي ال ّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫‪ } :‬ت ََباَر َ‬
‫جا {‬ ‫ها ً‬ ‫جا وَ ّ‬ ‫سَرا ً‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫المنيرة ‪ ،‬التي هي كالسراج في الوجود ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫] النبأ ‪.[13 :‬‬
‫مِنيًرا { أي ‪ :‬مضيئا مشرقا بنور آخر ونوع وفن آخر ‪ ،‬غير نور‬ ‫مًرا ُ‬ ‫} وَقَ َ‬
‫مَر ُنوًرا { ] يونس ‪:‬‬ ‫ق َ‬ ‫ْ‬
‫ضَياًء َوال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫الشمس ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬هُوَ ال ِ‬
‫َ‬
‫‪ ، [5‬وقال مخبرا عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه قال لقومه ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫م ت ََرْوا ك َي ْ َ‬
‫ف‬
‫س‬
‫م َ‬ ‫ش ْ‬‫ل ال ّ‬‫جعَ َ‬
‫ن ُنوًرا وَ َ‬
‫مَر ِفيهِ ّ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫ت ط َِباًقا وَ َ‬
‫جعَ َ‬ ‫ماَوا ٍ‬
‫س َ‬
‫سب ْعَ َ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬
‫جا { ] نوح ‪.[16 - 15 :‬‬ ‫سَرا ً‬‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ما أخبرك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الية الكريمة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فأما"‪.‬‬

‫) ‪(6/120‬‬

‫ن َقاُلوا‬ ‫جاهُِلو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َْ‬


‫خاط َب َهُ ُ‬
‫ض هَوًْنا وَإ َِذا َ‬ ‫ن عَلى الْر ِ‬
‫شو َ َ‬ ‫م ُ‬‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫عَباد ُ الّر ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ن َرب َّنا‬ ‫ُ‬
‫قولو َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ما )‪َ (64‬وال ِ‬ ‫دا وَقَِيا ً‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ن ي َِبيُتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ما )‪َ (63‬وال ِ‬ ‫سل ً‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قّرا‬ ‫ست َ َ‬‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫ما )‪ (65‬إ ِن َّها َ‬ ‫َ‬
‫ن غَرا ً‬ ‫َ‬
‫ذاب ََها كا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ف عَّنا عَ َ‬
‫صرِ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما )‬ ‫ن ذ َل ِك ق َ‬
‫وا ً‬ ‫ن ب َي ْ َ‬ ‫قت ُُروا وَكا َ‬‫م يَ ْ‬‫سرِفوا وَل ْ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫قوا ل ْ‬ ‫ف ُ‬‫ن إ َِذا أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما )‪َ (66‬وال ِ‬ ‫قا ً‬ ‫م َ‬ ‫وَ ُ‬
‫‪(67‬‬

‫ة { أي ‪ :‬يخلف كل واحد منهما‬ ‫ف ً‬‫خل ْ َ‬


‫ل َوالن َّهاَر ِ‬ ‫ل الل ّي ْ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫الخر ‪ ،‬يتعاقبان ل يفتران‪ .‬إذا ذهب هذا جاء هذا ‪ ،‬وإذا جاء هذا ذهب ذاك )‪(1‬‬
‫ل َوالن َّهاَر {‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬‫ن وَ َ‬ ‫مَر َدائ ِب َي ْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫مَر‬ ‫ق َ‬ ‫ْ‬
‫س َوال َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫حِثيًثا َوال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ل الن َّهاَر ي َطلب ُ ُ‬ ‫ّ‬
‫شي اللي ْ َ‬ ‫] إبراهيم ‪ ، [ 33 :‬وقال } ي ُغْ ِ‬
‫َ‬
‫س ي َن ْب َِغي لَها‬ ‫مرِهِ { ] العراف ‪[54 :‬وقال ‪ } :‬ل ال ّ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ت ب ِأ ْ‬ ‫خَرا ٍ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫جو َ‬ ‫َوالن ّ ُ‬
‫ن { ] يس ‪.[40 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ساب ِقُ الن َّهارِ وَك ّ‬ ‫ّ‬
‫مَر َول اللي ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ل ِفي فل ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ت ُد ْرِك ال َ‬ ‫أ ْ‬
‫كوًرا { )‪ (2‬أي ‪ :‬جعلهما يتعاقبان ‪،‬‬ ‫ش ُ‬ ‫ن ي َذ ّك َّر أ َوْ أ ََراد َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن أَراد َ أ ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬ل ِم َ‬
‫َ ْ‬
‫توقيتا لعبادة عباده له ‪ ،‬فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار ‪ ،‬ومن‬
‫فاته عمل في النهار استدركه في الليل‪ .‬وقد جاء في الحديث الصحيح ‪" :‬إن‬
‫الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ‪ ،‬ويبسط يده بالنهار ليتوب‬
‫مسيء الليل" )‪.(3‬‬
‫حّرة )‪ (4‬عن الحسن ‪ :‬أن عمر بن‬ ‫قال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا أبو ُ‬
‫الخطاب أطال صلة الضحى ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ؟‬
‫فقال ‪ :‬إنه بقي علي من وردي شيء ‪ ،‬فأحببت أن أتمه ‪ -‬أو قال ‪ :‬أقضيه ‪-‬‬
‫ن ي َذ ّك َّر أ َْو‬ ‫َ‬
‫ن أَراد َ أ ْ‬
‫ة ]ل ِم َ‬
‫َ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ل َوالن َّهاَر ِ‬ ‫ل الل ّي ْ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وتل هذه الية ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫كوًرا[ { )‪.(6) (5‬‬ ‫ش ُ‬‫أ ََراد َ ُ‬
‫ل‬ ‫ل الل ّي ْ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ]قوله ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ة { )‪ [ (7‬يقول ‪ :‬من فاته شيء من الليل أن يعمله ‪ ،‬أدركه‬ ‫ف ً‬ ‫خل ْ َ‬ ‫َوالن َّهاَر ِ‬
‫بالنهار ‪ ،‬أو من النهار أدركه بالليل‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير‪.‬‬
‫والحسن‪.‬‬
‫فة { أي ‪ :‬مختلفين ‪ ،‬هذا بسواده ‪ ،‬وهذا بضيائه‪.‬‬ ‫ْ‬
‫خل َ‬ ‫وقال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ِ } :‬‬
‫ن َقاُلوا‬ ‫لو‬
‫َ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬
‫َُ ُ‬ ‫ه‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫خا‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬
‫ْ ِ َ ًْ َِ َ‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ َ‬ ‫ن‬ ‫شو‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عَباد ُ الّر ْ‬ ‫} وَ ِ‬
‫ن َرب َّنا‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما )‪َ (64‬وال ّ ِ‬ ‫دا وَقَِيا ً‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ن ي َِبيُتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما )‪َ (63‬وال ّ ِ‬ ‫سل ً‬ ‫َ‬
‫قّرا‬ ‫ست َ َ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫سا‬ ‫ِّ َ َ‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪65‬‬ ‫)‬ ‫ما‬ ‫را‬
‫َ َ ً‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ها‬‫ََ‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫َ َ َ ّ َ ِ ّ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ب‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫نا‬
‫ا ْ ِ ْ ّ‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ص‬
‫َ‬
‫ما )‬ ‫وا ً‬ ‫ك قَ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن ب َي ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫قت ُُروا وَ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سرُِفوا وَل َ ْ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫قوا ل َ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن إ َِذا أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما )‪َ (66‬وال ّ ِ‬ ‫قا ً‬ ‫م َ‬
‫وَ ُ‬
‫‪.{ (67‬سب‬
‫ض هَوًْنا { أي ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ّ‬
‫ن عَلى الْر ِ‬ ‫شو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫هذه صفات عباد الله المؤمنين } ال ِ‬
‫ض‬
‫ش ِفي الْر ِ‬‫م ِ‬‫جَبرية ول استكبار ‪ ،‬كما قال ‪َ } :‬ول ت َ ْ‬ ‫بسكينة ووقار من غير َ‬
‫جَبال طول { ] السراء ‪ .[37 :‬فأما‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن ت َب ْلغَ ال ِ‬ ‫َ‬
‫ض وَل ْ‬
‫خرِقَ الْر َ‬ ‫ك لَ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫حا إ ِن ّ َ‬
‫مَر ً‬
‫َ‬
‫هؤلء فإنهم يمشون من غير استكبار ول مرح ‪ ،‬ول أشر ول بطر ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬نشورا" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2759‬من حديث أبي موسى الشعري‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أبو حمزة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬وهذا منقطع ‪ ،‬فالحسن لم يسمع من عمر‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/121‬‬

‫وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى من التصانع تصنًعا ورياء ‪ ،‬فقد كان سيد‬
‫صَبب ‪ ،‬وكأنما الرض‬ ‫ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من َ‬
‫تطوى له‪ .‬وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع ‪ ،‬حتى روي عن‬
‫دا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما بالك ؟ أأنت مريض ؟ قال ‪ :‬ل يا‬ ‫عمر أنه رأى شاًبا يمشي ُروي ً‬
‫ون‬ ‫أمير المؤمنين‪ .‬فعله بالدرة ‪ ،‬وأمره أن يمشي بقوة‪ .‬وإنما )‪ (1‬المراد بالهَ ْ‬
‫هاهنا السكينة والوقار ‪ ،‬كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا‬
‫أتيتم الصلة فل تأتوها وأنتم تسعون ‪ ،‬وأتوها وعليكم السكينة ‪ ،‬فما أدركتم‬
‫فصلوا ‪ ،‬وما فاتكم فأتموا" )‪.(2‬‬
‫مر ‪ ،‬عن يحيى )‪ (3‬بن المختار ‪ ،‬عن‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال عبد الله بن المبارك ‪ ،‬عن َ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ّ‬
‫ن عَلى الْر ِ‬ ‫شو َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬‫عَباد ُ الّر ْ‬ ‫الحسن البصري في قوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫هَوًْنا { قال ‪ :‬إن المؤمنين قوم ذ ُلل ‪ ،‬ذلت منهم ‪ -‬والله ‪ -‬السماعُ والبصار‬ ‫ُ‬
‫والجوارح ‪ ،‬حتى تحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ‪ ،‬وإنهم لصحاء ‪،‬‬
‫ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ‪ ،‬ومنعهم من الدنيا علمهم‬
‫بالخرة ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن‪ .‬أما والله ما أحزنهم حزن‬
‫الناس ‪ ،‬ول تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الجنة ‪ ،‬أبكاهم الخوف من‬
‫سه على الدنيا حسرات ‪ ،‬ومن لم‬ ‫قط ّعُ نف ُ‬ ‫النار ‪ ،‬وإنه من لم يتعز بعزاء الله ت َ َ‬
‫ه‪.‬‬
‫ضر عذاب ُ‬ ‫ل علمه )‪ (4‬وح َ‬ ‫ير لله نعمة إل في مطعم أو في مشرب ‪ ،‬فقد ق ّ‬
‫سفه عليهم الجهال‬ ‫ما { أي ‪ :‬إذا َ‬ ‫سل ً‬ ‫ن َقاُلوا َ‬ ‫جاهُِلو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫خاط َب َهُ ُ‬‫وقوله ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫سيئ ‪ ،‬لم يقابلوهم عليه بمثله ‪ ،‬بل يعفون ويصفحون ‪ ،‬ول يقولون إل خيًرا‬ ‫بال ّ‬
‫‪ ،‬كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ل تزيده شدة الجهل عليه إل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مالَنا‬‫ه وََقاُلوا ل ََنا أعْ َ‬‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫مُعوا الل ّغْوَ أعَْر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫حلما ‪ ،‬وكما قال تعالى ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫ْ‬ ‫ول َك ُ َ‬
‫ن { ] القصص ‪.[55 :‬‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫م ل ن َب ْت َِغي ال َ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سل ٌ‬‫م َ‬ ‫مال ُك ُ ْ‬
‫م أعْ َ‬
‫َ ْ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬حدثنا أبو بكر ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬
‫مَزني قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬ ‫قّرن ال ُ‬ ‫م َ‬‫أبي خالد الوالبي ‪ ،‬عن النعمان بن ُ‬
‫ل رجل عنده ‪ ،‬قال ‪ :‬فجعل الرجل المسبوب يقول‬ ‫ب رج ٌ‬ ‫الله عليه وسلم ]وس ّ‬
‫‪ :‬عليك السلم‪ .‬قال ‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أما[ )‪ (5‬إن‬
‫كا بينكما يذب عنك ‪ ،‬كلما شتمك هذا قال له ‪ :‬بل أنت وأنت أحق به‪ .‬وإذا‬ ‫مل ً‬
‫قال له ‪ :‬عليك السلم ‪ ،‬قال ‪ :‬ل بل عليك ‪ ،‬وأنت أحق به‪ " .‬إسناده حسن ‪،‬‬
‫ولم يخرجوه )‪.(6‬‬
‫ما { يعني ‪ :‬قالوا ‪ :‬سداًدا‪.‬‬ ‫سل ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وقال مجاهد ‪ } :‬قالوا َ‬
‫ً‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬ردوا معروفا من القول‪.‬‬
‫ما { ‪ ،‬قال ‪ :‬حلماء ل يجهلون[ )‪، (7‬‬ ‫وقال الحسن البصري ‪َ } :‬قاُلوا ] َ‬
‫سل ً‬
‫وإن جهل عليهم حلموا‪ .‬يصاحبون عباد الله نهارهم بما تسمعون )‪ ، (8‬ثم ذكر‬
‫أن ليلهم خير ليل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وأما"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (635‬ومسلم في صحيحه برقم )‪(603‬‬
‫من حديث أبي قتادة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عمله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (5/445‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (8/75‬رجاله رجال‬
‫الصحيح ‪ ،‬غير أبي خالد الوالبي وهو ثقة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بما يسمعون"‪.‬‬

‫) ‪(6/122‬‬

‫ما { أي ‪ :‬في عبادته وطاعته ‪ ،‬كما‬ ‫دا وَقَِيا ً‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ن ي َِبيُتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ن{‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫حارِ هُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن وَِبال ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ي َهْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاُنوا قَِليل ِ‬ ‫قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫م‬
‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬‫جِع ي َد ْ ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫جاَفى ُ‬
‫َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫جُنوب ُهُ ْ‬ ‫] الذاريات ‪ ، [18 - 17 :‬وقال } ت َت َ َ‬
‫ن هُوَ َقان ِ ٌ‬
‫ت‬ ‫م ْ‬ ‫ن { ] السجدة ‪ [16 :‬وقال } أ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫م ي ُن ْفِ ُ‬‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬‫مًعا وَ ِ‬ ‫خوًْفا وَط َ َ‬ ‫َ‬
‫ة َرب ّهِ { الية ] الزمر ‪[9 :‬‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫جو َر ْ‬ ‫خَرةَ وَي َْر ُ‬ ‫حذ َُر ال ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫دا وََقائ ِ ً‬ ‫ج ً‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ّ‬
‫آَناَء اللي ْ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ذاب ََها كا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ف عَّنا عَ َ‬ ‫صرِ ْ‬ ‫ن َرب َّنا ا ْ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ولهذا قال ‪َ } :‬وال ِ‬
‫ما { أي ‪ :‬ملزما دائما ‪ ،‬كما قال الشاعر )‪: (1‬‬ ‫غََرا ً‬
‫ما ‪ ،‬وإن ي ُْعـ‪ ...‬ط جزيل فإنه ل ي َُبالي‪...‬‬ ‫ن غََرا ً‬ ‫ذب ي َك ُ ْ‬ ‫ن ي ُعَ ّ‬‫إ ْ‬
‫ما { ‪ :‬كل شيء يصيب‬ ‫ن غَرا ً‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ذاب ََها كا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ولهذا قال الحسن في قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ابن آدم ويزول عنه فليس بغرام ‪ ،‬وإنما الغرام اللزم ما دامت السموات‬
‫والرض‪ .‬وكذا قال سليمان التيمي‪.‬‬
‫ما { يعني ‪ :‬ما‬ ‫ن غََرا ً‬ ‫كا َ‬ ‫ذاب ََها َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫وقال محمد بن كعب ]القرظي[ )‪ } : (2‬إ ِ ّ‬
‫نعموا في الدنيا ؛ إن الله سأل الكفار عن النعمة فلم يردوها إليه ‪ ،‬فأغرمهم‬
‫فأدخلهم النار‪.‬‬
‫ما { أي ‪ :‬بئس المنزل منظرا ‪ ،‬وبئس المقيل‬ ‫قا ً‬ ‫م َ‬
‫قّرا وَ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫} إ ِن َّها َ‬
‫ما‪.‬‬‫مقا ً‬
‫ما { ‪ :‬حدثنا‬ ‫قا ً‬ ‫م َ‬ ‫قّرا وَ ُ‬ ‫ست َ َ‬‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫]و[ )‪ (3‬قال ابن أبي حاتم عند قوله ‪ } :‬إ ِن َّها َ‬
‫أبي ‪ ،‬حدثنا الحسن بن الربيع ‪ ،‬حدثنا أبو الحوص عن العمش ‪ ،‬عن مالك بن‬
‫طرح الرجل في النار هوى فيها ‪ ،‬فإذا انتهى إلى بعض‬ ‫الحارث قال ‪ :‬إذا ُ‬
‫م الساود‬ ‫س ّ‬ ‫أبوابها قيل له ‪ :‬مكانك حتى تتحف ‪ ،‬قال ‪ :‬فيسقى كأسا من ُ‬
‫والعقارب ‪ ،‬قال ‪ :‬فيميز الجلد على حدة ‪ ،‬والشعر على حدة ‪ ،‬والعصب على‬
‫حدة ‪ ،‬والعروق على حدة‪.‬‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الحسن بن الربيع ‪ ،‬حدثنا أبو الحوص ‪ ،‬عن‬ ‫وقال أي ً‬
‫عبيد بن عمير قال ‪ :‬إن في النار لجباًبا فيها‬ ‫العمش ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ُ‬
‫حيات أمثال البخت ‪ ،‬وعقارب أمثال البغال الدلم )‪ ، (4‬فإذا قذف بهم في‬
‫النار خرجت إليهم من أوطانها فأخذت بشفاههم وأبشارهم وأشعارهم ‪،‬‬
‫فكشطت لحومهم إلى أقدامهم ‪ ،‬فإذا وجدت حر النار رجعت‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا الحسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا سلم ‪ -‬يعني ابن‬
‫مسكين ‪ -‬عن أبي ظلل ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي‬
‫دا في جهنم لينادي ألف سنة ‪ :‬يا حنان ‪،‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن عب ً‬
‫يا منان‪ .‬فيقول الله لجبريل ‪ :‬اذهب فآتني بعبدي هذا‪ .‬فينطلق جبريل فيجد‬
‫منكبين )‪ (5‬يبكون ‪ ،‬فيرجع إلى ربه عز وجل فيخبره ‪ ،‬فيقول الله‬ ‫أهل النار ُ‬
‫عز وجل ‪ :‬آتني به فإنه في مكان كذا وكذا‪ .‬فيجيء به فيوقفه على ربه عز‬
‫وجل ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬يا عبدي ‪ ،‬كيف وجدت مكانك ومقيلك ؟ فيقول ‪ :‬يا رب‬
‫شر مكان ‪ ،‬شر مقيل‪ .‬فيقول ‪ :‬ردوا عبدي‪ .‬فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ما كنت أرجو إذ‬
‫أخرجتني منها أن تردني فيها! فيقول ‪ :‬دعوا عبدي )‪.(6‬‬
‫ما { أي‬ ‫وا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِك ق َ‬
‫ن ب َي ْ َ‬ ‫قت ُُروا وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫سرُِفوا وَل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫قوا ل َ ْ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ن إ َِذا أ َن ْ َ‬
‫ف ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪ :‬ليسوا بمبذرين في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬هو العشى ‪ -‬ميمون بن قيس ‪ -‬والبيت في تفسير الطبري )‪.(19/23‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الدهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬مكبين"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (3/230‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/384‬رجاله رجال‬
‫الصحيح غير أبي ظلل وضعفه الجمهور ‪ ،‬ووثقه ابن حبان"‪.‬‬

‫) ‪(6/123‬‬

‫هليهم فيقصرون في حقهم‬ ‫إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ‪ ،‬ول بخلء على أ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫دل خياًرا ‪ ،‬وخير المور أوسطها ‪ ،‬ل هذا ول هذا ‪ } ،‬وَكا َ‬ ‫فل يكفونهم ‪ ،‬بل عَ ْ‬
‫ْ‬
‫سطَها‬ ‫َ‬
‫قك َول ت َب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ة إ ِلى عُن ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مغْلول ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جعَل ي َد َك َ‬ ‫َ‬
‫ما قال ‪َ } :‬ول ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما { ‪ ،‬ك َ‬ ‫وا ً‬‫ك قَ َ‬‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ب َي ْ َ‬
‫سوًرا { ] السراء ‪.[29 :‬‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬‫ملو ً‬ ‫ُ‬ ‫قعُد َ َ‬ ‫َ‬
‫ط فت َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ْ‬
‫ل الب َ ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عصام )‪ (1‬بن خالد ‪ ،‬حدثني أبو بكر بن عبد الله بن‬
‫مَرة ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬ ‫ض ْ‬‫أبي مريم الغساني ‪ ،‬عن َ‬
‫وسلم قال ‪" :‬من فقه الرجل رفقه في معيشته"‪ .‬ولم يخرجوه )‪.(2‬‬
‫كين )‪ (4‬بن‬ ‫س َ‬ ‫ضا ‪ :‬حدثنا أبو عبيدة الحداد ‪ ،‬حدثنا ُ‬ ‫وقال ]المام[ )‪ (3‬أحمد أي ً‬
‫جري عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد الله‬ ‫عبد العزيز العَْبدي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم الهَ َ‬
‫بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما عال من‬
‫اقتصد"‪ .‬ولم يخرجوه )‪.(5‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا أحمد بن يحيى ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن محمد‬
‫بن ميمون )‪ (6‬حدثنا سعيد )‪ (7‬بن حكيم ‪ ،‬عن مسلم بن حبيب ‪ ،‬عن بلل ‪-‬‬
‫يعني العبسي ‪ -‬عن حذيفة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما‬
‫أحسن القصد في الغنى ‪ ،‬وأحسن القصد في الفقر ‪ ،‬وأحسن القصد في‬
‫العبادة" ثم قال ‪ :‬ل نعرفه يروى إل من حديث حذيفة رضي الله عنه )‪.(8‬‬
‫وقال إياس بن معاوية ‪ :‬ما جاوزت به أمر الله فهو سرف‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬السرف النفقة في معصية الله‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬ليس النفقة في سبيل الله سرفا ]والله أعلم[ )‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عاصم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(5/194‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬مسكين"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (1/447‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" (10/252‬في إسناده‬
‫إبراهيم بن مسلم الهجري وهو ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إبراهيم بن محمد بن محمد بن ميمون"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ‪ ،‬أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬مسند البزار برقم )‪ (3604‬وقال الهيثمي في المجمع )‪: (10/252‬‬
‫"رواه البزار عن سعيد بن حكيم عن مسلم بن حبيب ‪ ،‬ومسلم هذا لم أجد‬
‫من ذكره إل ابن حبان في ترجمة سعيد الراوي عنه ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(6/124‬‬

‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ه إ ِّل ِبال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫س ال ِّتي َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬
‫خَر وََل ي َ ْ‬ ‫معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن َل ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب ي َوْ َ‬ ‫ذا ُ‬‫ه ال ْعَ َ‬‫ف لَ ُ‬ ‫ضاعَ ْ‬ ‫ما )‪ (68‬ي ُ َ‬ ‫ك ي َل ْقَ أَثا ً‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬
‫فعَ ْ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫وََل ي َْزُنو َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ك ي ُب َد ّ ُ‬ ‫حا فَأولئ ِ َ‬ ‫صال ِ ً‬
‫مل َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م َ‬‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬‫ب وَآ َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬‫مَهاًنا )‪ (69‬إ ِل َ‬ ‫خل ُد ْ ِفيهِ ُ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫حا فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ب وَعَ ِ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما )‪ (70‬وَ َ‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ت وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫مَتاًبا )‪(71‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ب‬
‫ُ‬ ‫تو‬ ‫يَ ُ‬

‫ه ِإل‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫س ال ِّتي َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬


‫خَر َول ي َ ْ‬ ‫معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ل ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫ه ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ب ي َوْ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ف لَ ُ‬‫ضاعَ ْ‬ ‫ما )‪ (68‬ي ُ َ‬ ‫ك ي َل ْقَ أَثا ً‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬‫فعَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حقّ َول ي َْزُنو َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ُ‬
‫حا فَأول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫صال ِ ً‬‫مل َ‬ ‫ل عَ َ‬‫م َ‬
‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬‫ب َوآ َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬‫مَهاًنا )‪ِ (69‬إل َ‬ ‫خل ُد ْ ِفيهِ ُ‬ ‫مةِ وَي َ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫م َ‬
‫ل‬ ‫ب وَعَ ِ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما )‪ (70‬وَ َ‬ ‫حي ً‬
‫فوًرا َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬‫م َ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ي ُب َد ّ ُ‬
‫مَتاًبا )‪.{ (71‬‬ ‫ّ‬
‫ب إ ِلى اللهِ َ‬ ‫َ‬ ‫ه ي َُتو ُ‬ ‫حا فَإ ِن ّ ُ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫َ‬
‫شقيق ‪ ،‬عن عبد‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن َ‬
‫سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ‪:‬‬ ‫الله ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ُ :‬‬
‫دا وهو خلقك"‪ .‬قال ‪ :‬ثم أي ؟ قال ‪" :‬أن‬ ‫الذنب أكبر ؟ قال ‪" :‬أن َتجعل لله ن ً‬
‫طعم معك"‪ .‬قال ‪ :‬ثم أي ؟ قال ‪" :‬أن تزاني‬ ‫تقتل ولدك خشية أن ي َ ْ‬

‫) ‪(6/124‬‬

‫معَ‬
‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ل ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫حليلة جارك"‪ .‬قال عبد الله ‪ :‬وأنزل الله تصديق ذلك ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫فعَ ْ‬
‫ل‬ ‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬‫حقّ َول ي َْزُنو َ‬ ‫ه ِإل ِبال ْ َ‬
‫م الل ّ ُ‬ ‫س ال ِّتي َ‬
‫حّر َ‬ ‫ف َ‬ ‫قت ُُلو َ‬
‫ن الن ّ ْ‬ ‫خَر َول ي َ ْ‬‫الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ‬
‫َ‬
‫ما {‪.‬‬‫ك ي َل ْقَ أَثا ً‬‫ذ َل ِ َ‬
‫وهكذا رواه النسائي عن هَّناد بن السري ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫وقد أخرجه البخاري ومسلم ‪ ،‬من حديث العمش ومنصور ‪ -‬زاد البخاري ‪:‬‬
‫سرة عمرو بن‬ ‫مي ْ َ‬
‫وواصل ‪ -‬ثلثتهم عن أبي وائل ‪ ،‬شقيق بن سلمة ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫شرحبيل ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬به )‪ ، (2‬فالله أعلم ‪ ،‬ولفظهما عن ابن مسعود‬
‫قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أي الذنب أعظم ؟ الحديث‪.‬‬
‫طريق غريب ‪ :‬وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أحمد بن إسحاق الهوازي ‪ ،‬حدثنا‬
‫مد ِْرك ‪ ،‬حدثنا السري ‪ -‬يعني ابن إسماعيل ‪ -‬حدثنا الشعبي ‪ ،‬عن‬ ‫عامر بن ُ‬
‫مسروق قال ‪ :‬قال عبد الله ‪ :‬خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات‬
‫شز من الرض ‪ ،‬وقعدت أسفل منه ‪ ،‬ووجهي‬ ‫يوم فاتبعته ‪ ،‬فجلس على ن َ َ‬
‫حيال ركبتيه ‪ ،‬واغتنمت )‪ (3‬خلوته وقلت )‪ : (4‬بأبي أنت وأمي يا رسول‬
‫دا وهو خلقك"‪.‬قلت ‪ :‬ثم‬ ‫الله ‪ ،‬أي الذنوب )‪ (5‬أكبر ؟ قال ‪" :‬أن تدعو لله ن ً‬
‫مه ؟ )‪ (6‬قال ‪" :‬أن تقتل ولدك كراهية أن يطعم معك"‪ .‬قلت ‪ :‬ثم مه ؟ قال‬
‫خَر {‪.‬‬‫معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ‬
‫ن َ‬
‫عو َ‬
‫ن ل ي َد ْ ُ‬ ‫‪" :‬أن تزاني حليلة جارك"‪ .‬ثم قرأ ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫]إلى آخر[ )‪ (7‬الية )‪.(8‬‬
‫وقال النسائي ‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن هلل‬
‫ساف ‪ ،‬عن سلمة بن قيس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫بن ي َ َ‬
‫في حجة الوداع ‪" :‬أل إنما هي أربع ‪ -‬فما أنا بأشح عليهن مني منذ سمعتهن‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ : -‬ل تشركوا بالله شيئا ‪ ،‬ول تقتلوا‬
‫النفس التي حرم الله إل بالحق ‪ ،‬ول تزنوا ‪ ،‬ول تسرقوا" )‪.(9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن المديني ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫فضيل بن غَْزوان ‪ ،‬حدثنا محمد بن سعد )‪ (10‬النصاري ‪ ،‬سمعت أبا طيبة‬
‫كلعي ‪ ،‬سمعت المقداد بن السود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬قال رسول‬ ‫ال َ‬
‫حّرمه‬‫الله صلى الله عليه وسلم لصحابه ‪" :‬ما تقولون في الزنى" ؟ قالوا ‪َ :‬‬
‫حَرام إلى يوم القيامة ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫الله ورسوله ‪ ،‬فهو َ‬
‫وسلم لصحابه ‪" :‬لن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني‬
‫بامرأة جاره"‪ .‬قال ‪" :‬ما تقولون في السرقة" ؟ قالوا ‪ :‬حرمها الله ورسوله ‪،‬‬
‫فهي حرام‪ .‬قال ‪" :‬لن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن‬
‫يسرق من جاره" )‪.(11‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا عمار بن نصر ‪ ،‬حدثنا َبقّية ‪ ،‬عن أبي بكر‬
‫بن أبي مريم ‪ ،‬عن الهيثم بن مالك الطائي عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫قال ‪" :‬ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من ُنطفة وضعها رجل في‬
‫حم ل يحل له" )‪.(12‬‬ ‫َر ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/380‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11368‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (6811‬وصحيح مسلم برقم )‪.(68‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬فاغتنمت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬فقلت"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الذنب"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (6811‬وصحيح مسلم برقم )‪.(68‬‬
‫)‪ (9‬النسائي في السنن الكبرى رقم )‪.(11373‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪ (6/8‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" (8/168‬رجاله ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (12‬الورع لبن أبي الدنيا برقم )‪" (137‬وهو مرسل ‪ ،‬وفي إسناده بقية وهو‬
‫مدلس وابن أبي مريم ضعيف" أ‪.‬هـ مستفادا من كلم المحقق الفاضل محمد‬
‫الحمود‪.‬‬
‫) ‪(6/125‬‬

‫جَريج ‪ :‬أخبرني يعلى ‪ ،‬عن سعيد بن جبير أنه سمعه يحدث )‪ (1‬عن‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫ابن عباس ‪ :‬أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا ‪ ،‬وَزَنوا فأكثروا ‪ ،‬ثم أتوا‬
‫دا صلى الله عليه وسلم فقالوا ‪ :‬إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن ‪ ،‬لو‬ ‫محم ً‬
‫خَر‬ ‫َ‬
‫معَ اللهِ إ ِلًها آ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ل ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫تخبرنا أن لما عملنا )‪ (2‬كفارة ‪ ،‬فنزلت ‪َ } :‬وال ِ‬
‫ل َيا‬ ‫ُ‬
‫ن { ‪ ،‬ونزلت ‪ } :‬ق ْ‬ ‫حقّ َول ي َْزُنو َ‬ ‫ه ِإل ِبال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫س ال ِّتي َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫َول ي َ ْ‬
‫فُر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه ي َغْ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مةِ اللهِ إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قن َطوا ِ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سَرفوا عَلى أن ْ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَبادِيَ ال ِ‬ ‫ِ‬
‫م [ { )‪ ] (3‬الزمر ‪.[53 :‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ الغَ ُ‬ ‫ميًعا ]إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب َ‬ ‫الذُنو َ‬ ‫ّ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن‬
‫ختة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ‪:‬‬ ‫عمرو ‪ ،‬عن أبي َفا ِ‬
‫"إن الله ينهاك أن تعبد المخلوق وتدع الخالق ‪ ،‬وينهاك أن تقتل ولدك وتغذو‬
‫نل‬ ‫ذي َ‬ ‫كلبك ‪ ،‬وينهاك أن تزني بحليلة جارك"‪ .‬قال سفيان ‪ :‬وهو قوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫حقّ َول‬ ‫ه ِإل ِبال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫س ال ِّتي َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫خَر َول ي َ ْ‬ ‫معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫ن { )‪.(4‬‬ ‫ي َْزُنو َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬
‫ما {‪ .‬روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال ‪:‬‬ ‫ك ي َلقَ أَثا ً‬ ‫فعَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ما { واد في جهنم‪.‬‬ ‫} أَثا ً‬
‫َ‬
‫ما { أودية في جهنم يعذب فيها الزناة‪ .‬وكذا ُروي‬ ‫وقال عكرمة ‪ } :‬ي َل ْقَ أَثا ً‬
‫عن سعيد بن جبير ‪ ،‬ومجاهد‪.‬‬
‫َ‬
‫ما { نكال كنا نحدث أنه واد في جهنم‪.‬‬ ‫وقال قتادة ‪ } :‬ي َل ْقَ أَثا ً‬
‫وقد ذكر لنا أن لقمان كان يقول ‪ :‬يا بني ‪ ،‬إياك والزنى ‪ ،‬فإن أوله مخافة ‪،‬‬
‫وآخره ندامة‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث الذي رواه ابن جرير وغيره ‪ ،‬عن أبي أمامة الباهلي ‪-‬‬
‫موقوفا ومرفوعا ‪ -‬أن "غيا" و"أثاما" بئران في قعر جهنم )‪ (5‬أجارنا الله منها‬
‫بمنه وكرمه‪.‬‬
‫َ‬
‫ما { ‪ :‬جزاء‪.‬‬ ‫وقال السدي ‪ } :‬ي َل ْقَ أَثا ً‬
‫وهذا أشبه بظاهر الية ؛ ولهذا فسره بما بعده مبدل منه ‪ ،‬وهو قوله ‪:‬‬
‫خل ُد ْ ِفي ِ‬
‫ه‬ ‫مةِ { أي ‪ :‬يكرر عليه ويغلظ ‪ } ،‬وَي َ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب ي َوْ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ه ال ْعَ َ‬ ‫ف لَ ُ‬ ‫ضاعَ ْ‬ ‫} يُ َ‬
‫مَهاًنا { أي ‪ :‬حقيرا ذليل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫حا { )‪ (6‬أي ‪ :‬جزاؤه على ما‬ ‫صال ِ ً‬ ‫َ‬ ‫[‬ ‫مل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫]‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫وآ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫تا‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ِ َ ْ‬‫م‬ ‫إل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫ب { في الدنيا إلى الله )‪(7‬‬ ‫ن َتا َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫إل‬‫ِ‬ ‫}‬ ‫ذكر‬ ‫ما‬ ‫القبيحة‬ ‫الصفات‬ ‫فعل من هذه‬
‫من جميع ذلك ‪ ،‬فإن الله يتوب عليه‪.‬‬
‫وفي ذلك دللة على صحة توبة القاتل ‪ ،‬ول تعارض )‪ (8‬بين هذه وبين آية‬
‫ب الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض َ‬ ‫دا ِفيَها وَغَ ِ‬ ‫خال ِ ً‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫جَزاؤُه ُ َ‬ ‫دا فَ َ‬ ‫م ً‬ ‫مت َعَ ّ‬ ‫مًنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫قت ُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫النساء ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما { ] النساء ‪ [93 :‬فإن هذه‬ ‫ظي ً‬ ‫ذاًبا عَ ِ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ه وَأعَد ّ ل ُ‬ ‫عَل َي ْهِ وَل َعَن َ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬يحدثه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬أن لنا إن عملنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬ذكره السيوطي في الدر المنثور )‪ (6/277‬وعزاه لبن أبي حاتم‪ .‬ووقع‬
‫فيه ‪" :‬عن أبي قتادة" فإن كان كذلك فهو موصول ‪ ،‬وإن كان كما هو مثبت‬
‫هنا فهو مرسل ‪ ،‬ولم يتبين لي الصواب منهما ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(19/29‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬وهو الصواب‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬إلى الله في الدنيا"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬ول معارض"‪.‬‬

‫) ‪(6/126‬‬

‫وإن كانت مدنية إل أنها مطلقة ‪ ،‬فتحمل على من لم يتب ‪ ،‬لن هذه مقيدة‬
‫َ‬
‫فُر‬
‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫ه ل ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫بالتوبة ‪ ،‬ثم قد قال ]الله[ )‪ (1‬تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫شاُء { ] النساء ‪.[116 ، 48 :‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ما ُدو َ‬ ‫َ‬
‫وقد ثبتت السنة الصحيحة ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحة توبة‬
‫القاتل ‪ ،‬كما ذكر مقررا من قصة الذي قتل مائة رجل ثم تاب ‪ ،‬وقبل منه ‪،‬‬
‫وغير ذلك من الحاديث‪.‬‬
‫ما { ‪ :‬في‬ ‫حي ً‬‫فوًرا َر ِ‬ ‫هغ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ت وَكا َ‬ ‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ك ي ُب َد ّ ُ‬‫وقوله ‪ } :‬فَُأول َئ ِ َ‬
‫ت { قولن ‪:‬‬ ‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬‫م َ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫معنى قوله ‪ } :‬ي ُب َد ّ ُ‬
‫أحدهما ‪ :‬أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات‪ .‬قال علي بن أبي‬
‫ت{‬ ‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ك ي ُب َد ّ ُ‬‫طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬فَُأول َئ ِ َ‬
‫قال ‪ :‬هم المؤمنون ‪ ،‬كانوا من قبل إيمانهم على السيئات ‪ ،‬فرغب الله بهم‬
‫ولهم إلى الحسنات ‪ ،‬فأبدلهم مكان السيئات الحسنات‪.‬‬ ‫عن ذلك فح ّ‬
‫وروى مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس أنه كان ينشد عند هذه الية ‪:‬‬
‫فا )‪(3‬‬ ‫وجي َ‬ ‫فس ال َ‬ ‫طول الن ّ َ‬ ‫خريفا )‪ (2‬وَب َعْد َ ُ‬ ‫حّرهِ َ‬ ‫ب ُد ّل ْ َ‬
‫ن ب َعْد َ َ‬
‫يعني ‪ :‬تغيرت تلك الحوال إلى غيرها‪.‬‬
‫وقال عطاء بن أبي رباح ‪ :‬هذا في الدنيا )‪ ، (4‬يكون الرجل على هيئة قبيحة ‪،‬‬
‫ثم يبدله الله بها خيرا‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬أبدلهم بعبادة الوثان عبادة الله ‪ ،‬وأبدلهم )‪ (5‬بقتال‬
‫المسلمين قتال مع المسلمين للمشركين ‪ ،‬وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح‬
‫المؤمنات‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬أبدلهم الله بالعمل السيئ العمل الصالح ‪ ،‬وأبدلهم‬
‫بالشرك إخلصا ‪ ،‬وأبدلهم بالفجور إحصانا وبالكفر إسلما‪.‬‬
‫وهذا قول أبي العالية ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وجماعة آخرين‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح‬
‫حسنات ‪ ،‬وما ذاك إل أنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر ‪،‬‬
‫فينقلب الذنب طاعة بهذا العتبار‪ .‬فيوم القيامة وإن وجده مكتوبا عليه لكنه‬
‫ل يضره وينقلب حسنة في صحيفته ‪ ،‬كما ثبتت السنة بذلك ‪ ،‬وصحت به الثار‬
‫المروية عن السلف ‪ ،‬رحمهم الله تعالى ‪ -‬وهذا سياق الحديث ‪ -‬قال المام‬
‫أحمد ‪:‬‬
‫سوَْيد ‪ ،‬عن أبي ذر ‪،‬‬ ‫حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن المعرور بن ُ‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إني لعرف‬
‫آخر أهل النار خروجا من النار ‪ ،‬وآخر أهل الجنة دخول إلى الجنة ‪ :‬يؤتى‬
‫حوا كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها ‪ ،‬قال ‪ :‬فيقال له ‪ :‬عملت‬ ‫برجل فيقول ‪ :‬ن َ ّ‬
‫يوم كذا وكذا كذا ‪ ،‬وعملت يوم كذا وكذا كذا ؟ فيقول ‪ :‬نعم ‪ -‬ل يستطيع أن‬
‫ينكر من ذلك شيئا ‪-‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫في أ ‪" :‬صريفا"‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫البيت في تفسير الطبري )‪.(19/30‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في أ ‪" :‬هذا يكون في الدنيا"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في ف ‪" :‬وبدلهم"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫) ‪(6/127‬‬

‫فيقال ‪ :‬فإن لك بكل سيئة حسنة‪ .‬فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬عملت أشياء ل أراها‬
‫هاهنا"‪ .‬قال ‪ :‬فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه‪.‬‬
‫وانفرد به مسلم )‪.(1‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا هاشم بن يزيد ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫شَرْيح بن عبيد )‪(2‬‬ ‫ضم بن زرعة ‪ ،‬عن ُ‬ ‫م َ‬
‫ض ْ‬
‫إسماعيل ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬حدثني َ‬
‫عن أبي مالك الشعري قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا‬
‫نام ابن آدم قال الملك للشيطان ‪ :‬أعطني صحيفتك‪ .‬فيعطيه إياها ‪ ،‬فما وجد‬
‫في صحيفته من حسنة محا بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان ‪ ،‬وكتبهن‬
‫حسنات ‪ ،‬فإذا أراد أن ينام أحدكم فليكبر ثلًثا وثلثين تكبيرة ‪ ،‬ويحمد أربعا‬
‫وثلثين تحميدة ‪ ،‬ويسبح ثلًثا وثلثين تسبيحة ‪ ،‬فتلك مائة" )‪.(3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو سلمة وعارم قال حدثنا ثابت ‪-‬‬
‫يعني ‪ :‬ابن يزيد أبو زيد ‪ -‬حدثنا عاصم ‪ ،‬عن أبي عثمان ‪ ،‬عن سلمان قال ‪:‬‬
‫يعطى رجل يوم القيامة صحيفته فيقرأ أعلها ‪ ،‬فإذا سيئاته )‪ ، (4‬فإذا كاد )‪(5‬‬
‫يسوء ظنه نظر )‪ (6‬في أسفلها فإذا حسناته ‪ ،‬ثم ينظر في أعلها فإذا هي‬
‫قد بدلت حسنات‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا سليمان بن موسى‬
‫الزهري أبو داود ‪ ،‬حدثنا أبو العَن َْبس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬ليأتين‬
‫الله عز وجل بأناس )‪ (7‬يوم القيامة رأوا أنهم قد استكثروا من السيئات ‪،‬‬
‫ن هم يا أبا هريرة ؟ قال ‪ :‬الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫قيل ‪َ :‬‬
‫سّيار ‪ ،‬حدثنا‬‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن أبي زياد ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫جعفر ‪ ،‬حدثنا أبو حمزة ‪ ،‬عن أبي الضيف ‪ -‬وكان من أصحاب معاذ بن جبل ‪-‬‬
‫قال ‪ :‬يدخل أهل الجنة الجنة على أربعة أصناف ‪ :‬المتقين ‪ ،‬ثم الشاكرين ‪،‬‬
‫م سموا أصحاب اليمين ؟ قال ‪:‬‬ ‫ثم الخائفين ‪ ،‬ثم أصحاب اليمين‪ .‬قلت ‪ :‬ل ِ َ‬
‫لنهم عملوا الحسنات )‪ (8‬والسيئات ‪ ،‬فأعطوا كتبهم بأيمانهم ‪ ،‬فقرؤوا‬
‫سيئاتهم حرفا حرفا ‪ -‬قالوا ‪ :‬يا ربنا ‪ ،‬هذه سيئاتنا ‪ ،‬فأين حسناتنا ؟‪ .‬فعند ذلك‬
‫محا الله السيئات وجعلها حسنات ‪ ،‬فعند ذلك قالوا ‪) :‬هاؤم اقرؤوا كتابيه( ‪،‬‬
‫فهم أكثر أهل الجنة‪.‬‬
‫ت { قال ‪:‬‬ ‫سَنا ٍ‬
‫ح َ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫وقال علي بن الحسين زين العابدين ‪ } :‬ي ُب َد ّ ُ‬
‫ل الل ُ‬
‫في الخرة‪.‬‬
‫وقال مكحول ‪ :‬يغفرها لهم فيجعلها حسنات ‪] :‬رواهما ابن أبي حاتم ‪ ،‬وروى‬
‫ابن جرير ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب مثله[ )‪.(9‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي ‪ ،‬حدثنا‬
‫الوليد بن مسلم ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (5/170‬وصحيح مسلم برقم )‪.(190‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبدة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المعجم الكبير للطبراني )‪ (3/296‬قال الهيثمي في المجمع )‪(10/121‬‬
‫"فيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف" ولم يثبت سماعه عن أبيه‬
‫أيضا‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬إساءته"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬كان"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ينظر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬أناس"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬بالحسنات"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/128‬‬

‫حدثنا أبو )‪ (1‬جابر ‪ ،‬أنه سمع مكحول يحدث قال ‪ :‬جاء شيخ كبير هرم قد‬
‫سقط )‪ (2‬حاجباه على عينيه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬رجل غدر وفجر ‪ ،‬ولم‬
‫يدع حاجة ول داجة إل اقتطعها بيمينه ‪ ،‬لو قسمت خطيئته بين أهل الرض‬
‫لوبقتهم ‪ ،‬فهل له من توبة ؟ فقال له رسول الله )‪ (3‬صلى الله عليه‬
‫ت ؟" قال )‪ : (4‬أما أنا فأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك‬ ‫وسلم ‪" :‬أسلم َ‬
‫دا عبده ورسوله‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬فإن‬ ‫له ‪ ،‬وأن )‪ (5‬محم ً‬
‫الله غافر لك ما كنت كذلك ‪ ،‬ومبدل )‪ (6‬سيئاتك حسنات"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫جراتك"‪ .‬فَوَّلى الرجل يهلل‬ ‫غدَراتك وفَ َ‬ ‫جراتي ؟ فقال ‪" :‬و َ‬ ‫دراتي وفَ َ‬ ‫الله ‪ ،‬وغَ َ‬
‫ويكبر )‪.(8) (7‬‬
‫مرو )‪ ، (9‬عن‬ ‫وروى الطبراني من حديث أبي المغيرة ‪ ،‬عن صفوان بن عَ ْ‬
‫طب ‪ -‬أنه أتى رسول الله صلى‬ ‫ش ْ‬ ‫عبد الرحمن بن جبير ‪ ،‬عن أبي فَْروَة َ ‪َ -‬‬
‫الله عليه وسلم فقال ‪ :‬أرأيت رجل عمل الذنوب كلها ‪ ،‬ولم يترك حاجة ول‬
‫ت ؟" فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪" :‬فافعل‬ ‫داجة ‪ ،‬فهل له من توبة ؟ فقال ‪" :‬أسلم َ‬
‫الخيرات ‪ ،‬واترك السيئات ‪ ،‬فيجعلها )‪ (10‬الله لك خيرات كلها"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫جراتي ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال فما زال يكبر حتى توارى )‪.(11‬‬ ‫غدَراتي وفَ َ‬ ‫و َ‬
‫ورواه الطبراني من طريق أبي َفروة الرهاوي ‪ ،‬عن ياسين الزيات ‪ ،‬عن أبي‬
‫عا )‪.(12‬‬ ‫مصي ‪ ،‬عن يحيى بن جابر ‪ ،‬عن سلمة بن نفيل مرفو ً‬ ‫ح ْ‬ ‫سلمة ال ِ‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا أبو ُزْرعة ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن المنذر ‪ ،‬حدثنا عيسى بن‬ ‫وقال أي ً‬
‫شعيب بن ثوبان ‪ ،‬عن فُل َْيح الشماس ‪ ،‬عن عبيد بن أبي عبيد )‪ (13‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬جاءتني امرأة فقالت ‪ :‬هل لي من توبة ؟ إني‬
‫زنيت وولدت وقتلته‪ .‬فقلت )‪ (14‬ل ول َنعمت العين ول كرامة‪ .‬فقامت وهي‬
‫تدعو بالحسرة‪ .‬ثم صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح ‪ ،‬فقصصت‬
‫عليه ما قالت المرأة وما قلت لها ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫معَ الل ّهِ إ ِل ًَها‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬
‫ن ل ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫" بئسما قلت! أما كنت تقرأ هذه الية ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫ه‬‫ل الل ّ ُ‬‫ك ي ُب َد ّ ُ‬‫حا فَأول َئ ِ َ‬ ‫صال ِ ً‬
‫مل َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬‫ب َوآ َ‬
‫ن َتا َ‬‫م ْ‬ ‫خَر { إلى قوله ‪ِ } :‬إل َ‬ ‫آ َ‬
‫ما { فقرأتها عليها‪ .‬فخّرت ساجدة‬ ‫حي ً‬‫فوًرا َر ِ‬‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ت وَكا َ‬ ‫سَنا ٍ‬‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬‫َ‬
‫جا‪.‬‬
‫وقالت ‪ :‬الحمد لله الذي جعل لي مخر ً‬
‫ن ل ُيعرف والله أعلم‪ .‬وقد‬ ‫م ْ‬‫هذا حديث غريب من هذا الوجه ‪ ،‬وفي رجاله َ‬
‫رواه ابن جرير من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬أسقطت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬وأشهد أن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ويبدل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يكبر ويهلل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬وقد وصله المام أحمد في مسنده )‪ (4/384‬من طريق نوح بن قيس‬
‫عن أشعث بن جابر الحداني عن مكحول عن عمرو بن عبسة به مرفوعا‬
‫باختصار في أوله وآخره ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (1/32‬رجاله‬
‫موثقون إل أنه من رواية مكحول عن عمرو بن عبسة ‪ ،‬فل أدري أسمع منه‬
‫أم ل"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيجعلهم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬المعجم الكبير للطبراني )‪ (7/314‬ورواه الخطيب في تاريخ بغداد )‬
‫‪ (3/352‬من طريق أبي القاسم البغوي عن محمد بن هارون الحربي عن أبي‬
‫المغيرة به‪ .‬وقال أبو القاسم البغوي ‪" :‬روى هذا الحديث غير محمد بن‬
‫هارون عن أبي المغيرة عن صفوان عن عبد الرحمن بن جبير ‪ :‬أن رجل أتى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم طويل شطب الممدود ‪ ،‬وأحسب أن محمد بن‬
‫هارون صحف فيه ‪ ،‬والصواب ما قال غيره"‪.‬‬
‫)‪ (12‬المعجم الكبير للطبراني )‪ (7/53‬وقال الهيثمي في المجمع )‪: (1/31‬‬
‫"في إسناده ياسين الزيات يروي الموضوعات"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن فليح بن عبيد بن أبي عبيد الشماس عن أبيه"‬
‫والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫)‪ (14‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫) ‪(6/129‬‬

‫ن إ َِذا ذ ُك ُّروا‬
‫ذي َ‬‫ما )‪َ (72‬وال ّ ِ‬ ‫مّروا ك َِرا ً‬ ‫مّروا ِبالل ّغْوِ َ‬ ‫ن الّزوَر وَإ َِذا َ‬ ‫دو َ‬ ‫شهَ ُ‬‫ن َل ي َ ْ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ب ل ََنا ِ‬‫ن َرب َّنا هَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن يَ ُ‬
‫ذي َ‬‫مَياًنا )‪َ (73‬وال ّ ِ‬ ‫ما وَعُ ْ‬ ‫ص ّ‬‫خّروا عَل َي َْها ُ‬ ‫م يَ ِ‬‫م لَ ْ‬‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫ب ِآ ََيا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما )‪(74‬‬ ‫ما ً‬
‫ن إِ َ‬‫قي َ‬ ‫جعَل َْنا ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ن َوا ْ‬‫جَنا وَذ ُّرّيات َِنا قُّرة َ أعْي ُ ٍ‬‫أْزَوا ِ‬

‫حديث إبراهيم بن المنذر الحَزامي بسنده بنحوه ‪ ،‬وعنده ‪ :‬فخرجت تدعو‬


‫بالحسرة وتقول ‪ :‬يا حسرتا! أخلق هذا الحسن للنار ؟ وعنده أنه لما رجع من‬
‫عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ت َط َّلبها )‪ (1‬في جميع دور المدينة فلم‬
‫يجدها ‪ ،‬فلما كان من الليلة المقبلة جاءته ‪ ،‬فأخبرها بما قال له رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فخرت ساجدة ‪ ،‬وقالت ‪ :‬الحمد لله الذي جعل لي‬
‫جا وتوبة مما عملت‪ .‬وأعتقت جارية كانت معها وابنتها ‪ ،‬وتابت إلى الله‬ ‫مخر ً‬
‫عز وجل )‪(2‬‬
‫ثم قال تعالى مخبًرا عن عموم رحمته بعباده )‪ (3‬وأنه من تاب إليه منهم تاب‬
‫ب‬ ‫ن َتا َ‬‫م ْ‬ ‫عليه من أي ذنب كان ‪ ،‬جليل أو حقير ‪ ،‬كبير أو صغير ‪ :‬فقال } وَ َ‬
‫مَتاًبا { أي ‪ :‬فإن الله يقبل )‪ (4‬توبته ‪ ،‬كما‬ ‫ب إ َِلى الل ّهِ َ‬ ‫حا فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه ي َُتو ُ‬ ‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫م َ‬‫وَعَ ِ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جدِ الل َ‬ ‫ه يَ ِ‬‫فرِ الل َ‬‫ست َغْ ِ‬‫م يَ ْ‬‫ه ثُ ّ‬‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫م نَ ْ‬
‫سوًءا أوْ ي َظل ِ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ي َعْ َ‬
‫م ْ‬‫قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ة‬
‫ل الت ّوْب َ َ‬‫قب َ ُ‬
‫ه هُوَ ي َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫غَ ُ‬
‫ن الل َ‬‫موا أ ّ‬ ‫م ي َعْل ُ‬‫ما { ] النساء ‪ ، [110 :‬وقال } أل ْ‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م { ] التوبة ‪، [104 :‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫خذ ُ ال ّ‬ ‫عَبادِهِ وَي َأ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫مةِ اللهِ إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قن َطوا ِ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سَرفوا عَلى أن ْ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَبادِيَ ال ِ‬ ‫وقال } قل َيا ِ‬
‫م { ] الزمر ‪ ، [53 :‬أي ‪ :‬لمن‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ الغَ ُ‬ ‫ميًعا إ ِن ّ ُ‬‫ج ِ‬ ‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ه ي َغْ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫تاب إليه‪.‬‬
‫ن إ َِذا‬
‫ذي َ‬ ‫ما )‪َ (72‬وال ّ ِ‬ ‫مّروا ك َِرا ً‬ ‫مّروا ِبالل ّغْوِ َ‬ ‫ن الّزوَر وَإ َِذا َ‬ ‫دو َ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫} َوال ّ ِ‬
‫ب‬‫ن َرب َّنا هَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫مَياًنا )‪َ (73‬وال ّ ِ‬ ‫ما وَعُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫خّروا عَل َي َْها ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫م لَ ْ‬‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫ذ ُك ُّروا ِبآَيا ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل َنا م َ‬
‫ما )‪{ (74‬‬ ‫ما ً‬ ‫ن إِ َ‬‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫جعَلَنا ل ِل ُ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫جَنا وَذ ُّرّيات َِنا قُّرة َ أعْي ُ ٍ‬ ‫ن أْزَوا ِ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫ن الّزوَر { قيل ‪ :‬هو‬ ‫دو َ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫وهذه أيضا من صفات عباد الرحمن ‪ ،‬أنهم ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫الشرك وعبادة الصنام‪ .‬وقيل ‪ :‬الكذب ‪ ،‬والفسق ‪ ،‬واللغو ‪ ،‬والباطل‪.‬‬
‫وقال محمد بن الحنفية ‪] :‬هو[ )‪ (5‬اللهو والغناء‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ ،‬وطاوس ‪ ،‬ومحمد بن سيرين ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والربيع بن أنس‬
‫‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هي أعياد المشركين )‪.(6‬‬
‫وقال عمرو بن قيس ‪ :‬هي مجالس السوء والخنا‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ ،‬عن الزهري ‪] :‬شرب الخمر[ )‪ (7‬ل يحضرونه ول يرغبون فيه ‪،‬‬
‫كما جاء في الحديث ‪" :‬من كان يؤمن بالله واليوم الخر فل يجلس على‬
‫مائدة يدار عليها الخمر" )‪.(8‬‬
‫ن الّزوَر { أي ‪ :‬شهادة الزور ‪ ،‬وهي‬ ‫دو‬
‫َ َ ُ َ‬‫ه‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله تعالى ‪:‬‬
‫الكذب متعمدا على غيره ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬فطلبها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪ (19/27‬ورواه ابن مردويه كما في الدر المنثور )‬
‫‪ (6/279‬وقال السيوطي ‪" :‬إسناده ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬لعباده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬يتقبل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬للمشركين"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (2801‬من طريق ليث بن أبي سليم‬
‫عن طاوس عن جابر به مرفوعا ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن غريب‬
‫ل نعرفه من حديث طاوس عن جابر إل من هذا الوجه" ثم نقل كلم العلماء‬
‫في تضعيف ليث بن أبي سليم‪.‬‬

‫) ‪(6/130‬‬

‫كما ]ثبت[ )‪ (1‬في الصحيحين عن أبي ب َك َْرة قال ‪ :‬قال )‪ (2‬رسول الله صلى‬
‫كبر الكبائر" ثلثا ‪ ،‬قلنا ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا رسول الله ‪،‬‬ ‫الله عليه وسلم ‪" :‬أل أنبئكم بأ ْ‬
‫قال ‪" :‬الشرك بالله ‪ ،‬وعقوق الوالدين"‪ .‬وكان متكًئا فجلس ‪ ،‬فقال ‪" :‬أل‬
‫وقول الزور ‪ ،‬أل وشهادة الزور ]أل وقول الزور وشهادة الزور[‪ (3) .‬فما زال‬
‫يكررها ‪ ،‬حتى قلنا ‪ :‬ليته سكت )‪.(4‬‬
‫والظهر من السياق أن المراد ‪ :‬ل يشهدون الزور ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يحضرونه ؛ ولهذا‬
‫ما { أي ‪ :‬ل يحضرون الزور ‪ ،‬وإذا اتفق‬ ‫مّروا ِبالل ّغْوِ َ‬
‫مّروا ك َِرا ً‬ ‫قال ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫مّروا‬
‫مرورهم به مّروا ‪ ،‬ولم يتدنسوا منه بشيء )‪ (5‬؛ ولهذا قال ‪َ } :‬‬
‫ما {‪.‬‬
‫ك َِرا ً‬
‫ج ‪ ،‬حدثنا أبو الحسين العجلي ‪ ،‬عن‬ ‫ش ّ‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد ال َ‬
‫سرة ‪ ،‬أن ابن مسعود مر بلهو‬ ‫مي ْ َ‬ ‫محمد بن مسلم ‪ ،‬أخبرني إبراهيم بن َ‬
‫ضا )‪ (6‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لقد أصبح ابن مسعود ‪،‬‬ ‫معر ً‬
‫ما"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كري‬ ‫وأمسى‬
‫وحدثنا الحسن بن محمد بن سلمة النحوي ‪ ،‬حدثنا حبان ‪ ،‬أنا عبد الله ‪ ،‬أنا‬
‫محمد بن مسلم ‪ ،‬أخبرني ابن ميسرة قال ‪ :‬بلغني أن ابن مسعود مر بلهو‬
‫معرضا فلم يقف ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم )‪ " : (7‬لقد أصبح‬
‫مّروا‬ ‫ابن مسعود وأمسى كريما" )‪ .(8‬ثم تل إبراهيم بن ميسرة ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫ما { )‪.(9‬‬ ‫مّروا ك َِرا ً‬ ‫ِبالل ّغْوِ َ‬
‫مَياًنا { ]و[ )‬ ‫ما وَعُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫خّروا عَل َي َْها ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫ن إ َِذا ذ ُك ُّروا ِبآَيا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ت‬‫م وَإ َِذا ت ُل ِي َ ْ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ن إ َِذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬
‫ه وَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ (10‬هذه من صفات المؤمنين } ال ّ ِ‬
‫ن { ]النفال ‪ ، [2 :‬بخلف الكافر‬ ‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬ ‫ماًنا وَعََلى َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ه َزاد َت ْهُ ْ‬ ‫م آَيات ُ ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫قصر عما كان عليه ‪ ،‬بل يبقى‬ ‫‪ ،‬فإنه إذا سمع كلم الله ل يؤثر فيه ول ي ُ ْ‬
‫ما‬ ‫مستمرا على كفره وطغيانه وجهله وضلله ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫َ‬ ‫قو ُ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫مُنوا فَزاد َت ْهُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ما ال ّ ِ‬ ‫ماًنا فَأ ّ‬ ‫ه هَذِهِ ِإي َ‬ ‫م َزاد َت ْ ُ‬ ‫ل أي ّك ُ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سوَرة ٌ فَ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫أنزل َ ْ‬
‫سا إ َِلى‬ ‫َ‬
‫ج ً‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ض فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬‫ن‪ .‬وَأ ّ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ماًنا وَهُ ْ‬ ‫ِإي َ‬
‫م { ] التوبة ‪.[125 - 124 :‬‬ ‫ج ِ ِ ْ‬
‫ه‬ ‫س‬ ‫رِ ْ‬
‫مَياًنا { أي ‪ :‬بخلف الكافر الذي ذكر بآيات‬ ‫ما وَعُ ْ‬ ‫ص ّ‬‫خّروا عَل َي َْها ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫فقوله ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫ربه ‪ ،‬فاستمر على حاله ‪ ،‬كأن لم يسمعها أصم أعمى‪.‬‬
‫مَياًنا { لم يسمعوا ‪ :‬ولم‬ ‫ما وَعُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫خّروا عَل َي َْها ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫قال مجاهد ‪ :‬قوله ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫يبصروا ‪ ،‬ولم يفقهوا شيًئا‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬كم من رجل يقرؤها ويخر عليها أصم أعمى‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (2654‬وصحيح مسلم برقم )‪.(87‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فيه شيء"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬فلم يقف"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬ورواه ابن عساكر كما في المختصر لبن منظور )‪ (14/55‬من طريق‬
‫إبراهيم بن ميسرة به‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(6/131‬‬

‫خّروا عَل َي َْها‬ ‫م لَ ْ‬


‫م يَ ِ‬ ‫ن إ َِذا ذ ُك ُّروا ِبآَيا ِ‬
‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬قوله تعالى ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مَياًنا { يقول ‪ :‬لم يصموا عن الحق ولم يعموا فيه ‪ ،‬فهم ‪ -‬والله ‪-‬‬ ‫ما وَعُ ْ‬
‫ص ّ‬
‫ُ‬
‫قوم عقلوا عن الله )‪ (1‬وانتفعوا بما )‪ (2‬سمعوا من كتابه‪.‬‬
‫مران ‪،‬‬ ‫ح ْ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أسيد بن عاصم ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن ُ‬
‫ون قال ‪ :‬سألت الشعبي قلت ‪ :‬الرجل يرى القوم سجودا ولم‬ ‫حدثنا ابن عَ ْ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن إ ِذا ذكُروا‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫يسمع ما سجدوا ‪ ،‬أيسجد معهم ؟ قال ‪ :‬فتل هذه الية ‪َ } :‬وال ِ‬
‫مَياًنا { يعني ‪ :‬أنه ل يسجد معهم لنه لم‬ ‫ما وَعُ ْ‬ ‫خّروا عَل َي َْها ُ‬
‫ص ّ‬ ‫م يَ ِ‬‫م لَ ْ‬ ‫ت َرب ّهِ ْ‬
‫ِبآَيا ِ‬
‫يتدبر آية السجدة )‪ (3‬فل ينبغي للمؤمن أن يكون إمعة ‪ ،‬بل يكون على‬
‫بصيرة من أمره ‪ ،‬ويقين واضح ب َّين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { يعني ‪:‬‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫نا‬‫ت‬ ‫يا‬ ‫ر‬‫ُ‬
‫بل َ ِ ْ ْ َ ِ َ َ ّ ّ َِ ّ َ ُْ ٍ‬
‫ي‬ ‫ذ‬‫و‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫وا‬‫ز‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ن َرب َّنا هَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن يَ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫الذين يسألون الله أن يخرج من أصلبهم وذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده ل‬
‫شريك له‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬يعنون من يعمل بالطاعة ‪ ،‬فتقّر به أعينهم في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬لم يريدوا بذلك صباحة ول جمال ولكن أرادوا أن يكونوا‬
‫مطيعين‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ -‬وسئل عن هذه الية ‪ -‬فقال ‪ :‬أن ُيري الله العبد‬
‫المسلم من زوجته ‪ ،‬ومن أخيه ‪ ،‬ومن حميمه طاعة الله‪ .‬ل والله ما شيء‬
‫أقر لعين المسلم من أن يرى ولدا ‪ ،‬أو ولد ولد ‪ ،‬أو أخا ‪ ،‬أو حميما مطيعا لله‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { قال ‪:‬‬ ‫جَنا وَذ ُّرّيات َِنا قّرة َ أعْي ُ ٍ‬ ‫ن أْزَوا ِ‬ ‫م ْ‬‫ب لَنا ِ‬ ‫جَرْيج في قوله ‪ } :‬هَ ْ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫يعبدونك ويحسنون )‪ (4‬عبادتك ‪ ،‬ول يجرون علينا الجرائر‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬يعني ‪ :‬يسألون الله لزواجهم وذرياتهم‬
‫أن يهديهم للسلم‪.‬‬
‫مر )‪ (5‬بن بشر )‪ (6‬حدثنا عبد الله بن المبارك ‪،‬‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ي َعْ َ‬
‫أخبرنا صفوان بن عمرو ‪ ،‬حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير ‪ ،‬عن أبيه قال‬
‫ما ‪ ،‬فمر به رجل فقال ‪ :‬طوبى لهاتين‬ ‫‪ :‬جلسنا إلى المقداد بن السود يو ً‬
‫العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم! لوددنا أنا رأينا ما رأيت ‪،‬‬
‫ب ‪ ،‬ما قال إل خيًرا! ثم أقبل‬ ‫وشهدنا ما شهدت‪ .‬فاستغضب ‪ ،‬فجعلت أعج ُ‬
‫ضًرا غيبه الله عنه ‪ ،‬ل يدري لو‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬
‫إليه فقال ‪ :‬ما يحمل الرجل على أن يتمنى َ‬
‫شهده كيف كان يكون فيه ؟ والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أقوام أكّبهم الله على مناخرهم في جهنم ‪ ،‬لم يجيبوه ولم يصدقوه ‪،‬‬
‫أو ل تحمدون الله إذ أخرجكم ل تعرفون إل ربكم مصدقين لما جاء به نبيكم ‪،‬‬
‫كفيتم البلء بغيركم ؟ لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على‬ ‫قد )‪ُ (7‬‬
‫أشد حال بعث عليها نبًيا من النبياء في فترة من جاهلية ‪ ،‬ما يرون أن دينا‬
‫فرقان فََرقَ به بين الحق والباطل ‪ ،‬وفََر َ‬
‫ق‬ ‫أفضل من عبادة الوثان‪ .‬فجاء ب ُ‬
‫بين الوالد وولده ‪ ،‬حتى إن كان الرجل ليرى والده وولده ‪ ،‬أو أخاه كافًرا ‪،‬‬
‫فل قلبه لليمان ‪ ،‬يعلم أنه إن هلك دخل‬ ‫وقد فتح الله قُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الحق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬مما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أمر السجدة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬فيحسنون"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬معمر" والمثبت من المسند‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقد"‪.‬‬

‫) ‪(6/132‬‬
‫ن ِفيَها‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫ما )‪َ (75‬‬ ‫سَل ً‬‫ة وَ َ‬ ‫حي ّ ً‬
‫ن ِفيَها ت َ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫صب َُروا وَي ُل َ ّ‬
‫َ‬ ‫ما‬ ‫ن ال ْغُْرفَ َ‬
‫ة بِ َ‬ ‫جَزوْ َ‬‫ك يُ ْ‬‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ُ‬
‫قد ْ ك َذ ّب ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م فَ َ‬ ‫م َرّبي ل َوَْل د ُ َ‬
‫عاؤُك ُ ْ‬ ‫ما ي َعْب َأ ب ِك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما )‪ (76‬قُ ْ‬ ‫قا ً‬‫م َ‬
‫قّرا وَ ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫م ْ‬‫ت ُ‬ ‫سن َ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫َ‬
‫ما )‪(77‬‬ ‫ن ل َِزا ً‬ ‫ُ‬
‫ف ي َكو ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫فَ َ‬

‫النار ‪ ،‬فل تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار ‪ ،‬وإنها التي قال الله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫قوُلون ربنا هَب ل َنا م َ‬
‫ن {‪ .‬وهذا إسناد‬ ‫جَنا وَذ ُّرّيات َِنا قُّرة َ أعْي ُ ٍ‬ ‫ن أْزَوا ِ‬ ‫ْ َ ِ ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫صحيح ‪ ،‬ولم يخرجوه )‪.(1‬‬
‫ما { قال ابن عباس ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬ ‫ما ً‬ ‫ن إِ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫جعَل َْنا ل ِل ْ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫والسدي ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ :‬أئمة يقتدى بنا في الخير‪.‬‬
‫وقال غيرهم ‪ :‬هداة مهتدين )‪] (2‬ودعاة[ )‪ (3‬إلى الخير ‪ ،‬فأحبوا أن تكون‬
‫عبادتهم متصلة بعبادة أولدهم وذرياتهم )‪ (4‬وأن يكون هداهم متعدًيا )‪ (5‬إلى‬
‫غيرهم بالنفع ‪ ،‬وذلك أكثر )‪ (6‬ثواًبا ‪ ،‬وأحسن مآًبا ؛ ولهذا ورد في صحيح‬
‫مسلم ‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إل من ثلث ‪ :‬ولد صالح يدعو‬
‫له ‪ ،‬أو علم ينتفع به من بعده ‪ ،‬أو صدقة جارية" )‪.(7‬‬
‫ن‬‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫ما )‪َ (75‬‬ ‫سل ً‬ ‫ة وَ َ‬‫حي ّ ً‬
‫ن ِفيَها ت َ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫صب َُروا وَي ُل َ ّ‬‫ما َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫ن ال ْغُْرفَ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ك يُ ْ‬ ‫} ُأول َئ ِ َ‬
‫ُ‬
‫قد ْ‬ ‫م فَ َ‬‫عاؤُك ُ ْ‬ ‫ول د ُ َ‬ ‫م َرّبي ل َ ْ‬ ‫ما ي َعْب َأ ب ِك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما )‪ (76‬قُ ْ‬ ‫قا ً‬ ‫م َ‬ ‫قّرا وَ ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫ما )‪.{ (77‬‬ ‫ن ل َِزا ً‬ ‫ف ي َكو ُ‬‫ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ك َذ ّب ْت ُ ْ‬
‫لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من ]هذه[ )‪ (8‬الصفات‬
‫الجميلة ‪ ،‬والفعال والقوال )‪ (9‬الجليلة )‪ - (10‬قال بعد ذلك كله ‪:‬‬
‫جَزْون { أي ‪ :‬يوم القيامة } ال ْغُْرفَ َ‬ ‫ُ‬
‫ة{‬ ‫} أوْل َِئك { أي ‪ :‬المتصفون بهذه } ي ُ ْ‬
‫وهي الجنة‪.‬‬
‫سد ّيّ ‪ :‬سميت بذلك‬ ‫قال أبو جعفر الباقر ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وال ّ‬
‫لرتفاعها‪.‬‬
‫ن ِفيَها { أي ‪ :‬في الجنة‬ ‫و‬
‫َُ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬‫ي‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫بذلك‬ ‫القيام‬ ‫على‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫روا‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫} بِ َ‬
‫ما { أي ‪ :‬ي ُب َْتدُرون )‪ (11‬فيها بالتحية والكرام ‪ ،‬ويلقون ]فيها[ )‬ ‫سل ً‬ ‫ة وَ َ‬ ‫حي ّ ً‬‫} تَ ِ‬
‫‪ (12‬التوقير والحترام ‪ ،‬فلهم السلم وعليهم السلم ‪ ،‬فإن الملئكة يدخلون‬
‫عليهم من كل باب ‪ ،‬سلم عليكم بما صبرتم ‪ ،‬فنعم عقبى الدار‪.‬‬
‫حولون ول يموتون ‪،‬‬ ‫ن ِفيَها { أي ‪ :‬مقيمين ‪ ،‬ل يظعنون ول ي َ ُ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫دوا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سعِ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫ول يزولون عنها ول يبغون عنها حول كما قال تعالى ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫َ‬
‫ك عَطاًء غَي َْر‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض ِإل َ‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َدا َ‬ ‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫جن ّةِ َ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫فَ ِ‬
‫ذوذ ٍ { ] هود ‪.[108 :‬‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫مقيل ومنزل‪.‬‬ ‫ما { أي ‪ :‬حسنت منظرا وطابت َ‬ ‫قا ً‬ ‫م َ‬ ‫قّرا وَ ُ‬ ‫ست َ َ‬‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫وقوله } َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(6/2‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬مهديين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ذراريهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬متعد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬أكبر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم برقم )‪.(1631‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬القوال والفعال"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬الجميلة"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬يبتدون"‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/133‬‬

‫ُ‬
‫م َرّبي { أي ‪ :‬ل يبالي ول يكترث بكم إذا‬ ‫ما ي َعْب َأ ب ِك ُ ْ‬ ‫ثم قال )‪ (1‬تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل َ‬
‫لم تعبدوه ؛ فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيل‪.‬‬
‫ُ‬
‫م َرّبي { يقول ‪ :‬ما يفعل بكم‬ ‫ما ي َعْب َأ ب ِك ُ ْ‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وعمرو بن شعيب ‪َ } :‬‬
‫ربي‪.‬‬
‫م َرّبي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ما ي َعْب َأ ب ِك ْ‬
‫ل َ‬
‫م { يقول ‪ :‬لول إيمانكم ‪ ،‬وأخبر الله الكفار أنه ل حاجة له بهم إذ‬ ‫عاؤُك ُ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫ول د ُ َ‬
‫لم يخلقهم مؤمنين ‪ ،‬ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم اليمان كما حببه )‪(2‬‬
‫إلى المؤمنين‪.‬‬
‫ما { أي ‪:‬‬ ‫ن ل َِزا ً‬ ‫ُ‬
‫ف ي َكو ُ‬
‫سو ْ َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬أيها الكافرون } ف َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫قد ْ كذ ّب ْت ُ ْ‬
‫ما لكم ‪ ،‬يعني ‪ :‬مقتضيا لهلككم وعذابكم‬ ‫فسوف يكون تكذيبكم )‪ (3‬لزا ً‬
‫ودماركم في الدنيا والخرة ‪ ،‬ويدخل في ذلك يوم بدر ‪ ،‬كما فسره بذلك عبد‬
‫الله بن مسعود ‪ ،‬وأبي بن كعب ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ما { يعني ‪ :‬يوم القيامة‪ .‬ول‬ ‫ن ل َِزا ً‬ ‫كو ُ‬ ‫ف يَ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫وقال الحسن البصري ‪ } :‬فَ َ‬
‫منافاة بينهما‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬حبب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬تكذيبهم"‪.‬‬

‫) ‪(6/134‬‬

‫ن)‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫كوُنوا ُ‬ ‫ك أ َّل ي َ ُ‬ ‫س َ‬‫ف َ‬ ‫خع ٌ ن َ ْ‬ ‫ك َبا ِ‬ ‫ن )‪ (2‬ل َعَل ّ َ‬ ‫مِبي ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬
‫طسم )‪ (1‬ت ِل ْ َ َ‬
‫ما‬
‫ن )‪ (4‬وَ َ‬ ‫ضِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ل ََها َ‬ ‫ت أعَْناقُهُ ْ‬
‫َ‬
‫ة فَظ َل ّ ْ‬
‫َ‬
‫ماِء آي َ ً‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫شأ ْ ن ُن َّز ْ‬‫ن نَ َ‬‫‪ (3‬إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫قد ْ كذ ُّبوا‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (5‬ف َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ضي َ‬
‫معْرِ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ث إ ِل كاُنوا عَن ْ ُ‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ح َ‬‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ذِكرٍ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ي َأِتيهِ ْ‬
‫م أ َن ْب َت َْنا ِفيَها‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَسيأ ِْتيه َ‬
‫ض كَ ْ‬ ‫م ي ََر َْوا إ ِلى الْر ِ‬ ‫ن )‪ (6‬أوَل َ ْ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن َْباُء َ‬ ‫َ َ ِ ْ‬
‫ن َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪8‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫(‬‫‪7‬‬ ‫)‬ ‫َ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫َِ ّ‬ ‫ُ ُ ْ ُ ِ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ً َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ّ ِ‬ ‫ل َ ْ ٍ ِ ٍ‬
‫م‬ ‫ري‬ ‫ك‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م )‪(9‬‬ ‫لَ ُ َ َ ِ ُ ّ ِ ُ‬
‫حي‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ز‬ ‫زي‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫سورة الشعراء‬
‫وهي مكية‪ .‬وََوقع في تفسير مالك المروي عنه تسميُتها ‪ :‬سورة الجامعة‪.‬‬
‫كوُنوا‬ ‫ك َأل ي َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬‫خع ٌ ن َ ْ‬ ‫ك َبا ِ‬ ‫ن )‪ (2‬ل َعَل ّ َ‬ ‫مِبي ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫} طسم )‪ (1‬ت ِل ْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫ضِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ل ََها َ‬ ‫ت أعَْناقُهُ ْ‬ ‫ة فَظ َل ّ ْ‬ ‫ماِء آي َ ً‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬‫شأ ُننز ْ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫ن )‪ (3‬إ ِ ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ُ‬
‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪5‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ضي‬ ‫ر‬ ‫ع‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫نوا‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫إل‬ ‫ث‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫تي‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪4‬‬ ‫)‬
‫ْ‬ ‫ْ ُ ُ ْ ِ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ِْ ِ ْ ِ َ ْ ِ ٍ ِ َ ّ ْ َ ِ ُ ْ َ ٍ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أن ْب َت َْنا‬ ‫ض كَ ْ‬‫م ي َ ََرْوا إ ِلى الْر ِ‬ ‫ن )‪ (6‬أوَل َ ْ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن َْباُء َ‬ ‫سي َأِتيهِ ْ‬ ‫ك َذ ُّبوا فَ َ‬
‫ن‬
‫ن )‪ (8‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة وَ َ‬‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ريم ٍ )‪ (7‬إ ِ ّ‬ ‫ل َزوٍْج ك َ ِ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِفيَها ِ‬
‫م )‪.{ (9‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ك ل َهُوَ العَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫أما الكلم على الحروف المقطعة في أوائل السور ‪ ،‬فقد تكلمنا عليه في‬
‫أول تفسير سورة البقرة‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬هذه آيات القرآن المبين ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ت ِل ْ َ‬
‫مِبي ِ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ك آَيا ُ‬
‫البين الواضح ‪ ،‬الذي يفصل بين الحق والباطل ‪ ،‬والغي والرشاد‪.‬‬
‫خعٌ { أي ‪ :‬مهلك } نفسك { أي ‪ :‬مما تحرص ]عليهم[ )‪(1‬‬ ‫ك َبا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َعَل ّ َ‬
‫َ‬
‫وتحزن عليهم } أل ي َ ُ‬
‫ن { ‪ ،‬وهذه تسلية من الله لرسوله ‪ ،‬صلوات‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كوُنوا ُ‬
‫ن لم يؤمن به من الكفار ‪ ،‬كما قال‬ ‫م ْ‬ ‫الله وسلمه عليه ‪ ،‬في عدم إيمان َ‬
‫ك‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت { ]فاطر ‪ ، [8 :‬وقال ‪ } :‬فَلعَل َ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ب نَ ْ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬فل ت َذ ْهَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فا { ]الكهف ‪.[6 :‬‬ ‫س ً‬‫ثأ َ‬ ‫دي ِ‬‫ح ِ‬ ‫ذا ال َ‬ ‫مُنوا ب ِهَ َ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫نل ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ك عََلى آَثارِهِ ْ‬ ‫س َ‬
‫ف َ‬ ‫خع ٌ ن َ ْ‬ ‫َبا ِ‬
‫ع‬
‫خ ٌ‬ ‫ك َبا ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعطية ‪ ،‬والضحاك ‪ } :‬لعَل َ‬
‫ك { أي ‪ :‬قاتل نفسك‪ .‬قال الشاعر )‪(2‬‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫قادُِر‪...‬‬ ‫َ‬
‫ديه الم َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫حت ْ ُ‬ ‫سه‪ ...‬لشيء )‪ (3‬ن َ َ‬ ‫ن نف َ‬ ‫حز ُ‬ ‫َ‬
‫أل أّيهذا الَباخعُ ال ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م لَها‬ ‫ت أعَْناقُهُ ْ‬ ‫ة فَظل ْ‬ ‫ماِء آي َ ً‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل عَلي ْهِ ْ‬ ‫شأ ُننز ْ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫ثم قال الله تعالى ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬لو شئنا لنزلنا آية تضطرهم إلى اليمان قهرا ‪ ،‬ولكنا ل نفعل‬ ‫ضِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫َ‬
‫شاَء َرب ّكَ‬ ‫َ‬
‫ذلك ؛ لنا ل نريد من أحد إل اليمان الختياري ؛ وقال تعالى ‪ } :‬وَلوْ َ‬
‫َ َ‬
‫ن{‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ت ُك ْرِهُ الّنا َ‬ ‫ميًعا أفَأن ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ض ك ُل ّهُ ْ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬
‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫زا‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫وا‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫َ‬
‫شا‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬‫‪99‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]يونس‬
‫َ‬ ‫ّ َ ّ ً َ ِ َ ً َ ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫فذ قَد َُره‬ ‫م { ]هود ‪ ، [119 ، 118 :‬فن َ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬
‫ك وَ ِ ِ‬
‫ذ‬ ‫ل‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن‪ِ .‬إل َ‬ ‫في َ‬ ‫خت َل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫‪ ،‬ومضت )‪ (4‬حكمته ‪ ،‬وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل‬
‫إليهم ‪ ،‬وإنزال الكتب عليهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬هو ذو الرمة ‪ ،‬والبيت في تفسير الطبري )‪.(19/37‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬بشيء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقضت"‪.‬‬

‫) ‪(6/135‬‬

‫ن)‬ ‫قو َ‬ ‫ن أ ََل ي َت ّ ُ‬ ‫م فِْرعَوْ َ‬ ‫ن )‪ (10‬قَوْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ن ائ ْ ِ‬ ‫سى أ ِ‬


‫َ‬
‫مو َ‬ ‫ك ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ َناَدى َرب ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ساِني‬ ‫صد ِْري وََل ي َن ْط َل ِقُ ل ِ َ‬ ‫ضيقُ َ‬ ‫ن )‪ (12‬وَي َ ِ‬ ‫ن ي ُك َذ ُّبو ِ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ب إ ِّني أ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫‪َ (11‬قا َ‬
‫ل ك َّل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪َ (14‬قا َ‬ ‫قت ُُلو ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ب فَأ َ‬
‫ْ‬
‫ي ذ َن ْ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫م عَل َ‬ ‫ن )‪ (13‬وَل َهُ ْ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫ل إ َِلى َ‬ ‫س ْ‬ ‫فَأْر ِ‬
‫َ‬
‫ب‬
‫ل َر ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫قوَل إ ِّنا َر ُ‬ ‫ن فَ ُ‬ ‫ن )‪ (15‬فَأت َِيا فِْرعَوْ َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫َفاذ ْهََبا ب ِآَيات َِنا إ ِّنا َ‬
‫ل )‪َ (17‬قا َ َ‬ ‫ال ْعال َمين )‪ (16‬أ َ َ‬
‫دا‬‫ك ِفيَنا وَِلي ً‬ ‫ل أل َ ْ‬
‫م ن َُرب ّ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫معََنا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ك ال ِّتي فَعل ْت وأ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫َ َ َ ْ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪18‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ر‬
‫ُ ِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫في‬ ‫ت ِ‬ ‫وَل َب ِث ْ َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫ث ِإل َ‬ ‫ْ‬
‫ن{‬ ‫ضي َ‬ ‫معْرِ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫كاُنوا عَن ْ ُ‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ذِك ْرٍ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأِتيهِ ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ما‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫الناس‬ ‫أكثر‬ ‫عنه‬ ‫أعرض‬ ‫السماء‬ ‫من‬ ‫كتاب‬ ‫جاءهم‬ ‫أي ‪ :‬كلما‬
‫سَرةً‬ ‫ح ْ‬ ‫ن { ]يوسف ‪ ، [103 :‬وقال ‪َ } :‬يا َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫س وَل َوْ َ‬ ‫ِ‬ ‫أ َك ْث َُر الّنا‬
‫ْ‬
‫ن { ]يس ‪ ، [30 :‬وقال ‪:‬‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ل ِإل َ‬ ‫ٍ‬ ‫سو‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫م ِ‬ ‫ما ي َأِتيهِ ْ‬ ‫عََلى ال ْعَِباد ِ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫} ثُ َ‬
‫ضا‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫سول َُها ك َذ ُّبوه ُ فَأت ْب َعَْنا ب َعْ َ‬ ‫ة َر ُ‬ ‫م ً‬ ‫جاَء أ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫سل ََنا ت َت َْرى ك ُل ّ َ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫م أْر َ‬ ‫ّ‬
‫ن { ]المؤمنون ‪ [44 :‬؛ ولهذا قال‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫دا‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫َ‬ ‫دي‬ ‫حا‬ ‫وجعل ْناهُم أ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ٍ ُ‬ ‫ُْ ً‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫َ‬ ‫سيأ ِْتيهم أ َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فقد‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫كا‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫بوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫هاهنا‬ ‫تعالى‬
‫سي َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫كذبوا بما جاءهم من الحق ‪ ،‬فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين ‪ } ،‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن { ]الشعراء ‪.[227 :‬‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫ب ي َن ْ َ‬ ‫قل َ ٍ‬ ‫من ْ َ‬ ‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ثم نبه تعالى على عظمته في سلطانه وجللة قدره وشأنه ‪ ،‬الذين اجترؤوا‬
‫على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه ‪ ،‬وهو القاهر العظيم القادر ‪ ،‬الذي خلق‬
‫الرض وأنبت فيها من كل زوج كريم ‪ ،‬من زروع وثمار وحيوان‪.‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن الشعبي ‪ :‬الناس من نبات الرض ‪ ،‬فمن‬
‫دخل الجنة فهو كريم ‪ ،‬ومن دخل النار فهو لئيم‪.‬‬
‫ة { أي ‪ :‬دللة على قدرة الخالق للشياء ‪ ،‬الذي بسط‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫الرض ورفع بناء السماء ‪ ،‬ومع هذا ما آمن أكثر الناس ‪ ،‬بل كذبوا به وبرسله‬
‫وكتبه ‪ ،‬وخالفوا أمره )‪ (1‬وارتكبوا زواجره‪.‬‬
‫ل شيء وقهره وغلبه ‪،‬‬ ‫زيُز { أي ‪ :‬الذي عَّز ك ّ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫ن عصاه ‪ ،‬بل ينظره ويؤجله ثم‬ ‫م ْ‬ ‫} الرحيم { أي ‪ :‬بخلقه ‪ ،‬فل يعجل على َ‬
‫يأخذه أخذ عزيز مقتدر‪.‬‬
‫قال أبو العالية ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬و]محمد )‪ [ (2‬بن إسحاق ‪:‬‬
‫العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره‪.‬‬
‫ن تاب إليه وأناب‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬الرحيم ب ِ َ‬
‫ظال ِمين )‪ (10‬قَوم فرعَون َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫} وَإ ِذ ْ َناَدى َرب ّ َ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أل‬ ‫ْ َ ِ ْ ْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ال‬ ‫م‬‫ْ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬‫ن ائ ْ ِ‬ ‫سى أ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ك ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ساِني‬ ‫صد ِْري َول ي َن ْط َل ِقُ ل ِ َ‬ ‫ضيقُ َ‬ ‫ن )‪ (12‬وَي َ ِ‬ ‫ن ي ُك َذ ُّبو ِ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ب إ ِّني أ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫)‪َ (11‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كل‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪َ (14‬قا َ‬ ‫قت ُُلو ِ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ب فَأ َ‬
‫ْ‬
‫ي ذ َن ْ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫م عَل َ‬ ‫ن )‪ (13‬وَل َهُ ْ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫ل إ َِلى َ‬ ‫س ْ‬ ‫فَأْر ِ‬
‫ب‬‫ل َر ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫قول إ ِّنا َر ُ‬ ‫ن فَ ُ‬ ‫ن )‪ (15‬فَأت َِيا فِْرعَوْ َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫َفاذ ْهََبا ِبآَيات َِنا إ ِّنا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا‬
‫ك ِفيَنا وَِلي ً‬ ‫م ن َُرب ّ َ‬
‫ل أل ْ‬ ‫ل )‪َ (17‬قا َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫معََنا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫س ْ‬‫ن أْر ِ‬ ‫ن )‪ (16‬أ ْ‬ ‫مي َ‬‫ال َْعال َ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ت وَأن ْ َ‬ ‫ك ال ِّتي فَعَل ْ َ‬ ‫ت فَعْل َت َ َ‬ ‫ن )‪ (18‬وَفَعَل ْ َ‬ ‫سِني َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مرِ َ‬ ‫ن عُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِفيَنا ِ‬ ‫وَل َب ِث ْ َ‬
‫ن )‪{ (19‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أوامره"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/136‬‬

‫َ‬
‫ب ِلي‬ ‫م فَوَهَ َ‬ ‫فت ُك ُ ْ‬
‫خ ْ‬
‫ما ِ‬ ‫م لَ ّ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫فَرْر ُ‬ ‫ن )‪ (20‬فَ َ‬ ‫ضاّلي َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ل فَعَل ْت َُها إ ًِذا وَأَنا ِ‬
‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ت ب َِني‬‫ن عَب ّد ْ َ‬
‫يأ ْ‬ ‫من َّها عَل َ ّ‬
‫ة تَ ُ‬‫م ٌ‬ ‫ن )‪ (21‬وَت ِل ْ َ‬
‫ك ن ِعْ َ‬ ‫سِلي َ‬‫مْر َ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬‫جعَل َِني ِ‬‫ما وَ َ‬ ‫حك ْ ً‬ ‫َرّبي ُ‬
‫ل )‪(22‬‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬
‫ب ِلي‬ ‫فَوَهَ َ‬ ‫م‬‫فت ُك ُ ْ‬
‫خ ْ‬ ‫م لَ ّ‬
‫ما ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ت ِ‬ ‫فَرْر ُ‬ ‫ن )‪ (20‬فَ َ‬‫ضاّلي َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ل فَعَل ْت َُها إ ًِذا وَأَنا ِ‬
‫م َ‬ ‫} َقا َ‬
‫ت ب َِني‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عَب ّد ْ َ‬ ‫ن‬
‫يأ ْ‬ ‫من َّها عَل ّ‬‫ة تَ ُ‬ ‫م ٌ‬‫ن )‪ (21‬وَت ِلك ن ِعْ َ‬‫سِلي َ‬‫مْر َ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬
‫جعَلِني ِ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫حك ً‬ ‫َرّبي ُ‬
‫سَراِئيل )‪{ (22‬‬ ‫َ‬ ‫إِ ْ‬

‫) ‪(6/136‬‬

‫يقول تعالى مخبًرا عما أمر به عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران ‪،‬‬
‫صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬حين ناداه من جانب الطور اليمن ‪ ،‬وكلمه وناجاه‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬وأرسله واصطفاه ‪ ،‬وأمره بالذهاب إلى فرعون وملئه ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أ ِ‬
‫خا ُ َ‬
‫ب إ ِّني أ َ َ‬ ‫ن َأل ي َت ّ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫ن ي ُك َذ ُّبو ِ‬
‫ن‬ ‫فأ ْ‬ ‫ن * َقا َ‬
‫ل َر ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ن قَوْ َ‬
‫م فِْرعَوْ َ‬ ‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ائ ْ ِ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ي ذ َن ْ ٌ‬ ‫م عَل َ ّ‬ ‫ن * وَل َهُ ْ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫ل إ َِلى َ‬ ‫س ْ‬ ‫ساِني فَأْر ِ‬ ‫صد ِْري َول ي َن ْط َل ِقُ ل ِ َ‬ ‫ضيقُ َ‬ ‫* وَي َ ِ‬
‫َ‬
‫ن { هذه أعذار سأل من الله إزاحتها عنه ‪ ،‬كما قال في‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فَأ َ‬
‫قت ُلو ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬
‫قد َةً‬ ‫ل عُ ْ‬ ‫حل ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫با ْ‬ ‫سورة طه ‪َ } :‬قا َ‬
‫ري * َوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫سْر ِلي أ ْ‬ ‫صد ِْري * وَي َ ّ‬ ‫ح ِلي َ‬ ‫شَر ْ‬ ‫ل َر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خي *‬ ‫نأ ِ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫ن أهِْلي * َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِلي وَِزيًرا ِ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫قُهوا قَوِْلي * َوا ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ساِني * ي َ ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ك ك َِثيًرا *‬ ‫ك ك َِثيًرا * وَن َذ ْك َُر َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫*‬ ‫ري‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْ ُ َ ّ َ‬ ‫ِ ُ ِ ُ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ا ُ ْ ِ ِ ْ ِ‬
‫ز‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ش‬
‫سى { ]طه ‪.[36 - 25 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫سؤْل َ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ل قَد ْ أوِتي َ‬ ‫صيًرا * َقا َ‬ ‫ت ب َِنا ب َ ِ‬ ‫ك ك ُن ْ َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬بسبب ما كان ]من[ )‪(1‬‬ ‫قت ُلو ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ب فَأ َ‬ ‫ي ذ َن ْ ٌ‬ ‫م عَل ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَلهُ ْ‬
‫قتل ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من بلد مصر‪.‬‬
‫كل { أي ‪ :‬قال الله له ‪ :‬ل تخف من شيء من ذلك كما قال ‪َ } :‬قا َ‬
‫ل‬ ‫ل َ‬ ‫} َقا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خي َ‬ ‫َ‬ ‫ضد َ َ‬
‫ما‬‫ن إ ِلي ْك َ‬ ‫صلو َ‬ ‫سلطاًنا { أي ‪ :‬برهانا } َفل ي َ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل لك َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ك وَن َ ْ‬ ‫ك ب ِأ ِ‬ ‫شد ّ ع َ ُ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن { ]القصص ‪.[35 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما الَغال ُِبو َ‬ ‫ن ات ّب َعَك َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫ِبآَيات َِنا أن ْت ُ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ع‬
‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫معَك َ‬ ‫ن { كما قال تعالى ‪ } :‬إ ِن ِّني َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫معَك ْ‬ ‫} َفاذ ْهََبا ِبآَيات َِنا إ ِّنا َ‬
‫وَأ ََرى { ]طه ‪ [46 :‬أي ‪ :‬إنني معكما بحفظي وكلءتي ونصري وتأييدي‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن { ‪ ،‬وقال في الية الخرى ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫قول إ ِّنا َر ُ‬ ‫ن فَ ُ‬ ‫} فَأت َِيا فِْرعَوْ َ‬
‫ل‬ ‫س ْ‬ ‫ك { ]طه ‪ [47 :‬أي ‪ :‬كل منا رسول الله إليك ‪ } ،‬أ َ َ‬ ‫سول َرب ّ َ‬
‫ن أْر ِ‬ ‫ْ‬ ‫} إ ِّنا َر ُ‬
‫سَراِئيل { أي ‪ :‬أطلقهم من إسارك وقبضتك وقهرك وتعذيبك ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫معََنا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫فإنهم عباد الله المؤمنون ‪ ،‬وحزبه المخلصون ‪ ،‬وهم معك في العذاب‬
‫المهين‪ .‬فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعون عما هنالك بالكلية ‪ ،‬ونظر‬
‫َ‬
‫ك‬‫مرِ َ‬ ‫ن عُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِفيَنا ِ‬ ‫دا وَل َب ِث ْ َ‬ ‫ك ِفيَنا وَِلي ً‬ ‫م ن َُرب ّ َ‬ ‫بعين الزدراء والغمص فقال ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن [ { )‪ ] (2‬أي ‪ :‬أما أنت‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ت وَأن ْ َ‬ ‫ك ال ِّتي فَعَل ْ َ‬ ‫ت فَعْل َت َ َ‬ ‫ن‪ ].‬وَفَعَل ْ َ‬ ‫سِني َ‬ ‫ِ‬
‫الذي ربيناه فينا )‪ ، [ (3‬وفي بيتنا وعلى فراشنا ]وغذيناه )‪ ، [ (4‬وأنعمنا عليه‬
‫مدة من السنين ‪ ،‬ثم بعد هذا قابلت ذلك الحسان بتلك الفعلة ‪ ،‬أن قتلت منا‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫رجل وجحدت نعمتنا عليك ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَأن ْ َ‬
‫الجاحدين‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬واختاره ابن‬
‫جرير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬قبل أن‬ ‫ضالي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل فَعَلت َُها إ ًِذا { أي ‪ :‬في تلك الحال ‪ } ،‬وَأَنا ِ‬ ‫} َقا َ‬
‫ي بالرسالة والنبوة )‪.(5‬‬ ‫ي وينعم الله عل ّ‬ ‫يوحى إل ّ‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬الجاهلين‪.‬‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫} وَأَنا ِ‬
‫جَرْيج ‪ :‬وهي كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‪.‬‬ ‫قال ابن ُ‬
‫ن{‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫جعَل َِني ِ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫حك ْ ً‬ ‫ب ِلي َرّبي ُ‬ ‫م فَوَهَ َ‬ ‫فت ُك ُ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م لَ ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫فَرْر ُ‬ ‫} فَ َ‬
‫أي ‪ :‬الحال الول انفصل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬بالنبوة والرسالة"‪.‬‬

‫) ‪(6/137‬‬

‫ما‬ ‫َْ‬ ‫ن )‪َ (23‬قا َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫َقا َ‬


‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬‫ب ال ّ‬ ‫َر ّ‬ ‫ل‬ ‫مي َ‬ ‫ما َر ّ‬
‫ن وَ َ‬‫ل فِْرعَوْ ُ‬
‫ُ‬ ‫ل ل ِمن حول َه أَلَ‬
‫ب‬‫م وََر ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (25‬قال َرب ّك ْ‬ ‫مُعو َ‬
‫ست َ ِ‬‫تَ ْ‬ ‫ن )‪َ (24‬قا َ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫موقِِني َ‬ ‫م ُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫إِ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪َ (27‬قا َ‬
‫ل‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م لَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬‫س َ‬
‫ذي أْر ِ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫سول َك ُ ُ‬‫ن َر ُ‬ ‫ل إِ ّ‬‫ن )‪َ (26‬قا َ‬ ‫م اْلوِّلي َ‬ ‫آَبائ ِك ُ ُ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْ ِ‬ ‫ما إ ِ ْ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬‫ب وَ َ‬ ‫ق َوال ْ َ‬
‫مغْرِ ِ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫َر ّ‬

‫سلمت ‪ ،‬وإن خالفته‬ ‫وجاء أمر آخر ‪ ،‬فقد أرسلني الله إليك ‪ ،‬فإن أطعته َ‬
‫عطبت‪.‬‬ ‫َ‬
‫ل { أي ‪ :‬وما‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ن عَب ّد ْ َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫من َّها عَل ّ‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ثم قال موسى ‪ } :‬وَت ِلك ن ِعْ َ‬
‫ت إلى )‪ (1‬بني إسرائيل ‪ ،‬فجعلتهم عبيدا‬ ‫أحسنت إلي ورب ّْيتني مقابل ما أسأ َ‬
‫وخدما ‪ ،‬تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك ‪ ،‬أفَيفي إحسانك إلى رجل واحد‬ ‫َ‬
‫ت إلى مجموعهم ؟ أي ‪ :‬ليس ما ذكرَته شيئا بالنسبة إلى ما‬ ‫منهم بما أسأ َ‬
‫ت بهم‪.‬‬ ‫فعل َ‬
‫ما‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ما‬ ‫و‬
‫ّ َ َ ِ َ ْ ِ َ َ ََُْ َ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫وال‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ب‬
‫َ ّ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫(‬ ‫‪23‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ ِ َ‬ ‫مي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫و‬
‫ِ ْ َ ْ ُ َ َ َ ّ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ر‬‫ف‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫} َقا‬
‫َ‬
‫ب‬‫م وََر ّ‬ ‫ل َرب ّك ُ ْ‬ ‫ن )‪َ (25‬قا َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ه أل ت َ ْ‬ ‫حوْل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ن )‪َ (24‬قا َ‬ ‫موقِِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ُ‬
‫ن )‪َ (27‬قا َ‬
‫ل‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ذي أْر ِ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫سول َك ُ ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن )‪َ (26‬قا َ‬ ‫م الوِّلي َ‬ ‫آَبائ ِك ُ ُ‬
‫ن )‪{ (28‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ما إ ِ ْ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ق َوال ْ َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫َر ّ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن كفر فرعون ‪ ،‬وتمرده وطغيانه وجحوده ‪ ،‬في قوله ‪:‬‬
‫هَ‬
‫ن إ ِل ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫ن { ؟ وذلك أنه كان يقول لقومه ‪َ } :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ما َر ّ‬ ‫} وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عوه ُ { ]الزخرف ‪[54 :‬‬ ‫ه فَأطا ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ف )‪ (2‬قَوْ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ست َ َ‬‫ري { ]القصص ‪َ } ، [38 :‬فا ْ‬ ‫غَي ْ ِ‬
‫‪ ،‬وكانوا يجحدون الصانع ‪ -‬تعالى ‪ -‬ويعتقدون أنه ل رب لهم سوى فرعون ‪،‬‬
‫ن { ]الزخرف ‪ ، [46 :‬قال له‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫فلما قال له موسى ‪ } :‬إ ِّني َر ُ‬
‫ن هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري ؟ هكذا فسره علماء السلف‬ ‫م ْ‬ ‫‪:‬و َ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫م ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫وأئمة الخلف ‪ ،‬حتى قال السدي ‪ :‬هذه الية كقوله تعالى ‪َ } :‬قا َ‬
‫دى { ]طه ‪49 :‬‬ ‫م هَ َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ق ُ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫طى ك ُ ّ‬ ‫ذي أ َعْ َ‬ ‫ل َرب َّنا ال ّ ِ‬ ‫سى * َقا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ما َيا ُ‬ ‫َرب ّك ُ َ‬
‫‪.[50 ،‬‬
‫ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم ؛ أن هذا سؤال عن الماهية ‪ ،‬فقد غلط ؛‬
‫دا له‬ ‫فإنه لم يكن مقًرا بالصانع حتى يسأل عن الماهية )‪ ، (4‬بل كان جاح ً‬
‫بالكلية فيما يظهر ‪ ،‬وإن كانت الحجج والبراهين قد قامت عليه ‪ ،‬فعند ذلك‬
‫ما‬‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ب ال ّ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قال موسى لما سأله عن رب العالمين ‪َ } :‬قا َ‬
‫ما { أي ‪ :‬خالق جميع ذلك ومالكه ‪ ،‬والمتصرف فيه وإلهه ‪ ،‬ل شريك له ‪،‬‬ ‫ب َي ْن َهُ َ‬
‫هو الله الذي خلق الشياء كلها ‪ ،‬العالم العلوي وما فيه من الكواكب الثوابت‬
‫والسيارات النيرات ‪ ،‬والعالم السفلي وما فيه من بحار وقفار ‪ ،‬وجبال‬
‫وأشجار ‪ ،‬وحيوان ونبات وثمار ‪ ،‬وما بين ذلك من الهواء والطيور ‪ ،‬وما يحتوي‬
‫عليه الجو ‪ ،‬الجميع )‪ (5‬عبيد له خاضعون ذليلون‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إن كانت لكم قلوب موقنة ‪ ،‬وأبصار نافذة‪ .‬فعند‬ ‫موقِِني َ‬ ‫م ُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫} إِ ْ‬
‫ملئه ورؤساء دولته قائل لهم ‪ ،‬على‬ ‫َ‬ ‫ن حوله من َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذلك التفت فرعون إلى َ‬
‫ن{‬ ‫َ‬
‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫سبيل التهكم والستهزاء والتكذيب لموسى فيما قاله ‪ } :‬أل ت َ ْ‬
‫أي ‪ :‬أل تعجبون مما يقول هذا في زعمه ‪ :‬أن لكم إلها غيري ؟ فقال لهم‬
‫ن { أي ‪ :‬خالقكم وخالق آبائكم الولين )‬ ‫م الوِّلي َ‬ ‫ب آَبائ ِك ُ ُ‬ ‫م وََر ّ‬ ‫موسى ‪َ } :‬رب ّك ُ ْ‬
‫‪ ، (6‬الذي كانوا قبل فرعون وزمانه‪.‬‬
‫ُ‬
‫ن{‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م لَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ذي أْر ِ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫سول َك ُ ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫} قال { أي ‪ :‬فرعون لقومه ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫أي ‪ :‬ليس‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬واستخف"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ومن" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ماهيته"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬والجميع"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬الوائل"‪.‬‬

‫) ‪(6/138‬‬

‫ك من ال ْمسجوِنين )‪َ (29‬قا َ َ‬


‫ك‬ ‫ل أوَل َوْ ِ‬
‫جئ ْت ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫جعَل َن ّ َ ِ‬ ‫ري َل َ ْ‬ ‫ت إ ِل ًَها غَي ْ ِ‬‫خذ ْ َ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫َقا َ َ‬
‫ل لئ ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صاه ُ فَإ َِذا‬ ‫قى عَ َ‬ ‫ن )‪ (31‬فَأل َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬‫ت ب ِهِ إ ِ ْ‬ ‫ل فَأ ِ‬ ‫ن )‪َ (30‬قا َ‬ ‫مِبي ٍ‬
‫يٍء ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ملَِ‬ ‫ل ل ِل َْ‬
‫ن )‪َ (33‬قا َ‬ ‫ري َ‬‫ضاُء ِللّناظ ِ ِ‬ ‫ي ب َي ْ َ‬‫ن )‪ (32‬وَن ََزع َ ي َد َه ُ فَإ َِذا هِ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫ي ث ُعَْبا ٌ‬ ‫هِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حرِهِ فَ َ‬
‫ماَذا‬ ‫س ْ‬
‫م بِ ِ‬ ‫ضك ْ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫جك ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬‫ريد ُ أ ْ‬ ‫م )َ‪ (34‬ي ُ ِ‬ ‫حٌر عَِلي ٌ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا ل َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫حوْل ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ل‬‫ن )‪ (36‬ي َأُتوك ب ِك ّ‬ ‫ري َ‬
‫ش ِ‬‫حا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دائ ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِفي ال َ‬ ‫خاهُ َواب ْعَ ْ‬ ‫ه وَأ َ‬ ‫ج ْ‬‫ن )‪َ (35‬قالوا أْر ِ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ت َأ ُ‬
‫حارٍ عَِليم ٍ )‪(37‬‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬

‫م ربا غيري‪.‬‬ ‫له عقل في دعواه أن ث ّ‬


‫} قال { أي ‪ :‬موسى لولئك الذين أوعز إليهم فرعون ما أوعز من الشبهة ‪،‬‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما إ ِ ْ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ق َوال ْ َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫فأجاب موسى بقوله ‪َ } :‬ر ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬هو الذي جعل المشرق مشرًقا تطلع منه الكواكب ‪ ،‬والمغرب‬ ‫قُلو َ‬ ‫ت َعْ ِ‬
‫مغرًبا تغرب فيه )‪ (1‬الكواكب ‪ ،‬ثوابتها وسياراتها ‪ ،‬مع هذا النظام الذي‬
‫درها ‪ ،‬فإن كان هذا الذي يزعم أنه ربكم وإلهكم صادًقا‬ ‫خرها فيه وق ّ‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫فليعكس المر ‪ ،‬وليجعل المشرق مغرًبا ‪ ،‬والمغرب مشرًقا ‪ ،‬كما أخبر تعالى‬
‫َ‬
‫ذي‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫هي ُ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫ك إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ن آَتاهُ الل ّ ُ‬ ‫م ِفي َرب ّهِ أ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ج إ ِب َْرا ِ‬ ‫حا ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫عن } ال ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه ي َأِتي ِبال ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م فَإ ِ ّ‬ ‫هي ُ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَأ ِ‬ ‫ل أَنا أ ْ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫مي َ‬ ‫م الظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫فَر َوالل ُ‬ ‫َ‬
‫ذي ك َ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫ب فب ُهِ َ‬ ‫َ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ب َِها ِ‬ ‫ق فأ ِ‬ ‫َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫غلب فرعون وانقطعت حجته ‪ ،‬عدل إلى‬ ‫{ ]البقرة ‪ [258 :‬؛ ولهذا لما ُ‬
‫استعمال جاهه وقوته وسلطانه ‪ ،‬واعتقد أن ذلك نافع له ونافذ في موسى ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬فقال ما أخبر الله تعالى عنه ‪:‬‬
‫َ‬
‫جئ ْت ُ َ‬
‫ك‬ ‫ل أوَل َوْ ِ‬ ‫ن )‪َ (29‬قا َ‬ ‫جوِني َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جعَل َن ّ َ‬ ‫ري ل ْ‬ ‫ت إ ِل ًَها غَي ْ ْ ِ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ل لئ ِ ِ‬
‫} َقا َ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (31‬فَأل ْ َ‬
‫صاه ُ فَإ َِذا‬ ‫قى عَ َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ت ب ِهِ إ ِ ْ‬ ‫ل فَأ ِ‬ ‫ن )‪َ (30‬قا َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫يٍء ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫بِ َ‬
‫مل‬ ‫ْ‬
‫ل ل ِل َ‬ ‫ن )‪َ (33‬قا َ‬ ‫ري َ‬ ‫ضاُء ِللّناظ ِ ِ‬ ‫ي ب َي ْ َ‬ ‫ن )‪َ (32‬ونزع َ ي َد َه ُ فَإ َِذا هِ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫ي ث ُعَْبا ٌ‬ ‫هِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماَذا‬ ‫حرِهِ فَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫م )َ‪ (34‬ي ُ ِ‬ ‫حٌر عَِلي ٌ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا ل َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫حوْل ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪ (36‬ي َأُتو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ك ب ِك ّ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دائ ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِفي ال َ‬ ‫خاهُ َواب ْعَ ْ‬ ‫ه وَأ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن )‪َ (35‬قالوا أْر ِ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ت َأ ُ‬
‫حارٍ عَِليم ٍ )‪{ (37‬‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫لما قامت على فرعون الحجة بالبيان والعقل ‪ ،‬عدل إلى أن يقهر موسى‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫بيده وسلطانه ‪ ،‬وظن أنه ليس وراء هذا المقام مقال )‪ (2‬فقال ‪ } :‬لئ ِ ِ‬
‫ن {‪ .‬فعند ذلك قال موسى ‪ } :‬أوَل َ ْ‬
‫و‬ ‫جوِني َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جعَل َن ّ َ‬ ‫ري ل ْ‬ ‫ت إ ِل ًَها غَي ْ ِ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫ات ّ َ‬
‫ن { ؟ أي ‪ :‬ببرهان قاطع واضح‪.‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫يٍء ُ‬ ‫شْ ْ‬ ‫َ‬
‫جئ ْت ُك ب ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫ي ثعَْبا ٌ‬ ‫صاه ُ فإ َِذا هِ َ‬ ‫قى عَ َ‬ ‫ن فأل َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن كن ْ َ‬ ‫ت ب ِهِ إ ِ ْ‬ ‫} قال فأ ِ‬
‫‪ :‬ظاهر واضح في غاية الجلء والوضوح والعظمة ‪ ،‬ذات قوائم وفم كبير ‪،‬‬
‫وشكل هائل مزعج‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬تتلل كقطعة‬ ‫ري َ‬ ‫ضاُء ِللّناظ ِ ِ‬ ‫ي ب َي ْ َ‬ ‫} َونزع َ ي َد َه ُ { أي ‪ :‬من جيبه } فَإ َِذا هِ َ‬
‫من القمر‪ .‬فبادر فرعون ‪ -‬بشقائه ‪ -‬إلى التكذيب والعناد ‪ ،‬فقال للمل حوله ‪:‬‬
‫م { أي ‪ :‬فاضل بارع في السحر‪ .‬فََرّوج عليهم فرعون‬ ‫حٌر عَِلي ٌ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا ل َ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫أن هذا من قبيل السحر ل من قبيل المعجزة ‪ ،‬ثم هيجهم وحرضهم على‬
‫خرجك ُم م َ‬ ‫َ‬
‫حرِهِ فَ َ‬
‫ماَذا‬ ‫س ْ‬ ‫ضك ُ ْ‬
‫م بِ ِ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ن يُ ْ ِ َ ْ ِ ْ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫مخالفته ‪ ،‬والكفر به‪ .‬فقال } ي ُ ِ‬
‫ن { ؟ أي ‪ :‬أراد أن يذهب بقلوب الناس معه بسبب هذا ‪ ،‬فيكثر أعوانه‬ ‫ْ‬
‫مُرو َ‬ ‫ت َأ ُ‬
‫ي فيه‬
‫وأنصاره وأتباعه ويغلبكم على دولتكم ‪ ،‬فيأخذ البلد منكم ‪ ،‬فأشيروا عل ّ‬
‫ماذا أصنع به ؟‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حارٍ عَِليم ٍ { )‬ ‫س ّ‬‫ل َ‬‫ك ب ِك ُ ّ‬‫ن ي َأُتو َ‬
‫ري َ‬
‫ش ِ‬
‫حا ِ‬
‫ن َ‬ ‫دائ ِ ِ‬ ‫ث ِفي ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫خاهُ َواب ْعَ ْ‬‫ه وَأ َ‬
‫ج ْ‬‫} َقاُلوا أْر ِ‬
‫خره وأخاه حتى تجمع له من مدائن مملكتك وأقاليم دولتك كل‬ ‫‪] (3‬أي ‪ :‬أ ّ‬
‫حار عليم[ )‪ (4‬يقابلونه ‪ ،‬ويأتون بنظير ما جاء به ‪ ،‬فتغلبه أنت وتكون لك‬ ‫س ّ‬
‫النصرة والتأييد‪ .‬فأجابهم إلى ذلك‪ .‬وكان هذا من تسخير الله تعالى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬منه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في هـ ‪" :‬مقام" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬ساحر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/139‬‬

‫ل ِللناس هَ ْ َ‬ ‫ت ي َوْم َ ُ‬
‫ن)‬
‫مُعو َ‬
‫جت َ ِ‬
‫م ْ‬
‫م ُ‬
‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫معْلوم ٍ )‪ (38‬وَِقي َ ّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قا ِ‬
‫مي َ‬
‫حَرةُ ل ِ ِ‬
‫س َ‬
‫معَ ال ّ‬ ‫فَ ُ‬
‫ج ِ‬
‫‪(39‬‬

‫لهم في ذلك ؛ ليجتمع الناس في صعيد واحد ‪ ،‬ولتظهر آيات الله وحججه‬
‫وبراهينه على الناس في النهار جهرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫معُْلوم ٍ )‪ (38‬وَِقي َ‬
‫ن)‬
‫مُعو َ‬
‫جت َ ِ‬
‫م ْ‬
‫م ُ‬ ‫س هَ ْ‬
‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ل ِللّنا ِ‬ ‫ت ي َوْم ٍ َ‬
‫قا ِ‬
‫مي َ‬
‫حَرةُ ل ِ ِ‬
‫س َ‬
‫معَ ال ّ‬ ‫} فَ ُ‬
‫ج ِ‬
‫‪{ (39‬‬

‫) ‪(6/140‬‬

‫ن‬
‫فْرعَوْ َ‬‫حَرةُ َقاُلوا ل ِ ِ‬ ‫س َ‬ ‫جاَء ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (40‬فَل َ ّ‬ ‫م ال َْغال ِِبي َ‬ ‫كاُنوا هُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫حَرة َ إ ِ ْ‬‫س َ‬‫ل َعَل َّنا ن َت ّب ِعُ ال ّ‬
‫ن)‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫م َ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫م إ ًِذا ل َ ِ‬
‫م وَإ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ل ن َعَ ْ‬‫ن )‪َ (41‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال َْغال ِِبي‬ ‫ُ‬ ‫ن ك ُّنا ن َ ْ‬
‫ح‬ ‫جًرا إ ِ ْ‬ ‫ن ل ََنا َل َ ْ‬
‫ّ‬ ‫أ َئ ِ‬
‫م‬
‫صي ّهُ ْ‬‫ع ِ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫حَبال َهُ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن )‪ (43‬فَأ َل ْ َ‬ ‫قو َ‬ ‫مل ْ ُ‬‫م ُ‬
‫َ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫سى أ َل ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫‪َ (42‬قا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صاه ُ فَإ َِذا هِ َ‬
‫ي‬ ‫سى عَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قى ُ‬ ‫ن )‪ (44‬فَأل َ‬ ‫ن الَغال ُِبو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن إ ِّنا لن َ ْ‬ ‫وََقاُلوا ب ِعِّزةِ فِْرعَوْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َأ ْفِ ُ‬
‫ب‬‫مّنا ب َِر ّ‬ ‫ن )‪َ (46‬قاُلوا آ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬
‫سا ِ‬‫حَرةُ َ‬ ‫س َ‬‫ي ال ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ن )‪ (45‬فَأل ْ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ف َ‬‫ق ُ‬ ‫ت َل ْ َ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫هاُرو َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن )‪َ (47‬ر ّ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬
‫حَرةُ َقاُلوا‬ ‫س َ‬ ‫جاَء ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (40‬فَل َ ّ‬ ‫م ال َْغال ِِبي َ‬ ‫كاُنوا هُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫حَرةَ إ ِ ْ‬ ‫س َ‬‫} ل َعَل َّنا ن َت ّب ِعُ ال ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م إ ًِذا ل َ ِ‬‫م وَإ ِن ّك ُ ْ‬‫ل ن َعَ ْ‬ ‫ن )‪َ (41‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال َْغال ِِبي‬ ‫ُ‬ ‫ن ك ُّنا ن َ ْ‬
‫ح‬ ‫جًرا إ ِ ْ‬ ‫ن ل ََنا ل ْ‬‫ّ‬ ‫ن أ َئ ِ‬ ‫فْرعَوْ َ‬ ‫لِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حَبال َهُ ْ‬
‫م‬ ‫وا ِ‬ ‫ن )‪ (43‬فَأل ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫قو َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م ُ‬‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫سى أل ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪َ (42‬قا َ‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (44‬فَأل َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صاهُ‬ ‫سى عَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قى ُ‬ ‫ن الَغال ُِبو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن إ ِّنا لن َ ْ‬ ‫م وََقالوا ب ِعِّزةِ فِْرعَوْ َ‬ ‫صي ّهُ ْ‬‫ع ِ‬ ‫وَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ما ي َأفِ ُ‬ ‫ْ‬
‫ب‬
‫مّنا ب َِر ّ‬ ‫ن )‪َ (46‬قالوا آ َ‬ ‫دي َ‬‫ج ِ‬
‫سا ِ‬ ‫حَرةُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ن )‪ (45‬فَأل ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ف َ‬‫ق ُ‬ ‫ي ت َل َ‬ ‫فَإ َِذا هِ َ‬
‫ن )‪.{ (48‬‬ ‫هاُرو َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن )‪َ (47‬ر ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫ذكر ]الله[ )‪ (1‬تعالى هذه المناظرة الفعلية بين موسى والقبط في "سورة‬
‫العراف" وفي "سورة طه" وفي هذه السورة ‪ :‬وذلك أن القبط أرادوا أن‬
‫يطفئوا نور الله بأفواههم ‪ ،‬فأبى )‪ (2‬الله إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون‪.‬‬
‫ف‬‫قذ ِ ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫وهذا شأن الكفر واليمان ‪ ،‬ما تواجها وتقابل إل غلبه اليمان ‪ } ،‬ب َ ْ‬
‫ن{‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬‫ما ت َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ال ْوَي ْ ُ‬ ‫ه فَإ َِذا هُوَ َزاهِقٌ وَل َك ُ ُ‬ ‫مغُ ُ‬ ‫ل فَي َد ْ َ‬ ‫حقّ عََلى ال َْباط ِ ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫هوًقا {‬ ‫ن َز ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ال َْباط ِ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫حقّ وََزهَقَ ال َْباط ِ ُ‬ ‫جاَء ال ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫]النبياء ‪ } ، [18 :‬وَقُ ْ‬
‫]السراء ‪ ، [81 :‬ولهذا لما جاء السحرة ‪ ،‬وقد جمعوهم من أقاليم بلد مصر ‪،‬‬
‫وكانوا إذ ذاك أسحر الناس وأصنعهم وأشدهم تخييل في ذلك ‪ ،‬وكان السحرة‬
‫فا‪ .‬وقيل ‪ :‬خمسة عشر‬ ‫ما غفيًرا ‪ ،‬قيل ‪ :‬كانوا اثني عشر أل ً‬ ‫جمًعا كثيًرا ‪ ،‬وج ً‬
‫فا‪ .‬وقيل ‪ :‬بضعة وثلثين‬ ‫فا وقيل ‪ :‬تسعة عشر أل ً‬ ‫فا‪ .‬وقيل ‪ :‬سبعة عشر أل ً‬ ‫أل ً‬
‫فا‪ .‬وقيل غير ذلك ‪ ،‬والله أعلم بعدتهم‪.‬‬ ‫فا‪ .‬وقيل ‪ :‬ثمانين أل ً‬ ‫أل ً‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان أمرهم راجًعا إلى أربعة منهم وهم رؤساؤهم ‪ :‬وهم ‪:‬‬
‫ساتور وعازور )‪ (3‬وحطحط )‪ (4‬ويصقى‪.‬‬
‫ع‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫واجتهد )‪ (5‬الناس في الجتماع ذلك اليوم ‪ ،‬وقال قائلهم ‪ } :‬لعَلَنا ن َت ّب ِ ُ‬
‫ن[ { )‪ ، (6‬ولم‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م إ ًِذا ل َ ِ‬ ‫م وَإ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ل ن َعَ ْ‬‫ن ]َقا َ‬ ‫م ال َْغال ِِبي َ‬ ‫كاُنوا هُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫حَرةَ إ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫يقولوا ‪ :‬نتبع الحق سواء كان من السحرة أو من موسى ‪ ،‬بل الرعية على‬
‫حَرة ُ { أي ‪ :‬إلى مجلس فرعون وقد ضرب له‬ ‫س َ‬ ‫جاَء ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫دين ملكهم‪ } .‬فَل َ ّ‬
‫وطاقا ‪ ،‬وجمع حشمه وخدمه ]وأمراءه[ )‪ (7‬ووزراءه ورؤساء دولته وجنود‬
‫مملكته ‪ ،‬فقام السحرة بين يدي فرعون )‪ (8‬يطلبون منه الحسان إليهم‬
‫َ‬
‫ن لَنا‬ ‫َ‬
‫والتقرب إليه إن غلبوا ‪ ،‬أي ‪ :‬هذا الذي جمعتنا من أجله ‪ ،‬فقالوا ‪ } :‬أئ ِ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬وأخص‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م إ ًِذا ل َ ِ‬ ‫م وَإ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ل ن َعَ ْ‬‫ن * َقا َ‬ ‫ن ال َْغال ِِبي َ‬ ‫ح ُ‬‫ن ك ُّنا ن َ ْ‬ ‫جًرا إ ِ ْ‬ ‫ل ْ‬
‫مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي‪ .‬فعادوا إلى مقام‬
‫َ‬
‫ن أل ْ َ‬ ‫ن أ َوّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قى *‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ي وَإ ِ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ت ُل ْ ِ‬‫ما أ ْ‬ ‫سى إ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫المناظرة } َقاُلوا )‪َ (9‬يا ُ‬
‫قوا { ]طه ‪ ، [66 ، 65 :‬وقد اختصر هذا هاهنا فقال لهم موسى ‪:‬‬ ‫ل أ َل ْ ُ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫} أ َل ُ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬‫ن إ ِّنا لن َ ْ‬ ‫م وََقالوا ب ِعِّزةِ فِْرعَوْ َ‬ ‫صي ّهُ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫حَبالهُ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن * فَأل َ‬ ‫قو َ‬ ‫مل ُ‬ ‫م ُ‬‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫قوا َ‬
‫ن { ‪ ،‬وهذا كما يقوله‬ ‫ال َْغال ُِبو َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيأبى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وعادون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ‪" .‬وحطحة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬وحشر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بين يديه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬فقالوا" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(6/140‬‬

‫ل آ َمنتم ل َه قَب َ َ‬
‫ف‬
‫سو ْ َ‬ ‫حَر فَل َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫ذي عَل ّ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ه ل َك َِبيُرك ُ ُ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ن آ َذ َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َقا َ َ ْ ُ ْ ُ ْ‬
‫ن )‪َ (49‬قاُلوا لَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت َعْل َمو َ ُ‬
‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫ُ‬
‫صلب َن ّك ْ‬ ‫ف وَل َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫جل ك ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫ُ‬
‫ن أي ْدِي َك ْ‬ ‫ن َلقَط ّعَ ّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫خ َ‬ ‫فَر ل ََنا َرب َّنا َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ن ك ُّنا أوّ َ‬ ‫طاَياَنا أ ْ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫مع ُ أ ْ‬ ‫ن )‪ (50‬إ ِّنا ن َط ْ َ‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫ضي َْر إ ِّنا إ َِلى َرب َّنا ُ‬
‫من ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫مت ّب َُعو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫سرِ ب ِعَِباِدي إ ِن ّك ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫حي َْنا إ ِلى ُ‬ ‫ن )‪ (51‬وَأوْ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(54‬‬ ‫ة قَِليُلو َ‬ ‫م ٌ‬‫شْرذِ َ‬ ‫ن هَؤَُلِء ل َ ِ‬ ‫ن )‪ (53‬إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ري‬
‫ِ‬ ‫ش‬‫حا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دائ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫فَأْر َ‬
‫َ‬
‫ت‬
‫جّنا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫جَناهُ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ن )‪ (56‬فَأ ْ‬ ‫حاذُِرو َ‬ ‫ميعٌ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن )‪ (55‬وَإ ِّنا ل َ َ‬ ‫ظو َ‬ ‫م ل ََنا ل ََغائ ِ ُ‬ ‫وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫سَراِئيل )‪(59‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ريم ٍ )‪ (58‬كذ َل ِك وَأوَْرثَنا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ها ب َِني إ ِ ْ‬ ‫قام ٍ ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (57‬وَكُنوزٍ وَ َ‬ ‫وَعُُيو ٍ‬
‫الجهلة من العوام إذا فعلوا شيئا ‪ :‬هذا بثواب فلن‪ .‬وقد ذكر الله في سورة‬
‫ظيم ٍ {‬ ‫َ‬
‫حرٍ عَ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫جاُءوا ب ِ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ست َْرهَُبوهُ ْ‬ ‫س َوا ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫حُروا أعْي ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫العراف ‪ :‬أنهم } َ‬
‫خي ّلُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫صي ّهُ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫حَبالهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫]العراف ‪ ، [116 :‬وقال في "سورة طه" ‪ } :‬فإ ِذا ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫إل َيه من سحره َ‬
‫ف‬‫َ َ ْ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫*‬ ‫سى‬ ‫خي ً ُ َ‬ ‫مو‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫سهِ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫س ِفي ن َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫سَعى * فَأوْ َ‬ ‫م أن َّها ت َ ْ‬ ‫ِ ْ ِ ِ ْ ِ ْ ِ ِ ْ‬
‫ر‬ ‫ح‬ ‫سا‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫عوا‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫عوا‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫ما‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ي‬ ‫في‬ ‫ما‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ت العَْلى‬ ‫إن َ َ‬
‫ْ ُ َ ِ ٍ‬ ‫ْ َ َ َ ُ ِّ َ َ َ ُ‬ ‫َ ِ ِ َ‬ ‫َ ِ َ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ِّ‬
‫ث أ ََتى { ]طه ‪.[69 ، 66 :‬‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ّ ُ َ‬ ‫ر‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫سا‬ ‫ال‬ ‫ح‬‫ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ول‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫قف ما يأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫صا‬ ‫ع‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َوقال هاهنا ‪ } :‬فَأ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫تختطفه )‪ (1‬وتجمعه من كل بقعة وتبتلعه فلم تدع منه شيئا‪.‬‬
‫قل َُبوا‬ ‫ك َوان ْ َ‬ ‫ن فَغُل ُِبوا هَُنال ِ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫حقّ وَب َط َ َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬فَوَقَعَ ال ْ َ‬
‫ُ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مّنا ب َِر ّ‬ ‫ن‪َ .‬قاُلوا آ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫حَرة ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ن‪ .‬وَأل ْ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫صاِغ ِ‬ ‫َ‬
‫دا ‪ ،‬وبرهاًنا‬ ‫ن { ]العراف ‪ [122 - 118 :‬وكان هذا أمرا عظيما ج ً‬ ‫هاُرو َ‬ ‫وَ َ‬
‫قاطًعا للعذر وحجة دامغة ‪ ،‬وذلك أن الذين استنصر بهم وطلب منهم أن‬
‫يغلبوا ‪ ،‬قد غلبوا وخضعوا وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة ‪ ،‬وسجدوا لله‬
‫ب‬ ‫رب العالمين ‪ ،‬الذي أرسل موسى وهارون بالحق وبالمعجزة الباهرة ‪ ،‬فَغُل ِ َ‬
‫حا جريًئا عليه لعنة الله ‪ ،‬فعدل‬ ‫غلًبا لم يشاهد العالم مثله ‪ ،‬وكان وق ً‬ ‫فرعون َ‬
‫إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل ‪ ،‬فشرع يتهددهم ويتوعدهم ‪ ،‬ويقول ‪} :‬‬
‫مك ٌْر‬ ‫ذا ل َ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫حَر { ]طه ‪ ، [71 :‬وقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫ذي عَل ّ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ه ل َك َِبيُرك ُ ُ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن { ]العراف ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫من َْها أهْل ََها فَ َ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫دين َةِ ل ِت ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫موه ُ ِفي ال ْ َ‬ ‫مك َْرت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫‪.[123‬‬
‫ل آمنتم ل َه قَب َ َ‬
‫ف‬
‫سو ْ َ‬ ‫حَر فَل َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫ذي عَل ّ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ه ل َك َِبيُرك ُ ُ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ن آذ َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫} َقا َ َ ْ ُ ْ ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تعل َمون لقَط ّع َ‬
‫ن )‪َ (49‬قالوا ل‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫صلب َن ّك ُ ْ‬ ‫ف َول َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جل ك ُ ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫ن أي ْدِي َك ُ ْ‬ ‫َ ّ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫َ‬
‫ن ك ُّنا أوّ َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خطاَياَنا أ ْ‬ ‫فَر لَنا َرب َّنا َ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫مع ُ أ ْ‬ ‫ن )‪ (50‬إ ِّنا ن َط َ‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ضي َْر إ ِّنا إ ِلى َرب َّنا ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (51‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫تهددهم فلم يقطع ذلك فيهم ‪ ،‬وتوعدهم فما زادهم إل إيمانا وتسليما‪ .‬وذلك‬
‫أنه قد كشف عن قلوبهم حجاب الكفر ‪ ،‬وظهر لهم الحق بعلمهم ما جهل‬
‫قومهم ‪ ،‬من أن هذا الذي جاء به موسى ل يصدر عن بشر ‪ ،‬إل أن يكون الله‬
‫قد أيده به ‪ ،‬وجعله له حجة ودللة على صدق ما جاء به من ربه ؛ ولهذا لما‬
‫قال لهم فرعون ‪ } :‬آمنتم ل َه قَب َ َ‬
‫م { ؟ أي ‪ :‬كان ينبغي أن‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ن آذ َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ ُْ ْ ُ ْ‬
‫ي في ذلك ‪ ،‬فإن أذنت لكم فعلتم ‪ ،‬وإن‬ ‫تستأذنوني فيما فعلتم ‪ ،‬ول تفتاتوا عل ّ‬
‫مك ُُ‬
‫م‬ ‫ذي عَل َّ‬ ‫م ال ِّ‬ ‫ه ل َك َِبيُرك ُُ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫؛‬ ‫المطاع‬ ‫منعتكم امتنعتم ‪ ،‬فإني أنا الحاكم‬
‫حَر {‪ .‬وهذه مكابرة يعلم كل أحد ُبطلنها ‪ ،‬فإنهم لم يجتمعوا بموسى‬ ‫س ْ‬ ‫ال ّ‬
‫قبل ذلك اليوم ‪ ،‬فكيف يكون كبيرهم الذي أفادهم صناعة السحر ؟ هذا ل‬
‫يقوله عاقل‪.‬‬
‫ضي َْر { أي ‪:‬‬ ‫عدهم فرعون بقطع اليدي والرجل والصلب ‪ ،‬فقالوا ‪ } :‬ل َ‬ ‫ثم تو ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬المرجع )‪(2‬‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل حرج ول يضرنا ذلك ول نبالي به } إ ِّنا إ ِلى َرب َّنا ُ‬
‫ن أحسن عمل ول يخفى عليه ما فعلت بنا ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫إلى الله ‪ ،‬وهو ل يضيع أجر َ‬
‫فَر لَنا َرب َّنا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َغْ ِ‬ ‫مع ُ أ ْ‬ ‫وسيجزينا على ذلك أتم الجزاء ؛ ولهذا قالوا ‪ } (3) :‬إ ِّنا ن َط َ‬
‫طاَياَنا { أي ‪ :‬ما قارفناه )‪ (4‬من الذنوب ‪ ،‬وما أكرهتنا عليه من السحر ‪،‬‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن كّنا أوّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬بسبب أنا بادرنا قومنا من القبط إلى اليمان‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫}أ ْ‬
‫فقتلهم )‪ (5‬كلهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن )‪ (52‬فأْر َ‬ ‫َ‬ ‫مت ّب َُعو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫سرِ ب ِعَِباِدي إ ِن ّك ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫حي َْنا إ َِلى ُ‬ ‫} وَأوْ َ‬
‫ن)‬ ‫ظو َ‬ ‫م ل ََنا ل ََغائ ِ ُ‬ ‫ن )‪ (54‬وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ة قَِليُلو َ‬ ‫م ٌ‬ ‫شْرذِ َ‬ ‫ؤلِء ل َ ِ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫ن )‪ (53‬إ ِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫دائ ِ ِ‬ ‫م َ‬
‫ن )‪ (57‬وَك ُُنوٍز‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جَناهُ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ن )‪ (56‬فَأ ْ‬ ‫حاذُِرو َ‬ ‫ميعٌ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫‪ (55‬وَإ ِّنا ل َ َ‬
‫َ‬ ‫ريم ٍ )‪ (58‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ل )‪.{ (59‬‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ها ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ك وَأوَْرث َْنا َ‬ ‫قام ٍ ك َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تخطفه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الرجوع"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ما فرقناه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قبلهم"‪.‬‬

‫) ‪(6/141‬‬

‫جج الله )‪(1‬‬ ‫ح َ‬


‫مقام موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ببلد مصر ‪ ،‬وأقام بها ُ‬ ‫لما طال ُ‬
‫وبراهينه على فرعون وملئه ‪ ،‬وهم مع ذلك يكابرون ويعاندون ‪ ،‬لم يبق لهم‬
‫إل العذاب والنكال ‪ ،‬فأمر الله موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أن يخرج ببني إسرائيل‬
‫مر ‪ ،‬ففعل موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ما‬ ‫ليل من مصر ‪ ،‬وأن يمضي بهم حيث يؤُ َ‬
‫أمره به ربه عز وجل‪ .‬خرج بهم بعدما استعاروا من قوم فرعون حليا كثيرا ‪،‬‬
‫وكان خروجه بهم ‪ ،‬فيما ذكر غير واحد من المفسرين ‪ ،‬وقت طلوع القمر‪.‬‬
‫سف القمر تلك الليلة ‪ ،‬فالله أعلم ‪ ،‬وأن‬ ‫وذكر مجاهد ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬أنه ك ُ ِ‬
‫موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬سأل عن قبر يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فدلته امرأة‬
‫عجوز من بني إسرائيل عليه ‪ ،‬فاحتمل تابوته معهم ‪ ،‬ويقال ‪ :‬إنه هو الذي‬
‫حمله بنفسه ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬وكان يوسف قد أوصى بذلك إذا خرج بنو‬
‫إسرائيل أن يحملوه )‪ (2‬معهم ‪ ،‬وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم ‪،‬‬
‫رحمه الله ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫دثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن عمر )‪ (3‬بن أبان بن صالح ‪ ،‬حدثنا‬ ‫ح ّ‬
‫ابن فضيل )‪ (4‬عن عبد الله )‪ (5‬بن أبي إسحاق ‪ ،‬عن ابن أبي بردة ‪ ،‬عن أبيه‬
‫‪ ،‬عن أبي موسى قال ‪ :‬نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعرابي‬
‫فأكرمه ‪ ،‬فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬تعاهدنا‪ .‬فأتاه العرابي‬
‫فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما حاجتك ؟" قال )‪ (6‬ناقة‬
‫برحلها وأعنز )‪ (7‬يحتلبها أهلي ‪ ،‬فقال ‪" :‬أعجزت أن تكون مثل عجوز بني‬
‫إسرائيل ؟" فقال له أصحابه ‪ :‬وما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله ؟ قال ‪:‬‬
‫"إن موسى لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق ‪ ،‬فقال لبني‬
‫حدثك أن يوسف‬ ‫إسرائيل ‪ :‬ما هذا ؟ فقال له علماء بني إسرائيل ‪ :‬نحن ن ّ‬
‫قا من الله أل نخرج من مصر‬ ‫عليه السلم لما حضره الموت أخذ علينا موث ً‬
‫حتى ننقل تابوته معنا ‪ ،‬فقال لهم موسى ‪ :‬فأيكم يدري أين قبر يوسف ؟‬
‫قالوا ‪ :‬ما يعلمه إل عجوز لبني إسرائيل‪ .‬فأرسل إليها فقال )‪ (8‬لها ‪ :‬دليني‬
‫على قبر يوسف‪ .‬فقالت ‪ :‬والله ل أفعل حتى تعطيني حكمي‪ .‬قال لها ‪ :‬وما‬
‫حكمك ؟ قالت )‪ : (9‬حكمي أن أكون معك في الجنة‪ .‬فكأنه ثقل عليه ذلك ‪،‬‬
‫فقيل له ‪ :‬أعطها حكمها‪ .‬قال ‪ :‬فانطلقت معهم إلى بحيرة ‪ -‬مستنقع ماء ‪-‬‬
‫فقالت لهم ‪ :‬أنضبوا هذا الماء‪ .‬فلما أنضبوه قالت ‪ :‬احتفروا ‪ (10) ،‬فلما‬
‫احتفروا استخرجوا قبر يوسف ‪ ،‬فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار )‬
‫‪." (11‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬وأقام حجج الله بها"‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يحتملوه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪" :‬عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في هـ ‪" :‬فضل" والمثبت من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬يونس"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ "فقال"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬وأعنق"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬احفروا"‪.‬‬
‫)‪ (11‬ورواه أبو يعلى في مسنده )‪ (13/236‬وابن حبان في صحيحه برقم )‬
‫‪" (2435‬موارد" ‪ ،‬والحاكم في المستدرك )‪ (2/571‬من طريق محمد بن‬
‫فضيل ‪ ،‬عن يونس بن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي بردة عن أبي موسى به‪ .‬وقال‬
‫الهيثمي في المجمع )‪" : (10/170‬رجال أبي يعلى رجال الصحيح"‪.‬‬

‫) ‪(6/142‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫م ْ‬
‫شرِِقي َ‬ ‫فَأت ْب َُعوهُ ْ‬
‫م ُ‬

‫دا ‪ ،‬والقرب أنه موقوف ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫هذا حديث غريب ج ً‬


‫فلما أصبحوا وليس في ناديهم داع ول مجيب ‪ ،‬غاظ ذلك فرعون واشتد‬
‫غضبه على بني إسرائيل ؛ لما يريد الله به من الدمار ‪ ،‬فأرسل سريعا في‬
‫جاب ‪ ،‬ونادى‬ ‫ح ّ‬ ‫ن يحشر الجند َ ويجمعه ‪ ،‬كالّنقباء وال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫بلده حاشرين ‪ ،‬أي ‪َ :‬‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ة قَِليلو َ‬ ‫م ٌ‬‫شْرذِ َ‬ ‫َ‬
‫ؤلِء { ‪ -‬يعني ‪ :‬بني إسرائيل ‪ } -‬ل ِ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫فيهم ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫لطائفة قليلة‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬كل وقت يصل لنا منهم ما يغيظنا‪.‬‬ ‫م ل ََنا ل ََغائ ِظو َ‬
‫ُ‬ ‫} وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬نحن كل وقت نحذر من غائلتهم ‪ ،‬وإني أريد أن‬ ‫حاذُِرو َ‬ ‫ميعٌ َ‬ ‫} وَإ ِّنا ل َ َ‬
‫ج ِ‬
‫أستأصل شأفتهم ‪ ،‬وأبيد خضراءهم‪ .‬فجوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ريم ٍ { أي ‪:‬‬ ‫قام ٍ ك َ ِ‬ ‫م َ‬‫ن وَك ُُنوزٍ وَ َ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جَناهُ ْ‬ ‫خَر ْ‬‫قال الله تعالى ‪ } :‬فَأ ْ‬
‫فخرجوا من هذا النعيم إلى الجحيم ‪ ،‬وتركوا تلك المنازل العالية والبساتين‬
‫والنهار والموال والرزاق والملك والجاه الوافر في الدنيا‪.‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ل { ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَأ َوَْرث َْنا ال َ‬
‫ْ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ها ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ك وَأ َوَْرث َْنا َ‬ ‫} ك َذ َل ِ َ‬
‫ة َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫م ُ‬‫ت ك َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫مَغارِب ََها الِتي َباَرك َْنا ِفيَها وَت َ ّ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫شارِقَ الْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫كاُنوا ي ُ ْ‬
‫ه‬ ‫ن وَقَوْ ُ‬
‫م ُ‬ ‫صن َعُ فِْرعَوْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫مْرَنا َ‬ ‫صب َُروا وَد َ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل بِ َ‬‫سَراِئي َ‬ ‫سَنى عَلى ب َِني إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ُ‬‫ْ‬
‫َ‬
‫ن عَلى‬ ‫َ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْرِ ُ‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ن { ]العراف ‪ ، [َ 137 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَن ُ ِ‬ ‫شو َ‬ ‫وَ َ‬
‫م‬
‫ن لهُ ْ‬‫َ‬ ‫مك َ‬‫ّ‬ ‫ن * وَن ُ َ‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫َ‬
‫جعَلهُ ُ‬ ‫ة وَن َ ْ‬ ‫م ً‬‫م أئ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫جعَلهُ ْ‬ ‫ض وَن َ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫فوا ِفي الْر ِ‬ ‫ضعِ ُ‬‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬
‫ن{‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ما ِ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ض وَن ُرِيَ فِْرعَوْ َ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫]القصص ‪.[6 ، 5 :‬‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (60‬‬ ‫شرِِقي َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫} فَأت ْب َُعوهُ ْ‬

‫) ‪(6/143‬‬

‫فَل َما تراَءى ال ْجمعان َقا َ َ‬


‫ي‬
‫معِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ك َّل إ ِ ّ‬ ‫ن )‪َ (61‬قا َ‬ ‫كو َ‬ ‫سى إ ِّنا ل َ ُ‬
‫مد َْر ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫حا ُ‬
‫ص َ‬‫لأ ْ‬ ‫َ ْ َ ِ‬ ‫ّ ََ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫صا‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ربي سيهدين )‪ (62‬فَأ َوحينا إَلى موسى أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ ِ ْ َِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ َ َْ ِ‬ ‫َ َْ ِ ِ‬ ‫َ ّ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫ن‬‫رين )‪ (64‬وأ َ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ل‬‫ز‬ ‫‪ (63‬وأ َ‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫ظي‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫د‬ ‫و‬‫ّ‬ ‫ط‬ ‫َ‬
‫كال‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫كُ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ َ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ِ‬
‫كا َ‬ ‫ك َل َي َ ً‬ ‫م أ َغَْرقَْنا اْل َ َ‬ ‫مع َ‬
‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬
‫م‬ ‫ما َ َ‬
‫ة وَ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ن )‪ (66‬إ ِ ّ‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬ ‫ن )‪ (65‬ث ُ ّ‬ ‫مِعي َ‬
‫ج َ‬‫هأ ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫م )‪(68‬‬ ‫حي ُ‬
‫زيُز الّر ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك لهُوَ العَ ِ‬ ‫ن )‪ (67‬وَإ ِ ّ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ُ‬
‫} فَل َما تراَءى ال ْجمعان َقا َ َ‬
‫ن‬
‫كل إ ِ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪َ (61‬قا َ‬ ‫كو َ‬ ‫مد َْر ُ‬ ‫سى إ ِّنا ل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫لَ أ ْ‬ ‫َ ْ َ ِ‬ ‫ّ ََ‬
‫َ‬ ‫حَر َفان ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫فل َ‬ ‫صاك الب َ ْ‬ ‫ب ب ِعَ َ‬ ‫ضرِ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫سى أ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫حي َْنا إ ِلى ُ‬ ‫ن )‪ (62‬فَأوْ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫ي َرّبي َ‬ ‫معِ َ‬ ‫َ‬
‫سى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فَ‬
‫مو َ‬ ‫جي َْنا ُ‬‫ن )‪ (64‬وَأن ْ َ‬ ‫ِ َ‬‫ري‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ث‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ل‬‫ز‬‫ْ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪63‬‬ ‫)‬ ‫م‬
‫َ ِ‬ ‫ظي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫ط‬ ‫كال‬ ‫ق‬ ‫ر‬
‫َ ْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ذ َل ِك لي َ ً‬ ‫ن )‪ (66‬إ ِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م أغَرقَْنا ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ن )‪ (65‬ث ُ ّ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪.{ (68‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ن َرب ّك لهُوَ العَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (67‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫أك ْث َُرهُ ْ‬
‫ذكر غير واحد من المفسرين ‪ :‬أن فرعون خرج في جحفل عظيم وجمع كبير‬
‫)‪ ، (1‬وهو عبارة عن مملكة الديار المصرية في زمانه ‪ ،‬أولي الحل والعقد‬
‫ما ما ذكره غير‬ ‫والدول ‪ ،‬من المراء والوزراء والكبراء والرؤساء والجنود ‪ ،‬فأ ّ‬
‫واحد من السرائيليات ‪ ،‬من أنه خرج في ألف ألف وستمائة ألف فارس ‪،‬‬
‫هم ‪ ،‬وقال كعب الحبار ‪ :‬فيهم ثمانمائة ألف حصان‬ ‫منها مائة ألف على خيل د ُ ْ‬
‫أدهم ‪ ،‬ففي ذلك نظر‪ .‬والظاهر أنه من مجازفات بني إسرائيل ‪ ،‬والله ‪،‬‬
‫سبحانه وتعالى ‪ ،‬أعلم‪ .‬والذي أخبر به هو النافع ‪ ،‬ولم يعين عدتهم ؛ إذ ل‬
‫فائدة تحته ‪ ،‬إل أنهم خرجوا بأجمعهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬وصلوا إليهم عند شروق الشمس ‪ ،‬وهو‬ ‫شرِِقي َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫} فَأت ْب َُعوهُ ْ‬
‫طلوعها‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬رأى كل من الفريقين صاحبه ‪ ،‬فعند ذلك‬ ‫مَعا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ْ‬
‫ما ت ََراَءى ال َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬وذلك أنه انتهى بهم السير إلى سيف‬ ‫كو َ‬ ‫مد َْر ُ‬ ‫سى إ ِّنا ل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫البحر ‪ ،‬وهو بحر القلزم ‪ ،‬فصار أمامهم البحر ‪ ،‬وفرعون قد أدركهم بجنوده ‪،‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يصل‬ ‫دي ِ‬ ‫سي َهْ ِ‬
‫ي َرّبي َ‬ ‫معِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كل إ ِ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫كو َ‬ ‫مد َْر ُ‬ ‫فلهذا قالوا ‪ } :‬إ ِّنا ل َ ُ‬
‫إليكم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ "كثير"‪.‬‬

‫) ‪(6/143‬‬

‫شيء مما تحذرون ‪ ،‬فإن الله ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬هو الذي أمرني أن أسير هاهنا‬
‫بكم ‪ ،‬وهو ل يخلف الميعاد‪.‬‬
‫وكان هارون ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في المقدمة ‪ ،‬ومعه يوشع بن نون ‪] ،‬ومؤمن آل‬
‫فرعون وموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في الساقة ‪ ،‬وقد ذكر غير واحد من‬
‫المفسرين ‪ :‬أنهم وقفوا ل يدرون ما يصنعون ‪ ،‬وجعل يوشع بن نون[ )‪ ، (1‬أو‬
‫مؤمن آل فرعون يقول لموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬يا نبي الله ‪ ،‬هاهنا أمرك الله‬
‫أن تسير ؟ فيقول ‪ :‬نعم ‪ ،‬واقترب فرعون وجنوده ‪ ،‬ولم يبق إل القليل ‪ ،‬فعند‬
‫ذلك أمر الله نبيه موسى أن يضرب بعصاه البحر ‪ ،‬فضربه ‪ ،‬وقال ‪ :‬انفلق‬
‫بإذن الله‪.‬‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا صفوان بن صالح ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪،‬‬ ‫ر‬
‫ُ ْ َ‬ ‫ز‬ ‫أبو‬ ‫حدثنا‬ ‫‪:‬‬ ‫حاتم‬ ‫أبي‬ ‫وقال ابن‬
‫حدثنا )‪ (2‬محمد بن حمزة ]بن محمد[ )‪ (3‬بن يوسف بن عبد الله بن سلم ‪:‬‬
‫أن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما انتهى إلى البحر قال ‪ :‬يا من كان قبل كل‬
‫جا‪ .‬فأوحى‬ ‫شيء والمكون لكل شيء ‪ ،‬والكائن قبل كل شيء ‪ ،‬اجعل لنا مخر ً‬
‫َ‬
‫ك ال ْب َ ْ‬
‫حَر {‪.‬‬ ‫صا َ‬
‫ب ب ِعَ َ‬
‫ضرِ ْ‬
‫نا ْ‬‫الله إليه ‪ } :‬أ ِ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أوحى الله تلك الليلة إلى البحر ‪ :‬أن إذا ضربك موسى بعصاه‬
‫فاسمع له وأطع ‪ ،‬فبات البحر تلك الليلة ‪ ،‬وله اضطراب )‪ ، (4‬ول يدري من‬
‫أيّ جانب يضربه موسى ‪ ،‬فلما انتهى إليه موسى قال له فتاه يوشع بن نون ‪:‬‬
‫يا نبي الله ‪ ،‬أين أمرك ربك ؟ قال ‪ :‬أمرني أن أضرب البحر‪ .‬قال ‪ :‬فاضربه‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬أوحى الله ‪ -‬فيما ذكر لي ‪ -‬إلى البحر ‪ :‬أن إذا‬
‫ضا ‪ ،‬فرقا‬ ‫ضربك موسى بعصاه فانفلق له‪ .‬قال ‪ :‬فبات البحر يضرب بعضه بع ً‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫من الله تعالى ‪ ،‬وانتظاًرا لما أمره الله ‪ ،‬وأوحى الله إلى موسى ‪ } :‬أ ِ‬
‫حَر { ‪ ،‬فضربه بها وفيها ‪ (5) ،‬سلطان الله الذي أعطاه ‪،‬‬ ‫ك ال ْب َ ْ‬
‫صا َ‬
‫ب ب ِعَ َ‬‫ضرِ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫فانفلق‪.‬‬
‫ي أبا خالد بحول الله )‪.(6‬‬ ‫وذكر غير واحد أنه كناه فقال ‪ :‬انفلق عل ّ‬
‫ظيم ِ { أي ‪ :‬كالجبل‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ق كالطوْدِ العَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ل فِْر ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫فل َقَ فَ َ‬
‫كا َ‬ ‫قال الله تعالى ‪َ } :‬فان ْ َ‬
‫الكبير‪ .‬قاله ابن مسعود ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ج بين الجبلين‪.‬‬ ‫ف ّ‬ ‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬هو ال َ‬
‫قا ‪ ،‬لكل سبط طريق ‪ -‬وزاد‬ ‫وقال ابن عباس ‪ :‬صار البحر اثني عشر طري ً‬
‫السدي ‪ :‬وصار فيه طاقات ينظر بعضهم إلى بعض ‪ ،‬وقام الماء على حيله‬
‫كالحيطان ‪ ،‬وبعث الله الريح إلى قعر البحر فلفحته ‪ ،‬فصار ي ََبسا )‪ (7‬كوجه‬
‫ف د ََر ً‬
‫كا‬ ‫خا ُ‬ ‫سا ل ت َ َ‬ ‫قا ِفي ال ْب َ ْ‬
‫حرِ ي َب َ ً‬ ‫ري ً‬‫م طَ ِ‬ ‫ب ل َهُ ْ‬‫ضرِ ْ‬ ‫الرض ‪ ،‬قال الله تعالى ‪َ } :‬فا ْ‬
‫شى { ]طه ‪.[77 :‬‬ ‫خ َ‬‫َول ت َ ْ‬
‫وقال في هذه القصة ‪ } :‬وأزلفنا { أي ‪ :‬هنالك )‪ } (8‬الخرين {‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ } :‬وأزلفنا { أي ‪:‬‬
‫قربنا فرعون وجنوده‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من الجرح والتعديل )‪ (3/2/236‬والدر المنثور )‪.(5/86‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬اتكل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ففيها"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بإذن الله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬يابسا"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬هناك"‪.‬‬

‫) ‪(6/144‬‬

‫َ‬
‫ن )‪َ (70‬قاُلوا ن َعْب ُد ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫مهِ َ‬ ‫ل ِل َِبيهِ وَقَوْ ِ‬ ‫م )‪ (69‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫هي َ‬ ‫م ن َب َأ إ ِب َْرا ِ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫َوات ْ ُ‬
‫عون )‪ (72‬أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫م إ ِذ ْ ت َد ْ ُ َ‬ ‫مُعون َك ُ ْ‬ ‫س َ‬‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ن )‪َ (71‬قا َ‬ ‫في َ‬
‫عاك ِ ِ‬ ‫ل لَها َ‬ ‫ما فَن َظ ّ‬ ‫صَنا ً‬ ‫أ ْ‬
‫جد َْنا آ ََباَءَنا ك َذ َل ِ َ‬ ‫فعونك ُ َ‬
‫ن )‪َ (74‬قا َ‬
‫ل‬ ‫فعَُلو َ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ن )‪َ (73‬قاُلوا ب َ ْ‬ ‫ضّرو َ‬ ‫م أوْ ي َ ُ‬ ‫ي َن ْ َ ُ َ ْ‬
‫م عَد ُوّ ِلي إ ِلّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ن )‪ (76‬فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م القْد َ ُ‬ ‫م وَآَباؤُك ُ‬ ‫ن )‪ (75‬أن ْت ُ ْ‬
‫دو َ‬ ‫م ت َعْب ُ ُ‬ ‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أفََرأي ْت ُ ْ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫َر ّ‬

‫من البحر وأدنيناهم إليه‪.‬‬


‫َ‬
‫م أغَْرقَْنا ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أنجينا موسى‬
‫ري َ‬
‫خ ِ‬ ‫ن ثُ ّ‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫هأ ْ‬‫معَ ُ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫سى وَ َ‬
‫مو َ‬
‫جي َْنا ُ‬
‫} وَأن ْ َ‬
‫وبني إسرائيل ومن معهم على دينهم فلم يهلك )‪ (1‬منهم أحد ‪ ،‬وأغرق‬
‫فرعون وجنوده ‪ ،‬فلم يبق منهم رجل )‪ (2‬إل هلك‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ‪،‬‬
‫حدثنا شبابة ‪ ،‬حدثنا يونس بن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫ميمون ‪ ،‬عن عبد الله ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬أن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين‬
‫أسرى ببني إسرائيل بلغ فرعون ذلك ‪ ،‬فأمر بشاة فذبحت ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ل والله‬
‫ي ستمائة ألف من القبط‪ .‬فانطلق موسى‬ ‫ل يفرغ من سلخها حتى يجتمع إل ّ‬
‫حتى انتهى إلى البحر ‪ ،‬فقال له ‪ :‬انفرق‪ .‬فقال البحر ‪ :‬لقد استكبرت يا‬
‫موسى ‪ ،‬وهل انفرقت )‪ (3‬لحد من ولد )‪ (4‬آدم فأنفرق )‪ (5‬لك ؟ قال ‪:‬‬
‫ت يا نبي‬ ‫ومع موسى رجل على حصان له ‪ ،‬فقال له ذلك الرجل ‪ :‬أين أمر َ‬
‫الله ؟ قال ‪ :‬ما أمرت إل بهذا الوجه ]يعني ‪ :‬البحر ‪ ،‬فأقحم فرسه ‪ ،‬فسبح به‬
‫فخرج ‪ ،‬فقال ‪ :‬أين أمرت يا نبي الله ؟ قال ‪ :‬ما أمرت إل بهذا الوجه[ )‪.(6‬‬
‫كذبت‪ .‬ثم اقتحم الثانية فسبح ‪ ،‬ثم خرج فقال ‪ :‬أين‬ ‫ذبت ول ُ‬ ‫قال ‪ :‬والله ما ك َ َ‬
‫ذبت )‪(7‬‬ ‫أمرت يا نبي الله ؟ قال ‪ :‬ما أمرت إل بهذا الوجه ؟ قال ‪ :‬والله ما ك َ َ‬
‫كذبت‪ .‬قال ‪ :‬فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ‪ ،‬فضربه‬ ‫ول ُ‬
‫قا ‪ ،‬لكل سبط طريق‬ ‫موسى بعصاه ‪ ،‬فانفلق ‪ ،‬فكان فيه اثنا عشر طري ً‬
‫ب فرعون ‪ ،‬التقى البحر‬ ‫م أصحا ُ‬ ‫يتراءون ‪ ،‬فلما خرج أصحاب موسى وت ََتا ّ‬
‫عليهم فأغرقهم‪.‬‬
‫وفي رواية إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون ‪ ،‬عن عبد الله‬
‫خَرج آخر أصحاب موسى ‪ ،‬وتكامل أصحاب فرعون ‪ ،‬اضطم‬ ‫قال ‪ :‬فلما َ‬
‫ي سواد أكثر من يومئذ ‪ ،‬وغرق فرعون لعنه الله‪.‬‬ ‫عليهم البحر ‪ ،‬فما ُرئ ِ َ‬
‫ة { أي ‪ :‬في هذه القصة وما فيها من‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫العجائب والنصر والتأييد لعباد الله المؤمنين ؛ لدللة وحجة قاطعة وحكمة‬
‫كا َ‬
‫م { تقدم‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن * وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ما َ َ‬ ‫بالغة ‪ } ،‬وَ َ‬
‫تفسيره‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪َ (70‬قالوا ن َعْب ُد ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫مهِ َ‬ ‫ل لِبيهِ وَقَوْ ِ‬ ‫م )‪ (69‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫هي َ‬‫م ن َب َأ إ ِب َْرا ِ‬ ‫ل عَلي ْهِ ْ‬ ‫} َوات ْ ُ‬
‫عون )‪ (72‬أوَ‬ ‫ُ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ن )‪َ (71‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما فَن َظ ّ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫م إ ِذ ْ ت َد ْ ُ َ‬ ‫مُعون َك ْ‬ ‫س َ‬‫ل يَ ْ‬ ‫في َ‬ ‫عاك ِ ِ‬ ‫ل لَها َ‬ ‫صَنا ً‬ ‫أ ْ‬
‫فعونك ُ َ‬
‫ل‬‫ن )‪َ (74‬قا َ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ك يَ ْ‬‫جد َْنا آَباَءَنا ك َذ َل ِ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ن )‪َ (73‬قاُلوا ب َ ْ‬ ‫ضّرو َ‬ ‫م أوْ ي َ ُ‬ ‫ي َن ْ َ ُ َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫م عَد ُوّ ِلي ِإل‬ ‫ن )‪ (76‬فإ ِن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م القد َ ُ‬ ‫م َوآَباؤُك ُ‬ ‫ن )‪ (75‬أن ْت ُ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َعْب ُ ُ‬‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أفََرأي ْت ُ ْ‬
‫ن )‪.{ (77‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫َر ّ‬
‫هذا إخبار من الله تعالى )‪ (8‬عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ‪،‬‬
‫أمر الله رسوله محمدا ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬أن يتلوه على أمته ‪،‬‬
‫ليقتدوا به في الخلص والتوكل ‪ ،‬وعبادة الله وحده ل شريك له ‪ ،‬والتبرؤ من‬
‫الشرك وأهله ؛ فإن الله تعالى آتى إبراهيم رشده من قبل ‪ ،‬أي ‪ :‬من صغره‬
‫شب ‪ ،‬أنكر على قومه عبادة الصنام مع‬ ‫شأ و َ‬ ‫إلى كبره ‪ ،‬فإنه من وقت ن َ َ‬
‫ن{؟‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫مهِ َ‬ ‫الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فقال ‪ } :‬لِبيهِ وَقَوْ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬نهلك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬رجل منهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فرقت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬بني"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فأفرق"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬ما كذب"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫) ‪(6/145‬‬

‫ت‬
‫ض ُ‬ ‫ن )‪ (79‬وَإ َِذا َ‬
‫مرِ ْ‬ ‫قي َ ِ‬
‫س ِ‬
‫مِني وَي َ ْ‬‫ذي هُوَ ي ُط ْعِ ُ‬ ‫ن )‪َ (78‬وال ّ ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫قِني فَهُوَ ي َهْ ِ‬ ‫خل َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫فَر ِلي‬
‫ن ي َغْ ِ‬ ‫ذي أط ْ َ‬
‫مع ُ أ ْ‬ ‫ن )‪َ (81‬وال ّ ِ‬ ‫حِيي ِ‬ ‫ميت ُِني ث ُ ّ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬‫ن )‪َ (80‬وال ّ ِ‬ ‫في ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫فَهُوَ ي َ ْ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫دي ِ‬‫م ال ّ‬‫طيئ َِتي ي َوْ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬

‫أي ‪ :‬ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟‬


‫ل ل ََها َ‬ ‫ما فَن َظ َ ّ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬مقيمين على عبادتها ودعائها‪.‬‬ ‫في َ‬ ‫عاك ِ ِ‬ ‫صَنا ً‬ ‫} َقاُلوا ن َعْب ُد ُ أ ْ‬
‫ن َقاُلوا ب َ ْ‬ ‫فعونك ُ َ‬ ‫عو َ‬
‫جد َْنا آَباَءَنا‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ضّرو َ‬ ‫م أوْ ي َ ُ‬ ‫ن أوْ ي َن ْ َ ُ َ ْ‬ ‫م إ ِذ ْ ت َد ْ ُ َ‬ ‫مُعون َك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫ن { يعني ‪ :‬اعترفوا بأن )‪ (1‬أصنامهم ل تفعل شيئا من ذلك ‪،‬‬ ‫فعَلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون ‪ ،‬فهم على آثارهم ُيهرعون‪ .‬فعند ذلك قال‬
‫ل أ َفَرأ َيتم ما ك ُنتم تعبدو َ‬
‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫مو َ‬ ‫م القْد َ ُ‬ ‫م َوآَباؤُك ُ ُ‬ ‫ن أن ْت ُ ْ‬ ‫ُْ ْ َْ ُ ُ َ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬ ‫لهم إبراهيم ‪َ } :‬قا َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إن كانت هذه الصنام شيئا ولها تأثير ‪،‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال ِ‬
‫َ‬ ‫عَد ُوّ ِلي ِإل َر ّ‬
‫خُلص إلي بالمساءة ‪ ،‬فإني عدو لها ل أباليها ول أفكر فيها‪ .‬وهذا كما قال‬ ‫فَل ْت َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ل ي َك ُ ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫كاَءك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫مُعوا أ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫تعالى مخبًرا عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ } :‬فَأ ْ‬
‫َ‬
‫ن { ]يونس ‪ [71 :‬وقال هود ‪،‬‬ ‫ي َول ت ُن ْظ ُِرو ِ‬ ‫ضوا إ ِل َ ّ‬ ‫م اق ْ ُ‬ ‫ة ثُ ّ‬ ‫م ً‬ ‫م غُ ّ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫مُرك ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫عليه السلم ‪ } :‬إ ِّني أ ُ ْ‬
‫ه‬
‫ن ُدون ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫دوا أّني ب َ ِ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫شهِد ُ الل ّ َ‬
‫ة‬
‫ن َداب ّ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت عََلى الل ّهِ َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫ن‪ .‬إ ِّني ت َوَك ّل ْ ُ‬ ‫م ل ت ُن ْظ ُِرو ِ‬ ‫ميًعا ث ُ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫دوِني َ‬ ‫كي ُ‬ ‫فَ ِ‬
‫قيم ٍ { ]هود ‪ [56 - 54 :‬وهكذا‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ن َرّبي عََلى ِ‬ ‫صي َت َِها إ ِ ّ‬ ‫خذ ٌ ب َِنا ِ‬ ‫ِإل هُوَ آ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أن ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خاُفو َ‬ ‫م َول ت َ َ‬ ‫شَرك ْت ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خا ُ‬ ‫فأ َ‬ ‫تبرأ إبراهيم من آلهتهم وقال ‪ } :‬وَك َي ْ َ‬
‫سل ْطاًنا { ]النعام ‪ [81 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ب ِهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُينز ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م ِبالل ّهِ َ‬ ‫شَرك ْت ُ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫ه إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ‬ ‫كانت ل َك ُ ُ‬
‫م إ ِّنا ب َُرآُء‬ ‫مهِ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفي إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫} قَد ْ َ َ ْ‬
‫ضاُء‬ ‫ْ‬
‫داوَة ُ َوالب َغْ َ‬ ‫م العَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ‬ ‫م وَب َ َ‬ ‫ُ‬
‫فْرَنا ب ِك ْ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ ك َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫حد َه ُ { ]الممتحنة ‪ [4 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَإ ِذ ْ َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫مُنوا ِباللهِ وَ ْ‬ ‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫دا َ‬ ‫أب َ ً‬
‫ن‬‫دي ِ‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ذي فَط ََرِني فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ن ِإل ال ّ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫مهِ إ ِن ِّني ب ََراٌء ِ‬ ‫م لِبيهِ وَقَوْ ِ‬ ‫هي ُ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫ن { ]الزخرف ‪ [28 - 26 :‬يعني ‪ :‬ل‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫ّ‬
‫قب ِهِ لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ة ِفي عَ ِ‬ ‫ة َباقِي َ ً‬ ‫م ً‬ ‫َ‬
‫جعَلَها كل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫وَ َ‬
‫إله إل الله‪.‬‬
‫ن )‪ (79‬وَإ َِذا‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫مِني وَي َ ْ‬ ‫ذي هُوَ ي ُطعِ ُ‬ ‫ن )‪َ (78‬وال ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫قِني فهُوَ ي َهْ ِ‬ ‫ذي َ‬
‫فَر‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫مع ُ أ ْ‬ ‫ذي أط ْ َ‬ ‫ن )‪َ (81‬وال ّ ِ‬ ‫حِيي ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ميت ُِني ث ُ ّ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬ ‫ن )‪َ (80‬وال ّ ِ‬ ‫في ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ت فَهُوَ ي َ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫مرِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (82‬‬ ‫دي ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫طيئِتي ي َوْ َ‬ ‫َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ِلي َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ني‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫الشياء‬ ‫هذه‬ ‫يفعل‬ ‫الذي‬ ‫إل‬ ‫أعبد‬ ‫ل‬ ‫‪:‬‬ ‫يعني‬
‫ُ َ َْ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫هو الخالق الذي قدر قدًرا ‪ ،‬وهدى الخلئق إليه ‪ ،‬فكل يجري على ]ما[ )‪(2‬‬
‫در ‪ ،‬وهو الذي يهدي من يشاء وُيضل من يشاء‪.‬‬ ‫ق ّ‬
‫سر‬ ‫ن { أي ‪ :‬هو خالقي ورازقي ‪ ،‬بما سخر وي َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫قي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫مِني وَي َ ْ‬ ‫ذي هُوَ ي ُطعِ ُ‬ ‫} َوال ِ‬
‫ن ‪ ،‬وأنزل الماء ‪ ،‬وأحيا به‬ ‫مْز َ‬ ‫من السباب السماوية والرضية ‪ ،‬فساق ال ُ‬
‫الرض ‪ ،‬وأخرج به من كل الثمرات رزقا للعباد ‪ ،‬وأنزل الماء عذًبا زلل لـ‬
‫ي ك َِثيًرا { )‪] (3‬الفرقان ‪.[49 :‬‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ َ‬
‫س ّ‬ ‫ما وَأَنا ِ‬ ‫قَنا أن َْعا ً‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫قي َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫} نُ ْ‬
‫ن { أسند المرض إلى نفسه ‪ ،‬وإن كان عن‬ ‫في ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ت فَهُوَ ي َ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫مرِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫قه ‪ ،‬ولكن أضافه إلى نفسه أدبا ‪ ،‬كما قال تعالى آمًرا‬ ‫َ‬
‫قدر الله وقضائه وخل ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن أن ْعَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫صَراط ال ِ‬ ‫م‪ِ .‬‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صَراط ال ُ‬ ‫للمصلي أن يقول ‪ } :‬اهْدَِنا ال ّ‬
‫ن { ]الفاتحة ‪ [7 ، 6 :‬فأسند النعام إلى‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫م َول ال ّ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ضو ِ‬ ‫مغْ ُ‬ ‫غَي ْرِ ال ْ َ‬
‫حذف فاعله أدًبا ‪ ،‬وأسند الضلل إلى العبيد ‪،‬‬ ‫الله ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬والغضب ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫م أَراد َ ب ِهِ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كما قالت الجن ‪ } :‬وَأّنا ل ن َد ِْري أشّر أِريد َ ب ِ َ‬
‫دا { ]الجن ‪ [10 :‬؛ ولهذا )‪ (4‬قال‬ ‫َر َ‬
‫ش ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬ليسقيه مما خلق" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وهكذا"‪.‬‬

‫) ‪(6/146‬‬

‫ن )‪(83‬‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫قِني ِبال ّ‬ ‫ما وَأ َل ْ ِ‬
‫ح ْ‬ ‫حك ْ ً‬
‫ب ِلي ُ‬
‫ب هَ ْ‬
‫َر ّ‬

‫ن { أي ‪ :‬إذا وقعت في مرض فإنه ل يقدر‬ ‫في ِ‬‫ش ِ‬‫ت فَهُوَ ي َ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫مرِ ْ‬ ‫إبراهيم ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫على شفائي أحد غيره ‪ ،‬بما يقدر من السباب الموصلة إليه‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬هو الذي يحيي ويميت ‪ ،‬ل يقدر على ذلك‬ ‫حِيي ِ‬ ‫م يُ ْ‬‫ميت ُِني ث ُ ّ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬‫} َوال ّ ِ‬
‫أحد سواه ‪ ،‬فإنه هو الذي يبدئ ويعيد‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬هو الذي ل يقدر على‬ ‫دي ِ‬
‫م ال ّ‬‫طيئ َِتي ي َوْ َ‬‫خ ِ‬ ‫فَر ِلي َ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫مع ُ أ ْ‬‫ذي أط ْ َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫فر الذنوب في الدنيا والخرة ‪ ،‬إل هو ‪ ،‬ومن يغفر الذنوب إل الله ‪ ،‬وهو‬ ‫غَ ْ‬
‫الفعال لما يشاء‪.‬‬
‫ن )‪{ (83‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬
‫قِني ِبال ّ‬ ‫ح ْ‬‫ما وَأل ِ‬ ‫حك ً‬ ‫ب ِلي ُ‬ ‫ب هَ ْ‬ ‫} َر ّ‬

‫) ‪(6/147‬‬

‫ن وََرث َةِ َ‬
‫جن ّةِ الن ِّعيم ِ )‪(85‬‬ ‫م ْ‬‫جعَل ِْني ِ‬‫ن )‪َ (84‬وا ْ‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬ ‫ق ِفي اْل َ ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬
‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ل ِلي ل ِ َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫م لَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َواغْ ِ‬
‫ن )‪ (87‬ي َوْ َ‬ ‫م ي ُب ْعَثو َ‬
‫خزِِني ي َوْ َ‬‫ن )‪ (86‬وَل ت ُ ْ‬ ‫ضالي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ه كا َ‬ ‫فْر ِلِبي إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬
‫سِليم ٍ )‪(89‬‬ ‫ب َ‬ ‫قل ْ ٍ‬ ‫ن أَتى الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (88‬إ ِّل َ‬ ‫ل وََل ب َُنو َ‬ ‫ما ٌ‬ ‫فع ُ َ‬‫ي َن ْ َ‬

‫جن ّةِ الن ِّعيم ِ )‬ ‫ن وََرث َةِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جعَل ِْني ِ‬ ‫ن )‪َ (84‬وا ْ‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬ ‫ق ِفي ال ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ل ِلي ل ِ َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫} َوا ْ‬
‫م‬‫ن )‪ (87‬ي َوْ َ‬ ‫م ي ُب ْعَُثو َ‬‫خزِِني ي َوْ َ‬ ‫ن )‪َ (86‬ول ت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ضالي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫فْر لِبي إ ِن ّ ُ‬ ‫‪َ (85‬واغْ ِ‬
‫سِليم ٍ )‪.{ (89‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ما ٌ‬
‫ب َ‬ ‫قل ٍ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن أَتى الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ِ (88‬إل َ‬ ‫ل َول ب َُنو َ‬ ‫فع ُ َ‬ ‫ل ي َن ْ َ‬
‫حكما‪.‬‬‫ْ‬ ‫وهذا سؤال من إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أن يؤتيه ربه ُ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬وهو العلم‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬هو اللب‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬هو‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬
‫قِني ِبال ّ‬ ‫ح ْ‬‫القرآن‪ .‬وقال السدي ‪ :‬هو النبوة‪ .‬وقوله ‪ } :‬وَأ َل ْ ِ‬
‫اجعلني مع )‪ (1‬الصالحين في الدنيا والخرة ‪ ،‬كما قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عند الحتضار ‪]" :‬اللهم الرفيق العلى" قالها ثلثا )‪ .(2‬وفي الحديث‬
‫في الدعاء[ )‪ : (3‬اللهم أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين ‪ ،‬وألحقنا بالصالحين ‪،‬‬
‫غير خزايا ول مبدلين" )‪.(4‬‬
‫ن { أي ‪ :‬واجعل لي ذكًرا جميل‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ق ِفي ال ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ل ِلي ل ِ َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫َ‬
‫بعدي أذكَر به ‪ ،‬ويقتدى بي في الخير ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَت ََرك َْنا عَلي ْهِ ِفي‬
‫ن { ]الصافات ‪- 108 :‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫زي ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ك نَ ْ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫هي َ‬‫م عََلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ن‪َ .‬‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬ ‫ال ِ‬
‫‪.[110‬‬
‫ن { يعني ‪ :‬الثناء‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬ ‫ق ِفي ال ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬
‫ل ِلي ل ِ َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪َ } :‬وا ْ‬
‫ه ِفي‬ ‫َ‬
‫جَرهُ ِفي الد ّن َْيا وَإ ِن ّ ُ‬ ‫الحسن‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬وهو كقوله تعالى ‪َ } :‬وآت َي َْناه ُ أ ْ‬
‫ن { ]العنكبوت ‪ ، [27 :‬وكقوله ‪َ } :‬وآت َي َْناه ُ ِفي الد ّن َْيا‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةِ ل َ ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ن { ]النحل ‪.[122 :‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةِ ل َ ِ‬ ‫ه ِفي ال ِ‬ ‫ة وَإ ِن ّ ُ‬
‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫َ‬
‫قال ليث بن أبي سليم ‪ :‬كل ملة تحبه وتتوله‪ .‬وكذا قال عكرمة‪.‬‬
‫ي في الدنيا ببقاء‬ ‫عل ّ‬ ‫جن ّةِ الن ِّعيم ِ { أي ‪ :‬أنعم َ‬ ‫ن وََرث َةِ َ‬ ‫م ْ‬‫جعَل ِْني ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫الذكر الجميل بعدي ‪ ،‬وفي الخرة بأن تجعلني من ورثة جنة النعيم‪.‬‬
‫فْر ِلي‬ ‫ن { كقوله ‪َ } :‬رب َّنا اغْ ِ‬ ‫ضاّلي َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫فْر لِبي إ ِن ّ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬واغْ ِ‬
‫جعَ عنه إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كما‬ ‫وال ِد َيّ { ]إبراهيم ‪ ، [41 :‬وهذا مما ر َ‬ ‫وَل ِ َ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ها إ ِّياه ُ فَل ّ‬
‫عد َةٍ وَعَد َ َ‬ ‫مو ْ ِ‬‫ن َ‬
‫م لِبيهِ ِإل عَ ْ‬ ‫هي َ‬‫فاُر إ ِب َْرا ِ‬ ‫ست ِغْ َ‬‫نا ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫م { ]التوبة ‪.[114 :‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫تبين ل َ َ‬
‫حِلي ٌ‬
‫م لّواه ٌ َ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬‫ه إِ ّ‬‫من ْ ُ‬
‫ه عَد ُوّ ل ِلهِ ت َب َّرأ ِ‬ ‫ه أن ّ ُ‬ ‫ََّ َ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ "من"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (6509‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪ (2191‬من حديث عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬وليس عندهما أنه قالها ثلثا ‪،‬‬
‫وإنما فيهما ما يفيد أنها مرتين ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه أحمد في مسنده )‪ (3/424‬من حديث الزرقي ‪ ،‬وعنده ‪" :‬غير خزايا‬
‫ول مفتونين"‪.‬‬

‫) ‪(6/147‬‬

‫ت‬ ‫وقد قطع ]الله[ )‪ (1‬تعالى اللحاق في استغفاره لبيه ‪ ،‬فقال ‪ } :‬قَد ْ َ‬
‫كان َ ْ‬
‫ه إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ‬ ‫ل َك ُ ُ‬
‫ما‬
‫م ّ‬‫م وَ ِ‬‫من ْك ُ ْ‬‫م إ ِّنا ب َُرآُء ِ‬ ‫مهِ ْ‬‫قو ْ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفي إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫حّتى‬ ‫دا َ‬ ‫ضاُء أب َ ً‬ ‫داوَة ُ َوال ْب َغْ َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُُ‬
‫م وَب َ َ‬ ‫فْرَنا ب ِك ُْ‬ ‫ن الل ّهِ ك َ َ‬‫ِ‬ ‫دو‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫دو‬
‫ُ‬ ‫ت َعْب ُ‬
‫هّ‬ ‫َ‬
‫كل َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫نل َ‬ ‫َ‬ ‫حد َه ُ ِإل قَوْ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫فَر ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م لِبيهِ ل ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫مُنوا ِباللهِ وَ ْ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫يٍء { ]الممتحنة ‪.[4 :‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬أجرني من الخزي يوم القيامة‬ ‫م ي ُب ْعَُثو َ‬ ‫خزِِني ي َوْ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ت ُ ْ‬
‫و]يوم[ )‪ (2‬يبعث الخلئق أولهم وآخرهم‪.‬‬
‫ن { وقال إبراهيم بن‬ ‫م ي ُب ْعَُثو َ‬ ‫خزِِني ي َوْ َ‬ ‫قال البخاري في قوله ‪َ } :‬ول ت ُ ْ‬
‫طهمان ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ة" )‪.(3‬‬ ‫قت ََر ُ‬ ‫"إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغَب ََرةُ وال َ‬
‫حدثنا إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أخي ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن سعيد المقبري ‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬يلقى إبراهيم أباه ‪،‬‬
‫فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إنك وعدتني أنك ل تخزيني )‪ (4‬يوم يبعثون‪ .‬فيقول الله ‪:‬‬
‫إني حرمت الجنة على الكافرين"‪.‬‬
‫هكذا رواه عند هذه الية )‪ .(5‬وفي أحاديث النبياء بهذا السناد بعينه منفردا‬
‫به ‪ ،‬ولفظه ‪ :‬يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ‪ ،‬وعلى وجه آزر قَت ََرةٌ‬
‫وغََبرة ‪ ،‬فيقول له إبراهيم ‪ :‬ألم أقل لك ‪ :‬ل تعصني )‪ (6‬فيقول أبوه )‪: (7‬‬
‫فاليوم ل أعصيك‪ .‬فيقول إبراهيم ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إنك وعدتني أل تخزيني يوم‬
‫يبعثون ‪ ،‬فأي خزي أخزى من أبي البعد ؟ فيقول الله تعالى ‪ :‬إني حرمت‬
‫الجنة على الكافرين‪ .‬ثم ُيقال ‪ :‬يا إبراهيم ‪ ،‬ما تحت رجليك ؟ فينظر فإذا هو‬
‫بذبح متلطخ ‪ ،‬فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار )‪.(8‬‬
‫وقال أبو عبد الرحمن النسائي في التفسير من سننه الكبير قوله ‪َ } :‬ول‬
‫دثني أبي ‪،‬‬ ‫ن { ‪ :‬أخبرنا أحمد بن حفص )‪ (9‬بن عبد الله ‪ ،‬ح ّ‬ ‫م ي ُب ْعَُثو َ‬ ‫خزِِني ي َوْ َ‬ ‫تُ ْ‬
‫مان ‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن سعيد بن أبي‬ ‫حدثني إبراهيم بن ط َهْ َ‬
‫ري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬ ‫سعيد المقب ِ‬
‫قَترة ‪ ،‬وقال )‬
‫عليه وسلم "إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغََبرة وال َ‬
‫‪ (10‬له ‪ :‬قد نهيتك عن هذا فعصيتني‪ .‬قال ‪ :‬لكني اليوم ل أعصيك واحدة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وعدتني أن ل تخزيني يوم يبعثون ‪ ،‬فإن )‪ (11‬أخزيت أباه فقد‬
‫أخزيت البعد‪ .‬قال ‪ :‬يا إبراهيم ‪ ،‬إني )‪ (12‬حرمتها على الكافرين‪ .‬فأخذ منه ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬يا إبراهيم ‪ ،‬أين أبوك ؟ قال ‪ :‬أنت أخذته مني‪ .‬قال ‪ :‬انظر أسفل منك‪.‬‬
‫فنظر )‪ (13‬فإذا ذيخ يتمرغ )‪ (14‬في نتنه ‪ ،‬فأخذ بقوائمه فألقي في النار )‬
‫‪.(15‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4768‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أن ل تخزني"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (4769‬ولفظه ‪" :‬وعدتني أن ل تخزني يوم‬
‫يبعثون"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬ل تعصيني"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬أباه" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪.(3350‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬جعفر"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬فأي"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في أ ‪" :‬فإني"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فينظر"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ف ‪" :‬متمرغ"‪.‬‬
‫)‪ (15‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11375‬‬

‫) ‪(6/148‬‬

‫ل ل َه َ‬ ‫وَأ ُْزل ِ َ‬
‫ما‬
‫ن َ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫ن )‪ (91‬وَِقي َ ُ ْ‬ ‫م ل ِل َْغاِوي َ‬ ‫حي ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ن )‪ (90‬وَب ُّرَز ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫جن ّ ُ‬ ‫ف ِ‬
‫ل ينصرونك ُ َ‬
‫ن )‪ (93‬فَك ُب ْك ُِبوا‬ ‫صُرو َ‬ ‫م أوْ ي َن ْت َ ِ‬ ‫ن الل ّهِ هَ ْ َ ْ ُ ُ َ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ِ (92‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َعْب ُ ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫م ِفيَها‬‫ن )‪َ (95‬قاُلوا وَهُ ْ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫جُنود ُ إ ِب ِْلي َ‬ ‫ن )‪ (94‬وَ ُ‬ ‫م َوال َْغاُوو َ‬ ‫ِفيَها هُ ْ‬
‫ن‬
‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫م ب َِر ّ‬‫ويك ُ ْ‬ ‫س ّ‬‫ن )‪ (97‬إ ِذ ْ ن ُ َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن ك ُّنا ل َ ِ‬ ‫ن )‪َ (96‬تالل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬‫خت َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ق‬‫دي ٍ‬ ‫ص ِ‬‫ن )‪ (100‬وَل َ‬ ‫شافِِعي َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما لَنا ِ‬ ‫ن )‪ (99‬فَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضلَنا إ ِل ال ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫)‪ (98‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن لَنا ك َّرة ً فَن َ ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ك لي َ ً‬ ‫ن )‪ (102‬إ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ميم ٍ )‪ (101‬فَلوْ أ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(104‬‬ ‫حي ُ‬‫زيُز الّر ِ‬ ‫ك لهُوَ العَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن )‪ (103‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬

‫هذا إسناد )‪ (1‬غريب ‪ ،‬وفيه نكارة‪.‬‬


‫والذيخ )‪ : (2‬هو الذكر من الضباع ‪ ،‬كأنه حول آزر إلى صورة ذيخ متلطخ‬
‫بعذرته )‪ ، (3‬فيلقى في النار كذلك‪.‬‬
‫وقد رواه البزار من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن محمد بن سيرين‬
‫ضا‬
‫‪ ،‬عن أبي هَُريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وفيه غرابة‪ .‬ورواه أي ً‬
‫من حديث قتادة ‪ ،‬عن جعفر بن عبد الغافر ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بنحوه‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يقي المرء )‪ (4‬من عذاب الله‬ ‫مال َول ب َُنو َ‬ ‫ٌ‬ ‫فع ُ َ‬ ‫م ل ي َن ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ن في الرض‬ ‫م ْ‬‫ن { ولو افتدى ب ِ َ‬ ‫ماله ‪ ،‬ولو افتدى بملء الرض ذهبا ‪َ } :‬ول ب َُنو َ‬
‫ن بالله ‪ ،‬وإخلص الدين له ‪ ،‬والتبري من‬ ‫جميعا ‪ ،‬ول ينفعُ يومئذ إل اليما ُ‬
‫الشرك ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إل م َ‬
‫سِليم ٍ { أي ‪ :‬سالم من الدنس‬ ‫ب َ‬ ‫قل ْ ٍ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن أَتى الل ّ َ‬ ‫ِ َ ْ‬
‫والشرك‪.‬‬
‫قال محمد بن سيرين ‪ :‬القلب السليم أن يعلم أن الله حق ‪ ،‬وأن الساعة آتية‬
‫ن في القبور‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ل ريب فيها ‪ ،‬وأن الله يبعث َ‬
‫حِيي )‪ (5‬يشهد أن ل إله‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫وقال ابن عباس ‪ } :‬إل م َ‬
‫سِليم ٍ { َ‬ ‫ب َ‬ ‫قل ٍ‬ ‫ه بِ َ‬‫ن أَتى الل َ‬ ‫ِ َ ْ‬
‫إل الله‪.‬‬
‫سِليم ٍ { يعني ‪ :‬من الشرك‪.‬‬ ‫ب َ‬ ‫قل ٍ‬ ‫ْ‬ ‫وقال مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغيرهما ‪ } :‬ب ِ َ‬
‫وقال سعيد بن المسيب ‪ :‬القلب السليم ‪ :‬هو القلب الصحيح ‪ ،‬وهو قلب‬
‫المؤمن ؛ لن قلب ]الكافر و[ )‪ (6‬المنافق مريض ‪ ،‬قال الله ‪ِ } :‬في قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م‬
‫ض { ]البقرة ‪.[10 :‬‬ ‫مَر ٌ‬ ‫َ‬
‫وقال أبو عثمان النيسابوري ‪ :‬هو القلب الخالي من البدعة ‪ ،‬المطمئن إلى‬
‫السنة‪.‬‬
‫ن‬ ‫ي‬ ‫ل ل َهم أ َ‬ ‫َ‬ ‫قي‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪91‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫وي‬ ‫غا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫حي‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪90‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫ُ ْ ْ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ِ ُ ِ َ ِ َ‬ ‫َُّ َ ِ‬ ‫َ ّ ُ ِ ُ ِّ َ‬ ‫} وَأْزل ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫ل ينصرونك ُ َ‬
‫ن )‪ (93‬فَك ُب ْك ُِبوا‬ ‫صُرو َ‬ ‫م أوْ ي َن ْت َ ِ‬ ‫ن الل ّهِ هَ ْ َ ْ ُ ُ َ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ِ (92‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َعْب ُ ُ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م ِفيَها‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫(‬ ‫‪95‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫إ‬ ‫د‬ ‫نو‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪94‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫وو‬ ‫غا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ها‬ ‫في‬
‫َ ْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ ُ ُ ُ ِْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ َ‬
‫ن‬ ‫مي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫َ ّ ْ َِ ّ‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫وي‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪97‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ضل‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫تال‬ ‫َ‬ ‫(‬ ‫‪96‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫خت ُ َ‬
‫مو‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ٍ ُ ِ ٍ‬ ‫ِ ْ‬
‫َ‬
‫ق‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (99‬فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫دي ٍ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن )‪َ (100‬ول َ‬ ‫شافِِعي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما لَنا ِ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضلَنا ِإل ال ُ‬
‫َ‬
‫ما أ َ‬ ‫)‪ (98‬وَ َ‬
‫ة‬
‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ن )‪ (102‬إ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن لَنا ك َّرة ً فَن َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ميم ٍ )‪ (101‬فَلوْ أ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪.{ (104‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ك لهُوَ العَ ِ‬ ‫ن )‪ (103‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أكث َُرهُ ْ‬ ‫ما كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫ة { أي ‪ :‬قربت الجنة وأدنيت )‪ (7‬من أهلها يوم القيامة‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ت ال َ‬ ‫ف ِ‬ ‫} وَأْزل ِ َ‬
‫مزخرفة مزينة )‪ (8‬لناظريها ‪ ،‬وهم المتقون الذين رغبوا فيها ‪ ،‬وعملوا لها‬
‫]عملها[ )‪ (9‬في الدنيا‪.‬‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫م ل ِل َْغاِوي َ‬ ‫حي ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫} وَب ُّرَز ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬سياق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬والذابح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬بقذرته"‪.‬‬
‫)‪ (4‬أ ‪" :‬المؤمن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يعني"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬أدنيت وقربت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مزينة مزخرفة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/149‬‬

‫ن )‪(106‬‬ ‫قو َ‬ ‫ح أ ََل ت َت ّ ُ‬ ‫م ُنو ٌ‬


‫خوهُ ْ‬ ‫م أَ ُ‬
‫ل ل َهُ ْ‬
‫ن )‪ (105‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫سِلي َ‬
‫مْر َ‬‫م ُنوٍح ال ْ ُ‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَل َي ْهِ‬
‫سأل ُك ُ ْ‬‫ما أ ْ‬ ‫ن )‪ (108‬وَ َ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ن )‪َ (107‬فات ّ ُ‬ ‫مي ٌ‬‫لأ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫إ ِّني ل َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬
‫ن )‪(110‬‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬‫ن )‪َ (109‬فات ّ ُ‬ ‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫جرِيَ إ ِّل عََلى َر ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫عنقٌ ‪ ،‬فزفرت زفرة بلغت منها‬ ‫كشف )‪ (1‬عنها ‪ ،‬وبدت منها ُ‬ ‫أظهرت و ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫القلوب ]إلى[ )‪ (2‬الحناجر ‪ ،‬وقيل لهلها تقريعا وتوبيخا ‪ } :‬أي ْ َ‬
‫ل ينصرونك ُ َ‬
‫ن { )‪ (3‬أي ‪ :‬ليست اللهة‬ ‫صُرو َ‬ ‫م أوْ ي َن ْت َ ِ‬ ‫ن الل ّهِ هَ ْ َ ْ ُ ُ َ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن‪ِ .‬‬ ‫دو َ‬ ‫ت َعْب ُ ُ‬
‫التي عبدتموها من دون الله ‪ ،‬من تلك الصنام والنداد تغني عنكم اليوم شيًئا‬
‫جَهنم أنتم لها واردون‪.‬‬ ‫ب َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ح َ‬ ‫‪ ،‬ول تدفع عن أنفسها ؛ فإنكم وإياها اليوم َ‬
‫ن { قال مجاهد ‪ :‬يعني ‪ :‬فَد ُهْوُِروا )‪(4‬‬ ‫م َوال َْغاُوو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَك ُب ْك ُِبوا ِفيَها هُ ْ‬
‫فيها‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬كببوا فيها‪ .‬والكاف مكررة ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬صرصر‪ .‬والمراد ‪ :‬أنه‬
‫ألقي بعضهم على بعض ‪ ،‬من الكفار وقادتهم الذين دعوهم إلى الشرك‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ألقوا فيها عن آخرهم‪.‬‬ ‫َ‬
‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫جُنود ُ إ ِب ِْلي َ‬ ‫} وَ ُ‬
‫ب‬ ‫م ب َِر ّ‬ ‫ويك ْ‬ ‫ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ن إ ِذ ْ ن ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫} َقالوا وَهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن كّنا ل ِ‬ ‫ن َتاللهِ إ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫م ِفيَها ي َ ْ‬
‫م‬‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫م ت َب ًَعا فَهَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬يقول الضعفاء الذين استكبروا ‪ } :‬إ ِّنا كّنا لك ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫ن الّنارِ { ]غافر ‪ .[47 :‬ويقولون وقد عادوا على أنفسهم‬ ‫م َ‬ ‫صيًبا ِ‬ ‫ن عَّنا ن َ ِ‬ ‫مغُْنو َ‬ ‫ُ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫ْ‬ ‫م ب َِر ّ‬ ‫ُ‬
‫ويك ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ن إ ِذ ْ ن ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن كّنا ل ِ‬ ‫بالملمة ‪َ } :‬تاللهِ إ ِ ْ‬
‫ب العالمين‪.‬‬ ‫عا كما يطاع أمر رب العالمين ‪ ،‬وعبدناكم مع ر ِ‬ ‫نجعل أمركم مطا ً‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ما دعانا إلى ذلك إل المجرمون‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضل َّنا ِإل ال ْ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن { قال بعضهم ‪ :‬يعني من الملئكة ‪ ،‬كما يقولون ‪:‬‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫عي‬ ‫ف‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫} فَ َ َ ِ ْ‬
‫م‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬
‫َ‬
‫ل{‬ ‫م ُ‬ ‫ذي ك ُّنا ن َعْ َ‬ ‫ل غَي َْر ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫فُعوا ل ََنا أوْ ن َُرد ّ فَن َعْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫فَعاَء فَي َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ل ََنا ِ‬ ‫} فَهَ ْ‬
‫ميم ٍ { أي ‪:‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ق َ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن‪َ .‬ول َ‬ ‫شافِِعي َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ل ََنا ِ‬ ‫]العراف ‪ .[53 :‬وكذا قالوا ‪ } :‬فَ َ‬
‫قريب‪.‬‬
‫حا نفع ‪ ،‬وأن الحميم إذا‬ ‫قال قتادة ‪ :‬يعلمون ‪ -‬والله ‪ -‬أن الصديق إذا كان صال ً‬
‫كان صالحا شفع‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن { وذلك أنهم يتمنون أنهم يرّدون )‪(5‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ل ََنا ك َّرة ً فَن َكو َ‬
‫ُ‬ ‫} فَل َوْ أ ّ‬
‫إلى الدار الدنيا ‪ ،‬ليعملوا بطاعة ربهم ‪ -‬فيما يزعمون ‪ -‬وهو ‪ ،‬سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ،‬يعلم أنه لو ردهم إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون‪.‬‬
‫وقد أخبر تعالى )‪ (6‬عن تخاصم )‪ (7‬أهل النار في سورة "ص" ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫خاص َ‬
‫ل الّنارِ { ]ص ‪.[64 :‬‬ ‫م أهْ ِ‬ ‫حق ّ ت َ َ ُ ُ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إن في‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أكثُرهُ ْ‬ ‫ما كا َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِك لي َ ً‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫محاجة إبراهيم لقومه وإقامته الحجج )‪ (8‬عليهم في التوحيد لية ودللة‬
‫َ‬ ‫كا َ‬
‫و‬
‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ن َرب ّ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ما َ َ‬ ‫واضحة جلية على أنه ل إله إل الله } وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م {‪.‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ن )‪(106‬‬ ‫قو َ‬ ‫ح أل ت َت ّ ُ‬ ‫م ُنو ٌ‬ ‫خوهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (105‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫م ُنوٍح ال ْ ُ‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫} ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن )‪ (108‬وَ َ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ن )‪َ (107‬فات ّ ُ‬ ‫مي ٌ‬ ‫لأ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫إ ِّني ل َك ُ ْ‬
‫ن)‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن )‪َ (109‬فات ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬
‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫جرِيَ ِإل عَلى َر ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫‪.{ (110‬‬
‫هذا إخبار من الله ‪ ،‬عز وجل ‪ (9) ،‬عن عبده ورسوله نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫وهو أول رسول ُبعث‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ‪" .‬وكشفت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تشركون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬صوروا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬أن يردون" وفي أ ‪" :‬أن يردوا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬الله" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬بتخاصم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬الحجة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تعالى"‬

‫) ‪(6/150‬‬

‫َ‬
‫ك اْل َْرذ َُلو َ‬
‫ن )‪(111‬‬ ‫ن لَ َ‬
‫ك َوات ّب َعَ َ‬ ‫َقاُلوا أن ُؤْ ِ‬
‫م ُ‬
‫إلى الرض بعدما عبدت الصنام والنداد ‪ ،‬بعثه الله ناهًيا عن ذلك ‪ ،‬ومحذًرا‬
‫من َوبيل عقابه ‪ ،‬فكذبه قومه واستمروا على ما هم عليه من الفعال الخبيثة‬
‫في عبادتهم أصنامهم ‪ ،‬ويتنزل )‪ (1‬تكذيبهم له بمنزلة تكذيب جميع الرسل ؛‬
‫ن{‬ ‫قو َ‬ ‫ح َأل ت َت ّ ُ‬
‫م ُنو ٌ‬
‫خوهُ ْ‬ ‫م أَ ُ‬
‫ل ل َهُ ْ‬
‫ن إ ِذ ْ َقا َ‬
‫سِلي َ‬
‫مْر َ‬ ‫م ُنوٍح ال ْ ُ‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬ك َذ ّب َ ْ‬
‫أي ‪ :‬أل )‪ (2‬تخافون الله في عبادتكم غيره ؟‬
‫ن { أي ‪ :‬إني رسول من الله إليكم ‪ ،‬أمين فيما بعثني‬ ‫} إني ل َك ُم رسو ٌ َ‬
‫مي ٌ‬ ‫لأ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ِّ‬
‫به ‪ ،‬أبلغكم رسالة الله ل أزيد فيها ول أنقص منها‪.‬‬
‫قوا الل ّه وأ َطيعون وما أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه من أ َجر ] إ َ‬
‫ب‬‫جرِيَ ِإل عََلى َر ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ ْ ٍ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ِ ُ ِ َ َ‬ ‫} َفات ّ ُ‬
‫ن [ { )‪ (3‬أي ‪ :‬ل أطلب منكم جزاء على نصحي لكم ‪ ،‬بل أدخر ثواب‬ ‫مي َ‬‫ال َْعال َ ِ‬
‫َ‬
‫ن { فقد وضح لكم وبان صدقي ونصحي‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬‫قوا الل ّ َ‬ ‫ذلك عند الله } َفات ّ ُ‬
‫وأمانتي فيما بعثني به وأتمنني عليه‪.‬‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (111‬‬ ‫ك الْرذ َُلو َ‬ ‫ك َوات ّب َعَ َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫م ُ‬‫} َقاُلوا أن ُؤْ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وتنزل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/151‬‬

‫ن‬
‫شعُُرو َ‬ ‫م إ ِّل عََلى َرّبي ل َوْ ت َ ْ‬ ‫ساب ُهُ ْ‬ ‫ح َ‬‫ن ِ‬ ‫ن )‪ (112‬إ ِ ْ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫مي ب ِ َ‬ ‫عل ْ ِ‬‫ما ِ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪َ (115‬قالوا لئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫ن أَنا إ ِل ن َ ِ‬ ‫ن )‪ (114‬إ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما أَنا ب ِطارِدِ ال ُ‬ ‫)‪ (113‬وَ َ‬
‫ن)‬ ‫مي ك َذ ُّبو ِ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪َ (116‬قا َ‬ ‫مي َ‬‫جو ِ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫َ‬
‫ح لت َ ُ‬ ‫م ت َن ْت َهِ َيا ُنو ُ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن )‪(118‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫معِ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جِني وَ َ‬ ‫حا وَن َ ّ‬ ‫م فَت ْ ً‬ ‫ح ب َي ِْني وَب َي ْن َهُ ْ‬ ‫‪َ (117‬فافْت َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(120‬‬ ‫م أغَْرقَْنا ب َعْد ُ الَباِقي َ‬ ‫ن )‪ (119‬ث ُ ّ‬ ‫حو ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ال َ‬ ‫فل ِ‬ ‫ه ِفي ال ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فَأن ْ َ‬
‫جي َْناه ُ وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ك َل َي َ ً‬
‫م‬‫حي ُ‬‫زيُز الّر ِ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن )‪ (121‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ما َ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫)‪(122‬‬

‫م ِإل عََلى َرّبي ل َ ْ‬


‫و‬ ‫ساب ُهُ ْ‬‫ح َ‬ ‫ن ِ‬
‫ن )‪ (112‬إ ِ ْ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫مي ب ِ َ‬ ‫عل ْ ِ‬
‫ما ِ‬ ‫} َقا َ‬
‫ل وَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬‫ن أَنا ِإل ن َ ِ‬ ‫ن )‪ (114‬إ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ما أَنا ب ِطارِدِ ال ُ‬ ‫ن )‪ (113‬وَ َ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪.{ (115‬‬
‫يقولون ‪ :‬أنؤمن لك ونتبعك ‪ ،‬ونتساوى في ذلك بهؤلء الراذل )‪ (1‬الذين‬
‫ك َوات ّب َعَ َ‬‫ن لَ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م ُ‬‫اتبعوك وصدقوك ‪ ،‬وهم أراذلنا )‪ (2‬؛ ولهذا قالوا ‪ } :‬أن ُؤْ ِ‬
‫ن { ؟ أي ‪ :‬وأي شيء يلزمني من‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫مي ب ِ َ‬‫عل ْ ِ‬
‫ما ِ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ن‪َ .‬قا َ‬ ‫الْرذ َُلو َ‬
‫اتباع هؤلء لي ‪ ،‬ولو كانوا على أي شيء كانوا عليه ل يلزمني التنقيب عنه‬
‫ي أن أقبل منهم تصديقهم )‪ (3‬إياي ‪ ،‬وأكل‬ ‫والبحث والفحص ‪ ،‬إنما عل ّ‬
‫سرائرهم إلى الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ِإل عََلى َرّبي ل َوْ ت َ ْ‬
‫ن { ‪ ،‬كأنهم‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ما أَنا ب ِطارِدِ ال ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ساب ُهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِ‬‫} إِ ْ‬
‫عليهم ذلك ‪ ،‬وقال ‪ } :‬وما أناَ‬ ‫سألوا منه أن يبعدهم عنه ليتابعوه )‪ ، (4‬فأبى‬
‫َ َ َ‬
‫طارد ال ْمؤْمِنين * إ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما بعثت نذيًرا ‪ ،‬فمن أطاعني‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫ن أَنا ِإل ن َ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫بِ َ ِ ِ ُ ِ َ‬
‫فا أو وضيًعا ‪ ،‬أو جليل‬ ‫واتبعني وصدقني كان مني وكنت منه ‪ ،‬سواء كان شري ً‬
‫أو حقيًرا‪.‬‬
‫مي‬ ‫ن قَوْ ِ‬‫ب إِ ّ‬‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪َ (116‬قا َ‬ ‫مي َ‬ ‫جو ِ‬‫مْر ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ح لت َ ُ‬‫َ‬ ‫م ت َن ْت َهِ َيا ُنو ُ‬ ‫نل ْ‬‫َ‬ ‫} َقاُلوا ل َئ ِ ْ‬
‫ن )‪(118‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫معِ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جِني وَ َ‬ ‫حا وَن َ ّ‬ ‫م فَت ْ ً‬ ‫ح ب َي ِْني وَب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن )‪َ (117‬فافْت َ ْ‬ ‫ك َ َذ ُّبو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(120‬‬ ‫م أغَْرقَْنا ب َعْد ُ الَباِقي َ‬ ‫ن )‪ (119‬ث ُ ّ‬ ‫حو ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ال َ‬ ‫فل ِ‬ ‫ه ِفي ال ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فَأن ْ َ‬
‫جي َْناه ُ وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫م‬‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬‫ك لهُوَ العَ ِ‬ ‫ن )‪ (121‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أكث َُرهُ ْ‬ ‫ما كا َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫إِ ّ‬
‫)‪.{ (122‬‬
‫لما طال مقام نبي الله بين أظهرهم يدعوهم إلى الله ليل ونهاًرا ‪ ،‬وجهًرا‬
‫وإسراًرا ‪ ،‬وكلما كرر عليهم الدعوة صمموا على الكفر الغليظ ‪ ،‬والمتناع‬
‫م ت َن ْت َهِ { أي ‪ :‬عن دعوتك إيانا إلى دينك يا‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫الشديد ‪ ،‬وقالوا في الخر ‪ } :‬ل َئ ِ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬لنرجمّنك )‪ .(5‬فعند ذلك دعا‬ ‫مي َ‬ ‫جو ِ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫نوح } ل َت َ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الرذال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬أرذالنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬صدقهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬ليتابعون" وفي أ ‪" :‬ليبايعوه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬لنرجمك"‪.‬‬

‫) ‪(6/151‬‬

‫ن )‪ (124‬إ ِّني‬ ‫قو َ‬ ‫هود ٌ أ ََل ت َت ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫خوهُ ْ‬ ‫م أَ ُ‬


‫ل ل َهُ ْ‬‫ن )‪ (123‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫عاد ٌ ال ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م عَل َي ْهِ ِ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن )‪ (126‬وَ َ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ن )‪َ (125‬فات ّ ُ‬ ‫مي ٌ‬ ‫لأ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ل ِريٍع آ َي َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(128‬‬ ‫ة ت َعْب َُثو َ‬ ‫ن ب ِك ُ ّ‬ ‫ن )‪ (127‬أت َب ُْنو َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫جرِيَ إ ِّل عََلى َر ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪(130‬‬ ‫جّباِري َ‬ ‫م َ‬ ‫شت ُ ْ‬ ‫م ب َط َ ْ‬ ‫شت ُ ْ‬ ‫ن )‪ (129‬وَإ َِذا ب َط َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خل ُ ُ‬‫م تَ ْ‬‫صان ِعَ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫وَت َت ّ ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َفات ّ ُ‬
‫مد ّك ْ‬ ‫ن )‪ (132‬أ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ت َعْل ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫مد ّك ْ‬‫ذي أ َ‬ ‫قوا ال ِ‬ ‫ن )‪َ (131‬وات ّ ُ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ي َوْم ٍ‬‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن )‪ (134‬إ ِّني أ َ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن )‪ (133‬وَ َ‬ ‫ب ِأن َْعام ٍ وَب َِني َ‬
‫ظيم ٍ )‪(135‬‬ ‫عَ ِ‬

‫ح ب َي ِْني‬‫ن‪َ .‬فافْت َ ْ‬ ‫مي ك َذ ُّبو ِ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫عليهم دعوة استجاب الله منه ‪ ،‬فقال } َر ّ‬
‫ن { ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪} :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫معِ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جِني وَ َ‬ ‫حا وَن َ ّ‬ ‫م فَت ْ ً‬ ‫وَب َي ْن َهُ ْ‬
‫جْرَنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فَد َ َ‬
‫ر‪ .‬وَف ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫من ْهَ ِ‬ ‫ماٍء ُ‬ ‫ماِء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وا َ‬ ‫حَنا أب ْ َ‬ ‫فت َ ْ‬‫صْر‪ .‬ف َ‬ ‫ب فان ْت َ ِ‬ ‫مغْلو ٌ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫عا َرب ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‪.‬‬
‫س ٍ‬‫واٍح وَد ُ ُ‬ ‫ت أل ْ َ‬ ‫مل َْناه ُ عََلى َذا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مرٍ قَد ْ قُدَِر‪ .‬وَ َ‬ ‫ماُء عََلى أ ْ‬ ‫قى ال ْ َ‬ ‫ض عُُيوًنا َفال ْت َ َ‬
‫َ‬ ‫الْر َ‬
‫فَر { ]القمر ‪.[14 - 10 :‬‬ ‫ُ‬
‫نك ِ‬ ‫َ‬
‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاًء ل ِ َ‬ ‫ري ب ِأعْي ُن َِنا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫شحون‪ .‬ث ُم أ َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ي‬‫ج‬ ‫ن‬‫وقال هاهنا } فَأ َ‬
‫َ َ َْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ َْ ُ َ َ ْ َ َ ُ ِ‬
‫ن‪ .{ .‬والمشحون ‪ :‬هو المملوء بالمتعة والزواج التي حمل فيه من كل‬ ‫ال َْباِقي َ‬
‫ن كذبه وخالف‬ ‫م ْ‬ ‫زوجين اثنين ‪ ،‬أي ‪ :‬نجيناه )‪ (1‬ومن معه )‪ (2‬كلهم ‪ ،‬وأغرقنا َ‬
‫كا َ‬
‫زيُز‬‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ما َ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫أمره كلهم ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫م {‪.‬‬ ‫حي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪ (124‬إ ِّني‬ ‫قو َ‬ ‫هود ٌ أل ت َت ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫خوهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ل لهُ ْ‬ ‫ن )‪ (123‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫عاد ٌ ال ُ‬ ‫ت َ‬ ‫} ك َذ ّب َ ْ‬
‫قوا الل ّه وأ َطيعون )‪ (126‬وما أ َ َ‬ ‫ل َك ُم رسو ٌ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ِ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ِ ُ ِ‬ ‫ن )‪َ (125‬فات ّ ُ‬ ‫مي ٌ‬ ‫لأ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬
‫ن )‪(128‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة ت َعْب َثو َ‬ ‫ن ب ِكل ِريٍع آي َ ً‬ ‫ن )‪ (127‬أت َب ُْنو َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫جرِيَ ِإل عَلى َر ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪(130‬‬ ‫جّباِري َ‬ ‫م َ‬ ‫شت ُ ْ‬‫م ب َط َ ْ‬ ‫شت ُ ْ‬ ‫ن )‪ (129‬وَإ َِذا ب َط َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خل ُ ُ‬
‫م تَ ْ‬ ‫صان ِعَ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬‫وَت َت ّ ِ‬
‫مد ّك ُْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫(‬ ‫‪132‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫م‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫(‬ ‫‪131‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫طي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫َفات ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ ّ ْ ِ َ َْ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ ِ ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ي َوْم ٍ‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن )‪ (134‬إ ِّني أ َ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن )‪ (133‬وَ َ‬ ‫ب ِأن َْعام ٍ وَب َِني َ‬
‫ظيم ٍ )‪.{ (135‬‬ ‫عَ ِ‬
‫وهذا إخبار من ]الله تعالى عن[ )‪ (3‬عبده ورسوله هود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه‬
‫ما يسكنون الحقاف ‪ ،‬وهي ‪ :‬جبال الرمل قريًبا من‬ ‫دعا قومه عاًدا ‪ ،‬وكانوا قو ً‬
‫بلد حضرموت متاخمة )‪ (4‬لبلد اليمن ‪ ،‬وكان زمانهم بعد قوم نوح ‪] ،‬كما‬
‫ن ب َعْد ِ قَوْم ِ ُنوٍح[ )‬ ‫م ْ‬ ‫فاَء ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫قال في "سورة العراف" ‪َ } :‬واذ ْك ُُروا إ ِذ ْ َ‬
‫ة { ]العراف ‪ [69 :‬وذلك أنهم كانوا في غاية من‬ ‫صط َ ً‬ ‫ق بَ ْ‬ ‫خل ِ‬
‫م ِفي ال ْ َ ْ‬ ‫‪ (5‬وََزاد َك ُ ْ‬
‫قوة التركيب ‪ ،‬والقوة والبطش الشديد ‪ ،‬والطول المديد ‪ ،‬والرزاق الدارة ‪،‬‬
‫والموال والجنات )‪ (6‬والعيون ‪ ،‬والبناء والزروع والثمار ‪ ،‬وكانوا مع ذلك‬
‫يعبدون غير الله معه ‪ ،‬فبعث الله إليهم رجل منهم رسول وبشيًرا ونذيًرا ‪،‬‬
‫فدعاهم إلى الله وحده ‪ ،‬وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته ‪ ،‬فقال لهم كما‬
‫ن ب ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬اختلف‬ ‫ة ت َعْب َُثو َ‬ ‫ل ِريٍع آي َ ً‬ ‫قال نوح لقومه ‪ ،‬إلى أن قال ‪ } :‬أت َب ُْنو َ‬
‫المفسرون في الريع بما حاصله ‪ :‬أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق‬
‫ل ِريٍع‬ ‫ن ب ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫المشهورة‪ .‬تبنون هناك بناء محكما باهًرا هائل ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أت َب ُْنو َ‬
‫ة { أي ‪ :‬معلما بناء مشهوًرا ‪ ،‬تعبثون ‪ ،‬وإنما تفعلون ذلك عبًثا ل للحتياج‬ ‫آي َ ً‬
‫إليه ؛ بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة ؛ ولهذا أنكر عليهم نبيهم ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬ذلك ؛ لنه تضييع للزمان وإتعاب للبدان في غير فائدة ‪ ،‬واشتغال‬
‫بما ل يجدي في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬
‫ن {‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬المصانع ‪ :‬البروج‬ ‫دو َ‬ ‫ُ‬
‫خل ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫صان ِعَ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَت َت ّ ِ‬
‫المشيدة ‪ ،‬والبنيان المخلد‪ .‬وفي رواية عنه ‪ :‬بروج الحمام‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬نجينا نوحا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬اتبعه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬متخمة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬والجنان"‪.‬‬

‫) ‪(6/152‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(136‬‬
‫ظي َ‬
‫ع ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫م لَ ْ‬
‫م ت َك ُ ْ‬ ‫تأ ْ‬‫واءٌ عَل َي َْنا أوَعَظ ْ َ‬ ‫َقاُلوا َ‬
‫س َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هي مأخذ الماء‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وقرأ بعض القراء )‪ : (1‬وتتخذون‬
‫مصانع كأنكم خالدون"‪.‬‬
‫دا ‪،‬‬
‫ن { أي ‪ :‬لكي تقيموا فيها أب ً‬ ‫خل ُ ُ‬
‫دو َ‬ ‫وفي القراءة المشهورة ‪ } :‬ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م تَ ْ‬
‫وليس ذلك بحاصل لكم ‪ ،‬بل زائل عنكم ‪ ،‬كما زال عمن كان قبلكم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الحكم بن موسى ‪ ،‬حدثنا‬
‫ون بن عبد الله بن عتبة ‪ ،‬أن أبا الدرداء ‪،‬‬ ‫جلن ‪ ،‬حدثني عَ ْ‬ ‫الوليد ‪ ،‬حدثنا ابن عَ ْ‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬لما رأى ما أحدث المسلمون في الُغوطة من البنيان ونصب‬
‫الشجر ‪ ،‬قام في مسجدهم فنادى ‪ :‬يا أهل دمشق ‪ ،‬فاجتمعوا إليه ‪ ،‬فحمد‬
‫الله وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أل تستحيون! أل تستحيون! تجمعون ما ل تأكلون ‪،‬‬
‫وتبنون ما ل تسكنون ‪ ،‬وتأملون ما ل تدركون ‪ ،‬إنه كانت قبلكم )‪ (2‬قرون ‪،‬‬
‫يجمعون فيرعون ‪ ،‬ويبنون فيوثقون )‪ ، (3‬ويأملون فيطيلون ‪ ،‬فأصبح أملهم‬
‫غروًرا ‪ ،‬وأصبح جمعهم بوًرا ‪ ،‬وأصبحت مساكنهم )‪ (4‬قبوًرا ‪ ،‬أل إن عاًدا‬
‫ملكت ما بين عدن وعمان خيل وركاًبا ‪ ،‬فمن يشتري مني ميراث عاد‬
‫بدرهمين ؟‪.‬‬
‫ن { وصفهم بالقوة والغلظة والجبروت‪.‬‬ ‫جّباِري َ‬ ‫م َ‬ ‫شت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م ب َط ْ‬ ‫شت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَإ َِذا ب َط ْ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬اعبدوا ربكم ‪ ،‬وأطيعوا رسولكم‪.‬‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫} َفات ّ ُ‬
‫ن‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مو َ‬ ‫ما ت َعْل ُ‬‫م بِ َ‬
‫مد ّك ْ‬
‫ذي أ َ‬ ‫قوا ال ِ‬ ‫ثم شرع يذكرهم نعم الله عليهم فقال ‪َ } :‬وات ّ ُ‬
‫َ‬
‫ظيم ٍ { أي‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف عَلي ْك ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن‪ .‬إ ِّني أ َ َ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬
‫ن‪ .‬وَ َ‬ ‫م ب ِأن َْعام ٍ وَب َِني َ‬‫مد ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫أ َ‬
‫‪ :‬إن كذبتم وخالفتم ‪ ،‬فدعاهم إلى الله بالترغيب والترهيب ‪ ،‬فما نفع فيهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (136‬‬ ‫ظي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫وا ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م لَ ْ‬
‫م ت َك ُ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫واٌء عَل َي َْنا أوَعَظ ْ َ‬ ‫} َقاُلوا َ‬
‫س َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬الكوفيين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬قد كانت قبلكم" وفي أ ‪" :‬قد كانت لكم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فيوبقون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬منازلهم"‪.‬‬

‫) ‪(6/153‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (138‬فَك َذ ُّبوه ُ فَأهْل َك َْناهُ ْ‬
‫م‬ ‫معَذ ِّبي َ‬
‫ن بِ ُ‬‫ح ُ‬‫ما ن َ ْ‬
‫ن )‪ (137‬وَ َ‬ ‫خل ُقُ اْلوِّلي َ‬ ‫ذا إ ِّل ُ‬ ‫ن هَ َ‬
‫إِ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫م‬
‫حي ُ‬‫زيُز الّر ِ‬ ‫ك لهُوَ العَ ِ‬ ‫ن )‪ (139‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬‫ن أكث َُرهُ ْ‬‫ما كا َ‬ ‫ة وَ َ‬
‫ك لي َ ً‬ ‫إِ ّ‬
‫)‪(140‬‬
‫َ‬
‫ن )‪ (138‬فَك َذ ُّبوه ُ فَأهْل َك َْناهُ ْ‬
‫م‬ ‫معَذ ِّبي َ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ن )‪ (137‬وَ َ‬ ‫خل ُقُ الوِّلي َ‬ ‫ذا ِإل ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫} إِ ْ‬
‫َ‬
‫م‬‫حي ُ‬‫زيُز الّر ِ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن )‪ (139‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫)‪{ (140‬‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن جواب قوم هود له ‪ ،‬بعدما حذرهم وأنذرهم ‪ ،‬وََرغّب َُهم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ت َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫م لَ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫واٌء عَل َي َْنا أوَعَظ ْ َ‬ ‫س َ‬‫ورهبهم ‪ ،‬وبّين لهم الحق ووضحه ‪َ } :‬قاُلوا َ‬
‫ن‬‫كي آل ِهَت َِنا عَ ْ‬ ‫ن ب َِتارِ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ن { أي ‪ :‬ل نرجع عما نحن فيه ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫ظي َ‬‫ع ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫ن { ]هود ‪ [53 :‬وهكذا المر ؛ فإن الله تعالى‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن لك ب ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫قَوْل ِك وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن{‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ل ي ُؤْ ِ‬ ‫م ت ُن ْذِْرهُ ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أأن ْذ َْرت َهُ ْ‬ ‫واٌء عَلي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫فُروا َ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن*‬ ‫مُنو َ‬ ‫َ‬
‫ة َرب ّك ل ي ُؤْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫م كل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫]البقرة ‪ [6 :‬وقال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م { ]يونس ‪.[97 ، 96 :‬‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ‬ ‫ل آي َةٍ َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫خْلق" بفتح‬ ‫ن { ‪ :‬قرأ بعضهم ‪" :‬إن هذا إل َ‬ ‫خل ُقُ الوِّلي َ‬ ‫ذا ِإل ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫وقولهم ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫الخاء وتسكين‬

‫) ‪(6/153‬‬

‫اللم‪.‬‬
‫قال ابن مسعود ‪ ،‬والعوفي عن عبد الله بن عباس ‪ ،‬وعلقمة ‪ ،‬ومجاهد ‪:‬‬
‫يعنون ما هذا الذي جئتنا به إل أخلق الولين‪ .‬كما قال المشركون من‬
‫قريش ‪ } :‬وقالوا أساطير الولين ]اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيل {‬
‫]الفرقان ‪ ، [5 :‬وقال ‪ } :‬وقال الذين كفروا إن هذا إل إفك افتراه وأعانه‬
‫عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا وقالوا أساطير الولين { ]الفرقان ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ماَذا َأنز َ‬
‫ن{[‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َقاُلوا أ َ‬ ‫ل َرب ّك ُ ْ‬ ‫م )‪َ (1‬‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫‪ ، [5 ، 4‬وقال } وَإ َِذا ِقي َ‬
‫)‪] (2‬النحل ‪.[24 :‬‬
‫ن { ‪ -‬بضم الخاء واللم ‪ -‬يعنون ‪:‬‬ ‫خل ُقُ الوِّلي َ‬ ‫ذا ِإل ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫وقرأ آخرون ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫دينهم وما هم عليه من المر هو دين الوائل من الباء والجداد‪ .‬ونحن تابعون‬
‫لهم ‪ ،‬سالكون وراءهم ‪ ،‬نعيش كما عاشوا ‪ ،‬ونموت كما ماتوا ‪ ،‬ول بعث ول‬
‫ن {‪.‬‬ ‫معَذ ِّبي َ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫معاد ؛ ولهذا قالوا ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { يقول ‪:‬‬ ‫خلقُ الوِّلي َ‬ ‫ُ‬ ‫ذا ِإل ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫دين الولين‪ .‬وقاله عكرمة ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن‬
‫زيد بن أسلم ‪ ،‬واختاره ابن جرير )‪.(3‬‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬فاستمروا على تكذيب نبي الله‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬فَك َذ ُّبوه ُ فَأهْل َك َْناهُ ْ‬
‫هود ومخالفته وعناده ‪ ،‬فأهلكهم الله ‪ ،‬وقد بّين سبب إهلكه إياهم في غير‬
‫حا شديدة‬ ‫حا صرصًرا عاتية ‪ ،‬أي ‪ :‬ري ً‬ ‫موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ري ً‬
‫دا ‪ ،‬فكان إهلكهم من جنسهم ‪ ،‬فإنهم كانوا أعتى‬ ‫الهبوب ذات برد شديد ج ً‬
‫شيء وأجبره ‪ ،‬فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫ماِد[ { )‪] (4‬الفجر ‪ [7 ، 6 :‬وهم‬ ‫ت ال ْعِ َ‬ ‫م ]َذا ِ‬ ‫ك ب َِعاد ٍ إ َِر َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫ف فَعَ َ‬ ‫م ت ََر ك َي ْ َ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫عاًدا الوَلى { ]النجم ‪ ، [50 :‬وهم من‬ ‫ك َ‬ ‫ه أ َهْل َ َ‬ ‫َ‬
‫عاد الولى ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَأن ّ ُ‬
‫ماد ِ { أي ‪ :‬الذين كانوا يسكنون العمد‪.‬‬ ‫ت ال ْعِ َ‬ ‫نسل إرم بن سام بن نوح‪َ } .‬ذا ِ‬
‫ومن زعم أن "إرم" مدينة ‪ ،‬فإنما أخذ ذلك من السرائيليات من كلم كعب‬
‫مث ْل َُها ِفي‬ ‫خل َقْ ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ووهب ‪ ،‬وليس لذلك أصل أصيل‪ .‬ولهذا قال ‪ } :‬ال ِّتي ل َ ْ‬
‫ال ِْبلدِ { ]الفجر ‪ ، [8 :‬أي ‪ :‬لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم‬
‫وجبروتهم ‪ ،‬ولو كان المراد بذلك مدينة لقال ‪ :‬التي لم يبن مثلها في البلد ‪،‬‬
‫ن أَ َ‬ ‫َ‬
‫مّنا قُوّةً‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫م ْ‬‫حقّ وََقاُلوا َ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ست َكب َُروا ِفي َالْر ِ‬
‫عاد ٌ َفا ْ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال ‪ } :‬فَأ ّ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫كاُنوا ِبآَيات َِنا ي َ ْ‬ ‫م قُوّة ً وَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫م هُوَ أ َ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ي ََرْوا أ ّ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫]فصلت ‪.[15 :‬‬
‫دمنا أن الله تعالى لم يرسل عليهم من الريح إل بمقدار أنف الثور ‪،‬‬ ‫وقد قَ ّ‬
‫عتت على الخزنة ‪ ،‬فأذن )‪ (5‬الله لها في ذلك ‪ ،‬وسلكت وحصبت بلدهم ‪،‬‬
‫مرِ َرب َّها‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫مُر ك ُ ّ‬
‫يٍء ب ِأ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫فحصبت كل شيء لهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ت ُد َ ّ‬
‫م { )‪ (6‬الية ]الحقاف ‪ ، [25 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫فَأ َ‬
‫ساك ِن ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حوا ل ي َُرى ِإل َ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ها عَل َيهم سبع ل َيال وث َمان ِي َ َ‬
‫ة َ أّيام ٍ‬ ‫ِْ ْ َ ْ َ َ ٍ َ َ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫س ّ‬ ‫عات ِي َةٍ َ‬ ‫صرٍ َ‬ ‫صْر َ‬ ‫ريٍح َ‬ ‫كوا ب ِ ِ‬ ‫عاد ٌ فَأ ُهْل ِ ُ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫} وَأ ّ‬
‫عى ك َأن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫صْر َ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ما { ]الحاقة ‪ ، [7 ، 6 :‬أي ‪ :‬كاملة } فَت ََرى ال ْ َ‬ ‫سو ً‬ ‫ح ُ‬ ‫ُ‬
‫خاوِي َةٍ { ]الحاقة ‪ ، [7 :‬أي ‪ :‬بقوا أبداًنا بل رؤوس ؛‬ ‫ل َ‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ َ ُ‬‫جا‬ ‫ْ‬ ‫ع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقيل للذين كفروا" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(19/60‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬بإذن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل ترى"‪.‬‬

‫) ‪(6/154‬‬
‫ن )‪ (142‬إ ِّني‬ ‫قو َ‬ ‫ح أ ََل ت َت ّ ُ‬
‫صال ِ ٌ‬‫َ‬ ‫م‬
‫خوهُ ْ‬ ‫م أَ ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬‫ن )‪ (141‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬‫مود ُ ال ْ ُ‬ ‫ت ثَ ُ‬ ‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ِ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن )‪ (144‬وَ َ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ن )‪َ (143‬فات ّ ُ‬ ‫مي ٌ‬‫لأ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫مِني َ‬ ‫هاهَُنا آ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كو َ‬‫ن )‪ (145‬أت ُت َْر ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫جرِيَ إ ِّل عََلى َر ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‬
‫حُتو َ‬ ‫م )‪ (148‬وَت َن ْ ِ‬ ‫ضي ٌ‬‫ل ط َل ْعَُها هَ ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ن )‪ (147‬وَُزُروٍع وَن َ ْ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫‪ِ (146‬في َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مَر‬‫طيُعوا أ ْ‬ ‫ن )‪ (150‬وََل ت ُ ِ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ن )‪َ (149‬فات ّ ُ‬ ‫هي َ‬ ‫ل ب ُُيوًتا َفارِ ِ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(152‬‬ ‫حو‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫(‬‫‪151‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫ْ ِ َ ُ ْ ُ َ‬ ‫ِ َ ُ ِ ُ َ ِ‬ ‫ا ُ ْ ِ ِ َ‬
‫في‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ل‬

‫وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء ‪ ،‬ثم تنكسه‬
‫على أم رأسه فتشدخ دماغه ‪ ،‬وتكسر رأسه ‪ ،‬وتلقيه ‪ ،‬كأنهم أعجاز نخل‬
‫منقعر‪ .‬وقد كانوا تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات ‪ ،‬وحفروا لهم في‬
‫ج َ‬
‫ل‬ ‫الرض إلى أنصافهم ‪ ،‬فلم يغن عنهم ذلك )‪ (1‬من أمر الله شيئا ‪ } ،‬إ َ‬
‫نأ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫م إِ ّ‬ ‫خُر { ]نوح ‪ [4 :‬؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَك َذ ُّبوه ُ فَأهْل َك َْناهُ ْ‬ ‫جاَء ل ي ُؤَ ّ‬ ‫الل ّهِ إ َِذا َ‬
‫َ‬
‫م {‪.‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬
‫َ‬ ‫ك ل ََهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ن )‪(142‬‬ ‫قو َ‬ ‫ح أل ت َت ّ ُ‬ ‫صال ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫خوهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (141‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مود ُ ال ْ ُ‬ ‫ت ثَ ُ‬ ‫} ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م عَلي ْ ِ‬ ‫سألك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن )‪ (144‬وَ َ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫ن )‪َ (143‬فات ّ ُ‬ ‫مي ٌ‬ ‫لأ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫إ ِّني ل َك ُ ْ‬
‫من أ َجر إ َ‬
‫ن )‪{ (145‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫جرِيَ ِإل عََلى َر ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ ْ ٍ ِ ْ‬
‫وهذا إخبار من الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬عن عبده ورسوله صالح ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬أنه‬
‫جر ‪ ،‬التي بين وادي‬ ‫بعثه إلى قوم ثمود ‪ ،‬وكانوا عرًبا يسكنون مدينة الح ْ‬
‫قَرى وبلد الشام ‪ ،‬ومساكنهم معروفة مشهورة‪ .‬وقد قدمنا في "سورة‬ ‫ال ُ‬
‫العراف" )‪ (2‬الحاديث المروية في مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بهم حين أراد غَْزوَ الشام ‪ ،‬فوصل )‪ (3‬إلى ت َُبوك ‪ ،‬ثم عاد إلى المدينة ليتأهب‬
‫لذلك‪ .‬وقد كانوا بعد عاد وقبل الخليل ‪ ،‬عليه السلم‪ .‬فدعاهم نبيهم صالح‬
‫إلى الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أن يعبدوه وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن يطيعوه فيما بلغهم‬
‫من الرسالة ‪ ،‬فأبوا عليه وكذبوه وخالفوه‪ .‬فأخبرهم أنه ل يبتغي بدعوتهم‬
‫أجرا منهم ‪ ،‬وإنما يطلب ثواب ذلك من الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ثم ذكرهم آلء الله‬
‫عليهم فقال ‪:‬‬
‫ل‬
‫خ ٍ‬ ‫ن )‪ (147‬وَُزُروٍع وَن َ ْ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن )‪ِ (146‬في َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ها هَُنا آ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كو َ‬ ‫} أ َت ُت َْر ُ‬
‫قوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن )‪َ (149‬فات ّ ُ‬ ‫هي َ‬ ‫ل ب ُُيوًتا َفارِ ِ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫حُتو َ‬‫م )‪ (148‬وَت َن ْ ِ‬ ‫ضي ٌ‬ ‫ط َل ْعَُها هَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (151‬ال ّ ِ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَر ال ْ ُ‬ ‫طيُعوا أ ْ‬ ‫ن )‪َ (150‬ول ت ُ ِ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫وَأ ِ‬
‫ن )‪{ (152‬‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫ض َول ي ُ ْ‬ ‫الْر ِ‬
‫يقول لهم واعظا لهم ومحذًرا إياهم نقم )‪ (4‬الله أن تحل بهم ‪ ،‬ومذكًرا بأنعم‬ ‫ً‬
‫الله عليهم فيما رزقهم من الرزاق الداّرة ‪ ،‬وجعلهم في أمن من‬
‫المحذورات‪ .‬وأنبت لهم من الجنات )‪ ، (5‬وأنبع لهم من العيون الجاريات ‪،‬‬
‫م {‪ .‬قال‬ ‫ضي ٌ‬ ‫ل ط َل ْعَُها هَ ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫وأخرج لهم من الزروع والثمرات ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَن َ ْ‬
‫العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أينع وب ََلغ ‪ ،‬فهو هضيم‪.‬‬
‫م { يقول ‪:‬‬ ‫ضي ٌ‬ ‫ل ط َل ْعَُها هَ ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَن َ ْ‬
‫معشبة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫]و[ )‪ (6‬قال إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن عمرو بن أبي عمرو ‪ -‬وقد أدرك‬
‫م { قال ‪ :‬إذا‬ ‫ضي ٌ‬ ‫ل ط َل ْعَُها هَ ِ‬ ‫خ ٍ‬‫الصحابة ‪ -‬عن ابن عباس ‪ ،‬في قوله ‪ } :‬وَن َ ْ‬
‫طب واسترخى‪ .‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬قال ‪ :‬وُروي عن أبي صالح نحو هذا‪.‬‬ ‫ر ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لم يغن ذلك عنهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬عند اليات ‪.78 - 73 :‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فدخل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نقمة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الحبات"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(6/155‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن ك ُن ْ َ‬
‫ت‬ ‫ت ب ِآ َي َةٍ إ ِ ْ‬ ‫مث ْل َُنا فَأ ِ‬‫شٌر ِ‬‫ت إ ِّل ب َ َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ن )‪َ (153‬‬ ‫ري َ‬‫ح ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫معْلوم ٍ )‪(155‬‬ ‫ُ‬ ‫ب ي َوْم ٍ َ‬ ‫شْر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ب وَلك ُ ْ‬ ‫شْر ٌ‬ ‫َ‬ ‫ل هَذِهِ َناقَ ٌ‬
‫ة لَها ِ‬ ‫ن )‪َ (154‬قا َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حوا‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ها فَأ ْ‬ ‫قُرو َ‬ ‫ظيم ٍ )‪ (156‬فَعَ َ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ َك ُ ْ‬ ‫سوٍء فَي َأ ُ‬ ‫ها ب ِ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫م ّ‬ ‫وَل ت َ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أكث َُرهُ ْ‬ ‫ما كا َ‬ ‫ة وَ َ‬‫ك لي َ ً‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫م العَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫خذ َهُ ُ‬ ‫ن )‪ (157‬فَأ َ‬ ‫مي َ‬ ‫َنادِ ِ‬
‫م )‪(159‬‬ ‫حي ُ‬‫زيُز الّر ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك لهُوَ العَ ِ‬‫َ‬ ‫‪ (158‬وَإ ِ ّ‬

‫م { قال ‪ :‬هو المذنب‬ ‫ضي ٌ‬ ‫ل ط َل ْعَُها هَ ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫وقال أبو إسحاق ‪ ،‬عن أبي العلء ‪ } :‬وَن َ ْ‬
‫من الرطب‪.‬‬
‫كبس )‪ (1‬تهشم وتفتت وتناثر‪.‬‬ ‫وقال مجاهد ‪ :‬هو الذي إذا ُ‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬سمعت عبد الكريم أبا أمية ‪ ،‬سمعت مجاهدا يقول ‪:‬‬
‫ضمه ‪ ،‬فهو من‬ ‫م { قال ‪ :‬حين يطلعُ تقبض عليه فته َ‬ ‫ضي ٌ‬ ‫ل ط َل ْعَُها هَ ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫} وَن َ ْ‬
‫الرطب الهضيم ‪ ،‬ومن اليابس الهشيم ‪ ،‬تقبض عليه فتهشمه‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬وقتادة ‪ ،‬الهضيم ‪ :‬الرطب اللين‪.‬‬
‫ضا ‪ ،‬فهو هضيم‪.‬‬ ‫وقال الضحاك ‪ :‬إذا كثر حمل الثمرة )‪ ، (2‬وركب بعضه بع ً‬
‫وقال مرة ‪ :‬هو الط ّل ْعُ حين يتفرق ويخضر‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬هو الذي ل نوى له‪.‬‬
‫م ‪ ،‬فترى الطلع‬ ‫وقال أبو صخر ‪ :‬ما )‪ (3‬رأيت الطلعَ حين ُيشق )‪ (4‬عنه الك ّ‬
‫قد لصق بعضه ببعض ‪ ،‬فهو الهضيم‪.‬‬
‫ن { قال ابن عباس ‪ ،‬وغير واحد ‪:‬‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫هي‬ ‫ر‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ل ب ُُيوًتا‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫حُتو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت َن ْ ِ‬
‫يعني ‪ :‬حاذقين‪ .‬وفي رواية عنه ‪ :‬شرهين أشرين )‪ .(5‬وهو اختيار مجاهد‬
‫وجماعة‪ .‬ول منافاة بينهما ؛ فإنهم كانوا يتخذون تلك البيوت المنحوتة في‬
‫الجبال أشًرا وبطًرا وعبًثا ‪ ،‬من غير حاجة إلى سكناها ‪ ،‬وكانوا حاذقين )‪(6‬‬
‫متقنين لنحتها ونقشها ‪ ،‬كما هو المشاهد من حالهم لمن رأى منازلهم ؛ ولهذا‬
‫َ‬
‫فعه عليكم )‬ ‫مل ما يعود ن ُ‬ ‫ن { أي ‪ :‬أقبلوا على عَ َ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫قال ‪َ } :‬فات ّ ُ‬
‫‪ (7‬في الدنيا والخرة ‪ ،‬من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم لتوحدوه‬
‫وتعبدوه وتسبحوه بكرة وأصيل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫ض َول ي ُ ْ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * ال ِ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَر ال ْ ُ‬ ‫طيُعوا أ ْ‬ ‫} َول ت ُ ِ‬
‫يعني ‪ :‬رؤساءهم وكبراءهم ‪ ،‬الدعاة لهم إلى الشرك والكفر ‪ ،‬ومخالفة‬
‫الحق‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ت ِبآي َةٍ إ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫مثلَنا فأ ِ‬ ‫ْ‬ ‫شٌر ِ‬ ‫ت ِإل ب َ َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ن )‪َ (153‬‬ ‫ري َ‬ ‫ح ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫} َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫معُْلوم ٍ )‬ ‫ب ي َوْم ٍ َ‬ ‫شْر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ب وَل َك ُ ْ‬ ‫شْر ٌ‬ ‫ة ل ََها ِ‬ ‫ل هَذِهِ َناقَ ٌ‬ ‫ن )‪َ (154‬قا َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ك ُن ْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫حوا‬ ‫صب َ ُ‬‫ها فَأ ْ‬ ‫قُرو َ‬ ‫ظيم ٍ )‪ (156‬فَعَ َ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ َك ُ ْ‬ ‫سوٍء فَي َأ ُ‬ ‫ها ب ِ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫م ّ‬ ‫‪َ (155‬ول ت َ َ‬
‫َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة وَ َ‬‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ذا ُ‬ ‫خذ َهُ ُ‬ ‫ن )‪ (157‬فَأ َ‬ ‫مي َ‬ ‫َنادِ ِ‬
‫م )‪{ (159‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫‪ (158‬وَإ ِ ّ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن ثمود في جوابهم لنبيهم صالح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين‬
‫َ‬
‫ن {‪ .‬قال مجاهد ‪،‬‬ ‫ري َ‬ ‫ح ِ‬‫س ّ‬‫م َ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫دعاهم إلى عبادة ربهم } َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫وقتادة ‪ :‬يعنون من المسحورين‪.‬‬
‫ن { )‪ : (9‬يعني من‬
‫ري َ‬
‫ح ِ‬
‫س ّ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬
‫وروى )‪ (8‬أبو صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ِ } :‬‬
‫المخلوقين ‪ ،‬واستشهد بعضهم على هذا القول بما قال الشاعر )‪ : (10‬فإن‬
‫تسألينا ‪ :‬فيم نحن ? فإننا‬
‫عصافير من هذا النام المسحر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مس"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حمل النخلة المثمرة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يتشقق"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬أشرين شرهين"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬صادقين"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليكم نفعه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المسحورين"‪.‬‬
‫)‪ (10‬هو لبيد بن ربيعة ‪ ،‬والبيت في ديوانه ص )‪ (56‬أ‪.‬هـ ‪ ،‬مستفادا من ط‪.‬‬
‫الشعب‪.‬‬

‫) ‪(6/156‬‬

‫سحر ‪ :‬هو الرئة‪.‬‬ ‫سحور ‪ ،‬وال ّ‬ ‫يعني الذين لهم ُ‬


‫والظهر في هذا قول مجاهد وقتادة ‪ :‬أنهم يقولون ‪ :‬إنما أنت في قولك هذا‬
‫مسحور ل عقل لك‪.‬‬
‫مث ْلَنا { يعني ‪ :‬فكيف أوحي إليك دوننا ؟ كما‬ ‫ُ‬ ‫ت ِإل ب َ َ‬ ‫َ‬
‫شٌر ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ثم قالوا ‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل هُوَ ك ّ‬ ‫ن ب َي ْن َِنا ب َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شٌر *‬‫بأ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ي )‪ (1‬الذ ّكُر عَلي ْهِ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫قالوا في الية الخرى ‪ } :‬أؤُل ِ‬
‫شُر { ]القمر ‪.[26 ، 25 :‬‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ن ال ْك َ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ن غَ ً‬ ‫مو َ‬ ‫سي َعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ثم إنهم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها ‪ ،‬ليعلموا صدقه بما )‪ (2‬جاءهم به من‬
‫ربهم فطلبوا منه ‪ -‬وقد اجتمع ملؤهم ‪ -‬أن يخرج لهم الن من هذه الصخرة ‪-‬‬
‫شراء من صفتها كذا وكذا‪ .‬فعند ذلك أخذ‬ ‫وأشاروا إلى صخرة عندهم ‪ -‬ناقة عُ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫عليهم نبي الله صالح العهود والمواثيق ‪ ،‬لئن أجابهم إلى ما سألوا لُيؤمن َ َ‬
‫به ‪] ،‬وليصدقنه[ )‪ ، (3‬وليتبعنه ‪ ،‬فأنعموا بذلك‪ .‬فقام نبي الله صالح ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬فصلى ‪ ،‬ثم دعا الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أن يجيبهم إلى سؤالهم ‪ ،‬فانفطرت‬
‫شراء ‪ ،‬على الصفة التي وصفوها‪.‬‬ ‫تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عُ َ‬
‫ب ي َوْم ٍ‬ ‫شْر ُ‬‫م ِ‬ ‫ب وَل َك ُ ْ‬ ‫شْر ٌ‬ ‫ة ل ََها ِ‬ ‫ل هَذِهِ َناقَ ٌ‬ ‫فآمن بعضهم وكفر أكثرهم ‪َ } ،‬قا َ‬
‫سوٍء‬ ‫ها ب ِ ُ‬ ‫سو َ‬
‫م ّ‬ ‫معُْلوم ٍ { يعني ‪ :‬ترد ماءكم يوما ‪ ،‬ويوما تردونه أنتم ‪َ } ،‬ول ت َ َ‬ ‫َ‬
‫خذ َك ُْ‬ ‫ْ‬
‫ظيم ٍ { فحذرهم نقمة الله إن أصابوها بسوء ‪ ،‬فمكثت‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فَي َأ ُ‬
‫الناقة بين أظهرهم حيًنا من الدهر ترد الماء ‪ ،‬وتأكل الورق والمرعى‪.‬‬
‫وينتفعون بلبنها ‪ ،‬يحتلبون منها ما يكفيهم شرًبا ورًيا ‪ ،‬فلما طال عليهم المد‬
‫وحضر شقاؤهم ‪ ،‬تمالؤوا على قتلها وعقرها‪.‬‬
‫م ال ْعَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب { وهو أن أرضهم ُزلزلت‬ ‫ذا ُ‬ ‫خذ َهُ ُ‬‫ن * فَأ َ‬ ‫مي َ‬ ‫حوا َنادِ ِ‬ ‫صب َ ُ‬‫ها فَأ ْ‬ ‫قُرو َ‬ ‫} فَعَ َ‬
‫دا ‪ ،‬وجاءتهم صيحة عظيمة اقتلعت القلوب عن محالها ‪ ،‬وأتاهم‬ ‫زلزال شدي ً‬
‫ن ِفي‬ ‫من المر ما لم يكونوا يحتسبون ‪ ،‬فأصبحوا في ديارهم جاثمين ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫كا َ‬
‫م {‪.‬‬‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن * وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ما َ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وأنزل" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فيما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/157‬‬

‫ن )‪(161‬‬ ‫قو َ‬ ‫ط أ ََل ت َت ّ ُ‬ ‫م ُلو ٌ‬ ‫خوهُ ْ‬ ‫م أَ ُ‬‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (160‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ط ال ْ ُ‬ ‫م ُلو ٍ‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م عَلي ْ ِ‬ ‫سألك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن )‪ (163‬وَ َ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫ن )‪َ (162‬فات ّ ُ‬ ‫مي ٌ‬ ‫لأ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫إ ِّني لك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬
‫ن)‬‫مي َ‬ ‫ن الَعال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الذ ّك َْرا َ‬ ‫ن )‪ (164‬أت َأُتو َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫جرِيَ إ ِل عَلى َر ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(166‬‬ ‫عاُدو َ‬ ‫م َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫جك ْ‬ ‫ن أْزَوا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م َرب ّك ْ‬ ‫خل ق َ ل ك ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫‪ (165‬وَت َذ َُرو َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫مل ِك ْ‬ ‫ل إ ِّني ل ِعَ َ‬ ‫ن )‪َ (167‬قا َ‬ ‫جي َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م ت َن ْت َهِ َيا لوط لت َكون َ ّ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫َقاُلوا ل َئ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل َ ُ‬ ‫ن )‪ (169‬فَن َ ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جِني وَأهِْلي ِ‬ ‫ب نَ ّ‬ ‫ن )‪َ (168‬ر ّ‬ ‫قاِلي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مط َْرَنا‬ ‫َ‬ ‫مْرَنا اْل َ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (172‬وَأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م دَ ّ‬ ‫ن )‪ (171‬ث ُ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫جوًزا ِفي ال َْغاب ِ ِ‬ ‫‪ (170‬إ ِّل عَ ُ‬
‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬
‫م‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ك َل َي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ن )‪ (173‬إ ِ ّ‬ ‫من ْذ َِري َ‬ ‫مط َُر ال ْ ُ‬ ‫ساَء َ‬ ‫مط ًَرا فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م )‪(175‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن )‪ (174‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬

‫ن)‬ ‫قو َ‬ ‫ط َأل ت َت ّ ُ‬ ‫م ُلو ٌ‬ ‫خوهُ ْ‬ ‫م أَ ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (160‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ط ال ْ ُ‬ ‫م ُلو ٍ‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫} ك َذ ّب َ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن )‪َ (162‬فات ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سألك ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن )‪ (163‬وَ َ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫لأ ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫‪ (161‬إ ِّني لك ْ‬
‫ن )‪.{ (164‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَل َيه م َ‬
‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫جرِيَ ِإل عَلى َر ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن عبده ورسوله لوط ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وهو ‪ :‬لوط بن‬
‫هاران بن آزر ‪ ،‬وهو ابن أخي إبراهيم الخليل ‪ ،‬وكان الله تعالى قد بعثه إلى‬
‫أمة عظيمة في حياة إبراهيم ‪ ،‬وكانوا يسكنون "سدوم" وأعمالها التي أهلكها‬
‫الله بها ‪ ،‬وجعل مكانها بحيرة منتنة خبيثة ‪ ،‬وهي مشهورة ببلد الغور ‪،‬‬
‫شوَبك ‪ ،‬فدعاهم‬ ‫متاخمة لجبال البيت )‪ (1‬المقدس ‪ ،‬بينها وبين بلد الك ََرك وال ّ‬
‫إلى الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أن يعبدوه وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن يطيعوا رسولهم‬
‫الذي بعثه الله إليهم ‪ ،‬ونهاهم عن معصية الله ‪ ،‬وارتكاب ما كانوا قد ابتدعوه‬
‫كران دون‬ ‫في العالم ‪ ،‬مما لم يسبقهم الخلئق إلى فعله ‪ ،‬من إتيان الذ ْ‬
‫الناث ؛ ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م َرب ّك ُ ْ‬ ‫خلقَ لك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن )‪ (165‬وَت َذ َُرو َ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال َْعال ِ‬
‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الذ ّك َْرا َ‬ ‫} أت َأُتو َ‬
‫ط ل َت َ ُ‬ ‫م ت َن ْت َهِ َيا ُلو ُ‬ ‫أ َزواجك ُم ب ْ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن )‪َ (166‬قاُلوا ل َئ ِ ْ‬ ‫عاُدو َ‬ ‫م َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬
‫م ّ‬ ‫جِني وَأهِْلي ِ‬ ‫ب نَ ّ‬ ‫ن )‪َ (168‬ر ّ‬ ‫قاِلي َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫مل ِك ْ‬ ‫ل إ ِّني ل ِعَ َ‬ ‫ن )‪َ (167‬قا َ‬ ‫جي َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(171‬‬ ‫ري َ‬ ‫جوًزا ِفي ال َْغاب ِ ِ‬ ‫ن )‪ِ (170‬إل عَ ُ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (169‬فَن َ ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫ن )‪(173‬‬ ‫من ْذ َِري َ‬ ‫ْ‬
‫مطُر ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫مطًرا فَ َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫مطْرَنا عَلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (172‬وَأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫مْرَنا ال َ‬ ‫م دَ ّ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ن َرب ّك لهُوَ العَ ِ‬ ‫ن )‪ (174‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أكث َُرهُ ْ‬ ‫ما كا َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِك لي َ ً‬ ‫إِ ّ‬
‫)‪.{ (175‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بيت"‪.‬‬

‫) ‪(6/157‬‬

‫ن )‪(177‬‬ ‫قو َ‬ ‫ب أ ََل ت َت ّ ُ‬


‫شعَي ْ ٌ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن )‪ (176‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫سِلي‬
‫مْر َ‬
‫َ‬
‫ب اْلي ْك َةِ ال ْ ُ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫ْ‬
‫ك َذ ّب أ َ‬
‫َ‬
‫سأ َل ُك ُْ‬
‫م عَل َي ْهِ‬ ‫ْ‬
‫قوا الل ّه وأ َطيعون )‪ (179‬وما أ َ‬
‫َ َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫(‬ ‫‪178‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫ٌ‬ ‫مي‬
‫ِ‬
‫ل أَ‬‫ٌ‬ ‫سو‬ ‫ر‬
‫ْ َ ُ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ ِّني‬
‫ن )‪(180‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫جرِيَ إ ِل عَلى َر ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫لما نهاهم نبي الله عن إتيانهم الفواحش ‪ ،‬وغشيانهم الذكور ‪ ،‬وأرشدهم إلى‬
‫إتيان نسائهم اللتي خلقهن الله لهم ‪ -‬ما كان جواب قومه له إل قالوا ‪:‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ن ‪ :‬عما جئتنا )‪ (1‬به ‪ } ،‬ل َت َ ُ‬ ‫ط { يعنو َ‬ ‫م ت َن ْت َهِ َيا ُلو ُ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫} ل َئ ِ ْ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ما )‪َ (2‬‬ ‫ن { أي ‪ :‬ننفيك من بين أظهرنا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫جي َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫س ي َت َط َهُّرو َ‬ ‫م أَنا ٌ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن قَْري َت ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م )‪ِ (3‬‬ ‫جوهُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ن َقاُلوا أ ْ‬ ‫مهِ ِإل أ ْ‬ ‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫]العراف ‪ ، [82 :‬فلما رأى أّنهم ل يرتدعون عما هم فيه وأنهم مستمرون‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫قاِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫مل ِك ُ ْ‬ ‫ل إ ِّني ل ِعَ َ‬ ‫على ضللتهم ‪ ،‬تبرأ منهم فقال ‪َ } :‬قا َ‬
‫اُلمبغضين ‪ ،‬ل أحبه ول أرضى به ؛ فأنا بريء منكم‪ .‬ثم دعا الله عليهم قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جِني وَأهِْلي ِ‬ ‫ب نَ ّ‬ ‫} َر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬كلهم‪.‬‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل ُ‬ ‫قال الله تعالى } فَن َ ّ‬
‫ن { ‪ ،‬وهي امرأته ‪ ،‬وكانت عجوز سوء بقيت فهلكت‬ ‫ري َ‬ ‫جوًزا ِفي ال َْغاب ِ ِ‬ ‫} ِإل عَ ُ‬
‫ن بقي من قومها ‪ ،‬وذلك كما أخبر الله تعالى عنهم في "سورة‬ ‫م ْ‬ ‫)‪ (4‬مع َ‬
‫جر" حين أمره الله أن يسري بأهله إل‬ ‫ح ْ‬ ‫العراف" و"هود" ‪ ،‬وكذا في "ال ِ‬
‫امرأته ‪ ،‬وأنهم ل يلتفتون إذا سمعوا الصيحة حين تنزل على قومه ‪ ،‬فصبروا‬
‫م جميعهم ‪،‬‬ ‫لمر الله واستمروا ‪ ،‬وأنزل الله على أولئك العذاب الذي ع ّ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ َِ‬
‫مْرَنا ال َ‬ ‫م دَ ّ‬ ‫وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫َ‬
‫م‬‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ن‪ .‬إ ِ ّ‬ ‫من ْذ َِري َ‬ ‫مط َُر ال ْ ُ‬ ‫ساَء َ‬ ‫مط ًَرا فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫مط َْرَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫وَأ ْ‬
‫َ‬
‫م {‪.‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِ ّ‬
‫َ‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(177‬‬ ‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬‫ت‬ ‫ت‬ ‫أل‬ ‫ب‬‫َ ْ ٌ‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ش‬‫ُ‬ ‫م‬
‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪176‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫لي‬
‫ْ ِ ُ ْ َ َ‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫ي‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫حا‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫}‬
‫سأ َل ُك ُْ‬ ‫قوا الل ّه و ِأ َطيعون )‪ (179‬وما أ َ‬ ‫ل أَ‬
‫م عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫(‬ ‫‪178‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫ٌ‬ ‫مي‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫سو‬ ‫إ ِّني ل َك ُ ْ َ ُ‬
‫ر‬ ‫م‬
‫ن )‪{ (180‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬
‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫جرِيَ ِإل عَلى َر ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫هؤلء ‪ -‬أعني أصحاب اليكة ‪ -‬هم أهل مدين على الصحيح‪ .‬وكان نبي الله‬
‫شعيب من أنفسهم ‪ ،‬وإنما لم يقل هنا أخوهم شعيب ؛ لنهم نسبوا إلى عبادة‬
‫اليكة ‪ ،‬وهي شجرة‪ .‬وقيل ‪ :‬شجر ملتف كالَغيضة ‪ ،‬كانوا يعبدونها ؛ فلهذا لما‬
‫قال ‪ :‬كذب أصحاب اليكة المرسلين ‪ ،‬لم يقل ‪" :‬إذ قال لهم أخوهم‬
‫ب { ‪ ،‬فقطع نسبة الخوة بينهم ؛‬ ‫شعَي ْ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫شعيب" ‪ ،‬وإنما قال ‪ } :‬إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ن لم يتفطن‬ ‫م ْ‬ ‫للمعنى الذي نسبوا إليه ‪ ،‬وإن كان أخاهم نسبا‪ .‬ومن الناس َ‬
‫لهذه النكتة ‪ ،‬فظن أن أصحاب اليكة غير‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬يعني مما جئتنا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فما" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في جميع النسخ ‪" :‬اخرجوا آل لوط" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مهلكة"‪.‬‬

‫) ‪(6/158‬‬

‫قيم ِ )‬
‫ست َ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫س‬
‫سطا ِ‬
‫ق ْ َ‬ ‫ن )‪ (181‬وَزُِنوا ِبال ْ ِ‬ ‫ري َ‬‫س ِ‬‫خ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل وََل ت َ ُ‬
‫كوُنوا ِ‬ ‫أ َوُْفوا ال ْك َي ْ َ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫)‪(183‬‬ ‫ن‬‫دي َ‬
‫س ِ‬‫ف ِ‬
‫م ْ‬
‫ض ُ‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫م وََل ت َعْث َ ْ‬‫شَياَءهُ ْ‬ ‫سأ ْ‬ ‫سوا الّنا َ‬ ‫خ ُ‬‫‪ (182‬وََل ت َب ْ َ‬

‫ن‬
‫م ْ‬
‫أهل مدين ‪ ،‬فزعم أن شعيًبا عليه السلم ‪ ،‬بعثه الله إلى أمتين ‪ ،‬ومنهم َ‬
‫قال ‪ :‬ثلث أمم‪.‬‬
‫وقد روى إسحاق بن بشر الكاهلي ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬حدثني ابن السدي ‪ ،‬عن‬
‫عك ْ ِ‬
‫رمة قال ما بعث الله نبًيا‬ ‫صيف ‪ ،‬عن ِ‬
‫خ ِ‬
‫أبيه ‪ -‬وزكريا بن عمر )‪ ، (1‬عن َ‬
‫مرتين إل شعيًبا ‪ ،‬مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة ‪ ،‬ومرة إلى أصحاب‬
‫اليكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظ ّل ّ ِ‬
‫ة‪.‬‬
‫مام ‪ ،‬عن قتادة في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫وروى أبو القاسم البغوي ‪ ،‬عن هُد َْبة ‪ ،‬عن هَ ّ‬
‫ب الي ْك َةِ {‪.‬‬ ‫حا‬ ‫ص‬ ‫} وأ َصحاب الرس {‪].‬ق ‪ [12 :‬قوم شعيب ‪ ،‬وقوله ‪ } :‬وأ َ‬
‫َ ْ َ ُ‬ ‫ّ ّ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫]ق ‪ [14 :‬قوم شعيب‪.‬‬
‫جوَْيبر ‪ :‬أصحاب اليكة ومدين هما واحد‪.‬‬ ‫قال إسحاق بن بشر ‪ :‬وقال غير ُ‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة "شعيب" ‪ ،‬من طريق محمد بن‬
‫عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن معاوية بن هشام ‪ ،‬عن هشام بن سعد ‪،‬‬
‫عن سعيد بن أبي هلل ‪ ،‬عن ربيعة بن سيف ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن قوم مدين وأصحاب اليكة أمتان‬
‫‪ ،‬بعث )‪ (2‬الله إليهما شعيًبا النبي ‪ ،‬عليه السلم" )‪.(3‬‬
‫وهذا غريب ‪ ،‬وفي رفعه نظر ‪ ،‬والشبه أن يكون موقوفا‪ .‬والصحيح أنهم أمة‬
‫واحدة ‪ ،‬وصفوا في كل مقام بشيء ؛ ولهذا وعظ هؤلء وأمرهم بوفاء‬
‫المكيال والميزان ‪ ،‬كما في قصة مدين سواء بسواء )‪ ، (4‬فدل ذلك على‬
‫أنهم أمة واحدة )‪.(5‬‬
‫م‬ ‫قي‬ ‫ت‬
‫ُ ْ َِ ِ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫س‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫طا‬ ‫س‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬
‫َ ُِ ِ ِ ْ‬ ‫نوا‬ ‫ز‬‫و‬ ‫(‬‫‪181‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫س‬
‫ُ ْ ِ ِ َ‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬‫م‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬
‫ل َول ت َ ُ‬
‫كو‬ ‫} أ َوُْفوا ال ْك َي ْ َ‬
‫ن )‪{ (183‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫م ْ‬
‫ض ُ‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫م َول ت َعْث َ ْ‬ ‫شَياَءهُ ْ‬ ‫س أَ ْ‬
‫سوا الّنا َ‬ ‫خ ُ‬
‫)‪َ (182‬ول ت َب ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ "عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فبعث"‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر ‪ :‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور )‪.(10/309‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سواء"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فدل ذلك على أنهما واحدة"‪.‬‬

‫) ‪(6/159‬‬

‫قك ُم وال ْجبل ّ َ َ‬


‫ة اْلوِّلي َ‬
‫ن )‪(184‬‬ ‫خل َ َ ْ َ ِ ِ‬ ‫قوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َوات ّ ُ‬

‫ن )‪.{ (184‬‬ ‫ة الوِّلي َ‬ ‫جب ِل ّ َ‬


‫م َوال ْ ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوا ال ّ ِ‬ ‫} َوات ّ ُ‬
‫يأمرهم تعالى )‪ (1‬بإيفاء المكيال )‪ (2‬والميزان ‪ ،‬وينهاهم عن التطفيف فيهما‬
‫ن { أي ‪ :‬إذا دفعتم إلى‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬
‫خ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬‫كوُنوا ِ‬ ‫ل َول ت َ ُ‬ ‫‪ ،‬فقال ‪ } :‬أ َوُْفوا ال ْك َي ْ َ‬
‫الناس فكملوا )‪ (3‬الكيل لهم ‪ ،‬ول تخسروا الكيل فتعطوه ناقصا ‪ ،‬وتأخذوه ‪-‬‬
‫ما وافًيا ‪ ،‬ولكن خذوا كما تعطون ‪ ،‬وأعطوا كما تأخذون‪.‬‬ ‫إذا كان لكم ‪ -‬تا ً‬
‫قيم ِ { ‪ :‬والقسطاس هو ‪ :‬الميزان ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫س ال ُ‬ ‫ق ْ َ‬ ‫} وَزُِنوا ِبال ْ ِ‬
‫سطا ِ‬
‫ن‪ .‬قال بعضهم ‪ :‬هو معرب من الرومية‪.‬‬ ‫قّبا ُ‬ ‫ال َ‬
‫قال ‪ :‬مجاهد ‪ :‬القسطاس المستقيم ‪ :‬العدل ‪ -‬بالرومية‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬
‫القسطاس ‪ :‬العدل‪.‬‬
‫قصوهم أموالهم ‪َ } ،‬ول‬ ‫م { ‪ :‬أي ‪ :‬ت َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سأ ْ‬
‫شَياَءهُ ْ‬ ‫سوا الّنا َ‬ ‫خ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ت َب ْ َ‬
‫ن{‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ت َعْث َ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الكيل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فكلوا"‪.‬‬

‫) ‪(6/159‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬‫ك لَ ِ‬‫ن ن َظ ُن ّ َ‬
‫مث ْل َُنا وَإ ِ ْ‬‫شٌر ِ‬ ‫ت إ ِّل ب َ َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ن )‪ (185‬وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ح ِ‬‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ََ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫ن)‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ماِء إ ِ ْ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫فا ِ‬‫س ً‬‫ط عَل َي َْنا ك ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ن )‪ (186‬فَأ ْ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ةّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ي َوْم ِ الظل ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (188‬فَك َذ ُّبوه ُ فَأ َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ل َرّبي أعْل ُ‬ ‫‪َ (187‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ظيم ٍ )‪ (189‬إ ِ ّ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬‫إ ِن ّ ُ‬
‫م )‪(191‬‬ ‫حي ُ‬‫زيُز الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫ك لهُوَ العَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫‪ (190‬وَإ ِ ّ‬

‫ط‬
‫صَرا ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫دوا ب ِك ُ ّ‬ ‫قعُ ُ‬ ‫‪ :‬يعني ‪ :‬قطع الطريق ‪ ،‬كما في الية الخرى ‪َ } :‬ول ت َ ْ‬
‫ه[ { )‪] (1‬العراف ‪.[86 :‬‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن ]وَت َ ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ُتو ِ‬
‫ن { ‪ :‬يخوفهم بأس الله الذي‬ ‫ة الوِّلي َ‬ ‫جب ِل ّ َ‬ ‫م َوال ْ ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوا ال ّ ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وات ّ ُ‬
‫ب‬ ‫م وََر ّ‬ ‫خلقهم وخلق آباءهم الوائل ‪ ،‬كما قال موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪َ } :‬رب ّك ُ ْ‬
‫دي ‪،‬‬ ‫س ّ‬ ‫ن { ]الصافات ‪ .[126 :‬قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وال ّ‬ ‫م الوِّلي َ‬ ‫آَبائ ِك ُ ُ‬
‫ن{‬ ‫ة الوِّلي َ‬ ‫ّ‬
‫جب ِل َ‬ ‫ْ‬
‫وسفيان بن عيينة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪َ } :‬وال ِ‬
‫َ‬ ‫يقول ‪ :‬خلق الولين‪ .‬وقرأ ابن زيد ‪ } :‬ول َ َ َ‬
‫جِبل كِثيًرا { ]يس ‪:‬‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ أ َ‬ ‫َ‬
‫‪.[62‬‬
‫ن ن َظ ُن ّكَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مث ْلَنا وَإ ِ ْ‬ ‫شٌر ِ‬ ‫ت ِإل ب َ َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ن )‪ (185‬وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ح ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫} َقالوا إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ن‬
‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن كن ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ماِء إ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫س ً‬ ‫قط عَلي َْنا ك ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن )‪ (186‬فَأ ْ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫لَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ي َوْم ِ الظ ّل ّ ِ‬
‫ة‬ ‫ذا ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (188‬فَك َذ ُّبوه ُ فَأ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ل َرّبي أعْل َ ُ‬ ‫)‪َ (187‬قا َ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ظيم ٍ )‪ (189‬إ ِ ّ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫م )‪.{ (191‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫ن َرب ّك لهُوَ العَ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ (190‬وَإ ِ ّ‬
‫يخبر تعالى عن جواب قومه له بمثل ما أجابت به ثمود لرسولها )‪- (2‬‬
‫َ‬
‫ن { يعنون ‪ :‬من‬ ‫ري َ‬ ‫ح ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫تشابهت قلوبهم ‪ -‬حيث قالوا ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫المسحورين ‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬تتعمد الكذب فيما‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫ن ن َظ ُن ّ َ‬ ‫مث ْل َُنا وَإ ِ ْ‬ ‫شٌر ِ‬ ‫ت ِإل ب َ َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫تقوله ‪ ،‬ل أن الله أرسلك إلينا‪.‬‬
‫َ‬
‫ماِء { ‪ :‬قال الضحاك ‪ :‬جانبا من السماء‪ .‬وقال‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫س ً‬ ‫ط عَل َي َْنا ك ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِ‬ ‫} فَأ ْ‬
‫قتادة ‪ :‬قطعا من السماء‪ .‬وقال السدي ‪ :‬عذاًبا من السماء‪ .‬وهذا شبيه بما‬
‫ن لَ َ‬
‫ك‬ ‫م َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫قالت قريش فيما أخبر الله عنهم في قوله تعالى ‪ } :‬وََقاُلوا ل َ ْ‬
‫ق َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ماَء ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ط ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫عا { ‪ ،‬إلى أن قالوا ‪ } :‬أوْ ت ُ ْ‬ ‫ض ي َن ُْبو ً‬ ‫الْر ْ ِ‬ ‫ن‬
‫م َ‬ ‫جَر ل ََنا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِكةِ قَِبيل { ]السراء ‪.[92 - 90 :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي ِباللهِ َوال َ‬ ‫فا أوْ ت َأت ِ َ‬ ‫س ً‬ ‫ت عَلي َْنا ك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫َزعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مط ِْر عَلي َْنا‬ ‫عن ْدِك فأ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ذا هُوَ ال َ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِذ ْ قالوا اللهُ ّ‬
‫ب أِليم ٍ { ]النفال ‪ ، [32 :‬وهكذا قال هؤلء‬ ‫َ‬ ‫ماِء أ َوِ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جاَرةً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن كن ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ماِء إ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫س ً‬ ‫قط عَلي َْنا ك ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫الكفرة الجهلة ‪ } :‬فأ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { يقول ‪ :‬الله أعلم بكم ‪ ،‬فإن كنتم تستحقون‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫م‬‫ما ت َ ْ َ‬
‫ع‬ ‫م بِ َ‬ ‫ل َرّبي أعْل َ ُ‬ ‫} َقا َ‬
‫ذلك جازاكم به غير ظالم لكم ‪ ،‬وكذلك وقع بهم كما سألوا ‪ ،‬جزاًء وفاًقا ؛‬
‫َ‬
‫ب ي َوْم ٍ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب ي َوْم ِ الظ ّل ّةِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ َهُ ْ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ } :‬فَك َذ ُّبوه ُ فَأ َ‬
‫ظيم ٍ { وهذا من جنس ما سألوا ‪ ،‬من إسقاط الكسف عليهم ‪ ،‬فإن الله ‪،‬‬ ‫عَ ِ‬
‫سبحانه وتعالى ‪ ،‬جعل عقوبتهم )‪ (3‬أن أصابهم حر شديد جدا مدة سبعة أيام‬
‫ل ي َك ُّنهم منه شيء ‪ ،‬ثم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لرسلها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬عقوبته"‪.‬‬

‫) ‪(6/160‬‬

‫أقبلت إليهم سحابة أظلتهم ‪ ،‬فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحر‬
‫‪ ،‬فلما اجتمعوا ]كلهم[ )‪ (1‬تحتها أرسل الله تعالى عليهم منها شرًرا من نار ‪،‬‬
‫ما ‪ ،‬ورجفت بهم الرض وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت‬ ‫جا عظي ً‬ ‫ولهبا ووه ً‬
‫ظيم ٍ {‪.‬‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ه كا َ‬‫َ‬ ‫أرواحهم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫وقد ذكر الله تعالى صفة إهلكهم في ثلثة مواطن )‪ (2‬كل موطن بصفة‬
‫تناسب ذلك السياق ‪ ،‬ففي العراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا في‬
‫معَكَ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب َوال ّ ِ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫جن ّ َ‬
‫خرِ َ‬ ‫دارهم جاثمين ؛ وذلك لنهم قالوا ‪ } :‬ل َن ُ ْ‬
‫مل ّت َِنا { ]العراف ‪ ، [88 :‬فأرجفوا بنبي الله ومن‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ِ‬ ‫ن قَْري َت َِنا أوْ ل َت َُعود ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫اتبعه ‪ ،‬فأخذتهم الرجفة‪ .‬وفي سورة هود قال ‪ } :‬وَأ َ‬
‫ة { ]هود ‪ [94 :‬؛ وذلك لنهم استهزؤوا بنبي الله في قولهم ‪:‬‬ ‫ح ُ‬‫صي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫شاُء إ ِن ّ َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫َ‬ ‫فعَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ن َت ُْر َ‬ ‫َ‬ ‫مُر َ‬ ‫ْ‬ ‫صلت ُ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫وال َِنا َ‬ ‫م َ‬‫ل ِفي أ ْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ما ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا أوْ أ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ك ت َأ ُ‬ ‫}أ َ‬
‫شيد ُ { ]هود ‪ .[87 :‬قالوا ذلك على سبيل التهكم والزدراء ‪،‬‬ ‫م الّر ِ‬ ‫حِلي ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫لن ْ َ‬
‫َ‬
‫ة{‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬‫موا ال ّ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَأ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ماِء إ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫س ً‬ ‫ط عَل َي َْنا ك ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِ‬ ‫)‪ (3‬وهاهنا قالوا ‪ } :‬فَأ ْ‬
‫ن { على وجه التعنت والعناد ‪ ،‬فناسب أن يحق عليهم ما استبعدوا‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ال ّ‬
‫وقوعه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ظيم ٍ {‪.‬‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ب ي َوْم ِ الظلةِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ َهُ ْ‬ ‫} فَأ َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬قال عبد الله بن عمر )‪ (4‬رضي الله عنه ‪ :‬إن الله سلط عليهم‬
‫الحر سبعة أيام حتى ما يظلهم منه شيء ‪ ،‬ثم إن الله أنشأ لهم سحابة ‪،‬‬
‫فانطلق إليها أحدهم واستظل )‪ (5‬بها ‪ ،‬فأصاب تحتها برًدا وراحة ‪ ،‬فأعلم‬
‫ت عليهم ناًرا‪.‬‬ ‫جج ْ‬ ‫بذلك قومه ‪ ،‬فأتوها جميعا ‪ ،‬فاستظلوا تحتها ‪ ،‬فأ ّ‬
‫جَبير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫مة ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬ ‫عك ْرِ َ‬ ‫وهكذا روي عن ِ‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬بعث الله إليهم الظلة ‪ ،‬حتى إذا اجتمعوا‬
‫كلهم ‪ ،‬كشف الله عنهم الظلة ‪ ،‬وأحمى عليهم الشمس ‪ ،‬فاحترقوا كما‬
‫قَلى‪.‬‬ ‫يحترق الجراد في اَلم ْ‬
‫ي ‪ :‬إن أهل مدين عذبوا بثلثة أصناف من العذاب‬ ‫قَرظ ّ‬ ‫وقال محمد بن كعب ال ُ‬
‫‪ :‬أخذتهم الرجفة في دارهم حتى خرجوا منها ‪ ،‬فلما خرجوا منها أصابهم فزع‬
‫فرُقوا أن يدخلوا إلى البيوت فتسقط عليهم ‪ ،‬فأرسل الله عليهم‬ ‫شديد ‪ ،‬فَ َ‬
‫الظلة ‪ ،‬فدخل تحتها رجل فقال ‪ :‬ما رأيت كاليوم ظل )‪ (6‬أطيب ول أبرد من‬
‫هذا‪ .‬هلموا أيها الناس‪ .‬فدخلوا جميًعا تحت الظلة ‪ ،‬فصاح بهم صيحة واحدة ‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب ي َوْم ِ الظ ّل ّةِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ َهُ ْ‬ ‫فماتوا جميًعا‪ .‬ثم تل محمد بن كعب ‪ } :‬فَأ َ‬
‫ظيم ٍ {‪.‬‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني الحارث ‪ ،‬حدثني الحسن ‪ ،‬حدثني سعيد بن زيد ‪-‬‬
‫أخو حماد بن زيد ‪ -‬حدثني حاتم بن أبي صغيرة )‪ (7‬حدثني يزيد الباهلي ‪:‬‬
‫َ‬
‫ب‬
‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب ي َوْم ِ الظ ّل ّةِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ َهُ ْ‬ ‫سألت ابن عباس ‪ ،‬عن هذه الية } فَأ َ‬
‫مد َة ً )‪ (8‬وحرا شديدا ‪ ،‬فأخذ‬ ‫ظيم ٍ { قال ‪ :‬بعث الله عليهم وَ َ‬ ‫ي َوْم ٍ عَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬مواضع"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬فأخذتهم الصيحة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فاستظل"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬ما رأيت ظل كاليوم"‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬ضفيرة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رعدة"‪.‬‬

‫) ‪(6/161‬‬

‫ن )‪ (193‬عََلى قَل ْب ِ َ‬
‫ك‬ ‫ح اْل َ ِ‬
‫مي ُ‬ ‫ن )‪ (192‬ن ََز َ‬
‫ل ب ِهِ الّرو ُ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ل َر ّ‬‫زي ُ‬‫ه ل َت َن ْ ِ‬
‫وَإ ِن ّ ُ‬
‫ن )‪(195‬‬ ‫ْ‬ ‫ل ِت َ ُ‬
‫مِبي ٍ‬
‫ي ُ‬
‫ن عََرب ِ ّ‬ ‫سا ٍ‬‫ن )‪ (194‬ب ِل ِ َ‬ ‫من ْذِِري َ‬
‫ن ال ُ‬‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كو َ‬

‫بأنفاسهم ]فدخلوا البيوت ‪ ،‬فدخل عليهم أجواف البيوت ‪ ،‬فأخذ بأنفاسهم[ )‬


‫‪ (1‬فخرجوا من البيوت هراًبا إلى البرية ‪ ،‬فبعث الله سحابة فأظلتهم من‬
‫دا ولذة ‪ ،‬فنادى بعضهم بعضا ‪ ،‬حتى إذا اجتمعوا‬ ‫الشمس ‪ ،‬فوجدوا لها بر ً‬
‫تحتها أرسلها )‪ (2‬الله عليهم نارا‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬فذلك عذاب يوم الظلة ‪،‬‬
‫إنه كان عذاب يوم عظيم )‪.(3‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫كا َ‬
‫م{‪:‬‬ ‫حي ُ‬‫زيُز الّر ِ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك لهُوَ العَ ِ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ما َ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫أي ‪ :‬العزيز في انتقامه من الكافرين ‪ ،‬الرحيم بعباده المؤمنين‪.‬‬
‫ن )‪ (193‬عََلى قَل ْب ِكَ‬ ‫مي ُ‬ ‫ح ال ِ‬ ‫ل ب ِهِ الّرو ُ‬ ‫ن )‪ (192‬نز َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ه ل ََتنزي ُ‬ ‫} وَإ ِن ّ ُ‬
‫ن )‪.{ (195‬‬ ‫ْ‬ ‫ل ِت َ ُ‬
‫مِبي ٍ‬‫ي ُ‬ ‫ن عََرب ِ ّ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ن )‪ (194‬ب ِل ِ َ‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن الكتاب الذي أنزله على عبده ورسوله محمد ‪ ،‬صلوات‬
‫الله وسلمه عليه ‪ } :‬وإنه { أي ‪ :‬القرآن الذي تقدم ذكره في أول السورة‬
‫ث { ]الية[‪ } (4) .‬ل ََتنزي ُ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ذِك ْرٍ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأِتيهِ ْ‬ ‫في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أنزله الله عليك وأوحاه إليك‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫َر ّ‬
‫ن { ‪ :‬وهو جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قاله غير واحد من‬ ‫مي ُ‬ ‫ح ال ِ‬ ‫ل ب ِهِ الّرو ُ‬ ‫} نز َ‬
‫السلف ‪ :‬ابن عباس ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعطية العوفي ‪ ،‬والسدي ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وابن جريج‪ .‬وهذا ما ل نزاع فيه‪.‬‬
‫ه عََلى قَل ْب ِكَ‬ ‫ه نزل َُ‬‫ل فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫جب ْ ِ‬
‫ن عَد ُّوا ل ِ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قال الزهري ‪ :‬وهذه كقوله } قُ ْ‬
‫ن الل ّهِ { الية]البقرة ‪.[97 :‬‬ ‫ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬من كلمه الروح المين ل تأكله )‪ (5‬الرض‪.‬‬
‫ن { ] أي ‪ :‬نزل به ملك كريم أمين ‪ ،‬ذو‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ك ل ِت َ ُ‬ ‫} عََلى قَل ْب ِ َ‬
‫ما‬ ‫ك { يا محمد ‪ ،‬سال ً‬ ‫مكانة عند الله ‪ ،‬مطاع في المل العلى ‪ } ،‬عََلى قَل ْب ِ َ‬
‫ن { [ )‪ (6‬أي ‪ :‬لتنذر به‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫من الدنس والزيادة والنقص ؛ } ل ِت َ ُ‬
‫بأس الله ونقمته على من خالفه وكذبه ‪ ،‬وتبشر به المؤمنين المتبعين له‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬هذا القرآن الذي أنزلناه إليك ]أنزلناه[ )‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ي ُ‬ ‫ن عََرب ِ ّ‬ ‫سا ٍ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ب ِل ِ َ‬
‫حا ظاهًرا ‪،‬‬ ‫‪ (7‬بلسانك العربي الفصيح الكامل الشامل ‪ ،‬ليكون ب َي ًّنا واض ً‬
‫ما للحجة ‪ ،‬دليل إلى المحجة‪.‬‬ ‫قاطًعا للعذر ‪ ،‬مقي ً‬
‫ي ‪ ،‬حدثنا‬ ‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن أبي بكر العََتك ّ‬
‫عباد بن عباد اُلمهَّلبي ‪ ،‬عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي ‪ ،‬عن أبيه‬
‫جن إذ قال‬‫قال ‪ :‬بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في يوم د َ ْ‬
‫لهم ‪" :‬كيف ترون بواسقها ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬ما أحسنها وأشد تراكمها‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فكيف ترون قواعدها ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬ما أحسنها وأشد تمكنها‪ .‬قال ‪" :‬فكيف‬
‫جوَْنها )‪ (8‬؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬ما أحسنه وأشد سواده‪ .‬قال ‪" :‬فكيف ترون‬ ‫ترون َ‬
‫رحاها استدارت )‪ (9‬؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬ما أحسنها وأشد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أرسل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(19/67‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬ل يأكله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حرنا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬رحلها استدار"‪.‬‬

‫) ‪(6/162‬‬

‫وإنه ل َفي زبر اْل َوِلين )‪ (196‬أ َول َم يك ُن ل َهم آ َي ً َ‬


‫سَراِئي َ‬
‫ل‬ ‫ماُء ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ه عُل َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي َعْل َ َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ُ ُ ِ‬ ‫َ ِّ ُ ِ‬
‫ه‬ ‫ب‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬‫قرأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬‫‪198‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ج‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ُ ِ ِ‬ ‫ِْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ِ‬ ‫َ‬ ‫)‪ُ َ ّ َ ْ َ (197‬‬
‫ه‬ ‫نا‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫حّتى‬ ‫ن ب ِهِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (200‬ل ي ُؤْ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ُ‬
‫سلك َْناه ُ ْ ِفي قُلو ِ‬ ‫َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن )‪ (199‬ك َذ َل ِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ُ‬
‫قولوا هَ ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ن )‪ (202‬فَي َ ُ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪201‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫لي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫وا‬
‫َ ْ‬‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يَ َ ُ‬
‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫سِني َ‬
‫م ِ‬ ‫مت ّعَْناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫ن )‪ (204‬أفََرأي ْ َ‬ ‫جلو َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ذاب َِنا ي َ ْ‬ ‫ن )‪ (203‬أفَب ِعَ َ‬ ‫من ْظُرو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن )‪(206‬‬ ‫دو َ‬ ‫ما كاُنوا ُيوعَ ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫‪ (205‬ث ُ ّ‬

‫قا )‬‫ش ّ‬ ‫شق َ‬ ‫فو )‪ (1‬أم ي َ ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ميض أم َ‬ ‫استدارتها‪ .‬قال ‪" :‬فكيف ترون برقها ‪ ،‬أو َ‬
‫قا‪ .‬قال ‪" :‬الحياء الحياء إن شاء الله"‪ .‬قال ‪ :‬فقال‬ ‫‪ (2‬؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬بل يشق ش ً‬
‫ب منك‪.‬‬ ‫رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬بأبي وأمي ما أفصحك ‪ ،‬ما رأيت الذي هو أعر ُ‬
‫قال ‪ :‬فقال ‪ " :‬حق لي ‪ ،‬وإنما أنزل )‪ (3‬القرآن بلساني ‪ ،‬والله يقول ‪:‬‬
‫ن { )‪.(4‬‬ ‫مِبي ٍ‬‫ي ُ‬
‫ن عََرب ِ ّ‬ ‫سا ٍ‬ ‫} ب ِل ِ َ‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬لم ينزل وحي إل بالعربية ‪ ،‬ثم ت َْرجم كل نبي لقومه ‪،‬‬
‫ن دخل الجنة تكلم بالعربية‪ .‬رواه ابن‬ ‫م ْ‬‫واللسان يوم القيامة بالسريانية ‪ ،‬فَ َ‬
‫أبي حاتم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماُء ب َِني‬ ‫ه عُل َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي َعْل َ‬‫ةأ ْ‬ ‫م آي َ ً‬‫ن لهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫م ي َك ْ‬ ‫ن )‪ (196‬أوَل ْ‬ ‫في ُزب ُرِ الوِّلي َ‬ ‫ه لَ ِ‬‫} وَإ ِن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ما كاُنوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سَراِئي َ‬
‫م َ‬ ‫قَرأه ُ عَلي ْهِ ْ‬ ‫ن )‪ (198‬ف َ‬ ‫مي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض العْ َ‬ ‫ل )‪ (197‬وَلوْ نزلَناه ُ عَلى ب َعْ ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن )‪.{ (199‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ب ِهِ ُ‬
‫ن ذِكر هذا القرآن والتنويه به لموجود في كتب الولين‬ ‫ْ‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬وإ ّ‬
‫المأثورة عن أنبيائهم ‪ ،‬الذين بشروا به في قديم الدهر وحديثه ‪ ،‬كما أخذ الله‬
‫عليهم الميثاق بذلك ‪ ،‬حتى قام آخرهم خطيًبا في ملئه بالبشارة بأحمد ‪:‬‬
‫صد ًّقا ل ِ َ‬
‫ما‬ ‫م َ‬‫م ُ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل إ ِّني َر ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫م َيا ب َِني إ ِ ْ‬‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫} وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫مد ُ { ]الصف ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مب َ ّ‬
‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫دي ا ْ‬ ‫ن ب َعْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل ي َأِتي ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫شًرا ب َِر ُ‬ ‫ن الت ّوَْراةِ وَ ُ‬ ‫م َ‬
‫ن ي َد َيّ ِ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫‪ ، [6‬والزبر هاهنا هي الكتب وهي جمع َزُبور )‪ ، (5‬وكذلك الزبور ‪ ،‬وهو كتاب‬
‫يٍء فَعَُلوه ُ ِفي الّزب ُرِ { ]القمر ‪ [52 :‬أي ‪:‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫داود‪ .‬وقال تعالى ‪ } :‬وَك ُ ّ‬
‫مكتوب عليهم في صحف الملئكة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سَراِئيل { أي ‪ :‬أو‬ ‫َ‬ ‫ماُء ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ه عُل َ‬ ‫م ُ‬
‫ن ي َعْل َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫م آي َ ً‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬أوَل َ ْ‬
‫ليس يكفيهم من الشاهد الصادق على ذلك ‪ :‬أن العلماء من بني إسرائيل‬
‫يجدون ذكر هذا القرآن في كتبهم التي يدرسونها ؟ والمراد ‪ :‬العدول منهم ‪،‬‬
‫الذين يعترفون بما في أيديهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه‬
‫ن آمن منهم كعبد الله بن سلم ‪ ،‬وسلمان‬ ‫م ْ‬ ‫وأمته ‪ ،‬كما أخبر بذلك َ‬
‫ن‬
‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن شاكلهم‪ .‬وقال الله تعالى ‪ } :‬ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أدركه منهم و َ‬ ‫م ْ‬ ‫الفارسي ‪ ،‬عَ ّ‬
‫ل { الية‬ ‫جي ِ‬ ‫م ِفي الت ّوَْراةِ َوالن ْ ِ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫مك ُْتوًبا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دون َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذي ي َ ِ‬ ‫ي ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫الّر ُ‬
‫]العراف ‪.[157 :‬‬
‫ثم قال تعالى مخبًرا عن شدة كفر قريش وعنادهم لهذا القرآن ؛ أنه لو أنزله‬
‫ن ل يدري من العربية كلمة ‪ ،‬وأنزل عليه هذا‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫على رجل من العاجم ‪ِ ،‬‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وفصاحته ‪ ،‬ل يؤمنون به ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَلوْ نزلَناه ُ عَلى ب َعْ ِ‬ ‫َ‬
‫الكتاب ببيانه‬
‫ن { ‪ ،‬كما أخبر عنهم في الية‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما كاُنوا ب ِهِ ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫قَرأهُ عَلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‪ .‬فَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫العْ َ‬
‫ما‬
‫قالوا إ ِن ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ن‪ .‬ل َ‬ ‫َ‬ ‫جو َ‬ ‫ماِء فظلوا ِفيهِ ي َعُْر ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م َباًبا ِ‬ ‫حَنا عَلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الخرى ‪ } :‬وَلوْ فت َ ْ‬
‫َ‬
‫ن { ]الحجر ‪ [15 ، 14 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫حوُرو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن قوْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫صاُرَنا ب َ ْ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫سك َّر ْ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫يٍء قُبل‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م كل ش ْ‬ ‫حشْرَنا عَلي ْهِ ْ‬ ‫موَْتى وَ َ‬ ‫م ال َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ة وَكل َ‬ ‫ملئ ِك َ‬ ‫م ال َ‬ ‫} وَلوْ أن َّنا نزلَنا إ ِلي ْهِ ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫ن‬‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬‫‪111‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]النعام‬ ‫{‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫مُنوا ِإل أ ْ َ‬
‫ي‬ ‫ن‬ ‫كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ِ َ‬‫لي‬ ‫ال‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫تى‬
‫َ ٍ َ ّ ََ ُ‬ ‫ح‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬
‫ُ ِ ُ َ َ ْ َ ُْ ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ن‪.‬‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫ِْ ْ ِ َ ُ َ ّ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ح‬
‫{ ]يونس ‪.[97 ، 96 :‬‬
‫ب‬‫ذا َ‬ ‫حّتى ي ََرْوا ال ْعَ َ‬ ‫ن ب ِهِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن )‪ (200‬ل ي ُؤْ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫سل َك َْناه ُ ِْفي قُُلو ِ‬ ‫ك َ‬ ‫} ك َذ َل ِ َ‬
‫ن‬
‫من ْظُرو َ‬ ‫َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫قولوا هَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن )‪ (202‬فَي َ ُ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫م ب َغْت َ ً‬ ‫م )‪ (201‬فَي َأت ِي َهُ ْ‬ ‫الِلي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (205‬ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫سِني َ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ّعَْناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫ن )‪ (204‬أفََرأي ْ َ‬ ‫جلو َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ذاب َِنا ي َ ْ‬ ‫)‪ (203‬أفَب ِعَ َ‬
‫ن )‪{ (206‬‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ُيوعَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬خفق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬شقاقا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬نزل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه الرامهرمزي في أمثال الحديث ص )‪ (155‬من طريق عبد الله بن‬
‫محمد الموي ‪ ،‬عن عباد بن عباد المهلبي به‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬زبرة"‪.‬‬

‫) ‪(6/163‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫ن قَْري َةٍ إ ِّل ل ََها ُ‬
‫من ْذُِرو َ‬ ‫ما أهْل َك َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن )‪ (207‬وَ َ‬
‫مت ُّعو َ‬‫كاُنوا ي ُ َ‬‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ما أغَْنى عَن ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(209‬‬‫َ‬ ‫مي‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ظا‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬‫َ َ‬ ‫و‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫(‬‫‪208‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫ن قَْري َةٍ ِإل ل ََها ُ‬
‫من ْذُِرو َ‬ ‫ما أهْل َك َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن )‪ (207‬وَ َ‬‫مت ُّعو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫م َ‬‫ما أغَْنى عَن ْهُ ْ‬ ‫} َ‬
‫ن )‪.{ (209‬‬ ‫مي‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ظا‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬‫َ َ‬ ‫و‬ ‫رى‬ ‫ْ‬
‫ِ َ‬‫ك‬‫ذ‬ ‫(‬‫‪208‬‬

‫) ‪(6/163‬‬

‫يقول تعالى ‪ :‬كذلك سلكنا التكذيب والكفر والجحود والعناد ‪ ،‬أي ‪ :‬أدخلناه‬
‫في قلوب المجرمين‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬حيث ل ينفع‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ‬ ‫ن ب ِهِ { أي ‪ :‬بالحق } َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫} ل ي ُؤْ ِ‬
‫الظالمين معذرتهم ‪ ،‬ولهم اللعنة ولهم سوء الدار‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫ْ‬
‫قولوا هَل ن َ ْ‬ ‫ن‪ .‬في َ ُ‬ ‫م ل ي َشعُُرو َ‬ ‫ْ‬ ‫ة { أي ‪ :‬عذاب الله بغتة ‪ } ،‬وَهُ ْ‬ ‫م ب َغْت َ ً‬ ‫} فَي َأت ِي َهُ ْ‬
‫ن { ؟ أي ‪ :‬يتمنون حين يشاهدون العذاب أن لو أنظروا قليل ليعملوا‬ ‫من ْظ َُرو َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫تي‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ذ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫الله‬ ‫بطاعة‬ ‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫)‬ ‫فزعهم[‬ ‫]من‬
‫َ ْ ِ ِ ّ َ َ ْ َ َ ِ ِ ُ‬
‫َ‬ ‫موا َرب َّنا أ َ ّ‬
‫ك وَن َت ّب ِِع‬ ‫ب د َعْوَت َ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ب نُ ِ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ل قَ ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫خْرَنا إ َِلى أ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ب فَي َ ُ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل { ]إبراهيم ‪، [44 :‬‬ ‫ن َزَوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫كوُنوا أقْ َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ل أوَل ْ‬ ‫س َ‬ ‫الّر ُ‬
‫دا هذا فرعون لما‬ ‫ما شدي ً‬ ‫فكل ظالم وفاجر وكافر إذا شاهد عقوبته ‪ ،‬ندم ند ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫دعا عليه الكليم بقوله ‪َ } :‬رب َّنا إ ِن ّ َ‬
‫حَياةِ‬ ‫وال ِفي ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَأ ْ‬ ‫مله ُ ِزين َ ً‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ت فِْرعَوْ َ‬ ‫ك آت َي ْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫شد ُد ْ عَلى قُلوب ِهِ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫س عَلى أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َرب َّنا اط ِ‬ ‫سِبيل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضّلوا عَ ْ‬ ‫الد ّن َْيا َرب َّنا ل ِي ُ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ما َول‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ] َفا ْ‬ ‫ت د َعْوَت ُك َ‬ ‫جيب َ ْ‬ ‫ل قَد ْ أ ِ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى ي ََرُوا العَ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫َفل ي ُؤْ ِ‬
‫ن [ { )‪] (2‬يونس ‪ ، [89 ، 88 :‬فأثرت هذه‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ي َعْل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ال ِ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت َت ّب َِعا ّ‬
‫هَ‬ ‫َ‬
‫حّتى إ َِذا أد َْرك ُ‬ ‫الدعوة في فرعون ‪ ،‬فما آمن حتى رأى العذاب الليم ‪َ } ،‬‬
‫ْ‬ ‫ل آمنت أ َنه ل إل َه إل ال ّذي آمنت به بنو إسراِئي َ َ‬
‫ن‪.‬‬‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل وَأَنا ِ‬ ‫َ َ ْ ِ ِ َُ ِ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ال ْغََرقُ َقا َ َ ْ ُ ّ ُ‬
‫ن { ]يونس ‪ ، [ 91 ، 90 :‬وقال ‪} :‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل وَك ُن ْ َ‬ ‫ت قَب ْ ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ن وَقَد ْ عَ ْ َ‬ ‫آل َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ي َكُ‬ ‫ن * فل ْ‬ ‫َ‬ ‫كي َ‬ ‫مشرِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ما كّنا ب ِهِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫فْرَنا ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫حد َه ُ وَك َ‬ ‫مّنا ِباللهِ وَ ْ‬ ‫سَنا قالوا آ َ‬ ‫َ‬ ‫ما َرأْوا ب َأ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫سَنا { ]غافر ‪ [85 ، 84 :‬الية‪.‬‬ ‫ما َرأْوا ب َأ َ‬ ‫م لَ ّ‬ ‫مان ُهُ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫فعُهُ ْ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫َ‬
‫ن { ‪ :‬إنكار عليهم ‪ ،‬وتهديد لهم ؛ فإنهم‬ ‫جُلو َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ذاب َِنا ي َ ْ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬أفَب ِعَ َ‬
‫ب الل ّهِ { ]العنكبوت ‪:‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫كانوا يقولون للرسول تكذيًبا واستبعاًدا ‪ } :‬ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬
‫ب { الية‪].‬العنكبوت ‪.[ 53 :‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫ك ِبال ْعَ َ‬ ‫جُلون َ َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫‪ ، [ 29‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫َ َ‬
‫ما‬ ‫ن* َ‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ُيوعَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن * ثُ ّ‬ ‫سِني َ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ّعَْناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬أفََرأي ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬لو أخرناهم وأنظرناهم ‪ ،‬وأملينا لهم برهة‬ ‫مت ُّعو َ‬ ‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫أغَْنى عَن ْهُ ْ‬
‫من الزمان وحيًنا من الدهر وإن طال ‪ ،‬ثم جاءهم أمر الله ‪ ،‬أي شيء يجدي‬
‫ة أ َْو‬ ‫َ‬
‫شي ّ ً‬ ‫م ي َل ْب َُثوا ِإل عَ ِ‬ ‫م ي ََروْن ََها ل َ ْ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫عنهم ما كانوا فيه من النعم ‪ } ،‬ك َأن ّهُ ْ‬
‫ة‬
‫سن َ ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫مُر أ َل ْ َ‬ ‫م ل َوْ ي ُعَ ّ‬ ‫حد ُهُ ْ‬
‫َ‬
‫ها { ]النازعات ‪ ، [46 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ي َوَد ّ أ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ض َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫ن العَ َ‬ ‫ْ‬
‫مَر { ]البقرة ‪ ، [96 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ن ي ُعَ ّ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م َ‬ ‫حهِ ِ‬ ‫حزِ ِ‬ ‫مَز ْ‬ ‫ما هُوَ ب ِ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫م َ‬ ‫ما أغَنى عَن ْهُ ْ‬ ‫ه إ َِذا ت ََرّدى { ]الليل ‪ [11 :‬؛ ولهذا قال ‪َ } :‬‬ ‫مال ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي ُغِْني عَن ْ ُ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مت ُّعو َ‬ ‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫َ‬
‫وفي الحديث الصحيح ‪" :‬يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة )‪ ، (3‬ثم يقال‬
‫له ‪ :‬هل رأيت‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬فيغمس غمسة في النار"‪.‬‬

‫) ‪(6/164‬‬

‫م‬
‫ن )‪ (211‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما ي َن ْب َِغي ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (210‬وَ َ‬ ‫طي ُ‬
‫شَيا ِ‬ ‫ت ب ِهِ ال ّ‬‫ما ت َن َّزل َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫خَر فَت َكو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫معَذ ِّبي َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫معَ اللهِ إ ِلًها آ َ‬ ‫ن )‪ (212‬فَل ت َد ْع ُ َ‬ ‫معُْزولو َ‬ ‫مِع ل َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ات ّب َعَك ِ‬
‫م ِ‬ ‫حك ل ِ َ‬ ‫جَنا َ‬‫ض َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ِ‬‫ن )‪َ (214‬وا ْ‬ ‫شيَرت َك القَْرِبي َ‬ ‫‪ (213‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬
‫َ‬
‫ل عَلى‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (216‬وَت َوَك ْ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫م ّ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صوْك ف ُ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (215‬فإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن)‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬‫سا ِ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫قل ّب َ َ‬ ‫م )‪ (218‬وَت َ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬
‫حي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذي ي ََرا َ‬ ‫حيم ِ )‪ (217‬ال ّ ِ‬ ‫زيزِ الّر ِ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫م )‪(220‬‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫‪ (219‬إ ِن ّ ُ‬
‫ما قط ؟ فيقول ‪ :‬ل ]والله يا رب[ )‪ .(1‬ويؤتى بأشد‬ ‫خيًرا قط ؟ هل رأيت نعي ً‬
‫سا كان في الدنيا ‪ ،‬فيصبغ في الجنة صبغة ‪ ،‬ثم يقال له ‪ :‬هل رأيت‬ ‫الناس بؤ ً‬
‫سا قط ؟ فيقول ‪ :‬ل والله يا رب" أي ‪ :‬ما كأن شيئا كان )‪ (2‬؛ ولهذا كان‬ ‫ً‬ ‫بؤ ً‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت ‪:‬‬
‫ب‪...‬‬ ‫ت ت َط ْل ُ ُ‬ ‫ت الذي كن َ‬ ‫ت أد َْرك ْ َ‬ ‫ة‪ ...‬إذا أن ْ َ‬ ‫هر ل َي ْل َ ً‬ ‫م ُتوِتر من الد ّ ْ‬ ‫كأّنك ل َ ْ‬
‫ثم قال الله تعالى مخبًرا عن عدله في خلقه ‪ :‬أّنه ما أهلك أمة من المم إل‬
‫بعد العذار إليهم ‪ ،‬والنذار لهم وبعثة الرسل إليهم وقيام الحجج عليهم ؛‬
‫ما ك ُّنا َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن‪ .‬ذِك َْرى وَ َ‬ ‫من ْذُِرو َ‬ ‫ن قَْري َةٍ ِإل ل ََها ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أهْل َك َْنا ِ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫سول { ]السراء ‪، [15 :‬‬ ‫ث َر ُ‬ ‫حّتى ن َب ْعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫معَذ ِّبي َ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫سول ي َت ْلوُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫مهْل ِ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫مَها َر ُ‬ ‫ث ِفي أ ّ‬ ‫حّتى ي َب ْعَ َ‬ ‫قَرى َ‬ ‫ك ال ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن { ]القصص ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫قَرى ِإل )‪ [ (3‬وَأهْلَها ظال ِ ُ‬ ‫كي ال ُ‬ ‫مهْل ِ ِ‬ ‫ما كّنا ُ‬ ‫ُ‬ ‫م آَيات َِنا ] وَ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫‪.[59‬‬
‫م‬
‫ن )‪ (211‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫َ‬
‫ما ي َن ْب َِغي لهُ ْ‬ ‫ن )‪ (210‬وَ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ت ب ِهِ ال ّ‬ ‫َ‬
‫ما َتنزل ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن )‪{ (212‬‬ ‫معُْزولو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مِع ل َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عَ ِ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن كتابه العزيز ‪ ،‬الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول‬
‫من خلفه ‪ ،‬تنزيل من حكيم حميد ‪ :‬أنه نزل به الروح المين المؤيد من الله ‪،‬‬
‫ن {‪ .‬ثم ذكر أنه يمتنع عليهم من ثلثة أوجه ‪،‬‬ ‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ت ب ِهِ ال ّ‬ ‫ما َتنزل َ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫أحدها ‪ :‬أنه ما )‪ (4‬ينبغي لهم ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس هو من ب ُْغيتهم ول من طلبتهم ؛ لن‬
‫من سجاياهم الفساد وإضلل العباد ‪ ،‬وهذا فيه المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر ‪ ،‬ونور وهدى وبرهان عظيم ‪ ،‬فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة ؛‬
‫م {‪.‬‬ ‫ما ي َن ْب َِغي ل َهُ ْ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ولو انبغى لهم لما استطاعوا ذلك ‪ ،‬قال‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الله تعالى ‪ } :‬لوْ أنزلَنا هَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫صد ّ ً‬ ‫مت َ َ‬‫شًعا ُ‬ ‫خا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل لَرأي ْت َ ُ‬ ‫جب َ ٍ‬‫ن عَلى َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ُ‬
‫شي َةِ الل ّهِ { ]الحشر ‪.[21 :‬‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬
‫ثم بين أنه لو انبغى )‪ (5‬لهم واستطاعوا حمله وتأديته ‪ ،‬لما وصلوا إلى ذلك ؛‬
‫دا‬
‫سا شدي ً‬ ‫لنهم بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله ؛ لن السماء ملئت حر ً‬
‫دة إنزال القرآن على رسوله ‪ ،‬فلم يخلص أحد من الشياطين‬ ‫م ّ‬ ‫وشهبا في ُ‬
‫إلى استماع حرف واحد منه ‪ ،‬لئل يشتبه المر‪ .‬وهذا من رحمة الله بعباده ‪،‬‬
‫مِع‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫وحفظه لشرعه ‪ ،‬وتأييده لكتابه ولرسوله ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫ماَء‬ ‫ّ َ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫سَنا‬ ‫م ْ‬ ‫ن { ‪ ،‬كما قال تعالى مخبًرا عن الجن ‪ } :‬وَأّنا ل َ َ‬ ‫معُْزوُلو َ‬ ‫لَ َ‬
‫شهًُبا * وَأّنا ك ُّنا ن َ ْ‬‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫مِع فَ َ‬ ‫س ْ‬
‫عد َ ِلل ّ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫من َْها َ‬ ‫قعُد ُ ِ‬ ‫دا وَ ُ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫سا َ‬ ‫حَر ً‬ ‫ت َ‬ ‫مل ِئ َ ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫جد َْنا َ‬ ‫فَوَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ضأ ْ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شّر أِريد َ ب ِ َ‬ ‫دا * وَأّنا ل ن َد ِْري أ َ‬ ‫ص ً‬ ‫شَهاًبا َر َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد ْ ل َ ُ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫مِع ال َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫دا { ]الجن ‪.[10 - 8 :‬‬ ‫م َر َ‬ ‫َ‬
‫ش ً‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫أَراد َ ب ِهِ ْ‬
‫َ‬
‫شيَرت َ َ‬
‫ك‬ ‫ن )‪ (213‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬ ‫معَذ ِّبي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫خَر فَت َ ُ‬ ‫معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ‬ ‫} َفل ت َد ْع ُ َ‬
‫ك‬‫صو ْ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ن )‪ (215‬فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫القَْرِبي َ‬
‫م ِ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫ض َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ِ‬‫ن )‪َ (214‬وا ْ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫حيم ِ )‪ (217‬ال ِ‬ ‫زيزِ الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫ل عَلى العَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (216‬وَت َوَك ْ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫فَ ُ‬
‫م)‬ ‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫ْ‬ ‫س ِ‬‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ن )‪ (219‬إ ِن ّ ُ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫قلب َك ِفي ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م )‪ (218‬وَت َ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫َ‬
‫ي ََراك ِ‬
‫‪{ (220‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد في مسنده )‪ (3/203‬من حديث أنس بن مالك ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪ .‬وفي هـ ‪" :‬إلى قوله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬ل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬ابتغى"‪.‬‬

‫) ‪(6/165‬‬

‫ن أشرك به عذبه‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫يقول تعالى آمًرا بعبادته وحده ل شريك له ‪ ،‬ومخبًرا أ ّ‬


‫ثم قال تعالى آمًرا لرسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه )‪ (1‬أن ينذر عشيرته‬
‫ه بربه عز وجل‬ ‫دا منهم إل إيمان ُ‬ ‫خّلص أح ً‬ ‫القربين ‪ ،‬أي ‪ :‬الدنين إليه ‪ ،‬وأنه ل ي ُ َ‬
‫‪ ،‬وأمره أن يلين جانبه لمن اتبعه من عباد الله المؤمنين‪ .‬ومن عصاه من‬
‫ل إ ِّني‬ ‫ق ْ‬ ‫ك فَ ُ‬ ‫صو ْ َ‬‫ن عَ َ‬ ‫ن كان فليتبرأ منه ؛ ولهذا قال ‪ .} :‬فَإ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خلق الله كائًنا َ‬
‫ن {‪ .‬وهذه الّنذارة الخاصة ل تنافي العامة ‪ ،‬بل هي فرد من‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫م ّ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫بَ ِ‬
‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن { ]يس ‪، [6 :‬‬ ‫غافِلو َ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ما أن ْذَِر آَباؤُهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫أجزائها ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ل ِت ُن ْذَِر قَوْ ً‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫حوْلَها { ]الشورى ‪ ، [7 :‬وقال ‪ } :‬وَأن ْذِْر ب ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرى وَ َ‬ ‫وقال ‪ } :‬ل ِت ُن ْذَِر أ ّ‬
‫خاُفو َ‬
‫ه‬
‫شَر ب ِ ِ‬ ‫م { ]النعام ‪ ، [ 51 :‬وقال ‪ } :‬ل ِت ُب َ ّ‬ ‫شُروا إ َِلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن ب َل َغَ {‬ ‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ وَ َ‬ ‫دا { ]مريم ‪ ، [97 :‬وقال ‪ } :‬لن ْذَِرك ُ ْ‬ ‫ما ل ُ ّ‬ ‫ن وَت ُن ْذَِر ب ِهِ قَوْ ً‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫عد ُه ُ { ]هود‬ ‫ب َفالّناُر َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ب ِهِ ِ‬‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫]النعام ‪ ، [19 :‬كما قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫‪.[17 :‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يسمع بي أحد ٌ من هذه المة ‪،‬‬
‫يهودي ول نصراني ‪ ،‬ثم ل يؤمن بي إل دخل النار"‪.‬‬
‫وقد وردت أحاديث كثيرة في نزول هذه الية الكريمة ‪ ،‬فلنذكرها ‪:‬‬
‫الحديث الول ‪:‬‬
‫مْير ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬ ‫قال المام أحمد ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا عبد الله بن ن ُ َ‬
‫جَبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما أنزل الله ‪ ،‬عز‬ ‫مّرة ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬ ‫عمرو بن ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا‬ ‫شيَرت َك القَْرِبي َ‬ ‫وجل ‪ } :‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬
‫فصعد عليه ‪ ،‬ثم نادى ‪" :‬يا صباحاه"‪ .‬فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء‬
‫إليه ‪ ،‬وبين رجل يبعث رسوله ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا‬
‫بني عبد المطلب ‪ ،‬يا بني فهر ‪ ،‬يا بني لؤي ‪ ،‬أرأيتم لو أخبرتكم أن خيل‬
‫بسفح هذا الجبل ‪ ،‬تريد أن تغير عليكم ‪ ،‬صدقتموني ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"‪ .‬فقال أبو لهب ‪ :‬تّبا لك سائر اليوم ‪،‬‬
‫َ‬
‫ب { ] المسد ‪.[1 :‬‬ ‫ب وَت َ ّ‬ ‫دا أِبي ل َهَ ٍ‬ ‫ت يَ َ‬ ‫أما دعوتنا إل لهذا ؟ وأنزل الله ‪ } :‬ت َب ّ ْ‬
‫ورواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به )‬
‫‪.(2‬‬
‫الحديث الثاني ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا هشام ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪:‬‬
‫شيَرت َ َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬قام رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ك القَْرِبي َ‬ ‫لما نزلت ‪ } :‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬
‫وسلم فقال ‪" :‬يا فاطمة ابنة محمد ‪ ،‬يا صفية ابنة عبد المطلب ‪ ،‬يا بني عبد‬
‫المطلب ‪ ،‬ل أملك لكم من الله شيئا ‪ ،‬سلوني من مالي ما شئتم"‪ .‬انفرد‬
‫بإخراجه مسلم )‪.(3‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات الله عليه وسلمه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (4801‬وصحيح مسلم برقم )‪ (208‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم )‪ (11714‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3363‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (6/187‬وصحيح مسلم برقم )‪.(205‬‬
‫) ‪(6/166‬‬

‫الحديث الثالث ‪:‬‬


‫قال أحمد ‪ :‬حدثنا معاوية بن عمرو ‪ ،‬حدثنا زائدة ‪ ،‬حدثنا عبد الملك بن‬
‫مير ‪ ،‬عن موسى بن طلحة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لما‬ ‫عُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬دعا رسول الله صلى الله‬ ‫شيَرت َك القَْرِبي َ‬ ‫نزلت هذه الية ‪ } :‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬
‫ص ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا معشر قريش ‪ ،‬أنقذوا‬ ‫م وخ ّ‬ ‫عليه وسلم ]قريشا[ )‪ ، (1‬فع ّ‬
‫أنفسكم من النار‪ .‬يا معشر بني كعب ‪ ،‬أنقذوا أنفسكم من النار‪ .‬يا معشر‬
‫بني عبد مناف ‪ ،‬أنقذوا أنفسكم من النار‪ .‬يا معشر بني هاشم ‪ ،‬أنقذوا‬
‫أنفسكم من النار‪ .‬يا معشر بني عبد المطلب ‪ ،‬أنقذوا أنفسكم من النار‪] .‬يا‬
‫فاطمة بنت محمد ‪ ،‬أنقذي نفسك من النار[ )‪ ، (2‬فإني ‪ -‬والله ‪ -‬ما أملك‬
‫ما سأُبلها ِببللها"‪.‬‬ ‫لكم من الله شيئا ‪ ،‬إل أن لكم َرح ً‬
‫ورواه مسلم والترمذي ‪ ،‬من حديث عبد الملك بن عمير ‪ ،‬به )‪ .(3‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬غريب من هذا الوجه‪ .‬ورواه النسائي من حديث موسى بن طلحة‬
‫مرسل لم يذكر فيه أبا هريرة )‪ .(4‬والموصول هو الصحيح‪ .‬وأخرجاه في‬
‫الصحيحين من حديث الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬وأبي سلمة بن عبد‬
‫الرحمن ‪ ،‬عن أبي هريرة )‪.(5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا محمد ‪ -‬يعني ابن إسحاق ‪ -‬عن أبي‬
‫الزَناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا بني عبد المطلب ‪ ،‬اشتروا أنفسكم من الله‪ .‬يا‬
‫صفية عمة رسول الله ‪ ،‬ويا فاطمة بنت رسول الله ‪ ،‬اشتريا أنفسكما من‬
‫الله ‪ ،‬ل ُأغني عنكما من الله شيًئا ‪ ،‬سلني من مالي ما شئتما"‪.‬‬
‫تفرد به من هذا الوجه )‪ .(6‬وتفرد به أيضا ‪ ،‬عن معاوية ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬عن أبي‬
‫الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه‬
‫ضا عن حسن ‪ ،‬ثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬عن )‪ (8‬العرج ‪ :‬سمعت أبا‬ ‫)‪ .(7‬ورواه أي ً‬
‫هريرة مرفوعا )‪.(9‬‬
‫مام بن إسماعيل ‪ ،‬عن‬ ‫ض َ‬
‫سعيد ‪ ،‬حدثنا )‪ِ (10‬‬ ‫ويد بن َ‬ ‫س َ‬
‫وقال أبو يعلى ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫موسى بن وَْرَدان ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا‬
‫هاشم ‪ ،‬يا بني عبد مناف‪ .‬أنا النذير والموت المغير‪.‬‬ ‫صي ‪ ،‬يا بني َ‬ ‫بني قُ َ‬
‫والساعة الموعد" )‪.(11‬‬
‫الحديث الرابع ‪:‬‬
‫قال أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا التيمي ‪ ،‬عن أبي عثمان ‪ ،‬عن‬
‫خارق‬ ‫قَِبيصة بن ُ‬
‫م َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (2/360‬وصحيح مسلم برقم )‪ (204‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪.(3185‬‬
‫)‪ (4‬سنن النسائي )‪.(6/248‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (4771‬وصحيح مسلم برقم )‪.(206‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(2/448‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(2/398‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬ثنا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(2/350‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (11‬مسند أبي يعلى )‪ (11/10‬وسويد بن سعيد متكلم فيه‪.‬‬

‫) ‪(6/167‬‬

‫شيَرت َ َ‬ ‫َ‬
‫صعد رسول‬ ‫ن{ َ‬ ‫ك القَْرِبي َ‬ ‫هير بن عمرو قال لما نزلت ‪ } :‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬ ‫وُز َ‬
‫ة من جبل على أعلها حجر ‪ ،‬فجعل ينادي ‪:‬‬ ‫م ً‬‫ض َ‬‫الله صلى الله عليه وسلم َر ْ‬
‫"يا بني عبد مناف ‪ ،‬إنما أنا نذير ‪ ،‬إنما مثلي ومثلكم كرجل رأى العدو ‪،‬‬
‫فذهب يربأ أهله ‪ ،‬يخشى أن يسبقوه ‪ ،‬فجعل ينادي ويهتف ‪ :‬يا صباحاه"‪.‬‬
‫ورواه مسلم والنسائي ‪ ،‬من حديث سليمان بن ط ِْرخان التيمي ‪ ،‬عن أبي‬
‫مرو الهللي ‪ ،‬به‬ ‫مل الن ّْهديّ ‪ ،‬عن قَِبيصة وُزهَير بن عَ ْ‬ ‫عثمان عبد الرحمن بن ُ‬
‫)‪.(1‬‬
‫الحديث الخامس ‪:‬‬
‫ريك عن العمش ‪ ،‬عن‬ ‫ش ِ‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫منَهال ‪ ،‬عن عباد بن عبد الله السدي ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ال ْ‬
‫ن { جمع النبي صلى الله عليه‬ ‫بي‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ت‬ ‫ر‬‫شي‬ ‫ع‬ ‫ر‬‫ذ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الية‬ ‫هذه‬ ‫نزلت‬ ‫لما‬
‫َ ِ َ‬ ‫َ ْ ِْ َ ِ َ َ‬
‫وسلم من أهل بيته ‪ ،‬فاجتمع ثلثون ‪ ،‬فأكلوا وشربوا قال ‪ :‬وقال لهم ‪" :‬من‬
‫عني ديني ومواعيدي ‪ ،‬ويكون معي في الجنة ‪ ،‬ويكون خليفتي في‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬
‫ض َ‬ ‫يَ ْ‬
‫أهلي ؟"‪ .‬فقال رجل ‪ -‬لم يسمه شريك ‪ -‬يا رسول الله ‪ ،‬أنت كنت بحًرا )‪(2‬‬
‫من يقوم بهذا ؟ قال ‪ :‬ثم قال الخر ‪ ،‬قال ‪ :‬فعرض ذلك على أهل بيته ‪،‬‬
‫ي ‪ :‬أنا )‪.(3‬‬ ‫عل ٌ‬ ‫فقال َ‬
‫طريق أخرى بأبسط من هذا السياق ‪ :‬قال أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫وانة ‪ ،‬عن عثمان بن المغيرة ‪ ،‬عن أبي صادق ‪ ،‬عن ربيعة بن ناجذ ‪ ،‬عن‬ ‫عَ َ‬
‫علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أو دعا‬
‫ط ‪ ،‬كلهم‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بني عبد المطلب ‪ ،‬وهم َرهْ ٌ‬
‫دا من طعام فأكلوا‬ ‫فَرق ‪ -‬قال ‪ :‬وصنع )‪ (4‬لهم م ً‬ ‫يأكل الجذعة ويشرب ال ّ‬
‫مرٍ )‪(5‬‬ ‫حتى شبعوا ‪ -‬قال ‪ :‬وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس‪ .‬ثم دعا بغُ َ‬
‫فشربوا حتى رووا ‪ ،‬وبقي الشراب كأنه لم يمس ‪ -‬أولم يشرب ‪ -‬وقال ‪" :‬يا‬
‫بني عبد المطلب ‪ ،‬إني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة ‪ ،‬وقد رأيتم من‬
‫هذه الية ما رأيتم ‪ ،‬فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ؟"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ت إليه ‪ -‬وكنت أصغر القوم ‪ -‬قال ‪ :‬فقال ‪:‬‬ ‫فلم يقم إليه أحد‪ .‬قال ‪ :‬فقم ُ‬
‫"اجلس"‪ .‬ثم قال ثلث مرات ‪ ،‬كل ذلك أقوم إليه فيقول لي ‪" :‬اجلس"‪ .‬حتى‬
‫كان في الثالثة ضرب بيده على يدي )‪.(6‬‬
‫طريق أخرى أغرب وأبسط من هذا السياق بزيادات أخر ‪ :‬قال الحافظ أبو‬
‫بكر البيهقي في "دلئل النبوة" ‪ :‬أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫العباس محمد بن يعقوب ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد الجبار ‪ ،‬حدثنا ُيوُنس بن ب ُك َْير ‪،‬‬
‫عن محمد بن إسحاق قال ‪ :‬فحدثني من سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل ‪-‬‬
‫واستكتمني اسمه ‪ -‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬وَأ َن ْذِْر‬
‫ن { ‪ ،‬قال رسول‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬‫ن ات ّب َعَ َ‬
‫م ِ‬ ‫ك لِ َ‬‫ح َ‬‫جَنا َ‬‫ض َ‬‫ف ْ‬ ‫خ ِ‬
‫ن َوا ْ‬‫ك القَْرِبي َ‬‫شيَرت َ َ‬‫عَ ِ‬
‫مي ‪ ،‬رأيت منهم ما‬ ‫ت بها قو ِ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬عرفت أّني إن بادأ ُ‬
‫أكره ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (5/60‬وصحيح مسلم برقم )‪ (207‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم )‪.(11379‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬تجري"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (1/111‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" (8/302‬رجال أحمد‬
‫رجال الصحيح ‪ ،‬غير شريك وهو ثقة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فصنع"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بعس"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (1/159‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" (8/302‬رجاله ثقات"‪.‬‬

‫) ‪(6/168‬‬

‫ت‪ .‬فجاءني جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬إن لم تفعل ما‬ ‫م ّ‬ ‫فَ َ‬
‫ص َ‬
‫أمرك به ربك عذبك ربك"‪ .‬قال علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬فدعاني فقال ‪" :‬يا‬
‫علي ‪ ،‬إن الله قد أمرني ]أن[ )‪ (1‬أنذر عشيرتي القربين ‪ ،‬فعرفت أني إن‬
‫صمت عن ذلك ‪ ،‬ثم جاءني جبريل‬ ‫بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره ‪ ،‬فَ َ‬
‫فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك‪ .‬فاصنع لنا يا علي شاة‬
‫س لبن ‪ ،‬ثم اجمع لي )‪ (2‬بني عبد‬ ‫على صاع من طعام ‪ ،‬وأعد ّ لنا عُ ّ‬
‫ت فاجتمعوا له ‪ ،‬وهم يومئذ أربعون رجل يزيدون رجل أو‬ ‫المطلب"‪ .‬ففعل ُ‬
‫ينقصون رجل‪ .‬فيهم أعمامه ‪ :‬أبو طالب ‪ ،‬وحمزة ‪ ،‬والعباس ‪ ،‬وأبو لهب‬
‫ة ‪ ،‬فأخذ رسول الله صلى الله عليه‬ ‫فن َ َ‬
‫ج ْ‬
‫دمت إليهم تلك ال َ‬ ‫الكافر الخبيث‪ .‬فق ّ‬
‫حذ َْية فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها ‪ ،‬وقال ‪" :‬كلوا بسم‬ ‫وسلم منها ِ‬
‫م حتى َنهلوا عنه ما يرى إل آثار أصابعهم ‪ ،‬والله إن كان‬ ‫الله"‪ .‬فأكل القو ُ‬
‫الرجل منهم ليأكل مثلها‪ .‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اسقهم‬
‫قعب فشربوا منه حتى ن َهُِلوا جميًعا ‪ ،‬وايم الله إن‬ ‫يا علي"‪ .‬فجئت بذلك ال َ‬
‫كان الرجل منهم ليشرب مثله‪ .‬فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫دره أبو لهب إلى الكلم فقال ‪ :‬ل َهَد ّ ما سحركم صاحبكم‪.‬‬ ‫أن يكلمهم ‪ ،‬ب َ َ‬
‫فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فلما كان الغد ُ قال‬ ‫ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا علي ‪ ،‬عُد ْ لنا بمثل الذي كنت صنعت‬
‫ت قبل‬ ‫درني إلى ما سمع َ‬ ‫ل قد ب َ َ‬ ‫بالمس من الطعام والشراب ؛ فإن هذا الرج ّ‬
‫أن أكلم القوم"‪ .‬ففعلت ‪ ،‬ثم جمعتهم له ‪ ،‬فصنع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كما صنع بالمس ‪ ،‬فأكلوا حتى ن َهُِلوا عنه ‪ ،‬وايم الله إن كان الرجل‬
‫منهم ليأكل مثلها‪ .‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اسقهم يا‬
‫قعب فشربوا منه حتى نهلوا جميًعا‪ .‬وايم الله إن كان‬ ‫علي"‪ .‬فجئت بذلك ال َ‬
‫الرجل منهم ليشرب مثله‪ .‬فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫دره أبو لهب بالكلم فقال ‪ :‬ل َهَد ّ ما سحركم صاحبكم‪ .‬فتفرقوا ولم‬ ‫يكلمهم ب َ َ‬
‫يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فلما كان الغد قال رسول الله‬
‫ت لنا بالمس‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا علي ‪ ،‬عُد ْ لنا بمثل الذي كنت صنع َ‬
‫ت قبل أن‬ ‫درني إلى ما سمع َ‬ ‫من الطعام والشراب ؛ فإن هذا الرجل قد ب َ َ‬
‫أكلم القوم"‪ .‬ففعلت ‪ ،‬ثم جمعتهم له فصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫]كما صنع[ )‪ (3‬بالمس ‪ ،‬فأكلوا حتى نهلوا عنه ‪ ،‬ثم سقيتهم من ذلك القعب‬
‫حتى نهلوا عنه ‪ ،‬وايم الله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها ويشرب مثلها ‪ ،‬ثم‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا بني عبد المطلب ‪ ،‬إني ‪ -‬والله ‪-‬‬
‫ما أعلم شاًبا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ‪ ،‬إني قد جئتكم بأمر‬
‫الدنيا والخرة"‪.‬‬
‫قال أحمد بن عبد الجبار ‪ :‬بلغني أن ابن إسحاق إنما )‪ (4‬سمعه من عبد‬
‫الغفار بن القاسم أبي مريم ‪ ،‬عن المنهال بن عمرو ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫الحارث )‪.(5‬‬
‫وقد رواه أبو جعفر بن جرير ‪ ،‬عن ابن حميد ‪ ،‬عن سلمة ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪،‬‬
‫عن عبد الغفار بن القاسم ‪ ،‬عن المنهال بن عمرو ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫الحارث ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬فذكر مثله ‪ ،‬وزاد بعد‬
‫قوله ‪" :‬إني جئتكم بخير الدنيا والخرة"‪" .‬وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ‪،‬‬
‫فأيكم يؤازرني )‪ (6‬على هذا المر على أن يكون أخي ‪ ،‬وكذا وكذا" ؟ قال ‪:‬‬
‫فأحجم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬ودلئل النبوة‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬لنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬ودلئل النبوة‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬لما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬دلئل النبوة )‪.(2/178‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬وازرني"‪.‬‬

‫) ‪(6/169‬‬

‫صهم عينا ‪ ،‬وأعظمهم‬ ‫القوم عنها جميًعا ‪ ،‬وقلت ‪ -‬وإني لحدثهم سًنا ‪ ،‬وأرم ُ‬
‫بطنا ‪ ،‬وأحمشهم ساقا‪ .‬أنا يا نبي الله ‪ ،‬أكون وزيرك عليه ‪ ،‬فأخذ ي َْرقُُبني ثم‬
‫قال ‪" :‬إن هذا أخي ‪ ،‬وكذا وكذا ‪ ،‬فاسمعوا له وأطيعوا"‪ .‬قال ‪ :‬فقام القوم‬
‫يضحكون ويقولون لبي طالب ‪ :‬قد أمرك أن تسمع لبنك وتطيع )‪.(1‬‬
‫تفرد بهذا السياق عبد الغفار بن القاسم أبي مريم ‪ ،‬وهو متروك كذاب شيعي‬
‫‪ ،‬اتهمه علي بن المديني وغيره بوضع الحديث ‪ ،‬وضّعفه الئمة رحمهم الله‪.‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الحسين بن عيسى بن‬
‫سرة الحارثي ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن عبد القدوس ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬ ‫مي ْ َ‬
‫َ‬
‫المنهال بن عمرو ‪ ،‬عن عبد الله بن الحارث قال ‪ :‬قال علي رضي الله عنه ‪:‬‬
‫شيَرت َ َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬قال لي رسول الله صلى‬ ‫ك القَْرِبي َ‬ ‫لما نزلت هذه الية ‪ } :‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام وإناء لبنا"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ففعلت ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ادع بني هاشم"‪ .‬قال ‪ :‬فدعوتهم وإنهم يومئذ لربعون‬
‫عة‬ ‫غير رجل ‪ -‬أو ‪ :‬أربعون ورجل ‪ -‬قال ‪ :‬وفيهم عشرة كلهم يأكل الجذ َ َ‬
‫بإدامها‪ .‬قال ‪ :‬فلما أتوا بالقصعة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫ذْرَوتها ثم قال ‪" :‬كلوا" ‪ ،‬فأكلوا حتى شبعوا ‪ ،‬وهي على هيئتها )‪ (2‬لم يرزؤوا‬
‫ض ٌ‬
‫ل‬ ‫ضل فَ ْ‬ ‫منها إل يسيًرا ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم أتيتهم بالناء فشربوا حتى َرُووا‪ .‬قال ‪ :‬وفَ َ‬
‫‪ ،‬فلما فرغوا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكلم ‪ ،‬فبدُروه الكلم‬
‫‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ما رأينا كاليوم في السحر‪ .‬فسكت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اصنع ]لي[ )‪ (3‬رجل شاة بصاع من طعام"‪ .‬فصنعت ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬فدعاهم ‪ ،‬فلما أكلوا وشربوا ‪ ،‬قال ‪ :‬فبدروه فقالوا مثل مقالتهم الولى ‪،‬‬
‫فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لي ‪" :‬اصنع ]لي[ )‪ (4‬رجل‬
‫درهم‬ ‫شاة بصاع من طعام‪ .‬فصنعت ‪ ،‬قال ‪ :‬فجمعتهم ‪ ،‬فلما أكلوا وشربوا ب َ َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلم فقال ‪" :‬أيكم يقضي عني َديني )‪(5‬‬
‫ويكون خليفتي في أهلي ؟"‪ .‬قال ‪ :‬فسكتوا وسكت العباس خشية أن يحيط‬
‫ن العباس‪ .‬ثم قالها مرة أخرى فسكت‬ ‫س ّ‬ ‫ت أنا ل ِ‬ ‫ذلك بماله ‪ ،‬قال ‪ :‬وسك ّ‬
‫العباس ‪ ،‬فلما رأيت ذلك قلت ‪ :‬أنا يا رسول الله‪] .‬فقال ‪" :‬أنت"[ )‪ (6‬قال ‪:‬‬
‫مش‬ ‫ح ْ‬ ‫وإني يومئذ لسوأهم هيئة ‪ ،‬وإني لعمش العينين ‪ ،‬ضخم البطن ‪َ ،‬‬
‫الساقين‪.‬‬
‫فهذه طرق متعددة لهذا الحديث عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه‪ .‬ومعنى سؤاله ‪،‬‬
‫عليه الصلة والسلم )‪ (7‬لعمامه وأولدهم أن يقضوا عنه دينه ‪ ،‬ويخلفوه في‬
‫أهله ‪ ،‬يعني إن قتل في سبيل الله ‪ ،‬كأنه خشي إذا قام بأعباء النذار أن يقتل‬
‫ن‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك وَإ ِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ما ُأنز َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ل ب َل ّغْ َ‬‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬ولما أنزل الله عز وجل ‪َ } :‬يا أي َّها الّر ُ‬
‫س { ]المائدة ‪ ، [67 :‬فعند‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬‫م َ‬
‫ص ُ‬
‫ه ي َعْ ِ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫سال َت َ ُ‬
‫ت رِ َ‬‫ما ب َل ّغْ َ‬‫ل فَ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫م تَ ْ‬
‫من‪.‬‬ ‫ذلك أ ِ‬
‫س {‪ .‬ولم‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الّنا ِ‬‫م َ‬ ‫مك ِ‬ ‫ص ُ‬‫ه ي َعْ ِ‬
‫وكان أول يحرس حتى نزلت هذه الية ‪َ } :‬والل ُ‬
‫يكن في بني هاشم إذ ذاك أشد إيمانا وإيقانا وتصديقا لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم من علي ‪ ،‬رضي الله عنه ؛ ولهذا )‪ (8‬بدرهم إلى التزام ما طلب‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم كان بعد هذا ‪ -‬والله أعلم ‪-‬‬ ‫منهم رسو ُ‬
‫جهًرة على الصفا ‪ ،‬وإنذاره لبطون قريش عموما وخصوصا ‪،‬‬ ‫دعاؤه الناس َ‬
‫مى من أعمامه وعماته وبناته ‪ ،‬لينبه بالدنى على العلى ‪،‬‬ ‫س ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مى َ‬ ‫س ّ‬‫حتى َ‬
‫أي ‪ :‬إنما أنا نذير ‪ ،‬والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(19/40‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬وهي كهيئتها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬ديني عني"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬فلهذا"‪.‬‬

‫) ‪(6/170‬‬

‫وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الواحد الدمشقي ‪ -‬غير‬
‫ة ‪ ،‬عن عبد‬ ‫سوقَ َ‬
‫مَرة َ ‪ ،‬عن محمد بن ُ‬ ‫س ُ‬‫منسوب ‪ -‬من طريق عمرو بن َ‬
‫الواحد الدمشقي قال ‪ :‬رأيت أبا الدرداء ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬يحدث الناس‬
‫ويفتيهم ‪ ،‬وولده إلى جنبه ‪ ،‬وأهل بيته جلوس في جانب المسجد يتحدثون ‪،‬‬
‫فقيل له ‪ :‬ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم ‪ ،‬وأهل بيتك جلوس‬
‫لهين ؟ فقال ‪ :‬لني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬أزهد‬
‫الناس في الدنيا النبياء ‪ ،‬وأشدهم عليهم القربون"‪ .‬وذلك فيما أنزل الله ‪،‬‬
‫شيَرت َ َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إن أزهد الناس في‬ ‫ك القَْرِبي َ‬ ‫عز وجل ‪ } :‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬
‫ك‬‫شيَرت َ َ‬ ‫َ‬
‫العالم أهله حتى يفارقهم"‪ .‬ولهذا قال ]الله تعالى[ ‪ } (1) :‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬
‫ل إ ِّني‬‫ق ْ‬ ‫صو ْ َ‬
‫ك فَ ُ‬ ‫ن‪ .‬فَإ ِ ْ‬
‫ن عَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬‫ن ات ّب َعَ َ‬
‫م ِ‬
‫ك لِ َ‬ ‫ح َ‬‫جَنا َ‬ ‫ض َ‬‫ف ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن‪َ .‬وا ْ‬ ‫القَْرِبي َ‬
‫ن { )‪.(2‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫م ّ‬‫ريٌء ِ‬ ‫بَ ِ‬
‫حيم ِ { أي ‪ :‬في جميع أمورك ؛ فإنه مؤيدك‬ ‫زيزِ الّر ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَت َوَكل عَلى العَ ِ‬
‫ل كلمتك‪.‬‬ ‫معْ ٍ‬ ‫وناصرك وحافظك ومظفرك و ُ‬
‫م { أي ‪ :‬هو معتن بك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذي ي ََرا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ك ب ِأعْي ُن َِنا { ]الطور ‪.[48 :‬‬ ‫َ‬ ‫ك فَإ ِن ّ َ‬ ‫حك ْم ِ َرب ّ َ‬ ‫صب ِْر )‪ (3‬ل ِ ُ‬ ‫} َوا ْ‬
‫م { يعني ‪ :‬إلى الصلة‪.‬‬ ‫قو‬
‫ِ َ َ ُ‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫حي‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫را‬
‫ِ ََ‬ ‫ي‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫عباس‬ ‫ابن‬ ‫قال‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬يرى قيامه وركوعه وسجوده‪.‬‬
‫م { ‪ :‬إذا صليت وحدك‪.‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬‫حي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذي ي ََرا َ‬ ‫وقال الحسن ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫م‪ { .‬أي ‪ :‬من فراشك أو مجلسك‪.‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذي ي ََرا َ‬ ‫وقال الضحاك ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ك { ‪ :‬قائما وجالسا وعلى حالتك‪.‬‬ ‫ذي ي ََرا َ‬ ‫وقال قتادة ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫م‪.‬‬‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬
‫حي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذي ي ََرا َ‬ ‫ن { ‪ :‬قال قتادة ‪ } :‬ال ّ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫قل ّب َ َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَت َ َ‬
‫مع‪.‬‬ ‫ج ْ‬ ‫ن { قال ‪ :‬في الصلة ‪ ،‬يراك وحدك ويراك في ال َ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫قل ّب َ َ‬
‫وَت َ َ‬
‫وهذا قول عكرمة ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬والحسن البصري‪.‬‬
‫ن خلفه كما يرى‬ ‫م ْ‬ ‫وقال مجاهد ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى َ‬
‫ووا صفوفكم ؛ فإني أراكم‬ ‫س ّ‬ ‫ن أمامه ؛ ويشهد لهذا ما صح في الحديث ‪َ " :‬‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫من وراء ظهري" )‪.(4‬‬
‫وروى البزار وابن أبي حاتم ‪ ،‬من طريقين ‪ ،‬عن ابن عباس أنه قال في هذه‬
‫الية ‪ :‬يعني تقلبه من صلب نبي إلى صلب نبي ‪ ،‬حتى أخرجه نبيا‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬السميع لقوال عباده ‪ ،‬العليم‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ما ت َت ُْلو ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫شأ ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬
‫بحركاتهم وسكناتهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن ِفيهِ { الية‪.‬‬ ‫ضو َ‬‫في ُ‬ ‫شُهوًدا إ ِذ ْ ت ُ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ِإل ك ُّنا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن َول ت َعْ َ‬ ‫قُْرآ ٍ‬
‫]يونس ‪.[61 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬تاريخ دمشق )‪ 10/587‬المخطوط(‪.‬‬
‫)‪ (3‬في جميع النسخ ‪" :‬فاصبر"‪ .‬والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪.(723‬‬

‫) ‪(6/171‬‬

‫ك أ َِثيم ٍ )‪(222‬‬ ‫ل عََلى ك ُ ّ َ‬


‫ل أّفا ٍ‬ ‫ن )‪ (221‬ت َن َّز ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ن ت َن َّز ُ‬
‫م ْ‬ ‫م عََلى َ‬
‫هَ ْ ُ‬
‫ل أن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (224‬أل َ ْ‬
‫م‬ ‫م ال َْغاُوو َ‬ ‫شعََراُء ي َت ّب ِعُهُ ُ‬ ‫ن )‪َ (223‬وال ّ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م َ‬ ‫معَ وَأك ْث َُرهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ي ُل ْ ُ‬
‫ن )‪ (226‬إ ِّل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فعَُلو َ‬‫ما َل ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫ن )‪ (225‬وَأن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل َواد ٍ ي َِهي ُ‬ ‫م ِفي ك ُ ّ‬ ‫ت ََر أن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫موا‬ ‫ما ظ ُل ِ ُ‬‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬‫صُروا ِ‬ ‫ه ك َِثيًرا َوان ْت َ َ‬ ‫ت وَذ َك َُروا الل ّ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(227‬‬ ‫قل ُِبو َ‬
‫ب ي َن ْ َ‬‫قل َ ٍ‬ ‫من ْ َ‬‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬ ‫سي َعْل َ ُ‬ ‫وَ َ‬

‫ك أ َِثيم ٍ )‬ ‫ل عََلى ك ُ ّ َ‬
‫ل أّفا ٍ‬ ‫ن )‪َ (221‬تنز ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ن َتنز ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م عََلى َ‬
‫} هَ ْ ُ‬
‫ل أن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫م ال َْغاُوو َ‬ ‫شعََراُء ي َت ّب ِعُهُ ُ‬ ‫ن )‪َ (223‬وال ّ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م َ‬ ‫معَ وَأك ْث َُرهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫‪ (222‬ي ُل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ل ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬
‫ن )‪ (225‬وَأن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل َواد ٍ ي َِهي ُ‬ ‫م ِفي ك ُ ّ‬ ‫م ت ََر أن ّهُ ْ‬ ‫‪ (224‬أل َ ْ‬
‫ن ب َعْدِ‬ ‫م ْ‬‫صُروا ِ‬ ‫ه ك َِثيًرا َوان ْت َ َ‬ ‫ت وَذ َك َُروا الل ّ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫‪ِ (226‬إل ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (227‬‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫قل َ ٍ‬
‫ب ي َن ْ َ‬ ‫من ْ َ‬
‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫سي َعْل َ ُ‬
‫موا وَ َ‬ ‫ما ظ ُل ِ ُ‬
‫َ‬
‫ن زعم من المشركين أن ما جاء به الرسول ليس حقا‬ ‫م‬
‫ً ِ َ ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫مخاط‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫ي من الجن ‪ ،‬فنزه‬ ‫ّ‬ ‫رئ‬ ‫به‬ ‫أتاه‬ ‫أنه‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫نفسه‬ ‫تلقاء‬ ‫‪ ،‬وأنه شيء افتعله من‬
‫الله ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬جناب رسوله عن قولهم وافترائهم ‪ ،‬ونبه أن ما جاء به إنما‬
‫هو ]الحق[ )‪ (1‬من عند الله ‪ ،‬وأنه تنزيله ووحيه ‪ ،‬نزل به ملك كريم أمين‬
‫عظيم ‪ ،‬وأنه ليس من َقبيل الشياطين ‪ ،‬فإنهم ليس لهم رغبة في مثل هذا‬
‫القرآن العظيم ‪ ،‬وإنما ينزلون )‪ (2‬على من يشاكلهم ويشابههم من الكهان‬
‫الكذبة ؛ ولهذا قال الله ‪ } :‬هَ ْ ُ‬
‫ن َتنز ُ‬
‫ل‬ ‫م { أي ‪ :‬أخبركم‪ } .‬عََلى َ‬
‫م ْ‬ ‫ل أن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫ك أ َِثيم ٍ { أي ‪ :‬كذوب في قوله ‪ ،‬وهو الفاك‬ ‫ل عََلى ك ُ ّ َ‬
‫ل أّفا ٍ‬ ‫ن‪َ .‬تنز ُ‬‫طي ُ‬
‫شَيا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫الثيم ‪ ،‬أي )‪ (3‬الفاجر في أفعاله‪ .‬فهذا هو الذي تنزل عليه الشياطين‬
‫كالكهان وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة ‪ ،‬فإن الشياطين أيضا كذبة‬
‫فسقة‪.‬‬
‫معَ { أي ‪ :‬يسترقون السمع من السماء ‪ ،‬فيسمعون الكلمة من‬ ‫س ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫قو َ‬‫} ي ُل ْ ُ‬
‫علم الغيب ‪ ،‬فيزيدون معها مائة كذبة ‪ ،‬ثم يلقونها إلى أوليائهم من النس‬
‫فيتحدثون بها ‪ ،‬فيصدقهم الناس في كل ما قالوه ‪ ،‬بسبب صدقهم في تلك‬
‫الكلمة التي سمعت من السماء ‪ ،‬كما صح بذلك الحديث ‪ ،‬كما رواه‬
‫عروَةَ بن الزبير ‪ ،‬أنه سمع‬ ‫البخاري ‪ ،‬من حديث الزهري ‪ :‬أخبرني يحيى بن ُ‬
‫عُْروَة َ بن الزبير يقول ‪ :‬قالت عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ :‬سأل ناس النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن الكهان ‪ ،‬فقال ‪" :‬إنهم ليسوا بشيء"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقا ؟ فقال النبي صلى الله عليه‬
‫رها في أذن وليه‬ ‫قرق ِ‬‫وسلم ‪" :‬تلك الكلمة من الحق يخطفها )‪ (4‬الجني ‪ ،‬فَي ُ َ‬
‫قْرَقرة الدجاجة ‪ ،‬فيخلطون معها أكثر من مائه كذبة" )‪.(5‬‬ ‫ك َ‬
‫وقال البخاري أيضا ‪ :‬حدثنا الحميدي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا عمرو قال ‪:‬‬
‫سمعت عكرمة يقول ‪ :‬سمعت أبا هريرة يقول ‪ :‬إن نبي الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬إذا قضى الله المر في السماء ‪ ،‬ضربت الملئكة بأجنحتها‬
‫فوان ‪ ،‬حتى إذا ُفزع عن قلوبهم‬ ‫ص ْ‬
‫ضعاًنا لقوله ‪ ،‬كأنها )‪ (6‬سلسلة على َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ُ‬
‫قالوا ‪ :‬ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال ‪ :‬الحق وهو العلي الكبير‪ .‬فيسمعها‬
‫مسترقو السمع ‪ ،‬ومسترقو السمع ‪ ،‬هكذا بعضهم فوق بعض"‪ .‬ووصف‬
‫حرفها ‪ ،‬وب َد ّد َ بين أصابعه "فيسمع الكلمة ‪ ،‬فيلقيها إلى من‬ ‫سفيان بيده فَ َ‬
‫تحته ‪ ،‬ثم يلقيها الخر إلى من تحته ‪ ،‬حتى يلقيها على لسان الساحر ‪ -‬أو‬
‫الكاهن ‪ -‬فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ‪ ،‬وربما ألقاها قبل أن يدركه ‪،‬‬
‫فيكذب معها مائة كذبة‪ .‬فيقال ‪ :‬أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا ‪ :‬كذا وكذا ؟‬
‫فيصدق بتلك الكلمة التي سمع )‪ (7‬من السماء"‪ .‬انفرد به البخاري )‪.(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يتنزلون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬وهو"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يحفظها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(7561‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬كأنه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سمعت" والصواب ما أثبتناه من البخاري‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪.(4800‬‬

‫) ‪(6/172‬‬

‫وروى مسلم من حديث الزهري ‪ ،‬عن علي بن الحسين ‪ ،‬عن ابن عباس ‪،‬‬
‫عن رجال من النصار قريًبا من هذا‪ .‬وسيأتي عند قوله تعالى في سبأ ‪:‬‬
‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م { الية ]سبأ ‪] ، [23 :‬إن شاء الله تعالى[ )‪.(1‬‬ ‫حّتى إ َِذا فُّزع َ عَ ْ‬
‫} َ‬
‫وقال البخاري ‪ :‬وقال الليث ‪ :‬حدثني خالد بن يزيد ‪ ،‬عن سعيد بن أبي هلل ‪:‬‬
‫أن أبا السود أخبره ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫مام ‪ -‬بالمر‬ ‫دث في العََنان ‪ -‬والعََنان ‪ :‬الغَ َ‬ ‫ح ّ‬‫وسلم أنه قال ‪" :‬إن الملئكة ت َ َ‬
‫]يكون[ )‪ (2‬في الرض ‪ ،‬فتسمع الشياطين الكلمة ‪ ،‬فتقّرها في أذن الكاهن‬
‫قّر القارورة ‪ ،‬فيزيدون معها مائة كذبة" )‪.(3‬‬ ‫كما ت ُ َ‬
‫وقال البخاري في موضع آخر من كتاب "بدء الخلق" عن سعيد بن أبي‬
‫مريم ‪ ،‬عن الليث ‪ ،‬عن عبد الله بن أبي جعفر ‪ ،‬عن أبي السود محمد بن‬
‫عبد الرحمن ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬بنحوه )‪.(4‬‬
‫ن { قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن‬ ‫م ال َْغاُوو َ‬ ‫شعََراُء ي َت ّب ِعُهُ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ‬
‫عباس ‪ :‬يعني ‪ :‬الكفار يتبعهم ضلل النس والجن‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬رحمه‬
‫الله ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫م من الناس ‪ ،‬ولهذا‬ ‫وقال عكرمة ‪ :‬كان الشاعران يتهاجيان ‪ ،‬فينتصر لهذا فَِئا ٌ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫م ال َْغاُوو َ‬‫شعََراُء ي َت ّب ِعُهُ ُ‬‫م من الناس ‪ ،‬فأنزل الله ‪َ } :‬وال ّ‬ ‫فَئا ٌ‬
‫حّنس )‪- (5‬‬ ‫ة ‪ ،‬حدثنا ليث ‪ ،‬عن ابن الهاد ‪ ،‬عن ي ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قت َي ْب َ ُ‬
‫مولى مصعب بن الزبير ‪ -‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬بينما نحن نسير مع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بالعَْرج ‪ ،‬إذ عََرض شاعر ُينشد ‪ ،‬فقال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬خذوا الشيطان ‪ -‬أو امسكوا الشيطان ‪ -‬لن يمتلئ جوف‬
‫حا خير له من أن يمتلئ شعًرا" )‪.(6‬‬ ‫أحدكم قي ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ :‬قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن‬ ‫مو َ‬‫ل َواد ٍ ي َِهي ُ‬ ‫م ِفي ك ُ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫م ت ََر أن ّهُ ْ‬
‫ابن عباس ‪ :‬في كل لغو يخوضون‪.‬‬
‫وقال الضحاك عن ابن عباس ‪ :‬في كل فن من الكلم‪ .‬وكذا قال مجاهد‬
‫وغيره‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬قد ‪ -‬والله ‪ -‬رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها ‪ ،‬مرة في‬
‫شتمة )‪ (7‬فلن ‪ ،‬ومرة في مدحة )‪ (8‬فلن‪.‬‬
‫ما بباطل‪.‬‬ ‫ما بباطل ‪ ،‬ويذم قو ً‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬الشاعر يمدح قو ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان‬ ‫فعَلو َ‬ ‫ما ل ي َ ْ‬ ‫ن َ‬‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَأن ّهُ ْ‬
‫رجلن على عهد رسول الله ‪ ،‬أحدهما من النصار ‪ ،‬والخر من قوم آخرين ‪،‬‬
‫وإنهما تهاجيا ‪ ،‬فكان )‪ (9‬مع كل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (3288‬وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من‬
‫طريق أبي حاتم الرازي عن أبي صالح كاتب الليث عنه ‪ ،‬كما في الفتح )‬
‫‪.(6/432‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري رقم )‪.(2210‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬محنش"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(3/8‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬شتيمة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬مديحة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬

‫) ‪(6/173‬‬
‫واحد منهما غواة من قومه ‪ -‬وهم )‪ (1‬السفهاء ‪ -‬فقال الله تعالى ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬
‫ن‪ .‬وَأن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل َواد ٍ ي َِهي ُ‬ ‫م ِفي ك ُ ّ‬ ‫م ت ََر أن ّهُ ْ‬ ‫ن‪ .‬أل َ ْ‬ ‫م ال َْغاُوو َ‬ ‫شعََراُء ي َت ّب ِعُهُ ُ‬ ‫} َوال ّ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫فعَلو َ‬‫ُ‬ ‫ما ل ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫‪ .‬وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أكثر قولهم يكذبون فيه‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬هو الواقع في نفس المر ؛ فإن‬
‫جحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ول عنهم ‪ ،‬فيتكثرون بما‬ ‫الشعراء يَتب ّ‬
‫ليس لهم ؛ ولهذا اختلف العلماء ‪ ،‬رحمهم الله ‪ ،‬فيما إذا اعترف الشاعر في‬
‫دا ‪ :‬هل يقام عليه بهذا العتراف أم ل لنهم يقولون ما ل‬ ‫ح ّ‬‫شعره بما يوجب َ‬
‫يفعلون ؟ على قولين‪ .‬وقد ذكر محمد بن إسحاق ‪ ،‬ومحمد بن سعد في‬
‫كار في كتاب الفكاهة ‪ :‬أن أمير المؤمنين عمر بن‬ ‫الطبقات ‪ ،‬والزبير بن ب َ ّ‬
‫ضَلة على‬ ‫الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬استعمل النعمان بن عدي بن ن َ ْ‬
‫"ميسان" ‪ -‬من أرض البصرة ‪ -‬وكان يقول الشعر ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حن َْتم‪...‬‬ ‫قى في ُزجاج وَ َ‬ ‫ن ‪ُ ،‬يس َ‬ ‫سا َ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫حلي َِلها‪ ...‬ب ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سَناَء أ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫هل أَتى ال َ‬ ‫أل َ‬
‫مْنسم )‪(2‬‬ ‫ذو على كل َ‬ ‫ة َتج ُ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ّ‬
‫ن قْرَية‪ ...‬وََرقا َ‬ ‫َ‬ ‫ت غن ّْتني َدهاقي ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫إَذا شئ ُ‬
‫مت َثلم )‪(3‬‬ ‫َ‬ ‫صَغر ال ُ‬ ‫سقني بال ْ‬ ‫سقني‪َ ...‬ول ت َ ْ‬ ‫ْ‬
‫دماِني فبالكبر ا ْ‬ ‫َ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫كن َ‬ ‫ن ُ‬ ‫فإ ْ‬
‫دم‪...‬‬ ‫مت َهَ َ‬
‫سق ال ُ‬ ‫جو ْ َ‬‫منا بال َ‬ ‫سوءه‪َ ...‬تناد ُ ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ل ََعل أميَر المؤمني َ‬
‫فلما بلغ ]ذلك[ )‪ (4‬أمير المؤمنين قال ‪ :‬أي والله ‪ ،‬إنه ليسوءني ذلك ‪ ،‬ومن‬
‫لقيه فليخبره أني قد عزلته‪ .‬وكتب إليه ‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم } حم‪.‬‬
‫ب‬‫قا ِ‬‫ديدِ ال ْعِ َ‬‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ل الت ّوْ ِ‬ ‫ب وََقاب ِ ِ‬ ‫غافِرِ الذ ّن ْ ِ‬ ‫م‪َ .‬‬ ‫زيزِ العَِلي ِ‬
‫ْ‬ ‫ن الل ّهِ ال ْعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫َتنزي ُ‬
‫صيُر { ]غافر ‪ [3 - 1 :‬أما بعد فقد بلغني‬ ‫م ِ‬ ‫ه ِإل هُوَ إ ِل َي ْهِ ال ْ َ‬ ‫ل ل إ ِل َ َ‬ ‫ِذي الط ّوْ ِ‬
‫قولك ‪:‬‬
‫دم‪...‬‬ ‫مت َهَ ّ‬‫وسق )‪ (5‬ال ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫مَنا بال َ‬ ‫وءه‪ ...‬ت ََناد ُ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مؤمني َ‬ ‫ل أمير ال ُ‬ ‫ل َعَ ّ‬
‫وايم الله ‪ ،‬إنه ليسوءني وقد عزلتك‪ .‬فلما قدم على عمر ب َك َّته بهذا الشعر ‪،‬‬
‫ط ‪ ،‬وما ذاك الشعر إل شيء‬ ‫فقال ‪ :‬والله ‪ -‬يا أمير المؤمنين ‪ -‬ما شربتها قَ ّ‬
‫طفح على لساني‪ .‬فقال عمر ‪ :‬أظن ذلك ‪ ،‬ولكن والله ل تعمل لي على‬ ‫َ‬
‫ت )‪.(6‬‬ ‫ت ما قل َ‬ ‫دا ‪ ،‬وقد ُقل َ‬ ‫عمل أب ً‬
‫ده على الشراب ‪ ،‬وقد ضمنه شعره ؛ لنهم يقولون ما ل‬ ‫ح ّ‬ ‫فلم ُيذكر أنه َ‬
‫مه عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬ولمه على ذلك وعزله به‪.‬‬ ‫يفعلون ‪ ،‬ولكنه )‪ (7‬ذ ّ‬
‫ريه خير له من أن‬ ‫حا ‪ ،‬ي َ ِ‬ ‫ولهذا جاء في الحديث ‪" :‬لن يمتلئ جوف أحدكم قي ً‬
‫يمتلئ شعًرا" )‪.(8‬‬
‫والمراد من هذا ‪ :‬أن )‪ (9‬الرسول صلى الله عليه وسلم )‪ (10‬الذي أنزل‬
‫عليه )‪ (11‬القرآن ليس بكاهن ول بشاعر ؛‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬فهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مبسم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬المتلثم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬في الجوسق"‪.‬‬
‫)‪ (6‬البيات في السيرة النبوية لبن هشام )‪ (2/266‬والطبقات الكبرى لبن‬
‫سعد )‪.(4/140‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬ولكن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2257‬من حديث أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أن هذا الرسول"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات الله وسلمه عليه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه هذا القرآن"‪.‬‬

‫) ‪(6/174‬‬

‫مَناهُ‬ ‫ما عَل ّ ْ‬ ‫لن حاله مناف لحالهم من وجوه ظاهرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ]يس ‪ [69 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن هُوَ ِإل ذِك ٌْر وَقُْرآ ٌ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫ما ي َن ْب َِغي ل َ ُ‬ ‫شعَْر وَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬ ‫ل َ‬ ‫ما ت ُؤْ ِ‬ ‫عرٍ قَِليل َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل كَ ِ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫َ‬
‫كاهِ ٍ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ن‪َ .‬ول ب ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫شا ِ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ما هُوَ ب ِ َ‬ ‫م‪ .‬وَ َ‬ ‫ري ٍ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫هل َ‬ ‫} إ ِن ّ ُ‬
‫ن { ]الحاقة ‪ ، [43 - 40 :‬وهكذا قال‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن‪َ .‬تنزي ٌ‬ ‫ما ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫قَِليل َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ك ل ِت َكو َ‬ ‫ْ‬
‫ن‪ .‬عَلى قَلب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫مي ُ‬ ‫ح ال ِ‬ ‫ل ب ِهِ الّرو ُ‬ ‫ن‪ .‬نز َ‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ه لَتنزي ُ‬ ‫َ‬ ‫هاهنا ‪ } :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫ن‪.‬‬‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ت ب ِهِ ال ّ‬ ‫َ‬
‫ما َتنزل ْ‬ ‫ن { إلى أن قال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ي ُ‬ ‫ن عََرب ِ ّ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ن‪ .‬ب ِل ِ َ‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن { إلى أن قال ‪} :‬‬ ‫ُ‬
‫معُْزولو َ‬ ‫مِع ل َ‬‫َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ن‪ .‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما ي َن ْب َِغي لهُ ْ‬
‫ُ‬
‫وَ َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ْ‬
‫م‪ .‬ي ُل ُ‬ ‫ل أّفا ٍ‬ ‫ُ‬
‫ل عَلى ك ّ‬ ‫َ‬ ‫ن‪َ .‬تنز ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ن َتنز ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل أن َب ّئ ُك ْ‬ ‫هَ ْ‬
‫ك أِثي ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَلى َ‬
‫َ‬
‫ن‪.‬‬
‫مو َ‬ ‫ل َواد ٍ ي َِهي ُ‬ ‫ُ‬
‫م ِفي ك ّ‬ ‫م ت ََر أن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬أل ْ‬ ‫م الَغاُوو َ‬ ‫ْ‬ ‫شعََراُء ي َت ّب ِعُهُ ُ‬ ‫ن‪َ .‬وال ّ‬ ‫م كاذُِبو َ‬ ‫َ‬ ‫وَأكث َُرهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ل ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫وَأن ّهُ ْ‬
‫ت { ‪ :‬قال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬إل ال ّ ِ‬
‫سْيط ‪ ،‬عن أبي الحسن سالم الب َّراد ‪ -‬مولى تميم‬ ‫يزيد )‪ (1‬بن عبد الله بن قُ َ‬
‫ن { ‪ ،‬جاء حسان بن‬ ‫م ال َْغاُوو َ‬ ‫شعََراُء ي َت ّب ِعُهُ ُ‬ ‫الداري ‪ -‬قال ‪ :‬لما نزلت ‪َ } :‬وال ّ‬
‫ثابت ‪ ،‬وعبد الله بن َرَواحة ‪ ،‬وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وهم يبكون فقالوا ‪ :‬قد علم الله حين أنزل هذه الية أنا شعراء‪ .‬فتل‬
‫ت { قال ‪:‬‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ِ } :‬إل ال ّ ِ‬
‫ما‬‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صُروا ِ‬ ‫ه ك َِثيًرا { قال ‪" :‬أنتم" ‪َ } ،‬وان ْت َ َ‬ ‫"أنتم" ‪ } ،‬وَذ َك َُروا الل ّ َ‬
‫موا { قال ‪" :‬أنتم"‪.‬‬ ‫ظ ُل ِ ُ‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪ .‬وابن جرير ‪ ،‬من رواية ابن إسحاق )‪.(2‬‬
‫وقد روى ابن أبي حاتم أيضا ‪ ،‬عن أبي سعيد الشج ‪ ،‬عن أبي أسامة ‪ ،‬عن‬
‫الوليد بن كثير ‪ ،‬عن يزيد بن عبد الله ‪ ،‬عن أبي الحسن مولى بني نوفل ؛ أن‬
‫حسان بن ثابت ‪ ،‬وعبد الله بن رواحة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ن { يبكيان ‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬ ‫م ال َْغاُوو َ‬ ‫شعََراُء ي َت ّب ِعُهُ ُ‬ ‫حين نزلت ‪َ } :‬وال ّ‬
‫ن { حتى‬ ‫م الَغاُوو َ‬ ‫ْ‬ ‫شعََراُء ي َت ّب ِعُهُ ُ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وهو يقرؤها عليهما ‪َ } :‬وال ّ‬
‫ت { ‪ ،‬قال ‪" :‬أنتم" )‪.(3‬‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫بلغ ‪ِ } :‬إل ال ّ ِ‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو سلمة )‪ (4‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن‬ ‫وقال أي ً‬
‫ن{‬ ‫م ال َْغاُوو َ‬ ‫شعََراُء ي َت ّب ِعُهُ ُ‬ ‫هشام بن عُْرَوة ‪ ،‬عن عروة قال ‪ :‬لما نزلت ‪َ } :‬وال ّ‬
‫ن { قال عبد الله بن رواحة ‪ :‬يا رسول‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ل ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫إلى قوله ‪ } :‬ي َ ُ‬
‫ت‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫الله ‪ ،‬قد علم الله أني منهم‪ .‬فأنزل الله ‪ِ } :‬إل ال ِ‬
‫{ إلى قوله ‪ } :‬ينقلبون {‪.‬‬
‫وهكذا قال ابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وغير‬
‫واحد أن هذا استثناء مما تقدم‪ .‬ول شك أنه استثناء ‪ ،‬ولكن هذه السورة مكية‬
‫‪ ،‬فكيف يكون سبب نزول هذه الية ]في[ )‪ (5‬شعراء النصار ؟ في ذلك نظر‬
‫‪ ،‬ولم يتقدم إل مرسلت ل يعتمد عليها ‪ ،‬والله أعلم ‪ ،‬ولكن هذا الستثناء‬
‫سا من‬ ‫ن كان متلب ً‬ ‫م ْ‬ ‫يدخل فيه شعراء النصار وغيرهم ‪ ،‬حتى يدخل فيه َ‬
‫شعراء الجاهلية بذم السلم وأهله ‪ ،‬ثم تاب وأناب ‪ ،‬ورجع وأقلع ‪ ،‬وعمل‬
‫حا ‪ ،‬وذكر الله كثيًرا في‬ ‫صال ً‬
‫__________‬
‫في ف ‪" :‬زيد"‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(19/79‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (3/488‬من طريق أبي أسامة به‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو مسلم"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫زيادة من ف‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫) ‪(6/175‬‬

‫مقابلة ما تقدم من الكلم السيئ ‪ ،‬فإن الحسنات يذهبن السيئات ‪ ،‬وامتدح‬


‫السلم وأهله في مقابلة ما كذب )‪ (1‬بذمه ‪ ،‬كما قال عبد الله بن الزب َعَْرى‬
‫حين أسلم ‪:‬‬
‫ت إذ ْ أنا ُبوُر‪...‬‬ ‫ق ُ‬ ‫ما فَت َ ْ‬ ‫ساني‪َ ...‬راتقٌ َ‬ ‫نل َ‬ ‫مليك ‪ ،‬إ ّ‬ ‫ل ال َ‬ ‫سو َ‬ ‫َيا َر ُ‬
‫مث ُْبوٌر‪...‬‬ ‫مي ْله َ‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َ‬ ‫من َ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ي‪ِ ...‬‬ ‫سنن الغَ ْ‬ ‫ن في َ‬ ‫شْيطا َ‬ ‫جاري ال ّ‬ ‫إذ ْ أ َ‬
‫وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ‪ ،‬كان من أشد الناس عداوة‬
‫وا ‪ ،‬فلما أسلم‬ ‫للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهو ابن عمه ‪ ،‬وأكثرهم له هج ً‬
‫لم يكن أحد أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكان يمدح‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما كان يهجوه ‪ ،‬ويتوله بعدما كان قد‬
‫عاداه‪ .‬وهكذا روى مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن أبا سفيان صخر‬
‫بن حرب لما أسلم قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ثلث أعطنيهن قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫معاوية تجعله كاتبا بين يديك‪ .‬قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬وُتؤمرني حتى أقاتل‬
‫الكفار ‪ ،‬كما كنت أقاتل المسلمين‪ .‬قال ‪" :‬نعم"‪ .‬وذكر الثلثة )‪.(2‬‬
‫ه ك َِثيًرا {‬ ‫ت وَذ َك َُروا الل ّ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ِ } :‬إل ال ّ ِ‬
‫قيل ‪ :‬معناه ‪ :‬ذكروا الله كثيًرا في كلمهم‪ .‬وقيل ‪ :‬في شعرهم ‪ ،‬وكلهما‬
‫فر لما سبق‪.‬‬ ‫مك َ ّ‬ ‫صحيح ُ‬
‫موا { قال ابن عباس ‪ :‬يردون على الكفار‬ ‫ُ‬
‫ما ظل ِ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صُروا ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وان ْت َ َ‬
‫الذين كانوا يهجون به المؤمنين‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬وهذا‬
‫كما ثبت في الصحيح ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان ‪:‬‬
‫"اهجهم ‪ -‬أو قال ‪ :‬هاجهم ‪ -‬وجبريل معك" )‪.(3‬‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبد‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫الرحمن بن كعب بن مالك ‪ ،‬عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫إن الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قد أنزل في الشّعر ما أنزل ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن المؤمن يجاهد‬
‫ضح النْبل" )‪.(4‬‬ ‫بسيفه ولسانه ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لكأن ما ترمونهم به ن َ ْ‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫ب ي َن ْ َ‬ ‫قل َ ٍ‬ ‫من ْ َ‬
‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫سي َعْل َ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫دارِ { ]غافر ‪[52 :‬‬ ‫سوُء ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ة وَلهُ ْ‬ ‫م اللعْن َ ُ‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫م وَلهُ ُ‬ ‫معْذَِرت ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫فعُ الظال ِ ِ‬ ‫م ل ي َن ْ َ‬ ‫} ي َوْ َ‬
‫وفي الصحيح ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إياكم والظلم ‪،‬‬
‫فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" )‪.(5‬‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قل ٍ‬ ‫من ْ َ‬ ‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫سي َعْل ُ‬ ‫مة في قوله ‪ } :‬وَ َ‬ ‫عا َ‬ ‫وقال قتادة بن دِ َ‬
‫ن { يعني ‪ :‬من الشعراء وغيرهم‪.‬‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا إياس بن أبي تميمة ‪ ،‬قال ‪ :‬حضرت الحسن‬
‫َ‬
‫قل َ ٍ‬
‫ب‬ ‫من ْ َ‬ ‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬ ‫سي َعْل َ ُ‬ ‫مّر عليه بجنازة نصراني ‪ ،‬فقال الحسن ‪ } :‬وَ َ‬ ‫وَ ُ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫حرز ‪ :‬أنه كان إذا قرأ هذه الية ‪-‬‬ ‫م ْ‬ ‫وقال عبد الله بن َرَباح ‪ ،‬عن صفوان بن ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫قل ٍ‬ ‫من ْ َ‬
‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫سي َعْل ُ‬ ‫ضيب َزوره ‪ } -‬وَ َ‬ ‫بكى حتى أقول ‪ :‬قد اندق قَ ِ‬
‫ن {‪.‬‬
‫قل ُِبو َ‬
‫ي َن ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما كان"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪.(2501‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (6153‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2486‬من حديث‬
‫البراء بن عازب ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(6/387‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪ (2578‬من حديث جابر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬ولفظه ‪:‬‬
‫"اتقوا الظلم ‪ ،‬فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"‪.‬‬

‫) ‪(6/176‬‬

‫سَريج السكندراني ‪ ،‬عن بعض المشيخة ‪:‬‬ ‫وقال ابن وهب ‪ :‬أخبرني )‪ (1‬ابن ُ‬
‫أنهم كانوا بأرض الروم ‪ ،‬فبينما هم ليلة على نار يشتوون )‪ (2‬عليها ‪ -‬أو ‪:‬‬
‫يصطلون ‪ -‬إذا بركاب )‪ (3‬قد أقبلوا ‪ ،‬فقاموا إليهم ‪ ،‬فإذا فضالة بن عُبيد‬
‫مّر‬
‫فيهم ‪ ،‬فأنزلوه فجلس معهم ‪ -‬قال ‪ :‬وصاحب لنا قائم يصلي ‪ -‬قال حتى َ‬
‫َ‬
‫ن { قال فضالة بن عبيد‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫قل َ ٍ‬
‫ب ي َن ْ َ‬ ‫من ْ َ‬
‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سي َعْل َ ُ‬
‫بهذه الية ‪ } :‬وَ َ‬
‫‪ :‬هؤلء الذين يخربون البيت‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بهم أهل مكة‪ .‬وقيل ‪ :‬الذين ظلموا من المشركين‪ .‬والصحيح‬
‫أن هذه الية عامة في كل ظالم ‪ ،‬كما قال ابن أبي حاتم ‪ُ :‬ذكر عن زكريا بن‬
‫يحيى الواسطي ‪ :‬حدثني الهيثم بن محفوظ أبو سعد )‪ (4‬النهدي ‪ ،‬حدثنا‬
‫محمد بن عبد الرحمن بن المجير )‪ (5‬حدثنا هشام بن عُْرَوة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬كتب أبي وصيته سطرين ‪ :‬بسم الله‬
‫حافة ‪ ،‬عند خروجه من‬ ‫الرحمن الرحيم ‪ ،‬هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قُ َ‬
‫دق الكاذب ‪ :‬إني استخلفت‬ ‫الدنيا ‪ ،‬حين يؤمن الكافر ‪ ،‬وينتهي الفاجر ‪ ،‬وَيص ُ‬
‫جر‬ ‫مر بن الخطاب ‪ ،‬فإن يعدل فذاك ظني به ‪ ،‬ورجائي فيه ‪ ،‬وإن ي َ ُ‬ ‫عليكم عُ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قل ُِبو َ‬
‫ب ي َن ْ َ‬
‫قل ٍ‬‫من ْ َ‬
‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬
‫م ال ِ‬ ‫سي َعْل ُ‬‫ويبدل فل أعلم الغيب ‪ } ،‬وَ َ‬
‫آخر تفسير سورة "الشعراء" والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثنا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يشوون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بركبان"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الحبر"‪.‬‬

‫) ‪(6/177‬‬

‫ن )‪ (2‬ال ّ ِ‬ ‫ك آ ََيات ال ْ ُ َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫شَرى ل ِل ْ ُ‬ ‫دى وَب ُ ْ‬ ‫ن )‪ (1‬هُ ً‬ ‫مِبي ٍ‬‫ب ُ‬ ‫ن وَك َِتا ٍ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ُ‬ ‫طس ت ِل ْ َ‬
‫ن َل‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (3‬إ ِ ّ‬ ‫م ُيوقُِنو َ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫م ِباْل َ ِ‬ ‫كاةَ وَهُ ْ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صَلة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سوُء‬ ‫م ُ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (4‬أولئ ِك ال ِ‬ ‫مُهو َ‬‫م ي َعْ َ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫خَرةِ َزي ّّنا لهُ ْ‬ ‫ن ِبال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫كيم ٍ‬
‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫ن لد ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ن ِ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫قى ال ُ‬ ‫ن )‪ (5‬وَإ ِن ّك لت ُل ّ‬
‫َ‬
‫سُرو َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫خَرةِ هُ ُ‬
‫َ‬
‫م ِفي ال ِ‬ ‫ب وَهُ ْ‬ ‫ذا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫خب َرٍ أوْ آِتيك ُ ْ‬ ‫من َْها ب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫سآِتيك ُ ْ‬ ‫ت َناًرا َ‬ ‫س ُ‬ ‫سى ِلهْل ِهِ إ ِّني آن َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫عَِليم ٍ )‪ (6‬إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل ُ‬
‫َ‬
‫ن ِفي الّناِر‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ُبورِ َ‬ ‫ها ُنودِيَ أ ْ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (7‬فَل َ ّ‬ ‫صط َُلو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫س ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ب قَب َ ٍ‬ ‫شَها ٍ‬ ‫بِ ِ‬
‫زيُز‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه العَ ِ‬ ‫ه أَنا الل ُ‬ ‫سى إ ِن ّ ُ‬ ‫مو َ‬‫ن )‪َ (8‬يا ُ‬
‫َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫ن اللهِ َر ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫حوْلَها وَ ُ‬
‫َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ب َيا‬ ‫ق ْ‬ ‫م ي ُعَ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مد ْب ًِرا وَل ْ‬ ‫ن وَلى ُ‬ ‫جا ّ‬‫ها ت َهْت َّز كأن َّها َ‬ ‫ما َرآ َ‬ ‫صاك فل ّ‬ ‫ق عَ َ‬ ‫م )‪ (9‬وَأل ِ‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬
‫سًنا‬‫ح ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ب َد ّ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ن ظ َل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (10‬إ ِّل َ‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ف ل َد َيّ ال ْ ُ‬ ‫خا ُ‬ ‫ف إ ِّني َل ي َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫سى َل ت َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫ضا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫في‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪11‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫سو‬
‫ِ ْ ْ ِ‬ ‫َ ِْ َ ُ ْ َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ٌ َ ِ ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫بَ ْ َ ُ‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫َ‬
‫ما‬‫ن )‪ (12‬فَل َ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َفا ِ‬ ‫كاُنوا قَوْ ً‬ ‫م َ‬ ‫مهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن وَقَوْ ِ‬ ‫ت إ َِلى فِْرعَوْ َ‬ ‫سِع آَيا ٍ‬ ‫سوٍء ِفي ت ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫بي‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬
‫ْ ٌ ُ ِ ٌ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬

‫سورة النمل‬
‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (2‬ال ّ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫شَرى ل ِل ْ ُ‬ ‫دى وَب ُ ْ‬ ‫ن )‪ (1‬هُ ً‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن وَك َِتا ٍ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫} طس ت ِل ْ َ‬
‫نل‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (3‬إ ِ ّ‬ ‫م ُيوقُِنو َ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫م ِبال ِ‬ ‫كاةَ وَهُ ْ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صلة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سوُء‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (4‬أول َئ ِ َ‬ ‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫خَرةِ َزي ّّنا ل َهُ ْ‬ ‫ن ِبال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (5‬وَإ ِن ّ َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫كيم ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن لد ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫قى ال ُ‬ ‫ك لت ُل ّ‬ ‫سُرو َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫خَرةِ هُ ُ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫ب وَهُ ْ‬ ‫ذا ِ‬
‫عَِليم ٍ )‪{ (6‬‬
‫قد تقدم الكلم في "سورة البقرة" على الحروف المتقطعة )‪ (1‬في أوائل‬
‫ور‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬بين‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن وَك َِتا ٍ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ت { أي ‪ :‬هذه آيات } ال ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ت ِلك آَيا ُ‬
‫واضح‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫شَرى ل ِل ُ‬ ‫دى وَب ُ ْ‬ ‫} هُ ً‬
‫ن آمن به واتبعه وصدقه ‪ ،‬وعمل بما فيه ‪ ،‬وأقام الصلة المكتوبة ‪ ،‬وآتى‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫الزكاة المفروضة ‪ ،‬وآمن )‪ (2‬بالدار الخرة والبعث بعد الموت ‪ ،‬والجزاء على‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل هُوَ ل ِل ّ ِ‬ ‫العمال ‪ ،‬خيرها وشرها ‪ ،‬والجنة والنار ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫مى أول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫م عَ ً‬ ‫م وَقٌْر وَهُوَ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫فاٌء َوال ّ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫دى وَ ِ‬ ‫مُنوا هُ ً‬ ‫آ َ‬
‫ه‬
‫ن وَت ُن ْذَِر ب ِ ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫شَر ب ِهِ ال ْ ُ‬ ‫ن ب َِعيد ٍ { ]فصلت ‪ .[44 :‬وقال ‪ } :‬ل ِت ُب َ ّ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي َُناد َوْ َ‬
‫خَرةِ {‬ ‫ن ِبال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫دا { ]مريم ‪ [97 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫ما ل ُ ّ‬ ‫قَوْ ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫أي ‪ :‬يكذبون بها ‪ ،‬ويستبعدون وقوعها } َزي ّّنا لهُ ْ‬
‫غيهم فهم َيتيهون في ضللهم‪.‬‬ ‫سّنا لهم ما هم فيه ‪ ،‬ومددنا لهم في َ‬ ‫ح ّ‬ ‫أي ‪َ :‬‬
‫ب‬‫قل ُ‬ ‫ّ‬ ‫وكان هذا جزاء على ما كذبوا به من الدار الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَن ُ َ‬
‫ن{‬ ‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫م ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬ ‫مّرةٍ وَن َذ َُرهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مُنوا ب ِهِ أ َوّ َ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫صاَرهُ ْ‬ ‫م وَأب ْ َ‬
‫َ‬
‫أفْئ ِد َت َهُ ْ‬
‫َ‬
‫سوُء ال ْعَ َ‬ ‫ُ‬
‫ب { أي ‪ :‬في الدنيا والخرة ‪،‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫]النعام ‪ } ، [110 :‬أول َئ ِ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ليس يخسر أنفسهم وأموالهم‬ ‫سُرو َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫خَرةِ هُ ُ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫} وَهُ ْ‬
‫سواهم من أهل المحشر‪.‬‬
‫كيم ٍ عَِليم ٍ { أي ‪ } :‬وَإ ِن ّك { يا محمد‬ ‫َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن لد ُ ْ‬‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫قى ال ْ ُ‬ ‫ك ل َت ُل َ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِن ّ َ‬
‫كيم ٍ عَِليم ٍ { أي ‪:‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ل َد ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫قى { أي ‪ :‬لتأخذ‪ } .‬ال ْ ُ‬ ‫‪ -‬قال قتادة ‪ } :‬ل َت ُل َ ّ‬
‫من عند حكيم عليم ‪ ،‬أي ‪ :‬حكيم في أوامره ونواهيه ‪ ،‬عليم بالمور جليلها‬
‫وحقيرها ‪ ،‬فخبره هو الصدق المحض ‪ ،‬وحكمه هو العدل التام ‪ ،‬كما قال‬
‫ه[ { )‪] (3‬النعام ‪:‬‬ ‫مات ِ ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬ ‫مب َد ّ َ‬ ‫دل ]ل ُ‬ ‫صد ًْقا وَعَ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَت َ ّ‬
‫‪.[115‬‬
‫َ‬
‫ب‬‫شَها ٍ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫خب َرٍ أوْ آِتيك ُ ْ‬ ‫من َْها ب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫سآِتيك ُ ْ‬ ‫ت َناًرا َ‬ ‫س ُ‬ ‫سى لهْل ِهِ إ ِّني آن َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫} إ ِذ ْ َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن ِفي الّنارِ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ُبورِ َ‬ ‫ها ُنودِيَ أ ْ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (7‬فَل ّ‬ ‫صطلو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫س ل َعَلك ُ ْ‬
‫ّ‬
‫قَب َ ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م )‪(9‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال َ‬ ‫ه العَ ِ‬ ‫ه أَنا الل ُ‬ ‫سى إ ِن ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن )‪َ (8‬يا ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫ن اللهِ َر ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫حوْل ََها وَ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫خ ْ‬ ‫سى ل ت َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب َيا ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫م ي ُعَ ّ‬ ‫مد ْب ًِرا وَل ْ‬ ‫ن وَلى ُ‬ ‫جا ّ‬ ‫ها ت َهْت َّز كأن َّها َ‬ ‫ما َرآ َ‬ ‫ك فَل ّ‬ ‫ق عَ َ‬ ‫وَأل ِ‬
‫سوٍء فَإ ِّني‬ ‫سًنا ب َعْد َ ُ‬‫ح ْ‬ ‫ل ُ‬‫م ب َد ّ َ‬‫م ثُ ّ‬ ‫ن ظ َل َ َ‬ ‫م ْ‬‫ن )‪ِ (10‬إل َ‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ف ل َد َيّ ال ْ ُ‬‫خا ُ‬ ‫إ ِّني ل ي َ َ‬
‫سِع‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫غَ ُ‬
‫سوٍء ِفي ت ِ ْ‬ ‫ن غي ْرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ضاَء ِ‬ ‫ج ب َي ْ َ‬ ‫خُر ْ‬‫جي ْب ِك ت َ ْ‬
‫خل ي َد َك ِفي َ‬ ‫م )‪ (11‬وَأد ْ ِ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬
‫م آَيات َُنا‬
‫جاَءت ْهُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫ن )‪ (12‬فَل َ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫ما َفا ِ‬ ‫م َ‬
‫كاُنوا قَوْ ً‬ ‫مهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن وَقَوْ ِ‬ ‫ت إ َِلى فِْرعَوْ َ‬ ‫آَيا ٍ‬
‫ن )‪{ (13‬‬ ‫بي‬ ‫م‬
‫ِ ْ ٌ ُ ِ ٌ‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫مب ْ ِ َ ً‬
‫ة‬ ‫ر‬‫ص‬ ‫ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬المقطعة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬وأيقن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/178‬‬

‫ن‬
‫دي َ‬
‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫وا َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫ما وَعُل ُ ّ‬
‫م ظ ُل ْ ً‬
‫سهُ ْ‬ ‫قن َت َْها أ َن ْ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ست َي ْ َ‬
‫دوا ب َِها َوا ْ‬
‫ح ُ‬
‫ج َ‬
‫وَ َ‬
‫)‪(14‬‬

‫ة‬
‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫وا َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫ما وَعُل ُ ّ‬
‫م ظ ُل ْ ً‬
‫سهُ ْ‬ ‫قن َت َْها أ َن ْ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ست َي ْ َ‬
‫دوا ب َِها َوا ْ‬
‫ح ُ‬‫ج َ‬‫} وَ َ‬
‫ن )‪{ (14‬‬ ‫دي َ‬
‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬

‫) ‪(6/178‬‬

‫يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم )‪ (1‬مذكًرا له ما كان من أمر‬
‫موسى ‪ ،‬كيف اصطفاه الله وكلمه ‪ ،‬وناجاه وأعطاه من اليات العظيمة‬
‫الباهرة ‪ ،‬والدلة القاهرة ‪ ،‬وابتعثه إلى فرعون وملئه ‪ ،‬فجحدوا بها وكفروا‬
‫سى لهْل ِهِ { أي‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫واستكبروا عن اتباعه والنقياد له ‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬إ ِذ ْ َقا َ‬
‫‪ :‬اذكر حين سار موسى بأهله ‪ ،‬فأضل الطريق ‪ ،‬وذلك في ليل وظلم ‪،‬‬
‫فآنس من جانب الطور ناًرا ‪ ،‬أي ‪ :‬رأى ناًرا تأجج )‪ (2‬وتضطرم ‪ ،‬فقال‬
‫خب َرٍ { أي ‪ :‬عن الطريق ‪ } ،‬أ َوْ آِتيك ُْ‬
‫م‬ ‫من َْها ب ِ َ‬
‫م ِ‬ ‫سآِتيك ُ ْ‬‫ت َناًرا َ‬ ‫س ُ‬ ‫} لهْل ِهِ إ ِّني آن َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬تتدفؤون به‪ .‬وكان كما قال ‪ ،‬فإنه رجع‬ ‫صط َُلو َ‬‫م تَ ْ‬‫س ل َعَل ّك ُ ْ‬‫ب قَب َ ٍ‬ ‫شَها ٍ‬ ‫بِ ِ‬
‫ها‬
‫جاَء َ‬ ‫ما َ‬ ‫ما ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬فَل َ ّ‬ ‫منها بخبر عظيم ‪ ،‬واقتبس منها نوًرا عظي ً‬
‫حوْل ََها { أي ‪ :‬فلما أتاها رأى )‪ (3‬منظًرا‬ ‫ن ُبورِ َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِفي الّنارِ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ُنودِيَ أ ْ‬
‫ما ‪ ،‬حيث انتهى إليها ‪ ،‬والنار تضطرم في شجرة خضراء ‪ ،‬ل تزداد‬ ‫هائل عظي ً‬
‫دا ‪ ،‬ول تزداد الشجرة إل خضرة ونضرة ‪ ،‬ثم رفع رأسه فإذا نورها‬ ‫النار إل توق ً‬
‫متصل بعنان السماء‪.‬‬
‫هج‪.‬‬ ‫قال ابن عباس وغيره ‪ :‬لم تكن ناًرا ‪ ،‬إنما كانت نوًرا )‪ (4‬ي َت َوَ ّ‬
‫وفي رواية عن ابن عباس ‪ :‬نور رب العالمين‪ .‬فوقف موسى متعجًبا مما رأى‬
‫دس‪.‬‬ ‫‪ ،‬فنودي أن بورك من في النار‪ .‬قال ابن عباس ‪] :‬أي[ )‪ (5‬قُ ّ‬
‫حوْل ََها { أي ‪ :‬من الملئكة‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫} وَ َ‬
‫جبير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا يونس بن حبيب ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪] -‬و[ )‪ (6‬هو‬
‫مّرة ‪ ،‬سمع أبا عُب َْيدة‬ ‫الطيالسي ‪ -‬حدثنا شعبة والمسعودي ‪ ،‬عن عمرو بن ُ‬
‫يحدث ‪ ،‬عن أبي موسى ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن الله ل ينام ‪ ،‬ول ينبغي له أن ينام ‪ ،‬يخفض القسط‬
‫ويرفعه ‪ ،‬يرفع إليه عمل الليل قبل النهار ‪ ،‬وعمل النهار قبل الليل )‪ .(7‬زاد‬
‫سُبحات وجهه كل‬ ‫ت ُ‬ ‫حَرقَ ْ‬ ‫المسعودي ‪" :‬وحجابه النور ‪ -‬أو النار ‪ -‬لو كشفها ل ْ‬
‫ن‬ ‫ن ُبورِ َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِفي الّنارِ وَ َ‬
‫م ْ‬‫ك َ‬ ‫شيء أدركه بصره"‪ .‬ثم قرأ أبو عُب َْيدة ‪ } :‬أ ْ‬
‫حوْل ََها { )‪(8‬‬
‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات الله وسلمه عليه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تتأجج"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬ورأى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬وإنما نور"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬عمل الليل بالنهار وعمل النهار بالليل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬ورواه أحمد في مسنده )‪ (4/401‬من طريق وكيع عن المسعودي بنحوه‪.‬‬

‫) ‪(6/179‬‬

‫مّرة ‪ ،‬به‬ ‫وأصل هذا الحديث مخرج في الصحيح لمسلم ‪ ،‬من حديث عمرو بن ُ‬
‫)‪.(1‬‬
‫ن { أي ‪ :‬الذي يفعل ما يشاء ول يشبه‬ ‫َ ِ َ‬‫مي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫ِ َ ّ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫حا‬
‫َ ُ ْ َ َ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫شيئا من مخلوقاته ‪ ،‬ول يحيط به شيء من مصنوعاته ‪ ،‬وهو العلي العظيم ‪،‬‬
‫المباين لجميع المخلوقات ‪ ،‬ول يكتنفه الرض والسموات ‪ ،‬بل هو الحد‬
‫الصمد ‪ ،‬المنزه عن مماثلة المحدثات‪.‬‬
‫ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬يا موسى إن َ‬
‫م { أعلمه )‪ (2‬أن الذي يخاطبه‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال َ‬ ‫ه ال ْعَ ِ‬ ‫ه أَنا الل ّ ُ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ويناجيه هو ربه الله العزيز ‪ ،‬الذي عز كل شيء وقهره وغلبه ‪ ،‬الحكيم في‬
‫أفعاله وأقواله‪.‬‬
‫ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ؛ ليظهر له دليل واضحا على أنه الفاعل‬
‫المختار ‪ ،‬القادر على كل شيء‪ .‬فلما ألقى موسى تلك العصا )‪ (3‬من يده‬
‫ة عظيمة هائلة في غاية الكبر ‪ ،‬وسرعة الحركة مع‬ ‫حي ّ ً‬
‫انقلبت في الحال َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { والجان ‪ :‬ضرب من الحيات ‪،‬‬ ‫جا ّ‬ ‫ها ت َهْت َّز كأن َّها َ‬ ‫ما َرآ َ‬ ‫ذلك ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَل ّ‬
‫جّنان )‪(4‬‬ ‫ي عن قتل ِ‬ ‫أسرعه حركة ‪ ،‬وأكثره اضطرابا ‪ -‬وفي الحديث ن َهْ ٌ‬
‫ب { أي ‪ :‬لم‬ ‫ق ْ‬ ‫م ي ُعَ ّ‬ ‫َ‬
‫مد ْب ًِرا وَل ْ‬ ‫البيوت )‪ - (5‬فلما عاين موسى ذلك } وَّلى ُ‬
‫ن { أي‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ف ل َد َيّ ال ْ ُ‬ ‫خا ُ‬ ‫ف إ ِّني ل ي َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫سى ل ت َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫يلتفت من شدة فرقه } َيا ُ‬
‫طفيك رسول وأجعلك نبًيا وجيًها‪.‬‬ ‫‪ :‬ل تخف مما ترى ‪ ،‬فإني أريد أن أص َ‬
‫م { هذا‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫سوٍء فَإ ِّني غَ ُ‬ ‫سًنا ب َعْد َ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ب َد ّ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ن ظ َل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬إل َ‬
‫استثناء منقطع ‪ ،‬وفيه بشارة عظيمة للبشر ‪ ،‬وذلك أن من كان على ]عمل[‬
‫)‪ (6‬شيء ثم أقلع عنه ‪ ،‬ورجع وأناب ‪ ،‬فإن الله يتوب عليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫دى { ]طه ‪ ، [82 :‬وقال‬ ‫م اهْت َ َ‬‫حا ث ُ ّ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب َوآ َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫فاٌر ل ِ َ‬ ‫} وَإ ِّني ل َغَ ّ‬
‫َ‬
‫فوًرا‬‫ه غَ ُ‬‫جدِ الل ّ َ‬ ‫ه يَ ِ‬‫فرِ الل ّ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫سوًءا أوْ ي َظ ْل ِ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬‫تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫دا‪.‬‬‫ما { ]النساء ‪ [110 :‬واليات في هذا كثيرة ج ً‬ ‫حي ً‬ ‫َر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سوٍء { هذه آية أخرى ‪،‬‬ ‫ن غَي ْرِ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ضاَء ِ‬ ‫ج ب َي ْ َ‬ ‫خُر ْ‬ ‫جي ْب ِك ت َ ْ‬ ‫ل ي َد َك ِفي َ‬ ‫خ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأد ْ ِ‬
‫دق من جعل له معجزة ‪،‬‬ ‫ص ْ‬‫ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار ‪ ،‬و ِ‬
‫عه ‪ ،‬فإذا أدخلها‬ ‫وذلك أن الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬أمره أن ُيدخل يده في جيب دِْر ِ‬
‫خرجت بيضاء ساطعة ‪ ،‬كأنها قطعة قمر ‪ ،‬لها لمعان يتلل )‪(7‬‬ ‫وأخرجها َ‬
‫كالبرق الخاطف‪.‬‬
‫ت { أي ‪ :‬هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن ‪،‬‬ ‫سِع آَيا ٍ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬في ت ِ ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫قي َ‬
‫س ِ‬‫ما َفا ِ‬‫كاُنوا قَوْ ً‬ ‫م َ‬
‫وأجعلهن برهانا لك إلى فرعون وقومه } إ ِن ّهُ ْ‬
‫ت‬
‫سعَ آَيا ٍ‬
‫سى ت ِ ْ‬ ‫مو َ‬‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫َ‬
‫وهذه هي اليات التسع التي قال الله تعالى ‪ } :‬وَل َ‬
‫ت { ]السراء ‪ [101 :‬كما تقدم تقرير ذلك هنالك‪.‬‬ ‫ب َي َّنا ٍ‬
‫صَرةً { أي ‪ :‬بينة واضحة ظاهرة ‪،‬‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ت‬‫يا‬ ‫آ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ّ َ ُْ ْ َ َُ ُ ْ ِ‬‫ت‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫جا‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(179‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬اعلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬العصاة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حيات"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (3298‬من حديث ابن عمر ‪ ،‬رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬تتلل"‬

‫) ‪(6/180‬‬

‫ضل ََنا عََلى ك َِثيرٍ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ما وََقاَل ال ْ َ‬ ‫ول َ َ َ‬


‫ن‬‫م ْ‬ ‫ذي فَ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫عل ْ ً‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا َداُوود َ وَ ُ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ط‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫وو‬ ‫دا‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ث‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪15‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫با‬ ‫ع‬
‫ّ ُ ُ ْ َ َ ْ ِ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َ ِ َ ُ ْ َ ُ َ ُ َ َ‬ ‫ِ َ ِ ِ ُ ِ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ما‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫َ ُ ِ َ ِ ُ ْ َ َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪16‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫ُ ِ ُ‬ ‫بي‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ه‬
‫ْ ِ ّ َ‬‫ن‬ ‫إ‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫م ْ‬ ‫الط ّي ْرِ وَأوِتيَنا ِ‬
‫َ‬
‫وا عََلى َوادِ‬ ‫حّتى إ َِذا أت َ ْ‬ ‫ن )‪َ (17‬‬ ‫عو َ‬ ‫م ُيوَز ُ‬ ‫س َوالط ّي ْرِ فَهُ ْ‬ ‫ن َوال ِنَ ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جُنود ُه ُ ِ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫د‬ ‫نو‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ما‬
‫َ ْ ِ َ ّ ْ ُ ْ َ ُ َ ُ ُ ُ ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ط‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫َ َ َِ ْ‬‫ك‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫م‬‫ّ ْ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ها‬‫َ َّ‬‫ي‬‫أ‬ ‫يا‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ْ َ ْ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ّ ْ ِ‬ ‫ن‬ ‫ال‬
‫شك َُر‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ْ‬
‫ل رب أ َوزعِْني أ َ‬
‫َ ّ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫و‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫ها‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫كا‬‫ً‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ضا‬ ‫َ ّ َ َ‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪18‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ ُ ُ َ‬‫رو‬ ‫ع‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫وَهُ ْ‬
‫خلِني‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضاه ُ وَأد ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مت َ َ‬
‫حا ت َْر َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫ي وَعَلى َوال ِد َيّ وَأ ْ‬ ‫ت عَل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك الِتي أن ْعَ ْ‬ ‫ن ِعْ َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫عَبادِ َ‬ ‫ك ِفي ِ‬ ‫مت ِ َ‬ ‫ح َ‬‫ب َِر ْ‬

‫ن { وأرادوا معارضته بسحرهم فغلبوا ]هنالك[ )‪(1‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫} َقاُلوا هَ َ‬
‫} وانقلبوا صاغرين {‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬علموا‬ ‫َ‬
‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫قن َت َْها أن ْ ُ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫دوا ب َِها { أي ‪ :‬في ظاهر أمرهم ‪َ } ،‬وا ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫} وَ َ‬
‫حدوها وعاندوها وكابروها ‪} ،‬‬ ‫ج َ‬ ‫في أنفسهم أنها حق )‪ (2‬من عند الله ‪ ،‬ولكن َ‬
‫وا { أي ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫جّية ملعونة ‪ } ،‬وَعُل ّ‬ ‫س ِ‬ ‫وا { أي ‪ :‬ظلما من أنفسهم ‪َ ،‬‬ ‫ما وَعُل ُ ّ‬ ‫ظ ُل ْ ً‬
‫ن{‬ ‫دي َ‬‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫استكباًرا عن اتباع الحق ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬فان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫كفرهم )‪ ، (3‬في إهلك الله إياهم ‪،‬‬ ‫أي ‪ :‬انظر يا محمد كيف كان عاقبة ُ‬
‫وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة‪.‬‬
‫وفحوى الخطاب يقول ‪ :‬احذروا أيها المكذبون بمحمد ‪ ،‬الجاحدون لما جاء به‬
‫دا ‪،‬‬‫من ربه ‪ ،‬أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الولى والحرى ؛ فإن محم ً‬
‫صلوات الله وسلمه عليه )‪ (4‬أشرف وأعظم من موسى ‪ ،‬وبرهانه أدل‬
‫وأقوى من برهان موسى ‪ ،‬بما آتاه الله من الدلئل المقترنة بوجوده في‬
‫نفسه وشمائله ‪ ،‬وما سبقه من البشارات من النبياء به ‪ ،‬وأخذ المواثيق له ‪،‬‬
‫عليه )‪ (5‬من ربه أفضل الصلة والسلم‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ضل ََنا عََلى ك َِثيرٍ ِ‬ ‫ذي فَ ّ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ما وََقال ال ْ َ‬ ‫عل ْ ً‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا َداوُد َ وَ ُ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫من ْط ِ َ‬ ‫مَنا َ‬ ‫س عُل ّ ْ‬ ‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫ن َداوُد َ وََقا َ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ث ُ‬ ‫ن )‪ (15‬وَوَرِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫عَبادِهِ ال ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ما‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪16‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫أو‬ ‫الط ّير و ُ‬
‫ُ ْ َ َ‬ ‫َ ُ ِ َ‬ ‫ُ ِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ ِ ّ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫ْ ِ َ‬
‫وا عََلى َواِدي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫حّتى إ َِذا أت َْ‬ ‫َ‬ ‫(‬ ‫‪17‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫ز‬ ‫يو‬ ‫م‬
‫ْ ِ ُ ْ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫وال‬ ‫ِ َ‬‫س‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫ِ ّ َ‬‫ن‬ ‫ج‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫جُنود ُه ُ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جُنود ُُ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫سلي َْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫سا‬ ‫َ َ‬ ‫م‬ ‫لوا‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫د‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ْ ْ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫قا‬ ‫ل‬
‫ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬
‫شك َُر‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬
‫ب أوْزِعِْني أ ْ‬
‫َ‬
‫ل َر ّ‬ ‫ن قَوْل َِها وََقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫كا ِ‬‫ح ً‬ ‫ضا ِ‬
‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ن )‪ (18‬فَت َب َ ّ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫خلِني‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضاه ُ وَأد ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حا ت َْر َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫مل َ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫ي وَعَلى َوال ِد َيّ وَأ ْ‬ ‫ت عَل ّ‬ ‫م َ‬ ‫مت َك الِتي أن ْعَ ْ‬ ‫ن ِعْ َ‬
‫ن )‪.{ (19‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫عَبادِك ال ّ‬ ‫مت ِك ِفي ِ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬‫ب َِر ْ‬
‫يخبر تعالى عما أنعم به على عبديه ونبييه داود وابنه سليمان ‪ ،‬عليهما من‬
‫الله السلم ‪ ،‬من النعم الجزيلة ‪ ،‬والمواهب الجليلة ‪ ،‬والصفات الجميلة ‪ ،‬وما‬
‫جمع لهما بين سعادة الدنيا والخرة ‪ ،‬والملك والتمكين التام في الدنيا ‪،‬‬
‫عل ْ ً‬
‫ما‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫قد ْ آت َي َْنا َداوُد َ وَ ُ‬ ‫والنبوة والرسالة في الدين ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫عَبادِهِ ال ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ضل ََنا عََلى ك َِثيرٍ ِ‬ ‫ذي فَ ّ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬‫ح ْ‬ ‫وََقال ال ْ َ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر عن إبراهيم بن يحيى بن تمام )‪ : (6‬أخبرني أبي ‪،‬‬
‫عبد نعمة‬ ‫عن جدي قال ‪ :‬كتب عمر بن عبد العزيز ‪ :‬إن الله لم ينعم على َ‬
‫ده أفضل من نعمته )‪ ، (7‬لو كنت ل تعرف ذلك‬ ‫م ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫فحمد الله عليها ‪ ،‬إل كان َ‬
‫ما‬ ‫ْ‬
‫عل ً‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫سلي ْ َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا َداوُد َ وَ ُ‬ ‫َ‬
‫إل في كتاب الله المنزل ؛ قال الله تعالى ‪ } :‬وَل َ‬
‫ن { ‪ ،‬وأي نعمة‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫عَبادِهِ ال ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ضل ََنا عََلى ك َِثيرٍ ِ‬ ‫ذي فَ ّ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬‫ح ْ‬ ‫وََقال ال ْ َ‬
‫أفضل مما أوتي داود‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صدق"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أمرهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬نعمه"‪.‬‬

‫) ‪(6/181‬‬

‫وسليمان ‪ ،‬عليهما السلم ؟‬


‫ن َداوُد َ { أي ‪ :‬في الملك والنبوة ‪ ،‬وليس المراد‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ما ُ‬ ‫ث ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَوَرِ َ‬
‫ة المال ؛ إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولد‬ ‫وراث َ َ‬
‫ة الملك والنبوة ؛‬ ‫ة امرأة‪ .‬ولكن المراد بذلك وراث ُ‬ ‫داود ‪ ،‬فإنه قد كان لداود مائ ُ‬
‫فإن النبياء ل تورث أموالهم ‪ ،‬كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ]في قوله[ )‪ : (1‬نحن معشر النبياء ل نورث ‪ ،‬ما تركناه صدقة )‪) (2‬‬
‫‪.(3‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يٍء { )‪، (5‬‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫من ْط ِقَ الط ّي ْرِ وَأوِتيَنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫س عُل ّ ْ‬
‫مَنا َ‬ ‫وقوله )‪َ } : (4‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫أي ‪ :‬أخبر سليمان بنعم الله عليه ‪ ،‬فيما وهبه له من الملك التام ‪ ،‬والتمكين‬
‫خر له النس والجن والطير‪ .‬وكان يعرف لغة الطير‬ ‫س ّ‬ ‫العظيم ‪ ،‬حتى إنه َ‬
‫َ‬
‫ضا ‪ ،‬وهذا شيء لم ُيعطه أحد من البشر ‪ -‬فيما علمناه ‪ -‬مما أخبر‬ ‫والحيوان أي ً‬
‫ن الحيوانات كانت تنطق‬ ‫ن زعم من الجهلة والّرعاع أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫الله به ورسوله‪ .‬وَ َ‬
‫كنطق بني آدم قبل سليمان بن داود ‪ -‬كما يتفوه به كثير من الناس ‪ -‬فهو‬
‫ل بل علم‪ .‬ولو كان المر كذلك لم يكن لتخصيص سليمان بذلك فائدة ؛ إذ‬ ‫قو ٌ‬
‫كلهم يسمع كلم الطيور والبهائم ‪ ،‬ويعرف ما تقول ‪ ،‬فليس المر كما زعموا‬
‫ول كما قالوا ‪ ،‬بل لم تزل )‪ (6‬البهائم والطيور وسائر المخلوقات من وقت‬
‫خلقت إلى زماننا هذا على هذا الشكل والمنوال‪ .‬ولكن الله ‪ ،‬سبحانه‬ ‫ُ‬
‫وتعالى ‪ ،‬كان قد أفهم سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ما يتخاطب به الطيور في‬
‫الهواء ‪ ،‬وما تنطق )‪ (7‬به الحيوانات على اختلف أصنافها ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫ُ‬
‫يٍء { أي ‪ :‬مما يحتاج إليه الملك ‪،‬‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬‫ن كُ ّ‬ ‫من ْط ِقَ الط ّي ْرِ وَأوِتيَنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫مَنا َ‬‫} عُل ّ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬الظاهر البين لله علينا‪.‬‬ ‫مِبي ُ‬‫ل ال ْ ُ‬
‫ض ُ‬ ‫ذا ل َهُوَ ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫أبي عمرو ‪ ،‬عن المطلب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬كان داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيه غيرة شديدة ‪،‬‬
‫فكان إذا خرج أغلقت البواب ‪ ،‬فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فخرج ذات يوم وأغلقت )‪ (8‬البواب ‪ ،‬فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار ‪ ،‬فإذا‬
‫ن في البيت ‪ :‬من أين دخل هذا الرجل ‪،‬‬ ‫م ْ‬
‫رجل قائم وسط الدار ‪ ،‬فقالت ل ِ َ‬
‫والدار مغلقة ؟ والله لنفتضحن بداود ‪ ،‬فجاء داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فإذا الرجل‬
‫قائم وسط الدار ‪ ،‬فقال له داود ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪ :‬الذي ل يهاب الملوك ‪ ،‬ول‬
‫يمتنع من الحجاب‪ .‬فقال داود ‪ :‬أنت والله إًذا ملك الموت‪ .‬مرحًبا بأمر الله ‪،‬‬
‫فتزمل داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مكانه حتى قبضت نفسه ‪ ،‬حتى فرغ من شأنه‬
‫وطلعت عليه الشمس ‪ ،‬فقال سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬للطير ‪ :‬أظلي على‬
‫داود ‪ ،‬فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهما الرض ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما تركناه فهو صدقة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (6727‬من حديث عائشة بلفظ ‪" :‬ل‬
‫نورث ما تركناه صدقة"‪ .‬قال الحافظ ابن حجر في الفتح )‪ : (12/8‬وأما ما‬
‫اشتهر في كتب أهل الصول وغيرهم بلفظ ‪" :‬نحن معاشر النبياء ل نورث"‬
‫فقد أنكره جماعة من الئمة ‪ ،‬وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ ‪" :‬نحن"‬
‫وانظر بقية كلمه وحمله لمعنى الحديث في الفتح‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬بعدها في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إن هذا لهو الفضل المبين"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬بل نزل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬وما ينطق"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬وغلقت"‪.‬‬

‫) ‪(6/182‬‬

‫فقال لها سليمان ‪ :‬اقبضي جناحا جناحا" قال أبو هريرة ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫كيف فعلت الطير ؟ فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ‪ ،‬وغلبت‬
‫عليه يومئذ المضَرحية )‪.(2) (1‬‬
‫حمر‪.‬‬‫ضَرحّية )‪ (3‬النسور ال ُ‬ ‫م ْ‬‫وزيّ ‪ :‬ال َ‬ ‫ج ْ‬
‫قال أبو الفرج بن ال َ‬
‫ّ‬
‫س َوالطي ْرِ فَهُ ْ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن َوالن ْ ِ‬
‫ج ّ‬
‫ن ال ِ‬
‫م َ‬
‫جُنود ُه ُ ِ‬
‫ن ُ‬‫ما َ‬‫سلي ْ َ‬‫شَر ل ِ ُ‬‫ح ِ‬‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬وجمع لسليمان جنوده من الجن والنس والطير يعني ‪ :‬ركب‬ ‫عو َ‬
‫ُيوَز ُ‬
‫فيهم في أبهة وعظمة )‪ (4‬كبيرة في النس ‪ ،‬وكانوا هم الذين يلونه ‪ ،‬والجن‬
‫وهم بعدهم ]يكونون[ )‪ (5‬في المنزلة ‪ ،‬والطير ومنزلتها فوق رأسه ‪ ،‬فإن‬
‫كان حّرا أظلته منه بأجنحتها‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يكف أولهم على آخرهم ؛ لئل يتقدم أحد عن‬ ‫عو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَهُ ْ‬
‫م ُيوَز ُ‬
‫منزلته التي هي مرتبة له‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬جعل على كل صنف وزعة ‪ ،‬يردون أولها على أخراها ‪ ،‬لئل‬
‫يتقدموا في المسير ‪ ،‬كما يفعل الملوك اليوم‪.‬‬
‫َ‬
‫ل { أي ‪ :‬حتى إذا مر سليمان ‪ ،‬عليه‬ ‫م ِ‬ ‫وا عََلى َواِدي الن ّ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا أت َ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫ة َيا‬ ‫َ‬
‫مل ٌ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السلم ‪ ،‬بمن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل ‪ } ،‬قال ْ‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫م ل يَ ُ ُ َ‬
‫رو‬ ‫ع‬‫ش‬‫ْ‬ ‫جُنود ُه ُ وَهُ ْ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫م ُ‬ ‫من ّك ُ ْ‬ ‫حط ِ َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ساك ِن َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خُلوا َ‬ ‫م ُ‬
‫ل اد ْ ُ‬ ‫أي َّها الن ّ ْ‬
‫أورد )‪ (6‬ابن عساكر ‪ ،‬من طريق إسحاق بن بشر ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪،‬‬
‫عن الحسن ‪ :‬أن اسم هذه النملة حرس ‪ ،‬وأنها من قبيلة يقال لهم ‪ :‬بنو‬
‫ذيب )‪.(7‬‬ ‫الشيصان ‪ ،‬وأنها كانت عرجاء ‪ ،‬وكانت بقدر ال ّ‬
‫أي ‪ :‬خافت على النمل أن تحطمها )‪ (8‬الخيول بحوافرها ‪ ،‬فأمرتهم بالدخول‬
‫إلى مساكنها )‪ (9‬ففهم ذلك سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬منها )‪.(10‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫م َ‬ ‫ك الِتي أن ْعَ ْ‬ ‫شك َُر ن ِعْ َ‬
‫مت َ َ‬ ‫ب أوْزِعِْني أ ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن قَوْل َِها وََقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫كا ِ‬‫ح ً‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫} فَت َب َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضاه ُ { أي ‪ :‬ألهمني أن أشكر نعمتك‬ ‫حا ت َْر َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫ي وَعَلى َوال ِد َيّ وَأ ْ‬ ‫عَل َ ّ‬
‫التي مننت بها علي ‪ ،‬من تعليمي منطق الطير والحيوان ‪ ،‬وعلى والدي‬
‫ضاه ُ { أي ‪ :‬عمل تحبه‬ ‫م َ‬ ‫بالسلم لك ‪ ،‬واليمان بك ‪ } ،‬وأ َ َ‬
‫حا ت َْر َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫ن أع ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬إذا توفيتني‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫عَبادِك ال ّ‬ ‫ك ِفي ِ‬ ‫مت ِ َ‬ ‫خل ِْني ب َِر ْ‬
‫ح َ‬ ‫وترضاه ‪ } ،‬وَأ َد ْ ِ‬
‫فألحقني بالصالحين من عبادك ‪ ،‬والرفيق العلى من أوليائك‪.‬‬
‫ومن قال من المفسرين ‪ :‬إن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره ‪ ،‬وإن‬
‫هذه النملة كانت ذات جناحين كالذباب ‪ ،‬أو غير ذلك من القاويل ‪ ،‬فل حاصل‬
‫لها‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬المصرحية"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (2/419‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" (8/206‬فيه المطلب بن‬
‫عبد الله بن حنطب وثقه أبو زرعة وغيره ‪ ،‬وبقية رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المصرحية" والمثبت من لسان العرب ‪ ،‬مادة "ضرح"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬عظيمة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فأورد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬الذئب"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬يحطمها"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬مساكنهم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬عنها"‪.‬‬

‫) ‪(6/183‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن )‪َ (20‬لعَذ ّب َن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ال َْغائ ِِبي َ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬‫كا َ‬‫م َ‬‫ي َل أَرى ال ْهُد ْهُد َ أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما ل ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫قد َ الط ّي َْر فَ َ‬
‫ف ّ‬
‫وَت َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(21‬‬ ‫مِبي ٍ‬‫ن ُ‬‫سلطا ٍ‬ ‫ه أوْ لي َأت ِي َّني ب ِ ُ‬ ‫حن ّ ُ‬‫دا أوْ لذ ْب َ َ‬ ‫دي ً‬ ‫ذاًبا َ‬
‫ش ِ‬ ‫عَ َ‬

‫وف البكالي أنه قال ‪ :‬كان نمل سليمان أمثال الذئاب‪ .‬هكذا رأيته‬ ‫وعن ن َ ْ‬
‫مضبوطا بالياء المثناة من تحت‪ .‬وإنما هو بالباء الموحدة ‪ ،‬وذلك تصحيف ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫كا من ذلك )‪(1‬‬ ‫والغرض أن سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فهم قولها ‪ ،‬وتبسم ضاح ً‬
‫‪ ،‬وهذا أمر عظيم جدا‪.‬‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا يزيد بن‬
‫مي ‪ ،‬عن أبي الصديق الناجي قال ‪ :‬خرج‬ ‫سَعر ‪ ،‬عن زيد العَ ّ‬
‫م ْ‬
‫هارون ‪ ،‬أنبأنا ِ‬
‫سليمان )‪ (2‬عليه )‪ (3‬السلم ‪ ،‬يستسقي ‪ ،‬فإذا هو بنملة مستلقية على‬
‫ظهرها ‪ ،‬رافعة قوائمها إلى السماء ‪ ،‬وهي تقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إنا خلق من‬
‫خلقك ‪ ،‬ول غنى بنا عن سقياك ‪ ،‬وإل تسقنا تهلكنا‪ .‬فقال سليمان عليه‬
‫السلم ‪ :‬ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬عن‬ ‫معْ َ‬
‫وقد ثبت في الصحيح ‪ -‬عند مسلم ‪ -‬من طريق عبد الرزاق ‪ ،‬عن َ‬
‫صت‬ ‫همام ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم ]قال[ )‪ (4‬قََر َ‬
‫نبيا من النبياء نملة ‪ ،‬فأمر بقرية النمل فأحرقت ‪ ،‬فأوحى الله إليه ‪ ،‬أفي )‪(5‬‬
‫سّبح ؟ فهل نملة واحدة!" )‪.(6‬‬ ‫أن قرصتك نملة أهلكت أمة من المم ت ُ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (20‬لعَذ ّب َن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن الَغائ ِِبي َ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م َ‬
‫كا َ‬ ‫ي ل أَرى ال ْهُد ْهُد َ أ ْ‬ ‫ما ل ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫قد َ الط ّي َْر فَ َ‬‫ف ّ‬‫} وَت َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (21‬‬ ‫مِبي ٍ‬‫ن ُ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ه أوْ لي َأت ِي َّني ب ِ ُ‬ ‫حن ّ ُ‬‫دا أوْ لذ ْب َ َ‬ ‫دي ً‬
‫ش ِ‬‫ذاًبا َ‬ ‫عَ َ‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬عن ابن عباس وغيره ‪ :‬كان الهدهد‬
‫مهندسا ‪ ،‬يدل سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على الماء ‪ ،‬إذا كان بأرض فلة طلبه‬
‫فنظر له الماء في تخوم الرض ‪ ،‬كما يرى النسان الشيء الظاهر على وجه‬
‫الرض ‪ ،‬ويعرف كم مساحة بعده من وجه الرض ‪ ،‬فإذا دلهم عليه أمر‬
‫سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬الجان فحفروا له ذلك المكان ‪ ،‬حتى يستنبط )‪(7‬‬
‫الماء من قراره ‪ ،‬فنزل سليمان ‪ ،‬عليه السلم ]يوما[ )‪ ، (8‬بفلة من‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬‫الرض ‪ ،‬فتفقد الطير ليرى الهدهد ‪ ،‬فلم يره ‪ } ،‬فَ َ‬
‫ي ل أَرى ُ ْ ُ َ‬
‫د‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ما ل ِ َ‬ ‫ل َ‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ن ال َْغائ ِِبي َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫دث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا ‪ ،‬وفي القوم رجل من الخوارج ‪ ،‬يقال‬ ‫ح ّ‬
‫له ‪" :‬نافع بن الزرق" ‪ ،‬وكان كثير العتراض على ابن عباس ‪ ،‬فقال له ‪ :‬قف‬
‫م ؟ قال ‪ :‬إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى‬ ‫غلبت اليوم! قال ‪ :‬وَل ِ َ‬ ‫يا بن عباس ‪ُ ،‬‬
‫الماء في تخوم الرض ‪ ،‬وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ ‪ ،‬ويحثو على‬
‫الفخ تراًبا ‪ ،‬فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ ‪ ،‬فيصيده الصبي‪ .‬فقال ابن‬
‫عباس ‪ :‬لول أن يذهب هذا فيقول ‪ :‬رددت على ابن عباس ‪ ،‬لما أجبته‪ .‬فقال‬
‫ذر‪ .‬فقال له نافع ‪:‬‬ ‫ح َ‬ ‫عمي البصر ‪ ،‬وذهب ال َ‬ ‫در َ‬ ‫ق َ‬ ‫)‪ (9‬له ‪ :‬ويحك! إنه إذا نزل ال َ‬
‫والله ل أجادلك في شيء من القرآن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬من قولها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سليمان بن داود"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬عليهما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪.(2241‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬يستنبطوا"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ثم قال"‪.‬‬

‫) ‪(6/184‬‬

‫دا )‪.(1‬‬ ‫أب ً‬


‫وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله الب َْرزيّ ‪ -‬من أهل‬
‫ة" من غوطة دمشق ‪ ،‬وكان من الصالحين يصوم ]يوم[ )‪ (2‬الثنين‬ ‫"ب َْرَز َ‬
‫والخميس ‪ ،‬وكان أعور قد بلغ الثمانين ‪ -‬فروى ابن عساكر بسنده إلى أبي‬
‫وره ‪ ،‬فامتنع عليه ‪ ،‬فألح عليه‬ ‫سليمان بن زيد ‪ :‬أنه سأله عن سبب عَ َ‬
‫شهوًرا ‪ ،‬فأخبره أن رجلين من أهل خراسان نزل عنده جمعة في قرية برزة ‪،‬‬
‫وسأله عن وادٍ بها ‪ ،‬فأريتهما إياه ‪ ،‬فأخرجا مجامر وأوقدا فيها بخوًرا كثيًرا ‪،‬‬
‫حتى عجعج الوادي بالدخان ‪ ،‬فأخذا ي َْعزمان والحيات تقبل من كل مكان‬
‫إليهما ‪ ،‬فل يلتفتان إلى شيء منها ‪ ،‬حتى أقبلت حية نحو الذراع ‪ ،‬وعيناها‬
‫خيب‬ ‫توقدان مثل الدينار‪ .‬فاستبشرا بها عظيما ‪ ،‬وقال الحمد لله الذي لم ي ُ َ‬
‫سفرنا من سنة ‪ ،‬وكسرا المجامر ‪ ،‬وأخذا الحية فأدخل في عينها ميل فاكتحل‬
‫به ‪ ،‬فسألتهما أن يكحلني ‪ ،‬فأبيا ‪ ،‬فألححت عليهما وقلت ‪ :‬ل بد من ذلك ‪،‬‬
‫وتوعدتهما بالدولة ‪ ،‬فكحل عيني الواحدة اليمنى ‪ ،‬فحين وقع في عيني‬
‫نظرت إلى الرض تحتي مثل المرآة ‪ ،‬أنظر ما تحتها كما ُتري المرآة ‪ ،‬ثم قال‬
‫لي ‪ :‬سر معنا قليل فسرت معهما وهما يحدثان ‪ ،‬حتى إذا بعدت عن القرية ‪،‬‬
‫أخذاني فكتفاني ‪ ،‬وأدخل أحدهما يده في عيني ففقأها ‪ ،‬ورمى بها ومضيا‪.‬‬
‫ك وََثاقي‪ .‬فهذا ما كان من‬ ‫ف ّ‬‫فلم أزل كذلك ملقى مكتوًفا ‪ ،‬حتى مر بي نفر ف َ‬
‫خبر عيني )‪.(3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا‬
‫قرِيّ ‪ ،‬عن الحسن‬ ‫من ْ َ‬ ‫سرة ال ِ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫صدقة بن عمرو الغساني ‪ ،‬حدثنا عَّباد بن َ‬
‫قال ‪ :‬اسم هدهد سليمان عليه السلم ‪ :‬عنبر‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬كان سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إذا غدا إلى مجلسه‬
‫ب من كل‬ ‫الذي كان يجلس فيه ‪ :‬تفقد الطير ‪ ،‬وكان فيما يزعمون يأتيه ن ُوَ ٌ‬
‫صنف من الطير ‪ ،‬كل يوم طائر ‪ ،‬فنظر فرأى من أصناف الطير كّلها من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أخطأه‬ ‫ن ال َْغائ ِِبي َ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫ي ل أَرى ال ْهُد ْهُد َ أ ْ‬ ‫ما ل ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ضره إل الهدهد ‪ } ،‬فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫بصري من الطير ‪ ،‬أم غاب فلم يحضر ؟‪.‬‬
‫من َْهال بن عمرو ‪،‬‬ ‫دا { ‪ :‬قال العمش ‪ ،‬عن ال ِ‬ ‫دي ً‬‫ش ِ‬‫ذاًبا َ‬
‫ه عَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬لعَذ ّب َن ّ ُ‬
‫عن سعيد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني نتف ريشه‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن شداد ‪ :‬نتف ريشه وتشميسه‪ .‬وكذا قال غير واحد من‬
‫قى يأكله الذر والنمل‪.‬‬ ‫مل ْ ً‬
‫السلف ‪ :‬إنه نتف ريشه ‪ ،‬وتركه ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬بعذر‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ه { يعني ‪ :‬قتله ‪ } ،‬أوْ لي َأت ِي َّني ب ِ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أوْ لذ ْب َ َ‬
‫حن ّ ُ‬
‫واضح بين‪.‬‬
‫وقال سفيان بن عيينة ‪ ،‬وعبد الله بن شداد ‪ :‬لما قدم الهدهد قال له الطير ‪:‬‬
‫ما خلفك ‪ ،‬فقد نذر سليمان دمك! فقال ‪ :‬هل استثنى ؟ فقالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫سل ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫شديدا أ َو لذ ْبحن َ‬
‫ن { فقال ‪ :‬نجوت‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ه أوْ ل َي َأت ِي َّني ب ِ ُ‬ ‫َ َ ّ ُ‬ ‫ذاًبا َ ِ ً ْ‬ ‫ه عَ َ‬‫} لعَذ ّب َن ّ ُ‬
‫إًذا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/405‬من طريق المنهال بن عمرو عن‬
‫سعيد بن جبير بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬تاريخ دمشق )‪" 19/130‬المخطوط"(‪.‬‬

‫) ‪(6/185‬‬

‫ح ْ‬ ‫قا َ َ‬
‫ن )‪(22‬‬
‫قي ٍ‬
‫سب َإ ٍ ب ِن َب َإ ٍ ي َ ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫جئ ْت ُ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ط ب ِهِ وَ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ت بِ َ‬
‫حط ُ‬
‫لأ َ‬ ‫مك َ َ‬
‫ث غَي َْر ب َِعيد ٍ فَ َ‬ ‫فَ َ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬إنما دفع ]الله[ )‪ (1‬عنه ببره بأمه )‪.(2‬‬
‫ح ْ‬ ‫قا َ َ‬
‫ن)‬
‫قي ٍ‬
‫سب َإ ٍ ب ِن َب َإ ٍ ي َ ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫جئ ْت ُك ِ‬
‫ط ب ِهِ وَ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ت بِ َ‬
‫حط ُ‬
‫لأ َ‬ ‫مك َ َ‬
‫ث غَي َْر ب َِعيد ٍ فَ َ‬ ‫} فَ َ‬
‫‪{ (22‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬أمه"‪.‬‬

‫) ‪(6/186‬‬

‫ُ‬ ‫إني وجدت ا َ‬


‫م )‪(23‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ش عَ ِ‬ ‫يٍء وَل ََها عَْر ٌ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م وَأوت ِي َ ْ‬ ‫مل ِك ُهُ ْ‬ ‫مَرأة ً ت َ ْ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫مالهُ ْ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫ن اللهِ وََزي ّ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن ِلل ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫مَها ي َ ْ‬ ‫جد ْت َُها وَقَوْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بَء‬ ‫خ ْ‬ ‫ج ال َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫دوا ل ِلهِ ال ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ن )‪ (24‬أل ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ل ي َهْت َ ُ‬ ‫ل فَهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫صد ّهُ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫و‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه إ ِل هُ َ‬ ‫ه ل إ ِل َ‬ ‫ن )‪ (25‬الل ُ‬ ‫ما ت ُعْل ُِنو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض وَي َعْل ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫ظيم ِ )‪(26‬‬ ‫ش العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َر ّ ْ‬
‫ب العَْر ِ‬
‫ُ‬ ‫} إني وجدت ا َ‬
‫م )‪(23‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ش عَ ِ‬ ‫يٍء وَل ََها عَْر ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م وَأوت ِي َ ْ‬ ‫مل ِك ُهُ ْ‬ ‫مَرأة ً ت َ ْ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬‫مالهُ ْ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫ن اللهِ وََزي ّ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن ِلل ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫مَها ي َ ْ‬ ‫جد ْت َُها وَقَوْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫بَء‬ ‫خ ْ‬ ‫ج ال َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫دوا ل ِلهِ ال ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ن )‪ (24‬أل ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ل ي َهْت َ ُ‬ ‫ل فَهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫صد ّهُ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫و‬
‫ه ِإل هُ َ‬ ‫َ‬
‫ه ل إ ِل َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (25‬الل ُ‬ ‫ما ت ُعْل ُِنو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ض وَي َعْل ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫ظيم ِ )‪{ (26‬‬ ‫ش العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َر ّ ْ‬
‫ب العَْر ِ‬
‫ث { الهدهد } غَي َْر ب َِعيد ٍ { أي ‪ :‬غاب زماًنا يسيًرا ‪ ،‬ثم‬ ‫مك َ َ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬فَ َ‬
‫حط ب ِهِ { أي ‪ :‬اطلعت على ما لم‬ ‫ْ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ل ْ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫حط ُ‬ ‫جاء فقال لسليمان ‪ } :‬أ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬بخبر صدق‬ ‫قي ٍ‬ ‫سب َإ ٍ ب ِن َب َإ ٍ ي َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جئت ُك ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫تطلع عليه أنت ول جنودك ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫حق يقين‪.‬‬
‫مير ‪ ،‬وهم ملوك اليمن‪.‬‬ ‫ح‬
‫ِ ْ‬ ‫‪:‬‬ ‫هم‬ ‫وسبأ ‪:‬‬
‫َ‬
‫م { ‪ ،‬قال الحسن البصري ‪ :‬وهي بلقيس‬ ‫مل ِك ُهُ ْ‬ ‫مَرأة ً ت َ ْ‬ ‫تا ْ‬ ‫جد ْ ُ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬إ ِّني وَ َ‬
‫شَراحيل ملكة سبأ‪.‬‬ ‫بنت َ‬
‫خر قدميها مثل حافر الدابة ‪ ،‬من بيت‬ ‫مؤ ّ‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬كانت أمها جنية ‪ ،‬وكان ُ‬
‫مملكة‪.‬‬
‫شَراحيل بن مالك بن الريان ‪ ،‬وأمها‬ ‫وقال زهير بن محمد ‪ :‬وهي بلقيس بنت َ‬
‫فارعة الجنية‪.‬‬
‫جَرْيج ‪ :‬بلقيس بنت ذي شرخ ‪ ،‬وأمها يلتقة‪.‬‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫دد ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪-‬‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫وقال ابن أبى حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫يعني ابن عيينة ‪ -‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫كان مع صاحبة )‪ (1‬سليمان ألف قَْيل ‪ ،‬تحت كل قيل مائة ألف ]مقاتل[ )‪.(2‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قَْيل ‪،‬‬
‫تحت كل قيل ‪ :‬مائة ألف مقاتل‪.‬‬
‫ت‬‫َ َ ْ ُ‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ني‬ ‫ِّ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫قتادة‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫مر‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا )‪َ (3‬‬
‫ا َ‬
‫م { ‪ :‬كانت من بيت مملكة ‪ ،‬وكان أولو مشورتها ثلثمائة واثني‬ ‫مل ِك ُهُ ْ‬ ‫مَرأة ً ت َ ْ‬ ‫ْ‬
‫عشر رجل كل رجل منهم على عشرة آلف رجل‪ .‬وكانت بأرض يقال لها‬
‫مأرب ‪ ،‬على ثلثة أميال من صنعاء‪.‬‬
‫وهذا القول هو أقرب ‪ ،‬على أنه كثير على مملكة اليمن ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫يٍء { أي ‪ :‬من متاع الدنيا ما )‪ (4‬يحتاج إليه‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫ُ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأوت ِي َ ْ‬
‫م{‬
‫ظي ٌ‬ ‫الملك المتمكن ‪ } ،‬وَل ََها عَْر ٌ‬
‫ش عَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬كان لصاحبه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬مما"‪.‬‬

‫) ‪(6/186‬‬

‫يعني ‪ :‬سرير تجلس عليه عظيم هائل مزخرف بالذهب ‪ ،‬وأنواع الجواهر‬
‫والللئ‪.‬‬
‫قال زهير بن محمد ‪ :‬كان من ذهب صفحتاه ‪ ،‬مرمول بالياقوت والزبرجد‪.‬‬
‫عا‪.‬‬ ‫عا ‪ ،‬وعرضه أربعون ذرا ً‬ ‫]طوله ثمانون ذرا ً‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬كان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد[ )‪(1‬‬
‫واللؤلؤ ‪ ،‬وكان إنما يخدمها النساء ‪ ،‬لها ستمائة امرأة تلي الخدمة )‪.(2‬‬
‫قال علماء التاريخ ‪ :‬وكان هذا السرير في قصر عظيم مشيد رفيع البناء‬
‫محكم ‪ ،‬كان فيه ثلثمائة وستون طاقة من شرقه ومثلها من غربه )‪ ، (3‬قد‬
‫وضع بناؤه على أن تدخل الشمس كل يوم من طاقة ‪ ،‬وتغرب من مقابلتها ‪،‬‬
‫ن‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫مَها ي َ ْ‬ ‫جد ْت َُها وَقَوْ َ‬ ‫حا ومساًء ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫فيسجدون لها صبا ً‬
‫َ‬
‫ل{‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫صد ّهُ ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬‫ن أعْ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ن الل ّهِ وََزي ّ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ِلل ّ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ل ي َهْت َ ُ‬ ‫أي ‪ :‬عن طريق الحق ‪ } ،‬فَهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫صد ّهُ ْ‬‫م فَ َ‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫دوا ل ِل ّهِ { ]معناه ‪ } :‬وََزي ّ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أل ي َ ْ‬
‫دوا ل ِل ّهِ { [ )‪ (4‬أي ‪ :‬ل يعرفون سبيل‬ ‫عَن السبيل فَهم ل يهتدو َ‬
‫ج ُ‬‫س ُ‬ ‫ن أل ي َ ْ‬ ‫َْ َ ُ َ‬ ‫ّ ِ ِ ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫الحق التي هي إخلص السجود لله وحده دون ما خلق من شيء من‬
‫س‬
‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َوالن َّهاُر َوال ّ‬ ‫ن آَيات ِهِ الل ّي ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫الكواكب وغيرها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫م إ ِّياهُ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫قهُ ّ‬ ‫خل َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دوا ل ِلهِ ال ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫مرِ َوا ْ‬ ‫ق َ‬ ‫س َول ل ِل ْ َ‬ ‫دوا ِلل ّ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ج ُ‬
‫س ُ‬ ‫مُر ل ت َ ْ‬ ‫ق َ‬
‫ن { ]فصلت ‪.[37 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫ت َعْب ُ ُ‬
‫وقرأ بعض القراء ‪" :‬أل يا اسجدوا لله" جعلها "أل" الستفتاحية ‪ ،‬و"يا"‬
‫للنداء ‪ ،‬وحذف المنادى ‪ ،‬تقديره عنده ‪" :‬أل يا قوم ‪ ،‬اسجدوا لله"‪.‬‬
‫ض { ‪ :‬قال علي بن أبي‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫بَء ِفي ال ّ‬ ‫خ ْ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعلم كل خبيئة في السماء والرض‪ .‬وكذا قال‬
‫عكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫بء ‪ :‬الماء‪ .‬وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن‬ ‫خ ْ‬ ‫وقال سعيد بن المسيب ‪ :‬ال َ‬
‫أسلم ‪ :‬خبء السموات والرض ‪ :‬ما جعل فيها من الرزاق ‪ :‬المطر من‬
‫السماء ‪ ،‬والنبات من الرض‪.‬‬
‫وهذا مناسب من كلم الهدهد ‪ ،‬الذي جعل الله فيه من الخاصية ما ذكره ابن‬
‫عباس وغيره ‪ ،‬من أنه يرى الماء يجري في تخوم الرض ودواخلها‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يعلم ما يخفيه العباد ‪ ،‬وما‬ ‫ما ت ُعْل ُِنو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬
‫ما ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫سّر‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫واٌء ِ‬ ‫س َ‬‫يعلنونه من القوال والفعال‪ .‬وهذا كقوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫ب ِبالن َّهارِ { ]الرعد ‪.[10 :‬‬ ‫سارِ ٌ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ف ِبالل ّي ْ ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جهََر ب ِهِ وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل وَ َ‬‫قو ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬امرأة تليها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬من شرقية ومثلها من غربية"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/187‬‬

‫كاذبين )‪ (27‬اذ ْهب بكتابي ه َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫قهِ إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ذا فَأل ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ِ َِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ ِ ِ َ‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ك ُن ْ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫صد َقْ َ‬ ‫سن َن ْظ ُُر أ َ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫ي ك َِتا ٌ‬ ‫ي إ ِل َ ّ‬‫ق َ‬ ‫مَل إ ِّني أل ْ ِ‬‫ت َيا أي َّها ال ْ َ‬ ‫ن )‪َ (28‬قال َ ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ماَذا ي َْر ِ‬ ‫م َفان ْظ ُْر َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬‫م ت َوَ ّ‬‫ثُ ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حيم ِ )‪ (30‬أل ت َعْلوا‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫سم ِ اللهِ الّر ْ‬‫ه بِ ْ‬‫ن وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫م )‪ (29‬إ ِن ّ ُ‬
‫ْ‬
‫ري ٌ‬ ‫كَ ِ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬‫ي وَأُتوِني ُ‬ ‫عَل َ ّ‬
‫ظيم ِ { أي ‪ :‬هو المدعو الله ‪ ،‬وهو‬ ‫ش ال ْعَ ِ‬ ‫ب العَْر ِ‬
‫ه ِإل هُوَ َر ّ ْ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫الذي ل إله إل هو رب العرش العظيم ‪ ،‬الذي ليس في المخلوقات أعظم‬
‫منه‪.‬‬
‫ولما كان الهدهد داعيا إلى الخير ‪ ،‬وعبادة الله وحده والسجود له ‪ ،‬نهي عن‬
‫قتله ‪ ،‬كما رواه المام أحمد وأبو داود وابن ماجه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب ‪:‬‬
‫صَرد‪ .‬وإسناده صحيح )‪.(1‬‬ ‫النملة والنحلة والهدهد وال ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ق ِ‬‫ذا فَأل ِ‬ ‫ب ب ِك َِتاِبي هَ َ‬ ‫ن )‪ (27‬اذ ْهَ ْ‬ ‫َ‬
‫ن الكاذِِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ك ُن ْ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫صد َقْ َ‬ ‫سن َن ْظ ُُر أ َ‬ ‫ل َ‬ ‫} َقا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫ي إ ِل ّ‬ ‫ق َ‬ ‫مل إّني أل ِ‬ ‫ت َيا أي َّها ال َ‬ ‫ن )‪َ (28‬قال ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ماَذا ي َْر ِ‬ ‫م َفان ْظْر َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫م ت َوَ ّ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫حيم ِ)‪ (30‬ألَ‬
‫ن الّر ِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ الّر ْ‬ ‫ه بِ ْ‬ ‫ن وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م )‪ (29‬إ ِن ّ ُ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ب كَ ِ‬ ‫ك َِتا ٌ‬
‫ْ‬
‫ن )‪.{ (31‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي وَأُتوِني ُ‬ ‫ت َعُْلوا عَل ّ‬
‫َ‬
‫يخبر تعالى عن قيل سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬للهدهد حين أخبره عن أهل سبأ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أصدقت )‪(2‬‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ك ُن ْ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫صد َقْ َ‬ ‫سن َن ْظ ُُر أ َ‬ ‫ل َ‬ ‫وملكتهم ‪َ } :‬قا َ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن { في مقالتك ‪ ،‬فتتخلص )‪ (3‬من‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ك ُن ْ َ‬ ‫في إخبارك هذا ‪ } ،‬أ ْ‬
‫الوعيد الذي أوعدتك ؟‪.‬‬
‫} اذ ْهب بكتابي ه َ َ‬
‫ن { ‪ :‬وذلك‬ ‫جُعو َ‬ ‫ماَذا ي َْر ِ‬ ‫م َفان ْظ ُْر َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫م ت َوَ ّ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫قه إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ذا فَأل ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ِ َِ ِ‬
‫أن سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كتب كتاًبا إلى بلقيس وقومها‪ .‬وأعطاه لذلك‬
‫الهدهد فحمله ‪ ،‬قيل ‪ :‬في جناحه كما هي عادة الطير ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بمنقاره‪.‬‬
‫وذهب إلى بلدهم فجاء إلى قصر بلقيس ‪ ،‬إلى الخلوة التي كانت تختلي فيها‬
‫وة هنالك )‪ (4‬بين يديها ‪ ،‬ثم تولى ناحية أدًبا‬ ‫بنفسها ‪ ،‬فألقاه إليها من ك ُ ّ‬
‫ورياسة ‪ ،‬فتحيرت مما رأت ‪ ،‬وهالها ذلك ‪ ،‬ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته ‪،‬‬
‫ن‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ الّر ْ‬ ‫ه بِ ْ‬ ‫ن وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ففتحت ختمه وقرأته ‪ ،‬فإذا فيه ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن { فجمعت عند ذلك أمراءها ووزراءها‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي وَأُتوِني ُ‬ ‫حيم ِ أل ت َعُْلوا عَل َ ّ‬ ‫الّر ِ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي ك َِتا ٌ‬ ‫ي إ ِل ّ‬‫ق َ‬‫مل إ ِّني أل ِ‬ ‫وكبراء دولتها ومملكتها ‪ ،‬ثم قالت لهم ‪َ } :‬يا أي َّها ال َ‬
‫م { تعني بكرمه ‪ :‬ما رأته من عجيب أمره ‪ ،‬كون طائر أتى به )‪ (5‬فألقاه‬ ‫ري ٌ‬ ‫كَ ِ‬
‫إليها ‪ ،‬ثم تولى عنها أدًبا‪ .‬وهذا أمر ل يقدر عليه أحد من الملوك ‪ ،‬ول سبيل‬
‫لهم إلى ذلك ‪ ،‬ثم قرأته عليهم‪.‬‬
‫ي وَأ ُْتوِني‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫َْ‬ ‫ت‬ ‫أل‬ ‫َ‬
‫سم ِ الل ِ ّ ْ َ ِ ّ ِ ِ‬
‫م‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ه بِ ْ‬ ‫ن وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫} إ ِن ّ ُ‬
‫ن {‪.‬فعرفوا أنه من نبي الله سليمان ‪ ،‬وأنه ل قَبل لهم به‪ .‬وهذا‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫صل المعنى بأيسر عبارة‬ ‫َ ّ‬ ‫ح‬ ‫فإنه‬ ‫‪،‬‬ ‫والفصاحة‬ ‫والوجازة‬ ‫البلغة‬ ‫غاية‬ ‫في‬ ‫الكتاب‬
‫حيم ِ { قبل‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫ّ‬
‫سم ِ اللهِ ال ّ ْ َ ِ‬
‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫وأحسنها ‪ ،‬قال العلماء ‪ :‬ولم يكتب أحد } ب ِ ْ‬
‫سليمان ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديًثا في تفسيره ‪ ،‬حيث قال ‪ :‬حدثنا أبي ‪،‬‬
‫حدثنا هارون بن الفضل )‪ (6‬أبو يعلى الحناط )‪ ، (7‬حدثنا أبو يوسف ‪ ،‬عن‬
‫سلمة بن صالح ‪] ،‬عن عبد الكريم[ )‪ (8‬أبي أمية ‪ ،‬عن ابن ب َُريدة ‪ ،‬عن أبيه‬
‫قال ‪ :‬كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬إني أعلم آية‬
‫لم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬لم أجده من حديث أبي هريرة إل عند ابن ماجه في السنن برقم )‬
‫‪ (3223‬بلفظ ‪" :‬نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الصرد‬
‫والضفدع والنملة والهدهد"‪ .‬وهو بهذا اللفظ من حديث ابن عباس في مسند‬
‫المام أحمد ) ‪ (1/332‬وسنن أبي داود برقم )‪ (5267‬وسنن ابن ماجه برقم‬
‫)‪.(3224‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬صدقت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬لتتخلص"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هناك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬جاء به"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬المفضل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الخياط"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/188‬‬

‫ن )‪(32‬‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫َقال َت يا أ َيها ال ْمَل ُ أ َفْتوِني في أ َمري ما ك ُنت َقاطع ً َ‬


‫دو ِ‬ ‫شهَ ُ‬
‫ْ‬
‫مًرا َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َّ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫ري‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ما‬ ‫ري‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ر‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫وا‬ ‫د‬ ‫دي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أو‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫و‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫َقاُلوا نحن ُ‬
‫أو‬
‫ُ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ة وَكذ َل ِ َ‬ ‫عّزة َ أهْل َِها أذِل ً‬ ‫جعَلوا أ ِ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫دو َ‬‫س ُ‬ ‫ة أفْ َ‬ ‫خلوا قَْري َ ً‬ ‫ك إ َِذا د َ َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ت إِ ّ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫جعُ ال ْ ُ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫م ب ِهَدِي ّةٍ فََناظ َِرةٌ ب ِ َ‬ ‫ة إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫سل َ ٌ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ن )‪ (34‬وَإ ِّني ُ‬ ‫فعَُلو َ‬‫يَ ْ‬

‫تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود" قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أي‬
‫آية ؟ قال ‪" :‬سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد"‪ .‬قال ‪ :‬فانتهى إلى‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫الباب ‪ ،‬فأخرج إحدى قدميه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬نسي ‪ ،‬ثم التفت إلي وقال } إ ِن ّ ُ‬
‫حيم ِ { )‪.(1‬‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ الّر ْ‬ ‫ه بِ ْ‬ ‫ن وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬‫ُ‬
‫هذا حديث غريب ‪ ،‬وإسناده ضعيف‪.‬‬
‫مهَْران ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب ‪:‬‬ ‫وقال ميمون بن ِ‬
‫حيم ِ {‪.‬‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫ّ‬
‫م ِْ‬‫ح َ‬‫سم ِ اللهِ الّر ْ‬ ‫باسمك اللهم ‪ ،‬حتى نزلت هذه الية ‪ ،‬فكتب ‪ } :‬ب ِ ْ‬
‫َ‬
‫ي { ‪ :‬يقول )‪ (2‬قتادة ‪ :‬ل تجيروا علي } وَأُتوِني‬ ‫وقوله ‪ } :‬أل ت َعُْلوا عَل َ ّ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬ل تمتنعوا ول تتكبروا علي‪.‬‬
‫ن { ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬موحدين‪ .‬وقال غيره ‪ :‬مخلصين‪.‬‬ ‫ْ‬
‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫} وَأُتوِني ُ‬
‫وقال سفيان بن عُي َي َْنة ‪ :‬طائعين‪.‬‬
‫ة أَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫دو‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫ت‬
‫ِ َ ً ْ ً َ ّ َ َ ُْ ِ‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫را‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ط‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ت‬
‫ْ ُ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ري‬ ‫مل أفُْتوِني ُ ِفي أ ْ ْ ِ‬
‫م‬ ‫ت َيا أي َّها ال ْ َ‬ ‫} َقال َ ْ‬
‫ُ‬
‫ن)‬ ‫ري َ‬ ‫م ِ‬ ‫ماَذا ت َأ ُ‬
‫َ‬
‫ري َ‬
‫َ‬ ‫ك ََفان ْظ ُ ِ‬ ‫مُر إ ِل َي ْ ِ‬ ‫ديد ٍ َوال ْ‬ ‫ش ِ‬
‫َ‬
‫س َ‬ ‫ُ‬
‫ن أولو قُوّةٍ وَأولو ب َأ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫‪َ (32‬قاُلوا ن َ ْ‬
‫ك‬‫ة وَك َذ َل ِ َ‬ ‫عّزة َ أهْل َِها أذِل ّ ً‬ ‫جعَُلوا أ ِ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ة أفْ َ‬ ‫خُلوا قَْري َ ً‬ ‫ك إ َِذا د َ َ‬‫مُلو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫‪َ (33‬قال َ ْ‬
‫ن )‪.{ (35‬‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫جعُ ال ْ ُ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫م ب ِهَدِي ّةٍ فََناظ َِرةٌ ب ِ َ‬ ‫ة إ ِل َي ْهِ ْ‬‫سل َ ٌ‬
‫مْر ِ‬ ‫ن )‪ (34‬وَإ ِّني ُ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫لما قرأت عليهم كتاب سليمان استشارتهم في أمرها ‪ ،‬وما قد نزل بها ؛‬
‫حّتى‬ ‫ولهذا قالت ‪ } :‬يا أ َيها ال ْمل أ َفْتوِني في أ َمري ما ك ُنت َقاطع ً َ‬
‫مًرا َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ن { أي ‪ :‬حتى تحضرون وتشيرون‪.‬‬ ‫دو ِ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ددهم وعددهم‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫منوا إليها بعَ َ‬ ‫ديدٍ { أي ‪َ :‬‬
‫ش ِ‬ ‫ن أولو قوّةٍ وَأولو ب َأ ٍ‬ ‫ح ُ‬ ‫} قالوا ن َ ْ‬
‫ماذاَ‬
‫ري َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك فان ْظ ِ‬ ‫َ‬
‫مُر إ ِلي ْ ِ‬ ‫وقوتهم ‪ ،‬ثم فوضوا إليها بعد ذلك المر فقالوا ‪َ } :‬وال ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬نحن ليس لنا عاقة ]ول بنا بأس ‪ ،‬إن شئت أن تقصديه‬ ‫ْ‬
‫ري َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َأ ُ‬
‫وتحاربيه ‪ ،‬فما لنا عاقة[ )‪ (3‬عنه‪ .‬وبعد هذا فالمر )‪ (4‬إليك ‪ ،‬مري فينا برأيك‬
‫)‪ (5‬نمتثله ونطيعه‪.‬‬
‫علجة تضطرب ثدياها ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫قال الحسن البصري ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬فوضوا أمرهم إلى ِ‬
‫فلما قالوا لها ما قالوا ‪ ،‬كانت هي أحزم رأًيا منهم ‪ ،‬وأعلم بأمر سليمان ‪،‬‬
‫خر له من الجن والنس والطير ‪،‬‬ ‫س ّ‬
‫وأنه )‪ (6‬ل قبل لها بجنوده وجيوشه ‪ ،‬وما ُ‬
‫دت من قضية الكتاب مع الهدهد أمًرا عجيًبا بديًعا ‪ ،‬فقالت لهم ‪ :‬إني‬ ‫وقد شاهَ َ‬
‫أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه ‪ ،‬فيقصدنا بجنوده ‪ ،‬ويهلكنا بمن معه ‪ ،‬ويخلص‬
‫خُلوا‬ ‫مُلو َ‬
‫ك إ َِذا د َ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫ي وإليكم الهلك والدمار دون غيرنا ؛ ولهذا قالت ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫إل ّ‬
‫َ‬
‫ها {‪.‬‬ ‫دو َ‬‫س ُ‬ ‫ة أفْ َ‬ ‫قَْري َ ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه أبو نعيم في تاريخ أصفهان )‪ (2/187‬من طريق الحسين بن حفص‬
‫عن أبي يوسف به‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وبعدها فالمر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬رأيك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬وأنها"‪.‬‬

‫) ‪(6/189‬‬

‫خّربوه ‪،‬‬ ‫وة أفسدوه ‪ ،‬أي ‪َ :‬‬ ‫دا )‪ (1‬عن ْ َ‬ ‫قال ابن عباس ‪ :‬أي إذا دخلوا بل ً‬
‫ة { أي ‪ :‬وقصدوا من فيها من الولة والجنود ‪،‬‬ ‫عّزة َ أ َهْل َِها أ َذِل ّ ً‬ ‫جعَُلوا أ َ ِ‬‫} وَ َ‬
‫فأهانوهم غاية الهوان ‪ ،‬إما بالقتل أو بالسر‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مُلوك إ َِذا د َ َ‬
‫ها‬
‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ْ‬
‫ة أف َ‬ ‫َ‬
‫خلوا قْري َ ً‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫قال ابن عباس ‪ :‬قالت بلقيس ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن {‪ .‬ثم‬ ‫ُ‬
‫فعَلو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة { )‪ ، (2‬قال الرب ‪ ،‬عز وجل } وَكذ َل ِك ي َ ْ‬ ‫عّزة َ أ َهْل َِها أ َذِل ّ ً‬ ‫جعَُلوا أ َ ِ‬
‫وَ َ‬
‫عدلت إلى المهادنة والمصالحة والمسالمة والمخادعة والمصانعة ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫ن { أي ‪ :‬سأبعث إليه‬ ‫سُلو َ‬‫مْر َ‬ ‫جعُ ال ْ ُ‬ ‫م ي َْر ِ‬‫م ب ِهَدِي ّةٍ فََناظ َِرةٌ ب ِ َ‬ ‫ة إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫سل َ ٌ‬
‫مْر ِ‬ ‫} وَإ ِّني ُ‬
‫بهدية تليق به )‪ (3‬وأنظر ماذا يكون جوابه بعد ذلك ‪ ،‬فلعله يقبل ذلك ويكف‬
‫خَراجا نحمله إليه في كل عام ‪ ،‬ونلتزم له بذلك ويترك‬ ‫عنا ‪ ،‬أو يضرب علينا َ‬
‫قتالنا ومحاربتنا‪ .‬قال قتادة ‪ :‬رحمها الله ورضي عنها ‪ ،‬ما كان أعقلها في‬
‫إسلمها وفي شركها!! علمت أن الهدية تقع موقًعا من الناس‪.‬‬
‫وقال ابن عباس وغير واحد ‪ :‬قالت لقومها ‪ :‬إن قبل الهدية فهو ملك‬
‫فقاتلوه ‪ ،‬وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬بلدة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أذلة وكذلك يفعلون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬بمثله"‪.‬‬

‫) ‪(6/190‬‬
‫خير مما آ َتاك ُم ب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫فَل َما جاَء سل َيمان َقا َ َ‬
‫م‬
‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ه َ ٌْ ِ ّ َ ْ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ما آَتان ِ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ما‬‫ن بِ َ‬
‫ِ‬ ‫دون َ‬
‫م ّ‬
‫ل أت ُ ِ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فرحون )‪ (36‬ارجع إل َيهم فَل َنأ ْ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ل‬‫و‬
‫ُ ْ َِ َ ُ ْ ِ َ ُّ ْ‬‫ها‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ب‬
‫َِ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫نو‬ ‫ج‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫َ َُِّ ْ ِ ُ ُ ٍ‬‫ه‬‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ْ ِ ْ ِ ِْ ْ‬ ‫ب ِهَدِي ّت ِك ُ ْ َ َ ُ َ‬
‫ْ‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫صاِغُرو َ‬‫م َ‬‫ة وَهُ ْ‬‫من َْها أ َذِل ّ ً‬
‫ِ‬
‫خير مما آتاك ُم ب ْ َ‬ ‫} فَل َما جاَء سل َيمان َقا َ َ‬
‫م‬
‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ه َ ٌْ ِ ّ َ ْ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ما آَتان ِ َ‬‫ل فَ َ‬ ‫ما ْ ٍ‬ ‫دون َِني ب ِ َ‬ ‫م ّ‬
‫ل أت ُ ِ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫ّ َ‬
‫م‬
‫جن ّهُ ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫َ‬
‫م ب َِها وَلن ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫جُنود ٍ ل قِب َ َ‬
‫ل لهُ ْ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫َ‬
‫م فَلن َأت ِي َن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫جعْ إ ِلي ْهِ ْ‬‫ن )‪ (36‬اْر ِ‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ب ِهَدِي ّت ِك ُ ْ‬
‫ن )‪.{ (37‬‬ ‫صاِغُرو َ‬‫م َ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫من َْها أ َذِل ّ ً‬‫ِ‬
‫ذكر غير واحد من المفسرين ‪ ،‬من السلف وغيرهم ‪ :‬أنها بعثت إليه بهدية‬
‫عظيمة من ذهب وجواهر وللئ وغير ذلك‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬أرسلت بل َب َِنة من‬
‫ذهب‪ .‬والصحيح أنها أرسلت ]إليه[ )‪ (1‬بآنية من ذهب‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬وأرسلت جواري في زي الغلمان ‪،‬‬
‫وغلمان في زي الجواري ‪ ،‬وقالت ‪ :‬إن عرف هؤلء من هؤلء فهو نبي‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬فأمرهم ]سليمان[ )‪ (2‬عليه السلم ‪ ،‬أن يتوضؤوا ‪ ،‬فجعلت الجارية‬
‫ُتفرغ على يدها من الماء ‪ ،‬وجعل الغلم يغترف ‪ ،‬فميزهم بذلك‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل جعلت الجارية تغسل باطن )‪ (3‬يدها قبل ظاهرها ‪ ،‬والغلم‬
‫بالعكس‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل جعلت الجواري يغتسلن )‪ (4‬من أكفهن إلى مرافقهن ‪ ،‬والغلمان‬
‫من مرافقهم إلى أكفهم‪ .‬ول منافاة بين ذلك كله ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وذكر بعضهم ‪ :‬أنها أرسلت إليه بقدح ليمله ماء رواء ‪ ،‬ل من السماء ول من‬
‫الرض ‪ ،‬فأجرى الخيل حتى عرقت ‪ ،‬ثم مله من ذلك ‪ ،‬وبخرزة وسلك‬
‫ليجعله فيها ‪ ،‬ففعل ذلك‪ .‬والله أعلم أكان ذلك أم ل وأكثره مأخوذ من‬
‫السرائيليات‪ .‬والظاهر أن سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لم ينظر إلى ما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬بطن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬يغسلن"‪.‬‬

‫) ‪(6/190‬‬

‫ن )‪َ (38‬قا َ‬ ‫ْ‬ ‫ل يا أ َيها ال ْمَل ُ أ َيك ُم يأ ِْتيِني بعرشها قَب َ َ‬


‫ل‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ي َأُتوِني ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َِ ْ ِ َ‬ ‫ّ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ َ ّ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أَنا آِتيك ب ِهِ قَب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مي ٌ‬‫قوِيّ أ ِ‬ ‫مك وَإ ِّني عَلي ْهِ ل َ‬ ‫قا ِ‬‫م َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫فري ٌ‬ ‫ع ْ‬ ‫ِ‬
‫ك ط َْرفُكَ‬ ‫ن ي َْرت َد ّ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ل أَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ب أَنا آِتيك ب ِهِ قَب ْ َ ْ‬ ‫ن الك َِتا ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫عل ٌ‬ ‫عن ْد َه ُ ِ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫)‪َ (39‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫فُر وَ َ‬ ‫ْ‬
‫م أك ُ‬ ‫شكُر أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل َرّبي ل ِي َب ْلوَِني أأ ْ‬ ‫ض ِ‬
‫نف ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َه ُ قا َ‬ ‫قّرا ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َرآه ُ ُ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫م )‪(40‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫ي كَ ِ‬ ‫ن َرّبي غَن ِ ّ‬ ‫فَر فَإ ِ ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫شك ُُر ل ِن َ ْ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫شك ََر فَإ ِن ّ َ‬ ‫َ‬

‫جاءوا به بالكلية ‪ ،‬ول اعتنى به ‪ ،‬بل أعرض عنه ‪ ،‬وقال منكًرا عليهم ‪:‬‬
‫ل { أي ‪ :‬أتصانعونني بمال لترككم على شرككم وملككم ؟!‬ ‫َ‬
‫ما ٍ‬ ‫دون َِني ب ِ َ‬ ‫م ّ‬
‫} أت ُ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬الذي أعطاني الله من الملك والمال‬ ‫ما آَتاك ُ ْ‬
‫م ّ‬
‫خي ٌْر ِ‬
‫ه َ‬‫ي الل ّ ُ‬ ‫ما آَتان ِ َ‬‫} فَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أنتم الذين )‪(1‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫والجنود خير مما أنتم فيه ‪ } ،‬ب َ ْ‬
‫حو َ‬
‫فَر ُ‬
‫م تَ ْ‬
‫م ب ِهَدِي ّت ِك ْ‬
‫ل أن ْت ُ ْ‬
‫تنقادون للهدايا والتحف ‪ ،‬وأما أنا فل أقبل منكم إل السلم أو السيف‪.‬‬
‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪،‬‬
‫من َْهال بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬ ‫قال العمش ‪ ،‬عن ال ِ‬
‫رضي الله عنه ‪ :‬أمر سليمان الشياطين فموهوا له ألف قصر من ذهب‬
‫وفضة‪ .‬فلما رأت رسلها ذلك قالوا ‪ :‬ما يصنع هذا بهديتنا‪ .‬وفي هذا دللة على‬
‫جواز تهيؤ الملوك وإظهارهم الزينة للرسل والقصاد‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ب َِها { أي ‪ :‬ل‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫جُنود ٍ ل ِ َ‬
‫ب‬ ‫ق‬ ‫م بِ ُ‬ ‫م { أي ‪ :‬بهديتهم ‪ } ،‬فَل َن َأت ِي َن ّهُ ْ‬ ‫جعْ إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫} اْر ِ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫من َْها { أي ‪ :‬من بلدهم ‪ } ،‬أذِل ّ ً‬ ‫طاقة لهم بقتالهم ‪ } ،‬وَل َن ُ ْ‬
‫ة وَهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جن ّهُ ْ‬ ‫خرِ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬مهانون مدحورون‪.‬‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫َ‬
‫فلما رجعت إليها رسلها بهديتها ‪ ،‬وبما قال سليمان ‪ ،‬سمعت وأطاعت هي‬ ‫ُ‬
‫وقومها ‪ ،‬وأقبلت تسير إليه في جنودها خاضعة ذليلة ‪ ،‬معظمة لسليمان ‪،‬‬
‫ناوية متابعته في السلم‪ .‬ولما تحقق سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قدومهم عليه‬
‫سّره‪.‬‬ ‫ووفودهم إليه ‪ ،‬فرح )‪ (2‬بذلك و َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪َ (38‬قا َ‬
‫ل‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َأُتوِني ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫شَها قَب ْ َ‬ ‫م ي َأِتيِني ب ِعَْر ِ‬ ‫مل أي ّك ُ ْ‬ ‫ل َيا أي َّها ال ْ َ‬ ‫} َقا َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أَنا آِتيك ب ِهِ قَب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مي ٌ‬ ‫قوِيّ أ ِ‬ ‫مك وَإ ِّني عَلي ْهِ ل َ‬ ‫قا ِ‬‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ج ّ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫فري ٌ‬ ‫ع ْ‬ ‫ِ‬
‫ك ط َْرفُكَ‬ ‫ن ي َْرت َد ّ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ل أَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ب أَنا آِتيك ب ِهِ قَب ْ َ ْ‬ ‫ن الك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عل ٌ‬ ‫عن ْد َه ُ ِ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫)‪َ (39‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫فُر وَ َ‬ ‫ْ‬
‫م أك ُ‬ ‫شكُر أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل َرّبي ل ِي َب ْلوَِني أأ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫نف ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َه ُ قا َ‬ ‫قّرا ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َرآه ُ ُ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫م )‪.{ (40‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫ي كَ ِ‬ ‫ن َرّبي غَن ِ ّ‬ ‫فَر فَإ ِ ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫شك ُُر ل ِن َ ْ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫شك ََر فَإ ِن ّ َ‬ ‫َ‬
‫مان قال ‪ :‬فلما رجعت إليها الرسل‬ ‫قال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن ُرو َ‬
‫ت ‪ ،‬ما هذا بملك ‪ ،‬وما لنا به من‬ ‫ُ‬ ‫عرف‬ ‫بما قال سليمان قالت ‪ :‬قد ‪ -‬والله ‪-‬‬
‫طاقة ‪ ،‬وما نصنع بمكاثرته )‪ (3‬شيًئا‪ .‬وبعثت إليه ‪ :‬إني قادمة عليك بملوك‬
‫قومي ‪ ،‬لنظر ما أمرك وما تدعونا إليه من دينك‪ .‬ثم أمرت بسرير ملكها‬
‫صص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ‬ ‫مف ّ‬ ‫الذي كانت تجلس عليه ‪ -‬وكان من ذهب ُ‬
‫‪ -‬فجعل في سبعة أبيات ‪ ،‬بعضها في بعض ‪ ،‬ثم أقفلت عليه البواب ‪ ،‬ثم‬
‫خلفت على سلطانها ‪ :‬احتفظ بما قبلك ‪ ،‬وسرير ملكي ‪ ،‬فل‬ ‫قالت لمن َ‬
‫صت إلى‬ ‫خ َ‬ ‫ش َ‬ ‫يخلص إليه أحد من عباد الله ‪ ،‬ول ي ََريّنه أحد حتى آتيك‪ .‬ثم َ‬
‫سليمان في اثني عشر ألف قَْيل من ملوك اليمن ‪ ،‬تحت يدي كل قَْيل منهم‬
‫ألوف كثيرة‪ .‬فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم‬
‫ن تحت يديه ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن عنده من الجن والنس ‪ِ ،‬‬ ‫م ْْ‬ ‫وليلة ‪ ،‬حتى إذا َدنت جمع َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َأُتوِني ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ‬
‫شَها قب ْ َ‬ ‫م ي َأِتيِني ب ِعَْر ِ‬ ‫مل أي ّك ُ ْ‬ ‫فقال ‪َ } :‬يا أي َّها ال ْ َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬لما بلغ سليمان أنها جائية ‪ ،‬وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه ‪،‬‬
‫وكان من ذهب ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬ففرح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪" :‬بمكابرته" والمثبت من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري )‪.(19/100‬‬

‫) ‪(6/191‬‬

‫وقوائمه لؤلؤ وجوهر ‪ ،‬وكان مستًرا بالديباج والحرير ‪ ،‬وكانت عليه تسعة‬
‫مغاليق )‪ ، (1‬فكره أن يأخذه بعد إسلمهم‪ .‬وقد علم نبي الله أنهم متى‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شَها‬
‫م ي َأِتيِني ب ِعَْر ِ‬ ‫أسلموا تحرم أموالهم مع دمائهم فقال ‪َ } :‬يا أي َّها ال ْ َ‬
‫مل أي ّك ُ ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مي‬ ‫ْ‬ ‫قَب َ َ‬
‫َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ي َأُتوِني ُ‬‫لأ ْ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬
‫ن ي َأُتوِني‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دي ‪ ،‬وُزهير بن محمد ‪ } :‬قب ْ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫س ّ‬
‫وهكذا قال عطاء الخراساني ‪ ،‬وال ّ‬
‫ن { فتحرم علي أموالهم بإسلمهم‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن { قال مجاهد ‪ :‬أي مارد من الجن‪.‬‬ ‫ج ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬
‫ت ِ‬‫فري ٌ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫} قال ِ‬ ‫َ‬
‫شَعيب الجبائي ‪ :‬وكان اسمه كوزن‪ .‬وكذا قال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن‬ ‫قال ُ‬
‫يزيد بن رومان‪ .‬وكذا قال أيضا وهب بن منبه‪.‬‬
‫قال أبو صالح ‪ :‬وكان كأنه جبل‪.‬‬
‫م َ‬ ‫ك به قَب َ َ‬ ‫َ‬
‫ك { قال ابن عباس ‪ :‬يعني ‪ :‬قبل أن‬ ‫ن َ ِ‬
‫قا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ن تَ ُ‬‫لأ ْ‬ ‫} أَنا آِتي َ ِ ِ ْ‬
‫تقوم من مجلسك‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬مقعدك ‪ ،‬وقال السدي ‪ ،‬وغيره ‪ :‬كان‬
‫يجلس للناس للقضاء والحكومات وللطعام )‪ (2‬من أول النهار إلى أن َتزول‬
‫الشمس‪.‬‬
‫ن { ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬أي قوي على حمله ‪ ،‬أمين‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي ٌ‬ ‫قوِيّ أ ِ‬ ‫} وَإ ِّني عَلي ْهِ ل َ‬
‫على ما فيه من الجوهر‪.‬‬
‫فقال سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬أريد أعجل من ذلك‪ .‬ومن هاهنا يظهر أن النبي‬
‫سليمان أراد بإحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهبه الله له من الملك ‪،‬‬
‫خر له من الجنود ‪ ،‬الذي لم يعطه أحد قبله ‪ ،‬ول يكون لحد من بعده‪.‬‬ ‫س ّ‬ ‫و َ‬
‫وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها ؛ لن هذا خارق عظيم أن‬
‫قدموا عليه‪ .‬هذا وقد حجبته بالغلق‬ ‫يأتي بعرشها كما هو من بلدها قبل أن ي َ ْ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫والقفال والحفظة‪ .‬فلما قال سليمان ‪ :‬أريد أعجل من ذلك ‪ } ،‬قال ال ِ‬
‫ب { قال ابن عباس ‪ :‬وهو آصف كاتب سليمان‪ .‬وكذا‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫عن ْد َه ُ ِ‬‫ِ‬
‫َرَوى محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن رومان ‪ :‬أنه آصف بن برخياء ‪ ،‬وكان‬
‫ديقا يعلم السم العظم‪.‬‬ ‫ص ّ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان مؤمنا من النس ‪ ،‬واسمه آصف‪ .‬وكذا قال أبو صالح ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬إنه كان من النس ‪ -‬زاد قتادة ‪ :‬من بني إسرائيل‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬كان اسمه أسطوم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ -‬في رواية عنه ‪ : -‬كان اسمه بليخا‪.‬‬
‫وقال زهير بن محمد ‪ :‬هو رجل من الندلس )‪ (3‬يقال له ‪ :‬ذو النور‪.‬‬
‫وزعم عبد الله بن ل َِهيعة ‪ :‬أنه الخضر‪ .‬وهو غريب ج ً‬
‫دا‪.‬‬
‫ك ط َْرفُ َ‬ ‫ن ي َْرت َد ّ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ك به قَب َ َ‬ ‫َ‬
‫مد ّ‬
‫ك { أي ‪ :‬ارفع بصرك وانظر ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أَنا آِتي َ ِ ِ ْ‬
‫بصرك مما تقدر عليه ‪ ،‬فإنك ل يكل بصرك إل وهو حاضر عندك‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬معاليق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والطعام"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬النس"‪.‬‬

‫) ‪(6/192‬‬

‫وقال وهب بن منبه ‪ :‬امدد بصرك ‪ ،‬فل يبلغ مداه حتى آتيك به‪.‬‬
‫فذكروا أنه أمره أن ينظر نحو اليمن التي فيها هذا العرش المطلوب ‪ ،‬ثم قام‬
‫فتوضأ ‪ ،‬ودعا الله عز وجل‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬قال ‪ :‬يا ذا الجلل والكرام‪ .‬وقال الزهري ‪ :‬قال ‪ :‬يا إلهنا وإله‬
‫دا ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬ائتني بعرشها‪ .‬قال ‪ :‬فتمثل له بين‬
‫كل شيء ‪ ،‬إلًها واح ً‬
‫يديه‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وزهير بن محمد ‪،‬‬
‫وغيرهم ‪ :‬لما دعا الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وسأله أن يأتيه بعرش بلقيس ‪ -‬وكان في‬
‫اليمن ‪ ،‬وسليمان عليه السلم ببيت المقدس ‪ -‬غاب السرير ‪ ،‬وغاص في‬
‫الرض ‪ ،‬ثم نبع من بين يدي سليمان ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬لم يشعر سليمان إل وعرشها يحمل بين‬
‫مَلؤه‬ ‫يديه‪ .‬قال ‪ :‬وكان هذا الذي جاء به من عُّباد البحر ‪ ،‬فلما عاين سليمان و َ‬
‫ل َرّبي { أي ‪ :‬هذا من نعم الله‬ ‫ض ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ذلك ‪ ،‬ورآه مستقًرا عنده } َقا َ‬
‫شك ُُر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫علي } ل ِي َب ْل ُوَِني { أي ‪ :‬ليختبرني ‪ } ،‬أأ ْ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫شك ََر فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫فُر وَ َ‬‫م أك ْ ُ‬ ‫شك ُُر أ ْ‬
‫ساَء فَعَل َي َْها { ]فصلت ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫حا فَل ِن َ ْ‬ ‫م َ‬
‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ { ‪ ،‬كقوله } َ‬ ‫ف ِ‬
‫ل ِن َ ْ‬
‫ن { ]الروم ‪.[44 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهَ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫حا َفلن ْ ُ‬ ‫صال ِ ً‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ ، [46‬وكقوله } وَ َ‬
‫م { أي ‪ :‬هو غني عن العباد‬ ‫ري ٌ‬ ‫ي كَ ِ‬ ‫ن َرّبي غَن ِ ّ‬ ‫فَر فَإ ِ ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫م { أي ‪ :‬كريم في نفسه ‪ ،‬وإن لم يعبده أحد ‪ ،‬فإن عظمته‬
‫َ‬
‫ري ٌ‬ ‫وعبادتهم ‪ } ،‬ك َ ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م وَ َ‬‫فُروا أن ْت ُ ْ‬ ‫ن ت َك ْ ُ‬
‫ليست مفتقرة )‪ (1‬إلى أحد ‪ ،‬وهذا كما قال موسى ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ميد ٌ { ]إبراهيم ‪.[8 :‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ه ل َغَن ِ ّ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ميًعا فَإ ِ ّ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬‫ِفي الْر ِ‬
‫وفي صحيح مسلم ‪" :‬يقول الله تعالى ‪ :‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم ‪،‬‬
‫وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ‪ ،‬ما زاد ذلك في ملكي‬
‫شيًئا‪ .‬يا عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم ‪ ،‬وإنسكم وجنكم ‪ ،‬كانوا على أفجر‬
‫قلب رجل منكم ‪ ،‬ما نقص ذلك من ملكي شيًئا‪ .‬يا عبادي ‪ ،‬إنما هي أعمالكم‬
‫أحصيها لكم ]ثم أوفيكم إياها[ )‪ (2‬فمن وجد خيرا فليحمد الله ‪ ،‬ومن وجد‬
‫غير ذلك فل يلومن إل نفسه" )‪.(3‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬تفتقر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وصحيح مسلم‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪ (2577‬من حديث أبي ذر الغفاري ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(6/193‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ن )‪ (41‬فَل َ ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ن َل ي َهْت َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫دي أ ْ‬ ‫شَها ن َن ْظ ُْر أت َهْت َ ِ‬ ‫ل ن َك ُّروا ل ََها عَْر َ‬ ‫َقا َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫ن قَب ْل َِها وَكّنا ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه هُوَ وَأوِتيَنا العِل َ‬ ‫ت كأن ّ ُ‬ ‫ك َقال ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ذا عَْر ُ‬ ‫ل أهَك َ‬ ‫ت ِقي َ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ن )‪ِ (43‬قي َ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫ن قَوْم ٍ كافِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ إ ِن َّها كان َ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ت َعْب ُد ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ما كان َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫صد ّ َ‬‫‪ (42‬وَ َ‬
‫ساقَي َْها َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ََها اد ْ ُ‬
‫ح‬
‫صْر ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫ف ْ‬‫ش َ‬ ‫ة وَك َ‬ ‫ج ً‬ ‫هل ّ‬ ‫سب َت ْ ُ‬‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما َرأت ْ ُ‬ ‫ح فَل ّ‬ ‫صْر َ‬ ‫خِلي ال ّ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ن ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬‫مع َ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫سي وَأ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت نَ ْ‬‫م ُ‬ ‫ب إ ِّني ظ َل َ ْ‬ ‫ت َر ّ‬ ‫واِريَر َقال َ ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّرد ٌ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫الَعال ِ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (41‬فَل َ ّ‬
‫ما‬ ‫دو َ‬ ‫ن ل ي َهْت َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫دي أ ْ‬ ‫شَها ن َن ْظ ُْر أت َهْت َ ِ‬ ‫ل ن َك ُّروا ل ََها عَْر َ‬ ‫} َقا َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل َِها وَكّنا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه هُوَ وَأوِتيَنا العِل َ‬ ‫ت كأن ّ ُ‬ ‫ك َقال ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ذا عَْر ُ‬ ‫ل أهَك َ‬ ‫ت ِقي َ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ن )‪ِ (43‬قي َ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫ن قَوْم ٍ كافِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ إ ِن َّها كان َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ت ت َعْب ُد ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ما كان َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫صد ّ َ‬‫‪ (42‬وَ َ‬
‫ساقَي َْها َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ََها اد ْ ُ‬
‫ح‬
‫صْر ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫ف ْ‬‫ش َ‬ ‫ة وَك َ‬ ‫ج ً‬ ‫هل ّ‬ ‫سب َت ْ ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما َرأت ْ ُ‬ ‫ح فَل ّ‬ ‫صْر َ‬ ‫خِلي ال ّ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ن ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫مع َ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫سي وَأ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ب إ ِّني ظ َل َ ْ‬ ‫ت َر ّ‬ ‫واِريَر َقال َ ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّرد ٌ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪{ (44‬‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫الَعال ِ‬ ‫ْ‬
‫لما جيء سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بعرش بلقيس قبل قدومها ‪ ،‬أمر به أن يغير‬
‫بعض صفاته ‪ ،‬ليختبر معرفتها وثباتها عند رؤيته ‪ ،‬هل تقدم على أنه عرشها أو‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نل‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬
‫دي أ ْ‬ ‫شَها ن َن ْظ ُْر أت َهْت َ ِ‬ ‫أنه ليس به ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ن َك ُّروا ل ََها عَْر َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫ي َهْت َ ُ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬نزع عنه فصوصه ومرافقه‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬أمر به فغير ما كان أحمر جعل أصفر ‪ ،‬وما كان أصفر جعل‬
‫أحمر ‪ :‬وما كان أخضر جعل أحمر ‪ ،‬غَّير كل شيء عن حاله‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬زادوا فيه ونقصوا‪.‬‬
‫]وقال قتادة ‪ :‬جعل أسفله أعله ومقدمه مؤخره ‪ ،‬وزادوا فيه ونقصوا[ )‪.(1‬‬
‫ك { أي ‪ :‬عرض عليها عرشها ‪ ،‬وقد غير‬ ‫ش ِ‬ ‫ذا عَْر ُ‬ ‫ل أ َهَك َ َ‬ ‫ت ِقي َ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫ما َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫كر ‪ ،‬وزيد فيه ونقص منه ‪ ،‬فكان فيها ثبات وعقل ‪ ،‬ولها ُلب ودهاء وحزم ‪،‬‬ ‫ون ُ ّ‬
‫فلم تقدم على أنه هو لبعد مسافته عنها ‪ ،‬ول أنه غيره ‪ ،‬لما رأت من آثاره‬
‫َ‬
‫ه هُوَ { أي ‪ :‬يشبهه ويقاربه‪.‬‬ ‫وصفاته ‪ ،‬وإن غير وبدل ونكر ‪ ،‬فقالت ‪ } :‬ك َأن ّ ُ‬
‫وهذا غاية في الذكاء والحزم‪.‬‬
‫ُ‬
‫ن { ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬سليمان‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل َِها وَك ُّنا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأوِتيَنا ال ْعِل ْ َ‬
‫يقوله‪.‬‬
‫ن{‪:‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫ن قَوْم ٍ كافِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ إ ِن َّها كان َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ت َعْب ُد ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ما كان َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫صد ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫هذا من تمام كلم سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ -‬في قول مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫ُ‬
‫ن قَب ْل َِها وَك ُّنا‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جبير ‪ ،‬رحمهما الله ‪ -‬أي ‪ :‬قال سليمان ‪ } :‬وَأوِتيَنا ال ْعِل ْ َ‬
‫ما )‬
‫ن { ‪ ،‬وهي كانت قد صدها ‪ ،‬أي ‪ :‬منعها من عبادة الله وحده‪َ } .‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن {‪ .‬وهذا الذي قاله‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫ن قوْم ٍ كافِ ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ إ ِن َّها كان َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ت َعْب ُد ُ ِ‬ ‫َ‬
‫‪ (2‬كان َ ْ‬
‫ن )‪ ، (3‬وقاله ابن جرير أيضا‪.‬‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫مجاهد وسعيد َ‬
‫ها { ضمير يعود إلى‬ ‫صد ّ َ‬ ‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬ويحتمل أن يكون في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن‬ ‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ ْ َْ ُ ُ ِ ْ ُ ِ‬‫د‬‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬‫سليمان ‪ ،‬أو إلى الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬تقديره ‪ :‬ومنعها } َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ن قَوْم ٍ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫دها عن عبادة غير الله } إ ِن َّها َ‬ ‫الل ّهِ { أي ‪ :‬ص ّ‬
‫قلت ‪ :‬ويؤيد قول مجاهد ‪ :‬أنها إنما أظهرت السلم بعد دخولها إلى الصرح ‪،‬‬
‫كما سيأتي‪.‬‬
‫ة وَك َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ت عَ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ج ً‬ ‫هل ّ‬ ‫سب َت ْ ُ‬‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما َرأت ْ ُ‬ ‫ح فَل ّ‬ ‫صْر َ‬ ‫خِلي ال ّ‬ ‫ل لَها اد ْ ُ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬قي َ‬
‫ساقَي َْها { وذلك أن سليمان ‪ ،‬عليه السلم أمر الشياطين فبنوا لها قصًرا‬ ‫َ‬
‫عظيما من قوارير ‪ ،‬أي ‪ :‬من زجاج ‪ ،‬وأجرى تحته الماء ‪ ،‬فالذي ل يعرف‬
‫أمره يحسب أنه ماء ‪ ،‬ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه‪ .‬واختلفوا في‬
‫السبب الذي دعا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬بل" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬سعيد بن جبير أيضا"‪.‬‬

‫) ‪(6/194‬‬

‫سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إلى )‪ (1‬اتخاذه ‪ ،‬فقيل ‪ :‬إنه لما عزم على تزويجها‬
‫ب )‪(2‬‬‫واصطفائها لنفسه ؛ ذكر له جمالها وحسنها ‪ ،‬ولكن في ساقيها هُل ْ ٌ‬
‫عظيم ‪ ،‬ومؤخر أقدامها كمؤخر الدابة‪ .‬فساءه ذلك ‪ ،‬فاتخذ هذا ليعلم صحته‬
‫قَرظي ‪ ،‬وغيره ‪ -‬فلما دخلت وكشفت‬ ‫أم ل ؟ ‪ -‬هذا قول محمد بن كعب ال ُ‬
‫ما ‪ ،‬ولكن رأى على رجليها‬ ‫عن ساقيها ‪ ،‬رأى أحسن الناس وأحسنه قد ً‬
‫شعًرا ؛ لنها ملكة ليس لها بعل )‪ (3‬فأحب أن يذهب ذلك عنها فقيل لها ‪:‬‬
‫الموسى ؟ فقالت ‪ :‬ل أستطيع ذلك‪ .‬وكره سليمان ذلك ‪ ،‬وقال )‪ (4‬للجن ‪:‬‬
‫ة‪ .‬وكان أول‬ ‫اصنعوا شيًئا غير الموسى يذهب به هذا الشعر ‪ ،‬فصنعوا له الن ُوَْر َ‬
‫من اتخذت له الّنوَرة ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومحمد بن كعب‬
‫جَرْيج ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫القرظي ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن ُ‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن ُرومان ‪ :‬ثم قال لها ‪ :‬ادخلي الصرح ‪،‬‬
‫كا هو أعّز من ملكها ‪ ،‬وسلطانا هو أعظم من سلطانها‪ .‬فلما رأته‬ ‫مل ْ ً‬
‫ليريها ُ‬
‫حسبته لجة وكشفت عن ساقيها ‪ ،‬ل تشك أنه ماء تخوضه ‪ ،‬فقيل لها ‪ :‬إنه‬
‫مّرد من قوارير‪ .‬فلما وقفت على سليمان ‪ ،‬دعاها إلى عبادة الله‬ ‫م َ‬‫صرح ُ‬
‫وعاتبها في عبادتها الشمس )‪ (5‬من دون الله‪.‬‬
‫ة الصرح عرفت ‪ -‬والله ‪ -‬أن قد رأت‬ ‫وقال الحسن البصري ‪ :‬لما رأت العل ْ َ‬
‫ج ُ‬
‫كا أعظم من ملكها‪.‬‬ ‫مل ً‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن بعض أهل العلم ‪ ،‬عن وهب بن منبه قال ‪ :‬أمر‬
‫سليمان بالصرح ‪ ،‬وقد عملته له الشياطين من زجاج ‪ ،‬كأنه الماء بياضا‪ .‬ثم‬
‫أرسل الماء تحته ‪ ،‬ثم وضع له فيه سريره ‪ ،‬فجلس عليه ‪ ،‬وعكفت عليه‬
‫الطير والجن والنس ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ادخلي الصرح ‪ ،‬ليريها ملكا هو أعز من‬
‫َ‬
‫ت‬
‫ف ْ‬ ‫ش َ‬‫ة وَك َ َ‬ ‫ه لُ ّ‬
‫ج ً‬ ‫سب َت ْ ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ملكها ‪ ،‬وسلطانا هو أعظم من سلطانها } فَل َ ّ‬
‫ما َرأت ْ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫مّرد ٌ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح ُ‬ ‫صْر ٌ‬‫ه َ‬ ‫ساقَي َْها { ‪ ،‬ل تشك أنه ماء تخوضه ‪ ،‬قيل لها ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫واِريَر { ‪ ،‬فلما وقفت على سليمان ‪ ،‬دعاها إلى عبادة الله ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬ ‫قَ َ‬
‫وعاتبها في عبادتها الشمس من دون الله‪ .‬فقالت بقول الزنادقة ‪ ،‬فوقع‬
‫دا إعظاما لما قالت ‪ ،‬وسجد معه الناس ‪ ،‬فسقط في يديها حين‬ ‫سليمان ساج ً‬
‫رأت سليمان صنع ما صنع ‪ ،‬فلما رفع سليمان رأسه قال ‪ :‬ويحك! ماذا‬
‫سي‬‫ت نَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ف‬ ‫م ُ‬‫ب إ ِّني ظ َل َ ْ‬ ‫قلت ؟ ‪ -‬قال ‪ (6) :‬وأنسيت ما قالت )‪ (7‬فقالت ‪َ } :‬ر ّ‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬فأسلمت وحسن إسلمها‪.‬‬ ‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫ن ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫مع َ ُ‬
‫ت َ‬ ‫م ُ‬‫سل َ ْ‬‫وَأ ْ‬
‫وقد روى المام أبو بكر بن أبي شيبة في هذا أثًرا غريبا عن ابن عباس ‪،‬‬
‫قال ‪ (8) :‬حدثنا الحسين بن علي ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬حدثني عطاء بن السائب ‪،‬‬
‫حدثنا مجاهد ‪ ،‬ونحن في الزد ‪ -‬قال ‪ :‬حدثنا ابن عباس قال ‪ :‬كان سليمان ‪،‬‬
‫ضعُ كراسي حوله ‪ ،‬فيجلس عليها‬ ‫عليه السلم ‪ ،‬يجلس على سريره ‪ ،‬ثم ُتو َ‬
‫النس ‪ ،‬ثم يجلس )‪ (9‬الجن ‪ ،‬ثم الشياطين ‪ ،‬ثم تأتي الريح فترفعهم ‪ ،‬ثم‬
‫تظلهم الطير ‪ ،‬ثم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬هلف"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬زوج"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬وقال سليمان"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الشيطان"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬قالت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬ما قلت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ :‬فقال‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬تجلس"‪.‬‬

‫) ‪(6/195‬‬

‫يغدون قدر ما يشتهي الراكب أن ينزل شهًرا ورواحها شهًرا ‪ ،‬قال ‪ :‬فبينما هو‬
‫يل‬ ‫ما ل ِ ْ َ‬ ‫ذات يوم في مسير له ‪ ،‬إذ تفقد الطير ففقد الهدهد فقال ‪َ } (1) :‬‬
‫ه أ َوْ لي َأت ِي َّني‬
‫َ‬ ‫حن ّ ُ‬
‫َ‬
‫دا أوْ لذ ْب َ َ‬
‫دي ً‬ ‫ذاًبا َ‬
‫ش ِ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ن ال َْغائ ِِبي َ‬
‫ن * لعَذ ّب َن ّ ُ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫كا َ‬
‫َ‬
‫أَرى ال ْهُد ْهُد َ أ ْ‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪ :‬فكان عذابه إياه أن ينتفه ‪ ،‬ثم يلقيه في الرض ‪ ،‬فل‬ ‫سل ْ َ‬
‫مِبي ٍ‬‫ن ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫بِ ُ‬
‫يمتنع من نملة ول من شيء من هوام الرض‪.‬‬
‫ث‬ ‫َ‬
‫مك َ‬ ‫َ‬
‫جَبير عن ابن عباس مثل حديث مجاهد } ف َ‬ ‫قال عطاء ‪ :‬وذكر سعيد بن ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫م ك ُن ْ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫صد َقْ َ‬ ‫سن َن ْظ ُُر أ َ‬ ‫ل َ‬ ‫غَي َْر ب َِعيد ٍ { ‪ -‬فقرأ حتى انتهى إلى قوله ‪َ } -‬قا َ‬
‫حيم ِ { ‪ ،‬إلى‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫سم ِ الل ّهِ الّر ْ‬
‫ح َ‬ ‫ذا { وكتب } ب ِ ْ‬ ‫ب ب ِك َِتاِبي هَ َ‬ ‫ن اذ ْهَ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كاذِِبي َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬فلما ألقى الهدهد بالكتاب )‪(2‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ي وَأُتوِني ُ‬ ‫بلقيس ‪ } :‬أل ت َعُْلوا عَل َ ّ‬
‫إليها ‪ ،‬ألقي في ُروعها ‪ :‬إنه كتاب كريم ‪ ،‬وإنه من سليمان ‪ ،‬وأن ل تعلوا علي‬
‫وأتوني مسلمين‪ .‬قالوا ‪ :‬نحن أولو قوة‪ .‬قالت ‪ :‬إن الملوك إذا دخلوا قرية‬
‫أفسدوها ‪ ،‬وإني مرسلة إليهم بهدية‪ .‬فلما جاءت الهدية سليمان قال ‪:‬‬
‫أتمدونني بمال ‪ ،‬ارجع إليهم‪ .‬فلما نظر إلى الغبار ‪ -‬أخبرنا ابن عباس قال ‪:‬‬
‫ن معها حين نظر إلى الغبار كما بيننا‬ ‫م ْ‬ ‫وكان بين سليمان وبين ملكة سبأ و َ‬
‫وبين الحيرة ‪ ،‬قال عطاء ‪ :‬ومجاهد حينئذ في الزد ‪ -‬قال سليمان ‪ :‬أيكم‬
‫يأتيني بعرشها ؟ قال ‪ :‬وبين عرشها وبين سليمان حين نظر إلى الغبار‬
‫ك به قَب َ َ‬ ‫فريت من ال ْج َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن أَنا آِتي َ ِ ِ ْ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ٌ ِ َ‬ ‫ع ْ‬‫ل ِ‬ ‫مسيرة شهرين ‪َ } ،‬قا َ‬
‫ك {‪ .‬قال ‪ :‬وكان لسليمان مجلس يجلس فيه للناس ‪ ،‬كما يجلس‬ ‫م َ‬ ‫قا ِ‬‫م َ‬
‫َ‬
‫مك {‪ .‬قال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫المراء ثم يقوم ‪ -‬قال ‪ } (3) :‬أَنا آِتيك ب ِهِ قَب ْ َ‬
‫قا ِ‬ ‫م َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ن تَ ُ‬
‫لأ ْ‬
‫سليمان ‪ :‬أريد أعجل من ذلك‪ .‬فقال الذي عنده علم من الكتاب ‪ :‬أنا أنظر‬
‫في كتاب ربي ‪ ،‬ثم آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك‪ .‬قال ‪] :‬فنظر إليه‬
‫سليمان فلما قطع كلمه رد سليمان بصره[ )‪ ، (4‬فنبع عرشها من تحت قدم‬
‫سليمان ‪ ،‬من تحت كرسي كان سليمان يضع عليه رجله ‪ ،‬ثم يصعد إلى‬
‫السرير‪ .‬قال ‪ :‬فلما رأى سليمان عرشها ]مستقًرا عنده[ )‪ (5‬قال ‪ } :‬هَ َ‬
‫ذا‬
‫شَها { ‪ ،‬فلما جاءت قيل لها ‪ :‬أهكذا‬ ‫ل ن َك ُّروا ل ََها عَْر َ‬ ‫ل َرّبي { ‪َ } ،‬قا َ‬ ‫ض ِ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫عرشك ؟ قالت ‪ :‬كأنه هو‪ .‬قال ‪ :‬فسألته عن أمرين ‪ ،‬قالت لسليمان ‪ :‬أريد‬
‫ماء ]من زبد رواء[ )‪ (6‬ليس من أرض ول من سماء ‪ -‬وكان سليمان إذا سئل‬
‫عن شيء ‪ ،‬سأل النس ثم الجن ثم الشياطين‪] .‬قال[ )‪ (7‬فقالت‬
‫ل ثم خذ عرقها ‪ ،‬ثم امل منه النية‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫جرِ الخي َ‬ ‫الشياطين ‪ :‬هذا هين ‪ ،‬أ ْ‬
‫فأمر بالخيل )‪ (8‬فأجريت ‪ ،‬ثم أخذ عرقها فمل منه النية‪ .‬قال ‪ :‬وسألت عن‬
‫دا ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬ ‫لون الله عز وجل‪ .‬قال ‪ :‬فوثب سليمان عن سريره ‪ ،‬فخر ساج ً‬
‫رب ‪ ،‬لقد سأل َْتني عن أمر إنه يتكايد )‪ ، (9‬أي ‪ :‬يتعاظم في قلبي أن أذكره‬
‫فيتكهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فرجع إلى سريره فقال ‪ :‬ما سألت عنه‬ ‫لك‪ .‬قال ‪ :‬ارجع فقد ك َ َ‬
‫؟ قالت ‪ :‬ما سألتك إل عن الماء‪ .‬فقال لجنوده ‪ :‬ما سألت عنه ؟ فقالوا ‪ :‬ما‬
‫سَليمان ‪:‬‬ ‫سألتك إل عن الماء‪ .‬قال ‪ :‬وَنسوه كّلهم‪ .‬قال ‪ :‬وقالت الشياطين ل ُ‬
‫ُتريد ُ أن تتخذها لنفسك )‪ ، (10‬فإن اتخذها لنفسه ثم ولد بينهما ولد ‪ ،‬لم‬
‫حا ممرًدا من قوارير ‪ ،‬فيه السمك‪.‬‬ ‫ننفك من عبوديته‪ .‬قال ‪ :‬فجعلوا صر ً‬
‫قال ‪ :‬فقيل لها ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬قال وتفقد الهدهد قال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هذا الكتاب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬أمر الخيل"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ليتكابر"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يريد أن يتخذها لنفسه"‪.‬‬
‫) ‪(6/196‬‬

‫شعَْراء‪.‬‬ ‫ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة ‪ ،‬وكشفت عن ساقيها ‪ ،‬فإذا هي َ‬
‫فقال سليمان ‪ :‬هذا قبيح ‪ ،‬ما يذهبه ؟ فقالوا ‪ :‬تذهبه )‪ (1‬المواسي‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫أثر الموسى )‪ (2‬قبيح! قال ‪ :‬فجعلت الشياطين النوَرة‪ .‬قال ‪ :‬فهو أول من‬
‫جعلت له النورة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ثم قال أبو بكر بن أبي شيبة ‪ :‬ما أحسنه من حديث‪.‬‬
‫دا ‪ ،‬ولعله من أوهام عطاء بن السائب على ابن‬ ‫قلت ‪ :‬بل هو منكر غريب ج ً‬
‫عباس ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬والقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل‬
‫الكتاب ‪ ،‬مما يوجد في صحفهم ‪ ،‬كروايات كعب ووهب ‪ -‬سامحهما الله تعالى‬
‫‪ -‬فيما نقله إلى هذه المة من أخبار بني إسرائيل ‪ ،‬من الوابد )‪ (3‬والغرائب‬
‫والعجائب ‪ ،‬مما كان وما لم يكن ‪ ،‬ومما حرف وبدل ونسخ‪ .‬وقد أغنانا الله ‪،‬‬
‫سبحانه ‪ ،‬عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫أصل الصرح في كلم العرب ‪ :‬هو القصر ‪ ،‬وكل بناء مرتفع ‪ ،‬قال الله ‪،‬‬
‫ن‬
‫فرعون ‪ -‬لعنه الله ‪َ -‬أنه قال لوزيره هامان } اب ْ ِ‬ ‫سبحانه وتعالى ‪ ،‬إخباًرا عن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سى { الية‬ ‫مو َ‬ ‫ت فَأطل ِعَ إ ِلى إ ِلهِ ُ‬ ‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫سَبا َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫سَبا َ‬‫حا ل َعَّلي أب ْل ُغُ ال ْ‬
‫صْر ً‬
‫ِلي َ‬
‫]غافر ‪ .[37 ، 36 :‬والصرح ‪ :‬قصر في اليمن عالي البناء ‪ ،‬والممرد أي ‪:‬‬
‫واِريَر { أي ‪ :‬زجاج‪ .‬وتمريد البناء تمليسه‪.‬‬ ‫ن قَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫المبنى بناء محكما أملس } ِ‬
‫ومارد ‪ :‬حصن بدومة الجندل‪.‬‬
‫والغرض أن سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬اتخذ قصرا عظيما منيفا من زجاج لهذه‬
‫الملكة ؛ ليريها عظمة سلطانه وتمكنه ‪ ،‬فلما رأت ما آتاه الله ‪ ،‬تعالى ‪،‬‬
‫وجللة ما هو فيه ‪ ،‬وتبصرت في أمره انقادت لمر الله )‪ (4‬وعََرفت أنه نبي‬
‫ت‬
‫م ُ‬‫ب إ ِّني ظ َل َ ْ‬‫كريم ‪ ،‬وملك عظيم ‪ ،‬فأسلمت لله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وقالت ‪َ } :‬ر ّ‬
‫سي { أي ‪ :‬بما سلف من كفرها وشركها وعبادتها وقومها الشمس )‪(5‬‬ ‫ف ِ‬
‫نَ ْ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬متابعة لدين‬ ‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫ن ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫مع َ ُ‬ ‫ت َ‬‫م ُ‬ ‫سل َ ْ‬
‫من دون الله ‪ } ،‬وَأ ْ‬
‫سليمان في عبادته لله )‪ (6‬وحده ‪ ،‬ل شريك له ‪ ،‬الذي خلق كل شيء فقدره‬
‫تقديًرا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يذهبه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬المواسي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬النوادر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬لوامر الله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬للشمس"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬في عبادة الله"‪.‬‬

‫) ‪(6/197‬‬

‫َ‬ ‫مود َ أ َ َ‬ ‫ول َ َ َ‬


‫ن‬
‫مو َ‬‫ص ُ‬
‫خت َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬‫قا ِ‬ ‫ري َ‬ ‫م فَ ِ‬ ‫ه فَإ َِذا هُ ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫حا أ ِ‬ ‫صال ِ ً‬
‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫سل َْنا إ َِلى ث َ ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ن الل َّ‬
‫ه‬ ‫رو‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫َ َ َ ِ ْ َ ْ َ ِ ُ َ‬‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ة‬‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ة‬
‫َ ِ ّ ّ ِ ْ‬‫َ‬ ‫ئ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫بال‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ج‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫ْ ِ َ َ ْ َْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫(‬ ‫‪45‬‬ ‫)‬
‫عن ْد َ الل ّهِ ب َ ْ‬
‫ل‬ ‫م ِ‬ ‫طائ ُِرك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫معَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك وَب ِ َ‬ ‫ن )‪َ (46‬قاُلوا اط ّي ّْرَنا ب ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫أن ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫مود َ أ َ َ‬ ‫} ول َ َ َ‬
‫ن‬ ‫قا ِ‬
‫ري َ‬ ‫م فَ ِ‬ ‫ه فَإ َِذا هُ ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫حا أ ِ‬ ‫صال ِ ً‬‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫سل َْنا إ َِلى ث َ ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ول‬ ‫َ‬
‫سن َةِ ل ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سي ّئةِ قب ْل ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫جلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬‫م تَ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (45‬قال َيا قوْم ِ ل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ك َقالَ‬ ‫معَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (46‬قالوا اطي ّْرَنا ب ِك وَب ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫ُ‬
‫ه لعَلك ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن )‪{ (47‬‬ ‫نو‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ل أَ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُْ ْ ْ ٌ ُ َُ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫طا ِ ُ ْ ِ ْ َ‬
‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ئ‬
‫يخبر تعالى عن ثمود وما كان من أمرها مع نبيها صالح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين‬
‫بعثه الله إليهم ‪ ،‬فدعاهم إلى عبادة الله وحده ل شريك له ‪ } ،‬فَإ َِذا هُ ْ‬
‫م‬
‫مل‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫ن { قال مجاهد ‪ :‬مؤمن وكافر ‪ -‬كقوله تعالى ‪َ } :‬قا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫ري َ‬ ‫فَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حا‬
‫صال ِ ً‬‫ن َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫م أت َعْل ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م َ‬
‫نآ َ‬‫م ْ‬ ‫فوا ل ِ َ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مهِ ل ِل ِ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ست َك ْب َُروا ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫ذي‬ ‫ست َك ْب َُروا إ ِّنا ِبال ّ ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫ن َرب ّهِ َقاُلوا إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫مْر َ‬ ‫ُ‬
‫ن { ]العراف ‪.[76 ، 75 :‬‬ ‫م ب ِهِ كافُِرو َ‬‫َ‬ ‫من ْت ُْ‬ ‫آ َ‬

‫) ‪(6/197‬‬

‫ن )‪َ (48‬قاُلوا‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫ض وََل ي ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن ِفي اْل َْر‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ط يُ ْ‬‫ة َرهْ ٍ‬ ‫سعَ ُ‬ ‫دين َةِ ت ِ ْ‬ ‫م ِ‬‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك أهْل ِهِ وَإ ِّنا‬ ‫مهْل ِ َ‬‫شهِد َْنا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ل ِوَل ِي ّهِ َ‬ ‫قول َ ّ‬ ‫م ل َن َ ُ‬
‫ه ثُ ّ‬‫ه وَأهْل َ ُ‬ ‫موا ِبالل ّهِ ل َن ُب َي ّت َن ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫قا َ‬ ‫تَ َ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (50‬فان ْظْر كي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬‫َ‬ ‫مكًرا وَهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫مكْرَنا َ‬‫َ‬ ‫مكًرا وَ َ‬‫ْ‬ ‫مكُروا َ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (49‬وَ َ‬ ‫ُ‬
‫صادِقو َ‬ ‫لَ َ‬
‫ن )‪ (51‬فَت ِل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ة بِ َ‬
‫خاوِي َ ً‬ ‫م َ‬ ‫ك ب ُُيوت ُهُ ْ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫م وَقَوْ َ‬ ‫مْرَناهُ ْ‬ ‫م أّنا د َ ّ‬ ‫مك ْرِهِ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫قو َ‬ ‫كاُنوا ي َت ّ ُ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫جي َْنا ال ّ ِ‬
‫ن )‪ (52‬وَأن ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫ك َلي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫موا إ ِ ّ‬ ‫ظ َل َ ُ‬
‫‪(53‬‬

‫سن َةِ { ‪ ،‬أي ‪ :‬لم تدعون بحضور‬ ‫ح َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫سي ّئ َةِ قَب ْ َ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫جُلو َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ ل ِ َ‬ ‫} َقا َ‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫العذاب ‪ ،‬ول تطلبون من الله رحمته ؟ ولهذا قال ‪ } :‬ل ْ‬
‫ك { أي ‪ :‬ما رأينا على وجهك‬ ‫معَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك وَب ِ َ‬ ‫ن * َقاُلوا اط ّي ّْرَنا ب ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫دا منهم سوءٌ‬ ‫ن اتبعك خيرا‪ .‬وذلك أنهم ‪ -‬لشقائهم ‪ -‬كان ل يصيب أح ً‬ ‫م ْ‬ ‫ووجوه َ‬
‫إل قال ‪ :‬هذا من قبل صالح وأصحابه‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬تشاءموا بهم‪ .‬وهذا كما قال تعالى إخباًرا عن قوم فرعون ‪:‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ة ي َط ّي ُّروا ب ِ ُ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬
‫م َ‬ ‫صب ْهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫ة َقاُلوا ل ََنا هَذِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جاَءت ْهُ ُ‬ ‫} فَإ َِذا َ‬
‫مع َ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ { ]العراف ‪ .[131 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫م ِ‬ ‫طائ ُِرهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ه أل إ ِن ّ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ئ‬‫ّ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫م‬
‫ُ ْ َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫إ‬
‫َِ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫م‬‫صب ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫تُ ِ‬
‫عن ْدِ اللهِ { ]النساء ‪ [78 :‬أي ‪ :‬بقضاء الله وقدره )‪.(1‬‬ ‫ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫ك قُ ْ‬ ‫عن ْدِ َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫م لئ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقال مخبًرا عن أهل القرية إذ جاءها المرسلون ‪َ } :‬قالوا إ ِّنا ت َطي ّْرَنا ب ِك ْ‬
‫م‪َ .‬قاُلوا َ‬ ‫َ‬
‫م { ]يس ‪:‬‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫طائ ُِرك ُ ْ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫مّنا عَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫سن ّك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَل َي َ َ‬ ‫من ّك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م ت َن ْت َُهوا ل َن َْر ُ‬ ‫لَ ْ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ { أي‬ ‫م ِ‬ ‫طائ ُِرك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫معَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك وَب ِ َ‬ ‫‪ .[19 ، 18‬وقال هؤلء ‪ } :‬اط ّي ّْرَنا ب ِ َ‬
‫‪ :‬الله يجازيكم على ذلك } ب ْ َ‬
‫ن { قال قتادة ‪ :‬تبتلون بالطاعة‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫والمعصية‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬تستدرجون فيما أنتم فيه من‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫والظاهر أن المراد بقوله ‪ } :‬ت ُ ْ‬
‫الضلل‪.‬‬
‫ن )‪َ (48‬قاُلوا‬ ‫حو‬
‫ْ ِ َ ُ ْ ِ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫س‬
‫َ ِ َ ِ ِ ْ َ ُ َ ْ ٍ ُ ِ ُ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫} وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك أهْل ِهِ وَإ ِّنا‬ ‫مهْل ِ َ‬ ‫شهِد َْنا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ل ِوَل ِي ّهِ َ‬ ‫قول َ ّ‬ ‫م ل َن َ ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ه وَأهْل َ ُ‬ ‫موا ِبالل ّهِ ل َن ُب َي ّت َن ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫قا َ‬ ‫تَ َ‬
‫ف‬‫ن )‪َ (50‬فان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫مك ًْرا وَهُ ْ‬ ‫مك َْرَنا َ‬ ‫مك ًْرا وَ َ‬ ‫مك َُروا َ‬ ‫ن )‪ (49‬وَ َ‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫لَ َ‬
‫ن )‪ (51‬فَت ِل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ة بِ َ‬ ‫خاوِي َ ً‬ ‫م َ‬ ‫ك ب ُُيوت ُهُ ْ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫م وَقَوْ َ‬ ‫مْرَناهُ ْ‬ ‫م أّنا د َ ّ‬ ‫مك ْرِهِ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قو َ‬ ‫كاُنوا ي َت ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي َْنا ال ِ‬ ‫ن )‪ (52‬وَأن ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل ُ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫موا إ ِ ّ‬ ‫ظل ُ‬
‫‪.{ (53‬‬
‫يخبر تعالى عن طغاة ثمود ورؤوسهم ‪ ،‬الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضللة‬
‫والكفر وتكذيب صالح ‪ ،‬وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة ‪ ،‬وهموا بقتل‬
‫ضا ‪ ،‬بأن يبيتوه في أهله ليل فيقتلوه غي َْلة ‪ ،‬ثم يقولوا لوليائه من‬ ‫صالح أي ً‬
‫أقربيه ‪ :‬إنهم ما علموا بشيء من أمره ‪ ،‬وإنهم لصادقون فيما أخبروهم به ‪،‬‬
‫دين َةِ { أي ‪ :‬مدينة‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫من أنهم لم يشاهدوا ذلك ‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫كا َ‬
‫ض َول‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫دو َ‬
‫س ُ‬‫ف ِ‬‫ط { أي ‪ :‬تسعة نفر ‪ } ،‬ي ُ ْ‬
‫ة َرهْ ٍ‬‫سعَ ُ‬
‫ثمود ‪ } ،‬ت ِ ْ‬
‫ن { وإنما غلب هؤلء على أمر ثمود ؛ لنهم كانوا كبراء فيهم‬ ‫حو َ‬‫صل ِ ُ‬
‫يُ ْ‬
‫ورؤساءهم‪.‬‬
‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هؤلء هم الذين عقروا الناقة ‪ ،‬أي ‪ :‬الذي‬ ‫قال العَ ْ‬
‫صدر ذلك عن آرائهم ومشورتهم ‪ -‬قبحهم الله ولعنهم ‪ -‬وقد فعل ذلك‪.‬‬
‫دي ‪ ،‬عن أبي مالك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان أسماء هؤلء التسعة ‪:‬‬ ‫س ّ‬ ‫وقال ال ّ‬
‫دعمى ‪ ،‬ودعيم ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بقدر الله وقضائه"‪.‬‬

‫) ‪(6/198‬‬

‫وهرما ‪ ،‬وهريم ‪ ،‬وداب ‪ ،‬وصواب ‪ ،‬ورياب ‪ ،‬ومسطع ‪ ،‬وقدار بن سالف عاقر‬


‫م‬
‫حب َهُ ْ‬ ‫الناقة ‪ ،‬أي ‪ :‬الذي باشر ذلك بيده‪ .‬قال الله تعالى ‪ } :‬فََناد َْوا َ‬
‫صا ِ‬
‫ها {‬ ‫قا َ‬
‫ش َ‬‫ث أَ ْ‬‫قَر { ]القمر ‪ ، [29 :‬وقال تعالى } إ ِذِ ان ْب َعَ َ‬ ‫طى فَعَ َ‬‫فَت ََعا َ‬
‫]الشمس ‪.[12 :‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا يحيى بن ربيعة الصنعاني ‪ ،‬سمعت عطاء ‪ -‬هو ابن‬
‫ض َول‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬‫ف ِ‬
‫ط يُ ْ‬ ‫ة َرهْ ٍ‬ ‫سعَ ُ‬‫دين َةِ ت ِ ْ‬‫م ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫أبي رباح ‪ -‬يقول ‪ } :‬وَ َ‬
‫كا َ‬
‫ن { قال ‪ :‬كانوا يقرضون الدراهم )‪ ، (1‬يعني ‪ :‬أنهم كانوا يأخذون منها‬ ‫حو َ‬
‫صل ِ ُ‬
‫يُ ْ‬
‫‪ ،‬وكأنهم كانوا يتعاملون بها عدًدا ‪ ،‬كما كان العرب يتعاملون‪.‬‬
‫وقال المام مالك ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب أنه قال ‪:‬‬
‫طع الذهب والورق من الفساد في الرض )‪.(2‬‬ ‫قَ ْ‬
‫وفي الحديث ‪ -‬الذي رواه أبو داود وغيره ‪ : -‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إل من بأس )‪.(3‬‬
‫والغرض أن هؤلء الكفرة الفسقة ‪ ،‬كان من صفاتهم الفساد في الرض بكل‬
‫طريق يقدرون عليها ‪ ،‬فمنها ما ذكره هؤلء الئمة وغير ذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫ه { أي ‪ :‬تحالفوا وتبايعوا على قتل‬ ‫ه وَأهْل َ ُ‬‫موا ِبالل ّهِ ل َن ُب َي ّت َن ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬قاُلوا ت َ َ‬
‫قا َ‬
‫نبي الله صالح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من لقيه ليل غيلة‪ .‬فكادهم الله ‪ ،‬وجعل‬
‫الدائرة عليهم‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬تقاسموا وتحالفوا )‪ (4‬على هلكه ‪ ،‬فلم يصلوا إليه حتى هلكوا‬
‫وقومهم أجمعين‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬توافقوا على أن يأخذوه ليل فيقتلوه ‪ ،‬وذكر لنا أنهم بينما هم‬
‫مَعانيق إلى صالح ليفتكوا به ‪ ،‬إذ بعث الله عليهم صخرة فأهمدتهم‪.‬‬ ‫َ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هم الذين عقروا الناقة ‪ ،‬قالوا حين عقروها ‪:‬‬
‫ن ُب َّيت صالحا ]وأهله[ )‪ (5‬وقومه فنقتلهم ‪ ،‬ثم نقول لولياء صالح ‪ :‬ما شهدنا‬
‫من هذا شيئا ‪ ،‬وما لنا به من علم‪ .‬فدمرهم الله أجمعين‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬قال هؤلء التسعة بعدما عقروا الناقة ‪ :‬هَلم فلنقتل‬
‫حا ‪ ،‬فإن كان صادًقا عجلناه قبلنا ‪ ،‬وإن كان كاذًبا كنا قد ألحقناه بناقته!‬ ‫صال ً‬
‫فأتوه ليل ليبّيتوه في أهله ‪ ،‬فدمغتهم الملئكة بالحجارة ‪ ،‬فلما أبطؤوا على‬
‫منزل صالح ‪ ،‬فوجدوهم منشدخين قد رضخوا بالحجارة ‪،‬‬ ‫أصحابهم ‪ ،‬أتوا َ‬
‫فقالوا لصالح ‪ :‬أنت قتلتهم ‪ ،‬ثم هموا به ‪ ،‬فقامت عشيرته دونه ‪ ،‬ولبسوا‬
‫دا ‪ ،‬وقد وعدكم أن العذاب نازل بكم‬ ‫السلح ‪ ،‬وقالوا لهم ‪ :‬والله ل تقتلونه أب ً‬
‫في ثلث ‪ ،‬فإن كان صادًقا فل تزيدوا ربكم عليكم غضًبا ‪ ،‬وإن كان كاذبا فأنتم‬
‫من وراء ما تريدون‪ .‬فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير عبد الرزاق )‪.(2/70‬‬
‫)‪ (2‬الموطأ )‪.(2/635‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪.(3449‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬تحالفوا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(6/199‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ش َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫م ل َت َأُتو َ‬
‫ن‬ ‫ن )‪ (54‬أئ ِن ّك ُ ْ‬‫صُرو َ‬
‫م ت ُب ْ ِ‬
‫ة وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ح َ‬‫فا ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫مهِ أت َأُتو َ‬‫قو ْ ِ‬
‫ل لِ َ‬ ‫وَُلو ً‬
‫طا إ ِذ ْ َقا َ‬
‫َ‬
‫جهَُلو َ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ساِء ب َ ْ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شهْوَة ً ِ‬‫ل َ‬ ‫جا َ‬‫الّر َ‬

‫مت ُّعوا‬ ‫وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم ‪ :‬لما عقروا الناقة وقال لهم صالح ‪ } :‬ت َ َ‬
‫ب { ]هود ‪ ، [65 :‬قالوا ‪ :‬زعم صالح‬ ‫ذو ٍ‬ ‫مك ْ ُ‬ ‫ك وَعْد ٌ غَي ُْر َ‬ ‫ة أ َّيام ٍ ذ َل ِ َ‬ ‫م َثلث َ َ‬ ‫ِفي َدارِك ُ ْ‬
‫أنه يفرغ منا إلى ثلثة أيام ‪ ،‬فنحن نفرغ منه وأهله قبل ثلث‪ .‬وكان لصالح‬
‫جر عند شعب هناك يصلي فيه ‪ ،‬فخرجوا إلى كهف ‪ ،‬أي ‪ :‬غار‬ ‫مسجد في الح ْ‬
‫هناك ليل فقالوا ‪ :‬إذا جاء يصلي قتلناه )‪ ، (1‬ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى‬
‫ضب حيالهم ‪ ،‬فخشوا أن‬ ‫أهله ‪ ،‬ففرغنا منهم‪ .‬فبعث الله صخرة من اله َ‬
‫تشدخهم فتبادروا )‪ (2‬فانطبقت عليهم الصخرة وهم في ذلك الغار ‪ ،‬فل‬
‫يدري قومهم أين هم ‪ ،‬ول يدرون ما فعل بقومهم‪ .‬فعذب الله هؤلء هاهنا ‪،‬‬
‫مك َْرَنا‬ ‫مك ًْرا وَ َ‬ ‫مك َُروا َ‬ ‫حا ومن معه ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬وَ َ‬ ‫وهؤلء هاهنا ‪ ،‬وأنجى الله صال ً‬
‫َ‬ ‫ن َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫م‬
‫مهُ ْ‬ ‫م وَقَوْ َ‬ ‫مْرَناهُ ْ‬ ‫م أّنا د َ ّ‬‫مك ْرِهِ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫مك ًْرا وَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موا إ ِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫ما‬ ‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫}‬ ‫أحد‬ ‫فيها‬ ‫ليس‬ ‫فارغة‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫َِ‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫خا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫يو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عي‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫أ َ‬
‫ج‬‫ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫كاُنوا ي َت ّ ُ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي َْنا ال ّ ِ‬
‫ن‪ .‬وَأن ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫} وَلوطا إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫م لت َأُتو َ‬ ‫ن )‪ (54‬أئ ِن ّك ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ت ُب ْ ِ‬ ‫ة وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫مهِ أت َأُتو َ‬ ‫قو ْ ِ‬‫ل لِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (55‬‬ ‫جهَلو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ساِء ب َ ْ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شهْوَة ً ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جا َ‬ ‫الّر َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقلناه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فبادروا"‪.‬‬

‫) ‪(6/200‬‬

‫إنه ُ‬ ‫جوا آ َ َ‬ ‫ن َقاُلوا أ َ ْ‬ ‫َ‬


‫س‬‫م أَنا ٌ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ن قَْري َت ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬‫ط ِ‬‫ل ُلو ٍ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫مهِ إ ِّل أ ْ‬ ‫ب قَوْ ِ‬‫وا َ‬‫ج َ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫فَ َ‬
‫مط َْرَنا‬ ‫)ِ‪ (57‬وأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ‬ ‫ن‬‫ري َ‬‫ن ال َْغاب ِ ِ‬‫م َ‬
‫ها ِ‬‫ه قَد ّْرَنا َ‬ ‫ه إ ِّل ا ْ‬
‫مَرأت َ ُ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل َ ُ‬‫ن )‪ (56‬فَأن ْ َ‬ ‫ي َت َط َهُّرو َ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫من ْذ َِري َ‬‫مط َُر ال ْ ُ‬ ‫ساَء َ‬ ‫مط ًَرا فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ل ُلوط من قَريت ِك ُم إنه ُ‬ ‫ن َقاُلوا أ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫س‬‫م أَنا ٌ‬ ‫ٍ ِ ْ ْ َ ْ ِّ ُ ْ‬ ‫جوا آ َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫مهِ ِإل أ ْ‬ ‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫} فَ َ‬
‫مط َْرَنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (57‬وَأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ن ال َْغاب ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ها ِ‬ ‫ه قَد ّْرَنا َ‬ ‫مَرأت َ ُ‬ ‫ه ِإل ا ْ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل َ ُ‬ ‫ن )‪ (56‬فَأن ْ َ‬ ‫ي َت َط َهُّرو َ‬
‫ن )‪.{ (58‬‬ ‫من ْذ َِري َ‬ ‫مط َُر ال ْ ُ‬ ‫ساَء َ‬ ‫مط ًَرا فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫يخبر تعالى عن عبده لوط عليه السلم ‪ ،‬أنه أنذر قومه نقمة الله بهم ‪ ،‬في‬
‫فعلهم الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم ‪ ،‬وهي إتيان الذكور‬
‫دون الناث ‪ ،‬وذلك فاحشة عظيمة ‪ ،‬استغنى الرجال بالرجال ‪ ،‬والنساء‬
‫ضا‬ ‫ش َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬يرى بعضكم بع ً‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ت ُب ْ ِ‬ ‫ة وَأن ْت ُ ْ‬ ‫فا ِ‬ ‫بالنساء ‪ -‬قال )‪ } (1‬أت َأُتو َ‬
‫‪ ،‬وتأتون في ناديكم المنكر ؟‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل‬ ‫جهَلو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ساِء ب َ ْ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ُدو‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫شهْوَة ً ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جا َ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م ل َت َأُتو َ‬ ‫} أئ ِن ّك ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫عا ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ } :‬أت َأُتو َ‬ ‫تعرفون شيًئا ل طبًعا ول شر ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م قَوْ ٌ‬
‫م‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫جك ْ‬‫ُ‬ ‫ن أْزَوا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫م َرب ّك ْ‬ ‫ُ‬
‫خلقَ لك ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن * وَت َذ َُرو َ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال َْعال َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫الذ ّك َْرا َ‬
‫ن { ]الشعراء ‪.[166 ، 165 :‬‬ ‫عاُدو َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫م أَنا ٌ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن قَْري َت ِك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ل لو ٍ‬ ‫جوا آ َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ن َقالوا أ ْ‬ ‫مهِ ِإل أ ْ‬ ‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬‫ن َ‬ ‫ما كا َ‬ ‫} فَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يتحرجون )‪ (2‬من فعل ما تفعلونه ‪ ،‬ومن إقراركم على‬ ‫ي َت َط َهُّرو َ‬
‫صنيعكم ‪ ،‬فأخرجوهم من بين أظهركم فإنهم ل يصلحون لمجاورتكم في‬
‫بلدكم‪ .‬فعزموا على ذلك ‪ ،‬فدمر الله عليهم وللكافرين أمثالها‪.‬‬
‫قال الله تعالى ‪ } :‬فَأ َنجيناه وأ َهْل َه إل ا َ‬
‫ن { أي ‪ :‬من‬ ‫ري َ‬ ‫ن ال َْغاب ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ها ِ‬ ‫ه قَد ّْرَنا َ‬ ‫مَرأت َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ْ َ َْ ُ َ‬
‫الهالكين مع قومها ؛ لنها كانت ردًءا لهم على دينهم ‪ ،‬وعلى طريقتهم في‬
‫رضاها بأفعالهم القبيحة ‪ ،‬فكانت )‪ (3‬تدل قومها على ضيفان لوط ‪ ،‬ليأتوا‬
‫إليهم ‪ ،‬ل أنها كانت تفعل الفواحش )‪ (4‬تكرمة لنبي الله صلى الله عليه‬
‫وسلم )‪ (5‬ل كرامة لها )‪.(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يخرجون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬وكانت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الفاحشة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬صلوات الله عليه وسلمه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬بها"‪.‬‬

‫) ‪(6/200‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫كو َ‬‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫خي ٌْر أ ّ‬
‫ه َ‬ ‫فى آلل ّ ُ‬ ‫صط َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫عَبادِهِ ال ّ ِ‬
‫م عََلى ِ‬ ‫سَل ٌ‬‫مد ُ ل ِل ّهِ وَ َ‬‫ح ْ‬‫ل ال ْ َ‬‫قُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫دائ ِ َ‬
‫ح َ‬‫ماًء فَأن ْب َت َْنا ب ِهِ َ‬‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫ض وَأن َْز َ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬‫أ ْ‬
‫شجر َ َ‬ ‫كان ل َك ُ َ‬
‫ن)‬ ‫م ي َعْدُِلو َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬‫معَ الل ّهِ ب َ ْ‬‫ه َ‬ ‫ها أئ ِل َ ٌ‬ ‫ن ت ُن ْب ُِتوا َ َ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ َ‬ ‫جةٍ َ‬ ‫ت ب َهْ َ‬‫َذا َ‬
‫‪(60‬‬

‫مط ًَرا { أي ‪ :‬حجارة من سجيل منضود مسومة‬ ‫َ‬


‫م َ‬ ‫مط َْرَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫ن{‬‫من ْذ َِري َ‬‫مط َُر ال ْ ُ‬ ‫ساَء َ‬ ‫عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَ َ‬
‫أي ‪ :‬الذين قامت عليهم الحجة ‪ ،‬ووصل إليهم النذار ‪ ،‬فخالفوا الرسول‬
‫موا بإخراجه من بينهم‪.‬‬ ‫وكذبوه ‪َ ،‬وه ّ‬
‫َ‬
‫ن)‬
‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫م َ‬‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫فى آلل ّ ُ‬ ‫صط َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَبادِهِ ال ّ ِ‬ ‫م عََلى ِ‬ ‫سل ٌ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ وَ َ‬ ‫ح ْ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫} قُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماًء فَأن ْب َت َْنا ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل لك ُ ْ‬ ‫ض وَأنز َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫خلقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫‪ (59‬أ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م قَوْ ٌ‬
‫م‬ ‫معَ اللهِ ب َ ْ‬
‫ل هُ ْ‬ ‫ه َ‬‫ها أإ ِل ٌ‬ ‫جَر َ‬‫ش َ‬ ‫ن ت ُن ْب ُِتوا َ‬‫مأ ْ‬ ‫ن لك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫جةٍ َ‬ ‫ت ب َهْ َ‬ ‫دائ ِقَ َذا َ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (60‬‬ ‫ي َعْدُِلو َ‬
‫مد ُ ل ِل ّهِ { أي ‪:‬‬
‫ح ْ‬ ‫يقول تعالى آمًرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ‪ } :‬ال ْ َ‬
‫على نَعمه على عباده ‪ ،‬من النعم التي ل تعد ول تحصى ‪ ،‬وعلى ما اتصف به‬
‫سّلم على عباد الله الذين‬ ‫من الصفات الُعلى والسماء الحسنى ‪ ،‬وأن ي ُ َ‬
‫اصطفاهم واختارهم ‪ ،‬وهم رسله وأنبياؤه الكرام ‪ ،‬عليهم من الله الصلة‬
‫والسلم ‪ ،‬هكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغيره ‪ :‬إن المراد بعباده‬
‫ب‬‫ك َر ّ‬‫ن َرب ّ َ‬‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫الذين اصطفى ‪ :‬هم النبياء ‪ ،‬قال ‪ :‬وهو كقوله تعالى ‪ُ } :‬‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬
‫ح ْ‬‫ن * َوال ْ َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬‫م عََلى ال ْ ُ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ال ْعِّزةِ عَ ّ‬
‫ما ي َ ِ‬
‫]الصافات ‪.[182 - 180 :‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬والسدي ‪ :‬هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬رضي‬
‫]الله[ )‪ (1‬عنهم أجمعين ‪ ،‬وروي نحوه عن ابن عباس‪.‬‬
‫ول منافاة ‪ ،‬فإنهم إذا كانوا من عباد الله الذين اصطفى ‪ ،‬فالنبياء بطريق‬
‫الولى والحرى ‪ ،‬والقصد أن الله تعالى أمر رسوله ومن اتبعه بعد ما ذكر‬
‫لهم )‪ (2‬ما فعل بأوليائه من النجاة والنصر والتأييد ‪ ،‬وما أحل بأعدائه من‬
‫الخزي والنكال والقهر ‪ ،‬أن يحمدوه على جميع )‪ (3‬أفعاله ‪ ،‬وأن يسلموا على‬
‫عباده المصطفين الخيار‪.‬‬
‫صِبيح ‪ ،‬حدثنا ط َْلق بن‬ ‫َ‬ ‫بن‬ ‫عمارة‬ ‫بن‬ ‫محمد‬ ‫حدثنا‬ ‫وقد قال أبو بكر البزار ‪:‬‬
‫غنام ‪ ،‬حدثنا الحكم بن ظ ُهَْير ‪ ،‬عن السدي ‪ -‬إن شاء الله ‪ -‬عن أبي مالك ‪،‬‬
‫فى { قال ‪ :‬هم أصحاب‬ ‫صط َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫عَبادِهِ ال ّ ِ‬ ‫م عََلى ِ‬ ‫سل ٌ‬ ‫عن ابن عباس ‪ } :‬وَ َ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه ‪ ،‬رضي الله عنهم )‪.(4‬‬
‫َ‬
‫ن { ‪ :‬استفهام إنكار على المشركين في‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬‫ما ي ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬
‫ه َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬آلل ّ ُ‬
‫عبادتهم مع الله آلهة أخرى‪.‬‬
‫ثم شرع تعالى يبين )‪ (5‬أنه المنفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره ‪،‬‬
‫َ‬
‫ض { أي ‪ :‬تلك السموات بارتفاعها‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فقال ‪ } :‬أ ّ‬
‫وصفائها ‪ ،‬وما جعل فيها من الكواكب النيرة والنجوم الزاهرة والفلك‬
‫الدائرة ‪ ،‬والرض باستفالها وكثافتها ‪ ،‬وما جعل فيها من الجبال والوعار‬
‫والسهول ‪ ،‬والفيافي والقفار ‪ ،‬والشجار والزروع ‪ ،‬والثمار والبحور )‪(6‬‬
‫والحيوان على اختلف الصناف والشكال واللوان وغير ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬بعد ذكره لهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬جميل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬مسند البزار برقم )‪" (2243‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (7/87‬وفيه الحكم بن ظهير ‪ ،‬وهو متروك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬شرع يبين تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬والبحار"‪.‬‬

‫) ‪(6/201‬‬

‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وََأنز َ‬


‫ماًء { أي ‪ :‬جعله رزقا للعباد ‪ } ،‬فَأن ْب َت َْنا ب ِهِ‬
‫ماِء َ‬‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫ما‬ ‫جةٍ { أي ‪ :‬منظر حسن وشكل بهي ‪َ } ،‬‬ ‫ت ب َهْ َ‬‫دائ ِقَ { أي ‪ :‬بساتين } َذا َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ها { أي ‪ :‬لم تكونوا تقدرون على إنبات شجرها ‪،‬‬ ‫جَر َ‬ ‫ن ت ُن ْب ُِتوا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش َ‬ ‫مأ ْ‬‫ن لك ْ‬‫كا َ‬
‫وإنما يقدر على ذلك الخالق الرازق ‪ ،‬المستقل بذلك المتفرد به ‪ ،‬دون ما‬
‫سواه من الصنام والنداد ‪ ،‬كما يعترف )‪ (1‬به هؤلء المشركون ‪ ،‬كما قال‬
‫َ‬
‫ه{‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫قول ُ‬ ‫م ل َي َ ُ‬‫قهُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬‫م َ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫تعالى في الية الخرى ‪ } :‬وَل ََئ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ض‬
‫حَيا ب ِهِ الْر َ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن نز َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫]الزخرف ‪ } ، [87 :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫ه { ]العنكبوت ‪ [63 :‬أي ‪ :‬هم معترفون بأنه الفاعل‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫موْت َِها ل َي َ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫لجميع ذلك وحده ل شريك له ‪ ،‬ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه ل‬
‫من هو المتفرد بالخلق‬ ‫يخلق ول يرزق ‪ ،‬وإنما يستحق أن ُيفَرد َ بالعبادة َ‬
‫معَ الل ّهِ { أي ‪ :‬أإله مع الله يعبد‪ .‬وقد تبين لكم ‪،‬‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫والرزق ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أإ ِل َ ٌ‬
‫ضا أنه الخالق الرازق‪.‬‬ ‫ولكل ذي لب مما يعرفون )‪ (2‬به أي ً‬
‫معَ اللهِ { ]أي ‪ :‬أإله مع الله[‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫ومن المفسرين من يقول ‪ :‬معنى قوله ‪ } :‬أإ ِل ٌ‬
‫)‪ (3‬فعل هذا‪ .‬وهو يرجع إلى معنى الول ؛ لن تقدير الجواب أنهم يقولون ‪:‬‬
‫م أحد ٌ فعل هذا معه ‪ ،‬بل هو المتفرد به‪ .‬فيقال ‪ :‬فكيف تعبدون معه‬ ‫ليس ث َ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫خل ق ُ ك َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫غيره وهو المستقل المتفرد بالخلق والتدبير ؟ كما قال ‪ } :‬أفَ َ‬
‫خل ُقُ { ]النحل ‪.[17 :‬‬ ‫ل يَ ْ‬
‫ض { ‪ } :‬أمن { في هذه اليات‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خلقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله هاهنا ‪ } :‬أ ّ‬
‫ن ل يقدر على شيء منها ؟‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫]كلها[ )‪ (4‬تقديره ‪ :‬أمن يفعل هذه الشياء ك َ‬
‫هذا معنى السياق وإن لم يذكر الخر ؛ لن في قوة الكلم ما يرشد إلى‬
‫ذلك ‪ ،‬وقد قال ‪ } :‬آلله خير أما يشركون {‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يجعلون لله عدل‬ ‫م ي َعْدُِلو َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫ثم قال في آخر الية ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫َ‬
‫حذ َُر‬ ‫دا وََقائ ِ ً‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ج ً‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ت آَناَء الل ّي ْ ِ‬ ‫ن هُوَ َقان ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ونظيًرا‪ .‬وهكذا قال تعالى ‪ } :‬أ ْ‬
‫ن ليس كذلك ؟‬ ‫م ْ‬ ‫ه{ ]الزمر ‪ [9 :‬أي ‪ :‬أمن هو هكذا ك َ َ‬ ‫ة َرب ّ ِ‬‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫جو َر ْ‬ ‫خَرة َ وَي َْر ُ‬ ‫ال ِ‬
‫ما ي َت َذ َك ُّر ُأولوُ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ي َعْل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ن ي َعْل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وي ال ِ‬ ‫ست َ َ ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫سلم ِ فَهُوَ عَلى ُنورٍ ِ‬ ‫صد َْره ُ ِلل ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ح الل ُ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب { ]الزمر ‪ } ، [9 :‬أفَ َ‬ ‫الل َْبا ِ‬
‫ن { ]الزمر ‪[22 :‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ ُأول َئ ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سي َةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫ل ل ِل ْ َ‬‫َرب ّهِ فَوَي ْ ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت { ]الرعد ‪ [33 :‬أي ‪:‬‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫م عَلى ك ّ‬ ‫ن )‪ (5‬هُوَ َقائ ِ ٌ‬ ‫م ْ‬‫‪ ،‬وقال } أفَ َ‬
‫ن هو شهيد على أفعال الخلق ‪ ،‬حركاتهم وسكناتهم ‪ ،‬يعلم الغيب جليله‬ ‫م ْ‬ ‫أ َ‬
‫ن هو ل يعلم ول يسمع ول يبصر من هذه الصنام التي عبدوها ؟‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫وحقيره ‪ ،‬ك َ‬
‫م { ]الرعد ‪ ، [33 :‬وهكذا هذه‬ ‫موهُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫شَركاَء ق ْ‬ ‫َ‬ ‫جعَلوا ل ِلهِ ُ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫اليات الكريمات كلها‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬كما يعرف"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يعترفون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في جميع النسخ ‪" :‬أمن" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬

‫) ‪(6/202‬‬

‫َ‬ ‫جعَ َ َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫ل ب َي ْ َ‬ ‫جعَ َ‬‫ي وَ َ‬‫س َ‬ ‫ل ل ََها َرَوا ِ‬
‫جعَ َ‬ ‫خَلل ََها أن َْهاًرا وَ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬‫ض قََراًرا وَ َ‬ ‫ل اْلْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬‫أ ْ‬
‫ضط َّر‬ ‫َ‬ ‫ال ْبحرين حاجزا أ َئ ِل َه مع الل ّه ب ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫جي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ن )‪ (61‬أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ي َعْل َ ُ‬
‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ٌ َ َ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ َ ِ ً‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ما ت َذ َكُرو َ‬
‫ن‬ ‫معَ اللهِ قَِليل َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض أئ ِل ٌ‬ ‫فاَء الْر ِ‬ ‫خل َ‬‫م ُ‬ ‫جعَلك ْ‬ ‫سوَء وَي َ ْ‬‫ف ال ّ‬‫ش ُ‬‫عاه ُ وَي َك ْ ِ‬‫إ َِذا د َ َ‬
‫)‪(62‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ل ب َي ْ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ل ََها َرَوا ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫خلل ََها أن َْهاًرا وَ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ض قََراًرا وَ َ‬ ‫ل الْر َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫}أ ْ‬
‫ال ْبحرين حاجزا أ َإل َه مع الل ّه ب ْ َ‬
‫ن )‪.{ (61‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ َ ِ ً ِ ٌ َ َ‬
‫ض قَراًرا { أي ‪ :‬قارة ساكنة ثابتة ‪ ،‬ل تميد ول تتحرك‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬
‫ل الْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫يقول ‪ } :‬أ ّ‬
‫بأهلها ول ترجف بهم ‪ ،‬فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة ‪،‬‬
‫طا ثابتة ل تتزلزل ول تتحرك ‪ ،‬كما قال‬ ‫بل جعلها من فضله ورحمته مهاًدا بسا ً‬
‫ماَء ب َِناًء { ]غافر ‪:‬‬ ‫س َ‬ ‫ض قََراًرا َوال ّ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫في الية الخرى ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫‪.[64‬‬
‫خللَها أن َْهاًرا { أي ‪ :‬جعل فيها النهار العذبة الطيبة تشقها في خللها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫‪ ،‬وصرفها فيها ما بين أنهار كبار وصغار وبين ذلك ‪ ،‬وسيرها شرًقا وغرًبا‬
‫وجنوًبا وشمال بحسب مصالح عباده في أقاليمهم وأقطارهم حيث ذرأهم في‬
‫ل ل ََها‬ ‫جعَ َ‬ ‫سي َّر لهم )‪ (1‬أرزاقهم بحسب ما يحتاجون إليه ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫أرجاء الرض ‪َ ،‬‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫ي { أي ‪ :‬جبال شامخة ترسي الرض وتثبتها ؛ لئل تميد بكم } وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫َرَوا ِ‬
‫جًزا { أي ‪ :‬جعل بين المياه العذبة والمالحة )‪ (2‬حاجًزا ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫حا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫حَري ْ ِ‬ ‫ن الب َ ْ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫مانًعا يمنعها من الختلط ‪ ،‬لئل يفسد هذا بهذا وهذا بهذا ‪ ،‬فإن الحكمة اللهية‬
‫تقتضي بقاء كل منهما على صفته المقصودة منه ‪ ،‬فإن البحر الحلو هو هذه‬
‫النهار السارحة الجارية بين الناس‪ .‬والمقصود منها ‪ :‬أن تكون عذبة زلل‬
‫تسقى الحيوان والنبات والثمار منها‪ .‬والبحار المالحة هي المحيطة بالرجاء‬
‫جا ‪ ،‬لئل‬ ‫حا أجا ً‬ ‫والقطار من كل جانب ‪ ،‬والمقصود منها ‪ :‬أن يكون ماؤها مل ً‬
‫ب‬ ‫ذا عَذ ْ ٌ‬ ‫ن هَ َ‬‫حَري ْ ِ‬ ‫ج ال ْب َ ْ‬ ‫مَر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫يفسد الهواء بريحها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ذا مل ْ ُ‬
‫جوًرا { ]الفرقان ‪ [53 :‬؛‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جًرا َ‬ ‫ح ْ‬ ‫خا وَ ِ‬ ‫ما ب َْرَز ً‬ ‫ل ب َي ْن َهُ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ج وَ َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫حأ َ‬ ‫ت وَهَ َ ِ ٌ‬ ‫فَُرا ٌ‬
‫معَ اللهِ { أي ‪ :‬فعل هذا ؟ أو يعبد على )‪ (3‬القول الول‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬أإ ِل ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في عبادتهم‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫والخر ؟ وكلهما متلزم صحيح ‪ } ،‬ب َ ْ‬
‫غيره‪.‬‬
‫هَ‬ ‫فاَء الرض أإلَ‬ ‫خل َ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ضطّر إ َِذا د َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْ ِ ِ ٌ‬ ‫جعَلك ْ‬ ‫سوَء وَي َ ْ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫عاه ُ وَي َك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫}أ ّ‬
‫ن )‪.{ (62‬‬ ‫ما ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫معَ الل ّهِ قَِليل َ‬ ‫َ‬
‫جوّ عند النوازل ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬ ‫ينبه تعالى أنه هو المدعُوّ عند الشدائد ‪ ،‬المر ُ‬
‫ن ِإل إ ِّياه ُ { ]السراء ‪، [67 :‬‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫حرِ َ‬ ‫ضّر ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫} وَإ َِذا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن { ]النحل ‪ .[53 :‬وهكذا‬ ‫جأُرو َ‬ ‫ضّر فإ ِلي ْهِ ت َ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫سك ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬ث ّ‬
‫ن هو الذي ل يلجأ‬ ‫ضطّر إ َِذا د َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫عاهُ { أي ‪َ :‬‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قال هاهنا ‪ } :‬أ ّ‬
‫المضطر إل إليه ‪ ،‬والذي ل يكشف ضر المضرورين سواه‪.‬‬
‫ذاء ‪ ،‬عن أبي‬ ‫ح ّ‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا وُهَْيب ‪ ،‬حدثنا خالد ال َ‬
‫جْيمي ‪ ،‬عن رجل من بلهجيم قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إلم تدعو‬ ‫تميمة الهُ َ‬
‫سك ضر فدعوته كشف عنك ‪،‬‬ ‫م ّ‬ ‫؟ قال ‪" :‬أدعو إلى الله وحده ‪ ،‬الذي إن َ‬
‫سنة‬ ‫فر فدعوَته َرد ّ عليك ‪ ،‬والذي إن أصابتك َ‬ ‫ضل َْلت بأرض قَ ْ‬ ‫والذي إن أ ْ‬
‫ن‬
‫هد ّ‬ ‫دا ‪ ،‬ول ت َْز َ‬ ‫ن أح ً‬ ‫سب ّ ّ‬ ‫ت لك"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أوصني‪ .‬قال ‪" :‬ل ت َ ُ‬ ‫فدعوَته أنب َ‬
‫في المعروف ‪ ،‬ولو أن تلقى أخاك وأنت منبسط إليه وجهك ‪ ،‬ولو أن ُتفرغَ‬
‫من َدلوك في إناء المستقي ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬إليهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والملحة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أو بعد هذا"‪.‬‬

‫) ‪(6/203‬‬
‫واتزر إلى نصف الساق ‪ ،‬فإن أبيت فإلى الكعبين‪ .‬وإياك وإسبال الزار ‪ ،‬فإن‬
‫إسبال الزار من المخيلة ‪] ،‬وإن الله ‪ -‬تبارك تعالى ‪ -‬ل يحب المخيلة[ )‪) (1‬‬
‫‪.(2‬‬
‫وقد رواه المام أحمد من وجه آخر ‪ ،‬فذكر اسم الصحابي فقال ‪ :‬حدثنا عفان‬
‫جْيمي )‬ ‫‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا يونس ‪ -‬هو ابن عبيد ‪ -‬حدثنا عبيدة الهُ َ‬
‫جيمي قال ‪ :‬أتيت رسول‬ ‫سَليم الهُ َ‬
‫جْيمي ‪ ،‬عن جابر بن ُ‬ ‫ة الهُ َ‬‫م َ‬
‫‪ (3‬عن أبي َتمي َ‬
‫دبها على قدميه ‪،‬‬ ‫ملة ‪ ،‬وقد وقع هُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ش ْ‬‫ب بِ َ‬ ‫حت َ ٍ‬
‫م ْ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وهو ُ‬
‫فقلت ‪ :‬أيكم محمد ‪ -‬أو ‪ :‬رسول الله ؟ ‪ -‬فأومأ بيده إلى نفسه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا‬
‫ن‬‫ي جفاؤهم ‪ ،‬فأوصني‪ .‬فقال ‪" :‬ل تحقَر ّ‬ ‫رسول الله ‪ ،‬أنا من أهل البادية ‪ ،‬وفِ ّ‬
‫من َْبسط ‪ ،‬ولو أن تفرغ من‬ ‫من المعروف شيئا ‪ ،‬ولو أن تلقى أخاك ووجهك ُ‬
‫شَتمك بما يعلم فيك فل تشتمه بما تعلم‬ ‫دلوك في إناء المستقي ‪ ،‬وإن امرؤ َ‬
‫فيه ‪ ،‬فإنه يكون لك أجره وعليه وْزُره‪ .‬وإياك وإسبال الزار ‪ ،‬فإن إسبال‬
‫دا"‪ .‬قال ‪ :‬فما‬ ‫ن أح ً‬ ‫مخيَلة ‪ ،‬وإن الله ل يحب المخيلة ‪ ،‬ول ت َ ُ‬
‫سب ّ ّ‬ ‫الزار من ال َ‬
‫دا ‪ ،‬ول شاة ول بعيًرا )‪.(4‬‬ ‫سببت بعده أح ً‬
‫وقد روى أبو داود والنسائي لهذا الحديث طرقا ‪ ،‬وعندهما طرف صالح منه )‬
‫‪.(5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن هاشم )‪ (6‬حدثنا عبد َة َ بن‬
‫ي‬
‫نوح ‪ ،‬عن عمر بن الحجاج ‪ ،‬عن عبيد الله بن أبي صالح قال ‪ :‬دخل عل ّ‬
‫طاوس يعودني ‪ ،‬فقلت )‪ (7‬له ‪ :‬ادع الله لي يا أبا عبد الرحمن‪ .‬فقال ‪ :‬ادع‬
‫لنفسك ‪ ،‬فإنه يجيب المضطر إذا دعاه‪.‬‬
‫وقال وهب بن منبه ‪ :‬قرأت في الكتاب الول ‪ :‬إن الله يقول ‪ :‬بعزتي إنه من‬
‫اعتصم بي فإن كادته السموات ومن )‪ (8‬فيهن ‪ ،‬والرض بمن فيها ‪ ،‬فإني )‬
‫جا‪ .‬ومن لم يعتصم بي فإني )‪ (10‬أخسف به‬ ‫‪ (9‬أجعل له من بين ذلك مخر ً‬
‫من تحت قدميه الرض ‪ ،‬فأجعله في الهواء ‪ ،‬فأكله إلى نفسه‪.‬‬
‫وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل ‪ -‬حكى عنه أبو بكر محمد بن داود‬
‫ي الصوفي ‪ -‬قال هذا الرجل )‪ : (11‬كنت أكاري‬ ‫وري ‪ ،‬المعروف بالد ّقّ ّ‬ ‫دين َ َ‬
‫ال ّ‬
‫داني ‪ ،‬فركب معي ذات مرة رجل ‪،‬‬ ‫على بغل لي من دمشق إلى بلد الّزب َ َ‬
‫فمررنا على بعض الطريق ‪ ،‬على طريق غير مسلوكة ‪ ،‬فقال لي ‪ :‬خذ في‬
‫هذه ‪ ،‬فإنها أقرب‪ .‬فقلت ‪ :‬ل خبَرة َ لي فيها ‪ ،‬فقال ‪ :‬بل هي أقرب‪ .‬فسلكناها‬
‫عر وواد عميق ‪ ،‬وفيه قتلى كثير ‪ ،‬فقال لي ‪ :‬أمسك رأس‬ ‫فانتهينا إلى مكان وَ ْ‬
‫البغل حتى أنزل‪ .‬فنزل وتشمر ‪ ،‬وجمع عليه ثيابه ‪ ،‬وسل سكينا معه وقصدني‬
‫‪ ،‬ففررت من بين يديه وتبعني ‪ ،‬فناشدته الله وقلت ‪ :‬خذ البغل بما عليه‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬هو لي ‪ ،‬وإنما أريد قتلك‪ .‬فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل ‪،‬‬
‫فاستسلمت بين يديه وقلت ‪ :‬إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين ؟ فقال‬
‫‪] :‬صل[ )‪ (12‬وعجل‪ .‬فقمت أصلي َفأْرِتج‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(5/64‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الهجيمي عن أبيه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(5/63‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود برقم )‪ (4084‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪1049‬‬
‫‪.(1052 -‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬بمن"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪" :‬أن" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬فإنه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ف ‪" :‬بالرجل"‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من ف‪.‬‬

‫) ‪(6/204‬‬

‫فا متحيًرا وهو يقول ‪:‬‬ ‫ي القرآن فلم َيحضرني منه حرف واحد ‪ ،‬فبقيت واق ً‬ ‫عل ّ‬
‫ضطّر إ َِذا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬‫هيه‪ .‬افُرغ‪ .‬فأجرى الله على لساني قوله تعالى ‪ } :‬أ ّ‬
‫سوَء { ‪ ،‬فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي ‪ ،‬وبيده حربة‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫عاه ُ وَي َك ْ ِ‬ ‫دَ َ‬
‫‪ ،‬فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده ‪ ،‬فخر صريًعا ‪ ،‬فتعلقت بالفارس وقلت‬
‫ن أنت ؟ فقال ‪ :‬أنا رسول]الله[ )‪ (1‬الذي يجيب المضطر إذا دعاه ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫‪ :‬بالله َ‬
‫ويكشف السوء‪ .‬قال ‪ :‬فأخذت البغل والحمل ورجعت سالما‪.‬‬
‫وذكر في ترجمة "فاطمة بنت الحسن أم أحمد العجلية" قالت ‪ :‬هزم الكفار‬
‫جّيد بصاحبه ‪ ،‬وكان من ذوي اليسار‬ ‫واد َ‬ ‫ج َ‬‫يوما المسلمين في غزاة ‪ ،‬فوقف َ‬
‫دك لمثل هذا اليوم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أع‬ ‫كنت‬ ‫إنما‬ ‫ويلك‪.‬‬ ‫؟‬ ‫لك‬ ‫ومن الصلحاء ‪ ،‬فقال للجواد ‪ :‬ما‬
‫سواس‬ ‫ل علوفتي إلى ال ّ‬ ‫صر وأنت َتك ُ‬ ‫فقال له الجواد ‪ :‬وما لي ل أق ّ‬
‫ي عهد الله أني ل‬ ‫فيظلمونني ول يطعمونني )‪ (2‬إل القليل ؟ فقال ‪ :‬لك عل ّ‬
‫جى صاحبه ‪،‬‬ ‫جري‪ .‬فجرى الجواد عند ذلك ‪ ،‬ون ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫أعلفك بعد هذا اليوم إل في ِ‬
‫جره ‪ ،‬واشتهر أمره بين الناس ‪ ،‬وجعلوا‬ ‫ح ْ‬‫وكان ل يعلفه بعد ذلك إل في ِ‬
‫ضام )‪(3‬‬ ‫يقصدونه ليسمعوا منه ذلك ‪ ،‬وبلغ ملك الروم أمُره ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما ت ُ َ‬
‫صله في بلده ‪ ،‬فبعث إليه رجل من‬ ‫بلدة يكون هذا الرجل فيها‪ .‬واحتال ليح ّ‬
‫سنت نيته في السلم‬ ‫ح ُ‬ ‫المرتدين عنده ‪ ،‬فلما انتهى إليه أظهر له أنه قد َ‬
‫وقومه ‪ ،‬حتى استوثق ‪ ،‬ثم خرجا يوما يمشيان على جنب الساحل ‪ ،‬وقد واعد‬
‫شخصا آخر من جهة ملك الروم ليتساعدا على أسره ‪ ،‬فلما اكتنفاه ليأخذاه‬
‫دعني بك فاكفنيهما بما‬ ‫خ َ‬‫َرَفع طرفه إلى السماء وقال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إنه إنما َ‬
‫شئت ‪ ،‬قال ‪ :‬فخرج سبعان إليهما فأخذاهما ‪ ،‬ورجع الرجل سالما )‪.(4‬‬
‫فا‬ ‫َ‬
‫خل ً‬ ‫ف َقرنا لقرن قبلهم و َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ض { أي ‪ :‬ي ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫جعَل ُك ُ ْ‬
‫فاَء ال ْْر ِ‬ ‫م ُ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫َ‬
‫ما ي َشاُء‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن ب َعْدِك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل ِ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َشأ ي ُذهِب ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫لسلف ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ك َما أ َن َ َ‬
‫و‬ ‫ه‬
‫َ ُ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬‫‪133‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]النعام‬ ‫{‬ ‫ن‬
‫خ ِ َ‬ ‫ري‬ ‫ن ذ ُّري ّةِ قَوْم ٍ آ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ت { ]النعام ‪:‬‬ ‫جا‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬
‫ْ ِ ََ َ َْ َ ْ ْ َ َْ ٍ ََ َ ٍ‬‫ق‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ف‬‫ِ َ‬ ‫ئ‬ ‫خل‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذي َ َ ْ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ة{‬ ‫ف ً‬ ‫خِلي َ‬ ‫ض َ‬ ‫ل ِفي الْر ِ‬ ‫ع ٌ‬ ‫جا ِ‬ ‫ملئ ِك َةِ إ ِّني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬‫ل َرب ّ َ‬ ‫‪ ، [165‬وقال تعالى ‪ } :‬وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ما يخلف بعضهم بعضا كما قدمنا تقريره‪ .‬وهكذا هذه‬ ‫]البقرة ‪ ، [30 :‬أي ‪ :‬قو ً‬
‫ما‬ ‫ض { أي ‪ :‬أمة بعد أمة ‪ ،‬وجيل بعد جيل ‪ ،‬وقو ً‬ ‫فاَء الْر ِ‬ ‫خل َ َ‬
‫م ُ‬ ‫جعَل ُك ُ ْ‬‫الية ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫ضهم من‬ ‫بعد قوم‪ .‬ولو شاء لوجدهم كلهم في وقت واحد ‪ ،‬ولم يجعل بع َ‬
‫ذرية بعض ‪ ،‬بل لو شاء لخلقهم )‪ (5‬كلهم أجمعين ‪ ،‬كما خلق آدم من تراب‪.‬‬
‫ولو شاء أن يجعلهم بعضهم من ذرية بعض )‪ (6‬ولكن ل يميت أحدا حتى‬
‫تكون وفاة الجميع في وقت واحد ‪ ،‬فكانت تضيق عليهم الرض )‪ (7‬وتضيق‬
‫عليهم معايشهم وأكسابهم ‪ ،‬ويتضرر بعضهم ببعض‪ .‬ولكن اقتضت حكمته‬
‫وقدرته أن يخلقهم من نفس واحدة ‪ ،‬ثم يكثرهم غاية الكثرة ‪ ،‬ويذرأهم في‬
‫الرض ‪ ،‬ويجعلهم قرونا بعد قرون ‪ ،‬وأمما بعد أمم ‪ ،‬حتى ينقضي الجل‬
‫دا ‪ ،‬ثم‬ ‫دهم عَ ً‬ ‫وتفرغ الَبرية ‪ ،‬كما قدر ذلك تبارك وتعالى ‪ ،‬وكما أحصاهم وعَ ّ‬
‫يقيم )‪ (8‬القيامة ‪ ،‬وُيوفي ك ّ‬
‫ل عامل عمله إذا بلغ الكتاب‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيظلموني ول يطعموني"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما نظام"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تاريخ دمشق )‪" 19/489‬المخطوط"(‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬لجعلهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من ذرية بعضهم بعضا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬تضيق الرض عليهم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬يوم"‪.‬‬

‫) ‪(6/205‬‬

‫َ‬
‫ن ي َد َيْ‬ ‫ح بُ ْ‬
‫شًرا ب َي ْ َ‬ ‫س ُ‬
‫ل الّرَيا َ‬ ‫ن ي ُْر ِ‬‫م ْ‬
‫حرِ وَ َ‬‫ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫م ِفي ظ ُل ُ َ‬
‫ما ِ‬ ‫ديك ُ ْ‬‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫معَ الل ّهِ ت ََعاَلى الل ّ ُ‬‫ه َ‬ ‫مت ِهِ أئ ِل َ ٌ‬‫ح َ‬
‫َر ْ‬

‫ضط َّر إ َِذا د َ َ‬ ‫َ‬


‫سوءَ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫عاه ُ وَي َك ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫أجله ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬أ ّ‬
‫معَ الل ّهِ { أي ‪ :‬يقدر على ذلك ‪ ،‬أو إله مع الله‬ ‫َ‬
‫ض أإ ِل َ ٌ‬
‫ه َ‬ ‫فاَء الْر ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل ُك ُ ْ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ن { )‪ (1‬أي ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ما ت َذ َكُرو َ‬ ‫ي ُْعبد ‪ ،‬وقد علم أن الله هو المتفرد بفعل ذلك } قَِليل َ‬
‫ما أقل تذكرهم فيما يرشدهم إلى الحق ‪ ،‬ويهديهم إلى الصراط المستقيم‪.‬‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ن ي َد َ ْ‬ ‫شًرا ب َي ْ َ‬ ‫ح بُ ْ‬ ‫ل الّرَيا َ‬ ‫س ُ‬‫ن ي ُْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حرِ وَ َ‬ ‫ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ِفي ظ ُل ُ َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬‫}أ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (63‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫معَ الل ّهِ ت ََعاَلى الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مت ِهِ أإ ِل َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫حرِ { أي ‪ :‬بما خلق من الدلئل‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت الب َّر َوالب َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ِفي ظل َ‬ ‫ديك ْ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫يقول ‪ } :‬أ ّ‬
‫ن { ]النحل ‪:‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ي َهْت َ ُ‬
‫جم ِ ه ُ ْ‬ ‫ت وَِبالن ّ ْ‬ ‫ما ٍ‬ ‫عل َ‬ ‫السماوية والرضية ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ت‬‫َ ِ‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫في‬ ‫ها‬ ‫ب‬ ‫دوا‬
‫ُ ّ ُ َ ََِْ ُ َِ ِ‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫جو‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫جعَ‬‫ذي َ‬ ‫‪ ، [16‬وقال تعالى ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫حرِ { الية ]النعام ‪.[97 :‬‬ ‫ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫مت ِهِ { أي ‪ :‬بين يدي السحاب الذي‬ ‫ح َ‬ ‫ن ي َد َيْ َر ْ‬ ‫شًرا ب َي ْ َ‬ ‫ح بُ ْ‬ ‫ل الّرَيا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ي ُْر ِ‬ ‫م ْ‬‫} وَ َ‬
‫معَ الل ّهِ ت ََعاَلى‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫فيه مطر ‪ ،‬يغيث به عباده المجدبين الزلين القنطين ‪ } ،‬أإ ِل َ ٌ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما تذكرون"‪.‬‬

‫) ‪(6/206‬‬

‫معَ الل ّهِ قُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬ ‫َ‬


‫ل‬ ‫ض أئ ِل َ ٌ‬
‫ه َ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬ ‫ن ي َْرُزقُك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ْ‬‫م ي ُِعيد ُه ُ وَ َ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬‫أ ْ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬‫هان َك ُ ْ‬ ‫هاُتوا ب ُْر َ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫معَ الل ّهِ‬ ‫ض أإ ِل َ ٌ‬
‫ه َ‬ ‫ماءِ َوالْر ِ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ن ي َْرُزقُك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ي ُِعيد ُه ُ وَ َ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫}أ ّ‬
‫ن )‪.{ (64‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫هان َك ُ ْ‬ ‫هاُتوا ب ُْر َ‬‫ل َ‬ ‫قُ ْ‬
‫أي ‪ :‬هو الذي بقدرته وسلطانه يبدأ )‪ (1‬الخلق ثم يعيده ‪ ،‬كما قال تعالى في‬
‫ه هُوَ ي ُب ْدِئُ وَي ُِعيد ُ { ]البروج ‪، 12 :‬‬ ‫ديد ٌ إ ِن ّ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ن ب َط ْ َ‬
‫ش َرب ّ َ‬ ‫الية الخرى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن عَلي ْهِ { ]الروم ‪:‬‬ ‫م ي ُِعيد ُه ُ وَهُوَ أهْوَ ُ‬ ‫خل ق َ ث ُ ّ‬ ‫ذي ي َب ْد َأ ال َ‬ ‫‪ ، [13‬وقال } وَهُوَ ال ِ‬
‫‪.[27‬‬
‫ض { أي ‪ :‬بما ينزل من مطر السماء ‪،‬‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ن ي َْرُزقُك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫} وَ َ‬
‫ت‬ ‫ض َذا ِ‬ ‫جِع‪َ .‬والْر ِ‬ ‫ت الّر ْ‬ ‫ماِء َذا ِ‬ ‫س َ‬ ‫وينبت من بركات الرض ‪ ،‬كما قال ‪َ } :‬وال ّ‬
‫ج‬
‫خُر ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ج ِفي الْر ِ‬ ‫ما ي َل ِ ُ‬‫م َ‬ ‫صد ِْع { ]الطارق ‪ ، [12 ، 11 :‬وقال } ي َعْل َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ج ِفيَها { ]الحديد ‪ ، [4 :‬فهو ‪ ،‬تبارك وتعالى‬ ‫ر‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫ما‬
‫َ َ َْ ُ ُ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫س‬
‫ّ َ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ينز‬ ‫من ْ َ َ َ َ‬
‫ما‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫ِ‬
‫كا فيسكنه في الرض ‪ ،‬ثم يخرج به ]منها[ )‪(2‬‬ ‫‪ ،‬ينزل من السماء ماء مبار ً‬
‫وا‬ ‫أنواع الزروع والثمار والزاهير ‪ ،‬وغير ذلك من ألوان شتى ‪ } ،‬ك ُُلوا َواْرعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬
‫ه َ‬‫ت لوِلي الن َّهى { ]طه ‪ [54 :‬؛ ولهذا قال ‪ } :‬أإ ِل َ ٌ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫مك ُ ْ‬‫أن َْعا َ‬
‫م { على‬ ‫هان َك ُ ْ‬‫هاُتوا ب ُْر َ‬‫ل َ‬ ‫الل ّهِ { أي ‪ :‬فعل هذا‪ .‬وعلى القول الخر ‪ :‬يعبد ؟ } قُ ْ‬
‫ن { في ذلك ‪،‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫صحة ما تدعونه )‪ (3‬من عبادة آلهة أخرى ‪ } ،‬إ ِ ْ‬
‫هّ‬
‫معَ الل ِ‬ ‫ن ي َد ْع ُ َ‬ ‫م ْ‬‫وقد علم أنه ل حجة لهم ول برهان ‪ ،‬كما قال ]الله[ ‪ } (4) :‬وَ َ‬
‫ن{‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ح ال ْ َ‬
‫فل ِ ُ‬
‫ه ل يُ ْ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫ه ِ‬
‫ساب ُ ُ‬
‫ح َ‬‫ما ِ‬‫ه ب ِهِ فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن لَ ُ‬‫ها َ‬ ‫خَر ل ب ُْر َ‬ ‫إ ِل ًَها آ َ‬
‫]المؤمنون ‪.[117 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بدأ"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬من يدعونه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(6/206‬‬

‫شعرو َ‬ ‫َْ‬
‫ن‬
‫ن أّيا َ‬‫ما ي َ ْ ُ ُ َ‬ ‫ب إ ِّل الل ّ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫ض ال ْغَي ْ َ‬‫ت َوالْر ِ‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َل ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫قُ ْ‬
‫من َْها‬
‫م ِ‬ ‫من َْها ب َ ْ‬
‫ل هُ ْ‬ ‫ش ّ‬
‫ك ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫خَرةِ ب َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ِفي ال ِ‬‫مهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫عل ُ‬‫ك ِ‬ ‫ل اّداَر َ‬ ‫ي ُب ْعَُثو َ‬
‫ن )‪ (65‬ب َ ِ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫مو َ‬ ‫عَ ُ‬
‫شعرو َ‬
‫ن‬‫ن أّيا َ‬ ‫ما ي َ ْ ُ ُ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ب ِإل الل ّ ُ‬ ‫ض ال ْغَي ْ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل ي َعْل َ ُ‬ ‫} قُ ْ‬
‫من َْها‬‫م ِ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫من َْها ب َ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫خَرةِ ب َ ْ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل اّداَر َ‬ ‫ن )‪ (65‬ب َ ِ‬ ‫ي ُب ْعَُثو َ‬
‫ن )‪.{ (66‬‬ ‫مو َ‬ ‫عَ ُ‬
‫ما لجميع الخلق ‪:‬‬ ‫يقول تعالى آمًرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معل ً‬
‫ه{‬ ‫ّ‬
‫أنه ل يعلم أحد من أهل السموات والرض الغيب‪ .‬وقوله ‪ِ } :‬إل الل َ‬
‫استثناء منقطع ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يعلم أحد ذلك إل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فإنه المنفرد بذلك‬
‫مَها ِإل هُوَ { الية‬ ‫ب ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ح ال ْغَي ْ ِ‬ ‫فات ِ ُ‬
‫م َ‬‫عن ْد َه ُ َ‬ ‫وحده ‪ ،‬ل شريك له ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ما‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ث وَي َعْل ُ‬ ‫ْ‬
‫ل الغَي ْ َ‬ ‫ساعَةِ وَُينز ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ْ‬
‫عل ُ‬ ‫عن ْد َه ُ ِ‬‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫]النعام ‪ ، [59 :‬وقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت‬‫مو ُ‬ ‫ض تَ ُ‬ ‫س ب ِأيّ أْر ٍ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ما ت َد ِْري ن َ ْ‬ ‫دا وَ َ‬ ‫ب غَ ً‬ ‫س ُ‬ ‫ماَذا ت َك ِ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ما ت َد ِْري ن َ ْ‬ ‫حام ِ وَ َ‬ ‫ِفي الْر َ‬
‫خِبيٌر { ]لقمان ‪ ، [34 :‬واليات في هذا كثيرة‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬وما يشعر الخلئق الساكنون في‬ ‫ن ي ُب ْعَُثو َ‬ ‫ن أّيا َ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬‫ت ِفي ال ّ‬ ‫قل ْ‬ ‫السموات والرض بوقت الساعة ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ث ُ‬
‫ْ‬
‫ة { ]العراف ‪ ، [187 :‬أي ‪ :‬ثقل علمها على أهل السموات‬ ‫م ِإل ب َغْت َ ً‬ ‫ل ت َأِتيك ُ ْ‬
‫والرض‪.‬‬
‫جْعد ‪ ،‬حدثنا أبو جعفر‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن ال َ‬
‫الرازي ‪ ،‬عن داود بن أبي هند ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عائشة ‪،‬‬
‫ن زعم أنه يعلم ‪ -‬يعني النبي صلى الله عليه‬ ‫م ْ‬ ‫رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪َ :‬‬
‫فْرية ؛ لن الله تعالى يقول ‪:‬‬ ‫وسلم ‪ -‬ما يكون في غد فقد أعظم على الله ال ِ‬
‫ه { )‪.(1‬‬ ‫ّ‬
‫ب ِإل الل ُ‬ ‫ض ال ْغَي ْ َ‬ ‫} ل ي َعْل َ ُ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬إنما جعل الله هذه النجوم لثلث خصلت )‪ : (2‬جعلها زينة‬
‫ما ]للشياطين[ )‪ ، (3‬فمن تعاطى‬ ‫للسماء ‪ ،‬وجعلها يهتدى بها ‪ ،‬وجعلها رجو ً‬
‫ّ‬
‫فيها غير ذلك فقد قال برأيه ‪ ،‬وأخطأ حظه ‪ ،‬وأضاع نصيبه وتكلف ما ل علم‬
‫جهََلة بأمر الله ‪ ،‬قد )‪ (4‬أحدثوا من هذه النجوم كهانة ‪ :‬من‬ ‫سا َ‬‫له به‪ .‬وإن نا ً‬
‫ن سافر بنجم كذا وكذا ‪ ،‬كان كذا‬ ‫م ْ‬ ‫أعَْرس بنجم كذا وكذا ‪ ،‬كان كذا وكذا‪ .‬و َ‬
‫ن ولد بنجم كذا وكذا ‪ ،‬كان كذا وكذا‪ .‬ولعمري ما من نجم إل يولد به‬ ‫م ْ‬
‫وكذا‪ .‬و َ‬
‫م هذا النجم‬ ‫ْ‬
‫الحمر والسود ‪ ،‬والقصير والطويل ‪ ،‬والحسن والدميم ‪ ،‬وما عل ُ‬
‫ن في‬ ‫م ْ‬‫وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب! وقضى الله ‪ :‬أنه ل يعلم َ‬
‫السموات والرض الغيب إل الله ‪ ،‬وما يشعرون أيان يبعثون‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم عنه بحروفه ‪ ،‬وهو كلم جليل متين صحيح‪.‬‬
‫من َْها { أي ‪:‬‬
‫ك ِ‬‫ش ّ‬
‫م ِفي َ‬ ‫خَرةِ ب َ ْ‬
‫ل هُ ْ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫مهُ ْ‬ ‫ك )‪ِ (5‬‬ ‫ل اّداَر َ‬
‫وقوله ‪ } :‬ب َ ِ‬
‫انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها‪.‬‬
‫وقرأ آخرون ‪" :‬بل أدرك )‪ (6‬علمهم" ‪ ،‬أي ‪ :‬تساوى علمهم في ذلك ‪ ،‬كما‬
‫في الصحيح لمسلم ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل ‪ -‬وقد‬
‫سأله عن وقت الساعة ‪ -‬ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )‪ (7‬أي ‪:‬‬
‫تساوى في العجز عن د َْرك ذلك علم المسؤول والسائل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬أصله في الصحيحين لكن فيهما الشاهد قوله تعالى ‪) :‬وما تدري نفس‬
‫ماذا تكسب غدا( بدل هذه الية ‪) :‬قل ل يعلم من في السموات(‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خصال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أدرك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ادارك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم برقم )‪.(8‬‬

‫) ‪(6/207‬‬

‫ن )‪ (67‬ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فُروا أ َئ ِ َ‬


‫عد َْنا هَ َ‬
‫ذا‬ ‫قد ْ و ُ ِ‬ ‫جو َ‬
‫خَر ُ‬ ‫ذا ك ُّنا ت َُراًبا وَآَباؤَُنا أئ ِّنا ل َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ل ِ‬‫ن )‪ (68‬قُ ْ‬ ‫طيُر اْلوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا إ ِّل أ َ‬ ‫ن هَ َ‬‫ل إِ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَآَباؤَُنا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ق‬ ‫ي‬‫ض‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ َ ْ َ ْ َ ِْ ْ َ َ ْ ِ‬‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪69‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ر‬‫ج‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫َ َ ِ َ ُ ُ ْ ِ ِ َ‬‫ا‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫عا‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ف‬ ‫ْ َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫روا‬ ‫ُ‬
‫َفا ْ ُ‬
‫ظ‬ ‫ن‬
‫َ ْ ٍ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬

‫خَرة {‬
‫م ِفي ال ِ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫ل اد َّر َ‬
‫ك ِ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ب َ ِ‬
‫أي ‪ :‬غاب‪.‬‬
‫جّهلهم )‪ (2‬ربهم ‪،‬‬ ‫خَرةِ { يعني ‪ :‬ي ُ َ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫عل ُ‬‫ل اّداَرك )‪ِ (1‬‬ ‫َ‬ ‫وقال قتادة ‪ } :‬ب َ ِ‬
‫يقول ‪ :‬لم ينفذ )‪ (3‬لهم إلى الخرة علم ‪ ،‬هذا قول‪.‬‬
‫جَريج ‪ ،‬عن عطاء الخراساني ‪ ،‬عن ابن عباس ‪" :‬بل أدرك علمهم‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫في الخرة" حين لم ينفع العلم ‪ ،‬وبه قال عطاء الخراساني ‪ ،‬والسدي ‪ :‬أن‬
‫علمهم إنما ُيدرك ويكمل يوم القيامة حيث ل ينفعهم ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ن { ]مريم‬ ‫ن ال ْي َوْ َ‬ ‫م ي َأ ُْتون ََنا ل َك ِن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬
‫ضل ٍ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫مو َ‬‫ظال ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫صْر ي َوْ َ‬‫م وَأب ْ ِ‬
‫معْ ب ِهِ ْ‬
‫س ِ‬‫}أ ْ‬
‫‪.[38 :‬‬
‫وقال سفيان ‪ ،‬عن عمرو بن عبيد ‪ ،‬عن الحسن أنه كان يقرأ ‪" :‬بل أدرك‬
‫علمهم" قال ‪ :‬اضمحل علمهم في الدنيا ‪ ،‬حين عاينوا الخرة‪.‬‬
‫من َْها { عائد على الجنس ‪ ،‬والمراد الكافرون ‪ ،‬كما‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫فا ل َ َ‬ ‫ضوا عََلى َرب ّ َ‬
‫مّرةٍ ب َ ْ‬
‫ل‬ ‫ل َ‬ ‫م أوّ َ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫موَنا ك َ َ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬‫قد ْ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫ك َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬وَعُرِ ُ‬
‫زعَمت َ‬
‫دا { ]الكهف ‪ [48 :‬أي ‪ :‬الكافرون منكم‪(4) .‬‬ ‫ل ل َك ُ ْ َ ْ ِ ً‬
‫ع‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م أل ّ ْ‬ ‫َ ْ ُ ْ‬
‫كون في وجودها‬ ‫من َْها { أي ‪ :‬شا ّ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫في‬ ‫َ ُ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫هاهنا‬ ‫قال‬ ‫وهكذا‬
‫ماية وجهل كبير في أمرها‬ ‫ن { أي ‪ :‬في ع َ‬ ‫مو َ‬ ‫من َْها عَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫ووقوعها ‪ } ،‬ب َ ْ‬
‫وشأنها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ذا‬ ‫عد َْنا هَ َ‬ ‫قد ْ و ُ ِ‬ ‫ن )‪ (67‬ل َ‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ك ُّنا ت َُراًبا َوآَباؤَُنا أئ ِّنا ل ُ‬ ‫فُروا أئ ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫} وََقا َ‬
‫ن )‪ (68‬قُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫ض‬
‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا ِإل أ َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َوآَباؤَُنا ِ‬ ‫ح ُ‬‫نَ ْ‬
‫ق‬ ‫م َول ت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َفان ْظُروا كي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ضي ْ ٍ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫حَز ْ‬ ‫ن )‪َ (69‬ول ت َ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كا َ‬
‫ن )‪.{ (70‬‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن منكري البعث من المشركين ‪ :‬أنهم استبعدوا إعادة‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫ذا ن َ ْ‬ ‫عد َْنا هَ َ‬ ‫قد ْ و ُ ِ‬ ‫ما ورفاًتا وتراًبا ‪ ،‬ثم قال ‪ } :‬ل َ َ‬ ‫الجساد بعد صيرورتها عظا ً‬
‫ل { أي ‪ :‬ما زلنا نسمع بهذا نحن وآباؤنا ‪ ،‬ول نرى له حقيقة ول‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َوآَباؤَُنا ِ‬
‫عا‪.‬‬‫وقو ً‬
‫ن { ‪ :‬يعنون ‪ :‬ما هذا الوعد بإعادة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن هَذا ِإل أ َ‬ ‫وقولهم ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ن قبلهم‬ ‫م‬ ‫‪،‬‬ ‫قبلهم‬ ‫من‬ ‫ع‬ ‫قوم‬ ‫(‬ ‫‪5‬‬ ‫)‬ ‫أخذه‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ن‬ ‫لي‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ّ‬ ‫ِّ َ‬ ‫البدان ‪ِ } ،‬إل َ ِ ُ‬
‫طي‬ ‫سا‬ ‫أ‬
‫)‪ (6‬يتلقاه بعض عن بعض ‪ ،‬وليس له حقيقة‪.‬‬
‫ل { ‪ -‬يا‬ ‫قال الله تعالى مجيًبا لهم عما ظنوه من الكفر وعدم المعاد ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ض َفان ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫محمد ‪ -‬لهؤلء ‪ِ } :‬‬
‫ذبين بالرسل وما جاءوهم به من أمر المعاد وغيره ‪ ،‬كيف حلت بهم‬ ‫أي ‪ :‬المك ّ‬
‫ن اتبعهم من‬ ‫م ْ‬ ‫جى الله من بينهم رسله الكرام وَ َ‬ ‫م الله وعذابه ونكاله ‪ ،‬ون ّ‬ ‫ق ُ‬‫ن َ‬
‫المؤمنين ‪ ،‬فدل ذلك على صدق ما جاءت به الرسل وصحته‪.‬‬
‫م{‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫حَز ْ‬ ‫ثم قال تعالى مسلًيا لنبيه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪َ } :‬ول ت َ ْ‬
‫أي ‪ :‬المكذبين بما جئت به ‪ ،‬ول تأسف عليهم وتذهب نفسك عليهم‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ضي ْ ٍ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫حسرات ‪َ } ،‬ول ت َ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أدرك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬بجهلهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬يتقدم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬منهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬يأخذه" وفي أ ‪" :‬أخذ"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬كتبهم"‪.‬‬

‫) ‪(6/208‬‬

‫َ‬
‫ف‬
‫ن َردِ َ‬ ‫كو َ‬‫ن يَ ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫ن )‪ (71‬قُ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ‬ ‫مَتى هَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫س وَلك ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ذو فَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ل عَلى الّنا ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ن )‪ (72‬وَإ ِ ّ‬ ‫جلو َ‬ ‫ست َعْ ِ‬
‫ذي ت َ ْ‬ ‫ض ال ِ‬ ‫م ب َعْ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(74‬‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬
‫م وَ َ‬
‫دوُرهُ ْ‬
‫ص ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ما ت ُك ِ ّ‬‫م َ‬ ‫ك ل َي َعْل َ ُ‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن )‪ (73‬وَإ ِ ّ‬ ‫شك ُُرو َ‬‫م َل ي َ ْ‬ ‫أك ْث ََرهُ ْ‬
‫َْ‬
‫ن )‪(75‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ض إ ِّل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬‫غائ ِب َةٍ ِفي ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ما ِ‬ ‫وَ َ‬

‫ن‬
‫م ْ‬
‫في كيدك وَرد ّ ما جئت به ‪ ،‬فإن الله مؤيدك وناصرك ‪ ،‬ومظهٌر دينك على َ‬
‫خالفه وعانده في المشارق والمغارب‪.‬‬
‫َ‬
‫ف‬‫ن َردِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫ن )‪ (71‬قُ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ‬ ‫مَتى هَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫} وَي َ ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫س وَلك ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ل ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ل عَلى الّنا ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ذو ف ْ‬ ‫ن )‪ (72‬وَإ ِ ّ‬ ‫جلو َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ذي ت َ ْ‬ ‫ض ال ِ‬ ‫م ب َعْ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(74‬‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ما ت ُك ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ل َي َعْل َ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن )‪ (73‬وَإ ِ ّ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫أك ْث ََرهُ ْ‬
‫ن )‪{ (75‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ض ِإل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬‫غائ ِب َةٍ ِفي ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫وَ َ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن المشركين ‪ ،‬في سؤالهم عن يوم القيامة واستبعادهم‬
‫ن { قال الله مجيًبا‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ‬ ‫مَتى هَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وقوع ذلك ‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫ض ال ِ‬ ‫م ب َعْ ُ‬ ‫ف لك ُ ْ‬ ‫ن َردِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ل { يا محمد } عَ َ‬ ‫لهم ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ن {‪] .‬قال ابن عباس أن يكون قرب ‪ -‬أو ‪ :‬أن يقرب ‪ -‬لكم بعض‬ ‫جُلو َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫الذي تستعجلون[ )‪ .(1‬وهكذا )‪ (2‬قال مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعطاء‬
‫الخراساني ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ريًبا {‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫ن ي َكو َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫مَتى هُوَ قُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قولو َ‬ ‫وهذا هو المراد بقوله تعالى ‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫ةَ‬
‫حيط ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫مل ُ‬‫َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ب وَإ ِ ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ْ‬
‫جلون َك ِبالعَ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫]السراء ‪ ، [51 :‬وقال تعالى } ي َ ْ‬
‫ن { ]العنكبوت ‪.[54 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫جل لكم"‬ ‫ضمن معنى "عَ ِ‬ ‫م { ؛ لنه ُ‬ ‫ف ل َك ُ ْ‬ ‫وإنما دخلت "اللم" في قوله ‪َ } :‬ردِ َ‬
‫م { ‪ :‬عجل لكم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف لك ْ‬ ‫ن َردِ َ‬ ‫ن ي َكو َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫كما قال مجاهد في رواية عنه ‪ } :‬عَ َ‬
‫س { أي ‪ :‬في إسباغه‬ ‫َ‬ ‫ذو فَ ْ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ل عَلى الّنا ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ثم قال الله تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫مه عليهم مع ظلمهم لنفسهم ‪ ،‬وهم مع ذلك ل يشكرونه على ذلك إل‬ ‫نع َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يعلم‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ما ت ُك ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ل َي َعْل َ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫القليل منهم ‪ } ،‬وَإ ِ ّ‬
‫سّر ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫واٌء ِ‬ ‫س َ‬ ‫السرائر والضمائر ‪ ،‬كما يعلم الظواهر ‪َ } ،‬‬
‫َ‬ ‫سّر وَأ َ ْ‬
‫ن‬
‫حي َ‬ ‫فى { ]طه ‪ } ، [7 :‬أل ِ‬ ‫خ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫جهََر ب ِهِ { ]الرعد ‪ } ، [10 :‬ي َعْل َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن { ]هود ‪.[5 :‬‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫رو‬ ‫ّ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ما‬
‫ُ َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ث‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫شو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬‫يَ ْ‬
‫ثم أخبر تعالى بأنه عالم غيب السموات والرض ‪ ،‬وأنه عالم الغيب والشهادة‬
‫ماِء‬ ‫س َ‬ ‫غائ ِب َةٍ ِفي ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫‪ -‬وهو ما غاب عن العباد وما شاهدوه ‪ -‬فقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ض ِإل‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ض { قال ابن عباس ‪ :‬يعني ‪ :‬وما من شيء ‪ِ } ،‬في ال ّ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫ماِء‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫م ت َعْل ْ‬ ‫ن { وهذا كقوله تعالى ‪ } :‬أل ْ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ِفي ك َِتا ٍ‬
‫سيٌر { ]الحج ‪.[70 :‬‬ ‫ن ذ َل ِك عَلى اللهِ ي َ ِ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ن ذ َل ِك ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ض إِ ّ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬وعنده"‪.‬‬

‫) ‪(6/209‬‬

‫قص عََلى بِني إسراِئي َ َ‬


‫ن )‪(76‬‬
‫فو َ‬
‫خت َل ِ ُ‬
‫م ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ل أك ْث ََر ال ّ ِ‬
‫ذي هُ ْ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫قْرآ َ َ‬
‫ن يَ ُ ّ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫ن هَ َ‬
‫إِ ّ‬
‫قص عََلى بِني إسراِئي َ َ‬
‫ن )‪{ (76‬‬
‫فو َ‬
‫خت َل ِ ُ‬
‫م ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ل أك ْث ََر ال ّ ِ‬
‫ذي هُ ْ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ ُ ّ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫قْرآ َ‬ ‫ن هَ َ‬
‫} إِ ّ‬

‫) ‪(6/210‬‬

‫زيُز‬‫مهِ وَهُوَ ال ْعَ ِ‬‫حك ْ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ضي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن )‪ (77‬إ ِ ّ‬ ‫مؤ ْ ِ‬


‫مِني َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬‫م ٌ‬‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫ه ل َهُ ً‬
‫وَإ ِن ّ ُ‬
‫ع‬
‫م ُ‬‫س ِ‬‫ك َل ت ُ ْ‬
‫ن )‪ (79‬إ ِن ّ َ‬ ‫مِبي ِ‬ ‫حقّ ال ْ ُ‬ ‫ك عََلى ال ْ َ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ إ ِن ّ َ‬ ‫م )‪ (78‬فَت َوَك ّ ْ‬ ‫ال ْعَِلي ُ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫م ِ‬ ‫ت ب َِهاِدي ال ْعُ ْ‬‫ما أن ْ َ‬ ‫ن )‪ (80‬وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬‫وا ُ‬ ‫عاَء إ َِذا وَل ّ ْ‬ ‫م الد ّ َ‬ ‫ص ّ‬‫معُ ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫موَْتى وََل ت ُ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (81‬وَإ َِذا وَقَ َ‬
‫ع‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن ب ِآَيات َِنا فَهُ ْ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫معُ إ ِّل َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ضَلل َت ِهِ ْ‬‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫كاُنوا ب ِآ ََيات َِنا َل‬ ‫ة من اْل َرض تك َل ّمه َ‬ ‫م أَ ْ‬
‫س َ‬
‫ن الّنا َ‬
‫مأ ّ‬‫ْ ِ ُ ُ ُ ْ‬ ‫جَنا ل َهُ ْ‬
‫م َداب ّ ً ِ َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قو ْ ُ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫ُيوقُِنو َ‬

‫مهِ وَهُوَ ال ْعَ ِ‬


‫زيُز‬ ‫حك ْ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ضي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن )‪ (77‬إ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫ه ل َهُ ً‬ ‫} وَإ ِن ّ ُ‬
‫ع‬
‫م ُ‬ ‫س ِ‬
‫ن )‪ (79‬إ ِن ّك ل ت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م )‪ (78‬فَت َوَك ْ‬ ‫ال ْعَِلي ُ‬
‫َ‬ ‫مِبي ِ‬ ‫حقّ ال ُ‬ ‫ل عَلى اللهِ إ ِن ّك عَلى ال َ‬
‫ي‬
‫م ِ‬ ‫ت ب َِهاِدي ال ْعُ ْ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ن )‪ (80‬وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫عاَء إ َِذا وَل ّ ْ‬ ‫م الد ّ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫معُ ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫موَْتى َول ت ُ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن )‪.{ (81‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ِبآَيات َِنا فَهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫معُ ِإل َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ضلل َت ِهِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن كتابه العزيز ‪ ،‬وما اشتمل عليه من الهدى والبينات‬
‫والفرقان )‪ : (1‬إنه يقص على بني إسرائيل ‪ -‬وهم حملة التوراة والنجيل ‪} -‬‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬كاختلفهم في عيسى وتباينهم فيه ‪ ،‬فاليهود‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫م ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ذي هُ ْ‬ ‫أك ْث ََر ال ّ ِ‬
‫افتروا ‪ ،‬والنصارى غََلوا ‪ ،‬فجاء ]إليهم[ )‪ (2‬القرآن بالقول الوسط الحق‬
‫العدل ‪ :‬أنه عبد من عباد الله وأنبيائه ورسله الكرام ‪ ،‬عليه ]أفضل[ )‪(3‬‬
‫ذي‬ ‫حقّ ال ّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م قَوْ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫الصلة والسلم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫ن { ]مريم ‪.[34 :‬‬ ‫مت َُرو َ‬ ‫ِفيهِ ي َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬هدى لقلوب المؤمنين ‪،‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ل ِل ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫ه لهُ ً‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫ورحمة لهم في العمليات‪.‬‬
‫زيُز {‬ ‫ْ‬
‫مهِ وَهُوَ العَ ِ‬ ‫حك ِ‬ ‫ْ‬ ‫م { أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ } ،‬ب ِ ُ‬ ‫ضي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م { بأفعال عباده وأقوالهم‪.‬‬ ‫ْ‬
‫في انتقامه ‪ } ،‬العَِلي ُ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ { أي ‪ :‬في أمورك ‪ ،‬وب َلغ رسالة ربك ‪ } ،‬إ ِن ّك عَلى ال َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫} فَت َوَك ّ ْ‬
‫ن كتبت )‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن خالفك ‪ِ ،‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن { أي ‪ :‬أنت على الحق المبين وإن خالفك َ‬ ‫مِبي ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قت عليهم كلمة ربك أنهم ل يؤمنون ‪ ،‬ولو جاءتهم كل‬ ‫ح ّ‬ ‫‪ (4‬عليه الشقاوة و َ‬
‫ً‬
‫موَْتى { أي ‪ :‬ل تسمعهم شيئا ينفعهم ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫معُ ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫آية ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِن ّك ل ت ُ ْ‬
‫فكذلك هؤلء على قلوبهم غشاوة ‪ ،‬وفي آذانهم وَقر الكفر ؛ ولهذا قال ‪:‬‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬‫وا ُ‬ ‫عاَء إ َِذا وَل ّ ْ‬ ‫م الد ّ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫معُ ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫موَْتى َول ت ُ ْ‬ ‫معُ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ك ل تُ ْ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫ن { ]أي[‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ِبآَيات َِنا فَهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫معُ ِإل َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ضلل َت ِهِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ي عَ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ب َِهاِدي ال ْعُ ْ‬
‫ن هو سميع بصير ‪ ،‬السمع والبصر النافعُ في القلب‬ ‫م ْ‬ ‫)‪ : (5‬إنما يستجيب لك َ‬
‫والبصيرة الخاضع لله ‪ ،‬ولما جاء عنه على ألسنة الرسل ‪ ،‬عليهم السلم‪.‬‬
‫ة من الرض تك َل ّمه َ‬ ‫م أَ ْ‬
‫كاُنوا‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ْ ِ ُ ُ ُ ْ‬ ‫م َداب ّ ً ِ َ‬ ‫جَنا ل َهُ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫} وَإ َِذا وَقَعَ ال ْ َ‬
‫ن )‪.{ (82‬‬ ‫ِبآَيات َِنا ل ُيوقُِنو َ‬
‫كهم أوامر الله‬ ‫هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وت َْر ِ‬
‫وتبديلهم الدين الحق ‪ ،‬يخرج الله لهم دابة من الرض ‪ -‬قيل ‪ :‬من مكة‪ .‬وقيل‬
‫‪ :‬من غيرها‪ .‬كما سيأتي تفصيله ‪ -‬فَت ُك َّلم الناس على ذلك‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ -‬وُروي عن علي رضي الله عنه ‪: -‬‬
‫تكلمهم كلما أي ‪ :‬تخاطبهم مخاطبة‪.‬‬
‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬تكلمهم فتقول لهم ‪ :‬إن الناس كانوا بآياتنا ل‬
‫يوقنون‪ .‬ويروى هذا عن علي ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪ .‬وفي هذا ]القول[ )‪ (6‬نظر‬
‫ل يخفى ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬والبيان"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كتب"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫) ‪(6/210‬‬

‫وقال ابن عباس ‪ -‬في رواية ‪ -‬تجرحهم‪ .‬وعنه رواية ‪ ،‬قال ‪ :‬كل )‪ (1‬تفعل‬
‫ل حسن ‪ ،‬ول منافاة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫يعني هذا وهذا ‪ ،‬وهو قو ٌ‬
‫وقد ورد في ذكر الدابة أحاديث وآثار كثيرة ‪ ،‬فلنذكر ما تيسر منها ‪ ،‬والله‬
‫المستعان ‪:‬‬
‫ذيفة‬ ‫ح َ‬ ‫ُ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن فَرات ‪ ،‬عن أبي الطفيل ‪ ،‬عن ُ‬
‫بن أسيد الغفاري قال ‪ :‬أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫غرفة ونحن نتذاكر أمر الساعة فقال ‪ :‬ل تقوم الساعة حتى ت ََروا عشر آيات ‪:‬‬
‫طلوع الشمس من مغربها ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬والدابة ‪ ،‬وخروج يأجوج ومأجوج ‪،‬‬
‫وخروج عيسى بن مريم ‪ ،‬والدجال ‪ ،‬وثلثة خسوف ‪ :‬خسف بالمغرب ‪،‬‬
‫وخسف بالمشرق ‪ ،‬وخسف بجزيرة العرب ‪ ،‬ونار تخرج من َقعر عدن تسوق‬
‫‪ -‬أو ‪ :‬تحشر ‪ -‬الناس ‪ ،‬تبيت معهم حيث باتوا ‪ ،‬وتقيل معهم حيث قالوا" )‪.(2‬‬
‫وهكذا رواه مسلم وأهل السنن ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن فَُرات القزاز ‪ ،‬عن أبي‬
‫ذيفة موقوفا )‪ .(3‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬ ‫ح َ‬
‫الطفيل عامر بن واثلة ‪ ،‬عن ُ‬
‫ضا من حديث عبد العزيز بن ُرفَْيع ‪ ،‬عن أبي‬ ‫صحيح )‪ .(4‬ورواه مسلم أي ً‬
‫عا )‪ .(6) (5‬والله أعلم‪.‬‬ ‫الطفيل ‪ ،‬عنه مرفو ً‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن طلحة بن عمرو ‪ ،‬وجرير بن‬
‫مير الليثي ‪ :‬أن‬ ‫حازم ‪ ،‬فأما طلحة فقال ‪ :‬أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن ع َ‬
‫ة ‪ ،‬وأما جرير فقال‬ ‫ح َ‬‫سري َ‬‫ذيفة بن أسيد الغفاري أبي َ‬ ‫أبا الطفيل حدثه ‪ ،‬عن ح َ‬
‫عبيد ‪ ،‬عن رجل من آل عبد الله بن مسعود ‪ -‬وحديث‬ ‫‪ :‬عن عبد الله بن ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طلحة أتم وأحسن ‪ -‬قال ‪ :‬ذكَر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال‬
‫خرجة من أقصى البادية ‪ ،‬ول يدخل‬ ‫‪" :‬لها ثلث خرجات من الدهر ‪ ،‬فتخرج َ‬
‫خْرجة أخرى دون‬ ‫ذكرها القرية ‪ -‬يعني ‪ :‬مكة ‪ -‬ثم تكمن زماًنا طويل ثم تخرج َ‬
‫تلك ‪ ،‬فيعلو ذكرها في أهل البادية ‪ ،‬ويدخل ذكرها القرية" يعني ‪ :‬مكة‪ - .‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ثم بينما الناس في أعظم المساجد على‬
‫عهم إل وهي ت َْرغو )‪ (7‬بين‬ ‫الله حرمة وأكرمها ‪ :‬المسجد الحرام ‪ ،‬لم ي َُر ْ‬
‫الركن والمقام ‪ ،‬تنفض عن رأسها التراب‪ .‬فارفض الناس عنها شّتى ومًعا ‪،‬‬
‫وبقيت عصابة من المؤمنين ‪ ،‬وعرفوا أنهم لم يعجزوا الله ‪ ،‬فبدأت بهم‬
‫جَلت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدّري ‪ ،‬وولت في الرض ل يدركها‬ ‫ف َ‬
‫طالب ‪ ،‬ول ينجو منها هارب ‪ ،‬حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلة ‪ ،‬فتأتيه من‬
‫خلفه فتقول ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬الن تصلي ؟‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬كل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه المام أحمد في المسند )‪ (4/6‬ولكن باختلف في اللفاظ ‪ ،‬وهذا‬
‫اللفظ هو سياق حديث ابن مهدي عن سفيان وهو في المسند )‪.(4/7‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬به مرفوعا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪ (2901‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4311‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪ (2183‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(4041‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬موقوفا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪.(2901‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬تربو"‪.‬‬
‫) ‪(6/211‬‬

‫ه )‪ (1‬في وجهه ‪ ،‬ثم تنطلق ويشترك الناس في الموال ‪،‬‬ ‫م ُ‬ ‫فيقبل عليها فَت َ ِ‬
‫س ُ‬
‫ويصطحبون في المصار ‪ ،‬يعرف المؤمن من الكافر ‪ ،‬حتى إن المؤمن ليقول‬
‫‪ :‬يا كافر ‪ ،‬اقضني حقي‪ .‬وحتى إن الكافر ليقول ‪ :‬يا مؤمن ‪ ،‬اقضني حقي" )‬
‫‪.(2‬‬
‫ً‬
‫سْيد موقوفا )‪ (3‬فالله أعلم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ورواه ابن جرير من طريقين ‪ ،‬عن حذيفة بن أ َ‬
‫عا ‪ ،‬وأن ذلك في زمان عيسى بن‬ ‫ورواه من رواية حذيفة بن اليمان مرفو ً‬
‫مريم ‪ ،‬وهو يطوف بالبيت ‪ ،‬ولكن إسناده ل يصح )‪.(4‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال مسلم بن الحجاج ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا‬
‫عة ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو قال ‪:‬‬ ‫حّيان ‪ ،‬عن أبي ُزْر َ‬ ‫محمد بن بشر ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫ت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديًثا لم أنسه )‪ (5‬بعد ‪:‬‬ ‫حفظ ْ ُ‬‫َ‬
‫جا‬‫ً‬ ‫خرو‬ ‫اليات‬ ‫أول‬ ‫"إن‬ ‫‪:‬‬ ‫يقول‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫سمع‬
‫ضحى ‪ ،‬وأيتهما ما‬ ‫طلوع الشمس من مغربها ‪ ،‬وخروج الدابة على الناس ُ‬
‫كانت قبل صاحبتها ‪ ،‬فالخرى )‪ (6‬على أثرها قريًبا" )‪.(7‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬روى مسلم في صحيحه من حديث العلء بن عبد الرحمن بن‬
‫حَرَقة ‪ -‬عن أبيه ‪ :‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن‬ ‫يعقوب ‪ -‬مولى ال ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬بادروا بالعمال ستا )‪ : (8‬طلوع‬
‫الشمس من مغربها ‪ ،‬أو الدخان ‪ ،‬أو الدجال ‪ ،‬أو الدابة ‪ ،‬أو خاصة أحدكم ‪ ،‬أو‬
‫أمر العامة" )‪ .(9‬وله من حديث قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن زياد بن رباح ‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬بادروا‬
‫بالعمال ستا ‪ :‬الدجال ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬ودابة الرض ‪ ،‬وطلوع الشمس من‬
‫خوّيصة أحدكم" )‪.(10‬‬ ‫مغربها ‪ ،‬وأمر العامة و ُ‬
‫مَلة بن يحيى ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪،‬‬ ‫حْر َ‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال ابن ماجه ‪ :‬حدثنا َ‬
‫سَنان بن‬ ‫مُرو بن الحارث وابن ل َِهيعة ‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن ِ‬ ‫أخبرني عَ ْ‬
‫سعد ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬بادروا بالعمال سًتا ‪ :‬طلوع الشمس من مغربها ‪ ،‬والدخان ‪،‬‬
‫خوَّيصة أحدكم ‪ ،‬وأمر العامة"‪ .‬تفرد به )‪.(11‬‬ ‫ودابة الرض ‪ ،‬والدجال ‪ ،‬و ُ‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال أبو داود الطيالسي أيضا ‪ :‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي‬
‫بن زيد ‪ ،‬عن أوس )‪ (12‬بن خالد ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬تخرج دابة الرض ‪ ،‬ومعها عصا‬
‫موسى وخاتم سليمان ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬فتخطم أنف الكافر بالعصا ‪ ،‬وُتجلي‬
‫وجه المؤمن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فتشمه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسند الطيالسي برقم )‪.(1069‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(20/10‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(20/11‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬لم أنساه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬والخرى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم برقم )‪.(2941‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ستة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح مسلم برقم )‪.(2947‬‬
‫)‪ (10‬صحيح مسلم برقم )‪.(2947‬‬
‫)‪ (11‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (4056‬وقال البوصيري في الزوائد )‪: (3/256‬‬
‫"هذا إسناد حسن ‪ ،‬سنان بن سعد مختلف فيه وفي اسمه"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أويس"‪ .‬والمثبت من المسند‪.‬‬

‫) ‪(6/212‬‬

‫بالخاتم ‪ ،‬حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر"‪.‬‬


‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬عن ب َْهز وعفان ويزيد بن هارون ‪ ،‬ثلثتهم عن حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬به )‪ .(1‬وقال ‪" :‬فتخطم أنف الكافر بالخاتم ‪ ،‬وتجلو وجه المؤمن‬
‫بالعصا ‪ ،‬حتى إن أهل الخوان الواحد ليجتمعون فيقول هذا ‪ :‬يا مؤمن ‪ ،‬ويقول‬
‫هذا ‪ :‬يا كافر"‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجه ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن يونس بن محمد المؤدب ‪،‬‬
‫عن حماد بن سلمة ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال ابن ماجه ‪ :‬حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫مْيلة ‪ ،‬حدثنا خالد بن عُب َْيد ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن ب َُريدة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬ذهب‬ ‫تُ َ‬
‫بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية ‪ ،‬قريب من مكة ‪،‬‬
‫فإذا أرض يابسة حولها رمل ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"تخرج الدابة من هذا الموضع‪ .‬فإذا فِْتر في شبر"‪.‬‬
‫صا له ‪ ،‬فإذا هو بَعصاي‬ ‫قال ابن ب َُريدة ‪ :‬فحججت بعد ذلك بسنين ‪ ،‬فأرانا ع ً‬
‫هذه )‪ ، (3‬كذا وكذا )‪.(4‬‬
‫ة ذات‬ ‫مر ‪ ،‬عن قتادة ؛ أن ابن عباس قال ‪ :‬هي داب ٌ‬ ‫معْ َ‬
‫وقال عبد الرزاق عن َ‬
‫غب ‪ ،‬لها أربع قوائم ‪ ،‬تخرج من بعض أودية تهامة )‪.(5‬‬ ‫َز َ‬
‫جاء ‪ ،‬حدثنا فضيل بن‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن َر َ‬
‫دع من الصفا‬ ‫ص ْ‬
‫مرزوق ‪ ،‬عن عطية قال ‪ :‬قال عبد الله ‪ :‬تخرج الدابة من ِ‬
‫جْري الفرس ثلثة أيام ‪ ،‬لم يخرج ثلثها‪.‬‬ ‫ك َ‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن أبان بن صالح قال ‪ :‬سئل عبد الله بن عمرو‬
‫عن الدابة ‪ ،‬فقال ‪ :‬الدابة تخرج من تحت صخرة بجياد ‪ ،‬والله لو كنت معهم ‪-‬‬
‫أو لو شئت بعصاي الصخرة التي تخرج الدابة من تحتها‪ .‬قيل ‪ :‬فتصنعُ ماذا يا‬
‫ف ُ‬
‫ذه ‪ ،‬ثم‬ ‫عبد الله بن عمرو ؟ قال ‪ :‬تستقبل المشرق فتصرخ صرخة تن ُ‬
‫تستقبل الشام فتصرخ )‪ (6‬صرخة تنفذه ‪ ،‬ثم تستقبل المغرب فتصرخ صرخة‬
‫تنفذه ‪ ،‬ثم تستقبل اليمن فتصرخ صرخة تنفذه ‪ ،‬ثم تروح من مكة فتصبح )‬
‫‪ (7‬بعسفان‪ .‬قيل ‪ :‬ثم ماذا ؟ قال ‪ :‬ل أعلم‪.‬‬
‫مع )‪ .(8‬ورواه ابن أبي‬ ‫ج ْ‬‫وعن عبد الله بن عمر ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬تخرج الدابة ليلة َ‬
‫حاتم‪ .‬وفي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند الطيالسي برقم )‪ (2564‬والمسند )‪ (2/295‬من حديث عفان‬
‫ويزيد ‪ ،‬و)‪ (2/291‬من حديث بهز‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن ابن ماجه برقم )‪.(4066‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (4067‬وقال البوصيري في الزوائد )‪: (3/259‬‬
‫"هذا إسناد ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير عبد الرزاق )‪.(2/71‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ثم تصرخ"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬فتضع"‪.‬‬
‫)‪ (8‬ورواه ابن أبي شيبة في المصنف )‪ (15/180‬من طريق عبد الملك بن‬
‫المغيرة ‪ ،‬عن ابن البيلمان ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪" :‬تخرج الدابة ليلة جمع‬
‫والناس يسيرون إلى منى فتحملهم بين عجزها وذنبها فل يبقى منافق إل‬
‫خطمته ‪ ،‬قال ‪ :‬وتمسح المؤمن ‪ ،‬قال ‪ :‬فيصبحون وهم أشر من الدجال"‪.‬‬

‫) ‪(6/213‬‬

‫إسناده ابن البيلمان )‪.(1‬‬


‫وعن وهب بن منبه ‪ :‬أنه حكى من كلم عَُزير ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه قال ‪:‬‬
‫وتخرج من تحت سدوم دابة تكلم الناس كل يسمعها ‪ ،‬وتضع الحبالى قبل‬
‫جا ‪ ،‬ويتعادى الخلء ‪ ،‬وُتحَرقُ الحكمة ‪ ،‬وُيرفَ ُ‬
‫ع‬ ‫التمام ‪ ،‬ويعود الماء العذب أجا ً‬
‫العلم ‪ ،‬وتكلم الرض التي تليها‪ .‬وفي ذلك الزمان يرجو الناس ما ل يبلغون ‪،‬‬
‫ويتعبون فيما ل ينالون ‪ ،‬ويعملون فيما ل يأكلون‪ .‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عنه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو صالح ‪ -‬كاتب الليث ‪ -‬حدثني‬
‫معاوية بن صالح ‪ ،‬عن أبي مريم ‪ :‬أنه سمع أبا هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬يقول‬
‫‪ :‬إن الدابة فيها من كل لون ‪ ،‬ما بين قرنيها فرسخ )‪ (2‬للراكب‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬هي مثل الحربة الضخمة‪.‬‬
‫وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬إنها دابة‬
‫ضر الفرس‬ ‫ح ْ‬ ‫لها ريش وزغب وحافر ‪ ،‬وما لها ذنب ‪ ،‬ولها لحية ‪ ،‬وإنها لتخرج ُ‬
‫الجواد ثلثا ‪ ،‬وما خرج ثلثها )‪ .(3‬ورواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال ‪ :‬رأسها رأس ثور ‪،‬‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫وعينها عين خنزير ‪ ،‬وأذنها أذن فيل ‪ ،‬وقرنها قرن أّيل ‪ ،‬وعنقها عنق نعامة ‪،‬‬
‫وصدرها صدر أسد ‪ ،‬ولونها لون َنمر ‪ ،‬وخاصرتها خاصرة هِّر ‪ ،‬وذنبها ذنب‬
‫عا ‪ ،‬تخرج‬ ‫كبش ‪ ،‬وقوائمها قوائم بعير ‪ ،‬بين كل مفصلين اثنا ]عشر[ )‪ (4‬ذرا ً‬
‫معها عصا موسى ‪ ،‬وخاتم سليمان ‪ ،‬فل يبقى مؤمن إل َنكَتت في وجهه بعصا‬
‫ض لها وجهه ‪ ،‬ول يبقى كافر‬ ‫موسى نكتة بيضاء ‪ ،‬فتفشو تلك النكتة حتى يبي ّ‬
‫كتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان ‪ ،‬فتفشو تلك النكتة حتى يسود‬ ‫إل ن َ َ‬
‫لها وجهه ‪ ،‬حتى إن الناس يتبايعون في السواق ‪ :‬بكم ذا يا مؤمن ‪ ،‬بكم ذا يا‬
‫ن أهل البيت يجلسون على مائدتهم ‪ ،‬فيعرفون مؤمنهم من‬ ‫كافر ؟ وحتى إ ّ‬
‫كافرهم ‪ ،‬ثم تقول لهم الدابة ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬أبشر ‪ ،‬أنت من أهل الجنة ‪ ،‬ويا فلن‬
‫جَنا‬‫خَر ْ‬‫م أَ ْ‬
‫ل عَل َي ْهِ ْ‬
‫قو ْ ُ‬‫‪ ،‬أنت من أهل النار‪ .‬فذلك قول الله تعالى ‪ } :‬وَإ َِذا وَقَعَ ال ْ َ‬
‫ة من الرض تك َل ّمه َ‬
‫ن { )‪.(5‬‬ ‫س َ‬
‫كاُنوا ِبآَيات َِنا ل ُيوقُِنو َ‬ ‫ن الّنا َ‬
‫مأ ّ‬‫ْ ِ ُ ُ ُ ْ‬ ‫م َداب ّ ً ِ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬البيلماني"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فرح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ثلثاها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬وهذا من السرائيليات مما ل فائدة من ذكره ‪ ،‬وأوصاف الدابة ل يعلمها‬
‫إل الله سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫) ‪(6/214‬‬
‫ممن ي ُك َذ ّ ُ َ‬ ‫شر من ك ُ ّ ُ‬
‫حّتى إ َِذا‬ ‫ن )‪َ (83‬‬ ‫عو َ‬ ‫م ُيوَز ُ‬ ‫ب ب ِآَيات َِنا فَهُ ْ‬ ‫جا ِ ّ ْ‬ ‫مةٍ فَوْ ً‬ ‫لأ ّ‬ ‫ح ُ ُ ِ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫ن )‪(84‬‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫م‬ ‫ع‬‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ها‬ ‫ب‬ ‫طوا‬ ‫ُ‬ ‫حي‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫تي‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫آ‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ءوا‬ ‫جا ُ‬
‫َ‬ ‫ُْ ْ َ ْ َ‬ ‫َِ ِ ً ْ َ‬ ‫َ ْ ُ ِ‬ ‫ُْ ْ ِ َ ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫جعَل َْنا الل ّي ْ َ‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫وا‬ ‫ر‬‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫(‬ ‫‪85‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ط‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫موا‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ْ ََ ْ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ِ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِْ ْ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وَ َ َ‬
‫ع‬ ‫ق‬ ‫و‬
‫ن )‪(86‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ك َلَيا ٍ‬‫َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫صًرا إ ِ ّ‬ ‫مب ْ ِ‬‫سك ُُنوا ِفيهِ َوالن َّهاَر ُ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫شر من ك ُ ّ ُ‬
‫حّتى‬ ‫ن )‪َ (83‬‬ ‫عو َ‬ ‫م ُيوَز ُ‬ ‫ب ِبآَيات َِنا فَهُ ْ‬ ‫ن ي ُك َذ ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫مةٍ فَوْ ً‬ ‫لأ ّ‬ ‫ح ُ ُ ِ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫} وَي َوْ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاُءوا قا َ‬
‫ن )‪(84‬‬ ‫ملو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ماَذا كن ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫عل ً‬ ‫حيطوا ب َِها ِ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫م ِبآَياِتي وَل ْ‬ ‫ل أكذ ّب ْت ُ ْ‬ ‫إ َِذا َ‬
‫جعَل َْنا الل ّي ْلَ‬ ‫قون )‪ (85‬أ َل َم يروا أناَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫وَوَقَعَ ال َ‬
‫ْ ََ ْ ّ َ‬ ‫م ل ي َن ْط ِ ُ َ‬ ‫موا فهُ ْ‬ ‫ما ظل ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫قوْل عَلي ْهِ ْ‬
‫ن )‪.{ (86‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫صًرا إ ِ ّ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫سك ُُنوا ِفيهِ َوالن َّهاَر ُ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن يوم القيامة ‪ ،‬وحشر الظالمين المكذبين )‪ (1‬بآيات‬
‫الله ورسله إلى بين يدي الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ليسألهم عما فعلوه في الدار الدنيا‬
‫شر من ك ُ ّ ُ‬
‫جا {‬ ‫مةٍ فَوْ ً‬ ‫لأ ّ‬ ‫ح ُ ُ ِ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫خا ‪ ،‬وتصغيًرا وتحقيًرا فقال ‪ } :‬وَي َوْ َ‬ ‫‪ ،‬تقريًعا وتوبي ً‬
‫ب ِبآَيات َِنا { ‪،‬‬ ‫ن ي ُك َذ ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ‪ ،‬أي ‪ :‬جماعة ‪ِ } ،‬‬ ‫أي ‪ :‬من كل قوم وقرن )‪ (2‬فو ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { ]الصافات ‪، [22 :‬‬ ‫جهُ ْ‬ ‫موا وَأْزَوا َ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫شُروا ال ّ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬ا ْ‬
‫ت { ]التكوير ‪.[7 :‬‬ ‫ج ْ‬ ‫س ُزوّ َ‬ ‫فو ُ‬ ‫وقال تعالى } وَإ َِذا الن ّ ُ‬
‫ن { قال ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ :‬يدفعون‪ .‬وقال‬ ‫عو َ‬ ‫م ُيوَز ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَهُ ْ‬
‫ة ترد )‪ (3‬أولهم على آخرهم‪ .‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‬ ‫قتادة ‪ :‬وََزعَ ٌ‬
‫‪ :‬يساقون‪.‬‬
‫جاُءوا { أي ‪ :‬أوقفوا بين يدي الله عز وجل ‪ ،‬في مقام المساءلة ‪،‬‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫} َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫} َقا َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫ملو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ماَذا كن ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫عل ً‬ ‫حيطوا ب َِها ِ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫م ِبآَياِتي وَل ْ‬ ‫ل أكذ ّب ْت ُ ْ‬
‫ويسألون )‪ (4‬عن اعتقادهم ‪ ،‬وأعمالهم فلما لم يكونوا من أهل السعادة ‪،‬‬
‫ب وَت َوَّلى {‬ ‫ن ك َذ ّ َ‬ ‫صّلى‪ .‬وَل َك ِ ْ‬ ‫صد ّقَ َول َ‬ ‫وكانوا كما قال الله تعالى عنهم ‪َ } :‬فل َ‬
‫]القيامة ‪ ، [32 ، 31 :‬فحينئذ قامت عليهم الحجة ‪ ،‬ولم يكن لهم عذر‬
‫ن‪.‬‬‫م فَي َعْت َذُِرو َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ن َول ي ُؤْذ َ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫م ل ي َن ْط ِ ُ‬ ‫ذا ي َوْ ُ‬ ‫يعتذرون به ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬هَ َ‬
‫ن { ]المرسلت ‪ ، [37 ، 35 :‬وهكذا قال هاهنا ‪ } :‬وَوَقَ َ‬
‫ع‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ِل ْ ُ‬ ‫ل ي َوْ َ‬ ‫وَي ْ ٌ‬
‫ن { أي ‪ :‬بهتوا فلم يكن لهم جواب ؛‬ ‫قو َ‬ ‫م ل ي َن ْط ِ ُ‬ ‫موا فَهُ ْ‬ ‫ما ظ َل َ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫لنهم كانوا في الدار الدنيا ظلمة لنفسهم ‪ ،‬وقد ردوا إلى عالم الغيب‬
‫والشهادة الذي ل تخفى )‪ (5‬عليه خافية‪.‬‬
‫ثم قال تعالى منبًها على قدرته التامة ‪ ،‬وسلطانه العظيم ‪ ،‬وشأنه الرفيع‬
‫الذي تجب طاعته والنقياد لوامره ‪ ،‬وتصديق أنبيائه فيما جاءوا به من الحق‬
‫جعَل َْنا الل ّي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سك ُُنوا ِفيهِ { أي ‪ :‬فيه‬ ‫ل ل ِي َ ْ‬ ‫م ي ََرْوا أّنا َ‬ ‫محيد عنه ‪ ،‬فقال } أل َ ْ‬ ‫الذي ل َ‬
‫صب‬ ‫ظلم تسكن )‪ (6‬بسببه حركاتهم ‪ ،‬وتهدأ أنفاسهم ‪ ،‬ويستريحون من ن َ َ‬
‫صًرا { أي ‪ :‬منيًرا مشرًقا ‪ ،‬فبسبب ذلك‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫التعب في نهارهم‪َ } .‬والن َّهاَر ُ‬
‫يتصرفون في المعايش والمكاسب ‪ ،‬والسفار والتجارات ‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫شؤونهم التي يحتاجون إليها ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الظالمين مع المكذبين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬قرن وقوم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يرد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬فيسألون"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬ل يخفى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬يسكن"‪.‬‬
‫) ‪(6/215‬‬

‫َْ‬
‫ن َ‬
‫شاَء‬ ‫م ْ‬ ‫ض إ ِّل َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬‫فزِع َ َ‬ ‫صورِ فَ َ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫ف ُ‬‫م ي ُن ْ َ‬
‫وَي َوْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مّر‬
‫مّر َ‬ ‫ي تَ ُ‬
‫مد َة ً وَهِ َ‬‫جا ِ‬ ‫سب َُها َ‬‫ح َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫جَبا َ‬ ‫ن )‪ (87‬وَت ََرى ال ِ‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬‫ل أت َوْه ُ َدا ِ‬ ‫ُ‬
‫ه وَك ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬‫خِبيٌر ب ِ َ‬
‫ه َ‬ ‫يٍء إ ِن ّ ُ‬
‫ش ْ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫ق َ‬‫ذي أت ْ َ‬ ‫صن ْعَ الل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ب ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬

‫ن َ‬
‫شاَء‬ ‫م ْ‬
‫ض ِإل َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫س َ‬‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬‫فزِع َ َ‬‫صورِ فَ َ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫ف ُ‬‫م ي ُن ْ َ‬ ‫} وَي َوْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مّر‬
‫مّر َ‬
‫ي تَ ُ‬
‫مد َة ً وَهِ َ‬‫جا ِ‬ ‫سب َُها َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫جَبا َ‬ ‫ن )‪ (87‬وَت ََرى ال ِ‬ ‫ري َ‬‫ِ‬ ‫خ‬
‫ل أت َوْه ُ َدا ِ‬ ‫ه وَك ُ ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن )‪{ (88‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬‫خِبيٌر ب ِ َ‬‫ه َ‬ ‫يٍء إ ِن ّ ُ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ن كُ ّ‬ ‫ذي أ َت ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫صن ْعَ الل ّهِ ال ّ ِ‬‫ب ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬

‫) ‪(6/216‬‬

‫جاَء‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ن )‪ (89‬وَ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مئ ِذ ٍ آ َ ِ‬
‫ن فََزٍع ي َوْ َ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫من َْها وَهُ ْ‬
‫خي ٌْر ِ‬
‫ه َ‬ ‫سن َةِ فَل َ ُ‬
‫ح َ‬‫جاَء ِبال ْ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬‫م ت َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل َ‬ ‫جَزوْ َ‬
‫ل تُ ْ‬‫م ِفي الّنارِ هَ ْ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫ت وُ ُ‬ ‫ُ‬
‫سي ّئ َةِ فَكب ّ ْ‬
‫ِبال ّ‬

‫جاَء‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن )‪ (89‬وَ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مئ ِذٍ آ ِ‬ ‫ن فََزٍع ي َوْ َ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫من َْها وَهُ ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬
‫ه َ‬ ‫سن َةِ فَل َ ُ‬ ‫جاَء ِبال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫} َ‬
‫ن )‪.{ (90‬‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫جَزوْ َ‬‫ل تُ ْ‬‫م ِفي الّنارِ هَ ْ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫ت وُ ُ‬‫سي ّئ َةِ فَك ُب ّ ْ‬‫ِبال ّ‬
‫صور ‪ ،‬وهو كما جاء في الحديث ‪:‬‬ ‫فَزع في ال ّ‬ ‫يخبر تعالى عن هول يوم نفخة ال َ‬
‫صور( أن إسرافيل هو الذي ينفخ فيه بأمر‬ ‫"قرن ينفخ فيه"‪ .‬وفي حديث)ال ّ‬
‫الله تعالى ‪ ،‬فينفخ فيه أول نفخة الفزع ويطولها ‪ ،‬وذلك في آخر عمر الدنيا ‪،‬‬
‫ن في السموات‬ ‫م ْ‬ ‫حين تقوم الساعة على شرار الناس من الحياء ‪ ،‬فيفزع َ‬
‫ه { ‪ ،‬وهم الشهداء ‪ ،‬فإنهم أحياء عند ربهم‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن في الرض } ِإل َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫يرزقون‪.‬‬
‫معاذ العنبري ‪ ،‬حدثنا‬ ‫قال المام مسلم بن الحجاج ‪ :‬حدثنا عَُبيد الله )‪ (1‬بن ُ‬
‫أبي ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن النعمان بن سالم ‪ :‬سمعت يعقوب بن عاصم بن‬
‫عُْرَوة بن مسعود الثقفي ‪ ،‬سمعت عبد الله بن عمرو ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫وجاءه رجل فقال ‪ :‬ما هذا الحديث الذي َتحدث أن الساعة تقوم إلى كذا‬
‫وكذا ؟ فقال ‪ :‬سبحان الله ‪ -‬أو ‪ :‬ل إله إل الله ‪ -‬أو كلمة نحوهما ‪ -‬لقد هممت‬
‫ما‬‫أل أحدث أحدا شيئا أبدا ‪ ،‬إنما قلت ‪ :‬إنكم سترون بعد قليل أمًرا عظي ً‬
‫يخرب البيت ‪ ،‬ويكون ويكون‪ .‬ثم قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ما ‪ ،‬أو‬ ‫‪" :‬يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين ‪] -‬ل أدري أربعين[ )‪ (2‬يو ً‬
‫ما ‪ -‬فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن‬ ‫أربعين شهًرا ‪ ،‬أو أربعين عا ً‬
‫مسعود ‪ ،‬فيطلبه فيهلكه‪ .‬ثم يمكث الناس سبع سنين ‪ ،‬ليس بين اثنين عداوة‬
‫حا باردة من قبل الشام ‪ ،‬فل يبقى على وجه الرض أحد‬ ‫‪ ،‬ثم يرسل الله ري ً‬
‫في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إل قبضته ‪ ،‬حتى لو أن أحدهم دخل في‬
‫خل َْته )‪ (3‬عليه حتى تقبضه"‪ .‬قال ‪ :‬سمعتها من رسول الله صلى‬ ‫كبد جبل لد َ‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪" :‬فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلم السباع ‪،‬‬
‫ل يعرفون معروفا ول ينكرون منكًرا ‪ ،‬فيتمثل لهم الشيطان فيقول ‪ :‬أل‬
‫تستجيبون ؟ فيقولون ‪ :‬فما تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الوثان ‪ ،‬وهم في ذلك )‬
‫ن عيشهم‪ .‬ثم ينفخ في الصور فل يسمعه أحد إل أصغى‬ ‫‪ (4‬دار رزقهم ‪ ،‬حس ٌ‬
‫ن يسمعه رجل ي َُلوط حوض إبله"‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫ليًتا ]ورفع ليتا[ )‪ .(5‬قال ‪" :‬وأول َ‬
‫صعَقُ وَيصعقُ الناس ‪ ،‬ثم يرسل الله ‪ -‬أو قال ‪ :‬ينزل الله مطًرا كأنه‬ ‫"فَي َ ْ‬
‫طل ‪ -‬أو قال ‪ :‬الظل ‪ -‬نعمان الشاك ‪ -‬فتنبت )‪ (6‬منه أجساد الناس ‪ ،‬ثم‬ ‫ال ّ‬
‫خ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون‪ .‬ثم يقال ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬هلموا إلى‬ ‫ف ُ‬
‫ين َ‬
‫ربكم ‪ ،‬وقفوهم إنهم مسؤولون‪ .‬ثم يقال ‪ :‬أخرجوا بعث النار‪ .‬فيقال ‪ :‬من كم‬
‫؟ فيقال ‪ :‬من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين"‪ .‬قال ‪" :‬فذلك )‪ (7‬يوم‬
‫يجعل الولدان شيبا ‪ ،‬وذلك يوم يكشف عن ساق" )‪.(8‬‬
‫وقوله )‪ : (9‬ثم ينفخ في الصور فل يسمعه أحد إل أصغى ليتا ورفع ليتا"‬
‫دا‪.‬‬
‫الليت )‪ : (10‬هو صفحة العنق ‪ ،‬أي ‪ :‬أمال عنقه ليستمعه من السماء جي ً‬
‫فهذه نفخة الفزع‪ .‬ثم بعد ذلك نفخة الصعق ‪ ،‬وهو الموت‪ .‬ثم بعد ذلك نفخة‬
‫القيام لرب العالمين ‪ ،‬وهو النشور من القبور لجميع الخلئق ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫ل بمعنى‬ ‫ن { ‪ُ -‬قرئ بالمد ‪ ،‬وبغيره )‪ (11‬على الفعل ‪ ،‬وك ٌ‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬‫ل أ َت َوْه ُ َدا ِ‬
‫} وَك ُ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬صاغرين مطيعين ‪ ،‬ل يتخلف أحد‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬‫واحد ‪ -‬و } َدا ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وصحيح مسلم‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لدخلت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وهي في تلك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬وصحيح مسلم‪ .‬وفي أ ‪" :‬أصغى ليثا ورفع ليثا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬فينبت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬فكذلك"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم برقم )‪.(2940‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقوله"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬إل أصغى ليثا ورفع ليثا الليث"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ف ‪" :‬وغيره"‪.‬‬

‫) ‪(6/216‬‬

‫مدِهِ { ]السراء ‪:‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫جيُبو َ‬ ‫م فَت َ ْ‬


‫ست َ ِ‬ ‫عوك ُ ْ‬ ‫م ي َد ْ ُ‬ ‫عن أمره ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫ن { ]الروم ‪:‬‬ ‫جو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ض إ َِذا أن ْت ُ ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫م د َعْوَة ً ِ‬ ‫عاك ُ ْ‬ ‫م إ َِذا د َ َ‬ ‫‪ ، [52‬وقال } ث ُ ّ‬
‫‪ .[25‬وفي حديث الصور ‪ :‬أنه في النفخة الثالثة يأمر الله الرواح ‪ ،‬فتوضع‬
‫في ثقب )‪ (1‬في الصور ‪ ،‬ثم ينفخ إسرافيل فيه بعدما تنبت )‪ (2‬الجساد في‬
‫قبورها وأماكنها ‪ ،‬فإذا نفخ في الصور طارت الرواح ‪ ،‬تتوهج أرواح المؤمنين‬
‫ظلمة ‪ ،‬فيقول الله ‪ ،‬عز وجل ‪ :‬وعزتي وجللي‬ ‫نوًرا ‪ ،‬وأرواح الكافرين ُ‬
‫لترجعن كل روح )‪ (3‬إلى جسدها‪ .‬فتجيء الرواح إلى أجسادها ‪ ،‬فتدب فيها‬
‫كما َيدب السم في اللديغ ‪ ،‬ثم يقومون فينفضون التراب من قبورهم ‪ ،‬قال‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ضو َ‬ ‫ب ُيوفِ ُ‬ ‫ص ٍ‬ ‫م إ َِلى ن ُ ُ‬ ‫عا ك َأن ّهُ ْ‬ ‫سَرا ً‬ ‫ث ِ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫الله تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫]المعارج ‪.[43 :‬‬
‫ب { أي ‪ :‬تراها‬ ‫حا ِ‬ ‫س َ‬‫مّر ال ّ‬ ‫مّر َ‬ ‫ي تَ ُ‬ ‫مد َةً وَهِ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫سب َُها َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫جَبا َ‬ ‫ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَت ََرى ال ِ‬
‫كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه ‪ ،‬وهي تمر مر السحاب ‪ ،‬أي ‪ :‬تزول عن‬
‫سي ًْرا {‬ ‫ل َ‬‫جَبا ُ‬ ‫سيُر ال ْ ِ‬ ‫موًْرا وَت َ ِ‬ ‫ماُء َ‬ ‫س َ‬ ‫موُر ال ّ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫أماكنها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫فا‬‫س ً‬ ‫ق ْ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فَها َرّبي ن َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ل ي َن ْ ِ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫سألون َك عَ ِ‬ ‫]الطور ‪ ، [10 ، 9 :‬وقال } وَي َ ْ‬
‫مًتا { ]طه ‪ ، [107 ، 105 :‬وقال‬ ‫َ‬ ‫ها َقا ً‬
‫فَي َذ َُر َ‬
‫جا َول أ ْ‬ ‫عوَ ً‬ ‫فا ل ت ََرى ِفيَها ِ‬ ‫ص ً‬ ‫ف َ‬‫ص ْ‬ ‫عا َ‬
‫ض َبارَِزة ً { ]الكهف ‪.[47 :‬‬ ‫ل وَت ََرى الْر َ‬ ‫جَبا َ‬ ‫ْ‬
‫سي ُّر ال ِ‬ ‫م نُ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫يٍء { أي ‪ :‬يفعل ذلك بقدرته العظيمة‬ ‫ن كل َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ش ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ذي أت ْ َ‬ ‫صن ْعَ اللهِ ال ِ‬ ‫وقوله ‪ُ } :‬‬
‫خِبيٌر‬‫ه َ‬ ‫الذي قد أتقن كل ما خلق ‪ ،‬وأودع فيه )‪ (4‬من الحكمة ما أودع ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬هو عليم بما يفعل عباده من خير وشر فيجازيهم عليه‪.‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬
‫بِ َ‬
‫هَ‬ ‫َ‬
‫سن َةِ فل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫جاَء ِبال َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ثم بين تعالى حال السعداء والشقياء يومئذ فقال ‪َ } :‬‬
‫من َْها { ‪ -‬قال قتادة ‪ :‬بالخلص‪ .‬وقال زين العابدين ‪ :‬هي ل إله إل الله ‪-‬‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫َ ُ ْ ِ ْ َ ٍ َ ْ َ ِ ٍ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫أمثالها‬ ‫شر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫له‬ ‫أن‬ ‫(‬ ‫‪6‬‬ ‫)‬ ‫الخر‬ ‫(‬ ‫‪5‬‬ ‫)‬ ‫المكان‬ ‫في‬ ‫ين‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫وقد‬
‫فَزعُ الك ْب َُر { ]النبياء ‪:‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫ز‬ ‫ح‬
‫َ ْ ُ ُُ ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الخرى‬ ‫الية‬ ‫في‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫{‬ ‫ن‬‫مُنو َ‬ ‫آ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مةِ {‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫مًنا ي َوْ َ‬‫ن ي َأِتي آ ِ‬‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫قى ِفي الّنارِ َ‬ ‫ن ي ُل ْ َ‬
‫م ْ‬‫‪ ، [103‬وقال ‪ } :‬أفَ َ‬
‫ن { ]سبأ ‪.[37 :‬‬ ‫مُنو َ‬‫تآ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ِفي الغُُرَفا ِ‬ ‫]فصلت ‪ ، [40 :‬وقال ‪ } :‬وَهُ ْ‬
‫ن لقي الله‬ ‫م ْ‬ ‫م ِفي الّنارِ { أي ‪َ :‬‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫ت وُ ُ‬ ‫سي ّئ َةِ فَك ُب ّ ْ‬‫جاَء ِبال ّ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫مسيًئا ل حسنة له ‪ ،‬أو ‪ :‬قد رجحت سيئاته على حسناته ‪ ،‬كل بحسبه )‪ (7‬؛‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ل تُ ْ‬‫ولهذا قال ‪ } :‬هَ ْ‬
‫وقال ابن مسعود وأبو هريرة وابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهم ‪ ،‬وأنس بن مالك‬
‫خعي ‪ ،‬وأبو وائل‬ ‫‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وإبراهيم الن ّ َ‬
‫دي ‪،‬‬ ‫س ّ‬‫‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وال ّ‬
‫َ‬
‫سي ّئةِ {‬ ‫جاَء ِبال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫والضحاك ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد ‪ ،‬في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫يعني ‪ :‬بالشرك‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬نقب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ما نبتت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬كل ريح"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬به"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الموضع"‪.‬‬
‫)‪ (6‬يشير ابن كثير ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬إلى الية ‪ 160 :‬من سورة النعام ‪ ،‬وهي‬
‫قوله تعالى ‪) :‬من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فل يجزى‬
‫إل مثلها وهم ل يظلمون(‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬الحسنة"‪.‬‬

‫) ‪(6/217‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫إنما أ ُمرت أ َ َ‬


‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫يٍء وَأ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ه كُ ّ‬ ‫مَها وَل َ ُ‬‫حّر َ‬‫ذي َ‬ ‫ب هَذِهِ ال ْب َل ْد َةِ ال ّ ِ‬ ‫ن أعْب ُد َ َر ّ‬ ‫ِّ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ُ‬
‫ه‬
‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫دي ل ِن َ ْ‬ ‫ما ي َهْت َ ِ‬ ‫َ‬
‫دى فإ ِن ّ َ‬ ‫ن اهْت َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫نف َ‬ ‫قْرآ َ‬
‫ن أت ْلوَ ال ُ‬ ‫ن )‪ (91‬وَأ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫ن ِ‬
‫كو َ‬
‫َ‬
‫م آ ََيات ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ريك ُ ْ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َ‬
‫سي ُ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫ن )‪ (92‬وَقُ ِ‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫ما أَنا ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫ق ْ‬ ‫ل فَ ُ‬‫ض ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫ما َرب ّ َ‬
‫ك ب َِغافِ ٍ‬ ‫فَت َعْرُِفون ََها وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫} إنما أ ُمرت أ َ َ‬
‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫يٍء وَأ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه كُ ّ‬ ‫مَها وَل َ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب هَذِهِ ال ْب َل ْد َةِ ال ّ ِ‬ ‫ن أعْب ُد َ َر ّ‬ ‫ِّ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ُ‬
‫ه‬
‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫دي ل ِن َ ْ‬ ‫ما ي َهْت َ ِ‬ ‫َ‬
‫دى فإ ِن ّ َ‬ ‫ن اهْت َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫نف َ‬ ‫َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ن أت ْلوَ ال ُ‬ ‫ن )‪ (91‬وَأ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م آَيات ِ ِ‬ ‫ريك ُ ْ‬ ‫سي ُ ِ‬‫مد ُ ل ِل ّهِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن )‪ (92‬وَقُ ِ‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما أَنا ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫ق ْ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪.{ (93‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫َ‬
‫ما َرب ّك ب َِغافِ ٍ‬ ‫فَت َعْرِفون ََها وَ َ‬
‫ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب هَذِ ِ‬ ‫ن أعْب ُد َ َر ّ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫يقول تعالى مخبًرا رسوله وآمًرا له أن يقول ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫س إِ ْ‬ ‫ل )‪َ (1‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫ل ‪ } :‬قُ ْ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫يٍء { ‪ ،‬ك َ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ه كُ ّ‬ ‫مَها وَل َ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ْب َل ْد َةِ ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أعْب ُد ُ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن الل ّهِ وَل َك ِ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ت َعْب ُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِديِني َفل أعْب ُد ُ ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م { ]يونس ‪.[104 :‬‬ ‫ذي ي َت َوَّفاك ُ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫وإضافة الربوبية إلى البلدة على سبيل التشريف لها والعتناء بها ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫ف{‬ ‫خو ْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من َهُ ْ‬ ‫جوٍع َوآ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ذي أط ْعَ َ‬ ‫ت‪ .‬ال ّ ِ‬ ‫ذا ال ْب َي ْ ِ‬ ‫ب هَ َ‬ ‫دوا َر ّ‬ ‫} فَل ْي َعْب ُ ُ‬
‫]قريش ‪.[4 ، 3 :‬‬
‫عا ‪ ،‬بتحريمه‬ ‫ما قدًرا وشر ً‬ ‫مَها { أي ‪ :‬الذي إنما صارت حرا ً‬ ‫حّر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫لها ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يوم فتح مكة ‪" :‬إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات‬
‫ضد شوكه ‪ ،‬ول ينفر‬ ‫والرض ‪ ،‬فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ‪ ،‬ل ُيع َ‬
‫ن عرفها ‪ ،‬ول يختلى خلها" الحديث بتمامه‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫قط َُته إل ل ِ َ‬ ‫صيده ‪ ،‬ول يلتقط ل ُ َ‬
‫وقد ثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من طرق جماعة تفيد القطع )‪، (2‬‬
‫كما هو مبين في موضعه من )‪ (3‬كتاب الحكام ‪ ،‬ولله الحمد‪.‬‬
‫يٍء { ‪ :‬من باب عطف العام على الخاص ‪ ،‬أي ‪ :‬هو رب‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه كُ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ ُ‬
‫ن { أي‬ ‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن أَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫تأ ْ‬
‫َ‬
‫مْر ُ‬
‫ُ‬
‫هذه البلدة ‪ ،‬ورب كل شيء ومليكه ‪ } ،‬وَأ ِ‬
‫‪ :‬الموحدين المخلصين المنقادين لمره المطيعين له‪ .‬ب‬
‫ن { أي ‪ :‬على الناس أبلغهم إياه ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ذ َل ِكَ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ن أ َت ْل ُوَ ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫كيم ِ { ]آل عمران ‪ ، [58 :‬وكقوله ‪ } :‬ن َت ُْلو‬ ‫ح ِ‬ ‫ت َوالذ ّك ْرِ ال ْ َ‬ ‫ن الَيا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫علي ْ َ‬ ‫ن َت ُْلوه ُ َ‬
‫ن { ]القصص ‪ [3 :‬أي ‪ :‬أنا‬ ‫مُنو َ‬‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫حق ّ ل ِ َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫سى وَفِْرعَوْ َ‬ ‫مو َ‬‫ن ن َب َإ ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ل فَ ُ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ما أَنا ِ‬ ‫ق ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫سهِ وَ َ‬‫ف ِ‬ ‫دي ل ِن َ ْ‬ ‫ما ي َهْت َ ِ‬ ‫دى فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن اهْت َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫مبلغ ومنذر ‪ } ،‬فَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬لي سوية الرسل الذين أنذروا قومهم ‪ ،‬وقاموا بما عليهم‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫صوا من عهدتهم ‪ ،‬وحساب أممهم على الله ‪،‬‬ ‫خل َ ُ‬ ‫من أداء الرسالة إليهم ‪ ،‬و َ‬
‫ب { ]الرعد ‪ ، [40 :‬وقال ‪:‬‬ ‫سا ُ‬‫ح َ‬ ‫ك ال َْبلغ ُ وَعَل َي َْنا ال ْ ِ‬ ‫ما عَل َي ْ َ‬ ‫كقوله تعالى ‪ } :‬فَإ ِن ّ َ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ل { ]هود ‪.[12 :‬‬ ‫كي ٌ‬‫يٍء وَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ذيٌر َوالل ّ ُ‬ ‫ت نَ ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫م آَيات ِهِ فَت َعْرُِفون ََها { ‪ ،‬أي ‪ :‬لله الحمد الذي ل يعذب‬ ‫ريك ُ ْ‬ ‫سي ُ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َ‬ ‫ح ْ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫} وَقُ ِ‬
‫دا إل بعد قيام الحجة‬ ‫أح ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في هـ ‪" :‬قال" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (1834‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1353‬وسنن أبي‬
‫داود برقم )‪ (2018‬وسنن الترمذي برقم )‪ (1590‬وسنن النسائي )‪(5/203‬‬
‫والمسند )‪.(1/259‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬في"‪.‬‬

‫) ‪(6/218‬‬

‫م آَيات ِهِ فَت َعْرُِفون ََها { كما قال‬ ‫ريك ُ ْ‬ ‫سي ُ ِ‬


‫عليه ‪ ،‬والعذار إليه ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حقّ {‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م أن ّ ُ‬ ‫حّتى ي َت َب َي ّ َ‬
‫م َ‬
‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬‫ق وَِفي أن ْ ُ‬ ‫م آَيات َِنا ِفي الَفا ِ‬ ‫ريهِ ْ‬ ‫سن ُ ِ‬‫تعالى ‪َ } :‬‬
‫]فصلت ‪.[53 :‬‬
‫ن { أي ‪ :‬بل هو شهيد على كل شيء‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ل عَ ّ‬ ‫ما َرب ّ َ‬
‫ك ب َِغافِ ٍ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر عن أبي عمر الحوضي حفص بن عمر ‪ :‬حدثنا أبو‬
‫أمية بن يعلى الثقفي ‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي سعيد ‪ ،‬سمعت أبا هريرة يقول ‪:‬‬
‫ن أحدكم‬ ‫قال ‪ :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬ل ي َْغتّر ّ‬
‫بالله ؛ فإن الله لو كان غافل شيًئا لغفل البعوضة والخردلة والذرة" )‪.(1‬‬
‫]قال أيضا[ )‪ : (2‬حدثنا محمد بن يحيى ‪ ،‬حدثنا نصر بن علي ‪ ،‬قال أبي ‪:‬‬
‫أخبرني خالد بن قيس ‪ ،‬عن مطر ‪ ،‬عن عمر بن عبد العزيز قال ‪ :‬فلو كان‬
‫الله مغفل شيًئا لغفل ما تعفي الرياح من أثر قدمي ابن آدم‪.‬‬
‫وقد ذكر عن المام أحمد ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬أنه كان ينشد هذين البيتين ‪ ،‬إما له أو‬
‫لغيره ‪:‬‬
‫ي َرقيب‪...‬‬ ‫ت َولكن ُقل َ‬
‫عل ّ‬ ‫خَلو ُ‬ ‫ما َفل ت َ ُ‬
‫قل‪َ ...‬‬ ‫ت الدهَْر َيو ً‬ ‫خَلو َ‬‫ما َ‬‫إَذا َ‬
‫َ‬
‫خفى عَلْيه َيغيب‪...‬‬‫ما ي َ ْ‬
‫ة‪َ ...‬ول أن َ‬ ‫فل ساع ً‬ ‫سَبن الله ي َغْ ُ‬‫ح َ‬‫َول ت َ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه الديملي في مسند الفردوس برقم )‪ (8167‬من طريق أبي أمية‬
‫بن يعلى به‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/219‬‬

‫ن )‪ (2‬ن َت ُْلوا عَل َي ْ َ‬ ‫طسم )‪ (1‬ت ِل ْ َ َ‬


‫ن‬
‫سى وَفِْرعَوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ن َب َإ ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مِبي‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫شي ًَعا‬‫ل أهْل ََها ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ض وَ َ‬
‫ن عَل ِفي الْر ِ‬
‫ن فِْرعَوْ َ َ‬ ‫ن )‪ (3‬إ ِ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫حق ّ ل ِ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬‫ساَءهُ ْ‬ ‫حِيي ن ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫م وَي َ ْ‬‫ح أب َْناَءهُ ْ‬ ‫م ي ُذ َب ّ ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ً‬‫طائ ِ َ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬
‫م أئ ِ ّ‬
‫جعَلهُ ْ‬ ‫ض وَن َ ْ‬‫فوا ِفي الْر ِ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عَلى ال ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن نَ ُ‬‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ن )‪ (4‬وَن ُ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جعَل َهُ ُ‬ ‫وَن َ ْ‬

‫]بسم الله الرحمن الرحيم‪ .‬رب يسر بفضلك[ )‪(1‬‬


‫تفسير سورة القصص‬
‫]وهي مكية[ )‪(2‬‬
‫كيع ‪،‬‬ ‫قال المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا وَ ِ‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن معد يكرب قال ‪ :‬أتينا عبد الله فسألناه أن‬
‫من أخذها‬ ‫يقرأ علينا } طسم { المائتين ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هي معي ‪ ،‬ولكن عليكم َ‬
‫خّباب‬ ‫خّباب بن الَرت‪ .‬قال ‪ :‬فأتينا َ‬ ‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪َ :‬‬
‫بن الرت ‪ ،‬فقرأها علينا ‪ ،‬رضي الله عنه )‪.(3‬‬
‫ن‬
‫سى وَفِْرعَوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ن َب َإ ِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن )‪ (2‬ن َت ُْلو عَلي ْك ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مِبي ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫} طسم )‪ (1‬ت ِل ْ َ‬
‫َ‬
‫شي ًَعا‬‫ل أهْل ََها ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ض وَ َ‬‫عل ِفي الْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫ن )‪ (3‬إ ِ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫حق ّ ل ِ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬
‫ساَءهُ ْ‬ ‫حِيي ن ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫م وَي َ ْ‬ ‫ح أب َْناَءهُ ْ‬ ‫م ي ُذ َب ّ ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ة ِ‬ ‫ف ً‬‫طائ ِ َ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬‫م أئ ِ ّ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬‫ض وَن َ ْ‬‫فوا ِفي الْر ِ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عََلى ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ن )‪ (4‬وَن ُ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن )‪.{ (5‬‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جعَل َهُ ُ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(1/419‬‬

‫) ‪(6/220‬‬

‫َْ‬
‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫م َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ما ِ‬
‫جُنود َهُ َ‬
‫ن وَ ُ‬
‫ما َ‬
‫ها َ‬
‫ن وَ َ‬
‫ض وَن ُرِيَ فِْرعَوْ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م ِفي الْر ِ‬ ‫مك ّ َ‬
‫وَن ُ َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫حذ َُرو َ‬‫يَ ْ‬
‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫م َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ما ِ‬
‫جُنود َهُ َ‬
‫ن وَ ُ‬‫ما َ‬ ‫ها َ‬
‫ن وَ َ‬‫ض وَن ُرِيَ فِْرعَوْ َ‬
‫م ِفي الْر ِ‬‫ن ل َهُ ْ‬
‫مك ّ َ‬
‫} وَن ُ َ‬
‫ن )‪.{ (6‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫قد تقدم الكلم على الحروف المقطعة‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬الواضح الجلي‬ ‫ْ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬
‫مِبي ِ‬
‫ب ال ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬تلك { أي ‪ :‬هذه } آَيا ُ‬
‫الكاشف عن حقائق المور ‪ ،‬وعلم ما قد كان وما هو كائن‪.‬‬
‫ن { كما قال‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫حق ّ ل ِ َ‬ ‫سى وَفِْرعَوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ن َب َإ ِ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ن َت ُْلو عَل َي ْ َ‬
‫ص { ] يوسف ‪ [ 3 :‬أي ‪ :‬نذكر لك‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ص عَل َي ْ َ‬
‫ص ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ق ّ‬ ‫ن نَ ُ‬‫ح ُ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ن َ ْ‬
‫المر على ما كان عليه ‪ ،‬كأنك تشاهد وكأنك حاضر‪.‬‬
‫ل‬‫جعَ َ‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫وطغى‪.‬‬ ‫وتجبر‬ ‫ض { أي ‪ :‬تكبر‬ ‫عل ِفي الْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫شي ًَعا { أي ‪ :‬أصنافا ‪ ،‬قد صرف كل صنف فيما يريد من أمور دولته‪.‬‬ ‫أهْل ََها ِ‬
‫م { يعني ‪ :‬بني إسرائيل‪ .‬وكانوا في ذلك‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ً‬ ‫ف َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫الوقت خيار أهل زمانهم‪ .‬هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبار العنيد‬
‫هم ليل ونهاًرا في أشغاله وأشغال‬ ‫يستعملهم في أخس العمال ‪ ،‬ويك ُد ّ ُ‬
‫رعيته ‪ ،‬ويقتل مع هذا أبناءهم ‪ ،‬ويستحيي نساءهم ‪ ،‬إهانة لهم واحتقارا ‪،‬‬
‫وخوفا من أن يوجد منهم الغلم الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته من أن‬
‫يوجد منهم غلم ‪،‬‬

‫) ‪(6/220‬‬

‫َ‬ ‫وأ َوحينا إَلى أ ُم موسى أ َ َ‬


‫خاِفي‬ ‫م وََل ت َ َ‬ ‫قيهِ ِفي ال ْي َ ّ‬ ‫ت عَل َي ْهِ فَأل ْ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ضِعيهِ فَإ َِذا ِ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ُ َ‬ ‫َ ْ َ َْ ِ‬
‫ن‬‫ه آل فِْرعَوْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وََل ت َ ْ‬
‫قط ُ‬ ‫ن )‪ (7‬فالت َ َ‬ ‫سِلي َ‬‫مْر َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫علوه ُ ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫حَزِني إ ِّنا َراّدوه ُ إ ِلي ْ ِ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫ما َ‬ ‫جُنود َهُ َ‬‫ن وَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬‫ن وَ َ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫حَزًنا إ ِ ّ‬ ‫م عَد ُّوا وَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫كو َ‬ ‫ل ِي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خذ َهُ‬ ‫فعََنا أوْ ن َت ّ ِ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬‫سى أ ْ‬ ‫قت ُُلوه ُ عَ َ‬ ‫ك َل ت َ ْ‬ ‫ن ِلي وَل َ َ‬ ‫ن قُّرة ُ عَي ْ ٍ‬ ‫مَرأة ُ فِْرعَوْ َ‬ ‫تا ْ‬ ‫وََقال َ ِ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫دا وَهُ ْ‬ ‫وَل َ ً‬

‫يكون سبب هلكه وذهاب دولته على يديه‪ .‬وكانت القبط قد تلقوا هذا من بني‬
‫إسرائيل فيما كانوا يدرسونه من قول إبراهيم الخليل ‪ ،‬حين ورد الديار‬
‫المصرية ‪ ،‬وجرى له مع جبارها ما جرى ‪ ،‬حين أخذ سارة ليتخذها جارية ‪،‬‬
‫فصانها الله منه ‪ ،‬ومنعه منها )‪ (1‬بقدرته وسلطانه‪ .‬فبشر إبراهيم عليه‬
‫من يكون هلك ملك مصر على يديه‬ ‫السلم ولده أنه سيولد من صلبه وذريته َ‬
‫‪ ،‬فكانت القبط تتحدث بهذا عند فرعون ‪ ،‬فاحترز فرعون من ذلك ‪ ،‬وأمر‬
‫بقتل ذكور بني إسرائيل ‪ ،‬ولن ينفع حذر من قدر ؛ لن أجل الله إذا جاء ل‬
‫َ‬
‫فوا‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عََلى ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫كتاب ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَن ُ ِ‬ ‫يؤخر ‪ ،‬ولكل أجل‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ض وَن ُرِ َ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫ن‪ .‬وَن ُ َ‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫م ال َ‬ ‫جعَلهُ ُ‬ ‫ة وَن َ ْ‬ ‫م ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫ض وَن َ ْ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫ن {‪ .‬وقد فعل تعالى ذلك بهم‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬‫فِْرعَوْ َ‬
‫مَغارِب ََها‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَأوَْرث َْنا ال َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫شارِقَ الْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ن كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫قو ْ َ‬
‫صب َُروا‬ ‫ما َ‬ ‫سَراِئي َ‬
‫ل بِ َ‬ ‫سَنى عَلى ب َِني إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ة َرب ّك ال ُ‬‫َ‬ ‫م ُ‬‫ت ك َل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها وَت َ ّ‬
‫ن { ] العراف ‪[ 137 :‬‬ ‫شو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْرِ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَقَوْ ُ‬ ‫صن َعُ فِْرعَوْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫مْرَنا َ‬
‫وَد َ ّ‬
‫ل { ] الشعراء ‪ ، [ 59 :‬أراد فرعون‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال ‪ } :‬كذ َل ِك وَأوَْرث َْنا َ‬‫َ‬
‫ها ب َِني إ ِ ْ‬
‫در الملك العظيم الذي‬ ‫َ‬
‫بحوله وقوته أن ينجو من موسى ‪ ،‬فما نفعه ذلك مع ق َ‬
‫دم بأن يكون‬ ‫ق َ‬
‫ل يخالف أمره القدري ‪ ،‬بل نفذ حكمه وجرى قلمه في ال ِ‬
‫إهلك فرعون على يديه ‪ ،‬بل يكون هذا الغلم الذي احترزت من وجوده ‪،‬‬
‫وقتلت بسببه ألوفا من الولدان إنما منشؤه ومرباه على فراشك ‪ ،‬وفي دارك‬
‫‪ ،‬وغذاؤه من طعامك ‪ ،‬وأنت تربيه وتدلله وتتفداه ‪ ،‬وحتفك ‪ ،‬وهلكك وهلك‬
‫جنودك على يديه ‪ ،‬لتعلم أن رب السموات العل هو القادر الغالب العظيم ‪،‬‬
‫العزيز القوي الشديد المحال ‪ ،‬الذي ما شاء كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫َ‬ ‫} وأ َوحينا إَلى أ ُم موسى أ َ َ‬
‫م َول‬ ‫قيهِ ِفي ال ْي َ ّ‬ ‫ت عَل َي ْهِ فَأل ْ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ضِعيهِ فَإ َِذا ِ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ُ َ‬ ‫َ ْ َ َْ ِ‬
‫هآ ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قط ُ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪َ (7‬فالت َ َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ال ُ‬‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫علوه ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫َ‬
‫حَزِني إ ِّنا َراّدوه ُ إ ِلي ْ ِ‬ ‫خاِفي َول ت َ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫ن)‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫ما َ‬ ‫جُنود َهُ َ‬
‫ن وَ ُ‬
‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬
‫حَزًنا إ ِ ّ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫فِْرعَوْ َ‬
‫م عَد ُّوا وَ َ‬ ‫كو َ‬‫ن ل ِي َ ُ‬ ‫فِْرعَوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِلي وَل َك ل ت َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خذ َهُ‬
‫فعََنا أوْ ن َت ّ ِ‬
‫ن ي َن ْ َ‬
‫سى أ ْ‬ ‫قت ُلوه ُ عَ َ‬
‫ن‬‫ن قّرة ُ عَي ْ ٍ‬ ‫مَرأة ُ فِْرعَوْ َ‬ ‫تا ْ‬ ‫‪ (8‬وََقال ِ‬
‫ن )‪.{ (9‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫دا وَهُ ْ‬‫وَل َ ً‬
‫ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل ‪ ،‬خافت القبط أن‬
‫فني بني إسرائيل )‪ (2‬فَي َُلون )‪ (3‬هم ما كانوا يلونه من العمال الشاقة‪.‬‬ ‫يُ ْ‬
‫فقالوا لفرعون ‪ :‬إنه يوشك ‪ -‬إن استمر هذا الحال ‪ -‬أن يموت شيوخهم ‪،‬‬
‫من بما يقوم به رجالهم من‬ ‫ق ْ‬
‫وغلمانهم ل يعيشون ‪ ،‬ونساؤهم ل يمكن أن ي َ ُ‬
‫ما ‪ ،‬فولد‬
‫ما وتركهم عا ً‬
‫العمال ‪ ،‬فيخلص إلينا ذلك‪ .‬فأمر بقتل الولدان عا ً‬
‫هارون ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في السنة التي يتركون فيها الولدان ‪ ،‬وولد موسى ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬في السنة التي يقتلون فيها الولدان ‪ ،‬وكان لفرعون أناس‬
‫ن على النساء ‪ ،‬فمن رأينها قد حملت‬ ‫موكلون بذلك ‪ ،‬وقوابل ي َد ُْر َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ومنعها منه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬أن تفنى بنو إسرائيل" وفي أ ‪" :‬أن يفنى ينو إسرائيل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فيكون"‪.‬‬

‫) ‪(6/221‬‬

‫قب َُلها إل نساء القبط ‪ ،‬فإذا ولدت‬ ‫أحصوا اسمها ‪ ،‬فإذا كان وقت ولدتها ل ي َ ْ‬
‫ما دخل أولئك الذّباحون ‪ ،‬بأيديهم‬ ‫المرأة جارية تركنها وذهبن ‪ ،‬وإن ولدت غل ً‬
‫حُهم الله‪ .‬فلما حملت أم موسى به ‪،‬‬ ‫الشفار المرهفة ‪ ،‬فقتلوه ومضوا قَب ّ َ‬
‫عليه السلم ‪ ،‬لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها ‪ ،‬ولم تفطن لها الدايات ‪،‬‬
‫دا وأحبته حّبا‬ ‫عا ‪ ،‬وخافت عليه خوًفا شدي ً‬ ‫ولكن لما وضعته ذكًرا ضاقت به ذر ً‬
‫دا ‪ ،‬وكان موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ل يراه أحد إل أحبه ‪ ،‬فالسعيد من أحبه‬ ‫زائ ً‬
‫مّني { ] طه ‪.[ 39 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة ِ‬ ‫حب ّ ً‬‫م َ‬ ‫ت عَلي ْك َ‬ ‫قي ْ ُ‬ ‫عا قال الله تعالى ‪ } :‬وَأل َ‬ ‫طبعا وشر ً‬
‫عا به ألهمت في سرها ‪ ،‬وألقي في خلدها ‪ ،‬ونفث في روعها ‪،‬‬ ‫فلما ضاقت ذر ً‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ضِعيهِ فَإ َِذا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْ ِ‬ ‫ف ِ‬
‫خ ْ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫حي َْنا إ ِلى أ ّ‬ ‫كما قال الله تعالى ‪ } :‬وَأوْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬
‫علوه ُ ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫حَزِني إ ِّنا َراّدوه ُ إ ِلي ْ ِ‬ ‫خاِفي َول ت َ ْ‬ ‫م َول ت َ َ‬‫قيهِ ِفي ال ْي َ ّ‬ ‫فَأل ْ ِ‬
‫دت‬ ‫ن {‪ .‬وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل ‪ ،‬فاتخذت تابوًتا ‪ ،‬ومه َ‬ ‫سِلي َ‬
‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن تخاف جعلته في‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫دا ‪ ،‬وجعلت ترضع ولدها ‪ ،‬فإذا دخل عليها أحد ِ‬ ‫فيه مه ً‬
‫ذلك التابوت ‪ ،‬وسيرته )‪ (1‬في البحر ‪ ،‬وربطته )‪ (2‬بحبل عندها‪ .‬فلما كان‬
‫ن تخافه ‪ ،‬فذهبت فوضعته في ذلك التابوت ‪ ،‬وأرسلته‬ ‫م ْ‬
‫ذات يوم دخل عليها َ‬
‫في البحر وذهلت عن أن تربطه ‪ ،‬فذهب مع الماء واحتمله ‪ ،‬حتى مر به )‪(3‬‬
‫على دار فرعون ‪ ،‬فالتقطه الجواري فاحتملنه ‪ ،‬فذهبن به إلى امرأة‬
‫فرعون ‪ ،‬ول يدرين ما فيه ‪ ،‬وخشين أن يفتتن عليها في فتحه دونها‪ .‬فلما‬
‫كشفت عنه إذا هو غلم من أحسن الخلق وأجمله وأحله وأبهاه ‪ ،‬فأوقع الله‬
‫محبته في قلبها حين نظرت إليه ‪ ،‬وذلك لسعادتها وما أراد الله من كرامتها‬
‫حَزًنا[ {‬ ‫م عَد ُّوا ]وَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫كو َ‬ ‫ن ل ِي َ ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫هآ ُ‬ ‫قط َ ُ‬ ‫وشقاوة بعلها ؛ ولهذا قال } َفال ْت َ َ‬
‫)‪.(4‬‬
‫قال محمد بن إسحاق وغيره ‪" :‬اللم" هنا لم العاقبة ل لم التعليل ؛ لنهم لم‬
‫يريدوا بالتقاطه ذلك‪ .‬ول شك أن ظاهر اللفظ يقتضي ما قالوه ‪ ،‬ولكن إذا‬
‫نظر إلى معنى السياق فإنه تبقى )‪ (5‬اللم للتعليل ؛ لن معناه أن الله تعالى‬
‫‪ ،‬قيضهم للتقاطه ليجعله لهم عدًوا وحزًنا فيكون أبلغ في إبطال حذرهم‬
‫ن {‪.‬‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫ما َ‬‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬‫ما َ‬ ‫ها َ‬
‫ن وَ َ‬‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫منه ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كتب كتاًبا إلى قوم من‬
‫القدرية ‪ ،‬في تكذيبهم بكتاب الله وبأقداره النافذة في علمه السابق ‪:‬‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫َُ ِ َ‬‫ن‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫وموسى في علم الله السابق لفرعون عدو وحزن ‪ ،‬قال الله تعالى ‪:‬‬
‫ن { ‪ ،‬وقلتم أنتم ‪ :‬لو شاء‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ما ِ‬‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫فِْرعَوْ َ‬
‫م عَد ُّوا‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫كو َ‬ ‫فرعون أن يكون لموسى ولًيا ونصيًرا ‪ ،‬والله يقول ‪ } :‬ل ِي َ ُ‬
‫حَزًنا {‪.‬‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ِلي وَل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫سى أ ْ‬ ‫قت ُلوه ُ عَ َ‬ ‫ك ل تَ ْ‬ ‫ن قُّرة ُ عَي ْ ٍ‬‫مَرأة ُ فِْرعَوْ َ‬ ‫تا ْ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وََقال ِ‬
‫م بقتله‬ ‫ن { يعني ‪ :‬أن فرعون لما رآه ه ّ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫دا وَهُ ْ‬ ‫خذ َه ُ وَل َ ً‬ ‫فعََنا أ َوْ ن َت ّ ِ‬
‫ي َن ْ َ‬
‫ج‬‫حا ّ‬ ‫خوًفا من أن يكون من بني إسرائيل فجعلت امرأته آسية بنت مزاحم ت ُ َ‬
‫ك{‬ ‫ن ِلي وَل َ َ‬ ‫عنه وَتذب دونه ‪ ،‬وتحببه إلى فرعون ‪ ،‬فقالت ‪ } :‬قُّرةُ عَي ْ ٍ‬
‫فقال ‪ :‬أما لك فَن ََعم ‪ ،‬وأما لي فل‪ .‬فكان كذلك ‪ ،‬وهداها الله به ‪ ،‬وأهلكه الله‬
‫على يديه ‪ ،‬وقد تقدم في حديث الفتون في سورة "طه" هذه القصة‬
‫عا عن النسائي وغيره‪.‬‬ ‫بطولها ‪ ،‬من رواية ابن عباس مرفو ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وأرسلته"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وأوثقته"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬حتى قربه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬يعني"‪.‬‬

‫) ‪(6/222‬‬

‫ن َرب َط َْنا عََلى قَل ْب َِها‬ ‫َ‬ ‫وأ َصبح فُ َ ُ‬


‫دي ب ِهِ ل َوَْل أ ْ‬ ‫ت ل َت ُب ْ ِ‬ ‫كاد َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫غا إ ِ ْ‬ ‫سى َفارِ ً‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ؤاد ُ أ ّ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫م لَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل ِت َ ُ‬
‫ب وَهُ ْ‬ ‫جن ُ ٍ‬‫ن ُ‬ ‫ت ب ِهِ عَ ْ‬ ‫صَر ْ‬ ‫صيهِ فَب َ ُ‬ ‫خت ِهِ قُ ّ‬ ‫ت ِل ْ‬ ‫ن )‪ (10‬وََقال ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫م عََلى أهْ ِ‬ ‫ل أد ُل ّك ُ ْ‬‫ت هَ ْ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضع َ ِ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ال ْ َ‬‫حّر ْ‬‫ن )‪ (11‬وَ َ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫قّر عَي ْن َُها وَلَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ي تَ َ‬ ‫مهِ ك ْ‬ ‫ن )‪ (12‬فََرد َد َْناهُ إ ِلى أ ّ‬ ‫حو َ‬ ‫ص ُ‬
‫ه َنا ِ‬ ‫مل ُ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫ه لك ْ‬ ‫فلون َ ُ‬ ‫ت ي َك ُ‬ ‫ب َي ْ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫ن أكث ََرهُ ْ‬ ‫حقّ وَلك ِ ّ‬ ‫ن وَعْد َ اللهِ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ن وَل ِت َعْل َ‬ ‫حَز َ‬ ‫تَ ْ‬

‫فعََنا { ‪ ،‬وقد حصل لها ذلك ‪ ،‬وهداها الله به ‪،‬‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫َ‬


‫سى أ ْ‬ ‫وقوله" ‪ } :‬عَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دا‬
‫دا { أي ‪ :‬أرادت أن تتخذه ول ً‬ ‫خذ َه ُ وَل ً‬ ‫وأسكنها الجنة بسببه‪ .‬وقولها ‪ } :‬أوْ ن َت ّ ِ‬
‫وتتبناه ‪ ،‬وذلك أنه لم يكن لها ولد منه‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يدرون ما أراد الله منه بالتقاطهم‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَهُ ْ‬
‫إياه ‪ ،‬من الحكمة العظيمة البالغة ‪ ،‬والحجة القاطعة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫} وأ َصبح فُ َ ُ‬
‫َ‬
‫ن َرب َطَنا عَلى قلب َِها‬ ‫ول أ ْ‬ ‫دي ب ِهِ ل َ ْ‬ ‫ت ل َت ُب ْ ِ‬ ‫كاد َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫غا إ ِ ْ‬‫سى َفارِ ً‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ؤاد ُ أ ّ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫مل‬ ‫ب وَهُ ْ‬ ‫جن ُ ٍ‬‫ن ُ‬ ‫ت ب ِهِ عَ ْ‬ ‫صَر ْ‬ ‫َ‬
‫صيهِ فب َ ُ‬ ‫ُ‬
‫خت ِهِ ق ّ‬ ‫تل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (10‬وَقال ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ل ِت َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م عََلى أهْ ِ‬
‫ل‬ ‫ل أد ُل ّك ُ ْ‬ ‫ت هَ ْ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضع َ ِ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ال ْ َ‬ ‫حّر ْ‬ ‫ن )‪ (11‬وَ َ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫قّر عَي ْن َُها َول‬ ‫ي تَ َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪12‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫حو‬ ‫ص‬ ‫نا‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ك‬
‫ْ‬ ‫ّ ِ‬ ‫َ َ َْ ُ ِ‬ ‫ْ َ ُ ْ ُ َ ِ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ب َي ْ ٍ َ‬
‫ي‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (13‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫حقّ وَل َك ِ ّ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ن وَل ِت َعْل َ َ‬ ‫حَز َ‬‫تَ ْ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن فؤاد أم موسى ‪ ،‬حين ذهب ولدها في البحر ‪ ،‬إنه‬
‫غا ‪ ،‬أي ‪ :‬من كل شيء من أمور الدنيا إل من موسى‪ .‬قاله ابن‬ ‫أصبح فار ً‬
‫جب َْير ‪ ،‬وأبو عبيدة ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬ ‫رمة ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫والحسن البصري ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫دي ب ِهِ { أي ‪ :‬إن كادت من شدة وجدها وحزنها وأسفها ل َُتظهر‬ ‫ت ل َت ُب ْ ِ‬ ‫كاد َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫} إِ ْ‬
‫َ‬
‫أنه ذهب لها ولد ‪ ،‬وتخبر بحالها ‪ ،‬لول أن الله ثّبتها وصّبرها ‪ ،‬قال الله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫صيهِ { أي ‪:‬‬ ‫خت ِهِ قُ ّ‬
‫تل ْ‬‫ن‪ .‬وََقال َ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن َرب َط َْنا عََلى قَل ْب َِها ل ِت َ ُ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫} لَ ْ‬
‫صيهِ { أي ‪:‬‬ ‫أمرت ابنتها ‪ -‬وكانت كبيرة تعي ما يقال لها ‪ -‬فقالت لها ‪ } :‬قُ ّ‬
‫اتبعي أثره ‪ ،‬وخذي خبره ‪ ،‬وت َط َّلبي شأنه من نواحي البلد‪ .‬فخرجت لذلك ‪،‬‬
‫ب { ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬عن جانب‪.‬‬ ‫جن ُ ٍ‬‫ن ُ‬ ‫ت ب ِهِ عَ ْ‬ ‫صَر ْ‬ ‫} فَب َ ُ‬
‫ب { ‪ :‬عن بعيد‪.‬‬ ‫جن ُ ٍ‬
‫ن ُ‬ ‫ت ب ِهِ عَ ْ‬ ‫صَر ْ‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬فَب َ ُ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬جعلت تنظر إليه وكأنها ل تريده‪.‬‬
‫وذلك أنه لما استقر موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بدار فرعون ‪ ،‬وأحبته امرأة‬
‫الملك ‪ ،‬واستطلقته منه ‪ ،‬عرضوا عليه المراضع التي في دارهم ‪ ،‬فلم يقبل‬
‫منها ثدًيا ‪ ،‬وأبى أن يقبل شيًئا من ذلك‪ .‬فخرجوا به إلى سوق لعلهم يجدون‬
‫امرأة تصلح لرضاعته ‪ ،‬فلما رأته بأيديهم عرفته ‪ ،‬ولم تظهر ذلك ولم )‪(1‬‬
‫يشعروا بها‪.‬‬
‫دريا ‪،‬‬ ‫َ‬
‫ما ق َ‬‫ل { أي ‪ :‬تحري ً‬ ‫َ‬
‫ن قب ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ضع َ ِ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مَنا عَلي ْهِ ال َ‬ ‫حّر ْ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫وذلك لكرامة الله له صانه )‪ (2‬عن أن يرتضع غير ثدي أمه ؛ ولن الله ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬جعل ذلك سبًبا إلى رجوعه إلى أمه ‪ ،‬لترضعه وهي آمنة ‪ ،‬بعدما‬
‫ل أ َد ُل ّك ُْ‬
‫م‬ ‫كانت خائفة‪ .‬فلما رأتهم ]أخته[ )‪ (3‬حائرين فيمن يرضعه قالت ‪ } :‬هَ ْ‬
‫َ‬
‫ن‪.‬‬‫حو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه َنا ِ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫ه { )‪ (4‬ل َك ُ ْ‬ ‫فُلون َ ُ‬‫ت ي َك ْ ُ‬ ‫ل ب َي ْ ٍ‬ ‫عََلى أهْ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ففي ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬صيانة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يرضعونه"‪.‬‬

‫) ‪(6/223‬‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬لما قالت ذلك أخذوها ‪ ،‬وشكوا في أمرها ‪ ،‬وقالوا لها ‪ :‬وما‬
‫يدريك نصحهم له وشفقتهم عليه ؟ فقالت ‪ :‬نصحهم له وشفقتهم عليه‬
‫ؤورة )‪ (1‬الملك ورجاء منفعته‪ .‬فأرسلوها ‪ ،‬فلما قالت لهم ذلك‬ ‫رغبتهم في ظ ُ ُ‬
‫خَلصت من أذاهم ‪ ،‬ذهبوا معها إلى منزلهم ‪ ،‬فدخلوا به )‪ (2‬على أمه ‪،‬‬ ‫و َ‬
‫دا‪ .‬وذهب البشير إلى امرأة‬ ‫ً‬ ‫شدي‬ ‫حا‬
‫ً‬ ‫فر‬ ‫بذلك‬ ‫ففرحوا‬ ‫‪،‬‬ ‫فالتقمه‬ ‫ثديها‬ ‫فأعطته‬
‫الملك ‪ ،‬فاستدعت أم موسى ‪ ،‬وأحسنت إليها ‪ ،‬وأعطتها عطاًء جزيل وهي ل‬
‫تعرف أنها أمه في الحقيقة ‪ ،‬ولكن لكونه وافق ثديها‪ .‬ثم سألتها آسية أن‬
‫تقيم عندها فترضعه ‪ ،‬فأبت عليها وقالت ‪ :‬إن لي بعل وأولًدا ‪ ،‬ول أقدر على‬
‫المقام عندك‪ .‬ولكن إن أحببت أن أرضعه في بيتي فعلت‪ .‬فأجابتها امرأة‬
‫ت عليها النفقة والصلت والكساوي والحسان‬ ‫جَر ْ‬ ‫فرعون إلى ذلك ‪ ،‬وأ ْ‬
‫الجزيل‪ .‬فرجعت أم موسى بولدها راضية مرضية ‪ ،‬قد أبدلها الله من بعد‬
‫خوفها أمنا ‪ ،‬في عز وجاه ورزق َداّر‪ .‬ولهذا جاء في الحديث ‪" :‬مثل الذي‬
‫يعمل ويحتسب في صنعته الخير ‪ ،‬كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها"‬
‫ولم يكن بين الشدة والفرج إل القليل ‪ :‬يوم وليلة ‪ ،‬أو نحوه ‪ ،‬والله ]سبحانه[‬
‫)‪ (3‬أعلم ‪ ،‬فسبحان من بيديه المر! ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬الذي‬
‫جا‪ .‬ولهذا قال‬ ‫جا ‪ ،‬وبعد كل ضيق )‪ (4‬مخر ً‬ ‫يجعل لمن اتقاه بعد كل هم فر ً‬
‫ُ‬
‫ن { أي ‪:‬‬‫حَز ْ‬
‫قّر عَي ْن َُها { أي ‪ :‬به ‪َ } ،‬ول ت َ ْ‬ ‫مهِ ك َ ْ‬
‫ي تَ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬فََرد َد َْناه ُ إ َِلى أ ّ‬
‫عليه ‪ } :‬ول ِتعل َ َ‬
‫حقّ { أي ‪ :‬فيما وعدها من رده إليها ‪ ،‬وجعله‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ َْ َ‬
‫من المرسلين‪ .‬فحينئذ تحققت برده إليها أنه كائن منه رسول من المرسلين ‪،‬‬
‫عا‪.‬‬‫فعاملته في تربيته ما ينبغي له طبًعا وشر ً‬
‫وقوله ‪ } :‬ول َك َ‬
‫م الله في أفعاله وعواقبها‬ ‫حك َْ‬‫ن { أي ‪ُ :‬‬ ‫مو َ‬‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬‫َ ِ ّ‬
‫المحمودة ‪ ،‬التي هو المحمود عليها في الدنيا والخرة ‪ ،‬فربما يقع المر كريها‬
‫سى‬‫إلى النفوس ‪ ،‬وعاقبته محمودة في نفس المر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَعَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م{‬ ‫شّر ل َك ُ ْ‬ ‫شي ًْئا وَهُوَ َ‬‫حّبوا َ‬ ‫ن تُ ِ‬
‫سى أ ْ‬ ‫م وَعَ َ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫شي ًْئا وَهُوَ َ‬‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬
‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ِفي ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫شي ًْئا وَي َ ْ‬
‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬‫سى أ ْ‬ ‫] البقرة ‪ [ 216 :‬وقال تعالى ‪ } :‬فَعَ َ‬
‫خي ًْرا ك َِثيًرا { ] النساء ‪.[ 19 :‬‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صهر" والمثبت من حديث الفتون‪ .‬انظر ‪ :‬الجزء‬
‫الخامس ‪ ،‬تفسير سورة طه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬بها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ضيقة"‪.‬‬

‫) ‪(6/224‬‬

‫ن )‪(14‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫زي ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ما وَك َذ َل ِ َ‬ ‫عل ْ ً‬‫ما وَ ِ‬ ‫حك ْ ً‬ ‫وى آ َت َي َْناه ُ ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫شد ّه ُ َوا ْ‬ ‫ما ب َل َغَ أ َ ُ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ذا ِ‬‫ن هَ َ‬ ‫قت َت َِل ِ‬‫ن يَ ْ‬ ‫جلي ْ ِ‬
‫جد َ ِفيَها َر ُ َ‬ ‫ن أهْل َِها فَوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فل َةٍ ِ‬ ‫ن غَ ْ‬ ‫حي ِ‬ ‫ة عََلى ِ‬ ‫دين َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫وَد َ َ‬
‫ن عَد ُوّهِ فَوَك ََزهُ‬ ‫م ْ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ّ‬
‫شيعَت ِهِ عَلى ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ست ََغاث َ ُ‬ ‫ن عَد ُوّهِ َفا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫شيعَت ِهِ وَهَ َ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ه عَد ُوّ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ِ‬
‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ضى عَلي ْهِ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ق َ‬ ‫سى فَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫م )‪(16‬‬ ‫ُ‬ ‫حي‬‫ِ‬ ‫ر‬‫ال‬
‫ُ ّ‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫َ ُ ِ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫لي‬‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫سي‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ْ ُ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(17‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ظِهيًرا ل ِل ُ‬ ‫ن أكو َ‬ ‫ي فَل ْ‬ ‫ت عَل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما أن ْعَ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫َقا َ‬

‫ن )‪(14‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫زي ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ما وَك َذ َل ِ َ‬ ‫عل ْ ً‬ ‫ما وَ ِ‬ ‫حك ْ ً‬ ‫وى آت َي َْناه ُ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫شد ّه ُ َوا ْ‬ ‫ما ب َل َغَ أ َ ُ‬ ‫} وَل َ ّ‬
‫جد َ ِفيَها َر ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ذا ِ‬‫ن هَ َ‬ ‫قت َِتل ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫ن أهْل َِها فَوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فل َةٍ ِ‬ ‫ن غَ ْ‬ ‫حي ِ‬ ‫ة عََلى ِ‬ ‫دين َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫وَد َ َ‬
‫ن عَد ُوّهِ فَوَك ََزهُ‬ ‫م ْ‬ ‫ذي ِ‬ ‫شيعَت ِهِ عََلى ال ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ست ََغاث َ ُ‬ ‫ن عَد ُوّهِ َفا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫شيعَت ِهِ وَهَ َ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ه عَد ُوّ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ِ‬‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ضى عَلي ْهِ َقا َ‬‫َ‬ ‫ق َ‬ ‫سى فَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫م )‪(16‬‬ ‫ُ‬ ‫حي‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ال‬
‫ُ ّ‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫َ ُ ِ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫سي‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ت‬‫ْ ُ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (17‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ظِهيًرا ل ِل ُ‬ ‫ن أكو َ‬ ‫ي فَل ْ‬ ‫ت عَل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما أن ْعَ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫َقا َ‬
‫لما ذكر تعالى مبدأ أمر موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى‬
‫زي‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫‪ ،‬آتاه الله حكما وعلما ‪ -‬قال مجاهد ‪ :‬يعني النبوة } وَك َذ َل ِ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫) ‪(6/224‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َقا َ‬
‫ل‬ ‫خ ُ‬
‫صرِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬
‫س يَ ْ‬‫م ِ‬ ‫صَرهُ ِباْل ْ‬ ‫ست َن ْ َ‬
‫ذي ا ْ‬ ‫ب فَإ َِذا ال ّ ِ‬ ‫فا ي َت ََرقّ ُ‬ ‫خائ ِ ً‬ ‫دين َةِ َ‬‫م ِ‬‫ح ِفي ال ْ َ‬ ‫صب َ َ‬‫فَأ ْ‬
‫َ‬ ‫ك ل َغَوي مبين )‪ (18‬فَل َما أ َ َ‬
‫ما‬‫ذي هُوَ عَد ُوّ ل َهُ َ‬ ‫ش ِبال ّ ِ‬ ‫ن ي َب ْط ِ َ‬‫ن أَراد َ أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ّ ُ ِ ٌ‬ ‫سى إ ِن ّ َ‬‫مو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫ريد ُ إ ِّل أ ْ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫س إِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سا ِباْل ْ‬ ‫ف ً‬‫ت نَ ْ‬ ‫ما قَت َل ْ َ‬‫قت ُل َِني ك َ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫سى أت ُ ِ‬ ‫مو َ‬
‫ل َيا ُ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫حي َ‬ ‫صل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ما ت ُ ِ‬‫ض وَ َ‬ ‫ْ‬
‫جّباًرا ِفي الْر ِ‬ ‫َ‬
‫در له من النبوة والتكليم ‪:‬‬ ‫ثم ذكر تعالى سبب وصوله إلى ما كان تعالى قَ ّ‬
‫قضية قتله ذلك القبطي ‪ ،‬الذي كان سبب خروجه من الديار المصرية إلى‬
‫ن أ َهْل َِها { قال‬ ‫م ْ‬ ‫فل َةٍ ِ‬ ‫ن غَ ْ‬ ‫حي ِ‬ ‫ة عََلى ِ‬ ‫دين َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫بلد مدين ‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬وَد َ َ‬
‫جَريج ‪ ،‬عن عطاء الخراساني ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬وذلك بين المغرب‬ ‫ابن ُ‬
‫والعشاء‪.‬‬
‫كدر ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان ذلك نصف‬ ‫وقال ابن المن ْ َ‬
‫دي ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬ ‫س ّ‬ ‫كرمة ‪ ،‬وال ّ‬ ‫ع ْ‬ ‫النهار‪ .‬وكذلك قال سعيد بن جبير ‪ ،‬و ِ‬
‫شيعَت ِهِ {‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن { أي ‪ :‬يتضاربان ويتنازعان ‪ } ،‬هَ َ‬ ‫قت َِتل ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫جد َ ِفيَها َر ُ َ‬ ‫} فَوَ َ‬
‫جلي ْ ِ‬
‫ن عَد ُوّهِ { أي ‪ :‬قبطي ‪ ،‬قاله ابن‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫أي ‪ :‬من بني إسرائيل )‪ } ، (1‬وَهَ َ‬
‫عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق‪ .‬فاستغاث السرائيلي بموسى‬
‫‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ووجد موسى فرصة ‪ ،‬وهي غفلة الناس ‪ ،‬فعمد إلى القبطي‬
‫ضى عَل َي ْهِ {‪.‬‬ ‫ق َ‬ ‫سى فَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫} فَوَك ََزهُ ُ‬
‫مع )‪ (2‬كفه‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬وكزه بعصا‬ ‫ج ْ‬ ‫قال مجاهد ‪ :‬وكزه ‪ ،‬أي ‪ :‬طعنه ب ُ‬
‫كانت معه‪.‬‬
‫ل‬
‫م ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ضى عَلي ْهِ { أي ‪ :‬كان فيها حتفه فمات ‪ ،‬قال موسى ‪ } :‬هَ َ‬ ‫َ‬ ‫ق َ‬ ‫} فَ َ‬
‫فَر ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫فْر ِلي فَغَ َ‬ ‫سي َفاغْ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ب إ ِّني ظ َل َ ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن‪َ .‬قا َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ه عَد ُوّ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ي { أي ‪ :‬بما جعلت لي من‬ ‫ت عَل َ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما أن ْعَ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫م‪َ .‬قا َ‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْغَ ُ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ظ َِهيًرا { أي ‪ :‬معينا } ل ِل ْ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫نأ ُ‬ ‫الجاه والعزة والمنعة } فَل َ ْ‬
‫الكافرين بك ‪ ،‬المخالفين لمرك‪.‬‬
‫َ‬
‫ه‬‫خ ُ‬ ‫صرِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫س يَ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صَرهُ ِبال ْ‬ ‫ست َن ْ َ‬ ‫ذي ا ْ‬ ‫ب فَإ َِذا ال ّ ِ‬ ‫فا ي َت ََرقّ ُ‬ ‫خائ ِ ً‬ ‫دين َةِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح ِفي ال ْ َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫} فَأ ْ‬
‫َ‬ ‫ك ل َغَوي مبين )‪ (18‬فَل َما أ َ َ‬
‫ذي هُوَ عَد ُّو‬ ‫ش ِبال ّ ِ‬ ‫ن ي َب ْط ِ َ‬ ‫ن أَراد َ أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ّ ُ ِ ٌ‬ ‫سى إ ِن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ريد ُ ِإل أ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫س إِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سا ِبال ْ‬ ‫ف ً‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫ما قَت َل َ‬ ‫قت ُلِني ك َ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫سى أت ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل َيا ُ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ل َهُ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (19‬‬ ‫حي َ‬ ‫صل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫جّباًرا ِفي الْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫تَ ُ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن موسى ‪ ،‬عليه السلم )‪ ، (3‬لما قتل ذلك القبطي ‪ :‬إنه‬
‫ب { أي ‪ :‬يتلفت‬ ‫معَّرة ما فعل ‪ } ،‬ي َت ََرقّ ُ‬ ‫فا { أي ‪ :‬من َ‬ ‫خائ ِ ً‬ ‫دين َةِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫أصبح } ِفي ال ْ َ‬
‫ويتوقع )‪ (4‬ما يكون من هذا المر ‪ ،‬فمر في بعض الطرق ‪ ،‬فإذا ذاك )‪(5‬‬
‫الذي استنصره بالمس على ذلك القبطي يقاتل آخر ‪ ،‬فلما مر موسى ‪،‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ظاهر‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ك ل َغَوِيّ ُ‬ ‫استصرخه على الخر ‪ ،‬فقال له موسى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫الغواية كثير الشر‪ .‬ثم عزم على البطش بذلك القبطي ‪ ،‬فاعتقد السرائيلي‬
‫لخوَِره وضعفه وذلته أن موسى إنما يريد قصده لما سمعه يقول ذلك ‪ ،‬فقال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س{‬ ‫م ِ‬ ‫سا ِبال ْ‬ ‫ف ً‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫ما قَت َل ْ َ‬ ‫قت ُل َِني ك َ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫سى أت ُ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫يدفع عن نفسه ‪َ } :‬يا ُ‬
‫وذلك لنه لم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أي إسرائيلي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬بجميع"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬أي يتقلب أي يتوقع" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ذلك"‪.‬‬

‫) ‪(6/225‬‬
‫ْ‬ ‫لم َ‬
‫ن بِ َ‬
‫ك‬ ‫مُرو َ‬‫مَل َ ي َأت َ ِ‬
‫ن ال ْ َ‬
‫سى إ ِ ّ‬‫مو َ‬ ‫سَعى َقا َ‬
‫ل َيا ُ‬ ‫دين َةِ ي َ ْ‬
‫م ِ‬ ‫صى ال ْ َ‬ ‫ن أقْ َ‬‫ج ٌ ِ ْ‬ ‫جاَء َر ُ‬‫وَ َ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب قال َر ّ‬ ‫ّ‬
‫فا ي َت ََرق ُ‬‫خائ ِ ً‬‫من َْها َ‬‫ج ِ‬
‫خَر َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (20‬ف َ‬ ‫حي َ‬
‫ص ِ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج إ ِّني لك ِ‬ ‫خُر ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قت ُلوك فا ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫ن )‪(21‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫قوْم ِ الظال ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫جِني ِ‬ ‫نَ ّ‬

‫فها من‬ ‫ق َ‬
‫يعلم به إل هو وموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فلما سمعها ذلك القبطي ل َ‬
‫فمه ‪ ،‬ثم ذهب بها إلى باب فرعون فألقاها عنده ‪ ،‬فعلم بذلك ‪ ،‬فاشتد حنقه ‪،‬‬
‫وعزم على قتل موسى ‪ ،‬فطلبوه فبعثوا وراءه ليحضروه لذلك‪.‬‬
‫ْ‬ ‫لم َ‬
‫ن ب ِكَ‬‫مُرو َ‬ ‫مل ي َأت َ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫سى إ ِ ّ‬
‫مو َ‬‫ل َيا ُ‬‫سَعى َقا َ‬ ‫دين َةِ ي َ ْ‬
‫م ِ‬‫صى ال ْ َ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫ج ٌ ِ ْ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن )‪.{ (20‬‬ ‫حي َ‬ ‫ص ِ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج إ ِّني لك ِ‬ ‫خُر ْ‬‫قت ُُلوك فا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫جولية لنه خالف الطريق ‪ ،‬فسلك‬ ‫جل { وصفه بالّر ُ‬ ‫ٌ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫قا أقرب من طريق الذين ُبعثوا وراءه ‪ ،‬فسبق إلى موسى ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا‬ ‫طري ً‬
‫قت ُُلو َ‬ ‫ْ‬
‫ج{‬ ‫ك َفا ْ‬
‫خُر ْ‬ ‫ك { أي ‪ :‬يتشاورون فيك } ل ِي َ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫مل ي َأت َ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫موسى } إ ِ ّ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫حي َ‬‫ص ِ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫أي ‪ :‬من البلد } إ ِّني ل َ َ‬
‫ن )‪{ (21‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫قوْم ال ّ‬‫م َ ْ‬ ‫ب َقا َ‬ ‫فا ي َت ََرقّ ُ‬ ‫} فَ َ‬
‫ن ال َ ِ‬ ‫جِني ِ‬ ‫ب نَ ّ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫خائ ِ ً‬ ‫من َْها َ‬ ‫ج ِ‬‫خَر َ‬

‫) ‪(6/226‬‬

‫َ‬
‫ما‬‫ل )‪ (22‬وَل َ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫واَء ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ن ي َهْدِي َِني َ‬‫سى َرّبي أ ْ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫مد ْي َ َ‬‫قاَء َ‬ ‫ه ت ِل ْ َ‬
‫ج َ‬ ‫ما ت َوَ ّ‬‫وَل َ ّ‬
‫ُ‬
‫ن‬‫مَرأت َي ْ ِ‬ ‫ما ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ ُ‬ ‫م ْ‬‫جد َ ِ‬ ‫ن وَوَ َ‬
‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫س يَ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫جد َ عَل َي ْهِ أ ّ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫ماَء َ‬ ‫وََرد َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫خ كِبيٌر )‬ ‫شي ْ ٌ‬‫عاُء وَأُبوَنا َ‬ ‫صدَِر الّر َ‬ ‫حّتى ي ُ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َقالَتا ل ن َ ْ‬ ‫خطب ُك َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ذوَدا ِ‬ ‫تَ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫خي ْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ي ِ‬ ‫ت إ ِل ّ‬‫ما أن َْزل َ‬ ‫ب إ ِّني ل ِ َ‬‫ل َر ّ‬ ‫قا َ‬ ‫م ت َوَلى إ ِلى الظ ّ‬ ‫ما ث ُ ّ‬‫قى لهُ َ‬ ‫س َ‬‫‪ (23‬فَ َ‬
‫قيٌر )‪(24‬‬ ‫فَ ِ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ل )‪ (22‬وَل َ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫واَء ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ن ي َهْدِي َِني َ‬ ‫سى َرّبي أ ْ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫قاَء َ‬ ‫ه ت ِل ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ت َوَ ّ‬ ‫} وَل َ ّ‬
‫ُ‬
‫ن‬‫مَرأت َي ْ ِ‬ ‫ما ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جد َ ِ‬ ‫ن وَوَ َ‬
‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫س يَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن الّنا‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫جد َ عَل َي ْهِ أ ّ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫ماَء َ‬ ‫وََرد َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫خ كِبيٌر )‬ ‫شي ْ ٌ‬ ‫عاُء وَأُبوَنا َ‬ ‫صدَِر الّر َ‬ ‫حّتى ي ُ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َقالَتا ل ن َ ْ‬ ‫خطب ُك َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ذوَدا ِ‬ ‫تَ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫خي ْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ت إ ِل ّ‬ ‫ما أنزل َ‬ ‫ب إ ِّني ل ِ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قا َ‬ ‫م ت َوَلى إ ِلى الظ ّ‬ ‫ما ث ُ ّ‬ ‫قى لهُ َ‬ ‫س َ‬ ‫‪ (23‬فَ َ‬
‫قيٌر )‪{ (24‬‬ ‫فَ ِ‬
‫لما أخبره ذلك الرجل بما تمال عليه فرعون ودولته في أمره ‪ ،‬خرج من مصر‬
‫ج‬
‫خَر َ‬ ‫وحده ‪ ،‬ولم يألف ذلك قلبه ‪ ،‬بل كان في رفاهية ونعمة ورئاسة ‪ } ،‬فَ َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫قوْم ال ّ‬ ‫م َ ْ‬ ‫فت } َقا َ‬ ‫فا ي َت ََرقّ ُ‬
‫ن ال َ ِ‬ ‫جِني ِ‬ ‫ب نَ ّ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ب { أي ‪ :‬يتل ّ‬ ‫خائ ِ ً‬‫من َْها َ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫من فرعون وملئه‪ .‬فذكروا أن الله ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬بعث له ملكا على‬
‫فرس ‪ ،‬فأرشده إلى الطريق ‪ ،‬فالله أعلم‪.‬‬
‫مهَْيعا فرح بذلك ‪َ } ،‬قا َ‬
‫ل‬ ‫كا َ‬‫قا سال ً‬ ‫ن { أي ‪ :‬أخذ طري ً‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫قاَء َ‬ ‫ه ت ِل ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ت َوَ ّ‬ ‫} وَل َ ّ‬
‫ل { أي ‪ :‬إلى الطريق القوم‪ .‬ففعل الله‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫واَء ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ن ي َهْدِي َِني َ‬ ‫سى َرّبي أ ْ‬ ‫عَ َ‬
‫به ذلك ‪ ،‬وهداه إلى الصراط المستقيم في الدنيا والخرة ‪ ،‬فجعل هادًيا‬
‫مهدّيا‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ولما وصل إلى مدين وورد ماءها ‪ ،‬وكان لها بئر‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫ماَء َ‬ ‫ما وََرد َ َ‬ ‫} وَل َ ّ‬
‫ُ‬
‫جد َ‬ ‫ن وَوَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫س { أي ‪ :‬جماعة } ي َ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫جد َ عَل َي ْهِ أ ّ‬ ‫َترده رعاء الشاء } وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬تكفكفان غنمهما أن ترد مع غنم أولئك‬ ‫ذوَدا ِ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫مَرأت َي ْ ِ‬ ‫ما ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫الرعاء لئل ُيؤَذيا‪ .‬فلما رآهما موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬رق لهما ورحمهما ‪،‬‬
‫قي‬ ‫س ِ‬ ‫ما { أي ‪ :‬ما خبركما ل تردان مع هؤلء ؟ } َقال ََتا ل ن َ ْ‬ ‫خط ْب ُك ُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫} َقا َ‬
‫َ‬
‫عاُء { أي ‪ :‬ل يحصل لنا سقي إل بعد فراغ هؤلء ‪ } ،‬وَأُبوَنا‬ ‫صدَِر الّر َ‬ ‫حّتى ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫خ ك َِبيٌر { أي ‪ :‬فهذا الحال الملجئ لنا إلى ما ترى‪.‬‬
‫شي ْ ٌ‬
‫َ‬
‫ما { قال أبو بكر بن أبي شيبة ‪ :‬حدثنا عبد‬ ‫َ‬
‫قى لهُ َ‬
‫س َ‬ ‫َ‬
‫قال الله تعالى ‪ } :‬ف َ‬
‫مرو )‪(1‬‬‫الله ‪ ،‬أنبأنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبى إسحاق ‪ ،‬عن عَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عروة بن ميمون" والمثبت من مصنف ابن أبي‬
‫شيبة‪.‬‬

‫) ‪(6/226‬‬

‫ك ل ِيجزي َ َ‬ ‫ن أ َِبي ي َد ْ ُ‬
‫ما‬‫جَر َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫عو َ َ ْ ِ َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫حَياٍء َقال َ ْ‬ ‫ست ِ ْ‬ ‫شي عََلى ا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه إِ ْ‬
‫جاَءت ْ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ص َقا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫جاَءهُ وَقَ ّ‬ ‫َ‬
‫ت لَنا فَل ّ‬ ‫َ‬
‫قوْم ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َْ‬ ‫ت ِ‬ ‫جو ْ َ‬ ‫ف نَ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ل ل تَ َ‬
‫ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ق َ‬ ‫ص عَلي ْهِ ال َ‬
‫َ‬
‫ما َ‬ ‫قي ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫قو ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ت ال َ‬ ‫جْر َ‬ ‫ست َأ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪َ (25‬قال ْ‬ ‫ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫خي َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫جْرهُ إ ِ ّ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫ما َيا أب َ ِ‬
‫ُ‬
‫داهُ َ‬
‫َ‬
‫ح َ‬‫ت إِ ْ‬
‫ُ‬
‫مي َ‬‫الظال ِ ِ‬
‫جَرِني‬ ‫ن ت َأ ُ‬ ‫ن عَلى أ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫هات َي ْ‬‫ي َ‬ ‫دى اب ْن َت َ ّ‬ ‫ح َ‬‫حك إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن أن ْك ِ َ‬ ‫ل إ ِّني أِريد ُ أ ْ‬ ‫ن )‪َ (26‬قا َ‬ ‫مي ُ‬ ‫اْل َ ِ‬
‫جد ُِني‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫شقّ عَل َي ْ َ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫َ‬
‫ما أِريد ُ أ ْ‬
‫ُ‬
‫ك وَ َ‬ ‫عن ْدِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شًرا فَ ِ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫حجج فَإ َ‬
‫ن أت ْ َ‬ ‫ي ِ َ ٍ ِ ْ‬ ‫مان ِ َ‬ ‫ثَ َ‬
‫ت فَلَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ضي ْ ُ‬ ‫نق َ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫ما ال َ‬ ‫ن )‪ (27‬قال ذ َل ِك ب َي ِْني وَب َي ْن َك أي ّ َ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫إِ ْ‬
‫كيل )‪(28‬‬ ‫ٌ‬ ‫قول وَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ه عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ي َوالل ُ‬ ‫َ‬
‫ن عَل ّ‬ ‫عُد َْوا َ‬

‫بن ميمون الْودي ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن موسى ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬لما ورد ماء مدين ‪ ،‬وجد عليه أمة من الناس يسقون ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما‬
‫فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ‪ ،‬ول يطيق رفعها إل عشرة رجال ‪ ،‬فإذا هو‬
‫بامرأتين تذودان ‪ ،‬قال ‪ :‬ما خطبكما ؟ فحدثتاه ‪ ،‬فأتى الحجر فرفعه ‪ ،‬ثم لم‬
‫يستق إل ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم‪ .‬إسناد صحيح )‪.(1‬‬
‫َ‬
‫قيٌر {‬ ‫َ‬
‫خي ْرٍ ف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ت إ ِل َ ّ‬ ‫ما أنزل ْ َ‬ ‫ب إ ِّني ل ِ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م ت َوَّلى إ َِلى الظ ّ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬سار موسى من مصر إلى مدين ‪ ،‬ليس له طعام إل البقل‬
‫مد َْين حتى سقطت نعل قدمه‪ .‬وجلس‬ ‫وورق الشجر ‪ ،‬وكان حافًيا فما وصل َ‬
‫)‪ (2‬في الظل وهو صفوة الله من خلقه ‪ ،‬وإن بطنه لصق بظهره من‬
‫الجوع ‪ ،‬وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه وإنه لمحتاج إلى شق تمرة‪.‬‬
‫ل { قال ابن عباس ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬والسدي ‪ :‬جلس‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ َِلى الظ ّ ّ‬
‫تحت شجرة‪.‬‬
‫قزِيّ )‪ ، (3‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني الحسين بن عمرو العَن ْ َ‬
‫إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون ‪ ،‬عن عبد الله ‪ -‬هو ابن‬
‫صّبحت مدين ‪ ،‬فسألت‬ ‫ت )‪ (4‬على جمل ليلتين ‪ ،‬حتى َ‬ ‫حثث ُ‬ ‫مسعود ‪ -‬قال ‪َ :‬‬
‫عن الشجرة التي أوى إليها موسى ‪ ،‬فإذا شجرة خضراء ترف ‪ ،‬فأهوى إليها‬
‫جملي ‪ -‬وكان جائعا ‪ -‬فأخذها جملي فعالجها ساعة ‪ ،‬ثم لفظها ‪ ،‬فدعوت الله‬
‫لموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ثم انصرفت )‪.(5‬‬
‫وفي رواية عن ابن مسعود ‪ :‬أنه ذهب إلى الشجرة التي كلم الله منها‬
‫لموسى ‪ ،‬كما سيأتي والله )‪ (6‬أعلم‪.‬‬
‫مر‪.‬‬‫س ُ‬ ‫وقال السدي ‪ :‬كانت من شجر ال ّ‬
‫َ‬
‫ر‬
‫خي ْ ٍ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ت إ ِل َ ّ‬ ‫ما أنزل ْ َ‬ ‫ب إ ِّني ل ِ َ‬ ‫وقال عطاء بن السائب ‪ :‬لما قال موسى } َر ّ‬
‫قيٌر { ‪ ،‬أسمعَ المرأة‪.‬‬ ‫فَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫جَر َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫جزِي َ َ‬ ‫ك ل ِي َ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن أِبي ي َد ْ ُ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫حَياٍء َقال َ ْ‬ ‫ست ِ ْ‬ ‫شي عََلى ا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫داهُ َ‬‫ح َ‬ ‫ه إِ ْ‬
‫جاَءت ْ ُ‬ ‫} فَ َ‬
‫ْ‬ ‫ص َقا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫جاَءهُ وَقَ ّ‬ ‫َ‬
‫ت لَنا فَل ّ‬ ‫َ‬
‫قوْم ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َْ‬ ‫ت ِ‬ ‫جو ْ َ‬ ‫ف نَ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ل ل تَ َ‬
‫ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ق َ‬ ‫ص عَلي ْهِ ال َ‬
‫َ‬
‫ما َ‬ ‫قي ْ َ‬ ‫س َ‬‫َ‬
‫ي‬
‫ِ ّ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬‫ْ َ‬ ‫ر‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬
‫َ َ ِ ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ر‬
‫ْ ِ ْ ُ ِ‬ ‫ج‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫دا‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫إ‬
‫ْ ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫قا‬‫َ‬ ‫(‬‫‪25‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫مي‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ظا‬ ‫ال‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل إني أ ُريد أ َ ُ‬
‫جَرِني‬ ‫ن ت َأ ُ‬ ‫ن عََلى أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫هات َي ْ‬
‫ي َ‬ ‫دى اب ْن َت َ ّ‬ ‫ح َ‬‫ك إِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أن ْك ِ َ‬‫ِ ُ ْ‬ ‫ن )‪َ (26‬قا َ ِ ّ‬ ‫مي ُ‬ ‫ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جد ُِني‬‫ست َ ِ‬
‫شقّ عَلي ْك َ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬ ‫عن ْدِك وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شًرا ف ِ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أت ْ َ‬ ‫جٍج فإ ِ ْ‬ ‫ح َ‬‫ي ِ‬‫مان ِ َ‬‫ثَ َ‬
‫ما ال َ َ‬ ‫َ‬
‫ت َفل‬ ‫ضي ْ ُ‬‫ن قَ َ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫ك أي ّ َ‬ ‫ك ب َي ِْني وَب َي ْن َ َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬‫ن )‪َ (27‬قا َ‬ ‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ه ِ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ل )‪.{ (28‬‬ ‫كي ٌ‬‫َ ِ‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫ن‬
‫َ َ‬ ‫ما‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫عُ ْ َ َ َ ّ َ ُ َ‬
‫ع‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫وا‬ ‫د‬
‫لما رجعت المرأتان سراعا )‪ (7‬بالغنم إلى أبيهما ‪ ،‬أنكر حالهما ومجيئهما‬
‫سريعا ‪ ،‬فسألهما عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المصنف لبن أبي شيبة )‪.(11/530‬‬
‫)‪ (2‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬ولما جلس"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬عمير العنقزي" وفي أ ‪" :‬عمير القفقري"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف أ ‪" :‬أخببت"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(20/37‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬فالله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬سريعا"‪.‬‬

‫) ‪(6/227‬‬

‫خبرهما ‪ ،‬فقصتا عليه ما فعل موسى ‪ ،‬عليه السلم‪ .‬فبعث إحداهما إليه‬
‫حَياٍء {‬ ‫ست ِ ْ‬ ‫شي عََلى ا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬‫ه إِ ْ‬‫جاَءت ْ ُ‬ ‫لتدعوه إلى أبيها قال الله تعالى ‪ } :‬فَ َ‬
‫أي ‪ :‬مشي الحرائر ‪ ،‬كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ‪ ،‬أنه‬
‫قال ‪ :‬كانت مستَترة بكم دْرعها‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا ]أبي ‪ ،‬حدثنا[ )‪ (1‬أبو نعيم ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن‬
‫أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمر بن ميمون قال ‪ :‬قال عمر رضي الله عنه ‪ :‬جاءت‬
‫خّراجة‬ ‫تمشي على استحياء ‪ ،‬قائلة بثوبها على وجهها ‪ ،‬ليست بسلفع )‪َ (2‬‬
‫ولجة‪ .‬هذا إسناد صحيح‪.‬‬
‫قال الجوهري ‪ :‬السلفع من الرجال ‪ :‬الجسور ‪ ،‬ومن النساء ‪ :‬الجريئة‬
‫السليطة ‪ ،‬ومن النوق ‪ :‬الشديدة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ك ل ِيجزي َ َ‬ ‫ن أ َِبي ي َد ْ ُ‬
‫ت لَنا { ‪ ،‬وهذا تأدب في العبارة ‪،‬‬ ‫قي ْ َ‬‫س َ‬ ‫ما َ‬ ‫جَر َ‬‫كأ ْ‬ ‫عو َ َ ْ ِ َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫} َقال َ ْ‬
‫جزِي َ َ‬
‫ك‬ ‫عو َ‬ ‫َ‬
‫ك ل ِي َ ْ‬ ‫ن أِبي ي َد ْ ُ‬ ‫لم تطلبه طلبا مطلقا لئل يوهم ريبة ‪ ،‬بل قالت ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫جاَءهُ‬ ‫ما َ‬ ‫ت ل ََنا { يعني ‪ :‬ليثيبك ويكافئك على سقيك لغنمنا ‪ } ،‬فل ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قي ْ َ‬‫س َ‬‫ما َ‬ ‫جَر َ‬ ‫أ ْ‬
‫ص { أي ‪ :‬ذكر له ما كان من أمره ‪ ،‬وما جرى له من‬ ‫ص َ‬ ‫ص عَل َي ْهِ ال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫وَقَ ّ‬
‫قوْم ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫جو ْ َ‬ ‫ف نَ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ل ل تَ َ‬ ‫السبب الذي خرج من أجله من بلده ‪َ } ،‬قا َ‬
‫كم‬ ‫ح ْ‬‫ت من مملكتهم فل ُ‬ ‫ن {‪ .‬يقول ‪ :‬طب نفسا َوقّر عينا ‪ ،‬فقد خرج َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ال ّ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫قوْم ِ الظال ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬
‫جوْ َ‬ ‫لهم في بلدنا‪ .‬ولهذا قال ‪ } :‬ن َ َ‬
‫ن هو ؟ على أقوال ‪ :‬أحدها أنه‬ ‫م ْ‬ ‫وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل ‪َ :‬‬
‫شعيب النبي عليه السلم )‪ (3‬الذي أرسل إلى أهل مدين‪ .‬وهذا هو المشهور‬
‫عند كثيرين ‪ ،‬وقد قاله الحسن البصري وغير واحد‪ .‬ورواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز الويسي ‪ ،‬حدثنا مالك بن أنس ؛ أنه بلغه أن‬
‫قوْم ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫جو ْ َ‬‫ف نَ َ‬‫خ ْ‬ ‫شعيبا هو الذي قص عليه موسى القصص قال ‪ } :‬ل ت َ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ال ّ‬
‫وقد روى الطبراني عن سلمة بن سعد العنزي أنه وفد على رسول الله صلى‬
‫هديت" )‪.(4‬‬ ‫ختان موسى ‪ُ ،‬‬ ‫الله عليه وسلم فقال له ‪" :‬مرحبا بقوم شعيب وأ َ ْ‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل كان ابن أخي شعيب‪ .‬وقيل ‪ :‬رجل مؤمن من قوم شعيب‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬كان شعيب قبل زمان موسى ‪ ،‬عليه )‪ (5‬السلم ‪ ،‬بمدة‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م ب ِب َِعيد ٍ { ] هود ‪ .[ 95 :‬وقد‬ ‫م ُلو ٍ‬
‫ط ِ‬ ‫ما قَوْ ُ‬
‫طويلة ؛ لنه قال لقومه ‪ } :‬وَ َ‬
‫كان هلك قوم لوط في زمن الخليل ‪ ،‬عليه السلم )‪ (6‬بنص القرآن ‪ ،‬وقد‬
‫علم أنه كان بين موسى والخليل ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬مدة طويلة تزيد على‬
‫أربعمائة سنة ‪ ،‬كما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬تستلفع"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬صلى الله عليه وسلم" وفي أ ‪" :‬صلى الله عليه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المعجم الكبير )‪ (7/55‬من طريق حفص بن سلمة عن شيبان بن قيس‬
‫عن سلمة بن سعد به ‪ ،‬وقال الهيثمي ‪" :‬فيه من لم أعرفهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬عليهما"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫) ‪(6/228‬‬

‫ذكره غير واحد‪ .‬وما قيل ‪ :‬إن شعيبا عاش مدة طويلة ‪ ،‬إنما هو ‪ -‬والله أعلم‬
‫‪ -‬احتراز من هذا الشكال ‪ ،‬ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب أنه لو كان‬
‫إياه لوشك أن ينص على اسمه في القرآن هاهنا‪ .‬وما جاء في )‪ (1‬بعض‬
‫الحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى )‪ (2‬لم يصح إسناده ‪ ،‬كما‬
‫سنذكره قريبا إن شاء الله‪ .‬ثم من الموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا‬
‫الرجل اسمه ‪" :‬ثبرون" ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ‪ :‬وأثرون )‪ (3‬وهو ابن أخي شعيب‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫وعن أبي حمزة )‪ (4‬عن ابن عباس ‪ :‬الذي استأجر موسى يثرى صاحب‬
‫مدين‪ .‬رواه ابن جرير ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬الصواب أن هذا ل يدرك إل بخبر ‪ ،‬ول خبر‬
‫تجب به الحجة في ذلك‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مي ُ‬
‫قوِيّ ال ِ‬ ‫ت ال َ‬ ‫جْر َ‬ ‫ست َأ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬
‫خي َْر َ‬‫ن َ‬ ‫جْرهُ إ ِ ّ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫ما َيا أب َ ِ‬ ‫داهُ َ‬‫ح َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬قال َ ْ‬
‫ت إِ ْ‬
‫{ أي ‪ :‬قالت إحدى ابنتي هذا الرجل‪ .‬قيل ‪ :‬هي التي ذهبت وراء موسى ‪،‬‬
‫عية هذه )‪ (5‬الغنم‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جْره ُ { أي ‪ :‬لر ْ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫عليه السلم ‪ ،‬قالت لبيها ‪َ } :‬يا أب َ ِ‬
‫شريح القاضي ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومحمد بن‬ ‫قال عمر ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬و ُ‬
‫ن{‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫مي ُ‬
‫قوِيّ ال ِ‬ ‫جْر َ‬ ‫ست َأ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خي َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫إسحاق ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬لما قالت ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫قال لها أبوها ‪ :‬وما علمك بذلك ؟ قالت ‪ :‬إنه رفع الصخرة التي ل يطيق‬
‫ه ‪ ،‬فقال لي ‪ :‬كوني‬ ‫ت أمام ُ‬ ‫حملها إل عشرة رجال ‪ ،‬وإنه لما جئت معه تقدم ُ‬
‫من ورائي ‪ ،‬فإذا اجتنبت )‪ (6‬الطريق فاحذفي ]لي )‪ [ (7‬بحصاة أعلم بها‬
‫دى )‪ (8‬إليه‪.‬‬ ‫كيف الطريق لته ّ‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد الله ‪ -‬هو‬
‫مر ‪،‬‬‫ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬أفرس الناس ثلثة ‪ :‬أبو بكر حين تفرس في عُ َ‬
‫َ‬
‫واه ُ { ] يوسف ‪ ، [ 21 :‬وصاحبة‬ ‫َ‬ ‫مث ْ‬
‫مي َ‬ ‫وصاحب يوسف حين قال ‪ } :‬أك ْرِ ِ‬
‫ي‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قو ِ ّ‬ ‫جْر َ‬ ‫ست َأ َ‬‫نا ْ‬ ‫م ِ‬
‫خي َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫جْرهُ إ ِ ّ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫موسى حين قالت ‪َ } :‬يا أب َ ِ‬
‫ن {‪.‬‬‫مي ُ‬
‫ال ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬طلب إليه هذا الرجل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هات َي ْ ِ‬‫ي َ‬ ‫دى اب ْن َت َ ّ‬ ‫ح َ‬‫حك إ ِ ْ‬ ‫ن أن ْك ِ َ‬
‫قاال ‪ } :‬إ ِّني أِريد ُ أ ْ‬
‫الشيخ الكبير أن يرعى عنه )‪ (9‬ويزوجه إحدى ابنتيه هاتين‪.‬‬
‫قال شعيب الجبائي ‪ :‬وهما صفورا ‪ ،‬ولّيا‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬صفورا وشرقا ‪ ،‬ويقال ‪ :‬ليا‪ .‬وقد استدل أصحاب‬
‫أبي حنيفة ]رحمه الله تعالى[ )‪ (10‬بهذه الية على صحة البيع فيما إذا قال ‪:‬‬
‫"بعتك أحد هذين العبدين بمائة‪ .‬فقال ‪ :‬اشتريت" أنه يصح ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬لموسى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يثرون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبي هريرة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬رعية هذا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬اختلفت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬لهتدي"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬غنمه"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬

‫) ‪(6/229‬‬

‫حجج فَإ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫ك { أي ‪:‬‬ ‫عن ْدِ َ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬‫شًرا فَ ِ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫م َ‬‫م ْ‬ ‫ن أت ْ َ‬‫ي ِ َ ٍ ِ ْ‬ ‫مان ِ َ‬‫جَرِني ث َ َ‬
‫ن ت َأ ُ‬‫وقوله ‪ } :‬عََلى أ ْ‬
‫ي ثماني سنين ‪ ،‬فإن تبرعت بزيادة سنتين فهو إليك )‪، (1‬‬ ‫على أن ترعى عل ّ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫شقّ عَلي ْ َ‬ ‫َ‬
‫نأ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م َ‬ ‫ه ِ‬‫شاَء الل ُ‬ ‫جد ُِني إ ِ ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ك َ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬ ‫وإل ففي ثمان كفاية ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل أشاقك ‪ ،‬ول أؤاذيك ‪ ،‬ول أماريك‪.‬‬ ‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬
‫ال ّ‬
‫وقد استدلوا بهذه الية الكريمة لمذهب الوزاعي ‪ ،‬فيما إذا قال ‪" :‬بعتك هذا‬
‫دا ‪ ،‬أو بعشرين نسيئة" أنه يصح ‪ ،‬ويختار المشتري بأيهما أخذه‬ ‫بعشرة نق ً‬
‫حمل الحديث المروي في سنن أبي داود ‪" :‬من باع بيعتين في بيعة ‪،‬‬ ‫صح‪ .‬و ُ‬
‫فله أوكسهما أو الربا " )‪ (2‬على هذا المذهب‪ .‬وفي الستدلل بهذه الية‬
‫وهذا الحديث على هذا المذهب نظر ‪ ،‬ليس هذا موضع بسطه لطوله‪ .‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ن تبعهم ‪ ،‬في صحة )‪ (3‬استئجار الجير‬ ‫م ْ‬‫ثم قد استدل أصحاب المام أحمد و َ‬
‫بالطعمة والكسوة بهذه الية ‪ ،‬واستأنسوا في ذلك بما رواه أبو عبد الله‬
‫محمد بن يزيد بن ماجه في كتابه السنن ‪ ،‬حيث قال ‪" :‬باب استئجار الجير‬
‫مصي ‪ ،‬حدثنا َبقّية بن‬ ‫ح ْ‬‫فى ال ِ‬ ‫على طعام بطنه" ‪ :‬حدثنا محمد بن المص ّ‬
‫الوليد ‪ ،‬عن مسلمة )‪ (4‬بن علي ‪ ،‬عن سعيد بن أبي أيوب ‪ ،‬عن الحارث بن‬
‫در )‪ (6‬يقول ‪ :‬كنا عند‬ ‫ة بن الن ّ ّ‬ ‫عتب َ‬ ‫يزيد ‪ ،‬عن علي بن َرَباح قال ‪ :‬سمعت )‪ُ (5‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ } طسم { )‪ ، (7‬حتى إذا بلغ قصة‬
‫جَر نفسه ثماني سنين أو ‪ :‬عشر )‪ (8‬سنين على‬ ‫موسى قال ‪" :‬إن موسى أ ّ‬
‫عفة فرجه وطعام بطنه )‪.(9‬‬
‫وهذا الحديث من هذا الوجه ضعيف )‪ ، (10‬لن مسلمة )‪ (11‬بن علي وهو‬
‫ي ضعيف الرواية عند الئمة ‪ ،‬ولكن قد ُروي من‬ ‫شني الدمشقي البلط ّ‬ ‫خ َ‬‫ال ُ‬
‫وجه آخر ‪ ،‬وفيه نظر أيضا‪.‬‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪،‬‬ ‫وقال )‪ (12‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫حدثنا عبد الله بن َلهيعة ‪ ،‬عن الحارث بن يزيد الحضرمي ‪ ،‬عن علي بن َرَباح‬
‫اللخمي قال ‪ :‬سمعت عتبة بن الّندر السلمي ‪ -‬صاحب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن موسى‬
‫آجر نفسه بعفة فرجه ‪ ،‬وطعمة بطنه" )‪.(13‬‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ .‬وقوله تعالى إخبارا عن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ } :‬قال ذل ِك ب َي ِْني وَب َي ْن َك أي ّ َ‬
‫ل { ‪ ،‬يقول ‪ :‬إن‬ ‫كي ٌ‬‫ل وَ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه عََلى َ‬
‫ما ن َ ُ‬ ‫ي َوالل ّ ُ‬
‫ن عَل َ ّ‬
‫ت َفل عُد َْوا َ‬‫ضي ْ ُ‬‫ن قَ َ‬ ‫ال َ َ‬
‫جلي ْ ِ‬
‫موسى قال لصهره ‪ :‬المر على ما قلت من أنك استأجرتني على ثمان سنين‬
‫‪ ،‬فإن أتممت عشًرا فمن عندي ‪ ،‬فأنا متى فعلت أقلهما ]فقد[ )‪ (14‬برئت‬
‫ت َفل‬ ‫ما ال َ َ‬ ‫َ‬
‫ن قَ َ‬
‫ضي ْ ُ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫من العهد ‪ ،‬وخرجت من الشرط ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أي ّ َ‬
‫ي { أي ‪ :‬فل‬ ‫ن عَل َ ّ‬‫عُد َْوا َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬لك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود برقم )‪.(3461‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬حجة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ثم روى بإسناده عن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬المنذر" والمثبت من ف ‪ ،‬وسنن ابن ماجه‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬طس"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬أو عشرة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (2444‬وضعفه البوصيري في الزوائد )‪(2/260‬‬
‫لتدليس بقية بن الوليد‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬وهذا الحديث فيه ضعف من هذا الوجه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (13‬ورواه البزار في مسنده برقم )‪" (1495‬كشف الستار" من طريق‬
‫يحيى بن بكير عن ابن لهيعة بأطول منه ‪ ،‬وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (14‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(6/230‬‬

‫حا لكنه فاضل من جهة أخرى ‪ ،‬بدليل‬ ‫حرج علي مع أن الكامل ‪ -‬وإن كان مبا ً‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫م عَلي ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن فل إ ِث َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي ْ ِ‬
‫جل ِفي ي َوْ َ‬‫ن ت َعَ ّ‬
‫م ْ‬
‫من خارج‪ .‬كما قال ]الله[ )‪ (1‬تعالى ‪ } :‬ف َ‬
‫َ‬
‫م عَل َي ْهِ { ] البقرة ‪.[ 203 :‬‬
‫خَر َفل إ ِث ْ َ‬
‫ن ت َأ ّ‬
‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عمرو السلمي ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬وكان كثير الصيام ‪ ،‬وسأله عن الصوم في السفر ‪ -‬فقال ‪" :‬إن‬
‫شئت فصم ‪ ،‬وإن شئت فأفطر" )‪ (2‬مع أن فعل الصيام راجح من دليل آخر‪.‬‬
‫هذا وقد دل الدليل على أن موسى عليه السلم ‪ ،‬إنما فعل أكمل الجلين‬
‫وأتمهما ؛ قال البخاري ‪:‬‬
‫مْروان بن‬ ‫حدثنا محمد بن عبد الرحيم ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سليمان ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫شجاع ‪ ،‬عن سالم الفطس ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬سألني يهودي من‬ ‫ُ‬
‫حْبر‬‫أهل الحيرة ‪ :‬أي الجلين قضى موسى ؟ فقلت ‪ :‬ل أدري حتى أقدم على َ‬
‫العرب فأسأ ََله‪ .‬فقدمت فسألت ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬قضى‬
‫أكثرهما وأطيبهما ‪ ،‬إن رسول الله إذا قال فعل‪ .‬هكذا رواه البخاري )‪(3‬‬
‫وهكذا رواه حكيم بن جبير وغيره ‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪ .‬ووقع في "حديث‬
‫فُتون" ‪ ،‬من رواية القاسم بن أبي أيوب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ؛ أن الذي‬ ‫ال ُ‬
‫سأله رجل من أهل النصرانية‪ .‬والول أشبه ‪ ،‬والله أعلم ‪ ،‬وقد ُروي من )‪(4‬‬
‫حديث ابن عباس مرفوعا ‪ ،‬قال ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن محمد الطوسي ‪ ،‬حدثنا الحميدي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثني‬
‫إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب ‪ ،‬عن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن‬
‫ي‬
‫عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬سألت جبريل ‪ :‬أ ّ‬
‫الجلين قضى موسى قال ‪ :‬أكملهما وأتمهما" )‪.(5‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن الحميدي ‪ ،‬عن سفيان ‪ -‬وهو ابن عيينة ‪-‬‬
‫حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب ‪ -‬وكان من أسناني أو أصغر مني ‪-‬‬
‫فذكره‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وإبراهيم هذا ليس بمعروف‪.‬‬
‫ورواه البزار عن أحمد بن أبان القرشي ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن إبراهيم‬
‫بن أعين ‪ ،‬عن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فذكره‪ .‬ثم قال ‪ :‬ل نعرفه مرفوعا عن ابن عباس إل من‬
‫هذا الوجه )‪.(6‬‬
‫ُ‬
‫وقال )‪ (7‬ابن أبي حاتم ‪ :‬قرئ على يونس بن عبد العلى ‪ ،‬أنبأنا ابن وهب ‪،‬‬
‫أنبأنا عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن يحيى بن ميمون الحضرمي ‪ ،‬عن يوسف بن‬
‫ي‬
‫تيرح ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ‪ :‬أ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد في مسنده )‪ (3/493‬والنسائي في السنن )‪.(4/185‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(2684‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬روى طرق مرسلة من"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(20/44‬‬
‫)‪ (6‬قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان )‪" (1/124‬إبراهيم بن يحيى‬
‫العدني عن الحكم بن أبان وعنه سفيان بن عيينة بخبر منكر والرجل نكرة ‪،‬‬
‫وحديثه عن الحميدي ومتنه ‪ :‬سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه‬
‫السلم أي الجلين قضى موسى ‪ ،‬انتهى‪ .‬وهذا الرجل ذكره ابن حبان في‬
‫الثقات‪ .‬وقال الزدي ‪ :‬ل يتابع في حديثه ‪ ،‬وأخرج الحاكم حديثه المذكور في‬
‫المستدرك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬ثم قال"‪.‬‬

‫) ‪(6/231‬‬

‫الجلين قضى موسى ؟ قال ‪" :‬ل علم لي"‪ .‬فسأل رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم جبريل ‪ ،‬فقال جبريل ‪ :‬ل علم لي ‪ ،‬فسأل جبريل ملكا فوقه‬
‫مَلك ربه ‪ -‬عز وجل ‪ -‬عما سأله عنه‬ ‫فقال ‪ :‬ل علم لي‪ .‬فسأل )‪ (1‬ذلك ال َ‬
‫جبريل عما سأله عنه محمد صلى الله عليه وسلم فقال الرب سبحانه وتعالى‬
‫‪" :‬قضى أبرهما وأبقاهما ‪ -‬أو قال ‪ :‬أزكاهما" )‪.(2‬‬
‫سَنيد ‪ :‬حدثنا حجاج ‪،‬‬
‫وهذا مرسل ‪ ،‬وقد جاء مرسل من وجه آخر ‪ ،‬وقال )‪ُ (3‬‬
‫جَرْيج قال ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل‬ ‫عن ابن ُ‬
‫‪" :‬أيّ الجلين قضى موسى ؟" فقال ‪ :‬سوف أسأل إسرافيل‪ .‬فسأله فقال ‪:‬‬
‫سوف أسأل الرب عز وجل‪ .‬فسأله فقال ‪" :‬أبرهما وأوفاهما" )‪.(4‬‬
‫طريق أخرى مرسلة أيضا ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬حدثنا أبي ‪،‬‬
‫سِئل رسول الله صلى‬ ‫قرظي قال ‪ُ :‬‬ ‫شر ‪ ،‬عن محمد بن كعب ال ُ‬ ‫معْ َ‬‫حدثنا أبو َ‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬أي الجلين قضى موسى ؟ قال ‪" :‬أوفاهما وأتمهما" )‪.(5‬‬
‫فهذه طرق متعاضدة ‪ ،‬ثم قد )‪ (6‬روي ]هذا[ )‪ (7‬مرفوعا من رواية أبي ذر ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬قال الحافظ أبو بكر البزار ‪ ،‬حدثنا أبو عبيد الله يحيى بن‬
‫محمد بن السكن ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن إدريس ‪ ،‬حدثنا عَوَْبد بن أبي عمران‬
‫وني ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد الله بن الصامت ‪ ،‬عن أبي ذر ‪ :‬أن النبي صلى‬ ‫ج ْ‬
‫ال َ‬
‫ضى موسى ؟ قال ‪" :‬أوفاهما وأبرهما" ‪،‬‬ ‫سِئل ‪ :‬أيّ الجلين قَ َ‬ ‫الله عليه وسلم ُ‬
‫ت أي المرأتين تزوج ؟ فقل الصغرى منهما"‪.‬‬ ‫قال ‪" :‬وإن سئل َ‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬ل نعلم يروى عن أبي ذر إل بهذا السناد )‪.(8‬‬
‫عوَبد بن أبي عمران ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬ثم قد‬ ‫وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث َ‬
‫روي أيضا نحوه من حديث عتبة بن الندر )‪ (9‬بزيادة غريبة جدا ‪ ،‬فقال أبو‬
‫بكر البزار ‪ :‬حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني ‪ ،‬حدثنا يحيى بن ب ُك َْير ‪ ،‬حدثنا‬
‫ابن لهيعة ‪ ،‬حدثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح اللخمي قال ‪ :‬سمعت‬
‫ي‬
‫سئل ‪ :‬أ ّ‬ ‫عتبة بن الّندر )‪ (10‬يقول ‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ُ‬
‫ضى موسى ؟ قال ‪" :‬أبرهما وأوفاهما"‪ .‬ثم قال النبي صلى الله‬ ‫الجلين قَ َ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما أراد فراق شعيب عليه السلم ‪،‬‬
‫أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به‪ .‬فأعطاها ما‬
‫ولدت غنمه في ذلك العام من قاِلب َلون‪ .‬قال ‪ :‬فما مرت شاة إل ضرب‬
‫والب ألوان كلها ‪ ،‬وولدت ثنتين وثلًثا كل شاة‬ ‫موسى جنبها بعصاه ‪ ،‬فولدت قَ َ‬
‫وت الكف ‪ ،‬ول ث َُعول"‪ .‬وقال‬ ‫ف ّ‬
‫ميشة ت ُ َ‬ ‫شوش ول ضُبوب ‪ ،‬ول ك َ ِ‬ ‫ليس فيها فَ ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا )‪ (11‬افتتحتم الشام فإنكم ستجدون‬
‫بقايا منها ‪ ،‬وهي السامرية" )‪.(12‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسند البزار برقم )‪" (2245‬كشف الستار"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(20/44‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(20/44‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬وقد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬مسند البزار برقم )‪" (2244‬كشف الستار"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المنذر"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المنذر"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬إنكم إذا"‪.‬‬
‫)‪ (12‬مسند البزار برقم )‪" (2246‬كشف الستار"‪.‬‬

‫) ‪(6/232‬‬

‫هكذا أورده البزار‪ .‬وقد رواه ابن أبي حاتم بأبسط من هذا )‪ (1‬فقال ‪:‬‬
‫كير ‪ ،‬حدثني عبد الله بن‬ ‫عة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عبد الله بن ب ُ َ‬ ‫حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫لهيعة)ح( وحدثنا أبو زرعة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن‬
‫لهيعة ‪ ،‬عن الحارث بن يزيد الحضرمي ‪ ،‬عن علي بن رباح اللخمي قال ‪:‬‬
‫در )‪ (2‬السلمي ‪ -‬صاحب رسول الله صلى الله عليه‬ ‫سمعت عتبة بن الن ّ ّ‬
‫وسلم ‪ -‬يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن موسى ‪ ،‬عليه‬
‫طعمة بطنه‪ .‬فلما وفى الجل ‪ -‬قيل ‪ :‬يا‬ ‫السلم )‪ (3‬آجر نفسه بعفة فرجه و ُ‬
‫رسول الله ‪ ،‬أي الجلين ؟ قال ‪ -‬أبرهما وأوفاهما‪ .‬فلما أراد فراق شعيب أمر‬
‫امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به ‪ ،‬فأعطاها ما ولدت‬
‫من غنمه من قالب )‪ (4‬لون من ولد ذلك العام ‪ ،‬وكانت غنمه سوداء‬
‫ماها من طرفها ‪ ،‬ثم‬ ‫س ّ‬ ‫حسناء ‪ ،‬فانطلق موسى ‪ ،‬عليه السلم إلى عصاه فَ َ‬
‫وضعها في أدنى الحوض ‪ ،‬ثم أوردها فسقاها ‪ ،‬ووقف موسى بإزاء الحوض‬
‫فلم تصدر منها شاة إل ضرب جنبها شاة شاة قال ‪" :‬فأتأمت وأثلثت ‪،‬‬
‫ووضعت كلها قوالب ألوان ‪ ،‬إل شاة أو شاتين ليس فيها فشوش‪ .‬قال‬
‫ضُبوب‬‫يحيى ‪ :‬ول ضبون‪ .‬وقال صفوان ‪ :‬ول ضُبوب‪ .‬قال أبو زرعة ‪ :‬الصواب َ‬
‫وت الكف" ‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه‬ ‫ف ّ‬‫‪ -‬ول عَُزوز ول ث َُعول ‪ ،‬ول كميشة ت ُ َ‬
‫وسلم ‪" :‬فلو افتتحتم الشام وجدتم بقايا تلك الغنم وهي السامرية"‪.‬‬
‫َ‬
‫وحدثنا أبو ُزْرعة ‪ ،‬حدثنا صفوان قال ‪ :‬سمعت الوليد قال ‪ :‬فسألت ابن لِهيعة‬
‫شخب‪ .‬قلت ‪ :‬فما‬ ‫ش بلبنها واسعة ال ّ‬ ‫ف ّ‬ ‫‪ :‬ما الفشوش ؟ قال ‪ :‬التي ت َ ُ‬
‫الضبوب ؟ قال ‪ :‬الطويلة الضرع تجره‪ .‬قلت ‪ :‬فما العَُزوز ؟ قال ‪ :‬ضيقة‬
‫شخب‪ .‬قال فما الث َُعول ؟ قال ‪ :‬التي ليس لها ضرع إل كهيئة حلمتين‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫وت الكف ‪ ،‬كميشة الضرع ‪ ،‬صغير ل‬ ‫ف ّ‬‫قلت ‪ :‬فما الكميشة ؟ قال ‪ :‬التي ت ُ َ‬
‫يدركه الكف‪.‬‬
‫مدار هذا الحديث على عبد الله بن ل َِهيعة المصري ‪ -‬وفي حفظه سوء ‪-‬‬
‫وأخشى أن يكون رفعه خطأ ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وينبغي أن ي ُْرَوى ليس فيها‬
‫فشوش ول عزوز ‪ ،‬ول ضبوب ول َثعول ول كميشة ‪ ،‬لتذكر كل صفة ناقصة‬
‫مع ما يقابلها من الصفات الناقصة‪ .‬وقد روى ابن جرير من )‪ (5‬كلم أنس بن‬
‫مالك ‪ -‬موقوفا عليه ‪ -‬ما يقارب بعضه بإسناد جيد )‪ ، (6‬فقال ‪ :‬حدثنا محمد‬
‫بن المثنى ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬حدثنا أنس بن‬
‫مالك ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لما دعا نبي الله موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫صاحبه إلى الجل الذي كان بينهما ‪ ،‬قال له صاحبه ‪ :‬كل شاة ولدت على غير‬
‫لونها فذلك ولدها لك‪ .‬فعمد فرفع حبال على الماء ‪ ،‬فلما رأت الخيال فزعت‬
‫قا إل شاة واحدة ‪ ،‬فذهب بأولدهن ذلك العام )‬ ‫فجالت جولة ‪ ،‬فولدن كلهن بل ً‬
‫‪.(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬بزيادة غريبة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المنذر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬قابله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬ما يقارب هذا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪.(20/44‬‬

‫) ‪(6/233‬‬

‫َ‬
‫ل ِل َهْل ِهِ‬ ‫طورِ َناًرا َقا َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ ِ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ساَر ب ِأهْل ِهِ آن َ َ‬ ‫ج َ‬
‫ل وَ َ‬ ‫سى اْل َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ضى ُ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الّنارِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬‫جذ ْوَةٍ ِ‬ ‫خب َرٍ أوْ َ‬ ‫من َْها ب ِ َ‬
‫م ِ‬ ‫ت َناًرا ل َعَّلي آِتيك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫مك ُُثوا إ ِّني آن َ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫ةَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مَباَرك ِ‬ ‫قعَةِ ال ُ‬ ‫ن ِفي الب ُ ْ‬ ‫م ِ‬‫وادِ الي ْ َ‬ ‫ئ ال َ‬ ‫ن شاط ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ُنودِيَ ِ‬ ‫ما أَتا َ‬‫ن )‪ (29‬فل ّ‬ ‫صطلو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ك‬‫صا َ‬ ‫ق عَ َ‬ ‫ن )‪ (30‬وَأ َ ْ َ ْ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫َ‬
‫سى إ ِّني أَنا الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ن أل ِ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ن َيا ُ‬
‫َ‬
‫جَرةِ أ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ف إ ِن ّكَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خ ْ‬ ‫ْ‬
‫سى أقب ِل وَل ت َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب َيا ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫م ي ُعَ ّ‬‫مد ْب ًِرا وَل ْ‬ ‫ن وَلى ُ‬ ‫جا ّ‬ ‫ها ت َهْت َّز كأن َّها َ‬ ‫ما َرآ َ‬ ‫فَل ّ‬
‫م‬‫م ْ‬ ‫ض ُ‬‫سوٍء َوا ْ‬ ‫ن غَي ْرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضاَء ِ‬ ‫ج ب َي ْ َ‬ ‫خُر ْ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫جي ْب ِ َ‬
‫ك ِفي َ‬ ‫ك ي َد َ َ‬ ‫سل ُ ْ‬‫ن )‪ (31‬ا ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن اْل َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ِ ْ َ ْ َ َ َ ِ ِ ِّ ُ ْ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ن‬
‫ِ ُْ َ َ ِ ِ ْ َ ّ ِ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫نا‬ ‫ها‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ر‬‫ال‬
‫ِ َ ّ ْ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ح‬
‫َ َ َ‬‫نا‬ ‫ج‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫إِ ْ‬
‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫ما َفا ِ‬ ‫قَوْ ً‬
‫ب ال ّ‬ ‫َ‬
‫ل لهْل ِهِ‬ ‫طورِ َناًرا َقا َ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ساَر ب ِأهْل ِهِ آن َ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ج َ‬ ‫سى ال َ‬ ‫مو َ‬ ‫ضى ُ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫م‬‫ن الّنارِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جذ ْوَةٍ ِ‬ ‫خب َرٍ أوْ َ‬ ‫من َْها ب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َناًرا ل َعَّلي آِتيك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫مك ُُثوا إ ِّني آن َ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫ةَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مَباَرك ِ‬ ‫قعَةِ ال ُ‬ ‫ن ِفي الب ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وادِ الي ْ َ‬ ‫ئ ال َ‬ ‫شاط ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ُنودِيَ ِ‬ ‫ما أَتا َ‬ ‫ن )‪ (29‬فل ّ‬ ‫صطلو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫صاكَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫من ال ّ‬
‫ق عَ َ‬ ‫ن أل ِ‬ ‫ن )‪ (30‬وَأ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫سى إ ِّني أَنا الل ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن َيا ُ‬ ‫جرةِ أ ْ‬
‫فَل َ َما رآها َتهتز ك َأ َ‬
‫ش َ‬ ‫ِ‬
‫ف إ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫ِ َ َ َ ْ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫يا‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫را‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫جا‬ ‫ها‬ ‫ن‬
‫ُ ًِْ َ ْ َُ ْ َ ُ َ‬ ‫َّ َ ّ َ‬ ‫ّ َ َ َْ َّ‬
‫م‬ ‫م‬
‫َ ْ ُ ْ‬ ‫ض‬ ‫وا‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫سو‬ ‫ِ ْ ْ ِ ُ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫ضا‬ ‫ي‬
‫َ ِْ َ ُ ْ َْ َ‬‫ب‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫د‬
‫َ َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫(‬ ‫‪31‬‬ ‫ن)‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫كاُنوا‬ ‫م َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ئ‬
‫ِ ْ ْ َ َ َ ِ ِ ِّ ُ ْ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬
‫ِ ُْ َ َ ِ ِ ْ َ ّ ِ‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫نا‬ ‫ها‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ِ َ ّ ْ ِ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ح‬
‫َ َ َ‬‫نا‬ ‫ج‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫إِ ْ‬
‫ي‬ ‫ل‬
‫ن )‪.{ (32‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫ما َفا ِ‬ ‫قَوْ ً‬
‫قد تقدم في تفسير الية قبلها أن موسى عليه السلم ‪ ،‬قضى أتم الجلين‬
‫ضا من الية الكريمة‬ ‫وأوفاهما وأبرهما وأكملهما وأنقاهما ‪ ،‬وقد يستفاد هذا أي ً‬
‫ل { أي ‪ :‬الكمل منهما ‪ ،‬والله )‪(2‬‬ ‫ج َ‬ ‫سى ال َ‬ ‫مو َ‬ ‫ضى ُ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫من قوله )‪ } : (1‬فَل َ ّ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬قضى عشر سنين ‪ ،‬وبعدها عشرا أخر‪ .‬وهذا‬ ‫قال ابن أبي ن َ ِ‬
‫القول لم أره لغيره ‪ ،‬وقد حكاه عنه ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬والله )‪(3‬‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ساَر ب ِأهْل ِهِ { قالوا ‪ :‬كان موسى قد اشتاق إلى بلده وأهله ‪،‬‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫فعزم على زيارتهم في خفية من فرعون وقومه ‪ ،‬فتحمل بأهله وما كان معه‬
‫من الغنم التي وهبها له صهره ‪ ،‬فسلك بهم في ليلة مطيرة مظلمة باردة ‪،‬‬
‫فنزل منزل فجعل كلما أورى زنده ل ُيضيء شيًئا ‪ ،‬فتعجب من ذلك ‪ ،‬فبينما‬
‫طورِ َناًرا { أي ‪ :‬رأى نارا تضيء له‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫هو كذلك ]إذ[ )‪ } (4‬آن َ َ‬
‫ت َناًرا { أي ‪ :‬حتى أذهب إليها ‪،‬‬ ‫س ُ‬ ‫مك ُُثوا إ ِّني آن َ ْ‬ ‫ل لهْل ِهِ ا ْ‬ ‫على بعد ‪َ } ،‬قا َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫جذ ْوَةٍ ِ‬ ‫خب َرٍ {‪ .‬وذلك لنه قد أضل الطريق ‪ } ،‬أوْ َ‬ ‫من َْها ب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫} ل َعَّلي آِتيك ُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ت ََتدفؤون بها من‬ ‫صط َُلو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫الّنارِ { أي ‪ :‬قطعة منها )‪ } ، (5‬ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫البرد‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬من جانب‬ ‫م ِ‬ ‫وادِ الي ْ َ‬ ‫ئ ال َ‬ ‫شاط ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ُنودِيَ ِ‬ ‫ما أَتا َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬فَل ّ‬
‫الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب ‪ ،‬كما قال تعالى )‪: (6‬‬
‫مَر { ‪ ،‬فهذا مما يرشد إلى‬ ‫سى ال ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ضي َْنا إ َِلى ُ‬ ‫ي إ ِذ ْ قَ َ‬ ‫ب ال ْغَْرب ِ ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫أن موسى قصد النار إلى جهة القبلة ‪ ،‬والجبل الغربي عن يمينه ‪ ،‬والنار‬
‫حف الجبل مما يلي الوادي ‪ ،‬فوقف‬ ‫وجدها تضطرم في شجرة خضراء في ل ْ‬
‫ةَ‬
‫مَباَرك ِ‬ ‫ْ‬
‫قعَةِ ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ِفي الب ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ِ‬ ‫وادِ الي ْ َ‬ ‫ئ ال َ‬ ‫شاط ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫باهًتا في أمرها ‪ ،‬فناداه ربه ‪ِ } :‬‬
‫جَرةِ {‪.‬‬ ‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عمرو‬ ‫َ ِ‬ ‫و‬ ‫ابن‬ ‫حدثنا‬ ‫‪:‬‬ ‫جرير‬ ‫ابن‬ ‫قال‬
‫مّرة ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬رأيت الشجرة التي نودي منها‬ ‫بن ُ‬
‫موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬سمرة خضراء ترف‪ .‬إسناده مقارب‪.‬‬
‫ن ل يتهم ‪ ،‬عن وهب بن منبه قال ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن بعض َ‬
‫شجرة من العُّليق ‪ ،‬وبعض أهل الكتاب يقول ‪ :‬من العوسج‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هي من العوسج ‪ ،‬وعصاه من العوسج‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬الذي يخاطبك‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫سى إ ِّني أَنا الل ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن َيا ُ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬أ ْ‬
‫ويكلمك هو رب العالمين ‪ ،‬الفعال لما يشاء ‪ ،‬ل إله غيره ‪ ،‬ول رب سواه ‪،‬‬
‫تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬حيث قال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬فالله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬فالله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬قطعة من النار"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬قال الله تعالى"‪.‬‬

‫) ‪(6/234‬‬

‫ذاته وصفاته ‪ ،‬وأقواله وأفعاله سبحانه!‬


‫ك { أي ‪ :‬التي في يدك‪ .‬كما قرره على ذلك في‬ ‫صا َ‬ ‫َ‬ ‫ق عَ‬ ‫ن أ َل ْ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫صايَ أت َوَك ّأ عَل َي َْها وَأهُ ّ‬
‫ش ب َِها‬ ‫ي عَ َ‬ ‫ل هِ َ‬ ‫سى َقا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫مين ِ َ‬ ‫ك ب ِي َ ِ‬‫ما ت ِل ْ َ‬ ‫قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ُ‬
‫خَرى { ] طه ‪ .[ 18 ، 17 :‬والمعنى ‪ :‬أما هذه‬ ‫بأ ْ‬ ‫مآرِ ُ‬ ‫ي ِفيَها َ‬ ‫مي وَل ِ َ‬ ‫عََلى غَن َ ِ‬
‫َ‬
‫عصاك التي تعرفها ألقها } فَأل ْ َ‬
‫سَعى { فعرف وتحقق أن‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫حي ّ ٌ‬‫ي َ‬ ‫ها فَإ َِذا هِ َ‬ ‫قا َ‬
‫الذي يخاطبه ويكلمه هو الذي يقول للشيء ‪ :‬كن ‪ ،‬فيكون‪ .‬كما تقدم بيان‬
‫ذلك في سورة "طه"‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في‬ ‫جا ّ‬ ‫ها ت َهْت َّز { أي ‪ :‬تضطرب } ك َأن َّها َ‬ ‫ما َرآ َ‬ ‫وقال هاهنا ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫خلق قوائمها )‪ (1‬واتساع فمها ‪ ،‬واصطكاك أنيابها‬ ‫ْ‬ ‫حركتها السريعة مع عظم َ‬
‫وأضراسها ‪ ،‬بحيث ل تمر بصخرة إل ابتلعتها ‪ ،‬فتنحدر في فيها تتقعقع ‪ ،‬كأنها‬
‫ب { أي ‪ :‬ولم يكن يلتفت ؛‬ ‫ق ْ‬ ‫م ي ُعَ ّ‬ ‫مد ْب ًِرا وَل َ ْ‬ ‫حادرة في واد‪ .‬فعند ذلك } وَّلى ُ‬
‫ف‬
‫خ ْ‬ ‫ل َول ت َ َ‬ ‫سى أ َقْب ِ ْ‬‫مو َ‬ ‫لن طبع البشرية ينفر من ذلك‪ .‬فلما قال الله له ‪َ } :‬يا ُ‬
‫ن { ‪ ،‬رجع فوقف في مقامه الول‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ك ِ‬
‫سوٍء { أي ‪ :‬إذا‬ ‫ن غَي ْرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ضاَء ِ‬ ‫ج ب َي ْ َ‬ ‫خُر ْ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫جي ْب ِ َ‬‫ك ِفي َ‬ ‫ك ي َد َ َ‬ ‫سل ُ ْ‬ ‫ثم قال الله له ‪ } :‬ا ْ‬
‫أدخلت يدك في جيب درعك ثم أخرجتها فإنها تخرج تتلل كأنها قطعة قمر‬
‫سوٍء { أي ‪ :‬من غير برص‪.‬‬ ‫ن غَي ْرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫في لمعان البرق ؛ ولهذا قال ‪ِ } :‬‬
‫ب { ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬من الفزع‪ .‬وقال‬ ‫ن الّرهْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جَنا َ‬
‫ك َ‬ ‫م إ ِل َي ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬‫وقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫قتادة ‪ :‬من الرعب‪ .‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير ‪ :‬مما‬
‫حصل لك من خوفك من الحية‪.‬‬
‫والظاهر أن المراد أعم من هذا ‪ ،‬وهو أنه أمر عليه السلم ‪ ،‬إذا خاف من‬
‫شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب ‪ ،‬وهي يده ‪ ،‬فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما‬
‫يجده من الخوف‪ .‬وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل القتداء فوضع يديه‬
‫على فؤاده ‪ ،‬فإنه يزول عنه ما يجد أو َيخف ‪ ،‬إن شاء الله ‪ ،‬وبه الثقة‪.‬‬
‫قال )‪ (2‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا الربيع بن ثعلب الشيخ‬
‫الصالح ‪ ،‬أخبرنا أبو إسماعيل المؤدب ‪ ،‬عن عبد الله بن مسلم ‪ ،‬عن مجاهد ‪،‬‬
‫ملئ قلبه رعًبا من فرعون ‪ ،‬فكان‬ ‫قال )‪ : (3‬كان موسى عليه السلم ‪ ،‬قد ُ‬
‫إذا رآه قال ‪ :‬اللهم إني أدرأ بك في نحره ‪ ،‬وأعوذ بك من شره ‪ ،‬ففّرغ )‪(4‬‬
‫الله ما كان في قلب موسى عليه السلم ‪ ،‬وجعله في قلب فرعون ‪ ،‬فكان‬
‫إذا رآه بال كما يبول الحمار‪.‬‬
‫ن َرب ّك { يعني ‪ :‬إلقاءه العصا وجعلها حية‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫هاَنا ِ‬ ‫ك ب ُْر َ‬ ‫ذان ِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫تسعى ‪ ،‬وإدخاله يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء ‪ -‬دليلن قاطعان‬
‫ن جرى هذا الخارق على‬ ‫م ْ‬
‫واضحان على قدرة الفاعل المختار ‪ ،‬وصحة نبوة َ‬
‫مل َئ ِهِ { أي ‪ :‬وقومه من الرؤساء والكبراء‬
‫ن وَ َ‬‫يديه ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬خارجين عن طاعة الله ‪،‬‬ ‫قي َ‬
‫س ِ‬‫ما َفا ِ‬ ‫م َ‬
‫كاُنوا قَوْ ً‬ ‫والتباع ‪ } ،‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫مخالفين لدين الله ‪] ،‬والله أعلم[ )‪.(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬عظم خلقها" وفي ف ‪" :‬عظم خلقتها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فنزع"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف‪.‬‬

‫) ‪(6/235‬‬

‫َ‬
‫ن هُوَ‬ ‫هاُرو ُ‬ ‫خي َ‬ ‫ن )‪ (33‬وَأ َ ِ‬ ‫قت ُُلو ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫خا ُ َ‬
‫فأ ْ‬ ‫سا فَأ َ‬ ‫ف ً‬ ‫م نَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ت ِ‬‫ب إ ِّني قَت َل ْ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َفْ‬
‫ن )‪َ (34‬قا َ‬
‫ل‬ ‫ن ي ُك َذ ُّبو ِ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫صد ّقُِني إ ِّني أ َ‬ ‫ي رِد ًْءا ي ُ َ‬ ‫معِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫سل ْ ُ‬
‫ساًنا فَأْر ِ‬ ‫مّني ل ِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫شد عضد َ َ‬
‫ن‬
‫م ِ‬‫ما وَ َ‬‫ما ب ِآَيات َِنا أن ْت ُ َ‬‫ن إ ِل َي ْك ُ َ‬
‫صُلو َ‬‫طاًنا فََل ي َ ِ‬‫سل ْ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل ل َك ُ َ‬
‫جعَ ُ‬ ‫ك وَن َ ْ‬ ‫خي َ‬ ‫ك ب ِأ ِ‬ ‫سن َ ُ ّ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫بو‬
‫َ ُِ َ‬ ‫ل‬‫غا‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ما‬ ‫ُ‬
‫ات ّ َ َ َ‬
‫ك‬ ‫ع‬‫ب‬
‫َ‬
‫و‬
‫ن هُ َ‬ ‫هاُرو ُ‬ ‫خي َ‬ ‫ن )‪ (33‬وَأ َ ِ‬ ‫قت ُُلو ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫خا ُ َ‬
‫فأ ْ‬ ‫سا فَأ َ‬ ‫ف ً‬ ‫م نَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ب إ ِّني قَت َل ْ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫} َقا َ‬
‫ن )‪َ (34‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ َفْ‬
‫ل‬ ‫ن ي ُكذ ُّبو ِ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫صد ّقُِني إ ِّني أ َ‬ ‫ي رِد ًْءا ي ُ َ‬ ‫معِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫سل ُ‬ ‫ساًنا فَأْر ِ‬ ‫مّني ل ِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫شد عضد َ َ‬
‫ن‬
‫م ِ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫ما ِبآَيات َِنا أن ْت ُ َ‬ ‫ن إ ِل َي ْك ُ َ‬ ‫صُلو َ‬ ‫طاًنا َفل ي َ ِ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل ل َك ُ َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ك وَن َ ْ‬ ‫خي َ‬ ‫ك ب ِأ ِ‬ ‫سن َ ُ ّ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (35‬‬ ‫ْ‬
‫ما الَغال ُِبو َ‬ ‫ُ‬
‫ات ّب َعَك َ‬
‫لما أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون ‪ ،‬الذي إنما خرج من ديار مصر‬
‫سا { يعني ‪:‬‬ ‫ف ً‬ ‫م نَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ب إ ِّني قَت َل ْ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫فراًرا منه وخوًفا من سطوته ‪َ } ،‬قا َ‬
‫خا ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إذا رأوني‪.‬‬ ‫قت ُُلو ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ذلك القبطي ‪ } ،‬فَأ َ‬
‫َ‬ ‫} وَأ َ ِ‬
‫ساًنا { ‪ ،‬وذلك أن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬ ‫مّني ل ِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن هُوَ أفْ َ‬ ‫هاُرو ُ‬ ‫خي َ‬
‫خّير بينها وبين‬ ‫كان في لسانه لثغة ‪ ،‬بسبب ما كان تناول تلك الجمرة ‪ ،‬حين ُ‬
‫التمرة أو الدّرة ‪ ،‬فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه ‪ ،‬فحصل فيه شدة في‬
‫ل ِلي‬ ‫جعَ ْ‬ ‫قُهوا قَوِْلي‪َ .‬وا ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ساِني‪ .‬ي َ ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قد َة ً ِ‬ ‫ل عُ ْ‬ ‫حل ُ ْ‬ ‫التعبير ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬وا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫ن أ َهِْلي‪َ .‬‬
‫ري { ] طه ‪:‬‬ ‫م ِ‬ ‫ه ِفي أ ْ‬ ‫شرِك ْ ُ‬ ‫شد ُد ْ ب ِهِ أْزِري‪ .‬وَأ ْ‬ ‫خي‪ .‬ا ْ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَِزيًرا ِ‬
‫‪ [ 32 - 27‬أي ‪ :‬يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم ‪ ،‬وهو القيام‬
‫بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا الملك المتكبر الجبار العنيد‪ .‬ولهذا قال ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صد ّقُِني[ { )‪، (1‬‬ ‫ي رِد ًْءا ]ي ُ َ‬ ‫معِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫سل ْ ُ‬
‫ساًنا فَأْر ِ‬ ‫مّني ل ِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن هُوَ أفْ َ‬ ‫هاُرو ُ‬ ‫خي َ‬ ‫} وَأ َ ِ‬
‫أي ‪ :‬وزيًرا ومعيًنا ومقوّيا لمري ‪ ،‬يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله عز‬
‫وجل ؛ لن خبر اثنين أنجع في النفوس من خبر واحد ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِّني‬
‫خا ُ َ‬ ‫أَ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ن ي ُك َذ ُّبو ِ‬ ‫فأ ْ‬
‫صد ّقُِني { أي ‪ :‬يبين لهم عني ما أكلمهم به‬ ‫وقال محمد بن إسحاق ‪ } :‬رِد ًْءا ي ُ َ‬
‫‪ ،‬فإنه يفهم ]عني[ )‪.(2‬‬
‫ك { أي ‪ :‬سنقوي‬ ‫خي َ‬ ‫َ‬ ‫ضد َ َ‬ ‫سن َ ُ‬
‫ك ب ِأ ِ‬ ‫شد ّ ع َ ُ‬ ‫فلما سأل ذلك قال الله تعالى ‪َ } :‬‬
‫أمرك ‪ ،‬ونعز جانبك بأخيك ‪ ،‬الذي سألت له أن يكون نبيا معك‪ .‬كما قال في‬
‫سؤْل َ َ‬ ‫ُ‬
‫سى { ] طه ‪ ، [ 36 :‬وقال تعالى ‪} :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫الية الخرى ‪ } :‬قَد ْ أوِتي َ‬
‫ن ن َب ِّيا { ] مريم ‪ .[ 53 :‬ولهذا قال بعض‬ ‫هاُرو َ‬ ‫خاه ُ َ‬ ‫مت َِنا أ َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫ة على أخيه ‪ ،‬من موسى على هارون ‪ ،‬عليهما‬ ‫من ّ ً‬ ‫السلف ‪ :‬ليس أحد أعظم ِ‬
‫السلم ‪ ،‬فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبّيا ورسول معه إلى فرعون وملئه ‪،‬‬
‫جيًها {‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ولهذا قال ]الله تعالى[ )‪ (3‬في حق موسى ‪ } :‬وَ َ‬
‫] الحزاب ‪.[ 69 :‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ص‬
‫َ ِ‬ ‫ي‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫قاهرة‬ ‫حجة‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫نا‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫َ ُ‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫وقوله تعالى ‪َ ْ َ َ } :‬‬
‫ع‬‫ج‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫ما ِبآَيات َِنا { أي ‪ :‬ل سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلغكما‬ ‫إ ِل َي ْك ُ َ‬
‫آيات الله ‪ ،‬كما قال الله تعالى ]لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم[ )‪: (4‬‬
‫ه[‬‫سال َت َ ُ‬‫ت رِ َ‬ ‫ما ب َل ّغْ َ‬
‫ل فَ َ‬ ‫فعَ ْ‬‫م تَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬‫ك ]وَإ ِ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬‫ما ُأنز َ‬ ‫ل ب َل ّغْ َ‬‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫} َيا أي َّها الّر ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫س { ] المائدة ‪ .(5) [ 67 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن الّنا‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬
‫ص ُ‬
‫ه ي َعْ ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫شو َ‬
‫سيًبا { ]‬ ‫ح ِ‬ ‫فى ِبالل ّهِ َ‬ ‫ه وَك َ َ‬ ‫دا ِإل الل ّ َ‬ ‫ح ً‬
‫نأ َ‬ ‫خ َ ْ َ‬ ‫ه َول ي َ ْ‬ ‫شوْن َ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ت الل ّهِ وَي َ ْ‬ ‫سال ِ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫ي ُب َل ُّغو َ‬
‫دا‪ .‬ولهذا أخبرهما أن‬ ‫الحزاب ‪ ، [ 39 :‬أي ‪ :‬وكفى بالله ناصًرا ومعيًنا ومؤي ً‬
‫ما‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ات ّب َعَك َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما وَ َ‬‫ن اتبعهما في الدنيا والخرة ‪ ،‬فقال ‪ } :‬أن ْت ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫العاقبة لهما ول ِ َ‬
‫ن { ‪ ،‬كما قال‬ ‫ال َْغال ُِبو َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬إلى قوله"‪.‬‬

‫) ‪(6/236‬‬

‫تعالى ‪ } :‬ك َتب الل ّه لغْل ِب َ‬


‫زيٌز { ] المجادلة ‪[ 21 :‬‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫م‬
‫قو ُ‬
‫م يَ ُ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا ِفي ال َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫سلَنا َوال ِ‬‫َ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬وقال تعالى ‪ } :‬إ ِّنا لن َن ْ ُ‬
‫دارِ { ] غافر‬ ‫سوُء ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ة وَلهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م اللعْن َ ُ‬ ‫َ‬
‫م وَلهُ ُ‬ ‫معْذَِرت ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬‫مي َ‬ ‫فعُ ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ل ي َن ْ َ‬ ‫شَهاُد‪ .‬ي َوْ َ‬ ‫ال ْ‬
‫‪.[ 52 ، 51 :‬‬
‫ن‬‫صلو َ‬ ‫ُ‬ ‫سلطاًنا َفل ي َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ُ‬
‫ل لك َ‬ ‫َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ووجه ابن جرير على أن المعنى ‪ } :‬وَن َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬تقديره ‪:‬‬ ‫ما الَغال ُِبو َ‬ ‫ُ‬
‫ن ات ّب َعَك َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫ما { ‪ ،‬ثم يبتدئ فيقول ‪ِ } :‬بآَيات َِنا أن ْت ُ َ‬ ‫إ ِل َي ْك ُ َ‬
‫ن اتبعكما الغالبون بآياتنا )‪.(1‬‬ ‫م ْ‬‫أنتما و َ‬
‫ول شك أن هذا المعنى صحيح ‪ ،‬وهو حاصل من التوجيه الول ‪ ،‬فل حاجة إلى‬
‫هذا ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(20/48‬‬

‫) ‪(6/237‬‬

‫معَْنا ب ِهَ َ‬
‫ذا‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫فت ًَرى وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ذا إ ِّل ِ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ت َقاُلوا َ‬ ‫سى ب ِآ ََيات َِنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫عن ْدِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫دى ِ‬ ‫جاَء ِبال ْهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫سى َرّبي أعْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن )‪ (36‬وََقا َ‬ ‫ِفي آَبائ َِنا اْلوِّلي َ‬
‫ن َيا أ َي َّها‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫ن )‪ (37‬وََقا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫فل ِ ُ‬‫ه َل ي ُ ْ‬ ‫دارِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو ُ‬‫ن تَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل ِلي‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫ن عَلى الطي ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ها َ‬ ‫ري فَأوْقِد ْ ِلي َيا َ‬ ‫ن إ ِلهٍ غَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ت لك ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬‫مل َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ست َك ْب ََر هُ َ‬
‫و‬ ‫ن )‪َ (38‬وا ْ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫سى وَإ ِّني َلظ ُن ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫حا ل َعَّلي أط ّل ِعُ إ َِلى إ ِل َهِ ُ‬ ‫صْر ً‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫خذ َْناهُ‬ ‫ن )‪ (39‬فَأ َ‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِلي َْنا ل ي ُْر َ‬ ‫حقّ وَظّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال َ‬ ‫جُنود ُه ُ ِفي الْر ِ‬ ‫وَ ُ‬
‫م‬
‫جعَلَناهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن )‪ (40‬وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ة الظال ِ ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كا َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م فان ْظْر كي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ِفي الي َ ّ‬ ‫َ‬
‫جُنود َه ُ فن َب َذ َْناهُ ْ‬ ‫وَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِفي هَذِهِ الد ّن َْيا‬
‫ن )‪ (41‬وَأت ْب َعَْناهُ ْ‬ ‫مةِ َل ي ُن ْ َ‬
‫صُرو َ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫ن إ َِلى الّنارِ وَي َوْ َ‬ ‫عو َ‬‫ة ي َد ْ ُ‬
‫م ً‬ ‫أئ ِ ّ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫حي َ‬‫قُبو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫م ِ‬‫مةِ هُ ْ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫ة وَي َوْ َ‬ ‫ل َعْن َ ً‬

‫معَْنا‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫فت ًَرى وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ذا ِإل ِ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ت َقاُلوا َ‬ ‫سى ِبآَيات َِنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫عن ْدِ ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دى ِ‬ ‫جاَء ِبال ْهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫سى َرّبي أعْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن )‪ (36‬وََقا َ‬ ‫ذا ِفي آَبائ َِنا الوِّلي َ‬ ‫ب ِهَ َ‬
‫ن )‪.{ (37‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح الظال ِ ُ‬‫ّ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫دارِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫ن ت َكو ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫يخبر تعالى عن مجيء موسى وأخيه هارون إلى فرعون وملئه ‪ ،‬وعرضه ما‬
‫آتاهما الله من المعجزات الباهرة والدللت القاهرة ‪ ،‬على صدقهما فيما أخبر‬
‫عن الله عز وجل من توحيده واتباع أوامره‪ .‬فلما عاين فرعون وملؤه ذلك‬
‫وشاهدوه وتحققوه ‪ ،‬وأيقنوا أنه من الله ‪ ،‬عدلوا بكفرهم وبغيهم إلى العناد‬
‫ذا ِإل‬ ‫ما هَ َ‬ ‫والمباهتة ‪ ،‬وذلك لطغيانهم وتكبرهم عن اتباع الحق ‪ ،‬فقالوا ‪َ } :‬‬
‫فت ًَرى { أي ‪ :‬مفتعل مصنوع‪ .‬وأرادوا معارضته بالحيلة والجاه ‪ ،‬فما‬ ‫م ْ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ِ‬
‫صعد معهم ذلك‪.‬‬
‫ن { يعنون ‪ :‬عبادة الله وحده ل‬ ‫ذا ِفي آَبائ َِنا الوِّلي َ‬ ‫معَْنا ب ِهَ َ‬ ‫س ِ‬
‫ما َ‬ ‫وقوله )‪ } : (1‬وَ َ‬
‫شريك له ‪ ،‬يقولون ‪ :‬ما رأينا أحدا من آبائنا على هذا الدين ‪ ،‬ولم نر )‪(2‬‬
‫الناس إل يشركون مع الله آلهة أخرى‪ .‬فقال موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مجيبا‬
‫َ‬
‫عن ْدِهِ { يعني ‪ :‬مني ومنكم ‪،‬‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دى ِ‬ ‫جاَء ِبال ْهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫لهم ‪َ } :‬رّبي أعْل َ ُ‬
‫دارِ { أي ‪:‬‬ ‫ة ال ّ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وسيفصل بيني وبينكم‪ .‬ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬المشركون بالله‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫ح الظال ِ ُ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫النصرة والظفر والتأييد ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ما ُ‬ ‫ها َ‬ ‫ري فَأوْقِد ْ ِلي َيا َ‬ ‫ن إ ِلهٍ غَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت لك ْ‬‫ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫مل َ‬ ‫ن َيا أي َّها ال ْ َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫} وََقا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫سى وَإ ِّني لظن ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫حا لعَلي أطل ِعُ إ ِلى إ ِلهِ ُ‬ ‫صْر ً‬ ‫ل ِلي َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫عَلى الطي ِ‬
‫م إ ِل َي َْنا ل‬ ‫َ‬
‫حقّ وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫جُنود ُه ُ ِفي الْر ِ‬ ‫ست َك ْب ََر هُوَ وَ ُ‬ ‫ن )‪َ (38‬وا ْ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف َ‬
‫كا َ‬ ‫م َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫م ِفي ال ْي َ ّ‬ ‫جُنود َه ُ فَن َب َذ َْناهُ ْ‬ ‫خذ َْناه ُ وَ ُ‬ ‫ن )‪ (39‬فَأ َ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي ُْر َ‬
‫ن)‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫صُرو َ‬ ‫مةِ ل ي ُن ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ن إ ِلى الّنارِ وَي َوْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫جعَلَناهُ ْ‬ ‫ن )‪ (40‬وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫الظال ِ ِ‬
‫ن )‪.{ (42‬‬ ‫حي‬ ‫بو‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫َ‬
‫َ ُ ِ َ‬ ‫َ ِ ِ َّْ ْ َ ً ََ ْ َ ِ َ َ ِ ُ ْ ِ َ‬ ‫‪ (41‬وَ ْ َ ْ َ ُ ْ ِ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وقولهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬وما نرى"‪.‬‬

‫) ‪(6/237‬‬

‫يخبر تعالى عن كفر فرعون وطغيانه وافترائه في دعوى اللهية لنفسه‬


‫م كاُنوا‬ ‫َ‬ ‫عوه ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫ه فَأ َ َ‬ ‫ف قَوْ َ‬
‫م ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫القبيحة ‪ -‬لعنه الله ‪ -‬كما قال تعالى ‪َ } :‬فا ْ‬
‫ن { ] الزخرف ‪ ، [ 54 :‬وذلك لنه دعاهم إلى العتراف له‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َفا ِ‬ ‫قَوْ ً‬
‫باللهية ‪ ،‬فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬يا‬
‫َ‬
‫ري { ‪] ،‬و[ )‪ (1‬قال تعالى إخبارا عنه ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ْ‬‫ْ‬ ‫م‬
‫م ِ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫مل َ‬ ‫أي َّها ال ْ َ‬
‫خَرةِ َوالوَلى *‬ ‫َ‬ ‫قا َ َ‬
‫ل ال ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه نَ َ‬ ‫خذ َهُ الل ّ ُ‬ ‫م العَْلى * فَأ َ‬ ‫ل أَنا َرب ّك ُ ُ‬ ‫شَر فََناَدى * فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫} فَ َ‬
‫شى { ] النازعات ‪ [ 26 - 23 :‬يعني ‪ :‬أنه جمع‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ل َعِب َْرة ً ل ِ َ‬
‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫صّرحا لهم بذلك ‪ ،‬فأجابوه سامعين‬ ‫م َ‬ ‫قومه ونادى فيهم بصوته العالي ُ‬
‫مطيعين‪ .‬ولهذا انتقم الله تعالى منه ‪ ،‬فجعله عبرة لغيره في الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫جعَل َن ّ َ‬
‫ك‬ ‫ري ل ْ‬ ‫ت إ ِل ًَها غَي ْ ِ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫َ‬
‫وحتى إنه واجه موسى الكليم بذلك فقال ‪ } :‬لئ ِ ِ‬
‫ن { ] الشعراء ‪.[ 29 :‬‬ ‫جو َِني َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حا لعَلي أطل ِعُ إ ِلى‬ ‫صْر ً‬ ‫ل ِلي َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫ن عَلى الطي ِ‬ ‫ما ُ‬‫ها َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأوْقِد ْ ِلي َيا َ‬
‫سى { أي ‪ :‬أمر وزيره هامان ومدبر رعيته ومشير دولته أن يوقد له‬ ‫مو َ‬ ‫إ ِل َهِ ُ‬
‫جّرا لبناء الصرح ‪ ،‬وهو القصر المنيف الرفيع ‪ -‬كما‬ ‫على الطين ‪ ،‬ليتخذ له آ ُ‬
‫غُ‬ ‫َ‬
‫حا لعَلي أب ْل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صْر ً‬ ‫ن ِلي َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َيا َ‬ ‫قال في الية الخرى ‪ } :‬وَقال فِْرعَوْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫كاذًِبا وَك َذ َل ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ن‬ ‫ظ‬ ‫ل‬ ‫ني‬ ‫إ‬
‫َ ِّ‬ ‫و‬ ‫سى‬ ‫ت فَأط ّل ِعَ إ َِلى ِ ِ ُ َ‬
‫مو‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫سَبا َ‬ ‫ب‪ .‬أ ْ‬ ‫سَبا َ‬ ‫ال ْ‬
‫ب{‬ ‫ن ِإل ِفي ت ََبا ٍ‬ ‫ما ك َي ْد ُ فِْرعَوْ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫صد ّ ع َ ِ‬ ‫مل ِهِ وَ ُ‬ ‫سوُء عَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫فْرعَوْ َ‬ ‫ن لِ ِ‬ ‫ُزي ّ َ‬
‫] غافر ‪ ، [ 37 ، 36 :‬وذلك لن )‪ (2‬فرعون بنى هذا الصرح الذي لم ي َُر في‬
‫الدنيا بناء أعلى منه ‪ ،‬إنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته تكذيب موسى فيما‬
‫ن{‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫زعمه من دعوى إله غير فرعون ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَإ ِّني لظ ُن ّ ُ‬
‫م رّبا غيري ‪ ،‬ل أنه كذبه في أن الله أرسله ؛ لنه لم يكن‬ ‫أي ‪ :‬في قوله إن ث َ ّ‬
‫ن { ] الشعراء ‪[ 23 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ما َر ّ‬ ‫يعترف بوجود الصانع ‪ ،‬فإنه قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ] الشعراء ‪[ 29 :‬‬ ‫جوِني َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َن ّك ِ‬
‫َ‬ ‫ري ل ْ‬ ‫ت إ ِل ًَها غَي ْ ِ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫وقال ‪ } :‬لئ ِ ِ‬
‫ري { وهذا قول ابن جرير‪.‬‬
‫َ‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫مل َ‬ ‫وقال ‪َ } :‬يا أي َّها ال ْ َ‬
‫م إ ِل َي َْنا ل‬ ‫حقّ وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫جُنود ُه ُ ِفي الْر ِ‬ ‫ست َك ْب ََر هُوَ وَ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬طغوا وتجبروا ‪ ،‬وأكثروا في الرض الفساد ‪ ،‬واعتقدوا أنه ل‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي ُْر َ‬
‫صاد ِ { ]‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫ن َرب ّك لِبال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‪.‬إ ِ ّ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫سوْط عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َرب ّك َ‬ ‫َ‬
‫ب عَلي ْهِ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬
‫معاد ول قيامة )‪ } ، (3‬ف َ‬
‫م ِفي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جُنود َه ُ فن َب َذَناهُ ْ‬ ‫خذَناه ُ وَ ُ‬ ‫الفجر ‪ ، [ 14 ، 13 :‬ولهذا قال ها هنا ‪ } :‬فأ َ‬
‫م { أي ‪ :‬أغرقناهم في البحر في صبيحة واحدة ‪ ،‬فلم يبق منهم أحد‬ ‫ال ْي َ ّ‬
‫ن إ َِلى الّنارِ { أي ‪:‬‬ ‫َ‬
‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫ن‪ .‬وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ف َ‬ ‫} َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫لمن سلك وراءهم وأخذ بطريقتهم ‪ ،‬في تكذيب الرسل وتعطيل الصانع ‪،‬‬
‫ن { أي ‪ :‬فاجتمع عليهم خزي الدنيا موصول بذل‬ ‫صُرو َ‬ ‫مةِ ل ي ُن ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫} وَي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { ] محمد ‪[ 13 :‬‬ ‫صَر لهُ ْ‬ ‫م َفل َنا ِ‬ ‫الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬أهْلك َْناهُ ْ‬
‫ة { )‪ (4‬أي ‪ :‬وشرع الله لعنتهم ولعنة‬ ‫م ِفي هَذِهِ الد ّن َْيا ل َعْن َ ً‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَأت ْب َعَْناهُ ْ‬
‫ملكهم فرعون على ألسنة المؤمنين من عباده المتبعين رسله ‪ ،‬وكما أنهم‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫َ‬ ‫و‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫كذلك‬ ‫وأتباعهم‬ ‫النبياء‬ ‫ألسنة‬ ‫على‬ ‫ملعونون‬ ‫الدنيا‬ ‫في‬
‫ُ‬
‫ه‬
‫ن {‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وهذه الية كقوله تعالى ‪ } :‬وَأت ْب ُِعوا ِفي هَذِ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫قُبو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫مْرُفود ُ { ] هود ‪.[ 99 :‬‬ ‫ْ‬
‫س الّرفْد ُ ال َ‬ ‫مةِ ب ِئ ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ة وَي َوْ َ‬ ‫ل َعْن َ ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ل قيامة ول معاد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬فأتبعناهم"‪.‬‬

‫) ‪(6/238‬‬

‫قرو َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ول َ َ َ‬


‫دى‬
‫س وَهُ ً‬ ‫ن اْلوَلى ب َ َ‬
‫صائ َِر ِللّنا ِ‬ ‫ما أهْل َك َْنا ال ْ ُ ُ‬
‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬
‫ب ِ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(43‬‬‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬
‫ُ ْ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫م‬
‫وَ َ َ‬
‫ح‬‫ْ‬ ‫ر‬

‫س‬ ‫ن الوَلى ب َ َ‬
‫صائ َِر ِللّنا ِ‬ ‫ما أ َهْل َك َْنا ال ْ ُ‬
‫قُرو َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬
‫ن )‪.{ (43‬‬ ‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬‫ة ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬‫دى وََر ْ‬ ‫وَهُ ً‬
‫يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله موسى الكليم ‪ ،‬عليه من ربه‬
‫الصلة والتسليم ‪ ،‬من إنزال التوراة عليه بعدما أهلك فرعون ومله‪.‬‬
‫ن الوَلى { يعني ‪ :‬أنه بعد إنزال التوراة لم‬ ‫قُرو َ‬ ‫ما أ َهْل َك َْنا ال ْ ُ‬
‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬‬
‫يعذب أمة بعامة ‪ ،‬بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداء الله من المشركين ‪ ،‬كما‬
‫م‬‫ل َرب ّهِ ْ‬ ‫سو َ‬‫وا َر ُ‬‫ص ْ‬ ‫خاط ِئ َةِ * فَعَ َ‬ ‫ت ِبال ْ َ‬‫كا ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َوال ْ ُ‬
‫مؤْت َ ِ‬ ‫ن قَب ْل َ ُ‬‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬‫جاَء فِْرعَوْ ُ‬ ‫قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ة { ] الحاقة ‪.[ 10 ، 9 :‬‬ ‫خذ َة ً َراب ِي َ ً‬ ‫م أَ ْ‬ ‫فَأ َ‬
‫خذ َهُ ْ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا محمد وعبد الوهاب قال حدثنا‬
‫ما‬
‫دري قال ‪ :‬ما أهلك الله قو ً‬ ‫خ ْ‬‫ضَرة ‪ ،‬عن أبي سعيد ال ُ‬ ‫عوف ‪ ،‬عن أبي ن َ ْ‬
‫بعذاب من السماء ول من الرض بعدما أنزلت التوراة على وجه الرض ‪ ،‬غير‬
‫ب‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬‫القرية التي مسخوا قردة ‪ ،‬ألم تر أن الله يقول ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن الوَلى { )‪.(1‬‬ ‫قُرو َ‬ ‫ما أ َهْل َك َْنا ال ْ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫جميلة )‪ (2‬العرابي ‪ ،‬بنحوه‪.‬‬ ‫ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث عوف بن أبي َ‬
‫وهكذا رواه أبو بكر البزار في مسنده ‪ ،‬عن عمرو بن علي الفلس ‪ ،‬عن‬
‫طان ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن أبي نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد موقوًفا )‪ .(3‬ثم‬ ‫ق ّ‬ ‫يحيى ال َ‬
‫رواه عن نصر بن علي ‪ ،‬عن عبد العلى ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن أبي نضرة ‪ ،‬عن‬
‫ك الله‬ ‫أبي سعيد ‪ -‬رفعه )‪ (4‬إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬ما أهل َ‬
‫قد ْ‬‫قوما بعذاب من السماء ول من الرض إل قبل موسى" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن الوَلى { )‪.(5‬‬ ‫قُرو َ‬ ‫ما أ َهْل َك َْنا ال ْ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫آت َي َْنا ُ‬
‫س { أي ‪ :‬من العمى والغي ‪ } ،‬وهدى { إلى الحق ‪،‬‬ ‫صائ َِر ِللّنا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ب َ َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ي َت َذكُرو َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫} ورحمة { أي ‪ :‬إرشادا إلى العمال الصالحة ‪ } ،‬لعَلهُ ْ‬
‫لعل الناس يتذكرون به ‪ ،‬ويهتدون بسببه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(20/50‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬حبلة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬مسند البزار برقم )‪" (2247‬كشف الستار"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬مرفوعا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند البزار برقم )‪" (2248‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (7/88‬رواه البزار موقوفا ومرفوعا ورجالهما رجال الصحيح"‪.‬‬

‫) ‪(6/239‬‬

‫َ‬
‫ن)‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫مَر وَ َ‬ ‫سى اْل ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ضي َْنا إ َِلى ُ‬ ‫ي إ ِذ ْ قَ َ‬ ‫ب ال ْغَْرب ِ ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ (44‬وَلك ِّنا أن ْ َ‬
‫مد ْي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ثاوًِيا ِفي أهْ ِ‬ ‫ما كن ْ َ‬ ‫مُر وَ َ‬ ‫م العُ ُ‬ ‫شأَنا قُروًنا فت َطاوَل عَلي ْهِ ُ‬
‫ْ‬
‫ب الطورِ إ ِذ َناد َي َْنا‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت َت ُْلو عَل َي ْه َ‬
‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما كن ْ َ‬ ‫ن )‪ (45‬وَ َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫م آَيات َِنا وَلك ِّنا كّنا ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫رو‬
‫َ ُ ْ ََ ُ َ‬‫ّ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ح َ ً ِ ْ َ ّ ُِْ َِ ْ ً َ َ ُ ْ ِ ْ َ ِ ٍ ِ ْ ِْ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ذي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫تا‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ن َر ْ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫ت إ ِل َي َْنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل ْ َ‬ ‫قوُلوا َرب َّنا ل َوَْل أْر َ‬ ‫م فَي َ ُ‬ ‫ديهِ ْ‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫‪ (46‬وَل َوَْل أ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ك وَن َ ُ‬ ‫سوًل فَن َت ّب ِعَ آَيات ِ َ‬ ‫َر ُ‬

‫ن‬
‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫مَر وَ َ‬ ‫سى ال ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ضي َْنا إ َِلى ُ‬ ‫ي إ ِذ ْ قَ َ‬ ‫ب ال ْغَْرب ِ ّ‬ ‫جان ِ ْ ِ‬‫ت بِ َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫)‪ (44‬وَلك ِّنا أن ْ َ‬
‫مد ْي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ثاوًِيا ِفي أهْ ِ‬ ‫ما كن ْ َ‬ ‫مُر وَ َ‬ ‫م العُ ُ‬ ‫شأَنا قُروًنا فت َطاوَل عَلي ْهِ ُ‬
‫ّ‬
‫ب الطورِ إ ِذ ْ َناد َي َْنا‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْ َ‬ ‫ن )‪ (45‬وَ َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م آَيات َِنا وَلك ِّنا كّنا ُ‬ ‫ت َت ُْلو عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ك ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذيرٍ ِ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أَتاهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ل ِت ُن ْذَِر قَوْ ً‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫ت إ ِل َي َْنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل ْ َ‬ ‫ول أْر َ‬ ‫قوُلوا َرب َّنا ل َ ْ‬ ‫م فَي َ ُ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ما قَد ّ َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صيب َهُ ْ‬‫ن تُ ِ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫‪ (46‬وَل َ ْ‬
‫ن )‪.{ (47‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ك وَن َ ُ‬ ‫سول فَن َت ّب ِعَ آَيات ِ َ‬ ‫َر ُ‬

‫) ‪(6/239‬‬
‫يقول تعالى منبًها على برهان نبوة محمد ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬حيث‬
‫أخبر بالغيوب الماضية ‪ ،‬خبًرا كأن سامعه شاهد وَراٍء لما تقدم ‪ ،‬وهو رجل‬
‫أمي ل يقرأ شيئا من الكتب ‪ ،‬نشأ بين قوم ل يعرفون شيئا من ذلك ‪ ،‬كما أنه‬
‫م إ ِذ ْ‬ ‫ت ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫لما أخبره عن مريم وما كان من أمرها ‪ ،‬قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫قون أ َْقلمه َ‬
‫ن { ] آل عمران ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬‫خت َ ِ‬ ‫م إ ِذ ْ ي َ ْ‬ ‫ت ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ي َك ْ ُ‬
‫م أي ّهُ ْ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ي ُل ْ ُ َ‬
‫‪ ، [ 44‬أي ‪ :‬ما كنت حاضًرا لذلك ‪ ،‬ولكن الله أوحاه إليك‪ .‬وهكذا لما أخبره‬
‫عن نوح وقومه ‪ ،‬وما كان من إنجاء الله له وإغراق قومه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫حيَها إ ِل َي ْ َ‬ ‫كم َ‬
‫ت َول‬ ‫مَها أن ْ َ‬ ‫ت ت َعْل ُ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬ت ِل ْ َ ِ ْ‬
‫ن { ] هود ‪ [ 49 :‬وقال في آخر‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫ن ال َْعاقِب َ َ‬ ‫صب ِْر إ ِ ّ‬ ‫ذا َفا ْ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَوْ ُ‬
‫ك { ] هود ‪ ، [ 100 :‬وقال بعد‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫السورة } ذ َل ِ َ‬
‫ص ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫قَرى ن َ ُ‬ ‫ن أن َْباِء )‪ (1‬ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬
‫م إ ِذ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت لد َي ْهِ ْ‬ ‫ما كن ْ َ‬ ‫حيهِ إ ِلي ْك وَ َ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫ن أن َْباِء الغَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذكر قصة يوسف ‪ } :‬ذ َل ِك ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ] يوسف ‪ ، [ 102 :‬وقال في سورة طه ‪:‬‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬‫م وَهُ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫مُعوا أ ْ‬ ‫ج َ‬‫أ ْ‬
‫ن ل َد ُّنا ذِك ًْرا { ] طه ‪:‬‬ ‫كم َ‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫سب َقَ وَقَد ْ آت َي َْنا َ‬ ‫ما قَد ْ َ‬ ‫ن أن َْباِء َ‬ ‫ص عَل َي ْ َ ِ ْ‬ ‫ق ّ‬ ‫ك نَ ُ‬ ‫} ك َذ َل ِ َ‬
‫‪ [ 99‬وقال ها هنا ‪ -‬بعدما أخبر عن قصة موسى من أولها إلى آخرها ‪ ،‬وكيف‬
‫ضي َْنا‬ ‫ي إ ِذ ْ قَ َ‬ ‫ب ال ْغَْرب ِ ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫كان ابتداء إيحاء الله إليه وتكليمه له ‪ } : -‬وَ َ‬
‫مَر { يعني ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ما كنت بجانب الجبل الغربي الذي كلم‬ ‫سى ال ْ‬ ‫مو َ‬ ‫إ َِلى ُ‬
‫ت‬‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫الله موسى من الشجرة التي هي شرقية على شاطئ الوادي ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن { لذلك ‪ ،‬ولكن الله سبحانه وتعالى أوحى إليك ذلك ‪ ،‬ليجعله‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫جج الله عليهم ‪ ،‬وما‬ ‫ُ َ‬ ‫ح‬ ‫سوا‬ ‫َ ُ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫عهدها‬ ‫تطاول‬ ‫قد‬ ‫قرون‬ ‫على‬ ‫نا‬
‫ً‬ ‫وبرها‬ ‫حجة‬
‫أوحاه إلى النبياء المتقدمين‪.‬‬
‫َ‬
‫م آَيات َِنا { أي ‪ :‬وما كنت‬ ‫ن ت َت ُْلو عَل َي ْهِ ْ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت َثاوًِيا ِفي أهْ ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ت عن نبيها شعيب ‪ ،‬وما‬ ‫خبر َ‬ ‫مقيما في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ‪ ،‬حين أ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ولكن نحن أوحينا‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫قال لقومه ‪ ،‬وما رّدوا عليه ‪ } ،‬وَل َك ِّنا ك ُّنا ُ‬
‫إليك ذلك ‪ ،‬وأرسلناك للناس رسول‪.‬‬
‫طورِ إ ِذ ْ َناد َي َْنا { ‪ -‬قال أبو عبد الرحمن النسائي ‪ ،‬في‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫جر ‪ ،‬أخبرنا عيسى ‪ -‬وهو ابن يونس ‪-‬‬ ‫ح ْ‬ ‫التفسير من سننه ‪ :‬أخبرنا علي بن ُ‬
‫عة ‪ ،‬عن‬ ‫مد ِْرك ‪ ،‬عن أبي ُزْر َ‬ ‫عن حمزة الزيات ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن علي بن ُ‬
‫ب الطورِ إ ِذ ْ َناد َي َْنا { ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه } ‪ :‬وَ َ‬
‫نودوا ‪ :‬يا أمة محمد ‪ ،‬أعطيتكم قبل أن تسألوني ‪ ،‬وأجبتكم قبل أن تدعوني‪.‬‬
‫وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث جماعة ‪ ،‬عن حمزة ‪ -‬وهو‬
‫ابن حبيب الزيات ‪ -‬عن العمش‪ .‬ورواه ابن جرير من حديث وكيع ويحيى بن‬
‫عة ‪ -‬وهو ابن عمرو‬ ‫مد ِْرك ‪ ،‬عن أبي ُزْر َ‬ ‫عيسى ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن علي بن ُ‬
‫بن جرير )‪ - (2‬أنه قال ذلك من كلمه ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫طورِ إ ِذ ْ َناد َي َْنا { ‪ :‬أمتك في‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫حّيان ‪ } :‬وَ َ‬ ‫مقاِتل بن َ‬ ‫وقال ُ‬
‫أصلب آبائهم أن يؤمنوا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الغيب" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪ (20/51‬والذي فيه من طريق سفيان ويحيى بن‬
‫عيسى‪.‬‬

‫) ‪(6/240‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فُروا‬ ‫سى أوَل َ ْ‬
‫م ي َك ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫عن ْدَِنا َقاُلوا ل َوَْل أوت ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ظاهََرا وََقاُلوا إ ِّنا ب ِك ُ ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ل َ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ل َقاُلوا ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬
‫ما أو ْت ِ َ‬ ‫بِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫ما أت ّب ِعْ ُ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫دى ِ‬ ‫عن ْدِ اللهِ هُوَ أهْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫قُل فأُتوا ب ِك َِتا ٍ‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واهُ‬ ‫ن ات ّب َعَ هَ َ‬
‫م ِ‬‫م ّ‬ ‫ل ِ‬‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ن أهْ َ‬ ‫ما ي َت ّب ُِعو َ‬
‫م أن ّ َ‬ ‫ك َفاعْل َ ْ‬ ‫جيُبوا ل َ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(50‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه َل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫دى ِ‬ ‫ب ِغَي ْرِ هُ ً‬

‫بك إذا بعثت‪.‬‬


‫ب الطورِ إ ِذ ْ َناد َي َْنا { موسى‪ .‬وهذا ‪ -‬والله أعلم ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما كن ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫وقال قتادة ‪ } :‬وَ َ‬
‫مَر {‪.‬‬ ‫سى ال ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ضي َْنا إ ِلى ُ‬ ‫َ‬ ‫ي إ ِذ ْ ق َ‬‫َ‬ ‫ب الغَْرب ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما كن ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫أشبه بقوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ثم أخبر هاهنا بصيغة أخرى أخص من ذلك ‪ ،‬وهو النداء ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫واِد‬ ‫ه ِبال ْ َ‬ ‫سى { ] الشعراء ‪ ، [ 10 :‬وقال ‪ } :‬إ ِذ ْ َناَداه ُ َرب ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ك ُ‬ ‫} وَإ ِذ ْ َناَدى َرب ّ َ‬
‫طوِر‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وى { ] النازعات ‪ ، [ 16 :‬وقال ‪ } :‬وََناد َي َْناه ُ ِ‬ ‫س طُ ً‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قد ّ ِ‬ ‫م َ‬
‫جّيا { ] مريم ‪.[ 52 :‬‬ ‫ن وَقَّرب َْناه ُ ن َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫الي ْ َ‬
‫دا لشيء من ذلك ‪،‬‬ ‫ك { أي ‪ :‬ما كنت مشاه ً‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َك ِ ْ‬
‫ولكن الله أوحاه إليك وأخبرك به ‪ ،‬رحمة منه لك وبالعباد بإرسالك إليهم ‪،‬‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬لعلهم‬ ‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ك ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذيرٍ ِ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أَتاهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫} ل ِت ُن ْذَِر قَوْ ً‬
‫يهتدون بما جئتهم به من الله عز وجل‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت إ ِلي َْنا‬ ‫سل َ‬ ‫ول أْر َ‬ ‫قولوا َرب َّنا ل ْ‬ ‫م فَي َ ُ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫} وَل َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬وأرسلناك إليهم لتقيم عليهم‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ك وَن َ ُ‬ ‫سول فَن َت ّب ِعَ آَيات ِ َ‬ ‫َر ُ‬
‫الحجة ولتقطع عذرهم إذا جاءهم عذاب من الله بكفرهم ‪ ،‬فيحتجوا بأنهم لم‬
‫يأتهم رسول ول نذير ‪ ،‬كما قال تعالى بعد ذكره إنزال كتابه المبارك وهو‬
‫ن كّناُ‬ ‫ن قَب ْل َِنا وَإ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫فت َي ْ‬‫طائ ِ َ‬ ‫ب عََلى َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ُ‬ ‫ما ُأنز َ‬ ‫قوُلوا )‪ (1‬إ ِن ّ َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫َ‬
‫القرآن ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬ ‫قوُلوا ل َوْ أ َّنا ُأنز َ‬ ‫ن أ َوْ ت َ ُ‬
‫م فَ َ‬
‫قد ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫دى ِ‬ ‫ب ل َك ُّنا أهْ َ‬ ‫ل عَل َي َْنا ال ْك َِتا ُ‬ ‫م ل ََغافِِلي َ‬ ‫ست ِهِ ْ‬ ‫ن دَِرا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ة { ] النعام ‪ ، [ 157 ، 156 :‬وقال ‪:‬‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫م وَهُ ً‬ ‫ُ‬
‫ن َرب ّك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ب َي ّن َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫جاَءك ْ‬ ‫َ‬
‫ل{‬ ‫س‬ ‫ر‬
‫ِ ُ ّ ٌ َْ َ ّ ُ ِ‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫ج‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ ِ ّ ِ َ‬‫س‬ ‫نا‬ ‫لل‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ئل‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ري‬
‫ُ ُ ُ َ ِ َ َ ُ ْ ِ ِ َ ِ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫سل‬ ‫ر‬ ‫}‬
‫ن ل َك ُْ‬
‫م‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬يا أ َْ‬
‫ه‬ ‫] النساء ‪، [ 165 :‬‬
‫ْ َ ُ َ َُّ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َِ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫شيٌر‬ ‫م بَ ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ذيرٍ فَ َ‬ ‫شيرٍ َول ن َ ِ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جاَءَنا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫عََلى فَت َْرةٍ ِ‬
‫ديٌر { ] المائدة ‪ ، [ 19 :‬واليات في هذا كثيرة‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ذيٌر َوالل ّ ُ‬ ‫وَن َ ِ‬
‫]والله أعلم[ )‪.(2‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫سى أوَل ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ول أوت ِ َ‬ ‫عن ْدَِنا َقالوا ل ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫ظاهََرا وََقاُلوا إ ِّنا ب ِك ُ ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫كافُِرو َ‬ ‫ل َ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ل َقاُلوا ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ما ْأوت ِ َ‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫ي َك ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫ما أت ّب ِعْ ُ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫دى ِ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ هُوَ أهْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل فَأُتوا ب ِك َِتا ٍ‬ ‫)‪ (48‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫ن ات ّب َ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ن أهْ َ‬ ‫ما ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫جيُبوا لك َفاعْل ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫‪ (49‬فَإ ِ ْ‬
‫ن )‪{ (50‬‬ ‫مي َ‬ ‫م الظال ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ن اللهِ إ ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫دى ِ‬ ‫واه ُ ب ِغَي ْرِ هُ ً‬ ‫هَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يقولوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/241‬‬

‫ل ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫م ال ْ َ‬
‫قو ْ َ‬ ‫صل َْنا ل َهُ ُ‬ ‫وَل َ َ‬
‫قد ْ و َ ّ‬
‫ن )‪.{ (51‬‬ ‫ل ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫قو ْ َ‬ ‫صل َْنا ل َهُ ُ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫قد ْ و َ ّ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن القوم الذين لو عذبهم قبل قيام الحجة عليهم ‪،‬‬
‫لحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ‪ :‬إنهم لما جاءهم الحق من عنده على لسان‬
‫محمد ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه )‪ (1‬قالوا على‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫) ‪(6/241‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫ما أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬‫مث ْ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ول أوت ِ َ‬ ‫وجه التعنت والعناد والكفر والجهل واللحاد ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل { ‪ ،‬يعنون ‪ -‬والله أعلم ‪ : -‬من‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬
‫سى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫م ي َك ْ ُ‬ ‫سى أوَل َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫اليات الكثيرة ‪ ،‬مثل العصا واليد ‪ ،‬والطوفان والجراد والقمل والضفادع‬
‫والدم ‪ ،‬وتنقص )‪ (1‬الزروع والثمار ‪ ،‬مما يضيق على أعداء الله ‪ ،‬وكفلق‬
‫ن والسلوى ‪ ،‬إلى غير ذلك من اليات‬ ‫البحر ‪ ،‬وتظليل الغمام ‪ ،‬وإنزال الم ّ‬
‫الباهرة ‪ ،‬والحجج القاهرة ‪ ،‬التي أجراها الله على يدي موسى عليه السلم ‪،‬‬
‫حجة وبراهين له على فرعون وملئه وبني إسرائيل ‪ ،‬ومع هذا كله لم ينجع‬
‫في فرعون وملئه ‪ ،‬بل كفروا بموسى وأخيه هارون ‪ ،‬كما قالوا لهما ‪:‬‬
‫ن ل َك ُ َ ْ‬ ‫جد َْنا عَل َي ْهِ آَباَءَنا وَت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ض وَ َ‬ ‫ما الك ِب ْرَِياُء ِفي الْر ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫فت ََنا عَ ّ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِت َل ْ ِ‬ ‫}أ ِ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫كاُنوا ِ‬ ‫ما فَ َ‬ ‫ن { ] يونس ‪ ، [ 78 :‬وقال تعالى ‪ } :‬فَك َذ ُّبوهُ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ما ب ِ ُ‬ ‫ن ل َك ُ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ما أوت ِ َ‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫م ي َك ْ ُ‬ ‫ن { ] المؤمنون ‪.[ 48 :‬ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬أوَل َ ْ‬ ‫كي َ‬ ‫مهْل َ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل { أي ‪ :‬أولم يكفر البشر بما أوتي موسى من تلك اليات‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫ن ت َظاهََرا ‪ ، { ،‬أي تعاونا ‪ } ،‬وََقالوا إ ِّنا ب ِك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫را‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫}‬ ‫العظيمة‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬بكل منهما كافرون‪ .‬ولشدة التلزم والتصاحب والمقارنة بين‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫َ‬
‫ل ذكر أحدهما على الخر ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬ ‫موسى وهارون ‪ ،‬د ّ‬
‫ما َيليني‪...‬‬ ‫خي َْر أيهُ َ‬‫ضا‪ ...‬أريد ُ ال َ‬ ‫ت أْر ً‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أْدري إَذا ي َ ّ‬ ‫ف َ‬
‫أي ‪ :‬فما أدري أيليني الخير أو الشر‪ .‬قال مجاهد بن جبر ‪ :‬أمرت اليهود‬
‫َ‬
‫قريشا أن يقولوا لمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك ‪ ،‬فقال الله ‪ } :‬أوَل َ ْ‬
‫م‬
‫ن تَ َ‬ ‫ُ‬
‫ظاهََرا { قال ‪ :‬يعني موسى‬ ‫حَرا ِ‬ ‫س ْ‬‫ل َقاُلوا ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫سى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫ي َك ْ ُ‬
‫ظاهََرا { أي ‪ :‬تعاونا وتناصرا وصدق‬ ‫وهارون صلى الله عليه وسلم )‪ } (2‬ت َ َ‬
‫حران {‬ ‫كل منهما الخر‪ .‬وبهذا قال سعيد بن جبير وأبو َرِزين في قوله ‪ } :‬سا ِ‬
‫يعنون ‪ :‬موسى وهارون‪ .‬وهذا قول جيد َقويّ ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ظاهََرا { يعني ‪:‬‬ ‫ن تَ َ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫سار ‪ ،‬عن ابن عباس } َقاُلوا سا ِ‬ ‫وقال مسلم بن ي َ َ‬
‫دا ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليهما )‪ (3‬وهذا رواية عن الحسن‬ ‫موسى ومحم ً‬
‫البصري‪.‬‬
‫دا ‪ ،‬صلى الله عليهما وسلم ‪،‬‬ ‫وقال الحسن وقتادة ‪ :‬يعني ‪ :‬عيسى ومحم ً‬
‫وهذا فيه بعد ؛ لن عيسى لم يجر له ذكر هاهنا ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ظاهََرا { ‪ ،‬فقال علي بن أبي طلحة والعوفي ‪ ،‬عن‬ ‫ن تَ َ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫س ْ‬ ‫وأما من قرأ } ِ‬
‫سد ّيّ ‪،‬‬ ‫جَنديّ ‪ ،‬وال ّ‬ ‫ابن عباس‪ .‬يعنون ‪ :‬التوراة والقرآن‪ .‬وكذا قال عاصم ال َ‬
‫دق كل واحد منهما‬ ‫ص ّ‬ ‫وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬يعني َ‬
‫الخر‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬يعنون ‪ :‬التوراة والنجيل‪ .‬وهو رواية عن أبي زرعة ‪ ،‬واختاره‬
‫ابن جرير )‪.(4‬‬
‫وقال الضحاك وقتادة ‪ :‬النجيل والقرآن‪ .‬والله سبحانه ‪ ،‬أعلم بالصواب‪.‬‬
‫ن { أنهم يعنون ‪ :‬التوراة والقرآن ؛ لنه قال‬ ‫حَرا ِ‬ ‫س ْ‬‫والظاهر على قراءة ‪ِ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫بعده ‪ } :‬قُ ْ ْ‬
‫ه { ‪ ،‬وكثيًرا ما‬ ‫ما أت ّب ِعْ ُ‬
‫من ْهُ َ‬
‫دى ِ‬
‫عن ْدِ اللهِ هُوَ أهْ َ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬‫ل فَأُتوا ب ِك َِتا ٍ‬
‫ل ال ْك َِتا َ‬
‫ب‬ ‫ن َأنز َ‬‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫يقرن الله بين التوراة والقرآن ‪ ،‬كما في قوله تعالى } قُ ْ‬
‫َ‬
‫ب أنزل َْناهُ‬ ‫س { إلى أن قال ‪ } :‬وَهَ َ‬
‫ذا ك َِتا ٌ‬ ‫دى ِللّنا ِ‬ ‫سى ُنوًرا وَهُ ً‬ ‫مو َ‬ ‫جاَء ب ِهِ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ك { ] النعام ‪، [ 92 ، 91 :‬‬ ‫مَباَر ٌ‬‫ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تنقيص"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليهما السلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬عليهما وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(20/53‬‬

‫) ‪(6/242‬‬

‫َ‬ ‫ذي َ‬
‫مّنا‬‫م َقاُلوا آ َ‬ ‫ن )‪ (52‬وَإ َِذا ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ب ِهِ ي ُؤْ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ هُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ال ّ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (53‬أول َئ ِ َ‬
‫م‬
‫جَرهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ك ي ُؤْت َوْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َرب َّنا إ ِّنا ك ُّنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ب ِهِ إ ِن ّ ُ‬
‫ن )‪ (54‬وَإ َِذا‬ ‫قو َ‬ ‫م ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ْ‬
‫ما َرَزقَناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫َ‬
‫سي ّئ َ‬ ‫سن َةِ ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ن ِبال َ‬ ‫صب َُروا وَي َد َْرُءو َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن بِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫م َل‬‫م عَل َي ْك ُْ‬ ‫ْ َ ٌ‬‫َ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫َ ْ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ما‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫َْ ُ َ‬‫ن‬ ‫ع‬ ‫ضوا‬ ‫ر‬ ‫ع‬
‫ْ َ ْ َ ُ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫غ‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫عوا‬ ‫َ ِ ُ‬‫م‬ ‫س‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫لي‬
‫َ ِِ َ‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫غي‬ ‫ن َب ْت َ ِ‬
‫َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ما عََلى ال ّ ِ‬ ‫ما ً‬ ‫ب تَ َ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫م آت َي َْنا ُ‬ ‫وقال في آخر السورة ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ن{‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫مَباَرك َفات ّب ُِعوه ُ َوات ّ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫إلى أن قال ‪ } :‬وَهَ َ‬
‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫قوا لعَلك ْ‬ ‫ب أنزلَناه ُ ُ‬ ‫ذا ك َِتا ٌ‬
‫سى‬ ‫ُ‬
‫معَْنا ك َِتاًبا أنز َ‬
‫مو َ‬ ‫ن ب َعْد ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ِ‬ ‫] النعام ‪ ، [ 155 :‬وقالت الجن ‪ } :‬إ ِّنا َ‬
‫ه[ { ] الحقاف ‪ (1) [ 30 :‬وقال ورقة بن نوفل ‪ :‬هذا‬ ‫ن ي َد َي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ًّقا ل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫] ُ‬
‫الناموس الذي أنزل ]الله[ )‪ (2‬على موسى‪ .‬وقد علم بالضرورة لذوي‬
‫اللباب أن الله لم ينزل كتاًبا من السماء فيما أنزل من الكتب المتعددة على‬
‫أنبيائه أكمل ول أشمل ول أفصح ول أعظم ول أشرف من الكتاب الذي أنزل‬
‫على محمد صلى الله عليه وسلم )‪ ، (3‬وهو القرآن ‪ ،‬وبعده في الشرف‬
‫والعظمة الكتاب الذي أنزله على موسى بن عمران ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وهو‬
‫َ‬
‫حك ُ ُ‬
‫م ب َِها‬ ‫دى وَُنوٌر ي َ ْ‬ ‫التوراة التي قال الله تعالى فيها ‪ } :‬إ ِّنا أنزل َْنا الت ّوَْراة َ ِفيَها هُ ً‬
‫ف ُ‬ ‫النبيون ال ّذي َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ظوا ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫حَباُر ب ِ َ‬ ‫ن َوال ْ‬ ‫هاُدوا َوالّرّبان ِّيو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫موا ل ِل ّ ِ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِّّ َ‬
‫داَء { ] المائدة ‪ .[ 44 :‬والنجيل إنما نزل متمما‬ ‫شهَ َ‬ ‫َ‬
‫ب اللهِ وَكاُنوا عَلي ْهِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ك َِتا ِ‬
‫ل‬‫حّرم على بني إسرائيل‪ .‬ولهذا قال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬ ‫محل لبعض ما ُ‬ ‫للتوراة و ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬فيما‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫ما أت ّب ِعْ ُ‬ ‫من ْهُ َ‬‫دى ِ‬ ‫عن ْدِ اللهِ هُوَ أهْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫فَأُتوا ب ِك َِتا ٍ‬
‫تدافعون به الحق وتعارضون به من الباطل‪.‬‬
‫ك { أي ‪ :‬فإن لم يجيبوك عما قلت‬ ‫جيُبوا ل َ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬بل دليل ول حجة }‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ن أهْ َ‬ ‫ما ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫لهم ولم يتبعوا الحق } َفاعْل َ ْ‬
‫ن الل ّهِ { أي ‪ :‬بغير حجة مأخوذة من‬ ‫ض ّ‬ ‫وم َ‬
‫م َ‬ ‫دى ِ‬ ‫واه ُ ب ِغَي ْرِ هُ ً‬ ‫ن ات ّب َعَ هَ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫مي‬ ‫ل‬ ‫ظا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ْ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫دي‬ ‫َْ ِ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫الله‬ ‫كتاب‬
‫ل { قال مجاهد ‪ :‬فصلنا لهم القول‪ .‬وقال‬ ‫قو ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ َ ّ َ ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫السدي ‪ :‬بينا لهم القول‪.‬‬
‫ن مضى وكيف هو صانع ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫صنع ب ِ َ‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬يقول تعالى ‪ :‬أخب ََرهم كيف ُ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫} ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م { يعني ‪ :‬قريشا‪ .‬وهذا هو الظاهر ‪ ،‬لكن‬ ‫صل َْنا ل َهُ ُ‬ ‫قال مجاهد وغيره ‪ } :‬وَ ّ‬
‫دة ‪ ،‬عن رفاعة ‪-‬‬ ‫جعْ َ‬ ‫قال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن يحيى بن َ‬
‫ي ‪ ،‬وجعله ابن منده ‪ :‬رفاعة بن سموال ‪،‬‬ ‫قَرظ ّ‬ ‫ظة ال ُ‬ ‫رفاعة هذا هو ابن قََر َ‬
‫خال صفية بنت حيي ‪ ،‬وهو الذي طلق تميمة بنت وهب التي تزوجها بعده‬
‫عبد الرحمن بن الزبير بن باطا ‪ ،‬كذا ذكره ابن الثير )‪ - (4‬قال ‪ :‬نزلت‬
‫ل { في عشرة أنا أحدهم‪ .‬رواه ابن جرير وابن أبي‬ ‫قو ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫صل َْنا ل َهُ ُ‬ ‫قد ْ و َ ّ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫حاتم من حديثه )‪.(5‬‬
‫ُ‬
‫م َقالوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (52‬وَإ َِذا ي ُت ْلى عَلي ْهِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ب ِهِ ي ُؤْ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ هُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫ك يؤْتو َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫جَرهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن )‪ (53‬أول َئ ِ َ ُ َ ْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َرب َّنا إ ِّنا ك ُّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫مّنا ب ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫آ َ‬
‫ن )‪ (54‬وَإ َِذا‬ ‫قو َ‬‫م ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫سي ّئ َ َ‬‫سن َةِ ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ن ِبال َ‬ ‫صب َُروا وَي َد َْرُءو َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن بِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ٌ‬ ‫سل‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ل‬‫ما‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫َ ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ما‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫لوا‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫و‬
‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ضوا‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫و‬‫ْ‬ ‫غ‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫عوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫س‬‫َ‬
‫ن )‪.{ (55‬‬ ‫جاهِ َ‬
‫لي‬‫ِ‬ ‫ن َب ْت َِغي ال ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات الله وسلمه عليه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬أسد الغابة لبن الثير )‪.(2/228‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪ (20/56‬ورواه اللطبراني في المعجم الكبير )‪(5/53‬‬
‫من طريق حماد بن سلمة به‪.‬‬

‫) ‪(6/243‬‬

‫يخبر تعالى عن العلماء الولياء )‪ (1‬من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن ‪،‬‬
‫ن ب ِهِ {‬‫مُنو َ‬ ‫ك ي ُؤْ ِ‬ ‫حقّ ِتلوَت ِهِ ُأول َئ ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب ي َت ُْلون َ ُ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ما ُأنز َ‬
‫ل‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب لَ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬
‫] البقرة ‪ ، [ 121 :‬وقال ‪ } :‬وإن م َ‬
‫َِ ّ ِ ْ‬
‫ن ل ِل ّهِ { ] آل عمران ‪ ، [ 199 :‬وقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ُأنز َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫ُ‬
‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫دا * وَي َ ُ‬ ‫ج ً‬
‫س ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن ِللذ َْقا ِ‬ ‫خّرو َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ إ َِذا ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫فُعول { ] السراء ‪ ، [ 108 ، 107 :‬وقال ‪} :‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَعْد ُ َرب َّنا ل َ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َرب َّنا إ ِ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫صاَرى ذ َل ِك ب ِأ ّ‬ ‫ن قالوا إ ِّنا ن َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا ال ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫موَد ّة ً ل ِل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن أقَرب َهُ ْ‬ ‫جد َ ّ‬ ‫وَلت َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل ت ََرى‬ ‫سو ِ‬ ‫ما أنزل إ ِلى الّر ُ‬ ‫مُعوا َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن‪ .‬وَإ َِذا َ‬ ‫ست َكب ُِرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ن وَُرهَْباًنا وَأن ّهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫سي ِ‬ ‫قِ ّ‬
‫ع‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫مّنا فاكت ُب َْنا َ‬ ‫ن َرب َّنا آ َ‬ ‫قولو َ‬ ‫حق ّ ي َ ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ما عََرفوا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫مِع ِ‬ ‫ن الد ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫في ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫أعْي ُن َهُ ْ‬
‫ن { ] المائدة ‪.[ 83 ، 82 :‬‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫قال سعيد بن جبير ‪ :‬نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشي ‪ ،‬فلما‬
‫ن‬‫قْرآ ِ‬ ‫قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم ‪ } :‬يس‪َ .‬وال ْ ُ‬
‫كيم ِ { حتى ختمها ‪ ،‬فجعلوا يبكون وأسلموا ‪ ،‬ونزلت فيهم هذه الية‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن‪ .‬وَإ َِذا ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ب ِهِ ي ُؤْ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ هُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫الخرى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ن { يعني ‪ :‬من قبل هذا‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َرب َّنا إ ِّنا ك ُّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫مّنا ب ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫َقاُلوا آ َ‬
‫القرآن كنا مسلمين ‪ ،‬أي ‪ :‬موحدين مخلصين لله مستجيبين له‪.‬‬
‫ك يؤْتو َ‬ ‫ُ‬
‫صب َُروا { أي ‪ :‬هؤلء المتصفون‬ ‫ما َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جَرهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قال الله ‪ } :‬أول َئ ِ َ ُ َ ْ َ‬
‫بهذه الصفة الذين آمنوا بالكتاب الول ثم بالثاني ]يؤتون أجرهم مرتين‬
‫صب َُروا { أي ‪:‬‬ ‫ما َ‬ ‫بإيمانهم بالرسول الول ثم بالثاني[ )‪ (2‬؛ ولهذا قال ‪ } :‬ب ِ َ‬
‫شم مثل هذا شديد على النفوس‪ .‬وقد ورد في‬ ‫ن تج ّ‬ ‫على اتباع الحق ؛ فإ ّ‬
‫الصحيحين من حديث عامر الشعبي ‪ ،‬عن أبي ب ُْرد َةَ ‪ ،‬عن أبي موسى‬
‫الشعري ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫مّرَتين ‪ :‬رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي ‪،‬‬ ‫جرهم َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫"ثلثة ُيؤَتو َ‬
‫مة فأّدبها فأحسن‬ ‫جل كانت له أ َ‬ ‫وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه ‪ ،‬وَر ُ‬
‫تأديبها ثم أعتقها فتزّوجها" )‪.(3‬‬
‫سيَلحيني ‪ ،‬حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬عن‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫إسحاق‬ ‫بن‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى‬
‫ت‬‫سليمان )‪ (4‬بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬إني لتح َ‬
‫راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ‪ ،‬فقال قول حسًنا جميل‬
‫ن أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين ‪ ،‬وله ما لنا‬ ‫م ْ‬ ‫وقال فيما قال ‪َ " :‬‬
‫ن أسلم من المشركين ‪ ،‬فله أجره ‪ ،‬وله ما لنا وعليه ما‬ ‫م ْ‬ ‫وعليه ما علينا ‪] ،‬و َ‬
‫علينا[ " )‪.(6) (5‬‬
‫ة { أي ‪ :‬ل يقابلون السيئ )‪ (7‬بمثله ‪،‬‬ ‫سي ّئ َ َ‬‫سن َةِ ال ّ‬
‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ن ِبال َ‬ ‫ؤو َ‬‫وقوله } وَي َد َْر ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬ومن الذي رزقهم‬ ‫قو َ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬
‫م ي ُن ْفِ ُ‬ ‫م ّ‬‫ولكن يعفون ويصفحون‪ } .‬وَ ِ‬
‫خْلق الله في النفقات الواجبة لهلهم وأقاربهم ‪،‬‬ ‫من الحلل ينفقون على َ‬
‫والزكاة المفروضة والمستحبة من التطوعات ‪ ،‬وصدقات النفل والقربات‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬اللباء" وفي أ ‪" :‬اللباب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (97‬وصحيح مسلم برقم )‪.(154‬‬
‫)‪ (4‬في ‪ ،‬أ ‪" :‬سليم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسند أحمد‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(5/259‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يقابلون على السيئ"‪.‬‬

‫) ‪(6/244‬‬

‫َ‬ ‫ك َل تهدي م َ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫دي َ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬
‫مهْت َ ِ‬ ‫شاُء وَهُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫ت وَل َك ِ ّ‬‫حب َب ْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جَبى‬
‫مًنا ي ُ ْ‬‫ما آ َ ِ‬ ‫حَر ً‬‫م َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫مك ّ ْ‬ ‫م نُ َ‬‫ضَنا أوَل َ ْ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خط ّ ْ‬ ‫معَ َ‬
‫ك ن ُت َ َ‬ ‫دى َ‬ ‫ن ن َت ّب ِِع ال ْهُ َ‬‫وََقاُلوا إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(57‬‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ن ل َد ُّنا وَل َك ِ ّ‬‫م ْ‬ ‫يٍء رِْزًقا ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫مَرا ُ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ث َ َ‬
‫َ‬
‫ه { أي ‪ :‬ل يخالطون أهله ول‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬‫مُعوا الل ّغْوَ أعَْر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫ما { ]‬ ‫مّروا ك َِرا ً‬ ‫ّ‬
‫مّروا ِباللغْوِ َ‬ ‫يعاشرونهم ‪ ،‬بل كما قال تعالى ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫‪0‬الفرقان ‪.[ 72 :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إذا‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫م ل ن َب ْت َِغي ال َ‬ ‫ُ‬
‫م عَلي ْك ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫مالك ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫مال َُنا وَلك ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫} وََقاُلوا ل ََنا أعْ َ‬
‫ب عنه ‪ ،‬أعرضوا عنه ولم‬ ‫سفيه ‪ ،‬وكلمهم بما ل َيليقُ بهم الجوا ُ‬ ‫سفه عليهم َ‬ ‫َ‬
‫يقابلوه بمثله من الكلم القبيح ‪ ،‬ول يصدر عنهم إل كلم طيب‪ .‬ولهذا قال‬
‫عنهم ‪ :‬إنهم قالوا ‪ } :‬ل َنا أ َعْمال ُنا ول َك ُ َ‬
‫م ل ن َب ْت َِغي‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫سل ٌ‬ ‫م َ‬ ‫مال ُك ُ ْ‬‫م أعْ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل ُنريد طريق الجاهلين ول ُنحّبها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫جاهِِلي َ‬‫ال ْ َ‬
‫قال محمد بن إسحاق في السيرة ‪ :‬ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو بمكة عشرون رجل أو قريب من ذلك ‪ ،‬من النصارى ‪ ،‬حين )‪(1‬‬
‫بلغهم خبره من الحبشة‪ .‬فوجدوه في المسجد ‪ ،‬فجلسوا إليه وكلموه‬
‫وساءلوه ‪ -‬ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة ‪ -‬فلما فرغوا من‬
‫مساءلة رسول الله عما أرادوا ‪ ،‬دعاهم إلى الله وتل عليهم القرآن ‪ ،‬فلما‬
‫سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ‪ ،‬ثم استجابوا لله وآمنوا به‬
‫وصدقوه ‪ ،‬وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره‪ .‬فلما قاموا‬
‫عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش ‪ ،‬فقالوا )‪ (2‬لهم ‪:‬‬
‫ن وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم‬ ‫م ْ‬ ‫ن ركب‪ .‬بعثكم َ‬ ‫م ْ‬ ‫كم الله ِ‬ ‫خي ّب َ ُ‬‫َ‬
‫)‪ (3‬بخبر الرجل ‪ ،‬فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه‬
‫فيما قال ؛ ما نعلم ركًبا أحمق منكم‪ .‬أو كما قالوا لهم‪ .‬فقالوا ]لهم[ )‪(4‬‬
‫سلم عليكم ‪ ،‬ل نجاهلكم ‪ ،‬لنا ما نحن عليه ‪ ،‬ولكم ما أنتم عليه ‪ ،‬لم َنأ ُ‬
‫ل‬
‫سنا خيًرا )‪.(5‬‬ ‫أنف َ‬
‫قال ‪ :‬ويقال ‪ :‬إن النفر النصارى من أهل نجران ‪ ،‬فالله أعلم أيّ ذلك كان )‬
‫‪.(6‬‬
‫م‬‫ن آت َي َْناهُ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫قال ‪ :‬ويقال ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬إن فيهم نزلت هذه اليات ‪ } :‬ال ِ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن { إلى قوله ‪ } :‬ل ن َب ْت َِغي ال ْ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ب ِهِ ي ُؤْ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ هُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫ت‬‫قال ‪ :‬وقد سألت الزهري عن هذه اليات فيمن أنزْلن )‪ ، (7‬قال ‪ :‬ما زل ُ‬
‫أسمع من علمائنا أنهن أنزلهن )‪ (8‬في النجاشي وأصحابه ‪ ،‬رضي الله عنهم ‪،‬‬
‫ن وَُرهَْباًنا {‬ ‫واليات التي )‪ (9‬في سورة المائدة ‪ } :‬ذ َل َ َ‬
‫سي َ‬ ‫سي ِ‬ ‫م قِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ن { ] المائدة ‪[ 83 ، 82 :‬‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫إلى قوله ‪َ } :‬فاك ْت ُب َْنا َ‬
‫َ‬ ‫ك ل تهدي م َ‬
‫ن)‬ ‫دي َ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬
‫مهْت َ ِ‬ ‫شاُء وَهُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ت وَل َك ِ ّ‬ ‫حب َب ْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ِ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مًنا‬
‫ما آ ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّ ْ‬ ‫ضَنا أوَل َ ْ‬
‫م نُ َ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خط ّ ْ‬ ‫ك ن ُت َ َ‬ ‫معَ َ‬ ‫دى َ‬ ‫ن ن َت ّب ِِع ال ْهُ َ‬‫‪ (56‬وََقاُلوا إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (57‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ن ل َد ُّنا وَل َك ِ ّ‬
‫م ْ‬ ‫يٍء رِْزًقا ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫مَرا ُ‬ ‫جَبى إ ِل َي ْهِ ث َ َ‬ ‫يُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬حتى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فتأتونهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/392‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬كما"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬نزلت" وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نزلن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬نزلن"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬اللتي"‪.‬‬

‫) ‪(6/245‬‬

‫دي‬ ‫ك ل ت َهْ ِ‬‫يقول تعالى لرسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ :‬إنك يا محمد } إ ِن ّ َ‬
‫ت { أي ‪ :‬ليس إليك ذلك ‪ ،‬إنما عليك البلغ ‪ ،‬والله يهدي من يشاء ‪،‬‬ ‫م َ‬
‫حب َب ْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ليس عليك هداهم‬
‫َ‬
‫س وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫ما أك ْث َُر الّنا ِ‬ ‫ولكن الله يهدي من يشاء { ] البقرة ‪ ، [ 272 :‬وقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ] يوسف ‪.[ 103 :‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ت بِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وهذه الية أخص من هذا كله ؛ فإنه قال ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ت وَلك ِ ّ‬ ‫حب َب ْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ك ل ت َهْ ِ‬
‫َ‬
‫ن يستحق الهداية‬ ‫م ْ‬ ‫ن { أي ‪ :‬هو أعلم ب ِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬
‫مهْت َ ِ‬ ‫شاُء وَهُوَ أعْل َ ُ‬‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫م‬
‫واية ‪ ،‬وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عَ ّ‬ ‫ن يستحق الغِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقد كان َيحوطه وينصره ‪ ،‬ويقوم في‬
‫صفه ويحبه حّبا ]شديدا[ )‪ (1‬طبعّيا ل شرعّيا ‪ ،‬فلما حضرته الوفاة وحان أجله‬
‫‪ ،‬دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمان والدخول في السلم ‪،‬‬
‫فسبق القدر فيه ‪ ،‬واختطف من يده ‪ ،‬فاستمر على ما كان عليه من الكفر ‪،‬‬
‫ولله الحكمة )‪ (2‬التامة‪.‬‬
‫حْزن‬ ‫سّيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ -‬وهو المسيب بن َ‬ ‫قال الزهري ‪ :‬حدثني سعيد بن الم َ‬
‫المخزومي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فوجد عنده أبا جهل بن هشام ‪ ،‬وعبد الله بن أبي‬
‫أمية بن المغيرة‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا عم ‪ ،‬قل ‪ :‬ل‬
‫إله إل الله ‪ ،‬كلمة أشهد لك بها عند الله"‪ .‬فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي‬
‫أمية ‪ :‬يا أبا طالب ‪ ،‬أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ‪ ،‬ويعودان له بتلك المقالة ‪ ،‬حتى قال آخر‬
‫ما قال ‪ :‬هو على ملة عبد المطلب‪ .‬وأبى أن يقول ‪ :‬ل إله إل الله‪ .‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أما لستغفرن لك ما لم أنه عنك"‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ل ِل ْ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫ن يَ ْ‬
‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ي َوال ّ ِ‬‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫فأنزل الله عز وجل ‪َ } :‬‬
‫كاُنوا ُأوِلي قُْرَبى { ] التوبة ‪ ، [ 113 :‬بوأنزل في أبي طالب ‪ } :‬إ ِن ّك ل‬
‫َ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫َ‬
‫شاُء {‪.‬‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ت وَل َك ِ ّ‬
‫حب َب ْ َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ت َهْ ِ‬
‫أخرجاه )‪ (3‬من حديث الزهري )‪ .(4‬وهكذا رواه )‪ (5‬مسلم في صحيحه ‪،‬‬
‫سان ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هَُري َْرة َ قال ‪:‬‬ ‫والترمذي ‪ ،‬من حديث يزيد بن ك َي ْ َ‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬يا‬ ‫ت وفاة ُ أبي طالب أتاه رسو ُ‬ ‫ضَر ْ‬‫ح َ‬ ‫لما َ‬
‫عماه ‪ ،‬قل ‪ :‬ل إله إل الله ‪ ،‬أشهد لك بها يوم القيامة"‪ .‬فقال ‪ :‬لول أن ت ُعَّيرني‬
‫ت بها عيَنك ‪،‬‬ ‫جَزع الموت ‪ ،‬لقَرْر ُ‬ ‫)‪ (6‬بها قريش ‪ ،‬يقولون ‪ :‬ما حمله عليه إل َ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ت وَل َك ِ ّ‬ ‫حب َب ْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫دي َ‬ ‫ل أقولها إل لقّر بها عينك‪ .‬فأنزل الله ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ك ل ت َهْ ِ‬
‫َ‬
‫ن {‪ .‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب )‪ ، (7‬ل‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬‫م ِبال ْ ُ‬ ‫شاُء وَهُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ي َهْ ِ‬
‫نعرفه إل من حديث يزيد بن كيسان )‪.(8‬‬
‫قطان ‪ ،‬عن يزيد بن كيسان ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ال َ‬
‫حدثني أبو حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬فذكره بنحوه )‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الحجة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬البخاري ومسلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (1360‬وصحيح مسلم برقم )‪.(24‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬يعيرني"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬رواه الترمذي وقال ‪ :‬حسن صحيح"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم رقم )‪ (25‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3188‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(2/434‬‬

‫) ‪(6/246‬‬

‫م إ ِّل‬ ‫وك َ َ‬
‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫سك َ ْ‬‫م تُ ْ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ساك ِن ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫شت ََها فَت ِل ْ َ‬
‫مِعي َ‬ ‫ت َ‬‫ن قَْري َةٍ ب َط َِر ْ‬ ‫م أهْل َك َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ث في أ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مَها‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫تى‬ ‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫م‬
‫ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪58‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ثي‬
‫ِ‬
‫ُ َ ِ َ‬‫ر‬ ‫وا‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫قَِلي ً َ‬
‫و‬ ‫ل‬
‫َ‬
‫قَرى إ ِّل وَأهْل َُها َ‬ ‫كي ال ْ ُ‬ ‫رسوًل ي َت ُْلو عَل َي ْه َ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫مهْل ِ ِ‬‫ما ك ُّنا ُ‬
‫م آَيات َِنا وَ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫َ ُ‬

‫وهكذا قال ابن عباس ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬إنها نزلت‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ‪:‬‬ ‫ض عليه رسو ُ‬
‫في أبي طالب حين عََر َ‬
‫ة الشياخ‪ .‬وكان‬ ‫"ل إله إل الله" فأبى عليه ذلك ‪ ،‬وقال ‪ (1) :‬أيْ ابن أخي ‪ ،‬مل َ‬
‫آخر ما قال ‪ :‬هو على ملة عبد المطلب‪.‬‬
‫وقال )‪ (2‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو سلمة ‪ ،‬حدثنا حماد بن‬
‫خث َْيم )‪ ، (3‬عن سعيد بن أبي راشد‬ ‫سلمة ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن عثمان بن ُ‬
‫ي قال ‪ :‬كتب معي قيصر إلى رسول الله‬ ‫قال ‪ :‬كان رسول قيصر جاء )‪ (4‬إل ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم كتاًبا ‪ ،‬فأتيته فدفعت الكتاب ‪ ،‬فوضعه في حجره ‪ ،‬ثم‬
‫ن الرجل ؟" قلت ‪ :‬من تنوخ )‪ .(5‬قال ‪" :‬هل لك في دين أبيك‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬
‫قال ‪ِ " :‬‬
‫إبراهيم الحنيفية ؟" قلت ‪ :‬إني رسول قوم ‪ ،‬وعلى دينهم حتى أرجع إليهم‪.‬‬
‫فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر إلى أصحابه وقال )‪: (6‬‬
‫ك ل تهدي م َ‬
‫شاُء { )‪.(7‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت وَل َك ِ ّ‬ ‫حب َب ْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ِ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫معَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ضَنا { ‪] :‬يقول تعالى‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خط ْ‬ ‫ك ن ُت َ َ‬ ‫دى َ‬ ‫ن ن َت ّب ِِع الهُ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وََقالوا إ ِ ْ‬
‫مخبًرا عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع )‪ (8‬الهدى حيث قالوا لرسول‬
‫فم َ‬
‫ضَنا { [ )‪(9‬‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫خط ّ ْ ِ ْ‬ ‫ك ن ُت َ َ‬ ‫معَ َ‬ ‫دى َ‬ ‫ن ن َت ّب ِِع ال ْهُ َ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ن حولنا من أحياء‬ ‫م ْ‬ ‫أي ‪ :‬نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى ‪ ،‬وخالفنا َ‬
‫العرب المشركين ‪ ،‬أن يقصدونا بالذى والمحاربة ‪ ،‬ويتخطفونا أينما كنا ‪،‬‬
‫َ‬
‫مًنا { يعني ‪ :‬هذا الذي‬ ‫ما آ ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّ ْ‬ ‫م نُ َ‬ ‫فقال الله تعالى مجيبا لهم ‪ } :‬أوَل َ ْ‬
‫حَرم معظم آمن‬ ‫اعتذروا به كذب وباطل ؛ لن الله جعلهم في بلد أمين ‪ ،‬و َ‬
‫منذ ُوضع ‪ ،‬فكيف يكون هذا الحرم آمًنا في حال كفرهم وشركهم ‪ ،‬ول يكون‬
‫آمًنا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق ؟‪.‬‬
‫يٍء { أي ‪ :‬من سائر الثمار مما حوله من‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫مَرا ُ‬ ‫جَبى إ ِل َي ْهِ ث َ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي ُ ْ‬
‫ن ل َد ُّنا { أي ‪ :‬من عندنا‬ ‫م ْ‬ ‫الطائف وغيره ‪ ،‬وكذلك المتاجر والمتعة } رِْزًقا ِ‬
‫} ول َك َ‬
‫ن { فلهذا قالوا ما قالوا‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫َ ِ ّ‬
‫وقد قال )‪ (10‬النسائي ‪ :‬أنبأنا الحسن بن محمد ‪ ،‬حدثنا الحجاج ‪ ،‬عن ابن‬
‫مل َْيكة قال ‪ :‬قال عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن ابن عباس ‪-‬‬ ‫جَرْيج ‪ ،‬أخبرني ابن أبي ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ن َت ّب ِِع‬ ‫ولم يسمعه منه ‪ : -‬أن الحارث بن عامر بن نوفل الذي قال ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫فم َ‬
‫ضَنا { )‪.(11‬‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫خط ّ ْ ِ ْ‬ ‫ك ن ُت َ َ‬ ‫معَ َ‬ ‫دى َ‬ ‫ال ْهُ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سك َ ْ‬ ‫م تُ ْ‬‫م لَ ْ‬ ‫ساك ِن ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫شت ََها فَت ِل ْ َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن قَْري َةٍ ب َط َِر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م أهْل َك َْنا ِ‬ ‫} وَك َ ْ‬
‫ث ِفي‬ ‫حّتى ي َب ْعَ َ‬ ‫قَرى َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫مهْل ِ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (58‬وَ َ‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ِإل قَِليل وَك ُّنا ن َ ْ‬
‫َ‬
‫قَرى ِإل وَأهْل َُها َ‬ ‫كي ال ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪.{ (59‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫مهْل ِ ِ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬ ‫م آَيات َِنا وَ َ‬ ‫سول ي َت ُْلو عَل َي ْهِ ْ‬ ‫مَها َر ُ‬ ‫أ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬جارا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في هـ ‪" :‬تيرح" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه أحمد في المسند )‪ (3/441‬من طريق حماد بن سلمة بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬اتباعهم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬وقد روى"‪.‬‬
‫)‪ (11‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11385‬‬

‫) ‪(6/247‬‬
‫يقول تعالى معرضا بأهل مكة في قوله ‪ } :‬وك َ َ‬
‫ت‬ ‫ن قَْري َةٍ ب َط َِر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م أهْل َك َْنا ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َ ّ ً‬
‫شت ََها { أي ‪ :‬طغت وأشَرت وكفرت نعمة الله )‪ ، (1‬فيما أنعم به عليهم‬ ‫مِعي َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫من َ ً‬
‫تآ ِ‬ ‫ة كان َ ْ‬ ‫َ‬ ‫مثل قْري َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫ضر َ‬ ‫من الرزاق ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ } :‬و َ‬
‫ّ‬ ‫ف َرت َ بأ َنعم الل ّه فَأ َ‬ ‫ْ‬
‫س‬
‫َُ ِ َ َ‬ ‫با‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ِ‬ ‫ن فَك َ َ َ ْ ِ ْ ُ ِ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ة ي َأِتيَها رِْزقَُها َرغَ ً‬ ‫مئ ِن ّ ً‬ ‫مط ْ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬
‫ُ ُ‬ ‫بو‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬
‫ِ ُْ ْ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ٌ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬
‫ُ َ ْ َُ َ َ ْ َ ُ ْ َ ُ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ن‪.‬‬ ‫عو‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬‫ْ ِ ِ َ‬‫ب‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬
‫ا ُ ِ َ‬ ‫ع‬ ‫جو‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫م‬
‫ساك ِن ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن { ] النحل ‪ [ 113 ، 112‬ولهذا قال ‪ } :‬فَت ِل ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب وَهُ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫م ِإل قَِليل { أي ‪ :‬د ََثرت ديارهم فل ترى إل مساكنهم‪.‬‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سك َ ْ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬رجعت خراًبا ليس فيها أحد‪.‬‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَك ُّنا ن َ ْ‬
‫وقد ذكر ابن أبي حاتم ]هاهنا[ )‪ (2‬عن ابن مسعود أنه سمع كعًبا يقول‬
‫لعمر ‪ :‬إن سليمان عليه السلم )‪ (3‬قال للهامة ‪ -‬يعني البومة ‪ -‬ما لك ل‬
‫تأكلين الزرع ؟ قالت ‪ :‬لنه أخرج آدم بسببه من الجنة‪ .‬قال ‪ :‬فما لك ل‬
‫تشربين الماء ؟ قالت ‪ :‬لن الله أغرق قوم نوح به‪ .‬قال ‪ :‬فما لك ل تأوين إل‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫إلى الخراب ؟ قالت ‪ :‬لنه ميراث الله عز وجل ‪ ،‬ثم تل } وَك ُّنا ن َ ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ما له ‪ ،‬وإنما يهلك‬ ‫دا ظال ً‬ ‫ثم قال الله )‪ (4‬مخبًرا عن عدله ‪ ،‬وأنه ل يهلك أح ً‬
‫قَرى‬ ‫ْ‬
‫مهْل ِك ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َرب ّك ُ‬ ‫َ‬ ‫ما كا َ‬‫َ‬ ‫من أهلك بعد قيام الحجة عليهم ‪ ،‬ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ُ‬
‫م آَيات َِنا {‪ .‬فيه دللة على‬ ‫سول ي َت ُْلو عَل َي ْهِ ْ‬ ‫مَها { وهي مكة } َر ُ‬ ‫ث ِفي أ ّ‬ ‫حّتى ي َب ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫أن النبي المي ‪ ،‬وهو محمد ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه )‪ ، (5‬المبعوث من‬
‫أم القرى ‪ ،‬رسول إلى جميع القرى ‪ ،‬من عرب وأعجام ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ل َيا أي َّها‬ ‫حوْل ََها { ] الشورى ‪ ، [ 7 :‬وقال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرى وَ َ‬ ‫} ل ِت ُن ْذَِر أ ّ‬
‫ميًعا { ] العراف ‪ ، [ 158 :‬وقال ‪ } :‬لن ْذَِرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ب َفالّناُر‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ب ِهِ ِ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب َلغَ { ] النعام ‪ ، [ 19 :‬وقال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِهِ وَ َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫ن قَْري َةٍ ِإل ن َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عد ُه ُ { ] هود ‪ .[ 17 :‬وتمام الدليل ]قوله[ )‪ } (6‬وَإ ِ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫دا‬ ‫دي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫با‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫بو‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫طوًرا { ] السراء ‪ .[ 58 :‬فأخبر أنه سيهلك كل قرية قبل يوم القيامة ‪،‬‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫سول { ] السراء ‪ .[ 15 :‬فجعل‬ ‫ث َر ُ‬ ‫حّتى ن َب ْعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫معَذ ِّبي َ‬ ‫ما كّنا ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقد قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫تعالى بعثة النبي المي شاملة لجميع القرى ؛ لنه مبعوث إلى )‪ (7‬أمها‬
‫وأصلها التي ترجع إليها‪ .‬وثبت في الصحيحين عنه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه‬
‫)‪ ، (8‬أنه قال ‪" :‬بعثت إلى الحمر والسود"‪ .‬ولهذا ختم به الرسالة والنبوة ‪،‬‬
‫فل نبي بعده ول رسول ‪ ،‬بل شرعه باق بقاء الليل والنهار إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫مَها { أي ‪ :‬أصلها وعظيمتها ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ث ِفي أ ّ‬ ‫حّتى ي َب ْعَ َ‬ ‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله ‪َ } :‬‬
‫كأمهات الرساتيق والقاليم‪ .‬حكاه الزمخشري وابن الجوزيّ ‪ ،‬وغيرهما ‪،‬‬
‫وليس ببعيد‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬بنعم الله" وفي أ ‪" :‬نعم الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫) ‪(6/248‬‬
‫قى أ َفََل‬ ‫خي ٌْر وَأ َب ْ َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِزين َت َُها وَ َ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ْ‬
‫ُ‬
‫وَ َ‬
‫ة‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫تا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫قي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫دا‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫(‬ ‫‪60‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬
‫َ ْ َ َ َْ ُ َ ْ ً َ َ ً ُ َ ِ ِ َ ْ َ ّْ َ ُ َ َ َ َ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ت َعْ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ل أي ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م فَي َ ُ‬ ‫م ي َُناِديهِ ْ‬ ‫ن )‪ (61‬وَي َوْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م هُوَ ي َوْ َ‬ ‫الد ّن َْيا ث ُ ّ‬
‫ل َرب َّنا هَؤَُلِء‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ن )‪َ (62‬قا َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫كائ ِ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬
‫ما غَوَي َْنا ت َب َّرأَنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (63‬وَِقي َ‬
‫ل‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا إ ِّياَنا ي َعْب ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ك َ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ن أغْوَي َْنا أغْوَي َْناهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ب لوْ أن ّهُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫م وََرأُوا العَ َ‬ ‫جيُبوا لهُ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م فَل ْ‬ ‫م فَد َعَوْهُ ْ‬ ‫كاَءك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫عوا ُ‬ ‫اد ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ت عَلي ْهِ ُ‬ ‫مي َ ْ‬ ‫ن )‪ (65‬فَعَ ِ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫م ال ُ‬ ‫جب ْت ُ ُ‬‫ماَذا أ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م فَي َ ُ‬ ‫م ي َُناِديهِ ْ‬ ‫ن )‪ (64‬وَي َوْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ي َهْت َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سى‬ ‫حا فَعَ َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب وَآ َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (66‬فَأ ّ‬ ‫ساَءلو َ‬ ‫م ل ي َت َ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ فَهُ ْ‬ ‫اْلن َْباُء ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(67‬‬ ‫حي َ‬ ‫فل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫أ ْ‬

‫قى‬ ‫خي ٌْر وَأ َب ْ َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِزين َت َُها وَ َ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ْ‬
‫ُ‬
‫} وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫حَيا ِ‬ ‫مَتاعَ ال ْ َ‬ ‫مت ّعَْناه ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سًنا فَهُوَ لِقيهِ ك َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫دا َ‬ ‫ن وَعَد َْناه ُ وَعْ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (60‬أفَ َ‬ ‫قُلو َ‬ ‫أَفل ت َعْ ِ‬
‫ن )‪.{ (61‬‬ ‫ري َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م هُوَ ي َوْ َ‬ ‫الد ّن َْيا ث ُ ّ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن حقارة الدنيا )‪ ، (1‬وما فيها من الزينة الدنيئة والزهرة‬
‫الفانية بالنسبة إلى ما أعده الله لعباده الصالحين في الدار الخرة من النعيم‬
‫ق { ] النحل ‪:‬‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َبا ٍ‬ ‫ما ِ‬ ‫فد ُ و َ َ‬ ‫م ي َن ْ َ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫العظيم المقيم ‪ ،‬كما قال ‪َ } :‬‬
‫خي ٌْر ِللب َْرارِ { ] آل عمران ‪ ، [ 198 :‬وقال ‪} :‬‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫‪ ، [ 96‬وقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن‬‫ل ت ُؤْث ُِرو َ‬ ‫مَتاع ٌ { ] الرعد ‪ ، [ 26 :‬وقال ‪ } :‬ب َ ْ‬ ‫خَرةِ ِإل َ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا ِفي ال ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫قى { ] العلى ‪ ، [ 17 ، 16 :‬وقال رسول الله‬ ‫خي ٌْر وَأب ْ َ‬ ‫خَرةُ َ‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مس أحدكم‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬والله ما الدنيا في الخرة ‪ ،‬إل كما ي َغْ ِ‬
‫ظر ماذا يرجع إليه" )‪.(2‬‬ ‫إصبعه في اليم ‪ ،‬فَْلين ُ‬
‫َ‬
‫ن يقدم الدنيا على‬ ‫م ْ‬ ‫ن { )‪ (4‬أي ‪ :‬أفل يعقل َ‬ ‫قُلو َ‬ ‫]وقوله[ )‪ } : (3‬أَفل ي َعْ ِ‬
‫الخرة ؟‪.‬‬
‫َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا‬ ‫مَتاع َ ال ْ َ‬ ‫مت ّعَْناه ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سًنا فَهُوَ لِقيهِ ك َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫دا َ‬ ‫ن وَعَد َْناه ُ وَعْ ً‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أفَ َ‬
‫ن { ‪ :‬يقول ‪ :‬أفمن هو مؤمن مصدق بما‬ ‫ري َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م هُوَ ي َوْ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫وعده الله على صالح أعماله من الثواب الذي هو صائر إليه ل محالة ‪ ،‬ك َ‬
‫ما‬ ‫هو كافر مكذب بلقاء الله ووعده ووعيده ‪ ،‬فهو ممتع في الحياة الدنيا أيا ً‬
‫ن { قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬من‬ ‫ري َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م هُوَ ي َوْ َ‬ ‫قلئل ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫المعذبين‪.‬‬
‫ثم قد قيل ‪ :‬إنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبي جهل‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬في حمزة وعلي وأبي جهل ‪ ،‬وكلهما عن مجاهد‪ .‬والظاهر أنها عامة ‪،‬‬
‫وهذا كقوله تعالى إخبارا عن ذلك المؤمن حين أشرف على صاحبه ‪ ،‬وهو في‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ة َرّبي ل َك ُن ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ول ن ِعْ َ‬ ‫الدرجات وذاك في الدركات ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫ن{‬ ‫ضُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ة إ ِن ّهُ ْ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫قد ْ عَل ِ َ‬ ‫] الصافات ‪ ، [ 57 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫] الصافات ‪.[ 158 :‬‬
‫ق‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫(‬ ‫‪62‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫م فَي َ ُ‬
‫ِ َ َ ّ‬ ‫ِ َ ُْ ْ َْ ُ ُ َ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫م ي َُناِديهِ ْ‬ ‫} وَي َوْ َ‬
‫ْ‬
‫ما غَوَي َْنا ت َب َّرأَنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫ك َ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ن أغْوَي َْنا أغْوَي َْناهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ؤلِء ال ّ ِ‬ ‫ل َرب َّنا هَ ُ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ُ‬
‫َ‬
‫م وََرأُوا‬ ‫جيُبوا ل َهُ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م فَل َ ْ‬ ‫م فَد َعَوْهُ ْ‬ ‫كاَءك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫عوا ُ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫ن )‪ (63‬وَِقي َ‬ ‫دو َ‬ ‫إ ِّياَنا ي َعْب ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫جب ْت ُ ُ‬ ‫ماَذا أ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م فَي َ ُ‬ ‫م ي َُناِديهِ ْ‬ ‫ن )‪ (64‬وَي َوْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ي َهْت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ل َوْ أن ّهُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ب َوآ َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (66‬فَأ ّ‬ ‫ساَءلو َ‬ ‫م ل ي َت َ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ فَهُ ْ‬ ‫م الن َْباُء ي َوْ َ‬ ‫ت عَلي ْهِ ُ‬ ‫مي َ ْ‬ ‫)‪ (65‬فَعَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (67‬‬ ‫حي َ‬ ‫فل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫حا فَعَ َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عما يوبخ به الكفار المشركين يوم القيامة ‪ ،‬حيث يناديهم‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫كائي ال ّ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫فيقول ‪ } :‬أي ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬عن الحياة الدنيا وحقارتها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2858‬من حديث المستورد بن شداد‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تعقلون"‪.‬‬

‫) ‪(6/249‬‬

‫يعني ‪ :‬أين اللهة التي كنتم تعبدونها في الدار الدنيا ‪ ،‬من الصنام والنداد ‪،‬‬
‫هل ينصرونكم أو ينتصرون ؟ وهذا على سبيل التقريع والتهديد ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫م وََراَء‬ ‫خوّل َْناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫مّرةٍ وَت ََرك ْت ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م أ َوّ َ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫موَنا فَُراَدى ك َ َ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫قد ْ ِ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫َ‬
‫قط ّ َ‬
‫ع‬ ‫قد ْ ت َ َ‬ ‫كاُء ل َ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ِفيك ُ ْ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ن َزعَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫فَعاَءك ُ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫م ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ما ن ََرى َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ظ ُُهورِك ُ ْ‬
‫ن { ] النعام ‪.[ 94 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل عَن ْك ُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫مَرَدة‬ ‫ل { يعني ‪ :‬من الشياطين وال َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬قا َ‬
‫ْ‬
‫ما غَوَي َْنا ت َب َّرأَنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م كَ َ‬ ‫ن أغْوَي َْنا أغْوَي َْناهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ؤلِء ال ّ ِ‬ ‫والدعاة إلى الكفر ‪َ } ،‬رب َّنا هَ ُ‬
‫ن { ‪ ،‬فشهدوا عليهم أنهم أغووهم فاتبعوهم ‪ ،‬ثم تبرؤوا‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا إ ِّياَنا ي َعْب ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫عّزا‪.‬‬ ‫ُ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نوا‬ ‫كو‬‫ُ‬
‫ِ َِ ً َِ ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫آ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ِ ْ ُ ِ‬ ‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ذوا‬ ‫ُ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ت‬
‫َ ّ‬ ‫وا‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫عبادتهم‬ ‫من‬
‫دا { ] مريم ‪ ، [ 82 ، 81 :‬وقال ‪:‬‬ ‫ن عَل َي ْ ِ ْ ِ ّ‬
‫ض‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫كوُنو َ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫ن ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫سي َك ْ ُ‬ ‫كل َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫مةِ وَهُ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ه إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫م َ‬ ‫داًء وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫كاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫كاُنوا لهُ ْ‬ ‫شَر الّنا ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن‪ .‬وَإ َِذا ُ‬ ‫غافِلو َ‬ ‫عائ ِهِ ْ‬ ‫ن دُ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫هّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫{ ] الحقاف ‪ ، [ 6 ، 5 :‬وقال الخليل لقومه ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ض وَي َلعَ ُ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ْ‬ ‫ُ‬ ‫فُر ب َعْ ُ‬ ‫مةِ ي َك ُ‬ ‫ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ث ُ ّ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫موَد ّة َ ب َي ْن ِك ُ ْ‬ ‫أوَْثاًنا َ‬
‫ْ‬
‫ن { ] العنكبوت ‪ ، [ 25 :‬وقال‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫م الّناُر وَ َ‬ ‫مأَواك ُ ُ‬ ‫ضا وَ َ‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ات ّب َُعوا وََرأُوا العَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ت ب ِهِ ُ‬ ‫قطعَ ْ‬ ‫ب وَت َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ات ّب ُِعوا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫الله )‪ } : (1‬إ ِذ ْ ت َب َّرأ ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مّنا ك َذ َل ِكَ‬ ‫ما ت َب َّرُءوا ِ‬ ‫مك َ‬ ‫َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن لَنا كّرة ً فَن َت َب َّرأ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ات ّب َُعوا لوْ أ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ب وََقا َ‬ ‫سَبا ُ‬ ‫ال ْ‬
‫ن الّنارِ { ] البقرة ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جي َ‬ ‫خارِ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫ه أعْ َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ريهِ ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫م { ]أي[ )‪ : (2‬ليخلصوكم‬ ‫شَركاَءك ْ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عوا ُ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫‪ ، [ 167 ، 166‬ولهذا قال ‪ } :‬وَِقي َ‬
‫م‬‫م فل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مما أنتم فيه ‪ ،‬كما كنتم ترجون منهم في الدار الدنيا ‪ } ،‬فد َعَوْهُ ْ‬
‫ب { أي ‪ :‬وتيقنوا أنهم صائرون إلى النار ل محالة‪.‬‬ ‫ذا َ‬ ‫م وََرأ َُوا ال ْعَ َ‬ ‫جيُبوا ل َهُ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬فودوا حين عاينوا العذاب لو أنهم‬ ‫دو‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫ُ ََْ ُ َ‬ ‫ْ ُّ ْ‬
‫ل َناُدوا‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫كقوله‬ ‫وهذا‬ ‫الدنيا‪.‬‬ ‫الدار‬ ‫في‬ ‫المهتدين‬ ‫كانوا من‬
‫َ‬
‫قا‪ .‬وََرأى‬ ‫موْب ِ ً‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جيُبوا ل َهُ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م فَل َ ْ‬ ‫م فَد َعَوْهُ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ن َزعَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫كائ ِ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صرًِفا { ] الكهف ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫دوا عَن َْها َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ها وَل ْ‬ ‫واقُِعو َ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن الّناَر فَظّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫‪.[ 53 ، 52‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م فَي َ ُ‬
‫ن { ‪ :‬النداء الول عن‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫م ال ُ‬ ‫جب ْت ُ ُ‬ ‫ماَذا أ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ي َُناِديهِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫سؤال التوحيد ‪ ،‬وهذا فيه إثبات النبوات ‪ :‬ماذا كان جوابكم للمرسلين‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫إليكم ؟ وكيف كان حالكم معهم ؟ وهذا كما ُيسأل العبد في قبره ‪َ :‬‬
‫ن نبيك ؟ وما دينك )‪ (3‬؟ فأما المؤمن فيشهد أنه ل إله إل الله ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫ربك ؟ و َ‬
‫دا عبد الله )‪ (4‬ورسوله‪ .‬وأما الكافر فيقول ‪ :‬هاه‪ ..‬هاه‪ .‬ل أدري ؛‬ ‫وأن محم ً‬
‫ن كان في هذه أعمى فهو‬ ‫م ْ‬ ‫ولهذا ل جواب له يوم القيامة غير السكوت ؛ لن َ‬
‫م الن َْباُء‬ ‫ت عَلي ْهِ ُ‬ ‫َ‬ ‫مي َ ْ‬ ‫َ‬
‫في الخرة أعمى وأضل سبيل ولهذا قال تعالى ‪ } :‬فعَ ِ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫م ل ي َت َ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ فَهُ ْ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬فعميت عليهم الحجج ‪ ،‬فهم ل يتساءلون بالنساب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫سى أ ْ‬
‫حا { أي ‪ :‬في الدنيا ‪ } ،‬فعَ َ‬
‫صال ِ ً‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬
‫م َ‬
‫ب َوآ َ‬‫ن َتا َ‬‫م ْ‬
‫ما َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأ ّ‬
‫ن{‬ ‫حي َ‬‫فل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫يَ ُ‬
‫كو َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تعالى" وفي أ ‪" :‬الله تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬من نبيكم وما دينكم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبده"‪.‬‬

‫) ‪(6/250‬‬

‫ن الل ّهِ وَت ََعاَلى عَ ّ‬


‫ما‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫خي ََرةُ ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫ن ل َهُ ُ‬
‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫خَتاُر َ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫ما ي َ َ‬‫خل ُقُ َ‬ ‫ك يَ ْ‬‫وََرب ّ َ‬
‫ه َل إ ِل َ َ‬
‫ه‬ ‫ن )‪ (69‬وَهُوَ الل ّ ُ‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫م وَ َ‬‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ن ُ‬ ‫ما ت ُك ِ ّ‬ ‫ك ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن )‪ (68‬وََرب ّ َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫جُعو َ‬‫م وَإ ِلي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫ْ‬
‫حك ُ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫خَرةِ وَل ُ‬ ‫مد ُ ِفي الولى َوال ِ‬ ‫ح ْ‬‫ه ال َ‬‫إ ِّل هُوَ ل ُ‬
‫َ‬

‫مّنه‬ ‫أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬و"عسى" من الله موجبة ‪ ،‬فإن هذا واقع بفضل الله و َ‬
‫ل محالة‪.‬‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ وَت ََعالى عَ ّ‬ ‫ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫خي ََرة ُ ُ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن لهُ ُ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫خَتاُر َ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫خل ق ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫} وََرب ّ َ‬
‫هَ‬
‫ه ل إ ِل َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (69‬وَهُوَ الل ُ‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ما ت ُك ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (68‬وََرب ّك ي َعْل ُ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن )‪.{ (70‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫َ‬
‫م وَإ ِلي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫حك ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ وَل ُ‬ ‫مد ُ ِفي الولى َوال ِ‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ال َ‬ ‫َ‬
‫ِإل هُوَ ل ُ‬
‫يخبر تعالى أنه المنفرد بالخلق والختيار ‪ ،‬وأنه ليس له في ذلك منازع ول‬
‫خَتاُر { أي ‪ :‬ما يشاء ‪ ،‬فما شاء كان ‪،‬‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫معقب فقال ‪ } :‬وََرب ّ َ‬
‫وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬فالمور كلها خيرها وشرها بيده ‪ ،‬ومرجعها إليه‪.‬‬
‫خي ََرة ُ { نفي على أصح القولين ‪ ،‬كقوله تعالى ‪:‬‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫ة‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫را‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ضى‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ‬
‫ِ ََ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ ََ ُ ُ ْ ً‬ ‫َ‬ ‫ن لِ ُ ِ ٍ َ ُ ِ َ ٍ ِ‬
‫إ‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ول‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫كا َ‬
‫َ‬
‫} وَ َ‬
‫م { ] الحزاب ‪.[ 36 :‬‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫ما { هاهنا بمعنى "الذي" ‪ ،‬تقديره ‪ :‬ويختار الذي‬ ‫َ‬ ‫}‬ ‫أن‬ ‫جرير‬ ‫ابن‬ ‫اختار‬ ‫وقد‬
‫لهم فيه خيرة‪ .‬وقد احتج بهذا المسلك طائفة المعتزلة على وجوب مراعاة‬
‫الصلح‪ .‬والصحيح أنها نافية ‪ ،‬كما نقله ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن ابن عباس وغيره‬
‫أيضا ‪ ،‬فإن المقام في بيان انفراده تعالى بالخلق والتقدير والختيار ‪ ،‬وأنه ل‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَت ََعاَلى عَ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫نظير له في ذلك ؛ ولهذا قال ‪ُ } :‬‬
‫من الصنام والنداد ‪ ،‬التي ل تخلق ول تختار شيًئا‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يعلم ما تكن )‪(1‬‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ما ت ُك ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ي َعْل َ ُ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وََرب ّ َ‬
‫الضمائر ‪ ،‬وما تنطوي عليه السرائر ‪ ،‬كما يعلم ما تبديه الظواهر من سائر‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫سّر ال ْ َ‬ ‫الخلئق ‪ } ،‬سواٌء منك ُم م َ‬
‫ف ِباللي ْ ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جهََر ب ِهِ وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ ْ ْ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ب ِبالن َّهارِ { ] الرعد ‪.[ 10 :‬‬ ‫سارِ ٌ‬ ‫وَ َ‬
‫ه ِإل هُوَ { أي ‪ :‬هو المنفرد باللهية ‪ ،‬فل معبود‬ ‫َ‬
‫ه ل إ ِل َ‬ ‫ّ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ الل ُ‬
‫خَرةِ { أي ‪:‬‬ ‫َ ِ‬ ‫وال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫الو‬ ‫في‬ ‫َ ْ ُ ِ‬‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫سواه‬ ‫ويختار‬ ‫يخلق‬ ‫سواه ‪ ،‬كما ل رب‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫في جميع ما يفعله هو المحمود عليه ‪ ،‬لعدله وحكمته } وَل َ ُ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫الذي ل معقب له ‪ ،‬لقهره وغلبته وحكمته ورحمته ‪ } ،‬وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬
‫جميعكم يوم القيامة فيجازي )‪ (2‬كل عامل بعمله ‪ ،‬من خير وشر ‪ ،‬ول يخفى‬
‫عليه منهم خافية في سائر العمال‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬مكتمة" والمثبت من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فيجزي"‪.‬‬

‫) ‪(6/251‬‬

‫قُ ْ َ َ‬
‫ه غَي ُْر الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن إ ِل َ ٌ‬‫م ْ‬ ‫مةِ َ‬ ‫قَيا َ‬‫دا إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬‫م ً‬ ‫سْر َ‬‫ل َ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن َ‬‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫يأ ِْتيك ُم بضياٍء أ َفََل تسمعون )‪ (71‬قُ ْ َ َ‬
‫دا‬‫م ً‬‫سْر َ‬ ‫م الن َّهاَر َ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ ِ ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(72‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ن ِفيهِ أفَل ت ُب ْ ِ‬ ‫سك ُُنو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫ْ ِ ٍ‬‫ي‬ ‫ل‬‫ب‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫تي‬
‫ِ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫إ‬
‫َ َ ْ ِ ٌ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ة‬‫م‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ْ ِ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫لى‬ ‫إِ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ضل ِهِ وَلعَلك ُ ْ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سك ُُنوا ِفيهِ وَل ِت َب ْت َُغوا ِ‬ ‫ل َوالن َّهاَر ل ِت َ ْ‬ ‫ّ‬
‫م اللي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل لك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫مت ِهِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬‫وَ ِ‬
‫ن )‪(73‬‬ ‫شكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫} قُ ْ َ َ‬
‫ه غَي ُْر‬ ‫ن إ ِل َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫مةِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫دا إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫م ً‬‫سْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫جعَ َ‬‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫الل ّه يأ ِْتيك ُم بضياٍء أ ََفل تسمعون )‪ (71‬قُ ْ َ َ‬
‫م الن َّهاَر‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ ِ ِ َ‬ ‫ِ َ‬
‫ن ِفيهِ أ ََفل‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫تي‬ ‫سرمدا إَلى يوم ال ْقيامة من إل َه غَير الل ّه يأ ْ‬
‫ْ ِ ْ ٍ َ ْ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ ِ ِ َ َ ِ َ ْ ِ ٌ ُْ‬ ‫َ ْ َ ً ِ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫غوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ب‬
‫َ ْ‬‫َ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫في‬‫ِ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ّ‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ع‬
‫َ َ‬‫ج‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ن‬
‫َ ْ َ ْ َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪72‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫صُرو َ‬ ‫ت ُب ْ ِ‬
‫ن )‪.{ (73‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ضل ِهِ وَلعَلك ُ ْ‬ ‫فَ ْ‬

‫) ‪(6/251‬‬

‫قو ُ َ‬
‫ن كُ ّ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (74‬وَن ََزعَْنا ِ‬ ‫مو َ‬‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫كائ ِ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل أي ْ َ‬ ‫م فَي َ ُ‬ ‫م ي َُناِديهِ ْ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ما كاُنوا‬ ‫م َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫حقّ ل ِلهِ وَ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م فَعَل ِ ُ‬ ‫هان َك ْ‬ ‫هاُتوا ب ُْر َ‬‫قلَنا َ‬ ‫دا فَ ُ‬ ‫شِهي ً‬ ‫مةٍ َ‬ ‫أ ّ‬
‫ن ال ْك ُُنوِز‬ ‫م َ‬ ‫م وَآ َت َي َْناه ُ ِ‬ ‫سى فَب ََغى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن قَوْم ِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ن َقاُرو َ‬ ‫ن )‪ (75‬إ ِ ّ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ه لَ‬ ‫ن الل َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوّةِ إ ِذ ْ قا َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ح إِ ّ‬‫فَر ْ‬ ‫ه ل تَ ْ‬ ‫م ُ‬
‫ه قوْ ُ‬ ‫لل ُ‬ ‫صب َةِ أوِلي ال ُ‬ ‫ه لت َُنوُء ِبالعُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫فات ِ َ‬‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م َ‬ ‫صيب َك ِ‬ ‫س نَ ِ‬ ‫خَرةَ وَل ت َن ْ َ‬ ‫داَر ال ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ما آَتاك الل ُ‬ ‫ن )‪َ (76‬واب ْت َِغ ِفي َ‬ ‫حي َ‬ ‫فرِ ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ض إِ ّ‬ ‫ساد َ ِفي الْر ِ‬ ‫ف َ‬‫ه إ ِلي ْك وَل ت َب ِْغ ال َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ما أ ْ‬‫نك َ‬ ‫س ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫الد ّن َْيا وَأ ْ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬

‫م‬‫وا َ‬ ‫يقول تعالى ممتًنا على عباده بما سخر لهم من الليل والنهار ‪ ،‬اللذين ل ق َ‬
‫دا إلى يوم القيامة ‪،‬‬ ‫ما عليهم سرم ً‬ ‫ل دائ ً‬ ‫ل اللي َ‬ ‫لهم بدونهما‪ .‬وبين أنه لو جع َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫لضّر ذلك بهم ‪ ،‬ولسئمته النفوس وانحصرت منه ‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫ضَياٍء { أي ‪ :‬تبصرون به وتستأنسون بسببه ‪ } ،‬أ ََفل‬ ‫ْ‬
‫م بِ ِ‬ ‫ه غَي ُْر الل ّهِ ي َأِتيك ُ ْ‬ ‫إ ِل َ ٌ‬
‫ن {‪.‬‬‫مُعو َ‬ ‫س َ‬
‫تَ ْ‬
‫ما مستمّرا إلى يوم القيامة ‪ ،‬لضّر ذلك‬ ‫ً‬ ‫دائ‬ ‫دا‬
‫ً‬ ‫سرم‬ ‫النهار‬ ‫جعل‬ ‫لو‬ ‫أنه‬ ‫أخبر‬ ‫ثم‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫بهم ‪ ،‬ولتعبت البدان وكّلت من كثرة الحركات والشغال ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬‬
‫ْ‬
‫ن ِفيهِ { أي ‪ :‬تستريحون من حركاتكم‬ ‫سك ُُنو َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫م ب ِل َي ْ ٍ‬‫ه غَي ُْر الل ّهِ ي َأِتيك ُ ْ‬ ‫إ ِل َ ٌ‬
‫م الل ّي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل َوالن َّهاَر‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬‫جعَ َ‬
‫مت ِهِ { أي ‪ :‬بكم } َ‬ ‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬‫ن‪ .‬وَ ِ‬ ‫صُرو َ‬ ‫وأشغالكم‪ } .‬أَفل ت ُب ْ ِ‬
‫ه‬
‫ضل ِ ِ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سك ُُنوا ِفيهِ { أي ‪ :‬في الليل ‪ } ،‬وَل ِت َب ْت َُغوا ِ‬ ‫{ أي ‪ :‬خلق هذا وهذا } ل ِت َ ْ‬
‫{ أي ‪ :‬في النهار بالسفار والترحال ‪ ،‬والحركات والشغال ‪ ،‬وهذا من باب‬
‫اللف والنشر‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬تشكرون الله بأنواع العبادات في الليل‬ ‫شكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َعَلك ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫والنهار ‪ ،‬ومن فاته شيء بالليل استدركه بالنهار ‪ ،‬أو بالنهار استدركه بالليل ‪،‬‬
‫ن ي َذ ّك َّر أ َْو‬ ‫َ‬
‫ن أَراد َ أ ْ‬
‫ة ل ِم َ‬
‫ف ً َ ْ‬‫خل ْ َ‬
‫ل َوالن َّهاَر ِ‬‫ل الل ّي ْ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫كوًرا { ] الفرقان ‪ .[ 62 :‬واليات في هذا كثيرة )‪.(1‬‬ ‫أ ََراد َ ُ‬
‫ش ُ‬
‫قو ُ َ‬
‫ن كُ ّ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪َ (74‬ونزعَْنا ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫كائ ِ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل أي ْ َ‬ ‫م فَي َ ُ‬ ‫م ي َُناِديهِ ْ‬ ‫} وَي َوْ َ‬
‫ما كاُنوا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫ُ‬
‫م َ‬ ‫ضل عَن ْهُ ْ‬ ‫حقّ ل ِلهِ وَ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م فعَل ِ ُ‬ ‫هان َك ْ‬ ‫هاُتوا ب ُْر َ‬ ‫قلَنا َ‬ ‫دا ف ُ‬ ‫شِهي ً‬ ‫أ ّ‬
‫ن )‪.{ (75‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن عبد مع الله إلًها‬ ‫ِ َ ْ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫والتوبيخ‬ ‫التقريع‬ ‫سبيل‬ ‫على‬ ‫(‬ ‫‪2‬‬ ‫)‬ ‫]ثان[‬ ‫نداء‬ ‫أيضا‬ ‫وهذا‬
‫ن‬ ‫ي‬ ‫آخر ‪ ،‬يناديهم الرب ‪ -‬تبارك وتعالى ‪ -‬على رؤوس الشهاد فيقول ‪ } :‬أ َ‬
‫ْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في الدار الدنيا‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫كائ ِ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ُ‬
‫هاُتوا‬ ‫قلَنا َ‬ ‫ْ‬ ‫دا { ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬يعني رسول‪ } .‬فَ ُ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫ُ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫شِهي ً‬ ‫لأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫} َونزعَْنا ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫موا أ ّ‬ ‫م { أي ‪ :‬على صحة ما ادعيتموه من أن لله شركاء ‪ } ،‬فَعَل ِ ُ‬ ‫هان َك ُ ْ‬ ‫ب ُْر َ‬
‫حقّ ل ِلهِ { أي ‪ :‬ل إله غيره ‪ ،‬أي ‪ :‬فلم ينطقوا ولم يحيروا )‪ (3‬جوابا ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ذهبوا فلم ينفعوهم‪.‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫ن الكُنوزِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫م َوآت َي َْناه ُ ِ‬ ‫َ‬
‫سى فَب ََغى عَلي ْهِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن قَوْم ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫َ‬ ‫ن َقاُرو َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫فَر ْ‬ ‫ه ل تَ ْ‬ ‫م ُ‬‫ه قَوْ ُ‬ ‫لل ُ‬ ‫قوّةِ إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫صب َةِ أوِلي ال ُ‬ ‫ه لت َُنوُء ِبالعُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫فات ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن الد ّن َْيا‬ ‫م َ‬ ‫صيب َك ِ‬ ‫َ‬ ‫س نَ ِ‬ ‫خَرة َ َول ت َن ْ َ‬ ‫داَر ال ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما آَتاك الل ُ‬ ‫ن )‪َ (76‬واب ْت َِغ ِفي َ‬ ‫حي َ‬ ‫فرِ ِ‬ ‫ال َ‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ض إِ ّ‬ ‫ساد َ ِفي الْر ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ه إ ِلي ْك َول ت َب ِْغ ال َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫نك َ‬ ‫س ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ن )‪.{ (77‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬بعدها في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فصل ‪ :‬فانظر إلى هذه اليات وما تضمنته من‬
‫العبرة والدللة على ربوبية الله وحكمته ‪ ،‬كيف جعل الليل سكنا ولباسا ؟‬
‫يغشى العالم ‪ ،‬فتسكن فيه الحركات ‪ ،‬وتأوى الحيوانات إلى بيوتها ‪ ،‬والطير‬
‫إلى أوكارها ‪ ،‬وتستجم فيه النفوس ‪ ،‬وتستريح من كد السعي والتعب ‪ ،‬حتى‬
‫إذا أخذت منه النفوس راحتها وثباتها ‪ ،‬وتطلعت إلى معايشها وتصرفها‪ .‬جاء‬
‫فالق الصباح سبحانه بالنهار ‪ ،‬فقدم حيثه بشير الصباح ‪ ،‬فهزم تلك الظلمة‬
‫ومزقها كل ممزق ‪ ،‬وأزالها وكشفها عن العالم ‪ ،‬فإذا هم مبصرون ‪ ،‬فانتشر‬
‫الحيوان ‪ ،‬وتصرف في معايشه ومصالحه ‪ ،‬وخرجت الطيور من أوكارها ‪ ،‬فيا‬
‫له من ميعاد! ونشأة دال على قدرة الله سبحانه على المعاد الكبر ‪ ،‬وتكرره‬
‫ومشاهدة النفوس له بحيث صار عادة ومألفا ‪ ،‬منعها من العتبار والستدلل‬
‫به على النشأة الثانية ‪ ،‬وإحياء الخلق بعد موتهم ‪ ،‬كما وردت السنة بذلك ‪،‬‬
‫أنه يستجاب للعبد إذا قام من نومه يقول ‪ :‬الحمد لله الذي أحيانا بعد موتنا‬
‫وإليه النشور"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فلم يجيبوا"‪.‬‬

‫) ‪(6/252‬‬

‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس‬


‫من َْهال بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬ ‫قال العمش ‪ ،‬عن ال ِ‬
‫سى { ‪ ،‬قال ‪ :‬كان ابن عمه‪ .‬وهكذا قال‬ ‫مو َ‬‫ن قَوْم ِ ُ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫كا َ‬‫ن َ‬
‫ن َقاُرو َ‬ ‫قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫خعي ‪ ،‬وعبد الله بن الحارث بن نوفل ‪ ،‬وسماك بن حرب ‪،‬‬ ‫إبراهيم الن ّ َ‬
‫جَرْيج ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬أنه كان ابن عم موسى ‪،‬‬ ‫وقتادة ‪ ،‬ومالك بن دينار ‪ ،‬وابن ُ‬
‫عليه السلم )‪.(1‬‬
‫جَرْيج ‪ :‬هو قارون بن يصهر بن قاهث ‪ ،‬وموسى بن عمران بن‬ ‫قال ابن ُ‬
‫قاهث‪.‬‬
‫م موسى )‪ ، (2‬عليه‬ ‫سار ‪ :‬أن قارون كان ع ّ‬ ‫وزعم محمد بن إسحاق بن ي َ َ‬
‫السلم‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وأكثر أهل العلم على أنه كان ابن عمه ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وقال‬
‫ور‬ ‫دث أنه كان ابن عم موسى ‪ ،‬وكان يسمى المن ّ‬ ‫عامة ‪ :‬كنا ُنح ّ‬ ‫قتادة بن دِ َ‬
‫لحسن صوته بالتوراة ‪ ،‬ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري ‪ ،‬فأهلكه‬
‫البغي لكثرة ماله‪.‬‬
‫شب ‪ :‬زاد في ثيابه شبًرا طول ترفًعا على قومه‪.‬‬ ‫حو ْ َ‬ ‫شْهر بن َ‬ ‫وقال َ‬
‫ه ل َت َُنوُء‬
‫ح ُ‬‫فات ِ َ‬
‫م َ‬‫ن َ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫ن ال ْك ُُنوزِ { أي ‪] :‬من[ )‪ (3‬الموال } َ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وآت َي َْناه ُ ِ‬
‫م من الناس لكثرتها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ل حملها الفئا َ‬ ‫َ‬
‫قوّةِ { أي ‪ :‬لُيثق ُ‬ ‫صب َةِ ُأوِلي ال ْ ُ‬ ‫ِبال ْعُ ْ‬
‫ة ‪ :‬كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود ‪ ،‬كل مفتاح‬ ‫م َ‬ ‫خي ْث َ َ‬
‫قال العمش ‪ ،‬عن َ‬
‫حملت على ستين‬ ‫مثل الصبع ‪ ،‬كل مفتاح على خزانة على حدته ‪ ،‬فإذا ركب ُ‬
‫بغل أغر محجل‪ .‬وقيل ‪ :‬غير ذلك ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬وعظه‬ ‫حي َ‬ ‫فرِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال َ‬‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫ح إِ ّ‬
‫فَر ْ‬‫ه ل تَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه قَوْ ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِذ ْ َقا َ‬
‫فيما هو فيه صالح قومه ‪ ،‬فقالوا على سبيل النصح والرشاد ‪ :‬ل تفرح بما‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أنت فيه ‪ ،‬يعنون ‪ :‬ل تبطر بما أنت فيه من الموال )‪ } (4‬إ ِ ّ‬
‫ن { قال ابن عباس ‪ :‬يعني المرحين‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬يعني الشرين‬ ‫حي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فرِ ِ‬
‫البطرين ‪ ،‬الذين ل يشكرون الله على ما أعطاهم‪.‬‬
‫ن الد ّن َْيا { أي ‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫صيب َك ِ‬ ‫س نَ ِ‬‫خَرةَ َول ت َن ْ َ‬ ‫داَر ال ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ما آَتا َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬واب ْت َِغ ِفي َ‬
‫استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة ‪ ،‬في طاعة ربك‬
‫والتقرب إليه بأنواع القربات ‪ ،‬التي يحصل لك بها الثواب في الدار الخرة‪.‬‬
‫ن الد ّن َْيا { أي ‪ :‬مما أباح الله فيها )‪ (5‬من المآكل‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫صيب َ َ‬ ‫س نَ ِ‬ ‫} َول ت َن ْ َ‬
‫قا ‪ ،‬ولنفسك‬ ‫والمشارب والملبس والمساكن والمناكح ‪ ،‬فإن لربك عليك ح ّ‬
‫قا ‪ ،‬ولهلك عليك‬ ‫عليك ح ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬موسى بن عمران"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬لك"‪.‬‬

‫) ‪(6/253‬‬

‫قا ‪ ،‬ولزورك عليك حقا ‪ ،‬فآت كل ذي حق حقه‪.‬‬ ‫ح ّ‬


‫ه إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك { أي ‪ :‬أحسن إلى خلقه كما أحسن هو إليك‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫س َ‬
‫ح َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫} وَأ ْ‬
‫ن همتك بما أنت فيه أن تفسد به‬ ‫ض { أي ‪ :‬ل تك ْ‬ ‫ساد َ ِفي الْر ِ‬ ‫ف َ‬‫} َول ت َب ِْغ ال ْ َ‬
‫ن {‪.‬‬
‫دي َ‬
‫س ِ‬
‫مفْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬
‫ح ّ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬
‫الرض )‪ ، (1‬وتسيء إلى خلق الله } إ ِ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬في الرض"‪.‬‬

‫) ‪(6/254‬‬

‫ن‬
‫م َ‬‫ن قَب ْل ِهِ ِ‬
‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ه قَد ْ أ َهْل َ َ‬‫ن الل ّ َ‬‫مأ ّ‬
‫عندي أ َول َم يعل َ َ‬
‫َ ْ َْ ْ‬ ‫عل ْم ٍ ِ ْ ِ‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫ُ‬
‫ما أوِتيت ُ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫َقا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن)‬
‫مو َ‬‫جرِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ن ذ ُُنوب ِهِ ُ‬‫ل عَ ْ‬ ‫سأ ُ‬ ‫مًعا وَل ي ُ ْ‬ ‫ه قُوّة ً وَأكث َُر َ‬
‫ج ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن هُوَ أ َ‬
‫شد ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬‫قُرو ِ‬
‫‪(78‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه قَد ْ أ َهْل َ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مأ ّ‬
‫عندي أ َول َم يعل َ َ‬
‫َ ْ َْ ْ‬ ‫عل ْم ٍ ِ ْ ِ‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ُ‬
‫ُ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬‫} َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ن ذ ُُنوب ِهِ ُ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫سأ ُ‬ ‫مًعا َول ي ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ه قُوّة ً وَأك ْث َُر َ‬ ‫من ْ ُ‬‫شد ّ ِ‬ ‫ن هُوَ أ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫‪.{ (78‬‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن جواب قارون لقومه ‪ ،‬حين نصحوه وأرشدوه إلى‬
‫دي { أي ‪ :‬أنا ل أفتقر إلى ما تقولون ‪،‬‬ ‫عل ْم ٍ ِ‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫ُ‬ ‫الخير } َقا َ‬
‫عن ْ ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬
‫فإن الله تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني أستحقه ‪ ،‬ولمحبته لي‬
‫ي أني أهل له ‪ ،‬وهذا كقوله تعالى ‪ } :‬فَإ َِذا‬ ‫فتقديره ‪ :‬إنما أعطيته لعلم الله ف ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مّنا َقا َ‬ ‫ْ‬
‫ه عَلى‬ ‫ما أوِتيت ُ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫خوّلَناه ُ ن ِعْ َ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫عاَنا ث ُ ّ‬ ‫ضّر د َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫سا َ‬ ‫س الن ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫)‪َ (1‬‬
‫عل ْم ٍ { ] الزمر ‪ [ 49 :‬أي ‪ :‬على علم من الله بي ‪ ،‬وكقوله تعالى ‪ } :‬وَلئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا ِلي { ] فصلت ‪ [ 50 :‬أي ‪:‬‬ ‫ن هَ َ‬ ‫قول ّ‬ ‫ه لي َ ُ‬ ‫ست ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّراَء َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫أذ َقَْناه ُ َر ْ‬
‫هذا أستحقه‪.‬‬
‫دي { أي ‪ :‬إنه كان‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عن ْ ِ‬ ‫علم ٍ ِ‬ ‫ه عَلى ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ُ‬ ‫وقد ُروي عن بعضهم أنه أراد ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫يعاني علم الكيمياء ‪ :‬وهذا القول ضعيف ؛ لن علم الكيمياء في نفسه علم‬
‫باطل ؛ لن قلب العيان ل يقدر أحد عليها إل الله عز وجل ‪ ،‬قال الله ‪َ } :‬يا‬
‫خل ُ ُ‬ ‫َ‬
‫قوا‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ل َ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫ل َفا ْ‬ ‫مث َ ٌ‬‫ب َ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫أي َّها الّنا ُ‬
‫ه { ] الحج ‪ ، [ 73 :‬وفي الصحيح عن النبي )‪ (2‬صلى الله‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬ ‫جت َ َ‬ ‫ذ َُباًبا وَل َوِ ا ْ‬
‫ن ذهب يخلق كخلقي‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن أظلم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عليه وسلم أنه قال ‪" :‬يقول الله تعالى ‪ :‬و َ‬
‫‪ ،‬فليخلقوا ذرة ‪ ،‬فليخلقوا شعيرة" )‪ .(3‬وهذا ورد في المصورين الذين‬
‫ن يدعي‬ ‫م ْ‬ ‫يشبهون بخلق الله في مجرد الصورة الظاهرة أو الشكل ‪ ،‬فكيف ب ِ َ‬
‫أنه يحيل ماهية هذه الذات إلى ماهية ذات أخرى ‪ ،‬هذا زور ومحال ‪ ،‬وجهل‬
‫وضلل‪ .‬وإنما يقدرون على الصبغ في الصورة الظاهرة ‪ ،‬وهو كذب وزغل‬
‫وتمويه ‪ ،‬وترويج أنه صحيح في نفس المر ‪ ،‬وليس كذلك قطًعا ل محالة ‪،‬‬
‫ولم يثبت بطريق شرعي أنه صح مع أحد من الناس من هذه الطريقة التي‬
‫خْرق‬ ‫يتعاناها هؤلء الجهلة الفسقة الفاكون فأما ما يجريه الله تعالى )‪ (4‬من َ‬
‫العوائد على يدي بعض الولياء من قلب بعض العيان ذهًبا أو فضة أو نحو‬
‫ذلك ‪ ،‬فهذا أمر ل ينكره مسلم ‪ ،‬ول يرده مؤمن ‪ ،‬ولكن هذا ليس من قبيل‬
‫الصناعات وإنما هذا عن مشيئة رب الرض والسموات ‪ ،‬واختياره وفعله ‪ ،‬كما‬
‫شَريح المصري ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬أنه سأله سائل ‪ ،‬فلم يكن‬ ‫حْيوة بن ُ‬ ‫روي عن َ‬
‫عنده ما يعطيه ‪ ،‬ورأى ضرورته ‪ ،‬فأخذ حصاة من الرض فأجالها في كفه ‪،‬‬
‫ثم ألقاها إلى ذلك السائل فإذا هي ذهب أحمر‪ .‬والحاديث والثار ]في هذا[ )‬
‫دا يطول ذكرها‪.‬‬ ‫‪ (5‬كثيرة ج ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وإذا" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (5953‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2111‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬سبحانه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/254‬‬

‫ما‬
‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ت ل ََنا ِ‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا َيا ل َي ْ َ‬‫ن ال ْ َ‬‫دو َ‬ ‫ري ُ‬‫ن يُ ِ‬
‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫مهِ ِفي ِزين َت ِهِ َقا َ‬ ‫ج عََلى قَوْ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫فَ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ب الل ّهِ‬ ‫وا ُ‬ ‫م وَي ْل َك ُ ْ‬
‫م ثَ َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫ظيم ٍ )‪ (79‬وََقا َ‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ذو َ‬‫ه لَ ُ‬ ‫ي َقاُرو ُ‬
‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫أوت ِ َ‬
‫خي ْر ل ِم َ‬
‫ه‬
‫دارِ ِ‬‫فَنا ب ِهِ وَب ِ َ‬ ‫س ْ‬ ‫خ َ‬‫ن )‪ (80‬فَ َ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ها إ ِّل ال ّ‬‫قا َ‬‫حا وََل ي ُل َ ّ‬‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬‫نآ َ‬‫َ ٌ َ ْ‬
‫ن)‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬
‫من ْت َ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬‫ِ‬ ‫ن ُدو‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ه ِ‬‫صُرون َ ُ‬‫ُ‬ ‫ن فِئ َةٍ ي َن ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ه ِ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫َ‬ ‫اْل َْر‬
‫س ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ (81‬وأ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ه ي َب ْ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن وَي ْك َأ ّ‬ ‫س يَ ُ‬‫ِ‬ ‫ه ِباْل ْ‬
‫م‬ ‫كان َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وا َ‬ ‫ْ‬ ‫من ّ‬
‫ن تَ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ح ال ّ ِ‬
‫صب َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ح‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يَ َ‬
‫فل ِ ُ‬‫ه ل يُ ْ‬ ‫ف ب َِنا وَي ْكأن ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫خ َ‬‫ه عَلي َْنا ل َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬
‫ن َ‬ ‫قدُِر لوْل أ ْ‬ ‫عَبادِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ال ْ َ‬

‫ول‬ ‫وقال بعضهم ‪ :‬إن قارون كان يعلم السم العظم ‪ ،‬فدعا الله به ‪ ،‬فتم ّ‬
‫بسببه‪ .‬والصحيح المعنى الول ؛ ولهذا قال الله تعالى ‪ -‬راّدا عليه فيما ادعاه‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه قَد ْ أ َهْل َ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مأ ّ‬
‫من اعتناء الله به فيما أعطاه من المال } أ َول َم يعل َ َ‬
‫َ ْ َْ ْ‬
‫َ‬ ‫ن هُوَ أ َ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مًعا { أي ‪ :‬قد كان من هو أكثر‬ ‫ج ْ‬ ‫ه قُوّة ً وَأك ْث َُر َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَب ْل ِهِ ِ‬
‫منه مال وما كان ذلك عن محبة منا له ‪ ،‬وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم‬
‫ن { أي ‪ :‬لكثرة‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ن ذ ُُنوب ِهِ ُ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫سأ َ ُ‬ ‫وعدم شكرهم ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬ول ي ُ ْ‬
‫ذنوبهم‪.‬‬
‫دي { ‪ :‬على خير عندي‪.‬‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫عل ْم ٍ ِ‬ ‫قال قتادة ‪ } :‬عََلى ِ‬
‫وقال السدي ‪ :‬على علم أني أهل لذلك‪.‬‬
‫وقد أجاد في تفسير هذه الية المام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬فإنه قال‬
‫دي { قال ‪ :‬لول رضا الله عني ‪،‬‬ ‫عل ْم ٍ ِ‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫ُ‬ ‫في قوله ‪َ } :‬قا َ‬
‫عن ْ ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ه قَد ْ أهْل َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫م ي َعْل ْ‬ ‫ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال ‪ ،‬وقرأ } أوَل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن هُوَ أ َ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م‬‫ن ذ ُُنوب ِهِ ُ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫سأ ُ‬ ‫مًعا َول ي ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ه قُوّة ً وَأك ْث َُر َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن وسع الله عليه يقول ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن قل علمه إذا رأى َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن { ]وهكذا يقول َ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ُ‬ ‫ْ‬
‫لول أنه يستحق ذلك لما أعطي[ )‪.(1‬‬
‫ل‬‫مث ْ َ‬ ‫ت لَنا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا َيا لي ْ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مهِ ِفي ِزين َت ِهِ َقا َ‬ ‫ج عََلى قَوْ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫} فَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫وا ُ‬ ‫م ثَ َ‬ ‫م وَي ْلك ْ‬ ‫ن أوُتوا العِل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ظيم ٍ )‪ (79‬وَقا َ‬ ‫حظ عَ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫هل ُ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ي قاُرو ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (80‬‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ها ِإل ال ّ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫حا َول ي ُل ّ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫مل َ‬ ‫َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ل ِ َ‬ ‫اللهِ َ‬ ‫ّ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن قارون ‪ :‬إنه خرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫‪ ،‬وتجمل باهر ‪ ،‬من مراكب وملبس عليه وعلى خدمه وحشمه ‪ ،‬فلما رآه َ‬
‫يريد الحياة الدنيا ويميل إلى ُزخرفها وزينتها ‪ ،‬تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي‬
‫ح ّ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ُ‬
‫ظيم ٍ { أي ‪:‬‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ي َقاُرو ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ت ل ََنا ِ‬ ‫أعطي ‪ ،‬قالوا ‪َ } :‬يا ل َي ْ َ‬
‫ذو حظ وافر من الدنيا‪ .‬فلما سمع مقالتهم أهل العلم النافع قالوا لهم ‪:‬‬
‫حا { أي ‪ :‬جزاء الله لعباده‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ل ِ َ‬ ‫ب الل ّهِ َ‬ ‫وا ُ‬ ‫م ثَ َ‬ ‫} وَي ْل َك ُ ْ‬
‫المؤمنين الصالحين في الدار الخرة خير مما ترون‪.‬‬
‫]كما في الحديث الصحيح ‪ :‬يقول الله تعالى ‪ :‬أعددت لعبادي الصالحين ما ل‬
‫عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر ‪ ،‬واقرؤوا إن شئتم ‪} :‬‬
‫َ‬ ‫ما أ ُ ْ‬
‫ن { )‪(2‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن قُّرةِ أعْي ُ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ي ل َهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫َفل ت َعْل َ ُ‬
‫] السجدة ‪.(3) [ 17 :‬‬
‫ن { ‪ :‬قال السدي ‪ :‬وما يلقى الجنة )‪ (4‬إل‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ها ِإل ال ّ‬ ‫قا َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ي ُل َ ّ‬
‫الصابرون‪ .‬كأنه جعل ذلك من تمام كلم الذين أوتوا العلم‪ .‬قال ابن جرير ‪:‬‬
‫وما يلقى )‪ (5‬هذه الكلمة إل الصابرون عن محبة الدنيا ‪ ،‬الراغبون في الدار‬
‫عا من كلم أولئك ‪ ،‬وجعله من كلم الله عز‬ ‫الخرة‪ .‬وكأنه جعل ذلك مقطو ً‬
‫وجل وإخباره بذلك‪.‬‬
‫ما‬‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫صُرون َ ُ‬ ‫ن فِئ َةٍ ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫دارِهِ الْر َ‬ ‫فَنا ب ِهِ وَب ِ َ‬ ‫س ْ‬ ‫خ َ‬ ‫} فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن وَي ْك َأ ّ‬
‫ن‬ ‫قوُلو َ‬ ‫س يَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ِبال ْ‬ ‫كان َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وا َ‬ ‫من ّ ْ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ح ال ّ ِ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ن )‪ (81‬وَأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫من ْت َ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫س َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫خ َ‬ ‫ه عَلي َْنا ل َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫قدُِر ل ْ‬ ‫عَبادِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ه ي َب ْ ُ‬ ‫الل َ‬
‫ح ال َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (82‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫ب َِنا وَي ْك َأن ّ ُ‬
‫__________‬
‫زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫صحيح مسلم برقم )‪.(2824‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في أ ‪" :‬وما يلقاها أي الجنة"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في أ ‪" :‬وما يلقاها"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫) ‪(6/255‬‬

‫لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته ‪ ،‬وفخره على قومه وبغيه عليهم ‪،‬‬
‫عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الرض ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح ‪ -‬عند البخاري‬
‫من حديث الزهري ‪ ،‬عن سالم ‪ -‬أن أباه حدثه ‪ :‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به )‪ ، (1‬فهو يتجلجل في‬
‫الرض إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫ثم رواه من حديث جرير بن زيد ‪ ،‬عن سالم عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬نحوه )‪.(2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص ‪ ،‬حدثنا‬
‫العمش ‪ ،‬عن عطية )‪ ، (3‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول الله )‪ (4‬صلى‬
‫ن كان قبلكم ‪ ،‬خرج في ب ُْرد َْين أخضرين‬ ‫م ْ‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬بينا رجل في َ‬
‫يختال فيهما ‪ ،‬أمر الله الرض فأخذته ‪ ،‬فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫تفرد به أحمد )‪ ، (5‬وإسناده حسن‪.‬‬
‫ة ‪ ،‬حدثنا أبو معلى بن‬ ‫خي ْث َ َ‬
‫م َ‬ ‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا أبو َ‬
‫منصور )‪ ، (6‬أخبرني محمد بن مسلم ‪ ،‬سمعت زياًدا النميري يحدث عن‬
‫أنس بن مالك ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪" :‬بينا رجل فيمن )‪ (7‬كان قبلكم خرج في بردين فاختال فيهما ‪ ،‬فأمر الله‬
‫الرض فأخذته ‪ ،‬فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" )‪.(8‬‬
‫كر ‪ -‬في كتاب العجائب الغريبة‬ ‫وقد ذكر ]الحافظ[ )‪ (9‬محمد بن المنذر ‪ -‬ش ّ‬
‫بسنده عن نوفل بن مساحق قال ‪ :‬رأيت شاّبا في مسجد نجران ‪ ،‬فجعلت‬
‫أنظر إليه وأتعجب من طوله وتمامه وجماله ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لك تنظر إلي ؟‬
‫فقلت ‪ :‬أعجب من جمالك وكمالك‪ .‬فقال ‪ :‬إن الله ليعجب مني‪ .‬قال ‪ :‬فما‬
‫زال ينقص وينقص حتى صار بطول الشبر ‪ ،‬فأخذه بعض قرابته في كمه‬
‫وذهب‪.‬‬
‫وقد ُذكر أن هلك قارون كان عن دعوة نبي الله موسى عليه السلم )‪(10‬‬
‫واختلف في سببه ‪ ،‬فعن ابن عباس والسدي ‪ :‬أن قارون أعطى امرأة ب َغِّيا‬
‫مال على أن تبهت موسى بحضرة المل من بني إسرائيل ‪ ،‬وهو قائم فيهم‬
‫يتلو عليهم كتاب الله ‪ ،‬فتقول ‪ :‬يا موسى ‪ ،‬إنك فعلت بي كذا وكذا‪ .‬فلما‬
‫فَرق ‪ ،‬وأقبل‬ ‫عد َ من ال َ‬
‫قالت في المل ذلك )‪ (11‬لموسى عليه السلم ‪ ،‬أْر ِ‬
‫عليها )‪ (12‬وصلى ركعتين ثم قال ‪ :‬أنشدك بالله الذي فََرق البحر ‪ ،‬وأنجاكم‬
‫من فرعون ‪ ،‬وفعل كذا و]فعل[ )‪ (13‬كذا ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬خسف الله به"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(5790‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(3/40‬‬
‫)‪ (6‬في هـ ‪" :‬أبو يعلى بن منصور" والصواب ما أثبتناه من مسند أبي يعلى‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ممن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬مسند أبي يعلى )‪ (7/279‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (5/126‬فيه‬
‫زياد بن عبد الله النميري وهو ضعيف ‪ ،‬وقد وثقه ابن حبان وقال ‪ :‬يخطئ"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬بذلك"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في أ ‪" :‬بعد ما"‪.‬‬
‫)‪ (13‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/256‬‬

‫شد َْتني فإن قارون‬ ‫لما أخبرتني بالذي حملك على ما قلت ؟ فقالت ‪ :‬أما إذ ن َ َ‬
‫أعطاني كذا وكذا ‪ ،‬على أن أقول لك ‪ ،‬وأنا أستغفر الله وأتوب إليه‪ .‬فعند‬
‫دا ‪ ،‬وسأل الله في قارون‪ .‬فأوحى الله إليه‬ ‫خّر موسى لله عز وجل ساج ً‬ ‫ذلك َ‬
‫أني قد أمرت الرض أن تطيعك فيه ‪ ،‬فأمر موسى الرض أن تبتلعه وداره‬
‫فكان )‪ (1‬ذلك‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إن قارون لما خرج على قومه في زينته تلك ‪ ،‬وهو راكب على البغال‬
‫فله‬‫ح َ‬‫ج ْ‬ ‫صبغة )‪ ، (2‬فمر في َ‬ ‫شهب ‪ ،‬وعليه وعلى خدمه الثياب الرجوان ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ذلك على مجلس نبي الله موسى عليه السلم ‪ ،‬وهو يذكرهم بأيام الله‪ .‬فلما‬
‫رأى الناس قارون انصرفت وجوه الناس حوله ‪ ،‬ينظرون إلى ما هو فيه‪.‬‬
‫فدعاه موسى عليه السلم ‪ ،‬وقال ‪ :‬ما حملك على ما صنعت ؟ فقال ‪ :‬يا‬
‫ي بالنبوة ‪ ،‬فلقد فضلت عليك بالدنيا ‪ ،‬ولئن‬ ‫ت عَل َ ّ‬ ‫ضل َ‬ ‫موسى ‪ ،‬أما لئن كنت فُ ّ‬
‫ي وأدعو عليك‪ .‬فخرج وخرج قارون في قومه ‪،‬‬ ‫شئت لتخرجن ‪ ،‬فلتدعون عل ّ‬
‫فقال موسى )‪ : (3‬تدعو أو أدعو أنا ؟ قال ‪ :‬بل أنا أدعو‪ .‬فدعا قارون فلم‬
‫مر‬‫يجب له ‪ ،‬ثم قال موسى )‪ : (4‬أدعو ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقال موسى ‪ :‬اللهم ‪ُ ،‬‬
‫الرض أن تطيعني )‪ (5‬اليوم‪ .‬فأوحى الله إليه أني قد فعلت ‪ ،‬فقال موسى ‪:‬‬
‫يا أرض ‪ ،‬خذيهم‪ .‬فأخذتهم إلى أقدامهم‪ .‬ثم قال ‪ :‬خذيهم‪ .‬فأخذتهم إلى‬
‫ركبهم ‪ ،‬ثم إلى مناكبهم‪ .‬ثم قال ‪ :‬أقبلي بكنوزهم وأموالهم‪ .‬قال ‪ :‬فأقبلت‬
‫بها حتى نظروا إليها‪ .‬ثم أشار موسى بيده فقال ‪ :‬اذهبوا بني لوى )‪(6‬‬
‫فاستوت بهم الرض‪.‬‬
‫خسف بهم إلى الرض السابعة‪.‬‬ ‫وعن ابن عباس أنه قال ‪ُ :‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة ‪ ،‬فهم يتجلجلون فيها إلى‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫حا‪.‬‬ ‫وقد ذكر ها هنا إسرائيليات ]غريبة[ )‪ (7‬أضربنا عنها صف ً‬
‫ن‬‫ري َ‬‫ص ِ‬‫من ْت َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫صُرون َ ُ‬ ‫ن فِئ َةٍ ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫معه ‪ ،‬ول خدمه و ]ل[ )‪ (8‬حشمه‪ .‬ول دفعوا‬ ‫ج َ‬ ‫ُ‬
‫{ أي ‪ :‬ما أغنى عنه ماله ‪ ،‬وما َ‬
‫عنه نقمة الله وعذابه ونكاله ]به[ )‪ ، (9‬ول كان هو في نفسه منتصًرا‬
‫لنفسه ‪ ،‬فل ناصر له]ل[ )‪ (10‬من نفسه ‪ ،‬ول من غيره‪.‬‬
‫َ‬
‫س { أي ‪ :‬الذين لما رأوه في‬ ‫م ِ‬ ‫ه ِبال ْ‬ ‫كان َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وا َ‬ ‫من ّ ْ‬‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ح ال ّ ِ‬ ‫صب َ َ‬‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ُ‬
‫ظيم ٍ { ‪ ،‬فلما‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬‫ي َقاُرو ُ‬ ‫ما أوت ِ َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ت ل ََنا ِ‬ ‫زينته قالوا } َيا ل َي ْ َ‬
‫ه‬
‫عَبادِ ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ه ي َب ْ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫خسف به أصبحوا يقولون ‪ } :‬وَي ْك َأ ّ‬
‫ل على رضا الله عن صاحبه ]وعن عباده[ )‬ ‫قدُِر { أي ‪ :‬ليس المال بدا ّ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫‪ (11‬؛ فإن الله يعطي ويمنع ‪ ،‬ويضيق ويوسع ‪ ،‬ويخفض ويرفع ‪ ،‬وله الحكمة‬
‫التامة والحجة البالغة‪ .‬وهذا كما في الحديث المرفوع عن ابن مسعود ‪" :‬إن‬
‫الله قسم بينكم أخلقكم ‪ ،‬كما قسم أرزاقكم وإن الله يعطي المال من يحب‬
‫‪ ،‬ومن ل يحب ‪ ،‬ول يعطي اليمان إل من يحب" )‪.(12‬‬
‫ف ب َِنا { أي ‪ :‬لول ُلطف الله بنا وإحسانه إلينا‬ ‫ه عَل َي َْنا ل َ َ‬ ‫َ‬
‫س َ‬‫خ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫م ّ‬
‫ن َ‬ ‫} لَ ْ‬
‫ول أ ْ‬
‫لخسف بنا ‪ ،‬كما خسف‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المصبغة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪ .‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬يا موسى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬فلتطعني"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬اذهبوا به ل أرى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬المسند )‪.(1/387‬‬

‫) ‪(6/257‬‬

‫ساًدا َوال َْعاقِب َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫داُر اْل َ ِ‬


‫ة‬ ‫ض وََل فَ َ‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ن عُل ُ ّ‬‫دو َ‬ ‫ري ُ‬‫ن َل ي ُ ِ‬ ‫ذي َ‬‫جعَل َُها ل ِل ّ ِ‬‫خَرة ُ ن َ ْ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ت ِل ْ َ‬
‫جَزى‬ ‫سي ّئ َةِ فََل ي ُ ْ‬
‫جاَء ِبال ّ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫من َْها وَ َ‬
‫خي ٌْر ِ‬
‫ه َ‬ ‫سن َةِ فَل َ ُ‬‫ح َ‬ ‫جاَء ِبال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪َ (83‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ل ِل ْ ُ‬
‫ن )‪(84‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت إ ِّل َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫به ‪ ،‬لنا َودْدنا أن نكون مثله‪.‬‬


‫ح ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن { يعنون ‪ :‬أنه كان كافًرا ‪ ،‬ول يفلح الكافر عند الله‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫ه ل يُ ْ‬ ‫} وَي ْك َأن ّ ُ‬
‫‪ ،‬ل في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬
‫ن { ‪ ،‬فقال‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقد اختلف النحاة في معنى قوله تعالى ]ها هنا[ )‪ } : (1‬وَي ْكأ ّ‬
‫ل فتح‬ ‫ففت فقيل ‪" :‬ويك" ‪ ،‬ود ّ‬ ‫خ ّ‬‫بعضهم ‪ :‬معناها ‪" :‬ويلك اعلم أن" ‪ ،‬ولكن ُ‬
‫"أن" على حذف "اعلم"‪ .‬وهذا القول ضّعفه ابن جرير )‪ ، (2‬والظاهر أنه‬
‫قوي ‪ ،‬ول يشكل على ذلك إل كتابتها في المصاحف متصلة "ويكأن"‪ .‬والكتابة‬
‫أمر وضعي اصطلحي ‪ ،‬والمرجع إلى اللفظ العربي ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬معناها ‪ :‬ويكأن ‪ ،‬أي ‪ :‬ألم تر أن‪ .‬قاله قتادة‪ .‬وقيل ‪ :‬معناها "وي كأن"‬
‫‪ ،‬ففصلها وجعل حرف "وي" )‪ (3‬للتعجب أو للتنبيه ‪ ،‬و"كأن" بمعنى "أظن‬
‫وأحسب"‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬وأقوى القوال في هذا قول قتادة ‪ :‬إنها بمعنى ‪:‬‬
‫ألم تر أن ‪ ،‬واستشهد بقول الشاعر )‪: (4‬‬
‫ماني ب ُِنكر‪...‬‬ ‫مالي ‪ ،‬وقَد ْ جئ ْت ُ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َرأَتاني‪ ...‬قَ ّ‬ ‫طلق أ ْ‬ ‫سأل ََتاني ال ّ‬ ‫َ‬
‫ضّر‪...‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ش‬ ‫عي‬
‫َ‬ ‫يعش‬ ‫َ‬ ‫فتقر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ومن‬ ‫ب‬
‫َ ْ‬ ‫ب‬ ‫ح‪...‬‬ ‫ُ ْ‬ ‫ي‬ ‫شب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫له‬ ‫كن‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫وَ ْ ْ َ ْ‬
‫م‬ ‫ن‬ ‫يكأ‬
‫ض َول فَ َ‬
‫ساًدا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫} ت ِل ْ َ‬
‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ن عُل ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬‫ن ل يُ ِ‬ ‫ذي َ‬‫جعَلَها ل ِل ِ‬ ‫خَرة ُ ن َ ْ‬‫داُر ال ِ‬ ‫ك ال ّ‬
‫سي ّئ َةِ َفل‬‫جاَء ِبال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫من َْها وَ َ‬
‫خي ٌْر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سن َةِ فَل َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫جاَء ِبال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪َ (83‬‬ ‫قي َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫َوال َْعاقِب َ ُ‬
‫ن )‪.{ (84‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ت ِإل َ‬‫سي َّئا ِ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫ن عَ ِ‬‫ذي َ‬ ‫جَزى ال ّ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫يخبر تعالى أن الدار الخرة ونعيمها المقيم الذي ل يحول ول يزول ‪ ،‬جعلها‬
‫وا في الرض ‪ ،‬أي ‪ :‬ترفًعا‬ ‫لعباده المؤمنين المتواضعين ‪ ،‬الذين ل يريدون عل ّ‬
‫ما عليهم وتجبًرا بهم ‪ ،‬ول فساًدا فيهم‪ .‬كما قال‬ ‫على خلق الله وتعاظ ً‬
‫عكرمة ‪ :‬العلو ‪ :‬التجبر‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬العلو ‪ :‬البغي‪.‬‬
‫وقال سفيان بن سعيد الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مسلم )‪ (5‬البطين ‪ :‬العلو‬
‫في الرض ‪ :‬التكبر بغير حق‪ .‬والفساد ‪ :‬أخذ المال بغير حق‪.‬‬
‫ما وتجبًرا )‪َ } ، (6‬ول‬ ‫ض { تعظ ً‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ن عُل ُ ّ‬‫دو َ‬
‫ري ُ‬‫جَرْيج ‪ } :‬ل ي ُ ِ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫ساًدا { ‪ :‬عمل بالمعاصي‪.‬‬ ‫فَ َ‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن أشعث السمان )‪ ، (7‬عن‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن وَ ِ‬
‫أبى سلم العرج ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون‬
‫جعَل َُها‬
‫خَرةُ ن َ ْ‬
‫داُر ال ِ‬
‫ك ال ّ‬ ‫أجود من شراك صاحبه ‪ ،‬فيدخل )‪ (8‬في قوله ‪ } :‬ت ِل ْ َ‬
‫ن {‪.‬‬‫قي َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ساًدا َوال َْعاقِب َ ُ‬ ‫ض َول فَ َ‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ن عُل ُ ّ‬‫دو َ‬
‫ري ُ‬‫ن ل يُ ِ‬ ‫ذي َ‬‫ل ِل ّ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(20/77‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬هو زيد بن عمرو بن نفيل ‪ ،‬والبيت في تفسير الطبري )‪.(20/77‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬سالم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬ول تجبرا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬أشعب السماك"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬فدخل"‪.‬‬

‫) ‪(6/258‬‬

‫وهذا محمول على ما إذا أراد ]بذلك[ )‪ (1‬الفخر ]والتطاول[ )‪ (2‬على غيره ؛‬
‫فإن ذلك مذموم ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫خَر أحد على أحد ‪ ،‬ول‬ ‫ضُعوا ‪ ،‬حتى ل يف َ‬ ‫ي أن توا َ‬ ‫]أنه قال[ )‪ (3‬إنه أوحي إل ّ‬
‫مل فهذا ل بأس به ‪،‬‬ ‫يبغي أحد على أحد" )‪ ، (4‬وأما إذا أحب ذلك لمجرد التج ّ‬
‫فقد ثبت أن رجل قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني أحب أن يكون ردائي حسًنا‬
‫ب الجمال"‪.‬‬ ‫ونعلي حسنة ‪ ،‬أفمن الكبر ذلك ؟ فقال ‪" :‬ل إن الله جميل يح ّ‬
‫من َْها { أي ‪:‬‬ ‫خي ٌْر ِ‬‫ه َ‬ ‫سن َةِ { أي ‪ :‬يوم القيامة } فَل َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫جاَء ِبال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫وقال )‪َ } : (5‬‬
‫سَنة العبد ‪ ،‬فكيف والله يضاعفه أضعاًفا كثيرة فهذا )‪(6‬‬ ‫ح َ‬‫ثواب الله خير من َ‬
‫مقام الفضل‪.‬‬
‫كاُنوا‬‫ما َ‬‫ت ِإل َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن عَ ِ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫جَزى ال ِ‬ ‫سي ّئ َةِ َفل ي ُ ْ‬ ‫جاَء ِبال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫م‬
‫جوهُهُ ْ‬ ‫ت وُ ُ‬ ‫ُ‬
‫سي ّئ َةِ فَكب ّ ْ‬ ‫جاَء ِبال ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن { ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫مُلو َ‬‫ي َعْ َ‬
‫ن { ] النمل ‪ [ 90 :‬وهذا مقام الفصل‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ل تُ ْ‬‫ِفي الّنارِ هَ ْ‬
‫والعدل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪ (2865‬من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬وهذا"‪.‬‬

‫) ‪(6/259‬‬

‫َ‬
‫دى‬ ‫جاَء ِبال ْهُ َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل َرّبي أعْل َ ُ‬ ‫مَعادٍ قُ ْ‬ ‫ك إ َِلى َ‬ ‫ن ل ََراد ّ َ‬ ‫قْرآ َ َ‬‫ك ال ْ ُ‬ ‫ض عَل َي ْ َ‬ ‫ذي فََر َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ح َ‬
‫ب إ ِل َر ْ‬ ‫ك الك َِتا ُ‬ ‫قى إ ِلي ْ َ‬ ‫ن ي ُل َ‬ ‫جو أ ْ‬ ‫ت ت َْر ُ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ن )‪ (85‬وَ َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن هُوَ ِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ّ‬
‫ت اللهِ ب َعْد َ إ ِذ ْ‬ ‫َ‬
‫ن آَيا ِ‬ ‫صد ّن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ظِهيًرا ل ِل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك فَل ت َ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫ن )‪ (86‬وَل ي َ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫معَ اللهِ إ ِلًها‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك َواد ْع ُ إ ِلى َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ت إ ِلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (87‬وَل ت َد ْع ُ َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك وَل ت َكون َ ّ‬ ‫أن ْزِل ْ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫جهَ ُ‬‫ك إ ِّل وَ ْ‬ ‫هال ِ ٌ‬‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ ك ُ ّ‬ ‫خَر َل إ ِل َ َ‬ ‫آَ َ‬
‫َ‬
‫دى‬ ‫جاَء ِبال ْهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ل َرّبي أعْل َ ُ‬ ‫مَعادٍ قُ ْ‬ ‫ك إ َِلى َ‬ ‫ن ل ََراد ّ َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ض عَل َي ْ َ‬ ‫ذي فََر َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِإل َر ْ‬ ‫ك ال ْك َِتا ُ‬ ‫قى إ ِل َي ْ َ‬ ‫ن ي ُل ْ َ‬ ‫جو أ ْ‬ ‫ت ت َْر ُ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ن )‪ (85‬وَ َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن هُوَ ِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ّ‬
‫ت اللهِ ب َعْد َ إ ِذ ْ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫صد ّن ّ َ‬ ‫ن )‪َ (86‬ول ي َ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ظِهيًرا ل ِل َ‬ ‫َ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ك َفل ت َ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫معَ اللهِ إ ِلًها‬ ‫ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ك َول ت َ ُ‬ ‫ك َواد ْع ُ إ ِلى َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت إ ِلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪َ (87‬ول ت َد ْع ُ َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫أنزل ْ‬
‫ن )‪.{ (88‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫جهَ ُ‬‫ك ِإل وَ ْ‬ ‫هال ِ ٌ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ِإل هُوَ ك ُ ّ‬ ‫خَر ل إ ِل َ َ‬ ‫آ َ‬
‫يقول تعالى آمًرا رسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬ببلغ الرسالة وتلوة‬ ‫َ‬
‫القرآن على الناس ‪ ،‬ومخبًرا له بأنه سيرده إلى معاد ‪ ،‬وهو يوم القيامة ‪،‬‬
‫ض عَل َي ْكَ‬ ‫ذي فََر َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫فيسأله عما استرعاه من أعباء النبوة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَعاد ٍ { أي ‪ :‬افترض عليك أداءه إلى الناس ‪ } ،‬لَراد ّك إ ِلى‬ ‫ك إ َِلى َ‬ ‫ن ل ََراد ّ َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫سأل َ ّ‬
‫ن‬ ‫مَعاد ٍ { أي ‪ :‬إلى يوم القيامة فيسألك عن ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَل َن َ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫معُ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن { ] العراف ‪ ، [ 6 :‬وقال } ي َوْ َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫سأل ّ‬ ‫م وَلن َ ْ‬ ‫سل إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ب[ )‪{ (1‬‬ ‫م الغُُيو ِ‬ ‫عل ُ‬ ‫ت َ‬ ‫َ‬
‫م لَنا إ ِن ّك أن ْ َ‬ ‫عل َ‬ ‫م ]قالوا ل ِ‬ ‫َ‬ ‫جب ْت ُ ْ‬‫ماذا أ ِ‬ ‫َ‬ ‫قول َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سل في َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ه الّر ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫داِء { ] الزمر ‪:‬‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫جيَء ِبالن ّب ِّيي َ‬ ‫] المائدة ‪] [ 109 :‬وقال[ ‪ } (2) :‬وَ ِ‬
‫‪.[ 69‬‬
‫ك‬ ‫ض عَل َي ْ َ‬ ‫ذي فََر َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقال السدي عن أبي صالح ‪ ،‬عن )‪ (3‬ابن عباس ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫مَعاد ٍ { ‪ ،‬يقول ‪ :‬لراّدك إلى الجنة ‪ ،‬ثم سائلك عن القرآن‪.‬‬ ‫ك إ َِلى َ‬ ‫ن ل ََراد ّ َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قال السدي ‪ :‬وقال أبو سعيد مثلها‪.‬‬
‫مة ‪] ،‬و[ )‪ (4‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله‬ ‫كر ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫وقال الحكم بن َأبان ‪ ،‬عن ِ‬
‫مَعاد ٍ { قال ‪ :‬إلى يوم القيامة‪ .‬ورواه مالك ‪ ،‬عن‬ ‫ك إ َِلى َ‬ ‫عنهما ‪ } :‬ل ََراد ّ َ‬
‫الزهري‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(6/259‬‬

‫جَبير ‪ ،‬عن ابن عباس )‪: (1‬‬


‫وقال الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫ك إ َِلى َ‬
‫مَعاد ٍ { ‪ :‬إلى الموت‪.‬‬ ‫} ل ََراد ّ َ‬
‫ولهذا ط ُُرقٌ عن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬وفي بعضها ‪ :‬لرادك إلى‬
‫معدنك من الجنة‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬يحييك يوم القيامة‪ .‬وكذا روي عن عكرمة ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وسعيد‬
‫ة ‪ ،‬وأبي مالك ‪ ،‬وأبي صالح‪.‬‬ ‫بن جبير ‪ ،‬وأبي قََزعَ َ‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬أي والله ‪ ،‬إن له لمعاًدا )‪ ، (2‬يبعثه الله يوم القيامة‬
‫ثم يدخله الجنة‪.‬‬
‫وقد ُروي عن ابن عباس غير ذلك ‪ ،‬كما قال البخاري في التفسير من‬
‫صحيحه )‪: (3‬‬
‫فريّ ‪ ،‬عن عكرمة ‪،‬‬ ‫ص ُ‬‫حدثنا محمد بن مقاتل ‪ ،‬أنبأنا يعلى ‪ ،‬حدثنا سفيان العُ ْ‬
‫مَعاد ٍ { قال ‪ :‬إلى مكة‪.‬‬ ‫ك إ َِلى َ‬ ‫عن ابن عباس ‪ } :‬ل ََراد ّ َ‬
‫وهكذا رواه النسائي في تفسير سننه ‪ ،‬وابن جرير من حديث يعلى ‪ -‬وهو ابن‬
‫ي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ل ََراد ّ َ‬
‫ك‬ ‫وف ّ‬ ‫ي ‪ -‬به )‪ .(4‬وهكذا روى العَ ْ‬ ‫عبيد الط َّناِفس ّ‬
‫مَعادٍ { أي ‪ :‬لرادك إلى مكة كما أخرجك منها‪.‬‬ ‫إ َِلى َ‬
‫مَعاد ٍ { ‪ :‬إلى‬ ‫ك إ َِلى َ‬ ‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن مجاهد في قوله ‪ } :‬ل ََراد ّ َ‬
‫مولدك بمكة‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬وقد روى عن ابن عباس ‪ ،‬ويحيى بن الجزار ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬وعطية ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬
‫]وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر قال ‪ :‬قال سفيان ‪ :‬فسمعناه من مقاتل‬
‫منذ سبعين سنة ‪ ،‬عن الضحاك[ )‪ (5‬قال ‪ :‬لما خرج النبي صلى الله عليه‬
‫ن‬
‫فة ‪ ،‬اشتاق إلى مكة ‪ ،‬فأنزل الله عليه ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬‫ج ْ‬ ‫وسلم من مكة ‪ ،‬فبلغ ال ُ‬
‫مَعاد ٍ { إلى مكة‪.‬‬ ‫ك إ َِلى َ‬ ‫ن ل ََراد ّ َ‬‫قْرآ َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬‫ض عَل َي ْ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي فََر َ‬
‫وهذا من كلم الضحاك يقتضي أن هذه الية مدنية ‪ ،‬وإن كان مجموع السورة‬
‫مكيا ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬
‫ك إ ِلى‬ ‫َ‬
‫مر ‪ ،‬عن قتادة في قوله ‪ } :‬لَراد ّ َ‬ ‫معْ َ‬‫وقد قال عبد الرزاق ‪ :‬حدثنا َ‬
‫ن أبي حاتم بسنده‬ ‫مَعاد ٍ { قال ‪ :‬هذه مما كان ابن عباس يكتمها ‪ ،‬وقد َرَوى اب ُ‬ ‫َ‬
‫مَعادٍ { قال ‪ :‬إلى بيت‬ ‫ك إ َِلى َ‬‫عن نعيم القارئ أنه قال في قوله ‪ } :‬ل ََراد ّ َ‬
‫المقدس‪.‬‬
‫وهذا ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬يرجع إلى قول من فسر ذلك بيوم القيامة ؛ لن بيت‬
‫المقدس هو أرض المحشر والمنشر ‪ ،‬والله الموفق للصواب‪.‬‬
‫ووجه الجمع بين هذه القوال أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلى‬
‫مكة ‪ ،‬وهو الفتح الذي هو عند ابن عباس أمارة على اقتراب أجله ‪ ،‬صلوات‬
‫الله وسلمه عليه )‪ ، (6‬كما فسره ابن عباس‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وعنه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬إنه لمعاد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬كما روى البخاري بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (11386‬وتفسير الطبري )‪.(20/80‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬أجل النبي صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫) ‪(6/260‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫جا‪.‬‬ ‫ن الل ّهِ أفْ َ‬
‫وا ً‬ ‫خُلو َ‬
‫ن ِفي ِدي ِ‬ ‫س ي َد ْ ُ‬
‫ت الّنا َ‬
‫ح وََرأي ْ َ‬ ‫صُر الل ّهِ َوال ْ َ‬
‫فت ْ ُ‬ ‫بسورة } إ َِذا َ‬
‫جاَء ن َ ْ‬
‫جل رسول الله صلى الله‬ ‫ُ‬ ‫واًبا { أنه أ َ‬‫ن تَ ّ‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫فْره ُ إ ِن ّ ُ‬
‫ست َغْ ِ‬ ‫َ‬
‫مد ِ َرب ّك َوا ْ‬‫ح ْ‬
‫ح بِ َ‬ ‫فَ َ‬
‫سب ّ ْ‬
‫عليه وسلم ُنعي إليه ‪ ،‬وكان ذلك بحضرة عمر بن الخطاب ‪ ،‬ووافقه عمر‬
‫على ذلك ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل أعلم منها غير الذي تعلم‪ .‬ولهذا فسر ابن عباس تارة‬
‫مَعاد ٍ { بالموت ‪ ،‬وتارة بيوم القيامة الذي هو بعد‬ ‫ك إ َِلى َ‬ ‫أخرى قوله ‪ } :‬ل ََراد ّ َ‬
‫الموت ‪ ،‬وتارة بالجنة التي هي جزاؤه ومصيره على أداء رسالة الله وإبلغها‬
‫إلى الثقلين ‪ :‬الجن والنس ‪ ،‬ولنه أكمل خلق الله ‪ ،‬وأفصح )‪ (1‬خلق الله ‪،‬‬
‫وأشرف خلق الله على الطلق‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬قل‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن هُوَ ِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫دى وَ َ‬ ‫جاَء ِبالهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل َرّبي أعْل َ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ن تبعهم على‬ ‫م ْ‬ ‫ن خالفك وكذبك يا محمد من قومك من المشركين و َ‬ ‫م ْ‬‫‪ -‬لِ َ‬
‫كفرهم ‪ -‬قل ‪ :‬ربي أعلم بالمهتدي منكم ومني ‪ ،‬وستعلمون لمن تكون عاقبة‬
‫ن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫الدار ‪ ،‬ول ِ َ‬
‫ثم قال تعالى مذكًرا لنبيه نعمته العظيمة عليه وعلى العباد إذ أرسله إليهم ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ب { أي ‪ :‬ما كنت تظن قبل إنزال‬ ‫ك ال ْك َِتا ُ‬ ‫قى إ ِل َي ْ َ‬ ‫ن ي ُل ْ َ‬ ‫جو أ ْ‬ ‫ت ت َْر ُ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن َرب ّك { أي ‪ :‬إنما نزل‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬
‫الوحي )‪ (2‬إليك أن الوحي ينزل عليك ‪ِ } ،‬إل َر ْ‬
‫)‪ (3‬الوحي عليك من الله من رحمته بك وبالعباد بسببك ‪ ،‬فإذا منحك بهذه‬
‫ن { ]أي[ )‪: (4‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ن ظ َِهيًرا { أي ‪ :‬معيًنا } ل ِل ْ َ‬ ‫كون َ ّ‬‫النعمة العظيمة } َفل ت َ ُ‬
‫ولكن فارقهم ونابذهم وخالفهم‪.‬‬
‫ك { أي ‪ :‬ل تتأثر لمخالفتهم لك‬ ‫ت إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫أنز‬‫ك عَن آيات الل ّه بعد إذ ْ ُ‬ ‫صد ّن ّ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ َْ َ ِ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫} َول ي َ ُ‬
‫ل‬‫معْ ٍ‬ ‫وصدهم الناس عن طريقك )‪ (5‬ل تلوي على ذلك ول تباله ؛ فإن الله ُ‬
‫كلمتك ‪ ،‬ومؤيد ٌ دينك ‪ ،‬ومظهر ما أرسلت )‪ (6‬به على سائر الديان ؛ ولهذا‬
‫ك { أي ‪ :‬إلى عبادة ربك وحده ل شريك له ‪َ } ،‬ول‬ ‫قال ‪َ } :‬واد ْع ُ إ َِلى َرب ّ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬‫تَ ُ‬
‫ه ِإل هُوَ { أي ‪ :‬ل تليق العبادة إل له‬ ‫َ‬
‫خَر ل إ ِل َ‬ ‫َ‬
‫معَ اللهِ إ ِلًها آ َ‬ ‫ّ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ت َد ْع ُ َ‬
‫ول تنبغي اللهية إل لعظمته‪.‬‬
‫ه { ‪ :‬إخبار بأنه الدائم الباقي الحي‬ ‫جهَ ُ‬ ‫ك ِإل وَ ْ‬ ‫هال ِ ٌ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك ُ ّ‬
‫ن عَل َي َْها‬
‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫القيوم ‪ ،‬الذي تموت الخلئق ول يموت ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ك ُ ّ‬
‫ل َوالك َْرام ِ { ] الرحمن ‪ ، [ 27 ، 26 :‬فعبر‬ ‫جل ِ‬ ‫ك ُذو ال ْ َ‬ ‫ه َرب ّ َ‬ ‫ج ُ‬‫قى وَ ْ‬ ‫ن * وَي َب ْ َ‬ ‫َفا ٍ‬
‫ه { أي ‪ :‬إل‬ ‫جهَ ُ‬‫هال ِك ِإل وَ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫بالوجه عن الذات ‪ ،‬وهكذا قوله ها هنا ‪ } :‬ك ّ‬
‫إياه‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح ‪ ،‬من طريق أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أصدق كلمة قالها شاعر ]كلمة[ )‪ (7‬لبيد‬
‫‪:‬‬
‫ل )‪(8‬‬ ‫ه َباط ِ ُ‬ ‫خل الل َ‬ ‫ما َ‬ ‫يء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫أل ك ّ‬
‫ه { أي ‪ :‬إل ما‬ ‫جهَ ُ‬ ‫ك ِإل وَ ْ‬ ‫هال ِ ٌ‬‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وقال مجاهد والثوري في قوله ‪ } :‬ك ُ ّ‬
‫أريد به وجهه ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وأنصح"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الذكر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنزل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬طريقتك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ما أرسلك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وصحيح البخاري‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (3841‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2256‬‬
‫) ‪(6/261‬‬

‫وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له‪.‬‬


‫قال ابن جرير ‪ :‬ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر ‪:‬‬
‫م ُ‬
‫ل‪...‬‬ ‫ه والعَ َ‬‫ج ُ‬‫ب العَباد ‪ ،‬إَليه الوَ ْ‬‫ه‪َ ...‬ر ّ‬
‫صي َ ُ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬
‫ت ُ‬‫س ُ‬ ‫ه ذنًبا ل َ ْ‬ ‫فُر الل َ‬
‫ست َغْ ِ‬‫أ ْ‬
‫وهذا القول ل ينافي القول الول ‪ ،‬فإن هذا إخبار عن كل العمال بأنها باطلة‬
‫إل ما أريد بها وجه الله )‪ (1‬عز وجل من العمال الصالحة المطابقة‬
‫للشريعة‪ .‬والقول الول مقتضاه أن كل الذوات فانية )‪ (2‬وهالكة وزائلة إل‬
‫ذاته )‪ (3‬تعالى ‪ ،‬فإنه الول الخر الذي هو قبل كل شيء وبعد كل شيء‪.‬‬
‫قال )‪ (4‬أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب "التفكر والعتبار"‬
‫‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بكر ‪ ،‬حدثنا مسلم بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا عمر بن‬
‫سليم الباهلي ‪ ،‬حدثنا أبو الوليد قال ‪ :‬كان )‪ (5‬ابن عمر إذا أراد أن يتعاهد‬
‫قلبه ‪ ،‬يأتي الخربة فيقف على بابها ‪ ،‬فينادي بصوت حزين فيقول ‪ :‬أين‬
‫ه {‪.‬‬‫جهَ ُ‬‫ك ِإل وَ ْ‬‫هال ِ ٌ‬
‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬‫ل َ‬‫أهلك ؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول ‪ } :‬ك ُ ّ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬الملك والتصرف ‪ ،‬ول معقب لحكمه ‪ } ،‬وَإ ِلي ْ ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫حك ْ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬يوم معادكم ‪ ،‬فيجزيكم )‪ (6‬بأعمالكم ‪ ،‬إن كان خيرا فخير ‪،‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫وإن شرا فشر‪.‬‬
‫]والله أعلم‪ .‬آخر تفسير سورة "القصص"[ )‪(7‬‬
‫تفسير سورة العنكبوت‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬به وجه الله" وفي أ ‪" :‬به وجهه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬تفنى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وجهه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬بسنده أن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬فيجازيكم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/262‬‬

‫ن )‪ (2‬وَل َ َ‬ ‫م َل ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫الم )‪ (1‬أ َحسب الناس أ َن يتر ُ َ‬


‫قد ْ فَت َّنا‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫كوا أ ْ‬ ‫ّ ُ ْ َُْ‬ ‫َ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (3‬أ ْ‬ ‫َ‬
‫ن الكاذِِبي َ‬ ‫م ّ‬ ‫صد َُقوا وَلي َعْل َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ن الل ُ‬‫م ّ‬‫م فَلي َعْل َ‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫ساَء َ‬ ‫قوَنا َ‬ ‫سب ِ ُ‬
‫ن يَ ْ‬‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬‫ن ال ّ‬‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫]وهي[ )‪ (1‬مكية‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ‬
‫ن )‪ (2‬وَل َ‬ ‫فت َُنو َ‬‫م ل يُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قولوا آ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ن ي ُت َْركوا أ ْ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫} الم )‪ (1‬أ َ‬
‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م‬‫ن )‪ (3‬أ ْ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫م ّ‬ ‫صد َُقوا وَل َي َعْل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬‫م فَل َي َعْل َ َ‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫فَت َّنا ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (4‬‬ ‫مو َ‬‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ساَء َ‬ ‫قوَنا َ‬ ‫سب ِ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫أما الكلم على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة "البقرة"‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬أ َحسب الناس أ َن يتر ُ َ‬
‫ن { استفهام‬ ‫فت َُنو َ‬‫م ل يُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كوا أ ْ‬ ‫ّ ُ ْ َُْ‬ ‫َ ِ َ‬
‫إنكار ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬أن الله سبحانه وتعالى ل بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب‬
‫ما عندهم من اليمان ‪ ،‬كما جاء في الحديث الصحيح ‪" :‬أشد الناس بلء‬
‫النبياء ثم الصالحون ‪ ،‬ثم المثل فالمثل ‪ ،‬يبتلى الرجل على حسب دينه ‪،‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫فإن كان في دينه صلبة زيد في البلء" )‪ .(2‬وهذه الية كقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫ن { )‪(3‬‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫صاب ِ‬‫م ال ّ‬ ‫م وَي َعْل َ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬‫أ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫]آل عمران ‪ ، [142 :‬ومثلها في سورة "براءة" وقال في البقرة ‪ } :‬أ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫حسبت َ‬
‫ساءُ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫أل‬‫ل وال ّذين آمنوا معه متى نصر الل ّه َ‬ ‫ُ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قو‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ز‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫را‬
‫ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َُ ِ‬ ‫ض ّ‬‫َوال ّ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫قد ْ فَت َّنا ال ِ‬ ‫َ‬
‫ب { ]البقرة ‪ [214 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬وَل َ‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر اللهِ قَ ِ‬‫ّ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬الذين صدقوا في‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صد َُقوا وَلي َعْل َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫م فَلي َعْل َ‬‫َ‬ ‫قَب ْل ِهِ ْ‬
‫ن هو كاذب في قوله ودعواه‪ .‬والله سبحانه وتعالى يعلم‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫دعواهم اليمان ِ‬
‫ما كان وما يكون ‪ ،‬وما لم يكن لو كان كيف يكون )‪ .(4‬وهذا مجمع عليه عند‬
‫م{‬ ‫أئمة السنة والجماعة ؛ ولهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل ‪ِ } :‬إل ل ِن َعْل َ َ‬
‫]البقرة ‪ : [143 :‬إل لنرى ؛ وذلك أن الرؤية إنما تتعلق بالموجود ‪ ،‬والعلم‬
‫أعم من الرؤية ‪ ،‬فإنه ]يتعلق[ )‪ (5‬بالمعدوم والموجود‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ‬‫ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ساَء َ‬ ‫قوَنا َ‬ ‫سب ِ ُ‬‫ن يَ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫أي ‪ :‬ل يحسبن الذين لم يدخلوا في اليمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة‬
‫والمتحان ‪ ،‬فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (1/172‬والترمذي في السنن برقم )‪ (2398‬من طريق مصعب‬
‫بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫"حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬هكذا وقعت الية في جميع المخطوطات ‪ ،‬والصواب بعدم إثبات قوله‬
‫تعالى ‪) :‬ويعلم الصابرين( لنها ليست نهاية تذييل الية ونهاية تذييل الية ‪:‬‬
‫)ولم يتخذوا من دون الله ول رسوله ول المؤمنين وليجة والله خبير بما‬
‫تعملون(‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كيف كان يكون"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/263‬‬

‫قاَء الل ّه فَإ َ‬


‫جاهَد َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫م )‪ (5‬وَ َ‬ ‫س ِ‬
‫ت وَهُوَ ال ّ‬ ‫ل الل ّهِ َل َ ٍ‬‫ج َ‬‫نأ َ‬ ‫ِ ِ ّ‬ ‫جو ل ِ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬
‫كا َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫مي‬
‫َ ِ َ‬‫َ‬ ‫ل‬‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫غ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫فَ ِ ّ َ ُ َ ِ ُ َ ِ ِ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ن‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ن ي َعْ َ‬
‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬
‫س َ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫هو أغلظ من هذا وأطم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬بئس ما يظنون‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ساَء َ‬ ‫قوَنا { أي ‪ :‬يفوتونا ‪َ } ،‬‬ ‫سب ِ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫م )‪ (5‬وَ َ‬ ‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫س ِ‬‫ت وَهُوَ ال ّ‬ ‫جل اللهِ ل ٍ‬ ‫نأ َ‬ ‫قاَء اللهِ فإ ِ ّ‬ ‫جو ل ِ َ‬‫ن ي َْر ُ‬‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫} َ‬
‫ن )‪{ (6‬‬ ‫مي‬‫َ‬ ‫ل‬‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫جاهَ َ ِ ّ َ ُ َ ِ ُ ِ َ ِ ِ ِ ّ‬
‫إ‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫د‬
‫َ ِ َ‬ ‫َ َ ِ ّ َ ِ‬ ‫َ‬

‫) ‪(6/264‬‬

‫فرن عَنهم سيَئات ِهم ول َنجزينه َ‬ ‫ذي َ‬


‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫س َ‬
‫ح َ‬‫مأ ْ‬ ‫ت ل َن ُك َ ّ َ ّ ْ ُ ْ َ ّ ِ ْ َ َ ْ ِ َ ّ ُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َوال ّ ِ َ‬
‫ما‬‫ك ِبي َ‬‫شرِ َ‬‫ك ل ِت ُ ْ‬‫دا َ‬
‫جاهَ َ‬
‫ن َ‬
‫سًنا وَإ ِ ْ‬
‫ح ْ‬
‫وال ِد َي ْهِ ُ‬
‫ن بِ َ‬
‫سا َ‬ ‫ْ‬
‫صي َْنا ال ِن ْ َ‬
‫ن )‪ (7‬وَوَ ّ‬ ‫ملو َ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬
‫ُ‬
‫مُلو َ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬‫م فَأن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ما إ ِل َ ّ‬
‫م فََل ت ُط ِعْهُ َ‬‫عل ْ ٌ‬
‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬
‫ل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬
‫م ِفي ال ّ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬
‫ت ل َن ُد ْ ِ‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫فرن عَنهم سيَئات ِهم ول َنجزينه َ‬
‫ن‬‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ت ل َن ُك َ ّ َ ّ ْ ُ ْ َ ّ ِ ْ َ َ ْ ِ َ ّ ُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫ن )‪.{ (7‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫قاَء الل ّهِ { أي ‪ :‬في الدار الخرة ‪ ،‬وعمل‬ ‫جو ل ِ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫يقول تعالى ‪َ } :‬‬
‫الصالحات رجاء ما عند الله من الثواب الجزيل ‪ ،‬فإن الله سيحقق له رجاءه‬
‫ويوفيه عمله كامل موفورا )‪ ، (1‬فإن ذلك كائن ل محالة ؛ لنه سميع الدعاء ‪،‬‬
‫قاَء الل ّه فَإ َ‬
‫ل الل ّهِ‬ ‫ج َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ ِ ّ‬ ‫جو ل ِ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫بصير بكل الكائنات )‪ (2‬؛ ولهذا قال ‪َ } :‬‬
‫م {‪.‬‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ت وَهُوَ ال ّ‬ ‫ل ٍ‬
‫حا‬‫َ ِ ً‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫َ ْ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫كقوله‬ ‫‪،‬‬ ‫{‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ه‬
‫َ َ ْ َ َ َ ِّ َ ُ َ ِ ُ َِ ِ ِ‬ ‫جا‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫سهِ { ]فصلت ‪ [46 :‬أي ‪ :‬من عمل صالحا فإنما يعود نفع عمله على‬ ‫ف ِ‬ ‫فَل ِن َ ْ‬
‫نفسه ‪ ،‬فإن الله غني عن أفعال العباد ‪ ،‬ولو كانوا كلهم على أتقى قلب رجل‬
‫جاهَد َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫]واحد[ )‪ (3‬منهم ‪ ،‬ما زاد ذلك في ملكه شيئا ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال َْعال َ ِ‬ ‫ي عَ ِ‬ ‫ه ل َغَن ِ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سهِ إ ِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫جاهِد ُ ل ِن َ ْ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫فَإ ِن ّ َ‬
‫قال الحسن البصري ‪ :‬إن الرجل ليجاهد ‪ ،‬وما ضرب يوما من الدهر بسيف‪.‬‬
‫ثم أخبر أنه مع غناه عن الخلئق جميعهم من إحسانه وبره بهم يجازي الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات أحسن الجزاء ‪ ،‬وهو أنه يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا‬
‫‪ ،‬ويجزيهم أجرهم بأحسن ما )‪ (4‬كانوا يعملون ‪ ،‬فيقبل القليل من‬
‫الحسنات ‪ ،‬ويثيب عليها الواحدة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ‪ ،‬ويجزي‬
‫ه ل ي َظ ْل ِ ُ‬
‫م‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫على السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫فها ويؤْت من ل َدن َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ما { ]النساء ‪:‬‬ ‫ظي ً‬ ‫جًرا عَ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ع ْ َ َُ ِ ِ ْ ُْ ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل ذ َّرةٍ وَإ ِ ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬
‫سي ّئات ِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَن ْهُ ْ‬ ‫فَر ّ‬ ‫َ‬
‫ت لن ُك ّ‬‫َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫‪ ، [40‬وقال هاهنا ‪َ } :‬وال ِ‬
‫ُ‬ ‫ول َنجزينه َ‬
‫ن{‬ ‫ملو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ َ ْ َُِّ ْ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫ِ ِ ِ ٌ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫بي‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ُِ ِ‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫دا‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬
‫ْ َ َ ِ َ ِ َْ ِ ُ ْ ً َِ ْ َ َ َ‬ ‫نا‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫سا‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫صي َْنا‬‫} وَوَ ّ‬
‫مُلوا‬ ‫ُ‬
‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (8‬وال ّ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م فَأن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ما إ ِل َ ّ‬ ‫َفل ت ُط ِعْهُ َ‬
‫ن )‪.{ (9‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬ ‫ت ل َن ُد ْ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫يقول تعالى آمرا عباده بالحسان إلى الوالدين بعد الحث على التمسك‬
‫بتوحيده ‪ ،‬فإن الوالدين هما سبب وجود النسان ‪ ،‬ولهما عليه )‪ (5‬غاية‬
‫ضى‬ ‫الحسان ‪ ،‬فالوالد بالنفاق والوالدة بالشفاق ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬وَقَ َ‬
‫ما أ َْو‬ ‫حد ُهُ َ‬
‫َ‬
‫ك ال ْك ِب ََر أ َ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ي َب ْل ُغَ ّ‬ ‫ساًنا إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫دوا ِإل إ ِّياه ُ وَِبال ْ َ‬ ‫ك أل ت َعْب ُ ُ‬
‫رب َ َ‬
‫َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ح‬
‫جَنا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض لهُ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ‪َ ،‬وا ْ‬ ‫ري ً‬ ‫ول ك ِ‬ ‫ما قَ ْ‬ ‫ل لهُ َ‬ ‫ما وَقُ ْ‬ ‫ف َول ت َن ْهَْرهُ َ‬ ‫ما أ ّ‬ ‫ل لهُ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما َفل ت َ ُ‬ ‫كلهُ َ‬ ‫ِ‬
‫صِغيًرا { ]السراء ‪، 23 :‬‬ ‫ما َرب َّياِني َ‬ ‫َ‬
‫ما ك َ‬ ‫مهُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َرّبي اْر َ‬ ‫مةِ وَقُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫الذ ّ ّ‬
‫‪.[24‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬موفرا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬بصير بالكائنات"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬إليه"‪.‬‬

‫) ‪(6/264‬‬
‫ُ‬ ‫قو ُ َ‬
‫ب‬
‫ذا ِ‬‫س ك َعَ َ‬ ‫الّنا ِ‬ ‫ة‬‫ل فِت ْن َ َ‬‫جعَ َ‬‫مّنا ِبالل ّهِ فَإ َِذا أوذِيَ ِفي الل ّهِ َ‬ ‫لآ َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَ ِ‬
‫ما ِفي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م بِ َ‬
‫ه ب ِأعْل َ‬‫س الل ُ‬ ‫م أوَلي ْ َ‬ ‫معَك ْ‬
‫ن إ ِّنا كّنا َ‬
‫قول ّ‬ ‫ن َرب ّك لي َ ُ‬ ‫م ْ‬
‫صٌر ِ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬‫ن َ‬ ‫اللهِ وَلئ ِ ْ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫دورِ ال َْعال ِ‬
‫َ‬
‫قي َ‬
‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م ّ‬
‫مُنوا وَلي َعْل َ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬‫ن )‪ (10‬وَلي َعْل َ‬ ‫مي َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ُ‬

‫ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والحسان إليهما ‪ ،‬في مقابلة إحسانهما‬
‫ما {‬ ‫م َفل ت ُط ِعْهُ َ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ك ِبي َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ك ل ِت ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫جاهَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫المتقدم ‪ ،‬قال ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫حَرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين ‪ ،‬فإياك‬ ‫أي ‪ :‬وإن َ‬
‫وإياهما ‪ ،‬ل تطعهما في ذلك ‪ ،‬فإن مرجعكم إلي يوم القيامة ‪ ،‬فأجزيك‬
‫بإحسانك إليهما ‪ ،‬وصبرك على دينك ‪ ،‬وأحشرك مع الصالحين ل في زمرة‬
‫والديك ‪ ،‬وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا ‪ ،‬فإن المرء إنما يحشر يوم‬
‫مُلوا‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن أحب ‪ ،‬أي ‪ :‬حبا دينيا ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬وال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫القيامة مع َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬
‫ت ل َن ُد ْ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫وقال )‪ (1‬الترمذي عند تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن‬
‫ماك بن حرب قال ‪:‬‬ ‫س َ‬ ‫المثنى ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن ِ‬
‫ي أربع آيات‪.‬‬ ‫مصَعب بن سعد يحدث عن أبيه سعد ‪ ،‬قال ‪ :‬نزلت ف ّ‬ ‫سمعت ُ‬
‫م‬
‫فذكر قصة ‪ ،‬وقالت أم سعد ‪ :‬أليس قد أمرك الله بالبر ؟ والله ل أطعَ ُ‬
‫طعاما ول أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر ‪ ،‬قال ‪ :‬فكانوا إذا أرادوا أن‬
‫ن‬
‫سًنا وَإ ِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫وال ِد َي ْهِ ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫سا َ‬ ‫صي َْنا الن ْ َ‬ ‫جروا فاها ‪ ،‬فأنزل الله )‪ } (2‬وَوَ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫يطعموها َ‬
‫ك { الية‪.‬‬ ‫دا َ‬ ‫جاهَ َ‬ ‫َ‬
‫وهذا الحديث رواه المام أحمد ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي أيضا )‪، (3‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫س كعَ َ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫قو ُ‬
‫ب‬
‫ذا ِ‬ ‫ة الّنا ِ‬ ‫ل فِت ْن َ َ‬ ‫مّنا ِباللهِ فإ َِذا أوذِيَ ِفي اللهِ َ‬ ‫لآ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫} وَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما ِفي‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ب ِأعْل َ‬ ‫س الل ُ‬ ‫م أوَلي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫معَك ْ‬ ‫ُ‬
‫ن إ ِّنا كّنا َ‬ ‫قول ّ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك لي َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صٌر ِ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫الل ّهِ وَلئ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (11‬‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫مُنوا وَل َي َعْل َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن )‪ (10‬وَل َي َعْل َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫دورِ ال َْعال َ ِ‬ ‫ص ُ‬‫ُ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن صفات قوم من ]المكذبين[ )‪ (4‬الذين يدعون اليمان‬
‫بألسنتهم ‪ ،‬ولم يثبت اليمان في قلوبهم ‪ ،‬بأنهم إذا جاءتهم فتنة ومحنة في‬
‫الدنيا ‪ ،‬اعتقدوا أن هذا من نقمة الله تعالى بهم ‪ ،‬فارتدوا عن السلم ؛ ولهذا‬
‫ُ‬
‫س‬
‫ة الّنا ِ‬ ‫ل فِت ْن َ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ فَإ َِذا أوذِيَ ِفي الل ّهِ َ‬ ‫لآ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قال ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ب الل ّهِ {‪.‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫ك َعَ َ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬يعني فتنته أن يرتد عن دينه إذا أوذي في الله‪ .‬وكذا قال‬
‫ن ي َعْب ُد ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫غيره من علماء السلف‪ .‬وهذه الية كقوله تعالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خير اط ْمأ َن به وإ َ‬ ‫الل ّه عََلى حرف فَإ َ‬
‫جهِ ِ‬ ‫ب عَلى وَ ْ‬ ‫قل َ‬ ‫ة ان ْ َ‬ ‫ه فِت ْن َ ٌ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ّ ِ ِ َِ ْ‬ ‫ه َ ٌْ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ْ ٍ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ]الحج ‪.[11 :‬‬ ‫مِبي ُ‬‫ن ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫سَرا ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ْ‬
‫خَرةَ ذ َل ِك هُوَ ال ُ‬ ‫َ‬ ‫سَر الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬ولئن جاء‬ ‫معَك ْ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن إ ِّنا كّنا َ‬ ‫ُ‬
‫قول ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك لي َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صٌر ِ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ثم قال ‪ } :‬وَلئ ِ ْ‬
‫نصر قريب من ربك ‪ -‬يا محمد ‪ -‬وفتح ومغانم ‪ ،‬ليقولن هؤلء لكم ‪ :‬إنا كنا‬
‫معكم ‪ ،‬أي ]كنا[ )‪ (5‬إخوانكم في الدين ‪ ،‬كما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فنزلت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪ (3079‬والمسند )‪ (1/181‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪ (1748‬وسنن أبي داود برقم )‪.(2740‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫) ‪(6/265‬‬

‫خ َ‬ ‫سِبيل ََنا وَل ْن َ ْ‬ ‫ذي َ‬


‫م‬‫ما هُ ْ‬‫م وَ َ‬ ‫طاَياك ُ ْ‬ ‫ل َ‬‫م ْ‬‫ح ِ‬ ‫مُنوا ات ّب ُِعوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫فُروا ل ِل ّ ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫قالً‬ ‫َ‬
‫م وَأث ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أث ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫قالهُ ْ‬ ‫مل ّ‬ ‫ح ِ‬‫ن )‪ (12‬وَلي َ ْ‬ ‫م لكاذُِبو َ‬ ‫يٍء إ ِن ّهُ ْ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خطاَياهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫مِلي َ‬ ‫حا ِ‬
‫بِ َ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫معَ أث ْ َ‬
‫فت َُرو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫مةِ عَ ّ‬ ‫قَيا َ‬
‫م ال ِ‬ ‫ن ي َوْ َ‬
‫سأل ّ‬ ‫م وَلي ُ ْ‬‫قال ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ن َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َقاُلوا أل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م فَت ْ ٌ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ن ي َت ََرب ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫من َعْك ُ ْ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫حوِذ ْ عَلي ْك ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ب َقالوا أل ْ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫كافِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فتح أوَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫سى‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪141‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]النساء‬ ‫{‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ُ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]المائدة ‪.[52 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫م َنادِ ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سّروا ِفي أن ْ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫حوا عَلى َ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫عن ْدِهِ فَي ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مرٍ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ن إ ِّنا ك ُّنا‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫ك ل َي َ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صٌر ِ‬ ‫جاََء ن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وقال تعالى مخبرا عنهم هاهنا ‪ } :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫دورِ ال َْعال َ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ِفي ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ب ِأعْل َ َ‬ ‫س الل ّ ُ‬ ‫م { ‪ ،‬ثم قال تعالى ‪ } :‬أوَل َي ْ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫أوليس الله بأعلم بما في قلوبهم ‪ ،‬وما تكّنه ضمائرهم ‪ ،‬وإن أظهروا لكم‬
‫الموافقة ؟‬
‫ن الله‬ ‫ن { أي ‪ :‬وليختبَر ّ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫مُنوا وَلي َعْل َ‬ ‫َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَلي َعْل َ‬ ‫َ‬
‫الناس بالضراء والسراء ‪ ،‬ليتميز هؤلء من هؤلء ‪ ،‬ومن يطيع الله في الضراء‬
‫حّتى‬ ‫م َ‬ ‫والسراء ‪ ،‬إنما يطيعه في حظ نفسه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬
‫م { ]محمد ‪ ، [31 :‬وقال‬ ‫خَباَرك ُ ْ‬ ‫ن وَن َب ْل ُوَ أ َ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ن َعْل َ َ‬
‫ما‬‫تعالى بعد وقعة أحد ‪ ،‬التي كان فيها ما كان من الختبار والمتحان ‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ب{‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ميَز ال ْ َ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫الية ]آل عمران ‪] ، [179 :‬والله أعلم[ )‪.(1‬‬
‫م‬‫ما هُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خطاَياك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫سِبيل ََنا وَلن َ ْ‬
‫ْ‬ ‫مُنوا ات ّب ُِعوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فُروا ل ِل ّ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫} وََقا َ‬
‫قال‬ ‫َ‬
‫م وَأث ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن أث ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫قالهُ ْ‬ ‫مل ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن )‪ (12‬وَلي َ ْ‬ ‫م لكاذُِبو َ‬ ‫يٍء إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خطاَياهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مِلي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ن )‪.{ (13‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫معَ أث ْ َ‬ ‫َ‬
‫فت َُرو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫مةِ عَ ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫سأل ّ‬ ‫م وَلي ُ ْ‬ ‫قال ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن آمن منهم واتبع الهدى ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫قالوا‬ ‫أنهم‬ ‫‪:‬‬ ‫قريش‬ ‫كفار‬ ‫عن‬ ‫مخبرا‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫طاَياك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ارجعوا عن دينكم إلى ديننا ‪ ،‬واتبعوا سبيلنا ‪ } ،‬وَل ْن َ ْ‬
‫وآثامكم ‪ -‬إن كانت لكم آثام في ذلك ‪ -‬علينا وفي رقابنا ‪ ،‬كما يقول القائل ‪:‬‬
‫ن‬‫مِلي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫"افعل هذا وخطيئتك في رقبتي"‪ .‬قال الله تكذيبا لهم ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فيما قالوه ‪ :‬إنهم يحملون عن‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫يٍء إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫طاَياهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫مل َِها ل‬ ‫ح ْ‬ ‫ة إ ِلى ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قل ٌ‬ ‫مث َ‬‫ْ‬ ‫ن ت َد ْع ُ ُ‬ ‫أولئك خطاياهم ‪ ،‬فإنه ل يحمل أحد وزر أحد ‪ } ،‬وَإ ِ ْ‬
‫ن َذا قُْرَبى { ]فاطر ‪ ، [18 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬ول‬ ‫كا َ‬ ‫يٌء وَل َوْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫يُ ْ‬
‫م { ]المعارج ‪.[11 ، 10 :‬‬ ‫سأ ُ‬ ‫َ‬
‫صُرون َهُ ْ‬ ‫ما‪ .‬ي ُب َ ّ‬ ‫مي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { ‪ :‬إخبار عن الدعاة إلى الكفر‬ ‫قال ِهِ ْ‬ ‫معَ أث ْ َ‬ ‫قال َ‬ ‫م وَأث ْ َ‬ ‫قال َهُ ْ‬ ‫ن أث ْ َ‬ ‫مل ُ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َي َ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫خر بسبب َ‬ ‫والضللة ‪ ،‬أنهم يوم القيامة يحملون أوزار أنفسهم ‪ ،‬وأوزاًرا أ َ‬
‫ن الناس ‪ ،‬من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫أضلوا ِ‬
‫عل ْم ألَ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ب ِغَي ْرِ ِ ٍ‬ ‫ضلون َهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن أوَْزارِ ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مةِ وَ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ة ي َوْ َ‬ ‫مل ً‬ ‫كا ِ‬ ‫ملوا أوَْزاَرهُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫} ل ِي َ ْ‬
‫ن { ]النحل ‪.[25 :‬‬ ‫ما ي َزُِرو َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫َ‬
‫وفي الصحيح ‪" :‬من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من اتبعه إلى‬
‫ن دعا إلى ضللة كان‬ ‫م ْ‬ ‫يوم القيامة ‪ ،‬من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ‪ ،‬وَ َ‬
‫ن اتبعه إلى يوم‬ ‫م ِ‬ ‫ن الثم مثل آثام َ‬ ‫م َ‬ ‫عليه ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫) ‪(6/266‬‬

‫َ‬
‫ما فَأ َ‬
‫خذ َهُ ُ‬
‫م‬ ‫عا ً‬
‫ن َ‬
‫سي َ‬
‫م ِ‬ ‫سن َةٍ إ ِّل َ‬
‫خ ْ‬ ‫م أ َل ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫مهِ فَل َب ِ َ‬
‫ث ِفيهِ ْ‬ ‫حا إ َِلى قَوْ ِ‬‫سل َْنا ُنو ً‬
‫ول َ َ َ‬
‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫مو َ‬ ‫م َ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫طوَفا ُ‬ ‫ال ّ‬

‫القيامة ‪ ،‬من غير أن ينقص من آثامهم شيئا" )‪ (1‬وفي الصحيح ‪" :‬ما قتلت‬
‫ن‬
‫س ّ‬ ‫نفس ظلما إل كان على ابن آدم الول كفل من دمها ؛ لنه أول من َ‬
‫القتل" )‪.(2‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يكذبون ويختلقون‬ ‫ما َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فت َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫مةِ عَ ّ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ِ‬‫ن ي َوْ َ‬‫سأل ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَلي ُ ْ‬
‫من البهتان‪.‬‬
‫وقد ذكر )‪ (3‬ابن أبي حاتم هاهنا حديثا فقال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن‬
‫عمار ‪ ،‬حدثنا صدقة ‪ ،‬حدثنا عثمان بن حفص بن أبي العالية ‪ ،‬حدثني سليمان‬
‫بن حبيب المحاربي )‪ (4‬عن أبي أمامة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بلغ ما أرسل به ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إياكم والظلم ‪ ،‬فإن‬
‫الله يعزم يوم القيامة فيقول ‪ :‬وعزتي ل يجوزني اليوم ظلم! ثم ينادي مناد‬
‫فيقول ‪ :‬أين فلن ابن فلن ؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال ‪،‬‬
‫فيشخص الناس إليها أبصارهم حتى يقوم بين يدي الله الرحمن عز وجل ثم‬
‫ظلمة ‪ -‬عند فلن ابن فلن‬ ‫يأمر المنادي فينادي )‪ (5‬من كانت له ت َِباعة ‪ -‬أو ‪ُ :‬‬
‫م‪ .‬فيقبلون حتى يجتمعوا قياما بين يدي الرحمن ‪ ،‬فيقول الرحمن ‪:‬‬ ‫‪ ،‬فهل ّ‬
‫اقضوا عن عبدي‪ .‬فيقولون ‪ :‬كيف نقضي عنه ؟ فيقول لهم ‪ :‬خذوا لهم من‬
‫حسناته‪ .‬فل يزالون يأخذون منها حتى ل يبقى له حسنة ‪ ،‬وقد بقي من‬
‫أصحاب الظلمات ‪ ،‬فيقول ‪ :‬اقضوا عن عبدي‪ .‬فيقولون ‪ :‬لم يبق له حسنة‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬خذوا من سيئاتهم فاحملوها عليه"‪ .‬ثم نزع النبي صلى الله عليه‬
‫قالهم ول َي َ‬ ‫َ‬ ‫م وَأ َث ْ َ‬ ‫ن أ َث ْ َ‬
‫سأل ُ ّ‬
‫ن‬ ‫معَ أث ْ َ ِ ِ ْ َ ُ ْ‬ ‫قال َ‬ ‫قال َهُ ْ‬ ‫مل ُ ّ‬‫ح ِ‬ ‫وسلم بهذه الية الكريمة ‪ } :‬وَل َي َ ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫فت َُرو َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫مةِ عَ ّ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫وهذا الحديث له شاهد )‪ (6‬في الصحيح )‪ (7‬من غير هذا الوجه‪.‬‬
‫وقال )‪ (8‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن أبي الحواري ‪ ،‬حدثنا أبو بشر الحذاء‬
‫‪ ،‬عن أبي حمزة )‪ (9‬الثمالي ‪ ،‬عن معاذ بن جبل ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا معاذ ‪ ،‬إن المؤمن يسأل يوم‬
‫حل عينيه ‪ ،‬وعن فتات الطينة بإصبعيه )‬ ‫القيامة عن جميع سعيه ‪ ،‬حتى عن ك ُ ْ‬
‫ك تأتي يوم القيامة وأحد أسعد بما آتاك )‪ (11‬الله منك" )‬ ‫في َن ّ َ‬ ‫‪ ، (10‬فل أل ْ َ‬
‫‪.(12‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خذ َهُ ُ‬
‫م‬ ‫ما فَأ َ‬‫عا ً‬
‫ن َ‬‫سي َ‬
‫م ِ‬ ‫خ ْ‬
‫سن َةٍ ِإل َ‬ ‫ف َ‬ ‫م أل ْ َ‬ ‫ث ِفيهِ ْ‬ ‫مهِ فَل َب ِ َ‬ ‫حا إ َِلى قَوْ ِ‬ ‫سل َْنا ُنو ً‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫ن )‪{ (14‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ظال ِ ُ‬‫َ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫طوَفا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تقدم تخريج الحديث عند الية ‪ 2 :‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫)‪ (2‬تقدم تخريج الحديث عند الية ‪ 30 :‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬البخاري"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أن ينادي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬شواهد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬بعدها في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إن الرجل ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال‬
‫وقد ظلم هذا ‪ ،‬وأخذ مال هذا ‪ ،‬وأخذ من عرض هذا ‪ ،‬فيأخذ هذا من‬
‫حسناته ‪ ،‬وهذا من حسناته ‪ ،‬فإذا لم يبق له حسنة ‪ ،‬أخذ من سيئاتهم ‪،‬‬
‫فطرح عليه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬عن أبي النسائي"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬بإصبعه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أتاه"‪.‬‬
‫)‪ (12‬ورواه أبو نعيم في الحلية ) ‪ (10/31‬من طريق إسحاق بن أبي حسان‬
‫عن أحمد بن أبي الحواري به‪.‬‬

‫) ‪(6/267‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(15‬‬‫مي َ‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬‫ها آ َي َ ً‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫فين َةِ وَ َ‬
‫س ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫حا َ‬‫ص َ‬ ‫جي َْناه ُ وَأ ْ‬ ‫فَأن ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (15‬‬
‫مي َ‬‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬
‫ها آي َ ً‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫فين َةِ وَ َ‬
‫س ِ‬ ‫ب ال ّ‬
‫حا َ‬‫ص َ‬ ‫} فَأن ْ َ‬
‫جي َْناه ُ وَأ ْ‬
‫هذه تسلية من الله تعالى لعبده ورسوله محمد صلوات الله وسلمه عليه ‪،‬‬
‫يخبره عن نوح )‪ (1‬عليه السلم ‪ :‬أنه مكث )‪ (2‬في قومه هذه المدة يدعوهم‬
‫إلى الله ليل ونهاًرا ‪ ،‬وسرا ‪ ،‬وجهاًرا ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬قوم نوح"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬لبث"‪.‬‬

‫) ‪(6/267‬‬

‫ومع هذا ما زادهم ذلك إل فرارا عن الحق ‪ ،‬وإعراضا عنه وتكذيبا له ‪ ،‬وما‬
‫ن‬
‫سي َ‬‫م ِ‬ ‫خ ْ‬
‫سن َةٍ ِإل َ‬ ‫ف َ‬ ‫م أ َل ْ َ‬‫ث ِفيهِ ْ‬‫آمن معه منهم إل قليل ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَل َب ِ َ‬
‫م َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬بعد هذه المدة الطويلة ما نجع‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫طوَفا ُ‬
‫ن وَهُ ْ‬ ‫ما فَأ َ‬
‫خذ َهُ ُ‬ ‫عا ً‬ ‫َ‬
‫ن كفر بك من‬ ‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫على‬ ‫تأسف‬ ‫ل‬ ‫‪-‬‬ ‫محمد‬ ‫يا‬ ‫‪-‬‬ ‫فأنت‬ ‫‪،‬‬ ‫والنذار‬ ‫البلغ‬ ‫فيهم‬
‫ن يشاء ‪ ،‬وبيده‬ ‫م‬
‫َ ْ‬ ‫ويضل‬ ‫ن يشاء‬ ‫م ْ‬ ‫قومك ‪ ،‬ول تحزن عليهم ؛ فإن الله يهدي َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ك ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬‫م ك َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ن َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫المر وإليه ترجع )‪ (1‬المور ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫م { ]يونس ‪ ، [97 ، 96 :‬واعلم أن‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬‫حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ‬ ‫م كُ ّ‬
‫ل آي َةٍ َ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫جاَءت ْهُ ْ‬
‫الله سيظهرك وينصرك ويؤيدك ‪ ،‬ويذل عدّوك ‪ ،‬ويكبتهم ويجعلهم أسفل‬
‫السافلين‪.‬‬
‫هك )‪ ، (2‬عن ابن‬ ‫قال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن ما َ‬
‫عباس قال ‪ :‬بعث نوح وهو لربعين سنة ‪ ،‬ولبث في قومه ألف سنة إل‬
‫خمسين عاما ‪ ،‬وعاش بعد الطوفان ستين عاما ‪ ،‬حتى كثر الناس وفشوا‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يقال إن عمره كله ]كان[ )‪ (3‬ألف سنة إل خمسين عاما ‪ ،‬لبث‬
‫فيهم قبل أن يدعوهم ثلثمائة سنة ‪ ،‬ودعاهم ثلثمائة ولبث بعد الطوفان‬
‫ثلثمائة وخمسين سنة‪.‬‬
‫وهذا قول غريب ‪ ،‬وظاهر السياق من الية أنه مكث في قومه يدعوهم إلى‬
‫الله ألف سنة إل خمسين عاما‪.‬‬
‫وقال عون بن أبي شداد ‪ :‬إن الله أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين‬
‫وثلثمائة سنة ‪ ،‬فدعاهم ألف سنة إل خمسين عاما ‪ ،‬ثم عاش بعد ذلك ثلثمائة‬
‫وخمسين سنة‪.‬‬
‫وهذا أيضا غريب ‪ ،‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وقول ابن عباس أقرب ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن سلمة بن كهَْيل ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬قال لي ابن عمر ‪ :‬كم‬ ‫ُ‬
‫لبث نوح في قومه ؟ قال ‪ :‬قلت ألف سنة إل خمسين عاما‪ .‬قال ‪ :‬فإن‬
‫الناس لم يزالوا في نقصان من أعمارهم وأحلمهم وأخلقهم إلى يومك هذا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فين َةِ { أي ‪ :‬الذين آمنوا بنوح عليه السلم‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫جي َْناه ُ وَأ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأن ْ َ‬
‫دم تفسيره بما أغنى عن‬ ‫دم ذكر ذلك مفصل في سورة "هود" ‪ ،‬وتق ّ‬ ‫وقد تق ّ‬
‫إعادته‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬وجعلنا تلك السفينة باقية ‪ ،‬إما عينها‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ة ل ِلَعال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ها آي َ ً‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫كما قال قتادة ‪ :‬إنها بقيت إلى أول السلم على جبل الجودي ‪ ،‬أو نوعها‬
‫جعله للناس تذكرة لنعمه على الخلق ‪ ،‬كيف نجاهم من الطوفان ‪ ،‬كما قال‬
‫ة ل َه َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَنا ل َهُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬‫ن‪ .‬وَ َ‬ ‫حو ِ‬ ‫ش ُ‬‫م ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫فل ْ ِ‬‫م ِفي ال ْ ُ‬ ‫مل َْنا ذ ُّري ّت َهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م أّنا َ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬وآي َ ٌ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫مّنا‬‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن‪ِ .‬إل َر ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬‫م َول هُ ْ‬ ‫خ لهُ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫م َفل َ‬
‫ص ِ‬ ‫شأ ن ُغْرِقْهُ ْ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِ ْ‬ ‫ما ي َْرك َُبو َ‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫ِ‬
‫ماُء‬ ‫ْ‬
‫ما طَغى ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]يس ‪ ، [44 - 41 :‬وقال تعالى ‪ } :‬إ ِّنا ل ّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫حي ٍ‬ ‫عا إ ِلى ِ‬ ‫مَتا ً‬ ‫وَ َ‬
‫ة { ]الحاقة ‪، 11 :‬‬ ‫عي َ ٌ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫م ت َذ ْك َِرةً وَت َعِي ََها أذ ُ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫جعَلَها لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ة‪ .‬ل ِن َ ْ‬ ‫جارِي َ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ِفي ال َ‬ ‫ُ‬
‫ملَناك ْ‬ ‫ْ‬ ‫ح َ‬‫َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫ة ل ِلَعال ِ‬ ‫ها آي َ ً‬ ‫جعَلَنا َ‬ ‫فين َةِ وَ َ‬ ‫س ِ‬‫ب ال ّ‬ ‫حا َ‬‫ص َ‬‫جي َْناه ُ وَأ ْ‬ ‫‪ ، [12‬وقال هاهنا ‪ } :‬فأن ْ َ‬
‫قد ْ َزي ّّنا‬ ‫وهذا من باب التدريج من الشخص إلى الجنس ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن { ]الملك ‪[5 :‬‬ ‫طي ِ‬‫شَيا ِ‬ ‫ما ِلل ّ‬‫جو ً‬ ‫ها ُر ُ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫ح وَ َ‬ ‫صاِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ماَء الد ّن َْيا ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬يرجع"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وائل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(6/268‬‬

‫ن)‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قوه ُ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ه َوات ّ ُ‬‫دوا الل ّ َ‬ ‫مهِ اعْب ُ ُ‬‫قو ْ ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫م إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫هي َ‬ ‫وَإ ِب َْرا ِ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ت َعْب ُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ن إ ِفْكا إ ِ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ن اللهِ أوَْثاًنا وَت َ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫‪ (16‬إ ِن ّ َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه إ ِلي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫شكُروا ل ُ‬ ‫ُ‬ ‫دوه ُ َوا ْ‬ ‫عن ْد َ اللهِ الّرْزقَ َواعْب ُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫م رِْزقا فاب ْت َُغوا ِ‬ ‫ُ‬
‫ن لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مل ِكو َ‬ ‫الل ّهِ َل ي َ ْ‬
‫ل إ ِّل‬ ‫ُ‬
‫سو ِ‬ ‫ما عََلى الّر ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫بأ َ‬ ‫قد ْ ك َذ ّ َ‬ ‫ن ت ُك َذ ُّبوا فَ َ‬ ‫ن )‪ (17‬وَإ ِ ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال ْب ََلغ ال ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬

‫أي ‪ :‬وجعلنا نوعها ‪ ،‬فإن التي يرمى )‪ (1‬بها ليست هي التي زينة للسماء )‬
‫جعَل َْناه ُ ن ُطفَ ً‬
‫ة‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سلل َةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا الن ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫‪ .(2‬وقال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫ن { ]المؤمنون ‪ ، [13 ، 12 :‬ولهذا نظائر كثيرة‪.‬‬ ‫كي ٍ‬‫م ِ‬ ‫ِفي قََرارٍ َ‬
‫ها { )‪ ، (3‬عائد‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا َ‬ ‫ن الضمير في قوله ‪ } :‬وَ َ‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬لو قيل ‪ :‬إ ّ‬
‫إلى العقوبة ‪ ،‬لكان وجًها ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ن)‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ت َعْل ُ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر لك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫قوه ُ ذ َل ِك ْ‬ ‫ه َوات ّ ُ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫مهِ اعْب ُ ُ‬ ‫قو ْ ِ‬‫ل لِ َ‬‫م إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫هي َ‬ ‫} وَإ ِب َْرا ِ‬
‫ن‬ ‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ً‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ثا‬‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ َ َْ ُ ُ َ ِ ْ ُ ِ‬ ‫ِ ّ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ ْ ً ََ ْ‬ ‫‪ (16‬إ ِن ّ َ َ ْ ُ ُ َ ِ ْ ُ ِ‬
‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬
‫ه إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫شك ُُروا ل َ ُ‬ ‫دوه ُ َوا ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ الّرْزقَ َواعْب ُ ُ‬ ‫م رِْزًقا َفاب ْت َُغوا ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫الل ّهِ ل ي َ ْ‬
‫ُ‬
‫ل ِإل‬ ‫سو ِ‬ ‫ما عََلى الّر ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫م ٌ‬‫بأ َ‬ ‫قد ْ ك َذ ّ َ‬ ‫ن ت ُك َذ ُّبوا فَ َ‬‫ن )‪ (17‬وَإ ِ ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫ن )‪.{ (18‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال َْبلغُ ال ْ ُ‬
‫يخبر تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ‪ :‬أنه دعا قومه‬
‫إلى عبادة الله وحده ل شريك له ‪ ،‬والخلص له في التقوى ‪ ،‬وطلب الرزق‬
‫منه وحده ل شريك له ‪ ،‬وتوحيده في الشكر )‪ ، (4‬فإنه المشكور على النعم ‪،‬‬
‫قوهُ { أي ‪ :‬أخلصوا له‬ ‫ه َوات ّ ُ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫سد ٍ لها غيره ‪ ،‬فقال لقومه ‪ } :‬اعْب ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬إذا فعلتم ذلك‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ت َعْل ُ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر لك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫العبادة والخوف ‪ } ،‬ذل ِك ْ‬
‫حصل لكم الخير في الدنيا والخرة ‪ ،‬واندفع عنكم الشر في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ثم أخبرهم أن الصنام التي يعبدونها والوثان ‪ ،‬ل تضر ول تنفع ‪ ،‬وإنما اختلقتم‬
‫أنتم لها أسماء ‪ ،‬سميتموها )‪ (5‬آلهة ‪ ،‬وإنما هي مخلوقة مثلكم‪ .‬هكذا روى‬
‫العوفي عن ابن عباس‪ .‬وبه قال مجاهد ‪ ،‬والسدي‪.‬‬
‫وروى الوالبي )‪ ، (6‬عن ابن عباس ‪ :‬وتصنعون إفكا ‪ ،‬أي ‪ :‬تنحتونها أصناما‪.‬‬
‫وبه قال مجاهد ‪ -‬في رواية ‪ -‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة وغيرهم ‪ ،‬واختاره‬
‫ابن جرير ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫عن ْد َ اللهِ الّرْزقَ { وهذا أبلغ في الحصر ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وهي ل تملك لكم رزقا ‪َ } ،‬فاب ْت َُغوا ِ‬
‫َ‬
‫عن ْد َك ب َي ًْتا‬ ‫ن ِلي ِ‬ ‫ب اب ْ ِ‬
‫ن { ]الفاتحة ‪َ } ، [5 :‬ر ّ‬ ‫ست َِعي ُ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬
‫كقوله ‪ } :‬إ ِّيا َ‬
‫جن ّةِ { ]التحريم ‪ ، [11 :‬ولهذا قال ‪َ } :‬فاب ْت َُغوا { أي ‪ :‬فاطلبوا } ِ‬
‫عن ْد َ‬ ‫ِفي ال ْ َ‬
‫دوهُ‬ ‫الل ّهِ الّرْزقَ { أي ‪ :‬ل عند غيره ‪ ،‬فإن غيره ل يملك شيئا ‪َ } ،‬واعْب ُ ُ‬
‫ه { أي ‪ :‬كلوا من رزقه واعبدوه وحده )‪ ، (7‬واشكروا له على ما‬ ‫شك ُُروا ل َ ُ‬ ‫َوا ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬فيجازي كل عامل‬ ‫جُعو َ‬ ‫َ‬
‫أنعم به عليكم ‪ } ،‬إ ِلي ْهِ ت ُْر َ‬
‫بعمله‪.‬‬
‫ُ‬
‫م { أي ‪ :‬فبلغكم ما حل بهم‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م ٌ‬
‫بأ َ‬ ‫قد ْ ك َذ ّ َ‬‫ن ت ُك َذ ُّبوا فَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ل ِإل ال َْبلغُ‬ ‫سو ِ‬‫ما عََلى الّر ُ‬ ‫من العذاب والنكال في مخالفة الرسل ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن { يعني ‪ :‬إنما على الرسول أن يبلغكم ما أمره الله تعالى‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪" :‬ترمى"‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬السماء"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وجعلناها آية للعالمين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الشرك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬فسميتموها"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬البخاري"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وحده ل شريك له"‪.‬‬

‫) ‪(6/269‬‬

‫َ‬
‫سيٌر )‪ (19‬قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ي ُِعيد ُه ُ إ ِ ّ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫ف ي ُب ْدِئُ الل ّ ُ‬ ‫م ي ََرْوا ك َي ْ َ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫سيروا في اْل َرض َفانظ ُروا ك َيف بدأ َ ال ْخل ْق ث ُم الل ّه ينشئ الن ْ َ‬
‫ن‬‫خَرةَ إ ِ ّ‬ ‫شأةَ اْل َ ِ‬ ‫ُ ُْ ِ ُ ّ‬ ‫َ َ ّ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ُ‬
‫ن‬ ‫بو‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫َِ ْ‬‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ََْ َ ُ َ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ح‬‫ر‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫شا‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َُ ُ َ ْ َ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫(‬ ‫‪20‬‬ ‫)‬ ‫ر‬ ‫ٌ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬‫ي‬‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه‬
‫ن ِفي اْل َْر‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ماِء وَ َ‬‫س َ‬‫ض وََل ِفي ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫زي َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬ ‫معْ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫)‪ (21‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مِتي‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سوا ِ‬ ‫ك ي َئ ِ ُ‬ ‫قائ ِهِ أولئ ِ َ‬ ‫ت اللهِ وَل ِ َ‬ ‫فُروا ب ِآَيا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫صيرٍ )‪َ (22‬وال ِ‬ ‫ي وََل ن َ ِ‬ ‫وَل ِ ّ‬
‫م )‪(23‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫وَُأولئ ِ َ‬
‫َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ك لهُ ْ‬

‫ن يشاء ‪ ،‬فاحرصوا )‪(1‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن يشاء ويهدي َ‬ ‫م ْ‬ ‫به من الرسالة ‪ ،‬والله يضل َ‬


‫لنفسكم أن تكونوا من السعداء‪.‬‬
‫ُ‬
‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫م { قال ‪ُ :‬يعزي‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫م ٌ‬‫بأ َ‬ ‫قد ْ ك َذ ّ َ‬
‫ن ت ُك َذ ُّبوا فَ َ‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫نبيه صلى الله عليه وسلم‪ .‬وهذا من قتادة يقتضي أنه قد انقطع الكلم‬
‫مهِ {‪ .‬وهكذا نص على‬ ‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫الول ‪ ،‬واعترض بهذا إلى قوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫ذلك ابن جرير أيضا )‪.(2‬‬
‫والظاهر من السياق أن كل هذا من كلم إبراهيم الخليل ‪ ،‬عليه‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫السلم]لقومه[ )‪ (3‬يحتج عليهم لثبات المعاد ‪ ،‬لقوله بعد هذا كله ‪ } :‬ف َ‬
‫مهِ { ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫سيٌر )‪ (19‬قُ ْ‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ي ُِعيد ُه ُ إ ِ ّ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫ف ي ُب ْدِئُ الل ّ ُ‬ ‫م ي ََرْوا ك َي ْ َ‬ ‫} أوَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫خَرةَ إ ِ ّ‬ ‫شأةَ ال ِ‬ ‫ئ الن ّ ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫ه ي ُن ْ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ف ب َد َأ ال ْ َ‬ ‫ض َفان ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫ُ َ‬‫بو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫َِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ء‬
‫ُ‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ََْ َ ُ َ ْ َ‬‫م‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َُ ُ َ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫(‬ ‫‪20‬‬ ‫)‬ ‫ر‬‫ٌ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬‫ال َ‬‫ّ‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن اللهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ُ ْ‬ ‫ماِء وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ض َول ِفي ال ّ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫)‪ (21‬وَ َ‬
‫مِتي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قائ ِهِ أولئ ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ّ‬
‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سوا ِ‬ ‫ك ي َئ ِ ُ‬ ‫ت اللهِ وَل ِ َ‬ ‫فُروا ِبآَيا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫صيرٍ )‪َ (22‬وال ِ‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫وَل ِ ّ‬
‫م )‪.{ (23‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫وَُأولئ ِ َ‬
‫َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ك لهُ ْ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن الخليل عليه السلم ‪ ،‬أنه أرشدهم إلى إثبات المعاد‬
‫الذي ينكرونه ‪ ،‬بما يشاهدونه في أنفسهم من خلق الله إياهم ‪ ،‬بعد أن لم‬
‫يكونوا شيئا مذكورا ‪ ،‬ثم وجدوا وصاروا أناسا سامعين مبصرين ‪ ،‬فالذي بدأ‬
‫هذا قادر على إعادته ؛ فإنه سهل عليه يسير لديه‪.‬‬
‫ثم أرشدهم إلى العتبار بما في الفاق من اليات المشاهدة )‪ (4‬من خلق‬
‫الله الشياء ‪ :‬السموات وما فيها من الكواكب النيرة ‪ :‬الثوابت ‪ ،‬والسيارات ‪،‬‬
‫والرضين وما فيها من مهاد وجبال ‪ ،‬وأودية وبرارٍ وقفار ‪ ،‬وأشجار وأنهار ‪،‬‬
‫وثمار وبحار ‪ ،‬كل ذلك دال على حدوثها في أنفسها ‪ ،‬وعلى وجود صانعها‬
‫َ‬
‫م ي ََرْوا‬ ‫الفاعل المختار ‪ ،‬الذي يقول للشيء ‪ :‬كن ‪ ،‬فيكون ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أوَل َ ْ‬
‫و‬
‫سيٌر { ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَهُ َ‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ي ُِعيد ُه ُ إ ِ ّ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ف ي ُب ْدِئُ الل ّ ُ‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن عَلي ْهِ { ]الروم ‪.[27 :‬‬ ‫م ي ُِعيد ُه ُ وَهُوَ أهْوَ ُ‬ ‫خلقَ ث ُ ّ‬ ‫ذي ي َب ْد َأ ال َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ه‬‫م الل ّ ُ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ف ب َد َأ َ ال ْ َ‬ ‫ض َفان ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ينشئ الن ْ َ‬
‫ديٌر {‪.‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عَلى ك ّ‬ ‫ن الل َ‬ ‫خَرة َ { أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ } ،‬إ ِ ّ‬ ‫شأةَ ال ِ‬ ‫ُْ ِ ُ ّ‬
‫َ‬
‫م‬‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ق وَِفي أن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫م آَيات َِنا ِفي الَفا ِ‬ ‫ريهِ ْ‬ ‫سن ُ ِ‬ ‫وهذا المقام شبيه بقوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫حتى يتبين ل َه َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫حقّ { ]فصلت ‪ ، [53 :‬وكقوله تعالى ‪ } :‬أ ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫َ ّ َََّ َ ُ ْ‬
‫ن{‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫غَي ْرِ َ‬
‫ض َبل ل ُيوقُِنو َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫قوا ال ّ‬ ‫خل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن*أ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫يٍء أ ْ‬ ‫ش ْ‬
‫]الطور ‪.[36 ، 35 :‬‬
‫شاُء { أي ‪ :‬هو الحاكم المتصرف ‪،‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ُ‬ ‫شاُء وَي َْر َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي ُعَذ ّ ُ‬
‫الذي يفعل ما يشاء ‪ ،‬ويحكم ما يريد ‪ ،‬ل معقب لحكمه ‪ ،‬ول ُيسأل عما يفعل‬
‫ل ؛ لنه‬ ‫وهم يسألون ‪ ،‬فله الخلق والمر ‪ ،‬مهما فعل فَعَد ْ ٌ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فأخلصوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(20/89‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الباهرة"‪.‬‬

‫) ‪(6/270‬‬

‫المالك الذي ل يظلم مثقال ذرة ‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن‬
‫‪" :‬إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه ‪ ،‬لعذبهم وهو غير ظالم لهم" )‬
‫ن{‬‫قل َُبو َ‬
‫شاُء وَإ ِل َي ْهِ ت ُ ْ‬
‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬‫م َ‬‫ح ُ‬
‫شاُء وَي َْر َ‬‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫‪ .(1‬ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ي ُعَذ ّ ُ‬
‫ب َ‬
‫أي ‪ :‬ترجعون يوم القيامة‪.‬‬
‫ماِء { أي ‪ :‬ل يعجزه أحد‬ ‫َ‬
‫س َ‬‫ض َول ِفي ال ّ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬
‫معْ ِ‬
‫م بِ ُ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫من أهل سماواته وأرضه ‪ ،‬بل هو القاهر فوق عباده ‪ ،‬وكل شيء خائف منه ‪،‬‬
‫فقير إليه ‪ ،‬وهو الغني عما سواه‪.‬‬
‫قائ ِهِ {‬ ‫ّ‬
‫ت اللهِ وَل ِ َ‬
‫فُروا ِبآَيا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ر‪َ .‬وال ِ‬ ‫صي ٍ‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫} وَ َ‬
‫مِتي { أي ‪ :‬ل‬ ‫ح‬‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫سوا‬ ‫ئ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫أو‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫بالمعاد‬ ‫وكفروا‬ ‫(‬ ‫‪2‬‬ ‫)‬ ‫جحدوها‬ ‫أي ‪:‬‬
‫ِ ْ َ ْ َ‬ ‫ِ َِ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م { أي ‪ :‬موجع في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬‫نصيب لهم فيها ‪ } ،‬وَأول َئ ِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪ (4699‬وابن ماجه في السنن برقم )‬
‫‪ (77‬من حديث أبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬جحدوا بها"‪.‬‬

‫) ‪(6/271‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫ن الّنارِ إ ِ ّ‬‫م َ‬ ‫ه ِ‬‫جاهُ الل ّ ُ‬
‫حّرُقوه ُ فَأن ْ َ‬ ‫ن َقاُلوا اقْت ُُلوه ُ أوْ َ‬ ‫مهِ إ ِّل أ ْ‬ ‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موَد ّةَ‬‫ن اللهِ أوَْثاًنا َ‬ ‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬
‫ما ات ّ َ‬‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ن )‪ (24‬وَقا َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬‫ت لِ َ‬‫ِفي ذ َل ِك لَيا ٍ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ضك ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ض وَي َلعَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫ب َي ْن ِك ُ ْ‬
‫م ب ِب َعْ ٍ‬‫ضك ْ‬ ‫فُر ب َعْ ُ‬ ‫مةِ ي َك ُ‬ ‫قَيا َ‬
‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ث ّ‬
‫ْ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫ري َ‬‫ص ِ‬‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫م الّناُر وَ َ‬ ‫مأَواك ُ ُ‬ ‫ضا وَ َ‬ ‫ب َعْ ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن الّنارِ إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جاهُ الل ّ ُ‬ ‫حّرُقوه ُ فَأن ْ َ‬ ‫ن َقاُلوا اقْت ُُلوه ُ أوْ َ‬ ‫مهِ ِإل أ ْ‬ ‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫} فَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن )‪ (24‬وََقا َ‬ ‫َ‬
‫موَد ّةَ‬‫ن اللهِ أوَْثاًنا َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ِفي ذ َل ِك لَيا ٍ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ضك ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ض وَي َلعَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ث ُ ّ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫ب َي ْن ِك ُ ْ‬
‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ْ‬ ‫فُر ب َعْ ُ‬ ‫مةِ ي َك ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬
‫ْ‬
‫ن )‪.{ (25‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫م الّناُر وَ َ‬ ‫مأَواك ُ ُ‬ ‫ضا وَ َ‬ ‫ب َعْ ً‬
‫يقول تعالى مخبرا عن قوم إبراهيم في كفرهم وعنادهم ومكابرتهم ‪ ،‬ودفعهم‬
‫الحق بالباطل ‪ :‬أنه ما كان لهم جواب بعد مقالة إبراهيم هذه المشتملة على‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حّرُقوهُ { ‪ ،‬وذلك لنهم قام عليهم‬ ‫ن َقاُلوا اقْت ُُلوه ُ أوْ َ‬ ‫الهدى والبيان ‪ِ } ،‬إل أ ْ‬
‫البرهان ‪ ،‬وتوجهت عليهم الحجة ‪ ،‬فعدلوا إلى استعمال جاههم وقوة ملكهم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ه ب ُن َْياًنا فَأ َل ْ ُ‬
‫جعَل َْناهُ ُ‬
‫م‬ ‫دا فَ َ‬ ‫م‪ .‬فَأَراُدوا ب ِهِ ك َي ْ ً‬ ‫حي ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫قوه ُ ِفي ال ْ َ‬ ‫} َقاُلوا اب ُْنوا ل َ ُ‬
‫شدوا في جمع أحطاب‬ ‫ح َ‬ ‫ن { ]الصافات ‪ ، [98 ، 97 :‬وذلك أنهم َ‬ ‫فِلي َ‬
‫س َ‬ ‫ال ْ‬
‫وطوا حولها ‪ ،‬ثم أضرموا فيها النار ‪ ،‬فارتفع لها لهب‬ ‫ح ّ‬ ‫عظيمة مدة طويلة ‪ ،‬و َ‬
‫إلى عََنان السماء ‪ :‬ولم توقد )‪ (1‬نار قط أعظم منها ‪ ،‬ثم عمدوا إلى إبراهيم‬
‫فة المنجنيق ‪ ،‬ثم قذفوا به فيها ‪ ،‬فجعلها الله عليه بردا‬ ‫فكتفوه وألقوه في ك ّ‬
‫وسلما ‪ ،‬وخرج منها سالما بعد ما مكث فيها أياما‪ .‬ولهذا وأمثاله جعله الله‬
‫للناس إماما‪ .‬فإنه بذل نفسه للرحمن ‪ ،‬وجسده للنيران ‪ ،‬وسخا بولده‬
‫للقربان ‪ ،‬وجعل ماله للضيفان ‪ ،‬ولهذا اجتمع على محبته جميع أهل الديان‪.‬‬
‫سّلمه ]الله[ )‪ (2‬منها ‪ ،‬بأن جعلها‬ ‫َ‬
‫ن الّنارِ { أي ‪َ :‬‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جاهُ الل ّ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأن ْ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬‫ما ات ّ َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ن‪ .‬وََقا َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫عليه بردا وسلما ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا { يقول لقومه مقّرعا لهم وموبخا‬ ‫م ِفي ال َ‬ ‫ُ‬
‫موَد ّة َ ب َي ْن ِك ْ‬ ‫ن الل ّهِ أوَْثاًنا َ‬ ‫ُدو ِ‬
‫على سوء صنيعهم ‪ ،‬في عبادتهم الوثان ‪ :‬إنما اتخذتم هذه لتجتمعوا على‬
‫عبادتها في الدنيا ‪ ،‬صداقة وألفة منكم ‪ ،‬بعضكم لبعض في الحياة الدنيا‪ .‬وهذا‬
‫م { ‪ ،‬على أنه مفعول له ‪ ،‬وأما على قراءة‬ ‫موَد ّة َ ب َي ْن ِك ُ ْ‬ ‫على قراءة من نصب } َ‬
‫صل لكم المودة‬ ‫ح ّ‬ ‫الرفع فمعناه ‪ :‬إنما اتخاذكم )‪ (3‬هذا ي ُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬توجد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إنما اتخذتم"‪.‬‬

‫) ‪(6/271‬‬

‫َ‬
‫م )‪ (26‬وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْعَ‬ ‫جٌر إ َِلى َرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫مَها ِ‬‫ل إ ِّني ُ‬‫ط وََقا َ‬‫ه ُلو ٌ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫م َ‬‫فَآ َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫جَرهُ ِفي الد ّن َْيا وَإ ِن ّ ُ‬‫ب وَآ َت َي َْناه ُ أ ْ‬ ‫جعَل َْنا ِفي ذ ُّري ّت ِهِ الن ّب ُوّة َ َوال ْك َِتا َ‬‫ب وَ َ‬‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬‫إِ ْ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬
‫خَرةِ ل ِ‬ ‫ِفي ال ِ‬

‫مةِ { ينعكس هذا الحال ‪ ،‬فتبقى هذه الصداقة‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫في الدنيا فقط } ث ُ ّ‬
‫ض { أي ‪ :‬تتجاحدون ما كان‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬‫فُر ب َعْ ُ‬ ‫ضة وشنآنا ‪ ،‬فـ } ي َك ْ ُ‬ ‫والمودة ب َغْ َ‬
‫ضا { أي ‪ :‬يلعن التباع المتبوعين ‪ ،‬والمتبوعون )‬ ‫ُ‬
‫بينكم ‪ } ،‬وَي َ َ ُ َ ْ ُ ْ َ ْ ً‬
‫ع‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خت ََها { ]العراف ‪ ، [38 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫تأ ْ‬ ‫ة ل َعَن َ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫تأ ّ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫‪ (1‬التباع ‪ } ،‬ك ُل ّ َ‬
‫ن { ]الزخرف ‪ ، [67 :‬وقال‬ ‫قي َ‬ ‫ض عَد ُوّ ِإل ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ ب َعْ ُ‬ ‫خلُء ي َوْ َ‬ ‫} ال ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م الّناُر‬ ‫مأَواك ُ ُ‬‫ضا وَ َ‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫ض وَي َلعَ ُ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫فُر ب َعْ ُ‬ ‫مةِ ي َك ْ ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫هاهنا } ث ُ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬ومصيركم ومرجعكم بعد عرصات القيامة إلى‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫النار ‪ ،‬وما لكم من ناصر ينصركم ‪ ،‬ول منقذ ينقذكم من عذاب الله‪ .‬وهذا‬
‫حال الكافرين ‪ ،‬فأما المؤمنون فبخلف ذلك‪.‬‬
‫مسي )‪ (3‬حدثنا أبو‬ ‫ح َ‬ ‫قال )‪ (2‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن إسماعيل ال ْ‬
‫عاصم الثقفي ]حدثنا[ )‪ (4‬الربيع بن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن جعدة‬
‫بن هُب َْيرة المخزومي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده )‪ (5‬عن أم هانئ ‪ -‬أخت علي بن‬
‫رك أن الله‬ ‫أبي طالب ‪ -‬قالت ‪ :‬قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أخب ِ‬
‫ن يدري أين‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى يجمع الولين والخرين يوم القيامة في صعيد واحد ‪ ،‬فَ َ‬
‫الطرفان " )‪ ، (6‬فقالت الله ورسوله أعلم‪" .‬ثم ينادي مناد من تحت‬
‫العرش ‪ :‬يا أهل التوحيد ‪ ،‬فيشرئبون" قال أبو عاصم ‪ :‬يرفعون رؤوسهم‪" .‬ثم‬
‫ينادي ‪ :‬يا أهل التوحيد ‪ ،‬ثم ينادي الثالثة ‪ :‬يا أهل التوحيد ‪ ،‬إن الله قد عفا‬
‫ظلمات الدنيا ‪ -‬يعني‬ ‫عنكم" قال ‪" :‬فيقول الناس قد تعلق بعضهم ببعض في ُ‬
‫‪ :‬المظالم ‪ -‬ثم ينادي ‪ :‬يا أهل التوحيد ‪ ،‬ليعف بعضكم عن بعض ‪ ،‬وعلى الله‬
‫الثواب" )‪.(7‬‬
‫م )‪ (26‬وَوَهَب َْنا‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫زيُز ال َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ العَ‬ ‫جٌر إ ِلى َرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ل إ ِّني ُ‬ ‫ه ُلوط وََقا َ‬ ‫ٌ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫} َفآ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫جَرهُ ِفي الد ّن َْيا‬ ‫ب َوآت َي َْناه ُ أ ْ‬ ‫جعَلَنا ِفي ذ ُّري ّت ِهِ الن ّب ُوّة َ َوالك َِتا َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ن )‪.{ (27‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةِ ل َ ِ‬ ‫ه ِفي ال ِ‬ ‫وَإ ِن ّ ُ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن إبراهيم ‪ :‬أنه آمن له لوط ‪ ،‬يقال ‪ :‬إنه ابن أخي‬
‫إبراهيم ‪ ،‬يقولون هو ‪ :‬لوط بن هاران بن آزر ‪ ،‬يعني ‪ :‬ولم يؤمن به من قومه‬
‫سواه ‪ ،‬وسارة امرأة ]إبراهيم[ )‪ (8‬الخليل‪ .‬لكن يقال ‪ :‬كيف الجمع بين هذه‬
‫مّر على ذلك‬ ‫الية ‪ ،‬وبين الحديث الوارد في الصحيح )‪ : (9‬أن إبراهيم حين َ‬
‫الجبار ‪ ،‬فسأل إبراهيم عن سارة ‪ :‬ما هي منه ؟ فقال ‪] :‬هي[ )‪ (10‬أختي ‪،‬‬
‫ثم جاء إليها فقال لها ‪ :‬إني قد قلت له ‪" :‬إنك ‪ :‬أختي" ‪ ،‬فل تكذبيني ‪ ،‬فإنه‬
‫ليس على وجه الرض ]أحد[ )‪ (11‬مؤمن غيرك وغيري )‪ ، (12‬فأنت أختي‬
‫في الدين‪ .‬وكأن المراد من هذا ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أنه ليس على وجه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬المتبوعين" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬الحمصي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الطرفين"‪.‬‬
‫)‪ (7‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )‪ (4803‬من طريق محمد بن‬
‫إسماعيل الحمسي به ‪ ،‬وقال ‪" :‬ل يروى عن أم هانئ إل بهذا السناد ‪ ،‬تفرد‬
‫به أبو عاصم"‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/355‬فيه أبو عاصم ‪-‬‬
‫الربيع بن إسماعيل ‪ -‬منكر الحديث ‪ ،‬قاله أبو حاتم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح مسلم برقم )‪.(2371‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬غيري وغيرك"‪.‬‬

‫) ‪(6/272‬‬

‫الرض زوجان على السلم غيري وغيرك ‪ ،‬فإن لوطا عليه السلم ‪ ،‬آمن به‬
‫سل في حياة الخليل إلى أهل‬ ‫من قومه ‪ ،‬وهاجر معه إلى بلد الشام ‪ ،‬ثم أر ِ‬
‫سدوم" وإقليمها ‪ ،‬وكان من أمرهم )‪ (1‬ما تقدم وما سيأتي‪.‬‬ ‫" َ‬
‫جٌر إ َِلى َرّبي { يحتمل عود الضمير في قوله ‪:‬‬ ‫مَها ِ‬‫ل إ ِّني ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وََقا َ‬
‫ل { ‪ ،‬على لوط ‪ ،‬لنه )‪ (2‬أقرب المذكورين ‪ ،‬ويحتمل عوده إلى‬ ‫} وََقا َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫إبراهيم ‪ -‬قال )‪ (3‬ابن عباس ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬وهو المكنى عنه بقوله ‪َ } :‬فآ َ‬
‫ط { أي ‪ :‬من قومه‪.‬‬ ‫ه ُلو ٌ‬ ‫لَ ُ‬
‫ثم أخبر عنه بأنه اختار المهاجرة من بين أظهرهم ‪ ،‬ابتغاء إظهار الدين‬
‫زيُز { أي ‪ :‬له العزة ولرسوله‬ ‫ه هُوَ ال ْعَ ِ‬
‫والتمكن من ذلك ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫م { في أقواله وأفعاله وأحكامه القدرية والشرعية‪.‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬‫وللمؤمنين به ‪ } ،‬ال ْ َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هاجرا جميعا من "كوثى" ‪ ،‬وهي من سواد )‪ (4‬الكوفة إلى‬
‫ي الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إنها ستكون‬ ‫الشام‪ .‬قال ‪ :‬وُذكر لنا أن نب ّ‬
‫جر إبراهيم ‪ ،‬ويبقى في الرض‬ ‫مَها َ‬ ‫هجرة بعد هجرة ‪ ،‬ينحاز أهل الرض إلى ُ‬
‫شرار أهلها ‪ ،‬حتى تلفظهم أرضهم وتقذُرهم روح الله ‪ ،‬وتحشرهم النار مع‬
‫قيل معهم إذا قالوا ‪ ،‬وتأكل ما‬ ‫القردة والخنازير ‪ ،‬تبيت معهم إذا باتوا ‪ ،‬وت َ ِ‬
‫سقط منهم"‪.‬‬
‫وقد أسند المام أحمد هذا الحديث ‪ ،‬فرواه مطول من حديث عبد الله بن‬
‫مر ‪ ،‬عن قتادة ‪،‬‬ ‫معْ َ‬
‫عمرو بن العاص ‪ ،‬قال )‪ : (5‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َ‬
‫شب قال ‪ :‬لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية ‪ ،‬قدمت الشام‬ ‫حو ْ َ‬‫شْهر بن َ‬ ‫عن َ‬
‫كالي ‪ ،‬فجئته ؛ إذ جاء رجل ‪ ،‬فانتبذ َ الناس‬ ‫فأخبرت بمقام يقومه نوف الب ِ َ‬
‫ميصة ‪ ،‬وإذا )‪ (6‬هو عبد الله بن عمرو بن العاص‪ .‬فلما رآه نوف‬ ‫خ ِ‬ ‫وعليه َ‬
‫أمسك عن الحديث ‪ ،‬فقال عبد الله ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫مَهاجَر‬
‫وسلم يقول ‪" :‬إنها ستكون هجرة بعد هجرة ‪ ،‬فينحاز الناس إلى ُ‬
‫إبراهيم ‪ ،‬ل يبقى في الرض إل شرار أهلها ‪ ،‬فتلفظهم )‪ (7‬أرضوهم ‪،‬‬
‫س الرحمن ‪ ،‬تحشرهم النار مع القردة والخنازير فتبيت معهم إذا‬ ‫ذرهم نف ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ت ْ‬
‫خلف"‪ .‬قال ‪ :‬وسمعت رسول‬ ‫ّ‬ ‫قيل معهم إذا قالوا ‪ ،‬وتأكل منهم من ت َ َ‬ ‫باتوا ‪ ،‬وت َ ِ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬سيخرج أناس )‪ (8‬من أمتي من قبل‬
‫المشرق ‪ ،‬يقرؤون القرآن ل يجاوز ت ََراِقيهم ‪ ،‬كلما خرج منهم قرن ُقطع ‪،‬‬
‫دها زيادة على عشرين مرة "كلما خرج‬ ‫كلما خرج منهم قرن قطع" حتى عَ ّ‬
‫منهم قرن قطع ‪ ،‬حتى يخرج الدجال في بقيتهم" )‪.(9‬‬
‫سُتوائي ‪ ،‬عن‬
‫ّ ْ‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫هشام‬ ‫ورواه أحمد عن أبي داود ‪ ،‬وعبد الصمد ‪ ،‬كلهما عن‬
‫قتادة ‪ ،‬به )‪(10‬‬
‫وقد رواه أبو داود في سننه ‪ ،‬فقال في كتاب الجهاد ‪ ،‬باب ما جاء في سكنى‬
‫الشام ‪:‬‬
‫حدثنا عبيد الله بن عمر ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثني ]أبي[ )‪ ، (11‬عن‬
‫قتادة ‪ ،‬عن شهر بن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬إبراهيم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الذي هو"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬قاله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من أرض سواد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬فإذا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪" :‬تلفظهم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬ناس"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(2/198‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪.(2/209‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من سنن أبي داود‪.‬‬

‫) ‪(6/273‬‬

‫حوشب ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫جر‬‫مها َ‬
‫وسلم يقول ‪" :‬ستكون هجرة بعد هجرة ‪ ،‬فخيار أهل الرض ألزمهم ُ‬
‫قذرهم نفس‬ ‫إبراهيم ‪ ،‬ويبقى في الرض شرار أهلها تلفظهم أرضهم وت َ ْ‬
‫الرحمن ‪ ،‬وتحشرهم النار مع القردة والخنازير" )‪.(1‬‬
‫جَناب يحيى بن أبي حّية ‪،‬‬ ‫وقال )‪ (2‬المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬أخبرنا أبو َ‬
‫مر يقول )‪ (4‬لقد رأيُتنا‬ ‫عن شهر بن حوشب قال ‪ :‬سمعت )‪ (3‬عبد الله بن عُ َ‬
‫خَرة الن‬ ‫ِ‬ ‫بآ‬ ‫رأيتنا‬ ‫لقد‬ ‫ثم‬ ‫وما صاحب الدينار والدرهم بأحق من أخيه المسلم ‪،‬‬
‫‪ ،‬والدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم ‪ ،‬ولقد سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬لئن أنتم اتبعتم أذناب البقر ‪ ،‬وتبايعتم‬
‫بالعينة ‪ ،‬وتركتم الجهاد في سبيل الله ‪ ،‬ليلزمنكم الله مذّلة في أعناقكم ‪ ،‬ثم‬
‫ل تنزع منكم حتى ترجعوا إلى ما كنتم عليه ‪ ،‬وتتوبوا إلى الله عز وجل"‪.‬‬
‫وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬لتكونن هجرة بعد هجرة‬
‫مهاجر أبيكم إبراهيم حتى ل يبقى في الرضين )‪ (5‬إل شرار أهلها‬ ‫إلى ُ‬
‫وتلفظهم أرضوهم ‪ ،‬وتقذرهم روح الرحمن ‪ ،‬وتحشرهم النار مع القردة‬
‫والخنازير ‪ ،‬تقيل حيث يقيلون )‪ ، (6‬وتبيت حيث يبيتون ‪ ،‬وما سقط منهم‬
‫فلها"‪ .‬ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬يخرج من‬
‫أمتي قوم يسيئون العمال ‪ ،‬يقرؤون القرآن ل يجاوز حناجرهم ‪ -‬قال يزيد ‪:‬‬
‫ل أعلمه إل قال ‪ -‬يحقر أحدكم علمه مع علمهم ‪ ،‬يقتلون أهل السلم ‪ ،‬فإذا‬
‫خرجوا فاقتلوهم ‪ ،‬ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ‪ ،‬ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ‪ ،‬فطوبى‬
‫لمن قتلهم ‪ ،‬وطوبى لمن قتلوه‪ .‬كلما طلع منهم قرن َقطَعه الله"‪ .‬فردد ذلك‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين مرة ‪ ،‬أو أكثر ‪ ،‬وأنا أسمع )‪.(7‬‬
‫سْين بن الفضل ‪ ،‬أخبرنا عبد‬ ‫ح َ‬‫وقال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو ال ُ‬
‫الله بن جعفر ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن سفيان ‪ ،‬حدثنا أبو النضر إسحاق بن يزيد‬
‫وهشام بن عمار الدمشقيان قال حدثنا يحيى بن حمزة ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬عن‬
‫دثه ‪ ،‬عن نافع ‪ -‬عن عبد الله بن عمر ‪ :‬أن‬ ‫نافع ‪ -‬وقال أبو النضر ‪ ،‬عمن ح ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬سيهاجر أهل الرض هجرة بعد‬
‫جر إبراهيم ‪ ،‬حتى ل يبقى إل شرار أهلها ‪ ،‬تلفظهم الرضون‬ ‫هجرة ‪ ،‬إلى مها َ‬
‫)‪ (8‬وتقذرهم روح الرحمن ‪ ،‬وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ‪ ،‬تبيت‬
‫معهم حيث باتوا ‪ ،‬وتقيل معهم حيث قالوا ‪ ،‬لها ما سقط منهم"‪.‬‬
‫غريب من حديث نافع‪ .‬والظاهر أن الوزاعي قد رواه عن شيخ له من‬
‫الضعفاء ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وروايته من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أقرب‬
‫إلى الحفظ‪.‬‬
‫ما‬
‫م وَ َ‬ ‫َ‬
‫ما اعْت ََزلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب { ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬فل ّ‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬‫ه إِ ْ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَوَهَب َْنا ل ُ‬
‫جعَلَنا ن َب ِّيا { ]مريم ‪[49 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ب وَكل َ‬‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ه إِ ْ‬‫ن الل ّهِ وَهَب َْنا ل ُ‬
‫َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫دو َ‬‫ي َعْب ُ ُ‬
‫مه أقّر الله عينه بوجود ولد صالح نبي ]وولد له ولد‬ ‫أي ‪ :‬إنه لما فارق قو َ‬
‫ق‬ ‫حا‬ ‫س‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َْ ُ ِ ْ َ َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ه‬‫و‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الله‬ ‫قال‬ ‫(‬ ‫‪10‬‬ ‫)‬ ‫وكذلك‬ ‫جده‪.‬‬ ‫صالح[ )‪ (9‬في حياة‬
‫ة { ]النبياء ‪[72 :‬‬ ‫ب َنافِل َ ً‬‫قو َ‬‫وَي َعْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود برقم )‪.(2482‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬سمعت عبد الله بن عمرو قال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الرض"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ‪ ،‬هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تقيل معهم حيث قالوا" والمثبت من المسند‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (2/84‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" (5/251‬فيه أبو جناب‬
‫الكلبي وهو ضعيف" وقال الحافظ ابن حجر في الفتح )‪" (11/380‬سنده ل‬
‫بأس به"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ف ‪" :‬الرض‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬ولذلك"‪.‬‬

‫) ‪(6/274‬‬

‫ب { أي ‪:‬‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ ي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن وََراِء إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حاقَ وَ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ها ب ِإ ِ ْ‬


‫شْرَنا َ‬ ‫أي ‪ :‬زيادة ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬فَب َ ّ‬
‫ويوَلد لهذا الولد ولد في حياتكما ‪ ،‬تقر به أعينكما‪ .‬وكون يعقوب ولد لسحاق‬
‫َ‬
‫داَء إ ِذ ْ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ك ُن ْت ُ ْ‬‫نص عليه القرآن ‪ ،‬وثبتت به السنة النبوية ‪ ،‬قال الله ‪ } :‬أ ْ‬
‫ك وَإ ِل َ َ‬
‫ه‬ ‫دي َقاُلوا ن َعْب ُد ُ إ ِل َهَ َ‬ ‫ن ب َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫ل ل ِب َِنيهِ َ‬‫ت إ ِذ ْ َقا َ‬
‫مو ْ ُ‬‫ب ال ْ َ‬‫قو َ‬ ‫ضَر ي َعْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]البقرة ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫دا وَن َ ْ‬‫ح ً‬ ‫َ‬
‫حاقَ إ ِلًها َوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫عي َ‬
‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫ما ِ‬
‫س َ‬‫م وَإ ِ ْ‬‫هي َ‬ ‫َ‬
‫آَبائ ِك إ ِب َْرا ِ‬
‫ن الكريم ابن الكريم‬ ‫ن الكريم اب ِ‬ ‫‪ ، [133‬وفي الصحيحين ‪" :‬إن الكريم اب َ‬
‫ب بن إسحاقَ بن إبراهيم" )‪.(1‬‬ ‫ن يعقو َ‬ ‫فب َ‬ ‫يوس ُ‬
‫ب‬‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫َ‬
‫فأما ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَوَهَب َْنا ل ُ‬
‫ة[ { )‪ ، (2‬قال ‪" :‬هما ولدا إبراهيم"‪ .‬فمعناه ‪ :‬أن ولد الولد بمنزلة الولد‬ ‫]َنافِل َ ً‬
‫؛ فإن هذا أمر ل يكاد يخفى على من هو دون ابن عباس‪.‬‬
‫سنية عظيمة ‪،‬‬ ‫خل َْعة )‪َ (3‬‬ ‫ب { ‪ ،‬هذه ِ‬ ‫جعَل َْنا ِفي ذ ُّري ّت ِهِ الن ّب ُوّة َ َوال ْك َِتا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫مع اتخاذ الله إياه خليل وجعله للناس إماما ‪ ،‬أن جعل في ذريته النبوة‬
‫والكتاب ‪ ،‬فلم يوجد نبي بعد إبراهيم عليه السلم ‪ ،‬إل وهو من سللته ‪،‬‬
‫سللة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬حتى‬ ‫فجميع أنبياء بني إسرائيل من ُ‬
‫كان آخرهم عيسى ابن مريم ‪ ،‬فقام في ملئهم مبشرا بالنبي العربي القرشي‬
‫الهاشمي ‪ ،‬خاتم الرسل على الطلق ‪ ،‬وسيد ولد آدم في الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫الذي اصطفاه الله من صميم العرب العَْرباء ‪ ،‬من سللة إسماعيل بن‬
‫إبراهيم ‪ ،‬عليهم السلم ‪ :‬ولم يوجد نبي من سللة إسماعيل سواه ‪ ،‬عليه‬
‫أفضل الصلة والسلم ]من الله تعالى[ )‪.(4‬‬
‫ن { أي ‪ :‬جمع‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةِ ل ِ‬ ‫ه ِفي ال ِ‬ ‫جَره ُ ِفي الد ّن َْيا وَإ ِن ّ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وآت َي َْناه ُ أ ْ‬
‫الله له بين سعادة الدنيا الموصولة بسعادة الخرة ‪ ،‬فكان له في الدنيا الرزق‬
‫حب ‪ ،‬والمورد العذب ‪ ،‬والزوجة الحسنة الصالحة ‪،‬‬ ‫ي والمنزل الّر ْ‬ ‫الواسع الهن ّ‬
‫والثناء الجميل ‪ ،‬والذكر الحسن ‪ ،‬فكل أحد يحبه ويتوله ‪ ،‬كما قال ابن عباس‬
‫ومجاهد وقتادة وغيرهم ‪ ،‬مع القيام بطاعة الله من جميع الوجوه ‪ ،‬كما قال‬
‫ذي وَّفى { ]النجم ‪ ، [37 :‬أي ‪ :‬قام بجميع ما أمر به ‪،‬‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَإ ِب َْرا ِ‬
‫ه ِفي‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫و‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫نا‬‫ي‬ ‫ت‬ ‫وآ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫ولهذا‬ ‫؛‬ ‫وكمل طاعة ربه‬
‫َّْ َ ِّ ُ‬ ‫َ ََْ ُ ْ َ ُ ِ‬
‫ُ‬
‫ة َقان ًِتا ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ً‬ ‫نأ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫ن { ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫خَرةِ ل َ ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ط‬‫صَرا ٍ‬ ‫داه ُ إ َِلى ِ‬ ‫جت ََباه ُ وَهَ َ‬ ‫مهِ ا ْ‬ ‫شاك ًِرا لن ْعُ ِ‬ ‫ن‪َ .‬‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫فا وَل َ ْ‬ ‫حِني ً‬
‫َ‬
‫ن { ]النحل ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫حي‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫صا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫خ‬‫ِ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫َِ ُ‬‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬
‫ّ َ َ َ‬‫يا‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫د‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫نا‬
‫َ‬
‫ٍ َ ْ ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫وآ‬ ‫م‪.‬‬ ‫قي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫‪.[121 - 120‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (4688‬من حديث ابن عمر ‪ ،‬ولم أجده عند‬
‫مسلم‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬خلقة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬من الله"‪.‬‬

‫) ‪(6/275‬‬

‫قك ُم بها م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ْ‬


‫ن‬
‫م َ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫سب َ َ ْ ِ َ ْ ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ة َ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ل َت َأُتو َ‬ ‫مهِ إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬‫ل لِ َ‬ ‫طا إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫وَُلو ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي َناِديك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ل وَت َأُتو َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قط َُعو َ‬ ‫ل وَت َ ْ‬ ‫جا َ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م ل َت َأُتو َ‬ ‫ن )‪ (28‬أئ ِن ّك ُ ْ‬ ‫مي َ‬‫ال َْعال َ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ب الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن َقاُلوا ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬ ‫مهِ إ ِّل أ ْ‬ ‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫من ْك ََر فَ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫قوْم ِ ال ُ‬ ‫ْ‬
‫صْرِني عَلى ال َ‬ ‫َ‬ ‫ب ان ْ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪َ (29‬قا َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ال ّ‬
‫قك ُم بها م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫حد ٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫سب َ َ ْ ِ ْ َ ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ة َ‬ ‫ش َ‬‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ل َت َأُتو َ‬ ‫مهِ إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫طا إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫} وَُلو ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن ِفي َناِديك ُ ُ‬ ‫ل وَت َأُتو َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قط َُعو َ‬ ‫ل وَت َ ْ‬ ‫جا َ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م ل َت َأُتو َ‬ ‫ن )‪ (28‬أئ ِن ّك ُ ْ‬ ‫مي َ‬‫ال َْعال َ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ب الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن َقاُلوا ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬ ‫مهِ ِإل أ ْ‬ ‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫من ْك ََر فَ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن )‪{ (30‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قوْم ِ ال ْ ُ‬ ‫صْرِني عََلى ال ْ َ‬ ‫ب ان ْ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪َ (29‬قا َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ال ّ‬
‫سوء‬ ‫يقول تعالى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلم ‪ ،‬إنه أنكر على قومه ُ‬
‫صنيعهم ‪ ،‬وما كانوا يفعلونه من قبيح العمال ‪ ،‬في إتيانهم الذكران من‬
‫العالمين ‪ ،‬ولم يسبقهم إلى هذه الفعلة أحد من بني آدم قبلهم‪ .‬وكانوا مع‬
‫ذبون رسوله ويخالفونه ويقطعون السبيل ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫هذا يكفرون بالله ‪ ،‬ويك ّ‬
‫ْ‬
‫ن ِفي َناِديك ُ ُ‬
‫م‬ ‫يقفون في طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم ‪ } ،‬وَت َأُتو َ‬
‫من ْك ََر { أي ‪ :‬يفعلون ما ل يليق من القوال والفعال في مجالسهم التي‬ ‫ال ْ ُ‬
‫يجتمعون فيها ‪ ،‬ل ينكر بعضهم على بعض شيًئا من ذلك ‪ ،‬فمن قائل ‪ :‬كانوا‬
‫يأتون بعضهم بعضا في المل قاله مجاهد‪ .‬ومن قائل ‪ :‬كانوا يتضارطون‬
‫ويتضاحكون ؛ قالته عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬والقاسم‪ .‬ومن قائل ‪ :‬كانوا‬
‫يناطحون بين الكباش ‪ ،‬ويناقرون بين الديوك ‪ ،‬وكل ذلك كان يصدر عنهم ‪،‬‬
‫وكانوا شًرا من ذلك‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حماد بن أسامة ‪ ،‬أخبرني حاتم بن أبي صغيرة ‪،‬‬
‫ماك بن حرب ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ -‬مولى أم هانئ ‪ -‬عن أم هانئ )‪(1‬‬ ‫س َ‬ ‫حدثنا ِ‬
‫قالت ‪ :‬سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬عن قوله عز وجل ‪:‬‬
‫ْ‬
‫من ْك ََر { ‪ ،‬قال ‪" :‬يحذفون أهل الطريق ‪ ،‬ويسخرون‬ ‫م ال ْ ُ‬‫ن ِفي َناِديك ُ ُ‬ ‫} وَت َأُتو َ‬
‫منهم ‪ ،‬وذلك المنكر الذي كانوا يأتونه"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم من حديث أبي أسامة حماد بن‬
‫صِغيرة )‪ (2‬به )‪ .(3‬ثم قال‬ ‫شيري ‪ ،‬حاتم بن أبي َ‬ ‫ق َ‬‫أسامة عن أبي يونس ال ُ‬
‫الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن ل نعرفه إل من حديث حاتم بن أبي صغيرة )‪(4‬‬
‫ماك‪.‬‬ ‫س َ‬
‫عن ِ‬
‫وقال )‪ (5‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن عرفة ‪ ،‬حدثنا محمد بن كثير ‪ ،‬عن‬
‫ْ‬
‫ن ِفي َناِديك ُ ُ‬
‫م‬ ‫عمرو بن قيس ‪ ،‬عن الحكم )‪ ، (6‬عن مجاهد ‪ } :‬وَت َأُتو َ‬
‫جلهق ‪ ،‬والسؤال في‬ ‫من ْك ََر { قال ‪ :‬الصفير ‪ ،‬ولعب الحمام )‪ (7‬وال ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫المجلس ‪ ،‬وحل أزرار القباء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬‫ب اللهِ إ ِ ْ‬‫ذا ِ‬ ‫ن َقالوا ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬ ‫ب قَوْ ِ‬
‫مهِ ِإل أ ْ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬
‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫ن { ‪ ،‬وهذا من كفرهم واستهزائهم وعنادهم ؛ ولهذا استنصر عليهم‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن { )‪.(8‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫قوْم ِ ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صْرِني عَلى ال َ‬ ‫ب ان ْ ُ‬ ‫نبي الله فقال ‪َ } :‬ر ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده عن أم هانئ"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬حيوة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (6/341‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3190‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬حيوة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬الحمار"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬الفاسقين" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(6/276‬‬

‫ن أ َهْل ََها‬ ‫قْري َةِ إ ِ ّ‬ ‫ل هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫كو أهْ ِ‬


‫شرى َقاُلوا إنا مهل ِ ُ َ‬
‫ِّ ُ ْ‬ ‫م ِبال ْب ُ ْ َ‬ ‫هي َ‬ ‫سل َُنا إ ِب َْرا ِ‬‫ت ُر ُ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫طا َقاُلوا نح َ‬
‫ه وَأهْل َ ُ‬
‫ه‬ ‫جي َن ّ ُ‬‫ن ِفيَها ل َن ُن َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن أعْل َ ُ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ن ِفيَها ُلو ً‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن )‪َ (31‬قا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫َ‬
‫سل َُنا ُلو ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫سيَء ب ِهِ ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن )‪ (32‬وَل َ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫ن ال َْغاب ِ ِ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫مَرأت َ ُ‬ ‫إ ِّل ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫كان َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مَرأت َ َ‬ ‫ك إ ِّل ا ْ‬ ‫ك وَأهْل َ َ‬ ‫جو َ‬ ‫من َ ّ‬ ‫ن إ ِّنا ُ‬ ‫حَز ْ‬ ‫ف وََل ت َ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫عا وََقاُلوا َل ت َ َ‬ ‫م ذ َْر ً‬ ‫ضاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ما‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ماِء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جًزا ِ‬ ‫قْري َةِ رِ ْ‬ ‫ل هَذِهِ ال َ‬ ‫ن عَلى أهْ ِ‬ ‫من ْزِلو َ‬ ‫ن )‪ (33‬إ ِّنا ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ن الَغاب ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مد ْي َ َ‬ ‫ن )‪ (35‬وَإ ِلى َ‬ ‫قلو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْ ِ‬ ‫ة لِ َ‬‫ة ب َي ّن َ ً‬ ‫من َْها آي َ ً‬ ‫قد ْ ت ََركَنا ِ‬ ‫ن )‪ (34‬وَل َ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫وا ِفي الْر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خَر وَل ت َعْث ْ‬ ‫م ال ِ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫جوا الي َوْ َ‬ ‫ه َواْر ُ‬ ‫ّ‬
‫دوا الل َ‬ ‫قال َيا قوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شعَي ًْبا ف َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫أَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حوا ِفي َدارِهِ ْ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ة فَأ ْ‬ ‫ف ُ‬‫ج َ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬ ‫ن )‪ (36‬فَك َذ ُّبوه ُ فَأ َ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ل هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫شرى َقاُلوا إنا مهل ِ ُ َ‬
‫ن‬‫قْري َةِ إ ِ ّ‬ ‫كو أهْ ِ‬ ‫ِّ ُ ْ‬ ‫م ِبال ْب ُ ْ َ‬ ‫هي َ‬ ‫سل َُنا إ ِب َْرا ِ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫ما َ‬ ‫} وَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫أ َهْل ََها َ‬
‫ه‬
‫جي َن ّ ُ‬‫ن ِفيَها ل َن ُن َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن أعْل َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫طا َقاُلوا ن َ ْ‬ ‫ن ِفيَها ُلو ً‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن )‪َ (31‬قا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫كاُنوا َ‬
‫سل َُنا ُلو ً‬ ‫َ‬ ‫وأ َهْل َه إل ا َ‬
‫سيَء‬ ‫طا ِ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن )‪ (32‬وَل َ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ال َْغاب ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫مَرأت َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫مَرأ َت َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫إل‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ك وأ َْ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬
‫َ َ ْ َ َ ْ َ ْ ِّ ُ َ ّ‬‫إ‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بِ ِ ْ َ َ َ ِ ِ ْ ْ ً َ‬
‫و‬ ‫عا‬ ‫ر‬ ‫ذ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ضا‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ل هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ماِء‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جًزا ِ‬ ‫قْري َةِ رِ ْ‬ ‫ن عََلى أهْ ِ‬ ‫منزُلو َ‬ ‫ن )‪ (33‬إ ِّنا ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ن ال َْغاب ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (35‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْ ِ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫ة ب َي ّن َ ً‬ ‫من َْها آي َ ً‬ ‫قد ْ ت ََرك َْنا ِ‬ ‫ن )‪ (34‬وَل َ َ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫لما استنصر لوط عليه السلم ‪ ،‬الله عليهم ‪ ،‬بعث الله لنصرته ملئكة فمروا‬
‫على إبراهيم عليه السلم ‪ ،‬في هيئة أضياف ‪ ،‬فجاءهم بما ينبغي للضيف ‪،‬‬
‫مة لهم إلى الطعام ن َك َِرهم ‪ ،‬وأوجس منهم خيفة ‪ ،‬فشرعوا‬ ‫فلما رأى أنه ل ه ّ‬
‫يؤانسونه ويبشرونه بوجود ولد صالح من امرأته سارة ‪ -‬وكانت حاضرة ‪-‬‬
‫فتعجبت من ذلك ‪ ،‬كما تقدم بيانه في سورة "هود" و"الحجر"‪ .‬فلما جاءت‬
‫إبراهيم بالبشرى ‪ ،‬وأخبروه بأنهم أرسلوا لهلك قوم لوط ‪ ،‬أخذ يدافع لعلهم‬
‫قْري َةِ { ‪،‬‬ ‫ل هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫ظرون ‪ ،‬لعل الله أن يهديهم ‪ ،‬ولما قالوا ‪ } :‬إنا مهل ِ ُ َ‬ ‫ُين َ‬
‫كو أهْ ِ‬ ‫ِّ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫كان َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫مَرأت َ ُ‬ ‫ه ِإل ا ْ‬ ‫ه وَأهْل َ ُ‬ ‫جي َن ّ ُ‬ ‫ن ِفيَها ل َن ُن َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن أعْل َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫طا َقاُلوا ن َ ْ‬ ‫ن ِفيَها ُلو ً‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫} َقا َ‬
‫ن { أي ‪ :‬من الهالكين ؛ لنها كانت تمالئهم على كفرهم وبغيهم‬ ‫ري َ‬ ‫ن ال َْغاب ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ودبرهم‪ .‬ثم ساروا من عنده فدخلوا على لوط في صورة شباب حسان ‪،‬‬
‫م )‪ (1‬بأمرهم ‪،‬‬ ‫عا { أي ‪ :‬اهت ّ‬ ‫م ذ َْر ً‬ ‫ضاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سيَء ب ِهِ ْ‬ ‫فلما رآهم كذلك ‪ِ } ،‬‬
‫إن هو أضافهم خاف )‪ (2‬عليهم من قومه ‪ ،‬وإن لم يضفهم خشي عليهم‬
‫ن إ ِّنا‬ ‫حَز ْ‬ ‫ف َول ت َ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫منهم ‪ ،‬ولم يعلم بأمرهم في الساعة الراهنة‪َ } .‬قاُلوا ل ت َ َ‬
‫َ‬ ‫مَرأ َت َ َ‬ ‫ك وَأ َهْل َ َ‬
‫ه‬
‫ل هَذِ ِ‬ ‫ن عََلى أهْ ِ‬ ‫منزُلو َ‬ ‫ن‪ .‬إ ِّنا ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ن ال َْغاب ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ك ِإل ا ْ‬ ‫جو َ‬ ‫من َ ّ‬ ‫ُ‬
‫ن { ‪ ،‬وذلك أن جبريل عليه السلم‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ما‬‫ّ َ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫زا‬ ‫ً‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ر‬‫ا ْ‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬
‫اقتلع قراهم من قرار الرض ‪ ،‬ثم رفعها إلى عََنان السماء ‪ ،‬ثم قلبها عليهم‪.‬‬
‫وأرسل الله عليهم حجارة من سجيل منضود ‪ ،‬مسومة عند ربك وما هي من‬
‫الظالمين ببعيد ‪ ،‬وجعل ]الله[ )‪ (3‬مكانها بحيرة خبيثة منتنة ‪ ،‬وجعلهم عبرة‬
‫إلى يوم التناد )‪ ، (4‬وهم من أشد الناس عذابا يوم المعاد ؛ ولهذا قال‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ن{‪،‬ك َ‬ ‫قُلو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْ ِ‬ ‫ة { أي ‪ :‬واضحة ‪ } ،‬ل ِ َ‬ ‫ة ب َي ّن َ ً‬ ‫من َْها آي َ ً‬ ‫قد ْ ت ََرك َْنا ِ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫َ‬
‫ن { ]الصافات ‪:‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫ل أَفل ت َعْ ِ‬ ‫ن * وَِبالل ّي ْ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫صب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫مّرو َ‬ ‫م ل َت َ ُ‬ ‫ل } وَإ ِن ّك ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫‪.[138 ، 137‬‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫خَر َول‬ ‫م ال ِ‬ ‫جوا الي َوْ َ‬ ‫ه َواْر ُ‬ ‫دوا الل َ‬ ‫قال َيا قوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شعَي ًْبا ف َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫} وَإ َِلى َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حوا ِفي َدارِهِ ْ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ة فَأ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬ ‫ن )‪ (36‬فَك َذ ُّبوه ُ فَأ َ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ت َعْث َ ْ‬
‫ن )‪.{ (37‬‬ ‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬ ‫َ‬
‫يخبر تعالى عن عبده ورسوله شعيب عليه السلم ‪ ،‬أنه أنذر قومه أهل‬
‫مدين ‪ ،‬فأمرهم بعبادة الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن يخافوا بأس الله ونقمته‬ ‫َ‬
‫خَر {‪.‬‬ ‫م ال ِ‬ ‫َ ْ َ‬‫و‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫جوا‬ ‫َ َ ْ ُ‬ ‫ر‬ ‫وا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫دوا‬ ‫ب‬
‫ْ ِ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫‪،‬‬ ‫القيامة‬ ‫يوم‬ ‫وسطوته‬
‫‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬معناه ‪ :‬واخشوا اليوم الخر ‪ ،‬وهذا كقوله‬
‫خَر { ]الممتحنة ‪.[6 :‬‬ ‫م ال ِ‬ ‫ه َوال ْي َوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ل ِ َ‬
‫ثم نهاهم عن العيث في الرض بالفساد ‪ ،‬وهو السعي فيها والبغي على‬
‫أهلها ‪ ،‬وذلك أنهم كانوا ينقصون المكيال والميزان ‪ ،‬ويقطعون الطريق على‬
‫الناس ‪ ،‬هذا مع كفرهم بالله ورسوله ‪ ،‬فأهلكهم الله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬اغتم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬خوفا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬القيامة"‪.‬‬
‫) ‪(6/277‬‬

‫طا َ‬
‫مال َهُ ْ‬
‫م‬ ‫شي ْ َ ُ‬
‫ن أع ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫م وََزي ّ َ‬
‫ساك ِن ِهِ ْ‬‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫مود َ وَقَد ْ ت َب َي ّ َ‬‫عاًدا وَث َ ُ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬
‫ست َب ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل وَكاُنوا ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫فَ َ‬
‫صد ّهُ ْ‬

‫برجفة عظيمة زلزلت عليهم بلدهم ‪ ،‬وصيحة أخرجت القلوب من حناجرها )‬


‫‪ .(1‬وعذاب يوم الظلة الذي أزهق الرواح من مستقرها ‪ ،‬إنه كان عذاب يوم‬
‫عظيم‪ .‬وقد تقدمت قصتهم مبسوطة في سورة "العراف ‪ ،‬وهود ‪،‬‬
‫والشعراء"‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ميتين‪ .‬وقال غيره ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬
‫م َ‬ ‫حوا ِفي َدارِهِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأ ْ‬
‫صب َ ُ‬
‫قد ألقي بعضهم على بعض‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫مالهُ ْ‬
‫ن أعْ َ‬ ‫م ال ّ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫ن لهُ ُ‬
‫م وََزي ّ َ‬
‫ساك ِن ِهِ ْ‬‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫مود َ وَقَد ْ ت َب َي ّ َ‬ ‫عاًدا وَث َ ُ‬
‫} وَ َ‬
‫ن )‪{ (38‬‬ ‫ري َ‬‫ص ِ‬ ‫ست َب ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل وَكاُنوا ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫فَ َ‬
‫صد ّهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬حناجرهم"‪.‬‬

‫) ‪(6/278‬‬

‫ض‬ ‫َْ‬ ‫ت َفا ْ ْ‬ ‫سى ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫ن وَل َ َ‬ ‫وََقاُرو َ‬


‫ست َكب َُروا ِفي الْر ِ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫َ‬
‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن وَفِْرعَوْ َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬
‫صًبا وَ ِ‬
‫حا ِ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ َ‬‫ن أْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫خذ َْنا ب ِذ َن ْب ِهِ فَ ِ‬ ‫ن )‪ (39‬فَك ُّل أ َ‬ ‫قي َ‬ ‫ساب ِ ِ‬
‫كاُنوا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬‫ما َ‬‫ن أغَْرقَْنا وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ض وَ ِ‬ ‫فَنا ب ِهِ اْلْر َ‬ ‫س ْ‬
‫خ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ة وَ ِ‬‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خذ َت ْ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫مو َ‬‫م ي َظل ُِ‬ ‫ه‬
‫َ ُ ْ‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫نوا‬‫ُ‬ ‫كا‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬
‫َ ُ ْ َ‬ ‫ه‬‫م‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬

‫ست َك ْب َُروا ِفي‬ ‫ت َفا ْ‬ ‫سى ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن وَل َ َ‬‫ما َ‬ ‫ها َ‬‫ن وَ َ‬ ‫ن وَفِْرعَوْ َ‬ ‫} وََقاُرو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صًبا‬‫حا ِ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ َ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خذ َْنا ب ِذ َن ْب ِهِ فَ ِ‬ ‫كل أ َ‬ ‫ن )‪ (39‬فَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫ساب ِ ِ‬‫كاُنوا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ما‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫س‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ْ َ َ ِ ُْ ْ َ ْ‬ ‫ّ ْ َ ُ َ ِ ُْ ْ َ ْ َ َ َ ِ ِ‬ ‫م َ ْ َ ْ ُ‬
‫ت‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫وَ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (40‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫كاُنوا أن ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ه ل ِي َظ ْل ِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫يخبر تعالى عن هؤلء المم المكذبة للرسل كيف أبادهم وتنوع في عذابهم ‪،‬‬
‫فأخذهم )‪ (1‬بالنتقام منهم ‪ ،‬فعاد قوم هود ‪ ،‬وكانوا يسكنون الحقاف وهي‬
‫قريبة )‪ (2‬من حضرموت بلد اليمن ‪ ،‬وثمود قوم صالح ‪ ،‬وكانوا يسكنون‬
‫الحجر قريًبا من وادي القرى‪ .‬وكانت العرب تعرف مساكنهما )‪ (3‬جيدا ‪،‬‬
‫وتمر عليها كثيًرا‪ .‬وقارون صاحب الموال الجزيلة ومفاتيح الكنوز الثقيلة‪.‬‬
‫وفرعون ملك مصر في زمان موسى ووزيره هامان القبطيان الكافران بالله‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫كل أ َ َ‬ ‫} فَ ُ‬
‫سلَنا‬‫ن أْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خذ َْنا ب ِذ َن ْب ِهِ { أي ‪ :‬كانت عقوبته بما يناسبه ‪ } ،‬فَ ِ‬
‫ن أشد ّ منا قوة ؟ فجاءتهم ريح‬ ‫م ْ‬‫صًبا { ‪ ،‬وهم عاد ‪ ،‬وذلك أنهم قالوا ‪َ :‬‬ ‫حا ِ‬ ‫عَل َي ْهِ َ‬
‫صرصر باردة شديدة البرد ‪ ،‬عاتية شديدة الهبوب جدا ‪ ،‬تحمل عليهم حصباء‬
‫الرض فتقلبها عليهم ‪ ،‬وتقتلعهم من الرض فترفع الرجل منهم إلى عََنان‬
‫السماء ‪ ،‬ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى بدًنا بل رأس ‪ ،‬كأنهم أعجاز‬
‫ة { ‪ ،‬وهم ثمود ‪ ،‬قامت عليهم‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خذ َت ْ ُ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫نخل منقعر )‪ } .(4‬وَ ِ‬
‫الحجة وظهرت لهم )‪ (5‬الدللة ‪ ،‬من تلك الناقة التي انفلقت عنها الصخرة ‪،‬‬
‫مثل ما سألوا سواء بسواء ‪ ،‬ومع هذا ما آمنوا بل استمروا على طغيانهم‬
‫هم بأن يخرجوهم‬ ‫عدو ُ‬ ‫ن آمن معه ‪ ،‬وتو ّ‬ ‫م ْ‬ ‫وكفرهم ‪ ،‬وتهددوا نبي الله صالحا و َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬‫ويرجموهم ‪ ،‬فجاءتهم صيحة أخمدت الصوات منهم والحركات‪ } .‬وَ ِ‬
‫ض { ‪ ،‬وهو قارون الذي طغى وبغى وعتا ‪ ،‬وعصى الرب‬ ‫فَنا ب ِهِ الْر َ‬ ‫س ْ‬‫خ َ‬ ‫َ‬
‫حا ‪ ،‬وفرح ومرح وتاه بنفسه ‪ ،‬واعتقد أنه‬ ‫العلى ‪ ،‬ومشى في الرض مر ً‬
‫أفضل من غيره ‪ ،‬واختال في مشيته ‪ ،‬فخسف الله به وبداره الرض ‪ ،‬فهو‬
‫ن أ َغَْرقَْنا { ‪ ،‬وهم )‪ (6‬فرعون‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫يتجلجل فيها إلى يوم القيامة‪ } .‬وَ ِ‬
‫ووزيره هامان ‪ ،‬وجنوده عن آخرهم ‪ ،‬أغرقوا في صبيحة واحدة ‪ ،‬فلم ينج‬
‫ن َ‬
‫كاُنوا‬ ‫م { أي ‪ :‬فيما فعل بهم ‪ } ،‬وَل َك ِ ْ‬‫مهُ ْ‬ ‫ه ل ِي َظ ْل ِ َ‬
‫ن الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫منهم مخبر ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما فعل ذلك‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف َ‬‫أ َن ْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وأخذهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬قرية"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬مساكنهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خاوية"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو"‪.‬‬

‫) ‪(6/278‬‬

‫خذ َت بيتا وإ َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫ن أوْهَ َ‬ ‫ت ات ّ َ ْ َ ْ ً َ ِ ّ‬ ‫ل ال ْعَن ْك َُبو ِ‬ ‫ن الل ّهِ أوْل َِياَء ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬
‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن ُدون ِِ‬ ‫َ ِ ْ‬‫م‬ ‫ن‬ ‫عو‬‫ُ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫َ َْ ُ َ َ ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪41‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫نوا‬
‫َْ ُ ِ ْ ُ َْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫بو‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ا ُُ ِ َْ ُ‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫يو‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬
‫قل َُها إ ِلّ‬
‫ما ي َعْ ِ‬ ‫مَثا ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م )‪ (42‬وَت ِل َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬
‫س وَ َ‬‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬‫ل نَ ْ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬‫زيُز ال َ‬‫يٍء وَهُوَ العَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫مو َ‬ ‫الَعال ِ ُ‬ ‫ْ‬

‫بهم جزاء وفاقا بما كسبت أيديهم‪.‬‬


‫وهذا الذي ذكرناه ظاهر سياق الية ‪ ،‬وهو من باب اللف والنشر ‪ ،‬وهو أنه‬
‫خذ َْنا ب ِذ َن ْب ِهِ { ]الية[ )‪ ، (2‬أي ‪ :‬من‬ ‫كل )‪ (1‬أ َ َ‬ ‫ذكر المم المكذبة ‪ ،‬ثم قال ‪ } :‬فَ ُ‬
‫ت على هذا لنه قد روي أن ابن جريج قال ‪ :‬قال‬ ‫هؤلء المذكورين ‪ ،‬وإنما نبه ُ‬
‫َ‬
‫صًبا { ‪ ،‬قال ‪ :‬قوم‬ ‫حا ِ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ َ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫)‪ (3‬ابن عباس في قوله ‪ } :‬فَ ِ‬
‫ن أ َغَْرقَْنا { ‪ ،‬قال ‪ :‬قوم نوح‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫لوط‪ } .‬وَ ِ‬
‫جْرَيج لم يدركه‪ .‬ثم قد ذكر في‬ ‫وهذا )‪ (4‬منقطع عن ابن عباس ؛ فإن ابن ُ‬
‫هذه السورة إهلك قوم نوح بالطوفان ‪ ،‬وقوم لوط بإنزال الرجز من‬
‫ل بين ذلك وبين هذا السياق‪.‬‬ ‫السماء ‪ ،‬وطال السياقُ والفص ُ‬
‫وقال قتادة ‪ } :‬فَمنهم م َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬‫صًبا { قال ‪ :‬قوم لوط ‪ } ،‬وَ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫سل َْنا عَلي ْهِ َ‬
‫َ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫ِ ُْ ْ َ ْ‬
‫ة { ‪ ،‬قوم شعيب‪ .‬وهذا بعيد أيضا لما تقدم ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫ح ُ‬‫صي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خذ َت ْ ُ‬ ‫ن أَ َ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫ن أوْهَ َ‬ ‫ت ب َي ًْتا وَإ ِ ّ‬ ‫خذ َ ْ‬‫ت ات ّ َ‬ ‫ل العَن ْكُبو ِ‬ ‫مث َ ِ‬‫ن اللهِ أوْل َِياَء ك َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫مث َ ُ‬‫} َ‬
‫ن ُدون ِهِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ي َد ْ ُ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫ه ي َعْل ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ن )‪ (41‬إ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت لوْ كاُنوا ي َعْل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت العَن ْكُبو ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت لب َي ْ ُ‬ ‫ال ْب ُُيو ِ‬
‫قل َُها ِإل‬ ‫ما ي َعْ ِ‬
‫س وَ َ‬ ‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫مَثا ُ‬‫ك ال ْ‬ ‫م )‪ (42‬وَت ِل ْ َ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬‫زيُز ال ْ َ‬
‫يٍء وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪{ (43‬‬ ‫ا َ ِ ُ َ‬
‫مو‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ‪ ،‬يرجون‬
‫نصرهم ورزقهم ‪ ،‬ويتمسكون بهم في الشدائد ‪ ،‬فهم في ذلك كبيت‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫العنكبوت في ضعفه ووهنه )‪ (5‬فليس في أيدي هؤلء من آلهتهم إل ك َ‬
‫علموا هذا الحال لما‬ ‫يتمسك ببيت العنكبوت ‪ ،‬فإنه ل يجدي عنه شيئا ‪ ،‬فلو َ‬
‫اتخذوا من دون الله أولياء ‪ ،‬وهذا بخلف المسلم المؤمن قلبه لله ‪ ،‬وهو مع‬
‫ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع فإنه مستمسك )‪ (6‬بالعروة الوثقى ل‬
‫انفصام لها ‪ ،‬لقوتها وثباتها‪.‬‬
‫ن عبد غيره وأشرك به ‪ :‬إنه تعالى يعلم ما هم عليه‬ ‫م ْ‬‫ثم قال تعالى متوعدا ل ِ َ‬
‫من العمال ‪ ،‬ويعلم ما يشركون به من النداد ‪ ،‬وسيجزيهم وصفهم إنه حكيم‬
‫عليم‪.‬‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫قل َُها ِإل ال َْعال ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ما ي َعْ ِ‬
‫س وَ َ‬
‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫مَثا ُ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬وَت ِل ْ َ‬
‫وما يفهمها ويتدبرها إل الراسخون في العلم المتضلعون منه‪.‬‬
‫َ‬
‫قال )‪ (7‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسحاق بن عيسى ‪ ،‬حدثني ابن لِهيعة ‪ ،‬عن أبي‬
‫ت عن رسول‬ ‫قل ْ ُ‬‫قَِبيل )‪ ، (8‬عن عمرو بن العاص ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬عَ َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل )‪.(9‬‬
‫وهذه منقبة عظيمة لعمرو بن العاص ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬حيث يقول ]الله[ )‬
‫‪ (10‬تعالى ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فمنهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وهو"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وذهابه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ف ‪" :‬متمسك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪ (4/203‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" (8/264‬إسناده حسن"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬تبارك و"‪.‬‬

‫) ‪(6/279‬‬

‫ك َل َي َ ً‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ل َ‬ ‫ن )‪ (44‬ات ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫حق ّ إ ِ ّ‬ ‫ض ِبال ْ َ‬
‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬‫َ‬
‫رَ‬ ‫ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُأو ِ‬
‫من ْك ِ‬‫شاِء َوال ُ‬ ‫ف ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫صلة َ ت َن َْهى عَ ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫صلة َ إ ِ ّ‬ ‫ب وَأقِم ِ ال ّ‬ ‫ن الك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ي إ ِلي ْك ِ‬
‫َ‬
‫ح َ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫وَل َذِك ُْر الل ّهِ أك ْب َُر َوالل ّ ُ‬

‫ن {‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫قل َُها ِإل ال َْعال ِ ُ‬‫ما ي َعْ ِ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫مَثا ُ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫} وَت ِل ْ َ‬
‫وقال )‪ (1‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد‬
‫الرحمن ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن سنان ‪ ،‬عن عمرو بن مرة قال ‪ :‬ما مررت‬
‫بآية من كتاب الله ل أعرفها إل أحزنني ‪ ،‬لني سمعت الله تعالى يقول ‪:‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫قل َُها ِإل ال َْعال ِ ُ‬‫ما ي َعْ ِ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫مَثا ُ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫} وَت ِل ْ َ‬
‫ما‬
‫ل َ‬‫ن )‪ (44‬ات ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫حق ّ إ ِ ّ‬ ‫ض ِبال ْ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬
‫ه ال ّ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬ ‫} َ‬
‫رَ‬ ‫ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُأو ِ‬
‫من ْك ِ‬ ‫شاِء َوال ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫صلة َ ت َن َْهى عَ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫صلة َ إ ِ ّ‬ ‫ب وَأقِم ِ ال ّ‬ ‫ن الك َِتا ِ‬ ‫م َ‬‫ي إ ِلي ْك ِ‬
‫َ‬
‫ح َ‬
‫ن )‪.{ (45‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫وَل َذِك ُْر الل ّهِ أك ْب َُر َوالل ّ ُ‬
‫يقول تعالى ]مخبرا[ )‪ (2‬عن قدرته العظيمة ‪ :‬أنه خلق السموات والرض‬
‫سَعى {‬ ‫ما ت َ ْ‬‫س بِ َ‬ ‫ف َ ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫جَزى ك ُ ّ‬ ‫بالحق ‪ ،‬يعني ‪ :‬ل على وجه العبث واللعب ‪ } ،‬ل ِت ُ ْ‬
‫]طه ‪ } ، [15 :‬ل ِيجزي ال ّذي َ‬
‫سُنوا‬‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫جزِيَ ال ّ ِ‬ ‫مُلوا وَي َ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬‫ساُءوا ب ِ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ْ ِ َ ِ َ‬
‫سَنى { ]النجم ‪.[31 :‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬لدللة واضحة على أنه تعالى‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫المتفرد بالخلق والتدبير واللهية‪.‬‬
‫ثم قال تعالى آمرا رسوله والمؤمنين بتلوة القرآن ‪ ،‬وهو قراءته وإبلغه‬
‫َ‬
‫من ْك َرِ وَل َذِك ُْر الل ّهِ أكب َُر‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫شاِء َوال ْ ُ‬‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫صلة َ ت َن َْهى عَ ِ‬‫ن ال ّ‬‫صلة َ إ ِ ّ‬ ‫للناس ‪ } :‬وَأقِم ِ ال ّ‬
‫{ يعني ‪ :‬أن الصلة تشتمل على شيئين ‪ :‬على ترك الفواحش والمنكرات ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬إن مواظبتها تحمل على ترك ذلك‪ .‬وقد جاء في الحديث من رواية‬
‫ن لم تنهه صلته عن الفحشاء والمنكر ‪ ،‬لم‬ ‫م ْ‬ ‫عمران ‪ ،‬وابن عباس مرفوعا ‪َ " :‬‬
‫تزده من الله إل بعدا" )‪.(3‬‬
‫]ذكر الثار الواردة في ذلك[ )‪: (4‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن هارون المخرمي الفلس ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫الرحمن بن نافع أبو زياد ‪ ،‬حدثنا عمر بن أبي عثمان ‪ ،‬حدثنا الحسن ‪ ،‬عن‬
‫سِئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله ‪:‬‬ ‫عمران بن حصين قال ‪ُ :‬‬
‫ن لم تنهه صلته عن‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫من ْكرِ { قال ‪َ " :‬‬ ‫ْ‬
‫شاِء َوال ُ‬ ‫ح َ‬
‫ف ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫صلة َ ت َن َْهى عَ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫} إِ ّ‬
‫الفحشاء والمنكر ‪ ،‬فل صلة له" )‪.(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬رواه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬أما حديث عمران بن حصين ‪ ،‬فقد أخرجه ابن أبي حاتم ‪ -‬كما سيأتي ‪-‬‬
‫من طريق عمر بن أبي عثمان عن الحسن عن عمران به ‪ ،‬والحسن لم‬
‫يسمع من عمران بن حصين‪ .‬وأما حديث ابن عباس ‪ ،‬فقد رواه الطبراني في‬
‫المعجم الكبير )‪ (11/54‬من طريق ليث عن طاوس عن ابن عباس به‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬وهذا الحديث فيه علتان ذكرهما الشيخ ناصر الدين اللباني في الضعيفة‬
‫وهما ‪:‬‬
‫‪ - 1‬النقطاع بين الحسن ‪ -‬وهو البصري ‪ -‬وعمران بن حصين ‪ ،‬فإنهم اختلفوا‬
‫في سماعه منه فإنه ثبت ‪ ،‬فعلته عنعنته الحسن فإنه مدلس معروف بذلك‪.‬‬
‫‪ - 2‬جهالة عمر بن أبي عثمان ‪ ،‬ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل )‬
‫‪ (3/1/123‬وقال ‪" :‬سمع طاوسا قوله ‪ ،‬روى عنه يحيى بن سعيد"‪.‬‬

‫) ‪(6/280‬‬

‫وحدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي طلحة اليربوعي حدثنا أبو‬
‫معاوية ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن طاوس ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫ن لم تنهه صلته عن الفحشاء والمنكر ‪ ،‬لم يزدد بها من‬ ‫م ْ‬ ‫الله عليه وسلم ‪َ " :‬‬
‫الله إل بعدا"‪ .‬ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية )‪.(1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثنا خالد بن عبد الله ‪،‬‬
‫صلةَ‬‫ن ال ّ‬ ‫عن العلء بن المسيب ‪ ،‬عمن ذكره ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن لم تأمره صلته بالمعروف وتنهه‬ ‫م ْ‬ ‫شاِء َوال ْ ُ‬
‫من ْك َرِ { قال ‪ :‬فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ت َن َْهى عَ ِ‬
‫عن المنكر ‪ ،‬لم يزدد بصلته من الله إل بعدا‪ .‬فهذا موقوف )‪(2‬‬
‫‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬وحدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثنا علي بن هاشم بن )‬
‫‪ (3‬البريد ‪ ،‬عن جويبر ‪ ،‬عن الضحاك ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى الله‬
‫ن لم يطع الصلة ‪ ،‬وطاعة الصلة أن تنهى‬ ‫م ْ‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ل صلة ل ِ َ‬
‫مُركَ‬ ‫ك تأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عن الفحشاء والمنكر"‪ .‬قال ‪ :‬وقال سفيان ‪ } :‬قالوا َيا ُ‬
‫صلت ُ َ ُ‬ ‫بأ َ‬ ‫شعَي ْ ُ‬
‫{ ]هود ‪ [87 :‬قال ‪ :‬فقال سفيان ‪ :‬أي والله ‪ ،‬تأمره وتنهاه‪(4) .‬‬
‫ج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد ‪ ،‬عن جويبر ‪ ،‬عن‬ ‫ش ّ‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد ال َ‬
‫الضحاك ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وقال‬
‫ن لم يطع الصلة ‪ ،‬وطاعة الصلة‬ ‫م ْ‬ ‫مّرة ‪ :‬عن عبد الله ‪" : -‬ل صلة ل ِ َ‬‫أبو خالد َ‬
‫تنهاه )‪ (5‬عن الفحشاء والمنكر" )‪.(6‬‬
‫والموقوف أصح ‪ ،‬كما رواه العمش ‪ ،‬عن مالك بن الحارث ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن يزيد قال ‪ :‬قيل لعبد الله ‪ :‬إن فلنا يطيل الصلة ؟ قال ‪ :‬إن‬
‫الصلة ل تنفع إل من أطاعها )‪.(7‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬قال علي ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن مسلم )‪ ، (8‬عن الحسن قال‬
‫‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من صلى صلة لم تنهه عن‬
‫الفحشاء والمنكر ‪ ،‬لم يزدد بها من الله إل ب ُْعدا" )‪.(9‬‬
‫والصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬والحسن‬
‫وقتادة ‪ ،‬والعمش وغيرهم ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا يوسف بن موسى ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ -‬يعني‬
‫ابن عبد الحميد ‪ -‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح قال ‪ :‬أراه عن جابر ‪ -‬شك‬
‫العمش ‪ -‬قال ‪ :‬قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إن فلنا يصلي فإذا‬
‫أصبح سرق ‪ ،‬قال ‪" :‬سينهاه )‪ (10‬ما يقول" )‪.(11‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المعجم الكبير )‪ (11/54‬وقال الحافظ العراقي في تخريج الحياء ‪:‬‬
‫"إسناده لين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(20/99‬‬
‫)‪ (3‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪ (20/99‬وفيه جويبر وهو متروك‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬تنهى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬ذكره السيوطي في الدر المنثور )‪ (6/465‬مرفوعا ‪ ،‬وقال ‪" :‬أخرج عبد‬
‫بن حميد وابن جرير ‪ ،‬وابن مردويه بسند ضعيف" فذكر الرواية التي قبلها‪.‬‬
‫)‪ (7‬ورواه ابن أبي شيبة في المصنف )‪ (13/298‬من طريق زائدة عن‬
‫عاصم عن شقيق عن ابن مسعود قال ‪" :‬ل تنفع الصلة إل من أطاعها ثم‬
‫قرأ عبد الله ‪) :‬إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر‪ (...‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا علي بن إسماعيل بن‬
‫مسلم" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪ (20/99‬وهو من مراسيل الحسن‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ف ‪" :‬ستنهاه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬مسند البزار برقم )‪" (721‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" (2/258‬رجاله ثقات"‪.‬‬

‫) ‪(6/281‬‬

‫حرشي )‪ (1‬حدثنا زياد بن عبد الله ‪ ،‬عن العمش‬‫وحدثنا محمد بن موسى ال َ‬


‫عن أبي صالح ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ‪ -‬ولم يشك‬
‫)‪ - (2‬ثم قال ‪ :‬وهذا الحديث قد رواه غير واحد عن العمش واختلفوا في‬
‫إسناده ‪ ،‬فرواه غير واحد عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة أو‬
‫غيره ‪ ،‬وقال قيس عن العمش ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬وقال جرير‬
‫وزياد ‪ :‬عن عبد الله ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن جابر‪.‬‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا العمش قال ‪ :‬أنبأنا أبو صالح )‪ (3‬عن‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫أبي هريرة قال ‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬إن فلنا‬
‫يصلي بالليل فإذا أصبح سرق ؟ فقال ‪" :‬إنه سينهاه ما يقول )‪." (5) (4‬‬
‫وتشتمل الصلة أيضا على ذكر الله تعالى ‪ ،‬وهو المطلوب الكبر ؛ ولهذا قال‬
‫َ‬
‫ما‬
‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَل َذِك ُْر الل ّهِ أك ْب َُر { أي ‪ :‬أعظم من الول ‪َ } ،‬والل ّ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬يعلم جميع أقوالكم وأعمالكم‪.‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫من ْك َرِ { ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫شاِء َوال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫صلة َ ت َن َْهى عَ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫وقال أبو العالية في قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫قال ‪ :‬إن الصلة فيها ثلث خصال )‪ (6‬فكل صلة ل يكون فيها شيء من هذه‬
‫الخلل فليست بصلة ‪ :‬الخلص ‪ ،‬والخشية ‪ ،‬وذكر الله‪ .‬فالخلص يأمره‬
‫بالمعروف ‪ ،‬والخشية تنهاه عن المنكر ‪ ،‬وذكر القرآن يأمره وينهاه‪.‬‬
‫ون النصاري ‪ :‬إذا كنت في صلة فأنت في معروف ‪ ،‬وقد حجزتك‬ ‫وقال ابن عَ ْ‬
‫عن الفحشاء والمنكر ‪ ،‬والذي أنت فيه من ذكر الله أكبر‪.‬‬
‫من ْكرِ { يعني‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫شاِء َوال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫صلة َ ت َن َْهى عَ ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫وقال حماد بن أبي سليمان ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫‪ :‬ما دمت فيها‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَلذِكُر اللهِ أكب َُر { ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬ولذكر الله لعباده أكبر ‪ ،‬إذا ذكروه من ذكرهم إياه‪.‬‬
‫وكذا روى غير واحد عن ابن عباس‪ .‬وبه قال مجاهد ‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد الحمر ‪ ،‬عن داود‬
‫بن أبي هند ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَل َذِك ُْر الل ّهِ أ َك ْب َُر { قال ‪ :‬ذكر الله‬
‫عند طعامك وعند منامك‪ .‬قلت ‪ :‬فإن صاحًبا لي في المنزل يقول غير الذي‬
‫تقول ‪ :‬قال ‪ :‬وأي شيء يقول ؟ قلت ‪ :‬قال ‪ :‬يقول الله ‪َ } :‬فاذ ْك ُُروِني‬
‫َ‬
‫م { ]البقرة ‪ ، [152 :‬فلذكر الله إيانا أكبر من ذكرنا إياه‪ .‬قال ‪ :‬صدق‪.‬‬ ‫أذ ْك ُْرك ُ ْ‬
‫رمة ‪،‬‬‫عك ْ ِ‬ ‫قال ‪ :‬وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا النفيلي ‪ ،‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬عن خالد ‪ ،‬عن ِ‬
‫عن ابن عباس‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الجرشي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسند البزار برقم )‪" (722‬كشف الستار"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أبو صالح أخبرنا" والمثبت من المسند‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬ستنهاه ما تقول"‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (2/447‬ورواه البزار في مسنده برقم )‪" (720‬كشف الستار"‪.‬‬
‫من طريق العمش به ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" (2/258‬رجاله رجال‬
‫الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬خلل"‪.‬‬

‫) ‪(6/282‬‬

‫في قوله ‪ } :‬وَل َذِك ُْر الل ّهِ أ َك ْب َُر { قال ‪ :‬لها وجهان ‪ ،‬قال ‪ :‬ذكر الله عندما‬
‫حرمه ‪ ،‬قال ‪ :‬وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه‪.‬‬
‫شْيم ‪ ،‬أخبرنا عطاء بن‬‫دثنا هُ َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬ح ّ‬
‫السائب ‪ ،‬عن عبد الله بن ربيعة قال ‪ :‬قال لي ابن عباس ‪ :‬هل تدري ما قوله‬
‫تعالى ‪ } :‬وَل َذِك ُْر الل ّهِ أ َك ْب َُر { ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فما هو ؟ قلت ‪:‬‬
‫التسبيح والتحميد والتكبير في الصلة ‪ ،‬وقراءة القرآن ‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬قال ‪ :‬لقد‬
‫قلت قول عجًبا ‪ ،‬وما هو كذلك ‪ ،‬ولكنه إنما يقول ‪ :‬ذكر الله إياكم عندما أمر‬
‫به أو نهى عنه إذا ذكرتموه ‪ ،‬أكبر من ذكركم إياه )‪(1‬‬
‫‪ .‬وقد روي هذا من غير وجه عن ابن عباس‪ .‬وروي أيضا عن ابن مسعود ‪،‬‬
‫وأبي الدرداء ‪ ،‬وسلمان الفارسي ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(20/99‬‬

‫) ‪(6/283‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫جادُِلوا أ َهْ َ‬


‫م وَُقوُلوا آ َ‬
‫مّنا‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫موا ِ‬‫ن ظ َل َ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن إ ِّل ال ّ ِ‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ب إ ِّل ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫وََل ت ُ َ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫مو َ‬‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬
‫ه ُ‬‫ن لَ ُ‬ ‫ح ُ‬‫حد ٌ وَن َ ْ‬ ‫م َوا ِ‬ ‫م وَإ ِل َهَُنا وَإ ِل َهُك ُ ْ‬
‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬‫ل إ ِل َي َْنا وَأ ُن ْزِ َ‬
‫ذي أ ُن ْزِ َ‬ ‫ِبال ّ ِ‬

‫م وَُقوُلوا‬ ‫َ‬ ‫جادُِلوا أ َهْ َ‬


‫من ْهُ ْ‬ ‫موا ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِإل ال ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ب ِإل ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫} َول ت ُ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫حد ٌ وَن َ ْ‬ ‫م َوا ِ‬ ‫م وَإ ِل َهَُنا وَإ ِل َهُك ُ ْ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل إ ِل َي َْنا وَأنز َ‬ ‫ذي أنز َ‬ ‫مّنا ِبال ّ ِ‬ ‫آ َ‬
‫{‪.‬‬
‫قال قتادة وغير واحد ‪ :‬هذه الية منسوخة بآية السيف ‪ ،‬ولم يبق معهم‬
‫مجادلة ‪ ،‬وإنما هو السلم أو الجزية أو السيف‪.‬‬
‫ن أراد الستبصار منهم في الدين ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫وقال آخرون ‪ :‬بل هي باقية أو محكمة ل ِ َ‬
‫َ‬
‫فيجادل بالتي هي أحسن ‪ ،‬ليكون أنجع فيه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬اد ْع ُ إ ِلى‬
‫َ‬
‫و‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك هُ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫م ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫جادِل ْهُ ْ‬ ‫سن َةِ وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫عظ َةِ ال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫مةِ َوال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ن { ]النحل ‪ ، [125 :‬وقال‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫م ِبال ُ‬ ‫سِبيل ِهِ وَهُوَ أعْل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫أعْل ُ‬
‫ه‬‫ول ل َي ًّنا ل َعَل ّ ُ‬ ‫ه قَ ْ‬ ‫قول ل َ ُ‬ ‫تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون ‪ } :‬فَ ُ‬
‫شى { ]طه ‪ .[44 :‬وهذا القول اختاره ابن جرير )‪ ، (1‬وحكاه عن‬ ‫خ َ‬ ‫ي َت َذ َك ُّر أ َوْ ي َ ْ‬
‫ابن زيد‪.‬‬
‫موا‬ ‫م { أي ‪ :‬حادوا عن وجه الحق )‪ ، (2‬وعَ ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫موا ِ‬ ‫َ‬
‫ن ظل ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقوله ‪ِ } :‬إل ال ِ‬
‫عن واضح المحجة ‪ ،‬وعاندوا وكابروا ‪ ،‬فحينئذ ينتقل من الجدال إلى الجلد ‪،‬‬
‫ويقاتلون بما يردعهم ويمنعهم ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬ل َ َ َ‬
‫ت‬‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ط وَأنزل َْنا ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِبال ْ ِ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ل ِي َ ُ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫معَهُ ُ‬ ‫وَأنزل َْنا َ‬
‫زيٌز‬‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ه ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫سل َ ُ‬
‫صُرهُ وَُر ُ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬ ‫ديد ٌ وَ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫{ ]الحديد ‪.[25 :‬‬
‫قال جابر ‪ :‬أمْرَنا من خالف كتاب الله أن نضربه بالسيف‪.‬‬
‫ن امتنع منهم‬ ‫م ِ‬ ‫م { يعني ‪ :‬أهل الحرب ‪ ،‬وَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫موا ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال مجاهد ‪ِ } :‬إل ال ّ ِ‬
‫عن أداء الجزية‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م { ‪ ،‬يعني ‪ :‬إذا أخبروا بما‬ ‫ُ‬
‫ل إ ِلي ْك ْ‬ ‫ل إ ِلي َْنا وَأنز َ‬ ‫ذي أنز َ‬ ‫مّنا ِبال ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَُقوُلوا آ َ‬
‫ل يعلم صدقه ول كذبه ‪ ،‬فهذا ل ُنقدم على تكذيبه لنه قد يكون حقا ‪ ،‬ول‬
‫على تصديقه ‪ ،‬فلعله أن يكون باطل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(21/2‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الحجة"‪.‬‬

‫) ‪(6/283‬‬

‫ولكن نؤمن به إيمانا مجمل معلقا على شرط وهو أن يكون منزل ل مبدل ول‬
‫مؤول‪.‬‬
‫مر ‪،‬‬‫وقال البخاري ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا عثمان بن عُ َ‬
‫أخبرنا علي بن المبارك ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة )‪ ، (1‬رضي الله عنه قال ‪ :‬كان أهل الكتاب )‪ (2‬يقرؤون التوراة‬
‫بالعبرانية ‪ ،‬ويفسرونها بالعربية لهل السلم ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬ل تصدقوا أهل الكتاب ول تكذبوهم ‪ ،‬وقولوا ‪ :‬آمنا بالله وما‬
‫أنزل إلينا وما أنزل إليكم ‪ ،‬وإلهنا وإلهكم واحد ‪ ،‬ونحن له مسلمون"‪ .‬وهذا‬
‫الحديث تفّرد )‪ (3‬به البخاري )‪.(4‬‬
‫مر ‪ ،‬أخبرنا يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪،‬‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عثمان بن عُ َ‬
‫ة النصاري أخبره ‪ ،‬أنه بينما هو جالس‬ ‫مل َ َ‬
‫أخبرني ابن أبي نملة )‪ (5‬أن أبا ن َ ْ‬
‫عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬جاءه رجل من اليهود ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬
‫محمد ‪ ،‬هل تتكلم هذه الجنازة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"الله أعلم"‪ .‬قال اليهودي ‪ :‬أنا أشهد أنها تتكلم‪ .‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إذا حدثكم أهل الكتاب فل تصدقوهم ول تكذبوهم ‪ ،‬وقولوا ‪:‬‬
‫قا لم )‪ (6‬تكذبوهم ‪ ،‬وإن كان باطل لم )‬ ‫آمنا بالله ورسله وكتبه ‪ ،‬فإن كان ح ّ‬
‫‪ (7‬تصدقوهم" )‪(8‬‬
‫مارة‪ .‬وقيل ‪ :‬عمار‪ .‬وقيل ‪ :‬عمرو بن معاذ بن‬ ‫ة هذا هو ‪ :‬عُ َ‬ ‫مل َ َ‬
‫قلت ‪ :‬وأبو ن َ ْ‬
‫ُزَرارة النصاري ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫دثون به غالُبه كذب وبهتان ؛ لنه قد دخله تحريف‬ ‫ثم ليعلم أن أكثر ما ُيح ّ‬
‫وتبديل وتغيير وتأويل ‪ ،‬وما أقل الصدق فيه ‪ ،‬ثم ما أقل فائدة كثير منه لو‬
‫كان صحيحا‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا أبو عاصم ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن‬
‫حَرْيث )‪ (9‬بن ظهير ‪ ،‬عن عبد‬ ‫سليمان بن عامر ‪ ،‬عن عمارة بن عمير ‪ ،‬عن ُ‬
‫الله ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬ل تسألوا أهل الكتاب عن شيء ‪ ،‬فإنهم لن‬
‫يهدوكم وقد ضلوا ‪ ،‬إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل ‪ ،‬فإنه ليس أحد من‬
‫أهل الكتاب إل وفي قلبه تالية ‪ ،‬تدعوه إلى دينه كتالية المال )‪.(10‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيل )‪ (11‬حدثنا إبراهيم بن سعد ‪،‬‬
‫أخبرنا ابن شهاب ‪ ،‬عن عبيد الله بن عبد الله )‪ ، (12‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ‪ ،‬وكتابكم الذي أنزل على رسوله صلى‬
‫شب ‪ ،‬وقد حد ََثكم أن أهل‬ ‫الله عليه وسلم أحدث )‪ (13‬تقرؤونه محضا لم ي ُ َ‬
‫دلوا كتاب الله ‪ ،‬وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬هو )‪(14‬‬ ‫الكتاب ب ّ‬
‫من عند الله ‪ ،‬ليشتروا به ثمنا قليل ؟ أل ينهاكم ما جاءكم من العلم عن )‪(15‬‬
‫مسألتهم ؟ ل والله ما رأينا منهم رجل يسألكم عن الذي أنزل عليكم )‪.(16‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬روى البخاري بإسناده عن أبي هريرة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪" :‬كان أهل التوراة" والمثبت من البخاري‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬انفرد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(7362 ، 4485‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬روى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬فل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(4/136‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬حرب"‪.‬‬
‫)‪ (10‬تفسير الطبري )‪.(21/4‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬سليمان"‪.‬‬
‫في ت ‪" :‬روى البخاري بإسناده"‪.‬‬ ‫)‪(12‬‬
‫في ت ‪" :‬أحدث الكتب"‪.‬‬ ‫)‪(13‬‬
‫في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقالوا ‪ :‬هذا هو"‪.‬‬ ‫)‪(14‬‬
‫في ف ‪" :‬من"‪.‬‬ ‫)‪(15‬‬
‫صحيح البخاري برقم )‪.(7363‬‬ ‫)‪(16‬‬

‫) ‪(6/284‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن هَؤَُلِء َ‬ ‫م ْ‬‫ن ب ِهِ وَ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬
‫ب ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬
‫ن آت َي َْناهُ ُ‬‫ب َفال ّ ِ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬‫ك أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ب‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ن ك َِتا ٍ‬‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫ت ت َت ْلو ِ‬ ‫ما كن ْ َ‬ ‫ن )‪ (47‬وَ َ‬ ‫حد ُ ب ِآَيات َِنا إ ِل الكافُِرو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن ب ِهِ وَ َ‬ ‫م ُ‬
‫دوِر‬ ‫ص ُ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (48‬ب َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مين ِك إ ًِذا لْرَتا َ‬ ‫ّ‬ ‫وََل ت َ ُ‬
‫ت ِفي ُ‬ ‫ت ب َي َّنا ٌ‬ ‫ل هُوَ آَيا ٌ‬ ‫مب ْط ِلو َ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬
‫خط ُ‬
‫حد ُ ب ِآ ََيات َِنا إ ِّل ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ج َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫ميد‬ ‫ح َ‬ ‫وقال البخاري ‪ :‬وقال أبو اليمان ‪ :‬أخبرنا شعيب ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬أخبرني ُ‬
‫بن عبد الرحمن ‪ :‬أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة ‪ -‬وذكَر‬
‫ب الحبار ‪ -‬فقال ‪ :‬إن كان من أصدق هؤلء المحدثين الذين يحدثون عن‬ ‫كع َ‬
‫أهل الكتاب ‪ ،‬وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب )‪.(1‬‬
‫قلت ‪ :‬معناه أنه يقع منه الكذب لغة من غير قصد ؛ لنه يحدث عن صحف هو‬
‫يحسن بها الظن ‪ ،‬وفيها أشياء موضوعة ومكذوبة ؛ لنهم لم يكن في ملتهم‬
‫حفاظ متقنون كهذه المة العظيمة ‪ ،‬ومع ذلك وقرب العهد وضعت )‪(2‬‬
‫أحاديث كثيرة في هذه المة ‪ ،‬ل يعلمها إل الله ومن منحه الله علما بذلك ‪،‬‬
‫كل بحسبه ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ن ب ِهِ وَ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ب ي ُؤْ ِ‬ ‫م الك َِتا َ‬ ‫ْ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ب َفال ّ ِ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫ك َأنزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫} وَك َذ َل ِ َ‬
‫ب‬‫ن ك َِتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ت َت ُْلو ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ن )‪ (47‬وَ َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫حد ُ ِبآَيات َِنا ِإل ال ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن ب ِهِ وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫دوِر‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ِفي ُ‬ ‫ت ب َي َّنا ٌ‬‫ل هُوَ آَيا ٌ‬ ‫ن )‪ (48‬ب َ ْ‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ك إ ًِذا لْرَتا َ‬ ‫مين ِ َ‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬‫خط ّ ُ‬ ‫َول ت َ ُ‬
‫حد ُ ِبآَيات َِنا ِإل ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪.{ (49‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن قبلك ‪ -‬يا‬ ‫م ْ‬ ‫قال ابن جرير ‪ :‬يقول الله تعالى ‪ :‬كما أنزلنا الك ُُتب )‪ (3‬على َ‬
‫محمد ‪ -‬من الرسل ‪ ،‬كذلك أنزلنا إليك هذا الكتاب‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله حسن ومناسبة وارتباط )‪ (4‬جيد‪.‬‬
‫وه حق‬ ‫َ‬
‫ن ب ِهِ { أي ‪ :‬الذين أخذوه فتل ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ب ي ُؤْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فال ّ ِ‬
‫تلوته من أحبارهم العلماء الذكياء ‪ ،‬كعبد الله بن سلم ‪ ،‬وسلمان الفارسي ‪،‬‬
‫وأشباههما‪.‬‬
‫ن ب ِهِ { ‪ ،‬يعني العرب من قريش وغيرهم ‪،‬‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن { ‪ ،‬أي ‪ :‬ما يكذب بها ويجحد حقها إل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حد ُ ِبآَيات َِنا ِإل الكافُِرو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫يستر الحق بالباطل ‪ ،‬ويغطي ضوء الشمس بالوصائل ‪ ،‬وهيهات‪.‬‬
‫مين ِك { ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬‫خط ّ ُ‬ ‫ب َول ت َ ُ‬ ‫ن ك َِتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ت َت ُْلو ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫عمرا ل تقرأ‬ ‫قد لبثت في قومك ‪ -‬يا محمد ‪ -‬ومن قبل أن تأتي بهذا القرآن ُ‬
‫كتابا ول تحسن الكتابة ‪ ،‬بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي‬
‫ل تقرأ ول تكتب )‪ .(5‬وهكذا صفته في الكتب المتقدمة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ة‬
‫م ِفي الت ّوَْرا ِ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫مك ُْتوًبا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دون َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذي ي َ ِ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫ْ‬
‫من ْك َرِ { الية ]العراف ‪.[157 :‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ف وَي َن َْهاهُ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫ل ي َأ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫َوالن ْ ِ‬
‫وهكذا كان ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ]دائما أبدا[ )‪ (6‬إلى يوم القيامة )‪، (7‬‬
‫ل يحسن الكتابة ول يخط سطرا ول حرفا بيده ‪ ،‬بل كان له كتاب يكتبون بين‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(7361‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وضعفت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬الكتاب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ف ‪" :‬ومناسبته وارتباطه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ف ‪" :‬ل يقرأ ول يكتب"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ف ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬دائما"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الدين"‪.‬‬

‫) ‪(6/285‬‬

‫يديه الوحي والرسائل إلى القاليم‪ .‬ومن زعم من متأخري الفقهاء ‪ ،‬كالقاضي‬
‫أبي الوليد الباجي ومن تابعه أنه عليه السلم )‪ ، (1‬كتب يوم الحديبية ‪" :‬هذا‬
‫ما قاضى عليه محمد بن عبد الله" فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح‬
‫البخاري ‪" :‬ثم أخذ فكتب" ‪ :‬وهذه محمولة على الرواية الخرى ‪" :‬ثم أمر‬
‫فكتب"‪ .‬ولهذا اشتد النكير بين فقهاء المغرب والمشرق على من قال بقول‬
‫الباجي ‪ ،‬وتبرؤوا منه ‪ ،‬وأنشدوا في ذلك أقوال وخطبوا به في محافلهم ‪:‬‬
‫وإنما أراد الرجل ‪ -‬أعني الباجي ‪ ،‬فيما يظهر عنه ‪ -‬أنه كتب ذلك على وجه‬
‫المعجزة ‪ ،‬ل أنه كان يحسن الكتابة ‪ ،‬كما قال ‪ ،‬عليه الصلة والسلم )‪(2‬‬
‫إخبارا عن الدجال ‪" :‬مكتوب بين عينيه كافر" وفي رواية ‪" :‬ك ف ر ‪ ،‬يقرؤها‬
‫كل مؤمن" )‪ ، (3‬وما أورده بعضهم من الحديث أنه لم يمت ‪ ،‬عليه السلم )‬
‫ت‬‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫‪ (4‬حتى تعلم الكتابة ‪ ،‬فضعيف ل أصل له ؛ قال الله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ك{‬ ‫مين ِ َ‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬‫خط ّ ُ‬ ‫ب { لتأكيد النفي ‪َ } ،‬ول ت َ ُ‬ ‫ن ك َِتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َت ُْلو { أي ‪ :‬تقرأ } ِ‬
‫حي ْهِ {‬‫جَنا َ‬ ‫طيُر ب ِ َ‬ ‫طائ ِرٍ ي َ ِ‬ ‫تأكيد أيضا ‪ ،‬وخرج مخرج الغالب ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ } :‬ول َ‬
‫]النعام ‪.[38 :‬‬
‫ن { أي ‪ :‬لو كنت تحسنها )‪ (5‬لرتاب بعض‬ ‫ُ‬
‫مب ْط ِلو َ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ًِذا لْرَتا َ‬
‫ُ‬
‫الجهلة من الناس فيقول ‪ :‬إنما تعلم هذا من كتب قبله مأثورة عن النبياء ‪،‬‬
‫َ‬
‫طيُر‬‫سا ِ‬ ‫مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أمي ل يحسن الكتابة ‪ } :‬وََقاُلوا أ َ‬
‫َ‬
‫صيل { ]الفرقان ‪ ، [5 :‬قال الله تعالى‬ ‫مَلى عَل َي ْهِ ب ُك َْرةً وَأ ِ‬ ‫ي تُ ْ‬‫ن اك ْت َت َب ََها فَهِ َ‬ ‫الوِّلي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما {‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬ ‫نغ ُ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬
‫س َ‬ ‫سّر ِفي ال ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ذي ي َعْل ُ‬ ‫ه ال ِ‬‫‪ } :‬قُل أنزل ُ‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫ن أوُتوا‬ ‫ذي َ‬ ‫دورِ ال ّ ِ‬ ‫ص ُ‬
‫ت ِفي ُ‬ ‫ت ب َي َّنا ٌ‬‫ل هُوَ آَيا ٌ‬ ‫]الفرقان ‪ ، [6 :‬وقال هاهنا ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫م { أي ‪] :‬هذا[ )‪ (6‬القرآن آيات بينة واضحة في الدللة على الحق ‪ ،‬أمًرا‬ ‫ال ْعِل ْ َ‬
‫ظا وتلوةً وتفسيًرا ‪ ،‬كما‬ ‫سره الله عليهم حف ً‬ ‫ونهًيا وخبًرا ‪ ،‬يحفظه العلماء ‪ ،‬ي َ ّ‬
‫مد ّك ِرٍ { ]القمر ‪، [17 :‬‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن نبي إل وقد أعطي ما آمن‬ ‫م ْ‬‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما ِ‬
‫ي ‪ ،‬فأرجو أن أكون‬ ‫على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحًيا أوحاه الله إل ّ‬
‫أكثرهم تابعا" )‪.(7‬‬
‫وفي حديث عياض بن حمار )‪ ، (8‬في صحيح مسلم ‪" :‬يقول الله تعالى ‪ :‬إني‬
‫مبتليك ومبتل بك ‪ ،‬ومنزل عليك كتاًبا ل يغسله الماء ‪ ،‬تقرؤه نائما ويقظان" )‬
‫ل المكتوب فيه لما احتيج إلى ذلك المحل ‪ ،‬كما‬ ‫‪ .(9‬أي ‪ :‬لو غسل الماء المح ّ‬
‫جاء في الحديث الخر ‪" :‬لو كان القرآن في إهاب ‪ ،‬ما أحرقته النار" )‪، (10‬‬
‫لنه محفوظ في الصدور ‪ ،‬ميسر )‪ (11‬على اللسنة ‪ ،‬مهيمن على القلوب ‪،‬‬
‫ظا ومعنى ؛ ولهذا جاء في الكتب المتقدمة ‪ ،‬في صفة هذه المة ‪:‬‬ ‫معجز لف ً‬
‫"أناجيلهم في صدورهم"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (7131‬من حديث أنس رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬تحسن الكتابة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (7274‬من حديث أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬وسيأتي إن شاء الله‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬حماد"‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح مسلم برقم )‪.(2865‬‬
‫)‪ (10‬رواه أحمد في مسنده )‪ (4/151‬من حديث عقبة بن عامر‪ .‬وتقدم‬
‫الكلم عليه في فضائل القرآن‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬وميسر"‪.‬‬

‫) ‪(6/286‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫وََقاُلوا ل َوَْل أ ُن ْزِ َ‬


‫ذيٌر‬ ‫ما أَنا ن َ ِ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَإ ِن ّ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما اْل ََيا ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ن َرب ّهِ قُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل عَل َي ْهِ آَيا ٌ‬
‫ة‬
‫م ً‬
‫ح َ‬‫ك ل ََر ْ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫ب ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫م أ َّنا أ َن َْزل َْنا عَل َي ْ َ‬‫فهِ ْ‬ ‫م ي َك ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (50‬أوَل َ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ُ‬
‫ما ِفي‬ ‫م‬‫َ‬
‫ِ ً َْ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫دا‬ ‫هي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ََْ ْ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫َْ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بال‬
‫ِ‬ ‫فى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫(‬ ‫‪51‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫نو‬
‫ُ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ْ ٍ ُ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫رى‬ ‫ْ‬
‫وَ َ‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ذ‬
‫ن)‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬

You might also like