You are on page 1of 142

‫حمدي زهران ميتاً‬

‫بقلم‬

‫عكاشة فهيم غازي‬

‫___________________________________________________________‬

‫العنوان ‪ :‬جمهورية مصر العربية – محافظة الدقهلية – مركز منية النصر – النزل‬

‫تليفون محمول ‪0187890552 :‬‬


‫‪1‬‬
‫حمدي زهران‬
‫ميتاً‬

‫‪2‬‬
‫(‪)1‬‬

‫إسكندرية بالغة القدم ‪ .‬الشمس أكبر عمراً‪....‬‬

‫الساعة السابعة مساءً ‪ ,‬تتراقص الشمس علي بحر إسكندرية كملكم يتهاوى من ضربة‬
‫قاضية ‪ ..‬تنخفض‪ ..‬تقترب من البحر ‪ ..‬ل ندري ما إذا كانت تتهاوي – والعياذ بال – من فعل‬
‫صاروخ أمريكي أم أنها تحاول النتحار ‪ ,‬ترسل إشارات ضوئية خافتة كأنها كشافات سيارة‬
‫متهالكة ‪ ,‬تبدو معها بيوت إسكندرية وعماراتها كأنها تقطر دماً ‪ ,‬ليست إسكندرية وحدها ‪ ,‬ولكن‬
‫الوطن كله‪....‬‬

‫‪ -‬ابتلع صدام الكويت‪..‬‬

‫‪ -‬ابتلعت أمريكا الوطن كله‪..‬‬

‫قطار السابعة الراحل من السكندرية يري ‪ ،‬وكأنه سجن متحرك أو مقابر ‪ .‬إسكندرية ‪...‬‬
‫ذهبت منها الفرقة الثالثة " مشاه ميكانيكي" كاملة العدد والعتاد ‪.‬‬

‫‪ ..‬ودعناها متشابكي اليدي بدءًا من بور سعيد حتي السويس ‪ ,‬جنود أشداء يحمون إخوانهم‬
‫الذاهبين إلي آتون الحرب ‪ -‬حرب مقدسة ‪ -‬إذا دُعينا للحرب فمن غيرنا يلبي ‪ ..... " -‬فإن بغت‬
‫لن يلومنا أحد ‪ ,‬بغداد‬ ‫إحداهما علي الخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر ال ‪" .....‬‬
‫عاصمة شقيقة والكويت أيضًا ‪ ,‬أصبحت قناة السويس طريقاً إلي العراق ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫خرج أهل الكويت من بلدهم وذهبوا إلي البلد المجاورة ‪ ....‬تولت أمريكا المسئولية ‪,‬‬
‫جيشنا الجيوش للدفاع عن دولة شقيقة معت ٍد عليها وفقاً لميثاق الجامعة العربية للدفاع المشترك ‪.‬‬

‫‪....‬‬ ‫وبدأت أم المعارك – أنا البحرُ في أحشائه الدرُ كامنٌ‬

‫أقامت القوات العراقية الخنادق والمتاريس وأشعلت حقول البترول الكويتية ‪ ,‬وبدأت القوات‬
‫المريكية والجنبية والعربية المشاركة وحربها الدعائية في حصر قوات صدام الرهيبة والقول‬
‫بأن التحصينات حول مدينة الكويت تشبه التحصينات التي كانت موجودة حول مدينة ليننجراد ‪.‬‬

‫ت ضمن قوات‬
‫اكتنفت مشاعرنا الغموض والريبة فيما يحدث وإلي أين نحن ذاهبون ؟!‪ ,‬كن ُ‬
‫اللواء المقل الذي تم إعداده للحاق بالفرقة الثالثة "مش – ميكا "‪.‬‬

‫ل أود أن يحسب كلمي في أي موضع من المواضع علي أنني أحمل أي ضغينة لسيادة‬
‫الرئيس بوش الب ‪،‬ول حتي من بعده بوش البن ‪...‬علي طريقة ( اسكندر دوماس الب ‪،‬‬
‫والبن ) ول أحمل كراهية إلي ست الحسن ماما أمريكا البيض منها والسود علي العين والرأس ‪،‬‬
‫ول حتي الهنود الحمر الذين أبيدوا حتي ل نتعرض لمواقف ل يحمد عقباها ‪.‬‬

‫‪ -‬أنا أحب أمريكا وأكره إسرائيل علي طريقة المطرب الشعبي ( شعبان عبد الرحيم ) ‪.‬‬

‫تمركزت الفرقة الثالثة" مش – ميكا " بحفر الباطن ‪،‬وكان من المقرر أن يلحق بها لواءنا‬
‫المقل مع انطلقة الحرب ‪.‬‬

‫تم اختيارنا من تشكيلت الجيش المختلفة ‪ ،‬وتم تجميعنا في السكندرية ‪ ,‬كانت الوحدات‬
‫المصرية قد تم انتشارها علي مداخل الوحدات ‪،‬وتم حفر الحفر البرميلية وانتشرت الليات وتم‬
‫إعداد الذخائر ‪،‬وتم إعدادنا نفسياً لخوض الحرب ‪.‬‬

‫في فجر غزو العراق للكويت تم تجميعنا داخل الوحدة وأحسسنا أن هناك خطراً ما ‪ ,‬وكان‬
‫قائد الكتيبة ‪ ،‬ورئيس العمليات بيننا وقال لنا ‪:‬‬

‫‪ " -‬يا رجالة العراق دخلت الكويت " !!‪.‬‬

‫‪ -‬وا حسرتاه علي نهاية المة !! إنها كارثة ‪.‬‬

‫في اليوم التالي جاءت لجنة من قيادة الجيش وقالوا ‪:‬‬

‫‪ " -‬يا رجالة ‪ ...‬من منكم يريد أن يقوم بعمليات فدائية في قلب إسرائيل؟ "‬

‫‪4‬‬
‫‪ ...‬كلنا في صوت واحد ‪ :‬أنا يا فندم أنا يا فندم ‪. ...................‬‬

‫‪ -‬الذي يريد أن يقوم بذلك يتقدم خطوة للمام ‪..‬‬

‫تقدمنا جميعا ‪..‬‬

‫أخذ أعضاء اللجنة يمرون بين الصفوف‪..‬‬

‫أشار إليّ ‪:‬‬

‫‪-‬تقدم خطوة للمام ‪.....‬‬

‫‪-‬تقدمت ورأسي شامخ ‪...‬‬

‫‪ -‬و أنت ‪ ....‬ح‬

‫‪-‬وأنت ‪......‬‬

‫تم اختيار طوال القامة منا ‪ ...‬وتم ترحيلنا من الوحدة ‪ ...‬وغادرنا إلي السكندرية في تجميع‬
‫للواء من وحدات مختلفة ‪.‬‬

‫في بلدنا المتقدمة في العمر و الشيخوخة ‪ ...‬بلدنا الممتلئة بالبشر و المرمية في آخر بلد‬
‫المسلمين يقف أهل بلدنا الطيبون المقهورون مع محاولت الشمس سحب نفسها ببطء وفي خباثة‬
‫يكونون قد أعدوا عدتهم لكبر عملية تهجين في التاريخ ‪ ،‬وعلي مرأي جمهرة من الناس ‪،‬وأمام‬
‫عدسات المصورين والنقل الحي المباشر من قرية "النزل" التي ل حول لها ول قوة والضاربة في‬
‫أعماق الفقر والحزن والمذلة !!! ‪.‬‬

‫يقول الناس في بلدٍ مجاورة لنا‬

‫‪ "-‬يا بلد من غير عمدة "‬

‫‪-‬من قال لكم أننا بل عمدة؟! لدينا عمدة ودوار ولكن العمدة ل يهش و ل ينش ( أسد‬
‫ل منكم‬
‫علي وفي الحروب نعامة ) ليس عيباً‪ ..‬هل معني ذلك أن نسلبه لقبه؟ ‪ ،‬فليعلم ك ٌ‬
‫أن المقامات يجب أن تبقى محفوظة ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ ..‬بلدنا النزل ل تقع علي الطريق السريع وهى تابعة لمركز منية النصر‪ ..‬تشبه كثيراً‬
‫قرية "البجلت" اليتيمة ‪ ،‬لكنها أكبر حجمًا وبشراً من قرية "ميت تمامة" و"ميت طاهر"‬
‫اللتان تقعان غربها ‪ ,‬هي أقرب لدمياط من الدقهلية رغم أنها تابعة لمحافظة الدقهلية ‪ ,‬بينها‬
‫وبين "مركز الزرقا" التابع لدمياط ‪ 5‬كم ومركزها" منية النصر "نفس المسافة ‪،‬ول‬
‫وصول منها إلي الطريق السريع إل عن طريق إحداهما ‪.‬‬

‫‪..‬عندما تكون الشمس قد أعدت العدة للسقوط المهين في قرية "البجلت " وبالتحديد خلف‬
‫خزان المياه ؛ الذي نراه من علي أطراف قريتنا ‪ ,‬تكون عدسات القنوات العالمية والمحلية قد‬
‫التقطت " قشقوش " الذي ل بلد له واستوطن وسط هذا الكم الهائل من البشر ‪.‬‬

‫شمس حمراء قانية مسلطة علي حصان العمدة ( حتي ل يقال أننا بل عمدة) ‪ ,‬وقد أمسك‬
‫آخرون بحمارة هزيلة حزينة في مكان مرتفع شيئاً ما عن المكان الذي يقف فيه حصان العمدة ‪،‬‬
‫وأخذت الجمهرة تحاول استنهاض الحصان بالصفير ورفع العصي في الهواء دون فائدة‪ ،‬وكل هذا‬
‫والحصان رافض متأفف ‪ (,‬ربما لنها حمارة وهو حصان) ليس هذا فقط ولكن لنه حصان العمدة‬
‫‪ ،‬وما كان ينبغي أن يتدني بمستواه إلي هذا الحد ‪.‬‬

‫"قشقوش" القادم من الخواء ‪ ,‬يبرز أسنانه المامية التي تبدو وكأنها أسنان أسد عجوز وقع‬
‫نصفها بفعل الزمن ‪ ,‬ويضحك ويسب الحصان وينظر يميناً ويساراً ليري ما إذا كان هناك أحد من‬
‫ل وأسنانه الكبيرة المتهالكة بارزة ‪:‬‬
‫رجال العمدة أم ل ‪ ،‬ويقول بصوتٍ عا ٍ‬

‫‪ -‬أتود أن نحضر لك امرأة ؟ ! ويكركر في الضحك ‪ ،‬ويضحك الجمع و"قشقوش" يسبهم‬


‫في داخله " يا بلد يا بنت الـ‪ . " ....‬ويرتفع الخيرزان في الهواء للتهويش عليه فقط (لنه حصان‬
‫العمدة) دون جدوي ‪.‬‬

‫أبو الحيل" قشقوش" ل نعرف له اسمًا غير هذا فكل الناس لها أسماء ثلثية ورباعية وربما‬
‫أكثر من ذلك إل هذا الفسل كان يفتخر بهذا ( أنه نار علي علم ) تفتق ذهن "قشقوش " عند مرور‬
‫مهرة فتعلق بها ووعي صاحبها لما في رأسه فضحك وتركها له ‪ . ..‬واخذ" قشقوش" الحصان‬
‫وقربه من المهرة فبدأ يصهل ويبرز موهبته وتقدم إلي المهرة حتي أصبح في قمة هياجه‪ ،‬وما إن‬
‫بدأ يواقعها حتي جذبه" قشقوش" ناحية الحمارة فلم يجد مفراً من أن يواقعها حتي سقطت علي‬
‫الرض من حمله الثقيل‪.‬‬

‫ل أدري لم تذكرتُ هذه الحكاية ‪،‬وهذا الـ "قشقوش" الغريب العالم بأسرار بلدتى وأدق‬
‫تفاصيلها ‪ ,‬ل أدري إن كنتُ معجباً بأسنانه وحقده الدفين ‪،‬وأنه في الفترة القصيرة التي تواجد فيها‬
‫في بلدتنا عرف عنها كل كبيرة وصغيرة ‪ ,‬عرف الذي سافر إلي الخارج ‪ ,‬والذي سافر إلي العمرة‬
‫والقادم من الحج والذي تزوج والذي طلق والحوامل والذين يتقاضى منهم جميعًا اتاوات بشكل‬
‫دائم ومستمر ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫قطار السابعة السريع ل يختار ركابه ‪ ....‬يقف وفي الميعاد ينطلق ل ينتظر أحداً ‪ ,‬هناك‬
‫من يحشر نفسه في جوفه ومنهم من يمتطي ظهره ‪.‬‬

‫كثيرون هم من يمتطون ظهره ‪ ,‬وأنا واحد من هؤلء‪ ..‬لدرجة أنني لم أعد أعرف أو أحس‬
‫أن هناك مكانا للركوب غير ظهره ل أنظر إلي البشر المحشورين في داخله ‪ ,‬دائماً أنظر إلي ظهر‬
‫القطار ‪ ,‬أقذف بشنطتي إلي أعلي يتلقاها رفيق ‪ ,‬أمد يدي يجذبني إليه ‪ ،‬نجلس ‪..‬نتعارف ‪:..‬‬

‫‪-‬أنت منين يابلد ‪...............‬‬

‫‪ -‬المؤهل الدراسي ‪........‬‬

‫‪ -‬تاريخ التجنيد ‪........‬‬

‫‪ -‬الوحدة ‪............‬‬

‫‪ -‬السلح ‪...........‬‬

‫‪ -‬تاريخ انتهاء الخدمة ‪..............‬‬

‫صعايدة ‪ ..‬فقراء ‪ ..‬وأحيانًا رجال بنسائهم وأولدهم ‪ ..‬وعالم آخر فقير شاحب العين ‪،‬‬
‫وكأننا أطلقنا من صاروخ أمريكي علي ظهر أحد الكواكب ‪.‬‬

‫يلتهم قطارإسكندرية السريع الليل في جوفه ‪ ,‬ليتوقف في "إيتاي البارود" ‪.‬‬

‫قري مركز إيتاي البارود تبدو علي البعد خلف بعضها ومتناثرة تأتي منها النوارضعيفة‬
‫حمراء وكأنها وحدات عسكرية تتأهب لخوض غمار حرب ‪.‬‬

‫‪ -‬أنا جندي مجند حمدي زهران ‪.‬‬

‫‪ -‬الحالة الجتماعية متزوج ‪.‬‬

‫‪ -‬المهنة حاصل علي ليسانس حقوق ‪.‬‬

‫‪ -‬تاريخ التجنيد ‪.‬‬

‫‪ -‬تاريخ النتهاء من الخدمة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫حياتي كلها منتهي النضباط ‪ ,‬في الشتاء أذهب إلي الجامعة ‪ ,‬وفي الصيف تجد منادياً في‬
‫"منية النصر" يقف أمام صف من التوبيسات ‪ :‬العراق ‪ ...‬العراق ‪ ...‬أركب التوبيس ‪..‬أجد نفسي‬
‫في العراق ‪ ..‬ينتهي الصيف ‪ ..‬أحشو جيبي بالدولرات وأعود ‪ ,‬رأيت المئة دولر قبل المئة جنيه ‪,‬‬
‫عرفتُ بغداد قبل أن أعرف القاهرة عاصمتي ‪ ,‬تجولت في شوارع ‪..‬الكفاح ‪ ,‬الرشيد ‪,‬السعدون‬
‫ت كل دور عرض السينما ‪ ,‬أكلتُ الفول والطعمية في المربعة ‪ -‬المستعمرة‬
‫وأبو نواس ‪ ,‬وارتد ُ‬
‫المصرية الموجودة والمتفرعة من شارع الرشيد – أنا مدين للعراق بالحصول علي ليسانس‬
‫الحقوق ‪.‬‬

‫‪( -‬أنا ضمن اللواء المقل الذاهب إلي قتل أكبر عدد من العراقيين) ! ‪.‬‬

‫هل تعرفون" قنبرعلي" ؟ لم أمر منه يومًا إل وشربتُ الشاي في استكانة عراقية قادمًا من‬
‫شارع الكفاح ومتجهًا إلي شارع الجمهورية‪.‬‬

‫‪ -‬أنا ضمن اللواء المقل الذاهب إلي الكويت ‪.‬‬

‫‪..‬معظم البيوت في بلدنا النزل لم تبنَ إل بفلوس العراق ‪ ,‬عندما رأوا الدولر لول مرة‬
‫ضحكوا حتي ناموا من الضحك ؛ لنهم لم يروا الجنيه المصري إل في ظروف خاصة ‪( :‬قناة‬
‫السويس فتحت علي مصراعيها للمستعمرين الجدد) ‪.‬‬

‫عندما ظهرت لول مرة شعيرات متناثرة في ذقني ‪ ،‬وشاربي كانت قدماي قد خطت في‬
‫جميع أرجاء بغداد ‪.‬‬

‫كانت بغداد أقرب لنا من القاهرة ‪ ..‬في معظم الحيان ‪ ,‬فإن كان هناك من ينادي ‪ (..:‬منية‬
‫النصر – القاهرة ) ؛ فهناك من ينادي ‪ ( -:‬منية النصر – بغداد )‬

‫لم نسمع مناديا ينادي ( منية النصر – واشنطن أو حتي الكويت )‬

‫‪...‬سبعة عشر ألف جندي سوري يتجهون إلي الكويت لتحريرها من صدام ويتركون‬
‫الجولن لسرائيل‪.‬‬

‫مرحبًا بأكبرلعبة شطرنج في التاريخ لبتلع الوطن ‪ ...‬أم المعارك في مواجهة عاصفة‬
‫الصحراء ( ريتشارد قلب السد ) ‪..‬‬

‫أول مرة يجتمع العرب لمصلحة السيد!!!! ‪ .....‬القطار يندفع مخلفًا وراءه السكندرية‬
‫ق لي إل كفر الزيات وطنطا مكان نزولي متجهًا إلي المنصورة ‪.‬‬ ‫وإيتاي متجهًا إلي القاهرة ‪ ,‬لم يب َ‬

‫‪8‬‬
‫(عندما ل تملك القوة والريادة والقرار يجب أن تتوقف ول تتحرك حركة واحدة ل يجب أن‬
‫تكون تابعاً لحد لن هناك أوقات ل تستطيع الرجوع ؛لنك لست صاحب القرار ‪،‬ول تستطيع‬
‫ك عليّ ؛ لنك وقتها ستصبح كالبغل الذي أنجبته الحمارة‬
‫حَ‬‫الفرار ‪،‬ول تستطيع أن تقول أني ضُ ِ‬
‫الهزيلة الحزينة التي واقعها حصان العمدة في موقعة قشقوش الشهيرة )‪.‬‬

‫أعترف أنني ل أملك الرفض ‪،‬ول أملك الصراخ الذي لو خرج مني لعل علي صرخات‬
‫القطار المدوية ‪ ،‬سُأتَهم بالخيانة ‪ ،‬وتكسير الوامر العسكرية والتقاعس عن خدمة الوطن‬
‫‪ (...‬بلبلة‪ ..‬لست مع صدام ‪ ،‬ول ضده ولست مع القيادة العامة للقوات المسلحة و ل أستطيع‬
‫عصيان المر ) ‪. .‬‬

‫الوصول إلي "النزل" أبعد من الوصول إلي الكويت أو حفر الباطن بالذات ! ‪.‬‬

‫بلدنا بعيدة موحشة مظلمة غارقة في حزنها وصمتها ‪ ,‬أعلي صوت فيها صوت "قشقوش"‬
‫واحسرتاه ‪ ....‬في طنطا نركب القطارالمتجه للمنصورة ‪.‬‬

‫كانت الحمارة إياها من حمير الخرابات ‪،‬ل صاحب لها تُركت هكذا ؛فهي لتصلح لحمل‬
‫شيء ‪ ،‬كما أنها ل تصلح للركوب فليس علي صاحبها سوي إطعامها دون الستفادة منها فأطلقها‬
‫تعاني برد الشتاء وحرارة شمس الصيف والوحدة ‪ ,‬وجاء هذا "ابن الحرام قشقوش" ‪ ،‬وفعل بها ما‬
‫فعل فازدادت هزالً وحزناً‪ ،‬وأخذها العمدة في بيته وأطعمها وسقاها بعد أن أحضر "قشقوش"‬
‫وقال له وهو يمسكه من أذنه ‪:‬‬

‫‪-‬أنت تعرف ‪ ..‬لول أني أحبك لما مرت الحكاية دي علي خير ‪.‬‬

‫ضحك وبرزت أسنانه وأقسم أنه لن يمشي دون أن يتناول طعامه ‪.‬‬

‫اليوم ستجد الحمارةُ مأوي فهي تحمل في بطنها سللة جديدة يستطيع العمدة أن يمتطيها ‪،‬‬
‫فطوله يقل عن طول الحصان ‪،‬وأكبرمن الحمار وأكثر وجاهة ‪.‬‬

‫‪...‬ل نعرف فائدة العمدة في بلدنا وماذا تعني كلمة عمدة ولماذا هو بالذات عنده خفر وبنادق‬
‫وأرض كبيرة ومهرة يركبها ويمر بها في القرية ‪.‬‬

‫الشيء الثابت بداخلنا أن هذا الرجل بالذات عندما يمر علي أحد يقف ‪ ،‬والراكب ينزل من‬
‫علي ركوبته رغم أنهم يعملون بأجور مخففةعنده دون غيره ولماذا عندما ينادي علي أحد يسرع‬
‫ض عنه رغم أننا أصبحنا‬ ‫ل ؟ ‪ ،‬وآه لو غضب علي أحد‪ ..‬ويا حظه من كان العمدة را ٍ‬ ‫إليه مهرو ً‬
‫معيرة في البلد المجاورة (أننا بلد من غير عمدة) ‪ ..‬فكيف فهم الغرباء ما لم نفهمه؟!! ‪ ..‬فلم‬
‫نستطع يوماً ما أن نرفع عنا هذا الطوق المبالغ فيه من الحترام أو قُل الخوف ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫قطار العاشرة الراحل من طنطا إلي المنصورة أقل زحاماً من قطار السكندرية‪ ..‬تستطيع‬
‫أن تركب بداخل القطار دون أن يصل إليك المحصل ‪ ...‬وحتي إن وصل إليك تستطيع أن تنتقل إلي‬
‫عربة أخري‪ ..‬فهناك فرصة للمراوغة المهينة ‪ ..‬لكن هيهات ‪ ..‬أجد نفسي وحيداً أعلي ظهر‬
‫القطار غير عابيء بالنظرات المصوبة نحوي وكأنني أقوم بعمل مخالف أو كأنهم لم يروا أحداً‬
‫فوق القطار من قبل ‪( ...‬لم أستطع أن أغير عاداتي السيئة )‪.‬‬

‫الفلوس أبعد ما تكون عني ولكن صبراً سنأخذ راتبنا بالدولر( عندما يقضي ال أمراً كان‬
‫مفعول) ‪ ,‬سنركب البحر والجو حتي نصل ‪ ,‬سنكون من أوائل الناس ‪ -‬بإذن ال‪ -‬الذين سيدقون‬
‫أول مسمار في نعش بغداد ‪ ,‬استولت القوات المريكية علي الخليج المريكي أقصد الخليج‬
‫العربي ‪ ,‬انتهي الجدل بين كونه عربياً أم فارسياً ‪.‬‬

‫هل حقيقة كان العمدة ل يعرف أن حصانه يواقع حمارة في الخرابة ‪،‬أم أنه تغافل وكان‬
‫يعرف أن محصول تلك الواقعة سيكون من نصيبه عاجلً أم آجلً ‪ ,‬فكيف يُعقل أن تحدث هذه‬
‫الجلبة والجمهرة دون أن يعرف ‪ ,‬يومها سيضاف إليه لقب العمدة ( الخرونج! )‪ -‬مع العتذار‬
‫للمسرحية‪ , -‬ربما يريد اليقاع بـ "قشقوش" حتي ليجمع الناس حوله مرة أخري وبالذات أن البلد‬
‫في حالة طواريء منذ مقتل الرئيس السادات‪.‬‬

‫كيف يسرق حصان العمدة ‪ ,‬وكيف ل يتقاضي أجرًا عن ( النطة ) ‪ .‬النطة من ثور العمدة‬
‫بجنيه ‪ ,‬العمدة يملك أدوات الخصوبة ‪...‬الثور والحصان والبذور ‪ ,‬حتي حبوب الجنس يعطيها‬
‫لحاشيته ( عمدة مسخرة ! ) ‪.‬‬

‫‪ ..‬عمدة بلدنا ضخم الجثة أبيض الشعر‪ ..‬طرحه للخلف ‪ ..‬يضع عليه أشياء غريبة يقول‬
‫البعض أنه فزلين‪ ..‬و البعض يقول أنه كريم شعر ‪. .‬أحمر الوجه يكاد الدم يتفجر من وجهه ‪..‬لم‬
‫ينجب سوي ولد( أهبل) ‪ ..‬يجلس أمام الدوار ‪ ..‬يأكل في أصابعه ‪ ..‬يتناحر مع العمدة طوال اليوم ‪,‬‬
‫ويحاول العمدة أن يلبسه جلباباً نظيفًا ‪،‬وهو يود أن يلبس جلبابًأ قصيراً ممزقاً؛ حتي يستطيع‬
‫الجري خلف الولد ‪ ...‬يقول البسطاء الطيبون في بلدتنا ‪:‬‬

‫‪-‬مع أن الولد أهبل إل أنه في منتهي الذكاء !!‪ ,‬ويقسمون بال لو أن هذا الولد تولي‬
‫ال ُعمُدية سيكون لبلدنا شأن آخر ‪ ...‬ويقول الكهنة من أهل بلدتنا ‪:‬‬

‫‪-‬أنتم تعرفون ابن العمدة هو الذي يسوق الهَبل ‪..‬‬

‫ول أحد يعرف من أين يأتي الخير ‪ ,‬عندما يكون النسان غير مسئول شيء ‪ ,‬وعندما يكون‬
‫مسئولً شيء آخر ‪ ,‬ويقول المقهورون من أهل بلدتنا ‪:‬‬

‫‪-‬ربما يكون هذا وش السعد علي بلدنا (ل يعلم المرء من أين يأتي الخير )‬

‫‪10‬‬
‫‪ -‬مالنا نحن ؟ هل كانت بلد أبونا ؟‬

‫ويقول "قشقوش" في كتابه ( التهجين ) مستعيرًا من أحمد عدوية‪:‬‬

‫‪ (-‬السح الدح إمبو الواد طالع لبوه )‬

‫عندما يحاول أن يداعب ابن العمده ‪ ,‬فيسب قشقوش بأمه ويقسم قشقوش( والقسم عليه)‪:‬‬

‫‪ -‬إن البلد عمرها ما ينصلح لها حال به أو بغيره دى بلد بنت بغل ‪ ,‬والذي نعرفه أحسن من‬
‫الذي ل نعرف ‪ ....‬وشكرا ‪.‬‬

‫(أحيانا تنتاب المرء موجة من السخط وعدم الرضا ‪ ،‬ومن كان في مثل ظروفي ينبغي عليه‬
‫أل يفكر في شيء مما يفوق قدراته ‪ ,‬بعدما انخرس اللسان ‪ ,‬واكتفينا بالنظر والتدقيق ‪ ,‬التدقيق ! فيم‬
‫تدقق ياابن النزل ؟ !!!) ‪.‬‬

‫النزل علي بعد خطوات منك‪ ،‬والنزل بلدي مرعبة بعد أن كانت حنونة‪ ...‬الكهرباء فيها‬
‫تنقطع أكثر مما تعمل‪ ..‬الساعة الثانية بعد منتصف الليل ‪..‬الليلة موحشة‪ ..‬تتقطع سبل المواصلت‬
‫بين الزرقا والنزل ‪ 5(..‬كم ليست بالصعبة لمن عاش حياة الجندية) ‪ ,‬زمان عندما كان طريق بلدنا‬
‫مليء بقُطاع الطرق‪ ..‬ليستطيع كائنًا من كان المرور بهذا الطريق بعد آذان المغرب ‪ ..‬أصبح‬
‫قُطاع الطرق اليوم يسكنون بيت العمدة ‪ ،....‬يقع بيت حماتي علي أطراف القرية ‪(..‬ألم أقل لكم أني‬
‫متزوج ؟!!) لقد أشرت إشارة عابرة في بطاقة التعارف‪ ...‬ويا للخيبة‪ ...‬نعم متزوج كيف ؟!‪ ..‬ولو‬
‫تُركت المسائل هكذا علي عواهنها ؛ لتصورتم أنني أكذب عليكم ؛لن الحسبة ل تدخل المخ ! ‪...‬‬

‫حاصل علي شهادة عالية‪ ..‬وجندت‪ ..‬فمتي تزوجت ؟! نعم هذا لُب الموضوع‪ ..‬وأقسم بال‬
‫تزوجتُ زواجاً شرعياً بمأذون و شهود وفرح ومدعويين وأعيرة نارية في الهواء ‪..‬ههه ‪...‬نعم‬
‫أحياناً عندما أمعن تفكيري ‪..‬وأعيد المور إلي نصابها‪ ..‬ل يدخل موضوع الزواج هذا في رأسي‬
‫‪..‬مع أنني من باشر العمل‪ ..‬وقام بترتيبه ودخلتُ بها علي مؤخر صداق وقدره‪ ... ...‬وقائمة أثاث‬
‫‪.‬‬ ‫وقدرها ‪...‬‬

‫ليلتنا خرساء‪.‬‬

‫(علي المرء رغم ما ينتابه من تعب وصراع ومشقة أل ينسي فروضه ‪ ،‬وما يجب عليه أن‬
‫يفعله تجاه بيته وأهله حتي لو كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل !) ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫دققتُ باب حماتي دقاً خفيفاً حتي ل ينزعج الناس في هذه الساعة من الليل ‪..,‬وقت طويل‬
‫مضي وأنا أدق‪ ...‬مصمم أن أمارس دورى في الحياة ‪ ,‬سمعتُ صوت الرجل القصير القامة يرد‬
‫من الداخل‪:‬‬

‫‪ -‬أنا‬

‫‪ -‬من انت‬

‫ضحكتُ ‪:‬‬

‫‪ -‬أل تعرف صوتي ؟!‬

‫كانت المرأة القصر تقف خلفه تدفعه وتملي عليه ‪.‬‬

‫قال بصوت عالٍ – وأنا أعرف ما حدث لعروج جبهته وامتلءها بالدم – أجئت لتضحك‬
‫معنا في آخر الليل ؟!‪.‬‬

‫‪ -‬اطمئن يا عمي أنا حمدي زهران ‪.‬‬

‫‪ -‬وما ذا يعني ؟ وما ذا تريد في هذا الوقت من الليل ؟!‪.‬‬

‫ت مرة أخري ‪ :‬أريد زوجتي !!‪.‬‬


‫‪ -‬ضحك ُ‬

‫(زوجتي أقصر من الثنين وكانت تقف خلفهما)‪.‬‬

‫‪ -‬تعالَ في الصباح ‪.‬‬

‫‪ -‬نحن في الصباح‪.‬‬

‫تذاكي الرجل وقال لي ‪:‬‬

‫‪ -‬الصباح عندما تطلع الشمس‪.‬‬

‫تذاكيتُ أيضا ‪ :‬الصباح يبدأ عندما تبدأ الدقيقة الولي بعد الثانية عشر‪.‬‬

‫كانوا يبدون كثلثة عساكر شطرنج يقفون خلف بعضهم‪.‬‬

‫الليل كان مظلمًا والباب مغلقاً ‪.‬‬


‫‪12‬‬
‫الموقف جد خطير‪ ..‬فلماذا ل آخذها الن ؟!‪ ..‬وتأخذها أنت عندما تطلع الشمس !‪.‬‬

‫أرسلتُ عشرات الرسائل من مصر في عشرات الصفحات إلي صدام للتحذير من خطورة)‬
‫الوضع إن لم ينسحب من الكويت ‪ ,‬وستأكل الحرب الخضر واليابس‬

‫اللهم قد بلغنا اللهم فاشهد)‬

‫كانت ضحكات الثلثة ترن في أذني وأنا أمشي وحيداً حزينًا مقهورًا منكسراً ‪.‬‬

‫‪ (...‬ما الحل يا" قشقوش "يا صاحب المعادلت والتوازنات والبدائل ؟!‪ ...‬هناك‬
‫أمور لتؤجل حينما يحل وقتها‪ ...‬من أي البلد أتيت ؟!! ‪ ..‬وأي رأس تحمل ؟ !! ‪..‬أحمل‬
‫حقداً دفينًا لك ‪ ,‬تسطيع أن تتواءم ‪ ,‬سأخرج عضوي الذكرى أمام أنظار العالم كله ليشهد‬
‫عليّ ما سأفعله الن في هذا الليل الحالك الظلمة وقبل أن يذهب الناس لصلة الفجر‪ ,‬لعلن‬
‫العصيان ولقول لكل الناس إنني مكتف ٍ)‪.‬‬

‫‪ -‬سأظهره حتي يعانق أوراق الشجر المنتشر علي جانبي ترعة بلدتنا ‪.‬‬

‫‪ -‬أخاف أن أُصاب بمس من الجنون ‪ ,‬لستُ في حاجة إليك يا "قشقوش" الكلب يا معلم‬
‫الحمير ‪ ..‬أين الطريق المؤدي إلي بيتي ؟!‪ ..‬لي بيت أسكن فيه ككل البشر‪..‬‬

‫يقع بيت أخي الكبر قبل بيتي بقليل ‪.‬‬

‫ل يعرف أخي أين أنا‪ ..‬ول أنني مُقدم علي الذهاب إلي الكويت لتحرير شعبها من‬
‫بطش صدام ‪...‬‬

‫لبد أن أمر عليه في هذا الوقت من الليل وأقول له ما يختلج في صدري ‪..‬‬

‫إنه موظف كبير في الدولة ‪ ,‬لبد أن عنده حل ‪...‬‬

‫أسمع صوت أخي يتأوه في هذا الوقت من الليل ‪ ,‬وقد ربطته زوجته في رجل‬
‫السرير ‪.‬‬

‫‪ -‬كان ال في عونك يا عائلة زهران ‪ ,‬أين رجالكم ؟ !‪..‬‬

‫‪-‬استبعدت أخي من الحسبة ‪.‬‬

‫‪ -‬لبد أن يكون هناك حل‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -‬مَن ألجأ إليه في هذ الوقت ؟‬

‫لم أجد سوي زوج أختي "مصطفي ( الفثة )" ‪.‬‬

‫(ربما يستغرب المرء عندما يعرف أن هناك شخصاً يدعي (الفثة)‪ ....‬وما معني‬
‫الفثة ؟! ‪..‬ل تعني شيئاً في لغتنا العربية ‪..‬لكن الحكاية كلها أن مصطفي عندما يتكلم ل يُسمع‬
‫من كلمه سوي ( فث ‪ ...‬فث ‪ ...‬فث ‪ ) ...‬وبعض الباقي تفهمه من حركاته‪ ..‬إل أنه‬
‫رجل ول كل الرجال ‪ ...‬له جيوب معبأة بالنقود‪ ..‬وله زوجة جميلة اختارته من بين رجال‬
‫القرية ‪ ..‬فعندما تراها ل تعرف إن كانت زوجته أم أخته ‪ ..‬فهي الخري أصبحت تفثفث‬
‫أكثر منه ‪.‬‬

‫رغم أن "مصطفي الفثة" لينجب ‪ ،‬ولكن وفاء من بنت عائلتنا تمسكت به وقالت له ‪:‬‬

‫‪ -‬أنت أحب من كل البناء ‪.‬‬

‫يقول الناس في بلدنا ولم تقل لي أختي شيئًا ‪:‬‬

‫‪ -‬إن هذا الفثة ينام علي أجولة من الفلوس ‪ ،‬ول يعرف ماذا يفعل بها ‪.‬‬

‫لم تبح أختي بسره لحد ‪.‬‬

‫كان البيت والشارع مظلمين ‪ ,‬بيته يقع في مستوى أقل قليلً من مستوى الشارع ‪,‬‬
‫كنتُ متأكداً أنه سيُسَر بمجيئي ‪ ,‬هو الوحيد الذي يقول أنني تربيته ‪ ..‬رغم أنني حاولت‬
‫مرات ومرات أن أجعله ليفثفث ‪ ,‬ولما باءت محاولتي بالفشل قلت في نفسي ‪ ( :‬الفـــث‬
‫يبقي دائما فــــــث ) ‪.‬‬

‫ت أدق علي الباب دقاً عنيفاً‬


‫أخذ ُ‬

‫ل يجرؤ أحد أن ينازعني في نسبي للفث ‪ ...‬أو يقول أنني أزعجه ‪ ,‬الفث نفسه سيفرح‬
‫عندما يراني وأنا أفعل هذا ‪.‬‬

‫فتح الباب ‪ ..,‬رأيت شبحه ‪ ..,‬إنه ينام في الظلم ؛ ليوفر الكهرباء والجاز‬

‫‪-‬فث ‪ ...‬فث ‪ ...‬فث ‪ (....‬كانت الفثفثة فيها انفعال)‪.‬‬

‫‪ -‬أنا حمدي زهران ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪-‬فث ‪ ...‬فث ‪ ...‬فث ‪....‬‬

‫ت هذه المرة أنه يرحب بي )‪ ...‬مددتُ يدي لسلم عليه ‪. .. ,‬جذبني وأدخلني بعنف ‪.‬‬
‫( أدرك ُ‬

‫‪..‬كادت رأسي تصطدم بأعلي الباب ‪..‬انحنيت ‪ ..‬كدت أقع علي وجهي وأنا أنزل إلي بيته المنخفض‬
‫عن الشارع ‪ ...‬مشي أمامي في الظلم ‪ ...‬ليضع الفثة قطع أثاث في مدخل بيته على اعتبار أن‬
‫الثاث يعيق الحركة ويضيع المكان ‪ ,‬مشي أمامي وهو يفثفث ‪ ,‬يعرف كل منا حاجة الخر‪ ..‬ذهب‬
‫منفعل ‪ ..‬أحضر وعائين فيهما بقايا طعام ‪ (..‬ليؤمن بالثلجات )‪ ..,‬عنده قناعة أن الطعام يبقي‬
‫طيبًا ثلثة أيام ‪ ..‬وضع ما في أحدهما علي الخر ولم يكلف نفسه عناء وضعهما في أطباق ‪ ..‬وهذا‬
‫إعلن بأنني سآتي علي كل ما في البيت من طعام وقدمه لي مفثفثا ‪ ....‬نظرت إلي الظلم خلفه‬
‫وهو يناولني الوعاء ‪ ...‬كاد يدخله في أنفي ‪...‬تناولته منه وأخذت أتناول الطعام ‪..‬كان الرز وكأنه‬
‫لم يطبخ وشوربة العدس كأنها ماء ‪...‬أخذت أمضغ الحصوات وأحيانا أبتلعها عندما يتعثر مضغها‬
‫أو تصنع صوتاً بين أسناني ‪ ..‬كانت ملعقة تتخبط في الهواء وأخري تجد طريقها للوعاء‪ ..‬كنتُ‬
‫ت علي الوعاء حلوه ومره ‪ ..‬الفثة يقف أمامي‬‫أجلس علي حقيبتي الممتلئة بالملبس العسكرية ‪...‬أتي ُ‬
‫كالشبح لينطق ‪..‬انسحبتُ في هدوء عندما كان صوت أختي ينبعث من غرفة مظلمة وهي تفثفث‬
‫هي الخري وتقول له ‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا تفعل ؟ ففهمت ماذا تقصد ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫(‪)2‬‬

‫‪(....‬عندما ينام النسان متعبًا ل يعرف إذا كان نائمًا علي رأسه أو علي أنفه ‪ .‬يكون أشبه‬
‫بنوم الموات البدي الذي ل صحوة بعده) ‪.‬‬

‫ل والشمس‬
‫رغم كل التعب ورغم كل ما حدث في ليلة أمس العصيبة ‪ ,‬بدا الصباح جمي ً‬
‫ل من الهموم ‪.‬‬
‫رحيمة ‪ ,‬أحسست بانتعاشة في جسدى وأحسست أننى نفضت عنى جب ً‬

‫حمدي زهران الول علي مدرسة الشهيد جمال الدين عبد الكريم الثانوية بمنية النصر ربما‬
‫لم يكن متوقعًا رغم أن هناك محمود شعلن وأحمد رمضان من البجلت ورغم أن المدرسة تضم‬
‫النخب من طلبة البلد المجاورة إل أنه فعلها ‪.‬‬

‫ماض ليقدم ول يؤخر ول ينقذ من هذه اليام الكئيبة الموحشة في بلدة كئيبة موحشة ‪ ,‬يملك‬
‫حمدي زهران راديو ترانزستور صغير الحجم يقتني مثله جميع جنود الفرقة ‪ 18‬التي كان ينتسب‬
‫لها ‪ ...‬حافظ علي مذياعه ‪.. ,‬هناك من سرق مذياعه وهناك من استولي عليه ضابط المن عندما‬
‫كان يمر علي الخدمات الليلية ‪ ,‬وبقي معه حتي انضم إلي هذا اللواء الجديد الذاهب إلي الكويت ‪.‬‬

‫ليل واحد ‪ .‬ليل حزين ‪ .‬ليل مظلم ‪ ,‬تجرب فيه جميع السلحة الجوية المشروعة وغير‬
‫المشروعة ‪ ,‬طائرة أمريكية تطلق الصاروخ وبريطانية توجهه‪ . ..‬ليلة واحدة قاصمة خرجت كل‬
‫الطائرات المتخفية إلي الوجود ‪ ..‬تورنادو ‪ ,‬الشبح‪ ،‬وغيرها من الطائرات التي لم نسمع عنها من‬
‫قبل‪ ...‬أظهرت مهارة في اللعب‪ ....‬لم نر أثراً لقوات صدام وتحصينا ليننجراد‪ ،‬ول وجود للفي‬
‫دبابة قادرة علي دحر الغزاة‪ ...‬لم يكن هناك أم المعارك ول غيرها ‪ ,‬وستبقي فلسطين محتلة إلي‬
‫البد علي اعتبار أن تحريرها يبدأ من الكويت ‪ .....‬في الصباح لم يكن هناك أي وجود للقوات‬

‫‪16‬‬
‫العراقية وكأن الرض انشقت وبلعتهم ‪....‬لم نر أثراً للتحام أو انسحاب ‪ ,‬هكذا قال الراديو العجيب‬
‫الصغير ‪ .....‬أنه تم تحرير الكويت من قوات صدام‪ ....‬ضاع المل في الحصول علي الدولرات ‪.‬‬
‫‪....‬لفائدة إذن من الذهاب إلي الكويت ‪ ....‬ل أعرف ‪..‬أأفرح أم أحزن ‪ ,‬وهناك ألف سبب لهذا‬
‫وذاك ‪ ..‬تم تحرير الكويت ليعود أمراءها وأهلها من الدول المجاورة شاكرين وراضين عن بوش‬
‫ت أنني ذاهب للقاء قوات صدام‪ ....‬وتمنيت أن يدحر صدام كل‬ ‫رغم كل ما حدث نسي ُ‬ ‫الب ‪،‬‬
‫هذه القوات مجتمعة بما فيهم نحن ‪ ,‬حتى ل يعودوا للعب في ملعبنا وأرضنا ‪ (,‬كله كان كلم في‬
‫كلم )‪ ,‬حنجرة كبيرة كما يقولون في بلدنا ‪ ,‬وبدأت تأتي التحليلت من كل الذاعات مغايرة لما قبل‬
‫النسحاب عن التحصينات الموجودة حول مدينة الكويت ‪ ,‬لم تكن إل سراب ‪ ,‬رغم أن هؤلء‬
‫السادة المحللين قالوا سابقاً إن هذا الخط الدفاعي المرسوم حول الكويت يعادل خط ماجينو ‪,‬‬
‫ورسموا الخرائط والتوضيحات ‪.‬‬

‫(‪...‬ياوطن ماذا سيكتب المؤرخون عنك ‪ ,‬ماقيل قبل الحرب أو ما بعدها أو ما يروجه‬
‫المريكان أو ما نقوله نحن العرب ؟!!!!‪ ,‬جعلتم المؤرخين في حيرة ‪ ,‬الشيء المؤكد أن الوطن‬
‫ذاهب إلي نهايته ‪ ,‬أقسم من هذا البيت الحزين الذي ل يسكنه بشر وتعاف الفئران أن تسكنه أنني‬
‫ليس لي يد في هذه الحرب ‪ ,‬ولم ينتابني الحساس لحظة أنني سأشارك في هذه اللعبة القذرة ‪ ,‬ليلة‬
‫واحدة سمعنا أن القوات العراقية علي مشارف البصرة آلف الساعات الذاعية والتلفزيونية من‬
‫وجع الرأس مع خبراء استراتيجيين وضباط متقاعدين ‪ ,‬آلف الساعات من الكذب والخداع‬
‫والجلوس علي كراسي دوارة ورجوع للخلف وطلوع للمام ووضع ساق علي ساق ثم إنزالها وشد‬
‫نفس من سيجارة أمريكية ‪ ,‬ربما جرونا إلي ذلك لنظهر أمام أنفسنا أننا مجرد زمرة من الكذابين‬
‫المخادعين؛ لننا مع ما نمتلكه من قوة ل نستطيع الصمود أمامهم مهما كانت حجم هذه القوة ‪,‬‬
‫عرضت السلحة المريكية والبريطانية في أحسن معرض حي ‪ ,‬رأي العالم الطائرات التي‬
‫تستطيع أن تهدم مدن كاملة )‪.‬‬

‫‪ -‬ضرب صدام حسين إسرائيل بسبع نبال أو ثمانية ل أدري( لنا لقاء آخر نتمني لك السعادة‬
‫يا عم صدام) ‪.‬‬

‫ل طعام ‪ ...‬ل شاي ‪ ...‬ل أي شيء يثبت أن في هذا البيت حياة ‪ ,‬أو كانت فيه حياة في يوم‬
‫ما‪ ...‬يا عمنا السنهوري باشا أليس لديك قطعة خبز أو رشفة ماء ؟ ماما أمريكا مناصروك‬
‫جوعي ! ما العمل ؟‬

‫أخرجت من حقيبتي المليئة بالملبس العسكرية المتسخة علبة من البسكويت الميري ( التعيين‬
‫الجاف ) الذي بدأوا يصرفوه لنا لنتعود عليه حتي نذهب إلي المعركة المرتقبة ‪ ,‬أخذت أمضغ‬
‫غير ملم ما إذا كان طعمه جيدا أم غير جيد ‪ ,‬المهم هو شيء يمل البطن ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫كان البيت خاوياً ل توجد به قطعة أثاث واحدة ‪ ،‬و ل وعاء واحد ‪ ,‬كل هذه الشياء أخذتها‬
‫زوجتي شيئاً فشيئ ‪ ,‬كان بيتي يشبه الخيام الخاوية التي كنا نقوم بنصبها في المشروعات الحربية ‪,‬‬
‫‪ ...‬ل ماء ‪.‬‬

‫أحست نفسي أن هذه الموقعة هي آخر موقعة للقوات الستعمارية ‪ ,‬سيستخدم صدام كل‬
‫أدوات الحرب التي يمتلكها ‪ .. .‬منذ أيام صلح الدين اليوبي لم نهزم هؤلء الوغاد ‪..،‬ربما حدثت‬
‫محاولت في عهد محمد علي وتم تدمير السطول المصري في المعركة البحرية الشهيرة سنة‬
‫‪ 1840‬وتمت المعاهدة الشهيرة وقلصت الدور المصري وتم تحجيم القوة المصرية ‪ .‬سيجعل منهم‬
‫صدام أضحوكة‪.‬‬

‫إن عدد دبابات صدام يفوق ما يمتلكه الجيش الفرنسي والبريطاني الموجودة علي أرضهم‬
‫والموجودة هنا في أرض المعركة‪ ...‬صدام البطل الوحيد في هذا الوطن ‪ ....‬سحقا لصدام وأمثاله‬
‫ممن يقودون هذه المة ‪....‬‬

‫( قد يظن البعض أن حمدي زهران ما هو إل همجي حاول أن يخرج عضوه الذكري في الهواء‬
‫ولكنها كانت محاولة للتعبير عن الغضب الذي كان يعتصر قلبه ‪ ،‬وما كان سيحدث في الظلم ولم‬
‫يكن هناك أحد من البلدة ‪ ,‬حتي أنه لم نفسه لمجرد أنه فكر في هذا الفعل الشائن ‪ ,‬و ضحك‬
‫وضرب كفًا بكف ‪ ,‬آه لو حدث مثل هذا الفعل أو علم قشقوش ونشر الخبر في جريدته المتنقلة‬
‫كانت ستكون فضيحة الموسم ‪..‬استغرق في الضحك في الليل والظلمة والتصحر والخواء ‪ ,‬أحيانا‬
‫يحدث للنسان ما يجعله يتصور أنه فقد صوابه للحظة )‪.‬‬

‫‪...‬حمدي زهران الول علي مدرسته والحاصل علي تقدير جيد جدا في كلية الحقوق يخرج‬
‫عن صوابه ويخرج عضوه!! فماذا سيفعل الصيع؟!!! ربما كان خطأ ‪ ,‬أصبح حمدي زهران علي‬
‫سفر دائم ‪..‬هو الن في بيته يجلس علي حقيبته كأنه في محطة القطار ‪..‬لكن اليوم المحطة بدون‬
‫ركاب إل هو( يخيب النسان أحيانا ويجد أنه قد صنع لنفسه فخاً ل فكاك منه) ‪ ..‬كان باستطاعته‬
‫أن ينتظر وقتًا طويلً‪ ..‬ربما تغير مجري حياته وأصبح شيئاً ذو مكانة ‪...‬لم يكن ليتعرض للهانة‬
‫قط ‪....‬ماذا لو أعطوه زوجته الليلة؟‪ ....‬هل كان سيتعرض لهذا الهياج الداخلي الذي تراكم فوق ما‬
‫حدث في هذه الليلة الكئيبة ‪...‬أليس من حقه أن يأخذ زوجته ألم تحف قدما محمود القطة خلفه لكي‬
‫يتزوج ابنته ؟ ! ‪ ..‬ألم يكن يأمل أن يزوج ابنته من وكيل نيابة‪ ،‬أو حتي محام؟ ‪ ,..‬هكذا قالت‬
‫زوجته ‪:‬‬

‫‪-‬خذوهم فقراء يغنيهم ال‪.‬‬

‫‪...‬محمود القطة أقصر من في البلدة ‪ ,‬يحمل حقيبة ويدور بها علي الفلحين ؛ ليحلق لهم في‬
‫الحقول ‪ ..‬ويتقاضي نصيبه من المزروعات‪ ..‬وأحياناً بيض وخبز‪ ..‬ول يتقاضي مالً إل‬
‫نادراً ‪ ,‬هو حلق العمدة نفسه ل يتقاضي منه شيئاً إل نادراً‪ ،‬وحسب حالة العمدة المزاجية‬
‫ول يقل معرفة عن" قشقوش" فهما مراجع القرية ومصادرها في القيل والقال‪ ..‬لكل‬
‫‪18‬‬
‫منهما موقف من الخر ولكن أحياناً تجدهما يتهامسان لوقت طويل وكأنهما يتبادلن ما‬
‫لديهما من أخبار وحكايا ‪ ..‬في موسم الحصاد تري محمود القطة بالجولة ليتقاضي ثمن‬
‫الحلقة أرزاً وقمحاً‪ ..‬أما البرسيم يأخذه عنوة لحمارته من أي أرض يمرعليها سواء وجد‬
‫صاحبه أم لم يجده ‪ ..‬ويأخذ حقه من المزروعات وزيادة ثم يندفع ليعطي لنفسه أكثر من‬
‫حقه رغم غيظ الناس منه ‪ ..‬لكنهم يتركونه ويقولون في أنفسهم " يأخذ ويكثر "‪ ...‬يقوم‬
‫بتصنيف المحاصيل بعد ذلك ‪..‬و يبيعها فتزدهر أموره ‪....‬يعطي الناس المحتاجين قروضاً‬
‫بالربا ‪...‬ثم يشتري أراضي زراعية ‪.‬‬

‫اشتري محمود القطة عشرون فدانًا من أجود الراضي في قريتنا ‪ ..‬ورغم هذا تجده قصيراً‬
‫ينادي عليه الناس يا ‪ ( -:‬قطة ) فيسب أمهاتهم وآبائهم‪ ..‬ويقول‪:‬‬

‫‪(-‬قطة‪..‬قطة ) لكن عندي عشرين فدان‪.‬‬

‫الصغار صعّبوا عليه السير في أزقة القرية ‪ ..‬كانوا يصدرون أصوات كالقطط ‪ ،‬ويجرون‬
‫‪ ,‬ثم يرجع لزوجته أحمر الوجه منفعلً فيقول لها ‪:‬‬

‫‪-‬فلن قال لي يا ( قطة ) وفلن ‪ ....‬وفلن‬

‫فتُخرج قاموسها وتقول له‪:‬‬

‫‪-‬عندما يقول لك فلن يا ( قطة ) قل له كذا ‪ ....‬وفلن كذا ‪ ...‬حتي إن لم تجد في‬
‫قاموسها اسمًا ‪..‬تؤلف له اسماً ‪ ..‬وكأن البلد كلها موبوءة ‪.‬‬

‫كان القطة وزوجته قصيرا القامة ‪ ،‬وكذلك من أنجبهم من أولد لم يخلوا من هذا‬
‫القصر‪ ..‬هم في حرب دائمة مع البلد دون سبب غير هذا الذي أرّق ليلهم وأفسد حياتهم ‪.‬‬

‫رغم تفوق حمدى زهران العلمي الملحوظ إل أن خبرته في الحياة وقسوتها وجبروتها كانت‬
‫قليلة ؛ فلم يكن قد أدرك حينها الخطر المقبل عليه ‪ ،‬والذي سيسببه هذا الزواج وهو في الحال‬
‫المذبذب بين انعدام الوزن وعدم وجود عمل لجلب المال‪ ..‬برر له محمود القطة هذه الفعلة ببراعة‬
‫‪:‬‬

‫‪ -‬أل تتناول الطعام يومياً‪.‬‬

‫‪ -‬نعم هل هناك من ل يتناول الطعام ‪.‬‬

‫‪ -‬الطعام الذي يكفي شخص يكفي اثنين ألف مبروك‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪-‬لم يخطر ببال حمدي أن يتزوج في هذا الوقت ‪ ،‬لكنه صمت وفكر وقال في نفسه‬
‫لمَ ل ؟ كان لديه أسبابه ‪ ,‬ربما فكر بضيق أفق‪.‬‬

‫‪-‬ألف مبروك علي ماذا ؟ الموضوع محتاج تفكير ‪.‬‬

‫‪ -‬الموضوع محتاج تفكير ؟ ! ‪..‬هو عندنا سلعة راكدة أنا اختارتك لطيب أخلقك المثل يقول "‬
‫اخطب لبنتك ول تخطب لبنك " توكل علي ال يا راجل ‪.!.‬‬

‫(إن كانوا قد برروا له المور فقد برر لنفسه )‬

‫إن أمر تعيينه لن يتأخر كثيراً بعد انتهاء خدمته العسكرية ‪ ،‬وإذ لم يتم تعيينه وهذا أمر‬
‫مستبعد‪ ،‬سيذهب إلي العراق ‪ ,‬العراق أقرب الحلول لنفسه ولكل مصري يرغب في السفر ‪ ,‬لم‬
‫يكن السفر إلي العراق يحتاج إل إلى جواز السفر ‪ ...‬بعده تجد نفسك في العراق‪ ..‬ل موانع ول‬
‫منغصات ‪ ..‬في فترة من الفترات خلت مصر من الصيع والحرامية والعاطلين والهاربين من‬
‫الحكام ‪ ..‬ماذا ستعطيننا أمريكا ؟ !!!‪ (..‬يا خبر بفلوس ‪... ) ....‬هذا إذا كانت الحسابات مادية‬
‫فقط‪ ...‬من الذي سيعطي ؟ ومن الذي سيمنع ؟! ‪ ..‬بصرف النظر عما إذا كانت العراق دولة شقيقة‬
‫ولها مالنا من حقوق وتستوعب داخلها ‪ 2‬مليون مصري ينتفع منهم أكثر من ‪ 7‬مليون مصري‬
‫آخرون‪ ..‬ماذا لو أُغلقت العراق في وجوهنا‪ ،‬وضحكت علينا أمريكا ؟!!!‪ ....‬أسنقابلها في الشارع‬
‫ونمسكها من ملبسها ونقول لها أخرجي الفلوس الن وإل سنستعمل القوة ؟!!!!‪...‬أم أنها ستقوم‬
‫بركلنا بالقدم ؟ ‪..‬هل نحن مأجورين ؟ ‪..‬ال أعلم !‪ ..‬هذا كلم كبير ل يعرفه إل الناس الكبار‬
‫والساسة الذين يسيّرون أويسيسون أمورنا وليس لنا إل طاعة ولي المر ‪.‬‬

‫كتب أستاذ القتصاد في مقدمة كتابه " الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا " – كبلنج –‬
‫محمود القطة صاحب حق أيضا فمن هذا الذي يقبل أن تذهب ابنته في هذا الوقت من الليل مع‬
‫زوجها إلي بيت تسكنه الفئران فلتبقَ في بيت أبيها ‪..‬وماذا لو ذهبت في هذا الوقت ‪..‬وأحست‬
‫بالجوع ؟ فماذا يقدم لها حمدي زهران؟!‪ . ..‬لقد وقع بالرجل وانتهي المر‪.‬‬

‫إن التركيبة النفسية لمحمود القطة وزوجته وما تعرضا له من أذي دفعهم للنتقام من هذا‬
‫البريء الذي كُتب عليه ما لم يُكتب على أحد ‪ .‬لم يكتفوا بإهانته في الليل ولكنهم أعدوا العدة‬
‫للصباح للجهاز عليه في بيته ‪.‬‬

‫القوات المريكية تعلن ‪ :‬المنطقة الجنوبية والمنطقة الشمالية منطقة حظر للطيران العراقي ‪.‬‬

‫‪ ( ..‬سيئوا النية والخونة يقولون إن تقسيم العراق بدأ من اليوم )‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الساعة العاشرة صباح اليوم التالي لخروج القوات العراقية من الكويت و استيلء القوات‬
‫المريكية علي الكويت ونفطها إلي أجل غير مسمي ‪..‬لم نعرف إذا كان تحت ستر الظلم ‪ ،‬أم أنه‬
‫تم قبل ذلك‪ ،‬أم أنهم لم يكونوا موجودين أصل ‪.‬‬

‫اقتحم محمود القطة وزوجته بيتي ‪ ، ..‬ورأيتهم وجمع غفير من الناس‪ ..‬وراحت زوجته‬
‫التي كانت تضع حزامًا علي بطنها‪ ( ..‬ليس حزاما ناسفاً طبعا وليس حزاماً للرقص )‪ ..‬فهي تحمله‬
‫ليمنع خروج أمعاءها أثر عملية جراحية ‪.‬حتما ستستعمله اليوم للرقص !!‪.‬‬

‫لم تكن هناك سواتر ول خنادق ول دفاعات أرضية‪ ...‬والظهر مكشوف ‪....‬ولم يكن هناك‬
‫ت به‬
‫استعداد لصد القتحام‪ ...‬وقد تم فجأة دون سابق إنذار‪ ...‬ولم يخطر ببالي قط أن العمل الذي قم ُ‬
‫في الليل يستحق كل هذا الهجوم العسكري المبالغ فيه‪ ...‬كان محمود القطة يحمل شفرة الحلقة‬
‫شاهراً إياها في الهواء ‪....‬بدت الشفرة وكأنها تخرج من الرض لقصره ‪...‬صرخت زوجتي‬
‫بالصوت " الحياني " ‪....‬اجتمع الناس من كل صوب وحدب ليشاهدوا أم المعارك ‪ .....‬أخذت‬
‫الحيزبون ذات المؤخرة الكبيرة التي كادت تلمس الرض ترقص وهي تقول‪:‬‬

‫‪-‬أتي الساعة الثانية بالليل لماذا ؟!‪ ..‬اتريد أن تمارس الجنس‪.!!...‬وهي تتمايل‬
‫يميناً ويساراً مشيرة إلي البيت ‪...‬هل هذا بيت يا ناس؟ ‪ ....‬أتي الساعة الثانية‬
‫بالليل لماذا ؟‪ ....‬اتريد أن تمارس الجنس !‬

‫‪..‬أمسكت بذقني بصعوبة بعدما حاولت تطويل نفسها ‪ .‬وقفتُ مشدوهًا غير مصدق‪ ..‬كنت‬
‫أبدو كعملق في غابة القزام‪ ..‬عاري الصدر ‪ ..‬أرتدي لباساً داخلياً متسخاً وممزقًا ‪ ..‬ليس‬
‫ل لهذا الموقف ‪...‬أخذوا يدورون في البيت الفارغ‬‫عندي أي ردود ‪ ..‬ولم أكن مؤه ً‬
‫‪...‬وأخذت تسأل‪-:‬‬

‫‪-‬أين الطعام ؟!!‬

‫‪ -‬أين الشراب ؟!!‬

‫‪ -‬هل أولد الناس لعبة !!!!‪.‬‬

‫كانت زوجتي القصيرة تقف ضاحكة ومزغردة أحيانًا ‪( ,‬ربما للهجوم الكبير الذي حدث‬
‫والنتصار الكبير الذي لم يحدث من قبل لعائلة القطة )‪ ,..‬لم أر يومًا القطة رافعاً هذه الشفرة في‬
‫وجه أحد سواي!!‪ ..‬ولم يثأر من أحد قبلي مع أنني لم أقم بعمل يستحق الثأر‪ ..‬ولم لم أقل له يوماً يا‬
‫( قطة) ‪ ..‬لكني اليوم عندي رغبة جامحة في قولها له ( يا قطة ‪ ...‬يا قطة ) ‪ . ..‬الشيء الذي يثير‬
‫الضحك أن المرأة وجدت المجال متسعاً ‪ ..‬فأخذت ترقص رقصة حلزونية لم أر مثلها من قبل‪..‬‬
‫فبدت كالقرد الذي يتلوي ‪..‬ل أعرف كمية الضغينة والحقد التى ملتهم فحولت بيتي إلي مسرح‬
‫كبير ‪ ,‬لم أجد أحداً من أقاربي وسط هذا الجمع سوي مصطفي الفثة (جزاه ال خيرا ) ‪..‬وقف يشير‬
‫‪21‬‬
‫بيده إلي فمه‪ ،‬ومرة يحك بها رأسه التي ظهرت عندما كشف غطاءها فقد كانت حمراء قانية من‬
‫أثر القُراع الذي أصابها منذ الصغر ‪..‬وأخذ يشير ويفثفث ‪..‬ففهمت أنه يقول أنني ذهبت إليه في هذا‬
‫الوقت ‪..‬وأكلت طعامه‪ (..‬لك الحق أن تثأر مني ياعم أبو الفثافث ) ‪.‬‬

‫أخذت الناس تنظر نحوي في محاولة لمعرفة رد فعلي‪ ،‬وما هي مشاعري وينظرون إلي‬
‫ل الشفرة لم آبه به ‪ ..‬فأنا أعرف بداخلي أنه ليستطيع أن يفعل بها‬ ‫القطة وهو يقفز هنا وهناك حام ً‬
‫شيئاً‪ ..‬فهو علي كلٍ مجرد قطة ‪ ..‬عندما تراه يقفز هنا وهناك ‪ ..‬تجد دافعاً لمنادته ( يا قطة ) ‪..‬‬
‫حتي لو لم يطلق عليه هذا السم من قبل ‪.. ..‬انفجر الموقف عندما كان يقف أمام امرأة تحمل طفلها‬
‫‪ ..‬نظر إليه الطفل ‪ ..‬ومد رأسه نحوه وقال له‪:‬‬

‫‪ -‬نو ‪ ..‬نو‪..‬‬

‫فانفجر الجميع ضاحكًا وضحكتُ أنا ‪ ....‬اندفع نحوي في ثورة عارمة ‪:‬‬

‫‪ -‬أرأيت يا ابن الكلب ‪ ...‬أنت السبب ‪.‬‬

‫فانفعلت واعتراني الغضب بعد هذا الفاصل الفكاهي ‪:‬‬

‫‪-‬أنت راجل قطة فعل ‪،‬وليه راجل ؟ انت قطة بجد‪.‬‬

‫‪-‬فما كان من القطة إل أن أدخل الموسى في صدري العاري وفر هارباً وفرت‬
‫زوجته وابنته وأنا غارق في دمائي !!! ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫(‪)3‬‬

‫تم التحفظ علي محمود القطة ‪..‬كانت يداه وقدماه ترتعشان ‪..‬غير مصدق أنه فعلها ‪ ...‬أخيراً‬
‫ص ممن قال له( ياقطة )‪.‬‬
‫تجرأ واقت َ‬

‫‪ -‬لن يجرؤ أحد بعد اليوم يابلد أن يقول ‪ (:‬يا قطة ) ‪ ..‬ومن يقلها سوف ينال مصير حمدي‬
‫زهران ‪ ,‬رغم أن أوصاله كانت ترتعد ووجهه كالليمونة ‪ ،‬ولم تعد تتدفق في رأسه الدماء حينما‬
‫قالوا له أن حمدي زهران حالته خطيرة ‪.‬‬

‫كان العمدة منشغل ًهو و"قشقوش" بميلد الحمارة الشهيرة ‪ ,‬وضع" قشقوش" يده في‬
‫رحم الحمارة وأخذ يتحدث هو والعمدة‪:‬‬

‫‪ -‬وال ما فعل القطة هذا الفعل إل بإيعاز منك يا ابن اللئيمة‪.‬‬

‫فضحك "قشقوش" وبرزت أسنانه غير مبال ‪:‬‬

‫‪ -‬لم أقل له أن يذهب إلي حمدي زهران ويفعل هذه الفعلة ‪ ...‬وما أوعزت إليه هو موضوع الزواج‬
‫نفسه‪ ...‬حتي ينجب له أحفاد ًا من نبت جديد أكثر طولً وأنظف ‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫سبه محمود القطة يومها وقال له‪:‬‬

‫‪-‬هل نحن أوساخ يا من ل بلد لك ؟! ‪.‬‬

‫حصد " قشقوش" يومها من هذا الزواج خمسين جنيهاً ورقة واحدة عنوة ‪ ,‬أدخل يده في‬
‫جيب القطة وأخرجها منه ‪ ,‬وأمسك محمود القطة بيده وحاول منعه مع أنها قُطعت نصفين‬
‫وصار فى يد كل منهما نصف الورقة ‪ ,‬ولما لم يجد القطة فائدة أعطاها له قائلً‪:‬‬

‫‪ -‬خسارة في جلدك ‪.‬‬

‫( قشقوش باعث النهضة وملك التزاوج)‬

‫تأخرت الولدة ‪ ..‬نصحه "قشقوش" بأن يتركها بعض الوقت ‪..‬ربما في آخر الليل يحدث‬
‫المراد ‪.‬‬

‫و ربما أوعز "قشقوش" دون قصد أو كان يصنع له فخاً في جلسات التهامس وتبادل‬
‫المعلومات ؛ بأنه إذا قام بضرب أحد الشخاص ربما استطاع التخلص من هذا اللقب واختار له‬
‫شخصًا ضعيف البنية حتي يقدر عليه فما أحد يدري ماذا يدور في رأسه ‪.‬‬

‫بقيت النصيحة في رأس القطة وأعماقه وظل يبحث عن شخص بالمواصفات التي وصفها‬
‫له " قشقوش " لكنه لم يجد إل حمدي زهران‪ ..‬ولو أمسك بتلبيب القطة لقذفه إلي مسافة بعيدة ‪,‬‬
‫ولكن ما حدث قد حدث ‪.‬‬

‫وعندما ذهب العمدة ليغسل يديه وجد القطة واقفاً يرتعد وقد أمسك به الخفر‪ ..‬وقد‬
‫قصرأكثر من ذي قبل‪ ..‬أخذ العمدة يصفق ‪:‬‬

‫‪-‬أنت يا( قطة)؟ !!‪ ..‬يخرب بيتك أنت وأبوك‪..‬وال ماعمل فيك كده إل قشقوش (‬
‫إنت رايح السجن رايح )‪.‬‬

‫‪.‬أمسك بيد العمدة وأخذ يقبلها ‪ ...‬عندها دخل ابن العمدة وقال له ‪:‬‬

‫‪-‬أبويا ‪ ...‬أبويا ‪ ...‬القطة ضرب حمدي زهران ‪.‬‬

‫وأخذ يسب القطة ‪ ,‬وجاء " قشقوش" وقال لبن العمدة ‪:‬‬

‫‪-‬صور القطة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ ....‬عندها رفع ابن العمدة جلبابه وكشف عورته ثم وضع الجلباب عليها مرة أخري‪..‬‬
‫ل للقطة‪:‬‬
‫فضحك العمدة ومن حوله ‪ ...‬وطرد العمدة ابنه ‪ ...‬وجلس قائ ً‬

‫‪-‬أعط لـ"قشقوش "عشرين جنيها ‪.‬‬

‫أخرج القطة العشرين جنيها وهو يرتعد وينظر إليه بغضب فرفعها "قشقوش" لعلي وهو‬
‫يفحصها علي اعتبار أنه يعرف المزور‪.‬‬

‫نهره العمدة ‪:‬‬

‫‪ -‬ضع النقود في جيبك رزق من عند ال ‪،‬هذا أجر بقاءك اليوم بجوار الحمارة ‪ .‬رد‬
‫"قشقوش"‪:‬‬

‫‪ -‬اضرب المربوط يخاف السائب ‪ ،‬فلم يفرق بين المربوط والسائب ووقع في ورطة ‪.:‬‬

‫‪ -‬ماذا ستدفع إذا خلصتك من هذه الورطة؟‪.‬‬

‫قبل ّ القطة يده مرة أخري ‪.‬‬

‫‪ -‬ل أريدك أن تقبل يدي‪.‬‬

‫‪ -‬ما تأمر به‪.‬‬

‫‪ -‬أريد فداناً واحداً‪.‬‬

‫أغمي علي القطة‪ ..‬فوضع عليه الماء‪ ..‬سبه ابن العمدة ‪:‬‬

‫‪ -‬الموت خسارة فيك‬

‫‪..‬نهره العمدة وأخرجه مرة أخري‪.‬‬

‫‪ -‬خذ روحي‪.‬‬

‫‪ -‬ماذا أفعل بها؟ !!‪..‬أنت كلك علي بعضك ل تدخل في ذمتي بثلثة شلن يا نتن ‪.‬‬

‫إن الفدان في نظر (محمود القطة) ليس مجرد قطعة أرض ‪..‬فهو يمثل له العظمة والوجاهة‬
‫الن لن يقول لمن يسبه ‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ -‬عندي عشرين فداناً ‪.‬‬

‫‪ ..‬فالفدان يعنى له آلف المشاوير وآلف الرؤوس واللحي ‪ ,‬آلف من البيض والخبز ‪.‬‬

‫‪ -‬فدان يا نهار أبيض‬

‫وراح مغشيًا عليه مرة أخري‪.‬‬

‫ل منه ‪ ،‬حتي لو مت ( مال الكُنزي للنُزهي ) ‪ ...‬وإن كان العمدة ليس النزهي( طبعاً) ‪.‬‬
‫‪ -‬ل أق ّ‬

‫أطلّ " قشقوش" برأسه من النافذة وقال ‪:‬‬

‫‪ -‬يا حضرة العمدة عشرون جنيهًا قليلة للسهر حتي الصباح ‪.‬‬

‫‪ -‬وال يا ابن الكلب إن لم تصمت لخذتها منك هي الخرى‪.‬‬

‫كان ( القطة) يعتبر زواج ابنته من حمدي زهران وجاهة تضاف إليه بعد أن أصبح لديه‬
‫عشرون فداناً ؛ لفهمه أن حمدي بتفوقه سيصبح وكيل نيابة بينما اعتبر حمدي مسألة الزواج‬
‫هذه هي مجرد شريك يشاركه المعيشة ‪ ،‬ويخفف من وحدته ‪ ،‬ويجد في بيته من يلجأ إليه‬
‫بعد سفره المتواصل؛ رغم أنه كان يتمنى أن يتزوج امرأة مناسبة‪ ...‬فما الغفلة التي‬
‫أصابتهما ؟!! ‪.‬‬

‫فكر( القطة) ألف مرة أن يرتكب هذا الفعل‪ ..‬فعندما أيقظته زوجته في الصباح‬
‫وهو يضمر في نفسه هذا الفعل قالت له زوجته ‪:‬‬

‫‪-‬الواد ابن الكلب ده لزم يتربي ‪.‬‬

‫كان في قمة حماسته‪ ..‬قال لها ‪:‬‬

‫‪-‬نعم لبد أن يتربى‪.‬‬

‫‪..‬فتح حقيبته ‪..‬أخرج الشفرة منها‪..‬عندما دخل عليه كان يريد أن يضربه بها سواء كان‬
‫حمدي علي خطأ أم صواب‪ ...‬ربما تراجع بعض الوقت ‪..‬لكنه في الحقيقة كان ماضياً في‬
‫المر‪ ...‬مُصراً علي تنفيذه ‪ ..‬وأن هذه فرصة ل تُعوض ‪ ....‬انتشر الخبر في البلد‪ ...‬كم من‬
‫الناس بصقت في وجه القطة ‪....‬والخفراء يمسكون به وذاهبون إلي بيت العمدة ‪....‬وكم من‬
‫الطفال والصبية قالوا‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫‪-‬نو ‪ ..‬نو ‪.‬‬

‫إن ضرب حمدى زهران جلب عليه كثيرًا من الصعوبات التي لم يكن يتوقعها ‪...‬وجعل‬
‫الناس يتناولون الحكاية بينهم ‪ ..‬وهل كان يصح أن يتزوج حمدي زهران من هذه‬
‫الجاهلة ؟!!‪ ..‬وهل الحلقة تدر هذا الربح ليصبح عنده عشرون فداناً؟!!!‪ ..‬مع أنهم كانوا‬
‫يعطفون عليه ‪.‬‬

‫كان حمدي زهران عندما يذكر زوجته يتململ ‪..‬وتحس أنه يتكلم عن شخص‬
‫غريب ‪ ..‬مع أنه مِن أول مَن يعرفون ماذا تعني كلمة زوجة ‪ ..‬؛ فالزوجة هي الحبيبة‬
‫والعشيقة والملذ والتزاوج والتداخل ‪ , ..‬هل تداخل حمدي معها ‪ ..‬أم أنها كانت مجرد شيء‬
‫أثبت خطأه فيما بعد‪ ..‬فما كان ينبغي أن يُطلق عليه زواج بالمعني المتعارف عليه لذلك ‪....‬‬
‫ل يذكرها كثيراً عندما يحكي ‪ ...‬ربما يحاول إسقاط تهمة الزواج عن نفسه عمداً ؛ لنه‬
‫دخل في شرنقة‪ ..‬ولم يكن يتصور أن المور ستصل إلي هذا الحد ‪ , ..‬وهذا ما حاول‬
‫العمدة أن يوضحه( للقطة) عندما حاول أن ينتزع منه الفدان عندما قال له ‪:‬‬

‫‪ -‬الولد ده برقبتك ‪ ..‬وما كان ينبغي عليك أيها (القطة ) أن يكون هذا الولد هدفًا لك‪ ...‬نبت‬
‫بلدنا الصالح الذي يجب أن نفتخر به ‪ ....‬تخيل أن هذا الولد كان ابني وفعلت به ذلك ‪..‬‬
‫أقسم لك أنه ما كانت تكفيني رقبتك أنت والحيزبون زوجتك ‪ ..‬ول ابنك الهارب إلي القاهرة‬
‫ول حتي ابنك المُقعد الذي ل تجد له علجاً ‪.‬‬

‫فهذا الهارب لم يطق سماع النونوة‪ ...‬ففر هاربًا والبعض يقول أنه يعمل كوافير ‪...‬‬
‫والبعض الخر يقول أن المخدرات قد أهلكته ‪ ...‬وربما هذا ما جعل القطة وزوجته يكنون‬
‫عداءً ل حدود له لحمدي ؛ الذي تفوق في دراسته دون سند أو رعاية تذكر‪ ..‬فقد مات أبوه‬
‫وهو علي مشارف دخوله الجامعة ‪ ..‬ففقد المان والحماية وتفرق الخوة ‪ ..‬ولنه كان‬
‫أصغرهم فقد تولي تربية نفسه دون مساعدة من أحد ‪ ..‬وفتح له صدام حسين التكريتي‬
‫العراق علي مصراعيها‪ ( ...‬انهل منها يا بن زهران ‪ ,‬تستطيع أن تواصل التعليم دون‬
‫معاناة ) ‪ ..‬يذهب إلي العراق في الصيف ‪ ..‬وفي الشتاء يذهب إلي الجامعة في المنصورة ‪.‬‬

‫لقد فكر حمدي كثيرًا أن يُطلق علي ابنه اسم صدام كما فعل الكثيرون ممن ذهبوا‬
‫إلي العراق في هذه الفترة ‪ ..‬كان حمدي في خاطرالقطة وزوجته دائما ‪ ..‬إن هذا الولد الذي‬
‫ظهر كالنبت الشيطاني ( وهذا تصورهم عنه ) ‪ ..‬قد التزم ونجح ‪ ..‬والبلدة تنظر إليه‬
‫باحترام ‪ ,‬وهم أصحاب الطيان ل وجود ول قيمة لهما ول لولدهما ‪ ..‬كانوا يحاولون‬
‫جرجرة حمدي إلي مهلكة يعيشون فيها يوميا ويوصمون فيها بالعار ول يكونون في الساحة‬
‫وحدهم ‪ ..‬وآه لو عرفوا أن حمدي كان ذاهبًا لتحرير الكويت لكانوا رقصوا أكثر مما فعلوا‬
‫في صبيحة هذا اليوم ‪ ..‬لكنهم لم يعرفوا ‪ ..‬ويبدو أنه لن يذهب‪ ..‬ولن تقوم له قائمة هذه‬
‫المرة ‪ ..‬لم يكن يظن حمدي أن هناك بشر يفكرون بهذه العقلية ‪ ..‬وإن كان قد بدأ يشك في‬

‫‪27‬‬
‫سوء نواياهم الخبيثة ‪ ..‬لم يكن يعرف حمدي كيد النساء ‪ ..‬فكيف يكتسبها حمدي ؟! إذا‬
‫كان قد قضي حياته بين توفير لقمة عيشه وتعليمه ‪ ..‬ول يعرف من الصدقاء إل من علي‬
‫شاكلته ‪ ..‬فكانت أحاديثهم في حدود ضيقة ليعرفون عن الحياة إل القليل ‪.‬‬

‫كانت المساومات لزالت جارية بين العمدة والقطة ‪..‬ما بين إغمائه وبين سب‬
‫وترهيب من العمدة‪ ..‬ومرة تقبيل أياد ل تنفع ول تضر مع رجل محنك ومدرب لعلي‬
‫مستوي مثل العمدة ‪ ...‬فل يوجد في البلدة من يعرف( القطة) مثله ‪:‬‬

‫‪ -‬اتركني بعض الوقت لفكر الموضوع ليس سهل ‪.‬‬

‫‪ -‬لن أتركك تفكر‪ ..‬أنا عارف أنك تود أن تستشير الحيزبون وإل أمسكتك من أذنك حتي‬
‫تقطعها في يدها إذا تصرفت من رأسك ‪..‬‬

‫امتل وجهه غضباً‪ ..‬ولم يستطع أن يُخرج كلمة من فيه‪ ..‬فمن سيتكلم إليه ؟‪ ..‬العمدة ؟‬
‫ويعرف ماذا يعني العمدة ؟‬

‫وقال له العمدة ‪:‬‬

‫‪-‬أخرج ما تريد من الكلمات وأنت ستدفع أكثر من هذا ‪.‬‬

‫لم يرسل أحدا من الخفر إلي زوجة القطة ‪ ..‬لكنه نادي " قشقوش" فرد عليه مسرعاً‪..‬‬
‫لنه كان يقف خلف النافذة ‪ ..‬فسبه العمدة‪:‬‬

‫‪-‬أتقف خلف النافذة ؟ ‪ ..‬أعرف أنك تتنمر‪ ..‬فأنت ل تخرج أبداً من المولد بل‬
‫حمص ‪ ...‬اذهب إلي زوجة القطة وقل لها العمدة يريدك ‪.‬‬

‫أرسله لنه يعرف أن" قشقوش" سيوصل لها الرسالة التي يريدها العمدة وأكثر ‪.‬‬

‫القط ‪ ...‬لم يكن هذا السم ينطق بالتذكير‪ ..‬لكنه كان ينطق تأنيثاً فل تجد مرة واحدة‬
‫أحدًا يقول له‪( :‬يا قط ) ‪...‬فلو قيلت له فمعني هذا أنه ذكر‪ ..‬كمن يقول‪ :‬يا نمر ‪ ،‬أو يا‬
‫أسد ‪ ..‬لكن يختلف المعني إذا قيل له‪ :‬يا لبوءة ‪ ..‬فالناس يقصدون بالقطة الخنوع‪..‬‬
‫ووقوفه في مرحلة بين الذكورة والنوثة ‪ ...‬لكنهم كانوا يقولونها دون أن يدركوا هذا المعني‬
‫وإن كانوا يحسونه ‪....‬‬

‫جاءت المرأة مولولة‪ ..‬يمتلىء صوتها بالبكاء لتقول للعمدة‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫‪-‬أرأيت الولد ابن زهران ‪ ...‬كان يريد أن يقتل زوجي‪ ....‬هل هذا يرضيك يا‬
‫حضرة العمدة ؟ ‪.‬‬

‫ضحك العمدة وقال ‪:‬‬

‫‪-‬يا امرأة يابنت الزواني ‪ ...‬أنا عاجنكم وخابزكم ‪.‬‬

‫لقد عرفت من" قشقوش" بعد ما ناولته عشرة جنيهات ما ينوي عليه العمدة ‪ (,‬وما‬
‫ينوي عليه العمدة يفعله)‪,‬‬

‫حاولت أن تعمل " شوية " عليه‪( ..‬لكن علي من ؟!!!)‪ ...‬كل البلد تعرف من هو أبو‬
‫جبل حتي قبل أن يصبح عمدة؛ فلما لم ينطل عليه ما فعلته‪ ...‬جلست وكأنها لم تكن‬
‫تصرخ وتلطم وجهها وقالت له ‪:‬‬

‫‪-‬ومالعمل إذن ياحضرة العمدة ؟ !‪.‬‬

‫قال لها ‪:‬هكذا يكون الحديث ‪.‬‬

‫‪ ....‬لم يولد وفي فمه ملعقة ذهب ‪ ...‬لقد ولد علي أطراف القرية هارباً وراعباً كل‬
‫من يصل إلي أطرافها‪ ..‬حتي الحكومة تخاف الوصول إليه‪ ...‬لم تكن العلقة بين العمدة‬
‫وحمدي زهران علقة وطيدة ‪ ،‬أو حتي سيئة ‪ ..‬بالكاد كان يعرف سيرته ‪ ..‬وأهله الذين‬
‫انقرض معظمهم ‪ ..‬وأنهم كانوا بصحة جيدة ‪ ..‬لكنهم كانوا يموتون في منتصف العمر‪..‬‬
‫ولم يكن العمدة له سيطرة عليهم أو سلطة ‪ ..‬ولم يكونوا يعطونه الحترام ‪ ..‬أو يصنعون‬
‫معه أية علقة‪ ..‬وحتي حمدي زهران لم يكن يحمل أي نوع من الحترام أو الرهبة التي‬
‫تجعله ينصاع لكلم العمدة‪ ..‬وفي حقيقة المر فإن العمدة كان يتصور أن الناس في هذا‬
‫البلد نعاج ‪ ...‬ولم يولد في هذه البلدة بعد من يقول له ل ‪ . ..‬وإن كان يتمني أن يكون له ولد‬
‫مثل حمدي زهران ‪ ..‬كان لدي العمدة عقود جاهزة للبيع والتنازل واليجار للظروف التي‬
‫قد تحدث ‪ ...‬وها هي قد حدثت وقد جاء وقتها ‪ ..‬أخرج أوراق البيع ‪ ...‬وأغمي علي المرأة‬
‫كما أغمي علي زوجها ‪ ...‬لكنها في نهاية المر أفاقت‪ ..‬ولم يتطرق الحديث إلى غير‬
‫موضوع بيع الفدان ‪ ....‬قالت له الحيزبون‪:‬‬

‫‪-‬لماذا ل نجعله نصف فدان ؟‬

‫لم يرد عليها العمدة ‪ ،‬ولم يعرها أى اهتمام ‪.‬‬

‫‪-‬نجعله ثلثة أرباع فدان ؟‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫قال لها‪:‬‬

‫‪-‬فلنجعله فدانين‪.‬‬

‫قالت له‪:‬‬

‫‪-‬فليكن فداناً‬

‫وقامت بالتوقيع هي و( القطة) ‪ ..‬قال لهم العمدة ‪:‬‬

‫‪ -‬عندي لكم مفاجأة علي هذه الشراكة الجديدة تجعلكم تحتفلون حتي الصباح ‪.‬‬

‫(‪)4‬‬

‫الرابعة عصراً‪ ...‬شمس مائلة ترسل خيوطها إلي غرفة حمدي زهران بمستشفي منية‬
‫النصر المركزي‪ ....‬حمدي زهران ممدًا علي السرير‪ ...‬طرقات المستشفي مليئة بالبشر ممن‬
‫قدموا ليطمئنوا عليه‪ ....‬ليعرف أحد إذا كان حمدي ميتاً أم أنه سيشفي ‪ .....‬ليرون إل ممرضات‬
‫المستشفي يخرجن متعجلت ويدخلن بنفس العجلة ‪ ....‬لم يصدر قرار بعد من النيابة بالتحفظ علي‬
‫محمود القطة ‪ ......‬لكن العمدة رمز المن في البلد قام بالواجب وتحفظ عليه ‪ .....‬الصمت يسود‬
‫المكان ‪ ...‬ويقف الجالسون‪ ....‬لقد دخل عليهم العمدة ومعه (محمود القطة) ‪ ....‬اكتنف الناس‬

‫‪30‬‬
‫مشاعر الغضب والحزن ‪ ........‬ملمح حزن مفتعلة ترتسم علي وجه (القطة )‪ .....‬خرج الطبيب‬
‫من غرفة حمدي ‪ .....‬سأله العمدة عن حالته فقال الحمد ل ‪ .....‬نظر إلي القطة ‪:‬‬

‫‪-‬كُتب لك عمراً جديد اً‪,‬‬

‫انتظر العمدة تحينًا للحظة ‪ ....‬لكنه وقف بعيداً عن الناس حتي ل يصطدم أحد مع القطة‬
‫‪ ...‬الشمس ترمي بنفسها في أقرب مقلب زبالة ‪(...‬عشنا ورأينا العجب)‪ ..‬القطة يضرب‬
‫بشفرة الحلقة ‪.‬‬

‫‪ ..... ...‬القوات المصرية والسورية تستعد للرحيل والعودة لبلدها ‪ ... .‬القوات المريكية‬
‫تستعد للبقاء إلي ما شاء ال ‪ ....‬جوار نفط الكويت ( حاميها حراميها ) ‪ ...‬عهد جديد بدأز‬

‫يا قوم‪ ،......‬قشقوش يقول في وجه القطة‪:‬‬

‫‪-‬نحن فى (زمن النصاص )‪(...‬القوالب نامت والنصاص قامت )‪.‬‬

‫غمغم القطة ورد عليه‪:‬‬

‫‪-‬من النصاص؟ يا ابن الـ ‪....‬‬

‫نظر العمدة وقال له ‪:‬‬

‫‪ -‬هيـــــــــــــــه‬

‫كان يرتدي بدلة أنيقة ‪0‬وقميص فاتح عليه رباط عنق أحمر ‪ ..‬ويحمل في يده حقيبة بها‬
‫بعض الملفات ‪ ،‬وعندما دخل علي الناس قال أحد أمناء الشرطة الذين يرافقونه‪:‬‬

‫‪-‬اتفضل يا باشا‪.‬‬

‫فعرف الناس أنه وكيل النيابة ‪ ..‬ومشي خلفه العمدة ‪ ،‬ولكن الجندي أوقفة علي الباب وقال‬
‫له ‪:‬‬

‫‪-‬ممنوع الدخول ‪.‬‬

‫كان حمدي بدأ ‪ ،‬يفيق فسأله عن اسمه ‪ ،‬وعمله فقال له خريج حقوق بتقدير جيد جدا‪،‬‬
‫وسأله‪-:‬‬

‫‪31‬‬
‫‪-‬ما الذي فعل بك هذا ؟‪-‬‬

‫‪-‬ظروف‬

‫ذُهل حمدي من الصوات ‪ ..‬وحاول أن يتذكر ماحدث‪ ..‬وهل كان من الممكن أن يكون‬
‫ميتًا ‪ ..‬وإذا كان قد مات‪ .‬فهل كان يجب أن يموت علي يد قطة؟ ‪ . ..‬أحس ببشاعة ما‬
‫حدث وفداحته ‪ ،‬وماذا سيقول للناس؟ !! ‪ ..‬بماذا يبرر أنه ضُرب ‪ ..‬وهل الناس سيشفعون‬
‫له هذا الموقف الذليل؟‪. ..‬‬

‫حمدي زهران الول علي ثانوية منية النصر‪ ،‬والحاصل علي تقدير جيد جدًا والذي من‬
‫المحتمل أن يصبح وكيل نيابة( وا أسفــــــــــاه) ‪.‬‬

‫ل يمكن لشيء أن يُصلح ما تم كسره‪ ..‬ول يمكن أن يخفف من وقع الهزيمة التي لحقت به‪.‬‬

‫صمت مطبق طويل ‪ ,‬لم يعد يرد علي وكيل النيابة ‪ ....‬ماذا سيقول؟ ليستطيع أن ينطقها؟‬
‫‪ ..‬ولن يقول أن هناك كائناً من كان فعل به هذا‪ ...‬إنه شيء محير ‪...‬‬

‫قال له وكيل النيابة‪:‬‬

‫‪-‬يا أستاذ حمدي لبد أن تقول لي ما حدث ‪ .‬أعرف ما حدث ‪..‬ولكن لبد أن تقوله‬
‫أنت‪..‬‬

‫قال له حمدي‪:‬‬

‫‪ -‬مستحيل ولن أنطقها ‪ ،‬وحتي إن كنت تعرف‪ ...‬فل تكتبها‪ ...‬ليس هناك من ضربني‬

‫‪-‬كيف تضيع حقك ؟!!‪.‬‬

‫‪ -‬حقي ! وأي حق ؟ وما الذي سآخذه ؟ ‪..‬ومن الذي سيرد لي اعتباري ؟ إن ما‬
‫حدث مهين فعلً‪.‬‬

‫‪ ....‬أين ذلك البريق الذي كان يتمتع به ؟‪ ..‬وأين الوهج ؟‪ ..‬كان يمتلك شيئا غالي الثمن‬
‫وسرقه أحدهم أو ضاع منه ‪...‬‬

‫حاول وكيل النيابة أن ينتزع منه أي كلمة يكتبها ولكن لم يحدث‪...‬‬

‫‪32‬‬
‫القوات المصرية تتبضع من السواق السعودية بالدولر المريكي تمهيداً للعودة " ‪...‬ثم‬
‫أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون "‪ ...‬لقد انتهي دور العساكر ‪ ...‬وبدأ دور الرؤساء‬
‫والملوك ووزرائهم ‪ ...‬لينتهي دور الشطرنج الممتد علي مساحة الوطن كله ‪... .‬الشيئ الذي‬
‫ل يفهمه العقل بعد التمحيص والتقليب‪ . ...‬ويأتي السؤال طارحاُ نفسه‪-:‬‬

‫‪ -‬نحن نعرف لماذا ذهبت القوات المصرية؟‪ ..‬ولكن لماذا ذهبت القوات السورية؟‬
‫(موقف غير مبرر) ولو سُئل السؤال مليون مرة فل جواب ‪ .‬والموقف السعودي نعرفه‬
‫تماما ‪ ,‬الكويت بلد محتل ‪.‬‬

‫قال له‪:‬‬

‫‪ -‬لبد أن تتكلم ‪...‬لست جاهلً‪ ..‬يا أستاذ حمدي ‪...‬أنت من سيحق الحق ‪ ,‬لم يجد وكيل‬
‫النيابة بدًا من إغلق المحضر ‪.‬‬

‫عندما دخل العمدة ساحبًا ( القطة) في يده كتلميذ ذهب به أبوه إلي المدرسة‪ ..‬أغتم‬
‫وجه حمدي‪ ..‬وأشاح بوجهه ناحية الحائط والغضب والغيظ يملن وجهه ‪...‬‬

‫عرف العمدة من وكيل النيابة أن حمدي لم يتهم أحداً‪ ..‬فكان مدخل الحديث إليه ‪:‬‬

‫‪-‬أرأيت يا قطة يا نذل‪ ...‬أرأيت ابن الناس الصيل ‪ ...‬لم يقبل أن يُدخلك السجن‬
‫‪.‬؟‬

‫أخذ القطة يبكي ‪ ،‬ويحاول تقبيل حمدي ‪ ...‬لكن حمدي دفعه بعيداً عنه ‪.. ..‬فغمز له‬
‫العمدة بطرف عينه ‪ ..‬فوضع القطة يده في جيبه‪ ..‬وأخرج لفافة‪ ..‬وحاول إعطائها لحمدي‬
‫‪ ..‬لكن حمدي قذف بها بعيداً‪ " ...‬وشروه بثمن بخس دراهم معدودات " ‪..‬‬

‫هل حمدي ممن يقبضون ثمن دمائهم ؟! ‪ ..‬وممن ؟ ! من القطة ؟ !‪ ...‬صمت رهيب‬
‫حزين‪ ...‬ماذا يقول له ؟‪ ...‬وإذا قال‪ ...‬هل هذا يعيده إلي سابق عهده‪ , ...‬دخلت‬
‫الحيزبون تصرخ دامعة ‪ ...‬وحاولت تقبيله هي الخري ‪ ...‬لكنه هذه المرة‪ ...‬لم يسكت بل‬
‫سبها قائلً‪:‬‬

‫‪-‬يا امرأة يا بنت الـ ‪....‬‬

‫بكت أكثر ‪،‬وقالت له ‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫‪-‬أنا مسامحاك‪ ..‬أنت زى ابني ‪.‬‬

‫قال لها‪:‬‬

‫‪-‬أنا لست ابنك‪ ..‬وإذا عشت مئة سنة أخري لن تنجبي مثلي‪....‬‬

‫قال له العمدة‪:‬‬

‫‪-‬احترم حضوري ‪.‬‬

‫لم يرد ولسان حاله يقول‪:‬‬

‫‪ -‬لست أنت من يجب أن أحترمه ‪ ...‬ولو كانت هناك انتخابات للعمدية كنت آخر واحد‬
‫سأختاره (عيد بأي حال عدت يا عيد) ‪ ...‬ومن الذي جعلك عمدة ‪..‬ويكررها في نفسه ‪.‬‬

‫ق أي تعليم‪ ...‬وها هو أمام بيت أبيه يجري‬ ‫عجيب أمر هذا البلد ‪ ...‬ابن العمدة لم يتل َ‬
‫خلف الطفال ‪ ...‬ويصور المارة بآلة التصوير التناسلية وتجد من يتودد إليه ويقول له‪:‬‬

‫‪-‬يا أستاذ حمادة ‪.‬‬

‫(أسموه حمادة دلل ما بعده دلل)!! ‪.‬‬

‫أستاذ حماده‪ ...‬والعمدة أبو جبل يملكون البلدة من أدناها إلي أقصاها‪ . ...‬إن حال‬
‫حمدي زهران ل يسر عدو ول حبيب ‪ ....‬نومته هذه وانكساره‪ ....‬وهو من كانت ستذهب‬
‫إليه العيون عندما يذهب إلي الكويت ليحررها ‪ ....‬وترمقه أيضا وهو عائد بالبضائع من‬
‫السوق السعودية ‪ ...‬أو عندما يعين في النيابة ‪ ...‬ها هو أصبح ممدداً‪ ،‬وليس مأمولً فيه أن‬
‫تقوم له قائمة ‪.‬‬

‫اكتظت الغرفة بالبشر ‪ ....‬أخذوا يقبلونه ول يتكلمون ‪ ......‬هو لم يتكلم أيضا ‪ ...‬بل‬
‫كان ينظر مستغربًا وهم أيضاً‪.‬‬

‫ثلثة أيام قضاها شارد الذهن مذهولً‪ ..‬ل يعرف أين الفرار؟ ‪ ...‬فكر في الفرار‬
‫‪ ...‬ولكن إلي أين ؟ ‪ ...‬وهل هناك من يفر من بلده سوي شعب الكويت الذي تركها وفر إلي‬
‫البلد المجاورة ؟!!!!‪ ...‬؛ ليأتي العم سام المنقذ ‪.‬‬

‫وفي أول اختبار‪ ...‬وماذا يهم سأفر من بلدي إلي بلدي وليكن الفرار في حد ذاته‬
‫أزمة وضياع حتي بغداد يبدو أنها قفلت بالضبة والمفتاح ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫(‪)5‬‬

‫كانت الشمس غاطسة في أعماق الليل‪ ..‬في تلك الليلة المشئومة ‪ ..‬في الوقت الذي كان‬
‫حمدي ينعي نفسه علي أحد السرة في مستشفي منية النصر المركزي‪ ....‬ويقلب المور‬
‫في رأسه ‪ ..‬ماذا حدث ‪ ..‬وما الذي سيخرجه من هذه الزمة التي لم تكن تخطر له علي‬
‫بال‪ , ...‬حمدي يمشي علي الصراط المستقيم ‪ ...‬ل يلتفت يميناًول يساراً‪ ...‬حتي تمر هذه‬
‫‪35‬‬
‫اليام الصعبة ‪ ..‬ويتم تعيينه وكيلً للنيابة ‪ ..‬لكن هذا الموقف زلزل أقدامه وجعله يبدو‬
‫كالتائه ‪ ..‬الذي لم يعش ‪..‬ولن يعيش في هذا العالم ‪ ..‬توقفت الحياة بالنسبة له عند هذا الحد ‪.‬‬

‫ربما عرف القطة بالفعلة الشنعاء التي فعلتها وأخرجتُ عضوي في الظلم رافضاُ ‪..‬‬
‫ما حدث ويود أن يعطيني درساُ في الخلق ‪( ..‬وإيه يعني‪ ..‬ابن العمدة يخرج عضوه لكل‬
‫من هب ودب ويضحكون وينامون من الضحك فلماذا أعاقب علي فعل لم يره أحد ؟)‪..‬‬
‫ومن الذي سيقول له ما فعلت ؟‪ ..‬البلدة كلها كانت نائمة ‪ ..‬و" قشقوش" كان موجوداً عند‬
‫العمدة يعد الجوزة وحجارة الحشيش ‪ ,‬وإذا كنتُ قد فعلتُ يجب أن يفرح ويفتخر أنني أفعل‬
‫ما يفعله ابن العمدة يومياُ‪ ..‬وفي أي وقت يريد‪...‬‬

‫في هذه الحظات الفاصلة المزلزلة وقف القطة عاريًا في الغرفة !‪ ...‬بعد أن نفض‬
‫ل من الملبس‪ ...‬عاريًا كما ولدته أمه‪ ...‬صغيرا حقيرا ‪..‬بطنه عال بعض‬ ‫عنه كماً هائ ً‬
‫الشيء‪ ...‬وله عضو ذكري أصغر من لشيء‪ ..‬قد لتتبينه ‪ ,‬كان ضاحكًا منتصراً‪..‬‬
‫وكانت الدماء تكاد تنفجر من وجهه‪...‬‬

‫ل أدري لم اكتفت القوات المريكية والقوات العربية المتعلقة بذيلها بعدم الدخول‬
‫إلي بغداد ‪ ,‬كان من الممكن أن يتم ذلك بسهولة ‪...‬لكنهم توقفوا عند هذا الحد ‪ ...‬ربما‬
‫ليستطيعوا جمع الغنائم وإحصائها وأخذ السبايا‪ ....‬أمريكا قامت علي أكتاف العبيد (يامن ل‬
‫تعرفون التاريخ)! !‪.‬‬

‫‪ -‬انتقل إلي رحمة ال تعالي المرحوم حمدي زهران!‪ ...‬إنا ل وإنا إليه راجعون‪...‬‬
‫هكذا كان يقول لنفسه ل حل ول علج ‪.‬‬

‫‪ ..‬غريب أمر هذا البلد‪ ...‬الصحيح المعافي ينام في السرير‪ ...‬والعليل الحقير يقف وسط‬
‫الغرفة محاولً استنهاض عضوه بالمرهم الذي ناوله العمدة إياه؛ ليقضي ليلة موعودة مع‬
‫ذات الحزام الملفوف علي البطن حتي لتخرج المعاء منها ‪ ...‬كان المرهم الذي أعطاه‬
‫العمدة للقطة بإيحاء من قشقوش يكفي بلدة بأكملها ‪..‬وقد أعطاه إياه بعد التوقيع علي الفدان ‪.‬‬

‫أمسك بقطعة كبيرة في يده ‪...‬وهو يضحك والحيزبون مستلقيةعلي السرير تنظر إليه‬
‫في تعجب ‪...‬هو يدلك العضو بالمرهم وأخذ يدعك دون فائدة فتقول له ‪:‬‬

‫‪-‬يا خيبة أملي حظنا هباب ‪ (,‬ليست للحسابين بل للموعودين)! ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫حاول أن يستجمع كل قواه ‪،‬وبدأ لون وجهه يتغير للسود ‪،‬وتدلت شفتاه وهي تقول‪:‬‬

‫‪ .. -‬ياابن الكلب لو عملت إيه ماهو نافع ‪ (.‬يفهمان بعضهما جيدا )!‪.‬‬

‫أطفأوا شمعة لينيروا شمعتهم التي لن تُضاء ‪...,‬ولم يتركوا الحياة تسري كما شاء لها ال‬
‫‪.‬‬

‫كانت هذه هي المفاجأة التي وعده بها العمدة ‪..‬وكأن العمدة لديه قائمة بأسماء الذين‬
‫يتناكحون‪ ..‬والذين ل يتناكحون‪ ..‬إنه يملك أحسن عين‪ ..‬وهو "قشقوش"‬

‫إن هذا العمدة يمسك بتلبيب البلدة‪ ...‬ول يستطيع أحد أن يقضي حاجته دون أن‬
‫يعرف‪ ..‬عنده لكل داء دواء‪ ...‬ولكل سليم داء ‪..‬هكذا يجب أن تسير المور في البلدة‪..‬‬
‫وإل فلت زمامها من يده ‪ ..‬كما ينصحة الناصح المين" قشوش" ‪.‬‬

‫احمر العضو وتفلطح ‪...‬ضحك بعد أن كان وجهه مسوداً ‪ ..‬النتائج الولية تثبت نجاحه‬
‫بنسبة ‪( %99.9‬كالنتخابات التي يجريها الحكام لنفسهم)‪ ...‬والقطة ليعرف مدلول هذا‬
‫الرقم ‪ ..‬لكن العملية تبدو أنها تنجح أكثر مما كان يظن ‪.‬‬

‫منذ زمن لم تحدث له هذه النتعاشة وهو ليدري كم تساوي ؟‪ ...‬يكفي أن النسان‬
‫يحس بأنه ذكر حقيقي ‪....‬لكن ما لبث أن تحول وجهه مرة أخري للعبوس‪ ...‬لقد تفلطح‬
‫العضو وأصبح حجمه أكبر من المعتاد واحمر أكثر وأكثر وارتفعت درجة حرارته وأخذ‬
‫يحكه ويحك جسمه كله‪ ....‬الخطأ الذي ارتكبه أنه ليدري أن الناء ل ينزح إل بما فيه ‪...‬‬
‫وإناؤه فارغ خاو ‪.‬‬

‫كانت الحمارة الحزينة الوحيدة تقف متألمة ‪,‬أقسم " قشقوش " أنه سيُطلق علي‬
‫الجحش اسم( صدام ) ؛ فهو كان يتمني أن يُسمي ولده صدام ‪...‬لكنه لم ينجب ‪ ...‬ضربه‬
‫العمدة بطرف عصاه‪ ..‬وقال له‪:‬‬

‫‪-‬سياسي يا لجىء ‪.‬‬

‫دائما يكون ناتج لقاء الحصان بالحمارة بغل بين الحصان والحمار ‪..‬لكن الذي أخرجه‬
‫"قشقوش" عجيب الشكل‪ ...‬حتي عندما رآه العمدة ‪ ..‬سب" قشقوش" وقال له‪:‬‬

‫‪-‬إلق به بعيداً‪ ،‬هو والحمارة التي تشبهك ياجلب المصائب ‪.‬‬

‫ضحك قشقوش واحتضنه كأنه طفله‪ ...‬وأخذ يقبله من فمه قائل ‪:‬‬

‫‪37‬‬
‫‪-‬نعمة‪ ..‬ليعرف أحد من أين يأتي الخير ‪.‬‬

‫قدف به العمدة خارجاً ‪ ،‬وقال قشقوش للمولود‪:‬‬

‫‪-‬هيا يا ياصدام ‪.‬‬

‫لم يكن يشبه صدام في شيء ‪ ,‬صدام صاحب بنية قوية ونظرة مرعبة وشارب كبير يقف‬
‫عليه الصقر‪ ،‬أما هذا الشيء هذيل لدرجة أن "قشقوش" حمله كأنه يحمل كلبًا صغيراً ‪.‬‬

‫قضي "قشقوش "سبع سنوات في العراق ‪ ,‬وعندما يتكلم عنه يقول أنه لم يعش غيرها ‪ ..‬لم‬
‫يكن" قشقوش" صاحب حرفة بل كان يتنقل ‪ ..‬يلتقط عيشه كما يفعل هذه اليام ‪ ..,‬فكان‬
‫يقول ‪ :‬عندما كنت أذهب إلي الردن ‪ -‬وهذا ليعني أنه رحالة ‪ -‬ولكنه كان يقضي سنتين‬
‫في العراق ‪ ..‬ويضطر لمغادرة العراق ؛ ليقوم بتغيير الدينارات بالدولرات ويستفيد من‬
‫فرق العملة في السوق السوداء‪ ..‬ثم يعود مرة أخري ليسدد ماعليه من حساب الفندق‬
‫وغيره ‪ ...‬ويبدأ من جديد في السهر والشرب والذهاب إلي " كولية " أبوغريب ‪ ...‬كان‬
‫صدام وتحسب له هذه الفعلة قد قام بنقل البغايا خارج بغداد والمدن الكبري ‪ ,‬وكان‬
‫"قشقوش" يعمل بتنظيف أجساد البغايا من الشعر الزائد في هذه الكولية ‪ ,‬فالرجل‬
‫"قشقوش" طبعا إن كان يحق لنا منحه هذه الصفة كان يحب التعامل مع الجنس الخر‪،‬‬
‫وكان أحيانا يبيع الماء البارد في شوارع بغداد عندما تشتد الحرارة‪ ،‬وتصبح الشوارع كيوم‬
‫الحشر والناس ظمأي مرهقون متعبون فل يجدون إل "قشقوش" بارز السنان مقززاً ومع‬
‫هذا يشربون الماء مقابل مئة فلس ‪ ,‬وكان إن سأله أحد عن شارع الرشيد مثل يرطن بلهجة‬

‫لهي بالمصرية ول بالعراقية ول علقة لها باللغة العربية‪:‬‬

‫‪-‬تعبرهذه الساحة‪ ،‬فتجد شارع الرشيد‪ ،‬والمقصود هنا ساحة التحرير فهي تطل‬
‫علي السعدون والرشيد من الجهة الخري والقادمون من كرادة مريم والدورة‬
‫والقادمون من الساحة المواجهة لشارع الكفاح وشارع الجمهورية ‪ ,‬والسعدون‬
‫مواز لشارع أبو نواس ومطل علي جسر ‪ 17‬تموز الذي يربطك بالضفة‬
‫الخري من النهر الذي سد في يوم ما بالكتب وعبرت عليه جيوش التتار ‪.‬‬

‫قشقوش ل يعرف من هو أبو نواس‪ ،‬ول يعرف من هو معروف الرصافي الذي بُني له‬
‫تمثال بساحة تحمل اسمه في شارع الرشيد ‪ ,‬رائحة التاريخ تعبق المكان في البلد الذي جاء‬
‫إليه "قشقوش" ؛ ليبيع الماء البارد ‪ ،‬وينظف البغايا ‪ .‬ومرة يعمل دليلً للشاحنات القادمة‬
‫من تركيا والتي تتوقف في جمرك أبو غريب ليدلها علي المدن العراقية الخري ‪ ،‬وبخاصة‬

‫‪38‬‬
‫بغداد التي يوجد بها مخزن الشالجية ‪ ,‬ليجيد اللغة التركية ولكن يعرف القليل الذي يخلطه‬
‫ببعض الكلمات من جميع اللغات أو من اختراعه ‪.‬‬

‫(قشقوش لم يكن نبتاً صالحًا بالمرة) ؛فقد ولد في مكان ما ‪ ،‬وتم زرعه في بلدنا‬
‫الموجوع ؛ ولنه يعرف من أين يؤكل الكتف ؛ولن بلدنا طيب يأوي الغريب‪ ..‬فأوت‬
‫"قشقوش"‪ ..‬وتركوه يرتع فيها وهم ينظرون إليه بتوجس ‪،‬ول يقوون علي طرده ؛لنه‬
‫أصبح سمع العمدة وبصره وذراعه ‪ ،‬فأصبح مسماراً في ظهرها أو( قل في قلبها )‪.‬‬

‫يا بلد عاشت منذ ألف السنين لِمَ أصبح ناسك ليتكلمون خائفون صامتون ! أتخافون‬
‫من "قشقوش" ؟! ‪.‬‬

‫وما "قشقوش" إل العمدة ‪،‬وهل يستطيع أحد أن يواجه العمدة؟!! (إن كلب العمدة أكبر‬
‫كلب البلدة وأقواها) ‪.‬‬

‫(القطة) صاحب وصفات لتقوية الغريزة الجنسية ‪ ،‬وحقن وخلفه ومع هذا غرر به‬
‫"قشقوش" والعمدة ليجعله مضحكة ‪ ...‬تم نقله ليل إلي مستشفي المركز لجراء فحوصات‬
‫مما أصابه ‪ ..‬فبقي عاريًا ل يضع عليه سوي ملءة خفيفة ‪،‬وفي الصباح انتشر الخبر وأخذ‬
‫الناس يضربون كفًا علي كف ‪ ..‬الرجل ابن الكلب الذي تجاوز الستين ماذا يريد ؟! (فماذا‬
‫تفعل الماشطة في الوجه العكر؟!)‪.‬‬

‫(‪)6‬‬

‫عاد حمدي زهران واقفاً‪ ..‬علي قدميه متحاملً حزينًا كسيراً‪ ...‬فلم يكن يرغب في أن‬
‫يأتي محمولً حتي ليزداد حزنه وكمده ‪ ..‬لم يكن حوله أحد ‪ ..‬ربما نظر إليه الناس بعين‬
‫الشفقة ولسان حالهم يقول ‪ :‬هل كان يجب أن يتزوج بنت القطة ؟!‪ ..‬هل هناك أحد يقدر‬

‫‪39‬‬
‫علي الحيزبون ‪،‬والتي ليس لها قدرة إل ال ‪ ..‬كان البيت خاليًا ولم يجد إل مصطفي الفثة‬
‫خلفه‪ ..‬وكان في عينيه هذه المرة بعض الحنان‪ ..‬يود أن يفعل شيئاً‪ ..‬ولما لم يجد شيئاً لينام‬
‫عليه حمدي‪ ..‬أحضر بعض الجرائد القديمة والكتب الجامعية وبعض الروايات القديمة‬
‫وبعض المجلت العربية الفاخرة رخيصة الثمن التي كان يواظب حمدي علي قرائتها ‪...‬‬
‫وضع " الحداد " و " وجع البعاد " و " أخبار عزبة المنيسي " و " الحرب في بر مصر"‬
‫تحت رأسه ‪ ،‬وأمامهم وضع المجلت العربية وروايات مترجمة مثل " الناس والسراطين "‬
‫و " الخوة كرامزوف " وروايات بوليسية ومغامرات كان قد قرأها من زمن وجريدة كانت‬
‫تحمل صورة وقصة لحمدي ‪ ,‬وعندما رآها حمدي ضحك وقال ‪:‬‬

‫‪ -‬كل شيء راح ولم يعد له وجود‪ ،‬ونظر إليه الفثة وسأله هل قرأت كل هذه الكتب ؟ !‬
‫ثم واصل العمل ووضع مجموعة قصصية صادرة عن دارالهلل بعنوان " منحني خطر "‬
‫وعليها صورة خيري شلبي واسمه وقصة لجمال الغيطاني بعنوان الزيني بركات وكتاب‬
‫الجراءات الجنائية والتنفيذ الجبري وأعداد كثيرة من جريدة الجمهورية المصرية وكانت‬
‫صورة سمير رجب بنظارته وافتتاحيته قد أخذت نصف الصفحة الولي وكذا صورة زميله‬
‫ابراهيم نافع وعموده في الهرام( حماكم ال ورعاكم) لهذه المة الحزينة وتقولون ما يحلو‬
‫لكم وألقي بحقيبته العسكرية بملبسها المتسخة تحت رأسه وقال له ‪ :‬نم يابطل ! أو هذا ماذا‬
‫ظننت أن قاله من خلل فثفثته ‪.‬‬

‫تم ضرب بغداد بل رحمة‬

‫جاء جمال شطه ‪ ،‬وصبري الدمنهوري ‪ ،‬ومعه بعض أوعية الطعام ‪،‬وترمس الشاي‬
‫ودخل وصوته يجلجل في المكان‪.‬‬

‫وقال ‪:‬‬

‫‪-‬القطة يابن زهران ؟!‪ ..‬ماذا لو كان أسداً ؟!‬

‫‪ ..‬وأخذ يقبلني بحنان ووهو يخفي دموعه وقال ‪:‬‬

‫‪ -‬يابن الكلب كان يجب أن تقضي عليه ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫شطه هذا ليس اسمه‪ ،‬ولكنه لُقِب بهذا السم في الملعب تشبها بلعب الكرة السوداني‬
‫الذي كان يلعب وقتها للنادي الهلي‪ ،‬فالتصق به السم حتي بعد أن انقطع عن الملعب ‪.‬‬
‫وكان هذا السم ليعجب أمه فتقول له شطه ياجمال ؟! يا فضيحتنا‪ ..‬فيضحك ويقول لها ‪:‬‬

‫‪-‬أنت لتفهمي ماذا يعني شطه ‪ ..‬يعني أشعل المباراة ‪.‬‬

‫فتضحك وتقول ‪:‬‬

‫‪-‬ولعها ولعها ‪.‬‬

‫كان جمال يسبق حمدي بثلث سنوات ‪ ،‬ولكن كانت تربطهما علقة وطيدة ‪ ..‬سهرا معاً‬
‫وضحكا معًا وبكيا معاً ليال طويلة وحلما في الهواء معاً ‪.‬‬

‫لم يجد حمدي زهران من يهتم به لقامة إنسان قادر علي مواجهة الحياة و تحدياتها رغم‬
‫أنه كان يتصور أنه ليس في حاجة لهتمام أحد فهو قادر علي ذلك ‪ ,‬وربما أيقن فيما بعد أن‬
‫هذا الهتمام بنفسه لم يكن كافياً للمحافظة علي وجوده ويري أن مجرد حمل جمال شطه‬
‫هذه الوعية التي احتوت ديك البرابر الذي أمسكه من علي سطح بيتهم لمسة تستحق التقدير‬
‫‪ ,‬فعندما سمعت أمه صوت الديك الخير سألته عما يفعل وعرفت بما حدث قالت ‪:‬‬

‫‪-‬يا خسارة عليك ياحمدي وقعت في أسوأ المزابل أعطيه الديك وسوف أجعل"‬
‫قشقوش" يحضر لنا غيره ‪ ,‬فقال‪:‬‬

‫‪ -‬لها يحرق قشقوش وأم قشقوش ‪.‬‬

‫تجاوزت أمه الثمانين من عمرها ‪ ,‬أنجبت أربع بنات تزوجوا وأنجبوا ‪ ..‬وولد واحد هو‬
‫جمال وقد جاء في وقت متأخر‪.‬‬

‫تتقاضي سبعين جنيها " معاش السادات " ويجلسان معا يقسمان هذا المبلغ الصغير إلي‬
‫قطع صغيرة حتي تمر اليام العصيبة ‪ ..‬كان يأخذ منهم النصيب الكبر لمصاريف الجامعة‬
‫فقد كان يدرس في كلية اللغة العربية ‪.‬‬

‫سُر حمدي كثيراً بما فعله شطه رغم أنه لم يكن به رغبة في الطعام ‪..‬وإن كان يعرف‬
‫ماذا يمثل هذا الديك بالنسبة لشطه وأمه ‪ ...‬أو بالنسبة للبرابر‪ " ..‬ويؤثرون علي أنفسهم‬
‫ولو كان بهم خصاصة " ‪.‬‬

‫إن جمال شطه بائس مايل الحياة ومايلته‪ ..‬ولوكشفت جلبابه الذي يلبسه لوجدت ملبسه‬
‫الداخلية قد بليت‪ ..‬ولم يعد فيها جزءً يمسك بالخر‪ ..‬ومع ذلك يضحك ضحكاً يشبه البكاء‬

‫‪41‬‬
‫ويلقي بالنكات الساخرة المميتة ‪ ..‬فكله كرب ونكد‪ ..‬ومع ذلك فهو طيب صاف القلب ‪..‬‬
‫ومع هذا كان قد تعود أن يرفع طرف جلبابه وهويتمشي‪ ..‬أحيانا يتذكر أن ملبسه الداخلية‬
‫ممزقة ‪ ..‬فيرخي جلبابه وأحيانا ينسي فيظهر منه ما ليجب ظهوره ‪ ..‬كان دائمًا يتذكر أن‬
‫أمه أكبر امرأة في القرية وأكثر امرأة جاعت ول يقول ذلك إل للخاصة ‪.‬‬

‫تناول الثلثة الطعام ‪ ,‬كان حمدي يعتبر أن ما يأكله طعام أموات ‪ ..‬وما كان يجب أن‬
‫يأكل ديك أم جمال‪ ..‬حتي لو كانت هناك ظروف أصعب من هذه ‪ ..‬لكن هيهات‪ ..‬ما حدث‬
‫قد حدث ‪ ..‬ربما كان سيشحذ نفسه لديك مثل هذا لوكان في ظروف أخري وديك آخر ؛ فلم‬
‫يتلذذ من هذا الديك للصراع الذي داربداخله وكأنه يحاول أن يُجرم نفسه ‪ ،‬وهل كان يجب‬
‫أن يأكل أو ليأكل ‪ ,‬وكان جمال يدري بما يدور بداخل حمدي‪ ..‬كان يود أن يحضر له ما‬
‫هو أفضل لوكان في ظروف أفضل‪ .‬كان يود أن ياتي له بأطيب الطعمة وأشهاها ويضعها‬
‫في فمه عنوة ‪ ..‬ول يتردد ‪ ..‬ليخجل حمدي من أنه يأكل طعامنا لو كان هناك بسطة من‬
‫العيش لختلف المر ‪.‬‬

‫لقد تمازج حمدي بشطة علي مر اليام‪ ..‬وتكونت بينهما صداقة متينة حتي أصبح كل‬
‫منهما يتمني للخر أن يخرج من كبوته قبل نفسه ‪ , ..‬ولكن ماذا يفعل ‪ ..‬ها هو شطه قد‬
‫تمزقت ملبسه‪ ..‬وها هو حمدي قد تمزق صدره‪ ..‬ممن ؟ !‪ ..‬من القطة؟!‪ ..‬ربما حاول‬
‫شطة أن يقول لحمدي ما يجب فعله مع القطة ‪ ..‬وما كان يجب أن يمر هذا الحدث مرور‬
‫الكرام ‪ ..‬لكن الظروف غير ملئمة ؛ لن هذا القطة ماكان ليفعل هذه الفعلة لو كان في‬
‫مواجهة شخص آخر‪ ..‬ولكن كيف تجرأ حتي علي حمدي‪ ..‬فهو ليس بالشخص الضعيف‪.‬‬
‫أم أن القطة قد عمل له دراسة نفسية؟ ! ‪ ..‬وهل القطة يعرف ما الدراسة النفسية؟ ! ‪..‬‬
‫وهل عرف أن حمدي سيذهل مما حدث؟ ! ‪ ..‬ولن يستطيع تقويمه وماذا يجب عليه فعله‬
‫وهل يمسك بالقطة ويدوس علي رأسه ‪.‬‬

‫أصبحت الوليات المتحدة دولة عربية بل جدال ‪ ..‬لكنها لتتحدث العربية‪ ..‬ارتفع العلم‬
‫المريكي في مياه الخليج العربي‪ ...‬غاب شطه وقت قليل عن حمدي ثم جاء وهو يحمل‬
‫سريراً خشبيًا ‪ ..‬لم يكن إل سريراً واحداً ينام عليه ‪ ..‬في هذه اللحظة قفز حمدي من رقدته‬
‫وحاول أن يثني جمال عن هذا وقال له ‪:‬‬

‫‪ -‬أنا ل أحتاج إلي سرير‪ ..‬ستنتهي أجازتي اليوم وسأسافر غدًا ‪ ..‬أنتَ من في حاجة‬
‫إليه لم يرد عليه‪ ..‬وواصل ادخال السرير و قال له ‪:‬‬

‫‪ -‬أنا الذي لست في حاجة إلي السرير؛ فأنا ل أفعل شيئًا لكي أنام ‪ ..‬صُنع السرير لمن‬
‫يعمل في النهار ويأتي متعباً فينام ‪..‬‬

‫يعرف حمدي أنه ليس لجمال شطه إل هذا السرير وهذا الفراش كان يحملهما معا‬
‫وهو ذاهب إلي دراسته الجامعية في المنصورة ‪ ..‬ثم يأتي به في الصيف ‪ ..‬أي أن جمال قد‬
‫‪42‬‬
‫أتعب السرير ذهاباً وإياباً‪ ..‬وهو يحاول أن يستغني عنه‪ ..‬أنا الذي لست في حاجة إليه‪،‬‬
‫وعلي ماذا سينام هذا الكئيب الحزين‪ ..‬ربما يحاول أن يُكفر عن عدم زيارته لي في‬
‫ت ؟‪ ..‬كثيراً ما يحزنني ‪ ،‬ويحرجني ويفعل أفعالً‬
‫المستشفي‪ ..‬وهل أنا سألته لماذا لم يأ ِ‬
‫تثبت لى إلي أي معدن أصيل ينتمي ‪ ..‬بعد أن أتمَ تجهيز السرير ‪ ..‬وضع علي الفراش‬
‫ملءة نظيفة ووسادة نظيفة‪ ..‬مال عليّ ‪ ،‬وحملني مرة واحدة ‪ ..‬ووضعني علي السرير‪..‬‬
‫‪ ..‬ضحكت ‪ ..‬فرت دمعة حزن من عيني ‪..‬ومن عينيه أيضا ‪ ..‬وتعانقنا ‪ ..‬قال لي جمال ‪:‬‬

‫‪-‬أتعرف لماذا لم آتِ إليك في المستشفي ؟ ‪ ..‬كنتُ أبحثُ عن وظيفة ‪...‬‬

‫ت عمل ؟‪.‬‬
‫‪ -‬هل وجد َ‬

‫ت ‪ ،‬وتم تعييني‪.‬‬
‫‪-‬وجد ُ‬

‫ت له ‪:‬‬
‫انفرجت أساريري وقل ُ‬

‫‪-‬الحمد ل‬

‫فقال ‪:‬‬

‫‪-‬اصبر‪ ..‬تم تعييني في يوم‪ ،‬وفصلي في نهاية نفس اليوم ‪.‬‬

‫فقلت له ‪:‬‬

‫‪-‬وجهك فقر‪ ..‬يقطع الخميرة من البيت ‪ ..‬أنا أكثر الناس معرفة بك ‪ ..‬هل تهدّم‬
‫البناء الذي كنتَ ستعمل فيه بمجرد خروجك منه ؟!‪ ..‬أم أن صاحب العمل‬
‫أعلن إفلسه ؟ أم قاموا بإلغاء التعليم بسببك ؟‬

‫‪ .....‬أحس شطه أن اليام متشابكة في بعضها ‪ ...‬كئيبة ‪ ...‬وكان عليه أن يفكر في‬
‫عمل‪ ...‬لبد أن يعمل‪ ...‬أيوجد إنسان بل عمل ؟!‪ ..‬ومن أين يأكل أو يلبس أو يتزوج ؟‬
‫إذا كان هذا وارداً في خطة حياته ‪.‬‬

‫كنت أتمشي وحيداً مؤرقًا ‪ ..‬كنت أفكرفي قول أم جمال( قلبي علي ولدى انفطر‪ ،‬وقلب‬
‫ولدى عليّ حجر) علي اعتبار أن جمال ليسمع الكلم ‪ ..‬ول يجرب أي عمل ‪ ..‬وأي عمل‬
‫يناسبني ؟!‪ ..‬وأي عمل أقدر عليه ؟!‪ ..‬وتطاوعني قواي إذا كنتُ ل أعرف إل أدوات‬
‫النصب والجر وبلغة الحديث ضيعت عمري ‪ ..‬أؤهل نفسي ‪ ..‬وأجرب نفسي في كيفية‬
‫مخاطبة التلميذ‪ ..‬ول يفلح معي غير هذا ‪ ....‬عندما تكلم صبري الدمنهوري لول مرة‬
‫منذ حضوره‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫‪-‬أنت استسلمت للراحة ‪.‬‬

‫نظر إليه جمال وأي راحة ؟ !‪ ..‬هل هناك راحة إذا كنتّ لتستطيع أن تأكل ؟ ! ‪ ..‬ما‬
‫أصعب أن تنام وبطنك فارغ‪ ..‬وتقوم وهو فارغ أيضًا ‪ ,‬ليس هذا فقط‪ ..‬وهل هناك من‬
‫يقوي علي تحمل اللم التي تحدث لك ‪ ...‬وأنت عاجز حتي عن تقديم أية معونة لحب‬
‫الناس إلي قلبك لمك ؟‪ ..‬فحتي أنك تنهش منها مبلغ المعاش الذي جاءها من فيض الكريم‪.‬‬

‫لماذا درسنا إذن كل هذا الوقت ؟! ‪...‬وكل هذا الجهد ‪ ...‬وأضعنا العمر‪..‬؛ لنقوم بتغيير‬
‫مسارنا لنبدأ من جديد‪ ....‬ونبدو كمن رقص علي السلم ‪ .... .‬أي وطن هذا ؟!‪ ..‬ومن الذي‬
‫خطط ومن الذي يدير ؟‪ ...‬فالعمدة لديه نصف أرض البلد‪ ...‬صبري الدمنهوري ‪:‬‬

‫‪-‬هذا الكلم ليجدي يجب أن تتعامل مع الحياة كأنك تعيش وحدك ‪..‬ل حكومة ول‬
‫ل لم يتعلم ‪ ...‬وليس لديه مهنة ‪ ...‬ولكنه يمارس حياته ‪...‬‬
‫خطة ‪" ,‬قشقوش" مث ً‬
‫ويتقاضي من العمدة نفسه مبالغ نظير خدمات يؤديها ويتقاضي من الناس أيضا‬
‫نظيرأسرار يسربها عما ينوي العمدة فعله بهم‪ ...‬ويعيش هانئاً مستمتعاً‪ ...‬ل‬
‫يفكر في حكومة‪ ،‬ول خطة‪ ،‬ول يعرف أيضًا أن هناك حكومة ‪ ..‬ولم يأمل يوماً‬
‫أن يقبض راتباً من الحكومة لو أراد أن يصبح شيخ خفر لفعل‪ ..‬ولكنه ليود أن‬
‫تقيد حركته ‪.‬‬

‫قشقوش دائما يعرف من أين يؤكل الكتف ‪ ...‬اكتسب ‪ ..‬وعرف مال نعرفه‪ ..‬ولن‬
‫نعرفه‪ ..‬إذن الحياة ستصبح "سبهللة " إذا تم قياسها وفق هذا المعيار‪ ..‬ونصبح بلد خريجي‬
‫كلية من أين يؤكل الكتف (وشيلني وشيللك)‪ ..‬بدلً من الحقوق والتجارة وكلية النفاق بدلً‬
‫من كلية الداب‪ ...‬ويصبح" قشقوش "وأمثاله أساتذة‪ ،‬وعمداء للكليات ‪..‬‬

‫‪-‬كان المفروض أن تكون آخر واحد يتكلم بهذه اللغة ‪.‬‬

‫‪ ....-‬ولماذا تعلمنا وقاتلنا وجوعنا حتي وصلنا إلي هذا الحال المهين ‪ ،‬ولم نعد‬
‫نعرف هل ما فعلناه كان صحيحاً أما ما يفعله "قشقوش" هو الصحيح فهو علي‬
‫القل لم يضيع عمره هباء فقد وصل إلي القمة في منهج حياته ‪.‬‬

‫أتعرف ماذا تعني كلمة وزير؟!‪ ...‬تعني أن الرجل ناضل وقاتل ووصل بشق‬
‫النفس ‪ ،‬وعندما تطلق عليه كلمة وزير‪ ...‬يقول ياه‪ ...‬آن لنا أن نستريح وعندما يطلب منه‬
‫أي عمل ‪،‬أو يواجه أي مشكلة ما عليه إل أن يقول هذا هو حال بلدنا وهذه ظروفنا ‪،‬ول‬
‫نقدر أن نفعل أكثر مما نفعل ( ليس في المكان أبدع مما كان ) ويبقي هكذا ضاحكا أو‬
‫مبتسمًا أو حتي مغتماً وفقا للظروف‪ ..‬فل تستطيع حتي أن تقول له إنك وزير بارد ‪ . ..‬في‬
‫أوربا الوزير الذي يخطىء مرة واحدة يغادر الوزارة دون أن يُطلب منه ذلك ‪ ...‬أما نحن‬

‫‪44‬‬
‫فورثنا كل العادات الفرعونية السيئة ‪ ...‬أما الجيد منها في البناء وإقامة الحضارة فنتباكي‬
‫عليه فقط فل تري من الوزير سوي القول بأننا "ها هنا قاعدون "‪.‬‬

‫صبري ‪:‬‬

‫‪ -‬لست مقتنعاً بما أقول‪ ..‬ورغم أنني اختصرت الطريق‪ ..‬وحصلت علي كليتي‬
‫وعملت ( مبيض محارة ) لكنت أتباكي مثلك الن عن الجوع ‪..‬وعن الملبس‬
‫الممزقة‪..‬يجب أن تخجل من نفسك ‪.‬‬

‫احمر وجه جمال وقال له‪:‬‬

‫‪-‬نحن دخلنا في الجد كفي كفي ‪..‬‬

‫عرف ما يحاول قوله ‪،‬ويود أن يخفيه عن حمدي‪ ..‬فحمدي شيء كبير في نظر‬
‫جمال‪ ..‬ول يود أن يحكي هذا الموقف في مثل هذه الظروف السيئة ‪ . ...‬فجمال مناضل‬
‫صبور جاهد الحياة الصعبة ‪ ..‬لم يخجل جمال من شيء طوال حياته فلم تعنيه ‪ ..‬يوماً‬
‫ملبسه الممزقة ول جوعه ‪ ..‬وكان له في كل حالة تحليل خاص به فيقول‪:‬‬

‫‪-‬عن الملبس الممزقة أمنا حواء وأبونا آدم ولدوا عراة ‪.‬‬

‫ويقول عن الجوع‪:‬‬

‫‪ "-‬جوعوا تصحوا "‪.‬‬

‫هذه المرة خجل واحمرت أذناه ونظر يميناً ويسارًا رغم أنه سيحكي ما حدث ‪.‬‬

‫نظر إليه حمدي وقال له‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا فعلت ؟‬

‫صبري الدمنهوري ‪ :‬احكِ لحمدي ماذا فعلت ‪.‬‬

‫تلعثم جمال ‪:‬‬

‫‪ -‬لو أن هناك في الحياة من مر بظروف صعبة كظروفي‪ ،‬وأنتما تعرفانها‪ ،‬أو أن‬
‫شمسه غابت ولم تشرق ‪ ،‬ولو أنك وجدت كل السبل مغلقة لو أحسست أن من يديرهذا البلد‬
‫عديم الضمير ولن تقوم لك قائمة فماذا تفعل ؟!‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫قال له حمدي ‪ :‬أدخل في الموضوع ‪.‬‬

‫نظر جمال إلي صبري وقال له ‪:‬‬

‫‪-‬ألم تقل في حديثك الن أنه يجب علينا أن نتصرف أم تناقض نفسك ؟!‬

‫تصرفت ولكل قدراته أنت بما تملكه من قدرات عملت (مبيض محارة)‪ ..‬وتصرفت أنا بما‬
‫أملكه من قدرات ‪ ..‬لقد أكلت الحياة كل قواي والقدرة علي المنافسة‪ ..‬وإثبات الذات ولول‬
‫مجموعة الحروف والشعار‪ ..‬وقواعد اللغة لما اكتسبت من هذه الحياة شيء ‪ ,‬حمدي‬
‫ل من أن يواصل الحياة بسبب من‬ ‫أفضلنا وأقوانا ‪ ...‬استسلم في أول درجة للسلم‪ ....‬وبد ً‬
‫أحبها تزوج (بنت القطة) علي طريقة "قشقوش"‪ ..‬فلو كان قد أنجب كان سينجب صدام‬
‫جديد ‪.‬‬

‫نظر إليه حمدي ‪ :‬لبد أنك فعلت مصيبة ؛ لنك تحاول أن تهاجمني قبل أن تحكي ما‬
‫فعلت ‪.‬‬

‫جمال ‪ :‬لم أفعل شيئاً سوي أنني ساعدت ابن البهلول علي الركوب في السيارة‪ ،‬وقمت‬
‫بتطبيق الكرسي المتحرك الذي يركبه‪ ..‬ووضعته علي ظهر السيارة ودخلت وجلست‬
‫بجانبه ووصلنا إلي دمياط‪.‬‬

‫صبري ‪ :‬أنت تعرف ابن البهلول يا حمدي ! ابن البهلول يستطيع أن يقفز في السيارة‬
‫دون مساعدة ‪ .. ،‬وبأقصي سرعة أكثر من النسان العادي ولهذا أسموه " ابن البهلول "‬
‫فلماذا كان يحتاجك ؟‪ ..‬فإنه يعرف طريقه جيدًا ويعرف أين يتسول ويعرف أن يشرب‬
‫الحشيش عندما يعود ‪ .‬أذهبت معه لتشرب الحشيش ؟ ‪ ...‬أم أنه وعدك بشربه في يوم آخر ‪.‬‬

‫حمدي ‪ :‬كيف قابلته وكيف اتفقتم علي الصفقة ‪ ،‬وما كان د ورك ؟ ‪.‬‬

‫جمال ‪ :‬كنت أحمله وأعبر به شارع الكباس المزدحم بالمارة والسيارات حتي أضعه في‬
‫منتصف الشارع التجاري فيجلس عارضاً إعاقته ‪...‬ويقول مايحلو له من الكلمات ‪:‬‬

‫‪ "-‬ساعدوا العاجز ‪ ,‬حسنة قليلة‪ ..‬تمنع بلوي كثيرة "‪.‬‬

‫ول يعجز ابن البهلول في استدرار عطف المارة فعنده قاموس محشو بمثل هذه‬
‫الكلمات ‪,‬أنا أجلس في شارع الشرباصي واضعاً الكرسي أمامي حتي ينتهي من عمله ‪،‬‬
‫فأقوم بحمله مرة أخري‪ ،‬ووضعه علي الكرسي ثم إلي الموقف ‪.‬‬

‫صبري ‪ :‬ولماذا تشاجرتما ؟ ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫جمال ‪ :‬الولد ابن الكلب كان يجمع في اليوم أكثر من مائتي جنيه ‪ ...‬ويريد أن يعطيني‬
‫عشرة حنيهات ‪ ..‬ويقول إنها أجر اثنان من الموظفين في اليوم وأكثر ‪ ...‬لترفس النعمة ‪.‬‬
‫دفعته من فوقي علي الرض بين السيارات وأخذت أصرخ فيه ‪ ...‬وو ضعت كل حقدي‬
‫الدفين في إيذائه بالكلمات ‪ ...‬جمعت أكثر من مائتي جنيه وتعطيني عشرة فقط ‪ ,‬وتوقفت‬
‫حركة السيارات وتجمّع المارة ‪ ..‬وأخذوا ينظرون باستغراب‪ ..‬وكادوا يفتكون بي‪ ..‬عندما‬
‫ظهرت إعاقته ‪ ..‬وعندما ضحك ابن البهلول وقال ‪ :‬فليكونوا عشرين ‪ ..‬وتعجبت أن عظامه‬
‫المتبقية لم تتكسر‪..‬عندها ‪ ..‬دفعته ‪ ..‬وقع علي يديه‪ ..‬وقد استند عليهما كالقرد ‪ ..‬حمدت ال‬
‫لما حدث ‪ ..‬ثم عدت لحمله من جديد ‪ ..‬فتفرق الناس وهم يضحكون‪ ...‬عندما وجدونا‬
‫نتبادل الحديث مرة أخري‪ ...‬ونضحك بعد أن اتفقنا علي عشرين ‪ ...‬ولم يكن هذا التفاق‬
‫لوي ذراع ‪ ...‬لكنه كان يريد مساعدتي كما قال لي‪ ....‬ونحن عائدون إلي البلد في السيارة‬
‫فقد قال لي ‪ :‬سأعطيك علوة فوق الجر ‪ ...‬فبدل من أن تجلس بجوار الكرسي غداً فلتجلس‬
‫علي الكرسي‪ ...‬والرزاق بال ‪ ....‬هممت بضربه ‪ ...‬أو دفعه من نافذة السيارة ‪ ...‬لكن‬
‫الفكرة نفذت إلي رأسي بسرعة‪ ...‬فالثنان أصبحا متشابهين‪ ..‬الجلوس علي الكرسي‬
‫يشبه الوقوف بجوار الكرسي‪ ...‬فأحلهما مر ‪ ...‬ومع هذا سأتقاضي ما اتفقنا عليه ‪ . ..‬وفي‬
‫اليوم التالي ‪ ...‬وربما في نفس اللحظة التي فعل فيها (القطة) فعلته مع حمدي ‪.....‬‬

‫قاطعه حمدي ‪ :‬خليك في مصيبتك وسيبك من حمدي ‪.‬‬

‫جمال ‪ :‬ألقت الشرطة القبض عليّ في محاولة منها للقضاء علي التسول المنتشر ‪..‬‬
‫وكأن البلد أصبحت تمام‪ ...‬ماعدا هذا الفعل غير الحضاري‪ ...‬وتم اقتيادي للمركز ‪...‬‬
‫وعندما قلت للضابط‪:‬‬

‫‪ -‬أنا خريج كلية اللغة العربية‪ ..‬بصق علي الرض‪ ...‬وقال ‪:‬‬

‫‪ -‬كل واحد يأتي إلي هنا ويقول أنا خريج جامعة !‪ ...‬أنت خريج لغة عربية قسم تسول‬
‫يا روح أمك ‪.........‬‬

‫شعرتُ بالمهانة‪ ...‬وتمنيت أن تبتلعني الرض ‪ ..‬وعندما أخرجتُ له بطاقتي الشخصية‬


‫ونظر إليها ثم إليّ قال ‪:‬‬

‫‪-‬ل يدل منظرك على أنك جامعي ‪ ...‬أتقوم بتمزيق ملبسك لزوم الشغل؟!‪..‬‬
‫ي بقرف ‪ ...‬وعُرضت علي النيابة في‬ ‫وبكيت حتي يرحمني ‪ ...‬لكنه نظر إل ّ‬
‫اليوم التالي ‪ ... .‬ودار نفس الحوار السابق‪ .....‬ولكن وكيل النيابة أشفق عليّ‪....‬‬
‫وطلب منى أل أكررهذه الفعلة مرة أخري فقلت له‪:‬‬

‫‪ -‬أظن أني لن أجد غير ذلك ‪ ....‬لكن لن أكررها ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫انخرط حمدي وصبري وجمال في البكاء ‪....‬ليملك أي منهم حلً للخر؛ فكل منهم‬
‫أكل عليه الدهر وشرب ولم يعد في استطاعة أحد منهم حتي أن يطيب خاطر الخر‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫(‪)7‬‬

‫ليجب أن يطلب من هذه البلدة الباكية الحزينة فوق طاقتها ‪ ....‬أبطالها المتهالكون‬
‫المهرسون في دوامة الحياة‪.....‬‬

‫إسرائيل فوق أمريكا ‪.......‬‬

‫وأمريكا فوق رئيسهم‪......‬‬

‫ورئيسهم فوق العمده وخفره‪......‬‬

‫والعمدة فوقهم ‪......‬‬

‫ليستطيعون أن يخرجوا أصوات ‪( ..‬ول حتي من مؤخراتهم للتنفيس)‪ ...‬فهم ل يأكلون‬


‫ول يشربون ول يتحدثون إل همساً‪ ...‬فماذا تطلبون منهم أيها العرب؟!!!! ‪ ....‬توقفوا‪...‬‬
‫هذا البلد لن يحارب ‪ ...‬ل إسرائيل ول أمريكا ول حتي ستقف في وجه العمدة ‪.‬‬

‫العمدة عمدتهم انتهي الوقت‪ ...‬والزمان هؤلء الناس يحتاجون إلي وقت طويل ‪,‬‬
‫طويل جدا‪ ...‬حتي يطلب منهم شيئا ً‪ ....‬دعوهم وشأنهم ‪....‬وهم لن يعلقوا عليكم أي آمال‬
‫‪ ...‬فهم أصدقاء اسرائيل وأصدقاء لمريكا ‪..........‬ويختارون رئيسهم بنسبة ‪.!!!! %99.9‬‬

‫في اليوم التالي خرجت جنازة مهيبة ‪ ....‬أهل بلدنا الطيبون خرجوا عن بكرة أبيهم‬
‫‪ ....‬صارخون باكون ‪ ,‬إنا ل وإنا إليه راجعون ‪ ....‬انتقل إلي رحمة ال تعالي‪ ...‬المرحوم‬
‫فقيد الشباب‪ ...‬جمال محمد حجازي‪ ...‬وكل نفس ذائقة الموت ‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫ما حدث شيء يذهل العقول ‪ ,‬كان موضوع البغل الذي أنجبته الحمارة قد نُسي‪....‬‬
‫فالحداث في بلدنا تنطمس بسهولة‪ ......‬لتطور الحداث وتلحقها ‪ ...‬فكل حدث ينسي ما قبله ‪....‬‬
‫ولكن يخرج للنور عندما نحتاج إليه ‪ ....‬لكن" قشوش" لينسي أبداً‪ ..‬فقد أحسن ترتيب أفكاره‬
‫والمساك بكل الخيوط ‪ ,...‬كان "قشقوش " ‪ ...‬يمر بين صفوف المعزين دامعا ًلما حدث ‪....‬‬
‫يوزع القهوة ‪ ...‬كان المأتم مقامًا في المضيفة الموجودة في بيت العمدة ‪....‬وقد أتي بالمقريء‬
‫وماكينة النور ‪ ...‬وحتي القهوة ‪...‬والتي لم يشربها أحد ‪.‬‬

‫جلس العمدة في المضيفة ‪ ...‬وفي المنتصف ‪ ..‬وأخذ يحكي علي أن جمال شطة كان أحسن‬
‫لعب في بلدنا ‪ ....‬ول يقل خطورة عن طاهر أبو زيد ‪ ...‬ول يدري لماذا استبعده محمود‬

‫‪49‬‬
‫الجوهري‪ ...‬وقلص دوره في المنتخب الذي سافر إلي نهائيات كأس العالم ‪ ....‬ولم يأخذ حقه‬
‫كلعب موهوب‪.‬‬

‫رغم أن الكلم صحيح ‪ ...‬ويتعجب النسان كيف استحضر العمدة هذا الحديث العذب‪...‬‬
‫وهل يعرف طاهر أبو زيد حقا حق المعرفة‪ ...‬أم همس إليه "قشقوش" بهذا الكلم ‪ ....‬وهو يناوله‬
‫القهوة ‪ ...‬لم يستمع أحد لحديث العمدة ‪ ...‬ولم يلتفت إليه أحد ‪ ....‬ولم يخف منه أحد في هذا اليوم‪...‬‬
‫وعندما دخل المضيفة‪ ...‬لم يقف له أحد‪ ...‬كما جرت العادة ‪ ...‬رغم تعمده الدخول متأخراً ‪ ...‬فلم‬
‫يشرب أحد قهوته ‪ ...‬وربما كره الناس طاهر أبوزيد بسبب حديثه عنه ‪ ....‬كان صوت المقريء‬
‫حزينا‪ ..‬أبكي المعزين بكا ًء مراً ‪ ...‬لم يكن جمال شطة قريباً لحد إل القليل‪ ....‬ولكن الناس هذه‬
‫المرة أحسوا أن المُصاب هو مُصابهم جميعاً‪ ...‬لماذا قُتل؟ ولماذا قتل بهذه الوحشية؟!‪ ..‬وبدون‬
‫رحمة ‪ ...‬لمن يرفعون شكواهم ل ‪ ... .‬عندما رأي العمدة هذا البكاء‪ ...‬والنحيب وعرف أن لم‬
‫يسمعه أحد‪ ...‬قال بتبجح ‪:‬‬

‫‪-‬هل قال له أحد أشنق نفسك ‪.‬‬

‫نظر الناس إليه بغضب ولسان حالهم يقول‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل ‪.‬‬

‫‪ ..." ....‬انتشرالفساد في البر والبحر " ‪ ...‬عمدة ظالم‪ ...‬وناس أكثر ظلماً فهم خائفون ‪,‬‬
‫(قالوا يا فرعون من فرعنك) ‪ , ......‬لم يلقِ أحد اللوم علي ابن البهلول‪ ...‬الوحيد الذي اتهمه هو‬
‫العمدة ‪ ...‬وأشار إليه بعصاه المذهبة وقال ‪:‬‬

‫‪-‬وال يا ابن الكلب أنت الذي صنعت به ذلك ‪.‬‬

‫لم يتناول ابن البهلول طعاماً منذ موت جمال‪ ...‬ولم ينقطع بكاءه‪ ...‬فقد انفطر قلبه لموته‪...‬‬
‫‪ ..‬هو الوحيد الذي حاول أن يمد له يد المساعدة ‪ ...‬كيف ذلك‪ ...‬فلكل منا طريقته ‪ ,‬ربما‬
‫تكون طريقة غبية ‪ ...‬وصدقها جمال في ظروف بالغة السوء ‪ , ...‬ولم يكن يتصور أنها‬
‫ستصل إلي هذا الحد المأساوي‪.‬‬

‫نظر إلي العمدة وقال له‪:‬‬

‫‪-‬وال انت ابن ستين كلب ‪ ...‬ولن تتراجع حتي تقتل هذه البلدة واحداً بعد الخر ‪...‬‬

‫توقف البكاء وجحظت العيون ‪ ...‬وامتلت قلوبهم خوفاً‪ ،‬ورعباً مما سيحدث‪ ....‬ولم يتدخل‬
‫أحد ليقول لبن البهلول كفى أو عيب ‪ ...‬كانوا يودون أن تستمر هذه المشكلة ‪ ...‬حاول‬
‫بعض الخفراء ضرب ابن البهلول‪ ....‬لكنهم لم يفعلوا إل واحدا ضربه بالعصا علي ظهره‪...‬‬
‫وقال له‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫‪-‬أنت تعرف بتكلم مين ياابن الكلب‪.‬‬

‫فشتمه ابن البهلول وقال له ‪:‬‬

‫‪-‬يا عبد‪ ...‬وجذبه من ملبسه إلي الكرسي ‪...‬‬

‫حاول الناس تخليصه من يده ‪ ...‬وما استطاعوا ‪ ...‬فإنه يملك يدين قويتين ‪ ...‬عوضه ال‬
‫بهما عن قدميه ‪ ...‬فلو دفعته من أعلي إلي أسفل لنزل عليهما بطريقة بهلوانية ‪ ..‬كما فعل‬
‫مع المرحوم جمال ‪ ...‬لذلك أمسك بتلبيب الخفير ‪ ...‬وأخذ يشتم ويسب‪:‬‬

‫‪-‬يا جزم ‪ ..‬يا أولد الكلب ‪ ..‬يا حرامية ‪.‬‬

‫قد يقول البعض أن ابن البهلول ليس لديه ما يبكي عليه‪ ( ..‬وهل يضير الشاة سلخها بعد‬
‫ذبحها)‪ ...‬فل عائلة ول أولد ول مصلحة له عند العمدة‪ ...‬حتي التسول يتم خارج البلد ‪...‬‬
‫فبلدنا لتصلح للتسول من يدخلها غريباً‪ ...‬أو حتي من أهلها متسولً‪ ...‬يضرب كفا علي‬
‫كف ‪ ..‬وماذا سيفعل به العمدة أكثر مما فيه‪ ...‬لكن الحسابات التي نمت في رءوس هؤلء‬
‫الناس الموات لم تدخل في رأس هذا العاجز‪ ...‬ولم يفكر لحظة في أن يقول أو ل يقول‪...‬‬
‫فما الذي يدفعه للصمت؟ ! ‪ ..‬أو تقبل الهانة ‪ ...‬وما الجميل الذي يقدمه العمدة للناس أو‬
‫حتي له؟!‪ ..‬حتي يتذكر أنه في مواجهة عمدة‪ ..‬وما العبرة إذن من العمودية‪ ..‬إنه حتي ل‬
‫يكف أذاه عن الناس‪ ..‬حتي بيته تحول إلي بيت للرعب‪ ..‬فلو اضطرأحد المرور من‬
‫أمامه ؛‪ ..‬فلنه لم يجد طريقاً غير هذا‪ ...‬وقد يقع في المحظور‪ ...‬ويراه العمدة فل يسلم‬
‫من أذاه‪ ...‬فقد يأخذ عصا علي ظهره‪ ...‬أو يقوم بالتنظيف تحت مواشي العمدة‪ ...‬فما الذي‬
‫يخرس اللسنة هكذا ‪.‬‬

‫قال لهم ابن البهلول‪:‬‬

‫‪-‬لماذا الصمت ؟‪ ..‬إن هذا الرجل اللص ل يعطي أحدكم حسنة‪ ..‬أو حتي يعطي‬
‫أحدكم أجره كاملً‪ ..‬بل هذا الجسم الضخم والوجه المتفجر الذي يمتلىء بالدم‬
‫هو من دمائكم والدماء التي كانت تمل وجوهكم الصفراء ؛ سرقها لنفسه هو‬
‫وابنه ‪ ....‬وبتبجح ‪ ..‬ويرغمكم علي الخوف منه ‪..‬‬

‫فوجيء العمدة بما حدث ‪ ..‬لم يكن يتوقع أن يصدر هذا الكلم من هذا العاجز‪ ...‬لكن‬
‫أن يحدث ما لم يتوقعه من ابن البهلول ‪ ..‬جعله يقع في حيرة ول يعرف كيف سيتصرف‬
‫‪ ...‬فالخروج من هذا المازق يحتاج إلي تفكير ‪ ..‬وإلي المشورة من هذا الشامت الذي توقف‬
‫عن البكاء‪ ..‬وأخذ يضحك من تحت شفتيه ‪ ..‬أعرفه عندما يضحك وهو خائف ‪ ..‬لتظهر‬
‫أسنانه ولكن يظهر علي وجهه الضحك‪..‬‬

‫‪51‬‬
‫لم ينتحر جمال شطة لنه رسب في المتحان‪ ...‬لكنه انتحر لنه نجح وتفوق‪ ..‬ثم‬
‫اكتشف أن هذا التفوق بل فائدة‪ ..‬ول تصلح شهادته حتي للتسول‪ ...‬كان الشيء الطبيعى‬
‫أن يبلغ العمدة المركز‪ ..‬ولكن ل يود أن يتسرب الخبر ‪ ...‬ويعرف العالم عدد العاطلين في‬
‫بلدتنا ‪..‬والسبب الذي جعل جمال ينتحر‪ ..‬وقد لحت له فكرة ذكية إلي اتهام ابن البهلول‬
‫في هذا الموضوع‪ ..‬و ُيعَلمه كيف يتحدث مع أسياده ‪.‬‬

‫بلدنا الموغلة في القدم ‪ ،‬وصاحبة أقدم حضارة علي وجه الرض‪ ..‬انقسم الناس‬
‫فيها إلي قسمين ‪ ...‬أسياد وعبيد ‪ ..‬وانقسمت الطعمة أيضا إلي أصناف يتناولها السياد‪ ،‬وأخري‬
‫للعبيد‪... .‬حتي قضاء الحاجة علي وجهين‪ ...‬فالعبيد يذهبون بعد غروب الشمس بجوار محول‬
‫الكهرباء ‪ ...‬والمعروف باسم محول أبو قرعة ‪ ..‬تجدهم جلوساً صفاً واحد اً بمحاذاة الطريق‬
‫الزراعي ‪ ..‬وقد أرخوا مؤخراتهم للخلف ‪ ..‬ورؤسهم للمام ‪ ..‬بعد أن أنزلوا ألبستهم الداخلية‪- ..‬‬
‫إن وجدت‪ -‬في عز النور وبجوار المحول الوحيد بالقرية ‪ ..‬وينظرون إلي شيء ينزل من‬
‫مؤخراتهم ‪ ..‬حتي يطول الرض متلذذين‪ ...‬وهم بهذا يظنون أنهم بعيدون عن النظار‪ ...‬ليراهم‬
‫أحد ول يرون أحداً كالنعام‪ ...‬في الصباح يأتي النساء‪ ...‬وتمر بين برازهم ‪ ..‬يجمعون نبات‬
‫أخضراً‪ ..‬مليء بالشوك يسمي ( الجلوين )‪ ...‬نما في براز سابق‪ ...‬ويأكلونه مستمتعين‬
‫بالضافة إلي المش ذى الدود ‪.‬‬

‫العبيد معظم أهل بلدنا ‪ ..‬والسياد قلة ‪ ..‬وآه لو تكلم العبيد مع السياد بطريقة غير لئقة ‪..‬‬
‫فهناك ناس تضرب بالكف‪ ..‬وناس تتلقاه علي وجوهها ‪ ..‬ول تستطيع الرد ول التململ ‪.‬‬

‫يا بلد ( يا بنت الـ‪ ) ....‬كما يقول "قشقوش"‪ ...‬كيف توزع الثروة ومن الذي يأخذ حقوق‬
‫من ؟ ‪..‬ومن يعمل ليجد قوت يومه ‪ ..‬ومن ليعمل يركب السيارات الفارهة ‪ ..‬ويمشي بها علي‬
‫رقاب العباد‪ ..‬كم واحد مات ميتة جمال‪ ،‬ولم يحرك أحد ساكناً‪ ...‬وكأن البشر في هذه البلد كلب‬
‫أو من يحكم ل يدري ماذا يحدث ‪.‬‬

‫ياسيادة الرئيس بوش نحن في حماك‪ ....‬فانظر إلينا‪ ...‬نحن أصدقاءك ‪ ..‬أولد العبيد فقط‬
‫هم الذين يموتون‪ , ...‬أولد السياد يأكلون ينفقون باقون‪ ..‬يتم تلميعهم رغم غباء معظمهم وجهلهم‬
‫‪ ..‬حتي العمدة عندما يخاطبهم يقول لهم‪:‬‬

‫‪-‬يا بلد يا مواشي ‪...‬‬

‫يضحكون‪ ...‬وإن كانت مجاملة من بعضهم‪ ..‬وتذمراً من البعض الخر‪ , ...‬مع مرور‬
‫الوقت والزمن ‪َ..‬ألِف المتذمر القول‪ ..‬ولم يعد يتذمر‪ ..‬وكان "قشقوش "يصفق دائما ‪ ..‬لما‬
‫يصدر من العمدة‪ ..‬ليقل خطر انسحاب جمال شطة من الحياة عن خطر انسحاب أهل‬
‫الكويت من بلدهم‪ ..‬ليأتي العم بوش لعادتهم وجمع ثروات البلد بدل منهم‪( , ..‬من هرب‬
‫‪52‬‬
‫من أرضه خائفاً ل يستحق أن يسكن فيها مرة أخري) ‪..‬و ( من مات دون عرضه فهو شهيد‬
‫ومن مات دون أرضه فهو شهيد ) حديث شريف‪ ..‬ما كان يجب علي جمال النسحاب ‪..‬‬
‫رغم أن ما فعله لم يكن عملً شائنًا إلي هذا الحد‪ ..‬أيهما أفضل أن تكون متسولً‪ ..‬أو تكون‬
‫لصاً تأخذ مال الخرين عنوة ‪.‬‬

‫هدأت المضيفة بعض الشيء بعد أن ضحك العمدة ضحكة صفراء‪ ........‬وأومأ إلي خفره أن يكفوا‬
‫عن ضرب ابن البهلول‪ ..‬ويبتعدوا عنه ‪ ..‬ولد غلبان دعوه يقول ما في نفسه ‪..‬‬

‫وفجأة دخل البغل الذي كان قد حبسه" قشقوش" في بيته‪ ..‬وسقاه لبن جاموس حتي تدور جسمه‬
‫وأصبح كالبغال ‪ ..‬وأخذ يقفز ويضرب برجليه الخلفيتين ويطلقهما في الهواء‪ ...‬وجري ناحية‬
‫العمدة وسط ذهول الناس ‪ ...‬ومن وراءه" قشقوش" ‪ ..‬وهو ينادي عليه ‪:‬‬

‫‪-‬بس ياصدام عيب ‪..‬‬

‫فضحك الناس لهذا السم ‪ ..‬ونظر البغل إلي العمدة‪ ...‬وكأنه بشر ‪ ..‬ثم قام بعضه في رقبته‬
‫ولم يستطع أحد تخليص العمدة منه‪ ..‬حتي سقط علي الرض ‪ ..‬وكأنه مغشيًا عليه‪.‬‬

‫قال الناس ‪:‬‬

‫‪ "-‬أشسهد أن ل إله إل اله وأن محمدا رسول ال "‬

‫وقال ابن البهلول ‪:‬‬

‫‪-‬ال أكبر‪ ..‬يا ظالم يابن الكلب الحيوان كاد أن ينطق من ظلمك ‪..‬‬

‫اصفر وجه العمدة المتورد وقال في نفسه وهو مازال علي الرض ‪ ..‬ما هذا اليوم‬
‫السود ؟‪ ..‬وعندما أوقفوه كان البغل ليزال في مواجهته‪ ..‬فضربه بعصاه المذهبة‪ ..‬وأمر‬
‫الخفر بتقييد البغل‪ ..‬وحبسه في حظيرته حتي يري ماذا سيفعل به ‪ ....‬أمر العمدة صاحب‬
‫الفراشة بالرحيل‪ ...‬وسكب القهوة علي الرض‪ ..‬وأنهي مراسم العزاء ‪ ..‬وأمر بإغلق‬
‫المضيفة ‪.‬‬

‫في بلدنا العتيقة الفريدة الحزينة الفقيرة عندما يُقال ‪:‬‬

‫‪-‬إن الحجر نطق‪...‬‬

‫فيعني ذلك أن الجور والظلم بلغ مداه ‪ ...‬وأن الشمس اشتدت حرارتها‪ ..‬ولم يعد‬
‫يتحملها البشر‪ ..‬كيوم الحشر ‪, ..‬‬

‫‪53‬‬
‫أما عن أمر أم جمال ‪ ..‬حرق زرعها أمامها ‪ ..‬وهو في عز شبابه‪ ..‬فانطلقت تزغرد‬
‫زغاريد حزينة تشبه الصراخ‪ ..‬تقطع القلوب ‪ ..‬وتمزقها ‪ ..‬وتقول ‪:‬‬

‫‪-‬إلي جنة الخلد ياجمال (وهي تقصد ابنها وليس جمال عبد الناصر)‪.‬‬

‫وأصر ابن البهلول أن تجلس علي الكرسي المتحرك بدلً منه‪ ..‬وقد ذهب هو خلف‬
‫الجنازة معتمدًا علي ساعديه ‪ ..‬وكأنه بهذا يحاول أن يبريء نفسه من دم جمال‪ ..‬ويعاقب‬
‫نفسه في ذات الوقت‪ ..‬وتحسست أم جمال رأسه ثم قبلته‪..‬‬

‫وقالت ‪:‬‬

‫‪-‬لم فعلت به هذا ؟!‪...‬‬

‫فبكي هو الخر‪ ..‬ولم يكن يستطيع الجابة في هذا الموقف‪ ..‬ويا ليتها لم تجلس‬
‫علي هذا الكرسى المشئوم ‪ ..‬فعندما جلس عليه المرحوم جمال في شارع الشرباصي في‬
‫دمياط ‪ ...‬قرر عدم البقاء ‪ ..‬فعندما عادوا من هذا العزاء القصير ‪ ..‬الذي أمرالعمدة بفضه‬
‫وجدوها قد فارقت الحياة ‪ (, ..‬في ذمة ال يا أم جمال أنت وولدك)‪. ..‬‬

‫‪54‬‬
‫( ‪)9‬‬

‫لماذا اتهم العمدة بقتل جمال‪ ..‬مع أن جمال هو الذي شنق نفسه‪ ..‬عياناً بياناً‪ ..‬ولماذا كان‬
‫الناس في هذه المرة متخذين قراراً واحداً دون التفاق علي ذلك ‪ ..‬لم يجرؤ أحدهم في يوم من‬
‫اليام ‪ ..‬أن يعامل العمدة كما عاملوه جميعاً في المأتم المقام علي نفقته‪ ..‬مع أن العمدة لم يفعلها من‬
‫قبل وتساءل الناس‪:‬‬

‫‪ -‬هل جمال قريبه؟! ‪ ..‬هل أحسن لحد؟!‪ ..‬أم أنه يُكفر عن شيء؟‪ ..‬ولماذا سارع بالقيام بهذا‬
‫العمل ؟!‪. ..‬‬

‫شمسنا تطلع في العاشرة صباحا ‪.‬‬

‫(ول الليل سابق النهار ‪.) ......‬‬

‫إذا لم يستطع العمدة إيجاد عمل لشبابها ‪ ..‬كما يفعل العمد الخرون‪ ..‬فما فائدته؟ ‪ ..‬لماذا‬
‫إذن هذه الهالة والوجاهة والحترام المبالغ فيه ؟ ‪ ..‬إذا كان هذا حال بلدنا كما يقول هو؟ ‪ ..‬لماذا‬
‫ليترك غيره يدير شئونها؟ ‪ ..‬ويتدبرأمر هؤلء الشباب؟ ‪ ..‬ولماذا يسارع ليجاد العمل لذوي‬
‫القربي ‪ ،‬وحاشيته( أقصد أولد السياد) ؟ ! ‪ , ..‬عضو مجلس الشعب عن دائرتنا لم ينظر إلينا‬
‫‪ ..‬وكأننا من المغضوب عليهم ‪ ..‬وعين أولد بلدة البجلت في المراكزالمهمة ‪ , ..‬سافر صبري‬
‫الدمنهوري إلي السعودية‪ ..‬في اليوم التالي لموت جمال ‪ ...‬ولم يكن سفراً‪ ..‬كان هروباً‪ ، ..‬ولكن‬
‫كان مرتبًا له منذ فترة ‪ ..,‬وحمد ال علي هذا السفر‪ ..‬وسافر مكلوماً حزينًا مريضاً‪. ...‬‬

‫‪55‬‬
‫لم يعرف حمدي زهران بالخبر حتي الن‪ ..‬وإل قد فوجع‪ ...‬ومات بحسرته‪ ...‬فأنتم‬
‫لتعرفون علقة جمال بحمدي‪ , ..‬لم يكد المأتم ينفض ‪ ،‬حتي تم القبض علي ابن البهلول‪...‬‬
‫و"قشقوش" والبغل‪ ...‬واعتبرت هذه( مؤامرة لقلب نظام الحكم) في البلد‪ ..‬ووجهت إليهم تهم‬
‫التعدي علي رأس النظام في البلد‪ ...‬والتجمهر والتظاهر بدون إذن ‪ ...‬مع وجود قانون الطوريء‬
‫‪ ...‬رغم أن "قشقوش" لم يفعل شيئاً‪ ..‬ولكن العمدة اعتبر ابتسامته‪ ..‬عندما شتمه ابن البهلول‬
‫شماتة ‪ ..‬واعتبرأن مجيء البغل في هذا التوقيت‪ ..‬هو من تدبير " قشوش" أيضاً‪ ..‬وكان يود أن‬
‫يقرص أذنه علي حد تعبيره ‪.‬‬

‫ضُربوا ضرباً مبرحاً‪ ...‬ثلثتهم‪ ..‬حتي لم تعد تعرف أيهم البغل وأيهم" قشقوش" وأيهم‬
‫ابن البهلول ‪ , ....‬لم يصرخ ابن البهلول ولم يبك‪ ..‬بل وجه لهم كلمات نابية‪ ..‬غير خائف‪ ..‬مما‬
‫سيؤول إليه مصيره‪ ...‬وفعل البغل كما فعل ابن البهلول‪ ...‬وإن كان" قشقوش" لم يعامل بمثل‬
‫معاملتهما‪ ..‬ظلوا أسبوعًا علي هذا الحال بين الضرب والتوبيخ والشتائم ‪ ..‬وتم ترحيلهم إلي‬
‫المركز ‪ ..‬وصلوا المركز متهالكين‪ ...‬ومع ذلك لم يسلموا من الضرب أيضا‪ ..‬؛ لن دوار‬
‫العمدة شيء‪ ...‬أما المركز فله ترتيباته الخاصة ‪ ....‬كانت قضية شائكة‪ ...‬هل يستجوبون البغل‬
‫أول‪ ..‬أم قشقوش ‪ ..‬أم ابن البهلول‪ ..‬رغم أن المحقق سيسأل‪ ..‬ويكتب ما يريد ‪ ..‬ولكنها أسئلة‬
‫روتينية‪ ، ....‬وقع الدور علي البغل ‪:‬‬

‫‪ -‬البغل‬

‫س ‪ :‬اسمك وعنوانك‪ ...‬؟ ‪..‬‬

‫ج ‪ :‬صدام ‪ ...‬النزل‪ ..‬منية النصر‪ ..‬دقهلية ‪..‬‬

‫س ‪ :‬ما علقتك بقشقوش؟‪.‬‬

‫ج ‪........... :‬‬

‫س ‪ :‬ما علقتك بابن البهلول ؟ ‪.‬‬

‫ج ‪........................... :‬‬

‫س ‪ :‬ما علقتك بالتنظيم ؟ ‪.‬‬

‫ج ‪.......................... :‬‬

‫س ‪ :‬ما دورك فيه ؟‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪............................‬‬

‫‪.......................................‬‬

‫قشقوش‬

‫س ‪ :‬اسمك ؟‪.‬‬

‫ج ‪...... :‬‬

‫س ‪ :‬عنوانك؟ ‪.‬‬

‫ج ‪....... :‬‬

‫س ‪ :‬ما علقتك بالبغل؟ ‪.‬‬

‫ج ‪ :‬قصدك صدام ؟!‪..‬‬

‫س ‪ :‬بتهرج يا روح أمك ؟‪.‬‬

‫ج ‪ :‬أقسم لك أن البغل اسمه صدام ‪..‬‬

‫س ‪ :‬من أين أتيت به؟‬

‫ج ‪ :‬من عند العمدة ‪,‬‬

‫‪ ...‬وقص قصته وسط ذهول الحاضرين ‪.‬‬

‫س ‪ :‬كم واحد مشترك معاكم في المؤامرة ؟‪.‬‬

‫س‪ :‬ما علقتك بابن البهلول ؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬متي تم انضمامك لهذا التنظيم ؟ ‪.‬‬

‫س ‪ :‬كم مرة سافرت العراق ؟‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫س ‪ :‬متي أتيت من العراق ؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬ما علقتك بحزب البعث ؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬كم مرة قابلت صدام حسين ؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬هل أنت تابع لمخابرات دولة أجنبية ؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬هل تعرف لغات أجنبية ؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬هل يعرف بغلك لغات أجنبية ؟‪.‬‬

‫ابن البهلول‬

‫س ‪ :‬اسمك وسنك ؟‪.‬‬

‫ج ‪........... :‬‬

‫س ‪ :‬عنوانك؟ ‪.‬‬

‫ج‪ :‬النزل أباً عن جد؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬ما سبب إصابتك؟‪.‬‬

‫ج‪ :‬له في خلقه شئون‪...‬‬

‫س ‪ :‬هل أنت مصاب حقا ؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬ما علقتك بالتنظيم ؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬منذ متي و أنت تعرف البغل ؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬أين تجتمعون ؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬ما مصدر الموال الموجودة في بيتك ؟‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫س ‪ :‬هل تتاجر في المخدرات لتمويل التنظيم ؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬هل تأتيك أموال من الخارج؟‪.‬‬

‫س ‪ :‬هل لديكم مواد مشعة وأسلحة نووية ؟‪.‬‬

‫‪......................................‬‬

‫الشيء الذي حيّر الضابط كيف يتعامل مع هذا البغل؟ ! هل سيوضع معهم في نفس‬
‫الزنزانة ؟ أم سيوضع مع خيل الحكومة ؟‪..‬‬

‫أن يتم القبض علي البشر شيء عادي ‪ ..‬حتي لو لم يرتكبوا جريمة ‪ ...‬فهذا البلد‬
‫مقسم إلي ناس تدخل السجن بدون ذنب‪ ..‬وآخرون أحرار حتي لوارتكبوا أعتي الجرائم ‪...‬‬
‫فبإمكناهم حشر البلد كلها في زنزانة واحدة‪ ..‬إذا أهين كلب العمدة ‪ ..‬فما بالك لو كانت‬
‫الهانة موجهة للعمدة شخصياً؟ !! ‪, ..‬أما الشيء المنتقض أن يتم القبض علي بغل‪..‬‬
‫وضربه وسحله‪( ..‬أين جمعيات الرفق بالحيوان)؟!! ‪ ..‬لبد أنها ستفعل المستحيل لخراج‬
‫البغل‪ ..‬بعد تقديم الوراق لثبات أنه بغل‪ ..‬وأن ما صدر منه ليس مقصوداً‪ ..‬وليس موجهاً‬
‫للعمدة‪ ...‬وأنه ليستطيع التفريق بين من هو عمدة ومن هو غير عمدة ‪ ...‬وأن ما صدر منه‬
‫كان بإيعاز من "قشقوش " ‪.‬‬

‫الشيء المضحك ثورة البغل وتوجهه إلي العمدة ‪ ...‬وعضه وهو صنيعة العمدة‬
‫وتابعه " قشقوش‪ , .. ".‬حتي" قشقوش" ‪ ...‬انقلب علي العمدة ضمناً ‪ , ..‬في بلدنا لتوجد‬
‫جمعيات للرفق بالنسان‪ ...‬ولكن توجد هراوات وعصي كهربائية وزنازين ‪.‬‬

‫قال الناس في اليوم التالي ابن البهلول زودها شوية‪ ..‬علي كل حال العمدة كبيرنا ‪..‬‬
‫و(الذي ليس له كبير يشتري له كبير) ‪ ...‬ومع ذلك عادوا وقالوا ليستطيع أحد أن يفعل ما‬
‫فعله ابن البهلول أو ما فعله البغل زلزل ما حدث في العزاء ‪ ...‬قد زلزل العمدة‪ ..‬وما كان‬
‫يتوقع أن يحدث مثل هذا‪ ...‬وأمام بلد بأكملها ‪ ..‬وأي بلد‪ ...‬البلد التي أمسكها جميعا في‬
‫قبضة يده‪ ...‬أو ظن ذلك فقد فهم العمدة المغزي من حكاية العقيد القذافي ‪ ..‬حينما عرض‬
‫لمن يأتِ له بجوال مليء بالفئران‪ ..‬أن يعينه نائبًا له ‪ ..‬فجمع كل طامع مجموعة من‬
‫الفئران ووضعها في الجوال ‪ ..‬وساربها إليه‪ ..‬وعندما وصلوا جميعهم‪ ..‬كانت الفئران قد‬
‫قرضت خيوط الجوال‪ ...‬وهربت إل واحداً‪ !..‬جاء بجواله مليء بالفئران‪ ..‬فسأله ‪- - :‬‬

‫‪-‬كيف ذلك ؟!‬

‫فقال‪:‬‬

‫‪59‬‬
‫‪-‬كنت أحركها في كل اتجاه‪ ..‬حتي داخت ‪ ..‬ولم تستطع الخروج ‪......‬‬

‫فقال له‪:‬‬

‫‪-‬لقد فهمت كيف يكون الحكم‪.‬‬

‫وهكذا فعل بنا العمدة ( دوخنا ) ‪.‬‬

‫لو صدر هذا الفعل من شخص عليه القيمة ‪ ..‬أو يدري حجم فعلته‪ ..‬لستطعت‬
‫التصرف معه ‪ ..‬وجعلته ليري الشمس مرة أخري ‪ , ..‬المشكلة أن هذا الولد ل يدرك ماذا‬
‫فعل ‪ ..‬فكلما خاطبت جاهلً‪ ..‬كانت المور أصعب ‪ ..‬وتصدر منه أفعال ل يتوقعها العاقل‬
‫‪ ...‬ولكن سواء فعلها ابن البهلول‪ ..‬أم غيره فالويل له‪ ...‬ولكل من وافقه ‪ ..‬حتي في نفسه ‪,‬‬
‫لبد أن يركع الجميع‪ , ..‬أما كيف يركعهم ‪ ..‬فل ندري كيف ‪ ..‬فهم راكعون مقهورون‬
‫مطحنون‪.‬‬

‫كل من في هذا البلد كان يتمني أن يفعل مثل ابن البهول ‪ ..‬أو أكثر من ذلك ولكنهم‬
‫ليستطيعون أن يقولوا أو يفعلوا مثل هذا الولد العاجز ‪ ...‬إنهم يكظمون منذ أمد بعيد ‪ ..‬ولن يفعلوا‬
‫أكثر من هذا‪ ..‬مهما طالت بهم السنون ‪ ..‬و ربما يفعل الجيل القادم أو الذي يليه ‪.‬‬

‫هل ستبقي طوال هذا الوقت أيها العمدة ‪ ..‬و ستأخذ المال والرض والزمن والبشر‪, ..‬‬
‫دعهم يتنفسون يا حضرة العمدة ‪.‬‬

‫رغم التناقض الواضح في آرائهم المعلنة ‪ ..‬والخفية إل أن الناس هذه المرة أحسوا بالشموخ‬
‫أمام العمدة ‪ ..‬وأن هناك طرحاً جديداً ‪ ,‬أحسوا في اليوم التالي‪ ...‬وهم ذاهبون إلي الحقول‪..‬‬
‫بالنشوة رغم ما حدث في الليل من تكسير القرية ‪ ..‬مع أن القبض علي ثلثتهم ليس صعباً ‪.‬‬

‫أحسوا بالنصر‪ ..‬أن هناك شخصاً ما في تاريخ قريتنا الممتد الظالم المكتئب قال ل ‪, ...‬‬
‫من ؟‪ ..‬وماذا عمله ؟ ‪ ..‬وما وضعه الجتماعي ؟ ‪ ...‬كان ينتمي إليهم ‪ ...‬ينتمي إلي طبقة العبيد‬
‫الذين يتبرزون علي قارعة الطريق ‪ ...‬ثم يعودون‪ ..‬لياكلوا هذا النبت الخضر‪ ..‬الذي يستمد‬
‫نمائه من تيبس البراز‪ ..‬واختفائه فتخرج شجرته عفية ‪ ( ...‬كلوا وارعوا أنعامكم ) ‪.‬‬

‫قالها ‪ ...‬ولم يخف هذا العاجز المتسول‪ ...‬يا بلد وجدت منذ مليين السنين‪ ..‬لم كل هذا‬
‫العجز والتخبط ‪ , ...‬انتهي الموضوع ‪ ...‬ول يهم ماذا ستؤول إليه المور‪ , ...‬أنتم لم تفعلوا شيئاً ‪,‬‬
‫فعلها العاجز المتسول ‪ ,‬لم الخوف والتردد ‪ ,‬هذه المرة دفعتكم للمام سنوات طويلة ‪ , ....‬أسيعلق‬
‫لكم العمدة المشانق ‪ ..‬فليفعل‪ , ..‬فعلها جمال قبلكم وحده ‪ , ..‬إن حياتكم ل تساوي شيئاً ‪ ,‬ل أنتم‬
‫بالحياء ‪ ..‬ول الموات ‪...‬فهي بين بين كما يقول" قشقوش" ‪ ..‬في كتابه( التوليفات) ‪ ,‬عندما‬
‫سئل " قشقوش " عن هذا النبات الخضر المدعو (جلوين) كيف يخرج من البراز ؟ هل يوجد‬
‫‪60‬‬
‫مخزن بذور في بطون هؤلء الناس ؟‪..‬‬

‫قال وهويضحك ‪:‬‬

‫‪-‬نعم توجد مزارع في بطون هؤلء ‪ ..‬ليغذوا بها الصحراء‪ ..‬فيذهب هؤلء‬
‫الناس إلي الصحراء ‪ ...‬فيتبرزون‪ ..‬فتجد الرض كلها خضراء تطبيقًا لمنهج‬
‫الغنية التي تقول ‪:‬‬

‫(عايزنها تبقي خضرا ‪ ..‬الرض إللي في الصحرا )‪.‬‬

‫‪ ....‬فيصبح عملهم الوحيد هو التبرز والنتقال من مكان إلي آخر حتي تصبح الصحراء‬
‫كلها خضراء ‪.‬‬

‫ل يعرف ابن البهلول ما تعنيه كلمة تنظيم ‪ ..‬لكنه من المؤكد يعرف تنظيم المرور ‪ ..‬وتنظيم‬
‫طابور العيش ‪ ..‬وطابور الجمعية ؛ ‪ ..‬لن الشوارع في دمياط تختلف عن الشوارع في بلدنا‪ ..‬فهو‬
‫يعرف أين يذهب في الوقات التي بها اختناقات مرورية وقت خروج الموظفين‪ ..‬والعمال لزوم‬
‫عمله ‪ , ...‬أما كلمة التنظيم المقصودة ل يعيها ‪ ..‬ول يسمع عنها ‪ ..‬وما خرج منه كان بشكل تلقائي‬
‫‪ ...‬وعندماوصلت المور إلي هذه الدرجة من السوء‪ ...‬رأي أنه كان من الحكمة ‪ ...‬أل يرد فهو‬
‫لم يكن يوماً من اليام يبحث عن بطولة ‪ ...‬وليس مدافعاً عن الحريات والكرامة النسانية‪ ..‬فحياته‬
‫سهلة بسيطة‪ ..‬فلماذا هذا التعقيد الذي أوقع نفسه فيه؟ ‪ ..‬وأضر بالبلدة جميعها؟ ! ‪. ..‬‬

‫أمر العمدة الخفراء بالنتشار علي مداخل القرية ‪ ..‬وفي شوارعها‪ ..‬وتفتيش الذاهب‪..‬‬
‫والقادم والقبض علي كل من يشتبه فيه ‪ ..‬وبدأ هو بإخراج أوراقه المتراكمة ‪ ..‬وهفوات البعض ‪..‬‬
‫وكان أولها محمود القطة ليلهف العشرين فداناً كاملة ‪ .. ,‬هذه فرصة للعمدة ليضرب ضربته ‪...‬‬
‫والنتقام من هؤلء الموات ‪ ,‬لقد أخرج الوراق الموقعة علي (بيلض) وإيصالت المانة‬
‫والشيكات والراضي المرهونة لديه ‪ ..,‬مع مرور الوقت ‪ ..‬بدأ يستحسن العمدة هذا الموقف الذي‬
‫أقلقه‪ ..‬وقتها فهو لم يصنع هذا الموقف العدائي‪ ...‬بل هم الذين بدأوا( والبادي أظلم) ‪.‬‬

‫تم القبض علي معظم أهالي البلدة في اليام التالية بسبب إيصالت المانة والشيكات وهذه‬
‫الوراق الموقعة علي بياض والتي ملها بمعرفته ‪........‬‬

‫‪61‬‬
‫(‪) 10‬‬

‫ل يتوقع أحد منكم أن يخرج من بين هؤلء الناس بطلً‪ ..‬يخلصهم من الجور والظلم‬
‫وضيق ذات اليد‪ ..‬فالحصار المفروض حولهم‪ ..‬وقلة أرزاقها وانكسار الناس فيها‪ ...‬ل يمهد لمثل‬
‫هذه البطولة ‪ ...‬وما صدر من ابن البهلول حالة فريدة ‪ ..‬قد لتتكرر بسبب النتائج التي ترتبت‬
‫عليها‪ ...‬مع أنه عمل بطولي بكل المقاييس التي تعمل بها هذه البلدة الحزينة المكبلة بألف سلسلة‬
‫وألف حزام ‪...‬‬

‫يقول" قشقوش " في كتابه عن الحمال والوزان ‪ ،‬وذكر فيه نظرية العمدة في إحكام‬
‫المصائب علي هذا البلد والمقولة الشهيرة له ‪:‬‬

‫‪-‬ربطه كويس حتي يكون شيلته خفيفه ‪.‬‬

‫فالعمدة يرخي الحبل لعدوه حتي يلفه حول نفسه‪ ..‬ولكن طرفه في يده يجذبه متي شاء ‪.‬‬

‫حمدي زهران ‪:‬‬

‫‪ -‬إن أمر بلدنا عجيب‪ ...‬وكأن أموالها وأرضها وعقاراتها‪ ...‬وضعت في الخرابة وفي‬
‫لحظة واحدة انقضت عليها بلدنا ‪ ...‬فمنهم من أخذ أرضاً ومنهم من أخذ ذهباً‪ ..‬ومنهم من أخذ مالً‬
‫والكثير لم يبق له شيئاً‪ ...‬فبقي هكذا هو ومن بعده من نسله في خدمة من أخذ الموال‪ ..‬والعقارات‬
‫يوجهه‪ ..‬ويمشي تحت سيطرته عبد ذليل ‪ ...‬ولكي تصبح حراً‪ ..‬تعمل عمراً طويلً حتي تتحرر‬

‫‪62‬‬
‫وقد يستغرق عمره كله ‪ ..‬وقد يحتاج إلي جيلين أو أكثر‪ , ..‬وقد تتحرر في أقل من هذا ‪ ..‬ويتوقف‬
‫هذا علي مدي علقتك بالعمدة ‪.‬‬

‫‪ ..‬الساعة السابعة صباحا ً‪.‬‬

‫‪ -‬ألو ‪ ....‬ألو ‪ .............. 10 .... 8 ... 4 ... 2 ....‬ال ‪ ....‬ال ‪........‬‬

‫بط بلدي‪ ..‬بط مولد‪ ..‬ع العربية يا مربية ‪ .....‬عشر فراخ بلدي‪ ...‬بعشره جنيه‬

‫كان يجرب الميكرفون ومدي صلحية البطارية ‪ ,‬وضع قفصين من الجريد ذى الدورين‬
‫بجواربعضهما‪ ..‬أحدهما مليء بالكتاكيت‪ ..‬والخر مليء بالبط ‪ , ..‬ثم وضع عليهما بطانية ميري‬
‫‪ ....‬ووضع الميكرفون فوقهما موجها وجهه للخلف‪ ...‬ودون تفكير وبتثاقل تم جذب بقايا برسيم‬
‫كان قد وضعها أمام الفرس ‪ ....‬وقفز أما م القفصين ‪ ..‬وأمسك ( المايك ) في يده ‪ ..‬وجرب مرة‬
‫أخري‪:‬‬

‫ألو ‪ ....‬ألو ‪ .............. 10 .... 8 ... 4 ... 2 ....‬ال ‪ ....‬ال ‪.‬‬ ‫‪.......-‬‬

‫‪ ..‬ثم قال توكلنا علي ال‪ ...‬وقال‪:‬‬

‫‪-‬بينا يانسمة ‪.‬‬

‫لم يُطلق علي الفرسة هذا السم ‪ ...‬لكنها جاءت به فلم يشأ إل أن يعطيها‬
‫حقها فيه ‪ , ...‬استسلمت نسمة له ‪ ..‬وتطبعت بطباعه‪ ..‬تهدأ عندما يهدأ ‪ ..‬وتجمح عندما‬
‫يثور ‪ ..,‬أحيانا تكون ثورته عنيفة غاضبة ‪ ..‬ومع مرور الوقت يدرك أنه ما ينبغي له أن‬
‫يثور‪ ...‬فيعود حزيناً وديعاً متقوقعاً‪, ...‬لم تكن هذه ( السبوبة ) له‪ ..‬ولكنها كانت ( سبوبة )‬
‫ابن البهلول الذي خرج من السجن ‪ ..‬بعد مرور ثلث سنوات ‪ ..‬قضاها لوقوفه أمام العمدة‬
‫‪ ..‬بعد أن وُجهت إليه تُهم ‪ ..‬الضرار بالممتلكات العامة‪ ..‬والخاصة‪ ..‬علي اعتبار أن‬
‫مضيفة العمدة‪ ..‬تم تكسيرها ‪ ..‬وهي ممتلكات خاصة ‪ ..‬؛ لنها ملك العمدة‪ ..‬وعامة لن‬
‫الناس يستخدمونها في الفراح والمآتم‪ ..‬وتهمتى الجمهرة والعتداء علي رأس السلطة في‬
‫القرية ‪ (, ..‬الحمد ل أن نفد بجلده وأخذ ثلث سنوات فقط) ‪ ..‬خرج من السجن ‪ ..‬فوجد‬
‫اسمه ضمن المستفيدين من التعويضات عن الخسائر التي لحقت به عن ترك العراق ‪ ..‬هو‬
‫وزوجته في فترة الحرب‪ ..‬وصرف مبلغ ‪ 17‬ألف جنيه‪ ..‬ل نعرف ‪ ..‬مالضرر الذي‬
‫أضير به ابن البهلول؟! ‪..‬‬

‫الوليات المتحدة وأممها (جزاهم ال كل خير) ‪ ..‬يحفظون حقوق البشر علي‬


‫كوكبنا‪ ..‬وإل لماذا هي أمم متحدة ؟!!! ووليات متحدة ؟!!!‪ ..‬إنهم يرغبون في عالم متحد‬
‫‪ ..‬ثم بعد ذلك حصل علي مبلغ خمسون ألف جنيه ‪ ..‬كتعويض عن المشروع الوهمي الذي‬
‫‪63‬‬
‫كان يمتلكه في العراق ‪ ..‬وتركه بعد أن قدّم الوراق اللزمة لذلك ‪( , ..‬يتعجب المرء كيف‬
‫قبلت المم المتحدة هذه الوراق)‪ ..‬التي أعدها لنفسه ‪ ، ! ..‬وكأن كلم ابن البهلول‬
‫صحيحاً‪ ..‬ول يقبل المناقشة‪ , ..‬بقي لبن البهلول في ذمة العراق‪ ..‬تسعون ألف جنيه‬
‫نظير الضرار التي وقعت عليه أيضا ‪( , ..‬هل تعرفون ماذا كان يفعل هذا الولد في‬
‫العراق؟!!!‪ - )..‬تعرفون طبعا – وأمريكا والمم المتحدة تعرف أيضاً‪ ..‬ولكنهما تريد ان‬
‫أن تعمل مخالصة مع كل يد تثبت أن لها حق في العراق ‪ ..‬خاصة ابن البهلول ‪ (..‬ولد لبط‬
‫وهيشبط فيهم )‪ ..‬وكأن ليس هناك بشراً‪ ..‬علي أرض الرافدين ‪ ..‬فإذا كان ابن البهلول‬
‫وحده حصل علي مبلغ ‪ 157‬ألف جنيه ‪ ..‬فما ذا سيحصد من أُطلقت يده فيها؟!!‪ ..‬ويملك‬
‫القوة ويُفصل القوانين الدولية ؟‪ ( ...‬أعطنا الجابة ياعم بطرس )‪ ..‬هل أمريكا دفعت من‬
‫رأس الكوم ‪ ..‬أم دفعت من أموالها ثم تتقاضي أموالها مرة واحدة ‪ ...‬لستُ ناقمًا علي ابن‬
‫البهلول!!! ‪ . ...‬فإن مافعله وموقفه ‪ ..‬وما عُوقب عليه‪ ..‬لم يفعله أبطال من بلدنا ‪..‬‬
‫يتشدقون بالحرية وكيفية التغيير ليل نهار ‪ ..‬لم يكن مدفوعاً من أحد ‪ ..‬أو قبض ثمن فعلته‬
‫من جهة أجنبية‪ ..‬فلم يكن يود أن يلعب دوراً بطولياً‪ ...‬فالشيء الطبيعي أن يدافع المرء‬
‫عن كرامته‪ ...‬ووجوده ‪ ..‬ولكن ما فعله في وسط هؤلء ‪ ..‬وفي هذا الزمن بطولة بمعني‬
‫الكلمة‪ ..‬فأنا أتمني أن تدفع له أمريكا أضعافًا مضاعفة ‪ ...‬لكن ( عطاء من ليملك لمن‬
‫ليستحق ) هذا هو المؤلم ‪.‬‬

‫قبل أن يغادر بوش الب البيت البيض‪ ..‬وبعد أن تأكدت هزيمته‪ ..‬انتقم من‬
‫العراق ‪ ...‬بضربها بمئات الصواريخ الثقيلة والمدمرة ‪,‬‬

‫ابن البهلول رغم عجزه‪ ..‬وقلة حيلته قد تزود بمهارات عجيبة للدفاع عن نفسه ‪..‬‬
‫تخرج في وقت الشدة‪ ..‬قد يظن البعض أن أمريكا اشترت ابن البهلول‪ ...‬بهذا المبلغ‬
‫لتضمن حياده ‪ ..‬ولكن أقسم لكم أن هذا الكسيح ليمكن شراؤه‪ ..‬ول يمكن السيطرة عليه‬
‫ول يمكن التنبوء بما سيصدر عنه ‪ ..,‬لو دفعت أمريكا لكل مصري مبلغاً مساو لما دفعته‬
‫لبن البهلول فلن يعادل خسارتنا الكبري من العراق ‪.‬‬

‫يقول " قشقوش" في كتابه ( فن اللهط )‪:‬‬

‫‪ -‬إن العراق كانت محفظة كبيرة مفتوحة ليد كل مصري( جزاك ال يا عم بوش) ‪.‬‬

‫أُغلقت العراق علي ساكنيها ‪ ..‬محاطة بطائرات أمريكية وأجنبية( لك الويل يا عراق) ‪.‬‬

‫‪ ...‬أتدرون من هذا الذي يركب العربة ( الكارو ) ‪ ...‬والذي وضع عليها قفصين مملوءين‬
‫بالكتاكيت‪ ..‬وقد أرخي رأسه لسفل‪ ..‬وهو جالس عليها‪ ،‬وقد ارتدي جلباباً عليه جاكت بدلة قديم‬
‫‪ ...‬كان قد جلبه من العراق ‪ ...‬وفعل الزمان به فعلته من ثقوب وتمزقات‪ ...‬أتدرون من هذا الذي‬
‫أطلق لحيته ‪ ...‬وأصبح كمجاذيب السيدة ‪....‬ل يدري من أمره شيئا ً ‪ ،‬ول يعرف متي ستحطم‬

‫‪64‬‬
‫أمريكا ما بقي من هذا البلد ذو الحضارة العريقة‪ ...‬أتدرون من هذا المنادي‪:‬‬

‫‪ ... -‬بط بلدي ‪ .......‬بط مولد ‪. ....‬‬

‫إنه حمدي زهران الول علي مدرسة الشهيد جمال الدين عبد الكريم‪ ..‬والحاصل علي تقدير‬
‫جيد جداً في السنة النهائية بكلية الحقوق ‪ , ...‬كان عندما يرخي رأسه‪ ..‬وينظر لسفل ‪ ..‬يتذكر‬
‫هؤلء الناس من جلدتنا ‪ ..‬الذين كانوا يتبرزون عند محول أبو قرعة ‪ ..‬وهم يرخون رؤسهم‬
‫لسفل‪ ..‬ويعتلون‪ ..‬هو ليعتلى‪ ..‬بل يهز رأسه‪ ..‬يميناً ويسارا ً‪ ..‬ول أعتقد أنه يفعل ذلك خزياً‪..‬‬
‫فمن منك يستطيع أن يأتي بخطأ أوفضيحة ارتكبها ليسقط رأسه لسفل ‪ , ...‬ليوجد إنسان فاضل‬
‫في بلدنا يمارس عملً‪ ..‬في هذا البلد‪ ..‬ولكن كان يأتي بسرحته من خارجها‪ ...‬وهكذا فعل حمدي‬
‫زهران ‪ ...‬ذهب إلي البجلت حيث تغرب شمسنا‪ ..‬فتسقط فيها بل رحمة ‪ ..‬دائما ًوأمام أعيننا ‪.‬‬

‫لقد تم تحييد حمدي من كل المسائل‪ ..‬رغم اعتراضه علي أن يصبح ابن البهلول صاحب‬
‫سبوبته‪ ...‬ولكن كما يقول السياسيون( سياسة المر الواقع)‪ , ..‬أحيانا يتمني حمدي زهران أن‬
‫يكون ابن العمدة فلو أنها كانت كذلك ما ضربه محمود القطة ‪ ...‬ولت ّم تعيينه مباشرة في النيابة ‪ .‬أما‬
‫العبد ابن البهلول‪ ..‬لقد نال حريته وأصبح سيدًا ‪ ..‬رغم أنه دخل السجن ‪ ..‬قد يري البعض أنها‬
‫عقوبة نظير جريمة ارتكبها ‪ ..‬إل أنه علي القل فعل شيئاً لنفسه‪ ..‬فقد أصبح خارج حسابات هذه‬
‫القرية ‪ ..‬وخارج حسابات العمدة نفسه‪ ..‬الذي أصبح يتلشاه ‪ , ..‬أصبحت النظرة إليه مختلفة ‪..‬‬
‫حتي قبل مجيء الفلوس من العراق‪ ..‬لقد أصبح بطل ًفي نظر هؤلء المطحونين‪ ..‬الذين يتبرزون‬
‫بذور الجلويين‪ ..‬ثم يأكلونه ‪ . .‬ويربون الدود في الجبنة القديمة ويأكلونه ‪ , ..‬أرأيت شعباً في‬
‫العالم يأكل الدود‪ ..‬وهو مستمتع‪ ..‬وكأن من ليس عنده مش بدوده ل يستحق الحياة‪ , ..‬إنهم‬
‫يستحقون الحياة ‪ ,‬لم يباه ابن البهلول بكونه فعل ما فعل‪ ...‬أو أنه أصبح من أرباب السوابق ‪..‬‬
‫فيجب أن تُخلي له الطرقات‪ ...‬ولم يفاخر بالثروة الجديدة ‪ ..‬التي هبطت عليه من السماء‪ ...‬كما‬
‫يقول ‪ , ...‬وقد يقول البعض ‪ ..‬أن ابن البهلول قد فرح بهذه الفلوس ‪ , ...‬فهو أكثر الناس نعرفه‬
‫بالعراق ما كان يجب أن تمزق العراق هكذا ‪ ..‬أو توزع ثروتها كالرث‪ ..‬وعندما قال له‬
‫"قشقوش" ‪:‬‬

‫‪-‬زعلن علي العراق قوي‬

‫( إذا خرب بيت أبوك خذ لك منه قالب )‪..‬‬

‫فقال له‪:‬‬

‫‪-‬أنت ليس عندك أصل ‪.‬‬

‫حمدي زهران أصبح آخر السلم الجتماعي ‪ ...‬وقد أحب ابن البهلول ‪ ..‬واحترمه‬
‫لمواقفه التي لم يستطع في يوم ما لن يكون له موقف كما فعل هو‪ , ...‬هو الوحيد الذي‬
‫‪65‬‬
‫حاول أن يساعد صديق العمر جمال ‪ ...‬وإن كانت هذه المساعدة قد أودت بحياته‪..‬‬
‫‪.‬لكنه حاول‪ ..‬وإن كان قد دفع ثمنها هو نفسه بعدها ‪ ...,‬هو الكسيح الذي صمد أيما صمود‬
‫‪ ...‬ولم يحس بالخزي والعار يوماً‪ ...‬ويعتبر نفسه لم يرتكب عملً شائناً في حياته‪...‬‬
‫وبالذات عمله كمتسول‪ ...‬فأغلبية الشباب القوياء ل يجدون العمل‪ ...‬ول الكل ول‬
‫المأوي ‪ ..‬فما بالك‪ ..‬وهو الكسيح كيف يعيش ؟‪ , ...‬خرج من السجن قويًا منتصراً‪...‬‬
‫وخرج حمدي كسيراً ذليلً فاقد للحظة ‪ ...‬غير مدرك كيف يتصرف ‪ , ...‬لقد خرج العبد ابن‬
‫البهلول إلي الحرية ‪ ...‬ودخل حمدي زهران إلي العبودية ‪.‬‬

‫في شوارع البجلت التي تقع فيها شمسنا عند الغروب‪ ...‬وبعد أن يكون قد قطع مسافة ‪5‬‬
‫كم هي طول الطريق الزراعي الذي يربطنا بها ‪ ..‬ويكون قد هيأ على أطرافها بتجربة الميكرفون‬
‫مرة أخري ‪ , ...‬قطع شوارع البجلت أيامًا طوال عرف شوارعها ‪ ..‬وقابل زملء له في المدارس‬
‫والجامعة ‪ ...‬ولم يكن يتخيل أحد أنه هو‪ ..‬ليدقق النظر فيه ‪ ..‬وربما نظر إليه أحدهم‪ ..‬وقال في‬
‫نفسه ‪ :‬إن هذا الوجه يشبه وجه شخص ما كنت أعرفه !‪ , ...‬لكل منا حلم مل عليه أفكاره في‬
‫صحوته ونومه‪...‬‬

‫حمدي زهران‪ ...‬لبد أن لديه حلماً ‪ ..‬عاش معه طوال أيام دراسته ‪ , ..‬عندما تنظر إليه ل‬
‫تعرف أنه قد ذهب إلي المدارس أصل ‪ , ...‬لم يلق إل الهزائم المتكررة والنكسارات المتتالية ‪..‬‬
‫فتقوقع ‪ ..‬هو نفسه أحيانا يتساءل ‪:‬‬

‫‪-‬أيها الزمن يا آخر الزمنة أنا من ؟!‬

‫‪ -‬هل أنا حمدي زهران فيما مضي ؟ !!‪.‬‬

‫‪-‬أم أنا حمدي زهران العربجي الذي ينادي علي المربية لتأخذ منه البط والكتاكيت‬
‫؟!‬

‫‪-‬وهو لينكر هذه الشخصية ولكنه لم يخلق لها!!!!‬

‫‪ -‬أنا من ‪ .............‬؟‬

‫‪ -‬هل أنا النسان المتهالك الضائع في بلد ال أبحث عن لقمة عيش مغمسة بالهزيمة‬
‫والنكسار ؟‬

‫‪ -‬أما أنني أبحث عن توهة في دوامة الحياة ؟‬

‫‪ .....‬لم يعد ينطق بأي كلمات سوي ‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ "-‬بط مولد ع العربية يا مربية ‪ ...‬عشر كتا كيت بلدي بعشرة جنيه "‪ ..‬ذهب الصدقاء‬
‫والزمن الجميل ‪ ...,‬ذهبت الصحبة ‪ , ..‬لقد سافر صبري الدمنهوري إلي السعودية‪ ..‬ولم يعد ‪,‬‬
‫وذهب جمال إلي مثواه الخير‪ ، ..‬ولن يعود إلي البد‪ , ..‬وتُركت وحيداً مهمشاً‪ ..‬حتي الحلم لم‬
‫يعد متاحاً ‪.‬‬

‫دار في الزقة والحواري ‪ ...‬ونادي علي بضاعته ‪ , ...‬لم يكن حمدي زهران يبيع البط‬
‫والكتاكيت بالفلوس فقط ‪ ...‬و أحيانا كان يقلد عمه الراحل ‪ -‬القطة ‪-‬البط الصغير في مقابل البط‬
‫الكبير ‪ ...‬وأحيانا في مقابل الرز والبيض ‪.‬‬

‫ماذا يساوي حمدي زهران في سوق النخاسة ؟!‪ ..‬هل يساوي مئة جنيه أم يزيد ؟ !‪ ...‬لفها‬
‫القطة في يده‪ ..‬وكان يتراجع في إعطائها إياه‪ ..‬لول أن دفعه العمدة دفعاً إلي إخراجها في‬
‫المستشفي فألقي بها حمدي بعيدا ؟ ‪ ...‬أم أنه يساوي عشرين فدانًا لهفها العمدة من القطة بضربة‬
‫حظ ‪ ..‬واصطياد في الماء العكر ‪ ..‬بعدما اتخذ من حادثة ابن البهلول ذريعة للدفع بالوراق‬
‫الموجودة لديه إلي المحاكم لتمكينة من أرض القطة ‪ ...‬ومات فيها القطة غير مأسوف عليه ‪ ..‬في‬
‫لحظة تنفيذ الحكم واستيلء العمدة علي الرض‪.‬‬

‫لقد تاجر العمدة بقضية حمدي ‪ ..‬إذا اعتبرنا أنها قضية ‪ ..‬وبداية انزلق نحو الهاوية ‪, ..‬‬
‫ماذا يساوي حمدي في هذا البلد ؟ !!‪ ، ..‬لقد أصبح له سجل في المركز‪ ..‬بأنه سجين‪ ،..‬وهل يصح‬
‫أن يكون للسجين حق في التعيين بالنيابة ؟‪ ..‬لقد دنسوه‪ ..‬ولن تقوم له قائمة‪.‬‬

‫في البجلت التي تقع فيها الشمس ول تشرق منها الشمس ‪ ..‬ربما تشرق من بلد أخري‪..‬‬
‫لكن تعودنا أن البجلت تغيب فيها شمسنا‪ ..‬ونظن أنها غيبة أبدية ‪.‬‬

‫"قشقوش" يسير في شوارع البجلت ليعلن عن " مُولد " سيدي عبد الرازق ‪.‬‬

‫‪ -‬من هذه التي تركب بجوار "قشقوش" ؟ !!‪.‬‬

‫إنها طليقة حمدي زهران ‪ ..‬يجمعون القمح والرز وأكواز الذرة‪ ..‬تبرعاً للصرف علي‬
‫الليلة الكبيرة لمولد سيدي عبد الرازق ‪ ..‬و الذى يقع مقامه في الحدود الفاصلة بيننا ‪ ..‬وبين‬
‫البجلت ‪ ..‬ويقام له مولد اً ًكل عام ‪ , ..‬لنعرف من هو؟ ‪ ..‬ول نعرف السبب الذي من أجله يُحتفل‬
‫به كل عام؟‪ ...‬ولكننا درجنا علي ذلك ‪, ...‬يعملون مسرحًا كبيراً‪ ..‬و يحضرون منشداً مشهوراً ‪..‬‬
‫ويتجمع فيه أهل الطريقة التي ل نعرفها أيضا ‪ ...‬ويأتي باعة الحلوي واللعاب النارية والمزامير‬
‫والطرابيش‪ ...‬وفي آخر الليل ينام أهل الطريقة رجالً ونساءً فى أحضان بعضهم البعض في خيام‬
‫‪ ..‬ل تربطهم أي صلة قرابة‪ ..‬إل أنهم إخوة في الطريقة ‪ ..‬ول نعرف ما هذه الخوة ‪ ...‬ويستمر‬
‫ذلك مدة أسبوع قبل إقامة الليلة الختامية ( الكبيرة )‪ , ...‬ثم ينتقل هؤلء الخوة إلي مولد آخر‬
‫حسب الجدول الموضوع ‪ (.‬عبث هذه الحياة )‪. ..‬‬

‫‪67‬‬
‫"قشقوش" وزوجته يجمعون التبرعات للصرف علي المولد‪ ..‬يتقاسم باقي الحصيلة بعد‬
‫الصرف علي المولد عمدة بلدنا‪ ..‬وعمدة البجلت مناصفة‪ ..‬بعد أن يكون" قشقوش" قد أخذ حقه‬
‫مسبقاً كما يحلو له‪ , ..‬طليقة حمدي تجلس جوار" قشقوش" فرحة علي العربة الكارو ‪ ..‬وتحتضنه‬
‫حينما تميل العربة بهما ‪ ...‬وتضحك حينما تعتدل‪ , ...‬حمدي يتمزق في هذا الشارع الضيق الذي‬
‫حوصر فيه‪ ..‬ليس بسبب زواجها من "قشقوش" ‪ ..‬ولكن ندمًا علي زواجه منها ‪ ..‬كيف تاه حمدي‬
‫يومًا ما‪ ..‬وتزوج من هذه القبيحة التي تجلس بجوار" قشقوش "التي أصبحت تشبهه (الطيور علي‬
‫أشكالها تقع)‪ . ...‬هل يصلح أن يكون هذا الشاب وكيلً للنائب العام ؟‪ ...‬أو حتي يكون محاميا‬
‫لمعاً‪ ...‬وتكون هذه زوجته‪ , ..‬ولكن هيهات لقد أصبح" قشقوش" ‪ ..‬وحمدي في قطار واحد‬
‫ولكن "قشقوش" يجلس في عربة الدرجة الولي‪ ..‬وقد أمسك بمقاليد المور‪ ..‬وسيرها ‪ ..‬وعاش‬
‫‪ ..‬ل ينغص صفو حياته شيئاً‪ , ..‬وتفوّق أيضا في المساك بلجام بنت القطة‪ ..‬وسيرها أيضا كيفما‬
‫يشاء ‪ ..‬وهي تركب جواره علي العربة‪ ..‬وحمدي وحيداً‪ ..‬ليس بجواره أحد ‪ (.‬عجبي ! )‪..‬‬

‫يقول قشقوش في كتابه " عن الجنس "‪:‬‬

‫‪ -‬إن الرجل الذي يقوم " بتظبيط " المرأة ‪ -‬علي حد تعبيره ‪ -‬يمسك لجامها ‪..‬ويوجهها كيف‬
‫يشاء ‪ ..‬ويبدو أن حمدي لم يقم " بتظبيطها " ‪..‬وإل قد دللته كما تدلل " قشقوش" الن ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫( ‪) 11‬‬

‫‪-‬إلي أين يا ابن زهران ؟ !‪.‬‬

‫‪-‬إلي أين المآل ؟!‪.‬‬

‫كبرت ذنوبك وكثرت وحدتك‪ ..‬واقتربت من الهاوية ‪ ,...‬عربة كارو! وفرس‪ ..‬وبط ‪..‬‬
‫وكتاكيت !‬

‫(أيها العربجي اللمع )‬

‫كان ركوب العربة مهينا يكسر ويذل نفسه‪ , ....‬لم يُخلق لهذا العمل ‪ ...‬قضي الليل هائماً‪..‬‬
‫حزيناً‪ ( ..‬أحيانا يقبل النسان أي شئ من أجل الطعام‪ , ...‬وعندما يندمج في العمل وتمتليء بطنه‬
‫يجد نفسه مؤرقًا غير راض بما قسم ال له بحجة أنه ليناسبه )‪.‬‬

‫بعد مرور الزمن أحس أن كلية الحقوق لم تعد تشغل باله ‪ ,‬فهي لم تعد تليق به ‪ ...،‬ول يليق‬
‫لها ‪ ,‬مضي الزمان ‪ ,‬أصبح ل تربطه بالزمن الماضي أية صلة ‪ ,‬إل أنه ليقبل أن يوضع في مرتبة‬
‫"قشقوش" علي القل ‪.‬‬

‫‪ -‬نعم سيغادر‪ ..‬لم تعد هذه بلده‪ ..‬ولم يعد هؤلء ناسه‪ ..‬ولكن إلي أين ؟!!!‬

‫عندما سيأتي ابن البهلول في الصباح سألقى له ببطه وكتاكيته في الشارع؛ ليزحف خلفها‬
‫جلب المصائب هذا ‪( ,‬عندما يسخط النسان فإنه يضيق حتي بمن قدموا له المعونة والمساعدة أو‬

‫‪69‬‬
‫الحسان) ‪ ...‬ألم يعد لديك لول مرة شيئًا تملكه ؟‪ ..‬لقد أصبح لديك عربة تستطيع أن تحمل‬
‫عليها من ستتزوج مستقبل ‪.‬‬

‫لقد استفاد حمدي زهران من العراق في زهوها ونكستها‪ , ..‬استفاد منها طالباً واستفاد منها‬
‫بعدما أتت تعويضات حرب الخليج لبن البهلول ‪ ،‬فعمل معه وأصبح لديه عربة وفرس ‪ .‬لم يكن‬
‫ابن البهلول جلبًا للمصائب كما وصفه‪ ...‬ولكنه حاول بقدر ما يستطيع فعندما حاول أن يساعد‬
‫جمال لم يكن يود أن يضع رأس جمال في الطين‪ ...‬أو يهينة أو إخفاء شيء في نفسه لجره إلي‬
‫طريق ل يرغب فيه جمال‪ ...‬فلم يكن ابن البهلول صاحب عقدة‪ ...‬أو كان يحقد علي جمال ‪ ..‬أو‬
‫حمدي ‪ ..‬فلم يكن أي منهما متكبرا ‪ ..‬ليكسر أنفه ‪ ..‬ولم يقصد اصطيادهما واحداً بعد الخر‪..‬‬
‫ولكنها كانت محولت للمساعدة‪ ..‬ربما تصيب ‪ ..‬أو تخيب أو ‪ ..‬ربما تأتي بكارثة‪ ..‬فهو ليس له‬
‫يد في هذا ‪.‬‬

‫(عندما تكون ضعيف هزيل وترتكب خطأ واحداً‪ ... ،‬فتزل قدمك وتهوي ‪ ..‬ول تجد من‬
‫يأخذ بيدك فقد تبقي في الهاوية إلي ما شاء ال ‪ ..‬وقد ترتكب حماقات‪ ..‬وأخطاء ‪ ..‬لكن ظروفك‬
‫تمكنك من عدم السقوط فل تهوي ول تبلي) ‪.‬‬

‫بلي حمدي وأصبح عديم الوجود أشبه بالموات‪ ..‬ل حس ‪ ..‬ول خبر‪ ..‬لم تعد تحس‬
‫بمروره بجوارك ‪ ..‬ول تسمع صوته‪ ..‬ول يمكن أن يباهي به أحداً ‪ ,‬لم تعد سيرته تأتي في أي‬
‫مجلس نسي وُنسي ‪.‬‬

‫لم يعد يتذكر أحدًا إذا كان متعلماً‪ ..‬أو أجيرا عند ابن البهلول‪ ..‬فقد أصبح ابن البهلول أكثر‬
‫شموخاً‪ ..‬وأكثر تأثيراً من حمدي زهران ‪ ..‬وقد استثمر كل المواقف التي واجهته‪ ..‬بما فيها‬
‫مواجهة العمدة‪ ..‬وموقف العمدة منه‪ ..‬فقد رمي طوبته في الوقت الراهن‪ ..‬ولكن هل العمدة نساه ؟‬
‫‪ ..‬فل يمكن أن يقبل أن يتفلطح ابن البهلول‪ ..‬ويصبح هذا الكسيح رمزاً من رموز القرية بعد أن‬
‫كبرت تجارته ‪ ..‬وأصبح صاحب مزارع للدواجن ‪ ..‬ومصنعًا للعلف ‪ ,‬لقد أخذ ابن البهلول‬
‫السبوبة إياها‪ ..‬والتي لم يكن قد دفع حمد ى ثمنها واشتري منه العربة والفرس بسعر أكبر من‬
‫سعرهما ‪ ..‬وسأله إن كان يريد مالً ؟ وأحس حمدى بالمتنان لهذا الشخص الكسيح طيب النفس ‪.‬‬

‫(قد يبيع النسان بيته‪ ، ..‬وقد يبيع أعز الشياء لديه للضرورة‪ ..‬ولكن كيف يبيع الصحبة‬
‫والونس؟!!) ‪.‬‬

‫عندما سحب ابن البهلول الفرس من لجامها ‪ ..‬ويمل الضحك وجهه وأساريره ليست شماته‬
‫ولكن فرحاً باقتنائها ‪ ,‬كان حمدي قد طفرت من عينيه دمعة‪ ..‬كما طفرت دمعة من الفرس فراح‬
‫يمسح دمعتها ويقبلها في جبينها ‪ ..‬وركنت هي برقبتها على صدره وراحا يبكيان ‪ , ..‬ليس لديه حل‬
‫ليبقيها لو كانت زوجة‪ ..‬أوصديقة لكانت أخف وزنًا ‪,‬أكثر طوعًا في تجواله‪ ..‬ولكن هيهات فقد‬
‫ودع عمله كعربجي‪ ..‬ولم يعد في حاجة إليها لقد طلقها بالثلثة ‪ ,‬لم يستطع حمدي أن يحافظ علي‬
‫شيء أحبه ولكن له الحترام ‪ , ..‬ولم يطعن أحد في ظهره كما طعن حمدي ‪ ,‬وإل كيف يسجن عن‬
‫‪70‬‬
‫قائمة أثاث غير موجودة ونفقة‪ , ...‬وهو ليستطيع حتي النفاق علي نفسه ‪ , ..‬وهو في‬
‫خدمة الوطن حينها‪ , ..‬لقد وقع بين مطرقة القطة وسندال الخدمة العسكرية يبدو أن هناك يداً خفية‬
‫تعبث من خلفه ‪ ..‬وتحاول كسر أنفه وكبريائه ‪ ..‬ل نريد في هذا البلد أي رأس مرفوعة ‪ , ..‬يقول‬
‫"قشقوش ‪:‬‬

‫‪ "-‬من ليملك قوته ليملك حريته "‬

‫‪ -‬يخرب بيت أبوك يا " قشقوش "‪ ..‬تملك قوتك ‪ ،‬ول تملك حريتك ‪ ...‬أصبحت‬
‫أكثر غني‪ ..‬من سكن هذا البلد منذ أمد بعيد ‪ ..‬لكن بقيت صنيعة العمدة‪ ..‬ويده‬
‫الخفية حتي حينما سجنك كنت تساوم ابن البهلول للعتذار للعمدة في مقابل‬
‫إخراجه من السجن ‪.‬‬

‫لقد فضت بكارة حمدي دون عقد زواج‪ ..‬فمشي بفضيحته يخفيها ‪ ..‬ويحاول الهروب منها‬
‫‪ ..‬ويشهد ال أن حمدي زهران‪ ..‬سيخرج من هذا البلد غير مرتكب لي جرم في حق أحد‪ ..‬أو‬
‫قفز علي بيت أحد وسرقه أو قيل أن حمدي أمسك به عند إمرأة ليل ‪ ,‬ولكنه أصبح صاحب فضيحة‬
‫بدون ذنب ‪ ..‬فعوقب ‪ ..‬وتم تجاهله ‪ , ..‬فكبرت في رأسه فكرة الخروج من هذا البلد ‪ , ...‬لم يعد‬
‫لديه عيش هنا ول صحبة ‪ , ..‬كانت كل الطرق مغلقة في وجهه‪ ..‬وضاق تفكيره ولم يعد يعرف‬
‫كيف يتصرف‪ ..‬وبأي وجه يعيش في هذا البلد الذي كان يكن له الحترام‪ ..‬في يوم ما ‪ ..‬فلو‬
‫قُدرت مصيبة حمدي بالمال لكي تلتئم هذه الجروح‪ ..‬وتعود إليه كرامته المهدرة ‪ ..‬فكم يحتاج‬
‫ليفعل ؟‬

‫‪-‬مئات اللف‪ ..‬ومن الذي سيقوم بتعويضه‪ ..‬ومن الذي سيعطيه ‪ ..‬كي يتحرر‬
‫من العبودية الجديدة ‪ ، ..‬كانت بضع دراهم أو بضع دنانير كافية لتحرير النسان‬
‫في الجاهلية ‪ ..‬أما في اللجاهلية فكم يحتاج ؟!!‪ ..‬ومن أين يحصل عليها ؟ !!‪..‬‬

‫حسب حمدي زهران هذه المور في رأسه‪ ..‬وقال ‪:‬‬

‫‪-‬كم تحتاج يابن زهران ؟ مئة ألف مائتا ألف‪ ..‬حتي هذه لتستطيع أن تصنع منك‬
‫شخصاً طبيعياً‪ ..‬الشيء الطبيعي أن يتخرج فيجد عمل ً‪ ..‬وهذا كاف لبث‬
‫الطمانينة في نفسه ‪ ..‬وربما كان يستطيع الحفاظ علي " مقصوفة الرقبة " هذه‬
‫ابنة محمود القطة‪( , ..‬في المركب الغارق يرمي النسان بالغالي والنفيس)‪..‬‬
‫وكانت مركب حمدي غارقة ‪ ..‬غارقة ‪ ,‬أقسم أمام المسجد الكبير بعد أن حمد‬
‫وشكر وقال ‪:‬‬

‫‪"-‬من يهده ال فهو المهتد‪ ،‬ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً "‬
‫‪71‬‬
‫‪ -‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬لو تم فرز القرية شاباً ‪..‬شاباً وشيخاً ‪ ..‬شيخًا ‪ ,‬وحتي امرأة ‪ ..‬امرأة‪ ..‬لن نجد‬
‫مثيلً لبن العمدة البار‪ ..‬الذي تربى علي الخذ بيد الضعيف‪ ،..‬ومساعدة‬
‫شبابها‪ ..‬و الحسان إلي أهلها ‪ , ..‬ثم شمر عن ساعديه‪ ..‬ونظر يمينة ويسرة ‪..‬‬
‫وعلت نبرة صوته ومن غير ابن العمدة الذي نشأ في بيت العمودية ؟‪ ..‬من‬
‫يصلح أن يدير شئونها ؟!!‪ ..‬إنه لم يخلق إل للعمودية‪ , ..‬كان يجلس بجوار أبيه‬
‫في المقدمة يلبس عباءة مطرزة وجلباب بلدي من أجود أنواع الصوف ‪.‬‬

‫هو اليوم ل يرتدي جلبابًا قصيراً‪ ،‬ول يجري خلف الطفال ‪ ..‬ول يقوم بعملية التصوير‬
‫علي طريقته الخاصة ‪ ..‬مع أن الموقف اليوم يحتاج إلي لقطة لتُسجل في التاريخ منه هو نفسه‪..‬‬
‫يلتقطها للمام ورواد الجامع‪ ..‬وحتي للعمدة الكبير شخصياً‪ ...‬ليري سوء عمله إنهم يقومون‬
‫بتلميع الجهلة وإضاعة مواهب البلد وقدراتها ‪ ..‬ربما نستفيد منه في أخذ لقطات تذكارية‪ ..‬بعد‬
‫الصلة ذهب المأمومون بتثاقل ليسلموا علي العمدة وولده‪ ..‬لعطاء البيعة والوفاء ‪ ..‬والعمدة‬
‫يقدمهم له ‪ ..‬ويضحك‪ ..‬وكأنه ل يعرفهم سواء أعطوه البيعة ‪..‬أم لم يعطوه‪ ..‬فهو قد أصبح عمدة‬
‫‪ ..‬منذ أن صرح إمام المسجد بذلك‪ ..‬لقد أراد العمدة أن يزرعه زرعاً في العمودية‪ ..‬فبل رحيله‬
‫وسيدير هو العمودية من خلله ‪ , ..‬تمت البيعة في الجامع الكبير‪ ..‬حتي ل يكون هناك اعتراض‬
‫من أحد‪ ..‬وإن كان ل يجروء أحد أن يعترض‪ ..‬ولكن لقطع اللسن‪ ..‬تمت في هذا الجامع الذي‬
‫يذهب إليه أكبر عدد من رجال البلدة للصلة‪ ..‬حتي ينتشر الخبر انتشاراً سريعًا ويقوم العمدة‬
‫برتيب أوراقه علي هذا الساس‪ ..‬إن أمر العمدة ليعني حمدي زهران في شيء‪ , ..‬فهو لم يذهب‬
‫ل منه ‪ ..‬ولكن ل يود أن يشارك في مهازل‬ ‫إلي أي صندوق انتخابات في حياته‪ ..‬وهذا ليس تكاس ً‬
‫ل ترجي منها فائدة‪ ..‬فهو يعتبر أن هذا العمدة ليس عمدته‪ ..‬ول رئيس الوزراء نفسه رئيسه ‪..‬‬
‫ول رئيس الجمهورية رئيسا ًله ‪ ..‬فلم يشارك يوماً في اختيار أحدهم ‪ ..‬ول حتي الرئيس بوش‬
‫الب‪ ..‬ول كلينتون ول رؤساء العالم ليسوا رؤسائه‪ ..‬لن أحداً لم يستشيره في رئاسته‪ ..‬ليجب‬
‫أن يكون ابن العمدة الجاهل رئيسًا لحمدي‪ ..‬ول لصبري الدمنهوري‪ ..‬الذي رحل إلي السعودية‪..‬‬
‫وانقطعت أخباره وقد أصبح بيتيه الذي كان أقصر البيوت في القرية أطولها ‪ , ..‬وليمكن أن يكون‬
‫رئيسًا للمرحوم جمال شطة ‪ ..‬الذي لو كان بيننا الن ‪ ..‬لصنع فى جلبابه كما كان يفعل ابن العمدة‬
‫في صغره‪ , ..‬لقد أصبحت البلدة علي الترتيب التالي العمدة ومن تحته ابنه "قشقوش " ‪ ..‬ثم ابن‬
‫البهلول غير المرغوب فيه من الوائل ‪.‬‬

‫إن التفكير بأمر العمدة‪ ..‬وغيره يفوق تفكير حمدي وقدراته‪ , ..‬إذا كان حمدي ليستطيع‬
‫تسيير أموره‪ ..‬فكيف يفكر فيما هو أكبرمنه؟ ‪..‬‬

‫‪72‬‬
‫في الليل استيقظ حمدي علي أصوات تكسير باب بيته الخلفي‪ ..‬فانزعج وقام مسرعاً ‪,‬‬
‫(ياقوم أتدرون ماذا يحدث في بيت حمدي )؟!!!‪...‬‬

‫يحدث الن ما يُبكي‪ ..‬ويُذهل العقول‪ ..‬إنه يوم شبيه بيوم دخول القطة عليه‪ ..‬وضربه ‪..‬‬
‫لكن ما حدث من القطة‪ ..‬كان نهاراً جهاراً‪ ، ...‬أما مايحدث الن‪ ..‬فهو في ظلمة الليل الهالك ‪..‬‬
‫لقد طلقته زوجته بالثلثة ‪ ...‬ول يدري إلي يومنا هذا لِمَ لم يقنعها حمدي بنفسه ‪.‬‬

‫الليلة أثبت الحيوان الخرس أنه أكثر وفاء من بنت القطة ‪ ..‬وأن حمدي طيب العشرة‬
‫ويمكن أن يتمسك به حيوان أخرس‪ , ..‬ول يود هجره حتي لو باعه حمدي‪ , ..‬لقد اقتحمت الفرس‬
‫باب منزله ودخلت باكية ‪ ..‬فاحتضنها حمدي وتعجب هو الخر‪ ..‬هل هناك شخص علي وجه‬
‫البسيطة يتمسك بحمدي مثل هذا التمسك ؟ ‪ ..‬ما الذي فعله لها ابن البهلول كي تتركه‪ ..‬وتعود‪..‬‬
‫هل لم يستطع ( تظبيطها ) هو الخر ؟!!!‪ ..‬كما يقول" قشقوش" ‪ ..‬وما الذي فعله حمدي لتعود‬
‫إليه باكية حمراء العينين ‪ , ..‬إن الموقف مؤثر بالنسبة لحمدي ‪ ..،‬وهو الذي لم يرَ إل الجحود‬
‫والنكران من البشر‪ , ..‬عززت موقفه هذه الفرس‪ ..‬وجعلته يحس للحظة بوجوده‪ ..‬وأنه ما زال‬
‫علي قيد الحياة‪ ..‬وأن هناك من يرغب فيه ويود العيش معه‪..‬‬

‫أتي ابن الهلول بكرسيه خلفها‪ ..‬ونظر إليها ‪ ..‬وسحبها حمدي من لجامها ‪ ..‬ومشي‪..‬‬
‫فتبعته الفرس‪ ..‬وخلفهما ابن البهلول متعجباً ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫( ‪) 12‬‬

‫أخرج كولن باول من جيب بذلته النيقة أنابيب اختبار ‪ ..‬وأخذ يوجهها في إتجاه‬
‫الكاميرات ‪ ..‬وأمام مجلس المن( أعلي سلَطَة – بفتح السين او ضمها ليهم ‪ -‬في العالم)‪ ..‬وكأنه‬
‫يقوم بتدريس حصة علوم في مدرسة ابتدائية ‪.‬‬

‫كان" قشقوش " مستلقيًا علي ظهره من الضحك ‪ ...‬بجوار العمدة ‪ ..‬وقام بضرب العمدة‬
‫علي ركبته بحركة ل إرادية من فرط الضحك ‪ ..‬فنفضه العمدة بعصاه ‪ ..‬وقال له ‪:‬‬

‫‪-‬فُوق يابن الكلب‪ ..‬أنت هتعمل رأسك برأسي ؟!!‪..‬‬

‫فاعتدل " قشقوش" ‪ ..‬وقال‪:‬‬

‫‪-‬وال ياحضرة العمدة العراق (راحة ‪ ,‬راحة ) ‪ ..‬لن إللي بيعمله ده‪ ..‬عمل‬
‫حاوي وطالما الموضوع دخل فيه لعب الحواة يبقي فيه ضحك علي الذقون‪، ..‬‬
‫و ليهم ما قاله عزت الدوري‪ ..‬في مجلس المن‪ ..‬فلن يسمعه أحد ‪ ,‬الدوري‬
‫ليس اسمه ولكنه نسبة إلي ( الدورة ) التي نشأ فيها ‪..‬‬

‫فنفضه العمدة بالعصا مرة ثانية‪:‬‬

‫‪-‬شيء له العجب أن يقوموا بتفتيش قصور صدام‪!!.‬‬

‫‪-‬‬

‫‪74‬‬
‫رد عليه العمدة‪:‬‬

‫‪-‬وهو عنده حاجة؟!‪ ..‬لماذا ل يتركهم يفتشون حتي غرف النوم؟!!‪ ..‬وماذا يعني‬
‫هذا ؟؟!!‪..‬‬

‫فقال له قشوش‪:‬‬

‫‪ (-‬فتشني ‪ ...‬فتش )‪...‬‬

‫فهّم بضربه مرة أخري‪ ..‬لول أن رد عليه قشقوش ‪:‬‬

‫‪-‬غباء ‪ ..‬غباء يا حضرة العمدة ‪.. .‬‬

‫(إن كان لبد من وضع تماثيل في مدخل هذا البلد العجوز فالتمثال الول للبغلة ‪ ..‬والثاني‬
‫لبن البهلول‪ ..‬وهانز بيلكس‪ ..‬الذي أحرج أمريكا ‪ ..‬وقال لها ضعي في عينك حصوة ملح‬
‫‪ ..‬لكنها لم تفعل ‪.‬‬

‫حمدي زهران ليستحق تمثال ‪ , ..‬نعم ليستحق تمثال‪ ..‬ول يجب ذكره حتى ‪ ..‬ول يوجد‬
‫أحد في هذا العالم كان يستطيع أن يقف أمامه لول هذا الخنوع‪ ..‬والتردي الذي ساهم فيه بشكل‬
‫كبير ‪ ..‬ولم يصرخ ‪ ..‬ولم يدافع عن حقه‪ ..‬بل مشي في طريق ليس مرسوماً له‪ , ..‬وربما فعل هذا‬
‫ليكون مثاراً للشفقة ‪ ,‬وإن كان لم يصل إلي مرحلة التسول‪ ..‬فلم يعطه أحد ‪ ..‬ولم يطلب من أحد‬
‫شيئاً‪ ..‬بل كانت مشكلته مثار جدل في بعض الوقات ‪.‬‬

‫‪( ..‬خلل زيارة الب بوش للكويت بعد هزيمته في النتخابات تقاضي أجولة من الدنانير‬
‫الكويتية نظير الخدمات التي أداها للكويت وحصد الشهادات الفخرية )‪.‬‬

‫حمدي زهران يحط رحاله في دمياط‪ ..‬سورها حلوي ‪ ..‬وكلبها ماعز ( ابن بطوطة )‬
‫الشارع التجاري ‪ , ..‬ابن البهلول ‪ ..‬بدايات ‪ ..‬وأيام ولت ‪ ..,‬شارع الشرباصي ‪ ..,‬جمال شطة‬
‫والقبض عليه ‪ .. ,‬حمدي ليس في هذا ول ذاك ‪ , ..‬إنه في شارع سوق الخضار القديم الموازي‬
‫لشارع التجاري‪ ..‬و يفصله في بدايته عن التجاري جامع البدري الذي يطل عليه بدورة مياهه ‪.‬‬

‫أصبح العالم بالترتيب التالي ‪ ,‬أمريكا فوق الرؤوس‪ ...‬وأحيانًا تتبدل هذه المراكز مع‬
‫إسرائيل ‪ ,‬يليهما عصبة من الرجال ‪ ,‬بوش ‪ ,‬رامسيفيلد و كولن باول ‪ ,‬تشيني ‪ ,‬تنت ‪ ,‬بريمر ‪.‬‬
‫باعتباره سيصبح والياً مقبلً الخلفة المريكية علي العراق ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫‪ ( ...‬إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر ال وذروا البيع ) كان إعلنا عن‬
‫صلة الجمعة ‪.‬‬

‫قطع حمدي زهران حديثه ‪ ..‬وهمّ بالقيام للمسجد ‪ ,‬التقطت الحاجة عطية بواسطة تليفونها‬
‫المحمول صورة لهذا الشاب ذو الذقن الكثيفة غير المهذبة ‪ ..‬وهو يشد سوسته بنطلونه الممزق التي‬
‫تآكلت أسنانها ‪ , ..‬هل يتذكر أحد أن هذا الشاب قد تخرج في الجامعة؟!!‪ ..‬وهل تعتقد الحاجة‬
‫عطية أن ما يقوله حق‪..‬؟!‪ , ..‬كل ما آمنت به هو أن حمدي رجل طيب تستطيع الن أن تستعين‬
‫به في محل الطيور‪ ...‬وتكسب فيه ثواباً كما قالت لزوجها ‪: ..‬‬

‫‪-‬الشباب اليومين دول في حاجة إلي من يأخذ بأيديهم‪..‬‬

‫كان الزوج قلقاً بعض الشيء من جهة هذا الشاب‪ ..‬خاصة بعد أن أمرته بتنظيم‬
‫( البدروم ) لينام فيه ‪ , ..‬فهو غريب ل أهل له ول وطن ‪ ...‬لول مرة يُساق أحد ليمد‬
‫لحمدي يد المساعدة دون مقابل‪ ...‬و يذهب حمدي إلي الصلة متضرعاً‪ ..‬طالبًا من ال أن‬
‫يفك كربه‪..‬‬

‫رفع يديه إلي السماء ‪:‬‬

‫‪-‬يا إله المستضعفين‪ ..‬انصر عبدك‪ ..‬فالكيل طفح‪ ..‬والزمن يمر‪ ..‬ول معين‬
‫غيرك ‪..‬فكن معيني ‪..‬‬

‫بعد الصلة أراد أن يُقبل يد هذه السيدة الفاضلة‪ ..‬فاستغفرت ال‪ ..‬وقالت ‪":‬ل نريد منكم‬
‫جزاءً ول شكوراً"‪ ..‬ود حمدي أن يبكي ‪ ..,‬كانت السيدة تجلس خلف المكتب ‪ ..‬يكاد النور‬
‫يشع من وجهها ‪ ..‬وقد ارتدت حجاباً‪ ..‬يغطي رأسها ‪ ,‬اصطحبه زوجها ‪..‬‬

‫كان حمدي يري المدينة وكأنه يراها لول مرة ‪ ..‬كما لو أنه كان في غيبوبة واستيقظ منها‬
‫‪ ..‬النساء جميلت رائحتهن ذكية ‪ ..‬والمحلت تبدو وكأنها في يوم العيد ‪ , ..‬كانت الظهيرة‬
‫جميلة ‪ , ..‬كان يحمل في يده كيسا من البلستيك ممزقاً تبدو منه ملبسه الممزقة ‪ ..‬ونفسه‬
‫الممزقة ‪ , ..‬إل أنه اليوم متأكد من أن ال قد سمع شكواه‪ ..‬مر من أمام محل عجلتي‬
‫زغلول‪ ..‬أخذ يتأمل مكتبة الهلف ‪ ..‬والحذية المعروضة في محل أبو صير‪ ..‬ومن بعدهما‬
‫فندق المنشي شامخاً‪ ..‬ومصنع كراتين الحلويات‪ , ..‬والرجل يتقدمه‪ , ..‬لم يتحدثا معاً‪..‬‬
‫ل من أن يصعد لعلي مشياً‬ ‫ولم يأتلفا‪ , ..‬عندما وصل إلي البيت ‪ ..‬نزل الرجل لسفل بد ً‬
‫في طرقات طويلة مظلمة في نهايتها حجرة ودورة مياه ‪ ..‬تفوح منها رائحة العفن ‪ ..‬فقال‬
‫في نفسه ‪:‬‬

‫‪76‬‬
‫‪-‬ما هذا إل بيت مصطفي الفثة ‪.‬؟‪..‬‬

‫ولكن كرم الحاجة عطية معه جعله يتراجع عن هذا التفكير‪ ..‬فحمد ال علي‬
‫هذا الملذ ‪ , ..‬أدخله الرجل ‪ .. ,‬كانت الغرفة مظلمة لها شباك صغير ذو قضبان حديدية‬
‫تطل علي جامع البدري ‪..‬‬

‫فقال في نفسه ‪:‬‬

‫‪-‬ما أشبه هذا المكان بسجن الحوال الشخصية‪ ..،‬ولكنه تراجع مرة أخري وحمد‬
‫ال وشكره‪ ، ..‬وتمني أن يكون الرجل بطيبة زوجته ونقاء سريرتها‪ , ..‬قام‬
‫الرجل بفتح النافذة ‪ ..‬وأمسك بالمقشة وهمّ بتنظيف الحجرة‪ ..‬فأمسك حمدي‬
‫المقشة من يده ‪ ..‬مانعًا إياه ‪ ..‬ليقوم هو بتنظيف الحجرة ‪ ..‬ولكن الرجل أبي‪..‬‬
‫وقال إن الحاجة أوصتني بفعل هذا‪ ..‬ول أستطيع إل أن أفعل ما أمرتني به ‪-‬‬
‫الولء والطاعة العمياء ‪ .. -‬أخلصا وأحب كل منهما الخر و أحضر الرجل‬
‫ملءة نظيفة ‪ ..‬ووسادة‪ ..‬وغطاء نظيف ‪ ..‬فقال حمدي ‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪ -‬ليصنع هذا المعروف إل جمال شطة ‪-‬رحمه ال‪-‬‬

‫حمدي زهران يغط في النوم الشباك الصغير يدخل منه هواء ‪ ,‬صوت طرق‬
‫خفيف علي الباب ‪ ,‬ظن أنه في حلم تتسارع الطرقات ‪ ,‬يصحو ‪ ,‬يفرك عينيه بيديه ‪ ,‬ليدري في أي‬
‫وقت هو‪ ..‬ول يدري أين هو‪ ..‬ول يدري ما هذا المكان ؟ ‪ ..‬وما هذا السرير؟‪ , ..‬ماهذا الشباك‬
‫الذي لم أعهده؟ ‪ ,‬كان الظلم دامسًا في الغرفة والطرقة المؤدية إليها ‪ .. ,‬هو ليس في بيت مصطفي‬
‫الفثة ‪ ,‬عندما تواتيه فرصة النوم يستلقي تاركاً همومه خلفه ونافضًا عنه التعب فيستغرق في نوم‬
‫عميق ‪ ..‬ول يدري أمسه من غده‪, ..‬اختلط في أنفه رائحة الشواء تفوح من أحد الكياس بيد تلك‬
‫المرأة برائحة الملبس الجديدة التي تنبعث من الكياس الخري‪ ..‬و منذ زمن لم يشم رائحة كهذه‬
‫ول ذاك ‪ ,‬منذ أن غادر بغداد لخر مرة ‪ ,‬فقد كان يشم رائحة اللحم المشوي بداية من شارع‬
‫السعدون حتي خروج السيارات من نفق ساحة التحرير‪ ..‬ورائحة الملبس الجديدة في محلت‬
‫الروصدي المنتشرة‪ ...‬في أنحاء بغداد ‪..‬وخاصة في المنصور ‪...‬الذي ظهر فيها صدام حسين‬
‫لخر مرة قبل أن تطبق القوات المريكية علي بغداد بقليل ‪.‬‬

‫حمدي زهران قنبلة من مخلفات الحرب ‪ ..‬كانت في حاجة إلي من يشد فتيلها ‪ ..‬أو لغم‬
‫ينتظر من يدوس عليه بقدمه ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫فرك حمدي زهران عينيه في محاولة لمعرفة هذه المرأة الموجودة أمام الباب ‪ ,‬كانت‬
‫ترتدي روب أحمر ربطته برباط علي خصرها ‪ ..‬بدا خصرها نحيلً بالمقارنة بتكورات جسمها‬

‫التحتية والفوقية ‪ ,‬كان الروب قصيرا جدا لدرجة أبانت منتصف فخذها البيض البض ‪..‬‬
‫وقد أسدلت شعرها خلف رأسها ‪ ..‬وكان عليه بعض البلل‪ ..‬وكأنها خارجة من الحمام للتو ( يا‬
‫خارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخة )‪.‬‬

‫دفعته من صدره للداخل‪ ..‬أل تعرفني؟ ‪ ..‬أنا عطية ‪ ..‬ذُهل وتسمر في مكانه‪ , ...‬كان‬
‫وجهها أبيض مستدير ل تشبه نساء الريف اللئي تشبه وجوههن سمرة الرض‪ ..‬وتشقق‬
‫وجوههن يشبه تشقق الرض ‪ , ..‬أغلقت الباب خلفها وفردت الطعام علي مائدة صغيرة بجوار‬
‫السرير ‪ ..‬وفاحت رائحة الشواء واختلط برائحة عطرها ‪ ..‬فدخل حمدي إلي الحمام مسرعاً‪..‬‬
‫وأخذ يصب عليه الماء صباً‪ ..‬وود لو تحول الحمام إلي بحر ليغمر به نفسه ‪ ..‬بالماء ويبقي تحت‬
‫سطحه إلي آخر العمر ‪..‬‬

‫استعجلته عطية‪:‬‬

‫‪-‬يا أستاذ حمدي الطعام سيبرد‪ ..‬لم يرد ولم يخرج من تحت الماء‪ ..‬نادي عليها‬
‫زوجها من الخارج ارتعدت مفاصل حمدي ‪..‬‬

‫قال زوجها ‪:‬‬

‫‪-‬أتريدين شيئاً قبل أن أنام ؟‪.‬‬

‫فقالت له ‪:‬‬

‫‪-‬نم أنت يا أبا محمد‪.‬‬

‫فخرج حمدي من الحمام ‪....‬‬

‫كانت الحفرة التي لجأ إليها حمدي تشبه كثيراً الحفرة التي لجأ إليها الرئيس المريكي‬
‫جورج بوش عندما ضُربت أمريكا في مقتل لمدة ثلث أيام ‪ ..,‬ل أحد يلوم حمدي علي الختفاء‬
‫(رئيس أعظم دولة في العالم اختبأ ‪ ..‬ولم تظهر عليه ملمح الخزي والعار وقواته تدق صحراء‬
‫أفغانستان وجبالها وطيرها )‬

‫إذا كانت الحاجة عطية تحمل اسم ذكر‪ ..‬فالمرحوم محمود القطة كان يحمل اسم هرة ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫وإذا كانت الحاجة عطية قد كشفت عن ساقيها فقد فعل حمدي نفس الشيء ‪ , ..‬خرج حمدي‬
‫من الحمام‪ ..‬وهو يرتدي (شورت) ل يعرف من أين جاء به‪ ( ..‬الشيء بالشيء يذكر) فحمدي ل‬
‫زال يحتفظ ببعض مظاهر الرجولة ‪..‬‬

‫جلس علي الرض بجوار المائدة ‪ ..‬وجلست هي علي السرير ‪ ..‬حاولت أن تشد الروب‬
‫لسفل‪ ..‬ولكن دون فائدة فهي في الصل ترتديه قصيراً‪ ..‬بدا حمدي لهثاً‪ ..‬كخيل السباق الذي‬
‫اقترب من خط النهاية ‪ , ..‬دائما ليس لديه فرصة لتذوق الطعام الجيد ‪ ..‬حتي عندما توفر له ‪..‬‬
‫وجد شيئاً أقوي جعله ل يتناوله‪ , ..‬لم يعرف ماذا سيتناول ‪ ..‬وتصبب عرقاً فضحكت المرأة ‪..‬‬
‫تساقط الطعام من فيه‪ ..‬أمسكت بقطعة لحم‪ ..‬ووضعته في فيه‪ .....‬لم يعترض ‪.‬‬

‫قوات البحرية المريكية ( المارينز ) تزحف من قناة السويس في حماية مصرية متجهة‬
‫صوب الكويت مرة أخري ‪( ,‬ليستطيع أحد العتراض علي مرورها)‪ ..‬فهناك اتفاقية دولية‬
‫لمرور السفن بأمان وحرية‪ ..‬ول يعرف أحد ما مصير اتفاقية الدفاع المشترك العربية! ‪.‬‬

‫جلست المرأة بجواره وأخذت تطعمه ‪ ..‬وهو يلتهم الطعام دون أن يشعر ‪ ,‬احمر وجهه‬
‫وكأنه يقف أمام فرن لشوي السمك‪:‬‬

‫‪-‬يا خسارتك في البهدله سأجعل منك أكبر محام في البلد ‪.‬‬

‫ضحك باستهزاء ‪:‬‬

‫‪ -‬فات الوان ‪ ,‬لم أعد أصلح‪.‬‬

‫‪ -‬مازلت صغيراً‬

‫‪ -‬القلب شاخ‬

‫‪-‬مازال قلبك كقلب (خسايه)‪...‬‬

‫ضحك مرة أخري وبدأ يفطن أخيرًا بعد مضي العمر أن ما تفعله هو تحلية بضاعة‪ ..‬وغزل سخيف‬
‫‪ ...‬فهو قادم إلى ما تدفعه نحوه‪ ...‬دون حاجة إلي ذلك‪...‬‬

‫(مات مئات اللوف جوعاً وعطشاً أثناء حفر قناة السويس) ‪.‬‬

‫(حتي لو اختفي بوش البن في حفرة‪ ..‬ما كان ينبغي لحمدى أن يفعل ما فعل ‪.)...‬‬

‫‪79‬‬
‫لم تفعل المرأة سوي أن فكت رباط روبها ‪...‬ظهر منها ما ظهر‪ ...‬ولم تكتفِ‪ ..‬بذلك بل‬
‫تخلصت منه ‪ ..‬حتي صارت كيوم ولدتها أمها ‪ ...‬اقتربت من حمدي ‪ ...‬نزعت فتيل القنبلة‬
‫‪ ...‬تحولت الغرفة إلي آهات ‪ ...‬وحشرجات ‪ ....‬حمدي كامل الذكورة‪ ..‬اليوم مع امرأة‬

‫كاملة النوثة‪ , ...‬نامت المرأة بجواره محمرة الوجه ‪ ..‬باسمة ‪ ...‬قبلته مئات المرات ‪...‬‬
‫سألته أين كنت ؟ ! ‪ ..‬لم يجب ‪ ...‬سأجعلك تبلغ عنان السماء‪ ...‬لم يرد ‪ ..‬نار اشتعلت‬
‫وصب عليها الماء ‪ ...‬فانطفأت ‪ ,‬أنت لم تقابل من يعطيك حقك‪ , ..‬كانت هانئة ‪ ..‬وأظهرت‬
‫الندم ‪ ..‬وعدته بأل يتكرر هذا الفعل ‪ ..‬وأنها لم تستطع أن تتمالك أعصابها‪ ..‬وأن هذه أول‬
‫‪ .‬معصية تركتبها في حياتها‬

‫ل كثيراً‪ ..‬يقال لها‪ ..‬يا حاجة‪ ..‬والرجل نفس )‬


‫في هذا البلد عندما تمتلك المرأة ما ً‬
‫‪.‬الشيء ‪ , ..‬والحاجة عطية‪ ..‬لم تذهب إلي بيت ال الحرام ‪ ..‬ول تعرف في أي دولة هو‬

‫انت تعرف يا حمدي انت بتفكرني شبابي‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬أنا لست أصغر منك بل أنت أكثر صباً وشبابًا ‪ ,‬أنت ل تعرفينني‬

‫النسان يعرف من ملمحه أنا كنت مثلك فقيرة ‪ ,‬كنت أحتاج إلي من يمد لي يد المساعدة ‪-‬‬
‫‪.‬وأنا بدوري أمد لك هذه اليد‬

‫ل يعقل أن تكوني قد عرفت الفقرإن مظاهر الثراء واضحة ‪..‬وتحتاج إلي أجيال‪ ..‬كل ‪-‬‬
‫جيل يسلم راية الثراء للجيل الذي يليه ‪ ..‬فل ينضب‪ ..‬ول ينتهي‬

‫لم تفهم ما يقول ‪ ..‬أومأت برأسها‬

‫‪. -‬لم أكن سوي عاملة في مزرعة الجربي في رأس البر التابعة لوزارة الزراعة‬

‫‪ .‬عاملة ؟ ل يعقل ول تدخل الرأس ‪-‬‬

‫وزارة الزراعة كانت بئراً سحيقاً‪ ..‬مليء بالنقود ومزارع للدواجن ‪ ..‬ومزارع للمواشي ‪..‬‬
‫انتشرت علي مستوي الجمهورية ‪ ..‬وكانت كفيلة بإشباع مصر ‪( ..‬لول خراب الذمم‬
‫والضمائر)‪ ..‬و تهدمت المزارع التي تكلفت المليين ‪ ..,‬عندما تمر عليها الن تجدها‬
‫‪ .‬كالبيوت الخربة ‪ ,‬ول تملك إل أن يتمزق قلبك علي هذا الوطن‬

‫‪80‬‬
‫الحاجة عطية هلّبت أموالها كلها من هذا البئر‪ ..‬وهي العاملة ‪ ,‬تم نقلها بائعة في منفذ‬
‫توزيع الدواجن فيأتي إليها مندوب يعطيها الدجاج بأعداد أزيد من المسجل في الدفاتر‬
‫ويقتسم معها نسبة الزيادة‪ , ..‬وعندما تم تخريب هذه المزارع والمنافذ استولت علي المنفذ‬
‫‪..‬التي كانت تقف فيه ‪ ..‬نظير مبلغ ضئيل بعد دخولها مزادًا صورياً‪ ..‬وتواطؤ ورشوة‬

‫وها هي أصبحت حاجة ‪ ..,‬لم تقل لحمدي كل هذه التفاصيل‪ ..‬فإذا كانت هياتم في فيلم‬
‫(غريب في بيتي )كانت سبباً في ضياع المنتخب؛ فإن الحاجة عطية كانت أحد أسباب‬
‫ضياع وزارة الزراعة ‪ ..‬ولكم في مزارع ابن البهلول الشاهقة الناجحة المثل يا أولى‬
‫‪ .‬اللباب‬

‫ملست علي شعره وقبلته تمهيدًا لبداية مارثون جديد‪ ..‬وعدته منذ دقائق أل يتكرر‪..‬‬

‫وها هي تخلف الوعد ‪ ..‬ولم يحاول حمدي التملص منها‪ ..‬بل تجاوب معها ‪ , ..‬إن الفضيلة‬
‫والرزيلة في نظره أصبحت متعادلة‪ , ..‬ولم تعد تأخذ وقتًا في الموازنة ومدي أسبقيتهما علي‬
‫بعضهما ‪ ..‬و ل يحتاج حمدي إلي إثارة‪ ..‬فهو بركان نائم ينفجر في أي لحظة‪ , ..‬وهذا ما أشارت‬
‫إليه الحاجة عطية بإصبعها ‪ ,‬وقالت له ‪:‬‬

‫‪ -‬نعم الذكور أنت ‪ ...‬وتبادل المواقع‪ ..‬وهما متعانقان‪ ..‬هو فوق ‪ ..‬هي تحت ‪ ..‬هو تحت تحت ‪..‬‬
‫هي فوق ‪.‬‬

‫(جولة لوزير خارجية أمريكا حول العالم ‪ , ..‬يجمع أتباعه وأعوانه‪ , ..‬تمهيدًا لقصف العراق بنار‬
‫جهنم ‪ ..‬وكانت الشروط واضحة‪ ..‬معنا أو علينا )‪.‬‬

‫الويل لهذا الجائع الظمىء ‪ ,‬لقد سبقها هذه المرة‪ ..‬وتحركت يده لتتحسس صدرها البارز المتكور‪..‬‬
‫ويركبها هو هذه المرة‪ ..‬وتضحك المرأة ضحكة عالية‪ ..‬وكأن استدراجه لها قد نجح نجاحاً باهراً‬
‫بنسبة ‪. % 99.9‬‬

‫‪ -‬أنت عمرك ما شفت نسوان‪ ..‬الحق يُقال أن الحاجة عطية امرأة تملك إمكانات أنثوية بمعني‬
‫الكلمة تجعل الحجر ينطق ‪ , ..‬جذبته إليها وكأنها لم تعاشر رجلً من قبل ‪.‬‬

‫(يبدو أن الرئيس بوش سيفعل بالعراقيين ‪ ..‬كما فعل حمدي علي مرأي ومسمع منا ‪ ,‬يا للعار‬
‫العرب ! لو التمسنا العذر لحمدي لما مر به أو أنه راغب في تدنيس نفسه والقضاء عليها وبعلم من‬
‫أبو محمد الذي يجلس في الطابق العلوي والذي تغافل عن هذا الفعل فهل هناك عذر للرئيس بوش‬
‫علي ما هو مقدم عليه هو حاشيته وأتباعه وهل هناك عذر لتغافل العرب ‪.‬‬

‫أبو محمد ‪ ..‬في الصباح الباكر‪ ..‬ينزل إلي الغرفة ‪ ..,‬كانت المرأة تنام بجوار حمدي ‪ ..‬وقام بجمع‬
‫الملبس التي استخدمت في الحرب ‪ ..‬وضعها في الغسالة ‪ ..‬بعد أن أعطاها روب آخر‪ ..‬وقال لها‬
‫‪81‬‬
‫قومي استري نفسك ياحاجة‪ ..‬يا للشجاعة ‪ ,‬هكذا تكون الرجال ‪ ,‬فيما تشتد الزمات‪ ..‬وتتفاقم‪..‬‬
‫فيقولون‪:‬‬

‫‪ . -‬نحن لها نحن لها‬

‫( ‪)13‬‬

‫( بغداد تتعرض للقصف الن )‬

‫قوات الجو المريكية تلقي بحمم بركانية علي المدن العراقية ‪.‬‬

‫‪ -‬هل أنت عديم الحساس ‪ ..‬ستة أشهر نائم ‪ ..‬آكل‪ ..‬شارب‪ ..‬ول شغلة ‪ ..‬ول مشغلة ‪..,‬‬
‫ولم تقل له الشيء الخر‪ ..‬الذي من أجله أكل وشرب‬

‫بدا حمدي ضاحكاً ضحكة ناقصة مصممًا علي البقاء في هذا الجحر‪ ..‬رغم أن السيدة‬
‫نهرته وتجرأ عليه أبو محمد قائل له‪:‬‬

‫‪ -‬أشكال بنت وسخة ‪ ..‬إحنا عارفين من أين جئتم ‪ ..‬رمم ‪ , ..‬أول مرة يراه منفعلً ناطقاً‪.‬‬

‫(تم ضرب قصور صدام بقنابل ضُربت بها مخابئ أسامة بن لدن في جبال تورا بورا ‪..‬‬
‫وما حولها)‪.‬‬

‫قشقوش – قشقوش‪ ..‬رمز البغل ‪ ,‬لقد تقدم قشقوش‪ ..‬وبمساندة العمدة للترشيح لعضوية‬
‫مجلس الشعب عن دائرة منية النصر‪..‬‬
‫‪82‬‬
‫(قال هتلر ‪ -‬ول أعرف المصدر‪ :-‬أعطني مالً وجنديًا مصريًا وأنا أغزو العالم‪)..‬‬

‫والعمدة قال ‪ :‬لو أصبح قشقوش عضواً في مجلس الشعب ستصبح البلد بلدنا أكثر من ذى‬
‫قبل ‪.‬‬

‫أتعرفون من العمدة الحالي ؟! ‪ ..‬إنه ابن العمدة السابق ‪ ..‬بقدرة قادر أصبح عمدة‪ ..‬وتولي العمدة‬
‫السابق رعاية المصالح‪ ( ..‬هذا الشبل من ذاك السد) ‪.‬‬

‫وضع ابن زهران يده علي جبهته‪ ..‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬يا ابن زهران خسارة فيك السم ‪ .. ,‬ما العمل ؟ ‪ ..‬وهل سعدت؟‪ ..‬وهل هذه نهاية ترضاها‬
‫لنفسك ؟‪ ..‬أصبحت مثل ثور العمدة ‪ ( ..‬النطة بـ ‪ 10‬جنيه )‪ ..‬ثور العمدة أكثر احتراماً‪ ..‬منك‬
‫فهو يمارس عمله علي القل‪ , ..‬الملبس الجديدة التي أحضرتها له لم يرتديها‪ ..‬ينام ‪ ....‬يأكل ‪...‬‬
‫يبقي عارياً ‪ ..‬تأتي هي بروبها‪ ..‬قبل أن تغلق الباب تكون قد انتزعته عنها‪ , ..‬ل يتبادلن أي‬
‫حديث ‪..‬لم تعد تكمل الليل عنده ‪ ..‬تكمل ارتداء روبها في الطرقة المظلمة‪ ..‬تناكحا مئات المرات‪.‬‬

‫( مُني كل شبر في العراق؛ إما بصاروخ ‪ ،‬أو دانة مدفع‪ ،‬أو قنبلة من العيار الثقيل) ‪.‬‬

‫منعت السيدة عنه التلفزيون‪ ..‬وسلك الدش‪ ..‬حتي التلفزيون‪ ..‬ول نعرف سبباً لما حدث‪.‬‬

‫هل نضب بئر حمدي زهران؟ ‪ ..‬أم لم يعد بنفس الحمية ؟‪ ..‬أم أنها عادت إلي رشدها وتريد أن‬
‫تتوب إلي ال ؟‪..‬‬

‫قال لها أبو محمد‪:‬‬

‫‪ -‬هذه أشكال ليست وش نعمة ‪ .. ,‬الفلحين دول نماردة‪ ..‬وأنا قلت لك من الول‪ ..‬إن الولد ده‬
‫شكله نمرود ‪ ..‬وهيتعبنا معاه ‪ ..,‬ول ندري كيف أتعب حمدي زهران أبا محمد ‪ ..‬وهو قد قام‬
‫بالعمل المكلف به علي أكمل وجه ‪.‬‬

‫" قشقوش"‪ ..‬يا بلد‪ ..‬مرشح لمجلس الشعب ‪ ,‬نام علي وجهه‪ ..‬وأخذ يبكي ‪ ,‬علي القل‬
‫"قشقوش" أحسن حالً‪ ..‬منك قام ‪ ..‬ولعب‪ ..‬وغلب ‪ ..‬مطبقا المثل الذي يقول‪ ( :‬اللي تغلب به‬
‫العب به ) ‪ ..‬وها هو يزحف نحو القمة ‪ ..‬أما أنت فحالك مخزٍ كحال الرئيس بوش‪ , ..‬ولكن‬
‫الرئيس بوش عندما ظهر خجل ًفقد داري خجله بأن صفع العراق ‪ ..‬والعرب مليون حذاء علي‬
‫وجههم ‪..‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -‬كم عمرك يا ابن زهران ؟ ‪...‬‬

‫‪ -‬عمري ؟ ل أعرف ‪...‬‬

‫‪-‬متي خرجت من الجيش ‪ , ..‬أقول أنا ‪...‬‬

‫ل عن ابن رئيس الجمهورية‪ ..‬وغدا أو بعدغد سيصبح رئيس‬


‫‪ -‬عمرك يقل قلي ً‬
‫الحزب الوطني‪ ..‬ومن المؤكد أنه سيصبح رئيسًا للجمهورية !‬

‫‪ -‬ماذا فعلت ؟‬

‫أتقارني بابن الرئيس‪ , ..‬ل وجه للمقارنة ‪ ..‬بيني وبين ابن العمدة ‪ ..‬والذي أصبح عمدة‪ ( ..‬الذي‬
‫نشأ في بيت العمدية طبيعي أن يصبح عمدة)‪ ..‬أما نحن فأولد كلب نشأنا في الخرابات والحواري‬
‫ربنا يسهل لعبيده ‪ ,‬هنبص للناس في لقمتها ‪..‬‬

‫(‪ ..‬المخ يحمل فوق طاقته)‬

‫‪-‬أتريدون الحقيقة كلها ؟‬

‫‪-‬قل لنا يا ابن زهران‬

‫سأقول لكم ‪:‬‬

‫كما يقول العلمة" قشقوش "‪:.‬‬

‫‪ .‬هناك أناس ولدوا ولدة عادية من رحم امرأة أما الخرون فقد جاءوا من ‪ ....‬الجاموسة ‪ ..‬وليس‬
‫من حق هؤلء أي شيئ ‪( , ..‬تصفيق حاد) ‪ .. ,‬لقد أصبح حمدي زهران يتفلسف‪ ..‬علي فراش‬
‫الرذيلة ‪..‬‬

‫(‪ 150‬ألف جندي أمريكى وبريطانى علي أبواب البصرة‪ ..‬في مقابل مليون جندي عراقي و ‪7‬‬
‫مليون من قوات الدفاع الشعبي و ‪120‬ألف جندي من قوات النخبة حرس صدام ‪ ..‬فدائي صدام )‪..‬‬

‫قالت لبى محمد ‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫‪-‬الواد ده ل بد أن يُلقي به في الشارع ‪( , ..‬موقف شبيه بموقف القطة وزوجته)‬
‫عندما قال أن الولد ده لزم يتربى‬

‫( ها هو اليوم يقال له ‪ :‬من أنصاف الرجال ‪ ..‬لبد أن يطرد هل وجد حمدي مكانا يذهب‬
‫إليه ‪ ,‬ولم يذهب ‪ ..‬أم أنه راغب في البقاء بجوار الماء والكل وهذا البئر المفتوح عن آخره ‪ ..‬فقد‬
‫قالت له ك دورك انتهي ‪ ...‬فما الحكمة من البقاء ‪ ..‬إن البئر في حاجة لتغيير ماءه )‬

‫بغداد تتعرض للسحل الن‬

‫متي سيلقي المريكان بمكتبات بغداد في النهر ليعبروا للضفة الخري‬

‫عندما اشتد الحصار علي البصرة ‪ ,‬ووقف المارينز علي أبوابها وسدوا الطرق المؤدية إليها‬
‫تأهبا لمحوها من علي الخريطة ‪ ..‬صرخت إمرأة عراقية لمراسل الجزيرة في البصرة ‪ :‬نحن ل‬
‫نريد طعام من أحد ‪ ..‬عندنا ما يكفي لمدة طويلة ‪ ..‬كل ما نريده هو الماء‬

‫حمدي زهران ل يستطيع أن يفعل كما فعلت هذه المرأة ‪ ..‬فارتمي في حضنها الذي من‬
‫المحتمل أن يكون سبقه إليه كثيرون‬

‫العراقيون يتجهون من الدول المجاورة صوب العراق‬

‫أقامت المم المتحدة خيام للعراقيين ‪ ..‬ولم يذهب إليها أحد‬

‫بغداد شعلة من النار ترتفع في السماء وتهبط‬

‫تم بيع كل شيء في مصر ‪ ..‬لم يبق إل الهرامات وأبو الهول‬

‫إسرائيل تضع عينها علي نيلنا‬

‫ذهبت الحاجة عطية إلي محل الطيور ‪ ..‬هائجة ‪ ..‬ثائرة ‪ ..‬وخلفها أبو محمد ‪ ..‬محاول أن‬
‫يثور مثلها‬

‫قالت له بانفعال ‪:‬‬

‫‪-‬اذهب إلي ابن الكلب واطرده خارج البيت ‪..‬‬

‫‪85‬‬
‫ثم تراجعت وقالت ‪:‬‬

‫‪-‬احضره لي هنا‬

‫ذهب أبو محمد وأحضره من قفاه ‪ ..‬حاول أن يتملص منه دون فائدة‬

‫نظرت إليه المرأة وقالت له ‪:‬‬

‫‪ -‬ما هذا الذي ترتديه ؟ ‪ ..‬أترتدي الملبس التي اشترتها لك أمك ‪ ..‬اخلع هذه الملبس ‪..‬‬
‫فقد بمالي ‪ ..‬ومال الرجل الغلبان الواقف خلفك ‪ ..‬البس ( الخرق ) التي حضرت بها إلي هنا ‪..‬‬
‫أخرجت محمولها وبحثت عن صورته التي التقطتها يوم اللقاء الول ‪ ...‬وأشارت إليه ‪ ..‬يجب أن‬
‫تمشي من هنا بهذه الملبس التي حضرت بها ‪.‬‬

‫دخل عليها الحاج ضياء ‪ ..‬وقد حمله شخصان ‪ ..‬أجلساه علي مكتبها ‪ ..‬هللت عندما رأته‬
‫وهي تحاول خلع القميص المشجر من علي جسم حمدي ‪ ..‬لم يأبه للمنظر في أول المر ‪ ..‬أدار‬
‫رأسه وأخذ يضحك ‪ ..‬سبها ‪ ..‬نظرت إليه وضحكت ‪ ..‬لكنه أعاد النظر مرة أخري ‪ ..‬ربما يكون قد‬
‫رأي هذا الشخص من قبل‬

‫نظر إليها حمدي وقال في نفسه ‪ :‬من هذا الحاج ضياء ‪ ..‬إنه ابن البهلول ‪ ..‬قبل أن يعيد‬
‫النظر إليه ‪ ..‬كان ابن البهلول قد ألقي بنفسه من علي الكرسي ‪ ..‬وزحف علي ساعديه ‪ ..‬جذب‬
‫المرأة من قدميها فأوقعها علي الرض ‪ ..‬وضربها بيده في وجهها‬

‫‪-‬أتدرين من هذا يا بنت الكلب ؟ !! ‪ ..‬وامتلت عيناه بالدموع ‪ ..‬أنت ل تعرفين‬


‫من هو حمدي زهران ‪..‬‬

‫أخرج من جيبه ( رزمة ) من النقود وألقاها في وجهها‬

‫‪-‬اشتري بها ما تشاءين من ملبس يابنت الـ ‪....‬‬

‫التفت إلي حمدي ‪:‬‬

‫‪-‬ما الذي أتي بك إلي هذا الجحر ؟‬

‫قفز علي الكرسي وجذب حمدي إليه ‪ ..‬احتضنه ‪ ..‬وقبله ‪ ..‬والمرأة غير مصدقة لما يحدث‬
‫‪ ..‬لم تستطع أن تتفوه بكلمة في وجه الحاج ضياء الثائر الغاضب‬

‫أخرج الحاج ضياء الدفتر الذي يحتوي علي حسابه من درج المكتب ‪ ..‬جمع حسابه ‪:‬‬

‫‪86‬‬
‫‪-‬أعطيني المبلغ المتبقي عليك الن وإل كسرت المحل فوق رأسك ‪ .‬وآخر مرة‬
‫نتعامل فيها ‪.‬‬

‫‪-‬وال ل أعرف أنك تعرفه ‪ ..‬أو أنك علي علقة به‬

‫‪-‬وهل هذا كافي لهانة إنسان بهذا الشكل‬

‫حاولت استرضاءه بشتي الطرق ‪ ...‬ولكن بل فائدة‬

‫الخامسة عصرا ‪ ..‬كازينو ابراهيم سليمان كان طريا ‪ ..‬كان يأخذ جز ًء من النهر‬
‫وجز ًء دائريا من طريق الكورنيش ‪ ..‬فالجالس فيه يري القادمون من شارع الكباس ولفتات‬
‫لمعرض موبيليات ‪ ..‬محمد هاشم ‪ ..‬حامد هاشم ومن الجانب ناحية النيل يري مبني‬
‫المحافظة عن بعد ‪ ..‬ومقر فرقة زفاف محفوظ ‪ ..‬الشمس تذهب خلف الكوبري الجديد الذي‬
‫يربط دمياط بالسنانية في البر الخر ‪.‬‬

‫حمدي زهران يرتعش ‪ ..‬ينتفض رغم اعتدال الطقس ‪ ...‬ينظر إليه ابن البهلول ‪..‬‬
‫يحرك رأسه يمينا ويسارا ‪ ..‬ينظر إلي القميص المشجر الذي يرتديه حمدي ‪:‬‬

‫‪-‬ما عدد المرات التي تناوبتك فيها هذه المرأة مقابل هذا القميص ؟ !! ‪ ..‬وأي‬
‫طعام أطعمتك ؟ !! ‪ ..‬أهم شيء في النسان الرادة ‪ ..‬وقد أصبحت منزوع‬
‫الرادة ‪ ..‬قديما كنت أجلس أمام هذا الكازينو لستجدي عطف الناس ‪ ...‬اليوم‬
‫أصبحت بداخله ‪ ..‬وأستطيع شراءه لو أردت ‪.‬‬

‫‪-‬هات لي عمل أستطيع أن أمارسه ‪ ..‬لقد فعلت بي هذه المرأة كما تفعل العصارة‬
‫في عود القصب ‪..‬‬

‫‪-‬أستعطي صوتك لقشقوش ؟‬

‫‪-‬ضحك حمدي !! وهو يرتعش وتتخبط أسنانه‬

‫لم يكن حمدي يوما ثوريا ول اشتراكيا ول تابعا لجماعة الخوان أو أنصار السنة أو التبليغ‬
‫‪ ..... ,‬ياه ‪ ....‬كم تبعثر مجتمعنا بين كل هذه العقول الغبية ‪.‬‬

‫‪-‬كيف يكون صوتي صحيحا وأنا منزوع الرادة ‪ ...‬ل أستطيع حتي توفير الطعام‬
‫لنفسي‬

‫( يقول قشقوش ‪ :‬من ليملك قوته ل يملك حريته )‬

‫‪87‬‬
‫عند هذا الحد طلب منه ابن البهلول أن يعودا معا إلي البلد‬

‫‪-‬البلد ؟ !! ‪ ..‬وأي بلد ؟ !!‪ ..‬ولمن سأذهب ؟‬

‫موعود حمدي زهران باللفافات ‪ ...‬لف ابن البهلول لفافة من النقود ‪ ..‬ومد يده ناحية‬
‫حمدي ‪ ...‬لم يمد حمدي يده ليأخذها ‪ ..‬لم يعتريه الخجل من ابن البهلول عندما تقدم منه‬
‫وتصنع أنه سيقع من علي الكرسي ‪ ..‬فقام حمدي ليأخذ بيده ‪ ..‬فوضع النقود في جيبه ‪..‬‬
‫حاول حمدي أن يتصنع الرفض ‪ ..‬فقال له ابن البهلول ‪:‬‬

‫‪-‬هي دين عليك سآخذه في الوقت المناسب‬

‫صمم حمدي علي عدم العودة إلي النزل ‪ ...‬افترقا‬

‫‪88‬‬
‫(‪)14‬‬

‫إن ثراء" قشقوش " لم يعد أحد يختلف عليه‪ ، ..‬لن مظاهر النعمة ظهرت واضحة جلية ‪.‬‬

‫فقد إشترى مكاناً في واجهة البلدة‪ ..‬ولم يكن سوى الخراباية إياها ‪.‬‬
‫وبنى عليه عمارة فخمة بها محلت افتتح إحداها سيبر والخر للتليفونات المحمولة ‪.‬‬

‫وكان يصرح على المل أنه أول من جلب المحمول إلى النزل المقشفة‪ ( ..‬مع إنه هو اللى ابن‬
‫كلب مقشف)‪ ..‬بالضافة إلى محل ملىء بالكمبيوترات للتصال بالعالم الخارجى ‪.‬‬

‫ووعد "قشقوش" كل من يعطى له صوته بتليفون محمول بخطه ‪ ..‬ووداعا للجلوين‪ ..‬وهو بهذا‬
‫يمزح ‪.‬‬

‫ورغم الثراء والنعمة لم يصرف مليماً أحمر على الدعاية النتخابية‪ ،‬وقال بالفم المليان‪:‬‬

‫‪ -‬أنا" قشقوش " ولن تضيف الدعاية شيئًا لى واللى عاجبه ‪ .‬عاجبه وأنا ناجح ناجح ‪..‬‬

‫" قشقوش" دائما يذاكر قبل دخول المتحان لذلك ل يقلق ول يخاف ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫فكل ما صُرف على الدعاية النتخابية هو يافطة واحدة و هي تأييد من حمادة أبو جبل ال لـ"‬
‫قشقوش"‪ ..‬ابن بلدنا لقد أصبح "قشقوش" ابن بلدنا‪ ..‬أما الفارين أمثال حمدى وصبري الدمنهورى‬
‫ليسوا من بلدنا صاروا من البلد التى لجأوا إليها ‪.‬‬

‫(الدار دار أبونا و الغرب طردونا )‪ ..‬وكان "قشقوش " يضع اليافطة بمحاذاة الكوبرى‬
‫الموجود على مدخل بلدنا رابطا طرفها فى قهوة عبد الحليم عطية الغلبان‪ ...‬و الطرف الخرفى‬
‫البر الخر من الترعة فى قهوة وحيد الغلبان ‪.‬‬

‫وعندما يود أن يدور فى البلد على الناخبين يخلعها الولد الذين يمشون خلفه والمؤجرين‬
‫من العمدة أو المدفوعين غصبا ثم يعودون لوضعها فى مكانها مرة أخرى ‪.‬‬

‫وكانت الناس تمزح معه ‪ ..‬وتقول له يا بخت من مكان النائب خاله وهم يقصدون العمدة‬
‫حمادة ‪.‬‬

‫ولكنهم ل يدركون أن الخال هو" قشقوش "‪ ..‬إذا نجح ‪ ..‬ويتحول المثل إلى حمادة يا بخت‬
‫من كان النائب خاله ‪ ..‬ويقصدون هنا " قشقوش" ‪ ..‬وعندما سأله أهل بلدنا فى المؤتمر الذى عقده‬
‫أخيرا‬

‫‪ -‬أين ذهبت البغلة يا قشقوش ؟‬

‫‪ -‬قال لهم مازحا ‪ ..‬اسألوا الحكومة الحمد ل ‪ ..‬أن أنا نفذت بجلدي‬

‫وكان المؤتمر بالنسبة لـ "قشقوش" هو مزاح ‪ ..‬وضحك مع الناس كان يرتدي قميصا مشجرا‬
‫كقميص حمدى إياه ‪ ..‬إل أنه أضاف إليه بنطلون جينز‪ ..‬وكان عندما يقف على المسرح المعد له‬
‫يرفع يده إلى أعلى ويتمايل معجبا بهذا الزي‬

‫نحن نعرف ان الرجل عندما يرتدي قميصا مشجرا تكون نوياه غير معروفة ‪ ..‬وهل هو‬
‫سيفعل كما فعل حمدى زهران بالحاجة عطية ‪ ..‬أم أنه سيفعل كما فعل الرئيس بوش بأفغانستان‬
‫وما يفعله الن بالعراق ؟!!!‬

‫‪90‬‬
‫إذا كان قشقوش بقدرة قادر قد بني بيتا بجوار المضيفة الموجودة بمدخل البلدة والتى كانت‬
‫الخراباية التابعة للوقاف وبجوار الجامع ‪ ..‬فقد استطاع " قشقوش" أن يضع يده على قطعة‬
‫أرض أيضا بمساعدة العمدة ‪ ..‬وبنى عليها هذه العمارة ‪ ..‬فكانت ملصقة لبيت صبري الدمنهوري‬
‫‪ ..‬لكن أرض صبري الدمنهورى كانت من الملك الخاصة ‪ ..‬وجد حال البلدة قد تغير وأن هذا‬
‫البيت الضخم الذى يقف بجوار عمارته التي أفني فيها الشباب ‪ ..‬قال ‪:‬‬

‫‪ -‬يا ضياع العمر ‪!!!...‬‬

‫لم يعد صبرى الدمنهورى عودا حميدا ‪ ...‬فبعد سنين من الغربة عاد رجل كبير السن‪..‬‬
‫مظهره يدل علي ذلك ‪ ..‬تفلطح الكبد ‪ ..‬وكبر حجم بطنه ‪ ..‬وبدا وكأنه فى نهايات العمر ‪ ...‬كان‬
‫يجلس أمام بيته الجديد الذي أفني عمره فيه‬

‫عندما قالوا لـ " قشقوش " ‪:‬‬

‫‪-‬ستعقد لك مناظرة مع مرشح الخوان‬

‫قال لهم ‪:‬‬

‫‪ -‬أنا ل أحب المنظرة ( ده داء) فى منظره ‪ ..‬كأن قشقوش جميل الطلعة‬

‫عندما أفهموه أن المناظرة أن يجلسا معا ‪ ..‬ويسأل كل منهما الخر ‪ ..‬ويبين ما الذى سيفعله لهذه‬
‫البلد ‪ ..‬وما الذى لن يفعله ‪ ..‬قال لهم ‪:‬‬

‫‪ -‬فلنجلس‬

‫عندما وقفا معا متشابكي اليدي متضامنين ‪ ..‬رفعا أيديهما لعلى معا كان قشقوش يشير‬
‫للجمهور بيده غيرالمتشابكة إلي منتصف صدره ‪ ..‬وهو يعني بهذا أن مرشح الخوان كان قصيرا‬
‫‪ ..‬وهذه في نظر" قشقوش " أول الغيث ‪ ..‬فيجب أن يكون له الفضلية ‪ ..‬وخاصة عندما صفق‬
‫الجمهور‪ ..‬وضحك ‪ ..‬لكن السنج والمطاوى والسيوف ظهرت من تحت طيات الملبس للفتك‬
‫بقشقوش ‪ ..‬لول أن البنادق والعصي ارتفعت فى الهواء ‪.‬‬

‫‪ -‬من أنت حتى ترشح نفسك ؟ !!‬

‫ضحك قشقوش وقال ‪:‬‬

‫‪ -‬السيف والرمح و القرطاس يعرفنى‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫( يبدو وكأن قشقوش من المحاربين القدامى )‬

‫قشقوش ‪:‬‬

‫‪-‬ومن أنت ؟‬

‫وأشار بيده على ارتفاع متر من الرض ‪ ،‬نفس الشارة التى فعلها سابقا ‪ ..‬فخرجت‬
‫المطاوى والسيوف والسنج من مكامنها ‪ ..‬وارتفعت الهتافات والسيوف والسنج مشرعة يا‬
‫" قشقوش يا جبان ياعميل المريكان " ‪،‬ضحك قشقوش لنه ليعرف أين تقع أمريكا‬

‫‪ -‬أنا عميل ؟ أيهما أفضل عميل أم خائن‬

‫رن الهاتف ‪ ،‬أخرج قشقوش المحمول من جيبه ‪:‬‬

‫‪-‬أيوه يا سيادة المحافظ‬

‫‪-‬نعم قشقوش‬

‫من المفترض أنه سيقش ولم يعرف ماذا سيقول بعد ذلك وفطن قشقوش وهو خير من‬
‫يفطن أن ما يحدث ليس أكثر من ملسنة ‪.‬‬

‫أتت كل السئلة التي طرحها عليه الضابط ‪ ..‬عندما قبض عليه هو وابن البهلول والبغل‬

‫إلى أى تنظيم تنتمى ؟‬

‫ومتى بدأت علقتك بالتنظيم ؟‬

‫وأضاف ‪:‬‬

‫ما علقتك بابن لدن ؟‬

‫وما هى الجهة الجنبية التى تصرف على الدعاية النتخابية ؟ معلش احنا بنتكلم ‪ ...‬وقام‬
‫بتقليد الرموطى ‪ ..‬وضجت المضيفة بالضحك‬

‫‪ -‬مستوي منحط ل يمكن أن نتناقش مع فسل مثلك ‪.‬‬

‫وخرج كل منهما دون أن يعرف الناس من هو الخائن ‪ ..‬ومن هو العميل ‪ ..‬بعدما أحاطت المضيفة‬
‫عربات المن المركزى‪ ..‬فاختفت السيوف واختفت البنادق ‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫( تركت القوات المريكية البصرة ‪ -‬العصية ‪ -‬عليهم وتوجهوا إلى الناصرية بعدما أحاطت‬
‫القوات البريطانية بالبصرة وكأنهما يلعبان لعبة الطائرة ‪).‬‬

‫( إنا ل وإنا إليه راجعون ) ‪ . ..‬البقاء والدوام ل ‪ ...‬كل من عليها فان ‪ ...‬انتقل إلى رحمة‬
‫ال تعالى‪ ...‬ابن النزل ‪ ...‬صبرى الدمنهورى‬

‫( ياحسرة على شباب بلدنا يتساقطون كأوراق الخريف واحد تلو الخر ‪ ،‬جمال شطة‪..‬‬
‫وتبعه صبرى ‪ ،‬إذا كان جمال قد مات دون أن يقدم شيئا ‪ ،‬فها هو صبرى الدمنهورى قد شيد بناء‬
‫ضخما ‪ ..‬ومحلت لم تفتح بعد ‪ ..‬وترك ابنه فتحى وحيدا دون سند‬

‫كان صبرى فى اليام الخيرة ‪ ..‬يجلس ويضع ابنه فتحى على ساقيه ‪ ..‬وينظر إليه بحزن‬
‫على المصير المجهول الذى ينتظره ‪ ..‬وماذا سيحدث ‪ ..‬وهل يستطيع أن يقف على قدميه فى هذا‬
‫العالم الملىء بالشر والثام ؟ ‪ ..‬أم أنه سيستسلم ؟‬

‫كان صبرى يحس بشبح الموت يحوم حوله ‪ ..‬بعد أن ازداد تفلطح كبده ‪ ..‬إل أنه ليس حزينا‬
‫اليوم فقد فعل ما استطاع أن يفعله ولم يهرب ولم ينتحر كما فعل صديقاه‬

‫عم الحزن وجه القرية وتوقف المتباريان عن جدالهما‬

‫‪93‬‬
‫(‪)15‬‬

‫أصبح لبلدنا عضو فى مجلس الشعب يدافع عنها وينصرها‬

‫نجح قشقوش بأغلبية ساحقة ‪ ..‬لنعرف كيف ‪ ،‬المهم أنه نجح ‪ ,‬رغم أن اللجان كانت‬
‫فارغة إل من المشرفين على النتخابات ‪ ..‬ووقف المن على أبواب اللجان يمنع الزحف المغولى‬
‫من الخوان ‪ ،‬رغم أنهم وقفوا يهتفون خارج اللجان ضد الحكومة ‪ ..‬وضد قشقوش ‪ ...‬وحتى ضد‬
‫العمدة ‪ ...‬إل أنهم تركوهم يفعلون ما يحلو لهم ‪.‬‬

‫إن معركة بغداد هى المعركة الفاصلة والتى سيهزم فيها المريكان شر هزيمة وهم ل‬
‫يعرفون ماذا ينتظرهم هناك من مصير مجهول ‪.‬‬

‫إن صدام حسين سيستخدم كل السلحة المشروعة وغير المشروعة‬

‫إن كل متر وكل شبر في بغداد يوجد به فدائى صدام ‪ ...‬والجيش الشعبى‪ ...‬وبقايا الجيش‬
‫العراقى‬

‫(الويل لمريكا وتابعيها )‬

‫صوت نداءات تصدر‪ ...‬افتحوا الحدود ‪ ...‬أماكن تسجيل المتطوعين تفتح أبوابها من أجل‬
‫الدعايا لنفسها لليقاع بنا فى المستقبل ‪ ..‬حتى لو فتحت الحدود ل أعتقد أن هناك من سيذهب رغم‬
‫إظهار الرغبة فى ذلك‪ ...‬إنفرط عقد المة‬

‫‪94‬‬
‫لم يسجل حمدى اسمه فى كشوف المتطوعين وضحك ‪ ..‬فعقله الباطن رفض أن يصبح‬
‫أضحوكة أكثر مما هو‪ ..‬مرة ضد العراق ‪ ..‬ومرة يتطوع لصالح العراق ‪ ..‬هل لديه القدرة أن‬
‫يفعل أى شىء بأى أحد حتى لنفسه ؟ !! رغم أنهم قالو له ‪:‬‬

‫‪-‬أنها عملية إحصاء ل أكثر‬

‫فهو حتى لو كتب اسمه فلن يذهب ‪ ..‬حتى لو آراد أن يذهب فلن يتركه أحد يقترب من أى‬
‫حدود غير حدودنا المغلقة‬

‫قالوا له ‪:‬‬

‫‪-‬الجهاد فرض عين على المسلم‬

‫لم يكن يريد أن يسمى الجماعة التى التفت حوله بذقون مسترسله ‪ ..‬وجلبيب بيضاء‪..‬‬
‫قصيرة‬

‫قال لهم ‪:‬‬

‫‪-‬منذ فترة وجيزة جاءني الخوان المسلمون ‪ ..‬وقالوا ما قلتم بطريقة أخري ‪. ..‬‬

‫هل أنتم فعل إذا فتحت لكم الحدود ستذهبون ؟‬

‫قالوا نعم فى نغمة واحدة كأنهم كورال‬

‫‪-‬لماذا تذهبون إليهم في العراق وقد مروا أمامكم من قناة السويس ؟!!‬

‫‪....................................‬‬

‫قال لهم ‪:‬‬

‫‪ -‬أعانكم ال ‪ ..‬أنا لن أذهب إلى أى مكان ‪ ,‬داست أحذية الجنود المريكان على كل رأس ‪ ..‬وكل‬
‫شبر فى العراق ‪ ..‬ولم يبق إل بغداد‪ ..‬المعركة الفاصلة ‪ ..‬لو سقطت بغداد لسقطت المة ‪.‬‬

‫قالت له المرأه الجالسه على الكرسى ‪:‬‬

‫‪ -‬أريد أن أمشى يا عم حمدى ‪ . .‬أعطينى فرختين بلدى‬

‫فقال للسادة الضيوف ‪:‬‬


‫‪95‬‬
‫‪ -‬انتهى الوقت أريد أن أرى مصالحى‬

‫‪ -‬ما سعر الفراخ البلدى يا عم حمدى ؟‬

‫‪ -‬الكيلو بـ ‪ 7‬جنيه يا حاجة‬

‫‪ -‬اعطينى فرختين ‪ ..‬الواحدة ‪ 2‬كيلو‬

‫( لم يكن لحمدي دورا في نزول أسعار الفراخ من ‪ 9‬إلي ‪ 7‬جنيه ‪) ...‬‬

‫قام حمدي بوضع لوحة كبيرة مكتوب عليها السعار بخط جميل ‪ ..‬تزايد الزحام علي‬
‫حمدي‪ ..‬تصورا من الناس أن حمدي يقوم ببيع الفراخ بسعر أقل من غيره ‪ ..‬ومع الوقت اكتشف‬
‫الناس أن السعر هو نفس السعر ‪ ..‬ولكن حمدي يبيع بفرق ضئيل ‪ 25‬قرشا أو ‪ 50‬قرشا ‪.‬‬

‫في فترة انخفاض السعر جاء إلي حمدي زبائن من باب الحرس ‪ ..‬وميدان سرور ‪..‬‬
‫والسيالة ‪ ..‬حتي من العنانية ‪..‬‬

‫كان سلوك حمدي مع الزبائن ‪ ..‬وطبعه الهاديء الطيب ؛ قد جعل الناس تتكلم عن حمدي‬
‫بصورة طيبة مما زاد الزحام عليه‬

‫كتب حمدي علي المحل ( طيور زهران ) ‪ ....‬كان يود أن يكتب ( طيــور صــــدام ) أو‬
‫( طيور بن لدن ) ؛ لول خوفه من التعرض للمسائلة أو الستجوابات‬

‫كان البعض يناديه ‪ :‬يا عم حمدي ‪ ..‬والبعض الخر يناديه ‪ :‬يا عم زهران ‪ ..‬لم يكن هذا‬
‫مهما بالنسبة له ‪ ..‬المهم أن حمدي زهران بدأ يرمي بالنقود في درج مكتبه الصغير الذي وضعه‬
‫بدل من مكتب المحاماه ول يعرف كم عددها‬

‫أستسلم حمدي لذلك ‪ ..‬قل حديثه ‪ ..‬ازدادت دهشته مما يحدث ‪ ..‬نام للنعمة وقال ‪:‬‬

‫‪ -‬أنا ممنون يا رب السماوات والرض‬

‫لسيد الشاذلى مراسل التليفزيون المصرى وقف مذهول يشير بيديه يمينا ويسارا وهو يقول ‪:‬‬

‫‪ -‬ل أرى أى أثر لقوات صدام ‪ ...‬ول صدام ‪ ..‬ول الجيش الشعبى ‪ ..‬كأن الرض انشقت‬
‫وابتلعتهم‬

‫ربما تكون حركة التفاف ‪ ..‬ربما هي خدعة ‪ ...‬اليام ستثبت لنا ذلك ‪..‬‬

‫‪96‬‬
‫في الوقت نفسه كان آخر مؤتمر صحفى لوزير العلم محمد سعيد الصحاف أمام فندق‬
‫فلسطين ‪ ..‬فعل فيه كما فعل السيد الشاذلى ‪ ..‬وإن كان السيد الشاذلى لم يكن خائفا مثله ‪ ..‬كان‬
‫يقول المريكان العلوج حشرناهم ‪ ..‬وقتلناهم‪ ..‬وسيرون فى اليام القادمة ( هادول العلوج‬
‫المريكان )‬

‫تم ضرب فندق فلسطين بمجرد انتهاء المؤتمر وفراره ‪ ...‬من الدورة انطلقت دبابتان‬
‫وحيدتان‪ ..‬ل تحميهم أى قوة ول طيران ‪ ..‬بعدها تم الستيلء على دبابتين أخرين على جسر‬
‫‪17‬تموز ‪ ..‬بعد ذلك تمت معركة المطار ‪ ..‬التى لم يعرف أحد ماذا حدث ؟ وأين ذهبت الدبابات‬
‫والجنود العراقيين الذين ذهبوا للدفاع عنه؟‬

‫( يقول شهود عيان أن الدبابات قد ذابت ولم يعد لها أثر على الطلق ‪ ..‬ل نعرف‬
‫مالسلحة التى استخدمها المريكان فى هذه المعركة )‬

‫‪ ..‬بعد الظهور الخير للسيد الشاذلى أخذت أتحسس أخباره ‪..‬‬

‫هل هو أختفى؟‬

‫هل قتل مع صدام ؟‬

‫هل يعمل حركة التفاف هو الخر؟‬

‫فوجدته يغطى أحداث حزب الوفد المؤسفة ( د نعمان حمعة وحزبه ) ‪ ..‬فحمدت ال‬

‫انها فكرة ذكية من صدام لقد حفرأنفاق تكفى جميع معداته وقواته‪ ...‬لتفرحوا كثيرا أيها‬
‫المريكان موعدكم فى تكريت ( وأن يحشر الناس ضحى )‬

‫إنه بلد الزعيم ‪ ..‬بلد معظم أفراد قيادة الثورة ‪ ..‬ستأكلون علقة إلى أن يظهر لكم أصحاب ‪..‬‬
‫الجيش لم يحارب حتى الن إنه يختفى فى أنفاق ودهاليز ‪ ...‬حتماَ سينقض عليكم أيها الوباش‬

‫ما شغلنى فى موضوع السيد الشاذلى ‪ ..‬هو حلمه وميله الواضح لصدام حسين ؛ وكأنه ل‬
‫يعرف عصر العولمة ‪ ..‬أخذت أتسأل ما سبب إختفائه ؟ ‪...‬‬

‫هل أخذه المريكان كرهينة حتى يظهر صدام وأعوانه أصحاب الفيزا كارت الخمسه‬
‫وخمسون ؟ ‪...‬‬

‫أم أنهم سيقايضون عليه بأسري أمريكان ؟‬

‫‪97‬‬
‫المهم أننى وجدته ‪...‬‬

‫كان دخول الدبابتين المريكيتين فى الدورة وتجولهما فى شوارع بغداد منظرا يؤلم النفس ‪..‬‬
‫أ لم يكن هناك تسعة مليون ومئتان ألف جندى يدافعون عن العراق ؟ !!!!‬

‫أين أنت يا قطز ؟‬

‫أين أنت يا بيبرس ؟‬

‫أسمعتم عن العولمة ؟‬

‫أعلن الرئيس المريكي انتهاء العمليات العسكرية وانتصار الجيش المريكي بعد سقوط‬
‫تمثال الرئيس العراقى صدام حسين وحرق تكريت والقبض على بشرها ومواشيها ‪ ..‬واعتبر أن‬
‫الوطن العربي جزء من الوليات المتحدة‬

‫فى هذا الوقت بالذات ‪ ..‬اشترى حمدى زهران تليفزيونا ‪ ..‬وضعه فى المحل ليتابع‬
‫الحداث من خلله‬

‫قالت له ‪:‬‬

‫عندك أرانب ؟‬

‫لم يرد عليها ‪ ..‬كان مشغول فى البحث عن قناة الجزيرة‪ ..‬وعندما فطن إليها وضع الريموت‬
‫على المكتب وقال لها ‪:‬‬

‫‪ -‬نعم‬

‫‪ -‬بكم ؟‬

‫‪ -‬من غير فلوس‬

‫( جلست بجوار المكتب ‪ ...‬كانت جميلة )‬

‫‪ -‬شكلك متعلم ‪..‬‬

‫لم يرد‬

‫‪ -‬عندك كام سنة ؟‬


‫‪98‬‬
‫‪ -‬لأدرى‬

‫وضع الرنب على الميزان وقال لها ‪:‬‬

‫‪ 2-‬كيلو أذبح ؟‬

‫أومأت برأسها ‪ ,‬أي نعم‬

‫أمسك الرنب من أذنيه ‪ ..‬ذبحه بسرعة ‪ ..‬قام بسلخه وتنظيفه ‪ ..‬وضعه فى كيس أبيض ثم‬
‫فى كيس غيرشفاف‬

‫ناولته الفلوس‬

‫ناولها الباقى‬

‫( لم يعد حمدى يتحدث ‪ ..‬بل يسمع فقط ‪ ...‬زمن طويل من الصمت يجعلك تألف الوحدة ‪..‬‬
‫والصمت والذى تعرفه أحسن من الذى ل تعرفه )‬

‫عاد حمدى إلى الجزيرة ‪ ..‬رأى الجثث الجماعية التى ظهرت وهي ليست متعفنة وعليها‬
‫أكفان قريبة العهد فل يعرف من فعل بها هذا ؟‬

‫ضرب فندق فلسطين مرة وأخرى‬

‫التفت إلى المكتب وجد إمرأة تجلس على الكرسى‬

‫قالت له ‪:‬‬

‫‪-‬كيف حالك يا أستاذ ‪ ..‬إحنا باين علينا ظروفنا احلوت قوى ‪ ..‬تلفيزيون ألوان ؟‬

‫أراد أن يفعل بها كما فعل إبن البهلول ولكنه قال ‪:‬‬

‫‪ -‬الصبر يارب ‪ ..‬ماذا تريد ين ؟‬

‫‪ -‬أريد أن أطمأن عليك‬

‫‪ -‬الحمد ل ‪ ...‬هل هناك شئ أخر ؟‬

‫‪ -‬يا خائن العيش واللحمة المشوية ع الفحم‬


‫‪99‬‬
‫‪ -‬فلنختصر الحديث‬

‫‪ -‬أخبارك وصلتني‬

‫ـ جورج بوش أنا ؟‬

‫‪ -‬ديك تشيني ‪ ..‬نريد أن ترجع المياه لمجاريها‬

‫‪ -‬لم تكن هناك مجارى كان الموضوع خطأ فادحا‬

‫‪ -‬أنا سأقول لك على مفاجأة ‪ ..‬أنا فكرت ‪ ..‬وقررت أن نكون شركة ونكبر المحل‬

‫‪ -‬ل أريد أن يكبر ول يصغر شوفى مصالحك وقومى من هنا‬

‫‪ -‬وحياة أمك ‪ ..‬أنا أصرخ ‪ ..‬واجمع لك جنود ل قبل لك بهم‬

‫‪ -‬لم أعد أخاف منك‬

‫( ظن أن المرأة ل تستطيع أن تفعل ‪ ..‬ولكنها فعلت‪ ..‬وصرخت‪ ..‬امتدت يد ه لتغلق فمها‬


‫‪ ..‬دخلت زبونة المحل ‪ ..‬امتل المحل ‪ ..‬سألوه ‪:‬‬

‫‪-‬من هذه الحلوة يا حمدى‪ ..‬زوجتك ؟‬

‫لم يرد‬

‫ضحكت وأخذت تحاسب الزبائن وتضع النقود فى الدرج ‪ ...‬وهو يمتل بالغيظ ‪ ..‬ول‬
‫يعرف كيف يتصرف ول يفعل ‪ ..‬أخذ يضع الفراخ على الميزان بطريقة ل إرادية ‪..‬‬
‫يذبحها ‪ ..‬يضعها فى الماء الساخن ‪ ..‬يضعها فى ماكينة التنظيف ‪ ..‬يقوم بفتحها وغسلها‬
‫وتنظيفها بسرعة‬

‫عندما فرغ المحل قالت له‪:‬‬

‫‪ -‬فكرت ؟‬

‫ولم يرد حمدى‬

‫‪ -‬ستأتي معي ؟‬

‫‪100‬‬
‫‪ -‬إلى أين؟‬

‫‪ -‬إلى سوق الخضار‬

‫لم يرد‬

‫في هذا الوقت دخل الحاج ضياء محمول ‪ ..‬ارتعشت ‪ ..‬قامت من مكانها ‪ ..‬جلس هو علي‬
‫المكتب ‪ ..‬قال لها ‪:‬‬

‫‪ -‬أيوه يا وش السعد عايزه إيه من حمدى ؟‬

‫‪ -‬ل أن حضرت لكى أبارك له على المحل الجديد‬

‫‪ -‬وال فيك الخير‬

‫‪ -‬الستاذ أخذ الزبائن كلها منى ‪ ..‬وكل الزبائن راحت‬

‫حدق فيها ابن البهلول ‪ ..‬ضحك ‪:‬‬

‫‪ -‬زبائن سوق الخضار ‪ ..‬والتجارى والكباس تركوا أعمالهم ويحضرون إلى حمدى في‬
‫المنية ؟ ايه أستاذ ماذا صنعت فى الزبائن؟ أتعرفين ؟ كل الزقة وكل الشوارع فى دمياط‬
‫تعرفني ‪ ..‬وأنا أعرفها وأعرف جيدا أنه ل يمكن لزبائن هذه الماكن أن تترك محلتها وتأتى إلى‬
‫حمدى‪ ..‬أنهم يعبرون عشرات المحلت ‪ ...‬أبو العطا فى الشرباصى ‪ ...‬والمهندس فى ميدان‬
‫سرور‪ ..‬وابراهيم العرباني ومحمد العرباني فى سوق الخضار ‪ ..‬وأبو رية القريب فى الشهابية‬

‫‪ -‬العب غيرها ‪ ..‬من الذى سيشهد العروسة ؟‬

‫‪ -‬شوفى يا ست عطية أخر مرة أراك ‪ ..‬وإل قسما عظما أكون مرقع الحذاء على دماغك‬

‫ضحكت وقالت له ‪:‬‬

‫‪ -‬وبعدين ياحج ضياء حمدى أخى‬

‫‪ -‬ل أخى ول أبى انتهى الموضوع‬

‫وقف حمدى مذهول ولم ينطق بكلمة ‪ ..‬وقفت ‪ ..‬قالت ‪:‬‬

‫‪ -‬باى يا أستاذ ‪.‬‬


‫‪101‬‬
‫قال لها ابن البهلول‪:‬‬

‫‪ -‬بايك معاك يا أختى‬

‫نظر ابن البهلول لحمدى وقال ‪:‬‬

‫‪-‬إيه رأيك؟‬

‫ضحك حمدى وهو مستمتع بما حدث ثم قال له ‪:‬‬

‫إيه الخبار؟‬

‫‪ -‬الحمد ل ( ولسوف يعطيك ربك فترضى )‬

‫أخرج حمدي فلوس من جيبه ‪ ...‬شد درج المكتب وأخرج فلوس ‪ ...‬عدها ‪ ..‬أعطاها لبن‬
‫البهلول‬

‫قال له ابن البهلول ‪:‬‬

‫‪ -‬إذا كنت تريد أن تتركها معك فافعل‬

‫‪ -‬الحمد ل أعطانى أكثر مما أستحق‬

‫‪ -‬إذا احتجت أى فراخ اتصل بى‬

‫( ظهور أسماء جديدة علي الساحة العراقية الجلبي ‪ ..‬وهذا اسمه ‪ ..‬ليس لنه قد جلب‬
‫المريكان للعراق ‪ ,‬أياد علوي ‪ ,‬مقتضي الصدر ‪ ,‬الموسوي و عبد العزيز الحكيم ‪ ...‬بريمر‬
‫الحاكم بأمر ال )‬

‫الهجرة الداخلية والخارجية تبدأ فى العراق ‪ ..‬من المناطق الكردية إلى بغداد ‪ ..‬من بغداد‬
‫إلى خارج البلد‬

‫لم يسأل حمدى عن أحوال البلد ‪ ..‬لكن ابن البهلول سرد له نجاح قشقوش فى النتخابات‪..‬‬
‫وموت صبرى الدمنهورى ‪..‬‬

‫فجع حمدى وأخذ يبكى ‪:‬‬

‫‪ -‬مات جمال وصبري لم يعد أحد يعرف علي من الدور القادم ؟‬


‫‪102‬‬
‫(‪)16‬‬

‫أقام العمدة حمادة احتفال كبير‪ ..‬ذبحت فيه الذبائح ؛ احتفال بفوز ققشقوش فى النتخابات‬
‫‪ ..‬جلس " قشقوش " العمدة السابق عن يمينه والعمدة ‪ ..‬حماده عن يساره ‪ ..‬كان يرتدى جلبابا من‬
‫الصوف ووشاح أبيض ويمسك بعصاه مذهبه وقد خلع عن نفسه القميص المشجر والبنطلون‬
‫الجينز ‪ ..‬كان العمدة يهمس فى أذن قشقوش بين الحين والخر ويضحكا معا ويضرب قشقوش‬
‫على ركبة العمدة السابق مرة ‪ ..‬وعلى ركبة العمدة الحالى مرة ‪ ..‬ويضحكون ‪.‬‬

‫عندما حاول شباب الخوان التحرش بالحفل ‪ ..‬وإطلق الهتافات وإظهار السيوف قال‬
‫قشقوش للعمدة ‪:‬‬

‫‪-‬وال ماتعمل فيهم حاجة اتركهم يعبرون عن آرائهم ‪.‬‬

‫لكن العمدة حمادة أشار للخفر‪ ...‬فقاموا بالقبض على أربعة أشخاص منهم وفر الباقون‪.‬‬

‫وجه قشقوش كلمة شكر‪ ..‬شكر فيها العمدة السابق والحالى‪ ..‬وشكر أهالى النزل الكرام‬
‫الذين أعطوه ثقتهم ‪ ..‬وقال أنه سيعمل جاهدا على تحقيق مصالحهم ‪ ..‬و ذكر أنه مر بفترة عصيبة‬
‫حينما تقدم للنتخابات ‪ ..‬لكن ثقته الكبيرة فى هؤلء الناس جعلته مع الوقت يثق بالفوز وقال ‪:‬‬

‫‪ -‬كنت عارف أن قشقوش فى النهاية هو الذى سيقش ‪ ...‬أتعرف ما معنى قشقوش ؟‬


‫قشقوش ‪ ..‬من القش ‪ ..‬عندما يتم حصاد الرز ‪ ..‬يرفعون عنه القش ‪ ..‬تبقى بقايا قش ‪ ..‬رفع هذه‬
‫البقايا يعن انتهاء نظافة المكان ‪ ...‬أنا هذه النهاية ‪ ...‬كان يجب أن يعرف مرشح الخوان أن‬
‫قشقوش سيكنس ويقش والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫إذا كانت العراق قسمت إلي شيعة ‪ ..‬وسنة ‪ ...‬وأكراد ‪ ..‬بابليين وأشوريين فإن حمدى‬
‫زهران قد خرج من بلد مقسمة على نفسها ‪ ..‬بين عبيد وسادة ‪ ..‬أمراء وأجراء ‪ ..‬أغنياء وفقراء‬
‫‪ ....‬وذهب إلى بلد مقسمة ‪ ...‬أصحاب البلد الصليين و(الفافة ) ‪ ..‬فأصحاب البلد الصليون هم‬
‫الذين سكنوها منذ نشأتها ‪ ..‬أم هؤلء الفافة هم الذين قدموا من الريف يحملون ملبسهم وطعامهم‬
‫فى ( قفف ) و استوطنوا هذاالمكان مع إنشاء مصنع الغزل والنسيج ومصنع اللبان وسكنوا هذا‬
‫المكان الذى يقع بين المصنعين ‪.‬‬

‫أقسم قشقوش لجمع غفير من الناس ‪ ..‬أنه ل يجلس إل خلف كمال الشاذلى ‪ ..‬وأنتم تدرون‬
‫من كمال الشاذلي وخلف مرتضى منصور‪ ...‬إل أن عمر أديب لم يجر معه حوار حتي الن ‪..‬‬
‫وإن كان عمر أديب مصما على عقد لقاء أو عدة لقاءات مع قشقوش الظاهرة الذى كان بالمس‬
‫القريب كما تعرفونه أصبح بقدرة قادر عضو فى مجلس الشعب ‪..‬‬

‫عندما عرف مرتضي منصور ماكان يفعله قشقوش في السابق‪ ,‬والخفايا وأخطاء الناس ل‬
‫تخفي علي رجل مثل مرتضى منصور فكان يسلم على قشقوش بأصبع واحدة إذا اضطر إلى ذلك ‪,‬‬
‫‪ ..‬لكن قشقوش كان يضع يده كلها فى يده عنوة ‪ ..‬ويمازحه ‪:‬‬

‫‪-‬أنت هتسلم عليه بأصبع واحد ة يا سيادة المستشار ؟ ‪ ...‬هس هس هس ‪ ...‬بص‬


‫على بص‪ ...‬بص على بص ‪ ...‬ما تبص ‪ ...‬كأنه يقول له ‪ ..‬أنه نظيف ‪..‬‬
‫ويرتدى جلباب نظيف ‪ ...‬ويمسك بعصاه مذهبة‬

‫أعضاء مجلس الشعب يعتبرون قشقوش بلء لبد منه‪ ..‬هو يعرف ذلك ول يعاني من أى‬
‫مشاكل من هذه النظرة ‪...‬فما وصل إليه كان حلما صعب المنال رغم تخطيطه له ‪ ..‬فهو يعرف أنه‬
‫أصبح رجل ل يمكن الستهانة به‪ ....‬فلم يعد العمدة وسلفه يستطيعا النظر إليه باستهانة ‪.‬‬

‫لم يتم تصنيف حمدى بعد ‪ ...‬فهو لم يأت في زمن القفف ‪ ..‬ليعامل معاملة أهل البلد‬
‫الصليين إلي الن ‪ ..‬فحمدي علي الحياد ‪ ..‬يعامل معاملة جيدة من كل الطرفين ‪ ..‬فشهرةعمله‬
‫ومجىء الزبائن من أماكن بعيدة فى دمياط للشراء ‪ ..‬جعلته ل يخضع للتصنيف ‪ ..‬ويود الجميع‬
‫التقرب منه ‪.‬‬

‫( الفافة) ليست من ( التأفف ) ولكن من ( القفة ) ‪ ..‬ولكنها أحيانا كانت تستخدم تأففا‬
‫لتعبرأن الشخص من درجة أقل ‪ ..‬ورغم ظهور الحقائب ‪ ..‬إل أن السم بقى ملتصقا بهؤلء‬
‫الناس‪.‬‬

‫رأى حمدى قشقوش فى التليفزيون منفعل ‪ ..‬بارز السنان ‪ ..‬يقول ‪:‬‬

‫‪104‬‬
‫‪-‬أن البلد الذى قدمت منها تعانى مشاكل كثيرة ‪ ...‬إن بلدنا الصغيرة التابعة‬
‫لمركز منية النصر يوجد بها أكثر من مئة ألف شخص ويوجد بها أكثر من‬
‫‪20000‬خريج ماذا يفعلون ؟ ماذا يأكلون ؟ ‪ ...‬إنهم يأكلون ( الجلويين )‬

‫التفت أعضاء المجلس لبعضهما في استغراب ‪ ...‬ما هذا القشقوش ؟ وما هذا‬
‫الجلويين ؟‬

‫( لم يكن أمرالخريجين يعنيه من قريب أو من بعيد ‪ ...‬سوى أنها طريقة قشقوش فى‬
‫الختيارات المناسبة التى تخدم مصالحه )‬

‫‪-‬طبعا أنتم ل تعرفون الجلويين ‪ ..‬الجلويين يا سادة ‪ ...‬وأخذ يفيض ‪ ..‬ويزيد‬


‫عن ماهية الجلويين ‪ ..‬وكيف ينمو ‪ ..‬ونسى أمر الخريجين‬

‫ضحك حمدي ‪ ...‬ضرف كفا بكف ‪:‬‬

‫‪ -‬قشقوش من مدير لمباريات الديكة ‪ ..‬وترك ذكر بط سودانى مع بطه بلدى لنتاج بط مولد ‪..‬‬
‫إلي البحث في أمر الخريجين ؟ !!!‬

‫لقد أصبح كل شىء هجينا فى هذا البلد ‪ ..‬لم يعد هناك شىء واحد ‪ ..‬الثقافة السائدة اليوم هى‬
‫ثقافة قشقوش‬

‫من ( أنت عمرى ) و( رباعيات الخيام ) إلى ( أبقى تعالى باليل وأنا أوريك الويل ) ‪ ...‬ل‬
‫أعرف ما الفرق ؟ ‪ ..‬لو ذهب بالنهار مثل ماذا ستفعل به ؟ ‪ .‬وما الويل الذى يراه إذا ذهب لها ؟‬
‫فما الذى يجعله يذهب إليها ليرى هذا الويل ؟‬

‫أمريكا تعلن ‪:‬‬

‫‪ 55‬شخص مطلوبين علي وجه السرعة في العراق ‪ ..‬وإل سيرون الويل‬

‫تم اصطياد ولدي صدام حسين فى الموصل ‪ ..‬تم قلب الكرة الرضية فوق رأسيهما ‪ ..‬تم‬
‫تصويرهما وإظهارهما للعالم‬

‫تم بيع كل شيء فى مصر ‪ ..‬يبدو أن أهلها قرروا تركها والذهاب إلى مكان آخر !!!!‬

‫تتقوقع الفافة أكثر من السابق بعدما بدأت المصانع تستغني عنهم واحد تلو الخر ‪ ..‬تمهيدا‬
‫لبيعها ‪ ..‬فهي شركات خاسرة ‪ ..‬يجب التخلص منها ‪ ...‬وكأن المكتوب على هؤلء أن يأكلوا‬
‫الجلويين من جديد ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫تم نهب بغداد‪ ..‬كان المنظر مزريا ‪ ...‬ناس تحمل كراسى ‪ ..‬ناس تحمل مكاتب ‪ ..‬ناس تحمل‬
‫مراوح وأجزاء من دوليب ‪ ..‬ناس أخري مفزعون ‪ ..‬النهب يطول كل شىء بنوك ‪ ..‬متاحف ‪...‬‬
‫معاهد ‪ ..‬مدارس ‪ ..‬كل شىء أصبح مباحا ومعرض للسرقة حتى البشر ‪ ..‬تم سرقة كل ما يتصل‬
‫باليهود ‪ ..‬لوحة نبوخذ نصر واليهود يسجدون له ‪ ...‬أنا آسف أيها السرائليون ‪ ..‬أنا أحكى‬
‫وقائع ول أمس السامية بأى سوء‪ ..‬ليس لى دخل بكم على الطلق‬

‫عذرا أيها اليهود ‪ ..‬لو أردتم أن أخرج هذه الكلمات من السياق لفعلت‪ ..‬ألستم على رأس‬
‫أمريكا ‪ ...‬وأمريكا على رأسنا‪ ..‬نحمل فوق طاقتنا ‪ ..‬نأسف لكم كنتم بالمس تفعلون كما كان‬
‫يفعل قشقوش في الخراباية ‪ ..‬واليوم أصبحتم أغلظ عضو فى المم المتحدة ‪ ..‬تسوقون أمريكا التى‬
‫تسوق مجلس المن‪ ...‬نكن لكم كراهية وحقد ل حدود لها ‪ ..‬ومع ذلك نأسف لكم‬

‫عود حميد وأهل بكم فى بلدكم‬

‫كان حمدى زهران يجلس أمام محل الطيور بعد صلة العصر عندما جاءه اثنان يشبهان‬
‫قشقوش إلى حد كبير‪ ..‬بسمرتهم ‪ ..‬بأسنانهم البارزة ‪ ..‬متهالكون ويلبسون بناطيل جينزوأقمصة‬
‫مشجرة ‪ ..‬ل تسطيع أن تميزعمرهما ‪ ..‬سلما على حمدى ‪ ..‬قبله وقال له ‪:‬‬

‫‪-‬نحن بلدياتك‬

‫أجلسهما حمدى ‪ ..‬ناد على القهوة القريبة منه ‪ ..‬أحضر لهما الشاى‪ ..‬أخذ يرحب بهما‬
‫وسألهما ‪:‬‬

‫إلي أى العائلت تنتسبون ؟ ‪ ..‬لم أراكما فى البلد من قبل‬

‫‪-‬قال لقد خرجنا من البلد منذ صدر الشباب إلى العراق‬

‫‪ -‬لم آراكما فى العراق ‪ ..‬كنت أزور كل من كان في العراق من بلدنا ‪ ..‬فى حى العدل ‪..‬‬
‫وحى الجامعة ‪ ..‬ومدينة الشعب ‪ ..‬وشارع الكفاح ولم تكونا فيهم‬

‫‪ -‬أذهبت إلى العراق يا أستاذ حمدى ؟‬

‫‪ -‬نعم‬

‫‪ -‬كانت أيام ‪ ...‬ذهبت العراق‬

‫أعلنت القوات المريكية ‪:‬‬

‫‪106‬‬
‫ضياع ‪ 600‬مليون دولر من خزينة البنك المركزى العراقى‬

‫أتهم صدام ونجله‬

‫أيها السجينان السارقان‬

‫تم إطلق كل المساجين من السجون العراقية‬

‫‪ -‬أقسم لكما أيها السارقان أن قدميكما لم تخط هذ البلد من قبل ولول وصول أخوكم قشقوش‬
‫إلى هذه الدرجة ما جئتم إليه‬

‫قدم هذا السارقان من العراق يحملن معهم ‪ 33‬مليون دولر فى تليفزيونات قديمة أبيض‬
‫وأسود ‪ ..‬عبرا بها الحدود ‪ ..‬لم يجدا إلى بلدنا ‪ ,‬البعض قال ان أوراق البنكنوت كانت الصفحة‬
‫بصفحتها‪ ..‬وبقيا شهرا في بيت قشقوش يقوما بقصها بالمقص ‪ ..‬وترتيبها وعدها ‪ ..‬أعطى‬
‫قشقوش لهم خريطة بالماكن التى يمكن شراؤها ‪ ..‬البعض قال أنها فلوس ل عدد لها‬

‫مدد ‪ ..‬مدد ‪ ..‬يا مدد‪ ...‬شدي حيلك يابلد‬

‫القشاقشة قادمون ‪ ..‬سترين الويل يا بلد ‪ ..‬أنهم يرتدون القمصان المشجرة وكلما أراد أن‬
‫يفعل الرجل فعل محرما أو يريد أن يفعل فى هذه البلد فى مؤخرتها يرتدى لنا قميصا مشجرا‬
‫وكأنه ل يستطيع أن يفعل بنا ما يريد وهو عارى مع أنه فى النهاية عند قيامه بالفعل يقوم بالخلع ‪,‬‬
‫قالوا له ‪:‬‬

‫‪ -‬يا أستاذ حمدى نحن لسنا من بلدكم ولكن أخونا من بلدكم‬

‫‪ -‬فزورة ؟‬

‫‪ -‬نحن أخوة لقشقوش‬

‫‪ -‬أنتم ل تفرقون عنه ‪ ..‬شيئا تشبهانه كثيرا ‪ ,‬ولكن قشقوش لم يكن يوما من بلدنا‬

‫‪ -‬اعتبرنا أهلك‬

‫‪ -‬المختصر المفيد ‪ ..‬ماذا تريدان مني ؟‬

‫‪ -‬سمعنا أنك تريد أن تبيع بيتك‬

‫‪107‬‬
‫‪ -‬من الذى قال لكم هذا ؟‬

‫لم يعرف كيف يتصرف أو ماذا سيقول لهما‬

‫حمدى أكثر من يعرف أن هناك قانون موضوع للمال المنسى والثار الموجودة فى‬
‫الراضي ‪ ..‬لكن ما حكم هذا المال ؟ ومن الذى يطالب به في مثل هذه الظروف وفي ظل هذه‬
‫الفوضي ؟‬

‫إنه نهب دولى وتبرير دولى‬

‫من الذى يجب عليه أن يطالب بهذا المال ؟‬

‫أ ليس مال مسروقا أم إنها (تخريبة بطاطس )‬

‫في بلدنا عندما تتم جمع البطاطس من الرض ‪ ..‬تبقى حبات متناثرة فى الرض يكون من‬
‫حق الناس جمعها وأخذها دون إذن صاحب الرض ‪ ..‬يكون موافق على ذلك ضمنا ‪ ..‬تسمي‬
‫(تخريبة بطاطس )‬

‫قام قشقوش بتخريب مصر ‪ ..‬قام أخواه بتخريب العراق‬

‫أهل بكم فى بلدكم النزل‬

‫كلما حار حمدى ووقع فى مأزق لم يجد إل ابن البهلول بجواره‬

‫حاول السلم على ابن البهلول ولكنه رفض وقال لهما ‪:‬‬

‫ماذا تريدان أنتما و أخوكما من حمدى ؟‬

‫‪ -‬قلنا له ماذا نريد‬

‫‪ -‬ماذا تريدون ؟‬

‫‪ -‬تريد أن تشترى بيته‬

‫‪ -‬وهو ‪ ..‬إلى أين سيذهب ؟‬

‫‪ -‬إنه يعيش فى المدينة ويبدو أنه لن يعود مرة أخري إلي القرية‬

‫‪108‬‬
‫‪ -‬ل أريد أن أرى وجهيكما هنا مرة أخرى‬

‫حاول أن يضحكا ‪ ..‬أو يفعل كما يفعل قشقوش عندما يريد الحصول على شىء ‪ ..‬لكن ابن‬
‫البهلول يحفظ قشقوش جيدا ‪ ..‬لم يدعهما يمارسا هذه الحركات معه وقام بطردهما‬

‫قال له عند ما لم يجدا أمل ‪:‬‬

‫‪ -‬لنا حساب معك‬

‫فسبهم وقال لهم ‪:‬‬

‫‪ -‬ياولد الكلب ‪ ..‬يامن لبلد لكم ‪ ..‬حساب مع من ؟ ‪ ..‬اسألوا أخيكما من هو ابن البهلول ؟‬

‫( نهيب بالسادة القراء أن الوقت الذي تتم فيه كتابة الرواية يتم الن تحت سمع وبصر أبو‬
‫محمد زوج الحاجة عطية بناء سور حول حي العظمية لفصلها عن بغداد ‪ ..‬الناس في الفلوجة‬
‫يدخلون من بوابات ممغنطة ‪ ..‬الرئيس بوش ليهمه فى المقام الول سوى وحدة العراق‬
‫والعراقيين )‬

‫قال ابن البهلول لحمدى زهران ‪:‬‬

‫‪ -‬معى أرانب وبط تريد ؟‬

‫‪ -‬أرانب سليمة ؟‬

‫نظر إليه ابن البهلول وقال ‪:‬‬

‫‪ -‬علمناهم الشحاتة ‪ ....‬خش فى عبى خش‬

‫كان ابن البهلول ممتعضا من حمدى‪..‬‬

‫‪ -‬أصبحت صاحب مصلحة تديرها بكفائه ومع ذلك ل تستطيع أن تشارك فى الحداث‬
‫وتدافع عن نفسك ما كان يجب أن تحضر لهم حتى المياه أحضرت لهما شاى وأجلستهما ‪ ..‬أتعرف‬
‫ماذا فعل ؟ لقد سرقا مبالغ ل عدد لها من العراق ‪ ..‬اشتريا بيت صبرى الدمنهورى وجمال شطة‬
‫ومعظم الراضى الزراعية التى تقع بجوار الكتلة السكنية بمبالغ خيالية وتزوج كل منهما بفتاه ل‬

‫‪109‬‬
‫تتجاوز السابعة عشرة ‪ ..‬أنهم يريدون أن تخلص البلد لهم بمساعدة العمدة الذى نال من الحب‬
‫جانب‬

‫تم تخريب العراق‬

‫يضع حمدى الرانب على الميزان ‪ ..‬يكتب ‪ ..‬يضع فى القفاص ‪ ..‬فعل هذا مع البط ‪ ..‬قام‬
‫بحساب الوزان ‪ ..‬قام بجرد الحسابات القديمة وأعطاها لبن البهلول وأخذا يقلبان فى أحوال البلدة‬
‫ثم غادر ابن البهلول‬

‫تم رصد مليين الدولرات لمن يدلي بمعلومات عن المطلوبين‬

‫‪110‬‬
‫( ‪) 17‬‬

‫تم تحييد المناطق الكردية والمناطق الشيعية من الضرب بالحذية‬

‫تم اختيار أسماء معينة لتنفيذ حكم العدام فيها دون محاكمة ‪ ..‬قادة سابقون في الجيش ‪..‬‬
‫علماء ‪ ..‬أساتذة جامعة‬

‫زمن كتابة هذه الرواية هو زمن بناء سور حول العظمية ‪ ..‬إيه رأيك يا أبو محمد الن ‪,‬‬
‫وفي هذا الوقت القاتل يرتدي الرئيس بوش قميصا مشجرا وأخذ حبوب فياجرا تكفي ‪ 30‬مليون‬
‫عراقي ‪ ..‬الرجل جزاه ال خيرا ل يحب العراء فقد قرر بناء سور حول كل المناطق السنية ‪. ..‬‬

‫من الذي قادك إلي هذا ؟‬

‫ما هذا التبجح ؟‬

‫أقرانك جميعا راهنوا علي الخسارة ‪ ..‬سيحاكمك التاريخ أسوء محاكمة ‪ ..‬لم يستطع أحد‬
‫أن يقول كلمة واحدة لهتلر وهو في زهوه وأنتم إلي يومنا هذا تسبوه ‪ ..‬وإن كان بعضنا ل يسبه‬
‫وكنا نتمني أن يقضي علي هؤلء اليهود وهذه المرة لست خائفا من السامية أو غير السامية ول‬
‫أعرف ما معني السامية وما هذه الوجاهة ‪.‬‬

‫أتعرف من مؤلف أغنية ( باحبك يا حمار) لبد أنه قريب قشقوش ‪ ..‬ليمكن للحمارة أن‬
‫تقول للحمار بحبك ‪ .. ,‬ليمكن الفرس أن تقول للحمار بحبك ‪ ..‬ل بد أن تكون فرس تعاني من‬

‫‪111‬‬
‫شذوذ ‪ ..‬يجب أن نسن قانون للشواذ بين الحيوانات‪ ..‬انتشر أقرباء قشقوش في الوطن كانتشار‬
‫النار في الهشيم ‪.‬‬

‫جلس حمدي مع عزت الترزي أمام المحل بعد انتهاء يوم شاق من العمل ‪.‬‬

‫جلس الجلبي الذي جلب المريكان للمنطقة علي رؤوس العراقيين ‪.‬‬

‫إن ما حرقته أمريكا من أرض وبشر ومواشي ظهرت خضراء خلف القوات المريكية وأمامها‬
‫وبعد مرور أكثر من خمس سنوات وخلفهم وأمامهم ابن لدن يشرف علي الهجوم علي تشيني في‬
‫قاعدة باجرام الجوية‬

‫كان الرجل يعاني من عقدة قصر القامة ‪ ..‬في البداية ورغم أن حمدي هو الخر لديه عقده‬
‫فهو ليحب الرجل قصير القامة ول المرأة قصيرة القامة ‪ ..‬لكن كيف تسلل عزت إلي قلبه ربما‬
‫تاجر عليه الرجل وانطلي كلمه علي حمدي ‪ ..‬أنه يحبه ويحترمه وأن رجل مثل حمدي يستحق‬
‫الحترام ‪.‬‬

‫منذ زمن طويل لم يتحدث حمدي مع أحد حديثا من القلب ‪ ..‬نطق حمدي أخيرا وقال له ‪:‬‬

‫‪ -‬انت تعرف إن مشكلتك أنك ل تريد أن تعيش الواقع ‪ ..‬وأن رأسك الكبيرة هذه والتي تكبر‬
‫جسمك بكثير تملها بزمن انتهي ‪.‬‬

‫‪ -‬وال يا أستاذ ‪ ..‬عندما كنت أعمل في شارع الرشيد ‪ ,‬كنت أركب تاكسي من شارع‬
‫الرشيد حتي شارع السعدون لكي أتناول الغذاء‪.‬‬

‫حمدي يعرف أن شارع الرشيد يتقاطع مع السعدون في ساحة التحرير وهي مدة خمس‬
‫دقائق سيرا علي القدام ‪.‬‬

‫‪ -‬انسي ‪ ..‬مازلت تعيش علي ماضي مر عليه عشرون عاما ‪ ...‬ل بد أن ابنك بلغ العشرون‬
‫الن‪...‬ل بد أن تعترف أنك لم يعد لك عمل الن سوي حياكة الملبس القديمة وتركيب( السوست)‬
‫لم يعد في العراق جزء يمسك بالخر أم تريد أن تعيد حياكته وتقييفه ؟‬

‫كان الرجل يجلس علي كرسي مصنوع من البلستك وقدماه ل تطولن الرض فهو يهز‬
‫رأسه الكبير الذي يشبه البطيخة التي نمت نمو غير طبيعي فكانت صغيرة من الخلف وكبيرة جدا‬
‫من المام ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫كان الرجل متأثرا جدا من كلم حمدي ‪ ...‬فقد أدرك فعل سر حزنه ‪ ..‬حاول عزت أن‬
‫يجر حمدي للحديث عن تاريخ العراق وما حدث له ‪ ..‬لكن حمدي اختصر الحديث ‪ ,‬وقال له ‪:‬‬

‫‪-‬كل ما أود قوله أننا أصبحنا في عالم آخر ضحك وقال له وقتك انتهي‬

‫فضحك الرجل وانصرف بعدما قال له ‪:‬‬

‫‪ -‬فراخك حلوة قوي يا أستاذ حمدي ‪.‬‬

‫أما زليط ومليط فقد بدءا بتطوير محلت المحمول والكمبيوتر التي لم يكن يديرها قشقوش‬
‫بكفاءة لنشغاله ‪ ..‬وبدأ يلف حبال أخري علي رقاب أهل هذا البلد ‪ ..‬بدءا يبيعان المحمول بالتقسيط‬
‫بضمان جاموسة أو حمارة ‪ ,‬حتي أصبح سبعون ألف شخص في بلدنا يحمل كل منهم محمول ول‬
‫يعرف كيف يوفر لقمة عيشه ‪.‬‬

‫عندما تكون قادما من الزرقا أو من منية النصر فتنظر ناحية كوبري البلد المواجه‬
‫للخرابة فل تجد سوي يافطة كبيرة هنا مقر العضو قشقوش ‪ .‬وبجوارها شركة زليط ومليط‬
‫للتليفون المحمول أهل بكم في بلدكم النزل ‪.‬‬

‫وداعا للجلوين ‪ ..‬لم تعد بلدنا تؤمن بالجلوين ‪ ..‬أصبحت تؤمن بعصر التكنولوجيا الذي أتي به‬
‫إخوة قشقوش منذ فترة قصيرة‬

‫الزمن هو زمن بناء سور العظمية ‪.‬‬

‫كم عمرك يا بن زهران ؟‬

‫ابن سيادة الرئيس الستاذ جمال ل يكبرك كثيرا تبوءأرفع المناصب في مصر وعلي رأس‬
‫أكبر حزب في مصر ومن المحتمل أن يترقي لما هو أكثر من ذلك‬

‫‪ -‬نفس الموال ونفس الحكاية ‪ ..‬أنا لست ندا لمثل هذا الكلم ‪ ..‬خلصة الموضوع أقول لك‬
‫ابن الزبال يبصبح زبال ‪ ..‬ابن العربجي كذلك‪ ..‬ابن الفيشاوي أحمد الفيشاوي ‪ ..‬ابن عادل إمام‬
‫رامي إمام ‪ ..‬ابنة أشرف عبد الغفور ريهام عبد الغفور ‪ ..‬ورانيا فريد شوقي ‪ ,‬وغيرهم كثير في‬
‫كل المجالت ‪ ..‬تقسيم طبيعي للمجتمع ‪ ..‬ابن الرئيس لبد أن يكون رئيسا ‪ ...‬ل مفر من هذا‬
‫التقسيم ول هذا الترس‪.‬‬

‫‪ -‬ل توجع رأسي كل فصل تحاول أن تقارني بابن سيادة الرئيس إن عمري من عمره هناك‬
‫من عاش ‪ 40‬عاما ومر بتجارب وخبرات تساوي مئة عام ‪ ,‬عمرنا يمر دون أن نكتسب سوي‬

‫‪113‬‬
‫الحزن والمرار فلتغلق الحديث في هذا الموضوع حتي ل تجد نفسك في خبر كان ‪,‬آخر مرة يتم‬
‫الحديث معي في هذا الموضوع أتود أن تصنع من فسك عمرو أديب ؟‬

‫‪ -‬لن أغلق الحديث‬

‫‪ -‬ما الذي استفادته من تعليمك ؟ كأن تفوقك جاء بطريق الخطأ أو كأنك أنت لست أنت ‪.‬‬

‫‪ -‬تكلم وأنا لن أرد عليك ‪ ..‬ربما أنكر علقتي بهذه القصة ‪ ..‬إن جسمي ل يحتمل الضرب‬
‫والتكسير‪ ..‬نحن في مرحلة حرجة ‪ ..‬أي شخص في هذا الوطن ليس له دية‪ ..‬فديتك أن تكون‬
‫ذاهبا إلي بيتك إن كان لك بيت فل تصل إليه ول تري نور الشمس بأي حجة ‪ ..‬أنت إرهابي ‪..‬‬
‫أنت إخواني ‪ ..‬تلفيق قضية بانجو وأنت ل تشرب حتي السجائر ‪.‬‬

‫‪ -‬هل هذا وطن ؟‬

‫نحن في زمن بناء سور العظمية ‪ ..‬الذي يلي زمن فضيحة أبو غريب بقليل هنا في مصر‬
‫مصر المحروسة ‪.‬‬

‫يحمل حمدي زهران محمول من النوع ‪ N 70‬حمدي زهران يحمل !‪ N 70‬؟ نعم‬
‫يحمله وما العيب في هذا ‪.‬‬

‫يجلس حمدي ويفتح رسالة علي المحمول أرسلت إليه الن فيري فيها مقطع فيديو لضابط‬
‫شرطة يتفنن في ضرب سائق ويضحك من حوله وهو يقوم بالضرب علي وجهه بطريقة وحشية‬
‫تألم النفس ‪ ..‬الناس في بلدنا ل يضربون الحمير بهذه الوحشية ‪ . ..‬يسمع صوت رسالة أخري ‪,‬‬
‫يفتح الرسائل الواردة ‪ ..‬يري العجب والعار يري السائق وقد قام الضابط ومن معه بخلع ملبسه‬
‫الداخلية وقام بوضع عصا أظنها يد للمقشة أو خيرزانة لضرب المتهمين في دبر هذا السائق‬
‫والسائق يصرخ ‪:‬‬

‫‪-‬ياباشا أنا آسف ‪ ..‬ارحمني يا باشا‬

‫الباشا يسبه سبا متتاليا والسائق يصرخ !‬

‫هل هناك كرامة للدميين ؟‬

‫آخر مرة تكلمني في موضوع سيادة الستاذ جمال ‪ ..‬أنت لتدرك مدي الرعب الذي‬
‫أصابني عندما رأيت ماحدث للسائق ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫إن حمدي زهران أشهر من نار علي علم ‪ ..‬مثل قشقوش ‪ ..‬تأتي هذه الشهرة من كونه‬
‫تاجر طيور حية علي مستوي دمياط ‪ ..‬وكفي كفاك ل تريد سوي ( المم) الطعام ‪.‬‬

‫‪-‬أي أسلوب هذا يا بن زهران أسلوب قشقوش ؟‬

‫‪ -‬هل هناك أسلوب أحسن من أسلوب قشقوش ؟ ‪ ..‬هل يستطيع أحد أن يفعل‬
‫بقشقوش كما فعل بهذا السائق ؟‬

‫نصف شباب بلدنا يقف علي باب قشقوش ‪ ..‬منهم من يقوم بمتابعة الكمبيوتر ومنهم من‬
‫يشاهد أحدث صيحة في عالم الموبايل ‪ .‬من أين جاء كل هؤلء الشباب وبالعداد الكبيرة هذه‬
‫كانوا كالدود الذي يخرج من البراز فتنمو فيه شجرة الجلويين ‪.‬‬

‫زليط ومليط يلبسان القمصان المشجرة علي محلت قشقوش وأضافا محل ثالثا لتوزيع‬
‫شرائط الكاسيت ‪ ..‬يوجد مقر لقشقوش في جهة أخري من المبني ‪ ..‬يتوافد عليه الشيوخ والعجائز‬
‫من البلدة لتقديم طلبات إما للكشف الطبي أو العلج علي نفقة الدولة أو لتوظيف أحد أبنائهم أو‬
‫شكوي أو مظلمة ‪.‬‬

‫كان شيئا ما يدفع حمدي زهران للذهاب إلي البلد في هذا اليوم قلت رغبته في العيش في‬
‫هذا العالم ولول مرة منذ مجيئه يفكر في البلد‪, ..‬‬

‫كانت زيارة زليط ومليط زيارة خاطفة إل أنها أقلقته ول يستطيع أحد أن يجبره علي بيع‬
‫بيته ماذا لو تهاون هذه المرة وباعه ؟‬

‫بيع يا حمدي كل شيء هنا قابل للبيع ‪ ..‬أحصي حمدي زهران ما له وما عليه وهل يستطيع‬
‫أن يقوم بتشييد بيت جديد مكان القديم ‪.‬‬

‫لم يقابل العراقيون الجنود المريكيين بالورود كما صورت آلة العلم المريكية ‪.‬‬

‫لم يخطر ببال حمدي سوي ابن الهلول وهو يقوم بالبحث عن سبيل للقضاء علي فكرة بيع البيت‪.‬‬

‫في أي زمن تم كتابة الرواية ؟‬

‫زمن أركب الحنطور واتحنطر ‪ ..‬وأشد اللجام ‪ ..‬والعنب العنب ‪ ...‬والبلح البلح ‪ , ..‬وخش‬
‫خش تحت الدش ‪ ..‬زمن بناء سور العظمية‪ ..‬زمن عمرو أديب الذي صنع شباكا وفخاخا‬
‫عصمت السادات ومصطفي بكري أقصي اليمين وأقصي اليسار والتقسيم هنا ليس تقسيم سياسي‬
‫ولكن كل في واد مصطفي بكري متخصص في عصمت وأخيه ‪ ,‬وعصمت يتهم مصطفي بكري‬

‫‪115‬‬
‫بأنه عميل الحكومة هم ل يعرفون حمدي زهران ولكن يعرفون قشقوش ‪ ,‬مصطفي بكري ليس‬
‫متخصص فينا ‪ ,‬يحمل كل منهم سلة للخر مليئة عن آخرها ‪ ,‬بلدنا مقبلة علي كارثة محققة ‪.‬‬

‫كان قشقوش يجلس أمام محلت زليط ومليط رن الهاتف المحمول‬


‫‪ -‬أيوه أنا قشقوش نائب دائرة منية النصر ‪ ,‬أستاذ عمرو أديب‬

‫التفت الشباب الواقف والمزدحم أمام المحلت‬

‫‪ -‬وماذا تريد يا أستاذ عمرو ‪ ..‬لقاء ؟ هو أنا قدك يا عم ‪ ..‬أنا ل أحب اللقاءات‬
‫التلفزيونية ‪ ..‬ليس عندي وقت ‪ ..‬أنا أعتبر اللقاءات التلفزيونية مضيعة للوقت ‪ ...‬كل ما‬
‫يهمني هو الوقت الذي أقضيه في خدمة المواطنين‬

‫‪-‬أنت لن تضيع الوقت و سترد علي تليفونات أهل دائرتك علي الهواء وتحل‬
‫مشاكلهم‬

‫‪ --‬يا أستاذ عمر أنا لأريد حاجز بيني وبين أهل دائرتي أود أن أراهم وهم‬
‫يعرضون مشاكلهم ‪.‬‬

‫‪-‬قشقوش أنت إنسان ولبد أن تحكي تجربتك ليستفيد منها الناس ‪.‬‬

‫‪-‬أستاذ عمرو ‪ ..‬أنت حاولت معي أكثر من مرة وأنا كنت رافض هذه المرة‬
‫لرضيك فقط‬

‫‪-‬شكرا يا أستاذ قشقوش‬

‫‪-‬يا أستاذ عمرو إياك أن تنسي أن ناس كثيرة زعلنة منك ول أريد أن أزعل منك‬
‫أنا الخر ول يهمني إن كنت مسلح أو غير مسلح ‪.‬‬

‫‪-‬آلو أيوه أنا قشقوش عضو مجلس الشعب عن دائءرة منية النصر ‪ ,‬قناة‬
‫الجزيرة ‪ ,‬ماذا تريد ؟‬

‫‪-‬نريد أن نعمل معك لقاء علي الهواء مباشرة‬

‫‪-‬أنا مشغول‬

‫‪116‬‬
‫‪-‬أستاذ قشقوش نحن نريد من سيادتكم أن تفرغ نفسك ولو لمدة نصف ساعة وأنت‬
‫تذهب هنا أو هناك نريد أن نطرح علي سيادتك بعض السئلة عن الوضع في‬
‫العراق‬

‫‪-‬خلينا في بلوتنا ‪ ,‬العراق يخلص نفسه‬

‫‪-‬قشقوش ‪ ,‬العراق بلد عربي ونحن مطالبين بالوقوف بجانبه‬

‫‪-‬ومن الذي سيقف بجانبي‬

‫‪-‬انت عضو مجلس شعب في أكبر دولة عربية‬

‫وضع يده علي التليفون وقال لجميع الناس – الحاسد في عينه ملحة ‪.‬‬

‫‪-‬أيوه ياأستاذ احنا عندنا مشاكل بل حدود نخلص مشاكلنا وبعدين ندور علي‬
‫مشاكل الناس ‪ ,‬وبعدين الشوية الرهابيين اللي في العراق هم اللي عاملين‬
‫مشاكل‬

‫‪-‬أستاذ قشقوش الرهابيون دول مقاومة عراقية‬

‫‪-‬يعني إيه مقاومة ‪ ,‬انت بتسمي دول مقاومة ‪ ,‬وبعدين المريكان عملوا فيهم إيه ؟‬
‫خلصوهم من صدام يبقوا يخلوا عندهم شوية دم‬

‫انتهي اللقاء‬

‫هذه المرة رن الهاتف ولكن قشقوش قال ‪:‬‬

‫‪ -‬قناة سي إن إن المريكية ‪ Yes‬أنا مستر كشكوش ‪Ok‬‬

‫‪ -‬أنا قناة الفوكس نيوز المريكية اتفقت معايا علي لقاء وأنا مشغول جدا ‪ ,‬آسف ليس عندي‬
‫وقت وأغلق سماعة التليفون رغم أنه لم يكن معه أحد علي الخط‬

‫‪117‬‬
‫( ‪) 18‬‬

‫ل يستطيع أحد أن يقرر لحمدي زهران متى يخرج من بلده ومتى يعود إليها ‪ ..‬جرفه‬
‫الشوق والحنين للعودة رغم أنه عاد قبل ذلك عندما ذهب ليل وسرا واخذ الفلوس التي باع‬
‫بها الفرس والعربة من بيته وعاد يومها متخفيا ل يرغب في رؤية أحد ول أن يراه أحد ‪.‬‬

‫اليوم عاد في وضح النهار ودار في رأسه ‪ ..‬ماذا لو كان المريكان قد احتلوا بلده ؟‬
‫ووضعوا نقاط تفتيش علي مدخل الزرقا وأمروه بالرجوع من حيث أتي من كان سيطفئ‬
‫هذا الشوق لرؤية جدران بيوت بلده وشوارعها و ليستطيع أحد أن يمنعه من قراءة الفاتحة‬
‫علي قبري صبري الدمنهوري وجمال شطة ‪ ..‬لم يجد أحد من الحياء يذهب إليه إل ابن‬
‫البهلول ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫تم إقامة دولة كردية في شمال العراق ‪ ..‬أخذوا نصف الحكومة في بغداد كما تم إقامة‬
‫دولة شيعية في الجنوب وكان لهم نصيب من مناصب الحكومة أيضا‪ ..‬لم يتم إقامة دولة‬
‫للسنة في النبار ‪ ..‬ولم يستطع الحتلل الستيلء عليها ‪.‬‬

‫قشقوش يرتدي بدلة أنيقة ورباطة عنق حمراء وهكذا فعل زليط ومليط ‪ ..‬عمرو أديب‬
‫يرتدي قميصا مشجرا اليوم ويضحك مع قشقوش في الستديو ويقول له ‪ :‬أنا ل أحب الخنقة‬
‫فأنا أحب القمصان حتى أجلس علي راحتي ‪ ..‬مرحبا بكم في حلقة جديدة بعد استضافة‬
‫أناس بدأوا من الصفر قشقوش الظاهرة ‪ ..‬قشقوش مستقبل هذا البلد ‪ ,‬قشقوش ‪, .....‬‬
‫قشقوش ‪ , ....‬وأخويه زليط ومليط المليونيران ‪ ,‬العائلة المكافحة رجال العمال ‪ ,‬أصحاب‬
‫شركات وتوكيلت محمول وكمبيوتر ‪.‬‬

‫‪ -‬أستاذ قشقوش نريد من سيادتكم أن تقول لنا كيف وصلت إلي عضوية مجلس الشعب ؟‬

‫‪ -‬شوف يا أستاذ عمرو ل يستطيع أحد في هذا البلد الوصول إلي منصب قيادي إل‬
‫بالكفاح المستمر والتعب والعرق وحب الناس ‪ ,‬وأهم شيء حب الناس ‪ ,‬فبحب الناس وثقتهم‬
‫تصل إلي ما تريد ‪.‬‬

‫‪ -‬ماذا كنت تعمل قبل دخولك مجلس الشعب ؟‬

‫‪ -‬سؤال ذكي ووجيه ‪ ,‬كنت أشتغل في العمال الحرة‬

‫‪ -‬لماذا طعن مرشح الخوان المنافس لك في عضويتك ؟‬

‫‪ -‬الخوان يحقدون علي لنني قد حصلت علي كل الصوات في الدائرة أما عن قوله‬
‫بأنني لست من هذه الدائرة فهذا زليط وهذا زميط أخواي – ولم يذكر أخوه أبو النونو ‪-‬‬
‫فجذورنا عميقة في هذا البلد وإل ما كنا نمتلك نصف بيوت هذا البلد ومواشيه وشركاتنا فيه‬
‫أم نحن قد هبطنا من الفضاء ؟ أم زرع شيطاني كما يقال ؟‬

‫أستاذ عمرو لبد أن تعرف مع من تتكلم ‪ ..‬فأنا غير كل من قابلتهم في حياتك ول‬
‫تحاول أن تجرني إلي طريق تكون أنت الخاسر الوحيد فيها ‪ ..‬وافقت علي اللقاء بعد أن‬
‫اتفقنا علي السئلة‬

‫‪ -‬يا أستاذ قشقوش نحن لم نتكلم بعد أمامنا وقت طويل للحوار والختلف في الرأي ل‬
‫يفسد للود قضية ‪ ..‬أنا أمامي مئات السئلة والستفسارات ‪ ..‬بجانب الرسائل اللكترونية‬
‫والمحادثات الهاتفية من الجمهور ‪ ..‬ووجدت أن من مصلحتك أن ترد عليها لننا نتكلم أمام‬
‫الرأي العام يقول البعض أن الثروة حطت عليكم فجأة أنت وأخويك ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫‪ -‬نحن من عائلة غنية جدا ورثنا أموال طائلة ول أحد يستطيع أن يثبت أننا سرقنا أحد‬
‫أو أخذنا مال أحد اثبت لي وأنا مستعد للستقالة فورا من العمل السياسي ‪.‬‬

‫‪ -‬نحن نعرف أنك تمارس العمل السياسي منذ قدومك من العراق وأنت ذراعا عمدة‬
‫النزل اليمن و اليسر ومن بعده ابنه الستاذ حمادة ‪.‬‬

‫‪ -‬نعم أنا كذلك ولكن في الحق‬

‫‪ -‬لقد استطعت في الفترة القصيرة التي عشت فيها بالنزل أن تخلط البيض بالسود ولم‬
‫تجعل في هذا البلد شيء واحد أصلي حتي ل يعايرك أحد أنك ل أصل لك ‪.‬‬

‫وهنا انفعل قشقوش وحاول أن يغادر الستديو ولكن عمرو طيب خاطره وقال له هذا‬
‫الكلم ليس من عندي ولكنها أسئلة وردت إلينا بالبريد اللكتروني من النزل وواجبك أن‬
‫ترد عليها دون انفعال ‪ ..‬وصل إلينا بعض صورك وأن تقوم بإنتاج نوع جديد من‬
‫الحيوانات لم يكن موجودا من قبل وصورتك أثنا عملية إتمام تلقيح حمارة الخرابة بواسطة‬
‫الحصان ‪.‬‬

‫‪-‬يخلق من الشبه أربعين ‪ .‬إن هذه الصورة التي تعرضها الن ليست صورتي‬
‫وابحث أنت عن صاحبها ومن الذي حاول أن يلصقها بي ‪ ,‬ونظر إلي بدلته وقال‬
‫ل يمكن أن يكون أنا هذا الشخص‬

‫‪-‬زليط ومليط ‪ ..‬يقول الناس في بلدكم المفترضة أنكم كنتم في السجن في العراق‬
‫طوال الفترة التي مكثتموها هناك ‪ ,‬وأنكما أطلقتما مع المساجين الذين أطلقوا‬
‫للنهب والسلب والتهليل لجنود الحتلل عند السقوط "الهليودي" لتمثال صدام ‪.‬‬

‫‪-‬حاول أن تكون مؤدبا معنا في الحديث ‪ ,‬لنك ل تعرف مع من تتكلم ‪ ,‬ألم يقل لك‬
‫سيادة النائب أننا ورثنا عن آبائنا أموال طائلة وهذه الثروة هي ثروة أبونا‬
‫وأجدادنا ‪.‬‬

‫‪-‬سؤال علي سبيل الدعابة ‪ ,‬ماذا يعني ( زليط ومليط ) وهل هي أسماء حقيقية أم‬
‫شهرة ؟‬

‫لم يجب أحد علي هذا السؤال والتفت كل منهم إلي الخر‬

‫مداخلة من الستاذ حمادة أبو جبل عمدة النزل‬

‫‪-‬يا قشقوش يا حبيب قلبي عامل إيه وال انت منور البرنامج ‪,‬‬

‫‪120‬‬
‫‪ -‬يا أستاذ عمرو أنت تتحامل علي سيادة النائب ‪ ,‬قشقوش ابن ناس نحن اللذين‬
‫نعرفه ولست أنت ‪ ,‬قشقوش عمل لبلدنا كثير ‪ ,‬المفروض أن نحيه بدل من أن‬
‫نحاول هدمه ‪.‬‬

‫مداخلة أخري‬

‫‪-‬أيوه يا أستاذ عمرو أنا شيخ خفر النزل قشقوش ده حاجة كبيرة قوي لزم نحافظ‬
‫عليها لن مجتمعنا يحتاج إلي ناس مثل الستاذ قشقوش والحاج زليط والحاج‬
‫مليط‬

‫‪-‬ألم تكن تصطاد السمك الصغير المسمي ( المع ) ول تصطاد غيره ولم أصبحت‬
‫شيخ خفر أصبحت تكوي الجلباب وتمشي بطول البلد وعرضها فاردا ذراعيك ‪.‬‬

‫‪-‬ليه الغلط يا أستاذ عمرو نحن أصل البلد دي ‪ ,‬لزم تعرف أننا الذين نمسك‬
‫بتلبيب هذا البلد ‪ -‬باي ‪.‬‬

‫‪-‬تجولت كاميرا البرنامج في مدرسة النزل العدادية وفي بعض الماكن ‪ ,‬وسألنا‬
‫التلميذ عمن يود أن يصبح مثله ومن هو مثله العلي وجاءت النتائج علي النحو‬
‫التالي‬

‫قشقوش في المركز الول وتراجعت رغبة التلميذ كما هو معتاد في أن يصبح طبيبا أو‬
‫مهندسا أو طيارا أو ‪.....‬‬

‫وجاء زليط ومليط متساويين في المركز الثاني‬

‫ولم يأت ذكر حمدي زهران ‪ ..‬وأنكر التلميذ معرفتهم به ولم يذكر أيضا جمال شطة ول‬
‫صبري الدمنهوري ‪ ..‬ومنهم من قال نريد أن نصبح رجال أعمال كزليط ومليط‪ ..‬ومنهم‬
‫من قال ل نريد أن نضيع العمر في التعليم وفي النهاية نصبح مبيضين محارة إن كان هناك‬
‫وقت لذلك‪.‬‬

‫مصر توافق علي إعفاء العراق من ديونه في منتجع شرم الشيخ في حضور رايس‬
‫والمالكي ‪.‬‬

‫ينتهي البرنامج مع عرض لبيت قشقوش ‪ -‬هنا مقر النائب قشقوش ‪ -‬شركة زليط ومليط‬
‫للهاتف المحمول – أحضر جاموستك واستلم محمول بالخط ‪ -‬أحضر حمارا واشحن لمدة‬
‫عام ‪. ............ ,‬‬

‫‪121‬‬
‫( ‪) 19‬‬

‫تم القبض علي الباشويش طه يس رمضان والصول برازان والعريف ‪ ...‬ولم يبقي‬
‫إل صدام ‪ ,‬لجأ عزة الدوري إلي سوريا ولم يتم القبض علي بن لدن حتي الن ‪.‬‬

‫تم تطويق المنية بقوات كبيرة من المن وطائرات الهليكوبتر وتم القبض علي عزت‬
‫الترزي وتم إرساله إلي جوانتانمو ‪.‬‬

‫جلس حمدي زهران طارحا نفسه إلي الخلف علي الكرسي أمام المحل ‪ ..‬كان‬
‫سعيدا ‪ ..‬أحس أن له بيت لول مرة ما كان لحد أن يطمع فيه وما كان يجب أن يقدره أحد‬
‫بثمن إنه بيت حمدي زهران وما ينبغي لحد أن يسكنه سواه حتي لو أتي زليط ومليط‬
‫بفلوس العالم كله وليس العراق فقط ‪ ..‬عندما يقول له ابن البهلول شيء فإنه ل يتغير ول‬
‫‪122‬‬
‫يمكن أن تكون هناك حسابات أخري غير ما قال لم يقل له إل أعطني ما معك من نقود وأنا‬
‫سأتصرف ‪ ..‬أعطاه حمدي ثلثون ألفا بالتمام والكمال وهو سعيد‪ ..‬وابن البهلول أكثر سعادة‬
‫منه وضعهم ابن البهلول في جيبه وقال له اعتبر أنه أصبح لك أكبر بيت في القرية‬

‫لحظات قصيرة يقضيها حمدي سعيدا ول تستمر‪ ..‬رأي من علي البعد الحاجة‬
‫عطية قادمة وهي تضحك ‪ ..‬أشاح بوجهه عنها ‪ ..‬تمني أل تأتي إليه ولكنها لم تذهب يمينا‬
‫ول يسارا ولكنها اتجهت نحوه‪:‬‬

‫‪-‬إزيك يا أستاذ‬

‫لم يرد‬

‫دخلت مباشرة إلي المحل وجلست علي المكتب‬

‫دخل إليها وقال لها ‪:‬‬

‫‪-‬ماذا تريدين ؟‬

‫افرحوا يا عرب ‪ ..‬ذاد عدد الدول العربية دولتين ‪ ..‬إسرائيل وأمريكا أصبح لهما‬
‫مقاعد في الجامعة العربية‪ ..‬إنهم يجلسون الن في شرم الشيخ لتسوية شئون العرب ‪,‬‬
‫مرحبا بكم في منتجع شرم الشيخ ‪ ..‬أهل بالمالكي‪ ..‬أهل برايس‬

‫سيظل أحمد نجاد العقبة الوحيدة أمام أمريكا ‪ ..‬وحسن نصر ال أمام اسرائيل‬

‫مرحبا بكم في منتجع شرم الشيخ السياحي‬

‫زمن كتابة هذه الرواية هو زمن بناء فندق للكلب كلفة الكلب في اليوم الواحد ‪ 150‬جنيه‬
‫فقط‬

‫موظف الحكومة يتقاضي ‪ 150‬جنيه في الشهر‬

‫أهل بكم في بلدكم النزل‬

‫لو قامت القوات المريكية باحتلل الزرقا والطاهري ل يستطيع أي فرد من النزل‬
‫الدخول أو الخروج ول يستطيع حمدي زهران الدخول مرة أخري إلي النزل وسيظل‬
‫محاصرا في دمياط ويصبح ل بلد له وسيظل أفافا إلي آخر العمر ول يمكن أن يسمح له‬

‫‪123‬‬
‫الدمايطة أن يصبح فردا منهم ول يستطيع أن يفعل ما فعله قشقوش ليصبح فردا منهم دون‬
‫رضاهم ويجلس علي قلوبهم‬

‫دمياط تتعرض للنزيف الن بعدما سدت منافذ البيع أمامهم العراق ودول الخليج‬
‫وانتشار الغرف القادمة من الصين زهيدة التكاليف‬

‫قالت له الحاجة عطية ‪:‬‬

‫‪ -‬إزيك يا أستاذ وحشتنا‬

‫لم يرد حمدي وأحس بخطر‬

‫‪ -‬وال زمان ‪ ..‬يا خسارة اليام ‪ ..‬أيام لن تعوض‬

‫ضحك حمدي إنها أيام ليود أن تعود ول تأتي في ذاكرته وكذا أسقطها من حياته ‪,‬‬
‫ول يود أن يكرر تجربة الفأر في الجحر ‪.‬‬

‫عندما أحست أنها ل تستطيع السيطرة عليه بكلمها التي تصورت أنه معسول قالت‬
‫له ‪:‬‬

‫‪ -‬إما أن تشاركني أو أقلب الطاولة فوق رأسك ‪.‬‬

‫وهو ليعرف كيف ؟ ول لماذا تفتأ تتذكره وتحاول أن تجره إلي طريق لم يعد يرغب فيه‬
‫ولم يكن يرغب فيه يوما ما‬

‫ولكنه قال لها ‪:‬‬

‫‪ -‬ما حدث قد حدث ول يمكن أن يتكرر ‪..‬ألم تطرديني شر طردة ‪ ..‬يومها لم يكن‬
‫لي مخرج ‪ ..‬ومع ذلك كتب لي خيرا ولول طردي من عندك يومها ما أصبح لدي محل مثل‬
‫هذا الن‬

‫‪ -‬هذا المحل ليس ملكك أل تعرف أن مدة اليجار قد انتهت ؟ وسيأخذه من يدفع أكثر‬

‫أحس حمدي بخطر حقيقي وعرف كيف ستقلب الطاولة فوق رأسيه الن وأن هناك‬
‫سوء نية مبيت من هذه المرأة وبخاصة عندما رأي الشيخ محبوب ‪ ..‬فقامت وسلمت عليه‬
‫وانتحي بها جانبا وأخذ يشير بكلتا يديه ويريه الشوارع التي يطل عليها المحل وأن هذا‬
‫المحل له سمعة كبيرة وصلت إلي آخر دمياط‬

‫‪124‬‬
‫أحسست أن لي رغبة أكيدة في الذهاب إلي دورة المياه وإل فعلتها علي نفسي ‪,‬‬
‫فجريت مسرعا إلي دورة مياه جامع المنية الكبير وتركتهما معا‬

‫كان المحل قبل ذلك محل للجزارة فتحه الشيخ محبوب ‪ ..‬أفلس وأغلق بابه بالضبة‬
‫والمفتاح سنين طويلة مهجورا مظلما ‪ ..‬جاء حمدي بقدر ال وسأل عن صاحب المحل‬
‫فوجده الشيخ محبوب الذي لم يصدق يومها أن هناك من يرغب في تأجيره بعد أن عله‬
‫التراب والظلمة ولن الشيخ محبوب من أصحاب البلد الصليين وحمدي من "الفافة"‬
‫والشيخ محبوب رغم ذقنه الطويلة المسترسلة وجلبابه البيض القصير وبنطاله الذي يظهر‬
‫من تحت الجلباب يذهب إلي رأس البر في كل صيف للستحمام ‪ ..‬كان يتصور أنه بمجرد‬
‫أن يقوم حمدي بتشغيل المحل فإنه يستطيع أن يأخذه منه في أي لحظة ولكن ال خيب‬
‫رجاءه ‪ ..‬فعندما يكون ذاهبا إلي صلة الظهرمارا علي حمدي يجد الزحام علي المحل‬
‫فيدخل في وسط الزبائن ويقول ‪:‬‬

‫‪ -‬يا شيخ حمدي ألن تصلي ؟ بعد أن يكون أحصي الزبائن والدجاج الموجود في‬
‫القفاص‪ ..‬وحك له إمرأتين من الزبائن ‪ ..‬وحسب حسبة في رأسه عن المكسب الذي يجنيه‬
‫وما يحققه في اليوم ويلعن ‪ :‬الفلحين الذين قدموا معدمين وحققوا ثروة من بقائهم في بلده‬
‫لم يستطع هو ابن البلد تحقيقها‬

‫لو أن ربح حمدي في اليوم آلفا مؤلفة فل يساوي ما حدث له ول يساوي هزيمته‬
‫وضياع الطريق من تحت قدميه‬

‫عاد حمدي من الجامع منتشيا بعدما ‪ ...‬ولم يجد الحاجة عطية ووجد الشيخ محبوب‬
‫ينتظره أمام المحل ‪,‬‬

‫قال له يا شيخ حمدي ‪:‬‬

‫‪ -‬هل أنا أسأت لك في شيء ؟‬

‫‪ -‬نعم الناس أنت لم أر منك إل كل خير‬

‫استطاعت السنتان اللتان قضاهما حمدي في العمل أن يكسباه خبرة في تلوين الكلم‬
‫وإطالة الوقت في الحديث حتي يفرغ من يتحدث إليه ما في جعبته فتنكشف المور‬

‫قال له ‪:‬‬

‫‪ -‬المحل ده عمره ما كنا هنأجرة لحد ‪ ..‬لول وجدنا فيك الطيبة ‪ ..‬وربنا اللي عمل كده‬
‫وكل شيء نصيب وانت أخذت منه كثير‪ ..‬فأخذ يصف له محاسن المحل ووجوده علي أربعة‬
‫‪125‬‬
‫شوارع وأنه في مدخل البلدة وهذه أشياء يعرفها حمدي أكثر منه ‪ ..‬وأضاف إلي هذا أن المحل‬
‫شغال وشغال‪ ..‬هذه من عند ال ‪ ..‬ثم صبر حمدي الطويل ‪ ..‬فليست شطارة من الشيخ محبوب‬
‫فقد كان أغلقه من قبل ‪ ..‬إغلق أخير‬

‫فقال له حمدي ‪:‬‬

‫‪ -‬هل أنا أسات لك في شيء ؟‬

‫‪ -‬نعم الناس أنت ‪ ..‬الناس هنا قد أحبوك ولم يقل عليك أحد كلمة واحدة تسيء لك وهذا هو‬
‫الذي وقف حائل بينه وبين حمدي‬

‫‪ -‬ماذا تريد مني ياشيخ محبوب؟‬

‫‪ -‬وال معروض علينا عشرة ألف جنيه في المحل كمقدم إيجار و ‪ 500‬جنيه شهريا فما‬
‫رأيك ؟ ومن عرض علي هذا المبلغ قلت له أنا ل أستطيع أن أعطي لك كلمة قبل أن أكلم الراجل‬
‫الذي أكلنا معه عيش وملح‬

‫‪ -‬إنك رجل فاضل‬

‫أحس حمدي بالمؤامرة وأن ضياع المحل من يده أصبح وشيكا ‪ ..‬وسيجد نفسه في النهاية‬
‫ملقي به في أرض الوقاف ‪ ..‬حتي هذه لم يعد فيها مكان لم يتم الستيلء عليه مع وجود وزارة‬
‫الوقاف‬

‫ارتفعت السعار ارتفاعا جنونيا رغم أن الحكومة قالت بالفم المليان أنها ستضرب بيد من‬
‫حديد علي كل من يتلعب بقوت الشعب‬

‫ل يستطيع أحد مهما كان إيقاف أي شيء في هذا البلد ل الحكومة ول الشعب ‪ ,‬فأمريكا‬
‫تسنفذ العالم الن‬

‫مرحبا بكم في شرم الشيخ ‪ ..‬رايس – المالكي‬

‫ل يمكن لمريكا أن تأخذ من العراق ما صرفته علي الحرب ‪ ..‬ل يمكن لهذا القاتل بوش أن‬
‫يتراجع في الوقت الحالي ولكنه حتما سيتراجع ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫(‪)20‬‬

‫قناة الجزيرة‬

‫خبر عاجل القبض على صدام حسين ‪ ..‬صور لصدام وهو يشبه السد العجوز‬
‫والطبيب المريكي يفحصه وكأنه يفحص حيوان نافق أو مصاب بإنفلونزا الطيور ويقلبه‬
‫‪127‬‬
‫رأسه يمينا ويسارا ويسلط ضوء على أسنانه وحنجرته ‪ ..‬ويبدو صدام مخدرا وكان طليق‬
‫اللحية والشعر مهانا‬

‫أما كيف تم القبض على صدام حسين ومتي ؟ كل ما نعرفه من مصادر أمريكية أن‬
‫الرجل وجد فى حفرة صغيرة قرب تكريت تشبه بالوعة المجارى ‪ ..‬هكذا جاءنا الفيلم‬
‫المريكي ‪ ..‬وقع الخبر هذه المرة علي نفس حمدى كالصاعقة وأول مرة يتألم منذ زمن‬
‫ويحس أن هناك خطر أكبرقادم ‪ ..‬لم يكن حزينا علي صدام بقدر حزنه علي المة إن كل‬
‫فرد في هذه المة اليوم معرضا لن يفعل به ما فعل بصدام ‪ ,‬ليريدون لي رأس في هذه‬
‫المة أن يرتفع أو أن تقول ل لمريكا أو إسرائيل لذلك هو مع صدام في هذه المرة قلبا‬
‫وقالبا ليس لشيء ولكن لنه قال للغول عينك حمراء ‪.‬‬

‫بدأ حمدي ينفعل ويبرد ‪ ..‬وينفعل ويبرد ‪ ..‬وما الذي يستطيع أن يفعله لقد قالت أمريكا‬
‫كلمتها وتعامل كل رؤساء العرب علي هذا الساس ‪ ,‬تقول ( هيه وبعدين ) فيتراجع‬
‫الرؤساء العرب عن مواقفهم ‪ ..‬تقوم الدعاية المريكية بعرض صور لصدام وهو عار‬
‫الصدر ويقوم بغسل ملبسه وهو في السجن ‪ ,‬فيقولون كان يستحق ذلك أما نحن فل نريد‬
‫لمريكا إل كل الخير‬

‫تم زحزحة صفوت الشريف قليل عن عرش الحزب الوطني وأمسكوه برأس حربة‬
‫تمهيدا لظهور الجيال الشابة‬

‫مرحبا بكم في شرم الشيخ‬

‫لم يستطع الجيش النظامي في العراق أن يهزم أمريكا واستطاعت المقاومة العراقية أن‬
‫تركع المريكان ‪ ..‬بدأت قوات التحالف سحب قواتها ولم يبق منهم سوي بريطانيا التي تنعم‬
‫بحماية مقتدي الصدر واخوته‬

‫لم يكن حمدي ليتأخر لحظة ‪ ..‬فما عرضه عليه الشيخ محبوب ليستحق النتظار لنه‬
‫لو ضاعت الفرصة لنتهي الموضوع وعاد كسابق عهده ‪ ..‬لكنه اليوم لم يتوانى ‪ ..‬قام‬
‫بتدبير المبلغ المطلوب وكتب عقد جديد للمحل فمسألة الفلوس لم تعد تستعصى عليه ‪ ..‬هذه‬
‫كانت فرصته الوحيدة فلو ضاعت تحولت حياته إلى فوضي ول يعرف متى ستتاح له‬
‫فرصة أخرى ‪.‬‬

‫كان الرجل يرتدى بدله أنيقة ورابطة عنق حمراء وكان حمدى مطلقا للحيته يرتدى‬
‫ملبس ل هى قديمه ول هى بالجديدة ولكنها كانت مرتبه وقال له الرجل ‪:‬‬

‫‪-‬عندك فراخ بلدى ؟‬

‫‪128‬‬
‫‪ -‬نعم‬

‫أنا عايز أجرب فراخك كل الناس بيقولوا فراخك حلوة‬

‫ظهر من حمدى بعض الخجل تواضعا وقال له ‪:‬‬

‫‪ -‬ال يكرمك‬

‫حمدى اليو م بدأ يصرف أمروه بدون حديث ودون طلب المشورة من أحد وكان يصرفه‬
‫بالطريقة التى ترضيه ل هى طريقة قشقوش ول طريقة جمال شطة في حل المشاكل‬

‫حمدى زهران لم يؤذ أحد ولم يوذ نفسه ومنع عنه الخرين ‪ ..‬ربما تأخر حل مشاكله‬
‫كثيرا ولكنه أخيرا فعلها ودبر المبلغ وأعطاها للشيخ محبوب الذى كان يمله الغيظ ؛ لنه‬
‫كان يود أن ل يستطيع تدبير المبلغ وتأتى هذه الحاجة التى أمسكت بذقنه وهي تتحسسها‬
‫وأحس بقشعريرة في جسمه ( كهربة الحاجة عطية )‬

‫ولكن حمدى عاجله وقضى المر وضع فرختين بلدى على الميزان ناوله الزبون‬
‫الفلوس وضعها فى الدرج وأجلسه على الكرسي قال له ‪:‬‬

‫‪-‬الرجل شكلك مؤدب ومتربى‬

‫‪ -‬من أصلك ال يكرمك‬

‫أخرج له كارت مكتوب عليه المستشار فتحي غالي‬

‫ضحك حمدي عندما رأى السم‬

‫‪-‬رأيتك قبل هذا ولكن أين ل أدرى هل لك أخ يشبهك ؟‬

‫‪-‬ل‬

‫‪-‬أنت حمدى زهران إذا‬

‫قال له حمدى يخرب بيتك وحاول أن يحتضنه لكن الرجل تراجع للوراء وطلب منه أن‬
‫يخفض من صوته وهو يمزح معه فكل الناس هنا تعرفه ‪........‬‬

‫‪129‬‬
‫حصل على الكلية بشق النفس وبقى فى السنه الثالثة ثلث سنوات ولكنه كان يستأجر‬
‫شقة مفروشه له وحده فهو من عائلة غنية جدا‪ ..‬وكان يعرف حمدى‪ ..‬ويعرف تفوقه‪..‬‬

‫‪-‬من الذى فعل بك هذا وما أخبار مدينه الزهراء وشارع كلية الداب وعزبه‬
‫الجوجرى وما أخبار حسناء مدينه الزهراء كنت عايش فى الدور شوية‬

‫ومن الذى كان يجب أن يعيش فى الدور حمدي زهران أم فتحي غالي ؟‬

‫أوقعته أمينه فى مطب ‪ 15‬عام بدأ يتذكر السنين وتاه من سيادة المستشار‬

‫‪ -‬لماذا لم تعين فى النيابة ؟ وهل تزوجت بأمينه ؟ إذا احتجت إلى أى شىء اتصل بى‬
‫على رقم التليفون ‪..‬‬

‫لملم حمدى شتات نفسه ‪ ..‬فتحي غالي أصبح مستشارا ‪ ..‬هناك ناس تولد من رحم‬
‫المرأة وأخرون يولدون من مؤخرة الجاموسة ( قشقوش )‬

‫ماكان يصلح أن يكون مستشارا هل الراسب يصلح أن يكون قاضيا ؟ وأنا ‪!!!!...‬‬

‫هل تذكرت أخيرا وأنت من أنت ؟ أل تترك التطور الطبيعى للمور‬

‫أولد ذوات ‪ .‬وكيل نيابة ‪ .‬قاضى ‪ .‬مستشار ‪...‬‬

‫أولد كلب وإن كان حاصل على الدكتوراه ‪ ..‬تاجر طيور صغيرة‪ ..‬تاجر طيور كبيرة‬
‫‪ ..‬صاحب محل طيور‬

‫أعيان ‪ ...‬ابن عمدة ‪ ...‬عمدة ‪ ...‬ليجب أن تحمل نفسك فوق طاقتها ما وصلت إليه‬
‫يساوي عمرك كله ‪ ,‬لتضحي به ول تدور المور تقبلها هكذا فواصل ‪.‬‬

‫يجب أن يوضع تمثال صغير لحمدي زهران في مدخل بلدنا وبجواره هانز بليكس ‪ ,‬أما‬
‫ما كان من أمر فتحي فهو علي القل قد حصل علي ليسانس حقوق فلماذا لم يشغلك أمر‬
‫قشقوش ؟ أو حتي أمر أخويه ؟ البلد علي كف عفريت فحاول أن تتمسك بما اكتسبته وتأكد‬
‫أن الشيخ محبوب والحاجة عطية يرصدان كل حركة من حركاتك ويعتبرونك قد أخذت‬
‫حقوقهم ويفكرون لك بحنق كما تفكر في فتحي الن فمحبوب رغم ذقنه المسترسلة وأداءه‬
‫الصلة في أوقاتها وذهابة للعمرة كل عام والمصيف إلي رأس البرلن يغفر لك أنك قادم من‬
‫الخواء كما قدم قشقوش وأقام مملكة في بلدك ‪ .‬محبوب يعتبرك نجحت فيما فشل فيه هو فل‬
‫تفعل أكثر مما كنت تفعل ول تفكر أكثر مما كنت تفكر وإل وقعت من علي الصراط فحذار‬
‫يا حمدي ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫ما عمرك ؟‬

‫ابن العمدة أبو جبل كان يلعب في برازه عندما كنت علي مشارف تخرجك‪ ..‬لن أقل لك‬
‫هذه المرة ابن سيادة الرئيس حتي لتخاف ول تتململ وتزن المور كل شيء تحول فحافظ‬
‫علي ما معك وإياك أن تنظر خلفك أمامك مطب صناعي ‪.‬‬

‫( ‪) 21‬‬

‫قناة الجزيرة‬

‫بلغ إجمالى عدد الجنود الذين قتلوا فى العراق ‪ 3300‬قتل منهم ‪300‬أثناء دخول العراق‬
‫والباقي بعد إعلن الرئيس الكذاب انتهاء العمليات العسكرية وانتصار القوات المريكية‪..‬‬

‫‪131‬‬
‫قتل على ضفاف دجلة والفرات من العراقيين ما يقارب ‪ 750‬الفا حتى الن أوما يزيد ‪..‬‬
‫كل شعوب الرض طالبت يوقف الحرب واستنزاف العراق ‪ ..‬لم ينادى العرب بوقفها‬

‫المرتزق يتقاضي ألف دولر يوميا ‪ ..‬ومصرح له بالتصفية والقتل وتنفيذالعدام دون‬
‫محاكمة أو متابعة آثاره‬

‫أهل بعصر الديمقراطية الجديد والقنوات المفتوحة والعالم دولة واحدة‪ ..‬اليوم يومك يا‬
‫قشقوش ‪ ..‬اليوم يومك ياعمدة جمهورية مصر العربية كلها ‪ ..‬كان يوما شبيها بيوم نهب‬
‫بغداد‬

‫ويا اللى من أهل الصعيد‬ ‫يا اللى من البحيــــــــــــرة‬

‫أو مـــــــــــــن بورسعيد‬ ‫يا اللى من العريش ا لحرة‬

‫مصـــــــــر اليوم فى عيد‬ ‫هنوا بعضـــــــكم وباركوا‬

‫ألقت ربات البيوت ما فى أيديها من دواجن وبط ‪ ..‬فتح أصحاب المزارع مزارعهم لمن‬
‫يرغب أن يدخل ويأخذ منها ما يريد دون ثمن ‪ ..‬صدرقرار وزارى بإغلق محلت‬
‫الدواجن فالطوفان قادم ‪ ..‬إن فيروس انفلونزا الطيور قادم من شرق آسيا ‪ ..‬صبر ونال لم‬
‫تذهب الولد المدارس فى اليوم التالى فى يوم واحد طار من المنصورة إلى المنوفية إلى‬
‫كفر الشيخ إلى الصعيد ‪ ..‬لقد نشر سمومه فى الخمس محافظات السابقة فى يوم واحد‬

‫لقد نشر الرعب بين الناس وكأن الطاعون قد انتشر‪ ..‬تم تكسير محلت الدواجن‬
‫والعشش فوق السطوح ‪ ....‬كان قشقوش في هذا اليوم جالسا في مقره النتخابي سأل عن‬
‫شىء واحد‪:‬‬

‫ماذا فعل ابن البهلول ؟‬

‫عندما قالوا له أن ابن البهلول أقسم بأغلظ اليمان أنه لن يدخل حد إلى مزرعته حتى‬
‫ولو كان آخر يوم فى عمره‪.‬‬

‫ضحك وأخرج تليفونه المحمول واتصل وما هى إل لحظات حتى جاءت قوات أمن‬
‫مركزى وعملت حلقات دائرية حول مزارع ابن البهلول ‪ ..‬ألم أقل لك أنه لك يوم قادم‬
‫وهكذا جاء اليوم‬

‫إعدام على قارعة الطريق للعلماء وأساتذة الجامعات والطيارين السابقين‬

‫‪132‬‬
‫كان قشقوش والعمد قد جلسا فى خيمة تشبه الستراحة يشربان المياه الغازية‬
‫والكوكاكول وهما يضحكان‪ ..‬وابن البهلول يعتصر الما ‪ ..‬وهم يحفرون حفركبيرة‬
‫ويضعون فيها دواجن البهلول ‪ ..‬لطم ابن البهلول وجهه ولم يهتم به أحد‬

‫إن ل يفهم الخطر القادم ‪ ..‬جاهل ابن البهلول‬

‫رغم خبرة ابن البهلول فى الحياة وإدارة عمله بكفاءه أل أنه ل يعي الوضاع المستجدة‬
‫فل يحب أن تكون هناك صناعة ناجحة مثل هذه فى يد ابن بهلول ‪ ..‬ومن هذا ابن الهلول‬
‫نعرف جميعا من هو ابن البهلول ‪ ..‬فل يحب أن يكون معه ثروة ‪ ..‬لم يخلق لهذا خلق ابن‬
‫البهلول لكى يكون متسول أما من يعرف الثروة فهم اناس آخرون غير ابن البهلول‬
‫يعرفون كيف يديرونها ويدور معها فى الفلك السبعون مليون مصري دون فرصة لخذ‬
‫النفس ‪.‬‬

‫يجب أن ينتزع ابن البهلول من هذا الترس الذى وضع فيه ليوضع فى ترس آخر مناسب‬
‫وملئم له ‪ ..‬بلد من هذه ‪ ..‬من الذى يوضع القوانين ‪ ..‬من الذى يعطى ومن الذى يأخذ ؟‬
‫وبأى حق‪.‬‬

‫هل نحن من رواية نجيب محفوظ الحرافيش ؟‬

‫هل نحن فى زمن الفردة ؟‬

‫اليوم هو ‪ 11/5/2007‬ويلى ظهور انفلونزا الطيور فى مصر بعام‪ ...‬تم اختيار‬


‫أعضاء جدد لمجلس الشعب السورى ‪ ..‬تمت النتخابات بهدوء وبسلسة ‪ ..‬وعندما تم‬
‫اجتماع العضاء الول ‪ ..‬تم ترشيح الرئيس الشاب بشار السد لفترة رئاسية جديدة ‪...‬‬
‫مرحبا بأولد الذوات ‪...‬‬

‫سيتم الستفتاء على رئاسته وطبعا‬

‫زمن الكتابة هو يوم الخطاب التاريخي للرئيس الشاب في مجلس الشعب الجديد‬

‫صفق مجلس الشعب السوزري للرئيس الشاب تصفيق حار ‪ ...‬يذكرني‬


‫هذا بطريقة جلوس حمادة أبو جبل علي العمودية فى بلدنا ‪ ..‬وقد تم ترشيحه من إمام‬
‫الجامع الذى لم يخاف ال وخاف العمدة أبو جبل ‪.‬‬

‫مرحبا بالعرب سوريا آخر معاقل الثوار ‪ ..‬وحارس الحدود مع اسرائيل‬

‫‪133‬‬
‫ايها السوريين لسنا أحسن حال فهاهم شباب المة يجلون على مقاعد الرئاسة وهل تزيد‬
‫أكثر من هذا‬

‫ورث أحمد عزالحديد والصلب في مصر ‪ ...‬وهذا ليس من عندى‪ ..‬وإن كنت قد‬
‫أخطأت فاغفر لنا يا عم أحمد فأنا أفكر فى بناء بيت ولكن كلما ارتفعت أسعار الحديد‬
‫أتراجع ‪ ...‬وهذا ما جعلنى أتابع طلعت السادات وهو يكيل التهامات ربما هو مخطىء‬
‫وأخذ جزاء فل أريد أن أوضع معه فى خندق واحد فهو على القل ابن أخ الرئيس‬
‫السادات ويستطيع أن يجد له واسطة أو حماية ‪ ...‬أما أنا العبد الفقير إلي ال ل تربطنى‬
‫صلة بأى أحد ‪ ..‬ول حتى قشقوش يعرف أنني من النزل ‪ ..‬بلد من هذه الذى تم‬
‫توريثها وناسها أحياء أقدم شعوب الرض ‪.‬‬

‫من قال لكم وزعوها هكذا ربنا سبحانه وتعالى وضع قوانين للميراث اورثوها إذا كان‬
‫يحق لكم هذا اقتلوا بشره هؤلء الجوعي المطحونين المغلوبين على أمرهم ‪.‬‬

‫واحد ياخد الحديد ‪...‬واحد ياخد الخشب ‪ ...‬واحد ياخد البطيخ ولماذا ليس اثنين أيها‬
‫البطال ؟ إجعلوهم اثنين لكل صنف‬

‫‪ -‬ابن البهلول إذا أتى أمر ال فل راد لقضائه ‪ ..‬أنت ستخرخ ستخرخ من اللعبة لن‬
‫الموضوع ليس تهريجا ول مزاحا أنت تعمل فى تجارة السياد يرغبون فيها ويريدونها‬
‫خالصة لهم‬

‫سيأخذون فلوس العراق وفلوس تجارتك وفلوس تسولك في ضربة واحدة أيها الذكي‬
‫وماذا سيفعل صديقك حمدي زهران أل تقوم بتمويله وعملت فيها تاجر سيقطعون عنكما‬
‫الماء والكهرباء‬

‫المراكب تقف بالطيور المجمدة في المواني ‪ ..‬هكذا قال الناس الذين ل يطمر فيهم عيش‬
‫‪ ..‬هؤلء الذين يعضون اليدي التي تمتد إليهم ويقولون ‪ ...‬و يقولون وأن هناك ‪ ...‬وهناك‬
‫وهم ل ينسون صفقات الفراخ المجمدة التي هزت الرأي العام من قبل‪ ...‬ويذكرون صفقة‬
‫الخوز التي نظم لها قانون خاص بها وبيعت الصفقة الوحيدة الفريدة ‪ ...‬وبعدها لم يعد‬
‫وجود للقانون بعدما اشتري الناس الخوز كلها ولم يبق منها إل خوزة واحدة ‪ ,‬هذه المرة‬
‫أيضا ليس كلم من عندي ولكن قاله الناس الذين يجلسون عند الكباس وعلي كوبري‬
‫الشعراء وفي باب الحرس وتحت الكوبري العلوي المؤدى إلى رأس البر ينتظرون من‬
‫يأخذهم ليقوموا بنقل متر رمل أومتر زلط أو هدم سور ‪ ...‬هم قالوا هذا‪ ...‬ول يعرفون أن‬
‫المور أبشع‪.‬‬

‫قال قشقوش للضابط الذى يشرف على تنفيذ العدام الجماعى للدواجن‪:‬‬

‫‪134‬‬
‫‪-‬لماذا ظهرت انفلونزا الطيور فجأة ؟‬

‫‪-‬ليس اختصاصى‬

‫‪ -‬قال للطبيب المشرف الخرعلي العدام الجماعى للطيور‪:‬‬

‫‪ -‬انفلونزا الطيور ظهرت في اسرائيل فى يوم وفى اليوم التالى أعلنوا قضاؤهم‬
‫على المرض‬

‫لماذا ظهرت عندنا دون الدول المجاورة ؟‬

‫لماذا لم تظهر فى ليبيا ولم تظهر فى السعودية ؟ وهذه الدول عندها وفرة فى البترول‬
‫ونحن ليس لدينا هذه الوفرة ‪.‬‬

‫قال له الطبيب ‪:‬‬

‫‪ -‬الكلم ده تروح تقوله فى مجلس الشعب احنا عندنا أوامر وعمل نمارسه‬

‫كان عساكر المن المركزى يقومون بإعدام الطيور بطريقة وحشية وكأنهم يخوضون‬
‫معركة حربية وكأن المر ل يعنيهم في شىء ول يعنى أى من الواقفين فهو ليعنى إل فرد‬
‫واحد هو ابن البهلول‬

‫(‪)22‬‬

‫حزب ال يمرغ رأس إسرائيل وعمتها أمريكا في الوحل‬

‫لم يعرف ابن البهلول كيف يتصرف ‪ ..‬بعدما أعدمت ثروته أمام عينيه باسم القانون ‪,‬‬
‫قالوا له ‪:‬‬
‫‪135‬‬
‫‪ -‬إكرام الميت دفنه‬

‫‪ -‬هل هذا ميت إن الدواجن تتقافز في المزارع كأنها جنود حزب ال ‪.‬‬

‫‪ -‬إنهم يتقافزون من اللم ‪ .‬عشت يومين حاول أن تنسي لم تخلق للنعمة ‪ ,‬عندك السبوبة‬
‫أما زلت تملك هذا الكرسي المتحرك‬

‫قالوا له‪:‬‬

‫‪ -‬اسرح‬

‫قال ‪:‬‬

‫‪ -‬أسرح يا أولد الكلب‬

‫قالوا له ‪:‬‬

‫‪-‬وبعدين ! أنت فاكر عملنا فيك إيه لما كنت قليل الدب مع العمدة ‪ . ..‬ل تنسي ‪..‬‬

‫‪ -‬وهل ينسي المرء من أهانه وتفنن في إذلله‪ ..‬إن هذا الشعب غاضب لبعد‬
‫الحدود ‪.‬‬

‫ألم تكن تجارة الدجاج في أيدكم من قبل ؟ وتركتموها لبن البهلول وغيره حتي أصبحت‬
‫ناجحة ‪,‬‬

‫تم بيع مزارع ابن البهلول في مزادات بعد إعلن إفلسه ‪ ..‬وتدخل زليط ومليط‬
‫الرجلن الصالحان ‪ ..‬قاما بتسديد ما عليه ودخل هما وأخوهما قشقوش بدل منه ‪.‬‬

‫اليوم هو يوم تنحي الذيل بليير عن رئاسة حزب العمال البريطاني ولم يبق إل الرأس‬
‫بوش‬

‫يجب وضع تمثال لجورج جالوي في كل بلد من بلد العرب بدل من تماثيل الرؤساء‬
‫العرب وصورهم فقد دافع عنا باستماتة أكثر من القوميين والعروبيين‬

‫مازال لدي ابن بهلول كرسي علي القل ‪ ,‬وماذا سيفعل حمدي زهران ؟ إن هذه كارثة‬
‫بالنسبة لمصر وليست لحمدي وحده ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫‪ 17‬مليار جنيه هي حجم صناعة الطيور في مصر ‪ ,‬أمسك بها العفريت وكورها في‬
‫يده وقذف بها في نار مشتعلة فاحترقت عن آخرها ‪.‬‬

‫ثروة مصر ‪ 57‬مليار جنيه ‪ 17 ,‬مع ابن البهلول وأمثاله ‪ 40 ,‬مع أحمد عز ‪ ,‬أموال ابن‬
‫البهلول وغيره أخذها الغراب وطار ‪.‬‬

‫نعيق غربان ليست ككل الغربان ‪ ,‬سوداء فاحمة السواد بل أعين ل تأخذ العمار فقط‬
‫بل هي الموت ذاته ‪.‬‬

‫قال أحد الطفال المارين لحمدي زهران وهو يجلس واضعا يده علي خده حزينا أمام‬
‫المحل الخاوي ‪:‬‬

‫‪-‬قم روح ( يا قفة)‬

‫‪ -‬لم يره حمدي ‪...‬لم يعرف أن هذا القول موجه له‪ ...‬حتي لو عرف فماذا يفعل ؟‬
‫وإلي أين يذهب ؟ إنه لن يغادر هذا المكان مهما كانت النتائج ‪ ..‬إنه حزين‬
‫غاضب إن القفة باق رغم كل ما حدث وما سيحدث ‪ ..‬أيذهب إلي صديقه‬
‫المستشار أم يذهب إلي أستاذه الدكتور عبد العظيم وزير محافظ دمياط ؟ سيشكو‬
‫له سينبهه إن شهادته الجامعية موقعة باسم عميد الكلية د عبد العظيم وزير ‪..‬‬

‫بدأ حمدي يبحث عن ناس يشتكي لهم ويبحثون له عن حلول ‪ ..‬فعندما كان منغمسا في‬
‫العمل لم يفكر في أحد ولم تكن لديه شكوي ‪ ..‬مع علمه بأن أستاذه محافظ دمياط ويستطيع‬
‫الذهاب إليه في أي وقت ‪ ..‬لكنه لم يكن يحتاج إليه ‪ .. ,‬قرر أل يذهب إلي أحد ‪.‬‬

‫أنهي حمدي كل بقايا السطوح من الدواجن ‪ ..‬فقد أتت النساء لتنظيف ما لديهم من‬
‫دواجن ‪ ..‬بقي حمدي أسبوعا كامل من الصباح وحتي منتصف الليل يقوم بتنظيف الدجاج‬
‫والناس تذهب وتعود وهناك من كان يأتي بدواجنه ويتركها له ول يعود خوفا منها ‪.‬‬

‫لبد أن الخير قادم ‪ ,‬إن هذه البلد الولدة ل يمكن أن تكون قد ولدت فئرانا ‪ ,‬مصر‬
‫العربية المسلمة ‪ 250‬ألف جامع عشرة آلف كنيسة ‪ 60‬مليون مسلم ‪ 10 ,‬مليون مسيحي ‪,‬‬
‫بوادر فتنة جديدة ‪.‬‬

‫إيه رأيك يا عم مقتدي الصدر؟ أيها الثعبان النائم في جحره ‪ ,‬ماذا تعد؟ وماذا تنتظر؟‬
‫كم لديك من السلحة ؟ كم لديك من الشباب الذي أعددته للقائه في نار جهنم ؟ ألم يأت اليوم‬
‫بعد ؟ إن اليوم الذي تنتظره لقادم ‪ ,‬أيها الخنفس المغلف بالتقوي والورع ‪ ,‬هذه المة لن‬
‫تبقي هكذا إلي البد ‪ ,‬لبد أن لها من صحوة ‪ ,‬متي ؟ وأين ؟ إن اليام قادمة ل محالة ‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫إن فكرة ذهابه إلي صديقه المستشار لم ترق ‪ ..‬له فكيف يذهب إليه وهو الذي بعد عنه‬
‫عندما حاول أن يعانقه أو يضحك معه ‪ ..‬فبقي هذا المنظر راسخا في أعماقه يشعر بالهانة‬
‫لمجرد تذكره ‪ ..‬إل أن ظروف عمله لم تكن تعطيه الفرصة في تقليب المور‪ ..‬فقد تعود أن‬
‫يضع كل ما يهينه في بئر سحيق فهو لم يكن ليصدق أنه استطاع أخيرا توفير لقمة عيش‬
‫شربفة ول يود أن ينغص حياته ببعض التفاهات ‪ ,‬فل يستطيع أحد طعنه وهو يمارس عمل‬
‫أيا كان نوع هذا العمل‬

‫وماذا سيفعل له المستشار ؟ أو حتي سيادة المحافظ ‪ ,‬إن ما يحدث ل يستطيع أحد‬
‫السيطرة عليه أو وقفه مهما كان منصبه أو كنيته ‪ ..‬إنه طوفان يأخذ كل ما يواجهه ‪ ..‬لو تم‬
‫محاربة المخدرات والممنوعات والفساد المنتشر بهذه الطريقة لستقامت المور ‪...‬‬

‫قال له زبون سابق وهو يواسيه ‪:‬‬

‫‪ -‬الصبر يا شيخ حمدي‬

‫‪ -‬أي صبر وهل هناك مرض حقيقي‬

‫‪ -‬كانوا عايزين يغطوا علي موضوع العبارة الغارقة‬

‫‪ -‬يغطي علي بلوة ببلوة أفظع منها‬

‫‪ -‬كان عندنا طيور ودواجن في المنزل تتعدي ألفي جنيه ‪ ...‬ذبحناهم ووزعناهم علي‬
‫الجيران لن الثلجة ل تكفي ‪ ..‬كنا عندما ل يكون معنا نقود لشراء لحوم أو دجاج نذبح‬
‫واحدة ‪ ..‬ونبيع بعضها في الزمات ‪ ..‬مخزون استراتجي ‪ ..‬وليس بمفهوم السلم‬
‫الستراتيجي ‪ ..‬منهم ل إللي كانوا السبب ‪ ..‬افتح مكتب محام يا أستاذ ‪.‬‬

‫‪ -‬محام ؟ لم أعد أصلح لشيء إل ذبح الطيور وتنظيفها ‪.‬‬

‫‪ -‬ماذا ستفعل ؟‬

‫‪ -‬العمل عمل ربنا ! ربنا موجود ول يترك أحد‬

‫وزارة الصحة تعلن السيطرة علي أماكن المرض ‪ ..‬كان العلج بترك الغابة تحترق‬
‫بدل من إطفائها حتي ل يتكرر الحريق ‪ ..‬فلم تقم وزارة الصحة إل بإعدام الدجاج الموجود‬
‫بالوطن كله وهي بذلك تكون قد عالجت كمن قتل المريض‬

‫قال الرجل لحمدي ‪:‬‬

‫‪138‬‬
‫‪ -‬ل أعتقد أنهم خائفون علينا إلي هذا الحد إن هناك مكيدة وأشك أنهم خائفون علينا‬
‫ولماذا هذه المرة ؟ لماذا ل يقضون علي المخدرات التي تقضي علي الشباب أكثر من‬
‫انفلونزا الطيور حتي لو تفشي وبائها كما يقال ؟ ياعم هناك مكيدة وراءها رجال أعمال‬
‫صعبان عليهم إن احنا عملنا اكتفاء ذاتي من الدجاج ‪.‬‬

‫‪ -‬أنا ل أفهم كل ما أريده هو لقمة عيش‬

‫‪ -‬لتفهم ؟ تعليم إيه اللي بتقول إنك اتعلمته ؟ أنا لم أتعلم بس عارف كل حاجة ‪.‬‬

‫تساقطت عصابة بوش واحدا تلو الخر فتبادلوا التهامات سقط كولن باول صاحب‬
‫أنابيب الختبار تله رامسفيلد أحقر خلق ال ‪ ,‬وتوالي السقوط ‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫خاتمة‬

‫إنا ل وإنا إليه راجعون " العفاسي ‪" T. V‬الشيء المؤكد أن حمدي زهران أصبح له بيت ككل‬
‫البيوت ‪ ...‬يوجد به أدوات وأجهزة كهربائية‪.‬‬

‫في العيد ذهب حمدي إلي قريته محاول أن ينسي ماذا يفعل في المصيبة التي لحقت به ‪.‬‬

‫عيد الضحي ‪ ...‬صدام حسين بدا مذهول وهم ينفذون فيه حكم العدام ‪ ..‬لم يقبل أن يغطي‬
‫وجهه كما هو متبع ‪ ..‬لكن الذي كان يضع الغطاء هم من يقومون علي تنفيذ الحكم وكأنهم ل‬
‫يدرون أنه مات وانتهي‬

‫مقتدي ‪ ..‬مقتدي ‪ ..‬مقتدي‬

‫أنقول لك كما قال الخوان لقشقوش ؟ يا مقتدي يا جبان يا عميل المريكان ‪ ,‬أذهبت لتنحر‬
‫رجل مسلما في العيد ليكون عبرة لنا جميعا في يوم كهذا ‪!.‬‬

‫بثت قناة الجزيرة مشاهد العدام الرهيبة ‪ ,‬وأصوات إخوة قشقوش ‪ ..‬أقصد إخوة مقتدي‬
‫ينادون باسم مقتدي ‪ ...‬مقتدي ‪ ,‬وصدام في لحظاته الخيرة يهزأ بهم ‪.‬‬

‫أرادت أمريكا ونظام الحكم العميل في العراق ‪ ,‬إسكات صوت المقاومة بإسكات صوت صدام‬
‫ومحوه من الحياة‪ ..‬وإن هذه المقاومة تدافع عن صدام ‪ ..‬إنها تدافع عن أرضها وحضارتها‬
‫ومياهها وبترولها المنهوب وأموالها ‪.‬‬

‫مشهد العدام زلزل حمدي وهو يشاهد التلفزيون في بيته هو وابن البهلول ‪ ,‬وقال له ابن‬
‫البهلول ‪:‬‬

‫‪-‬أنت شفت يا أستاذ حمدي فيلم إعدام ميت إنهم يعدمون رجل مات ألف مرة‬
‫عندما دخلوا بغداد ‪.‬‬

‫فضحك حمدي‬

‫قال له ابن البهلول ‪:‬‬

‫‪140‬‬
‫‪ -‬احنا برضه بنعرف نتكلم‬

‫كان كل منهما حزينا لتنفيذ حكم العدام في هذا اليوم بالذات وبحضور مقتدي الصدر وأتباعه‬
‫إذ لم يكن في حضور رئيس وزراء إسرائيل ورئيس أمريكا نفسه تشفيا في العرب والمسلمين ‪.‬‬

‫قال ابن البهلول ‪:‬‬

‫‪ -‬يعني إيه التعديلت الدستورية يا أستاذ حمدي‬

‫‪ -‬دا موضوع كبير يا بن االبهلول تعديلت لفة علشان يلفوا الحبل علي رقابنا ‪.‬‬

‫القضاة يراقبون النتخابات ‪ ..‬المن يقف علي البواب ‪ ..‬يمنع دخول الخوان ‪ ,‬القضاة‬
‫يتذمرون ‪ .‬تتذمر سيأتي لك يوم ‪ ..‬لن نعدل القانون سنعدل الدستور نفسه ‪ ,‬يمنع القضاة من مراقبة‬
‫النتخابات‪ ..‬وكأنه يقول عايزين تعملوا قضاة علينا نحن الذين نقوم بتعينكم ‪.‬‬

‫مرحبا بالدجاج المجمد ‪ ,‬واركب الحنطورـــــــــــــــــــــ واتحنطر‬

‫زورونا في دار الرقم للكمبيوتر والموبايل ‪ ,‬يوجد جميع كروت الشحن وجميع أنواع الهاتف‬
‫المحمول والكمبيوتر بالتقسيط المريح مع تحيات الخوة قشقوش زليط ومليط‬

‫مرحبا بكم في محلت قشقوش للطيور المجمدة‬

‫بط – دجاج – رومي – بيض – كبد – قوانص – صدور‬

‫خدمة التوصيل للمنازل‬

‫( قبـــــــر ) يلمنا كلنـــا كلنــــــــا‬ ‫دا حلمنـــــا طـــــول عمــــرنا‬

‫يفضل شعاع النور يطلع لبعد مدي‬ ‫جايز ظلم الليل يبعدنا يوم إنما‬

‫‪-‬الدستور يابن البهلول أبو القوانين ‪ ...‬الدستور يأمر وينهي ‪ ...‬الدستور يا بن‬
‫البهلول يكفل لكل مواطن حقه في الحياة الكريمة ‪ ...‬كل دساتير الدنيا قامت‬
‫علي هذا الساس ‪ ..‬الدستور الفرنسي أبو الدساتير ‪,‬‬

‫‪ -‬وأنت داخل علي الناس في بيتهم تقول دستور يا سيادنا ‪ ..‬يقولوا لك دستورك‬
‫معاك ‪,‬فضحكا معا واستطرد حمدي‬

‫‪141‬‬
‫‪ -‬الدستور هو اتفاق شعب علي طريقة حياة ‪ ..‬فيوضع الدستور وفقا للمعايير‬
‫الخلقية والدينية في هذا المكان بقوانينه الصارمة التي تنظم هذا التفاق ‪ ..‬ومن‬
‫يتعد الحدود التي رسمها الدستور ينال عقابه الصارم أيا كان منصبه فهو يحدد‬
‫العلقة بين الحاكم والمحكوم ‪ ..‬ولكن يبدو أن دستورنا اليوم يشبه ( الستك‬
‫المطاط ) يطول ويقصر حسب الطلب ‪ ..‬الدستور أبو القوانين ول أحد يعلو‬
‫فوق القانون‪ ..‬الدستور يمنع التفرقة بين الناس أمام القانون ‪ ..‬ويمنع الناس من‬
‫التعالي علي بعضهم فل يوجد قانون خاص لهؤلء المتأففين الذين يتعالون علي‬
‫الناس ويمشون في الرض مرحا ‪ ..‬ففي ظل الدستور ل تجد من يقول لك أنت‬
‫مش عارف بتكلم مين ؟ التي انتشرت أخيرا ‪ ,‬فمن أنت ؟ وماذا تعمل ؟ ومن‬
‫الذي أعطاك هذه الرتبة الفريدة ؟ هل ولدت هكذا ؟ وكيف أخذت رتبتك فالرتبة‬
‫يمنحها الناس لمن يقوم بخدمتهم فخادم القوم سيدهم ‪ ..‬لأعتقد أن الدستور‬
‫أعطي الحق لهؤلء ‪ ..‬ل نعرف بلد من هذا ؟ ومن الذي يحكم ؟ ومن الذي‬
‫يعطي ؟ ‪ ..‬من يستحق ومن ل يستحق؟ ‪ ..‬من القاضي ومن الجلد ‪, ..‬‬
‫اتركوا بشرها يعيشون أو اقتلوهم ‪ ..‬يبدو أنهم ل يستحقون إل القتل ‪...‬‬

‫‪-‬ماكنش سؤال يا أستاذ حمدي‬

‫فسكت حمدي وطال صمته فنظر إليه ابن البهلول وقال ‪:‬‬

‫‪-‬لماذا السكوت أغضبت مني أكمل حديثك‬

‫فلم يرد حمدي‬

‫‪ -‬أكمل يا أستاذ ‪ ...‬ما بك يا أستاذ ‪ ,‬مالت رقبته وجحظت عيناه فصرخ ابن البهلول‬
‫صرخة مدوية دامية ‪.‬‬

‫‪142‬‬

You might also like