Professional Documents
Culture Documents
روايه (حمدي زهران ميتا) بقلم عكاشه فهيم غازي
روايه (حمدي زهران ميتا) بقلم عكاشه فهيم غازي
بقلم
___________________________________________________________
العنوان :جمهورية مصر العربية – محافظة الدقهلية – مركز منية النصر – النزل
2
()1
الساعة السابعة مساءً ,تتراقص الشمس علي بحر إسكندرية كملكم يتهاوى من ضربة
قاضية ..تنخفض ..تقترب من البحر ..ل ندري ما إذا كانت تتهاوي – والعياذ بال – من فعل
صاروخ أمريكي أم أنها تحاول النتحار ,ترسل إشارات ضوئية خافتة كأنها كشافات سيارة
متهالكة ,تبدو معها بيوت إسكندرية وعماراتها كأنها تقطر دماً ,ليست إسكندرية وحدها ,ولكن
الوطن كله....
قطار السابعة الراحل من السكندرية يري ،وكأنه سجن متحرك أو مقابر .إسكندرية ...
ذهبت منها الفرقة الثالثة " مشاه ميكانيكي" كاملة العدد والعتاد .
..ودعناها متشابكي اليدي بدءًا من بور سعيد حتي السويس ,جنود أشداء يحمون إخوانهم
الذاهبين إلي آتون الحرب -حرب مقدسة -إذا دُعينا للحرب فمن غيرنا يلبي ..... " -فإن بغت
لن يلومنا أحد ,بغداد إحداهما علي الخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر ال " .....
عاصمة شقيقة والكويت أيضًا ,أصبحت قناة السويس طريقاً إلي العراق .
3
خرج أهل الكويت من بلدهم وذهبوا إلي البلد المجاورة ....تولت أمريكا المسئولية ,
جيشنا الجيوش للدفاع عن دولة شقيقة معت ٍد عليها وفقاً لميثاق الجامعة العربية للدفاع المشترك .
أقامت القوات العراقية الخنادق والمتاريس وأشعلت حقول البترول الكويتية ,وبدأت القوات
المريكية والجنبية والعربية المشاركة وحربها الدعائية في حصر قوات صدام الرهيبة والقول
بأن التحصينات حول مدينة الكويت تشبه التحصينات التي كانت موجودة حول مدينة ليننجراد .
ت ضمن قوات
اكتنفت مشاعرنا الغموض والريبة فيما يحدث وإلي أين نحن ذاهبون ؟! ,كن ُ
اللواء المقل الذي تم إعداده للحاق بالفرقة الثالثة "مش – ميكا ".
ل أود أن يحسب كلمي في أي موضع من المواضع علي أنني أحمل أي ضغينة لسيادة
الرئيس بوش الب ،ول حتي من بعده بوش البن ...علي طريقة ( اسكندر دوماس الب ،
والبن ) ول أحمل كراهية إلي ست الحسن ماما أمريكا البيض منها والسود علي العين والرأس ،
ول حتي الهنود الحمر الذين أبيدوا حتي ل نتعرض لمواقف ل يحمد عقباها .
-أنا أحب أمريكا وأكره إسرائيل علي طريقة المطرب الشعبي ( شعبان عبد الرحيم ) .
تمركزت الفرقة الثالثة" مش – ميكا " بحفر الباطن ،وكان من المقرر أن يلحق بها لواءنا
المقل مع انطلقة الحرب .
تم اختيارنا من تشكيلت الجيش المختلفة ،وتم تجميعنا في السكندرية ,كانت الوحدات
المصرية قد تم انتشارها علي مداخل الوحدات ،وتم حفر الحفر البرميلية وانتشرت الليات وتم
إعداد الذخائر ،وتم إعدادنا نفسياً لخوض الحرب .
في فجر غزو العراق للكويت تم تجميعنا داخل الوحدة وأحسسنا أن هناك خطراً ما ,وكان
قائد الكتيبة ،ورئيس العمليات بيننا وقال لنا :
" -يا رجالة ...من منكم يريد أن يقوم بعمليات فدائية في قلب إسرائيل؟ "
4
...كلنا في صوت واحد :أنا يا فندم أنا يا فندم . ...................
-وأنت ......
تم اختيار طوال القامة منا ...وتم ترحيلنا من الوحدة ...وغادرنا إلي السكندرية في تجميع
للواء من وحدات مختلفة .
في بلدنا المتقدمة في العمر و الشيخوخة ...بلدنا الممتلئة بالبشر و المرمية في آخر بلد
المسلمين يقف أهل بلدنا الطيبون المقهورون مع محاولت الشمس سحب نفسها ببطء وفي خباثة
يكونون قد أعدوا عدتهم لكبر عملية تهجين في التاريخ ،وعلي مرأي جمهرة من الناس ،وأمام
عدسات المصورين والنقل الحي المباشر من قرية "النزل" التي ل حول لها ول قوة والضاربة في
أعماق الفقر والحزن والمذلة !!! .
-من قال لكم أننا بل عمدة؟! لدينا عمدة ودوار ولكن العمدة ل يهش و ل ينش ( أسد
ل منكم
علي وفي الحروب نعامة ) ليس عيباً ..هل معني ذلك أن نسلبه لقبه؟ ،فليعلم ك ٌ
أن المقامات يجب أن تبقى محفوظة .
5
..بلدنا النزل ل تقع علي الطريق السريع وهى تابعة لمركز منية النصر ..تشبه كثيراً
قرية "البجلت" اليتيمة ،لكنها أكبر حجمًا وبشراً من قرية "ميت تمامة" و"ميت طاهر"
اللتان تقعان غربها ,هي أقرب لدمياط من الدقهلية رغم أنها تابعة لمحافظة الدقهلية ,بينها
وبين "مركز الزرقا" التابع لدمياط 5كم ومركزها" منية النصر "نفس المسافة ،ول
وصول منها إلي الطريق السريع إل عن طريق إحداهما .
..عندما تكون الشمس قد أعدت العدة للسقوط المهين في قرية "البجلت " وبالتحديد خلف
خزان المياه ؛ الذي نراه من علي أطراف قريتنا ,تكون عدسات القنوات العالمية والمحلية قد
التقطت " قشقوش " الذي ل بلد له واستوطن وسط هذا الكم الهائل من البشر .
شمس حمراء قانية مسلطة علي حصان العمدة ( حتي ل يقال أننا بل عمدة) ,وقد أمسك
آخرون بحمارة هزيلة حزينة في مكان مرتفع شيئاً ما عن المكان الذي يقف فيه حصان العمدة ،
وأخذت الجمهرة تحاول استنهاض الحصان بالصفير ورفع العصي في الهواء دون فائدة ،وكل هذا
والحصان رافض متأفف (,ربما لنها حمارة وهو حصان) ليس هذا فقط ولكن لنه حصان العمدة
،وما كان ينبغي أن يتدني بمستواه إلي هذا الحد .
"قشقوش" القادم من الخواء ,يبرز أسنانه المامية التي تبدو وكأنها أسنان أسد عجوز وقع
نصفها بفعل الزمن ,ويضحك ويسب الحصان وينظر يميناً ويساراً ليري ما إذا كان هناك أحد من
ل وأسنانه الكبيرة المتهالكة بارزة :
رجال العمدة أم ل ،ويقول بصوتٍ عا ٍ
أبو الحيل" قشقوش" ل نعرف له اسمًا غير هذا فكل الناس لها أسماء ثلثية ورباعية وربما
أكثر من ذلك إل هذا الفسل كان يفتخر بهذا ( أنه نار علي علم ) تفتق ذهن "قشقوش " عند مرور
مهرة فتعلق بها ووعي صاحبها لما في رأسه فضحك وتركها له . ..واخذ" قشقوش" الحصان
وقربه من المهرة فبدأ يصهل ويبرز موهبته وتقدم إلي المهرة حتي أصبح في قمة هياجه ،وما إن
بدأ يواقعها حتي جذبه" قشقوش" ناحية الحمارة فلم يجد مفراً من أن يواقعها حتي سقطت علي
الرض من حمله الثقيل.
ل أدري لم تذكرتُ هذه الحكاية ،وهذا الـ "قشقوش" الغريب العالم بأسرار بلدتى وأدق
تفاصيلها ,ل أدري إن كنتُ معجباً بأسنانه وحقده الدفين ،وأنه في الفترة القصيرة التي تواجد فيها
في بلدتنا عرف عنها كل كبيرة وصغيرة ,عرف الذي سافر إلي الخارج ,والذي سافر إلي العمرة
والقادم من الحج والذي تزوج والذي طلق والحوامل والذين يتقاضى منهم جميعًا اتاوات بشكل
دائم ومستمر .
6
قطار السابعة السريع ل يختار ركابه ....يقف وفي الميعاد ينطلق ل ينتظر أحداً ,هناك
من يحشر نفسه في جوفه ومنهم من يمتطي ظهره .
كثيرون هم من يمتطون ظهره ,وأنا واحد من هؤلء ..لدرجة أنني لم أعد أعرف أو أحس
أن هناك مكانا للركوب غير ظهره ل أنظر إلي البشر المحشورين في داخله ,دائماً أنظر إلي ظهر
القطار ,أقذف بشنطتي إلي أعلي يتلقاها رفيق ,أمد يدي يجذبني إليه ،نجلس ..نتعارف :..
-الوحدة ............
-السلح ...........
صعايدة ..فقراء ..وأحيانًا رجال بنسائهم وأولدهم ..وعالم آخر فقير شاحب العين ،
وكأننا أطلقنا من صاروخ أمريكي علي ظهر أحد الكواكب .
قري مركز إيتاي البارود تبدو علي البعد خلف بعضها ومتناثرة تأتي منها النوارضعيفة
حمراء وكأنها وحدات عسكرية تتأهب لخوض غمار حرب .
7
حياتي كلها منتهي النضباط ,في الشتاء أذهب إلي الجامعة ,وفي الصيف تجد منادياً في
"منية النصر" يقف أمام صف من التوبيسات :العراق ...العراق ...أركب التوبيس ..أجد نفسي
في العراق ..ينتهي الصيف ..أحشو جيبي بالدولرات وأعود ,رأيت المئة دولر قبل المئة جنيه ,
عرفتُ بغداد قبل أن أعرف القاهرة عاصمتي ,تجولت في شوارع ..الكفاح ,الرشيد ,السعدون
ت كل دور عرض السينما ,أكلتُ الفول والطعمية في المربعة -المستعمرة
وأبو نواس ,وارتد ُ
المصرية الموجودة والمتفرعة من شارع الرشيد – أنا مدين للعراق بالحصول علي ليسانس
الحقوق .
( -أنا ضمن اللواء المقل الذاهب إلي قتل أكبر عدد من العراقيين) ! .
هل تعرفون" قنبرعلي" ؟ لم أمر منه يومًا إل وشربتُ الشاي في استكانة عراقية قادمًا من
شارع الكفاح ومتجهًا إلي شارع الجمهورية.
..معظم البيوت في بلدنا النزل لم تبنَ إل بفلوس العراق ,عندما رأوا الدولر لول مرة
ضحكوا حتي ناموا من الضحك ؛ لنهم لم يروا الجنيه المصري إل في ظروف خاصة ( :قناة
السويس فتحت علي مصراعيها للمستعمرين الجدد) .
عندما ظهرت لول مرة شعيرات متناثرة في ذقني ،وشاربي كانت قدماي قد خطت في
جميع أرجاء بغداد .
كانت بغداد أقرب لنا من القاهرة ..في معظم الحيان ,فإن كان هناك من ينادي (..:منية
النصر – القاهرة ) ؛ فهناك من ينادي ( -:منية النصر – بغداد )
...سبعة عشر ألف جندي سوري يتجهون إلي الكويت لتحريرها من صدام ويتركون
الجولن لسرائيل.
مرحبًا بأكبرلعبة شطرنج في التاريخ لبتلع الوطن ...أم المعارك في مواجهة عاصفة
الصحراء ( ريتشارد قلب السد ) ..
أول مرة يجتمع العرب لمصلحة السيد!!!! .....القطار يندفع مخلفًا وراءه السكندرية
ق لي إل كفر الزيات وطنطا مكان نزولي متجهًا إلي المنصورة . وإيتاي متجهًا إلي القاهرة ,لم يب َ
8
(عندما ل تملك القوة والريادة والقرار يجب أن تتوقف ول تتحرك حركة واحدة ل يجب أن
تكون تابعاً لحد لن هناك أوقات ل تستطيع الرجوع ؛لنك لست صاحب القرار ،ول تستطيع
ك عليّ ؛ لنك وقتها ستصبح كالبغل الذي أنجبته الحمارة
حَالفرار ،ول تستطيع أن تقول أني ضُ ِ
الهزيلة الحزينة التي واقعها حصان العمدة في موقعة قشقوش الشهيرة ).
أعترف أنني ل أملك الرفض ،ول أملك الصراخ الذي لو خرج مني لعل علي صرخات
القطار المدوية ،سُأتَهم بالخيانة ،وتكسير الوامر العسكرية والتقاعس عن خدمة الوطن
(...بلبلة ..لست مع صدام ،ول ضده ولست مع القيادة العامة للقوات المسلحة و ل أستطيع
عصيان المر ) . .
الوصول إلي "النزل" أبعد من الوصول إلي الكويت أو حفر الباطن بالذات ! .
بلدنا بعيدة موحشة مظلمة غارقة في حزنها وصمتها ,أعلي صوت فيها صوت "قشقوش"
واحسرتاه ....في طنطا نركب القطارالمتجه للمنصورة .
كانت الحمارة إياها من حمير الخرابات ،ل صاحب لها تُركت هكذا ؛فهي لتصلح لحمل
شيء ،كما أنها ل تصلح للركوب فليس علي صاحبها سوي إطعامها دون الستفادة منها فأطلقها
تعاني برد الشتاء وحرارة شمس الصيف والوحدة ,وجاء هذا "ابن الحرام قشقوش" ،وفعل بها ما
فعل فازدادت هزالً وحزناً ،وأخذها العمدة في بيته وأطعمها وسقاها بعد أن أحضر "قشقوش"
وقال له وهو يمسكه من أذنه :
-أنت تعرف ..لول أني أحبك لما مرت الحكاية دي علي خير .
ضحك وبرزت أسنانه وأقسم أنه لن يمشي دون أن يتناول طعامه .
اليوم ستجد الحمارةُ مأوي فهي تحمل في بطنها سللة جديدة يستطيع العمدة أن يمتطيها ،
فطوله يقل عن طول الحصان ،وأكبرمن الحمار وأكثر وجاهة .
...ل نعرف فائدة العمدة في بلدنا وماذا تعني كلمة عمدة ولماذا هو بالذات عنده خفر وبنادق
وأرض كبيرة ومهرة يركبها ويمر بها في القرية .
الشيء الثابت بداخلنا أن هذا الرجل بالذات عندما يمر علي أحد يقف ،والراكب ينزل من
علي ركوبته رغم أنهم يعملون بأجور مخففةعنده دون غيره ولماذا عندما ينادي علي أحد يسرع
ض عنه رغم أننا أصبحنا ل ؟ ،وآه لو غضب علي أحد ..ويا حظه من كان العمدة را ٍ إليه مهرو ً
معيرة في البلد المجاورة (أننا بلد من غير عمدة) ..فكيف فهم الغرباء ما لم نفهمه؟!! ..فلم
نستطع يوماً ما أن نرفع عنا هذا الطوق المبالغ فيه من الحترام أو قُل الخوف .
9
قطار العاشرة الراحل من طنطا إلي المنصورة أقل زحاماً من قطار السكندرية ..تستطيع
أن تركب بداخل القطار دون أن يصل إليك المحصل ...وحتي إن وصل إليك تستطيع أن تنتقل إلي
عربة أخري ..فهناك فرصة للمراوغة المهينة ..لكن هيهات ..أجد نفسي وحيداً أعلي ظهر
القطار غير عابيء بالنظرات المصوبة نحوي وكأنني أقوم بعمل مخالف أو كأنهم لم يروا أحداً
فوق القطار من قبل ( ...لم أستطع أن أغير عاداتي السيئة ).
الفلوس أبعد ما تكون عني ولكن صبراً سنأخذ راتبنا بالدولر( عندما يقضي ال أمراً كان
مفعول) ,سنركب البحر والجو حتي نصل ,سنكون من أوائل الناس -بإذن ال -الذين سيدقون
أول مسمار في نعش بغداد ,استولت القوات المريكية علي الخليج المريكي أقصد الخليج
العربي ,انتهي الجدل بين كونه عربياً أم فارسياً .
هل حقيقة كان العمدة ل يعرف أن حصانه يواقع حمارة في الخرابة ،أم أنه تغافل وكان
يعرف أن محصول تلك الواقعة سيكون من نصيبه عاجلً أم آجلً ,فكيف يُعقل أن تحدث هذه
الجلبة والجمهرة دون أن يعرف ,يومها سيضاف إليه لقب العمدة ( الخرونج! ) -مع العتذار
للمسرحية , -ربما يريد اليقاع بـ "قشقوش" حتي ليجمع الناس حوله مرة أخري وبالذات أن البلد
في حالة طواريء منذ مقتل الرئيس السادات.
كيف يسرق حصان العمدة ,وكيف ل يتقاضي أجرًا عن ( النطة ) .النطة من ثور العمدة
بجنيه ,العمدة يملك أدوات الخصوبة ...الثور والحصان والبذور ,حتي حبوب الجنس يعطيها
لحاشيته ( عمدة مسخرة ! ) .
..عمدة بلدنا ضخم الجثة أبيض الشعر ..طرحه للخلف ..يضع عليه أشياء غريبة يقول
البعض أنه فزلين ..و البعض يقول أنه كريم شعر . .أحمر الوجه يكاد الدم يتفجر من وجهه ..لم
ينجب سوي ولد( أهبل) ..يجلس أمام الدوار ..يأكل في أصابعه ..يتناحر مع العمدة طوال اليوم ,
ويحاول العمدة أن يلبسه جلباباً نظيفًا ،وهو يود أن يلبس جلبابًأ قصيراً ممزقاً؛ حتي يستطيع
الجري خلف الولد ...يقول البسطاء الطيبون في بلدتنا :
-مع أن الولد أهبل إل أنه في منتهي الذكاء !! ,ويقسمون بال لو أن هذا الولد تولي
ال ُعمُدية سيكون لبلدنا شأن آخر ...ويقول الكهنة من أهل بلدتنا :
ول أحد يعرف من أين يأتي الخير ,عندما يكون النسان غير مسئول شيء ,وعندما يكون
مسئولً شيء آخر ,ويقول المقهورون من أهل بلدتنا :
-ربما يكون هذا وش السعد علي بلدنا (ل يعلم المرء من أين يأتي الخير )
10
-مالنا نحن ؟ هل كانت بلد أبونا ؟
عندما يحاول أن يداعب ابن العمده ,فيسب قشقوش بأمه ويقسم قشقوش( والقسم عليه):
-إن البلد عمرها ما ينصلح لها حال به أو بغيره دى بلد بنت بغل ,والذي نعرفه أحسن من
الذي ل نعرف ....وشكرا .
(أحيانا تنتاب المرء موجة من السخط وعدم الرضا ،ومن كان في مثل ظروفي ينبغي عليه
أل يفكر في شيء مما يفوق قدراته ,بعدما انخرس اللسان ,واكتفينا بالنظر والتدقيق ,التدقيق ! فيم
تدقق ياابن النزل ؟ !!!) .
النزل علي بعد خطوات منك ،والنزل بلدي مرعبة بعد أن كانت حنونة ...الكهرباء فيها
تنقطع أكثر مما تعمل ..الساعة الثانية بعد منتصف الليل ..الليلة موحشة ..تتقطع سبل المواصلت
بين الزرقا والنزل 5(..كم ليست بالصعبة لمن عاش حياة الجندية) ,زمان عندما كان طريق بلدنا
مليء بقُطاع الطرق ..ليستطيع كائنًا من كان المرور بهذا الطريق بعد آذان المغرب ..أصبح
قُطاع الطرق اليوم يسكنون بيت العمدة ،....يقع بيت حماتي علي أطراف القرية (..ألم أقل لكم أني
متزوج ؟!!) لقد أشرت إشارة عابرة في بطاقة التعارف ...ويا للخيبة ...نعم متزوج كيف ؟! ..ولو
تُركت المسائل هكذا علي عواهنها ؛ لتصورتم أنني أكذب عليكم ؛لن الحسبة ل تدخل المخ ! ...
حاصل علي شهادة عالية ..وجندت ..فمتي تزوجت ؟! نعم هذا لُب الموضوع ..وأقسم بال
تزوجتُ زواجاً شرعياً بمأذون و شهود وفرح ومدعويين وأعيرة نارية في الهواء ..ههه ...نعم
أحياناً عندما أمعن تفكيري ..وأعيد المور إلي نصابها ..ل يدخل موضوع الزواج هذا في رأسي
..مع أنني من باشر العمل ..وقام بترتيبه ودخلتُ بها علي مؤخر صداق وقدره ... ...وقائمة أثاث
. وقدرها ...
ليلتنا خرساء.
(علي المرء رغم ما ينتابه من تعب وصراع ومشقة أل ينسي فروضه ،وما يجب عليه أن
يفعله تجاه بيته وأهله حتي لو كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل !) .
11
دققتُ باب حماتي دقاً خفيفاً حتي ل ينزعج الناس في هذه الساعة من الليل ..,وقت طويل
مضي وأنا أدق ...مصمم أن أمارس دورى في الحياة ,سمعتُ صوت الرجل القصير القامة يرد
من الداخل:
-أنا
-من انت
ضحكتُ :
قال بصوت عالٍ – وأنا أعرف ما حدث لعروج جبهته وامتلءها بالدم – أجئت لتضحك
معنا في آخر الليل ؟!.
-نحن في الصباح.
تذاكيتُ أيضا :الصباح يبدأ عندما تبدأ الدقيقة الولي بعد الثانية عشر.
أرسلتُ عشرات الرسائل من مصر في عشرات الصفحات إلي صدام للتحذير من خطورة)
الوضع إن لم ينسحب من الكويت ,وستأكل الحرب الخضر واليابس
كانت ضحكات الثلثة ترن في أذني وأنا أمشي وحيداً حزينًا مقهورًا منكسراً .
(...ما الحل يا" قشقوش "يا صاحب المعادلت والتوازنات والبدائل ؟! ...هناك
أمور لتؤجل حينما يحل وقتها ...من أي البلد أتيت ؟!! ..وأي رأس تحمل ؟ !! ..أحمل
حقداً دفينًا لك ,تسطيع أن تتواءم ,سأخرج عضوي الذكرى أمام أنظار العالم كله ليشهد
عليّ ما سأفعله الن في هذا الليل الحالك الظلمة وقبل أن يذهب الناس لصلة الفجر ,لعلن
العصيان ولقول لكل الناس إنني مكتف ٍ).
-سأظهره حتي يعانق أوراق الشجر المنتشر علي جانبي ترعة بلدتنا .
-أخاف أن أُصاب بمس من الجنون ,لستُ في حاجة إليك يا "قشقوش" الكلب يا معلم
الحمير ..أين الطريق المؤدي إلي بيتي ؟! ..لي بيت أسكن فيه ككل البشر..
ل يعرف أخي أين أنا ..ول أنني مُقدم علي الذهاب إلي الكويت لتحرير شعبها من
بطش صدام ...
لبد أن أمر عليه في هذا الوقت من الليل وأقول له ما يختلج في صدري ..
أسمع صوت أخي يتأوه في هذا الوقت من الليل ,وقد ربطته زوجته في رجل
السرير .
13
-مَن ألجأ إليه في هذ الوقت ؟
(ربما يستغرب المرء عندما يعرف أن هناك شخصاً يدعي (الفثة) ....وما معني
الفثة ؟! ..ل تعني شيئاً في لغتنا العربية ..لكن الحكاية كلها أن مصطفي عندما يتكلم ل يُسمع
من كلمه سوي ( فث ...فث ...فث ) ...وبعض الباقي تفهمه من حركاته ..إل أنه
رجل ول كل الرجال ...له جيوب معبأة بالنقود ..وله زوجة جميلة اختارته من بين رجال
القرية ..فعندما تراها ل تعرف إن كانت زوجته أم أخته ..فهي الخري أصبحت تفثفث
أكثر منه .
رغم أن "مصطفي الفثة" لينجب ،ولكن وفاء من بنت عائلتنا تمسكت به وقالت له :
-إن هذا الفثة ينام علي أجولة من الفلوس ،ول يعرف ماذا يفعل بها .
كان البيت والشارع مظلمين ,بيته يقع في مستوى أقل قليلً من مستوى الشارع ,
كنتُ متأكداً أنه سيُسَر بمجيئي ,هو الوحيد الذي يقول أنني تربيته ..رغم أنني حاولت
مرات ومرات أن أجعله ليفثفث ,ولما باءت محاولتي بالفشل قلت في نفسي ( :الفـــث
يبقي دائما فــــــث ) .
ل يجرؤ أحد أن ينازعني في نسبي للفث ...أو يقول أنني أزعجه ,الفث نفسه سيفرح
عندما يراني وأنا أفعل هذا .
فتح الباب ..,رأيت شبحه ..,إنه ينام في الظلم ؛ ليوفر الكهرباء والجاز
14
-فث ...فث ...فث ....
ت هذه المرة أنه يرحب بي ) ...مددتُ يدي لسلم عليه . .. ,جذبني وأدخلني بعنف .
( أدرك ُ
..كادت رأسي تصطدم بأعلي الباب ..انحنيت ..كدت أقع علي وجهي وأنا أنزل إلي بيته المنخفض
عن الشارع ...مشي أمامي في الظلم ...ليضع الفثة قطع أثاث في مدخل بيته على اعتبار أن
الثاث يعيق الحركة ويضيع المكان ,مشي أمامي وهو يفثفث ,يعرف كل منا حاجة الخر ..ذهب
منفعل ..أحضر وعائين فيهما بقايا طعام (..ليؤمن بالثلجات ) ..,عنده قناعة أن الطعام يبقي
طيبًا ثلثة أيام ..وضع ما في أحدهما علي الخر ولم يكلف نفسه عناء وضعهما في أطباق ..وهذا
إعلن بأنني سآتي علي كل ما في البيت من طعام وقدمه لي مفثفثا ....نظرت إلي الظلم خلفه
وهو يناولني الوعاء ...كاد يدخله في أنفي ...تناولته منه وأخذت أتناول الطعام ..كان الرز وكأنه
لم يطبخ وشوربة العدس كأنها ماء ...أخذت أمضغ الحصوات وأحيانا أبتلعها عندما يتعثر مضغها
أو تصنع صوتاً بين أسناني ..كانت ملعقة تتخبط في الهواء وأخري تجد طريقها للوعاء ..كنتُ
ت علي الوعاء حلوه ومره ..الفثة يقف أماميأجلس علي حقيبتي الممتلئة بالملبس العسكرية ...أتي ُ
كالشبح لينطق ..انسحبتُ في هدوء عندما كان صوت أختي ينبعث من غرفة مظلمة وهي تفثفث
هي الخري وتقول له :
15
()2
(....عندما ينام النسان متعبًا ل يعرف إذا كان نائمًا علي رأسه أو علي أنفه .يكون أشبه
بنوم الموات البدي الذي ل صحوة بعده) .
ل والشمس
رغم كل التعب ورغم كل ما حدث في ليلة أمس العصيبة ,بدا الصباح جمي ً
ل من الهموم .
رحيمة ,أحسست بانتعاشة في جسدى وأحسست أننى نفضت عنى جب ً
حمدي زهران الول علي مدرسة الشهيد جمال الدين عبد الكريم الثانوية بمنية النصر ربما
لم يكن متوقعًا رغم أن هناك محمود شعلن وأحمد رمضان من البجلت ورغم أن المدرسة تضم
النخب من طلبة البلد المجاورة إل أنه فعلها .
ماض ليقدم ول يؤخر ول ينقذ من هذه اليام الكئيبة الموحشة في بلدة كئيبة موحشة ,يملك
حمدي زهران راديو ترانزستور صغير الحجم يقتني مثله جميع جنود الفرقة 18التي كان ينتسب
لها ...حافظ علي مذياعه .. ,هناك من سرق مذياعه وهناك من استولي عليه ضابط المن عندما
كان يمر علي الخدمات الليلية ,وبقي معه حتي انضم إلي هذا اللواء الجديد الذاهب إلي الكويت .
ليل واحد .ليل حزين .ليل مظلم ,تجرب فيه جميع السلحة الجوية المشروعة وغير
المشروعة ,طائرة أمريكية تطلق الصاروخ وبريطانية توجهه . ..ليلة واحدة قاصمة خرجت كل
الطائرات المتخفية إلي الوجود ..تورنادو ,الشبح ،وغيرها من الطائرات التي لم نسمع عنها من
قبل ...أظهرت مهارة في اللعب ....لم نر أثراً لقوات صدام وتحصينا ليننجراد ،ول وجود للفي
دبابة قادرة علي دحر الغزاة ...لم يكن هناك أم المعارك ول غيرها ,وستبقي فلسطين محتلة إلي
البد علي اعتبار أن تحريرها يبدأ من الكويت .....في الصباح لم يكن هناك أي وجود للقوات
16
العراقية وكأن الرض انشقت وبلعتهم ....لم نر أثراً للتحام أو انسحاب ,هكذا قال الراديو العجيب
الصغير .....أنه تم تحرير الكويت من قوات صدام ....ضاع المل في الحصول علي الدولرات .
....لفائدة إذن من الذهاب إلي الكويت ....ل أعرف ..أأفرح أم أحزن ,وهناك ألف سبب لهذا
وذاك ..تم تحرير الكويت ليعود أمراءها وأهلها من الدول المجاورة شاكرين وراضين عن بوش
ت أنني ذاهب للقاء قوات صدام ....وتمنيت أن يدحر صدام كل رغم كل ما حدث نسي ُ الب ،
هذه القوات مجتمعة بما فيهم نحن ,حتى ل يعودوا للعب في ملعبنا وأرضنا (,كله كان كلم في
كلم ) ,حنجرة كبيرة كما يقولون في بلدنا ,وبدأت تأتي التحليلت من كل الذاعات مغايرة لما قبل
النسحاب عن التحصينات الموجودة حول مدينة الكويت ,لم تكن إل سراب ,رغم أن هؤلء
السادة المحللين قالوا سابقاً إن هذا الخط الدفاعي المرسوم حول الكويت يعادل خط ماجينو ,
ورسموا الخرائط والتوضيحات .
(...ياوطن ماذا سيكتب المؤرخون عنك ,ماقيل قبل الحرب أو ما بعدها أو ما يروجه
المريكان أو ما نقوله نحن العرب ؟!!!! ,جعلتم المؤرخين في حيرة ,الشيء المؤكد أن الوطن
ذاهب إلي نهايته ,أقسم من هذا البيت الحزين الذي ل يسكنه بشر وتعاف الفئران أن تسكنه أنني
ليس لي يد في هذه الحرب ,ولم ينتابني الحساس لحظة أنني سأشارك في هذه اللعبة القذرة ,ليلة
واحدة سمعنا أن القوات العراقية علي مشارف البصرة آلف الساعات الذاعية والتلفزيونية من
وجع الرأس مع خبراء استراتيجيين وضباط متقاعدين ,آلف الساعات من الكذب والخداع
والجلوس علي كراسي دوارة ورجوع للخلف وطلوع للمام ووضع ساق علي ساق ثم إنزالها وشد
نفس من سيجارة أمريكية ,ربما جرونا إلي ذلك لنظهر أمام أنفسنا أننا مجرد زمرة من الكذابين
المخادعين؛ لننا مع ما نمتلكه من قوة ل نستطيع الصمود أمامهم مهما كانت حجم هذه القوة ,
عرضت السلحة المريكية والبريطانية في أحسن معرض حي ,رأي العالم الطائرات التي
تستطيع أن تهدم مدن كاملة ).
-ضرب صدام حسين إسرائيل بسبع نبال أو ثمانية ل أدري( لنا لقاء آخر نتمني لك السعادة
يا عم صدام) .
ل طعام ...ل شاي ...ل أي شيء يثبت أن في هذا البيت حياة ,أو كانت فيه حياة في يوم
ما ...يا عمنا السنهوري باشا أليس لديك قطعة خبز أو رشفة ماء ؟ ماما أمريكا مناصروك
جوعي ! ما العمل ؟
أخرجت من حقيبتي المليئة بالملبس العسكرية المتسخة علبة من البسكويت الميري ( التعيين
الجاف ) الذي بدأوا يصرفوه لنا لنتعود عليه حتي نذهب إلي المعركة المرتقبة ,أخذت أمضغ
غير ملم ما إذا كان طعمه جيدا أم غير جيد ,المهم هو شيء يمل البطن .
17
كان البيت خاوياً ل توجد به قطعة أثاث واحدة ،و ل وعاء واحد ,كل هذه الشياء أخذتها
زوجتي شيئاً فشيئ ,كان بيتي يشبه الخيام الخاوية التي كنا نقوم بنصبها في المشروعات الحربية ,
...ل ماء .
أحست نفسي أن هذه الموقعة هي آخر موقعة للقوات الستعمارية ,سيستخدم صدام كل
أدوات الحرب التي يمتلكها .. .منذ أيام صلح الدين اليوبي لم نهزم هؤلء الوغاد ..،ربما حدثت
محاولت في عهد محمد علي وتم تدمير السطول المصري في المعركة البحرية الشهيرة سنة
1840وتمت المعاهدة الشهيرة وقلصت الدور المصري وتم تحجيم القوة المصرية .سيجعل منهم
صدام أضحوكة.
إن عدد دبابات صدام يفوق ما يمتلكه الجيش الفرنسي والبريطاني الموجودة علي أرضهم
والموجودة هنا في أرض المعركة ...صدام البطل الوحيد في هذا الوطن ....سحقا لصدام وأمثاله
ممن يقودون هذه المة ....
( قد يظن البعض أن حمدي زهران ما هو إل همجي حاول أن يخرج عضوه الذكري في الهواء
ولكنها كانت محاولة للتعبير عن الغضب الذي كان يعتصر قلبه ،وما كان سيحدث في الظلم ولم
يكن هناك أحد من البلدة ,حتي أنه لم نفسه لمجرد أنه فكر في هذا الفعل الشائن ,و ضحك
وضرب كفًا بكف ,آه لو حدث مثل هذا الفعل أو علم قشقوش ونشر الخبر في جريدته المتنقلة
كانت ستكون فضيحة الموسم ..استغرق في الضحك في الليل والظلمة والتصحر والخواء ,أحيانا
يحدث للنسان ما يجعله يتصور أنه فقد صوابه للحظة ).
...حمدي زهران الول علي مدرسته والحاصل علي تقدير جيد جدا في كلية الحقوق يخرج
عن صوابه ويخرج عضوه!! فماذا سيفعل الصيع؟!!! ربما كان خطأ ,أصبح حمدي زهران علي
سفر دائم ..هو الن في بيته يجلس علي حقيبته كأنه في محطة القطار ..لكن اليوم المحطة بدون
ركاب إل هو( يخيب النسان أحيانا ويجد أنه قد صنع لنفسه فخاً ل فكاك منه) ..كان باستطاعته
أن ينتظر وقتًا طويلً ..ربما تغير مجري حياته وأصبح شيئاً ذو مكانة ...لم يكن ليتعرض للهانة
قط ....ماذا لو أعطوه زوجته الليلة؟ ....هل كان سيتعرض لهذا الهياج الداخلي الذي تراكم فوق ما
حدث في هذه الليلة الكئيبة ...أليس من حقه أن يأخذ زوجته ألم تحف قدما محمود القطة خلفه لكي
يتزوج ابنته ؟ ! ..ألم يكن يأمل أن يزوج ابنته من وكيل نيابة ،أو حتي محام؟ ,..هكذا قالت
زوجته :
...محمود القطة أقصر من في البلدة ,يحمل حقيبة ويدور بها علي الفلحين ؛ ليحلق لهم في
الحقول ..ويتقاضي نصيبه من المزروعات ..وأحياناً بيض وخبز ..ول يتقاضي مالً إل
نادراً ,هو حلق العمدة نفسه ل يتقاضي منه شيئاً إل نادراً ،وحسب حالة العمدة المزاجية
ول يقل معرفة عن" قشقوش" فهما مراجع القرية ومصادرها في القيل والقال ..لكل
18
منهما موقف من الخر ولكن أحياناً تجدهما يتهامسان لوقت طويل وكأنهما يتبادلن ما
لديهما من أخبار وحكايا ..في موسم الحصاد تري محمود القطة بالجولة ليتقاضي ثمن
الحلقة أرزاً وقمحاً ..أما البرسيم يأخذه عنوة لحمارته من أي أرض يمرعليها سواء وجد
صاحبه أم لم يجده ..ويأخذ حقه من المزروعات وزيادة ثم يندفع ليعطي لنفسه أكثر من
حقه رغم غيظ الناس منه ..لكنهم يتركونه ويقولون في أنفسهم " يأخذ ويكثر " ...يقوم
بتصنيف المحاصيل بعد ذلك ..و يبيعها فتزدهر أموره ....يعطي الناس المحتاجين قروضاً
بالربا ...ثم يشتري أراضي زراعية .
اشتري محمود القطة عشرون فدانًا من أجود الراضي في قريتنا ..ورغم هذا تجده قصيراً
ينادي عليه الناس يا ( -:قطة ) فيسب أمهاتهم وآبائهم ..ويقول:
الصغار صعّبوا عليه السير في أزقة القرية ..كانوا يصدرون أصوات كالقطط ،ويجرون
,ثم يرجع لزوجته أحمر الوجه منفعلً فيقول لها :
-عندما يقول لك فلن يا ( قطة ) قل له كذا ....وفلن كذا ...حتي إن لم تجد في
قاموسها اسمًا ..تؤلف له اسماً ..وكأن البلد كلها موبوءة .
كان القطة وزوجته قصيرا القامة ،وكذلك من أنجبهم من أولد لم يخلوا من هذا
القصر ..هم في حرب دائمة مع البلد دون سبب غير هذا الذي أرّق ليلهم وأفسد حياتهم .
رغم تفوق حمدى زهران العلمي الملحوظ إل أن خبرته في الحياة وقسوتها وجبروتها كانت
قليلة ؛ فلم يكن قد أدرك حينها الخطر المقبل عليه ،والذي سيسببه هذا الزواج وهو في الحال
المذبذب بين انعدام الوزن وعدم وجود عمل لجلب المال ..برر له محمود القطة هذه الفعلة ببراعة
:
19
-لم يخطر ببال حمدي أن يتزوج في هذا الوقت ،لكنه صمت وفكر وقال في نفسه
لمَ ل ؟ كان لديه أسبابه ,ربما فكر بضيق أفق.
-الموضوع محتاج تفكير ؟ ! ..هو عندنا سلعة راكدة أنا اختارتك لطيب أخلقك المثل يقول "
اخطب لبنتك ول تخطب لبنك " توكل علي ال يا راجل .!.
إن أمر تعيينه لن يتأخر كثيراً بعد انتهاء خدمته العسكرية ،وإذ لم يتم تعيينه وهذا أمر
مستبعد ،سيذهب إلي العراق ,العراق أقرب الحلول لنفسه ولكل مصري يرغب في السفر ,لم
يكن السفر إلي العراق يحتاج إل إلى جواز السفر ...بعده تجد نفسك في العراق ..ل موانع ول
منغصات ..في فترة من الفترات خلت مصر من الصيع والحرامية والعاطلين والهاربين من
الحكام ..ماذا ستعطيننا أمريكا ؟ !!! (..يا خبر بفلوس ... ) ....هذا إذا كانت الحسابات مادية
فقط ...من الذي سيعطي ؟ ومن الذي سيمنع ؟! ..بصرف النظر عما إذا كانت العراق دولة شقيقة
ولها مالنا من حقوق وتستوعب داخلها 2مليون مصري ينتفع منهم أكثر من 7مليون مصري
آخرون ..ماذا لو أُغلقت العراق في وجوهنا ،وضحكت علينا أمريكا ؟!!! ....أسنقابلها في الشارع
ونمسكها من ملبسها ونقول لها أخرجي الفلوس الن وإل سنستعمل القوة ؟!!!!...أم أنها ستقوم
بركلنا بالقدم ؟ ..هل نحن مأجورين ؟ ..ال أعلم ! ..هذا كلم كبير ل يعرفه إل الناس الكبار
والساسة الذين يسيّرون أويسيسون أمورنا وليس لنا إل طاعة ولي المر .
كتب أستاذ القتصاد في مقدمة كتابه " الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا " – كبلنج –
محمود القطة صاحب حق أيضا فمن هذا الذي يقبل أن تذهب ابنته في هذا الوقت من الليل مع
زوجها إلي بيت تسكنه الفئران فلتبقَ في بيت أبيها ..وماذا لو ذهبت في هذا الوقت ..وأحست
بالجوع ؟ فماذا يقدم لها حمدي زهران؟! . ..لقد وقع بالرجل وانتهي المر.
إن التركيبة النفسية لمحمود القطة وزوجته وما تعرضا له من أذي دفعهم للنتقام من هذا
البريء الذي كُتب عليه ما لم يُكتب على أحد .لم يكتفوا بإهانته في الليل ولكنهم أعدوا العدة
للصباح للجهاز عليه في بيته .
القوات المريكية تعلن :المنطقة الجنوبية والمنطقة الشمالية منطقة حظر للطيران العراقي .
20
الساعة العاشرة صباح اليوم التالي لخروج القوات العراقية من الكويت و استيلء القوات
المريكية علي الكويت ونفطها إلي أجل غير مسمي ..لم نعرف إذا كان تحت ستر الظلم ،أم أنه
تم قبل ذلك ،أم أنهم لم يكونوا موجودين أصل .
اقتحم محمود القطة وزوجته بيتي ، ..ورأيتهم وجمع غفير من الناس ..وراحت زوجته
التي كانت تضع حزامًا علي بطنها ( ..ليس حزاما ناسفاً طبعا وليس حزاماً للرقص ) ..فهي تحمله
ليمنع خروج أمعاءها أثر عملية جراحية .حتما ستستعمله اليوم للرقص !!.
لم تكن هناك سواتر ول خنادق ول دفاعات أرضية ...والظهر مكشوف ....ولم يكن هناك
ت به
استعداد لصد القتحام ...وقد تم فجأة دون سابق إنذار ...ولم يخطر ببالي قط أن العمل الذي قم ُ
في الليل يستحق كل هذا الهجوم العسكري المبالغ فيه ...كان محمود القطة يحمل شفرة الحلقة
شاهراً إياها في الهواء ....بدت الشفرة وكأنها تخرج من الرض لقصره ...صرخت زوجتي
بالصوت " الحياني " ....اجتمع الناس من كل صوب وحدب ليشاهدوا أم المعارك .....أخذت
الحيزبون ذات المؤخرة الكبيرة التي كادت تلمس الرض ترقص وهي تقول:
-أتي الساعة الثانية بالليل لماذا ؟! ..اتريد أن تمارس الجنس.!!...وهي تتمايل
يميناً ويساراً مشيرة إلي البيت ...هل هذا بيت يا ناس؟ ....أتي الساعة الثانية
بالليل لماذا ؟ ....اتريد أن تمارس الجنس !
..أمسكت بذقني بصعوبة بعدما حاولت تطويل نفسها .وقفتُ مشدوهًا غير مصدق ..كنت
أبدو كعملق في غابة القزام ..عاري الصدر ..أرتدي لباساً داخلياً متسخاً وممزقًا ..ليس
ل لهذا الموقف ...أخذوا يدورون في البيت الفارغعندي أي ردود ..ولم أكن مؤه ً
...وأخذت تسأل-:
كانت زوجتي القصيرة تقف ضاحكة ومزغردة أحيانًا ( ,ربما للهجوم الكبير الذي حدث
والنتصار الكبير الذي لم يحدث من قبل لعائلة القطة ) ,..لم أر يومًا القطة رافعاً هذه الشفرة في
وجه أحد سواي!! ..ولم يثأر من أحد قبلي مع أنني لم أقم بعمل يستحق الثأر ..ولم لم أقل له يوماً يا
( قطة) ..لكني اليوم عندي رغبة جامحة في قولها له ( يا قطة ...يا قطة ) . ..الشيء الذي يثير
الضحك أن المرأة وجدت المجال متسعاً ..فأخذت ترقص رقصة حلزونية لم أر مثلها من قبل..
فبدت كالقرد الذي يتلوي ..ل أعرف كمية الضغينة والحقد التى ملتهم فحولت بيتي إلي مسرح
كبير ,لم أجد أحداً من أقاربي وسط هذا الجمع سوي مصطفي الفثة (جزاه ال خيرا ) ..وقف يشير
21
بيده إلي فمه ،ومرة يحك بها رأسه التي ظهرت عندما كشف غطاءها فقد كانت حمراء قانية من
أثر القُراع الذي أصابها منذ الصغر ..وأخذ يشير ويفثفث ..ففهمت أنه يقول أنني ذهبت إليه في هذا
الوقت ..وأكلت طعامه (..لك الحق أن تثأر مني ياعم أبو الفثافث ) .
أخذت الناس تنظر نحوي في محاولة لمعرفة رد فعلي ،وما هي مشاعري وينظرون إلي
ل الشفرة لم آبه به ..فأنا أعرف بداخلي أنه ليستطيع أن يفعل بها القطة وهو يقفز هنا وهناك حام ً
شيئاً ..فهو علي كلٍ مجرد قطة ..عندما تراه يقفز هنا وهناك ..تجد دافعاً لمنادته ( يا قطة ) ..
حتي لو لم يطلق عليه هذا السم من قبل .. ..انفجر الموقف عندما كان يقف أمام امرأة تحمل طفلها
..نظر إليه الطفل ..ومد رأسه نحوه وقال له:
-نو ..نو..
فانفجر الجميع ضاحكًا وضحكتُ أنا ....اندفع نحوي في ثورة عارمة :
-فما كان من القطة إل أن أدخل الموسى في صدري العاري وفر هارباً وفرت
زوجته وابنته وأنا غارق في دمائي !!! .
22
()3
تم التحفظ علي محمود القطة ..كانت يداه وقدماه ترتعشان ..غير مصدق أنه فعلها ...أخيراً
ص ممن قال له( ياقطة ).
تجرأ واقت َ
-لن يجرؤ أحد بعد اليوم يابلد أن يقول (:يا قطة ) ..ومن يقلها سوف ينال مصير حمدي
زهران ,رغم أن أوصاله كانت ترتعد ووجهه كالليمونة ،ولم تعد تتدفق في رأسه الدماء حينما
قالوا له أن حمدي زهران حالته خطيرة .
كان العمدة منشغل ًهو و"قشقوش" بميلد الحمارة الشهيرة ,وضع" قشقوش" يده في
رحم الحمارة وأخذ يتحدث هو والعمدة:
-لم أقل له أن يذهب إلي حمدي زهران ويفعل هذه الفعلة ...وما أوعزت إليه هو موضوع الزواج
نفسه ...حتي ينجب له أحفاد ًا من نبت جديد أكثر طولً وأنظف .
23
سبه محمود القطة يومها وقال له:
حصد " قشقوش" يومها من هذا الزواج خمسين جنيهاً ورقة واحدة عنوة ,أدخل يده في
جيب القطة وأخرجها منه ,وأمسك محمود القطة بيده وحاول منعه مع أنها قُطعت نصفين
وصار فى يد كل منهما نصف الورقة ,ولما لم يجد القطة فائدة أعطاها له قائلً:
تأخرت الولدة ..نصحه "قشقوش" بأن يتركها بعض الوقت ..ربما في آخر الليل يحدث
المراد .
و ربما أوعز "قشقوش" دون قصد أو كان يصنع له فخاً في جلسات التهامس وتبادل
المعلومات ؛ بأنه إذا قام بضرب أحد الشخاص ربما استطاع التخلص من هذا اللقب واختار له
شخصًا ضعيف البنية حتي يقدر عليه فما أحد يدري ماذا يدور في رأسه .
بقيت النصيحة في رأس القطة وأعماقه وظل يبحث عن شخص بالمواصفات التي وصفها
له " قشقوش " لكنه لم يجد إل حمدي زهران ..ولو أمسك بتلبيب القطة لقذفه إلي مسافة بعيدة ,
ولكن ما حدث قد حدث .
وعندما ذهب العمدة ليغسل يديه وجد القطة واقفاً يرتعد وقد أمسك به الخفر ..وقد
قصرأكثر من ذي قبل ..أخذ العمدة يصفق :
-أنت يا( قطة)؟ !! ..يخرب بيتك أنت وأبوك..وال ماعمل فيك كده إل قشقوش (
إنت رايح السجن رايح ).
.أمسك بيد العمدة وأخذ يقبلها ...عندها دخل ابن العمدة وقال له :
وأخذ يسب القطة ,وجاء " قشقوش" وقال لبن العمدة :
-صور القطة.
24
....عندها رفع ابن العمدة جلبابه وكشف عورته ثم وضع الجلباب عليها مرة أخري..
ل للقطة:
فضحك العمدة ومن حوله ...وطرد العمدة ابنه ...وجلس قائ ً
أخرج القطة العشرين جنيها وهو يرتعد وينظر إليه بغضب فرفعها "قشقوش" لعلي وهو
يفحصها علي اعتبار أنه يعرف المزور.
-ضع النقود في جيبك رزق من عند ال ،هذا أجر بقاءك اليوم بجوار الحمارة .رد
"قشقوش":
-اضرب المربوط يخاف السائب ،فلم يفرق بين المربوط والسائب ووقع في ورطة .:
أغمي علي القطة ..فوضع عليه الماء ..سبه ابن العمدة :
-خذ روحي.
-ماذا أفعل بها؟ !!..أنت كلك علي بعضك ل تدخل في ذمتي بثلثة شلن يا نتن .
إن الفدان في نظر (محمود القطة) ليس مجرد قطعة أرض ..فهو يمثل له العظمة والوجاهة
الن لن يقول لمن يسبه :
25
-عندي عشرين فداناً .
..فالفدان يعنى له آلف المشاوير وآلف الرؤوس واللحي ,آلف من البيض والخبز .
ل منه ،حتي لو مت ( مال الكُنزي للنُزهي ) ...وإن كان العمدة ليس النزهي( طبعاً) .
-ل أق ّ
-يا حضرة العمدة عشرون جنيهًا قليلة للسهر حتي الصباح .
كان ( القطة) يعتبر زواج ابنته من حمدي زهران وجاهة تضاف إليه بعد أن أصبح لديه
عشرون فداناً ؛ لفهمه أن حمدي بتفوقه سيصبح وكيل نيابة بينما اعتبر حمدي مسألة الزواج
هذه هي مجرد شريك يشاركه المعيشة ،ويخفف من وحدته ،ويجد في بيته من يلجأ إليه
بعد سفره المتواصل؛ رغم أنه كان يتمنى أن يتزوج امرأة مناسبة ...فما الغفلة التي
أصابتهما ؟!! .
فكر( القطة) ألف مرة أن يرتكب هذا الفعل ..فعندما أيقظته زوجته في الصباح
وهو يضمر في نفسه هذا الفعل قالت له زوجته :
..فتح حقيبته ..أخرج الشفرة منها..عندما دخل عليه كان يريد أن يضربه بها سواء كان
حمدي علي خطأ أم صواب ...ربما تراجع بعض الوقت ..لكنه في الحقيقة كان ماضياً في
المر ...مُصراً علي تنفيذه ..وأن هذه فرصة ل تُعوض ....انتشر الخبر في البلد ...كم من
الناس بصقت في وجه القطة ....والخفراء يمسكون به وذاهبون إلي بيت العمدة ....وكم من
الطفال والصبية قالوا:
26
-نو ..نو .
إن ضرب حمدى زهران جلب عليه كثيرًا من الصعوبات التي لم يكن يتوقعها ...وجعل
الناس يتناولون الحكاية بينهم ..وهل كان يصح أن يتزوج حمدي زهران من هذه
الجاهلة ؟!! ..وهل الحلقة تدر هذا الربح ليصبح عنده عشرون فداناً؟!!! ..مع أنهم كانوا
يعطفون عليه .
كان حمدي زهران عندما يذكر زوجته يتململ ..وتحس أنه يتكلم عن شخص
غريب ..مع أنه مِن أول مَن يعرفون ماذا تعني كلمة زوجة ..؛ فالزوجة هي الحبيبة
والعشيقة والملذ والتزاوج والتداخل , ..هل تداخل حمدي معها ..أم أنها كانت مجرد شيء
أثبت خطأه فيما بعد ..فما كان ينبغي أن يُطلق عليه زواج بالمعني المتعارف عليه لذلك ....
ل يذكرها كثيراً عندما يحكي ...ربما يحاول إسقاط تهمة الزواج عن نفسه عمداً ؛ لنه
دخل في شرنقة ..ولم يكن يتصور أن المور ستصل إلي هذا الحد , ..وهذا ما حاول
العمدة أن يوضحه( للقطة) عندما حاول أن ينتزع منه الفدان عندما قال له :
-الولد ده برقبتك ..وما كان ينبغي عليك أيها (القطة ) أن يكون هذا الولد هدفًا لك ...نبت
بلدنا الصالح الذي يجب أن نفتخر به ....تخيل أن هذا الولد كان ابني وفعلت به ذلك ..
أقسم لك أنه ما كانت تكفيني رقبتك أنت والحيزبون زوجتك ..ول ابنك الهارب إلي القاهرة
ول حتي ابنك المُقعد الذي ل تجد له علجاً .
فهذا الهارب لم يطق سماع النونوة ...ففر هاربًا والبعض يقول أنه يعمل كوافير ...
والبعض الخر يقول أن المخدرات قد أهلكته ...وربما هذا ما جعل القطة وزوجته يكنون
عداءً ل حدود له لحمدي ؛ الذي تفوق في دراسته دون سند أو رعاية تذكر ..فقد مات أبوه
وهو علي مشارف دخوله الجامعة ..ففقد المان والحماية وتفرق الخوة ..ولنه كان
أصغرهم فقد تولي تربية نفسه دون مساعدة من أحد ..وفتح له صدام حسين التكريتي
العراق علي مصراعيها ( ...انهل منها يا بن زهران ,تستطيع أن تواصل التعليم دون
معاناة ) ..يذهب إلي العراق في الصيف ..وفي الشتاء يذهب إلي الجامعة في المنصورة .
لقد فكر حمدي كثيرًا أن يُطلق علي ابنه اسم صدام كما فعل الكثيرون ممن ذهبوا
إلي العراق في هذه الفترة ..كان حمدي في خاطرالقطة وزوجته دائما ..إن هذا الولد الذي
ظهر كالنبت الشيطاني ( وهذا تصورهم عنه ) ..قد التزم ونجح ..والبلدة تنظر إليه
باحترام ,وهم أصحاب الطيان ل وجود ول قيمة لهما ول لولدهما ..كانوا يحاولون
جرجرة حمدي إلي مهلكة يعيشون فيها يوميا ويوصمون فيها بالعار ول يكونون في الساحة
وحدهم ..وآه لو عرفوا أن حمدي كان ذاهبًا لتحرير الكويت لكانوا رقصوا أكثر مما فعلوا
في صبيحة هذا اليوم ..لكنهم لم يعرفوا ..ويبدو أنه لن يذهب ..ولن تقوم له قائمة هذه
المرة ..لم يكن يظن حمدي أن هناك بشر يفكرون بهذه العقلية ..وإن كان قد بدأ يشك في
27
سوء نواياهم الخبيثة ..لم يكن يعرف حمدي كيد النساء ..فكيف يكتسبها حمدي ؟! إذا
كان قد قضي حياته بين توفير لقمة عيشه وتعليمه ..ول يعرف من الصدقاء إل من علي
شاكلته ..فكانت أحاديثهم في حدود ضيقة ليعرفون عن الحياة إل القليل .
كانت المساومات لزالت جارية بين العمدة والقطة ..ما بين إغمائه وبين سب
وترهيب من العمدة ..ومرة تقبيل أياد ل تنفع ول تضر مع رجل محنك ومدرب لعلي
مستوي مثل العمدة ...فل يوجد في البلدة من يعرف( القطة) مثله :
-لن أتركك تفكر ..أنا عارف أنك تود أن تستشير الحيزبون وإل أمسكتك من أذنك حتي
تقطعها في يدها إذا تصرفت من رأسك ..
امتل وجهه غضباً ..ولم يستطع أن يُخرج كلمة من فيه ..فمن سيتكلم إليه ؟ ..العمدة ؟
ويعرف ماذا يعني العمدة ؟
لم يرسل أحدا من الخفر إلي زوجة القطة ..لكنه نادي " قشقوش" فرد عليه مسرعاً..
لنه كان يقف خلف النافذة ..فسبه العمدة:
-أتقف خلف النافذة ؟ ..أعرف أنك تتنمر ..فأنت ل تخرج أبداً من المولد بل
حمص ...اذهب إلي زوجة القطة وقل لها العمدة يريدك .
أرسله لنه يعرف أن" قشقوش" سيوصل لها الرسالة التي يريدها العمدة وأكثر .
القط ...لم يكن هذا السم ينطق بالتذكير ..لكنه كان ينطق تأنيثاً فل تجد مرة واحدة
أحدًا يقول له( :يا قط ) ...فلو قيلت له فمعني هذا أنه ذكر ..كمن يقول :يا نمر ،أو يا
أسد ..لكن يختلف المعني إذا قيل له :يا لبوءة ..فالناس يقصدون بالقطة الخنوع..
ووقوفه في مرحلة بين الذكورة والنوثة ...لكنهم كانوا يقولونها دون أن يدركوا هذا المعني
وإن كانوا يحسونه ....
28
-أرأيت الولد ابن زهران ...كان يريد أن يقتل زوجي ....هل هذا يرضيك يا
حضرة العمدة ؟ .
لقد عرفت من" قشقوش" بعد ما ناولته عشرة جنيهات ما ينوي عليه العمدة (,وما
ينوي عليه العمدة يفعله),
حاولت أن تعمل " شوية " عليه( ..لكن علي من ؟!!!) ...كل البلد تعرف من هو أبو
جبل حتي قبل أن يصبح عمدة؛ فلما لم ينطل عليه ما فعلته ...جلست وكأنها لم تكن
تصرخ وتلطم وجهها وقالت له :
....لم يولد وفي فمه ملعقة ذهب ...لقد ولد علي أطراف القرية هارباً وراعباً كل
من يصل إلي أطرافها ..حتي الحكومة تخاف الوصول إليه ...لم تكن العلقة بين العمدة
وحمدي زهران علقة وطيدة ،أو حتي سيئة ..بالكاد كان يعرف سيرته ..وأهله الذين
انقرض معظمهم ..وأنهم كانوا بصحة جيدة ..لكنهم كانوا يموتون في منتصف العمر..
ولم يكن العمدة له سيطرة عليهم أو سلطة ..ولم يكونوا يعطونه الحترام ..أو يصنعون
معه أية علقة ..وحتي حمدي زهران لم يكن يحمل أي نوع من الحترام أو الرهبة التي
تجعله ينصاع لكلم العمدة ..وفي حقيقة المر فإن العمدة كان يتصور أن الناس في هذا
البلد نعاج ...ولم يولد في هذه البلدة بعد من يقول له ل . ..وإن كان يتمني أن يكون له ولد
مثل حمدي زهران ..كان لدي العمدة عقود جاهزة للبيع والتنازل واليجار للظروف التي
قد تحدث ...وها هي قد حدثت وقد جاء وقتها ..أخرج أوراق البيع ...وأغمي علي المرأة
كما أغمي علي زوجها ...لكنها في نهاية المر أفاقت ..ولم يتطرق الحديث إلى غير
موضوع بيع الفدان ....قالت له الحيزبون:
29
قال لها:
-فلنجعله فدانين.
قالت له:
-فليكن فداناً
-عندي لكم مفاجأة علي هذه الشراكة الجديدة تجعلكم تحتفلون حتي الصباح .
()4
الرابعة عصراً ...شمس مائلة ترسل خيوطها إلي غرفة حمدي زهران بمستشفي منية
النصر المركزي ....حمدي زهران ممدًا علي السرير ...طرقات المستشفي مليئة بالبشر ممن
قدموا ليطمئنوا عليه ....ليعرف أحد إذا كان حمدي ميتاً أم أنه سيشفي .....ليرون إل ممرضات
المستشفي يخرجن متعجلت ويدخلن بنفس العجلة ....لم يصدر قرار بعد من النيابة بالتحفظ علي
محمود القطة ......لكن العمدة رمز المن في البلد قام بالواجب وتحفظ عليه .....الصمت يسود
المكان ...ويقف الجالسون ....لقد دخل عليهم العمدة ومعه (محمود القطة) ....اكتنف الناس
30
مشاعر الغضب والحزن ........ملمح حزن مفتعلة ترتسم علي وجه (القطة ) .....خرج الطبيب
من غرفة حمدي .....سأله العمدة عن حالته فقال الحمد ل .....نظر إلي القطة :
انتظر العمدة تحينًا للحظة ....لكنه وقف بعيداً عن الناس حتي ل يصطدم أحد مع القطة
...الشمس ترمي بنفسها في أقرب مقلب زبالة (...عشنا ورأينا العجب) ..القطة يضرب
بشفرة الحلقة .
..... ...القوات المصرية والسورية تستعد للرحيل والعودة لبلدها ... .القوات المريكية
تستعد للبقاء إلي ما شاء ال ....جوار نفط الكويت ( حاميها حراميها ) ...عهد جديد بدأز
-هيـــــــــــــــه
كان يرتدي بدلة أنيقة 0وقميص فاتح عليه رباط عنق أحمر ..ويحمل في يده حقيبة بها
بعض الملفات ،وعندما دخل علي الناس قال أحد أمناء الشرطة الذين يرافقونه:
-اتفضل يا باشا.
فعرف الناس أنه وكيل النيابة ..ومشي خلفه العمدة ،ولكن الجندي أوقفة علي الباب وقال
له :
كان حمدي بدأ ،يفيق فسأله عن اسمه ،وعمله فقال له خريج حقوق بتقدير جيد جدا،
وسأله-:
31
-ما الذي فعل بك هذا ؟-
-ظروف
ذُهل حمدي من الصوات ..وحاول أن يتذكر ماحدث ..وهل كان من الممكن أن يكون
ميتًا ..وإذا كان قد مات .فهل كان يجب أن يموت علي يد قطة؟ . ..أحس ببشاعة ما
حدث وفداحته ،وماذا سيقول للناس؟ !! ..بماذا يبرر أنه ضُرب ..وهل الناس سيشفعون
له هذا الموقف الذليل؟. ..
حمدي زهران الول علي ثانوية منية النصر ،والحاصل علي تقدير جيد جدًا والذي من
المحتمل أن يصبح وكيل نيابة( وا أسفــــــــــاه) .
ل يمكن لشيء أن يُصلح ما تم كسره ..ول يمكن أن يخفف من وقع الهزيمة التي لحقت به.
صمت مطبق طويل ,لم يعد يرد علي وكيل النيابة ....ماذا سيقول؟ ليستطيع أن ينطقها؟
..ولن يقول أن هناك كائناً من كان فعل به هذا ...إنه شيء محير ...
-يا أستاذ حمدي لبد أن تقول لي ما حدث .أعرف ما حدث ..ولكن لبد أن تقوله
أنت..
قال له حمدي:
-مستحيل ولن أنطقها ،وحتي إن كنت تعرف ...فل تكتبها ...ليس هناك من ضربني
-حقي ! وأي حق ؟ وما الذي سآخذه ؟ ..ومن الذي سيرد لي اعتباري ؟ إن ما
حدث مهين فعلً.
....أين ذلك البريق الذي كان يتمتع به ؟ ..وأين الوهج ؟ ..كان يمتلك شيئا غالي الثمن
وسرقه أحدهم أو ضاع منه ...
32
القوات المصرية تتبضع من السواق السعودية بالدولر المريكي تمهيداً للعودة " ...ثم
أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون " ...لقد انتهي دور العساكر ...وبدأ دور الرؤساء
والملوك ووزرائهم ...لينتهي دور الشطرنج الممتد علي مساحة الوطن كله ... .الشيئ الذي
ل يفهمه العقل بعد التمحيص والتقليب . ...ويأتي السؤال طارحاُ نفسه-:
-نحن نعرف لماذا ذهبت القوات المصرية؟ ..ولكن لماذا ذهبت القوات السورية؟
(موقف غير مبرر) ولو سُئل السؤال مليون مرة فل جواب .والموقف السعودي نعرفه
تماما ,الكويت بلد محتل .
قال له:
-لبد أن تتكلم ...لست جاهلً ..يا أستاذ حمدي ...أنت من سيحق الحق ,لم يجد وكيل
النيابة بدًا من إغلق المحضر .
عندما دخل العمدة ساحبًا ( القطة) في يده كتلميذ ذهب به أبوه إلي المدرسة ..أغتم
وجه حمدي ..وأشاح بوجهه ناحية الحائط والغضب والغيظ يملن وجهه ...
عرف العمدة من وكيل النيابة أن حمدي لم يتهم أحداً ..فكان مدخل الحديث إليه :
-أرأيت يا قطة يا نذل ...أرأيت ابن الناس الصيل ...لم يقبل أن يُدخلك السجن
.؟
أخذ القطة يبكي ،ويحاول تقبيل حمدي ...لكن حمدي دفعه بعيداً عنه .. ..فغمز له
العمدة بطرف عينه ..فوضع القطة يده في جيبه ..وأخرج لفافة ..وحاول إعطائها لحمدي
..لكن حمدي قذف بها بعيداً " ...وشروه بثمن بخس دراهم معدودات " ..
هل حمدي ممن يقبضون ثمن دمائهم ؟! ..وممن ؟ ! من القطة ؟ ! ...صمت رهيب
حزين ...ماذا يقول له ؟ ...وإذا قال ...هل هذا يعيده إلي سابق عهده , ...دخلت
الحيزبون تصرخ دامعة ...وحاولت تقبيله هي الخري ...لكنه هذه المرة ...لم يسكت بل
سبها قائلً:
33
-أنا مسامحاك ..أنت زى ابني .
قال لها:
-أنا لست ابنك ..وإذا عشت مئة سنة أخري لن تنجبي مثلي....
قال له العمدة:
-لست أنت من يجب أن أحترمه ...ولو كانت هناك انتخابات للعمدية كنت آخر واحد
سأختاره (عيد بأي حال عدت يا عيد) ...ومن الذي جعلك عمدة ..ويكررها في نفسه .
ق أي تعليم ...وها هو أمام بيت أبيه يجري عجيب أمر هذا البلد ...ابن العمدة لم يتل َ
خلف الطفال ...ويصور المارة بآلة التصوير التناسلية وتجد من يتودد إليه ويقول له:
أستاذ حماده ...والعمدة أبو جبل يملكون البلدة من أدناها إلي أقصاها . ...إن حال
حمدي زهران ل يسر عدو ول حبيب ....نومته هذه وانكساره ....وهو من كانت ستذهب
إليه العيون عندما يذهب إلي الكويت ليحررها ....وترمقه أيضا وهو عائد بالبضائع من
السوق السعودية ...أو عندما يعين في النيابة ...ها هو أصبح ممدداً ،وليس مأمولً فيه أن
تقوم له قائمة .
اكتظت الغرفة بالبشر ....أخذوا يقبلونه ول يتكلمون ......هو لم يتكلم أيضا ...بل
كان ينظر مستغربًا وهم أيضاً.
ثلثة أيام قضاها شارد الذهن مذهولً ..ل يعرف أين الفرار؟ ...فكر في الفرار
...ولكن إلي أين ؟ ...وهل هناك من يفر من بلده سوي شعب الكويت الذي تركها وفر إلي
البلد المجاورة ؟!!!! ...؛ ليأتي العم سام المنقذ .
وفي أول اختبار ...وماذا يهم سأفر من بلدي إلي بلدي وليكن الفرار في حد ذاته
أزمة وضياع حتي بغداد يبدو أنها قفلت بالضبة والمفتاح .
34
()5
كانت الشمس غاطسة في أعماق الليل ..في تلك الليلة المشئومة ..في الوقت الذي كان
حمدي ينعي نفسه علي أحد السرة في مستشفي منية النصر المركزي ....ويقلب المور
في رأسه ..ماذا حدث ..وما الذي سيخرجه من هذه الزمة التي لم تكن تخطر له علي
بال , ...حمدي يمشي علي الصراط المستقيم ...ل يلتفت يميناًول يساراً ...حتي تمر هذه
35
اليام الصعبة ..ويتم تعيينه وكيلً للنيابة ..لكن هذا الموقف زلزل أقدامه وجعله يبدو
كالتائه ..الذي لم يعش ..ولن يعيش في هذا العالم ..توقفت الحياة بالنسبة له عند هذا الحد .
ربما عرف القطة بالفعلة الشنعاء التي فعلتها وأخرجتُ عضوي في الظلم رافضاُ ..
ما حدث ويود أن يعطيني درساُ في الخلق ( ..وإيه يعني ..ابن العمدة يخرج عضوه لكل
من هب ودب ويضحكون وينامون من الضحك فلماذا أعاقب علي فعل لم يره أحد ؟)..
ومن الذي سيقول له ما فعلت ؟ ..البلدة كلها كانت نائمة ..و" قشقوش" كان موجوداً عند
العمدة يعد الجوزة وحجارة الحشيش ,وإذا كنتُ قد فعلتُ يجب أن يفرح ويفتخر أنني أفعل
ما يفعله ابن العمدة يومياُ ..وفي أي وقت يريد...
في هذه الحظات الفاصلة المزلزلة وقف القطة عاريًا في الغرفة ! ...بعد أن نفض
ل من الملبس ...عاريًا كما ولدته أمه ...صغيرا حقيرا ..بطنه عال بعض عنه كماً هائ ً
الشيء ...وله عضو ذكري أصغر من لشيء ..قد لتتبينه ,كان ضاحكًا منتصراً..
وكانت الدماء تكاد تنفجر من وجهه...
ل أدري لم اكتفت القوات المريكية والقوات العربية المتعلقة بذيلها بعدم الدخول
إلي بغداد ,كان من الممكن أن يتم ذلك بسهولة ...لكنهم توقفوا عند هذا الحد ...ربما
ليستطيعوا جمع الغنائم وإحصائها وأخذ السبايا ....أمريكا قامت علي أكتاف العبيد (يامن ل
تعرفون التاريخ)! !.
-انتقل إلي رحمة ال تعالي المرحوم حمدي زهران! ...إنا ل وإنا إليه راجعون...
هكذا كان يقول لنفسه ل حل ول علج .
..غريب أمر هذا البلد ...الصحيح المعافي ينام في السرير ...والعليل الحقير يقف وسط
الغرفة محاولً استنهاض عضوه بالمرهم الذي ناوله العمدة إياه؛ ليقضي ليلة موعودة مع
ذات الحزام الملفوف علي البطن حتي لتخرج المعاء منها ...كان المرهم الذي أعطاه
العمدة للقطة بإيحاء من قشقوش يكفي بلدة بأكملها ..وقد أعطاه إياه بعد التوقيع علي الفدان .
أمسك بقطعة كبيرة في يده ...وهو يضحك والحيزبون مستلقيةعلي السرير تنظر إليه
في تعجب ...هو يدلك العضو بالمرهم وأخذ يدعك دون فائدة فتقول له :
36
حاول أن يستجمع كل قواه ،وبدأ لون وجهه يتغير للسود ،وتدلت شفتاه وهي تقول:
.. -ياابن الكلب لو عملت إيه ماهو نافع (.يفهمان بعضهما جيدا )!.
أطفأوا شمعة لينيروا شمعتهم التي لن تُضاء ...,ولم يتركوا الحياة تسري كما شاء لها ال
.
كانت هذه هي المفاجأة التي وعده بها العمدة ..وكأن العمدة لديه قائمة بأسماء الذين
يتناكحون ..والذين ل يتناكحون ..إنه يملك أحسن عين ..وهو "قشقوش"
إن هذا العمدة يمسك بتلبيب البلدة ...ول يستطيع أحد أن يقضي حاجته دون أن
يعرف ..عنده لكل داء دواء ...ولكل سليم داء ..هكذا يجب أن تسير المور في البلدة..
وإل فلت زمامها من يده ..كما ينصحة الناصح المين" قشوش" .
احمر العضو وتفلطح ...ضحك بعد أن كان وجهه مسوداً ..النتائج الولية تثبت نجاحه
بنسبة ( %99.9كالنتخابات التي يجريها الحكام لنفسهم) ...والقطة ليعرف مدلول هذا
الرقم ..لكن العملية تبدو أنها تنجح أكثر مما كان يظن .
منذ زمن لم تحدث له هذه النتعاشة وهو ليدري كم تساوي ؟ ...يكفي أن النسان
يحس بأنه ذكر حقيقي ....لكن ما لبث أن تحول وجهه مرة أخري للعبوس ...لقد تفلطح
العضو وأصبح حجمه أكبر من المعتاد واحمر أكثر وأكثر وارتفعت درجة حرارته وأخذ
يحكه ويحك جسمه كله ....الخطأ الذي ارتكبه أنه ليدري أن الناء ل ينزح إل بما فيه ...
وإناؤه فارغ خاو .
كانت الحمارة الحزينة الوحيدة تقف متألمة ,أقسم " قشقوش " أنه سيُطلق علي
الجحش اسم( صدام ) ؛ فهو كان يتمني أن يُسمي ولده صدام ...لكنه لم ينجب ...ضربه
العمدة بطرف عصاه ..وقال له:
دائما يكون ناتج لقاء الحصان بالحمارة بغل بين الحصان والحمار ..لكن الذي أخرجه
"قشقوش" عجيب الشكل ...حتي عندما رآه العمدة ..سب" قشقوش" وقال له:
ضحك قشقوش واحتضنه كأنه طفله ...وأخذ يقبله من فمه قائل :
37
-نعمة ..ليعرف أحد من أين يأتي الخير .
لم يكن يشبه صدام في شيء ,صدام صاحب بنية قوية ونظرة مرعبة وشارب كبير يقف
عليه الصقر ،أما هذا الشيء هذيل لدرجة أن "قشقوش" حمله كأنه يحمل كلبًا صغيراً .
قضي "قشقوش "سبع سنوات في العراق ,وعندما يتكلم عنه يقول أنه لم يعش غيرها ..لم
يكن" قشقوش" صاحب حرفة بل كان يتنقل ..يلتقط عيشه كما يفعل هذه اليام ..,فكان
يقول :عندما كنت أذهب إلي الردن -وهذا ليعني أنه رحالة -ولكنه كان يقضي سنتين
في العراق ..ويضطر لمغادرة العراق ؛ ليقوم بتغيير الدينارات بالدولرات ويستفيد من
فرق العملة في السوق السوداء ..ثم يعود مرة أخري ليسدد ماعليه من حساب الفندق
وغيره ...ويبدأ من جديد في السهر والشرب والذهاب إلي " كولية " أبوغريب ...كان
صدام وتحسب له هذه الفعلة قد قام بنقل البغايا خارج بغداد والمدن الكبري ,وكان
"قشقوش" يعمل بتنظيف أجساد البغايا من الشعر الزائد في هذه الكولية ,فالرجل
"قشقوش" طبعا إن كان يحق لنا منحه هذه الصفة كان يحب التعامل مع الجنس الخر،
وكان أحيانا يبيع الماء البارد في شوارع بغداد عندما تشتد الحرارة ،وتصبح الشوارع كيوم
الحشر والناس ظمأي مرهقون متعبون فل يجدون إل "قشقوش" بارز السنان مقززاً ومع
هذا يشربون الماء مقابل مئة فلس ,وكان إن سأله أحد عن شارع الرشيد مثل يرطن بلهجة
-تعبرهذه الساحة ،فتجد شارع الرشيد ،والمقصود هنا ساحة التحرير فهي تطل
علي السعدون والرشيد من الجهة الخري والقادمون من كرادة مريم والدورة
والقادمون من الساحة المواجهة لشارع الكفاح وشارع الجمهورية ,والسعدون
مواز لشارع أبو نواس ومطل علي جسر 17تموز الذي يربطك بالضفة
الخري من النهر الذي سد في يوم ما بالكتب وعبرت عليه جيوش التتار .
قشقوش ل يعرف من هو أبو نواس ،ول يعرف من هو معروف الرصافي الذي بُني له
تمثال بساحة تحمل اسمه في شارع الرشيد ,رائحة التاريخ تعبق المكان في البلد الذي جاء
إليه "قشقوش" ؛ ليبيع الماء البارد ،وينظف البغايا .ومرة يعمل دليلً للشاحنات القادمة
من تركيا والتي تتوقف في جمرك أبو غريب ليدلها علي المدن العراقية الخري ،وبخاصة
38
بغداد التي يوجد بها مخزن الشالجية ,ليجيد اللغة التركية ولكن يعرف القليل الذي يخلطه
ببعض الكلمات من جميع اللغات أو من اختراعه .
(قشقوش لم يكن نبتاً صالحًا بالمرة) ؛فقد ولد في مكان ما ،وتم زرعه في بلدنا
الموجوع ؛ ولنه يعرف من أين يؤكل الكتف ؛ولن بلدنا طيب يأوي الغريب ..فأوت
"قشقوش" ..وتركوه يرتع فيها وهم ينظرون إليه بتوجس ،ول يقوون علي طرده ؛لنه
أصبح سمع العمدة وبصره وذراعه ،فأصبح مسماراً في ظهرها أو( قل في قلبها ).
يا بلد عاشت منذ ألف السنين لِمَ أصبح ناسك ليتكلمون خائفون صامتون ! أتخافون
من "قشقوش" ؟! .
وما "قشقوش" إل العمدة ،وهل يستطيع أحد أن يواجه العمدة؟!! (إن كلب العمدة أكبر
كلب البلدة وأقواها) .
(القطة) صاحب وصفات لتقوية الغريزة الجنسية ،وحقن وخلفه ومع هذا غرر به
"قشقوش" والعمدة ليجعله مضحكة ...تم نقله ليل إلي مستشفي المركز لجراء فحوصات
مما أصابه ..فبقي عاريًا ل يضع عليه سوي ملءة خفيفة ،وفي الصباح انتشر الخبر وأخذ
الناس يضربون كفًا علي كف ..الرجل ابن الكلب الذي تجاوز الستين ماذا يريد ؟! (فماذا
تفعل الماشطة في الوجه العكر؟!).
()6
عاد حمدي زهران واقفاً ..علي قدميه متحاملً حزينًا كسيراً ...فلم يكن يرغب في أن
يأتي محمولً حتي ليزداد حزنه وكمده ..لم يكن حوله أحد ..ربما نظر إليه الناس بعين
الشفقة ولسان حالهم يقول :هل كان يجب أن يتزوج بنت القطة ؟! ..هل هناك أحد يقدر
39
علي الحيزبون ،والتي ليس لها قدرة إل ال ..كان البيت خاليًا ولم يجد إل مصطفي الفثة
خلفه ..وكان في عينيه هذه المرة بعض الحنان ..يود أن يفعل شيئاً ..ولما لم يجد شيئاً لينام
عليه حمدي ..أحضر بعض الجرائد القديمة والكتب الجامعية وبعض الروايات القديمة
وبعض المجلت العربية الفاخرة رخيصة الثمن التي كان يواظب حمدي علي قرائتها ...
وضع " الحداد " و " وجع البعاد " و " أخبار عزبة المنيسي " و " الحرب في بر مصر"
تحت رأسه ،وأمامهم وضع المجلت العربية وروايات مترجمة مثل " الناس والسراطين "
و " الخوة كرامزوف " وروايات بوليسية ومغامرات كان قد قرأها من زمن وجريدة كانت
تحمل صورة وقصة لحمدي ,وعندما رآها حمدي ضحك وقال :
-كل شيء راح ولم يعد له وجود ،ونظر إليه الفثة وسأله هل قرأت كل هذه الكتب ؟ !
ثم واصل العمل ووضع مجموعة قصصية صادرة عن دارالهلل بعنوان " منحني خطر "
وعليها صورة خيري شلبي واسمه وقصة لجمال الغيطاني بعنوان الزيني بركات وكتاب
الجراءات الجنائية والتنفيذ الجبري وأعداد كثيرة من جريدة الجمهورية المصرية وكانت
صورة سمير رجب بنظارته وافتتاحيته قد أخذت نصف الصفحة الولي وكذا صورة زميله
ابراهيم نافع وعموده في الهرام( حماكم ال ورعاكم) لهذه المة الحزينة وتقولون ما يحلو
لكم وألقي بحقيبته العسكرية بملبسها المتسخة تحت رأسه وقال له :نم يابطل ! أو هذا ماذا
ظننت أن قاله من خلل فثفثته .
جاء جمال شطه ،وصبري الدمنهوري ،ومعه بعض أوعية الطعام ،وترمس الشاي
ودخل وصوته يجلجل في المكان.
وقال :
40
شطه هذا ليس اسمه ،ولكنه لُقِب بهذا السم في الملعب تشبها بلعب الكرة السوداني
الذي كان يلعب وقتها للنادي الهلي ،فالتصق به السم حتي بعد أن انقطع عن الملعب .
وكان هذا السم ليعجب أمه فتقول له شطه ياجمال ؟! يا فضيحتنا ..فيضحك ويقول لها :
كان جمال يسبق حمدي بثلث سنوات ،ولكن كانت تربطهما علقة وطيدة ..سهرا معاً
وضحكا معًا وبكيا معاً ليال طويلة وحلما في الهواء معاً .
لم يجد حمدي زهران من يهتم به لقامة إنسان قادر علي مواجهة الحياة و تحدياتها رغم
أنه كان يتصور أنه ليس في حاجة لهتمام أحد فهو قادر علي ذلك ,وربما أيقن فيما بعد أن
هذا الهتمام بنفسه لم يكن كافياً للمحافظة علي وجوده ويري أن مجرد حمل جمال شطه
هذه الوعية التي احتوت ديك البرابر الذي أمسكه من علي سطح بيتهم لمسة تستحق التقدير
,فعندما سمعت أمه صوت الديك الخير سألته عما يفعل وعرفت بما حدث قالت :
-يا خسارة عليك ياحمدي وقعت في أسوأ المزابل أعطيه الديك وسوف أجعل"
قشقوش" يحضر لنا غيره ,فقال:
تجاوزت أمه الثمانين من عمرها ,أنجبت أربع بنات تزوجوا وأنجبوا ..وولد واحد هو
جمال وقد جاء في وقت متأخر.
تتقاضي سبعين جنيها " معاش السادات " ويجلسان معا يقسمان هذا المبلغ الصغير إلي
قطع صغيرة حتي تمر اليام العصيبة ..كان يأخذ منهم النصيب الكبر لمصاريف الجامعة
فقد كان يدرس في كلية اللغة العربية .
سُر حمدي كثيراً بما فعله شطه رغم أنه لم يكن به رغبة في الطعام ..وإن كان يعرف
ماذا يمثل هذا الديك بالنسبة لشطه وأمه ...أو بالنسبة للبرابر " ..ويؤثرون علي أنفسهم
ولو كان بهم خصاصة " .
إن جمال شطه بائس مايل الحياة ومايلته ..ولوكشفت جلبابه الذي يلبسه لوجدت ملبسه
الداخلية قد بليت ..ولم يعد فيها جزءً يمسك بالخر ..ومع ذلك يضحك ضحكاً يشبه البكاء
41
ويلقي بالنكات الساخرة المميتة ..فكله كرب ونكد ..ومع ذلك فهو طيب صاف القلب ..
ومع هذا كان قد تعود أن يرفع طرف جلبابه وهويتمشي ..أحيانا يتذكر أن ملبسه الداخلية
ممزقة ..فيرخي جلبابه وأحيانا ينسي فيظهر منه ما ليجب ظهوره ..كان دائمًا يتذكر أن
أمه أكبر امرأة في القرية وأكثر امرأة جاعت ول يقول ذلك إل للخاصة .
تناول الثلثة الطعام ,كان حمدي يعتبر أن ما يأكله طعام أموات ..وما كان يجب أن
يأكل ديك أم جمال ..حتي لو كانت هناك ظروف أصعب من هذه ..لكن هيهات ..ما حدث
قد حدث ..ربما كان سيشحذ نفسه لديك مثل هذا لوكان في ظروف أخري وديك آخر ؛ فلم
يتلذذ من هذا الديك للصراع الذي داربداخله وكأنه يحاول أن يُجرم نفسه ،وهل كان يجب
أن يأكل أو ليأكل ,وكان جمال يدري بما يدور بداخل حمدي ..كان يود أن يحضر له ما
هو أفضل لوكان في ظروف أفضل .كان يود أن ياتي له بأطيب الطعمة وأشهاها ويضعها
في فمه عنوة ..ول يتردد ..ليخجل حمدي من أنه يأكل طعامنا لو كان هناك بسطة من
العيش لختلف المر .
لقد تمازج حمدي بشطة علي مر اليام ..وتكونت بينهما صداقة متينة حتي أصبح كل
منهما يتمني للخر أن يخرج من كبوته قبل نفسه , ..ولكن ماذا يفعل ..ها هو شطه قد
تمزقت ملبسه ..وها هو حمدي قد تمزق صدره ..ممن ؟ ! ..من القطة؟! ..ربما حاول
شطة أن يقول لحمدي ما يجب فعله مع القطة ..وما كان يجب أن يمر هذا الحدث مرور
الكرام ..لكن الظروف غير ملئمة ؛ لن هذا القطة ماكان ليفعل هذه الفعلة لو كان في
مواجهة شخص آخر ..ولكن كيف تجرأ حتي علي حمدي ..فهو ليس بالشخص الضعيف.
أم أن القطة قد عمل له دراسة نفسية؟ ! ..وهل القطة يعرف ما الدراسة النفسية؟ ! ..
وهل عرف أن حمدي سيذهل مما حدث؟ ! ..ولن يستطيع تقويمه وماذا يجب عليه فعله
وهل يمسك بالقطة ويدوس علي رأسه .
أصبحت الوليات المتحدة دولة عربية بل جدال ..لكنها لتتحدث العربية ..ارتفع العلم
المريكي في مياه الخليج العربي ...غاب شطه وقت قليل عن حمدي ثم جاء وهو يحمل
سريراً خشبيًا ..لم يكن إل سريراً واحداً ينام عليه ..في هذه اللحظة قفز حمدي من رقدته
وحاول أن يثني جمال عن هذا وقال له :
-أنا ل أحتاج إلي سرير ..ستنتهي أجازتي اليوم وسأسافر غدًا ..أنتَ من في حاجة
إليه لم يرد عليه ..وواصل ادخال السرير و قال له :
-أنا الذي لست في حاجة إلي السرير؛ فأنا ل أفعل شيئًا لكي أنام ..صُنع السرير لمن
يعمل في النهار ويأتي متعباً فينام ..
يعرف حمدي أنه ليس لجمال شطه إل هذا السرير وهذا الفراش كان يحملهما معا
وهو ذاهب إلي دراسته الجامعية في المنصورة ..ثم يأتي به في الصيف ..أي أن جمال قد
42
أتعب السرير ذهاباً وإياباً ..وهو يحاول أن يستغني عنه ..أنا الذي لست في حاجة إليه،
وعلي ماذا سينام هذا الكئيب الحزين ..ربما يحاول أن يُكفر عن عدم زيارته لي في
ت ؟ ..كثيراً ما يحزنني ،ويحرجني ويفعل أفعالً
المستشفي ..وهل أنا سألته لماذا لم يأ ِ
تثبت لى إلي أي معدن أصيل ينتمي ..بعد أن أتمَ تجهيز السرير ..وضع علي الفراش
ملءة نظيفة ووسادة نظيفة ..مال عليّ ،وحملني مرة واحدة ..ووضعني علي السرير..
..ضحكت ..فرت دمعة حزن من عيني ..ومن عينيه أيضا ..وتعانقنا ..قال لي جمال :
ت عمل ؟.
-هل وجد َ
ت ،وتم تعييني.
-وجد ُ
ت له :
انفرجت أساريري وقل ُ
-الحمد ل
فقال :
فقلت له :
-وجهك فقر ..يقطع الخميرة من البيت ..أنا أكثر الناس معرفة بك ..هل تهدّم
البناء الذي كنتَ ستعمل فيه بمجرد خروجك منه ؟! ..أم أن صاحب العمل
أعلن إفلسه ؟ أم قاموا بإلغاء التعليم بسببك ؟
.....أحس شطه أن اليام متشابكة في بعضها ...كئيبة ...وكان عليه أن يفكر في
عمل ...لبد أن يعمل ...أيوجد إنسان بل عمل ؟! ..ومن أين يأكل أو يلبس أو يتزوج ؟
إذا كان هذا وارداً في خطة حياته .
كنت أتمشي وحيداً مؤرقًا ..كنت أفكرفي قول أم جمال( قلبي علي ولدى انفطر ،وقلب
ولدى عليّ حجر) علي اعتبار أن جمال ليسمع الكلم ..ول يجرب أي عمل ..وأي عمل
يناسبني ؟! ..وأي عمل أقدر عليه ؟! ..وتطاوعني قواي إذا كنتُ ل أعرف إل أدوات
النصب والجر وبلغة الحديث ضيعت عمري ..أؤهل نفسي ..وأجرب نفسي في كيفية
مخاطبة التلميذ ..ول يفلح معي غير هذا ....عندما تكلم صبري الدمنهوري لول مرة
منذ حضوره:
43
-أنت استسلمت للراحة .
نظر إليه جمال وأي راحة ؟ ! ..هل هناك راحة إذا كنتّ لتستطيع أن تأكل ؟ ! ..ما
أصعب أن تنام وبطنك فارغ ..وتقوم وهو فارغ أيضًا ,ليس هذا فقط ..وهل هناك من
يقوي علي تحمل اللم التي تحدث لك ...وأنت عاجز حتي عن تقديم أية معونة لحب
الناس إلي قلبك لمك ؟ ..فحتي أنك تنهش منها مبلغ المعاش الذي جاءها من فيض الكريم.
لماذا درسنا إذن كل هذا الوقت ؟! ...وكل هذا الجهد ...وأضعنا العمر..؛ لنقوم بتغيير
مسارنا لنبدأ من جديد ....ونبدو كمن رقص علي السلم .... .أي وطن هذا ؟! ..ومن الذي
خطط ومن الذي يدير ؟ ...فالعمدة لديه نصف أرض البلد ...صبري الدمنهوري :
-هذا الكلم ليجدي يجب أن تتعامل مع الحياة كأنك تعيش وحدك ..ل حكومة ول
ل لم يتعلم ...وليس لديه مهنة ...ولكنه يمارس حياته ...
خطة " ,قشقوش" مث ً
ويتقاضي من العمدة نفسه مبالغ نظير خدمات يؤديها ويتقاضي من الناس أيضا
نظيرأسرار يسربها عما ينوي العمدة فعله بهم ...ويعيش هانئاً مستمتعاً ...ل
يفكر في حكومة ،ول خطة ،ول يعرف أيضًا أن هناك حكومة ..ولم يأمل يوماً
أن يقبض راتباً من الحكومة لو أراد أن يصبح شيخ خفر لفعل ..ولكنه ليود أن
تقيد حركته .
قشقوش دائما يعرف من أين يؤكل الكتف ...اكتسب ..وعرف مال نعرفه ..ولن
نعرفه ..إذن الحياة ستصبح "سبهللة " إذا تم قياسها وفق هذا المعيار ..ونصبح بلد خريجي
كلية من أين يؤكل الكتف (وشيلني وشيللك) ..بدلً من الحقوق والتجارة وكلية النفاق بدلً
من كلية الداب ...ويصبح" قشقوش "وأمثاله أساتذة ،وعمداء للكليات ..
....-ولماذا تعلمنا وقاتلنا وجوعنا حتي وصلنا إلي هذا الحال المهين ،ولم نعد
نعرف هل ما فعلناه كان صحيحاً أما ما يفعله "قشقوش" هو الصحيح فهو علي
القل لم يضيع عمره هباء فقد وصل إلي القمة في منهج حياته .
أتعرف ماذا تعني كلمة وزير؟! ...تعني أن الرجل ناضل وقاتل ووصل بشق
النفس ،وعندما تطلق عليه كلمة وزير ...يقول ياه ...آن لنا أن نستريح وعندما يطلب منه
أي عمل ،أو يواجه أي مشكلة ما عليه إل أن يقول هذا هو حال بلدنا وهذه ظروفنا ،ول
نقدر أن نفعل أكثر مما نفعل ( ليس في المكان أبدع مما كان ) ويبقي هكذا ضاحكا أو
مبتسمًا أو حتي مغتماً وفقا للظروف ..فل تستطيع حتي أن تقول له إنك وزير بارد . ..في
أوربا الوزير الذي يخطىء مرة واحدة يغادر الوزارة دون أن يُطلب منه ذلك ...أما نحن
44
فورثنا كل العادات الفرعونية السيئة ...أما الجيد منها في البناء وإقامة الحضارة فنتباكي
عليه فقط فل تري من الوزير سوي القول بأننا "ها هنا قاعدون ".
صبري :
-لست مقتنعاً بما أقول ..ورغم أنني اختصرت الطريق ..وحصلت علي كليتي
وعملت ( مبيض محارة ) لكنت أتباكي مثلك الن عن الجوع ..وعن الملبس
الممزقة..يجب أن تخجل من نفسك .
عرف ما يحاول قوله ،ويود أن يخفيه عن حمدي ..فحمدي شيء كبير في نظر
جمال ..ول يود أن يحكي هذا الموقف في مثل هذه الظروف السيئة . ...فجمال مناضل
صبور جاهد الحياة الصعبة ..لم يخجل جمال من شيء طوال حياته فلم تعنيه ..يوماً
ملبسه الممزقة ول جوعه ..وكان له في كل حالة تحليل خاص به فيقول:
-عن الملبس الممزقة أمنا حواء وأبونا آدم ولدوا عراة .
ويقول عن الجوع:
هذه المرة خجل واحمرت أذناه ونظر يميناً ويسارًا رغم أنه سيحكي ما حدث .
-ماذا فعلت ؟
-لو أن هناك في الحياة من مر بظروف صعبة كظروفي ،وأنتما تعرفانها ،أو أن
شمسه غابت ولم تشرق ،ولو أنك وجدت كل السبل مغلقة لو أحسست أن من يديرهذا البلد
عديم الضمير ولن تقوم لك قائمة فماذا تفعل ؟!.
45
قال له حمدي :أدخل في الموضوع .
-ألم تقل في حديثك الن أنه يجب علينا أن نتصرف أم تناقض نفسك ؟!
تصرفت ولكل قدراته أنت بما تملكه من قدرات عملت (مبيض محارة) ..وتصرفت أنا بما
أملكه من قدرات ..لقد أكلت الحياة كل قواي والقدرة علي المنافسة ..وإثبات الذات ولول
مجموعة الحروف والشعار ..وقواعد اللغة لما اكتسبت من هذه الحياة شيء ,حمدي
ل من أن يواصل الحياة بسبب من أفضلنا وأقوانا ...استسلم في أول درجة للسلم ....وبد ً
أحبها تزوج (بنت القطة) علي طريقة "قشقوش" ..فلو كان قد أنجب كان سينجب صدام
جديد .
نظر إليه حمدي :لبد أنك فعلت مصيبة ؛ لنك تحاول أن تهاجمني قبل أن تحكي ما
فعلت .
جمال :لم أفعل شيئاً سوي أنني ساعدت ابن البهلول علي الركوب في السيارة ،وقمت
بتطبيق الكرسي المتحرك الذي يركبه ..ووضعته علي ظهر السيارة ودخلت وجلست
بجانبه ووصلنا إلي دمياط.
صبري :أنت تعرف ابن البهلول يا حمدي ! ابن البهلول يستطيع أن يقفز في السيارة
دون مساعدة .. ،وبأقصي سرعة أكثر من النسان العادي ولهذا أسموه " ابن البهلول "
فلماذا كان يحتاجك ؟ ..فإنه يعرف طريقه جيدًا ويعرف أين يتسول ويعرف أن يشرب
الحشيش عندما يعود .أذهبت معه لتشرب الحشيش ؟ ...أم أنه وعدك بشربه في يوم آخر .
حمدي :كيف قابلته وكيف اتفقتم علي الصفقة ،وما كان د ورك ؟ .
جمال :كنت أحمله وأعبر به شارع الكباس المزدحم بالمارة والسيارات حتي أضعه في
منتصف الشارع التجاري فيجلس عارضاً إعاقته ...ويقول مايحلو له من الكلمات :
ول يعجز ابن البهلول في استدرار عطف المارة فعنده قاموس محشو بمثل هذه
الكلمات ,أنا أجلس في شارع الشرباصي واضعاً الكرسي أمامي حتي ينتهي من عمله ،
فأقوم بحمله مرة أخري ،ووضعه علي الكرسي ثم إلي الموقف .
46
جمال :الولد ابن الكلب كان يجمع في اليوم أكثر من مائتي جنيه ...ويريد أن يعطيني
عشرة حنيهات ..ويقول إنها أجر اثنان من الموظفين في اليوم وأكثر ...لترفس النعمة .
دفعته من فوقي علي الرض بين السيارات وأخذت أصرخ فيه ...وو ضعت كل حقدي
الدفين في إيذائه بالكلمات ...جمعت أكثر من مائتي جنيه وتعطيني عشرة فقط ,وتوقفت
حركة السيارات وتجمّع المارة ..وأخذوا ينظرون باستغراب ..وكادوا يفتكون بي ..عندما
ظهرت إعاقته ..وعندما ضحك ابن البهلول وقال :فليكونوا عشرين ..وتعجبت أن عظامه
المتبقية لم تتكسر..عندها ..دفعته ..وقع علي يديه ..وقد استند عليهما كالقرد ..حمدت ال
لما حدث ..ثم عدت لحمله من جديد ..فتفرق الناس وهم يضحكون ...عندما وجدونا
نتبادل الحديث مرة أخري ...ونضحك بعد أن اتفقنا علي عشرين ...ولم يكن هذا التفاق
لوي ذراع ...لكنه كان يريد مساعدتي كما قال لي ....ونحن عائدون إلي البلد في السيارة
فقد قال لي :سأعطيك علوة فوق الجر ...فبدل من أن تجلس بجوار الكرسي غداً فلتجلس
علي الكرسي ...والرزاق بال ....هممت بضربه ...أو دفعه من نافذة السيارة ...لكن
الفكرة نفذت إلي رأسي بسرعة ...فالثنان أصبحا متشابهين ..الجلوس علي الكرسي
يشبه الوقوف بجوار الكرسي ...فأحلهما مر ...ومع هذا سأتقاضي ما اتفقنا عليه . ..وفي
اليوم التالي ...وربما في نفس اللحظة التي فعل فيها (القطة) فعلته مع حمدي .....
جمال :ألقت الشرطة القبض عليّ في محاولة منها للقضاء علي التسول المنتشر ..
وكأن البلد أصبحت تمام ...ماعدا هذا الفعل غير الحضاري ...وتم اقتيادي للمركز ...
وعندما قلت للضابط:
-أنا خريج كلية اللغة العربية ..بصق علي الرض ...وقال :
-كل واحد يأتي إلي هنا ويقول أنا خريج جامعة ! ...أنت خريج لغة عربية قسم تسول
يا روح أمك .........
-ل يدل منظرك على أنك جامعي ...أتقوم بتمزيق ملبسك لزوم الشغل؟!..
ي بقرف ...وعُرضت علي النيابة في وبكيت حتي يرحمني ...لكنه نظر إل ّ
اليوم التالي ... .ودار نفس الحوار السابق .....ولكن وكيل النيابة أشفق عليّ....
وطلب منى أل أكررهذه الفعلة مرة أخري فقلت له:
47
انخرط حمدي وصبري وجمال في البكاء ....ليملك أي منهم حلً للخر؛ فكل منهم
أكل عليه الدهر وشرب ولم يعد في استطاعة أحد منهم حتي أن يطيب خاطر الخر.
48
()7
ليجب أن يطلب من هذه البلدة الباكية الحزينة فوق طاقتها ....أبطالها المتهالكون
المهرسون في دوامة الحياة.....
العمدة عمدتهم انتهي الوقت ...والزمان هؤلء الناس يحتاجون إلي وقت طويل ,
طويل جدا ...حتي يطلب منهم شيئا ً ....دعوهم وشأنهم ....وهم لن يعلقوا عليكم أي آمال
...فهم أصدقاء اسرائيل وأصدقاء لمريكا ..........ويختارون رئيسهم بنسبة .!!!! %99.9
في اليوم التالي خرجت جنازة مهيبة ....أهل بلدنا الطيبون خرجوا عن بكرة أبيهم
....صارخون باكون ,إنا ل وإنا إليه راجعون ....انتقل إلي رحمة ال تعالي ...المرحوم
فقيد الشباب ...جمال محمد حجازي ...وكل نفس ذائقة الموت .
.
ما حدث شيء يذهل العقول ,كان موضوع البغل الذي أنجبته الحمارة قد نُسي....
فالحداث في بلدنا تنطمس بسهولة ......لتطور الحداث وتلحقها ...فكل حدث ينسي ما قبله ....
ولكن يخرج للنور عندما نحتاج إليه ....لكن" قشوش" لينسي أبداً ..فقد أحسن ترتيب أفكاره
والمساك بكل الخيوط ,...كان "قشقوش " ...يمر بين صفوف المعزين دامعا ًلما حدث ....
يوزع القهوة ...كان المأتم مقامًا في المضيفة الموجودة في بيت العمدة ....وقد أتي بالمقريء
وماكينة النور ...وحتي القهوة ...والتي لم يشربها أحد .
جلس العمدة في المضيفة ...وفي المنتصف ..وأخذ يحكي علي أن جمال شطة كان أحسن
لعب في بلدنا ....ول يقل خطورة عن طاهر أبو زيد ...ول يدري لماذا استبعده محمود
49
الجوهري ...وقلص دوره في المنتخب الذي سافر إلي نهائيات كأس العالم ....ولم يأخذ حقه
كلعب موهوب.
رغم أن الكلم صحيح ...ويتعجب النسان كيف استحضر العمدة هذا الحديث العذب...
وهل يعرف طاهر أبو زيد حقا حق المعرفة ...أم همس إليه "قشقوش" بهذا الكلم ....وهو يناوله
القهوة ...لم يستمع أحد لحديث العمدة ...ولم يلتفت إليه أحد ....ولم يخف منه أحد في هذا اليوم...
وعندما دخل المضيفة ...لم يقف له أحد ...كما جرت العادة ...رغم تعمده الدخول متأخراً ...فلم
يشرب أحد قهوته ...وربما كره الناس طاهر أبوزيد بسبب حديثه عنه ....كان صوت المقريء
حزينا ..أبكي المعزين بكا ًء مراً ...لم يكن جمال شطة قريباً لحد إل القليل ....ولكن الناس هذه
المرة أحسوا أن المُصاب هو مُصابهم جميعاً ...لماذا قُتل؟ ولماذا قتل بهذه الوحشية؟! ..وبدون
رحمة ...لمن يرفعون شكواهم ل ... .عندما رأي العمدة هذا البكاء ...والنحيب وعرف أن لم
يسمعه أحد ...قال بتبجح :
نظر الناس إليه بغضب ولسان حالهم يقول :حسبنا ال ونعم الوكيل .
..." ....انتشرالفساد في البر والبحر " ...عمدة ظالم ...وناس أكثر ظلماً فهم خائفون ,
(قالوا يا فرعون من فرعنك) , ......لم يلقِ أحد اللوم علي ابن البهلول ...الوحيد الذي اتهمه هو
العمدة ...وأشار إليه بعصاه المذهبة وقال :
لم يتناول ابن البهلول طعاماً منذ موت جمال ...ولم ينقطع بكاءه ...فقد انفطر قلبه لموته...
..هو الوحيد الذي حاول أن يمد له يد المساعدة ...كيف ذلك ...فلكل منا طريقته ,ربما
تكون طريقة غبية ...وصدقها جمال في ظروف بالغة السوء , ...ولم يكن يتصور أنها
ستصل إلي هذا الحد المأساوي.
-وال انت ابن ستين كلب ...ولن تتراجع حتي تقتل هذه البلدة واحداً بعد الخر ...
توقف البكاء وجحظت العيون ...وامتلت قلوبهم خوفاً ،ورعباً مما سيحدث ....ولم يتدخل
أحد ليقول لبن البهلول كفى أو عيب ...كانوا يودون أن تستمر هذه المشكلة ...حاول
بعض الخفراء ضرب ابن البهلول ....لكنهم لم يفعلوا إل واحدا ضربه بالعصا علي ظهره...
وقال له:
50
-أنت تعرف بتكلم مين ياابن الكلب.
حاول الناس تخليصه من يده ...وما استطاعوا ...فإنه يملك يدين قويتين ...عوضه ال
بهما عن قدميه ...فلو دفعته من أعلي إلي أسفل لنزل عليهما بطريقة بهلوانية ..كما فعل
مع المرحوم جمال ...لذلك أمسك بتلبيب الخفير ...وأخذ يشتم ويسب:
قد يقول البعض أن ابن البهلول ليس لديه ما يبكي عليه ( ..وهل يضير الشاة سلخها بعد
ذبحها) ...فل عائلة ول أولد ول مصلحة له عند العمدة ...حتي التسول يتم خارج البلد ...
فبلدنا لتصلح للتسول من يدخلها غريباً ...أو حتي من أهلها متسولً ...يضرب كفا علي
كف ..وماذا سيفعل به العمدة أكثر مما فيه ...لكن الحسابات التي نمت في رءوس هؤلء
الناس الموات لم تدخل في رأس هذا العاجز ...ولم يفكر لحظة في أن يقول أو ل يقول...
فما الذي يدفعه للصمت؟ ! ..أو تقبل الهانة ...وما الجميل الذي يقدمه العمدة للناس أو
حتي له؟! ..حتي يتذكر أنه في مواجهة عمدة ..وما العبرة إذن من العمودية ..إنه حتي ل
يكف أذاه عن الناس ..حتي بيته تحول إلي بيت للرعب ..فلو اضطرأحد المرور من
أمامه ؛ ..فلنه لم يجد طريقاً غير هذا ...وقد يقع في المحظور ...ويراه العمدة فل يسلم
من أذاه ...فقد يأخذ عصا علي ظهره ...أو يقوم بالتنظيف تحت مواشي العمدة ...فما الذي
يخرس اللسنة هكذا .
-لماذا الصمت ؟ ..إن هذا الرجل اللص ل يعطي أحدكم حسنة ..أو حتي يعطي
أحدكم أجره كاملً ..بل هذا الجسم الضخم والوجه المتفجر الذي يمتلىء بالدم
هو من دمائكم والدماء التي كانت تمل وجوهكم الصفراء ؛ سرقها لنفسه هو
وابنه ....وبتبجح ..ويرغمكم علي الخوف منه ..
فوجيء العمدة بما حدث ..لم يكن يتوقع أن يصدر هذا الكلم من هذا العاجز ...لكن
أن يحدث ما لم يتوقعه من ابن البهلول ..جعله يقع في حيرة ول يعرف كيف سيتصرف
...فالخروج من هذا المازق يحتاج إلي تفكير ..وإلي المشورة من هذا الشامت الذي توقف
عن البكاء ..وأخذ يضحك من تحت شفتيه ..أعرفه عندما يضحك وهو خائف ..لتظهر
أسنانه ولكن يظهر علي وجهه الضحك..
51
لم ينتحر جمال شطة لنه رسب في المتحان ...لكنه انتحر لنه نجح وتفوق ..ثم
اكتشف أن هذا التفوق بل فائدة ..ول تصلح شهادته حتي للتسول ...كان الشيء الطبيعى
أن يبلغ العمدة المركز ..ولكن ل يود أن يتسرب الخبر ...ويعرف العالم عدد العاطلين في
بلدتنا ..والسبب الذي جعل جمال ينتحر ..وقد لحت له فكرة ذكية إلي اتهام ابن البهلول
في هذا الموضوع ..و ُيعَلمه كيف يتحدث مع أسياده .
بلدنا الموغلة في القدم ،وصاحبة أقدم حضارة علي وجه الرض ..انقسم الناس
فيها إلي قسمين ...أسياد وعبيد ..وانقسمت الطعمة أيضا إلي أصناف يتناولها السياد ،وأخري
للعبيد... .حتي قضاء الحاجة علي وجهين ...فالعبيد يذهبون بعد غروب الشمس بجوار محول
الكهرباء ...والمعروف باسم محول أبو قرعة ..تجدهم جلوساً صفاً واحد اً بمحاذاة الطريق
الزراعي ..وقد أرخوا مؤخراتهم للخلف ..ورؤسهم للمام ..بعد أن أنزلوا ألبستهم الداخلية- ..
إن وجدت -في عز النور وبجوار المحول الوحيد بالقرية ..وينظرون إلي شيء ينزل من
مؤخراتهم ..حتي يطول الرض متلذذين ...وهم بهذا يظنون أنهم بعيدون عن النظار ...ليراهم
أحد ول يرون أحداً كالنعام ...في الصباح يأتي النساء ...وتمر بين برازهم ..يجمعون نبات
أخضراً ..مليء بالشوك يسمي ( الجلوين ) ...نما في براز سابق ...ويأكلونه مستمتعين
بالضافة إلي المش ذى الدود .
العبيد معظم أهل بلدنا ..والسياد قلة ..وآه لو تكلم العبيد مع السياد بطريقة غير لئقة ..
فهناك ناس تضرب بالكف ..وناس تتلقاه علي وجوهها ..ول تستطيع الرد ول التململ .
يا بلد ( يا بنت الـ ) ....كما يقول "قشقوش" ...كيف توزع الثروة ومن الذي يأخذ حقوق
من ؟ ..ومن يعمل ليجد قوت يومه ..ومن ليعمل يركب السيارات الفارهة ..ويمشي بها علي
رقاب العباد ..كم واحد مات ميتة جمال ،ولم يحرك أحد ساكناً ...وكأن البشر في هذه البلد كلب
أو من يحكم ل يدري ماذا يحدث .
ياسيادة الرئيس بوش نحن في حماك ....فانظر إلينا ...نحن أصدقاءك ..أولد العبيد فقط
هم الذين يموتون , ...أولد السياد يأكلون ينفقون باقون ..يتم تلميعهم رغم غباء معظمهم وجهلهم
..حتي العمدة عندما يخاطبهم يقول لهم:
يضحكون ...وإن كانت مجاملة من بعضهم ..وتذمراً من البعض الخر , ...مع مرور
الوقت والزمن َ..ألِف المتذمر القول ..ولم يعد يتذمر ..وكان "قشقوش "يصفق دائما ..لما
يصدر من العمدة ..ليقل خطر انسحاب جمال شطة من الحياة عن خطر انسحاب أهل
الكويت من بلدهم ..ليأتي العم بوش لعادتهم وجمع ثروات البلد بدل منهم( , ..من هرب
52
من أرضه خائفاً ل يستحق أن يسكن فيها مرة أخري) ..و ( من مات دون عرضه فهو شهيد
ومن مات دون أرضه فهو شهيد ) حديث شريف ..ما كان يجب علي جمال النسحاب ..
رغم أن ما فعله لم يكن عملً شائنًا إلي هذا الحد ..أيهما أفضل أن تكون متسولً ..أو تكون
لصاً تأخذ مال الخرين عنوة .
هدأت المضيفة بعض الشيء بعد أن ضحك العمدة ضحكة صفراء ........وأومأ إلي خفره أن يكفوا
عن ضرب ابن البهلول ..ويبتعدوا عنه ..ولد غلبان دعوه يقول ما في نفسه ..
وفجأة دخل البغل الذي كان قد حبسه" قشقوش" في بيته ..وسقاه لبن جاموس حتي تدور جسمه
وأصبح كالبغال ..وأخذ يقفز ويضرب برجليه الخلفيتين ويطلقهما في الهواء ...وجري ناحية
العمدة وسط ذهول الناس ...ومن وراءه" قشقوش" ..وهو ينادي عليه :
فضحك الناس لهذا السم ..ونظر البغل إلي العمدة ...وكأنه بشر ..ثم قام بعضه في رقبته
ولم يستطع أحد تخليص العمدة منه ..حتي سقط علي الرض ..وكأنه مغشيًا عليه.
-ال أكبر ..يا ظالم يابن الكلب الحيوان كاد أن ينطق من ظلمك ..
اصفر وجه العمدة المتورد وقال في نفسه وهو مازال علي الرض ..ما هذا اليوم
السود ؟ ..وعندما أوقفوه كان البغل ليزال في مواجهته ..فضربه بعصاه المذهبة ..وأمر
الخفر بتقييد البغل ..وحبسه في حظيرته حتي يري ماذا سيفعل به ....أمر العمدة صاحب
الفراشة بالرحيل ...وسكب القهوة علي الرض ..وأنهي مراسم العزاء ..وأمر بإغلق
المضيفة .
فيعني ذلك أن الجور والظلم بلغ مداه ...وأن الشمس اشتدت حرارتها ..ولم يعد
يتحملها البشر ..كيوم الحشر , ..
53
أما عن أمر أم جمال ..حرق زرعها أمامها ..وهو في عز شبابه ..فانطلقت تزغرد
زغاريد حزينة تشبه الصراخ ..تقطع القلوب ..وتمزقها ..وتقول :
-إلي جنة الخلد ياجمال (وهي تقصد ابنها وليس جمال عبد الناصر).
وأصر ابن البهلول أن تجلس علي الكرسي المتحرك بدلً منه ..وقد ذهب هو خلف
الجنازة معتمدًا علي ساعديه ..وكأنه بهذا يحاول أن يبريء نفسه من دم جمال ..ويعاقب
نفسه في ذات الوقت ..وتحسست أم جمال رأسه ثم قبلته..
وقالت :
فبكي هو الخر ..ولم يكن يستطيع الجابة في هذا الموقف ..ويا ليتها لم تجلس
علي هذا الكرسى المشئوم ..فعندما جلس عليه المرحوم جمال في شارع الشرباصي في
دمياط ...قرر عدم البقاء ..فعندما عادوا من هذا العزاء القصير ..الذي أمرالعمدة بفضه
وجدوها قد فارقت الحياة (, ..في ذمة ال يا أم جمال أنت وولدك). ..
54
( )9
لماذا اتهم العمدة بقتل جمال ..مع أن جمال هو الذي شنق نفسه ..عياناً بياناً ..ولماذا كان
الناس في هذه المرة متخذين قراراً واحداً دون التفاق علي ذلك ..لم يجرؤ أحدهم في يوم من
اليام ..أن يعامل العمدة كما عاملوه جميعاً في المأتم المقام علي نفقته ..مع أن العمدة لم يفعلها من
قبل وتساءل الناس:
-هل جمال قريبه؟! ..هل أحسن لحد؟! ..أم أنه يُكفر عن شيء؟ ..ولماذا سارع بالقيام بهذا
العمل ؟!. ..
إذا لم يستطع العمدة إيجاد عمل لشبابها ..كما يفعل العمد الخرون ..فما فائدته؟ ..لماذا
إذن هذه الهالة والوجاهة والحترام المبالغ فيه ؟ ..إذا كان هذا حال بلدنا كما يقول هو؟ ..لماذا
ليترك غيره يدير شئونها؟ ..ويتدبرأمر هؤلء الشباب؟ ..ولماذا يسارع ليجاد العمل لذوي
القربي ،وحاشيته( أقصد أولد السياد) ؟ ! , ..عضو مجلس الشعب عن دائرتنا لم ينظر إلينا
..وكأننا من المغضوب عليهم ..وعين أولد بلدة البجلت في المراكزالمهمة , ..سافر صبري
الدمنهوري إلي السعودية ..في اليوم التالي لموت جمال ...ولم يكن سفراً ..كان هروباً ، ..ولكن
كان مرتبًا له منذ فترة ..,وحمد ال علي هذا السفر ..وسافر مكلوماً حزينًا مريضاً. ...
55
لم يعرف حمدي زهران بالخبر حتي الن ..وإل قد فوجع ...ومات بحسرته ...فأنتم
لتعرفون علقة جمال بحمدي , ..لم يكد المأتم ينفض ،حتي تم القبض علي ابن البهلول...
و"قشقوش" والبغل ...واعتبرت هذه( مؤامرة لقلب نظام الحكم) في البلد ..ووجهت إليهم تهم
التعدي علي رأس النظام في البلد ...والتجمهر والتظاهر بدون إذن ...مع وجود قانون الطوريء
...رغم أن "قشقوش" لم يفعل شيئاً ..ولكن العمدة اعتبر ابتسامته ..عندما شتمه ابن البهلول
شماتة ..واعتبرأن مجيء البغل في هذا التوقيت ..هو من تدبير " قشوش" أيضاً ..وكان يود أن
يقرص أذنه علي حد تعبيره .
ضُربوا ضرباً مبرحاً ...ثلثتهم ..حتي لم تعد تعرف أيهم البغل وأيهم" قشقوش" وأيهم
ابن البهلول , ....لم يصرخ ابن البهلول ولم يبك ..بل وجه لهم كلمات نابية ..غير خائف ..مما
سيؤول إليه مصيره ...وفعل البغل كما فعل ابن البهلول ...وإن كان" قشقوش" لم يعامل بمثل
معاملتهما ..ظلوا أسبوعًا علي هذا الحال بين الضرب والتوبيخ والشتائم ..وتم ترحيلهم إلي
المركز ..وصلوا المركز متهالكين ...ومع ذلك لم يسلموا من الضرب أيضا ..؛ لن دوار
العمدة شيء ...أما المركز فله ترتيباته الخاصة ....كانت قضية شائكة ...هل يستجوبون البغل
أول ..أم قشقوش ..أم ابن البهلول ..رغم أن المحقق سيسأل ..ويكتب ما يريد ..ولكنها أسئلة
روتينية ، ....وقع الدور علي البغل :
-البغل
ج ........... :
ج ........................... :
ج .......................... :
56
............................
.......................................
قشقوش
س :اسمك ؟.
ج ...... :
س :عنوانك؟ .
ج ....... :
57
س :متي أتيت من العراق ؟.
ابن البهلول
ج ........... :
س :عنوانك؟ .
58
س :هل تتاجر في المخدرات لتمويل التنظيم ؟.
......................................
الشيء الذي حيّر الضابط كيف يتعامل مع هذا البغل؟ ! هل سيوضع معهم في نفس
الزنزانة ؟ أم سيوضع مع خيل الحكومة ؟..
أن يتم القبض علي البشر شيء عادي ..حتي لو لم يرتكبوا جريمة ...فهذا البلد
مقسم إلي ناس تدخل السجن بدون ذنب ..وآخرون أحرار حتي لوارتكبوا أعتي الجرائم ...
فبإمكناهم حشر البلد كلها في زنزانة واحدة ..إذا أهين كلب العمدة ..فما بالك لو كانت
الهانة موجهة للعمدة شخصياً؟ !! , ..أما الشيء المنتقض أن يتم القبض علي بغل..
وضربه وسحله( ..أين جمعيات الرفق بالحيوان)؟!! ..لبد أنها ستفعل المستحيل لخراج
البغل ..بعد تقديم الوراق لثبات أنه بغل ..وأن ما صدر منه ليس مقصوداً ..وليس موجهاً
للعمدة ...وأنه ليستطيع التفريق بين من هو عمدة ومن هو غير عمدة ...وأن ما صدر منه
كان بإيعاز من "قشقوش " .
الشيء المضحك ثورة البغل وتوجهه إلي العمدة ...وعضه وهو صنيعة العمدة
وتابعه " قشقوش , .. ".حتي" قشقوش" ...انقلب علي العمدة ضمناً , ..في بلدنا لتوجد
جمعيات للرفق بالنسان ...ولكن توجد هراوات وعصي كهربائية وزنازين .
قال الناس في اليوم التالي ابن البهلول زودها شوية ..علي كل حال العمدة كبيرنا ..
و(الذي ليس له كبير يشتري له كبير) ...ومع ذلك عادوا وقالوا ليستطيع أحد أن يفعل ما
فعله ابن البهلول أو ما فعله البغل زلزل ما حدث في العزاء ...قد زلزل العمدة ..وما كان
يتوقع أن يحدث مثل هذا ...وأمام بلد بأكملها ..وأي بلد ...البلد التي أمسكها جميعا في
قبضة يده ...أو ظن ذلك فقد فهم العمدة المغزي من حكاية العقيد القذافي ..حينما عرض
لمن يأتِ له بجوال مليء بالفئران ..أن يعينه نائبًا له ..فجمع كل طامع مجموعة من
الفئران ووضعها في الجوال ..وساربها إليه ..وعندما وصلوا جميعهم ..كانت الفئران قد
قرضت خيوط الجوال ...وهربت إل واحداً !..جاء بجواله مليء بالفئران ..فسأله - - :
فقال:
59
-كنت أحركها في كل اتجاه ..حتي داخت ..ولم تستطع الخروج ......
فقال له:
لو صدر هذا الفعل من شخص عليه القيمة ..أو يدري حجم فعلته ..لستطعت
التصرف معه ..وجعلته ليري الشمس مرة أخري , ..المشكلة أن هذا الولد ل يدرك ماذا
فعل ..فكلما خاطبت جاهلً ..كانت المور أصعب ..وتصدر منه أفعال ل يتوقعها العاقل
...ولكن سواء فعلها ابن البهلول ..أم غيره فالويل له ...ولكل من وافقه ..حتي في نفسه ,
لبد أن يركع الجميع , ..أما كيف يركعهم ..فل ندري كيف ..فهم راكعون مقهورون
مطحنون.
كل من في هذا البلد كان يتمني أن يفعل مثل ابن البهول ..أو أكثر من ذلك ولكنهم
ليستطيعون أن يقولوا أو يفعلوا مثل هذا الولد العاجز ...إنهم يكظمون منذ أمد بعيد ..ولن يفعلوا
أكثر من هذا ..مهما طالت بهم السنون ..و ربما يفعل الجيل القادم أو الذي يليه .
هل ستبقي طوال هذا الوقت أيها العمدة ..و ستأخذ المال والرض والزمن والبشر, ..
دعهم يتنفسون يا حضرة العمدة .
رغم التناقض الواضح في آرائهم المعلنة ..والخفية إل أن الناس هذه المرة أحسوا بالشموخ
أمام العمدة ..وأن هناك طرحاً جديداً ,أحسوا في اليوم التالي ...وهم ذاهبون إلي الحقول..
بالنشوة رغم ما حدث في الليل من تكسير القرية ..مع أن القبض علي ثلثتهم ليس صعباً .
أحسوا بالنصر ..أن هناك شخصاً ما في تاريخ قريتنا الممتد الظالم المكتئب قال ل , ...
من ؟ ..وماذا عمله ؟ ..وما وضعه الجتماعي ؟ ...كان ينتمي إليهم ...ينتمي إلي طبقة العبيد
الذين يتبرزون علي قارعة الطريق ...ثم يعودون ..لياكلوا هذا النبت الخضر ..الذي يستمد
نمائه من تيبس البراز ..واختفائه فتخرج شجرته عفية ( ...كلوا وارعوا أنعامكم ) .
قالها ...ولم يخف هذا العاجز المتسول ...يا بلد وجدت منذ مليين السنين ..لم كل هذا
العجز والتخبط , ...انتهي الموضوع ...ول يهم ماذا ستؤول إليه المور , ...أنتم لم تفعلوا شيئاً ,
فعلها العاجز المتسول ,لم الخوف والتردد ,هذه المرة دفعتكم للمام سنوات طويلة , ....أسيعلق
لكم العمدة المشانق ..فليفعل , ..فعلها جمال قبلكم وحده , ..إن حياتكم ل تساوي شيئاً ,ل أنتم
بالحياء ..ول الموات ...فهي بين بين كما يقول" قشقوش" ..في كتابه( التوليفات) ,عندما
سئل " قشقوش " عن هذا النبات الخضر المدعو (جلوين) كيف يخرج من البراز ؟ هل يوجد
60
مخزن بذور في بطون هؤلء الناس ؟..
-نعم توجد مزارع في بطون هؤلء ..ليغذوا بها الصحراء ..فيذهب هؤلء
الناس إلي الصحراء ...فيتبرزون ..فتجد الرض كلها خضراء تطبيقًا لمنهج
الغنية التي تقول :
....فيصبح عملهم الوحيد هو التبرز والنتقال من مكان إلي آخر حتي تصبح الصحراء
كلها خضراء .
ل يعرف ابن البهلول ما تعنيه كلمة تنظيم ..لكنه من المؤكد يعرف تنظيم المرور ..وتنظيم
طابور العيش ..وطابور الجمعية ؛ ..لن الشوارع في دمياط تختلف عن الشوارع في بلدنا ..فهو
يعرف أين يذهب في الوقات التي بها اختناقات مرورية وقت خروج الموظفين ..والعمال لزوم
عمله , ...أما كلمة التنظيم المقصودة ل يعيها ..ول يسمع عنها ..وما خرج منه كان بشكل تلقائي
...وعندماوصلت المور إلي هذه الدرجة من السوء ...رأي أنه كان من الحكمة ...أل يرد فهو
لم يكن يوماً من اليام يبحث عن بطولة ...وليس مدافعاً عن الحريات والكرامة النسانية ..فحياته
سهلة بسيطة ..فلماذا هذا التعقيد الذي أوقع نفسه فيه؟ ..وأضر بالبلدة جميعها؟ ! . ..
أمر العمدة الخفراء بالنتشار علي مداخل القرية ..وفي شوارعها ..وتفتيش الذاهب..
والقادم والقبض علي كل من يشتبه فيه ..وبدأ هو بإخراج أوراقه المتراكمة ..وهفوات البعض ..
وكان أولها محمود القطة ليلهف العشرين فداناً كاملة .. ,هذه فرصة للعمدة ليضرب ضربته ...
والنتقام من هؤلء الموات ,لقد أخرج الوراق الموقعة علي (بيلض) وإيصالت المانة
والشيكات والراضي المرهونة لديه ..,مع مرور الوقت ..بدأ يستحسن العمدة هذا الموقف الذي
أقلقه ..وقتها فهو لم يصنع هذا الموقف العدائي ...بل هم الذين بدأوا( والبادي أظلم) .
تم القبض علي معظم أهالي البلدة في اليام التالية بسبب إيصالت المانة والشيكات وهذه
الوراق الموقعة علي بياض والتي ملها بمعرفته ........
61
() 10
ل يتوقع أحد منكم أن يخرج من بين هؤلء الناس بطلً ..يخلصهم من الجور والظلم
وضيق ذات اليد ..فالحصار المفروض حولهم ..وقلة أرزاقها وانكسار الناس فيها ...ل يمهد لمثل
هذه البطولة ...وما صدر من ابن البهلول حالة فريدة ..قد لتتكرر بسبب النتائج التي ترتبت
عليها ...مع أنه عمل بطولي بكل المقاييس التي تعمل بها هذه البلدة الحزينة المكبلة بألف سلسلة
وألف حزام ...
يقول" قشقوش " في كتابه عن الحمال والوزان ،وذكر فيه نظرية العمدة في إحكام
المصائب علي هذا البلد والمقولة الشهيرة له :
فالعمدة يرخي الحبل لعدوه حتي يلفه حول نفسه ..ولكن طرفه في يده يجذبه متي شاء .
-إن أمر بلدنا عجيب ...وكأن أموالها وأرضها وعقاراتها ...وضعت في الخرابة وفي
لحظة واحدة انقضت عليها بلدنا ...فمنهم من أخذ أرضاً ومنهم من أخذ ذهباً ..ومنهم من أخذ مالً
والكثير لم يبق له شيئاً ...فبقي هكذا هو ومن بعده من نسله في خدمة من أخذ الموال ..والعقارات
يوجهه ..ويمشي تحت سيطرته عبد ذليل ...ولكي تصبح حراً ..تعمل عمراً طويلً حتي تتحرر
62
وقد يستغرق عمره كله ..وقد يحتاج إلي جيلين أو أكثر , ..وقد تتحرر في أقل من هذا ..ويتوقف
هذا علي مدي علقتك بالعمدة .
بط بلدي ..بط مولد ..ع العربية يا مربية .....عشر فراخ بلدي ...بعشره جنيه
كان يجرب الميكرفون ومدي صلحية البطارية ,وضع قفصين من الجريد ذى الدورين
بجواربعضهما ..أحدهما مليء بالكتاكيت ..والخر مليء بالبط , ..ثم وضع عليهما بطانية ميري
....ووضع الميكرفون فوقهما موجها وجهه للخلف ...ودون تفكير وبتثاقل تم جذب بقايا برسيم
كان قد وضعها أمام الفرس ....وقفز أما م القفصين ..وأمسك ( المايك ) في يده ..وجرب مرة
أخري:
ألو ....ألو .............. 10 .... 8 ... 4 ... 2 ....ال ....ال . .......-
لم يُطلق علي الفرسة هذا السم ...لكنها جاءت به فلم يشأ إل أن يعطيها
حقها فيه , ...استسلمت نسمة له ..وتطبعت بطباعه ..تهدأ عندما يهدأ ..وتجمح عندما
يثور ..,أحيانا تكون ثورته عنيفة غاضبة ..ومع مرور الوقت يدرك أنه ما ينبغي له أن
يثور ...فيعود حزيناً وديعاً متقوقعاً, ...لم تكن هذه ( السبوبة ) له ..ولكنها كانت ( سبوبة )
ابن البهلول الذي خرج من السجن ..بعد مرور ثلث سنوات ..قضاها لوقوفه أمام العمدة
..بعد أن وُجهت إليه تُهم ..الضرار بالممتلكات العامة ..والخاصة ..علي اعتبار أن
مضيفة العمدة ..تم تكسيرها ..وهي ممتلكات خاصة ..؛ لنها ملك العمدة ..وعامة لن
الناس يستخدمونها في الفراح والمآتم ..وتهمتى الجمهرة والعتداء علي رأس السلطة في
القرية (, ..الحمد ل أن نفد بجلده وأخذ ثلث سنوات فقط) ..خرج من السجن ..فوجد
اسمه ضمن المستفيدين من التعويضات عن الخسائر التي لحقت به عن ترك العراق ..هو
وزوجته في فترة الحرب ..وصرف مبلغ 17ألف جنيه ..ل نعرف ..مالضرر الذي
أضير به ابن البهلول؟! ..
قبل أن يغادر بوش الب البيت البيض ..وبعد أن تأكدت هزيمته ..انتقم من
العراق ...بضربها بمئات الصواريخ الثقيلة والمدمرة ,
ابن البهلول رغم عجزه ..وقلة حيلته قد تزود بمهارات عجيبة للدفاع عن نفسه ..
تخرج في وقت الشدة ..قد يظن البعض أن أمريكا اشترت ابن البهلول ...بهذا المبلغ
لتضمن حياده ..ولكن أقسم لكم أن هذا الكسيح ليمكن شراؤه ..ول يمكن السيطرة عليه
ول يمكن التنبوء بما سيصدر عنه ..,لو دفعت أمريكا لكل مصري مبلغاً مساو لما دفعته
لبن البهلول فلن يعادل خسارتنا الكبري من العراق .
-إن العراق كانت محفظة كبيرة مفتوحة ليد كل مصري( جزاك ال يا عم بوش) .
أُغلقت العراق علي ساكنيها ..محاطة بطائرات أمريكية وأجنبية( لك الويل يا عراق) .
...أتدرون من هذا الذي يركب العربة ( الكارو ) ...والذي وضع عليها قفصين مملوءين
بالكتاكيت ..وقد أرخي رأسه لسفل ..وهو جالس عليها ،وقد ارتدي جلباباً عليه جاكت بدلة قديم
...كان قد جلبه من العراق ...وفعل الزمان به فعلته من ثقوب وتمزقات ...أتدرون من هذا الذي
أطلق لحيته ...وأصبح كمجاذيب السيدة ....ل يدري من أمره شيئا ً ،ول يعرف متي ستحطم
64
أمريكا ما بقي من هذا البلد ذو الحضارة العريقة ...أتدرون من هذا المنادي:
إنه حمدي زهران الول علي مدرسة الشهيد جمال الدين عبد الكريم ..والحاصل علي تقدير
جيد جداً في السنة النهائية بكلية الحقوق , ...كان عندما يرخي رأسه ..وينظر لسفل ..يتذكر
هؤلء الناس من جلدتنا ..الذين كانوا يتبرزون عند محول أبو قرعة ..وهم يرخون رؤسهم
لسفل ..ويعتلون ..هو ليعتلى ..بل يهز رأسه ..يميناً ويسارا ً ..ول أعتقد أنه يفعل ذلك خزياً..
فمن منك يستطيع أن يأتي بخطأ أوفضيحة ارتكبها ليسقط رأسه لسفل , ...ليوجد إنسان فاضل
في بلدنا يمارس عملً ..في هذا البلد ..ولكن كان يأتي بسرحته من خارجها ...وهكذا فعل حمدي
زهران ...ذهب إلي البجلت حيث تغرب شمسنا ..فتسقط فيها بل رحمة ..دائما ًوأمام أعيننا .
لقد تم تحييد حمدي من كل المسائل ..رغم اعتراضه علي أن يصبح ابن البهلول صاحب
سبوبته ...ولكن كما يقول السياسيون( سياسة المر الواقع) , ..أحيانا يتمني حمدي زهران أن
يكون ابن العمدة فلو أنها كانت كذلك ما ضربه محمود القطة ...ولت ّم تعيينه مباشرة في النيابة .أما
العبد ابن البهلول ..لقد نال حريته وأصبح سيدًا ..رغم أنه دخل السجن ..قد يري البعض أنها
عقوبة نظير جريمة ارتكبها ..إل أنه علي القل فعل شيئاً لنفسه ..فقد أصبح خارج حسابات هذه
القرية ..وخارج حسابات العمدة نفسه ..الذي أصبح يتلشاه , ..أصبحت النظرة إليه مختلفة ..
حتي قبل مجيء الفلوس من العراق ..لقد أصبح بطل ًفي نظر هؤلء المطحونين ..الذين يتبرزون
بذور الجلويين ..ثم يأكلونه . .ويربون الدود في الجبنة القديمة ويأكلونه , ..أرأيت شعباً في
العالم يأكل الدود ..وهو مستمتع ..وكأن من ليس عنده مش بدوده ل يستحق الحياة , ..إنهم
يستحقون الحياة ,لم يباه ابن البهلول بكونه فعل ما فعل ...أو أنه أصبح من أرباب السوابق ..
فيجب أن تُخلي له الطرقات ...ولم يفاخر بالثروة الجديدة ..التي هبطت عليه من السماء ...كما
يقول , ...وقد يقول البعض ..أن ابن البهلول قد فرح بهذه الفلوس , ...فهو أكثر الناس نعرفه
بالعراق ما كان يجب أن تمزق العراق هكذا ..أو توزع ثروتها كالرث ..وعندما قال له
"قشقوش" :
فقال له:
حمدي زهران أصبح آخر السلم الجتماعي ...وقد أحب ابن البهلول ..واحترمه
لمواقفه التي لم يستطع في يوم ما لن يكون له موقف كما فعل هو , ...هو الوحيد الذي
65
حاول أن يساعد صديق العمر جمال ...وإن كانت هذه المساعدة قد أودت بحياته..
.لكنه حاول ..وإن كان قد دفع ثمنها هو نفسه بعدها ...,هو الكسيح الذي صمد أيما صمود
...ولم يحس بالخزي والعار يوماً ...ويعتبر نفسه لم يرتكب عملً شائناً في حياته...
وبالذات عمله كمتسول ...فأغلبية الشباب القوياء ل يجدون العمل ...ول الكل ول
المأوي ..فما بالك ..وهو الكسيح كيف يعيش ؟ , ...خرج من السجن قويًا منتصراً...
وخرج حمدي كسيراً ذليلً فاقد للحظة ...غير مدرك كيف يتصرف , ...لقد خرج العبد ابن
البهلول إلي الحرية ...ودخل حمدي زهران إلي العبودية .
في شوارع البجلت التي تقع فيها شمسنا عند الغروب ...وبعد أن يكون قد قطع مسافة 5
كم هي طول الطريق الزراعي الذي يربطنا بها ..ويكون قد هيأ على أطرافها بتجربة الميكرفون
مرة أخري , ...قطع شوارع البجلت أيامًا طوال عرف شوارعها ..وقابل زملء له في المدارس
والجامعة ...ولم يكن يتخيل أحد أنه هو ..ليدقق النظر فيه ..وربما نظر إليه أحدهم ..وقال في
نفسه :إن هذا الوجه يشبه وجه شخص ما كنت أعرفه ! , ...لكل منا حلم مل عليه أفكاره في
صحوته ونومه...
حمدي زهران ...لبد أن لديه حلماً ..عاش معه طوال أيام دراسته , ..عندما تنظر إليه ل
تعرف أنه قد ذهب إلي المدارس أصل , ...لم يلق إل الهزائم المتكررة والنكسارات المتتالية ..
فتقوقع ..هو نفسه أحيانا يتساءل :
-أم أنا حمدي زهران العربجي الذي ينادي علي المربية لتأخذ منه البط والكتاكيت
؟!
-أنا من .............؟
-هل أنا النسان المتهالك الضائع في بلد ال أبحث عن لقمة عيش مغمسة بالهزيمة
والنكسار ؟
66
"-بط مولد ع العربية يا مربية ...عشر كتا كيت بلدي بعشرة جنيه " ..ذهب الصدقاء
والزمن الجميل ...,ذهبت الصحبة , ..لقد سافر صبري الدمنهوري إلي السعودية ..ولم يعد ,
وذهب جمال إلي مثواه الخير ، ..ولن يعود إلي البد , ..وتُركت وحيداً مهمشاً ..حتي الحلم لم
يعد متاحاً .
دار في الزقة والحواري ...ونادي علي بضاعته , ...لم يكن حمدي زهران يبيع البط
والكتاكيت بالفلوس فقط ...و أحيانا كان يقلد عمه الراحل -القطة -البط الصغير في مقابل البط
الكبير ...وأحيانا في مقابل الرز والبيض .
ماذا يساوي حمدي زهران في سوق النخاسة ؟! ..هل يساوي مئة جنيه أم يزيد ؟ ! ...لفها
القطة في يده ..وكان يتراجع في إعطائها إياه ..لول أن دفعه العمدة دفعاً إلي إخراجها في
المستشفي فألقي بها حمدي بعيدا ؟ ...أم أنه يساوي عشرين فدانًا لهفها العمدة من القطة بضربة
حظ ..واصطياد في الماء العكر ..بعدما اتخذ من حادثة ابن البهلول ذريعة للدفع بالوراق
الموجودة لديه إلي المحاكم لتمكينة من أرض القطة ...ومات فيها القطة غير مأسوف عليه ..في
لحظة تنفيذ الحكم واستيلء العمدة علي الرض.
لقد تاجر العمدة بقضية حمدي ..إذا اعتبرنا أنها قضية ..وبداية انزلق نحو الهاوية , ..
ماذا يساوي حمدي في هذا البلد ؟ !! ، ..لقد أصبح له سجل في المركز ..بأنه سجين ،..وهل يصح
أن يكون للسجين حق في التعيين بالنيابة ؟ ..لقد دنسوه ..ولن تقوم له قائمة.
في البجلت التي تقع فيها الشمس ول تشرق منها الشمس ..ربما تشرق من بلد أخري..
لكن تعودنا أن البجلت تغيب فيها شمسنا ..ونظن أنها غيبة أبدية .
"قشقوش" يسير في شوارع البجلت ليعلن عن " مُولد " سيدي عبد الرازق .
إنها طليقة حمدي زهران ..يجمعون القمح والرز وأكواز الذرة ..تبرعاً للصرف علي
الليلة الكبيرة لمولد سيدي عبد الرازق ..و الذى يقع مقامه في الحدود الفاصلة بيننا ..وبين
البجلت ..ويقام له مولد اً ًكل عام , ..لنعرف من هو؟ ..ول نعرف السبب الذي من أجله يُحتفل
به كل عام؟ ...ولكننا درجنا علي ذلك , ...يعملون مسرحًا كبيراً ..و يحضرون منشداً مشهوراً ..
ويتجمع فيه أهل الطريقة التي ل نعرفها أيضا ...ويأتي باعة الحلوي واللعاب النارية والمزامير
والطرابيش ...وفي آخر الليل ينام أهل الطريقة رجالً ونساءً فى أحضان بعضهم البعض في خيام
..ل تربطهم أي صلة قرابة ..إل أنهم إخوة في الطريقة ..ول نعرف ما هذه الخوة ...ويستمر
ذلك مدة أسبوع قبل إقامة الليلة الختامية ( الكبيرة ) , ...ثم ينتقل هؤلء الخوة إلي مولد آخر
حسب الجدول الموضوع (.عبث هذه الحياة ). ..
67
"قشقوش" وزوجته يجمعون التبرعات للصرف علي المولد ..يتقاسم باقي الحصيلة بعد
الصرف علي المولد عمدة بلدنا ..وعمدة البجلت مناصفة ..بعد أن يكون" قشقوش" قد أخذ حقه
مسبقاً كما يحلو له , ..طليقة حمدي تجلس جوار" قشقوش" فرحة علي العربة الكارو ..وتحتضنه
حينما تميل العربة بهما ...وتضحك حينما تعتدل , ...حمدي يتمزق في هذا الشارع الضيق الذي
حوصر فيه ..ليس بسبب زواجها من "قشقوش" ..ولكن ندمًا علي زواجه منها ..كيف تاه حمدي
يومًا ما ..وتزوج من هذه القبيحة التي تجلس بجوار" قشقوش "التي أصبحت تشبهه (الطيور علي
أشكالها تقع) . ...هل يصلح أن يكون هذا الشاب وكيلً للنائب العام ؟ ...أو حتي يكون محاميا
لمعاً ...وتكون هذه زوجته , ..ولكن هيهات لقد أصبح" قشقوش" ..وحمدي في قطار واحد
ولكن "قشقوش" يجلس في عربة الدرجة الولي ..وقد أمسك بمقاليد المور ..وسيرها ..وعاش
..ل ينغص صفو حياته شيئاً , ..وتفوّق أيضا في المساك بلجام بنت القطة ..وسيرها أيضا كيفما
يشاء ..وهي تركب جواره علي العربة ..وحمدي وحيداً ..ليس بجواره أحد (.عجبي ! )..
-إن الرجل الذي يقوم " بتظبيط " المرأة -علي حد تعبيره -يمسك لجامها ..ويوجهها كيف
يشاء ..ويبدو أن حمدي لم يقم " بتظبيطها " ..وإل قد دللته كما تدلل " قشقوش" الن .
68
( ) 11
كبرت ذنوبك وكثرت وحدتك ..واقتربت من الهاوية ,...عربة كارو! وفرس ..وبط ..
وكتاكيت !
كان ركوب العربة مهينا يكسر ويذل نفسه , ....لم يُخلق لهذا العمل ...قضي الليل هائماً..
حزيناً ( ..أحيانا يقبل النسان أي شئ من أجل الطعام , ...وعندما يندمج في العمل وتمتليء بطنه
يجد نفسه مؤرقًا غير راض بما قسم ال له بحجة أنه ليناسبه ).
بعد مرور الزمن أحس أن كلية الحقوق لم تعد تشغل باله ,فهي لم تعد تليق به ...،ول يليق
لها ,مضي الزمان ,أصبح ل تربطه بالزمن الماضي أية صلة ,إل أنه ليقبل أن يوضع في مرتبة
"قشقوش" علي القل .
-نعم سيغادر ..لم تعد هذه بلده ..ولم يعد هؤلء ناسه ..ولكن إلي أين ؟!!!
عندما سيأتي ابن البهلول في الصباح سألقى له ببطه وكتاكيته في الشارع؛ ليزحف خلفها
جلب المصائب هذا ( ,عندما يسخط النسان فإنه يضيق حتي بمن قدموا له المعونة والمساعدة أو
69
الحسان) ...ألم يعد لديك لول مرة شيئًا تملكه ؟ ..لقد أصبح لديك عربة تستطيع أن تحمل
عليها من ستتزوج مستقبل .
لقد استفاد حمدي زهران من العراق في زهوها ونكستها , ..استفاد منها طالباً واستفاد منها
بعدما أتت تعويضات حرب الخليج لبن البهلول ،فعمل معه وأصبح لديه عربة وفرس .لم يكن
ابن البهلول جلبًا للمصائب كما وصفه ...ولكنه حاول بقدر ما يستطيع فعندما حاول أن يساعد
جمال لم يكن يود أن يضع رأس جمال في الطين ...أو يهينة أو إخفاء شيء في نفسه لجره إلي
طريق ل يرغب فيه جمال ...فلم يكن ابن البهلول صاحب عقدة ...أو كان يحقد علي جمال ..أو
حمدي ..فلم يكن أي منهما متكبرا ..ليكسر أنفه ..ولم يقصد اصطيادهما واحداً بعد الخر..
ولكنها كانت محولت للمساعدة ..ربما تصيب ..أو تخيب أو ..ربما تأتي بكارثة ..فهو ليس له
يد في هذا .
(عندما تكون ضعيف هزيل وترتكب خطأ واحداً ... ،فتزل قدمك وتهوي ..ول تجد من
يأخذ بيدك فقد تبقي في الهاوية إلي ما شاء ال ..وقد ترتكب حماقات ..وأخطاء ..لكن ظروفك
تمكنك من عدم السقوط فل تهوي ول تبلي) .
بلي حمدي وأصبح عديم الوجود أشبه بالموات ..ل حس ..ول خبر ..لم تعد تحس
بمروره بجوارك ..ول تسمع صوته ..ول يمكن أن يباهي به أحداً ,لم تعد سيرته تأتي في أي
مجلس نسي وُنسي .
لم يعد يتذكر أحدًا إذا كان متعلماً ..أو أجيرا عند ابن البهلول ..فقد أصبح ابن البهلول أكثر
شموخاً ..وأكثر تأثيراً من حمدي زهران ..وقد استثمر كل المواقف التي واجهته ..بما فيها
مواجهة العمدة ..وموقف العمدة منه ..فقد رمي طوبته في الوقت الراهن ..ولكن هل العمدة نساه ؟
..فل يمكن أن يقبل أن يتفلطح ابن البهلول ..ويصبح هذا الكسيح رمزاً من رموز القرية بعد أن
كبرت تجارته ..وأصبح صاحب مزارع للدواجن ..ومصنعًا للعلف ,لقد أخذ ابن البهلول
السبوبة إياها ..والتي لم يكن قد دفع حمد ى ثمنها واشتري منه العربة والفرس بسعر أكبر من
سعرهما ..وسأله إن كان يريد مالً ؟ وأحس حمدى بالمتنان لهذا الشخص الكسيح طيب النفس .
(قد يبيع النسان بيته ، ..وقد يبيع أعز الشياء لديه للضرورة ..ولكن كيف يبيع الصحبة
والونس؟!!) .
عندما سحب ابن البهلول الفرس من لجامها ..ويمل الضحك وجهه وأساريره ليست شماته
ولكن فرحاً باقتنائها ,كان حمدي قد طفرت من عينيه دمعة ..كما طفرت دمعة من الفرس فراح
يمسح دمعتها ويقبلها في جبينها ..وركنت هي برقبتها على صدره وراحا يبكيان , ..ليس لديه حل
ليبقيها لو كانت زوجة ..أوصديقة لكانت أخف وزنًا ,أكثر طوعًا في تجواله ..ولكن هيهات فقد
ودع عمله كعربجي ..ولم يعد في حاجة إليها لقد طلقها بالثلثة ,لم يستطع حمدي أن يحافظ علي
شيء أحبه ولكن له الحترام , ..ولم يطعن أحد في ظهره كما طعن حمدي ,وإل كيف يسجن عن
70
قائمة أثاث غير موجودة ونفقة , ...وهو ليستطيع حتي النفاق علي نفسه , ..وهو في
خدمة الوطن حينها , ..لقد وقع بين مطرقة القطة وسندال الخدمة العسكرية يبدو أن هناك يداً خفية
تعبث من خلفه ..وتحاول كسر أنفه وكبريائه ..ل نريد في هذا البلد أي رأس مرفوعة , ..يقول
"قشقوش :
-يخرب بيت أبوك يا " قشقوش " ..تملك قوتك ،ول تملك حريتك ...أصبحت
أكثر غني ..من سكن هذا البلد منذ أمد بعيد ..لكن بقيت صنيعة العمدة ..ويده
الخفية حتي حينما سجنك كنت تساوم ابن البهلول للعتذار للعمدة في مقابل
إخراجه من السجن .
لقد فضت بكارة حمدي دون عقد زواج ..فمشي بفضيحته يخفيها ..ويحاول الهروب منها
..ويشهد ال أن حمدي زهران ..سيخرج من هذا البلد غير مرتكب لي جرم في حق أحد ..أو
قفز علي بيت أحد وسرقه أو قيل أن حمدي أمسك به عند إمرأة ليل ,ولكنه أصبح صاحب فضيحة
بدون ذنب ..فعوقب ..وتم تجاهله , ..فكبرت في رأسه فكرة الخروج من هذا البلد , ...لم يعد
لديه عيش هنا ول صحبة , ..كانت كل الطرق مغلقة في وجهه ..وضاق تفكيره ولم يعد يعرف
كيف يتصرف ..وبأي وجه يعيش في هذا البلد الذي كان يكن له الحترام ..في يوم ما ..فلو
قُدرت مصيبة حمدي بالمال لكي تلتئم هذه الجروح ..وتعود إليه كرامته المهدرة ..فكم يحتاج
ليفعل ؟
-مئات اللف ..ومن الذي سيقوم بتعويضه ..ومن الذي سيعطيه ..كي يتحرر
من العبودية الجديدة ، ..كانت بضع دراهم أو بضع دنانير كافية لتحرير النسان
في الجاهلية ..أما في اللجاهلية فكم يحتاج ؟!! ..ومن أين يحصل عليها ؟ !!..
-كم تحتاج يابن زهران ؟ مئة ألف مائتا ألف ..حتي هذه لتستطيع أن تصنع منك
شخصاً طبيعياً ..الشيء الطبيعي أن يتخرج فيجد عمل ً ..وهذا كاف لبث
الطمانينة في نفسه ..وربما كان يستطيع الحفاظ علي " مقصوفة الرقبة " هذه
ابنة محمود القطة( , ..في المركب الغارق يرمي النسان بالغالي والنفيس)..
وكانت مركب حمدي غارقة ..غارقة ,أقسم أمام المسجد الكبير بعد أن حمد
وشكر وقال :
"-من يهده ال فهو المهتد ،ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً "
71
-وقال:
-لو تم فرز القرية شاباً ..شاباً وشيخاً ..شيخًا ,وحتي امرأة ..امرأة ..لن نجد
مثيلً لبن العمدة البار ..الذي تربى علي الخذ بيد الضعيف ،..ومساعدة
شبابها ..و الحسان إلي أهلها , ..ثم شمر عن ساعديه ..ونظر يمينة ويسرة ..
وعلت نبرة صوته ومن غير ابن العمدة الذي نشأ في بيت العمودية ؟ ..من
يصلح أن يدير شئونها ؟!! ..إنه لم يخلق إل للعمودية , ..كان يجلس بجوار أبيه
في المقدمة يلبس عباءة مطرزة وجلباب بلدي من أجود أنواع الصوف .
هو اليوم ل يرتدي جلبابًا قصيراً ،ول يجري خلف الطفال ..ول يقوم بعملية التصوير
علي طريقته الخاصة ..مع أن الموقف اليوم يحتاج إلي لقطة لتُسجل في التاريخ منه هو نفسه..
يلتقطها للمام ورواد الجامع ..وحتي للعمدة الكبير شخصياً ...ليري سوء عمله إنهم يقومون
بتلميع الجهلة وإضاعة مواهب البلد وقدراتها ..ربما نستفيد منه في أخذ لقطات تذكارية ..بعد
الصلة ذهب المأمومون بتثاقل ليسلموا علي العمدة وولده ..لعطاء البيعة والوفاء ..والعمدة
يقدمهم له ..ويضحك ..وكأنه ل يعرفهم سواء أعطوه البيعة ..أم لم يعطوه ..فهو قد أصبح عمدة
..منذ أن صرح إمام المسجد بذلك ..لقد أراد العمدة أن يزرعه زرعاً في العمودية ..فبل رحيله
وسيدير هو العمودية من خلله , ..تمت البيعة في الجامع الكبير ..حتي ل يكون هناك اعتراض
من أحد ..وإن كان ل يجروء أحد أن يعترض ..ولكن لقطع اللسن ..تمت في هذا الجامع الذي
يذهب إليه أكبر عدد من رجال البلدة للصلة ..حتي ينتشر الخبر انتشاراً سريعًا ويقوم العمدة
برتيب أوراقه علي هذا الساس ..إن أمر العمدة ليعني حمدي زهران في شيء , ..فهو لم يذهب
ل منه ..ولكن ل يود أن يشارك في مهازل إلي أي صندوق انتخابات في حياته ..وهذا ليس تكاس ً
ل ترجي منها فائدة ..فهو يعتبر أن هذا العمدة ليس عمدته ..ول رئيس الوزراء نفسه رئيسه ..
ول رئيس الجمهورية رئيسا ًله ..فلم يشارك يوماً في اختيار أحدهم ..ول حتي الرئيس بوش
الب ..ول كلينتون ول رؤساء العالم ليسوا رؤسائه ..لن أحداً لم يستشيره في رئاسته ..ليجب
أن يكون ابن العمدة الجاهل رئيسًا لحمدي ..ول لصبري الدمنهوري ..الذي رحل إلي السعودية..
وانقطعت أخباره وقد أصبح بيتيه الذي كان أقصر البيوت في القرية أطولها , ..وليمكن أن يكون
رئيسًا للمرحوم جمال شطة ..الذي لو كان بيننا الن ..لصنع فى جلبابه كما كان يفعل ابن العمدة
في صغره , ..لقد أصبحت البلدة علي الترتيب التالي العمدة ومن تحته ابنه "قشقوش " ..ثم ابن
البهلول غير المرغوب فيه من الوائل .
إن التفكير بأمر العمدة ..وغيره يفوق تفكير حمدي وقدراته , ..إذا كان حمدي ليستطيع
تسيير أموره ..فكيف يفكر فيما هو أكبرمنه؟ ..
72
في الليل استيقظ حمدي علي أصوات تكسير باب بيته الخلفي ..فانزعج وقام مسرعاً ,
(ياقوم أتدرون ماذا يحدث في بيت حمدي )؟!!!...
يحدث الن ما يُبكي ..ويُذهل العقول ..إنه يوم شبيه بيوم دخول القطة عليه ..وضربه ..
لكن ما حدث من القطة ..كان نهاراً جهاراً ، ...أما مايحدث الن ..فهو في ظلمة الليل الهالك ..
لقد طلقته زوجته بالثلثة ...ول يدري إلي يومنا هذا لِمَ لم يقنعها حمدي بنفسه .
الليلة أثبت الحيوان الخرس أنه أكثر وفاء من بنت القطة ..وأن حمدي طيب العشرة
ويمكن أن يتمسك به حيوان أخرس , ..ول يود هجره حتي لو باعه حمدي , ..لقد اقتحمت الفرس
باب منزله ودخلت باكية ..فاحتضنها حمدي وتعجب هو الخر ..هل هناك شخص علي وجه
البسيطة يتمسك بحمدي مثل هذا التمسك ؟ ..ما الذي فعله لها ابن البهلول كي تتركه ..وتعود..
هل لم يستطع ( تظبيطها ) هو الخر ؟!!! ..كما يقول" قشقوش" ..وما الذي فعله حمدي لتعود
إليه باكية حمراء العينين , ..إن الموقف مؤثر بالنسبة لحمدي ..،وهو الذي لم يرَ إل الجحود
والنكران من البشر , ..عززت موقفه هذه الفرس ..وجعلته يحس للحظة بوجوده ..وأنه ما زال
علي قيد الحياة ..وأن هناك من يرغب فيه ويود العيش معه..
أتي ابن الهلول بكرسيه خلفها ..ونظر إليها ..وسحبها حمدي من لجامها ..ومشي..
فتبعته الفرس ..وخلفهما ابن البهلول متعجباً .
73
( ) 12
أخرج كولن باول من جيب بذلته النيقة أنابيب اختبار ..وأخذ يوجهها في إتجاه
الكاميرات ..وأمام مجلس المن( أعلي سلَطَة – بفتح السين او ضمها ليهم -في العالم) ..وكأنه
يقوم بتدريس حصة علوم في مدرسة ابتدائية .
كان" قشقوش " مستلقيًا علي ظهره من الضحك ...بجوار العمدة ..وقام بضرب العمدة
علي ركبته بحركة ل إرادية من فرط الضحك ..فنفضه العمدة بعصاه ..وقال له :
-وال ياحضرة العمدة العراق (راحة ,راحة ) ..لن إللي بيعمله ده ..عمل
حاوي وطالما الموضوع دخل فيه لعب الحواة يبقي فيه ضحك علي الذقون، ..
و ليهم ما قاله عزت الدوري ..في مجلس المن ..فلن يسمعه أحد ,الدوري
ليس اسمه ولكنه نسبة إلي ( الدورة ) التي نشأ فيها ..
-
74
رد عليه العمدة:
-وهو عنده حاجة؟! ..لماذا ل يتركهم يفتشون حتي غرف النوم؟!! ..وماذا يعني
هذا ؟؟!!..
فقال له قشوش:
(إن كان لبد من وضع تماثيل في مدخل هذا البلد العجوز فالتمثال الول للبغلة ..والثاني
لبن البهلول ..وهانز بيلكس ..الذي أحرج أمريكا ..وقال لها ضعي في عينك حصوة ملح
..لكنها لم تفعل .
حمدي زهران ليستحق تمثال , ..نعم ليستحق تمثال ..ول يجب ذكره حتى ..ول يوجد
أحد في هذا العالم كان يستطيع أن يقف أمامه لول هذا الخنوع ..والتردي الذي ساهم فيه بشكل
كبير ..ولم يصرخ ..ولم يدافع عن حقه ..بل مشي في طريق ليس مرسوماً له , ..وربما فعل هذا
ليكون مثاراً للشفقة ,وإن كان لم يصل إلي مرحلة التسول ..فلم يعطه أحد ..ولم يطلب من أحد
شيئاً ..بل كانت مشكلته مثار جدل في بعض الوقات .
( ..خلل زيارة الب بوش للكويت بعد هزيمته في النتخابات تقاضي أجولة من الدنانير
الكويتية نظير الخدمات التي أداها للكويت وحصد الشهادات الفخرية ).
حمدي زهران يحط رحاله في دمياط ..سورها حلوي ..وكلبها ماعز ( ابن بطوطة )
الشارع التجاري , ..ابن البهلول ..بدايات ..وأيام ولت ..,شارع الشرباصي ..,جمال شطة
والقبض عليه .. ,حمدي ليس في هذا ول ذاك , ..إنه في شارع سوق الخضار القديم الموازي
لشارع التجاري ..و يفصله في بدايته عن التجاري جامع البدري الذي يطل عليه بدورة مياهه .
أصبح العالم بالترتيب التالي ,أمريكا فوق الرؤوس ...وأحيانًا تتبدل هذه المراكز مع
إسرائيل ,يليهما عصبة من الرجال ,بوش ,رامسيفيلد و كولن باول ,تشيني ,تنت ,بريمر .
باعتباره سيصبح والياً مقبلً الخلفة المريكية علي العراق .
75
( ...إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر ال وذروا البيع ) كان إعلنا عن
صلة الجمعة .
قطع حمدي زهران حديثه ..وهمّ بالقيام للمسجد ,التقطت الحاجة عطية بواسطة تليفونها
المحمول صورة لهذا الشاب ذو الذقن الكثيفة غير المهذبة ..وهو يشد سوسته بنطلونه الممزق التي
تآكلت أسنانها , ..هل يتذكر أحد أن هذا الشاب قد تخرج في الجامعة؟!! ..وهل تعتقد الحاجة
عطية أن ما يقوله حق..؟! , ..كل ما آمنت به هو أن حمدي رجل طيب تستطيع الن أن تستعين
به في محل الطيور ...وتكسب فيه ثواباً كما قالت لزوجها : ..
كان الزوج قلقاً بعض الشيء من جهة هذا الشاب ..خاصة بعد أن أمرته بتنظيم
( البدروم ) لينام فيه , ..فهو غريب ل أهل له ول وطن ...لول مرة يُساق أحد ليمد
لحمدي يد المساعدة دون مقابل ...و يذهب حمدي إلي الصلة متضرعاً ..طالبًا من ال أن
يفك كربه..
-يا إله المستضعفين ..انصر عبدك ..فالكيل طفح ..والزمن يمر ..ول معين
غيرك ..فكن معيني ..
بعد الصلة أراد أن يُقبل يد هذه السيدة الفاضلة ..فاستغفرت ال ..وقالت ":ل نريد منكم
جزاءً ول شكوراً" ..ود حمدي أن يبكي ..,كانت السيدة تجلس خلف المكتب ..يكاد النور
يشع من وجهها ..وقد ارتدت حجاباً ..يغطي رأسها ,اصطحبه زوجها ..
كان حمدي يري المدينة وكأنه يراها لول مرة ..كما لو أنه كان في غيبوبة واستيقظ منها
..النساء جميلت رائحتهن ذكية ..والمحلت تبدو وكأنها في يوم العيد , ..كانت الظهيرة
جميلة , ..كان يحمل في يده كيسا من البلستيك ممزقاً تبدو منه ملبسه الممزقة ..ونفسه
الممزقة , ..إل أنه اليوم متأكد من أن ال قد سمع شكواه ..مر من أمام محل عجلتي
زغلول ..أخذ يتأمل مكتبة الهلف ..والحذية المعروضة في محل أبو صير ..ومن بعدهما
فندق المنشي شامخاً ..ومصنع كراتين الحلويات , ..والرجل يتقدمه , ..لم يتحدثا معاً..
ل من أن يصعد لعلي مشياً ولم يأتلفا , ..عندما وصل إلي البيت ..نزل الرجل لسفل بد ً
في طرقات طويلة مظلمة في نهايتها حجرة ودورة مياه ..تفوح منها رائحة العفن ..فقال
في نفسه :
76
-ما هذا إل بيت مصطفي الفثة .؟..
ولكن كرم الحاجة عطية معه جعله يتراجع عن هذا التفكير ..فحمد ال علي
هذا الملذ , ..أدخله الرجل .. ,كانت الغرفة مظلمة لها شباك صغير ذو قضبان حديدية
تطل علي جامع البدري ..
-ما أشبه هذا المكان بسجن الحوال الشخصية ..،ولكنه تراجع مرة أخري وحمد
ال وشكره ، ..وتمني أن يكون الرجل بطيبة زوجته ونقاء سريرتها , ..قام
الرجل بفتح النافذة ..وأمسك بالمقشة وهمّ بتنظيف الحجرة ..فأمسك حمدي
المقشة من يده ..مانعًا إياه ..ليقوم هو بتنظيف الحجرة ..ولكن الرجل أبي..
وقال إن الحاجة أوصتني بفعل هذا ..ول أستطيع إل أن أفعل ما أمرتني به -
الولء والطاعة العمياء .. -أخلصا وأحب كل منهما الخر و أحضر الرجل
ملءة نظيفة ..ووسادة ..وغطاء نظيف ..فقال حمدي :
حمدي زهران يغط في النوم الشباك الصغير يدخل منه هواء ,صوت طرق
خفيف علي الباب ,ظن أنه في حلم تتسارع الطرقات ,يصحو ,يفرك عينيه بيديه ,ليدري في أي
وقت هو ..ول يدري أين هو ..ول يدري ما هذا المكان ؟ ..وما هذا السرير؟ , ..ماهذا الشباك
الذي لم أعهده؟ ,كان الظلم دامسًا في الغرفة والطرقة المؤدية إليها .. ,هو ليس في بيت مصطفي
الفثة ,عندما تواتيه فرصة النوم يستلقي تاركاً همومه خلفه ونافضًا عنه التعب فيستغرق في نوم
عميق ..ول يدري أمسه من غده, ..اختلط في أنفه رائحة الشواء تفوح من أحد الكياس بيد تلك
المرأة برائحة الملبس الجديدة التي تنبعث من الكياس الخري ..و منذ زمن لم يشم رائحة كهذه
ول ذاك ,منذ أن غادر بغداد لخر مرة ,فقد كان يشم رائحة اللحم المشوي بداية من شارع
السعدون حتي خروج السيارات من نفق ساحة التحرير ..ورائحة الملبس الجديدة في محلت
الروصدي المنتشرة ...في أنحاء بغداد ..وخاصة في المنصور ...الذي ظهر فيها صدام حسين
لخر مرة قبل أن تطبق القوات المريكية علي بغداد بقليل .
حمدي زهران قنبلة من مخلفات الحرب ..كانت في حاجة إلي من يشد فتيلها ..أو لغم
ينتظر من يدوس عليه بقدمه .
77
فرك حمدي زهران عينيه في محاولة لمعرفة هذه المرأة الموجودة أمام الباب ,كانت
ترتدي روب أحمر ربطته برباط علي خصرها ..بدا خصرها نحيلً بالمقارنة بتكورات جسمها
التحتية والفوقية ,كان الروب قصيرا جدا لدرجة أبانت منتصف فخذها البيض البض ..
وقد أسدلت شعرها خلف رأسها ..وكان عليه بعض البلل ..وكأنها خارجة من الحمام للتو ( يا
خارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخة ).
دفعته من صدره للداخل ..أل تعرفني؟ ..أنا عطية ..ذُهل وتسمر في مكانه , ...كان
وجهها أبيض مستدير ل تشبه نساء الريف اللئي تشبه وجوههن سمرة الرض ..وتشقق
وجوههن يشبه تشقق الرض , ..أغلقت الباب خلفها وفردت الطعام علي مائدة صغيرة بجوار
السرير ..وفاحت رائحة الشواء واختلط برائحة عطرها ..فدخل حمدي إلي الحمام مسرعاً..
وأخذ يصب عليه الماء صباً ..وود لو تحول الحمام إلي بحر ليغمر به نفسه ..بالماء ويبقي تحت
سطحه إلي آخر العمر ..
استعجلته عطية:
-يا أستاذ حمدي الطعام سيبرد ..لم يرد ولم يخرج من تحت الماء ..نادي عليها
زوجها من الخارج ارتعدت مفاصل حمدي ..
فقالت له :
كانت الحفرة التي لجأ إليها حمدي تشبه كثيراً الحفرة التي لجأ إليها الرئيس المريكي
جورج بوش عندما ضُربت أمريكا في مقتل لمدة ثلث أيام ..,ل أحد يلوم حمدي علي الختفاء
(رئيس أعظم دولة في العالم اختبأ ..ولم تظهر عليه ملمح الخزي والعار وقواته تدق صحراء
أفغانستان وجبالها وطيرها )
إذا كانت الحاجة عطية تحمل اسم ذكر ..فالمرحوم محمود القطة كان يحمل اسم هرة .
78
وإذا كانت الحاجة عطية قد كشفت عن ساقيها فقد فعل حمدي نفس الشيء , ..خرج حمدي
من الحمام ..وهو يرتدي (شورت) ل يعرف من أين جاء به ( ..الشيء بالشيء يذكر) فحمدي ل
زال يحتفظ ببعض مظاهر الرجولة ..
جلس علي الرض بجوار المائدة ..وجلست هي علي السرير ..حاولت أن تشد الروب
لسفل ..ولكن دون فائدة فهي في الصل ترتديه قصيراً ..بدا حمدي لهثاً ..كخيل السباق الذي
اقترب من خط النهاية , ..دائما ليس لديه فرصة لتذوق الطعام الجيد ..حتي عندما توفر له ..
وجد شيئاً أقوي جعله ل يتناوله , ..لم يعرف ماذا سيتناول ..وتصبب عرقاً فضحكت المرأة ..
تساقط الطعام من فيه ..أمسكت بقطعة لحم ..ووضعته في فيه .....لم يعترض .
قوات البحرية المريكية ( المارينز ) تزحف من قناة السويس في حماية مصرية متجهة
صوب الكويت مرة أخري ( ,ليستطيع أحد العتراض علي مرورها) ..فهناك اتفاقية دولية
لمرور السفن بأمان وحرية ..ول يعرف أحد ما مصير اتفاقية الدفاع المشترك العربية! .
جلست المرأة بجواره وأخذت تطعمه ..وهو يلتهم الطعام دون أن يشعر ,احمر وجهه
وكأنه يقف أمام فرن لشوي السمك:
-مازلت صغيراً
-القلب شاخ
ضحك مرة أخري وبدأ يفطن أخيرًا بعد مضي العمر أن ما تفعله هو تحلية بضاعة ..وغزل سخيف
...فهو قادم إلى ما تدفعه نحوه ...دون حاجة إلي ذلك...
(مات مئات اللوف جوعاً وعطشاً أثناء حفر قناة السويس) .
(حتي لو اختفي بوش البن في حفرة ..ما كان ينبغي لحمدى أن يفعل ما فعل .)...
79
لم تفعل المرأة سوي أن فكت رباط روبها ...ظهر منها ما ظهر ...ولم تكتفِ ..بذلك بل
تخلصت منه ..حتي صارت كيوم ولدتها أمها ...اقتربت من حمدي ...نزعت فتيل القنبلة
...تحولت الغرفة إلي آهات ...وحشرجات ....حمدي كامل الذكورة ..اليوم مع امرأة
كاملة النوثة , ...نامت المرأة بجواره محمرة الوجه ..باسمة ...قبلته مئات المرات ...
سألته أين كنت ؟ ! ..لم يجب ...سأجعلك تبلغ عنان السماء ...لم يرد ..نار اشتعلت
وصب عليها الماء ...فانطفأت ,أنت لم تقابل من يعطيك حقك , ..كانت هانئة ..وأظهرت
الندم ..وعدته بأل يتكرر هذا الفعل ..وأنها لم تستطع أن تتمالك أعصابها ..وأن هذه أول
.معصية تركتبها في حياتها
-أنا لست أصغر منك بل أنت أكثر صباً وشبابًا ,أنت ل تعرفينني
النسان يعرف من ملمحه أنا كنت مثلك فقيرة ,كنت أحتاج إلي من يمد لي يد المساعدة -
.وأنا بدوري أمد لك هذه اليد
ل يعقل أن تكوني قد عرفت الفقرإن مظاهر الثراء واضحة ..وتحتاج إلي أجيال ..كل -
جيل يسلم راية الثراء للجيل الذي يليه ..فل ينضب ..ول ينتهي
. -لم أكن سوي عاملة في مزرعة الجربي في رأس البر التابعة لوزارة الزراعة
وزارة الزراعة كانت بئراً سحيقاً ..مليء بالنقود ومزارع للدواجن ..ومزارع للمواشي ..
انتشرت علي مستوي الجمهورية ..وكانت كفيلة بإشباع مصر ( ..لول خراب الذمم
والضمائر) ..و تهدمت المزارع التي تكلفت المليين ..,عندما تمر عليها الن تجدها
.كالبيوت الخربة ,ول تملك إل أن يتمزق قلبك علي هذا الوطن
80
الحاجة عطية هلّبت أموالها كلها من هذا البئر ..وهي العاملة ,تم نقلها بائعة في منفذ
توزيع الدواجن فيأتي إليها مندوب يعطيها الدجاج بأعداد أزيد من المسجل في الدفاتر
ويقتسم معها نسبة الزيادة , ..وعندما تم تخريب هذه المزارع والمنافذ استولت علي المنفذ
..التي كانت تقف فيه ..نظير مبلغ ضئيل بعد دخولها مزادًا صورياً ..وتواطؤ ورشوة
وها هي أصبحت حاجة ..,لم تقل لحمدي كل هذه التفاصيل ..فإذا كانت هياتم في فيلم
(غريب في بيتي )كانت سبباً في ضياع المنتخب؛ فإن الحاجة عطية كانت أحد أسباب
ضياع وزارة الزراعة ..ولكم في مزارع ابن البهلول الشاهقة الناجحة المثل يا أولى
.اللباب
ملست علي شعره وقبلته تمهيدًا لبداية مارثون جديد ..وعدته منذ دقائق أل يتكرر..
وها هي تخلف الوعد ..ولم يحاول حمدي التملص منها ..بل تجاوب معها , ..إن الفضيلة
والرزيلة في نظره أصبحت متعادلة , ..ولم تعد تأخذ وقتًا في الموازنة ومدي أسبقيتهما علي
بعضهما ..و ل يحتاج حمدي إلي إثارة ..فهو بركان نائم ينفجر في أي لحظة , ..وهذا ما أشارت
إليه الحاجة عطية بإصبعها ,وقالت له :
-نعم الذكور أنت ...وتبادل المواقع ..وهما متعانقان ..هو فوق ..هي تحت ..هو تحت تحت ..
هي فوق .
(جولة لوزير خارجية أمريكا حول العالم , ..يجمع أتباعه وأعوانه , ..تمهيدًا لقصف العراق بنار
جهنم ..وكانت الشروط واضحة ..معنا أو علينا ).
الويل لهذا الجائع الظمىء ,لقد سبقها هذه المرة ..وتحركت يده لتتحسس صدرها البارز المتكور..
ويركبها هو هذه المرة ..وتضحك المرأة ضحكة عالية ..وكأن استدراجه لها قد نجح نجاحاً باهراً
بنسبة . % 99.9
-أنت عمرك ما شفت نسوان ..الحق يُقال أن الحاجة عطية امرأة تملك إمكانات أنثوية بمعني
الكلمة تجعل الحجر ينطق , ..جذبته إليها وكأنها لم تعاشر رجلً من قبل .
(يبدو أن الرئيس بوش سيفعل بالعراقيين ..كما فعل حمدي علي مرأي ومسمع منا ,يا للعار
العرب ! لو التمسنا العذر لحمدي لما مر به أو أنه راغب في تدنيس نفسه والقضاء عليها وبعلم من
أبو محمد الذي يجلس في الطابق العلوي والذي تغافل عن هذا الفعل فهل هناك عذر للرئيس بوش
علي ما هو مقدم عليه هو حاشيته وأتباعه وهل هناك عذر لتغافل العرب .
أبو محمد ..في الصباح الباكر ..ينزل إلي الغرفة ..,كانت المرأة تنام بجوار حمدي ..وقام بجمع
الملبس التي استخدمت في الحرب ..وضعها في الغسالة ..بعد أن أعطاها روب آخر ..وقال لها
81
قومي استري نفسك ياحاجة ..يا للشجاعة ,هكذا تكون الرجال ,فيما تشتد الزمات ..وتتفاقم..
فيقولون:
( )13
قوات الجو المريكية تلقي بحمم بركانية علي المدن العراقية .
-هل أنت عديم الحساس ..ستة أشهر نائم ..آكل ..شارب ..ول شغلة ..ول مشغلة ..,
ولم تقل له الشيء الخر ..الذي من أجله أكل وشرب
بدا حمدي ضاحكاً ضحكة ناقصة مصممًا علي البقاء في هذا الجحر ..رغم أن السيدة
نهرته وتجرأ عليه أبو محمد قائل له:
-أشكال بنت وسخة ..إحنا عارفين من أين جئتم ..رمم , ..أول مرة يراه منفعلً ناطقاً.
(تم ضرب قصور صدام بقنابل ضُربت بها مخابئ أسامة بن لدن في جبال تورا بورا ..
وما حولها).
قشقوش – قشقوش ..رمز البغل ,لقد تقدم قشقوش ..وبمساندة العمدة للترشيح لعضوية
مجلس الشعب عن دائرة منية النصر..
82
(قال هتلر -ول أعرف المصدر :-أعطني مالً وجنديًا مصريًا وأنا أغزو العالم)..
والعمدة قال :لو أصبح قشقوش عضواً في مجلس الشعب ستصبح البلد بلدنا أكثر من ذى
قبل .
أتعرفون من العمدة الحالي ؟! ..إنه ابن العمدة السابق ..بقدرة قادر أصبح عمدة ..وتولي العمدة
السابق رعاية المصالح ( ..هذا الشبل من ذاك السد) .
-يا ابن زهران خسارة فيك السم .. ,ما العمل ؟ ..وهل سعدت؟ ..وهل هذه نهاية ترضاها
لنفسك ؟ ..أصبحت مثل ثور العمدة ( ..النطة بـ 10جنيه ) ..ثور العمدة أكثر احتراماً ..منك
فهو يمارس عمله علي القل , ..الملبس الجديدة التي أحضرتها له لم يرتديها ..ينام ....يأكل ...
يبقي عارياً ..تأتي هي بروبها ..قبل أن تغلق الباب تكون قد انتزعته عنها , ..ل يتبادلن أي
حديث ..لم تعد تكمل الليل عنده ..تكمل ارتداء روبها في الطرقة المظلمة ..تناكحا مئات المرات.
( مُني كل شبر في العراق؛ إما بصاروخ ،أو دانة مدفع ،أو قنبلة من العيار الثقيل) .
منعت السيدة عنه التلفزيون ..وسلك الدش ..حتي التلفزيون ..ول نعرف سبباً لما حدث.
هل نضب بئر حمدي زهران؟ ..أم لم يعد بنفس الحمية ؟ ..أم أنها عادت إلي رشدها وتريد أن
تتوب إلي ال ؟..
-هذه أشكال ليست وش نعمة .. ,الفلحين دول نماردة ..وأنا قلت لك من الول ..إن الولد ده
شكله نمرود ..وهيتعبنا معاه ..,ول ندري كيف أتعب حمدي زهران أبا محمد ..وهو قد قام
بالعمل المكلف به علي أكمل وجه .
" قشقوش" ..يا بلد ..مرشح لمجلس الشعب ,نام علي وجهه ..وأخذ يبكي ,علي القل
"قشقوش" أحسن حالً ..منك قام ..ولعب ..وغلب ..مطبقا المثل الذي يقول ( :اللي تغلب به
العب به ) ..وها هو يزحف نحو القمة ..أما أنت فحالك مخزٍ كحال الرئيس بوش , ..ولكن
الرئيس بوش عندما ظهر خجل ًفقد داري خجله بأن صفع العراق ..والعرب مليون حذاء علي
وجههم ..
83
-كم عمرك يا ابن زهران ؟ ...
-ماذا فعلت ؟
أتقارني بابن الرئيس , ..ل وجه للمقارنة ..بيني وبين ابن العمدة ..والذي أصبح عمدة ( ..الذي
نشأ في بيت العمدية طبيعي أن يصبح عمدة) ..أما نحن فأولد كلب نشأنا في الخرابات والحواري
ربنا يسهل لعبيده ,هنبص للناس في لقمتها ..
.هناك أناس ولدوا ولدة عادية من رحم امرأة أما الخرون فقد جاءوا من ....الجاموسة ..وليس
من حق هؤلء أي شيئ ( , ..تصفيق حاد) .. ,لقد أصبح حمدي زهران يتفلسف ..علي فراش
الرذيلة ..
( 150ألف جندي أمريكى وبريطانى علي أبواب البصرة ..في مقابل مليون جندي عراقي و 7
مليون من قوات الدفاع الشعبي و 120ألف جندي من قوات النخبة حرس صدام ..فدائي صدام )..
84
-الواد ده ل بد أن يُلقي به في الشارع ( , ..موقف شبيه بموقف القطة وزوجته)
عندما قال أن الولد ده لزم يتربى
( ها هو اليوم يقال له :من أنصاف الرجال ..لبد أن يطرد هل وجد حمدي مكانا يذهب
إليه ,ولم يذهب ..أم أنه راغب في البقاء بجوار الماء والكل وهذا البئر المفتوح عن آخره ..فقد
قالت له ك دورك انتهي ...فما الحكمة من البقاء ..إن البئر في حاجة لتغيير ماءه )
عندما اشتد الحصار علي البصرة ,ووقف المارينز علي أبوابها وسدوا الطرق المؤدية إليها
تأهبا لمحوها من علي الخريطة ..صرخت إمرأة عراقية لمراسل الجزيرة في البصرة :نحن ل
نريد طعام من أحد ..عندنا ما يكفي لمدة طويلة ..كل ما نريده هو الماء
حمدي زهران ل يستطيع أن يفعل كما فعلت هذه المرأة ..فارتمي في حضنها الذي من
المحتمل أن يكون سبقه إليه كثيرون
ذهبت الحاجة عطية إلي محل الطيور ..هائجة ..ثائرة ..وخلفها أبو محمد ..محاول أن
يثور مثلها
85
ثم تراجعت وقالت :
-احضره لي هنا
ذهب أبو محمد وأحضره من قفاه ..حاول أن يتملص منه دون فائدة
-ما هذا الذي ترتديه ؟ ..أترتدي الملبس التي اشترتها لك أمك ..اخلع هذه الملبس ..
فقد بمالي ..ومال الرجل الغلبان الواقف خلفك ..البس ( الخرق ) التي حضرت بها إلي هنا ..
أخرجت محمولها وبحثت عن صورته التي التقطتها يوم اللقاء الول ...وأشارت إليه ..يجب أن
تمشي من هنا بهذه الملبس التي حضرت بها .
دخل عليها الحاج ضياء ..وقد حمله شخصان ..أجلساه علي مكتبها ..هللت عندما رأته
وهي تحاول خلع القميص المشجر من علي جسم حمدي ..لم يأبه للمنظر في أول المر ..أدار
رأسه وأخذ يضحك ..سبها ..نظرت إليه وضحكت ..لكنه أعاد النظر مرة أخري ..ربما يكون قد
رأي هذا الشخص من قبل
نظر إليها حمدي وقال في نفسه :من هذا الحاج ضياء ..إنه ابن البهلول ..قبل أن يعيد
النظر إليه ..كان ابن البهلول قد ألقي بنفسه من علي الكرسي ..وزحف علي ساعديه ..جذب
المرأة من قدميها فأوقعها علي الرض ..وضربها بيده في وجهها
قفز علي الكرسي وجذب حمدي إليه ..احتضنه ..وقبله ..والمرأة غير مصدقة لما يحدث
..لم تستطع أن تتفوه بكلمة في وجه الحاج ضياء الثائر الغاضب
أخرج الحاج ضياء الدفتر الذي يحتوي علي حسابه من درج المكتب ..جمع حسابه :
86
-أعطيني المبلغ المتبقي عليك الن وإل كسرت المحل فوق رأسك .وآخر مرة
نتعامل فيها .
الخامسة عصرا ..كازينو ابراهيم سليمان كان طريا ..كان يأخذ جز ًء من النهر
وجز ًء دائريا من طريق الكورنيش ..فالجالس فيه يري القادمون من شارع الكباس ولفتات
لمعرض موبيليات ..محمد هاشم ..حامد هاشم ومن الجانب ناحية النيل يري مبني
المحافظة عن بعد ..ومقر فرقة زفاف محفوظ ..الشمس تذهب خلف الكوبري الجديد الذي
يربط دمياط بالسنانية في البر الخر .
حمدي زهران يرتعش ..ينتفض رغم اعتدال الطقس ...ينظر إليه ابن البهلول ..
يحرك رأسه يمينا ويسارا ..ينظر إلي القميص المشجر الذي يرتديه حمدي :
-ما عدد المرات التي تناوبتك فيها هذه المرأة مقابل هذا القميص ؟ !! ..وأي
طعام أطعمتك ؟ !! ..أهم شيء في النسان الرادة ..وقد أصبحت منزوع
الرادة ..قديما كنت أجلس أمام هذا الكازينو لستجدي عطف الناس ...اليوم
أصبحت بداخله ..وأستطيع شراءه لو أردت .
-هات لي عمل أستطيع أن أمارسه ..لقد فعلت بي هذه المرأة كما تفعل العصارة
في عود القصب ..
لم يكن حمدي يوما ثوريا ول اشتراكيا ول تابعا لجماعة الخوان أو أنصار السنة أو التبليغ
..... ,ياه ....كم تبعثر مجتمعنا بين كل هذه العقول الغبية .
-كيف يكون صوتي صحيحا وأنا منزوع الرادة ...ل أستطيع حتي توفير الطعام
لنفسي
87
عند هذا الحد طلب منه ابن البهلول أن يعودا معا إلي البلد
موعود حمدي زهران باللفافات ...لف ابن البهلول لفافة من النقود ..ومد يده ناحية
حمدي ...لم يمد حمدي يده ليأخذها ..لم يعتريه الخجل من ابن البهلول عندما تقدم منه
وتصنع أنه سيقع من علي الكرسي ..فقام حمدي ليأخذ بيده ..فوضع النقود في جيبه ..
حاول حمدي أن يتصنع الرفض ..فقال له ابن البهلول :
88
()14
إن ثراء" قشقوش " لم يعد أحد يختلف عليه ، ..لن مظاهر النعمة ظهرت واضحة جلية .
فقد إشترى مكاناً في واجهة البلدة ..ولم يكن سوى الخراباية إياها .
وبنى عليه عمارة فخمة بها محلت افتتح إحداها سيبر والخر للتليفونات المحمولة .
وكان يصرح على المل أنه أول من جلب المحمول إلى النزل المقشفة ( ..مع إنه هو اللى ابن
كلب مقشف) ..بالضافة إلى محل ملىء بالكمبيوترات للتصال بالعالم الخارجى .
ووعد "قشقوش" كل من يعطى له صوته بتليفون محمول بخطه ..ووداعا للجلوين ..وهو بهذا
يمزح .
ورغم الثراء والنعمة لم يصرف مليماً أحمر على الدعاية النتخابية ،وقال بالفم المليان:
-أنا" قشقوش " ولن تضيف الدعاية شيئًا لى واللى عاجبه .عاجبه وأنا ناجح ناجح ..
" قشقوش" دائما يذاكر قبل دخول المتحان لذلك ل يقلق ول يخاف .
89
فكل ما صُرف على الدعاية النتخابية هو يافطة واحدة و هي تأييد من حمادة أبو جبل ال لـ"
قشقوش" ..ابن بلدنا لقد أصبح "قشقوش" ابن بلدنا ..أما الفارين أمثال حمدى وصبري الدمنهورى
ليسوا من بلدنا صاروا من البلد التى لجأوا إليها .
(الدار دار أبونا و الغرب طردونا ) ..وكان "قشقوش " يضع اليافطة بمحاذاة الكوبرى
الموجود على مدخل بلدنا رابطا طرفها فى قهوة عبد الحليم عطية الغلبان ...و الطرف الخرفى
البر الخر من الترعة فى قهوة وحيد الغلبان .
وعندما يود أن يدور فى البلد على الناخبين يخلعها الولد الذين يمشون خلفه والمؤجرين
من العمدة أو المدفوعين غصبا ثم يعودون لوضعها فى مكانها مرة أخرى .
وكانت الناس تمزح معه ..وتقول له يا بخت من مكان النائب خاله وهم يقصدون العمدة
حمادة .
ولكنهم ل يدركون أن الخال هو" قشقوش " ..إذا نجح ..ويتحول المثل إلى حمادة يا بخت
من كان النائب خاله ..ويقصدون هنا " قشقوش" ..وعندما سأله أهل بلدنا فى المؤتمر الذى عقده
أخيرا
-قال لهم مازحا ..اسألوا الحكومة الحمد ل ..أن أنا نفذت بجلدي
وكان المؤتمر بالنسبة لـ "قشقوش" هو مزاح ..وضحك مع الناس كان يرتدي قميصا مشجرا
كقميص حمدى إياه ..إل أنه أضاف إليه بنطلون جينز ..وكان عندما يقف على المسرح المعد له
يرفع يده إلى أعلى ويتمايل معجبا بهذا الزي
نحن نعرف ان الرجل عندما يرتدي قميصا مشجرا تكون نوياه غير معروفة ..وهل هو
سيفعل كما فعل حمدى زهران بالحاجة عطية ..أم أنه سيفعل كما فعل الرئيس بوش بأفغانستان
وما يفعله الن بالعراق ؟!!!
90
إذا كان قشقوش بقدرة قادر قد بني بيتا بجوار المضيفة الموجودة بمدخل البلدة والتى كانت
الخراباية التابعة للوقاف وبجوار الجامع ..فقد استطاع " قشقوش" أن يضع يده على قطعة
أرض أيضا بمساعدة العمدة ..وبنى عليها هذه العمارة ..فكانت ملصقة لبيت صبري الدمنهوري
..لكن أرض صبري الدمنهورى كانت من الملك الخاصة ..وجد حال البلدة قد تغير وأن هذا
البيت الضخم الذى يقف بجوار عمارته التي أفني فيها الشباب ..قال :
لم يعد صبرى الدمنهورى عودا حميدا ...فبعد سنين من الغربة عاد رجل كبير السن..
مظهره يدل علي ذلك ..تفلطح الكبد ..وكبر حجم بطنه ..وبدا وكأنه فى نهايات العمر ...كان
يجلس أمام بيته الجديد الذي أفني عمره فيه
عندما أفهموه أن المناظرة أن يجلسا معا ..ويسأل كل منهما الخر ..ويبين ما الذى سيفعله لهذه
البلد ..وما الذى لن يفعله ..قال لهم :
-فلنجلس
عندما وقفا معا متشابكي اليدي متضامنين ..رفعا أيديهما لعلى معا كان قشقوش يشير
للجمهور بيده غيرالمتشابكة إلي منتصف صدره ..وهو يعني بهذا أن مرشح الخوان كان قصيرا
..وهذه في نظر" قشقوش " أول الغيث ..فيجب أن يكون له الفضلية ..وخاصة عندما صفق
الجمهور ..وضحك ..لكن السنج والمطاوى والسيوف ظهرت من تحت طيات الملبس للفتك
بقشقوش ..لول أن البنادق والعصي ارتفعت فى الهواء .
91
( يبدو وكأن قشقوش من المحاربين القدامى )
قشقوش :
-ومن أنت ؟
وأشار بيده على ارتفاع متر من الرض ،نفس الشارة التى فعلها سابقا ..فخرجت
المطاوى والسيوف والسنج من مكامنها ..وارتفعت الهتافات والسيوف والسنج مشرعة يا
" قشقوش يا جبان ياعميل المريكان " ،ضحك قشقوش لنه ليعرف أين تقع أمريكا
-نعم قشقوش
من المفترض أنه سيقش ولم يعرف ماذا سيقول بعد ذلك وفطن قشقوش وهو خير من
يفطن أن ما يحدث ليس أكثر من ملسنة .
أتت كل السئلة التي طرحها عليه الضابط ..عندما قبض عليه هو وابن البهلول والبغل
وأضاف :
وما هى الجهة الجنبية التى تصرف على الدعاية النتخابية ؟ معلش احنا بنتكلم ...وقام
بتقليد الرموطى ..وضجت المضيفة بالضحك
وخرج كل منهما دون أن يعرف الناس من هو الخائن ..ومن هو العميل ..بعدما أحاطت المضيفة
عربات المن المركزى ..فاختفت السيوف واختفت البنادق .
92
( تركت القوات المريكية البصرة -العصية -عليهم وتوجهوا إلى الناصرية بعدما أحاطت
القوات البريطانية بالبصرة وكأنهما يلعبان لعبة الطائرة ).
( إنا ل وإنا إليه راجعون ) . ..البقاء والدوام ل ...كل من عليها فان ...انتقل إلى رحمة
ال تعالى ...ابن النزل ...صبرى الدمنهورى
( ياحسرة على شباب بلدنا يتساقطون كأوراق الخريف واحد تلو الخر ،جمال شطة..
وتبعه صبرى ،إذا كان جمال قد مات دون أن يقدم شيئا ،فها هو صبرى الدمنهورى قد شيد بناء
ضخما ..ومحلت لم تفتح بعد ..وترك ابنه فتحى وحيدا دون سند
كان صبرى فى اليام الخيرة ..يجلس ويضع ابنه فتحى على ساقيه ..وينظر إليه بحزن
على المصير المجهول الذى ينتظره ..وماذا سيحدث ..وهل يستطيع أن يقف على قدميه فى هذا
العالم الملىء بالشر والثام ؟ ..أم أنه سيستسلم ؟
كان صبرى يحس بشبح الموت يحوم حوله ..بعد أن ازداد تفلطح كبده ..إل أنه ليس حزينا
اليوم فقد فعل ما استطاع أن يفعله ولم يهرب ولم ينتحر كما فعل صديقاه
93
()15
نجح قشقوش بأغلبية ساحقة ..لنعرف كيف ،المهم أنه نجح ,رغم أن اللجان كانت
فارغة إل من المشرفين على النتخابات ..ووقف المن على أبواب اللجان يمنع الزحف المغولى
من الخوان ،رغم أنهم وقفوا يهتفون خارج اللجان ضد الحكومة ..وضد قشقوش ...وحتى ضد
العمدة ...إل أنهم تركوهم يفعلون ما يحلو لهم .
إن معركة بغداد هى المعركة الفاصلة والتى سيهزم فيها المريكان شر هزيمة وهم ل
يعرفون ماذا ينتظرهم هناك من مصير مجهول .
إن كل متر وكل شبر في بغداد يوجد به فدائى صدام ...والجيش الشعبى ...وبقايا الجيش
العراقى
صوت نداءات تصدر ...افتحوا الحدود ...أماكن تسجيل المتطوعين تفتح أبوابها من أجل
الدعايا لنفسها لليقاع بنا فى المستقبل ..حتى لو فتحت الحدود ل أعتقد أن هناك من سيذهب رغم
إظهار الرغبة فى ذلك ...إنفرط عقد المة
94
لم يسجل حمدى اسمه فى كشوف المتطوعين وضحك ..فعقله الباطن رفض أن يصبح
أضحوكة أكثر مما هو ..مرة ضد العراق ..ومرة يتطوع لصالح العراق ..هل لديه القدرة أن
يفعل أى شىء بأى أحد حتى لنفسه ؟ !! رغم أنهم قالو له :
فهو حتى لو كتب اسمه فلن يذهب ..حتى لو آراد أن يذهب فلن يتركه أحد يقترب من أى
حدود غير حدودنا المغلقة
قالوا له :
لم يكن يريد أن يسمى الجماعة التى التفت حوله بذقون مسترسله ..وجلبيب بيضاء..
قصيرة
-منذ فترة وجيزة جاءني الخوان المسلمون ..وقالوا ما قلتم بطريقة أخري . ..
-لماذا تذهبون إليهم في العراق وقد مروا أمامكم من قناة السويس ؟!!
....................................
-أعانكم ال ..أنا لن أذهب إلى أى مكان ,داست أحذية الجنود المريكان على كل رأس ..وكل
شبر فى العراق ..ولم يبق إل بغداد ..المعركة الفاصلة ..لو سقطت بغداد لسقطت المة .
قام حمدي بوضع لوحة كبيرة مكتوب عليها السعار بخط جميل ..تزايد الزحام علي
حمدي ..تصورا من الناس أن حمدي يقوم ببيع الفراخ بسعر أقل من غيره ..ومع الوقت اكتشف
الناس أن السعر هو نفس السعر ..ولكن حمدي يبيع بفرق ضئيل 25قرشا أو 50قرشا .
في فترة انخفاض السعر جاء إلي حمدي زبائن من باب الحرس ..وميدان سرور ..
والسيالة ..حتي من العنانية ..
كان سلوك حمدي مع الزبائن ..وطبعه الهاديء الطيب ؛ قد جعل الناس تتكلم عن حمدي
بصورة طيبة مما زاد الزحام عليه
كتب حمدي علي المحل ( طيور زهران ) ....كان يود أن يكتب ( طيــور صــــدام ) أو
( طيور بن لدن ) ؛ لول خوفه من التعرض للمسائلة أو الستجوابات
كان البعض يناديه :يا عم حمدي ..والبعض الخر يناديه :يا عم زهران ..لم يكن هذا
مهما بالنسبة له ..المهم أن حمدي زهران بدأ يرمي بالنقود في درج مكتبه الصغير الذي وضعه
بدل من مكتب المحاماه ول يعرف كم عددها
أستسلم حمدي لذلك ..قل حديثه ..ازدادت دهشته مما يحدث ..نام للنعمة وقال :
لسيد الشاذلى مراسل التليفزيون المصرى وقف مذهول يشير بيديه يمينا ويسارا وهو يقول :
-ل أرى أى أثر لقوات صدام ...ول صدام ..ول الجيش الشعبى ..كأن الرض انشقت
وابتلعتهم
ربما تكون حركة التفاف ..ربما هي خدعة ...اليام ستثبت لنا ذلك ..
96
في الوقت نفسه كان آخر مؤتمر صحفى لوزير العلم محمد سعيد الصحاف أمام فندق
فلسطين ..فعل فيه كما فعل السيد الشاذلى ..وإن كان السيد الشاذلى لم يكن خائفا مثله ..كان
يقول المريكان العلوج حشرناهم ..وقتلناهم ..وسيرون فى اليام القادمة ( هادول العلوج
المريكان )
تم ضرب فندق فلسطين بمجرد انتهاء المؤتمر وفراره ...من الدورة انطلقت دبابتان
وحيدتان ..ل تحميهم أى قوة ول طيران ..بعدها تم الستيلء على دبابتين أخرين على جسر
17تموز ..بعد ذلك تمت معركة المطار ..التى لم يعرف أحد ماذا حدث ؟ وأين ذهبت الدبابات
والجنود العراقيين الذين ذهبوا للدفاع عنه؟
( يقول شهود عيان أن الدبابات قد ذابت ولم يعد لها أثر على الطلق ..ل نعرف
مالسلحة التى استخدمها المريكان فى هذه المعركة )
هل هو أختفى؟
فوجدته يغطى أحداث حزب الوفد المؤسفة ( د نعمان حمعة وحزبه ) ..فحمدت ال
انها فكرة ذكية من صدام لقد حفرأنفاق تكفى جميع معداته وقواته ...لتفرحوا كثيرا أيها
المريكان موعدكم فى تكريت ( وأن يحشر الناس ضحى )
إنه بلد الزعيم ..بلد معظم أفراد قيادة الثورة ..ستأكلون علقة إلى أن يظهر لكم أصحاب ..
الجيش لم يحارب حتى الن إنه يختفى فى أنفاق ودهاليز ...حتماَ سينقض عليكم أيها الوباش
ما شغلنى فى موضوع السيد الشاذلى ..هو حلمه وميله الواضح لصدام حسين ؛ وكأنه ل
يعرف عصر العولمة ..أخذت أتسأل ما سبب إختفائه ؟ ...
هل أخذه المريكان كرهينة حتى يظهر صدام وأعوانه أصحاب الفيزا كارت الخمسه
وخمسون ؟ ...
97
المهم أننى وجدته ...
كان دخول الدبابتين المريكيتين فى الدورة وتجولهما فى شوارع بغداد منظرا يؤلم النفس ..
أ لم يكن هناك تسعة مليون ومئتان ألف جندى يدافعون عن العراق ؟ !!!!
أسمعتم عن العولمة ؟
أعلن الرئيس المريكي انتهاء العمليات العسكرية وانتصار الجيش المريكي بعد سقوط
تمثال الرئيس العراقى صدام حسين وحرق تكريت والقبض على بشرها ومواشيها ..واعتبر أن
الوطن العربي جزء من الوليات المتحدة
فى هذا الوقت بالذات ..اشترى حمدى زهران تليفزيونا ..وضعه فى المحل ليتابع
الحداث من خلله
قالت له :
عندك أرانب ؟
لم يرد عليها ..كان مشغول فى البحث عن قناة الجزيرة ..وعندما فطن إليها وضع الريموت
على المكتب وقال لها :
-نعم
-بكم ؟
لم يرد
2-كيلو أذبح ؟
أمسك الرنب من أذنيه ..ذبحه بسرعة ..قام بسلخه وتنظيفه ..وضعه فى كيس أبيض ثم
فى كيس غيرشفاف
ناولته الفلوس
ناولها الباقى
( لم يعد حمدى يتحدث ..بل يسمع فقط ...زمن طويل من الصمت يجعلك تألف الوحدة ..
والصمت والذى تعرفه أحسن من الذى ل تعرفه )
عاد حمدى إلى الجزيرة ..رأى الجثث الجماعية التى ظهرت وهي ليست متعفنة وعليها
أكفان قريبة العهد فل يعرف من فعل بها هذا ؟
قالت له :
-كيف حالك يا أستاذ ..إحنا باين علينا ظروفنا احلوت قوى ..تلفيزيون ألوان ؟
أراد أن يفعل بها كما فعل إبن البهلول ولكنه قال :
-أخبارك وصلتني
-أنا سأقول لك على مفاجأة ..أنا فكرت ..وقررت أن نكون شركة ونكبر المحل
لم يرد
ضحكت وأخذت تحاسب الزبائن وتضع النقود فى الدرج ...وهو يمتل بالغيظ ..ول
يعرف كيف يتصرف ول يفعل ..أخذ يضع الفراخ على الميزان بطريقة ل إرادية ..
يذبحها ..يضعها فى الماء الساخن ..يضعها فى ماكينة التنظيف ..يقوم بفتحها وغسلها
وتنظيفها بسرعة
-فكرت ؟
-ستأتي معي ؟
100
-إلى أين؟
لم يرد
في هذا الوقت دخل الحاج ضياء محمول ..ارتعشت ..قامت من مكانها ..جلس هو علي
المكتب ..قال لها :
-زبائن سوق الخضار ..والتجارى والكباس تركوا أعمالهم ويحضرون إلى حمدى في
المنية ؟ ايه أستاذ ماذا صنعت فى الزبائن؟ أتعرفين ؟ كل الزقة وكل الشوارع فى دمياط
تعرفني ..وأنا أعرفها وأعرف جيدا أنه ل يمكن لزبائن هذه الماكن أن تترك محلتها وتأتى إلى
حمدى ..أنهم يعبرون عشرات المحلت ...أبو العطا فى الشرباصى ...والمهندس فى ميدان
سرور ..وابراهيم العرباني ومحمد العرباني فى سوق الخضار ..وأبو رية القريب فى الشهابية
-شوفى يا ست عطية أخر مرة أراك ..وإل قسما عظما أكون مرقع الحذاء على دماغك
-إيه رأيك؟
إيه الخبار؟
أخرج حمدي فلوس من جيبه ...شد درج المكتب وأخرج فلوس ...عدها ..أعطاها لبن
البهلول
( ظهور أسماء جديدة علي الساحة العراقية الجلبي ..وهذا اسمه ..ليس لنه قد جلب
المريكان للعراق ,أياد علوي ,مقتضي الصدر ,الموسوي و عبد العزيز الحكيم ...بريمر
الحاكم بأمر ال )
الهجرة الداخلية والخارجية تبدأ فى العراق ..من المناطق الكردية إلى بغداد ..من بغداد
إلى خارج البلد
لم يسأل حمدى عن أحوال البلد ..لكن ابن البهلول سرد له نجاح قشقوش فى النتخابات..
وموت صبرى الدمنهورى ..
أقام العمدة حمادة احتفال كبير ..ذبحت فيه الذبائح ؛ احتفال بفوز ققشقوش فى النتخابات
..جلس " قشقوش " العمدة السابق عن يمينه والعمدة ..حماده عن يساره ..كان يرتدى جلبابا من
الصوف ووشاح أبيض ويمسك بعصاه مذهبه وقد خلع عن نفسه القميص المشجر والبنطلون
الجينز ..كان العمدة يهمس فى أذن قشقوش بين الحين والخر ويضحكا معا ويضرب قشقوش
على ركبة العمدة السابق مرة ..وعلى ركبة العمدة الحالى مرة ..ويضحكون .
عندما حاول شباب الخوان التحرش بالحفل ..وإطلق الهتافات وإظهار السيوف قال
قشقوش للعمدة :
لكن العمدة حمادة أشار للخفر ...فقاموا بالقبض على أربعة أشخاص منهم وفر الباقون.
وجه قشقوش كلمة شكر ..شكر فيها العمدة السابق والحالى ..وشكر أهالى النزل الكرام
الذين أعطوه ثقتهم ..وقال أنه سيعمل جاهدا على تحقيق مصالحهم ..و ذكر أنه مر بفترة عصيبة
حينما تقدم للنتخابات ..لكن ثقته الكبيرة فى هؤلء الناس جعلته مع الوقت يثق بالفوز وقال :
103
إذا كانت العراق قسمت إلي شيعة ..وسنة ...وأكراد ..بابليين وأشوريين فإن حمدى
زهران قد خرج من بلد مقسمة على نفسها ..بين عبيد وسادة ..أمراء وأجراء ..أغنياء وفقراء
....وذهب إلى بلد مقسمة ...أصحاب البلد الصليين و(الفافة ) ..فأصحاب البلد الصليون هم
الذين سكنوها منذ نشأتها ..أم هؤلء الفافة هم الذين قدموا من الريف يحملون ملبسهم وطعامهم
فى ( قفف ) و استوطنوا هذاالمكان مع إنشاء مصنع الغزل والنسيج ومصنع اللبان وسكنوا هذا
المكان الذى يقع بين المصنعين .
أقسم قشقوش لجمع غفير من الناس ..أنه ل يجلس إل خلف كمال الشاذلى ..وأنتم تدرون
من كمال الشاذلي وخلف مرتضى منصور ...إل أن عمر أديب لم يجر معه حوار حتي الن ..
وإن كان عمر أديب مصما على عقد لقاء أو عدة لقاءات مع قشقوش الظاهرة الذى كان بالمس
القريب كما تعرفونه أصبح بقدرة قادر عضو فى مجلس الشعب ..
عندما عرف مرتضي منصور ماكان يفعله قشقوش في السابق ,والخفايا وأخطاء الناس ل
تخفي علي رجل مثل مرتضى منصور فكان يسلم على قشقوش بأصبع واحدة إذا اضطر إلى ذلك ,
..لكن قشقوش كان يضع يده كلها فى يده عنوة ..ويمازحه :
أعضاء مجلس الشعب يعتبرون قشقوش بلء لبد منه ..هو يعرف ذلك ول يعاني من أى
مشاكل من هذه النظرة ...فما وصل إليه كان حلما صعب المنال رغم تخطيطه له ..فهو يعرف أنه
أصبح رجل ل يمكن الستهانة به ....فلم يعد العمدة وسلفه يستطيعا النظر إليه باستهانة .
لم يتم تصنيف حمدى بعد ...فهو لم يأت في زمن القفف ..ليعامل معاملة أهل البلد
الصليين إلي الن ..فحمدي علي الحياد ..يعامل معاملة جيدة من كل الطرفين ..فشهرةعمله
ومجىء الزبائن من أماكن بعيدة فى دمياط للشراء ..جعلته ل يخضع للتصنيف ..ويود الجميع
التقرب منه .
( الفافة) ليست من ( التأفف ) ولكن من ( القفة ) ..ولكنها أحيانا كانت تستخدم تأففا
لتعبرأن الشخص من درجة أقل ..ورغم ظهور الحقائب ..إل أن السم بقى ملتصقا بهؤلء
الناس.
104
-أن البلد الذى قدمت منها تعانى مشاكل كثيرة ...إن بلدنا الصغيرة التابعة
لمركز منية النصر يوجد بها أكثر من مئة ألف شخص ويوجد بها أكثر من
20000خريج ماذا يفعلون ؟ ماذا يأكلون ؟ ...إنهم يأكلون ( الجلويين )
التفت أعضاء المجلس لبعضهما في استغراب ...ما هذا القشقوش ؟ وما هذا
الجلويين ؟
( لم يكن أمرالخريجين يعنيه من قريب أو من بعيد ...سوى أنها طريقة قشقوش فى
الختيارات المناسبة التى تخدم مصالحه )
-قشقوش من مدير لمباريات الديكة ..وترك ذكر بط سودانى مع بطه بلدى لنتاج بط مولد ..
إلي البحث في أمر الخريجين ؟ !!!
لقد أصبح كل شىء هجينا فى هذا البلد ..لم يعد هناك شىء واحد ..الثقافة السائدة اليوم هى
ثقافة قشقوش
من ( أنت عمرى ) و( رباعيات الخيام ) إلى ( أبقى تعالى باليل وأنا أوريك الويل ) ...ل
أعرف ما الفرق ؟ ..لو ذهب بالنهار مثل ماذا ستفعل به ؟ .وما الويل الذى يراه إذا ذهب لها ؟
فما الذى يجعله يذهب إليها ليرى هذا الويل ؟
تم اصطياد ولدي صدام حسين فى الموصل ..تم قلب الكرة الرضية فوق رأسيهما ..تم
تصويرهما وإظهارهما للعالم
تم بيع كل شيء فى مصر ..يبدو أن أهلها قرروا تركها والذهاب إلى مكان آخر !!!!
تتقوقع الفافة أكثر من السابق بعدما بدأت المصانع تستغني عنهم واحد تلو الخر ..تمهيدا
لبيعها ..فهي شركات خاسرة ..يجب التخلص منها ...وكأن المكتوب على هؤلء أن يأكلوا
الجلويين من جديد .
105
تم نهب بغداد ..كان المنظر مزريا ...ناس تحمل كراسى ..ناس تحمل مكاتب ..ناس تحمل
مراوح وأجزاء من دوليب ..ناس أخري مفزعون ..النهب يطول كل شىء بنوك ..متاحف ...
معاهد ..مدارس ..كل شىء أصبح مباحا ومعرض للسرقة حتى البشر ..تم سرقة كل ما يتصل
باليهود ..لوحة نبوخذ نصر واليهود يسجدون له ...أنا آسف أيها السرائليون ..أنا أحكى
وقائع ول أمس السامية بأى سوء ..ليس لى دخل بكم على الطلق
عذرا أيها اليهود ..لو أردتم أن أخرج هذه الكلمات من السياق لفعلت ..ألستم على رأس
أمريكا ...وأمريكا على رأسنا ..نحمل فوق طاقتنا ..نأسف لكم كنتم بالمس تفعلون كما كان
يفعل قشقوش في الخراباية ..واليوم أصبحتم أغلظ عضو فى المم المتحدة ..تسوقون أمريكا التى
تسوق مجلس المن ...نكن لكم كراهية وحقد ل حدود لها ..ومع ذلك نأسف لكم
كان حمدى زهران يجلس أمام محل الطيور بعد صلة العصر عندما جاءه اثنان يشبهان
قشقوش إلى حد كبير ..بسمرتهم ..بأسنانهم البارزة ..متهالكون ويلبسون بناطيل جينزوأقمصة
مشجرة ..ل تسطيع أن تميزعمرهما ..سلما على حمدى ..قبله وقال له :
-نحن بلدياتك
أجلسهما حمدى ..ناد على القهوة القريبة منه ..أحضر لهما الشاى ..أخذ يرحب بهما
وسألهما :
-لم آراكما فى العراق ..كنت أزور كل من كان في العراق من بلدنا ..فى حى العدل ..
وحى الجامعة ..ومدينة الشعب ..وشارع الكفاح ولم تكونا فيهم
-نعم
106
ضياع 600مليون دولر من خزينة البنك المركزى العراقى
-أقسم لكما أيها السارقان أن قدميكما لم تخط هذ البلد من قبل ولول وصول أخوكم قشقوش
إلى هذه الدرجة ما جئتم إليه
قدم هذا السارقان من العراق يحملن معهم 33مليون دولر فى تليفزيونات قديمة أبيض
وأسود ..عبرا بها الحدود ..لم يجدا إلى بلدنا ,البعض قال ان أوراق البنكنوت كانت الصفحة
بصفحتها ..وبقيا شهرا في بيت قشقوش يقوما بقصها بالمقص ..وترتيبها وعدها ..أعطى
قشقوش لهم خريطة بالماكن التى يمكن شراؤها ..البعض قال أنها فلوس ل عدد لها
القشاقشة قادمون ..سترين الويل يا بلد ..أنهم يرتدون القمصان المشجرة وكلما أراد أن
يفعل الرجل فعل محرما أو يريد أن يفعل فى هذه البلد فى مؤخرتها يرتدى لنا قميصا مشجرا
وكأنه ل يستطيع أن يفعل بنا ما يريد وهو عارى مع أنه فى النهاية عند قيامه بالفعل يقوم بالخلع ,
قالوا له :
-فزورة ؟
-أنتم ل تفرقون عنه ..شيئا تشبهانه كثيرا ,ولكن قشقوش لم يكن يوما من بلدنا
-اعتبرنا أهلك
107
-من الذى قال لكم هذا ؟
حمدى أكثر من يعرف أن هناك قانون موضوع للمال المنسى والثار الموجودة فى
الراضي ..لكن ما حكم هذا المال ؟ ومن الذى يطالب به في مثل هذه الظروف وفي ظل هذه
الفوضي ؟
في بلدنا عندما تتم جمع البطاطس من الرض ..تبقى حبات متناثرة فى الرض يكون من
حق الناس جمعها وأخذها دون إذن صاحب الرض ..يكون موافق على ذلك ضمنا ..تسمي
(تخريبة بطاطس )
حاول السلم على ابن البهلول ولكنه رفض وقال لهما :
-ماذا تريدون ؟
-إنه يعيش فى المدينة ويبدو أنه لن يعود مرة أخري إلي القرية
108
-ل أريد أن أرى وجهيكما هنا مرة أخرى
حاول أن يضحكا ..أو يفعل كما يفعل قشقوش عندما يريد الحصول على شىء ..لكن ابن
البهلول يحفظ قشقوش جيدا ..لم يدعهما يمارسا هذه الحركات معه وقام بطردهما
-ياولد الكلب ..يامن لبلد لكم ..حساب مع من ؟ ..اسألوا أخيكما من هو ابن البهلول ؟
( نهيب بالسادة القراء أن الوقت الذي تتم فيه كتابة الرواية يتم الن تحت سمع وبصر أبو
محمد زوج الحاجة عطية بناء سور حول حي العظمية لفصلها عن بغداد ..الناس في الفلوجة
يدخلون من بوابات ممغنطة ..الرئيس بوش ليهمه فى المقام الول سوى وحدة العراق
والعراقيين )
-أرانب سليمة ؟
-أصبحت صاحب مصلحة تديرها بكفائه ومع ذلك ل تستطيع أن تشارك فى الحداث
وتدافع عن نفسك ما كان يجب أن تحضر لهم حتى المياه أحضرت لهما شاى وأجلستهما ..أتعرف
ماذا فعل ؟ لقد سرقا مبالغ ل عدد لها من العراق ..اشتريا بيت صبرى الدمنهورى وجمال شطة
ومعظم الراضى الزراعية التى تقع بجوار الكتلة السكنية بمبالغ خيالية وتزوج كل منهما بفتاه ل
109
تتجاوز السابعة عشرة ..أنهم يريدون أن تخلص البلد لهم بمساعدة العمدة الذى نال من الحب
جانب
يضع حمدى الرانب على الميزان ..يكتب ..يضع فى القفاص ..فعل هذا مع البط ..قام
بحساب الوزان ..قام بجرد الحسابات القديمة وأعطاها لبن البهلول وأخذا يقلبان فى أحوال البلدة
ثم غادر ابن البهلول
110
( ) 17
تم اختيار أسماء معينة لتنفيذ حكم العدام فيها دون محاكمة ..قادة سابقون في الجيش ..
علماء ..أساتذة جامعة
زمن كتابة هذه الرواية هو زمن بناء سور حول العظمية ..إيه رأيك يا أبو محمد الن ,
وفي هذا الوقت القاتل يرتدي الرئيس بوش قميصا مشجرا وأخذ حبوب فياجرا تكفي 30مليون
عراقي ..الرجل جزاه ال خيرا ل يحب العراء فقد قرر بناء سور حول كل المناطق السنية . ..
أقرانك جميعا راهنوا علي الخسارة ..سيحاكمك التاريخ أسوء محاكمة ..لم يستطع أحد
أن يقول كلمة واحدة لهتلر وهو في زهوه وأنتم إلي يومنا هذا تسبوه ..وإن كان بعضنا ل يسبه
وكنا نتمني أن يقضي علي هؤلء اليهود وهذه المرة لست خائفا من السامية أو غير السامية ول
أعرف ما معني السامية وما هذه الوجاهة .
أتعرف من مؤلف أغنية ( باحبك يا حمار) لبد أنه قريب قشقوش ..ليمكن للحمارة أن
تقول للحمار بحبك .. ,ليمكن الفرس أن تقول للحمار بحبك ..ل بد أن تكون فرس تعاني من
111
شذوذ ..يجب أن نسن قانون للشواذ بين الحيوانات ..انتشر أقرباء قشقوش في الوطن كانتشار
النار في الهشيم .
جلس حمدي مع عزت الترزي أمام المحل بعد انتهاء يوم شاق من العمل .
جلس الجلبي الذي جلب المريكان للمنطقة علي رؤوس العراقيين .
إن ما حرقته أمريكا من أرض وبشر ومواشي ظهرت خضراء خلف القوات المريكية وأمامها
وبعد مرور أكثر من خمس سنوات وخلفهم وأمامهم ابن لدن يشرف علي الهجوم علي تشيني في
قاعدة باجرام الجوية
كان الرجل يعاني من عقدة قصر القامة ..في البداية ورغم أن حمدي هو الخر لديه عقده
فهو ليحب الرجل قصير القامة ول المرأة قصيرة القامة ..لكن كيف تسلل عزت إلي قلبه ربما
تاجر عليه الرجل وانطلي كلمه علي حمدي ..أنه يحبه ويحترمه وأن رجل مثل حمدي يستحق
الحترام .
منذ زمن طويل لم يتحدث حمدي مع أحد حديثا من القلب ..نطق حمدي أخيرا وقال له :
-انت تعرف إن مشكلتك أنك ل تريد أن تعيش الواقع ..وأن رأسك الكبيرة هذه والتي تكبر
جسمك بكثير تملها بزمن انتهي .
-وال يا أستاذ ..عندما كنت أعمل في شارع الرشيد ,كنت أركب تاكسي من شارع
الرشيد حتي شارع السعدون لكي أتناول الغذاء.
حمدي يعرف أن شارع الرشيد يتقاطع مع السعدون في ساحة التحرير وهي مدة خمس
دقائق سيرا علي القدام .
-انسي ..مازلت تعيش علي ماضي مر عليه عشرون عاما ...ل بد أن ابنك بلغ العشرون
الن...ل بد أن تعترف أنك لم يعد لك عمل الن سوي حياكة الملبس القديمة وتركيب( السوست)
لم يعد في العراق جزء يمسك بالخر أم تريد أن تعيد حياكته وتقييفه ؟
كان الرجل يجلس علي كرسي مصنوع من البلستك وقدماه ل تطولن الرض فهو يهز
رأسه الكبير الذي يشبه البطيخة التي نمت نمو غير طبيعي فكانت صغيرة من الخلف وكبيرة جدا
من المام .
112
كان الرجل متأثرا جدا من كلم حمدي ...فقد أدرك فعل سر حزنه ..حاول عزت أن
يجر حمدي للحديث عن تاريخ العراق وما حدث له ..لكن حمدي اختصر الحديث ,وقال له :
-كل ما أود قوله أننا أصبحنا في عالم آخر ضحك وقال له وقتك انتهي
أما زليط ومليط فقد بدءا بتطوير محلت المحمول والكمبيوتر التي لم يكن يديرها قشقوش
بكفاءة لنشغاله ..وبدأ يلف حبال أخري علي رقاب أهل هذا البلد ..بدءا يبيعان المحمول بالتقسيط
بضمان جاموسة أو حمارة ,حتي أصبح سبعون ألف شخص في بلدنا يحمل كل منهم محمول ول
يعرف كيف يوفر لقمة عيشه .
عندما تكون قادما من الزرقا أو من منية النصر فتنظر ناحية كوبري البلد المواجه
للخرابة فل تجد سوي يافطة كبيرة هنا مقر العضو قشقوش .وبجوارها شركة زليط ومليط
للتليفون المحمول أهل بكم في بلدكم النزل .
وداعا للجلوين ..لم تعد بلدنا تؤمن بالجلوين ..أصبحت تؤمن بعصر التكنولوجيا الذي أتي به
إخوة قشقوش منذ فترة قصيرة
ابن سيادة الرئيس الستاذ جمال ل يكبرك كثيرا تبوءأرفع المناصب في مصر وعلي رأس
أكبر حزب في مصر ومن المحتمل أن يترقي لما هو أكثر من ذلك
-نفس الموال ونفس الحكاية ..أنا لست ندا لمثل هذا الكلم ..خلصة الموضوع أقول لك
ابن الزبال يبصبح زبال ..ابن العربجي كذلك ..ابن الفيشاوي أحمد الفيشاوي ..ابن عادل إمام
رامي إمام ..ابنة أشرف عبد الغفور ريهام عبد الغفور ..ورانيا فريد شوقي ,وغيرهم كثير في
كل المجالت ..تقسيم طبيعي للمجتمع ..ابن الرئيس لبد أن يكون رئيسا ...ل مفر من هذا
التقسيم ول هذا الترس.
-ل توجع رأسي كل فصل تحاول أن تقارني بابن سيادة الرئيس إن عمري من عمره هناك
من عاش 40عاما ومر بتجارب وخبرات تساوي مئة عام ,عمرنا يمر دون أن نكتسب سوي
113
الحزن والمرار فلتغلق الحديث في هذا الموضوع حتي ل تجد نفسك في خبر كان ,آخر مرة يتم
الحديث معي في هذا الموضوع أتود أن تصنع من فسك عمرو أديب ؟
-ما الذي استفادته من تعليمك ؟ كأن تفوقك جاء بطريق الخطأ أو كأنك أنت لست أنت .
-تكلم وأنا لن أرد عليك ..ربما أنكر علقتي بهذه القصة ..إن جسمي ل يحتمل الضرب
والتكسير ..نحن في مرحلة حرجة ..أي شخص في هذا الوطن ليس له دية ..فديتك أن تكون
ذاهبا إلي بيتك إن كان لك بيت فل تصل إليه ول تري نور الشمس بأي حجة ..أنت إرهابي ..
أنت إخواني ..تلفيق قضية بانجو وأنت ل تشرب حتي السجائر .
نحن في زمن بناء سور العظمية ..الذي يلي زمن فضيحة أبو غريب بقليل هنا في مصر
مصر المحروسة .
يحمل حمدي زهران محمول من النوع N 70حمدي زهران يحمل ! N 70؟ نعم
يحمله وما العيب في هذا .
يجلس حمدي ويفتح رسالة علي المحمول أرسلت إليه الن فيري فيها مقطع فيديو لضابط
شرطة يتفنن في ضرب سائق ويضحك من حوله وهو يقوم بالضرب علي وجهه بطريقة وحشية
تألم النفس ..الناس في بلدنا ل يضربون الحمير بهذه الوحشية . ..يسمع صوت رسالة أخري ,
يفتح الرسائل الواردة ..يري العجب والعار يري السائق وقد قام الضابط ومن معه بخلع ملبسه
الداخلية وقام بوضع عصا أظنها يد للمقشة أو خيرزانة لضرب المتهمين في دبر هذا السائق
والسائق يصرخ :
آخر مرة تكلمني في موضوع سيادة الستاذ جمال ..أنت لتدرك مدي الرعب الذي
أصابني عندما رأيت ماحدث للسائق .
114
إن حمدي زهران أشهر من نار علي علم ..مثل قشقوش ..تأتي هذه الشهرة من كونه
تاجر طيور حية علي مستوي دمياط ..وكفي كفاك ل تريد سوي ( المم) الطعام .
-هل هناك أسلوب أحسن من أسلوب قشقوش ؟ ..هل يستطيع أحد أن يفعل
بقشقوش كما فعل بهذا السائق ؟
نصف شباب بلدنا يقف علي باب قشقوش ..منهم من يقوم بمتابعة الكمبيوتر ومنهم من
يشاهد أحدث صيحة في عالم الموبايل .من أين جاء كل هؤلء الشباب وبالعداد الكبيرة هذه
كانوا كالدود الذي يخرج من البراز فتنمو فيه شجرة الجلويين .
زليط ومليط يلبسان القمصان المشجرة علي محلت قشقوش وأضافا محل ثالثا لتوزيع
شرائط الكاسيت ..يوجد مقر لقشقوش في جهة أخري من المبني ..يتوافد عليه الشيوخ والعجائز
من البلدة لتقديم طلبات إما للكشف الطبي أو العلج علي نفقة الدولة أو لتوظيف أحد أبنائهم أو
شكوي أو مظلمة .
كان شيئا ما يدفع حمدي زهران للذهاب إلي البلد في هذا اليوم قلت رغبته في العيش في
هذا العالم ولول مرة منذ مجيئه يفكر في البلد, ..
كانت زيارة زليط ومليط زيارة خاطفة إل أنها أقلقته ول يستطيع أحد أن يجبره علي بيع
بيته ماذا لو تهاون هذه المرة وباعه ؟
بيع يا حمدي كل شيء هنا قابل للبيع ..أحصي حمدي زهران ما له وما عليه وهل يستطيع
أن يقوم بتشييد بيت جديد مكان القديم .
لم يقابل العراقيون الجنود المريكيين بالورود كما صورت آلة العلم المريكية .
لم يخطر ببال حمدي سوي ابن الهلول وهو يقوم بالبحث عن سبيل للقضاء علي فكرة بيع البيت.
زمن أركب الحنطور واتحنطر ..وأشد اللجام ..والعنب العنب ...والبلح البلح , ..وخش
خش تحت الدش ..زمن بناء سور العظمية ..زمن عمرو أديب الذي صنع شباكا وفخاخا
عصمت السادات ومصطفي بكري أقصي اليمين وأقصي اليسار والتقسيم هنا ليس تقسيم سياسي
ولكن كل في واد مصطفي بكري متخصص في عصمت وأخيه ,وعصمت يتهم مصطفي بكري
115
بأنه عميل الحكومة هم ل يعرفون حمدي زهران ولكن يعرفون قشقوش ,مصطفي بكري ليس
متخصص فينا ,يحمل كل منهم سلة للخر مليئة عن آخرها ,بلدنا مقبلة علي كارثة محققة .
-وماذا تريد يا أستاذ عمرو ..لقاء ؟ هو أنا قدك يا عم ..أنا ل أحب اللقاءات
التلفزيونية ..ليس عندي وقت ..أنا أعتبر اللقاءات التلفزيونية مضيعة للوقت ...كل ما
يهمني هو الوقت الذي أقضيه في خدمة المواطنين
-أنت لن تضيع الوقت و سترد علي تليفونات أهل دائرتك علي الهواء وتحل
مشاكلهم
--يا أستاذ عمر أنا لأريد حاجز بيني وبين أهل دائرتي أود أن أراهم وهم
يعرضون مشاكلهم .
-قشقوش أنت إنسان ولبد أن تحكي تجربتك ليستفيد منها الناس .
-أستاذ عمرو ..أنت حاولت معي أكثر من مرة وأنا كنت رافض هذه المرة
لرضيك فقط
-يا أستاذ عمرو إياك أن تنسي أن ناس كثيرة زعلنة منك ول أريد أن أزعل منك
أنا الخر ول يهمني إن كنت مسلح أو غير مسلح .
-آلو أيوه أنا قشقوش عضو مجلس الشعب عن دائءرة منية النصر ,قناة
الجزيرة ,ماذا تريد ؟
-أنا مشغول
116
-أستاذ قشقوش نحن نريد من سيادتكم أن تفرغ نفسك ولو لمدة نصف ساعة وأنت
تذهب هنا أو هناك نريد أن نطرح علي سيادتك بعض السئلة عن الوضع في
العراق
وضع يده علي التليفون وقال لجميع الناس – الحاسد في عينه ملحة .
-أيوه ياأستاذ احنا عندنا مشاكل بل حدود نخلص مشاكلنا وبعدين ندور علي
مشاكل الناس ,وبعدين الشوية الرهابيين اللي في العراق هم اللي عاملين
مشاكل
-يعني إيه مقاومة ,انت بتسمي دول مقاومة ,وبعدين المريكان عملوا فيهم إيه ؟
خلصوهم من صدام يبقوا يخلوا عندهم شوية دم
انتهي اللقاء
-أنا قناة الفوكس نيوز المريكية اتفقت معايا علي لقاء وأنا مشغول جدا ,آسف ليس عندي
وقت وأغلق سماعة التليفون رغم أنه لم يكن معه أحد علي الخط
117
( ) 18
ل يستطيع أحد أن يقرر لحمدي زهران متى يخرج من بلده ومتى يعود إليها ..جرفه
الشوق والحنين للعودة رغم أنه عاد قبل ذلك عندما ذهب ليل وسرا واخذ الفلوس التي باع
بها الفرس والعربة من بيته وعاد يومها متخفيا ل يرغب في رؤية أحد ول أن يراه أحد .
اليوم عاد في وضح النهار ودار في رأسه ..ماذا لو كان المريكان قد احتلوا بلده ؟
ووضعوا نقاط تفتيش علي مدخل الزرقا وأمروه بالرجوع من حيث أتي من كان سيطفئ
هذا الشوق لرؤية جدران بيوت بلده وشوارعها و ليستطيع أحد أن يمنعه من قراءة الفاتحة
علي قبري صبري الدمنهوري وجمال شطة ..لم يجد أحد من الحياء يذهب إليه إل ابن
البهلول .
118
تم إقامة دولة كردية في شمال العراق ..أخذوا نصف الحكومة في بغداد كما تم إقامة
دولة شيعية في الجنوب وكان لهم نصيب من مناصب الحكومة أيضا ..لم يتم إقامة دولة
للسنة في النبار ..ولم يستطع الحتلل الستيلء عليها .
قشقوش يرتدي بدلة أنيقة ورباطة عنق حمراء وهكذا فعل زليط ومليط ..عمرو أديب
يرتدي قميصا مشجرا اليوم ويضحك مع قشقوش في الستديو ويقول له :أنا ل أحب الخنقة
فأنا أحب القمصان حتى أجلس علي راحتي ..مرحبا بكم في حلقة جديدة بعد استضافة
أناس بدأوا من الصفر قشقوش الظاهرة ..قشقوش مستقبل هذا البلد ,قشقوش , .....
قشقوش , ....وأخويه زليط ومليط المليونيران ,العائلة المكافحة رجال العمال ,أصحاب
شركات وتوكيلت محمول وكمبيوتر .
-أستاذ قشقوش نريد من سيادتكم أن تقول لنا كيف وصلت إلي عضوية مجلس الشعب ؟
-شوف يا أستاذ عمرو ل يستطيع أحد في هذا البلد الوصول إلي منصب قيادي إل
بالكفاح المستمر والتعب والعرق وحب الناس ,وأهم شيء حب الناس ,فبحب الناس وثقتهم
تصل إلي ما تريد .
-الخوان يحقدون علي لنني قد حصلت علي كل الصوات في الدائرة أما عن قوله
بأنني لست من هذه الدائرة فهذا زليط وهذا زميط أخواي – ولم يذكر أخوه أبو النونو -
فجذورنا عميقة في هذا البلد وإل ما كنا نمتلك نصف بيوت هذا البلد ومواشيه وشركاتنا فيه
أم نحن قد هبطنا من الفضاء ؟ أم زرع شيطاني كما يقال ؟
أستاذ عمرو لبد أن تعرف مع من تتكلم ..فأنا غير كل من قابلتهم في حياتك ول
تحاول أن تجرني إلي طريق تكون أنت الخاسر الوحيد فيها ..وافقت علي اللقاء بعد أن
اتفقنا علي السئلة
-يا أستاذ قشقوش نحن لم نتكلم بعد أمامنا وقت طويل للحوار والختلف في الرأي ل
يفسد للود قضية ..أنا أمامي مئات السئلة والستفسارات ..بجانب الرسائل اللكترونية
والمحادثات الهاتفية من الجمهور ..ووجدت أن من مصلحتك أن ترد عليها لننا نتكلم أمام
الرأي العام يقول البعض أن الثروة حطت عليكم فجأة أنت وأخويك .
119
-نحن من عائلة غنية جدا ورثنا أموال طائلة ول أحد يستطيع أن يثبت أننا سرقنا أحد
أو أخذنا مال أحد اثبت لي وأنا مستعد للستقالة فورا من العمل السياسي .
-نحن نعرف أنك تمارس العمل السياسي منذ قدومك من العراق وأنت ذراعا عمدة
النزل اليمن و اليسر ومن بعده ابنه الستاذ حمادة .
-لقد استطعت في الفترة القصيرة التي عشت فيها بالنزل أن تخلط البيض بالسود ولم
تجعل في هذا البلد شيء واحد أصلي حتي ل يعايرك أحد أنك ل أصل لك .
وهنا انفعل قشقوش وحاول أن يغادر الستديو ولكن عمرو طيب خاطره وقال له هذا
الكلم ليس من عندي ولكنها أسئلة وردت إلينا بالبريد اللكتروني من النزل وواجبك أن
ترد عليها دون انفعال ..وصل إلينا بعض صورك وأن تقوم بإنتاج نوع جديد من
الحيوانات لم يكن موجودا من قبل وصورتك أثنا عملية إتمام تلقيح حمارة الخرابة بواسطة
الحصان .
-يخلق من الشبه أربعين .إن هذه الصورة التي تعرضها الن ليست صورتي
وابحث أنت عن صاحبها ومن الذي حاول أن يلصقها بي ,ونظر إلي بدلته وقال
ل يمكن أن يكون أنا هذا الشخص
-زليط ومليط ..يقول الناس في بلدكم المفترضة أنكم كنتم في السجن في العراق
طوال الفترة التي مكثتموها هناك ,وأنكما أطلقتما مع المساجين الذين أطلقوا
للنهب والسلب والتهليل لجنود الحتلل عند السقوط "الهليودي" لتمثال صدام .
-حاول أن تكون مؤدبا معنا في الحديث ,لنك ل تعرف مع من تتكلم ,ألم يقل لك
سيادة النائب أننا ورثنا عن آبائنا أموال طائلة وهذه الثروة هي ثروة أبونا
وأجدادنا .
-سؤال علي سبيل الدعابة ,ماذا يعني ( زليط ومليط ) وهل هي أسماء حقيقية أم
شهرة ؟
لم يجب أحد علي هذا السؤال والتفت كل منهم إلي الخر
-يا قشقوش يا حبيب قلبي عامل إيه وال انت منور البرنامج ,
120
-يا أستاذ عمرو أنت تتحامل علي سيادة النائب ,قشقوش ابن ناس نحن اللذين
نعرفه ولست أنت ,قشقوش عمل لبلدنا كثير ,المفروض أن نحيه بدل من أن
نحاول هدمه .
مداخلة أخري
-أيوه يا أستاذ عمرو أنا شيخ خفر النزل قشقوش ده حاجة كبيرة قوي لزم نحافظ
عليها لن مجتمعنا يحتاج إلي ناس مثل الستاذ قشقوش والحاج زليط والحاج
مليط
-ألم تكن تصطاد السمك الصغير المسمي ( المع ) ول تصطاد غيره ولم أصبحت
شيخ خفر أصبحت تكوي الجلباب وتمشي بطول البلد وعرضها فاردا ذراعيك .
-ليه الغلط يا أستاذ عمرو نحن أصل البلد دي ,لزم تعرف أننا الذين نمسك
بتلبيب هذا البلد -باي .
-تجولت كاميرا البرنامج في مدرسة النزل العدادية وفي بعض الماكن ,وسألنا
التلميذ عمن يود أن يصبح مثله ومن هو مثله العلي وجاءت النتائج علي النحو
التالي
قشقوش في المركز الول وتراجعت رغبة التلميذ كما هو معتاد في أن يصبح طبيبا أو
مهندسا أو طيارا أو .....
ولم يأت ذكر حمدي زهران ..وأنكر التلميذ معرفتهم به ولم يذكر أيضا جمال شطة ول
صبري الدمنهوري ..ومنهم من قال نريد أن نصبح رجال أعمال كزليط ومليط ..ومنهم
من قال ل نريد أن نضيع العمر في التعليم وفي النهاية نصبح مبيضين محارة إن كان هناك
وقت لذلك.
مصر توافق علي إعفاء العراق من ديونه في منتجع شرم الشيخ في حضور رايس
والمالكي .
ينتهي البرنامج مع عرض لبيت قشقوش -هنا مقر النائب قشقوش -شركة زليط ومليط
للهاتف المحمول – أحضر جاموستك واستلم محمول بالخط -أحضر حمارا واشحن لمدة
عام . ............ ,
121
( ) 19
تم القبض علي الباشويش طه يس رمضان والصول برازان والعريف ...ولم يبقي
إل صدام ,لجأ عزة الدوري إلي سوريا ولم يتم القبض علي بن لدن حتي الن .
تم تطويق المنية بقوات كبيرة من المن وطائرات الهليكوبتر وتم القبض علي عزت
الترزي وتم إرساله إلي جوانتانمو .
جلس حمدي زهران طارحا نفسه إلي الخلف علي الكرسي أمام المحل ..كان
سعيدا ..أحس أن له بيت لول مرة ما كان لحد أن يطمع فيه وما كان يجب أن يقدره أحد
بثمن إنه بيت حمدي زهران وما ينبغي لحد أن يسكنه سواه حتي لو أتي زليط ومليط
بفلوس العالم كله وليس العراق فقط ..عندما يقول له ابن البهلول شيء فإنه ل يتغير ول
122
يمكن أن تكون هناك حسابات أخري غير ما قال لم يقل له إل أعطني ما معك من نقود وأنا
سأتصرف ..أعطاه حمدي ثلثون ألفا بالتمام والكمال وهو سعيد ..وابن البهلول أكثر سعادة
منه وضعهم ابن البهلول في جيبه وقال له اعتبر أنه أصبح لك أكبر بيت في القرية
لحظات قصيرة يقضيها حمدي سعيدا ول تستمر ..رأي من علي البعد الحاجة
عطية قادمة وهي تضحك ..أشاح بوجهه عنها ..تمني أل تأتي إليه ولكنها لم تذهب يمينا
ول يسارا ولكنها اتجهت نحوه:
-إزيك يا أستاذ
لم يرد
-ماذا تريدين ؟
افرحوا يا عرب ..ذاد عدد الدول العربية دولتين ..إسرائيل وأمريكا أصبح لهما
مقاعد في الجامعة العربية ..إنهم يجلسون الن في شرم الشيخ لتسوية شئون العرب ,
مرحبا بكم في منتجع شرم الشيخ ..أهل بالمالكي ..أهل برايس
سيظل أحمد نجاد العقبة الوحيدة أمام أمريكا ..وحسن نصر ال أمام اسرائيل
زمن كتابة هذه الرواية هو زمن بناء فندق للكلب كلفة الكلب في اليوم الواحد 150جنيه
فقط
لو قامت القوات المريكية باحتلل الزرقا والطاهري ل يستطيع أي فرد من النزل
الدخول أو الخروج ول يستطيع حمدي زهران الدخول مرة أخري إلي النزل وسيظل
محاصرا في دمياط ويصبح ل بلد له وسيظل أفافا إلي آخر العمر ول يمكن أن يسمح له
123
الدمايطة أن يصبح فردا منهم ول يستطيع أن يفعل ما فعله قشقوش ليصبح فردا منهم دون
رضاهم ويجلس علي قلوبهم
دمياط تتعرض للنزيف الن بعدما سدت منافذ البيع أمامهم العراق ودول الخليج
وانتشار الغرف القادمة من الصين زهيدة التكاليف
ضحك حمدي إنها أيام ليود أن تعود ول تأتي في ذاكرته وكذا أسقطها من حياته ,
ول يود أن يكرر تجربة الفأر في الجحر .
عندما أحست أنها ل تستطيع السيطرة عليه بكلمها التي تصورت أنه معسول قالت
له :
وهو ليعرف كيف ؟ ول لماذا تفتأ تتذكره وتحاول أن تجره إلي طريق لم يعد يرغب فيه
ولم يكن يرغب فيه يوما ما
-ما حدث قد حدث ول يمكن أن يتكرر ..ألم تطرديني شر طردة ..يومها لم يكن
لي مخرج ..ومع ذلك كتب لي خيرا ولول طردي من عندك يومها ما أصبح لدي محل مثل
هذا الن
-هذا المحل ليس ملكك أل تعرف أن مدة اليجار قد انتهت ؟ وسيأخذه من يدفع أكثر
أحس حمدي بخطر حقيقي وعرف كيف ستقلب الطاولة فوق رأسيه الن وأن هناك
سوء نية مبيت من هذه المرأة وبخاصة عندما رأي الشيخ محبوب ..فقامت وسلمت عليه
وانتحي بها جانبا وأخذ يشير بكلتا يديه ويريه الشوارع التي يطل عليها المحل وأن هذا
المحل له سمعة كبيرة وصلت إلي آخر دمياط
124
أحسست أن لي رغبة أكيدة في الذهاب إلي دورة المياه وإل فعلتها علي نفسي ,
فجريت مسرعا إلي دورة مياه جامع المنية الكبير وتركتهما معا
كان المحل قبل ذلك محل للجزارة فتحه الشيخ محبوب ..أفلس وأغلق بابه بالضبة
والمفتاح سنين طويلة مهجورا مظلما ..جاء حمدي بقدر ال وسأل عن صاحب المحل
فوجده الشيخ محبوب الذي لم يصدق يومها أن هناك من يرغب في تأجيره بعد أن عله
التراب والظلمة ولن الشيخ محبوب من أصحاب البلد الصليين وحمدي من "الفافة"
والشيخ محبوب رغم ذقنه الطويلة المسترسلة وجلبابه البيض القصير وبنطاله الذي يظهر
من تحت الجلباب يذهب إلي رأس البر في كل صيف للستحمام ..كان يتصور أنه بمجرد
أن يقوم حمدي بتشغيل المحل فإنه يستطيع أن يأخذه منه في أي لحظة ولكن ال خيب
رجاءه ..فعندما يكون ذاهبا إلي صلة الظهرمارا علي حمدي يجد الزحام علي المحل
فيدخل في وسط الزبائن ويقول :
-يا شيخ حمدي ألن تصلي ؟ بعد أن يكون أحصي الزبائن والدجاج الموجود في
القفاص ..وحك له إمرأتين من الزبائن ..وحسب حسبة في رأسه عن المكسب الذي يجنيه
وما يحققه في اليوم ويلعن :الفلحين الذين قدموا معدمين وحققوا ثروة من بقائهم في بلده
لم يستطع هو ابن البلد تحقيقها
لو أن ربح حمدي في اليوم آلفا مؤلفة فل يساوي ما حدث له ول يساوي هزيمته
وضياع الطريق من تحت قدميه
عاد حمدي من الجامع منتشيا بعدما ...ولم يجد الحاجة عطية ووجد الشيخ محبوب
ينتظره أمام المحل ,
استطاعت السنتان اللتان قضاهما حمدي في العمل أن يكسباه خبرة في تلوين الكلم
وإطالة الوقت في الحديث حتي يفرغ من يتحدث إليه ما في جعبته فتنكشف المور
قال له :
-المحل ده عمره ما كنا هنأجرة لحد ..لول وجدنا فيك الطيبة ..وربنا اللي عمل كده
وكل شيء نصيب وانت أخذت منه كثير ..فأخذ يصف له محاسن المحل ووجوده علي أربعة
125
شوارع وأنه في مدخل البلدة وهذه أشياء يعرفها حمدي أكثر منه ..وأضاف إلي هذا أن المحل
شغال وشغال ..هذه من عند ال ..ثم صبر حمدي الطويل ..فليست شطارة من الشيخ محبوب
فقد كان أغلقه من قبل ..إغلق أخير
-نعم الناس أنت ..الناس هنا قد أحبوك ولم يقل عليك أحد كلمة واحدة تسيء لك وهذا هو
الذي وقف حائل بينه وبين حمدي
-وال معروض علينا عشرة ألف جنيه في المحل كمقدم إيجار و 500جنيه شهريا فما
رأيك ؟ ومن عرض علي هذا المبلغ قلت له أنا ل أستطيع أن أعطي لك كلمة قبل أن أكلم الراجل
الذي أكلنا معه عيش وملح
أحس حمدي بالمؤامرة وأن ضياع المحل من يده أصبح وشيكا ..وسيجد نفسه في النهاية
ملقي به في أرض الوقاف ..حتي هذه لم يعد فيها مكان لم يتم الستيلء عليه مع وجود وزارة
الوقاف
ارتفعت السعار ارتفاعا جنونيا رغم أن الحكومة قالت بالفم المليان أنها ستضرب بيد من
حديد علي كل من يتلعب بقوت الشعب
ل يستطيع أحد مهما كان إيقاف أي شيء في هذا البلد ل الحكومة ول الشعب ,فأمريكا
تسنفذ العالم الن
ل يمكن لمريكا أن تأخذ من العراق ما صرفته علي الحرب ..ل يمكن لهذا القاتل بوش أن
يتراجع في الوقت الحالي ولكنه حتما سيتراجع .
126
()20
قناة الجزيرة
خبر عاجل القبض على صدام حسين ..صور لصدام وهو يشبه السد العجوز
والطبيب المريكي يفحصه وكأنه يفحص حيوان نافق أو مصاب بإنفلونزا الطيور ويقلبه
127
رأسه يمينا ويسارا ويسلط ضوء على أسنانه وحنجرته ..ويبدو صدام مخدرا وكان طليق
اللحية والشعر مهانا
أما كيف تم القبض على صدام حسين ومتي ؟ كل ما نعرفه من مصادر أمريكية أن
الرجل وجد فى حفرة صغيرة قرب تكريت تشبه بالوعة المجارى ..هكذا جاءنا الفيلم
المريكي ..وقع الخبر هذه المرة علي نفس حمدى كالصاعقة وأول مرة يتألم منذ زمن
ويحس أن هناك خطر أكبرقادم ..لم يكن حزينا علي صدام بقدر حزنه علي المة إن كل
فرد في هذه المة اليوم معرضا لن يفعل به ما فعل بصدام ,ليريدون لي رأس في هذه
المة أن يرتفع أو أن تقول ل لمريكا أو إسرائيل لذلك هو مع صدام في هذه المرة قلبا
وقالبا ليس لشيء ولكن لنه قال للغول عينك حمراء .
بدأ حمدي ينفعل ويبرد ..وينفعل ويبرد ..وما الذي يستطيع أن يفعله لقد قالت أمريكا
كلمتها وتعامل كل رؤساء العرب علي هذا الساس ,تقول ( هيه وبعدين ) فيتراجع
الرؤساء العرب عن مواقفهم ..تقوم الدعاية المريكية بعرض صور لصدام وهو عار
الصدر ويقوم بغسل ملبسه وهو في السجن ,فيقولون كان يستحق ذلك أما نحن فل نريد
لمريكا إل كل الخير
تم زحزحة صفوت الشريف قليل عن عرش الحزب الوطني وأمسكوه برأس حربة
تمهيدا لظهور الجيال الشابة
لم يستطع الجيش النظامي في العراق أن يهزم أمريكا واستطاعت المقاومة العراقية أن
تركع المريكان ..بدأت قوات التحالف سحب قواتها ولم يبق منهم سوي بريطانيا التي تنعم
بحماية مقتدي الصدر واخوته
لم يكن حمدي ليتأخر لحظة ..فما عرضه عليه الشيخ محبوب ليستحق النتظار لنه
لو ضاعت الفرصة لنتهي الموضوع وعاد كسابق عهده ..لكنه اليوم لم يتوانى ..قام
بتدبير المبلغ المطلوب وكتب عقد جديد للمحل فمسألة الفلوس لم تعد تستعصى عليه ..هذه
كانت فرصته الوحيدة فلو ضاعت تحولت حياته إلى فوضي ول يعرف متى ستتاح له
فرصة أخرى .
كان الرجل يرتدى بدله أنيقة ورابطة عنق حمراء وكان حمدى مطلقا للحيته يرتدى
ملبس ل هى قديمه ول هى بالجديدة ولكنها كانت مرتبه وقال له الرجل :
128
-نعم
-ال يكرمك
حمدى اليو م بدأ يصرف أمروه بدون حديث ودون طلب المشورة من أحد وكان يصرفه
بالطريقة التى ترضيه ل هى طريقة قشقوش ول طريقة جمال شطة في حل المشاكل
حمدى زهران لم يؤذ أحد ولم يوذ نفسه ومنع عنه الخرين ..ربما تأخر حل مشاكله
كثيرا ولكنه أخيرا فعلها ودبر المبلغ وأعطاها للشيخ محبوب الذى كان يمله الغيظ ؛ لنه
كان يود أن ل يستطيع تدبير المبلغ وتأتى هذه الحاجة التى أمسكت بذقنه وهي تتحسسها
وأحس بقشعريرة في جسمه ( كهربة الحاجة عطية )
ولكن حمدى عاجله وقضى المر وضع فرختين بلدى على الميزان ناوله الزبون
الفلوس وضعها فى الدرج وأجلسه على الكرسي قال له :
-ل
قال له حمدى يخرب بيتك وحاول أن يحتضنه لكن الرجل تراجع للوراء وطلب منه أن
يخفض من صوته وهو يمزح معه فكل الناس هنا تعرفه ........
129
حصل على الكلية بشق النفس وبقى فى السنه الثالثة ثلث سنوات ولكنه كان يستأجر
شقة مفروشه له وحده فهو من عائلة غنية جدا ..وكان يعرف حمدى ..ويعرف تفوقه..
-من الذى فعل بك هذا وما أخبار مدينه الزهراء وشارع كلية الداب وعزبه
الجوجرى وما أخبار حسناء مدينه الزهراء كنت عايش فى الدور شوية
ومن الذى كان يجب أن يعيش فى الدور حمدي زهران أم فتحي غالي ؟
أوقعته أمينه فى مطب 15عام بدأ يتذكر السنين وتاه من سيادة المستشار
-لماذا لم تعين فى النيابة ؟ وهل تزوجت بأمينه ؟ إذا احتجت إلى أى شىء اتصل بى
على رقم التليفون ..
لملم حمدى شتات نفسه ..فتحي غالي أصبح مستشارا ..هناك ناس تولد من رحم
المرأة وأخرون يولدون من مؤخرة الجاموسة ( قشقوش )
ماكان يصلح أن يكون مستشارا هل الراسب يصلح أن يكون قاضيا ؟ وأنا !!!!...
أولد كلب وإن كان حاصل على الدكتوراه ..تاجر طيور صغيرة ..تاجر طيور كبيرة
..صاحب محل طيور
أعيان ...ابن عمدة ...عمدة ...ليجب أن تحمل نفسك فوق طاقتها ما وصلت إليه
يساوي عمرك كله ,لتضحي به ول تدور المور تقبلها هكذا فواصل .
يجب أن يوضع تمثال صغير لحمدي زهران في مدخل بلدنا وبجواره هانز بليكس ,أما
ما كان من أمر فتحي فهو علي القل قد حصل علي ليسانس حقوق فلماذا لم يشغلك أمر
قشقوش ؟ أو حتي أمر أخويه ؟ البلد علي كف عفريت فحاول أن تتمسك بما اكتسبته وتأكد
أن الشيخ محبوب والحاجة عطية يرصدان كل حركة من حركاتك ويعتبرونك قد أخذت
حقوقهم ويفكرون لك بحنق كما تفكر في فتحي الن فمحبوب رغم ذقنه المسترسلة وأداءه
الصلة في أوقاتها وذهابة للعمرة كل عام والمصيف إلي رأس البرلن يغفر لك أنك قادم من
الخواء كما قدم قشقوش وأقام مملكة في بلدك .محبوب يعتبرك نجحت فيما فشل فيه هو فل
تفعل أكثر مما كنت تفعل ول تفكر أكثر مما كنت تفكر وإل وقعت من علي الصراط فحذار
يا حمدي .
130
ما عمرك ؟
ابن العمدة أبو جبل كان يلعب في برازه عندما كنت علي مشارف تخرجك ..لن أقل لك
هذه المرة ابن سيادة الرئيس حتي لتخاف ول تتململ وتزن المور كل شيء تحول فحافظ
علي ما معك وإياك أن تنظر خلفك أمامك مطب صناعي .
( ) 21
قناة الجزيرة
بلغ إجمالى عدد الجنود الذين قتلوا فى العراق 3300قتل منهم 300أثناء دخول العراق
والباقي بعد إعلن الرئيس الكذاب انتهاء العمليات العسكرية وانتصار القوات المريكية..
131
قتل على ضفاف دجلة والفرات من العراقيين ما يقارب 750الفا حتى الن أوما يزيد ..
كل شعوب الرض طالبت يوقف الحرب واستنزاف العراق ..لم ينادى العرب بوقفها
المرتزق يتقاضي ألف دولر يوميا ..ومصرح له بالتصفية والقتل وتنفيذالعدام دون
محاكمة أو متابعة آثاره
أهل بعصر الديمقراطية الجديد والقنوات المفتوحة والعالم دولة واحدة ..اليوم يومك يا
قشقوش ..اليوم يومك ياعمدة جمهورية مصر العربية كلها ..كان يوما شبيها بيوم نهب
بغداد
ألقت ربات البيوت ما فى أيديها من دواجن وبط ..فتح أصحاب المزارع مزارعهم لمن
يرغب أن يدخل ويأخذ منها ما يريد دون ثمن ..صدرقرار وزارى بإغلق محلت
الدواجن فالطوفان قادم ..إن فيروس انفلونزا الطيور قادم من شرق آسيا ..صبر ونال لم
تذهب الولد المدارس فى اليوم التالى فى يوم واحد طار من المنصورة إلى المنوفية إلى
كفر الشيخ إلى الصعيد ..لقد نشر سمومه فى الخمس محافظات السابقة فى يوم واحد
لقد نشر الرعب بين الناس وكأن الطاعون قد انتشر ..تم تكسير محلت الدواجن
والعشش فوق السطوح ....كان قشقوش في هذا اليوم جالسا في مقره النتخابي سأل عن
شىء واحد:
عندما قالوا له أن ابن البهلول أقسم بأغلظ اليمان أنه لن يدخل حد إلى مزرعته حتى
ولو كان آخر يوم فى عمره.
ضحك وأخرج تليفونه المحمول واتصل وما هى إل لحظات حتى جاءت قوات أمن
مركزى وعملت حلقات دائرية حول مزارع ابن البهلول ..ألم أقل لك أنه لك يوم قادم
وهكذا جاء اليوم
132
كان قشقوش والعمد قد جلسا فى خيمة تشبه الستراحة يشربان المياه الغازية
والكوكاكول وهما يضحكان ..وابن البهلول يعتصر الما ..وهم يحفرون حفركبيرة
ويضعون فيها دواجن البهلول ..لطم ابن البهلول وجهه ولم يهتم به أحد
رغم خبرة ابن البهلول فى الحياة وإدارة عمله بكفاءه أل أنه ل يعي الوضاع المستجدة
فل يحب أن تكون هناك صناعة ناجحة مثل هذه فى يد ابن بهلول ..ومن هذا ابن الهلول
نعرف جميعا من هو ابن البهلول ..فل يحب أن يكون معه ثروة ..لم يخلق لهذا خلق ابن
البهلول لكى يكون متسول أما من يعرف الثروة فهم اناس آخرون غير ابن البهلول
يعرفون كيف يديرونها ويدور معها فى الفلك السبعون مليون مصري دون فرصة لخذ
النفس .
يجب أن ينتزع ابن البهلول من هذا الترس الذى وضع فيه ليوضع فى ترس آخر مناسب
وملئم له ..بلد من هذه ..من الذى يوضع القوانين ..من الذى يعطى ومن الذى يأخذ ؟
وبأى حق.
زمن الكتابة هو يوم الخطاب التاريخي للرئيس الشاب في مجلس الشعب الجديد
133
ايها السوريين لسنا أحسن حال فهاهم شباب المة يجلون على مقاعد الرئاسة وهل تزيد
أكثر من هذا
ورث أحمد عزالحديد والصلب في مصر ...وهذا ليس من عندى ..وإن كنت قد
أخطأت فاغفر لنا يا عم أحمد فأنا أفكر فى بناء بيت ولكن كلما ارتفعت أسعار الحديد
أتراجع ...وهذا ما جعلنى أتابع طلعت السادات وهو يكيل التهامات ربما هو مخطىء
وأخذ جزاء فل أريد أن أوضع معه فى خندق واحد فهو على القل ابن أخ الرئيس
السادات ويستطيع أن يجد له واسطة أو حماية ...أما أنا العبد الفقير إلي ال ل تربطنى
صلة بأى أحد ..ول حتى قشقوش يعرف أنني من النزل ..بلد من هذه الذى تم
توريثها وناسها أحياء أقدم شعوب الرض .
من قال لكم وزعوها هكذا ربنا سبحانه وتعالى وضع قوانين للميراث اورثوها إذا كان
يحق لكم هذا اقتلوا بشره هؤلء الجوعي المطحونين المغلوبين على أمرهم .
واحد ياخد الحديد ...واحد ياخد الخشب ...واحد ياخد البطيخ ولماذا ليس اثنين أيها
البطال ؟ إجعلوهم اثنين لكل صنف
-ابن البهلول إذا أتى أمر ال فل راد لقضائه ..أنت ستخرخ ستخرخ من اللعبة لن
الموضوع ليس تهريجا ول مزاحا أنت تعمل فى تجارة السياد يرغبون فيها ويريدونها
خالصة لهم
سيأخذون فلوس العراق وفلوس تجارتك وفلوس تسولك في ضربة واحدة أيها الذكي
وماذا سيفعل صديقك حمدي زهران أل تقوم بتمويله وعملت فيها تاجر سيقطعون عنكما
الماء والكهرباء
المراكب تقف بالطيور المجمدة في المواني ..هكذا قال الناس الذين ل يطمر فيهم عيش
..هؤلء الذين يعضون اليدي التي تمتد إليهم ويقولون ...و يقولون وأن هناك ...وهناك
وهم ل ينسون صفقات الفراخ المجمدة التي هزت الرأي العام من قبل ...ويذكرون صفقة
الخوز التي نظم لها قانون خاص بها وبيعت الصفقة الوحيدة الفريدة ...وبعدها لم يعد
وجود للقانون بعدما اشتري الناس الخوز كلها ولم يبق منها إل خوزة واحدة ,هذه المرة
أيضا ليس كلم من عندي ولكن قاله الناس الذين يجلسون عند الكباس وعلي كوبري
الشعراء وفي باب الحرس وتحت الكوبري العلوي المؤدى إلى رأس البر ينتظرون من
يأخذهم ليقوموا بنقل متر رمل أومتر زلط أو هدم سور ...هم قالوا هذا ...ول يعرفون أن
المور أبشع.
قال قشقوش للضابط الذى يشرف على تنفيذ العدام الجماعى للدواجن:
134
-لماذا ظهرت انفلونزا الطيور فجأة ؟
-ليس اختصاصى
-انفلونزا الطيور ظهرت في اسرائيل فى يوم وفى اليوم التالى أعلنوا قضاؤهم
على المرض
لماذا لم تظهر فى ليبيا ولم تظهر فى السعودية ؟ وهذه الدول عندها وفرة فى البترول
ونحن ليس لدينا هذه الوفرة .
-الكلم ده تروح تقوله فى مجلس الشعب احنا عندنا أوامر وعمل نمارسه
كان عساكر المن المركزى يقومون بإعدام الطيور بطريقة وحشية وكأنهم يخوضون
معركة حربية وكأن المر ل يعنيهم في شىء ول يعنى أى من الواقفين فهو ليعنى إل فرد
واحد هو ابن البهلول
()22
لم يعرف ابن البهلول كيف يتصرف ..بعدما أعدمت ثروته أمام عينيه باسم القانون ,
قالوا له :
135
-إكرام الميت دفنه
-هل هذا ميت إن الدواجن تتقافز في المزارع كأنها جنود حزب ال .
-إنهم يتقافزون من اللم .عشت يومين حاول أن تنسي لم تخلق للنعمة ,عندك السبوبة
أما زلت تملك هذا الكرسي المتحرك
قالوا له:
-اسرح
قال :
قالوا له :
-وبعدين ! أنت فاكر عملنا فيك إيه لما كنت قليل الدب مع العمدة . ..ل تنسي ..
-وهل ينسي المرء من أهانه وتفنن في إذلله ..إن هذا الشعب غاضب لبعد
الحدود .
ألم تكن تجارة الدجاج في أيدكم من قبل ؟ وتركتموها لبن البهلول وغيره حتي أصبحت
ناجحة ,
تم بيع مزارع ابن البهلول في مزادات بعد إعلن إفلسه ..وتدخل زليط ومليط
الرجلن الصالحان ..قاما بتسديد ما عليه ودخل هما وأخوهما قشقوش بدل منه .
اليوم هو يوم تنحي الذيل بليير عن رئاسة حزب العمال البريطاني ولم يبق إل الرأس
بوش
يجب وضع تمثال لجورج جالوي في كل بلد من بلد العرب بدل من تماثيل الرؤساء
العرب وصورهم فقد دافع عنا باستماتة أكثر من القوميين والعروبيين
مازال لدي ابن بهلول كرسي علي القل ,وماذا سيفعل حمدي زهران ؟ إن هذه كارثة
بالنسبة لمصر وليست لحمدي وحده .
136
17مليار جنيه هي حجم صناعة الطيور في مصر ,أمسك بها العفريت وكورها في
يده وقذف بها في نار مشتعلة فاحترقت عن آخرها .
ثروة مصر 57مليار جنيه 17 ,مع ابن البهلول وأمثاله 40 ,مع أحمد عز ,أموال ابن
البهلول وغيره أخذها الغراب وطار .
نعيق غربان ليست ككل الغربان ,سوداء فاحمة السواد بل أعين ل تأخذ العمار فقط
بل هي الموت ذاته .
قال أحد الطفال المارين لحمدي زهران وهو يجلس واضعا يده علي خده حزينا أمام
المحل الخاوي :
-لم يره حمدي ...لم يعرف أن هذا القول موجه له ...حتي لو عرف فماذا يفعل ؟
وإلي أين يذهب ؟ إنه لن يغادر هذا المكان مهما كانت النتائج ..إنه حزين
غاضب إن القفة باق رغم كل ما حدث وما سيحدث ..أيذهب إلي صديقه
المستشار أم يذهب إلي أستاذه الدكتور عبد العظيم وزير محافظ دمياط ؟ سيشكو
له سينبهه إن شهادته الجامعية موقعة باسم عميد الكلية د عبد العظيم وزير ..
بدأ حمدي يبحث عن ناس يشتكي لهم ويبحثون له عن حلول ..فعندما كان منغمسا في
العمل لم يفكر في أحد ولم تكن لديه شكوي ..مع علمه بأن أستاذه محافظ دمياط ويستطيع
الذهاب إليه في أي وقت ..لكنه لم يكن يحتاج إليه .. ,قرر أل يذهب إلي أحد .
أنهي حمدي كل بقايا السطوح من الدواجن ..فقد أتت النساء لتنظيف ما لديهم من
دواجن ..بقي حمدي أسبوعا كامل من الصباح وحتي منتصف الليل يقوم بتنظيف الدجاج
والناس تذهب وتعود وهناك من كان يأتي بدواجنه ويتركها له ول يعود خوفا منها .
لبد أن الخير قادم ,إن هذه البلد الولدة ل يمكن أن تكون قد ولدت فئرانا ,مصر
العربية المسلمة 250ألف جامع عشرة آلف كنيسة 60مليون مسلم 10 ,مليون مسيحي ,
بوادر فتنة جديدة .
إيه رأيك يا عم مقتدي الصدر؟ أيها الثعبان النائم في جحره ,ماذا تعد؟ وماذا تنتظر؟
كم لديك من السلحة ؟ كم لديك من الشباب الذي أعددته للقائه في نار جهنم ؟ ألم يأت اليوم
بعد ؟ إن اليوم الذي تنتظره لقادم ,أيها الخنفس المغلف بالتقوي والورع ,هذه المة لن
تبقي هكذا إلي البد ,لبد أن لها من صحوة ,متي ؟ وأين ؟ إن اليام قادمة ل محالة .
137
إن فكرة ذهابه إلي صديقه المستشار لم ترق ..له فكيف يذهب إليه وهو الذي بعد عنه
عندما حاول أن يعانقه أو يضحك معه ..فبقي هذا المنظر راسخا في أعماقه يشعر بالهانة
لمجرد تذكره ..إل أن ظروف عمله لم تكن تعطيه الفرصة في تقليب المور ..فقد تعود أن
يضع كل ما يهينه في بئر سحيق فهو لم يكن ليصدق أنه استطاع أخيرا توفير لقمة عيش
شربفة ول يود أن ينغص حياته ببعض التفاهات ,فل يستطيع أحد طعنه وهو يمارس عمل
أيا كان نوع هذا العمل
وماذا سيفعل له المستشار ؟ أو حتي سيادة المحافظ ,إن ما يحدث ل يستطيع أحد
السيطرة عليه أو وقفه مهما كان منصبه أو كنيته ..إنه طوفان يأخذ كل ما يواجهه ..لو تم
محاربة المخدرات والممنوعات والفساد المنتشر بهذه الطريقة لستقامت المور ...
-كان عندنا طيور ودواجن في المنزل تتعدي ألفي جنيه ...ذبحناهم ووزعناهم علي
الجيران لن الثلجة ل تكفي ..كنا عندما ل يكون معنا نقود لشراء لحوم أو دجاج نذبح
واحدة ..ونبيع بعضها في الزمات ..مخزون استراتجي ..وليس بمفهوم السلم
الستراتيجي ..منهم ل إللي كانوا السبب ..افتح مكتب محام يا أستاذ .
-ماذا ستفعل ؟
وزارة الصحة تعلن السيطرة علي أماكن المرض ..كان العلج بترك الغابة تحترق
بدل من إطفائها حتي ل يتكرر الحريق ..فلم تقم وزارة الصحة إل بإعدام الدجاج الموجود
بالوطن كله وهي بذلك تكون قد عالجت كمن قتل المريض
138
-ل أعتقد أنهم خائفون علينا إلي هذا الحد إن هناك مكيدة وأشك أنهم خائفون علينا
ولماذا هذه المرة ؟ لماذا ل يقضون علي المخدرات التي تقضي علي الشباب أكثر من
انفلونزا الطيور حتي لو تفشي وبائها كما يقال ؟ ياعم هناك مكيدة وراءها رجال أعمال
صعبان عليهم إن احنا عملنا اكتفاء ذاتي من الدجاج .
-لتفهم ؟ تعليم إيه اللي بتقول إنك اتعلمته ؟ أنا لم أتعلم بس عارف كل حاجة .
تساقطت عصابة بوش واحدا تلو الخر فتبادلوا التهامات سقط كولن باول صاحب
أنابيب الختبار تله رامسفيلد أحقر خلق ال ,وتوالي السقوط .
139
خاتمة
إنا ل وإنا إليه راجعون " العفاسي " T. Vالشيء المؤكد أن حمدي زهران أصبح له بيت ككل
البيوت ...يوجد به أدوات وأجهزة كهربائية.
في العيد ذهب حمدي إلي قريته محاول أن ينسي ماذا يفعل في المصيبة التي لحقت به .
عيد الضحي ...صدام حسين بدا مذهول وهم ينفذون فيه حكم العدام ..لم يقبل أن يغطي
وجهه كما هو متبع ..لكن الذي كان يضع الغطاء هم من يقومون علي تنفيذ الحكم وكأنهم ل
يدرون أنه مات وانتهي
أنقول لك كما قال الخوان لقشقوش ؟ يا مقتدي يا جبان يا عميل المريكان ,أذهبت لتنحر
رجل مسلما في العيد ليكون عبرة لنا جميعا في يوم كهذا !.
بثت قناة الجزيرة مشاهد العدام الرهيبة ,وأصوات إخوة قشقوش ..أقصد إخوة مقتدي
ينادون باسم مقتدي ...مقتدي ,وصدام في لحظاته الخيرة يهزأ بهم .
أرادت أمريكا ونظام الحكم العميل في العراق ,إسكات صوت المقاومة بإسكات صوت صدام
ومحوه من الحياة ..وإن هذه المقاومة تدافع عن صدام ..إنها تدافع عن أرضها وحضارتها
ومياهها وبترولها المنهوب وأموالها .
مشهد العدام زلزل حمدي وهو يشاهد التلفزيون في بيته هو وابن البهلول ,وقال له ابن
البهلول :
-أنت شفت يا أستاذ حمدي فيلم إعدام ميت إنهم يعدمون رجل مات ألف مرة
عندما دخلوا بغداد .
فضحك حمدي
140
-احنا برضه بنعرف نتكلم
كان كل منهما حزينا لتنفيذ حكم العدام في هذا اليوم بالذات وبحضور مقتدي الصدر وأتباعه
إذ لم يكن في حضور رئيس وزراء إسرائيل ورئيس أمريكا نفسه تشفيا في العرب والمسلمين .
-دا موضوع كبير يا بن االبهلول تعديلت لفة علشان يلفوا الحبل علي رقابنا .
القضاة يراقبون النتخابات ..المن يقف علي البواب ..يمنع دخول الخوان ,القضاة
يتذمرون .تتذمر سيأتي لك يوم ..لن نعدل القانون سنعدل الدستور نفسه ,يمنع القضاة من مراقبة
النتخابات ..وكأنه يقول عايزين تعملوا قضاة علينا نحن الذين نقوم بتعينكم .
زورونا في دار الرقم للكمبيوتر والموبايل ,يوجد جميع كروت الشحن وجميع أنواع الهاتف
المحمول والكمبيوتر بالتقسيط المريح مع تحيات الخوة قشقوش زليط ومليط
يفضل شعاع النور يطلع لبعد مدي جايز ظلم الليل يبعدنا يوم إنما
-الدستور يابن البهلول أبو القوانين ...الدستور يأمر وينهي ...الدستور يا بن
البهلول يكفل لكل مواطن حقه في الحياة الكريمة ...كل دساتير الدنيا قامت
علي هذا الساس ..الدستور الفرنسي أبو الدساتير ,
-وأنت داخل علي الناس في بيتهم تقول دستور يا سيادنا ..يقولوا لك دستورك
معاك ,فضحكا معا واستطرد حمدي
141
-الدستور هو اتفاق شعب علي طريقة حياة ..فيوضع الدستور وفقا للمعايير
الخلقية والدينية في هذا المكان بقوانينه الصارمة التي تنظم هذا التفاق ..ومن
يتعد الحدود التي رسمها الدستور ينال عقابه الصارم أيا كان منصبه فهو يحدد
العلقة بين الحاكم والمحكوم ..ولكن يبدو أن دستورنا اليوم يشبه ( الستك
المطاط ) يطول ويقصر حسب الطلب ..الدستور أبو القوانين ول أحد يعلو
فوق القانون ..الدستور يمنع التفرقة بين الناس أمام القانون ..ويمنع الناس من
التعالي علي بعضهم فل يوجد قانون خاص لهؤلء المتأففين الذين يتعالون علي
الناس ويمشون في الرض مرحا ..ففي ظل الدستور ل تجد من يقول لك أنت
مش عارف بتكلم مين ؟ التي انتشرت أخيرا ,فمن أنت ؟ وماذا تعمل ؟ ومن
الذي أعطاك هذه الرتبة الفريدة ؟ هل ولدت هكذا ؟ وكيف أخذت رتبتك فالرتبة
يمنحها الناس لمن يقوم بخدمتهم فخادم القوم سيدهم ..لأعتقد أن الدستور
أعطي الحق لهؤلء ..ل نعرف بلد من هذا ؟ ومن الذي يحكم ؟ ومن الذي
يعطي ؟ ..من يستحق ومن ل يستحق؟ ..من القاضي ومن الجلد , ..
اتركوا بشرها يعيشون أو اقتلوهم ..يبدو أنهم ل يستحقون إل القتل ...
فسكت حمدي وطال صمته فنظر إليه ابن البهلول وقال :
-أكمل يا أستاذ ...ما بك يا أستاذ ,مالت رقبته وجحظت عيناه فصرخ ابن البهلول
صرخة مدوية دامية .
142