You are on page 1of 39

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة في تطور الفكر الغربي‬


‫والحداثة‬
‫الميد ل الرحني الذي علمنيا القرآن وفضلنيا باليان ورضيي لنيا دينا خيي‬

‫الديان ‪ ،‬وصلى ال وسلم وبارك على عبده ورسوله سيد ولد آدم نب الرحة ونب‬

‫اللحمة ممد بن عبد ال وعلى آله وصحبه أجعي ‪ ،‬وبعد ‪:‬‬

‫فإن ال تعال قدر أن يكون لذه القارة الصغية ذات البيئة القاسية ( أوربا ) أثر‬
‫كبي ف تار يخ الما عة البشر ية كل ها وأن تتول قيادة ر كب الغوا ية ف صراعه‬
‫البدي ميع ركيب اليان الذي قدر ال أن يكون معتصيمه بلد التيي والزيتون‬
‫وطور سيني والبلد المي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫والستكبار على ال والشرود عن دينه الذي بلغت به الجتمعات الغربية‬


‫العاصرة غايته ل يأت عرضا وإنا هو وليد قرون من الصراع والتخبط ث الموح‬
‫والتمرد ‪ .‬فقد كان منبت الضارة الوروبية من القاع الذي اجتمعت فيه رواسب‬
‫الضارات الاهلية البائدة ( سومرية ‪ ،‬آشورية ‪ ،‬فرعونية ‪ ،‬إغريقية ‪ ،‬رومانية )‬
‫بعد تصفية كل تلك الضارات من آثار النبوة وبقايا الرسالت حيث استبعدت أو‬
‫طمست أية إشارة إل توحيد ال عز وجل وإل رسله الكرام وكتبه النيزلة‬
‫‪2‬‬

‫‪ 1‬أما ف سابق الدهر فمعروف تاريخ هذا الصراع لسيما منذ بزوغ فجر السلم وأما مستقبله فالحاديث الصحيحة ف اللحم مع الروم‬
‫تشهد له وهي ف الصحيحي وسائر كتب الشراط والفت واللحم ‪ ،‬وف كل الالي ‪ :‬الروم هم العتدون على أتباع النبياء‪.‬‬
‫‪ 2‬اقرأ التاريخ العام للحضارات كما يصوره الفكر الغرب فهل تد ف تاريخ مصر الفرعونية ذكرا لوسى عليه السلم وقومه رغم الديث‬
‫الطويل ف التوراة عنهم ؟ ‪ ،‬واقرأ تاريخ الشوريي فهل تد ذكرا ليونس عليه السلم ؟ ‪ ،‬واقرأ تاريخ الفينيقيي والثيي فهل ترى ذكرا‬
‫للياس عليه السلم ؟ ‪ ،‬بل إن إبراهيم عليه السلم ل يكاد يذكر ‪ ،‬وأما بشأن نوح عليه السلم فنجد الديث عن الطوفان ول ند لنوح‬
‫ورسالته ودعوته من ذكر !!‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬
‫‪2‬‬

‫ونفض الغبار عن الوثان القدية وشرك القرون الول ونُقّب عما طمره الدهر من‬
‫أساطي وأصنام وضللت وجهالت ‪.‬‬
‫ذلك أنه ف ظل الضارة الاهلية الخية ( الرومانية ) اعتنقت أوربا نصرانية "‬
‫بولس " النسوبة زورا إل السيح عليه السلم حينما أعلن ذلك المباطور‬
‫قسطنطي سنة ‪ 325‬م وانتقلت عاصمة المباطورية من روما إل بيزنطة‬
‫(القسطنطينية ) ويشاء ال تعال أن يلي ذلك مرحلة مفجعة من تاريخ أوربا الغربية‬
‫وهي الرحلة المتدة من سنة ‪410‬م (أي تاريخ سقوط روما بأيدي البابرة) إل ‪1210‬م‬
‫( أي تاريخ ظهور أول ترجة لكتب أرسطو ف أوربا ) ثانية قرون كاملة من التيه‬
‫والضلل اصطلح الؤرخون الغربيون على تسميتها ( أو جزء منها ) عصور‬
‫الظلمات وأفاضوا ف الديث عن النطاط الكامل حينئذ ف الثقافة والعلم والفن‬
‫وكل جانب من جوانب الياة إل جانبا واحدا شذ عن ذلك وهو الدين حيث‬
‫توغلت النصرانية ف المالك الببرية الوثنية وكان ذلك العصر هو العصر الذهب‬
‫لنتشار النصرانية ف أوربا كلها وأسست كنائس وأنظمة رهبانية جديدة ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫تطيت أوربا بانتقال العاصمة من روما إل القسطنطينية الذي أعقبه الجتياح‬


‫الببري الكبي لروما والمباطورية الغربية وحدث هذا التناقض الاد = انيار‬
‫كامل حضاريا وعلميا وانتشار هائل دينيا !!‬
‫وهذا ما أدى لن ياهر بعض الؤرخي (ومنهم أكب الؤرخي لتلك الفترة‬
‫قاطبة ‪ :‬ادوارد جيبون ) بالقول إن سبب انيار المباطورية الغربية هو تولا من‬
‫الوثنية إل النصرانية ‪ ،‬وبالطبع ل تقل الشعوب الوربية حينئذ مثل هذا ولكن ف‬
‫(( اللشعور )) ارتبطت الوثنية بالضارة والقوة وارتبط الدين بالزية والنطاط ‪،‬‬

‫‪ 1‬مثل الكنائس والطرق الرهبانية الت أسسها ( بندكت ‪ ،‬كولومبس ‪ ،‬بونيفاس ‪ ،‬برنارد ‪ ،‬دوميونيك ‪ ،‬فرانسيس ) وكلها طرق مبتدعة‬
‫ما أنزل ال با من سلطان ول عرف مثلها السيح والواريون ‪.‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬
‫‪3‬‬

‫وهو ما كان له آثار بعيدة الدى ف علقة أوربا بالدين ‪ .‬أعن دينها أما السلم‬
‫‪1‬‬

‫فإنه لا كان الرومان عامة يعدون كل ما عداهم من الشعوب برابرة ولا كان‬
‫البابوات ورجال الكنيسة يعدون السلم وثنية فقد اتفق الوردان ف النظرة القاتة‬
‫إل العال السلمي وامتيزجت العنصرية القدية بالقد الدين الديد ‪ .‬مع أننا لو‬
‫انتقلنا إل واقع الياة السلمية حينئذ وعقدنا مقارنة بي الديني والضارتي‬
‫لوجدنا البون شاسعا والفرق بعيدا ‪-:‬‬
‫‪ –1‬ل يكن لدى أوربا مركز حضاري يكن أن يسمى "مدينة"بالفهوم‬
‫السائد عن الدن فيما بعد ‪ .‬وأكب ما كانت تعرفه هو ( بيزنطة وروما‬
‫) اللتان ل تكونا سوى قريتي متأخرتي إذا قورنتا بالدن العالية آنذاك‬
‫( بغداد ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬القاهرة قرطبة …ال ) ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪-2‬ل يؤلف ف أوربا خلل تلك القبة الطويلة كتاب علمي على‬
‫الطلق ف حي ند الواحد من علماء السلمي يكتب العشرات وربا‬
‫الئات من الصنفات ف فنون العرفة جيعها ‪.‬‬
‫وإذا كانت أوربا تعد ظهور ترجة كتب أرسطو بداية الروج من عصر‬
‫الظلمات فإن الفضل عليها ف ذلك يرجع إل رجل ليس أوربيا ول نصرانيا‬
‫بل هو ابن رشد التوف سنة ‪1198‬م ‪.‬‬
‫ومن هذا النطلق العنصري وبتلك الرواسب الاهلية انتقلت أوربا ببطء –‬
‫ف مرحلة مفعمة بالفاجئات والنكسارات الادة ‪-‬من عصر الظلمات‬

‫‪ 1‬وعلى العكس تاما كان السلم أعظم نقلة ف تاريخ العرب وغيهم نقلتهم من الظلمات والنطاط إل النور والتقدم ف كل شيء‬
‫ولكن العلمانيي العرب يتعامون عن هذا ‪ ،‬دع الغربيي فما على عدو ملم ‪.‬‬
‫‪ 2‬ل يزال التعصب والعنصرية يريان ف عروق الفكرين الغربيي حت أن بول كيندي عندما عدد الدن العالية ف العصور السابقة ذكر‬
‫بعض مدن الضارتي الغريقية والرومانية ول يذكر مدينة إسلمية واحدة (مستقبل القرن الادي والعشرين ص من الصل النليزي )‪.‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬
‫‪4‬‬

‫الببري إل عصر الظلمات الصناعي وصولً إل الرحلة العاصرة من الظلمات‬


‫التراكمة السماة = عصر ما بعد الداثة ‪.‬‬
‫واستمر القدر اللي أل تعتنق أوربا السلم { وما كان‬
‫لنفس أن تؤمن إل بإذن الله ويجعل‬
‫الرجس على الذين ليعقلون } هذا مع أن أساس‬
‫نضتها كان إسلميا وأن العربية كانت لغة العلم فيها إل القرن الثامن عشر‬
‫وأن جامعاتا إنا قامت ماكاة للجامعات السلمية ‪.‬‬
‫وليت المر وقف عند هذا الد غي أن ما فعلته أوربا كان أفظع من مرد‬
‫التعصب لوثنيتها وترك الهتداء بدى ال ‪ ،‬فقد تعدى ذلك إل العدوان‬
‫العسكري التواصل أبدا على السلم وأهله والوقوف الدائم مع كل عدو لم‬
‫وإن كان عابد حجر أو بقر !! ‪.‬‬
‫لقد كان إجحافا أن تنظر أوربا للمسلمي النظرة إل البابرة (( القوط ‪،‬‬
‫النورمانديي ‪ ،‬الفايكنج )) بل أدن اختلف لكن أنكى منه أن تتداعى القارة‬
‫طولً وعرضا شرقا وغربا وتب هبة رجل واحد لتحرير الراضي القدسة من‬
‫البابرة الدد – زعمت ‪!! -‬‬
‫وهكذا كانت الملت الصليبية ‪ ..‬وكانت الصدمة الضارية الت ل تنسها‬
‫أوربا لظة واحدة من عمرها ‪-:‬‬
‫•أوربا الت ل تعرف الدن تاصر مدنا هي صغرى ف‬
‫ميط الضارة السلمية لكن بعضها يبلغ عشرة‬
‫أضعاف روما عاصمة التحضرين القدسة !!‬
‫•أوربا الت ل تعرف العلم قرونا بل ل تعرف كتابا إل‬
‫النيل ول قارئا إل القسيس تذهل للمكتبات الائلة‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬
‫‪5‬‬

‫الت تتيزنا هذه الدن الصغرى من عامة وخاصة وف‬


‫كل فنون العرفة من الفلك إل النقد الدب !!‬
‫•أوربا الت ل تستطيع أن تستغفر ربا أو تصلي له أو‬
‫تقدم له قربانا إل بتوسط البابا وكهنته ول تستطيع أن‬
‫تقرأ كتابا القدس ول تفسره أو تترجه إل لغة حية تد‬
‫كتاب ال الخي (( القرآن )) ف الشرق السلمي‬
‫التحضر تتلوه الليي ف الساجد والبيوت والكل يعبد‬
‫رب العالي بل واسطة ملوق ‪.‬‬
‫• أوربا الت يعيش ‪ % 99‬من أهلها عبيدا ورقيق أرض‬
‫وفلحي ل يستطيع أحدهم أن يتنفس الواء خارج‬
‫إقطاعيته وإن حاول ذلك كان عقابه الكي بياسم‬
‫عريضة تطبع العبودية على جبينه مدى الياة – تد‬
‫الناس ف الشرق السلمي يعيشون ويتنقلون أحرارا ف‬
‫أرض ال الواسعة من الحيط الادي إل الحيط‬
‫الطلسي ويتاجرون مع جنوب أفريقية والدول‬
‫السكندنافية وربا مع جزر الكاريب !!‬
‫•أوربا الت كان أفضل نوذج لوحداتا الدارية هو‬
‫حكومات "الكوميون" ف إيطاليا تد الشرق السلم‬
‫يعيش أرقى النظم الدارية ف مالك تبلغ مساحتها‬
‫مساحة القمر !!‬
‫•أوربا الت يكمها الباطرة حكما استبداديا مطلقا‬
‫ويعتقد الرعايا أن القيصر من نسل اللة وأن ال هو‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬
‫‪6‬‬

‫الذي أعطاه هذا الق قدرا وشرعا وأورثه لسللته‬


‫القدسة تفاجأ بالسلمي وسلطينهم من الترك تارة ومن‬
‫الكرد أخرى ومن الماليك ثالثة والكل بشر ف نظر‬
‫سائر البشر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫•أوربا الغارقة ف المجية والوحشية الت ترق الخالفي‬


‫وهم أحياء وتتفنن ف تعذيب النشقي وإذلل القهورين‬
‫ول تعرف عهدا ول ميثاقا تبهرها الخلق السلمية‬
‫ف الرب والسلم سواء ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫•أوربا الت ما كانت تسب العال إل أوربا والت تسمي‬


‫الوصول إل شيء من أطراف الشرق اكتشافا [ وظلت‬
‫‪3‬‬

‫هكذا إل القرن التاسع عشر ] فوجئت بالسلمي‬


‫يوبون الدنيا شرقا وغربا تارا ورحالة ودعاة – بكل‬
‫تواضع وهدوء – لقد وصلوا إل أجزاء من شال أوربا‬
‫قبل أن تعرفها أوربا نفسها هذا عدا العال الشرقي الائل‬
‫السعة بالنسبة لا برا وبرا ‪،‬وما الساجد الت اكتشفت‬
‫‪4‬‬

‫‪ 1‬ظهر ف العال السلمي من يدعي دعوى أباطرة أوربا وبابواتا كالعبيديي التلقبي "الفاطميي" وأشباههم ولكنهم كانوا منبوذين من‬
‫عامة المة لن نور الكتاب والسنة جعل العامة من السلمي أرقى فكرا من كثي من فلسفة اوربا الذين يؤمنون بذه الساطي مثل ما‬
‫كان يعتقد هيجل ف طواغيت بروسيا !!‬
‫‪ 2‬حسب أي منصف أن يرى كيف يعيش النصارى ف مصر والشام وغيها حت يومنا هذا مع أنم منذ الفتح السلمي ف القرن الول‬
‫حت الن ليسوا سوى أقلية ضئيلة ف ميط إسلمي كبي ويقارن ذلك بالبادة الستأصلة الت نيزلت بسلمي الندلس على يد أوربا‬
‫النصرانية ف العصر السمى عصر النهوض !!‬
‫‪ 3‬انظر مثلً كتاب " اكتشاف جزيرة العرب " وقد أقر الحقق التسمية ل بلسان الال فقط بل بلسان القال وهذا حال من تقمص عدوه‬
‫وذاب ف حضارته !!‬
‫‪ 4‬هذه الفوارق – وغيها كثي – مع أن السلمي كانوا عند قوم الصليبيي مقصرين ف العمل بأحكام السلم والتمسك بقيقته وف‬
‫اعتقادي أن أوربا لو رأت أخلق النبوة التمثلة ف اليل الول الذي شهدته مستعمرات المباطورية البيزنطية لسلمت نفسها ل كما‬
‫فعل أولئك ولمن كثي من الصليبيي ولو قطعهم البابا إربا إربا ولكنها حكمة ال ف عقوبة هؤلء وإضلل أولئك ‪.‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬
‫‪7‬‬

‫ف جزر الكاريب وصرخ كولبس حي رآها ((يا إلي!!‬


‫حت اليابان فيها مساجد؟!!)) إل أحد الشواهد الثابتة‬
‫على هذا ‪.‬‬
‫•أوربا الت كانت تتداوى بركبات من الروث والبول‬
‫وأشلء الشرات اليتة تفاجأ بالعال السلمي زاخرا‬
‫بالستشفيات والعامل القائمة علة منهج التجربة و‬
‫الستقراء مع البة والدس ‪ ،‬ف التشريح والتشخيص‬
‫والراحة وتركيب الدواء وكل ذلك مدون ف‬
‫موسوعات ضخمة ظلت الصدر الول لنهضة الطب‬
‫الديث‬
‫ول تزال رافدا متجددا له‬ ‫‪1‬‬

‫وإجالً ‪ :‬ولدت أوربا ولدة جديدة ووجد لديها لول مرة ف تاريها الشعور‬
‫بأنا أمة واحدة تواجه عدوا أبديا هو السلم ‪ ،‬وكانت طفولتها ف ذلك العصر‬
‫الذي سي عصر النهضة أو النبعاث الذي تعمّدت ألّ تعله يبدأ تارييا بعرفة‬
‫الدين الربان واكتشاف حضارته العظمى بل بلحظة البار العكسي إل الاهلية‬
‫الغريقية واكتشاف أرسطو ‪.‬‬
‫إن ولدة أوربا ف ظل الروب الصليبية وشعورها بذاتا من خللا هو الذي‬
‫يفسر تلك التناقضات الصارخة الت يعيشها الفكر الغرب متمثلة ف هذه العادلت‬
‫الصعبة ‪-:‬‬

‫‪ 1‬عندما سقطت الندلس ف يد فرديناند دايزبيل أصدر أمرا بدم كل المامات وسنت الكنيسة قانونا يعتب الغتسال عادة إسلمية وقرينة لحاكم التفتيش على أن‬
‫فاعله ل يتنصر على القيقة ‪ .‬وف ظل هذا الكم الكاثوليكي ازدهرت تارة البول البشري للتداوي به ‪ ,‬فقد كان الغرب مبهورا بالضارة الندلسية لدرجة أن أبوال‬
‫الناس ف الندلس هي أفضل أنواع الدواء !!‬
‫((كل هذا فصله أحد الستشرقي السبان العاصرين ‪ .‬ولعل ال يهئ لخراج مادة عن هذا الوضوع الصارخ الدللة))‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬
‫‪8‬‬

‫•تعصب صليب على السلم من بطرس الناسك إل‬


‫كلوس يوازيه داخليا ترد كامل على دين الصليب ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫•إزدراء مطلق للعصور الوسطى باعتبارها عصور إيان‬


‫يوازيه تيز فاضح لا إذا قورنت بنظيها التاريي ف‬
‫السلم !!‬
‫•الكم بالسذاجة والبدائية على الفكر الغريقي باعتباره‬
‫نقطة البداية ف مسية الضارة الغربية يوازيه الكم عليه‬
‫بالعظمة والبداع بالنسبة للحضارة السلمية ‪.‬‬
‫ولقد صدق أحد الفكرين الغربيي حي قال ف وصف هذه الالة‬
‫من التناقض (( كانت أوربا تعبد أرسطو وتلعنه ف آ ٍن واحدٍ )) وهو التناقض الذي‬
‫يدفع السلمون ثنه للحضارة الغربية إل الن ‪.‬‬
‫ولئن كانت كتب أرسطو بنيزلة الكوة الصغية الت نفذت منها أوربا ف‬
‫انفلتا من سجن الكنيسة الظلم فإنا ل توصلها إل بر المان بل إل نفق الاهلية‬
‫الغريقية الت ل ترج منه إل إل صحراء القلق والضياع الت يصطلي النسان‬
‫الغرب العاصر بلهيبها ‪.‬‬
‫ومع أننا ل ننسى إطلقا مسؤولية المة السلمية ف كل ما حدث ويدث فإننا‬
‫سنتجاوز هذا لننظر نظرة مردة كيف أصبح الوليد عملقا ماردا ‪ ،‬أي كيف‬
‫تشكلت أوربا الديثة ؟‬
‫وللجابة الجالية على هذا نقول ‪-:‬‬
‫إن هناك اتفاقا عاما لدى مؤرخي الفكر الوربيي على أن النهضة الوربية‬
‫قامت على دعائم ( أو حركات ) ثلث ‪-:‬‬

‫المي العام للف الناتو الذي قال بكل وضوح إن العدو الذي يعمل اللف لواجهته بعد سقوط التاد السوفيت هو السلم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬
‫‪9‬‬

‫‪)1‬النيزعة النسانية (( ‪ )) Humanism‬وإحياء الداب القدية ( أي‬


‫النتكاس للجاهلية الغريقية ) ‪.‬‬
‫‪)2‬حركة الصلح الدين ‪.‬‬
‫‪)3‬النظرة التجريبية ‪.‬‬
‫وف كل هذه الركات ند الثر السلمي ظاهرا يوازي – إن ل ييزد على‬
‫– الثورة العقلية الذاتية على خرافات الكنيسة والرغبة الفطرية ف التحرير من‬
‫ظلمها واستبدادها ‪ .‬ومع هذا التوازي ف الدوافع والسباب استطاعت أوربا بدهاء‬
‫شيطان أن تتفظ بأسبابا الذاتية وتدها إل نايات بعيدة أما الط الخر فأسدلت‬
‫عليه حجبا كثيفة من الهال والتناسي ‪.‬‬
‫فالنيزعة النسانية مدينة كليا للحضارة السلمية ول ينحصر ذلك ف الثر الدب‬
‫[ إقتباس أبرز مثليها وهو دانت من أب العلء وابن طفيل ] ‪ ،‬بل يشمل العصر كله‬
‫ح ت أن ال مباطور فردر يك الثا ن و هو أ كب أباطرة القرون الو سطى بإطلق ‪،‬‬
‫ويعتب لدى بعض الفكرين أول الحدثي ورائد النهضة ‪،‬كان يتكلم العربية وكان‬
‫بلطه عرب العلم واللسان حت أنه حينما قابل اللك الكامل اليوب للصلح ل يتج‬
‫إل مترجم ‪ ،‬ولذا اتمته الكنيسة بالسلم وسته "الزنديق العظم " !! ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫أما حركة الصلح الدين فلم تولد مع " لوثر " و " كالفن " بل لا جذور‬
‫عميقة الصلة بالسلم ل يستطيع أي باحث أورب أن يغفلها مهما قلل من شأنا ‪،‬‬
‫ومنها (( حركة تطيم الصور والتماثيل )) الت اجتاحت المباطورية البيزنطية ف‬
‫أوائل القرن الثامن اليلدي – أي بعد قرن تقريبا من ظهور السلم ‪ ، -‬ومن آمن‬
‫بذلك وأصدر مرسوما عاما به المباطور " ليو الثالث " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 1‬انظر كتاب جايديس ( الزنديق العظم ) معرّب ‪.‬‬


‫‪ 2‬واستمرت الركة إل عهد المباطورة " إيرين " الت كانت معاصرة لارون الرشيد – رحه ال – حيث انتصرت الدعوة إل الوثنية‬
‫وأقر ممع " نيقية " الثان سنة ‪787‬م التماثيل والتصوير ‪ ،‬وهكذا أغرقت أوربا ف الوثنية ول تزال ‪.‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪10‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫صحيح أن التوراة حرمت ذلك ولكن الكنيسة أحلته فيما حرفت من شريعة ال‬ ‫‪1‬‬

‫ووصاياه ‪ ،‬وكل ما فعلته تويل الناس من تصوير العظماء الدنيويي إل تصوير‬


‫السيح وأمه والقديسي عندها ‪.‬‬
‫أما التجريب الذي تعزى إليه نضة أوربا العلمية عامة فإن باعثه الظاهري هو‬
‫التساؤل العقلي الذي افترقت عليه الفلسفة القدية ‪ ،‬وهو ‪ :‬أيهما أصدق الفكر‬
‫الجرد أم التجربة السية ؟ ‪.‬‬
‫ول يكن صعود " جاليليو" إل البج وإسقاط جسمي متماثلي ف الوزن إل‬
‫تدليلً على بطلن قول " أرسطو " ف ذلك ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومن هنا فإن الفكر السلمي (السن خاصة) الذي رفض أرسطو رفضا مطلقا‬
‫ودعا – وفقا لصريح القرآن – إل نبذ تقليد السالفي ‪ ،‬والتأمل ف ملكوت‬
‫السماوات والرض والنظر ف آيات ال الفاقية والنفسية هو أصل تقدم النسانية‬
‫الال كلها ‪ ،‬وما فعله " جاليليو " بالنسبة لركة الجرام السماوية ما هو إل جزء‬
‫من الثر السن الذي شل العال وصرع النطق الصوري الغريقي ف الشرق قبل أن‬
‫تتخلص أوربا منه بعدة قرون ‪.‬‬‫‪3‬‬

‫وعلى أية حال انطلقت أوربا ف نضتها بعيدا عن الدين وسوف نتتبع خط‬
‫سيها مقتصرين على الانب القصود بالذات وهو (( الدب والفن )) الذي‬
‫تنعكس على صفحات ميطه التماوج الوجه التعاورة لوربا ف مراحلها التاريية‬
‫التتالية ‪.‬‬
‫‪ 1‬ف سفر اللّويي الصحاح التاسع عشر (( أنا الرب إلكم ‪ ،‬ل تلتفتوا إل الوثان وآلة مسبوكة ل تصنعوا لنفسكم )) ‪ ،‬وف‬
‫الصحاح السادس والعشرين (( ل تصنعوا لكم أوثانا ‪ ،‬ول تقيموا لكم تثالً منحوتا أو نصبا ‪ ،‬ول تعلوا ف أرضكم حجرا مصورا‬
‫لتسجدوا له )) ‪ ،‬ونوه ف سفر اللوك الول الصحاح الرابع عشر ومواضع كثية من أسفار النبياء ‪.‬‬
‫‪ 2‬يرى أرسطو حسب النظر العقلي الجرد أن أثقل السمي يقع على الرض أولً ف حي أثبت جاليليو بالتجربة وصولما معا ‪ ،‬وبذلك‬
‫تبي أن عوامل غي الكثافة (( فراغ الوسط أو تلخله ))هي الؤثرة ف سرعة السقوط ‪.‬‬
‫‪ 3‬رغم الثورة العنيفة ف الفكر الورب على منطق أرسطو ل يستطع أي فيلسوف أورب ول ( هيجل ) أو ( جون مل ) أن يكتب ف‬
‫نقض النطق مثلما كتب شيخ السلم ابن تيمية – رحه ال ‪ ، -‬وأن لم ذلك !‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪11‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫كان جود الداب جزءا من المود الطلق ف ظل الكنيسة حيث كان العلم‬
‫(وبالصح معرفة القراءة والكتابة ) منحصرا ف رجال الدين ‪ ،‬وأسوأ من ذلك أنه‬
‫كان بلغة ميتة " اللتينية " وهي لغة معقدة السلوب والقواعد ف حي كانت‬
‫أوربا تتكلم لجات كثية متباينة ‪.‬‬
‫أما العايي الفنية للدب والبلغة والشعر والسرح فكلها مصفّدة بآراء أرسطو‬
‫ونظرياته ‪ ،‬وغاية العبقرية والبداع والتجديد أن يستنبط الديب أو الناقد من كلم‬
‫أرسطو شيئا أو يفرع عليه آخر ‪ ،‬أما الروج عليه فهو الحال ‪.‬‬
‫فاللحمة ( وهي الت ينعى الوربيون على أدبنا العرب خلوّه منها ) ظلت خلل‬
‫القرون الوسطى والعصر الديث مكومة بتلك القواعد التيزمتة والتقاليد الثابتة‬
‫ومنه ضرورة الستهلل بالتضرع إل ربات الشعر مثل " كليوب " ‪ ،‬فالشاعر‬
‫الغريقي هو "ميوس" يتضرع إليها ف ملحمته وكذا تضرع صنوه "هزيود" وعلى‬
‫أثرها ند "دانت" السيحي يتضرع إل "أبولو" ( إله الشعر ) ف الكوميديا وكذلك‬
‫تضرع "ميلتون" إل "أورانيا" (ربة علم الفلك ) ف ملحمته "الفردوس الفقود" !!‬
‫تعال ال عما يشركون ‪.‬‬
‫وف الشعر ند التقيد الطلق با ورثه القدماء ف الضمون والشكل ومن ذلك‬
‫اللتيزام بالقاطع وعدد البيات ف كل مقطع وعدد التفعيلت أيضا أما النقد‬
‫فكان ما قرره أرسطو هو العيار الدقيق ‪ ،‬وكانت الحاكمات الدبية تتخذ كلمه‬
‫دستورا ‪.‬‬
‫وهكذا ل تكن الكلسيكية إل تعبيا واضحا عن اعتقاد أوربا الكمال الطلق‬
‫لعمالقة الفكر الغريق وعلى رأسهم أرسطو ‪.‬‬
‫والهم أن أوربا النصرانية قدست اللتينية تقديسها للنص الدين نفسه ‪ ،‬وقدست‬
‫معايي أرسطو الفنية تقديسها لعلم الكلم الكنسي النقول عن الفكر الغريقي ‪.‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪12‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫ومن هنا كانت الركة الدبية التحررة موصومة منذ البداية باللاد والزندقة ‪،‬‬
‫وكان لبد لدعاتا من التسلح بقدر كبي من الغامرة والرأة ‪.‬‬
‫إنه ليس تررا من القيود الدبية ولكنه ترر من القبضة الكنسية الائرة ‪.‬‬
‫وكانت الزحزحة الول حيث ظهر حدثان أدبيان كبيان ‪-:‬‬
‫أولما ‪ " :‬الكوميديا اللية " للشاعر اليطال دانت ‪1321‬م أبرز رواد عصر‬
‫النهضة ( معه ‪ :‬بتراك ‪ ،‬دافينشي ‪ ،‬تشوسر ‪ ،‬مايكل أنلو ) ‪ ،‬وبذلك سجلت‬
‫أوربا كما يقول برتراند رسل ‪ :‬وثيقة التحرر الول !!‬
‫أما وثيقة التحرر الخرى ‪ - :‬وهي أعظم من الول – فكانت على يد الصلح‬
‫الكنسي "مارتن لوثر" ذلك التدين الثائر الذي هاله ما رأى من فظائع البابوية‬
‫فكتب وثيقة الحتجاج الشهورة سنة ‪1517‬م وجعلها خسة وتسعي بندا وعلقها‬
‫على مدخل كنيسة ويتنبج ‪ ،‬وليست هذه هي وثيقة التحرر الت نريد هنا ولكنها‬
‫انبثقت منها ‪ ،‬فقد ترجم لوثر النيل إل اللغة ( اللهجة ) اللانية الدارجة وكانت‬
‫أوربا قد عرفت الطبعة لول مرة على يد جوتنبج اللان فكانت طباعة النيل‬
‫مترجا بلغة غي اللتينية هي الوثيقة الدبية الم وإن شئت فقل هي (البيان الداثي‬
‫الول) إل أن أحدا من الناس حينئذ ل يطلق على هذا اسم الداثة " موديرنيزم "‬ ‫‪1‬‬

‫بصطلحها الدب ‪ ،‬ذلك أن اللف بي لوثر والكنيسة أكب من أن يكون ف‬


‫الدب أو اللغة ‪.‬‬
‫وظهر بعد اللوثرية مذاهب وألوان دينية جديدة لسيما ف القرن السابع عشر‬
‫وكان من أهم أسباب ظهورها انتشار النيل بلغات حية كثية فدخل الميع من‬
‫الباب الذي فتحه لوثر ومنها ( الكالفينية = كالفن ) ( الزويت = اجناثيوس )‬

‫‪ 1‬هذا الرأي الذي نقوله يبدو مالفا للسائد ف تاريخ الداثة عند كثيين لكن ل جرم أن البدايات الفكرية دائما موضع اختلف على‬
‫أن من تأمل مليا ظهرت له وجهة نظرنا ‪ .‬انظر مثلً "حكمة الغرب" ‪ :‬براند رسل ‪ ،‬ترجة فؤاد زكريا ‪ 1983 ،‬م الكويت ‪ ،‬ص ‪– 17‬‬
‫‪. 42‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪13‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫(الكويكرز = جورج فوكس ) ( الويزلية = جون ويزل ) ومع أنا اتهت كلها‬
‫تقريبا لحاربة الكنيسة الكاثوليكية أو مالفتها فقد برزت ف القابل ماولت‬
‫لعادة الوحدة الدينية لوربا ‪.‬‬
‫ولكن حدث ف الرحلة التالية من الدواهي ما أذهل الكنائس جيعها وأنساها‬
‫شيئا من اللفات فيما بينها وأن شئت فقل غمرها إل حي ‪.‬‬
‫ونعن بذلك التحولت الكبى ف الياة الوربية الت يسمونا جيعا ثورات‬
‫وأهها ‪-:‬‬
‫‪-1‬الثورة العلمية ‪.‬‬
‫‪-2‬الثورة الفرنسية ‪.‬‬
‫‪-3‬الثورة الصناعية ‪.‬‬
‫ويهمنا الن الديث عن الول منها ‪-:‬‬
‫لقد كان العلم ( وبالدقة العلم ‪ +‬موقف الكنيسة الحق من العلماء ) يثل‬
‫الثورة الكبى الت نسفت خرافات الكنيسة وأطاحت بعرشها وقوضت وجودها‬
‫الطاغي إل البد ( كما نسفت ف الوقت نفسه أرسطو ونظرياته ف العلم والفن‬
‫والياة ) ‪.‬‬
‫وقد صدرت بيانات هذه الثورة تباعا ‪-:‬‬
‫نظرية كوبرنيق عن الجرام السماوية ‪1540‬م ‪.‬‬
‫تطوير النظرية على يد تيكو براهي ‪1575‬م ‪.‬‬
‫نظرية جاليليو ف الركة وصنع الرقب ‪1597‬م ‪.‬‬
‫قواني كبلر الثلثة ‪1620‬م ‪.‬‬
‫نظرية الاذبية وقواني الركة لنيوتن ‪1687‬م ‪.‬‬
‫أول نظرية كونية وضعها لبلس ‪1780‬م ‪.‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪14‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫وصاحب ذلك متأثرا به نظريات سياسية واقتصادية واجتماعية قدمت بيانات‬


‫مساندة للثورة ‪-:‬‬
‫‪-1‬الكيافيللية ف السياسة ‪ :‬مكيافيللي يؤلف المي سنة ‪1513‬م ‪.‬‬
‫‪-2‬ظهور الفلسفة الديثة على يد ديكارت ‪1650‬م ‪.‬‬
‫‪-3‬النظرية الطبيعية للدولة والجتمع "التني" هوبز ‪1679‬م ‪.‬‬
‫‪-4‬سبينوزا ‪1677‬م يؤسس مدرسة النقد التاريي للكتب النصرانية‬
‫القدسة وياهر بنبذ النصرانية ف السياسة والخلق والعتقاد‬ ‫‪1‬‬

‫بوحدة الوجود ‪.‬‬


‫‪-5‬تطوير نظرية هوبز وفلسفة ديكارت على يد لوك ‪1704‬م ‪.‬‬
‫‪-6‬فيكو ‪1744‬م ينادي بإحلل الوضع النسان مل الوحي اللي ‪.‬‬
‫‪-7‬آراء جديدة ف النطق ‪ :‬باركلي ‪1753‬م ‪.‬‬
‫‪-8‬رفض النصرانية واليان بالشك الطلق ‪ :‬هيوم ‪1776‬م ‪.‬‬
‫‪-9‬ولدة النظرية الرأسالية ف كتاب "ثروة المم " آدم سث ‪1776‬م ‪.‬‬
‫‪-10‬نظرية العقد الجتماعي وتقديس العاطفة ل العقل ‪ :‬روسو ‪1778‬م ‪.‬‬
‫‪-11‬فولتي ‪1784‬م ياهر بالكفر بالديان ويطالب بجتمع علمان ‪.‬‬
‫‪-12‬ديدرو ‪1784‬م والوسوعيون الفرنسيون يضعون دائرة العارف لتكون‬
‫بديلً عن الكتاب القدس ( كتبت بي عامي ‪. ) 1777-1751‬‬
‫وهكذا نكون قد اقتربنا من الثورة الثانية الت هي نتيجة لذه الول ‪.‬‬
‫ففي سنة ‪1789‬م حدثت الثورة الفرنسية فأضحت معلما فاصلً ل ف تاريخ الفكر‬
‫والدب فحسب بل ف التاريخ عامة ‪.‬‬

‫‪ 1‬ل يبق لدى الباحثي العاصرين شك ف أن سبينوزا – وهو يهودي أندلسي فر من الضطهاد الكاثوليكي بعد سقوط الدويلت السلمية بالندلس – قد بن‬
‫نظريته على الساس النهجي الذي وضعه ابن حزم ف "الفصل"‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪15‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫ومنذ عصر النهضة حت ظهور الثورة الفرنسية كانت " الكلسيكية " هي‬
‫السائدة على الدب الورب ‪.‬‬
‫وقيمة الدب الكلسيكي تتمثل ف مضمونه الخلقي والتيزامه الدرسي‬
‫وحديثه الدائم عما ينبغي أن تكون عليه الياة ‪.‬‬
‫فالنهايات الكلسيكية ( ف السرحية واللحمة سواء ) تأت دائما انتصارا للحق‬
‫والفضيلة ‪ ،‬إنه دعوة إل الكمة العملية لكنها ل تاطب الناس باسم الدين ضرورة‬
‫كما أنه كان ف جوانب منه ل يهدف إل أكثر من إعطاء أكب قدر من التعة‬
‫للقارئ ولو كانت متعة لغوية تقوم على أنواع الحسنات اللفظية وإثبات القدرة‬
‫على الذلقة ‪ ،‬وكان السرح من احتكار الطبقة الرستقراطية (اللوك والنبلء)‬
‫تفوح منه روائح العهر والفحش والباحية وغمزات دائمة للدين ورجاله‬
‫ونتيجة التغييات الطارئة وجريا على سنة التذبذب ف التاريخ الورب تول‬
‫الدب الورب من الكلسيكية إل نقيضها " الرومانسية " ‪.‬‬
‫والرومانسية هي ارتداد صوف ولكن موضوعه ليس الرب كما ف رهبانية‬
‫النصارى بل " الطبيعة " وهي ل تدف إل التوجيه العقلي للناس عن طريق حكمة‬
‫القدماء بل إل الشباع العاطفي الذي يعل الذات مور العال ‪.‬‬
‫إنا مزيج من اليأس الرهبان والروب من الواقع الذي كلما تقدمت العرفة‬
‫العقلية أظهرت أنه أكثر قتامة وكآبة ‪.‬‬
‫وهكذا كان مورها الدائم هو البؤس ‪ ،‬البؤس الدين كما ف " الفردوس‬
‫الفقود" أو البؤس الخلقي كما ف " البؤساء " أو البؤس العاطفي والنفسي‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫الذي عب عنه " روسو " !! ‪.‬‬

‫ملتون ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫فيكتور هيجو ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪16‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫فلئن كان الوربيون قبل اعتناق النصرانية يعبدون الجارة والشجار واليوان‬
‫والكواكب فإن الرومانسية الاربة من النصرانية قد جعت هذه الوثان جيعا ف‬
‫صنم واحد سته " الطبيعة " وجعلت مل التراتيل الكنسية تلك الشعار الوجدانية‬
‫الت تتعشق العبود الديد ‪ ،‬كما فعل رمزها الكبي روسو ف " راهب سافوي "‬
‫حقا وجد الفكر الورب ف الرومانسية راحة من الكد النطقي الذي أرهق‬
‫مفكري عصر النهضة وما بعدها نتيجة البحث العقيم ف الكليات والاهيات‬
‫والعلقة بي العقل والادة والتطلع اليائس إل معرفة كنه الشياء منطقيا ‪،‬‬
‫واستطلع اليتافيزيقيا أو ما وراء الطبيعة !!‬
‫كما وجدوا فيها مهربا من اللتزام بالعايي اللقية عامة ‪ ،‬واستطاعوا إحلل‬
‫العايي المالية الجردة ملها ‪.‬‬
‫كما كانت الرومانسية ملذا لولئك النفر الذين أزعجتهم الروب القومية‬
‫والدينية الت ل تدأ قط ‪ ،‬حيث فتحت لم مال تعويض الذات القانطة الغتربة ف‬ ‫‪1‬‬

‫صراع ليس لا له ما يبره عندها ‪ ،‬كما فعل " هنغواي " ف وداعا أيها السلح "‬
‫بعد حوال قرني ‪.‬‬
‫ث كان القرن التاسع عشر هو قرن التغيات الكبى ف كل مالت الياة‬
‫الوربية ‪-:‬‬
‫•الثورة الصناعية تعم أرجاء القارة حاملة الكوارث‬
‫الجتماعية مع التقدم الادي الكبي ‪.‬‬

‫‪ 1‬الرب هي شأن الضارة الغربية الدائم ومن أبرز المثلة عليها حرب الائة عام وهي ف الواقع أكثر ( ‪ 1453 – 1337‬م ) بي‬
‫فرنسا وبريطانيه ‪ ،‬أما السباب فكانت من التفاهة بيث تثي الشئزاز مثل تتويج طفل رضيع ليكون ملكا أو زواج أحد اللوك بلكة دولة‬
‫أخرى فينبتج عنه الختلف على ولية العهد ‪ .‬ناهيك با إذا اعتنق أحد اللكي مذهبا يالف الخر !! وهكذا فإن الشعارات الوفاء الت‬
‫ل يل الغرب من تكرارها عن السلم والستقرار ما هي إل تعبي عن الشعور بالذنب من تاريخ طويل ل يعرف الدوء ول المن ‪.‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪17‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫•الرأسالية بوجهها الكال تسيطر على أوربا وتفز‬


‫الوربيي للتنافس الضاري على خيات العال كلها‬
‫حيث كان العصر الذهب للتوسع الستعماري‬
‫والحتكار التجاري ‪.‬‬
‫•الثورات السياسية تتاح القارة مزلزلة بقايا القطاع‬
‫والنظمة اللكية‪.‬‬
‫•الفلسفة الثالية تسود القارة ( وخاصة ألانيا ) والذهب‬
‫النفعي يسيطر على إنلترا ‪.‬‬
‫•خارطة أوربا تشهد تغييات مفاجئة متلحقة‬
‫( إمباطوريات تسقط ووليات تصبح إمباطوريات ‪،‬‬
‫دول تنكمش وأخرى تتفي…) ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫•التعصب القومي يبلغ ذروته ( جذور الفاشية ‪ ،‬جذور‬


‫النازية ‪ ،‬الركة الصهيونية ) ‪.‬‬
‫•ظهور الركات التطرفة ( الاركسية ‪ ،‬العدمية ‪،‬‬
‫الفوضوية ) ‪.‬‬
‫ولعل أكب الحداث الفكرية ف أول القرن هو ظهور الفلسفة الوضعية الت‬
‫نادى با " كونت " ‪1857‬م دينا جديدا للنسانية ‪.‬‬
‫ث تلها البكان الذي تاوبت أصداؤه ف أناء القارة كلها وأحدث انقلبا‬
‫عاما ف الفكار والراء والعتقدات الت توارثتها أوربا – بل النسانية – قرونا‬
‫طويلة وهو البكان الذي فجره " داروين " ف كتابه " أصل النواع " الشتمل‬
‫على نظرية التطور العضوي والنتقاء الطبيعي ‪.‬‬
‫‪ 1‬وهذا شأن أوربا إل اليوم فخريطتها السياسية تتعرض لتحديث مستمر ل نظي له ف أي مكان من العال وف ذلك الدللة الكافية على‬
‫أنا أمم ل تعرف الطمأنينة والستقرار ل على الستوى النفسي ول على الستوى الجتماعي !!‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪18‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫وقد وصلت سيول المم الت قذفها البكان إل أرجاء العمورة كافة نتيجة‬
‫جهود عظيمة قام با أناس متعددو التاهات لكنهم متفقو الدوافع – على ما يبدو‬
‫– ومن أبرزهم اليهود الثلثة " ماركس ‪ ،‬فرويد ‪ ،‬دوركاي " وتبعهم بالطبع‬
‫‪1‬‬

‫جوع هائلة من الغررين ( أو السيين ! ) ف كل مكان ‪.‬‬


‫هذا الدث الذهل أثار حفيظة دعاة القدي وبالخص رجال الكنيسة‬
‫فاستجمعوا قواهم واستنجدوا بكل حيم وخاضوا معركة كان فيها حتفهم وانقشع‬
‫الغبار عن سقوط آخر قلع الكنيسة وخروجها كليا عن ميدان الصراع الفكري‬
‫العام واندحار الدعاة الخلقيي ودعاة اللتزام عامة ول يبق لم إل شراذم ف‬
‫( حزام النيل) وشبهه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وهكذا كان الغرور الائل الذي أوحت به النظرية ‪ ،‬والثقة ف التقدم الطلق ف‬
‫كل الجالت الذي أسهمت فيه الكتشافات العلمية الذهلة حينئذٍ ‪ ،‬وكانت ناية‬
‫الطاف ظهور النظرية النسبية ف أوائل القرن العشرين( ‪1905‬م )‪.‬‬
‫ونتج عن ذلك تنكر ميف للماضي بكل مافيه وقطع متعمد للواصر الرابطة به‬
‫وثورة شاملة على الخلق والتقاليد ‪ ،‬ل يسبق لا نظي من قبل ‪.‬‬
‫ف هذا الو الحموم تأرجح الدب واستقر ف اتاه مضاد هو " الواقعية " ‪.‬‬
‫والواقعية تعن أوضح ما تعن السقوط ‪:‬‬

‫‪ 1‬ورابعهم التفلسف العتوه " نيتشه " الذي استبطن عقيدة (( الشعب الختار )) فنادى بنظرية النسان العلى " سوبرمان " واستظهر‬
‫بالداروينية ليقول ابن الرب قد مات – تعال ال عما يقول الظالون علوا كبيا – وإنا كان اليت هو رب الكنيسة الذي ل وجود له إل‬
‫ف أذهان عبدة الصليب ‪ ،‬ول يقبل عقل نيتشه – إن كان بقي لديه عقل – أن يدعو نفسه وقومه إل دين السلم وهدي ممد صلى ال‬
‫=عليه وسلم بل دعا إل الجوسية وألف " هكذا تكلم زرادشت " وصدق ال تعال حي قال عنهم { يشترون الضللة‬
‫ويقولون هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيل ً }!!‬
‫‪ 2‬الوليات التعصبة ف النوب المريكي وهي ل تزال حت اليوم ترفض نظرية دارون وليس هذا هو الشكل ف ذاته ولكنها تقر أن ال خلق الكون كله حوال سنة‬
‫‪ 4000‬قبل اليلد – حسب تقاوي التوراة الختلفة !! وأشهر من دخل معهم ف صراع حول تدريس هذه النظرية الرئيس المريكي "كلينتون" حي كان حاكما‬
‫لحدى الوليات الذكورة ( انظر التفصيل ف كتاب ‪:‬بل كلينتون ) ومع هذا فالعلمانيون العرب ل يدون مثالً للتعصب الفكري والمود العقلي إل بعض الطباء‬
‫أو العلماء الذين يعترضون على الروايات الت تفيض بالزندقة واللاد سبا وشتما ل فكرا وبثا !!‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪19‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫السقوط من خيال الرومانسية إل أرض الواقع فالحور ليس الشاعر بل العامل‬


‫والفلح والوظف الصغي ‪.‬‬
‫والنيزول من برج اللغة العقدة التأنقة إل احتضان اللهجات البتذلة ‪.‬‬
‫والصراحة ف عرض ما يدور ف النفس النسانية بل مواربة فالبيبة هنا ليست‬
‫ملكا توم حوله الشواق الثالية بل هي جسد تظمأ له رغبات الوارح …‬
‫القضايا الكلية ليست ما يتعلق بقيقة الوجود وغاية النسان فيه وإنا هي الدف‬
‫اليومي للفرد العادي …‬
‫وعلى الستوى العام بقيت ف أوربا إل مطلع القرن العشرين بقايا من الوضاع‬
‫الجتماعية الوروثة وشيء من القيم الشاحبة ( السرة ‪ ،‬الرابطة القومية ‪ ،‬احترام‬
‫ظاهري للعهود والواثيق ‪ ،‬نوع من اللتزام بالبادئ الخلقية ) وهذه البقايا‬
‫عصفت با الرياح الوجاء الت حلت دخان الرب العالية الول إل أرجاء القارة‬
‫ومنها إل أطراف العال الخرى ‪.‬‬
‫وأسفرت تلك الرب – ما أسفرت عنه – عن انكسار حاد ف نظرة النسانية‬
‫إل مصيها وانقلبت الثقة والتفاؤل خيبة وتشاؤما ‪ ،‬وأفاق النسان الورب الخدر‬
‫بنشوة التقدم الطلق على الدافع وهي تدمر مع القلع والدن أحلمه بيوتيبيا‬
‫‪1‬‬

‫علمية إنسانية لقد كان فصلً جديدا من مسرحية التاريخ الورب حيث اختفى‬
‫مشهد "بروميثوس" وظهر مشهد "سيزيف" ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 1‬اليوتوبيا = مصطلح فلسفي يقابل "الدنية الفاضلة" عند التفلسفة السلميي ‪ ،‬وهي تعبي عن أحلم وخيالت الفلسفة الثاليي‬
‫القانطي من صلح البشرية والرافضي لدى ال وشريعته كما أن متفلسفة رجال الدين مثل "أوغسطي" حلموا بدنية تسد خيالتم ‪.‬‬
‫‪ 2‬بروميثوس الرمز السطوري للنسان الذي سرق النار من اللة ! ( وهو ينطبق على أوربا ف مرحلة النشوة بالنتصار على الكنيسة‬
‫بواسطة العلم ) وسيزيف أسطورة إغريقية أخرى مضمونا أن الرباب حكمت على سيزيف بأن يمل صخرة إل قمة البل وكلما وصل‬
‫القمة تدحرجت ث عاد ليحملها إليها مرة أخرى فتتدحرج من جديد وهكذا دواليك ‪ ،‬وقد جعلها ألبي كامو رمزا لفلسفته العبثية !!‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪20‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫ف هذا الو ضع الا نق تنادت ال صوات للعودة إل ش يء من ال سلمات الثاب تة‬


‫واللتزامات الن سانية وظهرت نقاط " ويل سون " الر بع عشرة ث اللتفات حول‬
‫شبح عصبة المم ‪.‬‬
‫وكانت فترة مابي الربي من أعظم الحقاب ف التاريخ الورب هيجانا‬
‫وصراعا ولسيما ف اليدان الفكري حيث تضاربت الدعاوى والتاهات وظهرت‬
‫مذاهب جديدة ف كل فن ومعايي جديدة ف كل علم ومموعات اجتماعية غريبة‪.‬‬
‫وف ظل هذا اليجان نت ظاهرة الشعر النليزي الر وتألق "إليوت " أبرز‬
‫‪1‬‬

‫شعراء الداثة ‪ ،‬أما الشعر الفرنسي الر فقد ظهر قبل ذلك بكثي ‪.‬‬
‫و ف الا نب ال خر ق فز العلم التجر يب قفزات هائلة كان من أعظم ها ما سي‬
‫اكتشاف الذرة سنة ‪ 1938‬م ‪.‬‬
‫وتدور السنون ول يدرك أكثر الناس مغزى هذا الكتشاف حت انفجرت أعنف‬
‫حروب التاريخ وأشدها هولً ( الرب العالية الثانية ) هناك ذهلت أوربا بحافل‬
‫هتلر وهي تدك باريس وقذائفه وهي تغطي ساء لندن وكتائبه وهي تسحق‬
‫لينينجراد ولكن الذهول الكب كان ساعة النتصار حيث سقطت القنبلة الذرية‬
‫على هيوشيما ‪ ،‬وكان إعلن انتصار اللفاء يعن ف الوقت نفسه إعلن وقوف‬ ‫‪2‬‬

‫النسانية على حافة الاوية الكبى ‪.‬‬


‫وف هذه الجواء الانقة والشاهد الفظيعة ظهرت ألوان من الراء والذاهب‬
‫أكثر قتامة وعبوسا وأكثر شعورا بتفاهة الياة وعبثها ‪.‬‬

‫‪ 1‬وقد ارتد إليوت إل الكاثوليكية وأصبح يكتب كأشد القساوسة تعصبا ولكن الداخلي ف جحر الضب من الداثيي العرب يتغافلون‬
‫عن هذا ‪ ،‬ونظيه ف ذلك الكاتب "جراهام جرين" الذي ارتد عن الشتراكية إل الكاثوليكية ‪ ،‬وهكذا ند العودة إل الدين الباطل غي‬
‫مستنكرة ف الغرب أما العودة إل دين ال فهي ف نظر التعلمني ظلمية ونكوص وتلف !!‬
‫‪ 2‬ألقت أمريكا ( الت ل تفتؤ تتهم السلمي بالرهاب وتتشدق بظر أسلحة الدمار الشامل ) تلك القنبلة الهنمية على الستشفى العام ف‬
‫الدينة فتبخر مثل نقطة ماء على صفيح ملتهب وتفحم ما حوله من الدينة حيث ل يكن أي قاعدة عسكرية ول يكن من بي مئات من‬
‫الضحايا عسكريون إل من كان موجودا اتفاقا أو ف إجازة !!‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪21‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫لقد انارت المال الكبى ف التقدم والثقة ف عقل النسان !!‬


‫أما اللة الت أراحت النسان من عناء العمل اليدوي الرهق فقد أصبحت صنما‬
‫يسحق إنسانية النسان بل معبودا جبارا ينتقم من النس النسان بوحشية ل نظي‬
‫لا ف التاريخ كله !!‬
‫ل تعد الأساة تتمثل ف " أرض يباب " فحسب بل أصبحت " طاعونا " ‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫واتسعت دائرة البلء بواسطة وسائل التصال التقدمة والتدفق السيطر للمعلومات‬
‫ليصبح النسان ف جزر الند السحيقة وحوض المازون وأحراش أفريقية يعيش‬
‫مأساة الوجود الائر والستقبل العتم ويرى هذا الشبح الرهيب معلقا فوق رأسه ‪.‬‬
‫أما داخل أوربا نفسها فقد أصبح الفرد العادي يمل الموم الكبى الت ما كان‬
‫يكابدها ف عصور خلت إل قلة من الفلسفة التشاؤميي أمثال "شبنجلر وأرويل"‬
‫ويعيش الزمة الانقة الت ذهبت بعقل نيتشه ودمرت نفسية شوبنهاور وألأت‬
‫تولستوي إل النفى ‪ .‬حت السرح الذي كان وسيلة الناس للهروب من الواقع‬
‫الكال إل ميادين من التعة واللهو و إشغال الوقت تول ( ومعه السينما ) إل‬
‫مسرح عبث ووجودية وفوضوية وعدمية … ال ‪.‬‬
‫ل يعد أحد يتحدث عن " طرطوف " بل عن " دماء النازير " وأمثالا ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫إنا بأصرح عبارة = مأساة أمة ل تسلم وجهها إل ال ول تعرف ال بأسائه‬


‫السن وصفاته العلى ‪.‬‬
‫إن الذنوب والعاصي تدمر المة وتنيزل با من موجبات العقوبة ما ل يعلمه‬
‫إل ال فكيف باللاد الصريح التدفق موجات إثر موجات ف ذلك الحيط الائج‬
‫الضطرب‪.‬‬

‫" اليباب " قصيدة إليوث الشهورة فيما بي الربي و " الطاعون " رواية كامو عن الرب الثانية ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫طرطوف ‪ :‬ملهاة لوليي ‪ ،‬ودماء النازير مسرحية عبثية كان لا دوي كبي ف الستينيات وأمثالا الن كثي ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪22‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫ومع اتساع الوة بي الواقع العاصر – بيأسه وقنوطه ومعضلته الستعصية –‬


‫وبي النظريات الوضعية الشمول منها والنسب ظهر جليا عقم الفلسفة وارتدت ف‬
‫كرة خاسرة يصدق عليها قول أحد كبارها (( إنا ثرثرة تدف إل التخلص من‬
‫الثرثرة )) وتسرب فراغ الضمون هذا إل اللجأ الش الذي هرب إليه فلسفة‬
‫اللمعقول وهو " الدب " وكان الدخول من باب " النقد " الذي باسه تولت‬
‫اللغة إل موضوع رئيس لدل فلسفي عقيم وكان استدراج فروع الدب كافة إل‬
‫هذا الستنقع متلحقا وسريعا ‪ ،‬ولعل أوضح الدلة على ذلك انسياق الاركسية له‬
‫رغم شوليتها الغالية واعتسافها الطلق للدب ف إطار" الواقعية الشتراكية " الت ل‬
‫تزيد عن كونا نوذجا مدرسيا معاصرا – كما عب جارودي ‪. -‬‬
‫وهكذا تول الهتمام ( وباصة ف فرنسا ) عن موضوع " النا والعال ‪،‬‬
‫والوجود ‪ ،‬والادة ‪ ،‬والعقل … " ال إل " النص ‪ ،‬الشكل ‪ ،‬التركيب ‪ ،‬البنية ‪،‬‬
‫الرمز ‪ ،‬السطورة … " ال كما تولت الفكار من العارك التقليدية بي‬
‫الفلسفات النهجية كالال بي الاركسية والوجودية إل ضروب جديدة متنافرة‬
‫من التقلبات الفكرية والدل غي ذي الوضوع ‪ ،‬وهو ما شهده العقد السادس‬
‫اليلدي الذي يكن أن يوصف بأنه " عقد البنيوية " !!‬
‫ففي الستينيات برزت البنيوية منافسا للوجودية من جهة ‪ ،‬وتطويرا للمادية‬
‫الدلية من جهة أخرى ‪ ،‬وتغلغلت ف كثي من العلوم حت ظهر منافسها‬
‫"التفكيكية" ف السبعينيات ‪.‬‬
‫واختلفت آراء البنيويي ف البنيوية وذهب با كل منهم مذهبه ‪ ،‬وحدثت نتيجة‬
‫لذلك فوضى فكرية ما تيزال تغمر الفكر الغرب ‪ ،‬وقد جلبها اليسار العرب‬
‫ومؤسساته ‪ ،‬وبعض التاهات الوجودية اللفقة إل العال العرب ‪ ،‬حت اكتظت با‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪23‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫ل عما عداها ‪ ،‬هذا ف حي أن الزمن قد عفى‬ ‫اللحق الدبية ف الرائد اليومية فض ً‬


‫عليها ف بلدها ‪.‬‬
‫ونظرا لا حظيت به النظرية – ول تزال – ف عالنا العرب ولكونا تثل العلم‬
‫الفاصل بي مرحلت الداثة وما بعد الداثة فسوف ينحصر جل اهتمامنا هنا با‬
‫مع شيء من التفصيل عن مدارسها وحلقاتا وتطبيقاتا ف فروع العرفة ‪-:‬‬
‫‪-1‬مدرسة جنيف ‪ :‬ف القرن التاسع عشر نادى الباحث الجتماعي‬
‫اليهودي " دوركاي " بالنظرية السماة " العقل المعي " ودعا إل‬
‫دراسة الظواهر الجتماعية باعتبارها " أشياء مستقلة " وتبعا لذلك‬
‫ظهر الباحث اللغوي السويسري " فرديناد دي سوسيور " بنظريته ف‬
‫" ظاهرة اللغة " حيث جرد اللغة من دللتا الشارية الألوفة وعدها‬
‫نظاما من الرموز يقوم على علقات ثنائية ‪ ،‬ومن هنا ظهرت فكرة "‬
‫البنية " ومن أبرز ما قرره سوسيور بقوة مبدأ " اعتباطية الرمز اللغوي‬
‫" وهو ما يعن أن أشكال التواصل النسان ما هي إل أنظمة‬ ‫‪1‬‬

‫تتكون من مموعة من العلقات التعسفية ‪ ،‬أي العلقات الت ل‬


‫ترتبط ارتباطا طبيعيا أو منطقيا أو وظيفيا بدلولت العال الطبيعي "‬
‫وأن " كل نظام لغوي يعتمد على مبدأ ل معقول من اعتباطية الرمز‬ ‫‪2‬‬

‫وتعسفه " أي تاما كما يعتبط العقل المعي عند " دوركاي "‬
‫ويتعسف فيفرض على الناس ماهو خارج عن ذواتم ‪ .‬ومن هنا‬

‫‪ 1‬انظر البنائية ‪ ،‬د ‪ .‬صلح فضل ‪ :‬ص ‪ . 39‬ومن هنا ينكر الداثيون الجاز ‪ ،‬وقد خدعوا بذلك بعض طلبة العلم إذ تسحوا بوافقة‬
‫شيخ السلم وابن القيم – رحهما ال ‪ ،‬وإنا شيخهم سوسيور !! وكلم شيخ السلم ف اللغة أجل من هذه النظريات وأعمق وهو‬
‫جدير بأن تفرد له رسائل علمية من التخصصي ف هذا اليدان ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر ملة فصول م‪ ، 5 :‬ع‪ ، 4 :‬ص ‪. 144‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪24‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫انبعثت فكرة " السيمولوجيا " أي علم الدللة أو العلمة والياء‬


‫وتطورت فيما بعد ‪.‬‬
‫‪-2‬الدرسة الشكلية الروسية ‪ :‬ويرجع أصلها إل "حلقة موسكو اللغوية"‬
‫وهي نوع من اللاد غي الاركسي ف روسيا وقد أدمها استالي‬
‫قسرا ضمن الواقعية الشتراكية لكن نفرا من روادها هاجروا إل‬
‫الغرب وهناك طوروا الفكرة ‪ ،‬ومنهم معلمها الشهي " جاكوبسون‬
‫" ‪ ،‬ومن أهم آرائها " ترير الكلمة الشعرية من التاهات الفلسفية‬
‫والدينية " ‪ .‬والنطلق من " دراسة العمل الدب ف ذاته " فهي‬
‫‪1‬‬

‫تؤكد " أن العمل الدب يتجاوز نفسية مبدعه ويكتسب خلل‬


‫‪2‬‬
‫عملية الوضعة الفنية وجوده الاص الستقل "‬
‫وتؤكد أن " العمل الفن ل يتطابق بشكل كامل مع اليكل العقلي للمؤلف‬
‫ول التلقي " أو كما يقول ‪ " :‬موخاروفسكي " فإن " النا الشاعر ل ينطبق‬
‫على أية شخصية فعلية ملموسة ول حت شخصية الؤلف نفسه إنه مور تركيب‬
‫القصيدة الوضوع "‬
‫‪3‬‬

‫هذا هو الساس الذي بالعتماد عليه يمل البنيويون النصوص فلسفات‬


‫وأفكارا ورؤى ل تطر لقائلها ببال بل ل تظهر ف عصره – إن كان قديا –‬
‫وعليه نادى "رولت بارت" أكب ناقد ف أوربا كما وصفه الدكتور الغذامي‬
‫بنظرية "موت الؤلف" !!‬

‫البنائية ص ‪. 62 ، 61 ، 55‬‬ ‫‪1‬‬

‫الصدر السابق ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفس الصدر ‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪25‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫وهكذا ابتدأت الشكلية الروسية من دعوتا إل استقلل الكلمة الشعرية كشيء‬


‫قائمٍ بذاته ‪ ،‬وانتهت إل استقلل العمل الدب عن نفسية مؤلفه من ناحية ‪ ،‬وعن‬
‫‪1‬‬
‫الوضوع الجتماعي الذي يشي إليه بأدواته وإجراءاته الاصة من ناحية أخرى "‬
‫وأكدت هذه الدرسة ضمن استقللية العمل الدب أن لذا العمل زمنه الاص‬
‫وعارضت "الفكار الكاديية التقليدية" عن تطور الدب ومساره التقدمي الطرد ‪،‬‬
‫وأنكرت فكرة التوال الطبيعي للمذاهب الدبية أو توالدها فيما بينها ‪ ،‬وحرصت‬
‫على إبراز حقيقة عدم الستقرار ف الشكال الدبية "‬
‫‪2‬‬

‫وغايرت الدرسة الشكلية التاهات النقدية الخرى الت تتم بالضمون حيث‬
‫صرفت الهتمام الكب إل الشكل جاعلة إياه وسيلة للوعي وتديد الرؤية ‪،‬‬
‫فوظيفة الفن عندها ليس إعطاء رؤية ول تصوير الواقع أو التعبي عن العال الطبيعي‬
‫الوضوعي وإنا هي " استخدام اللغة بطريقة جديدة بيث يثي لدينا وعيا باللغة من‬
‫حيث هي لغة ‪ ،‬ومن خلل هذا الوعي يتجدد الوعي بدللت اللغة ‪ ،‬هذا الوعي‬
‫الذي تطمسه العادة والرتابة على حد تعبي "جورج لوكاش"‬
‫‪3‬‬

‫وهكذا نصل إل الفكرة نفسها "موت الؤلف" كما نادى با "رولت بارت"‬
‫‪4‬‬

‫‪-3‬حلقات "براغ ‪ ،‬كوبنهاجن ‪ ،‬نيويورك " اللغوية ‪.‬‬


‫ويهمنا منها أمور نوجزها ما أمكن ‪-:‬‬

‫‪ 1‬البنائية ص ‪. 64‬‬
‫‪ 2‬البنائية ص ‪. 101‬‬
‫‪ 3‬انظر فصول م‪ ، 5 :‬ع‪ ، 4 :‬ص ‪. 144‬‬
‫‪ 4‬واحتذاها عبد ال الغذامي ث تلميذه السريي صاحب " الكتابة خارج القواس " حيث دعا إل تفجي اللغة ومضى على اعتبار الشاعر‬
‫مفعولً به واللغة هي الفاعل !!‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪26‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫أ – أن أصلها جيعا هو الشكلية الروسية نفسها ‪ ،‬وخصوصا " جاكبسون "‬


‫الحرك الساسي لركة براغ حيث كان يعمل ملحقا ثقافيا لروسيا با ‪ ،‬ث‬
‫‪1‬‬

‫أسست على منوالا مدرسة " كوبنهاجن " ‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫ث حلقة " نيويورك " الت أسست بعد هجرة " جاكوبسون " إليها حيث‬
‫التقى بي "كلود ليفي شتراوس" وهناك نبت من علقتهما الفكرية الكثي من‬ ‫‪3‬‬

‫عناصر البنيوية الديثة وأركانا ‪ ،‬ث ما لبث شتراوس أن أصبح زعيم البنيوية‬
‫الفرنسية كما سيأت ‪.‬‬
‫ونبغ من هذه اللقة " نعوم جومسكي " أبرز مثلي البنيوية المريكية !!‬
‫وهنا لبد أن يستوقفنا دور " جاكوبسون " الكبي ف تأسيس وتطوير‬
‫البنيوية حت أن بعض الباحثي يلخص ((تاريخ نشأة البنائية وتشكلتا الختلفة‬
‫ف شخصيته ومغامراته العلمية ابتداءً من مطلع شبابه ف موسكو حت ترج‬
‫على يديه أجيال من الباحثي ف أوربا وأمريكا ‪ ،‬وأصبح الجة الول والرجع‬
‫الخي ف علم اللغة الديث)) ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫فهل المر مصادفة ؟ أم عبقرية فردية ؟ أم أن هذه الركة والشهرة الواسعة‬


‫وراءها ما وراءها ؟!‬
‫لعل الجابة تأتينا من معرفة أن كلً من زعيمي الدرستي المريكية والفرنسية‬
‫"جومسكي وشتراوس" يهودي بل إن جومسكي ترب ف الرض الحتلة ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ 1‬انظر البنائية ص ‪ . 109‬وفصول العدد السابق ص ‪. 145‬‬


‫‪ 2‬البنائية ص ‪. 123‬‬
‫‪ ~ 3‬ص ‪. 145‬‬
‫‪ 4‬البنائية ص ‪. 110‬‬
‫‪ 5‬تكونت آراء ه كما يقول الدكتور عبده الراجحي وسط ما يشي إليه هو باسم الماعة اليهودية الراديكالية ف نيويورك ‪ ،‬وبعض أباثه‬
‫ف العبية الديثة ‪ ،‬على أن له موقفا من الصهيونية والدولة اليهودية ف الرض الحتلة ‪.‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪27‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫ومع أنن ل أجد من خلل بثي الحدود ما يدل على دين "جاكوبسون"‬
‫لكن ما علمناه عن دوره وما نعلمه عن دور الؤسسات الريبة ف احتضان‬
‫الفكار الشاذة وتوجيهها وما هو واضح من صلته بالاركسية الت هي فكرة‬
‫‪1‬‬

‫يهودية يعلنا على القل نستريب ف انتمائه ‪ ،‬ونتساءل أليس من السذاجة أن‬
‫نغض الطرف عن كون رجال هذا الذهب يهودا ورموزه توراتية ونمل‬
‫الصادفة وحدها عبء ذلك ؟؟ !!‬
‫ونزيد ‪ :‬أليست النفسية اليهودية منذ حلول غضب ال عليها مسؤولة عن‬
‫كثي من الفاسد والشرور ف الفكر والواقع من غي اشتراط دافع للفساد عمدا‬
‫بالضرورة ‪ ،‬فليس من شرط الفاعي (هكذا كما ساهم السيح) لكي تكون‬
‫شريرة أن تضع بروتوكولت لليقاع بالمام !!‬
‫ب – الدرسة المريكية " نيويورك "‪:‬‬
‫"هي الت لقيت أكب قدر من الذيوع ف العال العرب" كما يقول الدكتور‬
‫صلح فضل ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ولعل الصح ‪ -‬أن يقال ف الشرق العرب ‪ -‬وهي الت ترب ف أحضانا‬
‫الكاتب النصران "كمال أبو ديب" الذي سار على خطاه الدكتور عبد ال‬
‫‪3‬‬

‫الغذامي وتلميذه السريي عندنا ‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫ج – التاهات التطويرية للبنيوية ‪:‬‬


‫‪5‬‬

‫‪ 1‬كما ف تقديه لكتاب " الاركسية وفلسفة اللغة " تأليف ميخائيل باختي وترجة ممد البكري وين العيد ‪.‬‬
‫‪ 2‬البنائية ‪ :‬ص ‪. 140‬‬
‫‪ 3‬انظر مقدمة كتابه الضخم " الرؤى القنعة نو منهج بنيوي ف دراسة الشعر الاهلي " ‪.‬‬
‫‪ 4‬انظر " الطيئة والتكفي " و " الكتابة خارج القواس " !‬
‫‪ 5‬انظر " عصر البنيوية من ليفي شتراوس إل فوكو " ‪ :‬آديت كريزويل ترجة جابر عصفور ‪ ،‬والذاهب الفلسفية العاصرة ‪ :‬ساح رافع‪،‬‬
‫فصل البنائية ‪ ،‬والبنائية ‪ :‬ص ‪ ، 266 – 210‬والبنيوية ‪ :‬جان بياجيه ‪ ،‬ترجة عارف وبشي ‪ ،‬والنقد البنيوي للحكاية ‪ :‬رولت بارت ‪،‬‬
‫ترجة آنطون أبو زيد ‪.‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪28‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫انبثق من البنيوية اتاهات قامت بتطوير الفلسفات العروفة وفق منهج‬


‫بنيوي‪ ،‬أي بصياغة جديدة للفلسفات والنظريات الشهورة ومن رواد تلك‬
‫التاهات ( إضافة إل شتراوس وتطويره للدراسات النتربولوجية ) ‪-:‬‬
‫‪"-1‬لوى التوسي" أعاد صياغة الاركسية بيث تقرأ من منظور بنيوي ل‬
‫منظور هيجلي!! وقريب منه "هنري لوفيفر" الزعيم الاركسي‬
‫الركي ‪.‬‬
‫‪"-2‬جاك لكان " أعاد صياغة الفرويدية ‪ ،‬بل إن كتاباته تعد ف مملها‬
‫صدى لتلك النظرية ‪ ،‬خاصة رسالته " وراء مبدأ الواقع " الت كان‬
‫عنوانا ماكاة لعنوان كتاب فرويد " وراء مبدأ اللذة " ‪.‬‬
‫‪ "-3‬ميشل فوكو " الذي صاغ نظرية جديدة ف اللغة وأصلها وتراكيبها‬
‫ووظيفتها ‪ ،‬من خلل مصدره الاص لستكناه القيقية النسانية‬
‫وهو "النون " معلنا أن الجنون يكن أن يؤدي دور النب عند‬
‫الؤمني بالديان!!‬ ‫‪1‬‬

‫‪ "-4‬رولن بارت " صاغ نظرية بنيوية لتغي الزياء ( الوضة ) هي ف‬


‫جزء منها تطوير لراء " دوركاي " كما أحدث أثرا بالغا ف النقد‬
‫الدب خاصة بعد أن أصبح عضوا ف ملة [ ‪ ] TELQUE‬صوت‬
‫التاه الذي يسمى ما بعد البنيوية أو ( التفكيكيي ) الذين ينتمي‬
‫إليهم الغذامي ف كتابه السالف ذكره ‪.‬‬

‫الامع الشترك بي كل هذه الفلسفات هو الثورة على العايي العقلية والسية ‪ ،‬لكن كلً منها سلك سبيله الاص ( فرويد ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫العقل الباطن والحلم ‪ ،‬كاميو وسارتر ‪ :‬الساطي ‪ ،‬شتراوس ‪ :‬السحرة والكهان ‪ ،‬برجسون ‪ :‬الدس ‪ ،‬فوكو ‪ :‬النون ) والمد‬
‫ل على نعمة السلم ‪.‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪29‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫‪ -3‬الدرسة الفرنسية ‪ :‬وهي الدرسة الرائجة ف القارة الوربية والغرب‬


‫العرب وانتشرت ف الشرق العرب تبعا لنتشار الداثة ‪ ،‬ولن نفصل‬
‫القول فيها وإنا نوجز أهم اتاهاتا ‪:‬‬
‫‪-1‬البنيوية النتربولوجية ‪ ( :‬أي الت‬
‫تبحث ف النسان وتطور حياته‬
‫وعاداته الجتماعية ) وزعيمها هو‬
‫اليهودي "كلود ليفي شتراوس"‬
‫السالف الذكر ‪ ،‬وقد طور اتاهات‬
‫دوركاي وفريزر عن الساطي‬
‫والعادات الجتماعية للبدائيي وفق‬
‫منظوره البنيوي وهو كثيا ما يعلن‬
‫عن ولئه الاركسي واعتناقه لبادئ‬
‫الادية الدلية ‪ ،‬كما أنه ييل إل‬
‫البنامج الشتراكي سياسيا واقتصاديا‬
‫ويرى أن مستقبل الغرب والعال كله‬
‫مرهون بانتصار الشتراكية ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪-2‬التاه الاركسي ‪ :‬ويثله رواد الروس‬


‫الهاجرين إل فرنسا أو الفرنسيي‬
‫الاركسيي ومن أشهرهم " لوسيان‬
‫جولدمان " و " لوكاش " وها‬
‫مهاجران ‪ ،‬وتسمى بنيويتهما "‬

‫انظر " البنائية ‪ ،‬ص ‪. 284‬‬ ‫‪1‬‬


‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪30‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫البنيوية التكوينية أو التوليدية " ف‬


‫حي تسمى بنيوية شومسكي "‬
‫التحويلية " ! ‪ ،‬وقد استمدا النظرية‬
‫من " جان بياجيه " مؤسسها الصلي‬
‫ولكنهما حولها إل ماركسية ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫البنيوية فلسفة ومنهج‬

‫زعم الدكتور كمال أبو ديب أن البنيوية " ليست فلسفة لكنها طريقة ف‬
‫الرؤية ومنهج ف معاينة الوجود " وعلى هذا الساس اعتمد الداثيون ف‬
‫الدفاع عنها كالغذامي والسريي وتصريهما ف أكثر من مناسبة بانتهاج هذا‬
‫النهج يعلنا نبي حقيقة هذا الدعاء ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫جاء ف " ملة فصول " ذات التاه الداثي العروف " يتفق السيد زكريا‬
‫إبراهيم مع السيد ياسي وغيه – ف النظر إل – البنيوية على أنا تنطوي على‬
‫موقف عقائدي أو تثل منظورا خاصا " ‪ ،‬هذا والدكتور زكريا إبراهيم‬
‫‪3‬‬

‫(نصران) من أكب التخصصي ف هذا الجال وله كتابه التعمق "مشكلة‬


‫البنية" وقد تدث فيه عن (( انيزلق البنيوية من مال النهجية العلمية إل‬
‫مال " اليدلوجيا " وآية ذلك أن النظور الفكري الذي انطوت عليه هذه‬
‫انظر " البنيوية التكوينية " ‪ :‬الفصلن الول والخي ‪ ،‬ترجة ممد سبيل ‪ ،‬الغرب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫أما " الواقعيون " عندنا فهم نسخة من اليساريي النتمي ف أي مكان ولذا فل كلم لنا معهم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫فصول ‪ ،‬م ‪ ، 5 :‬ع ‪ ، 4 :‬ص ‪. 145‬‬ ‫‪3‬‬


‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪31‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫البنيوية الديدة قد جاء مؤكدا للدعوى القائلة بأن ف تضاعيف هذا التاه‬
‫الفلسفي الديد إنكارا لقدرة البشر على صنع تاريهم الاص ‪ ،‬ورفضا لكل‬
‫نيزعة إنسانية ‪ ،‬ومن ث فقد راح البعض يؤكد أن النداء الاص الذي اتدت‬
‫‪1‬‬
‫عنده كلمة البنيوية هو إعلن موت النسان )) ‪.‬‬
‫هذا مع أننا نسأل أبا ديب هذا ‪ :‬ماهي الفلسفة إن ل تكن طريقة ف الرؤية‬
‫ومنهج ف معاينة الوجود ؟!‬
‫ويقول " جان ماري بنو "ف كتابه " الثورة البنيوية " ‪ (( :‬إذا كان الوجوديون‬
‫قد تلصوا من " ال " فقد نح سوسي ف التخلص من النسان )) ‪.‬‬
‫وقال ‪ (( :‬كان النسان خالق العن ومصدره الي ولكنه اختفى تاما ف‬
‫ظل العلم الديد الذي جعل العن حصيلة مموعة من العلقات اللغوية البنيوية‬
‫والسيميوليجية الت تفرز العلقات وتدد العان ‪ ،‬وف ظل هذا التصور أصبح‬
‫النسان إفرازا لغويا بدلً منه صانعا للغة )) ‪.‬‬
‫إنا جبية من نوع غريب ل تعرف البشرية له نظيا من قبل !!‬
‫وف مقال فصول ‪ (( :‬وربا كان أكب دليل على أن البنيوية قد اكتسبت‬
‫طابع النظور الفكري أو الوقف العقائدي هو هجوم بعض البنيويي وعلى‬
‫رأسهم " ليفي شتراوس " على " سارتر " والوجوديي ‪ ،‬ودحض آراءهم ف‬
‫التقدم والبادئ التاريية ويتجلى هذا الطابع العقائدي أيضا ف ماولة بعضهم‬
‫وعلى رأسهم " التوسي " إعطاء تفسي جديد للماركسية بيث حولا من …‬
‫منهج عمل ثوري يرتكز على النسان إل نظرية رجعية تؤكد حتمية سيادة‬
‫نظام ل سلطان للنسان عليه … ال ))‬

‫فصول العدد نفسه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪32‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫كما أن الدكتور صلح فضل عقد مبحثا بعنوان (( ماولة عقد زواج بي‬
‫البنائية والاركسية )) ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وهنا نشي إل ما تنضح به كتابات السريي والغذامي ومن لف لفهم من‬


‫إضفاء القوة الطلقة للغة وسلب لرادة النسان (خاصة الشاعر) حت من نسبة‬
‫وضع لفظة مكان أخرى !! فأي ربوبية قهرية يريد هؤلء أن يعلوها للغة !!‬
‫‪2‬‬

‫على أن ما يؤكد أن البنيوية فلسفة ذات تطبيقات ثورية واقعية ارتباطها‬


‫ببعض الحداث السياسية ما كان سببا ف ظهور نقيضها "التفكيكية" ‪.‬‬
‫ذلك أن (التفكيكية هي رد فعل لنيار البنيوية ف فرنسا بعد أحداث ‪ 1968‬م‬
‫‪ .‬فهي إفراز طبيعي لالة الحباط والكفر بالنظريات الشاملة التماسكة ومنها‬
‫الاركسية الت اجتاحت فرنسا ف تلك الونة ‪.‬‬
‫لقد قامت البنيوية على فكرة سيادة منطق البنية التماسكة فوق النسان‬
‫والتغيات وكانت صدمتها شديدة حيث جعلتها أحداث الثورة الطلبية ف أوربا‬
‫بصفة عامة ف أواخر السبعينيات وف فرنسا بصفة خاصة ف ‪ 1968‬م تدرك الدللت‬
‫الزينة لنظريتها الت أثبتت اليام صحتها أي حي أثبتت البنية السياسية ف فرنسا‬
‫قوتا أمام أي معارضة ‪ ،‬وأصبحت فكرة البنية عددا لدودا للمفكرين ‪ ،‬وارتد‬
‫الكثيون عن البنيوية كما فعل الناقد رولن بارت ف كتاباته الخية واته‬
‫الكثيون إل الجوم على جيع النظمة والنظريات العقائدية الت تنق الفرد) ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫البنائية ‪ :‬ص ‪. 286 – 281‬‬ ‫‪1‬‬

‫وهذا ما ظهر جليا ف أطروحة السريي لدرجة الاجستي وكذلك رسالة الدكتوراه الت رفضها ملس الامعة ‪ ،‬وكلفه بصياغة‬ ‫‪2‬‬

‫جديدة لا يد من غلوه ف فاعلية اللغة وقهرها !!‬


‫فصول العدد السابق ‪ :‬ص ‪. 148‬‬ ‫‪3‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪33‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫وهذا النص الصريح يذكرنا با حصل من انيار فكرة القومية العربية بعد‬
‫هزية ‪ 1967‬م ‪ ،‬والسؤال هو مالذي ينهار بتأثي الحداث السياسية ‪ ،‬أهي‬
‫الناهج الجردة أم الفلسفات الت قامت عليها تلك السياسات !!‬
‫فإن أصر القوم على تسميتها مناهج ل فلسفات فلن نادل ف مرد اللفاظ‪،‬‬
‫فالنهج الذي تقوم عليه أنظمة شولية تارة وتسقط تارة هو "عقيدة" والسلم ‪.‬‬
‫ومن هنا كان السؤال الذي جعله الدكتور صلح فضل عنوانا لبحث خاص‬
‫‪1‬‬
‫(( هل البنائية تعبي عن فشل اليسار ؟ ))‬
‫ومع كل ماسبق من نشأة البنيوية وما تطور عنها ف سياق تاريي معرف‬
‫مغاير ومناقض لا تنتمي إليه هذه المة فل بأس أن نتنيزل ف الدل ونفرض‬
‫أن البنيوية ليست سوى منهج مرد ف الدراسات اللغوية والدبية ونسأل ‪:‬‬
‫أليست البنيوية منهجا مطردا بقواني وتليلت شولية قاطعة ل تستثن‬
‫ل ول نصا ول لغة ً ؟‬ ‫قائ ً‬
‫ث أليس (( الوقف اللسن يرد كل قاعدة من قدسيتها بل ل يرى قاعدة‬
‫إل فيما هو متداول ومارس من طرف الجموعات البشرية ‪ ،‬وف بعض‬
‫الحيان يرى تكسي القاعدة قاعدة )) ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫إن كل من يشك ف الجابة على هذا السؤال بالياب هو ف نظر البنيويي‬


‫عدو لدود ‪ ،‬ورجعي تقليدي ‪ ،‬ذلك أن قوة النظرية تستمد من شوليتها‬
‫واطراد قانونا بلف سائر الناهج والتاهات النطقية كما يزعمون وعليه‬
‫فليس لدى البنيويي نص مقدس ل يضع لنظريتهم وتبعا لذلك جرت دراسة‬
‫التوراة والنيل بنيويا مثلها مثل سائر النصوص ‪ ،‬ومن هنا ندرك مدى‬
‫خطورة الدعوة إل البنيوية وتطبيقاتا على اللغة العربية الت أسى ما فيها‬
‫ص ‪. 289 – 287‬‬ ‫‪1‬‬

‫الصدر السابق ‪ :‬ص ‪. 405‬‬ ‫‪2‬‬


‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪34‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫وذروة نصوصها باتفاق كل ناطق با أو دارس لا هو " النص الوحى " أي‬
‫كلم ال ورسوله صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫كيف يكن أن تطبق على القرآن الكري نظرية موت الؤلف واستقلل‬
‫النص وقيامه كونا مستقلً بذاته يفهمه كل قارئ كما يشاء حيث أنه ل مانع‬
‫لدى البنيوية من أن يكون له تفسيات بعدد القراء بل أكثر من ذلك ‪.‬‬
‫فانظر إل ما يقوله الدكتور الغذامي ‪ -‬بعد أن أطال ف تقرير هذا المر‬
‫وجعله من أعظم ميزات النهج وأسى خصائصه ‪: -‬‬
‫(( الكاتب صاغ النص حسب معجمه اللسن ‪ ،‬وكل كلمة من هذا‬
‫العجم تمل معها تاريا مديدا ومتنوعا وعى الكاتب بعضه وغاب عنه بعضه‬
‫الخر ‪ ،‬ولكن هذا الغائب إنا غاب عن ذهن الكاتب ول يغب عن الكلمة‬
‫الت تظل حبلى بكل تاريياتا ‪ ،‬والقارئ حينما يستقبل النص فإنه يتلقاه‬
‫حسب معجمه وقد يده هذا العجم بتواريخ للكلمات متلفة عن تلك الت‬
‫وعاها الكاتب حينما أبدع نصه ‪ ،‬ومن هنا تتنوع الدللة وتتضاعف ‪،‬‬
‫ويتمكن النص من اكتشاف قيم جديدة على يد القارئ ‪ ،‬وتتلف هذه القيم‬
‫وتتنوع من قارئ وآخر بل عند قارئ واحد ف أزمنة متفاوته ‪ ،‬وكل هذه‬
‫التنوعات هي دللت للنص حت وإن تناقضت مع بعضها البعض )) ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫أيقبل مسلم تطبيق هذا الكلم على القرآن ؟‬


‫إن إقرار تطبيقه على شعر العرب ولغتهم وهدم قواعدهم النحوية والبلغية‬
‫جلة لبد أن يؤدي إل ذلك حتما ‪.‬‬

‫‪ 1‬زعم بعض الداثيي ف عكاظ عدد ‪ 7336‬ذو القعدة ‪ 1406‬هي أن جناح الذل ف قوله تعال { واخفض لهما‬
‫جناح الذل من الرحمة} ‪ -‬الذي استشهد به أبو تام قديا على جنوحه إل العراب – زعم الكاتب أنه نفس التركيب‬
‫الداثي "السفينة الصخر" مثلً!!‬
‫الطيئة والتكفي ص ‪. 79‬‬ ‫‪2‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪35‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫إن موقف طه حسي ومن وراءه أخف من هذا الوقف ولو من بعض‬
‫الوجوه ‪ ،‬ذلك أنه – وشيوخه الستشرقي – حي أرادوا هدم البيان القرآن‬
‫توصلً إل هدم السلم اتذوا ذريعة لذلك إنكار الشعر الاهلي ف ذات‬
‫نصوصه ‪ ،‬أما هذا النهج البنيوي فهو يتنكر للقواعد والصول والعايي النحوية‬
‫واللغوية بل للفطرة العربية من أساسها إنه يستبقي النصوص – أشباحا وهلما‬
‫– فقط !!‬
‫فالولون ساروا على منهج كفار قريش ف الزعم بأن النص القرآن ليس‬
‫منيزلً من عند ال والبنيويون حاكوا الباطنية ف تفسيه كما يشاؤون بل‬
‫ضابط من عقل أو نقل ‪.‬‬
‫وإنه لو قدر للحداثة العربية أن تسي على الدرب نفسه الذي سلكته نظيتا‬
‫التركية لكان معن ذلك السخ الكامل ل للغة فحسب بل لوجه السلم كله‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫والداثة العربية ف جيع صورها إنا راجت لسببي أساسي ها ‪-:‬‬


‫‪-1‬جنوح الناس إل الروج عن الألوف ولاثهم خلف " العصرنة‬
‫" !!‬
‫‪-2‬اللط بي الداثة – وإن شئت فقل بي الدم – والتجديد ‪.‬‬
‫وها يرجعان ف القيقة إل أمر واحد عاشته أوربا وتعيشه كل المم لنه‬
‫خطأ إنسان مشترك يكن أن يقع فيه كل من ل يلك العيار الربان الثابت ‪،‬‬

‫مرت الداثة التركية الت انطلقت من " جيتو " سلنيك بثلث مراحل ‪-:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-1‬مرحلة تديد متأثرة بالغرب وتثلها الجموعة الت أصدرت ملة " ثروة الفنون " سنة ‪ 1313‬هي ‪ 1895‬م ‪.‬‬
‫‪-2‬مرحلة ما سي " اللغة الديثة " وهي دعوة للتخلي عن قواعد اللغة والصرف والنحو والعروض … وتثلها مموعة "‬
‫الفجر الت " وهي تشبه كثيا الداثة العربية ف مرحلتها الراهنة ‪.‬‬
‫‪-3‬التاه الداثي التطرف الذي أوصل اللغة التركية إل مرحلة التلشي والندثار وتثله مموعة " الدب الشعب " الت‬
‫تطورت لتصبح سلطة قاهرة تقضي على الروف العربية والصالة التركية بكل معانيها ‪ ( .‬انظر ‪ :‬مقدمة الدب التركي‬
‫الديث ‪ :‬د ‪ .‬يي خشاب ) ‪.‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪36‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫وهو خطأ العتقاد ف التقدم الطلق واعتبار الزمن وحده معيارا للحكم على‬
‫الشياء ‪.‬‬
‫ف حي أن نظرة عقلية عجلى تؤكد أن الداثة هي نفسها مفهوم نسب با‬
‫أن حاضرنا هو ماضي الغد !!‬
‫فكما رأينا – ف أوربا – كان لوثر أكب الداثيي ف عصره وهو الن‬
‫نوذج للبوتستانت الكلسيكي ‪.‬‬
‫ودانت كان حداثيا كبيا ف زمانه وهو الن مثال الكلسيكية النسانية ‪.‬‬
‫وكان ديكارت حداثي زمانه بالنسبة للفلسفة العقلية ‪ ،‬ث كان الرومانسيون‬
‫ف القرن الثامن عشر نوذج الداثة الثائرة على العقلنية الامدة !‬
‫وف أواخر القرن التاسع عشر كانت الرمزية ثورة حداثية على التاهات‬
‫جيعها ‪.‬‬
‫ولا ظهرت مدارس " اللمعقول " التنوعة ( السوريالية ‪ ،‬العبثية ‪ ،‬العدمية ‪،‬‬
‫الوجودية ) كتب النقاد عنها باعتبارها أكب انقلب معرف حداثي ‪ ،‬وأسى‬
‫سارتر ملته "العصور الديثة" !!‬
‫وف الستينيات – كما أسلفنا – زعمت البنيوية أنا الثورة الداثية الت ل‬
‫يشهد التاريخ لا من نظي ‪.‬‬
‫ولكن نقيضها " التفكيكية " سرعان ما ظهر ف أواخر العقد نفسه مدعيا‬
‫الدعوى نفسها !!‬
‫وف أمريكا كانت موجة ((اليبيز)) آخر صرعة ف نظر مفكري ذلك العقد‬
‫والن تلشت وارتد كثيون للصولية النيلية !!‬
‫وهذا كله غي حداثة ماركس الت حقرت كل ما قبلها ‪ ،‬وعندما جاء‬
‫"ليني" صاغها بشكل تقدمي " حداثي " أكثر عصرية ‪ ،‬ث جاء عصر ستالي‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪37‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫وتبن اتاد الكتاب السوفيت آراءه الكثر حداثة ‪ ،‬وبظهور إعادة البناء‬
‫"الغورباتشوفية" ل نستبعد أن يصف الشيوعيون نظريتهم الديدة بأنا‬
‫حداثية للغاية !! وهكذا‬
‫إنه العقل البشري الحدود الضعيف الذي يتخيل كل مرحلة من مراحله أنا‬
‫ناية التاريخ والدهر أعظم من ذلك وأطول لو كانوا يفقهون‬
‫ول نستطيع أن نرد الداثيي العرب عن فهم هذه القيقة لكنهم بذكائهم‬
‫اللماح ل ينسوا أن اطراد " الدلية " إل ناية التاريخ = ناية اللغة ‪ ،‬يكنه‬
‫حل الأزق بافتراض أن اختفاء عنصر النقيض ف الرحلة الخية من الصراع‬
‫البدي يؤدي إل ناية ل مدودة !!‬
‫ولذلك تعجل هؤلء الطى وطالبوا – من الن – بالوصول بالعرفة إل‬
‫تلشيها الطلق وباللغة إل تريدها الطلق !!‬
‫وبتعبي الداثيي (( إن الوصول بالعرفة السائدة والنمطية إل تلشيها الطلق‬
‫ينفي احتمال ظهور أي وضع معرف استاتيكي ( ثابت ) وسيظل النفجار‬
‫العرف الداثي هو السائد والوحيد إل ما ل ناية )) !!‬
‫وحسبك بذه النتيجو من باطل = ل تنكره بدائه العقول فحسب بل يرفضه‬
‫الواقع الي ف كل البلد ولسيما ف الدب العرب ‪ ،‬إنه ليس من سنة ال كما‬
‫أن المود الطلق ليس من سنته ‪.‬‬
‫فالنشاط الدب العرب هو جزء من النشاط اليوي العام الذي يضع للمبدأ‬
‫الكلي الطلق ف التصور السلمي " الركة حول مور ثابت " فالتراث الدب‬
‫ف جلته يوي عناصر حركية مستمرة ( ديناميكية ) ولكنها تنطلق ف‬
‫حركتها من أصول ثابتة وتلتزم بعايي ثابتة‪ .‬وهكذا يتجلى النهج الفريد‬
‫الامع بي الستقرار والرونة ‪ ،‬ل التصور الدل الدب العقيم ‪.‬‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪38‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫إن من دللت البداع والعبقرية أن يأت الديب بتلك النماذج الفائقة الت‬
‫ل يستطيع سائر الناس التيان بثلها مع التزامه بنفس العايي أو الساليب الت‬
‫يعرفون !‬
‫يظهر هذا النهج الفذ ف الشعر العرب الذي توهم كثيون من الداخلي ف‬
‫جحر الضب أن معاييه تضيق عن البداع وتستلزم المود !!‬
‫كل ‪ .‬إن البداع تسابق ‪ ,‬وما من سباق إل وله مسارات وحواجز‬
‫ش ف الشارع‪ .‬متسابقا ولنأخذ مثا ًل اللتزام‬
‫وضوابط وإل كان كل ما ٍ‬
‫بالبحور الشعرية العروفة ‪ ،‬أيّ ضيق أو جود فيها؟ إنا سعة ل نظي لا مطلقا‬
‫ف شعر أي أمة من المم مع اللتزام ف الوقت نفسه بعايي جالية ل نظي لا‬
‫كذلك ‪.‬‬
‫فالعروض العرب يتألف من ستة عشر برا والبحر الواحد – غالبا – يكون‬
‫منه التام والجزوء والشطور ‪ ،‬وهذا ما يكن تصنيفه حسب العايي الوربية‬
‫بورا جديدة هذا غي ما يلحق التفعيلة نفسها من تغييات معروفة لهل الفن‬
‫ول يستفيد غيهم من ذكرها هنا ‪ .‬إنا سعة تسمح للموهبة أن تبدع كما‬
‫تشاء فيما تشاء مع ضبط ل يسمح بتسرب الطفيليات وولوج من ل يلك‬
‫الفتاح ‪.‬‬
‫أما حسب الفهوم الداثي فالطفل الصغي الذي يلغو بكلمات وتتمات‬
‫هائمة ل رابط بينها ‪ ،‬والشعرور الذي يبط ف العروض والقواف ويلفق‬
‫التراكيب الشة ويضع كلمة سطرا ‪ .‬وجلة سطرا آخر وثلث جل سطرا ث‬
‫يرجع من جديد حت يسود مساحة كبية من الورق بغثيان ل معن له ‪..‬‬
‫والنائم الذي يلم ويهمهم بألفاظ ل نسق يمعها ‪ ..‬والشاش ‪ ...‬و …‪-‬‬
‫كل أولئك حداثيون تنطبق عليهم معايي القوم ‪ - %100‬وبعبارة أوضح مادام‬
‫لفضيلة‬ ‫مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة‬
‫‪39‬‬
‫الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي‬

‫لدى النسان مسكة من عقل فل يكن أن تصل معرفته إل التلشي الطلق‬


‫فهذا شأن من يتعاطى أخطر ما أبدعته العبقرية الغربية من عقاقي اللوسة!!‬
‫ولو أن القام يتسع لعرضنا ناذج من تاب ال عليهم وثابوا إل رشدهم‬
‫ليعرضوا كيف كانوا يفكرون ويكتبون وينظمون ف الاضي الداثي الالك‬
‫كما حدثون بذلك شخصيا أو كتبوه ل ‪.‬‬
‫على أنن لو عذرت أحدا من أقطاب الداثة لعذرت أولئك الدعاة‬
‫الصليبيي التوراتيي الذين أرادوا أن تكون الثقافة العربية كلها سائرة على‬
‫النمط التورات مضمونا وأسلوبا ‪ ،‬إنم أذكياء استخدموا عقولم لبعث أساطي‬
‫دينهم وإحياء أساليب كتبهم القدسة وليسوا كبن جلدتنا الداخلي وراءهم ف‬
‫جحر الضب بلهاء ساروا ف طريق يهدم حقائق الدين الربان والق الكتاب‬
‫اللي الحفوظ مع دعوى إيانم به ‪.‬‬
‫وإن تعجب فاعجب لمة تزها أزمات سياسية واجتماعية كبى كالزمة‬
‫الت داهت المة ف حرب الليج الثانية ويرج أدباؤها ومبدعوها ليسودوا‬
‫الصفحات بأن سبب الزمة هو ((إشكالية النص )) !!‬
‫أما سائر البشر الذين جعلوا لا أسبابا أخرى فهم نطيون سطحيون !!‬
‫(( لقد كنا نسب – كما العقلء ف هذه المة جيعهم – أن هذه الزمة‬
‫سوف تتاح الداثة فيما تتاح من فقاعات سن الغفلة والترف ‪..‬‬
‫أما والال كذلك وللمبرات الوضوعية الت تعل القضية حية متدفقة وإن‬
‫تلونت أو كمنت ولضرورة إقامة الجة وإبانة سبيل الجرمي فلبد من تدد‬
‫السهام من أهل البة وفرسان اليدان ف هذا الجال ‪ .‬وإنا سطرت هذه‬
‫القدمة تذكيا وإعذارا وال ول التوفق‪.‬‬

You might also like