You are on page 1of 291

‫نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫تأليف‪:‬‬
‫محمد نووي بن عمر البنتاني الجاوي‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫خطبة الكتاب‬

‫الحمد ل الذي قّوى بدلئل دينه أركان الشريعة‪ ،‬وصحح بأحكامه فروع الملة الحنيفية‪ ،‬أحمده‬
‫سبحانه على ما علم‪ ،‬وأشكره على ما أنعم‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال الملك الحق المبـين‪ ،‬وأشهد أن‬
‫سيدنا محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬القائل‪» :‬من يرد ال به خيرًا يفقهه في‬
‫الدين« صلى ال عليه وعلى آله وأصحابه صلة تنشرح بها الصدور‪ ،‬وتهون بها المور‪،‬‬
‫وتنكشف بها الستور‪ ،‬وسلم تسليمًا كثيرًا ما دامت الدهور‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فيقول العبد الفقير الراجي من ربه الخبـير‪ ،‬غفر الذنوب والتقصير‪ :‬محمد نووي ابن‬
‫عمر‪ ،‬التناري بلدًا‪ ،‬الشعري اعتقادًا‪ ،‬الشافعي مذهبًا‪ ،‬هذا شرح على »قرة العين بمهمات الدين«‬
‫للشيخ العلمة‪ :‬زين الدين ابن الشيخ عبد العزيز ابن العلمة زين الدين بن علي بن أحمد‬
‫المليباري الفناني‪ ،‬قصدت به نفع إخواني القاصرين مثلي‪ ،‬وسميته‪:‬‬
‫نهاية الزين‬
‫في إرشاد االمبتدئين‬
‫ولم يكن لي مما سطر في هذا الكتاب شيء‪ ،‬بل جميعه مأخوذ من عبارات المؤلفين‪ ،‬نفعنا ال بهم‬
‫آمين‪ ،‬وغالب ما فيه من »نهاية المل« للشيخ العلمة محمد بن إبراهيم أبـي خضير الدمياطي‬
‫فإنها عين غديقة‪ ،‬ومن »نهاية المحتاج‪ ،‬وتحفة المحتاج«للكليلين محمد الرملي‪ ،‬وأحمد بن‬
‫حجر؛ فإنهما عمدتان للمتأخرين من العلماء الشافعية‪ ،‬ومن »فتح الجواد والنهاية‪ :‬شرح أبـي‬
‫شجاع‪ ،‬ومن الحواشي«‪ ،‬فما كان فيه من صواب فمنسوب إلى هؤلء وما كان من خطأ فمن‬
‫ذهني الكليل ‪ ،‬فالمرجو ممن اطلع عليه أن يصلحه بلطف واحتياط‪ ،‬وال أسأل‪ ،‬وبنبـيه الكريم‬
‫أتوسل‪ ،‬أن ينفع به كما نفع بأصوله‪ ،‬وأن يحله محل القبول‪ ،‬إنه أكرم مسؤول‪.‬‬
‫)بسم ال الرحمن الرحيم(‬
‫أقسام السم تسعة‪ :‬أّولها‪ :‬السم الواقع على الشيء بحسب ذاته كسائر العلم؛ نحو زيد فإنه ذات‬
‫الشيء وحقيقته‪ .‬ثانيها‪ :‬الواقع على الشيء بحسب جزء من أجزاء ذاته كالجوهر للجدار والجسم‬
‫له‪ .‬ثالثها‪ :‬الواقع على الشيء بحسب صفة حقيقية قائمة بذاته كالسود والبـيض والحار والبارد‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬الواقع على الشيء بحسب صفة إضافية فقط كالمعلوم والمفهوم‪ ،‬والمذكور والمالك‬
‫والمملوك‪ .‬خامسها‪ :‬الواقع على الشيء بحسب صفة سلبـية‪ :‬كأعمى وفقير وسليم عن الفات‪.‬‬
‫سادسها‪ :‬الواقع على الشيء بحسب صفة حقيقية مع صفة إضافية‪ :‬كعالم وقادر بناء على أن العلم‬
‫والقدرة صفة حقيقية لها إضافة للمعلومات والمقدورات‪ .‬سابعها‪ :‬الواقع على الشيء بحسب صفة‬
‫حقيقية مع صفة سلبـية‪ :‬كقادر ل يعجز‪ ،‬وعالم ل يجهل‪ ،‬وكواجب الوجود‪ .‬ثامنها‪ :‬الواقع على‬
‫الشيء بحسب صفة إضافية على صفة سلبـية كلفظة أّول‪ ،‬فإنه عبارة عن كونه سابقًا غيره‪ ،‬وهو‬
‫صفة إضافية‪ ،‬وأنه ل يسبقه غيره‪ ،‬وهو صفة سلبـية‪ ،‬وكالقيوم فإن معناه كونه قائمًا بنفسه‪ :‬أي ل‬
‫يحتاج إلى غيره وهو سلب‪ ،‬ومقّوما لغيره وهو إضافة‪ .‬تاسعها‪ :‬الواقع على الشيء بحسب‬
‫مجموع صفة حقيقية وإضافية وسلبـية كالله فإنه يدل على كونه موجودًا أزليًا واجب الوجود‬
‫لذاته‪ ،‬وعلى الصفات السلبـية الدالة على التنزيه‪ ،‬وعلى الصفات الضافية الدالة على اليجاد‬
‫والتكوين‪ ،‬وال علم على الذات الواجب الوجود‪ :‬أي الذي ل يمكن عدمه ل في الماضي ول في‬
‫الحال ول في الستقبال‪ ،‬ولم يوجد نفسه ولم يوجده غيره‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪3 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫قال البندنيجي‪ :‬السم العظم هو ال عند أهل العلم‪ ،‬والرحمن الرحيم صفتان مشبهتان من رحم‬
‫بتنزيله منزلة اللزم بأن يبقى على صفته غير متعلق بالمفعول‪ ،‬فيقال‪ :‬رحم ال‪ :‬أي كثرت‬
‫رحمته‪ ،‬أو بجعله لزمًا بأن يحّول من فعل بكسر العين إلى فعل بضمها‪ ،‬وقّدم ال على الرحمن‬
‫الرحيم لنه اسم ذات وهما اسما صفة‪ ،‬والذات مقّدمة على الصفة‪ ،‬وقّدم الرحمن على الرحيم لنه‬
‫خاص‪ ،‬إذ ل يقال لغير ال بخلف الرحيم‪ ،‬والخاص مقّدم على العام ولنه أبلغ من الرحيم‪،‬‬
‫والبلغية توجد تارة باعتبار العدد‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬يا رحمن الدنيا لنه يعم المؤمن والكافر‪ ،‬ورحيم‬
‫الخرة لنه يخص المؤمن‪ ،‬وتارة باعتبار الصفة‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬يا رحمن الدنيا والخرة‪ ،‬ورحيم‬
‫الدنيا لن النعم الخروية كلها جسام‪ ،‬وأما النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة‪.‬‬
‫)الحمد ل الذي هدانا لهذا( أي دلنا لهذا العمل )وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال( وهذه الجملة‬
‫مستأنفة أو حال لكنها في معنى التعليل‪ ،‬وما نافية‪ ،‬وكان فعل ناقص‪ ،‬ونا اسمها‪ ،‬وخبرها‬
‫محذوف متعلق للم الجحود الزائدة‪ :‬أي ما كنا مرادًا هدايتنا‪ ،‬وأن هدانا ال مبتدأ‪ ،‬والخبر‬
‫محذوف وجوبًا‪ ،‬وجواب لول محذوف دل عليه قوله ــــ وما كنا لنهتدي ــــ أي لول هداية ال‬
‫موجودة ما اهتدينا‪ ،‬والحمد اللفظي لغة‪ :‬الثناء بآلة النطق لجل الجميل الختياري حقيقة أو حكمًا‬
‫مع قصد التعظيم ظاهرًا وباطنًا‪ ،‬سواء كان في مقابلة نعمة أم ل‪.‬‬
‫)والصلة والسلم( أي الدعاء ل بالرحمة المقرونة بتعظيم‪ ،‬والدعاء ل بالتحية بالسلمة من‬
‫ن على وجه التكليف‪ ،‬ولغيرهم‬ ‫الفات )على سيدنا محمد رسول ال( رسالة عاّمة للنس والج ّ‬
‫على وجه التشريف‪ ،‬وشرعه باق إلى يوم القيامة ل ينسخه شرع آخر لعدم وجوده بعده‪ ،‬ووقع‬
‫نسخ بعض شرعه ببعضه‪ ،‬وهو أفضل المخلوقات جميعًا‪ ،‬ويليه سيدنا إبراهيم‪ ،‬ثم سيدنا موسى‪،‬‬
‫ثم سيدنا عيسى‪ ،‬ثم سيدنا نوح‪ ،‬وهؤلء أولو العزم‪ ،‬ثم بقية الرسل‪ ،‬ثم النبـياء غير الرسل‪ ،‬ثم‬
‫الرؤساء الربعة من الملئكة‪ ،‬وهم‪ :‬جبريل‪ ،‬ثم مكيائيل ثم إسرافيل‪ ،‬ثم عزرائيل‪ ،‬ثم عوام البشر‪،‬‬
‫والمراد بهم غير النبـياء من الولياء‪ :‬كأبـي بكر‪ ،‬وعمر وعثمان وعلي وأشباههم‪ ،‬ثم عوام‬
‫الملئكة‪ ،‬والمراد من عدا الرؤساء الربعة كحملة العرش وهم الن أربعة‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة‬
‫أيدهم ال تعالى بأربعة أخرى‪ ،‬وكالكروبـيـين بفتح الكاف وتخفيف الراء‪ ،‬وهم ملئكة حافون‬
‫بالعرش طائفون به )وعلى آله( وهم المؤمنون ولو عصاة واعتقاد أهل السنة أن أمة محمد خير‬
‫المم أجمعين )وصحبه( اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابـي‪ ،‬وهو من لقي النبـي بعد نبّوته في‬
‫حال حياته ولو أعمى كابن أم مكتوم أو غير مميز‪ ،‬ومن ثم عّدوا محمد بن أبـي بكر رضي ال‬
‫عنهما صحابـيًا مع ولدته قبل وفاته بثلثة أشهر وأيام‪ ،‬وعد بعض المحّدثين من رآه قبل النبّوة‬
‫ومات قبلها على دين الحنيفية‪ :‬كزيد بن عمرو بن نفيل صحابـيًا )الفائزين برضا ال( تعالى‪،‬‬
‫وخير الصحابة رؤوسهم الربعة الذين تولوا الخلفة بعد النبـي ‪ ،‬وهم‪ :‬أبو بكر وعمر وعثمان‬
‫وعلي رضي ال عنهم‪ ،‬فأفضليتهم على ترتيب الخلفة‪ ،‬فأبو بكر مكث في الخلفة سنتين وثلثة‬
‫أشهر وعشرة أيام‪ ،‬وعمر مكث في الخلفة عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام‪ ،‬وعثمان مكث‬
‫في الخلفة إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرًا وتسعة أيام‪ ،‬وعلي مكث في الخلفة أربع سنين‬
‫وتسعة أشهر وسبعة أيام‪ ،‬ثم بعد هؤلء الربعة بقية العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬وهم‪ :‬طلحة‪،‬‬
‫والزبـير‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وسعد‪ ،‬وسعيد‪ ،‬وأبو عبـيدة عامر بن الجراح‪ ،‬ثم بعدهم أهل‬
‫ل كملوا بعمر بن الخطاب‪.‬‬ ‫دار الخيزران غير من ذكر‪ ،‬وكلهم أربعون رج ً‬
‫رقم الصفحة‪3 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫وقد كان وأصحابه مستخفين في دار الخيزران‪ ،‬وفي ساعة إسلم عمر قال للنبـي ‪ :‬يا رسول ال‬
‫ل‪ ،‬فخرجوا صفين‬ ‫ل يعبد ال بعد اليوم سرًا‪ ،‬اخرج بنا إلى قريش إل نخاف ونحن أربعون رج ً‬
‫يقدم أحدهما عمر‪ ،‬والخر حمزة عم رسول ال ‪ ،‬وكان حمزة قد أسلم قبله بثلثة أيام‪ ،‬ثم بعدهم‬
‫أهل غزوة بدر‪ ،‬وهو مكان بـين مكة والمدينة‪ ،‬وهم ثلثمائة وثلثة عشر عدد أصحاب طالوت‬
‫ل‪ :‬ستة من المهاجرين‪،‬‬ ‫غزوا مع ألف من كفار قريش‪ ،‬ومات من الصحابة أربعة عشر رج ً‬
‫وثمانية من النصار‪ ،‬ثم بعدهم في الفضيلة‪ .‬أهل غزوة أحد‪ ،‬وهو اسم جبل قريب من المدينة‪،‬‬
‫وهم سبعمائة غزوا مع ثلثة آلف من كفار مكة‪ ،‬ومات من الصحابة سبعون‪ ،‬ثم بعدهم في‬
‫الفضيلة أهل الحديبـية‪ ،‬وهي بئر بقرب مكة على طريق جّدة‪ ،‬وهم الذين بايعوه بـيعة الرضوان‪،‬‬
‫فهم ألف وأربعمائة‪ ،‬وخرج بهم من المدينة عام ستة من الهجرة لزيارة البـيت الحرام والعتمار‪،‬‬
‫ولم يكن معهم سلح إل السيوف‪ ،‬فنزلوا بأقصى الحديبـية فصّدهم المشركون عن دخول مكة‪،‬‬
‫ودعا الناس عند الشجرة للبـيعة على الموت أو على أن ل يفروا بل يصبرون على الحرب‬
‫فبايعوه على ذلك‪ ،‬فمشت الوسائط في الصلح‪.‬‬
‫تنبـيه‪ :‬يندرج في إثبات الرسالة لسيدنا محمد مباحث علم الفقه وهي الحكام الشرعية‪ ،‬ومباحث‬
‫علم التوحيد وهي ثلثة‪ :‬إلهيات‪ ،‬ونبويات‪ ،‬وسمعيات‪ .‬فاللهيات هي‪ :‬المسائل المبحوث فيها عما‬
‫يجب ل تعالى‪ ،‬وما يستحيل عليه‪ ،‬وما يجوز في حقه‪ .‬والنبويات هي‪ :‬المسائل المبحوث فيها عما‬
‫يجب للرسل وما يستحيل عليهم وما يجوز في حقهم‪ .‬والسمعيات هي‪ :‬المسائل التي ل تتلقى إل‬
‫عن السمع ول تعلم إل من الوحي‪ ،‬وذلك كسؤال منكر ونكير لنا في القبر‪ ،‬وعذاب القبر ونعيمه‪،‬‬
‫والبعث للحشر والشفاعة‪ ،‬وكتب العمال‪ ،‬والحساب‪ ،‬والميزان والصراط‪ ،‬والجنة والنار‪،‬‬
‫والسراء والمعراج‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪3 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وبعد‪ :‬أي بعد ما تقّدم من البسملة والحمدلة والصلة والسلم على من ذكر )فهذا( المؤلف‬
‫الحاضر في الذهن ل في الخارج )مختصر( أي قليل اللفظ )في الفقه( أي لتحصيل الفقه‪ ،‬وهو‬
‫ن قوي بالحكام الشرعية العملية مكتسب من أدلتها التفصيلية‪ ،‬بأن‬ ‫لغة‪ :‬الفهم‪ ،‬واصطلحًا‪ :‬ظ ّ‬
‫يقال اقيموا من قوله تعالى‪} :‬أقيموا الصلة{ أمر والمر للوجوب‪ ،‬فقوله‪ :‬أقيموا للوجوب‪.‬‬
‫وموضوعه أفعال المكلفين من حيث عروض الحكام التكليفية والوضعية لها‪ .‬ومأخذه من الكتاب‬
‫والسنة والجماع والقياس والستصحاب والستحسان والستقراء والقتران فإن هذه أدلة‪ ،‬ثم‬
‫الستحسان دليل ينقدح في نفس المجتهد كما استحسن إمامنا الشافعي التحليف على المصحف فإنه‬
‫أبلغ في الزجر‪ .‬وفائدته امتثال أوامر ال تعالى واجتناب مناهيه المحصلن للفوائد الدنيوية‬
‫والخروية‪ ،‬وذلك كالبـيع والشراء وكالصلة‪ .‬وفضله أنه من أشرف العلوم وهو من علوم الدين‬
‫ل المام‬‫الشرعية‪ .‬ونسبته أنه فرع علم التوحيد‪ ،‬واسمه‪ :‬علم الفقه وعلم الفروع‪ .‬والواضع له إجما ً‬
‫أبو حنيفة النعمان بمعنى أنه أّول مصنف فيه إل باب التفليس والحجر والسبق والرمي‪ ،‬فأّول‬
‫مصنف فيه إمامنا الشافعي‪ .‬وحكم الشارع في تعلمه الوجوب العيني فيما يتلبس به الشخص‪،‬‬
‫والكفائي في غير ذلك‪ .‬ومسائله قضاياه التي يبحث فيه عنها‪ :‬كزكاة التجارة واجبة‪ ،‬والحلف بغير‬
‫ال مكروه وزيارة القبور مستحبة‪ ،‬والكل ل بقصد شيء مباح )على مذهب المام( المجتهد‬
‫اجتهادًا مطلقًا أي على اختياره للحكام )الشافعي( نسبة إلى شافع بن السائب‪ ،‬نسب هذا المام‬
‫إليه لنه صحابـي ابن صحابـي )رحمه ال تعالى( والمجتهد المطلق هو من يقدر على استنباط‬
‫الحكام من الدلة‪ ،‬ومجتهد المذهب هو الذي يقدر على الستنباط من قواعد إمامه‪ :‬كالمزني‬
‫والبويطي‪ ،‬ومجتهد الفتوى من يقدر على الترجيح لبعض أقوال إمامه على بعض‪ :‬كالنووي‬
‫والرافعي ل كالرملي وابن حجر لنهما مقلدان فقط‪ ،‬ويجب على من لم يكن فيه أهلية الجتهاد‬
‫المطلق أن يقلد في الفروع واحدًا من الئمة الربعة المشهورين‪ ،‬وهم‪ :‬المام الشافعي والمام أبو‬
‫حنيفة‪ ،‬والمام مالك‪ ،‬والمام أحمد بن حنبل رضي ال عنهم‪ ،‬والدليل على ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫}فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون{ ) )‪ (21‬النبـياء‪ :‬الية ‪ (7‬فأوجب ال السؤال على من لم‬
‫يعلم‪ ،‬ويلزم عليه الخذ بقول العالم وذلك تقليد له‪ ،‬ول يجوز تقليد غير هؤلء الربعة من باقي‬
‫المجتهدين في الفروع‪ ،‬مثل المام سفيان الثوري‪ ،‬وسفيان بن عيـينة‪ ،‬وعبد الرحمن بن عمر‬
‫الوزاعي‪ ،‬ول يجوز أيضًا تقليد واحد من أكابر الصحابة لن مذاهبهم لم تضبط ولم تدّون‪ ،‬وأما‬
‫من فيه أهلية الجتهاد المطلق فإنه يحرم عليه التقليد‪ ،‬ويجب على من لم يكن فيه الهلية أن يقلد‬
‫في الصول‪ :‬أي العقائد للمام أبـي الحسن الشعري أو المام أبـي منصور الماتريدي‪ ،‬لكن‬
‫إيمان المقلد مختلف فيه بالنسبة إلى أحكام الخرة‪ ،‬أما بالنظر إلى أحكام الدنيا فيكفيه القرار فقط‪،‬‬
‫والصح أن المقلد مؤمن عاص إن قدر على النظر‪ ،‬وغير عاص إن لم يقدر‪ ،‬ثم إن جزم بقول‬
‫الغير جزمًا قويًا بحيث لو رجع المقلد بالفتح لم يرجع هو كفاه في اليمان‪ ،‬لكنه عاص بترك‬
‫النظر إن كان فيه أهلية النظر‪ .‬وإن لم يجزم بقول الغير جزمًا قويًا بأن كان جازمًا‪ ،‬لكن لو رجع‬
‫المقلد بالفتح لرجع هو لم يكفه في اليمان‪ ،‬ويجب على من ذكر أن يقلد في علم التصّوف إمامًا‬
‫من أئمة التصّوف كالجنيد‪ ،‬وهو المام سعيد بن محمد أبو القاسم الجنيد سيد الصوفية علمًا وعم ً‬
‫ل‬
‫رضي ال عنه‪ .‬والحاصل أن المام الشافعي ونحوه هداة الّمة في الفروع‪ ،‬والمام الشعري‪،‬‬
‫ونحوه هداة الّمة في الصول‪ ،‬والجنيد ونحوه هداة الّمة في التصّوف‪ ،‬فجزاهم ال خيرًا‪ ،‬ونفعنا‬
‫بهم آمين‪.‬‬
‫)‬
‫رقم الصفحة‪3 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وسميته( أي هذا المختصر )بقرة العين بمهمات الدين‪ ،‬راجيًا( أي مؤّمل )من الرحمن( أي كثير‬
‫الرحمة جّدا )أن ينتفع به( أي بهذا المختصر )الذكياء( أي سراع الفهم )وأن تقر( أي تفرح )به(‬
‫أي بسبب هذا المختصر )عيني غدًا( أي في الجنة )بالنظر إلى وجهه الكريم بكرة وعشيًا( ويجب‬
‫اعتقاد أنه تعالى يرى بالبصار في الخرة للمؤمنين بل تكيف للمرئي بكيفية من كيفيات الحوادث‬
‫من مقابلة وجهة وتحيز وغير ذلك‪ ،‬ومحل الرؤية الجنة بل خلف‪ ،‬فيراه تعالى أهلها في مثل يوم‬
‫الجمعة والعيد‪ ،‬ويراه تعالى خواصهم كل يوم بكرة وعشيًا‪ .‬قال أبو زيد البسطامي‪ :‬إن ل خواص‬
‫من عباده لو حجبهم عن الجنة عن رؤيته تعالى ساعة لستغاثوا من الجنة ونعيمها كما يستغيث‬
‫أهل النار من النار وعذابها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪3 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب الصلة‬

‫حقيقتها شرعًا‪ :‬أقوال غالبًا‪ ،‬وأفعال ولو قلبـية مفتتحة بالتكبـير المقترن بالنية‪ ،‬مختتمة بالتسليم‬
‫على وجه مخصوص‪ ،‬وهي أربعة أنواع‪ :‬فرض عين بالشرع‪ ،‬وفرض عين بالنذر‪ ،‬وفرض‬
‫كفاية‪ ،‬وسنة‪.‬‬
‫فالفرض العيني بالشرع خمس صلوات في كل يوم وليلة‪ .‬وهي‪ :‬الظهر‪ ،‬والعصر‪ ،‬والمغرب‪،‬‬
‫والعشاء‪ ،‬والصبح ل غير‪ .‬ووجوبها معلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬فيكفر جاحدها‪ .‬وفرضت ليلة‬
‫المعراج في السماء‪ ،‬وهذه الصلوات تفرقت في النبـياء‪ ،‬فالفجر لدم‪ ،‬والظهر لبراهيم‪،‬‬
‫والعصر لسليمان‪ ،‬والمغرب لعيسى‪ :‬ركعتين عن نفسه‪ ،‬وركعة عن أّمه‪ ،‬والعشاء خصت به هذه‬
‫الّمة‪ .‬وقيل‪ :‬الظهر لداود‪ ،‬والمغرب ليعقوب‪ ،‬والعشاء ليونس‪ ،‬وقيل‪ :‬لموسى‪ ،‬والصح أن‬
‫العشاء من خصوصيتنا كما نقله الشبراملسي عن ابن قاسم ‪ .‬والغرض بالنذر هو ما يوجبه‬
‫المكلف على نفسه بالنذر من النوافل‪ ،‬ويسلك بالنذر مسلك واجب الشرع في العزائم‪ :‬كوجوب‬
‫فعله دون الرخص كالقصر والجمع‪ .‬وفرض الكفاية هو صلة الجنازة‪ .‬والسنة هي النوافل التي‬
‫بـيانها )إنما تجب المكتوبة( أي الصلوات الخمس )على مسلم( ولو فيما مضى‪ ،‬ذكر أو غيره‪ ،‬فل‬
‫تجب على كافر أصلي وجوب مطالبة بها منا في الدنيا لعدم صحتها منه‪ ،‬لكن تجب عليه وجوب‬
‫معاقبة عليها في الخرة لتمكنه من فعلها بالسلم‪ ،‬ول قضاء عليه إذا أسلم‪ ،‬فإذا أسلم أثيب على‬
‫ما فعله من القرب التي ل تحتاج إلى نية‪ :‬كصدقة‪ ،‬وصلة‪ ،‬وعتق‪ .‬وتجب على المرتّد فيقضيها إذا‬
‫أسلم حتى زمن الجنون في الرّدة تغليظًا عليه ولنه التزمها بالسلم فل تسقط عنه بالجحود كحق‬
‫الدمي بخلف زمن الحيض والنفاس فيها فل تقضي في ذلك )مكلف( أي بالغ عاقل سليم‬
‫الحواس بلغته الدعوة فل تجب على صبـي ول على مجنون لم يتعّد بسبب جنونه كمن وثب وثبة‬
‫لم يرد بها زوال عقله‪ ،‬ول على سكران بغير مؤثم لعدم تكليفهم‪.‬‬
‫لقوله ‪» :‬رفع القلم عن ثلث‪ :‬عن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصبـي حتى يكبر وعن المجنون‬
‫حتى يعقل أو يفيق« ‪ .‬رواه ابن ماجه والحاكم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومن نشأ بشاهق جبل ولم تبلغه دعوة السلم غير مكلف بشيء‪ ،‬وكذا من خلق أعمى أصم فإنه‬
‫غير مكلف بشيء إذ ل طريق له إلى العلم بذلك ولو كان ناطقًا‪ ،‬لن النطق بمجرده ل يكون‬
‫طريقًا لمعرفة الحكام الشرعية‪ ،‬بخلف من طرأ عليه ذلك بعد المعرفة فإنه مكلف‪ ،‬ولو أسلم من‬
‫لم تبلغه الدعوة وجب عليه القضاء لنه منزل منزلة مسلم نشأ بعيدًا عن العلماء‪ ،‬بخلف من خلق‬
‫أعمى أصم فإنه إن زال مانعه ل قضاء عليه لنه ليس فيه أهلية الخطاب )طاهر( من الحيض‬
‫والنفاس‪ ،‬فل تجب على حائض ونفساء لعدم صحتها منهما‪ ،‬فمن توفرت فيه هذه الشروط وجبت‬
‫عليه الصلة إجماعًا‪) .‬ويقتل( أي من ذكر بضرب عنقه بالسيف ل بغير ذلك )إن أخرجها( أي‬
‫الصلة ولو صلة واحدة فقط )عن وقت جمع( لها إن كان‪ ،‬فل يقتل بترك الظهر كالعصر حتى‬
‫تغرب الشمس‪ ،‬ول بترك المغرب كالعشاء حتى يطلع الفجر‪ ،‬لن وقت الجمع وقت الصلة في‬
‫العذر فكان شبهة في القتل‪ ،‬ويقتل بترك الصبح بعد طلوع الشمس‪ .‬أما الجمعة فيقتل بها إذا ضاق‬
‫ل عنها‬‫الوقت عن أقل ممكن من الخطبة والصلة وإن قال‪ :‬أصليها ظهرًا لن الظهر ليس بد ً‬
‫ل( أو تهاونًا مع اعتقاده وجوبها )إن لم يتب( أي إن لم يفعل الصلة بعد مطالبة المام أو‬
‫)كس ً‬
‫نائبه بأدائها وتوعده بالقتل فل يفيد طلب غيره‪ ،‬وتوعده ثبوت القتل لنه ليس من منصبه فيطالب‬
‫ندبًا المام أو نائبه في الحال بأدائها إذا ضاق وقتها عن فعلها بأن بقي من الوقت زمن يسع مقدار‬
‫ل‪ ،‬فإن صليت تركناك‬ ‫الفريضة والطهارة‪ ،‬ويتوعده بالقتل إن أخرجها عن الوقت فيقول له‪ :‬ص ّ‬
‫وإن أخرجتها عن الوقت قتلناك‪ .‬وعلم من ذلك أن الوقت وقتان‪ :‬وقت أمر‪ ،‬ووقت قتل‪ ،‬فل يقتل‬
‫عند ضيق الوقت بحيث يتحقق فوتها‪ .‬ثم القتل بعد خروج الوقت ليس لمطلق كونها قضاء إذ ل‬
‫قتل به‪ ،‬وإنما هو للترك بل عذر مع الطلب منه في الوقت وامتناعه من الفعل بعده وإن لم يصرح‬
‫بقوله‪ :‬ل أفعل كما في فتح الجواد‪ .‬وحكمه بعد قتله حكم باقي المسلمين في وجوب الدفن والغسل‬
‫والتكفين والصلة عليه كغيره ممن قتل حّدا من المسلمين‪ ،‬ولو زعم زاعم أن بـينه وبـين ال حالة‬
‫أسقطت عنه الصلة وأحلت له شرب الخمر كما زعمه بعض الصوفية‪ ،‬فل شك في وجوب قتله‪،‬‬
‫وإن كان في خلوده في النار نظر‪ ،‬وقتل مثله أفضل من قتل مائة كافر لن ضرره أكثر )ويبادر‬
‫ل لبراءة الذّمة‪ ،‬فل‬
‫بفائت( من فرض صلة أو غيرها متى تذكره وجوبًا إن فات بغير عذر تعجي ً‬
‫يجوز لغير المعذور أن يصرف زمنًا في غير قضائه كالتطّوع‪ ،‬وفرض الكفاية وفرض عين‬
‫موسع إل فيما يضطر إليه‪ :‬كالنوم‪ ،‬وتحصيل مؤنة من تلزمه مؤنته‪ ،‬وكالصور المستثناة من‬
‫وجوبها الفورية‪ ،‬وهي مسائل‪ :‬منها‪ :‬ما إذا خاف فوت أداء حاضرة بأن علم أنه لو اشتغل بقضاء‬
‫الفائتة لم يدرك من وقت الحاضرة ما يسع ركعة‪ ،‬فيبدأ بالحاضرة وجوبًا وخرج بفوت أداء‬
‫الحاضرة فوت جماعتها‪ ،‬فإذا خاف فوتها بدأ بالقضاء‪ ،‬وظاهر هذا أنه يبدأ بالفائتة ولو بعذر‪،‬‬
‫وأنه ل فرق بـين أن يرجو جماعة غير هذه أو ل‪ .‬ومنها‪ :‬ما إذا لم يوجد إل ثوب واحد في رفقة‬
‫عراة أو ازدحموا على بئر أو مكان للصلة فل يقضي حتى تنتهي النوبة إليه‪ .‬ومنها‪ :‬فاقد‬
‫الطهورين إذا صلى لحرمة الوقت ثم وجد خارج الوقت ترابًا ل يسقط به الفرض‪ ،‬كأن كان بمحل‬
‫يغلب فيه وجود الماء فل يقضي به إذ ل فائدة فيه‪ .‬ومنها‪ :‬ما إذا وجد غريقًا يجب إنقاذه فيحرم‬
‫اشتغاله بالقضاء‪ ،‬ويبادر بفائت استحبابًا مسارعة لبراءة ذّمته إن فات بعذر فإن وجوب قضائه‬
‫على التراخي والعذر كنوم لم يتعّد به بأن كان قبل دخول الوقت أو فيه ووثق بـيقظته قبل خروجه‬
‫بحيث يدرك الصلة فيه‪ ،‬فإن كان متعديًا به‪ :‬كأن نام بعد دخوله ولم يثق بـيقظته فيه وجب‬
‫القضاء فورًا‪ ،‬وحيث لم يكن متعديًا بالنوم واستيقظ من نومه وقد بقي من وقت الفريضة ما ل يسع‬
‫إل الوضوء أو بعضه فحكمه حكم ما فاته بعذر فل يجب قضاؤها فورًا‪ .‬ومن العذار‪ :‬نسيان لم‬
‫ينشأ عن تقصير فإن كان عن تقصير كاشتغال بلعب فليس عذرًا‪ ،‬واشتغال بما يلزمه تقديمه على‬
‫الصلة كدفع صائل وُتقضي الجمعة ظهرًا‪ .‬ويندب قضاء النوافل المؤقتة دون النفل المطلق وذي‬
‫السبب ولو كان عليه فوائت ل يعلم عددها قضى ما تحقق تركه‪ ،‬فل يقضي المشكوك فيه على ما‬
‫قاله القفال‪ ،‬والمعتمد ما قاله القاضي حسين أنه يقضي ما زاد على ما تحقق فعله فيقضي ما ذكر‬
‫)ويسن ترتيبه( أي الفائت في القضاء على ترتيب أوقات الفوائت وأيامها خروجًا من خلف من‬
‫أوجبه‪ ،‬فيبدأ بالفائت أّول ولو بعذر‪ ،‬ويؤخر عنه الفائت ثانيا ولو بل عذر‪ ،‬فلو فاته ظهر هذا اليوم‬
‫ل بعذر وعصره بل عذر قدم في القضاء الظهر مراعاة للترتيب‪ .‬وفهم من هذا المثال أنه لو‬ ‫مث ً‬
‫فاته عصر المس وظهر اليوم قدم في القضاء عصر المس على ظهر اليوم مراعاة للترتيب )و(‬
‫ن )تقديمه( أي الفائت )على حاضرة( على تفصيل في ذلك‪.‬‬ ‫يس ّ‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫حاصله أنه إن كان يعلم أنه بعد فراغه من الفائتة يدرك الحاضرة كلها في الوقت بدأ بالفائتة‬
‫وجوبًا إن فاتته بل عذر‪ ،‬وندبًا إن فاتته بعذر‪ ،‬وإن كان يعلم أنه بعد فراغه منها ل يدرك من‬
‫الحاضرة إل ركعة في الوقت بدأ بالفائتة ندبًا مطلقًا‪ ،‬ولو كان الباقي من الوقت ما يسع الوضوء‬
‫ودون ركعة قدم الحاضرة على الفائتة لئل تصير صاحبة الوقت فائتة أيضًا ولو تذكر فائتة بعد‬
‫شروعه في حاضرة أتمها ضاق الوقت أو اتسع‪ ،‬وسواء كانت الفائتة يجب قضاؤها فورًا أو ل‪،‬‬
‫ل مطلقًا حيث‬ ‫ولو شرع في فائتة معتقدًا سعة الوقت فبان ضيقه وجب قطعها‪ ،‬والفضل قلبها نف ً‬
‫ل لن يأكل وحده‬ ‫فعل منها ركعة فأكثر ل أقل‪) .‬ويؤمر( صبـي ذكر وأنثى )مميز( بأن يصير أه ً‬
‫ويشرب ويستنجي كذلك )بها( أي الصلة ولو قضاء‪ :‬أي يجب على كل من أبويه وإن عل ثم‬
‫الوصي أو القيم‪ ،‬وكذا نحو الملتقط ومالك الرقيق والوديع والمستعير أن يأمر الطفل بالصلة‬
‫)لسبع( من السنين‪ :‬أي بعد استكمالها‪ ،‬فل يجب المر قبل اجتماع السبع والتميـيز‪ ،‬ول يقتصر‬
‫الولي على مجرد المر‪ ،‬بل مع التهديد على ترك الصلة كأن يتوعده بما يخّوفه إذا تركها‬
‫)ويضرب( أي المميز وجوبًا على من ذكر )عليها( أي على تركها ضربًا غير مبرح )لعشر( لنه‬
‫مظنة البلوغ فيجوز ضربه في أثناء العاشرة‪.‬‬
‫والصل في ذلك قوله ‪» :‬مروا أولدكم بالصلة وهم أبناء سبع‪ ،‬واضربوهم عليها وهم أبناء‬
‫عشر‪ ،‬وفرقوا بـينهم في المضاجع« )كصوم أطاقه( بأن لم تحصل له به مشقة ل تحتمل عادة وإن‬
‫لم تبح التيمم‪ .‬ويجب على من مر نهيه عن المحرمات وتعليمه الواجبات وسائر الشرائع كالسواك‬
‫وحضور الجماعات ثم إن بلغ رشيدًا انتفى ذلك عن الولياء أو سفيهًا فولية الب مستمرة فيكون‬
‫كالصبـي‪ ،‬وأجرة تعليمه الواجبات في ماله‪ ،‬فإن لم يكن فعلى الب‪ ،‬ثم الم‪ ،‬ويخرج من ماله‬
‫أجرة تعليم القرآن والداب‪ :‬كزكاته‪ ،‬ونفقة ممونه‪ ،‬وبدل متلفه‪ ،‬فمعنى وجوبها في ماله ثبوتها في‬
‫ذّمة الصبـي‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وأّول واجب( من المقاصد على كل مكلف من ذكر وأنثى معرفة كل عقيدة بالدليل الجمالي‪،‬‬
‫ويقوم مقام ذلك معرفته بالكشف‪ .‬والمعرفة جزم بالعقائد مطابق للواقع ناشىء عن دليل‪ ،‬فخرج‬
‫ن والشك والوهم في العقائد فإن صاحبها كافر‪ .‬وأّول واجب من الوسائل النظر‪ ،‬وهو أن‬
‫بها الظ ّ‬
‫يتأّمل بفكره في المصنوعات فيستدل بها على وجود الصانع وصفاته‪ ،‬فينظر في أحوال ذاته وما‬
‫اشتملت عليه من‪ :‬سمع‪ ،‬وبصر‪ ،‬وكلم‪ ،‬وطول‪ ،‬وعمق‪ ،‬ورضا‪ ،‬وغضب‪ ،‬وبـياض‪ ،‬وحمرة‪،‬‬
‫وسواد‪ ،‬وعلم‪ ،‬وجهل‪ ،‬ولذة‪ ،‬وألم‪ ،‬وغير ذلك مما ل يحصى‪ ،‬وكلها متغيرة من عدم إلى وجود‬
‫وبالعكس فتكون حادثة وهي قائمة بالذات لزمة لها‪ ،‬وملزم الحادث حادث‪ ،‬وذلك دليل الفتقار‬
‫إلى صانع حكيم‪ ،‬واجب الوجود‪ ،‬عام العلم‪ ،‬تام القدرة والرادة‪ ،‬فاعل بالختيار‪ ،‬يفعل ما يشاء‪،‬‬
‫ثم يتأمل في العالم العلوي‪ :‬وهو ما ارتفع من الفلكيات من سموات وكواكب وغيرها فإنه يجد‬
‫بعض ذلك ساكنًا وبعضه متحركًا وبعضه نورانيًا وبعضه ظلمانيًا‪ ،‬وذلك دليل حدوثها وافتقارها‬
‫إلى صانع حكيم‪ ،‬ثم يتأمل في العالم السفلي‪ ،‬وهو ما نزل من الفلكيات‪ :‬كالهواء والسحاب‬
‫والرض وما فيها من المعادن والبحار والنبات وغير ذلك فإنه يجد في ذلك صنعًا بديع الحكم من‬
‫ألوان مستحسنة في الحيوانات والنباتات وغيرهما واختلف بقاع وأصوات وألوان ومقادير‬
‫ولغات إلى ما ل يحصى من الصفات ول يحيط به إل خالق الرض والسموات‪ ،‬وجميع ذلك‬
‫ل على وجود الصانع وعلمه وقدرته‬ ‫ملزم للعراض الحادثة وذلك يدل على حدوثه فيكون دا ً‬
‫وإرادته وحياته لن ذلك ل يصدر إل عمن اتصف بما ذكر‪ .‬وقاللسمعاني ‪ :‬يجب )على الباء(‬
‫ثم على الوصي أو القيم )تعليمه( أي المميز )أن نبـينا( محمد بن عبد ال ) بعث بمكة( إلى كافة‬
‫الثقلين )ودفن بالمدينة( وأنه واجب الطاعة والمحبة انتهى‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫واعلم أن النبـي لما بلغ من العمر أربعين سنة نبأه ال تعالى في يوم الثنين في شهر ربـيع الّول‪،‬‬
‫وأرسله لكافة الناس بشيرًا ونذيرًا‪ ،‬ولما بلغ من العمر إحدى وخمسين سنة ونصفًا أسرى بجسده‬
‫وروحه يقظة من مكة إلى بـيت المقدس‪ ،‬ثم عرج منه إلى السموات السبع‪ ،‬إلى سدرة المنتهى‪،‬‬
‫إلى مستوى سمع فيه صريف القلم‪ ،‬إلى العرش‪ ،‬إلى مكان الخطاب مع ربه‪ .‬وفرض في ذلك‬
‫الوقت عليه وعلى أّمته خمس صلوات‪ .‬ولما كمل له من العمر ثلث وخمسون سنة أمره ال‬
‫تعالى بالهجرة من مكة إلى المدينة‪ ،‬فخرج من مكة يوم الخميس هلل ربـيع الّول واختفى بغار‬
‫ثور‪ ،‬ثم خرج منه ليلة الثنين‪ ،‬وقدم المدينة‪ :‬أي قباء يوم الثنين الثاني عشر من ربـيع الّول‪.‬‬
‫ولما كمل له من العمر ثلث وستون سنة توفاه ال تعالى وكان ذلك يوم الثنين الثاني عشر من‬
‫ربـيع الّول فدفن في حجرة عائشة رضي ال عنها‪ ،‬وكان حمله يوم الثنين في غرة رجب‪،‬‬
‫وولدته يوم الثنين أو ليلة الثنين الثاني عشر من ربـيع الّول فى مكة في سوق الليل من محل‬
‫مولده المشهور‪ .‬وقال الصبان‪ :‬الذي عليه الجماع أنه حمل به يوم الثنين ومثله ولدته‪ ،‬وبعثته‪،‬‬
‫وخروجه من مكة‪ :‬أي من غار ثور‪ ،‬ووصوله المدينة‪ :‬أي قباء ووفاته‪ .‬ونقل بعض الفاضل عن‬
‫القليوبـي وعن جمع من المحققين أنه لم يولد من الفرج‪ ،‬بل من محل فتح فوق الفرج وتحت السرة‬
‫والتأم في ساعته‪ .‬ونقل عن القاضي عياض أن مثله في ذلك جميع النبـياء والمرسلين‪ ،‬لكن قال‬
‫العلمة التلمساني ‪ :‬وكل من النبـياء غير نبـينا مولودون من فوق الفرج وتحت السرة‪ ،‬وأما نبـينا‬
‫فمولود من الخاصرة اليسرى تحت الضلوع ثم التأم لوقته خصوصية له‪ ،‬فتحصل لك من هذه أنه‬
‫لم يصح نقل بولدته من الفرج وكذا غيره من النبـياء‪ ،‬ولهذا أفتى المالكية بقتل من قال‪ :‬إن نبـينا‬
‫ولد من مجرى البول اهـ‪.‬‬
‫فصل في مسائل منثورة‬
‫)شروط الصلة خمسة‪ :‬أحدها طهارة عن حدث وجنابة( ومقاصد الطهارة أربعة‪ :‬الوضوء‬
‫والغسل‪ ،‬والتيمم‪ ،‬وإزالة النجاسة‪.‬‬
‫ووسائلها أربعة‪ :‬المياه‪ ،‬والتراب‪ ،‬والدابغ‪ ،‬وحجر الستنجاء‪ ،‬ووسائل الوسائل شيئان‪ :‬الجتهاد‪،‬‬
‫والواني‪ .‬أما الجتهاد فإذا اشتبه طهور ماء أو تراب بمتنجس منهما اجتهد وجوبًا إن لم يقدر‬
‫على اليقين‪ ،‬وجوازًا إن قدر على طهور بـيقين‪ :‬كأن كان على شط نهر واستعمل ما ظنه طهورًا‪،‬‬
‫وإذا اشتبه ماء وماء ورد منقطع الرائحة توضأ بكل مرة‪ ،‬وإذا اشتبه ماء وبول أراقهما أو‬
‫خلطهما ثم تيمم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫وللجتهاد شروط‪ :‬التعدد في المشتبه‪ ،‬وأصلية الطهارة فيه‪ ،‬وكون العلمة لها فيه مجال‪ :‬أي‬
‫مدخل كالواني والثياب‪ ،‬بخلف اختلط المحرم بنسوة‪ ،‬والعلم بالنجاسة أو ظنها بإخبار العدل‪،‬‬
‫والملمة من التعارض‪ ،‬وبقاء المشتبهين إلى تمام الجتهاد‪ ،‬فلو انصب أحدهما بتمامه أو تلف‬
‫امتنع الجتهاد‪ ،‬ويتيمم ويصلي من غير إعادة‪ ،‬وإن لم يرق ما بقي‪ ،‬والحصر في المشتبه‪ ،‬فلو‬
‫اشتبه إناء بول بأواني بلد فل اجتهاد بل يأخذ منها ما شاء‪ .‬وأما سعة الوقت فلست بشرط‪ ،‬بل‬
‫يجتهد وإن أّدى اجتهاده إلى خروج الوقت‪ ،‬وكذا ل يشترط كون الناءين لواحد‪ ،‬بل لو كانا لثنين‬
‫ليس لحدهما أن يتوضأ من إنائه إل بعد الجتهاد‪ ،‬وشرط العمل بالجتهاد ظهور العلمة‪ ،‬فإن لم‬
‫يظهر له شيء أراق الماءين‪ ،‬أو خلط أحدهما أو بعضه بالخر ثم تيمم‪ ،‬وعلم أن هذا شرط للعمل‬
‫ل لصل الجتهاد‪ .‬وأما الواني فيحل استعمال كل إناء طاهر ولو نفيسًا كياقوت ونحوه إل آنية‬
‫الذهب أو الفضة فحرام استعمالها واتخاذها من غير استعمال على النساء والرجال‪.‬‬
‫ثم الطهارة قسمان‪ :‬طهارة لجل حدث أصغر‪ ،‬وطهارة لجل حدث أكبر )فالولى( أي الطهارة‬
‫لحدث أصغر وهو المقصد الّول )الوضوء( وهو مشتق من الوضاءة بالمد وهي النظافة‪ ،‬وهو‬
‫في الشرع استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحا بالنية‪ ،‬وكان قد فرض مع الصلة في‬
‫ليلة المعراج كما رواه ابن ماجه‪ ،‬وهو فرض على المحدث وسنة لتجديد إذا صلى بالّول صلة‬
‫ّما غير سنة الوضوء‪ ،‬وتندب إدامة الوضوء )وشروطه( أي الوضوء )كالغسل( أي كشروطه‬
‫خمسة‪ :‬أحدها )ماء مطلق( ولو مظنونًا‪ ،‬وهو ما يصح أن يطلق عليه اسم الماء بل قيد فشمل‬
‫الماء المتغير كثيرًا بما ل يستغنى الماء عنه كطين وطحلب وهو شيء أخضر يعلو على وجه‬
‫الماء من طول المكث‪ ،‬ول فرق بـين أن يكون في مقر الماء وممره أول‪ .‬والمتغير بما في موضع‬
‫قراره ومروره فهو مطلق يصح التطهير به ولو كان التغير كثيرًا لعدم استغنائه عنه‪ ،‬ومن الماء‬
‫المطلق ما إذا تغير الماء بما تساقط فيه من أوراق الشجار ولو ربـيعية أو تفتتت فيه لتعذر صون‬
‫الماء عنها‪ ،‬ومنه ما إذا تغير ماء المغاطس بأوساخ أبدان المغتسلين‪ ،‬وماء الفساقى بأوساخ أرجل‬
‫المتوضئين فإنه ل يضر ولو كثر التغير‪ .‬ثم ذكر المصنف للماء المطلق قيودًا تستلزمه )غير‬
‫مستعمل في( ما ل بد منه أثم تاركه أم ل من )رفع حدث( كالغسلة الولى‪ ،‬فشمل وضوء الصبـي‬
‫ولو غير مميز بأن وضأه وليه للطواف‪ ،‬وإن لم ينو وشمل ما استعمل في غسل بدل مسح من‬
‫رأس أو خف أو في غسل كتابـية أو مجنونة عن حيض أو نفاس ليحل وطؤها ولو كان الحليل‬
‫كافرًا أو الوطء زنا‪ ،‬والوطء غير حرام من جهة الطهارة عن حيض ل من جهة الزنا )و( إزالة‬
‫)نجس( ولو معفوا عنه )قليل( أي حالة كون المستعمل في حال قلته وهو دون القلتين‪ ،‬بخلف ما‬
‫إذا كان قلتين فأكثر فإنه إذا رفع الحدث ل يحكم عليه بالستعمال‪ ،‬وإذا أزال النجس ل يحكم‬
‫بتنجسه إل إذا تغير بالنجاسة ول يحكم باستعماله أيضًا‪ ،‬ولو جمعت المياه المستعملة حتى صارت‬
‫ماء كثيرًا قلتين فأكثر عاد طهورًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والماء القليل الذي أزيلت به النجاسة طاهر غير مطهر بشروط‪ :‬أن يكون الماء واردًا‪ ،‬بخلف ما‬
‫لو كان الماء مورودًا كأن وضع الشيء في الماء القليل فإنه ينجس بمجرد ملقاة النجاسة‪ ،‬وأن ل‬
‫يتغير طعمه أو لونه أو ريحه‪ ،‬وأن ل يزيد وزنه عما كان قبل الغسل به بعد اعتبار ما يتشربه‬
‫المغسول من الماء وما يمجه من الوسخ وأن يطهر المحل‪ .‬فإن فقد شرط من ذلك كان الماء‬
‫متنجسًا )و( غير )متغير( تغيرًا )كثيرًا( يمنع إطلق اسم الماء عليه بأن يحدث له بسبب ذلك اسم‬
‫آخر يزول به وصف الطلق )بخليط طاهر غني( أي الماء )عنه( أي الخليط سواء كان التغير‬
‫ل أو كثيرًا‪ ،‬فلو وقع في الماء مائع طاهر يوافقه في صفاته‬
‫حسيًا أم تقديريًا‪ ،‬وسواء كان الماء قلي ً‬
‫فرض وصف الخليط المفقود مخالفًا في أوسط الصفات‪ :‬كلون عصير العنب أبـيض أو أسود‪،‬‬
‫وطعم الرمان‪ ،‬وريح اللذن‪ ،‬كذا قاله ابن أبـي عصرون‪ ،‬واعتبر الروياني الشبه بالخليط‪ ،‬فماء‬
‫الورد المنقطع الرائحة يفرض على القول الّول من اللذن فإنه أوسط في الرائحة وإن لم يشبه‬
‫صفة الواقع‪ ،‬وعلى الثاني يعتبر بماء ورد له رائحة لنه أشبه بالمخالط فل يضر الماء تغيره‬
‫بطول المكث ول بالمجاور الطاهر ولو كان التغير كثيرًا‪ .‬نعم إن تحلل منه شيء كما لو نقع التمر‬
‫في الماء فاكتسب الحلوة منه سلبه الطهورية‪ ،‬كذا قاله الشبراملسي )أو( كان الماء غير متغير‬
‫بخليط طاهر‪ ،‬بل كان تغيره )بنجس( فإنه ل يسمى ماء مطلقًا )ولو كان( أي الماء )كثيرًا( قلتين‬
‫ل أم كثيرًا‪ ،‬وسواء‬
‫فأكثر‪ ،‬فالماء إذا تغير بنجس صار متنجسًا بالجماع‪ ،‬سواء كان التغير قلي ً‬
‫المخالط والمجاور‪ ،‬ول فرق بـين التغير الحسي والتقديري‪ ،‬فإن كان الخليط نجسًا في ماء كثير‬
‫اعتبر بأشد الصفات‪ :‬كلون الحبر‪ ،‬وطعم الخل‪ ،‬وريح المسك لغلظه‪.‬‬
‫والحاصل أن المياه أربعة أقسام‪ :‬أحدها‪ :‬ماء طاهر في نفسه مطهر لغيره غير مكروه استعماله‪،‬‬
‫وهو الماء المطلق الغير المتشمس‪ .‬وثانيها‪ :‬ماء طاهر في نفسه مطهر لغيره مكروه استعماله‪،‬‬
‫وهو الماء المطلق المتشمس‪.‬‬
‫ولكراهة استعماله تسعة شروط‪ :‬الّول‪ :‬أن يكون ببلد حار كبلد الحجاز غير الطائف‪ ،‬بخلف‬
‫البارد كبلد الشام غير حران‪ .‬والمعتدل كبلد مصر والحاوه‪ .‬فل يكره استعمال المتشمس فيها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تنقله الشمس من حالة إلى أخرى بحيث تنفصل منه زهومة تعلو الماء‪ ،‬بخلف مجرد‬
‫انتقاله من البرودة إلى الحرارة حيث لم يصل إلى هذه الحالة‪ .‬الثالث‪ :‬أن يكون فيما ينطبع غير‬
‫الذهب والفضة‪ :‬كالحديد والنحاس ونحوهما‪ ،‬بخلف ما لو كان غير منطبع كالفخار‪ ،‬أو في‬
‫منطبع من الذهب أو الفضة فل كراهة‪ .‬الرابع‪ :‬أن يستعمل في حال حرارته بخلف ما لو تركه‬
‫حتى زالت حرارته‪ .‬الخامس‪ :‬أن يكون استعماله في البدن ولو شربا‪ ،‬ولو كان بدن أبرص أو‬
‫ميت أو حيوان غير آدمي حيث كان يدركه البرص كالخيل‪ .‬السادس‪ :‬أن يكون تشمسه في زمن‬
‫الحر كالصيف‪ ،‬بخلف الزمن البارد أو المعتدل‪ .‬السابع‪ :‬أن يجد غيره‪ .‬الثامن‪ :‬أن يكون الوقت‬
‫متسعا‪ ،‬فإن ضاق الوقت أو لم يجد غير المتشمس فل كراهة في استعماله بل يجب استعماله إل‬
‫إذا تحقق الضرر أو ظنه فيحرم استعماله بل يتيمم‪ .‬التاسع‪ :‬أن ل يتحقق الضرر أو يظنه وإل‬
‫حرم استعماله كما تقدم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وثالثها‪ :‬ماء طاهر في نفسه غير مطهر لغيره‪ ،‬وهو قسمان‪ :‬الماء المستعمل فيما ل بد منه من‬
‫رفع حدث أو إزالة نجس ولو معفّوا عنه وكان الماء دون القلتين‪ ،‬والماء المتغير بشيء خالطه من‬
‫العيان الطاهرات المستغنى عنها تغيرًا كثيرًا يمنع إطلق اسم الماء عليه بأن يزول به وصف‬
‫الطلق‪ :‬كأن يقال ماء نورة أو ماء سدر أو مرقة‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬ماء متنجس‪ ،‬وهو الماء الذي لقته نجاسة تدرك البصر‪ ،‬وهو قسمان‪ :‬قليل دون القلتين‬
‫بأكثر من رطلين سواء تغير أم ل‪ ،‬ولكن يستثنى من النجاسة ميتة ل دم لها سائل أصالة‪ :‬كزنبور‪،‬‬
‫وعقرب‪ ،‬ووزغ‪ ،‬وذباب‪ ،‬وقمل‪ ،‬وبرغوث إذا وقعت في الناء الذي فيه ماء قليل أو شيء من‬
‫المائعات كالزيت والعسل فإنها ل تنجسه بشرط أن ل يطرحها طارح ولو حيوانًا وهي ميتة‬
‫وتصل ميتة وإل نجسته‪ .‬وكثير بأن كان قلتين فأكثر وقد تغير باتصال النجاسة ولو تغيرًا يسيرًا‬
‫أو كان تقديريًا‪ ،‬ولو نقل من محل إلى آخر فوجد فيه طعم النجاسة أو رائحتها فإن وجد سبب‬
‫ل حكم بنجاسة ذلك‪ ،‬وإل فل‪،‬‬ ‫يحال عليه التنجيس كأن كان محلها الّول مما يحصل فيه بول مث ً‬
‫ولو جمعت المياه المتنجسة حتى صارت ماء كثيرًا قلتين فأكثر ول تغير به عاد طهورًا‪ ،‬ولو زال‬
‫تغير الماء الكثير بما زيد عليه أو نقص منه والباقي قلتان فأكثر عاد طهورًا‪ ،‬والقلتان خمسمائة‬
‫رطل بالبغدادي تقريبًا‪.‬‬
‫ل في التيمم أو مع انضمامه للماء في إزالة النجاسة المغلظة‬ ‫وأما التراب فإنه يكون مطهرًا استقل ً‬
‫بشرط أنه لم يكن استعمل في فرض مطلقًا ولم يختلط بغيره في التيمم‪ .‬وأما الدابغ فهو كل حريف‬
‫ينزع فضول الجلد وهو رطوبته ومائيته التي يفسده بقاؤها ويطيبه نزعها بحيث لو نقع في الماء‬
‫لم يعد إليه النتن والفساد‪ ،‬وذلك كالعفص وقشور الرمان‪ ،‬ول فرق في ذلك بـين الطاهر والنجس‬
‫كذرق الطيور‪ ،‬ولو كان النجس من مغلظ‪ ،‬لكن يحرم التضمخ به إذا وجد ما يقوم مقامه‪ ،‬وكل‬
‫جلد نجس بالموت يطهر بالدباغ ظاهرًا وباطنًا دون ما عليه من الشعر فل يطهر بالدباغ إل جلد‬
‫الكلب أو الخنزير أو فرع أحدهما مع الخر أو مع حيوان طاهر‪ ،‬فإن جلد ذلك كان نجسًا في حال‬
‫الحياة‪ ،‬وجلد الحيوان المأكول المذكى ل يحتاج إلى الدباغ لنه طاهر بعد الموت بسبب تذكيته‪،‬‬
‫نعم لو أصابته نجاسة من دم أو نحوه طهر بالماء‪.‬‬
‫ل عن الماء ولو مع القدرة على الماء‪ ،‬لكن له‬
‫وأما حجر الستنجاء فيجوز الستنجاء به وحده بد ً‬
‫شروط من حيث استعماله‪ ،‬وشروط من حيث ذاته‪ ،‬وشروط من حيث الخارج‪ ،‬وشروط من حيث‬
‫المحل‪ .‬أما شروطه من حيث استعماله فأمران‪ :‬أحدهما‪ :‬ثلث مسحات بحيث يعم بكل مسحة‬
‫المحل ولو بأطراف حجر‪ .‬ثانيهما‪ :‬إنقاء المحل بحيث ل يبقى إل قدر ل يزيله إل الماء‪ ،‬أو صغار‬
‫ن اليتار إذا‬
‫الخزف فإن لم يحصل النقاء بالثلث وجبت الزيادة عليها حتى يحصل النقاء‪ ،‬ويس ّ‬
‫لم يحصل النقاء بوتر‪ ،‬وإذا حصل النقاء بدون الثلث وجب تتميمها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأما شروطه من حيث ذاته فهي‪ :‬أن يكون جامدًا طاهرًا قالعًا غير محترم ول مبتل‪ ،‬ومن‬
‫ن‪.‬‬
‫المحترم مطعوم الدميـين أو الج ّ‬
‫وأما شروطه من حيث الخارج فهي أن ل يجف الخارج النجس وأن ل ينتقل وأن ل ينقطع وأن ل‬
‫يطرأ عليه أجنبـي وأن ل يجاوز في الغائط صفحته ول في البول حشفته‪ .‬وأما من حيث المحل‬
‫فله شرط واحد‪ ،‬وهو أن يكون ذلك المحل فرجًا معتادًا‪ .‬وحقيقة الستنجاء إزالة الخارج من الفرج‬
‫بماء أو حجر‪ ،‬والصل في ذلك هو الماء‪ ،‬والحجر رخصة وهو من خصائص هذه الّمة‪ ،‬وإذا‬
‫أراد المستنجي القتصار على أحدهما فالماء أفضل‪ ،‬والفضل الجمع بـينهما بتقديم الحجار‪.‬‬
‫والستنجاء تعتريه أحكام أربعة‪ :‬يكون واجبًا من كل خارج نجس ملّوث‪ ،‬ويكون مستحبًا من دود‬
‫وبعر بل لوث‪ ،‬ويكون مكروهًا من الريح‪ ،‬ويكون حرامًا بالمحترم‪ .‬وأركانه أربعة‪ :‬مستنج‪،‬‬
‫ومستنجى منه‪ ،‬ومستنجى به‪ ،‬ومستنجى فيه‪ ،‬فالمستنجى الشخص‪ ،‬والمستنجى منه الخارج‪،‬‬
‫والمستنجى به الماء أو الحجر‪ ،‬والمستنجى فيه الفرج‪.‬‬
‫وشروطه‪ :‬استفراغ مخرج‪ ،‬وإزالة نجس‪ ،‬ورفع شك‪ ،‬وثبوت يقين‪ ،‬والمراد باليقين ما يشمل غلبة‬
‫ن معه زوال النجاسة‪،‬‬ ‫ن‪ ،‬فإن الواجب في الستنجاء بالماء استعمال قدر يغلب على الظ ّ‬ ‫الظ ّ‬
‫وعلمته ذهاب النعومة وحدوث الخشونة‪ .‬وسننه أن يكون باليد اليسرى‪ ،‬وأن يقدم القبل على‬
‫الدبر في الستنجاء بالماء وعكسه في الحجر‪ ،‬وأن يدلك يده بنحو الرض بعده ثم يغسلها‪ ،‬وأن‬
‫ينضح فرجه وإزاره بعده بالماء‪ ،‬وأن يعتمد أصبعه الوسطى لنه أمكن‪ ،‬وأن يقول بعد فراغه‬
‫وبعد خروجه من محل قضاء الحاجة‪ :‬اللهم طهر قلبـي من النفاق‪ ،‬وحصن فرجي من الفواحش‪.‬‬
‫ومن آداب قاضي الحاجة‪ :‬أن يقدم يسراه في دخول محل قضاء الحاجة ويمناه في الخروج منه‬
‫ل‪ ،‬وأن يعتمد يساره في الجلوس لقضاء الحاجة‪ ،‬وأن يبعد عن الناس بحيث‬ ‫ولو بوضع إبريق مث ً‬
‫ل يسمع للخارج منه صوت‪ ،‬ول يشم له ريح‪ ،‬ول يبول في ماء راكد‪ ،‬ول في مهب ريح‪ ،‬ول في‬
‫طريق الناس‪ ،‬ول في مواضع جلوسهم‪ ،‬ول تحت الشجرة المثمرة‪ ،‬ول في الثقب‪ ،‬ول في مكان‬
‫صلب‪ ،‬وأن ل يكون قائمًا‪ ،‬وأن ل ينظر إلى فرجه‪ ،‬ول إلى الخارج منه‪ ،‬ول يعبث بـيده‪ ،‬ول‬
‫ل‪ ،‬ول يستقبل الشمس ول القمر‪ ،‬ول صخرة بـيت المقدس‪ ،‬ول يدخل الخلء‬ ‫يلتفت يمينًا ول شما ً‬
‫حافيًا ول مكشوف الرأس‪ ،‬ول يتكلم‪ ،‬ول يستنجي بالماء في محل قضاء الحاجة‪ ،‬بل ينتقل منه إل‬
‫في المكان المعد لقضاء الحاجة فل ينتقل منه‪ ،‬ويستبرىء من البول بحسب عادته فإن عادة‬
‫النسان تختلف‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وإذا صارت عادة الشخص أنه ل ينقطع بوله إل بالستبراء وجب ذلك في حقه‪ ،‬ويقول كل من‬
‫دخل الخلء‪) :‬باسم ال اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث(‪ ،‬وإذا خرج قاضي الحاجة يقول‪:‬‬
‫)غفرانك الحمد ل الذي أذهب عني الذى وعافاني(‪ .‬ويجب الستتار عن عين من يحرم نظره‬
‫ويجب ترك استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة في غير المعد لذلك‪ .‬ويكره أن يبول في‬
‫ل‪ ،‬وفي الماء الراكد مطلقًا‪ ،‬ومحل الكراهة إن كان الماء مباحًا أو مملوكًا له‪ ،‬فإن‬
‫الماء الجاري لي ً‬
‫كان الماء مسبل أو مملوكا لغيره حرم البول فيه إل بإذن المالك‪ ،‬وأن يبول في محل اغتساله فإنه‬
‫يقع في الوسواس‪ ،‬ويحرم قضاء الحاجة على القبر وفي المسجد ولو في إناء‪.‬‬
‫تنبـيه‪ :‬لو كان مستنجيا بالحجار حرم عليه الجماع قبل غسل الذكر وإن لم يجد الماء‪ .‬نعم إن‬
‫خاف الزنا كان عذرا‪ ،‬ولو كان فرج المرأة متنجسا أو كانت مستنجية بالحجار حرم عليها تمكين‬
‫الحليل قبل تطهيره‪ ،‬ول تعّد بعدم التمكين ناشزة‪) .‬و( ثانيها )جرى ماء على عضو( مغسول فل‬
‫يكفي مسحه ول مسه بالماء من غير جريان‪ ،‬ول يمنع من عّد هذا شرطا كونه معلومًا من مفهوم‬
‫الغسل لنه قد يراد بالغسل ما يعم النضح‪) .‬و( ثالثها )أن ل يكون عليه( أي العضو )مغير لماء(‬
‫تغيرًا مضّرا به كزعفران‪) .‬و( رابعها أن ل يكون على العضو )حائل( يمنع وصول الماء إلى‬
‫جميع أجزاء العضو الذي يجب تعميمه )كنورة( ودهن له حرم يمنع وصول الماء للبشرة ووسخ‬
‫تحت أظفار حيث لم يصر كالجزء وغبار على بدن ل عرق متجمد عليه‪ ،‬وإن لم يصر كالجزء‬
‫ولم يتأذ بإزالته لكثرة تكرره وللمشقة في إزالته‪ ،‬وإذا تراكم الوسخ على العضو وصار جزءًا من‬
‫البدن يتعسر فصله عنه بحيث يخشى من فصله محذور تيمم فل يمنع صحة الوضوء‪ ،‬وينتقض‬
‫الوضوء بلمسه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وبقي للوضوء شروط‪ ،‬وهي‪ :‬إسلم وتميـيز‪ ،‬وهذان الشرطان في كل عبادة تفتقر لنية‪ ،‬وعدم‬
‫المنافي كالحيض والنفاس في الوضوء لغير أغسال الحج ونحوه‪ ،‬ودوام النية حكما بأن ل يأتي‬
‫بما ينافيها‪ ،‬فإن قصد بغسل العضو تبردًا أو تنظفًا‪ ،‬فإن كان مع الغفلة عن نية الوضوء‪ ،‬كان‬
‫صارفًا للنية فيضر‪ ،‬ومن ذلك ما إذا قصد إزالة ما على رجليه من الوسخ بحكها على بلط‬
‫المطهرة ففيه هذا التفصيل‪ .‬وتقدم إزالة النجاسة بغسل غير غسل الحدث إذا لم تزل بغسلة واحدة‬
‫في الوضوء‪ ،‬وعلم بكيفية الوضوء فل بد من التميـيز بـين فروضه وسننه على تفصيل في ذلك‪.‬‬
‫حاصله أنه متى ميز الفروض من السنن أو اعتقده كله فروضًا صح من العالم والعامى وهاتان‬
‫صورتان‪ .‬وان اعتقده كله سننا أو علم أن فيه فروضًا وسننًا ولم يميز بـينها واعتقد بفرض معين‬
‫ل بطل من العالم والعامي وهاتان صورتان‪ .‬وإن اعتقد أن فيه فروضًا وسننًا ولم يميز بـينها‬ ‫نف ً‬
‫ل كأن كان كلما سئل عن شيء منه هل هو فرض أو سنة؟ يقول‪ :‬ل‬ ‫ولم يعتقد بفرض معين نف ً‬
‫أدري صح من العامي دون العالم‪ ،‬وهذه صورة واحدة‪ ،‬فالصور خمس‪ :‬اثنتان تصحان من‬
‫العامي والعالم‪ ،‬واثنتان تبطلن منهما وواحدة تصح من العامي وتبطل من العالم‪ ،‬وهذا الشرط‬
‫مع هذا التفصيل عام في جميع العبادات كالصلة والصوم ونحو ذلك‪ .‬لكن بعضهم استثنى الحج‬
‫قال‪ :‬فل يشترط ذلك‪ ،‬فهذه عشرة في وضوء السليم وصاحب الضرورة معا‪ ،‬ويزاد في وضوء‬
‫ن دخوله‬ ‫صاحب الضرورة شرط آخر وهو خامس في كلم المصنف فقال‪) :‬ودخول وقت( أو ظ ّ‬
‫)لدائم حدث( كسلس بول‪ ،‬وهو الذي يتقاطر بوله دائمًا‪ ،‬ويشترط له أيضا تقدم الستنجاء على‬
‫الوضوء لنه يشترط لطهره تقدم إزالة النجاسة وتقدم التحفظ مثل الحشو والعصب والموالة بـين‬
‫الستنجاء والتحفظ والموالة بـينهما وبـين الوضوء‪ .‬ويستثنى من ذلك ما إذا كان السلس بالريح‬
‫فل يشترط الموالة بـين ذلك والموالة بـين أفعاله‪ ،‬وأما الموالة بـين الوضوء والصلة فشرط‬
‫لجواز فعل الصلة به ل شرط لصحته كما قاله الرشيدي ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وفروضه( أي الوضوء ستة‪ :‬أّولها‪) :‬نية( أداء )فرض وضوء( أو فرض الوضوء‪ ،‬أو أداء‬
‫الوضوء‪ ،‬أو رفع الحدث‪ ،‬أو الطهارة عن الحدث‪ ،‬أو نحو ذلك من النيات المعتبرة‪ ،‬والنية لغة‪:‬‬
‫القصد‪ .‬وشرعًا‪ :‬قصد الشيء مقترنًا بفعله فإن تراخى عنه سمي عزمًا‪ ،‬وحكمها الوجوب ومحلها‬
‫القلب‪ .‬أما التلفظ بالمنوي فسنة ليساعد اللسان القلب‪ ،‬والمقصود بها تميـيز العبادات عن العادات‪:‬‬
‫كالجلوس في المسجد يكون للعتكاف تارة وللستراحة أخرى‪ ،‬أو تميـيز رتب العبادات كالصلة‬
‫ل أخرى‪ ،‬والنية تميز هذا من هذا‪ .‬وشرطها إسلم الناوي وتميـيزه وعلمه‬ ‫تكون فرضًا تارة ونف ً‬
‫ي وعدم إتيانه بما ينافيها‪ :‬كرّدة‪ ،‬أو قطع بأن يستصحبها حكمًا‪ ،‬أما استصحابها ذكرًا إلى‬
‫بالمنو ّ‬
‫آخر الوضوء فهو سنة‪ ،‬وأن ل تكون معلقة‪ ،‬فلو قال‪ :‬نويت الوضوء إن شاء ال‪ ،‬فإن قصد‬
‫التعليق أو أطلق لم تصح أو قصد التبرك أو أن ذلك واقع بمشيئة ال تعالى صح‪ ،‬ووقتها أّول‬
‫العبادات إل نية الصوم فل تجوز فيها مقارنة الفجر إذا كان فرضًا لوجوب تبـيـيت النية فيه‪،‬‬
‫وتجوز من أّول الليل‪ ،‬وكيفيتها تختلف بحسب البواب‪ .‬فكيفيتها في الوضوء قد علمتها‪ ،‬وسيأتي‬
‫كيفيتها في كل باب بحسبه‪ ،‬فهذه سبعة أمور تتعلق بالنية‪ ،‬ويجب وجودها )عند( أول )غسل(‬
‫جزء من )وجه( وينبغي أن ينوي سنن الوضوء عند الشروع في غسل الكفين أّول الوضوء ليثاب‬
‫على السنن‪ ،‬وهذا أسهل من التيان بنية من نيات الوضوء المعتبرة عند غسل الكفين لنها وإن‬
‫كانت كافية لكن يعسر معها تحصيل المضمضة والستنشاق‪ ،‬إذ متى انغسل جزء من حمرة‬
‫الشفتين مع هذه النية فاته المضمضة والستنشاق‪.‬‬
‫ل )هو ما بـين منابت( شعر )رأسه( المعتاد )و( بـين تحت‬ ‫)و( ثانيها‪) :‬غسل وجهه‪ ،‬و( حده طو ً‬
‫)منتهى لحيـيه( بفتح اللم )و( عرضًا )ما بـين( وتدي )أذنيه( ويجب تعميم الوجه بالماء طو ً‬
‫ل‬
‫وعرضًا ويجب غسل جزء من رأسه ومن تحت ذقنه ومن صفحة عنقه ومن كل ما كان متص ً‬
‫ل‬
‫بالوجه مما يحيط به ليتحقق تعميم الوجه بالماء من باب‪» :‬ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب«‬
‫وإذا كان على الوجه حائل وجبت إزالته ومنه الرمص في العين والوسخ الذي يكون في باب‬
‫النف فل بد من إزالة ذلك‪ ،‬وإذا كثفت لحية الرجل وعارضاه كفاه غسل ظاهر ذلك وهو الطبقة‬
‫العليا من الشعر‪ ،‬وضابط الكثافة أن ل ترى البشرة من خلل الشعر عند التخاطب مع القرب‪،‬‬
‫ولو خفت اللحية والعارضان بأن ترى البشرة من الشعر عند التخاطب مع القرب وجب غسل‬
‫الظاهر والباطن وهو الطبقة السفلى وما في خلل الشعر‪ ،‬وباقي شعور الوجه إن كثف وخرج‬
‫عن حد الوجه كفى غسل ظاهره وإل وجب غسل ظاهره وباطنه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( ثالثها‪) :‬غسل يديه بـ( ـكل )مرفق( أي معه‪ ،‬والمراد باليد هنا من رؤوس الصابع إلى رأس‬
‫العضد‪ ،‬وإذا كان على اليدين شعر وجب غسل ظاهره وباطنه وإن كثف‪ ،‬وتجب إزالة ما تحت‬
‫الظافر من الوسخ‪ ،‬وكذا ما على اليدين من شمع ونحوه من كل ما يمنع وصول الماء إلى‬
‫ل حائ ً‬
‫ل‬ ‫العضو‪ ،‬ومثل اليدين في ذلك الوجه والرجلن‪ ،‬فلو رأى بعد تمام وضوئه على يديه مث ً‬
‫ل وقت الوضوء وجب عليه إزالته وغسل ما تحته وإعادة‬ ‫كقشرة سمك وعلم أن ذلك كان حاص ً‬
‫تطهير العضاء التي بعده لجل مراعاة الترتيب في الوضوء‪.‬‬
‫ل سواء كان من بشرة الرأس أو من شعرها الذي ل‬ ‫)و( رابعها‪) :‬مسح بعض رأسه( ولو قلي ً‬
‫يخرج عنها بالمد من جهة نزوله ولو بعض شعرة‪ ،‬والمراد بالمسح مجرد وصول البلل إلى‬
‫الرأس وإن لم يمّر يده عليها‪.‬‬
‫)و( خامسها‪) :‬غسل رجليه بـ( ـكل )كعب( أي معه‪ ،‬ويجب غسل باطن شقوق فيهما‪ ،‬وإذا كان‬
‫في تلك الشقوق شمع أو نحوه وجبت إزالته إل إذا كان له غور في اللحم‪ ،‬وإذا كان في عضو‬
‫يجب تعميمه شوكة ففيها تفصيل حاصله أنها إذا كانت بحيث لو قلعت لم يبق محلها مفتوحًا‬
‫ل فتحب إزالتها ما‬ ‫كشوكة القثاء فل تضر‪ ،‬وإذا كانت بحيث لو قلعت بقي محلها مفتوحًا كانت حائ ً‬
‫لم يكن لها غور في اللحم فإن كان لها غور في اللحم فل تضر في الوضوء‪ ،‬وأما في الصلة‬
‫فتضر إذا كانت متصلة بدم كثير وإل فل‪ ،‬هذا كله ما لم يلتحم الجلد فوقها وإل صارت من حكم‬
‫الباطن فل تضر في وضوء ول صلة‪ ،‬وتجب إزالة ما على الرجلين من قشف ونحوه‪.‬‬
‫وبالجملة‪ :‬فل بّد من تخصيص الرجلين بمزيد الحتياط لن الرجل مظنة الوساخ خصوصًا‬
‫العقب فإنه محل تراكم الوساخ‪ .‬وقد ورد في الحديث‪» :‬ويل للعقاب من النار« ولو أزال شعرًا‪،‬‬
‫أو قلم ظفرًا‪ ،‬أو قطع عضوًا من أعضاء الوضوء‪ ،‬أو كشط منه جزءًا بعد تطهير ذلك لم يجب‬
‫تطهير موضعها لن الوضوء يرفع الحدث عن الظاهر والباطن‪.‬‬
‫)و( سادسها‪) :‬ترتيب( بأن يبدأ بالوجه مقرونًا بالنية‪ ،‬ثم غسل اليدين‪ ،‬ثم مسح بعض الرأس‪ ،‬ثم‬
‫غسل الرجلين‪ .‬ولو شرع ثلثة نفر في غسل بقية أعضائه بعد غسل بعض الوجه لم يرتفع غير‬
‫حدث وجهه‪ .‬ولو اغتسل محدث حدثًا أصغر فقط بنية رفع الحدث أو نحوه‪ ،‬أو بنية رفع الجنابة‪،‬‬
‫أو فرض الغسل‪ ،‬أو أدائه غالطًا ورتب ترتيبًا حقيقيًا أجزأه حيث وجدت النية عند غسل الوجه‪،‬‬
‫ومنه ما لو وقف تحت نحو ميزاب واستمر الماء يجري منه على أعضائه‪ ،‬إذ الدفعة الولى مث ً‬
‫ل‬
‫يرتفع بها حدث الوجه فالماء الذي بعده يرفع حدث اليدين وهكذا‪ .‬ولو انغمس محدث ولو في ماء‬
‫قليل بنية ما ذكر أجزأه عن الوضوء‪ ،‬وإن لم يمكث زمنًا يمكن فيه الترتيب لحصوله تقديرًا في‬
‫س‪ ،‬هذا إذا وجدت النية عند وصول الماء إلى الوجه‪ .‬أما لو‬‫لحظات لطيفة ل يظهر في الح ّ‬
‫ل ثم تمم النغماس ولم يستحضر النية عند وصول‬ ‫انغمس ونوى عند وصول الماء إلى صدره مث ً‬
‫الماء للوجه لم يصح وضوؤه لعدم النية وإن أمكن الترتيب بمكثه‪ ،‬ولو أغفل لمعة من غير‬
‫أعضاء الوضوء أجزأه ذلك النغماس خلفًا للقاضي حسين ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن( للمتوضىء تعّوذ‪ ،‬و )تسمية( وحمد ال )أّوله( عند غسل الكفين مع نية سنن الوضوء بقلبه‬ ‫)وس ّ‬
‫ليجمع بـين عمل اللسان والجنان والركان في أّول وضوئه‪ ،‬ثم يتلفظ بالنية فيقول عند ذلك‪ :‬أعوذ‬
‫بال من الشيطان الرجيم‪ ،‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد ل على السلم ونعمته‪ :‬الحمد ل الذي‬
‫ب أن‬
‫ب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك ر ّ‬ ‫جعل الماء طهورًا والسلم نورًا‪ ،‬ر ّ‬
‫يحضرون‪) .‬فغسل الكفين( وإذا شك في طهرهما كره مباشرتهما للماء القليل قبل غسلهما ثلثًا‬
‫خارجه )فسواك بـ( ـكل )خشن( فيحصل بخرقة‪ .‬وأركانه خمسة‪ :‬مستاك‪ ،‬وهو الشخص‪ ،‬ومستاك‬
‫ل‪ ،‬ومستاك فيه وهو الفم‪ ،‬ونية للسنية كأن ينوي به‬ ‫به‪ ،‬وهو كل خشن‪ ،‬ومستاك منه كالتغير مث ً‬
‫ل‪ ،‬ومحله في الوضوء بعد غسل الكفين وقبل المضمضة‪ ،‬ول يحتاج حينئذ لنية‬ ‫سنيته للصلة مث ً‬
‫لن نية الوضوء تشمله‪ .‬والسواك مستحب في كل حال وفي كل وقت إل بعد الزوال للصائم ولو‬
‫ل‪ .‬ويتأكد في أحوال‪ :‬منها الوضوء‪ ،‬وعند إرادة الصلة‪ ،‬وعند الحتضار‪ ،‬وفي السحر‬ ‫نف ً‬
‫وللصائم قبل الزوال‪ ،‬وعند قراءة القرآن أو الحديث أو العلم الشرعي‪ ،‬ولذكر ال تعالى‪ ،‬وعند‬
‫تغير الفم‪ ،‬وعند دخول المنزل وعند إرداة النوم‪ .‬ومراتبه خمس مرتبة في الفضلية‪ :‬الراك ثم‬
‫جريد النخل‪ ،‬ثم الزيتون‪ ،‬ثم ذو الريح الطيب من العواد ثم باقي العواد‪ ،‬وكل واحد منها فيه‬
‫خمس مراتب مرتبة في الفضلية أيضًا‪ .‬وهي اليابس المنّدى بالماء‪ ،‬ثم المندى بماء الورد ثم‬
‫المندى بالريق‪ ،‬ثم الرطب خلقة‪ ،‬ثم اليابس الغير المندى‪ .‬وكل واحد من الخمس الول بمراتبه‬
‫الخمس مقدم على ما بعده‪ .‬واعتمد بعضهم أن اليابس الغير المندى مقدم على الرطب لنه أقوى‬
‫في إزالة التغير‪ .‬ول تجري في الخرقة المراتب الخمس الثانية لن الرطوبة الخلقية ل تتصّور‬
‫فيها‪.‬‬
‫ل‪ .‬وأن يمسكه باليد‬‫ن أن يكون السواك في عرض السنان ظاهرًا وباطنًا وفي اللسان طو ً‬ ‫ويس ّ‬
‫اليمنى يجعل خنصره تحته‪ ،‬والبنصر والوسطى والسبابة فوقه والبهام أسفل رأسه‪ .‬ول يقبض‬
‫عليه بـيده لن ذلك يورث الباسور‪ ،‬وأن يبدأ بـيمين فمه‪ .‬وكيفية ذلك أن يبدأ بالجانب اليمن من‬
‫فمه فيستوعبه باستعمال السواك في السنان العليا والسفلى ظهرًا وبطنًا إلى الوسط‪ ،‬ثم اليسر‬
‫ن أن يبلع ريقه وقت وضع السواك في الفم وقبل أن يحركه‬ ‫كذلك‪ ،‬ثم اللسان‪ ،‬ثم سقف الحلق‪ .‬ويس ّ‬
‫ل داء سوى الموت‪ ،‬ول يبلع ريقه بعده لما‬ ‫كثيرًا لما قيل إن ذلك أمان من الجذام والبرص ومن ك ّ‬
‫قيل إنه يورث الوسواس‪ ،‬ويكره أن يزيد طوله على شبر معتدل لما قيل ان الشيطان يركب على‬
‫الزائد )فمضمضة( وأقلها جعل الماء في الفم من غير إدارة فيه ومج منه وأكملها أن يبلغ الماء‬
‫إلى أقصى الحنك ووجهي السنان واللسان وإمرار أصبع يده على ذلك وإدارة الماء في الفم‬
‫ومجه منه )فاستنشاق( وأقله وضع الماء في النف وإن لم يصل إلى الخيشوم‪ .‬وأكمله أن يصعد‬
‫ن الستنثار‪ ،‬وهو أن يخرج بعد الستنشاق ما في أنفه من ماء وأذى‪ .‬فقد‬ ‫الماء إلى الخيشوم‪ ،‬ويس ّ‬
‫ورد عنه أنه قال‪» :‬ما منكم من أحد يتمضمض ثم يستنشق فيستنثر إل خرت خطايا وجهه‬
‫وخياشيمه« ‪ .‬والفضل أن يكون إخراج ذلك بخنصر يده اليسرى )و( الفضل )جمعهما( بغرفة‬
‫واحدة بأن يتمضمض منها ثم يستنشق منها ثم يفعل منها كذلك ثانيًا وثالثًا أو بأن يتمضمض منها‬
‫ولء ثلثًا‪ ،‬ثم يستنشق كذلك وهذه في الحقيقة فصل لنه لم ينتقل لتطهير الثاني إل بعد الفراغ من‬
‫ل باعتبار اتحاد الغرفة‪ .‬والولى منهما أن يكون الجمع )بثلث غرف(‬ ‫الّول‪ ،‬وتسميتها وص ً‬
‫يتمضمض من كل غرفة ثم يستنشق وهذه ثلث كيفيات للجمع وهي أفضل من الفصل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وكيفياته ثلثة أيضًا‪ :‬الولى‪ :‬أن يكون بغرفتين يتمضمض بالولى ثلثًا ثم يستنشق بالخرى‬
‫كذلك‪ .‬والثانية‪ :‬أن يكون بست غرف بأن يأخذ غرفة يتمضمض منها ويطرحها ويأخذ أخرى‬
‫ت غرف أيضًا يتمضمض بثلث ثم يستنشق‬ ‫يستنشق منها ويطرحها وهكذا‪ .‬والثالثة‪ :‬أن يكون بس ّ‬
‫ن المبالغة فيهما للمفطر‪ ،‬وهي في المضمضة‪ :‬أن يبلغ الماء‬ ‫بثلث وهذه أضعفها وأنظفها‪ ،‬وتس ّ‬
‫إلى أقصى الحنك ووجهي السنان واللثات مع إمرار الصبع اليسرى على ذلك‪ ،‬وفي الستنشاق‬
‫أن يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم بحيث ل يصل دماغه مع إدخال أصبعه اليسرى ليزيل ما فيه‬
‫من أذى ثم يستنثر كالمتمخط‪.‬‬
‫)ومسح كل رأس( ويثاب ثواب الفرض على القدر المجزىء فقط‪ ،‬وثواب النفل على ما عداه‪.‬‬
‫والسنة في كيفيته أن يضع يديه على مقدم رأسه ويلصق سبابته بالخرى ويضع إبهاميه على‬
‫صدغيه ثم يذهب بأصابعه غير البهامين إلى قفاه ثم يرّدها إلى المكان الذي ذهب منه إن كان له‬
‫شعر ينقلب ليصل البلل لجميعه وحينئذ يكون الذهاب والرّد مسحة واحدة لعدم تمام المسحة‬
‫بالذهاب فإن لم يكن له شعر ينقلب لقصره أو عدمه لم يرّد لعدم الفائدة فإن رّد لم تحسب مسحة‬
‫ل لختلط بلله ببلل يده المنفصل عنه حكمًا بالنسبة للثانية‪ ،‬ولضعف‬ ‫ثانية لن الماء صار مستعم ً‬
‫البلل أثر فيه أدنى اختلط‪ .‬فإن كان على رأسه نحو عمامة كخمار وقلنسوة ولم يرد رفع ذلك كمل‬
‫بالمسح عليه‪ .‬وإن كان لبسها على حدث لكن بشروط‪ :‬أن ل يكون على العمامة أو نحوها نجاسة‬
‫ولو معفّوا عنها كدم البراغيث وأن ل يكون عاصيًا باللبس لذاته كأن لبسها وهو محرم لغير عذر‪،‬‬
‫وأن يبدأ بمسح القدر الواجب من الرأس‪ ،‬ولو كان فوق العمامة طيلسان كفى المسح عليه‪.‬‬
‫)و( بعد الرأس مسح )الذنين( ظاهرًا وباطنًا بماء جديد‪ ،‬والفضل في كيفية مسحهما أن يدخل‬
‫ن غسل الذنين‬ ‫مسبحتيه في صماخيه ويديرهما في المعاطف ويمّر إبهاميه على ظاهر أذنيه‪ ،‬ويس ّ‬
‫ن مسحهما مع الرأس ثلثًا مراعاة‬ ‫مع غسل الوجه ثلثًا مراعاة للقول بأنهما من الوجه‪ ،‬ويس ّ‬
‫للقول بأنهما من الرأس وبالكيفية المتقدمة ثلثًا مراعاة للقول بأنهما عضوان مستقلن ل من‬
‫ن أن يمسحهما ثلثًا استظهارًا بأن يضع كفيه وهما‬ ‫الوجه ول من الرأس‪ ،‬وهو المعتمد‪ ،‬ويس ّ‬
‫ن فيهما اثنتا عشرة مرة‪) .‬ودلك أعضاء( وهو إمرار اليد‬ ‫مبلولتان على الذنين‪ ،‬فجملة ما يس ّ‬
‫عليها عقب ملقاتها للماء أو معها فرارًا من خلف من أوجبه‪ ،‬وينبغي الجتهاد في ذلك العقب ل‬
‫ل شعر ُيكتفي بغسل ظاهره وكيفيته أن يدخل‬ ‫سيما في الشتاء‪) .‬وتخليل لحية كثة( ونحوها من ك ّ‬
‫أصابعه من أسفل اللحية ليصل الماء إلى باطنها‪) ،‬و( تخليل )أصابع( اليدين والرجلين إن كان‬
‫ي كيفية كانت بأن يدخل‬ ‫الماء يصل بدون التخليل وإل وجب‪ .‬فتخليل أصابع اليدين بالتشبـيك بأ ّ‬
‫أصابع إحدى يديه في أصابع الخرى سواء في ذلك وضع إحدى الراحتين على الخرى أو غير‬
‫ف اليسرى على ظهر اليمنى ويخلل أصابعه ثم يضع بطن‬ ‫ذلك لكن الفضل أن يضع بطن الك ّ‬
‫اليمنى على ظهر اليسرى ويفعل كذلك‪ ،‬والفضل في تخليل أصابع الرجلين أن يكون بخنصر اليد‬
‫اليسرى مبتدئًا بخنصر الرجل اليمنى مختتمًا بخنصر الرجل اليسرى‪ .‬فيكون بخنصر من خنصر‬
‫إلى خنصر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وإطالة غّرة وتحجيل( فالغّرة في الوجه والتحجيل في اليدين والرجلين وهما اسمان للواجب‬
‫والمندوب‪ .‬وغاية الطالة في الغرة أن يغسل صفحتي العنق مع مقدمات الرأس‪ ،‬وفي التحجيل‬
‫استيعاب العضدين والساقين‪) .‬وتثليث كل( مما ذكر من القوال والفعال فل بد أن يقع تثليث‬
‫مغسول وممسوح على محل واحد فإيصال الماء لغيره محاولة تعميم ل تكرار‪ ،‬ول يجزىء تثليث‬
‫عضو قبل إتمام واجب ول بعد تمام الوضوء‪ ،‬ولو توضأ مرة مرة ثم أعاد كذلك لم تحصل فضيلة‬
‫التثليث كما قاله الشيخ أبو محمد وهو المعتمد‪ ،‬وحكم هذه العادة الكراهة فل يقال إنه عبادة فاسدة‬
‫فتحرم‪ ،‬وإنما لم يحرم مع أن الثاني والثالث بعد تمام الوضوء وقبل صلة لن الروياني‬
‫والفوراني قال بحصول التثليث به‪ ،‬وذلك شبهة دافعة للتحريم‪) .‬وتيامن( إل في الكفين أّول‬
‫ن بداءة في الوجه بأعله وفي‬ ‫الوضوء والخّدين والذنين لغير أقطع‪ ،‬ومن خلق بـيد واحدة‪ ،‬ويس ّ‬
‫اليدين والرجلين بالصابع إن لم يكن الوضوء بالصب من الغير أو من نحو حنفية وإل بدأ في‬
‫اليدين بالمرفقين وفي الرجلين بالكعبـين‪ ،‬ويبدأ في الرأس بمقدمه كما تقدم‪) .‬وولء( بـين أعضاء‬
‫الوضوء بحيث ل يجف العضو الّول قبل الشروع في الثاني مع اعتدال الريح وطبائع الشخص‬
‫نفسه والمكان والزمان‪ ،‬فلو خرج واحد من ذلك عن العتدال قّدر اعتداله‪ ،‬ويقدر الممسوح‬
‫ل هذا في وضوء السليم إذا كان الوقت واسعًا‪ ،‬أما وضوء صاحب الضرورة فتجب فيه‬ ‫مغسو ً‬
‫الموالة‪ ،‬وكذا على السليم عند ضيق الوقت‪) .‬وتعهد موق( وإذا كان عليه حائل كرمص وجب‬
‫إزالته‪.‬‬

‫ن أن يحّرك خاتمه إذا كان الماء يصل إلى ما تحته بدون التحريك وإل وجب تحريكه‬ ‫ويس ّ‬
‫ن أن ل يلطم وجهه بالماء‬ ‫ن جلوس بمحل ل يصيبه فيه رشاش الماء‪ .‬ويس ّ‬ ‫)واستقبال( للقبلة‪ .‬ويس ّ‬
‫ن لعذر بل يجب لنحو‬ ‫)وترك تكلم( في أثناء وضوئه بغير ذكر لنه شاغل عن العبادة‪ .‬وقد يس ّ‬
‫إنذار من خيف عليه مؤذ لم يشعر به‪) .‬و( ترك )تنشيف( للتباع وهو أخذ الماء بخرقة‪ .‬نعم يندب‬
‫في ميت ولعذر كأن هبت ريح بنجس أو آلمه نحو برد‪ ،‬أما ترك النفض فهو كترك الستعانة‬
‫بصب الماء عليه من غير عذر ففعلهما خلف الولى ل مكروه كما اتفق عليه الكليلن‪ :‬الرملي‬
‫ي عن معاصيك‬ ‫ن أذكار العضاء بأن يقول عند غسل الكفين‪ :‬اللهّم احفظ يد ّ‬ ‫وابن حجر ‪ ،‬وتس ّ‬
‫كلها‪ ،‬وعند المضمضة‪ :‬اللهّم أعني على ذكرك وشكرك‪ ،‬اللهّم اسقني من حوض نبـيك كأسًا ل‬
‫أظمأ بعدها أبدًا‪ ،‬وعند الستنشاق‪ :‬اللهّم أرحني رائحة الجنة اللهّم ل تحرمني رائحة نعيمك‬
‫وجناتك‪ ،‬وعند غسل الوجه‪ :‬اللهّم بـيض وجهي يوم تبـيضّ وجوه وتسوّد وجوه‪ ،‬وعند غسل اليد‬
‫اليمنى‪ :‬اللهّم أعطني كتابـي بـيميني وحاسبني حسابًا يسيرًا‪ ،‬وعند غسل اليد اليسرى‪ :‬اللهم ل‬
‫تعطني كتابـي بشمالي ول من وراء ظهري‪ ،‬وعند مسح الرأس‪ :‬اللهّم حّرم شعري وبشري على‬
‫ل إل ظلك‪ ،‬وعند مسح الذنين‪ :‬اللهّم اجعلني من الذين‬ ‫ل عرشك يوم ل ظ ّ‬ ‫النار وأظلني تحت ظ ّ‬
‫ي على الصراط يوم تزل‬ ‫يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪ ،‬وعند غسل الرجلين‪ :‬اللهّم ثبت قدم ّ‬
‫القدام‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)والشهادتان عقبه( أي الوضوء بأن تنسبا للوضوء فإن أخرهما بحيث يطول فاصل عنه عرفًا‬
‫فات محلهما فيقول مستقبل القبلة‪ ،‬رافعًا يديه إلى السماء كهيئة الداعي‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال‬
‫وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ لقوله ‪» :‬من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال‪:‬‬
‫أشهد أن ل إله إل ال إلى قوله‪ :‬ورسوله‪ ،‬فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء« ‪ .‬رواه مسلم‬
‫والترمذي والحاكم‪ .‬وأبواب الجنة ثمانية‪ :‬باب الصدقة‪ ،‬وباب الصلة‪ ،‬وباب الصوم ويقال له‬
‫الريان‪ ،‬وباب الجهاد‪ ،‬وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس‪ ،‬وباب الراحمين‪ ،‬وباب من ل‬
‫حساب عليهم‪ ،‬وباب التوبة ويقال له باب الرحمة‪ ،‬وباب محمد وهو مفتوح منذ خلقه ال تعالى ل‬
‫يغلق إل إذا طلعت الشمس من مغربها فحينئذ يغلق ول يفتح إلى يوم القيامة‪ .‬وهذه البواب‬
‫مقسومة على أعمال البّر إل باب التوبة فليس باب عمل‪ :‬وإنما هو باب الرحمة العظمى‪ ،‬وإنما‬
‫فتحت له البواب الثمانية تكرمة له وإل فهو إذا اتصف بنوع من هذه العمال دخل من بابه فلو‬
‫اتصف بنوعين فأكثر فيخير أو يدخل من الباب الذي هو لزم نوعه أكثر ويجب اليمان بذلك من‬
‫غير بحث‪ :‬وزاد الترمذي والحاكم على رواية مسلم‪ :‬اللهم اجعلني من التّوابـين واجعلني من‬
‫المتطهرين‪ :‬وزاد الحاكم على روايتهما سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنت أستغفرك‬
‫وأتوب إليك‪ ،‬فقال عن رسول ال ‪» :‬من قال عقب الوضوء‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره‬
‫كتب في رق ثم طبع عليه بطابع فلم يتطرق إليه خلل إلى يوم القيامة«‪ .‬وهذا كناية عن عدم إحباط‬
‫ثوابه وفيه بشرى بأن قائله يموت على اليمان ول يحصل له رّدة أبدًا‪ :‬لن الرّدة إن اتصلت‬
‫بالموت أحبطت العمل من أصله‪ ،‬وإن لم تتصل بالموت بأن عاد للسلم قبل الموت عادت له‬
‫ن أن يقول‬‫العمال مجردة عن الثواب‪ ،‬فيكون قائل هذا الدعاء مبشرًا بالسلمة من هذا كله‪ .‬ويس ّ‬
‫ن أن يقرأ بعد ذلك مع رفع البصر كما في‬ ‫عقبه‪ :‬وصلى ال على سيدنا محمد وآل محمد‪ .‬ويس ّ‬
‫الشهادتين من غير رفع اليدين سورة إنا أنزلناه‪ ،‬لخبر‪» :‬من قرأ في أثر وضوئه‪} :‬إنا أنزلناه في‬
‫ليلة القدر{ ))‪ (97‬القدر‪ :‬الية ‪ (1‬مرة واحدة كان من الصديقين‪ ،‬ومن قرأها مرتين كتب في‬
‫ن بعد‬‫ديوان الشهداء‪ ،‬ومن قرأها ثلثًا حشره ال محشر النبـياء« ‪ .‬رواه الديلمي عن أنس‪ .‬ويس ّ‬
‫قراءة السورة المذكورة أن يقول ثلثًا مستقبل القبلة بصدره رافعًا يديه وبصره‪ :‬اللهم اغفر لي‬
‫ذنبـي‪ ،‬ووسع في داري‪ ،‬وبارك لي في رزقي‪ ،‬ول تفتني بما زويت عني‪) .‬وشربه من فضل‬
‫وضوئه( بفتح الواو‪ :‬أي مائه الذي توضأ به‪ ،‬لما ورد في الخبر‪ :‬أن فيه شفاء من كل داء‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومكروهات الوضوء‪ :‬السراف في الماء‪ :‬كأن يزيد على الثلث بنية الوضوء‪ ،‬أو يأخذ في‬
‫الغرفة زيادة عما يكفي العضو‪ ،‬ولو كان يغترف من البحر‪ ،‬ومحل كون السراف مكروهًا إن‬
‫ل للوضوء كالفساقي أو مملوكًا للغير وأذن في‬ ‫كان الماء مباحًا أو مملوكًا له‪ ،‬فإن كان مسب ً‬
‫الوضوء منه ولم يأذن في السراف حرم‪ .‬ويجب القتصار في المسبل على ما أراد مسبله فيحرم‬
‫استعماله في غير ذلك كتزويد الدواة ونحوه‪ ،‬وكالستنجاء من ماء الفساقي المعّدة للوضوء‪ ،‬أو‬
‫ماء مغاطس المسجد إل إذا لم يكن في بـيوت الخلية ماء للعذر‪ .‬ويحرم تقذير ذلك كالبول فيه‪،‬‬
‫ووضع العضو فيه متنجسًا وكذا البصق أو المتخاط أو نحو ذلك‪.‬‬
‫ومن مكروهات الوضوء‪ :‬النقص عن الثلث والوضوء في الماء الراكد بل عذر ولو كثيرًا ما لم‬
‫يكن مستبحرًا‪) ،‬وليقتصر( أي المتوضىء )حتمًا( أي وجوبًا )على واجب لضيق وقت( عن‬
‫إدراك فرض الصلة كلها فيه فيجب ترك جميع السنن لذلك على ما قاله ابن حجر‪ .‬ويجب‬
‫القتصار على مرة واحدة لذلك أيضًا‪ :‬بحيث لو ثلث خرج وقت الفرض‪) .‬أو قلة ماء( بحيث كان‬
‫الماء ل يكفي إل فرض الوضوء أو كان المتوضىء يحتاج للفاضل للعطش بحيث لو أكمل‬
‫الوضوء لستغرق الماء وأدركه العطش‪) .‬و( ليقتصر )ندبًا( على الواجب )لدراك جماعة( لم‬
‫ن إتيانه وإن أّدى إلى‬
‫ن تركه لجل الجماعة بل يس ّ‬ ‫يرج غيرها‪ ،‬نعم ما قيل بوجوبه كالدلك ل يس ّ‬
‫فوت الجماعة قياسًا على ندب رعاية ترتيب الفوائت وإن فاتت الجماعة إذ قد قيل بوجوب‬
‫ترتيبها‪) .‬ونواقضه( أي الوضوء‪ :‬أي السباب التي ينتهي بها الطهر أربعة فقط ثابتة بالدلة‪.‬‬
‫ي( أي من قبل الحي الواضح‬ ‫أحدها‪) :‬خروج شيء( غير منيه الموجب للغسل )من أحد سبـيلي ح ّ‬
‫أو دبره‪ .‬وخرج بالحي الميت فل نقض بالخارج من قبله أو دبره بعد وضوئه‪ .‬وخرج بالواضح‬
‫المشكل‪ :‬وهو من له آلتان‪ :‬آلة تشبه آلة الرجال‪ ،‬وآلة تشبه آلة النساء فل نقض إل بالخارج من‬
‫اللتين جميعًا أو من دبره‪ ،‬ول فرق في الخارج بـين أن يكون عينًا أو ريحًا‪ ،‬طاهرًا أو نجسًا‪،‬‬
‫ل أو كثيرًا‪ ،‬طوعًا أو كرهًا‪ ،‬سهوًا‬ ‫جافًا أو رطبًا‪ ،‬معتادًا كالبول أو نادرًا كالدم‪ ،‬انفصل أو ل‪ ،‬قلي ً‬
‫أو عمدًا )ولو كان( أي الخارج )باسورًا( بأن خرج الباسور نفسه من داخل الدبر أو زاد خروجه‬
‫فإنه ناقض‪ ،‬وكذا دم بواسير من باسور داخل الدبر ل خارجه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأما منيه الموجب للغسل‪ :‬كأن أمنى بمجرد نظر أو احتلم ممكنًا مقعدته فل نقض به لنه أوجب‬
‫أعظم المرين وهو الغسل بخصوص كونه منيًا فل يوجب أدونهما وهو الوضوء بعموم كونه‬
‫خارجًا‪ :‬كزنا المحصن لما أوجب أعظم الحدين‪ ،‬وهو الرجم بخصوص كونه زنا محصن لم‬
‫يوجب أدونهما‪ ،‬وهو الجلد والتغريب بعموم كونه زنا‪ .‬ولو انسّد الفرج بأن صار ل يخرج منه‬
‫شيء وإن لم يلتحم وانفتح بدله ثقبة لخروج الخارج‪ ،‬فإن كانت تحت السرة أعطيت حكم الفرج‬
‫في ثلثة أمور‪ :‬النقض بالخروج منها‪ .‬وجواز وطء الحليلة فيها‪ .‬وعدم النقض بالنوم ممكنًا لها‬
‫ول يصير الواطىء جنبًا بالوطء فيها إل إذا أنزل‪ .‬ولو عاد الصلي منفتحًا عادت له جميع‬
‫الحكام من الن‪ :‬وتلغو أحكام الثقبة فإنها متى كان الفرج منفتحًا ل عبرة بها ول بد في الثقبة‬
‫التي تقوم مقام الفرج‪ :‬أن تكون قريبة من السّرة عرفًا فإن كانت في رجله أو نحوها فل ينقض‬
‫الخارج منها‪ .‬فإن لم تكن تحت السّرة بل كانت فوقها أو فيها‪ ،‬أو في محاذيها فل نقض بالخروج‬
‫منها‪ .‬هذا في النسداد العارض‪ ،‬أما الخلقي فينقض معه الخارج من المنفتح مطلقًا‪ :‬أي في أ ّ‬
‫ي‬
‫موضع كان من البدن‪ .‬ويثبت له جميع أحكام الصلي من النظر باليلج فيه‪ ،‬ووجوب الحّد به‪،‬‬
‫وحرمة النظر إليه‪ ،‬ووجوب ستره من غير الحليل‪ ،‬وفي الصلة‪ .‬وتبطل بكشفه ولو في الجبهة‪،‬‬
‫ويصح السجود مع الحائل لوجوب ذلك شرعًا‪ .‬والفرج حينئذ كعضو زائد من الخنثى ل يتعلق به‬
‫حكم من أحكام الفرج‪ ،‬ولو قام مقام الفرج شيء من المنافذ الصلية‪ :‬كالفم والنف والذن فل‬
‫نقض بالخارج منه على المعتمد‪) .‬و( ثانيها )زوال عقل( أي تميـيز بجنون‪ ،‬أو سكر‪ ،‬أو إغماء‪،‬‬
‫ولو خفيفًا‪ ،‬أو شرب دواء‪ ،‬أو غيبوبة حال ذكر‪ ،‬أو نحو ذلك‪ .‬ول فرق في ذلك بـين المتمكن‬
‫وغيره‪) .‬ل( ينتقض بزوال التميـيز )بنوم ممكن مقعده( من مقره لمن خروج شيء من دبره‬
‫ن الوضوء خروجًا من الخلف ول تمكين لمن نام على قفاه ملصقًا مقعده بمقره‪،‬‬ ‫حينئذ‪ .‬لكن يس ّ‬
‫وكذا لو كان نحيفًا بحيث يكون بـين بعض أليـيه ومقّره تجاف‪ .‬وإنما كان النوم على غير هيئة‬
‫الممكن مقعدته من مقره ناقضًا لنه مظنة لخروج شيء من دبره‪ .‬ثم نّزلوا المظنة منزلة المئنة‪،‬‬
‫ثم جعلوا نفس النوم على هذه الهيئة ناقضًا وإن تيقن عدم خروج شيء من دبره كما لو أخبره‬
‫معصوم بأنه لم يخرج منه شيء أو كان المحل مسدودًا بما ل يمكن معه خروج شيء‪.‬‬
‫وعلم مما ذكر أن القبل ل يجب تمكينه وإن احتمل خروج ريح منه لن ذلك نادر‪ ،‬بل قالوا ل‬
‫يضر‪ ،‬وإن كان من عادته خروج الريح من قبله‪ .‬نعم إن تيقن خروج شيء من قبله انتقض‬
‫وضوؤه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ولو نام ممكنًا وزالت إحدى أليـيه أو سقط ذراعه على الرض فله أربع حالت‪ :‬فإن كان ذلك قبل‬
‫انتباهه يقينًا انتقض وضوؤه أو بعده أو معه أو شك فل‪ .‬ولو شك هل كان متمكنًا أم ل فل نقض‪.‬‬
‫ول ينقض النعاس لنه أخف من النوم لن سبب النوم ريح تأتي من قبل الدماغ فتغطي القلب فإن‬
‫لم تصل إلى القلب بل غطت العين فقط كان نعاسًا‪ .‬ومن علمات النوم الرؤيا‪ ،‬ومن علمات‬
‫النعاس سماع كلم الحاضرين مع عدم فهمه‪ ،‬فلو رأى رؤيا علم أن ذلك نوم ولو شك هل نام أو‬
‫نعس وأن الذي خطر بباله رؤيا‪ ،‬أو حديث نفس فل نقض‪.‬‬
‫ي( وهو قبله ولو محل الجب‪ .‬أو ذكرًا أشل‪ ،‬وحلقة دبره من نفسه أو‬ ‫)و( ثالثها‪) :‬مس فرج آدم ّ‬
‫غيره ولو مع التوافق في الذكورة أو النوثة‪ ،‬والمراد بفرج المرأة الشفران من أّولهما إلى‬
‫آخرهما ومن ذلك ما يظهر عند جلوسها على قدميها‪ .‬والظاهر أن من ذلك ما يظهر عند‬
‫السترخاء المطلوب في الستنجاء‪ ،‬ومثل ذلك ما يقطع في الختان منها حال اتصاله ولو بارزًا‪،‬‬
‫والمراد بحلقة الدبر ملتقى منفذه‪ ،‬فما عدا ذلك كله ل نقض فيه بالمس فل نقض بمس النثيـين ول‬
‫بمس العانة )ببطن كف( وهي راحة مع أصابع ولو من يد شلء من غير حائل سواء كان الدمي‬
‫ذكرًا أو أنثى‪ ،‬بلغ حد الشهوة أم ل‪ ،‬عمدًا أو سهوًا‪ ،‬طوعًا أو كرهًا ولو بل قصد ول فعل‪ ،‬متص ً‬
‫ل‬
‫ل وكان بحيث يطلق عليه اسم الفرج‪ ،‬ولو نبت على باطن الكف شعر كثير ل‬ ‫كان الفرج أو منفص ً‬
‫س القبل إن كان كل من الماس والممسوس واضحًا فالمر‬ ‫ل بل ينقض المس به‪ ،‬ثم عند م ّ‬ ‫يعّد حائ ً‬
‫ل والممسوس واضحًا‪ .‬وأما عكس هذه وهي أن يكون الماس‬ ‫س مشك ً‬‫واضح‪ ،‬وكذا إن كان الما ّ‬
‫ل‪ .‬فإن مس اللتين جميعًا فالمر ظاهر‪ ،‬وإن مس إحداهما فإن كان مثل‬ ‫واضحًا والممسوس مشك ً‬
‫س ذكورة‬‫ما له مع فقد المحرمية والصغر انتقض الوضوء جزمًا‪ ،‬لن الممسوس إن كان مثل الما ّ‬
‫أو أنوثة فقد حصل مس وإن لم يكن مثله فقد لمس‪ ،‬وإن كان غير ما له أو مثله مع المحرمية أو‬
‫الصغر فل نقض لحتمال توافقهما في الذكورة أو النوثة في الولى ولوجود المحرمية أو‬
‫ل فل بّد من مس اللتين جميعًا لنهما‬‫الصغر في الثانية‪ .‬وإن كان كل من الماس والممسوس مشك ً‬
‫س آلة النساء‪ ،‬أو متخالفين فهو مس ولمس‪،‬‬
‫إن كانا ذكرين فقد مس آلة الذكور أو أنثيـين فقد م ّ‬
‫ولو تعدد القبل من الواضح فعلى التفصيل المتقدم في خروج الخارج‪ .‬ولو نبتت له أصبع زائدة‬
‫فإن كانت على سمت الصلية نقض باطنها دون ظاهرها وإن كانت ببطن الكف‪ ،‬فإن سامتت‬
‫فكذلك‪ ،‬وإن لم تسامت نقض باطنها وظاهرها‪ :‬كسلعة في بطن الكف‪ ،‬وإن كانت بظهر الكف ل‬
‫ينقض ظاهرها ول باطنها‪ .‬وكذا لو كانت بحرف الراحة ولم تكن على سمت الصلية وخرج‬
‫ببطن الكف رؤوس الصابع وما بـينها وحروفها وحروف الراحة فل نقض بذلك‪ .‬وخرج بفرج‬
‫الدمي فرج البهيمة والطير فل نقض بمسه‪ :‬نعم الجني كالدمي‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫تنبـيه‪ :‬ضابط ما ينقض المس به‪ :‬هو ما يستتر عند وضع إحدى الراحتين على الخرى مع‬
‫تحامل يسير‪ .‬هذا بالنسبة لغير البهامين‪ .‬أما بالنسبة لهما فهو ما يستتر عند وضع بطن أحدهما‬
‫على بطن الخر بحيث تكون رأس أحدهما عند أصل الخر مع تحامل يسير‪.‬‬
‫)و( رابعها‪ :‬اللمس وهو )تلقي بشرتي ذكر وأنثى( ولو كان الذكر خصيًا‪ ،‬أو عنينًا‪ ،‬أو ممسوحًا‪،‬‬
‫أو كان أحدهما ميتًا لكن ل ينتقض وضوء الميت سواء كان التلقي عمدًا أو سهوًا بشهوة أو‬
‫ل‪ .‬أصلي أو زائد من أعضاء الوضوء أو غيرها‪ ،‬ولو كانت النثى‬ ‫دونها‪ ،‬بعضو سليم أو أش ّ‬
‫عجوزًا شوهاء ل تشتهى‪ ،‬ول ينقض لمس العضو المبان‪ .‬ولو قطع عضو من شخص والتصق‬
‫بآخر وحلته الحياة فله حكم من اتصل به ل إن انفصل عنه‪ ،‬فلو قطعت يد رجل والتصقت بامرأة‬
‫وحلتها الحياة انتقض وضوء الرجل بلمسها وعكسه‪ ،‬ولو قطعت المرأة جزأين فل نقض بلمس‬
‫أحدهما إل إذا كان يطلق عليه اسم امرأة بمجرد النظر إليه )بكبر( أي مع كبرهما يقينًا بأن بلغ كل‬
‫منهما حّد الشهوة لرباب الطباع السليمة‪ .‬وإن انتفت الشهوة لهرم أو مرض لنه ما من ساقطة إل‬
‫ولها لقطة )ل( ينتقض الوضوء بتلقي بشرتيهما )مع محرمية( ‪.‬‬
‫والحاصل أن اللمس ناقض بشروط خمسة‪ :‬أحدها‪ :‬أن يكون بـين مختلفين ذكورة وأنوثة فل نقض‬
‫بـين ذكرين ول بـين أنثيـين ول بـين أحدهما وخنثى لحتمال أن يكون مثله‪ .‬ثانيها‪ :‬أن يكون‬
‫بالبشرة وهي ظاهر الجلد ومثلها اللحم‪ ،‬كلحم السنان واللسان‪ ،‬وباطن العين‪ ،‬وداخل النف‬
‫ن والظفر والعظم‪ .‬ثالثها‪ :‬أن يكون بدون حائل‬ ‫والفم‪ ،‬فل نقض بالشعر وإن نبت على الفرج والس ّ‬
‫فل نقض مع الحائل ولو رقيقًا‪ .‬رابعها‪ :‬أن يبلغ كل منهما حّدا ُيشتهي فيه‪ ،‬فلو بلغه أحدهما ولم‬
‫يبلغه الخر فل نقض‪ .‬وخامسها‪ :‬عدم المحرمية فل نقض بلمس المحارم‪ .‬ومن خصوصيات نبـينا‬
‫عدم نقض وضوئه بلمس غير المحارم‪.‬‬
‫واعلم أن اللمس يفارق المس في سبعة أمور‪ :‬أحدهما‪ :‬أن اللمس ل يختص بعضو‪ ،‬بخلف المس‬
‫ف‪ .‬ثانيها‪ :‬أنه ل بّد في اللمس من اختلف الجنس بخلف المس‪ .‬ثالثها‪ :‬أن‬ ‫فإنه يختص ببطن ك ّ‬
‫الفرج المبان ينقض مسه على ما تقدم بخلف العضو المبان ل ينقض لمسه‪ .‬رابعها‪ :‬أن اللمس‬
‫ينقض وضوء اللمس والملموس‪ ،‬بخلف المس فإنه عند اتحاد الجنس ل ينقض إل وضوء‬
‫الماس‪ .‬خامسها‪ :‬أن مس فرج المحرم ناقض‪ ،‬بخلف لمسها‪ .‬سادسها‪ :‬اشتراط بلوغ حد الشهوة‬
‫في اللمس دون المس‪ .‬سابعها‪ :‬أن اللمس ل بّد فيه من التعدد بخلف المس فإنه يحصل بمس فرج‬
‫نفسه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫تتمة‪ :‬من القواعد المقررة التي ينبني عليها كثير من الحكام الشرعية »استصحاب الصل‬
‫وطرح الشك وإبقاء ما كان على ما كان«‪ .‬وقد أجمع العلماء على أن الشخص لو شك هل طلق‬
‫زوجته أو ل فإن الصل عدم الطلق فيجوز له وطؤها‪ ،‬وأنه لو شك في امرأة هل تزّوجها أم ل‪،‬‬
‫فإن الصل عدم التزّوج بها فل يجوز له وطؤها )و( من ذلك أنه )ل يرتفع يقين وضوء أو حدث‬
‫ن ضده( فمن تيقن الطهر ثم شك هل أحدث أم ل فالصل عدم الحدث‪ ،‬ومن تيقن الحدث ثم‬ ‫بظ ّ‬
‫شك هل تطهر أم ل فالصل عدم الطهر‪.‬‬
‫ل من غسل الرجلين في الوضوء جاز له‬ ‫خاتمة‪ :‬ومن كان لبسًا للخفين وأراد المسح عليهما بد ً‬
‫ذلك بشروط أربعة‪ :‬الّول‪ :‬أن يبتدىء لبسهما بعد كمال الطهارة‪ .‬الثاني‪ :‬أن يكونا ساترين لمحل‬
‫الفرض وهو القدم بكعبـيه من سائر الجوانب‪ ،‬ول يشترط الستر من العلى‪ ،‬والمراد بالستر‬
‫الحيلولة وإن لم يمنع الرؤية فيكفي الشفاف‪ .‬الثالث‪ :‬أن يكونا مما يمكن تتابع المشي فيهما لترّدد‬
‫مسافر لحاجته عند النزول والسير وغيرهما مما جرت به العادة ولو كان لبسه مقعدًا‪ ،‬وهذه‬
‫الشروط الثلثة ل بّد من وجودها عند ابتداء اللبس‪ .‬الرابع‪ :‬أن يكونا طاهرين وهذا الشرط يكفي‬
‫وجوده قبل الحدث ولو بعد اللبس‪ .‬ومدة المسح ثلثة أيام بلياليها للمسافر سفر قصر‪ ،‬ويوم وليلة‬
‫لغيره‪ ،‬وابتداؤها من وقت الحدث بعد لبس الخفين‪.‬‬
‫ثم إن كان الحدث باختياره كاللمس والمس والنوم‪ :‬فابتداء المدة من ابتداء الحدث‪ :‬وإن كان‬
‫الحدث بغير اختياره‪ :‬كالجنون‪ ،‬والغماء‪ ،‬والبول‪ ،‬والغائط‪ ،‬والريح‪ ،‬كان ابتداء المدة من آخره‪.‬‬
‫والعبرة في ذلك بالشأن‪ ،‬فما شأنه أن يكون بالختيار‪ ،‬فالمدة من ابتدائه وإن حصل قهرًا‪ .‬وما‬
‫شأنه أن يكون بغير اختيار فالمدة من انتهائه‪ ،‬وإن حصل بغير قهر‪ ،‬فإن مسح في سفر القصر ثم‬
‫زال السفر‪ ،‬أو مسح في غير سفر القصر ثم سافر سفر قصر لم يكمل مدة سفر القصر في‬
‫الحالين‪ .‬ويكفي القليل في المسح في محل الفرض بظاهر أعلى الخف كمسح الرأس حتى لو‬
‫وضع أصبعه المبتلة على ظاهر أعلى الخف‪ ،‬ولم يمّرها أجزأه‪ ،‬وكذا لو قطر عليه قطرة ماء‪.‬‬
‫ن مسح أعله وأسفله خطوطًا بأن يضع يده اليسرى تحت العقب‪ ،‬واليمنى على ظهر‬ ‫ويس ّ‬
‫الصابع‪ ،‬ثم يمّر اليمنى إلى آخر ساقه واليسرى إلى أطراف الصابع من تحت مفرجًا بـين‬
‫أصابع يديه‪ .‬فاستيعابه بالمسح خلف الولى‪ ،‬ويكره تكراره وغسل الخف‪ .‬ويبطل حكم المسح‬
‫على الخف بواحد من ثلثة أشياء‪ .‬الّول‪ :‬ظهور شيء مما ستر به من رجل أو لفافة أو غيرهما‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬انقضاء المدة المحدودة المتقدم ذكرها‪ .‬الثالث‪ :‬عروض ما يوجب الغسل من جنابة‪ :‬أو‬
‫حيض‪ ،‬أو نفاس‪ ،‬أو ولدة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والثانية‪ :‬أي الطهارة لجل حدث أكبر وهو المقصد الثاني من مقاصد الطهارة )الغسل( وحقيقته‬
‫شرعًا سيلن الماء على جميع البدن بنية ولو مندوبة كما في غسل الميت‪ ،‬وهو نوعان‪ :‬فرض‪،‬‬
‫وسنة‪ ،‬فالفرض )موجبه( أي أسبابه ثلثة‪ :‬أحدها‪ :‬جنابة وهي إما )خروج منيه( من طريقه‬
‫المعتاد‪ ،‬وإن لم يكن مستحكمًا أو من صلب الرجل وترائب المرأة‪ .‬والمعتاد منسّد إن كان‬
‫ي بتدفقه أو لذة وقت خروجه أو ريح عجين أو طلع‬ ‫مستحكمًا‪ :‬أي خارجًا ل لعلة‪ ،‬ويعرف المن ّ‬
‫نخل إذا كان رطبًا أو ريح بـياض بـيض إذا كان المني جافًا‪ ،‬فإن فقدت هذه الصفات فل غسل‬
‫ي‪ ،‬فإن احتمل كون الخارج منيًا أو غيره كودي أو مذي تخير بـينهما‬ ‫لن الخارج حينئذ ليس بمن ّ‬
‫على المعتمد‪ ،‬فإن اختار كونه منيًا اغتسل‪ ،‬وإن اختار كونه غير مني توضأ‪ ،‬وغسل ما أصابه‬
‫ن له اختيار الخر كان له الرجوع عن اختيار الول ولو بعد أن فعل‬ ‫منه‪ ،‬ولو اختار أحدهما ثم ع ّ‬
‫مقتضاه‪ ،‬ول يعيد ما فعله بالول‪ ،‬ولو رأى في فراشه أو ثوبه ولو بظاهره منيًا ل يحتمل كونه‬
‫ن إعادة كل صلة احتمل‬ ‫من غيره لزمه الغسل وإعادة كل صلة ل يحتمل خلّوها عنه‪ ،‬ويس ّ‬
‫س بنزول المني فأمسك ذكره فلم يخرج منه شيء فل غسل عليه‪) .‬و( إما‬ ‫خلّوها عنه‪ ،‬ولو أح ّ‬
‫ل أو دبرًا ولو من ميت أو بهيمة‬ ‫)دخول حشفة( من ذكر أصلي أو قدرها منه من فاقدها )فرجًا( قب ً‬
‫ف خرقة على الذكر‬ ‫ل وغير منتشر وبحائل كل ّ‬ ‫مع إكراه أو نوم أو نسيان وبل إنزال‪ ،‬ومن ذكر أش ّ‬
‫ولو غليظة فلو غيب بعض الحشفة لم يجب الغسل على المولج ول على الخر‪ ،‬نعم يندب‪) .‬و(‬
‫ثانيها )حيض( والمعتبر فيه وفيما يأتي انقطاعه مع القيام إلى الصلة ونحوها‪ .‬وأقل زمن الحيض‬
‫ل معهودًا في الحيض‪ .‬والساعة‬ ‫مقدار يوم وليلة وهو أربع وعشرون ساعة فلكية متصلة اتصا ً‬
‫خمس عشرة درجة‪ .‬والدرجة أربع دقائق‪ .‬والدقيقة مقدار سورة الخلص مرة‪ ،‬وقيل ثلث‬
‫مرات‪ .‬وأكثره خمسة عشر يومًا بلياليها وإن لم يتصل‪) ،‬و( ثالثها )نفاس( لكونه دم حيض‬
‫مجتمعًا‪ .‬وأقله زمن يسير ولو قدر ما يسع مجة بعد انفصال الولد‪ .‬وأكثره ستون يومًا‪ .‬وغالبه‬
‫أربعون يومًا اعتبارًا بالوجود في الجميع‪.‬‬
‫ومن موجب الغسل تحير المستحاضة‪ .‬وولدة ولو لعلقة ومضغة لن الغسل يجب بخروج الماء‬
‫الذي يخلق منه الولد‪ ،‬فبخروج الولد أولى‪ .‬والمسنون كثير منه غسل الجمعة‪ ،‬والستسقاء‪،‬‬
‫والكسوف للشمس‪ ،‬والخسوف للقمر لمن أراد حضور صلتها في الربعة‪ ،‬وغسل العيد‪ ،‬وغسل‬
‫الكافر إذا أسلم‪ ،‬والغسل من غسل الميت‪ ،‬والغسل من الحجامة‪ ،‬والغسل عند إرادة الخروج من‬
‫الحمام‪ ،‬والولى أن يكون بماء معتدل بـين الحرارة والبرودة‪ ،‬والغسل من نتف البط‪ ،‬ومن إزالة‬
‫ن‪ ،‬وللحرام بالحج أو‬ ‫العانة‪ ،‬ومن حلق الرأس‪ ،‬ومن الغماء‪ ،‬ومثله الجنون‪ ،‬ومن البلوغ بالس ّ‬
‫العمرة‪ ،‬ولدخول الحرم‪ ،‬ولدخول مكة‪ ،‬وللوقوف بعرفة‪ ،‬وللمبـيت بمزدلفة‪ ،‬وللوقوف بالمشعر‬
‫الحرام غداة النحر إن لم يكن اغتسل للوقوف بعرفة‪ .‬وإل كفى عنها‪ ،‬ولرمي الجمار في كل يوم‬
‫من أيام التشريق الثلثة‪ ،‬ولتغير البدن‪ ،‬ولحضور كل مجمع من مجامع الخير‪ ،‬وللعتكاف‪،‬‬
‫ولدخول المدينة المشرفة‪ ،‬ولكل ليلة من رمضان‪ ،‬وعند سيلن الوادي وآكد هذه الغسال غسل‬
‫ل مسنونًا نوى به السبب‪ :‬كأن ينوي الغسل‬ ‫الجمعة‪ ،‬ثم غسل غاسل الميت‪ .‬ومن أراد غس ً‬
‫ل إل غسل الفاقة من الجنون أو الغماء فإنه ينوي رفع الجنابة‪ ،‬ول‬ ‫المسنون للجمعة أو للعيد مث ً‬
‫فرق في ذلك بـين البالغ وغيره على المعتمد‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وفروضه( أي الغسل شيئان‪ :‬أولهما )نية أداء فرض الغسل( أو أداء الغسل أو فرض الغسل‪ ،‬أو‬
‫الغسل المفروض‪ ،‬أو الواجب‪ ،‬أو الطهارة للصلة‪ ،‬أو الغسل لها‪ ،‬أو نية رفع جنابة إن كان جنبًا‪،‬‬
‫أو رفع حدث الحيض إن كانت المرأة المغتسلة حائضًا‪ .‬أما نية الغسل المسنون فقد تقدم )مقرونة‬
‫بأّوله( أي الغسل‪ ،‬وأول فرض هنا هو أول مغسول من بدنه سواء أكان أعلى أم أسفل لعدم‬
‫الترتيب فيه‪ ،‬فلو نوى بعد غسل جزء وجب إعادة غسله‪ :‬وإذا اقترنت بأول مفروض فل يحصل‬
‫له شيء من السنن السابقة‪) .‬و( ثانيهما )تعميم( ظاهر )بدن حتى ما تحت قلفة( من القلف وحتى‬
‫باطن الشعر ولو كثيفًا‪ ،‬ويجب له نقض الضفائر والعقائص إن لم يصل الماء إلى الباطن إل‬
‫بالنقض )بماء ويكفي ظن عمومه( ثم الغتسال عن الحدث الكبر إما بالنغماس‪ ،‬أو بالصب‪ ،‬أو‬
‫بالغتراف من الماء فإن كان بالنغماس فالمر ظاهر‪ ،‬وإن كان بالصب فيبقي للمغتسل مراعاة‬
‫محل الستنجاء لنه ربما ل يصل إليه ماء الصب‪ :‬فينبغي عليه الحدث الكبر فيحتاج إلى غسله‬
‫ل ففيه كلفة‪،‬‬‫ف على يده خرقة مث ً‬ ‫آخرًا‪ .‬فإن مسه ببطن كفه من غير حائل انتقض وضوؤه‪ ،‬وإن ل ّ‬
‫ب الماء على المحل‬ ‫والمخلص من ذلك أنه بعد فراغ الستنجاء ينوي رفع الحدث الكبر مع ص ّ‬
‫وهذه المسألة تسمى الدقيقة‪ .‬لكن إذا أطلق النية فإن الحدث الكبر يرتفع عن محل الستنجاء وعن‬
‫باطن كف المغتسل لملقاة ذلك للماء حال النية‪ :‬ويرتفع الحدث الصغر عن باطن الكف في‬
‫س حلقة الدبر فيحتاج‬
‫ضمن ارتفاع الحدث الكبر‪ .‬ثم يعود الحدث الصغر على باطن الكف بم ّ‬
‫المغتسل إلى إفاضة الماء على بطن كفه بنية رفع الحدث الصغر عنه بعد رفع حدث وجهه‪،‬‬
‫وإنما قلنا بعد رفع حدث وجهه لوجوب الترتيب في الحدث الصغر‪ ،‬إذا لم يكن ارتفاعه في‬
‫ضمن الكبر‪ ،‬وحدث الكف في هذه الحالة ليس في ضمن الكبر فيراعى فيه الترتيب‪ ،‬والمسلم‬
‫من هذه الورطة أن يقيد النية بأن يقول‪ :‬نويت رفع الحدث الكبر عن محل الستنجاء بخصوصه‪،‬‬
‫ثم يأتي بنية أخرى لباقي بدنه وهذه تسمى دقيقة الدقيقة فمجموع المسألتين يسمى الدقيقة ودقيقة‬
‫الدقيقة‪ .‬وإن كان يغتسل بالغتراف من الماء فإن كان يغترف من ماء كثير فالمر ظاهر‪ ،‬وإن‬
‫كان يغترف من ماء قليل فإن وضع يده في الماء بنية رفع الحدث الكبر ارتفع حدث يده في الماء‬
‫ل‪ ،‬فالمخلص أنه ينوي الغتراف من هذا الماء ليغسل به خارج الناء‪ .‬ومحل نية‬ ‫وصار مستعم ً‬
‫الغتراف بعد نية رفع الحدث وقبل مماسة يده للماء لكن يكون مستحضرًا للنيتين عند مماسة يده‬
‫للماء لتحصل المقارنة‪ ،‬ولو غرف من الماء القليل ل بقصد رفع الحدث‪ ،‬ثم لما أخرج يده من‬
‫الناء غسلها بنية رفع الحدث بالماء الذي أخذه صار الحدث مرفوعًا عنها فل يضر غمسها في‬
‫الماء بعد ذلك‪ ،‬ولو كان في يده إناء فارغ يغترف به من الماء القليل ويغسل بما فيه خارج الناء‬
‫من غير مماسة يده للماء فل يضر‪ ،‬ومسألة الدقيقة ودقيقة الدقيقة تأتي في الغتسال بالغتراف‬
‫أيضًا‪ ،‬ومسألة نية الغتراف تأتي في الوضوء أيضًا إذا كان يتوضأ بالغتراف من ماء قليل لكن‬
‫محلهما في الوضوء بعد غسل الوجه الغسلة الولى إن أراد القتصار عليها أو الغسلت الثلث‬
‫إن أراد استيفاءها أو أطلق نظرًا لطلبها شرعًا وقبل غسل اليدين‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن( للغسل مطلقًا )تسمية( أوله لكن من به حدث أكبر يقولها بقصد الذكر أو يطلق فإن قصد‬ ‫)وس ّ‬
‫القراءة وحدها أو مع الذكر أو قصد واحدًا ل بعينه حرم‪) .‬و( مضمضة واستنشاق أوله كالوضوء‬
‫ل قبل الغسل )فتعهد معاطف(‬ ‫وبعدهما )إزالة قذر( طاهرًا أو نجسًا )فـ( ـبعد إزالته )وضوء( كام ً‬
‫كالذنين وطبقات البطن والموق وتحت المقبل من النف وتحت الظفار إذا وصل الماء إلى ذلك‬
‫بدونه وإل وجب‪ .‬وتخليل الشعر والصابع قبل إفاضة الماء لنه أبعد عن السراف‪) .‬ودلك(‬
‫ل للنظافة‪) .‬وتثليث( في واجبه وسننه‪.‬‬‫لجميع بدنه خروجًا من خلف من أوجبه وتحصي ً‬
‫)واستقبال( للقبلة وأن يكون في محل ل يناله فيه رشاش الماء‪) .‬وجاز تكشف له( أي الغسل )في‬
‫خلوة( قال ابن حجر في فتح الجواد‪ :‬ويسن ستر عورته إن لم يكن ثم من يحرم نظره إليها وإل‬
‫وجب انتهى‪ .‬وذكر بعضهم أنه يحرم كشف العورة بحضرة من يحرم عليه النظر ولو غض‬
‫بصره ول يكفي قوله لهم‪ :‬غضوا أبصاركم‪ .‬نعم إن ضاق الوقت وكانت الصلة ل بدل لها‬
‫ض البصر‪.‬‬‫ل جاز ولزم الحاضرين غ ّ‬ ‫واضطر إلى كشف عورته لقضاء الحاجة مث ً‬
‫والكمل في كيفية الغسل أن يسمي ال أّول ثم يتمضمض ويستنشق ثم يزيل ما على جسده من‬
‫ي ثم الوضوء ثم يتعهد معاطفه ثم يفيض الماء على رأسه ثلثًا مع التخليل والدلك في كل‬ ‫قذر كمن ّ‬
‫مرة ثم شقه اليمن مقدمًا ومؤخرًا كذلك‪ ،‬ثم اليسر مقدمًا ومؤخرًا كذلك‪ ،‬ولو أفاض الماء على‬
‫بدنه جميعه مرة مع التخليل والدلك ثم ثانية ثم ثالثة كذلك حصل له أصل الكمال‪ ،‬ولو غسل رأسه‬
‫مرة مع التخليل والدلك ثم شقه اليمن مقدمًا ومؤخرًا كذلك ثم شقه اليسر مقدمًا ومؤخرًا كذلك ثم‬
‫ثانية ثم ثالثة حصل له أصل الكمال أيضًا‪ ،‬ولو انغمس في الماء ثلثًا مع التخليل والدلك في كل‬
‫مرة حصل له أصل الكمال أيضًا‪ .‬لكن ل بّد من رفع القدمين في كل مرة عن مقّرهما ليحصل‬
‫التثليث إلى باطنهما‪ ،‬والكيفية الولى أفضل من هذا جميعه‪.‬‬
‫ولو اجتمع على الشخص أغسال من نوع واحد بأن كانت كلها واجبة أوكلها مسنونة كفاه نية‬
‫واحدة منها فيحصل الباقي وإن لم ينوه إل إذا كانا واجبـين جعليـين كالمنذورين أو جعليًا وشرعيًا‬
‫فل بّد من نية كل واحد منهما‪ ،‬وإن اختلف النوع كفرض ونفل فإن نوى الجميع حصل‪ ،‬وإن نوى‬
‫أحد النوعين حصل فقط دون غيره‪ ،‬ومن كان عليه الحدث الكبر والحدث الصغر كفاه نية رفع‬
‫ن له أل يزيل شيئًا من بدنه ولو دمًا‬‫الحدث الكبر ويرتفع الصغر في ضمنه‪ ،‬ومن لزمه غسل يس ّ‬
‫أو شعرًا أو ظفرًا حتى يغتسل لن كل جزء يعود له في الخرة فلو أزاله قبل الغسل عاد عليه‬
‫الحدث الكبر تبكيتًا للشخص‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ثم الحدث ‪ :‬إما أصغر وهو كل ما أوجب الوضوء‪ ،‬وإما متوسط وهو الجنابة والولدة‪ ،‬وإما أكبر‬
‫وهو الحيض والنفاس ويحرم بكل منها أشياء‪ .‬فالذي يحرم بالحدث الصغر خمسة أشياء‪ :‬أولها‪:‬‬
‫الصلة بأنواعها‪ ،‬وكذا سجدة التلوة والشكر‪ ،‬نعم يجوز صلة الفرض لفاقد الطهورين لحرمة‬
‫الوقت ويعيد إذا وجد أحدهما لكن إذا وجد التراب بعد الوقت ل يعيد به إل بمحل يسقط فيه‬
‫الفرض بالتيمم‪ ،‬وأما إذا وجده في الوقت فيعيد به مطلقًا لكن إذا كان في محل يغلب فيه وجود‬
‫الماء تلزمه العادة ثالثًا إذا وجد الماء أو التراب بمحل يغلب فيه فقد الماء‪ ،‬أو يستوي المران‬
‫وحينئذ يتصور له فعل الفرض أربع مرات بأن يصلي أّول لحرمة الوقت ثم بالتراب في الوقت‬
‫بمحل يغلب فيه وجود الماء ثم بالماء أو التراب في محل يغلب فيه الفقد أو يستوي المران ثم‬
‫يعيد تلك الصلة جماعة‪ ،‬وظاهر هذا أن فاقد الطهورين له أن يصلي أول الوقت وهو كذلك إن‬
‫أيس من وجود أحدهما فيه‪ .‬وثانيها‪ :‬الطواف بأنواعه وإن لم يكن في ضمنه نسك‪ .‬وثالثها‪ :‬خطبة‬
‫الجمعة أي أركانها‪ .‬ورابعها‪ :‬مس المصحف ولو بحائل ثخين حيث عّد ماسًا له عرفًا‪ ،‬والمراد‬
‫بالمصحف كل ما كتب فيه شيء من القرآن بقصد الدراسة كلوح أو عمود‪ ،‬أو جدار كتب عليه‬
‫شيء من القرآن للدراسة فيحرم مسه مع الحدث حينئذ سواء في ذلك القدر المشغول بالنقوش‬
‫وغيره كالهامش‪ ،‬وما بـين السطور ويحرم أيضًا مس جلده المتصل به وكذا المنفصل عنه ما لم‬
‫تنقطع نسبته عنه‪ ،‬كأن جعل جلد كتاب وإل فل‪ ،‬ولو كان فيه ما يدل على أنه كان جلد مصحف‬
‫كأن كان مكتوبًا عليه‪} :‬ل يمسه إل المطهرون{ ))‪ (56‬الواقعة‪ :‬الية ‪ (79‬وما دام لم تنقطع‬
‫نسبته عن المصحف ل يحل مسه مع الحدث‪ ،‬وإن مرت عليه سنون‪.‬‬
‫ويحرم مس علقة اللوح إل القدر الذي جاوز العادة في الطول‪ ،‬ويحرم مس كيس المصحف إذا‬
‫كان فيه المصحف وأعّد له وحده ولو زائدًا على حجمه‪ ،‬فإن لم يكن فيه فل‪ ،‬أوكان غير معّد له‬
‫وكان كبـيرًا عرفًا فل يحرم إل مس المحاذي له فقط‪ ،‬وكذا لو كان معدًا له ولغيره‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫لو جعل المصحف مع كتاب في جلد واحد‪ ،‬فل يحرم إل مس المحاذي للمصحف دون غيره‪،‬‬
‫ومثل الكيس في هذا التفصيل الصندوق‪ ،‬ومنه بـيت الربعة المعروف فيحرم مسه إن كان فيه‬
‫الجزاء أو بعضها‪ ،‬وأما الكرسي فإن كان صغيرًا كالذي يكون في المكاتب وكان عليه المصحف‬
‫ي جزء منه فإن لم يكن عليه المصحف فل‪ ،‬وإن كان كبـيرًا كالكرسي الذي يجلس‬ ‫حرم مس أ ّ‬
‫عليه فل يحرم‪ ،‬ويستثنى من ذلك الصبـي المسلم المميز المحدث‪ ،‬فإنه ل يمنع من مس مصحفه‬
‫أو لوحه ول من حمله مع الحدث ولو أكبر‪ ،‬ولو كان حافظًا عن ظهر قلب وفرغت مدة حفظه‪،‬‬
‫وأفتى الحافظ ابن حجر بأن معلم الطفال الذين ل يستطيع أن يقيم بالوضوء أكثر من فريضة‬
‫يسامح له في مس ألواح الصبـيان مع الحدث لما في تكليفه الوضوء حينئذ من المشقة عليه لكن‬
‫س شيء منها ولو أعدت له لنها ل تعد ظرفًا له‬ ‫يتيمم‪ .‬ولو كان المصحف في خزانة لم يحرم م ّ‬
‫عرفًا‪ ،‬وخرج بالمصحف غيره‪ ،‬وخرج بما كتب للدراسة ما كان لغير ذلك كالثياب والدراهم‬
‫والدنانير إذا كتب عليها شيء من القرآن فيحل مس ذلك وحمله مع الحدث‪ ،‬وكذا التميمة كورقة‬
‫ل للتبرك فيجوز مسها وحملها مع الحدث ولو‬ ‫يكتب فيها شيء من القرآن وتعلق على الرأس مث ً‬
‫أكبر‪ .‬والعبرة بقصد الكاتب لنفسه أو لغيره بغير أمر ول إجارة فإن كان يكتب للغير بأمر أو‬
‫إجارة فالعبرة بقصد المر أو المستأجر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وخامسها‪ :‬حمل المصحف لنه أبلغ من المس‪ ،‬نعم يجب حمله مع الحدث لضرورة كخوف عليه‬
‫من غرق أو حرق أو نجاسة أو وقوعه في يد كافر ولم يتمكن من الطهارة‪ ،‬فإن قدر على التيمم‬
‫وجب‪ ،‬ولو تعارض إلقاؤه في قاذورة ووقوعه في يد كافر قدم الثاني لن أخذه غير محقق الهانة‬
‫للقاء المذكور‪ .‬ولو خاف عليه الضياع ولم يتمكن من الطهر جاز حمله مع الحدث ولو‬ ‫بخلف ا ِ‬
‫ل ل يصلح‬ ‫حال تغّوطه ول يجب لعدم تحقق تلفه‪ .‬ويحل حمله في متاع ولو كان ذلك المتاع قلي ً‬
‫للستتباع بشرط أن ل يعّد ماسًا له إن قصد المتاع وحده أو أطلق أو قصدهما معًا‪ ،‬بخلف ما لو‬
‫قصد المصحف وحده أو قصد واحدًا ل بعينه‪ ،‬ويحل حمله في تفسير سواء تميزت حروف القرآن‬
‫بلون أم ل إذا كان التفسير أكثر يقينًا‪ ،‬بخلف ما لو كان القرآن أكثر أو تساويا أو شك في ذلك‬
‫فيحرم‪ .‬ولو وضع يده على قرآن وتفسير فهو كالحمل في التفصيل بـين كون التفسير الذي تحت‬
‫يده أكثر أول فالعبرة بالموضع الذي وضع يده فيه ل بجملة التفسير‪ .‬وأما الحمل فالعبرة فيه‬
‫بجملة التفسير‪ ،‬والعبرة أيضًا بعدد حروف الرسم العثماني في القرآن ورسم الخط في التفسير ل‬
‫بعدد الكلمات‪ ،‬ولو كان بهامش المصحف تفسير ففيه التفصيل المتقدم في الحمل‪ ،‬أما ترجمة‬
‫المصحف المكتوبة تحت سطوره فل تعطي حكم التفسير بل تبقى للمصحف حرمة مسه وحمله‬
‫كما أفتى به السيد أحمد دحلن حتى قال بعضهم‪ :‬إن كتابة ترجمة المصحف حرام مطلقًا سواء‬
‫كانت تحته أم ل فحينئذ ينبغي أن يكتب بعد المصحف تفسيره بالعربـية ثم يكتب ترجمة ذلك‬
‫التفسير‪.‬‬
‫والذي يحرم بالحدث المتوسط ثمانية أشياء‪ :‬الخمسة المتقدمة على الوجه المتقدم فيها‪ ،‬نعم قد‬
‫يجوز فعل صورة الصلة مع هذا الحدث كما قد يقع للشخص في بعض الحيان أنه ينام في مكان‬
‫فيه نساء أو أولد مرد ويحتلم ويخشى على نفسه من الوقوع في عرضه إذا اغتسل فهذا عذر‬
‫مبـيح للتيمم لنه أشق من الخوف على أخذ المال‪ ،‬لكن قبل التيمم يغسل ما يمكنه غسله من بدنه‬
‫ويصلي ويعيد لن هذا مثل التيمم للبرد‪ ،‬هذا إذا سهل له فعل ذلك وإل أتى بأفعال الصلة بغير‬
‫نية ول حرمة عليه‪ .‬والسادس‪ :‬قراءة شيء من القرآن ولو حرفًا حيث قصد أنه من القرآن كأن‬
‫قصد أن يتلفظ بالبسملة فأتى بالباء منها وسكت فيحرم من حيث إنه نوى المعصية وشرع فيها ل‬
‫من حيث أن الحرف الواحد يسمى قرآنًا‪.‬‬
‫وللحرمة شروط ستة‪ :‬أن يكون بقصد القرآن وحده أو مع الذكر أو بقصد واحد ل بعينه‪ ،‬بخلف‬
‫ما إذا قصد الذكر وحده أو أطلق فل حرمة ول فرق في ذلك بـين ما يوجد نظمه في غير القرآن‬
‫وما ل يوجد نظمه إل فيه‪ .‬وأن يكون ما أتى به يسمى قرآنًا إل إذا نوى القراءة وشرع فيها فإنه‬
‫ل لتخرج قراءة الفاتحة في الصلة لفاقد‬ ‫يأثم بالحرف الواحد كما تقدم‪ ،‬وأن تكون القراءة نف ً‬
‫الطهورين وآية خطبة الجمعة له وما لو نذر قراءة في وقت معين وأن يتلفظ بها‪ ،‬فخرج ما إذا‬
‫أجرى القرآن على قلبه‪ ،‬وإشارة الخرس المفهمة مثل التلفظ وأن يسمع نفسه حيث كان صحيح‬
‫السمع ول مانع من لغط ونحوه‪ ،‬وإل فالمدار على كونه بحيث لو لم يكن مانع لسمع‪ ،‬وأن يكون‬
‫مكلفًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فائدة‪ :‬عدد آيات القرآن العظيم ستة آلف وستمائة وست وستون آية‪ ،‬ألف منها أمر‪ ،‬وألف نهي‪،‬‬
‫وألف وعد‪ ،‬وألف وعيد‪ ،‬وألف قصص وأخبار‪ ،‬وألف عبر وأمثال‪ ،‬وخمسمائة لتبـيـين الحلل‬
‫والحرام‪ ،‬ومائة لتبـيـين الناسخ والمنسوخ‪ ،‬وستة وستون دعاء واستغفار وأذكار‪ .‬والسابع المكث‬
‫في المسجد‪ .‬والثامن التردد فيه ولو في هوائه وسرداب تحت أرضه أو في رحبته أو روشن‬
‫متصل به‪ ،‬والمراد بالمسجد ما تحققت مسجديته أو ظنت بالستفاضة ولو مشاعًا وتصح التحية‬
‫في المشاع ل العتكاف على المعتمد‪ ،‬ومحل الكتفاء بالستفاضة في المسجد إن لم يعلم أصله‬
‫فإن علم أصله كالمساجد المحدثة بحريم البحر أو بمنى أو بالقبور المسبلة للّدفن فيها لم يحرم‬
‫المكث فيه‪ .‬نعم يجوز المكث في المسجد لضرورة كأن نام فيه فاحتلم وتعذر الخروج منه لخوف‬
‫عسس ونحوه لكن يلزمه التيمم إن وجد غير تراب المسجد‪ ،‬أما إذا لم يجد إل ترابه فيحرم‬
‫ويصح‪ ،‬والمراد بترابه الداخل في وقفتيه‪ ،‬أما لو كانت أرضه مبلطة وجلب الريح فيها ترابًا أو‬
‫فوق حصره فل يحرم التيمم به‪ ،‬وينبغي وجوب غسل ما يمكنه غسله من بدنه لن الميسور ل‬
‫يسقط بالمعسور‪ ،‬ولو شك في التراب هل هو من المسجد أو جلبه الريح فالشبه الحل‪ ،‬ومذهب‬
‫المام أحمد جواز المكث في المسجد للجنب بالوضوء لغير ضرورة فيجوز تقليده‪ ،‬ويشترط في‬
‫الماكث والمتردد أن يكون مكلفًا غير النبـي ‪ ،‬أما غير المكلف فيجوز لوليه تمكينه من ذلك‪ ،‬وأما‬
‫النبـي فيجوز له ذلك لكن لم يقع منه‪ ،‬وخرج بالمكث والتردد العبور وهو الدخول من باب‬
‫والخروج من آخر من غير مكث ول ترّدد فل يحرم على الجنب‪ ،‬فإن كان لحاجة كأن كان‬
‫المسجد أقرب طريقيه فل كراهة فيه ول خلف الولى‪ ،‬وإن لم يكن لحاجة فهو خلف الولى‪،‬‬
‫وأما الحائض فإن خافت التلويث حرم عليها العبور‪ ،‬وإن أمنته كان مكروهًا لغلظ حدثها ما لم‬
‫يكن لحاجة وإل فل كراهة‪ ،‬وخرج بالمسجد المدارس والربط ومصلى العيد والموقوف غير‬
‫مسجد فل يحرم فيه ذلك‪ ،‬نعم ان لّوثته الحائض حرم من حيث تنجس حق الغير‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫والذي يحرم بالحدث الكبر ثلثة عشر شيئًا هذه الثمانية على الوجه المتقدم فيها‪ .‬والتاسع‪ :‬الوطء‬
‫ولو بحائل ثخين ولو بعد انقطاع الدم وقبل الغسل‪ ،‬وهو كبـيرة من العامد العالم بالتحريم المختار‬
‫يكفر مستحله إذا كان قبل النقطاع وقبل بلوغ عشرة أيام وإل فل يكفر للخلف فيه حينئذ‪ ،‬ومحل‬
‫الكفر بالستحلل أيضًا إن كان في بلد معلوم عندهم حرمة ذلك بالضرورة وإل فل كفر كبعض‬
‫البلد الذين يجهلون حرمة ذلك‪ ،‬ومحل حرمته إذا لم يخف الزنا‪ ،‬فإن خافه وتعين الوطء في‬
‫الحيض طريقًا لدفعه جاز لنه إذا تعارض على الشخص مفسدتان قدم أخفهما ولو تعارض عليه‬
‫الوطء في الحيض‪ ،‬والستنماء بـيده فالذي يظهر أنه يقدم الستنماء فإن الوطء في الحيض متفق‬
‫على أنه كبـيرة‪ ،‬بخلف الستنماء فإن بعض المذاهب يقول بجوازه عند هيجان الشهوة وهو عند‬
‫الشافعي صغيرة‪ ،‬ويؤخذ من ذلك أنه لو تعارض عليه الزنا والستنماء بـيده قدم الستنماء لما‬
‫ذكر‪ ،‬وكما يحرم الوطء في الحيض يحرم وطء حليلته في دبرها في الحيض وغيره‪ ،‬ولو‬
‫تعارض عليه الزنا ووطء الحليلة في دبرها قدم الوطء في الدبر‪ ،‬ولو تعارض عليه الوطء في‬
‫الدبر والستنماء بـيده قدم الستنماء‪ .‬والعاشر‪ :‬المباشرة فيما بـين سرة الحائض وركبتها ولو بل‬
‫شهوة لن ذلك قد يدعوه إلى الجماع‪ ،‬وخرج بما بـين السرة والركبة باقي جسدها فل تحرم‬
‫مباشرته‪ ،‬وكل ما منعناه من مباشرته نمنعها من أن تمسه به في شيء من بدنه فيجوز له أن‬
‫يلمس جميع بدنها إل ما بـين سرتها وركبتها ويجوز لها أن تلمس جميع بدنه بجميع بدنها إل ما‬
‫بـين سرتها وركبتها ويحرم عليه تمكينها من اللمس بذلك‪ .‬والحادي عشر‪ :‬الصوم بأنواعه‪ ،‬ويجب‬
‫قضاء ما فاتها من رمضان زمن الحيض‪ ،‬بخلف الصلة الفائتة زمنه ل يجب قضاؤها بل إذا‬
‫قضتها ل تنعقد‪ ،‬والفرق بـين الصوم والصلة أن الصلة متكررة كل يوم فيشق قضاؤها بخلف‬
‫الصوم‪ .‬والثاني عشر‪ :‬طلق الحائض بشرط أن تكون موطوءة له تعتّد بالقراء بغير عوض منها‬
‫لتضررها حينئذ بطول المدة فإن زمن الحيض والنفاس لو طلقت فيه ل يحسب العدة‪ ،‬فل تشرع‬
‫في العدة من حين الطلق بل بعد انقضاء الحيض أو النفاس‪ ،‬والواجب كون الطلق في زمن‬
‫تشرع فيه في العدة بمجرد الطلق‪ .‬والثالث عشر‪ :‬الغسل أو التيمم إل في أغسال الحج أو التيمم‬
‫عنها‪ ،‬وإذا انقطع الحيض والنفاس حل لها الغسل وحل طلقها وصومها ولو قبل الغسل‪ ،‬وارتفع‬
‫ل إل بالغسل أو التيمم‪.‬‬
‫عنها سقوط الصلة‪ ،‬وأما باقي محّرمات الحيض فل يح ّ‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫المقصد الثالث من مقاصد الطهارة‪ :‬التيمم‪ ،‬وحقيقته شرعًا إيصال التراب إلى الوجه واليدين على‬
‫وجه مخصوص بنية‪ ،‬وسببه العجز عن استعمال الماء بسبب مرض أو فقد‪ ،‬ثم اعلم أن العجز‬
‫عن استعمال الماء إما حسي كفقد الماء‪ ،‬وضابطه تعذر استعماله‪ ،‬وإما شرعي وهذا ل يتعذر‬
‫استعمال الماء‪ ،‬لكن وجد للشخص عذر جّوز له الشارع بسببه العدول عن الماء إلى التيمم رحمة‬
‫من ال تعالى فإذا علمت ذلك فمتى كان العجز حسيًا تيمم وصلى‪ ،‬فإن كانت الصلة بمحل يغلب‬
‫فيه وجود الماء وجبت العادة‪ ،‬وإن كانت بمحل يندر فيه وجود الماء أو يستوي المران فل‬
‫إعادة‪ ،‬فالعبرة بمكان الصلة ل بمكان التيمم كما أن العبرة بوقت فعل الصلة ل بجميع السنة‪،‬‬
‫ومتى كان العجز شرعيًا كالمرض ونحوه تيمم وصلى ول إعادة مطلقًا‪ ،‬فشرط عدم العادة إخبار‬
‫الطبـيب العدل ولو عدل رواية بأن استعمال الماء يضره بسبب خوف حدوث مرض أو بطء برء‬
‫أو زيادة ألم أو شين فاحش في عضو ظاهر كنحول واستحشاف أو لحمة تزيد أو ثغرة تبقى‬
‫والعضو الظاهر الوجه واليدان‪ ،‬ويكفي معرفة نفسه إذا كان عالمًا بالطب‪ ،‬فإن لم يستند إلى شيء‬
‫من ذلك بل اعتمد على التجربة لزمته العادة‪ ،‬وإذا تيقن الضرر لو استعمل الماء أو غلب على‬
‫ظنه ذلك حرم عليه استعمال الماء ووجب عليه التيمم‪ ،‬وإن توهمه أو شك فيه جاز التيمم ول‬
‫يحرم استعمال الماء‪ ،‬وقد يجتمع العذر الحسي والشرعي كما إذا حال بـينه وبـين الماء سبع أو‬
‫عّدو فإن ذلك فيه عجز حسي نظرًا للحيلولة بـينه وبـين الماء‪ ،‬وعجز شرعي حيث إن الشارع‬
‫نهاه عن القدام على ما فيه ضرره‪ ،‬وهذا ل إعادة فيه مطلقًا أيضًا على المعتمد نظرًا لجانب‬
‫الشرع‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل لغير الطهر به لنه ممنوع من‬ ‫ومن أفراد العجز الشرعي فقط ما إذا لم يجد إل ماء مسب ً‬
‫استعماله شرعًا‪ ،‬فإذا علم أن مسبله عمم النتفاع به مطلقًا استعمله في الطهارة ول يجوز التيمم‪،‬‬
‫فإن شك في ذلك حكم العرف والقرائن‪ ،‬ول يجوز نقل الماء المسبل للشرب من محله إلى محل‬
‫ل إل إذا علم أو قامت قرينة على أن مسبله يسمح بذلك‪ ،‬ومثل‬ ‫آخر‪ :‬كأن يأخذه للشرب في بـيته مث ً‬
‫ذلك ما إذا أباح له غيره طعامًا ليأكله ل يجوز أن يحمل منه شيئًا ول أن يطعم غيره إل إذا علم أن‬
‫مبـيح الطعام يسمح بذلك‪ ،‬فإن شك حكم العرف والقرينة‪ ،‬وإذا وجد الماء يباع بثمن مثله وهو‬
‫عاجز عنه أو يحتاجه للمؤنة أو وجده ل يباع إل بأكثر من ثمن مثله أو لم يجد ما يستقي به من‬
‫دلو أو حبل تيمم لجل ذلك كله ول إعادة‪ ،‬ولو علم ذو النوبة من مزدحمين على بئر أو نحوه أن‬
‫النوبة ل تنتهي إليه إل بعد خروج الوقت ولم يجد ماء آخر صلى بالتيمم في الوقت ول إعادة‬
‫عليه‪ ،‬ومثل الماء في هذا سترة الصلة‪ ،‬ولو كان معه ماء لكن يحتاج إليه لعطش حيوان محترم‬
‫ولو لغيره أو يحتاج ثمنه لنفقة ذلك الحيوان أو كان الخبز الموجود ل يمكن أكله إل إذا بلّ بالماء‬
‫والماء الموجود معه ل يكفي لذلك وللطهارة ولم يقدر على غير هذا الماء وجب عليه التيمم صونًا‬
‫للروح أو غيرها عن التلف‪ ،‬ويحرم عليه الوضوء به حينئذ‪ ،‬ومن ذلك ما إذا كان في قافلة الحاج‬
‫وكانوا بموضع ل ماء فيه‪ ،‬فمن كان معه ماء يحرم عليه الوضوء به بل يتيمم لن قافلة الحاج ل‬
‫تخلو عن عطشان وإن لم يعلم به‪ ،‬وموضوع هذه المسائل أنه يخاف من استعمال الماء ضررًا‪،‬‬
‫ول بّد أن يعتمد في خوف ذلك قول الطبـيب العدل كما تقدم هذا إن وجد الطبـيب حاضرًا وإل‬
‫فليس من محاسن الشريعة منعه من الشرب حتى يوجد الطبـيب‪ .‬ومن أفراد اجتماع المرين ما‬
‫إذا خاف راكب السفينة الغرق لو توضأ من البحر فيتيمم ويصلي ول إعادة مطلقًا ولو كان معه‬
‫ماء ل يحتاج إليه للعطش لكن ل يكفيه لطهارته وجب عليه استعماله في الطهارة ثم تمم طهارته‬
‫بالتيمم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وفروض التيمم سبعة‪ :‬الّول‪ :‬النية المقرونة بنقل التراب وبأّول مسح جزء من الوجه‪ :‬كأن ينوي‬
‫استباحة الصلة أو نحوها مما يفتقر إلى طهارة عن الحدث‪ :‬كطواف وحمل مصحف وسجود‬
‫تلوة‪ .‬ثم إن المراتب ثلثة‪ :‬المرتبة الولى‪ :‬فرض الصلة‪ ،‬وفرض الطواف وخطبة الجمعة‬
‫والمنذور من الصلة أو الطواف‪ .‬المرتبة الثانية‪ :‬نفل الصلة وصلة الجنازة‪ .‬المرتبة الثالثة‪:‬‬
‫س المصحف وحمله وسجود التلوة والشكر والمكث في المسجد والترّدد فيه والعتكاف وقراءة‬ ‫م ّ‬
‫شيء من القرآن بالنسبة لمن به حدث أكبر في الربعة الخيرة وتمكين الحليل بالنسبة للحيض‬
‫والنفاس‪ ،‬فإن نوى استباحة واحد من المرتبة الولى‪ :‬كأن قال نويت استباحة فرض الصلة أبـيح‬
‫ل عنه فله أن يفعل بهذا التيمم‪ :‬إما فرض الصلة‪ ،‬وإما‬ ‫له ما نواه أو غيره مما في مرتبته بد ً‬
‫فرض الطواف‪ ،‬وإما المنذور منهما‪ ،‬وإما خطبة الجمعة‪ ،‬ويباح له بهذا التيمم جميع ما في‬
‫المرتبة الثانية والثالثة‪ ،‬وليس له أن يجمع بـين اثنين من المرتبة الولى بتيمم واحد لن التيمم‬
‫الواحد ل يجمع بـين فرضين‪ ،‬فإذا صلى به فرضًا ثم أراد أن يصلي فرضًا آخر وجب عليه أن‬
‫يعيد التيمم لجله‪ .‬نعم لو نذر الوتر أو الضحى كفاه تيمم واحد‪ ،‬وإن كان يصلي أكمل الوتر وهو‬
‫إحدى عشرة ركعة‪ ،‬أو أكمل الضحى وهو ثمان‪ ،‬وإن كان يسلم من كل ركعتين لن الجميع صلة‬
‫ل وإل وجب التيمم بعدده‪ ،‬ولو نذر التراويح وجب‬ ‫واحدة ما لم ينذر السلم من كل ركعتين مث ً‬
‫عشر تيممات لوجوب السلم من كل ركعتين فلم تكن كصلة واحدة من هذه الحيثية‪ ،‬وله أن يفعل‬
‫بالتيمم الواحد من المرتبة الثانية والثالثة ما شاء‪ ،‬ولو نوى استباحة شيء مما في المرتبة الثانية‬
‫أبـيح له جميع ما فيها وجميع ما في المرتبة الثالثة‪ ،‬ول يباح له بهذا التيمم شيء مما في المرتبة‬
‫الولى‪ ،‬ولو نوى استباحة شيء مما في المرتبة الثالثة أبـيح له جميع ما فيها بهذا التيمم ول يباح‬
‫له به شيء مما في المرتبة الولى أو الثانية‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬مسح الوجه حتى ظاهر ما استرسل من لحية ولو خفيفة‪ ،‬والمقبل من أنفه على‬
‫شفتيه‪ ،‬ول يجب إيصال التراب إلى باطن اللحية الحفيفة لعسر ذلك‪.‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬مسح اليدين مع المرفقين‪ ،‬ويجب إيصال التراب إلى ما تحت الظفار‪ .‬والكمل في‬
‫مسح اليدين أن يضع بطون أصابع اليسرى سوى البهام تحت أطراف أنامل اليمنى بحيث ل‬
‫تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى ول أنامل اليسرى عن مسبحة اليمنى‪ ،‬ويمّرها على ظهر‬
‫كفه اليمنى‪ ،‬فإذا بلغ الكوع وهو رأس الزند مما يلي البهام ضم أطراف أصابعه إلى حرف‬
‫الذراع فيمّرها عليه ثم يمسح بطن الذراع ببطن الكف رافعًا إبهامه‪ ،‬فإذا بلغ الكوع أمّر بطن إبهام‬
‫اليسرى على ظهر إبهام اليمنى ثم يفعل باليسرى كذلك ثم يمسح إحدى الراحتين بالخرى‪ ،‬وإذا‬
‫ن نزعه في الولى ليكون مسح الوجه بجميع اليدين‪ ،‬ويجب نزعه في‬ ‫كان في أصبعه خاتم س ّ‬
‫الثانية ليصل التراب إلى محله‪ ،‬ول يكفي تحريكه بخلفه في الطهر بالماء لن التراب ل يدخل‬
‫تحته بخلف الماء‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل عن‬ ‫الركن الرابع‪ :‬الترتيب بـين الوجه واليدين بأن يبدأ بالوجه ثم اليدين ولو كان التيمم بد ً‬
‫الغسل‪.‬‬
‫الركن الخامس‪ :‬نقل التراب ولو من الهواء أو من فوق ظهر كلب إذا كان الغبار طهورًا‪ ،‬ول‬
‫رطوبة بأحد الجانبـين‪ ،‬ول يشترط الترتيب في النقل‪ ،‬فلو نقل ترابًا أّول بقصد اليدين‪ :‬كأن نقله‬
‫بخرقة ولم يمسح به‪ ،‬ثم نقل ثانيًا بقصد الوجه ومسح به وجهه‪ .‬ثم مسح يده بتراب النقلة الولى‬
‫كفى‪.‬‬
‫الركن السادس‪ :‬التراب الطهور الذي له غبار فل يصح التيمم بالتراب المتنجس ول بالمستعمل‬
‫ول بما ل غبار له‪ ،‬وكذا إذا خالطه شيء يمنع من وصوله إلى العضو كرمل أو دقيق أو نحو ذلك‬
‫ودخل في التراب العفر والصفر والحمر والبـيض‪ ،‬وخرج بالتراب النورة والزرنيخ وسحاقة‬
‫الخزف ونحو ذلك فل يكفي‪.‬‬
‫الركن السابع‪ :‬قصد التراب للنقل منه‪ .‬وشروط التيمم‪ :‬تعدد النقل‪ ،‬وكون التراب طهورًا‪ ،‬وكونه‬
‫غير مخلوط بما يمنع وصول الغبار إلى العضو الممسوح‪ ،‬والبحث على الماء ولو بمأذونه في‬
‫الوقت إل المريض ومتيقن الفقد‪ ،‬والسلم إل في كتابـية تيممت من نحو حيض لتحل لحليلها‪،‬‬
‫ل عن أغسال الحج‪ ،‬وعدم الحائل بـين التراب‬ ‫والتميـيز وعدم نحو حيض كنفاس إل في التيمم بد ً‬
‫والعضو الممسوح‪ ،‬وتقدم إزالة النجاسة عن بدنه فل يصح التيمم مع وجودها كما قاله الرملي ‪.‬‬
‫وقال ابن حجر بصحته‪ ،‬ومن ثمرات الخلف أن القلف إذا مات وتعذر غسل ما تحت القلفة‬
‫وكان ما تحتها متنجسًا‪ .‬قال الرملي‪ :‬يدفن بل صلة عليه ول يـيمم عما تحت القلفة لنجاسته‪ .‬وقال‬
‫ابن حجر ‪ :‬يـيمم عما تحت القلفة ويصلى عليه‪ .‬والعلم بدخول الوقت ولو بالجتهاد‪ ،‬وكون نقل‬
‫التراب في الوقت‪ ،‬وإذا دخل وقت الصلة ولم يجد أحد الطهورين‪ :‬الماء والتراب صلى الفرض‬
‫فاقد الطهورين لحرمة الوقت ثم أعادها عند وجود أحدهما‪ ،‬لكن إذا كان يرجو وجود أحدهما في‬
‫الوقت ل يصلي حتى يـيأس أو يضيق الوقت‪ ،‬وإن كان ل يرجو أحدهما في الوقت صلى ولو في‬
‫أّول الوقت‪ ،‬وإذا شق استعمال الماء في عضو ولم يكن على موضع العلة جبـيرة وجب أمران‪:‬‬
‫غسل الصحيح‪ ،‬والتيمم عن الجريح‪ ،‬ول إعادة إن كان مستندًا في ذلك لقول الطبـيب العدل‪ ،‬فإذا‬
‫كان على موضع العلة جبـيرة فإن أمكنه نزعها بل مشقة وتطهير ما تحتها وجب ذلك‪ ،‬فإن لم‬
‫ل فل يجب نزعها إل‬ ‫ينزعها لم تصح طهارته ول صلته‪ .‬نعم إن لم تأخذ من الصحيح شيئًا أص ً‬
‫إذا كانت في أعضاء التيمم‪ ،‬فإن شق عليه نزعها وكانت أخذت من الصحيح شيئًا وجب ثلثة‬
‫ل عما أخذته من‬ ‫أمور‪ :‬غسل الصحيح‪ ،‬والتيمم عن الجريح‪ ،‬والمسح على الجبـيرة بالماء بد ً‬
‫الصحيح فإن لم تأخذ من الصحيح شيئًا‪ ،‬فل يجب إل أمران‪ :‬غسل الصحيح‪ ،‬والتيمم عن الجريح‪.‬‬
‫ول يجب المسح عليها بالماء لن مسحها بالماء يكون عوضًا عما أخذته من الصحيح‪ ،‬وهي لم‬
‫تأخذ من الصحيح شيئًا‪ ،‬ثم إن كانت الجبـيرة في أعضاء التيمم وجبت العادة مطلقًا‪ ،‬وإن كانت‬
‫في غيرها‪ ،‬فإن أخذت من الصحيح زيادة على قدر الستمساك فكذلك‪ ،‬وإن أخذت من الصحيح‬
‫بقدر الستمساك فقط‪ ،‬فإن كان وضعها على حدث فكذلك‪ ،‬وإن كان وضعها على طهر كامل من‬
‫ل سواء كان‬‫الحدثين فل تجب العادة‪ ،‬وكذا ل تجب العادة إذا لم تأخذ من الصحيح شيئًا أص ً‬
‫وضعها على حدث أو على طهر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وثانيها أي ثاني شروط الصلة )طهارة بدن( ولو داخل فمه أو أنفه أو عينه أو أذنه‪) .‬وملبوس(‬
‫ومقبوض له وإن لم يتحرك بحركته‪) .‬ومكان( يصلى فيه )عن نجس( ل يعفى عنه فل تصح‬
‫ل بوجوده أو ببطلنها به‪ ،‬ولو رأينا في ثوب من يريد‬ ‫صلته مع شيء من ذلك وإن كان جاه ً‬
‫الصلة نجاسة ل يعلم بها وجب علينا إعلمه بها لن المر بالمعروف ل يتوقف على العصيان‪.‬‬
‫ومحل ذلك حيث كانت تمنع صحة الصلة عنده وعلمنا بذلك وإل فل لجواز كونه صلى مع علمه‬
‫بذلك لعدم اعتقاده البطلن معه في مذهبه‪.‬‬
‫وحقيقة النجاسة شرعًا مستقذر يمنع من صحة الصلة حيث ل مرخص‪ ،‬ومن أفراد ذلك كل مائع‬
‫ن حيث تحققنا منها روثًا وبولً ومن‬ ‫ي )كروث وبول ولو من( ج ّ‬ ‫خرج من أحد السبـيلين إل المن ّ‬
‫طير )مأكول( أو مما ل نفس له سائله‪ ،‬أو سمك وجراد‪ .‬نعم إن كان الخارج حبًا متصلبًا بحيث لو‬
‫زرع لنبت فهو متنجس يطهر بالغسل‪ ،‬ولو بال شخص في الماء الكثير فتطاير من الماء شيء‬
‫فأصاب قاضي الحاجة أو غيره أو ظهرت رغوة على وجه الماء فإن تحقق أن ذلك من البول‬
‫فنجس وإل فطاهر هذا حاصل المعتمد‪ ،‬ويعفى عما في جوف السمك الصغير الذي يبتلع بّرمته‬
‫ويجوز بلعه بما في جوفه‪ ،‬ولو قلي بما في جوفه فل ينجس الزيت‪ ،‬ولو صنع للنحل كوارة من‬
‫روث البقر عفى عنها فيجوز الكل من عسلها‪ ،‬ولو حلبت البهيمة المأكولة فأصاب لبنها وقت‬
‫الحلب شيء من بعرها أو بولها عفى عنه‪ ،‬وكذا لو كان ضرعها متنجسًا بنجاسة تمّرغت فيها أو‬
‫وضعت على ثديها لمنع ولدها من شربها عفى عنه‪ ،‬ولو وضع الناء وفيه اللبن لتسخينه بنار‬
‫نجسة فتطاير شيء منها في اللبن عفى عنه‪ ،‬ولو سقى البطيخ أو نحوه بالنجس حتى نما جاز‬
‫أكله‪ ،‬ولو بنى المسجد بالجر المعجون بالزبل أو فرشت أرض المسجد به عفى عنه‪ ،‬فتجوز‬
‫الصلة عليه والمشي عليه ولو مع رطوبة الرجل‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬إذا فسد البـيض بحيث ل يصلح للتخلق فهو نجس‪ ،‬وكذا بـيض الميتة وما عدا ذلك طاهر‬
‫مأكول ولو من حيوان غير مأكول كالحدأة والغراب والعقاب والبومة والتمساح والسلحفاة‬
‫ونحوها إل بـيض الحيات‪ .‬وليس لنا شيء من الحيوانات يؤكل فرعه ول يؤكل أصله إل لبن‬
‫الدمي وبـيض ما ل يؤكل لحمه‪ ،‬وعسل النحل‪ ،‬والزباد يؤخذ من سنور بّري غير مأكول ومع‬
‫ذلك ل يمنع أكل الزباد‪ ،‬ويجوز أكل قشر البـيض ولو من حيوان غير مأكول‪ ،‬وإذا لم تفسد‬
‫ل أكلها سواء كان ذلك بل سبب أو‬ ‫البـيضة لكن اختلط بـياضها بصفارها وأنتنت فهي طاهرة يح ّ‬
‫بسبب حضن دجاجة لها أو وضعها في مكان وإرسال الدخان عليها ليخرج الفرخ عنها كقطعة‬
‫ل أكلها على الصحيح ولو مع الدود الذي تولد منها ما لم تضر‪ ،‬ولو‬ ‫لحم أنتنت ودادت فإنه يح ّ‬
‫كسرت بـيضة حيوان مأكول ووجد في جوفها فرخ لم يكمل خلقه أو كمل خلقه‪ ،‬لكن قبل نفخ‬
‫الروح فيه جاز أكله‪ ،‬بخلف ما إذا كان بعد نفخ الروح وزالت حياته بغير ذكاة شرعية فإنه يكون‬
‫ميتة‪ ،‬وأما إذا كانت البـيضة من حيوان غير مأكول ووجد في جوفها حيوان كامل أو غير كامل‬
‫فإنه غير مأكول‪ .‬ولو صلقت البـيضة بالماء المتنجس تنجس ظاهرها فقط دون بـياضها‬
‫وصفارها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫)ومذي( وهو ماء أبـيض رقيق يخرج بل شهوة قوية عند ثوران الشهوة‪ ،‬ولو ابتلى بالمذي وكان‬
‫غسل الذكر منه قبل الجماع يفتر شهوته عفى عنه بالنسبة للجماع فقط )وودي( وهو ماء أبـيض‬
‫ص بالبالغين‪،‬‬
‫كدر ثخين يخرج عقب البول عند يبس الطبـيعة أو عند حمل شيء ثقيل فل يخت ّ‬
‫ص بهم لن خروجه ناشىء عن الشهوة‪ .‬ورطوبة الفرج وهي ماء أبـيض‬ ‫بخلف المذي فيخت ّ‬
‫مترّدد بـين المذي والعرق على ثلثة أقسام‪ :‬طاهرة قطعًا‪ ،‬وهي الناشئة مما يظهر من المرأة عند‬
‫قعودها لقضاء حاجتها لكن لو طرأت عليها نجاسة تنجست‪ .‬وطاهرة على الصح‪ :‬وهي ما يصل‬
‫إليها ذكر المجامع‪ .‬ونجسة‪ :‬وهي ما وراء ذلك )ودم( بتخفيف الميم وتشديدها‪ :‬أي سائل فخرج‬
‫الكبد والطحال وإن سحقا وصارا كالدم ولو سال من سمك وكبد وطحال‪ .‬وأما الدم الباقي على‬
‫اللحم وعظامه وعروقه من المذكاة فنجس معفّو عنه وذلك إذا لم يختلط بشيء كما لو ذبحت شاة‬
‫وقطع لحمها فبقي عليه أثر من الدم وإن تلّون المرق بلونه‪ ،‬بخلف ما لو اختلط بغيره كالماء كما‬
‫يفعل في البقر الذي تذبح في المحل المعّد لذبحها من صب الماء عليها لزالة الدم عنها فإن الباقي‬
‫ب الماء عليه ل يعفى عنه وإن قلّ لختلطه بأجنبـي‪ ،‬ولو شك في‬ ‫من الدم على اللحم بعد ص ّ‬
‫الختلط وعدمه لم يضر لن الصل الطهارة‪.‬‬
‫ي متغير لونه أو ريحه‪.‬‬‫)وقيح( لكونه دمًا يستحيل إلى نتن وفساد‪ ،‬ومثله ماء قرح ونفط وحدر ّ‬
‫)وقيء معدة( ولو بل تغير‪ ،‬والمراد بذلك الراجع بعد الوصول إلى ما جاوز مخرج الحرف‬
‫الباطن وهو الحاء المهملة‪ ،‬نعم لو رجع منه حب صحيح صلبته باقية بحيث لو زرع نبت كان‬
‫متنجسًا ل نجسًا‪ ،‬وكذا لو ابتلع بـيضًا بقشره فتقيأه كما هو‪ ،‬فإن كان بحيث لو حضن لفرخ فهو‬
‫متنجس يطهر بالغسل وإل فنجس‪ .‬أما الخارج من الصدر أو الحلق كالنخامة والنازل من الدماغ‬
‫وهو البلغم فطاهران‪ ،‬بخلف البلغم الصاعد من المعدة فإنه نجس‪ ،‬ولو ابتلى شخص بالقيء عفى‬
‫عنه منه في الثوب وغيره وإن كثر‪ ،‬والماء السائل من فم النائم نجس إن كان من المعدة‪ :‬كأن‬
‫ك في أنه منها أول فإنه طاهر‪ .‬نعم لو ابتلى به‬
‫خرج منتنًا بصفرة ل إن كان من غيرها أو ش ّ‬
‫ل خلّوة منه‪ ،‬ومن النجاسات سم‬ ‫شخص عفى عنه‪ ،‬والمراد بالبتلء به أن يكثر وجوده بحيث يق ّ‬
‫الحية والعقرب وسائر الهواّم‪ .‬وتبطل الصلة بلسعة الحية لن سمها يظهر على محل اللسعة ل‬
‫ج فيه السّم والباطن ل يجب‬‫بلسعة العقرب على الوجه لن إبرتها تغوص في باطن اللحم وتم ّ‬
‫غسله‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل مع شعرها وصوفها ووبرها وريشها‬ ‫)وميتة غير بشر وسمك وجراد( ولو نحو ذباب‪ :‬كدود خ ّ‬
‫وعظمها وظلفها وظفرها وحافرها وسائر أجزائها‪ ،‬ومن ذلك ثوب الثعبان بخلف نسج العنكبوت‬
‫فإنه من اللعاب‪ .‬والمراد بالميتة شرعًا ما زالت حياته ل بذكاة شرعية فدخل فيها مذكى غير‬
‫المأكول ومذكى المأكول تذكية غير شرعية كذبـيحة المجوس‪ ،‬وما ذبح بالعظم ونحوه وذبـيحة‬
‫المحرم إذا كان ما ذكاه صيدًا وحشيًا‪ .‬أما المذكاة شرعًا فطاهرة ولو جنينًا في بطنها وصيدًا لم‬
‫تدرك ذكاته وبعيرًا نّد فذكاة الجنين بذكاة أّمه‪ ،‬والصيد الميت بالضغطة‪ ،‬والبعير الناّد بعقره لن‬
‫الشارع جعل ذلك ذكاتها‪ .‬أما الدمي ولو كافرًا فطاهر‪ ،‬ومثله الملك والجنى فإن ميتتهما طاهرة‪،‬‬
‫وأما ميتة السمك والجراد فللجماع على طهارتهما ولو كان السمك طافيًا بأن ظهر بعد الموت‬
‫على ظهر الماء وهو ما يؤكل من حيوان البحر وإن لم يسم سمكًا‪ ،‬ويعفى عن الدود الميت في‬
‫ل والفاكهة‪ ،‬ويجوز أكله معه لعسر تميـيزه ما لم يلقه فيه بعد خروجه منه‪ ،‬ويعفى عن‬ ‫الجبن والخ ّ‬
‫السكر البـيض المعمول بعظم الميتة‪ ،‬لكن قال بعضهم‪ :‬يجب غسل الفم بعد أكله ولو انكسر‬
‫عظمه فجبره بعظم نجس ولو من مغلظ ولم يجد عظمًا طاهرًا صالحًا للجبر غيره أو خاف من‬
‫نزعه ضررًا يبـيح التيمم أو أكره على الجبر بهذا العظم عفى عنه‪ ،‬فإن لم توجد هذه الشروط‬
‫وجب نزعه ما لم يكن قد مات وإل فل ينزع لئل تنتهك حرمته‪ ،‬ولو تعارض عليه المغلظ وغيره‬
‫قدم غير المغلظ‪ .‬نعم إذا قال أهل الخبرة‪ .‬إن المغلظ أسرع في الجبر جاز تقديمه‪.‬‬
‫ل )مائع( خمرًا كان‪ ،‬وهي التي قوى تغيرها حتى‬ ‫)ومسكر( أي شأنه السكار وإن كان قلي ً‬
‫صارت مسكرة‪ ،‬أو مثلثة‪ ،‬وهي التي أغليت على النار حتى ذهب ثلثاها‪ .‬والخمرة هي المتخذة من‬
‫ماء العنب‪ ،‬ومثلها في ذلك النبـيذ على المعتمد وهو المتخذ من ماء التمر أو الزبـيب‪ ،‬وخرج‬
‫ل طهرت‬ ‫بالمائع غيره‪ :‬كالحشيشة والبنج والفيون فإنه وإن أسكر طاهر‪ ،‬وإذا انقلبت الخمر خ ً‬
‫بشرط أن يكون تخللها بل مصاحبة عين‪.‬‬
‫وحاصل ذلك‪ :‬أنه إذا وقعت عين قبل التخلل وكانت تلك العين نجسة لم تطهر الخمر بالتحلل‬
‫سواء نزعت تلك العين منها قبل التخلل أو صاحبتها إلى التخلل‪ ،‬وسواء تخلل من تلك العين شيء‬
‫في الخمر أم ل‪ ،‬لن العين النجسة بمجرد ملقاتها للخمر تنجسها نجاسة غير نجاستها الصلية‬
‫لن النجس يقبل التنجيس‪ ،‬فإن تخللت زالت النجاسة الصلية وبقيت النجاسة الطارئة‪ ،‬وكذلك إذا‬
‫وقعت فيها عين طاهرة لكن تحلل منها في الخمر شيء كماء البصل‪ ،‬أو صاحبت الخمر حتى‬
‫تخللت فإنها ل تطهر‪ ،‬بخلف ما إذا وقعت فيها عين طاهرة ولم يتخلل منها شيء ونزعت قبل‬
‫التخلل ولم تهبط الخمر بنزعها عما كانت عليه حال حصول العين فيها فإن الخمر تطهر بالتخلل‬
‫ل وعكسه ما لم يحصل فيها ارتفاع وهبوط وإل تنجس ما‬ ‫حينئذ‪ ،‬ول يضّر نقلها من شمس إلى ظ ّ‬
‫ن ثم يعود عليها بالتنجيس بعد التخلل لتصاله بها‪ ،‬نعم لو غمر ذلك المرتفع بخمر‬ ‫فوقها من الد ّ‬
‫ن طهر‪ ،‬ولو حصل الرتفاع والهبوط بغليانها بنفسها فل يضّر‪ ،‬ولو‬ ‫قبل جفافه ثم تخلل ما في الد ّ‬
‫كان في الخمر دود أو شيء من بذر العنب الذي تساقط فيها وقت العصير عفى عنه‪ ،‬وحيث‬
‫طهرت الخمرة طهر دنها تبعًا لها‪ ،‬ول يضّر مصاحبة الماء للعنب لنه من ضرورياته‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫تنبـيه‪ :‬الحلوي التي تشبه الفلوس وهي التي في طعمها شيء يلدغ اللسان نجسة ل يعفى عنها‬
‫ل منهما ومنيهما )ويعفى( في‬ ‫لنها معمولة من الخمر )وكلب( ولو معلمًا )وخنزير( وفرع ك ّ‬
‫ق وبعوض )وّدمل( وفصد وحجم وقروح وبواسير‬ ‫الثوب والبدن )عن دم نحو برغوث( كقمل وب ّ‬
‫ونحو ذلك )وإن كثر( الدم في ذلك‪ ،‬ولو تفاحش في الصورة الولى على المعتمد مالم يختلط‬
‫بأجنبـي مطلقًا‪ ،‬هذا إذا كان الكثير )بغير فعله( فل يعفى عن ذلك إذا كان بفعله‪ :‬كأن قتل برغوثًا‬
‫في ثوبه أو عصر الّدمل‪ ،‬ول يضّر فعل الفاعل في الفصد والحجم لنه لحاجة ومحل العفو عما‬
‫ل فل عفو إل عن القليل‬ ‫فيه دم البراغيث إن كان ملبوسًا ولو للتجمل‪ ،‬فإن كان مفروشًا أو محمو ً‬
‫بالنسبة للصلة وما ألحق بها كالطواف وسجدة التلوة والشكر ودخول المسجد‪ .‬وإن كان يحرم‬
‫إدخال النجاسة فيه‪.‬‬
‫ومما عمت البلوى حصول دم البراغيث في خرقة يضعها بعض الناس تحت عمامته صيانة لها‬
‫عن الوسخ فيعفى عنه وإن كثر‪ .‬ومثل ذلك ما لو تخلل الصئبان في خياطة الثوب وإن فرضت‬
‫حياته ثم موته لعموم البلوى به مع مشقة فتق الخياطة لخراجه‪ ،‬ولو اختلط دم البرغوث أو القملة‬
‫بجلدة نفسه وقت قتله عفى عنه‪ ،‬بخلف ما إذا اختلط بجلدة أخرى فل يعفى عنه‪ ،‬وقال بعضهم‬
‫بالعفو عن القليل من ذلك‪ .‬وأما نفس قشرة البرغوث أو القملة أو البقة أو نحوها فنجسة غير معفّو‬
‫عنها‪ ،‬فلو صلى بشيء من ذلك وإن لم يعلم به فصلته باطلة‪ ،‬وبعضهم قال بالعفو إن لم يعلم به‬
‫وكان ممن ابتلى بذلك‪ .‬ونقل عن العلمة الجفني والعلمة العزيزي أن الشخص لو وجد بعد فراغ‬
‫ي عمامته أو في غرز خياطة ثوبه ل إعادة‪ ،‬وإن علم أنه كان موجودًا‬ ‫صلته قشر قمل في ط ّ‬
‫حال الصلة لنه ليس مكلفًا بالتفتيش في كل صلة وقال إن ذلك هو المعتمد‪ ،‬ول يضر في العفو‬
‫عن هذه الدماء انتشارها بسبب ماء الوضوء أو الغسل المطلوب أو العرق أو ما تساقط من الماء‬
‫حال شربه أو من الطعام حال أكله أو بصاق في ثوبه أو ما على آلة نحو الفصد من ريق ودهن‬
‫ل به الشعر لجل سهولة حلقه‪ ،‬بخلف‬ ‫ق الحتراز عنه كالماء الذي يب ّ‬ ‫ل ما يش ّ‬
‫ونحوهما‪ ،‬وكذا ك ّ‬
‫الماء الذي تغسل به الرأس بعد الحلق فل يعفى عنه‪) .‬وقليل دم غيره( من غير نحو كلب ولو من‬
‫نفسه بأن عاد إليه بعد انفصاله عنه‪) .‬وحيض ورعاف( لوقوع القليل في محل المسامحة‪ ،‬إذ جنس‬
‫الدم مما يتطّرق له العفو‪ ،‬والقليل ما تعافاه الناس‪ :‬أي عّدوه عفوًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل عرفًا عفى عنه بشرط أن ل يختلط‬ ‫وحاصل مسألة الدم تفصيل‪ :‬فإن كان من نفسه وكان قلي ً‬
‫س الحاجة إليه‪ ،‬فإن كان كثيرًا عرفًا عفى عنه بشرط أن ل يكون بفعل فاعل‪ ،‬وأن‬ ‫بأجنبـي لم تم ّ‬
‫ل يختلط بأجنبـي‪ ،‬وأن ل يجاوز محله‪ ،‬وهو ما يغلب إليه السيلن من البدن وما يقابله من الثوب‪،‬‬
‫وأن ل ينتقل من المحل الذي استقر فيه عند خروجه‪ .‬وإن كان من غيره عفى عنه بشروط‪ :‬أن‬
‫ل‪ ،‬وأن ل يعصى بالتضمخ به كأن تضمخ به لغير غرض‪ ،‬وأن ل يكون من مغلظ‪ ،‬وأن‬ ‫يكون قلي ً‬
‫ل يختلط بأجنبـي‪ ،‬وهذا التفصيل إذا كان الدم يدركه الطرف‪ ،‬فإن كان ل يدركه الطرف المعتدل‬
‫عفى عنه مطلقًا ولو من مغلظ ولو اختلط بأجنبـي‪ ،‬والصديد وهو ماء رقيق مختلط بالدم قبل أن‬
‫ل إلى نتن وفساد‪.‬‬‫يغلظ‪ .‬والقيح كالدم فيما ذكر لكونه دمًا مستحي ً‬
‫واعلم أن الفسيخ‪ :‬وهو ما ملح من سمك وطبق بعضه على بعض نجس نجاسة العين ل يطهر‬
‫بالغسل لختلط أجزائه بصديد أجنبـي وذلك في غير الطبقة العليا‪ ،‬أما هي فطاهرة وهذا إذا طبق‬
‫في إناء‪ ،‬بخلف ما إذا جعل في أرض محفورة فإنه طاهر لن الصديد يغور في الرض وكذا إذا‬
‫ذبح السمك حال حياته وجعل فسيخا فإنه طاهر لن التذكية تزيل الدم‪ ،‬أما إذا أفرد السمك عن‬
‫غيره فطاهر‪ ،‬هذا حكم الصديد‪ .‬وأما حكم الروث فيعفى عنه في السمك الصغير دون الكبـير فل‬
‫يجوز أكله إذا لم ينزع ما في جوفه لمتزاج لحمه بفضلته التي في باطنه بواسطة الملح ويستثنى‬
‫ل فإن ظرف الروث إذا انكسر ل يصل ذلك‬ ‫البطروخ فطاهر لن بـينه وبـين الفضلت حائ ً‬
‫الروث إلى البطروخ ووصل إلى اللحم وامتزج به وال أعلم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل حيوان تكثر مخالطته للناس كالزنبور‪ ،‬وبول ك ّ‬


‫ل‬ ‫)وعن روث خفاش( وخطاف وفراش‪ ،‬وكذا ك ّ‬
‫من ذلك كروثه فيعفى عن القليل والكثير في الثوب والبدن والمكان في المساجد والبـيوت‪ ،‬وأما‬
‫ق الحتراز عنه‪ ،‬وأن ل يتعمد‬ ‫بقية الطيور غير ما ذكر فيعفى عن روثها بشروط ثلثة‪ :‬أن يش ّ‬
‫المشي عليه‪ ،‬وأن ل يكون بأحد الجانبـين رطوبة‪ .‬نعم يعفى عما يحصل في مطهرة الجامع من‬
‫ل من‬‫ل للمشقة‪ ،‬ول فرق في ذلك بـين المسجد وغيره‪ ،‬ولو قصد مح ً‬ ‫ذلك إذا لم يجد عنه معد ً‬
‫ل ليصلي فيه فوجد فيه زرق الطيور كثيرًا فل يكلف النتقال منه إلى غيره بل يعفى‬ ‫الجامع مث ً‬
‫عنه بالشروط المتقّدمة‪ ،‬ومن أحرم بفرض أو نفل فطرأ عليه أمر‪ :‬كخطف نعل أو شردت دابته‬
‫أو قصدته اللصوص أو خاف حرقًا أو غرقًا أو خاف فوت الوقوف بعرفة فله المشي بعد إحرامه‬
‫لهذا العذر‪ ،‬ويومىء بالركوع والسجود إذا لم يمكنه إتمامهما وتغتفر له الفعال الكثيرة ووطء‬
‫ل‪ ،‬وأن ل يكون عاصيًا بالسفر‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫النجاسة بشرط أن تكون جافة‪ ،‬وأن ل يجد عنها معد ً‬
‫تلزمه العادة وإن تّم غرضه أتّم صلته في مكان تمام الغرض‪ ،‬ول تغتفر له الفعال الكثيرة‬
‫حينئذ فل يعود إلى مكانه الّول‪ ،‬ويعفى عن طين شارع نجس يقينًا بشرط أن تكون عين النجاسة‬
‫مستهلكة فيه فإن كانت متميزة فل يعفى عنها‪ ،‬وبشرط أن يكون ما أصابه منها يسيرًا عرفًا بحيث‬
‫ل ينسب لسقطة ول لقلة التحفظ‪ ،‬ويختلف العفو باختلف الزمان والمكان والصفة‪ ،‬فيعفى في‬
‫الشتاء عما ل يعفى عنه في الصيف‪ ،‬ويعفى عما في الـذيل أكثر مما في أعلى الثوب‪ ،‬ويعفى في‬
‫ش به‬
‫العمى ما ل يعفى في حق البصير‪ ،‬وهذا الحكم عاّم في ماء المطر وفي الماء الذي تر ّ‬
‫الرض أيام الصيف ونحو ذلك‪ ،‬ومحل ذلك إذا وصل إليه ذلك بنفسه‪ ،‬بخلف ما لو تلطخ كلب‬
‫بطين الشارع وانتفض على إنسان‪ ،‬وما لو رش السقاء على الرض النجسة أو على ظهر كلب‬
‫فطار منه شيء على شخص فإنه ل يعفى عنه‪ ،‬والمراد بالشارع محل المرور وإن لم يكن شارعًا‬
‫كالمحلت التي عمت البلوى باختلطها بالنجاسة كما حول الفساقى مما ل يعتاد تطهيره‪ ،‬أما ما‬
‫جرت العادة بحفظه وتطهيره إذا أصابته نجاسة فل يعفى عنه‪ ،‬بل متى تيقنت نجاسته وجب‬
‫الحتراز عنه ول يعفى عن شيء من ذلك فتنبه لذلك‪ ،‬ولو كان مارًا بالطريق فنزل عليه ماء من‬
‫ميزاب جهله‪ ،‬فالولى عدم البحث عن هذا الماء هل هو طاهر أو نجس لنه محكوم بطهارته ما‬
‫لم يعلم بخلفها‪ ،‬ولو حصل في نعله شيء من طين الشوارع أو قليل من تراب المقبرة المنبوشة‬
‫أو الرماد النجس عفى عنه‪ ،‬ويعفى عن جرة الحيوان‪ :‬وهي ما يخرجه من جوفه للمضغ ثانيًا ثم‬
‫يبتلعه‪ ،‬فلو أصاب ريقه أحدًا أو وضع فمه في ماء قليل عفى عنه‪ ،‬ويفعى عن غبار السرجين‬
‫ل‪.‬‬
‫بشرط أن يكون قلي ً‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ثم المعفّوات ثلثة أقسام‪ :‬قسم يعفى عنه في الثوب والماء وهو ما ل يدركه الطرف‪ .‬وقسم يعفى‬
‫عنه في الثوب دون الماء وهو قليل الدم لسهولة صون الماء عنه بخلف الثوب‪ ،‬ومن هذا القسم‬
‫أثر الستنجاء بالحجر فيعفى عنه في الثوب والبدن حتى لو سال منه عرق وأصاب الثوب في‬
‫المحل المحاذي للفرج عفى عنه دون الماء‪ .‬وقسم يعفى عنه في الماء دون الثوب مثل الميتة التي‬
‫ل دم لها سائل حتى لو حملها في الصلة بطلت‪ ،‬ومن هذا القسم منفذ الحيوان غير الدمي فإنه إذا‬
‫كان عليه نجاسة ووقع في الماء أو المائع ل ينجسه‪ ،‬ولو حمل في الصلة بطلت‪ ،‬ومثل المنفذ‬
‫رجل الطائر وفمه إذا غلب النجس في مثل ذلك‪.‬‬
‫والمقصد الرابع ‪ :‬من مقاصد الطهارة إزالة النجاسة‪ ،‬وإزالتها واجبة إل في النجاسة المعفو عنها‪،‬‬
‫وهي على الفور إن عصى بها‪ :‬كأن تضمخ بها لغير حاجة‪ ،‬ومن ذلك التضمخ بدم الضحية وما‬
‫يفعله العوام من تزويق البواب به حرام‪ ،‬وتجب إزالته فورًا‪ ،‬فإن لم يعص بها فهي على التراخي‬
‫إل عند إرادة القيام إلى الصلة أو نحوها مما تشترط له إزالة النجاسة أو عند خوف النتشار‪،‬‬
‫ويندب أن يعجل بإزالتها فيما عدا ذلك سواء فيما ذكر المغلظة وغيرها على المعتمد‪ ،‬وخرج بغير‬
‫حاجة ما إذا كان التضمخ بها لحاجة‪ :‬كأن بال ولم يجد شيئًا ينشف به فله تنشيف ذكره بـيده حتى‬
‫يجد الماء‪ ،‬وكذا نزح بـيوت الخلية ونحوها مما يحتاج إليه‪.‬‬
‫ي واللبن من الحيوان المأكول ومن‬ ‫واعلم أن الفضلت قسمان‪ :‬منها‪ :‬ما يستحيل إلى صلح كالمن ّ‬
‫الدمي فطاهر ولو على لون الدم‪ .‬ومنها‪ :‬ما يستحيل إلى فساد كالبول والغائط والدم فنجس‪،‬‬
‫ويستثنى من ذلك فضلت نبـينا محمد ‪ ،‬وكذا فضلت سائر النبـياء عليهم الصلة والسلم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ثم النجاسة على ثلثة أقسام‪ :‬مخففة‪ .‬ومتوسطة‪ .‬ومغلظة‪ :‬فالمخففة بول الصبـي الذي لم يبلغ‬
‫ل أو أكل غير اللبن على‬ ‫الحولين ولم يأكل غير اللبن على جهة التغذي بأن لم يأكل غير اللبن أص ً‬
‫ش الماء عليه بأن يغمر بالماء بغير سيلن‬ ‫ل‪ ،‬فهذا القسم يطهر مصابه بر ّ‬
‫وجه التداوي مث ً‬
‫بشرطين‪ :‬زوال عين النجاسة قبل رشه بحيث ل يبقى فيه رطوبة تنفصل‪ ،‬وأن ل يختلط البول‬
‫بغيره وإل تعين الغسل؛ والمغلظة‪ :‬وهي نجاسة الكلب والخنزير وفرع أحدهما مع الخر أو مع‬
‫ن مصحوبة بالتراب الطهور الذي يعكر الماء ويعّم‬ ‫حيوان طاهر يغسل مصابها سبع مرات إحداه ّ‬
‫محل النجاسة‪ ،‬والفضل أن يكون التراب مصاحبًا للغسلة الولى‪ ،‬وتقّدم أن التراب يشمل العفر‬
‫والصفر كالطفل والحمر والبـيض ونحو ذلك ولو كان مختلطًا بدقيق أو نحوه‪ ،‬بخلف ما تقدم‬
‫ل حسبت واحدة‪ ،‬ولو أصاب بعض ما‬ ‫في التيمم‪ ،‬ولو لم تزل عين النجاسة إل بست غسلت مث ً‬
‫غسله من الغسلت شيئًا وجب غسله بعدد ما بقي من الغسلت بعد هذه الغسلة التي أصابه ماؤها‬
‫فإن كانت الولى غسل ستًا‪ ،‬وإن كانت الثانية غسل خمسًا وهكذا‪ ،‬فإن كان ترب فيها أو فيما قبلها‬
‫ل ثم أصاب شيئًا‬ ‫فل يحتاج إلى تتريب المصاب وإل تربه‪ ،‬ولو اجتمع ماء الغسلت في إناء مث ً‬
‫غسل ستًا مع التتريب إن لم يكن ترب في الّول‪ ،‬فإن كان ترب في الّول لم يحتج إلى تتريب‬
‫المصاب ولو دخل نحو كلب حمامًا وانتشرت النجاسة في أرضه وحصره وفوطه واستمّرت‬
‫الناس على دخوله والغتسال فيه مدة طويلة‪ ،‬فما تيقن إصابته بالنجاسة من ذلك فنجس وإل‬
‫فطاهر لنا ل ننجس بالشك‪ ،‬وحيث مضت عليه هذه المدة واحتمل مرور الماء عليه سبع مرات‬
‫ل صار ل ينجس داخله لنا ل ننجس بالشك كما تقدم‪ .‬وأما هو في ذاته‬ ‫ن بتراب‪ ،‬ولو طف ً‬‫إحداه ّ‬
‫فهو متنجس حتى يتيقن طهره فهو كفم الهّرة إذا رأيناها وضعته في نجاسة ثم غابت غيبة يحتمل‬
‫فيها ورودها ماء كثيرًا فل يحكم بكون فمها ينجس ما أصابه حينئذ لما تقدم‪ .‬وأما فمها في ذاته‬
‫فمتنجس حتى يتيقن طهره‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأما النجاسة المتوسطة‪ :‬فهي ما عدا ذلك‪ ،‬فإن كانت حكمية‪ :‬وهي التي ليس لها جرم ول طعم‬
‫ول لون ول ريح كقطرة بول جفت كفى جرى الماء على محلها مرة واحدة ولو بغير فعل أحد‬
‫ن تثليثها‪ .‬وإن كانت عينية‪ :‬وهي التي لها جرم أو طعم أو لون أو‬ ‫كأن جرى عليها المطر ويس ّ‬
‫ريح وجبت إزالة ذلك‪ ،‬ولو توقف زواله على الستعانة بغير الماء كصابون وجبت‪ ،‬والعبرة‬
‫بظنه بحيث يغلب على ظنه زوال ذلك‪ ،‬ول يجب عليه اختبارها بالشّم والبصر‪ ،‬ول يجب على‬
‫العمى ول على من به رمد أن يسأل بصيرًا هل زالت الوصاف أو ل‪ ،‬إل ما عسر زواله من‬
‫لون كلون الدم أو ريح كريح الخمر فإنه يحكم بطهارته‪ ،‬ول فرق في ذلك بـين النجاسة المغلظة‬
‫ونحوها‪ ،‬ول فرق في ذلك بـين الرض والثوب والناء‪ ،‬فيطهر المحل طهرًا حقيقيًا بحيث لو قدر‬
‫على إزالته بعد ذلك ل تجب‪ .‬وضابط العسر قرصه ثلث مرات مع الستعانة المتقدمة‪ ،‬فلو صبغ‬
‫شيء بصبغ متنجس ثم غسل المصبوغ حتى صفت الغسالة ولم يبق إل مجرد اللون حكم‬
‫بطهارته‪ .‬أما الطعم وحده أو اللون والريح معًا في محل واحد من نجاسة واحدة فل بد من تعذر‬
‫زواله بحيث ل يزول إل بالقطع فإذا تعذر ذلك حكم على المحل بالعفو بحيث لو قدر على إزالته‬
‫ل اشترط وروده لئل يتنجس الثوب لو عكس‪ ،‬ولو كان الثوب‬ ‫بعد ذلك وجبت‪ ،‬ولو كان الماء قلي ً‬
‫فيه دم براغيث ووضعه في الناء الذي فيه ماء قليل ليغسله‪ ،‬فإن كان غسله بقصد تنظيفه من‬
‫الوساخ الطاهرة ل ينجس الماء‪ ،‬ول يضر بقاء دم البراغيث في الثوب‪ ،‬وإن كان بقصد إزالة دم‬
‫البراغيث أو الوساخ النجسة تنجس الماء القليل بورود النجاسة عليه وعاد على باقي الثوب‬
‫بالتنجيس‪ ،‬وصار دم البراغيث غير معفّو عنه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وثالثها‪ :‬ستر رجل(‪ :‬أي ذكر ولو صبـيًا )وأمة( ولو مبعضة )ما بـين سرة وركبة وحرة غير‬
‫ن ولو كان المصلى خاليًا في‬
‫وجه وكفين( ظهرًا وبطنًا إلى الكوعين عن العيون من إنس وج ّ‬
‫ظلمة )بما ل يصف لونًا( للبشرة ولو طينًا أو حشيشًا أو ماء كدرًا أو نحو ذلك‪ ،‬فشرط الساتر أن‬
‫يكون جرمًا يمنع إدراك لون البشرة ل حجمها‪ ،‬فل يكفي في الستر لون نحو الحناء لنه ليس‬
‫جرمًا‪ ،‬ول يكفي فيه الشفاف الذي ل يمنع إدراك لون البشرة كالزجاج )إن قدر( أي المصلي‬
‫)عليه( أي الستر فإن عجز عن جميع ما ذكر صلى عاريًا ويتم ركوعه وسجوده ول إعادة عليه‪،‬‬
‫ولو كانت السترة متنجسة وعجز عما يطهرها به وكان قطع موضع النجاسة ينقص قيمة السترة‬
‫أكثر من أجرة ثوب يصلي فيه لو اكتراه ولم يجد سترة طاهرة غيرها صلى عاريًا ول إعادة عليه‬
‫لعجزه عن السترة شرعًا‪ .‬وكذا لو حبس في مكان نجس ولم يجد شيئًا يفرشه فيه للصلة إل‬
‫سترته فرشها وصلى عاريًا ول إعادة عليه لما ذكر‪ ،‬والواجب ستر العورة من أعلى وجوانب ل‬
‫ل ل تصح فالمدار على‬ ‫من أسفل‪ ،‬فلو كانت عورته بحيث ترى من طوق قميصه أو من كمه مث ً‬
‫رؤيتها بالقّوة وإن لم تر بالفعل‪ ،‬وكذا لو كان ثوبه قصيرًا بحيث لم يستر جميع العورة‪ ،‬ولو كان‬
‫ثوبه ينكشف عن بعض العورة عند الركوع أو السجود فل تبطل صلته الن بل حتى ينكشف‬
‫حتى لو ستر عند الركوع أو السجود ولم يظهر شيء من العورة استمرت صلته على الصحة‬
‫ول تضر رؤية العورة من أسفل‪ :‬كأن صلى في علّو وتحته من يرى عورته من ذيله ولو لم يجد‬
‫ن للرجل أن يلبس للصلة أحسن ثيابه‪ ،‬وأن يصلي في‬ ‫الرجل إل ثوب حرير لزمه الستر به‪ .‬ويس ّ‬
‫ثوبـين‪ ،‬لحديث‪» :‬إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبـيه فإن ال أحق أن يزين له« ‪ .‬ويكره أن يصلي في‬
‫ثوب فيه صورة‪ ،‬وأن يصلي الرجل متلثمًا والمرأة متنقبة إل أن تكون في مكان وهناك أجانب ل‬
‫يحترزون من النظر إليها فل يجوز لها رفع النقاب إل إذا سترت وجهها بشيء آخر‪.‬‬
‫وحاصل القول فيما يتعلق بالعورة‪ :‬أن الرجل له ثلث عورات‪ :‬إحداها‪ :‬ما بـين سرته وركبته‪،‬‬
‫وهي عورته في الصلة ولو في الخلوة‪ ،‬وعند الذكور‪ ،‬وعند النساء المحارم‪ .‬ثانيتها‪ :‬السوءتان‪:‬‬
‫أي القبل والدبر وهي عورته في الخلوة‪ .‬ثالثتها‪ :‬جميع بدنه وشعره حتى قلمة ظفره وهي عورته‬
‫عند النساء الجانب فيحرم على المرأة الجنبـية النظر إلى شيء من ذلك‪ ،‬ولو علم الشخص أن‬
‫الجنبـية تنظر إلى شيء من ذلك وجب حجبه عنها‪ .‬ولسنا نقول‪ :‬إن وجه الرجل في حقها عورة‬
‫كوجه المرأة في حقه بل هو كوجه الصبـي المرد في حق الرجل فيحرم النظر عند خوف الفتنة‬
‫فقط فإن لم تكن فتنة فل‪ ،‬إذ لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن‬
‫متنقبات‪ ،‬ولو كان وجوه الرجال عورة في حق النساء لمروا بالتنقيب أو منعوا من الخروج إل‬
‫لضرورة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومن فيها رق لها ثلث عورات أيضًا‪ :‬إحداها‪ :‬ما بـين سرتها وركبتها‪ ،‬وهي عورتها في الخلوة‬
‫وعند الرجال المحارم وعند النساء المؤمنات‪ .‬ثانيتها‪ :‬جميع بدنها إل ما يظهر عند المهنة‪ :‬أي‬
‫خدمة بـيتها‪ ،‬وهي عند النساء الكافرات‪ .‬ثالثتها‪ :‬جميع بدنها حتى قلمة ظفرها‪ ،‬وهي عند الرجال‬
‫الجانب‪ .‬نعم يجوز لمن أراد شراءها النظر إلى المواضع التي يحتاج إلى تقليبها‪ ،‬ويجوز‬
‫للطبـيب النظر إلى المواضع التي يحتاج إلى مداواتها‪.‬‬
‫والحرة لها أربع عورات‪ :‬إحداها‪ :‬جميع بدنها إل وجهها وكفيها ظهرًا وبطنًا‪ ،‬وهو عورتها في‬
‫الصلة فيجب عليها ستر ذلك في الصلة حتى الذراعين والشعر وباطن القدمين‪ ،‬ثانيتها‪ :‬ما بـين‬
‫سرتها وركبتها وهي عورتها في الخلوة وعند الرجال المحارم وعند النساء المؤمنات‪ .‬ثالثتها‪:‬‬
‫جميع البدن إل ما يظهر عند المهنة وهي عورتها عند النساء الكافرات‪ .‬رابعتها‪ :‬جميع بدنها حتى‬
‫قلمة ظفرها وهي عورتها عند الرجال الجانب فيحرم على الرجل الجنبـي النظر إلى شيء من‬
‫ذلك‪ ،‬ويجب على المرأة ستر ذلك عنه‪ ،‬والمراهق في ذلك كالرجل فيلزم وليه منعه من النظر إلى‬
‫الجنبـية ويلزمها الحتجاب منه‪ ،‬ومثل المرأة في ذلك المرد الجميل الوجه والخنثى كالنثى في‬
‫جميع ما ذكر‪.‬‬
‫)ورابعها‪ :‬معرفة دخول وقت( ولو ظنًا بالجتهاد أو تقليدًا لمجتهد‪ ،‬فلو هجم وصلى من غير‬
‫اجتهاد في دخول الوقت ل تنعقد صلته وإن صادفت الوقت لن العتبار في العبادات بما في‬
‫ن المكلف وبما في نفس المر معًا‪ ،‬وفي العقود بما في نفس المر فقط‪ .‬ول يخفى أن الوقت أهم‬ ‫ظّ‬
‫شروط الصلة لن بدخوله تجب الصلة وبخروجه تفوت فكان النسب تقديمه على جميع‬
‫الشروط‪ ،‬لكن التباع خير من البتداع‪.‬‬
‫ولكل واحد من الفروض الخمسة وقت محدود شرعًا بحيث لو خرجت عنه كانت قضاء إل إذا‬
‫نوى التأخير في سفر القصر )وقت ظهر من زوال( أي من ميل الشمس عن وسط السماء إلى‬
‫ل كل شيء مثله غير ظل استواء( أي سوى ظل الشيء حالة‬ ‫جهة المغرب )إلى مصير ظ ّ‬
‫الستواء إن كان كما في أكثر البلد والزمنة‪ ،‬وأّول وقت الظهر أيضًا حدوث الظل بعد الستواء‬
‫إن لم يكن للشيء ظل عنده كما في بعض الزمنة في بعض البلد كمكة والبتاوي‪ ،‬وذلك في مكة‬
‫في ثامن برج الجوزاء وفي الثاني والعشرين من برج السرطان‪ ،‬وفي البتاوي في السادس عشر‬
‫من برج الميزان في ميل ست درج وفي الرابع عشر من برج الحوت‪ .‬ثم البروج اثنا عشر نظمها‬
‫بعضهم من بحر الكامل بقوله‪:‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫حمل وثور وجوزة سرطان‬


‫أسد وسنبلة كذا ميزان‬
‫قل عقرب قوس وجدي يا أخي‬
‫دلو وحوت خذفذا إحسان‬
‫ومعرفة الزوال أمر يصعب لكنك إذا استقبلت القبلة فكانت الشمس على حاجبك اليمن في‬
‫ل الظهر‪ .‬فإذا صار ظل كل شيء مثله فهو وقت العصر‪ .‬فإذا كانت‬ ‫الصيف فقد زالت بل شك فص ّ‬
‫الشمس على حاجبك اليسر في الصيف أيضًا وأنت مستقبل القبلة فاعلم أنها لم تزل بعد‪ .‬فإذا‬
‫كانت بـين عينيك فهو قيامها في كبد السماء‪ ،‬وقد يجوز أنها قد زالت إذا كانت في أّول الشتاء‬
‫وقصر النهار‪ .‬وأما إذا كانت على حاجبك اليمن فتكون قد زالت في جميع الزمنة لنه إذا كان‬
‫ذلك في الصيف فهو أّول وقت الظهر‪ ،‬وإن كان في الشتاء فهو آخر وقت الظهر‪ .‬وإذا كانت على‬
‫حاجبك اليسر فقد يجوز أنها قد زالت لقصر النهار في أّول الشتاء‪ ،‬ول يجوز في أّول الصيف‬
‫لطول النهار‪ ،‬وإذا كانت بـين عينيك في الشتاء فقد زالت بل شك‪ .‬فإذا صارت إلى حاجبك اليمن‬
‫فهو آخر وقت الظهر‪ ،‬وهذا لهل إقليم العراق وخراسان الذين يصلون إلى الركن السود وباب‬
‫البـيت‪ .‬وأما أهل اليمن والمغرب ومن يليهم فعلى ضد ذلك لنهم يصلون إلى الركن اليماني‬
‫ومؤخر الكعبة‪ ،‬فإذا عرفت الزوال وأردت أن تعرف القبلة فاجعل ظلك على يسارك فإنك تكون‬
‫حينئذ مستقبل القبلة فاعلم ذلك مختصرًا بل تعب‪ .‬كذا قال سيدي عبد القادر الجيلني ‪.‬‬
‫وللظهر سبعة أوقات‪ :‬وقت فضيلة‪ :‬أي وقت لوقوع الصلة فيه فضل يزيد على ما بعده‪ ،‬وهو‬
‫أّول الوقت بمقدار أكل لقيمات يقمن صلبه‪ ،‬وستر العورة‪ ،‬والتطهر‪ ،‬والذان‪ ،‬والقامة‪ ،‬وصلة‬
‫الفرض برواتبه القبلية وذلك اثنتا عشرة ركعة في الظهر لن لها أربعًا قبلية وأربعًا بعدية‪ .‬وثمان‬
‫ركعات في العصر لن لها أربعًا قبلية ول بعدية لها‪ .‬وسبع ركعات في المغرب لن رواتبها‬
‫أربع‪ :‬اثنتان قبلها‪ ،‬واثنتان بعدها‪ .‬وثمان ركعات في العشاء لن رواتبها أربع‪ :‬اثنتان قبلها واثنتان‬
‫بعدها كما في المغرب‪ .‬وأربع ركعات في الصبح لن راتبها‪ :‬اثنتان قبلها ول بعدية لها‪ ،‬والعبرة‬
‫في هذه العمال بالوسط المعتدل من غالب الناس‪ .‬ووقت اختيار‪ :‬أي وقت يختار فيه فعل الصلة‬
‫بالنسبة لما بعده‪ .‬ووقت جواز كراهة يدخل بأّول الوقت كوقت الفضيلة‪ ،‬ويمتد إلى أن ل يبقى من‬
‫الوقت ما يسع الفرض فقط‪ .‬ووقت حرمة‪ :‬أي يحرم تأخير الصلة إليه وهو أن ل يبقى من الوقت‬
‫ما يسع فروض الصلة‪ .‬ووقت عذر‪ :‬وهو وقت العصر لمن يجمع تأخيرًا في السفر‪ .‬ووقت‬
‫ضرورة‪ :‬وهو وقت زوال الموانع وهو آخر الوقت ولو بمقدار ما يسع تكبـيرة الحرام‪ :‬كأن زال‬
‫الصبا أو الجنون أو الحيض أو النفاس أو الكفر وقد بقي من وقت الصلة ما يسع تكبـيرة الحرام‬
‫فقط‪ .‬فتجب هذه الصلة إن خل من المانع زمنًا يسعها بعد صاحبة الوقت الذي دخل‪ ،‬فلو زال‬
‫حيضها وقد بقي من وقت الظهر ما يسع تكبـيرة الحرام فقط وجبت الظهر إن خلت من المانع‬
‫زمنًا يسع فعلها وطهرها بعد اعتبار ما يسع فعل العصر التي هي صاحبة الوقت وطهرها‪ ،‬فلو‬
‫ي ذلك الزمن ل تجب الظهر‪ ،‬ثم إن كان زمن الخلّو من الموانع يسع‬ ‫طرأ مانع كجنون قبل مض ّ‬
‫العصر التي هي صاحبة الوقت وطهرها وجبت وإل فل‪ .‬ووقت إدراك‪ :‬وهو وقت طروء‬
‫الموانع‪ ،‬فإذا طرأ مانع من جنون أو إغماء أو حيض أو نفاس في الوقت واستغرق باقيه وكان‬
‫أدرك من الوقت قبل طروء المانع زمنًا يسعها ويسع طهرها الذي ل يصح تقديمه على الوقت‬
‫كالتيمم ووضوء صاحب الضرورة وجبت وإل فل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)فعصر( من الزيادة على ظل المثل وإن قلت )إلى غروب( للشمس بجميع قرضها‪ .‬ولها ثمانية‬
‫أوقات‪ :‬وقت فضيلة بالضبط المتقدم‪ .‬ووقت اختيار من أّول الوقت إلى أن يصير ظل الشيء مثليه‬
‫غير ظل الزوال‪ .‬ووقت جواز بل كراهة من أّول الوقت إلى الصفرار فهذان الوقتان يشتركان‬
‫مع وقت الفضيلة في الدخول ثم إذا مضى ما يسع العمال المتقّدمة خرج وقت الفضيلة‪ ،‬وإذا‬
‫ل الزوال خرج وقت الختيار‪ .‬فإدا حصل الصفرار خرج وقت‬ ‫ل الشيء مثليه غير ظ ّ‬
‫صار ظ ّ‬
‫الجواز بل كراهة‪ ،‬ويدخل وقت الجواز بكراهة إلى أن يبقى من الوقت ما يسع فرضها فقط‪ ،‬فإذا‬
‫كان الباقي من الوقت ل يسع فروض الصلة دخل وقت الحرمة‪ :‬أي الوقت الذي يحرم تأخير‬
‫الصلة إليه ل أن فعلها حينئذ حرام كما يعتقده بعض العواّم؛ إذ يجب على الشخص حينئذ فعلها‬
‫ل‪ .‬ووقت‬ ‫قبل أن يخرج الوقت كله‪ .‬ووقت عذر‪ :‬وهو وقت الظهر لمن يجمع تقديمًا في السفر مث ً‬
‫ضرورة كما تقّدم لكن في هذه تجب الظهر مع العصر لن وقت العصر وقت للظهر في العذر‬
‫ففي الضرورة أولى‪ ،‬ويشترط الخلّو من الموانع زمنًا يسعها كما تقدم‪ .‬ووقت إدراك كالذي تقدم‬
‫أيضًا‪.‬‬
‫)فمغرب( من تمام غروب الشمس )إلى مغيب شفق( أي أحمر‪ .‬ولها ثمانية أوقات‪ :‬وقت فضيلة‪،‬‬
‫ل وخروجًا تدخل‬ ‫ووقت اختيار‪ ،‬ووقت جواز بل كراهة‪ ،‬هذه الثلثة متحدة في المغرب دخو ً‬
‫ي زمن العمال المتقدمة فيدخل وقت الجواز بكراهة إلى أن يبقى من‬ ‫بأّول الوقت وتخرج بمض ّ‬
‫الوقت ما ل يسع إل فروضها‪ ،‬فإذا بقي ما ل يسع الفروض دخل وقت الحرمة‪ .‬ووقت العذر وقت‬
‫العشاء لمن يجمعها معًا تأخيرًا في السفر‪ .‬ووقت الضرورة‪ ،‬ووقت الدراك كما تقدم‪.‬‬
‫)فعشاء( من مغيب الشفق الحمر )إلى فجر صادق( ولها اسمان‪ :‬أحدهما‪ :‬عتمة‪ .‬وثانيهما‪ :‬العشاء‬
‫الخرة‪ .‬ولها ثمانية أوقات‪ :‬وقت فضيلة أّول الوقت‪ .‬ووقت اختيار إلى ثلث الليل‪ .‬ووقت جواز‬
‫بل كراهة إلى الفجر الّول ويدخلن بأّول الوقت كوقت الفضيلة كما تقدم‪ .‬ووقت جواز بكراهة‪،‬‬
‫وهو ما بـين الفجرين إلى أن يبقى من الوقت ما يسع فروضها فقط‪ ،‬فإذا بقي من الوقت ما ل يسع‬
‫فروضها فهو وقت الحرمة‪ .‬ووقت العذر‪ :‬وقت المغرب لمن يجمعها معها تقديمًا في السفر أو‬
‫المطر‪ .‬ووقت الضرورة‪ ،‬ووقت الدراك كما تقدم‪.‬‬
‫)فصبح( من طلوع الفجر الثاني )إلى( ابتداء )طلوع شمس( ولها سبعة أوقات‪ :‬وقت فضيلة أّول‬
‫الوقت‪ .‬ووقت اختيار إلى الضاءة‪ .‬ووقت جواز بل كراهة إلى الحمرار‪ .‬ووقت جواز بكراهة‬
‫إلى أن يبقى من الوقت ما يسع فروضها فقط‪ ،‬فإذا بقي من الوقت ما ل يسع فروضها دخل وقت‬
‫الحرمة‪ .‬ووقت الضرورة‪ ،‬ووقت الدراك كما تقدم‪ ،‬فتبـين أن الصبح ليس لها وقت عذر لنها ل‬
‫تجمع ل تقديمًا ول تأخيرًا‪ ،‬وأن الظهر ليس لها وقت جواز بكراهة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫تنبـيهان‪ :‬الّول‪ :‬قد ظهر مما تقدم أن وقت الفضيلة‪ ،‬ووقت الختيار‪ ،‬ووقت الجواز بل كراهة‬
‫تدخل سواء من أّول الوقت في جميع الوقات وتخرج مترتبة‪ ،‬فوقت الفضيلة يخرج أّول لن‬
‫زمنه قصير‪ ،‬ثم وقت الختيار‪ ،‬ثم وقت الجواز بل كراهة إل في المغرب فإنها متحدة فيه دخو ً‬
‫ل‬
‫ل وخروجًا‬ ‫وخروجًا‪ ،‬وإل في الظهر فإن وقت الختيار ووقت الجواز بل كراهة فيه متحدان دخو ً‬
‫على الراجح‪ .‬وقيل‪ :‬يخرج وقت الختيار إذا صار ظل الشيء مثل ربعه‪ .‬ويستمر وقت الجواز‬
‫بل كراهة إلى أن يبقى من الوقت ما يسع الصلة فقط‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حاصل القول في وقت الضرورة ووقت الدراك أن موانع وجوب الصلة تسعة‪ :‬الصبا‪،‬‬
‫والجنون‪ ،‬والغماء‪ ،‬والسكر بل تعّد‪ ،‬والكفر الصلي‪ ،‬والحيض‪ ،‬والنفاس‪ ،‬وعدم بلوغ الدعوة‪،‬‬
‫س‪ .‬والذي يمكن طرّوه منها خمسة‪ :‬الجنون‪ ،‬والحيض‪ ،‬والنفاس‪ ،‬والغماء‪،‬‬ ‫وعدم سلمة الحوا ّ‬
‫والسكر بل تعّد‪ .‬فلو كان بالشخص مانع من هذه الموانع التسعة وزال وقد بقي من وقت الصلة‬
‫ما يسع تكبـيرة الحرام وجبت هذه الصلة والتي قبلها إن كانت تجمع معها وخل من الموانع‬
‫زمنًا يسعهما ويسع صاحبة الوقت الذي دخل ويسع طهر الثلثة‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬زال الحيض وقد بقي‬
‫من وقت العصر ما يسع تكبـيرة الحرام وجبت العصر والظهر لنها تجمع معها تأخيرًا في‬
‫السفر والمغرب لنها صاحبة الوقت الذي دخل إن استمرت خالية من الموانع زمنًا يسع الفروض‬
‫الثلثة وطهرها‪ ،‬فلو طرأ على المرأة مانع آخر كالجنون ولم تدرك إل زمنًا يسع المغرب فقط‬
‫وطهرها وجبت المغرب وحدها‪ .‬وإن كان زمن الخلو يسع المغرب والعصر فقط وطهرهما وجبتا‬
‫دون الظهر‪ ،‬هذا ما يتعلق بوقت الضرورة‪ .‬وأما وقت الدراك فهو وقت طرّو المانع‪ ،‬فلو طرأ‬
‫عليه مانع من الموانع التي يمكن طرّوها وقد أدرك من الوقت زمنًا يسع الصلة وجبت هذه‬
‫الصلة والتي قبلها إن كانت تجمع معها وخل زمنًا يسعهما‪ .‬وأما طهرهما فإن كان ل يمكن‬
‫تقديمه على الوقت كالتيمم ووضوء صاحب الضرورة فإن شرط صحتهما دخول الوقت‪ ،‬فل بد‬
‫أن يدرك زمنًا يسعه قبل طرّو المانع‪ .‬وإن كان يصح تقديمه على الوقت كوضوء السليم الذي لم‬
‫يمنع من تقديمه مانع فل يشترط أن يدرك من الوقت زمنًا يسعه إذا كان يمكن تقديمه على الوقت‪.‬‬
‫ل وأدركت من وقت العصر جزءًا ثم طرأ عليها‬ ‫مثال ذلك‪ :‬زال حيضها في أول وقت العصر مث ً‬
‫الجنون‪ ،‬فإن كان زمن الخلّو من المانع يسع العصر والظهر وطهرهما وجبتا‪ .‬وإن كان ل يسع‬
‫إل العصر فقط وطهرها وجبت العصر وحدها دون الظهر‪ .‬والطهر في هذا المثال ل يمكن‬
‫تقديمه على الحيض لن الوقت مانع منه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومن أدرك من الصلة ركعة في الوقت فقد أدركها أداء‪ ،‬وإن كان يحرم تأخيرها إلى وقت ل يسع‬
‫فروضها كما تقدم‪ ،‬ومتى كان الباقي من الوقت ل يسع الفروض وجب القتصار على الواجبات‪،‬‬
‫ول يجوز التيان بالسنن‪ ،‬وينوي الداء إن كان الباقي من الوقت يسع ركعة‪ ،‬وإذا كان الباقي من‬
‫الوقت يسع جميع الفروض ول يسع السنن فالفضل التيان بالسنن ولو لزم على ذلك إخراج‬
‫الصلة أو بعضها عن وقتها‪ ،‬فإذا كان الباقي من الوقت يسع الفروض والسنن لكن طّول في‬
‫القراءة أو السكوت حتى خرج بعض الصلة أو كلها عن الوقت فل حرمة عليه لكنه خلف‬
‫الولى‪ .‬وحينئذ إذا لم يدرك من الصلة ركعة في الوقت تصير قضاء ل إثم فيه وينوي الداء‬
‫وهذا هو المّد الجائز‪ ،‬فتبـين أن الحوال ثلثة‪ :‬حالة يجب فيها القتصار على الواجبات ويحرم‬
‫التيان بالسنن وهي ما إذا كان الباقي من الوقت ل يسع الفروض‪ .‬وحالة الفضل فيها التيان‬
‫بالسنن‪ .‬ولو خرج بعض الصلة عن وقتها‪ :‬وهي ما إذا كان الباقي من الوقت يسع جميع‬
‫الفروض دون السنن‪ ،‬وحالة يجوز فيها المد مع كونه خلف الولى وإن خرجت الصلة كلها عن‬
‫الوقت‪ ،‬وهي ما إذا كان الباقي من الوقت يسع الفروض والسنن جميعًا‪.‬‬
‫وبدخول الوقت تجب الصلة وجوبًا موسعًا إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها‪ ،‬لكن إذا أراد تأخير‬
‫ح‪ ،‬فإن أخرها عن أول وقتها مع‬ ‫فعلها عن أول الوقت لزم العزم على فعلها في الوقت على الص ّ‬
‫العزم على ذلك ومات في أثناء الوقت قبل فعلها لم يكن عاصيًا‪ ،‬بخلف ما إذا لم يعزم العزم‬
‫المذكور فإنه إذا مات في أثناء الوقت قبل فعلها كان عاصيًا‪ .‬والفضل أن يصليها في أول الوقت‬
‫ي العمال أفضل؟ فقال‪» :‬الصلة في أول وقتها« ‪ .‬نعم قد يكون تأخير الصلة عن‬ ‫لنه سئل أ ّ‬
‫أول وقتها أفضل في صور‪ :‬منها البراد بالظهر‪ ،‬وهو تأخيرها عن أول وقتها حتى يصير‬
‫للحيطان ظل يمشي فيه طالب الجماعة بشرط أن يكون في زمن الحّر بقطر حاّر كالحجاز لمص ّ‬
‫ل‬
‫جماعة أو في مسجد ولو فرادى بمصلى يأتونه بمشقة تذهب الخشوع أو كماله‪ ،‬وكل كمال اقترن‬
‫به التأخير عن أول الوقت وخل عنه التقديم في أول الوقت كالسترة والجماعة والوضوء ونحو‬
‫ذلك فالتأخير له أفضل‪ ،‬وقد يجب إخراج الصلة عن وقتها كما إذا خيف انفجار الميت أو فوت‬
‫الحج أو فوت إنقاذ السير أو الغريق لو شرع فيها‪ .‬وتقدم أن الواجب في اليوم والليلة خمس‬
‫ن أول يوم من أيامه‬‫صلوات فقط لكن محله في أيامنا هذه‪ ،‬أما في أيام الّدجال فيزيد على ذلك فإ ّ‬
‫كسنة‪ ،‬وثاني يوم كشهر‪ ،‬وثالث يوم كأسبوع‪ ،‬وباقي اليام كأيامنا فاليوم الذي كسنة يقدر له قدره‬
‫فتجب الصلة في أوقاتها حتى العشاء والمغرب ولو في النهار‪ ،‬لنه زمن خارق للعادة‪ ،‬وتعلم‬
‫ل‪ ،‬ويصام رمضان إذا جاء وقته‪ ،‬ويحج البـيت إذا جاء وقته‪ ،‬فتعمل في‬ ‫الوقات بالساعات مث ً‬
‫ذلك اليوم أعمال السنة بتمامها‪ .‬ويقاس على ذلك اليومان بعده‪ ،‬ومثل ذلك ليلة طلوع الشمس من‬
‫مغربها فإنها تطول بمقدار ثلث ليال فيقدر لها قدرها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فرع‪ :‬وكره كراهة تحريم صلة في خمسة أوقات في غير حرم مكة ول تنعقد‪ :‬عند استواء‬
‫الشمس حتى تزول إل يوم جمعة‪ ،‬فل يحرم التنفل فيها حالة الستواء ولو لمن لم يحضرها‪ .‬وبعد‬
‫صلة صبح أداء مغنية عن القضاء‪ .‬وعند طلوع الشمس سواء صلى الصبح أم ل حتى ل ترتفع‬
‫فيهما كرمح في رأي العين‪ ،‬وهو مقدار سبعة أذرع‪ .‬وبعد صلة عصر أداء‪ ،‬ولو مجموعة في‬
‫وقت ظهر‪ .‬وعند اصفرار الشمس سواء صلى العصر أم ل حتى تغرب فيهما‪ .‬ثم المحرم في هذه‬
‫الوقات صلة ل سبب لها كالنوافل المطلقة‪ ،‬وصلة التسبـيح‪ ،‬أولها سبب متأخر عن الصلة‪:‬‬
‫كإحرام واستخارة فل تنعقد واحدة منهما لضعف السبب المتأخر لحتمال وقوعه وعدمه‪ .‬ولو‬
‫نوى صلة الستخارة وغيرها بطلت الصلة تغليبًا للمفسد‪ ،‬وخرج بالمتأخر سبب مقارن للصلة‬
‫فل تحرم كصلة فريضة معادة في جماعة‪ ،‬وسبب متقدم عليها فل تحرم كصلة العيد بناء على‬
‫دخول وقتها بطلوع الشمس‪ ،‬واستسقاء‪ ،‬وجنازة إن لم يقصد تأخير الصلة عليها إلى الوقت‬
‫المكروه من حيث كونه مكروهًا بخلفه لنحو زيادة المصلين أو رجاء صلة صالح وكفائتة لم‬
‫يقصد تأخيرها إليها ليقضيها فيها‪ ،‬وسنة وضوء وطواف ودخول منزل وسجدة تلوة لم يقرأ آيتها‬
‫بقصد السجود فقط‪.‬‬
‫)وخامسها‪ :‬استقبال القبلة( أي الكعبة‪ ،‬والواجب في الستقبال إصابة عين القبلة يقينًا مع القرب‬
‫إما برؤيته لها أو مسها بـيده أو نحو ذلك مما يفيد اليقين‪ ،‬أو ظنًا مع البعد فل يكفي إصابة الجهة‬
‫مع الخروج عن استقبال عينها‪ ،‬فلو امتد صف بقرب الكعبة وخرج بعض المصلين عن محاذاة‬
‫عينها لم تصح صلته‪ ،‬وأما في حالة البعد عنها فل يضّر طول الصف فإنهم ل يخرجون عن‬
‫محاذاتها ولو طال الصف لن صغير الحجم كلما زاد بعده زاد محاذاته كغرض الرماة‪،‬‬
‫والستقبال يكون بالصدر حقيقة في حق القائم والجالس‪ ،‬وحكمًا في حق الراكع والساجد ويكون‬
‫بالوجه ومقدم البدن في حق المضطجع‪ ،‬ويكون بالوجه والخمصين في حق المستلقي‪ ،‬فل بّد من‬
‫ل بوجهه‪ ،‬ومن وضع عقبـيه بالرض ليكون‬ ‫رفع رأسه عن الرض بنحو وسادة ليكون مستقب ً‬
‫ل بأخمصيه‪ ،‬ويجتهد إن عجز عن العلم بالنفس وعن إخبار الثقة عن علم‪ ،‬فإن عجز عن‬ ‫مستقب ً‬
‫ب المنزل حينئذ‪ .‬ولو اجتهد الشخص في القبلة وصلى ثم تيقن الخطأ أعاد صلته‪،‬‬ ‫الجتهاد قلد ر ّ‬
‫وأما إذا لم يتيقن الخطأ بل تغير اجتهاده إلى جهة أخرى‪ .‬فإن كان الجتهاد الثاني أرجح وجب‬
‫عليه العمل به سواء كان متلبسًا بالصلة أم ل‪ ،‬ول يجب عليه إعادة ما صله بالول لن الجتهاد‬
‫ل ينقض باجتهاد آخر حتى لو صلى أربع ركعات لربع جهات بأربع اجتهادات صح‪ .‬فإن كان‬
‫الجتهاد الثاني مساويًا للجتهاد الّول تخير بـينهما إن لم يكن في صلة فإن كان فيها تعين عليه‬
‫العمل بالجتهاد الول‪ ،‬ول يجوز له العمل بالجتهاد الثاني لنه التزم بدخوله في الصلة جهة‪،‬‬
‫فل يتحول عنها إل إلى أرجح منها‪ ،‬ومتى ثبت أن النبـي اطلع على محراب وأقره كان في مرتبة‬
‫العلم بالنفس فل تجوز مخالفته ول الجتهاد فيه ل جهة ول يمنة ول يسرة‪ .‬وأما محاريب‬
‫المسلمين الموثوق بها فهي في مرتبة إخبار الثقة عن علم ول يجوز الجتهاد فيها جهة لستحالة‬
‫الخطأ في الجهة‪ .‬ويجوز الجتهاد فيها يمنة أو يسرة‪ .‬والمحراب اصطلحًا‪ :‬مقام المام في‬
‫الصلة‪ ،‬وأما المحراب المعتاد الن‪ ،‬وهو التجويف الذي يكون في المكنة التي بنيت للصلة فيها‬
‫في جهة القبلة‪ ،‬فلم يكن موجودًا في زمن النبـي ول في زمن أصحابه بل هو حادث بعدهم ولكن‬
‫ل بأس به‪ ،‬والعمى ومن في ظلمة يعتمد المحراب بالمس أو نحوه كما يعتمده البصير الذي ليس‬
‫في ظلمة بالمشاهدة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومتى انفرد إنسان في ناحية وجب عليه تعلم أدلة القبلة على سبـيل فرض العين وإذا وجد غيره‬
‫معه كان التعلم فرض كفاية‪ ،‬ول فرق في ذلك بـين السفر والحضر‪ .‬وأدلتها كثيرة‪ :‬منها‪ :‬ما هو‬
‫ليلي كالقمر‪ ،‬ومنها‪ :‬ما هو نهاري كالشمس‪ ،‬ومنها‪ :‬ما هو أرضي كالجبال‪ ،‬ومنها‪ :‬ما هو هوائي‬
‫كالرياح‪ ،‬ومنها‪ :‬ما هو سماوي كالنجوم‪ .‬ومن جملة النجوم القطب المعروف وهو بـين الفرقدين‬
‫وبنات نعش الصغرى‪ ،‬لكن متى عرفه يقينًا وعرف كيفية الستقبال به في القطر الذي هو فيه‬
‫كان في مرتبة العلم بالنفس وإل كان من أدلة الجتهاد كباقي النجوم )إل في شدة خوف( في قتال‬
‫جائز فيصلي كيف أمكنه‪ .‬نعم إن أمن في أثناء الصلة امتنع عليه ترك الستقبال حتى لو كان‬
‫راكبًا اشترط أن ل يستدبرها في حال نزوله فإن استدبرها حينئذ بطلت صلته باتفاق‪ ،‬ومثل شدة‬
‫الخوف في ذلك دفع الصائل والفرار من سبع أو نار أو عدو أو سيل أو نحو ذلك مما يباح الفرار‬
‫منه‪ ،‬لكن إن أمن في أثنائها وجب عليه الستقبال ول يعود إلى مكانه الول بل يتمها في المكان‬
‫الذي انتهى سيره إليه‪ .‬ومثل ذلك من خطف متاعه أو شردت دابته وهو في الصلة فله السعي‬
‫خلف ذلك لتحصيله‪ ،‬وكما يباح لهؤلء ترك الستقبال يغتفر لهم الفعال الكثيرة إذا اقتصروا على‬
‫قدر الحاجة‪.‬‬
‫)ونفل سفر مباح( ولو راتبة وعيدًا وفي معناه سجدتا التلوة والشكر المفعولتان خارج الصلة‬
‫ل عن القبلة‪ ،‬ويحرم إنحرافه عنها إل إلى القبلة‪ ،‬وذلك‬‫فيتوجه إلى جهة مقصده لصيرورتها بد ً‬
‫مشروط بأمور تسعة‪ :‬أحدها‪ :‬أن يكون ذلك فيما يسمى سفرًا ولو قصيرًا‪ .‬ثانيها‪ :‬أن يكون السفر‬
‫مباحًا‪ .‬ثالثها‪ :‬أن يقصد قطع المسافة المسمى قطعها سفرًا‪ .‬رابعها‪ :‬ترك الفعال الفاحشة‪ :‬كركض‬
‫وعدو بل حاجة‪ .‬خامسها‪ :‬دوام السفر فلو صار مقيمًا في أثناء السفر لزمه الستقبال إن استمّر‬
‫فيها‪ ،‬وإل فقطع النفل جائز‪ .‬سادسها‪ :‬دوام السير‪ ،‬فلو انقطع سيره لم يجز له ترك الستقبال حتى‬
‫لو وقف لستراحة أو لنتظار رفقة لزمه الستقبال ما دام واقفًا‪ ،‬فإن سار لجل سير القافلة أتمها‬
‫إلى جهة مقصده‪ ،‬وإن سار مختارًا للسير بل ضرورة لم يجز أن يسير حتى تنتهي صلته إن‬
‫أراد الستمرار فيها‪ .‬سابعها‪ :‬عدم وطء النجاسة عمدًا مطلقًا‪ ،‬وكذا نسيانًا في نجاسة رطبة غير‬
‫معفّو عنها‪ ،‬ولو بالت دابته أو راثت أو وطئت نجاسة بنفسها أو أوطأها إياها لم يضّر لنه لم‬
‫ل فأكثر‪ .‬تاسعها‪ :‬أن يكون‬ ‫يلقها وذلك حيث لم يكن زمامها بـيده‪ .‬ثامنها‪ :‬أن يكون السفر مي ً‬
‫لغرض صحيح‪ ،‬وقولهم يتوجه إلى جهة مقصده يفيد أنه ل يجب استقبال عين مقصده‪ ،‬بل يكفي‬
‫التوجه إلى جهته ول ينحرف عن جهة مقصده إل إلى القبلة لنها الصل‪ ،‬فلو انحرف إلى غيرها‬
‫عامدًا عالمًا بطلت صلته ولو قصر الزمن‪ ،‬أما إذا كان خطأ أو نسيانًا أو لجماح الدابة فإن طال‬
‫ن أن يسجد للسهو لن عمد ذلك مبطل وهذا هو المعتمد‪) .‬وعلى‬ ‫الزمن بطلت وإل فل‪ ،‬لكن يس ّ‬
‫ماش إتمام ركوع وسجود واستقبال فيهما وفي تحرم( ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أنه يسقط وجوب الستقبال في صور‪ :‬منها‪ :‬غريق على لوح ل يمكنه الستقبال‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬مربوط إلى غير القبلة‪ .‬ومنها‪ :‬عاجز لم يجد من يوجهه‪ .‬ومنها‪ :‬خائف من نزوله عن‬
‫راحلته على نفس أو مال أو انقطاعًا عن رفقة‪ ،‬ومنها‪ :‬من كان في أرض مغصوبة وخاف خروج‬
‫الوقت لو أخر الصلة حتى يخرج منها فله أن يحرم بالصلة ويتوجه للخروج من تلك الرض‬
‫ويصلي باليماء‪ .‬ومنها‪ :‬من كان في حال شدة الخوف في قتال جائز فيصلى كيف أمكنه‪ :‬ومنها‪:‬‬
‫النفل في السفر فيتوجه إلى جهة مقصده لكن على تفصيل في ذلك حاصله أنه إن كان ماشيًا وجب‬
‫عليه التوجه للقبلة في أربع‪ :‬وهي تحرمه‪ ،‬وركوعه‪ ،‬وسجوده‪ ،‬وجلوسه بـين السجدتين‪ .‬ويجوز‬
‫أن يتوجه إلى مقصده في أربع‪ :‬في قيامه‪ ،‬واعتداله‪ ،‬وتشهده‪ ،‬وسلمه‪ .‬وهذا معنى قولهم‪ :‬يتوجه‬
‫في أربع‪ ،‬ويمشي في أربع‪ .‬وإن كان راكبًا‪ ،‬فإن كان في سرج أو على مجّرد ظهر الدابة أو كان‬
‫على ظهرها ثوب أو نحوه‪ ،‬فإن سهل عليه التوجه في جميع صلته وإتمام جميع أركانها أو‬
‫بعضها وهو الركوع والسجود لزمه ذلك‪ ،‬وإن لم يسهل عليه ذلك لم يلزمه إل توجه في تحرمه إن‬
‫سهل‪ ،‬فإن لم يسهل لم يلزم شيء‪ .‬وإن كان راكبًا في مرقد أو هودج أو محفة أو شقدف أو نحوها‬
‫أو في سفينة وهو غير ملح فإن جميع من ذكر إن أمكنهم الستقبال في جميع صلتهم وإتمام‬
‫جميع الركان جاز لهم التنفل وإل وجب تركه‪ .‬وأما ملح السفينة‪ :‬وهو من له دخل في تسيـيرها‬
‫ل السفر لو اشتغل وإن لم يكن من المعدين لتسيـيرها كما لو عاون الركاب أهل العمل‬‫بحيث يخت ّ‬
‫فيها في بعض أعمالهم فله التنفل إلى جهة مقصده كالراكب على السرج ونحوه مما تقدم ويلحق‬
‫بالملح مسير المرقد كما اعتمده الشبراملسي ‪.‬‬
‫فصل في كيفية الصلة المتعلقة بواجب‬
‫وينقسم لداخل في ماهيتها ويسمى ركنًا‪ ،‬ولخارج عنها ويسمى شرطًا‪ ،‬وبمندوب وينقسم لما يجبر‬
‫بالسجود ويسمى بعضًا لتأكد شأنه بالجبر لشبهه بالبعض حقيقة‪ ،‬ولما ل يجبر ويسمى هيئة وهو‬
‫ما عدا البعاض‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫)أركان الصلة( أربعة عشر بجعل الطمأنينات الربع ركنًا واحدًا نظرًا لتحاد جنسها كما عدوا‬
‫السجودين ركنًا واحدًا لذلك‪ :‬أحدها )نية( وأجمعت الّمة على اعتبار النية في الصلة ثم إن كانت‬
‫الصلة نافلة مطلقة وهي التي ل تتقيد بوقت ول سبب‪) .‬فيجب فيها( أي الصلة أمر واحد وهو‬
‫)قصد فعلها( لتتميز عن بقية الفعال‪ ،‬ول يجب التعيـين ول نية النفلية‪ ،‬وإن كانت نافلة مؤقتة أو‬
‫ذات سبب وجب فيها أمران‪ :‬قصد فعلها )وتعيـينها( لتتميز عن سائر الصلوات خصوصًا التي‬
‫ل( ذا سبب ل يحصل المقصود منه‬ ‫يجب فيها التعيـين من ظهر وغيره )ولو( كانت الصلة )نف ً‬
‫بكل صلة فينوي في ذلك سببها‪ :‬كصلة الكسوف‪ ،‬والستسقاء‪ ،‬وعيد الفطر أو الضحى‪ .‬وسنة‬
‫ل‪ :‬القبلية أو البعدية سواء كان صلى الفرض قبل القبلية أم ل‪ .‬أما النفل الذي يحصل‬‫الظهر مث ً‬
‫المقصود منه بكل صلة فكالنفل المطلق وذلك كتحية المسجد‪ ،‬وركعتي الوضوء‪ ،‬والحرام‬
‫والستخارة‪ ،‬والطواف‪ ،‬وصلة الحاجة‪ ،‬وسنة الزوال‪ ،‬وصلة الغفلة بـين المغرب والعشاء‪،‬‬
‫ل وأراد مفارقته‪،‬‬
‫والصلة في بـيته وإذا أراد الخروج للسفر‪ ،‬وصلة المسافر إذا نزل منز ً‬
‫وصلة التوبة‪ ،‬وركعتي القتل‪ ،‬وعند الزفاف ونحو ذلك من كل ما قصد به مجرد الشغل بالصلة‬
‫ول تجب في النوافل نية النفلية وإن كانت الصلة فرضًا ولو نذرًا أو قضاء أو كفاية وجب في‬
‫نيته ثلثة أمور‪ :‬نية الفعل والتعيـين )ونية فرض فيه( أي ذلك الفرض لكن ل تجب نية الفرضية‬
‫ل‪ .‬وقيل‪ :‬ل فرق بـين البالغ وغيره لوجوب القيام في الفرض على‬ ‫في صلة الصبـي لنها تقع نف ً‬
‫غير البالغ‪ ،‬ومثال اجتماع هذه المور الثلثة )كأصلي فرض الظهر( ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أن مراتب الصلوات ثلثة‪ :‬المرتبة الولى‪ :‬الفرض بأقسامه فيعتبر فيه ثلثة أشياء‪:‬‬
‫القصد‪ ،‬والتعيـين‪ ،‬ونية الفرضية‪ .‬المرتبة الثانية‪ :‬النفل المؤقت أو ذو السبب فيعتبر فيه أمران‪:‬‬
‫القصد‪ ،‬والتعيـين ول حاجة لنية النفلية‪ .‬المرتبة الثالثة‪ :‬النفل المطلق ويعتبر فيه أمر واحد‪ :‬وهو‬
‫قصد فعله ول حاجة للتعيـين ول لنية النفلية‪ ،‬ولو شرك في نية بـين فرض ونفل غير مقصود‪:‬‬
‫كسنة وضوء‪ ،‬وتحية مسجد صح وحصل ما نواه‪ ،‬بل يحصل ذلك وإن لم ينوه بل وإن نفاه‪) ،‬وس ّ‬
‫ن‬
‫إضافة( للصلة )إلى ال( تعالى حال النسبة ليتحقق معنى الخلص )وتعّرض لداء أو قضاء(‬
‫ويصح الداء بنية القضاء وعكسه إن جهل الوقت لغيم أو نحوه ولو تبـين خلف ما نواه وكذا لو‬
‫قصد بالداء أو القضاء المعنى اللغوي فإنهما في اللغة بمعنى واحد‪ .‬يقال‪ :‬قضيت الدين وأّديته‪.‬‬
‫ن تعرض‬ ‫أما إذا فعل ذلك عامدًا عالمًا ولم يقصد المعنى اللغوي فإنه ل يصح لتلعبه‪) .‬و( س ّ‬
‫)لستقبال( القبلة )وعدد ركعات( ولو غير العدد‪ :‬كأن نوى الظهر ثلثًا أو خمسًا فل تنعقد صلة‬
‫ل يضر الغلط فيه‪ .‬والعدد يجب‬ ‫سواء كان عامدًا أو غالطًا لن ما يجب التعرض له ولو إجما ً‬
‫ل بسبب التعيـين‪ .‬إذ قوله الظهر يقتضي أن تكون أربعًا ول يجب التعرض‬ ‫التعرض له إجما ً‬
‫لليوم‪ ،‬فلو عينه وأخطأ لم يضر سواء كانت الصلة أداء أو قضاء‪ ،‬ولو مكث في مكان عشرين‬
‫سنة يتراءى له الفجر فيصلي ويعين اليوم ثم تبـين له خطؤه في ذلك وجب عليه قضاء صلة‬
‫واحدة لن صلة كل يوم تقع عما قبله‪ ،‬ول عبرة بتعيـين اليوم فتبقى عليه صلة واحدة‪ :‬وهي‬
‫صلة اليوم الخير لنها وقعت عن اليوم الذي قبله‪ .‬أما قولهم‪ :‬لو أحرم بفريضة قبل دخول وقتها‬
‫ل‪ ،‬فمحله إن لم يكن عليه فائتة نظيرها وإل وقعت عنها هذا كله لو صلى‬ ‫ظانًا دخوله انعقدت نف ً‬
‫ظانًا دخول الوقت بالجتهاد وإل فل تنعقد صلته ولو صادفت الوقت‪ .‬ومن عليه فوائت ل‬
‫ل‪ ،‬بل يكفيه نية الظهر أو العصر‪ .‬وتقدم في الوضوء أن النية محلها‬ ‫يشترط أن ينوي ظهر كذا مث ً‬
‫القلب‪) .‬و( لكن يندب )نطق بمنوي( قبـيل التكبـير ليساعد اللسان القلب‪ ،‬ولنه أبعد عن‬
‫الوسواس‪ ،‬ول يضر النطق بخلف ما في القلب‪ :‬كأن قصد الصبح وسبق لسانه إلى الظهر‪) .‬و(‬
‫ثانيها )تكبـير تحرم مقرونًا به( أي التكبـير )النية‪ ،‬ويتعين( في لفظ التكبـير على القادر بالنطق به‬
‫)ال أكبر‪ ،‬ويجب إسماعه نفسه كسائر ركن قولي( ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫والحاصل أن شروطه عشرون‪ :‬إيقاعه في حال القيام في الفرض‪ ،‬وباللغة العربـية للقادر عليها‬
‫ولفظ الجللة ولفظ أكبر وتقديم لفظ الجللة على أكبر‪ ،‬وعدم مّد همزة الجللة‪ ،‬ويجوز إسقاطها‬
‫إذا وصلها بما قبلها‪ :‬كأن يقول إمامًا أو مأمومًا‪ :‬ال أكبر‪ ،‬لكن وصلها خلف الولى‪ ،‬ول يجوز‬
‫إسقاط همزة أكبر ويغتفر للعاّمي إبدالها واوًا‪ ،‬ويغتفر له أيضًا إبدال كاف أكبر همزة عند العجز‪،‬‬
‫وعدم مّد باء أكبر وعدم تشديدها وعدم زيادة واو ساكنة أو متحركة بـين الكلمتين وعدم واو قبل‬
‫الجللة وعدم سكتة طويلة بـين الكلمتين‪ ،‬بخلف السكتة اليسيرة فإنها ل تضر‪ .‬وضابط الطول‬
‫ي‪ ،‬وأن يسمع نفسه جميع حروفه إذا كان صحيح السمع ول مانع‪،‬‬ ‫أن تزيد على سكتة التنفس والع ّ‬
‫ودخول الوقت في الفرض والنفل المؤقت أو ذي السبب وإيقاعها حال الستقبال حيث شرطناه‪،‬‬
‫وتأخيره عن تكبـيرة المام في حق المقتدي‪ ،‬وأن ل تبدل همزة أكبر واوًا ول تبدل كافها همزة‬
‫فل يصح ذلك من العالم في الولى ول من العالم العامد القادر في الثانية‪ ،‬وأن ل يزيد في مد‬
‫اللف التي بـين اللم والهاء إلى حد ل يراه أحد من القراء وهو عالم بالحال بأن ل يزيد على‬
‫أربع عشرة حركة‪ ،‬فإن زاد عليها ضر‪ ،‬وعدم الصارف فلو كان مسبوقًا فأحرم خلف إمام راكع‬
‫ولم ينو به التحرم وحده يقينًا مع وقوع جميعه في محل تجزىء فيه القراءة لم يصح‪.‬‬
‫وحاصل هذه المسألة‪ :‬أن المسبوق إذا أدرك المام راكعًا فكبر وركع خلفه له سبعة أحوال يصح‬
‫التحرم في واحدة منها‪ :‬وهي ما إذا قصد بالتكبـير التحرم وحده يقينًا وأوقع جميعه في محل‬
‫تجزىء فيه القراءة‪ ،‬والستة الباقية ل تنعقد فيها الصلة‪ :‬وهي ما إذا شرك بـين الحرام والنتقال‬
‫أو قصد النتقال فقط‪ ،‬أو قصد أحدهما مبهمًا‪ ،‬أو أطلق‪ ،‬أو شك هل قصد التحرم وحده أم ل‪ ،‬أو‬
‫قصد التحرم وحده يقينًا‪ ،‬لكن لم يتم التكبـير إل بعد وصوله إلى محل ل تجزىء فيه القراءة‪ .‬ومن‬
‫شروط التكبـير وهو تمام العشرين قرن النية به حقيقة أو عرفًا مع الستحضار الحقيقي أو‬
‫العرفي‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن لهم مقارنة حقيقية‪ ،‬ومقارنة عرفية‪ ،‬واستحضارًا حقيقيًا‪ ،‬واستحضارًا عرفيًا‪:‬‬
‫ل‪ .‬والستحضار العرفي‪ :‬أن‬ ‫فالستحضار الحقيقي‪ :‬أن يستحضر جميع أركان الصلة تفصي ً‬
‫ل‪ ،‬ويكفي في ذلك القصد والتعيـين ونية الفرضية كما قاله الحفني‬ ‫يستحضر أركان الصلة إجما ً‬
‫ل عن شيخ السلم ‪ .‬قال الشيخ منصور الطوخي ‪ :‬هذا مذهب الشافعي ‪ ،‬ومعلوم أن‬ ‫ل مسلس ً‬‫نق ً‬
‫اشتراط المور الثلثة في الستحضار العرفي إنما هو في الفرض‪ ،‬أما النفل المؤقت أو ذو‬
‫السبب فيشترط فيه القصد والتعيـين فقط‪ ،‬وأما النفل المطلق فيشترط فيه القصد فقط‪ .‬والمقارنة‬
‫الحقيقية أن يقرن هذا المستحضر بجميع أجزاء التكبـير من أّوله إلى آخره‪ ،‬والمقارنة العرفية أن‬
‫يقرن هذا المستحضر بجزء من أجزاء التكبـير‪ .‬واختار بعض الفاضل الكتفاء بالستحضار‬
‫العرفي والمقارنة العرفية وهو اللئق بمحاسن الشريعة‪ ،‬والوسوسة عند تكبـيرة الحرام من‬
‫تلعب الشيطان وهي تدل على خبل في العقل أو جهل في الدين‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وكان الستاذ أبو الحسن الشاذلي يعلم أصحابه لدفع الوسواس والخواطر الرديئة ويقول لهم‪ :‬من‬
‫أحس بذلك فليضع يده اليمنى على صدره وليقل‪ :‬سبحان الملك القدوس الخلق الفعال سبع مرات‬
‫ثم يقل‪} :‬إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على ال بعزيز{ ))‪ (35‬فاطر‪ :‬الية ‪16‬‬
‫ـــــ ‪ (17‬يقول ذلك المصلي قبل الحرام‪ ،‬ولو كبر للحرام تكبـيرات ناويًا بكل منها الفتتاح دخل‬
‫في الصلة بالوتار‪ ،‬وخرج بالشفاع هذا إن لم ينو بـينهما خروجًا أو افتتاحًا ولم يحصل منه‬
‫ترّدد في النية مع طول‪ ،‬وإل فيخرج بالنية ويدخل بالتكبـير‪ ،‬فإن لم ينو بغير الولى شيئًا لم يضر‬
‫لنه ذكر فل تبطل به صلته هذا كله مع العمد‪ ،‬أما مع السهو‪ :‬كأن نسي كونه أحرم أّول فكبر‬
‫قاصدًا الحرام فل بطلن‪ .‬ولو شك في أنه أحرم أّول فأحرم قبل أن ينوي الخروج من الصلة لم‬
‫تنعقد هذه النية لنه شك في هذه النية أنها شفع أو وتر فل تنعقد الصلة مع الشك‪ ،‬هذا إذا كان قبل‬
‫طول الفصل‪ ،‬فإن طال بطلت صلته للترّدد‪ ،‬أما إن علم عن قرب أنه أحرم قبل تبـين انعقاد‬
‫صلته وإل فل‪ ،‬وهذا من الفروع النفيسة‪.‬‬
‫ن جزم رائه( أي التكبـير ول يضر ضم الراء خلفًا لجمع متأخرين تبعًا للجيلي )و( سنّ‬ ‫)وس ّ‬
‫للمصلي ولو امرأة )رفع كفيه( وإن اضطجع )بكشف( لهما )حذو منكبـيه مع تحرم( للصلة‬
‫بالجماع )و( عند هوي إلى )ركوع و( عند )رفع منه( أي الركوع )و( عند قيام )من تشهد أّول(‬
‫ن فيه الرفع‪،‬‬ ‫وكذا عند القيام من جلسة الستراحة على المعتمد بخلف القيام من السجود فل يس ّ‬
‫فإن ترك الرفع فيما أمر به أو فعله لم يؤمر به كره‪ ،‬ويبتدىء التحرم من ابتداء الرفع وينهيه عند‬
‫غاية الرفع‪ ،‬ورفع الركوع يكون قبل الهوي بحيث يهوي بعد تمام الرفع‪ ،‬والرفع المطلوب عند‬
‫ل أرسلهما إرسا ً‬
‫ل‬ ‫رفعه من الركوع يبتدىء مع ابتداء رفع رأسه من الركوع‪ ،‬فإذا استوى معتد ً‬
‫خفيفًا تحت صدره وفوق سرته وهكذا بعد كل رفع من ذلك إل في رفع الهوي للركوع وكذا في‬
‫الرفع للعتدال عند ابن حجر و الرملي ‪ ،‬والحكمة في هذا الرفع الشارة إلى رفع الحجاب بـين‬
‫العبد وربه‪ .‬وقال الشافعي ‪ :‬وحكمته إعظام جلل ال تعالى ورجاء ثوابه‪ ،‬وأكمله أن تحاذي‬
‫أطراف أصابعه أعلى أذنيه وإبهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبـيه مع تفريق الصابع تفريقًا‬
‫وسطًا وإمالتها للقبلة ويحصل أصل السنة بفعل بعض ذلك‪.‬‬
‫ثم للصابع ست حالت‪ :‬إحداها‪ :‬حالة الرفع في تحرم‪ ،‬وركوع‪ ،‬واعتدال‪ ،‬وقيام من تشهد أّول أو‬
‫من جلسة استراحة فيندب تفريقها‪ .‬ثانيتها‪ :‬حالة قيام من غير تشهد أّول ومن غير جلسة استراحة‬
‫فل تفرق‪ .‬ثالثتها‪ :‬حالة ركوع فيندب تفريقها على الركبتين‪ .‬رابعتها‪ :‬حالة سجود فتضم وتوجه‬
‫للقبلة‪ .‬خامستها‪ :‬حالة جلوس بـين السجدتين فالصح أنه كالسجود‪ .‬سادستها‪ :‬حالة الجلوس للتشهد‬
‫فاليمين مقبوضة الصابع إل المسبحة واليسرى مبسوطة والصح فيها الضم‪) .‬ووضعهما( أي‬
‫الكفين )تحت صدره آخذًا بـيمينه يساره( أي قابضًا كوع يساره بكفه اليمنى ويجعلهما تحت‬
‫ل‪ ،‬لخبر مسلم عن وائل‪» :‬أنه رفع يديه حين دخل‬ ‫صدره وفوق سرته مائلتين إلى جهة يساره قلي ً‬
‫في الصلة ثم وضع يده اليمنى على اليسرى« ‪) .‬و( ثالثها )قيام قادر في فرض( وخرج بالفرض‬
‫ل ل بّد فيها‬‫النفل فليس القيام ركنًا فيه لكنه فيه أفضل من القعود‪ ،‬نعم الصلة المعادة وإن كانت نف ً‬
‫من القيام‪ ،‬ومثل ذلك ما لو صلى الصبـي إحدى الخمس فل بّد فيها من القيام وإن كانت صلة‬
‫ل‪.‬‬
‫الصبـي تقع له نف ً‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( خرج بالقادر العاجز فيجوز )لعاجز شق عليه قيام( كأن حصل له بالقيام مشقة تذهب الخشوع‬
‫أو كماله )صلة قاعدًا( ومن ذلك ما لو خاف راكب السفينة غرقًا أو دوران الرأس لو صلى من‬
‫قيام‪ ،‬وكذا لو كان به سلس بول‪ ،‬ولو قام سال بوله ولو قعد لم يسل‪ ،‬أو قال طبـيب ثقة لمن بعينه‬
‫ماء إن صليت مستلقيًا أمكنت مداواتك فله ترك القيام في الجميع ويفعل مقدوره ول إعادة عليه‪.‬‬
‫وشرط القيام نصب ظهر المصلي ولو كان مستندًا إلى شيء ولو تحامل عليه‪ ،‬ولو كان بحيث لو‬
‫زال ما استند عليه لسقط هو بشرط استقراره على مكان وقوفه‪ ،‬بخلف ما إذا كان يمكنه رفع‬
‫ل إلى‬ ‫قدميه فل يصح لنه ليس قائمًا بل معلق نفسه‪ ،‬فلو وقف منحنيًا إلى قّدامه أو خلفه‪ ،‬أو مائ ً‬
‫يساره أو يمينه بحيث ل يسمى قائمًا ل يصح قيامه‪ ،‬والنحناء المضر أن يصير إلى أقل الركوع‬
‫أقرب منه إلى القيام‪ ،‬فإن عجز عن ذلك وصار كراكع لكبر أو غيره وقف كذلك‪ ،‬وزاد وجوبًا‬
‫انحناءه لركوعه إن قدر على الزيادة ليتميز الركنان‪ ،‬ولو عجز عن الركوع والسجود وقدر على‬
‫القيام لزمه القيام‪ ،‬ويجب أن يفعل مقدوره في النحناء لركوعه وسجوده فإن عجز فبرقبته‬
‫ورأسه‪ ،‬فإن عجز أومأ إليهما بأجفانه‪ ،‬ولو قدر على القيام لكن بمعين أو عكازة وجب ولو بأجرة‬
‫مثل للمعين‪ ،‬لكن ل يجب المعين إل إذا كان يحتاج إليه في النهوض فقط ولو من كل ركعة‪،‬‬
‫بخلف ما إذا كان يحتاج إلى المعين في دوام قيامه فإنه ل يجب‪ ،‬وأما العكازة فتجب مطلقًا‪،‬‬
‫والفرق بـينهما المشقة في الولى دون الثانية‪ ،‬وحيث عجز عن القيام قعد كيف شاء‪ ،‬والفتراش‬
‫ل وجهه ومقّدم بدنه للقبلة‪،‬‬
‫أفضل من غيره‪ ،‬فإن عجز عن القعود اضطجع على جنبه جاع ً‬
‫والفضل اليمن‪ ،‬فإن عجز عن الضطجاع استلقى على ظهره رافعًا رأسه بشيء ليتوجه بوجهه‬
‫ل أخمصيه للقبلة‪ ،‬ويركع ويسجد بقدر إمكانه فلو قدر على‬ ‫إلى القبلة‪ ،‬وكذا يرفع قدميه جاع ً‬
‫الركوع فقط كرره للسجود‪ ،‬ولو قدر على زيادة على أكمل الركوع تعينت تلك الزيادة للسجود؛‬
‫لن الفرق بـينهما واجب على الممكن‪ ،‬فإن عجز عن ذلك أومأ برأسه‪ ،‬ويجعل السجود أخفض‬
‫من الركوع لما تقدم‪ ،‬فإن عجز أومأ بأجفانه‪ ،‬ول يجب في هذا جعل السجود أخفض من الركوع‬
‫لعدم ظهوره‪ ،‬فإن عجز أجراهما على قلبه‪ ،‬وكذا لو عجز عن الصلة كلها فإنه يجري أفعالها‬
‫وأقوالها على قلبه بأن يمثل نفسه قائمًا وقارئًا وراكعًا إلى آخره ول إعادة عليه‪ ،‬ول تسقط عنه‬
‫الصلة ما دام عقله ثابتًا‪.‬‬
‫وعلم مما تقدم أن من قدر على اليماء ل يكفيه الجراء ول يجب عليه جمعه مع اليماء وهو‬
‫كذلك‪) .‬كمتنفل( فله صلة النفل قاعدًا ولو مع القدرة على القيام كما تقدم‪ ،‬وهذا عام في جميع‬
‫ن فيه الجماعة كصلة العيدين وحتى رواتب الفرائض‪ ،‬وكذا له صلة‬ ‫النوافل حتى النفل الذي تس ّ‬
‫النفل مضطجعًا ولو مع القدرة على القعود‪ ،‬ويجب عليه الجلوس للركوع والسجود بـين‬
‫السجدتين‪ .‬نعم مصلى النفل قاعدًا له نصف أجر القائم‪ ،‬ومصليه مضطجعًا له نصف أجر القاعد‬
‫إذا كان مع القدرة‪ ،‬أما مع العجز فل ينقص أجره‪ ،‬ول يجوز الستلقاء إل إذا عجز عن جميع ما‬
‫تقدم‪ ،‬فإن استلقى مع إمكان القيام أو القعود أو الضطجاع فل تصح صلته‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( رابعها‪) :‬قراءة فاتحة كل ركعة( في قيامها أو بدله )إل ركعة مسبوق( بها حقيقة‪ :‬كأن وجد‬
‫المام راكعًا أو حكمًا كأن زحم عن السجود فتسقط الفاتحة أو بعضها عن القادر عليها في ركعة‬
‫مسبوق‪ ،‬وهو من لم يدرك مع المام زمنًا يسع الفاتحة بالنسبة للوسط المعتدل ل بالنسبة لقراءته‬
‫ول لقراءة إمامه فإنه إذا جاء ووجد المام راكعًا أحرم وركع خلفه‪ ،‬ويتحمل عنه إمامه الفاتحة‬
‫ل للتحمل‪ :‬بأن ل يكون محدثًا‪ ،‬ول في ركعة زائدة‪ ،‬ول في الركوع الثاني‬ ‫كلها بشرط أن يكون أه ً‬
‫من صلة الكسوف‪ .‬نعم إن اطمأن يقينًا قبل رفع المام عن أقل الركوع أدرك الركوع‪ ،‬وإن لم‬
‫ك في ذلك فاتته الركعة فيتداركها بعد سلم إمامه‪ ،‬وإذا جاء قبل ركوع المام وأحرم‬ ‫يطمئن أو ش ّ‬
‫خلفه ولم يشتغل بسنة كدعاء افتتاح قرأ ما أمكنه من الفاتحة‪ ،‬وإذا ركع إمامه ركع معه ويتحمل‬
‫ل للتحمل كما مّر‪ ،‬فإن لم يركع مع إمامه فاتته الركعة فيوافق‬ ‫عنه المام باقي الفاتحة إن كان أه ً‬
‫المام فيما هو فيه ول يجري على نظم صلة نفسه‪ ،‬ول تبطل صلته إل إذا تخلف عن المام‬
‫بركنين فعليـين بل عذر هذا إن لم ينو المفارقة‪ ،‬وإل صار منفردًا فيجري على نظم صلة نفسه‪،‬‬
‫ن أنه يدرك المام في الركوع وأن الشتغال بالسنة ل يؤخره عن‬ ‫فإن اشتغل بسنة فإن كان يظ ّ‬
‫ذلك فتبـين خلف ظنه وجب عليه أن يتخلف حتى يأتي من الفاتحة بقدر ما أتى به من السنة‪ ،‬فإذا‬
‫ن معه يقينًا أدرك الركعة وإل فاتته ويتدراكها بعد‬ ‫فرغ من ذلك وأدرك المام في الركوع واطمأ ّ‬
‫سلم إمامه‪ ،‬وإذا رفع المام من الركوع قبل أن يكمل المأموم ما عليه فاتته الركعة أيضًا فل‬
‫يجري على نظم صلة نفسه‪ ،‬بل يوافق المام فيما هو فيه بعد تكميل ما عليه ما لم يسبق بركنين‬
‫ي للسجود قبل أن يكمل المأموم ما عليه وجب عليه نية المفارقة وإل‬ ‫فعليـين‪ ،‬فلو أراد المام الهو ّ‬
‫ن أنه ل يدرك المام في الركوع لو اشتغل بالسنة‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫بطلت صلته‪ ،‬وإن كان المسبوق يظ ّ‬
‫اشتغل بها كدعاء الفتتاح فإنه يجب عليه التخلف كما مّر‪ ،‬لكن تجب عليه نية المفارقة قبل رفع‬
‫المام من الركوع‪ ،‬وإل حرم عليه ول تبطل صلته إل إذا تخلف بركنين فعليـين بل نية مفارقة‪،‬‬
‫ن معه في ركوعه‪ ،‬ولما أتّم الركعة وقام وجد إمامًا غيره‬ ‫ولو اقتدى بإمام راكع فركع واطمأ ّ‬
‫ن معه‪ ،‬وهكذا إلى آخر صلته جاز‪ ،‬وعلى‬ ‫راكعًا فنوى مفارقة هذا واقتدى بالخر وركع واطمأ ّ‬
‫هذا فيمكن سقوط الفاتحة عنه في جميع الركعات‪ ،‬ولو اقتدى بإمام سريع القراءة على خلف‬
‫العادة‪ ،‬والمأموم معتدلها‪ ،‬وكان في قيام كل ركعة ل يدرك مع المام زمنًا يسع الفاتحة من الوسط‬
‫المعتدل فهو مسبوق في كل ركعة فيقرأ من الفاتحة ما أدركه‪ ،‬وإذا ركع إمامه ركع معه وسقط‬
‫عنه باقي الفاتحة لتحمل المام له‪ ،‬وعلى هذا فيمكن سقوط بعض الفاتحة عنه في كل ركعة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫ب العالمين إلى آخرها ست آيات‪،‬‬ ‫وتجب الفاتحة )مع( قراءة )بسملة( فإنها آية‪ ،‬والحمد ل ر ّ‬
‫فالجملة سبع آيات‪ ،‬والبسملة آية من كل سورة إل براءة‪) .‬و( مع )تشديدات( أربع عشرة‪ ،‬فلو‬
‫خفف تشديدة منها فإن غير المعنى وتعمد وعلم بطلت صلته كتخفيف إياك‪ ،‬بل إن اعتقد معناه‬
‫ل أو كان التخفيف ل يغير‬ ‫كفر‪ ،‬لن إيا بالقصر مخففًا اسم لضوء الشمس‪ ،‬وإن كان ناسيًا أو جاه ً‬
‫المعنى لم تبطل صلته بل تبطل قراءته فيجب عليه أن يعيدها على الصواب قبل الركوع وإل‬
‫بطلت صلته‪ ،‬ول بد من كونه قادرًا على الصواب ولو بالتعلم‪) .‬و( مع )رعاية( عدد )حروف(‬
‫وهي مائة وأحد وأربعون حرفًا على قراءة ملك بغير ألف‪ ،‬لكن الفضل باللف لن الحرف‬
‫الواحد بعشر حسنات فل يجوز نقص حرف من ذلك العدد‪ .‬وحروف الفاتحة مع تشديداتها مائة‬
‫وخمسة وخمسون حرفًا‪ ،‬لن الحرف المشدد محسوب بحرفين‪) .‬و( تجب الفاتحة مع رعاية‬
‫)مخارجها( فلو أبدل حرفًا بغيره فإن كان يغير المعنى بأن ينقل الكلمة إلى معنى آخر أو يصير‬
‫ل‪ ،‬وكان مع العمد والعلم‬ ‫الكلمة ل معنى لها‪ :‬كإبدال حاء الحمد هاء أو إبدال ذال الذين زايًا أو دا ً‬
‫بالتحريم بطلت صلته‪ ،‬وإن كان ل يغير المعنى كالعالمون بدل العالمين لم تبطل صلته‪ ،‬بل‬
‫تبطل قراءته لتلك الكلمة‪ ،‬فإن لم يعدها على الصواب قبل الركوع وركع عامدًا بطلت صلته‪،‬‬
‫وبعضهم قال‪ :‬إن البدال مع العمد والعلم والقدرة على الصواب مبطل للصلة مطلقًا وإن لم يغير‬
‫المعنى كالعالمون لنها كلمة أجنبـية‪ .‬وأما اللحن في الفاتحة‪ ،‬والمراد به تغير شيء من حركاتها‬
‫أو سكناتها ل خصوص اللحن في اصطلح النحويـين‪ :‬وهو تغيـير العراب والخطأ فيه‪ ،‬فالمراد‬
‫هنا ما هو أعم من ذلك‪ ،‬فإن غير المعنى كضم تاء أنعمت أو كسرها‪ ،‬فإن تعمد وعلم بطلت‬
‫ل بالتحريم بطلت قراءته فيجب عليه إعادتها على‬ ‫صلته‪ ،‬وإن كان ناسيًا أنه في الصلة أو جاه ً‬
‫الصواب قبل الركوع‪ ،‬وإل بطلت صلته كما تقدم‪ ،‬هذا كله إن كان قادرًا على الصواب ولو‬
‫بالتعلم كما تقدم‪ ،‬فإن كان عاجزًا عن الصواب وعن تعلمه فصلته صحيحة في نفسه وتصح‬
‫إمامته لمثله‪ ،‬وإن كان البدال ل يغير المعنى كضم هاء الحمد ل‪ ،‬أو ضم صاد الصراط‪ ،‬أو كسر‬
‫باء نعبد أو فتحها‪ ،‬أو كسر نونها فل تبطل به الصلة مطلقًا‪ ،‬لكن يحرم عليه ذلك مع العمد والعلم‬
‫من حيث كونه قرآنًا‪ ،‬ولو نطق القادر على الصواب بالقاف كما تنطق به أجلف العرب صح مع‬
‫الكراهة‪ ،‬وتجب الفاتحة مع رعاية ترتيبها بأن يأتي بها على نظمها المعروف لنه مرجع مناط‬
‫البلغة والعجاز‪ ،‬فلو ترك الترتيب كأن بدأ بنصفها الثاني لم يعتد به مطلقًا‪ ،‬ثم إذا أتى بنصفها‬
‫الّول بعد ذلك ولم يقصد به التكميل على ما أتى به بأن قصد الستئناف أو أطلق اعتد به بشرط‬
‫أن يكمل عليه باقي الفاتحة من غير فصل طويل‪ ،‬أو كان بعذر ولو طال وإل لم يعتد به‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( مع رعاية )موالة( بأن يأتي بكلماتها على الولء )فيعيد( الفاتحة )بتخلل ذكر أجنبـي( غير‬
‫ل كحمد عاطس وإجابة مؤذن )ل بتأمين وسجود( لتلوة إمامه سجده‬ ‫متعلق بالصلة وإن كان قلي ً‬
‫مع إمامه )ودعا( أمن سؤال رحمة واستعاذة من عذاب‪ ،‬ول بقول‪ :‬بلى وأنا على ذلك من‬
‫ن فيها ذلك )و(‬
‫الشاهدين ول بقول‪ :‬سبحان ربـي العظيم أو غير ذلك )لقراءة إمام( الية التي يس ّ‬
‫ل بـ)فتح عليه( أي المام عند توقفه وسكوته‪ ،‬والفتح تلقين الية فل يرّد عليه ما دام يرّددها‪ ،‬فإن‬
‫فتح عليه حينئذ انقطعت الموالة‪) .‬و( يعيد الفاتحة )بسكوت طال( مطلقًا بأن زاد على سكتة‬
‫الستراحة والعياء لشعاره بالعراض أو قصر إن قصد بالتقصير قطع القراءة لعراضه عنها‬
‫حقيقة لقتران الفعل بنية القطع )بل عذر( في مسألتي ذكر أجنبـي وسكوت طويل‪ ،‬بخلف ذلك‬
‫ل لتذكرها فإنه ل يؤثر في‬ ‫مع النسيان فل يقطع الموالة بل يبني‪ ،‬فلو نسي آية فسكت طوي ً‬
‫الموالة كما قاله القاضي وغيره‪ ،‬ولو كرر آية منها للشك أو التفكر أول لسبب عمدًا فالصح أنه‬
‫يبني‪) .‬ول أثر لشك في حرف بعد تمامها( أي الفاتحة لن الظاهر حينئذ مضيها تاّمة‪ ،‬ولن الشك‬
‫ن‪.‬‬
‫في حروفها يكثر لكثرتها‪ ،‬فعفى عنه للمشقة فاكتفى فيها بغلبة الظ ّ‬
‫)واستأنف( وجوبًا إذا شك في بعضها )قبله( أي التمام كالشك في أصل القراءة فإنه يوجب‬
‫استئنافها ولو بعد تمام الفاتحة‪ ،‬لن الصل عدم قراءتها‪ ،‬والوجه إلحاق التشهد بها فيما ذكر ل‬
‫سائر الركان فإنه إذا شك فيها أو في صفتها وجب إعادتها مطلقًا فورًا‪ ،‬ومن ذلك ما لو شك في‬
‫شيء من العضاء السبعة هل وضعه أول فيعيد السجود‪ ،‬وإن كان الشك بعد الفراغ منه‪ :‬هذا إن‬
‫كان إمامًا أو منفردًا‪ ،‬ويعيد بعد سلم المام إن كان مأمومًا حيث امتنع عليه الرجوع إليه بأن‬
‫تلبس مع المام بما بعده‪ ،‬فإن عجز المصلي عن جميع الفاتحة لعدم معلم أو مصحف أو نحو ذلك‬
‫وجب سبع آيات ولو متفرقة ل تنقص حروفها حروف الفاتحة سواء أفادت معنى منظومًا أم ل‪،‬‬
‫ول يلزمه إل التيان ببدل حروفها الموجودة في النطق دون الرسم‪ ،‬والمشدد بحرفين من الفاتحة‬
‫والبدل‪ ،‬ومن يحسن بعض الفاتحة يأتي بها وببدل الباقي‪ ،‬ويجب الترتيب بـين الصل والبدل‪ ،‬فلو‬
‫كان يحسن أّول الفاتحة أتى به أّول ثم يأتي ببدل الباقي‪ ،‬وإن كان يحسن آخر الفاتحة أتى ببدل‬
‫الّول ثم يأتي بآخرها‪ ،‬وإن كان يحسن وسطها أتى ببدل الّول ثم يأتي بالوسط الذي يحسنه ثم‬
‫يأتي ببدل الخر‪ ،‬فإن عجز عن القرآن أتى بسبعة أنواع من الذكر أو الدعاء ل تنقص حروفها‬
‫عن حروف الفاتحة‪ ،‬ويجب تعلق الدعاء بالخرة إن عرف ذلك‪ ،‬وإل أتى بدعاء دنيوي فل يعدل‬
‫إلى الدنيوي إل إذا عجز عن الخروي ولو بغير العربـية‪ ،‬فإن عجز عن ذلك كله لزمه وقفة قدر‬
‫الفاتحة في ظنه لن القيام ركن في نفسه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن لبنائها على‬‫ن بعد تحرم( وقبل تعّوذ )افتتاح( وذلك في غير صلة الجنازة‪ ،‬أما فيها فل يس ّ‬ ‫)وس ّ‬
‫التخفيف‪ ،‬وله صيغ كثيرة‪ :‬منها‪ :‬وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض حنيفًا مسلمًا وما أنا‬
‫من المشركين إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل رب العالمين ل شريك له وبذلك أمرت وأنا‬
‫من المسلمين‪ .‬ومنها‪ :‬الحمد ل حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه‪ .‬ومنها‪ :‬ال أكبر كبـيرًا والحمد ل‬
‫ل‪ .‬ومنها‪ :‬اللهم باعد بـيني وبـين خطاياي كما باعدت بـين المشرق‬ ‫كثيرًا وسبحان ال بكرة وأصي ً‬
‫والمغرب‪ ،‬اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب البـيض من الدنس‪ ،‬اللهم غسلني من خطاياي‬
‫بالماء والثلج والبرد‪ .‬ومنها‪ :‬اللهم أنت الملك ل إله إل أنت‪ ،‬أنت ربـي وأنا عبدك ظلمت نفسي‬
‫واعترفت بذنبـي فاغفر لي ذنوبـي جميعًا فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت واهدني لحسن الخلق‪،‬‬
‫ل يهدي لحسنها إل أنت‪ ،‬واصرف عني سيئها ل يصرف عني سيئها إل أنت‪ ،‬لبـيك وسعديك‪،‬‬
‫والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك‪ ،‬تباركت ربنا وتعاليت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬غير ذلك‪ ،‬وبأيها افتتح حصلت السنة‪.‬‬
‫ن الجمع بـينها لمنفرد وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل )ما لم يجلس مأموم وإن خاف‬ ‫ويس ّ‬
‫ن دعاء الفتتاح إل بشروط أربعة‪ :‬أن يكون في غير صلة الجنازة ولو على‬ ‫فوت سورة( ول يس ّ‬
‫قبر أو غائب خلفًا لبن العماد ‪ ،‬وأن يحرم في وقت يسع الصلة‪ ،‬وأن ل يخاف المأموم فوت‬
‫لل‬ ‫بعض الفاتحة لو اشتغل به‪ ،‬وأن ل يدرك المام في غير القيام‪ ،‬فإن أدركه في العتدال مث ً‬
‫يفتتح‪ ،‬ويفوت دعاء الفتتاح بالشروع فيما بعده عمدًا أو سهوًا‪ ،‬وخرج بذلك ما لو سبق لسانه فل‬
‫ن بعد دعاء الفتتاح وبعد تكبـير صلة العيد )تعّوذ( للقراءة )كل ركعة( وله‬ ‫يفوت‪) .‬فـ( ـيس ّ‬
‫ن التعّوذ في صلة الجنازة‪ ،‬وفيما لو اقتدى بإمام جالس‬ ‫شروط دعاء الفتتاح المتقدمة آنفًا‪ .‬نعم يس ّ‬
‫وجلس معه‪ ،‬فيأتي به بعد قيامه لنه للقراءة‪ ،‬بخلف دعاء الفتتاح في ذلك ول يأتي به إل بعد‬
‫ن السرار به في الصلة‬ ‫تمام النتصاب‪ ،‬فلو أتى به نهوضه للقيام ل يحسب وكان مكروهًا‪ ،‬ويس ّ‬
‫مطلقًا‪ :‬أي سواء كانت سرية أو جهرية‪ ،‬وكذا دعاء الفتتاح‪.‬‬
‫وأما التعّوذ للقراءة خارج الصلة فإنه تابع للقراءة سرًا وجهرًا‪ ،‬ويفوت التعّوذ بالشروع فيما بعده‬
‫عمدًا أو سهوًا ل بسبق اللسان‪ ،‬وأفضل صيغ التعّوذ على المعتمد‪ :‬أعوذ بال من الشيطان الرجيم‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬أعوذ بال السميع العليم من الشيطان الرجيم‪ ،‬ويحصل أصل السنة بالتيان ببعضه‪ ،‬ولو‬
‫ن التعّوذ له‪ .‬وظاهر هذا أنه‬
‫ن التعّوذ للبدل حتى لو كان بدلها نفس التعّوذ س ّ‬ ‫عجز عن الفاتحة س ّ‬
‫ن ابتداؤه بالبسملة‪ ،‬ويمكن أن يوجه‬ ‫يتعّوذ للبدل ولو كان ذكرًا محضًا مع أن الذكر المحض ل يس ّ‬
‫ل عن القراءة أعطى حكمها‪) .‬و( سن )وقف على رأس كل آية منها( أي الفاتحة‪.‬‬ ‫بأنه لما كان بد ً‬
‫وقال ابن حجر في فتح الجواد‪ :‬والولى أن يصل بـين البسملة والحمدلة‪ .‬نعم الفضل الوقف على‬
‫رأس كل آية من بقية الفاتحة للتباع والولى أن ل يقف على أنعمت عليهم‪ ،‬لنه ليس بوقف تام‬
‫ول منتهى آية عندنا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فرع‪ :‬من سنن الهيئات الجهر في موضعه والسرار في موضعه‪ ،‬فالجهر في الصبح‪ ،‬والجمعة‬
‫ل‪ ،‬أو‬
‫والعيدين‪ ،‬وخسوف القمر‪ ،‬والستسقاء‪ ،‬والتراويح‪ ،‬ووتر رمضان‪ ،‬وركعتي الطواف لي ً‬
‫وقت الصبح‪ ،‬وأولتي العشاءين‪ ،‬والسرار في غير ذلك إل نوافل الليل المطلقة فيتوسط فيها بـين‬
‫ل أو نحو ذلك‪،‬‬ ‫الجهر والسرار بحيث يسّر تارة ويجهر أخرى ما لم يشّوش على نائم أو مص ّ‬
‫ل ويسر في‬ ‫والعبرة في قضاء الصلة بوقت القضاء على المعتمد فيجهر في قضاء الظهر لي ً‬
‫ل أو‬‫قضاء العشاء نهارًا‪ ،‬ومثل الليل وقت الصبح لنه وقت جهر‪ ،‬فلو قضى صلة الضحى لي ً‬
‫وقت صبح جهر‪ .‬نعم صلة العيدين جهرية قضاء وأداء‪ ،‬ووتر غير رمضان‪ .‬ورواتب الفرائض‬
‫سرية أداء وقضاء وجهر المرأة دون جهر الرجل‪ .‬نعم ل تجهر بحضرة الرجال الجانب ومثلها‬
‫ن )تأمين( أي قول آمين )عقبها( أي الفاتحة أو عقب بدلها إن تضمن دعاء‪ ،‬ولو‬ ‫الخنثى‪) .‬و( س ّ‬
‫فصله عن الفاتحة بذكر آخر فاته‪ .‬نعم يستثنى نحو‪ :‬رب اغفر لي‪ ،‬ومثل الذكر في ذلك السكوت‬
‫الطويل‪ ،‬بخلف السكوت اليسير فإنه سنة بـين آمين والفاتحة أو بدلها‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬السكتات المطلوبة في الصلة ست‪ :‬سكتة بـين تكبـيرة الحرام ودعاء الفتتاح وسكتة بـين‬
‫دعاء الفتتاح والتعّوذ‪ ،‬وسكتة بـين التعّوذ والفاتحة أو بدلها‪ ،‬وسكتة بـين الضالين وآمين‪ .‬وسكتة‬
‫بـين آمين والسورة‪ ،‬وسكتة بـين السورة والركوع‪ .‬وكلها بقدر سبحان ال إل سكوت المام بـين‬
‫آمين والسورة فإنه بقدر قراءة المأموم الفاتحة‪ ،‬والولى للمام أن يشتغل حينئذ بدعاء أو قراءة‬
‫سرًا فالقراءة أولى وحينئذ يكون تسمية ذلك سكوتًا بحسب الظاهر فقط‪ .‬والتأمين تابع للفاتحة سرًا‬
‫ن للمأموم أن يؤّمن في الجهرية )مع إمامه إن سمع( قراءة المام وإل فل يؤّمن‬ ‫وجهرًا‪) .‬و( يس ّ‬
‫ن له التأمين وليس في‬ ‫فخرج ما لو كان خارج الصلة فسمع قراءة غيره من إمام ومنفرد فل يس ّ‬
‫ن مقارنة المام فيه إل هذا فإن لم تتفق له مقارنته أمن عقبه‪ ،‬ولو تأخر المام عن‬ ‫الصلة ما تس ّ‬
‫الزمن المسنون فيه التأمين أّمن المأموم‪ ،‬ولو قرأ المأموم مع المام وفرغا معًا كفاه تأمين واحد‪،‬‬
‫وإن فرغ المأموم قبل المام أمن لنفسه ثم يؤّمن للمتابعة ول ينتظره على المعتمد‪ ،‬وإن فرغ‬
‫المام قبله أّمن معه للمتابعة ثم يؤّمن لنفسه عقب قراءته‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬الحوال التي يجهر فيها المأموم خلف المام خمسة‪ :‬حالة تأمينه مع إمامه‪ ،‬وحالة دعاء‬
‫المام في قنوت الصبح‪ .‬وفي قنوت الوتر في النصف الخير من رمضان‪ .‬وفي قنوت النازلة في‬
‫الصلوات الخمس‪ ،‬وحالة فتحه على إمامه‪ .‬وما عدا ذلك يسر فيه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن قراءة شيء من القرآن وهو )آية( فأكثر‪ ،‬والكمل ثلث‪ ،‬والوجه حصول أصل السنة‬ ‫)و( س ّ‬
‫بما دون آية إن أفاد كما قال الرملي وابن حجر )بعدها( أي الفاتحة في صلة فرض أو نفل )و(‬
‫ن تطويل قراءة‬‫ذلك )في الوليـين( ل في ثالثة الرباعية ورابعتها‪ ،‬ول في ثالثة المغرب‪ .‬ويس ّ‬
‫الولى على الثانية‪ ،‬وأن يكون على ترتيب المصحف والسورة أفضل من بعض سورة إن كان‬
‫قدرها أو أقل‪ ،‬فإن كان أكثر فهو أفضل منها على المعتمد ومحل أفضلية السورة على البعض في‬
‫غير المواضع التي ورد فيها البعض كالتروايح فإن السنة فيها الصلة بجميع القرآن فيجزئه على‬
‫الليالي بحيث يكون آخر الختمة منطبقًا على آخر ليلة في الشهر وكركعتي الفجر فإن السنة فيهما‬
‫قراءة آيتي البقرة وآل عمران‪ ،‬ولو كّرر سورة في الركعتين حصل أصل سنة القراءة وتكفي‬
‫فواتح السور نحو‪ :‬الم‪ ،‬وص‪ ،‬وق‪ ،‬ون )لغير مأموم سمع( ول سورة للمأموم في الجهرية بل‬
‫يستمع قراءة إمامه‪ ،‬فإن لم يسمعها لصمم أو بعد أو غيره قرأ سورة فأكثر إلى أن يركع المام إذ‬
‫سكوته ل معنى له‪ .‬وأما السرية فيقرأ فيها السورة لعدم سماعه قراءة إمامه ما لم يكن مسبوقًا وإل‬
‫ن للصبح طوال المفصل وللظهر قريب‬ ‫سقطت عنه السورة تبعًا لسقوط الفاتحة أو بعضها‪ .‬ويس ّ‬
‫منها وللعصر والعشاء أوساطه إن كان مقيمًا منفردًا أو إمام قوم محصورين راضين بالتطويل‪.‬‬
‫ن له شيء من‬ ‫أما المسافر فإنه يقرأ في صلته كلها بالكافرون والخلص‪ .‬وأما المأموم فل يس ّ‬
‫ن له‬
‫ذلك‪ .‬وأما إمام غير المحصورين ومثله إمام المحصورين غير الراضين بالتطويل فيس ّ‬
‫التخفيف‪ .‬وللمغرب قصاره‪ ،‬وابتداء المفصل الحجرات‪ ،‬وطواله من الحجرات إلى عّم وأوساطه‬
‫من عّم إلى الضحى‪ ،‬وقصاره من الضحى إلى الخر‪.‬‬
‫)وفي جمعة وعشائها الجمعة والمنافقون أو سبح وهل أتاك‪ ،‬وصبحها( في الركعة الولى )الم‬
‫تنزيل( السجدة تلي سورة لقمان‪) ،‬و( في الثانية )هل أتى( وهذا عام في إمام المحصورين‬
‫وغيره‪ ،‬ومثل ذلك‪ :‬ق‪ ،‬واقتربت في العيدين‪ .‬والفضل أن يقرأ السورتين بكمالهما وله القتصار‬
‫على بعض منهما ولو آية السجدة ولو بقصد السجود وإن لم يضق الوقت على المعتمد‪ .‬ولو قرأ‬
‫ن المحافظة على‬ ‫في الولى من صبح الجمعة هل أتى‪ ،‬وفي الثانية الم تنزيل وسجد صح‪ .‬وتس ّ‬
‫السجدة في صبح الجمعة‪ ،‬ول نظر لكون العامة قد تعتقد وجوبها خلفًا لمن نظر في ذلك‪) .‬و( في‬
‫ن هاتان السورتان للمسافر في صبح الجمعة وصبح‬ ‫)مغربها الكافرون والخلص( كما تس ّ‬
‫غيرها‪ ،‬لكن قال الونائي ‪ :‬والمعّوذتان للمسافر في صبحه أولى اهـ‪ .‬وقال المصنف في إرشاد‬
‫ن قراءة للمعّوذتين في مغرب السبت اهـ‪ .‬وقال محمد المصري في شرح أبـي شجاع‪:‬‬ ‫العباد‪ :‬وس ّ‬
‫والسنة أن يبدأ السورة بالبسملة لنها آية منها‪ ،‬وأن يقول قبل السورة إن كانت من الضحى إلى‬
‫ل يكبر هذا‬‫آخر القرآن‪ :‬ل إله إل ال وال أكبر‪ ،‬لما نقل عن الشافعي رضي ال عنه أنه سمع رج ً‬
‫التكبـير في الصلة‪ ،‬فقال له‪ :‬أحسنت وأصبت السنة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن للمصلي )تكبـير في كل خفض ورفع ل( في الرفع )من ركوع( فيقول فيه‪ :‬سمع ال لمن‬ ‫)و( س ّ‬
‫حمده )ومده( أي التكبـير من الفعل الذي انتقل منه إلى الحصول في المنتقل إليه‪ .‬ولو فصل‬
‫بـينهما بجلسة الستراحة وهذه يقال لها أذكار النتقالت‪ ،‬ويسّر بها كل من المام والمأموم‬
‫والمنفرد كأذكار الركان‪) .‬و( لكن لو توقف العلم بانتقالت المام على جهره بأذكار النتقالت‬
‫ن )جهر به( أي بالمذكور )لمام وكره( أي الجهر بذلك )لغيره( أي المام‪ ،‬فإن لم يبلغ صوت‬ ‫سّ‬
‫ن لبعضهم الجهر بذلك لسماع الباقي والمبلغ يجهر بما يجهر به المام‪،‬‬ ‫المام جميع المأمومين س ّ‬
‫ومنه‪ :‬سمع ال لمن حمده لنه من أذكار النتقالت ويسّر بما يسّر به المام‪ ،‬ومنه‪ :‬ربنا لك الحمد‬
‫في العتدال لنه من أذكار الركان ومخالفة ذلك من جهل الئمة والمبلغين‪.‬‬
‫)و( خامسها‪) :‬ركوع( وأقله في حق القائم المعتدل الخلقة أن ينحني )بانحناء( خالص ل انخناس‬
‫فيه )بحيث تنال راحتاه ركبتيه( يقينًا إذا أراد وضعهما عليهما وهو سنة‪ .‬والراحة‪ :‬بطن الكف‬
‫صرنا أو قطع شيء‬ ‫غير الصابع فل يحصل بانخناس ول به مع انحناء‪ ،‬ولو طالت يداه أو ق ُ‬
‫منهما لم يعتبر ذلك‪ ،‬فإن عجز عن ذلك إل بمعين ولو باعتماد على شيء أو انحناء على شقه‬
‫لزمه‪.‬‬
‫ن( في حق القائم ليكون ركوعه أكمل )تسوية ظهر وعنق( بحيث يصيران كالصفيحة‬ ‫)وس ّ‬
‫الواحدة ونصب ساقيه وفخذيه )وأخذ ركبتيه( مفرقتين بقدر شبر )بكفيه( وتفرقة أصابعه تفريقًا‬
‫وسطًا لجهة القبلة لنها أشرف الجهات‪ ،‬والعاجز ينحني قدر إمكانه‪ ،‬فإن عجز عن النحناء أص ً‬
‫ل‬
‫أومأ برأسه ثم بطرفه‪ .‬وأما الركوع في حق القاعد‪ ،‬فأقله أن تحاذي جبهته أمام ركبتيه‪ ،‬وأكمله أن‬
‫ن في الركوع )قول‪ :‬سبحان‬ ‫تحاذي محل سجوده‪ ،‬ومن عجز فعل مقدوره نظير ما تقدم‪) .‬و( س ّ‬
‫ن زيادة )وبحمده( ويحصل أصل السنة بمرة‪ ،‬والكمل أن يقولها‬ ‫ربـي العظيم( للتباع وتس ّ‬
‫)ثلثًا( وتكره الزيادة عليها لمام قوم غير محصورين أو كانوا غير راضين بالتطويل فإن كان‬
‫منفردًا أو إمام قوم محصورين راضين بالتطويل‪ ،‬فالكمل أن يقولها خمسًا‪ ،‬وأكمل منها سبعًا‪،‬‬
‫ن لمن ذكر أن يزيد على‬ ‫وأكمل منها تسعًا‪ ،‬وأكمل منها إحدى عشرة وهي نهاية المطلوب‪ .‬ويس ّ‬
‫ذلك‪ :‬اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبـي‬
‫وشعري وبشري وما استقلت به قدمي ل رب العالمين‪.‬‬
‫)و( سادسها )اعتدال( ولو لنافلة‪ ،‬ويحصل )بعود لبدء( أي لما كان عليه قبل ركوعه قائماً كان أو‬
‫ن أن يقول في رفعه( إلى العتدال )سمع ال لمن حمده( أي تقبل ال منه حمده‪،‬‬ ‫قاعدًا‪) .‬ويس ّ‬
‫ويحصل أصل السنة بقوله‪ :‬من حمد ال سمع له‪ ،‬ول فرق في ذلك بـين المام والمأموم والمنفرد‪.‬‬
‫ن )بعد انتصاب( أن يرسل يديه ويقول‪) :‬ربنا لك الحمد( أي ربنا استجب لنا ولك الحمد‬ ‫)و( يس ّ‬
‫ن أن يزيد بعد ذلك حمدًا كبـيرًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه )ملء السموات‬
‫على هدايتك إيانا‪ .‬ويس ّ‬
‫وملء الرض وملء ما شئت من شيء بعد( أي بعدهما‪ :‬كالعرش والكرسي وغيرهما مما ل‬
‫يعلمه غيره تعالى‪ ،‬ويجوز في ملء رفعه على الصفة ونصبه على الحال‪ :‬أي مالئًا لو كان الحمد‬
‫جسمًا‪ ،‬ويزيد منفرد وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل‪ :‬أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد‬
‫وكلنا لك عبد ل مانع لما أعطيت ول معطي لما منعت ول ينفع ذا الجد منك الجد‪ ،‬ومن‪ :‬بمعنى‬
‫عند‪ .‬والجد بفتح الجيم‪ :‬الغنى‪ .‬لكن لو كان العتدال محل قنوت وأراد من ذكر أن يقنت فإنه يأتي‬
‫بالقنوت بعد قوله‪ :‬وملء ما شئت من شيء بعد ول يأتي بباقي الذكر والمذكور‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن )قنوت بصبح( أي في اعتدال ركعته الثانية بعد إتيانه بالذكر الراتب خلفًا لبن الفركاح‬ ‫)و( س ّ‬
‫فإنه يقول ل يأتي بالذكر‪ ،‬والصل في ذلك ما ثبت عنه أنه لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق‬
‫الدنيا ‪) .‬و( في اعتدال الركعة الخيرة من )وتر نصف أخير من رمضان و( في اعتدال الركعة‬
‫الخيرة من )سائر مكتوبة( أي باقيها من الخمس )لنازلة( نزلت بالمسلمين ولو واحدًا تعدى نفعه‪:‬‬
‫كأسر العالم والشجاع‪ ،‬وسواء فيها الخوف من نحو عدّو ولو مسلمين‪ ،‬والقحط‪ ،‬والجراد‪ ،‬والوباء‪،‬‬
‫والطاعون‪ ،‬وقنوت النازلة ليس من البعاض لنه سنة في الصلة ل سنة منها‪ ،‬ويحصل القنوت‬
‫)بنحو( اللهم اغفر لي يا غفور وارحمني يا رحيم من كل ما يشتمل على دعاء وثناء‪ .‬فالدعاء‬
‫حصل باغفر وارحم‪ .‬والثناء حصل‪ :‬بغفور ورحيم‪ .‬ومثل ذلك آية تتضمن دعاء وثناء‪ :‬كآخر‬
‫سورة البقرة بشرط أن يقصد بها القنوت‪ .‬والفضل أن يأتي بالقنوت المشهور وهو‪) :‬اللهم اهدني‬
‫فيمن هديت الخ( أي القنوت وتتمته وعافني فيمن عافيت‪ ،‬وتولني فيمن توليت‪ ،‬وبارك لي فيما‬
‫أعطيت‪ ،‬وقني شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي ول يقضى عليك‪ ،‬وإنه ل يذل من واليت‪ ،‬ول يعز من‬
‫عاديت‪ ،‬تباركت ربنا وتعاليت فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك‪.‬‬
‫ن لمنفرد وإمام محصورين راضين بالتطويل أن يزيد على ذلك القنوت المروي عن سيدنا‬ ‫ويس ّ‬
‫عمر‪ ،‬وهو‪ :‬اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير‬
‫كله‪ ،‬نشكرك ول نكفرك‪ ،‬ونخلع ونترك من يفجرك‪ ،‬اللهم إياك نعبد‪ ،‬ولك نصلي ونسجد‪ ،‬وإليك‬
‫ن عذابك الجد بكسر الجيم‪ :‬أي الحق‬ ‫نسعى ونحفد‪ :‬أي نسرع‪ ،‬نرجو رحمتك ونخشى عذابك‪ ،‬إ ّ‬
‫بالكفار ملحق‪ ،‬بكسر الحاء‪ :‬أي لحق بهم اللهم عذب الكفرة والمشركين أعداء الدين‪ ،‬الذين‬
‫يصدون عن سبـيلك‪ ،‬ويكذبون رسلك‪ ،‬ويقاتلون أولياءك‪ .‬اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات‪،‬‬
‫والمسلمين والمسلمات‪ ،‬الحياء منهم والموات اللهم أصلح ذات بـينهم‪ ،‬وألف بـين قلوبهم‪،‬‬
‫واجعل في قلوبهم اليمان والحكمة‪ ،‬وثبتهم على ملة رسولك‪ ،‬وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي‬
‫عاهدتهم عليه‪ ،‬وانصرهم على عدّوك وعدّوهم إله الحق واجعلنا منهم‪ .‬ثم يأتي بالصلة والسلم‬
‫على النبـي وآله وصحبه فيقول‪ :‬وصلى ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بصيغة‬
‫الماضي أو المر في الفعلين‪ ،‬والولى أولى من البليغ الذي يراعي النكات فإن لفظه لفظ الخبر‪،‬‬
‫فكأن الصلة والسلم حصل من ال بالفعل وأخبر عنهما‪ .‬ول يقال‪ :‬إن ذلك يحصل به تطويل‬
‫العتدال وهو مبطل‪ ،‬لنا نقول‪ :‬محله في التطويل بغير الوارد على أن ذلك مقيد بغير العتدال‬
‫الخير من سائر الصلوات لنه ورد تطويله في الجملة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫ولو عجز عن القنوت وقف وقفة يسيرة تسع قنوتًا ولو قصيرًا وتسع ما بعده من الصلة والسلم‬
‫ن سجود السهو على الوجه‪ ،‬والوارد أن يجمع بـين‬ ‫على النبـي وآله وصحبه‪ ،‬فإن لم تسع ذلك س ّ‬
‫القنوتين المذكورين‪ ،‬لكن لو اقتصر على واحد منهما فل سجود‪.‬‬
‫)وجهر به( أي القنوت )إمام( استحبابًا في الجهرية والسرية كأن قضى صبحًا أو وترًا بعد طلوع‬
‫الشمس )وأمن مأموم( للدعاء جهرًا إذا جهر إمامه و)سمع( أي المأموم قنوت المام‪ ،‬ومن الدعاء‬
‫الصلة على رسول ال وإنما طلب من المام الجهر بالقنوت في السرية مع أنها ليست محل‬
‫الجهر لن المقصود من القنوت الدعاء وتأمين القوم عليه‪ ،‬فطلب الجهر ليسمعوا فيؤمنوا ول‬
‫ن أن يقول ثناء سرًا‪ ،‬وهو من‪ :‬فإنك تقضي إلى آخره أو يستمع له لنه‬ ‫يؤمن المأموم للثناء‪ ،‬بل يس ّ‬
‫ثناء وذكر ل يليق به التأمين والمشاركة أولى‪.‬‬
‫ن له أن يأتي بضمير المتكلم ومعه غيره بأن يقول‪:‬‬ ‫)وكره لمام تخصيص نفسه بدعاء( وإنما يس ّ‬
‫ص المام نفسه بالقنوت بأن ل‬ ‫اللهم اهدنا إلى آخره‪ ،‬لنه يقول عن نفسه وعن المأمومين فلو خ ّ‬
‫ن رفع‬ ‫ن للمأموم التأمين لنه الوارد‪ ،‬ل القنوت كما قاله الشبراملسي ‪ .‬ويس ّ‬ ‫يأتي بلفظ الجمع‪ ،‬س ّ‬
‫يديه في القنوت كسائر الدعية‪ .‬والولى عدم مسح وجهه بهما‪) .‬و( سابعها )سجود مرتين( في‬
‫كل ركعة‪ .‬وإنما شرع تكرار السجود دون غيره لنه أبلغ في التواضع‪ .‬ولنه لما عرج به إلى‬
‫السماء فمن كان من الملئكة قائمًا سلموا عليه قيامًا‪ ،‬ثم ركعوا شكرًا ل تعالى على رؤيته ‪ .‬ومن‬
‫كان منهم راكعًا رفعوا رؤوسهم من الركوع وسلموا عليه‪ ،‬ثم سجدوا شكرًا ل تعالى على رؤيته‪.‬‬
‫ومن كان منهم ساجدًا رفعوا رؤوسهم من السجود وسلموا عليه‪ ،‬ثم سجدوا ثانية شكرًا ل تعالى‬
‫على رؤيته‪ ،‬فلذلك صار السجود مثنى مثنى فلم يرد ال أن يكون للملئكة حال إل وجعل لهذه‬
‫ل هو مثل حالهم‪ ،‬ولن في تكرار السجود إشارة إلى أنه خلق من الرض وسيعود إليها‪.‬‬ ‫المة حا ً‬
‫وحقيقة السجود شرعًا وضع العضاء السبعة فوق ما يصلى عليه من أرض أو غيرها‪.‬‬
‫والعضاء السبعة‪ :‬هي الجبهة‪ ،‬والركبتان وباطن اليدين‪ ،‬وبطون أصابع الرجلين‪ .‬ويكفي وضع‬
‫بعض كل عضو من ذلك‪ .‬وشروطه ستة‪ :‬أن ل يقصد به غيره فقط‪ .‬وهذا الشرط عام في جميع‬
‫الركان‪ ،‬ويعبر عنه بعدم الصارف‪ .‬وأن تستقر أعضاؤه السبعة كلها في آن واحد فلو وضع‬
‫بعضها ثم رفعه ووضع البعض الخر لم يكف‪ .‬وأن يكون السجود )على غير محمول وإن‬
‫تحرك( أي ذلك الغير )بحركته( فل يصح السجود على طرف كمه الطويل إن تحرك بحركته‬
‫لنه محمول له‪ ،‬بخلف ما إذا لم يتحرك بحركته فإنه كالمنفصل‪ ،‬وبخلف ما لو سجد على نحو‬
‫سرير يتحرك بحركته فيصح لنه غير محمول له‪ ،‬والمراد بالمحمول متصل به يتحرك بحركته‪،‬‬
‫وخرج بذلك ما هو في حكم المنفصل عنه عرفًا‪ :‬كعود أو منديل بـيده فل يضر السجود عليه‪.‬‬
‫ويضر السجود على عمامته أو عرقيته أو نحوهما‪ .‬ولو كان بمحل سجوده تراب أو ورقة أو نحو‬
‫ل فل يصح السجود الثاني حتى ينحيه‪ .‬ولو صلى قاعدًا وسجد‬ ‫ذلك فالتصق بجبهته وصار حائ ً‬
‫على متصل به ل يتحرك بحركته إل إذا صلى قائمًا لم يجزه السجود عليه لنه كالجزء منه‪ .‬كذا‬
‫قاله الرملي تبعًا لوالده خلفًا لبن حجر وشيخ السلم في فتاويه‪ .‬كذا قاله الشبراملسي ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأن يكون السجود )مع تنكيس( وهو رفع أسافل البدن على أعاليه فلو انعكس أو تساويا لم يجزه‬
‫قطعًا في النعكاس‪ .‬وعلى الصح في المساواة‪ .‬نعم لو كان في سفينة ولم يتمكن من ارتفاع ذلك‬
‫لميلها أو غيره كزحمة صلى على حسب حاله ووجبت عليه العادة لندرته هذا إذا ضاق الوقت‬
‫أو لم يضق ولكن لم يرج التمكن من السجود على الوجه المجزىء قبل خروج الوقت فإن رجا‬
‫ب على وجهه ومد رجليه لم يجز جزمًا‬ ‫ذلك وجب التأخير إلى التمكن أو إلى ضيق الوقت ولو أك ّ‬
‫كما لو ارتفعت العالي‪ .‬نعم لو كان به علة ل يمكنه السجود معها إل كذلك بأن يكون فيه مشقة‬
‫شديدة أجزأه ول إعادة عليه‪ .‬وإن شفي بعد ذلك‪ ،‬وأن يكون السجود )بوضع بعض جبهته بكشف(‬
‫للجبهة إن سهل الكشف بحيث ل يناله به مشقة ل تحتمل عادة فلو كان بجبهته جرح أو نحوه‬
‫وعليه عصابة وشق عليه نزعها صح السجود عليها‪ ،‬ول تلزمه العادة )و( أن يكون السجود مع‬
‫)تحامل( على الجبهة بحيث لو كان تحتها قطن أو حشيش لنكبس وظهر أثره في اليد لو فرضت‬
‫تحته ول يشترط ذلك في بقية العضاء السبعة‪) .‬و( كما يجب السجود على بعض جبهته يجب‬
‫على بعض )ركبتيه و( بعض )بطن كفيه( من الراحة وبطون الصابع دون ما عداهما )و( بعض‬
‫بطن )أصابع قدميه( لقوله ‪» :‬أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‪ :‬على الجبهة واليدين والركبتين‬
‫وأطراف القدمين« ‪.‬‬
‫)وسن وضع أنف( مكشوفًا مع الجبهة‪ .‬وأكمل السجود أن يكبر لهويه بل رفع يديه ويضع ركبتيه‬
‫وقدميه ثم كفيه ثم جبهته وأنفه معًا‪ ،‬ويكره مخالفة الترتيب المذكور وعدم وضع النف لنه قال‪:‬‬
‫»أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة« وأشار بـيده إلى أنفه ومن الهيئات أن يفرق‬
‫ركبتيه قدر شبر ويضع كفيه مكشوفتين حذو منكبـيه ناشرًا أصابعه مضمومة للقبلة‪ ،‬وأن يفرق‬
‫قدميه ويبرزهما من ذيله‪ ،‬وأن يجافي الرجل في السجود وفي الركوع بأن يرفع بطنه عن فخذيه‬
‫ومرفقيه عن جنبـيه‪ .‬وأما المرأة والخنثى فيضم كل منهما بعضه إلى بعض فيهما‪ ،‬لن الضم‬
‫أستر لهما‪.‬‬
‫ن زيادة )وبحمده( ويحصل أصل السنة‬ ‫ن في السجود )قول‪ :‬سبحان ربـي العلى( وتس ّ‬ ‫)و( س ّ‬
‫بمرة‪ .‬والكمل أن يقولها )ثلثًا( والفضل لمنفرد وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل أن‬
‫يقولها خمسًا فسبعًا فتسعًا فإحدى عشرة وهي غاية الكمال كما تقدم‪ .‬ويزيد من ذكر‪ :‬اللهم لك‬
‫سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته‬
‫تبارك ال أحسن الخالقين‪ .‬ويزيد من ذكر أيضًا‪ :‬سبوح قدوس رب الملئكة والروح‪ .‬وينبغي‬
‫الكثار من الدعاء في السجود بعد ذلك لحديث‪» :‬أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد‪،‬‬
‫فأكثروا الدعاء« أي في سجودكم‪ .‬ومن المأثور في السجود‪ :‬اللهم اغفر لي ذنبـي كله دقه وجله‬
‫أوله وآخره وعلنيته وسره‪ :‬اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك‪ ،‬وأعوذ بك‬
‫منك ل أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك‪ .‬ومعنى أعوذ بك منك‪ :‬أستعين بك على دفع‬
‫غضبك‪ .‬ويأتي المأموم بما يمكنه من غير تخلف بقدر ركن‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( ثامنها‪) :‬جلوس بـينهما( أي السجدتين ولو في نفل )ول يطوله( أي ذلك الجلوس )ول‬
‫ل( لنهما ركنان قصيران ليسا مقصودين لذاتهما‪ ،‬بل للفصل‪ .‬وهذا معنى الموالة التي‬ ‫اعتدا ً‬
‫جرى الخلف في كونها ركنًا أو شرطًا‪ ،‬وتطويل العتدال يحصل بأن يطوله زيادة عن الذكر‬
‫المشروع فيه قدر الفاتحة‪ .‬وهذا في غير اعتدال الركعة الخيرة من سائر الصلوات‪ .‬أما هو فل‬
‫يضر تطويله لنه ورد تطويله في الجملة بالقنوت فيه في أوقات النازلة كما تقدم‪ ،‬وتطويل‬
‫الجلوس بـين السجدتين يحصل بأن يطوله زيادة عن الذكر المشروع فيه بقدر الواجب في التشهد‬
‫الخير‪ ،‬وسيأتي بـيانه قريبًا‪ :‬وسيأتي بـيان الذكر المشروع فيه‪ .‬وأما الذكر المشروع في العتدال‬
‫فقد تقدم‪.‬‬
‫ن فيه( أي الجلوس بـين السجدتين )و( في )تشهد أول( وفي باقي الجلسات غير الجلوس‬ ‫)وس ّ‬
‫الخير فإنه على تفصيل يأتي )افتراش( بأن يضع رجله اليسرى بحيث يلي ظهرها الرض‬
‫ويجلس على كعبها‪ ،‬وينصب رجله اليمنى‪ ،‬ويجعل أطراف أصابعه منها للقبلة )واضعًا كفيه(‬
‫على فخذيه )قريبًا من ركبتيه( بحيث تسامت رؤوسهما الركبة للتباع ناشرًا أصابعه مضمومة‬
‫ل‪ :‬رب اغفر لي إلى آخره( تتمته‪ :‬وارحمني واجبرني وارفعني‬ ‫للقبلة كما في السجود )قائ ً‬
‫وارزقني واهدني وعافني‪ ،‬رب هب لي قلبًا تقيًا نقيًا من الشرك بريًا ل كافرًا ول شقيًا‪ ،‬ولم أر‬
‫تخصيص هذا الدعاء بالمنفرد كذا في نهاية المل‪ .‬وقال الرملي ‪ :‬وفي تحرير الجرجاني يقول‪:‬‬
‫رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت العز الكرم‪ .‬ثم قال الشبراملسي ‪ :‬هذا زيادة على‬
‫ما تقدم‪ ،‬ول فرق بـين تقديمه على قول رب هب لي قلبًا إلى آخره‪ ،‬وبـين تأخيره عنه‪ :‬أي وكل‬
‫منهما مؤخر عن قوله‪ .‬واعف عني‪.‬‬
‫)و( من سنن الهيئات )جلسة استراحة( بقدر الجلوس بـين السجدتين للتباع‪ .‬رواه البخاري‬
‫ن في محل التشهد الول عند تركه وفي غير العاشرة‬ ‫والترمذي )لقيام( بعد سجود لغير تلوة وتس ّ‬
‫ن للقاعد‪ ،‬ويكره تطويلها على الجلوس بـين السجدتين‬ ‫ل بتشهد‪ .‬ول تس ّ‬‫لمن صلى عشر ركعات مث ً‬
‫ول تبطل به الصلة على المعتمد ويأتي بها المأموم ندبًا وإن تركها المام‪ ،‬ول يعّد من فحش‬
‫ن أن يمد التكبـير من رفعه من‬‫المخالفة لن الشأن أنها يسيرة وهي فاصلة بـين الركعتين‪ .‬ويس ّ‬
‫السجود إلى قيامه ل أنه يكبر تكبـيرتين وذلك بشرط أن ل يزيد على سبع ألفات وإل بطلت‬
‫صلته إن علم وتعمد‪ .‬ومن سنن الهيئات اعتماد على الرض ببطن كفيه وأصابعه مبسوطة على‬
‫الرض عند قيامه من جلوسه أو سجوده وهو كهيئة العاجز ولو كان قويًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( تاسعها‪) :‬طمأنينة في كل( من الركان الربعة التي هي الركوع والعتدال والسجودان‬
‫ي من الركوع والسجود‪.‬‬ ‫والجلوس بـينهما ولو في نفل وهي سكون العضاء بعد حركتها من هو ّ‬
‫ومن نهوض إلى العتدال والجلوس بحيث يستقر كل عضو محله بمقدار التلفط بسبحان ال‪.‬‬
‫)و( عاشرها‪) :‬تشهد أخير( وهو ما يعقبه سلم )وأقله التحيات ل إلى آخره( تتمته‪ :‬سلم عليك‬
‫أيها النبـي ورحمة ال وبركاته سلم علينا وعلى عباد ال الصالحين‪ .‬أشهد أن ل إله إل ال وأن‬
‫محمدًا رسول ال‪ .‬فهذا القل هو المعدود من البعاض في التشهد الول‪ .‬والمعدود من الركان‬
‫في الجلوس الذي يعقبه سلم‪ .‬وتجب مراعاة حروفه فلو أبدل حرفًا منه بآخر لم يصح‪ .‬ومثل ذلك‬
‫لحن يغير المعنى‪ .‬وتجب مراعاة تشديداته فلو خفف مشددًا لم يصح‪ .‬نعم في النبـي لغتان التشديد‬
‫والهمز‪ .‬فيجوز كل منهما ولو أظهر النون المدغمة في أن ل إله إل ال أو التنوين المدغم في‬
‫محمدًا رسول ال لم يضر على المعتمد‪ ،‬لنه لم يسقط حرفًا وإنما أظهر المدغم على أن البزي‬
‫خير بـين الدغام والظهار في النون والتنوين مع اللم والراء‪ .‬وتجب موالته بأن ل يفصل بـين‬
‫كلماته بغيرها ولو من ذكر أو قرآن‪ .‬نعم يغتفر وحده ل شريك له بعد إل ال لنها وردت في‬
‫رواية‪ .‬ومثل ذلك الكلمات الواردة في أكمل التشهد التي بـيانه التي تذكر في خلل الواجب ول‬
‫يضر زيادة يا الندائية قبل أيها ول زيادة ميم في عليك‪ ،‬ول يجب ترتيبه‪ .‬نعم إن كان عدم الترتيب‬
‫يخل بالمعنى ضر وتبطل به الصلة مع العمد‪ .‬والحاصل أنه يشترط في التشهد إسماع النفس‬
‫وعدم الصارف والموالة ومراعاة الحروف والكلمات والتشديدات كالفاتحة والترتيب إن حصل‬
‫بعدمه إخلل بالمعنى وأن يكون بالعربـية للقادر عليها ولو بالتعلم وقراءته قاعدًا إل لعذر‪ .‬وأكمل‬
‫التشهد‪ :‬التحيات المباركات الصلوات الطيبات ل السلم عليك أيها النبـي ورحمة ال وبركاته‬
‫السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين‪ .‬أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد أن محمدًا‬
‫رسول ال‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( الحادي عشر‪) :‬صلة على النبـي( )بعده( أي التشهد في الجلوس الذي يعقبه سلم‪ .‬ول‬
‫تشترط الموالة بـينها وبـين التشهد بل لو فصل بـينهما بذكر أو دعاء جاز )وأقلها‪ :‬اللهم صل‬
‫ن في الول لبنائه على التخفيف‪.‬‬
‫ن في( تشهد )أخير صلة على آله( ول تس ّ‬ ‫على محمد‪ ،‬وس ّ‬
‫وسواء في ذلك المنفرد والمام ولو لمحصورين رضوا بالتطويل خلفًا للذرعي ‪ .‬وأقل الصلة‬
‫على النبـي وآله‪ :‬اللهم صل على محمد وآله‪ .‬والكمل أن يقول‪ :‬اللهم صل على محمد وعلى آل‬
‫محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت‬
‫على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد‪ .‬والفضل التيان بلفظ السيادة‪ .‬وآل‬
‫محمد كل مؤمن كما هو أحسن في مقام الدعاء‪ ،‬فقد ورد‪» :‬إذا دعوتم فعمموا« ‪ .‬وآل إبراهيم‬
‫إسماعيل وإسحاق وأولدهما بل واسطة‪ ،‬أو ذريتهما المؤمنون مطلقًا‪) .‬و( من سنن الهيئات‬
‫)دعاء( عقب التشهد وما بعده من الصلة على النبـي وآله بما شاء من دعاء دنيوي وأخروي‬
‫والمأثور أفضل‪ .‬ومنه‪ :‬اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا‬
‫والممات ومن فتنة المسيح الدجال‪ ،‬هذا متأكد‪ ،‬وأوجبه قوم‪ .‬وينبغي أن يختم به دعاءه‪ ،‬لقوله ‪:‬‬
‫ن آخر ما تقول« ومنه‪ :‬اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمعزم‪ .‬ومنه‪ :‬اللهم اغفر لي ما‬ ‫»واجعله ّ‬
‫قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني‪ ،‬أنت المقدم وأنت‬
‫المؤخر ل إله إل أنت‪ .‬ومنه‪ :‬اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كبـيرًا كثيرًا ول يغفر الذنوب إل أنت‬
‫فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم‪ .‬والفضل للمام أن ل يبلغ بالدعاء‬
‫قدر التشهد والصلة على النبـي ‪ :‬أي الفضل له كون الدعاء أقل من قدر ما يأتي به منهما فإن‬
‫أطالهما أطاله‪ ،‬وإن خففهما خففه لنه تبع لهما‪ .‬وأما غيره فيطيل ما شاء ما لم يخف وقوعه في‬
‫سهو قال الشافعي في الم‪ :‬فإن لم يزد على ذلك كرهته‪ :‬أي إذا اقتصر المصلي على التشهد‬
‫والصلة على النبـي ‪ ،‬ولم يأت بعدهما بشيء كان ذلك القتصار مكروهًا‪.‬‬
‫)و( الثاني عشر‪) :‬قعود لهما( أي التشهد والصلة على النبـي‪ ،‬فالتشهد وقعوده إن عقبهما سلم‬
‫ن تورك فيه( أي في ذلك القعود ما لم يطلب منه سجود السهو‪،‬‬ ‫فهما ركنان‪ ،‬وإل فسنتان‪) ،‬وس ّ‬
‫وما لم يرد التيان به‪ ،‬أو ما لم يطلق‪ .‬أما من طلب منه سجود السهو بأن فعل ما يقتضيه وأراد‬
‫ن له إرادة السجود افترش‬ ‫السجود أو أطلق فإنه يفترش‪ ،‬فعلم أنه يتورك عند إرادة تركه فلو ع ّ‬
‫وإن أدى ذلك إلى انحناء يصل به إلى ركوع القاعد لتولده من مأمور به‪ ،‬كذا قال الشبراملسي ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أن جلسات الصلة سبع يفترش في ست منها‪ ،‬وهي الجلوس بـين السجدتين‪ ،‬وجلوس‬
‫الستراحة‪ ،‬وجلوس المسبوق‪ ،‬وجلوس التشهد الول‪ ،‬وجلوس المصلي قاعدًا للقراءة‪ ،‬وجلوس‬
‫التشهد الخير لمن أراد سجود السهو أو أطلق‪ ،‬ومثلها الجلوس لسجود التلوة والشكر قبل‬
‫السجود‪ ،‬ويتورك في واحدة وهي الجلوس للتشهد الخير إذا لم يطلب منه سجود السهو أو أراد‬
‫تركه‪ ،‬ومثله الجلوس للسلم بعد سجدة التلوة أو الشكر‪ .‬والضابط أن كل جلوس يعقبه حركة من‬
‫ن فيه التورك وهو كالفتراش لكن‬ ‫ن فيه الفتراش‪ ،‬وكل جلوس يعقبه سلم يس ّ‬ ‫سجود أو قيام يس ّ‬
‫يخرج يسراه من جهة يمناه ويلصق أليـيه بالرض‪ ،‬وعلم من كون الفتراش والتورك من سنن‬
‫الهيئات أنه لو قعد كيف شاء جاز لكنه خلف السنة‪.‬‬
‫)و( سن )وضع يديه( أي كفيه )في تشهديه( وما معهما )على طرف ركبتيه( بحيث تسامت‬
‫رؤوسهما الركبة مع ضم الصابع كلها حتى البهام فل يفرجها خلفًا للرافعي والماوردي ومع‬
‫نشرها في جهة القبلة فل يقبضها وهذه الهيئة في جميع الجلسات غير جلوس التشهد الول‬
‫والخير‪ .‬فإن المصلي يطلب أن يكون فيهما )ناشرًا أصابع يسراه( فقط‪) .‬وقابضًا يمناه( بعد‬
‫ن )رفعها( مع‬ ‫وضعها منشورة الصابع على فخذه اليمنى‪) .‬إل المسبحة( فإنه يشير بها‪) .‬و( س ّ‬
‫ل في حالة الرافع )عند( قوله )إل ال( بأن يبتدىء بالرفع عند همزة إل ال‪.‬‬ ‫إمالتها لجهة القبلة قلي ً‬
‫ن )إدامته( أي الرفع إلى القيام من التشهد الول وإلى تمام التسليمتين في الخير كما مال‬ ‫)و( س ّ‬
‫إليه الشبراملسي ويقصد بذلك الرفع أن المعبود واحد فيجمع في توحيده بـين اعتقاده وقوله وفعله‪.‬‬
‫وعلم من عّد وضع الكفين على الفخذ من السنن في جميع جلسات الصلة أنه لو لم يضعهما على‬
‫الفخذين في الجلوس بـين السجدتين بل أدام وضعهما على الرض إلى السجود الثاني ل يضر‬
‫خلفًا لمن وهم في ذلك‪) .‬و( سن )نظر إليها( أي المسبحة ولو مستورة ويديم النظر إليها ما دامت‬
‫مرتفعة‪ ،‬وإل ندب نظر محل السجود‪ ،‬ولو قطعت سبابته ل ينظر إلى موضعها بل إلى موضع‬
‫سجوده‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( الثالث عشر‪) :‬تسليمة أولى‪ ،‬وأقلها السلم عليكم( ويجزىء عليكم السلم مع الكراهة‪) .‬وسن‬
‫ثانية( وإن اقتصر إمامه على واحدة‪ ،‬وقد يحرم الثانية مع صحة الصلة عند عروض مناف‬
‫ف ونية‬
‫للصلة عقب الولى كحدث وتحويل صدره عن القبلة وخروج وقت جمعة وتخرق خ ّ‬
‫ل للصلة وسقوط نجاسة غير معفو عنها عليه لنها وإن لم‬‫إقامة وانكشاف عورة انكشافًا مبط ً‬
‫ل من التسليمتين )برحمة‬ ‫ن أن يقرن ك ً‬
‫تكن جزءًا من الصلة هي من توابعها ومكملتها‪) .‬و( س ّ‬
‫ن زيادة وبركاته على المعتمد‪ .‬وشروط التسليمة أحد عشر تعريفها بأل وكاف‬ ‫ال( ول تس ّ‬
‫الخطاب وميم الجمع وإسماع نفسه وتوالي كلمتيها وعدم قصد العلم وحده وأن تكون من قعود‬
‫وأن يكون مستقبل القبلة وأن يأتي بها بالعربـية إذا كان قادرًا عليها وأن ل يزيد فيها زيادة تغير‬
‫المعنى‪ :‬كأن قال السلم وعليكم‪ ،‬بخلف ما لو قال‪ :‬السلم التام عليكم فإنه ل يضر‪ ،‬وأن ل‬
‫ينقص منها ما يغير المعنى فلو اختل شرط منها كانت غير معتبرة‪ ،‬بل إذا تحلل بغير الوارد‬
‫ل عن الناس‪ ،‬وقد أقبل‬ ‫وخاطب وتعمد بطلت صلته‪ .‬والحكمة في السلم أن المصلي كان مشغو ً‬
‫ن )التفات فيهما( أي التسليمتين يلتفت في الولى يمينًا حتى يرى خده اليمن لمن‬ ‫عليهم‪) .‬و( س ّ‬
‫وراءه ناويًا السلم على من عن يمينه من ملئكة ومؤمني إنس وجن‪ ،‬ويلتفت في الثانية يسارًا‬
‫حتى يرى خده اليسر لمن وراءه ناويًا السلم على من عن يساره كذلك‪ ،‬وينويه على من خلفه‬
‫وأمامه بأيهما شاء‪ ،‬والولى أولى‪ .‬وينوي المأموم البتداء على من لم يسلم عليه من إمام ومأموم‬
‫وغيرهما‪ ،‬والرد على من سلم عليه‪ .‬وأما المام فإذا تأخر تسليم المأمومين عن تسليمتيه فإنه‬
‫ن للمأموم أن ل يسلم إل بعد‬ ‫ينوي البتداء بكل من التسليمتين وإل نوى الرد على من سلم‪ ،‬ويس ّ‬
‫فراغ المام من تسليمتيه‪ ،‬ولو قارنه جاز كبقية الركان لكنها مكروهة مفّوتة لثواب الجماعة فيما‬
‫قارن فيه فقط‪.‬‬
‫تنبـيه‪ :‬مقارنة المأموم للمام‪ :‬إما حرام ومبطلة وهي المقارنة في التحرم‪ ،‬وإما مكروهة وهي‬
‫المقارنة في السلم وفي الفعال‪ ،‬وإما سنة وهي المقارنة في التأمين‪ ،‬وإما واجبة وذلك في قراءة‬
‫الفاتحة حيث علم أنه ل يتمكن من قراءتها بعد قراءة المام‪ ،‬وهي مباحة فيما عدا ذلك‪ ،‬ولو سلم‬
‫الولى عن يساره‪ ،‬والثانية عن يمينه أو جعلهما معًا عن يمينه أو عن يساره جاز مع الكراهة‪،‬‬
‫ولو أراد القتصار على واحدة أتى بها قبل وجهه‪ ،‬فلو التفت فيها يمينًا أو يسارًا كان خلف‬
‫المطلوب وحيث نوى المصلي بالسلم البتداء ل يجب الرد على أحد ولو سمعوه وعلموا بنيته‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فروع الموالة‪ ،‬وهي عدم تطويل الركن القصير وعدم طول الفصل بعد سلمه ناسيًا وعدم طول‬
‫الفصل أو عدم مضي ركن بعد شكه في نية صلته ل ركن على المعتمد‪ ،‬ونية الخروج من‬
‫الصلة سنة على المعتمد‪ ،‬ول بد أن تكون مقارنة للسلم الول فإن تقدمت عليه بطلت بها‬
‫الصلة‪ ،‬وإن تأخرت عنه فاتت السنية‪ ،‬وتعيـين غير صلته للخروج عمدًا مبطل للصلة‪ ،‬وس ّ‬
‫ن‬
‫ل للقبلة بوجهه‪ ،‬ثم يلتفت كما تقدم ويتمه بتمام اللتفات‪ .‬والذكر إذا نابه‬
‫أن يبتدىء السلم مستقب ً‬
‫شيء في الصلة سبح‪ :‬أي قال سبحان ال‪ ،‬وغيره من امرأة وخنثى إذا نابه شيء في الصلة‬
‫صفق‪ ،‬والولى أن يكون بضرب بطن اليمنى على ظهر اليسار‪.‬‬
‫)و( الرابع عشر‪) :‬ترتيب( أركانها على الوجه المتقدم المشتمل على كون النية مقارنة لتكبـيرة‬
‫الحرام‪ ،‬وهما مع القراءة في القيام وكون التشهد الخير والصلة على النبـي والتسليمة الولى‬
‫في القعود‪ ،‬فالترتيب مراد فيما عدا ذلك‪ .‬وأنت خبـير بأن محل عدم الترتيب في الثلثة الخيرة‬
‫إنما هو بالنسبة لها مع جلوسها‪ ،‬وأما هي نفسها فالترتيب بـينها حاصل‪ ،‬وكذا محل عدم الترتيب‬
‫في القراءة إنما هو بالنسبة للقيام‪ .‬وأما بالنسبة للتكبـير المقرون بالنية‪ ،‬فالترتيب حاصل‪ ،‬وتقديم‬
‫النتصاب على ابتداء تكبـيرة الحرام‪ ،‬واستحضار النية مع التكبـير شرط لها ل ركن‪ .‬وخرج‬
‫بالركان السنن‪ ،‬فالترتيب فيها كالفاتحة والسورة والتشهد والدعاء ليس بركن في الصلة‪ ،‬وإنما‬
‫هو شرط للعتداد بسنيتها‪ ،‬فإن ترك ترتيب الركان عمدًا كأن قدم ركنًا فعليًا كأن سجد قبل‬
‫ركوعه أو ركع قبل قراءته بطلت صلته لكونه متلعبًا‪ ،‬ومثل ذلك ما إذا قدم ركنًا قوليًا يضر‬
‫نقله كسلمه قبل تشهده فإنه قدم ركنًا قوليًا غير سلم كتشهد على سجود‪ ،‬أو قوليًا على قولي‬
‫كالصلة على النبـي على التشهد لم تبطل لكن ل يعتد بما قدمه‪ ،‬بل عليه إعادته في محله‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫)ولو منها غير مأموم( أي ترك الترتيب سهوًا )بترك ركن( فما فعله بعد المتروك لغو لوقوعه في‬
‫غير محله‪ ،‬فإن تذكر المتروك قبل بلوغ فعل مثله من ركعة أخرى فعله بعد تذكره فورًا وجوبًا‪،‬‬
‫فإن تأخر بطلت صلته وإن قل التأخر )أو شك( غير مأموم في ركن هل فعله أم ل‪ ،‬كأن شك في‬
‫ل فإن مكث‬ ‫ركوعه‪ :‬هل قرأ الفاتحة‪ ،‬أو في سجوده‪ :‬هل ركع أم ل؟ )أتى به( أي بذلك الركن حا ً‬
‫ل ليتذكر بطلت صلته‪ ،‬بخلف ما لو شك في قيامه في قراءة الفاتحة فسكت ليتذكر‪ ،‬فل‬ ‫قلي ً‬
‫تبطل‪ ،‬ويستثنى من ذلك ما لو تذكر في سجوده أو شك أنه ترك الركوع فإنه يرجع إلى القيام‬
‫ي للسجود‪ ،‬وفي‬ ‫ليركع منه ول يكفيه أن يقوم راكعًا لن النحناء غير معتّد به لنه قد صرف الهو ّ‬
‫هذه الصورة زيادة على المتروك‪ .‬قال الشبراملسي ‪ :‬ومع وجوب الرجوع إلى القيام ل يجب عليه‬
‫الركوع فورًا‪ ،‬ومثله ما لو قرأ الفاتحة ثم هوى ليسجد فتذكر ترك الركوع فعاد للقيام فل يجب‬
‫الركوع فورًا لنه بتذكره عاد لما كان فيه‪ ،‬ولو شك غير مأموم بعد تمام ركوعه في الفاتحة‪ .‬فعاد‬
‫للقيام ثم تذكر أنه قرأ فيحسب له انتصابه عن العتدال لنه لم يصرف الركن لجنبـي عنه فإن‬
‫القيام واحد‪ ،‬وإنما ظن صفة أخرى لم توجد فلم ينظر لظنه‪ ،‬بخلفه في مسألة الركوع فإنه بقصده‬
‫السجود لم يتضمن ذلك قصد الركوع‪ ،‬لن النتقال إلى السجود ل يستلزمه‪ ،‬وبذلك يعلم أنه لو‬
‫شك قائمًا في ركوعه فركع‪ ،‬ثم بان أنه سها عن اعتداله لم يلزمه العود للقيام بل له الهوى من‬
‫ي الركوع بعض هوى السجود فلم يقصد أصليًا‪ ،‬أما المأموم لو علم في ركوعه‬ ‫ركوعه لن هو ّ‬
‫أنه ترك الفاتحة أو شك لم يعد إليها‪ ،‬بل يصلي ركعة بعد سلم المام‪ ،‬وعلى هذا لو كان الشاك‬
‫إمامًا‪ ،‬فعاد بعد ركوع المأمومين معه أو سجودهم فينتظرون في الركن الذي عاد منه المام حم ً‬
‫ل‬
‫له على أنه عاد ساهيًا‪ ،‬لكن ينبغي إذا عاد والمأموم في الجلوس بـين السجدتين أن يسجد وينتظره‬
‫في السجود حذرًا من تطويل الركن القصير‪ ،‬وذلك )إن كان( في حال التذكر أو الشك )قبل فعل‬
‫مثله( أي الركن المتروك أو المشكوك فيه‪) .‬وإل( بأن لم يتذكر أو بأن دام الشك حتى بلغ فعل مثله‬
‫)أجزأه( أي قام ذلك المثل مقام ذلك الركن‪ .‬ولو كان المثل مندوبًا لوقوعه عن متروكه ولو كان‬
‫المثل لمحض المتابعة‪ :‬كما لو أحرم منفردًا وصلى ركعة ونسي منها سجدة ثم قام فوجد مصليًا‬
‫في السجود أو العتدال فاقتدى به وسجد معه للمتابعة فيجزئه ذلك وتكمل به ركعته كما نقل عن‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫الشمس الشوبري واعتمده الشهاب الرشيدي )وتدارك( الباقي من صلته للغاء ما بـينهما نعم إن‬
‫لم يكن المثل من الصلة كسجود تلوة‪ ،‬أو سجود سهو لم يجزه لعدم شمول نية الصلة لذلك‬
‫بخلف جلسة الستراحة فإنها جزء من الصلة‪ ،‬ومحل إجزاء المثل إن عرف عين المتروك‬
‫ومحله وإل أخذ بالمتيقن‪ ،‬فما تيقن فعله حسب له وما لم يتيقنه فلغو وأتى بالباقي‪ :‬ويسجد للسهو‬
‫في جميع الحوال ومحل الخذ بالمتيقن والبناء على ما فعله ما لم يوجب الشك استئنافها‪ ،‬فإن‬
‫أوجبه كشكه في النية أو تكبـيرة الحرام فل يأتي بالباقي لنه قد بطلت صلته إن طال زمن‬
‫الشك‪ ،‬وهو بقدر سبحان ال‪ :‬أو مضى ركن كما اعتمده الرملي وابن قاسم والشبراملسي ‪ ،‬خلفًا‬
‫لبن حجر فإنه قال بعدم اشتراط طول ومضى ركن‪ ،‬ولو كان المتروك أو المشكوك فيه السلم‬
‫وتذكره قبل طول الفصل أتى به وكذا بعد طوله‪ ،‬حيث لم يأت بما يبطل الصلة كفعل كثير‪ ،‬وإن‬
‫تذكر ذلك الركن المتروك بعد السلم والزمان قريب‪ ،‬ولم يطأ نجاسة‪ ،‬ولم يتكلم كثيرًا‪ ،‬ولم يفعل‬
‫ما يبطل عمده وسهوه كالفعل الكثير أتى به وجوبًا‪ ،‬وبنى عليه بقية الصلة‪ ،‬وإن تكلم قلي ً‬
‫ل‬
‫ن له سجود السهو في الجميع‪ ،‬فإن طال‬ ‫واستدبر القبلة وخرج من المسجد بدون أفعال كثيرة‪ ،‬ويس ّ‬
‫الزمان أو حصل منه ما ل يعذر فيه كوطء النجاسة استأنف الصلة‪ ،‬والمرجع في طول الزمن‬
‫وقصره العرف‪.‬‬
‫ن دخول صلة بنشاط( لن ال ذم تارك ذلك بقوله تعالى‪} :‬وإذا قاموا إلى الصلة قاموا‬ ‫فرع‪) :‬س ّ‬
‫كسالى{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ (142‬والكسل الفتور عن الشيء والتواني فيه‪ :‬وهو ضد النشاط‪.‬‬
‫)وفراغ قلب( عن الشواغل الدنيوية‪ ،‬لن ذلك أدعى لتحصيل الغرض‪ ،‬فإذا كانت صلته كذلك‬
‫انفتح له فيها من المعارف ما يقصر عنه فهم كل عارف فيقرأ‪ ،‬فراغ بالجر معطوفًا على نشاط‬
‫ن )فيها( أي في جميع صلته )خشوع(‬ ‫فهو من ذكر السبب بعد المسبب‪ ،‬كما قاله عطية ‪) .‬و( س ّ‬
‫أما الخشوع في جزء من الصلة فواجب ليس بشرط ولو في تكبـيرة الحرام‪ :‬كما أفاده بعضهم‬
‫وهو بالقلب بأن ل يحضر فيه غير ما هو فيه‪ ،‬وإن تعلق بالخرة‪ ،‬فلو اشتغل بذكر الجنة والنار‬
‫وغيرهما من الحوال الشريفة التي ل تعلق لها بذلك المقام‪ ،‬كان من حديث النفس وهو مكروه‪.‬‬
‫ويكره أن يتفكر في صلته في أمر دنيوي‪ :‬أو في مسألة فقهية‪ ،‬كما قاله القاضي حسين ‪:‬‬
‫وبالجوارح بأن ل يعبث بأحدها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وتدبر قراءة( أي تأمل معانيها بطريق الجمال‪ ،‬فل يبالغ في ذلك‪ ،‬بل يتصّور المعاني إجمالً‬
‫ن ترتيل‬ ‫بحصول الخشوع والدب به‪ ،‬وهو المقصود‪ :‬وبه تنشرح الصدور‪ ،‬وتستنير القلوب‪ .‬وس ّ‬
‫القراءة‪ :‬وهو التأني في إخراج الحروف حيث أحرم بالصلة في وقت يسعها كاملة وإل وجب‬
‫السراع‪ ،‬لنه يقتصر على أخف ما يمكن‪ ،‬فإفراط السراع مكروه‪ ،‬وحرف الترتيل أفضل من‬
‫ل مع الترتيل أفضل من تمامها بدونه‪ ،‬وهذا في غير ما طلب‬ ‫حرفي غيره‪ :‬أي فنصف السورة مث ً‬
‫بخصوصه‪ ،‬كقراءة الكهف يوم الجمعة‪ ،‬فإن إتمامها مع السراع لتحصيله سنية قراءتها أفضل‬
‫ن للقارىء مصليًا أو غيره أن يسأل ال الرحمة إذا‬ ‫من قراءة بعضها مع التأني في القراءة‪ ،‬ويس ّ‬
‫مر بآية رحمة‪ ،‬ويستعيذ من العذاب إذا مر بآية عذاب‪ ،‬ومحل استحباب ذلك إذا لم تكن آية‬
‫الرحمة والعذاب في شيء قرأه بدل الفاتحة‪ ،‬وإل فل يأتي به لئل يقطع الموالة‪ ،‬فإن مر بآية‬
‫تسبـيح سبح‪ ،‬أو بآية مثل تفكر‪ ،‬وإذا قرأ‪} :‬أليس ال بأحكم الحاكمين{ ))‪ (95‬التين‪ :‬الية ‪ ،(8‬س ّ‬
‫ن‬
‫ي حديث بعده يؤمنون{ ))‪(7‬‬ ‫له أن يقول‪ :‬بلى وأنا على ذلك من الشاهدين‪ ،‬وإذا قرأ‪} :‬فبأ ّ‬
‫العراف‪ :‬الية ‪ ،(185‬يقول‪ :‬آمنت بال‪ ،‬وإذا قرأ‪} :‬فمن يأتيكم بماء معين{ ))‪ (67‬الملك‪ :‬الية‬
‫‪ ،(30‬يقول‪ :‬ال رب العالمين‪ ،‬ويقول ذلك المام والمأموم سرًا كأذكار الركان‪ ،‬وهذا بخلف ما‬
‫لو مر المام بآية رحمة أو عذاب‪ ،‬فإنه يجهر بالسؤال‪ ،‬ويوافقه المأموم فيه‪ ،‬ول يؤمن على‬
‫دعائه‪ ،‬وإن أتى به بلفظ الجمع‪) .‬و( تدبر )ذكر( ول يثاب عليه إل أن عرف معناه ولو بوجه كما‬
‫أفاده الونائي ‪ .‬وقال الشبراملسي ‪ :‬ل بد أن يعرفه ولو بوجه‪ ،‬ومن الوجه الكافي‪ :‬أن يتصور أن‬
‫في التسبـيح والتحميد ونحوهما تعظيمًا ل وثناء عليه‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫وقال الشنواني‪ :‬فقد قال الكابر الخيار أن الشخص ل يثاب على الذكر إل إذا عرف معناه‬
‫ل‪ :‬ما عدا القرآن والصلة والسلم على النبـي المختار )وإدامة نظر محل‬ ‫واستحضره ولو إجما ً‬
‫سجوده( في جميع صلته ولو بحضرة الكعبة‪ :‬وإن كان أعمى أو في ظلمة بأن تكون حالته حالة‬
‫الناظر لمحل سجوده لنه أقرب للخشوع‪ ،‬وكذا في صلة الجنازة فل ينظر للميت‪ ،‬نعم يسن في‬
‫التشهد أن ل يجاوز بصره إشارته ما دامت مرتفعة وإل ندب نظر محل السجود‪ ،‬ويسن أيضًا‬
‫لمن في صلة الخوف والعدو أمامه نظره إلى جهته لئل يبغتهم‪ ،‬ولمن صلى على نحو بساط‬
‫مصور عم التصوير مكان سجوده أن ل ينظر إليه‪ ،‬فإن لم يتيسر له ذلك إل بتغميض عينيه فعله‬
‫كما يسن التغميض لمن صلى لحائط مزوق ونحوه مما يشوش فكره ويجب التغميض إذا كان‬
‫العرايا صفوفًا ويجوز في قوله نظر الضافة وتركها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( سن )ذكر ودعاء سرًا عقبها( أي الصلة‪ ،‬لكن يجهر بهما من يريد تعليم الناس مأمومًا كان‬
‫أو غيره‪ .‬وهذا ما يقال عقب الصلوات الخمس أو بعضها‪ :‬يستغفر ال ثلثًا‪ :‬ويقول اللهم أنت‬
‫السلم ومنك السلم تباركت يا ذا الجلل والكرام‪ ،‬ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله‬
‫الحمد وهو على كل شيء قدير‪ :‬اللهم ل مانع لما أعطيت ول ينفع ذا الجد منك الجد‪ ،‬ل حول ول‬
‫قوة إل بال العلي العظيم‪ ،‬ل إله إل ال ول نعبد إل إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الجميل‬
‫الحسن‪ ،‬ل إله إل ال مخلصين له الدين وله كره الكافرون‪ ،‬اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد‬
‫أنك الرب وحدك ل شريك لك اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن محمدًا عبدك ورسولك‪ .‬اللهم‬
‫ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة‪ ،‬اللهم ربنا ورب كل شيء اجعلني مخلصًا لك‬
‫وأهلي كل ساعة من الدنيا والخرة يا ذا الجلل والكرام اسمع واستجب ال الكبر ال الكبر ال‬
‫الكبر‪ ،‬ال نور السموات والرض ال أكبر حسبـي ال ونعم الوكيل ال أكبر ال أكبر‪ :‬اللهم أعني‬
‫على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك‪.‬‬
‫ومما ترجى بركته أن يقول عقب الفروض‪ :‬أستغفر ال العظيم لي ولوالدي ولصحاب الحقوق‬
‫علي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الحياء منهم والموات‪ .‬وهذا ما يقال عقب‬
‫صلة الصبح فيقول‪ :‬أستغفر ال العظيم الذي ل إله إل هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلثًا‪ :‬ل إله إل‬
‫ال وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات‪ :‬ل إله إل ال‬
‫وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الحزاب وحده ل شيء قبله ول شيء بعده‪ ،‬ل‬
‫إله إل ال ول نعبد إل إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن الجميل‪ ،‬ل إله إل ال مخلصين‬
‫له الدين ولو كره الكافرون ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪ ،‬اللهم أجرنا من النار سبع‬
‫مرات‪ ،‬اللهم أجرنا وأجر والدينا من النار بجاه النبـي المختار‪ ،‬وأدخلنا الجنة مع البرار بفضلك‬
‫وكرمك يا عزيز يا غفار‪ .‬اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن ثلث مرات‪ ،‬نعوذ‬
‫بكلمات ال التامات من شر ما خلق ثلثًا‪ ،‬بسم ال الذي ل يضر مع اسمه شيء في الرض ول‬
‫في السماء وهو السميع العليم ثلثًا‪ ،‬رضينا بال تعالى ربًا‪ ،‬وبالسلم دينًا‪ ،‬وبسيدنا محمد نبـيًا‬
‫ل ثلثًا‪ .‬اللهم ل مانع لما أعطيت‪ ،‬ول معطي لما منعت‪ ،‬ول راّد لما قضيت‪ ،‬ول ينفع ذا‬ ‫ورسو ً‬
‫الجد منك الجد‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪ ،‬ثم يقرأ الفاتحة بتمامها‪،‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫}وإلهكم إله واحد ل إله إل هو الرحمن الرحيم{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ (163‬وآية الكرسي‪} ،‬آمن‬
‫الرسول{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪(285‬إلى آخر السورة‪ ،‬ويكرّر }واعف عنا واغفر لنا وارحمنا{‬
‫)البقرة )‪ :(2‬الية ‪ (286‬ثلثًا‪} ،‬شهد ال أنه ل إله إل هو إلى قوله‪ :‬السلم{ ))‪ (3‬آل عمران‪:‬‬
‫الية ‪ 18‬ــــ ‪ ،(19‬و }قل اللهم مالك الملك إلى قوله‪ :‬بغير حساب{ ))‪ (3‬آل عمران‪ :‬الية ‪26‬‬
‫ــــ ‪ ،(27‬اللهم }ارزقنا وأنت خير الرازقين{ ))‪ (5‬المائدة‪ :‬الية ‪ ،(114‬وأنت حسبنا ونعم‬
‫الوكيل‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪} ،‬لقد جاءكم رسول من أنفسكم{ ))‪(9‬التوبة‪ :‬الية‬
‫ن تولوا{ ))‪ (9‬التوبة‪ :‬الية ‪ (129‬إلى آخرها سبعًا‪ ،‬ثم‬ ‫‪ (128‬إلى آخر السورة‪ ،‬ويكرر‪} :‬فإ ّ‬
‫سورة الخلص ثلثًا‪ ،‬ثم المعوذتين مرة مرة‪} ،‬وإن من شيء إل يسبح بحمده{ ))‪ (17‬السراء‪:‬‬
‫الية ‪ (44‬سبحانه وتعالى سبحان ال ثلثًا وثلثين‪ ،‬الحمد ل كذلك‪ ،‬ال أكبر كذلك‪ ،‬ل إله إل ال‬
‫وحده ل شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‪} ،‬إن ال وملئكته يصلون على‬
‫النبـي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا{ ))‪ (33‬الحزاب‪ :‬الية ‪ (56‬اللهم صل وسلم‬
‫وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد كمال ال وكما يليق بكماله عشر مرات‪ ،‬ورضي ال عن‬
‫أصحاب رسول ال أجمعين آمين يا أل يا مقلب القلوب والبصار ثبت قلبـي على دينك يا ال يا‬
‫حي يا قيوم ل إله إل أنت يا ال يا ربنا يا واسع المغفرة يا أرحم الراحمين ثلثًا‪ ،‬اللهم آمين‪،‬‬
‫وصل وسلم على جميع النبـياء والمرسلين وآلهم‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‪ ،‬ل إله إل ال ثلثًا‬
‫سيدنا محمد رسول ال حقًا وصدقًا اللهم استجب دعانا واشف مرضانا‪ ،‬وارحم موتانا وصل وسلم‬
‫على جميع النبـياء والمرسلين‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‪ .‬ثم يدعو بما أحب‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ثم يقرأ المسبعات العشرة المنسوبة إلى الخضر عليه الصلة والسلم‪ :‬وهي الفاتحة‪ ،‬وقل أعوذ‬
‫برب الناس‪ ،‬وقل أعوذ برب الفلق‪ ،‬وقل هو ال أحد‪ ،‬وقل يا أيها الكافرون‪ ،‬وآية الكرسي‪،‬‬
‫وسبحان ال والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪ ،‬اللهم صل‬
‫على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم‬
‫وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا‬
‫إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربـياني صغيرًا‪،‬‬
‫ولجميع المؤمنين والمؤمنات‪ ،‬والمسلمين والمسلمات الحياء منهم والموات‪ ،‬اللهم افعل بـي وبهم‬
‫ل في الدين والدنيا والخرة ما أنت له أهل‪ ،‬ول تفعل بنا يا مولنا ما نحن له أهل إنك‬ ‫ل وآج ً‬ ‫عاج ً‬
‫غفور حليم جواد كريم رؤوف رحيم‪ ،‬كل واحدة تقرأ سبعًا على الترتيب المتقدم ذكره‪ ،‬ثم يقول‪:‬‬
‫اللهم صل على سيدنا محمد عدد معلوماتك عشر مرات‪ :‬يا جبار إحدى وعشرين مرة‪ ،‬ثم يقول‪:‬‬
‫يا جبار اجبر حالي على وفق مرادك‪ ،‬ول تجعلني جبارًا على عبادك‪ ،‬إنك على كل شيء قدير‬
‫ثلثًا‪ .‬وهذه المسبعات لقنها الخضر عليه السلم إلى سيدنا إبراهيم التيمي‪ ،‬وأخبره أنه أخذها عن‬
‫النبـي ‪ ،‬ثم لما عمل بها رأى ذات يوم في منامه كأن الملئكة احتملته وأدخلته الجنة فرأى ما أعد‬
‫له فيها من النعيم‪ ،‬فقال للملئكة‪ :‬لمن هذا؟ فقالوا للذي يعمل مثل عملك‪ ،‬ثم جاءه النبـي ومعه‬
‫سبعون نبـيًا وسبعون صفًا من الملئكة كل صف مثل ما بـين المشرق والمغرب فسلم عليه وأخذه‬
‫بـيده‪ ،‬فقال يا رسول ال الخضر أخبرني أنه سمع منك هذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬صدق الخضر صدق‬
‫الخضر وكل ما يحكيه فهو حق وهو عالم أهل الرض وهو رئيس البدال وهو من جنود ال‬
‫تعالى في الرض‪ ،‬فقال يا رسول ال‪ :‬من فعل مثل ذلك أو عمله ولم ير مثل الذي رأيت في‬
‫منامي‪ ،‬هل يعطي شيئًا مما أعطيت؟ فقال‪ :‬والذي بعثني بالحق نبـيًا إنه ليعطي العامل بذلك وإن‬
‫لم يرني ولم ير الخضر عليه السلم إنه ليغفر له جميع الكبائر التي عملها‪ ،‬ويرفع ال تعالى عنه‬
‫غضبه ومقته‪ ،‬ويأمر صاحب الشمال أن ل يكتب عليه خطيئة من السيئات إلى سنة‪ ،‬والذي بعثني‬
‫بالحق نبـيًا ما يعمل بهذا إل من خلقه ال سعيدًا‪ .‬ول يتركه إل من خلقه ال شقيًا‪ ،‬ثم يذكر إلى أن‬
‫تطلع الشمس‪ ،‬ثم يختم الفاتحة ويدعو بما أحب‪ .‬ومما يفيد حفظ اليمان أن يقال عقب صلة‬
‫الصبح قبل التكلم مع أحد‪ :‬اللهم أنت الهادي إلى طريق الزهد والرشاد‪ ،‬وصلى ال على سيدنا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه وسلم بعدد كل حرف جرى به القلم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وندب( لمريد صلة ولو صلة جنازة )توجه( الى سترة‪ ،‬ومراتبها أربع‪ :‬أولها أن يصلي )لنحو‬
‫جدار( كعمود ونحوه مما له ثبات وظهور كظهور العمود )فـ( ـثانيتها أن يصلي إلى )عصا‬
‫مغروزة( ويشترط في هاتين أن يكون ارتفاعهما ثلثي ذراع فأكثر وبـين المصلي وبـينهما ثلثة‬
‫أذرع فأقل‪ ،‬والنعش في مرتبة العصا حيث كان ارتفاعه كما تقدم )فـ( ـثالثتها‪) :‬بسط مصلى(‬
‫ل بأن يكون أوله من جهة رجله وآخره جهة‬ ‫كسجادة بفتح السين‪ ،‬ورابعتها‪ :‬خط أمامه خطًا طو ً‬
‫القبلة‪ ،‬ويشترط في هاتين أن يكون بـين ما اعتمد عليه المصلي وبـين طرفهما الذي يلي القبلة‬
‫ثلثة أذرع فأقل‪ ،‬سواء صلى من قيام أو قعود أو اضطجاع ول يكفي ما عدا الولى من المراتب‬
‫إل إذا لم يسهل ما قبلها‪ ،‬ولذلك أتى المصنف بالفاء المفيدة للترتيب‪ ،‬وحيث صلى إلى السترة‬
‫ن له ولغيره دفع المار بـينه وبـينها بالخف فالخف كما يدفع الصائل بغير فعل كثير‬ ‫المذكورة يس ّ‬
‫ل غير هذا‬ ‫متوال وإل بطلت الصلة‪ ،‬ويحرم المرور بـين يديه حينئذ‪ ،‬وإن لم يجد المار سبـي ً‬
‫لحديث‪» :‬لو يعلم المار بـين يدي المصلي ماذا عليه من الثم لكان أن يقف أربعين خريفًا خيرًا له‬
‫من أن يمر بـين يديه« لكن محل ذلك ما لم يقصر المصلي وإل كأن وقف بقارعة الطريق فل‬
‫حرمة بل ول كراهة‪ ،‬وما لم يكن في الصف الذي أمام ذلك المصلي فرجة ل يمكن الوصول إلى‬
‫سدها إل بالمرور بـين يديه ولو صلى بل سترة أو تباعد عنها بأكثر من ثلثة أذرع أو لم تكن‬
‫بالصفة المذكورة فليس له دفع المار بـين يديه لتقصيره‪ ،‬ول يحرم المرور بـين يديه حينئذ‪ ،‬لكن‬
‫الولى تركه‪ ،‬وإذا صلى إلى السترة‪ ،‬فالسنة أن يجعلها مقابلة ليمينه أو شماله ول يجعلها تلقاء‬
‫وجهه‪ ،‬وهل الفضل جعلها مقابلة لليمين أو الشمال‪ ،‬قيل بكل‪ .‬وينبغي أن يكون مثل الصلة في‬
‫ذلك سجدة التلوة والشكر‪ ،‬والوجه عدم الكتفاء بالسترة بالدمي ونحوه وإن لم يستقبله‪ ،‬فإن‬
‫استقبله كان مكروهًا وبعض الصفوف ل يكون سترة لبعضها‪ ،‬كما قاله الرملي ‪ :‬وخالف في ذلك‬
‫ابن حجر فاكتفى بالصفوف‪.‬‬
‫ل بل حاجة سواء أكان‬‫)وكره فيها( أي في جزء من الصلة )التفات( بالوجه يمينًا أو شما ً‬
‫المصلي ذكرًا أم أنثى‪ ،‬أما إذا كان لحاجة كحفظ متاع فل كراهة‪ ،‬وهذا في غير المستلقي‪ ،‬أما هو‬
‫فالتفاته بالوجه مبطل لوجوب الستقبال بوجهه كما تقدم‪ ،‬وإشارة بنحو عين أو حاجب أو شفة ولو‬
‫من أخرس بل حاجة‪ ،‬هذا ما لم تكن على وجه اللعب‪ ،‬وإل كانت مبطلة )ونظر نحو سماء( كما‬
‫يكره رفع البصر إلى السماء يكره نظر ما يلهي عن الصلة كثوب له أعلم )وبصق( بالصاد‬
‫والزاي والسين )أماما( بفتح الهمزة‪ :‬أي قبل وجهه )ويمينًا( ولو خارج الصلة بل عن يساره إن‬
‫كان في غير المسجد‪ ،‬أما فيه فيبصق في ثوبه من الجهة اليسرى‪ ،‬ولو كان فيه دم براغيث للعفو‬
‫عن ذلك كما تقدم‪ ،‬فلو بصق في المسجد حرم لحديث الشيخين‪» :‬البصاق في المسجد خطيئة‪،‬‬
‫وكفارتها دفنها« بأن تكون أرضه ترابـية‪ ،‬لكن إذا هيأ لها موضعًا وبصق فيه ثم رد عليها التراب‬
‫كان ذلك دافعًا للثم ابتداء‪ ،‬وأما إذا ألقاها في المسجد قبل تهيئة محل لها ثم غطاها بالتراب كان‬
‫ذلك قاطعًا لدوام الثم‪ ،‬ومثل ذلك ما لو كانت أرضه مبلطة‪ ،‬أو بصق على شيء من فراشه‪ ،‬ثم‬
‫دلكها حتى لم يبق لها أثر‪ ،‬ومحل كراهة البصاق عن اليمين دون اليسار في غير المسجد النبوي‪،‬‬
‫أما فيه فينعكس الحكم في حق المستقبل لن القبر الشريف يكون حينئذ في جهة يساره‪ ،‬ومحل‬
‫ل بخلف غيره‪.‬‬ ‫كراهة البصاق قبالة الوجه خارج الصلة إذا كان متقب ً‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وكشف رأس ومنكب( فلو سقط نحو ردائه أو طرف عمامته كره له تسويته إل لضرورة‪ :‬منها‬
‫خوف الستهزاء به واضطباع‪ ،‬وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه اليمن وطرفيه على‬
‫اليسر كفعل أهل الشطارة‪) .‬و( كره )صلة بمدافعة حدث( ويسمى من اتصف بذلك حاقبًا بالباء‬
‫إذا كان مدافعًا بالغائط‪ .‬وحاقنًا بالنون إذا كان مدافعًا بالبول‪ .‬وحاقمًا بالميم إذا كان مدافعًا بهما‪.‬‬
‫وحازقًا بالزاي إذا كان مدافعًا بالريح‪ ،‬والعبرة في كراهة ذلك بوجوده عند التحرم‪ ،‬ويلحق به ما‬
‫لو عرض له قبل التحرم فرده وعلم من عادته أنه يعود له في أثناء الصلة‪ ،‬والسنة تفريغ نفسه‬
‫من ذلك لنه يخل بالخشوع‪ ،‬وإن خاف فوت الجماعة حيث كان الوقت متسعًا فإن ضاق وجبت‬
‫الصلة مع ذلك إل إن خاف ضررًا ل يحتمل عادة ول يجوز له الخروج من الفرض بطرو ذلك‬
‫له فيه إل إن غلب على ظنه حصول ضرر بكتمه فله حينئذ الخروج منه‪ ،‬وتأخيره عن الوقت‪،‬‬
‫وخرج بالفرض النفل فل يحرم الخروج منه‪ ،‬وإن نذر إتمام كل نفل دخل فيه‪ ،‬لن وجوب التمام‬
‫ل يلحقه بالفرض وينبغي كراهته عند طرّو ذلك عليه‪.‬‬
‫)و( صلة )بمقبرة( بتثليث الباء إذا لم تنبش أو نبشت وفرش عليها طاهر أو نبت عليها حشيش‬
‫غطاها وإنما كرهت الصلة فيها لمحاذاته للنجاسة سواء ما تحته أو أمامه أو بجانبه ومن ثم لم‬
‫تفترق الكراهة بـين المنبوشة بحائل وغيرها ول بـين المقبرة القديمة والجديدة‪ :‬بأن دفن فيها أول‬
‫ميت بل لو دفن ميت بمسجد كان كذلك‪ ،‬وتنتفي الكراهة عند انتفاء المحاذاة وإن كان فيها لبعد‬
‫الموتى عنه عرفًا‪ ،‬ومن مكروهات الصلة‪ :‬جعل يديه في كميه عند تكبـيرة الحرام‪ ،‬وعند‬
‫الركوع‪ ،‬وعند القيام من التشهد الول‪ ،‬وعند الجلوس له أو للخير‪ ،‬فالجملة خمسة‪ :‬وهذا في حق‬
‫الذكر‪ ،‬أما النثى والخنثى فل يكره‪ ،‬والجهر في موضع السرار وعكسه بل حاجة‪ ،‬أما لها فل‬
‫كراهة‪ ،‬والجهر خلف المام بغير آمين ونحوه مما مر‪ ،‬ووضع اليد في الخاصرة بل عذر‪،‬‬
‫وافتراش السبع في سجوده بأن يضع ذراعيه في الرض كما يفعل السبع لغير عذر‪ ،‬فإن كان‬
‫لعذر فل كراهة‪ ،‬وإيطان المكان الواحد‪ :‬أي ملزمته‪ ،‬لن السنة إذا أراد صلة أخرى أن ينتقل‬
‫من مكان الولى إلى مكان آخر ولو قريبًا من المكان الول ولو رجع في الصلة إلى مكان الولى‬
‫كفى‪ ،‬والمبالغة في خفض الرأس في الركوع وإطالة التشهد الول ولو بما يندب بعد التشهد‬
‫الخير‪ ،‬وصلة المنفرد ولو عن الصف والجماعة قائمة إذا كانت مطلوبة‪ ،‬وإل فل‪ ،‬وصلة في‬
‫السواق وفي الرحاب الخارجة عن المسجد وفي طريق ولو في بنيان‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫فصل في سجود السهو‬
‫وشرع لجبر الخلل الواقع في الصلة غير صلة الجنازة أو في سجدة التلوة والشكر‪ ،‬ول مانع‬
‫من جبر الشيء بما هو أكثر منه ولرغام الشيطان‪ ،‬لكن إن كان مقتضيه حصل سهوًا فالمقصود‬
‫بالذات جبر الخلل ويحصل إرغام الشيطان تبعًا وهو من خصوصيات هذه المة‪ ،‬والمراد بـيان‬
‫أسبابه وحكمه ومحله وعدده وكيفيته‪ ،‬فحكمه الندب‪ ،‬ويجب لمتابعة المام وعدده كما قال )تس ّ‬
‫ن‬
‫سجدتان( وإن كثر السهو لنه يجبر جميع ما وقع قبله أو فيه أو بعده حتى لو فعله ثلثًا سهوًا جبر‬
‫الخلل الواقع فيه أو سجد‪ ،‬ثم سها بكلم قليل أو نحوه ل يسجد ثانيًا لن ذلك مجبور بالسجود الذي‬
‫حصل‪ ،‬وقد يتعدد السجود صورة كما لو سها إمام الجمعة وسجدوا للسهو فبان فوتها أتموها ظهرًا‬
‫وسجدوا ثانيًا آخر الصلة لتبـين أن السجود الول ليس في آخر الصلة‪ ،‬ولو ظن سهوًا فسجد‬
‫فبان عدم السهو سجد للسهو لنه زاد سجدتين سهوًا‪ ،‬ولو سجد في آخر صلة مقصورة فعرض‬
‫له التمام سجد ثانيًا بعد إتمام الصلة‪ ،‬وكذا المسبوق يسجد مع إمامه للمتابعة‪ ،‬ثم يسجد في آخر‬
‫صلته‪ ،‬لكن أنت خبـير بأن السجود الجابر للخلل‪ :‬هو الواقع آخرًا في الجميع‪ ،‬فلهذا كان التعدد‬
‫صورة ل حكمًا‪ ،‬ومحله بعد التشهد‪ ،‬و )قبـيل سلم( ولو أتى به قبل الصلة على الل وما بعدها‬
‫ثم أتى بها وبالمأثور أجزأ وحصل السنة‪ ،‬وامتنع عليه إعادته ثانيًا بعد ذلك‪ .‬وكيفيته‪ :‬كسجود‬
‫الصلة في واجباته‪ .‬ومندوباته‪ :‬كوضع الجبهة والطمأنينة والتحامل والتنكيس والتكبـير‬
‫والفتراش في الجلوس بـينهما والتورك بعدهما‪ ،‬لكن إذا كان مقتضى السجود وقع سهوًا‪ ،‬فالليق‬
‫بالحال أن يقول في سجوده‪ :‬سبحان الذي ل ينام ول يسهو‪ ،‬أو يقول‪ :‬سبحان من ل ينام ول يغفل‪،‬‬
‫وإذا وقع عمدًا فالليق الستغفار‪ ،‬قال الذرعي ‪ :‬وذكر الجلوس بـينهما كذكر الجلوس بـين‬
‫سجدتي الصلة‪ ،‬ول بد لغير المأموم من نية سجود السهو بقلبه دون لسانه‪ ،‬فلو تلفظ بها بطلت‬
‫صلته أو سجد بل نية بطلت أيضًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأما أسبابه فخمسة‪ :‬السبب الول )لترك بعض( من البعاض التية‪ ،‬فإن تركها أو شيئًا منها‬
‫ن له سجود السهو في آخر صلته جبرًا لهذا الخلل )و( المسمى أبعاضًا )هو(‬ ‫عمدًا أو سهوًا س ّ‬
‫ثمانية‪ ،‬الول‪) :‬تشهد أول( ولو في نفل‪ ،‬فلو نوى أربعًا من النوافل راتبة كانت أو غيرها بقصد‬
‫أن يأتي بتشهدين فترك أولهما سهوًا أو عمدًا سجد للسهو على المعتمد فإن لم يقصد التيان بذلك‬
‫بأن قصد تركه أو أطلق وتركه فل سجود‪ ،‬والمعدود من البعاض في التشهد الول هو اللفاظ‬
‫الواجبة في التشهد الخير‪ ،‬وأما ما زاد على ذلك وهو المعدود من أكمل التشهد الخير فليس من‬
‫البعاض فل يسجد لتركه‪ :‬وإن كان يسن التيان به في التشهد الول أيضًا‪) .‬و( الثاني )قعوده(‬
‫وإن استلزم تركه ترك التشهد لن السجود إذا شرع لترك التشهد شرع لترك جلوسه لنه مقصود‬
‫ن له حينئذ الجلوس بقدره‪) .‬و( الثالث )قنوت راتب(‬ ‫له وصورة تركه وحده أن ل يحسنه فإنه يس ّ‬
‫وهو قنوت الصبح والوتر في نصف رمضان الثاني دون قنوت النازلة لنه سنة عارضة في‬
‫الصلة يزول بزوالها فلم يتأكد شأنه بالجبر وترك بعض القنوت ولو كلمة ككله ما لم يقطعه‬
‫ويعدل إلى آية تتضمن ثناء ودعاء وإل فل سجود من جهة ترك القنوت بخلف ما إذا قطعه‬
‫واقتصر على ما أتى به فيسجد‪ ،‬ولو اقتصر ابتداء على قنوت عمر فل سجود لتيانه بقنوت‬
‫ل منهما ورد‬ ‫كامل‪ ،‬بخلف ما لو أتى ببعضه وبجميع القنوت المشهور وعكسه فيسجد لن ك ً‬
‫بخصوصه فكانا كقنوت واحد‪ ،‬والقنوت الواحد يسجد لترك بعضه ولو كلمة بخلف ما تقدم من‬
‫ل فأسقط العدول إليها حكم القنوت الذي‬ ‫الية لنها لما لم تطلب بخصوصها كانت قنوتًا مستق ً‬
‫شرع فيه‪ ،‬ولو عزم على التيان بالقنوتين‪ :‬قنوت مشهور‪ ،‬وقنوت عمر‪ ،‬ثم ترك أحدهما فل‬
‫يسجد لن السنن ل تلزم إل بالشروع فيها كذا أفاده الشبراملسي ‪) .‬و( الرابع )قيامه( بأن لم يحسن‬
‫القنوت فإنه يسن له القيام بقدره زيادة على ذكر العتدال فإذا تركه سجد له‪ ،‬ولو ترك القنوت تبعًا‬
‫لمامه الحنفي سجد‪ ،‬وكذا لو أتى به خلفه لنه بترك المام له لحقه سهوه في اعتقاده‪ ،‬ولو اقتدى‬
‫في الصبح بمصلي سنتها سجد إن لم يتمكن من القنوت خلفه فإن فعله فل‪ ،‬كذا قال الرملي ‪ .‬ومثل‬
‫سنة الصبح كل صلة ل قنوت فيها‪) .‬و( الخامس والسادس‪) :‬صلة على النبـي( )بعدهما( أي‬
‫التشهد الول والقنوت )و( السابع والثامن‪) :‬صلة على آل بعد( تشهد )أخير وقنوت( والجلوس‬
‫للصلة على النبـي في التشهد الول وعلى الل في الخير كالقعود للتشهد الول والقيام للصلة‬
‫على النبـي وعلى الل في القنوت كالقيام له فتكون من البعاض وعلى ذلك فالبعاض اثنا عشر‪.‬‬
‫وصورة السجود لترك الصلة على الل في الخير أن يتيقن ترك إمامه لها بعد سلم إمامه وقبل‬
‫أن يسلم هو أو بعده إن سلم وقرب الفصل‪ ،‬وسميت هذه السنن أبعاضًا لتأكد شأنها بالجبر تشبـيهًا‬
‫ل يجبر بالسجود فإنه‬ ‫بالبعض حقيقة حيث تأكد شأنه بحيث تبطل الصلة بتركه وليس المراد أن ك ً‬
‫لوترك ركنًا سهوًا يجب فعله‪ .‬والسجود إنما هو للزيادة الحاصلة بتداركه إن وجدت‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( السبب الثاني‪) :‬لشك فيه( أي في ترك بعض‪ ،‬فلو شك في ترك بعض معين كقنوت سجد‪ ،‬لن‬
‫الصل عدم التيان به‪ ،‬أو شك في بعض مبهم لم يدر هل هو قنوت أو تشهد أول فكذلك‪ ،‬بخلف‬
‫ما لو شك هل أتى بكل البعاض أو ترك شيئًا منها فل يسجد‪ ،‬وقد يقال أن الصل عدم التيان‬
‫بكل البعاض‪ ،‬فكان مقتضى ذلك السجود‪ ،‬لكن لما ضعف بالبهام لم ينظر لذلك‪ ،‬وبخلف الشك‬
‫في ترك مندوب لم يدر هل هو بعض أو هيئة ل يسجد‪ ،‬لن المتروك قد ل يقتضي السجود‪ ،‬ولو‬
‫سها وشك هل سجد للسهو أم ل سجد‪ ،‬لن الصل عدمه‪ ،‬أو هل سجد واحدة أو اثنتين سجد‬
‫أخرى‪ ،‬ولو ترك التشهد الول أو القنوت عمدًا‪ ،‬وقارب القيام في الول أو بلغ الراكع في الثاني‬
‫ل بالتحريم لم تبطل‬ ‫لم يعد‪ ،‬فإن عاد عامدًا عالمًا بالتحريم بطلت صلته‪ ،‬فإن كان ناسيًا أو جاه ً‬
‫ن لمن عاد ناسيًا أو‬
‫ولو كان الجاهل بـين أظهر العلماء‪ ،‬لن هذا مما يخفى على العوام‪ .‬لكن يس ّ‬
‫ل سجود السهو‪) .‬ولو نسي بعضًا( أي ترك ذلك سهوًا )و( قد )تلبس بفرض( وهو الوصول‬ ‫جاه ً‬
‫إلى محل تجزىء فيه القراءة في التشهد الول‪ ،‬وإلى السجود بوضع العضاء السبعة وإن لم‬
‫يتحامل ولم ينكس عند الخطيب ‪ ،‬أو مع ذلك عند بعضهم في القنوت لم يعد‪) .‬فإن عاد( عامدًا‬
‫ل( بتحريمه وإن كان مخالطًا لنا‪ .‬ول إن عاد‬ ‫عالمًا بالتحريم )بطلت( صلته )ل( إن عاد )جاه ً‬
‫ناسيًا كونه في صلة‪ ،‬أو ناسيًا حرمة عوده فل تبطل لعذره‪ ،‬ورفع القلم عنه‪ ،‬نعم يجب عليه عند‬
‫تذكره أو تعلمه العود إلى ذلك الفرض فورًا‪ ،‬فإن لم يتلبس بالفرض على هذا الوجه ندب له العود‬
‫ولو بعد وضع الجبهة‪ .‬نعم إن كان إمامًا وكان عوده يشوش على المأمومين فالولى له عدم‬
‫ل سجود السهو إن قارب القيام في‬ ‫العود‪) .‬لكن يسجد( أي أن المعتمد يندب لمن عاد ناسيًا أو جاه ً‬
‫التشهد الول أو بلغ حد الراكع في القنوت لن عمد ذلك مبطل‪ ،‬هذا كله في المنفرد والمام )ول‬
‫مأمومًا( فإنه إن ترك التشهد الول أو القنوت عمدًا وتلبس بالفرض مع تخلف المام لهما خير‬
‫ن له‬
‫بـين العود والنتظار‪ ،‬لنه قد تلبس بفرض ومتابعة المام فخير بـين الفرضين‪ ،‬لكن يس ّ‬
‫العود‪) .‬بل( إن ترك ذلك سهوًا وجب )عليه عود( فإن لم يعد بطلت صلته إن لم ينو المفارقة‪.‬‬
‫والفرق بـين العامد والساهي أن العامد فّوت على نفسه الفضيلة بتعمده وقد تلبس بفرض فخير‬
‫بـين الفرضين‪ ،‬والساهي فعله كل فعل فتعين عليه العود ليعظم أجره ولو ترك المام التشهد‬
‫الول فتخلف له المأموم بطلت صلته إن شرع في التشهد أو طال الفصل وقصد المخالفة ولم ينو‬
‫المفارقة‪ .‬بخلف ما لو ترك إمامه القنوت فإن المأموم يندب له التخلف له إن علم أنه يدركه في‬
‫السجود الول‪ ،‬ويجوز بل ندب إن علم أنه يدركه في الجلوس بـين السجدتين‪ ،‬ويمتنع إن علم أنه‬
‫ل يدركه في ذلك‪ ،‬لنه في مسألة القنوت يحدث في تخلفه وقوفًا لم يفعله المام‪ .‬بل نهاية ما فيه‬
‫أنه أطال الوقوف زيادة على ما فعله المام‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأما في مسألة التشهد‪ :‬فإنه أحدث جلوس تشهد لم يفعله المام‪ .‬ويؤخذ من هذا أن المأموم يمتنع‬
‫عليه التخلف للتشهد ولو كان المام جلس للستراحة فتدبر‪ ،‬ولو ترك التشهد الول أو القنوت‬
‫عمدًا وقارب القيام في الول أو بلغ حد الراكع في الثاني ثم عاد المام لم يعد المأموم‪ ،‬لن المام‬
‫إما ناس أو جاهل فل يوافقه في الخطأ وإما عامد فصلته باطلة‪ ،‬بل يفارقه بالنية أو ينتظر في‬
‫ل‪ ،‬فإن عاد المأموم عامدًا عالمًا بالتحريم‬
‫ل على أنه عاد ناسيًا أو جاه ً‬‫القيام أو في السجود حم ً‬
‫ل فل‪ ،‬وكذا لو قام المام وترك التشهد الول وقارب القيام ثم عاد‬ ‫بطلت صلته أو ناسيًا أو جاه ً‬
‫قبل قيام المأموم حرم على المأموم استمرار القعود‪ ،‬بل يجب عليه القيام بمجرد انتصاب المام‪،‬‬
‫ل على أنه معذور في العود‪ ،‬وله أن يفارقه بالنية‪.‬‬ ‫ثم له أن ينتظره في القيام حم ً‬
‫)و( السبب الثالث‪) :‬لنقل قولي غير مبطل( سواء كان ركنًا كالفاتحة أو غير ركن كالسورة وسواء‬
‫نقله عمدًا أو سهوًا‪ ،‬لكن ل بد في الركن أن يكون أتى به في محله ثم أعاده ثانيًا في غير محله‬
‫كالفاتحة إذا أتى بها في محلها‪ ،‬ثم أعادها في الركوع كما علم من التقيـيد بغير المبطل‪ ،‬وأما إذا لم‬
‫يأت بالركن في محله كأن ركع قبل قراءة الفاتحة عامدًا عالمًا فإن صلته تبطل‪ .‬ومحل كون نقل‬
‫السورة يقتضي سجود السهو إذا نقلها لغير القيام كالركوع‪ ،‬أما إذا نقلها قبل الفاتحة فل سجود لن‬
‫القيام محلها في الجملة‪ .‬والحاصل أن المطلوب القولي المنقول عن محله‪ :‬إما أن يكون ركنًا أو‬
‫بعضًا أو هيئة‪ ،‬فالركن يسجد لنقله مطلقًا‪ ،‬ومثله البعض إن كان تشهدًا أول‪ ،‬فإن كان قنوتًا فإن‬
‫نقله بنية القنوت سجد‪ ،‬أو بقصد الذكر فل‪ .‬والهيئة ل يسجد لنقلها إل السورة إذا قرئت في غير‬
‫القيام‪ ،‬وإن لم يكن بنيتها‪.‬‬
‫)و( السبب الرابع‪) :‬لسهو ما يبطل عمده( فقط )لهو( أي ل سهو كتطويل الركن القصير وكلم‬
‫قليل‪ .‬ولو شك في حصول ذلك منه ل يسجد لن الصل عدمه‪ .‬ولو علم حصول سهو منه لكن‬
‫شك هل هو بترك بعض ارتكاب ما يبطل عمده دون سهوه سجد لتيقن مقتضى السجود‪ .‬وخرج‬
‫بذلك ما ل يبطل عمده ول سهوه كاللتفات والخطوتين فل يسجد لسهوه ول لعمده لعدم وروده‪.‬‬
‫ويستثنى من ذلك نقل القولي المتقدم‪ .‬وأما ما يبطل عمده وسهوه ككثير كلم وأكل وفعل فل يسجد‬
‫له أيضًا لنه ليس في صلة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( السبب الخامس‪) :‬لشك فيما صله واحتمل زيادة( وهو إيقاع الفعل مع التردد في زيادته‪ ،‬فلو‬
‫شك في عدد ما أتى به من الركعات أهي ثلثة أو أربعة بنى على اليقين وهو القل وأتى وجوبًا‬
‫بما بقي وسجد للسهو للتردد في الزيادة‪ ،‬وهذا بخلف مال يحتمل الزيادة كأن شك في ثالثة من‬
‫رباعية أهي ثالثة أو رابعة فتذكر فيها أنها ثالثة ل يسجد‪ ،‬لن ما فعله منها مع التردد غير محتمل‬
‫للزيادة‪ ،‬ومن شك في عدد الركعات ل يرجع في فعله إلى غيره سواء قولهم وفعلهم إل إذا بلغوا‬
‫عدد التواتر فيرجع لقولهم‪ ،‬وكذا فعلهم على المعتمد‪ ،‬وعند محمد الرملي يعمل بقولهم دون فعلهم‪،‬‬
‫لن القول يدل بوضعه بخلف الفعل‪ ،‬ولو قام الخامسة في رباعية ناسيًا ثم تذكر قبل جلوسه عاد‬
‫إلى الجلوس فورًا‪ ،‬فإن كان قد تشهد في الرابعة أجزأه‪ ،‬وإن ظنه التشهد الول فإن لم يتذكر إل‬
‫ن له سجود السهو في الجميع‪) .‬و(‬ ‫بعد جلوسه وقبل تشهده أتى بالتشهد أو بعد تشهده أجزأه‪ ،‬ويس ّ‬
‫يلحق المأموم سهو إمام له غير المحدث ونحوه وسهو إمام المام وسهو إمام إمام المام وهكذا‪،‬‬
‫ن لمأموم‬ ‫كأن اقتدى مسبوق بساه فلما قام المسبوق ليتم صلته اقتدى به آخر وهكذا‪ ،‬فحينئذ س ّ‬
‫سجدتان )لسهو إمام( ولو كان سهو المام قبل اقتداء المأموم في الولى وقبل اقتداء إمامه في‬
‫الثانية لتطرق الخلل فيهما من صلة المام إلى صلة المأموم ولتحمل المام عنه السهو‪ .‬وإن‬
‫ترك المام السجود أو فارقه أو بطلت صلة المام بعد وقوع السهو منه‪ ،‬فإن سجد المام للسهو‬
‫ل على أنه ل يفعل السجود‬ ‫ل حم ً‬
‫في آخر صلته وجب على المأموم متابعته وإن لم يعلم منه خل ً‬
‫إل لمقتضيه‪ ،‬فلو ترك المأموم المتابعة عمدًا بطلت صلته إن لم يكن نوى المفارقة قبل السجود‬
‫ي المام إن قصد المخالفة وإل فبهويه للسجدة الثانية‪ ،‬فإن‬ ‫للمخالفة حال القدوة‪ ،‬وتبطل بمجرد هو ّ‬
‫تخلف عنه سهوًا ثم تذكر قبل سلم نفسه سجد وجوبًا ولو بعد سلم المام‪ ،‬فإن سلم عمدًا من غير‬
‫سجود بطلت صلته أو سهوًا فإن قصر الزمان تداركه وإن طال استأنف فلو سجد المام قبل أن‬
‫يتم المأموم تشهده فعند ابن حجر يسجد مع المام وجوبًا ثم بعد ذلك يكمل تشهده وجوبًا بناء ل‬
‫استئنافًا‪ .‬وعند الرملي يجب عليه أن يتخلف لتمام التشهد ويتعين عليه السجود بعد إتمام تشهده‪،‬‬
‫ولو كان المام قد سلم فإن سلم المأموم عمدًا من غير سجود بطلت صلته‪ ،‬وإن سجد عمدًا قبل‬
‫إتمام تشهده بطلت أيضًا‪ ،‬هذا في الموافق‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأما المسبوق فمتى سجد إمامه سجد معه وجوبًا ولو قبل تمام تشهده‪ ،‬وإن كان محل تشهد له‬
‫باتفاق الشيخين لن المتابعة آكد من تشهده فإنه سنة‪ ،‬فإذا تخلف المسبوق عمدًا عن السجود مع‬
‫المام بطلت صلته أو سهوًا لم تبطل‪ ،‬ويسقط عنه وجوب السجود إن استمر سهوه حتى فرغ منه‬
‫المام لنه لمحض المتابعة وقد فاتت فإن زال سهوه في أثنائه وجب عليه التيان بما أدرك منه‬
‫وسقط عنه الباقي لما مر‪ ،‬ولو لم يسجد المام عمدًا أو سهوًا في آخر صلته سجد المأموم ندبًا في‬
‫آخر صلة نفسه بعد سلم المام لجبر الخلل الحاصل في صلة نفسه‪ ،‬نعم إن كان الخلل صدر‬
‫من المأموم وحده حال القدوة ولم يصدر من المام فل يسجد المأموم‪ ،‬كما قال المصنف )ل( لغير‬
‫سهو المام فل يسجد المأموم )لسهوه( الواقع منه حال كونه )خلف إمام( متطهر عن الحدث‬
‫والنجس كأن سها عن التشهد الول فل يسجد لذلك لتحمل المام له لوقوعه حال اقتدائه به فلم‬
‫يؤمر به‪ ،‬وإن لم يتذكره إل بعد سلم المام كما يحمل عنه الجهر والسورة وغيرهما كالقنوت‪،‬‬
‫فلو ظن المأموم سلم المام فسلم فتبـين خلفه سلم مع إمامه ول سجود لن سهوه يحمله المام‪،‬‬
‫ولو تذكر في تشهده ترك ركن غير نية وتكبـيرة الحرام وغير سجدة من الركعة الخيرة أتى بعد‬
‫سلم إمامه بركعة ول سجود لما مر‪ ،‬وخرج بالتذكر ما لو شك في ذلك فإنه يأتي بعد سلم المام‬
‫بركعة ويسجد‪ ،‬والفرق بـينهما أن ما فعله بعد سلم المام في صورة الشك متردد في زيادته بعد‬
‫فراغ القدوة بخلفه في صورة التذكر‪ ،‬وخرج بحال القدوة سهوه قبلها كما لو أحرم منفردًا‬
‫وحصل منه مقتضى السجود‪ ،‬ثم اقتدى بإمام فل يتحمله بل يسجد في آخر صلة نفسه بعد انقضاء‬
‫القدوة وقبل سلمه‪ .‬وخرج أيضًا سهوه بعد القدوة كما لو سها بعد سلم إمامه سواء كان مسبوقًا‬
‫ل بنى على‬ ‫أو موافقًا لنتهاء القدوة‪ ،‬فلو سلم المسبوق بعد سلم إمامه أو معه ناسيًا فتذكر حا ً‬
‫صلته وسجد للسهو لن سهوه بعد انقضاء القدوة أو اختللها بالشروع في السلم‪.‬‬
‫)ولو شك بعد سلم( ل يحصل بعده عود للصلة )في فرض( أي في ترك ركن )غير نية تحّرم‬
‫ولم يؤثر( وإن قصر الفصل لن الظاهر مضى الصلة على الصحة‪ ،‬وإل لعسر على الناس‬
‫خصوصًا على ذوي الوسواس‪ ،‬فخرج ما لو شك في السلم نفسه فيجب تداركه ما لم يأت بمبطل‬
‫ولو بعد طول الفصل‪ ،‬إذ غاية المر أن ذلك سكوت طويل وتعمده غير مبطل فل يسجد لسهوه‪،‬‬
‫وخرج ما لو سلم ناسيًا أن عليه سجود السهو فعاد للصلة عن قرب ليتداركه‪ ،‬وشك بعد عوده في‬
‫ترك ركن فهو كما لو شك قبل السلم أي فيجب تداركه أما لو شك في النية وتكبـيرة الحرام‬
‫فيؤثر على المعتمد‪ ،‬ولو كان طرو الشك بعد طول الفصل من السلم‪ ،‬ويجب الستئناف لنه شك‬
‫في أصل النعقاد ما لم يتذكر أنه أتى بهما ولو بعد طول الزمان‪ ،‬وموضع المسألة أن الشك طرأ‬
‫بعد السلم‪ ،‬أما لو شك في النية أو تكبـيرة الحرام في أثناء الصلة فإن تذكر عن قرب قبل‬
‫مضي أقل الطمأنينة ل يضر‪ ،‬وإل ضر‪ .‬وكذا لو شك في شرط من شروط الصلة في أثنائها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل ل شك في نية القدوة في غير الجمعة والمعادة‬


‫ومن الشك في النية ما لو شك أنوى فرضًا أم نف ً‬
‫والمجموعة جمع تقديم بالمطر‪ ،‬بخلف المنذور فعلها جماعة لن الجماعة ليست شرطًا لصحتها‪،‬‬
‫بل واجبة للوفاء بالنذر‪ ،‬فخرج بذلك ما لو أحرم بفرض ثم ظن أنه في غيره فكمل عليه‪ ،‬ثم علم‬
‫الحال لم يضر‪ ،‬وإن ظن أن ما أحرم به نفل وعليه فهذا مما يفرق فيه بـين الظن والشك‪ ،‬وخرج‬
‫بقوله بعد سلم ما قبله‪ ،‬فإن كان الشك في ترك ركن أتى به إن بقي محله وإل فبركعة وسجد‬
‫للسهو فيهما لحتمال الزيادة أو لضعف النية بالتردد في مبطل‪ ،‬ولو سلم وقد نسي ركنًا فأحرم‬
‫بأخرى فورًا لم تنعقد لبقائه في الولى ثم إن ذكر قبل طول الفصل عرفًا بـين السلم وتيقن الترك‬
‫بنى على الولى ول نظر لتحرمه هنا بالثانية‪ ،‬وإن تخلل كلم يسير أو استدبر القبلة أو خرج من‬
‫المسجد بخلف ما لو وطىء نجاسة أو بعد طوله استأنفها لبطلنها به مع السلم بـينهما ومتى بنى‬
‫لم تحسب قراءته‪ ،‬ويجب العود للقعود وإلغاء قيامه‪ ،‬وخرج بالفور ما لو طال الفصل بـين السلم‬
‫وتحرّم الثانية فيصح التحرم بها والمعتمد أن الشرط كالركن فل يؤثر فيه الشك الطارىء بعد‬
‫الحكم بالصحة لنه أدى العبادة في الظاهر فلو شك بعد السلم هل كان متوضئا أم ل؟ ل يضر‪،‬‬
‫وإن كان متيقن الحدث قبل الصلة‪ ،‬ومن ذلك ما لو شك بعد السلم في نية الوضوء فل تلزمه‬
‫العادة بخلف شكه في نية الطهارة قبل الصلة فإنه يؤثر‪ .‬فإن قيل‪ :‬إن الصل بقاء الحدث في‬
‫ذلك‪ .‬أجيب بأن هذا الصل معارض بأن الصل أنه لم يدخل في الصلة إل بعد الطهارة لكن‬
‫يمتنع عليه استئناف صلة أخرى بهذه الطهارة ما دام شكه‪.‬‬
‫ن سجدات التلوة لمن قرأ آية سجدة قراءة مشروعة مقصودة أو سمعها‪ ،‬ويتأكد السجود‬ ‫فرع‪ :‬تس ّ‬
‫للسامع سجود القارىء‪ ،‬والمراد بالمشروعة أن ل تكون محرمة ول مكروهة لذاتها‪ ،‬وخرج غير‬
‫المقصودة كقراءة النائم والساهي والسكران والطيور ونحوها‪ ،‬وبالمشروعة غيرها كقراءة البالغ‬
‫المسلم الجنب وكقراءة المصلي في غير القيام‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أن الشروط ستة‪ :‬كون القراءة مشروعة مقصودة من شخص واحد في غير صلة‬
‫الجنازة لجميع الية‪ ،‬وأن ل تكون بدل عن الفاتحة‪ ،‬وهذه الستة عامة للمصلي وغيره‪ ،‬ويزيد‬
‫المصلي أن ل يقصد بقراءته السجود في غير صبح الجمعة‪ :‬بالم تنزيل‪ .‬وإن كان مأمومًا شرط‬
‫أن ل يسجد إل لسجود إمامه‪ .‬وآيات السجود أربع عشرة‪ :‬واحدة في العراف‪ .‬وواحدة في الرعد‪.‬‬
‫وواحدة في النحل‪ .‬وواحدة في السراء‪ .‬وواحدة في مريم‪ .‬وثنتان في الحج‪ .‬وواحدة في الفرقان‪.‬‬
‫وواحدة في النمل‪ .‬وواحدة في الم تنزيل السجدة‪ .‬وواحدة في فصلت‪ .‬وواحدة في النجم‪ .‬وواحدة‬
‫في النشقاق‪ .‬وواحدة في اقرأ باسم ربك‪ .‬ففي العراف يسجد عند آخر السورة‪ ،‬وأّول الية‪} :‬إن‬
‫الذين عند ربك{ ))‪ (7‬العراف‪ :‬الية ‪ .(206‬وفي الرعد عند قوله تعالى‪} :‬بالغدّو والصال{ ))‬
‫‪ (13‬الرعد‪ :‬الية ‪ ،(15‬وأّول الية‪} :‬ول يسجد من في السموات والرض{ ))‪ (13‬الرعد‪ :‬الية‬
‫‪ .(15‬وفي النحل عند قوله تعالى‪} :‬ويفعلون ما يؤمرون{ ))‪ (16‬النحل‪ :‬الية ‪ ،(50‬وقيل‪:‬‬
‫}يستكبرون{ ))‪ (16‬النحل‪ :‬الية ‪ .(49‬وأول الية‪} :‬ول يسجد ما في السموات وما في الرض‬
‫من دابة{ ))‪ (16‬النحل‪ :‬الية ‪ .(49‬وفي السراء عند قوله تعالى‪} :‬ويزيدهم خشوعًا{ ))‪(17‬‬
‫السراء‪ :‬الية ‪ ،(109‬وأول الية‪} :‬قل آمنوا به{ ))‪ (17‬السراء‪ :‬الية ‪ .(107‬وفي مريم عند‬
‫قوله تعالى‪} :‬خروا سجدًا وبكيا{ ))‪ (19‬مريم‪ :‬الية ‪ .(58‬وأول الية‪} :‬أولئك الذين أنعم ال‬
‫عليهم{ ))‪ (19‬مريم‪ :‬الية ‪ .(58‬وفي الحج الولى عند قوله تعالى‪} :‬يفعل ما يشاء{ ))‪(22‬‬
‫الحج‪ :‬الية ‪ .(18‬وأول الية‪} :‬ألم تر أن ال يسجد له من في السموات ومن في الرض{ ))‪(22‬‬
‫الحج‪ :‬الية ‪ .(18‬والثانية عند قوله تعالى‪} :‬لعلكم تفلحون{ ))‪ (22‬الحج‪ :‬الية ‪ .(77‬وأول الية‪:‬‬
‫}يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا{ ))‪ (22‬الحج‪ :‬الية ‪ .(77‬وفي الفرقان عند قوله تعالى‪:‬‬
‫}وزادهم نفورًا{ ))‪ (25‬الفرقان‪ :‬الية ‪ .(60‬وأول الية‪} :‬وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن{ ))‪(25‬‬
‫الفرقان‪ :‬الية ‪ .(60‬وفي النمل عند قوله تعالى‪} :‬رب العرش العظيم{ ))‪ (27‬النمل‪ :‬الية ‪.(26‬‬
‫وأول الية‪} :‬أل يسجدوا ل{ ))‪ (27‬النمل‪ :‬الية ‪ ،(25‬وفي الم تنزيل السجدة عند قوله تعالى‪:‬‬
‫}وهم ل يستكبرون{ ))‪ (32‬السجدة‪ :‬الية ‪ .(15‬وأول الية‪:‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫}إنما يؤمن{ ))‪ (32‬السجدة الية ‪ .(15‬وفي فصلت عند قوله تعالى‪} :‬إن كنتم إياه تعبدون{ ))‬
‫‪ (41‬فصلت‪ :‬الية ‪ .(37‬وأول الية‪} :‬ومن آياته الليل والنهار{ ))‪ (41‬فصلت‪ :‬الية ‪ :(37‬وفي‬
‫النجم عند آخر السورة‪ ،‬وأول الية }فل أقسم بالشفق{ )‪ (53‬النجم‪ :‬الية ‪ .(59‬وفي النشقاق‬
‫عند قوله تعالى‪} :‬ل يسجدون{ ))‪ (84‬النشقاق الية ‪ .(21‬وأول الية‪} :‬فل أقسم بالشفق{ ))‬
‫‪ (84‬النشقاق‪ :‬الية ‪ ،(16‬لكن قال الشبراملسي ‪ :‬والولى في النشقاق تأخير السجود إلى آخرها‬
‫ل بالقولين‪ ،‬بل يمتنع لنه‬ ‫خروجًا من الخلف لنه ل يستحب السجود عند كل محل سجدة عم ً‬
‫حينئذ آت بسجدة لم تشرع‪ .‬وفي اقرأ عند آخر السورة‪ .‬وأول الية‪} :‬فليدع ناديه{ ))‪ (96‬العلق‪:‬‬
‫الية ‪ .(17‬وليس في القرآن آية سجدة تلوة غير ما ذكر‪ .‬ولو ذكر فيها السجود كما في قوله‬
‫تعالى في سورة الحجر‪} :‬وسبح بحمد ربك وكن من الساجدين{ ))‪ (15‬الحجر‪ :‬الية ‪ .(98‬ووقع‬
‫ن له السجود حيث‬ ‫اضطراب فيمن قرأ آية سجدة في غير الصلة بقصد أن يسجد‪ ،‬والمعتمد أنه يس ّ‬
‫لم يقرأ في وقت الكراهة بقصد أن يسجد فيه وإل فل‪ ،‬وأما في الصلة فإن كان في صبح يوم‬
‫الجمعة بالم تنزيل صح ذلك باتفاق الشيخين‪ :‬الرملي وابن حجر ‪ ،‬وإن كان في غير صبح‬
‫الجمعة‪ ،‬فإن قرأ آية سجدة بقصد السجود وسجد عامدًا عالمًا بطلت صلته باتفاقهما أيضًا‪ .‬ولو‬
‫قرأ آية ل بقصد السجود فاتفق أنها آية سجدة جاز السجود عندهما‪ ،‬وإن كان في صبح الجمعة‬
‫بغير الم تنزيل جاز عند ابن حجر لن صبح الجمعة محل السجود في الجملة‪ ،‬وامتنع عند الرملي‬
‫لعدم الورود‪ .‬ويسجد المأموم تبعًا لمامه وجوبًا ول يحتاج لنية لن سجوده للمتابعة بخلف المام‬
‫والمنفرد فيحتاج سجودهما لنية بالقلب دون اللسان لن التلفظ بها مبطل‪ .‬فإن سجدا بل نية بطلت‬
‫صلتهما‪.‬‬
‫وأركان سجود التلوة لغير مصل‪ :‬تحرم مقرون بالنية‪ ،‬وسجدة‪ ،‬وسلم بعد الجلوس‪ ،‬وأما‬
‫المصلي فإن كان مأمومًا فعليه متابعة إمامه‪ ،‬ول يطلب منه غيرها‪ .‬وإن كان إمامًا أو منفردًا‬
‫وجب عليه نية السجود فقط بقلبه كما تقدم‪ .‬ول يجوز له غيرها وشروطه شروط الصلة‪ ،‬وأن ل‬
‫يطول فصل عرفًا بـين السجود والقراءة بأن ل يزيد على ركعتين بأخف ممكن من الوسط‬
‫المعتدل‪ .‬فإن زاد فاتت ول تقضى‪ ،‬فإن لم يتمكن من فعلها لشغل قال أربع مرات‪ :‬سبحان ال‬
‫والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر ول حول ول قّوة إل بال العلي العظيم‪ ،‬وكذا سجدة الشكر‪،‬‬
‫وكذا تحية المسجد وهو كسجود الصلة في واجباته ومندوباته‪ .‬قال الرملي ‪ :‬أفضل ما ورد فيه‪:‬‬
‫سجد وجهي للذي خلقه وصّوره وشق سمعه وبصره بحوله وقّوته تبارك ال أحسن الخالقين‪،‬‬
‫والدعاء فيه بمناسب الية حسن انتهى‪ ،‬ويتكرر بتكرر الية‪ .‬نعم إن لم يسجد حتى كرر الية كفاه‬
‫ن رفع اليدين عند التحرم بها كالصلة؛ وتفوت بالعراض وطول الفصل‪.‬‬ ‫سجدة واحدة‪ .‬ويس ّ‬
‫ن سجود الشكر لهجوم نعمة له‪ ،‬وإن كان له نظيرها أو لنحو ولده أو قريبه أو صديقه أو من‬ ‫ويس ّ‬
‫يعم النفع به كالعالم أو لعموم المسلمين‪ ،‬والمراد بالهجوم أن تكون من حيث ل يحتسب في وقت لم‬
‫يتيقن وجودها فيه‪ ،‬وإن كان متوقعًا لها بحيث ل تنسب لتسببه عادة كالولد والعافية‪ ،‬ول عبرة‬
‫بتسببه بالوطء وتعاطي الدواء لعدم النتساب إلى ذلك عادة‪ ،‬وخرج بالهجوم النعم المستمرة‬
‫كالعافية المستمرة‪ ،‬والسلم والغنى عن الناس‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وكذلك ما حصل بتسببه عادة‪ :‬كربح معتاد لتاجر فل يسجد لذلك‪ ،‬أو هجوم اندفاع نقمة عنه أو‬
‫عمن تقدم سواء كان يتوقعها أم ل‪ .‬أو رؤية مبتلى بفتح اللم في نحو عقله أو بدنه أو رؤية نحو‬
‫عاص متجاهر بمعصية ولو بارتكاب صغيرة من غير إصرار‪ ،‬وإنما يسجد من رأى المبتلى‬
‫والعاصي إذا كان غير مصاب بمثل بلوته بأن كان سليمًا أو مصابًا بأخف منها ولو من نوعها‪،‬‬
‫ويتعدد السجود بتعدد رؤية المبتلى أو الفاسق‪ .‬نعم لو تعددت السباب قبل السجود كفاه سجود‬
‫واحد للجميع‪ ،‬ولو اختلفت السباب‪ :‬كأن هجمت النعمة عند رؤية المبتلى والعاصي‪ ،‬ويس ّ‬
‫ن‬
‫إظهار سجود الشكر إل للمبتلى لئل يتأذى‪ .‬نعم إن كان غير معذور كمقطوع في سرقة أو مجلود‬
‫في زنا ولم يعلم توبته أظهره له وإل فيسره وإل للعاصي إن خاف ضرره‪ ،‬وهي كسجدة التلوة‬
‫ن أن يقول فيه أيضًا‪ :‬اللهم اكتب لي بها‬
‫خارج الصلة في كيفيتها وشروطها ومندوباتها‪ ،‬ويس ّ‬
‫عندك أجرًا‪ ،‬واجعلها لي عندك ذخرًا‪ ،‬وضع عني بها وزرًا‪ ،‬واقبلها مني كما قبلتها من عبدك‬
‫داود‪ .‬والظاهر أن هذا الدعاء ل يقال إل في سجدة ص‪ .‬ول يجوز فعل هذا السجود في الصلة‪.‬‬
‫ن أن يقول بعد السجود لرؤية المبتلى أو الفاسق سرًا‪ :‬الحمد ل الذي عافاني مما ابتلك به‬
‫ويس ّ‬
‫ل‪ .‬وقد ورد أنه إذا قال ذلك عافاه ال من ذلك البلء طول‬ ‫وفضلني على كثير من خلقه تفضي ً‬
‫عمره‪ .‬وكان السلف الصالح يفرحون بالمصائب التي ل تضر في الدين نظرًا لثوابها‪ ،‬فينبغي‬
‫للعبد أن يفرح بالمرض كما يفرح بالصحة‪ ،‬ويشكر ال تعالى في أيام البلء‪ ،‬وأيام الرخاء‪ ،‬فما‬
‫قضى ال لعبده المؤمن أمرًا غير مخالف لوامر الشرع إل وكانت له الخيرة فيه‪ .‬وسجدة الشكر‬
‫ل تدخل صلة بل تحرم فيها وتبطلها‪ ،‬وتفوت بطول الفصل عرفًا بـينها وبـين سببها‪ .‬ومنها سجدة‬
‫ص عند قوله تعالى‪} :‬وخر راكعًا وأناب{ ))‪ (38‬ص‪ :‬الية ‪ .(24‬وأول الية‪} :‬وظن داود{ ))‬
‫‪ (38‬ص‪ :‬الية ‪ ،(24‬فإن داود عليه الصلة والسلم سجدها شكرًا ل تعالى على قبول توبته من‬
‫خلف الولى الذي ارتكبه وهو إضماره أنه إن مات وزيره تزوج بزوجته‪ .‬ونحن نسجد هذه‬
‫السجدة شكرًا ل تعالى على ذلك عند تلوة هذه الية‪ ،‬ول يشترط أن ينوي بها سجود الشكر على‬
‫قبول توبة داود‪ ،‬بل يكفي مطلق نية الشكر‪ ،‬وكذا لو قال‪ :‬نويت السجود لقبول توبة داود‪ ،‬بخلف‬
‫ما لو نوى الشكر والتلوة معًا خارج الصلة فل يصح‪ ،‬لن سجود التلوة إن لم يكن من‬
‫ل وغيره فيغلب المبطل‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬فإذا نواهما فقد نوى مبط ً‬
‫السجدات المشروعة كان باط ً‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فصل في مفسدات الصلة‬


‫)تبطل الصلة( بعشرين شيئًا‪ :‬الول‪) :‬بنية قطعها( وهي نية الخروج من الصلة قبل مجيء‬
‫ل كما لو نوى أنه يكفر غدًا‬ ‫ل فإنها تبطل حا ً‬
‫محلها‪ ،‬وهو مقارنتها للسلم إما حال أو بعد ركعة مث ً‬
‫ل‪.‬‬
‫فإنه يكفر حا ً‬
‫فائدة‪ :‬العبادات بالنسبة إلى قطع النية أربعة أقسام‪ ،‬قسم يبطل بمجرد قطع نيته اتفاقًا‪ ،‬وهو السلم‬
‫والصلة‪ .‬وقسم ل يبطل بذلك اتفاقًا‪ ،‬وهو الحج والعمرة‪ ،‬وقسم ل يبطل بذلك على الصح‪ ،‬وهو‬
‫الصوم والعتكاف‪ .‬وقسم ل يبطل ما مضى منه على الصح‪ ،‬لكن يحتاج الباقي إلى تجديد نية‪،‬‬
‫وهو الوضوء والغسل‪.‬‬
‫ل عاديًا لمنافاته الجزم المطلوب‬ ‫)و( الثاني‪ :‬بـ)ـترّدد فيه( أي في قطعها أو تعليقها بشيء ولو محا ً‬
‫دوامه في الصلة بخلف المحال العقلي فإنه ل ينافي الجزم المذكور‪.‬‬
‫ل )ولء( بغير عذر‪ ،‬ول فرق في الفعل‬ ‫)و( الثالث‪ :‬بـ)فعل كثير( عرفًا إذا كان كثيرًا يقينًا ثقي ً‬
‫المبطل بـين عمده وسهوه فيبطل مطلقًا )ولو سهوًا( سواء كان من جنس واحد )كثلث خطوات(‬
‫أو ضربات متوالية‪ ،‬أو من أجناس كخطوة وضربة وخلع نعل‪ ،‬ويفهم مما تقدم أن ضابط الكثرة‬
‫العرف‪ ،‬فما يعّده الناس كثيرًا يضر مثل ثلث خطوات وإن كانت بقدر خطوة واحدة‪ ،‬والمعتمد‬
‫ي جهة كانت‪ ،‬فإن نقلت الخرى عّدت ثانية سواء ساوى بها الولى أم‬ ‫أن الخطوة نقل القدم إلى أ ّ‬
‫قّدمها عليها أم أخرها عنها‪ ،‬وذهاب الرجل وعودها يعد مرتين مطلقًا‪ ،‬بخلف ذهاب اليد وعودها‬
‫على التصال فإنه يعد مرة واحدة‪ .‬وكذا رفعها ثم وضعها‪ ،‬ولو في غير موضعها‪ .‬وأما رفع‬
‫الرجل فإنه يعد مرة ووضعها يعد مرة ثانية إن وضعها في غير موضعها‪ .‬والفرق بـين اليد‬
‫والرجل أن الرجل عادتها السكون بخلف اليد‪ .‬ولو نوى الفعل الكثير وشرع فيه بطلت صلته‬
‫لنه قصد المبطل وشرع فيه‪ .‬وخرج باليقين ما لو شك في كثرته فل بطلن‪ ،‬وخرج بالثقيل‬
‫الخفيف كما قال )ل بحركات خفيفة( فل بطلن بذلك ما لم يكن على وجه اللعب‪ ،‬فإن كان كذلك‬
‫بطلت الصلة )كتحريك أصابع( في سبحة بل تحريك الكف )أو جفن( أو لسان أو شفتين أو ذكر‬
‫أو أنثيـين‪ ،‬ومن الخفيف نزع الخف أو الضربة أو الضربتان أو الخطوة أو الخطوتان فل يضر‬
‫ما لم يحصل وثبة‪ ،‬وخرج بقوله ولء المتفرق بحيث ل ينسب الثاني إلى الول أو الثالث إلى‬
‫الثاني عرفًا فل يضر‪ ،‬وخرج بغير عذر ما إذا كان لعذر كصلة شدة الخوف والصلة التي أحرم‬
‫بها في أرض مغصوبة فإنه يتوجه للخروج منها وهو في الصلة كما تقدم ومن ذلك صلة النافلة‬
‫في السفر كما تقدم أيضًا‪ ،‬فإن الماشي يتوجه في أربع ويمشي في أربع‪ ،‬والراكب إذا احتاج إلى‬
‫تحويل رجله أو نحوه فل يضر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫ولو كان في الصلة وناداه نبـينا بطلب المجيء وجبت عليه الجابة بما طلبه ول تبطل صلته‪،‬‬
‫ولو كثرت الفعال وتوالت ولو استدبر القبلة‪ .‬وإذا انتهى فرض النبـي أتّم صلته فيما وصل إليه‬
‫وليس له أن يعود إلى مكانه الول حيث لزم على ذلك أفعال متوالية ما لم يأمره النبـي بالعود‪،‬‬
‫ولو كان إمامًا يتأخر عن القوم بسبب الجابة جاز ذلك‪ ،‬ول يتعين على المأمومين نية المفارقة‬
‫بمجرد تأخره عنهم لحتمال أن يأمره بالعود إلى مكانه الول فلهم الصبر إلى تبـين الحال‪ .‬ولو‬
‫تقدم عليهم بأكثر من ثلثمائة ذراع بسبب الجابة جاز لهم البقاء على المتابعة وتغتفر الزيادة لنها‬
‫في الدوام‪ .‬ويغتفر في الدوام ما ل يغتفر في البتداء كما لو زالت الرابطة في الدوام‪ ،‬ومثل الفعل‬
‫الكثير الفعلة الفاحشة‪ :‬كالنطة وكتحريك جميع بدنه‪ ،‬لن الصلة ذات أفعال منظومة والفعلة‬
‫الفاحشة تقطع نظمها‪.‬‬
‫)و( الرابع‪) :‬بنطق( بكلم مخلوق )بحرفين( وإن لم يفهما‪ .‬نعم يعذر في التلفظ بنذر التبرر الخالي‬
‫عن التعليق والخطاب لمخلوق غير النبـي لنه مناجاة ل‪ ،‬فهو من جنس الدعاء لتضمنه ذكرًا‬
‫بخلف غير التبرر‪ ،‬أو كان بتعليق أو خطاب‪ ،‬وبخلف باقي القرب كالعتق والوقف فإن الصلة‬
‫تبطل بذلك‪ ،‬وفي إجابة النبـي إذا دعاه ولو بالشارة‪ ،‬ويشترط أن يجيبه بما دعاه به‪ ،‬فلو طلب‬
‫منه القول فأجابه بالفعل أو عكسه بطلت صلته‪ ،‬وهذه خصوصية لنبـينا ‪ ،‬فخرج باقي النبـياء‬
‫وكذا الملئكة فتبطل الصلة بإجابتهم‪) .‬ولو ظهر في تنحنح لغير تعذر قراءة واجبة( ولغير تعذر‬
‫ي غيرها‪ .‬أما السنة فل ضرورة إلى التنحنح لجلها ولضرورة لمن يمكنه إتيان واجب‬ ‫واجب قول ّ‬
‫قولي سرًا )أو نحوه( كضحك‪ ،‬وبكاء‪ ،‬وأنين‪ ،‬ونفخ من أنف أو فم‪ ،‬وسعال‪ ،‬وعطاس‪ ،‬وخرج‬
‫بالضحك التبسم فل تبطل به‪.‬‬
‫)أو بحرف مفهم( نحو‪ :‬ق‪ ،‬أو‪ :‬ع‪ ،‬أو‪ :‬ل‪ ،‬أو‪ :‬ط‪ ،‬من الوقاية والوعاية والولية والوطء )ل‬
‫بـيسير نحو تنحنح لغلبة وكلم( فيعذر في يسير كلم عرفًا )بسهو( بأن نسي كونه في الصلة )أو‬
‫سبق لسان( إلى الكلم اليسير )أو جهل تحريمه( فيها )لقرب إسلم أو بعد عن العلماء( بخلف‬
‫من بعد إسلمه من العلماء فل يعذر لتقصيره بترك التعلم‪ .‬واليسير عرفًا هو الذي يكون ست‬
‫كلمات عرفية فأقل‪ ،‬وخرج بذلك الكثير وهو ما زاد على ست كلمات عرفية فإنه مبطل مطلقًا‪،‬‬
‫وضابط البعد عن العلماء أن يعسر عليه السفر إليهم لخوف‪ ،‬أو عدم زاد‪ ،‬أو ضياع من تلزمه‬
‫نفقتهم أو نحو ذلك من أعذار الحج‪ ،‬فإن انتفى ذلك لزمه السفر لتعلم المسائل الظاهرة دون‬
‫الخفية‪ ،‬والمراد بالعلماء هنا العالمون بهذا الحكم المجهول وإن لم يكونوا علماء عرفًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ولو علم تحريم جنس الكلم في الصلة لكن جهل تحريم ما أتى به من ذلك ل تبطل إن قرب‬
‫عهده بالسلم أو كان بعيدًا عن العلماء وكان ما أتى به يسيرًا عرفًا‪ ،‬واستنبط بعضهم من ذلك‬
‫صحة صلة المبلغ والفاتح على المام بقصد العلم فقط إذا كان يجهل امتناع ذلك‪ ،‬قال‪ :‬وينبغي‬
‫صحة صلته وإن لم يقرب عهده بالسلم‪ ،‬ولو نشأ قريبًا من العلماء لمزيد خفاء ذلك على‬
‫العوام‪ ،‬ويعذر في التنحنح للغلبة إن قل ولتعذر ركن قولي‪ ،‬وإن كثر عرفًا فيتنحنح بقدر ما يسمع‬
‫نفسه‪ ،‬ول يعذر في التنحنح للسنن‪ :‬كجهر‪ ،‬وقراءة سورة‪ ،‬وقنوت‪ ،‬وتكبـيرة انتقالت‪.‬‬
‫والحاصل أن التنحنح‪ :‬إذا لم يظهر منه حرفان أو حرف مفهم ل يضر مطلقًا‪ ،‬وإن ظهر منه‬
‫حرفان أو حرف مفهم إن كان لغير عذر ضر مطلقًا‪ ،‬فإن كان للغلبة ولم يكن مرضًا ملزمًا ل‬
‫ل عرفًا‪ .‬ولو ظهر منه حرفان ولو في كل مرة فإن صار ملزمًا بحيث ل يخلو‬ ‫يضر إن ق ّ‬
‫الشخص منه في الوقت زمنًا يسع الصلة ل يضر ولو كثر عرفًا‪ ،‬وكذا إذا كان لتعذر الركن‬
‫القولي والبكاء والنين والتأوه‪ ،‬ولو كان كل منها من خوف الخرة‪ ،‬والضحك‪ ،‬والنفخ بالفم أو‬
‫ل عرفًا‪ ،‬ولو ظهر منه‬ ‫النف‪ ،‬والسعال‪ ،‬والعطاس‪ ،‬والتثاؤب إن كان ذلك للغلبة ل يضر إن ق ّ‬
‫حرفان ولو في كل مرة‪ ،‬فإن كثر عرفًا ضر‪ ،‬وكذا لو كان بغير عذر وظهر منه حرفان أو حرف‬
‫مفهم‪ ،‬وخرج بكلم المخلوق كلم ال تعالى‪ ،‬ومثله الذكر فل بطلن به‪ ،‬وكذا الدعاء ما لم‬
‫يخاطب به غير ال ورسوله ولم يكن محرمًا وإل بطلت صلته‪ ،‬كأن قال لغيره‪ :‬رحمك ال‪ ،‬أو‬
‫دعا بإثم أو قطيعة رحم‪ ،‬أو دعا على إنسان بما ل يجوز‪ ،‬ولو تكلم بنظم القرآن كـ }يا يحيــى خذ‬
‫الكتاب{ ))‪ (19‬مريم‪ :‬الية ‪ (12‬مفهمًا به من استأذنه أن يأخذ شيئًا ل تبطل صلته إن قصد‬
‫التلوة فقط أو مع الفهام أو شك في ذلك فإن قصد الفهام فقط أو أطلق بطلت صلته‪ ،‬وكذا يقال‬
‫في الفتح على المام‪ ،‬وفي جهر المام أو المبلغ بتكبـيرات النتقالت لسماع المأمومين‪ ،‬ويؤخذ‬
‫مما تقدم تخصيص ذلك بالعارف‪ ،‬أما غيره ففيه ما تقدم‪ ،‬وتبطل الصلة بما ل يعقل‪ ،‬كأن قال‪ :‬يا‬
‫ب عليك‪ ،‬ولو قال إمامه‪:‬‬
‫أرض ربـي وربك ال‪ .‬أعوذ بال من شرك وشر ما فيك وشر ما د ّ‬
‫}إياك نعبد وإياك نستعين{ ))‪ (1‬الفاتحة‪ :‬الية ‪ (5‬فقالها‪ ،‬أو قال‪ :‬استعنا بال‪ ،‬أو استعنت بال‬
‫ففيه التفصيل المتقدم‪ ،‬ولو قال لمامه‪ :‬صدقت حين نطق بالثناء في القنوت بطلت صلته لنه‬
‫ن بطلن صلته فتكلم يسيرًا‬ ‫خطاب‪ ،‬وإذا قال‪ :‬أشهد ففيه التفصيل المتقدم‪ ،‬ولو سلم ناسيًا فظ ّ‬
‫عامدًا لم تبطل‪ ،‬ول تجب إجابة البوين في الصلة بل تحرم في الفرض‪ .‬وأما النفل فالجابة فيه‬
‫أفضل إن شق عليهما عدمها‪ ،‬وإل فالستمرار أفضل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( الخامس‪) :‬بمفطر( للصوم‪ ،‬فكل ما أبطل الصوم أبطل الصلة‪ ،‬وسيأتي بـيانه في بابه إن شاء‬
‫ن‬
‫ال تعالى‪ ،‬ومن ذلك ما لو كان في فمه باقي مطعوم أو مشروب فجرى به ريقه فابتلعه فإ ّ‬
‫صلته تبطل‪ ،‬نعم لو كان بـين أسنانه طعام وعجز عن تميـيزه ومجه فجرى به ريقه فنزل إلى‬
‫حلقه بغير إرادته فإنه ل يضر كما في الصوم‪.‬‬
‫ل لشدة منافاته للصلة لنه يشعر‬ ‫وتبطل الصلة بأكل‪ ،‬بضم الهمزة ولو بل حركة فم ولو قلي ً‬
‫ل تحريمه فيها وقرب عهده بالسلم‪ ،‬أو نشأ‬ ‫بالعراض عنها‪ .‬نعم لو كان ناسيًا للصلة‪ ،‬أو جاه ً‬
‫بعيدًا عن العلماء ل تبطل صلته بالكل القليل‪ ،‬بخلف الكثير فإنه مبطل مطلقًا‪ ،‬بخلف الصوم‬
‫ول فرق بـين المكره وغيره لندرة الكراه‪.‬‬
‫ي عمدًا( لغير عذر‪ ،‬فإن كان لعذر كمتابعة المام‬ ‫)و( السادس‪) :‬بزيادة ركن( أي تكرار ركن )فعل ّ‬
‫ي من العتدال وقبل السجود الول‪،‬‬ ‫ل يضر‪ ،‬ول يضر جلوس قصير بقدر الطمأنينة بعد الهو ّ‬
‫لن الجلوس عهد في الصلة غير ركن كجلوس الستراحة‪ ،‬بخلف ما إذا انحنى حتى خرج عن‬
‫حد القيام بأن صار أقرب إلى الركوع عامدًا عالمًا بالتحريم فتبطل صلته‪ ،‬ومثله في السجود إذا‬
‫كان لغير مطلوب كما تقدم عن الشبراملسي ‪ .‬وخرج بالفعلي في الصورتين‪ :‬القولي كالفاتحة‬
‫والتشهد‪ ،‬وبالعمد فيهما السهو فل بطلن‪ ،‬وإذا أدرك المسبوق المام في السجدة الولى من صلب‬
‫صلته فسجد معه ثم رفع المام رأسه فأحدث وانصرف‪ ،‬فالصح أنه ل يأتي بالسجدة الثانية لنه‬
‫بحدث المام انفرد فهي زيادة محضة بغير متابعة فكانت مبطلة‪.‬‬
‫ل( لتلعبه‪ ،‬وإنما صح القتداء بمن‬ ‫)و( السابع‪) :‬باعتقاد فرض( بعينه من فروض الصلة )نف ً‬
‫يرى سنية الطمأنينة لن المدار في القدوة على التيان بما يعتقده المأموم وإن لم يعتقد المام ما‬
‫يعتقده المأموم‪ ،‬وإل لم يصح القتداء بمخالف‪ .‬ومحل البطلن بظن ذلك إن كان في ركن فعل ّ‬
‫ي‬
‫وفعله مع ذلك‪ ،‬أو في قولي أتى به مع ذلك وشرع فيما بعده‪ .‬أما لو أعاد القولي في محله بنية‬
‫الفرض أو ل بنية شيء فل بطلن كذا في فتح الجواد‪.‬‬
‫والثامن‪ :‬مما يفسد الصلة‪ :‬الحدث بأقسامه الثلثة المتقدمة ولو بل قصد واختيار‪ ،‬وأما فسادها‬
‫فيمن تعمد ذلك فبالجماع‪ ،‬ولحديث مسلم‪» :‬ل يقبل ال صلة بغير طهور« ‪ .‬وأما فيمن سبقه‬
‫الحدث فلذلك الحديث‪.‬‬
‫والتاسع‪ :‬الشك في النية أو في شيء من شروط الصلة‪ :‬كالطهارة‪ ،‬أو هل نوى ظهرًا أو عصرًا‬
‫ومضى على ذلك زمن يسع ركنًا‪ ،‬أما لو زال الشك سريعًا‪ :‬كأن خطر له خاطر وزال سريعًا فل‪.‬‬
‫وفرض المسألة أنه طرأ عليه الشك وهو في الصلة قبل السلم منها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫والعاشر‪ :‬انكشاف العورة مع القدرة على سترها‪ ،‬ولو كان في خلوة إل إن كشفها الريح فسترها‬
‫ل قبل مضي أقل الطمأنينة فل بطلن حينئذ إل إن كثر وتوالى بحيث يحتاج الستر إلى أفعال‬ ‫حا ً‬
‫كثيرة متوالية‪ ،‬وإل بطلت‪.‬‬
‫والحادي عشر‪ :‬النحراف عن القبلة ببعض ما وجب الستقبال به ولو بإكراه لندرة الكراه في‬
‫الصلة‪ ،‬ومن ذلك ما يقع كثيرًا أن ينفذ شخص بـين مصليـين فيحرفهما أو أحدهما عن القبلة أو‬
‫ل فيحرفه فإن الصلة تبطل على المعتمد‪ ،‬نعم لو انحرف عن القبلة ناسيًا أنه في‬ ‫يمر بجنب مص ّ‬
‫الصلة وعاد عن قرب ل يضر‪.‬‬
‫والثاني عشر‪ :‬الرّدة‪ ،‬أعاذنا ال والمسلمين منها‪.‬‬
‫والثالث عشر‪ :‬ظهور بعض ما ستر بالخف من رجل أو لفافة أو انقضاء مدة المسح وهو في‬
‫الصلة في الحالين‪.‬‬
‫ل بغير‬ ‫والرابع عشر‪ :‬اتصال نجاسة ببدنه ولو داخل أنفه أو عينه أو بملبوسه إل إن نحاها حا ً‬
‫حمل لها أو لما اتصلت به‪ ،‬ومثال تنحيتها بغير حمل أن تكون يابسة فينفضها‪ :‬كأن يميل كتفه‬
‫فيلقيها‪ ،‬وله نفضها حينئذ ولو في المسجد وإن اتسع الوقت‪ ،‬ثم تجب إزالتها بعد ذلك فورًا‪ ،‬فإن‬
‫ل من غير حمل له‪ ،‬لكن إن كان في المسجد ولزم على‬ ‫كانت رطبة فتنحيتها برمي ما أصابته حا ً‬
‫إلقائها فيه تنجيسه فإن اتسع الوقت راعاه فل يلقيها فيه‪ ،‬بل يقطع الصلة ويلقيها خارجه وإل‬
‫راعى الصلة وألقى النجاسة‪ ،‬وتجب إزالتها بعد الصلة فورًا‪ .‬وخرج بالمسجد الرباط والمدرسة‬
‫وملك الغير والدمي المحترم وقبره وملك نفسه فإنه يراعي الصلة في جميع ذلك‪ ،‬وإن لزم على‬
‫ذلك إفساد شيء‪ ،‬ول يرد على الغاية المذكورة أن فيها إضاعة مال وهي حرام‪ ،‬لن محل الحرمة‬
‫ما لم تكن لغرض شرعي‪ ،‬وهو هنا تصحيح الصلة‪ ،‬والذي يتعين مراعاة المصحف وجوف‬
‫الكعبة وإن ضاق الوقت‪ ،‬ولو كانت النجاسة جافة لعظم حرمتها‪ .‬ومثل تنحيتها فورًا ما لو غسل‬
‫ل فغمسها فورًا في ذلك الماء‪ .‬قال‬
‫ما أصابته فورًا كما لو كان بجنب ماٍء كثير فأصاب يده بول مث ً‬
‫بعضهم‪ :‬ولعل ضابط الفورية أن ل يريد على قدر الطمأنينة‪.‬‬
‫والخامس عشر‪ :‬تقديم الركن الفعلي على محله عمدًا‪.‬‬
‫والسادس عشر‪ :‬ترك ركن من أركان الصلة عمدًا‪ ،‬بخلفه سهوًا ما لم يسلم ويطل الفصل وإل‬
‫استأنفها‪.‬‬
‫والسابع عشر‪ :‬تطويل الركن القصير وهو العتدال والجلوس بـين السجدتين‪ ،‬وتقدم تصوير‬
‫تطويل ذلك‪.‬‬
‫والثامن عشر‪ :‬التقدم على المام بركنين فعليـين عامدًا عالمًا بل عذر‪ ،‬أو التخلف عنه بهما كذلك‪.‬‬
‫ل لكنه في الفعلي حرام‪ ،‬ولو ببعض ركن‪.‬‬ ‫أما التقدم على المام بأقل من ركنين فعليـين فليس مبط ً‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والتاسع عشر‪ :‬القتداء بمن ل يقتدى به ولو مع الجهل بحاله‪ .‬نعم إن بان إمامه محدثًا أو ذا نجاسة‬
‫خفية حيث كان المأموم غير عالم بذلك لم يضر‪ .‬والنجاسة الخفية هي ما لو تأّملها المأموم لم‬
‫يرها‪ ،‬وقيل‪ :‬ما كانت مستترة بالثياب‪ .‬فإن قلت‪ :‬الكلم فيما يفسد الصلة‪ :‬وهو الذي يطرأ بعد‬
‫انعقادها فيفسدها‪ ،‬والقتداء بمن ل يقتدى به يمنع النعقاد فكيف عد من المفسدات‪ .‬قلت‪ :‬يصور‬
‫بما إذا أحرم بالصلة منفردًا ثم بعد انعقادها نوى القتداء بمن ل يقتدى به فتفسد هذه النية على ما‬
‫تقدم‪.‬‬
‫ل‪) .‬و( لكن )ندب‬ ‫والعشرون‪ :‬صرف نية صلة إلى صلة أخرى سواء كانت فرضًا أو نف ً‬
‫ل( أي يصرف فرضه‬ ‫لمنفرد( أي لمن يصلي منفردًا )رأى جماعة( مشروعة )أن يقلب فرضه نف ً‬
‫إلى نفل مطلق ليدرك فضيلة الجماعة بشروط ستة‪ :‬الّول‪ :‬أن يتحقق إتمامها في الوقت لو‬
‫استأنفها‪ ،‬وإل حرم القلب في هذه‪ .‬الثاني‪ :‬أن تكون الصلة المقلوبة ثلثية أو رباعية‪) .‬و( الثالث‪:‬‬
‫أن ل يشرع في الركعة الثالثة لنه طلب منه أن )يسلم من ركعتين( أو ركعة‪ .‬الرابع‪ :‬أن ل توجد‬
‫جماعة غيرها‪ .‬الخامس‪ :‬أن ل يكون المام مخالفًا في المذهب ول مبتدعًا‪ ،‬وإل جاز القلب في‬
‫هذه الربعة ولم يندب‪ .‬السادس‪ :‬أن تكون الجماعة مطلوبة في تلك الصلة‪ ،‬فلو كان يصلي فائتة‬
‫ل ليصليها في جماعة حاضرة أو فائتة ليست من نوعها‪ ،‬فلو كانت الجماعة في‬ ‫لم يجز قلبها نف ً‬
‫فائتة من نوعها‪ :‬كأن كانتا ظهرين أو عصرين جاز القلب ولم يندب ما لم يجب قضاء الفائتة‬
‫ن‪،‬‬‫ل‪ ،‬فعلم أن القلب تارة يس ّ‬
‫فورًا‪ ،‬وإل حرم القلب‪ .‬ولو خشي في فائتة فوت حاضرة قلبها نف ً‬
‫وتارة يجب‪ ،‬وتارة يحرم‪ ،‬وتارة يجوز ول تعتريه الكراهة‪.‬‬
‫فصل في سنن الصلة المكتوبة قبل الدخول فيها‬
‫وهي شيئان‪ :‬الذان والقامة‪ .‬أما الذان فهو قول مخصوص مطلوب لفريضة الصلة‪ .‬وكلماته‬
‫خمس عشرة كلمة‪ ،‬وهي أن يقول‪ :‬ال أكبر أربعًا‪ ،‬أشهد أن ل إله إل ال مرتين‪ ،‬أشهد أن محمدًا‬
‫ي على الصلة كذلك‪ ،‬حي على الفلح كذلك‪ ،‬ال أكبر كذلك‪ ،‬ل إله إل ال‬ ‫رسول ال كذلك‪ ،‬ح ّ‬
‫مرة‪.‬‬
‫وأما القامة‪ :‬فهي ذكر مخصوص يكون سببًا للقيام إلى المكتوبة‪ ،‬وكلماتها إحدى عشرة كلمة‬
‫وهي‪ :‬ال أكبر‪ ،‬تقال مرتين‪ ،‬أشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأشهد أن محمدًا رسول ال‪ ،‬حي على‬
‫الصلة‪ ،‬حي على الفلح تقال كل واحدة مرة‪ ،‬قد قامت الصلة تقال مرتين‪ ،‬ال أكبر تقال مرتين‪،‬‬
‫ل إله إل ال تقال مرة‪ ،‬فتبـين بذلك أن معظم الذان مثنى‪ ،‬ومنه ما هو أربع‪ :‬وهو التكبـير في‬
‫أوله كما تقدم وما هو واحد‪ :‬وهو التوحيد آخره‪ ،‬ومعظم القامة فرادى‪ ،‬ومنه ما هو اثنان‪ :‬وهو‬
‫التكبـير أولها وآخرها‪ ،‬وقد قامت الصلة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن أذان وإقامة( لخبر الصحيحين‪» :‬إذا حضرت الصلة فليؤذن لكم« ولخبر إبـي داود‪:‬‬ ‫)س ّ‬
‫»وتقول إذا قمت إلى الصلة‪ :‬ال أكبر ال أكبر إلى آخر القامة« )لذكر ولو منفردًا( بالصلة في‬
‫صحراء أو غيرها‪ ،‬ويكفي في أذان المنفرد إسماع نفسه‪ ،‬بخلف أذان العلم كما يأتي‪ ،‬ولكن‬
‫سنية كل من الذان والقامة سنة كفاية للجماعة‪ ،‬وسنة عين للمنفرد‪) .‬وإن سمع أذانًا( من غيره‬
‫حيث لم يكن مدعّوا به‪ ،‬أما إذا كان مدعّوا به بأن سمعه من مكان وأراد الصلة فيه وصلى معهم‬
‫فل يندب له الذان‪ .‬ثم الذان وإن كان سنة أفضل من الجماعة التي هي فرض عين في الجمعة‬
‫والمعادة والمجموعة بالمطر تقديمًا وفي المنذور جماعتها‪ ،‬وفرض كفاية فيما عدا ذلك من‬
‫المكتوبة فهو من السنن التي فضلت الفرض كإنظار المعسر وإبرائه‪ ،‬فإن النظار واجب‬
‫والبراء مندوب‪ ،‬والبراء أفضل من النظار‪ ،‬وكابتداء السلم ورّده فإن ابتداءه سنة ورّده فرض‬
‫كفاية‪ ،‬والبتداء أفضل من الرّد‪.‬‬
‫وبقي من سنن الكفاية تشميت العاطس والتسمية على الطعام إذا كان المتناول منه أكثر من واحد‪،‬‬
‫وما يفعل بالميت إذا ندب إليه والضحية في حق أهل المنزل الواحد‪ ،‬فجملتها سبعة‪ :‬الذان‪،‬‬
‫والقامة‪ ،‬وابتداء السلم‪ ،‬وتشميت العاطس‪ ،‬والتسمية على الطعام‪ ،‬وما يفعل بالميت إذا ندب إليه‬
‫بالنسبة للجماعة في الجميع‪ ،‬والضحية في حق أهل المنزل الواحد‪.‬‬
‫وعلم مما مّر في تعريف الذان والقامة أنهما ل يسنان إل )لمكتوبة( والذان حق للفريضة ل‬
‫ن )أن يؤذن للولى( فقط )من صلوات توالت( سواء كانت قضاء‬ ‫للوقت على المعتمد‪) .‬و( لكن س ّ‬
‫أو أداء كالمجموعتين بالسفر أو المطر‪ .‬نعم إن اختلف الوقت‪ :‬كأن أراد صلة الظهر في آخر‬
‫ن لها الذان لختلف الوقت‪) .‬ويقيم لكل(‬ ‫وقتها فأذن لها ثم دخل وقت العصر وأراد صلته س ّ‬
‫من الصلوات التي والها سواء كانت قضاء أو أداء كما تقّدم ول يصح الذان من امرأة وخنثى‬
‫ن )إقامة لنثى( لنفسها ولجماعة النساء ل للذكور ول‬‫لرجال أو خناثى ولو محارم‪) .‬و( إنما تس ّ‬
‫للخناثى‪ ،‬لكن لو أذنت لجماعة النساء بل رفع صوت لم يحرم ولم يكره وكذا لو أذنت لنفسها‬
‫وكان الذان ذكرًا ل تعالى‪ ،‬فإن رفعت صوتها فوق ما تسمع صواحباتها حرم على الصحيح‪،‬‬
‫ومثلها في ذلك الخنثى‪ ،‬فل يقيم إل لنفسه أو لجماعة النساء‪ ،‬ل للذكور ول لجماعة الخناثى‬
‫لحتمال أنوثته وذكورتهم‪.‬‬
‫ن فيه الجماعة‪ :‬كالعيدين والكسوفين‪ ،‬والستسقاء‪ ،‬والتراويح‪ ،‬ووتر‬ ‫)و( أما النفل فإن كان مما تس ّ‬
‫رمضان وأريد فعله جماعة فهو )ينادي( لهذه و )لجماعة نفل( شرعت له‪ ،‬وإن نذر فعله بنحو‬
‫)الصلة جامعة( مثل الصلة الصلة‪ ،‬وهلموا إلى الصلة‪ ،‬والصلة رحمكم ال‪ ،‬والصلة فقط‪،‬‬
‫ل عن شيء‬ ‫ي على الصلة‪ ،‬وذلك ذكر شرع لهذه الصلة استنهاضًا للحاضرين وليس بد ً‬ ‫وكذا ح ّ‬
‫كما قاله الشبراملسي ‪ ،‬ول يقال إل مرة واحدة على المعتمد‪ ،‬ويفعل ذلك في كل ركعتين من‬
‫ن لكن أريد فعله فرادى فل ينادى له‬ ‫ن فيه الجماعة أو كانت تس ّ‬
‫التراويح‪ .‬فإن كان النفل ل تس ّ‬
‫بشيء‪ ،‬ومثله صلة الجنازة لن المشيعين حاضرون فل حاجة إلى النداء‪ .‬نعم إن كانوا يزيدون‬
‫بالنداء طلب‪) .‬وشرط فيهما( أي في كل من الذان والقامة ثمانية‪ :‬منها ثلثة في فاعلهما‪ ،‬وهي‬
‫السلم فل يصحان من كافر لن في إتيانه بهما نوع استهزاء‪ ،‬فلو فعل الكافر ذلك حكم بإسلمه‬
‫لنطقه بالشهادتين ما لم يكن عيسويًا‪ :‬وهم طائفة من اليهود منسوبون إلى أبـي عيسى إسحاق بن‬
‫يعقوب الصفهاني اليهودي؛ كان في خلفة المنصور‪ ،‬وكان يعتقد أن محمدًا بعث إلى العرب‬
‫خاصة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ول يشترط في صحة السلم عطف إحدى الشهادتين على الخرى لن الشهادتين في الذان ل‬
‫عطف بـينهما كذا قال الشبراملسي والتميـيز ولو صبـيًا‪ .‬والذكورة ولو عبدًا إذا كان الذان لغير‬
‫ن‪ .‬ومنها‬
‫ن القامة على المعتمد بأن تفعلها إحداه ّ‬
‫ن‪ ،‬وتطلب منه ّ‬‫ن فل يصح منه ّ‬ ‫النساء‪ .‬أما له ّ‬
‫خمسة في ذاتهما‪ :‬وهي )ترتيب( للتباع ولن تركه يوهم اللعب ويخل بالعلم )وولء( لن‬
‫ترك ذلك يخل بالعلم فل يفصل بـين كلماتهما بسكوت أو كلم طويل‪ .‬وخرج بالطويل اليسير‬
‫منهما ولو عمدًا‪) .‬وجهر لجماعة( ويحصل أصل السنة بمجرد الرفع فوق ما يسمع نفسه أو أحدًا‬
‫من المصلين‪ ،‬وكمال السنة بالرفع طاقته بل مشقة )ووقت( أي دخوله لن القصد العلم‪ ،‬ول‬
‫معنى له قبل الوقت مع ما فيه من التدليس )لغير أذان صبح( فإن الذان الّول للصبح يدخل‬
‫بنصف الليل ويحرم قبله‪ ،‬وليس مثله أذان الجمعة الّول على الوجه إذ ل مدخل للقياس في ذلك‪،‬‬
‫وتختص القامة بتقيـيدها بالوقت فل تصح قبله ولو للصبح‪ ،‬وباشتراط أن ل يطول فصل عرفًا‬
‫بـينها وبـين فعل الصلة كذا في فتح الجواد‪ ،‬وعدم البناء على أذان غيره وإقامته لن البناء يخل‬
‫بالعلم‪ ،‬وذلك كالحج أو العمرة فإن من مات أثناءهما ل يجوز للخر البناء على فعله‪.‬‬
‫ن( للذان وحده ستة )تثويب( في أذاني )صبح( بأن يقول بعد الحيعلتين‪ :‬الصلة خير من‬ ‫)وس ّ‬
‫النوم مرتين‪ :‬أي اليقظة للصلة خير من الراحة التي تحصل من النوم‪ ،‬فتكون كلمات الذان سبع‬
‫ن للصبح وحدها أذانان ولو من واحد‪ :‬أذان قبل الفجر وهو وقت السحر‪ .‬والمختار في‬ ‫عشرة ويس ّ‬
‫السدس الخير‪ ،‬وآخر بعده للتباع )وترجيع( بأن يأتي بالشهادتين كل واحدة مرتين بخفض‬
‫صوت قبل رفع الصوت بهما فيأتي بالربع ولء‪ ،‬فلو لم يأت بهما سرًا أّول أتى بهما بعد الجهر‬
‫ل عن العباب‪ ،‬فتكون جملة كلمات أذان الصبح بالترجيع والتثويب إحدى‬ ‫كذا قال الشبراملسي نق ً‬
‫وعشرين كلمة‪) .‬وجعل مسبحتيه( أي أنملتهما )بصماخيه( لنه أجمع للصوت‪ ،‬ويعرف به الذان‬
‫لصمم أو بعد ولو تعذرت يد واحدة جعل الخرى أو سبابتهما جعل غيرهما من بقية أصابعه‪،‬‬
‫وترتيل بأن يفرد كل كلمة بصوت إل التكبـير أّوله وآخره‪ ،‬فيجمع كل كلمتين بصوت لخفته مع‬
‫وقفة لطيفة على الولى‪ .‬فإن لم يقف فالولى الضم‪ ،‬وقيل الفتح‪ ،‬ورفع الصوت قدر المكان لنه‬
‫أبلغ في العلم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن رفع الصوت‬ ‫نعم إن أذن في مسجد أو نحوه وكان قد صليت فيه صاحبة الوقت قبل ذلك ل يس ّ‬
‫لئل يتوهم السامعون دخول وقت صلة أخرى أو أن التي فعلوها وقعت قبل الوقت‪ ،‬وأن يكون‬
‫ن الصعود فوق السطح فيؤذن عليه‪ ،‬وإن تعسر‬ ‫على موضع عال‪ ،‬ولو لم يكن للمسجد منارة س ّ‬
‫ن لها شيء من ذلك كله‪ .‬نعم‬
‫ذلك فينبغي أن يكون على باب المسجد‪ .‬وخرج بالذان القامة فل يس ّ‬
‫ن )فيهما( أي الذان والقامة معًا سبعة )قيام(‬ ‫ن أن تكون على عال‪) .‬و( س ّ‬ ‫إن اتسع المسجد س ّ‬
‫فيكرهان للقاعد وللمضطجع أشّد وللراكب المقيم‪ ،‬بخلف المسافر فل يكرهان له راكبًا جالسًا‬
‫ن حينئذ الدوران في‬ ‫)واستقبال( للقبلة إذا كانت البلد صغيرة عرفًا‪ .‬أما إذا كانت كبـيرة عرفًا فيس ّ‬
‫ن الستقبال في الذان إذا كانت مئذنة المسجد في طرف‬ ‫الذان كما هو واقع الن‪ ،‬وكذا ل يس ّ‬
‫القرية من جهة القبلة‪ ،‬بل يستقبل القرية حينئذ وإن استدبر القبلة‪) .‬وتحويل وجهه( دون صدره‬
‫ورجليه )فيهما( أي الذان والقامة وإن قل الجمع )يمينًا( مرة )في( قوله )حي على الصلة(‬
‫ل( مرة أخرى )في( قوله )حي على الفلح( كذلك حتى يتمهما في اللتفاتين‬ ‫مرتين )وشما ً‬
‫واختصت الحيعلتان باللتفات لنهما خطاب الدمي كالسلم في الصلة‪ ،‬وأما غيرهما فهو ذكر‬
‫ال تعالى‪ ،‬وإنما يندب لن القصد منها العلم‪ ،‬ول يلتفت في قوله‪ :‬الصلة خير من النوم‪.‬‬
‫والطهارة من الحدثين والخبث‪ ،‬وعدم التغني بهما فإنه يكره ما لم يتغير به المعنى وإل حرم‪.‬‬
‫وعدم التمطيط‪ :‬أي التمديد فإنه يكره وقد يبطل‪ ،‬بل يكفر المتعمد في بعض الكلمة كمّد باء أكبر‬
‫وهمزته ومّد همزة أشهد وألف ال‪ ،‬وكذا يبطل عدم النطق بهاء الصلة‪ ،‬وأن يكون كل من‬
‫ل في الرواية بالنسبة لصل السنة‪ ،‬وفي الشهادة بالنسبة لكمالها‬ ‫المؤذن والمقيم حسن الصوت عد ً‬
‫لنه أمين على الوقت فإن أذن الفاسق كره‪ ،‬إذ ل يؤمن من أن يؤذن في غير الوقت‪ ،‬لكن يحصل‬
‫بأذانه أصل السنة وإن لم يقبل خبره‪.‬‬
‫ن )لسامعهما( أي المؤذن والمقيم )أن يقول ولو غير متوضىء( أو جنبًا أو حائضًا أو نفساء‬ ‫)و( س ّ‬
‫ن للمحدث ل للجنب والحائض‪ ،‬وخلفًا لبنه وهو التاج السبكي حيث‬ ‫خلفًا للسبكي حيث قال‪ :‬يس ّ‬
‫قال‪ :‬تجيب الحائض لطول أمدها بخلف الجنب )مثل قولهما( والمجامع وقاضي الحاجة يجيبان‬
‫بعد فراغ شغلهما كغيرهما ما لم يطل الفصل عرفًا‪ ،‬وإل لم تستحب لهما الجابة )إل في حيعلت‬
‫فيحوقل( أي يقول المجيب بدل كل منها‪ :‬ل حول ول قوة إل بال‪ ،‬يقولها أربع مرات‪ ،‬وإنما يس ّ‬
‫ن‬
‫للمجيب ذلك لنه تفويض محض إلى ال تعالى‪ ،‬والحيعلت دعاء إلى الصلة فل يليق بغير‬
‫المؤذن‪ ،‬وإل في كلمتي القامة فيقول المجيب مرتين‪ :‬أقامها ال وأدامها وجعلني من صالحي‬
‫أهلها )و( إل في التثويب فإن المجيب )يصّدق( بقوله‪ :‬صدقت وبررت مرتين )إن ثوب( أي إن‬
‫أتى مؤذن الصبح بالتثويب‪ ،‬ويشتغل بالجابة ولو كان يفّوت تكبـيرة الحرام مع المام أو الفاتحة‬
‫لنه قيل بوجوبها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن )لكل( من مؤذن ومقيم وسامع ومستمع )أن يصلي على النبـي( )بعد فراغهما( أي فراغ‬ ‫)و( س ّ‬
‫كل من الذان والقامة إل إمام الجمعة في القامة كما قاله علي الونائي ‪ ،‬وتحصل السنة بأي لفظ‬
‫أتى به مما يفيد الصلة على النبـي ‪ ،‬وأفضل الصيغ على الراجح صلة التشهد‪ ،‬فينبغي تقديمها‬
‫على غيرها كذا قال الشبراملسي ‪) .‬ثم( يقول عقب ذلك‪) :‬اللهم رب هذه الدعوة إلى آخره( وهو‪:‬‬
‫التاّمة والصلة القائمة‪ ،‬آت سيدنا محمدًا الوسيلة والفضيلة‪ ،‬وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته إنك‬
‫ل تخلف الميعاد‪ ،‬وأوردنا حوضه‪ ،‬واسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة مريئة ل نظمأ بعدها أبدًا‬
‫ن أن يقول المؤذن ومن سمعه بعد أذان المغرب‪ :‬اللهم هذا إقبال‬ ‫إنك على كل شيء قدير‪ .‬ويس ّ‬
‫ليلك‪ ،‬وإدبار نهارك‪ ،‬وأصوات دعاتك فاغفر لي‪ .‬ويقول كل منهما بعد أذان الصبح‪ :‬اللهم هذا‬
‫ن الدعاء بـين الذان والقامة وإن‬ ‫إقبال نهارك‪ ،‬وإدبار ليلك‪ ،‬وأصوات دعاتك فاغفر لي‪ .‬ويس ّ‬
‫طال ما بـينهما‪ ،‬ويحصل أصل السنة بمجرد الدعاء‪ ،‬والولى شغل الزمان بتمامه بالدعاء إل‬
‫وقت فعل الراتبة‪ ،‬فالدعاء في نحو سجودها كاف‪ ،‬ول يطلب الدعاء بعد القامة وقبل التحّرم‪.‬‬
‫والمطلوب من المصلي المبادرة إلى التحرم لتحصل له الفضيلة التاّمة‪ ،‬وآكد الدعاء سؤال العافية‬
‫ن لغير المقيم القيام‬‫في الدنيا والخرة‪ :‬كأن يقول‪ :‬اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والخرة‪ ،‬ويس ّ‬
‫بعد الفراغ من كلمات القامة كلها‪.‬‬
‫ومكروهات الذان والقامة‪ :‬وقوعهما من المحدث‪ ،‬والكراهة للجنب أشّد‪ ،‬وفي القامة أغلظ‪،‬‬
‫والتغني بهما‪ :‬أي النتقال من نغم إلى نغم آخر‪ ،‬فالسنة أن يستمر على نغم واحد‪ ،‬والتمطيط‪ :‬أي‬
‫مّد الحروف ولو بنغم واحد‪ ،‬ومحل كراهته ما لم يتغير المعنى به‪ ،‬وإل حرم كمّد باء أكبر‬
‫وهمزته‪ ،‬وهمزة أشهد‪ ،‬وهمزة ال‪ ،‬ومّد الهاء من أشهد وإبدالها حاء‪ ،‬وإسقاط همزة التكلم منها‪،‬‬
‫وأن يقول في محمد محامد‪ ،‬وأن يقول‪ :‬حاي على الصلة أو حاي على الفلح‪ ،‬وإسقاط شّدة ال‪،‬‬
‫وعدم النطق بهاء الصلة ونحو ذلك‪ ،‬بل بعض ذلك مكفر فينبغي التحرز من ذلك‪ ،‬والكلم لغير‬
‫مصلحة فيهما‪ ،‬والقعود فيهما للقادر على القيام‪ ،‬والضطجاع أشّد كراهة‪ ،‬وأن يقال فيهما‪ :‬حي‬
‫على خير العمل كما قد يقع ذلك بعد الحيعلتين لنه شعار الزيدية‪ .‬وأما إذا أتى بذلك عوضًا عن‬
‫الحيعلتين فل يصح الذان ول القامة لن ترك كلمة منهما مبطل لهما‪ ،‬ووقوعهما من فاسق أو‬
‫صبـي مميز‪ ،‬ومثلهما العمى بالنسبة للذان إذا كان وحده‪ .‬أما إذا كان معه بصير يعرف الوقت‬
‫فل كراهة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومبطلتهما‪ :‬الرّدة والعياذ بال منها‪ ،‬والجنون‪ ،‬والسكر‪ ،‬وقطعهما بسكوت أو كلم إن طال‬
‫الفصل بحيث ل يعّد الباقي مع الول أذانًا ول إقامة‪ ،‬بخلف اليسير‪ ،‬وترك كلمة منهما‪ ،‬فإن عاد‬
‫عن قرب وأتى بها وأعاد ما بعدها صح‪ ،‬وهذا في الكلمات التي ل بّد منها للصحة‪ ،‬فل يضر ترك‬
‫الترجيع ول التثويب‪ ،‬ول يعود إليه لو تركه‪.‬‬
‫فصل في صلة النفل‬
‫وهو لغة الزيادة‪ ،‬واصطلحًا ما عدا الفرائض من الصلة وغيرها‪ ،‬وهو ما طلبه الشارع طلبًا‬
‫غير جازم‪ .‬ويعبر عنه بالسنة والمندوب والحسن والمرغب فيه‪ ،‬والمستحب والتطوع والحسان‪،‬‬
‫والولى بفعله من تركه‪ .‬وثواب الفرض يفضله بسبعين درجة‪ ،‬وهو أربعة أنواع‪ :‬مؤقت‪ ،‬وذو‬
‫سبب متقدم‪ ،‬وذو سبب متأخر‪ ،‬ومطلق‪ ،‬وهو الذي ل يتقيد بوقت ول سبب‪ .‬وأفراد النوافل ل‬
‫ن فيه الجماعة‪،‬‬‫تنحصر‪ ،‬أما المؤقت فهو قسمان‪ :‬قسم تسن فيه الجماعة‪ ،‬وسيأتي‪ .‬وقسم ل تس ّ‬
‫فهي فيه خلف الولى‪ ،‬وإن حصل ثوابها على المعتمد كما نقله الونائي عن ابن قاسم ‪ ،‬وهو ما‬
‫ن أربع ركعات قبل عصر( لقوله ‪» :‬رحم ال امرءًا صلى قبل العصر أربعًا«‬ ‫ذكره بقوله‪) :‬يس ّ‬
‫فينبغي المحافظة عليها رجاء الدخول في دعوته ‪) .‬و( أربع قبل )ظهر( لعدم تركه لها كما رواه‬
‫البخاري‪) .‬و( أربع )بعده( لقوله ‪» :‬من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه‬
‫ال على النار« والجمعة كالظهر فلها أربع قبلية وأربع بعدية‪ ،‬إن كانت مغنية عن الظهر‪ ،‬فإن‬
‫وجب الظهر بعدها‪ ،‬فل بعدية لها‪ .‬وللظهر بعدها أربع قبلية وأربع بعدية‪ ،‬وحينئذ تقع القبلية التي‬
‫ل مطلقًا‪ ،‬ول تغني عن قبلية الظهر‪.‬‬‫صلها قبل الجمعة نف ً‬
‫)وركعتان بعد مغرب( لخبر الصحيحين‪» :‬أنه صلى ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها‬
‫وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين بعد الجمعة« ‪ .‬ويندب في ركعتي المغرب‬
‫ن تطويلهما حتى ينصرف أهل المسجد‪ ،‬فحينئذ ينبغي إذا أراد‬ ‫بعدها الكافرون والخلص‪ ،‬ويس ّ‬
‫الكمل أن يقدم الكافرون لورودها بخصوصها ثم يضم إليها ما شاء‪ ،‬ومثله يقال في الركعة الثانية‬
‫من أنه يقدم الخلص لذلك‪ ،‬والولى فيما يضمه رعاية ترتيب المصحف فإن لم يتيسر له تطويل‬
‫برعاية ذلك ضم إلى ذلك ما شاء‪ ،‬وإن خالف ترتيب المصحف‪) .‬و( ركعتان بعد )عشاء( للخبر‬
‫المار‪.‬‬
‫)و( ركعتان خفيفتان )قبلهما( أي المغرب والعشاء لقوله ‪» :‬صلوا قبل صلة المغرب« قال في‬
‫المرة الثالثة‪» :‬لمن شاء« ‪ .‬وإنما قال ذلك كراهة أن يتخذه الناس طريقة لزمة‪ ،‬ولقوله ‪» :‬بـين‬
‫كل أذانين ــــ أي أذان وإقامة ــــ صلة« ويستحب فعل الرواتب القبلية بعد إجابة المؤذن فإن‬
‫تعارضت هي وفضيلة التحرم لسراع المام بالفرض عقب الذان أخرها إلى ما بعدها‪ ،‬ويكون‬
‫ذلك عذرًا في التأخير‪ ،‬ول يقدمها على الجابة لنها تفوت بالتأخير‪ ،‬وللخلف في وجوبها كما‬
‫قاله الشبراملسي ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫)و( ركعتان قبل )صبح( لمواظبته عليهما‪ ،‬ولقوله ‪» :‬ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها« وله‬
‫في نيتها كيفيات‪ :‬سنة الصبح‪ ،‬سنة الفجر‪ ،‬سنة البرد‪ ،‬سنة الوسطى بناء على القول المرجوح أنها‬
‫الوسطى‪ ،‬سنة الغداة‪ ،‬وله أن يحذف لفظ السنة كأن يقول‪ :‬أصلي الغداة‪ ،‬أو أصلي ركعتي البرد‪،‬‬
‫ل يخرج به عن حّد السنة والتباع لنه يطلب أن يقرأ‬ ‫ويستحب تخفيفهما‪ :‬بأن ل يطولهما تطوي ً‬
‫فيها الكافرون والخلص وآية البقرة وهي قوله تعالى‪} :‬قولوا آمنا بال{ إلى قوله‪} :‬مسلمون{‬
‫))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ ،(136‬وآية آل عمران‪ ،‬وهي قوله تعالى‪} :‬قل يا أهل الكتاب{ ‪ ،‬إلى قوله‬
‫أيضًا‪} :‬مسلمون{ ))‪ (3‬آل عمران‪ :‬الية ‪ ،(64‬و }ألم نشرح{ ))‪ (94‬الشرح‪ :‬الية ‪ ،(1‬و }ألم‬
‫تر كيف{ ))‪ (105‬الفيل‪ :‬الية ‪ .(1‬وروى أبو داود أنه قرأ في الثانية‪} :‬ربنا آمنا بما أنزلت‬
‫واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين{ ))‪ (3‬آل عمران‪ :‬الية ‪ ،(53‬و }إنا أرسلناك بالحق بشيرًا‬
‫ن الجمع بـين ذلك ليتحقق‬ ‫ونذيرًا ول تسئل عن أصحاب الجحيم{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ ،(119‬فيس ّ‬
‫التيان بالوارد‪ ،‬وهاتان في الفضلية بعد الوتر‪ ،‬وهما أفضل من بقية الرواتب المؤكدة‪ ،‬ويقول‬
‫بعدهما‪ ،‬وقبل صلة الفرض‪ :‬يا حي يا قيوم ل إله إل أنت أربعين مرة‪ ،‬و }قل هو ال أحد{ ))‬
‫‪ (112‬الخلص‪ :‬الية ‪ ،(1‬إحدى عشرة مرة‪ ،‬والمعوذتين مرة مرة‪ ،‬وسبحان ال وبحمده سبحان‬
‫ال العظيم أستغفر ال مائة مرة‪.‬‬
‫وروى ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬أنه ‪ ،‬لما صلى ركعتي الفجر‪ ،‬قال قبل صلة الفرض‪» :‬اللهم‬
‫إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبـي‪ ،‬وتجمع بها شملي‪ ،‬وتلّم بها شعثي‪ ،‬وترّد بها ألفتي‪،‬‬
‫وتصلح بها ديني‪ ،‬وتحفظ بها غائبـي‪ ،‬وترفع بها شاهدي‪ ،‬وتزكي بها عملي‪ ،‬وتبـيض بها وجهي‪،‬‬
‫وتلهمني بها رشدي‪ ،‬وتعصمني بها من كل سوء‪ .‬اللهم أعطني إيمانًا صادقًا‪ ،‬ويقينًا ليس بعده‬
‫كفر‪ ،‬ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والخرة‪ .‬اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء‬
‫ومنازل الشهداء وعيش السعداء والنصر على العداء ومرافقة النبـياء‪ .‬اللهم إني أنزل حاجتي‬
‫وإن ضعف رأيـي وقّلت حيلتي وقصر أهلي وافتقرت إلى رحمتك‪ ،‬فأسألك يا قاضي المور ويا‬
‫شافي الصدور كما تجير بـين البحور أن تجيرني من عذاب السعير ومن دعوة الثبور ومن فتنة‬
‫القبور‪ .‬اللهم ما قصر عنه رأيـي وضعف عنه أملي ولم تبلغه نيتي وأمنيتي من خير وعدته أحدًا‬
‫من عبادك‪ ،‬أو خير أنت معطيه أحدًا من خلقك‪ ،‬فإني أرغب إليك فيه وأسألك يا رب العالمين‪.‬‬
‫اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ول مضلين حربًا لعدائك وسلمًا لوليائك‪ ،‬نحب بحبك‬
‫من أطاعك من خلقك‪ .‬اللهم هذا الدعاء وعليك الجابة‪ .‬وهذا الجهد وعليك التكلن‪ ،‬وإنا ل وإنا‬
‫إليه راجعون‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم ذي الحبل الشديد‪ ،‬والمر الرشيد‪ ،‬أسألك‬
‫المن يوم الوعيد‪ ،‬والجنة يوم الخلود مع المقربـين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود إنك‬
‫رحيم ودود وأنت تفعل ما تريد‪ ،‬سبحان الذي لبس العز وقال به‪ ،‬سبحان من تعطف بالمجد وتكرم‬
‫به‪ ،‬سبحان الذي ل ينبغي التسبـيح إل له‪ ،‬سبحان ذي الفضل والنعم‪ ،‬سبحان ذي العزة والكرم‪،‬‬
‫سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه‪ .‬اللهم اجعل لي نورًا في قلبـي ونورًا في قبري ونورًا في‬
‫سمعي ونورًا من بـين يدي ونورًا من خلفي ونورًا عن يميني ونورًا عن شمالي ونورًا من فوقي‬
‫ونورًا من تحتي‪ .‬اللهم زدني نورًا وأعطني نورًا« ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومما ثبت له فضل عظيم بـين سنة الصبح وفرضه‪ :‬سبحان من تعزز بالعظمة‪ ،‬سبحان من تردى‬
‫بالكبرياء‪ ،‬سبحان من تفرد بالوحدانية‪ ،‬سبحان من احتجب بالنور‪ ،‬سبحان من قهر العباد بالموت‪،‬‬
‫سبحان من ل يفوته فوت‪ ،‬سبحان الول المبدىء‪ ،‬سبحان الخر المفني‪ ،‬سبحان من تسمى قبل أن‬
‫يسمى‪ ،‬سبحان من علم آدم السماء‪ ،‬سبحان من كان عرشه على الماء‪ ،‬سبحان من ل يعلم قدره‬
‫غيره‪ ،‬ويقول‪ :‬سبحان ال وبحمده سبحان ال العظيم ثلثًا‪ ،‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون‬
‫وسلم على المرسلين والحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫ويسن قبل القيام لصلة الفرض ضجعة لطيفة ويحصل أصل السنة بأي كيفية فعلت‪ ،‬والولى أن‬
‫تكون على الجنب اليمن مع استقبال القبلة بمقدم البدن يتذكر بها ضجعة القبر‪ ،‬فإن لم تتيسر له‬
‫تلك الحالة في محله انتقل إلى غيره مما يسهل فعلها فيه يقول فيها‪ :‬اللهم رب جبريل وميكائيل‬
‫وإسرافيل وعزائيل ورب سيدنا محمد أجرني من النار ثلثًا‪ .‬وجملة الرواتب وهي السنن التابعة‬
‫للفرائض ثنتان وعشرون ركعة‪ ،‬والمؤكد من ذلك عشر ركعات وهي ركعتان قبل الصبح‪،‬‬
‫وركعتان قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء‪ .‬ومتى كانت‬
‫الصلة لها قبلية وبعدية فل بد في رواتبها من نية القبلية أو البعدية لجل التميـيز فلو أخر القبلية‬
‫بعد الفرض وصلها مع البعدية بإحرام واحد ينوي القبلية والبعدية معًا‪ ،‬ولو أحرم بركعتين قبلية‬
‫ل شيئًا قبل الفرض‪،‬‬ ‫فقط انصرفتا للمؤكدتين وإن لم يقصدهما وكذا يقال في البعدية‪ ،‬ولو لم يص ّ‬
‫وأحرم بعده بأربع ركعات قبلية وبعدية انصرفت للمؤكدة وإن لم يقصدها‪ ،‬ويدخل وقت الرواتب‬
‫التي قبل الفرض بدخول وقت الفرض‪ ،‬والرواتب التي بعد الفرض يدخل وقتها بفعل الفرض‪.‬‬
‫وشرط البعدية صحة الفرض يقينًا‪ ،‬فمن ثم لو تعددت الجمعة زيادة على قدر الحاجة ل بعدية لها‬
‫إذا لم يتيقن سبقها لما عداها‪ ،‬ويخرج وقت النوعين بخروج وقت الفرض‪ ،‬ولو قبل فعل الفرض‪،‬‬
‫وحينئذ يلغز بالبعدية‪ .‬فيقال لنا صلة خرج وقتها ولم يدخل‪.‬‬
‫ن فيه الجماعة )وتر( في غير رمضان‬ ‫ولو فاتت الرواتب ندب قضاؤها )و( من القسم الذي ل تس ّ‬
‫)وأقله ركعة( ول كراهة في القتصار عليها على المعتمد بل خلف الولى‪ ،‬وأدنى الكمال ثلث‪،‬‬
‫وأكمل منه خمس ثم سبع ثم تسع )وأكثره إحدى عشرة( وهي غاية الكمال فل تصح الزيادة‬
‫عليها‪ ،‬فلو أحرم بثلث عشرة دفعة وكان عامدًا عالمًا بطل الجمع‪ .‬وإن كان ناسيًا أو جاه ً‬
‫ل‬
‫ل مطلقًا‪ .‬وإن أحرم بركعتين بعد أن صلى الحدى عشرة لم تنعقد هذه الصلة إن كان‬ ‫وقعت نف ً‬
‫ل مطلقًا‪ .‬ولمن زاد على ركعة الفصل بـين الركعات بالسلم بأن يحرم‬ ‫عامدًا عالمًا وإل وقعتا نف ً‬
‫بالوتر ركعتين ركعتين‪ ،‬ثم يحرم بالخيرة وينوي بالخيرة الوتر ويتخير في غيرها بـين نية‬
‫صلة الليل ومقدمة الوتر وسنته وركعتين من الوتر لنهما بعضه‪ .‬ول يصح أن ينوي بالركعتين‬
‫وترًا لنهما شفع ل وتر‪ ،‬ويجوز في الخيرة أن يقول ركعة من الوتر لنها بعضه أيضًا‪ .‬وله‬
‫الوصل بتشهد في الخيرة أو تشهدين في الخيرتين‪ ،‬وليس له في الوصل غير ذلك إن أحرم به‬
‫دفعة واحدة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل‪ ،‬وأراد تأخير ثلثة منها يحرم بها دفعة‪ ،‬وأحرم بالثمانية‬‫أما لو أراد أن يصلي إحدى عشرة مث ً‬
‫قبلها بإحرام واحد جاز له التشهد في كل شفع‪ ،‬فقد زاد في الوصل على تشهدين لنه لم يحرم به‬
‫دفعة واحدة‪ .‬والوصل بتشهد أفضل منه بتشهدين فرقًا بـينه وبـين المغرب‪ ،‬وهذا جاز فيما لو‬
‫أحرم بزيادة على ثلث دفعة لما في التيان بتشهدين من مشابهته للمغرب في الجملة‪ ،‬والفصل‬
‫أفضل من الوصل لزيادة العمال فيه‪ ،‬ولو أحرم بالوتر وأطلق‪ :‬أي لم يقيده بعدد يخير بـين ركعة‬
‫وثلث وخمس وهكذا عند الخطيب ‪ ،‬واعتمد الشمس الرملي القتصار على ثلث لنها أدنى‬
‫الكمال‪ :‬فيحمل عليها عند الطلق في الحرام‪ ،‬وكذا في النذر‪ .‬ومتى صلى الركعة المفردة‪:‬‬
‫سواء كانت وحدها أو مع غيرها وبقي منه شيء لم يجز التيان به لفواته‪.‬‬
‫وإذا صلى الوتر ركعة فقط‪ :‬قرأ فيها بعد الفاتحة سورة الخلص‪} :‬وقل أعوذ برب الفلق{ ))‬
‫‪ (113‬الفلق‪ :‬الية ‪} (1‬وقل أعوذ برب الناس{ ))‪ (114‬الناس‪ :‬الية ‪ ،(1‬وإن صلة ثلثًا قرأ في‬
‫الولى سورة }سبح اسم ربك العلى{ ))‪ (87‬العلى‪ :‬الية ‪ ،(1‬وفي الثانية سورة الكافرون‪،‬‬
‫وفي الثالثة السور الثلث المتقدمة‪ .‬وإن صلة زيادة على الثلث قرأ في الولى من كل الركعتين‬
‫سورة }إنا أنزلناه{ ))‪ (97‬القدر‪ :‬الية ‪ ،(1‬وفي الثانية سورة الكافرون‪ :‬ما عدا الخيرتين وما‬
‫عدا ركعة الوتر‪ .‬أما هذه‪ :‬فيقرأ فيها ما تقدم‪.‬‬
‫ن أن يقول بعد الوتر‪ :‬سبحان الملك القدوس ثلثًا‪ .‬اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك‬ ‫ويس ّ‬
‫وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك‪ :‬أي أستجير بك من غضبك ل أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت‬
‫على نفسك‪ ،‬ووقته من صلة العشاء ولو تقديمًا إلى طلوع الفجر الثاني فعلم أن صحته متوقفة‬
‫على فعل العشاء لكن ل يفعله إذا صار مقيمًا فعله وبعد فعل العشاء كأن وصلت سفينته دار إقامته‬
‫بعد فعل العشاء أو نوى القامة‪ ،‬بل يؤخره حتى يدخل وقته الحقيقي لن كونه في وقت العشاء‬
‫ن جعله آخر صلة الليل فإن كان له تهجد أخر الوتر‬ ‫انتفى بالقامة كما أفاده الشبراملسي ‪ .‬ويس ّ‬
‫بعده‪ ،‬هذا إن وثق بـيقظته آخر الليل وإل فالفضل تعجيله بعد فريضة وراتبها‪ ،‬ولو أوتر أول‬
‫الليل‪ ،‬ثم استيقظ آخره لتصح إعادة الوتر لحديث‪» :‬ل وتران في ليلة« ‪.‬‬
‫)و( من هذا القسم )الضحى( ومن فوائدها أنها تجزىء عن الصدقة التي تصبح على مفاصل‬
‫ل كما أخرجه مسلم )وأقلها ركعتان( وأدنى الكمال أربع‪ ،‬وأكمل‬‫النسان الثلثمائة وستين مفص ً‬
‫منه ست‪) .‬و( أفضلها و )أكثرها ثمان( على المعتمد‪ ،‬ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال‪،‬‬
‫والختيار فعلها عند مضي ربع النهار ليكون في كل ربع منه صلة‪ ،‬ففي الربع الول صبح‪،‬‬
‫وفي الثاني ضحى‪ ،‬وفي الثالث ظهر‪ ،‬وفي الرابع عصر‪ .‬ويسن أن يحرم بها ركعتين ركعتين‪،‬‬
‫ويجوز أن يحرم بها دفعة واحدة‪ :‬إما بتشهد في الخيرة فقط أو في كل شفع‪ ،‬وينوي بها سنة‬
‫الضحى‪ ،‬ويقرأ في الولى من الركعتين الولتين بعد الفاتحة سورة }والشمس وضحاها{ ))‪(91‬‬
‫الشمس‪ :‬الية ‪ (1‬وسورة الكافرون‪ ،‬وفي الثانية منها سورة الضحى وسورة الخلص‪ ،‬ثم في‬
‫باقي الركعات يقتصر في الولى على الكافرون‪ ،‬وفي الثانية على الخلص‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ولو أحرم بزيادة على الثمانية وكان الجميع بإحرام واحد لم ينعقد إن كان عامدًا عالمًا وإل وقعت‬
‫ل مطلقًا‪ ،‬فإن أحرم بالزيادة وحدها بعد أن فرغ من الثمانية لم تنعقد الزيادة إن كان عامدًا‬‫نف ً‬
‫ل مطلقًا‪ .‬ففي دعاء الضحى روايتان‪ :‬إحداهما عن ابن علوان ‪ ،‬وهي‪ :‬اللهم‬ ‫عالمًا‪ ،‬وإل وقعت نف ً‬
‫فك أقفال قلوبنا بمشيئتك وأحسن توفيقنا بدوام الصدق في إرادتك‪ ،‬وانشر علينا في هذه الساعة‬
‫راية هدايتك‪ ،‬وقلدنا بسيوف وليتك وتوجنا بتيجان معرفتك‪ ،‬وأمطر علينا من سحائب رحمتك‪،‬‬
‫واسقنا من شراب محبتك‪ ،‬وأثبتنا في ديوان خاصتك‪ ،‬وأوقفنا في ميدان ملحظتك‪ ،‬وص ّ‬
‫ف‬
‫سرائرنا‪ ،‬ونور أبصارنا‪ ،‬واجمعنا في حظائر قدسك وآنسنا بلطيف أنسك‪ ،‬ول تقطعنا بغيرك عن‬
‫نفسك‪ .‬اللهم ما كان منا من إقبال إلى غيرك‪ ،‬وإعراض عنك تعمدًا أو خطأ أو نسيانًا فأزله عنا‬
‫إنك على كل شيء قدير‪ .‬وثانيتهما عن سيدي محمد البكري رحمه ال وهي‪ :‬إن الضحا ضحاؤك‪،‬‬
‫والبهاء بهاؤك‪ ،‬والنور نورك‪ ،‬والعظمة عظمتك‪ ،‬أسألك بحق ضحائك وبهائك وعزتك وجللك‬
‫ل طيبًا يكون عصمة لي في ديني ودنياي وعونًا لي على آخرتي‪ ،‬اللهم‬ ‫أن تسخر لي رزقًا حل ً‬
‫أحي روحي ببارقة تسري بي في أي صورة أحببتها بك وأرني بدائع حكمتك في صنعك حتى‬
‫ي حتى يحيا لي كل قلب ميت‪ ،‬وتنقاد لي كل‬ ‫ل بما يجب له عل ّ‬
‫أحكم بصنعة كل مصنوع‪ ،‬فأقابل ك ً‬
‫نفس أبـية‪ .‬إن شأنك العدل والصلح‪ ،‬وإليك تنقاد النفوس والرواح‪ ،‬إنك على كل شيء قدير‪.‬‬
‫ومن ذلك صلة الشراق‪ ،‬وهي ركعتان بعد شروق الشمس وارتفاعها‪ ،‬ينوي بهما سنة الشراق‬
‫يقرأ في الولى بعد الفاتحة سورة }والضحى{ ))‪ (93‬الضحى‪ :‬الية ‪ ،(1‬وفي الثانية بعد الفاتحة‬
‫}ألم نشرح{ ))‪ (94‬الشرح‪ :‬الية ‪ (1‬وتفوت بعلق النهار‪ ،‬ول تمتّد إلى الزوال‪ ،‬ثم يقول‪ :‬اللهم يا‬
‫نور النور‪ ،‬بالطور وكتاب مسطور في رق منشور والبـيت المعمور‪ ،‬أسألك أن ترزقني نورًا‬
‫أستهدي به إليك وأدل به عليك‪ ،‬ويصحبني في حياتي وبعد النتقال من ظلم مشكاتي‪ ،‬وأسألك‬
‫بالشمس وضحاها‪ ،‬ونفس ما سواها‪ ،‬أن تجعل شمس معرفتك مشرقة بـي ل يحجبها غيم الوهام‪،‬‬
‫ول يعتريها كسوف قمر الواحدية عند التمام‪ ،‬بل أدم لها الشراق والظهور على ممر اليام‬
‫والدهور‪ ،‬وصل اللهم على سيدنا محمد خاتم النبـياء والمرسلين والحمد ل رب العالمين‪ ،‬اللهم‬
‫اغفر لنا ولوالدينا ولخواننا في ال أحياء وأمواتًا أجمعين‪.‬‬
‫ن فيه الجماعة صلة الزوال وهي ركعتان أو أربع بعد الزوال‪،‬‬ ‫ومن النفل المؤقت الذي ل تس ّ‬
‫وقيل هي سنة الظهر ينوي بها سنة الزوال‪ ،‬ومنه صلة الوابـين وتسمى صلة الغفلة‪ ،‬ووقتها‬
‫بعد صلة المغرب إلى مغيب الشفق الحمر‪ ،‬ولو جمع العشاء مع المغرب تقديمًا أخرها عن فعل‬
‫العشاء لوجوب الموالة في جمع التقديم‪ ،‬وأقلها ركعتان‪ ،‬وأوسطها ست وأكثرها عشرون وتفوت‬
‫بخروج وقت المغرب‪ ،‬ويندب قضاؤها‪ .‬إذا فاتت‪ ،‬وينوي بها سنة صلة الوابـين أو سنة صلة‬
‫الغفلة‪ ،‬ول بأس لو نوى بالركعتين الولتين من الست صلة الوابـين وحفظ اليمان كأن يقول‪:‬‬
‫نويت أصلي من صلة الوابـين لحفظ اليمان‪ ،‬وإذا فات شيء من هذا النوع ندب قضاؤه‪ ،‬ثم‬
‫ي في حياتي وعند وفاتي وبعد مماتي‪.‬‬
‫يقول بعد السلم منها‪ :‬اللهم سّددني باليمان‪ ،‬واحفظه عل ّ‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن فيه‬
‫ن فيه الجماعة وسيأتي‪ .‬وقسم ل تس ّ‬ ‫)و( أما النفل ذو السبب المتقدم فهو قسمان‪ :‬قسم تس ّ‬
‫الجماعة فمنه )ركعتا تحية( للمسجد ولو كان مشاعًا‪ :‬أي بعضه مسجد وبعضه غير مسجد على‬
‫ل البعض جعل مسجدًا‪ ،‬بخلف العتكاف فإنه ل يصح في المشاع ول يشترط‬ ‫الشيوع‪ ،‬وإن ق ّ‬
‫تحقق المسجد بل تكفي غلبة الظن فتطلب التحية لما هو على صورة المسجد كالزوايا في القرى‬
‫ما لم تقم القرينة على عدم المسجدية‪ ،‬وليس من علماته المنارة ول المنبر‪ .‬وخرج بالمسجد‬
‫المدارس والرباطات وما في الرض المحكرة وما في سواحل النهار وما في الرض الموقوفة‬
‫أو المسبلة‪ ،‬وهي ركعتان قبل الجلوس لكل داخل متطهر مريد الجلوس فيه لم يشتغل بها عن‬
‫ن للخطيب إذا خرج للخطبة‪ ،‬ول لمن دخل آخر الخطبة‬ ‫الجماعة ولم يخف فوت راتبة‪ ،‬ول تس ّ‬
‫بحيث لو فعل التحية فاته أول الجمعة مع المام‪ ،‬ولو أحرم بها زيادة على ركعتين صحت‪ ،‬لكن‬
‫الفضل القتصار على ركعتين‪ ،‬هذا إن أحرم بالجميع مرة واحدة‪ ،‬فلو أحرم بركعتين بنية‬
‫التحية‪ ،‬ثم بعد الفراغ منهما أحرم بركعتين غيرهما بنية التحية لم تنعقد الثانية‪ ،‬وتحصل بفرض‬
‫ونفل آخر سواء نويت مع ذلك أو ل‪ ،‬نعم إن نفاها فات فضلها‪ ،‬وإن سقط الطلب‪ .‬والحاصل أنه‬
‫إن نواها حصل الثواب اتفاقًا‪ ،‬وإن نفاها فاته الثواب اتفاقًا‪ ،‬وإن أطلق حصل الثواب على المعتمد‪،‬‬
‫وفي الجميع يسقط الطلب‪ ،‬وتتكرر بتكرر الدخول ولو على قرب‪ ،‬وتفوت بالجلوس عمدًا ولو‬
‫قصيرًا كالجلوس للشرب إن ألصق مقعدته بالرض‪ ،‬أما إذا جلس للشرب على قدميه‪ ،‬ولم يلصق‬
‫ل مع القصر فل تفوت به‪،‬‬ ‫مقعدته بالرض‪ ،‬ولم يطل الفصل فل تفوت‪ .‬أما الجلوس سهوًا أو جه ً‬
‫ل‪ ،‬وضابط الطول أن يكون زائدًا على ما يسع ركعتين‪،‬‬ ‫وتفوت بطول الوقوف ولو سهوًا أو جه ً‬
‫بخلف ما إذا قصر الوقوف فل تفوت به ولو عمدًا‪.‬‬
‫والحاصل أنها تفوت بالجلوس الطويل وبالوقوف كذلك مطلقًا فيهما‪ ،‬وبالجلوس القصير عمدًا‪،‬‬
‫ن له أن يقول‪:‬‬ ‫ول تفوت بسجود التلوة والشكر‪ ،‬ول بصلة الجنازة‪ ،‬ولو جلس وترك التحية‪ ،‬يس ّ‬
‫سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال‪ ،‬وال أكبر‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم مرة‪ .‬وقيل‬
‫أربع مرات‪ ،‬فإن ذلك يقوم مقام التحية‪ ،‬ومن دخل المسجد المكي بدأ بالطواف لنه تحية البـيت‪،‬‬
‫ثم بعد ذلك يصلي التحية‪ ،‬فإذا أتى بركعتين سنة الطواف حصلت بهما سنة التحية‪ :‬أي سقط‬
‫الطلب‪ .‬وفي حصول الثواب ما تقدم‪ ،‬فإن دخل غير مريد للطواف صلى التحية ابتداء‪ ،‬ولو ابتدأ‬
‫مريد الطواف بالتحية صح‪ ،‬لكنه ترك الفضل‪ ،‬ومنه صلة سنة الوضوء عقب الفراغ منه‪ ،‬وقبل‬
‫طول الفصل والعراض‪ ،‬وتحصل بما تحصل به تحية المسجد فلو أتى بصلة غيرها عقب‬
‫الوضوء من فرض أو نفل‪ ،‬ففيها ما تقدم في تحية المسجد من جهة حصول الثواب وسقوط‬
‫الطلب‪ ،‬ومثل الوضوء الغسل والتيمم‪ ،‬ولو توضأ خارج المسجد‪ ،‬ثم دخل في الحال فهل له إفراد‬
‫كل من التحية وسنة الوضوء عن الخرى‪ ،‬ول تفوت المؤخرة بالمقدمة مطلقًا‪ ،‬أو بشرط قصر‬
‫ل منهما‪ .‬فقال العلمة الشوبري ‪:‬‬ ‫الفصل أو ل يطلب الفراد‪ ،‬بل المطلوب ركعتان ينوي بهما ك ً‬
‫الخير أوجه لنه متى اشتغل بإحداهما سقط عنه طلب الخرى‪ .‬ومنه صلة بعد الذان‪ ،‬وهي‬
‫ركعتان ينوي بهما سنة الذان‪ .‬ومنه ركعتان عقب الخروج من الحمام في المسجد أو في أي محل‬
‫ن هذه الصلة لكل من الزوج‬ ‫كان غير الحمام لكراهة الصلة فيه‪ ،‬ومنه ركعتا الزفاف تس ّ‬
‫والزوجة ينوي بها سنة الزفاف‪ ،‬وركعتان بعد الخروج من الكعبة يفعلهما في مواجهتها‪،‬‬
‫وركعتان عند حفظ القرآن العظيم‪ ،‬وبعد نتف البط وقص الشارب وحلق العانة وحلق الرأس‪،‬‬
‫وعند حصوله في أرض لم يمر بها قط‪ :‬أو في أرض لم يعبد ال فيها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫ومنه صلة الحاجة فمن ضاق عليه المر ومسته حاجة في صلح دينه ودنياه‪ ،‬وتعسر عليه ذلك‪،‬‬
‫فليصل هذه الصلة التية‪ .‬روي عن وهيب بن الورد أنه قال‪ :‬إن من الدعاء الذي ل يرّد‪ :‬أن‬
‫يصلي العبد ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وآية الكرسي وقل هو ال أحد‪،‬‬
‫فإذا فرغ قال‪ :‬سبحان الذي لبس العز وقال به‪ ،‬سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به‪ ،‬سبحان ذي‬
‫العز والكرم‪ ،‬سبحان ذي الطول‪ ،‬أسألك بمعاقد العز من عرشك‪ ،‬ومنتهى الرحمة من كتابك‪،‬‬
‫ن بّر ول فاجر‪ :‬أن‬‫وباسمك العظم وجدك العلى وكلماتك التامات العامات التي ل يجاوزه ّ‬
‫تصلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد‪ ،‬ثم يسأل حاجته التي ل معصية فيها‪ ،‬فيجاب إن‬
‫شاء ال عز وجل‪ .‬قال بلغنا أنه كان يقال‪ :‬ل تعلموها لسفهائكم فيتعاونوا بها على معصية ال عز‬
‫وجل‪ ،‬وتحصل بركعتين ينوي بهما قضاء حاجته وتندرجان في الفرض والنفل كتحية المسجد‪،‬‬
‫ويصلي بعدهما على النبـي ‪ ،‬ويقول‪» :‬ل إله إل ال الحليم الكريم‪ ،‬ل إله إل ال العلي العظيم‪،‬‬
‫سبحان ال رب العرش العظيم‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‪ .‬اللهم إني أسألك موجبات رحمتك‬
‫وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر‪ ،‬والسلمة من كل إثم‪ ،‬ل تدع لي ذنبًا إل غفرته ول همًا إل‬
‫فرجته ول حاجة هي لك رضاء إل قضيتها«‪.‬‬
‫ن لكل أحد أن يتضرع بالدعاء ونحوه عند الزلزل ونحوها كالصواعق والريح الشديد‬ ‫فائدة‪ :‬يس ّ‬
‫ل لنه كان إذا عصفت‬ ‫والخسف وأن يصلي في بـيته منفردًا كما قاله ابن المقري لئل يكون غاف ً‬
‫الريح قال‪» :‬اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر‬
‫ما فيها وشر ما أرسلت به اللهم اجعلها رياحًا ولتجعلها ريحًا« ‪.‬‬
‫ن فيه الجماعة فمنه صلة )استخارة( في كل أمر مباح وتكون‬ ‫)و( أما ذو السبب المتأخر فل تس ّ‬
‫في المندوب إذا تعارض عليه مندوبان أيهما يبدأ به أو يقتصر عليه‪ ،‬ومثل ذلك الواجب المخير‬
‫كخصال كفارة اليمين أو الموسع كالحج في هذا العام‪ ،‬وتكون في العظيم والحقير وتحرم في‬
‫الحرام والمكروه‪ .‬وكيفية الستخارة أنه إذا عزم على أمر يتوضأ ويصلي ركعتين بنية استخارة‬
‫ويقرأ في الولى الفاتحة والكافرون‪ ،‬وفي الثانية الفاتحة والخلص‪ ،‬ثم بعد سلمه يدعو بهذا‬
‫الدعاء‪ ،‬وهو‪ :‬اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك‪ ،‬وأسألك من فضلك العظيم‪ ،‬فإنك‬
‫تقدر ول أقدر‪ ،‬وتعلم ول أعلم‪ ،‬وأنت علم الغيوب‪ ،‬اللهم إن كنت تعلم أن هذا المر خير لي في‬
‫ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي‪ ،‬ثم بارك لي فيه‪،‬‬
‫وإن كنت تعلم أن هذا المر شّر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله‬
‫فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان‪ ،‬ثم رضني به‪ .‬ويسمي حاجته‪ ،‬فليس‬
‫المراد أنه يأتي بلفظ قوله هذا المر‪ ،‬بل يسمي حاجته كالبـيع والشراء والزواج فيسمي الزوجة ثم‬
‫يفعل ما ينشرح له صدره‪ ،‬فإن لم يظهر له الحال في أول مرة كرر ما عدا الصلة فإن لم يظهر‬
‫له شيء توكل على ال ومضى لما هو عازم فيكون الخير فيه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومنه صلة التوبة‪ ،‬وهي ركعتان قبل التوبة ينوي بهما سنة التوبة وتصحان بعدها‪ ،‬والتوبة واجبة‬
‫على الفور ولو من صغيرة‪ ،‬وتأخيرها ذنب تجب التوبة منه‪ ،‬ول يعّد تأخير التوبة بإتيان‬
‫الركعتين لجلها لنهما من وسائلها‪ ،‬وفائدة التوبة أنها حيث صحت كفرت الذنب ولو كبـيرة قطعًا‬
‫في الكفر وغيره‪ ،‬وقيل قطعًا في الكفر وظنًا في غيره‪ ،‬وهي من أفضل الطاعات‪ .‬ومنه صلة‬
‫سنة الحرام قبـيله بحيث تنسب إليه عرفًا‪ .‬ومنه ركعتان عند القتل ولو ظلمًا إن أمكن‪ ،‬وعند‬
‫الخروج من المنزل أو معقله‪ ،‬وعند الخروج من مسجد رسول ال للسفر‪ ،‬وركعتان قبل عقد‬
‫النكاح‪.‬‬
‫ومنه صلة الستخارة المعروفة عند الصوفية‪ ،‬وهي الستخارة المطلقة التي يعملها أهل ال كل‬
‫يوم وهي ركعتان غير الستخارة المشهورة يقصد بهما أن تكون حركاته وسكناته من هذا الوقت‬
‫إلى مثله من اليوم الخر خيرًا في حقه وحق غيره‪ ،‬وأن تكون حركات غيره وسكناته في تلك‬
‫المدة خيرًا في حقه هو‪ .‬قال بعض العارفين‪ :‬وقد جرب ذلك فشوهد نفعه‪ ،‬يقرأ في الركعة الولى‬
‫بعد الفاتحة قوله تعالى‪} :‬وربك يخلق ما يشاء ويختار{ إلى }يعلنون{ ))‪ (28‬القصص‪ :‬الية‬
‫‪ ،(68‬أو }قل يا أيها الكافرون{ ))‪ (109‬الكافرون‪ :‬الية ‪ ،(1‬وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة قوله‬
‫تعالى‪} :‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة{ إلى }مبـينا{ ))‪ (33‬الحزاب‪ :‬الية ‪ ،(36‬أو }قل هو ال‬
‫أحد{ ))‪ (112‬الخلص‪ :‬الية ‪ .(1‬وله فعلها في أي وقت أراد من ليل أو نهار ما عدا أوقات‬
‫الكراهة المتقدم ذكرها لكن الولى أن يفعلها بعد صلة الشراق‪ ،‬وقبل صلة الضحى‪ ،‬ثم يدعو‬
‫بدعاء الستخارة‪ ،‬وهو‪ :‬اللهم إني أستخيرك بعلمك‪ ،‬وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك‬
‫العظيم‪ ،‬فإنك تقدر ول أقدر‪ ،‬وتعلم ول أعلم وأنت علم الغيوب‪ ،‬اللهم إن كنت تعلم أن جميع ما‬
‫أتحرك فيه أو أسكن في حقي وفي حق غيري وجميع ما يتحرك فيه غيري أو يسكن في حقي‬
‫وفي حق أهلي وولدي وما ملكت يميني من ساعتي هذه إلى مثلها من اليوم الخر خير لي في‬
‫ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاقدره لي ويسره لي يا أرحم الراحمين‪ ،‬وإن كنت‬
‫تعلم أن جميع ما أتحرك فيه أو أسكن في حقي وفي حق غيري وجميع ما يتحرك فيه غيري أو‬
‫يسكن في حقي وحق أهلي وولدي وما ملكت يميني من ساعتي هذه إلى مثلها من اليوم الخر شر‬
‫لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير‬
‫حيث كنت وتول بلطفك أمري دنيا وأخرى إنك على كل شيء قدير‪ ،‬وصلى ال على سيدنا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومنه صلة ركعتين ليلة الجمعة بعد المغرب لتسهيل الموت وما بعده من الهوال كما ذكره‬
‫السنوسي وغيره يقرأ في كل ركعة منهما بعد الفاتحة سورة الزلزلة خمس عشر مرة‪ .‬ومنه‬
‫ركعتان بعد المغرب أيضًا لحفظ اليمان‪ :‬يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر مرة‪ ،‬وسورة‬
‫الخلص ستًا‪ ،‬والمعوذتين مرة مرة‪ ،‬ويقول في السجود‪» :‬اللهم إني أستودعك ديني وإيماني‬
‫ي في حياتي وعند مماتي وبعد وفاتي‪ ،‬ويقول بعد السلم‪ :‬سبحان ال وبحمده سبحان‬ ‫فاحفظهما عل ّ‬
‫ال العظيم«‪.‬‬
‫ومنه صلة ركعتين للنس في القبر‪ ،‬روي عن النبـي أنه قال‪» :‬ل يأتي على الميت أشد من الليلة‬
‫الولى‪ ،‬فارحموا بالصدقة من يموت فمن لم يجد فليصل ركعتين يقرأ فيهما‪ :‬أي في كل ركعة‬
‫منهما فاتحة الكتاب مرة‪ ،‬وآية الكرسي مرة‪ ،‬و }ألهاكم التكاثر{ ))‪ (102‬التكاثر‪ :‬الية ‪ (1‬مرة‪،‬‬
‫و }قل هو ال أحد{ ))‪ (112‬الخلص‪ :‬الية ‪ (1‬عشر مرات‪ ،‬ويقول بعد السلم‪» :‬اللهم إني‬
‫صليت هذه الصلة وتعلم ما أريد‪ ،‬اللهم ابعث ثوابها إلى قبر فلن ابن فلن‪ ،‬فيبعث ال من ساعته‬
‫إلى قبره ألف ملك مع كل ملك نور وهدية يؤنسونه إلى يوم ينفخ في الصور« اهـ‪ .‬وفي الحديث‪:‬‬
‫أن فاعل ذلك له ثواب جسيم‪ .‬منه أنه ل يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه في الجنة‪ ،‬قال بعضهم‪:‬‬
‫فطوبى لعبد واظب على هذه الصلة كل ليلة وأهدى ثوابها لكل ميت من المسلمين‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫ومنه صلة الستعاذة‪ ،‬وهي ركعتان بعد صلة الضحى ينوي بهما سنة الستعاذة يقصد بهما أن‬
‫ال يعيذه من شر يومه وليلته‪ :‬يقرأ في الولى بعد الفاتحة سورة }قل أعوذ برب الفلق{ ))‪(113‬‬
‫الفلق‪ :‬الية ‪ ،(1‬وفي الثانية بعد الفاتحة سورة }قل أعوذ برب الناس{ ))‪ (114‬الناس‪ :‬الية ‪،(1‬‬
‫ثم يدعو بدعاء الستعاذة‪ ،‬وهو‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد ل رب العالمين‪ ،‬وصلى ال على‬
‫سيدنا محمد النبـي المي وعلى آله وصحبه وسلم‪ ،‬اللهم إني أعوذ بك من خليل ماكر عيناه‬
‫ترياني وقلبه يرعاني إن رأى حسنة دفنها‪ ،‬وإن رأى سيئة أذاعها‪ ،‬اللهم إني أعوذ بك من يوم‬
‫السوء وأعوذ بك من ليلة السوء‪ ،‬وأعوذ بك من ساعة السوء‪ ،‬وأعوذ بك من صاحب السوء‪،‬‬
‫وأعوذ بك من جار السوء في دار المقام وصلى ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫ومنه صلة السفر‪ ،‬وهي ركعتان عند إرادة الخروج للسفر ينوي بهما سنة السفر‪ ،‬روي عن‬
‫ن في‬‫النبـي أنه قال‪» :‬ما استخلف عبد عند أهله من خليفة أحب إلى ال من أربع ركعات يصليه ّ‬
‫ن بفاتحة الكتاب«‪ ،‬و }قل هو ال أحد{ ))‪ (112‬الخلص‪:‬‬ ‫بـيته إذا شد عليه ثياب سفره يقرأ فيه ّ‬
‫ن في أهلي ومالي فهي خليفته في أهله‬ ‫ن إليك فاخلفني به ّ‬
‫الية ‪ ،(1‬ثم يقول‪» :‬اللهم إني أتقرب به ّ‬
‫وماله وحرز حول داره حتى يرجع إلى أهله« ‪ .‬وإذا فات النفل المؤقت ندب قضاؤه كما تقدم‪.‬‬
‫وأما ذو السبب فل يقضي إذا فات‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫تنبـيه متى كانت النافلة غير مقصودة لذاتها كفى عنها صلة أخرى من فرض أو نفل‪ ،‬وفي‬
‫حصول الثواب وسقوط الطلب ما تقّدم في تحية المسجد وسنة الوضوء‪.‬‬
‫ن فيه الجماعة )صلة العيدين(‪ :‬الصغر والكبر‪،‬‬ ‫)و( القسم الثاني من النفل المؤقت‪ :‬وهو ما تس ّ‬
‫وهي من خصائص هذه الّمة‪ ،‬وصلة الضحى أفضل من صلة الفطر لثبوتها بنص القرآن‪،‬‬
‫ن الجماعة في صلة‬ ‫ل لربك وانحر{ ))‪ (108‬الكوثر‪ :‬الية ‪ ،(2‬ومحل س ّ‬ ‫وهو قوله تعالى‪} :‬فص ّ‬
‫ن له فرادى سواء كان بمنى أو غيرها ولو في طريقه إلى مكة‪،‬‬ ‫الضحى لغير الحاج‪ ،‬أما هو فتس ّ‬
‫ن تأخيرها عن‬ ‫وصلة العيدين سنة مؤكدة‪ ،‬ووقتها ما بـين طلوع الشمس يوم العيد وزوالها‪ ،‬ويس ّ‬
‫طلوع الشمس حتى ترتفع كرمح في رأي العين‪ ،‬لكن لو فعلها قبل الرتفاع وبعد الطلوع صحت‬
‫من غير كراهة على المعتمد وهي ركعتان كغيرها في الركان والشروط‪ ،‬وأقلها أن يحرم‬
‫ل‪ ،‬وأكملها أن يكبر في‬ ‫بالركعتين بنية صلة عيد الفطر أو الضحى‪ ،‬ويصليهما كراتبة الظهر مث ً‬
‫الركعة الولى سبع تكبـيرات بعد تكبـيرة الحرام وبعد دعاء الفتتاح وقبل التعّوذ‪ ،‬ويرفع يديه في‬
‫ن أن يفصل بـين كل اثنين منها بقدر آية معتدلة يهلل ويكبر‬ ‫كل تكبـيرة كما في التحرم‪ .‬ويس ّ‬
‫ويمجد‪ ،‬ويحسن في ذلك أن يقول‪ :‬سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر لنه لئق‬
‫بالحال‪.‬‬
‫ن أن يضع يمناه على يسراه تحت صدره بـين كل تكبـيرتين‪ ،‬ولو شك في عدد التكبـيرات‬ ‫ويس ّ‬
‫أخذ بالقل‪ ،‬وهي من الهيئات‪ :‬كالتعّوذ‪ ،‬ودعاء الفتتاح‪ ،‬فل يسجد لترك شيء منها وإن كان‬
‫الترك مكروهًا‪ ،‬ولو نسي التكبـيرات أو شيئا منها وشرع في القراءة لم يتداركها ولو لم يتم‬
‫الفاتحة‪ ،‬بخلف ما لو نسيها وشرع في التعّوذ ثم تذكرها فإنه يعود إليها ول يفوت بها دعاء‬
‫الفتتاح‪ ،‬ويفوت بالتعّوذ ويفوت الكل بالقراءة ولو ناسيًا‪ ،‬ثم يتعّوذ بعد التكبـيرة الخيرة‪ ،‬ويقرأ‬
‫الفاتحة كغيرها من الصلوات‪ ،‬ويندب أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الولى‪} :‬ق{ ))‪ (50‬ق‬
‫الية‪ ،(1 :‬وفي الثانية‪} :‬اقتربت الساعة{ ))‪ (54‬القمر‪ :‬الية ‪ ،(1‬أو )‪ (50‬ق‪} :‬سبح اسم ربك‬
‫العلى{ ))‪ (87‬العلى‪ :‬الية ‪ (1‬في الولى‪ ،‬والغاشية في الثانية‪ ،‬وهي صلة جهرية‪ ،‬ثم إذا قام‬
‫للركعة الثانية يكبر خمسًا بالصفة المتقّدمة بعد تكبـيرة القيام وقبل التعّوذ‪.‬‬
‫ن الغسل للعيدين وإن لم يرد الحضور لنه يوم زينة‪ ،‬ويدخل وقته بنصف الليل‪ ،‬ولكن‬ ‫ويس ّ‬
‫ن البكور بعد الصبح لغير المام‪ ،‬وأن يحضر‬ ‫الفضل فعله بعد الفجر‪ ،‬ويخرج بالغروب‪ ،‬ويس ّ‬
‫ل‪ ،‬وحكمته اتساع‬ ‫المام وقت صلته‪ ،‬وأن يعجل الحضور في الضحى‪ ،‬ويؤخره في الفطر قلي ً‬
‫وقت الضحية‪ ،‬والفضل في صدقة الفطر أن تكون قبل الصلة‪ ،‬ويندب التطيب للذكر بأحسن ما‬
‫يجده عنده من الطيب‪ ،‬والتزين بأحسن ثيابه‪ ،‬وأفضلها البـيض إل أن يكون غيرها أحسن‪ ،‬فهو‬
‫أفضل منها هنا ل في الجمعة‪ ،‬والفرق أن المراد هنا إظهار النعم‪ ،‬وثم التواضع‪ ،‬وفعلها بالمسجد‬
‫أفضل لشرفه‪ ،‬وأن يذهب للصلة في طريق طويل ماشيًا بسكينة ويرجع في آخر قصير‬
‫كالجمعة‪ ،‬وأن يأكل قبلها في عيد الفطر والولى أن يكون تمرًا وترًا‪ ،‬وأن يمسك عن الكل في‬
‫الضحى‪ ،‬ول يكره لغير المام التنفل قبلها بعد ارتفاع الشمس ول بعدها إن لم يسمع الخطبة وإل‬
‫كره‪ ،‬أما المام فيكره له التنفل قبلها وبعدها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ويستحب إزالة الشعر والظفر والريح الكريهة‪ ،‬ومن له ثوب واحد يغسله ندبًا لكل جمعة وعيد‪،‬‬
‫ويكبر ندبًا كل أحد من غروب الشمس من ليلتي عيد الفطر والضحى برفع الصوت في المنازل‬
‫والسواق وغيرهما‪ ،‬واستثنى الرافعي من رفع الصوت المرأة إذا حضرت مع غير محارمها‬
‫ونحوهم‪ ،‬ومثلها الخنثى‪ ،‬ويستمر ذلك إلى أن يدخل المام في صلة العيد فإن صلى منفردًا‬
‫ل يستمر‬ ‫فالعبرة بإحرامه هو‪ ،‬ولو تأخر إحرام من ذكر إلى الزوال‪ ،‬ومن لم يرد الصلة أص ً‬
‫تكبـيره إلى الزوال‪ ،‬وهذا يسمى التكبـير المرسل‪ ،‬ويكبر في عيد الضحى خلف صلة الفرائض‬
‫والنوافل ولو فائتة‪ ،‬وصلة جنازة من فجر يوم عرفة إلى الغروب من آخر أيام التشريق الثلثة‪،‬‬
‫وهذا بالنسبة لغير الحاج‪ ،‬فجملة ما يكبر عقبه من المكتوبات المؤّداة في هذه اليام ثلثة‬
‫وعشرون‪ ،‬ولو تعارض عليه التكبـير وأذكار الصلوات قدم عليها لنه شعار الوقت‪ :‬وإن كان ل‬
‫يفوت بها‪ .‬أما الحاج فيكبر عقب كل صلة من ظهر يوم النحر لنها أّول صلواته بعد انتهاء وقت‬
‫التلبـية إلى الغروب من آخر أيام التشريق‪ ،‬فجملة ما يكبر عقبه من المكتوبات المؤّداة في هذه‬
‫اليام سبعة عشر‪ ،‬وهذا يسمى التكبـير المقيد‪.‬‬
‫فعلم أن المرسل لكل من الفطر والضحى وأن المقيد للضحى فقط‪ ،‬وأن صلة عيد الفطر ل‬
‫تكبـير عقبها‪ .‬لنه ليس له مقيد بخلف صلة عيد الضحى‪ ،‬ومرسل الفطر أفضل من مرسل‬
‫الضحى‪ ،‬ومقيد الضحى أفضل من المرسلين‪ ،‬والمحرم بالحج ل يكبر ليلة الضحى لن شعاره‬
‫التلبـية‪ ،‬وكذا لو أحرم بالحج عند ابتداء أّول ليلة من شوال ل يكبر بل يلبي‪ .‬وصيغة التكبـير‬
‫المحبوبة‪ :‬ال أكبر ال أكبر ال أكبر‪ ،‬ل إله إل ال وال أكبر ال أكبر ول الحمد‪ ،‬ال أكبر كبـيرًا‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ل إله إل ال‪ ،‬ول نعبد إل إياه‪ ،‬مخلصين له الدين‬ ‫والحمد ل كثيرًا‪ ،‬وسبحان ال بكرة وأصي ً‬
‫ولو كره الكافرون‪ ،‬ل إله إل ال وحده‪ ،‬صدق وعده‪ ،‬ونصر عبده‪ ،‬وهزم الحزاب وحده‪.‬‬
‫ويستحب بعد ذلك الصلة على النبـي ‪ ،‬لقوله تعالى‪} :‬ورفعنا لك ذكرك{ ))‪ (94‬الشرح‪ :‬الية ‪(4‬‬
‫أي ل أذكر إل وتذكر معي‪ ،‬والمعتاد في ذلك أن يقول‪ :‬اللهم صل على سيدنا محمد‪ ،‬وعلى آل‬
‫سيدنا محمد‪ ،‬وعلى أصحاب سيدنا محمد‪ ،‬وعلى أزواج سيدنا محمد‪ ،‬وعلى ذرية سيدنا محمد‪،‬‬
‫وسلم تسليمًا كثيرًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن فيه الجماعة صلة )الكسوفين( أي‬ ‫)و( القسم الثاني‪ :‬من النفل ذي السبب المتقدم‪ :‬وهو ما تس ّ‬
‫صلة كسوف الشمس‪ ،‬وصلة خسوف القمر‪ .‬وهي سنة مؤكدة‪ ،‬وأقلها ركعتان كراتبة الظهر‬
‫ل يحرم بهما بنية صلة الكسوف أو الخسوف‪ ،‬وأوسطها ركعتان في كل ركعة قيامان‬ ‫مث ً‬
‫وركوعان فيحرم بهما بنية ما ذكر‪ ،‬ثم بعد الفتتاح والتعوذ يقرأ الفاتحة ويركع ثم يعتدل ويقرأ‬
‫الفاتحة ثانيًا‪ ،‬ويركع ثانيًا ثم يعتدل ثانيًا‪ .‬ثم يسجد السجدتين ويأتي بالطمأنينة في محلها‪ .‬فهذه‬
‫ركعة‪ ،‬ثم يأتي بركعة أخرى كذلك‪ ،‬وأكملها ركعتان يحرم بهما بنية ما ذكر في كل ركعة قيامان‬
‫يطيل القراءة فيهما‪ ،‬فيقرأ في القيام الول بعد الفاتحة وسوابقها من افتتاح وتعوذ البقرة بكمالها إن‬
‫أحسنها وإل فقدرها‪ ،‬ويقرأ في القيام الثاني مقدار مائتي آية منها‪ ،‬وفي القيام الثالث مقدار مائتين‬
‫وخمسين منها‪ ،‬وفي القيام الرابع مقدار مائة منها تقريبًا في الجميع‪ ،‬ويقرأ في القيام الثاني آل‬
‫عمران أو قدرها‪ ،‬وفي الثالث النساء أو قدرها‪ ،‬وفي الرابع المائدة أو قدرها‪ ،‬وفي كل ركعة‬
‫ركوعان يطيل التسبـيح فيهما‪ ،‬فيسبح في الركوع الول قدر مائة آية من البقرة‪ ،‬وفي الثاني قدر‬
‫ثمانين منها‪ ،‬وفي الثالث قدر سبعين منها بتقديم السين على الموحدة‪ ،‬وفي الرابع قدر خمسين‬
‫منها تقريبًا في الجميع‪ ،‬والمعتمد أنه يطيل السجود الول من كل ركعة نحو الركوع الول منها‪،‬‬
‫والسجود الثاني نحو الركوع الثاني‪ ،‬وأما العتدال الثاني من كل ركعة والجلوس بـين السجدتين‬
‫من كل ركعة فل يطيلهما‪ ،‬ول بّد في النية من تعيـين كون هذه الصلة لكسوف الشمس أو‬
‫ن له بعد الحرام أن يزيد على ذلك‬ ‫لخسوف القمر‪ ،‬وإن أحرم بها بقصد أن يفعلها كسنة الظهر فع ّ‬
‫ن له أن يفعلها كسنة‬‫لم يجز على المعتمد‪ ،‬وإن أحرم بها بقصد أن يفعلها بقيامين وركوعين فع ّ‬
‫ن للنساء‬
‫ن فعلها في الجامع ويس ّ‬ ‫الظهر أيضًا‪ ،‬وإن أحرم بها وأطلق تخير بـين القل وغيره‪ .‬ويس ّ‬
‫غير ذوات الهيئات أن يصلينها مع المام في الجامع‪ ،‬وذوات الهيئات يصلين في بـيوته ّ‬
‫ن‬
‫منفردات‪ ،‬فإن اجتمعن مع المام فل بأس‪ ،‬ويدخل وقتها بابتداء التغير يقينًا‪ ،‬وتفوت صلة كسوف‬
‫الشمس بالنجلء التام يقينًا وبغروبها كاسفة‪ ،‬وصلة خسوف القمر بالنجلء التام يقينًا‪ ،‬وبطلوع‬
‫الشمس ل بطلوع الفجر ول بغروب القمر خاسفًا‪ ،‬ولو حصل النجلء أو الغروب أو طلوع‬
‫الشمس في أثناء الصلة ل تبطل بل خلف‪.‬‬
‫ن السرار في صلة كسوف الشمس لنها نهارية‪ ،‬والجهر في صلة خسوف القمر لنها‬ ‫ويس ّ‬
‫ن للمام أن يخطب )بخطبتين( للجماعة دون المنفرد )بعدهما( أي‬ ‫صلة ليل أو ملحقة بها‪ .‬ويس ّ‬
‫بعد السلم من صلة العيدين والكسوفين‪ ،‬وتكون خطبتا العيدين كخطبتي الجمعة في الركان‬
‫ن الجلوس قبلهما‬‫والسنن ل في الشروط‪ :‬كالقيام‪ ،‬والستر‪ ،‬والطهارة‪ ،‬والجلوس بـينهما‪ ،‬ويس ّ‬
‫للستراحة‪ .‬نعم ل بّد في أداء السنة وصحة الخطبة من السماع بالفعل والسماع ولو بالقوة كما‬
‫تقّدم في الجمعة‪ ،‬وكون الخطبة عربـية‪ ،‬وكون الخطيب ذكرًا على المعتمد‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن أن يكبر في افتتاح‬‫ن للخطيب أن يعلمهم في عيد فطر الفطرة وعيد أضحى الضحية‪ ،‬ويس ّ‬ ‫ويس ّ‬
‫الخطبة الولى تسعًا بتقديم المثناة على السين‪ ،‬وفي افتتاح الثانية سبعًا بتقديم السين على الموحدة‬
‫مع الموالة وإفراد كل تكبـيرة بنفس‪ ،‬ويفوت هذا التكبـير بالشروع في أركان الخطبة كما يفوت‬
‫تكبـير الصلة بالشروع في القراءة‪ ،‬ويخطب المام في الكسوفين ولو بعد النجلء‪ :‬كخطبتي‬
‫العيد لكن ل يكبر فيهما‪ .‬قال بعضهم‪ :‬ويحسن أن يستغفر لنه لئق بالحال لن الكسوف مما‬
‫ن كما في خطبة العيد‪ ،‬ول‬ ‫يخوف ال به عباده‪ ،‬ول يشترط فيهما شروط خطبة الجمعة‪ ،‬بل تس ّ‬
‫يكفي خطبة واحدة‪ ،‬ويحث فيهما السامعين على فعل الخير من توبة وصدقة وعتق ونحوها‪.‬‬
‫فائدة الخطب المشروعة عشر‪ :‬خطبة الجمعة‪ ،‬والعيدين‪ ،‬والكسوفين‪ ،‬والستسقاء‪ ،‬وأربع في‬
‫الحج‪ ،‬وكلها بعد الصلة إل خطبة الجمعة وعرفة فقبلها‪ ،‬وكل منها ثنتان إل الثلثة الباقية في‬
‫الحج ففرادى‪ ،‬ولو اجتمع على الشخص فرض وصلة كسوف أو خسوف‪ ،‬فإن كان وقت الفرض‬
‫واسعًا قّدم الكسوف أو الخسوف لنه يخاف فوتها‪ ،‬وإن كان وقت الفرض ضيقًا قّدمه ثم الكسوف‬
‫أو الخسوف إن لم يفت‪ ،‬ولو اجتمع عيد وجنازة أو كسوف وجنازة قّدمت الجنازة فيهما خوفًا من‬
‫تغير الميت لنه مظنة للتغير‪ :‬هذا إذا حضرت وحضر الولي‪ ،‬وإل أفرد المام جماعة ينتظرونها‬
‫واشتغل مع الباقين بغيرها‪ ،‬والعيد مع الكسوف كالفرض معه لن العيد أفضل منه‪ ،‬ولو اجتمع‬
‫فرض وجنازة ولم يخف تغير الميت‪ ،‬فإن كان وقت الفرض واسعًا وجب تقديم الجنازة‪ ،‬وإن كان‬
‫وقت الفرض ضيقًا وجب تقديم الفرض‪ ،‬فلو خيف تغير الميت وجب تقديم الجنازة على الفرض‬
‫وإن خيف فوت وقته‪.‬‬
‫تتمة قد جعل ال الشمس قدر الرض اثنتي عشرة مرة‪ ،‬وجعل سيرها في البروج من السنة إلى‬
‫السنة وهي تسير كل شهر في برج منها‪ ،‬فبعد تمام السنة ترجع إلى البرج الذي ابتدأت منه السير‪،‬‬
‫وتكون في الشتاء في أسفل البروج‪ ،‬وفي الصيف في أعلى البروج‪ ،‬ول تجتمع مع القمر في‬
‫سلطانه لئل يبطل كل واحد منهما خاصية صاحبه إذ في الشمس خصائص ل توجد في القمر‬
‫وبالعكس‪ ،‬لن ال تعالى جعل الشمس طباخة للثمار والفواكه‪ ،‬ولولها ما نبت زرع ول خرجت‬
‫فاكهة ولها خصائص أخر‪ ،‬وجعل ال القمر صباغًا لسائر أنواع الفواكه وفيه خصائص أخر‪ .‬قال‬
‫المام السيوطي ‪ :‬الحكمة في كسوف الشمس وخسوف القمر أنه لما سبق في علمه سبحانه‬
‫وتعالى أن الكواكب تعبد من دون ال خصوصًا الشمس والقمر قضى عليهما بالخسوف والكسوف‬
‫وجعل ذلك دللة على أنهما مع إشراق نورهما وما يظهر من حسن آثارهما مأموران‪ ،‬وفي‬
‫مصالح العباد مسيران‪ ،‬فسبحان الحكيم‪ .‬وقال ابن العماد ‪ :‬سبب كسوف الشمس وخسوف القمر‬
‫تخويف العباد بحبس ضوئهما ليرجعوا إلى الطاعة‪ ،‬لن هذه النعمة إذا حبست لم ينبت زرع ولم‬
‫يجف ثمر‪ ،‬ولم يحصل له نضج‪ ،‬وقيل‪ :‬سببه أن الملئكة تجرها وفي السماء بحر فإذا وقعت فيه‬
‫استتر ضوؤها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫ن فيه الجماعة صلة )استسقاء( وهو شرعًا‪ :‬طلب سقيا العباد‬ ‫)و( من ذي السبب المتقّدم الذي تس ّ‬
‫من ال تعالى عند حاجتهم إليها‪ .‬والستسقاء ثلثة أنواع‪ :‬أدناها أن يكون بالدعاء مطلقًا فرادى‬
‫ومجتمعين‪ ،‬وأوسطها يكون بالدعاء خلف الصلوات فرضها ونفلها وفي خطبة الجمعة وخطبة‬
‫العيدين ونحو ذلك‪ ،‬وأكملها يكون بالصلة على الوجه التي‪ ،‬وإنما يفعل الستسقاء عند الحاجة‬
‫بسبب انقطاع الماء أو قلته بحيث ل يكفي‪ ،‬أو ملوحته‪ ،‬ولستزادة نفع‪ ،‬وشمل ما ذكر ما لو انقطع‬
‫ن لغيرهم أن يستسقوا لهم‪ ،‬ويسألوا الزيادة النافعة‬ ‫الماء عن طائفة من المسلمين واحتاجت إليه يس ّ‬
‫ن للمام أو نائبه أن يخرج بهم إلى الصحراء ل‬ ‫لنفسهم‪ ،‬وإذا أراد صلة الستسقاء جماعة يس ّ‬
‫ن للمام أو نائبه‬‫عذر تأسيًا به ‪ ،‬ولن الناس يكثرون فل يسعهم المسجد غالبًا‪ ،‬وقبل الخروج يس ّ‬
‫أن يأمرهم بأشياء‪ :‬منها التوبة من جميع المعاصي القولية والفعلية‪ ،‬منها‪ :‬المبادرة إلى مصالحة‬
‫العداء المتشاحنين لمر دنيوي أو لحظ نفس‪ ،‬وإذا كان الهجران ل تعالى بأن كان لمر ديني‬
‫فل‪ .‬ومنها‪ :‬المبادرة إلى صيام ثلثة أيام متتابعة قبل ميعاد يوم الخروج فهي به أربعة أيام‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫امتثال أمر المام في جميع ما ذكر ولو مسافرين ولو في النصف الثاني من شعبان‪ ،‬لن هذا‬
‫الصوم لسبب‪ ،‬وإنما وجب امتثال أمره في ذلك لنه إذا أمر بواجب تأكد وجوبه‪ ،‬وإذا أمر‬
‫بمندوب وجب وإن أمر بمباح‪ ،‬فإن كان فيه مصلحة عاّمة كترك شرب الدخان وجب‪ ،‬بخلف ما‬
‫إذا أمر بمحرم أو مكروه أو مباح ل مصلحة فيه عاّمة‪ ،‬ويجب تبـيـيت النية في هذا الصوم لنه‬
‫واجب‪ .‬نعم ل تجب الصدقة بأمر المام بها إل على من تجب عليه زكاة الفطر ل مطلقًا‪ ،‬ويكفي‬
‫في التصّدق أقل متمول إن لم يعين المام قدرًا وإل تعين إل إذا زاد ذلك القدر على ما يجب في‬
‫زكاة الفطر‪ ،‬فل يجب إل إذا فضل ذلك القدر عن كفاية العمر الغالب‪ ،‬وهذا التفصيل هو المعتمد‪،‬‬
‫ثم يخرج المام أو نائبه بالناس في اليوم الرابع من صيامهم إلى الصحراء وهم صيام غير‬
‫متطيبـين ول متزينين بل في ثياب بذلة‪ ،‬وفي استكانة‪ :‬أي خشوع وفي تضرع‪.‬‬
‫ن لهم التواضع في مشيهم وكلمهم وجلوسهم ل حفاة ول مكشوفي الرؤوس‪ ،‬ويتنظفون‬ ‫ويس ّ‬
‫بالسواك والغسل وقطع الروائح الكريهة‪ ،‬ويخرجون من طريق ويعودون من آخر‪ ،‬ويخرج ندبًا‬
‫معهم الصبـيان ولو غير مميزين والشيوخ والعجائز ومن ل هيئة له من النساء لن دعاءهم أقرب‬
‫إلى الجابة‪ ،‬إذ الكبـيرة أرق قلبًا‪ ،‬والصغير ل ذنب عليه‪ ،‬ولقوله ‪» :‬هل ترزقون وتنصرون إل‬
‫بضعفائكم« ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن إخراج البهائم لن الجدب قد أصابها أيضًا‪ ،‬وتقف البهائم معزولة عن الناس‪ ،‬ويفرق بـين‬ ‫ويس ّ‬
‫الّمهات والولد حتى يكثر الصياح والضجة والرقة‪ ،‬فيكون ذلك أقرب إلى الجابة‪ ،‬ثم بعد‬
‫خروح المام بالناس إلى الصحراء يصلي بهم ركعتين كصلة العيدين في كيفيتهما من التكبـير‬
‫بعد الفتتاح‪ ،‬وقبل التعوذ سبعًا في الولى وخمسًا في الثانية مع رفع اليدين في كل تكبـيرة‪ ،‬وهذه‬
‫الصلة جهرية سببها الحاجة ينوى بهما سنة صلة الستسقاء‪ ،‬يقرأ في الولى بعد الفاتحة سورة‪:‬‬
‫}ق{ ))‪ (05‬ق‪ :‬الية ‪ ،(1‬وفي الثانية }اقتربت الساعة{ ))‪ (54‬القمر‪ :‬الية ‪ ،(1‬أو }سبح{ ))‬
‫‪ (87‬العلى‪ :‬الية ‪ (1‬و}الغاشية{ ))‪ (88‬الغاشية‪ :‬الية ‪ ،(1‬ول توقت بوقت عيد ول غيره‪ ،‬بل‬
‫ي وقت كان من ليل أو نهار لنها ذات سبب فدارت مع سببها‪.‬‬ ‫تصلى في أ ّ‬
‫ثم يخطب المام بعدهما خطبتين ويبدل التكبـير بالستغفار أولهما فيقول‪ :‬أستغفر ال العظيم الذي‬
‫ل إله إل هو الحي القيوم وأتوب إليه بدل كل تكبـيرة‪ ،‬ويكثر في أثنائهما من قول‪ :‬استغفروا ربكم‬
‫إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم‬
‫أنهارًا‪.‬‬
‫ومن دعاء الكرب‪ ،‬وهو‪ :‬ل إله إل ال العظيم الحليم‪ ،‬ل إله إل ال رب العرش العظيم‪ ،‬ل إله إل‬
‫ال رب السموات ورب الرض ورب العرش الكريم‪ .‬ويتوجه القبلة من نحو ثلث الخطبة الثانية‬
‫ويحّول رداءه عند استقبال القبلة بأن يجعل يمين الرداء يساره وعكسه ويجعل أعله أسفله‪ ،‬وهذا‬
‫يسمى تنكيسًا‪ ،‬وليس التحويل والتنكيس خاصين بالمام بل مثله الذكور الحاضرون بخلف‬
‫النساء والخناثى‪ ،‬وحكمة التحويل التفاؤل بتغير الحال من شّدة إلى رخاء فيغيرون بواطنهم‬
‫بالتوبة وظواهرهم بتحويل أرديتهم وتنكيسها‪ ،‬ويترك الرداء محّول منكسًا حتى تنزع الثياب‪.‬‬
‫والرداء‪ :‬هو ما يوضع على الكتفين والطيلسان‪ :‬ما يوضع على الرأس ويغطي به بعض الوجه‪.‬‬
‫والزار‪ :‬ما يوضع في الوسط‪ .‬وكان طول إزاره أربعة أذرع‪ ،‬وعرضه ذراع‪ ،‬وطول عمامته‬
‫سبعة أذرع‪ ،‬وعرضها ذراع‪ .‬ويكثر الخطيب في الخطبتين من الدعاء سرًا وجهرًا‪ ،‬ويرفع‬
‫الحاضرون أيديهم عند دعائه جاعلين ظهور أكفهم إلى السماء لن القصد رفع البلء‪ ،‬بخلف من‬
‫يدعو قاصدًا تحصيل شيء فإنه يدعو وبطن كفه إلى السماء‪.‬‬
‫ومقتضى ما ذكر أنه في الستسقاء تجعل ظهور الكف إلى السماء‪ ،‬ولو كانت صيغة الدعاء‬
‫بطلب تحصيل شيء‪ ،‬نحو‪ :‬اللهم اسقنا الغيث اعتبارًا بقصد المستسقين فإنهم قاصدون رفع البلء‪،‬‬
‫وهذا ما اختاره العلمة الخطيب ‪ .‬واختار بعضهم أن العبرة بالصيغة‪ ،‬فإن كان فيها طلب رفع‬
‫شيء جعلت ظهور الكف إلى السماء‪ ،‬وإن كان فيها طلب حصول شيء جعلت بطون الكف إلى‬
‫السماء‪ ،‬وليس هذا خاصًا بالستسقاء‪ ،‬بل يأتي في كل دعاء‪ .‬ويكثر أيضًا في الخطبتين من‬
‫الستغفار والصلة على النبـي لن ذلك أرجى لحصول المقصود‪ ،‬ويدعو في الخطبة الولى‬
‫بدعاء سيدنا رسول ال ‪ .‬وهو‪ :‬اللهم سقيا رحمة ول سقيا عذاب ول محق ول بلء ول هدم‪ ،‬اللهم‬
‫ل سحًا طبقًا دائمًا‪ ،‬اللهم اسقنا الغيث ول تجعلنا من‬
‫اسقنا غيثًا هنيئًا مريئًا مريعًا غدقًا مجل ً‬
‫ن بالعباد والبلد من الجهد والجوع والضنك ما ل نشكو إل إليك‪ ،‬اللهم أنبت لنا‬ ‫القانطين‪ ،‬اللهم إ ّ‬
‫الزرع‪ ،‬وأدّر لنا الضرع‪ ،‬وأنزل علينا من بركات السماء‪ ،‬وأنبت لنا من بركات الرض‪ ،‬واكشف‬
‫عنا من البلء ما ل يكشفه غيرك‪ ،‬اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا‪ ،‬فأرسل السماء علينا‬
‫مدرارًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ولو نزل المطر وكثر وتضرروا بكثرته فالسنة أن يسألوا ال رفعه بأن يقولوا‪ :‬اللهم على الكام‬
‫ن الغتسال في الوادي‬ ‫والظراب ومنابت الشجار وبطون الودية‪ ،‬اللهم حوالينا ول علينا‪ .‬ويس ّ‬
‫إذا سال‪ ،‬والفضل أن يجمع بـين الغسل والوضوء ثم القتصار على الغسل ثم على الوضوء‪ .‬قال‬
‫العلمة الخطيب ‪ :‬وهذا الغسل والوضوء ل يشترط فيهما نية لن الغرض إمساس الماء لهذه‬
‫ن البروز للمطر وهذا ل يحتاج لنية‪ ،‬ومثله في شرح الرملي إل إن أراد بهما‬ ‫العضاء كما يس ّ‬
‫ن أن يقول عند سماع الرعد‪:‬‬ ‫الغسل والوضوء الشرعيـين فل بّد من النية كما هو ظاهر‪ .‬ويس ّ‬
‫سبحان من يسبح الرعد بحمده والملئكة من خيفته‪ ،‬وكذا عند رؤية البرق‪ ،‬والمناسب عندها‬
‫أيضًا أن يقول‪ :‬سبحان من يريكم البرق خوفًا وطمعًا‪ ،‬ويقول عند ذلك‪ :‬ل إله إل ال وحده ل‬
‫شريك له سبوح قّدوس‪ ،‬ويندب أن ل يتبع بصره البرق لنه يضعفه‪ ،‬ويندب أن يقول عند نزول‬
‫المطر‪ :‬اللهم صيبًا نافعًا‪ ،‬ويدعو بما شاء فإن الدعاء يستجاب عند نزول الغيث وإقامة الصلة‬
‫ورؤية الكعبة‪ ،‬ويندب أن يقول عقب المطر‪ :‬مطرنا بفضل ال ورحمته‪.‬‬
‫ن فيه الجماعة صلة )التراويح( وهي عشرون ركعة مجمع على‬ ‫)و( من النفل المؤقت الذي تس ّ‬
‫سنيتها‪ ،‬ويجوز لهل المدينة الشريفة دون غيرهم فعلها ستًا وثلثين ركعة‪ ،‬ومع ذلك الفضل لهم‬
‫القتصار على عشرين‪ ،‬والمراد بأهل المدينة من كان بها وقت الداء‪ ،‬وإن لم يكن متوطنًا ول‬
‫مقيمًا‪ ،‬والعبرة في قضائها بمحل الداء‪ ،‬فلو فاتته في المدينة قضاها ستًا وثلثين ولو في غيرها‪،‬‬
‫بخلف ما لو فاتته في غيرها فإنه يقضيها عشرين ولو في المدينة‪ ،‬ول تصح بنية مطلقة بل ينوي‬
‫ركعتين من التراويح أو من قيام رمضان أو سنة التراويح‪ ،‬ول يصح أن يصلي أربعًا منها بسلم‬
‫بل ل بّد أن يكون كل ركعتين منها بسلم لنها وردت كذلك‪ ،‬وفعلها بالقرآن في جميع الشهر‬
‫أفضل من تكرار سورة الخلص‪ ،‬ووقتها من صلة العشاء ولو تقديمًا إلى طلوع الفجر الصادق‬
‫فعلم أن صحتها متوقفة على فعل العشاء‪ ،‬ومنه الوتر في رمضان‪ ،‬ول بّد أن يكون بعد فعل‬
‫ن فيه الجماعة‬‫العشاء سواء صلى التراويح أو ل‪ ،‬وتقّدم الكلم على الوتر في القسم الذي ل تس ّ‬
‫من النفل المؤقت‪.‬‬
‫وأما النفل المطلق ‪ :‬فهو ما ل يتقيد بوقت ول سبب‪ ،‬قال ‪» :‬الصلة خير موضوع استكثر أو‬
‫ل« فإن نوى فوق ركعة ولم يعين قدرًا فله القتصار على ركعتين وله الزيادة عليهما ما شاء‪،‬‬ ‫أق ّ‬
‫وإذا عين قدرًا فله الزيادة عليه وله النقص عنه بالنية فيهما وإل بطل‪ ،‬فلو قام لزيادة سهوًا ثم‬
‫تذكر قعد‪ ،‬ثم إن أراد الزيادة قام لها بالنية‪ ،‬ولو أراد النقص فل بّد من نية الخروج حينئذ عند‬
‫السلم على المعتمد‪ ،‬وليس لنا صورة يجب فيها نية الخروج من الصلة على القول المعتمد إل‬
‫هذه‪ ،‬ومتى زاد على الركعتين فله أن يتشهد آخرًا فقط أو آخر كل ركعتين أو كل ثلث أو كل‬
‫أربع وهكذا سواء الوتار والشفاع‪ ،‬ول يشترط تساوي العداد بـين التشهدات فله أن يصلي‬
‫ركعتين ويتشهد ثم ثلثًا ويتشهد ثم أربعًا ويتشهد وهكذا‪ ،‬والممتنع أن يوقع ركعة غير الخيرة‬
‫ن له أن يأتي بثانية فأتى بها‬
‫بـين تشهدين إذا قصد ذلك ابتداء‪ ،‬أما لو نوى ركعة وتشهد‪ ،‬ثم ع ّ‬
‫ن له أن يأتي برابعة وهكذا فل يمتنع ما لم‬ ‫ن له أن يأتي بثالثة فأتى بها وتشهد‪ ،‬ثم ع ّ‬
‫وتشهد‪ ،‬ثم ع ّ‬
‫يكن متلعبًا‪ .‬والفضل السلم من كل ركعتين‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والنفل المطلق بالليل أفضل منه بالنهار‪ .‬ومن النفل المطلق قيام الليل‪ ،‬وإذا كان بعد نوم ولو في‬
‫وقت المغرب وبعد فعل العشاء تقديمًا يسمى تهجدًا ولو قسم الليل أنصافًا أو أثلثًا أو أرباعًا على‬
‫نية أن يقوم نصفًا أو ثلثًا أو ربعًا فقط‪ ،‬فالفضل الخير من جميع ذلك‪ ،‬ولو قسم الليل أسداسًا‪:‬‬
‫فالفضل السدس الرابع والخامس لينام في السدس السادس فيكون أنشط لصلة الصبح‪ ،‬ولقوله ‪:‬‬
‫»أحب الصلة إلى ال صلة داود‪ ،‬كان ينام نصف الليل الول ويقوم ثلثه‪ ،‬وينام سدسه« ويحصل‬
‫ن للمتهجد‬ ‫قيام الليل بالنفل ولو مؤقتًا ولو سنة العشاء أو الوتر‪ ،‬وبالفرض ولو قضاء أو نذرًا‪ .‬ويس ّ‬
‫القيلولة‪ ،‬وهي النوم قبل الزوال‪ ،‬وهي للمتهجد بمنزلة السحور للصائم‪ ،‬ويكره ترك التهجد‬
‫لمعتاده بل عذر‪ .‬وروي عن ثابت رضي ال عنه أنه قال‪ :‬كان أبـي من القّوامين ل في سواد‬
‫الليل‪ ،‬قال رأيت ذات ليلة في منامي امرأة ل تشبه نساء الدنيا‪ ،‬فقلت لها‪ :‬من أنت؟ فقالت‪ :‬أنا‬
‫حوراء أمة ال‪ ،‬فقلت لها‪ :‬زوجيني نفسك‪ ،‬قالت اخطبني من عند ربـي وأمهرني‪ ،‬فقلت لها‪ :‬وما‬
‫مهرك؟ فقالت‪ :‬طول التهجد‪ .‬وورد أن المتهجد يشفع في أهل بـيته‪ .‬ويكره قيام بليل يضّر به‪ .‬أما‬
‫إذا كان ل يضره فل يكره ولو في ليال كاملة‪ ،‬فقد كان إذا دخل العشر الواخر من رمضان أحيا‬
‫الليل كله‪.‬‬
‫ويكره تخصيص ليلة الجمعة بقيام من بـين الليالي‪ .‬أما إحياؤها بغير صلة فل يكره خصوصًا‬
‫بالصلة على النبـي فإن ذلك مطلوب فيها‪ ،‬ويتأكد الدعاء والستغفار في جميع ساعات الليل‪،‬‬
‫وفي النصف الخير آكد وعند السحر أفضل‪ .‬ومنه صلة التسابـيح‪ .‬وهي أربع ركعات بتسليمة‬
‫ل لحديث‪» :‬صلة الليل مثنى مثنى«‬ ‫واحدة وهو الحسن نهارًا أو بتسليمتين وهو الحسن لي ً‬
‫وصفتها أن تحرم بها وتقرأ دعاء الفتتاح والفاتحة وشيئًا من القرآن إن أردت‪ ،‬والولى في ذلك‬
‫أوائل سورة الحديد والحشر والصف والتغابن للمناسبة في ذلك‪ ،‬فإن لم يكن فسورة الزلزلة‬
‫والعاديات وألهاكم والخلص‪ ،‬ثم تقول بعد ذلك وقبل الركوع‪ :‬سبحان ال والحمد ل ول إله إل‬
‫ال وال أكبر ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم خمس عشرة مرة‪ ،‬وفي الركوع عشرًا‪ ،‬وفي‬
‫العتدال عشرًا‪ ،‬وفي السجود الول عشرًا‪ ،‬وفي الجلوس بـين السجدتين عشرًا‪ ،‬وفي السجود‬
‫الثاني عشرًا‪ ،‬وفي جلسة الستراحة أو بعد التشهد عشرًا فتلك خمسة وسبعون في كل ركعة منها‪،‬‬
‫فأربعة في خمسة وسبعين بثلثمائة‪ ،‬ويأتي قبل هذه التسبـيحات بالذكر الوارد في هذه الركان‪،‬‬
‫وهذه رواية ابن عباس‪ ،‬وهي أرجح من رواية ابن مسعود‪ ،‬وهي بعد التحرم وقبل القراءة خمس‬
‫عشرة مرة وبعد القراءة وقبل الركوع عشرًا وفي الركوع عشرًا وفي العتدال عشرًا وفي‬
‫السجود الول عشرًا وفي الجلوس بـين السجدتين عشرًا وفي السجود الثاني عشرًا‪ ،‬ول شيء في‬
‫جلوس الستراحة ول بعد التشهد وفيما عدا الركعة الولى يقول الخمسة عشر بعد القيام وقبل‬
‫القراءة‪ ،‬فإن استطعت أن تصليها في كل يوم فافعل فإن لم تستطع ففي كل شهر مرة فإن لم‬
‫ل دل ذلك على تكاسله‬
‫تستطع ففي كل سنة مرة فإن لم تستطع ففي عمرك مرة فإن لم يفعلها أص ً‬
‫في الدين‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ويدعو بعد التشهد الخير بهذا الدعاء‪ :‬اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى وأعمال أهل اليقين‬
‫ومناصحة أهل التوبة وعزم أهل الصبر ووجل أهل الخشية وطلب أهل الرغبة وتعبد أهل الورع‬
‫وعرفان أهل العلم حتى أخافك‪ ،‬اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك حق أعمل بطاعتك‬
‫ل أستحق به رضاك وحتى أناصحك في التوبة وخوفًا منك حتى أخلص لك النصيحة وحتى‬ ‫عم ً‬
‫أتوكل عليك في المور كلها وحتى أكون حسن الظن بك‪ ،‬سبحان خالق النور‪.‬‬
‫ومتى كان النفل مطلقًا أو ذا سبب متأخر يكره كراهة تحريم في خمسة أوقات ول ينعقد‪ .‬والنهي‬
‫الذي يتعلق بالزمان ثلثة أوقات‪ :‬عند طلوع الشمس حتى ترتفع‪ ،‬وعند الستواء حتى تزول إل‬
‫يوم الجمعة‪ ،‬وعند الغروب‪ .‬والذي يتعلق بالفعل وقتان‪ :‬بعد صلة الصبح أداء‪ ،‬وبعد صلة‬
‫العصر كذلك ولو مجموعة مع الظهر تقديمًا‪ ،‬وهذا كله في غير حرم مكة‪ ،‬أما هو فل تكره‬
‫الصلة فيه في أي وقت كان سواء في المسجد وغيره‪ .‬أما الفرض والنفل المؤقت أو ذو السبب‬
‫المتقدم فل يكره شيء منها في هذه الوقات‪ .‬نعم إن تحّرى إيقاع شيء من ذلك في هذه الوقات‬
‫بأن قصد إيقاعه فيه من حيث إنه وقت كراهة حرم ول ينعقد‪ ،‬ومثل ذلك سجدة التلوة والشكر‪.‬‬
‫ونص الغزالي على أن الصلة ذات السبب المتقدم إذا كان سببها ضعيفًا مثل ركعتي الوضوء ل‬
‫تجوز في أوقات الكراهة‪ .‬ومعنى كون ركعتي الوضوء سببها ضعيف‪ :‬أنه ضعيف من حيث‬
‫التسبب‪ ،‬لن الصلة سبب للوضوء ل العكس‪ ،‬وتحرم الصلة مطلقًا إل تحية المسجد من وقت‬
‫صعود المام لخطبة الجمعة‪ ،‬ويكره ابتداء مطلق النفل كراهة تنزيه في وقت إقامة الصلة‪ ،‬فإن‬
‫كان فيه أتمه إن لم يخش فوت الجماعة بسلم المام وإل قطعه ندبًا ودخل فيها لنها أولى منه‪.‬‬
‫فصل في الجماعة في الصلة‬
‫وهي من خصائص هذه المة‪ ،‬فإن أول من صلى جماعة من البشر رسول ال وإنما كانوا‬
‫يصلون قبل ذلك فرادى‪ ،‬ومعناها الشرعي ربط صلة المأموم بصلة المام ولفظها يصلح لكل‬
‫من المام والمأموم ويتعين لحدهما بالقرينة وهي أفضل من النفراد بسبع وعشرين درجة‬
‫والحكمة فيها أن الصلة ضيافة ومائدة بركة‪ ،‬والكريم ل يضع مائدته إل لجماعة وأقلها في غير‬
‫الجمعة إمام ومأموم‪.‬‬
‫)صلة الجماعة في أداء مكتوبة( غير جمعة )سنة مؤكدة( عند الرافعي والماوردي ‪ ،‬والمعتمد‬
‫عند النووي وغيره أنها في غير الجمعة فرض كفاية لرجال أحرار مقيمين غير عراة في أداء‬
‫مكتوبة‪ ،‬والواجب فعلها على وجه يظهر به الشعار فيكفي في القرية الصغيرة إقامتها بمحل واحد‬
‫يظهر به الشعار‪ ،‬وأما القرية الكبـيرة والبلد فل بد فيهما من إقامة الجماعة بمواضع بحيث يظهر‬
‫به الشعار‪ ،‬وضابط ذلك أن ل تشق الجماعة على طالبـيها ول يحتشم صغير ول كبـير من دخول‬
‫محلها‪ ،‬فإن أقيمت على وجه ل يظهر به الشعار كأن أقيمت في محل واحد في بلد كبـير بحيث‬
‫يشق حضوره على البعيد أو أقيمت في البـيوت بحيث يستحيا من دخولها لم يسقط الفرض وكذا‬
‫إذا أقيمت خارج العمران بحيث تكون في مكان تقصر فيه الصلة ل يكفي في سقوط الفرض‪ ،‬فلو‬
‫امتنعوا من إقامتها على هذا الوجه قاتلهم المام أو نائبه دون آحاد الناس‪ ،‬وكذا لو تركها أهل‬
‫حارة من القرية الكبـيرة أو البلد ولو في بعض الوقات كما يقع في غالب القرى وفي أطراف‬
‫حارات البلدان‪ ،‬ويسقط الفرض بفعل طائفة من أهل البلد إذا كانوا ذكورًا بالغين أحرارًا وظهر‬
‫بهم الشعار فل يكفي غير أهل البلد ول النساء ول الصبـيان ول الرقاء‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وجميع فروض الكفاية ل تسقط بالصبـيان‪ :‬كصلة الجنازة والجهاد والمر بالمعروف والحرف‪،‬‬
‫ن الخناثى‪ ،‬ول على من فيه رق لشتغالهم بخدمة السادة‪،‬‬
‫فل تجب الجماعة على النساء‪ :‬ومثله ّ‬
‫ول على المسافرين‪ ،‬لكن الجماعة في حقهم إذا كانوا في أرض فلة بخمسين درجة‪ ،‬ول على‬
‫ن لهم‪ ،‬ول في‬ ‫العراة‪ ،‬بل هي والنفراد في حقهم سواء‪ ،‬إل أن يكونوا عميًا أو في ظلمة فتس ّ‬
‫ن‪ .‬أما مقضية خلف مؤداة أو بالعكس أو خلف مقضية‬ ‫مقضية خلف مقضية من نوعها‪ ،‬بل تس ّ‬
‫ن ول تكره‪ ،‬ول‬ ‫ن ول تكره‪ ،‬بل خلف السنة‪ ،‬ول في منذورة‪ ،‬بل ل تس ّ‬ ‫ليست من نوعها فل تس ّ‬
‫ن فيها الجماعة فتستمر على‬ ‫خلف الولى فتكون مباحة‪ :‬ما لم تكن المنذورة من النوافل التي تس ّ‬
‫سنيتها‪ ،‬ولو نذر الجماعة فيها حينئذ وجبت‪.‬‬
‫أما الجمعة فالجماعة فيها فرض عين لنها شرط في صحتها‪ ،‬وكذا المعادة والمجموعة تقديمًا‬
‫بالمطر‪ .‬والجماعة في المسجد‪ .‬وإن قلت لغير المرأة‪ ،‬والخنثى أفضل منها في غير المسجد‬
‫كالبـيت وإن كثرت‪ ،‬لن المسجد مشتمل على الشرف‪ ،‬وشأنه ظهور الشعار وكثرة الجماعة‪ .‬أما‬
‫المرأة أو الخنثى فجماعتهما في البـيت وإن قلت أفضل منها في المسجد وإن كثرت‪ ،‬بل يكره‬
‫حضور المساجد لذوات الهيئات إذا خرجن بإذن الزوج ولم تكن فتنة وإل حرم‪ ،‬وتحصل فضيلة‬
‫الجماعة بصلة الشخص في بـيته بزوجته أو ولد أو رقيق أو غير ذلك‪ ،‬ويؤمر الصبـي بحضور‬
‫المساجد وجماعات الصلة ليعتادها‪ ،‬وهذا في غير المرد الجميل‪ ،‬أما هو فحكمه حكم المرأة‪.‬‬
‫)وهي( أي صلة الجماعة )بجمع كثير أفضل( منها في جميع قليل أي ما كثر جمعه من المساجد‬
‫أفضل مما قل جمعه منها‪ ،‬وما كثر جمعه من البـيوت أفضل مما قل جمعه منها‪ .‬وذهب المتولي‬
‫إلى أن النفراد في أحد المساجد الثلثة المسجد الحرام ومسجد رسول ال والمسجد القصى‬
‫أفضل من الجماعة خارجه‪) .‬إل لنحو بدعة إمامه( أي الكثير بمسجد قرب أو بعيد‪ :‬أي البدعة‬
‫التي ل يكفر بها كمعتزلي ورافضي وقدري‪ ،‬ومثله الفاسق والمتهم بالبدعة أو الفسق تهمة قوية‬
‫أو كان بالمام وصف آخر يقتضي كراهة القتداء به‪) .‬أو تعطل مسجد( قريب منه أو بعيد‬
‫)عنها( أي الجماعة لغيبته عنه لكونه إمامه أو يحضر الناس بحضوره فصلته فيه مع قلة‬
‫جماعته أفضل منها في غيره وإن كثر جمعه‪ ،‬وإذا كان عليه المامة في مسجد فلم يحضر معه‬
‫أحد يصلي معه وجبت عليه الصلة فيه وحده لن عليه شيئين‪ :‬الصلة في هذا المسجد والمامة‬
‫فيه‪ ،‬فإذا فات أحدهما ل يسقط الخر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وتدرك جماعة( أي فضيلتها في غير الجمعة )ما لم يسلم إمام( وإن لم يقعد معه بأن سلم عقب‬
‫تحرمه‪ ،‬ويحرم عليه الجلوس لنه كان للمتابعة وقد فاتت بسلم المام فإن جلس عامدًا عالمًا‬
‫بطلت صلته‪ ،‬أما الجمعة فل تحصل الجماعة فيها إل بركعة يدركها مع المام محسوبة له‪) .‬و(‬
‫تحصل فضيلة تكبـيرة )تحّرم بحضوره( تكبـيرة إحرام المام )واشتغال به( أي التحرم )عقب‬
‫تحرم إمامه( من غير تراخ فإدراك تحرم مع المام فضيلة أخرى غير فضيلة الجماعة لخبر‬
‫البزار‪» :‬لكل شيء صفوة وصفوة الصلة التكبـيرة الولى فحافظوا عليها« ويعذر في الوسوسة‬
‫الخفيفة وهي ما ل يطول بها زمان عرفًا فل تفوت فضيلة التحرم‪ ،‬بخلف ما لو أبطأ لغير‬
‫وسوسة ولو لمصلحة الصلة كالطهارة أو لوسوسة ظاهرة‪ ،‬وهي بحيث أّدت إلى فوات القيام أو‬
‫معظمه أو لم يحضر تحّرم المام‪) .‬و( تدرك )ركعة( لمسبوق أدرك المام راكعًا أو في آخر‬
‫محل قراءته بأمرين )بتكبـيرة الحرام( فيكبر المسبوق للحرام وجوبًا‪ ،‬ثم للركوع ندبًا فإن‬
‫نواهما بتكبـيرة واحدة مقتصرًا عليها لم تنعقد صلته لتشريكه بـين فرض وسنة مقصودة فأشبه‬
‫نية الظهر وسنته‪.‬‬
‫)و( بإدراك )ركوع محسوب( للمام بأن يكون المام متطهرًا في غير ركعة زائدة سها بها )تاّم(‬
‫بأن يطمئن في ركوعه قبل ارتفاع إمامه عن أقل الركوع‪ ،‬وهو بلوغ راحتيه ركبتيه )يقينًا(‬
‫ويحصل اليقين برؤية المام في البصير مع الضوء أو بوضع يده على ظهره في العمى‪ ،‬ومن‬
‫في ظلمة أو سماعه تسبـيح المام في الركوع‪ ،‬ول يكفي في ذلك الظن ول سماع صوت المبلغ‪،‬‬
‫بخلف ما لو لم يطمئن‪ ،‬أو اطمأن بعد ارتفاع المام عن أقل الركوع أو شك هل اطمأن قبل ذلك‬
‫الرتفاع لن إدراك ما قبل الركوع بالركوع رخصة فل يصار إليها إل بـيقين فل يكتفي بغلبة‬
‫الظن خلفًا لزركشي ‪ ،‬ويسجد الشاك للسهو لنه شاك بعد سلم المام في عدد ركعاته فلم يتحمله‬
‫عنه‪ ،‬وإذا وجد للمام هذه الشروط أدرك الركعة ولو قصر بتأخير تحرمه إلى ركوع المام من‬
‫غير عذر لقوله ‪» :‬من أدرك ركعة من الصلة قبل أن يقيم المام صلبه فقد أدركها« ‪.‬‬
‫)و( يجب على المسبوق أن يوافق إمامه في فعل كسجود أدركه معه وإن لم يحسب له وإل بطلت‬
‫صلته إن علم وتعمد‪ ،‬ويؤخذ من عدم حسبان السجود أنه ل يجب عليه وضع العضاء السبعة‬
‫ول الطمأنينة في هذا السجود لنه لمحض المتابعة‪ ،‬كما أفاده الشبراملسي ‪ ،‬ويأتي المسبوق‬
‫ي ولو واجبًا‬ ‫استحبابًا برفع اليدين عند قيام المام من التشهد الول‪ ،‬وإن لم يكن أّول له‪ .‬أما القول ّ‬
‫ن‪ ،‬وحينئذ )يكبر( ندبًا )مسبوق انتقل معه( أي المام‬ ‫كالتشهد الخير‪ ،‬فل تجب موافقته فيه بل تس ّ‬
‫ل‪ ،‬لم يكبر‬ ‫ي وما بعده موافقة لمامه في تكبـيره‪ ،‬أو ساجدًا مث ً‬ ‫ل كبر للهو ّ‬
‫لنتقاله‪ ،‬فإذا أدركه معتد ً‬
‫للهوي إلى السجود لنه لم يتابعه فيه وليس السجود محسوبًا له‪ .‬وخرج بهذا ما لو أدركه في سجدة‬
‫التلوة فيكبر لنه كإدراك المام في الركوع وهو محسوب له‪ ،‬ويوافق المسبوق إمامه استحبابًا‬
‫في أذكار ما أدركه معه‪ ،‬وإن لم يحسب له كالتحميد والدعاء حتى عقب التشهد والصلة على‬
‫النبـي ‪ ،‬لن الصلة ل سكوت فيها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن له انتظار سلمه‬ ‫)و( يكبر المسبوق ندبًا أيضًا للقيام أو بدله إذا سلم المام )بعد سلميه( فيس ّ‬
‫الثاني لنه من لواحق الصلة‪ ،‬ويجب انتظار السلم الّول‪ ،‬فقيامه بل نية مفارقة قبل ميم عليكم‬
‫منه مبطل للصلة من عالم عامد ول يقال غايته أنه سبق بركن‪ ،‬والسبق بركن ل يبطل لن صلة‬
‫ل لم يعتّد بجميع ما أتى به حتى يجلس ولو كان المام سلم‬ ‫المام قد تمت‪ ،‬وإن كان ساهيًا أو جاه ً‬
‫حتى يقوم بعد سلم المام‪ ،‬ومتى علم ولم يجلس بطلت صلته لعدم التيان بالجلوس الواجب‬
‫عليه‪ ،‬هذا )إن كان( أي جلوسه مع المام )موضع جلوسه( لو كان منفردًا كأن أدركه في ثانية‬
‫المغرب أو ثالثة الرباعية لنه موضع تكبـير المنفرد وغيره بل خلف‪ ،‬وإن لم يكن ذلك موضع‬
‫جلوسه لو انفرد كأن أدركه آخر ركعة فل يكبر بل يسكت ندبًا في انتقاله للقيام أو ما قام مقامه‬
‫لنه غير محل تكبـيره وليس فيه موافقة لمامه‪ ،‬وحرم حينئذ مكثه بعد تسليمتي المام فتبطل‬
‫صلته به إن تعمده وعلم تحريمه وزاد على قدر جلسة الستراحة وإل فل ويسجد للسهو‪ ،‬فإن‬
‫مكث في محل جلوسه لو كان منفردًا جاز وإن طال‪ ،‬وما أدركه المسبوق مع المام مما يعتّد له به‬
‫فهو أّول صلته‪ ،‬وما يأتي به بعد سلمه آخرها‪ ،‬لقوله ‪» :‬ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا«‬
‫وإتمام الشيء إنما يكون بعد أّوله فيعيد في الباقي القنوت والتشهد وسجود السهو‪.‬‬
‫)وشرط لقدوة( اثنا عشر‪ .‬الّول‪) :‬نية اقتداء أو جماعة مع تحرم( فلو ترك هذه النية أو شك فيها‪،‬‬
‫وتابعه في فعل أو سلم بعد انتظار كثير عرفًا للمتابعة بطلت صلته لنه وقفها على صلة غيره‬
‫بل رابطة بـينهما فهو متلعب أو في حكمه‪ ،‬ول فرق بـين العالم بالمنع والجاهل به‪ .‬وخرج‬
‫ل )ونية إمامة( أو نحوها مع‬ ‫النتظار اليسير أو الكثير اتفاقًا‪ :‬أي ل بقصد المتابعة فليس مبط ً‬
‫تحرم واجبة على المام اذا كانت الجماعة شرطًا في صحة صلته‪ ،‬وذلك في الجمعة والمعادة‬
‫والمجموعة بالمطر‪ .‬و)سنة لمام في غير( ما ذكر من )جمعة( وتاليـيها‪ ،‬نعم لو كان إمام الجمعة‬
‫زائدًا على الربعين ولم يكن من أهل وجوبها كالرقيق‪ ،‬وكان ناويًا غير الجمعة كالظهر ل تجب‬
‫ن‪.‬‬
‫عليه نية الجماعة‪ ،‬بل تس ّ‬
‫)و( الثاني )عدم تقدم على إمام( في الموقف بأن يتأخر عنه أو يساويه فإن تقدم عليه في أثناء‬
‫الصلة بطلت أو عند التحرم لم تنعقد كالتقدم بتكبـيرة الحرام قياسًا للمكان على الزمان‪ ،‬نعم‬
‫يستثنى من ذلك صلة شدة الخوف فإنه ل يضر فيها تقدم المأموم على المام للعذر‪ ،‬ولو شك هل‬
‫هو متقدم أم ل كأن كان في ظلمة صحت صلته مطلقًا‪ :‬أي سواء جاء من قدام المام أو من خلفه‬
‫والعتبار في التقدم وغيره للقائم )بعقب( وهو مؤخر القدم فلو تساويا في العقب وتقدمت أصابع‬
‫المأموم لم يضر إل إن كان اعتماده على أصابعه وللقاعد باللية ومنه الراكب فالعتبار فيه‬
‫باللية وللساجد برؤوس الصابع وللمصلوب بالكتف وللمقطوعة رجله بما اعتمد عليه‬
‫وللمضطجع بالجنب وللمستلقي بالرأس‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أن أحوال المأموم ستة‪ :‬إما أن يكون قائمًا‪ ،‬أو قاعدًا‪ ،‬أو مضطجعًا‪ ،‬أو مستلقيًا‪ ،‬أو‬
‫ل‪ ،‬أو مصلوبًا‪ .‬وأحوال المام خمسة‪ ،‬وهي ما عدا المصلوب لن‬ ‫معتمدًا على خشبتين مث ً‬
‫المصلوب تلزمه العادة‪ ،‬وشرط المام أل تلزمه العادة‪ ،‬وستة في خمسة بثلثين صورة‪.‬‬
‫والضابط فيها أن يقال ل يصح أن يتقدم المأموم بجميع ما اعتمد عليه على جزء مما اعتمد عليه‬
‫ل(‬‫ل )عن يمين المام متأخرًا( عنه )قلي ً‬ ‫المام )وندب وقوف ذكر( ولو صبـيًا اقتدى وحده بمص ّ‬
‫ل للدب بأن ل يزيد ما بـينهما على ثلثة أذرع‪ ،‬فإن زاد كره وكان مفّوتا‬ ‫عرفًا للتباع واستعما ً‬
‫لفضيلة الجماعة‪.‬‬
‫قال الشبراملسي ‪ :‬ول يتوقف حصول السنة على زيادة القرب بحيث يحاذي بعض بدن المأموم‬
‫بعض بدن المام في الركوع أو السجود )فإن جاء( ذكر )آخر أحرم عن يساره‪ ،‬ثم( تقدم المام‪،‬‬
‫أو )تأخرا( في القيام ومنه العتدال لنه قيام في الصورة‪ ،‬فإن لم يكن بـيسار المام محل أحرم‬
‫خلفه ثم تأخر إليه من هو على اليمين ويصطفان وراءه‪ ،‬وتأخرهما أفضل من تقدمه إن أمكن كل‬
‫من التقدم والتأخر وإل فعل الممكن‪) .‬و( ندب وقوف )رجلين( أو صبـيـين أو صبـي وبالغ )أو‬
‫ن أن يقف خلفه رجال لفضلهم فصبـيان إن‬ ‫رجال( حضروا ابتداء )خلفه( كامرأة فأكثر‪ ،‬ويس ّ‬
‫استوعب الرجال الصف وإل كمل بهم أو ببعضهم فخناثى لحتمال ذكورتهم فنساء للتباع في‬
‫ن من غير تقدم‪،‬‬ ‫ن في وسطه ّ‬‫ذلك‪ ،‬ول يكمل بالخناثى ول بالنساء صف غيرهم‪ ،‬وأن تقف إمامته ّ‬
‫ن للرجال‬ ‫ن‪ ،‬وكالمرأة عار أو عراة بصراء في ضوء‪) .‬و( س ّ‬ ‫ن غير امرأة قّدم عليه ّ‬
‫فلو أّمه ّ‬
‫وقوفهم )في صف أّول( لنه أفضل صفوف الرجال‪ .‬أما الخناثى والنساء فأفضل صفوفهم آخرها‬
‫ن إناثًا فقط أو خناثى فقط أو البعض‬ ‫لبعده عن الرجال‪ ،‬وإن لم يكن فيهم رجل غير المام سواء ك ّ‬
‫ن )ثم ما‬ ‫من هؤلء والبعض من هؤلء‪ ،‬فالخير من الخناثى أفضلهم‪ ،‬والخير من النساء أفضله ّ‬
‫يليه( أي الصف الّول في حق الرجال والصف الخير في حق غيرهم وهكذا‪ ،‬وهذا في غير‬
‫صلة الجنازة‪ .‬أما هي فتستوي صفوفها في الرتبة عند اتحاد الجنس لطلب تعدد الصفوف فيها‪،‬‬
‫وأفضل كل صف يمينه ثم يساره‪ ،‬ومتى سبق واحد إلى الصف الّول لم يجز لغيره تأخيره إل في‬
‫مسائل‪ :‬الولى‪ :‬أن يكون ممن يتأذى به القوم لرائحة كريهة كصنان ونحوه‪ ،‬الثانية‪ :‬إذا حضر‬
‫العبد بإذن السيد إلى الصف الّول فللسيد تأخيره‪ .‬الثالثة‪ :‬إذا تقدم إلى الصف الّول من ليس من‬
‫أهله لكن لو حضر الصبـيان أّول ثم حضر الرجال لم يؤخروا من مكانهم‪ ،‬بخلف من عداهم‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬إذا تقدم خلف المام من ل يصلح للستخلف‪ ،‬فينبغي أن يؤخر ويتقدم خلف المام من‬
‫يصلح للمامة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وكره( لمأموم )انفراد( عن صف من جنسه إن وجد سعة بل يدخل الصف حينئذ وله أن يخرق‬
‫الصف الذي يليه فما فوقه لجلها لجل تقصيرهم بتركها‪ ،‬ول يتقيد خرق الصفوف في هذا‬
‫بصفين بل يتقيد به تخطي الرقاب التي في الجمعة‪ ،‬فإن لم يجد سعة أحرم ثم بعد إحرامه إذا لم‬
‫ن لمجروره مساعدته لنه‬ ‫يجد من يصطف معه جر إليه شخصًا من الصف ليصطف معه ‪ .‬وس ّ‬
‫من باب المعاونة على البر‪ ،‬ول يفوته ثواب الصف الذي كان فيه لنه لم يخرج منه إل لعذر‬
‫شرعي‪ .‬وسنية الجر لها شروط خمسة‪ :‬أن يكون المجرور حّرا‪ ،‬وأن يجوز موافقته له‪ ،‬وأن‬
‫ن الجر‪،‬‬‫يكون الصف المجرور منه أكثر من اثنين‪ ،‬وأن يكون في القيام وبعد الحرام وإل فل يس ّ‬
‫ولو أمكنه أن يصطف مع المام حينئذ فله أن يخرق الصف لذلك‪ ،‬ولو كان الصف الذي أمامه‬
‫اثنين فقط والمكان الذي هو فيه واسع فله أن يجرهما ليصطفا معه‪ ،‬والنفراد عن الصف مع‬
‫إمكان الدخول فيه مفّوت لفضيلة الجماعة لن ارتكاب المكروه من حيث الجماعة يفوتها‪) .‬و(‬
‫حينئذ كره )شروع في صف قبل إتمام ما قبله( وفي فتاوى محمد الرملي أن الصفوف المقطعة‬
‫تحصل لهم فضيلة الجماعة دون فضيلة الصف‪ ،‬والمعتمد الّول ‪ .‬نعم إن كان تأخرهم عن سد‬
‫الفرجة لعذر كوقت الحر بالمسجد الحرام لم يكره لعدم التقصير فل تفوتهم الفضيلة‪.‬‬
‫)و( الثالث )علم بانتقالت إمام( برؤيته أو رؤية صف أو بعضه أو سماع صوته أو صوت مبلغ‬
‫ثقة أو برابطة وهو شخص يقف أمام منفذ كالباب ليرى المام أو بعض المأمومين فيتبعه من‬
‫بجانبه أو خلفه‪ ،‬وإن لم يعلم بانتقالت المام اكتفى بعلمه بانتقالت الرابطة فيكون الرابطة كالمام‬
‫لهم فيشترط أل يتقدموا عليه في الموقف ول في الحرام وأن يكون ممن تصح إمامته لهم وأل‬
‫يخالفوه في أفعاله وإن خالف المام حتى لو كان بطيء القراءة وتخلف بثلثة أركان طويلة وجب‬
‫عليهم التأخر معه‪ ،‬وإذا بطلت صلته تابعوا المام الصلي إن علموا بانتقالته وإل وجب عليهم‬
‫نية المفارقة ومتى كان بـين المام والمأموم حائل فل بد من الرابطة بالوجه المتقدم‪ ،‬وبما تقرر‬
‫علم أنه ل يصح اقتداء أعمى أصم إل بهداية ثقة له وأنه ل بد من كون الفعال في صلة المام‬
‫ظاهرة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( الرابع )اجتماعهما( أي المام والمأموم )بمكان( بأن ل تزيد المسافة بـينهما ول بـين كل‬
‫صفين أو شخصين ممن ائتم بالمام خلفه أو بجانبه على ثلثمائة ذراع بذراع الدمي تقريبًا‬
‫فيغتفر زيادة ثلثة أذرع فأقل وهذا الشرط عام فيمن وقف في علو وإمامه في سفل أو عكسه على‬
‫ما رجحه النووي خلفًا لمن قال بشرط المحاذاة لمن ذكر بحيث تكون رأس السفل المعتدل‬
‫القامة تلقي قدم العلى لو ذهب المقدم إلى الخلف ول يجب في الفضاء غير ذلك فإن كانا في‬
‫بناء أو بناءين أو كان أحدهما في فضاء والخر في بناء والجميع غير مسجد اشترط مع ما مر‬
‫آنفًا عدم حائل بـينهما يمنع الرؤية أو الستطراق العادي بحيث لو أراد الوصول للمام ل يمكنه‬
‫أو يستدبر القبلة‪ ،‬ويقال لهذا إزورار وانعطاف فل يضر كونها عن يمينه أو يساره على فرض‬
‫وصوله للمام‪ ،‬وعلم من تصوير منع المرور العادي بما ذكر أن اعتبار المرور العادي في كل‬
‫ل فالمدار على إمكان الوصول إلى المام من‬ ‫مكان بحسبه ولو كان الوصول إلى المام بانحناء مث ً‬
‫غير استدبار القبلة فلو حال بـينهما جدار ل باب فيه أو باب مسمر أو مغلق أو مردود أو شباك‬
‫منع صحة القتداء‪ ،‬وليس من الحائل النهر ولو أحوج إلى سباحة ول الشارع وإن كثر طروقه‪،‬‬
‫فلو كان أحدهما بدكان والخر بأخرى في الصف المقابل له صح‪ ،‬ولو وقف أحدهما بسطح‬
‫والخر بسطح آخر في صف ثان صح إن كان يمكن الوصول من أحد السطحين إلى الخر كأن‬
‫يجعل بـينهما نحو إسقالة‪.‬‬
‫)فإن كانا بمسجد( فالمدار على العلم بالنتقالت بطريق من الطرق المتقدمة وحينئذ )صح‬
‫القتداء( وإن بعدت المسافة بـينهما وزادت على ثلثمائة ذراع ول بّد من إمكان الوصول إلى‬
‫المام ولو بازورار وانعطاف‪ ،‬نعم ل يضر الباب المغلق ول المردود من غير إغلق بالولى‪،‬‬
‫والباب المسمر يضر في البتداء دون الدوام‪ ،‬ومثله ما لو كان بسطح أو دكة ل مرقى لها فيضر‬
‫ابتداء ل دوامًا لنه يغتفر في الدوام ما ل يغتفر في البتداء‪ ،‬فلو حال بـينهما جدار ل باب فيه أو‬
‫شباك ضر لعدم إمكان الوصول‪ ،‬ولو كان أحدهما بعلو كسطح المسجد أو منارته والخر بسفل‬
‫كسردابه أو بئر فيه ل يضر‪ ،‬ولو حال بـينهما نهر أو طريق قديم بأن سبقا وجود المسجد بل أو‬
‫قارناه كان كما لو كان أحدهما في مسجد والخر في غيره وسيأتي حكمه‪ ،‬بخلف ما لو كان‬
‫النهر طارئًا بعد المسجدية فل عبرة به‪ ،‬والمساجد المتلصقة التي تفتح أبواب بعضها إلى بعض‬
‫كمسجد واحد‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ولو كان أحدهما فيه والخر خارجه( كأن كان المام في المسجد والمأموم خارجه اعتبرت‬
‫المسافة المتقدمة من آخر المسجد لن المسجد مبني للصلة فل يدخل في الحّد الفاصل ومن آخر‬
‫صف خارج عن المسجد إذا خرجت الصفوف عن المسجد‪ ،‬وفي الحائل ما مر في غير المسجد‬
‫فلو كان المأموم في المسجد والمام خارجه اعتبرت المسافة من طرفه الذي يلي المام )شرط‬
‫ل )حذاء منفذ(‬ ‫عدم حائل( كما مر )أو( حال بـينهما حائل فيه باب نافذ شرط )وقوف واحد( مث ً‬
‫وهذا الواقف كالمام بالنسبة لمن خلفه ل يحرمون قبله ول يركعون قبل ركوعه ول يسلمون قبل‬
‫سلمه ول يتقدم المقتدى عليه وإن كان متأخرًا عن المام‪ ،‬ومع ذلك لو سمع قنوت الرابطة ل‬
‫يؤمن عليه‪ ،‬لن العبرة في ذلك بالمام الصلي‪ ،‬كذا قال الشبراملسي ‪.‬‬
‫ل وتركًا‪ :‬كسجدة تلوة وتشهد أّول‬ ‫)و( الخامس )موافقة( للمام )في سنن تفحش مخالفة فيها( فع ً‬
‫على تفصيل فيه تقّدم‪ ،‬بخلف ما ل تفحش المخالفة فيه كجلسة الستراحة‪ ،‬فل تضر مخالفة‬
‫ل وتركًا‪ .‬والسادس‪ :‬تبعية المام في الفعال والقوال وهو تأخر ابتداء تحّرم‬ ‫المام في ذلك فع ً‬
‫المأموم عن انتهاء تحرم المام يقينًا‪ ،‬فلو قارنه في حرف من التكبـير لم تنعقد صلته‪ ،‬ومحل هذا‬
‫الشرط فيما لو كان المأموم مقتديًا من ابتداء صلته‪ ،‬أما لو نوى القتداء في أثناء صلته فل‬
‫يشترط تأخر تحرمه عن تحرم المام الذي نوى القتداء به في الثناء بل يصح تقّدمه عليه‪ ،‬وكذا‬
‫لو كبر المأموم عقب تكبـير المام ثم طرأ للمام شك في تكبـيره فكبر ثانيًا خفية ولم يعلم به‬
‫المأموم ل يضر على المعتمد وصلة المأموم حينئذ فرادى وعدم سبقه على إمامه بركنين فعليـين‬
‫ولو غير طويلين‪.‬‬
‫)وعدم تخلف عن إمام بركنين فعليـين( تاّمين وإن لم يكونا طويلين )بل عذر مع تعمد وعلم(‬
‫بالمنع كأن يهوي المام للسجود والمأموم في قيام القراءة فل يتحقق السبق والتخلف بركنين إل‬
‫إذا انفصل عن الثاني منهما‪ ،‬فإن خالف في السبق أو التخلف بهما لغير عذر بطلت صلته لفحش‬
‫ل‪ ،‬ومتى تذكر أو علم وجب عليه العود لموافقة‬ ‫المخالفة بل عذر‪ ،‬بخلف سبقه بهما ناسيًا أو جاه ً‬
‫المام‪ ،‬فإن لم يعد بطلت صلته‪ ،‬فإن استمر سهوه أو جهله فل بطلن‪ ،‬لكن ل يعتّد بتلك الركعة‬
‫فيأتي بعد سلم إمامه بركعة‪ ،‬وبخلف سبقه بركن‪ :‬كأن ركع قبله وابتدأ رفع العتدال وحينئذ‬
‫يتحقق سبقه بركن‪ ،‬وأما إذا استمر في الركوع ولم يبتدىء رفع العتدال فل يقال‪ :‬سبقه بركن بل‬
‫يقال‪ :‬سبقه ببعض ركن‪ ،‬وكل منهما ل تبطل به الصلة لنه يسير لكنه في الفعلي بل عذر حرام‪،‬‬
‫وهو كبـيرة إن كان بركن‪ ،‬وصغيرة إن كان ببعضه‪ ،‬وقيل‪ :‬كبـيرة أيضًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأما مجرد رفع الرأس من الركن كالركوع من غير وصول للركن الذي بعده فمكروه كراهة‬
‫ي من العتدال من غير‬ ‫ي منه إلى ركن آخر كالهو ّ‬ ‫تنزيه‪ ،‬ومثل رفع الرأس من الركن الهو ّ‬
‫وصول للسجود‪ ،‬وبخلف سبقه بركنين غير فعليـين‪ :‬كقراءة وركوع‪ ،‬أو تشهد وصلة على‬
‫النبـي ‪ ،‬ول تجب إعادة ذلك‪ ،‬وبخلف تخلفه بفعلي مطلقًا أو بفعليـين بعذر‪ ،‬وبخلف المقارنة في‬
‫غير التحرم لكنها في الفعال مكروهة مفّوتة لفضيلة الجماعة فيما قارن فيه ل في جميع الصلة‪.‬‬
‫وأما ثواب الصلة فل يفوت بذلك فقد صرحوا بأنه إذا صلى في أرض مغصوبة أن المحققين‬
‫على حصول الثواب فالمكروه أولى‪) .‬و( عدم تخلف عن المام )بأكثر من ثلثة أركان طويلة(‬
‫وهي المقصودة في نفسها فل يحسب منها القصير‪ ،‬وهو العتدال والجلوس بـين السجدتين‪ :‬بأن‬
‫ينتهي المام إلى الجلوس للتشهد أو القيام والمأموم في القيام )بعذر أوجبه( أي اقتضى وجوب‬
‫ذلك التخلف )كإسراع إمام قراءة( وحركة مع بطء المأموم في حركاته أو في قراءته الواجبة‬
‫لنحو عجز لسانه‪ ،‬بخلف قراءة السورة فإنه ل يتأخر لها وإل بطلت صلته بتمام ركنين فعليـين‬
‫كالتخلف لوسوسة بأن كان يرّدد الكلمات من غير موجب )وانتظار مأموم سكتته( أي المام‪ ،‬فإذا‬
‫سبق بثلثة طويلة كالركوع والسجدتين في التخلف لتمام الفاتحة )فليوافق( إمامه وجوبًا إن لم‬
‫ينو مفارقته )في( الركن )الرابع( وهو القيام أو الجلوس للتشهد في هذه الصورة ويترك ترتيب‬
‫نفسه )ثم يتدارك( بعد سلم المام ما بقي عليه‪.‬‬
‫والحاصل أنه قد يعرض للمأموم أعذار تجّوز له أن يتخلف عن إمامه بثلثة أركان طويلة‪ ،‬وذلك‬
‫في أربع عشرة مسألة‪ :‬الولى‪ :‬أن يكون المأموم بطيء القراءة لعجز خلقي‪ :‬كثقل لسانه أو‬
‫للترتيل ل للوسوسة والمام معتدلها وكان المأموم موافقًا بأن أحرم وأدرك مع المام زمنًا يسع‬
‫الفاتحة بالنسبة للوسط المعتدل ل بالنسبة لقراءته ول لقراءة إمامه فأتم المام فاتحته وركع قبل أن‬
‫يتم المأموم فيجب على المأموم حينئذ التخلف لتمام فاتحته لكونه موافقًا ويغتفر له التخلف بثلثة‬
‫أركان طويلة‪ ،‬وهي الركوع والسجودان فل يحسب منها العتدال ول الجلوس بـين السجدتين‬
‫لنهما ركنان قصيران‪ ،‬ثم إن أتم المأموم فاتحته قبل أن يتلبس المام بالركن الرابع وهو القيام أو‬
‫قبل أن يجلس للتشهد الّول أو الخير جرى على نظم صلة نفسه‪ ،‬فيركع ويعتدل ويسجد‬
‫السجودين‪ ،‬فإذا فرغ من ذلك وقام فوجد المام راكعًا في الثانية ركع معه وسقطت عنه الفاتحة‬
‫فإن اطمأن في الثانية يقينًا قبل رفع المام عن أقل الركوع أدرك الركعة الثانية وإل فاتته‪،‬‬
‫فيتدارك ركعة بعد سلم المام وإن وجد المام في القيام قبل أن يركع وقف معه فإن أدرك معه‬
‫قبل الركوع زمنًا يسع الفاتحة بالنسبة للوسط المعتدل فهو موافق فيجب عليه إتمام الفاتحة ويغتفر‬
‫له التخلف بثلثة أركان طويلة كما تقّدم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وإن لم يدرك مع المام زمنًا يسع الفاتحة فهو مسبوق يقرأ ما أمكنه من الفاتحة‪ ،‬ومتى ركع المام‬
‫وجب عليه الركوع معه‪ ،‬وإن وجد المام فيما بعد الركوع وافقه فيما هو فيه وتدارك بعد سلم‬
‫المام ما فاته‪ ،‬وإن لم يتم المأموم فاتحته حتى تلبس المام بالركن الرابع وهو القيام وافقه وبنى‬
‫على ما تقّدم من قراءته ول يجري على نظم صلة نفسه فإن جرى على ذلك عامدًا عالمًا بطلت‬
‫ل فل بطلن لكن ل يعتّد بما أتى به‪ ،‬ثم إذا أراد المام الركوع في‬ ‫صلته‪ ،‬وإن كان ناسيًا أو جاه ً‬
‫الثانية وكان المأموم أتّم فاتحته ركع معه وحسبت للمأموم ركعة ملفقة من قيام الولى وقراءتها‬
‫ومن ركوع الثانية واعتدالها وسجودها‪ ،‬وإذا لم يكن المأموم أتّم فاتحته عند إرادة المام الركوع‬
‫في الثانية وجب عليه نية المفارقة‪ ،‬فإن تخلف بل نية مفارقة عامدًا عالمًا بطلت صلته‪ .‬هذا إن‬
‫كان تخلف المأموم في ركعة أولى أو ثالثة من الرباعية‪ .‬فلو كان تخلفه في ركعة ثانية أو ثالثة من‬
‫الثلثية أو رابعة من الرباعية وجلس المام للتشهد الّول أو الخير والمأموم في قيام القراءة‬
‫وجب عليه قطع القيام والجلوس مع المام‪ ،‬ثم إذا قام بعد التشهد وجب عليه استئناف القراءة ول‬
‫يبني على ما تقّدم ويجري فيه ما سبق حيث كانت القدوة باقية‪ .‬أما الوسوسة فليست عذرًا‪ ،‬فلو‬
‫ركع إمامه قبل أن يتم هو فاتحته بسبب الوسوسة وجب عليه التخلف لتمامها ول يضر ذلك في‬
‫ي للسجود قبل أن يتم فاتحته وجبت عليه‬ ‫صحة صلته ما لم يسبق بركنين‪ .‬فمتى أراد إمامه الهو ّ‬
‫نية المفارقة‪ ،‬فإن لم ينو المفارقة عامدًا عالمًا وهوى المام للسجود بطلت صلته‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬من شك قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه هل قرأ الفاتحة أم ل فيجب عليه التخلف لقراءتها‪،‬‬
‫ويغتفر له ثلثة أركان طويلة‪ ،‬ويأتي فيها وفيما يأتي من بقية المسائل جميع ما تقّدم‪ ،‬ومثل الشك‬
‫العلم بالولى‪ ،‬فإن كان ذلك بعد ركوعه وركوع إمامه لم يجز له العود إلى القيام بل يوافق إمامه‬
‫ويتدارك بعد سلم المام ما فاته‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬من نسي أنه في الصلة ولم يقرأ حتى ركع إمامه فيتخلف كما تقّدم‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬من ذهل عن الفاتحة حتى ركع إمامه ثم تذكر قبل أن يركع مع إمامه‪ ،‬فإن تذكر بعد أن‬
‫ركع معه وافق إمامه كما تقّدم ويتدارك بعد سلم المام ما فاته‪.‬‬
‫ن إدراك الفاتحة‬ ‫الخامسة‪ :‬لو عدل الموافق عن الفاتحة وأتى بسنة كدعاء افتتاح أو تعّوذ وكان يظ ّ‬
‫مع ذلك‪ ،‬فإن تحقق فوت الفاتحة لو اشتغل بالسنة فل عذر في التخلف‪ ،‬بل إن أتم الفاتحة وأدرك‬
‫المام في الركوع أدرك الركعة وإل فاتته الركعة ويوافق المام فيما هو فيه ول يجري على نظم‬
‫صلة نفسه‪ ،‬فإن فاته المام بركنين فعليـين ولم ينو المفارقة بطلت صلته‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫السادسة‪ :‬إذا انتظر المأموم سكوت المام بعد الفاتحة ليقرأ هو فيه فركع عقبها‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬إذا أسرع المام في التشهد الّول وقام وتخلف المأموم لتمامه‪ ،‬وبعد أن أتمه قام ولم‬
‫يدرك مع المام زمنًا يسع الفاتحة‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬إذا نام المأموم في التشهد الّول متمكنًا فلما أفاق قام ولم يدرك معه زمنًا يسع الفاتحة‪.‬‬
‫ن المأموم أنه جلس‬ ‫التاسعة‪ :‬لو رفع المام رأسه من السجود الثاني في الركعة الثانية مكبرًا فظ ّ‬
‫للتشهد الّول فجلس هو فإذا المام قام وترك التشهد الّول‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬لو سمع المأموم تكبـيرًا وهو في أثناء الفاتحة فظنه تكبـيرة المام للركوع فترك باقي‬
‫الفاتحة وركع ثم تبـين له أن المام باق في قيامه فإنه يجب عليه العود لتكميل الفاتحة‪.‬‬
‫الحادية عشرة‪ :‬كان في السجود فنسي أنه مقتد بالمام واستمر نسيانه حتى ركع إمامه‪.‬‬
‫الثانية عشرة‪ :‬من شك في الزمان الذي أدركه مع المام بعد الحرام هل يسع الفاتحة أم ل‪.‬‬
‫الثالثة عشرة‪ :‬من نذر على نفسه قراءة سورة في الصلة عقب الفاتحة فركع المام قبل قراءتها‬
‫فله التخلف ليأتي بها‪.‬‬
‫الرابعة عشرة‪ :‬من شك قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه في حروف الفاتحة فإنه يأتي بما شك فيه‪،‬‬
‫وبعضهم يجعل التخلف للترتيل مسألة مستقلة فيعّد المسائل خمس عشرة‪ ،‬وفي جميع هذه المسائل‬
‫يغتفر له التخلف بثلثة أركان طويلة‪ ،‬هذا كله في المأموم الموافق‪.‬‬
‫)و( أما المسبوق وهو ضّد الموافق‪ ،‬فإذا ركع المام قطع الفاتحة ليركع معه وسقط عنه بقيتها‪،‬‬
‫فإن قرأ الفاتحة ففاته الركوع مع المام بأن لم يطمئن قبل ارتفاع المام عن أقله لغت ركعته إذ لم‬
‫يدرك مع المام ركوعها فيوافقه فيما هو فيه بعد‪ ،‬فلو ركع عامدًا عالمًا بالتحريم بطلت صلته‪،‬‬
‫وحينئذ كان تخلفه بعد قراءة ما أدركه من الفاتحة لتمامها بل عذر وكان تخلفه بل عذر بأن كان‬
‫عامدًا عالمًا فيكون مكروهًا بل تبطل صلته على وجه ضعيف‪ ،‬وتبطل على المذهب إن سبقه‬
‫المام بتمام ركنين فعليـين‪ ،‬هذا كله إن لم يشتغل المسبوق بسنة‪ ،‬فأما )لو اشتغل مسبوق بسنة(‬
‫كالتعّوذ والفتتاح‪ ،‬أو سكت أو استمع قراءة المام أو غيره )قرأ( وجوبًا من الفاتحة بعد ركوع‬
‫المام )قدرها( أي قدر حروف السنة في ظنه‪ ،‬فيجب أن يعّد أو يحتاط ويصرف قدر الزمن الذي‬
‫سكته إلى قراءة ما يسعه من الفاتحة لتقصيره بعدوله عن فرض إلى غيره )وعذر( أي من تخلف‬
‫لسنة‪ ،‬فمتى ركع قبل وفاء ما لزمه عامدًا عالمًا بطلت صلته وإل لم يعتّد بما فعله فيأتي بركعة‬
‫بعد سلم إمامه‪ ،‬ومتى ركع إمامه وهو متخلف لما لزمه وقام من ركوعه فاتته الركعة ووجب‬
‫موافقة المام في هويه للسجود فل يركع وإل بطلت صلته إن علم وتعمد‪ ،‬والمراد بكونه معذورًا‬
‫أنه ل كراهة ول بطلن بتخلفه قطعًا وأنه ملزم بالقراءة فيكون محل بطلن صلته بهويّ المام‬
‫للسجود إذا لم يفارقه في غير هذه الصورة لكن تفوته الركعة‪ ،‬وليس معنى كونه متخلفًا بعذر أنه‬
‫يعطى حكم المعذور من كل وجه‪ ،‬أما من تخلف لغير سنة كمن أتى بتسبـيح بعد تحرم فهو‬
‫مقصر‪ ،‬فإذا فاته الركوع فاتته الركعة اتفاقًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وسبقه على إمام بركنين فعليـين( تاّمين متواليـين سواء كانا طويلين أم قصيرين‪ :‬كأن ركع‬
‫واعتدل والمام لم يركع )مبطل( للصلة إذا كان عامدًا عالمًا بتحريمه للمخالفة الفاحشة‪ ،‬بخلف‬
‫ل فإنه ل يضر إل أنه ل يعتّد له بهما‪ ،‬فإن لم يعد للتيان بهما مع إمامه‬
‫ما إذا كان ساهيًا أو جاه ً‬
‫لسهوه أو جهله أتى بعد سلم المام بركعة وإل أعاد الصلة‪) .‬و( سبقه )بركن فعلي( تام عمدًا‪:‬‬
‫كأن ركع ورفع والمام قائم )حرام( وهو كبـيرة لقوله ‪» :‬أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل رأس‬
‫المام أن يحّول ال رأسه رأس حمار« ‪ .‬ويؤخذ من هذا الحديث أن السبق ببعض ركن‪ :‬كأن ركع‬
‫قبل المام ولحقه المام في الركوع كالسبق بركن فهو كبـيرة أيضًا في قول )ومقارنته( أي‬
‫المأموم للمام )في أفعال مكروهة كتخلف عنه( أي المام )إلى فراغ ركن(‪.‬‬
‫والحاصل أن المقارنة على خمسة أقسام‪ :‬حرام مانعة من النعقاد وهي المقارنة في تكبـيرة‬
‫الحرام‪ ،‬ومندوبة وهي المقارنة في التأمين‪ ،‬ومكروهة مفّوتة لفضيلة الجماعة فيما قارن فيه مع‬
‫العمد وهي المقارنة في الفعال وفي السلم‪ ،‬وواجبة إذا علم أنه إن لم يقرأ الفاتحة مع المام لم‬
‫يدركها‪ ،‬ومباحة فيما عدا ذلك‪.‬‬
‫)و( السابع أن ل يقتدى بمن يعتقد بطلن صلته‪ ،‬فإذا كان هذا شرطًا لصحة القدوة فحينئذ )ل‬
‫ن‪ :‬كشافعي اقتدى‬ ‫يصح قدوة بمن اعتقد بطلن صلته( والمراد بالعتقاد ما يشمل غلبة الظ ّ‬
‫بحنفي مس فرجه‪ ،‬وكمجتهدين اختلفا في إناءين من الماء طاهر ومتنجس وكل منهما توضأ بما‬
‫ظنه الطاهر فل يقتدي أحدهما بالخر لظنه بطلن صلته بمقتضى اجتهاده‪.‬‬
‫)و( الثامن أن ل يقتدى بمن يجوز كونه مأمومًا فحينئذ )ل( يصح قدوة )بمقتد( ول بمن شك في‬
‫كونه مقتديًا‪ ،‬ولو اقتدى مسبوق بعد سلم إمامه بمسبوق آخر صح في غير الجمعة لكن ل ثواب‬
‫فيه لن فيه نية القدوة في أثناء الصلة‪ ،‬ويؤخذ من ذلك أنه لو اقتدى به إنسان من أّول صلته‬
‫كان فيه الثواب‪ ،‬أما في الجمعة فل يصح إذ ل يجوز إنشاء جمعة بعد أخرى‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( التاسع أن ل يكون المأموم قارئًا والمام أّميا سواء أمكنه التعلم أو ل فحينئذ )ل( يصح قدوة‬
‫)قارىء بأمي( وهو من يخل بحرف من الفاتحة كأرت بمثناة فوقية‪ ،‬وهو من يدغم بإبدال في غير‬
‫محل الدغام‪ ،‬بخلف الدغام بل إبدال كتشديد اللم أو الكاف من مالك‪ .‬أو ألثغ بمثلثة وهو من‬
‫يبدل حرفًا بغيره كأن يأتي بالمثلثة بدل السين فيقول‪ :‬المثتقيم‪ ،‬أو بالهمزة بدل القاف في المستقيم‪،‬‬
‫أو بالزاي أو الدال المهملة بدل الذال المعجمة في الذين‪ ،‬ومن الخلل بحرف تخفيف مشّدد من‬
‫الفاتحة‪ ،‬ومثل البدال اللحن الذي يغير المعنى كضم تاء أنعمت أو كسرها‪ ،‬ثم إن كان فاعل ذلك‬
‫ح أن يكون إمامًا لحد مطلقًا‪ ،‬وإن كان عاجز عن التعلم‬ ‫قادرًا على التعلم فصلته باطلة فل يص ّ‬
‫فصلته في نفسه صحيحة كاقتداء مثله به ول بّد من المماثلة في الحرف المعجوز عنه وفي‬
‫ل يحسن ما ل يحسنه الخر‪ ،‬ومن‬ ‫محله‪ ،‬فلو اختلفا في ذلك ل يصح اقتداء أحدهما بالخر لن ك ً‬
‫ذلك يؤخذ أنه ل يصح اقتداء أخرس بأخرس أصليـين أو عارضين‪ ،‬فإن كان أحدهما أصليًا‬
‫والخر عارضًا صح اقتداء الصلي بالعارض دون عكسه‪ ،‬ولو كانت اللثغة يسيرة بأن لم تمنع‬
‫أصل مخرج الحروف بل كان غير صاف لم تؤثر لنه لم يحصل إبدال‪ .‬ولو ترّدد المأموم في‬
‫حال المام‪ ،‬فإن كان في سرية فل ضرر‪ ،‬وإن كان في جهرية وأسّر المام تابعه المأموم ووجب‬
‫عليه البحث عن حاله بعد السلم‪ ،‬فإن تبـين أنه غير قارىء أعاد‪ ،‬وإن تبـين أنه قارىء ولو‬
‫بقوله‪ :‬نسيت الجهر أو أسررت لكونه جائزًا‪ ،‬وصدق المأموم لم يعد‪ ،‬وإن لم يتبـين حاله كأن‬
‫تعذر عليه البحث‪ ،‬أو بحث معه فلم يجبه قيل‪ :‬تجب العادة وقيل‪ :‬ل‪ ،‬ولو طرأ للمام العجز في‬
‫أثناء صلته كخرسه لزم المأموم مفارقته‪ ،‬فإن لم يعلم بحاله إل بعد السلم لزمته العادة لن ذلك‬
‫نادر‪ ،‬فإن كان اللحن ل يغير المعنى‪ :‬كضم هاء ل‪ ،‬وكسر باء نعبد أو فتحها‪ ،‬وضم صاد‬
‫الصراط ل يضر في صحة الصلة ول القدوة وإن كان المتعمد لذلك آثمًا‪.‬‬
‫والحاصل أن اللحن حرام على العامد العالم القادر مطلقًا‪ ،‬ثم إن كان يغير المعنى فإن كان قادرًا‬
‫على الصواب أو أمكنه التعلم فسدت صلته والقدوة به مطلقًا‪ ،‬وإل فصلته صحيحة وقدوة مثله‬
‫به صحيحة دون غير مثله‪ ،‬هذا بالنسبة للفاتحة ومثلها بدلها‪.‬‬
‫أما تكبـيرة الحرام‪ ،‬فإن كان يخل به مع القدرة وائتم به غيره‪ ،‬فإن دخل في الصلة عالمًا بأن‬
‫إمامه يخل بالتكبـير لم تنعقد‪ ،‬وإن لم يعلم إل بعد فراغ الصلة وجبت العادة‪ ،‬وإن علم في الثناء‬
‫وجب الستئناف ول تنفعه نية المفارقة وأما مع العجز فل ضرر‪ .‬وأما الخلل في التشهد‪ ،‬فإن‬
‫دخل المأموم في الصلة معه عالمًا بذلك لم تنعقد صلته‪ ،‬فإن لم يعلم إل بعد أن سلم ل إعادة‪،‬‬
‫وإن كان قبل سلمه سجد للسهو وسلم ول إعادة أيضًا‪ ،‬وإن كان في أثناء التشهد انتظره لعله‬
‫ل على أنه‬ ‫يعيده على الصواب‪ ،‬فإذا سلم ولم يعده سجد المأموم للسهو وسلم‪ ،‬وإنما سجد للسهو حم ً‬
‫ن السجود لسهوه‪ ،‬وحكم السلم كالتشهد وجميع ما تقرر إنما‬ ‫أخل بذلك سهوًا‪ ،‬وما يبطل عمده يس ّ‬
‫هو في إبدال حرف بآخر أو لحن يغير المعنى‪ ،‬أما ما ل يغير المعنى فل يضر في صحة الصلة‬
‫ول القدوة‪ ،‬وبحث الذرعي صحة اقتداء من يحسن نحو التكبـير أو التشهد بالعربـية بمن ل‬
‫يحسنها بها‪ ،‬ووجهه أن هذه ل مدخل لتحمل المام فيها فلم ينظر لعجزه عنها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأما السورة‪ ،‬فإن كان اللحن ل يغير المعنى صحت صلته والقدوة به لكنه مع التعمد والعلم‬
‫ل صحت صلته والقدوة‬ ‫حرام‪ ،‬وإن كان يغير المعنى فإن عجز عن التعلم أو كان ناسيًا أو جاه ً‬
‫به مطلقًا مع الكراهة‪ ،‬ولو قيل‪ :‬بحرمة قراءة غير الفاتحة على مثل هذا لم يكن بعيدًا لنه ل‬
‫ضرورة تدعو إلى ذلك‪ ،‬فإن كان قادرًا على التعلم وكان عامدًا عالمًا ل تصح صلته ول القدوة‬
‫به للعالم بحاله‪ ،‬ول يصح اقتداء من يحسن الفاتحة بمن ل يحسن إل بدلها‪.‬‬
‫والعاشر‪ :‬أن ل يكون المام أنقص من المأموم بصفة ذاتية‪ ،‬فل يجوز أن يقتدي ذكر بأنثى أو‬
‫خنثى‪ ،‬ول خنثى بأنثى أو خنثى لحتمال أن يكون الخنثى المام أنثى والخنثى المأموم ذكرًا فهذه‬
‫أربع باطلة‪ ،‬ويصح اقتداء أنثى بأنثى وبخنثى كما يصح اقتداء أنثى بذكر‪ ،‬وخنثى بذكر‪ ،‬وذكر‬
‫بذكر وهذه خمس صحيحة‪ ،‬فالمجموع تسع صور‪ :‬أربع باطلة‪ ،‬وخمس صحيحة كما سمعت‪.‬‬
‫والحادي عشر‪ :‬أن ل يقتدي بمن تلزمه العادة كالمتيمم للبرد أو لفقد الماء بمحل يغلب فيه وجود‬
‫الماء وفاقد الطهورين ولو كان المأموم مثله في ذلك‪ ،‬لكن محل ذلك إن علم المأموم بحاله ولو‬
‫نسي بعد ذلك‪ ،‬بخلف ما إذا لم يعلم بحاله إل بعد فراغ القدوة فإنه ل يضر لن غاية ما فيه أن‬
‫المام إما محدث أو بمنزلته وتبـين حدث المام بعد الصلة ل يوجب العادة‪.‬‬
‫والثاني عشر‪ :‬توافق نظم صلة المام والمأموم في الفعال الظاهرة فل يصح القتداء مع‬
‫اختلفه كمكتوبة وكسوف أو جنازة لتعذر المتابعة حينئذ‪ ،‬ويصح اقتداء مؤّد بقاض ومفترض‬
‫بمتنفل وفي طويلة بقصيرة كظهر بصبح وبالعكوس‪ ،‬ول يضر اختلف نية المام والمأموم بمثل‬
‫ذلك والمقتدى في نحو ظهر بصبح أو مغرب كمسبوق فيتم صلته بعد سلم إمامه‪ ،‬والفضل‬
‫متابعته في قنوت الصبح وفي تشهد آخر المغرب‪ ،‬وله فراقه بالنية إذا اشتغل بهما‪ ،‬والمقتدى في‬
‫صبح أو مغرب بنحو ظهر إذا أتم صلته له مفارقة المام بالنية‪ ،‬والفضل انتظاره في الصبح‬
‫ليسلم معه بخلفه في المغرب ليس له انتظاره لنه يحدث جلوس تشهد لم يفعله المام‪ ،‬وله أن‬
‫يقنت في الصبح إن أمكنه القنوت بأن كان يدرك المام قبل هويه للسجدة الثانية وإل تركه وجوبًا‬
‫إن لم ينو المفارقة ول سجود عليه لتحمل المام له‪ ،‬ونية المفارقة في ذلك لعذر فل تفّوت فضيلة‬
‫الجماعة وتجوز صلة العشاء خلف من يصلي التراويح‪ ،‬فإذا سلم المام من الركعتين قام المأموم‬
‫إلى باقي صلته وأتمها منفردًا‪ ،‬ويصح القتداء في الفرض خلف صلة العيد أو الستسقاء‪ ،‬وإذا‬
‫أتى المام بتكبـيرات العيد ندب للمأموم أن ل يتابعه فيها‪ ،‬فإن تابعه فيها ل يضر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وما عدا هذه الثني عشر مما يذكرونه في الشروط إما داخل فيما ذكر أو جار على مرجوح‪،‬‬
‫وكره القتداء في أثناء صلته‪ ،‬ول تحصل له فضيلة الجماعة ويتبع المام فيما هو فيه‪ ،‬فإن فرغ‬
‫إمامه أّول فهو كمسبوق أو فرغ هو أّول فانتظاره أفضل من مفارقته ليسلم معه ما لم يحدث‬
‫جلوسًا لم يفعله المام كأن نوى القتداء في رابعة الرباعية بإمام في أّولها فتتعين عليه نية‬
‫المفارقة حينئذ قبل رفع رأسه من السجدة الثانية‪ ،‬بل لو نوى القتداء وهو في السجدة الثانية من‬
‫الركعة الخيرة بإمام في القيام لم يجز له رفع رأسه منها بل ينتظره فيها أو ينوي المفارقة‪ ،‬وكذا‬
‫لو كان في التشهد الخير ونوى القتداء بإمام في القيام لم يجز متابعته بل ينتظره أو ينوي‬
‫المفارقة ول يضر النتظار في هذا الجلوس وإن كان لم يفعله المام لن هذا ليس إحداث جلوس‬
‫بل دوامه ويغتفر في الدوام ما ل يغتفر في البتداء‪ ،‬ونية المفارقة بل عذر مكروهة مفّوتة لفضيلة‬
‫الجماعة‪ ،‬فل يحرم عليه قطع القدوة بنية المفارقة‪.‬‬
‫وإن قلنا‪ :‬إن الجماعة فرض كفاية لن فرض الكفاية ل يلزم بالشروع فيه إل في الجهاد وصلة‬
‫الجنازة والحج والعمرة‪ ،‬ومحل جواز ذلك ما لم يترتب على ذلك تعطيل الجماعة‪ :‬كأن لم يكن‬
‫هناك إل إمام ومأموم وإل حرم‪ ،‬لن فرض الكفاية إذا انحصر تعين‪ ،‬فإن كانت المفارقة لعذر‬
‫كمرض وتطويل إمام وتركه سنة مقصودة‪ ،‬وهي ما جبر بسجود السهو أو قوي الخلف في‬
‫وجوبها أو وردت الدلة بعظيم فضلها فل كراهة ول تفويت‪ ،‬ومما وردت الدلة بعظيم فضلها‬
‫التسبـيحات خصوصًا وقد نقل عن المام أحمد بطلن الصلة بتركها عمدًا ووجوب سجود السهو‬
‫بتركها نسيانًا‪ ،‬بخلف تكبـير النتقالت وجلسة الستراحة ورفع اليدين من قيام التشهد الّول لنه‬
‫ل يفوت على المأموم بترك المام لها شيء لنه يمكنه التيان به وإن تركه إمامه‪ ،‬وتنقطع القدوة‬
‫ل‪ ،‬وإذا‬‫بخروج إمامه من صلبة بحدث أو غيره‪ :‬كموت أو وقوع نجاسة عليه ولم يزلها حا ً‬
‫ل فله أن يقتدي بغير هذا‪ ،‬ولغيره أن يقتدي به‪ ،‬وإذا‬
‫انقطعت القدوة بذلك صار المأموم مستق ً‬
‫حصل منه سهو بعد انقطاعها ولم يقتد بغيره ل يتحمله عنه أحد بخلف السهو الحاصل منه قبل‬
‫انقطاعها‪ ،‬وقد تجب نية المفارقة مع انقطاع القدوة لوجود المتابعة الصورية ببقاء المام على‬
‫صورة المصلين‪ ،‬أما لو ترك الصلة وانصرف أو جلس على غير هيئة المصلين أو مات فل‬
‫يحتاج لنية المفارقة‪ .‬والجماعة في الجمعة ثم صبح الجمعة ثم صبح غيرها ثم العشاء ثم العصر‬
‫أفضل ثم الظهر والمغرب‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل( أي متصفًا بصفة المامة )فبان( بعد الصلة كون المام )خلفه( أي‬ ‫)ولو اقتدى ممن ظنه أه ً‬
‫على خلف ظنه )أعاد( صلته لتقصيره بترك البحث‪ ،‬إذ أمارة المبطل من أنوثة أو كفر ظاهرة‬
‫ل تخفى والخنثى ينتشر أمره غالبًا‪ ،‬والمراد بالظن ما قابل العلم فيدخل فيه من جهل إسلمه أو‬
‫قراءته‪ ،‬فتصح القدوة به حيث لم يتبـين به نقص يوجب العادة‪ ،‬وليس المراد أنه لو لم يظن‬
‫ذكورته ول إسلمه لم تصح القدوة به لنه قد يقال‪ :‬جهل السلم يفيد الظن بالنظر للغالب على‬
‫من يصلي أنه مسلم‪.‬‬
‫والحاصل أنه لو بان إمامه كافرًا ولو مخفيًا كفره كزنديق أو خنثى أو مجنونًا أو أّميا قادرًا على‬
‫التعلم أو تاركًا للفاتحة أو البسملة في الجهرية أو تجب عليه العادة أو ساجدًا على كمه الذي‬
‫يتحرك بحركته أو تاركًا تكبـيرة الحرام‪ ،‬أو قادرًا على القيام أو السترة وكان يصلي من قعود‪،‬‬
‫أو عاريًا وجبت العادة إن بان بعد الفراغ من الصلة‪ ،‬فإن بان في أثنائها وجب استئنافها لكون‬
‫المام ليس من أهل المامة في ذاته )ل( إن بان إمامه )ذا حدث( ولو أكبر )أو خبث( أي ذا‬
‫نجاسة خفية وهي الحكمية التي ل يدرك لها طعم ول لون ول ريح‪ ،‬ومثل ذلك كل ما يخفى على‬
‫المأموم عادة كعدم النية‪ ،‬وكتيممه بمحل يغلب فيه وجود الماء وكونه تاركًا للفاتحة أو للبسملة في‬
‫السرية أو للتشهد مطلقًا‪ ،‬ولو أحرم المأموم بإحرام المام ثم كبر المام ثانيًا بنية سرًا لكونه شك‬
‫في التكبـير الّول ل يضر في صحة صلة المأموم لن هذا مما يخفى ول أمارة عليه‪ ،‬أما لو بان‬
‫إمامه ذا نجاسة ظاهرة وهي العينية فإنه تلزمه العادة‪ ،‬ول فرق في ذلك بـين القريب والبعيد‪،‬‬
‫ول بـين القائم والقاعد ول بـين العمى والبصير‪ ،‬ول بـين باطن الثوب وظاهره نظرًا للشأن‪.‬‬
‫)وصح اقتداء سليم بسلس( وطاهر بمستحاضة غير متحيرة‪ ،‬وحافظ قرآن بحافظ القاتحة فقط‪،‬‬
‫وكامل اللباس بساتر عورته فقط ولو بالطين‪ ،‬ومتوضىء بالجامع بـين التراب والماء‪ ،‬ولبس‬
‫بمن عجز عن السترة‪ ،‬ومتوضىء بماسح الخف أو الجبـيرة حيث ل تلزمه العادة وبالمتيمم الذي‬
‫ل تلزمه العادة‪ ،‬ويصح اقتداء البالغ بالصبـي والحّر بمن فيه رق‪ .‬نعم البالغ أولى من الصبـي‬
‫والحر أولى من الرقيق‪ ،‬ويصح اقتداء القائم بالقاعد وبالمضطجع وإن كان موميًا حيث كان يأتي‬
‫بالركان‪ ،‬فأما من يشير إليها بجفنه أو يجري أفعال الصلة على قلبه فل يصح القتداء به لعدم‬
‫العلم بانتقالته كما مر‪ .‬نعم يصح اقتداء القائم بالمستلقي ولو موميًا حيث علم بانتقالت المام ولو‬
‫بطريق الكشف لن المدار على علمه بذلك وهو موجود فيه وهذا بالنسبة له‪ ،‬وإنما اغتفر ذلك في‬
‫حقه لعلمه بحقيقة الحال‪ ،‬ومحل كون الخوارق ل يعتّد بها قبل وقوعها‪ ،‬أما بعد وقوعها فيعتّد بها‬
‫في حق من قامت به؛ كذا قال الشبراملسي ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫)وكره( القتداء )بفاسق ومبتدع( ل يكفر ببدعته‪ ،‬وبالتأتاء والفأفاء والوأواء ومن تغلب على‬
‫المامة ول يستحقها‪ ،‬ومن ل يحترز عن النجاسة أو يمحق هيئات الصلة‪ ،‬أو يتعاطى معيشة‬
‫مذمومة‪ ،‬أو يعاشر أهل الفسق ونحوهم‪ ،‬أو لحن بما ل يغير المعنى‪ ،‬أو يكرهه أكثر القوم لمر‬
‫مذموم فيه كإكثار الضحك والحكايات المضحكة تصنعًا ل طبعًا فإن كرهه كلهم حرمت إمامته‪،‬‬
‫وإمامة ولد الزنا وولد الملعنة ومن ل يعرف له أب خلف الولى‪ ،‬والعمى والبصير في‬
‫المامة سواء كعبد أفقه وحر غير أفقه‪.‬‬
‫ثم إذا اجتمع جماعة ممن فيه أهلية المامة يقّدم منهم الفقه في الصلة‪ ،‬فالصح قراءة‪ ،‬فالكثر‬
‫قرآنًا‪ ،‬فالزهد‪ ،‬فالورع‪ ،‬فالمهاجر‪ ،‬فالقدم هجرة‪ ،‬فالسن في السلم‪ ،‬فالشرف نسبًا‪ ،‬فالحسن‬
‫ذكرًا‪ ،‬فالنظف ثوبًا‪ ،‬فبدنًا فصنعة‪ :‬أي كسبًا‪ ،‬فيقّدم الزارع والتاجر على غيرهما‪ ،‬فالحسن‬
‫صوتًا‪ ،‬فالحسن خلقًا‪ ،‬بفتح الخاء بأن يكون سليم العضاء من الفة مستقيمًا‪ ،‬فالحسن وجهًا‪ :‬أي‬
‫الجمل صورة فهو غير الحسن خلقًا كما سمعت‪ ،‬فالحسن زوجة‪ ،‬فالبـيض ثوبًا فيقّدم على‬
‫لبس غير البـيض‪ ،‬ويقدم البـيض وجهًا على غيره فإن استويا وتشاحا أقرع بـينهما‪ .‬هذا كله إن‬
‫ب منزل‪ ،‬وإل قّدم الوالي في محلّ وليته‬ ‫لم يكن هناك إمام راتب ول إمام أعظم ول نائبه‪ ،‬ول ر ّ‬
‫ب المنزل‪ ،‬والمام الراتب وإن اختصّ ذلك الغير بصفات مرجحة من فقه‬ ‫على غيره ولو على ر ّ‬
‫وغيره‪.‬‬
‫ويقّدم من الولة العلى فالعلى‪ ،‬فيقّدم السلطان على غيره‪ ،‬والباشا على القاضي ونحو ذلك‪،‬‬
‫وبعده المام الراتب وهو من وله الناظر تولية صحيحة أو كان بشرط الواقف‪ ،‬فإن لم يحضر‬
‫ب أن يتقّدم غيره إل أن يخاف فتنة‬‫ب أن يبعث إليه ليحضر‪ ،‬فإن خيف فوات الوقت استح ّ‬ ‫استح ّ‬
‫ق ولو غير مالك على غيره ولو مالكًا‪ ،‬فيقّدم المستأجر على‬ ‫فيصلوا فرادى‪ ،‬ويقّدم الساكن بح ّ‬
‫المؤجر ويقّدم الموصى له بالمنفعة على مالك العين‪ .‬نعم ل يقّدم المستعير على المعير ول غير‬
‫المكاتب على سيده الذي أذن له في السكنى بل يقّدم سيده عليه‪ ،‬وليس هذا الذن إعارة لن‬
‫العارة تقتضي ملك النتفاع والرقيق ل يملك ولو بتمليك سيده‪ ،‬أما المكاتب إذا كان ساكنًا بحقه‬
‫فل يقّدم عليه سيده بل المكاتب هو المقّدم لستقلله‪ ،‬فإذا أذن لسيده في دخوله دارًا اشتراها مث ً‬
‫ل‬
‫فهو المقّدم ل سيده‪ ،‬فإن كان سيده هو المعير له الدار فالسيد هو المقّدم‪ ،‬ويؤخذ مما تقّدم بالولى‬
‫ل للمامة كامرأة قّدم‬ ‫عدم تقديمه على ِقّنه المبعض فيما ملكه ببعضه الحّر‪ ،‬فإن لم يكن الساكن أه ً‬
‫من هو أهل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن للمام التخفيف مع فعل البعاض والهيئات إل أن يرضي‬ ‫ويندب في الجماعة أشياء‪ :‬منها أنه يس ّ‬
‫ن له نية الجماعة في غير الجمعة‪ ،‬وتصح منه نية المامة وإن لم يكن‬ ‫المحصورون بتطويله‪ ،‬ويس ّ‬
‫إمامًا في الحال لنه سيصير إمامًا‪ ،‬وإذا لم يحضر عنده في هذه الحالة أحد لكن وثق بالجماعة‬
‫صحت منه نية المامة‪ ،‬فلو فرغ من صلته ولم يأت أحد فصلته صحيحة‪ ،‬ولو أتى بهذه النية‬
‫في أثناء صلته جاز وحاز الفضيلة من حين النية ول تنعطف نيته على ما قبلها‪ ،‬وفهم مما تقّدم‬
‫أنه لو نوى المأموم الجماعة ولم ينوها المام حصلت الفضيلة للمأموم دون المام وثبت له أحكام‬
‫القدوة كتحمل سهوه وفاتحته ونحو ذلك‪.‬‬
‫ن للمام أن يقف قّدام المقام عند الكعبة بحيث يكون المقام بـينه وبـين الكعبة وأن يستدير‬
‫ويس ّ‬
‫المأمومون حولها‪ ،‬ول يضّر كونهم أقرب إليها في غير جهة المام منه إليها في جهته كما لو وقفا‬
‫في الكعبة واختلفا جهة فإنه إذا اجتمعا فيها يجوز أن يكون وجهه إلى وجه المام أو جنبه‪ ،‬وأن‬
‫يكون ظهره إلى ظهر المام أو جنبه‪ ،‬ول يجوز أن يكون ظهره إلى وجه المام لنه حينئذ متقّدم‬
‫ي جهة شاء‪ ،‬ولو‬ ‫عليه في جهته‪ ،‬ولو وقف المام فيها والمأموم خارجها جاز وله التوجه إلى أ ّ‬
‫وقفا بالعكس جاز أيضًا لكن ل يتوجه المأموم إلى الجهة التي توجه إليها المام بحيث يكون ظهره‬
‫في وجه المام لتقّدمه عليه حينئذ في جهته‪ ،‬ولو وقف المام في ركن من أركانها فجهته مجموع‬
‫جهتي جانبـيه مع الركنين المتصلين بهما فل يتقّدم عليه المأموم في ذلك‪.‬‬
‫وحاصل ما ذكر صور أربع لنهما إما أن يكونا داخل الكعبة أو خارجها أو أحدهما داخلها‬
‫ل صفين أو‬ ‫ن تسوية الصفوف وأن ل يزيد ما بـين ك ّ‬ ‫والخر خارجها‪ ،‬وقد علمت أحكامها‪ .‬ويس ّ‬
‫شخصين على ثلثة أذرع وإل فات ثواب الجماعة من تأخر بذلك‪.‬‬
‫ويكره فيها أمور منها أنه يكره للمام التطويل ولو ليلحق آخرون ولو كان من عادتهم الحضور‪،‬‬
‫س في ركوع غير ثان من صلة الكسوف أو في تشهد أخير بداخل محل الصلة يقتدي‬ ‫نعم لو أح ّ‬
‫ن له انتظاره ل تعالى إن لم يبالغ في النتظار ولم يميز بـين الداخلين وإل كره‪.‬‬ ‫به س ّ‬
‫ن للمام انتظار من يريد القتداء به بشروط تسعة‪ :‬أن يكون ذلك‬ ‫وحاصل هذه المسألة أنه يس ّ‬
‫النتظار في ركوع غير ثان من صلة الكسوف أو في تشهد أخير‪ ،‬وأن ل يخشى فوت الوقت‪،‬‬
‫وأن يكون الذي ينتظره داخل محل الصلة دون من هو خارجه‪ ،‬وأن ينتظره ل تعالى ل لتوّدد‬
‫وإل كره‪ ،‬وأن ل يبالغ في النتظار ولو بضّم انتظار مأموم إلى آخر وإل كره‪ ،‬وأن ل يميز بـين‬
‫ن أنه يرى إدراك‬ ‫ن أن يقتدي به ذلك الداخل‪ ،‬وأن يظ ّ‬ ‫الداخلين فينتظر بعضًا دون بعض‪ ،‬وأن يظ ّ‬
‫ن أنه يأتي بالحرام على الوجه المطلوب من كونه في القيام والمام‬ ‫الركعة بالركوع‪ ،‬وأن يظ ّ‬
‫ليس بقيد بل مثله المنفرد وإن كان ل يأتي فيه جميع الشروط‪ .‬ويكره ارتفاع المأموم على إمامه‬
‫وعكسه حيث أمكن وقوفهما على مستو إل لحاجة كتعليم المام المأمومين صفة الصلة‪ ،‬وكتبليغ‬
‫ن ارتفاعهما لذلك‪ ،‬وحيث لم تكن حاجة ثبتت الكراهة وفاتت فضيلة‬ ‫المأموم تكبـيرة المام فيس ّ‬
‫ل على انخفاض وارتفاع وإل فل كراهة‪ ،‬ولو تعارض‬ ‫الجماعة ما لم يكن وضع المكان مشتم ً‬
‫عليه إكمال الصف الّول لكن مع ارتفاع أو انخفاض والوقوف في الصف الثاني بدون ذلك وقف‬
‫في الصف الثاني وترك تكميل الّول لن كراهة الّول أشد فإنها تفّوت فضيلة الجماعة اتفاقًا‪،‬‬
‫بخلف تقطيع الصفوف ففيه خلف كما تقّدم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ص كمشقة مطر‪ ،‬ومثله تقاطر السقوف على‬ ‫تتمة‪ :‬ورخص في ترك الجماعة بعذر عاّم أو خا ّ‬
‫الماّرين بعد فراغ المطر وشّدة ريح بليل أو وقت صبح‪ ،‬ومثل الريح الشديدة الظلمة الشديدة‬
‫والريح الباردة وشّدة وحل‪ ،‬وشّدة حّر‪ ،‬وشّدة برد‪ ،‬وشّدة جوع‪ ،‬وشّدة عطش بحضرة طعام‬
‫مأكول أو مشروب‪ ،‬وما قرب حضوره كالحاضر‪ ،‬ومشقة مرض ومدافعة حدث‪ ،‬وخوف على‬
‫معصوم من نفس أو عضو أو منفعة أو مال كخبز في تنور أو قدر على نار لو ذهب للجماعة‬
‫وتركه تلف‪ ،‬وخوف من غريم له وبالخائف إعسار يعسر عليه إثباته‪ ،‬وخوف من عقوبة يرجو‬
‫الخائف العفو بغيبته‪ ،‬وخوف من تخلف عن رفقة وفقد لباس لئق‪ ،‬وأكل ذي ريح كريهة تعسر‬
‫إزالتها ل بقصد إسقاط الجماعة وإل لم يكن عذرًا‪ ،‬وحضور مريض بل متعهد سواه أو كان له‬
‫متعهد لكن كان المريض نحو قريب محتضر الروح‪ ،‬أي و يأنس به‪.‬‬
‫ومن العذار زلزلة وغلبة نعاس‪ ،‬وسمن مفرط‪ ،‬وسعي في استرداد مال يرجو حصوله له أو‬
‫لغيره‪ ،‬وعمى حيث كان العمى ل يجد قائدًا ولو بأجرة مثل قدر عليها ول أثر لحسانه المشي‬
‫بالعصا‪ ،‬والشتغال بتجهيز ميت وحمله ودفنه‪ ،‬ووجود من يؤذيه في طريقه بشتم أو نحوه ما لم‬
‫يمكن دفعه من غير مشقة‪ ،‬والنسيان والكراه وتطويل المام فوق المشروع وتركه سنة مقصودة‪،‬‬
‫وكون المام ممن يكره القتداء به‪ ،‬أو كان يخشى من الفتتان بجمال أمرد‪ ،‬أو كان هو ممن‬
‫يخشى الفتتان به‪ ،‬ومعنى كون هذه أعذارًا سقوط الطلب بسببها ل حصول فضيلة الجماعة‪،‬‬
‫ل لثواب الجماعة إذا صلى منفردًا وكان قصده الجماعة لول‬ ‫وجزم الروياني بأنه يكون محص ً‬
‫العذر‪ ،‬وهذا هو المعتمد بشرط أن يكون ملزمًا لها قبل العذر ولم يتعاط السبب باختياره ولم‬
‫يتأت له إقامة الجماعة في بـيته لكن الفضيلة التي تحصل له دون فضيلة من فعلها‪.‬‬
‫تكميل ‪ :‬اعلم أن الصلوات الخمس بالنسبة للقصر والجمع ثلثة أقسام‪ .‬قسم يجوز فيه المران‬
‫وهو الرباعيات الثلث‪ .‬وقسم يجوز فيه الجمع دون القصر وهو المغرب‪ .‬وقسم ل يجوز فيه هذا‬
‫ول هذا وهو الصبح‪ .‬ويجوز للمسافر قصر الصلة بأن يصليها ركعتين بشروط اثنى عشر‪ ،‬أن‬
‫تكون الصلة رباعية مكتوبة أصالة مؤداة أو فائتة سفر قصر كالظهر والعصر والعشاء‪ ،‬وأن‬
‫يكون المسافر في سفر طويل وهو ستة عشر فرسخًا وهي مرحلتان‪ ،‬وأن ل يكون عاصياً‬
‫ل معلومًا في أّول سفره‬‫بالسفر‪ ،‬وأن يكون سفره لغرض صحيح ديني أو دنيوي‪ ،‬وأن يقصد مح ً‬
‫ولو بالجهة‪ ،‬وأن ل يربط صلته بمن جهل سفره أو بمتّم ولو في نفس المر ولو في جزء من‬
‫صلته ولو في صبح‪ ،‬وأن ينوي القصر مع التحرم كأن يقول مقصورة أو ركعتين أو صلة‬
‫السفر‪ ،‬وأن يتحرز عن منافي نية القصر في دوام الصلة ودوام السفر في جميع الصلة يقينًا‪،‬‬
‫وأن يعلم بجواز القصر‪ ،‬وأن يعلم الكيفية‪ ،‬وأن يجاوز محل القامة ويصل إلى محل يعّد فيه‬
‫مسافرًا‪ ،‬ويجوز للمسافر السفر المذكور أن يجمع بـين الظهر والعصر أو بـين المغرب والعشاء‬
‫في وقت أيهما شاء تقديمًا في وقت الولى منهما أو تأخيرًا في وقت الثانية منهما‪ ،‬والجمعة‬
‫كالظهر في جمع التقديم فقط‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ويشترط لجمع التقديم ستة شروط‪ :‬الّول‪ :‬الترتيب بأن يبدأ بصاحبة الوقت لن الوقت لها فلو‬
‫عكس الترتيب صحت صاحبة الوقت فقط‪ :‬الثاني‪ :‬نية الجمع في الولى ولو مع التحلل منها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الولء بـين الصلتين بأن ل يتخلل بـين الصلتين زمن يسع ركعتين بأخف ممكن وحينئذ‬
‫ل يجوز أن يصلي الراتبة بـينهما‪ .‬الرابع‪ :‬دوام السفر إلى عقد الثانية وإن أقام في أثنائها‪ ،‬ول‬
‫يشترط وجود السفر عند عقد الولى‪ .‬الخامس‪ :‬بقاء وقت الولى يقينًا إلى تمام الثانية فيبطل‬
‫ن صحة الولى‬ ‫الجمع والصلة إذا خرج الوقت في أثناء الثانية أو شك في خروجه‪ .‬السادس‪ :‬ظ ّ‬
‫لتخرج المتحيرة فليس لها جمع التقديم‪ ،‬وكذا لو كانت الولى جمعة في مكان تعددت فيه لغير‬
‫حاجة وشك في السبق والمعية‪ ،‬ومثل ذلك كل من تلزمه العادة كفاقد الطهورين والمتيمم للبرد‬
‫أو لفقد الماء بمحل يغلب فيه الوجود أو نحو ذلك‪.‬‬
‫ويشترط لجمع التأخير شرطان‪ :‬الول‪ :‬نية التأخير في وقت الولى ما بقي منه قدر يسعها تامة أو‬
‫ل أو نواه والباقي من الوقت قدر ل يسعها‬ ‫مقصورة إن أراد قصرها‪ ،‬فإن لم ينو التأخير أص ً‬
‫عصى وكانت قضاء ما لم يوقع منها ركعة أو أكثر في وقتها وإل فأداء مع الحرمة‪ .‬الثاني‪ :‬دوام‬
‫السفر إلى تمام الصلتين فلو أقام قبل ذلك صارت التي نوى تأخيرها قضاء سواء رتب بـين‬
‫الصلتين أول لكن ل إثم فيه‪ ،‬ولو كان انتهاء السفر في أثناء الظهر التي نوى تأخيرها فائتة‬
‫ل في وقت الولى‬ ‫حضر فل يجوز قصرها وترك الجمع أفضل‪ ،‬وإذا أراد الجمع فإن كان ناز ً‬
‫ل فيهما أو سائرًا فيهما أو سائرًا في‬
‫سائرًا في وقت الثانية فالفضل جمع التقديم‪ ،‬وإن كان ناز ً‬
‫ل في الثانية فالفضل جمع التأخير‪.‬‬ ‫الولى ناز ً‬
‫ويجوز للمقيم أن يجمع ما يجمع بالسفر ولو عصرًا مع الجمعة تقديمًا في وقت الولى بسبب‬
‫ل لكن كان يبل الثوب‪ ،‬ومثل المطر ثلج وبرد ذائبان وشفان بفتح الشين‬ ‫المطر ولو كان المطر قلي ً‬
‫وتشديد الفاء وهو ريح باردة يصحبها مطر قليل‪ ،‬ول بد أن يكون كل واحد منها يبل الثوب‪ .‬ولهذا‬
‫الجمع شروط ثمانية‪ :‬أن يوجد نحو المطر عند تحّرمه بهما وعند تحلله من الولى ليتصل بأّول‬
‫الثانية ويؤخذ من ذلك اعتبار امتداده بـينهما وهو المعتمد‪ ،‬ول يضر انقطاعه في أثناء الولى أو‬
‫الثانية أو بعدهما‪ ،‬والترتيب‪ ،‬والولء‪ ،‬ونية الجمع كما تقدم‪ ،‬وأن تصلى الثانية جماعة وإن‬
‫انفردوا قبل تمام ركعتها الولى ولو قبل ركوعها‪ ،‬وإن لم يحصل ثواب الجماعة كأن كانت‬
‫مكروهة‪ ،‬ول بّد من نية الجماعة أو المامة وإل لم تنعقد صلته ول صلتهم إن علموا بذلك‪،‬‬
‫وأن يفعل ذلك بمصلى بعيد عرفًا بحيث يأتونه بمشقة في طريقهم إليه‪ ،‬لكن يجوز للمام الراتب‬
‫أن يجمع بالمأمومين وإن لم يتأذ بالمطر‪ ،‬وكذا من يلزم من عدم إمامته تعطيل الجماعة‪ ،‬ولمن‬
‫اتفق له وجود المطر وهو بالمسجد أن يجمع وإل لحتاج إلى صلة العصر أو العشاء في جماعة‬
‫وفيه مشقة في رجوعه إلى بـيته ثم عوده أو في إقامته‪ ،‬وإذا تخلف شرط من ذلك امتنع الجمع‬
‫المذكور‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫تنبـيه‪ :‬قد علم مما مر أنه ل يجمع بغير سفر ونحو المطر كمرض وريح وظلمة وخوف ووحل‬
‫وهو المشهور لنه لم ينقل‪ ،‬وحكى في المجموع عن جماعة من الشافعية جوازه بالمذكورات وهو‬
‫قوي جدًا في المرض والوحل‪ ،‬وهذا هو اللئق بمحاسن الشريعة‪ .‬وقد قال تعالى‪} :‬وما جعل‬
‫ن للمريض أن يراعي الرفق‬ ‫عليكم في الدين من حرج{ )الحج ‪ 22‬الية‪ ،(78 :‬وعلى ذلك فيس ّ‬
‫بنفسه‪ ،‬فمن يحم في وقت الثانية يقدمها بشرائط جمع التقديم بالسفر‪ ،‬أو في وقت الولى يؤخرها‬
‫بالشرطين المتقدمين لجمع التأخير ويجعل دوام المرض هنا كدوام السفر هناك‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬يختص بالسفر الطويل أربع‪ :‬الجمع على الظهر‪ ،‬والقصر‪ ،‬والفطر في رمضان‪ ،‬والمسح‬
‫على الخف ثلثة أيام‪ ،‬ويجوز في القصير ترك الجمعة والتنفل على الراحلة ويختصان بالسفر‪.‬‬
‫فصل في صلة الجمعة‬
‫يوم الجمعة أفضل أيام السبوع يعتق ال فيه ستمائة ألف عتيق من النار‪ ،‬ومن مات فيه أعطي‬
‫ل خاص بالنبـياء‬ ‫أجر شهيد ووقى فتنة القبر وهي السؤال بأن يخفف عنه لن عدم السؤال أص ً‬
‫ونحوهم ممن استثنى‪ ،‬وليلتها أفضل الليالي بعد ليلة القدر‪ ،‬وليلة القدر أفضل من ليلة السراء‬
‫بالنسبة لنا‪ ،‬أما بالنسبة لسيدنا محمد فليلة السراء أفضل إذ وقع له فيها رؤية الباري بعيني رأسه‪،‬‬
‫وليلة المولد الشريف أفضل من ليلة السراء وليلة القدر لنها أصلهما‪ ،‬والمراد بليلة المولد وليلة‬
‫السراء الليلتان المعينتان ل نظيرتهما من كل سنة‪.‬‬
‫وفرضت صلة الجمعة بمكة ليلة السراء ولم تقم بها لقلة المسلمين أو لخفاء السلم إذ ذاك فإن‬
‫شعارها الظهار‪ ،‬وأّول من أقامها بجهة المدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة بقرية على ميل من‬
‫المدينة واسمها نقيع الخضمان‪ ،‬وهي أفضل الصلوات‪ ،‬ومن خصائص هذه المة‪ ،‬وليست ظهرًا‬
‫مقصورًا لنه ل يغنى عنها وإن كان وقتها وقته وتتدارك به بل صلة مستقلة‪ ،‬ومعلوم أنها‬
‫ركعتان وتختص بشروط لوجوبها وشروط لصحتها وآداب كما قال )تجب جمعة( وجوب عين‬
‫)على( كل مسلم )مكلف( أي بالغ عاقل وألحق به في انعقاد السبب ل في التكليف متعّد بمزيل‬
‫عقله فيلزمه قضاؤها ظهرًا )ذكر حّر متوطن( ببلد الجمعة بأن ل يسافر عن وطنه صيفًا ول‬
‫شتاء إل لحاجة كتجارة )غير معذور( بمجّوز لترك الجماعة‪) .‬و( تجب الجمعة أيضًا )على مقيم(‬
‫بمحل إقامة الجمعة أو بمحل يسمع فيه نداءها وإن لم يستوطنه وكالمقيم بذلك المحل المسافر إليه‬
‫من محل الجمعة‪ ،‬كذا قال ابن حجر في فتح الجواد‪) .‬ول تنعقد( الجمعة )به( أي بمقيم في ذلك‬
‫المحل على عزم العود إلى بلده بعد مدة ولو طويلة كالمتفقهة والتجار ومثله متوطن خارج بلد‬
‫الجمعة فل تنعقد به )ول بمن به رق( وإن قل )وصبًا(‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وحاصل ما في هذا الباب أن صلة الجمعة كغيرها من الخمس في الركان والشروط والداب‬
‫لكنها تزيد عليه بشروط للزومها وبشروط لصحتها وبآداب أخر‪ .‬أما شروط لزومها المختصة بها‬
‫فأربعة‪ :‬الحرية والذكورة وعدم العذر المجوز لترك الجماعة والقامة فل جمعة على رقيق ول‬
‫أنثى ول مسافر ول معذور بمجوز لترك الجماعة‪ ،‬ومنه الشتغال بتجهيز الميت والسهال الذي‬
‫ل يضبط نفسه معه ويخشى منه تلويث المسجد والحبس عنه إذا لم يكن مقصرًا فيه فإذا رأى‬
‫القاضي المصلحة في منعه منعه وإل أطلقه لفعل الجمعة وتلزم الشيخ الهرم والزمن وهو من به‬
‫عاهة أبطلت حركته إن وجدا مركبًا ملكًا أو إجارة أو إعارة ولو آدميًا إذا لم يزر بهما‪ ،‬ولم يشق‬
‫الركوب عليهما كمشقة المشي في الوحل‪ ،‬وتلزم العمى إن وجد قائدًا ولو بأجرة مثل يجدها‬
‫زائدة على ما يأتي في الفطرة إن شاء ال تعالى أو متبرعًا أو ملكًا فإن لم يجده لم يلزمه‬
‫الحضور‪ ،‬وإن أحسن المشي بالعصى على المعتمد لما فيه من التعرض للضرر‪ ،‬نعم إن كان‬
‫قريبًا من الجامع ل يتضرر بذلك وجب عليه الحضور لعدم الضرر ومن صحت ظهره ممن ل‬
‫تلزمه جمعة صحت جمعته وتغني عن ظهره كالصبـي والعبد والمرأة والمسافر‪ ،‬وله أن ينصرف‬
‫من المصلى قبل إحرامه بها ولو بعد دخول وقتها إل المريض ونحوه ممن ألحق به كالعمى ل‬
‫يجد قائدًا فل يجوز له النصراف بعد دخول الوقت إل إن زاد ضرره بانتظاره فعلها وإل فله‬
‫النصراف ما لم تكن قد أقيمت وإل فل ينصرف‪.‬‬
‫والحاصل أن نحو المريض له النصراف قبل دخول الوقت وهو الزوال مطلقًا ما لم يحصل له‬
‫مشقة ل تحتمل‪ ،‬وأما بعد دخول الوقت وقبل الحرام فإن زاد ضرره بانتظاره فعلها ولم تقم جاز‬
‫له النصراف وإن لم يزد ضرره أو أقيمت فل‪.‬‬
‫ثم حاصل ما ذكره المصنف أن الناس في الجمعة ستة أقسام‪ :‬قسم تلزمه وتنعقد به وهو كل مسلم‬
‫مكلف متوطن حّر ذكر ل عذر له يرخص في ترك الجماعة‪ .‬وقسم ل تلزمه وتنعقد به وهو‬
‫المعذور بمسقط لوجوبها غير المسافر‪ .‬ومن العذار ما لو حلف بالطلق أنه ل يصلي خلف زيد‬
‫فولى زيد المذكور إمامة الجمعة ولم يكن في المحل غيرها فتسقط عنه على المعتمد‪ ،‬وقيل‪ :‬هو‬
‫مكره شرعًا فيصلي ول حنث‪ .‬وقسم تلزمه وتصح منه ول تنعقد به وهو المقيم غير المتوطن‬
‫والمتوطن بمحل يسمع منه النداء ولم يبلغ أهله أربعين فإنه يجب عليه السعي إلى بلد الجمعة‪ ،‬ول‬
‫يحسب من عددها لنه ليس من المتوطنين ببلدها فإن بلغوا أربعين لزمهم إقامتها في محلهم وحرم‬
‫عليهم تعطيله وإن فعلوها في غيره‪ .‬وقسم تلزمه ول تنعقد به ول تصح منه وهو المرتد‪ .‬وقسم ل‬
‫تلزمه ول تنعقد به وتصح منه وهو من به رق‪ ،‬والصبـي المميز والنثى والخنثى والمسافر‬
‫والمقيم بمحل ل يسمع منه النداء ولم يبلغ أهله أربعين أو كانوا أهل خيام‪ .‬وقسم ل تلزمه ول‬
‫تنعقد به ول تصح منه وهو المجنون والمغمى عليه والسكران والصبـي غير المميز والكافر‬
‫الصلي‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( أما شروط صحة الجمعة فستة‪ ،‬وهي ما )شرط( زائدًا على ما يشترط لغيرها‪.‬‬
‫الّول‪) :‬وقوعها جماعة( إجماعًا فل تصح فرادى إذ لم ينقل فعلها كذلك والجماعة شرط )في‬
‫الركعة الولى( فقط‪ ،‬أما العدد فشرط في جميع الجمعة فيشترط أن يستمروا مع المام إلى‬
‫سجودها الثاني‪ ،‬فلو نووا كلهم المفارقة بعد الركعة الولى وأتموا صلتهم فرادى صحت جمعتهم‬
‫وجمعة المام‪ .‬ويشترط أن ل تبطل صلة واحد من الربعين قبل سلم نفسه وإل بطلت صلة‬
‫الكل وإن كان هو الخير وإن ذهب الّولون إلى مكانهم‪ ،‬ويلغز بذلك‪ ،‬ويقال رجل أحدث في‬
‫ي فترك البسملة‬ ‫المسجد فبطلت صلة من في البـيت ولو كان من جملة الربعين شخص مالك ّ‬
‫بطلت صلة الجميع‪ ،‬بخلف ما إذا كان زائدًا على الربعين‪.‬‬
‫)و( الثاني‪ :‬أن يكون عدد جماعة المجمعين أربعين منهم المام وإن كان بعضهم صلها في قرية‬
‫أخرى ول نظر لكونها تقع له نافلة فل تنعقد بأقل منهم‪ ،‬وذلك بأن تقام )بأربعين( من أهل الجمعة‬
‫وهم الذكور الحرار المكلفون المستوطنون بمحلها ل يظعنون عنه شتاء ول صيفًا إل لحاجة‪ .‬قال‬
‫بعضهم‪ :‬ول بد من صحة إمامة كل واحد منهم بالباقين‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬المدار على صحة صلة‬
‫كل منهم في نفسه حيث كان إمامهم تصح إمامته لهم وهذا هو اللئق بمحاسن الشريعة‪ ،‬ول بد من‬
‫ل من ابتداء الخطبة إلى انتهاء الصلة‪ ،‬وتصح الجمعة خلف عبد وصبـي‬ ‫وجود هذا العدد كام ً‬
‫مميز ومسافر ومن بان محدثًا ولو حدثًا أكبر إن تّم العدد بغيرهم ولو كانوا ناوين ظهرًا‪ ،‬بخلف‬
‫ما إذا لم يتّم العدد إل بهم لنهم ل يحسبون من عدد الجمعة ول تنعقد بأربعين فقط‪ ،‬وفيهم أم ّ‬
‫ي‬
‫ي في‬ ‫ي‪ ،‬ومحله إذا قصر الم ّ‬ ‫لرتباط صحة صلة بعضهم ببعض فصار كاقتداء القارىء بالم ّ‬
‫التعلم وإل فتصح الجمعة إن كان المام قارئًا‪ ،‬وعلم من ذلك أن علة بطلن صلتهم تقصيرهم ل‬
‫ارتباط صلة بعضهم ببعض‪ ،‬ومعلوم أن الميـين إذا لم يكونوا في درجة واحدة ل يصح اقتداء‬
‫بعضهم ببعض‪ ،‬فل تصح جمعتهم لن الجماعة المشترطة هنا للصحة صيرت بـينهم ارتباطًا‬
‫ي‪.‬‬
‫كالرتباط بـين صلة المام والمأموم فصار كاقتداء قارىء بأم ّ‬
‫وعلم مما ذكر‪ :‬أنه ل بّد لصحة الجمعة من اغناء صلتهم عن القضاء‪ ،‬ولو كان بقرية أربعون‬
‫كاملون حرم عليهم أن يصلوها في المصر على المعتمد سمعوا النداء أم ل لتعطيلهم الجمعة في‬
‫محلهم‪ ،‬وتسقط عنهم الجمعة بفعلها في المصر‪ ،‬وإن قلنا بعدم الجواز إذ الساءة ل تنافي الصحة‪،‬‬
‫ويجب على الحاكم منعهم من ذلك ول يكون قصدهم البـيع والشراء في المصر عذرًا في تركهم‬
‫الجمعة في قريتهم إل إذا ترتب عليه فساد شيء من أموالهم أو احتاجوا إلى ما يصرفونه في نفقة‬
‫ذلك اليوم الضرورية ول يكلفون القتراض‪ .‬ولو تقاربت قريتان في كل منهما دون أربعين بصفة‬
‫الكمال ولو اجتمعوا لبلغوا أربعين‪ ،‬فإنها ل تنعقد بهم وإن سمعت كل واحدة نداء الخرى‪ ،‬لن‬
‫الربعين غير متوطنين في موضع الجمعة ولو كان له زوجتان كل واحدة منهما في بلدة يقيم عند‬
‫ل انعقدت به الجمعة في البلدة التي إقامته فيها أكثر دون الخرى‪ ،‬فإن استويا في‬
‫كل يومًا مث ً‬
‫القامة انعقدت بهم في البلدة التي ماله فيها أكثر دون الخرى‪ ،‬فإن استويا في المال اعتبرت نيته‬
‫في المستقبل‪ ،‬فإن لم تكن نية اعتبر الموضع الذي هو فيه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( الثالث‪ :‬أن تقام )بمحل معدود من البلد( أي في خطة أبنية أوطان المصلين للجمعة سواء‬
‫الرحاب المسقفة والساحات والمساجد فتجوز في الفضاء المعدود من خطة البلد بأن كان في محل‬
‫ل تقصر فيه الصلة‪ ،‬بخلف غير المعدود منها‪ ،‬ول فرق في المعدود منها بـين المتصل بالبنية‬
‫والمنفصل عنها‪ ،‬ولو انهدمت البنية وأقام أهلها قاصدين عمارتها صحت منهم الجمعة وإن لم‬
‫يكونوا في مظال لنها وطنهم‪ ،‬ول تنعقد في غير بناء إل في هذه الصورة فل تجوز إقامتها‬
‫خارج البنية حيث أقيمت في محل تقصر فيه الصلة ول جمعة على أهل الخيام‪ .‬نعم إن كانت‬
‫خيامهم في خلل البنية وهم مقيمون لزمتهم الجمعة ولو كانوا متوطنين بمحل من البادية قريب‬
‫من بلد الجمعة بحيث يسمعون النداء من بلد الجمعة لزمتهم ووجب السعي إليها‪ ،‬والمراد سماع‬
‫من يكون بطرف محلتهم الذي يلي بلد الجمعة‪ :‬أي من أصغى منهم ولو واحدًا وهو معتدل السمع‬
‫ممن بطرف بلد الجمعة الذي يلي محلتهم ويفرض عدم المانع‪ ،‬والمعتبر أن يكون المؤذن على‬
‫الرض ل على موضع عال‪ ،‬إل أن تكون البلدة في أرض بـين أشجار فيعتبر فيها العلّو على ما‬
‫يساوي الشجار‪ ،‬ولو كان بقرية مسجد ثم خرب ما حوله فصار منفردًا ولم يهجر بل استمّر‬
‫الناس يترددون إليه في الصلوات وغيرها صحت الجمعة فيه ولو بعد العمران‪ ،‬عنه إذ بقاء‬
‫التردد اليه يصيره معدودًا من البلد‪ ،‬أفتى به البلقيني وغيره‪ .‬قال الذرعي ‪ :‬وأكثر أهل القرى‬
‫ل صيانة له عن نجاسة البهائم‪ ،‬وعدم انعقاد الجمعة فيه بعد‪،‬‬ ‫يؤخرون المسجد عن جدار القرية قلي ً‬
‫والضابط أن المسجد الخارج عن البنية إن كان بحيث تقصر الصلة قبل مجاوزته ل تجوز إقامة‬
‫الجمعة فيه وإل جازت‪.‬‬
‫)و( الرابع‪ :‬وقوع الصلة كلها في الوقت يقينًا لن الوقت شرط لفتتاحها فكان شرطًا لتمامها‬
‫ولنهما فرضا وقت واحد فلم يختلف وقتهما‪ .‬أما بقية الصلوات فليس الوقت شرطًا لفتتاحها‬
‫بدليل القضاء خارجه فل بّد من وقوع الصلة كلها مع الخطبة )في وقت ظهر( فلو خرج الوقت‬
‫قبل التلبس بها أو كانوا فيها أو ضاق عنها وعن خطبتها‪ ،‬أو شك في ذلك صليت ظهرًا في‬
‫الجميع‪ ،‬ولو مّد الركعة الولى بأن أحرم بالجمعة في وقت يسعها لكنه طّول حتى تحقق أنه لم يبق‬
‫ما يسع الثانية انقلبت ظهرًا الن عند ابن حجر كالروياني ‪ ،‬أو انقلبت ظهرًا عند خروج الوقت‬
‫على ما اعتمده الرملي فيسّر بالقراءة من وقت النقلب‪ ،‬ولو سلم المام التسليمة الولى وتسعة‬
‫وثلثون في الوقت وسلمها الباقون خارجه صحت جمعة المام ومن معه‪ ،‬أما المسلمون خارجه‬
‫ل من أربعين‪.‬‬‫فل تصح جمعتهم‪ ،‬وكذا لو كان المسلمون فيه أق ّ‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن أن تكون الخطبة فصيحة جزلة ل مبتدلة ول ركيكة قريبة للفهم ل غريبة وحشية إذ ل ينتفع‬ ‫ويس ّ‬
‫بها أكثر الناس متوسطة لن الطويل يمل والقصير يخل‪ .‬قال الذرعي ‪ :‬وحسن أن يختلف ذلك‬
‫باختلف أحوال وأزمان وأسباب‪ ،‬وقد يقتضي الحال السهاب كالحث على الجهاد إذا طرق العدّو‬
‫البلد وغير ذلك من النهي عن الخمر والفواحش والزنا والظلم إذا تتابع الناس فيها اهـ‪ .‬وأن ل‬
‫ل عليهم إلى فراغها‪ ،‬وأن يقبلوا عليه مستمعين له‪ ،‬وأن يشغل‬ ‫يلتفت في شيء منها بل يستمّر مقب ً‬
‫يسراه بسيف أو عصا أو قوس أو رمح أي تارة على هذا وتارة على هذا‪ ،‬وحكمته الشارة إلى أن‬
‫هذا الدين قام بالسلح‪ ،‬ويشغل يمناه بحرف المنبر إن لم تكن فيها نجاسة‪ ،‬وأن يقيم بعد فراغه من‬
‫الخطبة مؤذن‪ ،‬وأن يبادر ليبلغ المحراب بعد فراغه من القامة‪ ،‬وأن يقرأ في الركعة الولى بعد‬
‫الفاتحة سورة الجمعة‪ ،‬وفي الثانية سورة المنافقين جهرًا أو سبح وهل أتاك‪.‬‬
‫ن لمريدها( أي لمن أراد حضور الجمعة )غسل( وإن‬ ‫)و( أما آداب الجمعة فكثيرة‪ :‬منها‪ :‬أنه )س ّ‬
‫لم تجب عليه‪ ،‬بل وإن حرم عليه الحضور كامرأة بغير إذن حليلها على المعتمد ووقته )بعد فجر(‬
‫أي من طلوع الفجر الصادق إلى صعود الخطيب على المنبر أو إلى فراغ الصلة وتقريبه من‬
‫ذهابه إلى الجمعة أفضل لنه أفضى إلى المقصود من انتفاء الروائح الكريهة‪ ،‬ولو تعارض‬
‫الغسل والتبكير فمراعاة الغسل أولى لنه مختلف في وجوبه ولتعدى أثره إلى الغير ول يبطله‬
‫ل عن غسل الجمعة‪.‬‬ ‫ل عنه بأن ينوي التيمم بد ً‬
‫حدث ول جنابة‪ ،‬فإن عجز عن الماء تيمم بد ً‬
‫)و( منها )بكور( وهو المبادرة إلى الجامع‪ ،‬والساعة الولى أفضل مما بعدها‪ ،‬ثم الثانية وهكذا‬
‫إلى السادسة‪ ،‬وابتداء ذلك من طلوع الفجر فمن جاء في الساعة الولى ناويًا التبكير ثم عرض له‬
‫عذر فخرج على نية العود ل تفوته فضيلة التبكير‪ ،‬ويجب السعي على بعيد الدار إلى الجمعة قبل‬
‫الزوال بمقدار يتوقف فعلها عليه‪ ،‬ويستحب التيان اليها ماشيًا لقوله ‪» :‬من غسل يوم الجمعة‬
‫واغتسل وبكر وابتكر ومشى‪ ،‬ولم يركب ودنا من المام‪ ،‬واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل‬
‫سنة أجر صيامها وقيامها« والمعنى من غسل ثيابه ورأسه‪ ،‬ثم اغتسل للجمعة ثم خرج من بـيته‬
‫باكرًا وأدرك أوان الخطبة ومشى من غير ركوب ولو في بعض الطريق كان له ذلك‪.‬‬
‫)و( منها )تزين بأحسن ثيابه( وأفضل ثيابه البـيض لخبر‪» :‬البسوا من ثيابكم البـياض فإنه خير‬
‫ن للمام أن يزيد في حسن الهيئة والعمة والرتداء للتباع ولنه‬ ‫ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم« ويس ّ‬
‫منظور إليه‪ ،‬وبحث بعضهم تخصيص البـياض بغير زمان الشتاء والوحل؛ فإن لبس مصبوغًا‬
‫فيما صبغ غزله قبل النسج‪ ،‬ل ما صبغ منسوجًا فإنه يكره‪ .‬قال ابن حجر في تنبـيه الخيار‪ ،‬وقد‬
‫أمرنا بلبس أجود ما نجد‪ ،‬وأن نتطيب بأجود ما نجد‪ ،‬وأن نلبس البـياض‪ .‬نعم في يوم العيد يقدم‬
‫ن في يوم العيد تقديم الخضر على‬ ‫الحسن غير البـيض على البـيض غير الحسن‪ ،‬فيس ّ‬
‫البـيض لكن ل خصوصية للخضر بل كل ذي لون كذلك فإن الخضرة أفضل اللوان بعد‬
‫البـيض اهـ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن أن تكون الثياب جديدة إن تيسرت له وإل فما قرب من الجديدة أولى من غيره‪ .‬ولو كان‬ ‫ويس ّ‬
‫يوم الجمعة يوم عيد فيرجح مراعاة العيد فيقدم العلى مطلقًا أي سواء وقت إقامة الجمعة أو بقية‬
‫ن الغسل وغيره فيه لكل أحد وإن لم يحضر كذا‬ ‫اليوم إذ الزينة فيه آكد منها في الجمعة‪ ،‬ولهذا س ّ‬
‫نقله الشبراملسي عن ابن قاسم ‪.‬‬
‫)و( منها‪) :‬تعمم( لقوله ‪» :‬ركعتان بعمامة خير من سبعين ركعة بل عمامة« رواه الديلمي عن‬
‫جابر‪ ،‬وفي الحديث أيضًا قال ‪» :‬عليكم بالعمائم فإنها سيما الملئكة وتيجان العرب وأرخوها من‬
‫خلف ظهوركم إلى الجهة اليسرى مقدار أربعة أصابع« وفي تنبـيه الخيار‪ :‬كان النبـي ل يفارق‬
‫الطيلسان‪ ،‬وكان طول طيلسانه ستة أذرع وعرضه ثلثة أذرع اهـ‪ .‬وهو شبه الردية يوضع على‬
‫الرأس والكتفين والظهر كما نقل عن السيوطي‪.‬‬
‫)و( منها‪) :‬تطيب( لحديث‪» :‬من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ومس من طيب إن‬
‫كان عنده ثم أتى الجمعة ولم يتخط أعناق الناس ثم صلى ما كتب ال له صلته كالتحية ثم أنصت‬
‫إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلته كان كفارة لما بـينها وبـين الجمعة التي قبلها« قال‬
‫الشبراملسي ‪ :‬ولعل ما في هذا الحديث بـيان للكمل‪ ،‬ومنها تنظيف الجسد من الروائح الكريهة‬
‫كالصنان فيزال بالماء أو غيره‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أخذ الظفر إن طال والشعر كذلك فينتف إبطه‪ ،‬ويقص شاربه‪ ،‬ويحلق عانته‪ .‬وأما حلق‬
‫الرأس فل يطلب إل في نسك‪ ،‬وفي المولود في سابع ولدته‪ ،‬وفي الكافر إذا أسلم‪ .‬وأما في غير‬
‫ذلك فهو مباح‪ .‬ومعظم هذه الداب ل يختص بالجمعة‪ ،‬بل يسن لكل من أراد حضور مجمع لكن‬
‫ن لمن يسمع الخطبتين )إنصات( أي سكوت مع الصغاء‬ ‫ذلك في الجمعة أشّد استحبابًا‪) .‬و( س ّ‬
‫)لخطبة( ويكره الكلم من المستمعين حال الخطبة‪ ،‬وقال الئمة الثلثة‪ :‬بحرمته‪ ،‬نعم إن دعت‬
‫ن كالتعليم لواجب والنهي عن محّرم‪ ،‬ول يكره قبل الخطبة ول بعدها ول‬ ‫إليه حاجة وجب أو س ّ‬
‫ن تشميت العاطس‪،‬‬ ‫بـينهما ولو لغير حاجة‪ ،‬ويجب رّد السلم وإن كره ابتداؤه في هذه الحالة‪ ،‬ويس ّ‬
‫ي عند ذكره‪ ،‬لكن المراد الرفع الذي ليس‬ ‫والرّد على المشمت‪ ،‬ورفع الصوت بالصلة على النبـ ّ‬
‫ببليغ‪ ،‬أما البليغ كما يفعله بعض العواّم فبدعة‪ ،‬أما من لم يسمع الخطبة فيسكت أو يشتغل بالذكر‬
‫أو القراءة وذلك أولى من السكوت‪.‬‬
‫ن )قراءة( سورة )كهف( يوم الجمعة وليلتها‪ ،‬ويستحب الكثار من ذلك‪ ،‬وأقله ثلثة لما‬ ‫)و( س ّ‬
‫صح في الحديث أنه قال‪» :‬من قرأها يوم الجمعة أضاء له من النور ما بـين الجمعتين« أي وإن‬
‫لم يقرأها في الجمعة الخرى‪ .‬وورد‪» :‬من قرأها ليلتها أضاء له من النور ما بـينه وبـين البـيت‬
‫العتيق« وقراءتها نهارًا آكد‪ ،‬وأولها بعد الصبح مسارعة للخير ما أمكن‪ .‬وحكمة ذلك أن ال ذكر‬
‫فيها أهوال يوم القيامة والجمعة تشبهها لما فيه من اجتماع الخلق‪ ،‬لن القيامة تقوم يوم الجمعة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ي ( وأقله ثلثمائة بالليل ومثله بالنهار‪ ،‬ومعلوم أن أفضل الصيغ الصيغة‬ ‫)وإكثار صلة على النبـ ّ‬
‫ل عن ابن الهمام أن أفضل الصيغ من‬ ‫البراهيمية‪ .‬ثم نقل الشبراملسي عن فتاوى ابن حجر نق ً‬
‫ل أبدًا أفضل صلواتك على سيدنا عبدك ونبـيك‬ ‫الكيفيات الواردة في الصلة عليه ‪ :‬اللهّم ص ّ‬
‫ورسولك محمد وآله وسلم عليه تسليمًا كثيرًا‪ ،‬وزده تشريفًا وتكريمًا‪ ،‬وأنزله المنزل المقّرب‬
‫ي من‬‫عندك يوم القيامة )يومها وليلتها( لخبر‪» :‬إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عل ّ‬
‫ي في‬‫ي« رواه أبو داود‪ .‬ولخبر‪» :‬أكثروا من الصلة عل ّ‬ ‫الصلة فيه فإن صلتكم معروضة عل ّ‬
‫ي صلة صلى ال عليه بها عشرًا« )ودعاء( أي إكثار‬ ‫ليلة الجمعة ويوم الجمعة فمن صلى عل ّ‬
‫دعاء في يومها وليلتها‪ ،‬أما في يومها فلرجاء أن يصادف ساعة الجابة‪ .‬والصحيح فيها ما ورد‬
‫أنها ما بـين أن يجلس المام للخطبة إلى أن تنقضي الصلة‪ ،‬وليس المراد أنها مستغرقة لهذا‬
‫الزمن بل المراد أنها لحظة لطيفة ل تخرج عن هذا الوقت‪ ،‬وأما ليلتها فلقول الشافعي رضي ال‬
‫ن كثرة الصدقة وفعل‬ ‫عنه‪ :‬بلغني أن الدعاء يستجاب في ليلة الجمعة وللقياس على يومها‪ ،‬ويس ّ‬
‫الخير في يومها وليلتها‪.‬‬
‫ط( للرقاب‪ :‬أي القريب منها وهو المناكب )ل لمن وجد فرجة قّدامه( وهذا كما نقل عن‬ ‫)وحرم تخ ّ‬
‫ص الشافعي ‪ ،‬والمعتمد عند الرملي وابن حجر ‪ :‬أن التخطي مكروه كراهة تنزيه‪ .‬وقال‬ ‫ن ّ‬
‫ل عن ابن قاسم فإن قلت‪ :‬ما وجه ترجيح الكراهة على الحرمة مع أن اليذاء‬ ‫الشبراملسي نق ً‬
‫ل يتخطى رقاب الناس‪ .‬قلت‪ :‬ليس‬ ‫حرام؟ وقد قال ‪» :‬اجلس فقد آذيت« وهو يخطب وقد رأى رج ً‬
‫ل إيذاء حرامًا‪ ،‬وللمتخطي هنا غرض فإن التقدم أفضل اهـ‪.‬‬ ‫كّ‬
‫ومن التخطي المكروه ما جرت به العادة من التخطي لتفرقة الجزاء أو تبخير المسجد أو سقي‬
‫ط فل كراهة‬ ‫الماء‪ ،‬أو السؤال لمن يقرأ في المسجد أو نحو ذلك‪ .‬أما مجّرد السؤال من غير تخ ّ‬
‫فيه‪ ،‬بل هو سعي في خير وإعانة عليه ما لم يرغب الحاضرون الذين يتخطاهم في ذلك وإل فل‬
‫كراهة‪ .‬ويؤخذ من التعبـير بالتخطي أنه يرفع رجله بحيث تحاذي أعلى منكب الجالس‪ .‬أما ما يقع‬
‫ل‪ ،‬بل من خرق‬ ‫من المرور بـين يدي الناس ليصل إلى نحو الصف الّول فليس من التخطي أص ً‬
‫الصفوف إذا لم يكن بـين الناس فرج يمشى فيها وإل فل خرق أيضًا‪ ،‬ويستثنى من كراهة التخطي‬
‫صور‪ :‬منها‪ :‬المام إذا لم يبلغ المنبر أو المحراب إل بالتخطي فل يكره له لضطراره‪ .‬ومنها‪ :‬ما‬
‫إذا وجد في الصفوف التي بـين يديه فرجة ل يبلغها إل بتخطي رجل أو رجلين فل يكره له وإن‬
‫ن إذا وجد غيرها أن ل يتخطى‪ ،‬فإن زاد في‬ ‫وجد غيرها لتقصير القوم بإخلء فرجة‪ ،‬لكن يس ّ‬
‫ب ترك التخطي‪ .‬ومنها‪ :‬إذا‬ ‫التخطي عليهما ورجا أن يتقّدموا إلى الفرجة إذا أقيمت الصلة استح ّ‬
‫سبق من ل تنعقد بهم إلى الجامع فإنه يجب على الكاملين إذا حضروا التخطي لسماع الخطبة إذا‬
‫كانوا ل يسمعونها مع البعد‪ .‬ومنها‪ :‬الرجل المعظم في نفوس الناس لصلح أو ولية‪ ،‬لن الناس‬
‫يتبركون به ويسّرون بتخطيه سواء ألف موضعًا أو ل‪ ،‬فإن لم يكن معظمًا لم يتخطّ وإن كان له‬
‫ل مألوف‪ ،‬ومن جلس في ممّر الناس ل يكره تخطيه‪.‬‬ ‫مح ّ‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أن التخطي يوجد فيه ستة أحكام‪ :‬فيجب إن توقفت الصحة عليه وإل فيحرم مع التأذي‪،‬‬
‫ويكره مع عدم الفرجة أمامه‪ ،‬ويندب في الفرجة القريبة إذا لم يجد موضعًا‪ ،‬وفي البعيدة لمن ل‬
‫يرجو سّدها ولم يجد موضعًا ويكون خلف الولى في القريبة لمن وجد موضعًا وفي البعيدة لمن‬
‫رجا سّدها ووجد موضعًا‪ ،‬ويباح في هذه لمن لم يجد له موضعًا‪ ،‬ويحرم أن يقيم غيره ليجلس في‬
‫مكانه‪ ،‬فإن قام الجالس باختياره وأجلسه فل حرمة ول كراهة في حقه‪ ،‬وأما الذي قام من مكانه‪،‬‬
‫فإن انتقل إلى مكان أقرب إلى المام أو مثله لم يكره‪ ،‬وإل كره إن لم يكن له عذر لن اليثار‬
‫بالقرب مكروه‪ .‬وأما قوله تعالى‪} :‬ويؤثرون على أنفسهم{ ))‪ (59‬الحشر‪ :‬الية ‪ (9‬فالمراد‬
‫اليثار في حظوظ النفس‪ .‬نعم إن آثر قارئًا أو عالمًا ليعلم المام أو يرّد عليه إذا غلط‪ ،‬فالمتجه أنه‬
‫ل كراهة لكونه مصلحة عاّمة‪.‬‬
‫)و( حرم على من تلزمه الجمعة )نحو مبايعة( أي فيحرم عليه التشاغل عن الجمعة بأن يترك‬
‫السعي إليها بالبـيع أو غيره من سائر العقود والصنائع وغير ذلك )بعد( الشروع في )أذان خطبة(‬
‫أي في الذان بـين يدي الخطيب حال جلوسه على المنبر‪ ،‬لقوله تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ال وذروا البـيع{ ))‪ (62‬الجمعة‪ :‬الية ‪ .(9‬فورد‬
‫ل مفّوتا‪ ،‬وشمل ذلك ما لو قطع‬ ‫ص في البـيع وقيس عليه غيره مما شأنه أن يشغل في كون ك ّ‬ ‫الن ّ‬
‫ح بـيعه لن النهي لمعنى خارج عن العقد‪ ،‬ويكره ذلك قبل الذان‬ ‫بعدم فواتها‪ ،‬لكن إن باع ص ّ‬
‫المذكور‪ ،‬بعد الزوال لدخول وقت الوجوب‪ ،‬ولو تبايع اثنان أحدهما تلزمه فقط والخر ل تلزمه‬
‫أثما لرتكاب الّول النهي وإعانة الثاني له عليه‪ .‬ويحرم على الحاضرين بالجامع إنشاء صلة‬
‫ل ولو كان قضاؤها فوريًا من وقت صعود الخطيب على المنبر ولو قبل‬ ‫سواء كانت فرضًا أو نف ً‬
‫الشروع في الخطبة إلى فراغها‪ ،‬فلو فعلها لم تنعقد ولو في حال الدعاء للسلطان أو الترضي عن‬
‫الصحابة ولو كان أتى بجميع الركان على المعتمد‪.‬‬
‫وأما من دخل المسجد في هذا الوقت فيجوز له أن يصلي ركعتين خفيفتين تحية المسجد ثم يجلس‪،‬‬
‫فإن لم يكن صلى سنة الجمعة نواها ركعتين وحصل بهما تحية المسجد‪ ،‬ول تجوز الزيادة على‬
‫ركعتين‪ ،‬ول يجوز له غير تحية المسجد وسنة الجمعة من فرض ونفل‪ ،‬ولو جلس قبل التحية‬
‫عمدًا أو طال الفصل فاتت فل تصح منه بعد ذلك‪ ،‬ولو كان الجامع غير مسجد لم يجز أن يصلي‬
‫فيه في هذا الوقت شيئًا بالجماع‪ ،‬وهذا مما غلب فيه الجهل على العواّم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( حرم على من تلزمه الجمعة بأن كان من أهلها‪ ،‬وإن لم تنعقد به كمقيم ل يجوز له القصر‬
‫)سفر( مفّوت لها )بعد فجرها( أي بعد طلوع فجر يومها‪ ،‬فإن سافر كان عاصيًا بالسفر فتمتنع‬
‫عليه الرخص حتى يـيأس من إدراكها‪ ،‬وخرج بالسفر النوم قبل الزوال فل يحرم وإن علم فوت‬
‫الجمعة به لنه ليس من شأن النوم الفوات‪ ،‬أما السفر الذي ل يفوتها كأن غلب على ظنه أنه‬
‫يدركها في مقصده أو طريقه فل إثم عليه به‪ ،‬ولو تبـين خلف ظنه ل يكون سفره حينئذ معصية‪،‬‬
‫ويكره له السفر ليلة الجمعة‪ .‬وذكر في الحياء أن من سافر ليلة الجمعة دعا عليه ملكاه‪ ،‬لكن قال‬
‫ابن حجر ‪ :‬هذا السند ضعيف جدًا‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬سبعة عشر من العمال يكفر كل واحد منها الذنوب المتقّدمة والمتأخرة‪ ،‬وهي‪ :‬الحج‬
‫المبرور‪ ،‬والوضوء مع السباغ‪ ،‬وقيام ليلة القدر‪ ،‬وقيام شهر رمضان‪ ،‬وصيامه؛ وصوم يوم‬
‫عرفة‪ ،‬ومقارنة المام في التأمين‪ ،‬وقراءة أواخر سورة الحشر من قوله تعالى‪} :‬هو ال الذي ل‬
‫إله إل هو{ ))‪ (59‬الحشر‪ :‬الية ‪ 22‬ــــ ‪ (24‬إلى آخر السورة‪ ،‬وقود العمى أربعين خطوة‪ ،‬وأن‬
‫يقول عند سماع المؤذن‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأن محمدًا عبده ورسوله‪،‬‬
‫ل‪ ،‬والسعي في قضاء حاجة المسلم‪ ،‬وصلة‬ ‫رضيت بال ربًا‪ ،‬وبالسلم دينًا‪ ،‬وبمحمد نبـيًا ورسو ً‬
‫الضحى‪ ،‬وأن يقول عند لبس الثوب‪ :‬الحمد ل الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ول‬
‫قّوة‪ ،‬وأن يقول بعد الكل‪ :‬الحمد ل الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ول‬
‫ل بحج أو بعمرة‪ ،‬وقراءة الفاتحة‪ ،‬وقل هو ال أحد‪،‬‬‫قّوة‪ ،‬والمجيء من بـيت المقدس مه ً‬
‫والمعّوذتين كل واحدة سبعًا بعد صلة الجمعة‪ ،‬ومصافحة المسلم غير الفاسق مع ذكر الصلة‬
‫على النبـي وآله‪.‬‬
‫فصل في الجنائز‬
‫يتعين على كل مكلف المبادرة بالتوبة لئل يفجأه الموت المفّوت لها والمريض آكد من غيره‪،‬‬
‫ويكره تمني الموت لغير خوف على دينه‪ ،‬وإذا دعته نفسه إلى ذلك فليقل‪ :‬اللهم أحيني ما كانت‬
‫الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي‪ ،‬ويستحب لمن أيس من حياته أن يقول‪ :‬اللهم‬
‫أعني على غمرات الموت وسكرات الموت‪ .‬اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق العلى‪،‬‬
‫وأن يكثر من تلوة القرآن والذكار‪ ،‬ويكره الجزع وسوء الخلق والمخاصمة والشتم والمنازعة‬
‫في غير المور الدينية‪ ،‬ويستحضر أن هذا آخر أوقاته من الدنيا فيجتهد في ختمها بخير ويبادر‬
‫إلى أداء الحقوق ورّد الودائع والعواري‪ ،‬واستحلل أهله‪ ،‬وولده وغلمانه‪ ،‬وجيرانه وأصدقائه‪،‬‬
‫ومن كان بـينه وبـينه معاملة أو له عليه تباعة من قبل أن يتعذر عليه ذلك‪ ،‬ويكون شاكرًا ل‬
‫تعالى‪ ،‬راضيًا حسن الظن بال أن يرحمه ويغفر له‪ ،‬وأن ال غني عن عذابه وعن طاعته‪ ،‬فيطلب‬
‫منه العفو والصفح‪ ،‬ويطلب أن تقرأ عنده آيات الرجاء والحاديث فيه وآثار الصالحين فيه وآيات‬
‫الرحمة وأحاديثها‪ ،‬ويوصي بأمور أولده ويحافظ على الصلوات‪ ،‬ويجتنب النجاسات ويحذر من‬
‫التساهل في ذلك‪ ،‬فإن من أقبح القبائح أن يكون آخر عهده من الدنيا التفريط في حقوق ال تعالى‪،‬‬
‫ول يقول قول من يثبط عن ذلك‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ويستحب له أن يوصي أهله بالصبر عليه في مرضه وفي مصيبتهم به‪ ،‬ويجتهد في وصيتهم‬
‫ن الميت يعذب ببكاء أهله« فإياكم‬ ‫بترك البكاء عليه‪ ،‬ويقول لهم‪ :‬صح عن رسول ال أنه قال‪» :‬إ ّ‬
‫يا أحبابـي والسعي في أسباب عذابـي‪ ،‬وأن يتعاهدوه بالدعاء له‪ ،‬وورد أن المحتضر إذا بلغت‬
‫روحه التراقي تعرض عليه الفتن‪ ،‬وذلك أن إبليس لعنه ال قد أنفذ أعوانه إلى هذا النسان خاصة‬
‫واستعملهم عليه ووكلهم به وأكد عليهم بالجتهاد في إغوائه‪ ،‬فيأتون المرء وهو في تلك الغمرات‬
‫يمثلون له في صورة أحبابه الميتين الذين كانوا يحبونه في دار الدنيا كالب والّم والخ والخت‬
‫والصديق الحميم‪ ،‬فيقولون له‪ :‬أنت تموت يا فلن وقد سبقناك في هذا الشأن فمت يهوديًا‪ ،‬فهو‬
‫الدين المقبول عند ال تعالى‪ ،‬فإذا أبى جاءه آخرون وقالوا له‪ :‬مت نصرانيًا فإنه دين المسيح وقد‬
‫نسخ فيه دين موسى‪ ،‬ويذكرون له عقائد كل ملة‪ ،‬فعند ذلك يزيغ ال من يريد زيغه‪ ،‬فإذا أراد ال‬
‫بعبد هداية وتثبـيتًا جاءه جبريل فيطرد عنه الشياطين ويمسح الشحوب عن وجهه فيبتسم‪ ،‬وكثيرًا‬
‫من يرى متبسمًا في هذا المقام فرحًا بالبشير الذي جاءه رحمة من ال تعالى‪ ،‬فيقول له‪ :‬يا فلن أما‬
‫تعرفني‪ ،‬أنا جبريل وهؤلء أعداؤك من الشياطين مت على الملة الحنيفية والشريعة الجليلة‪ ،‬فما‬
‫شيء أحب إلى النسان وأفرح منه بذلك الملك‪ ،‬ثم يقبض روحه‪.‬‬
‫والمحبوب عند الموت من صورة المحتضر الهدوء والسكون‪ ،‬ومن لسانه النطق بالشهادتين‪،‬‬
‫ن بال تعالى‪ ،‬فالمطلوب منه في هذه الحالة قّوة الرجاء فيرجو من‬ ‫ومن قلبه أن يكون حسن الظ ّ‬
‫ل طيب القلب بما يرد عليه‬ ‫ال المغفرة والرحمة والتجاوز عما مضى‪ ،‬ويكون راضيًا منقادًا ممتث ً‬
‫ن عاقبة ذلك خير عظيم‪ ،‬لنه لو ضاق صدره بذلك يخشى‬ ‫من السكرات والنزعات مستحضرًا أ ّ‬
‫عليه من سوء الخاتمة والعياذ بال تعالى‪ ،‬ويكون مستبشرًا بالقدوم على الكريم الذي ل يخيب من‬
‫قصده‪ ،‬كما نقل مثل ذلك عن السلف الصالح‪ ،‬فقد فتح عبد ال بن المبارك عينيه عند الوفاة‬
‫وضحك وقال‪ :‬لمثل هذا فليعمل العاملون‪.‬‬
‫ومن علمات السعادة عند الموت عرق الجبـين‪ ،‬وذرف العين‪ ،‬وانتشار المنخر‪ .‬روي عن سلمان‬
‫الفارسي رضي ال عنه‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول ال يقول‪» :‬ارقبوا الميت عند موته ثلثًا‪ .‬إن رشح‬
‫جبـينه‪ ،‬وذرفت عيناه‪ ،‬وانتشر منخراه فهو رحمة من ال قد نزلت به‪ ،‬وإن غطّ غطيط البكر‬
‫ل به« اهـ‪ .‬وقد تظهر العلمات‬ ‫المخنوق‪ ،‬وأخمد لونه‪ ،‬وأزبد شدقاه فهو عذاب من ال قد ح ّ‬
‫الثلث‪ ،‬وقد تظهر واحدة‪ ،‬أو ثنتان بحسب تفاوت الناس في العمال‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأما علمة ذلك في حال الصحة فتوفيقه للعمل بالسنة على قدر الطاقة‪ .‬وحيث احتضر يوجه‬
‫للقبلة بمقّدم بدنه على جنبه اليمن إن أمكن‪ ،‬فإن تعسر فعلى جنبه اليسر‪ ،‬فإن تعسر فعلى ظهره‪،‬‬
‫وحينئذ يجعل وجهه وأخمصاه للقبلة‪ ،‬ويقرأ عنده سورة يس جهرًا‪ ،‬وسورة الرعد سّرا‪ ،‬ولو‬
‫تعارض عليه قراءتهما‪ ،‬فينبغي أن يراعى حال المحتضر‪ ،‬فإن كان عنده شعور وتذكر بأحوال‬
‫البعث قرأ سورة يس‪ ،‬وإل قرأ سورة الرعد‪ ،‬فهي تهّون طلوع الروح‪ ،‬ويكثر المحتضر من قول‪:‬‬
‫ل إله إل ال‪ ،‬ويقول لهم‪ :‬إذا أهملت فنبهوني‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم‪» :‬من كان آخر كلمه ل‬
‫إله إل ال دخل الجنة« ‪ ،‬وقال‪» :‬لقنوا موتاكم‪ :‬ل إله إل ال« فإن عجز عن القول لقنه من حضره‬
‫برفق مخافة أن يضجر فيرّدها‪ ،‬وإذا قالها مرة ل يعيدها عليه إل إذا تكلم بكلم آخر‪ ،‬ويكون الذي‬
‫يلقنها له غير متهم كوارث وعدّو وحاسد‪ ،‬لئل يتهمه المحتضر في قولها‪ :‬أي إن كان ثّم غيره‪،‬‬
‫وإل لقنه وإن اتهمه‪.‬‬
‫وقد ورد عن النبـي أنه قال‪» :‬أحضروا موتاكم‪ ،‬ولقنوهم ل إله إل ال‪ ،‬وبشروهم بالجنة‪ ،‬فإن‬
‫الحليم من الرجال يتحير عند هذا المصرع‪ ،‬وإن الشيطان أقرب ما يكون من ابن آدم عند ذلك‬
‫المصرع‪ ،‬والذي نفسي بـيده لمعاينة ملك الموت أشّد من ألف ضربة بالسيف‪ ،‬والذي نفسي بـيده‬
‫ل تخرج نفس عبد من الدنيا حتى يتألم كل عضو منه على حياله« ول يقول أحد من الحاضرين‬
‫إل خيرًا‪ ،‬فإن الملئكة يؤّمنون على ما يقولون‪ .‬وورد في الخبر‪» :‬أنه إذا دنت منية المؤمن نزل‬
‫عليه أربعة أملك‪ :‬ملك يجذب النفس من قدمه اليمنى‪ ،‬وملك يجذبها من قدمه اليسرى‪ ،‬وملك‬
‫ل انسلل القذاة من السقاء وهم‬ ‫يجذبها من يده اليمنى‪ ،‬وملك يجذبها من يده اليسرى‪ ،‬والنفس تنس ّ‬
‫ل روحه كالسفود من الصوف المبتل«‬ ‫يجذبونها من أطراف البنان ورؤوس الصابع‪ ،‬والكافر تنس ّ‬
‫‪.‬‬
‫فإذا مات المحتضر غمض‪ ،‬ويقول الذي يغمضه‪ :‬بسم ال وعلى ملة رسول ال ‪ ،‬اللهم اغفر له‬
‫وارحمه وارفع درجته في المهديـين‪ ،‬واخلفه في عقبه الغابرين‪ ،‬واغفر لنا وله يا رب العالمين‪،‬‬
‫وافسح له في قبره‪ ،‬ونّور له فيه‪ .‬ويشّد لحياه بشيء لئل ينفتح فمه‪ ،‬وتلين مفاصله‪ ،‬فيرّد ساعده‬
‫إلى عضده‪ ،‬وساقه إلى فخذه‪ ،‬وفخذه إلى بطنه‪ ،‬ثم تمّد وتلين أصابعه‪ ،‬كذلك لجل تسهيل غسله‬
‫وتكفينه‪ ،‬فإن في البدن عقب مفارقة الروح حرارة‪ ،‬فإذا لينت المفاصل حينئذ لنت‪ ،‬وإل فل يمكن‬
‫تليـينها بعد‪ ،‬وتنزع ثيابه التي مات فيها لنها تسرع إليه الفساد‪ ،‬ثم يغطى بشيء خفيف يجعل‬
‫طرفاه تحت رأسه ورجليه لئل ينكشف‪ ،‬ويوجه للقبلة مثل المحتضر‪ ،‬ويتولى فعل ذلك من يكون‬
‫له به رفق‪ ،‬ويعجل بقضاء دينه إن أمكن‪ ،‬وإل سأل وارثه غرماءه أن يحللوه أو يحتالوا به على‬
‫ل لبراءة ذمته‪ ،‬ويبادر أيضًا بتنفيذ وصيته وبتجهيزه بعد تيقن موته‬ ‫الوارث إكرامًا للميت وتعجي ً‬
‫بظهور شيء من علمات الموت كاسترخاء قدمه‪ ،‬وميل أنفه‪ ،‬وانخساف صدغه‪ ،‬فإن شك في‬
‫موته وجب تأخيره إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫واعلم أن المؤمن ينكشف له عقب الموت من إنعام ال ما تكون الدنيا بالضافة إليه كالسجن‬
‫والمضيق‪ ،‬ويكون مثاله كالمحبوس في بـيت مظلم فتح له باب إلى بستان واسع الكناف فيه أنواع‬
‫الشجار والزهار والثمار والطيور فل يشتهي العود إلى السجن المظلم وقد ضرب له رسول ال‬
‫ل عن الدنيا وتركها لهلها فإن كان قد رضي فل‬ ‫ل‪ ،‬فقال في رجل قد مات‪» :‬أصبح هذا مرتح ً‬ ‫مث ً‬
‫يسره أن يرجع إلى الدنيا كما ل يسر أحدكم أن يرجع إلى بطن أمه« وقال ‪» :‬إن مثل المؤمن في‬
‫الدنيا كمثل الجنين في بطن أمه إذا خرج من بطنها بكى على مخرجه حتى إذا رأى الضوء لم‬
‫يحب أن يرجع إلى مكانه‪ ،‬وكذلك المؤمن يجزع عند الموت فإذا أفضى إلى ربه لم يحب أن‬
‫يرجع إلى الدنيا كما ل يحب الجنين أن يرجع إلى بطن أمه« ‪ .‬هذا في المؤمن المعرض عن الدنيا‬
‫المقبل على الخرة‪ ،‬وأما المتنعم بالدنيا المطمئن إليها المعرض عن الخرة فيكون حاله كحال من‬
‫تنعم في غيبة ملك من الملوك في داره وملكه وحريمه‪ ،‬اعتمادًا على أن الملك يتساهل في أمره أو‬
‫على أن الملك ليس يدري ما يتعاطاه من قبـيح أفعاله فأخذه الملك بغتة وعرض عليه جريدة قد‬
‫دّونت فيها جميع فواحشه وجناياته ذرة ذرة وخطوة خطوة‪ ،‬والملك قاهر متسلط غيور على‬
‫حريمه ومنتقم من الجناة على ملكه غير ملتفت إلى من يتشفع إليه في العصاة عليه‪ ،‬فانظر إلى‬
‫هذا المأخوذ كيف يكون حاله قبل نزول عذاب الملك به من حلول الخوف والخجلة والحياء‬
‫والتحسر والندم؟ فهذا حال الميت الفاجر المغتر بالدنيا المطمئن إليها قبل نزول عذاب القبر به بل‬
‫عند موته‪ ،‬نعوذ بال منه‪ ،‬فهذه حال الميت عند الموت شاهدها أرباب البصائر بمشاهدة باطنة‬
‫أقوى من مشاهدة العين‪.‬‬
‫وعن عمرو بن دينار رضي ال عنه‪ :‬ما من ميت يموت إل وهو يعلم ما يكون في أهله بعده‬
‫وإنهم ليغسلونه ويكفنونه‪ ،‬وإنه لينظر إليهم اهـ‪ .‬إذ الروح باقية على ما كان لها قبل مفارقة الجسد‬
‫من العلم والدراك والفرح والحزن واللذة واللم ونحو ذلك‪ ،‬وإنما الذي تسبب عن الموت انقطاع‬
‫تصرف الروح في الجوارح فصار في جميع الجسد ظاهرًا وباطنًا زمانة عامة فتنعدم حواس‬
‫ل للنتن والبلى‪.‬‬
‫الجسم وحركاته ويصير أه ً‬
‫)صلة الميت فرض كفاية كغسله( وسائر تجهيزه‪ :‬أي يجب في الميت المسلم غير شهيد المعركة‬
‫وغير السقط ولو قاتل نفسه خمسة أشياء‪ :‬غسله وتكفينه والصلة عليه وحمله ودفنه على سبـيل‬
‫فرض الكفاية إن علم بموته جماعة‪ ،‬فإن لم يعلم به إل واحد تعين عليه ومتى قام بذلك واحد سقط‬
‫الطلب عن الجميع‪ ،‬فإن لم يعلم به أحد إل بعد ظهور رائحته فل حرمة على أحد لعدم العلم به‪،‬‬
‫نعم يحرم على نحو جاره ممن حقه السؤال عنه‪ .‬أما الكافر فإن كان ذميًا وجب تكفينه ودفنه وفاء‬
‫بذمته وعلينا مؤن تجهيزه حيث لم يكن له تركة ول من تجب عليه نفقته‪ ،‬وتحرم الصلة عليه ول‬
‫يجب غسله‪ ،‬وإن كان حربـيًا أو مرتدًا فل يجب فيه شيء بل يجوز إغراء الكلب على جيفته‪،‬‬
‫نعم إن تضرر المسلمون برائحته وجبت مواراته دفعًا للضرر عنهم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫الّول من الخمسة التي تجب في الميت المسلم غير الشهيد وغير السقط غسله فيكفي الغسل من‬
‫كافر وإن كان يحرم اطلعه على بدن المسلم كالمرأة الجنبـية‪ ،‬ول يكفي الغرق ولذا قال‪) :‬ولو‬
‫غريقًا( لنا مأمورون بغسله فل يسقط الفرض عنا إل بفعلنا‪ :‬أعني جنس المكلفين ولو صبـيًا غير‬
‫ن أو تغسيل الميت نفسه كرامة كما وقع من سيدي عبد ال المنوفي‬ ‫مميز‪ ،‬أو مجنونًا أو من الج ّ‬
‫ومن سيدي أحمد البدوي نفعنا ال بهما‪ ،‬ولو مات موتًا حقيقيًا‪ ،‬ثم جهز‪ ،‬ثم أحيـى حياة حقيقية‪ ،‬ثم‬
‫مات وجب تجهيز آخر‪ ،‬ول يكفي تغسيل الملئكة لنهم ليسوا من جنس المكلفين‪ ،‬بخلف التكفين‬
‫والدفن‪ ،‬لن القصد منهما المواراة والستر وقد حصل‪ ،‬ومثلهما الحمل‪ ،‬والمقصود من الغسل‬
‫التعبد بفعلنا له بدليل أنه لو مات عقب اغتساله بالماء يجب غسله‪ ،‬وأنا لو عجزنا عن طهارته‬
‫بالماء وجب تيممه مع أنه ل نظافة فيه‪ ،‬ولهذا ينبش للغسل ل للتكفين‪.‬‬
‫ل الغسل حاصل )بتعميم بدنه بالماء( مرة واحدة من غير حائل‪ ،‬ول تجب فيه نية لن القصد‬ ‫وأق ّ‬
‫ن‪ ،‬وأكمله أن يغسل في خلوة ل يدخلها إل الغاسل‬ ‫به النظافة‪ ،‬وهي ل تتوقف على نية لكن تس ّ‬
‫ومن يعينه‪ ،‬والولى في قميص لنه أستر له‪ ،‬ويكون باليًا أو مهلهل النسج‪ ،‬بحيث ل يمنع وصول‬
‫ي يحبس الماء‪ ،‬على مرتفع كلوح لئل يصيبه الرشاش‪ ،‬ومنه الدكة‬ ‫الماء إلى بدنه لن القو ّ‬
‫المعروفة بماء مالح بارد لنه يشّد البدن إل لحاجة إلى المسخن كوسخ وبرد‪ ،‬لن الميت يتأذى‬
‫ل إلى ورائه‪ ،‬ويضع يمينه بـين‬
‫ي‪ ،‬وأن يجلسه الغاسل على المرتفع برفق مائ ً‬‫مما يتأذى منه الح ّ‬
‫كتفيه‪ ،‬وإبهامه في نقرة قفاه لئل تميل رأسه‪ ،‬ويسند ظهره بركبته اليمنى‪ ،‬ويمّر يساره على بطنه‬
‫بتكرار ورفق ليخرج ما فيه من الفضلت‪ ،‬ثم يضجعه على قفاه ويغسل بخرقة ملفوفة على يساره‬
‫ف خرقة أخرى على اليد بعد غسلها إن تلوثت‪ ،‬وينظف أسنانه ومنخريه‬ ‫سوأتيه‪ ،‬ثم يلقيها ويل ّ‬
‫بسبابة اليسرى‪ ،‬ول تفتح أسنانه لئل يسبق الماء إلى جوفه فيسرع فساده‪ ،‬نعم لو تنجس فمه بما ل‬
‫يعفى عنه وتوقف طهره على فتح أسنانه اتجه فتحها وإن علم سبق الماء إلى جوفه ول تكسر‬
‫أسنانه لو توقفت إزالة النجاسة على كسرها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ثم يوضئه كالحي ثلثًا ثلثًا بمضمضة واستنشاق ويميل رأسه فيهما لئل يسبق الماء إلى جوفه‬
‫ومن ثم ل تندب فيهما مبالغة ويتبع بعود لين ما تحت أظفاره إن كان شيء‪ ،‬ول بد من نية لهذا‬
‫الوضوء كأن يقول الذي يوضئه‪ :‬نويت الوضوء المسنون لهذا الميت فل يصح بل نية مع أنه‬
‫مندوب‪ ،‬والغسل ل يتوقف على نية مع أنه واجب‪ ،‬ثم يغسل رأسه فلحيته بنحو سدر ويسرح‬
‫ن أن يكون في‬ ‫شعرهما إن تلبد بمشط واسع السنان‪ ،‬ويجب دفن المنتتف من الشعر معه ويس ّ‬
‫كفنه‪ ،‬ثم يغسل مقّدم شقه اليمن ثم اليسر من عنقه إلى قدمه ثم يحرفه إلى شقه اليسر فيغسل‬
‫شقه اليمن مما يلي قفاه‪ ،‬ثم يحرفه إلى شقه اليمن فيغسل اليسر كذلك ويحرم كبه على وجهه‬
‫لما فيه من الزراء به مستعينًا في ذلك كله بنحو سدر‪ ،‬ثم يزيله بماء من فوقه إلى قدمه ثم يعمه‬
‫كذلك بماء قراح فيه قليل كافور بحيث ل يغير الماء‪ ،‬فهذه الغسلت الثلث تحسب واحدة وتس ّ‬
‫ن‬
‫ثانية وثالثة كذلك أعني الولى من كل منهما بسدر أو نحوه‪ ،‬والثانية مزيلة له والثالثة ماء قراح‬
‫فيه قليل كافور‪ ،‬ولو خرج بعد الغسل نجس وجبت إزالته عنه‪ ،‬ويندب أن ل ينظر الغاسل من‬
‫غير عورته إل قدر الحاجة‪ ،‬أما عورته وهي ما بـين السرة والركبة فل يجوز النظر إلى شيء‬
‫منها‪ ،‬وأن يغطي وجه الميت من أّول وضعه على المغتسل إلى آخر الغسل وأن يكون الغاسل‬
‫ن ذكره‪ ،‬وإن رأى ضّده كإظلم وجه‪،‬‬ ‫أمينًا‪ ،‬فإن رأى خيرًا كاستنارة وجهه وطيب رائحته س ّ‬
‫وتغير رائحة وانقلب صورة حرم ذكره لنه غيبة لمن ل يتأتى الستحلل منه‪.‬‬
‫وعنه ‪» :‬من ستر على مسلم ستره ال في الدنيا« ‪ .‬وعنه أيضًا‪» :‬من غسل ميتًا وكتم عليه غفر‬
‫ال له أربعين سيئة« نعم إذا رأى من المبتدع أمارة خير يكتمها لئل يغري الناس على الوقوع في‬
‫مثل بدعته وضلله‪ ،‬بل ل يبعد وجوب الكتمان عند ظن الغراء بها والوقوع فيها‪ ،‬ولو كان‬
‫الميت مبتدعًا مظهر البدعة ورؤي به أمارة سوء ل يجب ستره بل يجوز التحدث به لينزجر‬
‫الناس عنها‪ ،‬وكذا لو كان مستترًا ببدعته وظهر عليه أمارة سوء فيجوز التحدث بها عند المطلعين‬
‫عليها المائلين اليها لعلهم ينزجرون‪.‬‬
‫ومن تعذر غسله لفقد ماء أو نحوه كاحتراق ولو غسل لتهرى يمم‪ ،‬وتندب النية في التيمم كالغسل‪،‬‬
‫ول تجب على المعتمد‪ ،‬ويشترط في صحة التيمم أن ل يكون على بدنه نجاسة‪ ،‬فإن كان على بدنه‬
‫نجاسة وتعذرت إزالتها كالقلف دفن بل صلة عليه على ما اعتمده الرملي ‪ ،‬والذي اعتمده ابن‬
‫حجر أنه يـيمم عما تحتها‪ ،‬ويعفى عن هذه النجاسة‪ ،‬ويغسل باقي بدنه ما عدا محل القلفة إن لم‬
‫يمكن فسخها ويصلى عليه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ويجوز للرجل غسل حليلته من زوجة وأمة ولو كتابـية‪ ،‬ويجوز للمرأة غسل زوجها‪ ،‬ويجوز لكل‬
‫س للخر بدون شهوة ولو لما بـين السّرة والركبة‪ ،‬ول بّد من اتحاد الجنس في‬ ‫منهما النظر والم ّ‬
‫الغاسل والميت إل في الحليل والمحرم‪ ،‬فإذا لم يوجد إل أجنبـي في الميت المرأة أو أجنبـية في‬
‫س له‪ ،‬إذ مسه حرام ولو بعد موته إن لم‬‫الميت الرجل يمم‪ ،‬والمرد الجميل يغسله الرجال بل م ّ‬
‫ل وأمكن التعميم بالماء‬
‫تخش فتنة‪ ،‬وإل يمم‪ .‬نعم لو كان من ذكر في ثياب سابغة بحضرة نهر مث ً‬
‫س ول نظر وجب‪ ،‬والصغير الذي لم يبلغ حّد الشهوة يغسله الرجال والنساء‪ ،‬ومثله‬ ‫من غير م ّ‬
‫س‪،‬‬‫ض البصر والم ّ‬ ‫الخنثى الكبـير عند فقد المحرم‪ ،‬ويكون في ثوب سابغ ويحتاط الغاسل في غ ّ‬
‫ويقتصر فيه على غسلة واحدة لن الضرورة تقّدر بقدرها‪ ،‬ويجوز لهل الميت تقبـيله ما لم‬
‫يحملهم التقبـيل على جزع كما هو الغالب من حال النساء‪ ،‬وإل حرم‪ ،‬ويجوز ذلك أيضًا لغير‬
‫أهله‪ ،‬لكن ل بد من اتحاد الجنس وانتفاء المرودة عند عدم المحرمية‪ ،‬ول بأس بالعلم بموته بل‬
‫يستحب إذا قصد كثرة المصلين عليه‪ ،‬بخلف نعي الجاهلية وهو النداء بموت الشخص وذكر‬
‫ن في‬ ‫مآثره ومفاخره‪ .‬ومن أقبح المنكرات ما يفعله النساء الن في العلم بموته من دورانه ّ‬
‫ن‪ ،‬ومن قدر على إزالة ذلك وجبت عليه‪.‬‬ ‫الزقة صارخات جازعات فيجب إنكار ذلك عليه ّ‬
‫الثاني في تكفينه بعد غسله أو تيممه احترامًا‪ ،‬فل يجوز تقديم تكفينه على غسله‪ ،‬ول بّد من‬
‫ق ال تعالى مختص )بساتر عورة( فقط‪،‬‬ ‫ل الكفن بالنسبة لح ّ‬
‫)تكفينه( بما يجوز له لبسه حيًا وأق ّ‬
‫ويختلف بذكورة الميت وأنوثته‪ ،‬فالرجل ما يستر ما بـين السرة والركبة والمرأة حرة كانت أو أمة‬
‫ومثلها الخنثى ما يستر بدنها غير الوجه والكفين‪ ،‬ووجوب سترهما في الحياة لخوف الفتنة ل‬
‫لكونها عورة‪ ،‬وبالنسبة للغرماء ثوب يستر جميع البدن تكريمًا له إل رأس المحرم ووجه‬
‫المحرمة فللغريم منع ما زاد عليه‪ ،‬وبالنسبة للورثة وحق الميت ثلثة فليس للوارث المنع منها‪،‬‬
‫هذا إذا كان تكفينه من تركته‪ ،‬أما إذا كان تكفينه من الغير كالزوجة والرقيق ومن ل شيء له يكفن‬
‫منه فل يلزم من يجهزه من زوج وسيد وبـيت مال إل ثوب واحد ساتر لجميع البدن‪ ،‬بل ل تجوز‬
‫الزيادة عليه من بـيت المال وكذا إذا كفن مما وقف للتكفين‪ .‬وأكمله في حق الذكر ثلثة أثواب‬
‫بـيض كلها لفائف ليس فيها قميص ول عمامة‪ ،‬والفضل القتصار عليها لخبر الشيخين عن‬
‫عائشة قالت‪» :‬كفن رسول ال في ثلثة أثواب يمانية بـيض ليس فيها قميص ول عمامة« وتجوز‬
‫الزيادة فيزاد قميص وعمامة تحت اللفائف إن لم يكن محرمًا لن عبد ال بن عمر كفن ابنًا له في‬
‫خمسة أثواب ثلث لفائف وقميص وعمامة‪ ،‬وهما خلف الولى حيث كانت الزيادة برضا الورثة‬
‫المطلقين التصرف وإل حرمت‪ ،‬وأكمله في حق المرأة ومثلها الخنثى خمسة‪ :‬إزار فقميص فخمار‬
‫وهو ما يغطى به الرأس فلفافتان لزيادة الستر فيها ولنه كفن فيها ابنته أم كلثوم رضي ال عنها‬
‫ورواه أبو داود‪ ،‬والزيادة على الخمسة للمرأة وغيرها مكروه‪ ،‬بل قيل‪ :‬حرام‪ ،‬واختاره‬
‫الذرعي ‪ ،‬نعم يندب شّد سادس على صدر المرأة فوق الكفان ليجمعها عن انتشارها باضطراب‬
‫ثديها عند الحمل‪ ،‬ويحل عنها في القبر كبقية الشدادات‪ ،‬ويندب تبخير الكفن ثلثًا بعود إذا كان‬
‫ن المغسول لنه للصديد‪ ،‬وأن يبسط أحسن اللفائف‬ ‫لغير محرم ولو محّدة للمر بذلك‪ ،‬ويس ّ‬
‫وأوسعها أّول ليكون فوق الجميع عند لفها على الميت ثم الباقي فوقها‪ .‬وأن يذّر على كل منها‬
‫وعلى الميت حنوط‪ ،‬وهو الطيب من كافور وغيره إذا لم يكن محرمًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫أما المحرم فل يطيب ل في بدنه ول في كفنه ول في ماء غسله‪ ،‬وأن يوضع الميت فوقها مستلقيًا‬
‫على ظهره‪ ،‬وتجعل يداه على صدره ويمناه على يسراه أو يرسلن في جنبه‪ ،‬وأن يجعل على‬
‫منافذه قطن عليه حنوط كعينيه وأذنيه ومنخريه وغيرها وكذا على جبهته وأن تشّد ألياه بخرقة ثم‬
‫تلف عليه اللفائف‪ ،‬وتشّد اللفائف بشداد خوف النتشار عند الحمل إل أن يكون محرمًا‪ ،‬ويح ّ‬
‫ل‬
‫ل بحل الشدائد عنه ولنه يكره أن يكون معه في القبر شيء‪،‬‬ ‫الشداد في القبر إل شداد اللية تفاؤ ً‬
‫وسواء في ذلك الكبـير والصغير‪ ،‬وتكره المغالة في الكفن بأن يكون من الثياب المثمنة إن لم يكن‬
‫في الورثة محجور عليه أو غائب ولم يكن الميت مفلسًا‪ ،‬وإل حرمت‪.‬‬
‫ونقل عن الشيخ سلطان وغيره‪ :‬أنه يجوز تكفين المرأة ودفنها في ثيابها المثمنة أي ولو مما‬
‫يساوي ألوفًا من الذهب كالبشت المزركش بالذهب وفي صيغتها كذلك‪ ،‬ول يحرم من جهة‬
‫إضاعة المال لن محل الحرمة إذا لم يكن لغرض وهو هنا إكرام الميت‪ ،‬وأيضًا فيه تسكين‬
‫ل إذا رأت متاع بنتها بعد موتها يشتّد حزنها‪ ،‬ويشترط أن ل يكون في‬ ‫للحزن لن المرأة مث ً‬
‫الورثة قاصر‪ ،‬وأن تتفق الورثة على ذلك‪ ،‬وأن ل يكون عليها دين مستغرق‪ ،‬ويكره أن يكون في‬
‫الكفن ما يخالف لون البـياض ل فرق بـين الذكر والنثى‪.‬‬
‫ل اسم معظم‪،‬‬ ‫فائدة‪ :‬تحرم كتابة شيء من القرآن على الكفن صيانة له عن صديد الموتى‪ ،‬ومثله ك ّ‬
‫ل أو من أثر صالح‪ ،‬بخلف اتخاذ القبر فإنه يستحب‪.‬‬ ‫ويكره اتخاذ الكفن إل من ح ّ‬
‫ن عن ذلك‬ ‫والثالث‪ :‬حمله‪ ،‬ول يحمل الجنازة ولو أنثى إل الرجال‪ ،‬فيكره للنساء حملها لضعفه ّ‬
‫وحملها بـين العمودين بأن يضع مقّدمة النعش رجل على عاتقيه ورأسه بـينهما‪ ،‬ويحمل‬
‫المؤخرتين رجلن أفضل من التربـيع بأن يتقّدم رجلن ويتأخر آخران‪ ،‬وقيل‪ :‬التربـيع أفضل بل‬
‫حكي وجوبه‪ ،‬والفضل الجمع بـينهما بأن تحمل تارة بهيئة الحمل بـين العمودين‪ ،‬وتارة بهيئة‬
‫التربـيع والحمل في حّد ذاته واجب‪ ،‬وإنما الكلم في الكيفية التي هي أفضل من غيرها‪ ،‬وليس في‬
‫الحمل دناءة ول سقوط مروءة‪ ،‬بل هو بّر وإكرام‪ ،‬وقد فعله بعض الصحابة والتابعين‪ ،‬ويحرم‬
‫حملها على هيئة مزرية كحملها في قفة أو على هيئة يخشى منها سقوطها‪ ،‬وينبغي لواضعها في‬
‫ن تشيـيعها‪ ،‬ومكث إلى فراغ من الدفن بأن يوارى الميت ويهال‬ ‫النعش أن يقول‪ :‬باسم ال‪ ،‬ويس ّ‬
‫التراب جميعه عليه كذا قال ابن حجر ‪ ،‬فقد ورد في الحديث‪» :‬من شيع جنازة إلى المسجد فله‬
‫قيراط من الجر فإن وقف حتى تدفن فله قيراطان« والقيراط مثل جبل أحد‪ ،‬ثم إن المشيع له‬
‫أحوال‪ :‬إما راكب أو ماش‪ ،‬وإما أمامها أو خلفها‪ ،‬وإما قريب أو بعيد‪ .‬والفضل المشي وبأمامها‬
‫وقربها بحيث لو التفت لرآها‪ ،‬والماشي أمامها أو خلفها أفضل من الراكب مطلقًا‪ ،‬والراكب‬
‫القريب أفضل من الراكب البعيد‪ ،‬والمام أفضل من الخلف‪ .‬ول يكره الركوب في رجوعه منها‪،‬‬
‫ب لمن رآها أن يقول عند رؤيتها‪ :‬ال أكبر ثلثًا }هذا ما وعدنا ال ورسوله وصدق ال‬ ‫ويستح ّ‬
‫ورسوله وما زادهم إل إيمانًا وتسليمًا{ ))‪ (33‬الحزاب‪ :‬الية ‪ (22‬أو يقول‪ :‬اللهّم ارفع درجته‬
‫في المهديـين‪ ،‬واخلفه في عقبه الغابرين‪ ،‬واغفر لنا وله إلى يوم الدين‪ ،‬أو يقول‪ :‬اللهّم إني أسألك‬
‫ق سيدنا محمد وآل سيدنا محمد أن ل تعّذب هذا الميت ثلثًا‪ ،‬أو يقول‪ :‬اللهّم اغفر له وارحمه‬ ‫بح ّ‬
‫واعف عنه وعافه‪ ،‬ووسع مدخله‪ ،‬واغسله بماء وثلج وبرد‪ ،‬ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب‬
‫ل خيرًا من أهله‪ ،‬وزوجًا خيرًا من زوجه‪،‬‬ ‫البـيض من الدنس‪ ،‬وأبدله دارًا خيرًا من داره‪ ،‬وأه ً‬
‫وقه فتنة القبر وعذاب النار‪ ،‬وإذا جمع بـين ذلك كان أفضل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ورؤي المام في المنام فقيل له‪ :‬ما فعل ال بك؟ فقال‪ :‬غفر لي بكلمة كنت أقولها عند رؤية‬
‫ي الذي ل يموت‪ .‬ويس ّ‬
‫ن‬ ‫الجنازة‪ ،‬وكان يقولها عثمان بن عفان رضي ال عنه‪ ،‬وهي‪ :‬سبحان الح ّ‬
‫السراع بها إن أمن تغير الميت‪ ،‬وإل فيتأنى بها‪ ،‬فإن خيف تغيرها بالتأني أيضًا زيد في‬
‫ب التفكر في‬ ‫ن لغير الذكر ما يستره كقبة‪ .‬ويكره اللغط في الجنازة‪ ،‬بل المستح ّ‬ ‫السراع‪ ،‬ويس ّ‬
‫ي ‪ .‬قال‬
‫الموت وما بعده‪ .‬قال القليوبـي ‪ :‬ويكره رفع الصوت بالقرآن والذكر والصلة على النبـ ّ‬
‫المدابغي‪ :‬وهذا باعتبار ما كان في الصدر الّول‪ .‬وأما الن فل بأس بذلك لنه شعار للميت‬
‫وتركه مزرأة ولو قيل بوجوبه لم يبعد اهـ‪ .‬ويكره اتباعها بنار في مجمرة أو غيرها إل لحاجة‬
‫ل فل كراهة‪ ،‬وفي كلم بعضهم‪ :‬يندب البخور عند الميت‬ ‫كبخور لدفع نتن أو فتيلة لرؤية دفنه لي ً‬
‫من وقت موته إلى تمام دفنه‪.‬‬
‫)و( الرابع‪ :‬دفنه في قبر بعد الصلة عليه فيحرم قبلها‪ ،‬وإن أجزأت بعده لن في الدفن قبل‬
‫الصلة عليه إزراء بالميت ول بّد من )دفنه في حفرة تمنع( بعد ردمها )رائحة( أي ظهور رائحة‬
‫ل ل يدخله من يتأذى بذلك‪ ،‬بل وإن كان ل رائحة له أصلً كأن‬ ‫ي وإن كان المح ّ‬ ‫منه فتؤذي الح ّ‬
‫ل ل تصله‬ ‫ف )وسبعًا( أي وتمنع نبش سبع لها فيأكل الميت فتنتهك حرمته‪ ،‬وإن كان في مح ّ‬ ‫ج ّ‬
‫ل‪ ،‬إذ حكمة الدفن صونه عن انتهاك جسمه وانتشار ريحه فل بّد من حفرة تمنع ذينك‪.‬‬ ‫السباع أص ً‬
‫أما لو وضع الميت على وجه الرض ثم جعل عليه ما يمنع عنه ذلك كبناء مثل ما يفعله بعض‬
‫أهل القرى فل يكفي حيث لم يتعّذر الحفر‪ ،‬وربما يبنون فسقية على ظهر أخرى ويضعون فيها‬
‫الميت‪ ،‬وقد علمت أنه ل يكفي في الدفن‪ .‬وأكمل الدفن حفرة يكون عمقها قامة وبسطة من رجل‬
‫معتدلهما أي‪ :‬قدر قامة رجل رفع يديه مبسوطتين فوق رأسه‪ ،‬وذلك أربعة أذرع ونصف على‬
‫المعتمد‪ ،‬ثم إن كانت الرض صلبة فالفضل أن يجعل له فيها لحد بأن يحفر في أسفل الجانب‬
‫القبلي منها قدر ما يسع الميت ويستره‪ ،‬وإن كانت الرض رخوة فالفضل أن يجعل له فيها ش ّ‬
‫ق‬
‫خشية النهيار‪ ،‬وهو أن يحفر في قعرها مثل النهر ويبني جانباه بلبن أو غيره غير ما مسته النار‬
‫ل ببرودة المضجع‪ ،‬ول بأس بقليل من ماء‬ ‫ش القبر بماء بارد تفاؤ ً‬
‫ويجعل الميت بـينهما‪ ،‬ويندب ر ّ‬
‫ب الرائحة الطيبة‪ ،‬ويكره أن يجعل له فرش ومخّدة وصندوق لم يحتج إليه‬ ‫الورد لن الملئكة تح ّ‬
‫ل الكراهة ما لم يكن من مال محجور عليه وإل حرم‪.‬‬ ‫لن في ذلك إضاعة مال‪ ،‬ومح ّ‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومن خصوصيات النبـياء جواز الفرش لهم في قبورهم بل كراهة لنهم أحياء في القبور‪ ،‬أما إذا‬
‫احتيج إلى الصندوق لنداوة أو نحوها فل يكره‪ ،‬ول تنفذ وصيته به إل حينئذ‪ ،‬ويدخل من قبل‬
‫رأسه برفق ويقال عند إدخاله‪ :‬اللهّم افتح أبواب السماء لروحه‪ ،‬وأكرم منزله‪ ،‬ووسع له في قبره‪،‬‬
‫لما في ذلك من الثمرة العظيمة‪ .‬ويقول الذي يلحده‪ :‬باسم ال‪ ،‬وعلى ملة رسول ال ‪ ،‬اللهمّ أسلمه‬
‫ب قربه‪ ،‬وخرج من سعة‬ ‫إليك الشخاص من والده وأهله وقرابته وإخوانه‪ ،‬وفارق من كان يح ّ‬
‫الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه‪ ،‬ونزل بك وأنت غير منزل به‪ ،‬إن عاقبته فبذنب‪ ،‬وإن‬
‫عفوت عنه فأنت أهل العفو‪ ،‬أنت غني عن عذابه وهو فقير إلى رحمتك‪ ،‬اللهّم اشكر حسنته‬
‫واغفر سيئته‪ ،‬وأعذه من عذاب القبر واجمع له برحمتك المن من عذابك‪ ،‬واكفه كل هول دون‬
‫الجنة‪ ،‬اللهّم اجعله في الفائزين‪ ،‬وارفعه في عليـين‪ ،‬وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين‪.‬‬
‫وإذا حثا عليه التراب يقول في الولى‪} :‬منها خلقناكم{ ))‪ (20‬طه‪ :‬الية ‪ .(55‬وفي الثانية‪:‬‬
‫}وفيها نعيدكم{ ))‪ (20‬طه‪ :‬الية ‪ .(55‬وفي الثالثة‪} :‬ومنها نخرجكم تارة أخرى{ ))‪ (20‬طه‪:‬‬
‫الية ‪ (55‬ويوضع الميت في اللحد أو غيره على جنبه وجوبًا مستقبل القبلة بمقّدم بدنه وجوبًا‪ ،‬فلو‬
‫وجه لغيرها نبش ووجه إن لم يتغير‪ ،‬وإل فل ينبش‪ ،‬والفضل أن يكون على اليمين‪ ،‬ويكره على‬
‫اليسار ول ينبش لذلك‪ ،‬ويندب أن يفضي بخّده إلى الرض‪ ،‬وأن يسند وجهه ورجله إلى جدار‬
‫ب ول يستلقي‪ ،‬ول يكره دفنه بالليل مطلقًا ول وقت‬ ‫القبر وظهره بنحو لبنة كحجر حتى ل ينك ّ‬
‫الكراهة إل إذا تحّراه فيكره كراهة تنزيه‪ ،‬وتحرم إهالة التراب عليه فل بّد من سّد اللحد أو الش ّ‬
‫ق‬
‫بعد إضجاع الميت فيه ثم إهالة التراب‪ ،‬فإذا سّوي عليه قبره دعا له شخص من الحاضرين يقول‪:‬‬
‫اللّهم عبدك رّد إليك فارأف به وارحمه‪ ،‬اللهّم جاف الرض عن جنبـيه‪ ،‬وافتح أبواب السماء‬
‫لروحه‪ ،‬وتقبله منك بقبول حسن‪ ،‬اللهّم إن كان محسنًا فضاعف له في إحسانه‪ ،‬وإن كان مسيئًا‬
‫ن أن يقف جماعة بعد دفنه عند قبره ساعة يسألون له التثبـيت‪.‬‬‫فتجاوز عنه‪ .‬ويس ّ‬
‫)و( إن كانت الرض مملوكة أو مباحة كالموات )كره بناء له( أي القبر )أو عليه( أو تجصيصه‬
‫أي تبـيـيضه بالنورة البـيضاء‪ ،‬ول بأس بتطيـينه‪ ،‬وتكره الكتابة عليه سواء كتب اسم صاحبه أو‬
‫غيره‪ ،‬نعم إن كتب اسم صاحبه ونسبه بقصد أن يعرف فيزار فل كراهة بشرط القتصار على‬
‫قدر الحاجة ل سيما قبور الولياء والعلماء والصالحين فإنها ل تعرف إل بذلك عند تطاول‬
‫السنين‪ ،‬ويكره أن يجعل على القبر مظلة كقبة لن عمر رضي ال عنه رأى قبة فنحاها وقال‪:‬‬
‫دعوه يظله عمله‪ ،‬وإن كانت الرض مسبلة للدفن وهي التي جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها‬
‫حرم البناء وهدم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫واستثنى بعضهم قبور النبـياء والشهداء والصالحين ونحوهم ولو كان بقبة لحياء الزيارة‬
‫ل ذلك لم يرتضه العلمة‬‫والتبرك بهم وأفتى به الحلبـي وقال أمر به الشيخ الزيادي مع وليته‪ ،‬وك ّ‬
‫الشوبري وقال‪ :‬الحق خلفه‪ ،‬وقبة المام الشافعي رضي ال عنه ليست في الرض المسبلة‪ ،‬بل‬
‫ق أو‬
‫هي في دار ابن عبد الحكيم‪ ،‬ولو وجد بناء في أرض مسبلة ولم يعلم أصل وضعه هل هو بح ّ‬
‫ق‪ ،‬نعم لو كان البناء في المسبلة لخوف نبش سارق أو سبع أو‬ ‫ل ترك لحتمال أنه وضع بح ّ‬
‫تخّرق سيل جاز ول يهدم‪.‬‬
‫)و( كره جلوس على القبر المحترم واتكاء عليه واستناد إليه و )وطء عليه إل لضرورة( أي‬
‫حاجة بأن حال القبر عمن يزوره ولو أجنبـيًا بأن ل يصل إليه إل بوطئه فل يكره‪ ،‬وفهم بالولى‬
‫عدم الكراهة لضرورة الدفن‪ .‬والحكمة في عدم الجلوس ونحوه توقير الميت واحترامه‪ .‬وأما خبر‬
‫مسلم أنه قال‪» :‬لن يجلس أحدكم على جمرة فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر«‬
‫ففسر الجلوس عليه بالجلوس للبول والغائط‪ ،‬وهو حرام بالجماع‪ .‬أما غير المحترم كقبر مرتد‬
‫وحربـي فل كراهة في الجلوس ونحوه‪ ،‬ول يحرم البول والتغّوط على قبورهما‪.‬‬
‫)و( ل يجوز نبش القبر بعد دفن الميت وقبل البلى عند أهل الخبرة بتلك الرض للنقل ولو لنحو‬
‫مكة أو غيره‪ ،‬كالصلة عليه وتكفينه إل لواحد من خمسة‪ :‬الّول‪ :‬ما إذا دفن بل غسل ول تيمم‬
‫بشرطه وهو ممن يجب غسله فحينئذ )نبش( وجوبًا )لغسل( تداركًا للطهر الواجب ما لم يتغير ثم‬
‫يصلى عليه‪ .‬الثاني‪ :‬ما إذا دفن بأرض أو ثوب مغصوبـين وطالب بهما مالكهما فيجب نبشه وإن‬
‫تغير إذا وجد ما يكفن فيه غير الثوب المغصوب‪ ،‬وإل فل يجوز‪ .‬الثالث‪ :‬ما إذا وقع في القبر مال‬
‫ل لغيره وطلبه مالكه ولم‬‫ل كخاتم وطلبه مالكه فيجب النبش وإن تغير‪ .‬الرابع‪ :‬ما لو بلع ما ً‬‫وإن ق ّ‬
‫ق جوفه ويخرج منه ويرّد لصاحبه‪.‬‬ ‫يضمن مثله أو قيمته أحد من الورثة أو غيرهم ينبش ويش ّ‬
‫الخامس‪ :‬إذا دفن لغير القبلة يجب نبشه ويوجه للقبلة ما لم يتغير‪ ،‬أما بعد البلى فإن مضت مّدة قال‬
‫فيها أهل الخبرة بتلك الرض‪ :‬إن الميت لم يبق له أثر فيجوز نبش القبر ودفن غيره فيه‪ ،‬ومن‬
‫ذلك يعلم حرمة اتخاذ الفساقي المعروفة لوجهين‪ :‬البناء في الرض المسبلة‪ ،‬والتحجير على‬
‫البقعة‪.‬‬
‫)و( ينبش القبر أيضًا فيما لو دفنت امرأة حامل بجنين ترجى حياته بأن يكون له ستة أشهر فأكثر‬
‫ق في القبر أولى لنه أستر‪ .‬نعم ل يجوز تأخيره إليه إل إن غلب على الظ ّ‬
‫ن‬ ‫ق جوفها‪ ،‬والش ّ‬‫فيش ّ‬
‫ق‪ ،‬لكن )ل تدفن امرأة في‬ ‫بقول الخبراء بسلمة الجنين لو أخر إليه‪ ،‬فإن لم ترج حياته حرم الش ّ‬
‫بطنها جنين حتى يتحقق موته( ولو تغيرت لئل يدفن الحمل حيًا‪ ،‬وقول التنبـيه ترك عليه شيء‬
‫حتى يموت ضعيف بل غلط فاحش فليحذر‪ ،‬ومع ذلك ل ضمان فيه مطلقًا بلغ ستة أشهر أو ل‬
‫لعدم تيقن حياته‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( أما السقط‪ :‬وهو الولد النازل قبل تمام الشهر‪ ،‬ففيه تفصيل حاصله أنه إن لم تظهر حياته ول‬
‫ن ستره بخرقة ودفنه‪ ،‬وكذا غسله‬‫أماراتها ول خلقه ل تجوز الصلة عليه‪ ،‬ول يجب غسله‪ ،‬ويس ّ‬
‫ن ستره بخرقة ودفنه‪ ،‬وإذا وجب وجبا‪ ،‬وإن لم تظهر حياته‬ ‫ن غسله س ّ‬‫كما قال ابن حجر ‪ :‬إذا س ّ‬
‫ول أماراتها لكن ظهر خلقه وجب ما عدا الصلة فحينئذ )ووري( أي ستر بخرقة )سقط(‬
‫موصوف بما ذكر )ودفن( أي وغسل وجوبًا في هذه الثلثة‪ ،‬وحرمت الصلة عليه‪) .‬فإن(‬
‫ظهرت حياته بصياح أو غيره أو ظهرت أمارتها كأن )اختلج( أي اضطرب أو تحّرك بعد‬
‫انفصاله فهو كالكبـير ولو دون أربعة أشهر إن فرض كما أفاده الشبراملسي ‪ ،‬وحينئذ كفن ودفن‬
‫وغسل وجوبًا قطعًا و )صلي عليه( وجوبًا على الظهر في مسألة عدم ظهور الحياة كالبكاء مع‬
‫ظهور أمارتها كالتحّرك لحتمال حياته بهذه القرينة الدالة عليها وللحتياط‪ .‬وقد نظم بعضهم هذه‬
‫الحوال فقال‪:‬‬
‫والسقط كالكبـير في الوفاة‬
‫إن ظهرت أمارة الحياة‬
‫أو خفيت وخلقه قد ظهرا‬
‫فامنع صلة وسواها اعتبرا‬
‫أو اختفى أيضًا ففيه لم يجب‬
‫شيء وستر ثم دفن قد ندب‬
‫أما النازل بعد تمام الشهر‪ :‬وهو ستة أشهر فكالكبـير مطلقًا‪ ،‬وإن نزل ميتًا ولم يعلم له سبق حياة‪.‬‬
‫وقال الشبراملسي ‪ :‬وإن لم يظهر فيه تخطيط ول غيره حيث علم أنه آدمي إذ هو خارج من‬
‫تعريف السقط‪ .‬وخرج بالسقط العلقة والمضغة لنهما ل يسميان ولدًا فيدفنان ندبًا من غير ستر‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬الصلة عليه‪ ،‬ويجب تقديمها على الدفن وتأخيرها عن الغسل أو التيمم عند وجود‬
‫مسّوغه‪ ،‬فلو دفن بل صلة أثم الدافنون والراضون بدفنه قبلها لوجوب تقديمها عليه إن لم يكن ثّم‬
‫عذر ويصلى على قبره لنه ل ينبش للصلة عليه‪.‬‬
‫)وأركانها( أي الصلة على الميت سبعة‪ :‬الّول‪) :‬نية( كنية غيرها من الصلوات‪ ،‬ول بّد فيها من‬
‫نية الفرضية وإن لم يقل كفاية ولو في صلة امرأة مع رجال‪ ،‬ولو في صلة الصبـي وحده أو مع‬
‫الرجال فل بّد في صلته من نية الفرضية‪ ،‬ول يجب في الميت الحاضر تعيـينه باسمه أو نحوه‬
‫ول معرفته‪ ،‬بل يكفي تميـيزه نوع تميـيز‪ ،‬كنويت الصلة على هذا الميت أو على من يصلي عليه‬
‫المام‪ ،‬وكذا لو صلها آخر النهار وقال‪ :‬نويت الصلة على من توفي من أقطار الرض ممن‬
‫تصح الصلة عليه ولو حضر موتى نوى الصلة عليهم وإن لم يعرف عددهم‪ ،‬ولو أحرم بالصلة‬
‫على جنازة ثم حضرت أخرى وهو في الصلة تركت حتى يفرغ‪ ،‬ثم يصلي على الثانية لنه لم‬
‫ينوها أّول‪ ،‬ويجب على المأموم نية القتداء أو نحوها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( الثاني‪) :‬قيام( للقادر عليه كغيرها من الفرائض ولو معادة وإلحاقها بالنفل في التيمم ل يلزم‬
‫منه ذلك هنا‪ ،‬لن القيام هو المقّوم لصورتها ففي عدمه محو لصورتها بالكلية‪ ،‬وشمل ذلك‬
‫ي والمرأة إذا صليا مع الرجال‪ ،‬فإن عجز صلى على حسب حاله‪.‬‬ ‫الصبـ ّ‬
‫)و( الثالث‪) :‬أربع تكبـيرات( بتكبـيرة التحّرم‪ ،‬ولو زاد عليها لم تبطل صلته سواء كان سهوًا أو‬
‫عمدًا‪ ،‬لنه إنما زاد ذكرًا ما لم يعتقد البطلن أو يوال رفع يده عند الزيادة ثلث مّرات‪ ،‬وإل‬
‫ن له متابعته في الزائد بل تكره‪ ،‬ولو تابعه لم تبطل على ما‬ ‫بطلت‪ ،‬ولو زاد إمامه عليها ل تس ّ‬
‫ل تكبـيرة تحت صدره‬ ‫ن رفع يديه في التكبـيرات الربع حذو منكبـيه ووضعهما بعد ك ّ‬ ‫تقّدم‪ ،‬ويس ّ‬
‫كغيرها من الصلوات‪.‬‬
‫ي تكبـيرة منها‪ ،‬والولى أفضل فله أن يجمع بـين الفاتحة والصلة على‬ ‫)و( الرابع‪) :‬فاتحة( بعد أ ّ‬
‫ي بعد التكبـيرة الثانية وبـينها وبـين الدعاء للميت بعد التكبـيرة الثالثة‪ ،‬ول يشترط الترتيب‬ ‫النبـ ّ‬
‫ي أو دعاء للميت‪ ،‬فيجوز إخلء‬ ‫بـينها وبـين الواجب بعد هذه التكبـيرة من صلة على النبـ ّ‬
‫التكبـيرة الولى من القراءة ول يجوز أن يقرأ بعض الفاتحة في ركن وبعضها في ركن آخر‪،‬‬
‫ن جهر المام أو‬ ‫ل ل يشرع فيه السورة ويس ّ‬ ‫ل كثالثة المغرب في أن ك ً‬ ‫ن إسرار الفاتحة ولو لي ً‬‫ويس ّ‬
‫المبلغ بالتكبـير والسلم‪.‬‬
‫ل على محمد‪ ،‬وتس ّ‬
‫ن‬ ‫ي( )بعد( تكبـيرة )ثانية( وأقلها‪ :‬اللهّم ص ّ‬
‫)و( الخامس‪) :‬صلة على النبـ ّ‬
‫الصلة على الل والدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقبها بنحو‪ :‬اللهّم اغفر للمؤمنين والمؤمنات‪،‬‬
‫ب العالمين‪ ،‬وأكمل الصلة ما‬ ‫والحمد ل قبلها بأي صيغة من صيغه‪ .‬والمشهور منها‪ :‬الحمد ل ر ّ‬
‫في التشهد الخير‪ ،‬ول يشترط ترتيب بـين ذلك بل هو أولى‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( السادس‪) :‬دعاء لميت( بخصوصه فل يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬ويجزىء كلّ‬
‫مطلوب أخروي كانظر إليه )بعد ثالثة( وهو المقصود العظم من الصلة على الميت‪ ،‬وأقله ما‬
‫ن أن يكثر من الدعاء له‪ ،‬وأكمله‪ :‬اللهّم هذا عبدك وابن عبديك خرج‬‫ينطلق عليه اسم الدعاء‪ ،‬ويس ّ‬
‫من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لقيه‪ ،‬كان يشهد أن ل إله‬
‫إل أنت وحدك ل شريك لك‪ ،‬وأن سيدنا محمدًا عبدك ورسولك وأنت أعلم به‪ ،‬اللهّم إنه نزل بك‬
‫ي عن عذابه‪ ،‬وقد جئناك راغبـين إليك‬ ‫وأنت خير منزول به‪ ،‬وأصبح فقيرًا إلى رحمتك وأنت غن ّ‬
‫شفعاء له‪ ،‬اللهّم إن كان محسنًا فزد في إحسانه‪ ،‬وإن كان مسيئًا فتجاوز عنه‪ ،‬ولقه برحمتك‬
‫رضاك‪ ،‬وقه فتنة القبر وعذابه‪ ،‬وافسح له في قبره‪ ،‬وجاف الرض عن جنبـيه‪ ،‬ولقه برحمتك‬
‫المن من عذابك حتى تبعثه آمنًا إلى جنتك برحمتك يا أرحم الراحمين‪ .‬وهذا في البالغ الذكر‪ ،‬فإن‬
‫كان أنثى عبر بالمة وأنث ما يعود إليها من الضمائر‪ ،‬فخرج قوله‪ :‬وأنت خير منزول به فل‬
‫يؤنث ذلك الضمير لنه راجع إلى ال تعالى‪ ،‬ولو ذكرها بقصد الشخص جاز‪ ،‬وإن كان خنثى‬
‫عبر بالمملوك ونحوه‪ ،‬وكذا إذا لم يعرف أن الميت ذكر أو أنثى‪ ،‬ويجوز أن يأتي بالضمائر‬
‫مذكرة على إرادة الشخص أو الميت ومؤنثة على إرادة الجنازة‪ ،‬ولو صلى على جمع معًا يأتي‬
‫فيه بما يناسبه‪ ،‬فلو قال في ذلك‪ :‬اللهّم هذا عبدك بتوحيد المضاف واسم الشارة صحت صلته إذ‬
‫ل اختلل في صيغة الدعاء‪ ،‬أما اسم الشارة فلنه قد يشار بما للواحد إلى الجمع‪ .‬وأما لفظ العبد‬
‫فلنه مفرد مضاف إلى معرفة فيعّم أفراد من أشير إليه‪ ،‬ولو صلى على من مات في يومه أو‬
‫سنته في أقطار الرض ينبغي أن يقول في الدعاء لهم‪ :‬اللهّم من كان منهم محسنًا فزد في إحسانه‬
‫ومن كان منهم مسيئًا فتجاوز عن سيئاته دون أن يقول محسنين ول مسيئين‪ ،‬لن الظاهر في‬
‫الجميع أنهم ليسوا كلهم محسنين ول مسيئين‪.‬‬
‫وروى مسلم عن عوف بن مالك أنه قال‪ :‬صلى النبـي على جنازة فسمعته يقول‪» :‬اللهّم اغفر له‬
‫وارحمه‪ ،‬واعف عنه وعافه‪ ،‬وأكرم نزله‪ ،‬ووسع مدخله‪ ،‬واغسله بماء وثلج وبرد‪ ،‬ونقه من‬
‫ل خيرًا من أهله‪،‬‬‫الخطايا كما ينقى الثوب البـيض من الدنس‪ ،‬وأبدله دارًا خيرًا من داره‪ ،‬وأه ً‬
‫وزوجًا خيرًا من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار« ‪ .‬قال عوف ‪ :‬فتمنيت أن أكون أنا ذلك‬
‫ح‪.‬‬
‫الميت‪ ،‬ولو جمع بـين هذين الدعاءين فالفضل تقديم هذا الخير لن حديثه أص ّ‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأما الصغير فيقول فيه‪ :‬اللهّم اجعله فرطًا لبويه وسلفًا وذخرًا وعظة واعتبارًا وشفيعًا‪ ،‬وثقل به‬
‫موازينهما‪ ،‬وأفرغ الصبر على قلوبهما ول تفتنهما بعده‪ ،‬ول تحرمهما أجره‪ ،‬ويكفي الدعاء‬
‫بالرحمة كأن يقول‪ :‬اللهّم ارحمه‪ ،‬ويؤنث الضمائر إذا كان الصغير أنثى‪ ،‬ويأتي في الخنثى‬
‫والمجهول حاله ما مّر‪ .‬قال الزركشي ‪ :‬وهذا في البوين الحيـين المسلمين‪ ،‬فإن لم يكونا كذلك‬
‫أتى بما يقتضيه الحال‪ ،‬ولو علم كفرهما كتبعية الصغير للسابـي حرم الدعاء لهما بالمغفرة‬
‫والشفاعة ونحوهما‪ ،‬وإذا ترّدد في بلوغ المراهق دعا له بالرحمة‪ ،‬والفضل الجمع بـينهما‪.‬‬
‫ب أن يقدم على تلك الدعوات الثلث‪ :‬اللهّم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا‪ ،‬وصغيرنا‬ ‫ويستح ّ‬
‫وكبـيرنا‪ ،‬وذكرنا وأنثانا‪ ،‬اللهّم من أحيـيته منا فأحيه على السلم‪ ،‬ومن توفيته منا فتوفه على‬
‫اليمان‪ ،‬ولو اقتصر على هذا الدعاء لم يكف لنه يجب الدعاء للميت بخصوصه‪ ،‬بخلف دعاء‬
‫ص بخصوصه على أن‬ ‫الطفل‪ ،‬وهو‪ :‬اللهّم اجعله فرطًا لبويه إلى آخره‪ ،‬فإنه يكفي لثبوته بالن ّ‬
‫معناه‪ :‬أي سابقًا مهيئًا لمصالحهما في الخرة‪ ،‬فذلك دعاء للطفل بخصوصه لنه ل يكون كذلك إل‬
‫إذا كان له شرف عند ال يتقّدم بسببه كما أفاده الشبراملسي ‪.‬‬
‫ن الصلة على‬ ‫)و( السابع‪) :‬سلم بعد رابعة( كسلم غيرها من الصلوات في كيفيته وتعّدده‪ ،‬وتس ّ‬
‫ن التعّوذ قبل القراءة ل دعاء الفتتاح‪ ،‬وأن‬ ‫الميت في المسجد جماعة بثلثة صفوف فأكثر‪ ،‬ويس ّ‬
‫يقول بعد التكبـيرة الرابعة وقبل السلم‪ :‬اللهّم ل تحرمنا أجره ول تفتنا بعده واغفر لنا وله‪ ،‬وأن‬
‫يطّول بعد الرابعة بقدر ما قبلها من التكبـيرات الثلث وما فيها من القراءة والصلة على النبـ ّ‬
‫ي‬
‫وآله والدعاء‪ .‬ونقل بعضهم أنه يقرأ فيها قوله تعالى }الذين يحملون العرش ومن حوله{ ــــ إلى‬
‫قوله }العظيم{ ))‪ (40‬غافر‪ :‬الية ‪ 7‬ــــ ‪ ،(9‬نعم لو خيف تغير الميت وانفجاره لو أتى بالسنن‬
‫ل خلفًا لمن قال‪ :‬يقتصر على‬ ‫وجب القتصار على الركان‪ ،‬وأن يلتفت في السلم يمينًا وشما ً‬
‫تسليمة يجعلها تلقاء وجهه وأن يجعل رأس الذكر عن يسار المام ويقف المام قريبًا من رأسه‪،‬‬
‫ومثله المنفرد‪ ،‬ورأس النثى عن يمينه ويقف عند عجزها‪ ،‬وتكره الصلة عليه قبل تكفينه لما فيها‬
‫من الزراء بالميت ولو تخلف المأموم عن إمامه بل عذر بتكبـيرة حتى شرع إمامه في أخرى‬
‫بطلت صلته إذ القتداء هنا إنما يظهر في التكبـيرات‪ ،‬وهو تخلف فاحش يشبه التخلف بركعة‪.‬‬
‫ول شك أن التقّدم كالتخلف بل أولى‪ ،‬فإن كان هناك عذر كبطء القراءة أو نسيانها فل تبطل إل‬
‫بتخلفه بتكبـيرتين‪ ،‬أما لو نسي الصلة أو القتداء فل يضر تخلفه ما دام ناسيًا ولو بجميع‬
‫التكبـيرات‪ ،‬ومن جاء بعد أن فعل المام بعض الركان يكبر ويقرأ الفاتحة وإن كان المام في‬
‫غيرها كالدعاء لن ما أدركه لمسبوق أّول صلته‪ ،‬ولو كبر المام أخرى قبل قراءته كبر معه‬
‫وسقطت عنه الفاتحة أو بعضها لكونه مسبوقًا‪ ،‬وإذا سلم المام تدارك لمسبوق حتمًا باقي‬
‫ن أن ل ترفع الجنازة حتى يتّم‬ ‫التكبـيرات بأذكارها وجوبًا في الواجب وندبًا في المندوب‪ ،‬ويس ّ‬
‫المسبوق صلته ول يضر رفعها قبل إتمامه‪ ،‬ويجوز لمن حضر بعد الصلة على الميت فعلها‬
‫جماعة وفرادى‪ ،‬والولى التأخير إلى الدفن مسارعة إلى دفنه‪ ،‬وينوي الفرض لوقوعها منه‬
‫فرضًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وشرط لها( أي لصحة الصلة على الميت شروط غيرها من الصلوات مما يتأتى فيها‪ ،‬و)تقّدم‬
‫ل عليه ولو لم يوجد‬ ‫طهره( أي الميت‪ ،‬فلو تعّذر كأن وقع في حفرة وتعّذر إخراجه وطهره لم يص ّ‬
‫ماء ول تراب صلي عليه‪ ،‬فإن وجد كاف للميت أو المصلي عليه تعين الميت‪) .‬وأن ل يتقّدم( أي‬
‫المصلي )عليه( حالة كون الميت حاضرًا ولو في قبر‪ ،‬ويشترط أيضًا أن ل يزيد ما بـينهما في‬
‫ل هذين الشرطين في‬ ‫غير المسجد على ثلثمائة ذراع تقريبًا‪ ،‬وأن ل يكون بـينهما حائل‪ ،‬ومح ّ‬
‫البتداء‪ .‬أما في الدوام كأن رفعت الجنازة في أثناء الصلة وزاد ما بـينهما على ما ذكر أو حال‬
‫حائل فل يضر لنه يغتفر في الدوام ما ل يغتفر في البتداء‪ ،‬نعم لو كان الميت في صندوق ل‬
‫ح بشروط ثلثة‪ :‬أن تكون إلى جهة القبلة وقت‬ ‫يضر‪ ،‬ولو أحرم على الجنازة وهي سائرة ص ّ‬
‫التحرم‪ ،‬وأن ل يكون هناك حائل حال التحرم‪ ،‬ول تشترط المحاذاة على المعتمد‪ ،‬وأن ل تبعد عنه‬
‫بأكثر من ثلثمائة ذراع إلى تمام الصلة‪ ،‬بخلف ما إذا أحرم عليها وهي قاّرة ثم رفعت قبل تمام‬
‫الصلة فإن ذلك ل يضّر كما تقّدم‪.‬‬
‫)وتصح( الصلة )على غائب عن بلد( لنه صلى على النجاشي رضي ال عنه بالمدينة يوم موته‬
‫ل من أجاز الصلة على الغائب‬ ‫بالحبشة‪ .‬رواه الشيخان وذلك في رجب سنة تسع‪ ،‬وقد أجمع ك ّ‬
‫بأن ذلك يسقط فرض الكفاية عن الحاضرين إل ما حكي عن ابن القطان ‪ ،‬ومحل السقوط بها‬
‫ن أنه قد غسل أو يمم‪،‬‬ ‫حيث علم بها الحاضرون‪ ،‬ول تجوز الصلة على الغائب حتى يعلم أو يظ ّ‬
‫نعم إن علق النية على طهره بأن نوى الصلة إن كان قد طهر صحت الصلة عليه‪) .‬ل( تص ّ‬
‫ح‬
‫الصلة على الميت الذي )فيها( أي البلد التي كان المصلي حاضرًا فيها ولم يحضر في ذلك‬
‫الميت‪ ،‬وإن كبرت البلد لتيسر الحضور غالبًا‪ ،‬والمتجه أن المعتبر المشقة وعدمها فحيث شق‬
‫الحضور ولو في البلد لكبرها ونحوه صحت‪ ،‬وحيث ل ولو خارج السور لم تصح كما نقله‬
‫الشبراملسي عنابن قاسم ‪ ،‬فلو كان الميت خارج السور قريبًا منه فهو كداخله‪ ،‬والمراد بالقرب هنا‬
‫حّد الغوث‪ ،‬وهو ما يجب طلب الماء منه في التيمم ل حّد القرب كما أفاده الشبراملسي ‪ ،‬ولو تعذر‬
‫على من في البلد الحضور لحبس أو مرض جاز ذلك‪ ،‬ومثل ذلك ما إذا قتل إنسان ببلد وأخفى‬
‫قبره عن الناس‪ ،‬ولو نوى المام ميتًا حاضرًا أو غائبًا ونوى المأموم آخر كذلك جاز لن اختلف‬
‫نيتهما ل يضر‪.‬‬
‫)و( تصح الصلة على حاضر )مدفون( في قبر ولو بعد البلى والندراس‪ ،‬ويسقط الفرض‬
‫ي فل تجوز‪ ،‬لخبر الصحيحين‪:‬‬ ‫بالصلة على القبر على الصحيح )غير نبـي( أما الصلة على نبـ ّ‬
‫»لعن ال اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبـيائهم مساجد« والصح تخصيص صحة الصلة على‬
‫الغائب والقبر بمن كان )من أهل( أداء )فرضها( أي الصلة )وقت موته( دون غيره‪ ،‬فل تصح‬
‫من كافر وحائض يوم موته كمن بلغ أو أفاق بعد الموت وقبل الغسل‪) .‬وسقط الفرض( في الصلة‬
‫على الجنازة )بذكر( واحد كصبـي مميز ولو مع وجود الرجال لنه من جنسهم مع حصول‬
‫ل ولن الجماعة ل تشترط فيها فكذا العدد‪ ،‬ول تكفي في إسقاط‬ ‫الفرض بصلته وإن كانت نف ً‬
‫فرضها امرأة وخنثى مع وجود الذكر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫)و( أما الشهيد فهو ثلثة أقسام‪ ،‬لنه إما شهيد الخرة فقط فهو كغير الشهيد وذلك كالمبطون وهو‬
‫من قتله بطنه بالستسقاء‪ :‬أي اجتماع ماء أصفر فيه أو بالسهال‪ ،‬والغريق وإن عصي في الغرق‬
‫بنحو شرب خمر دون الغريق بسير سفينة في وقت هيجان الريح فإنه ليس بشهيد‪ ،‬والمطعون ولو‬
‫في غير زمن الطاعون أو بغيره في زمنه أو بعده حيث كان صابرًا محتسبًا‪ ،‬والميت عشقًا بشرط‬
‫ف عن المحارم حتى عن النظر بحيث لو اختلى بمحبوبه لم يتجاوز الشرع‪ ،‬وبشرط الكتمان‬ ‫الك ّ‬
‫حتى عن معشوقه‪ ،‬والميتة طلقًا ولو من زنا إذا لم تتسبب في إسقاط الولد‪ .‬والمقتول ظلمًا ولو‬
‫ل‪ ،‬والغريب وإن عصي بغربته‬ ‫ق القتل بقطع الرأس فقتل بالتوسط مث ً‬ ‫بحسب الهيئة كمن استح ّ‬
‫كآبق وناشزة‪ ،‬والميت في طلب العلم ولو على فراشه‪ ،‬والحريق‪ ،‬والميت بهدم‪ ،‬وكذا من مات‬
‫فجأة أو في دار الحرب قاله ابن الرفعة ‪ ،‬وكذا المحدود سواء زيد على الحّد المشروع أم ل‪،‬‬
‫وسواء سلم نفسه لستيفاء الحّد منه تائبًا أم ل‪ ،‬قاله الشبراملسي ‪.‬‬
‫ومعنى الشهادة لهم أنهم }أحياء عند ربهم يرزقون{ ))‪ (3‬آل عمران‪ :‬الية ‪ (169‬قاله الحصني‪،‬‬
‫والوجه في ذلك أن يقال‪ :‬إن كان الموت معصية كأن تسببت المرأة في إلقاء الحمل فماتت أو‬
‫ركب شخص البحر وسير السفينة في وقت ل تسير فيه السفن فغرق لم تحصل له الشهادة‬
‫للعصيان بالسبب المستلزم للعصيان بالمسبب‪ ،‬وإن لم يكن السبب معصية حصلت الشهادة وإن‬
‫قارنها معصية لنه ل تلزم بـينهما‪ ،‬ومن ذلك ما لو صاد حية وهو ليس حاذقًا في صيدها‪ ،‬أو‬
‫صنع نحو البهلوان ولم يكن حاذقًا في صنعته فمات فليس بشهيد‪ ،‬بخلف الحاذق فيهما فإنه شهيد‬
‫ن أكثر شهداء أّمتي لصحاب الفرش« أي الذين يألفون النوم‬ ‫لعدم تسببه في هلك نفسه‪ .‬قال ‪» :‬إ ّ‬
‫على الفرش ول يهاجرون الفرش ويقصدون للغزو‪ .‬وقال الحكيم ‪ :‬هؤلء قوم اطمأنت نفوسهم‬
‫إلى ربهم وشغلوا به عن الدنيا وتمنوا لقاءه‪ ،‬فإذا حضرهم الموت جادوا بأنفسهم طوعًا‪ ،‬وبذلوها‬
‫له إيثارًا لمحبته على محبتها‪ ،‬فهم ومن قتل في معركة المشركين سواء‪ ،‬فينالون منازل الشهداء‬
‫لن الشهداء بذلوا أنفسهم ساعة من نهار‪ ،‬وهؤلء بذلوها طول العمر‪ .‬وأما شهيد الدنيا فقط فهو‬
‫من قتل في قتال الكفار بسببه وقد غل في الغنيمة أو قتل مدبرًا على وجه غير مرضي شرعًا‪ ،‬أو‬
‫قاتل رياء أو نحوه‪ .‬وأما شهيد الدنيا والخرة معًا فهو من قتل كذلك لكن قاتل لتكون كلمة ال هي‬
‫العليا‪ ،‬ومراد الفقهاء أحد هذين الخيرين‪ ،‬وحكمهما أنه يجب الدفن‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫و )تحرم صلة على شهيد( أي شهيد المعركة )كغسله( لخبر البخاري عن جابر‪» :‬أن النبـي أمر‬
‫في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم ولم يغسلهم ولم يصل عليهم ولو كان جنبًا وحائضًا ونفساء‪ ،‬لن‬
‫حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد وهو جنب ولم يغسله النبـي وقال‪ :‬رأيت الملئكة تغسله« ‪ .‬وتزال‬
‫وجوبًا نجاسة غير دم مطلقًا‪ :‬كبول خرج بسبب القتل‪ ،‬ودم حصل بغير سبب الشهادة وإن زال‬
‫بسببه دمها‪ .‬ول يزال النجس المعفّو عنه فتحرم إزالته إن أّدت إلى إزالة دم الشهادة وهو الخارج‬
‫من المقتول نفسه‪ ،‬وهذا تحرم إزالته‪.‬‬
‫)وهو( أي شهيد المعركة الذي يحرم غسله والصلة عليه ضابطه أنه )من( كل شخص )مات(‬
‫ولو امرأة أو رقيقًا أو غير مكلف )في قتال( كافر واحد أو )كفار( ولو كان القاتل مسلمًا‬
‫لستعانتهم به‪ ،‬بخلف ما لو استعان بغاة كفار علينا فالمقتول منا ل يكون شهيدًا إل من قتله كافر‬
‫أو من لم تبق فيه حياة مستقرة قبل انقضاء حرب الكفار الجائز )بسببه( أي القتال‪ :‬كأن قتله كافر‬
‫أو أصابه سلح مسلم خطأ‪ ،‬أو عاد عليه سلحه‪ ،‬أو رمحته دابته‪ ،‬أو سقط عنها‪ ،‬أو ترّدى حال‬
‫القتال في بئر‪ ،‬أو انكشف عنه الحرب وهو ميت ولم يعلم سبب موته وإن لم ير عليه أثر دم‪ ،‬لن‬
‫الظاهر أن موته بسبب الحرب‪ ،‬بخلف ما إذا انقضت الحرب وفيه حياة مستقرة‪ ،‬ولو كان‬
‫إصابته فيها جراحة يقطع بموته بسببها ثم مات بها‪.‬‬
‫والحاصل أن المجروح إما أن تكون حركته حركة مذبوح فهو شهيد جزمًا‪ ،‬وإما أن تكون فيه‬
‫حياة مستقرة‪ ،‬ثم هذا إما أن يقطع بموته من الجراحة كأن قطعت أمعاؤه فهو غير شهيد في‬
‫الظهر سواء أطال الزمن أم قصر لحياته بعد انقضاء القتال فأشبه موته بسبب آخر‪ ،‬وإما أن ل‬
‫يقطع بموته منها بل تتوقع حياته فغير شهيد جزمًا‪ ،‬ومن ذلك يفهم قوله‪) :‬ل أسير قتل صبرًا( فإنه‬
‫إن قتل صبرًا بعد انقضاء الحرب فغير شهيد‪ ،‬وإن قتل صبرًا في بطن المعركة قبل انقضائها‬
‫فشهيد‪ ،‬وبخلف من مات قبل انقضاء الحرب ل بسببها كأن مات بمرض أو فجأة أو قتله مسلم‬
‫عمدًا‪ ،‬وكذا لو مات في قتال البغاة أو في قتال الذميـين من غير مجّوز له فليس له حكم شهيد‬
‫المعركة كمن اغتاله مسلم مطلقًا أو كافر في غير قتال‪.‬‬
‫ن أن يكون تكفينه )في ثيابه( التي مات فيها إن اعتيد لبسها غالبًا وإن‬
‫)وكفن شهيد( وجوبًا‪ ،‬ويس ّ‬
‫لم تكن بـيضًا وإن لم تكن ملطخة بالدم‪ ،‬والملطخة به أولى‪ ،‬فإن لم تكف وجب تتميمها‪) ،‬ل(‬
‫يجوز تكفينه في )حرير( اضطر إليه للقتال بل ينزع وجوبًا كمحيط لبسه محرم للحاجة‪ .‬ويس ّ‬
‫ن‬
‫نزع آلة الحرب عنه كدرع وكذا ما ل يعتاد التكفين فيه كفروة وجبة محشّوة‪ ،‬ولو اختلط من‬
‫يصلى عليه بغيره ولم يتميز كمسلم بكافر وغير شهيد بشهيد وسقط يصلى عليه بسقط ل يصلى‬
‫ل إذ ل يتم الواجب إل بذلك‪ ،‬ويصلى على الجميع وهو أفضل أو على واحد‬ ‫عليه‪ ،‬وجب تجهيز ك ّ‬
‫فواحد بقصد من يصلى عليه في الكيفيتين ويغتفر التردد في النية للضرورة‪ ،‬ويقول في المثال‬
‫الّول وهو اختلط مسلم بكافر‪ :‬اللهم اغفر للمسلم منهما في الكيفية الولى‪ ،‬ويقول‪ :‬اللهم اغفر له‬
‫إن كان مسلمًا في الكيفية الثانية‪ ،‬ول يحتاج إلى ذلك في المثال الثاني والثالث لنتفاء المحذور‬
‫وهو الدعاء بالمغفرة للكافر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ويندب تلقين( ميت )بالغ ولو شهيدًا( خلفًا للشهاب الرملي )بعد دفن( لحتياجه إلى التذكير في‬
‫هذا الوقت‪ ،‬وأن يقعد الملقن عند رأس القبر‪ .‬قال ‪» :‬إذا مات أحدكم فسّويتم عليه التراب فليقم‬
‫أحدكم على رأس قبره ثم ليقل‪ :‬يا فلن ابن فلنة فإنه يسمع ول يجيب ثم ليقل‪ :‬يا فلن ابن فلنة‬
‫الثانية فإنه يستوي قاعدًا ثم ليقل‪ :‬يا فلن ابن فلنة الثالثة فإنه يقول‪ :‬أرشدنا يرحمك ال ولكن ل‬
‫تسمعون فيقول له‪ :‬اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدًا رسول ال‬
‫وأنك رضيت بال ربًا وبالسلم دينًا وبمحمد نبـيًا وبالقرآن إمامًا فإن منكرًا ونكيرًا يتأخر كل‬
‫ل حجيجه‬ ‫واحد منهما فيقول‪ :‬انطلق بنا‪ ،‬ما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته‪ ،‬ويكون ال عز وج ّ‬
‫دونهما‪ ،‬فقال رجل‪ :‬يا رسول ال فإن لم يعرف اسم أمه قال‪ :‬فلينسبه إلى حّواء« ‪ .‬أما طفل ولو‬
‫ن أن يقرأ عنده شيء من‬ ‫ن تلقينهما لنهما ل يفتنان‪ ،‬ويس ّ‬ ‫مراهقًا ومجنون لم يتقّدمه تكليف فل يس ّ‬
‫القرآن وإن ختم كان أفضل‪.‬‬
‫)و( يندب )زيارة قبور( أي قبور المسلمين )لرجل( أي ويتأكد ندب ذلك في حق القارب‬
‫ن أن يكون الزائر على طهارة‪ ،‬وتكره‬ ‫خصوصًا البوين ولو كانوا ببلد آخر غير بلد الزائر‪ ،‬ويس ّ‬
‫زيارتها للنساء والخناثى‪ ،‬هذا في غير زيارة سيدنا رسول ال ‪ ،‬أما هي فل تكره بل تكون من‬
‫أعظم القربات للذكور والناث‪ ،‬وينبغي أن تكون قبور سائر النبـياء والولياء كذلك كما قاله ابن‬
‫الرفعة والقمولي ‪ ،‬ومحل ذلك إذا أذن لها الزوج أو السيد أو الولي‪) .‬وسلم( ندبًا حالة كون الزائر‬
‫ل ما علمه رسول ال لعائشة رضي ال عنها‪ ،‬وهو‪» :‬السلم على أهل‬ ‫ل وجه القبور قائ ً‬
‫مستقب ً‬
‫الدار من المؤمنين والمسلمين ويرحم ال المستقدمين والمستأخرين‪ ،‬وإنا إن شاء ال بكم لحقون«‬
‫‪ .‬أو ما علمه رسول ال لصحابه وهو‪» :‬السلم على أهل الدار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن‬
‫شاء ال بكم لحقون‪ ،‬أسأل ال لنا ولكم العافية« ‪ .‬رواه مسلم‪ ،‬زاد أبو داود بسند ضعيف‪» :‬اللهم‬
‫ل تحرمنا أجرهم ول تفتنا بعدهم« ‪ .‬ويقرأ ويدعو عقب قراءته‪ ،‬والدعاء ينفع الميت وهو عقب‬
‫القراءة أقرب للجابة‪.‬‬
‫ويندب وضع الشيء الرطب على القبر كالجريد الخضر والريحان لنه يستغفر للميت ما دام‬
‫رطبًا‪ ،‬ول يجوز للغير أخذه قبل يبسه‪ ،‬وأما بعد اليبس فيجوز له أخذه لن واضعه أعرض عنه‬
‫ل كخوصة أو خوصتين‬ ‫حينئذ كما علم هذا في غير واضعه‪ ،‬أما هو فإن كان الشيء الخضر قلي ً‬
‫فل يجوز له أخذه قبل يبسه لنه صار حقًا للميت‪ ،‬أما إذا كان كثيرًا فإنه يجوز له الخذ منه‬
‫ل‪ ،‬ويندب جمع القارب في موضع من المقبرة لنه أسهل على الزائر‪،‬‬ ‫ليضعه على قبر آخر مث ً‬
‫والفضل أن يكون بجوار أهل الخير والصلح‪ ،‬ولو انهدم القبر على الميت فالوارث مخير بـين‬
‫ثلثة أمور‪ :‬إصلحه‪ ،‬وتركه‪ ،‬ونقل الميت منه إلى غيره‪ ،‬ومثل ذلك انهيار التراب عليه عقب‬
‫دفنه‪ ،‬ومعلوم أن الكلم حيث لم يخش عليه نحو سبع أو ظهور رائحة‪ ،‬وإل وجب إصلحه قطعًا‪.‬‬
‫وكذا لو أفضى انهدام القبر إلى ظهور شيء من الميت‪ ،‬والدفن في المقبرة أفضل من غيره لينال‬
‫الميت دعاء الزائرين‪ ،‬ويكره المبـيت بها لما فيه من الوحشة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ول يجوز جمع اثنين في قبر واحد بل يفرد كل واحد بقبر‪ ،‬وقال الماوردي بالكراهة عند اتحاد‬
‫الجنس أو المحرمية أو الزوجية أو عدم بلوغ حّد الشهوة‪ ،‬ويكره عند شيخ السلم وإن اختلف‬
‫الجنس واختلفت المحرمية لكن يجعل بـينهما ما يمنع التماس كتراب ونحوه‪ ،‬والمعتمد الّول‪ .‬نعم‬
‫يستثنى من حرمة الجمع ما لو أوصى كل من الميتين بذلك‪ ،‬فيجوز لن الحق له‪ ،‬ومن ذلك إدخال‬
‫ميت على آخر قبل ذهاب أثره‪ ،‬ويحرم جمع عظام الموتى لدفن غيرهم‪ ،‬وكذا وضعه فوقها‪ ،‬نعم‬
‫إن دعت الضرورة إلى ذلك كأن كثرت الموتى وعسر إفراد كل ميت بقبر لضيق الرض فيجمع‬
‫بـين الثنين والثلثة والكثر في قبر بحسب الضرورة‪ ،‬ويحرم نقل الميت قبل دفنه من محل موته‬
‫إلى محل أبعد من مقبرة محل موته ليدفن فيه إل أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بـيت المقدس‬
‫بحيث تكون المسافة ل يتغير فيها الميت‪ ،‬فيجوز حينئذ نقله إليها بعد غسله وتكفينه والصلة عليه‬
‫في محل موته لتوجه الفرض‪ .‬قال الزركشي ‪ :‬وينبغي أن يكون مثل ذلك ما لو كان بقرب مقابر‬
‫أهل الخير والصلح لن الشخص يقصد الجار الحسن‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬من مات في سفينة وتعذر دفنه في البّر يجب أن يوضع بعد غسله وتكفينه والصلة عليه‬
‫ل ويرمى في البحر وإن ثقل بحجر ليصل إلى القرار فهو أولى‪.‬‬ ‫بـين لوحين مث ً‬
‫تنبـيه‪ :‬محل تجهيز الميت تركته ويراعى فيه حالة سعة وضيق وإن كان مقترًا على نفسه في‬
‫حياته إل زوجته وخادمها المملوك لها أو المكتري بالنفاق عليه فعلى زوجها الغني ولو كان غناه‬
‫بما يخصه من التركة‪ ،‬والمراد به من يملك زيادة على التجهيز ما يكفي مؤنة يوم وليلة‪ ،‬وإن‬
‫امتنع الزوج من تجهيزها أو كان غائبًا فجهزها الورثة أو غيرهم من مالها أو غيره رجعوا عليه‬
‫بذلك إن فعلوه بإذن حاكم يرى ذلك وإل فل‪ ،‬نعم إن لم يوجد الحاكم كفى المجهز الشهاد على أنه‬
‫جهز من مال نفسه ليرجع‪ ،‬وخرج بالزوج ابنه فل يلزم تجهيز زوجة أبـيه وإن لزمته نفقتها في‬
‫الحياة‪ .‬ولو أوصت الزوجة بتجهيزها من مالها توقف على إجازة الورثة لنها وصية لوارث وهو‬
‫الزوج حيث أسقطت الواجب عليه‪ ،‬والمفتى به عند الحنفية أن تجهيز الزوجة على الزوج مطلقًا‪:‬‬
‫أي سواء كان غنيًا أو ل‪ ،‬وعند المالكية والحنابلة أن تجهيزها من مالها مطلقًا‪ ،‬فإن لم يكن للميت‬
‫تركة فتجهيزه على من عليه نفقته حيًا في الجملة ليدخل المكاتب والولد الكبـير الذي كان قادرًا‬
‫على الكسب‪ ،‬فإن لم يكن للميت من تلزمه نفقته فتجهيزه في بـيت المال‪ ،‬فإن تعذر بـيت المال‬
‫فعلى مياسير المسلمين‪ ،‬ومثل غيبة الزوج فيما تقدم غيبة من يجب عليه نفقة الميت في الحياة‪،‬‬
‫والمحكوم عليه فيما تقدم بأنه فرض كفاية هو الفعال‪ .‬وأما العيان كثمن الماء والكفن وأجرة من‬
‫يغسله ويحمله ويلحده ونحو ذلك فمما ذكر‪.‬‬
‫ول بأس بالبكاء على الميت قبل موته وبعده‪ ،‬والولى عدمه بحضرة المحتضر‪ ،‬وهو قبل الموت‬
‫مباح‪ ،‬وأما بعده ففيه تفصيل‪ ،‬فإن كان لمحبة أو رقة كالبكاء على الطفل فل بأس به والصبر‬
‫أجمل‪ ،‬وإن كان لما فقد من علمه وصلحه وبركته وشجاعته فيظهر استحبابه‪ ،‬وإن كان لما فاته‬
‫من بره والقيام بمصالحه فيظهر كراهته لتضمنه عدم الثقة بال تعالى‪ ،‬ول فرق في ذلك بـين ما‬
‫ل تحت الختيار‪ ،‬وهذا كله ما لم يقترن به‬ ‫كان بمجرد دمع العين أو كان برفع صوت وكان داخ ً‬
‫ق الجيب‪ ،‬ونشر الشعر‪ ،‬وتسويد الوجه‪ ،‬ووضع التراب على‬ ‫ما يدل على الجزع كالنوح وش ّ‬
‫الرأس‪ ،‬ورفع الصوت بإفراط في البكاء وإل حرم‪ ،‬ول يعذب الميت بشيء من ذلك ما لم يوص‬
‫به بأن أوصى بتركه أو سكت‪ ،‬أما إذا أوصى بشيء من ذلك فإنه يعذب به‪.‬‬
‫ن أن يعزى كل من يحصل له عليه وجد حتى الزوجة والصديق‪ ،‬وتندب البداءة بأضعفهم عن‬ ‫ويس ّ‬
‫حمل المصيبة‪ ،‬ويقال في تعزية المسلم بالمسلم‪ :‬أعظم ال أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك‬
‫وأخلف عليك‪ ،‬ويقال في تعزية الكافر بالمسلم‪ :‬غفر ال لميتك وأحسن عزاءك‪ .‬وينبغي للمعزي‬
‫ن زيارة القبور وورد أن من زار قبر أبويه أو أحدهما‬
‫إجابة التعزية بنحو‪ :‬جزاك ال خيرًا‪ .‬ويس ّ‬
‫في كل جمعة مرة غفر له وكان بارًا لوالديه‪ ،‬وفي رواية‪ :‬من زار قبر والديه في جمعة أو أحدهما‬
‫فقرأ عنده‪} :‬يس والقرآن الحكيم{ ))‪ (36‬يس‪ :‬الية ‪ (1‬غفر ال له بعدد ذلك آية وحرفًا‪ ،‬وفي‬
‫رواية‪ :‬من زار قبر والديه أو أحدهما يوم الجمعة كان كحجة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ول يجوز جمع اثنين في قبر واحد بل يفرد كل واحد بقبر‪ ،‬وقال الماوردي بالكراهة عند اتحاد‬
‫الجنس أو المحرمية أو الزوجية أو عدم بلوغ حّد الشهوة‪ ،‬ويكره عند شيخ السلم وإن اختلف‬
‫الجنس واختلفت المحرمية لكن يجعل بـينهما ما يمنع التماس كتراب ونحوه‪ ،‬والمعتمد الّول‪ .‬نعم‬
‫يستثنى من حرمة الجمع ما لو أوصى كل من الميتين بذلك‪ ،‬فيجوز لن الحق له‪ ،‬ومن ذلك إدخال‬
‫ميت على آخر قبل ذهاب أثره‪ ،‬ويحرم جمع عظام الموتى لدفن غيرهم‪ ،‬وكذا وضعه فوقها‪ ،‬نعم‬
‫إن دعت الضرورة إلى ذلك كأن كثرت الموتى وعسر إفراد كل ميت بقبر لضيق الرض فيجمع‬
‫بـين الثنين والثلثة والكثر في قبر بحسب الضرورة‪ ،‬ويحرم نقل الميت قبل دفنه من محل موته‬
‫إلى محل أبعد من مقبرة محل موته ليدفن فيه إل أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بـيت المقدس‬
‫بحيث تكون المسافة ل يتغير فيها الميت‪ ،‬فيجوز حينئذ نقله إليها بعد غسله وتكفينه والصلة عليه‬
‫في محل موته لتوجه الفرض‪ .‬قال الزركشي ‪ :‬وينبغي أن يكون مثل ذلك ما لو كان بقرب مقابر‬
‫أهل الخير والصلح لن الشخص يقصد الجار الحسن‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬من مات في سفينة وتعذر دفنه في البّر يجب أن يوضع بعد غسله وتكفينه والصلة عليه‬
‫ل ويرمى في البحر وإن ثقل بحجر ليصل إلى القرار فهو أولى‪.‬‬ ‫بـين لوحين مث ً‬
‫تنبـيه‪ :‬محل تجهيز الميت تركته ويراعى فيه حالة سعة وضيق وإن كان مقترًا على نفسه في‬
‫حياته إل زوجته وخادمها المملوك لها أو المكتري بالنفاق عليه فعلى زوجها الغني ولو كان غناه‬
‫بما يخصه من التركة‪ ،‬والمراد به من يملك زيادة على التجهيز ما يكفي مؤنة يوم وليلة‪ ،‬وإن‬
‫امتنع الزوج من تجهيزها أو كان غائبًا فجهزها الورثة أو غيرهم من مالها أو غيره رجعوا عليه‬
‫بذلك إن فعلوه بإذن حاكم يرى ذلك وإل فل‪ ،‬نعم إن لم يوجد الحاكم كفى المجهز الشهاد على أنه‬
‫جهز من مال نفسه ليرجع‪ ،‬وخرج بالزوج ابنه فل يلزم تجهيز زوجة أبـيه وإن لزمته نفقتها في‬
‫الحياة‪ .‬ولو أوصت الزوجة بتجهيزها من مالها توقف على إجازة الورثة لنها وصية لوارث وهو‬
‫الزوج حيث أسقطت الواجب عليه‪ ،‬والمفتى به عند الحنفية أن تجهيز الزوجة على الزوج مطلقًا‪:‬‬
‫أي سواء كان غنيًا أو ل‪ ،‬وعند المالكية والحنابلة أن تجهيزها من مالها مطلقًا‪ ،‬فإن لم يكن للميت‬
‫تركة فتجهيزه على من عليه نفقته حيًا في الجملة ليدخل المكاتب والولد الكبـير الذي كان قادرًا‬
‫على الكسب‪ ،‬فإن لم يكن للميت من تلزمه نفقته فتجهيزه في بـيت المال‪ ،‬فإن تعذر بـيت المال‬
‫فعلى مياسير المسلمين‪ ،‬ومثل غيبة الزوج فيما تقدم غيبة من يجب عليه نفقة الميت في الحياة‪،‬‬
‫والمحكوم عليه فيما تقدم بأنه فرض كفاية هو الفعال‪ .‬وأما العيان كثمن الماء والكفن وأجرة من‬
‫يغسله ويحمله ويلحده ونحو ذلك فمما ذكر‪.‬‬
‫ول بأس بالبكاء على الميت قبل موته وبعده‪ ،‬والولى عدمه بحضرة المحتضر‪ ،‬وهو قبل الموت‬
‫مباح‪ ،‬وأما بعده ففيه تفصيل‪ ،‬فإن كان لمحبة أو رقة كالبكاء على الطفل فل بأس به والصبر‬
‫أجمل‪ ،‬وإن كان لما فقد من علمه وصلحه وبركته وشجاعته فيظهر استحبابه‪ ،‬وإن كان لما فاته‬
‫من بره والقيام بمصالحه فيظهر كراهته لتضمنه عدم الثقة بال تعالى‪ ،‬ول فرق في ذلك بـين ما‬
‫ل تحت الختيار‪ ،‬وهذا كله ما لم يقترن به‬ ‫كان بمجرد دمع العين أو كان برفع صوت وكان داخ ً‬
‫ق الجيب‪ ،‬ونشر الشعر‪ ،‬وتسويد الوجه‪ ،‬ووضع التراب على‬ ‫ما يدل على الجزع كالنوح وش ّ‬
‫الرأس‪ ،‬ورفع الصوت بإفراط في البكاء وإل حرم‪ ،‬ول يعذب الميت بشيء من ذلك ما لم يوص‬
‫به بأن أوصى بتركه أو سكت‪ ،‬أما إذا أوصى بشيء من ذلك فإنه يعذب به‪.‬‬
‫ن أن يعزى كل من يحصل له عليه وجد حتى الزوجة والصديق‪ ،‬وتندب البداءة بأضعفهم عن‬ ‫ويس ّ‬
‫حمل المصيبة‪ ،‬ويقال في تعزية المسلم بالمسلم‪ :‬أعظم ال أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك‬
‫وأخلف عليك‪ ،‬ويقال في تعزية الكافر بالمسلم‪ :‬غفر ال لميتك وأحسن عزاءك‪ .‬وينبغي للمعزي‬
‫ن زيارة القبور وورد أن من زار قبر أبويه أو أحدهما‬
‫إجابة التعزية بنحو‪ :‬جزاك ال خيرًا‪ .‬ويس ّ‬
‫في كل جمعة مرة غفر له وكان بارًا لوالديه‪ ،‬وفي رواية‪ :‬من زار قبر والديه في جمعة أو أحدهما‬
‫فقرأ عنده‪} :‬يس والقرآن الحكيم{ ))‪ (36‬يس‪ :‬الية ‪ (1‬غفر ال له بعدد ذلك آية وحرفًا‪ ،‬وفي‬
‫رواية‪ :‬من زار قبر والديه أو أحدهما يوم الجمعة كان كحجة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪8 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب ما يحرم استعماله من اللباس والحلي وما ل يحرم‬

‫ل يجوز للرجل والخنثى استعمال الحرير بسائر أنواعه‪ ،‬كالبريسم والديباج والسندس والقز‬
‫ل‪،‬‬
‫ل عرفًا كالكتابة عليه ولو لصداق امرأة‪ ،‬حيث كان الكاتب رج ً‬‫ونحو ذلك بما يعّد استعما ً‬
‫بخلف ما إذا كان الكاتب أنثى ولو للرجل فل حرمة‪ ،‬وهذا إذا كان الحرير على أصله ولم يكن‬
‫مستهلكًا‪ ،‬فإن استهلك كما في ورق الحرير فل حرمة‪ ،‬وكجلوس تحته كناموسية وتدثر‪ :‬أي تغ ّ‬
‫ط‬
‫به كلحاف وجهه حرير‪ ،‬ومما يحرم جبة محشوة ظاهرها أو باطنها حرير ول يضر كون الحشو‬
‫وحده حريرًا ل فيها ول في اللحاف‪ ،‬وقلنسوة حرير فإن خيط شيء فوق اللحاف أو الجبة أو‬
‫ل استعماله‪ ،‬بخلف مجّرد وضع شيء على ما ذكر بدون خياطة‬ ‫القلنسوة بحيث ستر الحرير ح ّ‬
‫فل يكفي‪ ،‬ومثل ذلك القاووق‪ ،‬فإذا كانت بطانته وظهارته حريرًا فل بّد من خياطة غشاء يعمهما‪،‬‬
‫أما لو كان أحدهما حريرًا فقط فالعبرة به في الخياطة عليه‪ ،‬ومن الستعمال الجلوس عليه أو‬
‫الستناد إليه بل حائل فيهما ولو رقيقًا وإن لم يخط ما لم يتخذ حصيرًا من حرير وإل فالوجه‬
‫الحرمة‪ ،‬وإن بسط فوقها شيئًا لما فيه من السرف‪ ،‬ومن الستعمال ستر الجدران به إل ستر‬
‫الكعبة‪ ،‬ومثلها قبور سائر النبـياء على المعتمد‪ ،‬بخلف قبور غيرهم ولو من أهل الصلح‬
‫والولية على المعتمد‪ ،‬ويحرم إلباسه للدواب لنها ل تنقص عن ستر الجدران به‪ ،‬وغطاء العمامة‬
‫وكيس الدراهم‪.‬‬
‫ويحرم التفّرج على الزينة المحرمة لكونها بنحو الحرير‪ ،‬بخلف المرور لحاجة فل يحرم‪ ،‬ولو‬
‫أكره الناس عليها جازت له للعذر‪ ،‬وحرم التفّرج عليها لن ما هو حرام في نفسه يحرم التفرج‬
‫عليه وإن جاز فعله لعذر لنه رضا به‪ ،‬وكذا ما أكثره حرير‪ ،‬بخلف ما إذا كان أكثره من غير‬
‫الحرير أو تساويا فل حرمة‪ ،‬والعبرة بالوزن ل بالظهور في الرؤية‪ ،‬فالطالس المعروفة حلل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بحرمتها وفيه تضيـيق‪ ،‬ومثل الحرير في الحرمة المزعفر‪ :‬أي المصبوغ بالزعفران كله‬
‫أو بعضه بحيث يطلق عليه اسم الزعفران في العرف‪ ،‬وأما المعصفر فإنه مكروه‪ ،‬بخلف سائر‬
‫المصبوغات من أحمر وأصفر وأخضر وأسود ومخطط‪ ،‬فإنها تحل من غير كراهة في شيء‬
‫منها على المعتمد‪ ،‬ويحل من الحرير خيط المفتاح‪ ،‬وخيط الميزان‪ ،‬وخيط الكوز وغطاؤه‪ ،‬وخيط‬
‫المنطقة‪ ،‬وخيط القنديل‪ ،‬وليقة الدواة‪ ،‬وتكة اللباس‪ ،‬وزر الطربوش‪ ،‬وكيس المصحف وخيطه‪،‬‬
‫وزر نحو القميص‪ ،‬وخيط الخياطة‪ ،‬وخيط السبحة‪ .‬واختلف في شراريبها‪ :‬فقيل‪ :‬حلل مطلقًا‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬حرام مطلقًا‪ ،‬والمعتمد التفصيل‪ ،‬فالشّرابة التي هي طرف الخيط عند المسماة بالمئذنة تحل‬
‫إذا كانت من أصل خيط السبحة‪ ،‬وإل حرمت‪ ،‬بخلف ما بـين الحبات من الشراريب فإنها تحرم‬
‫ولو من أصل الخيط‪ ،‬ويحل المشي على الحرير ولو مع الترّدد‪ ،‬ويجوز الدخول بـين ستر الكعبة‬
‫وجدارها لنحو الدعاء‪ ،‬ويجوز اللتصاق بسترها من خارج في نحو الملتزم‪ .‬ولمن له ولية‬
‫التأديب إلباس الحرير للصبـي والمجنون ل افتراشه ول اّدثاره‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪150 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫ويحل وضع الشرطة بشرط أن ل تزيد على وزن الثوب وأن ل تزيد الشرطة على أربعة‬
‫ل وعرضًا‪،‬‬ ‫أصابع في العرض وإن زادت في الطول‪ ،‬وأن ل تزيد الرقع على أربعة أصابع طو ً‬
‫ويحل التطريف بالحرير بأن يجعل طرف ثوبه مسجفًا به قدر عادة أمثاله من غير نظر إلى زيادة‬
‫الوزن‪ ،‬فإن زاد على عادة أمثاله وجب قطع الزائد وإن باعه لمن هو عادته‪ ،‬بخلف ما لو اشتراه‬
‫ممن عادته ذلك وكان زائدًا على عادة أمثال المشتري فإنه يحل لنه يغتفر في الدوام ما ل يغتفر‬
‫في البتداء‪ ،‬ويجوز استعمال الحرير لضرورة كحر وبرد مهلكين أو مضرين‪ ،‬وكفجأة حرب‪،‬‬
‫ولحاجة كجرب ودفع قمل‪ ،‬وستر عورة في الصلة وعن عيون الناس وفي الخلوة إذا لم يجد غير‬
‫الحرير في الجميع مما يقوم مقامه‪.‬‬
‫ي الذهب والفضة‪ ،‬ل فرق في ذلك بـين اليسير والكثير‪ .‬نعم يجوز‬ ‫ويحرم على الرجل والخنثى حل ّ‬
‫ل وصفة‪ ،‬وكذا يجوز لهما اتخاذ‬ ‫لهما لبس خاتم الفضة حيث كان على عادة أمثالهما قدرًا ومح ً‬
‫ن منهما ولو تعّددت النملة حيث تعّددت الصابع بعددها‪ ،‬ول يجوز اتخاذ‬ ‫النف والنملة والس ّ‬
‫أصبع بكمالها منهما‪ ،‬وأما النملتان من أصبع واحد‪ ،‬فإن كانتا من أعلى الصابع جاز اتخاذهما‬
‫لوجود العمل بواسطة النملة السفلى‪ ،‬وإن كانتا من أسفله امتنع لعدم وجود العمل‪ ،‬ويحل للرجل‬
‫حلية آلة الحرب بالفضة وإن لم يكن محاربًا‪ ،‬لن المقصود إغاظة الكفار‪ ،‬وهي حاصلة ولو لمن‬
‫بدارنا منهم‪ ،‬وذلك بشرط أن تكون هذه اللة مما يصلح للحرب عادة كسيف ورمح وسكين‬
‫الحرب وترس‪ .‬ومثل ذلك الحياصة والدرع والخف بشرط عدم السرف‪ ،‬أما مع السرف فتحرم ل‬
‫مثل سكين المهنة والمقشط ونحوه فل يجوز فيه ذلك‪ ،‬وخرج باللة أوعيتها كالقراب ونحوه فل‬
‫يجوز فيه ذلك‪ ،‬ومثل ذلك ما ليس ملبوسًا له كسرج ولجام وركاب‪ ،‬وخرج بالفضة الذهب فيحرم‬
‫ذلك منه مطلقًا‪ ،‬وخرج بالرجل المرأة والخنثى فل يجوز لهما شيء من ذلك لما فيه من التشبه‬
‫ن فعله حرام‬‫بالرجال‪ ،‬والتحلية تسمير قطع النقد على نفس اللة مع الحكام‪ ،‬فخرج التمويه فإ ّ‬
‫مطلقًا لما فيه من إضاعة المال‪ ،‬وتحرم تحلية الدواة والمرآة ونحوهما‪ ،‬ومثل الذهب والفضة في‬
‫الحرمة المنسوج بهما كله أو بعضه والمطلى بأحدهما إذا حصل منه شيء بالعرض على النار‪،‬‬
‫ومن المطلى أطراف الشاشات التي فيها قصب فيحل ذلك إن لم يحصل منه شيء بالعرض على‬
‫النار وإل حرم‪ .‬أما المرأة فيحل لها جميع ذلك لباسًا وفرشًا وغيرهما بالنسبة للحرير‪ ،‬أما‬
‫المنسوج والممّوه بالذهب أو الفضة وكذا المطرز بهما وبأحدهما فيحل لبسه فقط على المعتمد‪،‬‬
‫ويحرم عليها فرشه والجلوس عليه وغيرهما من سائر وجوه الستعمالت‪ ،‬لن علة الحل تزينها‬
‫الداعي إلى الميل إليها ووطئها المؤّدي إلى كثرة النسل المطلوب للشارع‪ ،‬وذلك ل يوجد في غير‬
‫اللبس‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪150 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أن سائر أنواع الذهب والفضة يجوز للنساء استعماله ومن ذلك القبقاب فيجوز لها‬
‫اتخاذه من ذهب أو فضة إل في صورتين‪ :‬الولى‪ :‬الواني إذ ل فرق في تحريمها بـين النساء‬
‫ن‪ ،‬ومنها القماقم والمباخر وظروف الفناجيل فتحرم على الرجال والنساء‪ .‬والثانية‪:‬‬ ‫وغيره ّ‬
‫المنسوج والممّوه والمطرز بهما على التفصيل المتقّدم‪ ،‬ويجوز لمن له ولية التأديب إلباس حلي‬
‫ل من ذهب حيث ل سرف عادة‪،‬‬ ‫الذهب والفضة والممّوه بهما للصبـي ولو مراهقًا‪ ،‬وله إلباسه نع ً‬
‫ومثل ذلك الحياصة‪ ،‬وأما الخنجر والسكين المطليان بالذهب أو الفضة فيحرم إلباسهما له إن‬
‫حصل من الطلء شيء بالعرض على النار‪ ،‬ول يجوز أن يفرش له الحرير ول الممّوه بالذهب‬
‫أو الفضة‪ ،‬ومثله في جميع ذلك المجنون‪ .‬ويحرم خرم النف ليجعل فيه حلقة من ذهب أو نحوه ل‬
‫فرق في ذلك بـين الذكر والنثى‪ ،‬ول عبرة باعتبار ذلك لبعض الناس في نسائهم وأذن الصبـي‬
‫كذلك ول نظر لمزيته بذلك‪ ،‬وأما النثى فيجوز خرم أذنها على المعتمد‪ ،‬ويجوز تحلية المصحف‬
‫بالفضة للرجال والنساء وبالذهب للنساء خاصة‪ .‬وخرج بالتحلية التمويه فهو حرام مطلقًا لما فيه‬
‫من إضاعة المال سواء حصل منه شيء بالعرض على النار أو ل‪ ،‬وتجوز كتابته بهما ل تحلية‬
‫كتب علم أو حديث ول كتابتهما بهما‪.‬‬
‫ويحرم تحلية قبور سائر النبـياء والمرسلين والكعبة ومقام إبراهيم بالذهب أو الفضة‪ ،‬ومثل ذلك‬
‫ما يفعلونه في المجمل المعروف فهو حرام‪ ،‬ويحرم التفرج عليه‪ ،‬ول يصح الوقف عليه‪ ،‬وكذا‬
‫الذهب الذي على كسوة الكعبة والبرقع على المعتمد‪ .‬وقال البلقيني ‪ :‬يجوز كسوة الكعبة بالحرير‬
‫المنسوج بالذهب لما فيه من التعظيم بكسوتها الفاخرة‪ ،‬ويحل لبس شيء تنجس ل رطوبة فيه لن‬
‫نجاسته عارضة سهلة الزالة‪ ،‬ول يحل لبس نجس العين كجلد الميتة لما يجب عليه من التنقية‬
‫باجتناب النجس لقامة العبادة إل لضرورة كحر ونحوه‪ ،‬ويحل لباس الجلد النجس للدابة إذ ل تعبد‬
‫عليها ما لم يكن من مغلظ‪.‬‬
‫تتمة‪ :‬ل يحرم استعمال النشاء في الثياب من المالك لها أو بإذنه واستعمال الدقاق في غسل اليدي‬
‫بقدر الحاجة‪ ،‬والولى لمالك الثياب ترك دقها‪ ،‬أما إذا كان ذلك للبـيع فهو من الغش المحرم فيجب‬
‫إعلم المشتري به‪ ،‬والولى أيضًا ترك صقلها‪ ،‬وينبغي طيّ الثياب وذكر اسم ال عليها لما ورد‬
‫ن بالليل وأنتم بالنهار‬
‫من قوله ‪» :‬إذا طويتم ثيابكم فاذكروا اسم ال تعالى عليها لئل تلبسها الج ّ‬
‫فتبلى سريعًا« ويندب للعلماء والقضاة التزين بما صار شعارًا لهم ليعرفوا فيسئلوا وليطاعوا فيما‬
‫عنه زجروا‪ .‬ويحرم على غيرهم التزيـي بزيهم لما فيه من التلبـيس كما يحرم على غير الصالح‬
‫التزيـي بزي الصلحاء‪ ،‬وفي لبس العمامة الخضراء لمن ليس من أولد فاطمة خلف‪ ،‬والشريف‬
‫هو الذي له نسب من جهة الب‪ ،‬وأما الذي نسبه من جهة الم فقط فليس شريفًا‪ .‬نعم له مزية على‬
‫ل لنه من ذريته ومن أقاربه‪.‬‬ ‫من لم يكن له نسبة أص ً‬
‫رقم الصفحة‪150 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب الزكاة‬

‫وهي‪ :‬اسم لما يخرج عن مال أو بدن‪ ،‬سمي بها ذلك لنه يطهر المخرج عنه عن تدنيسه بحق‬
‫المستحقين‪ ،‬والمخرج عن الثم ويقيه من الفات ويمدحه عند ال تعالى حتى يشهد له بصحة‬
‫اليمان‪ .‬وأصل وجوبها قبل الجماع آيات كقوله تعالى‪} :‬خذ من أموالهم صدقة تطهرهم‬
‫وتزكيهم بها{ ))‪ (9‬التوبة الية‪ (103 :‬وقوله تعالى‪} :‬وآتوا الزكاة{ ))‪ (9‬التوبة الية‪(5 :‬‬
‫وأخبار كقوله ‪» :‬الزكاة قنطرة السلم« رواه الطبراني عن أبـي الدرداء والبـيهقي عن ابن عمر‪:‬‬
‫أي الزكاة جسر السلم الذي يعبر منه إليه‪ ،‬فإيتاؤها طريق في التمكن في الدين‪ ،‬ووجوبها معلوم‬
‫ضرورة فيكفر جاحدها في المجمع عليها دون المختلف فيها كزكاة الركاز وزكاة التجارة وزكاة‬
‫مال الصبـي ومن جهلها عّرف بها فإن جحدها بعد ذلك كفر‪ ،‬وفرضت في شّوال في السنة الثانية‬
‫من الهجرة بعد زكاة الفطر‪.‬‬
‫)تجب( أي الزكاة )على( كل )مسلم( ولو غير مكلف‪ ،‬والمراد أنها تلزم في ماله‪ ،‬فعلى الولي‬
‫إخراجها منه إن اعتقد الوجوب كشافعي وإل كحنفي فل‪ ،‬أما الكافر الصلي فل يلزمه إخراجها‬
‫ولو بعد السلم لكنه يعاقب عليها زيادة على كفره‪ ،‬والزكاة الواجبة بالسلم ل تسقط بالردة‪،‬‬
‫ووقف المر في مال المرتد لرّدته‪ ،‬فإن مات مرتدًا بعد مضي حول من ردته بان أن ل مال له‬
‫من حينها فل زكاة‪ ،‬وإن أسلم أخرج ما مضى‪ ،‬وله الخراج في ردته وإن لم تصح نيته للضرورة‬
‫)حر( ولو كان حر البعض وقد ملك ببعضه الحر نصابًا لتمام ملكه على ما ملكه ببعضه الحر‪،‬‬
‫ن فل تلزمه لعدم ملكه‪ ،‬وكذا المكاتب لضعف ملكه ول تلزم سيده لنه غير مالك ول بد من‬ ‫أما الق ّ‬
‫ل‪ ،‬فل زكاة في مال بـيت المال وريع موقوف على‬ ‫أن يكون من وجبت عليه الزكاة معينًا منفص ً‬
‫نحو الفقراء والمساجد لعدم تعين المالك‪ ،‬بخلف الموقوف على معين واحد أو جماعة‪ ،‬ول زكاة‬
‫في مال وقف على جنين لنه ل ثقة لوجوده ول لحياته‪ .‬ثم الزكاة نوعان‪ :‬زكاة بدن وهي الفطرة‪.‬‬
‫وزكاة مال‪ ،‬وهي واجبة في ثمانية أصناف من أجناس المال‪ ،‬وهي الذهب والفضة والزروع‬
‫والنخل والعنب والبل والبقر والغنم‪ ،‬ويجب صرف الزكاة لثمانية أصناف من طبقات الناس‪.‬‬
‫وأما عروض التجارة فهي ترجع للذهب والفضة لن زكاتها تتعلق بقيمتها‪ ،‬وهي إنما تكون منهما‬
‫بخلف زكاة الباقي فإنها تتعلق بعينه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل‪ ،‬وفضة( ولو غير مضروبة )بلغت‬ ‫ويجب )في ذهب( ولو غير مضروب )بلغ عشرين مثقا ً‬
‫ل من عشرين دينارًا شيء وفي عشرين نصف‬ ‫مائتي درهم ربع عشر( لقوله ‪» :‬ليس في أق ّ‬
‫دينار« ‪ ،‬رواه أبو داود وغيره‪ ،‬وقوله ‪» :‬ليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة« ‪ ،‬رواه‬
‫الشيخان‪ ،‬وأواق كجوار وذلك بوزن مكة لقوله ‪» :‬المكيال مكيال المدينة والوزن وزن مكة‬
‫والمثقال لم يتغير جاهلية ول إسلمًا« ‪ ،‬وهو اثنتان وسبعون حبة شعير معتدلة لم تقشر وقطع من‬
‫طرفيها ما دق وطال‪ ،‬والمراد بالدراهم الدراهم السلمية التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل وكل‬
‫عشرة مثاقيل أربعة عشر درهمًا وسبعان‪ ،‬وكانت مختلفة في الجاهلية ثم ضربت على هذا الوزن‬
‫في زمن عمر بن عبد العزيز أو عبد الملك بن مروان‪ ،‬أجمع عليه المسلمون‪ ،‬ول يكمل نصاب‬
‫أحد النقدين بالخر لختلف الجنس‪ ،‬ويكمل الجيد بالرديء من الجنس الواحد وعكسه وإن‬
‫اختلف النوع‪ ،‬والمراد بالجودة النعومة ونحوها‪ ،‬وبالرداءة الخشونة ونحوها‪ ،‬ويؤخذ من كل نوع‬
‫بقسطه إن سهل بأن قلت النواع‪ ،‬وإل أخذ من الوسط‪ ،‬ول يجزىء رديء ومكسور عن جيد‬
‫وصحيح‪ ،‬وله استرداده إن بـين عند الدفع أنه عن ذلك المال وإل فل‪ ،‬وإذا جاز له السترداد فإن‬
‫بقي أخذه‪ ،‬وإل أخرج التفاوت‪.‬‬
‫وكيفية معرفة التفاوت أن يقّوم المخرج بجنس آخر كأن يكون معه مائتا درهم جيدة فأخرج عنها‬
‫خمسة معيبة والجيدة تساوي بالذهب نصف دينار والمعيبة تساوي به خمسي دينار فيبقى عليه‬
‫درهم جيد‪ ،‬وذلك لن نصف الدينار إذا قسم على الخمسة الجيدة خص كل نصف خمس منه‬
‫درهم‪ ،‬والمعيبة تساوي خمسي دينار وقيمتهما أربعة دراهم من الجيدة فيبقى من نصف الدينار‬
‫نصف خمس يقابل بدرهم من الجيدة‪ ،‬ويجزىء الجيد والصحيح عن ضّدهما بل هو أفضل )كمال‬
‫تجارة( فإنه يجب فيه ربع عشر قيمته آخر الحول من نقد رأس المال الذي اشترى العرض به ولو‬
‫في ذمته‪ ،‬وإن كان بعض نصاب أو أبطله السلطان أو لم يكن هو الغالب لنه أصل ما بـيده‬
‫وأقرب إليه من نقد البلد‪ ،‬أما أنه ربع العشر فكما في النقدين لنه يقوم بهما‪ ،‬وأما أنه من القيمة‬
‫ض من جنس ما‬ ‫فلنها المنضبطة‪ ،‬وألحق الربح بالصل لنه إن ضم إليه في الحول بأن لم ين ّ‬
‫يقّوم به كان كالنتاج مع المهات‪ ،‬وإل بأن أفرد بحول فهو مال تجارة‪ ،‬وإنما انقطع عن الصل‬
‫في الحول فقط لبقاء حكمه عليه في قدر المخرج ومحل الخراج‪ ،‬وأما اعتباره بآخر الحول فلنه‬
‫وقت الوجوب فقطع النظر عما سواه لضطراب القيم‪ ،‬ولو كان رأس المال عرضًا للقنية أو‬
‫نكاحًا أو خلعًا أو صلحًا عن دم عمد فيقّوم مال التجارة بغالب نقد البلد من الدراهم أو الدنانير فإن‬
‫بلغ نصابًا زكاه وإل فل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ولو حال الحول بموضع ل نقد فيه كبلد يتعامل فيها بفلوس أو نحوها اعتبر أقرب البلد إليه‪ ،‬أو‬
‫بموضع فيه نقدان غالبان قّوم بما بلغ به نصابًا لتحقق تمام النصاب بأحد النقدين‪ ،‬فإن بلغه بهما‬
‫تخير المالك فيقوم بأيهما شاء‪ .‬والصل في وجوب زكاة التجارة قوله تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫أنفقوا من طيبات ما كسبتم{ ))‪ (2‬البقرة الية‪ .(267 :‬قال مجاهد ‪ :‬نزلت هذه الية في زكاة‬
‫التجارة‪ .‬وقوله ‪» :‬في البل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البر صدقته« ‪.‬‬
‫)وشرط( لوجوب زكاة الذهب والفضة )تمام نصاب كل الحول( لقوله ‪» :‬ل زكاة في مال حتى‬
‫ل ثم أقرضه إنسانًا لم‬‫يحول عليه الحول« رواه أبو داود وغيره‪ .‬نعم لو ملك نصابًا ستة أشهر مث ً‬
‫ينقطع الحول‪ ،‬كما نقله الرملي عن الرافعي ‪ :‬أي لنه لما كان باقيًا في ذمة الغير كأنه لم يخرج‬
‫عن ملكه‪ ،‬وكذا ما نقله شيخ السلم عن البلقيني وهو عن أبـي حامد ‪ ،‬لكن قال الشرقاوي ‪:‬‬
‫والمعتمد وجوب الستئناف في ذلك في حق كل من المقترض والمقرض‪ .‬أما المقترض فلن‬
‫النصاب لم يدخل في ملكه إل بقبضه فيدخل فيه وإن لم يتصرف في ذلك المال‪ .‬وأما المقرض‬
‫فلن المال خرج عن ملكه بالقراض فتجب عليه الزكاة إذا تّم الحول من القراض‪ :‬بمعنى أنها‬
‫تستقر في ذمته‪ ،‬ول يجب الخراج إل إذا رجع له النصاب‪.‬‬
‫)وينقطع( أي الحول )بتخلل زوال ملك( فإن زال ملكه في أثناء الحول عن النصاب أو بعضه‬
‫ببـيع أو غيره فعاد بشراء أو غيره استأنف الحول لنقطاعه بزوال ملكه فعوده ملك جديد فل بّد له‬
‫من حول‪ ،‬ومن ذلك مبادلة أحد النقدين بالخر المسماة بالمصارفة كصرف ريالت فضة بذهب‬
‫كما يفعله الصيارفة فيستأنف الحول كلما بادل‪ ،‬هذا في غير التجارة‪ ،‬أما هي فل تضر المبادلة‬
‫فيها أثناء الحول‪ ،‬وهي جائزة مع الكراهة إن وجدت الشروط الثلثة التي هي‪ :‬الحلول والتقابض‬
‫والمماثلة عند اتحاد الجنس والثنان اللذان هما الحلول والتقابض عند اختلفه ولم يشتمل النقدان‬
‫أو أحدهما على غش ووجدت الصيغة‪ ،‬وإل بأن لم توجد الشروط أو لم توجد صيغة كانت المبادلة‬
‫باطلة‪ ،‬وكذا إن اشتمل على غش لنها حينئذ من قاعدة مّد‪ :‬عجوة ودرهم‪) ،‬وكره( أي فعل زوال‬
‫ملك )لحيلة( أي بأن قصد به الفرار من الزكاة فقط ولم يكن ذلك لحاجة لنه فرار من عبادة‪ ،‬فإن‬
‫ي مباح( كالحلي من‬ ‫أطلق أو كان لحاجة فقط أو لها وللفرار معًا فل كراهة‪) .‬ول زكاة في حل ّ‬
‫ذهب أو فضة للبس امرأة )ولو( اتخذه بل قصد أو قصد لعارة أو )لجارة( لها إل إن أسرفت‬
‫ل فل يحل لها‪ ،‬وتجب زكاته‪ ،‬ولو اشترى إناء ليتخذه‬ ‫كخلخال وزن مجموع فردتيه مائتا مثقال مث ً‬
‫ل كذلك أو‬
‫ل‪ ،‬ولم يمكنه غيره فبقي حو ً‬‫حليًا مباحًا فحبس واضطر إلى استعماله في طهره مث ً‬
‫للشرب منه لمرض‪ ،‬أخبر من الثقة أنه ل يزيله إل هو وأمسكه لجله أو اتخذ الناء ابتداء لذلك ل‬
‫تلزمه زكاته‪ ،‬لنه معّد لستعمال مباح )إل( إذا كان المباح مصحوبًا )بنية كنز( فتجب زكاته‬
‫للصرف له بهذه النية عن الستعمال فصار مستغنى عنه كالدراهم‪ ،‬أو كان المالك لم يعلمه بأن‬
‫ورث حليًا مباحًا ولم يعلمه إل بعد حول فتجب زكاته لنه لم ينو إمساكه لستعمال مباح‪ .‬وخرج‬
‫بالحلي المباح المحّرم كالمرود والبرة وخلل السنان من ذهب أو فضة فإنها ملحقة بالناء‬
‫ن الخاتم من ذهب والدملج منه للرجل سواء كان المحرم لعينه كآنية أو بالقصد كقصد رجل‬ ‫وكس ّ‬
‫لبس حلي امرأة أو عكسه أو لغيرهما كتبر مغصوب صيغ حليًا‪ ،‬والمكروه كضبة صغيرة للزينة‬
‫وما فيه أدنى سرف فتجب زكاتهما‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( يجب )في قوت كبّر وأرز( بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي وهي اللغة المشهورة‪.‬‬
‫واللغة الثانية‪ :‬كذلك إل أن الهمزة مضمومة أيضًا‪ .‬الثالثة‪ :‬ضمهما وتخفيف الزاي على وزن‬
‫كتب‪ .‬الرابعة‪ :‬بضم الهمزة وسكون الراء كوزن قفل‪ .‬الخامسة‪ :‬حذف الهمزة وتشديد الزاي‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬رنز‪ ،‬بنون بـين الراء والزاي‪ .‬السابعة‪ :‬فتح الهمزة مع تخفيف الزاي على وزن عضد‪.‬‬
‫)وتمر وعنب بلغ( أي القوت )خمسة أوسق منقى( من تبن وقشر ل يؤكل معه غالبًا وغيرهما‬
‫)عشر( لخبر‪» :‬ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة« ‪ .‬وخبر مسلم‪» :‬ليس في حب ول‬
‫تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق« ‪ ،‬وإنما تختص الزكاة بالقوت لن القتيات من الضروريات‬
‫التي ل حياة بدونها‪ ،‬وخرج به ما يؤكل تداويًا أو تنعمًا أو تأّدما كالزيتون والزعفران وعسل‬
‫النحل وحب الفجل والبطيخ والرمان وغيرها‪ .‬والوسق ستون صاعًا كما رواه ابن حبان وغيره‬
‫فمجموع الخمسة ثلثمائة صاع‪ ،‬والصاع أربعة أمداد فيكون النصاب ألف مّد ومائتي مد‪ ،‬وأما ما‬
‫يؤكل قشره معه غالبًا كالذرة فل يعتبر تقشيره عنه بل يدخل في الحساب وإن أزيل تنعمًا كما‬
‫يقشر البر‪ ،‬وأما ما يدخر في قشره ول يؤكل معه كالرز فنصابه عشرة أوسق اعتبارًا بقشره‬
‫الذي اّدخاره فيه أصلح له وأبقى بالنصف فتصفيته من قشره ل تجب‪ ،‬وقشره ل يدخل في‬
‫الحساب‪.‬‬
‫نعم لو حصلت الخمسة أوسق من دون العشرة اعتبرناه دونها‪ ،‬وذلك )إن سقي( أي القوت )بل‬
‫مؤنة( كماء مطر أو نهر أو عين أو قناة أو ساقية حفرت من النهر‪ ،‬وإن احتاجت لمؤنة لقوله ‪:‬‬
‫»فيما سقت السماء العشر« ‪) .‬وإل( يكن كذلك بأن سقي بمؤنة كالدالية )فنصفه( أي العشر لخبر‬
‫الشيخين‪» :‬فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر« ‪ ،‬وفيما سقي بالنضح نصف العشر‪.‬‬
‫والعثرى بفتح العين والثاء المثلثة أو بسكون الثانية هو أن يحفر حفيرة يجري فيها الماء من السيل‬
‫إلى أصول الشجر‪ ،‬وتسمى تلك الحفيرة عاثورًا لن الماّر عليها يتعثر بها‪ .‬والنضح هو حمل‬
‫الماء من نهر أو بئر بحيوان لسقي الزرع‪ ،‬ويسمى البعير الذكر ناضحًا والنثى ناضحة‪ ،‬ويسمى‬
‫هذا الحيوان أيضًا سانية‪ .‬وإن سقي بمؤنة ودونها على السوية وجب ثلثة أرباع العشر أو كان‬
‫ثلثا السقي بمطر وثلثه بدالية وجب خمسة أسداس العشر وفي عكسه ثلثاه‪ ،‬ويكون التقسيط باعتبار‬
‫عيش الزرع أو الثمر باعتبار المّدة ل باعتبار السقيات‪ ،‬فلو كانت المّدة من يوم الزرع إلى يوم‬
‫الدراك ثمانية أشهر واحتاج في ستة أشهر من الشتاء والربـيع إلى سقيتين فسقي بماء السماء‪،‬‬
‫وفي شهرين من الصيف إلى ثلث سقيات فسقي بالنضح وجب ثلثة أرباع العشر للسقيتين وربع‬
‫نصفه للثلث‪ ،‬وإن جهل المقدار جعل نصفين فيجب ثلثة أرباع العشر أخذًا بالحوط‪ .‬ولو علم‬
‫أن أحدهما أكثر وجهل عينه فالواجب ينقص عن العشر ويزيد على نصفه فيؤخذ ويوقف الباقي‬
‫إلى البـيان‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والمعنى في التفرقة كثرة المؤنة وخفتها ول فرق في وجوب العشر أو نصفه بـين الرض‬
‫المستأجرة وذات الخراج وغيرهما‪ ،‬وتكون الرض خراجية إذا فتحها المام عنوة ثم تعّوضها‬
‫من الغانمين ووقفها علينا وضرب عليها خراجًا‪ ،‬أو فتحها صلحًا على أن تكون لنا ويسكنها‬
‫الكفار بخراج معلوم فهو أجرة ل يسقط بإسلمهم‪ ،‬فإن سكنوها به ولم تشترط هي لنا كان جزية‬
‫ل عن فتاوى الرملي ‪ :‬ل تسقط الزكاة عن‬ ‫تسقط بإسلمهم‪ .‬قال حسين المحلي في كشف اللثام نق ً‬
‫الرض الخراجية ول يحسب ما يأخذه السلطان من الخراج أو ظلمًا من الزكاة ول يقوم ذلك‬
‫مقامها لن الخذ ليس من مستحقيها‪.‬‬
‫)و( يجب )في كل خمس إبل( بالتنوين فيهما على أن الثاني بدل أو عطف بـيان كما قاله ابن حجر‬
‫ل له منزلة‬‫في فتح الجواد )شاة( جذعة ضأن لها سنة ودخلت في الثانية أو أجذعت قبلها تنزي ً‬
‫البلوغ بالحتلم‪ ،‬أو ثنية معز لها سنتان ودخلت في الثالثة ولو كان المخرج من الشاة ذكرًا وإبله‬
‫كلها إناث‪ ،‬وإيحاب الغنم في البل على خلف القاعدة رفقًا بالفريقين لنه لو وجب بعير لضر‬
‫بأرباب الموال‪ ،‬ولو وجب جزء لضر بالفريقين بالتشقيص‪ ،‬ووجوب الشاة في كل خمس من‬
‫البل مستمر )إلى خمس وعشرين( منها‪ ،‬فإذا بلغت ذلك العدد )فبنت مخاض( وهي واجبها إلى‬
‫ست وثلثين وهي ذات سنة كاملة‪ ،‬سميت بذلك لن أّمها آن لها أن تصير من المخاض‪ :‬أي‬
‫الحوامل‪ ،‬فإن لم يكن في إبله بنت مخاض فابن لبون ولو خنثى أو مع قدرته على شراء بنت‬
‫مخاض أو كانت قيمته أقل منها‪.‬‬
‫)وفي ست وثلثين( إلى ست وأربعين )بنت لبون( وهي التي تم لها سنتان‪ ،‬سميت بذلك لنها آن‬
‫لمها أن تلد ثانيًا فتكون ذات لبن فإن فقدها لم يجز عنها حق )وست وأربعين( إلى إحدى وستين‬
‫)حقة( وهي التي تم لها ثلث سنين‪ ،‬وسميت بذلك لنها استحقت أن يطرقها الفحل وأن تركب‬
‫ويحمل عليها‪) .‬وإحدى وستين جذعة( بالذال المعجمة‪ ،‬وهي التي تم لها أربع سنين‪ ،‬سميت بذلك‬
‫لنها حينئذ أجذعت مقّدم أسنانها‪ :‬أي أسقطته‪ ،‬وهي آخر أسنان إبل الزكاة‪ ،‬واعتبرت في الجميع‬
‫النوثة لما فيها من رفق الدر والنسل‪) .‬وست وسبعين( إلى إحدى وتسعين )بنتا لبون وإحدى‬
‫وتسعين( إلى مائة وإحدى وعشرين )حقتان ومائة وإحدى وعشرين ثلث بنات لبون( ولتغير‬
‫الواجب بهذه الواحدة ل بعضها كان لها قسط من الواجب فسقط بموتها بـين تمام الحول والتمكن‬
‫من الخراج جزء من مائة وأحد وعشرين جزءًا من بنات اللبون الثلث‪) .‬ثم( يستمر ذلك إلى‬
‫مائة وثلثين فيتغير الواجب بزيادة تسع‪ ،‬ثم بكل عشر بعدها فحينئذ يجب بعد زيادة تسع على‬
‫المائة والحد والعشرين )في كل أربعين بنت لبون‪ ،‬و( في كل )خمسين حقة( ففي مائة وثلثين‬
‫بنتا لبون وحقة‪ ،‬وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون‪ ،‬وفي مائة وخمسين ثلث حقاق‪ ،‬وفي مائة‬
‫وستين أربع بنات لبون‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( يجب )في ثلثين بقرة( إلى أربعين )تبـيع( وهو ذو سنة كاملة‪ ،‬سمي بذلك لنه يتبع أمه في‬
‫المسرح‪ ،‬ويجزىء عنه تبـيعة بالولى لنها زادت خيرًا بالنوثة وإن كانت أقل منه قيمة‬
‫)وأربعين( بقرة إلى ستين )مسنة( وتسمى ثنية‪ ،‬وهي ذات سنتين كاملتين‪ ،‬سميت بذلك لتكامل‬
‫أسنانها ويجزىء عنها تبـيعان لجزائهما عن ستين كما قال )وستين تبـيعان‪ ،‬ثم( يختلف الواجب‬
‫بكل عشر فيجب )في كل ثلثين تبـيع وأربعين مسنة(‪ ،‬فحينئذ يجب في كل سبعين مسنة وتبـيع‪،‬‬
‫وفي ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلثة أتبعة‪ ،‬وفي مائة وعشرة مسنتان وتبـيع‪ ،‬وفي مائة‬
‫وعشرين ثلث مسنات أو أربعة أتبعة‪.‬‬
‫)و( يجب )في أربعين غنمًا( إلى مائة وإحدى وعشرين )شاة( فمن الضائن جذعة ضأن‪ ،‬وهي ما‬
‫لها سنة‪ ،‬ومن الماعز ثنية معز‪ ،‬وهي ما لها سنتان )ومائة وإحدى وعشرين( شاة إلى مائتين‬
‫وواحدة )شاتان‪ ،‬ومائتين وواحدة( إلى ثلثمائة )ثلث( من الشياه )وأربعمائة أربع( منها )ثم في‬
‫كل مائة شاة( جذعة من الضأن‪ ،‬وهي ما لها سنة وثنية من المعز وهي ما لها سنتان‪ ،‬وما بـين‬
‫النصابـين يسمى وقصًا‪ ،‬وهو عفو ل شيء فيه‪ ،‬ولو تفرقت ماشية المالك في أماكن فهي كالتي‬
‫في مكان واحد حتى لو ملك أربعين شاة في بلدين لزمته الزكاة‪ ،‬ولو ملك ثمانين في بلدين في كل‬
‫بلد أربعون ل يلزمه إل شاة واحدة وإن بعدت المسافة بـينهما‪.‬‬
‫)وتجب الفطرة على حّر بغروب ليلة فطر عمن تلزمه نفقته ولو رجعية إن فضل عن قوت‬
‫ممون( له )يوم عيد وليلته وعن دين( كما اعتمده ابن حجر تبعًا للماوردي ‪ ،‬كقول إمام الحرمين ‪:‬‬
‫دين الدمي يمنع وجوب الفطرة بالتفاق )وما يخرجه فيها( أي الفطرة‪.‬‬
‫والحاصل أنه يشترط في المؤّدي ثلثة شروط‪ :‬الّول‪ :‬السلم فل تلزم الكافر فطرة نفسه بمعنى‬
‫أنه ل يطالب بها في الدنيا وإن كان يعاقب على تركها في الخرة‪ ،‬وتلزم فطرة رقيقه وقريبه‬
‫المسلم لوجوب نفقتهما عليه‪ ،‬هذا في الكافر الصلي‪ .‬وأما المرتّد ففطرته موقوفة على عوده‬
‫للسلم‪ ،‬وكذا الرقيق المرتّد‪ .‬الثاني‪ :‬الحرية فل فطرة على رقيق ل عن نفسه ول عن غيره‬
‫سواء كان مكاتبًا أو ل‪ ،‬أما المكاتب فل تجب فطرته على أحد ل على سيده لستقلله‪ ،‬ول عليه‬
‫لضعف ملكه ومن بعضه حّر وبعضه الخر رقيق يلزمه من الفطرة بقدر ما فيه من الحرية‬
‫وباقيها على مالك الباقي‪ ،‬هذا حيث ل مهايأة بـينه وبـين مالك بعضه‪ ،‬وإل اختصت الفطرة بمن‬
‫وقع زمن الوجوب في نوبته ومثله في ذلك الرقيق المشترك‪ .‬الثالث‪ :‬أن يملك ما يفضل عن مؤنة‬
‫من تلزمه مؤنتهم من نفسه وزوجته التي في طاعته بخلف الناشزة إذ ل تلزمه مؤنتها‪ ،‬ومثل‬
‫الزوجة الرجعية والبائن الحامل لوجوب نفقتهما‪ ،‬ولو زّوج أمته بعبده لزمه فطرتها‪ ،‬ول بّد أيضًا‬
‫أن تكون الفطرة فاضلة عن مسكن وخادم لئقين به يحتاج إليهما‪ ،‬والمراد بحاجته للخادم أن‬
‫يحتاجه لخدمته أو خدمة ممونه‪ ،‬أما حاجته لعمله في أرضه أو ماشيته فل أثر لها‪.‬‬

‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫نعم لو ثبتت الفطرة في ذّمة إنسان يباع فيها مسكنه وخادمه لنها حينئذ صارت من الديون‪ ،‬وأن‬
‫تكون فاضلة عن دست ثوب يليق به وبممونه‪ ،‬ول يشترط كونها فاضلة عن دينه ولو لدمي كما‬
‫رجحه النووي في المجموع واعتمده الذرعي وابن المقري ‪ ،‬لن الدين ل يمنع الزكاة ول يمنع‬
‫إيجاب نفقة الزوجة والقريب فل يمنع إيجاب الفطرة التابعة لها‪ ،‬وإنما لم يمنع الدين وجوبها لن‬
‫ماله ل يتعين صرفه له‪ ،‬وإنما بـيع المسكن والخادم فيه تقديمًا لبراءة ذّمته على النتفاع بهما لن‬
‫تحصيلهما بالكراء أسهل كذا قال الرملي ‪ ،‬ويعتبر وجود الفضل بما ذكر وقت الوجوب فوجوده‬
‫بعده ل يوجبها اتفاقًا‪ ،‬وفارق الكفارة حيث تستقّر في ذّمته عند العجز عنها‪ ،‬لن القاعدة أن الحق‬
‫المالي إذا وجب على الشخص بتسبب منه استقّر في ذّمته‪ ،‬وإن كان معسرًا وقت وجوبه‬
‫كالكفارة‪ ،‬وإن لم يتسبب في وجوبه فل شيء عليه إذا كان معسرًا وقت وجوبه وإن أيسر بعده‬
‫كالفطرة‪.‬‬
‫ويشترط في المؤّدى عنه أمران‪ :‬الّول‪ :‬السلم فل تخرج الفطرة عن كافر وفي المرتّد ما مّر‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يدرك وقت وجوبها الذي هو آخر جزء من رمضان وأّول جزء من شوال‪ ،‬فتخرج‬
‫عمن مات بعد الغروب وعمن ولد قبله ولو بلحظة دون من مات قبله ودون من ولد بعده‪ ،‬ولو‬
‫كان هناك مهايأة في رقيق بـين اثنين بليلة ويوم بأن كان يخدم أحدهما ليلة والخر يومًا‪ ،‬أو في‬
‫نفقة قريب بـين اثنين كذلك فهي عليهما‪ ،‬لن كل واحد منهما وقع في نوبته جزء من وقت‬
‫الوجوب‪ ،‬ولو قال لرقيقه‪ :‬أنت حّر مع آخر جزء من رمضان فالفطرة على العتيق إن أيسر في‬
‫هذه اللحظة بإرث أو نحوه‪.‬‬
‫ل من لزمه نفقة شخص لزمه فطرته إن كان ذلك الشخص مسلمًا‪ ،‬وذلك كالزوجة‬ ‫ضابط‪ :‬ك ّ‬
‫والصول والفروع والرقاب ومثل الزوجة خادمها المملوك لها أو لهما أو المستأجر بالنفقة‪،‬‬
‫بخلف المستأجر بدراهم‪ ،‬ولو صحبتها امرأة لتخدمها بالنفقة ل يلزم الزوج فطرتها لعدم‬
‫الجارة‪ ،‬ويستثنى من هذا الضابط مسائل‪ :‬منها‪ :‬أنه ل يلزم العبد فطرة زوجته حرة كانت أو‬
‫غيرها وإن وجبت نفقتها في كسبه ونحوه لنه ل يملك وإن ملكه سيده‪ .‬ومنها‪ :‬أنه ل يلزم البن‬
‫فطرة زوجة أبـيه ومستولدته وإن وجبت نفقتهما على الولد لكون الب فقيرًا‪ ،‬لن النفقة لزمة‬
‫للب مع إعساره فيتحملها الولد بخلف الفطرة‪ .‬ومنها‪ :‬عبد بـيت المال تجب نفقته على المام‬
‫دون فطرته‪ .‬ومنها‪ :‬ما لو آجر عبده وشرط نفقته على المستأجر فإن الفطرة على سيده‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫عبد المالك في المساقاة والقراض إذا شرط عمله مع العامل فنفقته على العامل وفطرته على‬
‫سيده‪ .‬ومنها‪ :‬ما لو حج بالنفقة ففطرته على نفسه‪ .‬ومنها‪ :‬عبد المسجد سواء كان ملكه أو موقوفًا‬
‫عليه فل تجب فطرتهما وإن وجبت نفقتهما‪ .‬وصورة الملك أن يوهب له أو يوصى له به‪ ،‬ول‬
‫يشترط القبول من الناظر فيهما‪ ،‬وفائدة كونه ملكه أنه يباع في مصالحه‪ ،‬بخلف الموقوف عليه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬الموقوف على غير معين كرجل ومدرسة ورباط أو على جهة كالفقراء‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومنها‪ :‬الزوجة الغنية التي في طاعة الزوج المعسر تجب نفقتها دون فطرتها‪ ،‬لن المخاطب‬
‫بفطرتها زوجها والحال أنه معسر فل يجب عليها إخراج فطرة نفسها لن المخاطب بها غيرها‪.‬‬
‫ن لها ذلك‪ ،‬وخرج بما ذكر الناشزة فإن فطرتها على نفسها‪ ،‬ولو كانت الزوجة أمة مسلمة‬ ‫نعم يس ّ‬
‫ل ونهارًا فإن كان حرًا موسرًا فعليه نفقتها وفطرتها‪ ،‬وإن كان رقيقًا أو معسرًا فعليه‬
‫لزوجها لي ً‬
‫ل فقط ويستخدمها السيد نهارًا‪ ،‬فنفقتها‬ ‫نفقتها وعلى سيدها فطرتها‪ ،‬وإن كانت مسلمة له لي ً‬
‫وفطرتها على السيد سواء كان الزوج رقيقًا أو حرًا موسرًا أو معسرًا‪ ،‬ومفهوم هذا الضابط أن‬
‫من لم تجب نفقته ل تجب فطرته ويستثنى من ذلك المكاتب كتابة فاسدة فإن نفقته ل تلزم السيد‬
‫ي ل تجب فطرتها على أحد لنها تراها‬ ‫وتلزمه فطرته‪ ،‬ولو كانت الزوجة شافعية والزوج حنف ّ‬
‫على زوجها وهو يراها عليها‪ ،‬وإذا كان بعكس ذلك وجبت على الزوج لكونه يراها على نفسه‪،‬‬
‫ولو استأجر شخصًا لخدمته أو لرعي دوابه أو لخدمة زرعه بشيء معين من الدراهم ل تجب‬
‫على المستأجر فطرته لكونه مؤجرًا بدراهم إجارة صحيحة أو فاسدة‪ ،‬بخلف ما لو استخدمه‬
‫بالنفقة والكسوة فإنه تجب عليه فطرته ويجزىء أداء المتحمل عنه للفطرة بغير إذن المتحمل لنه‬
‫الصل وقد نوى كما قاله ابن حجر ‪.‬‬
‫والحاصل أن اعتبار الفطرة شرعًا متوقف على أربعة أمور‪ :‬النية‪ .‬والقدر المخرج‪ .‬والمؤّدي‪.‬‬
‫والمؤّدى عنه‪ .‬أما النية فتكون من المؤّدي عن نفسه أو عمن تلزمه فطرته من زوجة وخادمها‬
‫ي من صغير ومجنون‬ ‫ورقيق وأصول وفروع إذا وجبت نفقتهم ونحو ذلك‪ ،‬أو عن موليه الغن ّ‬
‫وسفيه ولو من مال نفسه لنه يستقل بتمليكه‪ ،‬بخلف أصوله وفروعه الذين ل تجب نفقتهم‪،‬‬
‫وبخلف الجنبـي فإنه ل بّد من الذن له في الداء عنهم فلو أّدى عنهم بغير إذنهم ل يقع الموقع‪،‬‬
‫ومن كانت فطرته واجبة على غيره كالزوجة فأخرج عن نفسه من ماله بغير إذن من وجبت عليه‬
‫صح ول رجوع له بها على من وجبت عليه لنها تجب ابتداء على المؤّدى عنه ثم يتحملها عنه‬
‫المؤّدي‪ ،‬وتكون النية عند العزل عن المال أو عند الدفع إلى المستحق أو بـينهما‪.‬‬
‫)و( القدر المخرج من زكاة الفطرة عن واحد )هي صاع( بصاع رسول ال )من غالب قوت بلده(‬
‫أي غالب قوت محل وقت الوجوب من جنس واحد عن شخص واحد‪ ،‬فل يجوز تبعيضه من‬
‫جنسين وإن كان أحد الجنسين أعلى من الخر‪ ،‬كما ل يجزى في كفارة اليمين أن يكسو خمسة‬
‫ويطعم خمسة‪ .‬أما لو أخرج الصاع عن اثنين كأن ملك شخص نصفي عبدين أو مبعضين ببلدين‬
‫مختلفي القوت فإنه يجوز تبعيضه‪ ،‬ولو كان قوتهم البر الذي فيه قليل من الشعير تسومح به‪ ،‬فإن‬
‫كان قوتهم البّر المختلط بشعير كثير تخير إن تساوى الخليطان فيخرج صاعًا من البّر أو الشعير‪،‬‬
‫فإن كان أحدهما أكثر وجب منه‪ .‬ويجزى العلى عن الدنى ل عكسه‪ ،‬فإن لم يجد إل نصفًا من ذا‬
‫ونصفًا من ذا‪ .‬فالوجه أنه يخرج النصف الواجب عليه ول يجزئه الخر لما مّر من أن الصاع ل‬
‫يبعض من جنسين‪ ،‬والعلّو بزيادة القتيات ل بزيادة القيمة‪ ،‬فأعلى القوات البّر فالسلت‪ ،‬فالشعير‪،‬‬
‫فالذرة‪ ،‬فالرز‪ ،‬فالحمص‪ ،‬فالماش‪ ،‬فالعدس‪ ،‬فالفول‪ ،‬فالتمر‪ ،‬فالزبـيب‪ ،‬فالقط‪ ،‬فاللبن‪ ،‬فالجبن‪.‬‬
‫ورمز بعضهم لترتيبها فقال‪:‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫بال سل شيخ ذي رمز حكى مثلً‬


‫عن فور ترك زكاة الفطر لو جهل‬
‫حروف أّولها جاءت مرتبة‬
‫أسماء قوت زكاة الفطر إن عقل‬
‫فهذه أربعة عشر لو غلب اقتيات واحد منها في بعض النواحي وجب إخراج صاع منه في زكاة‬
‫الفطر‪ ،‬ويجزى أعلى منه ل أدنى‪ :‬وذلك بخلف زكاة المال فإنه ل يجزى فيها إخراج جنس عن‬
‫آخر كذهب عن فضة وعكسه‪ ،‬لن الزكاة المالية متعلقة بالمال فأمر أن يواسي الفقراء بما واساه‬
‫ال به‪ ،‬والفطرة زكاة البدن فنظر فيها لما هو غذاء البدن‪ ،‬والعلى يحصل به هذا الغرض‬
‫وزيادة‪ ،‬ولو كان في البلد أقوات ل غالب فيها تخير بـينها‪ ،‬ولو اختلف الغالب باختلف الوقات‬
‫فالعبرة بغالب قوت السنة ل غالب قوت وقت الوجوب على المعتمد‪ ،‬فأهل البلد الذين يقتاتون‬
‫ل يجب عليهم الذرة‪ ،‬فإن غلب في بعض البلد جنس‬ ‫الذرة في غالب السنة والقمح ليلة العيد مث ً‬
‫وفي بعضها جنس آخر أجزأ أدناهما في ذلك الوقت هكذا نصوا عليه‪ ،‬ول يجزى الخراج من‬
‫غير هذه القوات الربعة عشر‪ ،‬فلو كان بعض النواحي يقتاتون بغيرها كالنرجيل والمتخذ من‬
‫ماء عصير الشجر وكالسمك وجبت الفطرة من غالب قوت أقرب البلد إليهم مما يجزى فيها‪،‬‬
‫فإن كان بقربهم محلن مستويان قربًا واختلف الغالب من القوات فيهما تخير بـينهما‪.‬‬
‫ولو اختلف محل المؤّدي والمؤّدى عنه فالعبرة بغالب قوت محل المؤّدى عنه‪ ،‬ويجب صرفها إلى‬
‫مستحقي محل المؤّدى عنه فإن لم يعرف محل المؤّدى عنه كعبد أبق‪ .‬قال جماعة‪ :‬يحتمل استثناء‬
‫هذه‪ :‬أي فيخرج السيد من غالب قوت محله‪ ،‬ويحتمل أنه يخرج فطرته من غالب قوت آخر محل‬
‫عهد وصوله إليه لن الصل أنه فيه‪ ،‬ويدفعه للحاكم لن له نقل الزكاة وهذا هو المعتمد‪ ،‬وله أن‬
‫يخرج عن نفسه من قوت واجب وعمن تلزمه فطرته من زوجة ورقيق ونحوهما أو عمن تبرع‬
‫عنه بإذنه أعلى منه لنه زاد خيرًا‪ .‬والصاع‪ :‬أربعة أمداد‪ .‬والمّد‪ :‬رطل وثلث بالعراقي فيكون‬
‫الصاع خمسة أرطال وثلثا به‪ .‬قال جماعة‪ :‬الصاع أربع حفنات بكفي رجل معتدلهما‪ ،‬ول بّد أن‬
‫يكون الحب سليمًا فل يجزى المسّوس وإن اقتاته‪ ،‬ول بّد أن يكون خالصًا من التبن والطين ونحو‬
‫ن الزيادة على الصاع لحتمال أن يكون فيه شيء من العفش‪ ،‬ول يجزى أقل من صاع‬ ‫ذلك‪ .‬وتس ّ‬
‫إل لمن بعضه مكاتب ولرقيق مشترك بـين موسر ومعسر ولمن ل يملك زيادة عن كفاية يوم العيد‬
‫وليلته إل بعض الصاع‪.‬‬
‫تتمة‪ :‬من أيسر ببعض الواجب فعليه أن يقّدم نفسه فزوجته فخادمها فولده الصغير‪ ،‬فأباه فأّمه‬
‫الفقيرين فولده الكبـير الذي تجب نفقته بأن كان فقيرًا عاجزًا عن الكسب‪ ،‬فإن لم يكن كذلك ل‬
‫تجب على الب فطرته لعدم وجوب نفقته‪ ،‬وفطرة ولد الزنا والمنفي باللعان على أمهما لوجوب‬
‫نفقتهما عليها )وحرم تأخيرها عن يومه( أي الفطر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أن للفطرة خمسة أوقات‪ :‬وقت جواز‪ ،‬وهو من ابتداء رمضان فإنه يجوز تعجيلها من‬
‫ابتدائه‪ ،‬ول يجوز إخراجها قبله‪ .‬ووقت وجوب‪ ،‬وهو بإدراك جزء من رمضان وجزء من شّوال‪.‬‬
‫ووقت ندب‪ ،‬وهو قبل صلة العيد‪ .‬ووقت كراهة‪ ،‬وهو ما بعد صلة العيد وقبل فراغ اليوم فإنه‬
‫يكره تأخيرها عنها ما لم يكن لعذر من انتظار قريب أو أحوج‪ .‬ووقت حرمة‪ ،‬وهو ما بعد يوم‬
‫العيد فإنه يحرم تأخيرها عنه وتكون قضاء يجب على الفور إن كان التأخير بل عذر وإل فعلى‬
‫التراخي‪.‬‬
‫فصل في أداء الزكاة‬
‫وهو دفعها لمستحقيها )يجب أداؤها فورًا( لن حاجة المستحقين إليها ناجزة ولنها حق لزمته‬
‫وقدر على أدائها )بتمكن( من الداء وذلك )بحضور مال( وإن عسر الوصول له لتساع البلد‬
‫ل أو ضياع مفتاح أو نحوه‪ ،‬فإن لم يحضر المال لم يلزمه الداء من محل آخر وإن جّوزنا نقل‬ ‫مث ً‬
‫الزكاة‪) .‬و( بحضور )مستحقيها( لستحالة العطاء من غير قابض وإن لم يطلبوا‪ .‬والفرق بـين‬
‫هذا وبـين دين الدمي حيث ل يجب دفعه إل بالطلب أن الدين لزم ذمة المدين باختياره ورضاه‬
‫فتوقف وجوب دفعه على طلبه‪ ،‬بخلف ما هنا فإنه وجب له بحكم الشارع فلم يتوقف وجوب دفعه‬
‫على طلب‪) .‬وحلول دين مع قدرة( على استيفائه بأن كان على ملىء حاضر باذل أو جاحد عليه‬
‫بـينة‪ ،‬أو يعلمه القاضي أو على غيره وقبضه‪ ،‬وبحصول جفاف في الثمار‪ ،‬وتنقية من نحو تبن‬
‫ب‪ ،‬وتراب في معدن‪ ،‬وبخلّو مالك من مهم ديني أو دنيوي كما في رّد الوديعة‪ ،‬وبزوال‬ ‫في ح ّ‬
‫حجر فلس لن الحجر به مانع من التصرف‪ ،‬وبعود مغصوب وضال فيخرج الزكاة حينئذ عن‬
‫الحوال الماضية‪ ،‬فإن تلف قبل التمكن فل زكاة‪ .‬وشرط لوجوب الداء عن التمكن بهذه المور‬
‫تقرر أجرة قبضت قبل مضي المّدة المعقود عليها‪ ،‬فلو أجر دارًا أربع سنين بمائة دينار معينة أو‬
‫في الذمة وتسلمها لم يلزمه كل سنة أن يخرج إل زكاة ما استقر عليه ملكه لضعف الملك في غيره‬
‫بتعرضه للزوال بتلف العين المؤجرة‪ ،‬بخلف الصداق فل يشترط تقرره بتشطير أو موت أو‬
‫وطء ولذا قال‪) :‬ولو أصدقها( أي المرأة )نصاب نقد زكته( لنها ملكته بالعقد ملكًا تامًا إذ ل يسقط‬
‫بموتها قبل وطء وإن لم تسلم المنافع للزوج‪ ،‬وإنما يثبت تشطيره بتصرف مبتدأ من الزوج من‬
‫طلق ونحوه‪ ،‬وبذلك فارق الجرة فإذا أصدقها نصاب سائمة معينة ومضى حول من الصداق‬
‫زكته وإن لم تقبضه ول وطئها‪ ،‬وخرج بمعينة ما في الذمة لن السوم ل يثبت فيها‪ ،‬بخلف‬
‫إصداق النقد فإنه يزكى إذا تم الحول من الصداق‪ ،‬وإن كان في الذمة وقبل التمكن وبعده‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وشرط له( أي أداء الزكاة شرطان‪ :‬أحدهما‪) :‬نية(‪ .‬قال ابن حجر في )فتح الجواد(‪ :‬والنية في‬
‫الزكاة ركن ول يشترط النطق بها ول يكفي وحده اهـ‪) .‬كهذا زكاة( أو زكاة المال فتجزىء هذه‬
‫النية ولو بدون الفرضية إذ الزكاة ل تكون إل فرضًا‪) .‬أو صدقة مفروضة( أو واجبة‪ ،‬وكذا هذا‬
‫فرض الصدقة ول يضر شموله لصدقة الفطر‪ ،‬أل ترى أن نية الزكاة تشملها وذلك لدللة ما ذكر‬
‫على المقصود كما اتفق عليه الرملي وابن حجر ‪ ،‬بخلف صدقة مالي فل يكفي لشمولها النفل‬
‫وفرض مالي لشموله الكفارة والنذر‪ ،‬وصدقة فقط لصدقها بصدقة التطّوع‪) .‬ل( يشترط‬
‫)مقارنتها( أي النية )للدفع بل يكفي( وجود النية قبل الداء إن وجدت )عند عزل أو( عند )إعطاء‬
‫وكيل( أو إمام‪ .‬والفضل لهما أن ينويا عند التفريق على المستحقين أيضًا أو بعد أحدهما وقبل‬
‫التفريق لعسر اقتران النية بأداء كل مستحق‪) .‬أو( وجدت النية )بعد أحدهما( أي العزل والتوكيل‪.‬‬
‫ل إلى وكيله ليفرقه تطّوعا ثم نوى به الفرض ثم فرقه الوكيل وقع عن‬ ‫)وقبل التفرقة( فلو دفع ما ً‬
‫الفرض إن كان القابض مستحقًا‪ ،‬أما تقديم النية على العزل أو إعطاء الوكيل فل يجزى كأداء‬
‫ي أو كافر ودفعها‬ ‫الزكاة بعد الحول من غير نية‪ ،‬ولو نوى الزكاة مع الفراز فأخذها صبـ ّ‬
‫لمستحقها أو أخذها المستحق لنفسه ثم علم المالك بذلك أجزأ وبرئت ذمته منها لوجود النية من‬
‫ي أو الكافر‬
‫المخاطب بالزكاة مقارنة لفعله‪ ،‬ويملكها المستحق لكن إذا لم يعلم المالك بإعطاء الصبـ ّ‬
‫لمستحقها وجب عليه إخراجها‪ ،‬وتقع الولى تطّوعا‪ ،‬ولو أفرز قدرها ونواها لم يتعين ذلك القدر‬
‫المفرز للزكاة إل بقبض المستحق له سواء أكانت زكاة مال أم بدن‪ ،‬والفرق بـين ذلك والشاة‬
‫المعينة للتضحية أن المستحقين للزكاة شركاء للمال بقدرها فل تنقطع شركتهم إل بقبض معتبر‪.‬‬
‫)وجاز( كما قال الجرجاني ‪) :‬لكل( من أحد الشريكين )إخراج زكاة المشترك بغير إذن( شريكه‬
‫)الخر( ومن ذلك يؤخذ أن نية أحدهما تغني عن نية الخر‪ ،‬وذلك إذا أخرج من المشترك )و(‬
‫جاز التوكيل في أداء الزكاة لنها حق مالي‪ ،‬فجاز أن يوكل فيه كديون الدميـين ولذلك جاز‬
‫)توكيل كافر وصبـي( أي مميز )في إعطائها لمعين( أي يشترط لجواز توكيل دفع الزكاة إلى من‬
‫ذكر تعيـين المدفوع إليه‪ ،‬ويشترط لبراءة ذمة الموكل العلم بوصولها للمستحق‪ ،‬ومثل الصبـي‬
‫المميز السفيه والرقيق في ذلك‪) ،‬و( جاز لمالك النصاب )تعجيلها( أي الزكاة في المال الحولي‬
‫)قبل( تمام )حول( فيما انعقد حوله ووجد النصاب فيه لنه أرخص في التعجيل للعباس رواه أبو‬
‫داود والحاكم‪ ،‬ولنه وجب بسببـين فجاز تقديمه على أحدهما كتقديم الكفارة على الحنث‪ ،‬ومحل‬
‫جواز التعجيل في غير الولي‪ ،‬أما هو فل يجوز له التعجيل عن موليه سواء الفطرة وغيرها‪ .‬نعم‬
‫إن عجل من ماله جاز ول يرجع به على الصبـي وإن نوى الرجوع لنه إنما يرجع عليه فيما‬
‫يصرفه عنه عند الحتياج‪ ،‬ول يصح تعجيل الزكاة على ملك النصاب في زكاة عينية كأن ملك‬
‫مائة درهم فعجل خمسة دراهم لتكون زكاة‪ ،‬إذا تّم النصاب وحال الحول عليه واتفق ذلك فل‬
‫يجزئه إذ لم يوجد سبب وجوبها لعدم المال الزكوي‪ ،‬فأشبه أداء الثمن قبل البـيع والدية قبل القتل‬
‫والكفارة قبل اليمين‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وخرج بالزكاة العينية زكاة التجارة فيجوز التعجيل فيها بناء على ما مر من أن النصاب فيها‬
‫ل أو قيمته مائتان فعجل‬ ‫معتبر بآخر الحول‪ ،‬فلو اشترى عرضًا قيمته مائة فعجل زكاة مائتين مث ً‬
‫زكاة أربعمائة وحال الحول وهو يساوي ذلك أجزأه‪ ،‬وكأنهم اغتفروا له الترّدد في النية إذ الصل‬
‫ل لنه ل يدري ما حاله عند آخر الحول‪.‬‬ ‫عدم الزيادة لضرورة التعجيل وإل لم يجز تعجيل أص ً‬
‫)ل( يجوز تعجيل الزكاة )لعامين( ول لكثر منهما إذ زكاة غير الّول لم ينعقد حوله‪ ،‬والتعجيل‬
‫قبل انعقاد الحول ممتنع‪ ،‬فإن عجل لكثر من عام أجزأه عن الّول مطلقًا‪ :‬أي ميز ما لكل عام أو‬
‫ل دون غيره سواء أكان قد ميز حصة كل عام أم ل‪ ،‬وشرط وقوع المعجل زكاة بقاء المالك‬
‫بصفة الوجوب عند آخر الحول‪ ،‬والقابض بصفة الستحقاق والمال إلى تمام الحول‪ ،‬فإن مات‬
‫مالك أو قابض قبله أو ارتد قابض أو غاب ولم تجز نقل الزكاة‪ ،‬أو استغنى بمحض غير المعجل‬
‫كمعجل آخر أخذه بعد الّول‪ ،‬أو نقص نصاب‪ ،‬أو زال عن ملكه وليس مال تجارة لم تجزئه‬
‫لخروجه عند الوجوب عن الهلية في الطرفين‪ ،‬ول يضر غناه بالمعجل وحده أو مع غيره‪ ،‬ول‬
‫عروض مانع فيه قبل الحول كردة وكذا لو لم يعلم استحقاقه أو حياته‪.‬‬
‫)وحرم تأخيرها( أي تأخير المالك أداء الزكاة بعد التمكن )وضمن( أي المالك )إن( أخر الداء‬
‫)وتلف( أي المال )بعد تمكن( وقد مّر لتقصيره‪ ،‬ومن ثم لو أتلفه بعد الحول ولو قبل التمكن ضمنه‬
‫بأن يؤدي ما كان يؤديه قبل التلف فإن أتلفه أجنبـي تعلقت الزكاة بالقيمة‪ ،‬ويجوز التأخير لطلب‬
‫الفضل لتفريقه أو لطلب المام حيث كان تفريقه أفضل ولنتظار قرابة وإن بعدت وجار أو‬
‫أحوج أو أصلح لنه تأخير لغرض ظاهر‪ ،‬هذا إذا لم يكن هناك مضطر‪ ،‬أما إذا كان ثم من‬
‫ل ضررًا يبـيح التيمم فيحرم التأخير مطلقًا ويضمن ما تلف في مدة‬ ‫يتضرر بالجوع أو العري مث ً‬
‫التأخير فيخرج قدر الزكاة لمستحقيه وإن لم يأثم كأن أخر ذلك لحصول المكان‪ ،‬وإذا أخر‬
‫لغرض نفسه فيتقيد جواز التأخير بشرط سلمة العاقبة‪ ،‬أما ما تلف قبل التمكن من غير تقصير‬
‫فل ضمان سواء كان تلفه بعد الحول أم قبله‪ ،‬فإذا كان من نصاب ل وقص سقط قسطه وبقي قسط‬
‫الباقي فيتعلق الفرض بالنصاب فقط وذلك لنتفاء تقصيره‪ ،‬فإن قصر كأن وضعه في غير حرز‬
‫مثله كان ضامنًا‪ ،‬وخرج بالتلف قبل التمكن ما لو مات المالك قبل التمكن فل يسقط الضمان بل‬
‫يتعلق الواجب بتركته‪.‬‬
‫)و( ثانيهما‪) :‬إعطاؤها( أي الزكاة )لمستحقيها( فل تصرف الزكوات إل إلى الصناف الثمانية‬
‫المذكورين في قوله تعالى‪} :‬إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم‬
‫وفي الرقاب والغارمين وفي سبـيل ال وابن السبـيل{ ))‪ (9‬التوبة‪ :‬الية ‪ .(60‬وبـيان هذه‬
‫الصناف على ترتيب الية الكريمة أن نقول‪ :‬الفقير هو من ل مال له ول كسب لئق به يقع كل‬
‫منهما أو مجموعهما موقعًا من كفايته مطعمًا وملبسًا ومسكنًا وغيرها‪ ،‬مما ل بّد له منه على ما‬
‫يليق بحاله وحال ممونه كمن يحتاج إلى عشرة في كل يوم ول يملك أو ل يكتسب إل أقل من‬
‫ل يليق به‪ ،‬فالكسب الحرام ل يمنع الفقر‪ ،‬ولو كان في سعة‬ ‫خمسة‪ ،‬والمراد باللئق أن يكون حل ً‬
‫منه فيحل له الخذ من الزكاة‪ ،‬وعلم من ذلك أن أهل البـيوت الذين ل يعتادون الكسب بأيديهم لهم‬
‫أخذ الزكاة‪ ،‬وهو المعتمد‪ .‬والكسوب غير فقير وإن لم يكتسب بالفعل إن وجد من يستعمله وقدر‬
‫عليه ولق به وحل له تعاطيه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والمسكين هو من له مال أو كسب لئق به يقع موقعًا من كفايته إن قتر‪ ،‬ول يكفيه لو توسط كمن‬
‫ل يكفيه إل عشرة‪ ،‬ول يملك أو يكتسب إل خمسة فما فوقها إلى دون ما يكفيه‪ ،‬ويمنع فقر‬
‫الشخص ومسكنته كفاية بنفقة واجبة إن تيسرت له‪ ،‬أما إذا تعسرت كأن كان الزوج معسرًا بالنفقة‬
‫أو بتمامها فللزوجة أن تأخذ كفايتها من الزكاة‪ ،‬ومن لم يكفها ما وجب لها على زوجها لكونها‬
‫أكولة تأخذ تمام كفايتها من الزكاة ولو من زوجها‪ ،‬ولو كان له كسب لئق به لكنه كان مشتغ ً‬
‫ل‬
‫بالعلم الشرعي الذي يتأتى منه تحصيله والكسب يمنعه جاز له الخذ من الزكاة قال بعضهم‪.‬‬
‫وحينئذ تجب نفقته على والده‪ .‬والعلم الشرعي الفقه والتفسير والحديث وآلتها‪ ،‬ول يمنع فقره‬
‫مسكنه الذي يحتاجه ويليق به ول ثيابه ولو للتجمل ول كتب له يحتاجها وإن تعددت بتعدد الفنون‪،‬‬
‫فإن تعددت من فن واحد بـيع ما زاد إل لمدرس فتبقى له كلها ويبقى المبسوط لغيره‪ ،‬ول مال‬
‫غائب بمرحلتين أو حاضر حيل بـينه وبـينه أو مؤجل فيعطى إلى أن يصل إلى ماله أو يتمكن منه‬
‫ل من المسكين‪ .‬والعامل‬ ‫أو يحل الجل لنه الن فقير أو مسكين‪ ،‬وعلم مما مر أن الفقير أسوأ حا ً‬
‫على الزكاة مثل الساعي الذي يجبـيها‪ ،‬والكاتب الذي يكتب ما أعطاه أرباب الموال‪ ،‬والقاسم‬
‫الذي يقسم الزكوات بـين المستحقين‪ ،‬والحاشر الذي يجمع أرباب الموال أو المستحقين‪ ،‬والحافظ‬
‫لها والحاسب للموال‪ ،‬ل قاض ووال بل رزقهما في خمس الخمس المرصد للمصالح‪.‬‬
‫والمؤلفة قلوبهم أربعة أقسام‪ :‬من أسلم ونيته ضعيفة في السلم أو أهله‪ .‬ومن أسلم ونيته قوية‬
‫فيهما ولكن له شرف في قومه يتوقع بإعطائه إسلم غيره‪ .‬ومن أسلم ونيته كذلك لكن هو كاف لنا‬
‫شّر من يليه من كفار أو مانعي زكاة‪ ،‬وهذا تحته قسمان فيعطي كل من القسام الربعة‪ ،‬لكن إنما‬
‫يعطى الخيران إذا كان إعطاؤهما أهون علينا من تجهيز جيش يبعث لذلك‪ .‬والرقاب هم‬
‫المكاتبون كتابة صحيحة لغير المزكى فيعطون ما يعينهم على العتق إن لم يكن معهم ما يفي‬
‫بنجوم الكتابة ولو بغير إذن ساداتهم أو قبل حلول النجوم وإن كان كسوبًا‪ ،‬أما مكاتب المزكى فل‬
‫يعطي من زكاته شيئًا لعود الفائدة عليه مع كونه ملكه‪.‬‬
‫والغارم ثلثة أقسام‪ :‬الّول‪ :‬من تداين لنفسه في مباح طاعة كان أو ل وإن صرفه في معصية أو‬
‫ن صدقه أو في غير مباح وصرفه في مباح‪ ،‬هذا كله‬ ‫في غير مباح كخمر وصرفه فيه وتاب وظ ّ‬
‫قسم أّول من أقسام الغارم الثلثة فيعطى مع الحاجة بأن يحل الدين ول يقدر على وفائه‪ ،‬بخلف‬
‫من تداين لمعصية وصرفه فيها ولم يتب‪ ،‬ومن لم يحتج فل يعطى شيئًا‪ .‬الثاني‪ :‬من تداين لصلح‬
‫ذات البـين‪ :‬أي الحال بـين القوم كأن وجد قتيل بـين قبـيلتين ولم يظهر قاتله وتنازعا في ذلك‬
‫فتحمل ديته تسكينًا للفتنة فيعطى ولو غنيًا ترغيبًا في هذه المكرمة‪ .‬الثالث‪ :‬من تداين لضمان‬
‫ل الدين وأعسر مع الصيل أو وحده وكان متبرعًا بالضمان بأن ضمن بل إذن‪،‬‬ ‫فيعطى إن ح ّ‬
‫بخلف ما لو ضمن بالذن وكان الصيل موسرًا فل يعطى الضامن لنه يرجع على الصيل بما‬
‫أّداه‪ .‬وفي سبـيل ال المجاهد المتطّوع بالجهاد فيعطى ولو غنيًا إعانة له على الغزو‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وابن السبـيل هو منشىء السفر من بلد مال الزكاة أو مجتاز به في سفره فيعطى إن احتاج ول‬
‫ن الدافع حاله من استحقاق الزكاة وعدمه عمل بمقتضى ذلك‪ ،‬ومن‬ ‫معصية بسفره‪ ،‬ومن علم أو ظ ّ‬
‫ن حاله فإن اّدعى ضعف إسلم أو فقرًا أو مسكنة أو كونه غازيًا أو ابن سبـيل صّدق‬ ‫لم يعلم أو يظ ّ‬
‫ل أو مكاتبًا أو غارمًا أو بقية المؤلفة‬
‫ل أو تلف مال عرف أنه له أو عام ً‬‫بل يمين‪ ،‬وإن اّدعى عيا ً‬
‫كلف ببـينة‪ ،‬وهي عدلن أو عدل وامرأتان يخبران بذلك‪ ،‬وإن لم يكن بلفظ الشهادة‪ ،‬وإن لم يتقّدم‬
‫دعوى عند حاكم ول استشهاد‪ ،‬ويغني عن البـينة الستفاضة بـين الناس‪ :‬أي الشاعة من قوم‬
‫يؤمن تواطؤهم على الكذب‪ ،‬ويكفي أيضًا تصديق دائن للغارم وسيد للمكاتب‪ ،‬ولو تخلف الغازي‬
‫وابن السبـيل عما أخذا لجله بأن مضى ثلثة أيام ولم يترصدا للخروج ولم ينتظرا رفقة استرد‬
‫منهما ما أخذاه‪ ،‬وكذا لو فضل عن حاجة الغازي شيء له وقع ولم يكن قتر على نفسه أما ما ل‬
‫وقع له فل يسترد مطلقًا‪ ،‬وكذا لو قتر على نفسه وفضل شيء بسبب ذلك فل يسترد‪ ،‬بخلف ابن‬
‫السبـيل‪ ،‬فإنه يسترد منه الفاضل مطلقًا‪ ،‬ومثله المكاتب إذا عتق بغير ما أخذه والغارم إذا برىء‬
‫أو استغنى بغير ما أخذه‪.‬‬
‫وينبغي للخذ أن يدعو للمعطي لقوله ‪» :‬من أسدى إليكم معروفًا فكافئوه فإن لم تقدروا على‬
‫ي إحسان فكافئوه بمثله فإن لم تجدوا فبالغوا في الدعاء له‬ ‫مكافأته فادعوا له« أي من أحسن إليكم أ ّ‬
‫جهدكم حتى تحصل المثلية‪ ،‬والولى أن يقول في دعائه‪ :‬طهر ال قلبك في قلوب البرار وزكى‬
‫عملك في عمل الخيار وصلى على روحك في أرواح الشهداء‪.‬‬
‫وإذا قسم المام وجب عليه أربعة أشياء‪ :‬تعميم الصناف الثمانية إن وجدوا‪ ،‬وتعميم آحاد كل‬
‫صنف إن وفى بهم المال وإل بأن كان قدرا لو وّزع عليهم لم يسّد مسّدا لم يجب التعميم بل يقّدم‬
‫الحوج فالحوج منهم‪ ،‬والتسوية بـين الصناف مطلقًا غير العامل‪ ،‬أما هو فيعطى أجرة مثله‪،‬‬
‫والتسوية بـين آحاد الصناف إن استوت الحاجات‪ ،‬فإن لم يوجد جميع الصناف وجب تعميم من‬
‫وجد منهم‪ ،‬وإن لم تتساو الحاجات دفع إليهم بحسبها فيعطى الفقير والمسكين كفاية بقية العمر‬
‫الغالب‪ ،‬وهو اثنتان وستون سنة فيشتريان بما يعطيانه عقارًا يستغلنه‪ ،‬وللمام أن يشتري لهما‬
‫ذلك‪ ،‬هذا فيمن ل يحسن الكسب بحرفة ول تجارة‪ ،‬أما من يحسن الكسب بحرفة فيعطى ما‬
‫يشترى به آلتها‪ ،‬وأما من يحسن التجارة فيعطى ما يشترى به ما يحسن التجارة فيه مما يفي ربحه‬
‫بكفايته غالبًا‪ ،‬ويعطى مكاتب وغارم لغير إصلح ذات البـين ما عجزا عنه من وفاء دينهما‪،‬‬
‫ويعطى ابن السبـيل ما يوصله مقصده أو ماله إن كان له في طريقه مال‪ ،‬ويعطى الغازي حاجته‬
‫في غزوه ذهابًا وإيابًا وإقامة له ولعياله ويهيأ له مركوب إن لم يطق المشي أو طال سفره وما‬
‫يحمل زاده ومتاعه إن لم يعتد مثله حملهما كابن السبـيل‪ ،‬ويعطى المؤلفة ما يراه‪ ،‬ويعطى كل فرد‬
‫من أفراد العامل أجرة مثله‪ ،‬ومن فيه صفتا استحقاق كفقير غارم يأخذ بإحداهما‪ ،‬ومثل المام فيما‬
‫ذكر المالك إن انحصروا في البلد ووفى بهم المال فيجب عليه تعميم الصناف حيث وجدوا‬
‫والتسوية بـينهم‪ ،‬وإن تفاوتت الحاجات وتعميم آحاد كل صنف لكن ل تجب التسوية بـين آحاد‬
‫الصنف إل إن قسم المام وتساوت الحاجات كما مر‪ ،‬فإن لم ينحصروا أو لم يوف بهم المال لم‬
‫يجز القتصار على أقل من ثلثة من كل صنف‪ ،‬ومعلوم أنه ل عامل حيث قسم المالك‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫تنبـيه‪ :‬ما تقرر من أنه ل بّد من تعميم الصناف هو معتمد المذهب‪ ،‬لن معنى الحصر المذكور‬
‫في الية عند المام الشافعي رضي ال عنه‪ :‬إنما تصرف لهؤلء ل لغيرهم ول لبعضهم فقط بل‬
‫يجب استيعابهم‪ ،‬ول يخفى ما في هذا من الصعوبة سيما في زكاة الفطر‪ ،‬والمعنى عند المام‬
‫مالك وأبـي حنيفة رضي ال عنهما إنما تصرف لهؤلء ل لغيرهم وهذا يصدق بعدم استيعابهم‬
‫فيجوز دفعها لصنف منهم ول يجب التعميم‪.‬‬
‫قال ابن عجيل اليمني ‪ :‬ثلث مسائل في الزكاة يفتى فيها على خلف المذهب‪ :‬نقل الزكاة‪ ،‬ودفع‬
‫زكاة واحد لواحد‪ ،‬ودفعها إلى صنف واحد‪ .‬قال‪ :‬ولو كان الشافعي حيًا لفتى بذلك‪ ،‬واختار جمع‬
‫جواز دفع زكاة الفطر إلى ثلثة فقراء أو مساكين‪ ،‬وآخرون جوازه لواحد‪ ،‬وأطال بعضهم في‬
‫النتصار له‪ ،‬وفهم من ذلك أن مقتضى المذهب حرمة نقل الزكاة من محل وجوبها مع وجود‬
‫المستحقين به إلى محل آخر‪ ،‬والمراد بالمستحقين من كانوا فيها في ذلك الوقت وإن لم يكونوا من‬
‫أهلها دون غيرهم‪ ،‬ومحل الوجوب شامل للبلد والقرية والبحر والبر حتى لو حال الحول والمال‬
‫في البحر حرم نقله إلى البر‪ ،‬والمراد بمحل الوجوب المحل الذي حال الحول والمال فيه بالنسبة‬
‫لزكاة المال‪ ،‬أما زكاة الفطر فمحل الوجوب هو الذي غربت شمس آخر يوم من رمضان‬
‫والشخص فيه‪ ،‬والمراد بالمحل الخر الذي يحرم نقل الزكاة إليه المحل الذي بالوصول اليه يجوز‬
‫القصر للمسافر ولو خارج السور‪ ،‬فإن عدمت الصناف في محل وجوبها أو فضل عنهم شيء‬
‫وجب نقلها أو الفاضل إلى مثلهم بأقرب بلد إليه‪ ،‬فإن عدم بعضهم أو فضل عنه شيء رّد نصيب‬
‫البعض أو الفاضل عنه على الباقين إن نقص نصيبهم عن كفايتهم‪ ،‬فإن لم ينقص نقل ذلك إلى ذلك‬
‫الصنف بأقرب بلد إليه‪ ،‬وهذا كله بالنسبة للمالك أما المام فله ولو بنائبه نقل الزكاة مطلقًا‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬لو كان له دين على آخر فقال المدين لصاحب الدين‪ :‬ادفع لي من زكاتك حتى أقضيك دينك‬
‫ففعل أجزأ عن الزكاة ول يلزم المدين قضاء الدين مما أخذه بل له دفع غيره‪ ،‬ولو قال صاحب‬
‫الدين للمدين‪ .‬اقض ما عليك لرّده إليك من زكاتي ففعل‪ ،‬صح القضاء ول يلزم رّده إليه ولو كان‬
‫له عليه دين فقال‪ :‬جعلته عن زكاتي لم يجزئه على الصحيح حتى يقبضه ثم يرّده إليه وقيل‪:‬‬
‫يجزئه كما لو كان وديعة‪ .‬وشرط آخذ الزكاة من هذه الصناف أن ل يكون فيه رق إل المكاتب‬
‫وأن ل يكون كافرًا ول من بني هاشم وبني المطلب ومواليهم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( حينئذ )لو أعطاها( أي الزكاة )لكافر أو من به رق( غير مكاتب )أو هاشمي أو مطلبـي أو‬
‫غني( بمال أو كسب يليق بحاله ومروءته )أو مكفي بنفقة قريب( أو زوج )لم يجزىء( أي ذلك‬
‫المعطى عن الزكاة‪ ،‬نعم يجوز أن يكون الحمال والكيال والوزان والحافظ كافرًا وهاشميًا‬
‫ومطلبـيًا ورقيقًا لن ما يأخذونه أجرة في الحقيقة‪ .‬أما الكافر فللجماع فيما عدا زكاة الفطر‪،‬‬
‫وترك المسلم الصلة ل يؤثر في إعطائه نعم إن بلغ كذلك أخذ له وليه‪ .‬وأما الرقيق فلنه غني‬
‫بنفقة سيده ولنه لو ملك لم يملك‪ ،‬وأما بنو هاشم وبنو المطلب فلحديث الحاكم عن علي‪» :‬أن‬
‫العباس سأل النبـي أن يستعمله على الصدقة فقال‪ :‬ما كنت أستعملك على غسالة اليدي« ‪ .‬وروى‬
‫مسلم أنه قال‪» :‬إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها ل تحل لمحمد ول لل محمد« ‪.‬‬
‫وروى الطبراني أنه قال‪» :‬ل أحل لكم أهل البـيت من الصدقات شيئًا ول غسالة اليدي إن لكم في‬
‫خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم« أي بل يغنيكم‪ .‬وفي موالي بني هاشم وبني المطلب خلف‪،‬‬
‫قيل‪ :‬يجوز الدفع إليهم لن منع ذوي القربى لشرفهم وهو مفقود فيهم‪ ،‬والصح أنها ل تحل لهم‬
‫ي مكتسب« ‪.‬‬ ‫أيضًا لخبر‪» :‬مولى القوم منهم« ‪ .‬وأما الغني فلقوله ‪» :‬ل حق فيها لغني ول لقو ّ‬
‫ل يمكن الوصول إليه أعطيت الزوجة أو القريب‬ ‫ولو غاب الزوج أو المنفق ولم يترك منفقًا ول ما ً‬
‫ن للزوجة أن تعطي‬ ‫بالفقر والمسكنة‪ ،‬وخرج بذلك المكفي بنفقة متبرع فله الخذ من الزكاة‪ ،‬ويس ّ‬
‫زوجها من زكاتها إن كان من أهل استحقاق الزكاة وإن أنفقها عليها‪.‬‬
‫تنبـيه‪ :‬مثل الزكاة الكفارة والنذر لنه يسلك به مسلك واجب الشرع هذا إذا كان النذر على جهة‬
‫عامة كهذا علي الفقراء‪ ،‬أما إذا نذر لشخص معين ممن تحرم عليه الصدقة الواجبة فينعقد‪ ،‬فإن‬
‫كان النذر بمعين كهذا الدينار ملكه بنفس النذر ول يتأثر بالرّد كإعراض الغانم بعد اختيار التملك‬
‫أو بشيء في الذمة ملكه بالقبض الصحيح‪ ،‬والشرط عدم الرّد وينعقد النذر للغني والكافر على‬
‫التعيـين بخلف الكفارة فل يحل إعطاؤها لهما وليس كل حكم من الحكام منصوصًا عليه بل ما‬
‫دخل تحت إطلق الصحاب منزل منزلة تصريحهم كذا نقل عن )زاد الغريب شرح ألفاظ‬
‫التقريب( للشيخ جمال الدين محمد بن علي‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل ونهارًا ل سيما أيام الجدب والضيق ليحوز بذلك‬ ‫ن صدقة تطوع كل يوم( أي كل وقت لي ً‬ ‫)ويس ّ‬
‫العافية في الجسم والمال والهل والخلف السريع في الدنيا والثواب الجزيل في الخرة‪ ،‬ول تتقيد‬
‫الصدقة بمقدار بل تحصل )بما تيسر( ولو شيئًا يسيرًا ففي الصحيحين‪» :‬اتقوا النار ولو بشق‬
‫تمرة« ‪ ،‬بكسر الشين المعجمة‪ .‬والمعنى اجعلوا بـينكم وبـين نار جهنم وقاية من الصدقة وأعمال‬
‫البر ولو كان التقاء المذكور بجانب التمرة أو نصفها فإنه قد يسّد الرمق سيما للطفل فل يحتقر‬
‫المصّدق ذلك‪ ،‬وقال تعالى‪} :‬فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره{ ))‪ (99‬الزلزلة‪ :‬الية ‪ ،(7‬ودرهم‬
‫ن أن يتصّدق بما يحبه لقوله تعالى‪} :‬لن تنالوا‬
‫الصدقة أفضل من درهم القرض على المعتمد‪ ،‬ويس ّ‬
‫ن بالصدقة ويبطل به ثوابها‪،‬‬ ‫البر حتى تنفقوا مما تحبون{ ))‪ (3‬آل عمران‪ :‬الية ‪ .(92‬ويحرم الم ّ‬
‫وتباح على الغني والكافر غير الحربـي‪ ،‬وقد يعرض لها ما يحرمها كأن يعطيها لمن يعلم منه أنه‬
‫يصرفها في معصية‪) .‬وإعطاؤها( أي الصدقة المندوبة )سرًا وبرمضان ولقريب( ونحوه كزوجة‬
‫ن الكثار من الصدقة في رمضان ل‬ ‫وصديق )وجاٍر( أقرب فأقرب )أفضل( من غير ذلك‪ ،‬ويس ّ‬
‫سيما في عشره الواخر‪ ،‬وأمام الحاجات‪ ،‬وعند كسوف‪ ،‬ومرض وحج‪ ،‬وجهاد وفي أزمنة‬
‫وأمكنة فاضلة كعشر ذي الحجة‪ ،‬وأيام العيد‪ ،‬والجمعة وعاشوراء‪ ،‬وشهر رجب وشعبان ومكة‬
‫والمدينة وأن يخص بصدقته أهل الخير والمحتاجين‪) ،‬ل( يطلب شرعًا التصّدق )بما يحتاجه(‬
‫لنفقة ممونه من نفسه وغيره فإنه حرام إن لم يصبر على الضاقة‪ ،‬وإل فل حرمة لقوله تعالى‪:‬‬
‫}ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة{ ))‪ (59‬الحشر‪ :‬الية ‪ (9‬أو بما يحتاجه لوفاء دين‬
‫ن له وفاء لو تصّدق بذلك‪.‬‬
‫ل يظ ّ‬
‫رقم الصفحة‪153 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب الصوم‬

‫حقيقته شرعًا‪ :‬المساك عن جميع المفطرات على وجه مخصوص‪ ،‬وصوم رمضان فرض‬
‫ل نشأ ببادية بعيدة عن العلماء‬
‫بالجماع معلوم من الدين بالضرورة فيكفر جاحده إل إذا كان جاه ً‬
‫أو كان قريب عهد بالسلم‪ ،‬ومن ترك صومه لغير عذر من سفر ومرض غير جاحد لوجوبه‬
‫ي ولكن ل أصوم حبس ومنع من الطعام والشراب نهارًا لتحصل له‬ ‫كأن قال‪ :‬الصوم واجب عل ّ‬
‫صورة الصوم‪ ،‬وهو أحد أركان السلم الخمسة وهي‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدًا رسول‬
‫ل وهي في‬‫ال‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج البـيت من استطاع إليه سبـي ً‬
‫الفضلية على هذا الترتيب‪.‬‬
‫)يجب صوم رمضان( بأحد أربعة أمور‪ :‬الّول‪ :‬إكمال شعبان ثلثين يومًا عند عدم ثبوت‬
‫رمضان ليلة الثلثين‪ .‬الثاني‪ :‬رؤية الهلل ليلة الثلثين فيجب الصوم على الرائي ولو غير عدل‬
‫وإن كان حديد البصر‪ ،‬وإن قال المنجمون‪ :‬إن الحساب القطعي دل على عدم إمكان الرؤية خلفًا‬
‫للقليوبـي ‪ ،‬ومن أخبره موثوق به بأنه رأى الهلل وجب عليه الصوم وإن لم يصّدقه لن خبر‬
‫الثقة مقبول شرعًا‪ ،‬ول أثر لرؤيته في الماء ول في المرآة‪ .‬وخرج بليلة الثلثين ما لو رؤي نهارًا‬
‫فل أثر لذلك ل في دخول الصوم ول في خروجه‪ ،‬وفي معنى الرؤية العلم بالمارة الدالة على‬
‫ثبوت رمضان كسماع المدافع ورؤية القناديل المعلقة بالمنائر‪ ،‬ولو طفئت بعد إيقادها لنحو شك‬
‫في الرؤية ثم أعيدت لثبوتها وجب تجديد النية على من علم بطفئها دون غيره‪ ،‬ويجب على كل‬
‫من المنجم والحاسب أن يعمل بحسابه وكذا من صّدقهما‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬حكم الحاكم بثبوته بمقتضى شهادة عدل عنده بالرؤية فل بّد أن يقول‪ :‬حكمت بثبوت هلل‬
‫رمضان أو ثبت عندي هلل رمضان‪ ،‬وإل لم يجب الصوم‪ ،‬وحيث صدر منه حكم وجب الصوم‬
‫على عموم من كان مطلعه موافقًا لمطلع محل الرؤية‪ ،‬بأن يكون غروب الشمس والكواكب‬
‫وطلوعها في المحلين في وقت واحد‪ ،‬فإن غرب شيء من ذلك أو طلع في أحد المحلين قبله في‬
‫الخر أو بعده لم يجب على من لم ير برؤية أهل المحل الخر‪ ،‬لكن لو سافر من أحد المحلين إلى‬
‫الخر فوجد أهله صائمين أو مفطرين لزمه موافقتهم سواء في أّول الشهر أو آخره‪ ،‬وهذا أمر‬
‫مرجعه إلى طول البلد وعرضها سواء قربت المسافة أو بعدت‪ ،‬ول نظر إلى مسافة القصر‬
‫وعدمها‪ ،‬وعلم أنه متى حصلت الرؤية في البلد الشرقي لزم رؤيته في البلد الغربـي دون عكسه‬
‫كما في مكة المشرفة ومصر المحروسة‪ ،‬فيلزم من رؤيته في مكة رؤيته في مصر ل عكسه لن‬
‫الهلل يرى غاربًا‪ ،‬وتكفي العدالة الظاهرة‪ ،‬ولو رجع عن شهادته بعد شروعهم في الصوم أو بعد‬
‫حكم الحاكم ولو قبل شروعهم في الصوم لزمهم الصوم‪ ،‬وكل شهر اشتمل على عبادة يثبت‬
‫بشهادة العدل الواحد بالنظر للعبادة‪ ،‬وذلك كرجب وشعبان‪ ،‬ورمضان وشّوال‪ ،‬وذي الحجة‪،‬‬
‫ن دخوله بالجتهاد فيمن اشتبه عليه رمضان‬ ‫ويكفي في الشهادة أشهد أني رأيت الهلل‪ .‬الرابع‪ :‬ظ ّ‬
‫كأن كان أسيرًا أو محبوسًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وللصوم شروط لوجوبه‪ ،‬وشروط لصحته‪ ،‬وأركان‪ ،‬وسنن‪ ،‬ومكروهات‪ ،‬ومبطلت‪ .‬أما شروط‬
‫وجوبه فثلثة‪ :‬السلم والتكليف والقدرة على الصوم كما أشار إلى ذلك المصنف بقوله‪) :‬يجب‬
‫صوم رمضان على مكلف مطيق له( وشروط صحته أربعة‪ :‬السلم والنقاء من الحيض والنفاس‬
‫ل )لكل يوم(‬ ‫والعقل والوقت القابل للصوم‪) .‬وفرضه( أي أركان الصوم اثنان‪ :‬الّول‪) :‬نية( لي ً‬
‫ل وطلع الفجر وهو ناس لم يحسب له ذلك‬ ‫ومحلها القلب‪ ،‬ويستحب التلفظ بها ولو نسي النية لي ً‬
‫ن في أّول الشهر أن ينوي صوم جميعه‬ ‫اليوم لكن يجب عليه المساك رعاية لحرمة الوقت‪ .‬ويس ّ‬
‫ن ذلك عندنا لنه ربما نسي التبـيـيت‬ ‫وذلك يغني عن تجديدها في كل ليلة عند المام مالك ‪ ،‬فيس ّ‬
‫في بعض الليالي فيقلد المام مالكًا‪ ،‬ويشترط أن يحضر في الذهن صفات الصوم مع ذاته ثم يضم‬
‫القصد إلى ذلك المعلوم‪ ،‬فلو خطر بباله الكلمات مع جهله معناها لم يصح‪ .‬ومن صفات الصوم‬
‫كون الشهر رمضان‪ ،‬وإن لم يحضر في الذهن ذلك لم يحصل له اليوم الّول ول غيره‪.‬‬
‫)وشرط لفرضه( أي الصوم من رمضان ولو من صبـي أو غيره كقضاء أو كفارة أو استسقاء‬
‫أمر به المام أو نذر )تبـيـيت( للنية لكل ليلة ولو من أّول الليل‪ ،‬ول يجب التبـيـيت في نفل الصوم‬
‫بل تصح نيته قبل الزوال بشرط أن ل يسبقها مناف للصوم‪.‬‬
‫)وتعيـين( في الفرض المنوي كرمضان أو نذر أو قضاء أو كفارة وفي نفل له سبب‪ ،‬بخلف‬
‫النفل المؤقت كصوم الثنين وعرفة وعاشوراء وأيام البـيض وستة من شوال‪ ،‬فل يشترط فيه‬
‫التعيـين لن الصوم في تلك اليام منصرف إليها بل لو نوى به غيرها حصلت أيضًا كتحية‬
‫المسجد‪ ،‬لن المقصود وجود صوم فيها‪ ،‬ويستثنى من وجوب التعيـين ما لو كان عليه قضاء‬
‫رمضانين أو صوم نذر أو كفارة من جهات مختلفة فنوى صوم غد عن قضاء رمضان أو صوم‬
‫نذر أو كفارة جاز‪ ،‬وإن لم يعين عن قضاء أيهما في قضاء رمضانين ول نوعه في الباقي لنه‬
‫كله جنس واحد‪ ،‬ولو نوى صوم غد وهو يعتقده الثنين فكان الثلثاء أو صوم رمضان هذه السنة‬
‫وهو يعتقدها سنة ثلث فكانت سنة أربع صح صومه‪ ،‬ول عبرة بالظن البـين خطؤه‪ ،‬بخلف ما‬
‫لو نوى صوم الثلثاء ليلة الثنين ولم يخطر بباله صوم غد أو صوم رمضان سنة ثلث وكانت‬
‫سنة أربع ولم يخطر بباله السنة الحاضرة فإنه ل يصح لنه لم يعين الوقت الذي نوى في ليلته‪،‬‬
‫ل وهو غيره فالوجه الصحة من الغالط ل العامد لتلعبه‪،‬‬ ‫ولو نوى صوم غد يوم الحد مث ً‬
‫وخرج بالتعيـين ما لو نوى الصوم عن فرضه أو عن فرض وقته فل يكفي لنه في الولى يحتمل‬
‫رمضان وغيره‪ ،‬وفي الثانية يحتمل القضاء والداء‪ .‬وأقل التعيـين هنا أن ينوي صوم غد عن‬
‫رمضان‪ ،‬ول يشترط التعرض للغد بخصوصه لحصول التعيـين دونه كأن يقول‪ :‬الخميس مث ً‬
‫ل‬
‫عن رمضان‪ ،‬أو يقول‪ :‬رمضان بدون ذكر يوم وإنما هو مثال للتبـيـيت بل يكفي نية دخوله في‬
‫صوم الشهر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وأكملها( أي النية وعبارة المنهاج كالمحرر كمال التعيـين‪) :‬نويت صوم غد عن أداء فرض‬
‫رمضان هذه السنة ل تعالى( إيمانًا واحتسابًا بإضافة رمضان إلى ما بعدها لتتميز عن أضدادها‪،‬‬
‫ويغني عن ذكر الداء أن يقول‪ :‬عن هذا الرمضان واحتيج لذكره مع هذه السنة وإن اتحد‬
‫محترزهما إذ فرض غير هذه السنة ل يكون إل قضاء لن لفظ الداء يطلق ويراد به الفعل كذا‬
‫قاله الرملي ‪ .‬والثاني‪ :‬المساك عن جميع المفطرات الربعة المذكورة في قوله‪) :‬ويفطر عامدًا‬
‫عالم مختار( فخرج بالعمد النسيان‪ ،‬فلو أكل أو شرب ناسيًا للصوم ل يضره لقوله ‪» :‬من نسي‬
‫وهو صائم فأكل أو شرب فليتّم صومه فإنما أطعمه ال وسقاه« وبالعلم بالتحريم الجهل به إذا كان‬
‫ل معذورًا فل يفطر‪ ،‬وبالختيار الكراه‪ ،‬فلو أكره حتى أكل أو شرب ل يبطل صومه‬ ‫جاه ً‬
‫ي أو غيره أنزل أو ل‬ ‫ل أو دبرًا من آدم ّ‬
‫)بجماع( أي إدخال حشفة أو قدرها من مقطوعها فرجًا قب ً‬
‫عامدًا مختارًا عالمًا بالتحريم‪ ،‬فل يفطر بالوطء ناسيًا للصوم وإن تكرر‪ ،‬ول بالكراه ما لم يكن‬
‫زنا لنه ل يباح بالكراه فيفطر به‪ ،‬واعتمد العلمة العزيزي الطلق وقال‪ :‬ل يفطر حيث أكره‬
‫ل بأن الوطء مبطل‬ ‫على الزنا لشبهة الكراه‪ ،‬والحرمة من حيث نفس الوطء‪ ،‬وكذا لو وطىء جاه ً‬
‫للصوم وكان معذورًا كما مر‪ ،‬ولو أدخل شخص ذكره في دبر نفسه فإنه يفطر ويحّد ويفسد حجه‬
‫ويجب عليه الغسل والكفارة في الصوم كما نقل عن البلقيني ‪.‬‬
‫ي‪ ،‬وهو مبطل للصوم مطلقًا سواء كان بـيده أو بـيد حليلته أو‬ ‫)واستمناء( أي طلب خروج المن ّ‬
‫ي فتارة يكون‬ ‫غيرهما بحائل أو ل بشهوة أو ل‪ ،‬أما إذا كان النزال من غير طلب خروج المن ّ‬
‫بمباشرة ما تشتهيه الطباع السليمة أو ل‪ ،‬فإن كان ل تشتهيه الطباع السليمة كالمرد الجميل‬
‫والعضو المبان‪ ،‬فل فطر بالنزال مطلقًا سواء كان بشهوة أو ل بحائل أو ل‪ ،‬وإن كان تشتهيه‬
‫الطباع السليمة فتارة يكون من محارمه وتارة ل‪ ،‬فإن كان من المحارم وكان بشهوة وبدون حائل‬
‫أفطر وإل فل‪ ،‬وإن لم يكن من المحارم فإن كان بدون حائل أفطر سواء كان بشهوة أو ل أما وإن‬
‫كان بحائل ولو رقيقًا جّدا فل إفطار ولو بشهوة كما قال‪) .‬ل بضم بحائل( والمراد بالشهوة أن‬
‫ي وإل كان استمناء وهو مفطر مطلقًا كما مر‪،‬‬ ‫يقصد مجرد اللذة من غير أن يقصد خروج المن ّ‬
‫وخرج بالمباشرة النظر والفكر‪ ،‬فلو نظر أو تفكر فأمنى فل فطر ما لم يكن من عادته النزال‬
‫ي وتهيئه للخروج بسبب النظر فاستدامه حتى أنزل أفطر‬ ‫س بانتقال المن ّ‬
‫بذلك وإل أفطر‪ ،‬ولو أح ّ‬
‫قطعًا‪ ،‬ول يضر نزوله في النوم‪ ،‬ويحرم نحو اللمس كالقبلة إن حرك شهوته خوف النزال وإل‬
‫فتركه أولى‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومن خصوصياته جواز القبلة في الصوم المفروض مع قّوة شهوته لنه كان أملك الناس لربه‬
‫)واستقاءة( أي طلب قيء عمدًا مختارًا عالمًا بالتحريم كما مر‪ ،‬وإن تيقن أنه لم يرجع شيء إلى‬
‫جوفه كأن تقايأ منكسًا‪ ،‬ومن القيء ما لو دخلت ذبابة جوفه فأخرجها‪ ،‬وكالقيء التجشي فإن تعمده‬
‫وخرج شيء من معدته إلى حّد الظاهر أفطر‪ ،‬ولو كان ناسيًا للصوم أو مكرهًا كما لو غلبه القيء‬
‫ل معذورًا فل فطر‪ ،‬ويستثنى من القيء ما لو اقتلع نخامة من الباطن ورماها سواء قلعها‬ ‫أو جاه ً‬
‫من دماغه أو من باطنه لن الحاجة إلى ذلك تتكرر‪ ،‬وإلى ذلك أشار بقوله‪) :‬ل بقلع نخامة( ولو‬
‫نزلت من دماغه أو خرجت من جوفه ووصلت إلى حد الظاهر وجب قلعها ومجها‪ ،‬ويعفى عما‬
‫أصابته لو كانت نجسة فإن تركها مع القدرة على ذلك فرجعت إلى حّد الباطن أفطر لتقصيره‪،‬‬
‫ولو كان في فرض صلة ولم يقدر على مجها إل بظهور حرفين فأكثر لم تبطل صلته‪ ،‬بل يتعين‬
‫ذلك مراعاة لمصلحتها كالتنحنح لتعذر القراءة الواجبة‪ ،‬وحّد الظاهر هو مخرج الخاء المعجمة‬
‫عند الرافعي ‪ ،‬والحاء المهملة عند النووي ‪ ،‬وهو المعتمد‪ ،‬فإن لم تصل إلى حّد الظاهر المذكور‬
‫ل عما ذكر أو حصلت في حّد الظاهر ولم يقدر على قلعها ومجها لم يضر‪.‬‬ ‫بأن كانت داخ ً‬
‫ولو أصبح وفي فمه خيط متصل بجوفه كأن أكل بالليل كنافة وبقي منها خيط بفمه تعارض عليه‬
‫حينئذ الصوم والصلة لبطلن الصوم بابتلعه لنه أكل أو نزعه لنه استقاء ولبطلن الصلة‬
‫ببقائه لتصاله بنجاسة الباطن‪ ،‬فطريق خلصه أن ينزعه منه غيره وهو غافل‪ ،‬فإن لم يكن غاف ً‬
‫ل‬
‫وتمكن من دفع النازع أفطر إذ النزع موافق لغرض النفس فهو حينئذ منسوب إليه‪ .‬قال الزركشي‬
‫‪ :‬وقد ل يطلع عليه عارف بهذا الطريق ويريد الخلص‪ ،‬فطريقه أن يجبره الحاكم على نزعه ول‬
‫يفطر لنه كالمكره‪ ،‬وحيث لم يتفق له شيء من ذلك وجب عليه نزعه أو ابتلعه محافظة على‬
‫الصلة لن حكمها أغلظ لقتل تاركها‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬يتعين عليه بلعه في هذه الحالة ول يخرجه‬
‫لنه ينجس فمه‪.‬‬
‫)ودخول عين( من أعيان الدنيا وإن قلت‪ :‬كسمسمة أو لم تؤكل كحصاة )جوفًا( أي يفطر صائم‬
‫بوصول عين من تلك إلى مطلق الجوف من منفذ مفتوح مع العمد والختيار والعلم بالتحريم‪،‬‬
‫ومن العين الحقنة‪ ،‬ومنها الدخان المعروف‪ ،‬بخلف دخان البخور لن شأنه القلة‪ ،‬وأما أعيان‬
‫الجنة فل تفطر‪ ،‬والمراد بمطلق الجوف كل ما يسمى جوفًا وإن لم يكن فيه قّوة إحالة الغذاء‬
‫والدواء كحلق وباطن أذن وإحليل ومثانة‪ ،‬فلو أدخل عودًا في أذنه أو إحليله فوصل إلى الباطن‬
‫أفطر‪ ،‬وينبغي الحتراز حالة الستنجاء لنه متى أدخل من أصبعه أدنى شيء في دبره أفطر‪،‬‬
‫وكذا لو فعل به غيره ذلك باختياره ما لم يتوقف خروج الخارج على إدخال أصبعه في دبره وإل‬
‫أدخله ول فطر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وضابط دخول المفطر أن يصل الداخل إلى ما ل يجب غسله في الستنجاء‪ ،‬بخلف ما يجب‬
‫غسله فيه فل يفطر إذا أدخل أصبعه ليغسل الطيات التي فيه‪ ،‬ومثل الصبع غائط خرج منه ولم‬
‫ينفصل ثم ضم دبره فدخل منه شيء إلى داخله فيفطر حيث تحقق دخول شيء منه بعد بروزه من‬
‫ل فل يضره‪،‬‬ ‫معدته‪ ،‬وخرج بالعين الطعم والريح فل يضره‪ ،‬وبالجوف ما لو طعن فخذه مث ً‬
‫ويعفى عن مقعدة المبسور حتى لو توقف دخولها على الستعانة بأصبعه عفي عنه‪ ،‬ويؤخذ من‬
‫التقيـيد بالمنفذ المفتوح أن الواصل بتشرب المساّم ل يضر‪ ،‬فل يضر الكتحال وإن وجد أثره في‬
‫الحلق‪ ،‬كما ل يضر الغتسال بالماء وإن وجد أثر البرودة أو الحرارة بباطنه‪.‬‬
‫ق طاهر صرف( بكسر الصاد‪ :‬أي خالص )من معدنه( أي محله وهو جميع الفم‪ ،‬أي فل‬ ‫)ل بري ٍ‬
‫يضر وصول ريق من معدنه جوفه إذا كان طاهرًا ولم يختلط بغيره‪ ،‬ولو أخرج ريقه من فمه‬
‫على لسانه أو جمعه على لسانه ثم أخرجه على طرفه ثم أعاده ل يفطر‪ ،‬لن اللسان كيفما تقلب‬
‫معدود من داخل الفم‪ ،‬بخلف ما إذا خرج عن معدنه كالخارج إلى حمرة الشفتين أو كان مختلطًا‬
‫بغيره كبقايا الطعام أو متنجسًا كأن دميت لثته فإنه يضر‪ .‬نعم لو ابتلى بذلك بحيث يجري دائمًا أو‬
‫غالبًا سومح بما يشق الحتراز عنه‪ ،‬ويكفي بصقه‪ ،‬ويعفى عن أثره‪ ،‬ول سبـيل إلى تكليفه غسله‬
‫جميع نهاره إذ الفرض أنه يجري أو يرشح دائمًا أو غالبًا‪ ،‬وربما إذا غسله زاد رشحه قاله‬
‫الذرعي ‪ ،‬قالوا وهو فقه ظاهر‪ ،‬ولو بقي بـين أسنانه شيء من أثر طعام وعجز عن تميـيزه‬
‫ومجه فسبق مع ريقه إلى جوفه بغير اختياره ل يضر‪ ،‬ول يضر وصول الذباب أو غبار الطريق‬
‫أو غربلة الدقيق جوفه‪ ،‬وإن تعمد فتح فمه لجل ذلك لن شأنه عسر التحرز عنه‪ ،‬ول بّد من‬
‫تقيـيد الغبار بالطاهر‪ ،‬فيضر النجس‪ ،‬ول يضر بلع ريقه أثر المضمضة في الوضوء لعسر‬
‫التحرز عنه‪) .‬ول بسبق ماء جوف مغتسل عن جنابة بل انغماس(‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن الصائم لو اغتسل من حيض أو نفاس أو جنابة فسبق الماء إلى جوفه ل يضر‪ ،‬ول‬
‫نظر إلى إمكان إمالة رأسه بحيث ل يدخل شيء لعسره‪ .‬نعم إن عرف من عادته ذلك حرم عليه‬
‫النغماس وأفطر قطعًا إن تمكن من الغسل على غير تلك الحالة‪ ،‬ومثل ذلك الغسل المسنون‪،‬‬
‫بخلف غسل التبرد فل يعفى عنه‪ ،‬وكذا لو تولد من غير مأمور به أو من مأمور به باختياره‪،‬‬
‫ولو سبق ماء المضمضة أو الستنشاق إلى جوفه فإن كان مع المبالغة أو كان من رابعة يقينًا‬
‫أفطر وإل فل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومن مبطلت الصوم‪ :‬الحيض والنفاس‪ ،‬ويجب عليهما القضاء بعد انقضاء الدم والولدة ولو‬
‫لعلقة ومضغة وإن لم تر المرأة دمًا‪ ،‬وإغماء كل اليوم‪ ،‬والجنون ولو في لحظة من النهار‪ ،‬والرّدة‬
‫والعياذ بال تعالى ولو لحظة‪ ،‬وجملة المبطلت عشرة‪.‬‬
‫)ويباح فطر( في صوم فرض )بمرض مضّر( فإن شق عليه الصوم فالفطر أفضل‪ ،‬وإل فالصوم‬
‫أفضل لما فيه من تعجيل براءة الذمة‪ ،‬والفطر له جائز إن خاف مشقة شديدة تبـيح التيمم كأن‬
‫خشي من الصوم بطء برء‪ ،‬فإن تحققها أو غلبت على ظنه حرم الصوم ووجب الفطر‪ ،‬ثم إن كان‬
‫المرض مطبقًا أو كان محمومًا وقت الفجر فله ترك النية من الليل‪ ،‬وإن كان مطلقًا بأن كان يحم‬
‫وقتًا دون وقت‪ ،‬فإن كان محمومًا وقت صحة النية جاز له تركها وإل فعليه أن ينوي‪ ،‬فإن عاد‬
‫المرض واحتاج إلى الفطار أفطر‪ ،‬فإن لم يخف المريض مشقة بالصوم تبـيح التيمم بأن كان‬
‫ن لم يجز الفطر إل أن يخاف الزيادة بالصوم‪ .‬فللمريض‬ ‫مرضه يسيرًا كصداع ووجع أذن أو س ّ‬
‫ثلثة أحوال‪ :‬إن توهم ضررًا يبـيح التيمم كره له الصوم وجاز له الفطر‪ .‬وإن تحقق الضرر‬
‫المذكور أو غلب على ظنه أو انتهى به العذر إلى الهلك أو ذهاب منفعة عضو حرم الصوم‬
‫ووجب الفطر‪ ،‬وإن كان المرض خفيفًا بحيث ل يتوهم فيه ضررًا يبـيح التيمم حرم الفطر ووجب‬
‫الصوم ما لم يخف الزيادة‪ ،‬وكالمريض الحصادون والملحون والفعلة ونحوهم‪ ،‬ومثله الحامل‬
‫والمرضع ولو كان الحمل من زنا أو شبهة ولو بغير آدمي حيث كان معصومًا أو كانت المرضع‬
‫مستأجرة أو متبرعة ولو لغير آدمي‪.‬‬
‫)وفي سفر قصر( مباح بأن فارق ما تشترط مجاوزته في صلة المسافر قبل الفجر يقينًا‪ ،‬والفطر‬
‫فيه جائز وإن لم يشق عليه الصوم سواء كان من رمضان أم من غيره نذرًا ولو تعين أو كفارة أو‬
‫ب من‬ ‫قضاء‪ ،‬بخلف السفر القصير وسفر المعصية‪ ،‬وصوم المسافر بل ضرر يحصل له منه أح ّ‬
‫فطره لبراءة ذمته‪ ،‬وفضيلة الوقت‪ ،‬ومحله إن لم ينذر التمام‪ ،‬وإل لم يجز له الفطر مع عدم‬
‫الضرر على الوجه‪ ،‬أما إذا تضرر فالفطر أفضل‪) .‬ولخوف هلك( بالصوم على نفسه أو‬
‫عضوه أو منفعته من عطش‪ ،‬أو جوع وإن كان صحيحًا مقيمًا‪ ،‬وكذا لو خاف على غيره كأن‬
‫توقف إنقاذ نحو الغريق على فطره فيلزمه إنقاذه والفطر وإن وجد غيره لئل يؤّدي إلى التواكل‪،‬‬
‫والفطر فيما ذكر كله جائز بل واجب إن خيف نحو هلك الولد ولم توجد مرضعة أخرى‪ ،‬ويلزم‬
‫كل مترخص بالفطر نية الترخص ليتميز الفطر المباح عن غيره‪.‬‬
‫)ويجب( على من أفطر )قضاء( صوم واجب من )رمضان( وغيره لقوله تعالى‪} :‬فمن كان منكم‬
‫مريضًا أو على سفر فعّدة من أيام أخر{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ (184‬والتقدير فأفطر فعليه عّدة‪،‬‬
‫ويجب إتمام قضاء واجب ولو موسعًا شرع فيه لقوله تعالى‪} :‬ول تبطلوا أعمالكم{ ))‪ (47‬محمد‪:‬‬
‫الية ‪ (33‬ول يجب إتمام تطّوع غير حج وعمرة إل بالنذر‪ ،‬ول إتمام فرض كفاية كتعلم علم‬
‫ي إل النسك وصلة الجنازة والجهاد فيجب إتمامها بالشروع فيها‪ ،‬وقيل‪ :‬يحرم‬ ‫شرعي غير عين ّ‬
‫ي‪ ،‬وإنما لم يحرم قطع العلم لنه ليس خصلة واحدة‪.‬‬ ‫قطع فرض الكفاية مطلقًا كالعين ّ‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( يجب )إمساك فيه( أي في رمضان ل في غيره على متعمد الفطر وهو المراد بقوله‪) :‬إن‬
‫أفطر بغير عذر( وعلى من لم يبـيت النية فيه )أو بغلط( كمن تسحر ظانًا بقاء الليل أو أفطر ظانًا‬
‫الغروب فبان خلفه‪ ،‬ومن ظهر له يوم الثلثين من شعبان أنه من رمضان‪ ،‬ومن سبقه ماء‬
‫ي بلغ مفطرًا ومجنون أفاق‪ ،‬وكافر‬ ‫المبالغة أو الرابعة في المضمضة والستنشاق‪ ،‬بخلف صبـ ّ‬
‫أسلم‪ ،‬ومسافر ومريض زال عذرهما بعد الفطر‪ .‬والضابط في ذلك أن كل من جاز له الفطار مع‬
‫ن‪ ،‬وكل من ل يجوز له مع ذلك يلزمه المساك‪،‬‬ ‫عمله بحقيقة اليوم ل يلزمه المساك بل يس ّ‬
‫ويجب القضاء على الجميع إل الكافر إذا أسلم في أثناء اليوم‪ ،‬والصبـي إذا بلغ مفطرًا فل يجب‬
‫ب له القضاء‪.‬‬ ‫ن‪ ،‬ولو بلغ الصبـي صائمًا لزمه المساك واستح ّ‬ ‫عليهما القضاء بل يس ّ‬
‫)و( يجب )على من أفسده( أي صوم يوم من رمضان أو منع انعقاده )بجماع( أي بتغيـيب جميع‬
‫ي أو ميت وإن لم ينزل‬ ‫الحشفة أو قدرها من مقطوعها في فرج ولو دبرًا من آدمي أو غيره من ح ّ‬
‫)كفارة( وتعزير )معه( أي القضاء أي من وطىء عامدًا عالمًا بالتحريم في نهار رمضان يقينًا‪،‬‬
‫ولو غرب بعض القرص ولم يتّم الغروب وهو مكلف صائم آثم بالوطء بسبب الصوم مع عدم‬
‫ل للصوم بقية اليوم وجب عليه وعلى الموطوء المكلف القضاء وعليه وحده‬ ‫الشبهة ومع كونه أه ً‬
‫الكفارة دون الموطوء‪.‬‬
‫وحاصل ما ذكر في هذا المقام من الشروط أحد عشر شرطًا‪ :‬الّول‪ :‬أنها على الواطىء‪ .‬الثاني‪:‬‬
‫أن يكون الوطء مفسدًا‪ ،‬فخرج الناسي والجاهل والمكره‪ .‬الثالث‪ :‬أن يكون ما أفسده صومًا‪ ،‬فخرج‬
‫نحو الصلة‪ .‬الرابع‪ :‬أن يكون صوم نفسه فخرج المفطر إذا جامع زوجته الصائمة‪ .‬الخامس‪ :‬أن‬
‫يكون الفساد بالوطء‪ ،‬فخرج الفساد بغيره‪ .‬السادس‪ :‬أن ينفرد الوطء بالفساد‪ ،‬فخرج بالوطء‬
‫ن أو مات بعد الجماع وقبل‬ ‫وغيره معًا‪ .‬السابع‪ :‬أن يستمر على الهلية كل اليوم‪ ،‬فخرج ما إذا ج ّ‬
‫فراغ اليوم فل كفارة‪ .‬الثامن‪ :‬أن يكون الصوم من أداء رمضان يقينًا‪ ،‬فخرج القضاء والنذر‪ ،‬ومن‬
‫وطىء في رمضان وكان صام بالجتهاد ولم يتيقن أنه منه أو صام يوم الشك حيث جاز فبان أنه‬
‫من رمضان‪ .‬ويحصل اليقين بالرؤية أو الحساب أو خبر الموثوق به أو غير الموثوق به إذا اعتقد‬
‫ي والمسافر إذا وطىء حليلته مع نية الترخص‪.‬‬ ‫صدقه‪ .‬التاسع‪ :‬أن يأثم بالوطء‪ ،‬فخرج الصبـ ّ‬
‫العاشر‪ :‬أن يكون إثمه لجل الصوم‪ ،‬فخرج الصائم المسافر الواطىء زنا ولم ينو ترخصاً‬
‫بالفطار لنه لم يأثم بالوطء للصوم بل للزنا أو لعدم نية الترخص‪ .‬الحادي عشر‪ :‬عدم الشبهة‪،‬‬
‫فخرج من ظن بقاء الليل أو شك فيه أو ظن دخوله فبان نهارًا فل كفارة‪ ،‬وكذا من أكل ناسيًا فظ ّ‬
‫ن‬
‫أنه أفطر فوطىء عامدًا فيفطر ول كفارة عليه لن الكفارة كالحدود تدرأ بالشبهة‪ ،‬ومن ذلك ما لو‬
‫أكره على الزنا ففعل فإنه يفطر لن الزنا ل يباح بالكراه ول كفارة عليه لشبهة الكراه‪ ،‬ولو طلع‬
‫الفجر وهو مجامع فاستدام عالمًا بطلوعه وجبت عليه الكفارة لنه ل يقدّر أن صومه انعقد ثم‬
‫أفسد‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والكفارة عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل والكسب‪ ،‬فإن لم يجدها فصيام‬
‫شهرين متتابعين‪ :‬فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا أو فقيرًا لكل واحد مّد من غالب قوت البلد‪،‬‬
‫ولو شرع في الصوم ثم قدر على الرقبة ندب عتقها‪ ،‬أو شرع في الطعام ثم قدر على الصوم‬
‫ندب له‪ ،‬فلو عجز عن جميع الخصال المذكورة استقرت الكفارة المذكورة في ذمته لما مّر في‬
‫زكاة الفطر‪.‬‬
‫والكفارات أربع‪ :‬هذه‪ ،‬وكفارة الظهار‪ ،‬وهو أن يقول الزوج لزوجته‪ :‬أنت علي أو مني أو عندي‬
‫كظهر أمي أو نحو ذلك مما هو مبـين في محله‪ ،‬فإذا قال ذلك ولم يتبعه بالطلق بأن يمسكها بعد‬
‫ظهاره زمنًا يسع التلفظ بالطلق صار عائدًا فتلزمه الكفارة‪ ،‬وهي كما مر‪ .‬وكفارة القتل‪ ،‬وهي‬
‫كما مر إل أنها ل إطعام فيها‪ ،‬وهذه الثلثة مرتبة ابتداء وانتهاء‪ ،‬وكفارة اليمين وهي مخيرة‬
‫ابتداء إما أن يعتق رقبة أو يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مّد‪ ،‬أو يكسوهم‪ ،‬مرتبة انتهاء‪ :‬أي‬
‫فإذا عجز عما ذكر صام ثلثة أيام ولو متفرقة‪.‬‬
‫واعلم أن الفطار في رمضان أربعة أنواع‪ :‬موجب للقضاء فقط‪ ،‬وهو الحائض والنفساء والفطر‬
‫ن لهما المساك إل إذا انقطع الدم في‬‫فيهما واجب‪ ،‬ويحرم عليهما الصوم ول يصح منهما‪ ،‬ول يس ّ‬
‫ن إمساك باقي ذلك اليوم‪ .‬ومسافر سفرًا طويلً مباحًا‪ .‬ومريض‪ .‬ونحو الحصادين‬ ‫أثناء يوم فيس ّ‬
‫ومثله المنقذ للغريق وحامل ومرضع إذا أفطرتا للخوف على نفسهما ولو مع غيره ومغمى عليه‬
‫ل والمتعدي بفطره بغير جماع‪ .‬وموجب للفدية فقط‪ ،‬وهو شيخ كبـير ل يطيق‬ ‫وناسي النية لي ً‬
‫الصوم ومريض ل يرجى برؤه‪ .‬وموجب للقضاء والفدية وهو الفطار للخوف على غيره وحده‬
‫كالفطار لنقاذ المشرف على الغرق‪ ،‬وكإفطار الحامل والمرضع خوفًا على الولد‪ ،‬وإن كان ولد‬
‫ي‪،‬‬
‫غير المرضع‪ .‬وغير موجب لشيء منهما وهو للمجنون غير المتعدي والصبـي وللكافر الصل ّ‬
‫والقضاء في جميع ما ذكر على التراخي إل فيمن أثم بالفطر والمرتّد وترك التبـيـيت عمدًا فعلى‬
‫الفور‪ ،‬والفدية فيما ذكر مّد من غالب قوت البلد لكل يوم من رمضان يصرف للفقير والمسكين‬
‫دون غيرهما من مستحق الزكاة‪.‬‬
‫ثم اعلم أنه تجب الفدية فقط بطريق واحدة‪ ،‬وهي فوات الصوم وهو على نوعين‪ :‬الّول‪ :‬على‬
‫هرم لم يطق الصوم في زمن من الزمان ولو بعد رمضان‪ ،‬وإل لزمه إيقاع الصوم فيما يطيقه‬
‫فيه ونحوه من كل عاجز عنه كذلك وهذا هو المشار إليه بقوله‪) :‬وعلى من أفطر لعذر ل يرجى‬
‫زواله مّد بل قضاء( ولم يجب قضاء وإن قدر عليه بعد لنه غير مخاطب بالصوم فالفدية في حقه‬
‫ل‪ ،‬وبذلك فارق معضوبًا شفي بعد الحج لنه مخاطب به‪ ،‬ولو عجز عنها لم‬ ‫واجبة ابتداء ل بد ً‬
‫تثبت في ذمته كالفطرة‪ .‬والثاني على ميت مسلم لزمه صوم واجب وتمكن من قضائه فيجب في‬
‫تركته لكل يوم مّد وإن ترك الداء لعذر‪ ،‬فإن انضم إليه تأخير فمدان أو أكثر بحسبه‪ :‬مّد لفوات‬
‫أصل الصوم‪ ،‬ومّد للتأخير‪ ،‬ومن ثم لو أفطرت المرأة خوفًا على ولد وأخرت القضاء سنة لعذر‬
‫ل منها يجب عند النفراد فكذا‬ ‫وماتت قبل القضاء وجب في تركتها لكل يوم ثلثة أمداد‪ ،‬لن ك ً‬
‫عند الجتماع‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وتجب الفدية مع القضاء بطريقين‪ :‬الطريق الّول‪ :‬فضيلة الوقت فتجب الفدية على قسمين‪ :‬الّول‪:‬‬
‫على حرة حامل ومرضع غير متحيزة من مالهما وإن كانتا مريضتين أو مسافرتين وإن كانت‬
‫المرضعة مستأجرة لن الفدية من تتمة إيصال المنافع اللزمة‪ ،‬بخلف أجير تمتع فإنه يلزم الدم‬
‫مستأجرة لنه من تتمة النسك اللزم له وذلك إذا خافت كل منهما على ولد فقط ولو لغير‬
‫المرضع‪ .‬والثاني‪ :‬على منقذ محترم مشرف على هلك نفسه أو عضوه أو منفعته بنحو صائل‬
‫وتوقف النقاذ على الفطرة فأفطر وليس المنقذ متحيرة ول نحو مسافر قصد الترخص أو أطلق‪،‬‬
‫لن هذا الفطر فطر ارتفق به شخصان هنا وفيما مر كالجماع فإنه لما كان من شأنه ارتفاق‬
‫الواطىء والموطوء لزم به القضاء والكفارة العظمى‪ ،‬والوجه وجوب الفطر في إنقاذ حيوان‬
‫محترم مع الفدية‪ ،‬وجوازه في مال غير حيوان ول فدية لنه ارتفق به شخص واحد‪.‬‬
‫والطريق الثاني‪ :‬تأخير القضاء فمن عليه شيء من رمضان فأخر قضاءه بغير عذر حتى دخل‬
‫رمضان حرم عليه ولزمه فدية التأخير لكل يوم مّد طعام‪ ،‬وإلى ذلك أشار بقوله‪) :‬وعلى مؤخر‬
‫قضاء بل عذر( أي في التأخير بأن أمكنه القضاء في تلك السنة )مّد( وإنما جاز تأخير قضاء‬
‫الصلة إلى سنين لصحته كل الوقات وتأخير الصوم إلى رمضان آخر تأخير له إلى نظيره الذي‬
‫ل يقبله ول يصح فيه وكان كتأخيرة عن الوقت‪ ،‬فإن أخر القضاء بعذر كأن استمر سفره أو‬
‫نسيانه أو جهله الذي يعذر به أو إكراهه أو إرضاع المرأة إلى عام قابل‪ ،‬فل شيء عليه من الفدية‬
‫والحرمة ما بقي العذر وإن استمر سنين‪ ،‬ولو كان إفطاره بغير عذر إذ ل يلزم من الثم الفدية‪،‬‬
‫وخرج بالعذر خلّوه عن العذر بقدر ما عليه فتلزمه الفدية‪ ،‬ويتكرر المد بتكرر السنين فيجب )لكل‬
‫سنة( لن الحقوق المالية ل تتداخل بخلفه في نحو الهرم ل يتكرر لعدم التقصير‪ ،‬ومن عجز عن‬
‫ذلك استقر في ذمته‪.‬‬
‫ن فل يلزمه فدية هنا ول فيما مر إذ ل قدرة له عليها فإن عتق لزمته‪ ،‬فإن العبرة بوقت‬ ‫أما الق ّ‬
‫الداء ل بوقت الوجوب‪ ،‬ولو لم يبق بـينه وبـين رمضان القابل ما يسع قضاء جميع الفائت لزمته‬
‫ل عما ل يسعه‪ ،‬ومن مات وعليه صيام رمضان أو نذر أو كفارة قبل إمكان فعله‪ ،‬بأن‬ ‫الفدية حا ً‬
‫استمر مرضه الذي ل يرجى برؤه أو سفره المباح إلى موته فل تدارك للفائت بالفدية ول بالقضاء‬
‫ول إثم عليه لعدم تقصيره‪ ،‬فإن تعدى بالفطار ثم مات قبل التمكن وبعده أو أفطر بعذر ومات بعد‬
‫التمكن أطعم عنه وليه من تركته لكل يوم فاته مّد طعام من غالب قوت البلد‪ ،‬فإن لم يكن له تركة‬
‫ن له ذلك لخبر‪» :‬من مات وعليه صيام صام عنه وليه«‬ ‫ي إطعام ول صوم‪ ،‬بل يس ّ‬‫لم يلزم الول ّ‬
‫ي مال‪ ،‬ويجوز‬ ‫ويجوز لقريبه أن يصوم عنه ولو بغير إذنه وإن لم يكن عاصيًا ول وارثًا ول ول ّ‬
‫ن من أهل‬ ‫ذلك للجنبـي بإذن القريب‪ ،‬وشرط كل من الذن والمأذون البلوغ ل الحرية لن الق ّ‬
‫فرض الصوم ويجزىء صوم ثلثين يومًا بالذن في يوم واحد‪ ،‬أما أجنبـي لم يأذن له قريب ول‬
‫ص ول هو في معناه‪.‬‬‫ميت فيمتنع صومه لنه لم يرد به الن ّ‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن كما أفاده‬‫ومن مات وعليه صلة أو اعتكاف لم يفعل ذلك عنه ول فدية لعدم ورودها لكن يس ّ‬
‫الشبراملسي ‪ ،‬نعم لو نذر أن يعتكف صائمًا جاز أن يعتكف عنه وليه صائمًا‪ ،‬فإن لم يفعل بقي‬
‫ي عن الميت تبعًا للحج‬ ‫العتكاف في ذمة الميت‪ ،‬ومثله ركعتا الطواف فيجوز أن يفعلهما الول ّ‬
‫عنه‪ ،‬وفي كل من الصلة والعتكاف قول كالصوم‪ ،‬ففي وجه عليه كثير من أصحاب الشافعي أن‬
‫ي يطعم عن كل صلة مّدا‪ ،‬واختار جمع من محققي المتأخرين أن الصلة تفعل عن الميت‬ ‫الول ّ‬
‫أوصى بها أو ل حكاه العبادي عن الشافعي ‪ ،‬وحكى غيره عن إسحاق و عطاء بل نقل ابن برهان‬
‫عن القديم أنه يلزم الولي إن خلف الميت تركة أن يصلي عنه كالصوم‪ .‬واختار ذلك ابن أبـي‬
‫عصرون وابن دقيق العيد والسبكي حتى قيل‪ :‬إن السبكي صلى عن قريبه بعد موته‪ ،‬بل قال‬
‫المحب الطبري في شرح التنبـيه‪ :‬يصل للميت كل عبادة تفعل عنه واجبة أو مندوبة‪ ،‬وقال ابن‬
‫ل عن شرح المختار‪ :‬مذهب أهل السنة أن للنسان أن يجعل ثواب عمله وصلته للميت‬ ‫حجر نق ً‬
‫ويصله اهـ‪.‬‬
‫وعند السادة الحنفية أنه لو مات وعليه صلوات وأوصى بالكفارة عنها يعطى لكل صلة نصف‬
‫صاع من بّر كالفطرة وكذا حكم الوتر‪.‬‬
‫ل ويدفعه لفقير‬ ‫ل استقرض وارثه نصف صاع مث ً‬ ‫والصوم ويعطي من ثلث ماله ولو لم يترك ما ً‬
‫ثم يدفعه الفقير للوارث ثم وثم حتى يتّم ما عليه‪ ،‬ويجوز عندهم أن يقّوم بالدراهم والدنانير‬
‫وتصرف للفقراء‪ ،‬ولو فدى عن صلته في مرضه ل يصح‪.‬‬
‫ن تسحر( لقوله ‪» :‬تسحروا فإن في السحور‬ ‫)و( سنن الصوم عشرة‪ :‬الّول‪ :‬مذكور بقوله‪) :‬س ّ‬
‫ل ولو جرعة ماء‪ ،‬ويدخل وقته بنصف الليل‪ ،‬والفضل‬ ‫بركة« ويحصل السحور على شيء وإن ق ّ‬
‫تأخير السحور ما لم يقع في شك‪ ،‬لخبر الصحيحين‪» :‬ل تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا‬
‫السحور« ‪.‬‬
‫ن ذلك ولو ماّرا‬ ‫)و( الثاني‪) :‬تعجيل الفطر( بعد تحقق الغروب وقبل الصلة للخبر السابق‪ ،‬وس ّ‬
‫بالطريق‪ ،‬ول تنخرم مروءته به كطلب الكل يوم عيد الفطر قبل الصلة ولو ماّرا بالطريق‪،‬‬
‫ن أن يكون الفطر‬ ‫والمعتمد عدم حصول سنة التعجيل بالجماع لما فيه من إضعاف القّوة‪) .‬و( س ّ‬
‫)بتمر فماء( لخبر صححه الترمذي وابن حبان‪» :‬إذا كان أحدكم صائمًا فليفطر على التمر‪ ،‬فإن لم‬
‫يجد التمر فعلى الماء فإنه طهور« وترتيبه في الفضلية أن يكون على رطب فتمر فماء فحلو‬
‫فحلواء‪ ،‬لما ورد أنه »كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات‪ ،‬فإن لم يكن فعلى تمرات‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن حسا حسوات من ماء« وقضية هذا الخبر أن السنة تثليث ما يفطر عليه من رطب وغيره‪،‬‬
‫ل بعد فقد التمر والماء ونحوهما مما ورد‬ ‫ويقّدم العسل على اللبن لنهم نظروا للحلو في هذا المح ّ‬
‫ل بالحلوة أو لنفع البصر‪.‬‬‫تفاؤ ً‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والثالث‪ :‬الدعاء المأثور عقب فطره‪ ،‬وهو‪ :‬اللهّم لك صمت‪ ،‬وعلى رزقك أفطرت‪ ،‬وبك آمنت‪،‬‬
‫وعليك توكلت‪ ،‬ذهب الظمأ‪ ،‬وابتلت العروق‪ ،‬وثبت الجر إن شاء ال تعالى‪ ،‬يا واسع الفضل‬
‫اغفر لي‪ ،‬الحمد ل الذي هداني فصمت‪ ،‬ورزقني فأفطرت‪.‬‬
‫)و( الرابع‪) :‬غسل عن( الحدث الكبر من )جنابة( وحيض ونفاس )قبل فجر( ليؤّدي العبادة على‬
‫الطهارة وللخشية من وصول الماء إلى باطن الذن أو الدبر أو غيرهما‪ .‬وينبغي أن يغسل هذه‬
‫المواضع قبل الفجر بنية رفع الجنابة إن لم يتهيأ له الغسل الكامل‪.‬‬
‫ل محّرم ككذب وغيبة لنه محبط للثواب‪.‬‬ ‫ف اللسان عما ل يعني سيما ك ّ‬ ‫والخامس‪ :‬ك ّ‬
‫ف( النفس عن )شهوة( مباحة ل تبطل الصوم من توسع طعام وشراب وتلّذذ‬ ‫)و( السادس‪) :‬ك ّ‬
‫بنحو مسموع ومبصر وملموس ومشموم كشّم ريحان ونظر إليه ولمسه لن فيه ترفهًا ل يناسب‬
‫حكمة الصوم‪.‬‬
‫)و( السابع مذكور بقوله‪) :‬برمضان إكثار صدقة( وجود وزيادة توسعه على العيال وإحسان إلى‬
‫ن أن يفطرهم بأن يعشيهم‪ ،‬فإن عجز عن عشائهم فطرهم‬ ‫ذوي الرحام والجيران‪ ،‬ومن ثم س ّ‬
‫بشربة ماء أو بتمرة أو غيرهما‪ ،‬لقوله ‪» :‬من فطر صائمًا فله مثل أجره ول ينقص من أجر‬
‫الصائم شيء« )و( إكثار )تلوة( وأذكار وفعل الخيرات في كل مكان حتى الحمام والطريق‪ ،‬فمن‬
‫التلوة المدارسة المعبر عنها بالدارة‪ ،‬وهي‪ :‬أن يقرأ على غيره ويقرأ غيره عليه ولو غير ما‬
‫ل ليلة من رمضان« ‪.‬‬ ‫ي في ك ّ‬
‫قرأه الّول‪ ،‬لخبر‪» :‬إن جبريل كان يلقى النبـ ّ‬
‫)و( الثامن‪ :‬إكثار )اعتكاف( بأن يعتكف في جميع الشهر وهو في العشر الخر آكد‪ ،‬ولذا قال‪:‬‬
‫)سيما( بالتشديد والتخفيف‪ ،‬وهي دالة لولوية ما بعدها بالحكم مما قبلها ل مستثنى بها‪ ،‬والفصح‬
‫جّر ما بعدها على الضافة وتقديم ل عليها‪ ،‬بل قال بعض المحققين‪ :‬إن حذفها لحن وما زائدة‪،‬‬
‫ويجوز رفع ما بعد ل سيما على أنه خبر مبتدأ محذوف وما حينئذ موصولة‪ ،‬ويجوز نصبه على‬
‫أنه مفعول لفعل محذوف وهو صلة لما‪ :‬أي ل شيء الذي أريد )عشر آخره( فهي أولى بذلك كله‬
‫من غيره للتباع ولنه »كان إذا دخل العشر الخير أحيا الليل وأيقظ أهله وشّد المئزر« ‪ ،‬وهذا‬
‫كناية عن القبال على العبادة بهمة ونشاط‪.‬‬
‫والتاسع‪ :‬ختم القرآن في جميع رمضان‪ .‬والعاشر‪ :‬التتابع في قضاء رمضان‪.‬‬
‫ومكروهات الصوم ثلثة عشر ‪ :‬أن يستاك بعد الزوال‪ ،‬وتأخير الفطر‪ .‬وأن يحجم لغيره وأن‬
‫يحتجم منه‪ ،‬ويفصد‪ ،‬ويدخل الحمام‪ ،‬والمخاصمة‪ ،‬فإن شتمه أحد فليقل‪ :‬إني صائم‪ ،‬والكذب‪،‬‬
‫ق الخاتم الذي على فم العباد‪،‬‬
‫ق الختم الذي على فمي‪ ،‬ومثله‪ :‬بح ّ‬ ‫والفحش‪ ،‬ويكره أن يقول‪ :‬بح ّ‬
‫ووجه الكراهة أنه حلف بغير ال تعالى وصفاته‪ ،‬والقبلة لغير من تحّرك شهوته‪ ،‬ومضغ العلك‪،‬‬
‫ل كراهته في علك ل يتفتت‪ .‬أما هو فيحرم مضغه إن تيقن وصول بعض جرمه إلى جوفه‪،‬‬ ‫ومح ّ‬
‫فإن وصل عمدًا أفطر‪ ،‬بخلف ما إذا شك أو وصل طعمه أو ريحه فل يضّر لنه مجاور‪ ،‬ومضغ‬
‫الطعام لئل يصل لحلقه‪ .‬نعم إن احتاج إلى مضغ نحو خبز لطفل لم يكره‪ ،‬وذوق الطعام أو غيره‬
‫خوف الوصول إلى حلقه أو خوف تعاطيه لغلبة شهوة‪ .‬نعم لو ذاق الطعام لغرض إصلحه‬
‫لمتعاطيه لم يكره للحاجة وإن كان عنده مفطر غيره لنه قد ل يعرف إصلحه مثل الصائم كما‬
‫أفاده الشبراملسي ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فصل في صوم التطّوع وهو كثير‬


‫ن( متأكدًا منه خمسة عشر‪ :‬الّول‪) :‬صوم( يوم )عرفة( لغير الحاج‪ ،‬وهو تاسع ذي‬ ‫والذي )يس ّ‬
‫الحجة لنه سئل عن صوم عرفة‪ ،‬فقال‪» :‬يكفر السنة الماضية والمستقبلة« وصومه للحاج خلف‬
‫الولى‪ ،‬ويوم عرفة أفضل اليام حتى من يوم من أيام رمضان ل من جميعها ول من العشر‬
‫الخير منه‪.‬‬
‫)و( الثاني‪ :‬صوم يوم )عاشوراء( وهو عاشر المحّرم لنه سئل عنه فقال‪» :‬يكفر السنة الماضية«‬
‫وإنما كان صوم عرفة بسنتين وعاشوراء بسنة‪ ،‬لن الّول يوم نبـينا ‪ ،‬والثاني يوم غيره من‬
‫النبـياء ونبـينا أفضل النبـياء فكان يومه بسنتين‪ ،‬ولن المزية ل تقتضي الفضيلة‪.‬‬
‫وحكي أن نوحًا عليه الصلة والسلم لما استقّرت به السفينة يوم عاشوراء قال لمن معه‪ :‬اجمعوا‬
‫ف من العدس وهذا بأرز‪،‬‬‫ف من الباقلء وهو الفول‪ ،‬وهذا بك ّ‬ ‫ما بقي معكم من الزاد‪ ،‬فجاء هذا بك ّ‬
‫وهذا بشعير‪ ،‬وهذا بحنطة فقال‪ :‬اطبخوه جميعًا فقد هنئتم بالسلمة‪ ،‬فمن ذلك اتخذ المسلمون طعام‬
‫الحبوب‪ ،‬وكان ذلك أّول طعام طبخ على وجه الرض بعد الطوفان واتخذ ذلك عادة في يوم‬
‫عاشوراء‪ ،‬وللحافظ ابن حجر شعر من الرجز في الحبوب التي طبخها نوح عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫في يوم عاشوراء سبع تهترس‬
‫بّر شعير ثم ماش وعدس‬
‫حمص ولوبـيا والفول‬
‫هذا هو الصيح والمنقول‬
‫ل‪ :‬الصلة‪ ،‬والولى أن‬ ‫ونقل عن بعض الفاضل أن العمال في يوم عاشوراء اثنا عشر عم ً‬
‫تكون صلة التسبـيح‪ ،‬والصوم‪ ،‬والصدقة‪ ،‬والتوسعة على العيال‪ ،‬والغتسال‪ ،‬وزيارة العالم‬
‫الصالح‪ ،‬وعيادة المريض‪ ،‬ومسح رأس اليتيم‪ ،‬والكتحال‪ ،‬وتقليم الظفار‪ ،‬وقراءة سورة‬
‫الخلص ألف مّرة‪ ،‬وصلة الرحم‪ .‬وقد وردت الحاديث في الصوم والتوسعة على العيال‪ .‬وأما‬
‫غيرهما فلم يرد في الحاديث‪ .‬وقد ذكر إمام المحّدثين ابن حجر العسقلني في شرح البخاري‬
‫كلمات من قالها في يوم عاشوراء لم يمت قلبه‪ ،‬وهي‪ :‬سبحان ال ملء الميزان ومنتهى العلم‬
‫ومبلغ الرضا وزنة العرش‪ ،‬والحمد ل ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش‪،‬‬
‫وال أكبر ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش ل ملجأ ول منجا من ال إل إليه‪،‬‬
‫سبحان ال عدد الشفع والوتر وعدد كلمات ال التامات كلها‪ ،‬والحمد ل عدد الشفع والوتر وعدد‬
‫كلمات ال التامات كلها‪ ،‬وال أكبر عدد الشفع والوتر وعدد كلمات ال التامات كلها‪ .‬أسألك‬
‫ي العظيم‪ ،‬وصلى ال على‬ ‫السلمة برحمتك يا أرحم الراحمين‪ ،‬ول حول ول قّوة إل بال العل ّ‬
‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‪ .‬ونقل سيدي علي الجهوري أن‬
‫من قال يوم عاشوراء سبعين مّرة‪ :‬حسبـي ال ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير كفاه ال‬
‫تعالى شّر ذلك العام‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وذكر العلماء أن ليوم عاشوراء مزايا لم تكن لغيره‪ .‬وذلك أنه‪ :‬خلق فيه آدم داخل الجنة‪ ،‬وتيب‬
‫ي‪ ،‬وفلق البحر لموسى‪ ،‬وأغرق في البحر فرعون‪،‬‬ ‫عليه فيه‪ ،‬واستوت سفينة نوح على الجود ّ‬
‫ب‪ ،‬وتيب على قوم يونس‪ ،‬وولد إبراهيم عليه‬ ‫وأخرج يونس من بطن الحوت‪ ،‬ويوسف من الج ّ‬
‫الصلة والسلم ونجا من النار فيه‪ ،‬وولد عيسى عليه السلم‪ ،‬ورفع إلى السماء فيه‪ ،‬ورّد بصر‬
‫ي ال داود فيه اهـ‪.‬‬
‫يعقوب‪ ،‬وكشف ضّر أيوب‪ ،‬وغفر لنبـ ّ‬
‫)و( الثالث‪ :‬صوم يوم )تاسوعاء( وهو تاسع المحّرم لنه قال‪» :‬لئن عشت إلى قابل لصوم ّ‬
‫ن‬
‫التاسع والعاشر« فقبض من عامه‪.‬‬
‫)و( الرابع‪ :‬صوم )ستة من شّوال( لحديث‪» :‬من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان‬
‫كصيام الدهر« ‪ .‬ولقوله أيضًا‪» :‬صيام رمضان بعشرة أشهر‪ ،‬وصيام ستة أيام بشهرين فذلك‬
‫صيام السنة« أي كصيامها فرضًا‪ ،‬وتحصل السنة بصومها متفّرقة منفصلة عن يوم العيد لكن‬
‫ن قضاؤها‪.‬‬ ‫تتابعها واتصالها بـيوم العيد أفضل وتفوت بفوات شّوال‪ ،‬ويس ّ‬
‫ل شهر‪ :‬وهي الثالث عشر وتالياه وفي ذي‬ ‫)و( الخامس‪ :‬صوم )أيام( الليالي )البـيض( من ك ّ‬
‫الحجة يصوم السادس عشر بدل الثالث عشر لنه من أيام التشريق وصيامها حرام‪.‬‬
‫)و( السادس والسابع‪ :‬صوم يوم )الثنين والخميس( لنه كان يتحّرى صومهما وقال‪» :‬إنهما‬
‫ب أن يعرض عملي وأنا صائم« ‪.‬‬ ‫يومان تعرض فيهما العمال فأح ّ‬
‫والثامن‪ :‬صوم الثمانية أيام قبل يوم عرفة سواء في ذلك الحاج وغيره‪.‬‬
‫والتاسع‪ :‬صوم الثمانية في المحرم قبل التاسع ول بأس بإفراده‪ .‬والعاشر‪ :‬صوم أيام الشهر‬
‫الحرم‪ ،‬وهي أربعة‪ :‬المحّرم‪ ،‬ورجب‪ ،‬وذو القعدة‪ ،‬وذو الحجة‪ .‬وأفضل الشهور‪ :‬رمضان‪ ،‬ثم‬
‫المحّرم‪ ،‬ثم رجب‪ ،‬ثم ذو الحجة‪ ،‬ثم ذو القعدة‪ ،‬ثم شعبان‪ .‬وظاهر كلمهم أن باقي شهور السنة‬
‫على حّد سواء‪.‬‬
‫ل شهر‪ :‬وهي الثامن والعشرون وتالياه‪.‬‬ ‫والحادي عشر‪ :‬صوم أيام الليالي السود من ك ّ‬
‫والثاني عشر‪ :‬صوم شعبان لحبه صيامه فمن صامه نال شفاعته يوم القيامة‪ .‬والثالث عشر‪ :‬صوم‬
‫يوم وفطر يوم‪ .‬والرابع عشر‪ :‬صوم يوم وفطر يومين‪ .‬والخامس عشر‪ :‬صوم يوم ل يجد فيه ما‬
‫يأكله‪ ،‬ولو نذر شيئًا من صوم التطّوع وجب‪ ،‬ويكره الصوم للمريض والحامل والمرضع‬
‫والمسافر والشيخ الكبـير إذا خافوا منه مشقة شديدة‪ ،‬وقد يفضي ذلك إلى التحريم كما مّر‪ ،‬ويكره‬
‫التطّوع بصوم يوم وعليه قضاء فرض وإفراد يوم الجمعة أو السبت أو الحد بالصوم‪ ،‬وصوم‬
‫الدهر لمن خاف به ضررًا أو فوت حق‪ ،‬ويحرم صوم العيدين وصوم أيام التشريق‪ ،‬وهي الحادي‬
‫عشر من ذي الحجة وتالياه‪ ،‬وصوم الحائض والنفساء وصوم يوم الشك بل سبب‪ ،‬وهو يوم‬
‫الثلثين من شعبان إذا تحّدث الناس برؤية الهلل ولم يثبت بخلف ما إذا صامه عن قضاء أو‬
‫ن‪ ،‬وصوم النصف الثاني من‬ ‫نذر أو كفارة أو وافق صومه عادة له فل يحرم بل يجب أو يس ّ‬
‫شعبان إل أن يصله بما قبله أو يصومه بسبب مما مّر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪168 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب العتكاف‬

‫حقيقته شرعًا‪ :‬اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنية‪ ،‬وهو سنة في كل وقت لحديث‪» :‬من‬
‫اعتكف فواق ناقة فكأنما أعتق نسمة« ويجب بالنذر‪ ،‬ويحرم على الزوجة والرقيق بغير إذن‪،‬‬
‫ويكره لذات الهيئة مع الذن‪ ،‬فتعتريه الحكام ما عدا الباحة‪ ،‬وهو في العشر الخير من رمضان‬
‫أفضل منه في غيره لطلب ليلة القدر‪ ،‬فيحيـيها‪ .‬ومراتب إحيائها ثلثة‪ :‬عليا وهي إحياء ليلتها‬
‫بالصلة‪ .‬ووسطى وهي إحياء معظمها بالذكر‪ .‬ودنيا وهي أن يصلي العشاء في جماعة والصبح‬
‫في جماعة‪ ،‬والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر‪ ،‬وينال العامل فضلها وإن لم يطلع عليها‬
‫ن الجتهاد في العبادة في ليلتها ويومها‪ ،‬ويس ّ‬
‫ن‬ ‫على المعتمد‪ ،‬لكن حال من اطلع عليها أكمل‪ ،‬ويس ّ‬
‫لمن رآها أن يكتمها‪ ،‬وهي من خصوصيات هذه المة‪ ،‬وباقية إلى يوم القيامة‪ ،‬ومنحصرة في‬
‫العشر الخير من رمضان عند المام الشافعي ‪ .‬وتلزم ليلة منه بعينها على المعتمد‪ ،‬فقيل‪ :‬هي‬
‫ليلة الحادي والعشرين‪ ،‬وقيل ليلة‪ :‬الثالث والعشرين‪ ،‬وقيل‪ :‬ليلة السابع والعشرين‪ ،‬ومقابل‬
‫المعتمد أنها تنتقل في ليالي العشر‪ ،‬وأرجاها ليالي الوتار وأرجى الوتار ليلة الحادي والعشرين‪،‬‬
‫ونقل عن ابن عباس أنها ليلة السابع والعشرين‪ .‬وبالجملة فهي من السرار التي يطلع ال عليها‬
‫من يشاء من عباده‪ ،‬ويندب أن يكثر في ليلتها من قول‪ :‬اللهم إنك عفّو تحب العفو فاعف عني‪.‬‬
‫ومن علماتها أنها متوسطة ل حاّرة ول باردة‪ ،‬وتطلع الشمس في صبـيحتها بـيضاء ليس فيها‬
‫كثير شعاع‪ ،‬وهي لحظة لطيفة على صورة البرق الخاطف‪ ،‬لكن تصير الليلة كلها ذات فضل‬
‫لجلها‪ ،‬وكذلك ترّدد الملئكة في جميع الليل صعودًا وهبوطًا بـين ال تعالى وبـين عباده لقضاء‬
‫حوائجهم‪ ،‬ويتجلى ال تعالى فيها جميعها‪ ،‬بخلف غيرها فإنه في الثلث الخير فقط‪ ،‬فيندب إحياء‬
‫ليالي العشر كلها لجل مصادفة ليلة القدر‪ ،‬وهي ليلة ينكشف فيها شيء من عجائب الملكوت‪،‬‬
‫والناس في هذا الكشف متفاوتون فمنهم من يكشف له عن ملكوت السموات والرض فيرى‬
‫الملئكة بـين راكع وساجد‪ ،‬ومنهم من يرى طبقة من نور‪ .‬وأفضل الليالي ليلة المولد الشريف‬
‫فالقدر فالسراء فعرفة فالجمعة فنصف شعبان فالعيد‪ ،‬فهذه سبع ليال مرتبة في الفضلية‪ ،‬وأفضل‬
‫اليام يوم عرفة فنصف شعبان فالجمعة والليل أفضل من النهار‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪181 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأركان العتكاف أربعة‪ :‬نية‪ ،‬ولبث ول بّد أن يزيد على قدر طمأنينة الصلة‪ ،‬ومسجد‪،‬‬
‫ومعتكف‪ .‬وشروطه‪ :‬إسلم وعقل وخلّو من حدث أكبر‪ ،‬فل يصح اعتكاف من اتصف بضّد شيء‬
‫من ذلك‪ ،‬وتجب نية الفرضية في المنذور منه‪ ،‬ويقع كله فرضًا على المعتمد وإن طال مكثه وإن‬
‫لم يقيده بمّدة‪ .‬ومراتب العتكاف ثلثة‪ :‬مطلق ومقيد بمّدة من غير تتابع‪ ،‬ومقيد بمّدة وتتابع‪ ،‬فإن‬
‫كان مطلقًا كفته نيته وإن طال مكثه‪ ،‬لكن لو خرج من المسجد بل عزم عود وعاد جّدد النية إن‬
‫أراد العتكاف ويكون هذا اعتكافًا آخر لن الّول قد انقطع‪ ،‬فإن خرج عازمًا على العود‬
‫للعتكاف سواء للمسجد الذي خرج منه أو لغيره كان هذا العزم قائمًا مقام النية‪ ،‬فل يحتاج لتجديد‬
‫نية وإن كان مقيدًا بمّدة من غير تتابع ليومين وخرج لغير تبرز بل عزم عود وعاد جّدد النية وإن‬
‫لم يطل الزمن‪ ،‬بخلف خروجه للتبرز فل يحتاج لتجديد نية وإن طال الزمن لنه ل بّد منه فهو‬
‫كالمستثنى عند النية‪ ،‬أما إذا خرج عازمًا على العود وعاد فل يحتاج لتجديد نية على المعتمد‬
‫سواء في جميع ذلك المنذور وغيره‪ ،‬وإن كان مقيدًا بمّدة وتتابع كعشرة أيام متوالية فل ينقطع‬
‫تتابعه بخروجه من المسجد لعذر كنسيان العتكاف وكحيض ونفاس ل تخلو عنه مّدة العتكاف‬
‫غالبًا أو عذر مرض يشق معه المقام في المسجد لحاجة فرش أو خادم أو ترّدد طبـيب أو يخاف‬
‫منه تلويث المسجد كإسهال وإدرار بول‪ ،‬بخلف المرض الخفيف فينقطع التتابع بالخروج له‪،‬‬
‫ص أو حريق ول ينقطع التتابع بخروج مؤذن راتب إلى منارة‬ ‫وفي معنى المرض الخوف من ل ّ‬
‫منفصلة عن المسجد قريبة منه للذان لنها مبنية له معدودة من توابعه وقد اعتاد الراتب‬
‫صعودها وألف الناس صوته فيعذر فيه‪ ،‬ويجعل زمن الذان كالمستثنى من العتكاف‪ ،‬ومتى زال‬
‫عذره وجب عليه العود فورًا وبنى على ما مضى‪ ،‬وما يطول زمنه عادة كمرض وحيض ونفاس‬
‫وعّدة ل باختيار يجب قضاء زمنه‪ ،‬وما لم يطل زمنه عادة كأكل وغسل جنابة وأذان مؤذن راتب‬
‫وتبرز ل يجب قضاء زمنه لنه مستثنى إذ ل بّد منه ولنه معتكف فيه حكمًا‪ ،‬فإن خرج لغير عذر‬
‫انقطع تتابعه فيجّدد النية ويستأنف ول يبني على ما مضى منه لبطلنه‪.‬‬
‫والذي يبطل العتكاف تسعة أشياء‪ :‬الوطء‪ ،‬والنزال عن مباشرة بشهوة‪ ،‬والسكر المتعّدى به‪،‬‬
‫والرّدة؛ والحيض إذا كانت مّدة العتكاف تخلو عنه غالبًا‪ ،‬والنفاس كذلك‪ ،‬والخروج لغير عذر‪،‬‬
‫والخروج لستيفاء عقوبة ثبتت بإقراره‪ ،‬وكذلك الخروج لستيفاء حق مماطل به‪ ،‬والخروج لعّدة‬
‫ثبتت باختيارها‪ .‬فمتى طرأ واحد من هذه على العتكاف المنذور المقيد بالمّدة والتتابع أبطله‬
‫وخرج منه ووجب الستئناف‪ ،‬وإن أثيب على ما مضى في غير الرّدة إن كان مقيدًا بمّدة من غير‬
‫تتابع فمعنى بطلنه أن زمن ذلك ل يحسب من العتكاف‪ ،‬فإذا زال ذلك جّدد النية وبنى على ما‬
‫مضى‪ ،‬وإن كان مطلقًا فمعنى بطلنه أنه انقطع استمراره ودوامه ول بناء ول تجديد نية وما‬
‫مضى معتّد به وحصل به العتكاف‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪181 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أن الطارىء على العتكاف المتتابع إما أن ينقطع تتابعه أو ل‪ ،‬الذي ل يقطع تتابعه إما‬
‫أن يحسب من المّدة ول يقضى أو ل‪ .‬فالذي يقطعه هذه التسعة‪ ،‬والذي ل يقطعه ويقضى‬
‫كالمرض والجنون والحيض الذي تخلو عنه المّدة غالبًا والعّدة التي بغير اختيارها‪ ،‬والذي ل‬
‫يقضى التبرز والكل وغسل الجنابة وأذان الراتب‪.‬‬
‫واعلم أن الوطء والمباشرة بشهوة حرام في المسجد مطلقًا ولو من غير معتكف وكذا خارجه في‬
‫العتكاف الواجب دون المستحب لجواز قطعه ول يبطل بالغيبة أو الشتم أو أكل الحرام‪ .‬نعم‬
‫ن للمعتكف الصوم‪.‬‬‫ينقص ثوابه‪ ،‬وس ّ‬
‫رقم الصفحة‪181 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب الحج والعمرة‬

‫حقيقة الحج شرعًا‪ :‬قصد الكعبة للنسك التي بـيانه مع فعل الركان التية‪ .‬وقال ابن الرفعة ‪ :‬هو‬
‫نفس الفعال التية‪ ،‬وحقيقة العمرة شرعًا‪ :‬قصد البـيت للفعال التية‪ ،‬أو نفس الفعال‪ ،‬والنسك‬
‫ل الجاهل المعذور بأن قرب عهده‬ ‫آخر أركان السلم ومعلوم من الدين بالضرورة فيكفر جاحده إ ّ‬
‫بالسلم أو نشأ بعيدًا عن العلماء‪ ،‬وهو يكفر الصغائر والكبائر حتى التبعات على المعتمد إن‬
‫مات في حجه أو بعده وقبل التمكن من أدائها‪ ،‬لكن قال الشبراملسي ‪ :‬وتكفيره لما ذكر إنما هو‬
‫ل أو قتل نفسًا ظلمًا وعدوانًا غفر‬‫لثم القدام ل لسقوط حقوق الدميـين بمعنى أنه إذا غصب ما ً‬
‫ل فأمره إلى ال في الخرة‬ ‫ال له إثم القدام على ما ذكر ووجب عليه القود ورّد المغصوب وإ ّ‬
‫ومثله سائر حقوق الدميـين‪ ،‬وهو مخالف لطلق غيره وهو المشهور‪ ،‬وتكفير الحج للذنوب إنما‬
‫هو بالنسبة لمور الخرة حتى لو أراد شهادة بعده فل بّد من التوبة والستبراء‪ ،‬وله فضائل ل‬
‫تحصى‪ :‬منها ما روى ابن حبان عن ابن عمر أن النبـي قال‪» :‬إن الحاج حين يخرج لم يخط‬
‫ط عنه بها خطيئة‪ ،‬فإذا وقفوا بعرفات باهى ال بهم ملئكته‬ ‫ل كتب ال له بها حسنة وح ّ‬ ‫خطوة إ ّ‬
‫يقول‪ :‬انظروا إلى عبادي أتوني شعثًا غبرًا‪ ،‬أشهدكم أني غفرت لهم ذنوبهم وإن كانت عدد قطر‬
‫السماء ورمل عالج‪ ،‬وإذا رمى الجمار لم يدر أحد ما له حتى يوفاه يوم القيامة‪ ،‬وإذا حلق شعره‬
‫فله بكل شعرة سقطت من رأسه نور يوم القيامة‪ ،‬فإذا قضى آخر طوافه بالبـيت خرج من ذنوبه‬
‫كيوم ولدته أمه« ‪.‬‬
‫)يجبان( أي الحج والعمرة )على مكلف حّر مستطيع مرة بتراخ( من حيث الداء فلمن وجبا عليه‬
‫ت من الهجرة‪ ،‬ولم يحج إل سنة‬ ‫بنفسه أو نائبه تأخيرهما بعد سنة المكان لن الحج فرض سنة س ّ‬
‫عشر‪ .‬ومكة قد فتحت سنة ثمان فعدم حجه سنة ثمان وتسع دللة على عدم وجوبه على الفور‪،‬‬
‫ومحل جواز التأخير إن عزم على فعلهما في المستقبل كما في الصلة‪ :‬أي فالنسك فرض عين‬
‫ل وحج‪ ،‬ووجوبه على التراخي‪ ،‬لكن لو‬ ‫يإّ‬‫على المستطيع ومن الشرائع القديمة‪ ،‬بل ما من نبـ ّ‬
‫مات قبل أدائه تبـّين عصيانه من السنة الخيرة من سني المكان حتى لو شهد فيها شهادة ولم‬
‫يحكم بها حتى مات فل يحكم بها‪ ،‬والمتجه أن المراد بالسنة الخيرة زمن إمكان الحج على عادة‬
‫أهل بلده‪ ،‬ومثل موته فيما ذكر عضبه فيتبـين‪ ،‬من آخر سني المكان وفيما بعده إلى أن يحج عنه‪،‬‬
‫ويجب عليه الستنابة فورًا‪ ،‬ويستثنى من كونه على التراخي ما لو خشي العضب أو الموت أو‬
‫هلك ماله وكذا لو أفسد حجة السلم فيجب عليه قضاؤها فورًا أو تضيق بالنذر‪ ،‬ومع كون الحج‬
‫ن تعجيله خروجًا من خلف من أوجب الفور‬ ‫على التراخي فل بّد من العزم على فعله‪ ،‬ويس ّ‬
‫ل مرة واحدة في العمر وقد يجب‬ ‫كالمام مالك والمام أحمد ‪ .‬ول يجب النسك بأصل الشرع إ ّ‬
‫أكثر منها لعارض كنذر وقضاء عند إفساد التطّوع‪ ،‬وإحياء الكعبة كل عام بالحج والعمرة فرض‬
‫ل أثموا جميعًا‪.‬‬
‫كفاية بشرط الستطاعة إن قام به البعض سقط الطلب عن الباقين‪ ،‬وإ ّ‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وللنسك شروط‪ ،‬وأركان‪ ،‬وواجبات‪ ،‬وسنن‪ ،‬ومحظورات‪ ،‬ومفسد‪ ،‬ومبطل‪.‬‬


‫أما شروطه فالكلم فيها في خمس مقامات‪ :‬المقام الّول‪ :‬للصحة المطلقة‪ ،‬وشروطها‪ :‬السلم‪،‬‬
‫والوقت وهو في الحج من ابتداء شّوال إلى فجر يوم النحر‪ ،‬وفي العمرة جميع السنة‪ ،‬فل يصح‬
‫ي أو مرتّد‪ ،‬ول يصح الحرام بالحج قبل وقته المذكور بل ينعقد عمرة‪ ،‬ول الحرام‬ ‫من كافر أصل ّ‬
‫بالعمرة إذا بقي عليه شيء من أعمال الحج‪ ،‬ول يشترط في الصحة المطلقة تكليف ول تميـيز‪،‬‬
‫ي المال الحرام بالنسك عن الصغير ولو مميزًا وعن المجنون كأن يقول‪ :‬جعلت فلنًا محرمًا‬ ‫فلول ّ‬
‫بالحج سواء كان قبل الحرام عن نفسه أو بعده فيصير من أحرم عنه محرمًا بذلك‪ ،‬ول يشترط‬
‫ي بغير المميز‬‫ي بذلك محرمًا‪ ،‬ويطوف الول ّ‬‫حضوره ومواجهته حال الحرام عنه ول يصير الول ّ‬
‫بشرط طهارتهما‪ ،‬وجعل البـيت عن يسارهما‪ ،‬ويصلى عنه ركعتي الطواف‪ ،‬ويسعى به‪،‬‬
‫ويحضره المواقف كلها ول يكفي حضوره بدونه‪ ،‬ومنها المرمى وهو ما يقف فيه الرامي ولو‬
‫كان خارج منى‪ ،‬لن المدار على إيصال الحجر للمرمى فيلزمه إحضاره إياه حالة رميه عنه وإن‬
‫لم يتصور منه لن الواجب شيئان‪ :‬الحضور والرمي فل يسقط أحدهما بسقوط الخر‪ ،‬ويناوله‬
‫ي ومأذونه‪ ،‬ول بد في جميع ذلك‬ ‫ل رمى عنه من ل رمي عليه من ول ّ‬ ‫الحجار فيرميها إن قدر‪ ،‬وإ ّ‬
‫ي أو مأذونه عن نفسه فل بّد من تقدم رميه عن نفسه أّول‪ ،‬والمميز يطوف‬ ‫من تقدم فعل الول ّ‬
‫ويسعى ويرمي الحجار بنفسه‪ ،‬ويجب على الولي منعه عن جميع محّرمات الحرام‪ ،‬فإن فعل‬
‫شيئًا منها‪ ،‬فإن كان غير مميز فل فدية عليه ول على وليه‪ ،‬وإن كان مميزًا فإن تطيب أو لبس‬
‫ناسيًا فل فدية قطعًا‪ ،‬وإن تعمد ذلك بنى على القولين‪ :‬في عمد الصبـي فإن قلنا عمده عمد وجبت‪،‬‬
‫وإن قلنا‪ :‬عمده خطأ فل‪ ،‬ولو حلق أو قلم أو قتل صيدًا وجبت الفدية‪ ،‬وحيث وجبت فهي في مال‬
‫ي‪ ،‬وهي كالواجبة عليه بفعل نفسه فإن اقتضت صومًا أو غيره فعله‪ ،‬ومثل ذلك بالولى ما لو‬ ‫الول ّ‬
‫طيبه أو ألبسه أو حلق له وإن كان ذلك لحاجة الطفل على الصح‪ ،‬ولو طيبه أجنبـي فالفدية في‬
‫مال الجنبـي‪ ،‬ولو ترك واجبًا كالمبـيت بمزدلفة أو منى أو غير ذلك وجب الدم‪ ،‬والمجنون‬
‫كالصبـي فيما سبق‪ ،‬والسفيه يكفر بالصوم‪ .‬وخرج بمن ذكر المغمى عليه فل يحرم عنه غيره إن‬
‫كان برؤه يرجى عن قرب لنه ليس بزائل العقل‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وشروطها السلم والوقت والتميـيز ولو صبـيًا‬ ‫المقام الثاني‪ :‬في صحة المباشرة بنفسه استقل ً‬
‫ل إذا كمل قبل الوقوف‪ ،‬ولو كانا‬
‫بإذن وليه أو رقيقًا ولكن ل يقع النسك لهما عن فرض السلم إ ّ‬
‫سعيًا بعد طواف القدوم فل بد من إعادة السعي‪ ،‬ومثال الوقوف طواف العمرة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫المقام الثالث‪ :‬صحة المنذور‪ ،‬وشرطها‪ :‬السلم والتكليف فيصح من الرقيق ويكون في ذمته‪.‬‬
‫المقام الرابع‪ :‬الوقوع عن فرض السلم‪ ،‬وشرطه‪ :‬الوقت والسلم والتكليف والحرية فيجزىء‬
‫ذلك من فقير ل من صغير ورقيق كما مّر‪ ،‬ولو حج أو اعتمر بمال حرام عصى وسقط فرضه‪.‬‬
‫المقام الخامس‪ :‬الوجوب‪ ،‬وشروطه ما ذكر ما عدا الوقت مع الستطاعة‪ ،‬وهي نوعان‪ :‬أحدهما‬
‫ل بأمور سبعة‪ :‬أحدها‪ :‬وجود مؤنة السفر كالزاد وأوعيته وكلفة‬ ‫استطاعة بالنفس‪ ،‬ول تتحقق إ ّ‬
‫ذهابه إلى مكة ورجوعه منها إلى وطنه وإن لم يكن له فيه أهل ول عشيرة‪ .‬ثانيها‪ :‬وجود الراحلة‬
‫الصالحة لمثله بشراء بثمن مثل أو استئجار بأجرة مثل لمن بـينه وبـين مكة مرحلتان فأكثر قدر‬
‫على المشي أو ل‪ ،‬لكن يندب للقادر على المشي الحج خروجًا من خلف من أوجبه حينئذ‪ .‬وأما‬
‫من بـينه وبـين مكة دون مرحلتين فإن كان قادرًا على المشي لزمه الحج ول يعتبر في حقه‬
‫الراحلة ول يلزمه الحبو والزحف‪ ،‬وإن عجز عن المشي أو لحقه به ضرر ظاهر فكالبعيد عن‬
‫مكة فيشترط في حقه وجود الراحلة‪ ،‬وإن لحقه بالراحلة مشقة شديدة اشترط في حقه وجود‬
‫المحمل‪ ،‬وهذا في الرجل‪ ،‬أما المرأة والخنثى فيشترط في حقهما وجود المحمل مطلقًا وإن لم‬
‫يتضررا بالراحلة لنه أستر لهما‪ ،‬ويشترط وجود شريك يجلس في الشق الخر لتعذر ركوب شق‬
‫ل يعادله شيء‪ ،‬ويشترط أن يليق به ذلك المعادل بأن ل يكون فاسقًا ول شديد العداوة وأن ل‬
‫ل عن دينه ولو‬ ‫يكون به نحو برص‪ ،‬ويشترط كون ما ذكر من الزاد والمحمل والشريك فاض ً‬
‫ل‪ ،‬وعن مؤنة من عليه مؤنتهم مدة ذهابه وإيابه‪ ،‬وعن مسكنه اللئق به الذي لم يزد على‬ ‫مؤج ً‬
‫حاجته‪ ،‬وعن عبد يليق به ويحتاج إليه لخدمته‪ ،‬ويلزم صرف مال تجارته إلى الزاد والراحلة وما‬
‫يتعلق بهما‪ ،‬ول يلزمه بـيع آلة محترف ول كتب فقيه ول بهائم زرع أو نحو ذلك‪.‬‬
‫ل ولو يسيرًا‪ ،‬ويجب‬ ‫ثالثها‪ :‬أمن الطريق ولو ظنًا في كل محل بحسب ما يليق به نفسًا وبضعًا وما ً‬
‫ركوب البحر إن تعين طريقًا وغلبت السلمة في ركوبه‪ ،‬فان غلب الهلك أو استوى المران أو‬
‫جهل الحال حرم ركوبه‪ .‬رابعها‪ :‬وجود ماء وزاد وعلف دابة بمحال يعتاد حملها منها بثمن المثل‪،‬‬
‫وهو القدر اللئق بها زمانًا ومكانًا‪ ،‬فإن لم يوجد ذلك أو وجد بزيادة على ثمن المثل لم يجب‬
‫النسك‪ .‬خامسها‪ :‬أن يخرج مع المرأة زوجها أو محرمها أو عبدها أو ممسوح أو نسوة ثقات بأن‬
‫ل بها‪ ،‬ويشترط في‬ ‫جمعن صفات العدالة وإن كن إماء ولو بأجرة مثل فتلزمها إذا لم يخرج إ ّ‬
‫وجوب النسك عليها قدرتها عليها لنها من أهبة سفرها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫سادسها‪ :‬الثبوت على المركوب ولو في محمل أو نحوه بل ضرر شديد‪ ،‬فمن لم يثبت عليه أص ً‬
‫ل‬
‫أو ثبت بضرر شديد لمرض أو غيره ل يلزمه النسك بنفسه‪ .‬سابعها‪ :‬وجود الزمن الذي يسع‬
‫المعهود للنسك من بلده إلى مكة بأن يكون قد بقي من الوقت بعد الستطاعة ما يتمكن فيه من‬
‫السير المعتاد لداء النسك وهذا هو المعتمد‪ ،‬فإن وجدت الستطاعة والباقي زمن ل يسع السير‬
‫المعتاد لم ينعقد الوجوب في حقه في هذا العام‪ ،‬ويعتبر في الستطاعة امتدادها في حق كل إنسان‬
‫من وقت خروج أهل بلده منه للحج إلى عودهم فمتى أعسر في جزء من ذلك فل استطاعة‪ ،‬ول‬
‫ي‪ ،‬أما من مات بعد الستطاعة فإنه يحج من‬ ‫عبرة بـيساره قبل ذلك ول بعده وهذا في حق الح ّ‬
‫تركته وإن كان موته بعد حجتهم وقبل عودهم‪ ،‬ول بّد من وجود رفقة يخرج معهم في الوقت الذي‬
‫جرت عادة أهل البلد بالخروج فيه‪ ،‬وأن يسيروا السير المعتاد‪ ،‬وهذا إن احتيج إلى الرفقة لدفع‬
‫الخوف‪ ،‬فإن أمن الطريق بحيث ل يخاف الواحد فيها لزمه النسك‪ ،‬ول حاجة للرفقة‪ ،‬ول نظر‬
‫للوحشة لن النسك ل بدل له‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬استطاعة بغيره فتجب النابة عن غير مرتد مات وعليه نسك ولو بنحو نذر من تركته كما‬
‫ن لوارثه أن يفعله عنه‪ ،‬ولو فعله عنه أجنبـي ولو بل‬
‫تقضى منها ديونه‪ ،‬فلو لم تكن له تركة س ّ‬
‫إذن من الوارث جاز كما يصح قضاء ديونه بل إذن‪ ،‬فإن لم يكن عليه نسك بأن كان أدى حجة‬
‫ل لو أوصى بذلك وإل جازت مطلقًا‪ ،‬قال شيخنا يوسف ‪ :‬إذا كانت‬ ‫السلم ل تجوز النابة عنه إ ّ‬
‫الجرة من المنيب ل من التركة جازت النابة بل وصية‪ .‬أما المرتد فل تجوز النابة عنه لنه‬
‫ل قضى منه دينه‪ ،‬وما فضل يكون فيئًا‪ ،‬وتجب النابة عن‬ ‫ليس من أهل العبادة بل لو خلف ما ً‬
‫المعضوب الذي عليه النسك‪ ،‬وهو بالضاد المعجمة‪ :‬العاجز عن مباشرة النسك بنفسه إذا كان‬
‫بـينه وبـين مكة مرحلتان فأكثر‪ ،‬أما لو كان دون مرحلتين أو كان بمكة فإنه يلزمه مباشرة النسك‬
‫بنفسه لقلة المشقة‪ ،‬نعم إن أنهاه الضنى إلى حالة ل يحتمل الحركة بحال جازت النيابة عنه إما‬
‫بأجرة مثل فاضلة عما مّر غير مؤنة عياله سفرًا لنه مقيم عندهم‪ ،‬وإما بوجود متطوع بالنسك‬
‫عنه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ويشترط في النائب مطلقًا أن يكون غير معضوب موثوقًا به أّدى فرضه‪ ،‬ويجوز كون النائب في‬
‫نسك التطّوع صبـيًا مميزًا أو عبدًا لنهما من أهل التطوع بالنسك لنفسهما‪ ،‬ويشترط في صحة‬
‫ل حتى لو ترك منه أدبًا سقط من‬ ‫عقد الستئجار للحج معرفة العاقدين أعمال الحج فرضًا ونف ً‬
‫الجرة ما يقابله والستئجار فيما مّر ضربان‪ :‬أحدهما‪ :‬إجارة عين كاستأجرتك عني أو عن ميتي‬
‫هذه السنة‪ ،‬فإن عين غير السنة الولى لم يصح العقد‪ ،‬وإن أطلق صح وحمل على السنة‬
‫الحاضرة‪ ،‬ويشترط لصحة العقد قدرة الجير على الشروع في العمل واتساع المدة له‪ ،‬والمك ّ‬
‫ي‬
‫ونحوه يستأجر في أشهر الحج‪ .‬الثاني‪ :‬إجارة ذمة كقوله‪ :‬ألزمت ذمتك تحصيل حجة‪ ،‬ويجوز‬
‫الستئجار في هذا الضرب على المستقبل‪ ،‬فإن أطلق حمل على الحاضرة فتبطل إن ضاق الوقت‪،‬‬
‫ول يشترط قدرته على السفر لمكان الستنابة في إجارة الذمة‪ ،‬ولو قال‪ :‬ألزمت ذمتك لتحج عني‬
‫بنفسك بطلت الجارة على ما اعتمده الرملي خلفًا لما نقل عن البغوي ‪ :‬أن ذلك يصح وتكون‬
‫تلك الجارة إجارة عين‪ ،‬ولو استأجر للقران فالدم على المستأجر فإن شرطه على الجير بطلت‬
‫الجارة‪ ،‬ولو كان المستأجر للقران معسرًا فالصوم الذي هو بدل الدم على الجير‪ ،‬لن الصوم‬
‫يقع بعضه في الحج وهو ل يتأتى من المستأجر لن الفرض أنه معضوب وأنه في غير مكة‪ ،‬ولو‬
‫أفسد الجير الحج بالجماع لزمه قضاؤه عن نفسه‪ ،‬فيقع القضاء له وعليه المضي في فاسده‬
‫والكفارة‪ ،‬وتنفسخ به إجارة العين ويلزمه رّد ما أخذه من المستأجر‪ ،‬ويبقى عليه الحج في ذمته إن‬
‫كانت الجارة إجارة ذمة فيلزمه فيها أن يأتي بعد القضاء عن نفسه بحج آخر للمستأجر في عام‬
‫آخر أو يستنيب من يحج عنه في ذلك العام أو غيره‪ ،‬ولو استأجر المعضوب من يحج عنه فحج‬
‫ل للجير‪ ،‬ولو حضر‬ ‫عنه ثم شفي لم يقع عنه‪ ،‬فل يستحق الجير أجرة على المعتمد ويقع الحج نف ً‬
‫مكة أو عرفة في سنة حج الجير لم يقع حج الجير عنه لتعين مباشرته بنفسه ويلزمه للجير‬
‫الجرة‪ ،‬والفرق بـين هذه وما قبلها أنه ل تقصير منه في حق الجير في الشفاء‪ ،‬بخلف الحضور‬
‫فإنه بعد أن وّرط الجير مقصر به فلزمته أجرته‪.‬‬
‫)و( أما )أركانه( أي الحج فستة‪ :‬الّول )إحرام( أي نية دخول في الحج فإن أحرم بحجتين انعقدت‬
‫واحدة‪ ،‬والفضل أن يعين في نيته‪ ،‬فلو أحرم وأطلق بأن قال‪ :‬نويت الحرام أو نويت الحرام‬
‫بالنسك‪ ،‬فإن كان في أشهر الحج صرفه إلى ما شاء من النسكين أو أحدهما إن كان وقت الصرف‬
‫صالحًا لهما ثم بعد التعيـين يأتي بما عينه فل يجزىء العمل قبله‪ ،‬وإن كان في غير أشهر الحج‬
‫انعقد عمرة بمجّرد النية المطلقة‪ ،‬فلو صابر الحرام ولم يشرع في شيء من العمال حتى دخلت‬
‫أشهر الحج فليس له صرفه إلى الحج لن وقت النية ل يقبل غير العمرة‪ ،‬ويجوز أن يقول‪ :‬نويت‬
‫الحرام كإحرام زيد‪ ،‬فإن كان زيد غير محرم أو كان إحرامه فاسدًا انعقد إحرامه مطلقًا‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل‬
‫ن النطق بالنية فالتلبـية عقبها‪،‬‬
‫فكإحرامه‪ ،‬فإن تعّذر معرفة إحرامه نوى قرانًا ثم أتى بعمله‪ .‬ويس ّ‬
‫ي وسأل ال تعالى رضوانه والجنة واستعاذ به من‬ ‫وإذا فرغ من التلبـية صلى وسلم على النبـ ّ‬
‫النار‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( الثاني‪) :‬وقوف بعرفة( ويجب فيه حضوره بجزء من أرضها أو على غصن شجرة فيها‪،‬‬
‫بخلف ما إذا ركب على طائر في هوائها أو ركب على سحاب فيه أو طار هو فيه فل يكفي لن‬
‫هواء عرفات ليس له حكمها‪ ،‬ويكفي الحضور بأرضها وإن كان ماّرا في طلب آبق وإن لم يدر‬
‫أنها عرفات‪ ،‬وعلم من ذلك أن صرف الوقوف إلى غيره ل يؤثر‪ ،‬بخلف الطواف والسعي‬
‫ل للعبادة ل مغمى‬ ‫ورمي الجمار فإنها يضّر فيها الصارف‪ .‬ويشترط في الواقف كونه محرمًا أه ً‬
‫عليه جميع وقت الوقوف ول يضّر النوم‪ ،‬ووقته )بـين زوال( ليوم تاسع ذي الحجة )وفجر نحر(‬
‫ب أن يجمع في الوقوف بـين الليل والنهار‪.‬‬ ‫ي وقت من ذلك وقف أجزأه‪ ،‬ويستح ّ‬ ‫ففي أ ّ‬
‫ن في الوقوف أن يكون على طهارة وإكثار الذكر والتهليل والدعاء والتلبـية‪ ،‬وقراءة القرآن‬ ‫ويس ّ‬
‫وإكثار التضّرع والذلة واللحاح في الدعاء‪ ،‬فيستقبل البـيت الحرام ويبسط كفيه ويقول‪ :‬الحمد ل‬
‫ب العالمين‪ ،‬ثم يلبـي ثلثًا ويقول‪ :‬ال أكبر ول الحمد ثلثًا‪ ،‬ثم يقول‪ :‬اللهّم انقلني من ذ ّ‬
‫ل‬ ‫ر ّ‬
‫المعصية إلى عّز الطاعة‪ ،‬واكفني بحللك عن حرامك‪ ،‬وأغنني بفضلك عمن سواك ونّور قلبـي‬
‫وقبري‪ ،‬واهدني وأعذني من الشّر كله‪ ،‬واجمع لي الخير كله‪ .‬اللهّم إني أسألك الهدى والتقى‬
‫والعفاف والغنى‪ .‬اللهّم آتنا في الدنيا حسنة وفي الخرة حسنة وقنا عذاب النار‪ .‬اللهّم إني ظلمت‬
‫ل أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك‬ ‫نفسي ظلمًا كثيرًا كبـيرًا وإنه ل يغفر الذنوب إ ّ‬
‫أنت الغفور الرحيم‪ .‬اللهّم اغفر لي مغفرة تصلح بها شأني في الدارين‪ ،‬وارحمني رحمة واسعة‬
‫ي توبة نصوحًا ل أنكثها أبدًا‪ ،‬وألزمني سبـيل الستقامة ل أزيغ‬ ‫أسعد بها في الدارين‪ ،‬وتب عل ّ‬
‫عنها أبدًا‪.‬‬
‫ي قال‪» :‬خير الدعاء دعاء يوم عرفة‪ ،‬وخير ما‬ ‫وروى عمرو بن شعيب عن أبـيه عن جّده أن النبـ ّ‬
‫ل ال وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على ك ّ‬
‫ل‬ ‫قلت أنا والنبـيون من قبلي‪ :‬ل إله إ ّ‬
‫ن الكثار من ذلك حتى قال بعضهم‪ :‬إن استطاع أن يأتي بها مائة ألف مّرة‬ ‫شيء قدير« فيس ّ‬
‫فليفعل‪ ،‬ومن فاته الوقوف بعرفة بأن طلع فجر يوم النحر ولم يحضر بجزء منها بعد زوال يوم‬
‫التاسع في لحظة من ليل أو نهار فاته الحج‪ ،‬ويجب عليه التيان بما بقي من أركانه وهو الطواف‬
‫ل منهما التحلل من حجه‬ ‫المتبوع بالسعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم والحلق وينوي عند ك ّ‬
‫ل‪ ،‬وهذا معنى قولهم‪ :‬تحلل بعمل عمرة‪.‬‬ ‫وبفراغها يصير حل ً‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأما المبـيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار فقد سقط عنه بفوات الحج ول يغنيه ذلك عن عمرة‬
‫السلم‪ ،‬ويجب عليه القضاء فورًا من عام قابل لهذا الحج الذي فاته سواء كان فرضًا أو نف ً‬
‫ل‬
‫وسواء كان الفوات بعذر أو ل‪ ،‬ول تشترط الستطاعة بل يجب عليه ولو ماشيًا إن أطاقه ولو كان‬
‫بـينه وبـين مكة مرحلتان فأكثر‪ ،‬ولو استدام الحرام حتى حج به من قابل ل يجوز‪ ،‬بخلف ما لو‬
‫وقف فإنه يجوز له مصابرة الحرام للطواف والسعي والحلق ولو سنين لنه ل آخر لوقتها مع‬
‫ل الوقوف‪ ،‬وأما باقي الركان فل آخر‬ ‫تبعيتها للوقوف وليس للحج ركن يفوت بفوات وقته إ ّ‬
‫لوقتها كما مّر‪ ،‬وإنما يجب القضاء في فوات لم ينشأ عن حصر‪ ،‬فإن نشأ عنه بأن أحصر فسلك‬
‫ل ذلك إن‬‫طريقًا آخر ففاته الحج وتحلل بعمل عمرة فل قضاء عليه لنه بذل ما في وسعه‪ ،‬ومح ّ‬
‫كان الطريق الذي سلكه أطول من الّول‪ .‬أما لو سلك طريقًا آخر مساويًا للّول أو أقرب منه أو‬
‫صابر إحرامه غير متوقع زوال الحصار ففاته الوقوف فعليه القضاء ومحله أيضًا غير الفرض‪.‬‬
‫أما هو ففي ذمته إن استقّر عليه كحجة السلم بعد السنة الولى من سني المكان‪ ،‬فإن لم يستقّر‬
‫كحجة السلم في السنة الولى من سني المكان اعتبرت استطاعة جديدة بعد زوال الحصر إن‬
‫ل فل‪.‬‬‫وجدت وجب وإ ّ‬
‫)و( الثالث‪) :‬طواف إفاضة( وهو الواقع بعد الوقوف‪ .‬وأنواع الطواف من حيث هو سبعة‪ :‬طواف‬
‫القدوم‪ ،‬وطواف الفاضة‪ ،‬وطواف الوداع‪ ،‬وطواف التحلل‪ ،‬وطواف العمرة‪ ،‬والمنذور‪،‬‬
‫والمتطّوع به‪.‬‬
‫)و( الرابع‪) :‬سعي( بـين الصفا والمروة )سبعًا( لخبر الدارقطني‪» :‬أنه استقبل الناس في المسعى‬
‫ن السعي قد كتب عليكم« ‪ .‬وشروطه سبعة‪ :‬الّول‪:‬أن تكون بعد‬ ‫وقال‪ :‬يا أيها الناس اسعوا فإ ّ‬
‫طواف واجب كطواف الفاضة فيمتنع حينئذ أن يسعى بعد طواف نفل وفعله بعد طواف القدوم‬
‫ب له إعادته بعد طواف الفاضة بل يكره‪ ،‬ويستثنى من ذلك‬ ‫ل لبراءة الذمة‪ ،‬ول يستح ّ‬ ‫أفضل تعجي ً‬
‫ي بعد طواف القدوم ثم بلغ في أثناء الوقوف أو قبله فإنه يجب عليه إعادة السعي‬ ‫ما لو سعى الصبـ ّ‬
‫ي‪ ،‬ول تشترط الموالة بـين الطواف والسعي‪ .‬وظاهر كلم‬ ‫وعتق الرقيق في ذلك كبلوغ الصبـ ّ‬
‫ل بعد طواف قدوم أو ركن‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬الشرط وقوعه بعد‬ ‫الجمهور أنه ل يجوز السعي إ ّ‬
‫طواف صحيح فرض أو نفل‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬قطع المسافة بـين الصفا والمروة بحيث يلصق عقبه بما ذهب منه وأصابع رجليه بما‬
‫ذهب إليه‪ .‬الخامس‪ :‬أن يكون ببطن الوادي فل يجزىء السعي مع الخروج عنه‪ .‬السادس‪ :‬فقد‬
‫الصارف فلو سعى في طلب غريم له لم يجز‪ .‬السابع‪ :‬أن ل يكون منكوسًا ول معترضًا ول طائرًا‬
‫في الهواء كما في الوقوف والطواف‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ص أو نتف أو غيرها‪ ،‬والحلق للذكر أفضل‬ ‫)و( الخامس‪) :‬إزالة شعر( من الرأس بحلق أو ق ّ‬
‫ن التيامن في إزالته واستقبال صاحب الشعر القبلة والتكبـير بعد الفراغ منه‪،‬‬
‫والتقصير لغيره‪ .‬ويس ّ‬
‫ن لمن ل شعر برأسه إمرار الموسى عليه‪ ،‬ويدخل وقت‬ ‫وأقله إزالة ثلث شعرات من رأسه‪ ،‬ويس ّ‬
‫طواف الفاضة وإزالة الشعر بنصف ليلة النحر لمن وقف قبل ذلك ول آخر لوقتهما كما مّر ول‬
‫ترتيب بـينهما‪.‬‬
‫)و( السادس‪) :‬ترتيب( لمعظم الركان بأن يبدأ بالنية ثم الوقوف ثم الطواف والحلق ثم السعي إن‬
‫لم يكن سعى بعد طواف القدوم‪ ،‬وتقّدم قريبًا أنه ل ترتيب بـين الطواف وإزالة الشعر )ول تجبر(‬
‫أي تلك الركان إذا ترك واحدًا منها )بدم( ول بغيره بل ل بّد من فعلها )وغير وقوف( بعرفة‬
‫)أركان لعمرة( لكن ل بّد من ترتيب جميع أركانها بأن يفعل الطواف بعد الحرام بها ثم السعي ثم‬
‫إزالة الشعر‪.‬‬
‫)وشرط الطواف( بأنواعه تسعة‪ :‬الّول‪) :‬طهر( عن الحدث الصغر والكبر وعن النجس في‬
‫ثوبه وبدنه ومكانه‪ ،‬ومن الحدث الحيض فيمتنع أن تطوف الحائض حتى تطهر‪ ،‬فإن رحلت‬
‫القافلة قبل أن تطوف طواف الركن وخافت من التخلف فلها الرحيل معهم بل طواف‪ ،‬فإذا وصلت‬
‫ل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة جاز لها أن تتحلل بذبح فحلق أو تقصير مع نية التحلل‬ ‫إلى مح ّ‬
‫ل حينئذ من إحرامها ويبقى الطواف في ذمتها إلى أن تعود‪ ،‬والقرب أن العود‬ ‫كالمحصر‪ ،‬وتح ّ‬
‫على التراخي‪ ،‬وإذا ماتت ولم تعد وجب الحجاج عنها بشرطه وتحتاج عند فعل الطواف إلى‬
‫إحرام للتيان بالطواف فقط دون ما فعلته قبله من أركان الحج كالوقوف‪ ،‬وإنما احتاجت إلى‬
‫ق الحتراز عنه من نجاسة المطاف ما لم‬ ‫إحرام جديد لخروجها من الحج بالتحلل ويعفى عما يش ّ‬
‫تكن رطبة أو يتعمد المشي عليها‪.‬‬
‫)و( الثاني‪) :‬ستر( للعورة السابقة في الصلة مع القدرة وإن حرم اللبس لكون الساتر محيطًا‬
‫فيبني الطائف على ما مضى من طوافه إن فقد بعض شروطه في أثنائه‪ :‬كأن أحدث أو تنجس‬
‫ل مع القدرة على الستر وإن تعمد‬ ‫بدنه أو ثوبه أو مطافه بغير معفّو عنه أو عري ولم يستر حا ً‬
‫ن له الستئناف‬‫ذلك وطال الفصل إذ ل يشترط الموالة في الطواف بعد أن تطهر واستتر‪ .‬نعم يس ّ‬
‫خروجًا من الخلف‪ ،‬هذا في غير الغماء والجنون والسكر‪ .‬أما من اتصف بذلك في أثناء‬
‫الطواف فيجب الستئناف للوضوء والطواف لزوال التكليف‪.‬‬
‫ل( بأن كان الطواف ليس في ضمن نسك كطواف النفل‬ ‫)و( الثالث‪) :‬نيته( أي الطواف )إن استق ّ‬
‫والمنذور من الحلل‪ ،‬وكطواف الوداع فل بّد له من نية لوقوعه بعد التحلل‪ ،‬بخلف طواف‬
‫الركن والقدوم للحاج فل يحتاج إلى نية لشمول نية النسك له‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( الرابع‪) :‬بدؤه بالحجر السود محاذيًا له( أي الحجر أو لجزئه في مروره عليه ابتداء )ببدنه(‬
‫أي بجميع منكبه‪ ،‬فلو تقّدم شيء من منكبه عنه لم يحسب ما طافه فإذا انتهى إليه ابتدأ منه‪ ،‬ولو‬
‫أزيل الحجر والعياذ بال تعالى وجب محاذاة محله‪ ،‬وصفة المحاذاة أن يستقبل البـيت ويقف‬
‫بجانب الحجر من جهة الركن اليماني بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه ومنكبه اليمن عند‬
‫طرفه ثم ينوي الطواف ثم يمشي مستقبل الحجر ماّرا إلى جهة يمينه حتى يجاوزه‪ ،‬فإذا جاوزه‬
‫انفتل وجعل يساره إلى البـيت‪ ،‬ولو فعل هذا من الّول وترك استقبال الحجر جاز لكن فاتته‬
‫ل ما ذكرناه من مروره في البتداء‬ ‫الفضيلة وليس شيء من الطواف يجوز مع استقبال البـيت إ ّ‬
‫ب عند‬ ‫وذلك سنة في الطوفة الولى ل غير بل هو ممنوع في غيرها‪ ،‬وهذا غير الستقبال المستح ّ‬
‫ن لمن أراد‬
‫ب قطعًا وسنة مستقلة‪ :‬أي فيس ّ‬ ‫لقاء الحجر قبل أن يبدأ بالطواف فإن ذلك مستح ّ‬
‫الطواف أن يلمس الحجر السود بـيده بعد استقباله أّول طوافه ويقبله ثلثًا ويضع بعد ذلك جبهته‬
‫ثلثًا ثم يتأخر بحيث يكون طرف منكبه اليمن عند طرف الحجر ثم يمّر إلى أن يجاوزه فينفتل‪،‬‬
‫وحكى الذرعي وجهًا‪ :‬أنه يجب استقباله بالوجه عند ابتداء الطواف وانتهائه‪ ،‬قال‪ :‬فالحتياط التاّم‬
‫فعل ذلك‪.‬‬
‫)و( الخامس‪) :‬جعل البـيت عن يساره( ماّرا تلقاء وجهه‪ .‬والسادس‪ :‬أن يكون الطائف خارجًا بك ّ‬
‫ل‬
‫بدنه وثوبه عن البـيت‪ ،‬فلو أدخل جزءًا من ذلك في هواء الشاذروان أو هواء غيره من أجزاء‬
‫ح بعض طوفته‪،‬‬ ‫البـيت أو دخل من إحدى فتحتي الحجر المحوط بـين الركنين الشاميـين لم يص ّ‬
‫ومما يطلب التفطن له في حال تقبـيل الحجر السود أنه ينبغي أن يقّر قدميه في حال التقبـيل في‬
‫محلهما حتى يرفع قامته لجل أن يخرج عن محاذاة الشاذروان ثم يمشي‪ ،‬وذلك لنه إذا انحنى‬
‫ح بعض طوفته‪،‬‬ ‫للتقبـيل يصير جزء من بدنه في هواء الشاذروان‪ ،‬فلو مشى قبل رفع قامته لم يص ّ‬
‫ويقاس بمن يقبل الحجر السود فيما ذكر من يستلم الركن اليماني‪.‬‬
‫)و( السابع‪) :‬كونه( أي الطواف )سبعًا( يقينًا ولو في الوقات المنهي عن الصلة فيها وإن كان‬
‫ل لم يجزئه‪.‬‬‫راكبًا لغير عذر‪ ،‬فلو ترك منها شيئًا وإن ق ّ‬
‫ل بسبب‬ ‫ل بحيث تصير حاشيته في الح ّ‬ ‫والثامن‪ :‬كونه في المسجد وإن وسع ما لم يبلغ الح ّ‬
‫ل‪ ،‬بل ل بّد أن يكون في أرض الحرم‬ ‫ح الطواف في الحاشية التي في الح ّ‬ ‫ل فل يص ّ‬‫التوسعة‪ ،‬وإ ّ‬
‫ولو كان على سطح المسجد ولو مرتفعًا عن البـيت‪ ،‬ولو حال بـينه وبـين البـيت حائل كزمزم‬
‫ح‪.‬‬
‫والسواري ونحوها‪ ،‬فلو طاف خارج المسجد ولو بالحرم لم يص ّ‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والتاسع‪ :‬عدم صرفه لغيره كطلب غريم فإن صرفه لنحو طلب الغريم انقطع‪.‬‬
‫ن( للطائف أمور عشرة‪ :‬الّول‪) :‬أن يفتتح( أي الطائف )باستلم الحجر( السود بعد‬ ‫)وس ّ‬
‫استقباله‪ :‬أي بلمسه بـيده وتقبـيله مع تخفيف القبلة بحيث ل يسمع لها صوت ووضع جبهته عليه‬
‫ن أن )يستلمه( أي الحجر )في كل طوفة( من الطوفات السبع وهو في‬ ‫ثلثًا في الجميع‪) .‬و( يس ّ‬
‫ب أن يكون الستلم باليمين‪ ،‬فإن عجز عن الستلم بـيده استلم بنحو عصا ثم‬ ‫الوتار آكد‪ ،‬ويستح ّ‬
‫ن للنساء استلم ول‬ ‫يقبل ما استلم به‪ ،‬فإن عجز أشار بـيده أو بما فيها ثم قبل ما أشار به‪ ،‬ول يس ّ‬
‫ل طوفة‬‫ن أن يستلم )الركن اليماني( في ك ّ‬‫ل عند خلّو المطاف‪) ،‬و( س ّ‬ ‫تقبـيل ول قرب من البـيت إ ّ‬
‫ول يقبله لعدم نقله ويقبل يده بعد استلمه بها ول يستلم الركنين الشاميـين ول يقبلهما‪.‬‬
‫)و( الثاني‪ :‬أن )يرمل ذكر( وهو أن يقارب الخطا بسرعة من غير عدو ول وثب‪ ،‬وذلك )في(‬
‫ن ذلك في‬ ‫الطوفات )الثلث الول من( السبع ل في جميعها مستوعبًا بالرمل البـيت وإنما يس ّ‬
‫)طواف بعده سعي( مطلوب في حج أو عمرة‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يضطبع‪ ،‬وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه اليمن ويكشفه وطرفيه على عاتقه‬
‫ن للذكر في طواف فيه رمل‪.‬‬ ‫اليسر‪ ،‬وإنما يس ّ‬
‫والرابع‪ :‬أن يقرب من البـيت‪ .‬قال الماوردي ‪ :‬والحتياط البعاد عن البـيت بقدر ذراع وقال‬
‫الكرماني ‪ :‬بقدر ثلث خطوات ليأمن الطواف على الشاذروان‪ ،‬ومحل استحباب القرب من البـيت‬
‫ل فالبعد أولى‪ .‬ومن ثم ندب له ترك الستقبال والتقبـيل حينئذ‪.‬‬ ‫ما لم يتأّذ أو يؤذ بالزحام‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل أن يشق عليه‬ ‫والخامس‪ :‬أن يطوف حافيًا‪ ،‬فلو طاف في نعل طاهر أساء لخلله بالتعظيم إ ّ‬
‫مباشرة الرض بباطن القدم لشّدة الحّر فل يكره‪.‬‬
‫والسادس‪ :‬أن يأتي بالطواف بتؤدة وسكينة ووقار‪ .‬والسابع‪ :‬أن يوالي بـين الطوفات‪.‬‬
‫والثامن‪ :‬أن يأتي بالدعوات المأثورة فيه‪ .‬والتاسع‪ :‬أن ينوي الطواف الذي في ضمن النسك وإ ّ‬
‫ل‬
‫وجبت كما مّر‪ .‬والعاشر‪ :‬أن يصلي ركعتين بعده ينوي بهما سنة الطواف ويدعو بعدهما بما أح ّ‬
‫ب‬
‫من أمر الخرة والدنيا‪ ،‬ثم بعد ذلك يأتي الحجر فيقبله ويضع جبهته عليه‪.‬‬
‫)وواجباته( أي الحج خمسة‪ :‬أّولها‪) :‬إحرام من ميقات( أي كون الحرام من الميقات المكاني‪.‬‬
‫واعلم أن قاصد النسك إما أن يكون مكيًا‪ :‬وهو من بمكة سواء كان من أهلها أو غريبًا مقيمًا بها أو‬
‫عابر سبـيل‪ ،‬وإما أن يكون آفاقيًا‪ :‬وهو من بلده وراء المواقيت الخمسة التي نظمها بعض‬
‫الفضلء بقوله‪:‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫عرق العراق يلملم اليمن‬


‫وبذي الحليفة يحرم المدني‬
‫والشام جحفة إن مررت بها‬
‫ولهل نجد قرن فاستبن‬
‫وأما أن يكون ليس واحدًا منهما‪ :‬وهو من مسكنه بـين مكة وأحد المواقيت الخمسة فهذه ثلثة‬
‫أحوال‪ :‬الحال الولى‪ :‬أن يكون مكيًا فميقاته للحج نفس مكة فل يجوز الحرام بعد مجاوزتها إلى‬
‫جهة عرفة‪ ،‬ومن فعل ذلك لزمه دم‪ .‬أما لو كان الحاج منها في محاذاتها فل حرمة ول دم‪،‬‬
‫والفضل للمكي إذا أراد الحرام أن يصلي ركعتين في بـيته سنة الحرام ثم يخرج فيحرم من‬
‫باب داره ثم يأتي المسجد فيطوف للوداع ثم يتوجه جهة مقصده‪.‬‬
‫الحال الثانية‪ :‬أن يكون آفاقيًا وفي طريقه أحد المواقيت الخمسة حين سلكه أو كان في طريقه‬
‫موضع جعل ميقاتًا وإن لم يكن ميقاتًا أصليًا‪ ،‬وحكمه حينئذ أنه يحرم قبل مجاوزته‪ ،‬فإن جاوزه‬
‫غير محرم أساء ولزمه دم ‪ ،‬ويجوز مجاوزة الميقات إلى جهة اليمنة أو اليسرة‪ ،‬ويحرم من مثل‬
‫ميقات بلده أو أبعد‪ ،‬ومن ل ميقات بطريقه فميقاته محاذاته في بّر أو بحر‪ ،‬هذا إن سامت واحدًا‬
‫من المواقيت الخمسة يمنة أو يسرة فيكفي الحرام من محاذاتها يمنة أو يسرة‪ ،‬ول عبرة‬
‫بالمسامتة خلفًا وأمامًا‪ ،‬فإن كان في طريقه يحاذي ميقاتين‪ ،‬فإن حاذاهما دفعة كأن يكون أحدهما‬
‫عن يمينه والخر عن شماله فميقاته مكان المحاذاة وإن حاذاهما على الترتيب كأن يكون ك ّ‬
‫ل‬
‫منهما عن يمينه أو عن شماله‪ ،‬أو أحدهما عن يمينه والخر عن شماله فميقاته محاذاة الّول منهما‬
‫إن كان أقرب إليه وأبعد إلى مكة‪ ،‬ول يجوز له انتظار الوصول إلى محاذاة القرب إلى مكة كما‬
‫ليس للتي من المدينة الشريفة أن يجاوز ذا الحليفة ليحرم من الجحفة‪ ،‬فإن استويا في القرب إليه‬
‫ح‪،‬‬ ‫عند المحاذاة وكان أحدهما أبعد إلى مكة لزمه الحرام من محاذاة البعد عن مكة على الص ّ‬
‫وقيل‪ :‬إنه يتخير فإن شاء أحرم من الموضع المحاذي لبعدهما وإن شاء لقربهما‪ ،‬فإن كان البعد‬
‫إلى مكة بعيدًا عنه أيضًا أحرم من محاذاة أقربهما إليه وإن كان أقرب إلى مكة‪ ،‬ومن لم يحاذ‬
‫ل كالجائي من البحر من جهة سواكن فميقاته على مرحلتين من مكة إذ ل ميقات أق ّ‬
‫ل‬ ‫ميقاتًا أص ً‬
‫مسافة من هذا القدر‪ ،‬وتحصل معرفة ذلك بأن كان عنده من يعرف تلك المسافة أو بأن يجتهد‬
‫فيها‪ ،‬ويفهم من ذلك أن جّدة إن كانت مسافتها إلى مكة ل تنقص عن مرحلتين‪ ،‬يكفي أن تكون‬
‫ل فل بّد أن يحرم قبل وصول جّدة بحيث تبلغ المسافة‬
‫ميقاتًا‪ .‬للجائي من البحر من جهة اليمن وإ ّ‬
‫ي وجهة يلملم منها جنوبـي شرقي فصارت‬ ‫إلى مكة مرحلتين وذلك أن جهة جّدة من مكة غربـ ّ‬
‫أمام الجائي‪ ،‬بخلفه الماّر على ذي الحليفة فل يجوز أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة لن جهتهما‬
‫من مكة متحدة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫الحال الثالثة‪ :‬أن يكون مسكنه بـين مكة والميقات فميقاته مسكنه‪ ،‬فإن كان ساكنًا في قرية أو خيام‬
‫أو واد فميقاته ذلك‪ ،‬ولو ترك منزله وقصد الميقات وراءه وأحرم منه جاز ول دم عليه كالمكي إذا‬
‫خرج إلى الميقات وأحرم منه‪ ،‬فلو جاوز مسكنه إلى جهة مكة فكمجاوزة الميقات الشرعي‪ ،‬ومثل‬
‫من ذكر الفاقي الذي جاوز الميقات غير مريد للنسك ثم أراده فميقاته محله ول يكلف العود إلى‬
‫الميقات‪.‬‬
‫)و( ثانيها‪) :‬مبـيت بمزدلفة( والواجب فيه لحظة من النصف الثاني من الليل‪ ،‬فإن دفع منها قبل‬
‫ن أن يأخذ منها حصى رمي‬ ‫النصف الثاني لزمه العود‪ ،‬فإن لم يعد حتى طلع الفجر لزمه دم‪ .‬ويس ّ‬
‫يوم النحر وهو سبع حصيات‪ .‬وأما حصى رمي أيام التشريق فيأخذه من بطن محسر أو من منى‬
‫ل منهما‪ ،‬ويكره أخذ الحصى من المرمى لما قيل‪ :‬إن المقبول يرفع‬ ‫فتحصل السنة بالخذ من ك ّ‬
‫والمردود يترك‪ ،‬ولول ذلك لسّد ما بـين الجبلين‪.‬‬
‫)و( ثالثها‪ :‬مبـيت )بمنى( ليالي أيام التشريق الثلثة‪ ،‬والواجب فيه معظم الليل‪ ،‬وهذا يتحقق بما‬
‫زاد على النصف ولو بلحظة‪ ،‬ويحتمل أن المراد ما يسمى معظمًا في العرف فل يكفي ذلك‪،‬‬
‫ل وجوب مبـيت الليلة الثالثة إن لم ينفر النفر الّول‪ ،‬وإل سقط عنه مبـيت الليلة الثالثة كما‬ ‫ومح ّ‬
‫سقط عنه رمي يومها‪.‬‬
‫ف الحدأة عن اللحم‬‫واعلم أنه قد اختصت منى بخمس فضائل‪ :‬رفع ما يقبل من الحجار‪ ،‬وك ّ‬
‫المنثور‪ ،‬والذباب عن الحلو‪ ،‬وقلة البعوض فيها‪ ،‬واتساعها للحاج كاتساع الفرج للولد‪.‬‬
‫)و( رابعها‪) :‬طواف الوداع( وإنما يجب ذلك على مريد السفر من مكة إلى مسافة القصر مكيًا‬
‫ل يقيم به‪ ،‬ويلزم الجير فعله ويحطّ عند تركه‬ ‫كان أو غيره وعلى مريد الخروج لمنزله أو لمح ّ‬
‫من الجرة ما يقابله لنه وجب بمجّرد إحرامه‪ ،‬ولنه وإن لم يكن من المناسك هو من توابعها‬
‫ي أن‬ ‫المقصودة‪ ،‬ومن ثم لم يندرج في غيره كذا قال ابن حجر ‪ ،‬وعلى هذا القول يجب على الول ّ‬
‫ل فل يجب‪ .‬أما على القول بأنه من‬ ‫ي بالصغير عقب النسك وإ ّ‬ ‫يطوف بالولد الصغير إن خرج الول ّ‬
‫ي ذلك مطلقًا على‬ ‫ي أن يطوف بالصغير مطلقًا إذا أحرم به‪ ،‬ول يلزم على الول ّ‬ ‫المناسك‪ ،‬فيلزم الول ّ‬
‫ل ليس من واجبات الحج‪ ،‬وعّد بعضهم من واجبات الحج بدل هذا اجتناب‬ ‫القول بأنه واجب مستق ّ‬
‫محرمات الحرام‪.‬‬
‫ل يوم من أيام التشريق‬ ‫)و( خامسها‪) :‬رمي( إلى جمرة العقبة يوم النحر وإلى الجمار الثلث ك ّ‬
‫فيدخل وقت رمي يوم النحر بانتصاف ليلة النحر‪ .‬وأما رمي أيام التشريق فيدخل وقت رمي ك ّ‬
‫ل‬
‫يوم بزوال شمسه ويبقى وقت الختيار في الجميع إلى غروب يومه‪ ،‬ووقت الجواز فيها إلى آخر‬
‫ل جمرة‪ ،‬فلو‬ ‫أيام التشريق‪ .‬وشرط رمي الجمار مطلقًا خمسة‪ :‬الّول‪ :‬أن يكون سبع مّرات لك ّ‬
‫رمى سبع حصيات مّرة واحدة أو حصاتين كذلك‪ :‬إحداهما بـيمينه والخرى بـيساره لم يحسب إ ّ‬
‫ل‬
‫واحدة‪ ،‬ولو رمى حصاة واحدة سبع مّرات كفى‪ ،‬ول يكفي وضع الحصى في المرمى لنه ل‬
‫يسمى رميًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫الثاني‪ :‬أن يكون باليد فل يكفي برجل ول بفم ول بمقلع‪.‬‬


‫الثالث‪ :‬كونه )بحجر( فإن الرمي يجزىء بأنواع الحجر‪ ،‬ومنه الزبرجد والعقيق‪ ،‬وليس منه اللؤلؤ‬
‫ول الخزف ول النورة وهو المحرق من الكذان‪ .‬نعم إن ترتب على الرمي بالياقوت ونحوه كسر‬
‫أو إضاعة مال حرم وإن أجزأ‪ ،‬ول يشترط في حجر الرمي طهارته‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬قصد المرمى وضبطه بعض المتأخرين بثلثة أذرع من كل جانب إل جمرة العقبة فليس‬
‫ل وجه واحد فلو قصد الرمي إلى العلم المنصوب أو إلى الحائط التي لجمرة العقبة فأصابه ثم‬ ‫لها إ ّ‬
‫وقع في المرمى أجزأ على ما استقربه الزركشي وهو المعتمد خلفًا لما استظهره المحب الطبري‬
‫من عدم الجزاء‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬تحقق إصابة المرمى بالحجر‪ ،‬ويزاد شرط سادس في رمي أيام التشريق وهو الترتيب‪،‬‬
‫فيبدأ بالجمرة التي تلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم العقبة وهذه الخيرة ليست من منى بل منى‬
‫تنتهي إليها فل بّد أن يستوفي الرمي للجمرة الولى قبل الثانية وللثانية قبل الثالثة‪ ،‬فلو ترك حصاة‬
‫من الولى أو شك فيها هل هي من الولى أو من غيرها جعلها من الولى فيرمي بها إليها ويعيد‬
‫رمي الجمرتين بعدها ولو ترك واحدة من سبعة يوم النحر ورمي الجمرات الثلث في أّول أيام‬
‫التشريق حسبت رمية من جمرة العقبة عن المتروكة ويلغو الباقي ويعيد الثلث‪ ،‬ول بّد أن يكون‬
‫رميه عن يومه بعد رميه عن أمسه‪ ،‬وأن يكون رميه عن غيره بعد رميه عن نفسه‪ ،‬ومن عجز‬
‫عن الرمي بنفسه أناب من يرمي عنه بأن يرمي النائب الجمرات الثلث عن نفسه ثم يرميها عن‬
‫المستنيب‪ ،‬فلو رمى عنه قبل أن يرميها عن نفسه وقعت الرميات عن نفسه‪ ،‬ولو زال عذر‬
‫ن أن يكون الحصى‬ ‫المستنيب بعد رمي النائب عنه والوقت باق فليس عليه إعادة الرمي‪ ،‬ويس ّ‬
‫بقدر الباقلء‪ ،‬وأن يرفع الذكر يده بالرمي حتى يرى بـياض إبطه‪ ،‬وأن يكون الرمي باليد اليمنى‪،‬‬
‫وأن يدعو ويذكر ال تعالى ويهلل ويسبح بعد رمي الجمرة الولى والثانية ل الثالثة بل يذهب بعد‬
‫رميها )وتجبر( أي هذه الخمسة‪ :‬أي واحدة من واجبات الحج الخمسة بدم‪.‬‬
‫)وسننه( أي الحج ثنتا عشرة‪ :‬الولى‪ :‬الفراد وهو أن يحرم بالحج وحده ثم بعد فراغه من أعماله‬
‫يحرم بالعمرة‪ ،‬ويليه في الفضيلة التمتع وهو عكس الفراد‪ ،‬ويليه القران‪ ،‬وهو أن يحرم بحج‬
‫وعمرة معًا أو بعمرة فحج قبل الشروع في طواف العمرة‪ ،‬ويكتفي للنسكين بطواف واحد وسعي‬
‫ل في أشهر الحج‪ ،‬أما إذا وصل إلى‬ ‫واحد وحلق واحد‪ ،‬وكل من الفراد والقران ل يتصّور إ ّ‬
‫الميقات في غير أشهر الحج وهو مريد العمرة مطلقًا أو مريد الحج في تلك السنة وجب الحرام‬
‫منه بعمرة‪ ،‬بخلف ما إذا قصد الحرم لنحو زيارة أو تجارة فيستحب له الحرام بالنسك‪ ،‬وفي‬
‫قول يجب‪ ،‬وعلى هذا لو دخل غير محرم لم يلزمه قضاء إذ الحرام تحية البقعة فل تقضى كتحية‬
‫المسجد ول يجبر بالدم‪ ،‬بخلف ما لو أحرم بعد مجاوزة الميقات فعليه دم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وثانيتها‪ :‬الغسال المسنونة في الحج وذلك )غسل لحرام( بحج وكذا بعمرة ولدخول الحرم‬
‫)ودخول مكة ووقوف( بعرفة بعد الزوال وللمبـيت بمزدلفة وللوقوف بالمشعر الحرام غداة النحر‬
‫إن لم يكن اغتسل للوقوف بعرفة ولرمي الجمار في كل يوم من أيام التشريق الثلثة‪.‬‬
‫)و( ثالثتها‪) :‬تطيب( في البدن )قبـيله( أي الحرام سواء كان المحرم ذكرًا أم غيره شابة أم‬
‫ي طيب كان‪ ،‬والفضل المسك وأن يخلطه‬ ‫عجوزًا خلية أم ل‪ ،‬ومحل ندبه بعد غسله‪ ،‬ويحصل بأ ّ‬
‫بماء الورد ونحوه‪ ،‬ول بأس باستدامة الطيب في البدن بعد الحرام لكن إذا لزم المرأة الحداد بعد‬
‫الحرام لزمها إزالته‪ ،‬أما التطيب في الثوب فمباح ل مندوب على المعتمد لكن لو نزع ثوبه‬
‫المطيب ورائحة الطيب موجودة فيه ثم لبسه لزمه الفدية‪.‬‬
‫)و( رابعتها‪) :‬تلبـية(‪ ،‬وهي أن يقول‪ :‬لبـيك اللهم لبـيك‪ ،‬لبـيك ل شريك لك لبـيك‪ ،‬إن الحمد‬
‫ن وقفة لطيفة على لبـيك الثالثة‪ .‬وعلى لبـيك بعد ل شريك‬ ‫والنعمة لك والملك ل شريك لك‪ .‬ويس ّ‬
‫لك‪ ،‬وعلى الملك قبل ل شريك لك‪ ،‬وليحذر الملبـي في حال تلبـيته من أمور يفعلها بعض الغافلين‬
‫ل على ما هو بصدده بسكينة ووقار وليشعر نفسه أنه يجيب‬ ‫من الضحك واللعب وليكن مقب ً‬
‫البارىء تعالى‪ ،‬فإن أقبل على ال تعالى بقلبه أقبل عليه‪ ،‬وإن أعرض أعرض عنه‪ ،‬ومن لم‬
‫ن للمحرم إكثار التلبـية في دوام إحرامه ويرفع الذكر صوته‬‫يحسنها بالعربـية يأتي بها بلغته‪ ،‬ويس ّ‬
‫بها وتتأكد عند تغاير الحوال كركوب ونزول وصعود وهبوط واختلط رفقة وافتراقهم وإقبال‬
‫ليل أو نهار‪.‬‬
‫)و( خامستها‪) :‬طواف قدوم( إذا دخل مكة قبل الوقوف أو بعده وقبل انتصاف ليلة النحر‪،‬‬
‫والحلل مثل الحاج في طلب طواف القدوم منه‪ .‬أما إذا دخل الحاج مكة بعد الوقوف وبعد نصف‬
‫ن له‬
‫الليل فل يطوف طواف القدوم بل يطوف طواف الفاضة لدخول وقته كالمعتمر فإنه ل يس ّ‬
‫طواف القدوم لنه يشتغل بطواف العمرة‪.‬‬
‫)و( سادستها‪) :‬مبـيت بمنى ليلة( التاسع في حال الذهاب إلى )عرفة( لنه للستراحة ل للنسك‪.‬‬
‫)و( سابعتها‪) :‬وقوف( بالمشعر الحرام بعد صلة الصبح في وقت ظلم إلى السفار‪ :‬أي‬
‫الضاءة‪ ،‬وذلك بعد حصوله في مزدلفة لحظة من النصف الثاني من الليل وهو جبل صغير في‬
‫آخر المزدلفة اسمه قزح بضم القاف وفتح الزاي‪ ،‬والولى أن يكون الوقوف فوق ذلك الجبل إن‬
‫سهل وإل فتحته‪ ،‬وسمي مشعرًا لما فيه من الشعائر‪ ،‬وهي معالم الدين‪ ،‬وسمي حرامًا لنه ممنوع‬
‫من إزالة حرمته جاهلية وإسلمًا‪ ،‬وهذا هو المراد بقوله )بجمع( وهو اسم للمزدلفة كما في‬
‫الصحاح والمصباح‪ ،‬سميت بذلك لجتماع الناس فيها‪ ،‬أو لن آدم اجتمع هناك بحواء‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( ثامنتها‪) :‬أذكار( في الوقوف والمبـيت والطواف والسعي وفي الجمار وغير ذلك‪.‬‬
‫تاسعتها‪ :‬الجمع بـين الليل والنهار في الوقوف بعرفة‪.‬‬
‫عاشرتها‪ :‬شّدة السير في بطن وادي محسر‪ ،‬وهو موضع فاصل بـين مزدلفة ومنى‪.‬‬
‫حادية عشرها‪ :‬أن يحلق الذكر ويقصر غيره‪.‬‬
‫ثانية عشرها‪ :‬أن يمكث بمنى حيث يبـيت بها الليلة الثالثة من ليالي التشريق بأن ل ينفر النفر‬
‫ن إذا نفر من منى أن يأتي المحصب فينزل به ويصلي فيه الظهر والعصر والمغرب‬ ‫الّول‪ ،‬ويس ّ‬
‫والعشاء ويبـيت فيه للتباع وهو مكان متسع بـين مكة ومنى‪ ،‬وحّده ما بـين الجبلين إلى المقبرة ثم‬
‫يأتي مكة بعد طلوع الفجر‪.‬‬
‫فصل في محظورات النسك‬
‫)يحرم بإحرام( أمور‪ ،‬وهي على ثلثة أقسام‪ :‬منها ما يحرم على رجل وأنثى‪ :‬وهو كثير‪ :‬منه‬
‫)وطء( وكذا مقدماته )و( هي )قبلة( ومباشرة ونظر ولمس ومعانقة بشهوة ولو مع عدم إنزال أو‬
‫مع حائل )و( منه )استمناء( بـيد )و( منه )نكاح( أي عقده بولية أو وكالة وقبوله‪ ،‬وخرج بذلك‬
‫الرجعة فل تحرم )و( منه )تطيب( أي استعمال طيب بما يقصد به رائحته غالبًا ولو مع غيره إذا‬
‫لم يستهلك فيه كالمسك والعود والكافور والزعفران‪ ،‬سواء كان ذلك في ملبوسه أو في بدنه‪،‬‬
‫وسواء كان ذلك بأكل أو استعاط أو احتقان‪ ،‬وخرج بما يقصد به رائحته ما يقصد به الكل أو‬
‫التداوي وإن كان له ريح طيبة كالتفاح وسائر البازير الطيبة كالقرنفل والهيل الهندي فل يحرم‪.‬‬
‫)و( منه )دهن شعر( في رأس ووجه بزيت أو نحوه ولو غير مطيب ول فرق في الشعر بـين‬
‫ي جزء من بدنه بحلق أو‬ ‫الكثير والقليل ولو واحدة ومحلوقًا‪) .‬و( منه )إزالته( أي الشعر من أ ّ‬
‫ص أو نتف أو إحراق أو نحو ذلك‪) .‬و( منه )قلم( للظفار من اليد أو الرجل‪ ،‬ومنه التعرض‬ ‫ق ّ‬
‫ي المأكول وبـين غيره‬‫ي الوحش ّ‬‫ي المأكول أو الذي كان متولدًا بـين البر ّ‬
‫ي الوحش ّ‬‫للصيد البر ّ‬
‫ي أو بـين شاة وظبـي‪ ،‬وذلك يشمل تنفيره وإزعاجه من‬ ‫ي وحمار أهل ّ‬
‫كالمتولد بـين حمار وحش ّ‬
‫مكانه والعانة عليه كدفع آلة صيد لصائده ودللة متعرضه عليه‪ ،‬وكما يحرم التعرض له يحرم‬
‫التعرض لجزئه كيده وشعره وغيرهما‪.‬‬
‫)و( منها ما )يحرم( على الذكر فقط وهو )ستر رجل بعض رأس( ولو البـياض الذي وراء الذن‬
‫سواء ستر البعض الخر أو ل )بما يعّد ساترًا( عرفًا كالعمامة والطيلسان وكذا الطين والحناء‬
‫الثخينان‪ ،‬بخلف الرقيقين‪ ،‬وبخلف ما ل يعّد ساترًا عرفًا كاستظلل بمحمل وإن مسه‬
‫وكانغماسه في ماء كدر وكوضع يده على رأسه وإن قصد به الستر‪ ،‬وأما وضع قفة أو نحوها‬
‫على رأسه فيجوز إن لم تعمه أو غالبه ولم يقصد بها الستر )ولبسه محيطًا( ستر بدنه أو عضوًا‬
‫منه سواء كان مخيطًا أو منسوجًا أو ملزقًا‪ ،‬وسواء كان من قطن أو جلد أو غير ذلك وذلك‬
‫كقميص وقباء وإن لم يخرج يديه من كميه وخريطة لخضاب لحيته وقفاز ليديه‪ .‬ومن المحيط‬
‫سرموجة لحاطتها بالرجل والبابوج لحاطته بالصابع‪ ،‬ويجوز لبس النعل والقبقاب بشرط أن ل‬
‫يسترا جميع الصابع وإل حرما )بل عذر( ومن لم يجد نحو النعلين مما يجوز لبسه جاز له لبس‬
‫الخفين بشرط أن يقطعهما أسفل من الكعبـين وإن بقي منهما ما يحيط بالعقب والصابع وظهر‬
‫القدمين وأن يحتاج إليهما‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( منها‪ :‬ما يحرم على غير الذكر فقط وهو )ستر امرأة بعض وجه( إل لحاجة فيجوز مع‬
‫الفدية‪ ،‬ويجب على الحرة أن تستوعب رأسها بالستر للصلة ولو لزم على ذلك ستر بعض الوجه‬
‫مراعاة للصلة فإذا أرادت المرأة ستر وجهها عن الناس أرخت عليه ما يستره من نحو ثوب‬
‫متجاف عنه بنحو خشبة بحيث ل يقع الساتر على بشرة الوجه‪ ،‬ولها لبس المحيط في باقي بدنها‬
‫ل عقد النكاح فل فدية فيه‬ ‫ل القفاز‪ ،‬وهو شيء يعمل لليد‪ .‬وتجب في جميع هذه المحرمات الفدية إ ّ‬ ‫إّ‬
‫لنه ل ينعقد فوجوده كالعدم‪ ،‬ول دم في النظر بشهوة والقبلة بحائل وإن أنزل‪ ،‬بخلف ما سوى‬
‫ل إذا‬‫ذلك من المقدمات فإن فيه الدم‪ ،‬إن باشر عمدًا بشهوة‪ ،‬وبخلف الستمناء فل تجب الفدية إ ّ‬
‫ل قتل الصيد والجماع المفسد فإنهما من الكبائر‪ ،‬ول يفسد الحج بشيء من‬ ‫أنزل‪ ،‬وكلها صغائر إ ّ‬
‫ل بالجماع وإن لم ينزل بشرط أن يكون المجامع مميزًا ولو صبـيًا أو رقيقًا‪ ،‬وأن‬ ‫هذه المحرمات إ ّ‬
‫يكون عامدًا عالمًا مختارًا وأن يكون قبل التحلل الّول في الحج فإن له تحللين يحصل التحلل‬
‫الّول منهما بفعل اثنين من ثلثة‪ ،‬وهي رمي جمرة العقبة‪ ،‬وإزالة الشعر‪ ،‬وطواف الفاضة‬
‫ل ما يتعلق‬ ‫المتبوع بالسعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم‪ ،‬ويحل به سائر محرمات الحرام إ ّ‬
‫بالنساء من عقد النكاح والجماع ومقدماته‪ ،‬وإذا فعل الثالث من الثلثة المذكورة حصل له التحلل‬
‫ل له باقي محرمات الحرام‪ ،‬ويحرم على الحلل كالمحرم التعّرض للصيد البّر ّ‬
‫ي‬ ‫الثاني‪ ،‬وح ّ‬
‫ي المأكول أو المتولد بـينه وبـين غيره في الحرم‪ ،‬والتعّرض لشجر الحرم مطلقًا إذا كان‬ ‫الوحش ّ‬
‫رطبًا غير مؤذ وإل جاز قطعه‪ ،‬ولزرع الحرم غير ما يستنبته الدميون‪ ،‬وتجب فيه القيمة‪ .‬نعم‬
‫يجوز أخذه لعلف البهائم وللتداوي‪.‬‬
‫والدماء الواجبة على الحاج والمعتمر أحد وعشرون دمًا مقسومة أربعة أقسام‪:‬‬
‫الّول‪ :‬دم تخيـير وتقدير‪ ،‬ومعنى التخيـير هو أن يجوز النتقال إلى الثاني مع القدرة على الّول‬
‫ويكون مخيرًا بـينهما‪ ،‬ومعنى التقدير أنه ينتقل إلى شيء قدره الشارع بما ل يزيد ول ينقص‬
‫)وفدية ارتكاب( واحد من السباب الثمانية من )ما يحرم( هذا المذكور‪:‬‬
‫ي طريق كان من مميز لم يتحلل أزال من نفسه أو أزيل منه‬ ‫فالسبب الّول‪ :‬إزالة الشعر بأ ّ‬
‫باختياره ثلث شعرات فصاعدًا من الرأس أو غيره أو بعض كل منهما في زمان واحد عرفًا في‬
‫مكان واحد‪ ،‬فلو أزال ثلث شعرات في ثلثة أزمان فالفدية ل تكمل بل تجب عليه ثلثة أمداد‬
‫وكذا في تعدد المكان‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والسبب الثاني‪ :‬قلم الظفار‪ ،‬ولو انكسر بعض الظفر وتأذى به جاز قطع المنكسر أو قلمه ول‬
‫فدية كشعر نبت داخل الجفن‪.‬‬
‫والسبب الثالث‪ :‬اللبس من محرم مميز عامد عالم بالتحريم‪ ،‬وللمحرم أن يدخل يده في قميص‬
‫منفصل ورجله في ساق الخف لفراده‪ ،‬وتكرر الفدية بتكرر اللبس والستر مع اختلف الزمان‬
‫ل فل‪.‬‬
‫والمكان‪ ،‬ولو لبس فوق ملبوسه فإن ستر الثاني زيادة على ما ستر الّول تكررت الفدية وإ ّ‬

‫والسبب الرابع‪ :‬دهن شيء من شعر رأسه أو لحيته ولو محلوقين بدهن ما‪.‬‬
‫والسبب الخامس‪ :‬استعمال الطيب على الوجه المألوف فيه كالتبخر بالعود‪ ،‬بخلف أكله وحمله‬
‫ووضعه في النار من غير أن يعّد متطيبًا به على العادة‪ ،‬ول شيء بشم نحو ماء الورد من غير‬
‫س إذ العادة فيه التصمخ‪ ،‬ول شيء في زهر البادية ونبتها لنه ل يعّد طيبًا عرفًا‪ ،‬ومن الطيب‬ ‫م ّ‬
‫الرياحين كالورد واستعمالها يكون بملقاتها للنف‪ ،‬فل شيء بشمها من غير إلصاقها بالنف‪.‬‬
‫والسبب السادس‪ :‬مقدمات الجماع ولو بـين التحللين لكن لو جامع بعد ذلك اندرجت فدية المباشرة‬
‫في دم الجماع الواقع بعدها سواء كان بدنة أو شاة أو بدل البدنة‪ ،‬وسواء أطال الزمن بـين‬
‫المقدمات والجماع أم قصر‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وتتعّدد الفدية بتكرر الجماع‪،‬‬
‫ل كان أو منفص ً‬ ‫والسبب السابع‪ :‬الوطء بعد الجماع المفسد متص ً‬
‫ولو كثرت المرات‪ ،‬وإن كان على التوالي المعتاد مع اتحاد المكان وإن لم يسبق التكفير على‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫والسبب الثامن‪ :‬الوطء بـين التحللين‪ ،‬وإذا تكرر الجماع بـين التحللين‪ ،‬قال بعض المتأخرين‪:‬‬
‫الظاهر أن حكمه حكم تكرره بعد الفساد‪ ،‬فهذه السباب الثمانية فديتها‪ :‬إما )ذبح شاة( مجزئة في‬
‫الضحية )أو تصّدق بثلثة آصع لستة( من المساكين لكل مسكين نصف صاع )أو صوم ثلثة(‬
‫من اليام‪.‬‬
‫ل بعد العجز عن الّول‪.‬‬‫)و( الثاني دم ترتيب وتقدير‪ .‬ومعنى التقدير أنه ل ينتقل إلى الثاني إ ّ‬
‫ولهذا أسباب‪ ،‬فالخمسة‪ :‬منها )دم ترك مأمور( من المور الخمسة‪ :‬الّول مجاوزة الميقات‪،‬‬
‫ويجب الدم على من جاوز ميقاته مريدًا للنسك ثم أحرم بعمرة مطلقًا أو بحج في سنته ولم يعد قبل‬
‫ي أحرم‬
‫التلبس بنسك إلى ميقاته أو إلى ميقات مثل مسافته أو أبعد منه ل أقرب‪ ،‬وعلى حرم ّ‬
‫ل قبل التلبس بنسك‪ ،‬ول فرق في وجوب الدم بذلك‬ ‫بالعمرة من الحرم ولم يخرج إلى أدنى الح ّ‬
‫بـين العالم العامد وضده وإن افترقوا في الثم وعدمه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ترك المبـيت بمزدلفة ليلة النحر بعد الوقوف‪ ،‬أما المعذور فله ترك المبـيت بها ول دم‬
‫عليه كمن اشتغل بالوقوف عن المبـيت‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والثالث‪ :‬ترك المبـيت بمنى معظم ليلة من ليالي التشريق‪ .‬أما أصحاب العذار فلهم ترك المبـيت‬
‫ول دم عليهم كالرعاء إن خرجوا نهارًا وأهل السقاية مطلقًا‪ ،‬وكمن ضاع له مال أو أبق له عبد أو‬
‫خاف على نفسه أو ماله أو كان به مرض يشق معه المبـيت أو كان له مريض يحتاج إلى تعهده‪.‬‬
‫وفي ترك الليلة الواحدة مّد والليلتين مّدان إن كان قادرًا‪ ،‬فإن عجز عن مّد واحد صام أربعة أيام‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬ترك الرمي لثلث حصيات فأكثر من حصى الجمار‪ ،‬ويتحقق ترك ما ذكر بغروب ثالث‬
‫ل وغيره‪.‬‬ ‫أيام التشريق إن لم ينفر النفر الّول وثانيه إن نفره‪ ،‬وسواء المعذور بمرض أو حبس مث ً‬
‫أما الحصاة الواحدة ففيها مّد وفي الحصاتين مّدان بأن يترك ذلك من جمرة العقبة آخر أيام‬
‫التشريق‪ ،‬هذا إن كان قادرًا فإن عجز عن المّد صام عن الحصاة الواحدة أربعة أيام‪ ،‬وذلك لن‬
‫ثلث عشرة أيام ثلثة أيام وثلث يوم فيكمل المنكسر فتصير أربعة‪ ،‬لكن يصوم ثلثة أعشارها‬
‫معجلة وهو يومان بتكميل المنكسر‪ ،‬وسبعة أعشارها في بلده وهو ثلثة أيام بتكميل المنكسر‪،‬‬
‫وفي الحصاتين سبعة أيام بتكميل المنكسر يصوم ثلثة أعشارها معجلة وهو ثلثة أيام بتكميل‬
‫المنكسر وسبعة أعشارها في بلده وهو خمسة أيام بتكميل المنكسر‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬ترك طواف الوداع‪ ،‬ويجب الدم على من خرج من مكة إلى وطنه أو إلى موضع يقيم‬
‫ل بوصول مقصده أو بلوغ مسافة القصر‪،‬‬ ‫فيه مطلقًا أو إلى مسافة القصر فل يتقرر عليه الدم إ ّ‬
‫ويشترط في وجوب الدم بترك طواف الوداع أن ل يكون معذورًا كالحائض والنفساء والخائف‬
‫من ظالم أو فوت رفقة أو من غريم له وهو معسر‪ ،‬ول يدخل طواف الوداع تحت غيره حتى لو‬
‫أخر طواف الفاضة وفعله عند إرادة السفر لم يكف‪.‬‬
‫والسبب السادس‪ :‬التمتع‪ ،‬ويجب به الدم بأربعة شروط‪ :‬أولها‪ :‬أن يكون إحرامه بالعمرة في أشهر‬
‫الحج‪ .‬ثانيها‪ :‬أن يحج في عامه‪ .‬ثالثها‪ :‬أن ل يكون من حاضري المسجد الحرام حين إحرامه بها‪،‬‬
‫والمراد بحاضريه من هو مستوطن بالحرم أو على دون مرحلتين منه‪ ،‬فل يكفي مجرد القامة‬
‫بدون استيطان‪ .‬رابعها‪ :‬أن ل يعود قبل الحرام بالحج أو بعده وقبل التلبس بنسك إلى الميقات‬
‫ل فل دم عليه‪.‬‬
‫الذي أحرم بالعمرة منه أو إلى مثل مسافته أو إلى ميقات أقرب منه‪ ،‬وإ ّ‬
‫والسبب السابع‪ :‬القران‪ ،‬ويجب به الدم بشرطين‪ :‬أن ل يكون من حاضري المسجد الحرام‪ ،‬وأن‬
‫ل يعود إلى الميقات قبل الوقوف بعرفة‪.‬‬
‫والسبب الثامن‪ :‬فوات الوقوف بعرفة‪ ،‬بأن يطلع فجر يوم النحر قبل حضوره في جزء من‬
‫أرضها‪ ،‬وإذا كان قارنًا تفوت العمرة تبعًا للحج‪ ،‬ويجب عليه القضاء فورًا من عام قابل سواء فاته‬
‫ل بعد دخول وقت الحرام بالقضاء‪ ،‬ويمتنع تقديمه عليه وإن‬ ‫بعذر أو بغيره‪ ،‬ول يصح الذبح إ ّ‬
‫كان واجبه الصوم صار الثلثة في حجة القضاء‪ ،‬والقارن إذا فاته الوقوف يلزمه ثلثة دماء‪ :‬دم‬
‫للفوات‪ ،‬ودم للقضاء‪ ،‬وإن أفرد فيه بذبحان في عام القضاء‪ ،‬ودم للقران يذبح في عام الفوات‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والسبب التاسع‪ :‬مخالفة المنذور كأن نذر المشي أو الركوب أو الفراد أو الحلق فخالف ذلك‬
‫ب من هذه السباب التسعة مرتب مقدر وهو )ذبح( فهو مخاطب به ابتداء‬ ‫فالواجب في كل سب ٍ‬
‫)فـ(ـإن عجز عنه حسًا أو شرعًا وجب عليه )صوم( عشرة أيام )ثلثة( في الحج أي بعد الحرام‬
‫به و )قبل( يوم )نحر‪ ،‬وسبعة بوطنه( أي في بلده‪ .‬والمراد به المحل الذي قصد التوطن فيه سواء‬
‫الموضع الذي خرج منه وغيره حتى لو استوطن مكة صام بها‪ ،‬ويجب في هذا الصوم تعيـينه من‬
‫كونه تمتعًا أو قرانًا أو غيرهما وتبـيـيت النية فيه لنه واجب‪.‬‬
‫تنبـيه‪ :‬ما تقرر من كونه يصوم ثلثة في الحج ظاهر في ترك الحرام بالحج من الميقات وفي‬
‫المتمتع والقارن وفي الفوات لنه يصومها بعد الحرام بالقضاء‪ ،‬وفيما لو نذر الفراد أو المشي‬
‫أو الركوب في الحج فخالف ذلك‪ ،‬أما إذا ترك المبـيت بمزدلفة أو منى أو الرمي فل يمكنه صوم‬
‫الثلثة في الحج لن وقت الحج قد فات‪ ،‬وكذا إذا ترك الحرام بالعمرة من الميقات إذ ل حج‪،‬‬
‫وكذا إذا نذر الحلق في النسك فخالفه‪ ،‬وكذا إذا ترك طواف الوداع لنه واجب مستقل فيجب‬
‫صومها بعد أيام التشريق في ترك المبـيت والرمي لن ذلك وقت إمكان الصوم بعد الوجوب‪،‬‬
‫وفي ترك الحرام بالعمرة من الميقات يصومها في العمرة إن شاء وإن شاء عقب التحلل منها‪،‬‬
‫وفيما لو نذر الحلق فخالفه يصومها بعد المخالفة‪ ،‬وفي ترك طواف الوداع يصومها حيث وصل‬
‫إلى محل يتقرر عليه فيه الدم‪ ،‬فإن فعل كذلك فأداء وإل فقضاء‪.‬‬
‫واعلم أن دم التمتع يتعلق بسببـين‪ :‬أحدهما‪ :‬الفراغ من العمرة‪ .‬وثانيهما‪ :‬الحرام بالحج من عامه‬
‫ي إن تعلق بسببـين‬ ‫فيجوز الذبح بعد وجود السبب الّول وقبل وجود السبب الثاني لن الحق المال ّ‬
‫ل بعد وجود السببـين جميعًا لنه ليس ماليًا‪،‬‬ ‫يجوز تقديمه على ثانيهما‪ ،‬بخلف الصوم ل يجوز إ ّ‬
‫فلو فعل قبل وجود السبب الثاني ل يصح‪ ،‬وكذا دم الفوات له سببان‪ :‬أحدهما‪ :‬فوات الحج‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬الحرام بالقضاء فيجوز الذبح قبل وجود السبب الثاني بشرط دخول وقت الحرام‬
‫ل سبب واحد وهو‬ ‫ل بعد الحرام به وباقي الدماء التسعة ليس له إ ّ‬‫بالقضاء‪ .‬ول يجوز الصوم إ ّ‬
‫الحرام بالنسك في ترك الميقات‪ ،‬وخلف النذر في المشي والركوب والحلق المنذورة في النسك‬
‫وخلف الفراد المنذور في الحج وتمام الحرام بالحج والعمرة في القران وطلوع فجر يوم النحر‬
‫في المبـيت بمزدلفة‪ ،‬وفراق مكة في ترك طواف الوداع‪ ،‬وفراغ أيام منى في بقية الدماء التسعة‬
‫ل أخره حتى يجيء‬ ‫ل بعد تحقق السبب وكان الوقت يقبل الصوم‪ ،‬وإ ّ‬ ‫فل يجوز ذبح ول صوم إ ّ‬
‫الوقت القابل له كترك المبـيت بمزدلفة يتحقق بطلوع فجر يوم النحر فيجب تأخير الصوم إلى‬
‫فراغ أيام التشريق لن الوقت غير قابل له‪ ،‬بخلف الذبح فيجوز فيها ول آخر لوقته‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والثالث‪ :‬دم ترتيب وتعديل‪ ،‬ومعناه التقويم والعدول إلى غيره باعتبار القيمة‪ ،‬وهذا يجب في‬
‫سببـين‪ :‬السبب الّول‪ :‬الحصار‪ .‬والمحصر هو محرم منعه عدّو أو حبس من سلطان أو نحوه‬
‫ظلمًا أو بدين ل يتمكن من أدائه وليس له بـينة تشهد بإعساره أو زوج أو سيد أو أصل في تطّوع‬
‫عن إتمام النسك من حج أو عمرة ولم يغلب على ظنه انكشاف المانع في مّدة يمكنه إدراك الحج‬
‫فيها إن كان حاجًا أو في ثلثة أيام إن كان معتمرًا‪ ،‬فإذا أراد التحلل تحلل بالذبح ثم الحلق بنية‬
‫التحلل بهما إن كان حرًا واجدًا للدم‪ ،‬وبالحلق فقط بنية التحلل إن لم يجد دمًا ول طعامًا لعساره‬
‫أو غيره‪ ،‬والولى للمحصر المعتمر الصبر عن التحلل‪ ،‬وكذا للحاج إن اتسع الوقت‪.‬‬
‫ومن العذار المجّوزة للتحلل المرض إن شرط التحلل بذلك عن ابتداء الحرام‪ ،‬ول يلزمه الذبح‬
‫ل تحلل بالحلق فقط‪ .‬ومن العذار إضلل الطريق ونفاد النفقة‪ ،‬ويذبح المحصر‬ ‫ل إذا شرطه‪ ،‬وإ ّ‬‫إّ‬
‫حيث أحصر ولو في غير الحرم أو يرسل الشاة إلى الحرم لتذبح فيه‪ ،‬ول يجوز له أن يرسلها إلى‬
‫ل غير الذي أحصر فيه‪ ،‬وإذا أحصر في الحرم تعين عليه الذبح فيه ولو في‬ ‫موضع آخر من الح ّ‬
‫ل لتذبح فيه‪ ،‬ثم إن كان نسكه‬ ‫بقعة منه غير التي أحصر فيها‪ ،‬ول يجوز له إرسال الشاة إلى الح ّ‬
‫تطّوعا فل شيء عليه‪ ،‬وإن كان فرضًا مستقرًا كحجة السلم فيما بعد السنة الولى من سني‬
‫المكان أو كان قضاء أو نذرًا بقي في ذمته على ما كان عليه من فور أو تراخ‪ ،‬فإن كان غير‬
‫مستقّر كحجة السلم في السنة الولى من سني المكان اعتبرت الستطاعة بعد زوال الحصار‪.‬‬
‫ج أو عمرة‪) ،‬و( يجب الدم )على( ذكر مميز )مفسد‬ ‫السبب الثاني‪ :‬الجماع المفسد للنسك من ح ٍ‬
‫نسك بوطء( بأن جامع ولو بحائل عامدًا عالمًا بالتحريم مختارًا قبل التحلل من العمرة المستقلة‬
‫وقبل التحلل الّول من المفرد والقارن ولم يسبق منه جماع مفسد‪ ،‬فيجب في الحصار شاة‪ ،‬وفي‬
‫الجماع المفسد )بدنة( فإن عجز عنها فبقرة‪ ،‬فإن عجز عنها فسبع شياه‪ ،‬فإن عجز عن الدم‬
‫الواجب في هذا القسم وهو الشاة في الحصار والبدنة في الجماع المفسد قّومه بالنقد الغالب بسعر‬
‫مكة حال الوجوب واشترى بقيمته طعامًا يجزىء في الفطرة وتصّدق به على فقراء الحرم‬
‫ومساكينه‪ ،‬أو أخرج ذلك مما عنده‪ ،‬فإن عجز عن ذلك صام حيث شاء عن كل مّد يومًا ويكمل‬
‫المنكسر‪ ،‬فلو قدر على بعض ذلك أخرجه وصام عن الباقي‪ ،‬فإن انكسر مّد صام عنه يومًا‪،‬‬
‫ي في نسكه لنه ل يخرج منه بالفساد‪) .‬و( يلزمه‬ ‫ويجب على من أفسد نسكه بالجماع المض ّ‬
‫ل‪ .‬ويبطل الحج بالرّدة والعياذ بال تعالى‪،‬‬ ‫)قضاء( أي إعادة )فورًا( وإن كان نسكه الذي أفسده نف ً‬
‫ي فيه لنه يخرج منه بالبطلن‪ ،‬ففرق بـين الفاسد والباطل في الحج‪ ،‬بخلف باقي‬ ‫ول يجوز المض ّ‬
‫العبادات فل فرق فيه بـين الفاسد والباطل بل هما مترادفان‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ي المأكول هو أو أحد أصوله‬ ‫والثالث‪ :‬دم تخيـير وتعديل وله سببان‪ :‬أحدهما‪ :‬الصيد البّري الوحش ّ‬
‫ل أو مخطئًا أو مكرهًا‪.‬‬‫ولو عرض له التأنس بشرط أن يكون فاعل ذلك مميزًا ولو ناسيًا أو جاه ً‬
‫السبب الثاني‪ :‬الشجار فيجب الدم على من قلع أو قطع شجرة حرمية رطبة غير مؤذية نبتت‬
‫ل وغرست في‬ ‫بنفسها وكذا ما أنبته الدميون على الصحيح‪ ،‬فإن كانت الشجرة أخذت من الح ّ‬
‫الحرم أو عكسه فلها حكم أصلها فيهما‪ ،‬وأما نبات الحرم فإن كان شأنه أن يستنبته الدميون‬
‫كالقمح والذرة جاز أخذه وإن نبت بنفسه‪ ،‬وإن كان شأنه أن ينبت بنفسه ل يجوز أخذه‪ ،‬وإن‬
‫استنبت فمن أخذه ضمنه بالقيمة إن لم يخلف‪ ،‬فإن أخلف بل نقص فل ضمان‪ ،‬وإن أخلف ناقصًا‬
‫ف ومات جاز قطعه وقلعه وإن لم‬ ‫فعليه أرش النقص‪ .‬نعم الحشيش وهو اليابس من النبات إن ج ّ‬
‫يمت جاز قطعه لقلعه بشرط أن يأخذه لغير بـيع‪ .‬أما أخذه للبـيع فل يجوز‪ ،‬ويجوز إرسال البهائم‬
‫في حشيش الحرم لرعيه‪.‬‬
‫خاتمه‪ :‬يستحب استحبابًا مؤكدًا زيارة رسول ال فإنها من أعظم القربات وأنجح المساعي‪ ،‬ويقصد‬
‫ل في نفسه أنه يضع قدميه على مواضع أقدام رسول ال‬ ‫المسجد الشريف ماشيًا بسكينة ووقار ممث ً‬
‫‪ ،‬فإذا وصل إلى باب المسجد الشريف‪ ،‬وينبغي أن يكون باب جبريل ـ قصد الروضة الشريفة‪،‬‬
‫وهي ما بـين المنبر والقبر المقّدس فيصلي تحية المسجد في موقف رسول ال ويجعل عمود‬
‫المنبر حذاء منكبه اليمن ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي في‬
‫القبلة بـين عينيه فتلك موقف رسول ال ‪ ،‬فإذا فرغ من التحية شكر ال تعالى على ما أنعم به عليه‬
‫وسأله إتمام النعمة بقبول زيارته‪ ،‬ثم يأتي القبر الشريف المقدس فيقف قبالة الوجه الشريف بأن‬
‫يستدبر القبلة ويستقبل جدار الحجرة الشريفة ويقف على مقدار ثلثة أذرع من الجدار ناظرًا إلى‬
‫الرض غاض الطرف في مقام الهيبة والتعظيم والجلل فارغ القلب من جميع العلئق‬
‫مستحضرًا في قلبه جللة موقفه ومنزلة من هو بحضرته فإنه يسمع ويعلم وقوفك بـين يديه‪،‬‬
‫وليقل بحضور قلب وخفض صوت وسكون جوارح‪ :‬السلم عليك يا رسول ال‪ ،‬السلم عليك يا‬
‫نبـي ال‪ ،‬السلم عليك يا حبـيب ال‪ ،‬السلم عليك يا صفوة ال‪ ،‬السلم عليك يا سيد المرسلين‬
‫الطيبـين الطاهرين‪ ،‬السلم عليك وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين‪ ،‬السلم عليك وعلى‬
‫أصحابك أجمعين‪ ،‬السلم عليك وعلى النبـياء والمرسلين وسائر عباد ال الصالحين‪ ،‬السلم‬
‫ي ورحمة ال وبركاته‪.‬‬ ‫عليك أيها النبـ ّ‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫قال السبكي ‪ :‬والمروي عن السلف اليجاز في ذلك جدًا‪ .‬فعن المام مالك رحمه ال أنه كان‬
‫يقول‪ :‬السلم عليك أيها النبـي ورحمة ال وبركاته‪ .‬ثم إن كان أحد أوصاه بالسلم فليقل‪ :‬السلم‬
‫عليك يا رسول ال من فلن بن فلن أو نحو هذا‪ ،‬ثم يتحّول إلى جهة يمينه قدر ذراع للسلم على‬
‫أبـي بكر رضي ال عنه لن رأسه عند منكب رسول ال فيقول‪ :‬السلم عليك يا أبا بكر‪ ،‬السلم‬
‫عليك يا خليفة رسول ال وصفيه وثانيه في الغار‪ ،‬جزاك ال عن أمة رسول ال خيرًا‪ ،‬ثم يتحّول‬
‫إلى جهة يمينه قدر ذراع للسلم على عمر رضي ال عنه لن رأسه عند منكب أبـي بكر رضي‬
‫ال عنه فيقول‪ :‬السلم عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق الذي أعز ال به السلم جزاك ال‬
‫عن أمة نبـيه خيرًا‪ ،‬ثم يعود إلى موقفه الّول ويتوسل به في قضاء حوائجه ويستشفع به إلى ربه‬
‫سبحانه وتعالى ويدعو لنفسه ولوالديه وأولده ولمن أحب بما أحب ويختم دعاءه بآمين وبالصلة‬
‫على رسول ال ‪.‬‬
‫ومما ينبغي أن يقول في دعائه‪ :‬اللهم إنك قلت وقولك الحق‪} :‬ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك‬
‫فاستغفروا ال واستغفر لهم الرسول لوجدوا ال تّوابا رحيمًا{ ‪ ،‬اللهم إننا قد سمعنا قولك وأطعنا‬
‫أمرك‪ .‬وقصدنا نبـيك هذا مستشفعين به إليك من ذنوبنا وما أثقل ظهورنا من أوزارنا تائبـين إليك‬
‫من زللنا معترفين بخطايانا وتقصيرنا‪ ،‬اللهم فتب علينا وشفع نبـيك هذا فينا‪ ،‬اللهم اغفر‬
‫ل للذين آمنوا ربنا‬‫للمهاجرين والنصار ولخواننا الذين سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غ ّ‬
‫إنك رؤوف رحيم‪.‬‬
‫وينبغي للزائر مدة إقامته بالمدينة أن يستحضر جللتها وفضلها وأنها البلدة التي حرمها رسول‬
‫ال أي أنشأ تحريمها أي أظهر تحريمها‪ ،‬وأنها التي اختارها ال تعالى لهجرة نبـيه واستيطانه‬
‫ودفنه‪ ،‬وليستحضر تردده فيها ومشيه في بقاعها‪ ،‬ومن ثم ينبغي له أن ل يركب فيها وأن يصلي‬
‫الصلوات كلها في مسجد رسول ال وأن يقصد السطوانات التي في زمنه فلكل واحدة منها فضل‬
‫إذ ل تخلو من صلته أو صلة أحد من أصحابه إليها‪ ،‬والذي ورد له فضل خاص منها ثمانية‪:‬‬
‫الولى‪ :‬السطوانة التي هي علم المصلى الشريف في محل كرسي الشمعة كان جذعه الذي‬
‫يخطب إليه أمامها‪ ،‬ثم أسطوانة عائشة رضي ال عنها وتسمى أسطوانة القرعة صلى إليها‬
‫رسول ال المكتوبة بعد تحويل القبلة بضعة عشر يومًا‪ ،‬وهي الثالثة من المنبر ومن القبر الشريف‬
‫متوسطة الروضة وكان أبو بكر وعمر وغيرهما رضي ال عنهم يصلون إليها والمهاجرون من‬
‫قريش يجتمعون عندها‪ ،‬والدعاء عندها مستجاب‪ ،‬ويليها من ناحية القبر أسطوانة التوبة التي‬
‫تربط أبو لبابة نفسه بها‪ ،‬وكان إذا اعتكف يخرج له فراشه أو سريره إليها مما يلي القبلة فيستند‬
‫إليها‪ ،‬وكان يصلي نوافله إليها‪ .‬والرابعة‪ :‬أسطوانة السرير وهي اللصقة بالشباك اليوم شرقي‬
‫أسطوانة التوبة كان سريره يوضع عندها مرة وعند أسطوانة التوبة مرة أخرى‪ .‬الخامسة‪:‬‬
‫ي رضي ال عنه‪ ،‬وهي التي تلي القبر الشريف‪ ،‬وهي خلف أسطوانة التوبة من جهة‬ ‫أسطوانة عل ّ‬
‫الشمال‪ ،‬وكان محل خروجه من بـيت عائشة‪ ،‬وخلفها الشمال أسطوانة الوفود كان يجلس عندها‬
‫لوفود العرب‪ .‬السابعة‪ :‬أسطوانة مربعة‪ :‬يقال لها مقام جبريل وهي في حائز الحجرة الشريفة‬
‫وبـينها وبـين أسطوانة الوفود السطوانة اللصقة بشباك الحجرة كانت باب فاطمة رضي ال‬
‫عنها‪ ،‬وقد حرمت الناس من التبّرك بها وبأسطوانة السرير لغلق أبواب الشباك الدائرة على‬
‫الحجرة الشريفة‪ .‬الثامنة‪ :‬أسطوانة التهجد كان يصليه إليها‪ ،‬ومحلها الن دعامة بها محراب‬
‫مرخم قرب باب جبريل‪ ،‬ونوزع في أن ذلك محلها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل مطلقًا‪ ،‬والولى‬ ‫ن له أن يودع المسجد الشريف بركعتين نف ً‬ ‫ثم إذا عزم على الرجوع إلى أهله يس ّ‬
‫أن يكون بمصله ثم بما قرب منه ثم يدعو بما أحب دينًا ودنيا‪ ،‬ومن آكده البتهال إلى ال تعالى‬
‫في قبول زيارته ثم يأتي القبر المكرم ويعيد جميع ما مر عنده في ابتداء الزيارة ثم يقول‪ :‬اللهم ل‬
‫تجعل هذا آخر العهد بـيني وبـين مسجده وحرمه‪ ،‬ويسر لي العود إلى زيارته والعكوف في‬
‫ل وارزقني العفو والعافية في الدنيا والخرة‪ ،‬ورّدنا إلى أهلنا سالمين غانمين‬ ‫ل سه ً‬
‫حضرته سبـي ً‬
‫ثم ينصرف ويمشي تلقاء وجهه على العادة ول يمشي القهقري‪.‬‬
‫فرع‪ :‬في أحكام النذور‪:‬‬
‫)النذر( شرعًا‪ :‬الوعد بخير خاصة‪ ،‬قاله الروياني والماوردي ‪ .‬وقال غيرهما‪) :‬التزام مكلف(‬
‫قربة غير واجبة عينًا بأصل الشرع‪ .‬وأركانه ثلثة‪ :‬صيغة‪ ،‬وناذر‪ ،‬ومنذور‪ .‬وشرط الصيغة لفظ‬
‫يشعر بالتزام‪ ،‬وفي معناه كتابة مع نية ولو من ناطق وإشارة أخرس‪ ،‬ول يلزم النذر بالنية وحدها‬
‫وإن تأكد في حقه ما نواه‪ ،‬ومثل النذر غيره من سائر القرب فيتأكد بنيتها‪ ،‬ويكفي في صراحة‬
‫الصيغة‪ :‬نذرت لك كذا وإن لم يقل ل‪ ،‬بخلف ما لو قال‪ :‬نذرت لفلن كذا فل ينعقد لن السم‬
‫ل على النشاء بحسب العرف‪ ،‬وظاهر أنه‬ ‫الظاهر ل يتبادر منه النشاء‪ ،‬بخلف الخطاب فإنه يد ّ‬
‫لو نوى بذلك القرار ألزم به‪.‬‬
‫ح نذر سكران ل كافر وغير مكلف‬ ‫وشرط الناذر‪ :‬إسلم واختيار‪ ،‬ونفوذ تصّرف فيما ينذره‪ ،‬فيص ّ‬
‫ومكره ومحجور صفة أو فلس في قربة مالية عينية‪ .‬وشرط المنذور كونه )قربة لم تتعين( نف ً‬
‫ل‬
‫كانت أو فرض كفاية كصلة الضحى وصلة الجماعة‪ ،‬وخرج بقوله قربة المحرم كصلة بحدث‬
‫أو شرب خمر‪ ،‬والمكروه كصوم الدهر لمن خاف به ضررًا أو فوت حق‪ ،‬والمباح كأكل طعام‬
‫ل معينًا‬
‫طيب‪ .‬وخرج بقوله لم تتعين الواجب المتعين كصلة الظهر‪ ،‬ولو نذر من اقترض ما ً‬
‫ل يوم ما دام شيء من دينه في ذمته‪ ،‬فإن قصد أن نذره ذلك في مقابلة الربح الحاصل‬ ‫لمقرضه ك ّ‬
‫ص غير قربة بل يتوصل به إلى ربا النسيئة‪ ،‬وإن جعل نذره‬ ‫ح لنه على هذا الوجه الخا ّ‬ ‫له فل يص ّ‬
‫في مقابلة حدوث نعمة ربح المقترض إن اتجر فيه‪ ،‬أو اندفاع نقمة المطالبة إن احتاج لبقائه في‬
‫ن للمقترض رّد زيادة عما اقترضه‪ ،‬فإذا التزمها ابتداء بنذر‬ ‫ح لنه يس ّ‬
‫ذمته لعسار أو إنفاق ص ّ‬
‫انعقد ولزمته فهو حينئذ مكافأة إحسان ل وصلة للربا إذ هو ل يكون إل في عقد كبـيع‪ ،‬ومن ثم لو‬
‫ل الصحة حيث نذر لمن ينعقد نذره له‪ ،‬بخلف ما‬ ‫شرط عليه النذر في عقد القرض كان ربا‪ ،‬ومح ّ‬
‫لو نذر لحد بني هاشم والمطلب فل ينعقد لحرمة الصدقة الواجبة كالزكاة والنذر والكفارة عليهم‪،‬‬
‫وإن أطلق بأن لم يقصد شيئًا من ذلك صح النذر لن إعمال كلم المكلف حيث كان له محمل‬
‫صحيح خير من إهماله‪ ،‬ولو اقتصر على قوله في نذره ما دام مبلغ القرض في ذمته ثم دفع‬
‫ي أو مبتدع جاز صرفه‬ ‫المقترض شيئًا منه بطل حكم النذر لنقطاع الديمومة‪ ،‬ولو نذر شيئًا لذم ّ‬
‫ي ونذر له شيئًا ما دام دينه في ذمته انعقد نذره لكن‬ ‫ي‪ ،‬وعلى هذا فلو اقترض من ذم ّ‬ ‫لمسلم أو سن ّ‬
‫يجوز دفعه لغيره من المسلمين‪ ،‬وهذا بخلف ما لو اقترض الذمي من مسلم ونذر له شيئاً ما دام‬
‫ح نذره لن شرط الناذر السلم‪.‬‬ ‫الدين عليه فإنه ل يص ّ‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ثم النذر قسمان‪ :‬أحدهما‪ :‬نذر تبّرر سمي به لنه لطلب البّر أو التقّرب إلى ال تعالى‪ ،‬وهو نوعان‬
‫ي كذا( أي صوم‬‫لنه إما أن يلتزم ابتداء قربة )بلفظ منجز( أي من غير تعليق على شيء )كلّله عل ّ‬
‫ي كذا( بدون ذكر ل )أو نذرت كذا( ول بّد‬ ‫أو صدقة لفلن‪ ،‬أو أن أعطيه كذا ولم يرد الهبة )أو عل ّ‬
‫للصحة من ذكر ل أو لك بالخطاب كما مّر )أو( أن يلتزم قربة بلفظ )معلق( في مقابلة حدوث‬
‫نعمة أو اندفاع بلية‪ ،‬ويسمى هذا المعلق نذر المجازاة أيضًا )كإن شفاني ال أو سلمني( أو رزقني‬
‫ل( أي وجوبًا موسعًا )في‬ ‫ي كذا( أي إعتاق أو صوم أو صلة )فيلزم ما التزمه حا ً‬ ‫ولدًا )فعل ّ‬
‫ج له بإطلق قوله ‪» :‬من نذر أن يطيع ال‬ ‫ص عليه الشافعي واحت ّ‬ ‫منجز( على الراجح كما ن ّ‬
‫ح المنجز ول يلزمه شيء لعدم المقابل ولن النذر عند العرب وعد‬ ‫فليطعه« ‪ .‬وقال ثعلب‪ :‬ل يص ّ‬
‫بشرط‪) .‬و( يلزمه الوفاء بما التزم )عند وجود صفة في معلق( وحجة ذلك قوله تعالى‪} :‬وأوفوا‬
‫ي عتق لزمه ذلك‬ ‫بعهد ال إذا عاهدتم{ ))‪ (16‬النحل‪ :‬الية ‪ (91‬ولو قال عند نحو شفاء‪ :‬ل عل ّ‬
‫ل لهذا منزلة المجازاة لوقوعه شكرًا في مقابلة نعمة الشفاء‪.‬‬ ‫جزمًا تنزي ً‬
‫وثانيهما‪ :‬نذر لجاج بفتح اللم وهو التمادي في الخصومة‪ ،‬ويسمى نذر اللجاج والغضب والغلق‬
‫ويمين اللجاج والغضب والغلق‪ :‬وهو أن يمنع نفسه من شيء أو يحملها عليه بتعليق التزام قربة‬
‫ي صوم‬ ‫كأن يقول‪ :‬إن كلمت فلنًا أو دخلت داره أو إن لم أسافر أو إن سافرت ونحو ذلك فلّله عل ّ‬
‫ج ونحو ذلك‪ ،‬فالناذر في اللجاج مخير‬ ‫شهر أو صلة أو إعتاق رقبة أو أن أتصّدق من مالي أو أح ّ‬
‫عند وجود الصفة بـين أن يلتزم ما التزمه وبـين كفارة يمين فيخير فيها بـين عتق رقبة أو كسوة‬
‫عشرة مساكين أو إطعامهم‪ ،‬فإن عجز عن هذه الثلثة صام ثلثة أيام‪ ،‬ول فرق في وجوب‬
‫ل وبـين أن يكون‬ ‫ي عتق عبدي هذا مث ً‬ ‫التخيـير بـين أن يكون ما التزمه معينًا‪ :‬كإن كلمتك فلّله عل ّ‬
‫ن مقصوده‬ ‫غيره‪ ،‬وذلك لن نذر اللجاج يشبه النذر من حيث إنه التزم قربة واليمين من حيث إ ّ‬
‫مقصود اليمين فل سبـيل إلى الجمع بـين موجبـيهما ول إلى تعطيلهما فوجب التخيـير‪ .‬أما إذا‬
‫ي أن ل آكل الخبز فيلزمه كفارة يمين بل خلف‪،‬‬ ‫التزم غير قربة كأن قال‪ :‬إن كلمت زيدًا فلّله عل ّ‬
‫ي كفارة يمين أو كفارة نذر لزمته الكفارة عند وجود المعلق عليه تغليبًا‬ ‫ولو قال‪ :‬إن كلمته فعل ّ‬
‫لحكم اليمين في الصورة الولى‪ ،‬ولخبر مسلم‪» :‬كفارة النذر كفارة اليمين« في الثانية‪ ،‬ومن نذر‬
‫اللجاج ما يعتاد على ألسنة الناس العتق يلزمني أو يلزمني عتق عبدي فلن ل أفعل أو لفعل ّ‬
‫ن‬
‫كذا‪ ،‬فإن لم ينو تعليق اللتزام فلغو وإن نواه تخير‪ ،‬ثم إن اختار العتق أو عتق المعين أجزأه‬
‫مطلقًا‪ :‬أي سواء كان يجزىء في الكفارة أم ل‪ ،‬أو اختار الكفارة وأراد عتقه عنها فاعتبر فيه‬
‫صفة الجزاء‪ .‬واعلم أنه ل يشترط للمنذور له قبوله النذر في قسمي النذر‪ ،‬بل الشرط عدم رّده‪،‬‬
‫ونذر اللجاج مكروه‪ ،‬بخلف غيره‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪183 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب البـيع‬

‫وهو شرعًا‪ :‬عقد يقتضي انتقال الملك في المبـيع للمشتري وفي الثمن للبائع‪ .‬وأركانه ثلثة‪ :‬عاقد‪،‬‬
‫ل بعد إتيانه بالصيغة فقال‪:‬‬ ‫ومعقود عليه‪ ،‬وصيغة‪ ،‬وقّدم الصيغة على العاقد لنه ل يكون عاقدًا إ ّ‬
‫ل على التمليك دللة ظاهرة وله صيغ )كبعتك(‬ ‫ح( أي البـيع )بإيجاب( من البائع‪ ،‬وهو ما د ّ‬
‫)يص ّ‬
‫ذا بكذا وهذا مبـيع منك وأنا بائعه لك بكذا أو هو لك بكذا أو عاوضتك أو شريتك بمعنى بعتك ذا‬
‫بكذا )وملكتك ذا بكذا( وأما قوله‪ :‬أدخلت هذا في ملكك فكناية لحتماله إدخاله في ملكه الحسي‪،‬‬
‫ل على‬‫وكذا قوله‪ :‬ثامنتك فهو كناية على ما اعتمده ابن حجر )وقبول( من المشتري‪ ،‬وهو ما د ّ‬
‫ق منه )وقبلت( وابتعت واخترت )هذا بكذا( سواء كان‬ ‫التملك دللة ظاهرة )كاشتريت( وما اشت ّ‬
‫ل أن الهازل‬ ‫ل أم ل‪ .‬والفرق بـين الهزل والستهزاء أن في الهزل قصد اللفظ لمعناه إ ّ‬ ‫العاقد هاز ً‬
‫ح البـيع به ولذا ل يعتّد به في القرار‪،‬‬ ‫ليس راضيًا وليس في الستهزاء قصد اللفظ لمعناه فل يص ّ‬
‫ح البـيع الضمني بل صيغة في اللفظ‪ ،‬وهو ما تضمنه التماس العتق وجوابه لن الصيغة‬ ‫ويص ّ‬
‫موجودة تقديرًا استغناء عنها باللتماس‪ ،‬وذلك كأن يقول الملتمس بكسر الميم‪ :‬أعتق عبدك عني‬
‫بألف‪ ،‬فإذا قال الملتمس منه عتق العبد بفتح الميم أعتقته عتق من الطالب ولزمه العوض‪ ،‬فكأنه‬
‫قال بعنيه وأعتقه عني‪ ،‬فأجابه المطلوب ببعتك وأعتقته عنك‪.‬‬
‫ويشترط في الملتمس الختيار وعدم الحجر‪ ،‬ول يشترط في الملتمس عتقه قدرته عليه‪ ،‬ول ينعقد‬
‫البـيع بالمعاطاة‪ :‬وهي أن يتفقا على ثمن ومثمن ولم يوجد من أحدهما لفظ صريح ول كناية‪،‬‬
‫واختار النووي كجمع من حيث الدليل وهو قوله ‪» :‬إنما البـيع عن تراض« انعقاد البـيع بالمعاطاة‬
‫ل ما يعّده الناس بـيعًا بالمعاطاة سواء كان محقرًا أو غيره كالخبز واللحم‪ ،‬بخلف نحو‬
‫في ك ّ‬
‫ب فعلى اشتراط الصيغة ل مطالبة في الخرة من حيث المال بسبب المعاطاة‪:‬‬ ‫الراضي والدوا ّ‬
‫ل رّد ما أخذه‬‫ل من العاقدين بها للرضى وللخلف فيها‪ .‬أما في الدنيا فيجب على ك ّ‬
‫أي بما يأخذه ك ّ‬
‫إن كان باقيًا وبدله إن تلف‪ ،‬بخلف تعاطي البـيع الفاسد فيطالب به في الخرة إذا لم يوجد له‬
‫مكفر‪ ،‬وشرط صحة اليجاب والقبول كونهما )بل فصل( طويل بـين اللفظين أو الشارتين أو‬
‫الكتابتين أو بـين لفظ أحد العاقدين وكتابة الخر أو إشارته أو بـين كتابة أحدهما وإشارة الخر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( بل )تخلل لفظ أجنبـي( أي ل تعلق له بالعقد بأن لم يكن من مقتضاه ول من مصالحه ول من‬
‫ل نحو قد‪) .‬و( بل )تعليق( كأن مات أبـي فقد بعتك هذا‬ ‫مستحباته من المطلوب جوابه ولو كلمة إ ّ‬
‫ل في التعليق بالمشيئة من أحدهما‪ :‬كأن يقول بعتك أو اشتريت منك إن شئت أو أردت أو‬ ‫إّ‬
‫ل إن نوى بقوله‪ :‬شئت الشراء‪ ،‬وذلك لن المشيئة من‬ ‫رضيت‪ ،‬فيقول‪ :‬اشتريت أو بعت ل شئت إ ّ‬
‫ضرورة العقد )و( بل )تأقيت( كبعتك هذا شهرًا أو حياتك أو ألف سنة‪ ،‬ويشترط في القبول أن‬
‫يكون موافقًا لليجاب في المعنى وإن اختلف لفظهما حتى بالصريح والكناية‪ ،‬فإن خالفه معنى‬
‫ح البـيع‬
‫كبعتك بألف فزاد أو نقص أو بألف حالة فأجل أو عكسه أو مؤجلة كشهرين فنقص لم يص ّ‬
‫للمخالفة‪ ،‬وكأن قال البائع بألف‪ ،‬فقال المشتري‪ :‬قبلت نصفه بخمسمائة ونصفه بخمسمائة ونوى‬
‫ح ويشترط ذكر‬ ‫ح‪ ،‬بخلف ما إذا نوى تفصيل ما أجمله البائع فيص ّ‬ ‫تعّدد العقد أو أطلق فإنه ل يص ّ‬
‫المبتدىء للعقد بائعًا كان أو مشتريًا الثمن فل تكفي نيته ل في الصريح ول في الكناية‪ ،‬فالكناية‬
‫تكون في الصيغة وحدها ل في ذكر الثمن كما قاله الرملي خلفًا لبن حجر‪.‬‬
‫ح البـيع ممن جهل رشده‬ ‫)وشرط في عاقد( بائعًا أو غيره إبصار‪ ،‬و )تكليف( وعدم الحجر فيص ّ‬
‫ورقه وحّريته لن الغالب عدم الحجر‪ ،‬ومن حجر عليه بفلس إذا عقد في الذمة‪ ،‬بخلف صبـ ّ‬
‫ي‬
‫ح بـيع‬
‫ولو مراهقًا ومجنون ومحجور عليه بسفه مطلقًا وفلس بالنسبة لبـيع عين ماله‪ ،‬وإنما ص ّ‬
‫ح بـيع السكران المتعّدي مع كونه غير مكلف‪.‬‬ ‫العبد من نفسه ولو سفيهًا لن مقصوده العتق‪ ،‬ويص ّ‬
‫ح نحو‬‫)و( شرط في المتملك عدم حرابة لتملك شيء من عّدة حرب كسيف ورمح وخيل‪ ،‬فل يص ّ‬
‫ل إذا خشي‬ ‫ي في دارنا لنه في قبضتنا إ ّ‬ ‫ي لنه يستعين به على قتالنا بخلف ذم ّ‬ ‫شراء ذلك لحربـ ّ‬
‫إرساله إلى أهل الحرب‪.‬‬
‫وشرط فيه )إسلم لتملك( شيء من رقيق )مسلم( ولو بطريق تبعيته لغيره ولو بشرط العتق‪،‬‬
‫ح بـيع المة الحامل بمسلم عن شبهة ل تقتضي حرّية الولد بأن ظنها‬ ‫والمراد المنفصل فيص ّ‬
‫ل أن يحكم بعتق العبد‬ ‫المسلم زوجته المة‪ ،‬ومثل المسلم في ذلك المرتّد لبقاء علقة السلم فيه إ ّ‬
‫على المتملك بدخوله في ملكه كما إذا قال لمالكه‪ :‬أعتقه عني وإن لم يذكر عوضًا‪ ،‬ولو اشترى‬
‫ح‪) .‬و( شرط في المتملك إسلم أيضًا لتملك شيء من )مصحف( وهو ما فيه‬ ‫الكافر ذلك لمسلم ص ّ‬
‫قرآن فل يصح تملك الكافر ولو مرتدًا لنفسه أو لمثله بنفسه أو بوكيله ولو مسلمًا ما فيه قرآن وإن‬
‫ل وإن كان في ضمن نحو علم‪ .‬نعم يتسامح بتملك الكافر الدراهم والدنانير التي عليها شيء من‬ ‫قّ‬
‫القرآن‪ ،‬ومثل المصحف الحديث ولو ضعيفًا‪ ،‬وكتب العلم التي بها الحكايات المأثورة عن‬
‫الصالحين‪ ،‬وخرج الجلد المنفصل عن المصحف فإنه وإن حرم مسه للمحدث يصح بـيعه للكافر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( شرط )في معقود عليه( مبـيعًا كان أو ثمنًا ستة أمور‪ :‬أحدها )ملك له( أي لمن يصدر منه‬
‫العقد )عليه( أي المعقود عليه ملكًا تامًا‪ ،‬فخرج بـيع نحو المبـيع قبل قبضه بأن يصدر العقد من‬
‫عاقد ذي ولية على المعقود عليه بملك أو نيابة أو ولية كولية الب والوصي والقاضي لمال‬
‫الممتنع والظافر بغير جنس حقه والملتقط لما يخاف تلفه‪ ،‬فكل من الظافر والملتقط وكيل عن‬
‫ي للمالك‬
‫المالك بإذن الشرع له في التصرف‪ ،‬فخرج الفضولي وهو من ليس بوكيل ول ول ّ‬
‫فتصّرفه باطل وإن أجازه المالك‪ ،‬وقيل‪ :‬صحة بـيع الفضولي موقوفة على رضا المالك‪ ،‬فإن‬
‫ل فل لن حديث عروة ظاهر في ذلك‪ ،‬وهو أنه وكله في شراء شاة فاشترى له‬ ‫أجاز العقد نفذ وإ ّ‬
‫شاتين ثم باع واحدة منهما‪ ،‬والمعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد فلو باع مال الطفل فبلغ‬
‫وأجاز لم ينفذ‪ ،‬ومحل الخلف ما لم يحضر المالك فلو باع مال غيره بحضرته وهو ساكت لم‬
‫ل كان كالغائب‪ ،‬ويصح عقد ذي الولية عند‬ ‫يصح قطعًا‪ ،‬وذلك إذا تيسرت مراجعته بل مشقة وإ ّ‬
‫العقد كأن باع مال مورثه أو أبرأه أو أعتق رقيقه أو زّوج أمته ظانًا حياته فبان ميتًا أو باع مال‬
‫الغير ظانًا عدم إذنه له فبان آذنًا له فيصح ذلك لتبـين وليته عليه لن العبرة في العقود بما في‬
‫ن العاقد لعدم احتياجها لنية‪ ،‬والوقف هنا وقف تبـين ل وقف صحة‪ ،‬وإنما‬ ‫نفس المر ل بما في ظ ّ‬
‫لم يصح تزّوج الخنثى وإن بان واضحًا ول نكاح المشتبهة عليه بمحرمه ولو بانت أجنبـية لوجود‬
‫ل المعقود عليه‪ ،‬وهو أولى بالحتياط من الشك في ولية العاقد‪.‬‬ ‫الشك في ح ّ‬
‫)و( ثانيها‪) :‬طهره( أي المعقود عليه شرعًا بالتحقيق أو بالمكان وإن غلبت النجاسة في مثله فل‬
‫يصح بـيع نجس العين كجلد ميتة وإن أمكن طهره بالندباغ وكلب ولو معلمًا ول بـيع أحد‬
‫مشتبهين قبل الحكم بطهارة أحدهما ول بـيع متنجس ل يطهره غسل كماء تنجس وإمكان طهر‬
‫قليله بالمكاثرة وكثيره بزوال التغير كإمكان طهر الخمر بالتخلل إذ طهره من باب الحالة ل من‬
‫باب التطهير‪ ،‬بخلف ما يطهره غسل كثوب تنجس بما ل يستر شيئًا منه فيصح بـيعه‪ ،‬ويصح‬
‫بـيع دار بنيت بالزبل لنه فيها تابع ل مقصود‪ ،‬وأرض سمدت بنجس‪ ،‬ورقيق عليه وشم‪ ،‬ويصح‬
‫بـيع القز وفيه الدود ولو ميتًا لنه من مصلحته كالحيوان ببطانه النجاسة‪ ،‬ويباع القز جزافًا‬
‫ووزنًا‪ ،‬ويحل اقتناء السرجين وتربـية الزرع به مع الكراهة حيث صلح نباته بدونها‪ ،‬أما لو‬
‫توقف صلحه عادة على التربـية به فل كراهة‪ ،‬واقتناء الكلب لنحو حراسة وتربـية الجرو لذلك‬
‫وإن لم يكن من نسل معلم‪ ،‬ويمتنع اقتناء الخنزير مطلقًا‪ ،‬ويجوز الصدقة بالمتنجس والهبة‬
‫والوصية به‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( ثالثها‪) :‬رؤيته( أي المعقود عليه‪ ،‬وتكفي معاينته وإن جهل المتعاقدان قدره أو جنسه أو‬
‫صفته‪ ،‬ول يشترط الشم والذوق في المشموم والمذوق‪ ،‬وتكفي رؤيته قبل العقد ولو لمن عمي‬
‫وقته فيما ل يظن أنه يتغير غالبًا إلى وقت العقد كأرض وحديد ونحاس وآنية اكتفاء بتلك الرؤية‪،‬‬
‫والغالب بقاؤه على ما شاهده عليه‪ ،‬نعم يشترط أن يكون ذاكرًا حال العقد لوصافه التي رآها‬
‫ل لم يصح ول يصح بـيع ما لم يره أحد العاقدين ثمنًا أو‬ ‫كأعمى اشترى ما رآه قبل العمى‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل في ضوء إن ستر الضوء لونه كورق أبـيض‪،‬‬ ‫مثمنًا وإن كان حاضرًا في مجلس البـيع أو رآه لي ً‬
‫وفي قول وبه قال الئمة الثلثة‪ :‬يصح بـيع ما لم ير المتعاقدان إن ذكر جنسه ويثبت الخيار لهما‬
‫عند الرؤية‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬العلم بالمعقود عليه عينًا في العين وقدرًا وصفة فيما في الذمة كما يعلم مما يأتي فيصح‬
‫ل ربعها مشاعًا ولو يجزىء آخر من مثله كبـيع حصته من دار‬ ‫بـيع جزء مشاع كبعتك الرض إ ّ‬
‫بحصة شريكه‪ ،‬وفائدته عند استواء الحصتين سقوط الرجوع به في نحو هبة الوالد ومنع الرّد‬
‫بنحو عيب‪ ،‬ول يصح بـيع اثنين عبديهما لثالث بثمن واحد من غير بـيان ما لكل منه‪ ،‬وبـيع أحد‬
‫ل وإن استوت قيمتهما كما ل يصح البـيع بأحدهما للجهل بعين المبـيع أو‬ ‫الثوبـين أو العبدين مث ً‬
‫الثمن‪ ،‬وقد تكون الشارة والضافة كافية عن التعيـين كداري ولم يكن له غيرها وكهذه الدار وإن‬
‫غلط في حدودها‪.‬‬
‫ل كالماء في شط النهر والعبد الزمن فيصح بـيعه لمنفعة‬ ‫والخامس‪ :‬النفع بالمعقود عليه شرعًا حا ً‬
‫عتقه أو مآل كالجحش الصغير الذي ماتت أمه‪ ،‬فل يصح بـيع حبتي الحنطة ونحوهما ولو في‬
‫زمن الغلء لنتفاء النفع بذلك لقلته‪ ،‬ومن المنافع شرعًا حق الممّر بأرض أو على سقف وجاز‬
‫تملكه بالعوض على التأبـيد بلفظ البـيع مع أنه محض منفعة إذ ل تملك به عين للحاجة إليه على‬
‫التأبـيد ولذا جاز ذلك بلفظ الجارة أيضًا دون ذكر مدة‪.‬‬
‫والسادس‪ :‬قدرة كل من العاقدين على تسليم ما بذله للخر حسًا وشرعًا من غير كثير مؤنة‬
‫ومشقة‪ ،‬وذلك لن القصد وصول المشتري إلى المبـيع والبائع إلى الثمن‪ ،‬فالشرط قدرة التسلم‪ .‬إما‬
‫لقدرة الخذ أو الباذل وهذا في غير البـيع الضمني وفي غير من يحكم بعتقه على المشتري‪ ،‬أما‬
‫بـيع ذلك فل تشترط فيه القدرة على ذلك فل يصح بـيع نصف معين من الناء ولو حقيرًا لبطلن‬
‫نفعه بكسره‪ ،‬فخرج الشائع لنتفاء إضاعة المال عنه‪ ،‬وكالناء نحوه مما تنقص قيمته أو قيمة‬
‫الباقي بكسره نقصًا يهتم بمثله‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( الربا حرام اتفاقًا‪ ،‬وهو إما ربا فضل بأن يزيد أحد العوضين‪ ،‬ومنه ربا القرض بأن يشترط‬
‫فيه ما فيه نفع للمقرض غير الرهن والكفالة والشهادة وإنما جعل ربا القرض من ربا الفضل مع‬
‫أنه ليس من هذا الباب لنه لما شرط نفعًا للمقرض كان بمنزلة أنه باع ما أقرضه بما يزيد عليه‬
‫من جنسه فهو منه حكمًا‪ ،‬ومن شرط النفع ما لو أقرضه بمصر وأذن له في دفعه لوكيله بمكة‬
‫ل‪ .‬وإما ربا يد بأن يفارق أحدهما مجلس العقد قبل التقابض‪ ،‬وإما ربا نساء بأن يشرط أجل في‬ ‫مث ً‬
‫أحد العوضين وكلها مجمع على بطلنها‪ ،‬والقصد هنا بـيان ما )شرط في بـيع( ربوي زيادة على‬
‫ما مّر‪ ،‬ثم العوضان الربويان وغيرهما إن اتفقا جنسًا اشترط ثلثة شروط أو علة وهي الطعم أو‬
‫ل كبـيع طعام بنقد أو ثوب أو حيوان بحيوان ونحوه لم يشترط شيء من‬ ‫النقدية اشترط شرطان وإ ّ‬
‫تلك الثلثة‪ .‬إذا علمت ذلك علمت أنه ل يصح بـيع )مطعوم ونقد بجنسه( أي المذكور من‬
‫ل إذا وجد فيه ثلثة شروط )حلول( للعوضين من الجانبـين فمتى اقترن بأحدهما‬ ‫المطعوم والنقد إ ّ‬
‫ل قبل تفرقهما لم يصح البـيع‪) ،‬وتقابض قبل تفرق( ول بد‬ ‫ل وح ّ‬‫ل زمنه كدرجتين مث ً‬ ‫تأجيل وإن ق ّ‬
‫من قبض حقيقي ولو بقبض وكيل قبل مفارقة الموكل المجلس‪ ،‬فل تكفي حوالة وإبراء وضمان‪،‬‬
‫ويبطل العقد بالحوالة والبراء لتضمنهما الجازة وهي قبل التقابض مبطلة للعقد أما الضمان فل‬
‫ل بطل بالتفرق ولو‬ ‫يبطل العقد بمجرده بل إن حصل التقابض من العاقدين في المجلس فذاك وإ ّ‬
‫قبضا بعض العوضين صح في ذلك تفريقًا للصفقة‪) ،‬ومماثلة( بـين العوضين مع العلم بها حال‬
‫العقد‪.‬‬
‫واعلم أن ضابط الجنس هو بأن جمع الثمن والمثمن اسم خاص من أّول دخولهما في الربا‬
‫ل‪ ،‬أما‬ ‫واشتركا فيه اشتراكًا معنويًا بأن يوضع اسم لحقيقة واحدة تحتها أفراد كثيرة كالقمح مث ً‬
‫الشتراك اللفظي فهو ما وضع فيه اللفظ لكل من المعاني بخصوصه فيتعدد الوضع فيه بتعدد‬
‫معانيه كالقرء فإنه وضع لكل من الطهر والحيض‪ ،‬وخرج بالخاص العام كالحب‪ ،‬وبقولنا‪ :‬من‬
‫أّول دخولهما في الربا الدقة فإنها دخلت في الربا قبل طرّو اسم الدقيق لها فكانت أجناسًا‬
‫كأصولها‪ ،‬وبقولنا واشتركا فيه اشتراكًا معنويًا البطيخ الهندي والصفر فإنهما جنسان كالجوز‬
‫الهندي والجوز المعروف إذ إطلق السم عليهما ليس لقدر مشترك بـينهما أي ليس موضوعًا‬
‫لحقيقة واحدة بل لحقيقتين مختلفتين‪.‬‬
‫ل إن وجد فيه شرطان )حلول( من الجانبـين‬ ‫)و( ل يصح بـيع مطعوم أو نقد )بغير جنسه( إ ّ‬
‫)وتقابض( والمراد به ما يعم القبض فيكفي الستقلل بقبض العوض المعين وإن كان للبائع حق‬
‫الحبس وإن لم يفد صحة التصرف‪ ،‬وجاز التفاضل في هذا بـين العوضين‪) .‬و( شرط )في( صحة‬
‫سلم ستة أخرى اختص بها وهو بـيع شيء )موصوف( في ذمة ببدل يجب تعجيله بمجلس البـيع‬
‫بلفظ السلم أو السلف‪ .‬الّول‪) :‬قبض رأس مال( وهو الثمن ويجوز الستبداد بقبض رأس المال إذا‬
‫كان معينًا إما إذا كان في الذمة فل ما لم يعين في المجلس فإن عين فيه جاز الستبداد بقبضه )قبل‬
‫تفرق( أو قبل لزوم عقد فلو قاما وتماشيا منازل حتى حصل القبض قبل التفرق لم يضر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫)و( الثاني‪) :‬كون مسلم فيه دينًا( فلو قال‪ :‬أسلمت إليك هذا الثوب أو دينارًا في ذمتي في سكنى‬
‫هذه سنة لم يصح السلم أو قال في هذا العبد فليس بسلم قطعًا لختلل ركنه وهو الدينية ول ينعقد‬
‫بـيعًا حينئذ‪ ،‬ومتى وضع يده عليه ضمنه الغصوب ول عبرة بإذنه له في قبضه لنه ليس إذنًا‬
‫شرعيًا بل هو لغ‪.‬‬
‫)و( الثالث‪ :‬كونه )مقدورًا( على تسليمه من غير مشقة كبـيرة )في محله( بكسر الحاء أي في‬
‫ل‪،‬‬
‫ل وبالحلول إن كان مؤج ً‬ ‫وقت حلوله أي وقت وجوب التسليم‪ ،‬وذلك بالعقد إن كان السلم حا ً‬
‫فإن أسلم في منقطع عند العقد أو الحلول كرطب في الشتاء لم يصح وكذا لو ظن حصوله عند‬
‫الوجوب لكن بمشقة عظيمة كقدر كثير من الباكورة فإنه ل يصح‪ ،‬وذكر هذا الشرط مع علمه مما‬
‫مّر في البـيع لبـيان محل القدرة المشترطة وهو حالة وجوب التسليم المقارنة للعقد في الحال‬
‫والمتأخرة عنه إلى وقت الحلول في المؤجل‪ ،‬بخلف بـيع المعين فإن المعتبر فيه اقتران القدرة‬
‫بالعقد‪.‬‬
‫ع في مذروع أو عّد في‬ ‫)و( الرابع‪ :‬كونه )معلوم قدر( بكيل في مكيل أو وزن في موزون‪ ،‬أو ذر ٍ‬
‫معدود‪ ،‬ويجوز التقدير بوزن في جميع ذلك‪ ،‬وبه أو كيل‪ ،‬ل بهما معًا فل يصح‪ ،‬ومحل جواز كيل‬
‫ل كفتات المسلم والعنبر تعين وزنه لن ليسيره المختلف‬ ‫الموزون إن عّد الكيل في مثله ضابطًا وإ ّ‬
‫بالكيل والوزن مالية كثيرة‪ ،‬بخلف الللىء الصغار لقلة تفاوتها كالقمح والفول‪.‬‬
‫وخامسها‪ :‬معرفة الوصاف المتعلقة بالمسلم فيه للعاقدين مع شاهدين عدلين التي ينضبط المسلم‬
‫فيه بها‪ ،‬ويختلف الغرض بها اختلفًا ظاهرًا‪ ،‬وليس الصل عدمها لن القيمة تختلف بسببها إذ ل‬
‫ل بذكر الوصاف التي يختلف بها الغرض‪ ،‬بخلف ما يتسامح عادة بإهماله‬ ‫يخرج عن الجهل به إ ّ‬
‫كالسمن ومع ذلك لو شرطه وجب العمل به وما الصل عدمه ككتابة الرقيق وزيادة قّوته على‬
‫ل صح‪ ،‬فلو أتى له بغير سارق وزان وجب قبوله‬ ‫العمل‪ ،‬ولو شرط كون الرقيق سارقًا أو زانيًا مث ً‬
‫لنه خير مما شرطه‪.‬‬
‫وسادسها‪ :‬بـيان محل تسليم مسلم فيه على تفصيل فيه حاصله أنه إن لم يصلح الموضع للتسليم‬
‫وجب البـيان مطلقًا‪ ،‬وإن صلح وليس لحمله مؤنة لم يجب البـيان مطلقًا‪ ،‬وإن صلح ولحمله مؤنة‬
‫ل‪ ،‬وإذا لم يشترط البـيان تعين محل العقد للتسليم‪ ،‬فإن عينا‬ ‫وجب البـيان في المؤجل دون الحا ّ‬
‫غيره تعين‪) ،‬وحرم ربا( في سائر أنواعه باتفاق العلماء قيل‪ :‬مطلقًا‪ ،‬وقيل‪ :‬حيث لم يوجد حيلة‬
‫شرعية مخلصة من الربا‪ ،‬وقال الرملي وابن حجر ‪ :‬والحيلة المخلصة من صور الربا بسائر‬
‫ي‪ :‬اصرف‬ ‫أنواعه مكروهة خلفًا لمن خص الكراهة بالتخلص من ربا الفضل‪ ،‬ولو قال لصيرف ّ‬
‫لي بنصف هذا الدرهم فضة وبالنصف الخر فلوسًا جاز لنه جعل نصفًا في مقابلة الفضة‪،‬‬
‫ونصفًا في مقابلة الفلوس‪ ،‬بخلف ما لو قال‪ :‬اصرف لي بهذا الدرهم نصف فضة‪ ،‬ونصف‬
‫فلوس‪ ،‬ل يجوز لنه إذا قسط عليهما ذلك احتمل التفاضل‪ ،‬ويجوز بـيع الجوز بالجوز واللوز‬
‫ب كل بمثله وإنما امتنع بـيع ما نزع نواه من التمر‬ ‫ل وإن اختلفت القشور‪ ،‬وبـيع ل ّ‬ ‫باللوز كي ً‬
‫لبطلن كماله وسرعة فساده‪ ،‬بخلف لب الجوز واللوز‪ ،‬ويجوز بـيع البـيض مع قشره ببـيض‬
‫ل‪.‬‬
‫كذلك وزنًا إن اتحد الجنس‪ ،‬فإن اختلف جاز متفاض ً‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( حرم على من ملك آدمية وولدها )تفريق بـين أمة( وإن رضيت أو كانت كافرة أو مجنونة لها‬
‫شعور تتضرر معه بالتفريق أو آبقة ما لم يحصل اليأس من عودها‪ .‬وفرع‪ :‬ولو من زنا )لم يميز(‬
‫بأن يصير الولد بحيث يأكل وحده ويشرب وحده ويستنجي وحده‪ ،‬ول يقدر هنا بسبع سنين‪ ،‬ومن‬
‫غير المميز المجنون قبل إفاقته )بنحو بـيع( كهبة وقرض وقسمة‪ ،‬ويجوز التفريق إن اختلف‬
‫المالك أو كان أحدهما حّرا كما يجوز بعتق ووصية إذ المعتق محسن والوصية ل تقتضي التفريق‬
‫بوضعها‪ ،‬ويصح بـيع أحدهما لمن يحكم بعتقه عليه دون بـيعه بشرط عتقه كما يصح لمن أقر‬
‫بحّريته أو شهد بها وردت شهادته‪ ،‬ويجوز التفريق بالوقف محافظة على تحصيل القربة كالعتق‬
‫كما اعتمده الرملي خلفًا لبن حجر )و( التفريق كبـيرة فإذا فرق بـينهما ببـيع أو غيره مما مّر‬
‫تفصيله )بطل( البـيع )فيهما( أي الم والولد على الظهر لنتفاء القدرة على التسليم شرعًا‪ ،‬وبـيع‬
‫الولد قبل سقيه اللبأ باطل قطعًا‪.‬‬
‫ن أنه يتخذه‬
‫)و( حرم )بـيع نحو عنب( كرطب وتمر وزبـيب )ممن( من بمعنى اللم أي لمن )ظ ّ‬
‫مسكرًا( ومثل ذلك كل تصرف يفضي إلى معصية كبـيع أمرد لمن عرف بالفجور وأمة لمن‬
‫يتخذها لغناء محّرم وخشب لمن يتخذه آلة لهو‪ ،‬ودابة لمن يكلفها فوق طاقتها‪ ،‬وورق مشتمل على‬
‫نحو اسم ال تعالى لمن يتخذه كاغدًا للدراهم ونحو ذلك مما فيه امتهان‪ ،‬وثوب حرير للبس رجل‬
‫بل نحو ضرورة‪ ،‬وسلح لنحو باغ وقاطع طريق‪ ،‬وديك للمهارشة‪ ،‬وكبش للمناطحة والحرمة‬
‫ثابتة وإن كان المبـيع لنحو صبـي ولم يوجد من يرغب فيه بذلك غير المتخذ المذكور‪.‬‬
‫)و( حرم مع علم التحريم )احتكار قوت( كتمر وزبـيب وكل مجزىء في الفطرة بأن يمسك ما‬
‫اشتراه من القوت في وقت الغلء عرفًا ليبـيعه بأكثر عند اشتداد حاجة أهل محله أو غيرهم إليه‬
‫وإن لم يشتره بقصد ذلك لقوله ‪» :‬ل يحتكر إل خاطىء« أي آثم‪ .‬أما احتكار طعام غير قوت‬
‫واحتكار قوت لم يشتره كغلة ضيعته أو اشتراه وقت الرخص أو وقت الغلء لنفسه وعياله أو‬
‫ليبـيعه ل بأكثر أو ليبـيعه بأكثر وهو جاهل بالنهي فل يحرم ذلك الحتكار‪ ،‬والولى بـيع ما فضل‬
‫عن كفاية ممونه سنة‪ ،‬فإن خاف المحتكر جائحة في زرع السنة الثانية فله بل كراهة إمساك‬
‫ل أجبر على بـيع ما فوق كفاية سنة‪ ،‬وهذا حيث‬ ‫كفايتها‪ ،‬وذلك إن لم يشتد حاجة الناس لما عنده وإ ّ‬
‫ل لم يبق له شيء‪ ،‬وكما يحرم الحتكار يحرم صّد جالب ما‬ ‫لم يتحقق إضطرار ناس معين وإ ّ‬
‫تكثر حاجة أهل البلد إليه عن تعجيل بـيع ولو كان نقدًا أو اختصاصًا بأن يقول إنسان ابتداء لمن‬
‫جلبه اتركه عندي أو عندك لبـيعه لك على التدريج بأغلى أو بنوع أرفع أو ليبـيعه فلن معي‬
‫سواء كان الجالب بدويًا وصاده حضريًا أم ل‪ ،‬وإن كان الجالب قادمًا لوطنه على ما اعتمده ابن‬
‫حجر في فتح الجواد‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وقال في التحفة‪ :‬إن بعض أهل البلد لو كان عنده متاع مخزون فأخرجه ليبـيعه بسعر يومه‬
‫ل عن‬ ‫فتعرض له من يفوضه له ليبـيعه تدريجًا بأغلى حرم أيضًا لكن اعتمد الشبراملسي نق ً‬
‫بعضهم عدم الحرمة لن النفوس لها تشّوف لما يقدم به‪ ،‬بخلف الحاضر‪ ،‬ويختص التحريم‬
‫بالصاّد‪ .‬أما الجالب فقد دفع الثم عنه غرضه الربح لباحته لقوله تعالى‪} :‬ليس عليكم جناح أن‬
‫ل من ربكم{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ (198‬وإعانة الجالب على المعصية غير محققة‬ ‫تبتغوا فض ً‬
‫لنقضائها بانقضاء كلم الصاّد إذ يحرم عليه ذلك الصّد وإن لم يجبه الجالب‪ ،‬والعلة في تحريم‬
‫الصّد التضيـيق على الناس‪ ،‬فإن التمس الجالب من الحاضر بأن قال له ابتداءًا أترك هذا عندك‬
‫ل أو إ ّ‬
‫ل‬ ‫لتبـيعه بالتدريج أو انتفى عموم حاجة أهل البلد إلى ذلك المجلوب بأن لم يحتج إليه أص ً‬
‫نادرًا أو عمت وقصد الجالب بـيعه بالتدريج فسأله الحضري أن يفّوضه إليه أو قصد بـيعه بسعر‬
‫يومه فقال له‪ :‬اتركه عندي لبـيعه كذلك لم يحرم لنه لم يضر بالناس‪ ،‬ومثل البـيع في ذلك الحكم‬
‫ل فأرشده شخص إلى تأخير الجارة لوقت كذا حرم‬ ‫ل حا ً‬‫الجارة‪ ،‬فلو أراد شخص أن يؤجر مح ً‬
‫ذلك لما فيه من إيذاء المستأجر‪ ،‬وكما يحرم صّد الجالب يحرم اشتراء متاعه من غير طلب منه‬
‫ل قبل علمه بسعر المتاع وإن لم يقصد المشتري التلقي‪ ،‬وإن لم يكن‬ ‫حال كونه خارجًا عن البلد مث ً‬
‫المجلوب مما تعّم الحاجة إليه ولم يكن الجالب غريبًا فيعصي بالشراء ويصح‪ ،‬وللجالب الخيار‬
‫فورًا إذا عرف الغبن ولو قبل قدومه البلد‪ ،‬والعلة في التحريم غبن الجالب سواء أخبر كاذبًا أم لم‬
‫يخبر‪ ،‬وقيل خشية حبس المشتري لما يشتريه منه فيضيق على أهل البلد ول إثم للمشتري ول‬
‫خيار للجالب بتلقيه في البلد قبل الدخول للسوق لتقصيره حينئذ‪ ،‬ولو اشترى منه قبل التمكن من‬
‫معرفة السعر حرم وثبت الخيار لعدم تقصيره فأشبه ما لو اشترى منه قبل دخوله البلد ول خيار‬
‫أيضًا فيما لو عرف الجالب سعر البلد المقصود ولو بخبر المشتري إن صّدقه فيه فاشترى منه به‬
‫أو بدونه ولو قبل قدومه البلد لنتفاء الغبن‪ ،‬ول فيما إذا اشترى منه بطلبه ولو غبنه‪ ،‬وفيما إذا لم‬
‫يعرف السعر ولكن اشترى به أو بأكثر‪ ،‬ل خيار على ما اعتمده الرملي وابن حجر ‪ ،‬ول إثم إذ ل‬
‫تغرير‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( حرم مع علم التحريم أيضًا )سوم على سوم( بأن يزيد على آخر في ثمن ما يريد أو يخرج له‬
‫أرخص منه أو يرغب المالك في استرداد المبـيع ليشتريه بأغلى‪ ،‬وإنما يحرم ذلك )بعد تقرر‬
‫ثمن( بأن يكون المتبايعان قد صرحا بالتوافق على شيء معين وإن كان أنقص من قيمته‪ ،‬بخلف‬
‫ما لو انتفى ذلك الستقرار أو كان المبـيع يطاف به طلبًا للزيادة فتجوز الزيادة فيه إذا كانت بقصد‬
‫ل حرمت لنها من النجش‪ ،‬بل يحرم على من لم يرد الشراء أخذ المتاع الذي يطاف به‬ ‫الشراء‪ ،‬وإ ّ‬
‫لمجرد التفّرج عليه لن صاحبه إنما يأذن عادة في تقليبه لمريد الشراء ويدخل في ضمانه بمجرد‬
‫ذلك حتى لو تلف في يد غيره كان طريقًا في الضمان لنه غاصب بوضع يده عليه فليتنبه له فإنه‬
‫يقع كثيرًا‪ ،‬أما لو زاد الثمن ل على نية الخذ بل لمجرد إضرار الغير فهو حرام لن ذلك نجش‪،‬‬
‫ولو زاد على نية الخذ ل لغرض بل لضرار غيره حرم‪ ،‬ومع ذلك ل يحرم على المالك بـيع‬
‫الطالب بتلك الزيادة كذا قال الشبراملسي ‪ .‬وحرمة السوم بعد عقد وقبل لزومه بأن يكون المعقود‬
‫عليه في زمن خيار مجلس أو شرط أشّد من الحرمة قبل العقد وبعد التراضي بالثمن لن اليذاء‬
‫هنا أكثر‪ ،‬وذلك بأن يبـيع على بـيع الغير بأن يرغب المشتري في الفسخ ليبـيعه خيرًا من ذلك‬
‫المبـيع بمثل ثمنه أو مثل ذلك بأقل أو يشتري على شرائه بأن يرغب البائع في الفسخ ليشتري‬
‫السلعة منه بأكثر‪ ،‬ومن ذلك أن يبـيع بحضرة مشتر مثل المبـيع بأرخص‪ ،‬وأن يطلب السلعة من‬
‫المشتري بأكثر والبائع حاضر قبل لزوم العقد فيحرم ذلك لدائه إلى الفسخ أو الندم‪.‬‬
‫)و( حرم )نجش( أي إثارة الرغبة في السلعة‪ ،‬وهو أن يزيد في ثمن سلعة معروضة للبـيع ل‬
‫لرغبة في شرائها بل ليخدع غيره أو لينفع البائع‪ ،‬ول فرق بـين بلوغ السلعة قيمتها أو ل وكونها‬
‫ليتيم أو غيره‪ ،‬ول خيار للمشتري لتفريطه حيث لم يتأمل ولم يسأل‪ ،‬وكذا ل خيار فيما لو أخبره‬
‫عارف بأن هذا عقيق أو فيروزج فاشتراه فبان خلفه‪ .‬وصورة المسألة أن يقول‪ :‬بعتك هذا‬
‫مقتصرًا عليه‪ ،‬أما لو قال‪ :‬بعتك هذا العقيق أو الفيروزج فبان خلفه لم يصح العقد لنه حيث‬
‫سمي جنسًا فبان خلفه فسد‪ ،‬بخلف ما لو سمي نوعًا وتبـين من غيره فإن البـيع صحيح ويثبت‬
‫الخيار كما أفاده الشبراملسي ‪ ،‬ولو لم يواطىء البائع الناجش فل خيار جزمًا‪ ،‬ومدح السلعة‬
‫ليرغب فيها بالكذب كالنجش‪.‬‬
‫فصل في الخيار‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وهو طلب خير المرين‪ ،‬وهما هنا إمضاء البـيع وفسخه‪ ،‬وهو إما خيار ترّو‪ ،‬وله سببان‪ :‬المجلس‬
‫ن في المقصود من التزام‬ ‫والشرط‪ ،‬وإما خيار نقص وهو المتعلق بفوات مقصود مظنون نشأ الظ ّ‬
‫ل من‬ ‫ي‪ ،‬وقد ذكر الخيارات الثلثة مرتبة فقال‪) :‬يثبت( لك ّ‬
‫ي‪ ،‬أو قضاء عرف ّ‬ ‫شرطي‪ ،‬أو تغرير فعل ّ‬
‫ل معاوضة محضة واقعة على عين ليس فيها‬ ‫المتعاوضين ما دام في المجلس )خيار مجلس في( ك ّ‬
‫تملك قهري ول جرت مجرى الرخص ويكون في أنواع )بـيع( وينقطع خيار المجلس بالتخاير‬
‫من العاقدين بأن يختارا لزوم العقد صريحًا كتخايرناه وأجزناه وأمضيناه وألزمناه وأبطلنا الخيار‬
‫وأفسدناه‪ ،‬أو ضمنا بأن يتبايعا العوضين بعد قبضهما في المجلس فإن ذلك يتضمن الرضا بلزوم‬
‫الّول‪ .‬ومن كنايات الخيار قوله‪ :‬أحببت العقد أو كرهته‪) .‬و( تبعض الخيار في ذلك باختيار لزوم‬
‫العقد له أو لنحو الطفل‪ ،‬فعلم من ذلك أنه )سقط خيار من اختار لزومه( أي البـيع من أحد العاقدين‬
‫وبقي خيار الخر ولو كان مشتريًا‪ .‬نعم لو كان البـيع ممن يعتق على المشتري سقط خياره أيضًا‬
‫للحكم بعتق المبـيع بعد اختيار البائع اللزوم‪ ،‬فإن قال للخر‪ :‬اختر انقطع خيار القائل مطلقًا‬
‫لتضمنه الرضا باللزوم‪ ،‬وكذا المقول له إن اختار انقطاع الخيار وفسخ أحدهما مقّدم على إجازة‬
‫الخر وإن تأخر عنها‪.‬‬
‫ل( من العاقدين )بفرقة‬‫)و( انقطع أيضًا خيار المجلس بمفارقة متولي الطرفين لمجلسه وخيار )ك ّ‬
‫بدن عرفًا( طوعًا وإن وقعت من أحدهما فقط ناسيًا أو جاهلً ل بموت وجنون وإغماء ونوم‬
‫وخرس طرأ في المجلس لهما أو لحدهما فل ينقطع خيار المجلس كخيار الشرط فينتقل الخيار‬
‫لوارث تأهل ولو عاّما كالمام عن بـيت المال‪ ،‬فإن لم يتأهل الوارث نصب المام من يفعل له‬
‫الصلح‪ ،‬ول يبطل خيار مكره بنحو فراقه وإن لم يسّد فمه بل بمفارقته المجلس الذي زال فيه‬
‫الكراه إذ ل تقصير منه بوجه لن السكوت عن الفسخ ل يقطع الخيار‪ ،‬ويبقى خيار الخر إن منع‬
‫من اتباعه ويعتبر في التفّرق العرف كالمشي إلى ثلثة أذرع فل يحصل التفّرق بإرخاء ستر ول‬
‫بإقامة جدار بـينهما لن المجلس باق‪.‬‬
‫)وحلف نافي فرقة( إذا تنازع العاقدان في أصل التفّرق وإن طال الزمن )أو فسخ قبلها( أي الفرقة‬
‫بأن اتفقا على التفّرق وتنازعا في الفسخ قبله‪ :‬أي صّدق منكر أحدهما بـيمينه لن الصل دوام‬
‫الجتماع وعدم الفسخ فالخيار باق له‪ ،‬فإن اتفقا على عدم التفّرق واّدعى الخر الفسخ انفسخ العقد‬
‫إذ دعوى الفسخ فسخ )و( يثبت )لهما( أي العاقدين ولحدهما المبتدىء باليجاب أو القبول )شرط‬
‫ل منهما بالشرط أو يتلفظ المبتدىء به ويوافقه الخر من غير تلفظ به‪ .‬أما لو‬‫خيار( بأن يتلفظ ك ّ‬
‫ص شرط الخيار‬ ‫شرط من تأخر قبوله أو إيجابه بطل العقد والشرط لنتفاء المطابقة‪ .‬نعم إن اخت ّ‬
‫بمشتر بعضه كابنه أو أبـيه لم يجز لعتقه عليه لختصاص الملك به فيلزم من ثبوت الخيار عدم‬
‫ثبوته‪ ،‬بخلف شرطه لهما أو للبائع إذ ل يعتق إل باللزوم‪ ،‬وخيار المجلس والشرط متلزمان‪،‬‬
‫وقد يمتنع خيار الشرط ويثبت خيار المجلس لنه أولى لقصر زمنه ول عكس‪ ،‬فحينئذ ل يجوز‬
‫شرط الخيار إن حرم تفّرق بل قبض كما في الربوي والسلم لنه أولى بالمنع من التأجيل الممتنع‬
‫فيهما‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والخيار المشروط للمشروط له من عاقد أو موكل أو أجنبـي بالغ ولو سفيهًا سواء أشرط العاقدان‬
‫الخيار لواحد أم أحدهما لواحد والخر لخر‪ ،‬لن الحاجة قد تدعو إلى الجنبـي لكونه أعرف‬
‫ل صحيح‪ ،‬ويكون شارط الخيار‬ ‫دون الشارط وموكله‪ ،‬فقول العاقد‪ :‬بعت على أن أشاور يومًا مث ً‬
‫ل ل إلى الموكل أو‬ ‫لنفسه‪ ،‬فإن مات الجنبـي المشروط له انتقل الخيار للعاقد مالكًا كان أو وكي ً‬
‫مات الوكيل انتقل للموكل ل لوارث الوكيل‪ ،‬ويشترط لصحة شرط الخيار بـيان المّدة فل بّد من‬
‫ل( منها ل فوقها اقتصارًا‬ ‫ل بطل العقد‪ ،‬ويشترط أن تكون المّدة )ثلثة أيام( متوالية )فأق ّ‬‫بـيانها وإ ّ‬
‫ص‪ ،‬وذلك كما في حديث رواه البـيهقي‪» :‬إذا بايعت فقل ل خلبة ثم أنت بالخيار‬ ‫على مورد الن ّ‬
‫في كل سلعة ثلث ليال« والخلبة بكسر المعجمة وبالموحدة معناها‪ :‬ل غبن ول خديعة‪ ،‬وجاز‬
‫ل بالولى لكن بشرط كونه مقّدرا‪ ،‬وتحسب المّدة المشروطة )من( حين العقد إن وقع الشرط‬ ‫الق ّ‬
‫ل بأن وقع بعده في المجلس فمن )الشرط( وإن مضى قبله ثلثة أيام فأكثر‪ ،‬فإن شرط‬ ‫فيه‪ ،‬وإ ّ‬
‫الخيار من التفّرق بطل العقد‪ ،‬ولو شرط ثلثة أيام من طلوع الفجر لم تدخل الليلة الثالثة لليوم‬
‫ل عليه‬‫الثالث لن شرط الخيار لم يتناول تلك الليلة )ويحصل فسخ( للعقد في زمن الخيار بلفظ يد ّ‬
‫صريحًا أو كناية فصريحه حاصل )بنحو فسخت( البـيع كرفعته واسترجعت المبـيع ورددت الثمن‬
‫وكنايته نحو هذا البـيع ليس بحسن )وإجازة( له فيه بلفظ يدلّ عليها صريحًا أو كناية فصريحها‬
‫حاصل )بنحو أجزت( البـيع كأمضيته وألزمته وكنايتها ثناء على المبـيع بنحو هو حسن‪ ،‬ثم في‬
‫ملك المبـيع والثمن مع ريعهما في زمن خيار المجلس والشرط تفصيل‪ ،‬فإن كان الخيار للبائع أو‬
‫لجنبـي عنه فملك المبـيع مع ريعه له وملك الثمن مع توابعه للمشتري‪ ،‬وإن كان الخيار للمشتري‬
‫أو لجنبـي عنه فله ملك المبـيع وللبائع ملك الثمن‪ ،‬أما إن كان الخيار لهما أو لجنبـي عنهما‬
‫فالملك في المبـيع والثمن موقوف‪ ،‬فإن تّم البـيع فملك المبـيع للمشتري وملك الثمن للبائع من حين‬
‫العقد‪ ،‬وإن فسخ فللبائع ملك المبـيع‪ ،‬وللمشتري ملك الثمن من حين العقد‪) .‬و( يثبت خيار‬
‫ن في المقصود من التزام شرطي‬ ‫النقيضة‪ ،‬وهو كما مّر المتعلق بفوات مقصود مظنون نشأ الظ ّ‬
‫ي‪ ،‬فالمتعلق بالتزام شرطي هو مخالفة الشرط إلى ما هو أدون كما‬ ‫أو قضاء عرفي أو تغرير فعل ّ‬
‫ل أو ذات لبن أو كثيرته‪ ،‬وكون‬ ‫إذا شرط العاقد وصفًا مقصودًا ككون العبد كاتبًا وكون المة حام ً‬
‫الدابة كذلك فيصح العقد مع ذلك الشرط لنه شرط يتعلق بمصلحة العقد وهو العلم بصفات المبـيع‬
‫التي تختلف بها الغراض‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ويثبت )لمشتر( الخيار فورًا إذا لم يوجد الشرط الذي شرطه لفوات شرطه‪ .‬والمتعلق بقضاء‬
‫ل ما ينقص العين أو‬ ‫عرفي هو وجود عيب قديم في المعقود عليه وقد جهله العاقد‪ :‬أي وجود ك ّ‬
‫القيمة نقصًا يفوت به غرض صحيح‪ ،‬وقد غلب في العرف العاّم عدمه في جنس المبـيع أو الثمن‬
‫فيثبت لعاقد )جاهل( بالعيب سواء كان بائعًا أو مشتريًا )خيار( في رّد المعقود عليه سواء كان‬
‫مبـيعًا أو ثمنًا )بـ(ـظهور )عيب( باق إلى الفسخ )قديم( أي سابق على العقد إجماعًا‪ ،‬وكذا بعيب‬
‫حادث بعد العقد بآفة أو بفعل بائع أو أجنبـي وقبل قبض وكذا بعد القبض‪ ،‬واستند إلى سبب سابق‬
‫على العقد أو القبض لن المبـيع حينئذ من ضمان البائع كما لو اشترى بكرًا مزّوجة وهو جاهل‬
‫فأزال الزوج بكارتها فله الرّد فإن كان عالمًا فل خيار له ول أرش لرضاه بسببه‪ ،‬والوجه أنه إن‬
‫كان الخيار للبائع فقط تخير بما حدث في زمن الخيار ولو بعد القبض ول يثبت الخيار إن حدث‬
‫العيب قبل القبض لفعل مشتر‪ :‬كأن قطع أصبع المبـيع فل يتخير بل يمنعه ذلك من الرّد بالعيب‬
‫القديم‪ ،‬وإن زال ما أحدثه على الوجه لتقصيره ولن إتلفه قبض للمتلف فيستقّر عليه ضمانه‬
‫بجزء من الثمن بنسبة نقص القيمة بالقطع إلى تمامها لو كان سليمًا‪ ،‬فلو قطع المشتري يد عبد‬
‫قيمته ثلثون فصارت بالقطع عشرين ثم مات قبل القبض استقر عليه ثلث الثمن كذا في فتح‬
‫الجواد‪.‬‬
‫ثم العيوب ستة أقسام‪ :‬الول‪ :‬عيب المبـيع‪ ،‬ومثله عيب الغرة أي الرقيق الذي وجب في دية‬
‫الجنين فإنه يشترط أن يكون سليمًا من عيب المبـيع‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عيب الضحية والهدى والعقيقة وهو ما نقص اللحم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عيب الجارة وهو ما أثر في المنفعة تأثيرًا يظهر به تفاوت في الجرة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬عيب النكاح‪ ،‬وما ينفر عن الوطء ويكسر الشهوة‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬عيب الصداق إذا طلق قبل الدخول وهو ما يفوت به غرض صحيح سواء غلب في‬
‫جنسه عدمه أم ل‪.‬‬
‫السادس‪ :‬عيب الكفارة‪ ،‬وهو ما أضر بالعمل إضرارًا بـينًا‪ ،‬والعيب هنا )كاستحاضة( وتطاول‬
‫طهر فوق عادة غالبة وعدم حيض بعد عشرين سنة لن ذلك إنما يكون لعلة وحمل في جارية ل‬
‫ل إذا جاء الرقيق إلينا مسلمًا من بلد الهدنة لن هذا‬‫بهيمة )وسرقة( ولو اختصاصًا )وإباق( إ ّ‬
‫إباق مطلوب أو إلى الحاكم لضرر من نحو سيده أو إلى من يتعلم منه الحكام الشرعية حيث لم‬
‫ل فل رّد ول أرش اتفاقًا‪.‬‬‫يغنه السيد عنه فل يثبت بذلك الخيار‪ ،‬ومحل الرد بالباق إذا عاد وإ ّ‬
‫)وزنًا( في رقيق ذكرًا كان أو أنثى ولو مرة من صغير له نوع تميـيز وإن تاب وحسن حاله‬
‫ولواط العبد وتمكينه من نفسه وسحاقة المة‪) .‬وبول بفراش( مع اعتياده ذلك عرفًا وبلوغه سبع‬
‫سنين‪ ،‬ومحل الرد بالبول إن وجد في يد المشتري أيضًا وإلّ فل لتبـين أن العيب زال‪ ،‬وخرج‬
‫بالفراش غيره كما لو كان يسيل بوله وهو ماش فإنه يثبت به الخيار بالطريق الولى لنه يدل‬
‫على ضعف بالمثانة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومن عيوب الرقيق كونه تمامًا أو شتامًا أو آكل الطين أو البنج أو الحشيش‪ ،‬أو شاربًا للخمر أو‬
‫ل أو كذابًا أو قذافًا ولو لغير المحصنات‪ ،‬أو مقامرًا أو أصّم ولو في إحدى أذنيه‪ ،‬أو‬
‫تمتامًا مث ً‬
‫أقرع أو أبله أو أبـيض الشعر لدون أربعين سنة‪ ،‬وليس من العيوب ما لو وجد أنف الرقيق مثقوبًا‬
‫أو أذنه لنه للزينة كما أفاده الشبراملسي )وجماح( بكسر الجيم وهو امتناعها على راكبها‪.‬‬
‫)وعض( وكون الدابة ترهب من كل ما تراه وكونها كثيرة الرفس وكونها درداء‪ :‬أي ساقطة‬
‫ي وجود التدليس وهو حرام لقوله ‪» :‬من‬ ‫السنان ل لكبر‪ ،‬أو قليلة الكل )و( المتعلق بتغرير فعل ّ‬
‫غشنا فليس منا« فيثبت الخيار للمشتري )بتصرية( من نحو البائع وهو ربط أخلف البهيمة أو‬
‫ترك حلبه على خلف عادته وتحمير وجنة وتبـيـيض وجه إيهامًا لحسن أو سمن وتجعيد للشعر‬
‫إيهامًا لقوة البدن وهو ما فيه التواء وانقباض‪ ،‬وتسويده إيهامًا أنه خلقة )ل( خيار بتلطيخ ثوب‬
‫الرقيق بشوب ليوهم أنه كاتب أو خباز وبتوريم ضرع شاة أو بتكبـير بطنها بالعلف كما ل خيار‬
‫)بغبن فاحش كظن( مشتر نحو )زجاجة جوهرة( لقربها من صفتها فاشتراها بقيمتها لتقصيره‬
‫بعمله بقضية وهمه من غير بحث ولنه لم يثبت الخيار لمن يغبن بل أرشده إلى اشتراطه‪.‬‬
‫ي( إجماعًا بأن يرد المشتري المبـيع المعين في العقد حال‬ ‫)والخيار( في الرد بالعيب )فور ّ‬
‫اطلعه على عيبه ولو قبل القبض لن الصل في البـيع اللزوم فيبطل بالتأخير من غير عذر‪،‬‬
‫ولنه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال فكان فوريًا كالشفعة فلو قبض شيئًا عما في الذمة‬
‫ل بالرضا بعيبه ولنه غير معقود‬ ‫بنحو بـيع أو سلم فوجده معيبًا لم يلزمه فور لنه ل يملكه إ ّ‬
‫عليه‪ ،‬ول يجب فور في طلب الرش أيضًا لن أخذه ل يؤدي إلى فسخ العقد ول في حق جاهل‬
‫بأن له الرد وهو ممن يخفى عليه لعذره بقرب إسلمه أو نشئه بعيدًا عن العلماء‪ ،‬وجاهل بأن الرد‬
‫على الفور إن كان عاميًا يخفى على مثله أو جاهل لحاله فيعذر في الرد ول بد من يمينه في جميع‬
‫الصور‪ ،‬ويشترط أيضًا لجواز الرد ترك استعمال المبـيع مثمنًا أو ثمنًا بعد الطلع على العيب‬
‫ول يكون استعمال الوكيل والولي مسقطًا للرد‪ ،‬ويعذر في ركوب جموح للرد يعسر سوقها‬
‫وقودها‪ ،‬وإذا سقط رده بتقصير منه فل أرش له لتقصيره فهو المفوت له ولو حدث عنده عيب ل‬
‫بسبب وجد في يد البائع واطلع على عيب قديم والحال أنه ل خيار له أو كان الخيار للبائع سقط‬
‫ل به ككسر رائج رد بالعيب القديم ول أرش عليه‪،‬‬ ‫الرد القهري‪ ،‬ولو حدث عيب ل يعرف القديم إ ّ‬
‫بخلف بـيض نحو دجاج مذر ونحو بطيخ مدود جميعه فإنه يوجب فساد البـيع لنه غير متقوم‬
‫فيرجع المشتري بجميع الثمن ويلزم البائع تنظيف المحل من قشوره لختصاصها به‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فصل في حكم المبـيع والثمن قبل قبضهما وبعده وبـيان القبض‬


‫)المبـيع قبل قبضه من ضمان بائع( بمعنى أن البـيع ينفسخ قبل قبض وكذا بعده في زمن الخيار‬
‫إذا كان الملك للبائع بتلف المبـيع بآفة أو إتلف بائع وأن الخيار يثبت بتعيبه‪ ،‬وخرج بالمبـيع‬
‫زوائده المنفصلة فإنها أمانة في يده ومثل المبـيع الثمن وإنما انفسخ البـيع بالتلف لتعذر قبضه‬
‫ل رده للمشتري‪) .‬وإتلف مشتر( أهل لقبض المبـيع حسًا أو شرعًا‬ ‫فسقط الثمن إن لم يقبض وإ ّ‬
‫)قبض( له إن علم أنه المبـيع ولم يكن لعارض يبـيحه‪ ،‬فخرج قتله لدفع صياله ولو على غيره‬
‫ولجل حّد لزمه والمشتري المام أو نائبه أو لزناه بأن زنى ذميًا محصنًا ثم حارب ثم أرق أو‬
‫لردته أو لنحو تركه الصلة فل يكون التلف في هذه الصور كلها قبضًا سواء أكان عالمًا أنه‬
‫ل لنه لما أتلفه بحق كان تلفه واقعًا عن ذلك الحق دون غيره‪ ،‬والمراد بالمشتري‬ ‫المبـيع أم جاه ً‬
‫هو المالك وإن لم يباشر العقد ل وكيله وإن باشره بل هو كالجنبـي‪ ،‬وإن أذن له المالك في‬
‫القبض ول وليه من أب أو جد أو وصي أو قيم فل يكون إتلفهم قبضًا‪ ،‬وذلك إن كان الخيار له أو‬
‫ل انفسخ البـيع فيسترد المشتري الثمن ويغرم للبائع بدل المبـيع من قيمة أو مثل‪.‬‬ ‫لهما وإ ّ‬
‫)ويبطل تصرف بنحو بـيع فيما لم يقبض( أي فل يصح قبل قبض نحو المبـيع تصرف ككتابة‬
‫ورهن وصدقة وإجارة وإقراض وجعله عوضًا في نحو سلم وصلح ونكاح وخلع لضعف الملك‬
‫ل وقبض الثمن أو كان تصرفه معه نعم إن باعه المشتري‬ ‫لنفساخ المبـيع بتلفه وإن أذن البائع مث ً‬
‫له بعين الثمن أو مثله إن تلف أو كان الثمن في الذمة صح وكان إقالة بلفظ البـيع‪ ،‬وخرج بالمبـيع‬
‫زوائده الحادثة بعد العقد فيصح بـيعها لعدم ضمانها‪ ،‬ويمتنع التصرف بعد القبض أيضًا إذا كان‬
‫الخيار للبائع أوله وللمشتري معًا‪ ،‬ولو اشترى طعامًا مقدرًا بالكيل فقبضه جزافًا ل يصح‬
‫التصرف فيه حتى يكيله ويدخل في ضمانه )ل بنحو إعتاق( من إيلد من مشتر وأصله ولو معلقًا‬
‫وتدبـير وتزويج وإجارة لما اكتراه من مؤجر فل يمتنع شيء منها قبل القبض وإن استحق البائع‬
‫الحبس لقوة هذه المذكورات نعم يمتنع عتق المبـيع بمال وعن كفارة الغير‪.‬‬
‫)وقبض غير منقول( وما يعّد تابعًا له من أرض وبناء وشجر سواء كان رطبًا أو يابسًا ونحوها‬
‫مما ل ينقل عادة كسفينة كبـيرة على البر وثمرة مبـيعة وزرع ظهر منه المقصود أي إقباض ذلك‬
‫يحصل )بتخلية( من البائع أو وكيله )لمشتر( أو وكيله بلفظ يدل عليها مع تسليم مفتاح ما له مفتاح‬
‫ومع إخلء للمبـيع حيث لم يكن غائبًا من متاع بائع أو أجنبـي‪ ،‬ول يشترط إخلء أرض مبـيعة‬
‫ل غالبًا‪ ،‬ول إخلء‬ ‫من زرع فيها للبائع أو غيره بل يكفي فيها مجرد التخلية لتعذر تفريغها حا ً‬
‫عقار من متاع مشتر نعم يسامح في حقير كحصير وبعض ماعون‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( قبض )منقول( غير غائب كسفينة صغيرة أو كبـيرة على البحر )بنقله( من محله إلى محل‬
‫آخر مع تفريغ السفينة المشحونة بالمتعة التي لغير المشتري ول يشترط في قبض الدابة تفريغ‬
‫ظهرها من أمتعة غير المشتري‪ ،‬ويفرق بـينها وبـين السفينة بأنها تعّد ظرفًا لما فيها لغة وعرفًا‬
‫فأشبهت الدار بخلف الدابة‪ ،‬أما غائب عن محل العقد غير منقول أو منقول بـيد مشتر أو أجنبـي‪،‬‬
‫ي زمن يمكن فيه الوصول للمبـيع والتفريغ‪ ،‬وفي المنقول‬ ‫فيكفي في غير المنقول التخلية مع مض ّ‬
‫ي زمن يمكن فيه النقل ويكفي في حاضر بـيد مشتر أو أجنبـي ول أمتعة فيه لغير مشتر‬ ‫مض ّ‬
‫ي زمن يمكن التخلية في غير منقول والنقل في المنقول ول يحتاج في الكل إلى إذن البائع إ ّ‬
‫ل‬ ‫مض ّ‬
‫إن كان له حق الحبس وقبض خفيف يؤخذ باليد كثوب حاصل يتناول باليد وإن لم يتحول عن‬
‫مكانه وإن تركه بعد ذلك بدار البائع أو كان في محل يختص به وقبض جزء شائع حاصل بقبض‬
‫ل بإذنه بخلف التخلية ل تتوقف على إذن‬ ‫الجميع لكن إن كان له شريك لم يجز نقل المنقول إ ّ‬
‫الشريك‪ ،‬والزائد على الجزء أمانة بـيد القابض إن أذن مالكه في قبضه‪ ،‬ويضمن البائع في هذه‬
‫الصورة بالتعدي بتسليم المشاع ل بالتخلية‪ ،‬ويشترط في صحة التصرف أيضًا رؤية القابض‬
‫للمقبوض ول يصح بـيع المثمن الذي في الذمة نحو المسلم فيه ول العتياض عنه قبل قبضه بغير‬
‫نوعه لعموم النهي عن بـيع ما لم يقبض ولعدم استقراره‪ ،‬وجاز بـيع دين مستقر غير مثمن كثمن‬
‫بذمة وأجرة وصداق وعوض صلح بغير دين ممن هو عليه فقط إن عين عوضه في مجلس‬
‫الستبدال ليخرج عن بـيع الدين بالدين‪.‬‬
‫)وجاز استبدال عن ثمن( ثابت في الذمة وإن لم يقبض المبـيع حيث كان بعد لزوم العقد ل قبله‬
‫فإن استبدل موافقًا في جنس الربا كذهب عن ذهب اشترط الشروط المتقدمة فلو كان له على غيره‬
‫دراهم فعوضه عنها ما هو من جنسها اشترط الحلول والمماثلة وقبض ما جعله عوضًا عما في‬
‫ذمته في المجلس‪ ،‬ومحل اشتراط المماثلة حيث لم يجر التعويض بلفظ الصلح أو موافقًا في علة‬
‫الربا كدراهم عن دنانير اشترط قبض البدل في المجلس حذرًا من الربا فل يكفي التعيـين عنه ول‬
‫يشترط التعيـين للبدل في عقد الستبدال بأن يقول هذا لن الصرف عما في الذمة جائز وإن‬
‫استبدل ما ل يوافق في علة الربا فل يشترط القبض في المجلس كما لو باع ثوبًا بدراهم في الذمة‬
‫لكن يشترط تعيـين الثوب في المجلس‪ ،‬والراجح في استبدال الموافق عدم اشتراط التعيـين في‬
‫العقد‪) .‬و( جاز استبدال عن )دين( أي دين قرض بأن تصرف فيه فلزمه بدله وكذا عن نفس‬
‫القرض بأن كان باقيًا في يد المقترض كما قاله الرملي وعن بدل المتلف من قيمة المتقوم ومثل‬
‫المثلى حيث ل ربا فل تضر زيادة تبرع بها المؤدي بأن لم يجعلها في مقابلة شيء ويكفي هنا‬
‫العلم بالقدر ولو بإخبار المالك إذ القصد السقاط ل حقيقة المعاوضة فلو تبـين خلف الخبار‬
‫ل ويصح عكسه‪ ،‬وشرط الستبدال لفظ‬ ‫تبـين بطلن الستبدال ول يصح استبدال مؤجل عن حا ّ‬
‫يدل عليه صريحًا أو كناية مع النية كأخذته عنه والثمن النقد إن قوبل بغيره فإن لم يوجد في أحد‬
‫الطرفين بأن كانا عرضين أو نقدين فالثمن ما اتصلت به الباء والمثمن مقابله‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫فصل في بـيع الرض والشجر والثمار‬
‫)يدخل في بـيع أرض( أو ساحة أو عرصة أو بقعة )ما فيها من بناء( ولو بئرًا لكن ل يدخل الماء‬
‫ل بشرطه وهو النص عليه‪) .‬وشجر( ثابت رطب ولو شجر موز ل‬ ‫الموجود فيها وقت البـيع إ ّ‬
‫ف ويلحق بالبـيع كل ناقل للملك كهبة ووقف ووصية وإصداق وعوض خلع وصلح‬ ‫مقلوع ول جا ّ‬
‫وأجرة‪ ،‬ول يدخل ذلك في رهن وكل ما ل ينقل الملك كعارية وإجارة وإقرار ومثل الشجر ما‬
‫ل أقل من سنة كقطن‬ ‫يجّز مرة بعد أخرى أو تؤخذ ثمرته مرة بعد أخرى وإن لم يبق في الرض إ ّ‬
‫حجازي والقثاء والكرفس وإن لم يثمر‪) .‬و( يدخل )في( بـيع )بستان أرض وشجر( وعريشة وكل‬
‫ماله أصل ثابت من الزرع )وبناء( فيه يدخل وحيطان وجدار منهدم‪ ،‬ل نحو غصن يابس وشجرة‬
‫وعروق يابسين )و( يدخل في بـيع )دار( عند الطلق )هذه( أي أرض مملوكة للبائع بجملتها‬
‫حتى تخومها إلى الرض السابعة‪ ،‬وشجر رطب مغروس فيها ويابس قصد دوامه كجعله دعامة‬
‫ل وكل بناء من علو أو سفل ولو من نحو سعف‪) ،‬وأبواب منصوبة( أو مخلوعة وهي باقية‬ ‫بها مث ً‬
‫بمحلها‪ ،‬أما لو نقلت من محلها فهي كالمقلوعة فل تدخل في البـيع‪ ،‬وإجانات مثبتة وهي ما يغسل‬
‫ف وسلم مسمران لن الجميع معدود من أجزاء الدار لتصالها بها )ل( يدخل )في( بـيع‬ ‫فيه‪ ،‬ور ّ‬
‫ن( ذكر أو غيره )ثوب( عليه حالة البـيع ولو ساتر عورته‪ ،‬خلفًا للرافعي والماوردي ‪ ،‬ول‬ ‫)ق ّ‬
‫قرط في أذنه‪ ،‬ول خاتم في يده‪ ،‬ول نعل خلفًا للسبكي ‪.‬‬
‫)و( يدخل )في( بـيع )شجر( رطب بل أرض عند الطلق أو مع نحو أرض صريحًا أو تبعًا‬
‫)عرق( ولو امتّد وجاوز العادة ما لم يخرج عن أرض البائع )وغصن رطب( ل يابس‪ ،‬أما‬
‫ف فيتبعه غصنه اليابس وورق رطب‪ ،‬ول فرق في دخول الورق بـين أن يكون من‬ ‫الشجر الجا ّ‬
‫فرصاد وسدر وحناء وتوت أبـيض ونيلة‪ ،‬وأن يكون من غير ذلك كما قاله الرملي تبعًا لوالده‪،‬‬
‫واعتمده ابن حجر أن ورق الحناء وورق النيلة ونحوهما مما ل ثمر غيره ل يدخل في البـيع‪،‬‬
‫والفرصاد اسم للتوت الحمر خاصة اهـ‪) .‬ل( يدخل في بـيع الشجر )مغرسه( بكسر الراء أي‬
‫محل غرس الشجر‪ ،‬وهو ما سامت الشجر من الرض وما يمتّد إليه عروقه فل يتبعه في بـيعه‬
‫ول في استثنائه من الرض المبـيعة لن اسم الشجر ل يتناوله فليس لمشتري الشجر بـيعه ول‬
‫غرس بدل ذلك الشجر لو قلع‪ ،‬لكن مستحق منفعته بل عوض‪ ،‬فيجب على مالكه أو مستحق‬
‫منفعته بإجارة أو وصية تمكينه منه ما بقي الشجر حيًا تبعًا له )و( ل )ثمر( وهو ما يقصد من‬
‫المبـيع ولو مشمومًا كطلع نخل وثمر نحو عنب وكمام ورد‪ ،‬ونحو رمان وجوز إن )ظهر( ذلك‬
‫بتشقق وبروز وتفتح وتناثر بعد انعقاد‪ ،‬وبانعقاد فل يدخل ذلك الثمر في بـيع الشجر بل هو للبائع‪،‬‬
‫فإن شرط فيما يظهر أنه لمشتر وفيما لم يظهر أنه للبائع عمل به )ويبقيان( أي الثمر الظاهر‬
‫والشجر عند الطلق فيستحق البائع تبقية الثمر إلى أّول أوان الجذاذ فيأخذه دفعة ل على التدريج‬
‫ل فيما اعتيد قطعه قبل النضج فإلى وقت عادته أو أصابه آفة ولم يبق في تركه فائدة‪ ،‬ويستحق‬ ‫إّ‬
‫المشتري تبقية الشجر ما دام حيًا وإن بذل له أرش القلع تحكيمًا للعادة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( يدخل )في( بـيع )دابة( عند الطلق نعلها المسمر وبرتها وهي الحلقة التي في أنفها‬
‫لتصالهما بها مع كون استعمالهما لمنفعة تعود على الدابة ما لم يكونا من ذهب وفضة لعدم‬
‫المسامحة حينئذ بهما ول يدخل في بـيعها عذارها ومقودها ولجامها وسرجها‪ ،‬ول يصح بـيع‬
‫الجنين وحده للنهي عن بـيع الملقوحة‪ ،‬وهي )حملها( أي الدابة‪ ،‬ول يصح بـيع الحامل دون الحمل‬
‫لنه ل يجوز إفراده بالعقد لتعذر استثنائه لنه كعضو منها‪ ،‬ولو قال‪ :‬بعتك هذه الدابة وحملها أو‬
‫مع حملها بطل البـيع كما لو قال‪ :‬بعتكها‪ ،‬ولبن ضرعها لن ما ل يصح بـيعه وحده ل يصح بـيعه‬
‫مقصودًا مع غيره‪ ،‬ولزم من ذكر الحمل توزيع الثمن عليهما وهو مجهول‪ ،‬وإعطاؤه حكم‬
‫ل مطلقًا من غير تعرض لدخول وعدمه‬ ‫المعلوم‪ ،‬إنما هو عند كونه تبعًا ل مقصودًا‪ ،‬ولو باع حام ً‬
‫ل بطل البـيع‪.‬‬
‫دخل الحمل في البـيع إن كان مالكهما متحدًا إجماعًا وإ ّ‬
‫فصل في اختلف العاقدين‪ ،‬وفي التحالف‬
‫)ولو اختلف متعاقدان( ولو وكيلين أو اختلف الوارث أو النائب لحدهما هو والخر أو نائبه أو‬
‫وارثه )في صفة عقد( في معاوضة محضة أو غيرها من بـيع صداق )و( الحال أنه )قد صح(‬
‫العقد باتفاقهما أو بـيمين البائع‪ ،‬وقد بقي العقد إلى حال النزاع )كقدر عوض( بأن اّدعى أحدهما‬
‫ل في الثمن أكثر‪ ،‬أو جنس‬ ‫ل في المبـيع أكثر أو مّدعي البائع مث ً‬
‫نحو قدر‪ ،‬ومّدعي المشتري مث ً‬
‫كذهب وفضة‪ ،‬أو صفة كصحاح ومكسرة‪ ،‬أو عين كقوله‪ :‬بعتك العبد‪ ،‬فيقول الخر‪ :‬بل المة‬
‫)ول بـينة( لواحد منهما بمّدعاه أو لكل بـينة‪ ،‬لكن البـينتان قد تعارضتا بأن أطلقتا أو أطلقت‬
‫إحداهما وأّرخت الخرى أو أرختا بتاريخ واحد )حلف كل( منهما في الصورتين‪ ،‬وإن كان زمن‬
‫الخيار باقيًا سواء أبقى العوضان وقبضا أم ل‪ .‬نعم عند الختلف في القدر يشترط بقاء العوضين‬
‫يمينًا واحدة متلبسة بنفي لقول غيره‪ ،‬وإثبات لقوله بأن يجمعهما مقدمًا للنفي كأن يقول‪ :‬وال ما‬
‫ل مّدع ومّدعى عليه‪ ،‬ويحلف‬ ‫بعت بمائة بل بألف‪ ،‬أو يقول ما اشتريت بألف بل بمائة‪ ،‬لن ك ً‬
‫ت إذا غلب على ظنه صدق مورثه‪ ،‬وفي النفي على نفي العلم فيقول‪:‬‬ ‫الوارث في الثبات على الب ّ‬
‫وال ل أعلم أن مورثي باع بكذا‪ ،‬ولقد باع بكذا‪ ،‬وإذا تحالفا لم ينفسخ العقد بالتحالف‪ ،‬بل يدعوهما‬
‫الحاكم للتفاق‪.‬‬
‫)فإن( رضي أحدهما بدفع ما طالبه صاحبه أجبر الخر عليه وليس له الرجوع عن رضاه كما لو‬
‫رضي بالعيب فإن لم يتفقا على شيء بل )أصرا( على النزاع )فلكل( منهما الفسخ لنه لستدراك‬
‫الظلمة كالفسخ بالعيب )أو الحاكم فسخه( أي العقد وإن لم يسأله قطعًا للنزاع‪ ،‬ثم بعد الفسخ‬
‫وجب على المشتري رّد المبـيع بزوائده المتصلة دون المنفصلة إن قبضه المشتري وبقي بحاله‬
‫ولم يتعلق به حق لزم‪ ،‬فإن تلف شرعًا كأن وقفه المشتري‪ ،‬أو حسًا كأن مات أو تعلق به حق‬
‫لزم ككتابة صحيحة لزمه قيمته إن كان متقّوما‪ ،‬ولو زادت على ثمنه ومثله إن كان مثليًا ولزمه‬
‫رّد قيمة الرقيق البق‪ ،‬وهي قيمة وقت التلف الشرعي أو الحسي‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ولو( اختلفا في عقدين كأن )اّدعى( أحدهما )بـيعًا والخر رهنًا( أو هبة كأن قال أحدهما‪ :‬بعتك‬
‫بألف‪ ،‬وقال الخر‪ :‬بل وهبتني أو رهنتني فل تحالف لعدم اتفاقهما على عقد واحد بل )حلف كل(‬
‫منهما )نفيًا( أي على نفي دعوى الخر كسائر الدعاوى‪ ،‬ثم يرّد مّدعي البـيع ألفًا لنه مقّر بها‪،‬‬
‫ويسترّد العين بزوائدها المتصلة والمنفصلة‪ ،‬وإن اتفقا على حدوثها في ملك الراّد لثبات كل‬
‫منهما بـيمينه نفي دعوى الخر فتساقطتا‪ ،‬وبان بحلفهما أنه ل عقد على أن الهبة ل تقتضي ملكًا‬
‫ل مع قبض بإذن ولم يوجد ول أجرة لتفاقهما على الذن له في النتفاع )و( إذا اختلفا في صحة‬ ‫إّ‬
‫عقد بأن اّدعى أحدهما اشتماله على مفسد من انتفاء ركن أو شرط كأن اّدعى بائع أو مشتر عدم‬
‫الرؤية )حلف مّدعي صحة( فيصّدق غالبًا مسلمًا كان أو كافرًا‪ ،‬لن الظاهر في العقود الصحة‪،‬‬
‫ومن غير الغالب بـيع ذراع من أرض يعلمان ذرعها فإذا اّدعى بائع أنه أراد ذراعًا مبهماً ليفسد‬
‫البـيع بأن قال البائع عند الختلف‪ :‬أردت بقولي‪ :‬ذراعًا أنه يفرز لك ذراع معين من العشرة تنفق‬
‫عليه واّدعى مشتر الشاعة ليصح البـيع صدق البائع بـيمينه لنه أعرف بإرادته‪ ،‬ومن غير‬
‫الغالب تصديق مّدعي صلح النكار لنه الغالب‪ ،‬ومشتري مغصوب بأن قال‪ :‬كنت أظن القدرة‬
‫وأنا الن عاجز‪ ،‬ومّدعي نحو بـيع وبه نحو صبا أمكن فيصدق لن الصل عدم تأهله للبـيع‪ ،‬وإذا‬
‫اختلف العاقدان في مردود بعيب‪ ،‬فإن كان المردود مقبوضًا عما في الذمة بنحو بـيع أو سلم‪ ،‬كأن‬
‫قال بائع لمشتر‪ :‬هذا ثمنك الذي أقبضتنيه عما في ذمتك‪ ،‬وكأن قال مسلم لمسلم إليه‪ :‬إن هذا‬
‫المسلم فيه الذي أقبضتنيه وأنكر مشتر ومسلم إليه ذلك حلف غريم اّدعى أن المردود بالعيب هو‬
‫ل لنهما لم يتفقا على قبض ما عقد عليه والصل بقاؤه في‬ ‫المقبوض وهو البائع والمسلم ولو وكي ً‬
‫الذمة‪ ،‬وإن كان المردود معينًا كأن قال بائع لمشتر‪ :‬هذا ثمنك المعين في العقد أو مشتر لبائع هذا‬
‫مبـيعك المعين في العقد وأنكر ذو عوض معين صدق هذا بـيمينه‪ ،‬وهو مشتر في الصورة الولى‬
‫وبائع في الثانية لتفاقهما على قبض ما عقد وتنازعهما في سبب الفسخ وهو العيب والصل‬
‫عدمه وبقاء العقد‪ ،‬ويصدق غاصب رّد عينًا وقال‪ :‬هي المغصوبة وكذا وديع‪.‬‬
‫فصل في القرض والرهن‬
‫وهو جعل عين مال متمولة وثيقة بدين ليستوفي منها عند تعذر وفائه‪ ،‬فخرج بعين مال‬
‫الختصاصات‪ ،‬وبمتمولة نحو القمحة والقمحتين‪ .‬والوثائق بالحقوق ثلثة‪ :‬شهادة‪ ،‬ورهن‪،‬‬
‫وضمان‪ .‬فالّول لخوف الجحد‪ ،‬والخران لخوف الفلس‪ .‬والقرض بفتح القاف أشهر من كسرها‬
‫وهو اسم مصدر بمعنى المقرض اسم للمفعول أو بمعنى القراض مصدرًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)القراض( الذي هو شرعًا تمليك الشيء برّد بدله من المثل حقيقة في المثلى وصورة في المتقّوم‬
‫)سنة( متأكدة‪ .‬قال ‪» :‬من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس ال عنه كربة من كرب يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وال في عون العبد ما دام في عون أخيه« رواه مسلم‪ ،‬ويجوز أن يقال‪ :‬تلك الكربة التي‬
‫تنفس يوم القيامة عشر كرب من كرب الدنيا لن أمور الخرة ل يقاس عليها‪ ،‬وأن يقال‪ :‬نفس ال‬
‫عنه كربة من كرب يوم القيامة زيادة على ثواب عمله فذلك التنفيس كالمضاعفة‪ ،‬وفي خبر‬
‫ضعيف‪» :‬إن درهم الصدقة بعشر والقرض بثمانية عشر« ‪ ،‬ووجه ذلك أن درهم القرض فيه‬
‫تنفيس كربة وانتظار إلى قضاء حاجته ورّده ففيه عبادتان‪ ،‬فكان بمنزله درهمين وهما بعشرين‬
‫حسنة‪ ،‬فالتضعيف ثمانية عشر وهو الباقي فقط لن المقرض يسترد‪ ،‬ومن كون الصل استرداده‬
‫فالتضعيف باق ولو أبرأ منه كان له عشرون ثواب الصل والمضاعفة‪ ،‬ومحل ندب القراض ما‬
‫ل كان واجبًا على المقرض ما لم يعلم أو يظن من أخذه أنه ينفقه في‬ ‫لم يكن المقترض مضطرًا وإ ّ‬
‫ل حرم عليهما مع صحة القرض كبـيع العنب لعاصر الخمر أو في مكروه وإل كره‬ ‫معصية وإ ّ‬
‫لهما‪ ،‬ويحرم على غير مضطر القتراض إن لم يرج وفاءه من سبب قريب الحصول ما لم يعلم‬
‫المقرض بحاله فإن علم فل حرمة بل يكره إن لم يكن ثم حاجة‪ ،‬ويجوز لمضطر مطلقًا‪ ،‬ويحرم‬
‫القتراض على من أخفى غناه وأظهر فاقته عند القرض ما لم يعلم المقرض حاله‪ ،‬ولو أخفى‬
‫الفاقة وأظهر الغنى حالة القرض حرم القتراض أيضًا لما فيه من التدليس‪ ،‬ويملك القرض ولو‬
‫علم المقترض أنما يقرضه لنحو صلحه أو علمه وهو في الباطن‪ ،‬بخلف ذلك حرم عليه‬
‫ي بسؤال من‬ ‫القتراض‪ ،‬ويملك القرض‪ ،‬وقد يكون القتراض مباحًا كما إذا دفع القرض إلى غن ّ‬
‫الدافع مع عدم احتياج الغني إليه فيكون مباحًا ل مستحبًا لنه لم يشتمل على تنفيس كربة‪ ،‬وقد‬
‫يكون في ذلك غرض للدافع لحفظ ماله بإحرازه في ذمة المقترض‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وأركان القرض أربعة‪ :‬عاقدان ومعقود عليه‪ ،‬وصيغة في غير القرض الحكمي‪ ،‬أما هو فل‬
‫ل كإنفاق على لقيط‪ ،‬وإنما يقرض )بإيجاب كأقرضتك( كذا أو أسلفتك هذا‬ ‫يشترط فيه صيغة أص ً‬
‫وإن لم يقل في هاتين الصيغتين بمثله لن ذلك وضع صيغة القرض أو خذه بمثله أو ببدله أو‬
‫ملكتكه على أن ترد بدله أو أخذه ورد بدله أو اصرفه في حوائجك ورد بدله فإن اقتصر على‬
‫قوله‪ :‬خذه أو اصرفه في حوائجك من غير ذكر ورّد بدله فكناية قرض إذا سبقه أقرضني وإ ّ‬
‫ل‬
‫فهو كناية هبة أو بـيع إن تقدم ذكر الثمن في لفظ المشتري‪ ،‬ولو اقتصر على ملكتكه فإن نوى معه‬
‫ل فهبة )وقبول( متصل باليجاب موافق له في المعنى كاقترضت هذا‬ ‫البدل فكناية قرض وإ ّ‬
‫وتملكته بمثله وقبلت قرضه‪ ،‬نعم القرض الحكمي كإطعام جائع وكسوة عار ل يحتاج لصيغة‪،‬‬
‫ومحل عدم اشتراط الصيغة في المضطر وصوله إلى حالة ل يقدر معها على صيغة وإلّ فيشترط‬
‫ل بأن كان‬‫ل أن يكون المقترض غنيًا‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ول يكون إطعام الجائع وكسوة العاري ونحوهما قرضًا إ ّ‬
‫فقيرًا والمقرض غنيًا فهو صدقة‪ ،‬ويصدق الخذ فيما إذا اّدعى الفقر وأنكره الدافع لن الصل‬
‫عدم لزوم ذمته شيئًا كما قال الشبراملسي ‪ ،‬والتماس المقرض كقوله‪ :‬اقترض مني كإيجابه‪،‬‬
‫والمقترض كقوله‪ :‬أقرض كقبوله‪ ،‬ويشترط في المقرض أهلية التبرع بأن يكون غير محجور‬
‫عليه مختارًا فل يصح إقراض مكره إذا كان الكراه بغير حق فلو أكره بحق وذلك بأن يجب عليه‬
‫ل أمة ولو نحو رتقاء‬ ‫لنحو اضطرار صح‪ ،‬ويجوز إقراض كل ما يسلم فيه من حيوان وغيره إ ّ‬
‫غير مشتهاة تحل لمقترض ولو ممسوحًا أو كان صغيرًا جدًا فل يجوز إقراضها وإن جاز المسلم‬
‫فيها وذلك لنه ربما تبقى المة عند الصغير إلى بلوغه حدًا يمكنه التمتع بها فيه‪.‬‬
‫)وملك مقترض( شيئًا مقرضًا )بقبض( بإذن مقرض وإن لم يتصرف فيه بما يزيل الملك فينفقه‬
‫ويعتق عليه إن كان الشيء المقرض بعضًا للمقترض ومع حصول الملك للمقترض جاز له رّد‬
‫ل إذا نقص فهو مخير بـين أن يرده مع الرش وأن يرد‬ ‫لما اقترضه بعينه‪ ،‬وعلى المقرض قبوله إ ّ‬
‫بدله مثله سليمًا‪) .‬ولمقرض استرداد( في عين المقرض إن بقي في ملك المقترض أو زال عن‬
‫ملكه ثم عاد وإن كان مؤجرًا فيأخذه مسلوب المنفعة أو يأخذ مثله‪ ،‬أو كان معلقًا عتقه بصفة أو‬
‫مدبرًا ويرجع المقرض مع زيادة متصلة ل منفصلة‪ ،‬بخلف ما لو تعلق بالمقترض حق لزم‬
‫كرهن وكتابة وتعلق أرض جناية برقبته فل يرجع فيه حينئذ‪ ،‬وإذا تلف مقرض ولو شرعًا وجب‬
‫على مقترض رد مثل ما اقترضه حقيقة في المثلى ولو في نقد بطل التعامل به وصورة في‬
‫المتقوم لنه اقترض بكرًا ورّد رباعيًا بفتح الراء وتخفيف الياء وهو ما دخل في السنة السابعة‪،‬‬
‫ي من البل )و( جاز من غير كراهة )نفع( يصل لمقرض من مقترض )بل شرط( في‬ ‫والبكر الفت ّ‬
‫ن ذلك للمقترض لقوله ‪» :‬إن خياركم أحاسنكم قضاء« وأحاسن جمع أحسن‪ ،‬وفي‬ ‫العقد بل يس ّ‬
‫رواية‪» :‬إن خياركم محاسنكم قضاء« ومحاسن بضم الميم معناه ذو المحاسن‪ ،‬وقيل‪ :‬جمع محسن‬
‫بفتح الميم نعم يمتنع على مقترض لنحو محجوره أو جهة وقف رّد الزائد‪ ،‬والوجه أن القراض‬
‫ممن تعّود الزيادة بقصدها مكروه‪ ،‬وأن المقرض يملك الزائد من غير لفظ لنه وقع تبعًا‪ ،‬وأيضًا‬
‫فهو يشبه الهدية فيمتنع على الباذل رجوعه فيه لدخوله في ملك الخذ بمجرد الدفع‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والوجه أن المقترض إذا دفع أكثر مما عليه واّدعى أنه إنما دفع ذلك ظنًا منه أنه الذي عليه حلف‬
‫ورجع فيه‪ ،‬ول يجوز قرض نقد أو غيره إن اقترن بشرط جر نفع مقرض كرّد زيادة أورد جيد‬
‫عن رديء لخبر فضالة بن عبـيد رضي ال عنه‪» :‬كل قرض جر منفعة فهو ربا« أي كل قرض‬
‫شرط فيه ما يجر إلى المقرض منفعة فهو ربا‪ ،‬فإن فعل ذلك فسد العقد حيث وقع الشرط في‬
‫صلب العقد‪ ،‬أما لو توافقا على ذلك ولم يقع شرط في العقد فل فساد‪ ،‬ومن شرط المنفعة القرض‬
‫ل بأكثر من قيمته لجل القرض إن وقع ذلك شرطًا في صلب العقد إذ هو‬ ‫لمن يستأجر ملكه أي مث ً‬
‫ل كره عندنا‪ ،‬وحرم عند كثير من العلماء‪ ،‬وجاز في القرض شرط رهن‬ ‫حينئذ حرام إجماعًا وإ ّ‬
‫وشرط كفيل ول بد من تعيـينهما وشرط إقرار أو إشهاد عند حاكم لن هذه المور توثقات ل‬
‫منافع زائدة‪.‬‬
‫)و( أركان الرهن أربعة‪ :‬الركن الّول‪ :‬صيغة وإلى ذلك أشار المصنف بقوله‪ :‬إنما )يصح رهن‬
‫بإيجاب وقبول( كرهنت وارتهنت‪ ،‬أو استيجاب وإيجاب كارهن هذا ورهنت‪ ،‬أو استقبال وقبول‬
‫كارتهن عبدي هذا بكذا وارتهنته ولو شرط الرهن في عقد كبـيع أو نكاح أو إجارة كبعتك على أن‬
‫ترهنني فقال‪ :‬اشتريت ورهنت صح الرهن وإن لم يقل الّول بعده‪ :‬ارتهنت أو قبلت‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬العاقدان‪ ،‬وشرطهما أن يكونا )من أهل تبرع( بأن يكون كل منهما مكلفًا مختارًا‬
‫غير محجور عليه فل يصح الرهن من أضداد هؤلء ثم إن صدر من أهل تبرع في ماله فذاك‬
‫وإل فالشرط وقوعه على وجه المصلحة وذلك كما إذا أقرض مال محجوره أو باعه مؤج ً‬
‫ل‬
‫ل بغبطة فيلزمه الرتهان بالثمن‬ ‫لضرورة كنهب وكما إذا باع ماله عقارًا كان أو غيره مؤج ً‬
‫وارتهان الولي فيما ذكر جائز إن كان قاضيًا وإل فواجب‪.‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬المرهون‪ ،‬وله شرطان‪ .‬الّول‪ :‬كونه مما يحصل به توثق ويقدر على تسليمه ومن‬
‫ل في عين ولو جزءًا مشاعًا‪ ،‬ويشترط إذن شريك في قبض ما ينقل فقط‬ ‫ثم ل يوجد صحة الرهن إ ّ‬
‫لتوقفه على النقل الممتنع من غير إذنه‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون عينًا تقبل البـيع وقت حلول نعم يصح رهن أمة دون ولدها وعكسه وذلك‬
‫ليستوفي من ثمنها‪ ،‬فل يصح رهن نحو أم ولد ومكاتب وموقوف وجان تعلق برقبته مال‪ ،‬ومدبر‬
‫ل لن سيده قد يموت فجأة قبل التمكن من بـيعه‪ ،‬ومعلق عتق بصفة لم يعلم حلول‬ ‫ولو رهن بحا ّ‬
‫الدين قبلها‪ ،‬ول يشترط ملك الراهن للعين بل يصح الرهن )ولو( كانت العين )عارية( لنه يجوز‬
‫استعارة شيء ليرهنه بدينه بالجماع وإن كانت العارية ضمنًا كما لو قال لغيره‪ :‬ارهن عبدك‬
‫على ديني ففعل فإنه كما لو قبضه ورهنه وذلك لن الرهن توثق وهو يحصل بما ل يملكه‬
‫ل منهما يحصل به التوثق مع كونه ليس ملكًا للشارط فإذا لزم الرهن فل‬‫كالشهاد والكفالة فإن ك ً‬
‫رجوع للمالك‪ ،‬ولو أذن الراهن للمرتهن في بـيع المرهون واستيفاء الحق فإن باعه بحضرة‬
‫ل فل لنه يبـيعه لغرض نفسه فاتهم في غيبته بالستعجال‪ ،‬فلو قدر الثمن انتفت‬ ‫الراهن صح وإ ّ‬
‫التهمة وصح البـيع مطلقًا كذا في كفاية الخيار‪ ،‬وإنما تصح العارية للرهن من مالك عارف‬
‫بالمرتهن ككونه زيدًا وكونه واحدًا أو متعددًا‪ ،‬وبجنس الدين كذهب أو فضة‪ ،‬وبقدره كعشرة أو‬
‫مائة وبصفته كصحة وتكسر وحلول وتأجيل‪ ،‬نعم لو قال المالك للمستعير‪ :‬ارهن عبدي بما شئت‬
‫صح أن يرهنه بأكثر من قيمته كما نقله الرملي وابن حجر عن القمولي ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫الركن الرابع‪ :‬المرهون به‪ ،‬وله أربعة شروط لصحة الرهن‪ .‬الّول‪ :‬كونه دينًا في نفس المر ولو‬
‫زكاة تعلقت بالذمة بأن تلف المال بعد التمكن من إخراج الزكاة فيجوز الرهن من المستحقين‬
‫المنحصرين‪ ،‬أو من كل ثلثة من كل صنف أو من المام‪ ،‬أو منفعة كالعمل في إجارة الذمة ل‬
‫إجارة العين فل يصح الرهن بسبب العين المضمونة كالمأخوذ بالبـيع الفاسد والمغصوبة‬
‫والمستعار وألحق بالعين المضمونة ما يجب رده فورًا كالمانة الشرعية‪.‬‬
‫ل فل يصح بغيره وإن جرى سبب وجوبه كنفقة زوجته في الغد‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬كونه موجودًا حا ً‬
‫الثالث‪ :‬كونه لزمًا في نفسه كثمن المبـيع بعد الخيار دون دين الكتابة فل يصح الرهن بجعل‬
‫الجعالة قبل الفراغ من العمل‪.‬‬
‫ي من درهم إلى عشرة كما‬ ‫الرابع‪ :‬كونه معلومًا لهما لكن يجوز الرهن بقوله‪ :‬رهنتك هذا بما عل ّ‬
‫جاز ضمان ذلك فيكون ضامنًا لتسعة كما قاله الرملي وابن حجر ‪.‬‬
‫واعلم أن الشرط في الرهن لما يوافق مقتضاه كتقديم مرتهن بالمرهون عند تزاحم الغرماء مؤكد‬
‫للرهن‪ ،‬والشرط فيه بما فيه مصلحة وهو ما ليس بلزم مستحبًا كان أو مباحًا كالشهاد بالعقد‬
‫ل إذا أضر العبد بأكل غير ما شرط‬ ‫ل كذا لغو إ ّ‬
‫لزم‪ ،‬والشرط فيه بكون العبد المرهون ل يأكل إ ّ‬
‫بأن نقصت به الوثيقة فل يكون ذلك الشرط لغوًا لوجود الغرض‪ ،‬والشرط بما يضر أحد العاقدين‬
‫مفسد للرهن‪ .‬وإلى هذا أشار المصنف بقوله‪) :‬ل( يصح الرهن )بشرط ما يضر( المرتهن وينفع‬
‫ل بأكثر‬
‫الراهن )كأن ل يباع( أي المرهون )عند المحل( بكسر الحاء أي وقت الحلول أو ل يباع إ ّ‬
‫من ثمن المثل فيبطل الشرط والرهن لن هذا الشرط مناف لمقصود الرهن بالكلية‪.‬‬
‫)و( ل يصح الرهن بشرط ما يضر الراهن وينفع المرتهن كـ )شرط منفعته( أي المرهون‬
‫)لمرتهن( من غير تقيـيد بمدة فيبطل الشرط وكذا الرهن على القول الظهر لتغيـير قضية العقد‪،‬‬
‫ل والرهن مشروط في بـيع فهو جمع بـين بـيع وإجارة وهو جائز‪،‬‬ ‫أما لو قدرت المنفعة بسنة مث ً‬
‫وصورة ذلك أن يقول‪ :‬بعتك هذا الثوب بدينار على أن ترهنني به دارك هذه ويكون سكناها لي‬
‫سنة فيقبل الخر فهذا العقد جمع بـين بـيع الثوب واستئجار الدار سنة بالثوب فمجموع الدينار‬
‫والمنفعة المعينة ثمن والثوب مبـيع وأجرة‪ ،‬فلو عرض ما يوجب انفساخ الجارة انفسخ عقدها‬
‫فيما يقابل أجرة مثل الدار سنة من الثوب‪ ،‬وخرج بكون الرهن مشروطًا في بـيع ما لو لم يكن‬
‫الرهن كذلك كقوله‪ :‬رهنتك هذه الدار على كذا على أن يكون سكناها سنة بدينار فل يصح الرهن‬
‫لشتمال العقد على شرط ما ليس من مقتضيات الرهن ول من مصالحه فهو مقتض للفساد فهو‬
‫رهن بشرط مفسد كما لو باع داره لشخص بشرط أن يقرضه كذا وهو مبطل‪ ،‬ولو شرط رهن ما‬
‫يحدث من زوائد المرهون كنتاج وثمرة فسد الرهن لعدمها مع الجهل بها ولو شرط كون‬
‫المرهون مبـيعًا للمرتهن عند حلول الدين فسد عقد الرهن لتأقيته ول يصح البـيع لتعليقه ولو لم‬
‫يؤقت الرهن بأن قال‪ :‬رهنتك وإذا لم أقض عند الحلول فهو مبـيع منك كان الفاسد البـيع وحده‬
‫دون الرهن لنه لم يشرط فيه شيء‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ول يلزم( أي الرهن من جهة الراهن )إل( بإقباضه أو )بقبض( من المرتهن )بإذن( من الراهن‬
‫في قبضه وإن كان المرهون تحت يد المرتهن لن المرهون غير مستحق بالعقد وإنما يصح‬
‫القبض والقباض ممن يصح منه عقد الرهن )واليد( على المرهون بعد لزوم الرهن بالقباض أو‬
‫ل للنتفاع ثم يرّد له وقت‬‫القبض )لمرتهن( غالبًا فإن اليد ركن أعظم في التوثق فل تزال إ ّ‬
‫الفراغ‪ ،‬وخرج بالغالب رهن نحو مسلم أو مصحف من كافر‪ ،‬ورهن سلح من حربـي فتوضع‬
‫ل فعند عدل‪ ،‬ورهن أمة غير صغيرة‬ ‫عند من له تملكه ممن يتفق الراهن والمرتهن عليه‪ ،‬وإ ّ‬
‫فتوضع عند من مّر‪ ،‬ورهن صيد من محرم فيوضع عند حلل‪) .‬وهي( أي اليد )أمانة( أي يد‬
‫أمانة على المرهون‪ .‬قال الحصني ‪ :‬المرهون أمانة في يد المرتهن لنه قبضه بإذن الراهن فكان‬
‫ل بالتعدي كسائر المانات وذلك كالنتفاع بالمرهون بأن كان دابة‬ ‫كالعين المستأجرة فل يضمنه إ ّ‬
‫فركبها أو حمل عليها أو كانت آنية فاستعملها فلو تلف المرهون بغير تعّد لم يضمنه ولم يسقط من‬
‫الدين شيء لنه وثيقة في دين فل يسقط الدين بتلفه كموت الضامن والشاهد والمرهون بعد زوال‬
‫الرهن بالبراءة من الدين أمانة في يد المرتهن لقوله ‪» :‬الرهن من راهنه« أي من ضمان فل‬
‫ل بالتعدي كأن امتنع من رّده بعد سقوط الدين‪.‬‬ ‫يضمنه المرتهن إذا تلف إ ّ‬
‫)و( لو ادعى المرتهن تلف المرهون )صدق( بـيمينه )في تلف( حتى ل يضمن حيث ل تفريط‬
‫لنه أمين وهذا إذا لم يذكر سببًا لتلفه أو ذكر سببًا خفيًا )ل( يصدق في )رّد( على الراهن لن‬
‫قبضه لغرض نفسه كالمستأجر والمستعير‪ ،‬بخلف الوديع والوكيل وسائر المناء‪ ،‬ويخالف‬
‫دعواه التلف لنه ل يتعلق باختياره فل تمكن فيه البـينة غالبًا‪ .‬وضابط من يقبل قوله في الرد أن‬
‫ل ليركبه‬‫ل المرتهن والمكتري بأن اكترى حمارًا مث ً‬ ‫كل أمين ادعاه على من ائتمنه صدق بـيمينه إ ّ‬
‫ل فركبه ثم ادعى رده إلى من استأجره منه‪ ،‬وليس من ذلك الدلل والصباغ‬ ‫إلى التنعيم مث ً‬
‫والخياط والطحان في دعوى الرد لنهم أجراء ل مستأجرون لما في أيديهم‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬قال السبكي ‪ :‬كل من جعلنا القول قوله في الرد كانت مؤنة الرد للعين على المالك )وله( أي‬
‫المرتهن أحد المرين‪ :‬إما )طلب بـيعه( أي المرهون‪ ،‬أو وفاء دينه من غيره )إن حل دين( ولم‬
‫يوف أو قرب الرهن إلى الفساد قبل الحلول‪ ،‬هذا إن كان رهن فقط‪ ،‬أما إذا كان بالدين رهن‬
‫ل‪ ،‬وإذا بـيع المرهون ولم يتعلق‬ ‫وضامن طلب المرتهن وفاءه من أيهما شاء تقدم أحدهما أو ً‬
‫برقبته جناية قدم المرتهن ثمنه على سائر الغرماء فإن التقديم من فوائد الرهن لتعلق حقه به‬
‫وبالذمة‪ ،‬أما حقهم فمرسل فيها فقط‪ ،‬وللراهن أن يختار البـيع والتوفية من ثمن المرهون وإن قدر‬
‫على التوفية من غيره وإن طالت المدة حيث كان للراهن غرض صحيح في التأخير وإن وجب‬
‫حق المرتهن فورًا لرضا المرتهن باستيفاء الدين من المرهون لتعليقه الحق بعين المرهون‪،‬‬
‫وطريق ذلك الستيفاء بـيعه‪ .‬قال بعضهم‪ :‬وطريق المرتهن في طلب التوفية من غير المرهون أن‬
‫يفسخ الرهن لجوازه من جهته‪ ،‬ويطالب الراهن بالتوفية‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ويجبر راهن( أي إذا طلب المرتهن بـيع المرهون فأبى الراهن منه ألزمه القاضي قضاء الدين‬
‫من محل آخر أو بـيعه ليوفي منه بما يراه من حبس أو غيره )فإن أصّر( على إبائه أو كان غائبًا‬
‫وليس له مال يوفي منه غير الرهن أو كان بـيعه أصلح )باعه( أي الرهن عليه )قاض( بعد ثبوت‬
‫الدين وملك الراهن الرهن وكونه بمحل وليته وقضى الدين من ثمنه دفعًا لضرر المرتهن ول‬
‫ل بإذن المرتهن فإن أبى من الذن ألزمه الحاكم بأن يأذن في بـيعه ليأخذ‬
‫يبـيعه الراهن أو وكيله إ ّ‬
‫حقه من ثمنه أو يبرئه من الدين دفعًا لضرر الراهن فإن أصّر على الباء سئل فإن لم يذكر عذرًا‬
‫سائغًا باعه الحاكم أو أذن للراهن في بـيعه ومنعه من التصرف في ثمنه ثم يعلم المرتهن ليأخذ‬
‫حقه منه أو يأذن للراهن في التصرف فيه كيف شاء‪ ،‬فإن استمر أذن الحاكم للراهن في ذلك‪ ،‬فإن‬
‫سأل الراهن الحاكم أن يقبض المرتهن حقه أمره بقبضه أو إبرائه فإن امتنع من ذلك قبضه الحاكم‬
‫ليبرأ منه الراهن وتركه في بـيت المال للمرتهن‪ ،‬ولو عجز الراهن عن استئذان المرتهن والحاكم‬
‫جاز له بـيعه على الوجه كما أن للمرتهن البـيع عند العجز عن استئذان الراهن والحاكم‪.‬‬
‫)وعلى مالكه( أي الرهن من راهن وغيره )مؤنة( للرهن وهي التي تبقى بها عينه من نفقة رقيق‬
‫وكسوته وعلف دابة وأجرة سقي أشجار وجذاذ ثمار وتجفيفها وأجرة الحفظ والدلل عند البـيع‬
‫ورد الهارب وذلك لقوله ‪» :‬الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه« رواه ابن حبان والحاكم‪.‬‬
‫والغنم كثمرة وكسب عبد‪ .‬والغرم كأجرة حجامة وفصد ول يجبر المالك على نحو أجرة الفصد‬
‫لنها ل تسمى مؤنًا عرفًا‪ .‬نعم يجبر على ذلك لحق الرقيق من خالص ماله )وليس له( أي المالك‬
‫بعد لزوم الرهن عليه بالقبض تصرف يزيل الملك مع غير المرتهن بغير إذنه كبـيع وهبة وكتابة‬
‫للمرهون لفوات التوثق بكل ذلك فيحرم عليه ول ينفذ منه )رهن( لغير المرتهن لمزاحمته حق‬
‫الّول )ووطء( للمة المرهونة بكرًا أو ثيبًا حذرًا من الحبل فيمن يمكن حبلها وحسمًا للباب في‬
‫غيرها ولو صغيرة‪ ،‬نعم لو خاف الزنا لو لم يطأها فله وطؤها‪ ،‬وخرج بالوطء مقدماته إن أمن‬
‫ل حرمت على الوجه )وتزويج( للرقيق المرهون وكذا إجارة للمرهون إن جاوزت‬ ‫الوطء وإ ّ‬
‫ل يحل قبل انقضاء مدتها)ل( إذا كان التزويج‬ ‫ل أو مؤج ً‬‫مدتها زمن الحلول بأن كان الدين حا ً‬
‫والجارة )منه( أي المرتهن فل يمتنعان على الراهن لنتفاء نقص القيمة وينفذ العتاق من‬
‫ل المرين من قيمته حالة العتاق ومن الدين في‬ ‫الموسر بقيمة المرهون في الدين المؤجل وبأق ّ‬
‫الحال ويتبـين اليسار بما في الفطرة أما المعسر فل ينفذ ومثل العتاق الستيلد‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل‪ :‬أن أسباب الحجر على الراهن إلى وفاء الدين أو البراء في التصرفات في المرهون‬
‫ثلثة‪ :‬ما يزيل الملك كالبـيع‪ ،‬وما يقلل الرغبة كالتزويج والوطء‪ ،‬وما يؤدي إلى مزاحمة كالرهن‬
‫ونفذ كل من التصرفات الممتنعة على الرهن بإذن مرتهن لن المنع كان لحقه وقد زال بإذنه‬
‫ويبطل الرهن بالذن وإن رده الراهن كما أن الباحة ل ترتد بالرد بخلف الوكالة لنها عقد‬
‫ل مرة ما لم تحبل منها )ولو اختلفا( أي‬‫فترتفع بالرد‪ ،‬والوجه أن الذن في الوطء ل يتناول إ ّ‬
‫الراهن والمرتهن )في( أصل )رهن( كأن قال‪ :‬رهنتني كذا فأنكر )أو( في )قدره( أي الرهن‬
‫بمعنى المرهون كأن قال‪ :‬رهنتني الرض بأشجارها فقال الراهن‪ :‬بل الرض فقط أو في عينه‬
‫كهذا العبد فقال‪ :‬بل الجارية حيث صدقها الراهن في هذه فل تعلق للمرتهن بها لنكاره ول بالعبد‬
‫لنكار المالك أو في قدر المرهون به كمائتين فقال‪ :‬بل مائة أو في صفة المرهون به كرهنتني‬
‫باللف الحال فقال الراهن‪ :‬بالمؤجل أو في جنسه كما لو قال‪ :‬رهنته بالدنانير فقال‪ :‬المرتهن بل‬
‫بالدراهم )صدق راهن( أو مالك العارية بـيمينه وإن كان المرهون بـيد المرتهن وإن لم يبـّين‬
‫الراهن جهة كونه في يده على الوجه لن الصل عدم ما يدعيه المرتهن وإطلق الراهن في‬
‫ل فمنكر الرهن ليس براهن وهذا حيث لم يقم بالراهن‬ ‫الصورة الولى باعتبار زعم المدعي وإ ّ‬
‫مانع من الحلف كصبا أو جنون أو سفه أما إذا قام به ذلك وقد رهن الولي فإنه الذي يحلف دونهم‬
‫لعدم زوال الحجر عنهم‪.‬‬
‫ل وأقام كل منهما بـينة بما ادعاه فإن اتحد‬
‫فرع‪ :‬لو ادعى كل من اثنين على آخر أنه رهنه عبده مث ً‬
‫تاريخهما أو أطلقت البـينتان أو إحداهما تعارضتا‪ ،‬وإن أرختا بتاريخين مختلفين عمل بسابقة‬
‫ل قدمت بـينته وإن تأخر تاريخها لعتضادها باليد أفاد ذلك‬ ‫التاريخ ما لم يكن في يد أحدهما وإ ّ‬
‫الشبراملسي ‪.‬‬
‫فصل في الحجر‬
‫وهو المنع من التصرفات المالية‪ ،‬وشرع إما لمصلحة النفس والغير كالمكاتب فيمتنع على السيد‬
‫بـيعه بل إذن منه لجل حق السيد وحق ال تعالى أو الغير فقط كالمفلس فيمنع تصرفه في عين‬
‫ماله مما يضر الغرماء كوقف وهبة وبـيع بخلف تصرفه في ذمته‪ ،‬وكالراهن فيمنع تصرفه في‬
‫المرهون إلى وفاء جميع الدين أو البراء بما يزيل الملك كالبـيع أو يقلل الرغبة كالتزويج والوطء‬
‫ل العتاق واليلد إذا كان موسرًا ويغرم قيمته‬ ‫أو يؤدي إلى مزاحمة كالرهن ول تنفذ تصرفاته إ ّ‬
‫وتكون رهنًا مكان المعتق والمستولدة‪ ،‬وكالمريض فيمتنع تصرفه فيما زاد على الثلث بل عوض‬
‫يساويه إذا تصرف مع غير الورثة وفي جزء من المال ولو دون الثلث إذا تصرف مع الوارث‬
‫ل أن يجيز باقي الورثة هذا في غير الوقف‪ ،‬أما هو كأن وقف شيئًا يخرج من‬‫بل عوض يساويه إ ّ‬
‫الثلث على بعض الورثة فل يحتاج إلى إجازة بقيتهم بخلف الوصية فإن الملك للموصى له‪ ،‬وأما‬
‫الوقف فالملك ل تعالى وكالعبد فيمنع تصرفه لجل حق السيد وهو خدمته وكالمرتد فيمنع تصرفه‬
‫لجل حق المسلمين‪ ،‬أو لمصلحة النفس فقط وهو حجر الجنون والصبا والسفه وكل أعم مما بعده‬
‫وهو الموضوع له هذا الباب‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)حجر جنون( يثبت بمجرد الجنون فتسلب به الوليات واعتبار القوال كلها وأكثر الفعال فل‬
‫ل بخلف تملكه بنحو احتطاب وإتلفه فينفذ إيلده‬ ‫يعتد بشيء من تصرفات المجنون أص ً‬
‫والحرمة بإرضاعه والمهر والنسب بوطئه ويغرم ما أتلفه ويستمر ذلك الحجر )إلى إفاقة( فيرتفع‬
‫بمجردها من غير فك قاض بل خلف وإن خلفه حجر صبا أو سفه )و( حجر )صبًا( بكسر‬
‫الصاد يثبت بمجرد الولدة فتسلب به الوليات واعتبار القوال والفعال‪ ،‬لكن يعتد ببعض‬
‫تصرفات الصبـي كالعبادة من مميز ونهيه عن المنكر وإيصاله الهدية وإذنه في دخول دار‬
‫وإبلغه طلب مولم إن لم يجرب عليه كذب ودفع زكاة إذا عين له المدفوع إليه وتملكه المباحات‬
‫ويستمر ذلك الحجر )إلى بلوغ( فيرتفع به من غير فك قاض حجر الصبا ويخلفه حجر السفه إن‬
‫لم يوجد الرشد وهو صلح الدين والمال جميعًا ويعتد بقبول المبذر النكاح بإذن من وليه ول‬
‫ل بإذنه ويصح تدبـيره لرقائه‪.‬‬ ‫يزوجه وليه إ ّ‬
‫والبلوغ يحصل إما )بخمس عشرة سنة( قمرية تحديدية أي باستكمالها وابتداؤها من انفصال‬
‫ي( لوقت إمكانه من ذكر أو أنثى في نوم أو يقظة بجماع أو غيره‬ ‫جميع أجزاء الولد )أو خروج من ّ‬
‫)أو حيض( لوقت إمكانه وهو استكمال تسع سنين قمرية تحديدية في المناء سواء في ذلك الذكر‬
‫والنثى تقريبـية في الحيض هذا عند الرملي خلفًا لبن حجر فإنه قال‪ :‬وقت إمكان المناء في‬
‫الذكر والنثى تسع سنين قمرية تقريبًا كما في الحيض‪) .‬ونبت العانة الخشنة( التي تحتاج في‬
‫إزالتها إلى نحو حلق )في( حق ولد )كافر( أو مجهول إسلمه )أمارة على بلوغه بالسن أو‬
‫الحتلم( سواء كان ذكرًا أو أنثى وذلك إذا كانت العانة على فرج واضح أو فرجي مشكل معًا‪.‬‬
‫)وإذا بلغ الصبـي رشيدًا( بأن يحكم عليه بالرشد باعتبار ما يرى من أحواله انفك الحجر عنه‬
‫بنفس البلوغ أو بلغ غير رشد ثم رشد انفك بنفس الرشد لن هذا حجر ثبت من غير حاكم فارتفع‬
‫من غير فكه بخلف حجر السفه الطارىء فإنه يجب على القاضي الحجر على السفيه بتبذير‬
‫ن له الشهاد على الحجر لقوله ‪» :‬خذوا على أيدي سفهائكم« و‬ ‫طارىء على من بلغ رشيدًا‪ ،‬ويس ّ‬
‫)أعطي ماله( ولو كان الرشيد الذي يعطي ماله امرأة فيصح تصرفها حينئذ من غير إذن زوجها‬
‫خلفًا لمالك حيث ذهب إلى أنه ل يسلم للمرأة الرشيدة مالها حتى تتزوج وحينئذ ل ينفذ تبرعها‬
‫بما زاد على الثلث بغير إذنه ما لم تصر عجوزًا ثم بعد إفاقة المجنون وبلوغ الصبـي يرتفع حجر‬
‫الجنون والصبا ويخلفه حجر السفه إن لم يوجد رشد‪ ،‬وحكم السفيه المحجور عليه حسًا أو شرعًا‬
‫ل إن عين له المدفوع له لكن ينبغي أن يكون‬ ‫أنه يصح منه إسلم وعبادة ما عدا صرف الزكاة إ ّ‬
‫بحضرة الولي أو نائبه وتصرف غير مالي كطلق وخلع ولو بدون مهر المثل ونفي نسب‬
‫واستلحاق وينفق على المستلحق من بـيت المال وكإقراره بموجب قود أو حّد‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فصل في الحوالة بفتح الحاء‬


‫ن قبولها‬
‫وهي عقد يقتضي تحّول دين من ذمة إلى ذمة‪ ،‬وقد يطلق على هذا النتقال نفسه‪ ،‬ويس ّ‬
‫على ملىء باذل ل شبهة بماله‪ .‬وأركانها سبعة‪ :‬محيل‪ ،‬ومحتال‪ ،‬ومحال عليه‪ ،‬ودين للمحيل على‬
‫المحال عليه‪ ،‬ودين للمحتال على المحيل‪ ،‬وإيجاب‪ ،‬وقبول‪.‬‬
‫)تصح حوالة( بوجود تلك الركان كلها بشروطها‪ ،‬وإنما تحصل صحة الحوالة )بصيغة( وهي‬
‫ي فهو‬‫إيجاب المحيل وقبول المحتال‪ ،‬فاليجاب كقوله‪ :‬أحلتك على فلن بكذا بالدين الذي لك عل ّ‬
‫ي ولم ينوه كما قاله الرملي خلفًا لبن حجر ‪ ،‬ول يتعين‬ ‫صريح‪ ،‬وإن لم يقل بالدين الذي لك عل ّ‬
‫ي معناها كنقلت حقك إلى فلن أو جعلت ما أستحقه على فلن لك أو‬ ‫لفظ الحوالة بل يكفي ما يؤد ّ‬
‫ملكتك الدين الذي عليه بحقك‪ ،‬ولو قال‪ :‬أحلني فكقوله‪ :‬بعني فيكون استيجابًا قائمًا مقام القبول‪،‬‬
‫ل قائمًا‬
‫ي من الدين‪ ،‬فقال‪ :‬احتلت أو قبلت فيكون استقبا ً‬ ‫ومثله ما لو قال‪ :‬احتل على فلن بمالك عل ّ‬
‫مقام اليجاب )ورضا محيل( وإنما يشترط رضاه لن له إيفاء الحق من حيث شاء ومعرفة رضاه‬
‫إنما تحصل بالصيغة )ومحتال( وإنما يشترط رضاه لن حقه في ذمة المحيل فل ينتقل لغيره إل‬
‫برضاه‪ ،‬أما المحال عليه فل يشترط رضاه لنه محل الحق كالرقيق المبـيع ولن الحق للمحيل فلم‬
‫يتعين استيفاؤه بنفسه كما أن له أن يوكل )ويلزم بها( أي الحوالة حق المحتال ذمة المحال عليه‪ ،‬و‬
‫ل عليه( للمحتال فيبرأ المحيل بالحوالة عن دين المحتال ويبرأ‬ ‫)دين محتال( وهو محال به )محا ً‬
‫المحال عليه عن دين المحيل لن ذلك هو فائدة الحوالة )فإن تعذر أخذه( أي المحتال من المحال‬
‫عليه )بفلس( طرأ بعد الحوالة أو قارنها أو بموت المحال عليه مفلسًا )أو جحد( أي إنكار من‬
‫المحال عليه للحوالة أو لدين المحيل وحلف ول يتعذر الحق بغير ذلك كتعذر المحال عليه أو‬
‫موت شهود الحوالة )لم يرجع( أي المحتال )على محيل( لن الحوالة بمنزلة القبض وقبولها‬
‫متضمن للعتراف بشروطها‪ ،‬فهي عقد لزم ل ينفسخ بفسخها فامتنع الرجوع‪.‬‬
‫)ولو( أذن مدين لدائنه في القبض من مدينه‪ ،‬ثم )اختلفا( في صفة الذن )هل وكل أو أحال( بأن‬
‫ل أني قلت وكلتك لتقبض لي‪ ،‬وقال الدائن‪ :‬بل الصادر منك أنك‬ ‫قال المدين الذن‪ :‬لم يصدر مني إ ّ‬
‫أحلتني فصار الحق لي صدق المدين بـيمينه لنه أعرف بنيته‪ ،‬وكذا لو قال المدين الذن‪ :‬أردت‬
‫ل على زيد الوكالة فيصدق بـيمينه بناء على‬ ‫بقولي‪ :‬اقبض من فلن‪ ،‬أو بقولي‪ :‬أحلتك بمائة مث ً‬
‫الصح من صحة الوكالة بلفظ الحوالة لحتمال اللفظ ذلك بخلف ما لو لم يحتمل بأن قال‪ :‬أحلتك‬
‫ي على فلن فيصدق الدائن وهو مدعي الحوالة بـيمينه قطعًا لن هذا اللفظ ل‬ ‫بالمائة التي لك عل ّ‬
‫يحتمل غير الحوالة‪ ،‬وصورة المسألة أن يتفقا على أصل الدين‪ ،‬أما لو أنكر مدعي الوكالة أصل‬
‫الدين فهو المصدق بـيمينه في المسألتين‪ ،‬وإن اختلف المدين والدائن في أصل اللفظ الصادر كأن‬
‫قال المدين‪ :‬أحلتك‪ ،‬فقال الدائن‪ :‬بل وكلتني في القبض من فلن‪ ،‬أو اختلفا في المراد من لفظ‬
‫محتمل كاقبض أو أحلتك )صّدق منكر حوالة( وهو النافي لها بـيمينه إذ الصل بقاء حقه في ذمة‬
‫المدين‪ ،‬ولو اختلفا في أصل الذن في القبض فالقول قول المدين كما إذا اختلفا في صفته وإن‬
‫اقتضت الفساد‪ ،‬كأن قال‪ :‬أردت أن تقبض مالي على فلن لنفسك فإن القبض في نفسه صحيح‪،‬‬
‫وللمأذون له باطل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪203 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب في الوكالة والقراض‬

‫الوكالة بفتح الواو وكسرها‪ :‬وهي تفويض شخص أمره إلى آخر في عمل مخصوص على وجه‬
‫مخصوص في حال الحياة‪ ،‬ويندب قبولها‪ .‬والقراض‪ :‬عقد يتضمن دفع المال المخصوص لخر‬
‫ليتجر فيه والربح بـينهما‪ ،‬وابتداؤه يشبه الوكالة بالجعل‪ ،‬وانتهاؤه يشبه الجعالة بناء على الص ّ‬
‫ح‬
‫أن العامل يملك حصته بالقسمة ل بالظهور‪ .‬وأركان الوكالة أربعة‪ :‬موكل‪ ،‬ووكيل‪ ،‬وموكل فيه‪،‬‬
‫وصيغة‪ :‬لكن ل يشترط القبول لفظًا في وكالة بغير جعل‪ ،‬بل الشرط اللفظ من أحد الجانبـين‬
‫ل فيما لو كان له عين مؤجرة أو معارة أو مغصوبة فوهبها لخر وأذن له في‬ ‫والفعل من الخر إ ّ‬
‫قبضها فوكل الموهوب له من هي بـيده من المستأجر أو المستعير أو الغاصب في قبضها له فل‬
‫بّد من قبول لفظًا ممن هي تحت يده لتزول يده عنها به‪ ،‬ول يكتفي بالفعل وهو المساك لنه‬
‫استدامة لما سبق فل دللة فيه على الرضا بقبضه عن المؤجر أو المعير أو المالك في الصل‪ .‬أما‬
‫الوكالة بجعل فل بّد فيها من القبول فورًا لفظًا‪ ،‬ول فرق بـين كون التوكيل بصيغة المر أو غيره‬
‫كما أفاده الشبراملسي خلفًا لبن حجر ‪ :‬وذلك فيما إذا كان العمل الموكل فيه مضبوطًا لتكون‬
‫الوكالة حينئذ إجارة‪.‬‬
‫ل عقد( كبـيع وغيره )وفسخ( بنحو عسر أو إقالة أو تحالف )عليه( أي الموكل‬ ‫ح وكالة في ك ّ‬
‫)تص ّ‬
‫فيه )ولية لموكل( وقت التوكيل فإن شرط الموكل فيه أن يملك الموكل التصّرف فيه حين التوكيل‬
‫أو يذكره تبعًا لذلك‪ ،‬فلو وكل ببيع عبد سيملكه وطلق امرأة سينكحها بطل التوكيل لنتفاء وليته‬
‫ح التوكيل على ما‬‫عليه حينئذ‪ ،‬ولو وكل الولي من يزّوج موليته إذا انقضت عّدتها أو طلقت لم يص ّ‬
‫صحح الشيخان في الروضة وأصلها‪ ،‬ولو قالت المرأة لوليها وهي في نكاح أو عّدة أذنت لك في‬
‫ح الذن كما نقله الشيخان عن فتاوى البغوي ‪ ،‬والفرق بـين التوكيل والذن‬ ‫تزويجي إذا حللت ص ّ‬
‫ي بالولية الشرعية‪ ،‬وتزويج الوكيل بالولية الجعلية فالولى أقوى وباب الذن‬ ‫أن تزويج الول ّ‬
‫ح التوكيل في قبض حق عين أو دين وإقباض له كذلك‪ .‬نعم ل يص ّ‬
‫ح‬ ‫أوسع من باب الوكالة‪ ،‬ويص ّ‬
‫توكيل إقباض العين الذي يقدر على رّدها بنفسه مضمونة أو أمانة لنتفاء إذن مالكها في ذلك‪،‬‬
‫ح في الدعوى بنحو مال أو عقوبة لغير ال‬ ‫ومن ثم ضمن به ما لم تصل بحالها لمالكها‪ ،‬ويص ّ‬
‫ح الوكالة بجعل وغيره في تملك المباحات كإحياء‬ ‫تعالى‪ ،‬وفي الجواب وإن كره الخصم‪ ،‬وتص ّ‬
‫ل فل‪ .‬أما في التقاط غير المعين فل‬
‫واحتطاب واصطياد فيملكه الموكل إن قصده الوكيل وإ ّ‬
‫ح‪.‬‬
‫تص ّ‬
‫رقم الصفحة‪227 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ح الوكالة في )إقرار( كوكلتك لتقّر عني لفلن بكذا فيقول‪ :‬أقررت عنه بكذا أو جعلته‬ ‫)ل( تص ّ‬
‫مقّرا‪ ،‬وذلك لنه إخبار عن حق فل يقبل التوكيل كالشهادة نعم التوكيل في القرار بمعين أو مبهم‬
‫إقرار بخلف التوكيل في مطلق القرار‪) .‬و( ل في )يمين( كلعان وإيلء وظهار‪ :‬كأنت على‬
‫موكلي كظهر أّمه‪ ،‬أو جعلت موكلي مظاهرًا منك‪ ،‬لن اليمين كالعبادات لتعلق حكمها بتعظيمه‬
‫تعالى وما بعدها يشبهها ومثلها النذر وتعليق نحو الطلق والعتق والتدبـير‪ ،‬فالتوكيل بسائر‬
‫ل بأن يقول‪ :‬إذا جاء رأس الشهر فقد‬‫التعاليق باطل سوى الوصية والولية على الجيش مث ً‬
‫أوصيت له بكذا لن الوصية تقبل الجعالة‪ ،‬وبأن يقول‪ :‬إذا جاء رأس الشهر ففلن أمير في القرية‬
‫الفلنية للحاجة إلى المارة‪ ،‬ول يضّر تعليق التصّرف فقط كبعه لكن بعد شهر‪ ،‬ول يضّر توقيت‬
‫الوكالة كوليتك شهرًا )و( ل في )عبادة( وإن لم تحتج لنية كالذان والقامة إذ القصد منها امتحان‬
‫عين المكلف‪ ،‬ويستثنى من ذلك أشياء‪ :‬الحج والعمرة وذبح أضحية وعقيقة وهدي وشاة وليمة‬
‫وتفريق زكاة ونذر وصدقة وكفارة وصوم الكفارات وركعتا الطواف إذا صلهما الجير تبعًا‬
‫ح الوكالة‬ ‫ح الوكالة قطعًا كما صّرح به الرافعي وإنما تص ّ‬ ‫للطواف‪ .‬أما إذا وكل فيهما فقط فل تص ّ‬
‫ل على إذن الموكل في التصّرف من لفظ أو كتابة أو إشارة أخرس مفهمة‬ ‫)بإيجاب( وهو ما د ّ‬
‫ل أحد كانت صريحة سواء كان اليجاب بصيغة العقد )كوكلتك( في كذا أو‬ ‫للوكيل فإن فهمها ك ّ‬
‫أنبتك فيه أو أقمتك مقامي فيه أو فّوضته إليك )أو( بصيغة المر‪ :‬كقوله )بع( أو طلق أو اعتق أو‬
‫ل باليجاب فالمر قائم مقام اليجاب وأبلغ منه‪ ،‬ول يجب القبول لفظًا‬ ‫زّوج إذ ل يحصل الرضا إ ّ‬
‫بل الشرط عدم الرّد فقط‪ ،‬نعم التوكل بجعل ل بّد فيه من قبول لفظًا ولو بصيغة المر‪ ،‬وذلك إن‬
‫كان عمل الوكيل مضبوطًا لنها إجارة‪ ،‬فإن لم يكن مضبوطًا وعمل فهو إجارة فاسدة فيستح ّ‬
‫ق‬
‫أجرة المثل لنه عمل طامعًا‪ :‬أي حيث لم يكن عالمًا بالفساد‪ ،‬وقد يشترط القبول لفظًا فيما إذا لم‬
‫ل به كما مّر‪.‬‬
‫تزل اليد عن العين المضمونة إ ّ‬
‫رقم الصفحة‪227 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فائدة‪ :‬لو قال‪ :‬وكلتك في أمور زوجتي فل يستفيد طلق تلك المرأة حيث ل قرينة في توكيل‬
‫ل من ثمن المثل إن كان النقص مما يتسامح به‪،‬‬‫التطليق‪) .‬وباع وكيل بثمن مثل( فأكثر أو بأق ّ‬
‫ل(‬
‫ل ناحية بعرف أهلها المطرد عندهم‪ ،‬ويختلف باختلف مقادير الموال )حا ً‬ ‫وذلك يعتبر في ك ّ‬
‫من نقد بلد البـيع المأذون فيها ل بلد التوكل )إذا أطلق الموكل( الوكالة بأن لم يقيد بثمن ول حلول‬
‫ول تأجيل ول نقد‪ ،‬ومتى خالف شيئًا مما ذكر فسد تصّرفه وضمن قيمة المبـيع يوم تسليمه‬
‫ي لتعّديه بتسليمه لمن ل يستحقه ببـيع باطل‪ ،‬ويطالب الوكيل المشتري‬ ‫للمشتري ولو في مثل ّ‬
‫بالمثل لن المضمون به ما تلف في يده فإن لم يطلق الموكل اتبع ما عينه‪ ،‬فإذا قال للوكيل‪ :‬بع هذا‬
‫بما شئت أو بما تيسر جاز له بـيعه بغير نقد البلد ل بنسيئة ول غبن‪ ،‬لن ما للجنس‪ ،‬أو قال‪ :‬بعه‬
‫كيف شئت جاز بنسيئة فقط ل بغبن فاحش ول بغير نقد البلد‪ ،‬لن كيف للحال فشمل الحا ّ‬
‫ل‬
‫والمؤجل‪ ،‬أو بعه بكم شئت جاز بالغبن فقط ل بالنسيئة ول بغير نقد البلد لن كم للعدد القليل‬
‫والكثير لكن ينبغي أن ل يفرط في الغبن بحيث يعّد إضاعة وأن ل يكون ثم راغب بالزيادة‪ ،‬أو‬
‫بعه بما عّز وهان جاز غير النسيئة‪ ،‬لن ما للجنس فقرنها بصلتها المذكورة يشمل عرفًا القليل‬
‫والكثير من نقد البلد وغيره‪ ،‬وإذا أمره الموكل أن يبـيع بنقد عينه فأبطل بعد التوكيل وقبل البـيع‬
‫وجدد نقد آخر جاز للوكيل البـيع بالجديد لن الظاهر من حال الموكل إرادة ما يروج في البلد‬
‫وقت البـيع من النقود ل سيما إذا تعّذرت مراجعة الموكل كما أفاده الشبراملسي ‪.‬‬
‫)ول يبـيع( أي الوكيل )لنفسه( ولولده الصغير أو المجنون أو السفيه وإن أذن الموكل في ذلك‬
‫وقّدر الثمن ونهاه عن الزيادة لئل يلزم تولي الطرفين‪ ،‬لن الب إنما يتولى الطرفين في معاملته‬
‫لنفسه مع موليه أو موليته وهنا ليس كذلك لن المعاملة لغيره‪) .‬و( إذا وكل في شراء موصوف أو‬
‫ص للوكيل على غير التوكيل بالشراء‬ ‫ل مطلقًا بأن لم ين ّ‬
‫معين‪ ،‬وإن جهل الموكل عيبه توكي ً‬
‫فالوكيل )ليس( يحسن )له( أي الوكيل )شراء معيب( لن الطلق يقتضي السلمة‪ ،‬وإنما جاز‬
‫لعامل القراض شراؤه لن القصد منه الربح‪ ،‬ومن ذلك لو كان القصد هنا ذلك جاز له شراؤه‪،‬‬
‫ويجوز للوكيل الشراء نسيئة وبغير نقد البلد حيث رأى فيه مصلحة إذ ل ضرر فيه على الموكل‪.‬‬
‫)ووقع( أي الشراء )له( أي الوكيل )إن علم( العيب وكان شراء المعيب في الذمة ولم ينص‬
‫الموكل له على السليم سواء أساوى مع العيب ما اشتراه به أم زاد على ما اشتراه به لنه غير‬
‫مأذون فيه عرفًا أو علم العيب وكان الشراء في الذمة أو بالعين ولم يساو المعيب ما اشتراه به‬
‫لتقصير الوكيل إذ قد يتعذر الرد فيتضرر الموكل‪ ،‬أما إن جهل الوكيل العيب وقع الشراء للموكل‬
‫في الصورتين لنتفاء المخالفة والتقصير والضرر لتمكن الموكل من رد المعيب‪ ،‬نعم لو نص‬
‫للوكيل على السليم لم يقع للموكل لنه غير مأذون فيه ولعذر الوكيل بجهله مع اندفاع الضرر‬
‫بثبوت الخيار له‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪227 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وخرج بالذمة الشراء بعين مال الموكل فإنه ليس للوكيل رّده لتعذر انقلب العقد له وإن وقع‬
‫الشراء للموكل أيضًا بهذه الشروط التي هي عدم النص على السليم ومساواته ما اشتراه وجهل‬
‫الوكيل العيب‪ ،‬أما لو اشترى الوكيل بالعين وكان عالمًا بالعيب فإنه ل يقع الشراء لواحد منهما‪،‬‬
‫ويحرم لتعاطيه عقدًا فاسدًا كما نقله الشبراملسي عن الزيادي ‪ ،‬وإذا وقع الشراء في الذمة للموكل‬
‫في صورتي الجهل فلكل من الموكل والوكيل الرد بالعيب فيرد الموكل على البائع إن ذكره‬
‫الوكيل في العقد أو نواه وقد صدقه البائع وإل رده على الوكيل‪ ،‬ولو رضي الموكل بالعيب امتنع‬
‫على الوكيل رّده بخلف عكسه ولو رّده قبل علمه برضا الموكل ثم تبـين أنه كان راضيًا به حين‬
‫الرد تبـين بطلن الرد‪.‬‬
‫)ول( يجوز للوكيل )توكيل بل إذن( من الموكل )فيما يتأتى( أي يسهل )منه( أي الوكيل لن‬
‫الموكل لم يرض بتصرف غيره ول ضرورة فل يجوز التوكيل في قبض دين وإرساله مع بعض‬
‫عياله‪ ،‬وقول القاضي أبـي الحسن علي بن الحسين الجوري ‪ :‬يصح التوكيل إن وكل أحدًا من‬
‫عياله إذا كان أمينًا للعرف رأي ضعيف كذا قال الزيادي ‪ ،‬أما إذا لم يمكن ما وكل فيه من الوكيل‬
‫ل أو ل يليق به أو يشق عليه تعاطيه مشقة ل تحتمل في العادة فله التوكيل‬‫لكونه ل يحسنه أص ً‬
‫عن موكله‪ ،‬فلو وكل عن نفسه لم يصح التوكيل أو أطلق وقع عن الموكل فيما زاد على الممكن‬
‫دون غيره‪ ،‬ولو أذن الموكل في التوكيل وقال للوكيل‪ :‬وكل عن نفسك ففعل‪ ،‬فالثاني وكيل الوكيل‬
‫وللموكل عزله وينعزل الثاني بعزل الّول إياه وانعزاله بنحو موته أو جنونه أو عزل الموكل‬
‫للّول لن الثاني نائب الّول‪ ،‬وإن قال الموكل وكل عني سواء عين الوكيل أم ل ففعل فالثاني‬
‫وكيل الموكل وكذا إن أطلق بأن لم يقل‪ :‬عنك ول عني وفي التقيـيد بقوله‪ :‬عني‪ ،‬والطلق ل‬
‫يعزل أحدهما الخر ول ينعزل بانعزاله لنتفاء كونه وكيلً عنه‪.‬‬
‫وحيث جوزنا للوكيل التوكيل عنه أو عن الموكل يشترط أن يوكل أمينًا كافيًا لذلك التصرف ولو‬
‫رقيقًا إل أن يعين الموكل غير المين فيتبع تعيـينه لذنه فيه‪ ،‬نعم إن علم الوكيل فسقه دون‬
‫الموكل لم يجز أن يوكله ولم ينفذ توكيله كما ل يشتري ما عينه الموكل ولم يعلم عيبه والوكيل‬
‫يعلمه والمعتمد أنه ل يجوز توكيل غير المين‪ ،‬وإن قال الموكل للوكيل‪ :‬وكل من شئت بخلف‬
‫ما لو قالت المرأة لوليها‪ :‬زوجني ممن شئت فإنه جاز له تزويجها من غير كفء لن المقصود‬
‫هنا حفظ المال وحسن التصرف فيه وغير المين ل يتأتى منه ذلك‪ ،‬وثم مجرد وجود صفة كمال‬
‫هي الكفاءة وقد يتسامح بتركها بل قد يكون غير الكفء أصلح‪ ،‬ولو وكل الوكيل أمينًا ففسق لم‬
‫يملك الوكيل عزله لن الموكل أذن له في التوكيل دون العزل‪ ،‬ولو وكل الوكيل عن ولي لم يوكل‬
‫ل مطلقًا سواء عين الموكل له فاسقًا أو غيره‪) .‬وهو( أي الوكيل )أمين( وإن كان يجعل‬ ‫إل عد ً‬
‫لنيابته عن موكله في اليد والتصرف ولنه عقد إحسان والضمان منفر عنه‪ ،‬وقول الوكيل في تلف‬
‫المال مقبول بـيمينه لنه أمين كالوديع‪ ،‬وكذا قوله في الرد للمعوض أو العوض على موكله فإنه‬
‫مقبول حيث لم تبطل أمانته لنه أخذ العين لنفع الموكل‪ ،‬أما لو ادعى الوكيل أنه أرسل العوض‬
‫للموكل مع وكيل عن نفسه في الدفع فل يقبل لن الموكل لم يأتمن الرسول ولم يأذن للوكيل في‬
‫الدفع إليه فطريقه في براءة ذمته مما بـيده أن يستأذن الموكل في الرسال له مع من تيسر‬
‫الرسال معه ولو غير معين‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪227 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)فإن تعدى( أي الوكيل )ضمن( ضمان الغصوب كسائر المناء‪ ،‬ومن التعدي أن يضيع منه المال‬
‫ول يعرف كيف ضاع أو وضعه في محل ثم نسيه أو نسي من عامله ول ينعزل الوكيل بالتعدي‬
‫بغير إتلف الموكل فيه لن الوكالة إذن في التصرف والمانة حكم يتفرع عليها ول يلزم من‬
‫ارتفاعها ارتفاع أصلها كالرهن بخلف الوديعة فإنها محض ائتمان فارتفعت بالتعدي‪) ،‬وينعزل(‬
‫أي الوكيل )بعزل أحدهما( أي الوكيل والموكل وصريحه عزل وفسخ وخروج وإبطال ورد‬
‫وإزالة ورفع ونحوها وإن لم يعلم المعزول‪ ،‬وإنما توقف انعزال القاضي على العلم لتعلق‬
‫المصالح الكلية به وكذا المستعير لنه مأذون له في استيفاء المنفعة فل تضمن عليه قبل علمه‬
‫برجوع المعير لن المقصر هو المعير وينبغي الشهاد على العزل إذ ل يصدق الموكل بعد‬
‫ل ببـينة وينعزل أيضًا بسبب إنكار أحدهما الوكالة عامدًا بل‬ ‫تصرف الوكيل في قوله كنت عزلته إ ّ‬
‫عذر له في النكار من نحو خوف ظالم على أخذه المال الموكل فيه أو نسيان لنه حينئذ رد‬
‫للوكالة بخلف النكار لعذر‪.‬‬
‫)و( ينعزل الوكيل أيضًا بزوال أهلية واحد منهما )بموت أو جنون( وإن لم يعلم الخر به وإن‬
‫ل إذا لم يسقط به فرض الصلة لخفته‪ ،‬نعم وكيل رمي الجمار ل‬ ‫قصرت مدة الجنون أو بإغماء إ ّ‬
‫ينعزل بإغماء الموكل لنه زيادة في عجزه المشترط لصحة النابة‪ ،‬ومثل ذلك طرّو نحو الفسق‬
‫أو الرق أو التبذير فيما شرط فيه السلمة من ذلك )وزوال ملك موكل( عما وكل فيه حتى لو باعه‬
‫ل بإذن جديد وزوال منفعته التي يملكها عنه كتزويج‬ ‫الوكيل ثم عاد إليه بنحو عيب ل يبـيعه ثانيًا إ ّ‬
‫المة ل العبد فإذا زوجها سيدها انعزل الوكيل في بـيعها‪ ،‬وكالجارة والرهن مع القبض لشعار‬
‫ذلك بالندم على التصرف وإن عزل الوكيل وهو غائب انعزل في الحال لنه لم يحتج للرضا فلم‬
‫يحتج للعلم كالطلق‪.‬‬
‫)و( ينبغي للموكل الشهاد إذ )ل يصدق( أي الموكل في قوله‪ :‬كنت عزلت الوكيل )بعد تصرف(‬
‫ل من الوكيل‪ ،‬أما في غير ذلك فإن وافقه‬‫ل ببـينة( وإن وافقه بالنسبة للمشتري مث ً‬ ‫من الوكيل )إ ّ‬
‫ل‪ ،‬فإذا اتفقا على وقت العزل وقال‬
‫على العزل ولكن ادعى أنه بعد التصرف ليستحق الجعل مث ً‬
‫الوكيل‪ :‬تصرفت قبله وقال الموكل‪ :‬بعده حلف الموكل أنه ل يعلم أنه تصرف قبله‪ ،‬فيصدق لن‬
‫الصل عدمه إلى ما بعده أو اتفقا على وقت التصرف وقال الموكل‪ :‬عزلتك قبله فقال الوكيل بل‬
‫بعده حلف الوكيل أنه ل يعلم عزله قبله فيصدق‪ ،‬فإن تنازعا في السبق بل اتفاق في الوقت صدق‬
‫من سبق بالدعوى سواء جاءا معًا للقاضي أم ل لن مدعاه سابق لستقرار الحكم بقوله‪ :‬فإن ادعيا‬
‫معًا صدق الموكل لن جانبه أقوى من أصل بقاء جواز التصرف الناشىء من الذن لن بقاءه‬
‫متنازع فيه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪227 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( القراض توكيل خاص لمتيازه بأركان وأحكام فأركانه خمسة‪ :‬عاقدان وصيغة ورأس مال‬
‫وعمل وربح )يصح قراض( إذا وجدت شروطه مع أركانه‪ ،‬فالركن الّول‪ :‬العاقدان‪ :‬ولهما‬
‫شروط فشرط المالك أهلية توكيل والعامل أهلية التوكل فل يصح القراض إذا كان أحدهما‬
‫محجورًا أو عبدًا أذن له في التجارة أو المالك مفلسًا أو العامل أعمى‪.‬‬
‫والركن الثاني‪ :‬رأس المال وله شروط‪ :‬فمنها كونه )في نقد خالص مضروب( دراهم أو دنانير‬
‫ل إن كان‬ ‫فل يصح في فلوس وحلي وتبرع وعروض كثمنها إن باعها ول يصح في مغشوش إ ّ‬
‫ل إن استهلك غشه بأن ل يتميز النحاس‬ ‫يروج رواج الخالص في كل مكان مع انتفاء الخالص وإ ّ‬
‫ل في رأي العين‪ .‬ومنها‪ :‬كونه في معلوم القدر والجنس والصفة فل يصح في نقد‬ ‫عن الفضة مث ً‬
‫مجهول أخذها ولو مرئيًا للجهل بالربح‪ .‬ومنها‪ :‬كونه قد عين في مجلس العقد وإن لم يعين في‬
‫صلبه فلو قارضه على ألف في ذمته وعينه في المجلس جاز وكذا لو أعطاه ألفين أو صرتين‬
‫وقال‪ :‬قارضتك على أحدهما فإنه يصح إن عين أحدهما في المجلس وإن لم تفتح الصرة ويصح‬
‫على ما بـيد غيره وديعة أو غصبًا أو غيرهما‪.‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬العمل وله شروط منها‪ :‬كونه في تجارة وهي تقليب المال بنحو البـيع والشراء‬
‫لغرض الربح ويدخل فيها توابعها كنشر وطي‪ .‬ومنها‪ :‬كون رأس المال والتجارة بـيد العامل‬
‫ليستقل بالتجارة وتوابعها من غير مزاحم له فيها‪ .‬ومنها‪ :‬أن ل يضيق العمل بتعليق أو تأقيت ومن‬
‫ل بعد شهر لمنافاته‬ ‫ثم بطل القراض بتعليقه وتعليق تصرفه كقوله‪ :‬قارضتك الن ول تتصرف إ ّ‬
‫لغرض الربح بخلف الوكالة‪ ،‬وبطل بتوقيت غير اشتراء كأن قارضه سنة وإن لم يمنعه‬
‫التصرف بعدها إذ قد ل يجد راغبًا فيها‪ ،‬أما توقيت الشتراء بأن منعه الشراء بعدها دون البـيع‬
‫فيصح لحصول السترباح بالبـيع الذي له فعله بعدها‪.‬‬
‫الركن الرابع‪ :‬كون القراض )بصيغة( إنما تحصل بإيجاب من جهة رب المال كقوله‪ :‬قارضتك‬
‫وعاملتك وخذ هذه الدراهم واتجر فيها أو بع واشتر على أن الربح بـيننا فلو اقتصر على قوله‪ :‬بع‬
‫ل بل جعل‪ ،‬وبقبول فورًا من جهة العامل‬ ‫أو اشتر فسد القراض ول شيء للعامل لنه صار وكي ً‬
‫بأن يتصل باليجاب كالبـيع ويقوم مقام اللفظ الكتابة وإشارة الخرس المفهمة‪.‬‬
‫الركن الخامس‪ :‬الربح وله شروط منها‪ :‬اختصاصه بالمالك والعامل واشتراكهما فيه وتقدير‬
‫ل إن عقد )مع شرط ربح لهما( بأن ل يختص به‬ ‫نصيب كل منهما بجزئية‪ ،‬ول يصح القراض إ ّ‬
‫ل بطل القراض‬ ‫أحدهما وأن ل يشترط منه شيء لغيرهما ممن ليس بعامل ول مملوك لحدهما وإ ّ‬
‫سواء اشترط المالك إعطاءه من نصيبه أو نصيب العامل‪ ،‬وخرج بالشرط الوعد فلو قال‪ :‬نصف‬
‫الربح لك ونصفه لي ونصيبـي نصفه لزوجتي صح لنه وعد هبة لتلك المرأة )و( مع شرط الربح‬
‫لهما )يشترط كونه( أي الربح )معلومًا بالجزئية( كنصف وثلث ل بنحو الوزن فإن قال‪ :‬على أن‬
‫الربح بـيننا صح وكان مناصفة‪ ،‬أو قال‪ :‬لك ربع سدس العشر صح وإن لم يعلماه عند العقد‬
‫لسهولة معرفته وهو جزء من مائتين وأربعين جزءًا فالعشر أربعة وعشرون وسدسه أربعة وربع‬
‫السدس واحد‪ ،‬وإذا فسد القراض لنحو فوات شرط وبقي الذن نفذ تصرف العامل نظرًا لبقاء‬
‫الذن كما في الوكالة الفاسدة والربح كله للمالك لنه نماء ملكه وعليه الخسران أيضًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪227 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫)و( عليه )لعامل في فاسد أجرة مثل( وإن لم يحصل ربح بل وإن حصل خسران لنه عمل طامعًا‬
‫في المسمى ولم يسلم له فرجع إلى الجرة وإن علم الفساد وظن أن ل أجرة‪ ،‬أما إذا فسد الذن‬
‫لعدم أهلية العاقد فل ينفذ تصرفه ويضمن مال القراض ضمان الغصوب لوضع يده عليه بل إذن‬
‫من مالكه‪ ،‬ولو قال المالك للعامل‪ :‬بع في هذا واشتر أو قال‪ :‬اتجر فيه ولم يذكر ربحًا فل شيء له‬
‫لن ما ذكره توكيل ل قراض‪ ،‬وكذا لو قال‪ :‬قارضتك وجميع الربح لي فل شيء له لنه عمل‬
‫مجانًا غير طامع في شيء )ول يمون( العامل نفسه بالنفقة وغيرها من مال القراض حضرًا‬
‫وسفرًا إذ المؤنة قد تستغرق الربح فيلزم انفراده به وقد تزيد عليه فيلزم أخذه من رأس المال وإن‬
‫جرت العادة بذلك‪ ،‬فإذا أذن له المالك في ذلك فيكون من الربح ل من أصل مال القراض‪ ،‬فإن لم‬
‫يوجد ربح حسب من رأس المال ولو شرط المؤنة سفرًا أو حضرًا في العقد فسد‪.‬‬
‫)وصدق( أي العامل بـيمينه )في تلف( لنه أمين وهذا شامل لما لو ادعى تلفه ثم اعترف ببقائه ثم‬
‫ادعى تلفه ولو ادعى المالك بعد تلف المال أنه قرض والعامل أنه قراض صدق المالك بـيمينه إذ‬
‫القاعدة أن من كان القول قوله في أصل الشيء فالقول قوله في صفته مع أن الصل عدم الئتمان‬
‫الدافع للضمان‪ ،‬أما قبل التلف فيصدق المالك قطعًا لن العامل يدعى عليه الذن في التصرف‬
‫ل )وقدره(‬ ‫وحصته من الربح والصل عدمهما‪) .‬وعدم ربح( بأن يقول العامل‪ :‬لم أربح شيئًا أص ً‬
‫بأن يقول‪ :‬لم أربح إل كذا لن الصل معه )وخسر( ممكن وإن أخبر قبل بربح لنه أمين ولو أقر‬
‫بربح قدر ثم ادعى غلطًا في الحساب أو كذبًا لم يقبل لنه أقر بحق لغيره فلم يقبل رجوعه عنه‬
‫نعم له تحليف المالك وإن لم يذكر شبهة )ورد( لمال القراض ادعاه العامل ولو بعد إخباره بالربح‬
‫وأنكره المالك ويصدق العامل أيضًا في قدر رأس المال وجنسه وصفته سواء أكان في المال ربح‬
‫أم ل‪ ،‬لن الصل عدم دفع الزائد على ما قاله العامل وفي نية شراء للقراض وإن كان خاسرًا‬
‫ولنفسه وإن كان رابحًا لنه أعرف بقصده‪ ،‬وفي عدم نهي من المالك عن شراء كذا بأن توافقا‬
‫على الذن في شرائه كأن اشترى العامل سلعة فقال المالك‪ :‬نهيتك عن شرائها فقال العامل‪ :‬لم‬
‫تنهني فيصدق العامل وتكون للقراض لن الصل عدم النهي‪ ،‬أما لو قال المالك‪ :‬لم آذن لك في‬
‫شراء كذا فقال العامل‪ :‬بل أذنت لي فالمصدق المالك‪.‬‬
‫تتمة‪ :‬الشركة نوعان‪ :‬أحدهما‪ :‬في الشيء المملوك بدون عقد سواء كان الملك على جهة القهر أو‬
‫الختيار كإرث وشراء على جهة الشيوع‪ ،‬ول فرق في المملوك بـين أن يكون أعيانًا أو منافع‪،‬‬
‫وقد تكون الشركة في مجرد الحقوق إما على العموم كالشوارع وإما على الخصوص كحق‬
‫التحجر‪ .‬وثانيهما‪ :‬أربعة أنواع‪ :‬شركة أبدان بأن يجعل الشخصان كسبهما ببدنهما بـينهما مع تساو‬
‫في الكسب واتفاق حرفة أو ضدهما سواء شرطا أن عليهما ما يعرض من غرم أم ل وذلك‬
‫كخياطين أو حطابـين أو خياط ورّتاء وهذه باطلة عندنا مطلقًا وذلك في نحو الحتطاب إذا لم‬
‫يقصد كل منهما به نفسه وصاحبه فإن قصدهما كان بـينهما مطلقًا‪ ،‬وصحيحة عند أبـي حنيفة‬
‫مطلقًا‪ ،‬وصحيحة عندمالك إن اتحدت الحرفة‪ .‬وشركة المفاوضة بأن يجعل كسبهما وربحهما‬
‫ببدن أو مال من غير خلط وغرمهما بنحو غصب أو إتلف بـينهما وهذه باطلة أيضًا‪ ،‬وشركة‬
‫الوجوه بأن يتفق وجيهان على أن يشتريا في ذمتهما بمؤجل أو حال وربحه بـينهما‪ ،‬أو وجيه‬
‫وخامل على أن يشتري الوجيه في ذمته ويبـيع الخامل أو على أن يعطي الخامل المال ويعمل فيه‬
‫الوجيه ليكون المال من هذا والعمل من هذا من غير تسليم المال والربح بـينهما وهذه باطلة أيضًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪227 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والصورة الثالثة‪ :‬قراض فاسد لستقلل المالك باليد‪ ،‬وقد يحصل الفساد بغير ذلك ككون المال‬
‫غير نقد فل يتوقف الفساد حينئذ على عدم تسليم المال‪ .‬وشركة العنان وهي صحيحة إذا وجدت‬
‫شروط خمسة‪ :‬أحدها‪ :‬أن تكون على ناض من الدراهم والدنانير بالجماع‪ ،‬وتصح في المغشوش‬
‫الرائج في بلد التصرف على الصح ومثله سائر المثليات‪ ،‬ول تصح في المتقّومات لتعذر الخلط‬
‫فيها لنها أعيان متميزة‪ ،‬وحينئذ تتعذر الشركة لن بعضها قد يتلف فيذهب على صاحبه وحده‬
‫والحيلة في الشركة في غير المثليات من المتقّومات أن يبـيع كل واحد منهما بعض عرضه‬
‫ببعض عرض الخر ويتقابضا ثم يأذن كل منهما للخر في التصرف‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أن يتفقا في الجنس فل تصح الشركة في الدراهم والذهب‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬الخلط بشرط أن ل يبقى معه تميـيز‪ ،‬وأن يتقّدم الخلط على العقد والذن فلو اشتركا في‬
‫ثوبـين من غزل واحد والصانع واحد لم تصح الشركة لتميـيز أحدهما عن الخر‪ ،‬وأما عدم‬
‫معرفة كل منهما ثوبه فيقال له‪ :‬اشتباه‪ ،‬أما لو كان المال مشاعًا كأن اشترياه معًا على الشيوع أو‬
‫ورثاه فإنه كاف لحصول المقصود وهو عدم التميـيز‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬الذن منهما في التصرف وتصرف الشريك كتصرف الوكيل فل يبـيع بغير نقد البلد ول‬
‫يبـيع بالجل ول يبـيع ول يشتري بغبن فاحش‪.‬‬
‫وخامسها‪ :‬أن يكون الربح على قدر المالين سواء تساويا في العمل أو تفاوتا‪.‬‬
‫فصل في الشفعة‬
‫وهي حق تملك قهري ثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض بما ملك به لدفع الضرر‪:‬‬
‫أي ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق وغيرها أو ضرر سوء المشاركة‪.‬‬
‫)إنما تثبت الشفعة لشريك( مالك للرقبة )في بـيع أرض مع تابعها كبناء( وتوابعه الداخلة في‬
‫مطلق البـيع كأبواب منصوبة ورفوف مسمرة‪) .‬وشجر( رطب وأصل يجّز مرة بعد أخرى‪.‬‬
‫)وثمر غير مؤبر( عند البـيع إن شرط دخوله كما أفاده الشبراملسي خلفًا لبن حجر ‪.‬‬
‫والحاصل أن أركان الشفعة ثلثة‪ :‬آخذ وهو الشريك القديم‪ ،‬وشرطه كونه شريكًا مالكًا ولو مكاتبًا‬
‫وغير عاقل كمسجد له شقص لم يوقف بأن وهب له أو اشتراه له الناظر من ريع الوقف فإذا باع‬
‫شريكه أخذ له الناظر بالشفعة فخرج بالشريك الجار وبالمالك الموقوف عليه ونحوه فل شفعة‬
‫لهم‪ ،‬ومأخوذ وشرطه أن يكون أرضًا بتابعها‪ ،‬ومأخوذ منه وشرطه تأخر سبب ملكه عن سبب‬
‫ملك الخذ فلو باع أحد شريكين نصيبه بشرط الخيار له فباع الخر نصيبه في زمن الخيار بـيع‬
‫ت‪ ،‬فالشفعة للمشتري الّول إن لم يأخذ بائعه بالشفعة بأن يفسخ البـيع ويأخذ بها ويكون أخذه‬ ‫ب ّ‬
‫فسخًا‪ .‬وأما الصيغة فإنما تجب في التملك فل يصح عّدها ركنًا‪ ،‬وإنما هي شرط للملك‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪227 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والصورة الثالثة‪ :‬قراض فاسد لستقلل المالك باليد‪ ،‬وقد يحصل الفساد بغير ذلك ككون المال‬
‫غير نقد فل يتوقف الفساد حينئذ على عدم تسليم المال‪ .‬وشركة العنان وهي صحيحة إذا وجدت‬
‫شروط خمسة‪ :‬أحدها‪ :‬أن تكون على ناض من الدراهم والدنانير بالجماع‪ ،‬وتصح في المغشوش‬
‫الرائج في بلد التصرف على الصح ومثله سائر المثليات‪ ،‬ول تصح في المتقّومات لتعذر الخلط‬
‫فيها لنها أعيان متميزة‪ ،‬وحينئذ تتعذر الشركة لن بعضها قد يتلف فيذهب على صاحبه وحده‬
‫والحيلة في الشركة في غير المثليات من المتقّومات أن يبـيع كل واحد منهما بعض عرضه‬
‫ببعض عرض الخر ويتقابضا ثم يأذن كل منهما للخر في التصرف‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أن يتفقا في الجنس فل تصح الشركة في الدراهم والذهب‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬الخلط بشرط أن ل يبقى معه تميـيز‪ ،‬وأن يتقّدم الخلط على العقد والذن فلو اشتركا في‬
‫ثوبـين من غزل واحد والصانع واحد لم تصح الشركة لتميـيز أحدهما عن الخر‪ ،‬وأما عدم‬
‫معرفة كل منهما ثوبه فيقال له‪ :‬اشتباه‪ ،‬أما لو كان المال مشاعًا كأن اشترياه معًا على الشيوع أو‬
‫ورثاه فإنه كاف لحصول المقصود وهو عدم التميـيز‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬الذن منهما في التصرف وتصرف الشريك كتصرف الوكيل فل يبـيع بغير نقد البلد ول‬
‫يبـيع بالجل ول يبـيع ول يشتري بغبن فاحش‪.‬‬
‫وخامسها‪ :‬أن يكون الربح على قدر المالين سواء تساويا في العمل أو تفاوتا‪.‬‬
‫فصل في الشفعة‬
‫وهي حق تملك قهري ثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض بما ملك به لدفع الضرر‪:‬‬
‫أي ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق وغيرها أو ضرر سوء المشاركة‪.‬‬
‫)إنما تثبت الشفعة لشريك( مالك للرقبة )في بـيع أرض مع تابعها كبناء( وتوابعه الداخلة في‬
‫مطلق البـيع كأبواب منصوبة ورفوف مسمرة‪) .‬وشجر( رطب وأصل يجّز مرة بعد أخرى‪.‬‬
‫)وثمر غير مؤبر( عند البـيع إن شرط دخوله كما أفاده الشبراملسي خلفًا لبن حجر ‪.‬‬
‫والحاصل أن أركان الشفعة ثلثة‪ :‬آخذ وهو الشريك القديم‪ ،‬وشرطه كونه شريكًا مالكًا ولو مكاتبًا‬
‫وغير عاقل كمسجد له شقص لم يوقف بأن وهب له أو اشتراه له الناظر من ريع الوقف فإذا باع‬
‫شريكه أخذ له الناظر بالشفعة فخرج بالشريك الجار وبالمالك الموقوف عليه ونحوه فل شفعة‬
‫لهم‪ ،‬ومأخوذ وشرطه أن يكون أرضًا بتابعها‪ ،‬ومأخوذ منه وشرطه تأخر سبب ملكه عن سبب‬
‫ملك الخذ فلو باع أحد شريكين نصيبه بشرط الخيار له فباع الخر نصيبه في زمن الخيار بـيع‬
‫ت‪ ،‬فالشفعة للمشتري الّول إن لم يأخذ بائعه بالشفعة بأن يفسخ البـيع ويأخذ بها ويكون أخذه‬
‫ب ّ‬
‫فسخًا‪ .‬وأما الصيغة فإنما تجب في التملك فل يصح عّدها ركنًا‪ ،‬وإنما هي شرط للملك‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪227 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب في الجارة‬

‫بتثليث الهمزة والكسر أشهر‪ ،‬وهي عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والباحة بعوض‬
‫ح إجارة( إذا وجدت أركانها‪ ،‬وهي أربعة‪ :‬الّول‪ :‬العاقدان وشرطهما كالمتبايعين في‬ ‫معلوم )تص ّ‬
‫الرشد‪ ،‬وعدم الكراه بغير حق‪ .‬نعم استئجار كافر لمسلم ولو إجارة عين صحيح لكن إجارة العين‬
‫مكروهة‪ ،‬ومع ذلك يجبر على إيجاره لمسلم فيها لزالة اليد عنه‪ ،‬فلو لم يفعل وخدم المسلم بنفسه‬
‫ح إيجار سفيه نفسه لما ل يقصد من عمله كالحج لنه يجوز له‬ ‫ق الجرة المسماة‪ ،‬ويص ّ‬
‫استح ّ‬
‫التبّرع به‪ :‬وذلك بأن يكون غنيًا بماله عن كسب يصرفه على نفقة نفسه ومن تلزمه مؤنته‪ ،‬ويص ّ‬
‫ح‬
‫بـيع السيد للعبد نفسه ل إجارته إياها لفضاء بـيعه إلى عتقه فاغتفر فيه ما لم يغتفر في الجارة‬
‫ح‪.‬‬
‫لعدم أدائها إليه‪ ،‬ولو وكل شخص عبدًا في شراء نفسه أو استئجارها لموكله ص ّ‬
‫الركن الثاني‪ :‬الصيغة‪ ،‬وشرط فيها جميع ما مّر في البـيع إل عدم التأقيت‪ ،‬فحينئذ صحة عقد‬
‫إجارة ل تكون إل )بإيجاب( وهو إما صريح أو كناية‪ ،‬فالصريح )كآجرتك( هذا أو أكريتك هذا أو‬
‫عّوضتك منفعة هذه الدار سنة بمنفعة هذه الدار سنة بمنفعة دارك أو ملكتك منافع هذا سنة )بكذا(‬
‫وسنة ظرف لمقّدر‪ ،‬والتقدير انتفع به سنة إن جعل ظرفًا لمنافع أو متعينًا إن جعل ظرفًا لجر‬
‫وتختص إجارة الذمة بنحو ألزمت ذمتك كذا‪ ،‬أو سلمت إليك هذه الدراهم في خياطة هذا‪ ،‬أو في‬
‫ل الفلني‪ ،‬وعّد ذلك إيجابًا مع أنه من المستأجر‬ ‫دابة صفتها كذا لحمل كذا‪ ،‬أو في حملي إلى المح ّ‬
‫لنها سلم في المنافع واليجاب في السلم من جانب المسلم‪) .‬و( ل بّد مع اليجاب من )قبول(‬
‫متصل موافق له في المعنى )كاستأجرت( أو اكتريت أو استكريت أو قبلت‪ ،‬والكناية جعلت لك‬
‫منفعة هذا سنة‪ ،‬أو أعطيتكها بكذا‪ ،‬أو اسكن داري شهرًا بكذا‪ .‬ومنها الكتابة ول بّد في الكناية من‬
‫نية‪.‬‬
‫ح عقد الجارة إل )بأجر( مذكور في العقد )معلوم( جنسًا وقدرًا‬ ‫الركن الثالث‪ :‬الجرة‪ ،‬ول يص ّ‬
‫ل كفت معاينتها في إجارة العين والذمة‪ ،‬ثم ذلك الجر له حكم‬ ‫وصفة إن كان الجر في الذمة وإ ّ‬
‫ثمن في إجارة عينية فلما للجر الذي في الذمة حكم الثمن الذي في الذمة من نحو جواز استبدال‬
‫عنه وحوالة به وعليه وإبراء منه‪ ،‬وتعجيله وتأجيله‪ ،‬ووجوب ضبطه ووصفه‪ ،‬ولما للجر المعين‬
‫حكم الثمن المعين في شروطه كالرؤية وإن سبقت العقد وامتناع تأجيله‪ ،‬وفي أنه يملك في الحال‬
‫وله حكم رأس مال سلم في إجارة ذمة وإن لم يعقد بلفظ سلم لنها سلم في المنافع‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪235 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ح استئجار‬‫ل )في( محض )منفعة( حالة‪ ،‬فل يص ّ‬ ‫ح عقد إجارة إ ّ‬


‫الركن الرابع‪ :‬المنفعة فل يص ّ‬
‫ح استئجار جحش‬ ‫البستان للثمار والشاة للبنها أو لصوفها أو ولدها والبركة لسمكها‪ ،‬ول يص ّ‬
‫ح إل في منفعة )متقّومة( أي لها قيمة‬
‫صغير لن وضع الجارة على تعجيل المنافع‪ ،‬ول يص ّ‬
‫ليحسن بذل المال في مقابلتها‪ :‬كاستئجار ريحان للشّم وطائر للنس بصوته أو لونه وشجرة‬
‫ن‬
‫ح استئجار آلت اللهو كالطنبور والمزمار والرباب ونحوها فإ ّ‬ ‫للستظلل بظلها فل يص ّ‬
‫استئجارها حرام يحرم بذل الجرة في مقابلتها‪ ،‬ويحرم أخذ الجرة لنه من نوع أكل الموال‬
‫ح استئجار بـياع‬‫بالباطل‪ ،‬ول يصح استئجار الطعام لتزيـين الحوانيت لن منفعتها تافهة‪ ،‬ول يص ّ‬
‫على كلمة ل تتعب قائلها عادة‪ .‬نعم يجوز أخذ الجرة على ضربة من ماهر يصلح بها اعوجاج‬
‫سيف وإن لم يكن فيه مشقة‪ ،‬لن من شأن هذه الصنائع أن يتعب في تحصيلها بالموال وغيرها‬
‫بخلف القوال‪.‬‬
‫ح عقد الجارة إل في منفعة )معلومة( فإن كانت المنفعة المعقود عليها ل تتقّدر إل‬ ‫ول يص ّ‬
‫بالزمان فالشرط في صحة الجارة فيها أن تقّدر بمّدة وذلك كالجارة للسكنى والرضاع ونحو ذلك‬
‫وإن كانت ل تتقّدر إل بالعمل قّدر به وإن ورد العقد فيه على الذمة كالركوب والحج ونحو ذلك‪،‬‬
‫وإن كانت تتقّدر بالمّدة والعمل كالخياطة والبناء قّدر بأحدهما كقوله‪ :‬استأجرتك لتخيط هذا الثوب‪،‬‬
‫أو استأجرتك لتخيط لي ثوبًا شهرًا‪ ،‬فإن قّدر بهما كأن قال‪ :‬استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في‬
‫ح العقد‪ ،‬وإن قصد التقدير بالعمل‪ ،‬وذكر اليوم للتعجيل وكان الثوب صغيرًا بأن‬ ‫هذا اليوم لم يص ّ‬
‫ل من يوم فذلك باطل كما اعتمده الزيادي وأبو بكر الحصني خلفًا لبعضهم‪ ،‬ول‬ ‫يفرغ عادة في أق ّ‬
‫ح إجارة أحد عبديه‪ ،‬وغير مرئي في إجارة العين‪ ،‬ومجهول العمل أو المّدة‪.‬‬ ‫تص ّ‬
‫ويشترط تحديد جهات العقار حيث لم يشتهر بدونه‪ ،‬فل يكفي أن يقول‪ :‬آجرتك قطعة من هذه‬
‫ل في منفعة‬‫ح عقد الجارة إ ّ‬ ‫ل فتكفي مشاهدتها‪ ،‬ول يص ّ‬ ‫ل‪ ،‬بخلف إيجار دار مث ً‬ ‫الرض مث ً‬
‫)واقعة للمكتري( أو موكله أو موليه‪ ،‬وخرج بذلك العبادة التي ل تقبل النيابة كالصلة‪ ،‬ويشترط‬
‫ح عقد الجارة على ما يتضمن‬ ‫كون عقد المنفعة في )غير متضمن لستيفاء عين قصدًا( فل يص ّ‬
‫إتلف عين فمن ذلك استئجار الشمع للشعال‪ .‬وقد تقع العين تبعًا كما إذا استأجر امرأة للرضاع‬
‫ي من وضعه في حجر‬ ‫ح أن المعقود عليه القيام بأمر الصبـ ّ‬
‫ص‪ ،‬والص ّ‬ ‫فإنه جائز لورود الن ّ‬
‫الرضيع وتلقيمه الثدي وعصره بقدر الحاجة وذلك هو الفعل واللبن يستحقّ تبعًا‪ .‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫ن{ ))‪ (65‬الطلق‪ :‬الية ‪ (6‬علق ال تعالى الجرة بفعل‬ ‫ن أجوره ّ‬‫}فإن أرضعن لكم فآتوه ّ‬
‫الرضاع ل باللبن‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪235 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( يتعين لدفع الخيار ل لدفع الثم )على مكر تسليم مفتاح( ضبة )دار( إلى المكتري لتوقف‬
‫النتفاع عليه وهو أمانة بـيده‪ ،‬فإذا تلف بتقصيره ضمنه بقيمته الن أو بعدمه فل وفيهما يلزم‬
‫المكري تجديده‪ ،‬فإن أبى لم يجبر على التجديد ولم يأثم لكن يتخير المكتري )وعمارتها( الشاملة‬
‫ي مّدة لها أجرة‬
‫لنحو تطيـين سطح وإعادة رخام قلعه المؤجر أو غيره‪) .‬فإن بادر( أي قبل مض ّ‬
‫ل( يبادر إلى ذلك )فللمكتري( قهرًا على المؤجر‬‫لصلحها أو تسليم المفتاح فذاك واضح )وإ ّ‬
‫)خيار( إن نقصت المنفعة )وعلى مكتر تنظيف عرصتها( أي الدار )من كناسة( حصلت في دوام‬
‫المّدة‪ :‬وهي ما يسقط من نحو قشر وطعام ورماد‪ ،‬وبعد انقضاء المّدة يجبر المكتري على نقل‬
‫الكناسة لنها من فعله‪.‬‬
‫وأما التراب الحاصل بالريح فل يلزم واحدًا منهما نقله‪ ،‬بخلف كناسة موجودة عند ابتداء الجارة‬
‫فإنه يجب تفريغ الدار منها على مكر ولو غير مالك‪ :‬كأن كان مالك المنفعة فقط )وهو( أي‬
‫المكتري )أمين( على العين المكتراة )مّدة الجارة( إن قّدرت بزمن أو مّدة إمكان استيفاء المنفعة‬
‫ل عمل لعدم إمكان الستيفاء للمنفعة بدون وضع يده )وكذا بعدها( إن لم يستعمل‬ ‫إن قّدرت بمح ّ‬
‫تلك العين استصحابًا لما كان‪ ،‬ولنه ل يلزمه غير التخلية فل يلزمه الرّد ول مؤنته )كأجير( فإنه‬
‫أمين فيما في يده لجل أن يعمل فيه كما إذا استأجر لقصارة ثوب ونحوه وتلف )فل ضمان إل‬
‫بتقصير( كما إذا استأجر للخبز فأسرف في اليقاد أو تركه حتى احترق أو ألصقه قبل وقته‪ ،‬وكما‬
‫لو تعّدى المستأجر في ذات العين المستأجرة‪ :‬كأن يكبح الدابة باللجام‪ ،‬أو يضربها برجله‪ ،‬أو يعدو‬
‫بها في غير محل العدو على خلف العادة في هذه المور فإنه يضمنها‪ ،‬بخلف ما إذا فعل ذلك‬
‫على العادة بالنسبة لمثل تلك الدابة‪ ،‬ويصدق أجير الدابة في نفي تعّديه ما لم يشهد خبـيران‬
‫بخلفه‪.‬‬
‫واعلم أن المرجع في العدوان إلى العرف‪ .‬فلو ربط الدابة في الططبل فماتت لم يضمن‪ .‬وأما إن‬
‫ل عن الصحاب أنه يضمن‪ ،‬وقال غيره‪ :‬إن انهدم في وقت‬ ‫انهدم عليها فماتت‪ ،‬فأطلق الغزالي نق ً‬
‫عهد أن تكون الدابة فيه كالليل في الشتاء وكالمطر الشديد في النهار فل ضمان وإل ضمن ولو‬
‫ل إذا انهدم عليها إصطبل في وقت لو‬ ‫ربط دابة اكتراها لحمل أو ركوب ولم ينتفع بها لم يضمن إ ّ‬
‫انتفع بها لم يصبها الهدم‪ :‬كذا في كفاية الخيار‪) .‬ول أجرة( لعمل كحلق رأس وخياطة ثوب )بل‬
‫شرط( بأن لم يذكر أحدهما أجرة بحضرة الخر ولم يذكر ما يفهمها وإن عرف ذلك العمل بها‬
‫لعدم التزامها مع صرف العامل منفعته‪ ،‬هذا إذا كان حّرا مكلفًا مطلق التصّرف‪ ،‬فلو كان عبدًا أو‬
‫ق الجرة إذ ليسوا من أهل التصّرف بمنافعهم المقابلة‬ ‫محجورًا عليه بسفه أو نحوه استح ّ‬
‫بالعواض‪ ،‬وكذا لو دخل سفينة بل إذن فإنه تجب عليه الجرة وإن علم به المالك لنه بجلوسه‬
‫ل‪ ،‬بخلف وضع المتاع على الدابة فإنه ل يصير غاصبًا لها به لنه‬ ‫فيها صار غاصبًا لذلك المح ّ‬
‫ل بّد فيها من النقل أو الركوب‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪235 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫أما لو دخل السفينة بإذن فل تجب عليه أجرة لعدم اشتراطها مع انتفاء الغصب )و( متى قبض‬
‫ي مّدة(‬‫المكتري العين المؤجرة كالدابة والدار )تقّررت( أي الجرة )عليه( أي المكتري )بمض ّ‬
‫للجارة )وإن لم يستوف( المنفعة ولو لعذر منعه من الستيفاء كخوف أو مرض لتلف المنافع‬
‫تحت يده حقيقة أو حكمًا فاستقّر عليه بدلها‪ ،‬ومتى خرج المستأجر بها مع الخوف صار ضامنًا لها‬
‫ل إذا ذكر ذلك حالة العقد‪ ،‬أو كان الزمن زمن خوف وعلم به المؤجر‪ ،‬وكذا تتقّرر الجرة إذا‬ ‫إّ‬
‫ي مّدة إمكان السير إليه لكونه متمكنًا من‬ ‫اكترى دابة لركوب إلى موضع معين وقبضها بمض ّ‬
‫ي مّدة العمل الذي ضبطت به المنفعة وتلك‬ ‫الستيفاء‪ ،‬وهذه مقّدرة بعمل فتستقّر الجرة بمض ّ‬
‫مقّدرة بزمن‪ ،‬وتستقّر في الجارة الفاسدة أجرة المثل سواء زادت على المسمى أم نقصت بما‬
‫يستقّر به المسمى في الصحيحة مما ذكر وإن لم ينتفع‪ .‬نعم تخلية العقار والوضع بـين يديه‬
‫والعرض عليه‪ ،‬وإن امتنع ل يكفي في الجارة الفاسدة‪ ،‬بل ل بّد من القبض الحقيقي‪.‬‬
‫)وتنفسخ( أي الجارة )بتلف مستوفى منه معين( في عقدها شرعًا كمسلمة استؤجرت بنفسها‬
‫لخدمة مسجد فحاضت فيها أو حسًا كموت الدابة المعينة ولو بفعل المستأجر وانهدام الدار كلها‬
‫ولو بفعل المكتري )في( زمن )مستقبل( ل في الزمان الماضي بعد القبض الذي يقابل بأجرة فل‬
‫تنفسخ الجارة لستقراره بالقبض فيستقّر قسطه من المسمى بالنظر لجرة المثل بأن تقّوم منفعة‬
‫المّدة الماضية والباقية‪ ،‬ويوزع المسمى على نسبة قيمتهما وقت العقد دون ما بعده‪ ،‬فلو كانت مّدة‬
‫ل أجرة النصف الباقي وجب من المسمى ثلثًا‪ ،‬أو‬ ‫الجارة سنة ومضى نصفها وأجرة مثله مث ً‬
‫بالعكس فثلثه‪ ،‬ل على نسبة المّدتين لختلف الجرة‪ ،‬إذ قد تزيد أجرة شهر على شهور‪ ،‬فلو قسط‬
‫ل شهر منها بكذا اعتبر ما سماه‬ ‫الجرة على عدد الشهور كأن قال‪ :‬أجرتك هذه الدار سنة ك ّ‬
‫ل بما وقع به العقد‪.‬‬
‫موزعًا ولم ينظر لجرة مثل المّدة الماضية ول المستقبلة عم ً‬

‫أما المعين في إجارة الذمة فيبدل وجوبًا لتلف أو عيب‪ ،‬ويجوز البدال عند عدمهما لكن برضا‬
‫ص به‪ ،‬وخرج بالمستوفى منه غيره فل تنفسخ الجارة بتلفه فيجوز‬ ‫المكتري لنه بالقبض اخت ّ‬
‫إبدال المستوفى بمثله أو بدونه فيركب مثله في الضرر اللحق بالعين أو دونه ويسكنه ويلبسه‬
‫لنه يجوز للمكتري استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره المين لنها ملكه‪ ،‬فلو شرط عليه استيفاءها‬
‫بنفسه فسد العقد‪ ،‬ويجوز إبدال المستوفى به بمثله وإن أبى الجير لنه طريق للستيفاء ل معقود‬
‫عليه‪ ،‬وذلك كما لو استأجر دابة معينة لركوب أو حمل متاع فيجوز إبدال الراكب والمتاع بل‬
‫ي معين‬ ‫خلف‪ ،‬وكذا إذا التزم في ذمته خياطة ثوب معين أو حمل متاع معين أو إرضاع صبـ ّ‬
‫ل على التعويض‬ ‫فيجوز إبدال ذلك بمثله بل معاوضة على الصح‪ .‬أما إن كان البدال بلفظ يد ّ‬
‫كقوله‪ :‬عّوضتك كذا عن كذا فيجوز قطعًا‪ ،‬ويجوز إبدال المستوفى فيه كطريق بمثلها مسافة وأمنًا‬
‫ل التسليم إذ ل بّد من بـيان موضعه‪.‬‬
‫وسهولة أو حزونة بشرط أن ل يختلف مح ّ‬
‫رقم الصفحة‪235 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فرع‪ :‬لو أعطى المالك للخياط ثوبًا ليخيطه بعد قطع الخياط إياه فخاطه قباء وقال‪ :‬أمرتني بقطعه‬
‫قباء‪ ،‬فقال المالك‪ :‬بل أمرتك بقطعه قيمصًا صدق المالك بـيمينه لنه المصّدق في أصل الذ َ‬
‫ن‬
‫فكذا في صفته‪ ،‬فيحلف أنه ما أذن في قطعه قباء ول أجرة عليه إذا حلف‪ ،‬وعلى الخياط أرش‬
‫نقص الثوب‪ :‬وهو ما بـين قيمته صحيحًا ومقطوعًا على معتمد ابن حجر ‪ ،‬أو بـين قيمته مقطوعًا‬
‫قميصًا ومقطوعًا قباء على معتمد الرملي‪ ،‬وعلى هذا الوجه الثاني إن لم ينقص القباء فل شيء‬
‫عليه‪ ،‬وللخياط نزع خيطه وعليه أرش نقص النزع إن حصل النقص في القميص نفسه كأن‬
‫ل بل خياطة‪ ،‬ولو قال المالك‪ :‬إن كان هذا يكفيني‬ ‫نقصت قيمته ينزع الخيط عن قيمته قماشًا مفص ً‬
‫قيمصًا فاقطعه فقطعه ولم يكفه ضمن أرش القطع‪ :‬وهو ما بـين قيمته صحيحًا ومقطوعًا لن‬
‫الشرط لم يحصل بخلف ما لو قال‪ :‬هل يكفيني؟ فقال نعم‪ ،‬فقال‪ :‬اقطع لن الذن مطلق )ولو‬
‫اختلفا في أجرة( أو منفعة )أو مّدة( أو قدر المنفعة أو قدر المستأجر )تحالفا وفسخت( أي الجارة‬
‫ووجب على المستأجر أجرة المثل لما استوفاه‪.‬‬
‫ح المخابرة وهي المعاملة على الرض ببعض ما يخرج منها‪ ،‬والبذر من العامل‬ ‫فرع‪ :‬ل تص ّ‬
‫لقوله ‪» :‬من لم يذر المخابرة فليأذن بحرب من ال« ‪ .‬رواه أبو داود‪ ،‬ولسهولة تحصيل منفعة‬
‫ح المزارعة وهي المعاملة عليها بذلك والبذر من المالك‪ ،‬لما روي عن‬ ‫الرض بالجارة‪ .‬ول تص ّ‬
‫ثابت بن الضحاك رضي ال عنه‪» :‬أن رسول ال نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة« ‪ .‬رواه‬
‫مسلم‪ ،‬والمخابر في معنى مستأجر الرض فيلزم عليه أجرة الرض وإن عطلها بل زرع‪،‬‬
‫والمزارع في معنى الجير على عمل فل يلزمه شيء إذا عطل الرض‪ ،‬لنه لم يستوف منفعتها‬
‫ح المراعاة‪ :‬وهي أن يستأجر شخص راعيًا لغنمه سنة‬ ‫ول باشر إتلفها فل وجه للزوم‪ .‬ول تص ّ‬
‫كاملة‪ ،‬ويجعل له الجرة ثلث نتاجها‪ ،‬وهذه الجارة فاسدة لن النتاج مجهول وثبت لفاسدة من‬
‫ق الجير أجرة المثل للمّدة التي رعى تلك الغنم‬ ‫أجرة المثل ما ثبت لمسمى في صحيحة فيستح ّ‬
‫فيها لنه لم يبذل منفعته مجانًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪235 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب في العارية‬

‫ل النتفاع به مع بقاء عينه‪ ،‬ومع‬


‫بتشديد الياء وقد تخفف‪ ،‬وهي شرعًا إباحة النتفاع مجانًا بما يح ّ‬
‫كونها إباحة ترتّد بالرّد‪ ،‬بخلف مطلق الباحة فإنها ل ترتّد‪ ،‬والعارة بعد التماسها سنة وكانت‬
‫أّول السلم واجبة‪ ،‬وقد تجب كإعارة ثوب لدفع حّر أو برد أو لتوقف صحة الصلة عليه‪،‬‬
‫وإعارة ما ينقذ غريقًا كحبل وإعارة سكين لذبح حيوان مأكول يخشى فوته‪ ،‬وقد تحرم كإعارة‬
‫صيد من محرم وأمة غير صغيرة من أجنبـي‪ ،‬وقد تكره كإعارة عبد مسلم لكافر‪ ،‬وقد تباح‬
‫وتصّور الباحة بإعارة من ل حاجة له بالمعار بوجه‪.‬‬
‫وأركانها أربعة‪ :‬الّول معير‪ :‬وشرطه اختياره وصحة تبرعه ومن ثم )صح( من شخص مختار‬
‫ذي تبرع إعارة ما يأتي لن العارية تبرع بالمنفعة فل تصح إعارة مكره بغير حق أما به كما لو‬
‫أكره على إعارة واجبة فتصح‪ ،‬ول إعارة محجور عليه لكن تصح إعارة السفيه لبدن نفسه حيث‬
‫لم يكن عمله مقصودًا‪.‬‬
‫الركن الثاني المستعير‪ :‬وشرطه تعيـينه فل يصح أعرت أحدكما وصحة التبرع عليه بعقد فيصح‬
‫من ذي تبرع )إعارة( أهل لقبول التبرع فل يصح لغير أهل لقبوله كغير مكلف وكسفيه على‬
‫الوجه الذي جرى عليه الماوردي وغيره‪.‬‬
‫الركن الثالث المعار‪ :‬وشرطه حل النتفاع به مع ملك منفعته وبقاء عينه وإن لم يعين ذلك المعار‬
‫حتى لو قال‪ :‬أعرني دابة فقال‪ :‬ادخل الصطبل وخذ ما أردت صحت العارة‪ .‬بخلف الجارة‬
‫لن الغرر ل يحتمل في المعاوضات فيجور إعارة )عين لنتفاع مملوك( ولو بوصية أو إجارة أو‬
‫وقف وإن لم يملك المعير العين لن العارية ترد على المنفعة فقط والمراد بملك المنفعة هنا ما يعم‬
‫الختصاص بها لتصحيحهم إعارة كلب الصيد وإعارة منذور أضحية وهدي مع خروجه عن ملك‬
‫ل في هذه‪ ،‬والمراد أن‬ ‫المعير فلو تلف المنذور ضمنه المعير والمستعير وليس لنا معير يضمن إ ّ‬
‫ل منهما طريق في الضمان وأن القرار على من تلف المعار تحت يده ول بد في النتفاع‬ ‫كً‬
‫المملوك من )مباح( استيفاؤه للمستعير فل يعار نحو حمار زمن وأمة لخدمة أجنبـي وآلت‬
‫الملهي‪.‬‬
‫الركن الرابع الصيغة‪ :‬وإنما تصح العارة )بلفظ( أو كتابة بنية أو إشارة أخرس )يشعر بإذن فيه(‬
‫أي يدل ذلك على الذن في النتفاع أو على طلبه إذ النتفاع بملك الغير يتوقف على ذلك‬
‫)كأعرتك( هذا أو أعرتك منفعته أو أبحتك منفعته أو اركب أو خذه لتنتفع به أو أعرني أو‬
‫أركبني‪ ،‬ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الخر وإن تأخر أحدهما عن الخر وإن طال الزمن جدًا‬
‫فحيث حصلت الصيغة ل يضر التأخر إن لم يوجد من المعير ما يدل على الرجوع ول من‬
‫ل أو أرشًا وإن‬
‫المستعير ما يدل على الرد‪) .‬وعلى مستعير ضمان قيمة يوم التلف( للمعار بد ً‬
‫شرطا عدم ضمانه ولو لم يفرط كسقوط الدابة في بئر حالة سيرها وهذا تلف بغير الستعمال‬
‫المأذون فيه لنه تلف في الستعمال ل به‪ ،‬ومنه ما لو استعار ثورًا لستعماله في ساقية فسقط في‬
‫بئرها فإنه يضمنه لنه تلف في الستعمال المأذون فيه بغيره ل به‪ ،‬ومنه أيضًا ما لو أصابه‬
‫ل من آلة الحرث فيضمنه كل من المستعير والحارث وقرار الضمان على الحارث‪.‬‬ ‫السلح مث ً‬
‫رقم الصفحة‪239 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وشرط التلف المضمن أن يحصل )ل باستعمال( مأذون فيه فإن حصل مع الستعمال بأن تلفت‬
‫العين المستعارة أو جزؤها باستعمال مأذون فيه كركوب معتاد أو حمل معتاد فعرجت أو‬
‫ل في‬‫تقرحت‪ ،‬أو لبس معتاد فانمحقت العين أو انسحقت فل ضمان لحدوث التلف بإذن المالك إ ّ‬
‫الحمل على أضحية أو هدي منذورين فيضمنان بقيمتيهما‪ ،‬ولو استعار رقيقًا لتنظيف سطح مث ً‬
‫ل‬
‫فسقط من سلمه ومات ضمنه بخلف ما لو استأجره‪ ،‬ول يشترط في ضمان المستعير كون العين‬
‫في يده بل وإن كانت في يد المالك لكن بعد قبض المستعير مع بقاء حكم العارية أو قبل القبض‬
‫بالفعل لكن استعملها المالك في شغل المستعير‪ ،‬ولو حمل متاع غيره على دابته بسؤال الغير كان‬
‫ذلك الغير مستعيرًا لكل الدابة إن لم يكن عليها شيء لغير المستعير وإل فبقدر متاعه‪ ،‬ولو اختلفا‬
‫ل صّدق المستعير بـيمينه لعسر إقامة البـينة عليه‬‫في حصول التلف بالستعمال المأذون فيه أو ً‬
‫ولن الصل براءة ذمته وكون الصل في العارية الضمان هو بالنسبة لليد ل للذمة وتعلق‬
‫الضمان بالذمة أمر طارىء على الصل كذا في النهاية‪.‬‬
‫)وعليه( أي المستعير )مؤنة رد( للمعار إذا استعار من المالك‪ ،‬وكذا إذا استعار من نحو مستأجر‬
‫ورد عليه لنه قبضه للغرض نفسه‪ ،‬أما إذا رده المستعير على المالك فالمؤنة على المالك ولو‬
‫كان استحقاق المستأجر باقيًا كما لو رد عليه معيره المستأجر )ولكل( من المعير والمستعير‬
‫ل إذا أعار أرضًا لدفن ميت غير‬ ‫)رجوع( في العارية المطلقة والمؤقتة قبل فراغ المدة متى شاء إ ّ‬
‫حربـي ومرتد فيمتنع الرجوع أي استرداد المعير ورد المستعير إذا كان بعد إدلء الميت في هواء‬
‫القبر وإن لم يصل إلى أسلفه كما يمتنع الرجوع في الكفن المعار بمجرد وضعه على الميت وإن‬
‫لم يلف عليه وعلى المعير إذا رجع بعد الحفر مؤنة حفر ما رجع فيه لوارث الميت سواء حفر‬
‫ل إذا استعار ثوبًا للستر أو‬
‫بنفسه أو بالستئجار لمن حفر له أو بحفر متبرع بقصد المستعير‪ ،‬وإ ّ‬
‫الفراش على نجس في صلة الفرض وشرع فيها فيمتنع على المعير السترداد كما يمتنع على‬
‫ل بعد فراغ الصلة ويلزمه القتصار على أقل مجزىء من واجباتها بعد‬ ‫المستعير الرد إ ّ‬
‫الرجوع‪ ،‬بخلف ما لو استعاره لمطلق الصلة فالعارية لزمة من جهة المستعير فقط إن أحرم‬
‫بفرض فللمعير الرجوع‪ ،‬وإذا رجع نزعه المستعير وبنى على صلته ول إعادة عليه‪ ،‬فإن أحرم‬
‫ل إذا استعار سفينة ووضع فيها متاعًا في ماء غزير فيمتنع على‬ ‫بنفل كانت جائزة من جهتهما وإ ّ‬
‫المعير الرجوع حينئذ أي يمتنع عليه تفريغها حينئذ حتى تصل إلى محل تأمن فيه وإن كان له‬
‫ل إذا استعار مكانًا لسكنى معتدة فيمتنع على‬
‫الرجوع بالقول ويستحق الجرة من حينئذ وإ ّ‬
‫المستعير الرد ويجوز للمعير السترداد‪ ،‬وإذا رجع المعير نقلت المعتدة لقرب المواضع إن لم‬
‫ل فل أجرة‬ ‫يرض بالجرة فلو رضي بها امتنع النقل‪ ،‬ولو استعمل المستعار بعد الرجوع جاه ً‬
‫عليه بخلف ما لو استعمل العارية بعد جنون المعير أو إغمائه أو موته غير عالم بذلك فتلزمه‬
‫ل للباحة‪ ،‬وإذا استعار للغراس والبناء لم‬
‫الجرة لبطلن الذن بذلك فإن المعير بعده ليس أه ً‬
‫يفعل ذلك إل مرة فإن قلعه لم يعده إل بإذن جديد ما لم يأذن له في التجديد مرة بعد أخرى‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪239 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فصل في الغصب‬
‫وهو الستيلء على حق الغير على طريق الظلم ويدخل في الحق الختصاصات والمنافع ككلب‬
‫الصيد وجلد الميتة وخمرمحترم وسرجين وحق التحجر وحق من قعد في سوق أو مسجد أو‬
‫شارع‪ .‬والغصب من الكبائر‪ .‬والصل في تحريمه آيات كقوله تعالى‪} :‬ل تأكلوا أموالكم بـينكم‬
‫بالباطل{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ (188‬وأخبار كقوله في خطبته في منى‪» :‬إن دماءكم وأموالكم‬
‫وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا« رواه الشيخان‪ .‬وقوله ‪:‬‬
‫»من ظلم قيد شبر من أرض طّوقه من سبع أرضين« رواه الشيخان‪) ،‬وعلى الغاصب رّد( فورًا‬
‫ل كحبة بر‬ ‫عند التمكن للمنقول بنفسه أو فعل أجنبـي وإن عظمت المؤنة في رده ولو لم يكن متمو ً‬
‫ل عنه وعليه خروج من‬ ‫وكلب محترم يقتنى‪ ،‬وإن لم يطلبه المالك سواء كان ببلد الغصب أم منتق ً‬
‫العقار بنية عدم العود إليه وتمكين المالك منه‪) .‬و( عليه )ضمان متمّول( أي متقوم كثياب وحيوان‬
‫غير رقيق وغير صيد على المحرم أو في الحرم )تلف بأقصى قيمته من حين غصب إلى تلف(‬
‫لنه في حال زيادة القيمة غاصب مطالب بالرد فلما لم يرد في تلك الحالة ضمن الزيادة لتعديه‬
‫وتجب قيمته من نقد البلد الذي حصل فيه التلف إذا لم ينقل المغصوب فإن نقله فيعتبر نقد البلد‬
‫الذي تعتبر القيمة فيه وهو أكثر البلدين قيمة وذلك باعتبار النقد الغالب فإن غلب نقدان وتساويا‬
‫ل أو بعضًا بقيمته بالغة ما بلغت‪ ،‬والتقويم يكون‬ ‫عين القاضي واحدًا‪ ،‬أما الرقيق فتضمن نفسه ك ً‬
‫ل أو بعضًا أقصى القيم في المغصوب وقيمة يوم التلف في‬ ‫بعد الندمال دائمًا والقيمة المعتبرة ك ً‬
‫غيره‪ ،‬وأما الصيد فيضمن بمثله )ويضمن مثلي بمثله( ما لم يتراضيا على قيمته لن المثل أقرب‬
‫إلى حقه‪ ،‬فإن خرج المثلي عن القيمة كما لو أتلف ماء بمفازة‪ ،‬ثم اجتمعا بمحل ل قيمة للماء فيه‬
‫ل لزمه قيمته بمحل التلف‪ ،‬بخلف ما إذا بقيت له قيمة ولو تافهة فل يعدل عن المثل لنه‬ ‫أص ً‬
‫ل فالواجب القيمة بمحل التلف‪ .‬ثم المثلي ما جاز السلم فيه‬ ‫الصل وهذا إذا لم يكن لنقله مؤنة وإ ّ‬
‫وأمكن ضبطه بالكيل أو الوزن وإن لم يعتد فيه بأن لم تجر عادة أهل الشرع بمثله فما حصره عّد‬
‫أو ذرع كحيوان وثياب متقوم وإن جاز السلم فيه‪ ،‬والمعجونات والجواهر ونحوهما مما يمتنع‬
‫ل التمر مثلي كبّر اختلط‬ ‫السلم فيه متقوم‪ ،‬وإن حصره وزن أو كيل‪ ،‬والمعتمد عند الرملي أن خ ّ‬
‫بشعير فيجب إخراج القدر المحقق من كل منهما‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪239 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب في مطلق الهبة‬

‫)الهبة( المطلقة ثلثة أنواع‪ :‬هبة‪ ،‬وصدقة‪ ،‬وهدية‪ ،‬فإن أعطى محتاجًا شيئًا بل عوض ولو لم‬
‫يقصد ثواب الخرة أو غنيًا لجل ثواب آخرة فصدقة وهي أفضل الثلثة‪ ،‬ثم الهدية لورود الثار‬
‫ض عليها ل سيما بالنسبة للمسافر‪ ،‬وهي ما نقله المملك بل عوض إلى مكان الموهوب له‬
‫في الح ّ‬
‫للكرام والتوّدد فكل من الصدقة والهدية هبة‪ ،‬ول عكس لنفراد الهبة في ذات الركان‪ ،‬وهي‬
‫)تمليك( تطّوع في حياة فخرج بالتمليك العارية والضيافة والوقف وبالتطّوع غيره كالبـيع والزكاة‬
‫والنذر والكفارة‪ ،‬والواجب من الضحية والهدي والعقيقة‪ ،‬بخلف المندوب منها وقد أعطى لغني‬
‫فهو من الهدية لوجود التمليك فيه‪ ،‬وإن امتنع التصرف فيه بنحو بـيع‪ ،‬وخرج بقولنا في حياة‬
‫الوصية لن التمليك فيها إنما يتّم بالقبول وهو بعد الموت‪ ،‬وإذا اجتمع النقل والقصد أو النقل‬
‫والحتياج‪ :‬كان الموهوب صدقة وهدية )بل عوض( فخرج بذلك الهبة بشرط عوض معلوم‪،‬‬
‫كقوله‪ :‬وهبتك هذا على أن تثيبني عليه كذا فيقبله‪ ،‬فإنها بـيع حقيقة فيجري فيها أحكام البـيع من‬
‫الخيارين والشفعة وحصول الملك بالعقد ل بالقبض‪ ،‬ومنع قبول بعض الموهوب ببعض العوض‬
‫أو كله لشتراط المطابقة في البـيع‪ ،‬بخلف الهبة التي بل عوض فإنه ل يضر فيها قبول بعض‬
‫الموهوب‪ ،‬وخرج بذلك الهبة أيضًا بشرط عوض مجهول فل تكون بـيعًا لجهالة العوض‪ ،‬ول‬
‫تكون هبة لذكر العوض‪ ،‬وقيل‪ :‬تكون هبة‪.‬‬
‫وأركان الهبة أربعة‪ :‬العاقدان‪ ،‬ويشترط فيهما ما مّر في البائع والمشتري‪ .‬نعم يعتبر في المملك‬
‫أهلية التبّرع‪ ،‬وفي المتملك أهلية الملك ولو سفيهًا‪.‬‬
‫ل نحو حبة بّر فتصح هبتها‪ ،‬وإن لم يصح‬ ‫والثالث الموهوب‪ :‬وشرط فيه صحة جعله عوضًا إ ّ‬
‫بـيعها فنقل اليد عن الختصاص ل يسمى هبة‪ ،‬وإل هبة موصوف في الذمة كأن يقول‪ :‬وهبتك‬
‫كذا في ذمتي فل يصح‪ ،‬لن الهبة إنما ترد على العيان ل على ما في الذمة‪ ،‬بخلف البـيع فإنه‬
‫يرد عليهما‪.‬‬
‫ل )بإيجاب كوهبتك( هذا‪ ،‬وملكتكه‪ ،‬ومنحتكه‪،‬‬ ‫والرابع الصيغة‪ :‬ول تصح الهبة غير الضمنية إ ّ‬
‫وأكرمتك بهذا وعظمتك ونحلتك وكذا أطعمتك ولو في غير طعام‪.‬‬
‫)وقبول( متصل باليجاب موافق له )كقبلت( ورضيت واتهبت لفظًا في حق الناطق‪ ،‬وإشارة في‬
‫حق الخرس لنها تمليك في الحياة كالبـيع‪ ،‬ولهذا انعقدت الهبة بالكناية مع النية كقوله‪ :‬لك كذا‬
‫وكسوتك هذا‪ ،‬وبالمعاطاة على القول بها‪ ،‬ويشترط في الصيغة ما مّر في البـيع‪ ،‬ومنه اعتبار‬
‫الفورية ول يضر الفصل إل بأجنبـي‪ ،‬وعلم من اعتبار الصيغة أن الب أو الم لو جهزا بنتهما أو‬
‫ابنهما الصغير بجهاٍز ولم يصدر منهما صيغة تمليك ل يملكه‪ ،‬ويكفي في الصيغة قول أحدهما‬
‫ل هذا جهاز بنتي فيكون ملكًا لها‪ ،‬وإل فهو عارية‪ ،‬ويصدق بـيمينه في‬ ‫عند نقله لدار الزوج مث ً‬
‫عدم تمليكها ذلك إن اّدعته‪ ،‬وخرج بالهبة الصدقة والهدية فل يعتبر لهما صيغة‪ ،‬بل يكفي فيهما‬
‫ت ولذا يصحان من العمى وعليه فيوكل في القبض والقباض‪ ،‬وقد ل تشترط صيغة‬ ‫بعت وقبض ُ‬
‫كخلع الملوك لعتياد عدم اللفظ فيهما ول قبول كهبة النوبة للضرة‪ ،‬ويشترط كون الصيغة )بل‬
‫تعليق( فل تصح الهبة بأنواعها مع شرط مفسد كتوقيت الواهب بعمر نفسه أو أجنبـي كأن قال‪:‬‬
‫جعلت هذا لك عمري أو عمر فلن للخروج من اللفظ المعتاد‪ ،‬ولما فيه من تأقيت الملك فإن‬
‫الواهب أو الفلن قد يموت أّول‪ ،‬بخلف العكس فيصح‪ ،‬كأن يقول‪ :‬أعمرتك هذا حياتك أو ما‬
‫ل تأقيت لنه تصريح بمقتضى الحال‪.‬‬ ‫عشت فإن النسان ل يملك إل مّدة حياته فكان ك ً‬
‫رقم الصفحة‪242 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومن جملة صيغ الهبة مسائل العمري والرقبـي ولو بغير لفظهما كقوله‪ :‬أعمرتك هذه الدار أو هذا‬
‫ل‪ ،‬فإذا مت فهي لورثتك‪ ،‬فهذه الصيغة صيغة هبة طّول فيها العبارة فيعتبر فيها‬ ‫الحيوان مث ً‬
‫القبول‪ ،‬وتلزم بالقبض وتكون لورثته‪ ،‬وكقوله‪ :‬أعمرتك هذه أو جعلتها لك عمرك أو وهبتك هذه‬
‫ي أو إلى ورثتي إن كنت مت‪ ،‬فهذه الصيغة صيغة هبة إلغاء للشرط‬ ‫عمرك فإذا مت عادت إل ّ‬
‫ي‪ ،‬وإن مت قبلك‬ ‫الفاسد‪ ،‬وقوله‪ :‬أرقبتك هذه أو جعلتها لك رقبـي‪ :‬أي إن مت قبلي عادت إل ّ‬
‫استقّرت لك‪ ،‬فتصح الهبة على الصح ويلغو الشرط الفاسد فيشترط قبولها والقبض‪ ،‬وذلك لخبر‬
‫أبـي داود والنسائي‪» :‬ل تعمروا ول ترقبوا فمن أرقب شيئًا أو أعمره فهو لورثته« أي ل ترقبوا‬
‫ن سبـيله الميراث‪) .‬وتلزم( أي الهبة )بقبض( بإذن الواهب‬‫ول تعمروا طمعًا في أن يعود إليكم فإ ّ‬
‫أو وكيله فيه بعد تمام الصيغة‪ ،‬فلو قال‪ :‬وهبتك هذا أو أذنت لك في قبضه فقال‪ :‬قبلت لم يكف‪،‬‬
‫ولو اختلفا في الذن في القبض صدق الواهب ولو اتفقا عليه‪ ،‬لكن قال الواهب‪ :‬رجعت قبل أن‬
‫تقبض الموهوب‪ ،‬وقال المتهب‪ :‬بل بعده صدق المتهب ول تملك الهبة بجميع أنواعها إل بالقبض‬
‫الحقيقي‪ ،‬ول يشترط فيه الفور‪ ،‬وإن كان الموهوب بـيد المتهب ولو من أب لولده الصغير‪ ،‬ول‬
‫يكفي التلف ول الوضع بـين يديه من غير إذن لن قبضه غير مستحق كالوديعة فاشترط تحقق‬
‫القبض‪.‬‬
‫نعم إن كان التلف بالكل أو العتق وأذن فيه الواهب كان قبضًا‪ ،‬ويقدر انتقاله قبـيل الوضع في‬
‫الفم والتلفظ بالصيغة للعتق‪ .‬وذلك لما روى الحاكم أنه ‪» :‬أهدى إلى النجاشي‪ ،‬ثم قال لم سلمة‪:‬‬
‫إني لرى النجاشي قد مات ول أرى الهدية التي أهديت إليه إل سترّد‪ ،‬فإذا رّدت إلي فهي لك« ‪،‬‬
‫فكان كذلك‪ .‬وفي رواية‪» :‬أنه أهدى إلى النجاشي مسكًا فمات النجاشي قبل أن تصل إليه‪ ،‬ثم رّدت‬
‫إلى النبـي فقسمه النبـي بـين نسائه« ‪ ،‬ولن أبا بكر الصّديق رضي ال عنه‪ :‬نحل عائشة رضي‬
‫ال عنها جداد عشرين وسقًا‪ ،‬فلما مرض قال‪ :‬وددت أنك حزتيه أو قبضتيه‪ ،‬وإنما هو اليوم ملك‬
‫الوارث‪ ،‬فلو توقف الملك على القبض لما قال‪ :‬أنه ملك الوارث‪ ،‬وقالعمر ‪ :‬ل تتم النحلة حتى‬
‫يحوزها المنحول‪ .‬وروي مثل ذلك عن عثمان‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وابن عباس وأنس‪ ،‬وعائشة رضي‬
‫ال عنهم‪ :‬ول يعرف لهم مخالف كذا في كفاية الخيار‪.‬‬
‫)ولصل( من النسب وإن بعد أو كان أنثى )رجوع فيما وهب( عينًا أو تصّدق أو أهدى )لفرع(‬
‫ل امتنع‬
‫كذلك )إن بقي( أي الموهوب )في سلطنته( بأن يكون الموهوب خاليًا عن حق الغير وإ ّ‬
‫الرجوع كما إذا رهن وأقبض وغير ذلك‪ ،‬وإن عاد الموهوب إلى الفرع لن الزائل العائد كالذي‬
‫لم يعد‪ ،‬ولو وهب الوالد شيئًا لولده فوهبه الولد لولده لم يرجع الجّد لنتقال الملك في الولد‪ ،‬بخلف‬
‫ما لو وهبه ابتداء لبن ابنه‪ ،‬فإن له الرجوع والمنافع فهي في الهبة كغيرها لنها ل تملك إل‬
‫بالقبض‪ ،‬أما لو وهب الصل فرعه دينًا عليه فل رجوع له فيه إذ ل يمكن عوده بعد سقوطه‬
‫ويحصل الرجوع )بنحو رجعت( فيما وهبت أو استرجعته‪ ،‬أو رددته إلى ملكي‪ ،‬أو نقضت الهبة‪،‬‬
‫أو أبطلتها أو فسختها‪ ،‬وبكناية مع النية كأخذته وقبضته ل ببـيعه ووقته لكمال ملك الفرع فلم يقو‬
‫ل منجزًا فل يصح معلقًا‪.‬‬‫الفعل على إزالته‪ ،‬ول يصح الرجوع إ ّ‬
‫رقم الصفحة‪242 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وهبة دين لمدين( أو تصّدق به عليه )إبراء( فل يحتاج إلى قبول نظرًا للمعنى‪ .‬نعم ترك الدين‬
‫للمدين بلفظ الترك ونحوه كناية إبراء‪ ،‬وذلك كأن يقول‪ :‬تركته لك أو ل آخذه منك فل يكون عدم‬
‫طلبه له كناية في البراء لنتفاء ما يدل عليه‪ ،‬وتصح هبة نجوم الكتابة للمكاتب كما يصح البراء‬
‫منها‪ ،‬ولو وهب لفقير دينًا عليه بنية الزكاة لم يقع عنها‪ ،‬كذا في كفاية الخيار‪) .‬و( هبة دين‬
‫مستقّر )لغيره( أي المدين باطلة في الصح لنه غير مقدور على تسليمه‪ ،‬لن ما يقبض من‬
‫المدين عين ل دين‪ ،‬ويؤيد ذلك صحة بـيع الموصوف دون هبته والدين مثله بل أولى‪ ،‬ويفرق‬
‫بـين صحة بـيعه وعدم صحة هبته بأن بـيع ما في الذمة التزام لتحصيل المبـيع في مقابلة الثمن‬
‫الذي استحقه واللتزام فيها صحيح‪ ،‬بخلف هبته فإنها ل تتضمن اللتزام‪ ،‬إذ ل مقابل فيها فكانت‬
‫بالوعد أشبه فلم يصح‪ ،‬وقيل‪ :‬هي هبة )صحيحة( وعلى هذا القول ل تلزم إل بالقبض الحقيقي‬
‫بإذن الواهب‪ ،‬أما دين مستقر كنجوم الكتابة فإنه ل تصح هبته لغير من هو عليه قطعًا‪.‬‬
‫فرع‪ :‬لو بعث هدية في ظرف أو وهب شيئًا في ظرف من غير بعث فإن لم تجر العادة برّده‬
‫كزنبـيل فهو هدية أو هبة أيضًا تحكيمًا للعرف المطرد ككتابة الرسالة فإنه يملكه المكتوب إليه إن‬
‫لم تدل قرينة على عوده أو إخفائه بأن كتب له فيها رّد الجواب في ظهره‪ ،‬أما إذا اعتيد رّد‬
‫الظرف أو اضطربت العادة فل يكون هدية‪ ،‬بل أمانة في يد المهدى إليه كالوديعة‪ ،‬ويحرم‬
‫ل بها‪،‬‬ ‫ل في أكل الهدية منه إن اقتضته العادة عم ً‬
‫استعماله لنه انتفاع بملك غيره بغير إذنه إ ّ‬
‫ل وهذا في مأكول‪ ،‬أما غيره فيختلف رّد ظرفه‬ ‫ن رّد الوعاء حا ً‬
‫ويكون عارية حينئذ‪ ،‬ويس ّ‬
‫باختلف عادة النواحي فيعمل في كل ناحية بعرفهم‪ ،‬ويعمل في كل قوم عرفهم باختلف طبقاتهم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪242 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫باب في الوقف‬

‫وهو حبس شيء ينتظر النتفاع به مع بقاء عينه بمنع التصرف في عينه على مصرف مباح‬
‫وجهه‪ ،‬والشيء يشمل الكلب المعلم لنه يصح وقفه على وجه‪ ،‬والراجح أنه ل يصح وقفه‪ :‬كذا‬
‫في كفاية الخيار‪ ،‬وهو قربة مندوب إليها‪ .‬قال ال تعالى‪} :‬وافعلوا الخير{ ))‪ (22‬الحج‪ :‬الية‬
‫‪ (77‬وأّول من وقف سيدنا عمر بن الخطاب بإشارته ‪ ،‬ثم تتابع الصحابة رضوان ال عليهم على‬
‫ذلك حتى زادوا على الثمانين‪.‬‬
‫وأركانه أربعة‪ :‬الّول‪ :‬الواقف وشرطه صحة تبرعه‪ ،‬فحينئذ إنما )صح وقف( ما يأتي من أهل‬
‫تبّرع في الحياة ككافر ولو لمسجد نظرًا لعتقادنا أو مصحف بأن كتبه أو ورثه من أبـيه‪ ،‬وأعمى‬
‫إذ يصح وقف غير المرئي وإمام من بـيت المال على معين أو جهة فل يصح من صبـي ومجنون‬
‫وسفيه ومكاتب بغير إذن سيده ومفلس‪ ،‬وإن زاد ماله على ديونه كأن طرأ له مال بعد الحجر أو‬
‫ي‪.‬‬
‫ارتفع سعر ماله الذي حجر عليه فيه‪ ،‬وول ّ‬
‫ل في )عين( فل يصح وقف المنفعة وإن ملكها مؤبدًا‬ ‫الركن الثاني‪ :‬الموقوف فل يرد الوقف إ ّ‬
‫بالوصية‪ ،‬ومن ذلك الخلوات فل يصح وقفها ول وقف الملتزم في الذمة لن حقيقة الوقف إزالة‬
‫ملك عن عين‪ ،‬نعم يجوز التزامه فيها بالنذر )مملوكة( ولو لغير الواقف كوقف المام نحو‬
‫أراضي بـيت المال على جهة ومعين بشرط ظهور المصلحة في ذلك إذ تصرفه فيه منوط بها فل‬
‫يصح وقف حر نفسه لن ذاته غير مملوكة له‪ ،‬ول بد أن تكون العين مما يقبل النقل فل يصح‬
‫وقف مستولدة لعدم قبولها للنقل كالحر ول وقف مكاتب كتابة صحيحة )تفيد( أي تلك العين فائدة‬
‫كالفحل للضراب بخلف إجارته له فل تصح لنه يحتمل في القربة ما ل يحتمل في غيرها أو‬
‫ل كالجحش الصغير والمغصوب ولو من عاجز‬ ‫ل أو مآ ً‬
‫تفيد منفعة تصح إجارتها سواء كانت حا ً‬
‫عن انتزاعه )وهي( أي العين )باقية( لن الوقف شرع ليكون صدقة جارية فيصح وقف بناء‬
‫وغراس في أرض مستأجرة لنهما مملوكان ينتفع بهما مع بقاء عينهما وإن استحقا القلع بعد‬
‫انقضاء مدة الجارة‪ ،‬ويصح وقف المدبر والمعلق عتقه بصفة وإن عتقا بالموت ووجود الصفة‬
‫وبطل الوقف بهما لنهما مما يدوم نفعه دوامًا نسبـيًا بخلف المطعوم والمشموم والثمان فل‬
‫يصح وقفها لن المطعوم إنما ينتفع بأكله ولسرعة فساد المشموم المحصود بخلف المزروع‬
‫فيصح وقفه للشم لبقاء مدته وإن لم يطل زمنه ولن الثمان إنما ينتفع بإخراجها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪245 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫الركن الثالث‪ :‬الصيغة باللفظ كالعتق أو بإشارة أخرس مفهمة أو بكتابته أو كتابة الناطق مع نيته‪،‬‬
‫وصريحه يحصل )بوقفت( هذا على كذا )وسبلت كذا على كذا( فل بد من بـيان الموقوف عليه‬
‫فلو قال‪ :‬وقفت هذا الكتاب ل تعالى لم يكف بل ل بد أن يقول على كذا بخلف الوصية كأوصيت‬
‫بثلث مالي ل تعالى فإنه يصح )وجعلت هذا( المحل أو مكان كذا )مسجدًا( فيصير بذلك مسجدًا‬
‫وإن لم يقل‪ :‬ل ولم ينو لن المسجد ل يكون إل وقفًا ووقفته للعتكاف صريح في المسجدية‬
‫وللصلة صريح في مطلق الوقفية‪ .‬وقوله‪ :‬أذنت للصلة كناية في المسجدية فإن نواها صار‬
‫مسجدًا وإل صار وقفًا على الصلة وإن لم يكن مسجدًا كالمدرسة وذلك لن العتكاف ل يصح‬
‫ل في مسجد بخلف الصلة‪ ،‬ومثل العتكاف صلة التحية فلو قال‪ :‬أذنت في صلة التحية في‬ ‫إّ‬
‫ل في المسجد‪ ،‬ولو بنى البقعة على هيئة المسجد ل يكون‬ ‫هذا المحل صار مسجدًا لنها ل تكون إ ّ‬
‫ل في موات فيصير مسجدًا بمجرد البناء مع النية لن اللفظ‬ ‫البناء كناية وإن أذن في الصلة فيه إ ّ‬
‫إنما احتيج إليه لخراج ما كان في ملكه عنه‪ ،‬وهذا ل يدخل في ملك من أحياه مسجدًا فلم يحتج‬
‫للفظ وصار للبناء حكم المسجد تبعًا ويجري ذلك في بناء مدرسة أو رباط وحفر بئر وإحياء مقبرة‬
‫في الموات بقصد السبـيل‪.‬‬
‫ل سنة مث ً‬
‫ل‬ ‫)وشرط له( أي الوقف )تأبـيد( فلو قال‪ :‬وقفت هذا على الفقراء أو على مسجد مث ً‬
‫فوقفه باطل لفساد الصيغة إذ وضعه على التأبـيد سواء في ذلك طويل المدة وقصيرها‪ ،‬نعم إن‬
‫أشبه التأقيت التحرير كقوله‪ :‬جعلت هذا مسجدًا سنة صح مؤبدًا‪ ،‬وينبغي أن يقال‪ :‬لو وقف على‬
‫فقراء ألف سنة أو نحوها مما يبعد بقاء الدنيا إليه صح نظرًا لمقصود اللفظ وهو التأبـيد دون‬
‫مدلوله وهو التأقيت فإن المقصود من الوقف قربة محضة بخلف البـيع والنكاح‪) .‬وتنجيز( فل‬
‫يصح تعليق الوقف فيما ل يضاهي التحرير كقوله‪ :‬إذا جاء زيد فقد وقفت كذا على كذا لن الوقف‬
‫ل كالبـيع والهبة‪ .‬نعم يصح تعليقه‬‫عقد يقتضي نقل الملك إلى ال تعالى أو للموقوف عليه حا ً‬
‫بالموت كقوله‪ :‬إذا مت فداري وقف على كذا أو فقد وقفتها‪ ،‬إذ المعنى فاعلموا أني قد وقفتها‪،‬‬
‫بخلف قوله‪ :‬إذا مت وقفتها والفرق أن الّول‪ :‬إنشاء تعليق‪ ،‬والثاني‪ :‬تعليق إنشاء وهو باطل لنه‬
‫وعد محض‪ .‬قال السيد عمر البصري ‪.‬‬
‫والحاصل أنه إذا علق الوقف بموت نفسه صح لنه وصية سواء قال‪ :‬إذا مت فداري وقف أو فقد‬
‫وقفتها بخلف ما إذا علقه بموت غيره فل يصح لنه تعليق وليس بوصية حتى يغتفر فيها‬
‫التعليق‪ ،‬لن ما ل يقبل التعليق من التمليك كالهبة إذا علق بالموت صح لنه وصية انتهى‪ .‬أما ما‬
‫يضاهي التحرير كقوله‪ :‬إذا جاء رمضان فقد وقفت هذا مسجدًا فإن الوقف يصح مؤبدًا كما لو‬
‫ذكر فيه شرطًا فاسدًا لنه حينئذ كالعتق‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪245 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫الركن الرابع‪ :‬الموقوف عليه‪ ،‬وشرطه إن كان معينًا واحدًا أو متعددًا عدم المعصية‪ ،‬وتعيـينه‬
‫)وإمكان تمليك( من الواقف في الحال‪ ،‬لن حقيقة الوقف نقل ملك المنافع إلى الموقوف عليه‪ .‬وإن‬
‫كان الملك ل تعالى‪ ،‬وتمليك ما ل يملك باطل‪ ،‬كتمليك المعدوم‪ ،‬فل يصح الوقف على حمل‪ ،‬لن‬
‫الوقف تسليط في الحال‪ ،‬ول على نفسه لتعذر تمليك النسان ملكه لنفسه لنه حاصل‪ ،‬ويمتنع‬
‫تحصيل الحاصل‪ ،‬وله حيل وأحسنها‪ :‬أن يؤجر العين مدة طويلة معلومة بأجرة منجمة‪ ،‬ثم‬
‫يستأجرها لنفسه تلك المدة‪ ،‬ول يصح الوقف على جميع الناس‪ ،‬ول على بهيمة غير موقوفة‪ ،‬أما‬
‫الموقوفة أو المرصدة في سبـيل ال فيصح الوقف على علفها‪ ،‬وكذا على حمام مكة‪ ،‬ول على‬
‫ل للملك‪ .‬وإنما صح على الرقاء الموقوفين لخدمة نحو الكعبة لن القصد‬ ‫العبد نفسه‪ ،‬لنه ليس أه ً‬
‫ثم الجهة‪ ،‬والكلم هنا في الوقف على المعين‪ ،‬ول يصح على أحد هذين‪ ،‬ول على عمارة المسجد‬
‫إذا لم يبـينه‪ ،‬ول على مرتد وحربـي ولو غير آلة حرب لنتفاء قصد القربة لنه ل بقاء لهما‪،‬‬
‫لنهما مقتولن بكفرهما‪.‬‬
‫ول يصح على ميت إل إذا كان الميت صحابـيًا أو وليًا فيصح الوقف إذا اطرد العرف بالوقف‬
‫عليه بقصد الصرف في مصالح ضريحه أو زّواره‪ ،‬فإن إطراد العرف قرينة معينة لرادة الواقف‬
‫بالوقف عليه تلك الجهة‪ ،‬ل تمليكه الممتنع كذا قاله عمر البصري ‪ ،‬ول يصح الوقف على مسجد‬
‫سيبنى أو على ولده‪ ،‬ول ولد له أو على فقراء أولده ول فقير فيهم‪ ،‬ول على القراءة على رأس‬
‫قبره أو قبر أبـيه الحي لنقطاع الّول‪.‬‬
‫ويصح الوقف على المعدوم تبعًا‪ :‬كوقفته على ولدي‪ ،‬ثم على ولد ولدي‪ ،‬ول ولد ولد له‪ ،‬وكوقفته‬
‫ح الوقف على جهة قربة والفقراء‬ ‫ل مسجد سيبنى في تلك المحلة‪ .‬ويص ّ‬ ‫على مسجد كذا وك ّ‬
‫ص الفقراء بفقراء الزكاة‪،‬‬
‫والعلماء والمساجد والمدارس والكعبة والقناطر وتجهيز الموتى فيخت ّ‬
‫نعم المكتسب كفايته ول مال له يجوز أن يأخذ من ذلك الموقوف‪ ،‬ويختص العلماء بأصحاب علوم‬
‫الشرع كالوصية‪ ،‬ويختص بتجهيز الموتى من ل تركة له ول منفق‪ ،‬ويصح على جهة ل تظهر‬
‫فيها القربة‪ :‬كالغنياء‪ ،‬والمعتمد عند الرملي أنه يشترط قبول فورًا من بطن أول موقوف عليه‬
‫ل فقبول وليه عقب اليجاب‪،‬‬ ‫ل للقبول وكان حاضرًا وإ ّ‬ ‫معين لن الوقف تمليك إن كان أه ً‬
‫ومتراخيًا وإن طال الزمن حيث كان الموقوف عليه غائبًا فلم يبلغه الخبر إل بعد الطول‪ ،‬ول‬
‫يشترط قبول من بعد البطن الّول‪ ،‬بل الشرط عدم الرد فإن ردوا بطل الوقف فيما يخصهم وانتقل‬
‫لمن بعدهم‪ ،‬ويكون كمنقطع الوسط‪ ،‬وإن رّد الّول بطل الوقف‪ ،‬وخرج بالمعين الجهة العامة‪،‬‬
‫وجهة التحرير كالمسجد‪ ،‬فل قبول فيه جزمًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪245 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫ول يشترط قبول ناظر المسجد ما وقف عليه‪ ،‬بخلف ما وهب له‪ .‬ومثل المسجد الرباط‪،‬‬
‫والمدرسة والمقبرة لمشابهتها للمسجد في كون الحق فيها ل تعالى كما أفاده الشبراملسي ‪.‬‬
‫والمعتمد عند ابن حجر أنه )ل( يشترط )قبول ولو من معين( نظرًا إلى أن الوقف بالقرب أشبه‬
‫منه بالعقود‪ ،‬بل الشرط عدم الرد‪ .‬نعم لو وقف على ورثة الحائز شيئًا يخرج من الثلث لزم‪ ،‬وإن‬
‫رده‪ .‬لن القصد من الوقف دوام الثواب للواقف فلم يملك الوارث رده وبطل وقف منقطع البتداء‪،‬‬
‫كقوله‪ :‬وقفت على من سيولد لي بخلف منقطع الوسط‪ :‬كوقفت على زيد‪ ،‬ثم رجل‪ ،‬ثم الفقراء‪.‬‬
‫ومنقطع الخر‪ :‬كوقفت على زيد‪ ،‬ثم بكر‪ ،‬ثم رجل فإنهما يصحان‪.‬‬
‫)ولو انقرض( أي الموقوف عليهم‪ ،‬أو جهلت أرباب الوقف في )منقطع آخر( فالوقف باق‪ ،‬لن‬
‫وضعه على الدوام كالعتق )فمصرفه( أي الوقف )القرب( أي أقرب الناس )إلى الواقف( حين‬
‫النقراض‪ ،‬والمعتبر القرب رحمًا ل إرثًا‪ ،‬فيقدم وجوبًا ابن بنت على ابن عم‪ ،‬ويعتبر في أقارب‬
‫الواقف المذكورين الفقر‪ ،‬ول يفضل الذكر على غيره‪ ،‬فإن فقدوا‪ ،‬أو كانوا كلهم أغنياء صرف‬
‫الريع لمصالح المسلمين‪ ،‬أو إلى الفقراء أو المساكين‪ ،‬ول يختص بفقراء بلد الواقف‪ ،‬وكذا لو كان‬
‫الواقف المام فيصرف وقفه إذا انقطع الخر للمصالح‪ ،‬ل لقاربه‪ .‬ولو انقطع الّول في منقطع‬
‫الوسط فمصرفه من ذكر بعد الوسط إن لم يعرف أمد انقطاعه‪ ،‬كرجل مبهم‪ .‬فيصرف الوقف بعد‬
‫موت الّول لمن ذكر بعد الرجل‪ ،‬بخلف ما لو عرف أمد انقطاعه‪ :‬بأن كان المتوسط معينًا‪ :‬كعبد‬
‫زيد نفسه أو دابته نفسها‪ ،‬ثم الفقراء فإنه يكون كمنقطع الخر‪ ،‬فينصرف بعد موت الّول لقرب‬
‫رحم الواقف‪ ،‬فإن لم يوجد فإلى الهم من المصالح أو الفقراء‪.‬‬
‫ل‪ ،‬أو سنة‪ ،‬أو أن ل يؤجر‬ ‫)ولو شرط( أي الواقف لملكه )شيئًا( كأن شرط أن ل يؤجر الوقف أص ً‬
‫من ذي شوكة‪ ،‬أو أن الموقوف عليه يسكن فيه بنفسه )اتبع( شرطه في غير حالة الضرورة‪،‬‬
‫كسائر شروطه التي لم تخالف الشرع‪ ،‬وذلك لما فيه من وجود المصلحة‪ .‬وخرج بغير حالة‬
‫ل على وجه مخالف لذلك‪ ،‬فيجوز لن الظاهر أنه‬ ‫ل من ل يرغب فيه إ ّ‬ ‫الضرورة ما لو لم يوجد إ ّ‬
‫ل يريد تعطيل وقفه‪ .‬ويؤخذ من ذلك أنه لو وجد من يأخذ بأجرة المثل ويستأجر على ما يوافق‬
‫شرط الواقف ومن يطلبه بزيادة على أجرة المثل في إجارة تخالف شرط الواقف عدم الجواز‪،‬‬
‫وأنه لو وجد من يأخذ بدون أجرة المثل ويوافق شرط الواقف في المدة‪ ،‬ومن يأخذ بأجرة المثل‪،‬‬
‫ويخالف شرط الواقف‪ ،‬عدم الجواز أيضًا رعاية لشرط الواقف فيهما‪ ،‬والملك في الموقوف على‬
‫ك عن اختصاص الخلق كالعتق‪ ،‬فل يكون للواقف‬ ‫جهة‪ ،‬أو معين ينتقل إلى ال تعالى‪ :‬أي ينف ّ‬
‫خلفًا للمام مالك ول للموقوف عليه خلفًا للمام أحمد ‪ .‬وإنما ثبت الوقف بشاهد ويمين دون‬
‫بقية حقوقه تعالى؛ لن المقصود ريعه وهو حق آدمي كما قال‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪245 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ولموقوف عليه ريع( وهو فوائد الموقوف الحادثة بعد الوقف‪ ،‬كأجرة‪ ،‬وثمرة‪ ،‬وولد‪ ،‬ومهر‬
‫بوطء أو نكاح فإنها ملك للموقوف عليه يتصرف فيها تصرف الملك؛ لن ذلك هو المقصود من‬
‫الوقف‪ ،‬وعليه زكاتها فيستوفي منافعه بنفسه وبغيره بإعارة أو إجارة إن كان الموقوف عليه‬
‫ل امتنع عليه نحو الجارة‪ ،‬لنه ل يجوز أن يتعاطى ذلك إل الناظر أو نائبه‪ ،‬وذلك‬ ‫ناظرًا‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل فهي موقوفة‪ :‬كالحمل‬ ‫كسائر الملك والثمرة الموجودة حال الوقف للواقف إن كانت مؤبرة‪ ،‬وإ ّ‬
‫المقارن لحالة الوقف‪ ،‬وولد المة من شبهة حّر‪ ،‬فعلى أبـيه قيمته‪ ،‬ويملكها الموقوف عليه‪ ،‬ول‬
‫ل زوج‪ ،‬فإن وطئها الواقف أو الموقوف عليه حّدا‪ ،‬بخلف الموصى له بمنفعتها‪،‬‬ ‫يطأ الموقوفة إ ّ‬
‫والمزّوج للموقوفة هو الحاكم بإذن الموقوف عليه‪ ،‬ول يزّوجها له‪ ،‬ول للواقف‪ ،‬وولد المحبس في‬
‫سبـيل ال وقف كأصله من غير إنشاء وقف‪ ،‬وهذا إن أطلق أو شرط ذلك للموقوف عليه‪،‬‬
‫فالموقوفة على ركوب إنسان فوائدها‪ :‬من لبن‪ ،‬وصوف‪ ،‬وشعر‪ ،‬ووبر للواقف‪ ،‬ومؤنها عليه‬
‫ل الركوب‪ ،‬فكأنها باقية على ملكه‪ ،‬ول يملك الموقوف عليه‬ ‫أيضًا‪ ،‬لنه لم يجعل منها للمستحق إ ّ‬
‫قيمة الموقوف إذا أتلفه واقف‪ ،‬أو أجنبـي‪ ،‬أو موقوف عليه بالتعّدي‪ ،‬بل يشتري بها مثله سنًا‬
‫وجنسًا وغيرهما ليكون وقفًا مكانه مراعاة لغرض الواقف وبقية البطون‪ ،‬والمشتري لذلك هو‬
‫الحاكم‪ ،‬وإن كان للوقف ناظر خاص‪ .‬ثم بعد شرائه ل بّد من إنشاء وقفه‪ .‬أما ما اشتراه الناظر من‬
‫ل‪ :‬كبناء بـيت للمسجد فالمنشىء لوقفه الناظر‪ .‬أما‬ ‫ماله أو من ريع الوقف أو يعمره من ذلك مستق ً‬
‫إذا لم يتعد الموقوف بإتلف الموقوف عليه‪ ،‬فل يكون ضامنًا‪ :‬كما لو وقع منه كوز سبـيل على‬
‫حوض فانكسر من غير تقصير‪.‬‬
‫)ول يباع موقوف وإن خرب( كشجرة جفت‪ ،‬أو قلعتها نحو ريح ودابة زمنت‪ ،‬ومسجد انهدم‪،‬‬
‫وتعذرت إعادته إدامة للوقف في عينه‪ ،‬ولنه يمكن النتفاع بأرض المسجد‪ :‬كصلة‪ ،‬واعتكاف‪،‬‬
‫وبجذع الشجرة بإجارة وغيرها‪ ،‬وبلحم الدابة إن أكلت‪ ،‬ولو ماتت ودبغ جلدها عاد وقفًا‪ .‬فلو لم‬
‫ل باستهلكها بإحراق ونحوه‪ ،‬صارت ملكًا للموقوف عليه‪ ،‬لكنها ل‬ ‫يكن النتفاع بجذع الشجرة إ ّ‬
‫تباع‪ ،‬ول توهب‪ ،‬بل ينتفع بعينها‪.‬‬
‫والحاصل من هذه المسألة أنه حيث تعذر النتفاع بها من الجهة التي وقفت عليها صارت ملكًا‬
‫للموقوف عليه بمعنى أنه ينتفع بها‪ ،‬كانتفاع الملك بغير البـيع والهبة وإن لم يتعذر النتفاع بها‬
‫من الجهة التي قصدت بالوقف ل ينتفع بها الموقوف عليه لنفسه بل ينتفع بها من الجهة المذكورة‪،‬‬
‫وإن لم يكن على الوجه الكمل‪ ،‬وهذا بخلف حصر المسجد الموقوفة البالية وجذوعه المنكسرة‬
‫أو القريبة النكسار‪ ،‬فإنه يجوز بـيعهما لئل يضيعا‪ ،‬ويشتري بثمنهما مثلهما‪ .‬أما الحصر‬
‫الموهوبة للمسجد‪ ،‬أو المشتراة له من غير وقف لها فتباع جزمًا للحاجة‪ ،‬وتصرف على مصالح‬
‫المسجد‪ ،‬ول يتعين صرفها في شراء حصر بدلها‪ ،‬ول يجوز استبدال الموقوف عندنا‪ ،‬وإن خرب‬
‫ل آخر أحسن منه‬ ‫خلفًا للحنفية‪ .‬وصورته عندهم‪ :‬أن يكون المحل قد آل إلى السقوط فيبدل بمح ّ‬
‫بعد حكم حاكم يرى صحته‪ ،‬وعمارة الوقف مقدمة على الموقوف عليه‪ ،‬ويصرف ريع ما وقف‬
‫على المسجد وقفًا مطلقًا‪ ،‬أو على عمارته في بناء‪ ،‬وتجصيص محكم‪ ،‬وسلم‪ ،‬ومكانس‪ ،‬ومساح‬
‫لنقل التراب‪ ،‬وظلة تمنع إفساد خشب باب‪ ،‬ونحوه بمطر ونحوه إن لم يضر بالمارة‪ ،‬وأجرة قيم‪،‬‬
‫وكذا يصرف ذلك الريع للمؤذن‪ ،‬والمام والحصر والدهن إذا كان الوقف وقفًا مطلقًا‪ ،‬ولهل‬
‫الوقف المهايأة‪ ،‬ل قسمته إن حصل بها تغيـير لما كان عليه الوقف‪ ،‬ول تغيـير هيئته‪ ،‬كجعل‬
‫ل فيجوز تغيـير الوقف بحسبها‪.‬‬ ‫البستان دارًا‪ ،‬عكسه ما لم يشرط الواقف العمل بالمصلحة‪ ،‬وإ ّ‬
‫رقم الصفحة‪245 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫قال السبكي ‪ :‬يجوز تغيـيره في غير صورة الشرط بثلثة شروط‪ :‬أن يكون يسيرًا ل يغير مسماه‪،‬‬
‫وأن ل يزيل شيئًا من عينه‪ ،‬بل ينقله من جانب إلى آخر‪ .‬وأن يكون فيه مصلحة للوقف‪ ،‬فلو أن‬
‫شخصًا أراد عمارة جامع خرب بآلة جديدة غير آلته ورأى المصلحة في جعل بابه من محل آخر‬
‫غير المحل الول لكونه بجوار من يمنع النتفاع به على الوجه المعتاد جاز له ذلك‪ ،‬لن فيه‬
‫مصلحة‪ :‬أي مصلحة للجامع والمسلمين‪ ،‬ولو خربت البلد وكان فيها مسجد وعمر مسجد بمحل‬
‫ل فيه أحد‪.‬‬
‫آخر جاز نقل وقفه للمحل الخر حيث تعذر إجراؤه على المسجد الول‪ ،‬بأن لم يص ّ‬
‫ويجوز هدم جدران المسجد لصابة القبلة‪ ،‬كما يجوز توسيعه‪ ،‬فإن المسجد الحرام قد وسع مرارًا‪.‬‬
‫ل الناظر الخاص أو العام‪ ،‬أو لينتفع به الموقوف‬ ‫)ولو( كان الوقف للستغلل لم يتصرف فيه إ ّ‬
‫ل ليقضي له‬ ‫عليه وأطلق‪ ،‬أو قال‪ :‬كيف شاء فله استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره‪ ،‬بأن يركبه الدابة مث ً‬
‫عليها حاجة‪ ،‬ثم إن )شرط واقف نظرًا له( أي الواقف نفسه )أو لغيره اتبع( كسائر شروطه‪،‬‬
‫وقبول من شرط له النظر‪ ،‬كقبول الوكيل ل الموقوف عليه إل أن يشرط له شيء من مال الوقف‬
‫ل( أي وإن لم يشرطه لحد‪ ،‬بأن لم يعلم شرطه لحد سواء علم شرطه أو جهل الحال‬ ‫)وإ ّ‬
‫)فلقاض( أي فالنظر لقاضي بلد الموقوف بالنسبة لحفظه ونحو إجارته‪ ،‬ولقاضي بلد الموقوف‬
‫عليه بالنسبة لما عدا ذلك نظير مال اليتيم إذ نظره عام فهو أولى من غيره ولو واقفًا موقوفًا عليه‪،‬‬
‫وإن كان الموقوف عليه شخصًا معينًا‪ ،‬وشرط الناظر وإن كان هو الواقف العدالة الباطنة ولو‬
‫امرأة‪ ،‬سواء وله الواقف أو الحاكم‪ ،‬والكفاية لما توله من نظر خاص أو عام‪ ،‬وهي الهتداء إلى‬
‫التصرف المفوض إليه‪ .‬ووظيفته عند الطلق حفظ الصول والغلت على وجه الحتياط‪،‬‬
‫والجارة بأجرة المثل‪ ،‬والعمارة‪ ،‬وكذا القتراض على الوقف عند الحاجة إن شرطه له الواقف‬
‫أو أذن له القاضي‪ ،‬وتحصيل الغلة‪ ،‬وقسمتها على مستحقيها‪ ،‬ويلزمه رعاية زمن عينه الواقف‪،‬‬
‫ويستحق الناظر ما شرط من الجرة وإن زادت على أجرة مثله ما لم يكن هو الواقف‪ ،‬فإن لم‬
‫يشرط له شيء فل أجرة له‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪245 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب في القرار‬

‫وهو إخبار خاص عن حق سابق للغير على المخبر أو عنده‪ ،‬فإن كان الخبار له على غيره‬
‫فدعوى‪ ،‬أو لغيره على غيره فشهادة‪ .‬أما الخبار العام عند أمر محسوس فهو الرواية‪ ،‬أو عن أمر‬
‫ل ففتوى‪ .‬وأركانه أربعة‪ :‬مقر‪ ،‬وصيغة‪ ،‬ومقر له‪ ،‬ومقّر به‪.‬‬ ‫شرعي‪ ،‬فإن كان فيه إلزام فحكم‪ ،‬وإ ّ‬
‫الول‪ :‬المقر‪ .‬وشرطه‪ :‬تكليف‪ ،‬واختيار وعدم الحجر‪ ،‬فحينئذ )يؤاخذ بإقرار مكلف مختار( غير‬
‫محجور عليه‪ ،‬ولو كافرًا أو فاسقًا وإن أقر بجناية وقعت منه قبل رشده‪ ،‬وكذا سكران متعّد بسكره‬
‫ي ومجنون ومغمى عليه وسكران لم يتعّد‪ ،‬ومكره أقّر بما أكره‪،‬‬ ‫وإن كان غير مكلف ل صبـ ّ‬
‫ل في‬ ‫ومفلس أقر بدين غير دين الجناية في حكم غرمائه إن أسند وجوبه بعد أول الحجر‪ ،‬وسفيه إ ّ‬
‫نذر قربة بدنية أو في نفس التدبـير‪ ،‬بأن قال‪ :‬قلت لعبدي أنت حر بعد موتي‪ ،‬وفي وصية‪ ،‬وحّد‪،‬‬
‫ح إقرار‬
‫وقود‪ ،‬وطلق‪ ،‬وخلع‪ ،‬وظهار‪ ،‬وإيلء‪ ،‬ورجعة‪ ،‬ونفي نسب‪ ،‬واستلحاق له‪ ،‬وإنما ص ّ‬
‫السفيه بهذه المذكورات‪ ،‬لنه يصح منه إنشاؤها ويقبل إقرارًا لرقيق بسبب عقوبة‪ :‬كقود‪ ،‬وزنا‪،‬‬
‫وشرب خمر وسرقة بالنسبة للقطع‪ .‬وأما المال فيثبت في ذمته تالفًا كان أو باقيًا‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬الصيغة )و( حينئذ )شرط فيه( أي القرار )لفظ( يشعر باللتزام‪ ،‬وفي معناه الكتابة‬
‫ي(‬‫مع النية‪ ،‬وإشارة الخرس‪ ،‬ثم اللتزام إما بدين أو عين‪ ،‬فللقرار بالدين صيغ )كـ(ـقوله )عل ّ‬
‫لزيد كذا‪ ،‬أو في ذمتي كذا‪ ،‬لنه المتبادر من هذين اللفظين عرفًا‪ ،‬لكنهم قبلوا التفسير في قوله‪:‬‬
‫ي فقط‪ .‬وللقرار بالعين صيغ كقوله‪ :‬لديّ )أو‬ ‫ي بالوديعة‪ ،‬فلو أراد بهما العين صدق في عل ّ‬ ‫عل ّ‬
‫ي للحاضر وعندي له وللغائب‪ ،‬أو معي لزيد ألف‪ ،‬فلو اّدعى وديعة وأنها‬ ‫عندي كذا( وقيل‪ :‬لد ّ‬
‫تلفت أو أنه ردها بعد ذلك في زمن يمكن فيه الرد صدق بـيمينه وحمل على الوديعة عند الطلق‬
‫لنها أدنى المراتب‪ ،‬وإن قبل تفسيره بالمغصوبة ونحوها‪ ،‬وكذا بالدين لنه أغلظ‪ ،‬وقوله‪ :‬لزيد‬
‫ل فل‬ ‫كذا في قبلي بكسر ففتح صالح للعين والدين‪ ،‬وقوله‪ :‬لزيد كذا إقرار‪ ،‬لكن محله في العين وإ ّ‬
‫ي ومعي عشرة فيرجع إليه في‬ ‫ل عليهما كقوله‪ :‬عل ّ‬‫ي‪ ،‬فإن أتى بلفظ يد ّ‬‫بّد أن يضيف إليه نحو عل ّ‬
‫تفسير بعض ذلك بالعين وبعضه بالدين )و( كقوله‪) :‬نعم( وبلى وأجل وجير وإي بكسر الهمزة‬
‫وصدقت بفتح التاء )وأبرأتني( وأبرئني منه )وقضيته( بالضمير‪ ،‬وكذلك بدونه وأقضى غدًا وأنا‬
‫ل‪ ،‬أو هل‬ ‫مقر به‪ ،‬ول أنكر ما تدعى به‪ ،‬وذلك كله )لجواب( من قال له )أليس لي( عليك ألف مث ً‬
‫ل )أو( لجواب من قال له )لي عليك كذا( من غير استفهام ول فرق في ذلك بـين‬ ‫لي عليك مائة مثا ً‬
‫النحوي وغيره لخفائه على كثير من النحاة‪ ،‬أو قال في جواب ذلك‪ :‬أمهلني في ذلك أو حتى أقعد‬
‫ل‪.‬‬
‫أو أفتح الكيس أو أجد المفتاح أو الدراهم مث ً‬
‫رقم الصفحة‪250 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫الركن الثالث‪ :‬المقّر له‪ .‬ويشترط فيه تعيـينه بحيث يمكن مطالبته‪ ،‬وأهلية استحقاق المقر به حساً‬
‫وشرعًا‪ ،‬وعدم تكذيبه المقر في إقراره بأن صدقه أو سكت‪ ،‬وإل بطل في حقه دون غيره فيص ّ‬
‫ح‬
‫ح بقوله‪:‬‬
‫ي كذا‪ ،‬بخلف قوله لحد أهل هذا البلد‪ ،‬ويص ّ‬ ‫ل‪ :‬عل ّ‬
‫القرار بقوله لحد هؤلء الثلثة مث ً‬
‫ي‪ ،‬أو عندي بإرث من نحو أبـيه أو‬ ‫ي بسبب هذه الدابة لمالكها كذا‪ ،‬وبقوله لحمل هند كذا عل ّ‬‫عل ّ‬
‫ي ألف فل‬ ‫وصية له‪ ،‬بخلف قوله‪ :‬لهذه الدابة علي كذا وقوله‪ :‬لمن أعتقه عقب إعتاقه له‪ :‬عل ّ‬
‫يصح لستحالته أو بعد ثبوته‪.‬‬
‫الركن الرابع‪ :‬المقّر به )و( شرط )في مقّر به( أن يكون مما تجوز به المطالبة و )أن ل يكون(‬
‫ملكًا )لمقر( حقيقة‪ :‬أي بأن ل يأتي في لفظ القرار بما يدل على أنه ملك للمقر‪ ،‬فالعبرة في الباطن‬
‫بما في نفس المر‪ ،‬فلو قال‪ :‬هذه الدار لزيد ولم تكن لزيد لم يصح القرار‪ ،‬ولو قال‪ :‬داري التي‬
‫ملكتها لزيد وكانت له في نفس المر فهو إقرار صحيح ول يصح القرار بما ل يمكن إنشاؤه‬
‫كإقراره بعتق رقيق غيره‪ ،‬لكن لو أقر بحرية عبد معين في يد غيره أو شهد بها ثم اشتراه لنفسه‬
‫أو ملكه بوجه آخر حكم بحريته بعد انقضاء مدة خيار البائع فترفع يد المشتري عنه‪ .‬أما لو اشتراه‬
‫لموكله لم يحكم بحريته‪ ،‬لن الملك يقع ابتداء للموكل‪.‬‬
‫)وصح إقرار من مريض( مرض الموت بمال أو غيره )ولو لوارث( حال الموت وإن كذبه بقية‬
‫الورثة أو بعضهم‪ ،‬لن الظاهر أنه محق مع أنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكذوب ويتوب فيها‬
‫الفاجر‪ ،‬ولو أقر في صحته بدين لشخص وفي مرضه بدين لشخص آخر لم يقدم الّول بل‬
‫يتساويان‪ ،‬كما لو أقّر بهما في الصحة أو المرض‪ ،‬وكذا لو أقّر بدين لشخص وأقر وارثه بعد‬
‫موته بدين لخر فل يقدم الّول‪ .‬أما لو كان القراران بعين‪ ،‬كأن قال المورث‪ :‬هذا العبد لزيد‪،‬‬
‫وقال الوارث بعد موته هذا لخالد وجب عليه تسليم المقر به لزيد ويغرم لخالد قيمته‪) .‬و( صح‬
‫إقرار )بمجهول( لي شخص كان إجماعًا ابتداء كان أو جوابًا لدعوى لنه إخبار عن حق سابق‬
‫ل‪ ،‬والمراد بالمجهول ما يعم المبهم كأحد العبدين‪ .‬ويجب على المقر تفسيره‪،‬‬ ‫ل ومفص ً‬‫فيقع مجم ً‬
‫فإن فسره بما يقبل فذاك واضح‪ ،‬وإل طولب بالبـيان وحبس عليه إن امتنع‪ ،‬فلو قال‪ :‬ما يدعيه زيد‬
‫في تركتي فهو حق صح القرار وعينه الوارث‪ ،‬ولو قال له على شيء قبل تفسيره بكل ما يتمّول‬
‫ل كحبة حنطة‪ ،‬وكذا بنجس يحل اقتناؤه‪:‬‬ ‫وإن قل‪ ،‬وكذا بما ل يتمّول إذا كان من جنس ما يتخذ ما ً‬
‫ككلب معلم لحراسة أو صيد أو قابل للتعليم‪ ،‬وميتة لمضطر‪ ،‬وكل نجس يقتني‪ ،‬كما يقبل تفسيره‬
‫بحق شفعة وحّد قذف ووديعة‪ ،‬ولو قال له على حق قبل تفسيره بالعيادة ورّد السلم كما‬
‫قالهالبغوي خلفًا للقاضي حسين حيث قال ل يصح تفسيره بهما‪ ،‬كذا في كفاية الخيار‪ ،‬ولو أقر‬
‫بمال مطلق أو مال عظيم أو كبـير أو كثير أو نفيس قبل تفسيره بما قل من المال‪ ،‬وإن لم يتمّول‬
‫كحبة بّر وقمع باذنجانة صالح للكل‪ ،‬وإل فل يصح لنه ليس بمال ول من جنسه )و( صح إقرار‬
‫)نسب ألحقه بنفسه( من غير واسطة‪ :‬كهذا أبـي وابني بشروط خمسة‪:‬‬
‫رقم الصفحة‪250 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫الّول‪ :‬أن يكون اللحاق )بشرط إمكان( في اللحوق فل يثبت بالستلحاق إل نسب مجهول ممكن‬
‫ن يتصور كونه منه وإل لم يلحقه لن‬ ‫كونه ولد المقر بأن يكون غير ممسوح‪ ،‬وأن يكون في س ّ‬
‫الحس يكذبه‪.‬‬
‫)و( الثاني‪ :‬أن يكون مصاحبًا مع )تصديق مستلحق( بفتح الحاء وهو المقر به إن كان أهلً‬
‫ل حيًا‪ ،‬فإن كذب المكلف المقر أو قال‪ :‬ل أعلم أو سكت وأصّر لم‬ ‫للتصديق بأن كان بالغًا عاق ً‬
‫ل ببـينة أو يمين مردودة كبقية الحقوق ول يعرض على القائف‪.‬‬ ‫يثبت نسبه منه إ ّ‬
‫والثالث‪ :‬أن ل يعلم نسب المستلحق لغير المقر‪ ،‬فل يثبت بالستلحاق إل نسب مجهول ل معلوم‬
‫من فراش نكاح صحيح وإن صدقه المقر به‪ ،‬لن النسب الثابت من شخص ل ينتقل لغيره‪ ،‬ول‬
‫ح لغير ناف استلحاق منفي عن فراش نكاح صحيح‪ ،‬فخرج‬ ‫ح استلحاق ولد الزنا ول يص ّ‬ ‫يص ّ‬
‫النكاح الفاسد ووطء الشبهة فلغير النافي استلحاق منفي فيهما‪.‬‬
‫ن الغير‬ ‫ل من لم يرق دون ق ّ‬ ‫والرابع‪ :‬أن يكون المقر به المستلحق حّرا ل ولء عليه‪ ،‬فل يستلحق إ ّ‬
‫أو عتيقه الصغير أو المجنون مطلقًا ودون المكلف إن كذبه أو سكت محافظة على حق الولء‬
‫للسيد‪ ،‬بخلف المصدق لكن العبد المصدق باق على رقه‪ .‬إذ ل تنافي بـين النسب والرق‪.‬‬
‫ل بإقرار مكلف مختار ولو كافرًا‬ ‫والخامس‪ :‬الذكورة والتكليف والختيار للمقر‪ ،‬فل يثبت النسب إ ّ‬
‫سفيهًا قنًا‪ ،‬وكذا السكران ذكر ل امرأة خلية أو مزّوجة لمكان إثبات الولدة بالبـينة )ولو أقّر‬
‫ل )أو هبة وإقباض( بعد الهبة )فاّدعى فساده لم يقبل( أي بالنسبة لسقوط الحق وإن قال‪:‬‬ ‫ببـيع( مث ً‬
‫ظننت صحته لن السم عند الطلق يحمل على الصحيح‪ .‬نعم يقبل مّدعي الفساد لتحليف المقّر‬
‫له كما لو أقّر بقبض نحو قرض أو ثمن مبـيع‪ ،‬فإن نكل عن الحلف حلف المقّر أن ذلك كان فاسداً‬
‫وحكم بالفساد وثبت ما اّدعاه لن اليمين المردودة كالقرار‪ ،‬وخرج بقوله‪ :‬وإقباض ما لو اقتصر‬
‫ل إن كان المقّر به بـيد المقّر‬
‫على القرار بالهبة‪ ،‬فإن القرار بالهبة والملك ليس إقرارًا بالقبض إ ّ‬
‫له‪ ،‬ولو قال‪ :‬وهبته له وقبضه بغير رضاي صّدق بـيمينه لن الصل عدم الرضا وقبل في‬
‫القرار استثناء متصل بالمستثنى منه إن قصده قبل فراغ القرار ولم يستغرق المستثنى المستثنى‬
‫منه وسمعه من بقربه‪ ،‬ولو كان الستثناء من نفي فإنه من النفي إثبات ومن الثبات نفي‪ ،‬فلو قال‬
‫ي عشرة إل تسعة إل ثمانية لزمه تسعة‪ ،‬إذ المعنى إل تسعة ل تلزمني إل ثمانية تلزمني‬ ‫لزيد‪ :‬عل ّ‬
‫فتضم الثمانية إلى الواحد الباقي من العشرة‪ ،‬فإن قال‪ :‬مع ذلك إل سبعة وهكذا إلى الواحد لزمه‬
‫خمسة‪ .‬وطريق ذلك أن تجمع كل مثبت وكل منفي وتسقط هذا من ذاك فالباقي هو الواجب‪،‬‬
‫فمثبت هذه الصورة ثلثون‪ ،‬ومنفيها خمسة وعشرون أسقطها منها تبق خمسة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪250 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ي عشرة وثلث ما لبكر ولبكر عشرة وثلث ما لزيد فهو إقرار مجهول لن‬ ‫فائدة‪ :‬لو قال لزيد عل ّ‬
‫مجموع المقر به مجهول‪ .‬فحساب هذه المسألة بطريق العدد‪ :‬أن تضرب مقام الثلث في مثله وهو‬
‫ثلثة في ثلثة وتضرب بسطه في مثله وهو واحد في واحد وتطرح أقل الحاصلين من أكبرهما‬
‫فيكون الفضل بـينهما ثمانية وهو المام ثم تزيد على عشرة كل ثلث عشرة الخر فيجتمع ثلثة‬
‫ل اصطلحًا فيكون نسبة المام إلى المعدل كنسبة مسطح المقامين وهو‬ ‫عشر وثلث ولنسمه معد ً‬
‫تسعة إلى المطلوب فالمجهول الرابع فاضرب المعدل في مسطح المقامين واقسم الحاصل وهو‬
‫مائة وعشرون على المام يخرج خمسة عشر‪ ،‬وذلك جملة ما لكل منهما‪ .‬وحسابها بالجبر‬
‫والمقابلة أن تقول قدر المعطوف على عشرة كل منهما مجهول فتفرضه شيئًا فجملة المقر به كل‬
‫منهما عشرة وشيء فثلث ذلك وهو ثلثة وثلث وثلث شيء يعدل الشيء المفروض فاطرح‬
‫المشترك يبق ثلثة وثلث تعدل ثلثي شيء فاقسم مبسوط الثلثة والثلث وهو عشرة على مبسوط‬
‫الثلثين وهو اثنان يخرج خمسة وهو قدر المعطوف على العشرة فيكون لكل منهما خمسة عشر‪.‬‬
‫وحسابها بطريق الخطأين أن تفرض لزيد ما شئت فكأنه ثمانية عشر فيكون لبكر ثلثها على‬
‫عشرته فيكون جملة ماله ستة عشر‪ ،‬ويجب أن يكون لزيد مثل ثلثها فيجتمع له خمسة عشر وثلث‬
‫وكنا فرضنا له ثمانية عشر فالخطأ باثنين وثلثين وهو بالنقصان فاحفظه‪ ،‬ثم افرض له عددًا آخر‬
‫فكأنه أحد وعشرون‪ ،‬فإذا حملت ثلثها على عشرة بكر ثم ثلث المجتمع وهو خمسة وثلثان على‬
‫عشرة زيد كان له خمسة عشر وثلثان وكنا فرضنا له أحدًا وعشرين فالخطأ بخمسة وثلث وهو‬
‫أيضًا بالنقصان فاضرب المفروض الّول في الخطأ الثاني والمفروض الثاني في الخطأ الّول‬
‫واقسم الفضل بـين الحاصلين وهو أربعون على الفضل بـين الخطأين وهو اثنان وثلثان يخرج‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪250 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب في الوصية‬

‫وهي لغة‪ :‬اليصال لن الموصي وصل خير عقباه‪ :‬أي انتفاعه بالثواب الحاصل بالوصية بالمال‪،‬‬
‫بخير دنياه‪ :‬أي نفعه في دنياه بالمال ولنه وصل القربة الواقعة بعد الموت بالقربات المنجزة في‬
‫حياته‪ .‬وشرعًا‪ :‬تبّرع بحق منسوب استحقاقه وأخذه لما بعد الموت ليس بتدبـير ول تعليق عتق‬
‫بصفة غير موت السيد يوجد مع الموت سواء كان نسبته لما بعد الموت حقيقة‪ ،‬كقوله‪ :‬أوصيت‬
‫لزيد بكذا بعد موتي أو تقديرًا‪ ،‬كقوله‪ :‬أوصيت له بكذا فإنه بمنزلة له بعد موتي كذا‪ .‬والصل‬
‫فيهما الكتاب والسنة والجماع‪ ،‬قال تعالى في أربعة مواضع من القرآن‪} :‬من بعد وصية يوصي‬
‫بها{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ (11‬وقال ‪» :‬المحروم من حرم الوصية من مات على وصية مات على‬
‫سبـيل وسنة وتقى وشهادة‪ ،‬ومات مغفورًا له« ‪ .‬والوصية سنة مؤكدة فيما دون الثلث لغير‬
‫الوارث‪ ،‬وتكره في الزائد وقت الوصية ل وقت الموت‪ ،‬إذ ل نعلم حال المال وقت الموت‪،‬‬
‫ويتوقف تنفيذه على إجازة الورثة بعد الموت‪ .‬أما للوارث فمباحة في الثلث أو غيره ويتوقف على‬
‫الجازة مطلقًا‪ ،‬روى المام أحمد والدارقطني أن رسول ال ‪ ،‬قال‪» :‬إن الرجل ليعمل بعمل أهل‬
‫الجنة‪ ،‬فإذا جار في وصيته فيختم له بسوء عمله فيدخل النار‪ ،‬وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار‬
‫سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة« ‪.‬‬
‫واعلم أن صدقة الشخص صحيحًا ثم حيًا أفضل من صدقته مريضًا وبعد الموت‪ ،‬وينبغي أن ل‬
‫يغفل عن الوصية ساعة‪ .‬قال العلمة الحفني ‪ :‬والذي لم يوص من أبخل البخلء لنه بخل بشيء‬
‫يكون بعد موته‪ .‬وأركان الوصية أربعة‪ :‬موص‪ ،‬وموصى له‪ ،‬وموصى به‪ ،‬وصيغة‪ ،‬وشرط في‬
‫الموصي تكليف وحرية واختيار ولو كان كافرًا حربـيًا أو غيره وإن استرق بعد الوصية حيث‬
‫عتق قبل موته أو محجور سفه كما يقع من الوصية من المرأة للغاسلة بخاتم أو نحوه أو فلس كما‬
‫قال )تصح وصية مكلف حّر( مختار ول بد من وجود هذه الوصاف عند الوصية وذلك لصحة‬
‫عبارتهم واحتياجهم للثواب الشامل للتخفيف من عذاب غير الكفر في حق الكافر والسكران‬
‫كالمكلف وإن لم يكن تميـيز‪ ،‬فل تصح الوصية من صبـي ومجنون ومغمى عليه ورقيق ولو‬
‫مكاتبًا ومكره كسائر العقود لعدم ملك الرقيق أو ضعفه‪ ،‬وشرط في الموصى له عدم المعصية‬
‫وعدم الكراهة في الوصية له بأن تكون الوصية )لجهة حل( سواء كان الموصى له جهة عامة أو‬
‫غيرها فل تصح الوصية لكافر بعبد مسلم ومرتّد ومصحف وكتب علم فيها آثار السلف لكونها‬
‫معصية إذا بقي الموصى له على الكفر إلى موت الموصي‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪253 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل للملك‬‫ثم إن كانت الوصية على غير جهة اشترط في الموصى له أيضًا كونه موجودًا معلومًا أه ً‬
‫فل تصح الوصية لحمل سيحدث وإن حدث قبل موت الموصي لنها تمليك وتمليك المعدوم ممتنع‬
‫ول تصح لحد هذين الرجلين لن الملك ل يتصور للمبهم ما دام على إبهامه‪ ،‬ولذلك صح أن‬
‫يقول‪ :‬أعطوا هذا لحد هذين لنه تفويض لغيره‪ ،‬وهو إنما يعطى معينًا كما صح قوله لوكيله بعه‬
‫ل إن فسر الوصية لها‬ ‫ل للملك ول لدابة غير موقوفة لذلك إ ّ‬
‫لحدهما ول تصح لميت لنه ليس أه ً‬
‫بالصرف في علفها فتصح لن علفها على مالكها فهو المقصود بالوصية فيشترط قبوله ويتعين‬
‫الصرف إلى جهة الدابة رعاية لغرض الموصي‪ ،‬ول يسلم علفها للمالك بل يصرفه الوصي الذي‬
‫أقامه الموصي فإن لم يكن فالقاضي ولو بنائبه‪ ،‬وشمل قوله لجهة حل القربة كعمارة المساجد ولو‬
‫من كافر‪ ،‬وعمارة نحو قبة على قبور النبـياء والعلماء والصالحين لما في ذلك من إحياء الزيارة‬
‫والتبّرك بها‪ ،‬وذلك إذا كان الدفن في مواضع مملوكة لهم أو لمن دفنهم فيها لبناء القبور نفسها‬
‫للنهي عنه ول فعل ذلك في المقابر المسبلة فإن فيه تضيـيقًا على المسلمين‪ ،‬والمباحة كفك أسارى‬
‫كفار منا وإن كان الموصي ذميًا وأعطاه غني وكافر ولو حربـيًا ومرتدًا إذا لم يمت على رّدته‬
‫وبناء رباط لنزول أهل الذمة أو سكناهم به ما لم يأت بما يدل على أنه للتعبد وحده‪ ،‬أو مع نزول‬
‫المارة فل تصح الوصية حينئذ‪ ،‬وكما لو أوصى بأن يدفن في بـيته فتصح لن الدفن فيه مباح ليس‬
‫بمكروه وتصح الوصية لقاتل بأن يوصي لشخص فيقتله هو أو سيده ولو عمدًا لنها تمليك بعقد‬
‫فأشبهت الهبة ل الرث‪ .‬أما لو أوصى لمن يقتله أو يقتل غيره عدوانًا فل تصح لنها معصية‪.‬‬
‫)و( تصح )لحمل( حرًا كان أو رقيقًا من زوج أو شبهة أو زنا إن انفصل حيا حياة مستقرة وإل لم‬
‫يستحق شيئًا ووجد حال الوصية يقينًا أو ظنًا )و( تصح )لوارث( من ورثة متعددين )مع إجازة(‬
‫باقي )ورثته( المطلقين التصرف سواء أزاد على الثلث أم ل‪ ،‬والعبرة بإرثهم وقت الموت‬
‫وبردهم وإجازتهم بعده والحيلة في أخذ الوارث من غير توقف على إجازة من بقية الورثة أن‬
‫يوصي لفلن بألف‪ :‬أي وهو ثلث فأقل إن تبّرع لولد الموصي بخمسمائة أو بألفين‪ ،‬فإذا قبل وأّدى‬
‫للبن ما شرط عليه أخذ الوصية ولم يشارك بقية الورثة البن فيما حصل له‪ ،‬وشرط في‬
‫الموصى به كونه مباحًا يقبل النقل من شخص إلى آخر فتصح بحمل موجود إن انفصل حيًا أو‬
‫ميتًا مضمونًا بأن كان ولد أمة وجنى عليه‪ ،‬بخلف ولد البهيمة إن انفصل ميتًا بجناية فإن الوصية‬
‫تبطل‪ ،‬وما يغرمه الجاني حينئذ مما نقص من قيمة أمه يكون للوارث وبثمر وحمل ولو معدومين‬
‫وبمبهم فيرجع في تفسيره للوارث إن لم يبـينه الموصي وبمعجوز عن تسليمه وتسلمه وبنجس‬
‫يقتنى ككلب قابل للتعليم وزبل وخمر محترمة وميتة لطعام الجوارح ولو ميتة كلب أو خنزير‪،‬‬
‫وشرط في الصيغة لفظ إيجاب يشعر بالوصية‪ ،‬وصريحه حاصل )بأعطوه كذا أو هو له بعد‬
‫موتي( في الثنين )وبأوصيت له( بكذا ولو لم يقل بعد موتي لوضعها شرعًا لذلك‪ ،‬فإن اقتصر‬
‫على نحو وهبته له فهبة ناجزة‪ ،‬أو اقتصر على نحو ادفعوا له كذا من مالي فتوكيل يرتفع بموته‬
‫فكل من هذين ل يكون كناية وصية أو اقتصر على قوله‪ :‬جعلته له احتمل الهبة والوصية‪ ،‬فإن‬
‫ل بطل‪ ،‬أو اقتصر على قوله‪ :‬ثلث مالي للفقراء لم يكن إقرارًا بل‬ ‫علمت نيته لحدهما صح وإ ّ‬
‫كناية وصية على الراجح‪ ،‬ومعلوم أن الكناية تفتقر إلى نية‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪253 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫أما قوله‪ :‬هو له فقط فإقرار لنه من صرائحه ووجد نفاذًا في موضوعه فل يجعل كناية في غيره‬
‫وهو الوصية‪ ،‬وكذا لو اقتصر على قوله هو صدقة أو وقف على كذا فينجز من حينئذ وإن وقع‬
‫جوابًا ممن قيل له‪ :‬أوص لن وقوعه جوابًا ل يفيد في صرفه عن كونه صدقة أو وقفًا وكنايته‬
‫كتابة ولو من ناطق فتنعقد الوصية بها مع النية وقوله‪ :‬هو له من مالي وعينت له هذا أو عبدي‬
‫هذا له ويكتفي هنا في النية باقترانها بجزء من اللفظ بخلف ما في البـيع فل بد من اقترانها بجميع‬
‫اللفظ وتلزم الوصية بموت لكن )مع قبول( موصى له )معين( محصور )بعد موت موص( ولو‬
‫بتراخ فل يصح القبول قبل الموت وذلك إن تأهل الموصى له للقبول وإل فيشترط القبول من وليه‬
‫أو سيده أو ناظر المسجد بخلف نحو الخيل المسبلة بالثغور ل تحتاج لقبول لنها تشبه الجهة‬
‫العامة ولو كان الموصى به إعتاقًا كأن قال‪ :‬أعتقوا عني فلنًا بعد موتي فل حاجة إلى القبول‪،‬‬
‫بخلف ما إذا أوصى للرقيق برقبته فل بّد منه‪.‬‬
‫ول يشترط القبول في غير محصور وغير معين كالفقراء والعلوية بل تلزم الوصية بموت‬
‫الموصي لتعذر القبول منهم ولو رّدوا لم ترتّد برّدهم‪ ،‬ويجوز القتصار على ثلثة منهم‪ ،‬ول‬
‫تجب التسوية بـينهم‪ ،‬بخلف المحصورين فيجب قبولهم واستيعابهم والتسوية بـينهم‪ ،‬والوصية‬
‫بالثلث وقت الوصية خلف الولى‪ ،‬وينبغي أن ل يوصي بزائد على الثلث سواء كان ورثته فقراء‬
‫أو أغنياء‪ ،‬ولذلك )ل( تصح الوصية )في زائد على ثلث في مرض مخوف( أي يخاف منه الموت‬
‫ويموت فيه لن المريض محجور عليه في الزائد‪ ،‬بخلف ما إذا شفي منه فإنه ينفذ لتبـين عدم‬
‫الحجر‪ ،‬وذلك )إن رّده( أي الزائد )وارث( خاص مطلق التصرف لنه حقه‪ ،‬فإن كان الوارث‬
‫عامًا بطلت الوصية في الزائد ابتداء من غير رّد لن الحق للمسلمين فل مجيز‪ .‬أما إذا كان‬
‫الوارث الخاص غير مطلق التصرف فل يصح رّده ول إجازته بل توقف إلى كماله إن رجى وإل‬
‫ل فل‪ ،‬وعلى كل من اليأس من برئه‬ ‫كجنون مستحكم أيس من برئه بطلت الوصية ظاهرًا وإ ّ‬
‫وعدمه فمتى برأ وأجاز بان نفوذها‪ ،‬وإن أجاز الوارث الخاص المطلق التصرف فإجازته إمضاء‬
‫لتصرف الموصي بالزيادة على الثلث لصحته‪ ،‬وحق الوارث إنما يثبت في ثاني الحال وهو بعد‬
‫الجازة ل وقت الموت فأشبه عفو الشفيع من حيث كونه بعد البـيع ل قبله ويعتبر المال ليعلم قدر‬
‫الثلث منه وقت الموت ل وقت الوصية وبالموت تلزم من جهة الموصي‪ .‬فلو قتل فوجبت ديته‬
‫بنفس القتل بأن كان خطأ أو شبه عمد ضمت لماله حتى لو أوصى بثلثه أخذ الموصى له ثلث‬
‫الدية‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪253 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫أما لو كان القتل عمدًا يوجب القصاص إذا عفي عنه على مال بعد موته فل يضم إلى التركة لنه‬
‫لم يكن مال الموصي وقت الموت‪ ،‬ولو أوصى برقيق ول رقيق له ثم ملك عند الموت رقيقًا‬
‫تعلقت الوصية به‪ ،‬ولو زاد ماله تعلقت الوصية بذلك الزائد )ويعتبر منه( أي الثلث الذي يوصي‬
‫به )عتق علق بالموت( في الصحة أو المرض ولو مع غيره كما لو قال‪ :‬إن مت ودخلت الدار‬
‫فأنت حر‪ .‬نعم لو قال صحيح لرقيقه أنت حر قبل مرض موتي بـيوم ثم مات من مرض بعد‬
‫التعليق بأكثر من يوم أو قبل موتي بشهر ثم مرض دونه ومات بعد أكثر من شهر عتق من رأس‬
‫ل وتأجيل ثمن مبـيع‬ ‫المال في الصورتين لن عتقه وقع في الصحة )ووقف( وعارية عين سنة مث ً‬
‫كذلك فيعتبر من الثلث أجرة العارية وثمن المبـيع‪ ،‬وإن باعه بأضعاف ثمن مثله لن تفويت يدهم‬
‫كتفويت ملكهم )وهبة( منجزة في مرض الموت وعتق لغير مستولدته إذ هو لها فيه من رأس‬
‫المال وإبراء وهبة في صحة وإقباض في مرض حيث اتفق المتهب والوارث على أن القبض وقع‬
‫في المرض وإل حلف المتهب أن القبض وقع في الصحة فيكون العتبار من رأس المال‪.‬‬
‫واعلم أنه إذا ثبت المرض مخوفًا عندنا في زمن المرض ومات به حكم عند الموت بعدم نفوذ‬
‫التبرع الزائد على الثلث حينئذ‪ ،‬فإن برأ نفذ وإن ثبت عندنا في زمن المرض أنه غير مخوف‬
‫ل فل‪ ،‬ولو تصرف في مرض غير‬ ‫فمات فإن حمل على الفجأة حكمنا بعد الموت بنفوذه وإ ّ‬
‫مخوف ثم عقبه مرض مخوف ومات به فإن كان المرض الّول مما ل يتولد عنه الثاني عادة نفذ‬
‫التصرف فيه وإن كان مما يتولد عنه الثاني عادة لم ينفذ لن الموت منسوب إليه ولو بواسطة كما‬
‫قاله عمر البصري ‪ .‬ثم الوصية إن كان مطلوبة حين فعلها إذا عرض للموصى له ما يقتضي أنه‬
‫يصرفها في محرم وجب الرجوع أو في مكروه ندب الرجوع أو في طاعة كره الرجوع‪.‬‬
‫)وتبطل( أي الوصية )برجوع( عن الوصية وعن بعضها‪ ،‬ويحصل الرجوع )بنحو نقضت(‬
‫الوصية كأبطلتها ورجعت فيها ورفعتها ورددتها وأزلتها وفسختها وكلها صرائح كهو حرام على‬
‫الموصى له‪) ،‬و( بقوله )هذا( أي الموصى به )لوارثي( أو ميراث عني‪ ،‬وإن لم يقل بعد موتي‬
‫لنه ل يكون كذلك إل وقد أبطل الوصية فيه فصار كقوله رددتها )و بـ( ـنحو )بـيع رهن( ولو بل‬
‫قبول لظهور صرفه بذلك عن جهة الوصية‪) ،‬وعرض عليه( وتوكيل في البـيع وفي العرض‬
‫)وغرس( وبناء في أرض سواء أكان ذلك بفعله أم بفعل مأذونه‪ ،‬بخلف زرعه فيها )وتنفع ميتًا‬
‫صدقة( لجله من وارث وغيره‪ .‬ومنها وقف المصحف وغيره وحفر بئر وغرس شجر‪ ،‬روى‬
‫ل أتى النبـي ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال إن أمي انفلتت نفسها‬ ‫مسلم عن عائشة رضي ال عنها‪» :‬أن رج ً‬
‫ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال نعم« اهـ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪253 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والتصدق عن الميت بوجه شرعي مطلوب ول يتقيد بكونه في سبعة أيام أو أكثر أو أقل وتقيـيده‬
‫ببعض اليام من العوائد فقط كما أفتى بذلك السيد أحمد دحلن ‪ ،‬وقد جرت عادة الناس بالتصدق‬
‫عن الميت في ثالث من موته وفي سابع وفي تمام العشرين وفي الربعين وفي المائة‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫ل في يوم الموت كما أفاده شيخنا يوسف السنبلويني ‪ .‬أما الطعام الذي يجتمع‬ ‫يفعل كل سنة حو ً‬
‫ل فيحرم‪،‬‬‫عليه الناس ليلة دفن الميت المسمى بالوحشة فهو مكروه ما لم يكن من مال اليتام وإ ّ‬
‫كذا في كشف اللثام‪) .‬ودعاء( قال النووي في الذكار‪ :‬أجمع العلماء على أن الدعاء للموات‬
‫ل كالغريق المغوث«‬ ‫ينفعهم ويصلهم ثوابه اهـ‪ .‬روي عن النبـي أنه قال‪» :‬ما الميت في قبره إ ّ‬
‫بفتح الواو المشددة أي الطالب لن يغاث »ينتظر دعوة تلحقه من ابنه أو أخيه أو صديق له فإذا‬
‫ب إليه من الدنيا وما فيها« وأن هدايا الحياء للموات الدعاء والستغفار‪.‬‬‫لحقته كانت أح ّ‬
‫وقالحسين المحلي في كشف اللثام‪ :‬يحصل ثواب القراءة للميت بمجرد قصده بها وهو مذهب‬
‫الئمة الثلثة‪ ،‬وكذا القراءة بحضرة الميت أو بنية القارىء ثواب قراءته له أو بدعائه له عقب‬
‫القراءة‪ .‬ومنه‪ :‬اللهم أوصل ثواب ما قرأناه إلى فلن‪ ،‬ولو قال بعده‪ :‬ثم إلى أموات المسلمين اهـ‪.‬‬
‫وقال محمد أبو خضير في نهاية المل‪ :‬والذي استقر عليه الحال من خلف كبـير أن الميت ينفعه‬
‫ما يفعل له من الخيرات بعد موته‪ ،‬لكن ل بد أن يقصد الفاعل ثواب ذلك للميت أو يدعو له عقب‬
‫الفعل بحصول الثواب له أو يكون عند قبره ويحصل لفاعل ذلك ثواب أيضًا‪ ،‬ولو سقط ثواب‬
‫الفاعل لمسقط كأن غلب الباعث الدنيوي كأن كان بأجرة فينبغي أن ل يسقط مثله بالنسبة للميت‪.‬‬
‫وقال في موضع آخر‪ :‬يجب اعتقاد أن الدعاء ينفع الحياء والموات إن دعا لهم غيرهم ويضرهم‬
‫إن دعا عليهم بحق‪ .‬وروى الحاكم أنه قال‪» :‬ل يغني حذر من قدر‪ ،‬والدعاء ينفع مما نزل ومما لم‬
‫ينزل وإن البلء لينزل ويتلقاه الدعاء فيتعالجان إلى يوم القيامة« ‪ .‬وأجمع على نفعه السلف‬
‫والخلف من أهل السنة‪.‬‬
‫واعلم أن للدعاء شروطًا وآدابًا‪ ،‬فمن شروطه‪ :‬أكل الحلل‪ ،‬وأن يدعو وهو موقن بالجابة‪ ،‬وأن‬
‫ل‪ ،‬وأن ل يدعو بما فيه إثم أو قطيعة رحم أو إضاعة حقوق المسلمين‪ ،‬وأن ل‬ ‫ل يكون قلبه غاف ً‬
‫يدعو بمحال ولو عادة‪ .‬ومن آدابه أن يختار الوقات الفاضلة كأن يدعو في السحر وعند الذان‬
‫والقامة‪ .‬ومنها تقديم الوضوء والصلة‪ ،‬واستقبال القبلة ورفع اليدي جهة السماء وتقديم التوبة‬
‫والعتراف بالذنب والخلص‪ ،‬وافتتاحه بالحمد والصلة على النبـي ‪ ،‬وختمه بهما وجعل‬
‫الصلة في وسطه أيضًا‪ ،‬وقال ابن عطاء ال رحمه ال‪ :‬للدعاء أركان‪ ،‬وأجنحة‪ ،‬وأسباب‪،‬‬
‫وأوقات‪ ،‬فإن وافق أركان قوي‪ ،‬وإن وافق أجنحته طار في السماء‪ ،‬وإن وافق مواقيته فاز‪ ،‬وإن‬
‫وافق أسبابه نجح‪ .‬فأركانه‪ :‬حضور القلب والرقة والستكانة والخضوع وتعلق القلب بال وقطعه‬
‫من السباب‪ ،‬وأجنحته الصدق‪ ،‬ومواقيته السحار‪ ،‬وأسبابه الصلة على محمد ‪ ،‬ثم إن الجابة‬
‫تتنّوع فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور‪ ،‬وتارة يقع ولكن يتأخر لحكمة‪ ،‬وتارة تقع الجابة‬
‫ل‪ ،‬وتارة يّدخر بذلك ثوابًا في الخرة‪.‬‬‫ل أو مآ ً‬
‫بغير المطلوب حا ً‬
‫رقم الصفحة‪253 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب الفرائض‬

‫أي مسائل قسمة المواريث أي التركات‪ .‬يبدأ وجوبًا من تركة الميت بحق متعلق بنفس التركة‪:‬‬
‫كالزكاة والنذر‪ ،‬وكفارة وحج‪ ،‬والمرهون‪ ،‬والجاني المتعلق بذاته مال‪ ،‬والمبـيع بثمن في الذمة إذا‬
‫مات المشتري مفلسًا‪ ،‬ويقّدم دين ال على دين الدمي‪ ،‬ثم بكلفة التجهيز للميت ولمن عليه مؤنته‬
‫بالمعروف بحسب اليسار والعسار غير زوجة وخادمها فكلفة تجهيزهما على الزوج الغني‪ ،‬ثم‬
‫بالدين المرسل في الذمة لكونها حقًا واجبًا على الميت‪ ،‬ثم بالوصية من ثلث الباقي بعد الدين‪ ،‬ثم‬
‫بقسمة الباقي من التركة بـين الورثة وهم بالسباب الخاصة قسمان‪ :‬ذكور وإناث‪ ،‬فالذكور خمسة‬
‫عشر‪ :‬البن وابنه والب والجّد‪ ،‬والخ لبوين والخ للب‪ ،‬والخ للم وابن الخ لبوين وابن‬
‫الخ للب‪ ،‬والعم لبوين والعم للب وابن العم لبوين وابن العم للب‪ ،‬والزوج وذو الولء‪.‬‬
‫والناث عشرة‪ :‬البنت وبنت البن والّم والجدة للم‪ ،‬والجّدة للب والخت للبوين‪ ،‬والخت‬
‫للب والخت للم والزوجة وذات الولء‪ ،‬فلو اجتمع الذكور فالوارث أب وابن وزوج‪ ،‬أو اجتمع‬
‫الناث فالوارث بنت وبنت ابن وأم وأخت لبوين وزوجة‪ ،‬أو اجتمع الممكن اجتماعه من‬
‫الصنفين فالوارث أبوان وابن وبنت وأحد زوجين‪ ،‬فلو لم يستغرق الورثة منهما رّد ما فضل عن‬
‫الورثة على ذوي فروض غير زوجين بنسبة فروض من يرّد عليه‪.‬‬
‫وقال الشيخ عطاء ال ‪ :‬وأصول الرّد اثنان وثلثة وأربعة وخمسة‪ ،‬لنه إن كان في المسألة‬
‫سدسان كجّدة وأخ لم فأصلها اثنان‪ ،‬وإن كان فيها ثلث وسدس كأم وأخ منها فثلثة‪ ،‬وإن كان فيها‬
‫نصف وسدس كبنت وأم فأربعة‪ ،‬وإن كان فيها نصف وسدسان كبنت وبنت ابن وأم‪ ،‬أو نصف‬
‫وثلث كأخت لغير أم وأخوين لم فخمسة اهـ‪.‬‬
‫)الفروض( أي النصباء المحصورة للورثة )في كتاب ال تعالى( ستة‪ :‬الربع والثلث وضعف كل‬
‫ن كل من له شيء من النصباء يأخذه‬ ‫ونصفه وزيد على هذه الستة ثلث ما يبقى‪ ،‬وليس المراد أ ّ‬
‫ن من أخذ بالجماع أو القياس‪ :‬أحدها )ثلثان( وهو لربع )لثنين( أي لثنتين‬ ‫بنص القرآن لن فيه ّ‬
‫متساويتين فأكثر ممن يرث النصف )من بنت وبنت ابن وأخت لبوين و( أخت )لب( قال ال‬
‫ن ثلثا ما ترك{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ (11‬وبنات‬ ‫ن نساء فوق اثنتين فله ّ‬
‫تعالى في البنات‪} :‬فإن ك ّ‬
‫البن كالبنت والبنتان وبنتا البن مقيستان على الختين وقال في الختين فأكثر‪} :‬فإن كانتا اثنتين‬
‫فلهما الثلثان مما ترك{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ (176‬نزلت هذه الية في سبع أخوات لجابر بن عبد‬
‫ال حين مرض وسأل عن إرثهن منه فدلت هذه الية على أن المراد الختان فأكثر‪) .‬وعصب‬
‫ل( من الربع )أخ ساوى( له في الدرجة فالبن يعصب البنت وابن البن يصعب بنت البن‬ ‫كً‬
‫التي في درجته‪ ،‬والخ الشقيق يعصب الخت الشقيقة والخ لب يعصب الخت لب‪ ،‬ثم إن ابن‬
‫البن كما يعصب أخته وبنت عمه التي في درجته يعصب بنت ابن فوقه وهي عمته وبنت عّم‬
‫ل فل يعصبها كبنت وبنت ابن وابن‬ ‫أبـيه إن لم يكن سدس كبنتين وبنت ابن وابن ابن ابن ابن وإ ّ‬
‫ابن لن لها فرضًا استغنت به عن تعصيبه وهو السدس وله الثلث الباقي‪ ،‬ولو كان في هذا المثال‬
‫بنت ابن ابن أيضًا قسم الثلث بـينها وبـين أخيها لن هذه ل شيء لها في السدس الذي هو تكملة‬
‫الثلثين فعصبها‪ ،‬ومعنى تعصيب الخ أخته أن يكون للذكر في التركة مثل حظ النثيـين‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫أما تعصيب المساوي للنثى فلقوله تعالى‪} :‬يوصيكم ال في أولدكم للذكر مثل حظ النثيـين{ ))‬
‫ظ النثيـين{ ))‬ ‫ل ونساء فللذكر مثل ح ّ‬‫‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ ،(11‬وقوله تعالى‪} :‬وإن كانوا إخوة رجا ً‬
‫‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ .(176‬وأما النازل عنها فبالولى لن التي فوقه أقرب من التي في درجته وقد‬
‫تعصب الشقيقة والخت للب بالجد لنه بمنزلة أخيها‪) ،‬و( عصب )الخريـين( أي الخت‬
‫ن الخت تأخذ ما تبقيه البنت‬ ‫الشقيقة والخت لب )الوليان( وهما البنت وبنت البن‪ .‬والمعنى أ ّ‬
‫أو بنت البن فتأخذ الخت الشقيقة أو الخت لب أو الخوات المتساويات بالعصوبة ما فضل من‬
‫فرض البنت أو بنت البن وهو النصف إن كانت واحدة والثلثان‪ .‬إن كانت متعددة والخت الشقيقة‬
‫متى صارت عصبة مع الغير صارت بمنزلة الخ الشقيق فتحجب الخوة للب وباقي العصبات‪،‬‬
‫وما ذكر من أن الخوات مع البنات عصبات هو مذهب الجمهور خلفًا لبن عباس القائل‪ :‬بأن‬
‫البنات أو بنات البن يحجبن الخوات كما قاله البـيلي ‪.‬‬
‫ن( أي للبنت وابن البن والخت الشقيقة والخت لب حيث‬ ‫)و( ثانيها‪) :‬نصف( وهو لخمسة )له ّ‬
‫ن من الذكور قال تعالى في البنت‪} :‬وإن كانت واحدة‬ ‫ن وعمن يعصبه ّ‬ ‫ن )منفردات( عن أخواته ّ‬ ‫كّ‬
‫فلها النصف{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ (11‬وقال في الخت‪} :‬وله أخت فلها نصف ما ترك{ ))‪(4‬‬
‫النساء‪ :‬الية ‪ (176‬والمراد أخت لغير أم‪.‬‬
‫)ولزوج ليس لزوجته فرع( وارث من الولد أو ولد البن سواء كان ذكرًا أو أنثى وسواء كان من‬
‫ن ولد{ ))‪ (4‬النساء‪:‬‬ ‫الزوج أو من غيره لقوله تعالى‪} :‬ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن له ّ‬
‫الية ‪ (11‬وولد البن كالولد إجماعًا وقياسًا أو لفظ الولد يشمله بناء على إعمال اللفظ في حقيقته‬
‫ي رضي ال عنه‪ :‬وفقدان الفرع الوارث بأن ل يكون فرع أو كان لكنه‬ ‫ومجازه كما عليه الشافع ّ‬
‫غير وارث لقيام مانع أو لكونه ولد بنت‪.‬‬
‫)و( ثالثها‪) :‬ربع( وهو لثنين )له( أي لزوج )معه( أي مع وجود فرع وارث للميت لقوله تعالى‪:‬‬
‫ن ولد فلكم الربع مما تركن{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪) (11‬ولها( أي لزوجة فأكثر )دونه(‬ ‫}فإن كان له ّ‬
‫ن الربع مما‬
‫أي مع فقدان فرع للزوج سواء كان من تلك الزوجة أو من غيرها لقوله تعالى‪} :‬وله ّ‬
‫تركتم إن لم يكن لكم ولد{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪.(12‬‬
‫)و( رابعها‪) :‬ثمن( وهو )لها( أي لزوجة فأكثر )معه( أي فرع وارث للميت لقوله تعالى‪} :‬فإن‬
‫ن الثمن مما تركتم{ )النساء)‪ (4‬الية ‪ (12‬والزوجان يتوارثان في عدة الطلق‬ ‫كان لكم ولد فله ّ‬
‫الرجعي وذلك داخل في كلم المصنف‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( خامسها‪) :‬ثلث( وهو لثنين )لم ليس لميتها( فرع وارث )ول عدد من إخوة( ذكران أو‬
‫أنثيان أو خنثيان أو مختلفان من ذلك قال تعالى‪} :‬فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلمه الثلث فإن‬
‫كان له إخوة فلمه السدس{ ))‪ (4‬النساء الية ‪ (11‬والمراد بهم اثنان فأكثر هذا إن لم يكن مع الم‬
‫أب أو أحد الزوجين وإل فلها ثلث الباقي‪ ،‬فمسألة زوج وأبوين من ستة ومسألة زوجة وأبوين من‬
‫ل ليأخذ الب مثلي ما تأخذه هي على‬ ‫أربعة‪ ،‬وإنما لم يفرض لها في هاتين المسألتين الثلث كام ً‬
‫الصل في اجتماع ذكر وأنثى في درجة ففرضها في الحقيقة في الولى السدس وفي الثانية الربع‬
‫لكن أبقى العلماء لفظة الثلث موافقة لقوله تعالى‪} :‬وورثه أبواه فلمه الثلث{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية‬
‫‪ (11‬ويعايا بالولى فيقال‪ :‬أم ورثت السدس وليس لميتها فرع وارث ول ذو إخوة وبالثانية فيقال‪:‬‬
‫امرأة ورثت الربع بل عول ول رّد ول زوجية وهاتان تلقبان بالغراوين لن هذه المسألة غرت‬
‫الم أو لنهما كغرة الفرس في الشهرة‪ ،‬وبالعمريتين لقضاء عمر رضي ال عنه فيهما بذلك‪،‬‬
‫وخالف في ذلك ابن عباس حيث يعطي للم ثلث جميع المال ووافقه ابن سيرين ووافقه الجمهور‬
‫في مسألة الزوج )ولولديها( أي ولدي أم فأكثر يستوي في ولد الم الذكر والنثى قال تعالى‪} :‬وله‬
‫أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث{ ))‪ (4‬النساء‪:‬‬
‫الية ‪ (12‬والمراد أولد الم بدليل قراءة ابن مسعود وغيره‪ :‬وله أخ أو أخت من أم‪ ،‬والقراءة‬
‫الشاذة كالخبر على الصحيح المنصوص‪.‬‬
‫)و( سادسها )سدس( ولو لسبعة )لب وجد لميتهما فرع( وارث قال تعالى‪} :‬ولبويه لكل واحد‬
‫منهما السدس مما ترك إن كان له ولد{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ (11‬والجد كالب‪ ،‬والمراد جدّ لم يدل‬
‫ل فل يرث بخصوص القرابة لنه من ذوي الرحام )وأم لميتها ذلك( أي فرع وارث )أو‬ ‫بأنثى وإ ّ‬
‫عدد من إخوة( مطلقًا اثنان فأكثر وإن لم يرثا لحجبهما بالشخص دون الوصف كأخ لب مع شقيق‬
‫وكأخوين لم مع جّد قال تعالى‪} :‬فإن كان له إخوة فلمه السدس{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪(11‬‬
‫والمراد بالخوة الجنس عند الجمهور خلفًا لبن عباس القائل‪ :‬إن الم ل تحجب عن الثلث إلى‬
‫ل الجمع ثلثة‪ ،‬ولو اجتمع مع الّم‬‫ل بثلث من الخوة متمسكًا بظاهر هذه الية من أن أق ّ‬ ‫السدس إ ّ‬
‫فرع وعدد من الخوة فالظاهر كما قالبن الرفعة وغيره‪ :‬إن الحاجب هو الفرع لنه أقوى‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وجدة( فأكثر لم أو لب سواء كان معها ولد أم ل وسواء كان معها عدد من الخوة أم ل‪،‬‬
‫ل جّدة أدلت بمحض الناث كأم أم الم‪ ،‬أو بمحض الذكور كأم أبـي الب‪،‬‬ ‫فالوارث من الجّدات ك ّ‬
‫أو بمحض الناث إلى الذكور كأم أم الب‪ ،‬أما المدلية إلى الميت بذكور إلى إناث كأم أبـي الم‬
‫فهي الجّدة المحجوبة فل ترث عند الئمة الربعة‪ ،‬وأما الجّدة الساقطة وهي كما لو مات الميت‬
‫عن أم الم وعن أم الب مع وجود الب‪ ،‬فعند المام مالك وأبـي حنيفة السدس كله لم الم فقط‬
‫ول شيء لم الب لحجبها بالب وكذلك عند المام الشافعيّ على الراجح‪ ،‬ومقابله عند السادة‬
‫ن التي من قبل الم لها نصف السدس والنصف الثاني يأخذه الب لنه حجب أمّ نفسه‪،‬‬ ‫الشافعية أ ّ‬
‫وعند المام أحمد ابن حنبل السدس بـين الجدتين بالسوية لن الب ل يحجب أّم نفسه عنده‪.‬‬
‫)وبنت ابن فأكثر مع بنت أو( بنت ابن مع )بنت ابن أعلى( لقضائه بالسدس في بنت البن الواحدة‬
‫مع بنت رواه البخاري عن ابن مسعود وقيس بها الكثر‪ ،‬فلو كانت بنت البن مع بنتين فأكثر فل‬
‫ل إذا كان معها ابن ابن يعصبها‪) .‬وأخت فأكثر لب مع أخت لبوين( قياسًا على التي‬ ‫ترث إ ّ‬
‫ل إذا كان معها أخ لب يعصبها‪،‬‬ ‫قبلها‪ ،‬فلو كان مع الخت لب أختان شقيقتان فأكثر فل ترث إ ّ‬
‫)وواحد من ولد أّم( ذكرًا كان أو غيره قال تعالى‪} :‬وإن كان رجل يورث كللة أو امرأة وله أخ‬
‫ل واحد منهما السدس{ ))‪ (4‬النسا‪ :‬الية ‪ .(12‬فإن فسر الكللة بالورثة إذا لم يكن‬ ‫أو أخت فلك ّ‬
‫فيهم أب فما عل ول ابن فما سفل فقوله تعالى‪} :‬كللة{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ (12‬إما حال من‬
‫ضمير يورث فكان ناقصة ويورث خبر أو تامة فيورث صفة وإما خبر فيورث صفة‪ ،‬والرابط‬
‫المستتر فيه‪ ،‬وحينئذ فهو على تقدير مضاف أي ذا كللة‪ ،‬وإذا فسر الكللة بالميت الذي لم يترك‬
‫ولدًا ول والدًا فكللة أيضًا حال أو خبر ولكن ل يحتاج إلى تقدير مضاف‪ ،‬وإذا فسر بالقرابة غير‬
‫الولد والوالد فهي مفعول لجله كما في مغني اللبـيب‪.‬‬
‫ثم استطرد المصنف في ذكر فرض الم بعد فرض الزوجين فقال‪) :‬وثلث باق لم مع أحد‬
‫زوجين وأب( فلهذه المسألة صورتان تلقبان بالغراوين تشبـيهًا لهما بالكوكب الغر لشهرتهما‬
‫فيما بـين الفرضيـين‪ ،‬وتلقبان أيضًا بالعمريتين لنهما رفعتا إلىعمر رضي ال عنه فجعل للم‬
‫ثلث ما يبقى بعد فرض الزوجين‪ ،‬وتلقبان أيضًا بالغريبتين لغرابتهما في المسائل الفرضية‬
‫ولمخالفتهما للقواعد الفرضية‪ .‬فالصورة الولى‪ :‬زوج وأبوان أصلها من اثنين للزوج واحد يبقى‬
‫واحد على ثلثة مخرج الثلث ل ينقسم ول يوافق فيضرب اثنان في ثلثة فالحاصل ستة للزوج‬
‫ثلثة وللب اثنان وللم واحد ثلث ما يبقى‪ .‬والصورة الثانية‪ :‬زوجة وأبوان أصلها من أربعة‬
‫ومنها تصح للزوجة واحد وللم ثلث الباقي وللب الباقي‪ ،‬وجعل له ضعفاها لن كل أنثى مع‬
‫ذكر عن جنسها له مثلها‪ ،‬فعلم من ذلك المذكور أن الستة في الصورة الولى تصحيح والربعة‬
‫في الثانية تأصيل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحجب على نوعين‪ :‬حجب حرمان وهو منع الرث بالكلية وحجب نقصان وهو منع أوفر‬
‫الحظين‪ .‬وحجب الحرمان على قسمين حجب بالوصف كرقّ وقتل واختلف دين فيدخل على‬
‫جميع الورثة‪ ،‬وحجب بالشخص فل يدخل على ستة البن والبنت والب والم والزوج والزوجة‬
‫ل بالشخص ويدخل على كل وارث سواء كان‬ ‫ويدخل على غيرهم‪ ،‬وحجب النقصان ل يكون إ ّ‬
‫يرث بالفرض أو بالتعصيب وهو سبعة أقسام‪ :‬الول‪ :‬الحجب من فرض إلى فرض أقل منه‬
‫كالزوج والزوجة والم‪ .‬والثاني‪ :‬الحجب من تعصيب إلى فرض كحجب الب والجد من الكل‬
‫إلى السدس‪ .‬والثالث‪ :‬النتقال من فرض إلى تعصيب كالبنات وبنات البن والخوات الشقاء أو‬
‫ن‪ .‬والرابع‪ :‬النتقال من تعصيب إلى تعصيب مثل الخت الشقيقة‬ ‫ن ذكر يعصبه ّ‬
‫للب إذا كان معه ّ‬
‫أو للب مع البنت أو بنت البن فإنها انتقلت من التعصيب بالغير إلى التعصيب مع الغير‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬المزاحمة في الفرض كالزوجة إذا تعّددت والجّدة كذلك والبنات وبنات البن‬
‫والخوات الشقاء أو للب أو للم‪ .‬والسادس‪ :‬المزاحمة في التعصيب كالبنين وبني البن‬
‫والخوة الشقاء أو لب‪ .‬والسابع‪ :‬المزاحمة في العول كما في المسألة المنبرية وهي زوجة‬
‫وأبوان وبنتان وكل من حجب حرمانًا‪ ،‬ل يحجب غيره حرمانًا وقد يحجب غيره نقصانًا كالخوة‬
‫للم مع الم والجد فإنهم يحجبون الم من الثلث إلى السدس حجب نقصان‪.‬‬
‫)ويحجب ولد ابن بابن( سواء كان أباه أو عمه )أو ابن ابن أقرب منه و( يحجب )جد( أبو الب‬
‫وإن عل )بأب( متوسط بـينه وبـين الميت سواء كان الجّد يرث بالتعصيب وحده كجد فقط أو‬
‫بالفرض وحده كجد مع ابن أو بالفرض والتعصيب معًا كجد مع بنت‪ ،‬فإن الجّد إذا كان معه أب‬
‫في حالته الثلث ورث الب وحجب الجّد بالب )و( تحجب )جّدة لم بأم( لنها تدلى بها )و(‬
‫ن إرثها بالمومة والم أقرب منها )و( يحجب‬ ‫جّدة )لب بأب( لنها تدلي به )وأم( بالجماع ول ّ‬
‫)أخ لبوين( بثلثة )بأب وابن( وابنه وإن نزل إجماعًا‪ ،‬لن جهة ابن البن مقّدمة على جهة الخ‪.‬‬
‫)و( يحجب أخ )لب( بخمسة )بهما( أي بأب وابن وبابنة وإن نزل‪) .‬وبأخ لبوين( لنه أقوى من‬
‫المدلي بأصل واحد وبأخت لبوين معها بنت أو بنت ابن‪) .‬و( يحجب أخ )لم( بستة )بأب( وجّد‬
‫وإن عل عند الجمهور خلفًا لبن عباس القائل‪ :‬بأن الخ للم يرث مع وجود الجّد وهو شاذ‪.‬‬
‫)وفرع( وارث من ابن وابنه وبنت وبنت ابن‪) .‬و( يحجب )ابن أخ لبوين( بستة )بأب وجّد( أبـيه‬
‫وإن عل )وابن( وابنه وإن نزل )وأخ( لبوين أو لب لنه أقرب منه )و( يحجب ابن أخ )لب(‬
‫بسبعة )بهؤلء( الستة )وبابن أخ لبوين( لنه أقوى منه ويحجب ابن ابن أخ لبوين بابن أخ لب‬
‫لنه أقرب منه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫واعلم أن ابن الخ وإن نزل ل يعصب بنت الخ التي في درجته ول النثى التي فوقه من بنات‬
‫الخ إجماعًا لنهما من ذوي الرحام‪ ،‬وكذلك ل يعصب ابن الخ من فوقه من الخوات لنه ّ‬
‫ن‬
‫ن‪ ،‬بخلف ابن البن فإنه يعصب النثى التي في درجته والنثى التي فوقه‬ ‫مستغنيات بفرضه ّ‬
‫لنهما من ذوي السهام‪ ،‬وهذا هو القريب المبارك وهو من لوله لسقطت النثى التي يعصبها‬
‫سواء كان أخاها مطلقًا أو ابن عمها أو أنزل منها‪ .‬أما القريب المشؤوم فهو الذي لوله لورثت‬
‫ل مساويًا لها من أخ مطلقًا أو ابن عم لبنت ابن‪ ،‬وذلك كما لو هلكت المرأة‬
‫النثى ول يكون ذلك إ ّ‬
‫عن زوجها وأمها وأبـيها وبنتها وبنت ابنها فهذه خمسة فالمسألة من اثني عشر للزوج الربع وللم‬
‫السدس وللب السدس وللبنت النصف ولبنت البن السدس‪ ،‬فتعول المسألة لخمسة عشر فلو كان‬
‫مع بنت البن ابن ابن سقطت هي معه لستغراق الفروض التركة‪ ،‬وتكون المسألة إذ ذاك عائلة‬
‫لثلثة عشر فقط فلوله لورثت فهذا الخ مشؤوم عليها‪.‬‬
‫ويحجب عم لبوين بأب وجد وابن وابنه‪ ،‬وأخ لبوين ولب وابن أخ البوين ولب لنه أقرب‬
‫منه جهة‪ .‬ويحجب عم لب بهؤلء الثمانية وعم لبوين لنه أقوى منه‪ ،‬ويحجب ابن عم لبوين‬
‫بهؤلء التسعة وعم لب لنه أقرب منه‪ .‬ويحجب ابن عم لب بهؤلء العشرة وابن عم لبوين‬
‫لنه أقوى منه‪ .‬ويحجب ابن ابن عم لبوين بابن عم لب‪ .‬وتحجب بنات ابن بابن أو بنتين إن لم‬
‫يعصبن بنحو أخ أو ابن عم‪ ،‬فإن عصبن به أخذن معه الباقي بعد ثلثي البنتين بالتعصيب‪ .‬وتحجب‬
‫الخوات لب بأختين لبوين‪ ،‬فإن كان معهن أخ عصبهن وبأخت لبوين معها بنت أو بنت ابن‪.‬‬
‫ويحجب عصبة ممن حجب باستغراق ذوي فروض للتركة كزوج وأم وأخ منها وعم فالعم‬
‫محجوب بالستغراق‪ .‬ويحجب من له ولء ذكرًا كان أو غيره بعصب نسب لنه أقوى منه‪.‬‬
‫)وما فضل( عن الفرض من التركة إن كان مع العصبة ذو فرض )أو الكل( أي كل التركة إن لم‬
‫يكن معه ذو فرض )لعصبة( وهو من ل مقدر له من الورثة ويسمى بذلك الواحد والجمع والمذكر‬
‫ل إذا انقلب من عصوبة إلى فرض كالخ الشقيق في المشركة‬ ‫والمؤنث ويسقط عند الستغراق إ ّ‬
‫والخت في الكدرية فل يحجبهما بالستغراق‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فصورة مسألة المشركة‪ :‬زوج وأم وولدا أم وأخ لبوين فأكثر فإن الفروض فيها تستغرق التركة‬
‫للزوج النصف وللم السدس ولولدي الم الثلث فالقياس سقوط الخوة الشقاء لن القاعدة إذا‬
‫استغرقت الفروض التركة سقط العاصب وبه قال أبو حنيفة وأحمد ‪ ،‬وروي عن الشافعي عم ً‬
‫ل‬
‫بالقياس‪ ،‬والمذهب المعتمد عنه‪ ،‬وبه قال المام مالك ‪ :‬أن يجعل الشقاء أولد أم لشتراكهم في‬
‫الدلء بها وتلغى قرابة الب لئل يسقطوا ويقسم ثلث التركة الذي هو فرض ولدي الم عليهما‬
‫وعلى الشقاء على عدد رؤوسهم فيه الذكر والنثى من الفريقين لن أولد الم إذا كان بعضهم‬
‫ابن عم تلغى عصوبته‪ ،‬ويرث بالفرض‪ ،‬فالخ للبوين أولى‪ ،‬فلو كان بدل الخ الشقيق أخ لب‬
‫سقط‪ ،‬ولو كان بدل الم جدة لم يختلف الحكم‪ ،‬ولو كان ولد الم واحدًا لم تكن المسألة مشركة لن‬
‫له حينئذ السدس فيبقى للشقيق واحد‪ ،‬وكذا لو كان بدل الزوج زوجة فل تكون مشتركة لن‬
‫للزوجة الربع وللجّدة السدس وللخوة للم الثلث فيبقى للشقيق ثلثة‪ ،‬ولو كان بدل الشقيق أخت لم‬
‫تكن مشتركة لن المسألة تعال لها بمثل النصف فتكون من ستة عالت لتسعة‪ ،‬ولو تعّددت الخت‬
‫ن بمثل الثلثين فصارت عشرة وتسمى مسألة المشركة‬ ‫الشقيقة لم تكن مشتركة لنها تعال له ّ‬
‫بالحمارية والحجرية واليمية والمنبرية لما روي أن الخوة للبوين قالوا لعمر‪ :‬هب أن أبانا كان‬
‫ل قربًا‪ ،‬وروي أنهم قالوا‪ :‬هب أن أبانا كان حجرًا ملقى في اليم‪ ،‬ولن عمر‬ ‫حمارًا ما زادنا الب إ ّ‬
‫سئل عن هذه المسألة وهو على المنبر‪ ،‬وبعضهم يلغز بهذه المسألة فيقول‪ :‬امرأة حبلى رأت قومًا‬
‫ل فقالت لهم ل تعجلوا فإني حبلى فإن ولدت أنثى ورثت وإن ولدت ذكرًا فقط أو ذكورًا‬ ‫يقسمون ما ً‬
‫وإناثًا لم يرثوا‪ .‬فالجواب أن القوم الذين يقسمون المال هم الزوج والم والخوة للم وهذه الحبلى‬
‫زوجة الب فإن ولدت إناثًا ورثن وإن ولدت ذكورًا فقط أو مع إناث لم يرثوا‪.‬‬
‫وصورة الكدرية‪ :‬زوج وأم وجد وأخت لغير أم فالمسألة من ستة فللزوج نصف وللم ثلث‬
‫ويفضل سدس‪ ،‬وكان القياس أن يفرض للجّد وتسقط الخت‪ ،‬وبذلك قال أبو حنيفة وأحمد وهو‬
‫قول أبـي بكر وعلي رضي ال عنهم‪ ،‬وعند الشافعي ومالك والجمهور يفرض للجّد السدس‬
‫الفاضل ويفرض للخت النصف لنها بطلت عصوبتها بالجّد ول حاجب يحجبها فتعول المسألة‬
‫بنصفها من ستة إلى تسعة ثم يعود الجّد والخت إلى المقاسمة فينقلبان من الفرض إلى التعصيب‬
‫ويقسمان نصيبهما أثلثًا للجّد الثلثان وللخت الثلث وسهامهما أربعة ل تنقسم أثلثًا فتضرب ثلثة‬
‫مخرج الثلث في تسعة مبلغ المسألة بعولها فتصح من سبعة وعشرين للزوج تسعة حاصلة من‬
‫ضرب ثلثة في مثلها‪ ،‬وللم ستة حاصلة من ضرب اثنين في ثلثة وللخت أربعة وللجّد ثمانية‪،‬‬
‫ويعايا بهذه المسألة فيقال هلك هالك وخلف أربعة من الورثة فخص أحدهم ثلث المال والثاني ثلث‬
‫الباقي والثالث ثلث باقي الباقي والرابع الباقي‪ ،‬وسميت هذه المسألة أكدرية لن عبد الملك بن‬
‫ل له معرفة بالفرائض يقال له أكدر فأخطأ في هذه المسألة كما قاله ابن حبـيب ‪،‬‬
‫مروان سأل رج ً‬
‫وقيل سميت بذلك لنها كدرت أصل زيد لنه ل يفرض في باب الجد والخوة للخت ول يعيل‬
‫وقد فرض لها هنا وأعال‪ ،‬وقيل إن المرأة الميتة كانت من أكدر‪ ،‬وقيل إن الزوج كان اسمه أكدر‬
‫أو لتكدر أقوال الصحابة أو لن زيد بن ثابت كدر على الخت ميراثها فإنه أعطاها النصف ثم‬
‫استرجعه منها واقتسما النصيبـين للذكر مثل حظ النثيـين‪ ،‬أو لن المسؤول عنها كان يقال له‬
‫أكدر أو أبو أكدر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وتلقب هذه المسألة أيضًا بالغراء لظهورها وشهرتها كالكوكب الغر‪ ،‬إذ ليس في مسائل الجد‬
‫والخوة مسألة يفرض فيها للخت سواها أو لن الخت قد غرها الجد فيها‪ ،‬ولو كان بدل الخت‬
‫أخ سقط أو أختان فللم السدس ولهما السدس الباقي فاستوى للجد المقاسمة والسدس ولو كان بدل‬
‫الجد أب لكانت إحدى الغراوين وإن لم يكن في هذه المسألة زوج فهي المسماة بالخرقاء فللم‬
‫الثلث والباقي بـين الخت والجد يقتسمانه للجد ضعف ما للخت‪ ،‬فأصل المسألة ثلثة وصحت‬
‫من تسعة )وهي( أي العصبة بنفسه لن العصبة إذا أطلق ل ينصرف إل لذلك )ابن فابنه( وإن‬
‫ل أنه ليس له مع البنت مثلها لنه ل يعصبها وليس له مع الكثر مثل‬ ‫سفل فابن البن كالبن إ ّ‬
‫ل أنه ل يحجب الخوة لبوين أو‬ ‫اثنتين بل له الباقي )فأب فأبوه( وإن عل فالجد أبو الب كالب إ ّ‬
‫لب بل يشاركونه‪.‬‬
‫ثم إذا لم يكن مع الجد والخوة ذو فرض فللجد ثلث حالت‪ :‬إما أن يقاسم مع الخوة وإما أن‬
‫يأخذ ثلث المال وإما أن يستوي الثلث والمقاسمة‪ ،‬فإذا كان معه إخوة دون مثليه فالمقاسمة أكثر‬
‫وذلك في خمس صور‪ :‬أخ فقط‪ ،‬أخت فقط أختان ثلثة إخوة أخ وأخت أو أكثر من مثليه فالثلث‬
‫خير له ول تنحصر صوره كأخوين وأخت أو كان معه مثله استوى المران وذلك في ثلث‬
‫صور‪ :‬أخوان أربع أخوات أخ وأختان ويعبر الفرضيون فيها بالثلث لنه أسهل‪ ،‬ووجه اعتبار‬
‫الثلث للجد أن له مع الم مثلي مالها غالبًا والخوة ل ينقصونها عن السدس فل ينقصونه عن‬
‫ضعفه‪ ،‬ووجه المقاسمة أن الجد كالخ في إدلئه بالب وإنما أخذ الكثر لنه قد اجتمع فيه جهتا‬
‫الفرض والتعصيب فأخذ بأكثرهما‪ ،‬واختلف في أخذ الجد ثلث جميع المال فقالبن الهائم يأخذ‬
‫بالفرض‪ ،‬وقال الغزالي يأخذه بالتعصيب قال السبكي وهذا هو القرب‪.‬‬
‫وإذا كان مع الجد والخوة صاحب فرض فله أربع حالت إما أن يتعين له المقاسمة كبنت وجد‬
‫وأخ وأخت أو يتعين ثلث الباقي كزوج وأم وجد وأخوين وأخت‪ ،‬وإما أن يتعين له سدس جميع‬
‫المال كبنتين وجد وأخوين‪ ،‬وإما أن يستوي له المقاسمة بعد الفرض مع ثلث الباقي عن الفرض‬
‫ومع السدس كزوج وجد وأخوين‪ .‬ولمعرفة الكثر من الثلثة ضابط‪ :‬وهو إن كان الفرض نصفًا‬
‫أو أقل فالقسمة أغبط إن كان الخوة دون مثلي الجد وإن زادوا على مثليه فثلث الباقي أغبط وإن‬
‫كانوا مثليه استويا وقد تستوي الثلث‪ ،‬فإن كان الفرض ثلثين فالقسمة أغبط إن كان معه أخت‬
‫ل فله السدس‪ ،‬وإن كان الفرض بـين النصف والثلثين كنصف وثمن فالقسمة أغبط مع أخ أو‬ ‫وإ ّ‬
‫ل فيأخذ الجد السدس‬ ‫أخت أو أختين‪ ،‬فإن زادوا فله السدس وهذا إذا بقي أكثر من السدس وإ ّ‬
‫وسقط الخوة‪ .‬فمثال ما يبقى السدس‪ :‬بنتان وأم وجد وإخوة‪ .‬ومثال ما يبقى أقل منه‪ :‬بنتان وزوج‬
‫وجد وإخوة‪ .‬ومثال ما لم يبق شيء‪ :‬بنتان وأم زوج وجّد وإخوة فتعّول المسألة الثانية بالسدس‬
‫والخيرة بتمامه ويعد أولد البوين على الجد أولد الب في الحساب‪ ،‬أما أولد الم مع الجد‬
‫فمحرومون أبدًا بخلف ولد الب مع ولد البوين فإنه إن كان ولد البوين ذكرًا أو هو وأنثى أو‬
‫هي معها بنت سقط ولد الب وإن لم يكن كذلك فتأخذ الشقيقة الواحدة شيئًا منتهيًا إلى النصف‬
‫وتأخذ من فوقها إلى الثلثين إن وجد ما يكمل النصف أو الثلثين ويأخذ ولد الب ما فضل عن ذلك‬
‫إن كان‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫فمثال ما تستكمل النصف‪ :‬جّد وشقيقة وأخ لب فهذه المسألة من خمسة على عدد الرؤوس للجد‬
‫سهمان وللخت سهم ولخ سهمان يرد منهما على الخت تمام النصف وهو سهم ونصف يبقى‬
‫في يده نصف سهم فيضرب مخرجه في أصل المسألة تبلغ عشرة ومنها تصح وقس عليه كما قاله‬
‫ل عن الكفاية‪ .‬ومثال ما نقص عن النصف‪ :‬وهو ما إذا كان مع الخت صاحب فرض‬ ‫الزيادي نق ً‬
‫كزوج وجد وأخت شقيقة وأخ لب فللزوج النصف واحد يبقى واحد فالحظ للجد المقاسمة فله‬
‫س واحد فتضرب خمسة في اثنين بعشرة للزوج النصف خمسة وللجد اثنان وللخت ثلثة‬ ‫خم ٌ‬
‫وهي أقل من النصف كما قاله البجيرمي ‪ .‬ومثال ما نقص عن الثلثين جد وشقيقتان وأخت لب‬
‫فالمسألة من خمسة عدد الرؤوس للجد اثنان يبقى للشقيقتين ثلثة وهي دون النصف فيقتصران‬
‫عليها وهي ل تنقسم عليهما فتضرب اثنان في خمسة بعشرة للجد أربعة وللخت ستة وهي أقل‬
‫من الثلثين‪ .‬ومثال ما لم يبق شيء عن النصف‪ :‬جد وأخت لبوين وأخت لب للجد سهمان من‬
‫أربعة وللخت سهمان وهما قدر فرضها وترجع بالختصار إلى اثنين وتسقط الخت للب كما‬
‫قاله شيخ السلم زكريا النصاري في التحفة النسية‪.‬‬
‫ومثال ما لم يبق شيء عن الثلثين‪ :‬جد وشقيقتان وأخ لب فالمسألة من ثلثة إن اعتبرنا الثلث أو‬
‫من ستة إن اعتبرنا المقاسمة للجد الثلث والباقي وهو الثلثان للشقيقتين وسقط الخ للب وهذا هو‬
‫مذهب الجمهور‪ ،‬وعن علي وابن مسعود أن الخوة الشقاء ل يعدون الخوة للب على الجد في‬
‫القسمة فعلى هذا ل تنقيص لنهم محجوبون بهم كحجبهم عند فقده‪) .‬فأخ لبوين و( أخ )لب(‬
‫ل أنه يحجب‬ ‫ل أنه ليس له مع الخت لبوين مثلها لنه ل يعصبها وإ ّ‬ ‫فالخ للب كالخ لبوين إ ّ‬
‫في المشركة وفي اجتماع الخت الشقيقة مع البنت أو بنت البن وفي اجتماع الزوج مع الخت‬
‫الشقيقة فل شيء للخ للب فيما ذكر‪.‬‬
‫اعلم أن الخوة على ثلثة أصناف‪ :‬بنو أعيان وبنو علت وبنو أخلط‪ .‬فبنو العيان‪ :‬هم الخوة‬
‫لبوين وسموا أعيانًا لنهم من عين واحدة وهو أب واحد وأم واحدة‪ .‬وبنو العلت‪ :‬هم الخوة‬
‫للب فقط لن كل واحدة من الم لم تعل ولد الخرى أي لم تسقه بلبنها‪ .‬وبنو الخلط‪ :‬هم الخوة‬
‫للم لنهم من أخلط الرجال ل من رجل واحد‪ ،‬ويقال فيهم بنو الخياف بمعنى الخلط‪ ،‬وهما‬
‫شيء واحد )فبنوهما( أي الخ لبوين والخ لب وإن بعدوا )فعّم لبوين فلب فبنوهما( أي العم‬
‫لبوين ولب ثم عم الب ثم بنوه ثم عم الجّد ثم بنوه )فمعتق( إذا فقد العصبة من النسب ذكرًا كان‬
‫أو أنثى ول تكون النثى عصبة بنفسها إل المعتقة )فذكور عصبته( أي المعتق من النسب‪ ،‬لكن‬
‫يقّدم هنا أخو معتق لغير أم وابن أخيه كذلك على جّده فمعتق المعتق‪ ،‬فعصبته من النسب‬
‫كالترتيب في عصبة المعتق فإن فقدوا فمعتق معتق المعتق ثم عصبته وهكذا‪ ،‬ثم بـيت المال فلو‬
‫اشترت امرأة أباها وعتق عليها ثم اشترى هو عبدًا وأعتقه فمات الب عنها وعن ابن أو أخ أو‬
‫ل دونها لنه عصبة معتق من النسب بنفسه وهي‬ ‫عم ثم مات عتيق الب عنهما فميراثه للبن مث ً‬
‫معتقة معتق والّول أقوى‪ ،‬وتسمى هذه مسألة القضاة لما قيل أنه أخطأ فيها أربعمائة قاض غير‬
‫المتفقهة حيث جعلوا الميراث للبنت لقربها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫واعلم أن جهات العصوبة عند الشافعية سبع‪ :‬البنوة‪ ،‬ثم البوة‪ ،‬ثم الجدودة‪ ،‬ثم الخوة‪ ،‬ثم‬
‫العمومة‪ ،‬ثم الولء‪ ،‬ثم بـيت المال‪ ،‬وعند الحنابلة جهاتها ست بإسقاط بـيت المال‪ ،‬وعند الحنفية‬
‫جهاتها خمس بعّد البوة والجدودة شيئًا واحدًا )فلو اجتمع بنون وبنات أو إخوة وأخوات فالتركة‬
‫للذكر مثل حظ النثيـين( قال تعالى‪} :‬يوصيكم ال في أولدكم للذكر مثل حظ النثيـين{ ))‪(4‬‬
‫ل ونساء فللذكر مثل حظ النثيـين{ ))‪(4‬‬ ‫النساء‪ :‬الية ‪ (11‬وقال تعالى‪} :‬وإن كانوا إخوة رجا ً‬
‫النساء‪ :‬الية ‪ (176‬وذلك أن الذكر ذو حاجتين حاجة لنفسه وحاجة لعياله‪ ،‬وللنثى حاجة واحدة‬
‫وهي لنفسها ولن الذكر طلب في الجهاد في سبـيل ال وهو ذباب عنها وقّوام عليها‪.‬‬
‫وروي أن جعفرًا الصادق سئل عن سبب ذلك فقال‪ :‬لن حواء أخذت حفنة من الحنطة وأكلتها‬
‫وأخذت حفنة أخرى وادخرتها ثم أخذت حفنة أخرى ورفعتها لدم فلما فضلت نفسها نقصت‬
‫ل أنها تحجب بالبن لنه أقرب‬ ‫وجرى ذلك في النساء إلى يوم القيامة اهـ‪ .‬وبنت البن كالبنت إ ّ‬
‫ل أنها ل ترث الثلث ول ترث ثلث ما‬ ‫منها وهو عصبة وبالبنتين فأكثر كما مر‪ ،‬والجدة كالم إ ّ‬
‫بقي بل فرضها دائمًا السدس أي ل يسمى ميراث الجدة بثلث الباقي وإن كان مثله في زوج‬
‫وولدي أم وجدة والخت لب كالخت الشقيقة إل أنها تحجب بالخ الشقيق لنه أقوى منها فإن‬
‫درجتهما واحدة وبالعدد من الخوات الشقاء‪ .‬والناس في الرث على أربعة أقسام‪ :‬قسم يرث‬
‫ويورث وهو من وجد فيه سبب من أسباب الرث وتوفرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع‪.‬‬
‫فأسباب الرث أربعة‪ :‬الّول‪ :‬قرابة ناشئة عن الرحم خاصة أو عامة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬نكاح وهو عقد الزوجية الصحيح‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬ولء وهو عصوبة سببها نعمة المعتق‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬جهة السلم إن انتظم بيت المال‪ .‬وشروطه أربعة‪ :‬الّول‪ :‬تحقق موت المورث حقيقة أو‬
‫إلحاقه بالموتى حكمًا أو تقديرًا‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬تحقق حياة الوارث بعد موت المورث أو إلحاقه بالحياء حكمًا أو تقديرًا‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬معرفة إدلئه للميت بقرابة أو نكاح أو ولء‪.‬‬
‫ل‪ :‬كالبوة أو البنوة وبالدرجة التي اجتمع الميت‬ ‫والرابع‪ :‬العلم بالجهة المقتضية للرث تفصي ً‬
‫والوارث فيها‪ .‬وموانعه أربعة‪ :‬الرق والقتل واختلف الدين والدور الحكمي‪ ،‬وقسم ل يرث ول‬
‫يورث‪ :‬وهو الرقيق‪ .‬وقسم يورث ول يرث كالمبعض‪ .‬وقسم يرث ول يورث‪ :‬وهم النبـياء‬
‫عليهم الصلة والسلم لقوله ‪» :‬نحن معاشر النبـياء ل نورث ما تركناه صدقة« رواه الشيخان‪.‬‬
‫والحكمة في كونهم ل يورثون خوفًا من تمني الوارث موتهم فيؤدي إلى الكفر والعياذ بال تعالى‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فصل في أصول المسائل وبـيان ما يعول منها‬


‫)أصل المسألة عدد الرؤوس إن كانت الورثة عصبات( ذكورًا كانوا كثلثة بنين أو إناثًا كثلث‬
‫ن )وقدر الذكر أنثيـين إن اجتمعا( أي الذكور والناث من النسب‬ ‫نسوة أعتقن رقيقًا بالسوية بـينه ّ‬
‫ففي ابن وبنت‪ .‬المسألة من ثلثة‪ ،‬أما الولء فل تقدير فيه بذلك بل أصل المسألة مخرج أجزاء‬
‫الملك ففي ثلث ونصف وسدس‪ ،‬أصل المسألة ستة وإن كان المعتقون أربعة فملك أحدهم الربع‬
‫وملك الثاني الربع وملك الثالث الثلث والرابع السدس فأصلها اثنا عشر وهذا في أصول المسائل‬
‫التي ل فرض فيها وهي ل تنحصر‪.‬‬
‫أما المسائل التي فيها فرض فأعداد أصول مسائل الفرائض عند المتقدمين سبعة والخصر أن‬
‫يقال ثلثة وضعفها وضعف ضعفها وضعف ضعف ضعفها واثنان وضعفهما وضعف ضعفهما‬
‫وذلك باعتبار مخارج الفروض انفرادًا واجتماعًا‪ ،‬وزاد بعض المتأخرين وهو أبو النجا على هذه‬
‫السبعة أصلين في باب الجّد والخوة ثمانية عشر تركيب سدس وثلث ما بقي وستة وثلثين‬
‫تركيب سدس وربع وثلث ما بقي‪ .‬فمثال الّول جّدة وجّد وخمسة أخوة لغير أم‪ ،‬ومثال الثاني‬
‫هؤلء وزوجة للجّد في المسألتين ثلث الباقي بعد الفرض فأقل عدد يخرج منه كسور الّول ثمانية‬
‫عشر‪ ،‬والثاني ضعفها لن المعتبر في الصل والمخرج أقلّ عدد يخرج منه الكسور واختار هذا‬
‫ي وقال‪ :‬إنه الصح الجاري على القواعد لن العمل به أخصر‪ ،‬وقال‬ ‫جماعة منهم النوو ّ‬
‫الجمهور‪ :‬هذان أصلن ناشئان من أصلي ستة وضعفها لن المخارج موضوعة على الفروض‬
‫المقّدرة في الكتاب والسنة وثلث الباقي لم يرد فيهما وجعلوهما تصحيحين ل تأصيلين‪.‬‬
‫وأصول باب التصحيح معرفة نسبة ما بـين الصناف بعضها مع بعض‪ ،‬والنسب أربع‪ :‬متماثلن‬
‫متوافقان متداخلن متباينان فيكتفي في المتماثلين بأحدهما كنصفين في بنت وأخت لغير أم وفي‬
‫المتوافقين بالحاصل من ضرب أحدهما في وفق الخر كسدس وثمن في مسألة أّم وزوجة وابن‬
‫وفي المتداخلين بأكثرهما كسدس وثلث في مسألة أم وأخ لم وعم وكذا يكتفي بالكثر في إحدى‬
‫ل في الربعة ومع ذلك‬‫الغراوين وهي زوجة وأبوان وليس فيها تداخل إذ ثلث الباقي ليس داخ ً‬
‫ل‪ ،‬ويصح أن يعتبر‬‫يكتفي بالكثر‪ ،‬وهو الربع عن الصغر وهو الثلث فتكون من أربعة تأصي ً‬
‫التباين بـين مخرج الربع وثلث الباقي فتصح من اثني عشر وترجع بالختصار إلى أربعة ويكون‬
‫ذلك تصحيحًا ولكن ترك تطويل الحساب ربح‪ ،‬وفي المتباينين بالحاصل من ضرب أحدهما في‬
‫الخر كثلث وربع‪ ،‬في مسألة أم وزوجة وأخ لغير أم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وأصل كل فريضة( أي مسألة )فيها نصفان وما بقي اثنان( مخرج النصف وهو من المناصفة‬
‫لتناصف القسمين واستوائهما وذلك كزوج وأخت لبوين أو لب وكزوج وأخ لغير أم‪) .‬أو ثلثان‬
‫ق من‬‫وثلث أو ثلثان وما بقي أو ثلث وما بقي ثلثة( مخرج الثلث والثلثين فجميع المخرج مشت ّ‬
‫اسم العدد إل النصف فإنه من المناصفة‪ ،‬فمثال الولى أختان لغير أم وأختان لم ومثال الثانية‬
‫بنتان وأخ لغير أم ومثال الثالثة أّم وعّم‪) .‬أو ربع وما بقي( كزوجة وعم أو ربع ونصف وما بقي‬
‫كزوجة وأخت لغير أم وعم )أربعة( مخرج الربع )أو سدس وما بقي أو سدس وثلث( وما بقي‬
‫)أو( سدس )وثلثان( وما بقي )أو( سدس )ونصف( وما بقي أو نصف وثلث وما بقي )ستة(‬
‫مخرج السدس‪ .‬فالولى‪ :‬أم وابن أو أبوان وابن فأصل الستة تارة يكون من فرض واحد‪ ،‬وتارة‬
‫يكون من أكثر‪ .‬والثانية‪ :‬أم وأخوان منها وعم‪ .‬والثالثة‪ :‬أم وبنتان وعم‪ .‬والرابعة‪ :‬أم وبنت وعم‪.‬‬
‫والخامسة‪ :‬زوج وأم وعم )أو ثمن وما بقي أو( ثمن )ونصف وما بقي ثمانية( مخرج الثمن‬
‫كزوجة وابن وكزوجة وبنت وأخ لغير أم )أو ربع وسدس( وما بقي أو ربع وثلثان وما بقي )اثنا‬
‫عشر( مضروب وفق أحد المخرجين في الخر في مسألة زوجة وأخ لم وفي زوج وأم وابن‬
‫ومضروب أحدهما في الخر في مسألة زوجة وأم وعم وفي زوج وبنتين وعم‪) .‬أو ثمن وسدس(‬
‫وما بقي كزوجة وأم وابن أو ثمن وثلثان وما بقي كزوجة وبنتين ومعتق )أربعة وعشرون(‬
‫مضروب وفق أحدهما في الخر في المسألة الولى ومضرب أحدهما في الخر في المسألة‬
‫الثانية‪ ،‬وأصل كل مسألة فيها سدس وثلث ما بقي وباق ثمانية عشر كأم وجّد وإخوة لغير أم‪،‬‬
‫وأصل كل مسألة فيها ربع وسدس وثلث ما بقي وباق ضعفها كزوجة وأم وجّد وإخوة لغير أم ثم‬
‫إن انقسم على كل وارث حظه من أصل مسألته فالمقصود قد تم وذلك كمسألة أم الرامل وهي‬
‫جدتان وثلث زوجات وثمان أخوات لغير أم وأربع أخوات لم‪ ،‬ولقبت هذه المسألة بذلك لكثرة ما‬
‫ن أناث ويقال لها أم الفروج بالجيم لنوثة الجميع وتلقب‬‫فيها من الرامل وقيل لن الورثة كله ّ‬
‫أيضًا بالدينارية الصغرى وبالسبعة عشرية لنه يعايا بها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ويقال لنا‪ :‬شخص خلف سبع عشرة امرأة من أصناف مختلفة وترك سبعة عشر دينارًا فخص كل‬
‫امرأة دينار وإن وقع الكسر على جنس فإن توافق بحظه ضرب وفقه في أصل المسألة بل عول‬
‫أو في عوله إن عالت‪ ،‬مثال ذلك بل عول أم وأربعة أعمام هي من ثلثة للم واحد يبقى اثنان‬
‫يوافق عدد العمام بالنصف فيضرب نصفه اثنان في ثلثة فتصح المسألة من ستة ومثاله بالعول‬
‫زوج وأبوان وست بنات فالمسألة بعولها من خمسة عشر وتصح من خمسة وأربعين وإن تباين‬
‫الجنس بحظه ضرب عدد كل جنس في الصل أو فيه بعوله‪ .‬مثال ذلك بل عول زوج وأخوان‬
‫لب هي من اثنين للزوج واحد يبقى واحد للخوين يباين عددهما فيضرب عددهما في اثنين‬
‫فتصح من أربعة‪ .‬ومثاله بالعول زوج وخمس أخوات لب‪ ،‬المسألة من ستة وتعول إلى سبعة‬
‫وتصح بضرب خمسة في سبعة من خمسة وثلثين وإن وقع الكسر على حيزين فأردد فريقًا وافق‬
‫حظه إلى وفقه وأثبته واترك فريقًا مباينًا حظه وأثبته وحصل جزء السهم وهو أقل عدد تصح‬
‫قسمته على المثبت واضربه في الصل أو في عوله وذلك‪ :‬كأم وستة إخوة لم وثنتي عشرة أختًا‬
‫لب فالمسألة من ستة وتعول إلى سبعة للخوة سهمان يوافقان عددهم بالنصف فأثبت نصفه ثلثة‬
‫ن بالربع فأثبت ربعه ثلثة واضرب أحد الثلثتين وهو جزء السهم‬ ‫وللخوات أربعة يوافق عدده ّ‬
‫في سبعة تصح من أحد وعشرين وكجّدتين وثلثة إخوة للم وخمسة أعمام‪ .‬المسألة من ستة‬
‫للجّدتين سهم وللخوة سهمان وللعمام ثلثة وبـين عدد كل حيز وحظه مباينة فأثبت اثنين وثلثة‬
‫وخمسة وحصل أقل عدد ينقسم على كل منها يكن ثلثين وهو جزء السهم فاضربه في الستة‬
‫فتصح من مائة وثمانين‪ ،‬وتسمى هذه المسألة بالصماء وهي كل مسألة عمها التباين في النصباء‬
‫بعضها مع بعض والصناف بعضها مع بعض وكل صنف مع سهامه ولقبت هذه المسألة بذلك‬
‫لتحقق الشّدة فيها بواسطة عموم التباين وكجّدتين وأربعة إخوة لم وستة أعمام فالمسألة من ستة‬
‫وحظ الجّدتين يباين عددهما وحظ الخوة يوافق عددهم بالنصف وحظ العمام يوافق عددهم‬
‫بالثلث فأثبت اثنين عدد الجّدتين واثنين نصف عدد الخوة واثنين ثلث عدد العمام واضرب أحد‬
‫الثنتين وهو جزء السهم في ستة فتصح من اثني عشر ويقاس على هذا المذكور النكسار على‬
‫ثلثة فرق كعشر جّدات وخمسة عشر أخًا لم وخمسة وعشرين عمًا فجزء سهم المسألة مائة‬
‫وخمسون حاصلة من ضرب خمس الفريق الول في الثاني وخمس حاصل الضرب في الثالث‬
‫للتوافق بـين الرؤوس بالخمس‪ ،‬وتصح من تسعمائة حاصلة من ضرب مائة وخمسين في ستة‬
‫فللجّدات العشر السدس واحد في مائة وخمسين لكل واحدة خمسة عشر وللخوة للم الخمسة‬
‫عشر الثلث اثنان في مائة وخمسين بثلثمائة لكل واحد عشرون وللعمام الخمسة والعشرين‬
‫الباقي وهو ثلثة في مائة وخمسين بأربعمائة وخمسين لكل واحد ثمانية عشر‪ ،‬ويقاس على ذلك‬
‫النكسار على أربعة رؤوس كزوجتين وست جّدات وعشرة إخوة لم وسبعة أعمام وجزء سهم‬
‫المسألة مائتان وعشرة لتباين المحفوظات وصحت المسألة من ألفين وخمسمائة وعشرين حاصلة‬
‫من ضرب مائتين وعشرة في اثني عشر فللزوجتين الربع ثلثة من اثني عشر مضروبة في‬
‫مائتين وعشرين لكل واحدة منهما ثلثمائة وخمسة عشر وللجّدات الست السدس اثنان من اثني‬
‫ن سبعون وللخوة للم‬ ‫عشر مضروبـين في مائتين وعشرة بأربعمائة وعشرين لكل واحدة منه ّ‬
‫العشرة الثلث أربعة من اثني عشر مضروبة في مائتين وعشرة بثمانمائة وأربعين لكل واحد منهم‬
‫أربعة وثمانون وللعمام السبعة ما بقي ثلثة في مائتين وعشرة بستمائة وثلثين لكل واحد منهم‬
‫ل‪.‬‬
‫سبعون‪ ،‬وإذا جمعت أنصباء الورثة جميعًا وجدته ما صحت منه المسألة كام ً‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أنا ننظر في سهام كل صنف وعدد رؤوسهم‪ ،‬فحيث وجدنا الموافقة رددنا الرؤوس إلى‬
‫ل وتباينًا‪ ،‬ول يعتبر بـين‬ ‫ل وتوافقًا وتداخ ً‬
‫جزء الوفق إل بقيناها بحالها‪ .‬ثم في عدد الصناف تماث ً‬
‫ل نسبتان التوافق والتباين‪ ،‬وإنما سقط التماثل لنه ل انكسار فيه والتداخل ل ّ‬
‫ن‬ ‫الصنف وحظه إ ّ‬
‫الداخل إن كان هو النصف في حظه فل انكسار أيضًا أو بالعكس فداخل في الموافقة‪ ،‬ولن‬
‫ل منه وذلك ممتنع‪.‬‬ ‫الكتفاء بالكثر يؤّدي إلى تصحيح المسألة من عدد مع إمكان تصحيحها من أق ّ‬
‫واعلم أن الصول قسمان‪ :‬تاّم وناقص‪ ،‬فالتاّم هو الذي تساويه أجزاؤه الصحيحة أو تزيد عليه‪،‬‬
‫والناقص ما عداه فالستة أجزاؤها تساويها‪ ،‬والثنا عشر والربعة والعشرون أجزاؤهما تزيد‬
‫عليهما بخلف المخارج الربعة الباقية‪ .‬فإن أجزاء كل تنقص عنه‪ ،‬فالتام هو الذي يعول‪،‬‬
‫والناقص هو الذي ل يعول‪) .‬وتعول( من أصول مسائل الفرائض ثلثة )ستة( فتنتهي بالعول على‬
‫التوالي )إلى عشرة( فعولها لسبعة كزوج وأختين لغير أّم فلثمانية كهم وأم فلتسعة كهم وأخت لم‬
‫فلعشرة كهم وأخ لم‪ ،‬وتلقب هذه المسألة بأم الفروخ بالخاء العجمة لكثرة سهامها العائلة تشبـيهًا‬
‫بطائر أنثى لها أفراخ‪ ،‬وبأّم الفروج بالجيم لكثرة الناث فيها‪ ،‬وبالشريحية لنها وقعت للقاضي‬
‫شريح‪) .‬واثنا عشر( فتنتهي بالعول ثلث مّرات )إلى سبعة عشر وترًا( فقط فعوله لثلثة عشر‬
‫كزوجة وأم وأختين لغير أّم ولخمسة عشر كهم وأخ لّم ولسبعة عشر كهم وأخ لم )وأربعة‬
‫وعشرون( فينتهي بعوله بمثل ثمنه فقط )لسبعة وعشرين( وتلقب بالمسألة البخيلة لقلة عولها فإنها‬
‫تعول عولة واحدة وذلك كبنتين وأبوين وزوجة وتسمى هذه المسألة بالمنبرية لن عليًا سئل عنها‬
‫وهو على منبر الكوفة يخطب‪ ،‬وكان أّول خطبته‪ :‬الحمد ل الذي يحكم بالحق قطعًا ويجزي كل‬
‫نفس بما تسعى وإليه المآب والرجعى فسئل عنها حينئذ فأجاب على سبـيل الرتجال أي من غير‬
‫إمعان للمسائل‪ :‬صار ثمن المرأة تسعًا ومضى في خطبته‪.‬‬
‫ح قسمها عليه‪ ،‬فالمصحح الّول مغن‬ ‫فرع‪ :‬إذا مات إنسان ثم مات وارث قبل قسمة التركة فإن ص ّ‬
‫عن المصحح الثاني‪ :‬كأن ماتت امرأة عن زوج وأّم وعّم فمات الزوج عن ثلثة بنين فالمسألة‬
‫الولى من ستة والثانية من ثلثة‪ ،‬وحظ ميتها من الولى ثلثة منقسمة على مسألته فتص ّ‬
‫ح‬
‫ظ ميتها‬‫ح قسمها عليه ضرب في الولى مسألة ثانية إن يباينها ح ّ‬ ‫المسألتان من ستة‪ ،‬وإن لم يص ّ‬
‫ظ الزوج‬ ‫ح المسألتان مثال المباينة زوج وأّم وعّم مات الزوج عن خمسة بنين‪ :‬فح ّ‬‫أو وفقها‪ ،‬فتص ّ‬
‫من الولى ثلثة تباين مسألته وهي خمسة‪ ،‬فاضرب الثانية في الولى فتصحان من ثلثين‪ ،‬فمن‬
‫له شيء من الولى ضرب في الثانية وهو خمسة‪ ،‬ومن له شيء من الثانية ضرب في سهم مورثه‬
‫وهو ثلثة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ومثال الموافقة زوج وأّم وعّم مات الزوج عن ستة بنين فحظه من الولى يوافق مسألته وهي ستة‬
‫بالثلث‪ ،‬فاضرب ثلثها في الولى فتصحان من اثني عشر‪ ،‬فمن له شيء من الولى ضرب في‬
‫وفق الثانية وهو اثنان‪ ،‬ومن له شيء من الثانية ضرب في وفق سهام مورثه وهو واحد‪ ،‬فإن مات‬
‫ثالث أو أكثر فاجعل ما عدا المصحح الخير كأنه المصحح الّول‪ ،‬واجعل مصحح الخيرة كأنه‬
‫الثاني فاعمل كما مّر‪ ،‬ففي زوجة وثلثة بنين وثلث بنات منها ثم مات ابن عن الباقي‪ ،‬ثم بنت‬
‫كذلك فالمسألة الولى من اثنين وسبعين‪ ،‬للبن منها أربعة عشر توافق مسألته‪ ،‬وهو اثنان‬
‫وأربعون بنصف سبع فتصح المسألتان من مائتين وستة عشر‪ ،‬فمن له شيء من الولى ضرب‬
‫ل من‬ ‫في وفق الثانية ثلثة أو من الثانية ففي وفق سهام مورثه‪ ،‬وحينئذ فللم أربعة وثلثون‪ ،‬ولك ّ‬
‫ل بنت ستة وعشرون وترجعان بالختصار إلى مائة وثمانية‬ ‫البنين الحيـين اثنان وخمسون‪ ،‬ولك ّ‬
‫ل بنت ثلثة عشر تباين مسألة‬ ‫ل ابن ستة وعشرون‪ ،‬ولك ّ‬ ‫للتوافق بالنصف‪ ،‬فللّم سبعة عشر‪ ،‬ولك ّ‬
‫البنت الميتة وهي ستة وثلثون‪ ،‬فتصح المسألت الثلث من ثلثة آلف وثمانمائة وثمانين‪ ،‬فمن‬
‫له شيء من الوليـين ضرب في ستة وثلثين أو من الثالثة ففي ثلثة عشر‪ ،‬فللّم ستمائة‬
‫ل من البنتين خمسمائة وثلثة وثلثون‪.‬‬ ‫ل من البنين ألف وستة وستون‪ ،‬ولك ّ‬ ‫وتسعون‪ ،‬ولك ّ‬
‫ل وارث من المسألة إليها وتأخذ من‬ ‫وكيفية قسمة التركات لها طرق‪ :‬منها أن تنسب سهام ك ّ‬
‫التركة بتلك النسبة‪ ،‬فالمأخوذ حصته‪ ،‬فلو مات شخص عن زوجة وأّم وعّم وترك مائة دينار‬
‫فالمسألة من اثني عشر‪ :‬للزوج ثلثة‪ ،‬وللّم أربعة‪ ،‬وللعّم خمسة‪ ،‬فنسبة ثلثة الزوجة إلى المسألة‬
‫ربعها فخذ لها ربع المائة‪ ،‬وهي خمسة وعشرون‪ ،‬ونسبة أربعة الّم إلى المسألة ثلثها فلها ثلث‬
‫المائة ثلثة وثلثون وثلث‪ ،‬ونسبة خمسة العّم ربع وسدس فله ربع المائة خمسة وعشرون‪،‬‬
‫وسدسها ستة عشر وثلثان‪ ،‬وهذه الطريقة أسهل الطرق وأعمها‪ ،‬لنها تأتي في المعدود‬
‫والموزون والمكيل‪.‬‬
‫فصل في الوديعة‬
‫أركان اليداع أربعة‪ :‬وديعة‪ ،‬وصيغة‪ .‬ومودع‪ ،‬ووديع )وشرط في المودع والوديع ما في موكل‬
‫ي شخصًا‬ ‫ووكيل( فل يودع محرم صيدًا ول كافر مسلمًا ول نحو مصحف ولو أودع نحو صبـ ّ‬
‫ل ضمن ما أخذه منه عند تلفه أو إتلفه قصر أم ل ضمان الغصوب‪ .‬نعم إن أخذه منه لرغبة‬ ‫كام ً‬
‫ثواب الخرة خوفًا على تلفه في يده أو أتلفه مودعه لم يضمنه وفي عكس ذلك بأن أودع كامل‬
‫ي إنما يضمن بإتلف منه‪ .‬أما لو أودعه ناقص مثله فإنه يضمن بمجّرد الستيلء التاّم‪،‬‬ ‫نحو صبـ ّ‬
‫وشرط في العين المودعة كونها محترمة ولو نجسًا ككلب ينفع أو حبة بّر وإن لم تضمن بالتلف‬
‫)و( شرط )في الصيغة لفظ من أحد الجانبـين وفعل من الخر( أو لفظ منهما معًا‪ ،‬وهو إما صريح‬
‫)كأودعتك هذا أو استحفظتكه أو( كناية مع النية )كخذه والوديعة أصلها أمانة( وقد تضمن الوديعة‬
‫بعوارض عشرة نظمها الدميري بقوله‪:‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫عوارض التضمين عشر ودعها‬
‫وسفر ونقلها وجحدها‬
‫وترك إيصاء ودفع مهلك‬
‫ومنع رّدها وتضيـيع حكى‬
‫والنتفاع وكذا المخالفه‬
‫في حفظها إن لم يزد من خالفه‬
‫فصل في اللقطة‬
‫وهي )على أربعة أقسام(‪ :‬أحدها )ما يبقى على الدوام فيعّرفه وجوبًا سنة( سواء أراد التملك أو‬
‫قصد بأخذه الحفظ‪ ،‬ويتأكد التعريف )على أبواب المساجد( عند خروجهم من الجماعات )وفي‬
‫الموضع الذي وجدها فيه والسواق( ومجامع الناس في بلد اللتقاط وما قرب منه )فإن لم يجد‬
‫صاحبه( بعد أن عرفه بقصد التملك )جاز له أن يتملكه باللفظ( لختيار قصد التملك )كأن يقول‪:‬‬
‫تملكت هذا( ويصير ضامنًا له‪ ،‬فإن جاء صاحبه وهو باق ولم يتعلق به حق لزم تعين رّده إليه‪.‬‬
‫)و( ثانيها )ما ل يبقى على الدوام( كالطعام الرطب )فالملتقط مخير فيه بـين أكله بعد تملكه في‬
‫الحال وغرم قيمته لمالكه أو بـيعه وحفظ ثمنه‪ ،‬ثم يعرفه ليتملك ثمنه( سواء وجده في مفازة أو‬
‫عمران‪ ،‬وعلى جواز الكل يجب التعريف في العمران دون المفازة لعدم فائدته فيها‪.‬‬

‫)و( ثالثها )ما يبقى بعلج( كالرطب الذي يجفف )فيفعل الملتقط ما فيه المصلحة من بـيعه كله‬
‫ل به أو تجفيفه وحفظه إن تبّرع به الواجد أو غيره(‬
‫وحفظ ثمنه بإذن الحاكم إن وجده وإل استق ّ‬
‫لنه مال الغير فروعي فيه المصلحة‪ ،‬فإن لم يوجد من يتبّرع بتجفيفه بـيع بعضه لتجفيف الباقي‪.‬‬
‫)و( رابعها )ما يحتاج إلى نفقة عليه( كالحيوان )وهو( على قسمين‪ :‬أحدهما )حيوان ل يمتنع‬
‫بنفسه من صغار السباع( إما لضعفه كالغنم‪ ،‬أو لصغره كصغار البقر )فالواجد مخير إن كان في‬
‫البادية بـين أكله في الحال متملكًا له‪ ،‬وغرم ثمنه لمالكه عند ظهوره( ول يجب التعريف بعد‬
‫ل إن‬
‫الكل عند المام )أو تركه من غير بـيع‪ ،‬والتطّوع بالنفاق عليه‪ ،‬أو بـيعه في الحال( استقل ً‬
‫لم يجد حاكمًا أو بإذن الحاكم إن وجده )وحفظ ثمنه على صاحبه( ويعّرفه سنة ثم يتملك الثمن لنه‬
‫إذا لم يفعل ذلك ذهبت قيمته في نفقته فيضّر بمالكه‪ ،‬وخرج بالبادية غيرها من بلد وقرية وما‬
‫ظ قياسًا‬
‫قرب منهما فل يأكله لتيسر البـيع فيه وتخيـيره‪ ،‬بـين ما ذكر ليس تشهيًا بل عليه فعل الح ّ‬
‫على ما ل يمكن تجفيفه‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬حيوان يمتنع بنفسه مما ذكر إما بقّوته كالبقر والخيل‪ ،‬وإما بسرعته في العدو كالرنب‪،‬‬
‫وإما بطيرانه كالحمام‪ ،‬فإن كان في البادية لم يجز له في زمن المن التقاطه للتملك‪ ،‬وذلك لمكان‬
‫عيشه في البّر بل راع‪ ،‬وإن وجده في الحضر فهو مخير بـين الشيئين المتقّدمين لنه ل يجوز‬
‫أكله إذا كان في الحاضرة‪ ،‬وإذا تملك الملتقط اللقطة ولم يظهر لها صاحب فل شيء عليه بل هو‬
‫كسب من أكسابه‪ ،‬فل مطالبة عليه في الخرة‪ ،‬وكذا في النهاية شرح أبـي شجاع‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪257 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب النكاح‬

‫هو عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ النكاح والتزويج‪ :‬أي ما اشتقّ منهما ل بغيره فليس لنا عقد‬
‫ص بحروف مخصوصة إل الكتابة والسلم والنكاح‪ ،‬وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء‬ ‫يخت ّ‬
‫لصحة نفي النكاح عن الوطء‪.‬‬
‫ل بالعبادة )قادر(‬
‫ن( أي النكاح بمعنى التزّوج )لتائق( له بتوقانه للوطء ولو خصيًا أو مشتغ ً‬
‫)س ّ‬
‫على أهبة النكاح من مهر مثل وكسوة فصل التمكين ونفقة يومه وليلته‪ ،‬وحيث ندب كره تركه‪،‬‬
‫ويجب بالنذر ل بخوف الزنا‪ ،‬فإن لم يقدر على ذلك فالولى له تركه ويكسر شهوته بالصوم ندبًا‪،‬‬
‫فإن لم تنكسر بالصوم حرم كسرها بنحو كافور بل يتزّوج فإن أضعف الشهوة ولم يذهبها كره‪،‬‬
‫س شيء منهما‪ ،‬وهي من الحّرة‬ ‫ل( من الرجل والمرأة )الخر غير عورة( بل م ّ‬ ‫ن )نظر ك ّ‬‫)و( س ّ‬
‫غير الوجه والكفين من رؤوس الصابع إلى الكوع ظهرًا وبطنًا لدللة الوجه على الجمال‬
‫ق ما عدا ما بـين سّرتها وركبتها وامرأة إذا رغبت في‬ ‫والكفين على خصب البدن‪ ،‬وممن فيها ر ّ‬
‫نكاح رجل تنظر منه إلى غير عورته فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها‪ ،‬ووقت النظر بعد العزم‬
‫على نكاحها وقبل الخطبة‪ ،‬لقوله للمغيرة وقد عزم على خطبة امرأة‪» :‬انظر إليها فإنه أحرى من‬
‫أن يؤدم بـينكما« ‪ .‬رواه الترمذي والحاكم‪ :‬أي تدوم الموّدة‪ ،‬ولقوله ‪» :‬إذا ألقى ال في قلب‬
‫امرىء خطبة امرأة فل بأس أن ينظر إليها« ‪ .‬رواه أبو داود وغيره‪ ،‬فإن لم يتيسر ذلك النظر‬
‫بعث امرأة تتأملها وتصفها له‪ ،‬لنه عليه الصلة والسلم بعث أّم سليم إلى امرأة وقال‪» :‬انظري‬
‫إلى عرقوبها وشمي معاطفها« ‪.‬‬
‫ي أو نائبه والزوج‬
‫ن )خطبة( بضّم الخاء )له( أي للنكاح عند إرادة التلفظ بالعقد سواء الول ّ‬ ‫)و( س ّ‬
‫أو نائبه‪ ،‬وأجنبـي كأن يقول‪ :‬الحمد ل‪ ،‬نحمده ونستعينه‪ ،‬ونستغفره ونعوذ بال من شرور أنفسنا‬
‫ل له‪ ،‬ومن يضلل ال فل هادي له‪ .‬وأشهد أن ل إله إل ال‬ ‫وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده ال فل مض ّ‬
‫ن محمدًا عبده ورسوله‪ ،‬أرسله بالحقّ بشيرًا ونذيرًا بـين يدي الساعة‪ ،‬من‬ ‫وحده ل شريك له‪ ،‬وأ ّ‬
‫يطع ال ورسوله فقد رشد‪ ،‬ومن يعصهما فإنه ل يضّر ال شيئًا‪ ، ،‬وعلى آله وأصحابه}يا أيها‬
‫ن إل وأنتم مسلمون{ ))‪ (3‬آل عمران‪ :‬الية ‪} (102‬يا‬ ‫ق تقاته ول تموت ّ‬
‫الذين آمنوا اتقوا ال ح ّ‬
‫أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ــــ إلى قوله ــــ رقيبا{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪(1‬‬
‫ل سديدًا ــــ إلى قوله ــــ عظيمًا{ ))‪ (33‬الحزاب‪ :‬الية‬‫}يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قو ً‬
‫‪.(70‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن المور كلها بـيد ال‪ ،‬يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد‪ ،‬ل مؤخر لما قّدم‪ ،‬ول مقّدم‬ ‫أما بعد‪ :‬فإ ّ‬
‫ن مما قضى ال تعالى‬ ‫لما أخر‪ ،‬ول يجتمع اثنان ول يفترقان إل بقضاء وقدر وكتاب قد سبق‪ ،‬وإ ّ‬
‫وقّدر‪ :‬أنه قد خطب فلن بن فلن فلنة بنت فلن على صداق كذا‪ .‬أقول قولي هذا‪ ،‬وأستغفر ال‬
‫ي فقط قبل العقد‪ :‬زّوجتك على ما أمر ال تعالى به‪ :‬من‬ ‫ب قول الول ّ‬‫لي ولكم أجمعين‪ .‬ويستح ّ‬
‫ن الدعاء للزوج ممن حضر سواء‬ ‫إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ثم يذكر اليجاب ثانيًا‪ ،‬ويس ّ‬
‫ي وغيره عقب العقد بقوله‪ :‬بارك ال لك‪ ،‬وبارك عليك‪ ،‬وجمع بـينكما في خير وينبغي أن من‬ ‫الول ّ‬
‫لم يحضر العقد يندب له ذلك إذا لقي الزوج‪ ،‬وإن طال الزمن ما لم تنتف نسبة القول إلى التهنئة‬
‫ل واحد منكما في صاحبه‪ ،‬وجمع‬ ‫ل واحد من الزوجين‪ :‬بارك ال لك ّ‬ ‫ب أن يقال لك ّ‬
‫عرفًا‪ ،‬ويستح ّ‬
‫ل منا في‬‫بـينكما في خير‪ ،‬ويستحب للزوج الخذ بناصية زوجته أّول لقياها‪ ،‬ويقول‪ :‬بارك ال لك ّ‬
‫صاحبه‪ ،‬ثم إذا أراد الجماع تغطيًا بثوب وقّدم قبله التنظيف والتطيب والتقبـيل ونحوه مما ينشط‬
‫ل منهما وإن أيس من الولد‪ :‬بسم ال‪ ،‬اللهّم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما‬ ‫ب قول ك ّ‬
‫له‪ ،‬ويستح ّ‬
‫ن له أثرًا بـينًا في صلح‬ ‫رزقتنا‪ ،‬وليتحّر استحضار ذلك القول بصدق في قلبه عند النزال فإ ّ‬
‫الولد وغيره‪ ،‬ويكره أن يتكلم أحدهما في أثنائه بما ل يتعلق به ل بما يتوقف عليه مقصوده من‬
‫الجماع‪ :‬كأن يطلب منها أن تكون على صفة يتمكن معها من تمام مراده في الوطء‪.‬‬
‫)ودينة( بحيث توجد فيها صفة العدالة ل العفة عن الزنا فقط‪) ،‬ونسيبة( أي معروفة الصل طيبة‬
‫لنسبتها إلى العلماء والصلحاء )وجميلة( بأن يوجد فيها وصف قائم بالذات مستحسن عند ذوي‬
‫الطباع السليمة‪) .‬و( قرابة )بعيدة( وهي أن ل تكون في أّول درجات الخؤولة والعمومة )وبكر(‬
‫بالغة وافرة العقل حسنة الخلق خفيفة المهر‪) .‬وولود( ويعرف في البكر بأقاربها )أولى( من‬
‫ل من بكر لم يتزّوج قط‪ .‬نعم‬ ‫ل بالندب‪ ،‬فيندب أن ل يزّوج بنته البكر إ ّ‬‫ل مما ذكر مستق ّ‬‫غيرها‪ ،‬وك ّ‬
‫ن‪ ،‬ويكره نكاح‬ ‫الثيب أولى للعاجز عن الفتضاض‪ ،‬ولمن عنده عيال يحتاج إلى كاملة تقوم عليه ّ‬
‫بنت الزنا والفاسق ولقيطة ومن ل يعرف أبوها‪ ،‬ويكره نكاح ذات الجمال المفرط لنها ما سلمت‬
‫من فتنة أو تطلع فاجر إليها أو تقّوله عليها‪ ،‬ويكره نكاح القرابة القريبة‪ ،‬وهي من في أّول درجات‬
‫ل‪ ،‬لن نحافة الولد الناشئة غالبًا عن الستحياء من القرابة القريبة معنى ظاهر‬‫النساء اللتي تح ّ‬
‫ل للكراهة‪ ،‬ولو تعارضت تلك الصفات فالولى تقديم ذات الدين مطلقًا‪ :‬أي سواء كانت‬ ‫يصلح أص ً‬
‫جميلة أم ل‪ ،‬ثم العقل وحسن الخلق‪ ،‬ثم النسب‪ ،‬ثم البكارة‪ ،‬ثم الولدة‪ ،‬ثم الجمال‪ ،‬ثم ما المصلحة‬
‫ن أن يتزّوج في شّوال وفي صفر‪ ،‬لن رسول ال تزّوج عائشة‬ ‫فيه أظهر بحسب اجتهاده‪ .‬ويس ّ‬
‫رضي ال عنها في شّوال‪ ،‬وزّوج ابنته فاطمة عليًا في شهر صفر على رأس اثني عشر شهرًا من‬
‫الهجرة‪ ،‬وأن يعقد في المسجد‪ ،‬وأن يكون العقد مع جمع وأّول النهار ويوم الجمعة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ي‪ ،‬وشاهدان( عّدهما ركنًا واحدًا لعدم اختصاص‬ ‫)أركانه( أي النكاح خمسة )زوجة‪ ،‬وزوج‪ ،‬وول ّ‬
‫ل منهما ما ل يعتبر في الخر‬ ‫أحدهما بشرط دون الخر‪ ،‬بخلف الزوجين فإنه يعتبر في ك ّ‬
‫ل‪ .‬قال عمر‬ ‫)وصيغة‪ ،‬وشرط فيها( أي الصيغة )إيجاب‪ :‬كزّوجتك أو أنكحتك( موليتي فلنة مث ً‬
‫البصري ‪ :‬حيث تقّرر أن أنكحك لغة‪ ،‬فالظاهر أنه يصح العقد بها حتى من غير أهلها وإن كان‬
‫عارفًا بالصل قادرًا عليه انتهى‪ .‬فل بّد من عائد على المنكوحة من نحو اسم أو ضمير أو إشارة‪،‬‬
‫ق من التزويج أو النكاح فيصح نحو‪ :‬أنا مزّوجك إلى آخره‪ ،‬لخبر‬ ‫ول يصح النكاح إل بلفظ مشت ّ‬
‫ن بكلمة ال« وكلمته‬ ‫ن بأمانة ال‪ ،‬واستحللتم فروجه ّ‬ ‫مسلم‪» :‬اتقوا ال في النساء فإنكم أخذتموه ّ‬
‫تعالى ما ورد في كتابه من نحو قوله تعالى‪} :‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية‬
‫‪ .(3‬وقوله تعالى‪} :‬فلما قضى زيد منها وطرًا زّوجناكها{ ))‪ (33‬الحزاب‪ :‬الية ‪ (37‬فلم يصح‬
‫النكاح بنحو‪ :‬لفظ إباحة‪ ،‬وتمليك‪ ،‬وهبة )وقبول متصل به( أي اليجاب )كتزّوجتها أو نكحتها أو‬
‫قبلت أو رضيت( أو أحببت أو أردت )نكاحها( بمعنى إنكاحها فهو مصدر مضاف لمفعوله‪ ،‬أو‬
‫قبلت تزويجها‪ ،‬أو قبلت النكاح أو التزويج بخلف قبلتها وقبلته بضمير يرجع إلى المنكوحة‬
‫وبضمير يرجع إلى النكاح فإنه ل يكفي‪ ،‬وقبلت فقط من غير ذكر نكاحها أو تزويجها‪ ،‬ول يضر‬
‫ح العقد‪.‬‬ ‫اختلف اليجاب والقبول في الصيغة فإذا قال زّوجتك فقال قبلت نكاحها أو العكس ص ّ‬
‫ح( أي عقد النكاح )بترجمة( للفظ تزويج إو إنكاح بسائر اللغات‪ ،‬وإن أحسن قائلها العربـية‬ ‫)وص ّ‬
‫اعتبارًا بالمعنى وذلك بشرط أن يفهم معناها العاقدان والشاهدان‪ ،‬وأن يعّدها أهل تلك اللغة‬
‫ل فل‪،‬‬ ‫ح وإ ّ‬‫صريحة في لغتهم‪ ،‬وقيل ل يصح اعتبارًا باللفظ الوارد وقيل إن عجز عن العربـية ص ّ‬
‫ح النكاح بتقّدم قبول على إيجاب لحصول المقصود‪ ،‬وذلك كأن يقول الزوج‪ :‬قبلت نكاح فلنة‬ ‫وص ّ‬
‫ي أنكحتكها‪ ،‬ويقول الزوج زوجني فلنة مع قول الخر عقبه زوجتك‪ ،‬ويقول الول ّ‬
‫ي‬ ‫فيقول الول ّ‬
‫ل على الرضا‪ ،‬ويشترط‬ ‫تزّوج بنتي فلنة مع قول الزوج عقبه تزّوجتها لوجود الطلب الجازم الدا ّ‬
‫لصحة النكاح ذكر الزوجة من الجانبـين باسمها صريحًا أو بهاء الضمير واسم إشارة لها أو‬
‫قصدها‪ ،‬ويلغى السم إذا عارضه القصد أو الوصف نحو زينب الكبـيرة وكان قصده الصغيرة‪.‬‬
‫)ل( يصح النكاح )مع تعليق( فلو بشر شخص بولد ذكر فقال إن كان أنثى فقد زوجتكها فقبل‬
‫وبانت أنثى لم يصح النكاح بخلف ما لو بشر بأنثى فقال إن صدق المخبر فقد زّوجتكها فإنه‬
‫ن لفظ إن للتعليق‪،‬‬ ‫ل فل يصح ل ّ‬ ‫يصح لن إن بمعنى إذ فليس بتعليق إذا تيقن صدق المخبر‪ ،‬وإ ّ‬
‫ن صدق المخبر فقال إن صدق المخبر فقد‬ ‫ومثل ذلك ما لو أخبر شخص بموت زوجته وظ ّ‬
‫ح العقد إذا علم أنها موليته ل ّ‬
‫ن‬ ‫تزّوجت بنتك‪ ،‬ولو قال‪ :‬إن كانت فلنة موليتي فقد زوجتكها ص ّ‬
‫ح أيضًا إذا لم يرد التعليق ولو كانت المرأة‬ ‫ذلك ليس بتعليق حينئذ‪ ،‬ولو قال‪ :‬زّوجتك إن شئت ص ّ‬
‫ن إن في‬ ‫ح العقد ل ّ‬‫ي‪ :‬زّوجتك بنتي إن كانت حية لم يص ّ‬ ‫غابت وتحّدث بموتها ولم يثبت فقال الول ّ‬
‫ن الشك منع من حملها على معنى إذ وأوجب استعمالها للتعليق‬ ‫هذا التركيب ليست بمعنى إذ ل ّ‬
‫)وتوقيت( سواء كان بمّدة معلومة كسنة أو مجهولة كمّدة عمره أو عمرها أو مّدة ل تبقى الدنيا‬
‫ن العبرة بصيغ العقود ل بمعانيها‪.‬‬‫إليها ل ّ‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫وقد صرح الصحاب في البـيع بأنه إذا قال بعتك هذا حياتك لم يصح البـيع‪ ،‬فالنكاح أولى ومحلّ‬
‫عدم صحة التأقيت إذا وقع في صلب العقد‪ ،‬أما إذا توافقا عليه قبل وتركاه فيه فإنه ل يضر لكن‬
‫ينبغي كراهته كالمحلل وذلك للنهي عن نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل مسمى بذلك لن‬
‫الغرض من النكاح مجرد التمتع أي التنعم والتلذذ دون التوالد والتوارث‪ .‬وكان التوقيت جائزًا في‬
‫صدر السلم رخصة للمضطر كأكل كل الميتة لكثرة الرجال وقلة النساء اللتي أسلمن‪ ،‬ثم حرم‬
‫عام خيبر‪ ،‬ثم جاز عام الفتح وقبل حجة الوداع‪ ،‬ثم حرم أبدًا وكذا لحوم الحمر الهلية حرمت‬
‫مرتين وكذا القبلة والخمر والوضوء مما مسته النار‪ ،‬وقد نظم الجلل السيوطي ذلك فقال‪:‬‬
‫وأربع تكرر النسخ لها‬
‫جاءت بها الخبار والثار‬
‫فقبلة ومتعة وخمرة‬
‫كذا الوضو مما تمس النار‬
‫ل والخر‬ ‫)و( شرط )في الزوجة خلو من نكاح( فلو أذنت المرأة لوليـين فأنكحها أحدهما رج ً‬
‫ل آخر فإن وقع نكاحهما معًا أو جهل السبق والمعية أو عرف سبق أحدهما ولم يتعين وأيس‬ ‫رج ً‬
‫من تعينه فالنكاحان باطلن بخلف ما إذا أذنت لحدهما فيتعين الصحة له‪ ،‬فإذا زّوج الخر لم‬
‫يصح‪ ،‬وإن عرف عين السابق ببـينة أو تصادق معتبر ولم ينس فهو الصحيح فإن نسي وجب‬
‫التوقف حتى يتبـين فل يجوز لواحد منهما وطؤها‪ ،‬ول يجوز لثالث نكاحها قبل أن يطلقاها أو‬
‫يموتا أو يطلق أحدهما ويموت الخر‪ ،‬وتنقضي عّدتها ممن دخل بها أو مات عنها‪) ،‬و( من‬
‫)عّدة( من غيره فل يصح نكاح المعتّدة من غيره لتعلق حق الغير بها بخلف المعتدة من الناكح‬
‫ن الماء له سواء كانت العّدة عن وفاة مطلقًا أو عن طلق بعد الدخول أو عن وطء شبهة كأن‬ ‫لّ‬
‫ظنها أمته‪ ،‬ول يصح نكاح المشكوكة في انقضاء العّدة ونكاح المرتابة في وجود الحمل قبل‬
‫انقضاء عّدتها فلو نكحها رجل بعد انقضاء عّدتها والريبة التي وجدت في العّدة موجودة حالة‬
‫العقد‪ ،‬ثم بان أنه ل حمل فالنكاح باطل بخلف ما لو نكحت بعد العّدة وليس هناك ريبة‪ ،‬ثم طرأت‬
‫فالنكاح صحيح وكذا لو انقضت ول ريبة‪ ،‬ثم طرأت‪ ،‬ثم نكحت فإنه صحيح أيضًا فمتى وقعت‬
‫ن الصبر عن النكاح لتزول‬ ‫الريبة بعد العّدة فل يضر سواء وقعت قبل النكاح أو بعده لكن يس ّ‬
‫الريبة‪.‬‬
‫ل فل يصح نكاح المحرمة بنسك ولو بـين التحللين ولو نكح من ظنها‬ ‫)و( شرط في الزوجة ح ّ‬
‫محرمة فبان أن ل إحرام فالنكاح باطل للترّدد في الحل و )تعيـين( فل يصح نكاح إحدى امرأتين‬
‫للبهام‪ ،‬ويكفي التعيـين بوصف أو رؤية أو نحوهما كقوله‪ :‬زوجتك بنتي وليس له غيرها أو بنتي‬
‫التي في الدار‪ ،‬وليس فيها غيرها أو هذه وإن سماها بغير اسمها في الكل وكقوله زوجتك هذا‬
‫ن البنتية صفة لزمة مميزة فاعتبرت ولغا السم‪.‬‬ ‫ل على الشارة‪ ،‬ول ّ‬ ‫الغلم‪ ،‬وأشار لبنته تعوي ً‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن العقد‬
‫فرع‪ :‬سئل الزيادي عن رجل خطب امرأة وعقد ثم أتي له بامرأة غير المخطوبة فأجاب بأ ّ‬
‫باطل لنه لم يقع معها اهـ‪) .‬وعدم محرمية( فلو نكح من ظنها محرمًا‪ ،‬ثم بان أن ل محرمية‪،‬‬
‫ن حياته فبان ميتًا حيث صح البـيع بالحتياط‬‫ل يظ ّ‬
‫فالنكاح باطل وفارق ما لو باع مال أبـيه مث ً‬
‫للبضاع وبأن الشك في ذلك شك في الولية وهنا شك في المعقود عليه الذي هو الزوجة وهو‬
‫أشّد في الحتياط بخلف ما لو زوجت زوجة المفقود قبل ثبوت موته أو طلقه فبان ميتًا قبل‬
‫تزّوجها بمقدار العّدة حيث صح التزوج لخلوه عن الموانع في الواقع فإنها لم تخاطب بعّدة ظاهرة‬
‫ن العبرة في العقود بما في الظاهر ونفس المر‬ ‫حتى يستصحب بقاؤها فاعتبر ما في نفس المر ل ّ‬
‫معًا‪.‬وللمحرمية ثلثة أسباب وهي‪) :‬بنسب( وفي ضابطه عبارتان إحداهما يحرم على الرجل‬
‫أصوله وفصوله وفصول أّول أصوله وأّول فصل من كل أصل غير الفصل الّول فالصول‬
‫المهات والفصول البنات وفصول أّول الصول الخوات وبنات الخ وبنات الخت‪.‬‬
‫ن أول فصل من الصل الّول‬ ‫وأّول فصل من كل أصل غير الصل الّول العمات والخالت فإ ّ‬
‫هم الخوة والخوات وأولدهم فغير الصل هو الصل الثاني وما بعده‪ ،‬وهم الجداد والجّدات‬
‫ن أولد العمات والخالت‪ ،‬وهذه العبارة‬ ‫وإن علوا‪ ،‬وخرج بأّول فصل ثاني فصل ل يحرمن وه ّ‬
‫لبـي إسحاق السفرايني ‪ :‬ثانيتهما لتلميذه أبـي منصور البغدادي‪ ،‬وهي ليجازها اختارها‬
‫المصنف فقال‪) :‬فيحرم( بالنسب )نساء قرابة غير( من دخلت تحت )ولد عمومة و( ولد )خؤولة(‬
‫والمعتمد عند الرملي أنه يجوز للدمي نكاح الجنية وعكسه‪ ،‬ويجوز وطؤها إن غلب على ظنه‬
‫ل‪ ،‬وثبتت أحكام النكاح للنسي منهما فينتقض وضوؤه‬ ‫أنها زوجته ولو على صورة حمار مث ً‬
‫بمسها ويجب عليه الغسل بوطئها وغير ذلك‪.‬‬
‫)أو رضاع فيحرم به من يحرم بنسب( لقوله ‪» :‬حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب«‬
‫فمرضعتك ومن أرضعتها أو ولدتها أو ولدت أبا من رضاع أو أرضعته أو أرضعت من ولدك‬
‫بواسطة أو بغيرها أّم رضاع‪ ،‬والمرتضعة بلبنك ولبن فروعك نسبًا أو رضاعًا وبنتها كذلك وإن‬
‫سفلت بنت رضاع‪ ،‬والمرتضعة بلبن أحد أبويك نسبًا أو رضاعًا أخت رضاع‪ ،‬وكذا مولودة أحد‬
‫أبويك رضاعًا‪ ،‬وبنت ولد المرضعة أو الفحل نسبًا أو رضاعًا وإن سفلت‪ ،‬ومن أرضعتها أختك‬
‫أو ارتضعت بلبن أخيك وبنتها نسبًا أو رضاعًا وإن سفلت وبنت ولد أرضعته أمك أو ارتضع‬
‫بلبن أبـيك نسبًا أو رضاعًا وإن سفلت بنت أخي رضاع أو بنت أخت رضاع‪ ،‬وأخت الفحل أو‬
‫أبـيه أو أبـي المرضعة بواسطة أو بغيرها نسبًا أو رضاعًا عمة رضاع‪ ،‬وأخت المرضعة وأمها‬
‫أو أّم الفحل بواسطة أو بغيرها نسبًا أو رضاعًا خالة رضاع ول تحرم في الرضاع أربعة‪ ،‬وقد‬
‫نظمها المدابغي فقال‪:‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫مرضعة الخ أو الخت تح ّ‬


‫ل‬
‫أو ولد الولد ولو أنثى جعل‬
‫كذاك أّم مرضع الولد‬
‫وبنتها وهي ختام العدد‬
‫ل بكون اللبن لدمية بلغت تسعًا من السنين الهللية تقريبًا‪،‬‬
‫)فرع(‪ :‬ل يثبت التحريم بالرضاع إ ّ‬
‫وبوصول اللبن أو وصول ما حصل منه للجوف من معدة أو دماغ بواسطة منفتح غير الفرج‪،‬‬
‫وبكون الرضيع لم يبلغ حولين تحديدًا بالهلة في ابتداء الخامسة يقينًا‪ ،‬وبكون الرضاع أو الحلب‬
‫في حياتها حياة مستقرة‪ ،‬وبكونه خمس رضعات يقينًا عرفًا‪ ،‬ولو كانت الرضعات الخمس غير‬
‫مشبعات‪ ،‬والرضيع إن قطع الرضاع إعراضًا عن الثدي أو قطعته عليه المرضعة كذلك تعّدد‬
‫مطلقًا أو قطعته لشغل أو قطعه هو للهو أو تنفس أو نوم أو تحّول من ثدي إلى آخر‪ ،‬فإن طال‬
‫ل فل‪ ،‬ويثبت الرضاع برجلين وبرجل وامرأتين وبأربع نسوة‪ ،‬ويثبت القرار به‬ ‫الزمن تعّدد وإ ّ‬
‫بشهادة رجلين وتقبل شهادة مرضعة لم يسبق لها طلب أجرة مع ثلث نسوة غيرها أو مع رجل‬
‫وامرأة‪.‬‬
‫)أو مصاهرة( وهي خلطة توجب تحريمًا )فتحرم زوجة أصل( وهو من ولدك بواسطة أو غيرها‬
‫من قبل الب أو الم من النسب أو الرضاع‪ ،‬وإن لم يدخل بها‪ ،‬وخرج بزوجة أصل أمها وبنتها‪،‬‬
‫)و( زوجة )فصل( وهو من ولدته بواسطة أو غيرها وإن لم يدخل بها‪ ،‬وخرج بها أمها وبنتها‬
‫وخرج أيضًا زوجة من تبناه )وأصل زوجة( أي أمها بواسطة أو بغيرها من نسب أو رضاع‬
‫سواء أدخل الزوج بالزوجة أم ل‪ ،‬ولو تأخر ثبوت المومة عن النكاح كأن يطلق صغيرة‬
‫ن أن يكون‬ ‫فترضعها امرأة ويعتبر في زوجتي البن والب‪ ،‬وفي أّم الزوج عند عدم الدخول به ّ‬
‫العقد صحيحًا )وكذا فصلها( أي الزوجة بنسب أو رضاع بواسطة أو بغيرها فتحرم أيضاً بنت‬
‫الربـيبة وبنت الربـيب )إن دخل( أي الزوج )بها( أي الزوجة في الحياة ولو في الدبر بعقد صحيح‬
‫أو فاسد‪ ،‬ومثل الوطء استدخال الماء ولو في الدبر أيضًا‪ ،‬والمراد‪ :‬الماء المحترم حال النزال‬
‫بأن ل يخرج منه على وجه الزنا لحالة الدخال فلو أنزل في زوجته فساحقت بنته فحملت منه‬
‫لحقه الولد فاستدخال المني المحترم حكمه حكم الدخول في لحوق النسب وعدم بـينونة المرأة إذا‬
‫طلقت قبل الدخول ول تصير باستدخال ماء زوجها المحترم حليلة لزوجها الّول ول تصير‬
‫ل أن تكون‬‫محصنة ول يثبت لها مهر ول يجب عليها غسل‪ ،‬فإن لم يدخل بالزوجة لم تحرم بنتها إ ّ‬
‫منفية بلعانه بخلف أمها لن الدخول بالمهات يحرم البنات والعقد على البنات يحرم المهات‪،‬‬
‫والفرق أن الرجل يبتلي بمكالمة الم عقب العقد لترتيب أموره فحرمت بالعقد ليسهل ذلك بخلف‬
‫بنتها وخرج بفصل الزوجة زوجة الربـيب وهو ابن الزوجة وزوجة الراب وهو زوج الم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وكل من وطىء في الحياة امرأة بملك اليمين حرم عليه أمهاتها وبناتها وحرمت هي على آبائه‬
‫تحريمًا مؤبدًا بالجماع وكذا الموطوءة الحية بشبهة كأن ظنها زوجته أو أمته ووطئها أو وطىء‬
‫المة المشتركة بـينه وبـين غيره أو أمة فرعه أو وطىء امرأة بنكاح على طريقة من يعتد بخلفه‬
‫كحنفي من غير تقليد له فيحرم عليه أمهاتها وبناتها وتحرم هي على آبائه وأبنائه لن الوطء بملك‬
‫اليمين نازل منزلة الوطء بعقد النكاح والوطء بشبهة إن كانت منه وحده توجب نسبًا وعدة ل‬
‫مهرًا إذ ل مهر لبغي أو كانت منها وحدها توجب المهر فقط دون النسب والعدة أو كانت منهما‬
‫توجب الجميع ول يثبت بالشبهة مطلقًا محرمية‪ ،‬فل يحل لبـي الواطىء وابنه نظر ولمس ول‬
‫خلوة أما المرأة المزني بها فل يثبت بزناها حرمة المصاهرة فللزاني نكاح أم من زنى بها وبنتها‪،‬‬
‫ولبنه وأبـيه نكاحها هي وبنتها لن الزنا ل يثبت نسبًا ول عدة‪.‬‬
‫فرع‪ :‬لو اختلطت محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو محرمة بسبب آخر كلعان أو توثن بنسوة‬
‫ن ولو قدر بسهولة على متيقنة الحل رخصة له من ال تعالى أو‬ ‫غير محصورات نكح إن أراد منه ّ‬
‫ن‪ .‬نعم لو تيقن صفة بمحرمة كسواد نكح غير ذوات السواد مطلقًا‬ ‫بمحصورات لم ينكح واحدة منه ّ‬
‫أي انحصرن أو ل واجتنبت ذوات السواد إن انحصرن ثم ما عسر عّده بمجرد النظر غير‬
‫محصور وما سهل محصور وابتداء غير محصور خمسمائة والمائتان فأقل محصورات وما‬
‫بـينهما مشكوك فيلحق بالمحصورات‪ ،‬ولو اختلطت زوجته بأجنبـيات امتنع وطء واحدة منه ّ‬
‫ن‬
‫مطلقًا أي محصورات أم ل ولو باجتهاد لن الوطء إنما يباح بالعقد دون الجتهاد‪ ،‬ول يحل لمسلم‬
‫نكاح كافرة إل كتابـية خالصة ذمية كانت أو حربـية فيحل نكاحها مع الكراهة‪ .‬والكتابـية يهودية‬
‫أو نصرانية متمسكة بالتوراة أو النجيل دون سائر الكتب ومحل الكراهة إن لم يخش العنت ولم‬
‫ل فل‬‫ن له ذلك‪ ،‬ومحل ذلك أيضًا أن يجد مسلمة صالحة للتمتع وإ ّ‬ ‫يرج إسلمها فإن رجى س ّ‬
‫كراهة بل هي أولى من مسلمة زانية ثم الكتابـية على نوعين‪ :‬إسرائيلية نسبة إلى إسرائيل وهو‬
‫ل نكاح السرائيلية أن ل‬ ‫يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلم‪ ،‬وغير إسرائيلية وشرط ح ّ‬
‫يعلم دخول أّول جّد يمكن انتسابها إليه ولو انتسابًا لغويًا في ذلك الدين بعد بعثة تنسخه كبعثة‬
‫موسى فإنها ناسخة لما قبلها وبعثة عيسى ناسخة لبعثة موسى وبعثة نبـينا ناسخة لهما سواء علم‬
‫دخوله فيه قبل بعثة تنسخه أم شك‪ ،‬وسواء علم دخوله فيه بعد تحريفه أو بعد بعثة ل تنسخه كبعثة‬
‫ل نكاح غير السرائيلية أن يعلم دخول أّول جّد يمكن انتسابها إليه ولو من‬ ‫سيدنا يوشع‪ ،‬وشرط ح ّ‬
‫جهة الم في ذلك الدين قبل بعثة تنسخه ولو بعد تبديله أن تجنبوا المبدل أما لو علم دخوله فيه بعد‬
‫نسخه أو شك في دخوله قبل النسخ وبعده أو علم دخوله قبله ولم يتجنبوا المبدل فل تحل لمسلم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل واختيار وعلم بحل المرأة له فل يصح نكاح محرم ولو بوكيله ول‬ ‫)و( شرط )في الزوج( ح ّ‬
‫مكره بغير حق‪ ،‬أما إذا كان الكراه بحق كأن أكره على نكاح المظلومة في القسم فيصح بأن‬
‫ظلمها هو فيتعين عليه نكاحها ليبـيت عندها ما فاتها ول نكاح من شك في حلها كالخنثى أو‬
‫المعتّدة‪ ،‬و )تعيـين( فل يصح نكاح غير معين كقول الولي زوجت بنتي أحدكما وإن نواه وقبل‬
‫لنه يعتبر من الزوج القبول فل بد من تعيـينه ليقع الشهاد على قبوله الموافق لليجاب‪) ،‬عدم‬
‫محرمية( بنسب أو رضاع )للمخطوبة( كائنة )تحته( أي الزوج فيحرم ابتداء ودوامًا جمع امرأتين‬
‫بـينهما نسب أو رضاع لو فرضت إحداهما ذكرًا حرم تناكحهما كامرأة وأختها أو خالتها بواسطة‬
‫أو بغيرها‪ ،‬فإن جمع بـين أختين بعقد واحد بطل الناكحان أو بعقدين مرتبًا وعرفت السابقة ولم‬
‫تنس بطل الثاني إن صح الّول لن الجمع حصل به ومن حرم جمعهما كأختين بنكاح حرم‬
‫جمعهما في الوطء بملك ويحل لحر أربع فقط ولغيره ثنتان فقط فإن زاد من ذكر في عقد واحد‬
‫بطل العقد في الجميع أو في عقدين فكما مّر وتحل أخت ونحوها وزائدة في عدة بائن لنها أجنبـية‬
‫ل في رجعية ومتخلفة عن السلم ومرتدة بعد وطء وقبل انقضاء العدة لنها في حكم الزوجة‪.‬‬
‫)و( شرط )في الشاهدين أهلية شهادة( وهي حرية كاملة فيهما وذكورة محققة وكونهما إنسيـين‬
‫وعدالة وسمع وبصر ونطق وعدم حجر سفه وانتفاء حرفه دنيئة تخل بمروءته وعدم اختلل‬
‫ضبط لغفلة أو نسيان ومعرفة لسان المتعاقدين‪ ،‬فل يكفي إخبار ثقة بمعناه بعد تمام الصيغة‪،‬‬
‫)وعدم تعينهما( أو تعين أحدهما )للولية( فل يصح النكاح بحضرة من انتفى فيه شرط من ذلك‬
‫ل إن بانا ذكرين فيصح أو جنيـين إل إن علمت‬ ‫كأن عقد بحضرة عبدين أو امرأتين أو خنثيـين إ ّ‬
‫ل إن كان العاقد أخرس وله إشارة يفهمها‬ ‫عدالتهما الظاهرة أو فاسقين أو غير مكلفين أو أصمين إ ّ‬
‫ل أو أعميـين أو من كانا‬ ‫كل أحد فل يشترط في الشاهدين السمع لن المشهود عليه الن ليس قو ً‬
‫في ظلمة شديدة لعدم علمهما بالموجب والقابل‪ ،‬فلو سمعا اليجاب والقبول من غير رؤية للموجب‬
‫والقابل ولكن جزمًا في أنفسهما بأن الموجب والقابل فلن وفلن لم يكف ذلك لذلك أو أخرسين أو‬
‫محجور عليهما بسفه أو عادمين لمروءة أو مغفلين ول بحضرة متعين للولية‪ ،‬فلو وكل الب أو‬
‫ي عاقد فل يكون شاهدًا‬ ‫الخ المنفرد في النكاح وحضر مع شاهد آخر لم يصح النكاح لنه ول ّ‬
‫كالزوج‪ ،‬ولو شهد وليان كأخوين من ثلثة إخوة والعاقد غيرهما من بقية الولياء صح النكاح إن‬
‫كانت المرأة أذنت له في تزويجها‪ ،‬أما إن خصت الذن بالخوين الخرين وأذنت لهما في توكيل‬
‫ل يصير مزوجًا بل إذن وهو‬ ‫من شاء فوكل الثالث فل يصح لنه لصرف العقد عن كونه وكي ً‬
‫ل فل يص ّ‬
‫ح‬ ‫باطل‪ ،‬ومحل الصحة أيضًا إن كان التزيج من كفء‪ ،‬إذ ل يشترط حينئذ إذن الباقي وإ ّ‬
‫ن رضاها‬ ‫ن إشهاد على رضا المرأة البالغة ولو مجبرة‪ ،‬وإنما لم يشترط ل ّ‬ ‫لشتراط إذنهم‪ ،‬ويس ّ‬
‫ليس من نفس النكاح المعتبر فيه الشهاد‪ ،‬وإنما هو شرط فيه‪ ،‬ورضاها الكافي في العقد يحصل‬
‫بإذنها أو بإخبار من يصّدق قوله في القلب ولو فاسقًا أو صبـيًا أو بإخبار وليها مع تصديق الزوج‬
‫ي‪.‬‬‫ي حاكمًا كما أفتى به القاضي والبغو ّ‬‫ن الول ّ‬
‫أو عكسه‪ .‬ولو كا ّ‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ح( النكاح ولو كان العاقد حاكمًا )بمستوري عدالة( وهما من ل يعرف لهما مفسق على ما‬ ‫)وص ّ‬
‫اعتمده جمع وهذا صادق بمن لم يعرف له فسق ول طاعة أو من عرف ظاهرهما بالعدالة بأن‬
‫ي لجريانه بـين أوساط الناس‬ ‫عرفت بالمخالطة‪ ،‬ولم يزكيا عند الحاكم على ما اعتمده النوو ّ‬
‫ق‪ ،‬والمعتمد‬‫والعوام‪ ،‬فلو كلفوا بمعرفة العدالة الباطنة ليحضر المتصف بها لطال المر عليهم وش ّ‬
‫الكتفاء بالعدالة الظاهرة مطلقًا حتى بالنسبة للحاكم كما قاله الزيادي وبطل الستر بتجريح عدل‪،‬‬
‫ي مّدة الستبراء‬ ‫ويلزم التفريق بـين الزوجين ولم يلحق الفاسق إذا تاب بالمستور فل بّد من مض ّ‬
‫ح النكاح بمستوري إسلم أو حرية أو بلوغ‬ ‫ن استتابة المستور عند العقد‪ ،‬ول يص ّ‬
‫وهو سنة‪ ،‬ويس ّ‬
‫ل إن بان‬‫كأن وجد لقيط ولم يعرف حاله إسلمًا ول رقًا ول بلوغًا فل ينعقد النكاح بشهادته إ ّ‬
‫ح‪ ،‬ويعتد قول الشاهد إنه مسلم أو حر أو بالغ‪.‬‬‫الشاهدان مسلمين حرين بالغين فيص ّ‬
‫)وبان بطلنه( أي النكاح في حق الزوجين )بحجة( من بـينة أو علم حاكم )فيه( أي النكاح )أو‬
‫بإقرار الزوجين بما يمنع صحته( أي النكاح كفسق الشاهد ووقوع النكاح في الرّدة‪ ،‬وإنما يتبـين‬
‫الفسق أو غيره بعلم الحاكم حيث ساغ له الحكم بعلمه بأن كان مجتهدًا فيلزمه التفريق بـين‬
‫الزوجين‪ ،‬وإن لم يترافعا إليه ما لم يحكم حاكم يراه بصحته‪ ،‬وذلك إذا تبـّين عند العقد أو قبل‬
‫ي زمن الستبراء في الشاهد بخلف ما إذا تبـّين قبل العقد وحال لحتمال حدوث ذلك المانع‪،‬‬ ‫مض ّ‬
‫ثم محل بطلن النكاح باتفاق الزوجين إنما هو فيما يتعلق بحقهما دون حق ال تعالى‪ ،‬فلو طلقها‬
‫ثلثًا ثم توافقا وأقاما أو أقام الزوج بـينة بفساد النكاح لم يلتفت لذلك بالنسبة لسقوط التحليل لنه‬
‫حق ال تعالى فل يرتفع بذلك‪ ،‬ول يؤثر في إبطال النكاح إقرار الشاهدين بما يمنع صحته فل‬
‫ل ثم ماتت وورثاها‬ ‫يقبل قولهما على الزوجين‪ ،‬نعم له أثر في حقهما فلو حضرا عقد أختهما مث ً‬
‫سقط المهر قبل الوطء وفسد المسمى بعده فيجب مهر المثل إن لم يكن أكثر من المسمى‪ ،‬ولو أقر‬
‫الزوج بما يمنع صحة النكاح فسخ مؤاخذة له بقوله‪ ،‬وهذه الفرقة ل تنقص عدد الطلق وعليه‬
‫ل فنصفه ول يرثها وورثته لكن بعد حلفها وجوبًا إنه عقد بعدلين‪ ،‬أما لو‬ ‫المهر إن دخل بها وإ ّ‬
‫ي أو شاهد فل يفرق بـينهما‪ ،‬لكن لو مات لم ترثه‪ ،‬وإن ماتت أو طلقها قبل‬ ‫أقرت الزوجة بخلل ول ّ‬
‫ن الشهاد على رضا المرأة‬ ‫ل المرين من المسمى ومهر المثل‪ ،‬ويس ّ‬ ‫وطء فل مهر أو بعده فلها أق ّ‬
‫بالنكاح سواء كانت غير مجبرة أو مجبرة بالغة ورضاها الكافي في العقد يحصل بإذنها أو بإخبار‬
‫من يصّدق قوله في القلب ولو فاسقًا أو صبـيًا أو بإخبار وليها مع تصديق الزوج أو عكسه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وحلفت( امرأة )مّدعية محرمية لم ترضه( أي الزوج أي فتصّدق تلك المرأة بـيمينها إن زّوجت‬
‫بغير إذنها بأن كانت مجبرة أو بإذن مطلق من غير تعيـين زوج ما لم تمكنه من نفسها بالوطء‬
‫مختارة‪ ،‬ولها مهر مثل إن وطئها الرجل ولم تكن عالمة مختارة حينئذ وإل فزانية‪ ،‬وإن لم يطأها‬
‫فل شيء لها لتبـين فساد النكاح‪) ،‬وحلف( أي رجل مدعي محرمية أو منكر لها )لراضية( بأن‬
‫زّوجت منه برضاها به بأن عينته في إذنها أو مكنته من نفسها‪ ،‬فإن )اعتذرت( أي الراضية في‬
‫ي عدالة( المراد بها‬‫ل فل‪) ،‬و( شرط )في الول ّ‬ ‫الذن أو التمكين بنسيان أو غلط سمعت للعذر وإ ّ‬
‫عدم الفسق حالة العقد )وحرية( كاملة )وتكليف( ورشد‪ ،‬وهو صلح الدين والمال فل ولية‬
‫ل لن الشرط عدم الفسق ل‬ ‫لفاسق غير المام العظم‪ ،‬ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زّوج حا ً‬
‫ي في الحال أن‬ ‫العدالة‪ ،‬وبـينهما واسطة‪ ،‬ولذا زوج المستور الظاهر العدالة‪ ،‬والمراد بتوبة الول ّ‬
‫ل‪ ،‬وإن لم يوجد منه رّد ول قضاء‬ ‫يعزم عزمًا مصممًا على رّد المظالم وعلى قضاء الصلوات مث ً‬
‫ي كشهادة زور‬ ‫بالفعل بخلف الشاهد فل بّد أن يمضي بعد توبته سنة إذا كان فسقه بمحذور فعل ّ‬
‫وقذف إيذاء‪ ،‬ول ولية لرقيق‪.‬‬
‫ل في‬ ‫نعم لو ملك المبعض أمة زوجها لنه يزّوج بالملك ل بالولية‪ ،‬ويجوز كون الرقيق وكي ً‬
‫ي ومجنون فيزّوج البعد زمن الجنون فقط‪ ،‬ول تنتظر إفاقته‪.‬‬ ‫القبول ل اليجاب‪ ،‬ول ولية لصبـ ّ‬
‫ل جّدا كيوم في سنة انتظرت كالغماء‪ ،‬ويشترط بعد إفاقته صفاؤه من آثار خبل يحمله‬ ‫نعم لو ق ّ‬
‫ل نظر بهرم أو غفلة‪ ،‬وكثرة أسقام شغلته عن اختبار‬ ‫على حّدة في الخلق‪ ،‬ول ولية على مخت ّ‬
‫الكفاء‪ ،‬ول على محجور عليه بسفه لبلوغه غير رشيد مطلقًا أو بتبذيره في ماله بعد رشده‬
‫وحجر عليه‪.‬‬
‫)وينقل ضّد كل( من المذكورات )ولية لبعد( ل لحاكم ولو في باب الولء‪ ،‬فلو أعتق أمة ومات‬
‫ي في التزويج)أب فأبوه( وإن عل‬ ‫عن ابن صغير وأب زوج الب ل الحاكم )وهو( أي الول ّ‬
‫)فيزّوجان بكرًا أو ثيبًا بل وطء( كمن زالت بكارتها بسقوط من علو‪ ،‬أو خلقت بل بكارة كبـيرة‬
‫كانت أو صغيرة عاقلة أو مجنونة )بغير إذنها( بشروط لصحة ذلك التزويج‪ ،‬ولجواز القدام‬
‫ل مهر مثلها بأن يكون في ملكه ذلك‬ ‫لذلك‪ ،‬فأما الشرط للصحة فهو أن يزّوجها )لكفء( موسر بحا ّ‬
‫نقدًا كان أو غيره سواء دخل في ملكه بقرض إذ ذاك أو بغيره فالمدار على كونه في ملكه عند‬
‫العقد‪ ،‬وأن يزّوجها مع عدم عداوة بـينها وبـينه ل ظاهرة ول خفية‪ ،‬وعدم عداوة ظاهرة بـينها‬
‫ل بإذنها‪.‬‬
‫ل فل يزّوجها إ ّ‬‫وبـين الب وهي بحيث ل تخفى على أهل محلتها‪ ،‬وإ ّ‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل من نقد البلد‪ ،‬وذلك فيمن لم يعتدن‬


‫وأما الشرط لجواز القدام لذلك فكون المهر بمهر المثل الحا ّ‬
‫ن لهما استئذان بكر مكلفة تطيبًا‬
‫ل جاز بالمؤجل وبغير نقد البلد‪ ،‬ويس ّ‬‫التأجيل‪ ،‬أو غير نقد البلد وإ ّ‬
‫لقلبها‪) .‬ل( يزّوجان )ثيبًا بوطء( في قبلها حلل أو حرام أو شبهة‪ ،‬وإن عادت البكارة‪ ،‬وإن كان‬
‫ل بإذنها نطقًا بالغة( عاقلة‪ ،‬فإن كانت الثيب صغيرة عاقلة‬
‫الوطء حالة النوم أو من نحو قرد )إ ّ‬
‫حرة لم تزّوج حتى تبلغ لوجوب إذنها وهو متعذر مع صغرها‪ ،‬أما المجنونة فتزّوج‪ ،‬أما القنة‬
‫فيزّوجها السيد مطلقًا أي ثيبًا أو غيرها صغيرة أو كبـيرة‪) ،‬وتصّدق( أي البالغة )في( دعوى‬
‫)بكارة بل يمين و( في دعوى )ثيوبة قبل عقد( عليها )بـيمينها( وإن لم تتزّوج ولم تذكر سببًا‪ ،‬أما‬
‫دعواها الثيوبة بعد أن يزّوجها الب بغير إذنها بظنه بكرًا فل تسمع‪ ،‬بل لو شهدت أربع نسوة‬
‫بثيوبتها عند العقد لم يبطل النكاح‪.‬‬
‫)ثم( بعد الجّد )عصبتها وهو( المجمع على إرثهم كترتيبه فيقّدم )أخ لبوين فلب فبنوهما( أي‬
‫الخ لبوين والخ لب وإن سفلوا )فعّم( لبوين‪ ،‬ثم عّم لب‪ ،‬ثم ابن عم كذلك وإن سفل‪ .‬نعم لو‬
‫كان أحد العصبة أخًا لّم أو كان معتقًا قدم )ثم( بعد العصبة النسبـية )معتق فعصباته( ثّم معتق‬
‫المعتق فعصبته بسبب استحقاق العصوبة‪ ،‬ويزّوج عتيقة المرأة في حياتها وليها بعد فقد ول ّ‬
‫ي‬
‫العتيقة من النسب فيزّوجها أبو المعتقة ثّم جّدها ول يزّوجها ابن المعتقة‪ ،‬ويعتبر في تزويجها‬
‫ن استئذانها ويزّوج عتيقة المرأة‬ ‫رضاها ول يعتبر إذن المعتقة إذ ل ولية لها ول إجبار‪ ،‬لكن يس ّ‬
‫بعد موتها من له الولء على العتيقة من عصباتها فيقّدم ابنها على أبـيها )فيزّوجون( أي هؤلء‬
‫المذكورون )بالغة( ثيبًا أو بكرًا عاقلة )بإذن ثيب بوطء( في قبلها )نطقًا( ولو بلفظ الوكالة‪ ،‬أما‬
‫الخرساء فإذنها باشارتها المفهمة أو بكتابتها مع نية الذن‪ ،‬ويعلم ذلك بكتابتها ثانيًا فلو لم تكن‬
‫إشارة مفهمة ول كتابة فهي كالمجنونة فيزّوجها الب‪ ،‬ثّم الجّد‪ ،‬ثّم الحاكم دون غيرهم وحينئذ‬
‫سواء كانت صغيرة أو كبـيرة ثيبًا أو بكرًا‪.‬‬
‫)وصمت بكر( لم يقترن بصياح أو ضرب خّد )استؤذنت( ولو لغير كفء وإن ظنته كفئًا ل بدون‬
‫ن سكوتها إذن أم ل‪ ،‬وسواء‬ ‫مهر مثل أو كونه من غير نقد البلد‪ ،‬وإن لم تعلم الزوج سواء علمت أ ّ‬
‫كان الستئذان من المجبر أو من غيره‪ ،‬أما إذا لم تستأذن وإنما زوج بحضرتها فل يكفي سكوتها‪.‬‬
‫ل وليته ول مختارة‪،‬‬ ‫)ثّم( بعد فقد الولياء المذكورين )قاض فيزّوج( من هي حالة العقد في مح ّ‬
‫أو أذنت له وهي خارجة عن محل وليته‪ ،‬ثّم يزّوجها بعد عودها له ل قبل وصولها له‪ ،‬ولو كانت‬
‫ح فالعبرة بالمرأة دون‬ ‫ل وليته والزوج خارجه بأن وكل فعقد الحاكم مع وكيله ص ّ‬ ‫المرأة بمح ّ‬
‫الزوج‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ح‪ ،‬وتخلل‬ ‫وعلم بما ذكر أنها لو أذنت له ثّم خرجت لغير محل وليته‪ ،‬ثّم عادت ثّم زوجها ص ّ‬
‫الخروج منها أو منه غير مبطل للذن‪ ،‬وولية القاضي تشمل بلد ناحيته وقراها وما بـينها من‬
‫البساتين والمزارع والبادية وغيرها‪ ،‬فيزّوج القاضي )بكفء بالغة عدم وليها( بأن لم يوجد الول ّ‬
‫ي‬
‫ي القرب نسبًا أو ولء )مرحلتين( وليس له‬ ‫الخاص بنسب أو ولء بالمرة )أو غاب( أي الول ّ‬
‫ل قّدم على القاضي خلفًا البلقيني ‪ ،‬فإذا تبـّين كونه دون مسافة‬ ‫وكيل حاضر في التزويج وإ ّ‬
‫القصر حالة العقد ببـينة أو بحلفه لم يصح تزويج القاضي‪) .‬أو( غاب دون مرحلتين وقد )تعذر‬
‫ي القرب )لخوف( في الطريق أو مشقة ل تحتمل عادة وتصدق المرأة‬ ‫وصول إليه( أي الول ّ‬
‫بـيمينها في غيبة وليها وخلوها من الموانع‪ ،‬ويستحب طلب بـينة منها بذلك‪ .‬وإن لم تقم بـينة‬
‫ي القرب بأن انقطع خبره بحيث ل يعلم موته ول حياته‪ ،‬ولم ينته‬ ‫فيحلفها وجوبًا )أو فقد( أي الول ّ‬
‫ي أي منع )مكلفة( ولو سفيهة )دعت إلى كفء(‪،‬‬ ‫إلى مّدة يحكم فيها بموته )أو عضل( أي الول ّ‬
‫وإن كان منعه لنقص المهر بخلف ما لو دعت إلى غير الكفء‪ ،‬ول بد من ثبوت العضل عند‬
‫الحاكم ليزّوج‪ ،‬ومن خطبة الكفء لها ومن تعيـينها له ولو بالنوع بأن خطبها أكفاء ودعت إلى‬
‫ل تزويج القاضي بالعضل إذا لم يتكرر فإن تكرر ثلثًا ولم تغلب طاعاته على‬ ‫أحدهم‪ ،‬ومح ّ‬
‫معاصيه في ذلك اليوم عددًا صار كبـيرة يفسق بها العاضل فيزوج البعد وإل فالولية للقاضي‪،‬‬
‫وإن تكرر العضل ألف مرة‪ ،‬والمراد بالثلث الثلث بالنسبة لعرض الحاكم ولو في نكاح واحد‪،‬‬
‫ي أو تعزز أو توارى أو‬ ‫ول يشترط أن تكون في ثلثة أنكحة‪ ،‬ويزّوج القاضي أيضًا إذا أحرم الول ّ‬
‫ي في درجته كما لو كان لها‬ ‫حبس‪ ،‬وقد منع وصول الناس إليه أو تزّوج بموليته‪ ،‬ولم يكن لها ول ّ‬
‫ابن عم شقيق وابن عّم لب‪ ،‬وأراد ابن العم الشقيق أن يتزّوجها فل يصح أن يزّوج نفسه من‬
‫نفسه‪ ،‬ول يصح أن يزّوجها له ابن العم للب لحجبه به بخلف العكس‪ ،‬أو جنت بالغة فقدت‬
‫المجبر‪.‬‬
‫ل ليعقد‬
‫)ثم محكم عدل( قال الشرقاوي ‪ :‬فإن فقد الحاكم جاز للزوجين أن يوليا أمرهما حرًا عد ً‬
‫لهما وإن لم يكن مجتهدًا ولو مع وجود مجتهد‪ ،‬بخلف ما إذا وجد الحاكم ولو حاكم ضرورة فإنه‬
‫ل يجوز لهما أن يوليا أمرهما إل مجتهدًا‪ ،‬ول فرق في ذلك بـين الحضر والسفر‪ .‬نعم لو كان‬
‫القاضي يأخذ دراهم لها مقدار عظيم ل تحتمل عادة النسبة للزوجين جاز لهما تولية أمرهما حرًا‬
‫ل مع وجود القاضي‪ ،‬فعلم أنه ل يجوز للمرأة أن توكل مطلقًا‪.‬‬ ‫عد ً‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن طلب بـينة منها بذلك وإل فيحلفها‬ ‫)ولقاض تزويج من قالت أنا خلية من نكاح وعّدة( ويس ّ‬
‫ل ذلك )ما لم يعرف( أي القاضي‬ ‫وجوبًا‪ ،‬فإن ألحت في الطلب بل بـينة ول يمين أجيبت‪ ،‬ومح ّ‬
‫)لها زوجًا معينًا )وإل شرط( في حصة تزويج الحاكم لها )إثبات لفراقه( سواء أحضر أم غاب‪،‬‬
‫وإن كان القياس قبول قولها في المعين أيضًا حتى عند القاضي لن العبرة في العقود بقول أربابها‬
‫ي الخاص فإذا قالت المرأة له‪ :‬زوجني فإن زوجي طلقني أو مات‬ ‫فالنكاح يحتاط له أكثر‪ ،‬أما الول ّ‬
‫وانقضت عّدتي زوجها مع تعيـين الزوج إذا صّدقها‪.‬‬
‫)ولمجبر( لموليته )توكيل في تزويج موليته بغير إذنها( كما له تزويجها بغير إذنها‪ .‬نعم يندب‬
‫للوكيل استئذانها ويكفي سكوتها )و( يجب )على وكيل رعاية حظ( عند الطلق فل يزوج غير‬
‫كفء )ولغيره( أي المجبر كالب في الثيب توكيل )بعد إذن( منها )له( أي غير المجبر )فيه( أي‬
‫التزويج بأن قالت له‪ :‬زّوجني وأطلقت فلم تأمره بتوكيل ول نهته عنه أو قالت له‪ :‬وكل فإن نهته‬
‫ي للزوج‪ :‬زوجتك بنت فلن ابن فلن ويرفع نسبه‬ ‫عن التوكيل فل يوكل فليقل وجوبًا وكيل الول ّ‬
‫ل إن جهل الزوج أو الشاهدان أو أحدهما وكالته‬ ‫إلى أن يتميز‪ ،‬ثم ليقل موكلي أو وكالة عنه مث ً‬
‫ي لوكيل الزوج‪ :‬زّوجت بنتي‬ ‫ل لم يحتج لذلك‪) .‬ولزوج توكيل في قبوله( للنكاح فليقل الول ّ‬ ‫عنه وإ ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫فلن بن فلن كذلك‪ ،‬وليقل وكيله‪ :‬قبلت نكاحها له‪ ،‬أو تزّوجتها له مث ً‬
‫فرع‪ :‬يزّوج عتيقه امرأة حية( بعد فقد عصبة العتيقة من النسب )وليها( أي المرأة الحية لنه لما‬
‫انتفت ولية المرأة للنكاح طلبت أن يتبع الولية عليها الولية على عتيقها فيزّوجها أبو المعتقة‪ ،‬ثم‬
‫جّدها على ترتيب الولياء )بإذن عتيقة( ويكفي سكوتها إن كانت بكرًا‪ ،‬ول يعتبر إذن المعتقة‬
‫على الصح‪) .‬و( يزّوج )أمة( امرأة )بالغة وليها( أي السيدة البالغة )بإذنها( أي السيدة نطقًا ولو‬
‫ل إذا كانت مجنونة‪،‬‬‫بكرًا إذ ل تستحي‪ ،‬فإن كانت صغيرة ثيبًا امتنع على أبـيها تزويج أمتها إ ّ‬
‫ل فل يزّوج‪) ،‬و( يزوج‬ ‫وليس للب إجبار أمة البكر البالغ‪ ،‬فل بد من إذن منها إن كانت بالغة وإ ّ‬
‫)أمة صغيرة بكر وصغير أب( فجّد )لغبطة( في التزويج اكتسابًا للمهر والنفقة‪ ،‬فل تزوج أمة‬
‫صغيرة عاقلة ثيب‪ ،‬ول يزّوج السلطان أمة صغيرة‪ ،‬وصغير مجنونة‪ ،‬بل يزّوجها الب والجّد‬
‫ن لهما إجبار سيديهما‪ ،‬فجاز لهما إجبارها تبعًا لسيديهما )ل عبدهما( أي أمة الصغيرة‬ ‫لّ‬
‫والصغير‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( يزوج )سيد( بالملك ل بالولية )أمته( التي يملك جميعها ولم يتعلق بها حق لزم على النكاح‬
‫)ولو( كانت المة بكرًا أو ثيبًا )صغيرة( أو كبـيرة‪ ،‬ول يصح بدون رضاها إذا زّوجها من غير‬
‫من يكافئها في نحو العفة والسلمة من العيوب‪ ،‬ودناءة الحرفة‪ .‬نعم له إجبارها على رقيق ودنيء‬
‫ي نكاح ومال من أب وإن عل‪ ،‬وسلطان أمة موليه من ذي‬ ‫النسب إذ ل نسب لها‪ ،‬ويزّوج ول ّ‬
‫ي أنثى بإذن ذي السفه اكتسابًا للمهر والنفقة بخلف عبد موليه‬ ‫صغر وجنون وسفه‪ ،‬ولو كان الول ّ‬
‫فل يزّوج لما فيه من انقطاع اكتسابه عنه‪.‬‬
‫)ول ينكح عبد( سواء كان قنًا أو مدبرًا أو مبعضًا أو مكاتبًا أو معلقًا عتقه بصفة )إل بإذن سيده(‬
‫الرشيد غير المحرم نطقًا‪ ،‬ولو كان السيد كافرًا أو أنثى لقوله ‪» :‬أيما مملوك تزّوج بغير إذن سيده‬
‫فهو عاهر« وإذا بطل النكاح لعدم الذن تعلق مهر المثل بذمته فقط إذا كان في غير نحو صغيرة‪،‬‬
‫ل بأن كانت صغيرة أو مجنونة أو كبـيرة لم تكن مختارة تعلق برقبته لوجوبه بغير‬ ‫وإ ّ‬
‫رضامستحقه‪ ،‬وكذا إذا وطىء أمة غير مأذونة فيتعلق مهر المثل برقبته‪.‬‬
‫فصل في الكفاءة‬
‫وهي معتبرة في النكاح دفعًا للعار ل تعتبر لصحته على الطلق‪ ،‬وإنما تعتبر حيث ل رضا من‬
‫المرأة وحدها في جب وعنة ومع وليها القرب فيما سواهما‪ ،‬وسقطت بالسقاط‪ .‬والصفات‬
‫المعتبرة في الكفاءة ليعتبر مثلها في الزوج خمس‪ ،‬والعبرة في الصفات بحالة العقد‪ .‬نعم الحرفة‬
‫ي زمن يقطع نسبتها عنه بحيث صار ل يعير بها‪ .‬أحدها‪ :‬حرية في الزوج‬ ‫الدنيئة ل بد من مض ّ‬
‫وفي الباء‪ .‬وثانيها‪ :‬عفة عن الفسق فيه وفي آبائه‪ .‬وثالثها‪ :‬نسب والعبرة فيه بالباء كالسلم‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬حرفة فيه أو في أحد من آبائه وهي ما يتحرف به لطلب الرزق من الصنائع وغيرها‪.‬‬
‫وخامسها‪ :‬سلمة للزوج من العيوب المثبتة للخيار فحينئذ )ل يكافىء حرة( ولو عتيقة ومبعضة‬
‫)ول عفيفة( وسنية ورشيدة )ونسيبة( من هاشمية‪ ،‬ومطلبـية‪ ،‬وقرشية‪ ،‬وعربـية )وسليمة من‬
‫حرف دنيئة‪ ،‬ومن عيب نكاح كجنون وجذام وبرص غير( ممن به أو بأبـيه القرب رق‪ ،‬ومن‬
‫ي وعربـي‪ ،‬ومن صاحب‬ ‫ي ومطلبـي وقرش ّ‬ ‫فاسق ومبتدع ومحجور عليه بسفه ومن غير هاشم ّ‬
‫حرف دنيئة وهي ما دلت ملبسته على انحطاط المروءة‪ ،‬وسقوط النفس‪ ،‬فما نصوا عليه ل يعتبر‬
‫ن المدار على‬
‫فيه عرف عام‪ ،‬وما لم ينصوا عليه يعتبر فيه عرف بلد الزوجة ل بلد العقد ل ّ‬
‫عارها وعدمه فكناس ولو في المسجد الحرام إذا كان بأجرة وراع وحجام ودباغ ونحوهم من كل‬
‫ذي حرفة فيها مباشرة نجاسة ل يكافئون بنت خياط‪ ،‬ثم الخياط ل يكافىء بنت تاجر أو بزاز‪،‬‬
‫ل فهو بمنزلة حرفة شريفة‪ ،‬ومن به جنون‬ ‫ل‪ ،‬وإ ّ‬
‫وهما ل يكافئان بنت قاض أو عالم إذا كان عام ً‬
‫ن النسان‬‫أو جذام أو برص ل يكافىء ولو من بها ذلك‪ ،‬وإن اتحد النوع وكان ما بها أقبح‪ ،‬ل ّ‬
‫يعاف من غيره ما ل يعافه من نفسه‪ ،‬أو جب أو عنة ل يكافىء رتقاء أو قرناء‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫أما العيوب التي ل تثبت الخيار فل تؤثر كعمى‪ ،‬وقطع أطراف‪ ،‬وتشّوه صورة )ول يقابل‬
‫بعضها( أي خصال الكفاءة )ببعض( فل تزّوج حرة عجمية برقيق عربـي‪ ،‬ول سليمة من العيوب‬
‫ن دناءة نسبه تنجبر بعفته الظاهرة‪ ،‬وأن‬
‫دنيئة بمعيب نسيب‪ ،‬ول حرة فاسقة بعبد عفيف‪ ،‬وقيل‪ :‬إ ّ‬
‫ل عن الرملي ‪ ،‬ويعتبر العلم في الزوج وفي‬ ‫المة العربـية يقابلها الحر العجمي‪ .‬قال ابن قاسم نق ً‬
‫آبائه‪ ،‬فالجاهل ابن العالم ل يكافىء العالمة بنت الجاهل‪ ،‬لن بعض الخصال ل يقابل ببعض‬
‫ي( منفرد أو أقرب )ل قاض برضا كل( ويزّوجها بغير كفء بعض‬ ‫)ويزّوجها بغير كفء ول ّ‬
‫الولياء المستوين برضا الباقين‪ ،‬أما القاضي فل يصح تزويجها لغير كفء قطعًا إذا كان لنحو‬
‫ي أو عضله‪ ،‬أو إحرامه لبقاء حقه ووليته‪ ،‬والصح على ما صححه البلقيني ‪ ،‬ولو‬ ‫غيبة الول ّ‬
‫طلبت المرأة من القاضي تزويجها لغير كفء ولم يجبها‪ ،‬وليس ثم قاض يرى تزويجها من غير‬
‫الكفء فلها تحكيم عدل ليزّوجها منه للضرورة‪ .‬قال ابن حجر ‪ :‬إن كان في البلد حاكم يرى‬
‫ل تحكمه ويزوجها تعين‪ ،‬فإن فقد أو خافت‬ ‫تزويجها من غير الكفء تعين‪ ،‬فإن فقد ووجدت عد ً‬
‫الزنا لزم القاضي الذي لم يرد تزويجها من غير الكفء إجابتها للضرورة‪.‬‬
‫فصل في نكاح من فيها رق‬
‫ل ينكح الرجل من يملكها أو بعضها‪ ،‬ولو كانت المرأة مستولدة ومكاتبة‪ ،‬ولو كان الرجل مبعضًا‬
‫فيحرم النكاح عليه لتعاطيه عقدًا فاسدًا فإن وطأها جائز له من غير عقد لتناقض أحكام الملك‬
‫والنكاح‪ ،‬إذ الملك ل يقتضي نحو قسم وطلق والزوجية تقتضيهما‪ ،‬ولو ملك زوجته أو بعضها‬
‫ملكًا تامًا بطل نكاحه لنه أضعف‪ ،‬ول تنكح المرأة من تملكه أو بعضه ملكًا تامًا لتضاد أحكامهما‬
‫لنها تطالبه بالسفر للشرق لنه عبدها وهو يطالبها به للغرب لنها زوجته‪ ،‬وعند تعذر الجمع‬
‫يسقط الضعف‪ ،‬ويحل للمرأة نكاح عبد أبـيها أو ابنها لنه ل يلزمه إعفافها‪ ،‬وليس كتزوج الب‬
‫أمة ابنه لشبهة العفاف‪ ،‬ويحل للولد نكاح أمة أبـيه‪ ،‬ول ينكح الحر كله حرة ولدها رقيق بأن‬
‫ل( بخمسة‬‫أوصى لرجل بحمل أمة دائمًا فأعتقها الوارث كما )حرم لحر نكاح أمة( للغير )إ ّ‬
‫شروط‪.‬‬
‫أحدها‪) :‬بعجز عمن تصلح لتمتع( من حرة أو أمة ولو كتابـية بأن لم يفضل عما معه أو مع فرعه‬
‫الذي يلزمه إعفافه ما يفي بمهر مثلها وقد طلبته أو لم ترض إل بزيادة عليه‪ ،‬وإن قلت وقدر‬
‫عليها‪ .‬نعم لو وجد حرة وأمة لم يرض سيدها إل بأكثر من مهر مثل تلك الحرة ولم ترض هذه‬
‫الحرة إل بما طلبه السيد لم تحل له المة‪ ،‬والمراد بصلحيتها للستمتاع باعتبار العرف ل‬
‫باعتبار ميل طبعه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( ثانيها‪) :‬بخوفه زنا( ولو خصيًا بأن تغلب شهوته تقواه لقوله تعالى‪} :‬ذلك لمن خشي العنت‬
‫منكم{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪.(25‬‬
‫وثالثها‪ :‬بعدم من تصلح للستمتاع تحته من حرة أو أمة ولو كتابـية‪ ،‬ووجودها تحته أبلغ من‬
‫استطاعة مهرها المانع بنص الية‪ ،‬وهذا الشرط ل يغنيه ما قبله لنا نجد كثيرًا من تحته صالحة‬
‫لذلك وهو يخاف الزنا‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬أن ل تكون المة موقوفة عليه ول موصى له بمنفعتها أو بخدمتها أبدًا ول مملوكة‬
‫لمكاتبه أو ولده‪.‬‬
‫وخامسها‪ :‬أن تكون المة مسلمة‪ ،‬وهذا الشرط مختص بالمسلم عام للحر وغيره‪ .‬أما نكاح الحر‬
‫ي الكتابـية فإنه يحل‪ ،‬وصورة‬ ‫المجوسي أو الوثني المة المجوسية أو الوثنية فهو كنكاح الكتابـ ّ‬
‫المسألة إذا طلبوا من قاضينا ذلك‪ ،‬وإل فنكاح الكفار محكوم بصحته‪) ،‬وحل لمسلم وطء الكتابـية(‬
‫بالملك ل الوثنية والمجوسية‪ ،‬لما قيل إنه ‪ :‬كان يطأ صفية وريحانة قبل إسلمهما‪ ،‬لكن المعتمد‬
‫ل بعد السلم‪.‬‬‫أنه لم يطأهما إ ّ‬
‫فصل في الصداق‬
‫وهو ما وجب بعقد في غير المفوضة أو وطء فيها‪ ،‬وفي وطء الشبهة والنكاح الفاسد أو بتفويت‬
‫بضع قهرًا كما لو أرضعت الكبرى الصغرى فيجب للصغرى على الزوج نصف المسمى إن كان‬
‫صحيحًا وإل فنصف مهر المثل‪ ،‬ويجب على الكبرى له نصف مهر مثلها وبرجوع شهود كما لو‬
‫شهدوا بطلق بائن أو رضاع محرم أو لعان ثم رجعوا عن ذلك فيلزمهم المهر كله للزوج ولو‬
‫قبل الوطء‪ ،‬فقد وجب المهر في هذه للرجل على الرجل‪ ،‬وفي التي قبلها للرجل على المرأة‪ ،‬وقد‬
‫يجب للمرأة على المرأة كما لو تزوج المملوك لمرأة بصغيرة وأرضعتها أمه أو زوجته فانه‬
‫ينفسخ نكاحه وتغرم أمه أو زوجته المهر لسيدته لنها المستحقة له‪ ،‬وقد يجب للمرأة على الرجل‬
‫وهو الصل فيه‪.‬‬
‫ن ذكر صداق في عقد( لنه ‪ :‬لم يخل نكاحًا منه ولنه أدفع للخصومة‪ ،‬نعم لو زوج عبده بأمته‬ ‫)س ّ‬
‫ولو كتابـية لم يسن ذكره إذ ل فائدة فيه‪ ،‬فالتسمية خلف الولى‪ ،‬وقد يجب ذكره لعارض لكن ل‬
‫يبطل العقد بتركه‪ ،‬وذلك بأن كانت المرأة غير جائزة التصرف أو مملوكة لغير جائز التصرف‪،‬‬
‫أو كانت جائزته وأذنت لوليها أن يزوجها ولم تفوض فزوجها هو أو وكيله أو كان الزوج غير‬
‫جائز التصرف وحصل التفاق في زواجه على أقل من مهر مثل الزوجة وهي بالغة رشيدة‪ ،‬وفي‬
‫الصور السابقة على أكثر منه‪ ،‬والزوج بالغ رشيد فتتعين التسمية في ذلك بما وقع التفاق عليه‪،‬‬
‫ول يجوز إخلؤه منه فلو لم يسم أثم وصح العقد بمهر المثل‪ ،‬وقد يحرم كما لو زوج محجورًا‬
‫ن أن ل ينقص المهر عن‬ ‫عليه بمن لم ترض إل بأكثر من مهر مثلها فيقبل الولي ساكتًا‪ ،‬ويس ّ‬
‫عشرة دراهم خالصة وترك المغالة فيه‪ ،‬وأن ل يزيد على خمسمائة درهم فضة خالصة‪ ،‬وأن‬
‫يكون من الفضة لقول سيدنا عمر ‪ :‬ل تغالوا بصداق النساء فإنها لو كانت أي هذه الخصلة مكرمة‬
‫في الدنيا أو تقوى عند ال كان أولى بها رسول ال ‪ .‬ويستحب أن ل يدخل بها حتى يدفع لها شيئًا‬
‫ل‪ ،‬إذ ل مانع من‬ ‫ل كله أو بعضه أو مؤج ً‬ ‫من الصداق خروجًا من خلف من أوجبه سواء كان حا ً‬
‫التعجيل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وما صح ثمنًا صح صداقًا( فتلغو تسمية غير متمول‪ ،‬وما ل يقابل متمول وتسمية جوهرة في‬
‫الذمة لمتناع السلم فيها )ولها( أي المالكة لمرها التي لم يدخل بها )حبس نفسها( للفرض‬
‫ل فلها الحبس )لتقبض( مهرًا ملكته بالنكاح )غير مؤجل( أي معينًا‬ ‫والقبض إن كانت مفوضة وإ ّ‬
‫ل فل حبس‬ ‫ل كله أو بعضه لدفع ضرر فوت بعضها بالتسليم فخرج ما لو كان المهر مؤج ً‬ ‫أو حا ً‬
‫لها‪ ،‬وإن حل الجل قبل تسليمها نفسها له لوجوب التسليم عليها قبل القبض لرضاها بالتأجيل فل‬
‫يرتفع بالحلول‪ ،‬وما لو زوج أم ولده فعتقت بموته أو أعتقها لنه ملك للوارث أو المعتق ل لها‪،‬‬
‫وما لو زوج أمة ثم أعتقها وأوصى لها بمهرها لنها إنما ملكته بالوصية ل بالنكاح ويحبس المة‬
‫سيدها المالك للمهر أو وليه والمحجورة وليها ما لم تكن المصلحة في التسليم‪.‬‬
‫)ولو أنكح( بكرًا )صغيرة( أو مجنونة أو سفيهة بدون مهر المثل )أو( أنكح )رشيدة بكرًا بل إذن(‬
‫له منها في النقص عن مهر المثل )بدون مهر مثل( بما ل يتسامح به فسد المسمى وصح النكاح‬
‫بمهر المثل لن فساد الصداق ل يفسده‪) .‬أو( قالت رشيدة لوليها غير المجبر‪ :‬زوجني و)عينت له‬
‫قدرًا( كألف )فنقص عنه( أو أطلقت له الذن بأن لم تتعرض فيه لمهر فنقص عن مهر مثل أو‬
‫زوجها بل مهر )صح( أي النكاح )بمهر مثل(‪ ،‬ولو توافق الزوج والولي أو الزوجة الرشيدة على‬
‫ل أو كثر اتحدت شهود السر‬ ‫مهر سرًا وأعلنوا زيادة وجب ما عقد به أّول‪ ،‬وإن تكرر عقد ق ّ‬
‫والعلن أم ل‪ ،‬لن المهر إنما يجب بالعقد فلم ينظر لغيره فالعقود إذا تكررت اعتبر الّول وحملوا‬
‫نص الشافعي في موضع على أن المهر مهر السر إذا تقدم‪ ،‬وفي موضع آخر على أنه مهر العلن‬
‫إن تقدم‪.‬‬
‫)وفي وطء نكاح فاسد( يجب )مهر مثل( لستيفائه منفعة البضع ويعتبر مهرها وقت الوطء لنه‬
‫وقت التلف‪ ،‬ولو تكرر وطء بشبهة واحدة فمهر واحد )ويتقرر كله( أي المهر )بموت( لحدهما‬
‫في نكاح صحيح قبل وطء لبقاء آثار النكاح بعده من التوارث وغيره‪ ،‬وقد ل يستقر بالموت فيما‬
‫لو قتلت أمة نفسها أو قتلها سيدها )أو وطء( بتغيـيب حشفة أو قدرها من فاقدها وإن لم تزل‬
‫البكارة سواء أوجب بنكاح أو فرض‪ ،‬وإن حرم الوطء كوطء حائض أو دبر ل باستدخال مني‬
‫وإزالة بكارة بغير ذكر‪ ،‬فإن طلقها بعد إزالة البكارة بغير آلة وجب لها الشطر دون أرش البكارة‬
‫فإن فسخ النكاح ولم يجب لها مهر وجب أرش البكارة )ويسقط( أي كل المهر )بفراق( منها في‬
‫الحياة )قبله( أي وطء في قبل أو دبر )كفسخها( بعيبه أو بإعساره أو بعتقها وكردتها أو إسلمها‬
‫أو إرضاعها له‪ ،‬أو لزوجة أخرى له أو ملكها له أو ارتضاعها كأن دبت وارتضعت من أمه‬
‫ل‪ ،‬أو بسبب فيها كفسخه بعيبها )ويتشطر( أي المهر )بطلق قبله( أي الوطء ولو خلعًا أو‬ ‫مث ً‬
‫رجعيًا بأن استدخلت ماءه المحترم‪ ،‬أو بإسلمه وحده وردته وحده أو معها ولعانه وإرضاع أمه‬
‫لها وهي صغيرة أو إرضاع أمها له وهو صغير وملكه لها سواء طلقها بنفسه أو فوض الطلق‬
‫إليها ففعلت أو علق طلقها بدخولها الدار ونحوها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وصدق نافي وطء( من الزوج بـيمينه لموافقته للصل فإن الصل عدم الوطء‪ ،‬ويتشطر المهر‬
‫ل إذا نكحها بشرط البكارة ثم قال‪ :‬وجدتها ثيبًا ولم أطأها فقالت‪ :‬بل زالت‬‫لن ذلك فائدة تصديقه إ ّ‬
‫بوطئك فتصدق الزوجة بـيمينها لدفع الفسخ )وإذا اختلفا( أي الزوجان )في قدره( أي مهر مسمى‬
‫كأن قالت‪ :‬نكحتني بألف فقال‪ :‬بخمسمائة )أو( في )صفته( كأن قالت‪ :‬بألف دينار فقال‪ :‬بألف‬
‫درهم‪ ،‬أو قالت‪ :‬بألف صحيحة فقال‪ :‬بألف مكسرة )ول بـينة( لواحد منهما أو لكل منهما بـينة‬
‫وتعارضتا )تحالفا( كما في البـيع ويبدأ هنا بالزوج لقوة جانبه ببقاء البضع له )ثم( بعد التحالف‬
‫)يفسخ( المهر )المسمى( بالبناء للمجهول أي يفسخه كلهما أو أحدهما أو الحاكم وينفذ الفسخ‬
‫ل ومن الكاذب بفسخ القاضي‪ ،‬ول ينفسخ‬ ‫باطنًا أيضًا من المحق فقط لمصيره بالتحالف مجهو ً‬
‫المسمى بنفس التحالف كالبـيع‪.‬‬
‫)ويجب مهر المثل( وإن زاد على ما ادعته الزوجة لن التحالف يوجب رد البضع وهو متعذر‬
‫فوجبت قيمته وهي مهر المثل وهو ما يرغب به عادة في مثلها نسبًا وصفة‪ ،‬وركنه العظم في‬
‫ن من نساء العصبة‪ ،‬فتقدم أخت لبوين‪ ،‬ثم إن فقدت أو جهل مهرها‬ ‫النسيبة نسب فيراعى أقربه ّ‬
‫أو كانت مفوضة ولم يفرض لها مهر مثل فأخت لب ثم بنات أخ وإن سفلن‪ .‬ثم عمات لبناته ّ‬
‫ن‬
‫لبوين‪ ،‬ثم لب‪ ،‬ثم بنات عم ثم بنات أولد عم وإن سفلن كذلك‪ ،‬فإن لم توجد نساء العصبة أو لم‬
‫ن وعفة‬ ‫ن فقرابات للم من جهة الب أو الم‪ ،‬ويعتبر مع ذلك س ّ‬ ‫ينكحن أو جهل نسبهن أو مهره ّ‬
‫وعقل وجمال ويسار‪ ،‬وفصاحة‪ ،‬وبكارة وثيوبة وكل ما اختلف به غرض من علم وشرف‪ ،‬وإنما‬
‫لم يعتبر نحو المال والجمال في الكفاءة لن مدارها على دفع العار‪ ،‬ومدار المهر على ما تختلف‬
‫ن بفضل بشيء مما ذكر أو بنقص بشيء من ضده زيد عليه أو‬ ‫به الرغبات‪ ،‬فإن اختصت عنه ّ‬
‫ي عفو عن مهر(‬ ‫نقص عنه لئق بالحال بحسب ما يراه قاض باجتهاده‪) .‬و( على الجديد )ليس لول ّ‬
‫كسائر ديونها وحقوقها‪ ،‬وعلى القديم له ذلك بشروط أن يكون الولي أبًا أو جّدا‪ ،‬وأن يكون قبل‬
‫الدخول‪ ،‬وأن تكون بكرًا صغيرة عاقلة‪ ،‬وأن يكون بعد الطلق‪ ،‬وأن يكون الصداق دينًا في ذمة‬
‫الزوج لم يقبض‪.‬‬
‫فصل في القسم والنشوز وعشرة النساء‬
‫ل أو‬‫ن لي ً‬
‫ن إماء هذا إن مكث في الحضر عند بعضه ّ‬ ‫)يجب قسم( بفتح فسكون )لزوجات( وإن ك ّ‬
‫ن‪ ،‬فلو تركه كان كبـيرة‪ ،‬ولو قام‬ ‫نهارًا‪ ،‬فيلزمه المكث مثل ذلك الزمن عند الباقيات تسوية بـينه ّ‬
‫ن عذر كمرض‪ ،‬وحيض‪ ،‬ورتق‪ ،‬وقرن‪ ،‬وإحرام‪ ،‬وجنون يؤمن منها‪ ،‬لن المقصود النس ل‬ ‫به ّ‬
‫ن النفقة )غير ناشزة( أي خارجة عن طاعته بأن تخرج بغير إذنه أو‬ ‫ل منه ّ‬
‫قكّ‬ ‫الوطء‪ ،‬وكما تستح ّ‬
‫تمنعه من التمتع بها‪ ،‬أو تغلق الباب في وجهه ولو مجنونة‪ ،‬أو تّدعي الطلق كذبًا‪ ،‬وغير معتّدة‬
‫عن وطء شبهة لحرمة الخلوة بها‪ ،‬وغير صغيرة ل تطيق الوطء‪ ،‬ومغصوبة ومحبوسة ولو‬
‫ظلمًا‪ ،‬أو حبسها الزوج لحقه عليها‪ ،‬وغير أمة لم يتّم تسليمها‪ ،‬ومسافرة بإذنه وحدها لحاجتها كما‬
‫ن عند استكمال النوبة لم يأثم لن المبـيت حقه‪،‬‬ ‫ن‪ .‬ولو أعرض عن الواحدة ابتداء أو عنه ّ‬ ‫ل نفقة له ّ‬
‫ب أن ل يعطل زوجته واحدة كانت أو أكثر من الجماع والمبـيت تحصينًا لها لئل‬ ‫ولكن يستح ّ‬
‫يؤّدي إلى فسادها أو إضرارها سيما إن كانت عنده سّرية جميلة آثرها عليها‪ ،‬ويستحب أن ل‬
‫ل أربع ليال اعتبارًا بمن له أربع زوجات‪.‬‬ ‫يخلي الزوجة عن ليلة من ك ّ‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وله( أي للزوج الذي عماده الليل )دخول في ليل على( زوجة )أخرى( أي غير صاحبة النوبة‬
‫)لضرورة( كمرضها المخوف ولو ظنًا وإن طالت مدته‪ ،‬وشّدة الطلق‪ ،‬وخوف النهب والحريق‪،‬‬
‫ق ذات النوبة‪) .‬و( لمن ذكر دخول )في نهار لحاجة(‬ ‫ويحرم ذلك لحاجة لما فيه من إبطال ح ّ‬
‫كوضع متاع وأخذه‪ ،‬وتسليم نفقة‪ ،‬وتعريف خبر‪ ،‬وله تمتع بغير وطء في دخوله في غير الصل‪،‬‬
‫أما بوطء فيحرم )بل إطالة( في المكث عرفًا على قدر الحاجة‪ ،‬فالطالة حرام على ما اعتمده ابن‬
‫حجر ‪ ،‬لن الزائد على الحاجة كابتداء دخول لغيرها وهو جائز لكنه خلف الولى على ما‬
‫اعتمده الرملي لوقوعه تابعًا‪ ،‬ويغتفر فيه ما ل يغتفر في غيره‪.‬‬
‫والحاصل أنه إذا دخل في الصل لضرورة وطال زمن الضرورة عرفًا أو أطاله فإنه يقضي‬
‫ل فل للمسامحة في القليل‪ ،‬وإن دخل في التابع لحاجة‬ ‫ق الدمي ل يسقط بالعذر‪ ،‬وإ ّ‬ ‫الجميع‪ ،‬لن ح ّ‬
‫ل نوب القسم‬‫وطال زمن الحاجة فل قضاء‪ ،‬وإن طال المكث فوق الحاجة قضى الزائد فقط‪ ،‬وأق ّ‬
‫ن‪،‬‬
‫ل برضاه ّ‬ ‫لمن ذكر ليلة ليلة‪ ،‬ولمن عماده النهار كالحارس نهار نهار فل يجوز تبعيضهما إ ّ‬
‫ن )وأكثره ثلث( فتحرم الزيادة عليها بغير‬ ‫وذلك أفضل من الزيادة عليه للتباع ولقرب زمنه به ّ‬
‫ن وإن تفّرقن في البلد لما فيها من الضرار باليحاش‪ ،‬فمن له زوجة بمكة وأخرى‬ ‫رضاه ّ‬
‫ن فإذا بات عند‬ ‫ن أكثر من ثلث عند عدم رضاه ّ‬ ‫ل امتنع عليه أن يبـيت عند إحداه ّ‬‫بالطائف مث ً‬
‫ل بعد أن يرجع إلى الخرى ويبـيت عندها ثلثًا‪ ،‬وكان‬ ‫ن ثلثًا امتنع عليه أن يبـيت عندها إ ّ‬
‫إحداه ّ‬
‫ن واجبة‪ ،‬لكن لحّرة‬ ‫ل‪ ،‬والتسوية بـينهما في قدر نوبه ّ‬‫قبل إمكان الرجوع إليها يبـيت في مسجد مث ً‬
‫ضعفا أمة تجب نفقتها ولو مبعضة‪ ،‬ومن عتقت قبل تمام نوبتها التحقت بالحرائر‪ ،‬فلو لم تعلم‬
‫ل بعد أدوار وهو يقسم لها قسم الماء لم يقض لها ما مضى فإن علم الزوج بالعتق وجب‬ ‫بالعتق إ ّ‬
‫عليه القضاء من وقت علمه بذلك لتعّديه حينئذ‪.‬‬
‫)ولجديدة بكر( أي حقيقة أو حكمًا كثيب بغير وطء كمرض ووثبة أو مخلوقة كذلك ولو أمة‬
‫وكافرة حرة )سبع( من الليالي مع أيامها ولء بل قضاء للباقيات )و( لجديدة )ثيب( بوطء حلل‬
‫ن تخيـير الثيب بـين ثلث بل قضاء وسبع بقضاء‪ ،‬وكيفية‬ ‫أو حرام )ثلث( ولء بلء قضاء‪ ،‬ويس ّ‬
‫ن ويدور‪ ،‬فالليلة التي تخصها يبـيتها عند واحدة من الباقيات بالقرعة أيضًا‪،‬‬ ‫القضاء أن يقرع بـينه ّ‬
‫وفي الدور الثاني يبـيت عند واحدة أخرى بالقرعة أيضًا‪ ،‬وفي الدور الثالث تتعين الليلة للثالثة‪،‬‬
‫ل واحدة ليلة‪ ،‬وهكذا يفعل في بقية الدوار إلى أن تتّم السبع لكل‬ ‫صكّ‬ ‫ل اثنتي عشرة ليلة يخ ّ‬ ‫ففي ك ّ‬
‫واحدة‪ ،‬وتمامها من أربع وثمانين ليلة )وهجر( ندبًا )مضجعًا( أي وطأ أو فراشًا )وضربها( إن‬
‫شاء بشرط أن يعلم إفادة الضرب ولو بسوط أو عصا‪ ،‬ول يجوز ضرب مدم أو مبرح ول على‬
‫وجه وإن لم يؤذ أو مهلك )بنشوز( أي بسبب تحققه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أنه إن أظهر أمارة نشورها‪ :‬كخشونة جواب بعدلين‪ ،‬وتعبـيس بعد طلقة‪ ،‬وإعراض‬
‫بعد إقبال حذرها ندبًا عقاب الدنيا بالضرب وسقوط المؤن والقسم‪ ،‬وعقاب الخرة بعذاب النار‪،‬‬
‫وينبغي أن يذكر لها خبر الصحيحين‪» :‬إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملئكة حتى‬
‫ض عنها دخلت الجنة« ‪ .‬وذلك بل هجر‬ ‫تصبح« ‪ .‬وخبر الترمذي‪» :‬أيما امرأة باتت وزوجها را ٍ‬
‫ل لعذر شرعي ول ضرب فلعلها‬ ‫في الكلم‪ ،‬فيحرم الهجر فيه فوق ثلثة أيام ولو لغير الزوجين إ ّ‬
‫تبدي عذرًا أو تتوب عما وقع منها بغير عذر‪ .‬أما الهجر في الفراش فإذا لم يتحقق النشوز جاز‬
‫ل حرم‪ ،‬وإن تحقق النشوز كمنع تمتع‬ ‫لنه حقه‪ ،‬هذا إذا لم يفوت حقًا لها من قسم أو غيره وإ ّ‬
‫ق الواجب لي عليك‪ ،‬واحذري العقوبة‪،‬‬ ‫وخروج بغير عذر وعظها كأن يقول لها‪ :‬اتق ال في الح ّ‬
‫ويبـين لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم كما مّر وهجرها ندبًا في الوطء أو الفراش وضربها‪،‬‬
‫ي فالولى له عدم العفو‬
‫ي الصبـ ّ‬
‫وإن لم يتكّرر النشوز إن أفاد الضرب‪ ،‬والولى العفو‪ ،‬بخلف ول ّ‬
‫لن ضربه للتأديب مصلحة له‪ ،‬وضرب الزوج زوجته مصلحة لنفسه‪ ،‬ولو اّدعى أن سبب‬
‫الضرب النشوز وأنكرت صدق بـيمينه حيث لم تعلم جراءته واستهتاره وحينئذ وإل لم يصدق إل‬
‫ل تصديق الرجل بـيمينه‬ ‫ببـينة‪ ،‬فإن لم يقمها صدقت في أنه تعّدى بضربها فيعزره القاضي‪ ،‬فمح ّ‬
‫بالنسبة لسقوط التعزير‪ ،‬أما بالنسبة لسقوط شيء من حق المرأة فل‪ ،‬وإن اّدعى كل من الزوجين‬
‫تعّدى الخر عليه واشتبه الحال على القاضي‪ ،‬بعث القاضي وجوبًا حكمين برضاهما يبعثهما‬
‫لينظرا في أمرهما‪ .‬ثم يفعلن المصلحة بـينهما من إصلح إن سهل‪ ،‬وتفريق بطلقة فقط إن عسر‬
‫الصلح‪ ،‬فإن اختلف رأى الحكمين بعث القاضي آخرين ليجتمعا على شيء‪ ،‬ول يجوز لوكيل‬
‫في طلق أن يخالع‪ ،‬ول لوكيل في خلع أن يطلق مجانًا‪.‬‬
‫فصل في الخلع‬
‫بضم الخاء مأخوذة من الخلع بفتحها‪ :‬وهو النزع‪ ،‬والدليل عليه قوله تعالى‪} :‬فل جناح عليهما‬
‫فيما افتدت به{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ .(229‬وقوله لثابت بن قيس‪» :‬اقبل الحديقة وطلقها تطليقة«‬
‫ن ثابت‬‫وسببه أن امرأة ثابت‪ :‬حبـيبة بنت سهل النصارية جاءت للنبـي ‪ ،‬فقالت يا رسول ال‪ :‬إ ّ‬
‫بن قيس ما أنقم عليه في خلق ول دين ولكن أكره الكفر في السلم‪ :‬أي كفر النعمة‪ :‬أي أن يكون‬
‫ي‪ ،‬فقال‪ :‬أترّدين عليه حديقته‪ :‬أي بستانه الذي أصدقه لك؟ فقالت نعم‪ ،‬فقال ‪» :‬اقبل‬ ‫للزوج منة عل ّ‬
‫الحديقة وطلقها تطليقة« ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ح طلقه )بعوض( مقصود كميتة وقود لها عليه راجع )لزوج( أي‬ ‫)الخلع‪ :‬فرقة( من زوج يص ّ‬
‫لجهة زوج وحده‪ ،‬أو مع الجنبـي‪ ،‬فلو قال‪ :‬إن أبرأتني وفلنًا فأنت طالق فأبرأتهما وقع الطلق‬
‫بائنًا‪ ،‬وحصلت البراءة لكل منهما نظرًا لجهة الزوج )بلفظ طلق( أي بلفظ محصل لطلق‬
‫ل مع ذكر المال‪ ،‬أو نيته سواء أضمر‬ ‫صريح أو كناية )أو( بلفظ )خلع( ول يكون صريحًا إ ّ‬
‫التماس قبولها فقبلت أم ل‪ .‬ثم إن ذكر المال بانت به‪ ،‬وإن نواه فإن توافقا في النية وقبلت وجب‬
‫المسمى أيضًا وإن اختلفا فيها وجب مهل المثل‪ ،‬ومن الخلع لفظ المفاداة كقوله‪ :‬افتدى مني أو‬
‫فاديتك )فلو جرى( أي الخلع مع الزوجة )بل عوض بنية التماس قبول فمهر مثل(‪ .‬والحاصل أنه‬
‫إن وقع الخلع ولم يذكر المال ولم ينو كان كناية إن لم ينو به الطلق لم يقع شيء‪ ،‬وإن نواه به فإن‬
‫ل فل وقوع‪.‬‬‫لم يضمر التماس قبولها وقع رجعيًا وإن أضمره‪ ،‬فإن قبلت بانت بمهر المثل وإ ّ‬
‫والحاصل أن المعتمد أنه إن صرح بالعوض أو نواه وقبلت بانت‪ ،‬وإن عرى عن ذلك ونوى‬
‫الطلق فإن أضمر التماس قبولها وقبلت وهي رشيدة بانت بمهر المثل‪ ،‬وإن لم يضمر أو لم تكن‬
‫ل لم يقع عليه شيء كما لو لم ينو الطلق‪ ،‬فعلم أنه عند‬ ‫رشيدة وقع رجعيًا إن قبلت في الثاني‪ ،‬وإ ّ‬
‫ذكر المال أو نيته صريح ول بد فيه من القبول‪ ،‬وعند عدم ذلك كناية‪ ،‬وإن أضمر التماس قبولها‬
‫وقبلت‪ ،‬وإن جرى مع أجنبـي مع السكوت وأضمر التماس قبوله وقع رجعيًا ول مال كما لو كان‬
‫معه والعوض فاسد‪ ،‬أو ذكر العوض ونوى الطلق وقع بائنًا به‪ ،‬أو نواه فمهر المثل أو نفاه فقال‪:‬‬
‫خالعتك بل عوض ونوى الطلق وقع رجعيًا‪.‬‬
‫)وإذا بدأ( أي الزوج )بـ(ـصيغة )معاوضة كـ(ـقوله‪) :‬طلقتك( أو خالعتك )بألف فمعاوضة( أي‬
‫فهو عقد معاوضة بشوب تعليق لخذه عوضًا في مقابلة البضع المستحق له ولتوقف وقوع‬
‫الطلق في ذلك على قبول المال )فله رجوع قبل قبولها( كما هو شأن المعاوضات )وشرط‬
‫قبولها( أي المختلعة الناطقة )فورًا( أي من غير انفصال بكلم أجنبـي طويل أو بسكوت كذلك‬
‫بلفظ‪ :‬كقبلت‪ ،‬أو اختلعت‪ ،‬أو ضمنت‪ ،‬أو بفعل كإعطائه اللف على المعتمد أو بإشارة خرساء‬
‫ي وقت )أعطيتني‬ ‫مفهمة )أو بدأ( أي الزوج )بـ(ـصيغة )تعليق( في إثبات )كـ(ـقوله‪) :‬متى( أو أ ّ‬
‫كذا فأنت طالق فتعليق( من جانبه فيه شوب معاوضة )فل رجوع له( قبل العطاء‪ ،‬ول طلق‬
‫قبل تحقق الصفة‪ ،‬ول يبطل بطرّو جنونه عقبه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل( لفظًا لعدم اقتضاء الصيغة ذلك )ول إعطاء فورًا( لذلك‪ .‬أما في النفي‪ :‬كمتى لم‬ ‫)ول يشترط قبو ٌ‬
‫تعطني ألفًا فأنت طالق فللفور‪ ،‬فإذا مضى زمن يمكن فيه العطاء ولم تعط طلقت‪ ،‬وإن بدأت‬
‫ي كذا فأجابها الزوج‬
‫الزوجة بطلب طلق كطلقني بكذا أو إن أو إذا أو متى طلقتني فلك عل ّ‬
‫فمعاوضة من جانبها معه شوب جعالة فلها الرجوع قبل جوابه‪ .‬ويشترط فور لجوابه في مجلس‬
‫التواجب نظرًا لجانب المعاوضة‪) .‬وشرط فور في إن أعطيتني(‪ .‬والحاصل أن أدوات التعليق ل‬
‫يقتضين بالوضع فورًا في المعلق عليه في مثبت‪ :‬كالدخول إن لم يكن عوض ول تعليق بمشيئتها‪،‬‬
‫أما مع العوض فيشترط الفور في بعضها كإن وإذا ولو ونحوها من كل أداة ل إشعار لها بالزمان‬
‫ي ونحوهما من كل أداة تشعر بالزمان وكذا مع‬ ‫نحو‪ :‬إن ضمنت أو أعطيت بخلف نحو‪ :‬متى وأ ّ‬
‫التعليق بمشيئتها خطابًا بأن وإذا ونحوهما كان شئت فأنت طالق‪ ،‬بخلف ما لو قال إن شاءت‬
‫ل في إن‪ ،‬فلو قال‪ :‬إن لم تدخلي الدار فأنت طالق لم‬ ‫فلنة فل فور‪ ،‬أما في منفي فيقتضين الفور إ ّ‬
‫ل باليأس من الدخول كأن مات أو ماتت قبله فيحكم بالوقوع قبـيل موته أو موتها بما‬ ‫يقع الطلق إ ّ‬
‫يسع الدخول‪ ،‬وفائدة ذلك الرث والعّدة فإن كانت بائنًا لم يرثها ول ترثه فإذا مات هو ابتدأت‬
‫العّدة قبـيل موته بزمن ل يسع الدخول وتعتّد عّدة طلق ل وفاة‪ ،‬ونظم بعضهم قاعدة الدوات من‬
‫بحر الخفيف بقوله‪:‬‬
‫أدوات التعليق في النفي للفو‬
‫ر سوى إن وفي الثبوت رأوها‬
‫للتراخي إل إذا إن مع الما‬
‫ل وشئت وكلما كّرروها‬
‫فلو قال‪ :‬وتحته نسوة أربع كلما طلقت واحدة من نسائي فعبد من عبـيدي حّر‪ ،‬وكلما طلقت ثنتين‬
‫فعبدان حّران‪ ،‬وكلما طلقت ثلثًا فثلثة أحرار‪ ،‬وكلما طلقت أربعًا فأربعة أحرار‪ ،‬فطلق أربعًا‬
‫ل من الربع‬ ‫نك ً‬ ‫ن صفة الواحدة تكررت أربع مرات ل ّ‬ ‫معًا أو مرتبًا عتق خمسة عشر عبدًا‪ ،‬ل ّ‬
‫ن ما عّد باعتبار ل يعّد ثانيًا بذلك العتبار‪،‬‬
‫ل مرتين ل ّ‬
‫واحدة في نفسها‪ ،‬وصفة الثنتين لم تذكر إ ّ‬
‫فالثانية عّدة ثانية‪ ،‬لنضمامها للولى‪ ،‬فل تعّد الثالثة ثانية لنضمامها للثانية بخلف الرابعة فإنها‬
‫ن كلما ل يحتاج‬‫ثانية بالنسبة للثالثة ولم تعد قبل ذلك كذلك‪ ،‬وثلثة وأربعة لم تتكرر وبهذا اتضح أ ّ‬
‫ل في التعليقين الّولين لنهما المتكرران فقط فإن أتى بها في الّول فقط أو مع الخيرين‬ ‫إليها إ ّ‬
‫فثلثة عشر وفي الثاني وحده أو معهما فاثنا عشر‪.‬‬
‫فصل في الطلق‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وهو حل عقد النكاح بلفظ طلق ونحوه وتعتريه الحكام الخمسة فيكون واجبًا كطلق المولي‬
‫والحكمين في الشقاق‪ ،‬ويكون حرامًا كالبدعي وهو طلق مدخول بها في حيض بل عوض منها‪،‬‬
‫أو في طهر جامعها فيه وكطلق من لم يستوف قسمها‪ ،‬وكطلق المريض بقصد حرمان الزوجة‬
‫من الرث‪ ،‬ويكون مندوبًا كطلق العاجز عن القيام بحقوق الزوجية‪ ،‬أو من ل يميل إليها بالكلية‬
‫ل كان الطلق‬ ‫ويأمره أحد البوين لغير تعنت‪ ،‬أو تكون غير عفيفة ما لم يخش فجور غيره بها وإ ّ‬
‫مباحًا لن في إبقائها صونًا لها‪ ،‬وإن علم ذلك لو طلقها وانتفاءه عنها ما دامت في عصمته حرم‬
‫طلقها إن لم يتأذ ببقائها تأذيًا ل يحتمل عادة‪ ،‬ومن المندوب طلق سيئة الخلق بحيث ل يصبر‬
‫على عشرتها بأن يحصل له منها مشقة ل تحتمل عادة ل مطلقًا‪ ،‬لن سوء الخلق غالب في النساء‬
‫كما أشار إليه قوله ‪» :‬المرأة الصالحة في النساء كالغراب العصم« وهو كناية عن ندرة وجودها‬
‫إذ العصم وهو أبـيض الجناحين أو الرجلين أو إحداهما كذلك‪ ،‬ويكون مكروهًا كطلق مستقيمة‬
‫الحال لقوله ‪» :‬أبغض الحلل إلى ال الطلق« وذلك لما فيه من قاطع النسل الذي هو المقصود‬
‫العظم من النكاح ولما فيه من إيذاء الزوجة وأهلها وأولدها إن كان لها أولد‪ ،‬ومعنى البغض‬
‫الكراهة وعدم الرضا وذلك صادق بالمكروه‪ ،‬ول ينافي ذلك وصفه بالحل لنه يراد به الجائز‪،‬‬
‫ويكون مباحًا كطلق من ل يشتهيها شهوة كاملة ول تسمح نفسه بمؤنتها من غير تمتع بها‪.‬‬
‫)يقع لغير بائن طلق( زوج )مكلف( بالتنجيز أو التعليق‪ .‬أما وكيل الزوج أو الحاكم في المولى‬
‫ي ومجنون ومغمى عليه‬ ‫فل يصح منهما تعليق الطلق ول يصح تعليق ول تنجيز من نحو صبـ ّ‬
‫ونائم وإن عصى بالنوم‪) .‬و( طلق )متعّد بكسر( وهو كل من زال عقله بما أثم به من نحو‬
‫شراب أو دواء )ل( يقع طلق )مكروه بمحذور( بما يناسب حاله ويختلف المحذور باختلف‬
‫طبقات الناس وأحوالهم حتى إن الضرب اليسير بحضرة الملء إكراه في حق ذوي المروءات‪ ،‬ل‬
‫في حق غيرهم‪ ،‬وأن الستخفاف في حق الوجيه إكراه‪ ،‬وأن الشتم في حق أهل المروءات إكراه‪.‬‬
‫والضابط أن كل ما يسهل فعله على المكره ـ بفتح الراء ـ ليس إكراهًا وعكسه إكراه‪ ،‬وليس من‬
‫الكراه قول شخص‪ :‬طلق زوجتك وإل قتلت نفسي ما لم يكن نحو فرع أو أصل ويقع طلق من‬
‫ذكر )بمشتق طلق وفراق وسراح( بفتح السين لشتهار هذه اللفاظ في معنى الطلق الذي هو‬
‫ل كقوله‪ :‬يلزمني‬ ‫ل العصمة‪ .‬أما المصادر فكنايات إن وقعت خبرًا كأنت طلق‪ ،‬فإن وقعت فاع ً‬ ‫حّ‬
‫ي الطلق كانت من الصريح‬ ‫ل كأوقعت طلق فلنة أو مبتدأ كقوله‪ :‬عل ّ‬ ‫الطلق أو مفعو ً‬
‫)وترجمته( أي ويقع الطلق بترجمة مشتق ما ذكر ولو ممن أحسن العربـية فترجمة الطلق‬
‫صريح على المذهب‪ ،‬لشهرة استعمالها عند أهلها شهرة استعمال العربـية عند أهلها‪ .‬والطريق‬
‫الثاني أنها كناية اقتصارًا في الصريح على العربـي‪ ،‬أما ترجمة الفراق والسراح فكناية على‬
‫المعتمد‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫)و( بقوله‪ :‬طلقت بعد أن قيل له طلقها‪ ،‬وبقول الزوجة طلقت أيضًا بعد قول زوجها‪ :‬طلقي نفسك‪،‬‬
‫وبقوله‪) :‬أعطيت طلقك وأوقعت عليك الطلق( ول يفتقد وقوع الطلق بصريحه إلى نية إيقاعه‪،‬‬
‫أما نية قصد الطلق لمعناه‪ :‬أي استعمال لفظ الطلق في حل العصمة فل بد منها إن كان هناك‬
‫صارف في كل من الصريح والكناية إل في المكره عليه‪ ،‬فإنه يحتاج إلى قصد اليقاع‪ ،‬وقصد‬
‫اللفظ لمعناه فصريحه كناية‪ ،‬ولو قال‪ :‬ما كدت أن أطلقك لم يكن إقرارًا بالطلق لن معناه ما‬
‫بقارت أن أطلقك‪ ،‬وإذا لم يقارب طلقها كيف يكون مقرًا به‪ ،‬وإنما يكون إقرارًا بالطلق على‬
‫ن نفي كاد إثبات أو رعاية العرف‪ ،‬فإن أهله يفهمون من ذلك القول الثبات‪،‬‬ ‫قول من يقول‪ :‬إ ّ‬
‫والصحيح أن كاد كسائر الفعال فنفيه ليس إثباتًا ول ينافي قوله تعالى‪} :‬وما كادوا يفعلون{ ))‪(2‬‬
‫البقرة‪ :‬الية ‪ (71‬قوله تعالى‪} :‬فذبحوها{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ (71‬لختلف وقتيهما إذ المعنى‬
‫أنهم ما كادوا أن يفعلوا حتى انتهت مقالتهم وانقطعت تعللتهم ففعلوا كالمضطر الملجأ إلى‬
‫الفعل‪ ،‬ولو قال‪ :‬طلقك ال وقع الطلق لنه صريح‪ ،‬بخلف ما لو قال‪ :‬باعك ال فإنه كناية لن‬
‫الصيغ في نحو طلقك ال قوية لستقللها بالمقصود لعدم توقفها على شيء آخر‪ ،‬بخلف صيغة‬
‫البـيع فإنها غير مستقلة بالمقصود لتوقفها على القبول‪ .‬والقاعدة أن كل ما يستقل به الشخص إذا‬
‫أضافه إلى ال كان صريحًا‪ ،‬وكل ما ل يستقل به إذا أضافه إلى ال كان كناية‪ ،‬وقد نظم بعضهم‬
‫هذه القاعدة من الرجز بقوله‪:‬‬
‫ما فيه الستقلل بالنشاء‬
‫وكان مسندًا لذي اللء‬
‫فهو صريح ضّده كنايه‬
‫فكن لذا الضابط ذا درايه‬
‫ونعم صريح في الطلق في جواب من قال له‪ :‬أطلقت زوجتك‪ ،‬فإن أراد القائل طلب إنشاء‬
‫الطلق من المطلق فنعم بمنزلة قوله‪ :‬هي طالق فتتوقف صراحته على نية السائل‪ ،‬وبذلك يلغز‬
‫فيقال لنا‪ :‬لفظ من شخص تتوقف صراحته على نية غيره‪ ،‬ولو اختلفا في القصد فالعبرة بقصد‬
‫ن‪ ،‬فلو قصد السائل بقوله‪ :‬أطلقت زوجتك‬ ‫السائل على المعتمد‪ ،‬هذا إن لم يوجد عند الزوج ظ ّ‬
‫ن ذلك ول عبرة‬ ‫ن الزوج وقبلت دعواه أنه ظ ّ‬
‫النشاء فظنه الزوج مستخبرًا أو بالعكس اعتبر ظ ّ‬
‫بقصد السائل حينئذ‪ ،‬وإن أراد القائل الستخبار فنعم إقرار سابق‪ ،‬فإن كان المسؤول كاذباً فهي‬
‫زوجته في الباطن‪ ،‬ويفرق بـينهما ظاهرًا‪ ،‬فإن قال‪ :‬أردت طلقًا ماضيًا وبانت وجّددت نكاحها‬
‫صدق ظاهرًا إن عرف ذلك وإل فل‪ ،‬وإن قال‪ :‬أردت طلقًا ماضيًا وراجعت بعده صدق بـيمينه‬
‫لحتمال اللفظ له‪ ،‬وإن جهل مراد القائل لعدم معرفته ذلك أو لموت أو سفر فيحمل على‬
‫الستخبار‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( يقع الطلق )بكناية( وهي ما احتمل الطلق وغيره )مع نية( ليقاع الطلق )مقترنة بأّولها(‬
‫والمعتمد أنه يكفي اقترانها بأي جزء من الول أو الخر أو الوسط‪ ،‬وشرط وقوع الطلق‬
‫بصريح أو كناية رفع صوته بحيث يسمع نفسه لو كان صحيح السمع ول عارض‪ ،‬ول يقع بغير‬
‫ي بحيث ل يسمع به نفسه‪ ،‬ويعتمد بإشارة أخرس‪ ،‬سواء كان خرسه عارضًا‬ ‫لفظ ول بصوت خف ّ‬
‫أو أصليًا وإن قدر على الكتابة في طلق وغيره إل في الصلة فل تبطل بها ول في أداء الشهادة‬
‫فل يصح بها‪ ،‬أما تحملها فيصح من الخرس ول في حنث فل يحصل بها في الحلف على عدم‬
‫الكلم‪ ،‬ونظم بعضهم هذه المستثنيات الثلثة بقوله‪:‬‬
‫إشارة الخرس مثل نطقه‬
‫فيما عدا ثلثة لصدقه‬
‫في الحنث والصلة والشهاده‬
‫تلك ثلثة بل زياده‬
‫ي حرام( أي محّرمة ممنوعة للفرقة‪ ،‬ومثله ما لو زاد‬ ‫وكناية الطلق ألفاظ ل تنحصر )كأنت عل ّ‬
‫على ذلك ألفاظًا تؤكد بعده عنها‪ :‬كأنت حرام‪ ،‬كالخنزير أو كالميتة وغيرهما كما اشتهر من قول‬
‫ي لبن أمي‪ ،‬ومن قولهم‪ :‬إن أتيتك أتيت مثل أمي وأختي أو مثل‬ ‫العامة‪ :‬أنت حرام كما حّرم عل ّ‬
‫الزاني‪ ،‬فإن نوى بذلك طلقًا وقع‪ ،‬وإل بأن نوى تحريم عينها أو نحوها كوطئها أو فرجها أو‬
‫ل ولو لم يطأها‪ ،‬وإن‬ ‫رأسها‪ ،‬أو أطلق بأن لم ينو شيئًا لم يقع شيء وعليه كفارة يمين‪ :‬أي مثلها حا ً‬
‫قال ذلك أبدًا )و( أنت )خلية( أي خالية مني )وبائن( بدون تاء مربوطة وهي اللغة الفصحى‪،‬‬
‫ل لفظ للعتاق‬ ‫والقليل بائنة‪ :‬أي مفارقة أو بعيدة لبعد مكانها عنه حال المخاطبة )وحّرة( فك ّ‬
‫ل لفظ للطلق صريح أو كناية فهو كناية إعتاق لدللة ك ّ‬
‫ل‬ ‫صريح أو كناية فهو كناية طلق‪ ،‬وك ّ‬
‫منهما على إزالة ما يملكه‪.‬‬
‫ل من كناية الطلق والظهار يكون كناية في الخر لن ألفاظ كناية‬ ‫)و( أنت )كأمي ويا بنتي( فك ّ‬
‫ل منهما من الشعار بالبعد عن‬ ‫الطلق حيث احتملته احتملت الظهار أيضًا‪ ،‬وكذا عكسه لما في ك ّ‬
‫ل ونوى طلقًا أو‬ ‫ل من الطلق والظهار‪ ،‬ولو قال لزوجته‪ :‬حرمتك مث ً‬ ‫المرأة‪ .‬والبعد يكون بك ّ‬
‫ظهارًا وقع المنوي أو نواهما تخير وثبت ما اختاره منهما‪ ،‬ول يثبتان جميعًا لن الطلق يرفع‬
‫ل فل تحريم عليه وعليه كفارة يمين‪) .‬وأعتقتك( فلو قال لزوجته ذلك أو‬ ‫النكاح والظهار يثبته‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل ملك لي عليك ونوى الطلق طلقت أو قال لعبده‪ :‬طلقتك أو ابنتك ونوى العتق عتق‪) .‬وتركتك‬
‫ي الزوجة زوجنيها فذلك كناية في القرار بالطلق‪ ،‬ثم‬ ‫وأزلتك وتزّوجي( ومثله قول الزوج لول ّ‬
‫إن كان كاذبًا آخذناه به ظاهرًا ولم نحرم باطنًا‪ ،‬وهذا بخلف كناية الطلق فإنه إذا نواه حرمت به‬
‫ظاهرًا وباطنًا‪ ،‬ولو قال لوليها زّوجها فإنه إقرار بالطلق وبانقضاء العّدة إن لم تكذبه‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل‬
‫لزمتها العّدة مؤاخذة لها بإقرارها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)واعتدي( استبرئي رحمك‪ :‬أي لني طلقتك سواء في ذلك المدخول بها وغيرها )وخذي طلقك(‬
‫وذوقي‪ :‬أي مرارة الفراق )ول حاجة لي فيك( أي لني طلقتك‪ .‬أنت وشأنك‪ .‬أنت ولية نفسك‪،‬‬
‫وسلم عليك‪ ،‬وكلي واشربـي‪ ،‬وإنما كان هذا كناية لنه يحتمل كلي ألم الفراق واشربـي شرابه‪،‬‬
‫أو كلي واشربـي من كيسك لني طلقتك )وذهب طلقك أو سقط طلقك وطلقك واحد ل( يقع‬
‫الطلق بقوله‪) :‬طلقك عيب ول قلت كلمتك أو حكمك( وإن نوى بذلك الطلق لنها ليست من‬
‫الكنايات )وصّدق منكر نية بـيمينه( فلو اّدعت زوجته أنه نوى وأنكر صدق بـيمينه‪ ،‬فإن نكل‬
‫حلفت وحكم بالطلق فربما اعتمدت على قرائن منه تجوز الحلف‪ ،‬ولو قال لزوجته‪ :‬إن كان‬
‫الطلق بـيدك طلقيني‪ ،‬فقالت‪ :‬أنت طالق فليس صريحًا ول كناية لن العصمة بـيده فل تملكها هي‬
‫بقوله ذلك‪ ،‬ولو قال لزوجته‪ :‬إن قبلت ضّرتك فأنت طالق فقبلها بعد موتها لم تطلق لنه ل شهوة‬
‫بعد الموت‪ ،‬بخلف تعليقه بتقبـيل أمه فإنها تطلق بتقبـيله لها ميتة لنه للشفقة والكرام‪ ،‬ولو قال‬
‫لزوجته‪ :‬أنت طالق كلما حللت حرمت وقعت عليه طلقة‪ ،‬فلو راجعها في العّدة وقعت عليه الطلقة‬
‫الثانية‪ ،‬فلو راجعها وقعت عليه الثالثة وبانت سنة البـينونة الكبرى‪ ،‬والمخلص له الصبر من غير‬
‫مراجعة إلى انقضاء العّدة ثم يعقد عليها‪.‬‬
‫)ولو قال طلقتك( أو أنت طالق أو نحو ذلك من سائر الصرائح والكنايات )والنوى عددًا( ثنتين أو‬
‫ثلثًا )وقع منوي( ولو في غير موطوءة‪ ،‬لن اللفظ لما احتمله كان كناية فيه فوقع قطعًا‪ ،‬وبذلك‬
‫ل على الرفع ل‬ ‫فارق ما لو نوى الستثناء فقط حيث يلغو لنه قصد رفع الطلق ثم من غير ما يد ّ‬
‫صريحًا ول كناية‪ ،‬ولو نوى عددًا بصريح كأنت طالق واحدة بالنصب على الحالية من المبتدأ أو‬
‫ل للتوحيد‬
‫بالرفع على أنه خبر بعد خبر أو بالسكون أو بكناية كانت واحدة كذلك وقع المنوي حم ً‬
‫على التفّرد عن الزوج بالعدد المنوي‪ ،‬ولو قال لزوجته‪ :‬أنت طالق وأشار بأصبعين أو غيرهما‬
‫ل على عدد كعودين لم يقع عدد أكثر من واحدة إل بنية عند قوله‪ :‬طالق ول تكفي الشارة‬ ‫مما د ّ‬
‫لن الطلق ل يتعّدد إل بلفظ أو نية ولم يوجد واحد منهما‪) .‬ويقع طلق الوكيل بـ(ـقوله )طلقت(‬
‫فلنة ونحوه )ولو( فّوض طلقها لجنبـي كأن )قال لخر أعطيت( أو جعلت بـيدك )طلق‬
‫زوجتي فتوكيل( فل يشترط القبول‪ ،‬بل الشرط عدم الرّد فله الرجوع عن التفويض قبل الفراغ من‬
‫ل من التمليك والتوكيل يجوز لموجبه الرجوع قبل قبوله‪ ،‬ويزيد التوكيل بجواز‬‫تطليقها‪ ،‬لن ك ً‬
‫ذلك بعد القبول أيضًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ولو قال لها( أي الزوجة المكلفة ل غيرها )طلقي نفسك إن شئت فتمليك( للطلق )فيشترط(‬
‫لوقوع ذلك الطلق )تطليقها فورًا بطلقت( ول يكفي بقولها‪ :‬قبلت لن تطليقها وقع جواب التمليك‬
‫فكان كقبوله وقبوله فوري‪ ،‬فإن أخرت التطليق بقدر ما ينقطع به القبول عن اليجاب ثم طلقت لم‬
‫يقع‪ .‬نعم لو قال طلقي نفسك فقالت‪ :‬كيف يكون تطليقي لنفسي ثم قالت‪ :‬طلقت وقع الطلق لنه‬
‫فصل يسير‪ ،‬ول يضّر اليسير ولو أجنبـيًا كالخلع على ما اعتمده الكليلن‪ ،‬ومحل اشتراط‬
‫الفورية ما لم يعلق بمتى شئت‪ ،‬فإن علق بها لم يشترط فور وإن اقتضى التمليك اشتراطه على ما‬
‫اعتمده جمع خلفًا لبن حجر )وصدق مّدعي إكراه( على الطلق )أو إغماء( وقت التلفظ‬
‫ل فل( يصدق إ ّ‬
‫ل‬ ‫بالطلق )أو سبق لسان بـيمينه إن كان ثم قرينة( تدل على صدق دعواه )وإ ّ‬
‫بالبـينة‪ :‬أي ل يصدق ظاهرًا في دعواه ما يمنع الطلق إل بقرينة كقوله لمن اسمها‪ :‬طالق يا‬
‫طالق‪ ،‬ولم يقصد طلقًا فل تطلق‪ ،‬فإن قصد الطلق طلقت‪ ،‬وإن قصد النداء والطلق وقع‪ ،‬أما‬
‫باطنًا فينفعه مطلقًا‪ :‬أي سواء كان هناك قرينة أم ل‪.‬‬
‫ل طلقتان‪ ،‬فمن طلق زوجته ولم يستكمل ما يملكه‬ ‫ق وإن ق ّ‬ ‫فرع‪ :‬لحّر طلقات ثلث ولمن فيه ر ّ‬
‫وراجعها أو جّدد نكاحها عادت له ببقية ماله ولو بعد زوج آخر سواء دخل بها أو لم يدخل كما لو‬
‫ل ما يملكه وتحللت عادت بما يملكه أيضًا‪ ،‬فإن كان المر‬ ‫ل‪ ،‬فإن استكمل ك ّ‬
‫لم تتزّوج بغيره أص ً‬
‫كذلك )حرم لحّر( أي لكامل الحرية )من طلقها ثلثًا( سواء كانت حّرة أم غيرها‪) ،‬ولعبد( أي من‬
‫ل )من طلقها ثنتين( سواء كانت أمة أو حّرة قبل الدخول أو بعده في نكاح أو أنكحة‬ ‫ق وإن ق ّ‬
‫فيه ر ّ‬
‫)حتى( يوجد شروط‪ :‬الّول‪ :‬أن تنقضي عّدة المدخول بها من المطلق‪.‬‬
‫ل )غيره( أي المطلق ولو عبدًا مكلفًا أو مجنونًا‪ .‬قال عبد‬ ‫والثاني‪ :‬أن )تنكح( نكاحًا صحيحًا رج ً‬
‫ي حّر يمكن وطؤه وفي تزويجه مصلحة ل رقيق اهـ‪.‬‬ ‫ال النبراوي ‪ :‬ومثل العبد والمجنون صبـ ّ‬
‫فل يحلل الوطء في النكاح الفاسد ول في ملك اليمين ول وطء الشبهة‪.‬‬
‫)و( الثالث‪ :‬أن )يولج( أي ذلك الغير في قبلها خاصة )حشفة( منه وإن لم ينزل المني أو قدرها‬
‫في نفسها صغرت أو كبرت إذا كانت مقطوعة بخلف المفقودة خلقة فالعتبار قدر الحشفة على‬
‫حشفة غالب أمثال فاقدها ولو كان عليها حائل كأن لف عليها خرقة ويكفي تغيـيبها من غير إيلج‬
‫منه كأن نزلت المرأة عليه في يقظة أو نوم ويكفي اليلج فيها وهي نائمة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والرابع‪ :‬مفارقتها منه بطلق أو فسخ أو موت‪.‬‬


‫والخامس‪ :‬انقضاء عدتها من الزوج الثاني‪.‬‬
‫والسادس‪ :‬كون الدخول )بانتشار( لللة بالوجود ل بالقوة وإن ضعف النتشار وذلك بحيث يقوى‬
‫على الدخول ولو بإعانة بنحو أصبعه أو أصبعها‪ ،‬بخلف ما لم ينتشر لشلل أو عنة أو غيره فلو‬
‫أدخل السليم ذكره بأصبعه بل انتشار لم يحلل وإن انتشر داخل الفرج‪.‬‬
‫والسابع‪ :‬كون الزوج ممن يتصور منه ذوق اللذة بأن يكون متشوقًا للجماع بأن يكون مراهقًا فل‬
‫يكفي غيره وإن انتشر ذكره‪.‬‬
‫والثامن‪ :‬الفتضاض وذلك في تحليل البكر ولو غورًا‪.‬‬
‫)ويقبل قولها( أي المطلقة ثلثًا )في تحليل( ل في وجوب المهر‪ :‬أي فتصدق في أنها زوجت‪،‬‬
‫وأنه أدخل حشفته‪ ،‬وأن العدة انقضت عند المكان بأن مضى زمن يمكن فيه التزوج وانقضاء‬
‫العدة )وإن كذبها الثاني( كأن أنكر المحلل بعد طلقها الوطء فحينئذ تصدق بـيمينها‪ ،‬أما إذا لم‬
‫يعارض أحد وصدقها الزوج الّول فل حاجة إلى اليمين )وللّول نكاحها( وإن ظن كذبها لكن‬
‫يكره بحيث لم يصرح بالظن‪ ،‬فإن صرح به فل بد أن يقول‪ :‬تبـين لي صدقها‪ ،‬لن العبرة في‬
‫العقود بقول أربابها وأنه ل عبرة بالظن إذا لم يكن له مستند شرعي‪ ،‬ولو أنكرت الوطء لم تحل‬
‫للّول وإن اعترف به المحلل‪ ،‬ولو أنكرت النكاح ثم كذبت نفسها وادعت نكاحًا بشروطه فللّول‬
‫تزوجها إن صدقها‪ ،‬ولو كذبها الغير والولي والشهود فعند بعضهم تحل للّول وعند آخر ل تحل‬
‫)ولو أخبرته( أي الزوج الّول )أنها تحللت ثم رجعت( عن الخبار بالتحليل )قبلت قبل عقد( من‬
‫الزوج الّول )ل بعده وإن صدقها الثاني( ولو حرمت عليه زوجته المة بازالة ما يملكه عليها‬
‫من الطلق ثم اشتراها قبل التحليل لم يحل له وطؤها لظاهر قوله تعالى‪} :‬فل تحل له من بعد‬
‫حتى تنكح زوجًا غيره{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ (230‬ولو رجع من غيبته وادعى موت زوجته حل له‬
‫نكاح نحو أختها‪ ،‬بخلف ما لو رجعت إحدى الختين وادعت موت الخرى فل تحل لزوج أختها‬
‫ل بخلفها‪.‬‬‫التي ادعت موتها‪ ،‬والفرق أن الزوج قادر على حل نحو الخت بنفسه بطلق مث ً‬
‫فصل في الرجعة‬
‫وهي لغة المرة من الرجوع وشرعًا رّد الزوج أو من قام مقامه من وكيل وولي امرأته إلى‬
‫موجب النكاح‪ :‬وهو الحل في العدة من طلق غير بائن بشروط‪ .‬وأركانها ثلثة‪ :‬محل‪ ،‬ومرتجع‪،‬‬
‫وصيغة‪ .‬أّما الطلق فهو سبب ل ركن وأشار المصنف إلى ذلك بقوله‪) :‬صح رجوع مفارقة‬
‫بطلق دون أكثره مجانًا بعد وطء قبل انقضاء عدة( فخرج بالطلق الفسخ والظهار ووطء‬
‫الشبهة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أنه شرط في المرتجع اختيار وأهلية نكاح بنفسه‪ ،‬فتصح رجعة سكران وعبد وسفيه‬
‫ومفلس ومحرم وإن لم يأذن ولي وسيد ل مرتد وصبـي ومجنون ومكره‪ ،‬وشرط في المحل ستة‬
‫أمور‪ .‬الّول‪ :‬كون المطلقة لم يستوف عدد طلقها ولو كان الطلق بتطليق القاضي على المولي‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬كونها موطوءة ولو في الدبر ولو لم تزل بكارتها كأن كانت غوراء‪ ،‬وكالوطء استدخال‬
‫المني المحترم ولو في الدبر‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬كونها مطلقة بل عوض منها أو من غيرها‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬كونها في أثناء العدة أو قبل الشروع فيها بأن طلقت حائضًا فله الرجعة في ذلك وإن لم‬
‫تشرع في العدة إل بمجيء الطهر‪ ،‬أو طلقت في مدة حمل وطء الشبهة‪ ،‬والمراد بكونها في العدة‬
‫ل‪ ،‬كما لو شك هل راجع في العدة أم بعدها‪ ،‬لن الصل بقاء العّدة وصحة الرجعة‬ ‫ما يشمل احتما ً‬
‫ولو قارنت الرجعة انقضاء العدة لم تصح‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬كونها قابلة للحل للمراجع‪ ،‬فلو أسلمت الكافرة واستمر زوجها وراجعها في كفره لم‬
‫تصح الرجعة وإن أسلم بعد مراجعتها أو ارتدت المسلمة لم تصح مراجعتها في حال ردتها لن‬
‫مقصود الرجعة الحل والردة تنافيه‪ ،‬وكذا لو ارتد الزوج أو ارتدا معًا‪ ،‬بخلف ما لو أسلم هو فقط‬
‫وكانت تحل له أو أسلما معًا مطلقًا فإن النكاح يدوم فيها سواء كان قبل الدخول أو بعده‪ ،‬وضابط‬
‫عدم صحة الرجعة انتقال أحد الزوجين إلى دين يمنع دوام النكاح‪.‬‬
‫والسادس‪ :‬كونها معينة‪ ،‬فلو طلق إحدى زوجتيه وأبهم ثم راجع بأن قال‪ :‬راجعت المطلقة أو‬
‫طلقهما جميعًا ثم راجع إحداهما مبهمة لم تصح الرجعة‪ ،‬ولو شك في الطلق كأن علقه على شيء‬
‫وشك في حصوله فراجع احتياطًا ثم اتضح الحال صحت الرجعة لن العبرة في العقود بما في‬
‫نفس المر بخلف العبادة فالعبرة فيها بما في نفس المر وظن المكلف‪.‬‬
‫وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالمراد وتنجيز وعدم توقيت‪ ،‬وتحصل الرجعة بالصريح والكناية‪،‬‬
‫ي‪ ،‬فجملة‬‫فالصريح حاصل )براجعت زوجتي( أو رجعتك أو ارتجعتك أو أمسكتك أو رددتك إل ّ‬
‫ألفاظ الصريح خمسة وفي معناها سائر ما اشتق من مصادرها كأنت مراجعة وما كان بالعجمية‬
‫وإن أحسن العربـية‪ ،‬والضافة إليه بنحو إلى أو إلى نكاحي في الرد واجبة في كونه صريحًا فإن‬
‫لم توجد كان كناية‪ ،‬بخلف غيره فإنها سنة فيقول‪ :‬راجعت زوجتي لعقد نكاحي وأمسكتها على‬
‫عصمتي‪ ،‬أما الضافة إليها فل بد منها في جميعها إما للسم المظهر أو للضمير أو لسم الشارة‬
‫كراجعت هذه‪ ،‬فإن اقتصر على راجعت كان لغوًا إل إذا وقع جوابًا لقول شخص له التماسًا‪،‬‬
‫أراجعت زوجتك؟ والكناية نحو أعدت حلك‪ ،‬ورفعت تحريمك‪ ،‬وتزوجتك‪ ،‬ونكحتك‪ ،‬واخترت‬
‫حلك‪ ،‬أو اخترت رجعتك‪ ،‬أو أنت زوجتي فل بد في ذلك من نية الرجعة وإل فل تصح وترجمة‬
‫الصريح صريح وترجمة الكناية كناية‪ ،‬ول يشترط لصحة الرجعة الشهاد عليها لنها في حكم‬
‫استدامة النكاح ومن ثم لم يحتج لولي ول لرضاء المرأة بل يندب الشهاد‪ ،‬قال الزركشي‪ :‬ففي‬
‫الكناية يشهد على اللفظ ويبقى النزاع في النية‪ ،‬لكن قال الشبراملسي‪ :‬المصدق الزوج لن النية ل‬
‫ل منه فيقبل قوله فيها ولو بعد انقضاء العدة ول تشترط الشهادة على المرأة مع أنها عماد‬‫تعرف إ ّ‬
‫النكاح‪ ،‬ويحرم الستمتاع بالرجعية ولو بمجرد النظر لن النكاح يبـيحه فيحرمه الطلق لنه‬
‫ضده‪ ،‬فإن وطىء فل حّد‪ ،‬وإن اعتقد حرمة الوطء للقول الضعيف في إباحته وحصول الرجعة به‬
‫ويعزر على الوطء ومقدماته حتى النظر معتقد تحريمه بخلف معتقد حله وفاعل جاهل بتحريمه‬
‫لقدامه على معصية عنده‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ولو تزوج( أي شخص حر أو رقيق )مفارقته بدون ثلث( للحر وبدون ثنتين للرقيق )ولو بعد‬
‫زوج آخر( قبل الصابة أو بعدها )عادت( له )ببقيته( أي بقية ماله من عدد الطلق ول يهدم‬
‫الزوج الثاني ما وقع من الطلق‪ ،‬واحتج أصحاب الشافعي بما روي عن عمر رضي ال عنه أنه‬
‫سئل عمن طلق امرأته طلقتين وانقضت عدتها فتزوجت غيره وفارقها ثم تزوجها الّول فقال هي‬
‫ي وزيد ومعاذ وعبد ال بن عمرو بن العاص‬ ‫عنده بما بقي من الطلق‪ ،‬وروي ذلك أيضًا عن عل ّ‬
‫رضي ال عنهم وبذلك قال عبـيدة السلماني وسعيد بن المسيب والحسن البصري وأيضًا أن الطلقة‬
‫والطلقتين ل يؤثران في التحريم المحوج إلى زوج آخر فالنكاح الثاني والدخول فيه ل يهدمان‬
‫الطلق كوطء السيد المة المطلقة وهذا عندنا خلفًا لبـي حنيفة في قوله‪ :‬إن النكاح يهدم ما وقع‬
‫فتعود له بماله وهو الثلث في الحرة والثنتان في المة لن العبرة عنده بالزوجة ل بالزوج‪.‬‬
‫فصل في العدة‬
‫ل عند‬
‫وهي لغة‪ :‬مأخوذة من العدد لشتمالها عليه غالبًا فمن غير الغالب ما لو كانت المرأة حام ً‬
‫ل بعد ذلك فحينئذ لم تشتمل العدة على العدد‪ ،‬وشرعًا‪ :‬مدة‬‫الطلق أو موت الزوج فوضعت حا ً‬
‫تتربص فيها المرأة لبراءة رحمها من الحمل فيمن تحبل وكان زوجها يولد له وكانت فرقة حياة أو‬
‫للتعبد في صغيرة أو آيسة‪ ،‬وكان زوجها ل يولد له‪ ،‬وكانت فرقة حياة أو لتحزنها في فرقة‬
‫الموت‪.‬‬
‫ي( بطلق أو فسخ بنحو عيب أو انفساخ بنحو لعان )وطىء( بذكر‬ ‫)تجب عدة لفرقة زوج ح ّ‬
‫متصل ولو في دبر ولو من نحو صبـي تهيأ للوطء ول بد من موطوءة كذلك ولو من خصي وإن‬
‫كان الذكر أشل‪ ،‬وفي معنى الطلق ونحوه ما لو مسخ الزوج حيوانًا فتعتد عدة الطلق‪ ،‬ومثل‬
‫الوطء استدخال المني المحترم وقت إنزاله وهو الذي خرج على وجه جائز كأن خرج بالحتلم‬
‫وإن دخل على وجه محرم كأن أدخلته زوجته على ظن أنه مني الغير‪ ،‬أما قبل الوطء فل عدة‬
‫كزوجة مجبوب لم تستدخل منيه إذا علم ذلك‪ ،‬أما إذا ساحقها ونزل منيه ولم يعلم هل دخل فرجها‬
‫أو ل فتجب به العدة ويلحق به الولد وتنقضي عدتها بالحمل الحاصل منه‪ ،‬وكزوجة ممسوح سواء‬
‫استدخلت ماءه أو ل وإن ساحقها حتى نزل ماؤه في فرجها إذ ل يلحقه الولد‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وإن تيقن براءة رحم( كما في الصغيرة التي يمكن وطؤها واليسة وكما في المعلق طلقها على‬
‫يقين البراءة فإذا مضى لها بعد وضٍع الحمل ستة أشهر طلقت وعليها العدة تعّبدًا‪) ،‬و( تجب عدة‬
‫)لوطء شبهة( وهو كل ما لم يوجب حدًا على الواطىء وإن أوجبه على الموطوءة كوطء مجنون‬
‫أو مراهق أو مكره عاقلة بالغة ولو زنا منها‪ ،‬فتلزمها العّدة لحترام الماء في المجنون حقيقة وفي‬
‫المراهق حكمًا لكونه مظنة النزال ولعدم وجوب الحد على المكره‪ ،‬وما دامت المرأة في عدة‬
‫الشبهة ل يستمتع بها الزوج بوطء جزمًا وبغيره على المذهب لنها معتدة عن غيره حملً كان أو‬
‫غيره حتى تقضيها بوضع أو غيره لختلل النكاح بتعلق حق الغير بها‪ ،‬ويؤخذ من هذا التعليل‬
‫حرمة نظره إليها ولو بل شهوة والخلوة بها وتكون العدة )بثلثة قروء( وإن اختلف وتطاول ما‬
‫ل من زنا فإنها تعتد بثلثة‬
‫بـينها وإن استجلبتها بدواء )على حرة تحيض( وكذا لو كانت حام ً‬
‫قروء إذ حمل الزنا ل حرمة له‪ ،‬ولو جهل حال الحمل ولم يكن لحوقه بالزوج بأن ولد في وقت‬
‫أكثر من أربع سنين من وقت إمكان وطء الزوج لها كأن كان مسافرًا بمحل بعيد حمل أنه زنا‪،‬‬
‫وأما لو أمكن لحوقه به بأن ولدته في وقت دون ستة أشهر من نكاح الثاني ودون أربع سنين من‬
‫طلق الّول حكم بلحوقه للول ويبطل به نكاح الثاني‪ ،‬والقرء‪ :‬هو الطهر المحتوش بدمين‪ ،‬فإن‬
‫طلقت طاهرًا وقد بقي من الطهر لحظة انقضت العدة بالطعن في حيضة ثالثة أو طلقت حائضًا‬
‫وإن لم يبق من زمن الحيض شيء فتنقضي عدتها بالطعن في حيضة رابعة إذ ما بقي من الحيض‬
‫ل يحسب قرءًا قطعًا‪ ،‬ولو طلقت في النفاس فل بد من ثلثة أقراء بعده لن النفاس ل يحسب من‬
‫ل لم تنقض عدتها إل بالطعن في الحيضة الرابعة كمن طلقت‬ ‫العدة‪ ،‬ولو طلقت من لم تحض أص ً‬
‫في الحيض‪) .‬و( تكون العدة )بثلثة أشهر( بالهلة )إن لم تحض( أي الحرة لصغرها أو لعلة أو‬
‫ل أو ولدت ولم تر دمًا قبل الحمل‪.‬‬
‫جبلة منعتها رؤية الدم أص ً‬
‫)أو يئست( من الحيض بعد أن رأته‪ ،‬والمعتبر في اليأس يأس كل النساء في كل الزمنة باعتبار‬
‫ما يبلغنا خبره وهو اثنتان وستون سنة باعتبار الغالب‪ ،‬فإن طلقت في أثناء شهر فبعده هللن‬
‫ويكمل الّول المنكسر ثلثين يومًا من الرابع وإن نقص‪ ،‬فإن حاضت من لم تحض أو آيسة في‬
‫أثناء الشهر فتعتد بالقراء وجوبًا إجماعًا لنها الصل في العدة وقد قدرت عليها قبل الفراغ من‬
‫بدلها فتنتقل إليها كالمتيمم إذا وجد الماء في أثناء التيمم أو حاضت من لم تحض بعد تمام الشهر‬
‫لم تنتقل إلى القراء بخلف اليسة فإنها إن حاضت بعد تمام الشهر ولم تنكح زوجًا آخر فإنها‬
‫تعتد بالقراء لتبـين أنها ليست آيسة‪ ،‬فإن نكحت آخر فل شيء عليها لنقضاء عدتها ظاهرًا مع‬
‫تعلق حق الزوج بها وللشروع في المقصود كما إذا قدر المتيمم على الماء بعد الشروع في‬
‫الصلة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ومن انقطع حيضها( من حرة أو غيرها قبل الطلق أو بعده في العدة لعلة تعرف عند الطباء‬
‫كرضاع ونفاس ومرض‪ ،‬وإن لم يرج برؤه تصبر اتفاقًا حتى تحيض فتعتد بالقراء أو حتى تيأس‬
‫فتعتد بالشهر وإن طالت المدة وطال ضررها بالنتظار‪ ،‬ويمتد زمن الّرجعة إلى اليأس ومثلها‬
‫النفقة لنها تابعة للعدة وقد قلنا‪ :‬ببقائها‪ .‬وطريقه في الخلص من ذلك‪ :‬أن يطلقها بقية الطلقات‬
‫الثلث‪ ،‬أما من انقطع دمها )بل علة( تعرف عند الطباء ففيها خلف‪ ،‬ففي القول الجديد المعتمد‬
‫أنها )لم تتزوج حتى تحيض أو تيأس( ببلوغها إلى سن اليأس‪ ،‬وفي القديم تتربص تسعة أشهر إذ‬
‫هي مدة الحمل غالبًا ليعرف فراغ الرحم وبعدها تعتد بثلثة أشهر وهذا موافق لقول المام مالك ‪:‬‬
‫تصبر سنة بـيضاء أي خالية عن الدم لن ضم الثلثة أشهر‪ ،‬للتسعة سنة كاملة‪ ،‬وفي قول من‬
‫القديم‪ :‬تتربص أربع سنين لنها أكثر مدة الحمل فتتيقن براءة الرحم ثم إن لم يظهر حمل تعتد‬
‫بالشهر كما تعتد بالقراء المعلق طلقها بالولدة مع تيقن براءة رحمها ولهذه المرأة ولمن لم‬
‫ل استعجال الحيض بدواء‪.‬‬ ‫تحض أص ً‬
‫)و( تجب عدة )لوفاة زوج حتى على رجعية وغير موطوءة بأربعة أشهر وعشرة أيام( بلياليها‬
‫ل من غير زنا بأن كان من شبهة لن عدة الحمل مقدمة تقدمت أو‬ ‫بعد وضع الحمل إن كانت حام ً‬
‫تأخرت عن الموت بأن وطئت بشبهة في أثناء العدة وحملت فإنها تقدم عدة الشبهة وبعد وضع‬
‫ل أو‬‫الحمل تبنى على ما مضى من عدة الوفاة‪ ،‬يعني أن عدة الحرة المعتدة عن وفاة إن كانت حائ ً‬
‫ل من غير الزوج أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها‪ ،‬وإن كانت ذات أقراء وإن لم توطأ أو‬ ‫حام ً‬
‫كانت صغيرة أو زوجة ممسوح ذكره وأنثياه أو زوجة صبـي لم يبلغ تسع سنين‪ ،‬بخلف ما إذا‬
‫بلغ أوان الحتلم فتعتد الحامل بالوضع‪ ،‬ولو مات شخص عن مطلقة رجعية انتقلت إلى عدة وفاة‬
‫مع عدم حسبان ما مضى وسقطت بقية عدة الطلق وتسقط نفقتها‪ ،‬أو مات عن مطلقة بائن‬
‫ل )مع‬
‫كمفسوخ نكاحها فل تنتقل إلى عدة الوفاة بل تكمل عدة الطلق‪ ،‬ولها النفقة إن كانت حام ً‬
‫إحداد( أي يجب الحداد على معتدة وفاة‪ ،‬ول فرق في وجوبه بـين المسلمة والذمية ولو كان‬
‫زوجها ذميًا‪ ،‬ول بـين الحرة والمة ول بـين المّكلفة وغيرها‪ ،‬والولي يمنع الصغيرة والمجنونة‬
‫مما تمتنع منه المكلفة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ويستحب الحداد لبائن بخلع أو استيفاء عدد الطلق لئل تفضى زينتها لفسادها‪ ،‬وفي قول قديم‪:‬‬
‫يجب عليها‪ ،‬وأما المفسوخ نكاحها بعيب ونحوه ففيها طريقان‪ :‬أحدهما على القول في البائن‬
‫بالطلق وقيل‪ :‬ل يجب قطعًا‪ ،‬وأما الرجعية فقد نص الشافعي على أن الحداد مستحب لها وذهب‬
‫بعض الصحاب إلى أن الولى أن تتزين بما يدعوه إلى رجعتها وذلك حيث رجت عوده بالتزين‬
‫ل ونهارًا‪ ،‬وترك‬ ‫ولم يتوهم أنه لفرحها بطلقه‪ .‬والحداد هو ترك لبس مصبوغ بما يقصد لزينة لي ً‬
‫ل بحب يتحلى به نهارًا كلؤلؤ ومصنوع من ذهب أو فضة أو غيرهما كنحاس إن كانت المرأة‬ ‫تح ّ‬
‫ممن تتحلى به‪ ،‬وذلك كخلخال وسوار وخاتم وترك تطيب في بدن وثوب وطعام وكحل وترك‬
‫ل وتمسحه نهارًا‪،‬‬ ‫دهن شعر لرأسها وترك اكتحال بكل زينة إل لحاجة كرمد‪ ،‬فتكتحل به لي ً‬
‫ويجوز للضرورة نهارًا وترك إسفيذاج‪ :‬وهو ما يطلى به الوجه وترك دمام وهي حمرة يورد بها‬
‫الخّد وترك خضاب ما ظهر من البدن كالوجه واليدين والرجلين بنحو حناء وحل تجميل فراش‬
‫وأثاث وحل لها تنظف بغسل رأس وامتشاط بل ترجيل بدهن وقلم ظفر وإزالة نحو شعر عانة‬
‫وإزالة وسخ بسدر أو نحوه‪ ،‬لنها ليست من الزينة الداعية إلى الجماع‪ ،‬ولو تركت المحدة المكلفة‬
‫الحداد الواجب عليها كل المدة أو بعضها عصت إن علمت حرمة ذلك وانقضت العدة مع‬
‫العصيان وإن نشأت بـين العلماء‪ ،‬ولو تركت التزين وكانت على صورة المحدة لم تأثم لعدم‬
‫قصده‪) .‬وتعتد غيرها( أي الحرة )بنصف( من الحرة فتعتد عن الوفاة بشهرين هلليـين وخمسة‬
‫أيام بلياليها ما لم يطأها ظانًا أنها زوجته الحرة‪ ،‬وإل اعتدت بأربعة أشهر وعشرة أيام صحاح‬
‫وإن كانت عدة الوفاة ل تتوقف على الوطء‪ .‬وبـيان ذلك أن يطأ زوجته المة ظانًا أنها زوجته‬
‫الحرة ويستمر ظنه إلى موته فتعتد للوفاة عدة حرة إذ الظن كما نقلها من القل إلى الكثر في‬
‫الحياة فكذا في الموت‪ ،‬وتعتد ذوات الشهر عن الطلق وما في معناه من الفسخ والنفساخ بشهر‬
‫هللي ونصف شهر لمكان التنصيف في الشهر بخلف ذات القراء فتعتد عن ذلك بقرأين‪.‬‬
‫)و( إنما )كمل الطهر الثاني( لتعذر تنصيفه كالطلق إذ ل يظهر نصفه إل بظهور كله فل بد من‬
‫النتظار إلى أن يعود الدم فإن عتقت في عدة رجعة فكحرة فتكمل ثلثة أقراء‪ ،‬لن الرجعية‬
‫كالزوجة في كثير من الحكام فكأنها عتقت قبل الطلق‪ ،‬بخلف ما إذا عتقت في عدة بـينونة أو‬
‫وفاة لنها كالجنبـية فكأنها عتقت بعد انقضاء العدة )وتعتدان( أي الحرة ومن فيها رقّ عن فرقة‬
‫الحياة وفرقة الموت )بوضع( جميع )حمل( بشرط نسبة إلى ذي العدة حيًا كان أو ميتًا أو مضغة‬
‫ولو على غير صورة الدمي ولو مع وطء غير الدمي لتلك المرأة المعتّدة واحتمل كونه من‬
‫ل وهو موجود هنا‪.‬‬‫الزوج لن الشرط نسبته إلى ذي العّدة ولو احتما ً‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ي يصير دمًا غليظًا فإن لم يكن فيها صورة خفية فل تنقضي بها العّدة لنها ل‬ ‫أما العلقة‪ ،‬وهي من ّ‬
‫ل وإل فتنقضي بها كما قاله ابن حجر في شرحه على المنهاج قبـيل كتاب الصلة‪) .‬و(‬ ‫تسمى حم ً‬
‫حلفت المرأة في انقضاء العّدة بغير أشهر من أقراء أو وضع وإن استعجلته بدواء‪ .‬ويحرم‬
‫الستعجال إن نفخت فيه الروح وإل فيكره إذا أنكره الزوج‪ ،‬ول يجوز لها النكاح ولها النفقة عم ً‬
‫ل‬
‫بإنكاره فيهما فـ )ـتصّدق( بـيمينها )في انقضاء عّدة( بغير أشهر )أمكن( وإن خالفت عادتها في‬
‫الحيض بأن كانت عادتها في كل شهرين حيضة فاّدعت أنها حاضت في شهر حيضة لن النساء‬
‫ل والمؤتمن على الشيء يصدق فيه بـيمينه‪ ،‬وكذا تصّدق‬ ‫ن حيضًا وحم ً‬‫مؤتمنات على أرحامه ّ‬
‫ن اليأس‪ ،‬ولها النفقة وخرج بانقضاء العّدة غيره كنسب‬ ‫المرأة في بقاء العّدة وإن وصلت إلى س ّ‬
‫ل ببـينة على الولدة بعد مض ّ‬
‫ي‬ ‫كأن تدعى أن هذا الحمل من وطء فلن لها بشبهة فل يقبل قولها‪ :‬إ ّ‬
‫مّدة من إمكان الوطء يمكن فيها ذلك‪ ،‬وخرج بغير الشهر انقضاؤها بالشهر فيصّدق الزوج‬
‫بـيمينه‪ ،‬ولو انعكست الصورة فادعى النقضاء وقال طلقتك في رمضان فقالت‪ :‬بل في شّوال‬
‫صدقت بـيمينها لنها غلظت على نفسها‪ ،‬وهذا بالنسبة لتطويل العّدة خاصة‪ ،‬وأما النفقة فإنها ل‬
‫تستحقها في المدة الزائدة على ما يقوله الزوج وله أن يتزّوج أختها وخرج بإمكان النقضاء ما إذا‬
‫لم يمكن كقرب الزمن من الطلق فيصدق بـيمينه‪ ،‬أما في حق الصغيرة فكان ينبغي الزوج بل‬
‫يمين‪ ،‬وأما في حق اليسة فيصّدق الرجل تقوية لجانبه لن المرأة ما دامت حية فحيضها ممكن‪.‬‬
‫)ول يقبل دعواها( أي المرأة )عدم انقضائها( أي العّدة )بعد تزوج( لرجل آخر )وتنقطع عّدة(‬
‫بالقراء والشهر )بمخالطة رجعية ول رجعة بعدها( أي العّدة الصلية ويلحقها الطلق إلى‬
‫انقضاء العدة احتياطًا وتغليظًا عليه لتقصيره‪ ،‬ول يصح منها إيلء ول ظهار ول لعان ول نفقة‬
‫ول كسوة لها‪ ،‬ويجب لها السكنى ول يحد بوطئها وله أن يتزّوج برابعة‪ ،‬والمراد بالمخالطة أن‬
‫ل أو نهارًا والخلوة بها كذلك وغير‬ ‫يدوم على حالته التي كان معها قبل الطلق من النوم معها لي ً‬
‫ذلك‪.‬‬
‫والحاصل أنه إن عاشرها بغير وطء كخلوة أو بوطء فإن كانت رجعية لم تنقض عّدتها بالقراء ل‬
‫بالشهر بالنسبة للحوق الطلق وانقضت بالنسبة للرجعة فل رجعة بعد القراء أو الشهر‬
‫وللتوارث فل توارث بـينهما‪ ،‬فإذا زالت المعاشرة بأن نوى أنه ل يعود إليها أتمت على ما مضى‬
‫من عّدتها قبل المعاشرة إن كان وإل فل معاشرة بأن استمرت المعاشرة من حين الطلق‬
‫فتستأنف العّدة من حين زوال المعاشرة‪ ،‬وإن كانت بائنًا فل عبرة بالمعاشرة بغير وطء ول بوطء‬
‫بل شبهة‪ ،‬أما إن عاشرها بوطء بشبهة فكالرجعية في أنها ل تتزّوج حتى تنقضي عدتها من‬
‫انقطاع المعاشرة‪ ،‬وليست كالرجعية مطلقًا فل يلحقها الطلق‪ ،‬وله أن يتزّوج نحو أختها‪ ،‬أما عدة‬
‫الحمل فل أثر للمعاشرة فيها ولو مع الوطء فتنقضي بوضعه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فرع في الستبراء‪ ،‬وهو التربص بالمرأة منها أو من سيدها مدة بسبب حدوث الملك أو زواله أو‬
‫بسبب تجدد حل الوطء لبراءة الرحم فيمن تحبل أو للتعبد في الصغيرة واليسة والمشتراة من‬
‫ي بعقد وليه‪ :‬فالّول‪ :‬كما في المسبـية والمشتراة والموروثة‪ .‬والثاني‪ :‬كما في المة‬ ‫امرأة أو صبـ ّ‬
‫التي أعتقها سيدها بعد وطئها وأراد تزويجها لغيره‪ .‬والثالث‪ :‬كما في المطلقة قبل الدخول‬
‫والمكاتبة إذا عجزت عن أداء النجوم‪ ،‬والمرتدة إذا أسلمت‪.‬‬
‫)يجب استبراء لحل( في تمتع أو تزويج بسببـين‪ .‬أحدهما‪) :‬بملك أمة( أي بحدوثه ولو معتدة من‬
‫غيره بشراء‪ ،‬أو إرث‪ ،‬أو وصية‪ ،‬أو سبـي‪ ،‬أو رّد بعيب ولو بل قبض في الجميع أو هبة بقبض‪.‬‬
‫ي أم من امرأة أم ممن‬ ‫)وإن تيقن براءة رحم( كصغيرة وآيسة وبكر‪ ،‬وسواء أملكها من صبـ ّ‬
‫استبرأها بالنسبة لحل التمتع‪ ،‬أما بالنسبة لروم التزويج فقد ل يجب الستبراء‪) .‬و( ثانيهما‪:‬‬
‫)بزوال فراش عن أمة موطوءة( غير مستولدة )أو مستولدة بعتقها( أو بموت السيد عنها كزوال‬
‫فراش الحرة الموطوءة‪ ،‬أما عتيقة قبل وطء فل استبراء عليها قطعًا‪ ،‬ولو استبرأ السيد أمة‬
‫موطوءة له غير مستولدة فأعتقها لم يجب إعادة الستبراء وتتزّوج في الحال‪.‬‬
‫)ول يصح تزويج موطوءته( مستولدة كانت أو ل )قبل استبراء( حذرًا من اشتباه الماءين‪ ،‬أما‬
‫غير موطوءة فإن كانت غير موطوءة لحد فله تزويجها من كل أحد بل استبراء أو موطوءة‬
‫غيره فله تزويجها ممن الماء منه‪ ،‬وكذا من غير صاحب ذلك الماء إذا كان الماء غير محترم أو‬
‫استبرأها من انتقلت منه إليه‪ ،‬ويجوز نكاح موطوءته مستولدة كانت أو ل بل استبراء إن أعتقها‬
‫كما يجوز تزّوجه المعتدة منه‪) .‬وهو( أي الستبراء )لذات أقراء حيضة( واحدة بعد انتقال ملكها‬
‫إليه‪ ،‬وإن لم يقبضها فل يكفي بقية الحيضة التي وجد السبب في أثنائها‪ ،‬فإذا كان المة تحيض ثم‬
‫ن اليأس فتستبرىء بشهر‬ ‫انقطع حيضها صبرت حتى تحيض فتستبرىء بحيضة كاملة أو تبلغ س ّ‬
‫)ولذات أشهر( ممن لم تحض أو أيست )شهر( ما لم تحض فيه‪ ،‬وإل حصل استبراؤها بالحيضة‬
‫لنها صارت من ذوات القراء‪.‬‬
‫)ولحامل ل تعتد بالوضع( كمزّوجة ومسبـية غير مزّوجة )وضعه( أي الحمل‪ .‬قالعبد ال‬
‫النبراوي ‪ :‬ول يلزم توقف الستبراء على وضع حمل الزنا فإن الستبراء يحصل بالسبق من‬
‫ي الشهر إن كانت ل تحيض‪) .‬وتصّدق( أي المستبرأة بل يمين )في قولها‬ ‫الوضع والحيض ومض ّ‬
‫ل من جهتها لنها لو نكلت لم يقدر السيد على الحلف على عدم‬ ‫حضت(‪ .‬لن الحيض ل يعلم إ ّ‬
‫ل له وطؤها على الوجه قياسًا على ما لو اّدعت التحليل‬
‫ن كذبها ح ّ‬‫الحيض‪ ،‬وإذا صدقناه وظ ّ‬
‫فكذبها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وحرم( قبل تمام استبراء في مسبـية ومشتراة من حربـي وطء دون غيره كقبلة ولمس ونظر‬
‫بشهوة لن ابن عمر قبل أمة وقعت في سهمه قبل الستبراء لما نظر عنقها كابريق فضة أو‬
‫كسيف من فضة فلم يتمالك الصبر عن تقبـيلها والناس ينظرونه ولم ينكر أحد عليه‪ .‬رواه‬
‫البـيهقي‪ .‬ومحل امتناع الوطء ما لم يخف الزنا فإن خافه جاز له كما قاله الشبراملسي ‪ ،‬وحرم‬
‫)في غير مسبـية تمتع( بوطء كما في المسبـية وبغيره كنظر بشهوة )قبل استبراء( لدائه إلى‬
‫الوطء المحرم‪ ،‬وإنما حل في المسبـية لن غايتها أن تكون مستولدة حربـي‪ ،‬وذلك ل يمنع الملك‬
‫أي فل يحرم التمتع وإنما حرم الوطء صيانة لمائه عن اختلطه بماء الحربـي ل لحرمة ماء‬
‫الحربـي بمعنى أننا ل ندري هل هو من حربـي أو غيره فل ينافي أن الرحم إذا اشتّد فمه ل يقبل‬
‫ي آخر‪ .‬نعم الخلوة بها جائزة ول يحال بـينه وبـينها لتفويض الشرع أما الستبراء إلى أمانته إ ّ‬
‫ل‬ ‫من ّ‬
‫إذا كان السيد مشهورًا بالزنا وعدم المسكة وهي جميلة فيحال بـينه وبـينها‪ .‬ولو وطىء السيد قبل‬
‫الستبراء أو في أثناء الحيض لم يحتج لستبراء ثان وإن أثم به‪ ،‬فإن حملت منه قبل الحيض بقي‬
‫تحريمها إلى وضعها‪ ،‬أو حملت منه في أثنائه حلت بانقطاعه لتمامه‪ ،‬هذا إن مضى قبل وطئه أقل‬
‫ل فل تحل له حتى تضع كما لو أحبلها قبل الحيض ومع ذلك المذكور الولد حر في‬ ‫الحيض وإ ّ‬
‫المسألتين‪.‬‬
‫فصل في النفقة والكسوة والسكان‬
‫)يجب لزوجة( ولو ذمية أو أمة أو مريضة أو رفيعة في النسب والقدر )مكنت( من نفسها‬
‫بالتمكين التام نفقة وكسوة وإسكان وذلك لما أباح ال للزوج أن يضر المرأة بثلث ضرائر‬
‫ويطلقها ثلثًا‪ ،‬جعل لها ثلثة حقوق‪ :‬النفقة‪ ،‬والكسوة‪ ،‬والسكان‪ ،‬وهو يتحملها بالمشقة غالبًا‬
‫لضعف عقلها‪ ،‬فكان له عليها ضعف مالها من الحقوق وهو الستة المتقدمة الثلث ضرائر‬
‫والطلقات الثلث‪ ،‬والمراد بالزوجة هي الزوجة حقيقة وهي التي في العصمة أو حكمًا فتدخل‬
‫ل‪ ،‬والبائن الحامل فيجب لهما ما يجب للزوجة ما عدا آلة التنظيف‪ ،‬ولذا‬ ‫الرجعية وإن كانت حائ ً‬
‫قال‪) :‬ولو رجعية( وقد جمع بعضهم ما يجب للزوجة فقال‪:‬‬
‫حقوق إلى الزّوجات سبع ترتبت‬
‫على الزوج فاحفظ عّدها ببـيان‬
‫طعام وأدم كسوة ثم مسكن‬
‫وآلة تنظيف متاع لبنيان‬
‫من شأنها الخدام في بـيت أهلها‬
‫على زوجها فاحكم بخدمة إنسان‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والمراد بالبنيان البـيت‪ ،‬ومعنى متاع لبنيان فرش البـيت الذي تجلس عليه‪ ،‬أو تنام عليه‪ ،‬أو‬
‫تتغطى به‪ ،‬وهو شامل أيضًا للة الطبخ وللة الكل والشرب‪ ،‬وخرج بالتمكين التام التمكين غير‬
‫التام‪ ،‬كما إذا كانت صغيرة ل تطيق الوطء‪ ،‬ولو تمتع بالمقدمات‪ ،‬وما إذا كانت أمة مسلمة له‬
‫ل أو في نوع من التمتع دون آخر‪،‬‬ ‫ل أو بالعكس‪ ،‬وما إذا مكنت في دار مخصوصة مث ً‬ ‫نهارًا ل لي ً‬
‫أو كانت معتّدة عن شبهة فل نفقة لها‪ ،‬ولو وقع التمكين في أثناء اليوم أو الليلة وجب لها من النفقة‬
‫بقسطه من الباقي‪ ،‬بخلف ما لو نشزت وعادت لم يجب لها شيء نفقة اليوم أو الليلة‪ ،‬فإن كانت‬
‫قبضتها فله استردادها‪ ،‬ونفقة الزوجة مقدرة على الزوج ولو صغيرًا بحسب حاله‪ ،‬ودليل التفاوت‬
‫قوله تعالى‪} :‬لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه{ ))‪ (65‬الطلق‪ :‬الية ‪ (7‬أي ضيق‬
‫}فلينفق مما أتاه ال{ ))‪ (65‬الطلق‪ :‬الية ‪ (7‬وبـيان ذلك أنه يجب بفجر كل يوم )مّد طعام( من‬
‫غالب قوت مكانها ويجب تسليمه لها بقصد أداء ما لزمه من غير افتقار إلى لفظ )على معسر( في‬
‫فجر كل يوم )ولو مكتسبًا( أي ولو كان كسبه واسعًا جدًا )ورقيق( ولو مكاتبًا ومبعضًا ولو‬
‫موسرين‪ ،‬وإنما ألحقا بالمعسر لضعف ملك المكاتب ونقص حال المبعض‪.‬‬
‫)ومدان على موسر( وهو من ل يصير بتكليفه مدين معسرًا )ومد ونصف على متوسط( وهو من‬
‫يرجع بذلك معسرًا وذلك )إن لم تواكله( فإن أكلت رشيدة برضاها أو غير رشيدة برضاها أو غير‬
‫رشيدة بإذن وليها مع الزوج أكل كالعادة بأن تتناول كفايتها عادة سقطت نفقتها لكتفاء الزوجات‬
‫بذلك في العصار وجريان الناس عليه فيها‪ ،‬ومن جملتهم المجتهدون لن الجماع ل يكون إل‬
‫منهم‪ ،‬أما إن كانت غير رشيدة فأكلت معه بغير إذن وليها لم تسقط نفقتها بذلك ويكون الزوج‬
‫متطوعًا فل رجوع له عليها بشيء من ذلك إن كان غير محجور عليه وإن قصد به جعله عوضًا‬
‫عن نفقتها‪ ،‬وإل فلوليه الرجوع عليها‪ ،‬وأما لو أكلت معه دون الكفاية طالبته بالتفاوت بـين ما‬
‫أكلته وكفايتها في أكلها المعتاد‪ ،‬ويعرف ذلك بعادتها في الكل بقية اليام‪ ،‬ومثل ذلك ما لو‬
‫أضافها شخص إكرامًا له وحده فتسقط نفقتها‪ ،‬بخلف ما لو أضافها إكرامًا لهما فينبغي سقوط‬
‫النصف أو لها فل يسقط شيء من النفقة ويجب ما ذكر )بأدم( أي مع أدم غالب محل الزوجة‪،‬‬
‫ل فصل ما يعتاد الناس فيه حتى الفواكه‪ ،‬فيجب من الدم‬ ‫ويختلف بالفصول الربعة‪ ،‬فيجب في ك ّ‬
‫ب الشافعي التوسعة يوم الجمعة‪ ،‬والوجه وجوب سراج لها أّول الليل في‬ ‫ما يليق بالقوت‪ .‬واستح ّ‬
‫ل جرت العادة باستعماله فيه‪ ،‬ولها إبداله بغيره )وملح وماء شرب ومؤنة( كأجرة طحن وخبز‬ ‫مح ّ‬
‫وطبخ‪ ،‬وإن اعتادت فعل ذلك بنفسها‪ ،‬وكذا مؤنة اللحم وما يطبخ به من الحطب الذي يوقد به وإن‬
‫أكلته نيئًا )وآلة( لكل وشرب وطبخ واغتسال كقدر وقصعة ومغرفة وكوز وجّرة ونحوها‪،‬‬
‫ويكفي كونها من خزف أو حجر أو خشب والزيادات على ذلك من رعونات النفس‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( يجب لها على الزوج لفصلي الشتاء والصيف كسوة على قدر الكفاية‪ ،‬وتختلف بطول المرأة‬
‫ل ستة أشهر )قميص(‬ ‫وقصرها وهزالها وسمنها‪ ،‬وباختلف البلد في الحّر والبرد فيجب في ك ّ‬
‫وهو ثوب مخيط يستر أعلى البدن وفي تعبـيره بقميص إشعار بوجوب الخياطة على الزوج‬
‫)وإزار وخمار( لرأسها أو مما يقوم مقامه‪ ،‬ويجب الجمع بـين الخمار والمقنعة‪ ،‬ولو اعتادوا‬
‫العري وجب ستر العورة لحق ال تعالى‪ ،‬وتجب بقية الكسوة ل ستر ما بـين السّرة والركبة فقط‪،‬‬
‫بخلف الرقيق‪ ،‬والفرق أن كسوة الزوجة تمليك ومعاوضة‪ ،‬وإن لم تلبسها ولم تحتج إليها‪ ،‬وكسوة‬
‫الرقيق إمتاع )ومكعب( بضّم ففتح أو بكسر فسكون ففتح‪ :‬وهو ما يداس فيه‪ ،‬ويلحق به القبقاب إل‬
‫إذا لم يعتادوه )مع لحاف لشتاء( أي في وقت البرد ولو في غير الشتاء‪.‬‬
‫)و( يجب )عليه( لها )آلة تنظيف( من الوساخ التي تؤذيها‪ ،‬وذلك )كمشط( وخلل وسدر‬
‫)ودهن( ولو لجميع بدنها‪ ،‬ويتبع في الدهن عرف بلدها‪ ،‬فإن اّدهن أهله بزيت أو شيرج أو سمن‬
‫ل وجب‪ ،‬ويرجع في مقداره إلى كفايتها كل أسبوع )ل( يجب لها عليه‬ ‫أو زيت مطيب بورد مث ً‬
‫)طيب( ول خضاب ول كحل ول ما تتزين به‪ ،‬ومنه ما جرت به العادة من استعمال الورد ونحوه‬
‫في الصداغ ونحوها للنساء فل يجب على الزوج‪ ،‬لكن إذا أحضره لها وجب عليها استعماله إذا‬
‫طلب تزيـينها به‪) .‬و( ل يجب لها عليه )دواء( ول أجرة طبـيب وحاجم ونحو ذلك‪ ،‬ويجب لها‬
‫طعام أيام المرض ولها صرفه في الدواء ونحوه كإسفيذاج‪ ،‬ويجب لها عليه ماء غسل بسببه‬
‫كوطئه وولدتها منه‪ ،‬بخلف الحيض والحتلم لن الحاجة إلى الماء في الّول من قبل الزوج‬
‫بخلفها في الثاني‪ ،‬ويقاس بذلك ماء الوضوء فيفرق بـين أن يكون بمسه وأن يكون بغيره وعليه‬
‫أجرة القابلة‪ ،‬ويلحق بالحتلم استدخالها لذكر الزوج وهو نائم أو مغمى عليه‪ ،‬وإن حبلت لعدم‬
‫فعله كغسل زناها ولو مكرهة وولدتها من وطء شبهة فماء هذه عليها دون الواطىء‪ ،‬ويلحق بماء‬
‫الوضوء ماء غسل نجاسة )و( يجب )عليه( لها )مسكن يليق بها( عادة من دار أو حجرة أو‬
‫غيرهما كشعر أو خشب أو قصب‪ ،‬وإن كانت من قوم ل يعتادون السكنى وذلك بحيث تأمن فيه‬
‫ل ما كان تمليكًا كالنفقة والكسوة والواني يراعى فيه‬
‫ل‪ .‬والقاعدة‪ :‬أن ك ّ‬
‫على نفسها ومالها وإن ق ّ‬
‫حال الزوج‪ ،‬وما كان إمتاعًا كالمسكن والخادم يراعى فيه حال الزوجة‪ .‬وقد نظم بعضهم ذلك‬
‫فقال‪:‬‬
‫ما كان إمتاعًا كمسكن وجب‬
‫لمرأة فراع حالها تثب‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وإن يكن تملكًا كالكسوة‬


‫فحال زوج راعه ل الزوجة‬
‫ول يشترط في المسكن كونه ملكه‪ ،‬فيكفي كونه مكترى بل )ولو معارًا( ومنه ما لو سكن معها في‬
‫ملكها أو في ملك نحو أبـيها‪ .‬نعم إن سكن في ذلك بغير إذن ول منع من خروجه لزمته الجرة‬
‫)و( عليه )إخدام حّرة تخدم(‪.‬‬
‫والحاصل أن الزوجة إذا كانت ممن يخدم مثلها لكونها ل يليق بها خدمة نفسها وجب عليه‬
‫ل‪ ،‬وإذا كانت ممن ل يخدم مثلها لكن هذه‬ ‫ح مث ً‬ ‫إخدامها وإن لم تخدم بالفعل في بـيت أبـيها لش ّ‬
‫خدمت في بـيت أبـيها بالفعل لم يجب عليه إخدامها‪ ،‬فلو خدمت في بـيت زوج قبل فل يجب على‬
‫الزوج الثاني إخدامها‪ ،‬والواجب خادم واحد‪ ،‬ولو ارتفعت مرتبتها أو احتاجت لكثر من واحدة إ ّ‬
‫ل‬
‫إن مرضت واحتاجت لما يزيد‪ ،‬ويشترط كون الخادم امرأة أو صبـيًا أو محرمًا أو ممسوحًا‪،‬‬
‫وسواء في وجوب الخدام موسر‪ ،‬ومتوسط‪ ،‬ومعسر‪ ،‬ومكاتب‪ ،‬وعبد كسائر المؤن )وتسقط( أي‬
‫مؤنها إجماعًا )بنشوز( أي خروج عن طاعة الزوج )ولو ساعة( وإن لم تأثم كصغيرة ومجنونة‬
‫ومكرهة وإن قدر على رّدها للطاعة فترك‪ ،‬فلو نشزت أثناء يوم أو ليلته سقطت نفقته الواجبة‬
‫بفجره‪ ،‬أو أثناء فصل سقطت كسوته الواجبة بأّوله‪.‬‬
‫ويحصل النشوز )بمنع تمتع( ولو بلمس ما لم يكن امتناع دلل بتغطية وجهها أو إدبارها عنه وإن‬
‫مكنته من الجماع لن التمتع حقه كالوطء )ل( تسقط المؤن إن منعته )لتعذر( كعبالة وهي كبر‬
‫الذكر بحيث ل تحتمله الزوجة‪ ،‬ومرض يضر معه الوطء‪ ،‬وجراحة في فرجها وعلمت أنه متى‬
‫ن إليهما مكشوفي‬ ‫لمسها جامعها‪ ،‬وتثبت عبالته بأربع نسوة‪ ،‬فإن لم تمكن معرفتها إل بنظره ّ‬
‫الفرجين حال انتشار عضوه جاز ليشهدن‪ ،‬ول يثبت المرض إل برجلين من الطباء لنه مما‬
‫يطلع عليه الرجال غالبًا‪ ،‬وليس من العذر كثرة جماعه وتكرره أو بطء إنزاله حيث لم يحصل لها‬
‫منه مشقة ل تحتمل عادة‪.‬‬
‫)و( بـ )ـخروج من مسكن( أي محل رضا الزوج بإقامتها فيه )بل إذن( منه ول ظن رضاه‪ ،‬ولها‬
‫اعتماد العرف الدال على رضا أمثاله بمثل الخروج الذي تريده‪ ،‬نعم لو علم مخالفته لمثاله في‬
‫ذلك فل‪ ،‬ولو اختلفا في الذن فهو المصّدق لن الصل عدمه أو في ظن الرضا فهي المصدقة‬
‫ل منها‪ ،‬ويجوز لها الخروج إذا أشرف البـيت على النهدام‪ ،‬ول بد من قرينة تدل‬ ‫لنه ل يعلم إ ّ‬
‫عليه عادة‪ ،‬ول يقبل قولها خشيت انهدامه مع نفي القرينة‪ ،‬أو خافت على نفسها أو مالها من فاسق‬
‫ل المال بحيث ل يكون تافهًا جدًا‪ ،‬أو احتاجت إلى الخروج لقاض تطلب عنده‬ ‫أو سارق وإن ق ّ‬
‫حقها‪ ،‬أو لتعلم للمور الدينية ل الدنيوية‪ ،‬أو للستفتاء لمر يحتاج إليه بخصوصه وأرادت‬
‫السؤال عنه أو تعلمه حيث لم يغنها الزوج الثقة أو نحو محرمها أو أخرجها معير المنزل أو متعد‬
‫ظلمًا‪ ،‬أو خرجت إلى اكتسابها النفقة إذا أعسر بها الزوج‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫)وبسفرها( وحدها إلى محل يجوز القصر منه للمسافر )بل إذن( منه ولو لغرضه )أو( بالذن‬
‫وبغير سؤال من الزوج لكن )لغرضها( أو لغرض أجنبـي‪ ،‬وكذا لغرضهما معًا أو مع الجنبـي أو‬
‫الجنبـي )ل( تسقط المؤن بسفرها بإذنه )معه( أي الزوج ولو لحاجتها أو حاجة أجنبـي أو سفرها‬
‫وحدها بإذن لحاجته ولو مع حاجة غيره لنها ممكنة في الولى ولنه مفوت لحقه في الثانية‪ ،‬أما‬
‫إذا سافرت معه بغير إذنه فل تجب لها النفقة عليه إل زمن التمتع دون غيره‪ ،‬نعم يكفي في جوب‬
‫نفقة اليوم تمتع لحظة منه بعد النشوز وكذا الليل واعتمد ذلك الشبراملسي ‪ ،‬ولو امتنعت من النقلة‬
‫ل إن كان يتمتع بها في زمن المتناع فتجب ويصير تمتعه بها عفوًا عن النقلة‬ ‫معه لم تجب مؤنها إ ّ‬
‫حينئذ‪.‬‬
‫ل )بأقل نفقة( واجب‬ ‫ل وكسبًا حل ً‬ ‫فرع‪ :‬في فسخ النكاح )لزوجة مكلفة فسخ نكاح من أعسر( ما ً‬
‫ل )كسوة( وهو ما ل بد منه بخلف نحو السراويل والمكعب فإنه ل فسخ‬ ‫مستقبل وهو مد )أو( أق ّ‬
‫ل أو بعضًا )قبل وطء(‬ ‫لك ً‬‫ي مسكن سواء كان لئقًا أو ل )أو بمهر( حا ّ‬‫بذلك )أو بمسكن( أي أ ّ‬
‫ب والعنة فبالعجز عن ذلك أولى لن البدن ل يقوم بدونه‪ ،‬بخلف الوطء فل‬ ‫لنها إذا فسخت بالج ّ‬
‫فسخ بإعساره بنفقة ما مضى ول بنفقة الخادم‪ ،‬ول بإعساره عن الدم‪ ،‬ول إذا وجد المسكن ولو‬
‫غير لئق بها ول بالمهر المؤجل وإن حل لنها رضيت بذمته‪ ،‬ول بعد الوطء في المهر وفارق‬
‫غيره حيث تفسخ بالعجز ولو بعد الدخول بأن المهر في مقابلة الوطء‪ ،‬فإذا استوفاه الزوج كان‬
‫ي امرأة حتى صغيرة‬ ‫تالفًا فيتعذر عوده بخلف غير المهر فإنه في مقابلة التمكين‪ ،‬ول فسخ لول ّ‬
‫ل فعلى‬‫ومجنونة لن الخيار منوط بالشهوة فل يفوض لغير مستحقه فنفقتهما في مالهما إن كان وإ ّ‬
‫من تلزمه مؤنتهما قبل النكاح وإن كان دينًا على الزوج‪ ،‬والسفيهة البالغة كالرشيدة هنا فلها‬
‫الفسخ‪ ،‬وقدرة الزوج على الكسب الحلل كالقدرة على المال لندفاع الضرورة به‪ ،‬فلو كان‬
‫يكتسب في كل يوم ما يفي بثلثة أيام ثم يبطل ثلثة ثم يكتسب ما يفي بها فل فسخ لعدم مشقة‬
‫الستدانة حينئذ فصار كالموسر‪ ،‬وإذا عجز عن الكسب بمرض يرجى زواله في ثلثة أيام فل‬
‫فسخ‪ ،‬وإن طال فلها الفسخ وخرج بالكسب الحلل‪ :‬الكسب بالخمر‪ ،‬وآلت الملهي‪ ،‬وبالتنجيم‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬ومثل الكسب غيره كالسؤال للغير حيث كان لئقًا به‪.‬‬
‫)فل فسخ بامتناع غيره( أي المعسر من النفاق سواء كان موسرًا أو متوسطًا‪ ،‬وسواء أحضر أم‬
‫غاب عنها )إن لم ينقطع خبره( لنتفاء العسار المثبت للفسخ وهي متمكنة من خلص حقها في‬
‫الحاضر بالحاكم بأن يلزمه بالحسب وغيره‪ ،‬وفي الغائب يبعث الحاكم إلى حاكم بلده إن كان‬
‫موضعه معلومًا فيلزمه بدفع نفقتها‪ ،‬وإن لم يعرف موضعه بأن انقطع خبره وتعذر استيفاء النفقة‬
‫من ماله ولم يعلم غيبة ماله في مرحلتين عن البلدة التي هو مقيم بها‪ ،‬ففي هذا خلف فقيل‪ :‬ل‬
‫فسخ ما دام الزوج موسرًا وهذا هو المعتمد عند ابن حجرح والرملي كالروياني‪ ،‬وقيل‪ :‬لها الفسخ‬
‫وهذا هو المعتمد عند السنباطي كشيخ السلم وابن الصلح ‪ .‬وقال السيد عمر البصري ‪ :‬وهذا‬
‫أيسر والّول أحوط‪ ،‬وإنما تفسخ الزوجة بعجز الزوج عن نفقة معسر‪ ،‬فلو عجز عن نفقة موسر‬
‫أو متوسط لم تفسخ لن نفقته الن نفقة معسر‪ ،‬فل يصير الزائد عنها دينًا عليه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أن المثبت للفسخ خمسة قيود‪ :‬العسار‪ ،‬وكونه بالنفقة‪ ،‬وكونها نفقة الزوجة وماضية‪،‬‬
‫وكونها نفقة معسر‪ ،‬لكن مثل النفقة الكسوة والمسكن فل فسخ بالعسار عن الواني والفرش ولو‬
‫لما ل بد منه للشرب والجلوس والنوم وإن لزم أن تنام على البلط والرخام المضر‪) .‬و( ل فسخ‬
‫بإعسار بمهر أو نحو نفقة )قبل ثبوت إعساره( أي الزوج )عند قاض( أو محكم بشرط أن يكون‬
‫مجتهدًا ولو مع وجود قاض أو مقلدًا وليس في البلد قاضي ضرورة فل بد من الرفع إليه‪ ،‬ويثبت‬
‫إعسار الصغير بالبـينة كغيره وإعسار غيره بها إن عرف له مال وإل كفى اليمين على المعتمد‪.‬‬
‫)فـ( ـإذا ثبت العسار )يمهل( أي القاضي أو المحكم وجوبًا )ثلثة( من اليام بلياليها ولو في‬
‫المهر على المعتمد وإن لم يطلب الزوج المهال ليتحقق عجزه فإنه قد يعجز لعارض ثم يزول‬
‫ل بكسب أو‬ ‫وهي مدة قريبة يتوقع فيها القدرة بقرض أو غيره‪ ،‬ولها خروج فيها لتحصيل نفقة مث ً‬
‫ل لنه وقت الراحة‪ ،‬وليس لها منعه من التمتع في غير أوقات‬ ‫سؤال وعليها رجوع إلى مسكنها لي ً‬
‫التحصيل‪.‬‬
‫)ثم( بعد المهال )يفسخ هو( أي القاضي بنفسه أو نائبه صبـيحة الرابع‪ ،‬فإن سلم نفقة الرابع فل‬
‫فسخ لتبـين زوال ما كان الفسخ لجله‪ ،‬فإن أعسر بعد أن سلم نفقة اليوم الرابع بنفقة الخامس ثبت‬
‫ل‪ ،‬فمتى أنفق ثلثة أيام متوالية وعجز استأنفت‪ ،‬وإن أنفق دون‬ ‫الفسخ على المّدة فلها الفسخ حا ً‬
‫الثلثة بنت على ما قبله‪ .‬والحاصل أنه إن تخلل بـين اليسار والعسار دون ثلثة ثبت وإل‬
‫استأنفت )أو هي( أي الزوجة )بإذنه( أي القاضي لها في الفسخ لنه مجتهد في ذلك العسار‬
‫كالعنة‪ ،‬فل ينفذ منها قبل ذلك الذن ظاهرًا ول باطنًا‪ ،‬وعّدتها تحسب من وقت الفسخ‪ ،‬وليس لها‬
‫مع علمها بالعجز الفسخ قبل الرفع إلى القاضي أو المحكم ول بعده قبل الذن فيه‪ .‬نعم إن عجزت‬
‫ل وفسخت نفذ الفسخ‬ ‫عن الرفع إلى القاضي أو المحكم كأن قال لها‪ :‬ل أفسخ حتى تعطيني ما ً‬
‫ظاهرًا وباطنًا للضرورة‪ ،‬وإن لم يكن في محلها قاض ول محكم استقلت بالفسخ فتقول‪ :‬فسخت‬
‫نكاحي‪ .‬وصورة المسألة أن الرفع للقاضي سبق إذ ل عبرة بمهلة بل قاض‪ ،‬وكذا يقال فيما سبق‪.‬‬
‫قال بعضهم‪ :‬والقياس لزوم الشهاد لها‪ ،‬وسئل الرملي عن شخص غاب عن البلد فهل تفسخ عليه‬
‫زوجته في صبـيحة الرابع كالحاضر أو كان الحكم خاصًا بالحاضر؟‪ .‬فأجاب بأنه إن شهدت بـينة‬
‫شرعية بأنه معسر الن عن نفقة المعسرين ولو باستنادها إلى الستصحاب بشرطه أمهله الحاكم‬
‫ثلثة أيام ومكنها من الفسخ صبـيحة الرابع‪ ،‬وحينئذ فالحكم شامل للحاضر والغائب‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)مهمات(‪ :‬سئل بعضهم عن رجل يملك عصابة عليها ذهب وفضة ولؤلؤ دفعها لزوجته على‬
‫السكوت من غير أن يذكر لها أنها وديعة أو هبه فهل تملكها بمجرد وضع اليد عليها أم كيف‬
‫الحال؟‪ .‬فأجاب بقوله‪ :‬العصابة المذكورة أمانة شرعية بـيد الزوجة المذكورة‪ ،‬وللزوج نزعها‬
‫ي وقت أراده لنها ملكه ولم يصدر منه صيغة شرعية تنقل ملكه عنها للزوجة‬ ‫منها قهرًا عليها أ ّ‬
‫فهي باقية على ملكه‪ ،‬وما اشتهر على ألسنة العامة من أن كل شيء تتمتع فيه المرأة يصير ملكًا‬
‫لها كلم باطل ل أصل له‪ ،‬ولو اختلف الزوجان أو وارثاهما أو أحدهما ووارث الخر في أمتعة‬
‫ل فلكل تحليف الخر إن لم يكن بـينة ول اختصاص بـيد‪،‬‬ ‫دار فإن صلحت لحدهما فقط فله‪ ،‬وإ ّ‬
‫فإن حلفا جعلت بـينهما‪ ،‬وإن نكل أحدهما حلف الخر وقضى له بها‪ ،‬ولو اشترى حليًا وديباجًا‬
‫وزينها بذلك ل يصير ملكًا لها بذلك التزيـين‪ ،‬ولو اختلفت هي والزوج في الهداء والعارية‬
‫صدق‪ ،‬ومثله وارثه‪ ،‬ولو جهز بنته بجهازه لم تملكه إل بإيجاب وقبول‪ ،‬والقول قوله‪ :‬إنه لم‬
‫يملكها‪ ،‬ويؤخذ من ذلك أن ما يعطيه الزوج مصلحة أو صباحية كما اعتيد ببعض البلد ل يملك‬
‫إل بلفظ أو قصد إهداء‪ ،‬وأما مصروف العرس فليس بواجب‪ ،‬فإذا صرفته بإذنه ضاع عليه‪ ،‬وأما‬
‫الدفع أي المهر فإن كان قبل الدخول استرّده‪ :‬أي استرّد نصفه وإل فل لتقرره به فل يسترد‬
‫ل‪ ،‬أو‬ ‫بالدخول‪ ،‬والمصلحة‪ :‬هي ما يناوله الزوج لزوجته من دراهم أو دنانير وقت لقائه معها لي ً‬
‫ل من لقائه‪ ،‬والصباحية‪ :‬هي ما يأكله الضيوف وقت الصباح في ليلة دخوله‬ ‫من ثياب بعد يوم مث ً‬
‫ل وغيرها من السراج وغيره‪.‬‬ ‫بها من طعام‪ ،‬والمصروف‪ :‬ما يصرف للريكة مث ً‬
‫رقم الصفحة‪273 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب الجناية‬

‫أي على البدان‪ ،‬عبر بها دون الجراح لشمولها القتل بسّم‪ ،‬أو مثقل‪ ،‬أو سحر‪ .‬والقتل ظلمًا أكبر‬
‫الكبائر بعد الكفر ومثبت لستحقاق العقوبة في الدنيا والخرة‪ ،‬ول يتحتم دخول القاتل في النار‬
‫ول يخلد فيها وأمره إلى ال إن شاء عذبه وإن شاء غفر له‪ ،‬وتقبل توبته‪ ،‬أما الخلود في الية‬
‫فمحمول على طول المدة أو محمول على من استحله وبالقود أو العفو ل تبقى مطالبة أخروية‪،‬‬
‫وما أفهمه بعض العبارات من بقائها محمول على حقه تعالى‪ ،‬إذ ل يسقطه إل توبة صحيحة‪.‬‬
‫والجناية على البدن ثلثة عمد وشبهه وخطأ‪.‬‬
‫)ل قصاص إل في عمد( ظلم )وهو قصد فعل وشخص( أي إنسان مع ظن كونه إنسانًا )بما يقتل(‬
‫ض رأسه بحجر كبـير )وقصدهما( أي الفعل‬ ‫بالنسبة لذلك النسان كسيف أو مثقل‪ ،‬كأن ر ّ‬
‫والنسان وإن ظن كونه غير إنسان )بغيره( أي غير ما يقتل )شبه عمد( سواء أقتل كثيرًا أم نادرًا‬
‫كضربة يمكن عادة إحالة الهلك عليها بخلفها بنحو قلم أو مع خفتها جدًا أو ثقلها مع كثرة الثياب‬
‫فموته موافقة قدر‪ ،‬وكذا بما قتل غالبًا حيث لم يقصد عين المقتول‪ ،‬ومن شبه العمد ضرب بسوط‬
‫أو عصا خفيفين بل توال‪ ،‬ولم يكن الضرب بمقتل‪ ،‬ولم يكن بدون المضروب نحيفًا ول ضعيفًا‪،‬‬
‫ولم يقترن بشدة حر أو برد وإل فعمد‪ ،‬وكالتوالي ما لو فرق الضربات وبقي ألم كل إلى ما بعده‪،‬‬
‫)وعدم قصد( الفعل وعين النسان‪ ،‬أو قصد )أحدهما( بأن لم يقصد الفعل‪ ،‬كأن زلق فوقع على‬
‫غيره فمات‪ .‬أو قصد الفعل وقصد عين إنسان فأصاب غيره من الدميـين )خطأ( فخرج‬
‫بالدميـين الجن فإنه ل يضمن لن الشارع لم يتكلم عليه في القود‪ ،‬ولنه ل يعلم مكافأته‪،‬‬
‫والحيوانات فإنها تضمن من غير تفصيل‪ ،‬والوقوع منسوب للواقع‪ ،‬وفقد قصد الفعل يلزمه فقد‬
‫الشخص‪ ،‬وعكسه محال وهو قصد الشخص دون الفعل‪.‬‬
‫واعلم أن الفعل غير المزهق ينقسم إلى ثلثة أيضًا‪ :‬فلو غرز إبرة بمقتل كالدماغ والعين والحلق‬
‫والخاصرة فمات فعمد‪ ،‬وكذا لو غرزها بغيره كاللية والفخذ إن تألم تألمًا شديدًا دام به حتى مات‬
‫ل فهو عمد‬ ‫لذلك‪ ،‬وهذا إذا كان الغرز في بدن غير صغير‪ ،‬أو شيخ هرم‪ ،‬أو ضعيف الخلقة‪ ،‬وإ ّ‬
‫مطلقًا قطعًا‪ ،‬فإن لم يشتّد اللم أو اشتّد ثم زال ومات في الحال أو بعد زمن يسير فشبه عمد‪ ،‬ولو‬
‫غرزها فيما ل يؤلم كجلدة عقب ولم يتألم به فمات فل شيء فيه بحال من قصاص أو دية لنه لم‬
‫يمت به‪ ،‬والموت عقبه موافقة قدر‪ ،‬ولو منعه طعامًا أو شرابًا وطلبًا له حتى مات فإن مضت مدة‬
‫من ابتداء منعه يموت مثله فيها غالبًا جوعًا أو عطشًا فعمد لظهور قصد الهلك به‪ ،‬وإن لم‬
‫تمض المّدة المذكورة فإن لم يسبق منعه جوع عطش فشبه عمد‪ ،‬وإن سبقه وعلمه المانع فعمد‪،‬‬
‫وإن لم يعلمه فنصف دية شبه العمد‪ ،‬وخرج بالمنع ما لو أخذ طعامه أو شرابه بمفازة وحده فيها‬
‫فمات بذلك فهدر‪ ،‬لنه لم يحدث فيه صنعًا كما قاله السنباطي ‪ ،‬ومثل المنع من الطعام التعرية عن‬
‫الثياب وقت البرد والدخن بالدخان‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪310 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ولو وجد( في واحد حال كون الفعلين )من شخصين معًا( أي حال كونهما مقترنين في زمن‬
‫الجناية بأن تقارنا في الصابة )فعلن مزهقان( أي مخرجان للروح )مذففان( أي مسرعان للقتل‬
‫)كحّز( أي قطع للرقبة )وقّد( أي شق للبدن )أول( أي غير مذففين )كقطع عضوين( أو عضو من‬
‫واحد‪ ،‬وأعضاء كثيرة من آخر فمات المقطوع منهما )فقاتلن( يجب عليهما القصاص‪ ،‬فإن آل‬
‫ب جرح له نكاية في‬‫المر إلى الدية وزعت على عدد الرؤوس ل العضاء والجراحات إذ ر ّ‬
‫الباطن أكثر من جروح‪ ،‬وإن كان أحدهما مذففًا دون الخر‪ ،‬فالمذفف هو القاتل فل يقتل الخر‪،‬‬
‫وإن شككنا في تذفيف جرحه لن الصل عدمه والقود ل يجب بالشك مع سقوطه بالشبهة‪) ،‬أو(‬
‫وجد الفعلن من اثنين في واحد )مرتبًا فالّول( هو القاتل )إن أنهاه( أي أوصله )إلى حركة‬
‫مذبوح( بان لم يبق في المضروب إبصار واختيار ونقطه وحركته لنه صيره إلى حالة الموت‪،‬‬
‫ول فرق في فعل الّول بـين كونه عمدًا أو خطأ أو شبه عمد )ويعزر الثاني( لهتكه بحرمة ميت‬
‫وإن لم ينهه الّول إلى حركة مذبوح‪ ،‬فإن ذفف الثاني كحز بعد جرح فهو القاتل وعلى الّول‬
‫ل وإن لم يذفف الثاني أيضًا ومات المجنى عليه بالجنايتين كأن أحافاه أو‬
‫ضمان جرحه قودًا‪ ،‬أو ما ً‬
‫قطع الّول يده من الكوع والثاني من المرفق فهما قاتلن بطريق السراية فعليهما الضمان‪.‬‬
‫واعلم أن أركان القود في النفس ثلثة‪ :‬قتيل‪ ،‬وقاتل‪ ،‬وقتل‪ ،‬وأن أركانه في الطراف ثلثة أيضًا‪:‬‬
‫قاطع‪ ،‬ومقطوع‪ ،‬وقطع‪ ،‬وأن أركانه في المعاني كذلك‪ :‬مزيل‪ ،‬ومزال‪ ،‬وإزالة‪) .‬وشرط( لوجوب‬
‫القصاص في القتل كونه عمدًا ظلمًا فل قود في الخطأ وشبه العمد وغير الظلم بأن كان قصاصًا و‬
‫)في قتيل عصمة( بإيمان أو أمان‪ :‬كعقد جزية‪ ،‬أو عهد‪ ،‬أو أمان مجرد‪ ،‬أو ضرب رق لنه‬
‫ل للمسلمين ومالهم في أمان لعصمته حينئذ فيهدر صائل بالنسبة لكل أحد‬ ‫بضرب الرق يصير ما ً‬
‫إذا تعين قتله في دفع شره ومن عليه قصاص بالنسبة لقاتله لستيفائه حقه‪ ،‬أما بالنسبة لغيره‬
‫كغيره في العصمة‪ ،‬وحربـي ولو صبـيًا وامرأة وعبدًا‪ ،‬ومرتد في حق معصوم فيقتل بمرتد مثله‪،‬‬
‫وزان محصن قتله مسلم ليس كذلك لستيفائه حد ال تعالى سواء أثبت زناه بإقراره أم ببـينة‪ ،‬أما‬
‫لو قتله مثله أو مرتد أو ذمي فيقتل به‪.‬‬
‫)و( شرط في )قاتل( أمران )تكليف( ولو من سكران أو ذمي أو مرتد‪ ،‬فل يقتل صبـي ومجنون‬
‫حال القتل وإن تقطع جنونه‪ ،‬ولو قال‪ :‬كنت وقت القتل صبـيًا وأمكن صباه فيه‪ ،‬أو مجنونًا وعهد‬
‫جنونه قبله حلف فيصدق‪ ،‬أو قال‪ :‬أنا صبـي الن وأمكن فل قصاص ول يحلف على صباه‬
‫)ومكافأة( أي مساواة من المقتول لقاتله حال الجناية بأن ل يفضل قتيله حينئذ )بإسلم( أو أمان‬
‫)أو حرية( كاملة )أو أصالة( أو سيادة فل يقتل مسلم ولو زانيًا محصنًا بكافر ولو ذميًا خلفًا لبي‬
‫حنيفة ‪ ،‬وإن ارتد المسلم لعدم المكافأة حال الجناية إذ العبرة في العقوبات بحالها‪ ،‬ويقتل ذو أمان‬
‫بمسلم وبذي أمان وإن اختلفا دينًا أو أسلم القاتل ولو قبل موت الجريح لتكافئهما حال الجناية‪،‬‬
‫ويقتل مرتد حربـي لذلك‪ ،‬ول يقتل حر بغيره ولو مبعضًا لعدم المكافأة‪ ،‬ول مبعض بمثله‪ ،‬وإن‬
‫فاته حرية كأن كان نصف المقتول حرًا وربع القاتل حرًا‪ ،‬ويقتل رقيق برقيق وإن عتق القاتل ولو‬
‫قبل موت الجريح ل مكاتب برقيقه الذي ليس أصله‪ ،‬ول قود بـين رقيق مسلم وحر كافر‪ ،‬ويقتل‬
‫فرع بأصله ل أصل بفرعه‪ ،‬ول أصل لجل فرعه كأن قتل رقيقه‪ ،‬أو زوجته‪ ،‬أو عتيقه‪ ،‬أو أمه‪،‬‬
‫أو زوجة نفسه وله منها ولد لنه إذا لم يقتل بجنايته على فرعه‪ ،‬فلن ل يقتل بجنايته على من له‬
‫في قتله حق أولى‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪310 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ويقتل جمع بواحد( لن عمر رضي ال عنه قتل سبعة أو خمسة من أهل صنعاء برجل واسمه‬
‫أصيل‪ ،‬وسببه‪ :‬قتله زوجة أبـيه فقتلوه غيلة‪:‬أي على غفلة في موقع خال‪ ،‬وقال‪ :‬لو تمال عليه أهل‬
‫ي رضي ال عنه ثلثة بواحد‪ ،‬وقتل المغيرة سبعة بواحد‪ ،‬وقال‬ ‫صنعاء لقتلتهم جميعًا به‪ ،‬وقتل عل ّ‬
‫ابن عباس ‪ :‬إذا قتل جماعة واحدًا قتلوا به ولو كانوا مائة‪ .‬وحاصل ذلك أنهم إذا ألقوه من شاهق‬
‫جبل‪ ،‬أو في ماء‪ ،‬أو نار قتلوا مطلقًا‪ :‬أي سواء تواطئوا أو ل‪ ،‬وأما إذا قتلوه بجراحات أو‬
‫ضربات فيفصل‪ ،‬فإن كان فعل كل يقتل لو انفردوا قتلوا مطلقًا أيضًا‪ ،‬وإن كان فعل كل ل يقتل لو‬
‫ل فل يقتلون وتجب الدية‪ ،‬وكل ذلك إذا‬ ‫انفرد لكن له دخل في القتل فيفصل‪ ،‬فإن تواطئوا قتلوا وإ ّ‬
‫ل فصاحب ذلك الفعل ل دخل له ل في‬ ‫كان فعل كل له دخل في القتل فإن كان خفيفًا ل يؤثر أص ً‬
‫قصاص ول دية‪ ،‬وأما إذا كان فعل بعض يقتل لو انفرد وفعل بعض ل يقتل لو انفرد لكن له دخل‬
‫في القتل في الجملة‪ ،‬فصاحب الّول يقتل مطلقًا وصاحب الثاني يقتل إن تواطئوا وإل فل يقتل بل‬
‫ي العفو عن بعضهم بحصته من الدية وقتل البعض الخر وعن‬ ‫تجب حصته من الدية‪ ،‬وللول ّ‬
‫جميعهم على أخذ الدية‪ ،‬ثم إن كان القتل بجراحات وزعت الدية باعتبار عدد الرؤوس لن تأثير‬
‫الجراحات ل ينضبط وقد يزيد ضرر الجرح الواحد على جراحات كثيرة فتوزع الدية على‬
‫عددهم‪ ،‬فعلى الواحد من العشرة عشرها وسواء كانت جراحات بعضهم أفحش أو جراحات‬
‫بعضهم أكثر أم ل‪ ،‬ولو كانت جراحات بعضهم ضعيفة ل تؤثر في الزهوق كالخدشة الخفيفة فل‬
‫اعتبار بها‪ ،‬وإن كان بالضرب فعلى عدد الضربات لنها تلقي الظاهر‪ ،‬ول يعظم فيها التفاوت‬
‫بخلف الجراحات وذلك حيث اتفقوا على عدد الضربات‪ ،‬فإن اتفقوا على أصل الضرب واختلفوا‬
‫في عددها أخذ من كل المتيقن ووقف المر فيما بقي إلى الصلح‪ ،‬ولو ضربوه بسياط فقتلوه‬
‫وضرب كل منهم ل يقتل لو انفرد ومجموعها يقتل غالبًا قتلوا إن تواطئوا على ضربه وإل بأن‬
‫وقع الضرب اتفاقًا فدية العمد تجب عليهم باعتبار عدد الضربات‪ ،‬وإنما لم يعتبر التواطؤ في‬
‫الجراحات ونحوها لن ذلك يقصد به الهلك بخلف الضرب بنحو سوط‪ ،‬أما إذا كان ضرب‬
‫كل منهم يتقل فيقتلون مطلقًا‪ ،‬وإذا آل المر إلى الدية وزعت على الضربات )موجب العمد( في‬
‫نفس أو طرف وهو بفتح الجيم أي مسبب العمد )قود( بفتح الواو أي قصاص سمي قودًا لنهم‬
‫يقودون الجاني وغيره بحبل أو نحوه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪310 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)والدية( في النفس وأرش غيرها )بدل( عن المجنى عليه عند سقوط القصاص بموت الجاني‪ ،‬أو‬
‫إرث بعض القصاص أو بعفو عنه على الدية‪ ،‬فلو عفا المستحق عن القصاص مجانًا كأن يقول‪:‬‬
‫عفوت عنك بل دية أو مطلقًا بأن لم يتعرض للدية بالثبات ول بالنفي فل شيء لن القتل ل‬
‫يوجبها والعفو إسقاط ثابت وهو القود ل إثبات معدوم وهو الدية‪ ،‬والعفو سنة مؤكدة وبغير مال‬
‫أفضل )وهي( أي الدية الواجبة ابتداء كما في قتل الوالد ولده على نوعين‪ ،‬أما الدية الواجبة بد ً‬
‫ل‬
‫عن القود ل تكون إل مغلظة‪ :‬الّول‪ :‬مغلظة من وجه واحد كما في شبه العمد‪ ،‬وهو كون الدية‬
‫ن‪.‬‬
‫مثلثة أو من ثلثة أوجه كما في العمد‪ ،‬وهي كونها على الجاني وحالة ومن جهة الس ّ‬
‫والثاني‪ :‬مخففة من وجهين كما في شبه العمد وهما وجوبها على العاقلة ووجوبها مؤجلة في ثلث‬
‫سنين أو من ثلثة أوجه كما في الخطأ‪ ،‬وهي كونها مخمسة وعلى العاقلة وكونها مؤجلة في ثلث‬
‫سنين فدية حّر مسلم ذكر معصوم غير جنين إذا صدر القتل من حّر )مائة بعير( إجماعًا سواء‬
‫أوجبت بالعفو‪ ،‬أو ابتداء كقتل اليهودي والنصراني‪ ،‬أما إذا صدر قتل ذلك من رقيق فالواجب أقل‬
‫المرين من قيمة القاتل والدية هذا إذا كان الرقيق غير رقيق المقتول )مثلثة في عمد وشبهه( وكذا‬
‫في خطأ في مواضعه التية‪ ،‬ويزيد تغليظ دية العمد بكونها على الجاني )ثلثون حقة وثلثون‬
‫ل بقول خبـيرين عدلين وإن لم تبلغ خمس سنين‬ ‫جذعة وأربعون خلفة( بكسر اللم أي حام ً‬
‫)ومخمسة في خطأ من بنات مخاض و( بنات )لبون وبني لبون وحقاق( أي إناث )وجذاع( أي‬
‫إناث‪ ،‬فالحقاق تشمل الذكور والناث‪ ،‬لكن المراد هنا الناث والجذاع كذلك كما نقل عن المختار‪،‬‬
‫فالجذع بفتحتين يجمع على جذعان وجذاع‪ ،‬والجذعة وهي النثى تجمع على جذعات وجذاع‬
‫أيضًا‪ ،‬لكن المراد هنا الناث لن إجزاء الذكور منهما لم يقل به أحد من أصحاب الشافعي )إل(‬
‫إن وقع الخطأ )في مكة( أي حرمها وإن خرج المجروح فيه منه ومات سراية خارجة بخلف‬
‫عكسه‪ ،‬فلو رمى من بعضه في الحل وبعضه في الحرم أو رمى من الحل إنسانًا فيه فمر السهم‬
‫في هواء الحرم غلظ ول يختص التغليظ بالقتل‪ ،‬فإن الجراح في الحرم مغلظة وإن لم يمت معها‬
‫أو مات معها خارجه بغير السراية بأن مات خارجه فورًا )أو( في )أشهر حرم( ذي القعدة وذي‬
‫الحجة والمحرم ورجب لعظم حرمتها‪ ،‬ول يلتحق بها شهر رمضان وإن كان سيد الشهور لن‬
‫المتبع في ذلك التوقيف‪.‬‬
‫)أو محرم رحم( بالضافة كأم وأخت فخرج نحو بنت عم و أم زوجة لن المحرمية ليست ناشئة‬
‫من الرحم أي القرابة بل ناشئة من كونها أم زوجته )فمثلثة( فأسباب تغليظ الدية خمسة‪ :‬كون‬
‫القتل عمدًا‪ ،‬أو شبه عمد‪ ،‬أو في الحرم‪ ،‬أو في الشهر الحرم‪ ،‬أو في محرم رحم‪ ،‬وأسباب تنقيص‬
‫الدية أربعة‪ :‬النوثة‪ ،‬والرق‪ ،‬وقتل الجنين‪ ،‬والكفر‪ ،‬فالول يرّدها إلى الشطر‪ ،‬والثاني إلى القيمة‪،‬‬
‫والثالث إلى الغرة‪ ،‬والرابع إلى الثلث أو أقل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪310 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ودية عمد على جان معجلة( لنها قياس بدل المتلفات‪) .‬و( دية )غيره( من شبه عمد وخطأ )على‬
‫عاقلة مؤجلة بثلث سنين( في آخر كل سنة ثلث من الدية فدية الخطأ وإن تثلثت لحد السباب‬
‫المذكورة فهي مخففة من وجهين ودية شبه العمد وإن خففت من هذين فهي مغلظة من وجه واحد‬
‫فهذا لخذه شبهًا من العمد والخطأ ملحق بكل منهما من وجه ويجوز في معجلة ومؤجلة الرفع‬
‫ل‪ ،‬وعاقلة جان عصبته المجمع على إرثهم وقت الجناية من النسب أو الولء‬ ‫خبرًا والنصب حا ً‬
‫إذا كانوا ذكورًا مكلفين‪ ،‬فعلى الغني منهم نصف دينار والمتوسط ربع دينار كل سنة من الثلث‬
‫بمعنى مقدار النصف والربع ل عينهما لن البل هي الواجبة وما يؤخذ يصرف إليها‪ .‬وضابط‬
‫الغني هنا أن يكون مالكًا زيادة على كفاية العمر الغالب عشرين دينارًا‪ ،‬والمتوسط أن يكون مالكًا‬
‫زيادة على ذلك فوق ربع دينار ودون عشرين دينارًا‪ ،‬وإذا لم يملك كفاية العمر الغالب يكون فقيرًا‬
‫والفقير ل يجب عليه التحمل‪ ،‬فإن فقد العاقل أو لم يف بالواجب عقل بـيت المال عن المسلم الكل‬
‫أو ما بقي فيؤخذ من سهم المصالح منه فإن فقد بـيت المال أو منع متوليه ذلك ظلمًا أو كان ثم‬
‫مصرف أهم فعلى الجاني‪ ،‬ول يحمل أصله ول فرعه لنه الصل في اليجاب بخلفهما‪ ،‬وشرط‬
‫تحمل العاقلة أن تكون صالحة لولية النكاح‪.‬‬
‫)ولو عدمت إبل( حسًا بأن لم توجد في موضع يجب تحصيلها منه أو شرعًا بأن وجدت فيه بأكثر‬
‫من ثمن المثل أو بعدت وعظمت المؤنة والمشقة )فقيمتها( تلزم وقت وجوب تسليمها وهو وقت‬
‫طلبها ل وقت الجناية بالغة ما بلغت لنها بدل متلف فيرجع إلى القيمة عند إعوازها‪ ،‬وتقّوم بنقد‬
‫بلد العدم الغالب لنه أقرب من غيره وأضبط‪ ،‬فإن كان فيه نقدان فأكثر ل غالب فيهما تخير‬
‫الجاني بـينهما هذا إن لم يمهله المستحق‪ ،‬فإن أمهله بأن قال له المستحق‪ :‬أنا أصبر حتى توجد‬
‫البل لزمه امتثاله لنها الصل‪ ،‬ولو أخذت القيمة فوجدت البل لم ترّد لتشترى البل لنفصال‬
‫المر بالخذ )والقود( يثبت )للورثة( العصبة وذوي الفروض بحسب إرثهم المال سواء أكان‬
‫الرث بنسب أو بسبب كالزوجين والمعتق وينتظر وجوبًا غائبهم إلى أن يحضر أو يأذن وكمال‬
‫صبـيهم ببلوغه‪ ،‬ومجنونهم بإفاقته‪ ،‬ويجب على الحاكم حبس الجاني على نفس أو غيرها إلى‬
‫ي ول حضور غائب ضبطًا للحق مع‬ ‫حضور المستحق أو كماله من غير توقف على طلب ول ّ‬
‫عذر مستحقه ول يخلى بكفيل لنه قد يهرب فيفوت الحق وهذا في غير قاطع الطريق‪ ،‬أما هو‬
‫ل واحد من الورثة أو من غيرهم بتراض منهم أو بقرعة‬ ‫فيقتله المام مطلقًا ول يستوفي القود إ ّ‬
‫بـينهم إذا لم يتراضوا بل قال كل‪ :‬أنا أستوفيه مع إذن من الباقين في الستيفاء بعدها‪ ،‬فمن خرجت‬
‫قرعته توله بإذن الباقين وليس لهم أن يجتمعوا على استيفائه لن فيه تعذيبًا للمقتص منه ولهم‬
‫ذلك إذا كان القود بنحو إغراق‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪310 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب في الردة‬

‫أعاذنا ال تعالى منها‪ ،‬وهي أفحش أنواع الكفر وأغلظها حكمًا‪ ،‬لن من أحكام الرّدة بطلن‬
‫التصرف في أمواله بخلف الكافر الصلي‪ ،‬ول يقر بالجزية‪ ،‬ول يصح تأمينه‪ ،‬ول مهادنته‪ ،‬بل‬
‫متى لم يتب حال قتل وهي محبطة للعمل كأنه لم يعمل شيئا إن اتصلت بالموت وإل حبط ثوابه‬
‫دونه فل تلزم إعادته‪.‬‬
‫)الردة( لغة الرجوع عن الشيء إلى غيره وقد انطلق مجازًا لغويًا على المتناع من أداء الحق‬
‫كما نعي الزكاة في زمن أبـي بكر الصديق رضي ال عنه فإنهم لم يرتدوا حقيقة وإنما منعوا‬
‫ل‪ ،‬وشرعًا )قطع مكلف( مختار ل صبـي ومجنون ومكره )إسلمًا(‬ ‫الزكاة بتأويل وإن كان باط ً‬
‫ل لن استدامة‬ ‫أي دوامه )بكفر عزمًا( بأن نوى أن يكفر في الحال أو أن يكفر في غد فيكفر حا ً‬
‫ل باعتقاد( أي مع اعتقاد لذلك العزم‬‫ل أو فع ً‬
‫ل )أو قو ً‬
‫السلم شرط فإذا عزم على الكفر كفر حا ً‬
‫أو القول أو الفعل كأن قال لشخص‪ :‬يا كافر معتقدًا أن المخاطب متصف بذلك حقيقة‪) ،‬أو( مع‬
‫)عناد( أي معاندة شخص ومخاصمة له وقد عرف بباطنه أنه الحق وامتنع أن يقّر به )أو( مع‬
‫)استهزاء( أي تحقير واستخفاف‪ ،‬فخرج به من يريد إبعاد نفسه أو الطلق بقوله‪ :‬ل أفعل كذا‬
‫ل‪ ،‬وخرج عن ذلك من سبق لسانه إلى قول مكفر وذلك )كنفي صانع(‬ ‫وإن جاءني النبـي مث ً‬
‫كالدهريـين الزاعمين أن العالم لم يزل موجودًا كذلك بل صانع أو اعتقاد حدوث الصانع أو قدم‬
‫العالم‪) .‬و( نفي )نبـي( مجمع عليه في نبوته أو نفي رسول كذلك أو تكذيبه‪ ،‬أو تنقيصه بأي‬
‫منقص كأن صغر اسمه مريدًا تحقيره أو تجويز نبوة أحد بعد وجود نبـينا محمد ‪ ،‬وتمني النبوة‬
‫بعد وجود نبـينا محمد عليه الصلة والسلم كتمني كفر مسلم بقصد الرضا به ل التشديد عليه‬
‫ل‪ ،‬ويؤخذ من هذا جواز الدعاء على الظالم بسوء الخاتمة كما نقله الشبراملسي عن‬ ‫لكونه ظلمه مث ً‬
‫ابن قاسم ‪.‬‬
‫)وجحد مجمع عليه( معلوم من الدين بالضرورة وهو ما يشترك في معرفته الخاص والعام‪:‬‬
‫كالصلة المكتوبة أو الراتبة‪ ،‬وكنحو النصف للزوج إرثًا‪ ،‬وحلل البـيع والنكاح وحرمة الزنا‬
‫والخمر‪ ،‬أما ما ل يعرفه إل الخواص كاستحقاق بنت البن السدس مع بنت الصلب وكحرمة نكاح‬
‫المعتد للغير فل كفر بجحده لنه ليس فيه تكذيب وإن علمه ثم أنكره كما اعتمده الشبراملسي ‪.‬‬
‫)وسجود لمخلوق( إل لضرورة كأن كان في بلد الكفار وأمروه به وخاف على نفسه‪ ،‬وخرج‬
‫بالسجود الركوع فل كفر به وإن كان حرامًا ما لم يقصد به التعظيم للمخلوق كتعظيم ال وإل كان‬
‫كفرًا أيضًا‪ ،‬أما ما جرت به العادة من خفض الرأس والنحناء إلى حد ل يصل به إلى أقل الركوع‬
‫فل كفر به ول حرمة أيضًا لكن ينبغي كراهته كما قاله الشبراملسي )وتردد في كفر( هل يكفر أو‬
‫ل؟ وإنما كان مكفرًا لن استدامة اليمان واجبة والتردد ينافيها وفي إلحاق التردد في فعل مكفر‬
‫بالتردد في اللقاء تردد في الكفر تأمل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪314 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل )مرتد( بأن يؤمر بالشهادتين فيأتي بهما مع ترتيبهما وموالتهما وإن كان‬ ‫)ويستتاب( وجوبًا حا ً‬
‫مقرًا بأحدهما وإن كان كفره بما ل ينافي القرار بهما أو بأحدهما كإنكار مجمع عليه إل أنه ل بد‬
‫ل دين يخالف دين السلم‪،‬‬ ‫في هذا مع التيان بالشهادتين من العتراف بما أنكره أو التبّري من ك ّ‬
‫وفي قول يمهل بسبب الستتابة ثلثة أيام‪ :‬بمعنى أن كل يوم تعرض التوبة عليه‪ ،‬فأّول يوم من‬
‫الثلث يخوف بالضرب الخفيف‪ ،‬وثاني يوم بالثقيل‪ ،‬والثالث بالقتل‪) .‬ثم( إن تاب بالنطق‬
‫بالشهادتين بشروطه ترك ولو كان منافقًا أو تكرر ذلك منه‪ ،‬لكن يعزر إن تكرر وإل )قتل( والقتل‬
‫هنا بضرب العنق دون غيره بخلف القتل قصاصًا فيقتل القاتل بمثل فعله للمناسبة‪ ،‬ول يتولى‬
‫القتل سوى المام أو نائبه فإن افتات عليه أحد عزر )بل إمهال( إل إن كان المرتّد سكران‪ ،‬فيس ّ‬
‫ن‬
‫ل فتهمل حتى تضع حملها لما يلزم عليه من‬ ‫التأخير إلى الصحو وإل إذا كانت المرتّدة حام ً‬
‫إتلفه‪ ،‬وذلك لقوله ‪» :‬من بدل دينه فاقتلوه« ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪314 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب الحدود‬

‫أي حد الزنا بقسيمه‪ ،‬وحد القذف‪ ،‬وحد شرب الخمر‪ ،‬وحد السرقة‪ .‬وأشار المصنف إلى الّول‬
‫ل وإن كان الخر غير مكلف‬ ‫ل كان أو مفعو ً‬‫بقوله‪) :‬يجلد( وجوبًا )إمام( أو نائبه )حرًا مكلفًا( فاع ً‬
‫)زنى( بإيلج حشفة ذكر أصلي متصل أو قدرها عند فقدها في فرج واضح محرم في نفس المر‬
‫لعين اليلج خال عن الشبهة مشتهى طبعًا بأن كان فرج حي آدمي أو جني وإن لم يكن على‬
‫صوره الدمي )مائة( من الجلدات ولء‪ ،‬فلو فرقها نظر‪ ،‬فإن لم يزل اللم لم يضر‪ ،‬وإل فإن كان‬
‫ل وإن كان دون ذلك ضر فيستأنف لن الخمسين حد الرقيق‪.‬‬ ‫خمسين فيبني على ما جلده أو ً‬
‫)ويغرب( أي الزاني )عامًا( إلى مسافة قصر فأكثر )إن كان( أي الزاني )بكرًا( سواء كان واطئًا‬
‫أو موطوءًا وهو من لم يطأ أو يوطأ في نكاح صحيح‪.‬‬
‫والحاصل أن شروط التغريب ستة‪ :‬أن يكون من المام‪ ،‬أو نائبه‪ ،‬وأن يكون عامًا‪ ،‬وأن يكون إلى‬
‫مسافة القصر فما فوق‪ ،‬وأن يكون إلى بلد معين‪ ،‬وأن يكون الطريق والمقصد آمنًا‪ ،‬وأن ل يكون‬
‫بالبلد طاعون لحرمة دخوله‪ ،‬ويزاد في حق المرأة والمرد الجميل أن يخرجا مع نحو محرم‪،‬‬
‫ويصدق بـيمينه في مضي عام عليه حيث ل بـينة‪ ،‬ويحلف ندبًا إن اتهم لبناء حقه تعالى على‬
‫المسامحة )ل( إن زنى )مع ظن حل( كأن جهل تحريم ذلك لقرب عهده بالسلم أو بعده عن‬
‫العلماء وكأن وطىء امرأة أجنبـية يظنها زوجته‪ ،‬أو وطىء أحد الشريكين المة المشتركة بـينهما‬
‫فل حد بذلك لشبهة الفاعل والمحل‪ ،‬وليس من شبهة المحل بـيت المال فيحد بوطء أمة بـيت المال‬
‫وإن كانت من سهم المصالح الذي له حق فيه وإن خاف الزنا إذ ل يستحق فيه التزويج بحال‬
‫بخلف أمة ولده فل يحد بوطئها لنه يستحق التزويج‪ ،‬ولو قالت امرأة‪ :‬بلغني وفاة زوجي‬
‫فاعتدت وتزوجت فل حّد عليها وإن لم تقم قرينة على ذلك‪) .‬أو( مع )تحليل عالم( يعتد بخلفه‬
‫جّد بها وإن لم يقصد تقليده ول يعاقب عليها في‬‫لشبهة إباحته وهي المسماة بشبهة المذهب فإنه ل ُي َ‬
‫ي بأن تزوج نفسها مع الشهود كمذهب أبـي حنفية‪ ،‬ونكاح بل شهود وقت‬ ‫الخرة كنكاح بل ول ّ‬
‫العقد ووقت الدخول على المرأة كمذهب مالك فالواجب عنده وجود الشهود والشهرة عند إرادة‬
‫الدخول حيث لم توجد وقت العقد‪ ،‬وكنكاح مع التأقيت وهو نكاح المتعة ولو لغير مضطر كمذهب‬
‫ابن عباس بخلف النكاح بل ولي ول شهود معًا أو مع انتفاء أحدهما‪ ،‬لكن حكم بإبطاله أو‬
‫بالتفرقة بـين الزوجين من يعتقد البطلن ووقع الوطء بعد علم الواطىء به فيحد إذ ل شبهة حينئذ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أن شروط وجوب حد الزنا بالجلد أو بالرجم اثنا عشر‪ :‬أحدها‪ :‬أن يكون المولج مكلفًا‬
‫ولو كان المولج فيه غير مكلف فيحد المكلف وكذا عكسه فيحد المولج فيه‪ .‬وثانيها‪ :‬واضح‬
‫الذكورة فخرج الخنثى المشكل الذي له آلتان للرجال والنساء إذا أولج آلة الذكورة فل حّد عليه‬
‫لحتمال أنوثته ولحتمال كون هذا عرقًا زائدًا‪ ،‬أما إذا لم يكن له إل آلة واحدة فيجب الحد سواء‬
‫كان مولجًا أو مولجًا فيه‪ .‬ثالثها‪ :‬أولج جميع حشفته فخرج ما لو أولج بعض الحشفة فل حد‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬أصالة الذكر فخرج ما لو خلق له ذكران مشتبهان فأولج أحدهما فل حد للشك في كونه‬
‫أصليًا‪ .‬خامسها‪ :‬اتصال الذكر فخرج الذكر المبان فل حد فيه‪ .‬سادسها‪ :‬إيلج الحشفة في قبل‬
‫واضح النوثة فخرج ما لو أولج في فرج خنثى مشكل فل حد لحتمال ذكورته وكون هذا المحل‬
‫زائدًا‪ .‬سابعها‪ :‬أن ل يكون اليلج محرمًا لذاته فخرج المحرم لمر خارج كوطء زوجته أو أمته‬
‫في نحو حيض وصوم ودبر وقبل مضي مدة الستبراء‪ ،‬ومن المحرم لذات اليلج زوجته‬
‫خامسة فيحد بوطئها لنها لما زادت عن العدد الشرعي كانت كأجنبـية فجعلت محرمة لعينها لعدم‬
‫ما يزيل التحريم القائم بها ابتداء ومثلها مطلقة منه ثلثًا‪ ،‬وملعنة‪ ،‬ومعتدة‪ ،‬مرتدة‪ ،‬وذات زوج‪،‬‬
‫ومحرم ولو بمصاهرة‪ ،‬ومحرمة لتوثن فيحد بوطئها وإن كان قد تزوجها لنه ل عبرة بالعقد‬
‫الفاسد‪ ،‬أما مجوسية تزوجها فل يحد بوطئها للختلف في حل وطئها‪ .‬ثامنها‪ :‬أن يكون اليلج‬
‫محرمًا في نفس المر فخرج ما لو وطىء زوجته في قبلها ظانًا أنها أجنبـية فل حد عليه لنتفاء‬
‫حرمة الفرج في نفس المر وإن أثم أثم الزنا باعتبار ظنه فيفسق به وتسقط شهادته وتسلب‬
‫ل لها بأجنبـية‪.‬‬
‫الوليات عنه‪ ،‬فيحرم عليه وطء زوجته إذا ظنها أجنبـية كما يحرم وطؤها ممث ً‬
‫تاسعها‪ :‬الخلو عن الشبهة المسقطة للحّد فخرج وطء أمته المزوجة والمعتدة وأمته المحّرمِة بنسب‬
‫أو رضاع أو مصاهرة فل حد لشبهة الملك والوطء بإكراه وبجهة أباحها عالم يعتد بخلفه فل حد‬
‫لشبهة الكراه والخلف‪ .‬عاشرها‪ :‬أن يكون الفرج مشتهى طبعًا فخرج وطء الميتة والبهيمة فل‬
‫حد فيه لن فرجهما غير مشتهى طبعًا لكنه يعزر بذلك ولو في أّول مرة‪.‬‬
‫حادي عشرها‪ :‬أن يكون الواطىء ملتزمًا للحكام ولو حكمًا كالمرتد فخرج وطء حربـي ولو‬
‫معاهدًا‪.‬‬
‫وثاني عشرها‪ :‬أن يكون عالمًا بالتحريم فل حد على جاهل به حيث قرب عهده بالسلم أو نشأ‬
‫بعيدًا عن العلماء‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل كان أو امرأة حتى يموت إجماعًا‪ ،‬نعم ل رجم على‬ ‫)ويرجم( أي المام أو نائبه )محصنًا( رج ً‬
‫الموطوء في دبره‪ ،‬بل حده كحد البكر وإن أحصن‪ ،‬ولو زنى قبل إحصانه ولم يحد ثم زنى بعده‬
‫جلد ثم رجم ويسقط التعزير‪ ،‬والرجم يكون بمدر وحجارة معتدلة والختيار أن يكون ما يرمى به‬
‫ملء الكف‪ ،‬ويجب أن يتوقى الوجه وشرط إحصان حّد الزنا الوطء في نكاح صحيح مع الشروط‪.‬‬
‫واعلم أن الحصان له في اللغة معان‪ :‬منها المنع‪ ،‬كما في قوله تعالى‪} :‬لتحصنكم من بأسكم{ ))‬
‫ن فإن أتين‬
‫‪ (21‬النبـياء‪ :‬الية ‪ ،(80‬ومنها‪ :‬البلوغ والعقل كما في قوله تعالى‪} :‬فإذا أحص ّ‬
‫ن نصف ما على‬ ‫بفاحشة{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ ،(25‬ومنها‪ :‬الحرية كقوله تعالى‪} :‬فعليه ّ‬
‫المحصنات من العذاب{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ ،(25‬ومنها‪ :‬العفة عن الزنا كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫}والذين يرمون المحصنات{ ))‪ (24‬النور‪ :‬الية ‪ ،(4‬ومنها‪ :‬التزويج كقوله تعالى‪:‬‬
‫}والمحصنات من النساء{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ ،(24‬ومنها‪ :‬الوطء في النكاح كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫}محصنين غير مسافحين{ ))‪ (4‬النساء‪ :‬الية ‪ ،(24‬والمراد هنا الوطء في نكاح صحيح ولو مع‬
‫حيض وعدة شبهة‪ ،‬أو في نهار رمضان لن حقه بعد أن استوفى تلك اللذة الكاملة اجتناب الزنا‬
‫بخلف من لم يستوفها‪ ،‬أو استوفاها في دبر أو ملك أو وطء شبهة أو نكاح فاسد ولن الوطء في‬
‫النكاح يقوي طريق حل الزوجة وهو العقد بسبب دفع البـينونة بردة أو طلقة فل تحصل البـينونة‬
‫إل بثلث طلقات أو بانقضاء العدة إذا كان الطلق دونها ول بالردة إل إذا لم يجمع الزوجين‬
‫إسلم في العدة بخلف الطلق أو الردة قبل الوطء فإنه محصل للبـينونة‪ ،‬فعلم من هذا أن الوطء‬
‫مزية تقتضي توقف الحصان عليه فل يكتفي فيه بمجرد العقد‪.‬‬
‫)وأخر رجم( لزوال جنون طرأ بعد القرار و )لوضع حمل وفطام( حتى يوجد للولد كافل بعد‬
‫فطمه فلو أقيم على الحامل حد حرم واعتد به ول شيء في الحمل لنه لم تتحقق حياته وهو إنما‬
‫يضمن بالغرة إذا انفصل في حياة أمه‪ ،‬وأما ولدها إذا مات لعدم من يرضعه فيبنغي ضمانه لنه‬
‫بقتل أمه أتلف ما هو غذاء له كما قاله الشبراملسي ول يؤخر الرجم لحر وبرد مفرطين ولو ثبت‬
‫بإقرار ول لمرض ولو رجي برء‪ ،‬بخلف الجلد فإنه يؤخر لذلك وللحمل إل إذا كان ببلد ل ينفك‬
‫حرها أو بردها فل يؤخر ول ينقل إلى البلد المعتدلة لما فيه من تأخير الحد ولحوق المشقة‪ ،‬وإل‬
‫إذا لم يرج برء مرض أو جرح لكن ل يجلد بسوط ول بنعال إذا كان ألمها فوق ألم العرجون بل‬
‫بأطراف ثياب وبعرجون عليه مائة غصن فيضرب به الحر مرة فإن كان عليه خسمون غصنًا‬
‫ضرب به مرتين لتكميل المائة وعلى هذا القياس فيه وفي الرقيق‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ويثبت( أي الزنا )بإقرار( أي حقيقي مفصل ومنه أن يقول في وقت كذا في مكان كذا ولو قيل‪:‬‬
‫ل حاجة إلى تعيـين ذلك منه بل يكفي في صحة إقراره أن يقول‪ :‬أدخلت حشفتي في فرج فلنة‬
‫على وجه الزنا لم يبعد لنه ل يقر إل عن تحقيق ويكفي في القرار أن يكون مرة ول يشترط‬
‫تكرر أربعًا خلفًا لبي حنيفة ‪ ،‬ومثل القرار إشارة أخرس إن فهمها كل أحد وخرج بالقرار‬
‫الحقيقي الحكمي كاليمين المردودة بعد نكول الخصم فل يثبت به زنا‪ ،‬لكن يسقط بها حد القاذف‪.‬‬
‫)وبـينة( فصلت بذكر المزنى بها وكيفية الدخال ومكانه وزمانه‪ ،‬كأن تقول‪ :‬أشهد أنه أدخل‬
‫حشفته أو قدرها في فرج فلنة بمحل كذا وقت كذا على سبـيل الزنا‪ ،‬ويجب التفصيل ولو من‬
‫عالم موافق في المذهب‪ ،‬وسيأتي في فصل الشهادات أنها أربع رجال‪) .‬ولو أقّر( بالزنا )ثم رجع(‬
‫عن القرار‪ ،‬قبل الشروع في الحد أو بعده بنحو قوله‪ :‬رجعت أو كذبت‪ ،‬أو ما زنيت أي فإقراري‬
‫به كذب أو فاخذت فظننته زنا وإن شهد حاله بكذبه )سقط( أي الحد وإن قال بعد رجوعه‪ :‬كذبت‬
‫في رجوعي وعلى قاتله بعد رجوعه الدية ل القود لختلف العلماء في سقوط الحد بالرجوع ول‬
‫يقبل رجوعه لسقاط مهر من قال‪ :‬زنيت بها مكرهة لنه حق آدمي‪ ،‬بخلف ما لو قال ما أقررت‬
‫بالزنا فل يكون رجوعًا فل يسقط به الحد لنه مجرد تكذيب للبـينة الشاهدة بالقرار‪.‬‬
‫أما الحد الثابت بالبـينة فل يسقط بالرجوع كما ل يسقط هو ول الثابت بالقرار بالتوبة ولو شهدوا‬
‫على إقراره بالزنا فإن قال‪ :‬ما أقررت فل يقبل لن فيه تكذيبًا للشهود‪ ،‬بخلف ما لو أكذب نفسه‬
‫فإنه يقبل ويكون رجوعًا سواء أكان كل ذلك بعد الحكم أو قبله‪ ،‬ولو أقر وقامت عليه بـينة بالزنا‬
‫ثم رجع عمل بالبـينة ل بالقرار سواء تقدمت عليه أم تأخرت لن البـينة في حقوق ال تعالى‬
‫أقوى من القرار عكس حقوق الدميـين وكالزنا في قبول الرجوع عما أقر به كل حد ل تعالى‬
‫كشرب خمر وسرقة بالنسبة للقطع‪ ،‬أما المال فيؤخد منه‪ ،‬وفهم من ذلك أن الزنا إذا ثبت بالبـينة ل‬
‫يتطرق إليه رجوع لكنه يتطرق اليه السقوط بغير الرجوع كدعوى زوجته لمن زنى بها وكانت‬
‫متزوجة بغيره‪ ،‬أو ملك أمة وظن كونها حليلته فيصدق في ذلك ودعوى الكراه‪.‬‬
‫فروع‪ :‬مثل الزنا اللواط‪ :‬وهو الوطء في الدبر‪ ،‬فيفصل فيه بـين المحصن وغيره‪ ،‬لكن المفعول به‬
‫يجلد ويغّرب إن كان محصنًا ذكرًا كان أو أنثى‪ ،‬وهذا إن كان مكلفًا مختارًا وإل فل شيء‪ ،‬وفي‬
‫وطء الحليلة في دبرها التعزير إن عاد له بعد نهي الحاكم له عنه‪ ،‬وفي إتيان البهيمة في قبلها أو‬
‫دبرها التعزير فقط سواء كانت من المأكولت أو ل‪ ،‬وقيل إنه يقتل مطلقًا‪ :‬أي سواء كان محصنًا‬
‫أو ل‪ ،‬وفي كيفية قتله أقوال أربعة‪ :‬قيل‪ :‬بالسيف‪ ،‬وقيل‪ :‬بالرجم‪ ،‬وقيل‪ :‬بهدم جدار عليه‪ ،‬وقيل‬
‫بالقائه من شاهق جبل‪ ،‬ومثل البهيمة الميتة ففيها التعزير فقط‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والصلج ‪ :‬وهو دلك الذكر حرام‪ ،‬فإذا استمنى شخص بـيده عزر لنها مباشرة محّرمة بغير إيلج‬
‫ويفضي إلى قطع النسل فحرم كمباشرة الجنبـية فيما دون الفرج‪ ،‬وقد جاء في الحديث‪» :‬ملعون‬
‫من نكح يده« ‪ .‬وتساحق النساء حرام ويعزرن بذلك لنه فعل محرم‪ ،‬قاله القاضي أبو الطيب وإثم‬
‫ذلك كإثم الزنا‪ ،‬لقوله ‪» :‬إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيان« ولو استمنى الرجل بـيد امرأته أو‬
‫ل استمتاعه‪ ،‬وفي فتاوى القاضي‪ :‬لو غمزت المرأة ذكر زوجها أو سيدها‬ ‫أمته جاز لنها مح ّ‬
‫بـيدها كره‪ ،‬وإن كان بإذنه إذا أمنى لنه يشبه العزل والعزل مكروه وال أعلم‪.‬‬
‫ثم شرع في القسم الثاني‪ :‬وهو حّد القذف ‪ ،‬وهو شرعًا‪ :‬الرمي بالزنا في مقام التوبـيخ ل في مقام‬
‫الشهادة‪ ،‬وهو لرجل أو امرأة من أكبر الكبائر بعد القتل والزنا‪) .‬وحّد قاذف( ملتزم للحكام عالم‬
‫بالتحريم مختار غير مأذون في قذفه غير أصل )محصنًا( وهو هنا مسلم بالغ عاقل حّر عفيف‬
‫عن زنا ووطء محرم مملوكة له وعن وطء زوجته في دبرها )ثمانين( جلدة إن كان القاذف حّرا‪،‬‬
‫وأربعين إن كان رقيقًا حالة القذف وعزر مميز وأصل‪ .‬والقذف يكون صريحًا وكناية‪ ،‬فالصريح‬
‫كقوله زنيت‪ ،‬وزنيت بفتح التاء وكسرها‪ ،‬ويا زاني ويا زانية‪ ،‬ول يضّر التغيـير بالتذكير للمؤنث‬
‫وعكسه‪ ،‬وزنيت في الجبل بالياء‪ ،‬ويا لئط‪ ،‬ويا قحبة‪ ،‬والكناية كقوله‪ :‬زنأت في الجبل أو السلم أو‬
‫نحوه بالهمز‪ ،‬ويا فاجر‪ ،‬ويا فاسق‪ ،‬ويا خبـيث‪ ،‬ويا فاجرة‪ ،‬ويا فاسقة‪ ،‬ويا خبـيثة‪ ،‬وأنت تحبـين‬
‫الخلوة أو الظلمة‪ ،‬وأنت ل ترّدين يد لمس‪ ،‬وهذا كناية عن سرعة الجابة‪ ،‬ويا لوطي‪ ،‬ويا‬
‫مخنث‪ ،‬ويا عاهر‪ ،‬ويا علق‪ ،‬فإن أنكر شخص في الكناية إرادة قذف بها صدق بـيمينه لنه أعرف‬
‫ب والذّم‪،‬‬
‫بمراده فيحلف أنه ما أراد قذفه ثم عليه التعزير لليذاء‪ ،‬وهذا إذا كان ذلك على وجه الس ّ‬
‫أما إذا كان على وجه المزح أو الهزل أو اللعب فل تعزير‪.‬‬
‫ب شخص آخر فللخر أن يسبه بقدر ما سبه في العدد ل في اللفظ إذا كان فيه قذف‬ ‫خاتمة‪ :‬إذا س ّ‬
‫ب الب أو الّم وإنما يسبه بما ليس كذبًا ول قذفًا نحو يا أحمق يا ظالم إذ ل يكاد أحد‬‫أو كذب أو س ّ‬
‫ك عن ذلك لن الحمق هو من وضع الشيء في غير موضعه وكذلك الظالم‪.‬‬ ‫ينف ّ‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ثم شرع في القسم الثالث‪ :‬وهو حّد شرب الخمر فقال‪) :‬ويجلد( أي المام أو نائبه )مكلفًا( ملتزمًا‬
‫للحكام مختارًا )عالمًا( بالتحريم )شرب( من غير ضرورة )خمرًا( ولو درديًا وإن لم يسكر‬
‫ل لما‬
‫)أربعين( جلدة إن كان حّرا‪ ،‬وعشرين إن كان غيره بدون رفع الضارب يده فوق رأسه مث ً‬
‫فيه من زيادة اليلم بأحد أمرين‪ :‬إما )بإقراره( أي الشارب )أو بشهادة رجلين( أنه شرب خمرًا‬
‫ل منهما حجة شرعية‪ ،‬فل يحّد باليمين المردودة لنها‬ ‫أو شرب مما شرب منه غيره فسكر لن ك ً‬
‫وإن كانت منزلة القرار إل أن استمراره على النكار بمنزلة رجوعه وهو مقبول‪ .‬وصورتها أن‬
‫ب اليمين ممن‬ ‫يرمي غيره بشرب الخمر فيّدعي عليه بأنه رماه بذلك ويريد تعزيره فيطلب السا ّ‬
‫نسب إليه شربها فيمتنع ويرّدها عليه فيسقط عنه التعزير‪ ،‬ول يجب الحّد على الراّد لليمين‬
‫المردودة‪ ،‬ول يحّد بشهادة رجل وامرأتين لن البـينة ناقصة ول بريح خمر ول بسكر ول قيء‬
‫لحتمال أن يكون شرب غالطًا أو مكرهًا‪ ،‬أو احتقن‪ ،‬أو استعط بها‪ ،‬والحّد يدرأ بالشبهة‪ ،‬ول‬
‫يستوفي القاضي الحّد بعلمه فل يقضي بعلمه في حدود ال تعالى‪ .‬نعم سيد العبد يستوفيه بعلمه‬
‫ل من المقّر والشاهد إنه‬‫لصلح ملكه‪ ،‬ول يشترط في القرار والشهادة تفصيل كأن يقول ك ّ‬
‫شربها وهو عالم بها مختار لن الصل عدم الكراه‪ ،‬والغالب من حال الشارب علمه بما يشربه‬
‫ي السليم بسوط‪ ،‬أو‬ ‫ويحّد الذكر قائمًا والنثى جالسة‪ ،‬وذلك على سبـيل الندب‪ ،‬ويكون جلد القو ّ‬
‫أيد‪ ،‬أو نعال‪ ،‬أو أطراف ثياب بعد قتله أو شّده وجوبًا حتى يؤلم‪ ،‬أما نضو الخلقة فيجلد بنحو‬
‫ي والمجنون فل حّد عليهما‪ ،‬لكن يعزران إذا‬ ‫عرجون‪ ،‬ول يجوز بسوط‪ ،‬فخرج بالمكلف الصبـ ّ‬
‫كان لهما نوع تميـيز‪ ،‬وبالملتزم للحكام الحربـي والمؤمن والمعاهد والذمي لعدم التزامهم‪،‬‬
‫وبالمختار المصبوب في حلقه قهرًا‪ ،‬والمكره على شربه فل حّد ول حرمة‪ ،‬وخرج بالعالم‬
‫بالتحريم من جهل الحرمة وكان معذورًا فل حّد‪ ،‬ول يلزمه قضاء الصلوات الفائتة مّدة السكر‪،‬‬
‫ولو قال السكران بعد الصحاء كنت مكرهًا‪ ،‬أو لم أعلم أن الذي شربته مسكر صدق بـيمينه‪ ،‬ولو‬
‫قرب إسلمه فقال‪ :‬جهلت تحريمها لم يحّد لنه قد يخفى عليه ذلك والحّد يدرأ بالشبهات‪ ،‬ول فرق‬
‫في ذلك بـين من نشأ في بلد السلم أم ل‪ ،‬وخرج بالشرب الحقنة بالخمر بأن أدخلها في دبره‪،‬‬
‫والسعوط بأن أدخلها في أنفه فل حّد بذلك‪ ،‬ويحرم لنه تلطخ بالنجاسة بل ضرورة‪ ،‬وخرج‬
‫بالخمر ما حرم من الجامدات غير الخمر المنعقدة فل حّد فيها‪ ،‬وإن أذيبت حرمت وأسكرت‪،‬‬
‫وذلك ككثير البنج‪ ،‬والزعفران والعنبر‪ ،‬والحوزة‪ ،‬والفيون‪ ،‬والحشيش الذي يأكله الراذل‪ ،‬فأكل‬
‫الكثير منها حرام دون القليل‪ ،‬والمراد بالكثير من ذلك‪ :‬ما يغيب العقل بالنظر لغالب الناس‪ ،‬وإن‬
‫ص بلقمة ولم يجد غير‬‫لم يؤثر في المتناول له لعتياد تناوله‪ ،‬وخرج بغير ضرورة ما لو غ ّ‬
‫الخمر فأساغها بالخمر فل حّد عليه لوجوب شربها عليه حيث خشي الهلك من تلك اللقمة إن لم‬
‫تنزل جوفه ولم يتمكن من إخراجها ولومات بشرب الخمر حينئذ مات شهيدًا لوجوب تناوله لها‬
‫ل حرم إساغة اللقمة بالخمر ووجب حّده‪ ،‬ول يحّد‬ ‫حينئذ‪ ،‬أما لو وجد غيرها ولو بول الكلب مث ً‬
‫بشرب السكر فيما استهلك فيه ولم يبق له طعم ول لون ول ريح‪ ،‬وإل حّد وحرم ول بأكل خبز‬
‫عجن دقيقه به ول بأكل لحم طبخ به‪ ،‬بخلف مرق اللحم المطبوخ به إذا شربه أو غمس فيه أو‬
‫ثرد به فإنه يحّد لبقاء عينه‪ ،‬ويحرم تناول الخمر الصرفة لدواء إن وجد غيرها أو لعطش وإن لم‬
‫ل حرمة شربها للعطش ما‬ ‫يجد غيرها‪ ،‬ول يحّد لذلك وإن وجد غيرها لشبهة قصد التداوي‪ ،‬ومح ّ‬
‫لم تتعين لدفع الهلك وإل جاز بل وجب‪ ،‬ويلحق بالهلك نخو تلف عضو أو منفعة‪ ،‬ويجوز سقيها‬
‫للصغير إذا شّم رائحتها وخيف عليه إذا لم يسق منها مرض تحصل معه مشقة وإن لم يخف منه‬
‫الهلك‪ ،‬وكذا لو تعّذر عليه افتضاض البكر إل بإطعامها ما يغيب عقلها من بنج أو غيره فيجوز‬
‫ل جواز وطئها ما لم يحصل لها به‬ ‫ذلك لنه وسيلة إلى تمكن الزوج من الوصول إلى حقه‪ ،‬ومح ّ‬
‫أذى ل يحتمل معه في إزالة البكارة‪ ،‬ويجوز التداوي بصرف النجس غير صرف الخمر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أن شرب الخمر تارة يقتضي الحرمة والحّد‪ ،‬وذلك إذا شربه عبثًا مع العمد والعلم‬
‫والختيار‪ ،‬وتارة يقتضي الحرمة دون الحّد إذا شربه لعطش أو تداو ولم ينته به المر للهلك‪،‬‬
‫وكذا لو شربها الكافر فإنه يحرم عليه ول يحّد لنه مكلف بفروع الشريعة‪ ،‬لكن الذمي ل يلتزم‬
‫ض بلقمة أو انتهى به العطش‬ ‫بالذمة إل ما يتعلق بالذميـين‪ ،‬وتارة ل يقتضي حرمة ول حّدا إذا غ ّ‬
‫ل من مغلظ‪ ،‬وإذا سكر بما شربه لتداو أو‬ ‫للهلك ولم يجد غيره فيهما وإن كان ذلك الغير بو ً‬
‫عطش أو إساغة قضى ما فاته من الصلوات لنه تعمد الشرب لمصلحة نفسه‪ ،‬بخلف الجاهل‬
‫المعذور‪ :‬وهو من جهل بالتحريم لقرب عهده ونحوه‪ ،‬أو جهل كون المشروب خمرًا فإنه ل يحّد‪،‬‬
‫ول يلزمه قضاء الصلوات مّدة السكر‪.‬‬
‫ثم شرع في القسم الرابع‪ :‬وهو حّد السرقة فقال‪) :‬ويقطع( أي المام بعد طلب المالك المال وثبوت‬
‫السرقة بشروطها )كوع يمين بالغ سرق( نصابًا يقينًا بأن أخرج )ربع دينار( ذهبًا خالصًا‬
‫مضروبًا )أو( فضة أو غيرها يساوي )قيمته من حرز( وقت الخراج منه وإن لم يأخذ ذلك كما‬
‫ب ما فيه شيئًا فشيئًا‪ ،‬فلو نقصت قيمة المخرج بعد ذلك لم يسقط القطع فل‬ ‫لو قطع الجيب فانص ّ‬
‫قطع بسرقة ما ليس محرزًا‪.‬‬
‫ل عن العمارة‪ ،‬فل يشترط دوام الملحظة بل‬ ‫ل إن كان حصينًا منفص ً‬ ‫وحاصل الحرز أن المح ّ‬
‫الشرط كون الملحظ يقظانًا قويًا سواء كان الباب مفتوحًا أو مغلوفًا أو نائمًا مع إغلق الباب‪،‬‬
‫ل في العمارة فل يشترط قّوة الملحظ ول تيقظه‪ ،‬بل الشرط كون الباب مغلوقًا مع‬ ‫وإن كان المح ّ‬
‫وجود هذا الملحظ أو قفله مع يقظته زمن أمن نهارًا‪ ،‬وأما إن كان الباب مفتوحًا فإن كان‬
‫ل محرزًا وإل فل‪ ،‬فعلم من ذلك أن الحراز قد تكفي فيه الحصانة‬ ‫الملحظ متيقظًا كان المح ّ‬
‫وحدها‪ ،‬وقد تكفي فيه الملحظة وحدها وقد تجتمعان وقد يمثل لنفراد الحصانة بالراقد على‬
‫المتاع وبالمقابر المتصلة بالعمارة فإنها حرز للكفن‪.‬‬
‫والحاصل أن أركان السرقة الموجبة ثلثة سرقة‪ ،‬فالسرقة الثانية مطلق الخذ خفية‪ ،‬والولى‬
‫الخذ خفية من حرز وسارق ومسروق‪ ،‬فالسرقة أخذ مال خفية من حرز مثله فل يقطع مختلس‬
‫ومنتهب وحاجد لنحو وديعة‪ ،‬وشرط في السارق كونه ملتزمًا للحكام عالمًا بالتحريم‪ ،‬مختارًا‬
‫بغير إذن في دخول دار وأصالة‪ ،‬وشرط في المسروق أربعة شروط‪ :‬الّول‪ :‬كونه ربع دينار‬
‫خالصًا أو متقّوما مع وزنه إن كان ذهبًا‪ ،‬فإن لم يعرف قيمته بالدنانير قّوم بالدارهم ثم هي‬
‫ل السرقة دنانير انتقل لقرب محلّ إليها فيه ذلك‪ ،‬وتعتبر قيمة ما يساوي‬ ‫بالدنانير‪ ،‬فإن لم يكن بمح ّ‬
‫ربع دينار حالة السرقة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والثاني‪ :‬كونه ملكًا لغير السارق فل قطع بسرقة ماله من يد غيره ولو مرهونًا أو ُمَكَتري أو ملكه‬
‫قبل إخراجه من الحرز بإرث أو غيره أو بعده‪ ،‬وقبل الرفع إلى الحاكم‪ ،‬أما بعده فل يفيد ولو قبل‬
‫الثبوت‪ ،‬لن القطع إنما يتوقف على الدعوى وقد وجدت‪ ،‬ولو اّدعى السارق ملك المسروق أو‬
‫بعضه لم يقطع لحتمال صدقه فصار شبهة مسقطة للقطع‪ ،‬وكذا لو اّدعى أنه أخذه من الحرز‬
‫بإذنه‪ ،‬أو أن الحرز مفتوح‪ ،‬أو أن المسروق دون النصاب وإن ثبت كذبه وهذه من الحيل‬
‫المحرمة‪ ،‬بخلف دعوى الزوجية في الزنا فمن الحيل المباحة‪ ،‬والفرق أن دعوى الملك هنا‬
‫بتربت عليها الستيلء على مال الغير‪ ،‬ودعوى الزوجية يترّتب عليها إسقاط الحّد‪.‬‬
‫ل مشتركًا بـينه وبـين غيره‬ ‫والثالث‪ :‬كونه ل شبهة له فيه سواء في ذلك شبهة الملك كمن سرق ما ً‬
‫ل خفية من حرز مثله يظن أنه ملكه أو ملك أصله أو فرعه‪ ،‬أو شبهة‬ ‫أو شبهة الفاعل كمن أخذ ما ً‬
‫المحل كسرقة البن مال أحد الصول‪ ،‬أو سرقة أحد الصول مال فرعه‪ ،‬وإن سفل فل يقطع لما‬
‫بـينهما من التحاد وإن اختلف دينهما‪ ،‬ولن مال كل منهما مرصد لحاجة الخر كما في الحديث‪:‬‬
‫»أنت ومالك لبـيك« بخلف سائر القارب‪ ،‬وسواء كان السارق من الصل أو الفرع حّرا أم‬
‫رقيقًا‪ ،‬ولو سرق طعامًا زمن قحط وهو ل يقدر على ثمنه فل يقطع لشبهة وجوب حفظ نفسه‬
‫عليه‪.‬‬
‫ي متيقظ أو حصانة موضعه‬ ‫والرابع‪ :‬كونه محرزًا‪ ،‬ويتحقق الحراز بملحظة للمسروق من قو ّ‬
‫)ل( يقطع إن سرق )مغصوبًا( وإن أخذه بغير نية الرّد على المالك لن مالكه لم يرض بإحرازه‬
‫بحرز الغاصب فكأنه غير محرز‪) .‬أو فيه( أي أو سرق من حرز مغصوب ولو غير مالكه لنه‬
‫ليس حرز للغاصب‪ ،‬لقوله ‪» :‬ليس لعرق ظالم حق« وفسر العرق بأن يجيء الرجل إلى أرض قد‬
‫ل أو اختصاصًا‬ ‫أحياها غيره فيغرس فيها أو يحدث شيئًا ليستوجب الرض‪ ،‬وكذا لو سرق ما ً‬
‫وأحرزه بحرزه فسرق المالك منه مال السارق فل قطع عليه لن له دخول الحرز وهتكه لخذ‬
‫ماله أو اختصاصه‪ ،‬فلم يكن حرزًا بالنسبة إليه‪ ،‬ولم يفترق الحال بـين المتميز عن ماله والمخلوط‬
‫به‪) .‬ويقطع بمال وقف( أي بسرقة مال موقوف على غيره ممن ليس نحو أصله ول فرعه ول‬
‫مشاركًا له في صفة من صفاته المعتبرة في الوقف إذ ل شبهة له فيه حينئذ‪ ،‬ومن ثم لم يقطع‬
‫بسرقة موقوف على جهة عامة كبكرة بئر مسبلة للشرب‪ ،‬وإن كان السارق ذميًا لن له فيها حقًا‪.‬‬
‫)و( يقطع غير البّواب والمجاورين في المسجد ما يتعلق بتحصين )مسجد( وعمارته وأبهته كبابه‬
‫وجذعه‪ :‬وهو السهم الذي يقف عليه وساريته وسقوفه وشبابـيكه وقناديله التي للزينة والرخام‬
‫المثبت للجدران‪ ،‬لن ذلك إنما يقصد بوضعه صيانة المسجد لنتفاع الناس )ل( بما يتعلق‬
‫بانتفاعنا من )حصره( أي المسجد والقناديل التي تسرج فيه‪ ،‬وإن لم تكن في حالة الخذ تسرج‪،‬‬
‫والبلط والرخام الذي في أرضه‪ ،‬والمنبر‪ ،‬ودكة المؤذن‪ ،‬وكرسي الواعظ فل يقطع بها‪ ،‬وإن‬
‫كان السارق لها غير خطيب ول مؤذن ول واعظ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل ما كان لتحصين المسجد وحفظه كعواميده وأبوابه‪ ،‬وما كان للزينة كحصر‬ ‫والحاصل أن ك ّ‬
‫الزينة التي تفرش في العياد ونحوها يقطع بسرقته‪ ،‬وما كان للنتفاع به كالمنبر ل قطع بسرقته‪،‬‬
‫ويقطع بأبواب الخلية لنها تتخذ للستر بها عن أعين الناس حيث كان السارق مسلمًا له فيها حق‬
‫ق له في ذلك بأن اختصت بطائفة ليس منهم‪).‬ول( يقطع )بمال‬ ‫بخلف الذمي والمسلم الذي ل ح ّ‬
‫ق( لها بوصف فقر أو غيره فل يقطع للشبهة‪ ،‬وإن أخذ‬ ‫صدقة( أي زكاة أفرزت )وهو مستح ّ‬
‫ي أخذ‬‫زيادة على ما يستحقه وإن لم يوجد فيها ما يجّوز الخذ بالظفر وإن لم يكن له فيها حق كغن ّ‬
‫صدقة واجبة‪ ،‬وليس غارمًا لصلح الفساد بين القوم‪ ،‬ول غازيًا قطع لنتفاء الشبهة‪ ،‬ومثل الغن ّ‬
‫ي‬
‫من حرمت عليه لشرفه‪) .‬و( ل يقطع بسرقة مال )مصالح( وإن كان غنيًا لن له فيه حقًا‪ ،‬لن‬
‫ي والفقير من المسلمين‬ ‫ذلك قد يصرف في عمارة المساجد والرباطات والقناطر‪ ،‬فينتفع بها الغن ّ‬
‫لن ذلك مخصوص بهم‪ ،‬بخلف الذمي فيقطع بسرقة ما في بـيت المال ول نظر إلى إنفاق المام‬
‫عليه عند الحاجة لنه إنما ينفق عليه للضرورة وبشرط الضمان بأن يقول له المام‪ :‬أنفق عليك‬
‫وأرجع إذا قدرت كما ينفق الغنياء على المضطر بشرط الرجوع عليه إذا قدر وهذا إذا كان‬
‫ل‪ ،‬وإل فل رجوع‪ ،‬وانتفاع الذمي بالقناطر والرباطات بالتبعية من حيث‬ ‫غنيًا‪ ،‬لكن ماله غائب مث ً‬
‫إنه قاطن بدار السلم ل لختصاصه بحق فيها فل نظر إلى ذلك النتفاع في دفع الحّد‪) .‬و( ل‬
‫بسرقة مال )بعض( من أصل أو فرع )وسيد( وأصل سيد أو فرعه فل قطع لشبهة استحقاق نفقته‬
‫عليهم في بعض الحوال‪ ،‬وكذا لو سرق السيد ما ملكه عبده ببعضه الحر فل قطع للشبهة‪ ،‬وذلك‬
‫أن ما ملكه ببعضه الحر يصير ملكًا لجملة العبد‪ ،‬وللسيد فيها حق وهو جزؤه الرقيق‪.‬‬
‫)والظهر قطع أحد الزوجين بالخر( أي بسرقة ماله المحرز عنه‪ ،‬فخرج به ما إذا لم يكن‬
‫ل ففتحه وأخذ متاعها‪ ،‬بخلف ما إذا لم يكن له فيه‬ ‫محرزًا‪ :‬كأن كان له متاع في صندوقها مث ً‬
‫شيء وفتحه فيقطع‪ ،‬فإن أخذه من المكان بدون فتح فل قطع لنه غير محرز عليه حينئذ‪ ،‬ومن‬
‫المحرز عليه الخلخال الذي في رجلها‪ ،‬والسوار الذي في يدها‪ ،‬والطوق الذي في عنقها‪ ،‬فإذا‬
‫ل قطع‪ ،‬لن رجلها ويدها وعنقها حرز لذلك‪ ،‬وشبهة استحقاقها‬ ‫سرق ذلك منها حال نومها مث ً‬
‫النفقة والكسوة في ماله ل أثر لها لنها مقّدرة محدودة‪ ،‬وفرض المسألة أنه ليس لها عنده شيء‬
‫منهما‪ ،‬فإن فرض أن لها شيئًا من ذلك حال السرقة وأخذته بقصد الستيفاء لم تقطع‪ :‬كدائن سرق‬
‫ل أو المماطل وأخذه‬ ‫مال مدينه بقصد ذلك أي فإن الدائن إذا سرق مال غريمه الجاحد للدين الحا ّ‬
‫بقصد الستيفاء لم يقطع لنه حينئذ مأذون له في أخذه شرعًا وغير جنس حقه كجنس حقه ول‬
‫يقطع بزائد على قدر حقه معه وإن بلغ الزائد نصابًا‪ ،‬بخلف ما إذا سرق مال غريمه الجاحد‬
‫للّدين المؤجل فيقطع‪ ،‬وكذا مال غريمه غير المماطل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)فإن( كانت يده اليمنى مفقودة بعد السرقة فل قطع أو قبلها انتقل للرجل اليسرى كما لو )عاد( أي‬
‫سرق ثانيًا بعد قطع يمناه واندمالها )فرجله اليسرى( هي التي تقطع‪ ،‬بخلف ما إذا سرق مرارًا‬
‫ولم تقطع يده اليمنى فإنه ل تقطع إل هي لتحاد السبب مع كون القطع حقًا ل تعالى كحّد الزنا‬
‫وشرب الخمر‪) .‬فـ( إن سرق ثالثًا قطعت )يده اليسرى‪ ،‬فـ( إن سرق رابعًا قطعت )رجله اليمنى(‬
‫والمراد القطع من الكوع في اليد ومن الكعب في الرجل‪ ،‬والحكمة في قطع اليدين والرجلين أنها‬
‫آلت السرقة بالخذ والمشي‪ ،‬وقّدمت اليد لقّوة بطشها‪ ،‬وقّدمت اليمنى لن الغالب كون السرقة بها‬
‫لنها أقوى‪ ،‬فكان البداءة بها أردع‪ ،‬وإنما لم يقطع ذكر الزاني لنه ليس له مثله‪ ،‬وبالقطع يفوت‬
‫النسل المطلوب بقاؤه‪ ،‬ولم يقطع لسان القاذف إبقاء للعبادات وغيرها‪) .‬ثم( إن سرق بعد قطع‬
‫الربع )عزر( وحبس حتى يموت على ما نقله الشبراملسي عن العباب‪ ،‬ونقل الحصني عن‬
‫بعضهم أنه حبس حتى يتوب‪ ،‬وعن بعض آخر حبس حتى تظهر توبته‪ ،‬ويجب على السارق مع‬
‫الحّد المذكور رّد المسروق إلى صاحبه إن بقى وإل فبدله من مثل أو قيمة لن الحّد حقه تعالى‬
‫والغرم حق الدمي فل يسقط أحدهما الخر‪ ،‬وتجب أيضًا أجرته مّدة وضع يد السارق عليه‪.‬‬
‫)وتثبت( أي السرقة وقطعها )برجلين( كسائر العقوبات غير الزنا‪ ،‬فلو شهد رجل وامرأتان أو‬
‫رجل وحلف المالك يمينًا فل قطع وثبت المال إن كانت الشهادة بعد دعوى المالك أو وكيله‪ ،‬وإل‬
‫لم يثبت المال أيضًا لنها حينئذ شهادة حسبة والمال ل يثبت بها )وإقرار( من السارق فيقطع‬
‫مؤاخذة له بقوله‪ ،‬ول يشترط تكرر القرار وثبوت القطع بالقرار بشرطين‪ :‬الّول‪ :‬أن يكون بعد‬
‫الدعوى عليه فلو أقّر قبلها لم يثبت القطع في الحال بل يوقف على حضور المالك وطلبه للمال أما‬
‫المال فيثبت‪ .‬والثاني‪ :‬أن يفصل القرار ولو كان فقيهًا موافقًا كما في الشهادة فيبـين السرقة‬
‫ل أو فرعًا أو سيدًا وقدر المسروق‪ ،‬ويبـين الحرز بتعيـين‬ ‫والمسروق منه خوفًا من أن يكون أص ً‬
‫أو وصف‪) .‬و( تثبت السرقة )بـيمين رّد( من المّدعى عليه على المّدعي لنها كالقرار وذلك كأن‬
‫يدعي على شخص سرقة نصاب فينكل ذلك الشخص عن اليمين فترّد على المّدعي فيحلف فيثبت‬
‫القطع والمعتمد عند أكثر العلماء ل قطع كما ل يثبت بها حّد الزنا لن القطع حق ال تعالى وهو‬
‫ل يثبت بها ولنها وإن كان كالقرار إل أن استمراره على النكار بمنزلة رجوعه عن القرار‬
‫ورجوعه عنه مقبول بالنسبة للقطع‪ ،‬وأما المال فيثبت بل خلف‪ .‬والحاصل أن اليمين المردودة ل‬
‫يثبت بها القطع ويثبت بها المال‪) .‬وقبل رجوع مقر( عن إقراره بالسرقة بالنسبة إلى القطع ولو‬
‫في أثنائه لنه حق ال تعالى‪ ،‬أما المال فل يقبل رجوعه فيه لنه حق آدمي‪ ،‬ولو أقر بالسرقة ثم‬
‫رجع ثم كذب رجوعه فل يقطع كما قاله الدميري ولو أقّر بها ثم أقيمت عليه البـينة ثم رجع سقط‬
‫عنه القطع لن الثبوت كان بالقرار‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ومن أقّر بعقوبة ل( أي بمقتضيها كالزنا والسرقة وشرب الخمر )فلقاض تعريض( له )برجوع(‬
‫عما أقر به وبإنكاره أيضًا إذا لم يكن بـينة ما لم يخش أن ذلك يحمله على إنكار المال أيضًا كأن‬
‫يقول له في الزنا‪ :‬لعلك اخذت أو لمست أو باشرت‪ .‬وفي السرقة‪ :‬لعلك أخذت من غير حرز‪ .‬وفي‬
‫الشرب‪ :‬لعلك لم تعلم أن ما شربته مسكر فل يصرح بذلك كأن يقول له‪ :‬ارجع عن القرار أو‬
‫اجحده فيأثم به لنه أمر بالكذب‪ :‬أي يباح للقاضي تعريض إذا كان بعد القرار ويندب له ذلك إذا‬
‫كان قبله‪ ،‬وكذا له أن يعرض للشهود ليمتنعوا من الشهادة أو يراجعوا عنها ومثل القاضي غيره‬
‫بل أولى من القاضي بالجواز لمتناع التلقين على الحاكم دون غيره فل يمتنع إذا لم يحمل على‬
‫إنكار المال‪ ،‬ول يجوز التعريض إذا ثبت ذلك بالبـينة ول يحل التعريض بالرجوع عن حق‬
‫ل على محرم إذ هو كمتعاطي العقد الفاسد‪.‬‬ ‫الدمي وإن كان رجوعه ل يقبل لن في ذلك حم ً‬
‫فصل في التعزير‬
‫وهو لغة‪ :‬التأديب‪ ،‬وشرعًا‪ :‬تأديب على ذنب ل حّد فيه ول كفارة غالبًا ومن غير الغالب قد يشرع‬
‫التعزير حيث ل معصية كفعل غير مكلف ما يعزر به المكلف أو يحّد‪ ،‬وكمن يكتسب باللهو‬
‫المباح فللولي تعزير الخذ والمعطي للمصلحة وقد ينتفي التعزير مع انتفاء الحد والكفارة كقطع‬
‫شخص أطراف نفسه وكما في صغيرة ل حّد فيها‪ ،‬وأول زلة ولو كبـيرة صدرتا ممن لم يعرف‬
‫بالشر لقوله ‪» :‬أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إل الحدود« ‪ .‬وفسر هذا الحديث بذلك المذكور‪،‬‬
‫وكمن رأى زانيًا محصنًا بأهله فقتله لعذره إذ القتل جائز باطنًا إذا عجز عن إثبات زناه عند‬
‫الحاكم‪ ،‬لكن يقتص به ظاهرًا بخلف من قدر عليه فل يجوز القتل لمكان رفعه للحاكم‪ ،‬وكقذفه‬
‫لمن لعنها‪ ،‬وتكليفه رقيقه أو دابته ما ل يطيق‪ ،‬وضرب حليلته تعّديا ووطئها في دبرها قبل نهي‬
‫الحاكم له في الجميع‪ ،‬وقد يجتمع التعزير مع الكفارة كما في الظهار‪ ،‬واليمين الغموس إذا اعترف‬
‫بحلفه كذبًا‪ ،‬وإفساد يوم من رمضان بجماع حليلته‪ ،‬وقد يجتمع التعزير مع الحّد كتعليق يد السارق‬
‫في عنقه ساعة زيادة في نكاله وقد يجتمع الكل كمن زنى بأمه في الكعبة صائمًا رمضان معتكفًا‬
‫محرمًا فيلزمه الحّد والعتق والبدنة والتعزير لقطع رحمه وانتهاك حرمة الكعبة‪.‬‬
‫)ويعزر( أي المام أو نائبه )لمعصية( ل أو للدمي )ل حّد( أي ل عقوبة )لها ول كفارة غالبًا(‬
‫ي كرم ال وجهه فيمن‬ ‫ب ليس بقذف كما أفتى بالتعزير عل ّ‬
‫كمباشرة أجنبـية في غير الفرج‪ ،‬وس ّ‬
‫قال لخر‪ :‬يا فاسق‪ ،‬يا خبـيث‪ ،‬وتزوير كمحاكاة خط الغير‪ ،‬وشهادة زور‪ ،‬وضرب بغير حق‬
‫بخلف الزنا ليجابه الحد‪ ،‬وبخلف التمتع بطيب ونحوه في الحرام ليجابه الكفارة ويكون‬
‫التعزير )بضرب( غير مبرح )أو حبس( أو توبـيخ باللسان أو تغريب دون سنة في الحر ودون‬
‫نصفها في غيره أو كشف رأس أو تسويد وجه أو حلق رأس لمن يكرهه‪ ،‬أو إركابه الحمار مث ً‬
‫ل‬
‫منكوسًا والدوران به كذلك بـين الناس أو تهديده بأنواع العقوبات‪ ،‬أو صلبه ثلثة أيام فأقل فيجتهد‬
‫المام في جنس التعزير وقدره لحتلفه باختلف مراتب الناس والمعاصي‪ ،‬وله العفو فيما يتعلق‬
‫بحق ال تعالى إن رأى المصلحة‪) .‬وعزر أب( وإن عل )ومأذونه( كالمعلم )صغيرًا( ومجنونًا‬
‫وسفيهًا للتعلم وسوء الدب‪ ،‬وأدب السيد رقيقه ولو لحق ال تعالى )و( عزر )زوج( امرأته‬
‫)لحقه( كالنشوز‪ ،‬ل لحقه تعالى‪ ،‬ويصدق في ذلك بالنسبة لعدم تعزيره ل لسقوط نفقتها‪ ،‬ولو عفا‬
‫مستحق الحّد فل يجوز للمام التعزير ول الحد أو مستحق التعزير فله التعزير لتعلقه بنظره وإن‬
‫كان ل يستوفيه إل بعد طلب مستحقه ول يجوز تركه إن كان لدمي عند طلبه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫فصل في الصيال‬
‫وهو الهجوم والقهر وفي حكم الختن‪) .‬يجوز( للمصول عليه )دفع صائل على معصوم بل يجب(‬
‫عليه دفعه )عن بضع( ولو لبهيمة )ونفس قصدها كافر( ولو معصومًا إذ غير المعصوم ل حرمة‬
‫له‪ ،‬والمعصوم بطلت حرمته بصياله ولن الستسلم للكافر ذل في الدين وكذا إذا قصدها بهيمة‬
‫لنها تذبح لستبقاء الدمي فل وجه للستسلم لها ومثل الكافر الزاني المحصن لقوله ‪» :‬من قتل‬
‫دون دينه ـ أي لجل الدفع عن دينه ـ فهو شهيد« أي بأن حمله الصائل على الرّدة أو الزنا‪ ،‬ومن‬
‫قتل دون دمه أي في المنع عن الوصول إلى دمه فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون أهله فهو شهيد‪ ،‬ومن‬
‫قتل دون ماله أي قّدام ماله فهو شهيد‪ .‬والحاصل أنه إذا صال شخص ولو غير عاقل كمجنون‬
‫ل على شيء معصوم له أو لغيره نفسًا أو‬ ‫وبهيمة أو غير مسلم أو غير معصوم ولو آدمية حام ً‬
‫ل أو اختصاصًا كذلك فله دفعه جوازًا في المال‬ ‫ل وإن ق ّ‬
‫عضوًا أو منفعة أو بضعًا أو ما ً‬
‫والختصاص ووجوبًا في غيرهما فإن وقع صيال على الجميع في زمن واحد ولم يمكن إل دفع‬
‫واحد فواحد قدم وجوبًا النفس أي وما يسرى إليها كالجرح فالبضع فالمال الخطير فالحقير إل أن‬
‫يكون لذي الخطير غيره‪ ،‬أو وقع على صبـي يلط به وامرأة يزني بها قدم الدفع عنها وجوبًا لن‬
‫حّد الزنا مجمع عليه ولما يخشى من إختلط النساب‪ ،‬ولذلك كان الزنا أشّد حرمة من اللواط‪،‬‬
‫لكن قال ابن حجر ‪ :‬إن كانت المرأة في مظنة الحمل قدم الدفع عنها لن خشية إختلط النساب‬
‫أغلظ في نظر الشارع من غيرها وإل قدم الدفع عن اللواط‪.‬‬
‫وشرط وجوب الدفع عن البضع وعن نفس الغير أن ل يخاف الدافع على نفسه‪ ،‬أما الدافع عن‬
‫بضع نفسه فيجب دفعه وإن خاف القتل فيحرم على المرأة أن تستسلم لمن صال عليها ليزني بها‬
‫ل‪ ،‬وإن خافت على نفسها إذ ل سبـيل لباحة نحو البضع ول يجب الدفع إذا قصد نفسه مسلم‬ ‫مث ً‬
‫ن لقوله ‪» :‬كن خير ابني آدم« ‪ .‬أي وهو‬ ‫معصوم الدم ولو مجنونًا بل يجوز الستسلم له بل يس ّ‬
‫هابـيل الذي قتله قابـيل وخيرهما المقتول لكونه استسلم للقاتل ولم يدفع عن نفسه‪ ،‬ومحل جواز‬
‫ل متوحدًا في‬‫الستسلم ما لم يقدر على الهرب وإل وجب وحرم الوقوف وما لم يكن ملكًا عاد ً‬
‫ملكه‪ ،‬أو عالمًا متوحدًا في زمانه‪ ،‬أو شجاعًا‪ ،‬أو كريمًا‪ ،‬وكان في بقائه مصلحة عامة‪ ،‬وإل فل‬
‫يجوز له الستسلم بل يجب حينئذ الدفع عن نفسه كما يجب الدفع عن العضو والمنفعة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫ن المصول عليه )إن أمكن(‬ ‫)وليدفع( أي الصائل المعصوم )بالخف( فالخف باعتبار غلبة ظ ّ‬
‫فيدفعه بالهرب منه فبالزجر كتوبـيخ وتذكير بوعيد ال وأليم عذابه أو استغاثة فهو مخير بـينهما‬
‫إن لم ينشأ من الستغاثة إلحاق ضرر أقوى من الزجر كإمساك حاكم جائر للصائل‪ ،‬وإل وجب‬
‫الترتيب بـينهما فيزجر ثم يستغيث فالضرب باليد فبالسوط فبالعصا فبالقطع فبالقتل لن دفع‬
‫الصائل جوز للضرورة ول ضرورة في الثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالخف‪ ،‬وفائدة هذا‬
‫الترتيب أنه متى خالف وعدل إلى رتبة مع إمكان الكتفاء بما دونها ضمن‪ ،‬ولو بالقصاص إذا‬
‫وجدت شروطه بأن دفعه بما يقتل غالبًا وحصلت الحرمة فقط إذا دفعه بغيره ولو لم يجد المصول‬
‫عليه إل سيفًا جاز له الدفع به وإن كان يندفع بعصا إذ ل تقصير منه في عدم استصحابها ولذلك‬
‫من أحسن الدفع بطرف السيف بدون جرح يضمن به بخلف من ل يحسن‪ ،‬ولو التحم القتال‬
‫بـينهما وخرج المر عن الضبط سقط مراعاة الترتيب سيما لو كان الصائلون جماعة‪ ،‬إذ رعاية‬
‫الترتيب حينئذ تؤّدي إلى إهلكه‪ ،‬ولو اختلفا في الترتيب أو في عدم إمكان التخلص بدون ما دفع‬
‫به صدق الدافع لعسر إقامة البـينة على ذلك بخلف ما لو تنازعا في أصل الصيال فل يصّدق إل‬
‫بقرينة ظاهرة كتجريد سيف أو نحوه أو ببـينة‪ ،‬أما المهدر كزان محصن وتارك صلة بشرطه‬
‫وحربـي ومرتد‪ ،‬فل تجب مراعاة هذا الترتيب فيه بل له العدول إلى قتله لعدم حرمته ما لم يكن‬
‫مثله‪.‬‬
‫)ووجب( قطع سرة المولود بعيد ولدته بعد نحو ربطها لتوقف إمساك الطعام عليه‪ ،‬ووجب أيضًا‬
‫)ختان( لذكر وأنثى إن لم يولدا مختونين )ببلوغ( وعقل لنتفاء التكليف قبلهما فيجب ذلك فورًا‬
‫ن السلمة منه‪ ،‬فلو غلب‬ ‫بعدهما ما لم يخف من الختان في ذلك الزمن وإل أخر إلى أن يغلب الظ ّ‬
‫على ظنه احتماله للختان وأن السلمة هي الغالبة فختنه فمات لم يضمنه ويندب تعجيله في سابع‬
‫يوم ولدته ويكره قبل السابع فإن أخر عنه ففي الربعين وإل ففي السنة السابعة لنها وقت أمره‬
‫ي إن توقفت صحة الصلة عليه ول يحسب من السبعة‬ ‫بالصلة‪ ،‬وبعدها ينبغي وجوبه على الول ّ‬
‫يوم ولدته لنه كلما أخر قوى عليه فكان إيلمه أخف‪ ،‬وبذلك التعليل فارق العقيقة حيث يحسب‬
‫ن إظهار ختان الذكور وإخفاء الناث‬ ‫فيها يوم الولدة من السبعة لنها بّر فندب السراع إليه‪ ،‬ويس ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫عن الرجال دون النساء ول يلزم من ندب وليمة الختان إظهاره فيه ّ‬
‫ثم كيفية الختان في الذكر بقطع جميع ما يغطى حشفته حتى تنكشف كلها‪ ،‬وإذا نبتت الغرلة بعد‬
‫ذلك ل تجب إزالتها لحصول الغرض بما فعل أّول‪ ،‬وعلم من ذلك أن غرلته لو تقلصت حتى‬
‫انكشف جميع الحشفة فإن أمكن قطع شيءْ مما يجب قطعه في الختان منها دون غيرها وجب‪ ،‬ول‬
‫نظر لذلك التقلص لنه قد يزول فيستر الحشفة وإل سقط الوجوب كما لو ولد مجنونًا‪ ،‬وفي النثى‬
‫بقطع جزء يطلق عليه اسم الختان من اللحمة الموجودة بأعلى الفرج فوق ثقبة البول تشبه عرف‬
‫الديك وتسمى البظر‪ ،‬فإذا قطعت بقي أصلها كالنواة وتقليل المقطوع أفضل لقوله للخاتنة‪» :‬أشمي‬
‫ول تنهكي فإنه أحظى للمرأة وأحب للبعل« ‪ .‬أي لزيادته في لذة الجماع‪ ،‬وفي رواية أسرى للوجه‬
‫أي أكثر لمائه ودمه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وحرم تثقيب أذن( قال الزيادي ‪ :‬والوجه أن ثقب أذن الصغيرة لتعليق الحلق حرام لنه لم تدع‬
‫إليه حاجة وغرض الزينة ل يجوز بمثل هذا التعذيب‪ ،‬هذا ما قاله الغزالي في الحياء وأفتى بذلك‬
‫الشيخ الرملي ‪ ،‬ورجح في موضع آخر الجواز وهو المعتمد كذا في تحفة الحبـيب‪ ،‬أما خرم أذن‬
‫الصبـي فحرم قطعًا كما يحرم خرم النف ليجعل فيه حلقة من ذهب أو نحوه‪ ،‬ول فرق في ذلك‬
‫بـين الذكر والنثى‪ ،‬ول عبّرة باعتياد ذلك لبعض الناس في نسائهم‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪316 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب الجهاد‬
‫أي القتال في سبـيل ال‪) .‬هو فرض كفاية كل عام( إذا كان الكفار ببلدهم وأقله مرة في كل سنة‬
‫فإذا زاد فهو أفضل ما لم تدع حاجة إلى أكثر من مرة وإل وجب ويسقط طلب الجهاد بأحد‬
‫أمرين‪ :‬إما بدخول المام أو نائبه دارهم بالجيش لقتالهم‪ ،‬وإما بتشحين الثغور أي أطراف بلدنا‬
‫بمكافئين لهم لو قصدونا مع إحكام الحصون والخنادق وتقليد ذلك للمراء المؤتمنين المشهورين‬
‫بالشجاعة والنصح للمسلمين وحكم فرض الكفاية أنه إذا فعله من فيهم كفاية وإن لم يكونوا من‬
‫أهل فرضه كصبـيان وإناث ومجانين سقط الحرج عنه إن كان من أهله وعن الباقين رخصة‬
‫وتخفيفًا عليهم‪ ،‬نعم القائم بفرض العين أفضل من القائم بفرض الكفاية كما قاله الرملي وفروض‬
‫ل كثبوت الصانع‬ ‫الكفاية كثيرة )كقيام بحجج دينية( أي براهين علمية مثبتة لعقائد التوحيد تفصي ً‬
‫وما يجب له وما يمتنع عليه وغير ذلك كثبوت حدوث العالم المستدل عليه بقولك‪ :‬العالم متغير‪،‬‬
‫وكل متغير حادث‪ ،‬أما على سبـيل الجمال ففرض عين وخرج بذلك الحجج العلمية‪ ،‬كأقيموا‬
‫ل على وجوبها‪ ،‬فالقيام بذلك سنة ول يكون إل من المجتهد المطلق‪.‬‬ ‫الصلة دلي ً‬
‫)و( طلب )علوم شرعية( كتفسير وحديث وفروع فقهية زائدًا على ما ل بد منه في العبادات‬
‫والمعاملت إلى أن يبلغ درجة الفتاء فإذا بلغها كان ما بعد ذلك سنة إلى بلوغ درجة الجتهاد‬
‫المطلق‪ ،‬أما ما ل بد منه في العبادات والمعاملت ففرض عين على كل مكلف‪ ،‬ومثل العلوم‬
‫الشرعية ما تتعلق به من علوم العربـية وأصول الفقه وعلم الحساب المضطر إليه في المواريث‬
‫والقرارات والوصايا وغير ذلك فيجب الحاطة بذلك كله لشدة الحاجة إلى ذلك‪) .‬ودفع ضرر(‬
‫آدمي )معصوم( أي محترم بإطعام المضطر ما يحتاجه المالك في ثاني الحال‪ ،‬وكسوة العاري إذا‬
‫لم يندفع ضررهما بنحو وصية ونذر ووقف وزكاة وبـيت مال من سهم المصالح وهذا على من‬
‫ملك زائدًا على كفاية سنة له ولممونه وعلى وفاء ديونه وما يحتاج إليه الفقيه من الكتب‬
‫والمحترف من اللت‪ ،‬قال الشبراملسي ‪ :‬وينبغي أنه ل يشترط في الغني أن يكون عنده مال‬
‫يكفيه لنفسه ولممونه جميع السنة بل يكفي في وجوب المواساة أن يكون له نحو وظائف يتحصل‬
‫منها ما يكفيه عادة جميع السنة ويتحصل عنده زيادة على ذلك ما يمكن المواساة به‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪328 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وأمر بمعروف( أي واجب ونهي عن محرم باليد فاللسان فالقلب سواء الفاسق وغيره وفي‬
‫الحديث‪» :‬إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم ال بعذابه« والمراد‬
‫بالنهي عنه بالقلب هو أن يتوجه بهمته إلى ال تعالى في إزالته سواء صدر ذلك التوجه عمن‬
‫جرت عادة ال تعالى بأن ل يخيب توجهه أم من غيره فظاهر أنه يكتفي بتوجه البعض ول‬
‫يشترط توجه الجميع‪ ،‬بخلف الكراهة بالقلب فإنها فرض عين لن انتفاءها في فرد ينافي اليمان‬
‫والعياذ بال تعالى‪ ،‬ومحل ذلك المر والنهي في واجب أو حرام مجمع عليه أو في اعتقاد الفاعل‬
‫بالنسبة لغير الزوج إذ له شافعيًا منع زوجته الحنفية من شرب النبـيذ مطلقًا أي مسكرًا كان أو‬
‫غيره وبالنسبة لغير القاضي إذ العبرة باعتقاده ولغير مقلد من ل يجوز تقليده لكونه مما ينقض فيه‬
‫قضاء القاضي فاعتقاده الحل ل يمنع من النكار عليه‪ ،‬ويجب النكار على معتقد التحريم وإن‬
‫اعتقد المنكر إباحته لنه يعتقد حرمته بالنسبة لفاعله باعتبار عقيدته ويمتنع على عامي يجهل حكم‬
‫ما رآه إنكار حتى يخبره عالم بأنه مجمع عليه أو محرم في اعتقاد فاعله وعلى عالم أن ينكر‬
‫مختلفًا فيه حتى يعلم من فاعله اعتقاد تحريمه له حالة ارتكابه لحتمال أنه حينئذ قلد القائل بحله أو‬
‫جهل حرمته لكنه يرشده بأن يبـين له الحكم ويطلب اجتنابه منه بلطف‪.‬‬
‫أما من ارتكب ما يرى إباحته بتقليد صحيح فل يحل النكار عليه لكن لو طلب للخروج منه‬
‫الخلف برفق فحسن‪ ،‬هذا كله في غير المحتسب أي من ولي الحسبة وهي النكار والعتراض‬
‫على فعل ما يخالف الشرع‪ ،‬أما هو فينكر وجوبًا على من أخل بشيء من الشعائر الظاهرة ولو‬
‫سنة كصلة العيد والذان ويلزمه أمر الناس بهما دون بقية السنن التي ليست من الشعائر الظاهرة‬
‫ولكن لو احتيج في إنكار ذلك لقتال لم يفعله إل على أنه فرض كفاية ويجب عليه النهي عن‬
‫المكروه بخلف غيره فيندب وليس لحد التجسس واقتحام الدور بالظنون للبحث عما فيها‪ .‬نعم إن‬
‫غلب على ظنه وقوع معصية ولو بقرينة ظاهرة كإخبار ثقة جاز له‪ ،‬بل وجب عليه التجسس إن‬
‫فات تداركها كالقتل والزنا وإل فل ولما لم ينزجر إل بالرفع للسلطان وجب وشرط وجوب المر‬
‫والنهي على مكلف أن يأمن على نفسه وعضوه وماله وإن قل كدرهم وعرضه وعلى غيره بأن لم‬
‫يخف مفسدة عليه أكثر من مفسدة المنكر الواقع ويحرم مع الخوف على الغير مع خوف المفسدة‬
‫ن مع الخوف على النفس‪.‬‬ ‫المذكورة ويس ّ‬
‫رقم الصفحة‪328 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وتحمل شهادة( على أهل له وهو العدل وحضر له المشهود عليه أو دعاه قاض أو معذور جمعة‬
‫ولم يعذر المطلوب‪) .‬وأدائها( على من تحملها إن كان أكثر من نصاب وهو اثنان وإل فهو فرض‬
‫عين‪) .‬ورّد سلم( مسنون من مميز غير متحلل به من صلة وإن كرهت صيغته كعليكم السلم‬
‫ولو مع رسول أو في كتابة ويجب الرد فورًا )عن جمع( بأن كان المسلم عليهم جماعة من‬
‫مسلمين بالغين عاقلين فيكفي رّد واحد منهم ويسقط الطلب عن الباقي ويختص الثواب بمن رّد‪،‬‬
‫فلو ردوا كلهم ولو مرتبًا أثيبوا ول يسقط الطلب برد الصبـي وإن كان الذي سلم صبـيًا أيضًا‪،‬‬
‫ويشترط في كفاية الرد إسماع المسلم واتصاله بالسلم كاتصال القبول باليجاب في نحو البـيع‬
‫والشراء وصيغته التي يجب فيها الرد‪ :‬السلم عليكم‪ ،‬أو سلم عليكم بتنوين سلم‪ ،‬ويكره عليكم‬
‫السلم‪ ،‬وعليكم سلم وإن وجب الرد فيهما‪ ،‬ول يكفي سلم عليكم بترك التنوين وأل‪ ،‬وكذا لو‬
‫قال‪ :‬وعليكم السلم بالواو أو اقترن بالصيغة ما هو من تحية الجاهلية‪ ،‬كأن قال‪ :‬السلم عليكم‬
‫صبحكم بالخير‪ ،‬أو صبحكم بالخير السلم عليكم فل يجب الرد في ذلك‪ ،‬ولو قال‪ :‬السلم عليكم‬
‫ورحمة ال وبركاته وجب الرد ولكن الولى التقليل عن ذلك ليبقى للراّد شيء يزيد به على‬
‫المبتدىء بالسلم كما هو الكمل له‪ ،‬والقارىء كغيره في استحباب ابتداء السلم عليه ووجوب‬
‫الرّد باللفظ على المعتمد‪.‬‬
‫ويجب الجمع بـين اللفظ والشارة في الرّد على الصم‪ ،‬وتجزىء الشارة من الخرس ابتداء‬
‫وردًا‪ ،‬والشارة من الناطق بل لفظ خلف الولى ول يجب لها رّد والجمع بـينهما وبـين اللفظ‬
‫ل منهما الرّد أو مرتبًا كفى الثاني سلمه في‬‫أفضل‪ ،‬وإذا سلم كل منهما على الخر معًا لزم ك ً‬
‫الرّد إن قصد به‪.‬‬
‫ويندب أن يسلم الراكب على الماشي‪ ،‬والماشي على الواقف والقاعد والمضطجع‪ ،‬والعظيم على‬
‫الحقير‪ ،‬والكثير على القليل‪ ،‬فلو عكس لم يكره‪ ،‬ويسلم الوارد مطلقًا على من ورد عليه‪ ،‬ومن‬
‫دخل داره سلم ندبًا على أهله أو موضعًا خاليًا فليقل ندبًا‪ :‬السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين‪،‬‬
‫ويسمي ال قبل دخوله ويدعو ولو تكرر ذلك منه‪ ،‬ولو سلم جماعة متفرقون على واحد فقال‬
‫وعليكم السلم وقصد الرّد على جميعهم أجزأه وسقط عنه فرض الجميع‪ ،‬وكذا لو أطلق على‬
‫الصحيح‪ ،‬ولو سلم عليه من وراء حائط أو ستر وجب الرّد‪ ،‬وكذا لو سلم عليه مع رسول وبلغه‬
‫الرّد إن حصل صيغة شرعية من المرسل أو الرسول أو منهما‪ ،‬كأن قال المرسل‪ :‬السلم على‬
‫فلن‪ ،‬فقال له الرسول فلن يسلم عليك أو قال المرسل‪ :‬سلم لي على فلن‪ ،‬فقال الرسول‪ :‬السلم‬
‫عليك من فلن‪ ،‬أو قال المرسل السلم على فلن‪ ،‬فقال الرسول السلم عليك من فلن وجب الرّد‬
‫في الجميع‪ ،‬فإن لم تحصل صيغة شرعية ل من هذا ول من هذا كأن قال سلم لي على فلن‪ ،‬فقال‬
‫الرسول‪ :‬فلن يسلم عليك ل يجب الرّد ويجب على الرسول في جميع ذلك تبليغ السلم ولو بعد‬
‫مّدة طويلة كأن نسي ثم تذكر وهذا مما يقع التهاون فيه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪328 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫نعم يصح عزل نفسه بحضرة المرسل ل في غيبته فيقول‪ :‬عزلت نفسي ولو كان المسلم عليه‬
‫واحدًا كان الرد فرض عين عليه‪ ،‬ويحرم السلم من الشابة الجنبـية ابتداء وردًا‪ ،‬وكذا الخنثى مع‬
‫مثله‪ ،‬ويكرهان من الرجال عليهما بخلف جمع النساء ولو شواب والعجوز فل يكرهان عليهما‬
‫ول يحرمان منهما‪ ،‬وبخلف ما إذا كان هناك محرمية أو زوجية أو سيدية فل يكره‪ ،‬ولو سلم‬
‫الذمي وجب الرد عليه بنحو وعليكم فقط‪ ،‬ويحرم أن يبتدىء السلم عليه كالفاسق‪ ،‬وكذا تحتيه‬
‫بغير السلم كصبحك ال بالخير‪ ،‬وكذا خطابه بكل ما يفيد تعظيمه ولو كلمة إل لعذر‪ ،‬فلو سلم‬
‫على شخص وهو يجهل حاله فتبـين أنه ذمي استرجع سلمه قيل‪ :‬وجوبًا وقيل‪ :‬ندبًا فيقول‪:‬‬
‫ل‪ ،‬ول يجب رّد سلم على الكل إن كان الطعام في فيه‪ ،‬أما قبل وضعه فيه‬ ‫استرجع سلمي مث ً‬
‫فيجب عليه الرّد‪.‬‬
‫)وابتداؤه( أي السلم على مسلم ليس بفاسق ول مبتدع ول نحو قاضي حاجة ول آكل في فمه‬
‫اللقمة عند إقباله أو انصرافه )سنة( عينًا للواحد وكفاية للجماعة كالتسمية للكل و)كتشميت‬
‫عاطس( مسلم )حمد ال( ولم يكن العاطس بفعله بأن يقول للبالغ يرحمك ال أو يرحمك ربك‪،‬‬
‫وللصغير أصلحك ال أو بارك ال فيك‪ ،‬أو أنشأك ال إنشاء صالحًا‪ ،‬ويكره قبل الحمد فل يعتد به‬
‫ويأتي به ثانيًا بعد الحمد فإن شك هل حمد العاطس أو ل‪ ،‬قال‪ :‬يرحم ال من حمده أو يرحمك ال‬
‫ن تذكيره الحمد للحديث المشهور‪» :‬من سبق العاطس‬ ‫إن حمدته وتحصل بها سنة التشميت ويس ّ‬
‫بالحمد أمن من الشوص واللوص والعلوص« فالشوص‪ :‬وجع الضرس‪ ،‬واللوص‪ :‬وجع الذن‪،‬‬
‫والعلوص‪ :‬وجع البطن ونظمها بعضم فقال‪:‬‬
‫من يبتدي عاطسًا بالحمد يأمن من‬
‫شوص ولوص وعلوص كذا وردا‬
‫ويكرر التشميت إلى ثلث ثم يدعو له بعدها بالشفاء كأن يقول‪ :‬عافاك ال أو شفاك ال‪ ،‬ويس ّ‬
‫ن‬
‫للعاطس وضع شيء على وجهه وخفض صوته ما أمكنه وإجابة مشمته كأن يقول‪ :‬غفر ال لكم‬
‫أو يهديكم ال ولو زاد على ذلك ويصلح بالكم كان حسنًا ولم يجب لنه ل إخافة بتركه‪ ،‬ويس ّ‬
‫ن‬
‫للعاطس إن لم يشمت أن يقول‪ :‬يرحمني ال والمصلي يحمد سرًا‪ ،‬ونحو قاضي الحاجة يحمد في‬
‫نفسه بل لفظ‪.‬‬
‫وبقي من فروض الكفاية إحياء الكعبة كل سنة بالزيارة بحج وعمرة ول يغني أحدهما عن الخر‬
‫ول الصلة والعتكاف والطواف عن أحدهما لنهما القصد العظم من بناء البـيت وفيهما إحياء‬
‫تلك المشاعر ول بد في القائمين بذلك من عدد يحصل بهم الشعار عرفًا وإن كانوا من أهل مكة‬
‫كما قالهالرملي وابن حجر ‪ ،‬ثم قال الزيادي‪ :‬ول يشترط في القيام بإحياء الكعبة عدد مخصوص‬
‫من المكلفين اهـ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪328 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحرف والصنائع مما يتم به المعاش‪ :‬كالتجارة والحجامة لتوقف قيام الدين على قيام الدنيا‬
‫وقيامها على تينك‪ ،‬وفي الحديث‪» :‬اختلف أمتي رحمة« فسره الحليمي باختلف همهم في‬
‫الحرف والصنائع اهـ‪.‬‬
‫وحفظ القرآن عن ظهر قلب فيجب أن يكون في كل مسافة عدوى جماعة يحفظونه كذلك كما‬
‫يجب فيها قاض‪ ،‬وفي كل مسافة قصر مفت‪ ،‬فإن اختلفت المذاهب في تلك المسافة وجب تعدده‬
‫بعددها وإل فل‪ ،‬ومثل ذلك تعليمه والشتغال بحفظه أفضل من الشتغال بالعلم الزائد على فرض‬
‫العين ونسيانه أو شيء منه كبـيرة ولو بعذر كمرض واشتغال بعيني‪ .‬وضابطه أن يحتاج في‬
‫استرجاعه إلى الحالة التي كان يقرؤه عليها إلى عمل جديد على المعتمد‪ ،‬وقيل‪ :‬ضابطه أن ينقص‬
‫عن الحالة التي كان يقرؤه عليها‪.‬‬
‫وإنما يجب الجهاد )على مكلف ذكر حر مستطيع له سلح( فل جهاد على صبـي ومجنون لعدم‬
‫ن الحج والعمرة« ولنها مجبولة على الضعف‪ ،‬ومثلها‬ ‫تكليفهما ول على امرأة لقوله ‪» :‬جهادك ّ‬
‫الخنثى ول على عبد ولو مبعضًا أو كاتبًا لنقصه وإن أمره سيده‪ ،‬ول على غير مستطيع كأعمى‬
‫وفاقد أكثر النامل ومن به عرج بـين وإن قدر على الركوب أو رمد أو مرض يمنعه الركون أو‬
‫القتال بأن يحصل له مشقة ل تحتمل عادة وإن لم تبح التيمم وكمعذور بما يمنع وجوب الحج إل‬
‫خوف طريق من كفار أو لصوص مسلمين‪ ،‬فل يمنع وجوب الجهاد لن مبناه على ركوب‬
‫المخاوف ول على عادم أهبة قتال كسلح ومؤنة ذهابًا وإيابًا وإقامة ومركوب في سفر قصر‬
‫فاضل ذلك عن مؤنة من تلزمه نفقته‪.‬‬
‫ل وإن قل كفلس ولو لذمي وإن كان به رهن وثيق أو‬ ‫)وحرم( على مدين موسر عليه دين حا ّ‬
‫ضامن )سفر( للجهاد وغيره وإن قصر كميل ونحوه تقديمًا لفرض العين وهو رعاية حق الغير‬
‫على غيره ولو كان رب الدين مسافرًا معه أو في البلد الذي قصدها من عليه الدين لنه قد يرجع‬
‫قبل وصوله إليها أو يموت أحدهما )بل إذن غريم( وبل ظن رضاه وبل استنابة بمن يقضيه من‬
‫مال حاضر وإل فل تحريم لوصول الدائن إلى حقه في الحال بخلف مال غائب لنه قد ل يصل‬
‫ول بد من علم الدائن بالوكيل ومن ثبوت الوكالة ومثل المال الحاضر دين ثابت لمريد السفر على‬
‫ل عن غيره‬ ‫ملىء‪ ،‬لكن ل يكفي الذن لمن عليه الدين في الدفع للدائن لن الشخص ل يكون وكي ً‬
‫في إزالة ملكه وطريقه في ذلك أن يحيل رب الدين بماله على المدين‪) .‬و( بل إذن )أصل( مسلم‬
‫وإن عل من سائر الجهات ولو مع وجود القرب وإن كان رقيقًا لن بر الصل فرض عين‬
‫ويحرم بل إذنه مع الخوف وإن قصر مطلقًا وسفر طويل ولو مع المن إل لعذر كالسفر لبـيع أو‬
‫شراء لما ل يتيسر بـيعه أو شراؤه في بلده أو يتيسر لكن يتوقع زيادة في ثمنه من البلد الذي يسافر‬
‫اليه )ل( سفر )لتعلم فرض( ولو كفاية كصنعة وطلب درجة الفتوى فل يحرم عليه وإن لم يأذن‬
‫أصله‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪328 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أنه ل يعتبر إذن الصل في السفر لطلب علم شرعي أو آلة له ولو كان فرض كفاية أو‬
‫أمكن في البلد‪ ،‬ورجا بخروجه زيادة فراغ أو إرشاد شيخ أو نحو ذلك‪ ،‬وله طلب العلم غير‬
‫المتعين بعد شروعه فيه وإن ظهر انتفاعه‪ ،‬بخلف صلة الميت فإذا شرع فيها ل يجوز قطعها‪،‬‬
‫ول يعتبر الذن في السفر لتجارة وغيرها حيث ل خطر فيه بخلف ما فيه خطر عظيم‪ :‬كركوب‬
‫بحر أو بادية مخطرة‪ ،‬وإن غلب المن فيحتاج إلى إذن الصل‪ ،‬واستشكل ذلك بأن الجهاد فرض‬
‫كفاية مع حرمة السفر له إل بإذن‪ .‬وأجيب بأن فيه من الخطار ما ليس في غيره إذ هو مبني على‬
‫المخاوف‪.‬‬
‫)وإن دخلوا( أي الكفار )بلدة لنا( أو صار بـينهم وبـينها دون مسافة القصر كان خطبًا عظيمًا‬
‫ي شيء أطاقوه‪ ،‬ويكون الجهاد حينئذ قد )تعين على أهلها( ثم‬ ‫فيلزم أهلها الدفع لهم بالممكن من أ ّ‬
‫في ذلك تفصيل فإن أمكن تأهب للقتال بأن لم يهجموا بغتة وجب الممكن في دفعهم على كل منهم‬
‫حتى على من ل يلزمه الجهاد من فقير وولد ومدين وعبد وامرأة فيها قّوة بل إذن ممن مر‪،‬‬
‫ويغتفر ذلك لمثل هذا الخطر العظيم الذي ل سبـيل لهماله‪ ،‬وإن لم يمكن تأهب لهجومهم بغتة‬
‫فمن قصده عدّو دفع عن نفسه بالممكن وجوبًا إن علم أنه إن أخذ قتل‪ ،‬وإن كان ممكن لجهاد‬
‫عليه لمتناع الستسلم لكافر‪ ،‬وإن جّوز السر والقتل فله أن يدفع وأن يستسلم إن ظن أنه إن‬
‫امتنع منه قتل لن ترك الستسلم حينئذ تعجيل للقتل‪ ،‬ويلزم المرأة الدفع إن علمت وقوع فاحشة‬
‫ل فيجوز لها‬ ‫ل بما أمكنها وإن أفضى إلى قتلها إذ ل يباح بخوف القتل أما لو لم تعلمه حا ً‬ ‫بها حا ً‬
‫الستسلم‪ ،‬ثم إن أريد منها الفاحشة وجب عليها المتناع والدفع وإن أدى إلى قتلها‪.‬‬
‫)و( كأهلها )من( هو )دون مسافة قصر منها( وإن لم يكن من أهل الجهاد فيجب عليه المجيء‬
‫ن فوق تلك‬ ‫إليهم وإن كان فيهم كفاية على الصح مساعدة لهم لنه في حكمهم‪ ،‬وكذا يلزم على َم ْ‬
‫المسافة الموافقة لهل ذلك المحل في الدفع بقدر الكفاية إن لم يكف أهله ومن يليهم دفعًا عنهم‬
‫وانقاذًا لهم وذلك حيث وجدوا زادًا وسلحًا ومركوبًا‪ ،‬وإن أطاقوا المشي‪.‬‬
‫)وحرم( على من كان من أهل فرض الجهاد )انصراف عن صف( بعد ملقاة العدو وإن غلب‬
‫على ظنه قتله لو ثبت‪ ،‬أما إن قطع به فل يحرم النصراف )إذا لم يزيدوا( أي الكفار )على مثلينا(‬
‫ل عن محله ليكمن في موضع ويهجم أو لرفع منه أو أصون منه عن نحو ريح أو شمس‬ ‫إل متنق ً‬
‫أو عطش أو ذاهبًا إلى فئة وإن قلت وبعدت من المسلمين ليستنصر بها على العدّو وحكمة‬
‫مصابرة الضعف أن المسلم يقاتل على إحدى الحسنيـين‪ :‬الشهادة أو الفوز بالغنيمة مع الجر‬
‫والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا فقط فإن زادوا على المثلين جاز النصراف مطلقًا أي سواء كان‬
‫المسلم في صف القتال أم ل‪ .‬نعم يحرم النصراف إن قاومناهم وإن زداوا على مثلينا بواحد أو‬
‫اثنين أو ثلثة ل بأكثر منها على المعتمد ويجوز انصراف مائة ضعفاء منا عن مائة وتسعة‬
‫ل من الكفار‪.‬‬
‫وتسعين أبطا ً‬
‫رقم الصفحة‪328 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ويرق ذراري كفار( وعبـيدهم ولو مسلمين بأن أسلموا وهم في أيدي الكفار )بأسر( أي يصيرون‬
‫بمجرد السر أرقاء لنا ويكونون كسائر أموال الغنيمة الخمس لهله والباقي للغانمين‪ ،‬والمراد‬
‫برق العبـيد استمراره ل تجدده ودخل في الذراري زوجة المسلم التي في دار الحربـي وزوجة‬
‫الذمي الحربـية وهي التي لم تدخل تحت قدرتنا حين عقد الذمة له والعتيق الصغير أو المجنون‬
‫الذمي فيرقبون بالسر كما في زوجة من أسلم‪.‬‬
‫)ولمام( أو أمير الجيش بأن لم يكن المام غازيًا بأن أرسل جيشًا وأمر عليهم أميرًا )خيار في(‬
‫أسير )كامل( ببلوغ وعقل وذكورة وحرية بفعل الحظ وجوبًا للسلم والمسلمين باجتهاده ل‬
‫ن( بتخلية‬‫بتشهيه )بـين( أربع خصال من )قتل( بضرب العنق ل بتحريق وتغريق وتمثيل )وم ّ‬
‫سبـيله بل مقابلة )وفداء( بأسرى منا رجال أو نساء أو خناثى أو من الذميـين ولو واحدًا في مقابلة‬
‫جمع أو بمال من أموالهم أو من أموالنا التي في أيديهم‪) .‬واسترقاق( فتخمس رقابهم أيضاً ففي‬
‫ن والقتل حظ السلم‪ ،‬فإن خفي عليه الحظ حالً حبسهم‬ ‫السترقاق والفداء حظ المسلمين وفي الم ّ‬
‫وجوبًا حتى يظهر له الصواب بأمارات تعين له ما فيه المصلحة ولو بالسؤال من الغير فيفعله‪.‬‬
‫)وإسلم كافر( كامل أو بذل الجزية )بعد أسر( وقبل اختيار المام فيه منًا ول رقًا ول فداء‬
‫)يعصم دمه( من القتل ل ماله وزوجته‪ ،‬وبقي الخيار في باقي الخصال السابقة أو بعد اختيار‬
‫ن مع إرادته القامة في دار الكفر إذا كان‬ ‫المام خصلة غير القتل تعينت‪ ،‬ومحل جواز الفداء والم ّ‬
‫له ثم عشيرة يأمن معها على نفسه ودينه وإل فل يجوز للمام فداؤه لحرمة القامة بدار الحرب‬
‫على من ليس له ما ذكر‪) .‬و( إسلم مكلف أو بذل الجزية )قبله( أي قبل أسر ووضع أيدينا عليه‬
‫ل( بدارنا ودراهم من الغنم وفرعًا حرًا صغيرًا‬ ‫)يعصم دمًا( من القتل وضرب الرق )وما ً‬
‫ومجنونًا من السبـي ويحكم بإسلمه تبعًا له وخرج ضّده فل يعصمه إسلم أبـيه من السبـي ل‬
‫ل منه فل يعصمها إسلم الرجل عن السترقاق لستقللها‪ ،‬فإن سبـيت انقطع‬ ‫زوجة ولو حام ً‬
‫ل ولو بعد الوطء لزوال ملكها عن نفسها فملك الزوج عنها أولى‪ ،‬ولحرمة نكاح المة‬ ‫نكاحه حا ً‬
‫الكافرة على المسلم ابتداءًا ودوامًا‪.‬‬
‫)وإذا أرق( أي كافر )وعليه دين( لغير حربـي )لم يسقط( إذ لم يوجد ما يقتضي إسقاطه من أداء‬
‫أو إبراء فيقضي من ماله إن غنم بعد إرقاقه‪ ،‬وقد زال ملكه عنه بالرق كالموت تقديمًا للدين على‬
‫الغنيمة كالوصية كما يقضي دين المرتد وإن حكم بزوال ملكه بالردة‪ ،‬أما إذا لم يكن له مال فيبقى‬
‫في ذمته إلى عتقه فيطالب به‪ ،‬وأما إذا غنم قبل إرقاقه أو معه فل يقضي منه لن الغانمين ملكوه‬
‫إن قلنا بملك الغنيمة بالحيازة أو تعلق حقهم بعينه فكان أقوى بناء على القول أن الغنيمة إنما تملك‬
‫بالقسمة وهو الراجح‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪328 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫واعلم أنه كثر اختلف الناس في السراري والرقاء المجلوبـين‪.‬‬


‫وحاصل الصح عندنا أن من لم يعلم كونه من غنيمة لم تخمس يحل شراؤه وسائر التصرفات فيه‬
‫لحتمال أن من أسره أّول وباعه حربـي أو ذمي فإنه ل تخميس عليه وهذا كثير ل نادر‪ ،‬فإن‬
‫تحقق أن آخذه مسلم بنحو سرقة أو اختلس لم يجز شراؤه إل على القول المرجوح إنه ل تخميس‬
‫ن غير الذي اشترى به أّول بثمن مثلها‬ ‫فالورع لمريد التسري أن يشتري جارية شراء ثانيًا بثمن ثا ٍ‬
‫من وكيل بـيت المال لن الغالب عدم التخميس واليأس من معرفة مالكها فيكون ملكًا لبـيت المال‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪328 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫باب القضاء‬

‫وهو فصل الخصومة بـين خصمين فأكثر بحكم ال تعالى‪ ،‬والدليل عليه قوله تعالى‪} :‬وأن احكم‬
‫بـينهم بما أنزل ال{ ))‪ (5‬المائدة‪ :‬الية ‪ (49‬وقوله ‪» :‬إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر‪ ،‬وإن‬
‫أصاب فله أجران« وهذا في حاكم عالم مجتهد أهل للحكم إن أصاب فله أجران باجتهاده‬
‫ل له أن‬‫وإصابته‪ ،‬وإن أخطأ فله أجر باجتهاده في طلب الحق‪ .‬أما من ليس بأهل للحكم فل يح ّ‬
‫يحكم وإن حكم فل أجر له‪ ،‬بل هو آثم فل ينفذ حكمه سواء أوافق الحق أم ل‪ ،‬هذا إذا كان عدم‬
‫أهليته بسبب عدم معرفة الحكام فصارت أحكامه كلها مردودة لن إصابته اتفاقية ليست صادرة‬
‫عن دليل شرعي‪ ،‬أما إذا كان عدم الهلية بسبب آخر وكان فيه طرف من معرفة الحكام فينفذ‬
‫ض في الجنة فأما الذي في‬‫حكمه إذا وافق الحق‪ ،‬وقال ‪» :‬القضاة ثلثة‪ :‬قاضيان في النار وقا ٍ‬
‫الجنة فرجل عرف الحق وقضى به‪ ،‬واللذان في النار رجل عرف الحق فجار في الحكم‪ ،‬ورجل‬
‫ن من قضى على جهل فهو في النار ولم يفصل بـين‬ ‫قضى للناس على جهل« فأطلق الحديث بأ ّ‬
‫مصادفته للحق وعدمها‪ ،‬والذي يستفيده القاضي بالولية إظهار حكم الشرع وإمضاؤه فيما يرفع‬
‫ن فيه الفتيا؛‬
‫إليه بخلف المفتي فإنه مظهر ل ممض‪ ،‬ومن ثم كان القيام بحقه أفضل من الفتاء ل ّ‬
‫وزيادة تنفيذ الحكم وهو أيضًا أفضل من الجهاد‪) .‬هو( أي تولي القضاء )فرض كفاية( بل هو‬
‫أعلى فروض الكفايات‪.‬‬
‫والحاصل أن تولي القضاء تطرأ عليه الحكام غير الباحة‪ ،‬فيجب إذا تعين عليه في وطنه وما‬
‫حواليه إلى مسافة العدوى دون ما زاد‪ ،‬ويجب قبوله وطلبه ولو ببذل مال زائد على ما يكفيه يومه‬
‫وليلته وإن حرم أخذه منه فالعطاء جائز والخذ حرام‪ ،‬ويندب إن لم يتعين وكان أفضل من غيره‬
‫ل ولم يمتنع الفضل ويحرم بعزل صالح للقضاء‬ ‫ن له حينئٍذ طلبه وقبوله ويكره إن كان مفضو ً‬ ‫فيس ّ‬
‫ح توليته والمعزول به‬ ‫ل‪ ،‬وتبطل عدالة الطالب ببذل مال لعزل ذلك القاضي فل تص ّ‬ ‫ولو مفضو ً‬
‫ن العزل بالرشوة حرام وتولية المرتشى للراشي حرام‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫على قضائه حيث ل ضرورة ل ّ‬
‫ن غيره أفضل منه فقد خان ال ورسوله‬ ‫ل على المسلمين وهو يعلم أ ّ‬‫»من استعمل عام ً‬
‫ل من تولى أمرًا من أمور المسلمين وإن لم‬ ‫والمؤمنين« ‪ .‬رواه البـيهقي والحاكم‪ ،‬ودخل في ذلك ك ّ‬
‫يكن ذلك شرعيًا كنصب مشايخ السواق والبلدان ونحوهما‪ ،‬أما تولية المام العظم لحد‬
‫الصالحين للقضاء ففرض عين عليه لنه مشتغل بما هو أهم من القضاء فوجب من يقوم به فإن‬
‫امتنع الصالحون له أثموا وأجبر المام أحدهم‪ ،‬وكذا يجب تولية صالح على قاضي القليم فيما‬
‫ن الحضار من فوقها مشق‪،‬‬ ‫عجز عنه‪ ،‬ول يجوز إخلء مسافة العدوى عن قاض أو خليفة له ل ّ‬
‫ل له الدفع إذا أفضى‬
‫وإيقاع القضاء بـين المتخاصمين فرض عين على المام أو نائبه‪ ،‬ول يح ّ‬
‫لتعطيل أو طول نزاع‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪334 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل سميعًا بصيرًا ناطقًا‬


‫ل للشهادات( بأن يكون مسلمًا مكلفًا حرًا ذكرًا عد ً‬
‫)وشرط قاض كونه أه ً‬
‫)كافيًا( أي ناهضًا للقيام بأمر القضاء بأن يكون ذا يقظة تامة وقوة على تنفيذ الحق‪ ،‬فل يولى‬
‫ل نظر بكبر أو مرض وجبان ضعيف النفس )مجتهدًا( وهو العارف بأحكام الكتاب‬ ‫مغفل ومخت ّ‬
‫والسنة وبالقياس وبأنواعها‪ :‬كالعام‪ ،‬والخاص‪ ،‬والمجمل‪ ،‬والمبـين‪ ،‬والنص‪ ،‬والظاهر والناسخ‪،‬‬
‫والمنسوخ‪ ،‬وكالمتواتر والحاد والمتصل وغيره‪ ،‬وكالولى والمساوي والدون‪ ،‬وبحال الرواة‬
‫ضعفًا وقوة‪ ،‬وبلسان العرب لغة ونحوًا وصرفًا وبلغة‪ ،‬وبأقوال العلماء اجتماعًا واختلفًا فل‬
‫يخالفهم في اجتهاده‪) .‬فإن( لم يوجد رجل متصف بذلك الشرط فـ)ولى( سلطان أو )ذو شوكة( بأن‬
‫يكون في ناحية انقطع غوث السلطان عنها ولم يرجعوا إل إليه مسلمًا )غير أهل( للقضاء كفاسق‬
‫أو جائر بالحكام الشرعية )نفذ( أي تلك التولية‪ ،‬ونفذ قضاؤه الموافق لمذهبه المعتّد به‪ ،‬وإن زاد‬
‫فسقه للضرورة لئل تتعطل مصالح الناس‪ ،‬ولو ابتلى الناس بولية امرأة أو عبد أو أعمى فيما‬
‫ي بالمرأة ونحوها‪.‬‬
‫يضبطه نفذ قضاؤه للضرورة ل كافر‪ ،‬وألحق ابن عبد السلم الصبـ ّ‬
‫ل لقضاء( واحدًا أو أكثر في غير عقوبة ال تعالى‪ ،‬ولو مع وجود‬ ‫)ويجوز تحكيم اثنين( فأكثر )أه ً‬
‫قاض أهل إذا كان المحكم مجتهدًا بخلف ما إذا لم يكن كذلك أو في قود أو في نكاح‪ ،‬أما غير‬
‫ل له‬
‫الهل فل يجوز تحكيمه مع وجود القاضي ولو قاضي ضرورة إل إذا كان القاضي يأخذ ما ً‬
‫ي لها خاص‪ ،‬ويجوز التحكيم في ثبوت‬ ‫وقع فيجوز التحكيم حينئذ حتى في عقد نكاح امرأة ل ول ّ‬
‫هلل رمضان وينفذ على من رضي بحكمه فيجب عليه الصوم دون غيره‪ ،‬أما عقوبة ال من حّد‬
‫أو تعزير فل يجوز التحكيم فيها إذ ل طالب لها معين‪ ،‬وكذا ل يجوز التحكيم في حق ال المالي‬
‫الذي ل طالب له معين وذلك كالزكاة إذا كان المستحقون غير محصورين‪ ،‬ويشترط علم المحكم‬
‫بتلك المسألة فقط‪ ،‬ول ينفذ حكمه إل برضا الخصمين قبل الحكم إن لم يكن أحدهما قاضياً وإل فل‬
‫يشترط رضاهما‪ ،‬ول بد من الرضا لفظًا فل يكفي السكوت‪ ،‬فلو حكما اثنين لم ينفذ حكم أحدهما‬
‫حتى يجتمعا لن التولية للمحكم إنما هي من الخصمين ورضاهما معتبر‪ ،‬فالحكم من أحدهما دون‬
‫الخر حكم بغير رضا الخصم‪.‬‬
‫)وينعزل القاضي( الذي لم يتعين بعدلي شهادة في عزله أو استفاضة ل بإخبار واحد‪ ،‬ول بمجرد‬
‫كتاب وإن حفت قرائن تبعد تزويره‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪334 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن نائبه‬
‫ح أنه ينعزل )نائبه( أي القاضي بانعزاله بموت أو غيره لنه فرعه‪ ،‬والراجح أ ّ‬ ‫)و( الص ّ‬
‫ل ينعزل إل إذا بلغه العزل وإن لم يبلغ الصل فينعزل حينئذ النائب ل الصل‪ ،‬وكذا لو بلغ‬
‫العزل الصل دون النائب فإنه ينعزل الصل دون النائب‪) .‬ل( من استخلفه القاضي بقول المام‬
‫العظم استخلف عني فل ينعزل بذلك لنه ليس نائبه بل خليفة )عن إمام( والقاضي وكيل في‬
‫ن الغرض‬ ‫التولية بخلف ما لو قال له‪ :‬استخلف عن نفسك أو أطلق له الستخلف فينعزل بذلك ل ّ‬
‫من الستخلف المعاونة له‪ ،‬وقد زالت وليته فبطلت المعاونة والمذهب ل ينعزل القاضي إل‬
‫)بخبره( أي ببلوغ خبر العزل إليه لعظم الضرر بنقض الحكام وفساد التصرفات لو انعزل فله‬
‫ي لها‬
‫الحكم قبل بلوغه ونائبه مثله‪ ،‬ولو تصرف بعد العزل وقبل بلوغ الخبر بتزويج من ل ول ّ‬
‫ل لم يلزم الزوج باطنًا ول ظاهرًا انعزالها‪ ،‬ويجوز للمام عزل قاض لم يتعين بخلل ظهر منه‬ ‫مث ً‬
‫ن أنه ضعيف أو زالت هيبته في القلوب وبأفضل‬ ‫ل يقتضي انعزاله‪ ،‬ككثرة الشكاوى منه أو ظ ّ‬
‫منه‪ ،‬وإن لم يظهر منه خلل رعاية للصلح للمسلمين وبمصلحة كتسكين فتنة سواء كان هناك‬
‫مثله أو دونه‪ ،‬وإن لم يكن شيء من ذلك حرم عزله ولكنه ينفذ مع إثم السلطان‪ ،‬والقاضي الثاني‬
‫ن له عزل نّوابه بل سبب بناء على انعزالهم بموته‪ ،‬أما إذا‬ ‫ل لطاعة السلطان بخلف القاضي فإ ّ‬ ‫بذ ً‬
‫تعين بأن لم يكن ثم من يصلح للقضاء غيره فإنه ليس له عزله‪ ،‬ولو عزله لم ينعزل هذا في المر‬
‫العام‪ ،‬أما الوظائف الخاصة كإمامة وأذان وتصّوف وتدريس وطلب ونظر ونحوها فل تنعزل‬
‫ل ذلك‬‫أربابها بالعزل من غير سبب ثم العبرة في السبب الذي يقتضي العزل بعقيدة الحاكم‪ ،‬ومح ّ‬
‫ن للناظر العزل بل جنحة‪ ،‬ولو‬ ‫حيث لم يكن في شرط الواقف ما يقتضي خلف ذلك بأن كان فيه أ ّ‬
‫كان للقاضي نظر وقف بشرط الواقف فأقام شخصًا عليه انعزل بانعزاله لنه في الحقيقة نائبه‪.‬‬
‫)و( ينعزل القاضي ومثله نائبه بأحد أمور )عزل نفسه( فله ذلك كالوكيل وإن لم يعلم موليه إل إذا‬
‫تعين للقضاء بأن لم يكن ثم من يصلح غيره فل ينفذ عزله حينئذ‪ ،‬وللمستخلف عزل خليفته ولو‬
‫ن نحو موته لم ينعزل على المعتمد‪ ،‬نعم إن‬ ‫ي آخر ولم يتعرض للّول ول ظ ّ‬ ‫بل موجب ولو لول ّ‬
‫ن مثل ذلك المحل ليس فيه إل قاض واحد تعين النعزال )وجنون( وإغماء ولو‬ ‫اطردت العادة بأ ّ‬
‫ل بالضبط‪ ،‬وعمى وصمم ومرض ل يرجى زواله وقد عجز معه عن‬ ‫لحظة وغفلة ونسيان يح ّ‬
‫الحكم‪.‬‬
‫)وفسق( وزيادة فسق من لم يعلم موليه بفسقه الصلي أو الزائد حال توليته‪ ،‬ولو زالت هذه‬
‫ن كل من له الولية إذا انعزل لم تعد وليته إل‬ ‫الحوال لم تعد وليته إل بتولية جديدة‪ .‬والقاعدة أ ّ‬
‫بتوليته ثانيًا إل أربعة‪ :‬الب والجّد والناظر بشرط الواقف ومن له الحضانة‪ ،‬ونقل عن بعضهم أن‬
‫العمى إذا عاد بصيرًا عادت وليته‪) .‬ل( ينعزل )قاض( غير قاضي ضرورة ول قاضي‬
‫ضرورة إذا لم يوجد مجتهد صالح ول من وليته عامة كناظر بـيت المال والجيش والحسبة‬
‫والوقاف )بموت إمام( أعظم ول بانعزاله لعظم الضرر بتعطيل الحوادث‪ ،‬ومن ثم لو وله للحكم‬
‫ن المام إنما يولى القضاء نيابة عن المسلمين بخلف‬
‫بـينه وبـين خصمه انعزل بفراغه منه ول ّ‬
‫ي والمرأة والعبد والعمى‬
‫تولية القاضي لنوابه فإنه عن نفسه‪ ،‬ودخل في قاضي ضرورة الصبـ ّ‬
‫فل ينعزل واحد منهم بموت السلطان إن لم يوجد ثم مجتهد صالح‪ ،‬أما مع وجوده فإن رجى توليته‬
‫انعزل وإل فل إذ ل فائدة في انعزاله‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪334 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل وليته )حكمت بكذا( إل‬ ‫ل وليته( ولو على أهل مح ّ‬ ‫ل( للقضاء )في غير مح ّ‬‫)ول يقبل قول متو ّ‬
‫ببـينة لنه ل يملك الحكم حينئذ فل يقبل إقراره به سواء قالها على وجه القرار أو النشاء فقوله‪:‬‬
‫في غير متعلق بقول‪ ،‬وقوله حكمت مقول القول‪ ،‬والمراد بمحل وليته نفس بلد قضائه المحّوط‬
‫بالسور والبناء المتصل بها )كـ(ـما ل يقبل ذلك القول من )معزول( وإن كان انعزاله بالعمى‪،‬‬
‫ومن محكم بعد مفارقة مجلس حكمه لنهما حينئذ لم يقدرا على إنشاء الحكم‪ ،‬أما لو أضاف‬
‫المعزول القول لما قبل العزل كقوله‪ :‬كنت حكمت بكذا فإنه يقبل‪.‬‬
‫)وليسّو( أي القاضي وجوبًا )بـين الخصمين( وإن وكلء في سبعة أشياء‪ .‬الّول‪ :‬في المجلس بأن‬
‫يجلسهما بـين يديه أو أحدهما عن يمينه والخر عن يساره والجلوس بـين يديه أولى‪ ،‬وكون‬
‫الجلوس على الركب أولى‪ ،‬ول يرتفع الموكل على الوكيل والخصم لكن يجب رفع مسلم على‬
‫كافر في مجلس‪ .‬والثاني‪ :‬في استماع كلمهما لئل ينكسر قلب أحدهما‪ .‬والثالث‪ :‬في نظر لهما‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬في دخولهما عليه فل يأذن لحدهما دون الخر‪ .‬والخامس‪ :‬في القيام لهما فل يخص‬
‫أحدهما بقيام إن علم أنه في خصومة فإن لم يعلم إل بعد قيامه له‪ ،‬فإما أن يعتذر لخصمه من ترك‬
‫القيام له كأن يقول‪ :‬إني ما علمت أنه جاء في خصومة أو يقول‪ :‬قصدت القيام لكما‪ ،‬وإما أن يقوم‬
‫له كقيامه للّول وهو أولى‪ ،‬فلو كان أحدهما يستحق القيام دون الخر ترك القيام محافظة على‬
‫التسوية‪ .‬والسادس‪ :‬في جواب سلم منهما إن سلما معًا فإن سلم عليه أحدهما انتظر الخر حتى‬
‫يسلم فيجيبهما معًا‪ ،‬وإذا علم عدم السلم من الخر بالمرة وجب على القاضي أن يقول له سلم‬
‫لجيبكما‪ .‬والسابع‪ :‬في طلقة وجه وسائر أنواع الكرام فل يخص أحدهما بشيء منها وإن‬
‫اختلف بفضيلة أو قرابة‪.‬‬
‫)وحرم قبوله( أي القاضي )هدية من ل عادة له( بتلك الهدية )قبل ولية( للقضاء أو له عادة بها‬
‫وزاد عليها قدرًا أو صفة )إن كان( أي قبول الهدية )في محله( أي محل وليته‪) .‬و( حرم قبوله‬
‫أيضًا ولو في غير محلها هدية )من له خصومة( عنده وإن اعتادها قبل وليته لنها في الخيرة‬
‫توجب الميل إليه‪ ،‬وفي غيرها سببها الولية‪ ،‬وحيث حرمت الهدية لم يملكها )وإل( بأن كان‬
‫القبول في غير محل وليته أو لم يزد المهدي على عادته ول خصومة فيهما )جاز( أي قبول‬
‫هديته‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪334 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن وقوعها عن قرب امتنع‬ ‫والحاصل أنه إن كان للمهدي خصومة في الحال أو غلب على الظ ّ‬
‫قبول الهدية مطلقًا سواء كان المهدي من أهل عمله أم ل‪ ،‬وسواء أكان له عادة بالهدية أم ل‪،‬‬
‫ل وليته أم ل‪ ،‬وإن لم يكن له خصومة ول عادة بالهدية امتنع قبولها أيضًا‬ ‫وسواء أهدى له في مح ّ‬
‫سواء أكان من أهل عمله أم ل‪ ،‬وإن كان له عادة بها وزاد عليها قدرًا أو جنسًا أو صفة بعد‬
‫ل وليته في هاتين الصورتين‪ ،‬فالمعتمد إن تميزت الزيادة جنسًا‬ ‫المنصب‪ :‬أي وكان ذلك في مح ّ‬
‫أو قدرًا حرمت الزيادة وحدها‪ ،‬وإل حرم الجميع وإن كان له بها عادة ولم يزد إل جنسًا ول قدرًا‬
‫ول صفة جاز قبولها‪ ،‬ول فرق في هذا التفصيل بـين الجانب وأبعاض القاضي على المعتمد‪،‬‬
‫والولى لمن جاز له قبول الهدية أن يثيب عليها إذا قبلها أو يرّدها لمالكها أو يضعها في بـيت‬
‫المال‪ ،‬وأولى من ذلك سّد باب القبول مطلقًا حسمًا للباب والضيافة والصدقة فرضًا أو نف ً‬
‫ل‬
‫كالهدية‪ ،‬ويجوز لمن حضر ضيافة القاضي الكل منها إذا قامت قرينة على رضا المالك بأكل‬
‫الحاضرين من ضيافته‪ ،‬وإل فل يجوز لنه إنما أحضرها للقاضي‪ ،‬ويأتي مثل هذا التفصيل في‬
‫سائر العمال‪ ،‬ومن ذلك ما جرت العادة به من إحضار طعام لشاّد البلد أو نحوه من الملتزم أو‬
‫الكاتب‪ ،‬والعارية إن كانت مما يقابل بأجرة كسكنى دار‪ ،‬وركوب دابة فحكمها كالهدية وإل فل‪،‬‬
‫وقبول الرشوة حرام‪ :‬وهي ما يبذل للقاضي ليحكم بغير الحق‪ ،‬أو ليمتنع من الحكم بالحق‬
‫وإعطاؤها كذلك لنه إعانة على معصية‪ ،‬أما لو رشي ليحكم بالحق جاز الدفع وإن كان يحرم‬
‫على القاضي الخذ على الحكم مطلقًا‪ :‬أي سواء أعطي من بـيت المال أم ل‪ ،‬ويجوز للقاضي أخذ‬
‫الجرة على الحكم لنه شغله عن القيام بحقه‪.‬‬
‫ن المهدى إليه أن المهدي‬ ‫تتمة‪ :‬يندب قبول الهدية لغير الحاكم حيث ل شبهة قوية فيها‪ ،‬وحيث يظ ّ‬
‫أهداه حياء أو في مقابل‪ ،‬وإل لم يجز القبول مطلقًا في الّول‪ ،‬وكذا في الثاني إن لم يثبه بقدر ما‬
‫في ظنه بالقرائن‪ ،‬وينبغي للمهدى إليه التصّرف في الهدية عقب وصولها بما أهديت لجله‬
‫ل القبول‪ ،‬وأنها وقعت الموقع ووصلت وقت الحاجة إليها وإشارة إلى‬ ‫إظهارًا لكون الهدية في مح ّ‬
‫تواصل المحبة بـينه وبـين المهدى إليه حتى أن ما أهداه إليه له مزية على غيره مما هو عنده وإن‬
‫كان أعلى وأغلى‪ ،‬ول يشترط في ذلك صيغة بل يكفي البعث والخذ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪334 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( إذا حكم قاض باجتهاد أو تقليد ثم بان حكمه بمن ل تقبل شهادته كعبدين بان أن ل حكم‪،‬‬
‫فحينئذ )نقض( أي القاضي وغيره من الحكام وجوبًا )حكمًا( تيقن الخطأ فيه‪ :‬أي أظهر بطلنه‬
‫بنحو قوله‪ :‬نقضته أو أبطلته أو فسخته كما إذا بان الحكم )بخلف نص( من كتاب أو سنة أو ن ّ‬
‫ص‬
‫مقلده )أو إجماع( ومثل مخالفة الجماع ما خالف شرط الواقف‪ ،‬أو خالف المذاهب الربعة‪ ،‬أو‬
‫خالف القواعد الكلية‪ ،‬أو خالف القياس الجلي‪ :‬وهو ما يعّم الولى والمساوي )أو( بان الحكم‬
‫)بمرجوح( لما نقل القرافي وابن الصلح الجماع على أنه ل يجوز الحكم بخلف الراجح في‬
‫المذاهب‪ ،‬والمراد بعدم الجواز عدم العتداد بذلك الحكم فيجب نقضه‪ ،‬لكن قال ابن الصلح ومن‬
‫ل ولو مرجوحًا في مذهبه بدليل جيد‪ ،‬وليس له‬ ‫تبعه‪ :‬وينفذ حكم من له أهلية الترجيح إذا رجح قو ً‬
‫أن يحكم بشاّذ أو غريب في مذهبه إل أن ترجح عنده‪ ،‬ومما ينقض فيه الحكم لمخالفته ما مّر ما لو‬
‫حكم قاض بصحة نكاح زوجة المفقود بعد أربع سنين ومّدة العّدة‪ ،‬أو بنفي خيار المجلس‪ ،‬ونفي‬
‫بـيع العرايا‪ ،‬ومنع القصاص في المثقل‪ ،‬وصحة بـيع أّم الولد‪ ،‬وصحة نكاح الشغار‪ ،‬ونكاح‬
‫المتعة‪ ،‬وحرمة الرضاع بعد حولين‪ ،‬وقتل مسلم بذمي‪ ،‬وتوريث بـين مسلم وكافر‪ ،‬أو باستحسان‬
‫فاسد استنادًا لعادة الناس من غير دليل‪ ،‬أو على خلف الدليل‪.‬‬
‫)ول يقضي( أي ل يجوز للقاضي القضاء )بخلف علمه( أي ظنه المؤكد وإن قامت به بـينة‪،‬‬
‫ق من‬ ‫وإل لكان قاطعًا ببطلن حكمه والحكم بالباطل محرم‪ ،‬وذلك كما إذا شهد رجلن عنده بر ّ‬
‫يعلم حريته‪ ،‬أو بنكاح من يعلم بـينونتها‪ ،‬أو بملك من يعلم عدم ملكه‪ ،‬ول يجوز له القضاء في هذه‬
‫الصورة بعلمه لمعارضة البـينة له مع عدالتها ظاهرًا‪ ،‬بل يتوقف عن الحكم حتى يظهر فسق‬
‫البـينة فيحكم بعلمه أو نحو ذلك كرفع الدعوى إلى حاكم آخر غيره‪ ،‬وكأن علم أن المدعي أبرأ‬
‫ي فل يقضى‬ ‫المدعى عليه مما ادعاه وأقام به بـينة‪ ،‬أو أن المدعى عليه قتله وقامت بـينة بأنه ح ّ‬
‫بالبـينة فيما ذكر كما قاله المحلي ‪.‬‬
‫)ويقضي( أي القاضي ولو قاضي ضرورة )بعلمه( إن شاء كأن رأى المدعى عليه اقترض من‬
‫المدعي ما ادعى به أو سمعه بقربه وأنكر هو ذلك فيقضي به عليه مصّرحا بأنه يعلم ذلك كأن‬
‫يقول‪ :‬علمت أن له عليك ما اّدعاه وقضيت‪ ،‬أو حكمت عليك بعلمي‪ ،‬فإن ترك أحد اللفظين لم ينفذ‬
‫حكمه‪ ،‬ويقضي بعلمه في الجرح والتعديل والتقويم قطعًا‪ ،‬وكذا على من أقّر بمجلسه‪ :‬أي واستمّر‬
‫على إقراره لكنه قضاء بالقرار دون العلم‪ ،‬فإن أنكر كان قضاء بالعلم‪ ،‬ويقضي بعلمه في‬
‫القصاص‪ ،‬وحّد القذف كالمال لنها حدود الدميـين‪ ،‬بخلف حدود ال تعالى‪ :‬كحّد زنا ومحاربة‪،‬‬
‫أو سرقة‪ ،‬أو شرب‪ ،‬وكذا تعازيره فل يقضي بعلمه لندب الستر في أسبابها ولسقوطها بالشبهة‪،‬‬
‫نعم من ظهر له منه في مجلس حكمه ما يوجب تعزيرًا عزره وإن كان قضاء بالعلم‪ ،‬وقد يحكم‬
‫بعلمه في حدود ال تعالى كما إذا علم من مكلف أنه أسلم ثم أظهر الرّدة فيقضى عليه بموجب‬
‫ذلك‪ ،‬وكما إذا اعترف في مجلس الحكم بموجب حّد ولم يرجع عنه فيقضى فيه بعلمه وإن كان‬
‫إقراره سّرا‪ ،‬وكما إذا ظهر بموجب الحّد منه في مجلس الحكم على رؤوس الشهاد‪ :‬كرّدة‪،‬‬
‫ل منهم ولو‬‫وشرب خمر‪) .‬ول( يقضي القاضي مطلقًا لنفسه و)لبعض( من أصله وفرعه ورقيق ك ّ‬
‫ل منهم إذا وقع له خصومة إمام أو‬
‫ل في المشترك للتهمة في ذلك‪ ،‬ويقضي لك ّ‬ ‫مكاتبًا‪ ،‬وشريك ك ّ‬
‫ل أو نائب عن القاضي دفعًا للتهمة‪.‬‬
‫قاض آخر مستق ّ‬
‫رقم الصفحة‪334 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ولو رأى( أي القاضي أو الشاهد )ورقة فيها حكمه( أو شهادته على شخص بشيء‪ ،‬أو شهد على‬
‫القاضي شاهدان أنك حكمت بكذا‪ ،‬أو أخبرا الشاهد أنك شهدت بهذا )لم يعمل به( أي القاضي بذلك‬
‫ل منهما العمل بذلك في إمضاء حكم ول أداء‬ ‫الحكم ولم يشهد بتلك الشهادة الشاهد‪ :‬أي ل يجوز لك ّ‬
‫شهادة )حتى يتذكر( أي المذكور الواقعة بتفصيلها‪ ،‬ول يكفي تذكره أن هذا خطه فقط لمكان‬
‫التزوير ومشابهة الخط‪ ،‬والمطلوب علم الحاكم والشاهد ولم يوجد‪) .‬وله( أي الشخص )حلف على‬
‫استحقاق( للحق له على غيره أو أدائه لغيره )اعتمادًا على خط( نفسه وإن لم يتذكر‪ ،‬وعلى إخبار‬
‫عدل‪ ،‬وعلى خط مكاتبه الذي مات مكاتبًا أن له على فلن كذا‪ ،‬أو أنه أّدى ما عليه وعلى خط‬
‫ل منهم بحيث انتفى عنه احتمال تزويره‬ ‫مأذونه ووكيله وشريكه و)مورثه إن وثق( بخط ك ّ‬
‫و)بأمانته( بأن علم منه عدم التساهل في شيء من حقوق الناس اعتضادًا بالقرينة‪ ،‬وضابط ذلك‬
‫ي كذا سمحت نفسه بدفعه ولم يحلف على نفيه وفارقت هذه اليمين‬ ‫أنه لو وجد مثله بأن لزيد عل ّ‬
‫القضاء والشهادة بأن خطرهما عاّم بخلفهما لتعلقهما بنفسه‪.‬‬
‫)والقضاء على غائب( عن البلد أو المجلس لتوار أو تعزز )جائز( في كل شيء غير عقوبة ل‬
‫ق‪ ،‬بأن قال‪ :‬هو جاحد له‪ ،‬أو أطلق‬ ‫تعالى )إن كان لمّدع حجة ولم يقل هو( أي الغائب )مقّر( بالح ّ‬
‫لنه قد يعلم جحوده في غيبته‪ ،‬ويحتاج إلى إثبات الحق فتجعل غيبته كسكوته‪ ،‬ثم تلك الحجة إما‬
‫علم القاضي‪ ،‬وإما بـينة ولو شاهدًا ويمينًا فيما يقضى فيه بهما‪ ،‬ول بّد من يمين ثانية للستظهار‬
‫ي والمجنون والميت‪،‬‬ ‫ونفي المسقطات بعد اليمين المكملة للحجة‪ ،‬هذا في الغائب‪ ،‬وكذا في الصبـ ّ‬
‫أما لو قال‪ :‬هو مقّر وإنما أقيم البـينة استظهارًا مخافة أن ينكر لم تسمع بـينته ولغت دعواه‪ ،‬وكذا‬
‫لو قال‪ :‬هو مقّر لكنه ممتنع فل تسمع عند الرملي خلفًا لبن حجر ‪ ،‬إذ ل فائدة في البـينة مع‬
‫القرار‪ ،‬ويستثنى ما إذا كان للغائب عين حاضرة في عمل الحاكم الذي وقعت عنده الدعوى‪ ،‬وإن‬
‫لم تكن ببلده وأراد إقامة البـينة على دينه ليوفيه فتسمع البـينة وإن قال‪ :‬هو مقّر‪ ،‬ويستحبّ للقاضي‬
‫نصب مسخر ينكر عن الغائب ومن ألحق به لتكون الحجة على إنكار منكر‪ ،‬وينبغي له أن يوري‬
‫في إنكاره على الغائب ومن في معناه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪334 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ووجب تحليفه( أي المّدعي يمين الستظهار فيما إذا لم يكن للغائب وكيل حاضر سواء أكانت‬
‫الدعوى بدين أم عين أم بصحة عقد أم إبراء‪ :‬كأن أحال الغائب على مدين له حاضر فاّدعى‬
‫إبراءه لحتمال دعوى أنه مكره عليه )بعد( إقامة )بـينة( وتعديلها )أن الحق( في الصورة الولى‬
‫ثبت )في ذمته( إلى الن احتياطًا للغائب لنه لو كان حاضرًا لربما اّدعى أداء أو إبراء‪ ،‬ول بّد أن‬
‫ق قد يكون عليه‪ ،‬ول يلزمه أداؤه لتأجيل أو نحوه‪،‬‬‫ي لن الح ّ‬
‫يقول مع ذلك وأنه يلزمه تسليمه إل ّ‬
‫وهذا ل يتأتى في الدعوى بعين بل يحلف فيها على ما يليق بها‪ :‬كأن يقول‪ :‬والعين باقية تحت يده‬
‫ي‪ ،‬وكذا نحو البراء‪ ،‬ول بّد أن يتعّرض مع الثبوت ولزوم التسليم إلى أنه ل يعلم‬ ‫يلزمه تسليمها إل ّ‬
‫أن في شهوده قادحًا في الشهادة مطلقًا‪ ،‬أو بالنسبة للغائب كفسق‪ ،‬وعداوة‪ ،‬وتهمة‪ ،‬لن المّدعى‬
‫عليه لو كان حاضرًا وطلب تحليف المّدعي على ذلك أجيب‪ ،‬ول يبطل الحق بتأخير هذا اليمين‬
‫عن اليوم الذي وقعت فيه الدعوى‪ ،‬ول ترتّد بالرّد بأن يرّدها على الغائب ويوقف المر إلى‬
‫حضوره أو يطلب النهاء إلى حاكم بلده ليحلفه‪ ،‬وذلك لن هذه اليمين ليست مكملة للحجة وإنما‬
‫هي شرط للحكم‪ ،‬ولو ثبت الحق وحلف ثم نقل إلى حاكم آخر ليحكم به لم تجب إعادتها‪ ،‬أما إذا‬
‫كان للغائب وكيل حاضر فإنه يتوقف التحليف على طلبه حيث وقعت الدعوى على الوكيل‪ ،‬فإن‬
‫وقعت على الموكل لم يتوقف على ذلك‪.‬‬
‫ي ولم يطلب فإنه يحلف‬ ‫ي( أو مجنون ل وليّ له أو له ول ّ‬ ‫)كما لو اّدعى( أي شخص )على صبـ ّ‬
‫احيتاطًا لمن ذكر ول تتوقف اليمين على طلبه‪) .‬وميت( ليس له وارث خاص حاضر فإن المّدعي‬
‫يحلف لما مّر‪ ،‬أما من له وارث كذلك كامل فل بد في تحليف خصمه بعد إقامة البـينة من طلبه‬
‫لن الحق في هذه يتعلق بالتركة التي هي للوارث فتركه لطلب اليمين إسقاط لحقه بخلف الولي‬
‫فإنه إنما يتصرف عن الصبـي بالمصلحة‪ ،‬ولو ادعى قيم لموليه شيئًا وأقام به بـينة على قيم‬
‫شخص آخر وجب انتظار كمال المدعى له ليحلف ثم يحكم له‪) .‬وإذا( حكم الحاكم على الغائب أو‬
‫الميت بمال وقد )ثبت مال( عليهما بالحكم )وله مال( حاضر في محل عمله أو دين ثابت على‬
‫حاضر في ذلك )قضاه منه( بعد طلب المدعي لن الحاكم يقوم مقامهما ول يطالبه بكفيل لن‬
‫الصل بقاء المال‪ ،‬ول يعطيه بمجرد الثبوت لنه ليس بحكم‪ ،‬ولو باع قاض مال غائب في دينه‬
‫فقدم وأبطل الدين بإثبات نحو فسق الشاهد به بطل البـيع‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪334 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وإل( بأن لم يكن له مال في محل وليته أو لم يحكم )فإن سأل المدعي إنهاء الحال( في ذلك )إلى‬
‫قاضي بلد الغائب( أو إلى كل من يصل إليه الكتاب من القضاة )أجابه( وجوبًا‪ ،‬وإن كان المكتوب‬
‫إليه قاضي ضرورة مسارعة لبراءة ذمة غريمه ولوصوله إلى حقه )فينهي إليه( أي ذلك القاضي‬
‫)سماع بـينة( ثبت بها الحق‪ ،‬ثم إن عدلها لم يحتج المكتوب إليه إلى تعديلها وإل احتاج إليه )ليحكم‬
‫بها( أي البـينة )ثم يستوفي الحق أو( ينهي إليه )حكمًا( إن حكم )ليستوفي( المال لدعاء الحاجة‬
‫إلى ذلك ويكتب في إنهاء الحكم قامت عندي حجة على فلن لفلن بكذا وحكمت له به فاستوف‬
‫حقه‪ ،‬وقد ينهي علم نفسه‪) .‬والنهاء أن يشهد( أي القاضي الكاتب )عدلين بذلك( أي بما جرى‬
‫عنده من ثبوت أو حكم يؤديانه عند القاضي الخر‪ ،‬ويعتبر فيه رجلن فل يكفي غيرهما ولو في‬
‫مال أو هلل رمضان‪ ،‬والمراد بها شاهدان غير شاهدي الحق أما هما فل يذهبان إلى القاضي‬
‫ن مع الشهاد أن يذكر في الكتاب ما يميز‬ ‫المكتوب إليه وإنما اللذان يذهبان شاهدا الحكم‪ ،‬ويس ّ‬
‫ن ختمه بعد قراءته على الشاهدين بحضرته وختم الكتاب من‬ ‫الخصمين الغائب وذا الحق‪ ،‬ويس ّ‬
‫حيث هو سنة متبعة‪ ،‬والمراد بختمه جعل نحو شمع عليه بعد طيه ليصونه ويختم عليه بخاتمه‬
‫ويقول‪ :‬أشهدكما أني كتبت إلى فلن بما سمعتماه ويضعان خطهما فيه ول يكفي أن يقول أشهدكما‬
‫أن هذا خطي وأن ما فيه حكمي ويدفع للشاهدين نسخة أخرى بل ختم ليطالعاها ويتذكرا عند‬
‫الحاجة‪ ،‬ويشهدان عند القاضي الخر على القاضي الكاتب بما جرى عنده من ثبوت أو حكم إن‬
‫أنكر الخصم المحضر أن المال المذكور فيه عليه‪ ،‬ولو خالفاه أو انمحى أو ضاع فالعبرة بقولهما‪.‬‬
‫تنبـيه صورة الكتاب‪ :‬حضر فلن وادعى على فلن الغائب المقيم ببلد كذا بدين وحكمت له بحجة‬
‫أوجبت الحكم وسألني أن أكتب إليك بذلك فأجبته وأشهدت بالحكم شاهدين أو شهد عندي بالحق‬
‫شاهدان ويسمى في إنهاء سماع الحجة من غير حكم شاهدي الحق إن لم يعدلهما وإل فله ترك‬
‫تسميتهما أما إنهاء الحكم فل حاجة لذكر البـينة التي أوجبت الحكم لنه ل مساغ لشهادة بـينة‬
‫الحكم به قبل تعديلها كما ل مساغ للحكم قبل تعديل بـينة الحق‪.‬‬
‫والحاصل أن إنهاء الحكم أو ثبوت الحق من غير حكم ل بد فيه من التعديل بخلف إنهاء سماع‬
‫البـينة من غير حكم فتارة يكون معه تعديل وتارة ل فاحتاج المر حينئذ إلى ذكر الشاهدين‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪334 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫باب الدعوى والبـينات‬

‫الدعوى جمعها دعاوى وألفها للتأنيث لنها بوزن فعلى‪ ،‬وهي لغة الطلب‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫}ولهم ما يدعون{ ))‪ (36‬يس‪ :‬الية ‪ (57‬أي يطلبون‪ ،‬وشرعًا إخبار عن ثبوت حق للمخبر على‬
‫غيره عند حاكم أو محكم أو سيد أو ذي شوكة‪ ،‬والبـينة الشهود‪ :‬سموا بها لن بهم يتبـين الحق‪.‬‬
‫)المدعي من خالف قوله الظاهر( وهو براءة الذمة في دعوى المال‪) .‬والمدعى عليه من وافقه(‬
‫ولذلك جعلت البـينة على المدعي لنها أقوى من اليمين التي جعلت على المنكر لينجبر ضعف‬
‫خلى ولم‬ ‫جانب المدعي بقوة حجته وضعف حجة المنكر بقوة جانبه‪ ،‬وقيل‪ :‬المدعي من لو سكت ُ‬
‫يطالب بشيء‪ ،‬والمدعى عليه من ل يخّلى ول يكفيه السكوت‪ ،‬فإذا طالب زيد عمرًا بحق فأنكر‬
‫فزيد يخالف قوله الظاهر من براءة عمرو ولو سكت ترك وعمرو يوافق قوله الظاهر ولو سكت‬
‫لم يترك فهو مدعى عليه وزيد مدع على القولين ول يختلف موجبهما غالبًا‪.‬‬
‫والذي يتعلق بالخصومة خمسة أشياء‪ ،‬اثنان منها في جانب المدعي وهما الدعوى والبـينة‪،‬‬
‫والثلثة الباقية في جانب المدعى عليه وهي اليمين والنكول وجواب الدعوى وهو القرار أو‬
‫النكار‪ ،‬وشرط كل منهما كونه معينًا معصومًا مكلفًا أو سكران ولو محجورًا عليه بسفه فيقول‪:‬‬
‫وولي يستحق تسلمه‪ ،‬وتشترط الدعوى عند حاكم أو من في معناه في غير مال سواء كان في‬
‫عقوبة لدمي كقصاص وحّد قذف أو في غير عقوبة كالنكاح والطلق والرجعة والبـيع وغيرها‬
‫من سائر العقود والفسوخ‪ .‬ول يجوز للمستحق الستقلل بذلك لعظم خطره‪.‬‬
‫أما المال ففيه تفصيل وهو إن استحق شخص عينًا عند آخر بملك أو إجارة أو وقف أو وصية‬
‫بمنفعة أو وصاية اشترط الدعوى بها عند حاكم إن خاف بأخذها فتنة أي مفسدة تفضي إلى محرم‬
‫ل به‪ :‬أي بدون رفع إلى القاضي لمشقة الرفع‬ ‫كأخذ ماله لو اطلع عليه وإل فله أخذها مستق ً‬
‫ل على غير ممتنع من الداء طالبه به فل يأخذ شيئًا له بغير‬ ‫للقاضي والمؤنة أو استحق دينًا حا ً‬
‫مطالبة ولو أخذه لم يملكه ما لم يوجد شرط التقاص ولزمه رّده ويضمنه إن تلف عنده ضمان‬
‫ل على منكر أو على من ل يقبل إقراره أو على ممتنع مقرًا كان أو‬ ‫المغصوب أو استحق دينًا حا ً‬
‫منكرًا وعجز عن أخذه بحيث ل بـينة له عليه أو له بـينة وامتنعوا أو طلبوا منه ما ل يلزمه أو‬
‫كان حاكم محلته جائرًا ل يحكم إل برشوة وإن قلت وقدر على أخذ ماله ممن ذكر جاز له أخذ‬
‫جنس حقه من ذلك المال ظفرًا أي استيفاء لحقه به لعجزه عن حقه إل بذلك‪ ،‬فإن كان مثليًا أو‬
‫متقومًا أخذ مماثله من جنسه ل من غيره‪ ،‬فإن لم يوجد جنس حقه أخذ نقدًا ول يجوز العدول إلى‬
‫غيره إل إن فقد فيأخذ غيره هذا إذا كان الغريم مصدقًا أنه ملكه فلو كان منكرًا كونه له لم يجز له‬
‫أخذه قطعًا وإن كان متصرفًا فيه تصرف الملك لجواز أنه مغصوب وتعدى بالتصرف فيه أو أنه‬
‫وكيل عن غيره‪ ،‬ولو كان الدين على محجور فلس أو على ميت لم يأخذ إل قدر حصته‬
‫بالمضاربة إن علمها وإل احتاط فيأخذ ما تيقن أن المأخوذ ل يزيد على ما يخصه‪ ،‬ثم مثل الدين‬
‫المنفعة المتعلقة بالذمة فلمستحقها أن يأخذ من مال من هي في ذمته قدر قيمته إن كان ممتنعًا‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( حيث كان المر كما ذكر جاز )له( أي الشخص المستحق )بل فتنة( عليه أو على غيره وإن‬
‫لم يكن له به ارتباط )أخذ ماله( أي حقه أو جنس حقه ظفرًا إذا عجز عن حقه أو غير جنس حقه‬
‫ل بذلك الخذ لما في الرفع إلى الحاكم من‬
‫ولو أمة إن تعذر جنس حقه كما مر )من مماطل( استقل ً‬
‫المشقة والمؤنة هذا كله في حق الدمي‪ ،‬أما الزكاة لو امتنع المالك من أدائها وظفر المستحقون‬
‫بجنسها من ماله فليس لهم الخذ وإن انحصروا لتوقف إجزائها على النية ثم لمن جاز له الخذ‬
‫فعل ما ل يصل للمال إل به ككسر باب ونقب جدار وقطع ثوب لغريمه فل يضمن ذلك إن كان‬
‫ملكًا للغريم ولم يتعلق به حق لزم كرهن وإجارة‪ ،‬ويجوز الستعانة بذلك لعاجز عن نحو الكسر‬
‫بالكلية كما قاله ابن حجر هذا في غير صبـي ومجنون وغائب‪ ،‬أما هؤلء فليس له الخذ من‬
‫مالهم إن ترتب عليه كسر أو نقب لعذرهم خصوصًا الغائب وإن لم يترتب على الخذ ما ذكر أخذ‬
‫من مالهم كغيرهم على المعتمد ولو لم يجد ما يأخذه بعد الكسر والنقب ضمن لخطئه في فعله‬
‫وعدم العلم بحقيقة الحال ل ينافي الضمان‪.‬‬
‫ل أهل قريته على عمل للملتزم المستولي على القرية‬ ‫فرع‪ :‬يقع كثيرًا في القرى إكراه الشاد مث ً‬
‫فالضمان على الشاد لن الملتزم لم يكرهه على إكراههم‪ ،‬فإن فرض من الملتزم إكراه للشاد فكل‬
‫من الشاد والملتزم طريق في الضمان وقراره على الملتزم‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬لو كان لكل من اثنين في الخر دين وجحد أحدهما فللخر أن يجحد قدر دينه ليقع التقاص‬
‫ل عن حقه‬ ‫وإن لم يكونا من النقود‪ ،‬واختلف الجنس )ثم إن كان( أي المأخوذ )جنس حقه ملكه( بد ً‬
‫إن كان بصفته أو بصفة أدون فيملكه حينئذ بمجرد الخذ بنية الظفر من غير صيغة تملك إذ ل‬
‫يجوز له نية غيره كأن أخذه ليكون رهنًا بحقه فل يجوز الخذ وإن كان المأخوذ غير جنس حقه‬
‫ل بالخذ‪ ،‬ولما في الرفع من تضيـيع الزمان‪ ،‬ومح ّ‬
‫ل‬ ‫ل كما يستق ّ‬
‫أو هو لكنه بصفة أرفع باعه مستق ً‬
‫الستقلل بالبـيع إن لم يتيسر علم القاضي به لعدم علمه‪ ،‬ول بـينة أو مع أحدهما لكنه يحتاج‬
‫لمؤنة ومشقة وإل فل يبـيع إل بإذن الحاكم‪ ،‬وإذا باعه فليبعه بنقد البلد وإن كان غير جنس حقه ثم‬
‫يشتري به الجنس ثم يتملك الجنس بصيغة تملك كأن يقول‪ :‬تملكت هذا عوضًا عن حقي فإن تلف‬
‫قبل تملكه ولو بعد البـيع ضمنه‪ ،‬ولو أخر بـيعه لتقصير فنقصت قيمته ضمن النقص‪ ،‬ول يأخذ‬
‫فوق حقه إن أمكن القتصار على قدر حقه‪ ،‬وإن لم يمكن بأن لم يظفر إل بمتاع تزيد قيمته على‬
‫حقه أخذه‪ ،‬ول يضمن الزيادة لعذره وباع منه بقدر حقه إن أمكن تجزية وإل باع الكل وأخذ من‬
‫ثمنه قدر حقه ورد الباقي بهبة أو نحوها بحيث ل يعلم أنه من تلك الجهة‪ ،‬وكذا لو أخذ غير جنس‬
‫حقه وباعه وفضل من ثمنه شيء فيرّده على خصمه بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وشرط للدعوى( أي لصحتها )بنقد( خالص أو مغشوش )أو دين( مثلي أو متقّوم )فكر جنس‬
‫ونوع وقدر( وصفة تؤثر في القيمة كمائة درهم فضة أفرنجية صحاح أو مكسرة‪ ،‬أما إذا لم تؤثر‬
‫الصفة فل يجب ذكرها إل في دين السلم )و( للدعوى )بعين( حاضرة بالبلد إحضارها بمجلس‬
‫الحكم مثلية أو متقّومة تنضبط بالصفات كحبوب وحيوان وصفها بذكر )صفة( للسلم وجوبًا في‬
‫المتقّوم دون المثلى‪ ،‬ول يجب ذكر قيمة فإن لم تنضبط بالصفات كجوهرة أو ياقوتة وجب ذكر‬
‫القيمة مع جنس ونوع ولون اختلف‪ ،‬وإن تلفت العين وهي متقّومة وجب ذكر القيمة مع الجنس‬
‫دون الصفات بخلف المثلية فل يجب ذكر القيمة ويكفي الضبط بالصفات‪) .‬و( للدعوى )بعقار(‬
‫ذكر )جهة وحدود( أربعة إذا لم يعلم إل بها‪) .‬و( للدعوى )بنكاح( في السلم وصفه بذكر صحة‬
‫ي وشاهدين عدول( وذكر رضا المرأة إن شرط لكونها غير مجبرة‪ ،‬وذكر إذن وليه إن كان‬ ‫و)ول ّ‬
‫ن النكاح فيه حق ال تعالى‬ ‫سفيهًا وإذن سيده إن كان عبدًا‪ ،‬فل يكفي في دعوى النكاح الطلق ل ّ‬
‫وحق الدمي فاحتيط له‪) .‬و( للدعوى )بعقد مالي( كبـيع ولو ســـــلما وهبة ولو لمة ذكر‬
‫)صحته( ول يحتاج إلى تفصيل كما في النكاح لنه دونه في الحتياط )وتلغو( أي الدعوى‬
‫)بتناقض كشهادة خالفت( دعوى كما لو اّدعى ملكًا بسبب فذكر الشاهد ملكًا بسبب آخر فل تسمع‬
‫ج في شهر‬ ‫تلك الدعوى ول يطلب من المّدعى عليه جوابها‪ .‬ول تسمع دعوى محال شرعًا كح ّ‬
‫ح الدعوى بذلك لنه قرب من‬ ‫رجب أو حسًا وعادة كمثل جبل أحد ذهبًا أو فضة‪ ،‬وإنما لم تص ّ‬
‫المحال العقلي لبعد وقوعه‪ ،‬وتسمع دعوى محال عادة كدعوى على جليل أنه استؤجر لشيل‬
‫الزبل‪.‬‬
‫ح الدعوى به‪ ،‬كما لو‬ ‫ن المحال العادي قسمان‪ :‬ما ل يمكن وقوعه في العادة فل تص ّ‬ ‫فالحاصل أ ّ‬
‫ن الجليل يؤجر‬ ‫ح فيمكن أ ّ‬
‫اّدعى قدرًا من أرز ونحوه وكان الشخص ل يملكه عادة وما يمكن فتص ّ‬
‫نفسه لشيل الزبل تخلصًا من يمين وقعت عليه كأن حلف أنه ل بد أن يفعل ذلك ترويضًا لنفسه‬
‫ل‪) .‬ومن( أي والمّدعى عليه الذي )قامت عليه بـينة( وحدها بثبوت حق )ليس له تحليف‬ ‫مث ً‬
‫المّدعي( على استحقاقه مدعاه لنه كطعن في الشهود‪ ،‬ويستثنى ما لو اّدعى الذي قامت عليه‬
‫البـينة مسقطًا للمّدعي كأداء له أو إبراء منه أو شرائه منه فيحلف مّدعي نحو الداء مقيم البـينة‬
‫على نفي الداء وما بعده لحتماله‪ ،‬هذا إذا اّدعى حدوث شيء من ذلك قبل قيام البـينة والحكم‪،‬‬
‫بخلف ما لو اّدعى ذلك بعد الحكم فل يحلفه لثبوت الحق على خصمه بالحكم‪ ،‬ويستثنى أيضًا ما‬
‫لو قامت بـينة بإعسار المدين فللدائن تحليفه لجواز أن يكون له مال باطن‪ ،‬وما لو شهدت له بـينة‬
‫بعين فقال الشهود ل نعلمه باع ول وهب فلخصمه تحليفه أنها ما خرجت عن ملكه بوجه‪ ،‬وخرج‬
‫بالبـينة وحدها الشاهد واليمين‪ ،‬والبـينة مع يمين الستظهار وذلك بل حلف المّدعي قبل ذلك‪ ،‬إما‬
‫مع شاهده أو مع يمين الستظهار فل يحلف بعد هذه الدعوى على نفي ما اّدعاه الخصم لنه قد‬
‫تعرض في يمينه لستحقاقه الحق‪ ،‬ول تسمع دعوى إبراء من الدعوى لنه باطل‪) .‬وأمهل( أي‬
‫القاضي وجوبًا من قامت عليه البـينة بكفيل أو بالترسيم عليه إن خيف هربه إذا طلب‪ .‬المهال‬
‫)ثلثة( من اليام )لـ(ـأجل التيان بـ)ـدافع( من نحو أداء أو إبراء وذلك بعد تفسيره الدافع ومكن‬
‫من سفر ليحضره إن لم تزد المّدة على الثلث فإنها مّدة قريبة ل يعظم الضرر فيها‪ ،‬ولو أحضر‬
‫بعد المهال في ذلك شهود الدافع أو شاهدًا واحدًا أمهل ثلثة أخرى للتعليل أو التكميل‪ ،‬ولو عين‬
‫جهة ولم يأت ببـينة ثم اّدعى أخرى عند انقضاء مّدة المهلة واستمهل لها لم يمهل أو أثناءها أمهل‬
‫بقيتها فقط‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ولو اّدعى رق بالغ( مجهول نسب ولو سكران )فقال أنا حّر أصالة( وهو رشيد ولم يسبق إقراره‬
‫بالملك )حلف( فيصّدق وإن تداولته اليدي بالبـيع وغيره لموافقته الصل وهو الحرية‪ ،‬ومن ثم‬
‫ن مع الولى زيادة علم بنقلها عن الصل‪ ،‬أما لو قال‪:‬‬ ‫قّدمت بـينة الرق على بـينة الحرية ل ّ‬
‫أعتقتني أو أعتقني الذي باعني منك فل يصّدق بغير بـينة‪ ،‬وإذا ثبتت حريته الصلية بقوله‪ .‬رجع‬
‫ي( أو‬ ‫مشتريه على بائعه بالثمن وإن أقر له بالملك لبنائه على ظاهر اليد‪) .‬أو( اّدعى رق )صبـ ّ‬
‫ن الصل عدم‬ ‫نحوه )ليس في يده لم يصّدق إل بحجة( عن شهود أو علم قاض أو يمين مردوة ل ّ‬
‫الملك‪ ،‬نعم لو كان بـيد غيره وصّدقه الغير كفى تصديقه مع تحليف المّدعي كما لو كان بـيده‬
‫ن اليد‬
‫وجهل لقطه فيحلف ويحكم له برق لنه الظاهر من حاله‪ ،‬ول يضر إنكاره بعد بلوغه ل ّ‬
‫حجة وإنما حلف لخطر شأن الحرية‪ ،‬فإن علم لقطه لم يصّدق إل بحجة لن اللقيط محكوم بحريته‬
‫ظاهرًا بخلف غيره‪.‬‬
‫تنبـيه‪ :‬من شروط الدعوى أن ل ينافيها دعوى أخرى وأن ل يكذب أصله‪ ،‬فلو ثبت إقرار رجل‬
‫بأنه عباسي فاّدعى ولده أنه حسني لم تسمع دعواه ول بـينته‪ ،‬والشروط الثلثة المعلومة مما سبق‬
‫وهي‪ ،‬العلم واللزام وعدم المناقضة معتبرة في كل دعوى‪ ،‬ويزيد عليها في الدعوى على من ل‬
‫يحلف ول يقبل إقراره ولي بـينة أريد أن أقيمها‪ ،‬فلو طلق امرأة ثم نكحت آخر فاّدعى أنه نكحها‬
‫في عّدته لم تسمع دعواه حتى يقول‪ :‬ولي بـينة أريد أن أقيمها على أني طلقتها يوم كذا فلم تنقض‬
‫عّدتي‪ ،‬وفي الدعوى لعين بنحو بـيع أو هبة على من هي بـيده واشتريتها أو اتهبتها من فلن‬
‫وكان يملكها أو وسلميها لن الظاهر أنه إنما يتصرف فيما يملكه‪ ،‬وفي الدعوى على الوارث بدين‬
‫ومات المدين وخلف تركة تفي بالدين أو بكذا منه وهي بـيد هذا وهو يعلم الدين أي أو لي به بـينة‪.‬‬
‫فصل في جواب الدعوى من المّدعى عليه وما يتعلق بالجواب‬
‫)إذا أقّر المّدعى عليه( حقيقة أو حكمًا )ثبت الحق( بالقرار من غير حكم لوضوح دللته بخلف‬
‫البـينة‪ ،‬ومن ثم لو كانت صورة القرار مختلفًا فيها احتيج للحكم )وإن سكت عن الجواب أمره‬
‫القاضي( جوازًا )به( أي الجواب وإن لم يسأله المّدعي لن المقصود فصل الخصومة وبذلك‬
‫تنفصل‪) .‬فإن سكت( أي أصّر المّدعى عليه على سكوته عن جواب الدعوى الصحيحة وهو‬
‫عارف أو جاهل فنبه ولم يتنبه )فكمنكر( فيقول القاضي للمّدعي احلف بعد عرض اليمين عليه‬
‫فحينئذ يحلف المّدعي‪ ،‬ول يمكن الساكت من الحلف لو أراده إل برضى المّدعي‪ ،‬ويندب له‬
‫ن سكوته لنحو دهشة أو غباوة وجب إعلمه بالحال‬ ‫تكرير أجبه ثلثًا‪ ،‬نعم إن غلب على ظنه أ ّ‬
‫بأن يقول له‪ :‬إذا أطلت السكوت حكمت بنكولك وقضيت عليك‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫)فإن سكت( أي أصّر على السكوت )فناكل( فيرّد القاضي اليمين على المّدعي‪ ،‬فلو حلف قبل‬
‫رّدها من القاضي لغت ما لم يحكم بنكول الخصم وإل فل تتوقف على رّد القاضي فيحلف المّدعي‬
‫إن اختار ذلك ويستحق المّدعي به بفراغ اليمين من غير توقف على حكم لنها كالقرار‪ ،‬وهو ل‬
‫يتوقف على حكم ل بنكول خصمه‪ ،‬ويبـين القاضي وجوبًا وقيل‪ :‬ندبًا حكم النكول للجاهل به بأن‬
‫يقول له‪ :‬إن نكلت عن اليمين حلف المّدعي وأخذ منك الحق وللخصم بعد نكوله العود إلى الحلف‬
‫ل أو تنزي ً‬
‫ل‬ ‫ما لم يحكم بنكوله حقيقة بأن حكم القاضي بنكوله كقوله‪ :‬حكمت بنكوله أو جعلته ناك ً‬
‫كقول القاضي للمّدعي‪ :‬احلف فإنه نازل منزلة الحكم بنكول المّدعى عليه وإل فليس له العود إليه‬
‫إل برضا المّدعي‪ ،‬وإذا نكل ثانيًا لم يحلف المّدعي لنه أسقط حقه برضاه بحلف خصمه‪.‬‬
‫ل )لم يكف( في الجواب )ل تلزمني( أي تلك العشرة )حتى يقول‬ ‫)فإن اّدعى( عليه )عشرة( مث ً‬
‫ن مّدعي العشرة مّدع لكل جزء منها فاشترط‬ ‫ول بعضها‪ ،‬وكذا يحلف( إن توجهت اليمين عليه ل ّ‬
‫مطابقة النكار واليمين دعواه وإنما يطابقانها إن نفى كل جزء منها‪ ،‬فإن حلف على نفي العشرة‬
‫ل بل تجديد دعوى‬ ‫فقط فناكل عما دون العشرة فيحلف المّدعي على استحقاقه بجزء وإن ق ّ‬
‫ويأخذه‪ ،‬نعم لو كان المدعي به مسندًا إلى عقد كأن اّدعت نكاحًا بخمسين كفاه نفى العقد بها‬
‫والحلف عليه‪ ،‬فإن نكل لم تحلف هي على البعض لنه يناقض ما اّدعته أّول وهو النكاح‬
‫ل( فأنكر وطلب منه اليمين فقال‪ :‬ل‬ ‫بالخمسين فيجب مهر المثل‪) .‬أو( اّدعى عليه شخص )ما ً‬
‫أحلف وأعطى المال لم يلزمه قبوله من غير إقرار من المدعى عليه بل يجوز‪ ،‬وللمدعي تحليف‬
‫المدعى عليه لنه ل يأمن أن يدعي عليه بما دفعه بعد‪ ،‬وكذا لو نكل عن اليمين وأراد المدعي أن‬
‫يحلف يمين الرّد فقال خصمه‪ :‬أنا أبذل المال بل يمين فيلزمه الحاكم بأن يقّر وإل حلف المدعي أو‬
‫ي شيئًا( أو‬
‫ل )مضافًا لسبب كأقرضتك( كذا )كفاه( في الجواب )ل تستحق( أنت )عل ّ‬ ‫اّدعى عليه ما ً‬
‫ن المدعي‬ ‫ل يلزمني تسليم شيء إليك‪ ،‬ول يشترط التعرض لنفي السبب‪ ،‬فإن تعرض لنفيه جاز ل ّ‬
‫قد يكون صادقًا ويعرض ما يسقط المدعي به من نحو‪ :‬أداء‪ ،‬أو إبراء‪ ،‬أو إعسار‪ ،‬ولو اعترف به‬
‫واّدعى مسقطًا طولب بالبـينة‪ ،‬وقد يعجز عنها فدعت الحاجة إلى قبول الجواب‪ .‬نعم لو اّدعى‬
‫عليه وديعة لم يكفه في الجواب‪ :‬ل يلزمني التسليم إذ ل يلزمه التسليم وإنما يلزمه التخلية‪،‬‬
‫ي شيئًا‪ ،‬أو ينكر اليداع‪ .‬أو يقول‪ :‬هلكت الوديعة أو رددتها‬ ‫فالجواب الصحيح ل تستحق عل ّ‬
‫وحلف على حسب جوابه هذا ليطابق الحلف الجواب‪ ،‬فإن أجاب بنفي السبب المذكور بأن قال‪ :‬ما‬
‫أقرضتني‪ ،‬أو ما بعت لي‪ ،‬أو ما غصبت حلف عليه‪ ،‬أو بالطلق فكذلك ليطابق اليمين النكار‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫واعلم أن النكول يحصل بأمور‪ :‬منها‪ :‬أن يقول بعد عرض اليمين عليه أنا ناكل‪ ،‬أو يقول له‬
‫القاضي‪ :‬احلف‪ ،‬فيقول‪ :‬ل أحلف أو ل فقط‪ .‬ومنها‪ :‬أن يقول له‪ :‬قل بال‪ ،‬فيقول بالرحمن‪ ،‬وهذا‬
‫فيمن ظهر فيه الجهل بأن يصّر عليه بعد تعريفه بوجوب امتثال أمر الحاكم‪ .‬ومنها‪ :‬المتناع من‬
‫تغليظ اليمين‪ .‬ومنها‪ :‬السكوت ل لدهشة وغباوة بعد قول القاضي له‪ :‬احلف كما قال المصنف‬
‫)ولو أصّر المّدعى عليه على سكوت عن جواب( للّدعوى الصحيحة بعد عرض اليمين عليه ل‬
‫ل‪ ،‬أو نكلتك بتشديد الكاف‬‫نحو دهشة )فناكل( إن حكم القاضي بنكوله بأن يقول له‪ :‬جعلتك ناك ً‬
‫ل من غير حكم أو ما في معناه من طلب تحليف المّدعي لن ما‬ ‫لمتناعه‪ .‬ول يصير هنا ناك ً‬
‫صدر عن الساكت ليس صريح نكول‪.‬‬
‫ن للقاضي عرض اليمين عليه ثلثًا والعرض من القاضي على الساكت آكد‪ ،‬ولو ظهر منه‬ ‫ويس ّ‬
‫جهل حكم النكول وجب عليه تعريفه بأن يقول له‪ :‬إن نكولك يوجب حلف المّدعي وأنه ل تسمع‬
‫بـينتك بعده بأداء أو نحوه‪ ،‬فإن حكم عليه ولم يعرفه نفذ وأثم بعدم تعليمه لنه المقصر بعدم تعلمه‬
‫حكم النكول وقول القاضي للمّدعي بعد امتناع المّدعى عليه من الحلف أو بعد سكوته احلف‬
‫وإقباله عليه ليحلفه وإن لم يقل له‪ :‬احلف نازلن منزلة قوله‪ :‬حكمت بنكوله فليس للمّدعى عليه أن‬
‫يحلف إل إن رضي المّدعي‪.‬‬
‫ل من اثنين )شيئًا في يد ثالث( أي غير هذين الثنين لم ينسبه إلى أحدهما قبل‬ ‫)وإذا ادعيا( أي ك ّ‬
‫ل منهما )بـينة( بذلك الشيء )سقطتا( أي البـينتان إذا تساوتا تاريخًا‬ ‫البـينة ول بعدها )وأقاما( أي ك ّ‬
‫وعددًا لتعارضهما ول مرجح فأشبهتا الدليلين إذا تعارضا بل ترجيح‪ ،‬وحينئذ فيحلف لكلّ منهما‬
‫يمينًا‪ ،‬فإن أقّر ذو اليد لحدهما قبل البـينة أو بعدها رجحت بـينته ولو زاد بعض حاضري مجلس‬
‫ل إل إن احتفت القرائن الظاهرة على أن البقية ضابطون له من أّوله إلى آخره‪،‬‬ ‫قبل صفة مث ً‬
‫فقالوا‪ :‬لم نسمعها مع الصغاء إلى جميع ما وقع وكان مثلهم ل ينسب للغفلة في ذلك‪ ،‬فحينئذ يقع‬
‫ل من اثنين شيئًا )بـيدهما(‬‫التعارض لن النفي المحصور يعارض الثبات الجزئي‪) .‬أو( اّدعى ك ّ‬
‫ل منهما )فهو( أي‬ ‫أو ل بـيد أحد كعقار أو متاع ملقى في طريق وليس المّدعيان عنده وثم بـينة لك ّ‬
‫الشيء المّدعى به )لهما( أي بالبـينة القائمة ل باليد السابقة على إقامة البـينتين‪ ،‬وإل لتحالفا إذ‬
‫ليس أحدهما أولى به من الخر‪ ،‬والفرق بـين البـينة القائمة واليد السابقة هو الحاجة إلى الحلف‬
‫في الثاني ل في الّول‪) .‬أو بـيد أحدهما( تصّرفا أو إمساكًا ويسمى الداخل )قدمت( من غير يمين‬
‫)بـينته( وإن تأخر تاريخها أو كانت شاهدًا ويمينًا‪ ،‬وبـينة الخارج شاهدين أو لم تبـين سبب الملك‬
‫من شراء أو غيره‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ولو أزيلت يده ببـينة وأسندت بـينته الملك إلى ما قبل إزالة يده ترجيحًا لبـينته بـيده الحكمية‬
‫والحسية ما لم يكن مع بـينة الخارج زيادة علم‪ ،‬كما لو قال الخارج‪ :‬هو ملكي اشتريته منك أو‬
‫اكتريته مني فقال الداخل هو ملكي وأقاما بـينتين بما قاله رجح الخارج لزيادة علم بـينته بما ذكر‬
‫ومحله إذا لم يسند انتقال الملك عن شخص واحد‪ ،‬وإل قّدمت بـينة الخارج إن كانت أسبق تاريخًا‪،‬‬
‫ل ترجيح بـينة الداخل )إن أقامها بعد بـينة الخارج( ولو قبل تعديلها بخلف ما لو أقامها قبلها‬ ‫ومح ّ‬
‫لنها إنما تسمع بعدها لن الصل في جانبه اليمين لنه مّدعى عليه‪ ،‬فل يعدل عنها ما دامت‬
‫ق وبـينة بالحرية قّدمت بـينة‬ ‫كافية‪ ،‬وهي كافية ما دام الخارج لم يقم بـينة‪ ،‬ولو قامت بـينة بالر ّ‬
‫ق لن معها زيادة علم لنها ناقلة وبـينة الحرية مستصحبة‪ ،‬ولو اّدعيا لقيطًا بـيد أحدهما وأقام‬ ‫الر ّ‬
‫ل بـينة استويا لنه ل يدخل تحت اليد‪.‬‬ ‫كّ‬
‫)وترجح بتاريخ سابق( كأن شهدت بـينة لواحد بملك من سنة إلى الن‪ ،‬وبـينة أخرى لخر بملك‬
‫بأكثر من سنة إلى الن والعين بـيدهما أو بـيد غيرهما أو ل بـيد أحد وإنما رجحت بـينة ذي أكثر‬
‫المّدتين وهي السبق تاريخًا لعدم المعارضة في الزائد على الخرى بل تعارض في السنة‬
‫المتأخرة‪ ،‬وإذا تعارضا فيها تساقطا بالنسبة لها فيستصحب الملك السابق‪ ،‬ولصاحب التاريخ‬
‫السابق أجرة وزيادة حادثة من يوم ملكه بسبب الشهادة وهو الوقت الذي أرخت به البـينة ل من‬
‫وقت الحكم فقط لنهما ثمرة ملكه‪ .‬نعم لو كانت العين بـيد الزوج أو البائع قبل القبض لم يلزمه‬
‫أجرة‪ ،‬أما لو كانت العين بـيد أحدهما رجحت بـينته وإن كانت شاهدًا ويمينًا أو تأخر تاريخها‪ ،‬لن‬
‫البـينتين متساويتان في إثبات الملك في الحال فيتساقطان فيه وتبقى اليد في مقابلة الملك السابق‬
‫وهي أقوى من الشهادة على الملك السابق بدليل أنها ل تزال بها‪.‬‬
‫)و( يرجح)بشاهدين( وبشاهد وامرأتين وبأربع نسوة فيما يثبت بشهادتين )على شاهد مع يمين(‬
‫للخر في غير بـينة الداخل بل ترجح مطلقًا على من ذكر‪ ،‬ويمكن تصوير ذلك بما لو حصل‬
‫ل )ل‬ ‫التنازع بـينهما في عيب تحت الثياب في أمة يؤّدي إلى المال أو في حّرة لتبعيض المهر مث ً‬
‫بزيادة شهود( صفة أو عددًا لحدهما ما لم يبلغوا عدد التواتر‪ ،‬وإل فيرجح لفادة العلم الضروري‬
‫حينئذ‪ ،‬وكذا ل ترجح بـينة وقف على بـينة ملك ول بـينة انضّم إليها حكم بالملك على بـينة بل‬
‫حكم‪ ،‬ول برجلين على رجل وامرأتين‪ ،‬ول على أربع نسوة لكمال الحجة في الطرفين‪) .‬ول(‬
‫بـينة )مؤرخة على( بـينة )مطلقة( لن المؤرخة وإن اقتضت الملك قبل الحال فالمطلقة ل تنفيه‪،‬‬
‫ولن مجّرد التاريخ ليس بمرجح لحتمال أن المطلقة لو فسرت فسرت بما هو أكثر من الولى‪.‬‬
‫نعم لو شهدت إحداهما بدين والخرى بإبراء من قدره رجحت بـينة البراء لنه إنما يكون بعد‬
‫الوجوب‪ .‬والصل عدم تعّدد الدين‪ ،‬بخلف ما لو أثبت على زيد إقرارًا بدين فأثبت زيد إقرار‬
‫المّدعي بعدم استحقاقه عليه شيئًا فإن إقرار المّدعي ل يؤثر في القرار لحتمال حدوث الدين‬
‫بعد‪ ،‬ولن الثبوت ل يرتفع بالنفي المحتمل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل من اثنين )شيئًا بـيد ثالث( فإن أقّر به لحدهما سلم له وللخر تحليفه إذ لو أقرّ‬ ‫)ولو اّدعيا( أي ك ّ‬
‫ل منهما يمينًا وترك في يده‪) .‬و( إن‬ ‫به له أيضًا غرم له بدله‪ ،‬وإن أنكر ما اّدعياه ول بـينة حلف لك ّ‬
‫ل من اثنين على ثالث بـيده شيء أنكرهما ثم )أقام كل( منهما )بـينة أنه اشتراه( منه وهو‬ ‫اّدعى ك ّ‬
‫يملكه وسلمه ثمنه )فإن اختلف تاريخهما حكم للسبق( منهما تاريخًا لن معها زيادة علم‪ ،‬ولن‬
‫الثاني اشتراه من الثالث بعد زوال ملكه عنه ول نظر لحتمال عوده إليه لنه خلف الظاهر‬
‫)وإل( بأن اتحد تاريخهما أو أطلقتا التاريخ أو إحداهما )سقطتا( لستحالة أعمالهما وصار كأن ل‬
‫ل منهما يمينًا أنه ما باعه ول تعارض في الثمنين فيلزمانه‪ :‬أي يرجع ك ّ‬
‫ل‬ ‫بـينة‪ ،‬فيحلف الثالث لك ّ‬
‫ل لمورثهم( الذي مات )وأقاموا شاهدًا( بذلك‬ ‫عوا ما ً‬
‫منهما عليه بالثمن لثبوته بالبـينة‪) .‬ولو اد ّ‬
‫المال )وحلف بعضهم( أي المّدعين على أن المّدعى به لمورثهم )أخذ( أي ذلك البعض )نصيبه‬
‫ول يشارك فيه( أي نصيب البعض على من لم يحلف‪.‬‬
‫فصل في بـيان قدر النصاب في الشهود المختلف باختلف المشهود به وفي بـيان شروطهم‬
‫)الشهادة( بحسب ما تقبل فيه وهو المشهود به سبعة أنواع‪ ،‬لنه إما حق ال تعالى وإما حق‬
‫الدمي‪ ،‬فحق ال على ثلثة أقسام‪.‬‬
‫الّول‪ :‬ما يقصد به العبادة فيكفي )لرمضان( أي لرؤية هلل رمضان بالنسبة للصوم وما ألحق به‬
‫ولشّوال بالنسبة للحرام بالحج ولذي الحجة بالنسبة للوقوف )رجل( واحد‪.‬‬
‫)و( الثاني‪ :‬ما ل يقبل فيه أقل من أربعة رجال فيشترط )لزنا( ولواط وإتيان بهيمة وميتة )أربعة(‬
‫ل بد أن يقولوا‪ :‬رأيناه أدخل حشفته في فرج فلنة على وجه الزنا ول بد من ذكر المرأة المزنى‬
‫بها‪ ،‬وأما مكان الزنا وزمانه فل يشترط ذكرهما حيث لم يذكرهما أحد وإل وجب سؤال باقيهم‬
‫لحتمال وقوع تناقض يسقط شهادتهم‪.‬‬
‫ل للمرتد أو لقاطع الطريق إن‬ ‫والثالث‪ :‬ما يقبل فيه رجلن وهو أسباب الحدود سواء أكان الحد قت ً‬
‫قتل مكافئًا له أم قطعًا في سرقة أو في قطع الطريق أم جلدًا لشارب خمر ول تقبل في حقوق ال‬
‫ل )و( حق الدمي على أربعة أقسام‪.‬‬ ‫تعالى النساء أص ً‬
‫الّول‪ :‬ما يشترط )لمال( عينًا كان كوديعة أو دينًا أو منفعة كسكنى دار )و( لحق مالي أو عقد‬
‫مالي أو فسخه من )ما قصد به مال( ما عدا الشركة والقراض والكفالة‪ ،‬أما هي فل بّد من رجلين‬
‫إل أن يريد في الولين إثبات حصته من الربح وذلك )كبـيع( ومنه الحوالة لنها بـيع دين بدين‬
‫وإقالة وضمان وإبراء وقرض ووقف وصلح ورد بعيب وشفعة ومسابقة وغصب ووصية بمال‬
‫وإقرار ومهر في نكاح أو وطء شبهة وخلع وقتل خطأ وقتل صبـي ومجنون وقتل حر عبدًا‬
‫ل‪،‬‬‫ومسلم ذميًا وقتل والد ولدًا وسرقة ل قطع فيها‪) .‬ورهن( وخيار وأجل وكذا جناية توجب ما ً‬
‫فيكفي في ذلك كله أحد ثلثة أمور‪ :‬إما )رجلن أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين( من المدعي‬
‫بعد أداء شهادة شاهده وبعد تعديله ويذكر وجوبًا في حلفه صدق شاهده لن اليمين والشهادة‬
‫حجتان مختلفتا الجنس في غير هذه الصورة فاعتبر ارتباط إحداهما بالخرى ليصيرا كالجنس‬
‫الواحد‪ ،‬ثم هل القضاء بالشاهد واليمين معًا أو بالشاهد فقط واليمين مؤكدة أو بالعكس؟ أقوال‬
‫أصحها أّولها وتظهر فائدة الخلف فيما لو رجع الشاهد فعلى الّول يغرم النصف وعلى الثاني‬
‫يغرم الكل وعلى الثالث ل شيء‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل‪:‬‬
‫)و( الثاني‪ :‬ما شرط )لغير ذلك( أي المذكور من الزنا والمالي وهو ما ل يقصد منه المال أص ً‬
‫كقصاص وقذف وكمقدمات الزنا كقبلة ومعانقة‪ ،‬وكالقرار بالزنا‪ ،‬وكوطء الشبهة إذا قصد‬
‫بالدعوى به إثبات النسب‪ ،‬أما إذا قصد بالدعوى به المال وشهد به حسبة فيثبت بما يثبت به المال‬
‫)ولما يظهر للرجال غالبًا( والمراد بالغلبة كثرة اطلع الرجال عليه وإن كان اطلع النساء عليه‬
‫أغلب فليس المراد الغلبة بالنسبة إليهن وذلك )كنكاح وطلق( ورجعة )وعتق( وإقرار بنحو زنا‬
‫وموت ووكالة وإيصاء وشركة أي عقدها‪ ،‬وقراض وكفالة وشهادة على شهادة ووديعة‪ .‬وصورته‬
‫أن يدعي مالكها غصب ذي اليد لها وذو اليد يدعي أنها وديعة فل بد من شاهدين لن المقصود‬
‫بالذات إثبات ولية الحفظ له وعدم الضمان يترتب على ذلك‪ ،‬ثم حق الدمي في النكاح التمتع‬
‫والنفقة والكسوة‪ ،‬وفي الطلق والرجعة العدة‪ ،‬وفي القرار بنحو زنا خوف اشتباه النساب وفي‬
‫الموت العدة وفيما بعده الولية‪ ،‬ثم صورة العدة هي أن يكون الزوج غائبًا وشهد شاهدان بموته‬
‫لجل أن تعتد زوجته عدة الوفاة‪ ،‬والمراد بقوله‪ :‬كنكاح أي لجل إثبات العصمة‪ ،‬فإن ادعته المرأة‬
‫لثبات المهر أو شطره أو للرث فيثبت بشاهد ويمين‪ ،‬والمراد بالطلق سواء كان بعوض أو‬
‫بغيره هو إن ادعته الزوجة‪ ،‬فإن ادعاه الزوج بعوض ثبت بشاهد ويمين وزيد على ذلك السلم‬
‫والردة والبلوغ والعفو عن القصاص فل يقبل في ذلك كله إل )رجلن(‪.‬‬
‫)و( الثالث‪ :‬ما شرط )لما يظهر للنساء( غالبًا )كولدة وحيض( وبكارة وثيوبة وحمل ورضاع‬
‫من الثدي وعيب امرأة تحت ثوبها‪ ،‬وصياح ولد عند الولدة ليعطى حكم الكبـير في الصلة‬
‫وغيرها‪ ،‬والمراد بقوله كولدة‪ :‬أي من حيث ثبوت النسب ففيها حق آدمي وذلك بأن أتت بولد‬
‫فادعى الزوج أنه مستعار فأقامت بـينة على أنها ولدته‪ ،‬والمراد بالحيض كأن علق طلقها على‬
‫حيضها ثم ادعته فأنكر فأقامت حجة على ذلك‪ ،‬وبالبكارة كأن تزوج امرأة بشرط البكارة ثم ادعى‬
‫أنه وجدها ثيبًا فأقام كل منهما حجة‪ .‬والمراد بكون الرضاع فيه حق آدمي أن يصور بما إذا شهد‬
‫ل‪ .‬والمراد بعيب امرأة هو‬‫شخصان على شخص بأنه ارتضع على أم زوجته ليكون النكاح باط ً‬
‫أن ادعى أنها رتقاء أو قرناء وأقام بذلك بـينة ليفسخ النكاح أو لترد هي في البـيع فيكفي في ذلك‬
‫كله أحد ثلثة أشياء إما )أربع( من النساء )أو رجلن أو رجل وامرأتان(‪.‬‬
‫ن على القرار به فإنه مما يسمعه‬ ‫تنبـيه‪ :‬ما قبل فيه شهادة النسوة على فعله ل تقبل شهادته ّ‬
‫الرجال غالبًا كسائر القارير‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والرابع‪ :‬ما يقبل فيه شاهدان ويمين في صور سبعة‪ .‬الولى‪ :‬دعوى المشتري جواز رد المبـيع‬
‫بعيب قديم‪ .‬والثانية‪ :‬الدعوى الكائنة في صور العنة‪ .‬وصورتها إذا ثبتت العنة بالقرار فضرب‬
‫القاضي له سنة ثم بعد السنة ادعى الوطء فيها وأنكرته وهي بكر فل بد أن تقيم البـينة ببكارتها‬
‫وتحلف على عدم الوطء لحتمال عود البكارة‪ .‬والثالثة‪ :‬دعوى الجراحة في عضو باطن ادعى‬
‫الجارح أنه غير سليم قبل الجناية‪ .‬وصورته أن يختلفا في أصل الجناية أي هل جنى أو ل‪ ،‬فل بد‬
‫من بـينة على وجودها فإذا ثبت ثم اختلفا في سلمة العضو المجنى عليه وعدمها أي هل هو سليم‬
‫فتجب فيه الدية أو أشل فتجب فيه الحكومة وكان ذلك العضو من العضاء الباطنة كالذكر‬
‫والنثيـين فيحلف المجنى عليه أنه كان سليمًا بعد قيام البـينة بذلك‪ ،‬أما لو ثبتت الجناية من أّول‬
‫المر ثم اختلفا في السلمة وعدمها‪ ،‬فإن كان الختلف في عضو ظاهر صدق الجاني بـيمينه أو‬
‫باطن صدق المجنى عليه كذلك‪ .‬والرابعة‪ :‬دعوى إعسار نفسه إذا عهد له مال فإن لم يعهد ذلك‬
‫صدق بـيمينه‪ .‬وصورة ذلك أن يكون عليه دين ويطالب به فيّدعي تلف ماله بسبب ظاهر لم‬
‫يعرف‪ ،‬فل بّد من بـينة على وجود ذلك السبب ثم يحلف على تلف المال به والوديعة ومال‬
‫القراض والشركة وغيرها كالعسار إذا اّدعى تلفها بسبب ظاهر لم يعرف‪ .‬والخامس‪ :‬الدعوى‬
‫على الغائب فوق مسافة العدوى بأن اّدعى أن له عليه دراهم وأراد أخذها من ماله‪ .‬والسادس‪:‬‬
‫الدعوى على الميت والصبـي والمجنون والمفقود والمتعزز والمتواري‪ .‬والسابع‪ :‬فيما إذا قال‪:‬‬
‫لزوجته أنت طالق أمس‪ ،‬ثم قال‪ :‬أردت أنها طالق من غيري بأن كانت متزّوجة قبل ذلك فيقيم في‬
‫هذه الصور السبعة البـينة بما اّدعاه ويحلف معها طلبًا للحتياط لحتمال تزوير البـينة‪ .‬والمراد‬
‫بالمحلوف عليه في الصورة الولى قدم العيب‪ ،‬وفي الثانية عدم الوطء‪ ،‬وفي الثالثة عدم السلمة‪،‬‬
‫وفي الخيرة إرادة طلق غيره‪ .‬صورتها‪ :‬أن امرأة كانت متزّوجة وطلقت وانقضت عّدتها ثم‬
‫تزّوجها رجل آخر وقال لها‪ :‬أنت طالق أمس ثم قال‪ :‬أردت من غيري‪ ،‬فإذا أقام بـينة بتطليق‬
‫الغير إياها وأنها كانت متزّوجة حلف على إرادته طلق غيره إياها والمحلوف عليه هنا غير ما‬
‫اّدعاه ول يضر ذلك‪) .‬وشرط في شاهد( عند أداء الشهادة عشرة في غير هلل رمضان ونحوه‬
‫مما الغرض منه تحقيق الفرض إذ ليس فيه مشهود عليه ول له‪ ،‬ونظمها بعضهم من بحر الطويل‬
‫فقال‪:‬‬
‫بلوغ وعقل ثم السلم نطقه‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وعدل كذا حّرية مروءة‬


‫وذو يقظة ل حجر ليس بمتهم‬
‫فهذي لشهاد شرائط عشرة‬
‫الّول‪) :‬تكليف( فل تقبل شهادة صبـي لقوله تعالى‪} :‬من رجالكم{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ (282‬ول‬
‫مجنون بالجماع‪.‬‬
‫)و( الثاني‪) :‬حّرية( ولو بالدار كأن كان لقيطًا بدار السلم فل تقبل شهادة رقيق‪ ،‬خلفًا لحمد ‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يكون متيقظًا فل تقبل شهادة مغفل ل يضبط‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬أن يكون ناطقًا فل تقبل شهادة الخرس وإن فهمت إشارته لكل أحد‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬أن يكون غير محجور عليه بسفه فل تقبل شهادته‪.‬‬
‫والسادس‪ :‬أن يكون مسلمًا فل تقبل شهادة الكافر على المسلم ول على الكافر خلفًا لبي حنيفة في‬
‫قبوله شهادة الكافر على الكافر‪ ،‬ولحمد فيما إذا شهد كافر في الوصية في السفر ل في غيره‬
‫سواء كان المشهود عليه مسلمًا أو كافرًا متمسكًا بقوله تعالى‪} :‬أو آخران من غيركم إن أنتم‬
‫ضربتم في الرض{ ))‪ (5‬المائدة‪ :‬الية ‪ (106‬وإنما لم تقبل شهادة الكافر عندنا لنه ليس بعدل‬
‫ولنه أفسق الفساق ويكذب على ال تعالى فل يؤمن من الكذب على خلقه وقد قال تعالى‪:‬‬
‫}واستشهدوا شهيدين من رجالكم{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ (282‬أي المسلمين‪ ،‬أما قوله تعالى‪} :‬أو‬
‫آخران من غيركم{ ))‪ (5‬المائدة‪ :‬الية ‪ (106‬فأجيب عنه بأن معناه من غير عشيرتكم أو هو‬
‫منسوخ بقوله تعالى‪} :‬وأشهدوا ذوى عدل منكم{ ))‪ (65‬الطلق‪ :‬الية ‪.(2‬‬
‫)و( السابع‪ :‬أن يكون له )مروءة( وهي لغة الستقامة فل تقبل الشهادة من عادم مروءة لن من ل‬
‫مروءة له لحياء له ومن ل حياء له قال ما شاء‪ ،‬لقوله ‪» :‬إذا لم تستح فاصنع ما شئت« والمروءة‬
‫شرعًا توقي الدناس عرفًا‪ ،‬وتختلف باختلف الشخاص والحوال والماكن فيسقطها أكل‬
‫وشرب وكشف رأس ولبس فقيه قباء أو قلنسوة بمكان ل يعتاد لفاعلها‪ ،‬كأن يفعل الثلثة الول‬
‫غير سوقي في سوق ولم يغلبه عليه في الّولين جوع أو عطش ويفعل الرابع فقيه في بلد ل يعتاد‬
‫مثله لبس ذلك فيه‪ ،‬ويسقطها أيضًا قبلة زوجة أو أمة بحضرة الناس الذين يستحيا منهم في ذلك‬
‫وإكثار ما يضحك بـينهم أو إكثار لعب شطرنج أو استماعه أو رقص‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( الثامن‪ :‬أن يكون له )عدالة( فل تقبل شهادة فاسق ولو نصبه المام للشهادة لقوله تعالى‪} :‬إن‬
‫جاءكم فاسق بنبأ فتبـينوا{ ))‪ (49‬الحجرات‪ :‬الية ‪ (6‬ولو كان الفاسق يعلم الفسق من نفسه‬
‫ل له أن يشهد‪ ،‬وينبغي أن ل يتقّدم على أهل الفضل‬
‫وصدق في شهادة فالمعتمد عند الرملي أنه يح ّ‬
‫ل عن الرملي ‪ ،‬ولو كان الشاهد يعلم فسق نفسه والناس يعتقدون عدالته جاز‬ ‫كما قاله ابن قاسم نق ً‬
‫له أن يشهد‪ ،‬والعدل يتحقق بخصلتين )باجتناب كبـيرة( كتقديم الصلة أو تأخيرها عن وقتها بل‬
‫عذر ومنع الزكاة وترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرط أن يكون مجمعًا عليه أو‬
‫منكرًا عند الفاعل وإن لم يكن منكرًا عند الناهي وأن يأمن الضرر على نفسه وماله ونحوهما‪،‬‬
‫ل للنهي أو ل من‬‫وأن ل يخاف الوقوع في مفسدة أعظم من المنهي عنه سواء كان الناهي ممتث ً‬
‫ل أو بعضًا إن كان حفظه بعد البلوغ‪ ،‬وأمن مكره‬‫الولة أو ل أفاد النهي أو ل‪ ،‬ونسيان القرآن ك ً‬
‫تعالى بأن يسترسل في المعاصي ويجزم بالعفو اعتمادًا على سعة فضل ال‪ ،‬ويفعل الطاعات‬
‫ويترك المعاصي‪ ،‬ويجزم بالنجاة وأكل الربا وأكل مال اليتيم والفطار في رمضان من غير‬
‫عذر‪ ،‬وعقوق الوالدين ولو كافرين والزنا واللواط والقذف والقتل‪ ،‬وشهادة الزور وضرب‬
‫المحترم بغير حق‪ ،‬والنميمة وهي نقل الكلم على وجه الفساد سواء قصد الفساد أم ل‪ ،‬وأما‬
‫الغيبة فإن كانت في أهل العلم وحملة القرآن فهي كبـيرة وإل فصغيرة‪) .‬و( اجتناب )إصرار على‬
‫صغيرة( والصرار هو الكثار من نوع أو أنواع من الصغائر مع أن طاعته ل تغلب معاصيه‪.‬‬
‫فالمداومة على النوع الواحد من الصغائر كبـيرة وضبط الغلبة بالعدد من جانبـي الطاعة‬
‫ن ذلك أمر أخروي أي فتقابل‬ ‫والمعصية من غير نظر لكثرة ثواب في الولى وعقاب في الثانية ل ّ‬
‫حسنة بسيئة بعشر سيئات‪ .‬والمراد الغلبة باعتبار العمر بأن تحسب الحسنات التي فعلها في عمره‬
‫والسيئات أيضًا وينظر الغالب‪ ،‬وليس المراد الغلبة باعتبار يوم بـيوم‪ .‬فمن الصغائر النظر‬
‫المحرم وهجر المسلم فوق ثلثة أيام‪ ،‬والنياحة وشق الجيب والتبختر في المشي‪ ،‬وإدخال صبـيان‬
‫أو مجانين في المسجد يغلب تنجيسهم له‪ ،‬واستعمال نجاسة في بدن أو ثوب لغير حاجة‪.‬‬
‫)و( التاسع‪) :‬عدم تهمة( في الشهادة لقوله تعالى‪} :‬ذلكم أقسط عند ال وأقوم للشهادة وأدنى أل‬
‫ترتابوا{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ (282‬فاسم الشارة راجع لن تكتبوه‪ .‬قوله‪} :‬أقسط عند ال{ ))‪(2‬‬
‫ل‪ .‬قوله‪} :‬وأقوم للشهادة{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ (282‬أي‬ ‫البقرة‪ :‬الية ‪ (282‬أي أكثر قسطًا أي عد ً‬
‫وأثبت لها وأعون على إقامتها‪ .‬قوله‪} :‬وأدنى أل ترتابوا{ ))‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪ (282‬أي وأقرب‬
‫في أن ل تشكوا في جنس الدين وقدره وأجله‪ ،‬وفي الشهود أي أقرب من عدم الريبة فمتى كانت‬
‫هناك ريبة امتنعت الشهادة والريبة حاصلة بالمتهم‪ ،‬فل تقبل شهادة محصل لنفسه نفعًا بأن يظهر‬
‫ن فيها جّر نفع له فشهادته بمال لخ ميت له ابن حال الشهادة مقبولة وإن مات البن‬ ‫حال الشهادة أ ّ‬
‫بعدها‪ ،‬ولو كان لشخص على آخر دين جاحد له فله أن يحيل به شخصًا ويّدعي المحتال على‬
‫ن هذه شهادة جّرت‬ ‫المحال عليه بالدين ويقيم المحيل شاهدًا له عليه فإنه تقبل شهادته له ول يقال‪ :‬إ ّ‬
‫ن الدين انتقل للمحتال كما ل تقبل شهادة دافع عن نفسه ضررًا كشهادة عاقلة‬ ‫ح‪ ،‬ل ّ‬
‫نفعًا فل تص ّ‬
‫بفسق شهود قتل يحملون بدله‪ ،‬وهو الدية من خطأ أو شبه عمد‪ ،‬وشهادة غرماء مفلس حجر عليه‬
‫بفسق شهود دين آخر ظهر عليه لنهم يدفعون بها ضرر المزاحمة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن له فيه‬‫)فترّد( أي الشهادة )لرقيقه( سواء كان مأذونًا له في التجارة وغيرها أم ل‪ ،‬ومكاتبه ل ّ‬


‫علقة ولغريم له ميت بأن ادعى وارث الميت المدين بدين له على آخر وأقام صاحب الدين شاهدًا‬
‫ح للتهمة لنه إذا أثبت للغريم شيئًا أثبت لنفسه المطالبة به‪ ،‬وخرج بالميت الغريم الح ّ‬
‫ي‬ ‫له فل تص ّ‬
‫وهو موسر أو معسر ولم يحجر عليه حجر فلس فتقبل شهادة الغريم له لقوله ‪» :‬ل تجوز شهادة‬
‫ذي الظنة ول ذي الحنة« رواه الحاكم‪ ،‬والظنة‪ :‬التهمة‪ ،‬والحنة‪ :‬العداوة‪) .‬و( ترّد الشهادة‬
‫)لبعضه( من أصل للشاهد وإن عل وفرع له وإن سفل ولو بالرشد أو بالتزكية له أو لشاهده لنه‬
‫ن فيها إثبات ولية للفرع وفيها تهمة‬ ‫بعضه فكأنه شهد لنفسه‪ ،‬والتزكية وإن كانت حقًا ل تعالى ل ّ‬
‫)ل( الشهادة )عليه( أي بعضه بشيء فتقبل إذ ل تهمة حيث ل عداوة‪ ،‬وإل لم تقبل ول ترّد‬
‫الشهادة على أبـيه بطلق ضرة أمه طلقًا بائنًا وأمه تحته أو قذف الضرة المؤّدي للعان المؤّدي‬
‫لفراقها على الظهر لضعف تهمة نفع أمه بذلك إذ له طلق أمه متى شاء مع كون ذلك حسبة‬
‫تلزمه الشهادة به‪ ،‬أما إذا كان الطلق رجعيًا فتقبل قطعًا هذا كله في شهادة حسبة أو بعد دعوى‬
‫الضرة‪ ،‬فإن اّدعى الب الطلق لسقاط نفقة ونحوها لم تقبل شهادة بعضه للتهمة وكذا لو ادعت‬
‫الم الطلق‪ ،‬ولو اّدعى الفرع على آخر بدين لموكله فأنكر المدين فشهد به أبو الوكيل قبل وإن‬
‫ن التهمة ضعيفة جّدا‪ ،‬ول ترّد‬ ‫كان فيه تصديق ابنه كما تقبل شهادة الب وابنه في واقعة واحدة ل ّ‬
‫شهادة أحد الزوجين والخوين والصديقين للخر منهم لنتفاء التهمة‪.‬‬
‫ي أو وكيل‪ ،‬وذلك كأن اّدعى سفيه على‬ ‫ل تصرفه( من قيم أو وص ّ‬ ‫)و( ترّد الشهادة )بما هو مح ّ‬
‫شخص بشيء وأقام قيمه شاهدًا فل تقبل شهادته‪ ،‬وكما لو اّدعى أحد وصيـين بمال للصبـيّ وأقام‬
‫ي الثاني شاهدًا فل تقبل شهادته‪ ،‬وكما لو اّدعى الموكل شيئًا وأقام الوكيل شاهدًا به فل تقبل‬
‫الوص ّ‬
‫ن هذا الشيء ملك له فأراد الوكيل وهو‬ ‫شهادته وذلك كأن وكل زيد في بـيع شيء فاّدعى شخص أ ّ‬
‫زيد أن يشهد بأنه ملك للموكل فل تقبل شهادة كل إن شهد بذلك في حال وليته أو وصايته أو‬
‫وكالته‪ ،‬فإن شهد به بعد عزله ولم يكن خاصم به قبلت وتثبت الوكالة بأصول الوكيل وفروعه‬
‫وبأصول الموكل وفروعه بخلف الوصاية ل تثبت بذلك لنها أقوى من الوكالة‪ ،‬ومثل ذلك المام‬
‫والقاضي وناظر الوقف والمسجد إذا اّدعوا شيئًا ثم أقاموا أصولهم أو فروعهم شهودًا فإن‬
‫شهادتهم تقبل‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن العداوة من أقوى الريب‬ ‫)و( ترّد الشهادة )من عدّو على عدّوه( في عداوة دنيوية ظاهرة ل ّ‬
‫بخلف شهادة له فتقبل إذ ل تهمة‪ ،‬ومن ذلك أن يشهد رجلن على ميت بحق فيقيم الوارث بـينة‬
‫بأنهما عدّوان للوارث فل يقبلن عليه لنه الخصم في الحقيقة لنتقال التركة لملكه وعدّو‬
‫الشخص من يحزن بفرحه ويفرح بحزنه‪) .‬و( ترّد الشهادة )من مبادر( بشهادته قبل أن تطلب منه‬
‫قبل الدعوى أو بعدها لقوله ‪» :‬خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم‬
‫ن ذلك في مقام الذّم لهم‪ ،‬والمراد بقوله ‪ ،‬قرني‪:‬‬ ‫يشهدون ول يستشهدون« رواه الشيخان أي فإ ّ‬
‫أصحابه وبالذين يلونهم التابعون وبالذين يلونهم الثاني من يأخذون عن التابعين‪ ،‬وإنما ترّد‬
‫الشهادة من المبادر لنه متهم ولو في مال يتيم أو زكاة أو كفارة أو وقف أو غائب أو غير ذلك‪،‬‬
‫بل ينصب القاضي من يّدعي ثم يطلب البـينة ول تحتاج إلى حضور خصم‪.‬‬
‫ل إذا لم يقصر في التعلم بأن أسلم‬ ‫ول يشترط في الشاهد معرفته بفروض الصلة والوضوء مث ً‬
‫قريبًا أو كان في شاهق جبل‪ ،‬ول يضر توقفه في الشهادة المعادة بأن لم يرض بإعادتها خوفًا من‬
‫رّده كما رّد أّول‪ ،‬ولذلك لو أعاد الشهادة في المجلس جازمًا بها بعد طلبها منه قبلت )إل( في‬
‫شهادة حسبة وهي ما نوى به وجه ال فتقبل قبل الستشهاد ولو بل دعوى لقوله ‪» :‬أل أخبركم‬
‫بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها« وإنما تقبل في حق ال تعالى كصلة وزكاة‬
‫وكفارة وصوم وحج عن ميت بأن يشهد بتركها وحق لمسجد ويتيم ومجنون أو في حّد له تعالى‬
‫بأن يشهد بموجبه‪ ،‬والفضل فيه الستر كحّد الزنا والسرقة وقطع الطريق أو )في حق مؤكد ل(‬
‫وهو ما ل يتوقف وقوعه على رضا الدمي بل يقع قهرًا عنه بمقتضى الشهادة )كطلق وعتق(‬
‫ونسب وعفو عن قود‪ ،‬وبقاء عّدة وانقضائها وخلع‪ ،‬لكن بالنسبة للفراق ل للمال بأن يشهد بالخلع‬
‫ليمنع من مخالفة ما ينشأ منه‪ ،‬وصورة الشهادة لذلك أن يقول‪ :‬الشهود للقاضي حيث ل دعوى‬
‫نشهد على فلن بكذا وهو ينكر فأحضره لنشهد عليه فإن ابتدؤوا فقالوا‪ :‬فلن زنى فهم قذفة‪ ،‬وإنما‬
‫ل فلو شهد اثنان أن فلنًا أعتق عبده أو أنه أخو فلنة من‬ ‫تسمع شهادة الحسبة عند الحاجة إليها حا ً‬
‫الرضاع لم يكف حتى يقول وهو يريد أن يسترقه أو هو يريد أن ينكحها ول عبرة بقولهما‪ :‬نشهد‬
‫لئل ينكحها وإن كانا مريدين سفرًا وخشيا أن ينكحها في غيبتهما‪ ،‬أما حق الدمي كقود وحّد قذف‬
‫وبـيع وإقرار فل تقبل فيه شهادة الحسبة كما ل تسمع في محض حدود ال تعالى‪ ،‬وحينئذ تسمع‬
‫في السرقة قبل رّد مالها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫تنبـيه‪ :‬قد تسمع الشهادة بل دعوى صحيحة في مسائل أخر كتصرف حاكم في مال تحت وليته‬
‫واحتاج لمعرفة نحو قيمته أو ملكه أو يده فله سماع البـينة بذلك من غير دعوى اكتفاء بطلبه كما‬
‫ن وصيه خانه ومال غائب‬ ‫في تعديل الشاهد أو جرحه‪ ،‬وكذا في نحو مال محجور شهد اثنان أ ّ‬
‫ي في عمله بعد الثبوت عنده من‬‫شهدا بفواته إن لم يقبضه الحاكم‪ ،‬ونظير ذلك قضاؤه لنحو صبـ ّ‬
‫غير طلب أحد لحكمه‪.‬‬
‫)وتقبل( أي الشهادة )من فاسق( أو خارم مروءة )بعد توبة( بشرط عدم وصوله لحالة الغرغرة‬
‫لن من وصل إلى تلك الحالة أيس من الحياة فتوبته إنما هي لعلمه باستحالة عوده إلى مثل ما فعل‬
‫وعدم طلوع الشمس من مغربها‪) .‬وهي( أي التوبة )ندم( على المعصية من حيث المعصية ل‬
‫لخوف عقوبة لو علم بحاله أو فوات مال أو نحو ذلك )بـ(شرط )إقلع( عنها في الحال إن كان‬
‫متلبسًا بها أو عازمًا على معاودتها )وعزم أن ل يعود( إليها ما عاش إن تصّور منه وإل‬
‫كمجبوب بعد زناه لم يشترط فيه العزم على عدم العود له بالتفاق‪.‬‬
‫ل كانت أو عرضًا نحو قود وحّد قذف‪ ،‬فإن‬ ‫ي وجه قدر عليه ما ً‬‫)وخروج عن ظلمة آدمي( بأ ّ‬
‫أفلس وجب عليه الكسب‪ ،‬فإن عجز عن رّد الظلمة إلى المالك ووارثه دفعه لحاكم ثقة‪ ،‬فإن تعذر‬
‫صرفه فيما شاء من مصالح المسلمين عند انقطاع خبره بنية القرض وغرم بدله إذا وجده‪ ،‬وإنما‬
‫احتيج لنية القرض لئل يضيع على مالكه إذا ظهر لكونه نائبًا عنه في الصرف‪ ،‬فإن أعسر عزم‬
‫على الداء عند قدرته‪ ،‬فإن مات قبله فل مطالبة عليه في الخرة إن لم يعص بالتزامه والمرجّو‬
‫من فضل ال تعالى أن يعوض المستحق‪ ،‬وإذا بلغت الغيبة المغتاب اشترط استحلله‪ ،‬فإن تعذر‬
‫لموته أو تعسر لغيبته الطويلة استغفر له كأن يقول‪ :‬اللهّم اغفر لفلن‪ ،‬ول أثر لتحليل وارث ول‬
‫مع جهل المغتاب بما حلل منه‪ ،‬أما إذا لم تبلغه كفى فيها الندم والستغفار له‪ ،‬أما لو اغتاب‬
‫ي أمدًا ينتظر‪ ،‬وبفرض موته يمكن‬ ‫صغيرًا مميزًا وبلغته الغيبة فل يكفي الستغفار له لن للصبـ ّ‬
‫استحلل وارث الميت من المغتاب بعد بلوغه ويكفي الندم والقلع عن الحّد‪.‬‬
‫ومن لزمه حّد وخفي أمره ندب الستر على نفسه فإن ظهر أتى للمام ليقيمه عليه لفوات الستر‪،‬‬
‫ل للمعصية بل ل بّد معه من التوبة إذ هو مسقط لحق الدمي فقط‪ ،‬وأما‬ ‫ول يكون استيفاؤه مزي ً‬
‫حق ال تعالى فيتوقف على التوبة‪ ،‬فإذا لم يتب عوقب على عدم التوبة وعلى القدام على الفعل‬
‫ح التوبة من ذنب وإن أصّر على غيره ومن ذنب تاب منه ثم عاد إليه ولو‬ ‫المنهي عنه‪ ،‬وتص ّ‬
‫تكرر منه ذلك مرارًا‪ ،‬ومن مات وله دين لم يستوفه وارثه كان المطالب به في الخرة هو دون‬
‫ح‪ ،‬وبشرط قول في صحة توبة من معصية قولية من حيث حق الدمي لتقبل‬ ‫الوارث على الص ّ‬
‫شهادته كأن يقول القاذف‪ :‬قذفي باطل وأنا نادم عليه ول أعود إليه‪ ،‬أو ما كنت صادقًا في قذفي‬
‫وقد تبت منه أو نحو ذلك‪ ،‬ويقول شاهد الزور‪ :‬شهادتي باطلة وأنا نادم عليها‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)و( بشرط )استبراء سنة( تقريبًا بعد توبة في صحة توبة من معصية فعلية كالعداوة كما رجحه‬
‫ن التوبة من أعمال‬ ‫ابن الرفعة خلفًا للبلقيني وكخرم مروءة‪ ،‬ومن شهادة زور وقذف إيذاء ل ّ‬
‫القلوب‪ ،‬ووهمتهم بإظهارها لترويج شهادته وعود وليته‪ ،‬وإنما قّدرت مدة الستبراء بسنة ل ّ‬
‫ن‬
‫للفصول الربعة تأثيرًا بـينًا في تهيـيج النفوس لما تشتهيه‪ ،‬فإذا مضت السنة على السلمة أشعر‬
‫ل الستبراء في الفاسق اذا ظهر فسقه‪ ،‬فلو كان يسّره وأقّر به ليقام عليه‬ ‫ذلك بحسن السريرة‪ ،‬ومح ّ‬
‫الحّد قبلت شهادته عقب توبته كما قاله شيخ السلم‪.‬‬
‫تنبـيه‪ :‬اشتراط القول في القولية والستبراء في الفعلية إنما هو لقبول الشهادات وعود الوليات أما‬
‫لسقاط الثم فل يشترط ذلك‪.‬‬
‫)وشرط لشهادة بفعل كزنا( وغصب ورضاع وولدة وإتلف )إبصار( للفعل مع فاعله لوصول‬
‫اليقين به‪ ،‬فل يكفي في ذلك السماع من الغير فيقبل في ذلك أصم لبصاره‪ ،‬ويجوز تعمد النظر‬
‫لفرجي الزانيـين لتحمل الشهادة لنهما هتكا حرمة أنفسهما‪) .‬و( شرط لشهادة )بقول كعقد( وفسخ‬
‫وإقرار )هو( أي إبصار للقائل )وسمع( للقول حال صدوره منه ولو من وراء نحو زجاج‪ ،‬فل‬
‫يكفي سماعه من وراء حجاب وإن علم صوته لن ما أمكن إدراكه بإحدى الحواس ل يجوز أن‬
‫ل يبـيت وحده وعلم أن الصوت‬ ‫ن لجواز تشابه الصوات‪ ،‬نعم لو كان المقّر مث ً‬ ‫يعمل فيه بغلبة ظ ّ‬
‫ممن في البـيت جاز له اعتماد صوته‪ ،‬وإن لم يره سواء كان عدم الرؤية لظلمة أو وجود حائل‬
‫بـينهما‪ ،‬وكذا لو علم اثنين ببـيت ل ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان وعلم الموجب منهما من القابل‬
‫لعلمه بمالك المبـيع أو نحو ذلك فله الشهادة بما سمعه منهما‪ ،‬ول تقبل الشهادة بقيمة عين إل ممن‬
‫رآها وعرف جميع أوصافها وإن طال الزمن حيث كانت مما ل يغلب تغيره في تلك المّدة وتسمع‬
‫ل بأنها تغيرت صفاتها عن وقت رؤية الشاهد‪.‬‬ ‫دعوى من غصبها مث ً‬
‫ن الصوات تتشابه فإن عرفها بعينها‬ ‫ح تحمل شهادة على منتقبة اعتمادًا على صوتها ل ّ‬
‫ول يص ّ‬
‫أو باسم ونسب أو أمسكها حتى شهد عليها جاز التحمل عليها منتقبة للداء‪ ،‬ول يجوز كشف‬
‫ن زوجته فلنة بنت فلن‬ ‫الوجه حينئذ إذ ل حاجة إليه وذلك كأن طلقها زوجها والشهود يعرفون أ ّ‬
‫ل بحضور الشاهدين فإذا اّدعى الزوج نكاحها بعد‬‫مطلقة من زوجها‪ ،‬أو زّوج شخص بنته مث ً‬
‫وأنكرت شهدا عليها بأنها بنته ويشهد عند الداء بما يعلم من اسم ونسب فإن لم يعرف ذلك كشف‬
‫وجهها وضبط حليتها وكذا يكشفه عند الداء‪ ،‬وجّوز بعضهم اعتماد قول ولدها الصغير وهي‬
‫بـين نسوة‪ :‬هذه أمي فيجوز حينئذ التحمل على المنتقبة بصفة من طول وقصر‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)وله( أي الشخص )بل معارض شهادة على نسب( لذكر وأنثى من أب أو أم )وعتق ونكاح(‬
‫وولء وأصل وقف وموت ورضاع )بتسامع( أي استفاضة )من جمع يؤمن كذبهم( أي توافقهم‬
‫ي بصدقهم‪ ،‬ول يشترط فيهم حرية ول ذكورة ول عدالة‬ ‫ن القو ّ‬
‫على الكذب لكثرتهم ويحصل الظ ّ‬
‫لكن يشترط تكليفهم‪ ،‬ول يكفي أن يقول‪ :‬سمعت الناس يقولون كذا على سبـيل الترّدد‪ ،‬بل ل بّد من‬
‫ل لنه قد يعلم خلف ما سمعه من الناس‬ ‫أن يقول‪ :‬على سبـيل البت بأن يقول‪ :‬أشهد أنه ابنه مث ً‬
‫ن مّدتها تطول فيعسر‬ ‫وإنما اكتفى بالتسامع في المذكورات وإن تيسرت مشاهدة أسباب بعضها ل ّ‬
‫إقامة البـينة على ابتدائها فتمس الحاجة إلى إثباتها بالتسامع‪ .‬وصورة الستفاضة بالملك أن‬
‫يستفيض أنه ملك فلن من غير إسناد لسبب‪ ،‬فإن استفاض سببه كالبـيع لم يثبت بالتسامع إل‬
‫الرث لنه ينشأ عن النسب والموت وكل منهما يثبت بالتسامع وخرج بأصل الوقف شروطه‬
‫ل ول تبعًا‪ ،‬وخرج بقوله‪ :‬بل معارض ما لو عارض التسامع ما هو‬ ‫وتفاصيله فل يثبتان به استقل ً‬
‫أقوى منه كإنكار المنسوب إليه النسب أو طعن من لم تقم قرينة على كذبه في النتساب فيمتنع‬
‫ن حينئذ‪.‬‬
‫الشهادة بالتسامع لختلل الظ ّ‬
‫)و( له شهادة )على ملك به( أي بالتسامع ممن ذكر )أو بـيد وتصرف ملك( من سكنى أو هدم‬
‫وبناء أو بـيع أو فسخ أو إجارة أو رهن وعلى حق كحق إجراء الماء على سطحه أو أرضه إذا‬
‫ن امتداد اليدي‬
‫رأى الشاهد ذلك المذكور بذلك )مّدة طويلة( عرفًا حيث ل يعرف له منازع ل ّ‬
‫والتصرف مع طول الزمان من غير منازع يغلب على الظن الملك أو الستحقاق فل تكفي‬
‫الشهادة بمجرد اليد لنه قد يكون عن إجارة أو إعارة‪ ،‬ول بمجرد التصرف لنه قد يكون من‬
‫وكيل أو غاصب ول بهما معًا في مدة قصيرة‪ ،‬فإن انضّم إلى اليد والتصرف الستفاضة ونسبة‬
‫الناس الملك إليه جازت الشهادة قطعًا وإن قصرت المدة‪ ،‬ول يكفي قول الشاهد‪ :‬رأينا ذلك سنين‪،‬‬
‫ويستثنى من ذلك الرقيق‪ ،‬فل تجوز الشهادة فيه بمجرد اليد والتصرف في المدة الطويلة إل إن‬
‫انضم لذلك السماع من ذي اليد والناس أنه له‪ ،‬فل يكفي السماع من ذي اليد من غير سماع من‬
‫الناس ول عكسه للحتياط في الحرية وكثرة استخدام الحرار‪.‬‬
‫ن هذا ولد فلن أو أنه عتيقه أو أنه موله أو وقفه أو أنها‬ ‫تنبـيه‪ :‬صورة الشهادة بالتسامع‪ :‬أشهد أ ّ‬
‫ن فلنًا أعتق فلنًا أو أنه وقف كذا‪ ،‬أو أنه‬
‫ن فلنة ولدت فلنًا أو أ ّ‬ ‫زوجته أو أنه ملكه‪ ،‬ل أشهد أ ّ‬
‫تزّوج هذه أو أنه اشترى هذا لما مّر من أنه يشترط في الشهادة بالفعل البصار‪ ،‬وبالقول‪:‬‬
‫البصار والسمع‪ ،‬ومما يثبت بالتسامع أيضًا ولية القضاء‪ ،‬والجرح‪ ،‬والتعديل‪ ،‬والرشد‬
‫واستحقاق الزكاة‪ ،‬ومثل التسامع الستصحاب لما سبق من نحو إرث وشراء وإن احتمل زواله‬
‫للحاجة الداعية إلى ذلك‪ ،‬ول يصرح في شهادته بالستصحاب‪ ،‬فإن صّرح به وظهر في ذكره‬
‫ترّدد لم يقبل وذلك كأن يقول أشهد بالستصحاب بكذا فل يقبل‪ ،‬كما ل يقبل قوله‪ :‬أشهد‬
‫بالستفاضة بكذا‪ ،‬بخلف ما إذا ذكرهما لتقوية كلم أو حكاية حال بأن جزم بالشهادة بعلمه ثم‬
‫قال‪ :‬مستندي الفاضة أو الستصحاب فتسمع شهادته‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬
‫)وتقبل شهادة على شهادة( مقبول شهادته )في غير عقوبة ل( تعالى وغير إحصان من حقوق‬
‫الدمي وحقوق ال تعالى كزكاة وحّد الحاكم لشخص على نحو زناه‪ ،‬وهلل نحو رمضان للحاجة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬ومن عقوبة لدمي كقود وحّد قذف فيقبل ذلك‪ ،‬بخلف موجب عقوبة ل تعالى كزنا‬
‫وشرب وسرقة‪ ،‬وكذا إحصان من ثبت زناه وما يتوقف عليه الحصان كالنكاح الصحيح‪.‬‬
‫وصورته بأن اّدعوا على شخص بالزنا وأثبتوا زناه ببـينة ثم اّدعى أنه غير محصن حتى ل يرجم‬
‫وهناك شهود علموا بأنه محصن وأرادوا أن يحملوا الشهادة لغيرهم فيمتنع عليهم التحمل‪ ،‬وخرج‬
‫ح تحمل‬ ‫ح تحمل شهادة مردودها كفاسق ورقيق وعدّو‪ ،‬وكذا ل يص ّ‬ ‫بمقبول الشهادة غيره فل يص ّ‬
‫ن شهادة الفرع تثبت شهادة الصل ل ما شهد به‬ ‫النساء وإن كانت الشهادة في ولدة أو رضاع‪ ،‬ل ّ‬
‫ح تحمل فرع واحد عن أصل واحد فيما يثبت بشاهد ويمين‪ ،‬وإن أراد‬ ‫الصل‪ ،‬ومن ثم لم يص ّ‬
‫المّدعي الحلف مع الفرع‪ ،‬وإنما تقبل الشهادة على الشهادة لعدم شرط وجوب أداء الشهادة وذلك‬
‫)بتعسر أداء أصل( ولوجوب الداء شروط ثلثة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فإن دعى لما فوقها لم يجب الحضور‬ ‫أحدها‪ :‬أن يدعي المتحمل في مسافة العدوى فأق ّ‬
‫للضرورة مع إمكان الشهادة على الشهادة‪ ،‬بخلف ما لو دعى من تلك المسافة فيجب لعدم قبولها‬
‫حينئذ‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فإن دعى ذو فسق مجمع عليه ظاهر لم يجب عليه الداء لنه‬ ‫وثانيها‪ :‬أن يكون المتحمل عد ً‬
‫عبث بل يحرم عليه لنه يحمل الحاكم على حكم باطل‪ ،‬بخلف ما لو خفى فسقه فيجوز الداء إذا‬
‫لم ينحصر خلص الحق فيه لن في قبوله خلفًا بل يجب إذا انحصر خلص الحق فيه وكان في‬
‫الداء إنقاذ نفس أو عضو أو بضع‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬أن ل يكون معذورًا بمرض ونحوه من كل عذر مرخص في ترك الجماعة‪ ،‬نعم إن‬
‫المخدرة تعذر دون غيرها‪ ،‬فإن كان معذورًا بذلك أشهد على شهادته أو بعث القاضي من يسمعها‬
‫دفعًا للمشقة عنه‪ ،‬وإذا اجتمعت الشروط الثلثة وكان في صلة أو طعام فله التأخير إلى أن يفرغ‬
‫ويلزمه الداء عند نحو أمير وقاض فاسق لم تصح توليته إن توقف خلص الحق عليه )و( تحمل‬
‫الشهادة على الشهادة المعتّد به إنما يحصل بأحد ثلثة أمور‪.‬‬
‫أحدها‪) :‬باسترعائه( أي الصل أي التماسه من الفرع رعاية شهادته وضبطها ليؤّديها عنه‪ ،‬لن‬
‫الشهادة على الشهادة نيابة فاعتبر فيها إذن المنوب عنه أو ما يقوم مقامه‪ .‬نعم لو سمعه يسترعي‬
‫غيره جاز له الشهادة على شهادته وإن لم يسترعه هو بخصوصه )فيقول أنا شاهد بكذا( فل يكفي‬
‫أنا عالم أو خبـير أو أعرف أو أعلم )وأشهدك( أو أشهدتك أو اشهد )على شهادتي( به أو إذا‬
‫استشهدت على شهادتي فقد أذنت لك أن تشهد ونحو ذلك‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وثانيها‪ :‬بسماعه الصل يشهد عند حاكم أو محكم أن لفلن على فلن كذا فله أن يشهد على‬
‫شهادته وإن لم يسترعه لنه إنما يشهد عند الحاكم بعد تحقق الوجوب فأغناه ذلك عن إذن الصل‬
‫له فيه‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬بسماعه الصل يبـين سبب الشهادة كأن يسمعه يقول‪ :‬أشهد أن لفلن على فلن ألفًا قرضًا‬
‫فلسًا مله الشهادة على شهادته وإن لم يسترعه ولم يشهد عند حاكم لن إسناده للسبب يمنع احتمال‬
‫التساهل فلم يحتج لذنه أيضًا‪) .‬و( ل بد من )تبـيـين فرع( عند الداء )جهة تحمل( كأن يقول‪:‬‬
‫أشهد أن فلنًا شهد بكذا وأشهدني على شهادته ثم يقول‪ :‬وأنا شاهد على شهادته بذلك هذا إن‬
‫استرعاه الصل وإل قال‪ :‬إن فلنًا شهد عند حاكم بكذا أو قال‪ :‬إن فلنًا أسند المشهود به إلى سببه‬
‫ليتحقق القاضي صحة شهادته إذ أكثر الشهود ل يحسنها هنا‪ ،‬فإن لم يبـين جهة تحمله ووثق‬
‫القاضي بعلمه وموافقته له في تلك المسألة فل بأس إذ ل محذور فل يجب حينئذ البـيان فيكفي أن‬
‫يقول‪ :‬أشهد على شهادة فلن بكذا لحصول الغرض‪ ،‬نعم يندب للقاضي استفصاله‪) .‬و( ل بد من‬
‫ل لتعرف عدالته بأن يذكر اسمه أو لقبه أو كنيته‬ ‫)تسميته( أي الفرع )إياه( أي الصل وإن كان عد ً‬
‫ل‪ ،‬ولو حدث‬ ‫بحيث ل يخفى ذلك الصل على الحاكم لنه قد يعرف جرحه لو بـين اسمه مث ً‬
‫بالصل عداوة بـينه وبـين المشهود عليه أو فسق بردة أو غيرها منع الفرع من الشهادة لن ك ً‬
‫ل‬
‫يورث ريبة فيما مضى إلى التحمل‪ ،‬فلو زالت هذه المور اشترط تحمل جديد بعد مضي مدة‬
‫الستبراء التي هي سنة ليتحقق زوالها‪ ،‬أما حدوث ذلك بعد الحكم فغير مؤثر إل إذا كان قبل‬
‫استيفاء عقوبة‪ ،‬ولو تحمل الفرع الشهادة ناقصًا بأن كان فاسقًا وعبدًا وصبـيًا ثم أداها وهو كامل‬
‫قبلت شهادته كالصل إذا تحمل ناقصًا ثم أدى بعد كماله‪) .‬ويكفي فرعان لصلين( أي تكفي‬
‫شهادة رجلين على كل من الشاهدين فل يشترط لكل من الصلين فرعان كما إذا شهدا على إقرار‬
‫كل من رجلين فل تكفي شهادة واحد على هذا وواحد على الخر ول واحد على واحد في هلل‬
‫رمضان‪ ،‬وشرط قبول شهادة الفرع موت أصل أو عذره بعذر جمعة كمرض وعمى وجنون‬
‫وخوف من غريم‪ ،‬واستثنى الغماء حضرا فينظر لقرب زواله أو غيبته فوق مسافة عدوى فل‬
‫تقبل في غير ذلك لنها إنما قبلت للضرورة ول ضرورة حينئذ وأن يسميه فرع وإن كان الصل‬
‫ل لتعرف عدالته‪ ،‬فإن لم يسمه لم يكف لنه ينسد باب الجرح على الخصم‪.‬‬ ‫عد ً‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن تغليظ يمين مّدع غير مريض وزن وحائض‪ ،‬ومن حلف بالطلق أنه ل يحلف يميناً‬ ‫تتمة‪ :‬يس ّ‬
‫مغلظة إذا حلف مع شاهد أو رّدت اليمين عليه‪ ،‬ويمين مّدعى عليه وإن لم يطلب الخصم تغليظها‬
‫فيما ليس بمال ول يقصد به مال كنكاح ولعان وطلق وفي خلع إن بلغ عوضه نصابًا مطلقًا‪ ،‬وإل‬
‫فعلى الحالف منهما إن كان المّدعي الزوجة‪ ،‬فإن كان المّدعي الزوج فل تغليظ عليها‪ ،‬وفي مال‬
‫ل ذهبًا أو مائتي درهم فضة أو ما قيمته ذلك فخرج النصاب‬ ‫يبلغ نصاب زكاة نقد عشرين مثقا ً‬
‫ل ول مائتي درهم‪.‬‬ ‫الذي لم يبلغ نصاب النقد ول قيمته كخمسة من البل ل تساوي عشرين مثقا ً‬
‫والتغليظ يكون بالزمان والمكان وبزيادة أسماء وصفات كأن يقول‪ :‬وال الذي ل إله إل هو عالم‬
‫الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم السر والعلنية‪ ،‬ومن التغليظ أن يحلفه القاضي على‬
‫المصحف فيضع المصحف في حجره ويفتحه‪ ،‬ويقول له‪ :‬ضع يدك على سورة براءة ويقرأ عليه‪:‬‬
‫ل{ ))‪ (3‬آل عمران‪ :‬الية ‪ (77‬الية‪ ،‬فإن هذا‬ ‫ن الذين يشترون بعهد ال وأيمانهم ثمنًا قلي ً‬
‫}إ ّ‬
‫مرعب‪ .‬قال بعضهم‪ :‬ويندب تحليفه قائمًا‪ ،‬وإن كان الحالف يهوديًا حلفه القاضي بال الذي أنزل‬
‫التوراة على موسى ونجاه من الغرق‪ ،‬أو نصرانيًا حلفه بال الذي أنزل النجيل على عيسى‪ ،‬أو‬
‫مجوسيًا أو وثينًا حلفه بال الذي خلقه وصّوره‪.‬‬
‫ول يجوز لقاض أو محكم أو نحوه أن يحلف أحدًا بطلق أو عتق أو نذر‪ ،‬فلو حلف بما ذكر‬
‫انعقدت اليمين حيث ل إكراه منه فخرج الخصم فله التحليف بذلك‪ .‬قال الشافعي رضي ال تعالى‬
‫عنه‪ :‬ومتى بلغ المام أن قاضيًا يستحلف الناس بطلق أو عتق أو نذر عزله وجوبًا عن الحكم‬
‫لنه جاهل إن كان شافعيًا فإن كان حنفيًا أو مالكيًا لم يعزله لنه يرى ذلك‪ ،‬ول يحلف قاض على‬
‫ل بل يمهله‬ ‫تركه ظلمًا في حكمه ول شاهد على أنه لم يكذب في شهادته ول مّدع صبا ولو احتما ً‬
‫حتى يبلغ إل كافرًا مسبـيًا أنبت العانة‪ ،‬وقال‪ :‬تعجلت إنبات العانة فيحلف لسقوط القتل بناء على‬
‫أن النبات علمة البلوغ وهو الراجح‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه بلوغ حقيقة وعليه فل يقبل قوله‪ ،‬واليمين من‬
‫ل ل الحق فتسمع بـينة المّدعي بعد حلف الخصم‪ ،‬ولو اّدعى رق غير‬ ‫الخصم تقطع الخصومة حا ً‬
‫صبـي ومجنون مجهول نسب فقال‪ :‬أنا حر أصالة صدق بـيمينه لن الصل الحّرية وعلى‬
‫المّدعي البـينة‪ ،‬ولو اّدعى رق صبـي أو مجنون وليسا بـيده لم يصّدق إل بحجة أو بـيده وجهل‬
‫لقطهما حلف وحكم له برقهما لنه الظاهر من حالهما وإنكارهما بعد كمالهما لغو‪ ،‬فل بد لهما من‬
‫حجة ول تسمع دعوى بدين مؤجل وإن كان به بـينة إذ ل يتعلق بها إلزام في الحال‪ ،‬فلو كان‬
‫ل صحت الدعوى به لستحقاق المطالبة ببعضه‪.‬‬ ‫ل وبعضه مؤج ً‬‫بعضه حا ً‬
‫رقم الصفحة‪341 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫باب في بـيان العتق الختياري والجباري‬


‫والعتق بالقول‪ :‬قربة سواء المنجز والمعلق حتى من الكافر فيخفف به عنه عذاب غير الكفر‪ .‬وأما‬
‫صيغته فإن تعلق بها حث أو منع أو تحقيق خبر فليست قربة وإل كانت قربة كإن طلعت الشمس‬
‫ل‪ .‬وأما العتق بالفعل وهو الستيلد فليس قربة لنه متعلق بقضاء الوطار إل إن‬ ‫فأنت حر مث ً‬
‫قصد به حصول عتق أو ولد فيكون قربة‪ ،‬قال النبـي ‪» :‬أيما رجل أعتق امرأ مسلمًا استنقذ ال‬
‫بكل عضو منه عضوًا حتى الفرج بالفرج« رواه الشيخان‪ ،‬فالضمير الّول للعتيق والثاني للمعتق‬
‫والفرج الّول للمعتق والثاني للعتيق‪ .‬وروي أنه أعتق ثلثًا وستين نسمة وعاش كذلك‪ ،‬ونحر بدنة‬
‫بـيده الشريفة في حجة الوداع كذلك‪ ،‬وأعتقت عائشة تسعًا وستين نسمة وعاشت كذلك‪ ،‬وأعتق أبو‬
‫بكر كثيرًا‪ ،‬وأعتق العباس سبعين‪ ،‬وأعتق عثمان وهو محاصر عشرين‪ ،‬وأعتق حكيم بن حزام‬
‫مائة مطّوقين بالفضة‪ ،‬وأعتق عبد ال بن عمر ألفًا واعتمر كذلك وحج ستين حجة وحبس ألف‬
‫فرس في سبـيل ال‪ .‬وأعتق ذو الكراع الحميري في يوم واحد ثمانية آلف‪ ،‬وأعتق عبد الرحمن‬
‫بن عوف ثلثين ألفًا رضي ال عنهم وحشرنا معهم آمين‪.‬‬
‫ن ال يعتقه وقارئه وشارحه وناسخه من‬ ‫لأّ‬‫ختم المصنف رحمه ال تعالى كتابه بباب العتق تفاؤ ً‬
‫النار أي من حيث وجود لفظ العتق في الخر‪.‬‬
‫)صح عتق مطلق تصرف( أي نافذه حر كامل الحرية مختار ولو كافرًا حربـيًا كسائر التصرف‬
‫ي فل يصح من مكاتب ومبعض ومكره بغير حق ومحجور عليه ولو بفلس‪) .‬بنحو أعتقتك أو‬ ‫المال ّ‬
‫حررتك( من قوله‪ :‬فككت رقبتك أو أنت عتيق أو أنت حر أو أنت فكيك الرقبة أو أعتقك ال أو ال‬
‫أعتقك‪ ،‬وصح بكناية مع نية العتق كقوله‪ :‬ل ملك لي عليك أو ل سلطان لي عليك أو ل سبـيل لي‬
‫عليك أو ل يد لي عليك أو باعك ال أو أقالك ال أو أنت مولي أو أنت سائبة أو أنت سيدي أو‬
‫أنت ل‪ ،‬ولو قال لعبده‪ :‬أنا منك حر فليس بكناية‪ ،‬بخلف قوله‪ :‬أنا منك طالق فإنه كناية لن‬
‫النكاح وصف للزوجين بخلف الرق فإنه وصف للمملوك‪ ،‬لكن قال الشبرامسلي ‪ :‬وينبغي أن‬
‫يكون محل كونه غير كناية هنا ما لم يقصد به إزالة العلقة بـينه وبـين رقيقه وهي عدم النفقة‬
‫ونحوها بحيث صار منه كالجنبـي وإل كان كناية )ولو بعوض( ولو في بـيع‪ ،‬فلو قال‪ :‬أعتقتك‬
‫ل عتق ولزمه اللف‪ ،‬ولو قال العبد لسيده‪ :‬أعتقني على ألف‬ ‫بألف أو بعتك نفسك بألف فقبل حا ً‬
‫ل‪ ،‬فإن ذكره ثبت في ذمته ولزمه اللف ووجب إنظاره‬ ‫فأجابه عتق فورًا حيث لم يذكر السيد أج ً‬
‫ل أو مؤج ً‬
‫ل‬ ‫إلى اليسار كالديون اللزمة للمعسر‪ ،‬ولو قال لعبده‪ :‬بعتك نفسك بألف في ذمتك حا ً‬
‫تؤديه بعد العتق فقال‪ :‬اشتريت صح البـيع على المذهب ويعتق فورًا وعليه ألف في ذمته عم ً‬
‫ل‬
‫ح لنه ل يملكه‪،‬‬ ‫بمقتضى العقد وهو عقد عتاقة ل بـيع فل خيار فيه‪ ،‬أما لو قال له‪ :‬بهذا فل يص ّ‬
‫ومع ذلك يعتق وتجب قيمته كما لو قال له‪ :‬أعتقتك على خمر والولء لسيده ولو كان كافرًا وإن لم‬
‫يرثه وفائدته أنه قد يسلم السيد فيرثه وعكسه كعكسه وذلك لنه عقد عتاقة ل بـيع‪ ،‬وعليه لو باعه‬
‫بعض نفسه سرى عليه ولحظ هنا لضعف شبهه بالكتابة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪359 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ل( بمملوك له )تبعها( في العتق وإن استثناه لنه كالجزء منها فعتقه بالتبعية ل‬ ‫)ولو أعتق حام ً‬
‫ن السراية في الجزاء كالربع ل في الشخاص‪ ،‬ولقوة العتق لم يبطل بالستثناء‬ ‫بالسراية ل ّ‬
‫ل مملوكًا له دون الحامل عتق فقط إن نفخت فيه الروح وإل لغا‬ ‫بخلفه في البـيع‪ ،‬ولو أعتق حم ً‬
‫ن الصل ل يتبع الفرع‪ ،‬أما لو كان ل يملك حملها بأن كان لغيره‬ ‫ح‪ ،‬ول تتبعه أمه ل ّ‬‫على الص ّ‬
‫ل فل يعتق أحدهما بعتق الخر )أو( أعتق رقيقًا )مشتركًا( بـينه وبـين غيره سواء كان‬ ‫بوصية مث ً‬
‫ل )أو( أعتق )نصيبه( منه كقوله‪ :‬نصفك حّر وهو يملك نصفه‬ ‫شريكه مسلمًا أم ل كثر نصيبه أم ق ّ‬
‫)عتق نصيبه( لنه مالك التصرف فيه )وسرى( منه )بالعتاق( أي بمجرد تلفظه به من موسر‬
‫بقيمة حصة شريكه وقت العتاق )لما أيسر به( من نصيب الشريك أو بعضه من غير توقف على‬
‫أداء القيمة ما لم يثبت له اليلد بأن استولدها مالك الباقي معسرًا وإل فل سراية على المعتق‬
‫الذي هو غير المستولد‪ ،‬ول يمنع السراية دين ولو مستغرقًا كما سرى بالعلوق من الموسر إلى ما‬
‫أيسر به من نصيب الشريك أو بعضه ولو مدينًا‪ ،‬ويباع كل ما فضل عن قوته وقوت من تلزمه‬
‫نفقته في يومه وليلته ودست ثوب يلبسه وسكنى يوم ويصرف إلى ذلك وللشريك مطالبة المعتق‬
‫أو المولد بدفع القيمة وإجباره عليها‪ ،‬فلو مات أخذت من تركته فإن لم يطالبه طالبه القاضي‪ ،‬وإذا‬
‫اختلفا في قدر قيمته‪ ،‬فإن كان العبد حاضرًا وقرب العهد روجع أهل التقويم أو مات أو غاب أو‬
‫طال العهد صدق المعتق لنه غارم‪ ،‬وعليه بمجرد السراية قيمة ما أيسر به لشريكه وقت العتاق‬
‫أو العلوق لنه وقت التلف ولو كان يساره بمال غائب لنه ل يشترط للعتق دفع القيمة بالفعل‬
‫وعليه لشريكه في المستولدة حصته من مهر مع أرش بكارة إن كانت بكرًا إن تأخر النزال عن‬
‫ن الموجب له تغيـيب الحشفة في ملك‬ ‫تغيـيب الحشفة كما هو الغالب‪ ،‬وإل فل يلزمه حصة مهر ل ّ‬
‫ل‪ ،‬فيكون العلوق في ملك‬ ‫ن أمه صارت أم ولد حا ً‬
‫غيره وهو منتف ل قيمة حصته من الولد ل ّ‬
‫المولد فل تجب القيمة ول يسري تدبـير لنه كتعليق عتق بصفة‪.‬‬
‫)ولو ملك( أي كامل الحرية ولو غير مكلف )بعضه( أي أحد أصوله وإن عل ولو من جهة الم‬
‫ل أو منفيًا بلعان بعد الستلحاق )عتق عليه( أي عتق‬‫أو أحد فروعه وإن سفل من النسب ولو حم ً‬
‫جميعه إن ملك جميعه أو ملك بعضه وباختياره‪ ،‬وكان موسرًا بقيمة البعض الخر وإل عتق عليه‬
‫ما ملكه إما فقط إن لم يكن موسرًا بشيء من البعض الخر‪ ،‬أو مع ما أيسر به من البعض الخر‪:‬‬
‫أي سواء ملكه ملكًا اختياريًا كالشراء والهبة أو ملكًا قهريًا كالرث كأن ورث أمه من أخيه لبـيه‬
‫أو ورث أباه أو أمه من عمه‪ ،‬ولو ملك زوجته الحامل منه عتق حملها‪ ،‬فلو اطلع على عيب امتنع‬
‫الرّد ووجب له الرش‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪359 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)ومن قال لعبده( بقول صريح كقوله‪) :‬أنت حّر بعد موتي( أو أعتقتك بعد موتي‪ ،‬أو حّررتك بعد‬
‫ن حروف التدبـير ل تحتاج إلى ذلك‬ ‫موتي‪ ،‬أو دبرتك‪ ،‬أو أنت مدبر‪ ،‬وإن لم يقل‪ :‬بعد موتي ل ّ‬
‫بخلف غيرها أو بكناية كقوله‪ :‬خليت سبـيلك بعد موتي أو حبستك بعد موتي‪ ،‬أي منعت عنك‬
‫التصرفات ببـيع وغيره وهو ناو للعتق )فهو مدبر ( وحكمه أنه )يعتق( عليه )بعد وفاته( أي السيد‬
‫محسوبًا من ثلث ماله إن خرج كله من الثلث وإل عتق منه بقدر ما يخرج منه إن لم تجز الورثة‬
‫بعد الدين وبعد التبرعات المنجزة‪ ،‬وإن وقع التدبـير في الصحة فلو استغرق الدين التركة لم يعتق‬
‫منه شيء أو نصفها وهي هو فقط بـيع نصفه في الدين وعتق ثلث الباقي منه وهو سدسه وإن لم‬
‫يكن دين ول مال غيره عتق ثلثه‪.‬‬
‫والحيلة في عتق الجميع بعد الموت وإن لم يكن له مال سواه أن يقول‪ :‬هذا الرقيق حّر قبل مرض‬
‫ل أو أكثر‪ ،‬وإن مت فجأة فقبل موتي بـيوم‪ ،‬فإذا مرض أو مات بعد التعليقين‬ ‫موتي بـيوم أو أق ّ‬
‫بأكثر من يوم عتق في الحال ول سبـيل لحد عليه‪ ،‬أما لو لم يزد على قوله‪ :‬بـيوم ذلك التنجيز‬
‫ي يوم من التعليق‪ ،‬واستمر المرض أكثر من يوم ثم مات فل يعتق لعدم‬ ‫فنزل به المرض قبل مض ّ‬
‫تقدم يوم قبل المرض‪ ،‬ويصح التدبـير مقيدًا بشرط كقوله‪ :‬إن مت في ذا الشهر أو ذا المرض‬
‫فأنت حّر‪ ،‬فإن مات فيه عتق وإل فل‪ ،‬ومعلقًا بصفة كقوله‪ :‬إن دخلت الدار فأنت حّر بعد موتي‪،‬‬
‫فإن وجدت الصفة قبل الموت ثم مات عتق وإل فل ول يصير مدبرًا حتى يدخل‪ ،‬ولو مات السيد‬
‫فقبل الدخول فل تدبـير )وبطل( أي التدبـير بإزالة ملكه عنه )بنحو بـيع( للمدبر فل يعود التدبـير‬
‫ح للنافذ التصرف أن يتصرف في المدبر بأنواع التصرفات المزيلة للملك‬ ‫وإن ملكه ثانيًا‪ ،‬ويص ّ‬
‫كالوقف إل رهنه‪ ،‬فل يصح ولو على حال لحتمال موت سيده فجأة فيفوت الرهن بعتقه‪ ،‬فإن باع‬
‫ن اليلد أقوى من التدبـير بدليل أنه ل‬ ‫بعض المدبر فالباقي مدبر‪ ،‬وبطل أيضًا بإيلد لمدبرته ل ّ‬
‫يعتبر من الثلث ول يمنع منه الدين بخلف التدبـير فلذلك يرفعه القوى )ل برجوع لفظًا( كفسخته‬
‫ن الرّدة‬
‫أو نقضته كسائر التعليقات ول بردة المدبر أو سيده صيانة لحق المدبر عن الضياع ل ّ‬
‫تؤثر في العقود المستقبلة دون الماضية فيعتق بموت السيد من الثلث وإن كان ماله فيئًا ل إرثًا ل ّ‬
‫ن‬
‫ح تدبـير‬‫ل وطء المدبرة لبقاء ملكه‪ ،‬ويص ّ‬ ‫الشرط تمام الثلثين لمستحقيهما وإن لم يكونوا ورثة ويح ّ‬
‫ح تعليق كل من المدبر والمكاتب بصفة ويعتق بالسبق من الوصفين فيقول للمدبر‪:‬‬ ‫المكاتب ويص ّ‬
‫إذا جاء رمضان فأنت حّر وللمكاتب مثل ذلك‪ ،‬فإذا مات السيد في الولى قبل رمضان عتق‬
‫بالتدبـير‪ ،‬وإذا أّدى النجوم في الثانية قبل رمضان عتق بالكتابة‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪359 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫)الكتابة( وهي عقد عتق بلفظ مشتمل على حروف الكتابة ككاتبتك أو أنت مكاتب على كذا حال‬
‫كون العتق بعوض مؤجل بوقتين فأكثر )سنة( إذا كانت )بطلب عبد أمين( والمراد بالمين هنا‬
‫ي على الكسب‬ ‫ل لنحو ترك صلة )مكتسب( أي قو ّ‬ ‫من ل يضيع المال في معصية وإن لم يكن عد ً‬
‫الذي يفي بمؤنته ونجومه وهذان شرطان للستحباب فإن فقد أحدهما كانت الكتابة مباحة إذًا‪ ،‬أما‬
‫الطلب فليس شرطًا للسنية بل لو لم يطلبها العبد بقيت على استحبابها‪ ،‬وإنما الطلب شرط لكونها‬
‫سنة متأكدة‪.‬‬
‫)وشرط في صحتها( أي الكتابة )لفظ يشعر بها( حال كون اللفظ )إيجابًا ككاتبتك( أو أنت مكاتب‬
‫ل )مع( انضمام ذلك إلى قوله‪:‬‬ ‫)على كذا( كألف )منجمًا( أي مؤّدى إلى مرتين فأكثر في سنة مث ً‬
‫)إذا أديته( أي ذلك المقدار أو إذا برئت منه‪ ،‬أو إذا فرغت ذمتك منه )فأنت حّر( وإنما احتيج لما‬
‫ن لفظ الكتابة يصلح للمخارجة فاحتيج لتميـيزها بما ذكر‪ ،‬ويشمل لفظ البراءة حصول ذلك‬ ‫ذكر ل ّ‬
‫بأداء النجوم والبراءة الملفوظ بها‪ ،‬وفراغ الذمة شامل للستيفاء والبراءة باللفظ حال كون ذلك‬
‫القول ملفوظًا أو منويًا عند جزء من الصيغة في الكتابة الصحيحة‪ ،‬أما الفاسدة فل بّد فيها من‬
‫ن المغلب فيها التعليق وهو ل يحصل بالنية ثم إطلق القول على النية‬ ‫التصريح بالقول المذكور ل ّ‬
‫ل( فورًا )كقبلت( ذلك‪.‬‬
‫ل نفسيًا )وقبو ً‬
‫نظرًا لتسميتها قو ً‬
‫)و( شرط في الكتابة )عوض( من دين ولو منفعة‪ ،‬فلو كان العوض منفعة في الذمة كبناء دارين‬
‫في ذمته وجعل لكل واحدة منهما وقتًا معلومًا جاز وإن تأخرت عن العقد كقوله‪ :‬كاتبتك على بناء‬
‫دارين في ذمتك في شهر كذا وفي شهر كذا‪ ،‬وذكر المدة لبـيان أّول العمل في كل وقت ل جميع‬
‫وقت العمل‪ ،‬أما لو كان العوض منفعة عين فإنه ل يجوز أي ل يصح عقد الكتابة كقوله‪ :‬كاتبتك‬
‫على أن تخدمني الشهر القابل والذي بعده لن العين أي عين المكاتب أو عينًا من أعيان ماله بأن‬
‫كان مبعضًا وملك بعضه الحر أعيانًا ل تقبل التأجيل بأن أخرت عن وقت العقد كقوله‪ :‬كاتبتك‬
‫ل آخر‬ ‫ح بخلف ما إذا اتصلت بالعقد وضم إليها ما ً‬ ‫على أن تخدمني شهرًا بعد هذا الشهر فل يص ّ‬
‫ل فيصح وإن كان العوض منفعة عين المكاتب فقط حالة نحو‪ :‬كاتبتك على أن تخيط لي ثوبًا‬ ‫مؤج ً‬
‫بنفسك شهرًا‪ ،‬فل بّد معها من ضميمة إما بمال كقوله‪ :‬وتعطيني دينارًا بعد انقضاء الشهر‪ ،‬أو‬
‫بمنفعة أخرى كأن يقول‪ :‬وتبني داري في وقت كذا أي وقت الشروع في البناء والضميمة شرط‬
‫في الكتابة ليتأتى النجمان‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪359 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫والحاصل أن الشرط أن يتأخر إعطاء الدينار عن الخدمة‪ ،‬فلو قدم زمن إعطاء الدينار على زمن‬
‫ح لما علم من شرط اتصال المنفعة المتعلقة بالعين بالعقد‪ ،‬وخرج بمنفعة عين‬ ‫الخدمة لم يص ّ‬
‫المكاتب منفعة غيرها‪ :‬كأن كاتب العبد على منفعة دابتين معينتين لزيد يدفعهما له في شهرين فل‬
‫ح الكتابة عليها‪.‬‬
‫ح‪ ،‬وإن أمكن أن يشتريهما من زيد ويدفعهما للسيد وخرجت المؤجلة فل تص ّ‬ ‫يص ّ‬
‫والحاصل أنه يشترط في منفعة العين الحلول والضميمة‪ ،‬بخلف منفعة الذمة فل يشترط فيها‬
‫شيء منهما‪ ،‬بل الشرط تعّددها باعتبار زمانها‪ ،‬وشرط في العوض )مؤجل( أي مؤقت إلى وقت‬
‫ح الكتابة بالحال ولو في مبعض‪ ،‬وإن كان قد يملك ببعضه الحّر ما‬ ‫معلوم ليحصله ويؤّديه فل تص ّ‬
‫يؤّديه لن الكتابة عقد خالف القياس في وضعه لن فيها بـيع ماله بماله فاعتبر فيه سنن السلف‬
‫)منجم بنجمين( أي مضروب بوقتين )فأكثر( بأن يؤجل بعضه إلى وقت معلوم وبعضه إلى آخر‬
‫كذلك سواء تساوى البعضان أم تفاوتا‪ ،‬كقوله‪ :‬كاتبتك على مائة تؤّدي نصفها في وقت كذا‬
‫ل من نجمين‪،‬‬ ‫ح الكتابة بأق ّ‬
‫ل الجل وقتان ولو قصيرين فل تص ّ‬‫ونصفها الخر في وقت كذا‪ ،‬وأق ّ‬
‫ل منهما لفعل الصحابة لنهم كانوا يتبادرون إلى القربات والطاعات ما أمكن‪،‬‬ ‫ولو جازت على أق ّ‬
‫ل ما يحصل به الضّم‬ ‫ولن الكتابة مأخوذة من الكتب بمعنى ضّم النجوم بعضها إلى بعض‪ ،‬وأق ّ‬
‫نجمان‪ .‬والمراد بالنجم هنا الوقت المضروب‪ ،‬ويطلق على المال المؤّدى فيه من تسمية الحال‬
‫باسم المحل )مع بـيان قدره( أي العوض )وصفته( بما مّر في السلم‪ ،‬نعم إن كان بمحل العقد نقد‬
‫ل عوض يؤّدى‬ ‫غالب لم يشترط بـيانه كالبـيع وبـيان عدد الوقات استوت أو اختلفت‪ ،‬وقسط ك ّ‬
‫ل وقت لن الكتابة عقد معاوضة فاشترط فيه معرفة العوض وابتداء الوقات من‬ ‫عند مجيء ك ّ‬
‫العقد‪.‬‬
‫ط متمول منه( أي عوض المكاتب أو دفعه‬ ‫)ولزم سيدًا( أو وارثًا في كتابة صحيحة قبل عتق )ح ّ‬
‫له من جنس العوض‪ ،‬وإن كان من غير عين العوض إن رضي به المكاتب‪ ،‬بخلف ما إذا كان‬
‫ط أولى من الدفع لن القصد بالحط العانة على العتق وهي محققة فيه‬ ‫من جنسه فيجب قبوله والح ّ‬
‫موهومة في الدفع‪ ،‬إذ قد يصرف المدفوع في جهة أخرى وكونه في النجم الخير أولى من غيره‪،‬‬
‫وكونه ربع النجوم أولى من غيره‪ :‬أي مما هو دونه‪ ،‬ولو تعّدد السيد واتحد المكاتب وجب قسط‬
‫ل منهم‪ ،‬ويقدم ذلك على مؤنة تجهيز السيد لو مات‬ ‫ط لك ّ‬
‫ل منهم أو تعّدد الرقيق وجب الح ّ‬
‫على ك ّ‬
‫ط‪ ،‬وذلك بأن لم يبق من مال الكتابة إل مقدار ما يجب في اليتاء‪ ،‬أما‬‫وقت وجوب الداء أو الح ّ‬
‫لو مات السيد قبل ذلك الوقت وجب تجهيزه مقّدما على ما يجب في اليتاء وإن أخر ذلك عن‬
‫العتق أثم وكان قضاء ووقت وجوبه من العقد ويتضيق إذا بقي من النجم الخير قدر ما يفي به‪.‬‬

‫رقم الصفحة‪359 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ظ مكاتبه ل لحظه‬ ‫)و( الكتابة الصحيحة لزمة من جهة السيد ولذلك )ل يفسخها( لنها عقدت لح ّ‬
‫ق عليه‪ ،‬أما الكتابة الفاسدة فهي جائزة من جهته على‬ ‫فكان في الكتابة كالراهن لن دوامها ح ّ‬
‫ح )إل إن عجز مكاتب عن أداء( عند مجيء الجل لنجم أو بعضه غير الواجب في اليتاء‪،‬‬ ‫الص ّ‬
‫أما هو فليس له الفسخ بالعجز عنه )أو امتنع عنه( عند ذلك مع القدرة عليه )أو غاب( بغير إذن‬
‫السيد عند ذلك وإن حضر ماله أو كانت غيبة المكاتب دون مسافة قصر وفوق مسافة العدوى فله‬
‫فسخها بنفسه وبحاكم متى شاء لتعّذر العوض عليه‪ ،‬وليس لحاكم أداء من مال المكاتب الغائب‬
‫عنه بل يمكن السيد من الفسخ لنه ربما عجز نفسه أو امتنع من الداء لو حضر )و( الكتابة‬
‫جائزة من جهة المكاتب كالرهن بالنسبة للمرتهن فحينئذ )له فسخ( متى شاء وإن كان معه وفاء‬
‫وله تعجيز نفسه ولو مع القدرة على الكسب وتحصيل العوض‪ ،‬فإذا عجز نفسه فللسيد الصبر‬
‫والفسخ بنفسه أو بالحاكم فل تنفسخ الكتابة بمجّرد التعجيز‪.‬‬
‫)وحرم عليه( أي السيد )تمتع بمكاتبة( ولو بالنظر لغير ما بـين سّرتها وركبتها لنها كالجنبـية‬
‫لختلل ملكه فيها‪ ،‬ويجب لها بوطئه مهر وإن طاوعته لشبهة الملك الدافعة للزنا‪ ،‬ول يتكّرر‬
‫ل نجم قبله وقع‬‫بتكّرر الوطء إل إذا وطىء بعد أداء المهر‪ ،‬ولو عجزت قبل أخذه سقط أو ح ّ‬
‫التقاص بشرطه ول حّد عليهما لنها ملكه‪ ،‬لكن يعزر من علم التحريم منهما والولد منه حّر لنها‬
‫علقت به في ملكه‪ ،‬ول يجب عليه قيمته لمه لنعقاده حّرا وصارت بالولد مستولدة مكاتبة‪ ،‬فإن‬
‫عجزت عتقت بموت السيد‪) .‬وله( أي المكاتب )شراء إماء لتجارة( توسيعًا له في طرق الكتساب‬
‫)ل تزّوج إل بإذن سيد( لما فيه من المؤن‪.‬‬
‫)ول تسر( أي وطء أمته وإن لم ينزل وإن أذن له سيده لضعف ملكه وليس له الستمتاع بما دون‬
‫الوطء أيضًا لنه ربما جّره إلى الوطء‪ ،‬وإنما حرم وطؤها مع كونها ملكه خوفًا من هلكها‬
‫بالطلق‪ ،‬فإن وطئها فل حّد عليه لشبهة الملك ول مهر لنه لو ثبت لكان له‪ ،‬والنسان ل يجب له‬
‫على نفسه شيء والولد من وطئه نسيب لحق به ليس من زنا لشبهة الملك‪) .‬إذا أحبل حّر( كله أو‬
‫ل أو‬
‫بعضه ولو كافرًا أصليًا أو مجنونًا أو مكرهًا أو سفيهًا ل مفلسًا )أمته( أي المملوكة له ك ً‬
‫بعضًا ولو بل وطء كاستدخال منيه المحترم حال خروجه أو بوطء محرم لعارض بسبب حيض‪،‬‬
‫أو إحرام‪ ،‬أو فرض صوم أو اعتكاف‪ ،‬أو لكونه قبل استبرائها‪ ،‬أو لكونه ظاهر منها ثم ملكها قبل‬
‫التكفير‪ ،‬أو لكونها محرمًا له بنسب أو رضاع أو لكونها مزّوجة أو معتّدة أو مجوسية أو وثنية أو‬
‫مرتّدة أو مكاتبة‪ ،‬أو لكونها مسلمة وهو كافر )فولدت حيًا( أو ميتًا )أو مضغة مصّورة( بصورة‬
‫آدمي ظاهرة أو خفية أخبر بها القوابل أربع نسوة منهن أو رجلن خبـيران أو رجل وامرأتان‬
‫صارت أّم ولد و)عتقت( من رأس ماله )بموته( ولو بقتلها له بقصد الستعجال ويكون عتقها من‬
‫حين الموت‪ ،‬وإن تأخر الوضع عنه فيكون كسبها لها من حينه‪ ،‬ومثل الموت مسخ السيد حجرًا أو‬
‫نصفه العلى‪ ،‬ومثله أيضًا ما إذا صار إلى حركة مذبوح بأن لم يبق معه نطق ول إبصار ول‬
‫حركة اختيارية‪ ،‬وسبب عتقها بموته انعقاد الولد حرًا وهو جزء منها فيسري العتق منه إليها وإنما‬
‫توقف على موت السيد مع أن الموجب له الولدة لن لها حقًا بالولدة وللسيد حقًا بالملك‪ ،‬وفي‬
‫تعجيل عتقها بالولدة إبطال لحقه من الكسب والتمتع‪ ،‬ففي تعليقه بموت السيد حفظ للحقين فكان‬
‫أولى‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪359 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ثم المراد بأمته ما يشمل أمته تقديرًا كأن وطىء الصل أمة فرعه التي لم يستولدها الفرع ولو‬
‫مزّوجة‪ ،‬فإنه يقّدر دخولها في ملك الصل قبـيل العلوق فسقط ماؤه في ملكه صيانة لحرمته‪،‬‬
‫ومثلها أمة مكاتبه أو مكاتبة ولده‪ ،‬وللمة شرطان‪ :‬الّول‪ :‬أن تكون مملوكة للسيد حال علوقها‬
‫منه‪ .‬الثاني‪ :‬أن ل يتعلق بها حق لزم غير الكتابة حال العلوق والسيد معسر ولم يزل عنها بل‬
‫ل أو تعلق بها وهو غير لزم أو‬ ‫بـيعت فيه ولم يملكها السيد بعد‪ ،‬وذلك بأن ل يتعلق بها حق أص ً‬
‫لزم وهو كتابة أو غير كتابة لكنه زائل عند العلوق أو مستمّر والسيد موسر أو معسر‪ ،‬وقد زال‬
‫بعد ذلك عنها بنحو أداء أو إبراء أو لم يزل وبـيعت فيه لكنه ملكها السيد بعد ذلك‪ ،‬ففي هذه‬
‫الصور كلها يثبت اليلد‪ ،‬أما إذا تعلق بها ذلك فل يثبت الستيلد‪ ،‬والحق اللزم مثل الرهن بعد‬
‫القبض وأرش الجناية‪ ،‬أما الوطء في الدبر فل يثبت به استيلد ول نسب لنه محرم لعينه‪ ،‬وكذا‬
‫ي المحترم في الدبر‪ ،‬بخلف ما لو تلذذ بحلقة الدبر فأمنى فإن منيه يكون محترمًا كذا‬ ‫إدخال المن ّ‬
‫قال الشرقاوي ‪.‬‬
‫ومن وطىء المة بشبهة ثم ملكها فل تكون أمة ولد على المعتمد )كولدها( الحاصل من غير‬
‫السيد )بنكاح( حال كون الولد رقيقًا بأن كان الشخص متزّوجا بها مع علمه برقها‪ ،‬بخلف ما لو‬
‫غّر بحريتها فإن الولد يكون حّرا‪) ،‬أو( ولدها الحادث من )زنا بعد وضعها( ولدًا للسيد أي بعد‬
‫ن الولد يتبع‬
‫ن ذلك الولد يعتق بموت السيد وإن ماتت أمه في حياة السيد ل ّ‬ ‫صيرورتها أم ولد فإ ّ‬
‫أمه في الرق والحرية‪ ،‬وكذا في سبب أحكام الحرية اللزم وهو الستيلد بخلف الولد الحاصل‬
‫ن أن أمة الغير زوجته الحرة أو أمته فل يكون بمنزلة الم لنعقاده‬ ‫بشبهة من الواطىء‪ ،‬وقد ظ ّ‬
‫ن أولدها الحادثين‬ ‫ن أنها زوجته المة فكأمه في الرق إل إذا نكحها زوجة بشرط أ ّ‬ ‫حّرا‪ ،‬فإن ظ ّ‬
‫منه أحرار فالولد حّر وإل فهو رقيق ملك لسيدها‪ ،‬وبخلف الولد الحادث بنكاح أو زنا قبل‬
‫صيرورتها أم ولد فإنه رقيق لحدوثه قبل ثبوت حق الحرية‪) .‬وله( أي للسيد )وطء أم ولد( ما لم‬
‫يقم به مانع ككونها محرمة أو مسلمة وهو كافر أو موطوءة ابنه أو مكاتبته أو كونه مبعضًا وإن‬
‫أذن له مالك بعضه‪ ،‬وله التصرف فيها بالستخدام والجارة والعارة ما لم تكن مكاتبة وإل امتنع‬
‫الستخدام وغيره مما ذكر معه وتزويجها جبرًا‪ ،‬وله أرش جناية عليها وقيمتها إذا قتلت لبقاء‬
‫ملكه عليها وعلى منافعها كالمدبرة )ل تمليكها( لغيرها ببـيع أو هبة ول رهنها‪ ،‬أما الهبة فلنها‬
‫نقل ملك إلى الغير‪ ،‬وأما الرهن فلنه تسليط على ذلك فأشبه البـيع وأيضًا إنما امتنع بـيعها وهبتها‬
‫ح الوصية بها ول وقفها ول تدبـيرها وتجوز كتابتها‪.‬‬ ‫لستحقاقها العتق فل تقبل النقل ول تص ّ‬
‫رقم الصفحة‪359 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫ن حكم أم الولد حكم القنة إل فيما ينتقل به الملك أو يؤّدي إلى انتقاله‪ ،‬ومحل عدم‬
‫والحاصل أ ّ‬
‫صحة ذلك إذا لم يرتفع اليلد‪ ،‬فإن ارتفع بأن كانت كافرة وليست لمسلم وسبـيت وصارت قنة‬
‫ح جميع ذلك‪ ،‬ويستثنى من ذلك مسائل يجوز بـيعها‪ :‬الولى‪ :‬المرهونة رهنًا وضعيًا بأن رهن‬ ‫صّ‬
‫المالك في حياته أو شرعيًا بأن يموت المالك وعليه دين فالتركة مرهونة به رهنًا شرعيًا وذلك‬
‫حيث كان المستولد معسرًا حال اليلد‪ .‬الثانية‪ :‬الجانية وسيدها معسر حال اليلد‪ .‬الثالثة‪:‬‬
‫ح‪ ،‬وكبـيعها في ذلك‬ ‫مستولدة المفلس‪ .‬الرابعة‪ :‬بـيعها من نفسها بناء على أنه عقد عتاقة وهو الص ّ‬
‫هبتها‪ ،‬بخلف الوصية بها لحتياجها إلى القبول وهو إنما يكون بعد الموت والعتق يقع عقبه‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬إذا سبى السيد المستولدة واسترق فيصح بـيعها ول تعتق بموته‪ .‬السادسة‪ :‬إذا كانت‬
‫ن أم الولد التي يجوز بـيعها لعلقة رهن وضعي أو‬ ‫حربـية وقهرها حربـي آخر ملكها‪ ،‬وظاهر أ ّ‬
‫شرعي أو جناية أو نحوها تمتنع هبتها )كولدها التابع لها( في العتق بموت السيد فل يصح تمليكه‬
‫لغيره ول رهنه وعتقه من رأس المال وإن حبلت به من سيدها في مرض موته أو أوصى بعتقه‬
‫وأمه من الثلث كإنفاقه المال في الشهوات من المآكل والمشارب فل يؤثر فيه ذلك‪ ،‬بخلف ما لو‬
‫أوصى بحجة السلم من الثلث‪ ،‬ول فرق في ذلك الحكم بـين أن تكون الم موجودة أم ل‪ ،‬فلو‬
‫ماتت قبل موت السيد بقي حكم الستيلد في حق الولد‪ .‬وهذا أحد المواضع التي يزول فيها حكم‬
‫المتبوع ويبقى حكم التابع كما في نتاج الماشية في الزكاة‪ ،‬والولد الحادث بـين أبوين مختلفي‬
‫الحكم على أربعة أقسام‪.‬‬
‫ل الذبـيحة والمناكحة والزكاة والتضحية به‬ ‫الّول‪ :‬ما يعتبر بالبوين جميعًا كما في الكل وح ّ‬
‫وجزاء الصيد واستحقاقهم سهم الغنيمة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ما يعتبر بالب خاصة‪ ،‬وذلك في سبعة أشياء‪ :‬النسب وتوابعه والحرية إذا كان من أمته‬
‫أو من أمة غّر بحريتها أو ظنها زوجته الحرة أو أمته أو من أمة فرعه والكفاءة والولء فإنه‬
‫يكون على الولد لموالي الب وقدر الجزية ومهر المثل وسهم ذوي القربى‪.‬‬
‫حّرا‬‫والثالث‪ :‬ما يعتبر بالم خاصة وهو شيئان‪ ،‬الحرية إذا كان أبوه رقيقًا‪ ،‬والرق إذا كان أبوه ُ‬
‫وأمه رقيقة إل في صور‪ :‬ولد أمته ومن غّر بحريتها ومن ظنها زوجته الحرة أو أمته وولد أمة‬
‫فرعه‪ ،‬وحمل حربـية من مسلم‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬ما يعتبر بأحدهما غير معين وهو ضربان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ما يعتبر بأشرفهما وهو منقسم إلى قسمين‪ :‬أحدهما ما يتبع فيه من له كتاب كما في‬
‫السلم والجزية‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪359 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

‫وثانيهما‪ :‬ما يتبع فيه أغلظهما كما في ضمان الصيد والدية والغرة‪.‬‬
‫والضرب الثاني‪ :‬ما يعتبر بأخسهما وذلك في النجاسة والمناكحة والذبـيحة والطعمة والضحية‬
‫والعقيقة واستحقاق سهم الغنيمة وولد المدبرة والمعلق عتقها بصفة ل يتبعها في العتق إل إن‬
‫ل عند العقد أو وجود الصفة وولد المكاتبة الحادث بعد الكتابة يتبعها رقًا وعتقًا بالكتابة‬
‫كانت حام ً‬
‫ول شيء عليه للسيد‪ ،‬وولد الضحية والهدي الواجبـين بالتعيـين له أكل جميعه‪ ،‬وجرى جماعة‬
‫على أنه أضحية وهدى فليس له أكل شيء منه بل يجب التصدق بجميعه‪ ،‬وولد المبـيعة الذي لم‬
‫ينفصل يتبعها ويقابله جزء من الثمن‪ ،‬وولد المرهونة والجانية والمؤجرة والمعارة والموصي بها‬
‫أو بمنفعتها وقد حملت به في الصورتين بـين الوصية وموت الموصي سواء أولدته قبل الموت أم‬
‫بعده وولد الموقوفة وولد مال القراض والموصي بخدمتها والموهوبة إذا ولدت قبل القبض ل‬
‫ل به عند الوصية فإنه وصية أو حملت به بعد‬ ‫يتبعها‪ ،‬أما إذا كانت الموصي بها أو بمنفعتها حام ً‬
‫موت الموصي أو ولدته الموهوبة بعد القبض وقد حملت به قبل الهبة فإنه يتبعها لحصول الملك‬
‫ل به عند الهبة فهو هبة ولو رجع الصل في الموهوبة‬ ‫فيها القابل حينئذ‪ ،‬فإن كانت الموهوبة حام ً‬
‫ل ينفذ رجوعه في الولد الذي حملت به بعد الهبة وولدته بعد القبض وولد المغصوبة والمعارة‬
‫والمقبوضة ببـيع فاسد أو بسوم والمبـيعة قبل القبض يتبعها في الضمان لن وضع اليد عليه تابع‬
‫لوضع اليد عليها‪ ،‬ومحل الضمان في ولد المعارة إذا كان موجودًا عند العارية أو حادثًا وتمكن‬
‫من رده فلم يرده‪ ،‬وولد المرتد إن انعقد في الردة و)أبواه مرتدان فمرتد وإن انعقد قبلها أو فيها‬
‫وأحد أصوله مسلم فمسلم‪ ،‬ولو نجز عتق أم الولد أو المدبرة لم يتبعها ولدها بخلف المكاتبة( ولو‬
‫كان ولد أم الولد أنثى لم يجز للسيد وطؤها لنه إنما شبهه بها في العتق بموت سيده‪ ،‬ولو بـيعت أم‬
‫الولد في رهن وضعي أو شرعي أو في جناية ثم ملكها المستولد في أولدها تصير أم ولد على‬
‫الصحيح‪ ،‬وأما أولدها الذين وجدوا منها بعد البـيع وقبل عودها إلى ملكه فأرقاء ل يعطون‬
‫حكمها لنهم ولدوا قبل الحكم باستيلدها‪ ،‬أما الحادثون بعد إيلدها وقبل بـيعها فل يجوز له‬
‫ل ل تعلق له بهم فيعتقون‬
‫بـيعهم‪ ،‬وإن بـيعت أمهم للضرورة لن حق المرتهن والمجني عليه مث ً‬
‫بموته دون أمهم بخلف الحادثين بعد البـيع لحدوثهم في ملك غيره‪.‬‬
‫رقم الصفحة‪359 :‬‬ ‫رقم الجزء‪1 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬نهاية الزين شرح قرة العين‬

You might also like