You are on page 1of 196

‫*‪*1‬الجزء ‪ 6‬من الطبعة‬

‫*‪*2‬سورة النساء‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 149 - 148 :‬ل يحب ال الجهر بالسوء من القول إل من ظلم وكان ال سميعا‬
‫عليما‪ ،‬إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن ال كان عفوا قديرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يحب ال الجهر بالسوء من القول" وتم الكلم‪ .‬ثم قال عز وجل‪" :‬إل من ظلم"‬
‫اسنتثناء لينس منن الول فني موضنع نصنب؛ أي لكنن منن ظلم فله أن يقول ظلمنني فلن‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون فنني موضننع رفننع ويكون التقديننر‪ :‬ل يحننب ال أن يجهننر أحنند بالسننوء إل مننن ظلم‪ .‬وقراءة‬
‫الجمهور "ظلم" بضم الظاء وكسر اللم؛ ويجوز إسكانها‪ .‬ومن قرأ "ظلم" بفتح الظاء وفتح اللم‬
‫وهنو زيند بنن أسنلم وابنن أبني إسنحاق وغيرهمنا على منا يأتني‪ ،‬فل يجوز له أن يسنكن اللم لخفنة‬
‫الفتحنة‪ .‬فعلى القراءة الولى قالت طائفنة‪ :‬المعننى ل يحنب ال أن يجهنر أحند بالسنوء منن القول إل‬
‫منن ظلم فل يكره له الجهنر بنه‪ .‬ثنم اختلفوا فني كيفينة الجهنر بالسنوء ومنا هنو المباح منن ذلك؛ فقال‬
‫الحسن‪ :‬هو الرجل يظلم الرجل فل يدع عليه‪ ،‬ولكن ليقل‪ :‬اللهم أعني عليه‪ ،‬اللهم استخرج حقي‪،‬‬
‫اللهم حل بينه وبين ما يريد من ظلمي‪ .‬فهذا دعاء في المدافعة وهي أقل منازل السوء‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس وغيره‪ :‬المباح لمنن ظلم أن يدعنو على منن ظلمنه‪ ،‬وإن صنبر فهنو خينر له؛ فهذا إطلق فني‬
‫نوع الدعاء على الظالم‪ .‬وقال أيضنا هنو والسندي‪ :‬ل بأس لمنن ظلم أن ينتصنر ممنن ظلمنه بمثنل‬
‫ظلمه ويجهر له بالسوء من القول‪ .‬وقال ابن المستنير‪" :‬إل من ظلم" معناه؛ إل من أكره على أن‬
‫يجهننر بسننوء مننن القول كفننر أو نحوه فذلك مباح‪ .‬واليننة على هذا فنني الكراه؛ وكذا قال قطرب‪:‬‬
‫"إل منن ظلم" يريند المكره؛ لننه مظلوم فذلك موضوع عننه وإن كفنر؛ قال‪ :‬ويجوز أن يكون‬
‫المعنى "إل من ظلم" على البدل؛ كأنه قال‪ :‬ل يحب ال إل من ظلم‪ ،‬أي ل يحب ال الظالم؛ فكأنه‬
‫يقول‪ :‬يحنب منن ظلم أي يأجنر منن ظلم‪ .‬والتقدينر على هذا القول‪ :‬ل يحنب ال ذا الجهنر بالسنوء إل‬
‫من ظلم‪ ،‬على البدل‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬نزلت في الضيافة فرخص له أن يقول فيه‪ .‬قال ابن جريج عن‬
‫مجاهد‪ :‬نزلت في رجل ضاف رجل بفلة من الرض فلم يضيفه فنزلت "إل من ظلم" ورواه ابن‬
‫أبني نجينح أيضنا عنن مجاهند؛ قال‪ :‬نزلت هذه الينة "ل يحنب ال الجهنر بالسنوء منن القول إل منن‬
‫ظلم" في الرجل يمر بالرجل فل يضيفه فرخص له أن يقول فيه‪ :‬إنه لم يحسن ضيافته‪ .‬وقد استدل‬
‫من أوجب الضيافة بهذه الية؛ قالوا‪ :‬لن الظلم ممنوع منه فدل على وجوبها؛ وهو قول الليث بن‬
‫سعد‪ .‬والجمهور على أنها من مكارم الخلق وسيأتي بيانها في "هود" والذي يقتضيه ظاهر الية‬
‫أن للمظلوم أن ينتصنر منن ظالمنه ‪ -‬ولكنن منع اقتصناد ‪ -‬وإن كان مؤمننا كمنا قال الحسنن؛ فأمنا أن‬
‫يقابننل القذف بالقذف ونحوه فل؛ وقنند تقدم فنني "البقرة"‪ .‬وإن كان كافرا فأرسننل لسننانك وأدع بمننا‬
‫شئت منن الهلكنة وبكنل دعاء؛ كمنا فعنل الننبي صنلى ال علينه وسنلم حينث قال‪( :‬اللهنم أشدد وطأتنك‬
‫على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف) وقال‪( :‬اللهم عليك بفلن وفلن) سماهم‪ .‬وإن كان‬
‫مجاهرا بالظلم دعني علينه جهرا‪ ،‬ولم يكنن له عرض محترم ول بدن محترم ول مال محترم‪ .‬وقند‬
‫روي أبو داود عن عائشة قال‪ :‬سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه؛ فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسنلم‪( :‬ل تسنبخي عننه) أي ل تخففني عننه العقوبنة بدعائك علينه‪ .‬وروي‪ ،‬أيضنا عنن عمرو بنن‬
‫الشريد عن أبيه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته)‪.‬‬
‫قال ابن المبارك‪ :‬يحل عرضه يغلظ له‪ ،‬وعقوبته يحبس له‪ .‬وفي صحيح مسلم (مطل الغني ظلم)‪.‬‬
‫فالموسنر المتمكنن إذا طولب بالداء ومطنل ظلم‪ ،‬وذلك يبينح منن عرضنه أن يقال فينه‪ :‬فلن يمطنل‬
‫الناس ويحبنس حقوقهنم ويبينح للمام أدبنه وتعزيره حتنى يرتدع عنن ذلك؛ حكني معناه عنن سنفيان‪،‬‬
‫وهو معنى قول ابن المبارك رضي ال عنهما‪.‬‬
‫@ ولينس منن هذا الباب منا وقنع فني صنحيح مسنلم منن قول العباس فني علي رضني ال عنهمنا‬
‫بحضرة عمنر وعثمان والزبينر وعبدالرحمنن بنن عوف‪ :‬ينا أمينر المؤمنينن اقنض بينني وبينن هذا‬
‫الكاذب الثنم الغادر الخائن‪ .‬الحدينث‪ .‬ولم يرد علينه واحند منهنم؛ لنهنا كاننت حكومنة‪ ،‬كنل واحند‬
‫منهما يعتقدها لنفسه‪ ،‬حتى أنفذ فيها عليهم عمر الواجب؛ قاله ابن العربي‪ .‬وقال علماؤنا‪ :‬هذا إنما‬
‫يكون فيما إذا استوت المنازل أو تقاربت‪ ،‬وأما إذا تفاوتت‪ ،‬فل تمكن الغوغاء من أن تستطيل على‬
‫الفضلء‪ ،‬وإنمننا تطلب حقهننا بمجرد الدعوى مننن غيننر تصننريح بظلم ول غضننب؛ وهذا صننحيح‬
‫وعلينه تدل الثار‪ .‬ووجنه آخنر‪ :‬وهنو أن هذا القول أخرجنه منن العباس الغضنب وصنولة سنلطة‬
‫العمومنة ! فإن العنم صننو الب‪ ،‬ول شنك أن الب إذا أطلق هذه اللفاظ على ولده إنمنا يحمنل ذلك‬
‫مننه على أننه قصند الغلظ والردع مبالغنة فني تأديبنه‪ ،‬ل أننه موصنوف بتلك المور؛ ثنم أنضاف‬
‫إلى هذا أنهنم فني محاجنة ولينة دينينة؛ فكان العباس يعتقند أن مخالفتنه فيهنا ل تجوز‪ ،‬وأن مخالفتنه‬
‫فيهنا تؤدي إلى أن يتصنف المخالف بتلك المور؛ فأطلقهنا ببوادر الغضنب على هذه الوجنه؛ ولمنا‬
‫علم الحاضرون ذلك لم ينكروا عليه؛ أشار إلى هذا المازري والقاضي عياض وغيرهما‪.‬‬
‫@ فأمنا منن قرأ "ظلم" بالفتنح فني الظاء واللم ‪ -‬وهني‪ ،‬قراءة زيند بنن أسنلم‪ ،‬وكان منن العلماء‬
‫بالقرآن بالمدينة بعد محمد بن كعب القرظي‪ ،‬وقراءة ابن أبي إسحاق والضحاك وابن عباس وابن‬
‫جبير وعطاء بن السائب ‪ -‬فالمعنى‪ :‬إل من ظلم في فعل أو قول فاجهروا له بالسوء من القول؛ في‬
‫معننى النهني عنن فعله والتوبينخ له والرد علينه؛ المعننى ل يحنب ال أن يقال لمنن تاب منن النفاق‪:‬‬
‫ألسنت نافقنت ؟ إل منن ظلم‪ ،‬أي أقام على النفاق؛ ودل على هذا قوله تعالى‪" :‬إل الذينن تابوا"‪ .‬قال‬
‫ابن زيد‪ :‬وذلك أنه سبحانه لما أخبر عن المنافقين أنهم في الدرك السفل من النار كان ذلك جهرا‬
‫بسوء من القول‪ ،‬ثم قال لهم بعد ذلك‪" :‬ما يفعل ال بعذابكم" [النساء‪ ]147 :‬على معنى التأنيس‬
‫والسنتدعاء إلى الشكنر واليمان‪ .‬ثنم قال للمؤمنينن‪" :‬ل يحنب ال الجهنر بالسنوء منن القول إل منن‬
‫ظلم" في إقامته على النفاق؛ فإنه يقال له‪ :‬ألست المنافق الكافر الذي لك في الخرة الدرك السفل‬
‫منن النار ؟ ونحنو هذا منن القول‪ .‬وقال قوم‪ :‬معننى الكلم‪ :‬ل يحنب ال أن يجهنر أحند بالسنوء منن‬
‫القول‪ ،‬ثم استثنى استثناء منقطعا؛ أي لكن من ظلم فإنه يجهر بالسوء ظلما وعدوانا وهو ظالم في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا شأن كثينر منن الظلمنة ودأبهنم؛ فإنهنم منع ظلمهنم يسنتطيلون بألسننتهم وينالون منن‬
‫عرض مظلومهنم منا حرم عليهنم‪ .‬وقال أبنو إسنحاق الزجاج‪ :‬يجوز أن يكون المعننى "إل منن ظلم"‬
‫فقال سوءا؛ فإنه ينبغي أن تأخذوا على يديه؛ ويكون الستثناء ليس من الول‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويدل على هذا أحادينننث منهنننا قوله علينننه السنننلم‪( :‬خذوا على أيدي سنننفهائكم)‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫(انصر أخاك ظالما أو مظلوما) قالوا‪ :‬هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ؟ قال‪( :‬تكفه عن‬
‫الظلم)‪ .‬وقال الفراء‪" :‬إل من ظلم" يعني ول من ظلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكان ال سميعا عليما" تحذير للظالم حتى ل يظلم‪ ،‬وللمظلوم حتى ل يتعدى الحد‬
‫فني النتصنار‪ .‬ثنم أتبنع هذا بقوله‪" :‬إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عنن سنوء" فندب إلى العفنو‬
‫ورغنب فينه‪ .‬والعفنو منن صنفة ال تعالى منع القدرة على النتقام؛ وقند تقدم فني "آل عمران" فضنل‬
‫العافين عن الناس‪ .‬ففي هذه اللفاظ اليسيرة معان كثيرة لمن تأملها‪ .‬وقيل‪ :‬إن عفوت فإن ال يعفو‬
‫عنك‪ .‬روي ابن المبارك قال‪ :‬حدثني من سمع الحسن يقول‪ :‬إذا جئت المم بين يدي رب العالمين‬
‫يوم القيامنة نودي ليقنم منن أجره على ال فل يقوم إل منن عفنا فني الدنينا؛ يصندق هذا الحدينث قوله‬
‫تعالى‪" :‬فمن عفا وأصلح فأجره على ال" [الشورى‪.]40 :‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 151 - 150 :‬إن الذين يكفرون بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بين ال ورسله‬
‫ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل‪ ،‬أولئك هم الكافرون حقا‬
‫وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذينن يكفرون" لمنا ذكنر المشركينن والمنافقينن ذكنر الكفار منن أهنل الكتاب‪،‬‬
‫اليهود والنصنارى؛ إذ كفروا بمحمند صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬وبينن أن الكفنر بنه كفنر بالكنل؛ لننه منا‬
‫منن ننبي إل وقند أمنر قومنه باليمان بحمند صنلى ال علينه وسنلم وبجمينع الننبياء عليهنم الصنلة‬
‫والسنلم‪ .‬ومعننى "يريدون أن يفرقوا بينن ال ورسنله" أي بينن اليمان بال ورسنله؛ فننص سنبحانه‬
‫على أن التفريق بين ال ورسله كفر؛ وإنما كان كفرا لن ال سبحانه فرض على الناس أن يعبدوه‬
‫بما شرع لهم على ألسنة الرسل‪ ،‬فإذا جحدوا الرسل ردوا عليهم شرائعهم ولم يقبلوها منهم‪ ،‬فكانوا‬
‫ممتنعينن منن التزام العبودينة التني أمروا بالتزامهنا؛ فكان كجحند الصنانع سنبحانه‪ ،‬وجحند الصنانع‬
‫كفر لما فيه من ترك التزام الطاعة والعبودية‪ .‬وكذلك التفريق بين رسله في اليمان بهم كفر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقولون نؤمنن ببعنض ونكفنر ببعنض" وهنم اليهود آمنوا بموسنى وكفروا بعيسنى‬
‫ومحمند؛ وقند تقدم هذا منن قولهنم فني "البقرة"‪ .‬ويقولون لعوامهنم‪ :‬لم نجند ذكنر محمند فني كتبننا‪.‬‬
‫"ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل" أي يتخذوا بين اليمان والجحد طريقا‪ ،‬أي دينا مبتدعا بين‬
‫السلم واليهودية‪ .‬وقال‪" :‬ذلك" ولم يقل ذينك؛ لن ذلك تقع للثنين ولو كان ذينك لجاز‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك هم الكافرون حقا" تأكيد يزيل التوهم في إيمانهم حين وصفهم بأنهم يقولون‬
‫نؤمن ببعض‪ ،‬وأن ذلك ل ينفعهنم إذا كفروا برسوله؛ وإذا كفروا برسوله فقد كفروا به عز وجل‪،‬‬
‫وكفروا بكنل رسنول مبشنر بذلك الرسنول؛ فلذلك صناروا الكافرينن حقنا‪" .‬وأعتدننا للكافرينن" يقوم‬
‫مقام المفعول الثاني لعتدنا؛ أي أعتدنا لجميع أصنافهم "عذابا مهينا" أي مذل‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 152 :‬والذينن آمنوا بال ورسنله ولم يفرقوا بينن أحند منهنم أولئك سنوف يؤتيهنم‬
‫أجورهم وكان ال غفورا رحيما}‬
‫@ يعني به النبي صلى ال عليه وسلم وأمته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 153 :‬يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من‬
‫ذلك فقالوا أرننا ال جهرة فأخذتهنم الصناعقة بظلمهنم ثنم اتخذوا العجنل منن بعند منا جاءتهنم البينات‬
‫فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا}‬
‫@ سألت اليهود محمدا صلى ال عليه وسلم أن يصعد إلى السماء وهم يرونه فينزل عليهم كتابا‬
‫مكتوبنا فيمنا يدعينه على صندقه دفعنة واحدة‪ ،‬كمنا أتنى موسنى بالتوراة؛ تعنتنا له صنلى ال علينه‬
‫وسنلم؛ فأعلم ال عنز وجنل أن آباءهنم قند عنتوا موسنى علينه السنلم بأكنبر منن هذا "فقالوا أرننا ال‬
‫جهرة" أي عيانننا؛ وقنند تقدم فنني "البقرة"‪ .‬و"جهرة" نعننت لمصنندر محذوف أي رؤيننة جهرة؛‬
‫فعوقبوا بالصاعقة لعظم ما جاؤوا به من السؤال والظلم من بعد ما رأوا من المعجزات‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم اتخذوا العجل" في الكلم حذف تقديره‪ :‬فأحييناهم فلم يبرحوا فاتخذوا العجل؛‬
‫وقنند تقدم فنني "البقرة" ويأتنني ذكره فنني "طننه" إن شاء ال‪" .‬مننن بعنند مننا جاءتهننم البينات" أي‬
‫البراهين والدللت والمعجزات الظاهرات من اليد والعصا وفلق البحر وغيرها بأنه ل معبود إل‬
‫ال عنز وجنل‪" .‬فعفوننا عنن ذلك" أي عمنا كان منهنم منن التعننت‪" .‬وآتيننا موسنى سنلطانا مبيننا" أي‬
‫حجة بينة وهي اليات التي جاء بها؛ وسميت سلطانا لن من جاء بها قاهر بالحجة‪ ،‬وهي قاهرة‬
‫للقلوب‪ ،‬بأن تعلم أنه ليس في قوى البشر أن يأتوا بمثلها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 154 :‬ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم ل تعدوا‬
‫في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورفعننا فوقهنم الطور بميثاقهنم" أي بسنبب نقضهنم الميثاق الذي أخنذ منهنم‪ ،‬وهنو‬
‫العمنل بمنا فني التوراة؛ وقند تقدم رفنع الجبنل ودخولهنم الباب فني "البقرة"‪ .‬و"سنجدا" نصنب على‬
‫الحال‪ .‬وقرأ ورش وحده "وقلننا لهنم ل تعدوا فني السنبت" بفتنح العينن منن عدا يعدو عدوا وعدواننا‬
‫وعدوا وعداء‪ ،‬أي باقتناص الحيتان كمنا تقدم فني "البقرة"‪ .‬والصنل فينه وتعتدوا أدغمنت التاء فني‬
‫الدال؛ قال النحاس‪ :‬ول يجوز إسكان العين ول يوصل إلى الجمع بين ساكنين في هذا‪ ،‬والذي يقرأ‬
‫بنه إنمنا يروم الخطنأ‪" .‬وأخذننا منهنم ميثاقنا غليظنا" يعنني العهند الذي أخنذ عليهنم فني التوراة‪ .‬وقينل‪:‬‬
‫عهد مؤكد باليمين فسمي غليظا لذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 156 - 155 :‬فبمنا نقضهنم ميثاقهنم وكفرهنم بآيات ال وقتلهنم الننبياء بغينر حنق‬
‫وقولهنم قلوبننا غلف بنل طبنع ال عليهنا بكفرهنم فل يؤمنون إل قليل‪ ،‬وبكفرهنم وقولهنم على مرينم‬
‫بهتانا عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فبمنا نقضهنم ميثاقهنم" "فبمنا نقضهنم" خفنض بالباء و"منا" زائدة مؤكدة كقوله‪:‬‬
‫"فبما رحمة من ال" [آل عمران‪ ]159 :‬وقد تقدم؛ والباء متعلقة بمحذوف‪ ،‬التقدير‪ :‬فبنقضهنم‬
‫ميثاقهننم لعناهننم؛ عننن قتادة وغيره‪ .‬وحذف هذا لعلم السننامع‪ .‬وقال أبننو الحسننن علي بننن حمزة‬
‫الكسائي‪ :‬هو متعلق بما قبله؛ والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم إلى قوله‪" :‬فبما نقضهم ميثاقهم"‬
‫قال‪ :‬ففسنر ظلمهنم الذي أخذتهنم الصناعقة منن أجله بمنا بعده منن نقضهنم الميثاق وقتلهنم الننبياء‬
‫وسائر ما بين من الشياء التي ظلموا فيها أنفسهم‪ .‬وأنكر ذلك الطبري وغيره؛ لن الذين أخذتهم‬
‫الصنناعقة كانوا على عهنند موسننى‪ ،‬والذيننن قتلوا النننبياء ورموا مريننم بالبهتان كانوا بعنند موسننى‬
‫بزمان‪ ،‬فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برميهم مريم بالبهتان‪ .‬قال المهدوي وغيره‪ :‬وهذا ل يلزم؛‬
‫لنننه يجوز أن يخننبر عنهننم والمراد آباؤهننم؛ على مننا تقدم فنني "البقرة"‪ .‬قال الزجاج‪ :‬المعنننى‬
‫فبنقضهننم ميثاقهننم حرمنننا عليهننم طيبات أحلت لهننم؛ لن هذه القصننة ممتدة إلى قوله‪" :‬فبظلم مننن‬
‫الذين هادوا حرمنا" [النساء‪ .]160 :‬ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى فبنقضهم ميثاقهم وفعلهم كذا وفعلهم كذا طبع ال على قلوبهم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫المعننى فبنقضهنم ل يؤمنون إل قليل؛ والفاء مقحمنة‪ .‬و"كفرهنم" عطنف‪ ،‬وكذا و"قتلهنم"‪ .‬والمراد‬
‫"بآيات ال" كتبهم التي حرفوها‪ .‬و"غلف" جمع غلف؛ أي قلوبنا أوعية للعلم فل حاجة بنا إلى‬
‫علم سوى ما عندنا‪ .‬وقيل‪ :‬هو جمع أغلف وهو المغطى بالغلف؛ أي قلوبنا في أغطية فل نفقه ما‬
‫تقول؛ وهو كقوله‪" :‬قلوبنا في أكنة" [فصلت‪ ]5 :‬وقد تقدم هذا في "البقرة" وغرضهم بهذا درء‬
‫حجة الرسل‪ .‬والطبع الختم؛ وقد تقدم في "البقرة"‪" .‬بكفرهم" أي جزاء لهم على كفرهم؛ كما قال‪:‬‬
‫"بنل لعنهنم ال بكفرهنم فقليل منا يؤمنون" [البقرة‪ ]88 :‬أي إل إيماننا قليل أي ببعنض الننبياء‪،‬‬
‫وذلك غيننر نافننع لهننم‪ .‬ثننم كرر "وبكفرهننم" ليخننبر أنهننم كفروا كفرا بعنند كفننر‪ .‬وقيننل‪ :‬المعنننى‬
‫"وبكفرهم" بالمسيح؛ فحذف لدللة ما بعده عليه‪ ،‬والعامل في "بكفرهم" هو العامل في "بنقضهم"‬
‫لنه معطوف عليه‪ ،‬ول يجوز أن يكون العامل فيه "طبع"‪ .‬والبهتان العظيم رميها بيوسف النجار‬
‫وكان من الصالحين منهم‪ .‬والبهتان الكذب المفرط الذي يتعجب منه وقد تقدم‪ .‬وال سبحانه وتعالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 158 - 157 :‬وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وما قتلوه وما‬
‫صنلبوه ولكنن شبنه لهنم وإن الذينن اختلفوا فينه لفني شنك مننه منا لهنم بنه منن علم إل اتباع الظنن ومنا‬
‫قتلوه يقينا‪ ،‬بل رفعه ال إليه وكان ال عزيزا حكيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقولهنم إننا قتلننا المسنيح عيسنى ابنن مرينم" كسنرت "إن" لنهنا مبتدأة بعند القول‬
‫وفتحهنا لغنة‪ .‬وقند تقدم فني "آل عمران" اشتقاق لفنظ المسنيح‪" .‬رسنول ال" بدل‪ ،‬وإن شئت على‬
‫معننى أعنني‪" .‬ومنا قتلوه ومنا صنلبوه" رد لقولهنم‪" .‬ولكنن شبنه لهنم" أي ألقني شبهنه على غيره كمنا‬
‫تقدم فني "آل عمران"‪ .‬وقينل‪ :‬لم يكونوا يعرفون شخصنه وقتلوا الذي قتلوه وهنم شاكون فينه؛ كمنا‬
‫قال تعالى‪" :‬وإن الذينن اختلفوا فينه لفني شنك مننه" والخبار قينل‪ :‬إننه عنن جميعهنم‪ .‬وقينل‪ :‬إننه لم‬
‫يختلف فينه إل عوامهنم؛ ومعننى اختلفهنم قول بعضهنم إننه إله‪ ،‬وبعضهنم هو ابنن ال‪ .‬قاله الحسنن‪:‬‬
‫وقينل اختلفهنم أن عوامهنم قالوا قتلننا عيسنى‪ .‬وقال منن عاينن رفعنه إلى السنماء‪ :‬منا قتلناه‪ .‬وقينل‪:‬‬
‫اختلفهنم أن النسنطورية منن النصنارى قالوا‪ :‬صنلب عيسنى منن جهنة ناسنوته ل منن جهنة لهوتنه‪.‬‬
‫وقالت الملكانينة‪ :‬وقنع الصنلب والقتنل على المسنيح بكماله ناسنوته ول هوتنه‪ .‬وقينل‪ :‬اختلفهنم هنو‬
‫أنهننم قالوا‪ :‬إن كان هذا صنناحبنا فأيننن عيسننى ؟ ! وإن كان هذا عيسننى فأيننن صنناحبنا ؟ ! وقيننل‪:‬‬
‫اختلفهنم هنو أن اليهود قالوا‪ :‬نحنن قتلناه؛ لن يهوذا رأس اليهود هنو الذي سنعى فني قتله‪ .‬وقالت‬
‫طائفة من النصارى‪ :‬بل قتلناه نحن‪ .‬وقالت طائفة منهم‪ :‬بل رفعه ال إلى السماء ونحن ننظر إليه‪.‬‬
‫"ما لهم به من علم" من زائدة؛ وتم الكلم‪ .‬ثم قال عز وجل‪" :‬إل اتباع الظن" استثناء ليس من‬
‫الول فني موضنع نصنب‪ ،‬ويجوز أن يكون فني موضنع رفنع على البدل؛ أي منا لهنم بنه منن علم إل‬
‫اتباع الظن‪ .‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫إل اليعافير وإل العيس‬ ‫وبلدة ليس بها أنيس‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما قتلوه يقينا" قال ابن عباس والسدي‪ :‬المعنى ما قتلوا ظنهم يقينا؛ كقولك‪ :‬قتلته‬
‫علما إذا علمته علما تاما؛ فالهاء عائدة على الظن‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى‬
‫يقينا لقال‪ :‬وما قتلوه فقط‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى وما قتلوا الذي شبه لهم أنه عيسى يقينا؛ فالوقف على هذا‬
‫على "يقيننا"‪ .‬وقينل‪ :‬المعننى ومنا قتلوا عيسنى‪ ،‬والوقنف على "ومنا قتلوه" و"يقيننا" نعنت لمصندر‬
‫محذوف‪ ،‬وفيه تقديران‪ :‬أحدهما‪ :‬أي قالوا هذا قول يقينا‪ ،‬أو قال ال هذا قول يقينا‪ .‬والقول الخر‪:‬‬
‫أن يكون المعنى وما علموه علما يقينا‪ .‬النحاس‪ :‬إن قدرت المعنى بل رفعه ال إليه يقينا فهو خطأ؛‬
‫لننه ل يعمنل منا بعند "بنل" فيمنا قبلهنا لضعفهنا‪ .‬وأجاز ابنن النباري الوقنف على "ومنا قتلوه" على‬
‫أن ينصنب "يقيننا" بفعنل مضمنر هنو جواب القسنم‪ ،‬تقديره‪ :‬ولقند صندقتم يقيننا أي صندقا يقيننا‪" .‬بنل‬
‫رفعه ال إليه" ابتداء كلم مستأنف؛ أي إلى السماء‪ ،‬وال تعالى متعال عن المكان؛ وقد تقدم كيفية‬
‫رفعنه فني "آل عمران"‪" .‬وكان ال عزيزا" أي قوينا بالنقمنة منن اليهود فسنلط عليهنم بطرس بنن‬
‫استيسانوس الرومي فقتل منهم مقتلة عظيمة‪" .‬حكيما" حكم عليهم باللعنة والغضب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 159 :‬وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن منن أهنل الكتاب إل ليؤمننن بنه قبنل موتنه" قال ابنن عباس والحسنن ومجاهند‬
‫وعكرمننة‪ :‬المعنننى ليؤمنننن بالمسننيح "قبننل موتننه" أي الكتابنني؛ فالهاء الولى عائدة على عيسننى‪،‬‬
‫والثانينة على الكتابني؛ وذلك أننه لينس أحند منن أهنل الكتاب اليهود والنصنارى إل ويؤمنن بعيسنى‬
‫عليننه السننلم إذا عايننن الملك‪ ،‬ولكنننه إيمان ل ينفننع؛ لنننه إيمان عننند اليأس وحيننن التلبننس بحالة‬
‫الموت؛ فاليهودي يقر في ذلك الوقت بأنه رسول ال‪ ،‬والنصراني يقر بأنه كان رسول ال‪ .‬وروي‬
‫أن الحجاج سنأل شهنر بنن حوشنب عنن هذه الينة فقال‪ :‬إنني لوتنى بالسنير منن اليهود والنصنارى‬
‫فآمر بضرب عنقه‪ ،‬وأنظر إليه في ذلك الوقت فل أرى منه اليمان؛ فقال له شهر بن حوشب‪ :‬إنه‬
‫حينن عاينن أمنر الخرة يقنر بأن عيسنى عبدال ورسنوله فيؤمنن بنه ول ينفعنه؛ فقال له الحجاج‪ :‬منن‬
‫أيننن أخذت هذا ؟ قال‪ :‬أخذتننه مننن محمنند بننن الحنفيننة؛ فقال له الحجاج‪ :‬أخذت مننن عيننن صننافية‪.‬‬
‫وروي عنن مجاهند أننه قال‪ :‬منا منن أحند منن أهنل الكتاب إل يؤمنن بعيسنى قبنل موتنه؛ فقينل له‪ :‬إن‬
‫غرق أو احترق أو أكله السنبع يؤمنن بعيسنى ؟ فقال‪ :‬نعنم ! وقينل‪ :‬إن الهاءينن جميعنا لعيسنى علينه‬
‫السنلم؛ والمعننى ليؤمننن بنه منن كان حينا حينن نزوله يوم القيامنة؛ قال قتادة وابنن زيند وغيرهمنا‬
‫واختاره الطنبري‪ .‬وروى يزيند بنن زرينع عنن رجنل عنن الحسنن فني قوله تعالى‪" :‬وإن منن أهنل‬
‫الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته" قال‪ :‬قبل موت عيسى؛ وال إنه لحي عند ال الن؛ ولكن إذا نزل‬
‫آمنوا بنه أجمعون؛ ونحوه عنن الضحاك وسنعيد‪ .‬بنن جنبير‪ .‬وقينل‪" :‬ليؤمننن بنه" أي بمحمند علينه‬
‫السننلم وإن لم يجننر له ذكننر؛ لن هذه القاصننيص أنزلت عليننه والمقصننود اليمان بننه‪ ،‬واليمان‬
‫بعيسنى يتضمنن اليمان بمحمند علينه الصنلة والسنلم أيضنا؛ إذ ل يجوز أن يفرق بينهنم‪ .‬وقينل‪:‬‬
‫"ليؤمننن بنه" أي بال تعالى قبنل أن يموت ول ينفعنه اليمان عنند المعايننة‪ .‬والتأويلن الولن‬
‫أظهنر‪ .‬وروى الزهري عن سنعيد بن المسنيب عن أبي هريرة عن النبي صنلى ال عليه وسنلم أنه‬
‫قال‪" :‬لينزلن ابننن مريننم حكمننا عدل فليقتلن الدجال وليقتلن الخنزيننر وليكسننرن الصننليب وتكون‬
‫السنجدة واحدة ل رب العالمينن)‪ ،‬ثنم قال أبنو هريرة‪ :‬واقرؤوا إن شئتنم "وإن منن أهنل الكتاب إل‬
‫ليؤمننن بنه قبنل موتنه" قال أبنو هريرة‪ :‬قبنل موت عيسنى؛ يعيدهنا ثلث مرات‪ .‬وتقدينر الينة عنند‬
‫سنيبويه‪ :‬وإن منن أهنل الكتاب أحند إل ليؤمننن بنه‪ .‬وتقدينر الكوفيينن‪ :‬وإن منن أهنل الكتاب إل منن‬
‫ليؤمننن بنه‪ ،‬وفينه قبنح‪ ،‬لن فينه حذف الموصنول‪ ،‬والصنلة بعنض الموصنول فكأننه حذف بعنض‬
‫السم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا" أي بتكذيب من كذبه وتصديق من صدقه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 161 - 160 :‬فبظلم منن الذينن هادوا حرمننا عليهنم طيبات أحلت لهنم وبصندهم‬
‫عنن سنبيل ال كثيرا‪ ،‬وأخذهنم الربنا وقند نهوا عننه وأكلهنم أموال الناس بالباطنل وأعتدننا للكافرينن‬
‫منهم عذابا أليما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فبظلم منن الذينن هادوا" قال الزجاج‪ :‬هذا بدل منن "فبمنا نقضهنم"‪ .‬والطيبات منا‬
‫نصنه فني قوله تعالى‪" :‬وعلى الذينن هادوا حرمننا كنل ذي ظفنر" [النعام‪ .]146 :‬وقدم الظلم‬
‫على التحريم إذ هو الغرض الذي قصد إلى الخبار عنه بأنه سبب التحريم‪" .‬وبصدهم عن سبيل‬
‫ال كثيرا" أي وبصدهم أنفسهم وغيرهم عن أتباع محمد صلى ال عليه وسلم‪" .‬وأخذهم الربا وقد‬
‫نهوا عننه وأكلهنم أموال الناس بالباطنل" كله تفسنير للظلم الذي تعاطوه‪ ،‬وكذلك منا قبله منن نقضهنم‬
‫الميثاق ومنا بعده؛ وقند مضنى فني "آل عمران" أن اختلف العلماء فني سنبب التحرينم على ثلثنة‬
‫أقوال هذا أحدها‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬ل خلف في مذهب مالك أن الكفار مخاطبون‪ ،‬وقد بين ال في هذه الية أنهم‬
‫قد نهوا عن الربا وأكل الموال بالباطل؛ فإن كان ذلك خبرا عما نزل على محمد في القرآن وأنهم‬
‫دخلوا في الخطاب فبها ونعمت‪ ،‬وإن كان خبرا عما أنزل ال على موسى في التوراة‪ ،‬وأنهم بدلوا‬
‫وحرفوا وعصوا وخالفوا فهل يجوز لنا معاملتهم والقوم قد أفسدوا أموالهم في دينهم أم ل؟ فظنت‬
‫طائفنة أن معاملتهنم ل تجوز؛ وذلك لمنا فني أموالهنم منن هذا الفسناد‪ .‬والصنحيح جواز معاملتهنم منع‬
‫رباهننم واقتحام مننا حرم ال سننبحانه عليهننم؛ فقنند قام الليننل القاطننع على ذلك قرآنننا وسنننة؛ قال ال‬
‫تعالى‪" :‬وطعام الذينن أوتوا الكتاب حنل لكنم" [المائدة‪ ]5:‬وهذا ننص؛ وقند عامنل الننبي صنلى ال‬
‫علينه وسنلم اليهود ومات ودرعنه مرهوننة عنند يهودي فني شعينر أخذه لعياله‪ .‬والحاسنم لداء الشنك‬
‫والخلف اتفاق المنة على جواز التجارة منع أهنل الحرب؛ وقند سنافر الننبي صنلى ال علينه وسنلم‬
‫إليهم تاجرا‪ ،‬وذلك من سفره أمر قاطع على جواز السفر إليهم والتجارة معهم‪ .‬فإن قيل‪ :‬كان ذلك‬
‫قبنل النبوة؛ قلننا‪ :‬إننه لم يتدننس قبنل النبوة بحرام ‪ -‬ثبنت ذلك تواترا ‪ -‬ول اعتذر عننه إذ بعنث‪ ،‬ول‬
‫منع منه إذ نبئ‪ ،‬ول قطعه أحد من الصحابة في حياته‪ ،‬ول أحد من المسلمين بعد وفاته؛ فقد كانوا‬
‫يسنافرون فني فنك السنرى وذلك واجنب‪ ،‬وفني الصنلح كمنا أرسنل عثمان وغيره؛ وقند يجنب وقند‬
‫يكون ندبا؛ فأما السفر إليهم لمجرد التجارة فمباح‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 162 :‬كن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من‬
‫قبلك والمقيمينننن الصنننلة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بال واليوم الخنننر أولئك سننننؤتيهم أجرا‬
‫عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لكنن الراسنخون فني العلم منهنم" اسنتثنى مؤمنني أهنل الكتاب؛ وذلك أن اليهود‬
‫أنكروا وقالوا‪ :‬إن هذه الشياء كانت حراما في الصل وأنت تحلها ولم تكن حرمت بظلمنا؛ فنزل‬
‫"لكن الراسخون في العلم" والراسخ هو المبالغ في علم الكتاب الثابت فيه‪ ،‬والرسوخ الثبوت؛ وقد‬
‫تقدم فني "آل عمران" والمراد عبدال بنن سنلم وكعنب الحبار ونظراؤهمنا‪" .‬والمؤمنون" أي منن‬
‫المهاجرينن والنصنار‪ ،‬أصنحاب محمند علينه السنلم‪" .‬والمقيمينن الصنلة" وقرأ الحسنن ومالك بنن‬
‫دينار وجماعنة‪" :‬والمقيمون" على العطنف‪ ،‬وكذا هنو فني حرف عبدال‪ ،‬وأمنا حرف أبني فهنو فينه‬
‫"والمقيمينن" كمنا فني المصناحف‪ .‬واختلف فني نصنبه على أقوال سنتة؛ أصنحها قول سنيبويه بأننه‬
‫نصب على المدح؛ أي وأعني المقيمين؛ قال سيبويه‪ :‬هذا باب ما ينتصب على التعظيم؛ ومن ذلك‬
‫"والمقيمين الصلة" وأنشد‪:‬‬
‫إل نميرا أطاعت أمر غاويها‬ ‫وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم‬
‫ويروى (أمر مرشدهم)‪.‬‬
‫والقائلون لمن دار نخليها‬ ‫الظاعنين ولما يظعنوا أحدا‬
‫وأنشد‪:‬‬
‫سم العداة وآفة الجزر‬ ‫ل يبعدن قومي الذين هم‬
‫والطيبون معاقد الزر‬ ‫النازلين بكل معترك‬
‫قال النحاس‪ :‬وهذا أصنح منا قينل فني "المقيمينن"‪ .‬وقال الكسنائي‪" :‬والمقيمينن" معطوف على‬
‫"ما"‪ .‬قال النحاس قال الخفش‪ :‬وهذا بعيند؛ لن المعنى يكون ويؤمنون بالمقيمين‪ .‬وحكى محمد‬
‫بنن جرينر أننه قينل له‪ :‬إن المقيمينن ههننا الملئكنة عليهنم السنلم؛ لدوامهنم على الصنلة والتسنبيح‬
‫والستغفار‪ ،‬واختار هذا القول‪ ،‬وحكى أن النصب على المدح بعيد؛ لن المدح إنما يأتي بعد تمام‬
‫الخنبر‪ ،‬وخنبر الراسنخين فني "أولئك سننؤتيهم أجرا عظيمنا" فل ينتصنب "المقيمينن" على المدح‪.‬‬
‫قال النحاس‪ :‬ومذهنب سنيبويه فني قوله‪" :‬والمؤتون" رفنع بالبتداء‪ .‬وقال غيره‪ :‬هنو مرفوع على‬
‫إضمار مبتدأ؛ أي هم المؤتون الزكاة‪ .‬وقيل‪" :‬والمقيمين" عطف على الكاف التي في "قبلك"‪ .‬أي‬
‫منن قبلك ومنن قبنل المقيمينن‪ .‬وقينل‪" :‬المقيمينن" عطنف على الكاف التني فني "إلينك"‪ .‬وقينل‪ :‬هنو‬
‫عطف على الهاء والميم‪ ،‬أي منهم ومن المقيمين؛ وهذه الجوبة الثلثة ل تجوز؛ لن فيها عطف‬
‫مظهنر على مضمنر مخفوض‪ .‬والجواب السنادس‪ :‬منا روي أن عائشنة رضني ال عنهنا سنئلت عنن‬
‫هذه الية وعن قوله‪" :‬إن هذان لساحران" [طه‪ ، ]63 :‬وقوله‪" :‬والصابئون" في "المائدة‪]69 :‬‬
‫‪ ،‬فقالت للسنائل‪ :‬ينا ابنن أخني الكتاب أخطؤوا‪ .‬وقال أبان بنن عثمان‪ :‬كان الكاتنب يملى علينه فيكتنب‬
‫فكتب "لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون" ثم قال له‪ :‬ما أكتب ؟ فقيل له‪ :‬اكتب "والمقيمين‬
‫الصنلة" فمنن ثنم وقنع هذا‪ .‬قال القشيري‪ :‬وهذا المسنلك باطنل؛ لن الذينن جمعوا الكتاب كانوا قدوة‬
‫في اللغة‪ ،‬فل يظن بهم أنهم يدرجون في القرآن ما لم ينزل‪ .‬وأصح هذه القوال قول سيبويه وهو‬
‫قول الخليل‪ ،‬وقول الكسائي هو اختيار القفال والطبري‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 163 :‬إننا أوحيننا إلينك كمنا أوحيننا إلى نوح والننبيين منن بعده وأوحيننا إلى إبراهينم‬
‫وإسننماعيل وإسننحاق ويعقوب والسننباط وعيسننى وأيوب ويونننس وهارون وسننليمان وآتينننا داود‬
‫زبورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إننا أوحيننا إلينك كمنا أوحيننا إلى نوح" هذا متصنل بقوله‪" :‬يسنألك أهنل الكتاب أن‬
‫تنزل عليهم كتابا من السماء" [النساء‪ ، ]153 :‬فأعلم تعالى أن أمر محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫كأمنر منن تقدمنه منن الننبياء‪ .‬وقال ابنن عباس فيمنا ذكره ابنن إسنحاق‪ :‬نزلت فني قوم منن اليهود ‪-‬‬
‫منهم سكين وعدي بن زيد ‪ -‬قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما أوحى ال إلى أحد من بعد موسى‬
‫فكذبهنم ال‪ .‬والوحني إعلم فني خفاء؛ يقال‪ :‬وحنى إلينه بالكلم يحني وحينا‪ ،‬وأوحنى يوحني إيحاء‪.‬‬
‫"إلى نوح" قدمه لنه أول نبي شرعت على لسانه الشرائع‪ .‬وقيل غير هذا؛ ذكر الزبير بن بكار‬
‫حدثني أبو الحسن علي بن المغيرة عن هشام بن محمد بن السائب عن أبيه قال‪ :‬أول نبي بعثه ال‬
‫تبارك وتعالى فني الرض إدرينس واسنمه أخنوخ؛ ثنم انقطعنت الرسنل حتنى بعنث ال نوح بنن لمنك‬
‫بنن متوشلخ بنن أخنوخ‪ ،‬وقند كان سنام بنن نوح نبينا‪ ،‬ثنم انقطعنت الرسنل حتنى بعنث ال إبراهينم نبينا‬
‫واتخذه خليل؛ وهنو إبراهينم بنن تارخ واسنم تارخ آزر‪ ،‬ثنم بعنث إسنماعيل بنن إبراهينم فمات بمكنة‪،‬‬
‫ثم إسحاق بن إبراهيم فمات بالشام‪ ،‬ثم لوط وإبراهيم عمه‪ ،‬ثم يعقوب وهو إسرائيل بن إسحاق ثم‬
‫يوسف بن يعقوب ثم شعيب بن يوبب‪ ،‬ثم هود بن عبدال‪ ،‬ثم صالح بن أسف‪ ،‬ثم موسى وهارون‬
‫ابننا عمران‪ ،‬ثم أيوب ثنم الخضنر وهو خضرون‪ ،‬ثنم داود بن إيشنا‪ ،‬ثنم سنليمان بن داود‪ ،‬ثنم يونس‬
‫بنن متنى‪ ،‬ثنم إلياس‪ ،‬ثنم ذا الكفنل واسنمه عويدننا منن سنبط يهوذا بنن يعقوب؛ قال‪ :‬وبينن موسنى بنن‬
‫عمران ومريم بنت عمران أم عيسى ألف سنة وسبعمائة سنة وليسا من سبط؛ ثم محمد بن عبدال‬
‫بنن عبدالمطلب الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ .‬قال الزبينر‪ :‬كنل ننبي ذكنر فني القرآن منن ولد إبراهينم‬
‫غيننر إدريننس ونوح ولوط وهود وصننالح‪ .‬ولم يكننن مننن العرب أنننبياء إل خمسننة‪ :‬هود وصننالح‬
‫وإسننماعيل وشعيننب ومحمنند صننلى ال عليننه وعليهننم أجمعيننن؛ وإنمننا سننموا عربننا لنننه لم يتكلم‬
‫بالعربية غيرهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والننبيين منن بعده" هذا يتناول جمينع الننبياء ثنم قال‪" :‬وأوحيننا إلى إبراهينم"‬
‫فخننص أقوامننا بالذكننر تشريفننا لهننم؛ كقوله تعالى‪" :‬وملئكتننه ورسننله وجبريننل ومكيال" ثننم قال‪:‬‬
‫"وعيسنى وأيوب" قدم عيسنى على قوم كانوا قبله؛ لن الواو ل تقتضني الترتينب‪ ،‬وأيضنا فينه‬
‫تخصننيص عيسننى ردا على اليهود‪ .‬وفنني هذه اليننة تنننبيه على قدر نبينننا صننلى ال عليننه وسننلم‬
‫وشرفه‪ ،‬حيث قدمه في الذكر على أنبيائه؛ ومثله قوله تعالى‪" :‬وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك‬
‫ومنن نوح" [الحزاب‪ ]7 :‬؛ ونوح مشتنق منن النوح؛ وقند تقدم ذكره موعبنا فني "آل عمران"‬
‫وانصنرف وهنو اسنم أعجمني؛ لننه على ثلثنة أحرف فخنف؛ فأمنا إبراهينم وإسنماعيل وإسنحاق‬
‫فأعجمينة وهني معرفنة ولذلك لم تنصنرف‪ ،‬وكذا يعقوب وعيسنى وموسنى إل أن عيسنى وموسنى‬
‫يجوز أن تكون اللف فيهما للتأنيث فل ينصرفان في معرفة ول نكرة؛ فأما يونس ويوسف فروي‬
‫عن الحسن أنه قرأ "ويونس" بكسنر النون وكذا "يوسنف" يجعلهمنا منن آنس وآسف‪ ،‬ويجنب على‬
‫هذا أن يصنرفا ويهمزا ويكون جمعهمنا يآننس ويآسنف‪ .‬ومنن لم يهمنز قال‪ :‬يوننس ويوسنف‪ .‬وحكنى‬
‫أبو زيد‪ :‬يوننس ويوسنف بفتنح النون والسنين؛ قال المهدوي‪ :‬وكأن "يونس" في الصنل فعنل مبنني‬
‫للفاعل‪ ،‬و"يونس" فعل مبني للمفعول‪ ،‬فسمي بهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتينا داود زبورا" الزبور كتاب داود وكان مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم‬
‫ول حلل ول حرام‪ ،‬وإنمننا هنني حكننم ومواعننظ‪ .‬والزبر الكتابننة‪ ،‬والزبور بمعنننى المزبور أي‬
‫المكتوب‪ ،‬كالرسننننول والركوب والحلوب‪ .‬وقرأ حمزة "زبورا" بضننننم الزاي جمننننع زبر كفلس‬
‫وفلوس‪ ،‬وزبر بمعننى المزبور؛ كمنا يقال‪ :‬هذا الدرهنم ضرب المينر أي مضروبنه؛ والصنل فني‬
‫الكلمننة التوثيننق؛ يقال‪ :‬بئر مزبورة أي مطويننة بالحجارة‪ ،‬والكتاب يسننمى زبورا لقوة الوثيقننة بننه‪.‬‬
‫وكان داود عليه السلم حسن الصوت؛ فإذا أخذ في قراءة الزبور اجتمع إليه النس والجن والطير‬
‫والوحش لحسن صوته‪ ،‬وكان متواضعا يأكل من عمل يده؛ روى أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو‬
‫أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال‪ :‬أن كان داود صلى ال عليه وسلم ليخطب الناس وفي يده‬
‫القفنة منن الخوص‪ ،‬فإذا فرغ ناولهنا بعنض منن إلى جنبنه يبيعهنا‪ ،‬وكان يصننع الدروع؛ وسنيأتي‪.‬‬
‫وفي الحديث‪( :‬الزرقة في العين يمن) وكان داود أزرق‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 164 :‬ورسنل قند قصنصناهم علينك منن قبنل ورسنل لم نقصنصهم علينك وكلم ال‬
‫موسى تكليما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورسنل قند قصنصناهم علينك منن قبنل" يعنني بمكنة‪" .‬ورسنل" منصنوب بإضمار‬
‫فعنل‪ ،‬أي وأرسنلنا رسنل؛ لن معننى "وأوحيننا إلى نوح" وأرسنلنا نوحنا‪ .‬وقينل‪ :‬هو منصنوب بفعنل‬
‫دل عليه "قصصناهم" أي وقصصنا رسل؛ ومثله ما أنشد سيبويه‪:‬‬
‫أملك رأس البعير إن نفرا‬ ‫أصبحت ل أحمل السلح ول‬
‫وحدي وأخشى الرياح والمطرا‬ ‫والذئب أخشاه إن مررت به‬
‫أي وأخشى الذئب‪ .‬وفي حرف أبي "ورسل" بالرفع على تقدير ومنهم رسل‪ .‬ثم قيل‪ :‬إن ال تعالى‬
‫لما قص في كتابه بعض أسماء أنبيائه‪ ،‬ولم يذكر أسماء بعض‪ ،‬ولمن ذكر فضل على من لم يذكر‪.‬‬
‫قالت اليهود‪ :‬ذكننر محمنند النننبياء ولم يذكننر موسننى؛ فنزلت "وكلم ال موسننى تكليمننا" "تكليمننا"‬
‫مصندر معناه التأكيند؛ يدل على بطلن منن يقول‪ :‬خلق لنفسنه كلمنا فني شجرة فسنمعه موسنى‪ ،‬بنل‬
‫هو الكلم الحقيقي الذي يكون به المتكلم متكلما‪ .‬قال النحاس‪ :‬وأجمع النحويون على أنك إذا أكدت‬
‫الفعل بالمصدر لم يكن مجازا‪ ،‬وأنه ل يجوز في قول الشاعر‪:‬‬
‫امتل الحوض وقال قطني‬
‫أن يقول‪ :‬قال قول؛ فكذا لمنا قال‪" :‬تكليمنا" وجنب أن يكون كلمنا على الحقيقنة منن الكلم الذي‬
‫يعقل‪ .‬وقال وهب بن منبه‪ :‬إن موسى عليه السلم قال‪" :‬يا رب بم اتخذتني كليما" ؟ طلب العمل‬
‫الذي أسنعده ال بنه ليكثنر مننه؛ فقال ال تعالى له‪ :‬أتذكنر إذ نند منن غنمنك جدي فأتبعتنه أكثنر النهار‬
‫وأتعبك‪ ،‬ثم أخذته وقبلته وضممته إلى صدرك وقلت له‪ :‬أتعبتني وأتعبت نفسك‪ ،‬ولم تغضب عليه؛‬
‫من أجل ذلك اتخذتك كليما‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 165 :‬رسل مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل وكان ال‬
‫عزيزا حكيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رسنل مبشرينن ومنذرينن" هنو نصنب على البدل منن "ورسنل قند قصنصناهم"‬
‫ويجوز أن يكون على إضمار فعنل؛ ويجوز نصنبه على الحال؛ أي كمنا أوحيننا إلى نوح والننبيين‬
‫من بعده رسل‪" .‬لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل" فيقولوا ما أرسلت إلينا رسول‪ ،‬وما‬
‫أنزلت عليننا كتابنا؛ وفني التنزينل‪" :‬ومنا كننا معذبينن حتنى نبعنث رسنول" [السنراء‪ ، ]15 :‬وقوله‬
‫تعالى‪" :‬ولو أننا أهلكناهنم بعذاب منن قبله لقالوا ربننا لول أرسنلت إليننا رسنول فنتبنع آياتنك" [طنه‪:‬‬
‫‪ ]134‬وفي هذا كله دليل واضح أنه ل يجب شيء من ناحية العقل‪ .‬وروي عن كعب الحبار‬
‫أننه قال‪ :‬كان الننبياء ألفني ألف ومائتني ألف‪ .‬وقال مقاتنل‪ :‬كان الننبياء ألف ألف وأربعمائة ألف‬
‫وأربعنة وعشرينن ألفنا‪ .‬وروى أننس بنن مالك عنن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم أننه قال‪( :‬بعثنت‬
‫على أثر ثمانية آلف من النبياء منهم أربعة آلف من بني إسرائيل) ذكره أبو الليث السمرقندي‬
‫في التفسير له؛ ثم أسند عن شعبة عن أبي إسحاق عن الحارث العور عن أبي ذر الغفاري قال‪:‬‬
‫قلت يننا رسننول ال كننم كانننت النننبياء وكننم كان المرسننلون ؟ قال‪( :‬كانننت النننبياء مائة ألف نننبي‬
‫وأربعة وعشرين ألف نبي وكان المرسلون ثلثمائة وثلثة عشر)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا أصح ما روي في ذلك؛ خرجه الجري وأبو حاتم البستي في المسند الصحيح له‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 166 :‬لكن ال يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملئكة يشهدون وكفى بال شهيدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لكن ال يشهد" رفع بالبتداء‪ ،‬وإن شئت شددت النون ونصبت‪ .‬وفي الكلم حذف‬
‫دل عليه الكلم؛ كأن الكفار قالوا‪ :‬ما نشهد لك يا محمد فيما تقول فمن يشهد لك ؟ فنزل "ولكن ال‬
‫يشهند"‪ .‬ومعننى "أنزله بعلمنه "أي وهنو يعلم أننك أهنل لنزاله علينك؛ ودلت الينة على أننه تعالى‬
‫عالم بعلم‪" .‬والملئكة يشهدون" ذكر شهادة الملئكة ليقابل بها نفي شهادتهم‪" .‬وكفى بال شهيدا"‬
‫أي كفى ال شاهدا‪ ،‬والباء زائدة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 167 :‬إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال قد ضلوا ضلل بعيدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين كفروا" يعني اليهود أي ظلموا‪" .‬وصدوا عن سبيل ال" أي عن اتباع‬
‫الرسول محمند صلى ال عليه وسلم بقولهم‪ :‬ما نجد صفته فني كتابنا‪ ،‬وإنما النبوة فني ولد هارون‬
‫وداود‪ ،‬وإن فني التوراة أن شرع موسنى ل ينسنخ‪" .‬قند ضلوا ضلل بعيدا" لنهنم كفروا ومنع ذلك‬
‫منعوا الناس من السلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 168 :‬إن الذين كفروا وظلموا لم يكن ال ليغفر لهم ول ليهديهم طريقا‪ ،‬إل طريق‬
‫جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على ال يسيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين كفروا وظلموا" يعني اليهود؛ أي ظلموا محمدا بكتمان نعته‪ ،‬وأنفسهم إذ‬
‫كفروا‪ ،‬والناس إذ كتموهم‪" .‬لم يكن ال ليغفر لهم" هذا فيمن يموت على كفره ولم يتب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 170 :‬يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا‬
‫فإن ل ما في السماوات والرض وكان ال عليما حكيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ينا أيهنا الناس" هذا خطاب للكل‪" .‬قد جاءكم الرسنول" يريند محمدا عليه الصلة‬
‫والسننلم‪" .‬بالحننق" بالقرآن‪ .‬وقيننل‪ :‬بالديننن الحننق؛ وقيننل‪ :‬بشهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وقيننل‪ :‬الباء‬
‫للتعدية؛ أي جاءكم ومعه الحق؛ فهو في موضع الحال‪" .‬فآمنوا خيرا لكم" في الكلم إضمار؛ أي‬
‫وأتوا خيرا لكم؛ هذا مذهب سيبويه‪ ،‬وعلى قول الفراء نعت لمصدر محذوف؛ أي إيمانا خيرا لكم‪،‬‬
‫وعلى قول أبي عبيدة يكن خيرا لكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 171 :‬ينا أهنل الكتاب ل تغلوا فني دينكنم ول تقولوا على ال إل الحنق إنمنا المسنيح‬
‫عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بال ورسله ول تقولوا ثلثة‬
‫انتهوا خيرا لكنم إنمنا ال إله واحند سنبحانه أن يكون له ولد له منا فني السنماوات ومنا فني الرض‬
‫وكفى بال وكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم" نهى عن الغلو‪ .‬والغلو التجاوز في الحد؛ ومنه‬
‫غل السنعر يغلو غلء؛ وغل الرجنل فني المنر غلوا‪ ،‬وغل بالجارينة لحمهنا وعظمهنا إذا أسنرعت‬
‫الشباب فجاوزت لداتها؛ ويعني بذلك فيما ذكره المفسرون غلو اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم‪،‬‬
‫وغلو النصنارى فينه حتنى جعلوه ربنا؛ فالفراط والتقصنير كله سنيئة وكفنر؛ ولذلك قال مطرف بنن‬
‫عبدال‪ :‬الحسنة بين سيئتين؛ وقال الشاعر‪:‬‬
‫وصافح فلم يستوف قط كريم‬ ‫وأوف ول تستوف حقك كله‬
‫وأقتصد كل طرفي قصد المور ذميم‬ ‫ول تغل في شيء من المر‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ول تركب ذلول ول صعبا‬ ‫عليك بأوساط المور فإنها نجاة‬
‫وفني صنحيح البخاري عننه علينه السنلم‪( :‬ل تطرونني كمنا أطرت النصنارى عيسنى وقولوا عبدال‬
‫ورسوله)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تقولوا على ال إل الحق" أي ل تقولوا إن له شريكا أو ابنا‪ .‬ثم بين تعالى حال‬
‫عيسى عليه السلم وصفته فقال‪" :‬إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته"‬
‫وفيه ثلث مسائل‪:‬‬
‫الولى‪ :‬قوله تعالى‪" :‬إنمننا المسننيح" المسننيح رفننع بالبتداء؛ و"عيسننى" بدل منننه وكذا "ابننن‬
‫مريم"‪ .‬ويجوز أن يكون خبر البتداء ويكون المعننى‪ :‬إنما المسيح ابن مريم‪ .‬ودل بقوله‪" :‬عيسى‬
‫ابنن مرينم" على أن منن كان منسنوبا بوالدتنه كينف يكون إلهنا‪ ،‬وحنق الله أن يكون قديمنا ل محدثنا‪.‬‬
‫ويكون "رسول ال" خبرا بعد خبر‪.‬‬
‫الثانينة‪ :‬لم يذكنر ال عنز وجنل امرأة وسنماها باسنمها فني كتابنه إل مرينم ابننة عمران؛ فإننه ذكنر‬
‫اسننمها فنني نحننو مننن ثلثيننن موضعننا لحكمننة ذكرهننا بعننض الشياخ؛ فإن الملوك والشراف ل‬
‫يذكرون حرائرهننم فنني المل‪ ،‬ول يبتذلون أسننماءهن؛ بننل يكنون عننن الزوجننة بالعرس والهننل‬
‫والعيال ونحو ذلك؛ فإن ذكروا الماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسماءهن عن الذكر والتصريح‬
‫بهنا؛ فلمنا قالت النصنارى فني مرينم منا قالت‪ ،‬وفني ابنهنا صنرح ال باسنمها‪ ،‬ولم يكنن عنهنا بالموة‬
‫والعبودية التي هي صفة لها؛ وأجرى الكلم على عادة العرب في ذكر إمائها‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬اعتقاد أن عيسنى عليه السلم ل أب له واجب‪ ،‬فإذا تكرر اسمه منسوبا للم استشعرت‬
‫القلوب ما يجب عليها اعتقاده من نفي الب عنه‪ ،‬وتنزيه الم الطاهرة عن مقالة اليهود لعنهم ال‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكلمتنه ألقاهنا إلى مرينم" أي هنو مكون بكلمنة "كنن" فكان بشرا منن غينر أب؛‬
‫والعرب تسنمي الشينء باسنم الشينء إذا كان صنادرا عننه‪ .‬وقينل‪" :‬كلمتنه" بشارة ال تعالى مرينم‬
‫عليها السلم‪ ،‬ورسالته إليها على لسان جبريل عليه السلم؛ وذلك قوله‪" :‬إذ قالت الملئكة يا مريم‬
‫إن ال يبشرك بكلمة منه" [آل عمران‪ .]45 :‬وقيل‪" :‬الكلمة" ههنا بمعنى الية؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"وصدقت بكلمات ربها" [التحريم‪ ]12 :‬و"ما نفدت كلمات ال" [لقمان‪ .]27 :‬وكان لعيسى‬
‫أربعة أسنماء؛ المسيح وعيسى وكلمنة وروح‪ ،‬وقيل غير هذا ممنا لينس فني القرآن‪ .‬ومعننى "ألقاها‬
‫إلى مريم" أمر بها مريم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وروح مننه" هذا الذي أوقنع النصنارى فني الضلل؛ فقالوا‪ :‬عيسنى جزء مننه‬
‫فجهلوا وضلوا؛ وعننه أجوبنة ثمانينة‪ :‬الول‪ :‬قال أبني بنن كعنب‪ :‬خلق ال أرواح بنني آدم لمنا أخنذ‬
‫عليهنم الميثاق؛ ثنم ردهنا إلى صنلب آدم وأمسنك عنده روح عيسنى علينه السنلم؛ فلمنا أراد خلقنه‬
‫أرسنل ذلك الروح إلى مرينم‪ ،‬فكان مننه عيسنى علينه السنلم؛ فلهذا قال‪" :‬وروح مننه"‪ .‬وقينل‪ :‬هذه‬
‫الضافة للتفضيل وإن كان جميع الرواح من خلقه؛ وهذا كقوله‪" :‬وطهر بيتي للطائفين" [الحج‪:‬‬
‫‪ ، ]26‬وقيل‪ :‬قد يسمى من تظهر منه الشياء العجيبة روحا‪ ،‬وتضاف إلى ال تعالى فيقال‪ :‬هذا‬
‫روح من ال أي من خلقه؛ كما يقال في النعمة إنها من ال‪ .‬وكان عيسى يبرئ الكمه والبرص‬
‫ويحيني الموتنى فاسنتحق هذا السنم‪ .‬وقينل‪ :‬يسنمى روحنا بسنبب نفخنة جبرينل علينه السنلم‪ ،‬ويسنمى‬
‫النفخ روحا؛ لنه ريح يخرج من الروح‪ .‬قال الشاعر ‪ -‬هو ذو الرمة‪:‬‬
‫بروحك وأقتته لها قيتة قدرا‬ ‫فقلت له أرفعها إليك وأحيها‬
‫وقنند ورد أن جبريننل نفننخ فنني درع مريننم فحملت منننه بإذن ال؛ وعلى هذا يكون "وروح منننه"‬
‫معطوفنا على المضمنر الذي هنو اسنم ال فني "ألقاهنا" التقدينر‪ :‬ألقنى ال وجبرينل الكلمنة إلى مرينم‪.‬‬
‫وقينل‪" :‬روح مننه" أي منن خلقنه؛ كمنا قال‪" :‬وسنخر لكنم منا فني السنموات ومنا فني الرض جميعنا‬
‫منه" [الجاثية‪ ]13 :‬أي من خلقه‪ .‬وقيل‪" :‬روح منه" أي رحمة منه؛ فكان عيسى رحمة من ال‬
‫لمنن اتبعنه؛ ومننه قوله تعالى‪" :‬وأيدهنم بروح مننه" [المجادلة‪ ]22 :‬أي برحمنة‪ ،‬وقرئ‪" :‬فروح‬
‫وريحان"‪ .‬وقيل‪" :‬وروح منه" وبرهان منه؛ وكان عيسى برهانا وحجة على قومه صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فآمنوا بال ورسنله" أي آمنوا بأن ال إله واحند خالق المسنيح ومرسنله‪ ،‬وآمنوا‬
‫برسنله ومنهنم عيسنى فل تجعلوه إلهنا‪" .‬ول تقولوا" آلهتننا "ثلثنة" عنن الزجاج‪ .‬قال ابنن عباس‪:‬‬
‫يريند بالتثلينث ال تعالى وصناحبته وابننه‪ .‬وقال الفراء وأبنو عبيند‪ :‬أي ل تقولوا هنم ثلثنة؛ كقوله‬
‫تعالى‪" :‬سيقولون ثلثة" [الكهف‪ .]22 :‬قال أبو علي‪ :‬التقدير ول تقولوا هو ثالث ثلثة؛ فحذف‬
‫المبتدأ والمضاف‪ .‬والنصنارى منع فرقهنم مجمعون على التثلينث ويقولون‪ :‬إن ال جوهنر واحند وله‬
‫ثلثنة أقانينم؛ فيجعلون كنل أقنوم إلهنا ويعنون بالقانينم الوجود والحياة والعلم‪ ،‬وربمنا يعنبرون عنن‬
‫القانينم بالب والبنن وروح القدس؛ فيعنون بالب الوجود‪ ،‬وبالروح الحياة‪ ،‬وبالبنن المسنيح‪ ،‬فني‬
‫كلم لهم فيه تخبط بيانه في أصول الدين‪ .‬ومحصول كلمهم يؤول إلى التمسك بأن عيسى إله بما‬
‫كان يجريه ال سبحانه وتعالى على يديه من خوارق العادات على حسب دواعيه وإرادته؛ وقالوا‪:‬‬
‫قند علمننا خروج هذه المور عنن مقدور البشنر‪ ،‬فينبغني أن يكون المقتدر عليهنا موصنوفا باللهينة؛‬
‫فيقال لهنم‪ :‬لو كان ذلك منن مقدوراتنه وكان مسنتقل بنه كان تخلينص نفسنه منن أعدائه ودفنع شرهنم‬
‫عننه منن مقدوراتنه‪ ،‬ولينس كذلك؛ فإن اعترفنت النصنارى بذلك فقند سنقط قولهنم ودعواهنم أننه كان‬
‫يفعلها مستقل به؛ وإن لم يسلموا ذلك فل حجة لهم أيضا؛ لنهم معارضون بموسى عليه السلم‪،‬‬
‫ومنا كان يجري على يدينه منن المور العظام‪ ،‬مثنل قلب العصنا ثعباننا‪ ،‬وفلق البحنر واليند البيضاء‬
‫والمنن والسنلوى‪ ،‬وغينر ذلك؛ وكذلك منا جرى على يند الننبياء؛ فإن أنكروا ذلك فننكنر منا يدعوننه‬
‫هنم أيضنا منن ظهوره على يند عيسنى علينه السنلم‪ ،‬فل يمكنهنم إثبات شينء منن ذلك لعيسنى؛ فإن‬
‫طرينق إثباتنه عندننا نصنوص القرآن وهنم ينكرون القرآن‪ ،‬ويكذبون منن أتنى بنه‪ ،‬فل يمكنهنم إثبات‬
‫ذلك بأخبار التواتر‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن النصارى كانوا على دين السلم إحدى وثمانين سنة بعدما رفع‬
‫عيسنى؛ يصنلون إلى القبلة؛ ويصنومون شهنر رمضان‪ ،‬حتنى وقنع فيمنا بينهنم وبينن اليهود حرب‪،‬‬
‫وكان فني اليهود رجنل شجاع يقال له بولس‪ ،‬قتنل جماعنة منن أصنحاب عيسنى فقال‪ :‬إن كان الحنق‬
‫منع عيسنى فقند كفرننا وجحدننا وإلى النار مصنيرنا‪ ،‬ونحنن مغبونون إن دخلوا الجننة ودخلننا النار؛‬
‫وإنني أحتال فيهنم فأضلهنم فيدخلون النار؛ وكان له فرس يقال لهنا العقاب‪ ،‬فأظهنر الندامنة ووضنع‬
‫على رأسنه التراب وقال للنصنارى‪ :‬أننا بولس عدوكنم قند نودينت منن السنماء أن ليسنت لك توبنة إل‬
‫أن تتنصننر‪ ،‬فأدخلوه فنني الكنيسننة بيتننا فأقام فيننه سنننة ل يخرج ليل ول نهارا حتننى تعلم النجيننل؛‬
‫فخرج وقال‪ :‬نوديت من السماء أن ال قد قبل توبتك فصدقوه وأحبوه‪ ،‬ثم مضى إلى بيت المقدس‬
‫واسنتخلف عليهنم نسنطورا وأعلمنه أن عيسنى ابنن مرينم إله‪ ،‬ثنم توجنه إلى الروم وعلمهنم اللهوت‬
‫والناسنوت وقال‪ :‬لم يكنن عيسنى بإننس فتأننس ول بجسنم فتجسنم ولكننه ابنن ال‪ .‬وعلم رجل يقال له‬
‫يعقوب ذلك؛ ثنم دعنا رجل يقال له الملك فقال له؛ إن الله لم يزل ول يزال عيسنى؛ فلمنا اسنتمكن‬
‫منهم دعا هؤلء الثلثة واحدا واحدا وقال له‪ :‬أنت خالصتي ولقد رأيت المسيح في النوم ورضي‬
‫عنني‪ ،‬وقال لكنل واحند منهنم‪ :‬إنني غدا أذبنح نفسني وأتقرب بهنا‪ ،‬فأدع الناس إلى نحلتنك‪ ،‬ثنم دخنل‬
‫المذبنح فذبنح نفسنه؛ فلمنا كان يوم ثالثنه دعنا كنل واحند منهنم الناس إلى نحلتنه‪ ،‬فتبنع كنل واحند منهنم‬
‫طائفننة‪ ،‬فاقتتلوا واختلفوا إلى يومنننا هذا‪ ،‬فجميننع النصننارى مننن الفرق الثلث؛ فهذا كان سننبب‬
‫شركهم فيما يقال؛ وال أعلم‪ .‬وقد رويت هذه القصة في معنى قوله تعالى‪" :‬فأغرينا بينهم العداوة‬
‫والبغضاء إلى يوم القيامة" [المائدة‪ ]14 :‬وسيأتي إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬انتهوا خيرا لكنم" "خيرا" منصنوب عنند سنيبويه بإضمار فعنل؛ كأننه قال‪ :‬ائتوا‬
‫خيرا لكم‪ ،‬لنه إذا نهاهم عن الشرك فقد أمرهم بإتيان ما هو خير لهم؛ قال سيبويه‪ :‬ومما ينتصب‬
‫على إضمار الفعنل المتروك إظهاره "انتهوا خيرا لكنم" لننك إذا قلت‪ :‬انتنه فأننت تخرجنه منن أمنر‬
‫وتدخله في أخر؛ وأنشد‪:‬‬
‫أو الربا بينهما أسهل‬ ‫فواعديه سرحتي مالك‬
‫ومذهنب أبني عنبيدة‪ :‬انتهوا يكنن خيرا لكنم؛ قال محمند بنن يزيند‪ :‬هذا خطنأ؛ لننه يضمنر الشرط‬
‫وجوابنه‪ ،‬وهذا ل يوجند فني كلم العرب‪ .‬ومذهنب الفراء أننه نعنت لمصندر محذوف؛ قال علي بنن‬
‫سليمان‪ :‬هذا خطأ فاحش؛ لنه يكون المعنى‪ :‬انتهوا النتهاء الذي هو خير لكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنمنا ال إله واحند" هذا ابتداء وخنبر؛ و"واحند" نعنت له‪ .‬ويجوز أن يكون "إله"‬
‫بدل منن اسنم ال عنز وجنل و"واحند" خنبره؛ التقدينر إنمنا المعبود واحند‪" .‬سنبحانه أن يكون له ولد"‬
‫أي تنزيهنا عنن أن يكون له ولد؛ فلمنا سنقط "عنن" كان "أن" فني محنل النصنب بنزع الخافنض؛ أي‬
‫كينف يكون له ولد ؟ وولد الرجنل مشبنه له‪ ،‬ول شنبيه ل عنز وجنل‪" .‬له منا فني السنماوات ومنا فني‬
‫الرض" فل شرينك له‪ ،‬وعيسنى ومرينم منن جملة منا فني السنموات ومنا فني الرض‪ ،‬ومنا فيهمنا‬
‫مخلوق‪ ،‬فكيننف يكون عيسننى إلهننا وهننو مخلوق ! وإن جاز ولد فليجننز أولد حتننى يكون كننل مننن‬
‫ظهرت عليه معجزة ولدا له‪" .‬وكفى بال وكيل" أي لوليائه؛ وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 173 - 172 :‬لن يسنتنكف المسنيح أن يكون عبدا ل ول الملئكنة المقربون ومنن‬
‫يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا‪ ،‬فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم‬
‫أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ول يجدون لهم من‬
‫دون ال وليا ول نصيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لن يسنتنكف المسنيح" أي لن يأننف ولن يحتشنم‪" .‬أن يكون عبدا ل" أي منن أن‬
‫يكون؛ فهنو فني موضنع نصنب‪ .‬وقرأ الحسنن‪" :‬إن يكون" بكسنر الهمزة على أنهنا نفني هنو بمعننى‬
‫"ما" والمعنى ما يكون له ولد؛ وينبغي رفع يكون ولم يذكره الرواة‪" .‬ول الملئكة المقربون" أي‬
‫منن رحمنة ال ورضاه؛ فدل بهذا على أن الملئكنة أفضنل منن الننبياء صنلوات ال عليهنم أجمعينن‪.‬‬
‫وكذا "ول أقول إني ملك" [هود‪ ]31 :‬وقد تقدمت الشارة إلى هذا المعنى فني "البقرة"‪" .‬ومن‬
‫يسننتنكف" أي يأنننف "عننن عبادتننه ويسننتكبر" فل يفعلهننا‪" .‬فسننيحشرهم إليننه" أي إلى المحشننر‪.‬‬
‫"جميعا" فيجازي كل بما يستحق‪ ،‬كما بينه في الية بعد هذا "فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" إلى قوله‪" :‬نصيرا"‪ .‬وأصل "يستنكف" نكف‪ ،‬فالياء والسين‬
‫والتاء زوائد؛ يقال‪ :‬نكفنت منن الشينء واسنتنكفت مننه وأنكفتنه أي نزهتنه عمنا يسنتنكف مننه؛ ومننه‬
‫الحديث سئل عن "سبحان ال" فقال‪( :‬إنكاف ال من كل سوء) يعنني تنزيهه وتقديسه عن النداد‬
‫والولد‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬اسنتنكف أي أننف مأخوذ منن نكفنت الدمنع إذا نحيتنه بإصنبعك عنن خدك‪،‬‬
‫ومننه الحدينث (منا ينكنف العرق عنن جنبينه) أي منا ينقطنع؛ ومننه الحدينث (جاء بجينش ل ينكنف‬
‫آخره) أي ل ينقطع آخره‪ .‬وقيل‪ :‬هو من النكف وهو العيب؛ يقال‪ :‬ما عليه في هذا المر نكف ول‬
‫وكف أي عيب‪ :‬أي لن يمتنع المسيح ولن يتنزه من العبودية ولن ينقطع عنها ولن يعيبها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 174 :‬يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم" يعني محمدا صلى ال عليه وسلم؛ عن‬
‫الثوري؛ وسننماه برهانننا لن معننه البرهان وهننو المعجزة‪ .‬وقال مجاهنند‪ :‬البرهان ههنننا الحجننة؛‬
‫والمعنننى متقارب؛ فإن المعجزات حجتننه صننلى ال عليننه وسننلم‪ .‬والنور المنزل هننو القرآن؛ عننن‬
‫الحسنن؛ وسنماه نورا لن بنه تتنبين الحكام ويهتدى بنه منن الضللة‪ ،‬فهنو نور منبين‪ ،‬أي واضنح‬
‫بين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 175 :‬فأما الذين آمنوا بال واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم‬
‫إليه صراطا مستقيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأمنا الذينن آمنوا بال واعتصنموا بنه" أي بالقرآن عنن معاصنيه‪ ،‬وإذا اعتصنموا‬
‫بكتابه فقد اعتصموا به وبنبيه‪ .‬وقيل‪" :‬اعتصموا به" أي بال‪ .‬والعصمة المتناع‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويهديهنم" أي وهنو يهديهنم؛ فأضمنر هنو ليدل على أن الكلم مقطوع ممنا قبله‪.‬‬
‫"إليه" أي إلى ثوابه‪ .‬وقيل‪ :‬إلى الحق ليعرفوه‪" .‬صراطا مستقيما" أي دينا مستقيما‪ .‬و"صراطا"‬
‫منصوب بإضمار فعل دل عليه "ويهديهم" التقدير؛ ويعرفهم صراطا مستقيما‪ .‬وقيل‪ :‬هو مفعول‬
‫ثان على تقدينر؛ ويهديهنم إلى ثوابنه صنراطا مسنتقيما‪ .‬وقينل‪ :‬هنو حال‪ .‬والهاء فني "إلينه" قينل‪ :‬هني‬
‫للقرآن‪ ،‬وقيل‪ :‬للفضل‪ ،‬وقيل للفضل والرحمة؛ لنهما بمعنى الثواب‪ .‬وقيل‪ :‬هي ل عز وجل على‬
‫حذف المضاف كما تقدم من أن المعنى ويهديهم إلى ثوابه‪ .‬أبو علي‪ :‬الهاء راجعة إلى ما تقدم من‬
‫اسم ال عز وجل‪ ،‬والمعنى ويهديهم إلى صراطه؛ فإذا جعلنا "صراطا مستقيما" نصبا على الحال‬
‫كانننت الحال مننن هذا المحذوف‪ .‬وفنني قوله‪" :‬وفضننل" دليننل على أنننه تعالى يتفضننل على عباده‬
‫بثوابه؛ إذ لو كان في مقابلة العمل لما كان فضل‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 176 :‬يسنتفتونك قنل ال يفتيكنم فني الكللة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلهنا‬
‫نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة‬
‫رجال ونساء فللذكر مثل حظ النثيين يبين ال لكم أن تضلوا وال بكل شيء عليم}‬
‫@ قال البراء بن عازب‪ :‬هذه آخر آية نزلت من القرآن؛ كذا في كتاب مسلم‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت والنبي‬
‫صنلى ال علينه وسنلم متجهنز لحجنة الوداع‪ ،‬ونزلت بسنبب جابر؛ قال جابر بنن عبدال‪ :‬مرضنت‬
‫فأتاني رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر يعوداني ماشيين‪ ،‬فأغمي علي؛ فتوضأ رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ثم صب علي من وضوئه فأفقت‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال كيف أقضي في مالي ؟‬
‫فلم يرد علي شيئا حتى نزلت آية الميراث "يستفتونك قل ال يفتيكم في الكللة" رواه مسلم؛ وقال‪:‬‬
‫آخنر آينة نزلت‪" :‬واتقوا يومنا ترجعون فينه إلى ال" [البقرة‪ ]281 :‬وقند تقدم‪ .‬ومضنى فني أول‬
‫السننورة الكلم فنني "الكللة" مسننتوفى‪ ،‬وأن المراد بالخوة هنننا الخوة للب والم أو للب وكان‬
‫لجابر تسع أخوات‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن امرؤ هلك ليس له ولد" أي ليس له ولد ول والد؛ فاكتفى بذكر أحدهما؛ قال‬
‫الجرجانني‪ :‬لفنظ الولد ينطلق على الوالد والمولود‪ ،‬فالوالد يسنمى‪ ،‬والدا لننه ولد‪ ،‬والمولود يسنمى‬
‫ولدا لنه ولد؛ كالذرية فإنها من ذرا ثم تطلق على المولود وعلى الوالد؛ قال ال تعالى‪" :‬وآية لهم‬
‫أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون" [يس‪.]41 :‬‬
‫@ والجمهور منن العلماء منن الصنحابة والتابعينن يجعلون الخوات عصنبة البنات وإن لم يكنن‬
‫معهنن أخ‪ ،‬غينر ابنن عباس؛ فإننه كان ل يجعنل الخوات عصنبة البنات؛ وإلينه ذهنب داود وطائفنة؛‬
‫وحجتهننم ظاهننر قول ال تعالى‪" :‬إن امرؤ هلك ليننس له ولد وله أخننت فلهننا نصننف مننا ترك" ولم‬
‫يورث الخت إل إذا لم يكن للميت ولد؛ قالوا‪ :‬ومعلوم أن البنة من الولد‪ ،‬فوجب أل ترث الخت‬
‫مع وجودها‪ .‬وكان ابن الزبير يقول بقول ابن عباس في هذه المسألة حتى أخبره السود بن يزيد‪:‬‬
‫أن معاذا قضى في بنت وأخت فجعل المال بينهما نصفين‪.‬‬
‫@ هذه الية تسمى بآية الصيف؛ لنها نزلت في زمن الصيف؛ قال عمر‪ :‬إني وال ل أدع شيئا‬
‫أهم إلي من أمر الكللة‪ ،‬وقد سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عنها فما أغلظ لي في شيء ما‬
‫أغلظ لي فيها‪ ،‬حتى طعن بإصبعه في جنبي أو في صدري ثم قال‪( :‬يا عمر أل تكفيك آية الصيف‬
‫التني أنزلت فني آخنر سنورة النسناء)‪ .‬وعننه رضني ال عننه قال‪ :‬ثلث لن يكون رسنول ال صنلى‬
‫ال عليه وسنلم بينهنن أحب إلي من الدنينا وما فيها‪ :‬الكللة والربنا والخلفنة؛ خرجنه ابن ماجنة فني‬
‫سننه‪.‬‬
‫@ طعن بعض الرافضة بقول عمر‪( :‬وال ل أدع) الحديث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ينبين ال لكنم أن تضلوا" قال الكسنائي‪ :‬المعننى ينبين ال لكنم لئل تضلوا‪ .‬قال أبو‬
‫عبيد؛ فحدثت الكسائي بحديث رواه ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬ل يدعون‬
‫أحدكنم على ولده أن يوافنق منن ال إجابنة) فاسنتحسنه‪ .‬قال النحاس‪ :‬والمعننى عنند أبني عبيند لئل‬
‫يوافننق مننن ال إجابننة‪ ،‬وهذا القول عننند البصننريين خطننأ صننراح؛ لنهننم ل يجيزون إضمار ل؛‬
‫والمعننى عندهنم‪ :‬ينبين ال لكنم كراهنة أن تضلوا‪ ،‬ثنم حذف؛ كمنا قال‪" :‬واسنأل القرينة" [يوسنف‪:‬‬
‫‪ ]82‬وكذا معنى حديث النبي صلى ال عليه وسلم؛ أي كراهية أن يوافق من ال إجابة‪" .‬وال‬
‫بكل شيء عليم" تقدم في غير موضع‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫تمت سورة "النساء" والحمد ل الذي وفق‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة المائدة‬
‫@ بحول ال تعالى وقوته‪ ،‬وهي مدنية بإجماع‪ ،‬وروي أنها نزلت منصرف رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم من الحديبية‪ .‬وذكر النقاش عن أبي سلمة أنه قال‪ :‬لما رجع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسنلم منن الحديبينة قال‪( :‬ينا علي أشعرت أننه نزلت علي سنورة المائدة ونعمنت الفائدة)‪ .‬قال ابنن‬
‫العربي‪ :‬هذا حديث موضوع ل يحل لمسلم اعتقاده؛ أما إنا نقول‪ :‬سورة "المائدة‪ ،‬ونعمت الفائدة"‬
‫فل نأثره عنن أحند ولكننه كلم حسنن‪ .‬وقال ابنن عطينة‪ :‬وهذا عندي ل يشبنه كلم الننبي صنلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬وروي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬سورة المائدة تدعى في ملكوت ال المنقذة‬
‫تنقذ صاحبها من أيدي ملئكة العذاب)‪ .‬ومن هذه السورة ما نزل في حجة الوداع‪ ،‬ومنها ما أنزل‬
‫عام الفتح وهو قوله تعالى‪" :‬ول يجرمنكم شنآن قوم" [المائدة‪ ]2 :‬الية‪ .‬وكل ما أنزل من القرآن‬
‫بعد هجرة النبي صلى ال عليه وسلم فهو مدني‪ ،‬سواء نزل بالمدينة أو في سفر من السفار‪ .‬وإنما‬
‫يرسم بالمكي ما نزل قبل الهجرة‪ .‬وقال أبو ميسرة‪" :‬المائدة" من آخر ما نزل ليس فيها منسوخ‪،‬‬
‫وفيها ثمان عشرة فريضة ليست في غيرها؛ وهي‪" :‬المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما‬
‫أكنل السنبع" [المائدة‪" ، ]3 :‬ومنا ذبنح على النصنب وأن تسنتقسموا بالزلم"‪" ،‬ومنا علمتنم منن‬
‫الجوارح مكلبينن" [المائدة‪" ، ]4 :‬وطعام الذينن أوتوا الكتاب" [المائدة‪" ]5 :‬والمحصننات منن‬
‫الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" [المائدة‪ ، ]5 :‬وتمام الطهور "إذا قمتم إلى الصلة" [المائدة‪، ]6 :‬‬
‫"والسنارق والسنارقة" [المائدة‪" ، ]38 :‬ل تقتلوا الصنيد وأنتنم حرم" [المائدة‪ ]95 :‬إلى قوله‪:‬‬
‫"عزينز ذو انتقام" [المائدة‪ ]95 :‬و"منا جعنل ال منن بحيرة ول سنائبة ول وصنيلة ول حام"‬
‫[المائدة‪ .]103 :‬وقوله تعالى‪" :‬شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" [المائدة‪ ]106 :‬الية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفريضنة تاسنعة عشرة وهني قوله جنل وعنز‪" :‬وإذا ناديتنم إلى الصنلة" [المائدة‪]58 :‬‬
‫لينس للذان ذكنر فني القرآن إل فني هذه السنورة‪ ،‬أمنا منا جاء فني سنورة "الجمعنة" فمخصنوص‬
‫بالجمعنة‪ ،‬وهنو فني هذه السنورة عام لجمينع الصنلوات‪ .‬وروي عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه‬
‫قرأ سورة "المائدة" في حجة الوداع وقال‪( :‬يا أيها الناس إن سورة المائدة من آخر ما نزل فأحلوا‬
‫حللهنا وحرموا حرامهنا) ونحوه عنن عائشنة رضني ال عنهنا موقوفنا؛ قال جنبير بنن نفينر‪ :‬دخلت‬
‫على عائشة رضي ال عنها فقالت‪ :‬هل تقرأ سورة "المائدة" ؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقالت‪ :‬فإنها من آخر ما‬
‫أنزل ال‪ ،‬فمنا وجدتنم فيهنا منن حلل فأحلوه ومنا وجدتنم فيهنا منن حرام فحرموه‪ .‬وقال الشعنبي‪ :‬لم‬
‫ينسنخ منن هذه السنورة إل قوله‪" :‬ول الشهنر الحرام ول الهدي" [المائدة‪ ]2 :‬الينة‪ .‬وقال بعضهنم‪:‬‬
‫نسخ منها "أو آخران من غيركم" [المائدة‪.]106 :‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 1 :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكنم بهيمنة النعام إل منا يتلى عليكنم غينر‬
‫محلي الصيد وأنتم حرم إن ال يحكم ما يريد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا" قال علقمة‪ :‬كل ما في القرآن "يا أيها الذين آمنوا" فهو مدني‬
‫و"يا أيها الناس" [النساء‪ ]1 :‬فهو مكي؛ وهذا خرج على الكثر‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬وهذه الية مما تلوح‬
‫فصناحتها وكثرة معانيهنا على قلة ألفاظهنا لكنل ذي بصنيرة بالكلم؛ فإنهنا تضمننت خمسنة أحكام‪:‬‬
‫الول‪ :‬المر بالوفاء بالعقود؛ الثاني‪ :‬تحليل بهيمة النعام؛ الثالث‪ :‬استثناء ما يلي بعد ذلك؛ الرابع‪:‬‬
‫اسنتثناء حال الحرام فيمنا يصناد؛ الخامنس‪ :‬منا تقتضينه الينة منن إباحنة الصنيد لمنن لينس بمحرم‪.‬‬
‫وحكى النقاش أن أصحاب الكندي قالوا له‪ :‬أيها الحكيم أعمل لنا مثل هذا القرآن فقال‪ :‬نعم ! أعمل‬
‫مثننل بعضننه؛ فأحتجننب أيامننا كثيرة ثننم خرج فقال‪ :‬وال مننا أقدر ول يطيننق هذا أحنند؛ إننني فتحننت‬
‫المصنحف فخرجنت سنورة "المائدة" فنظرت فإذا هنو قند نطنق بالوفاء ونهنى عنن النكنث‪ ،‬وحلل‬
‫تحليل عامنا‪ ،‬ثنم اسنتثنى اسنتثناء بعند اسنتثناء‪ ،‬ثنم أخنبر عنن قدرتنه وحكمتنه فني سنطرين‪ ،‬ول يقدر‬
‫أحد أن يأتي بهذا إل في أجلد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أوفوا" يقال‪ :‬وفنى وأوفنى لغتان‪ :‬قال ال تعالى‪" :‬ومنن أوفنى بعهده منن ال"‬
‫[التوبة‪ ، ]111 :‬وقال تعالى‪" :‬وإبراهيم الذي وفى" [النجم‪ ]37 :‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫كما وفى بقلص النجم حاديها‬ ‫أما ابن طوق فقد أوفى بذمته‬
‫فجمع بين اللغتين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بالعقود" العقود الربوط‪ ،‬واحدها عقد؛ يقال‪ :‬عقدت العهد والحبل‪ ،‬وعقدت العسل‬
‫فهو يستعمل في المعاني والجسام؛ قال الحطيئة‪:‬‬
‫شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا‬ ‫قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم‬
‫فأمنر ال سنبحانه بالوفاء بالعقود؛ قال الحسنن‪ :‬يعنني بذلك عقود الدينن وهني منا عقده المرء على‬
‫نفسه؛ من بيع وشراء وإجارة وكراء ومناكحة وطلق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير وعتق‬
‫وتدبير وغير ذلك من المور‪ ،‬ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة؛ وكذلك ما عقده على نفسه ل‬
‫منن الطاعات‪ ،‬كالحنج والصنيام والعتكاف والقيام والنذر ومنا أشبنه ذلك منن طاعات ملة السنلم‪.‬‬
‫وأمننا نذر المباح فل يلزم بإجماع مننن المنة؛ قال ابنن العربنني‪ .‬ثننم قيننل‪ :‬إن اليننة نزلت فنني أهننل‬
‫الكتاب؛ لقوله تعالى‪" :‬وإذ أخنننذ ال ميثاق الذينننن أوتوا الكتاب لتنننبيننه للناس ول تكتموننننه" [آل‬
‫عمران‪ .]187 :‬قال ابنن جرينج‪ :‬هنو خاص بأهنل الكتاب وفيهنم نزلت‪ .‬وقينل‪ :‬هني عامنة وهنو‬
‫الصحيح؛ فإن لفظ المؤمنين يعم مؤمني أهل الكتاب؛ لن بينهم وبين ال عقدا في أداء المانة فيما‬
‫فني كتابهنم منن أمنر محمند صنلى ال علينه وسنلم؛ فإنهنم مأمورون بذلك فني قوله‪" :‬أوفوا بالعقود"‬
‫وغير موضع‪ .‬قال ابن عباس‪" :‬أوفوا بالعقود" معناه بما أحل وبما حرم وبما فرض وبما حد في‬
‫جميع الشياء؛ وكذلك قال مجاهد وغيره‪ .‬وقال ابن شهاب‪ :‬قرأت كتاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسننلم الذي كتبننه لعمرو بننن حزم حيننن بعثننه إلى نجران وفنني صنندره‪( :‬هذا بيان للناس مننن ال‬
‫ورسنوله "ينا أيهنا الذينن آمنوا أوفوا بالعقود" فكتنب اليات فيهنا إلى قوله‪" :‬إن ال سنريع الحسناب"‬
‫[المائدة‪ .) ]4 :‬وقال الزجاج‪ :‬المعنى أوفوا بعقد ال عليكم وبعقدكم بعضكم على بعض‪ .‬وهذا كله‬
‫راجننع إلى القول بالعموم وهننو الصننحيح فنني الباب؛ قال صننلى ال عليننه وسننلم‪( :‬المؤمنون عننند‬
‫شروطهم) وقال‪( :‬كل شرط ليس في كتاب ال فهو باطل وإن كان مائة شرط) فبين أن الشرط أو‬
‫العقند الذي يجنب الوفاء بنه منا وافنق كتاب ال أي دينن ال؛ فإن ظهنر فيهنا منا يخالف رد؛ كمنا قال‬
‫صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬منن عمنل عمل لينس علينه أمرننا فهنو رد)‪ .‬ذكنر ابنن إسنحاق قال‪ :‬اجتمعنت‬
‫قبائل مننن قريننش فنني دار عبدال بننن جدعان ‪ -‬لشرفننه ونسننبه ‪ -‬فتعاقدوا وتعاهدوا على أل يجدوا‬
‫بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم إل قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته؛ فسمت قريش ذلك الحلف‬
‫حلف الفضول‪ ،‬وهنو الذي قال فينه الرسنول صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬لقند شهدت فني دار عبدال بنن‬
‫جدعان جلفنا منا أحنب أن لي بنه خمنر النعنم ولو أدعني بنه فني السنلم لجبنت)‪ .‬وهذا الحلف هنو‬
‫المعننى المراد فني قوله علينه السنلم‪( :‬وأيمنا حلف كان فني الجاهلينة لم يزده السنلم إل شدة) لننه‬
‫موافنق للشرع إذ أمنر بالنتصناف منن الظالم؛ فأمنا منا كان منن عهودهنم الفاسندة وعقودهنم الباطلة‬
‫على الظلم والغارات فقند هدمنه السنلم والحمند ل‪ .‬قال ابنن إسنحاق‪ :‬تحامنل الوليند بنن عتبنة على‬
‫الحسين بن علي في مال له ‪ -‬لسلطان الوليد؛ فإنه كان أميرا على المدينة ‪ -‬فقال له الحسين‪ :‬أحلف‬
‫بال لتنصفني من حقي أو لخذن بسيفي ثم لقومن في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم‬
‫لدعون بحلف الفضول‪ .‬قال عبدال بننن الزبيننر‪ :‬وأنننا أحلف بال لئن دعاننني لخذن بسننيفي ثننم‬
‫لقومنن معنه حتنى ينتصنف منن حقنه أو نموت جميعنا؛ وبلغنت المسنور بنن مخرمنة فقال مثنل ذلك؛‬
‫وبلغت عبدالرحمن بن عثمان بن عبيدال التيمي فقال مثل ذلك؛ فلما بلغ ذلك الوليد أنصفه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أحلت لكنم بهيمنة النعام" الخطاب لكنل منن ألتزم اليمان على وجهنه وكماله؛‬
‫وكاننت للعرب سننن فني النعام منن البحيرة والسنائبة والوصنيلة والحام‪ ،‬يأتني بيانهنا؛ فنزلت هذه‬
‫اليننة رافعننة لتلك الوهام الخياليننة‪ ،‬والراء الفاسنندة الباطلة‪ .‬واختلف فنني معنننى "بهيمننة النعام"‬
‫والبهيمنة اسنم لكنل ذي أربنع؛ سنميت بذلك لبهامهنا منن جهنة نقنص نطقهنا وفهمهنا وعدم تمييزهنا‬
‫وعقلهنا؛ ومننه باب مبهنم أي مغلق‪ ،‬ولينل بهينم‪ ،‬وبهمنة للشجاع الذي ل يدرى منن أينن يؤتنى له‪.‬‬
‫و"النعام"‪ :‬البل والبقر والغنم‪ ،‬سميت بذلك للين مشيها؛ قال ال تعالى‪" :‬والنعام خلقها لكم فيها‬
‫دفء ومنافع" [النحل‪ ]5 :‬إلى قوله‪" :‬وتحمل أثقالكم" [النحل‪ ، ]7 :‬وقال تعالى‪" :‬ومن النعام‬
‫حمولة وفرشنا" [النعام‪ ]142 :‬يعنني كبارا وصنغارا؛ ثنم بينهنا فقال‪" :‬ثمانينة أزواج" [النعام‪:‬‬
‫‪ ]143‬إلى قوله‪" :‬أم كنتنم شهداء" [البقرة‪ ]133 :‬وقال تعالى‪" :‬وجعنل لكنم منن جلود النعام‬
‫بيوتنا تسنتخفونها يوم ظعنكنم ويوم إقامتكنم ومنن أصنوافها" [النحنل‪ ]80 :‬يعنني الغننم "وأوبارهنا"‬
‫يعني البل "وأشعارها" يعني المعز؛ فهذه ثلثة أدلة تنبئ عن تضمن اسم النعام لهذه الجناس؛‬
‫البل والبقر والغنم؛ وهو قول ابن عباس والحسن‪ .‬قال الهروي‪ :‬وإذا قيل النعم فهو البل خاصة‪.‬‬
‫وقال الطننبري‪ :‬وقال قوم "بهيمننة النعام" وحشيهننا كالظباء وبقننر الوحننش والحمننر وغيننر ذلك‪.‬‬
‫وذكره غينر الطنبري والربينع وقتادة والضحاك‪ ،‬كأننه قال‪ :‬أحلت لكنم النعام‪ ،‬فأضينف الجننس إلى‬
‫أخنص مننه‪ .‬قال ابنن عطينة‪ :‬وهذا قول حسنن؛ وذلك أن النعام هني الثمانينة الزواج‪ ،‬ومنا أنضاف‬
‫إليها من سائر الحيوان يقال له أنعام بمجموعه معها‪ ،‬وكأن المفترس كالسد وكل ذي ناب خارج‬
‫عن حد النعام؛ فبهيمة النعام هي الراعي من ذوات الربع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فعلى هذا يدخل فيها ذوات الحوافر لنها راعية غير مفترسة وليس كذلك؛ لن ال تعالى‬
‫قال‪" :‬والنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع" [النحل‪ ]5 :‬ثم عطف عليها قوله‪" :‬والخيل والبغال‬
‫والحمينر" [النحنل‪ ]8 :‬فلمنا اسنتأنف ذكرهنا وعطفهنا على النعام دل على أنهنا ليسنت منهنا؛ وال‬
‫أعلم‪ .‬وقينل‪" :‬بهيمنة النعام" ما لم يكن صنيدا؛ لن الصنيد يسمى وحشا ل بهيمنة‪ ،‬وهذا راجنع إلى‬
‫القول الول‪ .‬وروي عنن عبدال بنن عمنر أننه قال‪" :‬بهيمنة النعام" الجننة التني تخرج عنند الذبنح‬
‫منن بطون المهات؛ فهني تؤكنل دون ذكاة‪ ،‬وقاله ابنن عباس وفينه بعند؛ لن ال تعالى قال‪" :‬إل منا‬
‫يتلى عليكنم" ولينس فني الجننة منا يسنتثنى؛ قال مالك‪ :‬ذكاة الذبيحنة ذكاة لجنينهنا إذا لم يدرك حينا‬
‫وكان قند نبنت شعره وتنم خلقنه؛ فإن لم يتنم خلقنه ولم ينبنت شعره لم يؤكنل إل أن يدرك حينا فيذكنى‪،‬‬
‫وإن بادروا إلى تذكيته فمات بنفسه‪ ،‬فقيل‪ :‬هو ذكي‪ .‬وقيل‪ :‬ليس بذكي؛ وسيأتي لهذا مزيد بيان إن‬
‫شاء ال تعالى‪:‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل منا يتلى عليكنم" أي يقرأ عليكنم فني القرآن والسننة منن قوله تعالى‪" :‬حرمنت‬
‫عليكنم الميتنة" [المائدة‪ ]3 :‬وقوله عليه الصنلة والسنلم‪( :‬وكل ذي ناب من السنباع حرام)‪ .‬فإن‬
‫قينل‪ :‬الذي يتلى عليننا الكتاب لينس السننة؛ قلننا‪ :‬كنل سننة لرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فهني منن‬
‫كتاب ال؛ والدليل عليه أمران‪ :‬أحدهما‪ :‬حديث العسيف (لقضين بينكما بكتاب ال) والرجم ليس‬
‫منصوصا في كتاب ال‪ .‬الثاني‪ :‬حديث ابن مسعود‪ :‬وما لي ل ألعن من لعن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وهو في كتاب ال؛ الحديث‪ .‬وسيأتي في سورة "الحشر"‪ .‬ويحتمل "إل ما يتلى عليكم"‬
‫الن أو "ما يتلى عليكم" فيما بعد من مستقبل الزمان على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم؛‬
‫فيكون فيه دليل على جواز تأخير البيان عن وقت ل يفتقر فيه إلى تعجيل الحاجة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬غير محلي الصيد" أي ما كان صيدا فهو حلل في الحلل دون الحرام‪ ،‬وما لم‬
‫يكنن صنيدا فهنو حلل فني الحالينن‪ .‬واختلف النحاة فني "إل منا يتلى" هنل هنو اسنتثناء أو ل ؟ فقال‬
‫البصننريون‪ :‬هننو اسننتثناء مننن "بهيمننة النعام" و"غيننر محلي الصننيد" اسننتثناء آخننر أيضننا منننه؛‬
‫فالسنتثناءان جميعنا منن قوله‪" :‬بهيمنة النعام" وهني المسنتثنى منهنا؛ التقدينر‪ :‬إل منا يتلى عليكنم إل‬
‫الصنيد وأنتنم محرمون؛ بخلف قوله‪" :‬إننا أرسنلنا إلى قوم مجرمينن‪ .‬إل آل لوط" [الحجنر‪- 58 :‬‬
‫‪ ]59‬على ما يأتي‪ .‬وقيل‪ :‬هو مستثنى مما يليه من الستثناء؛ فيصير بمنزلة قوله عز وجل‪" :‬إنا‬
‫أرسننلنا إلى قوم مجرميننن" ولو كان كذلك لوجننب إباحننة الصننيد فنني الحرام؛ لنننه مسننتثنى مننن‬
‫المحظور إذ كان قوله تعالى‪" :‬إل مننا يتلى عليكننم" مسننتثنى مننن الباحننة؛ وهذا وجننه سنناقط؛ فإذا‬
‫معناه أحلت لكم بهيمة النعام غير محلي الصيد وأنتم حرم إل ما يتلى عليكم سوى الصيد‪ .‬ويجوز‬
‫أن يكون معناه أيضنا أوفوا بالعقود غينر محلي الصنيد وأحلت لكنم بهيمنة النعام إل منا يتلى عليكنم‪.‬‬
‫وأجاز الفراء أن يكون "إل منا يتلى عليكنم" فني موضنع رفنع على البدل على أن يعطنف بإل كمنا‬
‫يعطنف بل؛ ول يجيزه البصنريون إل فني النكرة أو منا قاربهنا منن أسنماء الجناس نحنو جاء القوم‬
‫إل زيد‪ .‬والنصب عنده بأن "غير محلي الصيد" نصب على الحال مما في "أوفوا"؛ قال الخفش‪:‬‬
‫ينا أيهنا الذينن آمنوا أوفوا بالعقود غينر محلي الصنيد‪ .‬وقال غيره‪ :‬حال منن الكاف والمينم فني "لكنم"‬
‫والتقدير‪ :‬أحلت لكم بهيمة النعام غير محلي الصيد‪ .‬ثم قيل‪ :‬يجوز أن يرجع الحلل إلى الناس‪،‬‬
‫أي ل تحلوا الصيد فني حال الحرام‪ ،‬ويجوز أن يرجع إلى ال تعالى أي أحللت لكم البهيمة إل ما‬
‫كان صنيدا فني وقنت الحرام؛ كمنا تقول‪ :‬أحللت لك كذا غينر مبينح لك يوم الجمعنة‪ .‬فإذا قلت يرجنع‬
‫إلى الناس فالمعنى‪ :‬غير محلين الصيد‪ ،‬فحذفت النون تخفيفا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنتنم حرم" يعنني الحرام بالحنج والعمرة؛ يقال‪ :‬رجنل حرام وقوم حرم إذا‬
‫أحرموا بالحج؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫حرام وأني بعد ذاك لبيب‬ ‫فقلت لها فيئي إليك فإنني‬
‫أي ملب‪ ،‬وسنمي ذلك إحرامنا لمنا يحرمنه منن دخنل فينه على نفسنه منن النسناء والطينب وغيرهمنا‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬أحرم دخنل فني الحرم؛ فيحرم صنيد الحرم أيضنا‪ .‬وقرأ الحسنن وإبراهينم ويحينى بنن وثاب‬
‫"حرم" بسكون الراء؛ وهي لغة تميمية يقولون في رسل‪ :‬رسل وفي كتب كتب ونحوه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال يحكم ما يريد" تقوية لهذه الحكام الشرعية المخالفة لمعهود أحكام العرب؛‬
‫أي فأنت يا محمد السامع لنسخ تلك التي عهدت من أحكامهم تنبه‪ ،‬فإن الذي هو مالك الكل "يحكم‬
‫ما يريد" "ل معقب لحكمه" [الرعد‪ ]41 :‬يشرع ما يشاء كما يشاء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬يا أيها الذين آمنوا ل تحلوا شعائر ال ول الشهر الحرام ول الهدي ول القلئد ول‬
‫آمين البيت الحرام يبتغون فضل من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ول يجرمنكم شنآن قوم‬
‫أن صننندوكم عنننن المسنننجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثنننم‬
‫والعدوان واتقوا ال إن ال شديد العقاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تحلوا شعائر ال" خطاب للمؤمنين حقنا؛ أي ل تتعدوا حدود‬
‫ال فني أمنر منن المور‪ .‬والشعائر جمنع شعيرة على وزن فعيلة‪ .‬وقال ابنن فارس‪ :‬ويقال للواحدة‬
‫شعارة؛ وهنو أحسنن‪ .‬والشعيرة البدننة تهدى‪ ،‬وإشعارهنا أن يجنز سننامها حتنى يسنيل مننه الدم فيعلم‬
‫أنهنا هدي‪ .‬والشعار العلم منن طرينق الحسناس؛ يقال‪ :‬أشعنر هدينه أي جعنل له علمنة ليعرف‬
‫أنه هدي؛ ومنه المشاعر المعالم‪ ،‬واحدها مشعر وهي المواضع التي قد أشعرت بالعلمات‪ .‬ومنه‬
‫الشعنر‪ ،‬لننه يكون بحينث يقنع الشعور؛ ومننه الشاعنر؛ لننه يشعنر بفطنتنه لمنا ل يفطنن له غيره؛‬
‫ومننه الشعينر لشعرتنه التني فني رأسنه؛ فالشعائر على قول منا أشعنر منن الحيوانات لتهدى إلى بينت‬
‫ال‪ ،‬وعلى قول جمينع مناسنك الحنج؛ قال ابنن عباس‪ .‬وقال مجاهند‪ :‬الصنفا والمروة والهدي والبدن‬
‫كل ذلك من الشعائر‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫شعائر قربان بها يتقرب‬ ‫نقتلهم جيل فجيل تراهم‬
‫وكان المشركون يحجون ويعتمرون ويهدون فأراد المسنلمون أن يغيروا عليهننم؛ فأنزل ال تعالى‪:‬‬
‫"ل تحلوا شعائر ال"‪ .‬وقال عطاء بن أبي رباح‪ :‬شعائر ال جميع ما أمر ال به ونهى عنه‪ .‬وقال‬
‫الحسن‪ :‬دين ال كله؛ كقوله‪" :‬ذلك ومن يعظم شعائر ال فإنها من تقوى القلوب" [الحج‪ ]32 :‬أي‬
‫دين ال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا القول هننو الراجننح الذي يقدم على غيره لعمومننه‪ .‬وقنند اختلف العلماء فنني إشعار‬
‫الهدي فأجازه الجمهور؛ ثنم اختلفوا فني أي جهنة يشعنر؛ فقال الشافعني وأحمند وأبنو ثور‪ :‬يكون فني‬
‫الجاننب اليمنن؛ وروي عنن ابنن عمنر‪ .‬وثبنت عن ابنن عباس أن الننبي صنلى ال عليه وسنلم أشعنر‬
‫ناقتنه فني صنفحة سننامها اليمنن؛ أخرجنه مسنلم وغيره وهنو الصنحيح‪ .‬وروي أننه أشعنر بدننه منن‬
‫الجانننب اليسننر؛ قال أبننو عمننر بننن عبدالبر‪ :‬هذا عندي حديننث منكننر مننن حديننث ابننن عباس؛‬
‫والصحيح حديث مسلم عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬ول يصح عنه غيره‪ .‬وصفحة السنام جانبه‪ ،‬والسنام‬
‫أعلى الظهننر‪ .‬وقالت طائفننة‪ :‬يكون فنني الجانننب اليسننر؛ وهننو قول مالك‪ ،‬وقال‪ :‬ل بأس بننه فنني‬
‫الجانب اليمن‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬من أي الجانبين شاء؛ وبه قال أحمد في أحد قوليه‪ .‬ومنع من هذا كله‬
‫أبنو حنيفنة وقال‪ :‬إننه تعذينب للحيوان‪ ،‬والحدينث يرد علينه؛ وأيضنا فذلك يجري مجرى الوسنم الذي‬
‫يعرف بنه الملك كمنا تقدم؛ وقند أوغنل ابنن العربني على أبني حنيفنة فني الرد والنكار حينن لم ينر‬
‫الشعار فقال‪ :‬كأنه لم يسمع بهذه الشعيرة في الشريعة ! لهي أشهر منه في العلماء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والذي رأيته منصوصا في كتب علماء الحنفية الشعار مكروه من قول أبي حنيفة‪ ،‬وعند‬
‫أبني يوسنف ومحمند لينس بمكروه ول سننة بنل هنو مباح؛ لن الشعار لمنا كان إعلمنا كان سننة‬
‫بمنزلة التقليند‪ ،‬ومنن حينث أننه جرح ومثلة كان حرامنا‪ ،‬فكان مشتمل على السننة والبدعنة فجعنل‬
‫مباحنا‪ .‬ولبني حنيفنة أن الشعار مثلة وأنه حرام من حينث إنه تعذينب الحيوان فكان مكروهنا‪ ،‬ومنا‬
‫روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما كان في أول البتداء حين كانت العرب تنتهب كل‬
‫مال إل ما جعل هديا‪ ،‬وكانوا ل يعرفون الهدي إل بالشعار ثم زال لزوال العذر؛ هكذا روي عن‬
‫ابن عباس‪ .‬وحكي عن الشيخ المام أبي منصور الماتريدي رحمه ال تعالى أنه قال‪ :‬يحتمل أن أبا‬
‫حنيفنة كره إشعار أهنل زماننه وهنو المبالغنة فني البضنع على وجنه يخاف مننه السنراية‪ ،‬أمنا منا لم‬
‫يجاوز الحد فعل كما كان يفعل في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فهو حسن؛ وهكذا ذكر أبو‬
‫جعفنر الطحاوي‪ .‬فهذا اعتذار علماء الحنفينة لبني حنيفنة عنن الحدينث الذي ورد فني الشعار‪ ،‬فقند‬
‫سننمعوه ووصننل إليهننم وعلموه؛ قالوا‪ :‬وعلى القول بأنننه مكروه ل يصننير بننه أحنند محرمننا؛ لن‬
‫مباشرة المكروه ل تعد من المناسك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول الشهنر الحرام" اسنم مفرد يدل على الجننس فني جمينع الشهنر الحرم وهني‬
‫أربعنة‪ :‬واحند فرد وثلثنة سنرد‪ ،‬يأتني بيانهنا فني "براءة"؛ والمعننى‪ :‬ل تسنتحلوها للقتال ول للغارة‬
‫ول تبدلوها؛ فإن استبدالها استحلل‪ ،‬وذلك ما كانوا يفعلونه من النسيء؛ وكذلك قوله‪" :‬ول الهدي‬
‫ول القلئد" أي ل تسنننتحلوه‪ ،‬وهنننو على حذف مضاف أي ول ذوات القلئد جمنننع قلدة‪ .‬فنهنننى‬
‫سنبحانه عنن اسنتحلل الهدي جملة‪ ،‬ثنم ذكنر المقلد مننه تأكيدا ومبالغنة فني التننبيه على الحرمنة فني‬
‫التقليد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول الهدي ول القلئد" الهدي منا أهدي إلى بينت ال تعالى منن ناقنة أو بقرة أو‬
‫شاة؛ الواحدة هديننة وهديننة وهدي‪ .‬فمننن قال‪ :‬أراد بالشعائر المناسننك قال‪ :‬ذكننر الهدي تنبيهننا على‬
‫تخصنيصها‪ .‬ومنن قال‪ :‬الشعائر الهدي قال‪ :‬إن الشعائر منا كان مشعرا أي معلمنا بإسنالة الدم منن‬
‫سننامه‪ ،‬والهدي منا لم يشعنر‪ ،‬اكتفنى فينه بالتقليند‪ .‬وقينل‪ :‬الفرق أن الشعائر هني البدن منن النعام‪.‬‬
‫والهدي البقنر والغننم والثياب وكنل منا يهدى‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬الهدي عامنا فني جمينع منا يتقرب بنه‬
‫منن الذبائح والصندقات؛ ومننه قوله عليه الصلة والسلم‪( :‬المبكنر إلى الجمعنة كالمهدي بدننة) إلى‬
‫أن قال‪( :‬كالهدي بيضنة) فسنماها هدينا؛ وتسنمية البيضنة هدينا ل محمنل له إل أننه أراد بنه الصندقة؛‬
‫وكذلك قال العلماء‪ :‬إذا قال جعلت ثوبني هدينا فعلينه أن يتصندق بنه؛ إل أن الطلق إنمنا ينصنرف‬
‫إلى أحد الصناف الثلثة من البل والبقر والغنم‪ ،‬وسوقها إلى الحرم وذبحها فيه‪ ،‬وهذا إنما تلقي‬
‫منن عرف الشرع فني قوله تعالى‪" :‬فإن أحصنرتم فمنا اسنتيسر منن الهدي" [البقرة‪ ]196 :‬وأراد‬
‫بننه الشاة؛ وقال تعالى‪" :‬يحكننم بننه ذوا عدل منكننم هديننا بالغ الكعبننة" [المائدة‪ ]95 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫"فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي" [البقرة‪ ]196 :‬وأقله شاة عند الفقهاء‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬إذا قال ثوبني هدي يجعنل ثمننه فني هدي‪" .‬والقلئد" منا كان الناس يتقلدوننه أمننة لهنم؛ فهنو‬
‫على حذف مضاف‪ ،‬أي ول أصنحاب القلئد ثنم نسنخ‪ .‬قال ابنن عباس‪ :‬آيتان نسنختا منن "المائدة"‬
‫آية القلئد وقوله‪" :‬فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم" [المائدة‪ ]42 :‬فأما القلئد فنسخها‬
‫المنر بقتنل المشركينن حينث كانوا وفني أي شهنر كانوا‪ .‬وأمنا الخرى فنسنخها قوله تعالى‪" :‬وأن‬
‫احكم بينهم بما أنزل ال" [المائدة‪ ]49 :‬على ما يأتي‪ .‬وقيل‪ :‬أراد بالقلئد نفس القلئد؛ فهو نهي‬
‫عنن أخنذ لحاء شجنر الحرم حتنى يتقلد بنه طلبنا للمنن؛ قاله مجاهند وعطاء ومطرف بنن الشخينر‪.‬‬
‫وال أعلم‪ .‬وحقيقنة الهدي كنل معطنى لم يذكنر معنه عوض‪ .‬وأتفنق الفقهاء على أن من قال‪ :‬ل علي‬
‫هدي أنه يبعث بثمنه إلى مكة‪ .‬وأما القلئد فهي كل ما علق على أسنمة الهدايا وأعناقها علمة أنه‬
‫ل سبحانه؛ من نعل أو غيره‪ ،‬وهي سنة إبراهيمية بقيت في الجاهلية وأقرها السلم‪ ،‬وهي سنة‬
‫البقنر والغننم‪ .‬قالت عائشنة رضني ال عنهنا‪ :‬أهدى رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم مرة إلى البينت‬
‫غنمننا فقلدهننا؛ أخرجننه البخاري ومسننلم؛ وإلى هذا صننار جماعننة مننن العلماء‪ :‬الشافعنني وأحمنند‬
‫وإسنحاق وأبنو ثور وابنن حنبيب؛ وأنكره مالك وأصنحاب الرأي وكأنهنم لم يبلغهنم هذا الحدينث فني‬
‫تقليد الغنم‪ ،‬أو بلغ لكنهم ردوه لنفراد السود به عن عائشة رضي ال عنها؛ فالقول به أولى‪ .‬وال‬
‫أعلم‪ .‬وأما البقر فإن كانت لها أسنمة أشعرت كالبدن؛ قال ابن عمر؛ وبه قال مالك‪ .‬وقال الشافعي‪:‬‬
‫تقلد وتشعنر مطلقنا ولم يفرقوا‪ .‬وقال سنعيد بنن جنبير‪ :‬تقلد ول تشعنر؛ وهذا القول أصنح إذ لينس لهنا‬
‫سنام‪ ،‬وهي أشبه بالغنم منها بالبل‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واتفقوا فيمنن قلد بدننة على نينة الحرام وسناقها أننه يصنير محرمنا؛ قال ال تعالى‪" :‬ل تحلوا‬
‫شعائر ال" إلى أن قال‪" :‬فاصننطادوا" ولم يذكننر الحرام لكننن لمننا ذكننر التقلينند عرف أنننه بمنزلة‬
‫الحرام‪.‬‬
‫فإن بعنث بالهدي ولم يسنق بنفسنه لم يكنن محرمنا؛ لحدينث عائشنة قالت‪ :‬أننا فتلت قلئد هدي‬
‫رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بيدي؛ ثنم قلدهنا بيدينه‪ ،‬ثنم بعنث بهنا منع أبني فلم يحرم على رسنول‬
‫ال صنلى ال علينه وسنلم شينء أحله ال له حتنى نحنر الهدي؛ أخرجنه البخاري‪ ،‬وهذا مذهنب مالك‬
‫والشافعني وأحمند وإسنحاق وجمهور العلماء‪ .‬وروي عنن ابنن عباس أننه قال‪ :‬يصنير محرمنا؛ قال‬
‫ابن عباس‪ :‬من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي؛ رواه البخاري؛ وهذا‬
‫مذهب ابن عمر وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير‪ ،‬وحكاه الخطابي عن أصحاب الرأي؛ واحتجوا‬
‫بحديث جابر بنن عبدال قال‪ :‬كننت عند الننبي صلى ال عليه وسلم جالسا فقد قميصه منن جيبه ثنم‬
‫أخرجه من رجليه‪ ،‬فنظر القوم إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪( :‬إني أمرت ببدني التي بعثت‬
‫بهننا أن تقلد وتشعننر على مكان كذا وكذا فلبسننت قميصنني ونسننيت فلم أكننن لخرج قميصنني مننن‬
‫رأسني) وكان بعنث ببدننه وأقام بالمدينننة‪ .‬فنني إسننناده عبدالرحمننن بنن عطاء بنن أبنني لبيبننة وهنو‬
‫ضعينف‪ .‬فإن قلد شاة وتوجنه معهنا فقال الكوفيون‪ :‬ل يصنير محرمنا؛ لن تقليند الشاة لينس بمسننون‬
‫ول من الشعائر؛ لنه يخاف عليها الذئب فل تصل إلى الحرم بخلف البدن؛ فإنها تترك حتى ترد‬
‫الماء وترعى الشجر وتصل إلى الحرم‪ .‬وفي صحيح البخاري عن عائشة أم المؤمنين قالت‪ :‬فتلت‬
‫قلئدها من عهن كان عندي‪ .‬العهن الصوف المصبوغ؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬وتكون الجبال كالعهن‬
‫المنفوش" [القارعة‪.]5 :‬‬
‫@ ول يجوز بيع الهدي ول هبته إذا قلد أو أشعر؛ لنه قد وجب‪ ،‬وإن مات موجبه لم يورث عنه‬
‫ونفنذ لوجهنه؛ بخلف الضحينة فإنهنا ل تجنب إل بالذبنح خاصنة عنند مالك إل أن يوجبهنا بالقول؛‬
‫فإن أوجبها بالقول قبل الذبح فقال‪ :‬جعلت هذه الشاة أضحية تعينت؛ وعليه؛ إن تلفت ثم وجدها أيام‬
‫الذبنح أو بعدهنا ذبحهنا ولم يجنز له بيعهنا؛ فإن كان اشترى أضحينة غيرهنا ذبحهمنا جميعنا فني قول‬
‫أحمند وإسحاق‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬ل بدل عليه إذا ضلت أو سنرقت‪ ،‬إنمنا البدال في الواجنب‪ .‬وروي‬
‫عن ابن عباس أنه قال‪ :‬إذا ضلت فقد أجزأت‪ .‬ومن مات يوم النحر قبل أن يضحي كانت ضحيته‬
‫موروثنة عننه كسنائر ماله بخلف الهدي‪ .‬وقال أحمند وأبنو ثور‪ :‬تذبنح بكنل حال‪ .‬وقال الوزاعني‪:‬‬
‫تذبح إل أن يكون عليه دين ل وفاء له إل من تلك الضحية فتباع في دينه‪ .‬ولو مات بعد ذبحها لم‬
‫يرثها عنه ورثته‪ ،‬وصنعوا بها من الكل والصدقة ما كان له أن يصنع بها‪ ،‬ول يقتسمون لحمها‬
‫على سنبيل الميراث‪ .‬وما أصناب الضحية قبنل الذبنح من العيوب كان على صاحبها بدلهنا بخلف‬
‫الهدي‪ ،‬هذا تحصنيل مذهنب مالك‪ .‬وقند قينل فني الهدي على صناحبه البدل؛ والول أصنوب‪ .‬وال‬
‫أعلم‪ .‬قال أبنننو اللينننث السنننمرقندي‪ :‬وقوله تعالى‪" :‬ول الشهنننر الحرام" منسنننوخ بقوله‪" :‬وقاتلوا‬
‫المشركين كافة" [التوبة‪ ]36 :‬وقوله‪" :‬ول الهدي ول القلئد" محكم لم ينسخ؛ فكل من قلد الهدي‬
‫ونوى الحرام صنار محرمنا ل يجوز له أن يحنل بدلينل هذه الينة؛ فهذه الحكام معطوف بعضهنا‬
‫على بعض؛ بعضها منسوخ وبعضها غير منسوخ‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول آمين البيت الحرام" يعني القاصدين له؛ من قولهم أممت كذا أي قصدته‪ .‬وقرأ‬
‫العمننش‪" :‬ول آمنني البيننت الحرام" بالضافننة كقوله‪" :‬غيننر محلي الصننيد" والمعنننى‪ :‬ل تمنعوا‬
‫الكفار القاصندين البينت الحرام على جهنة التعبند والقربنة؛ وعلينه فقينل‪ :‬منا فني هذه اليات منن نهني‬
‫عن مشرك‪ ،‬أو مراعاة حرمة له بقلدة‪ ،‬أو أم البيت فهو كله منسوخ بآية السيف في قوله‪" :‬فاقتلوا‬
‫المشركينن حينث وجدتموهنم" [التوبنة‪ ]5 :‬وقوله‪" :‬فل يقربوا المسنجد الحرام بعند عامهنم هذا"‬
‫[التوبنة‪ ]28 :‬فل يمكنن المشرك منن الحنج‪ ،‬ول يؤمنن فني الشهنر الحرم وإن أهدى وقلد وحنج؛‬
‫روي عن ابن عباس وقاله ابن زيد على ما يأتي ذكره‪ .‬وقال قوم‪ :‬الية محكمة لم تنسخ وهي في‬
‫المسنلمين‪ ،‬وقند نهنى ال عنن إخافنة منن يقصند بيتنه منن المسنلمين‪ .‬والنهني عام فني الشهنر الحرام‬
‫وغيره؛ ولكننه خنص الشهنر الحرام بالذكنر تعظيمنا وتفضيل؛ وهذا يتمشنى على قول عطاء؛ فإن‬
‫المعننى ل تحلوا معالم ال‪ ،‬وهني أمره ونهينه ومنا أعلمنه الناس فل تحلوه؛ ولذلك قال أبنو ميسنرة‪:‬‬
‫هي محكمة‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬لم ينسخ منها إل "القلئد" وكان الرجل يتقلد بشيء من لحاء الحرم فل‬
‫يقرب فنسنبخ ذلك‪ .‬وقال ابنن جرينج‪ :‬هذه الينة نهني عنن الحجاج أن تقطنع سنبلهم‪ .‬وقال ابنن زيند‪:‬‬
‫نزلت الينة عام الفتنح ورسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بمكنة؛ جاء أناس منن المشركينن يحجون‬
‫ويعتمرون فقال المسلمون‪ :‬يا رسول ال إنما هؤلء مشركون فلن ندعهم إل أن نغير عليهم؛ فنزل‬
‫القرآن "ول آمين البيت الحرام"‪ .‬وقيل‪ :‬كان هذا لمر شريح بن ضبيعة البكري ‪ -‬ويلقب بالحطم‬
‫‪ -‬أخذته جند رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو في عمرته فنزلت هذه الية‪ ،‬ثم نسخ هذا الحكم‬
‫كما‪ .‬ذكرنا‪ .‬وأدرك الحطم هذا ردة اليمامة فقتل مرتدا وقد روي من خبره أنه أتى النبي صلى ال‬
‫علينه وسنلم بالمديننة‪ ،‬وخلف خيله خارج المديننة فقال‪ :‬إلم تدعنو الناس ؟ فقال‪( :‬إلى شهادة أن ل‬
‫إله إل ال وإقام الصننلة وإيتاء الزكاة) فقال‪ :‬حسننن‪ ،‬إل أن لي أمراء ل أقطننع أمرا دونهننم ولعلي‬
‫أسلم وآتي بهم‪ ،‬وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم قال لصحابه‪( :‬يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان‬
‫شيطان) ثم خرج من عنده فقال عليه الصلة والسلم‪( :‬لقد دخل بوجه كافر وخرج بقفا غادر وما‬
‫الرجل بمسلم)‪ .‬فمر بسرح المدينة فاستاقه؛ فطلبوه فعجزوا عنه‪ ،‬فانطلق وهو يقول‪:‬‬
‫ليس براعي إبل ول غنم‬ ‫قد لفها الليل بسواق حطم‬
‫باتوا نيامننا وابننن هننند لم ينننم بات يقاسننيها غلم كالزلم‬ ‫ول بجزار على ظهننر وضننم‬
‫خدلج الساقين خفاق القدم‬
‫فلمننا خرج الننبي صنلى ال علينه وسنلم عام القضنة سنمع تلبينة حجاج اليمامنة فقال‪( :‬هذا الحطنم‬
‫وأصنحابه)‪ .‬وكان قند قلد منا نهنب منن سنرح المديننة وأهداه إلى مكنة‪ ،‬فتوجهوا فني طلبنه؛ فنزلت‬
‫الية‪ ،‬أي ل تحلوا ما أشعر ل وإن كانوا مشركين؛ ذكره ابن عباس‪.‬‬
‫@ وعلى أن الية محكمة قوله تعالى‪" :‬ل تحلوا شعائر ال" يوجب إتمام أمور المناسك؛ ولهذا‬
‫قال العلماء‪ :‬إن الرجل إذا دخل في الحج ثم أفسده فعليه أن يأتي بجميع أفعال الحج‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫يترك شيئا منها وإن فسد حجه؛ ثم عليه القضاء في السنة الثانية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يبتغون فضل منن ربهنم ورضواننا" قال فينه جمهور المفسنرين‪ :‬معناه يبتغون‬
‫الفضل والرباح في التجارة‪ ،‬ويبتغون مع ذلك رضوانه في ظنهم وطمعهم‪ .‬وقيل‪ :‬كان منهم من‬
‫يبتغني التجارة‪ ،‬ومنهنم منن يطلب بالحنج رضوان ال وإن كان ل يناله؛ وكان منن العرب منن يعتقند‬
‫جزاء بعند الموت‪ ،‬وأننه يبعنث‪ ،‬ول يبعند أن يحصنل له نوع تخفينف فني النار‪ .‬قال ابنن عطينة‪ :‬هذه‬
‫الية استئلف من ال تعالى للعرب ولطف بهم؛ لتنبسط النفوس‪ ،‬وتتداخل الناس‪ ،‬ويردون الموسم‬
‫فيسنتمعون القرآن‪ ،‬ويدخنل اليمان فني قلوبهنم وتقوم عندهنم الحجنة كالذي كان‪ .‬وهذه الينة نزلت‬
‫عام الفتح فنسخ ال ذلك كله بعد عام سنة تسع؛ إذ حج أبو بكر ونودي الناس بسورة "براءة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا حللتنم فاصنطادوا" أمنر إباحنة ‪ -‬بإجماع الناس ‪ -‬رفنع منا كان محظورا‬
‫بالحرام؛ حكاه كثيننر مننن العلماء وليننس بصننحيح‪ ،‬بننل صننيغة "أفعننل" الواردة بعنند الحظننر على‬
‫أصنلها منن الوجوب؛ وهنو مذهنب القاضني أبني الطينب وغيره؛ لن المقتضني للوجوب قائم وتقدم‬
‫الحظنر ل يصنلح مانعنا؛ دليله قوله تعالى‪" :‬فإذا انسنلخ الشهنر الحرم فاقتلوا المشركينن" [التوبنة‪:‬‬
‫‪ ]5‬فهذه "أفعل" على الوجوب؛ لن المراد بها الجهاد‪ ،‬وإنما فهمت الباحة هناك وما كان مثله‬
‫منن قوله‪" :‬فإذا قضينت الصنلة فانتشروا" [الجمعنة‪" ]10 :‬فإذا تطهرن فأتوهنن" منن النظنر إلى‬
‫المعنى والجماع‪ ،‬ل من صيغة المر‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام" أي ل يحملنكم؛ عن ابن‬
‫عباس وقتادة‪ ،‬وهنو قول الكسنائي وأبني العباس‪ .‬وهنو يتعدى إلى مفعولينن؛ يقال‪ :‬جرمنني كذا على‬
‫بغضك أي حملني عليه؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا‬ ‫ولقد طعنت أبا عيينة طعنة‬
‫وقال الخفش‪ :‬أي ول يحقنكم‪ .‬وقال أبو عبيدة والفراء‪ :‬معنى "ل يجرمنكم" أي ل يكسبنكم بغض‬
‫قوم أن تعتدوا الحنق إلى الباطنل‪ ،‬والعدل إلى الظلم‪ ،‬قال علينه السنلم‪( :‬أد الماننة إلى منن ائتمننك‬
‫ول تخن من خانك) وقد مضى القول في هذا‪ .‬ونظير هذه الية "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه‬
‫بمثل ما اعتدى عليكم" [البقرة‪ ]194 :‬وقد تقدم مستوفى‪ .‬ويقال‪ :‬فلن جريمة أهله أي كاسبهم‪،‬‬
‫فالجريمة والجارم بمعنى الكاسب وأجرم فلن أي أكتسب الثم‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ترى لعظام ما جمعت صليبا‬ ‫جريمة ناهض في رأس نيق‬
‫معناه كاسنب قوت‪ ،‬والصنليب الودك‪ ،‬وهذا هنو الصنل فني بناء ج ر م‪ .‬قال ابنن فارس‪ :‬يقال جرم‬
‫وأجرم‪ ،‬ول جرم بمنزلة قولك‪ :‬ل بد ول محالة؛ وأصلها من جرم أي أكتسب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫إلى القبائل من قتل وإباس‬ ‫يا أيها المشتكي عكل وما جرمت‬
‫ويقال‪ :‬جرم يجرم جرمنا إذا قطنع؛ قال الرمانني علي بنن عيسنى‪ :‬وهنو الصنل؛ فجرم بمعننى حمنل‬
‫على الشينء لقطعنه منن غيره‪ ،‬وجرم بمعننى كسنب لنقطاعنه إلى الكسنب‪ ،‬وجرم بمعننى حنق لن‬
‫الحق يقطع عليه‪ .‬وقال الخليل‪" :‬ل جرم أن لهم النار" [النحل‪ ]62 :‬لقد حق أن لهم العذاب‪ .‬وقال‬
‫الكسنائي‪ :‬جرم وأجرم لغتان بمعننى واحند‪ ،‬أي أكتسنب‪ .‬وقرأ ابنن مسنعود "يجرمنكنم" بضنم الياء‪،‬‬
‫والمعنننى أيضننا ل يكسنبنكم؛ ول يعرف البصننريون الضننم‪ ،‬وإنمننا يقولون‪ :‬جرم ل غينر‪ .‬والشنآن‬
‫البغنض‪ .‬وقرئ بفتنح النون وإسنكانها؛ يقال‪ :‬شنئت الرجنل أشنؤه شننأ وشنأة وشناننا وشناننا بجزم‬
‫النون‪ ،‬كنل ذلك إذا أبغضتنه؛ أي ل يكسنبنكم بغنض قوم بصندهم إياكنم أن تعتدوا؛ والمراد بغضكنم‬
‫قوما‪ ،‬فأضاف المصدر إلى المفعول‪ .‬قال ابن زيد‪ :‬لما صد المسلمون عن البيت عام الحديبية مر‬
‫بهم ناس من المشركين يريدون العمرة؛ فقال المسلمون‪ :‬نصدهم كما صدنا أصحابهم‪ ،‬فنزلت هذه‬
‫الينة؛ أي ل تعتدوا على هؤلء‪ ،‬ول تصندوهم "أن صندوكم" أصنحابهم‪ ،‬بفتنح الهمزة مفعول منن‬
‫أجله؛ أي لن صندوكم‪ .‬وقرأ أبنو عمرو وابنن كثينر بكسنر الهمزة "إن صندوكم" وهنو اختيار أبني‬
‫عبيد‪ .‬وروي عن العمش "إن يصدوكم"‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬فإن للجزاء؛ أي إن وقع مثل هذا الفعل‬
‫فني المسنتقبل‪ .‬والقراءة الولى أمكنن فني المعننى‪ .‬وقال النحاس‪ :‬وأمنا "إن صندوكم" بكسنر "إن"‬
‫فالعلماء الجلة بالنحنو والحدينث والنظنر يمنعون القراءة بهنا لشياء‪ :‬منهنا أن الينة نزلت عام الفتنح‬
‫سننة ثمان‪ ،‬وكان المشركون صندوا المسنلمين عام الحديبينة سننة سنت‪ ،‬فالصند كان قبنل الينة؛ وإذا‬
‫قرئ بالكسننر لم يجننز أن يكون إل بعده؛ كمننا تقول‪ :‬ل تعننط فلنننا شيئا إن قاتلك؛ فهذا ل يكون إل‬
‫للمسنتقبل‪ ،‬وإن فتحنت كان للماضني‪ ،‬فوجنب على هذا أل يجوز إل "أن صندوكم"‪ .‬وأيضنا فلو لم‬
‫يصنح هذا الحدينث لكان الفتنح واجبنا؛ لن قوله‪" :‬ل تحلوا شعائر ال" إلى آخنر الينة يدل على أن‬
‫مكنة كاننت فني أيديهنم‪ ،‬وأنهنم ل ينهون عنن هذا إل وهنم قادرون على الصند عنن البينت الحرام‪،‬‬
‫فوجب من هذا فتح "أن" لنه لما مضى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن تعتدوا‬
‫في موضع نصب؛ لنه مفعول به‪ ،‬أي ل يجرمنكم شنآن قوم العتداء‪.‬‬
‫وأنكنر أبنو حاتنم وأبنو عبيند "شنآن" بإسنكان النون؛ لن المصنادر إنمنا تأتني فني مثنل هذا متحركنة؛‬
‫وخالفهما غيرهما وقال‪ :‬ليس هذا مصدرا ولكنه اسم الفاعل على وزن كسلن وغضبان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتعاونوا على البر والتقوى" قال الخفش‪ :‬هو مقطوع من أول الكلم‪ ،‬وهو أمر‬
‫لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى؛ أي ليعن بعضكم بعضا‪ ،‬وتحاثوا على ما أمر ال تعالى‬
‫وأعملوا بنه‪ ،‬وانتهوا عمنا نهنى ال عننه وامتنعوا مننه؛ وهذا موافنق لمنا روي عنن الننبي صنلى ال‬
‫علينه وسنلم أننه قال‪( :‬الدال على الخينر كفاعله)‪ .‬وقند قينل‪ :‬الدال على الشنر كصنانعه‪ .‬ثنم قينل‪ :‬البر‬
‫والتقوى لفظان بمعنى واحد‪ ،‬وكرر باختلف اللفظ تأكيدا ومبالغة‪ ،‬إذ كل بر تقوى وكل تقوى بر‪.‬‬
‫قال ابننن عطيننة‪ :‬وفنني هذا تسننامح مننا‪ ،‬والعرف فنني دللة هذيننن اللفظيننن أن البر يتناول الواجننب‬
‫والمندوب إلينه‪ ،‬والتقوى رعاينة الواجنب‪ ،‬فإن جعنل أحدهمنا بدل الخنر فبتجوز‪ .‬وقال الماوردي‪:‬‬
‫ندب ال سنبحانه إلى التعاون بالبر وقرننه بالتقوى له؛ لن فنني التقوى رضنا ال تعالى‪ ،‬وفني البر‬
‫رضنا الناس‪ ،‬ومنن جمنع بينن رضنا ال تعالى ورضنا الناس فقند تمنت سنعادته وعمنت نعمتنه‪ .‬وقال‬
‫ابننن خويننز منداد فنني أحكامننه‪ :‬والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه؛ فواجننب على العالم أن‬
‫يعيننن الناس بعلمننه فيعلمهننم‪ ،‬ويعينهننم الغننني بماله‪ ،‬والشجاع بشجاعتننه فنني سننبيل ال‪ ،‬وأن يكون‬
‫المسنلمون متظاهرينن كاليند الواحدة (المؤمنون تتكافنأ دماؤهنم ويسنعى بذمتهنم أدناهنم وهنم يند على‬
‫منن سنواهم)‪ .‬ويجنب العراض عنن المتعدي وترك النصنرة له ورده عمنا هنو علينه‪ .‬ثنم نهنى فقال‪:‬‬
‫"ول تعاونوا على الثنم والعدوان" وهنو الحكنم اللحنق عنن الجرائم‪ ،‬وعنن "العدوان" وهنو ظلم‬
‫الناس‪ .‬ثم أمر بالتقوى وتوعد توعدا مجمل فقال‪" :‬واتقوا ال إن ال شديد العقاب"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليننة‪{ 3 :‬حرمننت عليكننم الميتننة والدم ولحننم الخنزيننر ومننا أهننل لغيننر ال بننه والمنخنقننة‬
‫والموقوذة والمتردينة والنطيحنة ومنا أكنل السنبع إل منا ذكيتنم ومنا ذبنح على النصنب وأن تسنتقسموا‬
‫بالزلم ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فل تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم‬
‫وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لثم فإن‬
‫ال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حرمنت عليكنم الميتنة والدم ولحنم الخنزينر ومنا أهنل لغينر ال بنه" تقدم القول فينه‬
‫كامل في البقرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والمنخنقة" هي التي تموت خنقا‪ ،‬وهو حبس النفس سواء فعل بها ذلك آدمي أو‬
‫أتفنق لهنا ذلك فني حبنل أو بينن عودينن أو نحوه‪ .‬وذكنر قتادة‪ :‬أن أهنل الجاهلينة كانوا يخنقون الشاة‬
‫وغيرها فإذا ماتت أكلوها؛ وذكر نحوه ابن عباس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والموقوذة" الموقوذة هي التي ترمى أو تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من‬
‫غينر تذكينة؛ عنن ابنن عباس والحسنن وقتادة والضحاك والسندي؛ يقال مننه‪ :‬وقذه يقذه وقذا وهنو‬
‫وقيذ‪ .‬والوقذ شدة الضرب‪ ،‬وفلن وقيذ أي مثخن ضربا‪ .‬قال قتادة‪ :‬كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك‬
‫ويأكلوننه‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬كانوا يضربون النعام بالخشنب للهتهنم حتنى يقتلوهنا فيأكلوهنا‪ ،‬ومننه‬
‫المقتولة بقوس البندق‪ .‬وقال الفرزدق‪:‬‬
‫فطارة لقوادم البكار‬ ‫شغارة تقذ الفصيل برجلها‬
‫وفنني صننحيح مسننلم عننن عدي بننن حاتننم قال‪ :‬قلت يننا رسننول ال فإننني أرمنني بالمعراض الصننيد‬
‫فأصيب؛ فقال‪( :‬إذا رميت بالمعراض فخزق فكله وإن أصابه بعرضه فل تأكله) وفي رواية (فإنه‬
‫وقينذ)‪ .‬قال أبنو عمنر‪ :‬اختلف العلماء قديمنا وحديثنا فني الصنيد بالبندق والحجنر والمعراض؛ فمنن‬
‫ذهب إلى أنه وقيذ لم يجزه إل ما أدرك ذكاته؛ على ما روي عن ابن عمر‪ ،‬وهو قول مالك وأبي‬
‫حنيفنة وأصنحابه والثوري والشافعني‪ .‬وخالفهنم الشاميون فني ذلك؛ قال الوزاعني فني المعراض؛‬
‫كله خزق أو لم يخزق؛ فقند كان أبنو الدرداء وفضالة بنن عبيند وعبدال بنن عمنر ومكحول ل يرون‬
‫بنه بأسنا؛ قال أبنو عمنر‪ :‬هكذا ذكنر الوزاعني عنن عبدال بنن عمنر‪ ،‬والمعروف عنن ابنن عمنر منا‬
‫ذكره مالك عنن نافنع عننه‪ .‬والصنل فني هذا الباب والذي علينه العمنل وفينه الحجنة لمنن لجنأ إلينه‬
‫حديث عدي بن حاتم وفيه (وما أصاب بعرضه فل تأكله فإنما هو وقيذ)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والمتردية" المتردية هي التي تتردى من العلو إلى السفل فتموت؛ كان ذلك من‬
‫جبننل أو فنني بئر ونحوه؛ وهنني متفعلة مننن الردى وهننو الهلك؛ وسننواء تردت بنفسننها أو رداهننا‬
‫غيرهننا‪ .‬وإذا أصنناب السننهم الصننيد فتردى مننن جبننل إلى الرض حرم أيضننا؛ لنننه ربمننا مات‬
‫بالصندمة والتردي ل بالسنهم؛ ومننه الحدينث (وإن وجدتنه غريقنا فني الماء فل تأكله فإننك ل تدري‬
‫الماء قتله أو سهمك) أخرجه مسلم‪ .‬وكانت الجاهلية تأكل المتردي ولم تكن تعتقد ميتة إل ما مات‬
‫بالوجنع ونحوه دون سنبب يعرف؛ فأمنا هذه السنباب فكاننت عندهنا كالذكاة؛ فحصنر الشرع الذكاة‬
‫في صفة مخصوصة على ما يأتي بيانها‪ ،‬وبقيت هذه كلها ميتة‪ ،‬وهذا كله من المحكم المتفق عليه‪.‬‬
‫وكذلك النطيحة وأكيلة السبع التي فات نفسها بالنطح والكل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والنطيحة" النطيحة فعيلة بمعنى مفعولة‪ ،‬وهي الشاة تنطحها أخرى أو غير ذلك‬
‫فتموت قبننل أن تذكننى‪ .‬وتأول قوم النطيحننة بمعنننى الناطحننة؛ لن الشاتيننن قنند تتناطحان فتموتان‪.‬‬
‫وقينل‪ :‬نطيحنة ولم يقنل نطينح‪ ،‬وحنق فعينل ل يذكنر فينه الهاء كمنا يقال‪ :‬كنف خضينب ولحينة دهينن؛‬
‫لكنن ذكر الهاء ههنا لن الهاء إنما تحذف من الفعيلة إذا كانت صفة لموصوف منطوق به؛ يقال‪:‬‬
‫شاة نطيننح وامرأة قتيننل‪ ،‬فإن لم تذكننر الموصننوف أثبننت الهاء فتقول‪ :‬رأيننت قتيلة بننني فلن وهذه‬
‫نطيحة الغنم؛ لنك لو لم تذكر الهاء فقلت‪ :‬رأيت قتيل بني فلن لم يعرف أرجل هو أم امرأة‪ .‬وقرأ‬
‫أبو ميسرة "والمنطوحة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أكل السبع" يرد كل ما أفترسه ذو ناب وأظفار من الحيوان‪ ،‬كالسد والنمر‬
‫والثعلب والذئب والضبنع ونحوهنا‪ ،‬هذه كلهنا سنباع‪ .‬يقال‪ :‬سنبع فلن فلننا أي عضنه بسننه‪ ،‬وسنبعه‬
‫أي عابه ووقع فيه‪ .‬وفي الكلم إضمار‪ ،‬أي وما أكل منه السبع؛ لن ما أكله السبع فقد فني‪ .‬ومن‬
‫العرب من يوقف اسم السبع على السد‪ ،‬وكانت العرب إذا أخذ السبع شاة ثم خلصت منه أكلوها‪،‬‬
‫وكذلك إن أكل بعضها؛ قاله قتادة وغيره وقرأ الحسن وأبو حيوة "السبع" بسكون الباء‪ ،‬وهي لغة‬
‫لهل نجد‪ .‬وقال حسان في عتبة بن أبي لهب‪:‬‬
‫فما أكيل السبع بالراجع‬ ‫من يرجع العام إلى أهله‬
‫ل السبُع"‪.‬‬
‫سبُع" وقرأ عبدال بن عباس‪" :‬وأكي ِ‬ ‫وقرأ ابن مسعود‪" :‬وأكيلة ال ّ‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل ما ذكيتم" نصب على الستثناء المتصل‪ ،‬عند الجمهور من العلماء والفقهاء‪.‬‬
‫وهنو راجنع على كنل منا أدرك ذكاتنه منن المذكورات وفينه حياة؛ فإن الذكاة عاملة فينه؛ لن حنق‬
‫السنتثناء أن يكون مصنروفا إلى منا تقدم منن الكلم‪ ،‬ول يجعنل منقطعنا إل بدلينل يجنب التسنليم له‪.‬‬
‫روى ابنن عييننة وشرينك وجرينر عنن الركينن بنن الربينع عنن أبني طلحنة السندي قال‪ :‬سنألت ابنن‬
‫عباس عن ذئب عدا على شاة فشق بطنها حتى انتثر قصبها فأدركت ذكاتها فذكيتها فقال‪ :‬كل وما‬
‫انتثنر منن قصنبها فل تأكنل‪ .‬قال إسنحاق بنن راهوينه‪ :‬السننة فني الشاة على منا وصنف ابنن عباس؛‬
‫فإنها وإن خرجت مصارينها فإنها حية بعد‪ ،‬وموضع الذكاة منها سالم؛ وإنما ينظر عند الذبح أحية‬
‫هني أم ميتنة‪ ،‬ول ينظر إلى فعنل هنل يعيش مثلها ؟ فكذلك المريضة؛ قال إسنحاق‪ :‬ومن خالف هذا‬
‫فقد خالف السنة من جمهور الصحابة وعامة العلماء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإليه ذهب ابن حبيب وذكر عن أصحاب مالك؛ وهو قول ابن وهب والشهر من مذهب‬
‫الشافعي‪ .‬قال المزني‪ :‬وأحفظ للشافعي قول آخر أنها ل تؤكل إذا بلغ منها السبع أو التردي إلى ما‬
‫ل حياة معه؛ وهو قول المدنيين‪ ،‬والمشهور من قول مالك‪ ،‬وهو الذي ذكره عبدالوهاب في تلقينه‪،‬‬
‫وروي عن زيد بن ثابت؛ ذكره مالك في موطئه‪ ،‬وإليه ذهب إسماعيل القاضي وجماعة المالكيين‬
‫البغداديينن‪ .‬والسنتثناء على هذا القول منقطنع؛ أي حرمنت عليكنم هذه الشياء لكنن منا ذكيتنم فهنو‬
‫الذي لم يحرم‪ .‬قال ابنن العربني‪ :‬اختلف قول مالك فني هذه الشياء؛ فروي عننه أننه ل يؤكنل إل منا‬
‫ذكي بذكاة صحيحة؛ والذي في الموطأ أنه إن كان ذبحها ونفسها يجري‪ ،‬وهي تضطرب فليأكل؛‬
‫وهنو الصنحيح منن قوله الذي كتبنه بيده وقرأه على الناس منن كنل بلد طول عمره؛ فهنو أولى منن‬
‫الروايات النادرة‪ .‬وقند أطلق علماؤننا على المريضنة أن المذهنب جواز تذكيتهنا ولو أشرفنت على‬
‫الموت إذا كاننت فيهنا بقينة حياة؛ ولينت شعري أي فرق بينن بقينة حياة منن مرض‪ ،‬وبقينة حياة منن‬
‫سبع لو أتسق النظر‪ ،‬وسلمت من الشبهة الفكر !‪ .‬وقال أبو عمرو‪ :‬قد أجمعوا في المريضة التي ل‬
‫ترجنى حياتهنا أن ذبحهنا ذكاة لهنا إذا كاننت فيهنا الحياة فني حينن ذبحهنا‪ ،‬وعلم ذلك منهنا بمنا ذكروا‬
‫مننن حركننة يدهننا أو رجلهننا أو ذنبهننا أو نحننو ذلك؛ وأجمعوا أنهننا إذا صننارت فنني حال النزع ولم‬
‫تحرك يدا ول رجل أننه ل ذكاة فيهنا؛ وكذلك ينبغني فني القياس أن يكون حكنم المتردينة ومنا ذكنر‬
‫معها في الية‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذكيتنم" الذكاة فني كلم العرب الذبنح؛ قاله قطرب‪ .‬وقال ابنن سنيده فني "المحكنم]‬
‫والعرب تقول (ذكاة الجنين ذكاة أمه)؛ قال ابن عطية‪ :‬وهذا إنما هو حديث‪ .‬وذكى الحيوان ذبحه؛‬
‫ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫يذكيها السل‬
‫قلت‪ :‬الحديننث الذي أشار إليننه أخرجننه الدارقطننني مننن حديننث أبنني سننعيد وأبنني هريرة وعلي‬
‫وعبدال عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ذكاة الجنين ذكاة أمه)‪ .‬وبه يقول جماعة أهل العلم‪،‬‬
‫إل ما روي عن أبي حنيفة أنه قال‪ :‬إذا خرج الجنين من بطن أمه ميتا لم يحل أكله؛ لن ذكاة نفس‬
‫ل تكون ذكاة نفسين‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وفي قول النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ذكاة الجنين ذكاة أمه)‬
‫دليل على أن الجنين غير الم‪ ،‬وهو يقول‪ :‬لو أعتقت أمة حامل أن عتقه عتق أمه؛ وهذا يلزمه أن‬
‫ذكاته ذكاة أمه؛ لنه إذا أجاز أن يكون عتق واحد عتق اثنين جاز أن يكون ذكاة واحد ذكاة اثنين؛‬
‫على أن الخنبر عنن الننبي صنلى ال علينه وسننلم‪ ،‬ومننا جاء عنن أصنحابه‪ ،‬ومنا علينه جننل الناس‬
‫مسنتغنى بنه عنن قول كنل قائل‪ .‬وأجمنع أهنل العلم على أن الجنينن إذا خرج حينا أن ذكاة أمنه ليسنت‬
‫بذكاة له‪ ،‬واختلفوا إذا ذكيت الم وفي بطنها جنين؛ فقال مالك وجميع أصحابه‪ :‬ذكاته ذكاة أمه إذا‬
‫كان قد تم خلقه ونبت شعره‪ ،‬وذلك إذا خرج ميتا أو خرج به رمق من الحياة‪ ،‬غير أنه يستحب أن‬
‫يذبنح إن خرج يتحرك‪ ،‬فإن سنبقهم بنفسنه أكنل‪ .‬وقال ابنن القاسنم‪ :‬ضحينت بنعجنة فلمنا ذبحتهنا جعنل‬
‫يركنض ولدهنا فني بطنهنا فأمرتهنم أن يتركوهنا حتنى يموت فني بطنهنا‪ ،‬ثنم أمرتهنم فشقوا جوفهنا‬
‫فأخرج مننه فذبحتنه فسنال مننه دم؛ فأمرت أهلي أن يشووه‪ .‬وقال عبدال بنن كعنب بنن مالك‪ .‬كان‬
‫أصننحاب رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم يقولون‪ :‬إذا أشعننر الجنيننن فذكاتننه ذكاة أمننه‪ .‬قال ابننن‬
‫المنذر‪ :‬وممنن قال ذكاتنه ذكاة أمنه ولم يذكنر أشعنر أو لم يشعنر علي بنن أبني طالب رضني ال عننه‬
‫وسعيد بن المسيب والشافعي وأحمد وإسحاق‪ .‬قال القاضي أبو الوليد الباجي‪ :‬وقد روي عن النبي‬
‫صنلى ال علينه وسنلم أننه قال‪( :‬ذكاة الجنينن ذكاة أمنه أشعنر أو لم يشعنر" إل أننه حدينث ضعينف؛‬
‫فمذهب مالك هو الصحيح من القوال الذي عليه عامة فقهاء المصار‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذكيتم" الذكاة في اللغة أصلها التمام‪ ،‬ومنه تمام السن‪ .‬والفرس المذكى الذي يأتي‬
‫بعننند تمام القروح بسننننة‪ ،‬وذلك تمام اسنننتكمال القوة‪ .‬ويقال‪ :‬ذكنننى يذكننني‪ ،‬والعرب تقول‪ :‬جري‬
‫المذكيات غلب‪ .‬والذكاء حدة القلب؛ وقال الشاعر‪:‬‬
‫تمام السن منه والذكاء‬ ‫يفضله إذا اجتهدوا عليه‬
‫والذكاء سنرعة الفطننة‪ ،‬والفعنل مننه ذكني يذكنى ذكنا‪ ،‬والذكوة منا تذكنو بنه النار‪ ،‬وأذكينت الحرب‬
‫والنار أو قدتهمننا‪ .‬وذكاء اسننم الشمننس؛ وذلك أنهننا تذكننو كالنار‪ ،‬والصننحيح ابننن ذكاء لنننه مننن‬
‫ضوئها‪ .‬فمعنى "ذكيتم" أدركتم ذكاته على التمام‪ .‬ذكيت الذبيحة أذكيها مشتقة من التطيب؛ يقال‪:‬‬
‫رائحة ذكية؛ فالحيوان إذا أسيل دمه فقد طيب‪ ،‬لنه يتسارع إليه التجفيف؛ وفي حديث محمد بن‬
‫علي رضني ال عنهمنا "ذكاة الرض يبسنها" يريند طهارتهنا منن النجاسنة؛ فالذكاة فني الذبيحنة لهنا‪،‬‬
‫وإباحنة لكلهنا فجعنل يبنس الرض بعند النجاسنة تطهيرا لهنا وإباحنة الصنلة فيهننا بمنزلة الذكاة‬
‫للذبيحنة؛ وهنو قول أهنل العراق‪ .‬وإذا تقرر هذا فأعلم أنهنا فني الشرع عبارة عنن إنهار الدم وفري‬
‫الوداج في المذبوح‪ ،‬والنحر في المنحور والعقر في غير المقدور‪ ،‬مقرونا بنية القصد ل وذكره‬
‫عليه؛ على ما يأتي بيانه‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فيما يقع به الذكاة؛ فالذي عليه الجمهور من العلماء أن كل ما أفرى الوداج‬
‫وأنهننر الدم فهننو مننن آلت الذكاة مننا خل السننن والعظننم؛ على هذا تواترت الثار‪ ،‬وقال بننه فقهاء‬
‫المصنار‪ .‬والسنن والظفنر المنهني عنهمنا فني التذكينة همنا غينر المنزوعينن؛ لن ذلك يصنير خنقنا؛‬
‫وكذلك قال ابنن عباس‪ :‬ذلك الخننق؛ فأمنا المنزوعان فإذا فرينا الوداج فجائز الذكاة بهمنا عندهنم‪.‬‬
‫وقنند كره قوم السننن والظفننر والعظننم على كننل حال؛ منزوعننة أو غيننر منزوعننة؛ منهننم إبراهيننم‬
‫والحسن والليث بن سعد‪ ،‬وروي عن الشافعي؛ وحجتهم ظاهر حديث رافع بن خديج قال‪ :‬قلت يا‬
‫رسنول ال إننا لقنو العدو غدا وليسنت معننا مدى ‪ -‬فني رواينة ‪ -‬فنذكني باللينط ؟‪ .‬وفني موطنأ مالك‬
‫عنن نافنع عنن رجنل منن النصنار عنن معاذ بنن سنعد أو سنعد بنن معاذ‪ :‬أن جارينة لكعنب بنن مالك‬
‫كاننت ترعنى غنمنا له بسنلع فأصنيبت شاة منهنا فأدركتهنا فذكتهنا بحجنر‪ ،‬فسنئل رسنول ال صنلى ال‬
‫علينه وسنلم عنن ذلك فقال‪( :‬ل بأس بهنا وكلوهنا)‪ .‬وفني مصننف أبني داود‪ :‬أنذبنح بالمروة وشقنة‬
‫العصا ؟ قال‪( :‬أعجل وأرن ما أنهر الدم وذكر اسم ال عليه فكل ليس السن والظفر وسأحدثك أما‬
‫السنن فعظنم وأمنا الظفنر فمدى الحبشنة) الحدينث أخرجنه مسنلم‪ .‬وروي عنن سنعيد بنن المسنيب أننه‬
‫قال‪ :‬منا ذبنح بالليطنة والشطينر والظرر فحنل ذكني‪ .‬الليطنة فلقنة القصنبة ويمكنن بهنا الذبنح والنحنر‪.‬‬
‫والشطير فلقة العود‪ ،‬وقد يمكن بها الذبح لن لها جانبا دقيقا‪ .‬والظرر فلقة الحجر يمكن الذكاة بها‬
‫ول يمكن النحر؛ وعكسه الشظاظ ينحر به‪ ،‬لنه كطرف السنان ول يمكن به الذبح‪.‬‬
‫@ قال مالك وجماعنة‪ :‬ل تصنح الذكاة إل بقطنع الحلقوم والودجينن‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬يصنح بقطنع‬
‫الحلقوم والمريننء ول يحتاج إلى الودجيننن؛ لنهمننا مجرى الطعام والشراب الذي ل يكون معهمننا‬
‫حياة‪ ،‬وهننو الغرض مننن الموت‪ .‬ومالك وغيره اعتننبروا الموت على وجننه يطيننب معننه اللحننم‪،‬‬
‫ويفترق فينه الحلل ‪ -‬وهنو اللحنم ‪ -‬منن الحرام الذي يخرج بقطنع الوداج وهنو مذهنب أبني حنيفنة؛‬
‫وعليه يدل حديث رافع بن خديج في قوله‪( :‬ما أنهر الدم)‪ .‬وحكى البغداديون عن مالك أنه يشترط‬
‫قطنع أربنع‪ :‬الحلقوم والودجينن والمرينء؛ وهنو قول أبني ثور‪ ،‬والمشهور منا تقدم وهنو قول اللينث‪.‬‬
‫ثم اختلف أصحابنا في قطع أحد الودجين والحلقوم هل هو ذكاة أم ل ؟ على قولين‪.‬‬
‫@ وأجمع العلماء على أن الذبح مهما كان في الحلق تحت الغلصمة فقد تمت الذكاة؛ واختلف فيما‬
‫إذا ذبننح فوقهننا وجازهننا إلى البدن هننل ذلك ذكاة أم ل‪ ،‬على قوليننن‪ :‬وقنند روي عننن مالك أنهننا ل‬
‫تؤكنل؛ وكذلك لو ذبحهنا منن القفنا واسنتوفى القطنع وأنهنر الدم وقطنع الحلقوم والودجينن لم تؤكنل‪.‬‬
‫وقال الشافعني‪ :‬تؤكنل؛ لن المقصنود قند حصنل‪ .‬وهذا ينبنني على أصنل‪ ،‬وهنو أن الذكاة وإن كان‬
‫المقصنود منهنا إنهار الدم ففيهنا ضرب منن التعبند؛ وقند ذبنح صنلى ال علينه وسنلم فني الحلق ونحنر‬
‫في اللبة وقال‪( :‬إنما الذكاة في الحلق واللبة) فبين محلها وعين موضعها‪ ،‬وقال مبينا لفائدتها‪( :‬ما‬
‫أنهر الدم وذكر اسم ال عليه فكل)‪ .‬فإذا أهمل ذلك ولم تقع بنية ول بشرط ول بصفة مخصوصة‬
‫زال منها حظ التعبد‪ ،‬فلم تؤكل لذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلفوا فيمن رفع يده قبل تمام الذكاة ثم رجع في الفور وأكمل الذكاة؛ فقيل‪ :‬يجزئه‪ .‬وقيل‪ :‬ل‬
‫يجزئه؛ والول أصح لنه جرحها ثم ذكاها بعد وحياتها مستجمعة فيها‪.‬‬
‫ويستحب إل يذبنح إل من ترضنى حاله‪ ،‬وكنل من أطاقه وجاء به على سنته منن ذكر أو أنثنى بالغ‬
‫أو غينر بالغ جاز ذبحنه إذا كان مسنلما أو كتابينا‪ ،‬وذبنح المسنلم أفضنل منن ذبنح الكتابني‪ ،‬ول يذبنح‬
‫نسنكا إل مسلم؛ فإن ذبنح النسك كتابني فقند اختلف فينه؛ ول يجوز فني تحصنيل المذهب‪ ،‬وقند أجازه‬
‫أشهب‪.‬‬
‫@ ومنا اسنتوحش منن النسني لم يجنز فني ذكاتنه إل منا يجوز فني ذكاة النسني‪ ،‬فني قول مالك‬
‫وأصحابه وربيعة والليث بن سعد؛ وكذلك المتردي في البئر ل تكون الذكاة فيه إل فيما بين الحلق‬
‫واللبنة على سننة الذكاة‪ .‬وقند خالف فني هاتينن المسنألتين بعنض أهنل المديننة وغيرهنم؛ وفني الباب‬
‫حديث رافع بن خديج وقد تقدم‪ ،‬وتمامه بعد قوله‪( :‬فمدى الحبشة) قال‪ :‬وأصبنا نهب إبل وغنم فند‬
‫منهنا بعينر فرماه رجنل بسنهم فحبسنه؛ فقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬إن لهذه البنل أوابند‬
‫كأوابند الوحنش فإذا غلبكنم منهنا شينء فافعلوا بنه هكذا ‪ -‬وفني رواينة ‪ -‬فكلوه)‪ .‬وبنه قال أبنو حنيفنة‬
‫والشافعني؛ قال الشافعني‪ :‬تسنليط الننبي صنلى ال علينه وسنلم على هذا الفعنل دلينل على أننه ذكاة؛‬
‫واحتنج بمنا رواه أبنو داود والترمذي عنن أبني الشعراء عنن أبينه قال‪ :‬قلت ينا رسنول ال أمنا تكون‬
‫الذكاة إل فني الحلق واللبنة ؟ قال‪( :‬لو طعننت فني فخذهنا لجزأ عننك)‪ .‬قال يزيند بنن هارون‪ :‬وهنو‬
‫حديث صحيح أعجب أحمد بن حنبل ورواه عن أبي داود‪ ،‬وأشار على من دخل عليه من الحفاظ‬
‫أن يكتبنه‪ .‬قال أبنو داود‪ :‬ل يصنلح هذا إل فني المتردينة والمسنتوحش‪ .‬وقند حمنل ابنن حنبيب هذا‬
‫الحديث على ما سقط في مهواة فل يوصل إلى ذكاته إل بالطعن في غير موضع الذكاة؛ وهو قول‬
‫أنفرد بنه عنن مالك وأصنحابه‪ .‬قال أبنو عمنر‪ :‬قول الشافعني أظهنر فني أهنل العلم‪ ،‬وأننه يؤكنل بمنا‬
‫يؤكنل بنه الوحشني؛ لحدينث رافنع بنن خدينج؛ وهنو قول ابنن عباس وابنن مسنعود؛ ومنن جهنة القياس‬
‫لمنا كان الوحشني إذا قدر علينه لم يحنل إل بمنا يحنل بنه النسني؛ لننه صنار مقدورا علينه؛ فكذلك‬
‫ينبغي في القياس إذا توحش أو صار في معنى الوحشي من المتناع أن يحل بما يحل به الوحشي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أجاب علماؤنا عن حديث رافع بن خديج بأن قالوا‪ :‬تسليط النبي صلى ال عليه وسلم إنما‬
‫هنو على حبسنه ل على ذكاتنه‪ ،‬وهنو مقتضنى الحدينث وظاهره؛ لقوله‪( :‬فحبسنه) ولم يقنل إن السنهم‬
‫قتله؛ وأيضننا فإنننه مقدور عليننه فنني غالب الحوال فل يراعننى النادر منننه‪ ،‬وإنمننا يكون ذلك فنني‬
‫الصيد‪ .‬وقد صرح الحديث بأن السهم حبسه وبعد أن صار محبوسا صار مقدورا عليه؛ فل يؤكل‬
‫إل بالذبنح والنحنر‪ .‬وال أعلم‪ .‬وأمنا حدينث أبني العشراء فقند قال فينه الترمذي‪" :‬حدينث غرينب ل‬
‫نعرفه إل من حديث حماد بن سلمة‪ ،‬ول نعرف لبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث‪ .‬واختلفوا‬
‫فني اسنم أبني الشعراء؛ فقال بعضهنم‪ :‬اسنمه أسنامة بنن قهطنم‪ ،‬ويقال‪ :‬اسنمه يسنار بنن برز ‪ -‬ويقال‪:‬‬
‫بلز ‪ -‬ويقال‪ :‬اسمه عطارد نسب إلى جده"‪ .‬فهذا سند مجهول ل حجة فيه؛ ولو سلمت صحته كما‬
‫قال يزينند بننن هارون لمننا كان فيننه حجننة؛ إذ مقتضاه جواز الذكاة فنني أي عضننو كان مطلقننا فنني‬
‫المقدور وغيره‪ ،‬ول قائل به في المقدور؛ فظاهره ليس بمراد قطعا‪ .‬وتأويل أبي داود وابن حجيب‬
‫له غير متفق عليه؛ فل يكون فيه حجة‪ ،‬وال أعلم‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وحجة مالك أنهم قد أجمعوا أنه‬
‫لو لم يند النسي أنه ل يذكى إل بما يذكى به المقدور عليه‪ ،‬ثم اختلفوا فهو على أصله حتى يتفقوا‪.‬‬
‫وهذا ل حجة فيه؛ لن إجماعهم إنما انعقد على مقدور عليه‪ ،‬وهذا غير مقدور عليه‪.‬‬
‫@ ومن تمام هذا الباب قوله عليه السلم‪( :‬إن ال كتب الحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا‬
‫القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا وليحد وأحدكم شفرته وليرح ذبيحته) رواه مسلم عن شداد بن أوس قال‪:‬‬
‫اثنتان حفظتهمننا عننن رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم قال‪( :‬إن ال كتننب) فذكره‪ .‬قال علماؤنننا‪:‬‬
‫إحسنان الذبنح فني البهائم الرفنق بهنا؛ فل يصنرعها بعننف ول يجرهنا منن موضنع إلى آخنر‪ ،‬وإحداد‬
‫اللة‪ ،‬وإحضار نيننة الباحننة والقربننة وتوجيههننا إلى القبلة‪ ،‬والجهاز‪ ،‬وقطننع الودجيننن والحلقوم‪،‬‬
‫وإراحتها وتركها إلى أن تبرد‪ ،‬والعتراف ل بالمنة‪ ،‬والشكر له بالنعمة؛ بأنه سخر لنا ما لو شاء‬
‫لسنلطه عليننا‪ ،‬وأباح لننا منا لو شاء لحرمنه عليننا‪ .‬وقال ربيعنة‪ :‬منن إحسنان الذبنح إل يذبنح بهيمنة‬
‫وأخرى تنظنر إليهنا؛ وحكني جوازه عن مالك؛ والول أحسنن‪ .‬وأمنا حسنن القتلة فعام فني كنل شينء‬
‫منن التذكينة والقصناص والحدود وغيرهنا‪ .‬وقند روى أبنو داود عنن ابنن عباس وأبني هريرة قال‪:‬‬
‫نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن شريطة الشيطان‪ ،‬زاد ابن عيسى في حديثه (وهي التي‬
‫تذبح فتقطع ول تفرى الوداج ثم تترك فتموت)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنا ذبنح على النصنب" قال ابنن فارس‪" :‬النصنب" حجنر كان ينصنب فيعبند‬
‫وتصننب عليننه دماء الذبائح‪ ،‬وهننو النصننب أيضننا‪ .‬والنصننائب حجارة تنصننب حوالي شفيننر البئر‬
‫فتجعنل عضائد‪ ،‬وغبار منتصنب مرتفنع‪ .‬وقينل‪" :‬النصنب" جمنع‪ ،‬واحده نصناب كحمار وحمنر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو اسم مفرد والجمع أنصاب؛ وكانت ثلثمائة وستين حجرا‪ .‬وقرأ طلحة "النصب" بجزم‬
‫الصناد‪ .‬وروي عنن ابنن عمنر "النصنب" بفتنح النون وجزم الصناد‪ .‬الجحدري‪ :‬بفتنح النون والصناد‬
‫جعله اسما موحدا كالجبل والجمل‪ ،‬والجمع أنصاب؛ كالجمال والجبال‪ .‬قال مجاهد‪ :‬هي حجارة‬
‫كاننت حوالي مكنة يذبحون عليهنا‪ .‬قال ابنن جرينج‪ :‬كاننت العرب تذبنح بمكنة وتنضنح بالدم منا أقبنل‬
‫من البيت‪ ،‬ويشرحون اللحم ويضعونه على الحجارة؛ فلما جاء السلم قال المسلمون للنبي صلى‬
‫ال علينه وسنلم‪ :‬نحنن أحنق أن نعظنم هذا البينت بهذه الفعال‪ ،‬فكأننه علينه الصنلة والسنلم لم يكره‬
‫ذلك؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬لن ينال ال لحومهنا ول دماؤهنا" [الحنج‪ ]37 :‬ونزلت "ومنا ذبنح على‬
‫النصب" المعنى‪ :‬والنية فيها تعظيم النصب ل أن الذبح عليها غير جائز‪ ،‬وقال العشى‪:‬‬
‫لعافية وال ربك فاعبدا‬ ‫وذا النصب المنصوب ل تنسكنه‬
‫وقيل‪" :‬على" بمعنى اللم؛ أي لجلها؛ قال قطرب قال ابن زيد‪ :‬ما ذبح على النصب وما أهل به‬
‫لغير ال شيء واحد‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬ما ذبح على النصب جزء مما أهل به لغير ال‪ ،‬ولكن خص‬
‫بالذكر بعد جنسه لشهرة المر وتشرف الموضع وتعظيم النفوس له‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأن تستقسموا بالزلم" معطوف على ما قبله‪ ،‬و"أن" في محل رفع‪ ،‬أي وحم‬
‫عليكم الستقسام‪ .‬والزلم قداح الميسر‪ ،‬واحدها زلم وزلم؛ قال‪:‬‬
‫بات يقاسيها غلم كالزلم‬
‫وقال آخر‪ ،‬فجمع‪:‬‬
‫فنساؤها يضربن بالزلم‬ ‫فلئن جذيمة قتلت سرواتها‬
‫وذكنر محمند بنن جرينر‪ :‬أن ابنن وكينع حدثهنم عنن أبينه عنن شرينك عنن أبني حصنين عنن سنعيد بنن‬
‫جنبير أن الزلم حصنى بينض كانوا يضربون بهنا‪ .‬قال محمند بنن جرينر‪ :‬قال لننا سنفيان بنن وكينع‪:‬‬
‫هي الشطرنج‪ .‬فأما قول لبيد‪:‬‬
‫تزل عن الثرى أزلمها‬
‫فقالوا‪ :‬أراد أظلف البقرة الوحشينة‪ .‬والزلم العرب ثلثنة أنواع‪ :‬منهنا الثلثنة التني كان يتخذهنا‬
‫كنل إنسنان لنفسنه‪ ،‬على أحدهنا أفعنل‪ ،‬وعلى الثانني ل تفعنل‪ ،‬والثالث مهمنل ل شينء علينه‪ ،‬فيجعلهنا‬
‫فني خريطنة معنه‪ ،‬فإذا أراد فعنل شينء أدخنل يده ‪ -‬وهني متشابهنة ‪ -‬فإذا خرج أحدهنا ائتمنر وانتهنى‬
‫بحسب ما يخرج له‪ ،‬وإن خرج القدح الذي ل شيء عليه أعاد الضرب؛ وهذه هي التي ضرب بها‬
‫سراقة بن مالك بن جعشم حين أتبع النبي صلى ال عليه وسلم وأبا بكر وقت الهجرة؛ وإنما قيل‬
‫لهذا الفعننل‪ :‬اسننتقسام لنهننم كانوا يسننتقسمون بننه الرزق ومننا يريدون؛ كمننا يقال‪ :‬السننتسقاء فنني‬
‫السننتدعاء للسننقي‪ .‬ونظيننر هذا الذي حرمننه ال تعالى قول المنجننم‪ :‬ل تخرج مننن أجننل نجننم كذا‪،‬‬
‫وأخرج من أجل نجم كذا‪ .‬وقال جل وعز‪" :‬وما تدري نفس ماذا تكسب غدا" الية [لقمان‪.]34 :‬‬
‫وسيأتي بيان هذا مستوفى إن شاء ال‪.‬‬
‫والنوع الثانني‪ :‬سنبعة قداح كاننت عنند هبنل فني جوف الكعبنة مكتوب عليهنا منا يدور بينن الناس‬
‫منن النوازل‪ ،‬كنل قدح منهنا فينه كتاب؛ قدح فينه العقنل منن أم الديات‪ ،‬وفني آخنر "منكنم" وفني آخنر‬
‫"من غيركم"‪ ،‬وفي آخر "ملصق"‪ ،‬وفي سائرها أحكام المياه وغير ذلك‪ ،‬وهي التي ضرب بها‬
‫عبدالمطلب على بنينه إذ كان نذر نحنر أحدهنم إذا كملوا عشرة؛ الخنبر المشهور ذكره ابنن إسنحاق‪.‬‬
‫وهذه السبعة أيضا كانت عند كل كاهن من كهان العرب وحكامهم؛ على نحو ما كانت في الكعبة‬
‫عند هبل‪.‬‬
‫والنوع الثالث‪ :‬هنو قداح المسنير وهني عشرة؛ سنبعة منهنا فيهنا حظوظ‪ ،‬وثلثنة أغفال‪ ،‬وكانوا‬
‫يضربون بهنا مقام لهوا ولعبننا‪ ،‬وكان عقلؤهننم يقصنندون بهننا إطعام المسنناكين والمعدم فنني زمننن‬
‫الشتاء وكلب البرد وتعذر التحرف‪ .‬وقال مجاهند‪ :‬الزلم هني كعاب فارس والروم التني يتقامرون‬
‫بهنا‪ .‬وقال سنفيان ووكينع‪ :‬هني الشطرننج؛ فالسنتقسام بهذا كله هنو طلب القسنم والنصنيب كمنا بيننا؛‬
‫وهو من أكنل المال بالباطنل‪ ،‬وهو حرام‪ ،‬وكل مقامرة بحمام أو بنرد أو شطرننج أو بغينر ذلك من‬
‫هذه اللعاب فهو استقسام بما هو في معنى الزلم حرام كله؛ وهو صرب من التكهن والتعرض‬
‫لدعوى علم الغينب‪ .‬قال ابنن خوينز منداد‪ :‬ولهذا نهنى أصنحابنا عنن المور التني يفعلهنا المنجمون‬
‫على الطرقات منن السنهام التني معهنم‪ ،‬ورقاع الفأل فني أشباه ذلك‪ .‬وقال الكينا الطنبري‪ :‬وإنمنا نهنى‬
‫ال عنها فيما يتعلق بأمور الغيب؛ فإنه ل تدري نفس ماذا يصيبها غدا‪ ،‬فليس للزلم في تعريف‬
‫المغيبات أثنر؛ فاسنتنبط بعنض الجاهلينن منن هذا الرد على الشافعني فني القراع بينن الممالينك فني‬
‫العتننق‪ ،‬ولم يعلم هذا الجاهننل أن الذي قاله الشافعنني بننني على الخبار الصننحيحة‪ ،‬وليننس ممننا‬
‫يعترض علينه بالنهني عنن السنتقسام بالزلم؛ فإن العتنق حكنم شرعني‪ ،‬يجوز أن يجعنل الشرع‬
‫خروج القرعنة علمنا على إثبات حكنم العتنق قطعنا للخصنومة‪ ،‬أو لمصنلحة يراهنا‪ ،‬ول يسناوي ذلك‬
‫قول القائل‪ :‬إذا فعلت كذا أو قلت كذا فذلك يدلك فني المسنتقبل على أمنر منن المور‪ ،‬فل يجوز أن‬
‫يجعنل خروج القداح علمنا على شينء يتجدد فني المسنتقبل‪ ،‬ويجوز أن يجعنل خروج القرعنة علمنا‬
‫على العتق قطعا؛ فظهر افتراق البابين‪.‬‬
‫@ وليس من هذا الباب طلب الفأل‪ ،‬وكان عليه الصلة والسلم يعجبه أن يسمع يا راشد يا نجيح؛‬
‫أخرجننه الترمذي وقال‪ :‬حديننث صننحيح غريننب؛ وإنمننا كان يعجبننه الفأل لنننه تنشرح له النفننس‬
‫وتستبشر بقضاء الحاجة وبلوغ المل؛ فيحسن الظن بال عز وجل‪ ،‬وقد قال‪( :‬أنا عند ظن عبدي‬
‫بني)‪ .‬وكان علينه السنلم يكره الطيرة؛ لنهنا منن أعمال أهنل الشرك؛ ولنهنا تجلب ظنن السنوء بال‬
‫عنز وجنل‪ .‬قال الخطابني‪ :‬الفرق بينن الفأل والطيرة أن الفأل إنمنا هنو منن طرينق حسنن الظنن بال‪،‬‬
‫والطيرة إنما هي من طريق التكال على شيء سواه‪ .‬وقال الصمعي‪ :‬سألت ابن عون عن الفأل‬
‫فقال‪ :‬هنو أن يكون مريضنا فيسنمع ينا سنالم‪ ،‬أو يكون باغينا فيسنمع ينا واجند؛ وهذا معننى حدينث‬
‫الترمذي‪ ،‬وفني صنحيح مسنلم عنن أبني هريرة قال‪ :‬سنمعت الننبي صنلى ال علينه وسنلم يقول‪( :‬ل‬
‫طيرة وخيرهننا الفأل)‪ ،‬قيننل‪ :‬يننا رسننول ال ومننا الفأل ؟ قال‪( :‬الكلمننة الصننالحة يسننمعها أحدكننم)‪.‬‬
‫وسيأتي لمعنى الطيرة مزيد بيان إن شاء ال تعالى‪ .‬روي عن أبي الدرداء رضي ال عنه أنه قال‪:‬‬
‫إنمنا العلم بالتعلم والحلم بالتحلم‪ ،‬ومنن يتحنر الخينر يعطنه‪ ،‬ومنن يتوق الشنر يوقنه‪ ،‬وثلثنة ل ينالون‬
‫الدرجات العل؛ من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر من طيرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلكنم فسنق" إشارة إلى السنتقسام بالزلم‪ .‬والفسنق الخروج‪ ،‬وقند تقدم‪ .‬وقينل‬
‫يرجع إلى جميع ما ذكر من الستحلل لجميع هذه المحرمات‪ ،‬وكل شيء منها فسق وخروج من‬
‫الحلل إلى الحرام‪ ،‬والنكفاف عننننن هذه المحرمات مننننن الوفاء بالعقود‪ ،‬إذ قال‪" :‬أوفوا بالعقود"‬
‫[المائدة‪.]1 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اليوم يئس الذينن كفروا منن دينكنم" يعنني أن ترجعوا إلى دينهنم كفارا‪ .‬قال‬
‫الضحاك‪ :‬نزلت هذه الية حين فتح مكة؛ وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم فتح مكة لثمان‬
‫بقينن منن رمضان سننة تسنع‪ ،‬ويقال‪ :‬سننة ثمان‪ ،‬ودخلهنا ونادى منادي رسنول ال صنلى ال علينه‬
‫وسلم "إل من قال ل إله إل ال فهو آمن‪ ،‬ومن وضع السلح فهو آمن‪ ،‬ومن أغلق بابه فهو آمن"‪.‬‬
‫وفنني "يئس" لغتان‪ ،‬يئس ييأس يأسننا‪ ،‬وأيننس يأيننس إياسننا وإياسننة؛ قاله النضننر بننن شميننل‪" .‬فل‬
‫تخشوهم واخشوني" أي ل تخافوهم وخافوني فإني أنا القادر على نصركم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اليوم أكملت لكنم دينكنم" وذلك أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم حينن كان بمكنة لم‬
‫تكنن إل فريضنة الصنلة وحدهنا‪ ،‬فلمنا قدم المديننة أنزل ال الحلل والحرام إلى أن حنج؛ فلمنا حنج‬
‫وكمنل الدينن نزلت هذه الينة‪" :‬اليوم أكملت لكنم دينكنم" الينة؛ على منا ننبينه‪ .‬روى الئمنة عنن‬
‫طارق بننن شهاب قال‪ :‬جاء رجننل مننن اليهود إلى عمننر فقال‪ :‬يننا أميننر المؤمنيننن آيننة فنني كتابكننم‬
‫تقرؤونها لو علينا أنزلت معشر اليهود لتخذنا ذلك اليوم عيدا؛ قال‪ :‬وأي آية ؟ قال‪" :‬اليوم أكملت‬
‫لكنم دينكنم وأتممنت عليكنم نعمتني ورضينت لكنم السنلم ديننا" فقال عمنر‪ :‬إنني لعلم اليوم الذي‬
‫أنزلت فينه والمكان الذي أنزلت فينه؛ نزلت على رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بعرفنة فني يوم‬
‫جمعنة‪ .‬لفنظ مسنلم‪ .‬وعنند النسنائي ليلة جمعنة‪ .‬وروي أنهنا لمنا نزلت فني يوم الحنج الكنبر وقرأهنا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بكى عمر؛ فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما يبكيك) ؟‬
‫فقال‪ :‬أبكانني أننا كننا فني زيادة منن دينننا فأمنا إذ كمنل فإننه لم يكمنل شينء إل نقنص‪ .‬فقال له الننبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬صدقت)‪ .‬وروى مجاهد أن هذه الية نزلت يوم فتح مكة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬القول الول أصح‪ ،‬أنها نزلت في يوم جمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع‬
‫سننة عشنر ورسنول ال صنلى ال علينه وسنلم واقنف بعرفنة على ناقتنه العضباء‪ ،‬فكاد عضند الناقنة‬
‫ينقد من ثقلها فبركت‪ .‬و"اليوم" قد يعبر بجزء منه عن جميعه‪ ،‬وكذلك عن الشهر ببعضه؛ تقول‪:‬‬
‫فعلنننا فنني شهننر كذا وكذا وفنني سنننة كذا كذا‪ ،‬ومعلوم أنننك لم تسننتوعب الشهننر ول السنننة؛ وذلك‬
‫مسنتعمل فني لسنان العرب والعجنم‪ .‬والدينن عبارة عنن الشرائع التني شرع وفتنح لننا؛ فإنهنا نزلت‬
‫نجومننا وآخننر مننا نزل منهننا هذه اليننة‪ ،‬ولم ينزل بعدهننا حكننم‪ ،‬قاله ابننن عباس والسنندي‪ .‬وقال‬
‫الجمهور‪ :‬المراد معظم الفرائض والتحليل والتحريم‪ ،‬قالوا‪ :‬وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير‪ ،‬ونزلت‬
‫آينة الربنا‪ ،‬ونزلت آينة الكللة إلى غينر ذلك‪ ،‬وإنمنا كمنل معظنم الدينن وأم الحنج‪ ،‬إذا لم يطنف معهنم‬
‫فني هذه السننة مشرك‪ ،‬ول طاف بالبينت عريان‪ ،‬ووقنف الناس كلهنم بعرفنة‪ .‬وقينل‪" :‬أكملت لكنم‬
‫دينكم" بأن أهلكت لكم عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول‪ :‬قد تم لنا ما نريد إذا كفيت‬
‫عدوك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأتممنت عليكنم نعمتني" أي بإكمال الشرائع والحكام وإظهار دينن السنلم كمنا‬
‫وعدتكم‪ ،‬إذ قلت‪" :‬ولتم نعمتني عليكنم" [البقرة‪ ]150 :‬وهي دخول مكة‪ .‬آمنين مطمئنينن وغينر‬
‫ذلك مما انتظمته هذه الملة الحنيفية إلى دخول الجنة في رحمة ال تعالى‪.‬‬
‫@ لعل قائل يقول‪ :‬قوله تعالى‪" :‬اليوم أكملت لكم دينكم" يدل على أن الدين كان غير كامل في‬
‫وقت من الوقات‪ ،‬وذلك يوجب أن يكون جميع من مات من المهاجرين والنصار والذين شهدوا‬
‫بدرا والحديبية وبايعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم البيعتين جميعا‪ ،‬وبذلوا أنفسهم ل مع عظيم‬
‫ما حل بهم من أنواع المحن ماتوا على دين ناقص‪ ،‬وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم في ذلك‬
‫كان يدعنو الناس إلى دينن ناقنص‪ ،‬ومعلوم أن النقنص عينب‪ ،‬ودينن ال تعالى قينم‪ ،‬كمنا قال تعالى‪:‬‬
‫"دينا قيما" [النعام‪ ]161 :‬فالجواب أن يقال له‪ :‬لم قلت إن كل نقص فهو عيب وما دليلك عليه ؟‬
‫ثم يقال له‪ :‬أرأيت نقصان الشهر هل كون عيبا‪ ،‬ونقصان صلة المسافر أهو عيب لها‪ ،‬ونقصان‬
‫العمر الذي أراده ال بقوله‪" :‬وما يعمر من معمر ول ينقص من عمره" [فاطر‪ ]11 :‬أهو عيب‬
‫له‪ ،‬ونقصنان أيام الحينض عنن المعهود‪ ،‬ونقصنان أيام الحمنل‪ ،‬ونقصنان المال بسنرقة أو حرينق أو‬
‫غرق إذا لم يفتقر صاحبه‪ ،‬فما أنكرت أن نقصان أجزاء الدين في الشرع قبل أن تلحق به الجزاء‬
‫الباقينة فني علم ال تعالى هذه ليسنت بشينن ول عينب‪ ،‬ومنا أنكرت أن معننى قول ال تعالى‪" :‬اليوم‬
‫أكملت لكم دينكم" يخرج على وجهين‪:‬‬
‫أحدهمنا‪ :‬أن يكون المراد بلغتنه أقصنى الحند الذي كان له عندي فيمنا قضيتنه وقدرتنه‪ ،‬وذلك ل‬
‫يوجنب أن يكون منا قبنل ذلك ناقصنا نقصنان عينب‪ ،‬لكننه يوصنف بنقصنان مقيند فيقال له‪ :‬إننه كان‬
‫ناقصا عما كان عند ال تعالى أنه ملحقه به وضامه إليه؛ كالرجل يبلغه ال مائة سنة فيقال‪ :‬أكمل‬
‫ال عمره؛ ول يجب عن ذلك أن يكون عمره حين كان ابن ستين كان ناقصا نقص قصور وخلل؛‬
‫فإن الننبي صنلى ال علينه وسنلم كان يقول‪( :‬منن عمره ال سنتين سننة فقند أعذر إلينه فني العمنر)‪.‬‬
‫ولكننه يجوز أن يوصنف بنقصنان مقيند فيقال‪ :‬كان ناقصنا عمنا كان عنند ال تعالى أننه مبلغنه إياه‬
‫ومعمره إلينه‪ .‬وقند بلغ ال بالظهنر والعصنر والعشاء أربنع ركعات؛ فلو قينل عنند ذلك أكملهنا لكان‬
‫الكلم صحيحا‪ ،‬ول يجب عن ذلك أنها كانت حين كانت ركعتين ناقصة نقص قصور وخلل؛ ولو‬
‫قينل‪ :‬كاننت ناقصنة عمنا عنند ال أننه ضامنه إليهنا وزائدة عليهنا لكان ذلك صنحيحا فهكذا‪ ،‬هذا فني‬
‫شرائع السننلم ومننا كان شرع منهننا شيئا فشيئا إلى أن أنهننى ال الديننن منتهاه الذي كان له عنده‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫والوجه الخر‪ :‬أنه أراد بقوله‪" :‬اليوم أكملت لكم دينكم" أنه وفقهم للحج الذي لم يكن بقي عليهم‬
‫من أركان الدين غيره‪ ،‬فحجوا؛ فاستجمع لهم الدين أداء لركانه وقياما بفرائضه؛ فإنه يقول عليه‬
‫السنلم‪( :‬بنني السنلم على خمنس) الحدينث‪ .‬وقند كانوا تشهدوا وصنلوا وزكوا وصناموا وجاهدوا‬
‫واعتمروا ولم يكونوا حجوا؛ فلمنا حجوا ذلك اليوم منع الننبي صنلى ال علينه وسنلم أنزل ال تعالى‬
‫وهم بالموقف عشية عرفة "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي" فإنما أراد أكمل وضعه‬
‫لهم؛ وفي ذلك دللة على أن الطاعات كلها دين وإيمان وإسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورضيت لكم السلم دينا" أي أعلمتكم برضاي به لكم دينا؛ فإنه تعالى لم يزل‬
‫راضيننا بالسننلم لننا ديننا؛ فل يكون لختصنناص الرضننا بذلك اليوم فائدة إن حملناه على ظاهره‪.‬‬
‫و"ديننا" نصنب على التميينز‪ ،‬وإن شئت على مفعول ثان‪ .‬وقينل‪ :‬المعننى ورضينت عنكنم إذا أنقدتنم‬
‫لي بالدينن الذي شرعتنه لكنم‪ .‬ويحتمنل أن يريند "رضينت لكنم السنلم ديننا" أي ورضينت إسنلمكم‬
‫الذي أنتنم علينه اليوم ديننا باقينا بكماله إلى آخنر الينة ل أنسنخ مننه شيئا‪ .‬وال أعلم‪ .‬و"السنلم" فني‬
‫هذه الية هو الذي في قوله تعالى‪" :‬إن الدين عند ال السلم" [آل عمران‪ ]19 :‬وهو الذي يفسر‬
‫في سؤال جبريل للنبي عليهما الصلة والسلم‪ ،‬وهو اليمان والعمال والشعب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمنن اضطنر فني مخمصنة" يعنني منن دعتنه ضرورة إلى أكنل الميتنة وسنائر‬
‫المحرمات فني هذه الينة‪ .‬والمخمصنة الجوع وخلء البطنن منن الطعام‪ .‬والخمنص ضمور البطنن‪.‬‬
‫ورجنل خمينص وخمصنان وامرأة خميصنة وخمصنانة؛ ومننه أخمنص القدم‪ ،‬ويسنتعمل كثيرا فني‬
‫الجوع والغرث؛ قال العشى‪:‬‬
‫وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا‬ ‫تبيتون في المشتى ملء بطونكم‬
‫أي منطويات على الجوع قد أضمر بطونهن‪ .‬وقال النابغة في خمص البطن من جهة ضمره‪:‬‬
‫والنحر تنفجه بثدي مقعد‬ ‫والبطن ذو عكن خميص لين‬
‫وفني الحدينث‪( :‬خماص البطون خفاف الظهور)‪ .‬الخماص جمنع الخمينص البطنن‪ ،‬وهنو الضامنر‪.‬‬
‫أخننبر أنهننم أعفاء عننن أموال الناس؛ ومنننه الحديننث‪( :‬إن الطيننر تغدو خماصننا وتروح بطانننا)‪.‬‬
‫والخميصة أيضا ثوب؛ قال الصمعي‪ :‬الخمائص ثياب خز أو صوف معلمة‪ ،‬وهي سوداء‪ ،‬كانت‬
‫من لباس الناس‪ .‬وقد تقدم معنى الضطرار وحكمه في البقرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬غينر متجاننف لثنم" أي غينر مائل لحرام‪ ،‬وهنو بمعننى "غينر باغ ول عاد"‬
‫[البقرة‪ ]173 :‬وقند تقدم‪ .‬والجننف المينل‪ ،‬والثنم الحرام؛ ومننه قول عمنر رضني ال عننه‪ :‬منا‬
‫تجانفنا فيه لثم؛ أي ما ملنا ول تعمدنا ونحن نعلمه‪ :‬وكل مائل فهو متجانف وجنف‪ .‬وقرأ النخعي‬
‫ويحينى بنن وثاب والسنلمي "متجننف" دون ألف‪ ،‬وهنو أبلغ فني المعنني‪ ،‬لن شند العينن يقتضني‬
‫مبالغنة وتوغل فني المعننى وثبوتنا لحكمنه؛ وتفاعنل إنمنا هنو محاكاة الشينء والتقرب مننه؛ أل ترك‬
‫أننك إذا قلت‪ :‬تماينل الغصنن فإن ذلك يقتضني تأودا ومقاربنة مينل‪ ،‬وإذا قلت‪ :‬تمينل فقند ثبنت حكنم‬
‫الميل‪ ،‬وكذلك تصاون الرجل وتصون‪ ،‬وتعاقل وتعقل؛ فالمعنى غير متعمد لمعصية في مقصده؛‬
‫قاله قتادة والشافعي‪" .‬فإن ال غفور رحيم" أي فإن ال له غفور رحيم فحذف‪ ،‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫علي ذنبا كله لم أصنع‬ ‫قد أصبحت أم الخيار تدعي‬
‫أراد لم أصنعه فحذف‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 4 :‬يسنألونك ماذا أحنل لهنم قنل أحنل لكنم الطيبات ومنا علمتنم منن الجوارح مكلبينن‬
‫تعلمونهنن ممنا علمكنم ال فكلوا ممنا أمسنكن عليكنم واذكروا اسنم ال علينه واتقوا ال إن ال سنريع‬
‫الحساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يسألونك" الية نزلت بسبب عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل وهو زيد الخيل الذي‬
‫سماه رسول ال صلى ال عليه وسلم زيد الخير؛ قال‪ :‬يا رسول ال إنا قوم نصيد بالكلب والبزاة‪،‬‬
‫وإن الكلب تأخنذ البقر والحمنر والظباء فمنه منا ندرك ذكاتنه‪ ،‬ومنه منا تقتله فل ندرك ذكاتنه‪ ،‬وقد‬
‫حرم ال الميتة فماذا يحل لنا ؟ فنزلت الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات" "ما" في موضع رفع بالبتداء‪ ،‬والخبر "أحل‬
‫لهننم" و"ذا" زائدة‪ ،‬وإن شئت كانننت بمعنننى الذي‪ ،‬ويكون الخننبر "قننل أحننل لكننم الطيبات" وهننو‬
‫الحلل‪ ،‬وكنل حرام فلينس بطينب‪ .‬وقينل‪ :‬منا التذه آكله وشاربنه ولم يكنن علينه فينه ضرر فني الدنينا‬
‫ول في الخرة‪ .‬وقيل‪ :‬الطيبات الذبائح‪ ،‬لنها طابت بالتذكية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنا علمتنم" أي وصنيد منا علمتنم؛ ففني الكلم إضمار ل بند مننه‪ ،‬ولوله لكان‬
‫المعننى يقتضني أن يكون الحنل المسنؤول عننه متناول للمعلم منن الجوارح المكلبينن‪ ،‬وذلك لينس‬
‫مذهبنا لحند؛ فإن الذي يبينح لحنم الكلب فل يخصنص الباحنة بالمعلم؛ وسنيأتي منا للعلماء فني أكنل‬
‫الكلب فني "النعام" إن شاء ال تعالى‪ .‬وقند ذكنر بعنض منن صننف فني أحكام القرآن أن الينة تدل‬
‫على أن الباحنة تتناول منا علمناه منن الجوارح‪ ،‬وهنو ينتظنم الكلب وسنائر جوارح الطينر‪ ،‬وذلك‬
‫يوجب إباحة سائر وجوه النتفاع‪ ،‬فدل على جواز بيع الكلب والجوارح والنتفاع بها بسائر وجوه‬
‫المنافع إل ما خصه الدليل‪ ،‬وهو الكل من الجوارح أي الكواسب من الكلب وسباع الطير؛ وكان‬
‫لعدي كلب خمسنننة قننند سنننماها بأسنننماء أعلم‪ ،‬وكان أسنننماء أكلبنننه سنننلهب وغلب والمختلس‬
‫والمتناعس‪ ،‬قال السهيلي‪ :‬وخامس أشك‪ ،‬قال فيه أخطب‪ ،‬أو قال فيه وثاب‪.‬‬
‫@ أجمعت المة على أن الكلب إذا لم يكن أسود وعلمه مسلم فينشلي إذا أشلي ويجيب إذ دعي‪،‬‬
‫وينزجر بعد ظفره بالصيد إذا زجر‪ ،‬وأن يكون ل يأكل من صيده الذي صاده‪ ،‬وأثر فيه بجرح أو‬
‫تنيينب‪ ،‬وصناد بنه مسنلم وذكنر اسنم ال عنند إرسناله أن صنيده صنحيح يؤكنل بل خلف؛ فإن انخرم‬
‫شرط مننن هذه الشروط دخننل الخلف‪ .‬فإن كان الذي يصنناد بننه غيننر كلب كالفهنند ومننا أشبهننه‬
‫وكالبازي والصقر ونحوهما من الطير فجمهور المة على أن كل ما صاد بعد التعليم فهو جارح‬
‫كاسننب‪ .‬يقال‪ :‬جرح فلن واجترح إذا اكتسننب؛ ومنننه الجارحننة لنهننا يكتسننب بهننا‪ ،‬ومنننه اجتراح‬
‫السيئات‪ .‬وقال العشى‪:‬‬
‫يذكر الجارح ما كان اجترح‬ ‫ذا جبار منضجا ميسمه‬
‫وفي التنزيل "ويعلم ما جرحتم بالنهار" [النعام‪ ]60 :‬وقال‪" :‬أم حسب الذين اجترحوا السيئات"‬
‫[الجاثية‪.]21 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مكلبين" معنى "مكلبين" أصحاب الكلب وهو كالمؤدب صاحب التأديب‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫معناه مضرينن على الصنيد كمنا تضرى الكلب؛ قال الرمانني‪ :‬وكل القولينن محتمنل‪ .‬ولينس فني‬
‫"مكلبين" دليل على أنه إنما أبيح صيد الكلب خاصة؛ لنه بمنزلة قوله‪" :‬مؤمنين" وإن كان قد‬
‫تمسنك بنه منن قصنر الباحنة على الكلب خاصنة‪ .‬روي عنن ابنن عمنر فيمنا حكنى ابنن المنذر عننه‬
‫قال‪ :‬وأما ما يصاد به من البزاة وغيرها من الطير فما أدركت ذكاته فذكه فهو لك حلل‪ ،‬وإل فل‬
‫تطعمه‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وسئل أبو جعفر عن البازي يحل صيده قال‪ :‬ل؛ إل أن تدرك ذكاته‪ .‬وقال‬
‫الضحاك والسندي‪" :‬ومنا علمتنم منن الجوارح مكلبينن" هني الكلب خاصنة؛ فإن كان الكلب أسنود‬
‫بهيما فكره صيده الحسن وقتادة والنخعي‪ .‬وقال أحمد‪ :‬ما أعرف أحدا يرخص فيه إذا كان بهيما؛‬
‫وبنه قال إسنحاق بنن راهوينه؛ فأمنا عوام أهنل العلم بالمديننة والكوفنة فيرون جواز صنيد كنل كلب‬
‫معلم‪ ،‬أمننا مننن منننع صننيد الكلب السننود فلقوله صننلى ال عليننه وسننلم‪( :‬الكلب السننود شيطان)‪،‬‬
‫أخرجنه مسنلم‪ .‬احتنج الجمهور بعموم الينة‪ ،‬واحتجوا أيضنا فني جواز صنيد البازي بمنا ذكنر منن‬
‫سبب النزول‪ ،‬وبما خرجه الترمذي عن عدي بن حاتم قال‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عنن صنيد البازي فقال‪( :‬منا أمسنك علينك فكنل)‪ .‬فني إسنناده مجالد ول يعرف إل منن جهتنه وهنو‬
‫ضعيف‪ .‬وبالمعنى وهو أن كل ما يتأتى من الكلب يتأتى من الفهد مثل فل فارق إل فيما ل مدخل‬
‫له فني التأثينر؛ وهذا هنو القياس فني معننى الصنل‪ ،‬كقياس السنيف على المدينة والمنة على العبند‪،‬‬
‫وقد تقدم‪.‬‬
‫@ وإذا تقرر هذا فأعلم أنه ل بد للصائد أن يقصد عند الرسال التذكية والباحة‪ ،‬وهذا ل يختلف‬
‫فيه؛ لقوله عليه السلم‪( :‬إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم ال عليه فكل) وهذا يقتضي النية والتسمية؛‬
‫فلو قصد مع ذلك اللهو فكرهه مالك وأجازه ابن عبدالحكنم‪ ،‬وهو ظاهر قول الليث‪ :‬ما رأيت حقا‬
‫أشبنه بباطنل مننه‪ ،‬يعنني الصنيد؛ فأمنا لو فعله بغينر نينة التذكينة فهنو حرام؛ لننه منن باب الفسناد‬
‫وإتلف حيوان لغير منفعة‪ ،‬وقد نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن قتل الحيوان إل لمأكلة‪.‬‬
‫وقند ذهنب الجمهور منن العلماء إلى أن التسنمية ل بند منهنا بالقول عنند الرسنال؛ لقوله‪( :‬وذكرت‬
‫اسنم ال) فلو لم توجند على أي وجنه كان لم يؤكنل الصنيد؛ وهنو مذهنب أهنل الظاهنر وجماعنة أهنل‬
‫الحديث‪ .‬وذهبت جماعة من أصحابنا وغيرهم إلى أنه يجوز أكل ما صاده المسلم وذبحه وإن ترك‬
‫التسنمية عمدا؛ وحملوا المنر بالتسنمية على الندب‪ .‬وذهنب مالك فني المشهور إلى الفرق بينن ترك‬
‫التسمية عمدا أو سهوا فقال‪ :‬ل تؤكل مع العمد وتؤكل مع السهو؛ وهو قول فقهاء المصار‪ ،‬وأحد‬
‫قولي الشافعنني‪ ،‬وسننتأتي هذه المسننألة فنني "النعام" إن شاء ال تعالى‪ .‬ثننم ل بنند أن يكون انبعاث‬
‫الكلب بإرسال من يد الصائد بحيث يكون زمامه بيده‪ .‬فيخلي عنه ويغريه عليه فينبعث‪ ،‬أو يكون‬
‫الجارح ساكنا مع رؤيته الصيد فل يتحرك له إل بالغراء من الصائد‪ ،‬فهذا بمنزلة ما زمامه بيده‬
‫فأطلقنه مغرينا له على أحند القولينن؛ فأمنا لو انبعنث الجارح منن تلقاء نفسنه منن غينر إرسنال ول‬
‫إغراء فل يجوز صنيده ول يحنل أكله عنند الجمهور ومالك والشافعني وأبني ثور وأصنحاب الرأي؛‬
‫لنه إنما صاد لنفسه من غير إرسال وأمسك عليها‪ ،‬ول صنع للصائد فيه‪ ،‬فل ينسب إرسال إليه؛‬
‫لنننه ل يصنندق عليننه قوله عليننه السننلم‪( :‬إذا أرسننلت كلبننك المعلم)‪ .‬وقال عطاء بننن أبنني رباح‬
‫والوزاعي‪ :‬يؤكل صيده إذا كان أخرجه للصيد‪.‬‬
‫@ قرأ الجمهور "علمتنم" بفتنح العينن واللم‪ .‬وابنن عباس ومحمند بنن الحنفينة بضنم العينن وكسنر‬
‫اللم‪ ،‬أي منن أمنر الجوارح والصنيد بهنا‪ .‬والجوارح الكواسنب‪ ،‬وسنميت أعضاء النسنان جوارح‬
‫لنهنا تكسنب وتتصنرف‪ .‬وقينل‪ :‬سنميت جوارح لنهنا تجرح وتسنيل الدم‪ ،‬فهنو مأخوذ منن الجراح‪،‬‬
‫وهذا ضعينف‪ ،‬وأهنل اللغنة على خلفنه‪ ،‬وحكاه ابنن المنذر عنن قوم‪ .‬و"مكلبينن" قراءة الجمهور‬
‫بفتح الكاف وشد اللم‪ ،‬والمكلب معلم الكلب ومضريها‪ .‬ويقال لمن يعلم غير الكلب‪ :‬مكلب؛ لنه‬
‫يرد ذلك الحيوان كالكلب؛ حكاه بعضهننم‪ .‬ويقال للصننائد‪ :‬مكلب فعلى هذا معناه صننائدين‪ .‬وقيننل‪:‬‬
‫المكلب صنناحب الكلب‪ ،‬يقال‪ :‬كلب فهننو مكلب وكلب‪ .‬وقرأ الحسننن "مكلبيننن" بسننكون الكاف‬
‫وتخفينف اللم‪ ،‬ومعناه أصنحاب كلب‪ ،‬يقال‪ :‬أمشنى الرجنل كثرت ماشيتنه‪ ،‬وأكلب كثرت كلبنه‪،‬‬
‫وأنشد الصمعي‪:‬‬
‫ستخلجه عن الدنيا منون‬ ‫وكل فتى وإن أمشى فأثرى‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تعلمونهنن ممنا علمكنم ال" أننث الضمينر مراعاة للفنظ الجوارح؛ إذ هنو جمنع‬
‫جارحة‪ .‬ول خلف بين العلماء في شرطين في التعليم وهما‪ :‬أن يأتمر إذا أمر وينزجر إذا زجر؛‬
‫ل خلف فني هذينن الشرطينن فني الكلب ومنا فني معناهنا منن سنباع الوحوش‪ .‬واختلف فيمنا يصناد‬
‫بنه منن الطينر؛ فالمشهور أن ذلك مشترط فيهنا عنند الجمهور‪ .‬وذكنر ابنن حنبيب أننه ل يشترط فيهنا‬
‫أن تنزجر إذا زجرت؛ فإنه ل يتأتى ذلك فيها غالبا‪ ،‬فيكفي أنها إذا أمرت أطاعت‪ .‬وقال ربيعة‪ :‬ما‬
‫أجاب منهننا إذا دعنني فهننو المعلم الضاري؛ لن أكثننر الحيوان بطبعننه ينشلي‪ .‬وقنند شرط الشافعنني‬
‫وجمهور منن العلماء فنني التعلينم أن يمسنك على صناحبه‪ ،‬ولم يشترطنه مالك فني المشهور عننه‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬المعلم هو الذي إذا أشله صاحبه انشلى؛ وإذا دعاه إلى الرجوع رجع إليه‪ ،‬ويمسك‬
‫الصيد على صاحبه ول يأكل منه؛ فإذا فعل هذا مرارا وقال أهل العرف‪ :‬صار معلما فهو المعلم‪.‬‬
‫وعنن الشافعني أيضنا والكوفيينن‪ :‬إذا أشلي فانشلى وإذا أخنذ حبنس وفعنل ذلك مرة بعند مرة أكنل‬
‫صنيده فني الثالثنة‪ .‬ومنن العلماء منن قال‪ :‬يفعنل ذلك ثلث مرات ويؤكنل صنيده فني الرابعنة‪ .‬ومنهنم‬
‫من قال‪ :‬إذا فعل ذلك مرة فهو معلم ويؤكل صيده في الثانية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فكلوا ممنا أمسنكن عليكنم" أي حبسنن لكنم‪ .‬واختلف العلماء فني تأويله؛ فقال ابنن‬
‫عباس وأبنو هريرة والنخعني وقتادة وابنن جنبير وعطاء بنن أبني رباح وعكرمنة والشافعني وأحمند‬
‫وإسنحاق وأبنو ثور والنعمان وأصنحابه‪ :‬المعننى ولم يأكنل؛ فإن أكنل لم يؤكنل منا بقني‪ ،‬لننه أمسنك‬
‫على نفسنه ولم يمسنك على ربنه‪ .‬والفهند عنند أبني حنيفنة وأصنحابه كالكلب ولم يشترطوا ذلك فني‬
‫الطيور بل يؤكل ما أكلت منه‪ .‬وقال سعد بن أبي وقاص وعبدال بن عمر وسلمان الفارسي وأبو‬
‫هريرة أيضا‪ :‬المعنى وإن أكل؛ فإذا أكل الجارح كلبا كان أو فهدا أو طيرا أكل ما بقي من الصيد‬
‫وإن لم يبق إل بضعة؛ وهذا قول مالك وجميع أصحابه‪ ،‬وهو القول الثاني للشافعي‪ ،‬وهو القياس‪.‬‬
‫وفي الباب حديثان بمعنى ما ذكرنا أحدهما‪ :‬حديث عدي في الكلب المعلم (وإذا أكل فل تأكل فإنما‬
‫أمسنك على نفسنه) أخرجنه مسنلم‪ .‬الثانني‪ :‬حدينث أبني ثعلبنة الخشنني قال‪ :‬قال رسنول ال صنلى ال‬
‫علينه وسنلم فني صنيد الكلب‪( :‬إذا أرسنلت كلبنك وذكرت اسنم ال علينه فكنل وإن أكنل مننه وكنل منا‬
‫ردت عليك يدك) أخرجه أبو داود‪ ،‬وروي عن عدي ول يصح؛ والصحيح عنه حديث مسلم؛ ولما‬
‫تعارضنت الروايتان رام بعنض أصنحابنا وغيرهنم الجمنع بينهمنا فحملوا حدينث النهني على التنزينه‬
‫والورع‪ ،‬وحدينث الباحنة على الجواز‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن عدينا كان موسنعا علينه فأفتاه الننبي صنلى ال‬
‫عليه وسلم بالكف ورعا‪ ،‬وأبا ثعلبة كان محتاجا فأفتاه بالجواز؛ وال أعلم‪ .‬وقد دل على صحة هذا‬
‫التأوينل قول عليه الصنلة والسنلم فني حدينث عدي‪( :‬فإنني أخاف أن يكون إنمنا أمسنك على نفسه)‬
‫هذا تأويل علمائنا‪ .‬وقال أبو عمر في كتاب "الستذكار"‪ :‬وقد عارض حديث عدي هذا حديث أبي‬
‫ثعلبنة‪ ،‬والظاهنر أن حدينث أبني ثعلبنة ناسنخ له؛ فقوله‪ :‬وإن أكنل ينا رسنول ال ؟ قال‪( :‬وإن أكنل)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا فيه نظر؛ لن التاريخ مجهول؛ والجمع بين الحديثين أولى ما لم يعلم التاريخ؛ وال أعلم‪.‬‬
‫وأما أصحاب الشافعي فقالوا‪ :‬إن كان الكل عن فرط جوع من الكلب أكل وإل لم يؤكل؛ فإن ذلك‬
‫من سوء تعليمه‪ .‬وقد روي عن قوم من السلف التفرقة بين ما أكل منه الكلب والفهد فمنعوه‪ ،‬وبين‬
‫مننا أكننل منننه البازي فأجازوه‪ ،‬قال النخعنني والثوري وأصننحاب الرأي وحماد بننن أبنني سننليمان‪،‬‬
‫وحكي عن ابن عباس وقالوا‪ :‬الكلب والفهد يمكن ضربه وزجره‪ ،‬والطير ل يمكن ذلك فيه‪ ،‬وحد‬
‫تعليمه أن يدعى فيجيب‪ ،‬وأن يشلى فينشلي؛ ل يمكن فيه أكثر من ذلك‪ ،‬والضرب يؤذيه‪.‬‬
‫@ والجمهور منن العلماء عنل أن الجارح إذا شرب منن دم الصنيد أن الصنيد يؤكنل؛ قال عطاء‪:‬‬
‫لينس شرب الدم بأكنل؛ وكره أكنل ذلك الصنيد الشعنبي وسنفيان الثوري‪ ،‬ول خلف بينهنم أن سنبب‬
‫إباحة الصيد الذي هو عقر الجارح له ل بد أن يكون متحققا غير مشكوك فيه‪ ،‬ومع الشك ل يجوز‬
‫الكل‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫@ فإن وجد الصائد مع كلبه كلبا آخر فهو محمول على أنه غير مرسل من صائد آخر‪ ،‬وأنه إنما‬
‫انبعننث فنني طلب الصننيد بطبعننه ونفسننه‪ ،‬ول يختلف فنني هذا؛ لقوله علينه الصننلة والسننلم‪( :‬وإن‬
‫خالطها كلب من غيرها فل تأكل ‪ -‬في رواية ‪ -‬فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره)‪ .‬فأما‬
‫لو أرسله صائد آخر فاشترك الكلبان فيه فإنه للصائدين يكونان شريكين فيه‪ .‬فلو أنفذ أحد الكلبين‬
‫مقاتله ثم جاء الخر فهو للذي أنفذ مقاتله‪ ،‬وكذلك ل يؤكل ما رمي بسهم فتردى من جبل أو غرق‬
‫في ماء؛ لقوله عليه الصلة والسلم لعدي‪( :‬وإن رميت بسهمك فأذكر اسم ال فإن غاب عنك يوما‬
‫فلم تجند فينه إل أثنر سنهمك فكنل وإن وجدتنه غريقنا فني الماء فل تأكنل فإننك ل تدري الماء قتله أو‬
‫سهمك)‪ .‬وهذا نص‪.‬‬
‫@ لو مات الصيد في أفواه الكلب من غير بضع لم يؤكل؛ لنه مات خنقا فأشبه أن يذبح بسكين‬
‫كالة فيموت في الذبح قبل أن يفرى حلقه‪ .‬ولو أمكنه أخذه من الجوارح وذبحه فلم يفعل حتى مات‬
‫لم يؤكنل‪ ،‬وكان مقصنرا فني الذكاة؛ لننه قند صنار مقدورا على ذبحنه‪ ،‬وذكاة المقدور علينه تخالف‬
‫ذكاة غينر المقدور علينه‪ .‬ولو أخذه ثنم مات قبنل أن يخرج السنكين‪ ،‬أو تناولهنا وهني معنه جاز أكله؛‬
‫ولو لم تكنن السنكين معنه فتشاغنل بطلبهنا لم تؤكنل‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬فيمنا نالتنه الجوارح ولم تدمنه‬
‫قولن أحدهما‪ :‬إل يؤكل حتى يجرح؛ لقوله تعالى‪" :‬من الجوارح" وهو قول ابن القاسم؛ والخر‪:‬‬
‫أنه حر وهو قول أشهب‪ ،‬قال أشهب‪ :‬إن مات من صدمة الكلب أكل‪.‬‬
‫@ قوله‪( :‬فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إل أثر سهمك فكل) ونحوه في حديث أبي ثعلبة الذي‬
‫خرجنه أبنو داود‪ ،‬غينر أننه زاد (فكله بعند ثلث منا لم ينتنن) يعارضنه قوله علينه السنلم‪( :‬كنل منا‬
‫أصميت ودع ما أنميت)‪ .‬فالصماء ما قتل مسرعا وأنت تراه‪ ،‬والنماء أن ترمي الصيد فيغيب‪،‬‬
‫عنك فيموت وأنت ل تراه؛ يقال‪ :‬قد أنميت الرمية فنمت تنمي إذا غابت ثم ماتت قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫ماله ل عد من نفرة‬ ‫فهو ل تنمي رميته‬
‫وقد اختلف العلماء في أكل الصيد الغائب على ثلثة أقوال‪ :‬يؤكل‪ ،‬وسواء قتله السهم أو الكلب‪.‬‬
‫الثانني‪ :‬ل يؤكنل شينء منن ذلك إذا غاب؛ لقوله‪( :‬كنل منا أصنميت ودع منا أنمينت)‪ .‬وإنمنا لم يؤكنل‬
‫مخافنة أن يكون قند أعان على قتله غينر السنهم منن الهوام‪ .‬الثالث‪ :‬الفرق بينن السنهم فيؤكنل وبينن‬
‫الكلب فل يؤكنل‪ ،‬ووجهنه أن السنهم يقتنل على جهنة واحدة فل يشكنل؛ والجارح على جهات متعددة‬
‫فيشكل‪ ،‬والثلثة القوال لعلمائنا‪ .‬وقال مالك في غير الموطأ‪ :‬إذا بات الصيد ثم أصابه ميتا لم ينفذ‬
‫البازي أو الكلب أو السننهم مقاتله لم يأكله؛ قال أبننو عمننر‪ :‬فهذا يدلك على أنننه إذا بلغ مقاتله كان‬
‫حلل عنده أكله وإن بات‪ ،‬إل أننه يكرهنه إذا بات؛ لمنا جاء عنن ابنن عباس‪" :‬وإن غاب عننك ليلة‬
‫فل تأكننل" ونحوه عننن الثوري قال‪ :‬إذا غاب عنننك يومننا كرهننت أكله‪ .‬وقال الشافعنني‪ :‬القياس أل‬
‫يأكله إذا غاب عنه مصرعه‪ .‬وقال الوزاعي‪ :‬إن وجده من الغد ميتا ووجد فيه سهمه أو أثرا من‬
‫كلبننه فليأكله؛ ونحوه قال أشهننب وعبدالملك وأصننبغ؛ قالوا‪ :‬جائز أكننل الصننيد وإن بات إذا نفذت‬
‫مقاتله‪ ،‬وقوله في الحديث‪( :‬ما لم ينتن) تعليل؛ لنه إذا أنتن لحق بالمستقذرات التي تمجها الطباع‬
‫فيكره أكلهنا؛ فلو أكلهنا لجاز‪ ،‬كمنا أكنل الننبي صنلى ال علينه وسنلم الهالة السننخة وهني المنتننة‪.‬‬
‫وقيننل‪ :‬هننو معلل بمننا يخاف منننه الضرر على آكله‪ ،‬وعلى هذا التعليننل يكون أكله محرمننا إن كان‬
‫الخوف محققا‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء منن هذا الباب فني الصنيد بكلب اليهودي والنصنراني إذا كان معلمنا‪ ،‬فكرهنه‬
‫الحسنن البصنري؛ وأمنا كلب المجوسني وبازه وصنقره فكره الصنيد بهنا جابر بنن عبدال والحسنن‬
‫وعطاء ومجاهد والنخعي والثوري وإسحاق‪ ،‬وأجاز الصيد بكلبهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إذا‬
‫كان الصنائد مسنلما؛ قالوا‪ :‬وذلك مثنل شفرتنه‪ .‬وأمنا إن كان الصنائد منن أهنل الكتاب فجمهور المنة‬
‫على جواز صنيده غينر مالك‪ ،‬وفرق بينن ذلك وبينن ذبيحتنه؛ وتل‪" :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا ليبلونكنم ال‬
‫بشينء منن الصنيد تناله أيديكنم ورماحكنم" [المائدة‪ ، ]94 :‬قال‪ :‬فلم يذكنر ال فني هذا اليهود ول‬
‫النصنارى‪ .‬وقال ابنن وهنب وأشهنب‪ :‬صنيد اليهودي والنصنراني حلل كذبيحتنه؛ وفني كتاب محمند‬
‫ل يجوز صننيد الصننابئ ول ذبحننه‪ ،‬وهننم قوم بيننن اليهود والنصننارى ول ديننن لهننم‪ .‬وأمننا إن كان‬
‫الصنائد مجوسنا فمننع منن أكله مالك والشافعني وأبنو حنيفنة وأصنحابهم وجمهور الناس‪ .‬وقال أبنو‬
‫ثور فيهنا قولن‪ :‬أحدهمنا‪ :‬كقول هؤلء‪ ،‬والخنر‪ :‬أن المجوس منن أهنل الكتاب وأن صنيدهم جائز‪.‬‬
‫ولو أصطاد السكران أو ذبح لم يؤكل صيده ول ذبيحته؛ لن الذكاة تحتاج إلى قصد‪ ،‬والسكران ل‬
‫قصد له‪.‬‬
‫@ واختلف النحاة في "من" في قوله تعالى‪" :‬مما أمسكن عليكم" فقال الخفش‪ :‬هي زائدة كقوله‪:‬‬
‫"كلوا منن ثمره" [النعام‪ .]141 :‬وخطأه البصنريون وقالوا‪" :‬منن" ل تزاد فني الثبات وإنمنا‬
‫تزاد في النفي والستفهام‪ ،‬وقوله‪" :‬من ثمره"‪" ،‬يكفر عنكم من سيئاتكم" [البقرة‪ ]271 :‬و"يغفر‬
‫لكم من ذنوبكنم" [الحقاف‪ ]31 :‬للتبعيض؛ أجاب فقال‪ :‬قد قال‪" :‬يغفر لكم من ذنوبكم" [نوح‪:‬‬
‫‪ ]4‬بإسقاط "من" فدل على زيادتها في اليجاب؛ أجيب بأن "من" ههنا للتبعيض؛ لنه إنما يحل‬
‫من الصيد اللحم دون الفرث والدم‪ .‬قلت‪ :‬هذا ليس بمراد ول معهود في الكل فيعكر على ما قال‪.‬‬
‫ويحتمل أن يريد "مما أمسكن" أي مما أبقته الجوارح لكم؛ وهذا على قول من قال‪ :‬لو أكل الكلب‬
‫الفريسنة لم يضنر وبسنبب هذا الحتمال اختلف العلماء فني جواز أكنل الصنيد إذا أكنل الجارح مننه‬
‫على ما تقدم‪.‬‬
‫@ ودلت الينة على جواز اتخاذ الكلب واقتنائهنا للصنيد‪ ،‬وثبنت ذلك فني صنحيح السننة وزادت‬
‫الحرث والماشينة؛ وقند كان أول السنلم أمنر بقتنل الكلب حتنى كان يقتنل كلب المرينة منن البادينة‬
‫يتبعها؛ روى مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من أقتنى كلبا إل كلب صيد‬
‫أو ماشينة نقنص منن أجره كنل يوم قيراطان)‪ .‬وروي أيضنا عنن أبني هريرة قال‪ :‬قال رسنول ال‬
‫صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬منن اتخنذ كلبنا إل كلب ماشينة أو صنيد أو زرع انتقنص منن أجره كنل يوم‬
‫قيراط)‪ .‬قال الزهري‪ :‬وذكنر لبنن عمنر قول أبني هريرة فقال‪ :‬يرحنم ال أبنا هريرة‪ ،‬كان صناحب‬
‫زرع؛ فقد دلت السنة على ما ذكرنا‪ ،‬وجعل النقص من أجر من أقتناها على غير ذلك من المنفعة؛‬
‫إمنا لتروينع الكلب المسنلمين وتشويشنه عليهنم بنباحنه ‪ -‬كمنا قال بعنض شعراء البصنرة‪ ،‬وقند نزل‬
‫بعمار فسمع لكلبه نباحا فأنشأ يقول‪:‬‬
‫علينا فكدنا بين بيتيه نؤكل‬ ‫نزلنا بعمار فأشلى كلبه‬
‫إذا اليوم أم يوم القيامة أطول‬ ‫فقلت لصحابي أسر إليهم‬
‫أو لمنع دخول الملئكة البيت‪ ،‬أو لنجاسته على ما يراه الشافعي‪ ،‬أو لقتحام النهي عن اتخاذ ما ل‬
‫منفعنة فينه؛ وال أعلم‪ .‬وقال فني إحدى الروايتينن‪( :‬قيراطان) وفني الخرى (قيراط) وذلك يحتمنل‬
‫أن يكون فني نوعينن منن الكلب أحدهمنا أشند أذى منن الخنر؛ كالسنود الذي أمنر علينه الصنلة‬
‫والسننلم بقتله‪ ،‬ولم يدخله فنني السننتثناء حيننن نهننى عننن قتلهننا فقال‪( :‬عليكننم بالسننود البهيننم ذي‬
‫النقطتينن فإننه شيطان) أخرجنه مسنلم‪ .‬ويحتمنل أن يكون ذلك لختلف المواضنع‪ ،‬فيكون ممسنكه‬
‫بالمديننة مثل أو بمكنة ينقنص قيراطان‪ ،‬وبغيرهمنا قيراط؛ وال أعلم‪ .‬وأمنا المباح اتخاذه فل ينقنص‬
‫أجنر متخذه كالفرس والهر‪ ،‬ويجوز بيعنه وشراؤه‪ ،‬حتى قال سنحنون‪ :‬ويحج بثمنه‪ .‬وكلب الماشية‬
‫المباح اتخاذه عند مالك هو الذي يسرح معها ل الذي يحفظها في الدار من السراق‪ .‬وكلب الزرع‬
‫هنو الذي يحفظنه منن الوحوش باللينل والنهار ل منن السنراق‪ .‬وقند أجاز غينر مالك اتخاذهنا لسنراق‬
‫الماشية والزرع والدار في البادية‪.‬‬
‫وفني هذه الينة دلينل على أن العالم له منن الفضيلة منا لينس للجاهنل؛ لن الكلب إذا علم يكون له‬
‫فضيلة على سنائر الكلب‪ ،‬فالنسنان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضنل على سنائر الناس‪ ،‬ل‬
‫سيما إذا عمل بما علم؛ وهذا كما روي عن علي بن أبي طالب كرم ال وجهه أنه قال‪ :‬لكل شيء‬
‫قيمة وقيمة المرء ما يحسنه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واذكروا اسنم ال علينه" أمنر بالتسنمية؛ قينل‪ :‬عنند الرسنال على الصنيد‪ ،‬وفقنه‬
‫الصيد والذبح في معنى التسمية واحد‪ ،‬يأتي بيانه في "النعام"‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بالتسمية هنا التسمية‬
‫عند الكل‪ ،‬وهو الظهر‪ .‬وفي صحيح مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لعمر بن أبي سلمة‪:‬‬
‫(ينا غلم سم ال وكل بيمينك وكنل مما يليك)‪ .‬وروي من حدينث حذيفنة قال رسنول ال صنلى ال‬
‫علينه وسنلم‪( :‬إن الشيطان ليسنتحل الطعام إل يذكنر اسنم ال علينه) الحدينث‪ .‬فإن نسني التسنمية أول‬
‫الكل فليسم آخره؛ وروى النسائي عن أمية بن مخشي ‪ -‬وكان من أصحاب رسول ال صلى ال‬
‫علينه وسنلم ‪ -‬أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم رأى رجل يأكنل ولم يسنم ال‪ ،‬فلمنا كان فني آخنر‬
‫لقمة قال‪ :‬بسنم ال أوله وآخره؛ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما زال الشيطان يأكل معه‬
‫فلما سمى قاء ما أكله)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتقوا ال" أمنر بالتقوى على الجملة‪ ،‬والشارة القريبنة هني منا تضمنتنه هذه‬
‫اليات من الوامر‪ .‬وسرعة الحساب هي من حيث كونه تعالى قد أحاط بكل شيء علما وأحصى‬
‫كننل شيننء عددا؛ فل يحتاج إلى محاولة عنند ول عقنند كمننا يفعله الحسنناب؛ ولهذا قال‪" :‬وكفننى بنننا‬
‫حاسبين" [النبياء‪ ]47 :‬فهو سبحانه يحاسب الخلئق دفعة واحدة‪ .‬ويحتمل أن يكون وعيدا بيوم‬
‫القيامة كأنه قال‪ :‬إن حساب ال لكم سريع إتيانه؛ إذ يوم القيامة قريب‪ ،‬ويحتمل أن يريد بالحساب‬
‫المجازاة؛ فكأنه توعد في الدنيا بمجازاة سريعة قريبة إن لم يتقوا ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 5 :‬اليوم أحنل لكنم الطيبات وطعام الذينن أوتوا الكتاب حنل لكنم وطعامكنم حنل لهنم‬
‫والمحصننات منن المؤمنات والمحصننات منن الذينن أوتوا الكتاب منن قبلكنم إذا آتيتموهنن أجورهنن‬
‫محصنين غير مسافحين ول متخذي أخدان ومن يكفر باليمان فقد حبط عمله وهو في الخرة من‬
‫الخاسرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اليوم أحل لكم الطيبات"‪ ،‬أي "اليوم أكملت لكم دينكم" و"اليوم أحل لكم الطيبات"‬
‫فأعاد تأكيدا أي أحنل لكنم الطيبات التني سنألتم عنهنا؛ وكاننت الطيبات أبيحنت للمسنلمين قبنل نزول‬
‫هذه الينة؛ فهذا جواب سنؤالهم إذ قالوا‪ :‬ماذا أحنل لننا ؟‪ .‬وقينل‪ :‬أشار بذكنر اليوم إلى وقنت محمند‬
‫صنلى ال علينه وسنلم كمنا يقال‪ :‬هذه أيام فلن؛ أي هذا أوان ظهوركنم وشيوع السنلم؛ فقند أكملت‬
‫بهذا دينكم‪ ،‬وأحللت لكم الطيبات‪ .‬وقد تقدم ذكر الطيبات في الية قبل هذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم" ابتداء وخبر‪ .‬والطعام اسم لما يؤكل والذبائح‬
‫مننه‪ ،‬وهنو هننا خاص بالذبائح عنند كثينر منن أهنل العلم بالتأوينل‪ .‬وأمنا منا حرم عليننا منن طعامهنم‬
‫فليس بداخل تحت عموم الخطاب؛ قال ابن عباس‪ :‬قال ال تعالى‪" :‬ول تأكلوا مما لم يذكر اسم ال‬
‫علينه" [النعام‪ ، ]121 :‬ثنم اسنتثنى فقال‪" :‬وطعام الذينن أوتوا الكتاب حنل لكنم" يعنني ذبيحنة‬
‫اليهودي والنصنراني؛ وإن كان النصنراني يقول عنند الذبنح‪ :‬باسنم المسنيح واليهودي يقول‪ :‬باسنم‬
‫عزيننر؛ وذلك لنهننم يذبحون على الملة‪ .‬وقال عطاء‪ :‬كننل مننن ذبيحننة النصننراني وإن قال باسننم‬
‫المسيح؛ لن ال جل وعز قد أباح ذبائحهم‪ ،‬وقد علم ما يقولون‪ .‬وقال القاسم بن مخيمرة‪ :‬كل من‬
‫ذبيحتنه وإن قال باسنم سنرجس ‪ -‬اسنم كنيسنة لهنم ‪ -‬وهنو قول الزهري وربيعنة والشعنبي ومكحول؛‬
‫وروي عنن صنحابيين‪ :‬عنن أبني الدرداء وعبادة بنن الصنامت‪ .‬وقالت طائفنة‪ :‬إذا سنمعت الكتابني‬
‫يسنمي غينر اسنم ال عنز وجنل فل تأكنل؛ وقال بهذا منن الصنحابة علي وعائشنة وابنن عمنر؛ وهنو‬
‫قول طاوس والحسنن متمسنكين بقوله تعالى‪" :‬ول تأكلوا ممنا لم يذكنر اسنم ال علينه وإننه لفسنق"‬
‫[النعام‪ .]121 :‬وقال مالك‪ :‬أكره ذلك‪ ،‬ولم يحرمه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬العجب من الكيا الطبري الذي حكى التفاق على جواز ذبيحة أهل الكتاب‪ ،‬ثم أخذ يستدل‬
‫بذلك على أن التسنمية على الذبيحنة ليسنت بشرط فقال‪ :‬ول شنك أنهنم ل يسنمون على الذبيحنة إل‬
‫الله الذي لينس معبودا حقيقنة مثنل المسنيح وعزينر‪ ،‬ولو سنموا الله حقيقنة لم تكنن تسنميتهم على‬
‫طريننق العبادة‪ ،‬وإنمننا كان على طريننق آخننر؛ واشتراط التسننمية ل على وجننه العبادة ل يعقننل‪،‬‬
‫ووجود التسمية من الكافر وعدمها بمثابة واحدة؛ إذا لم تتصور منه العبادة‪ ،‬ولن النصراني إنما‬
‫يذبنح على اسنم المسنيح‪ ،‬وقند حكنم ال بحنل ذبائحهنم مطلقنا‪ ،‬وفني ذلك دلينل على أن التسنمية ل‬
‫تشترط أصل كما يقول الشافعي‪ ،‬وسيأتي ما في هذا للعلماء في "النعام" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ ول خلف بين العلماء أن ما ل يحتاج إلى ذكاة كالطعام الذي ل محاولة فيه كالفاكهة والبر‬
‫جائز أكله؛ إذ ل يضر فيه تملك أحد‪ .‬والطعام الذي تقع فيه محاولة على ضربين‪ :‬أحدهما‪ :‬ما فيه‬
‫محاولة صنعة ل تعلق للدين بها؛ كخبنز الدقيق‪ ،‬وعصر الزيت ونحوه؛ فهذا إن تجنب من الذمي‬
‫فعلى وجه التقزز‪ .‬والضرب الثاني‪ :‬هي التذكية التي ذكرنا أنها هي التي تحتاج إلى الدين والنية؛‬
‫فلمنا كان القياس إل تجوز ذبائحهنم ‪ -‬كمنا نقول إنهنم ل صنلة لهنم ول عبادة مقبولة ‪ -‬رخنص ال‬
‫تعالى فنني ذبائحهننم على هذه المننة‪ ،‬وأخرجهننا النننص عننن القياس على مننا ذكرناه مننن قول ابننن‬
‫عباس؛ وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء أيضا فيما ذكوه هل تعمل الذكاة فيما حرم عليهم أول ؟ على قولين؛ فالجمهور‬
‫على أنها عاملة في كل الذبيحة ما حل له منها وما حرم عليه‪ ،‬لنه مذكى‪ .‬وقالت جماعة من أهل‬
‫العلم‪ :‬إنمنا حنل لننا منن ذبيحتهنم منا حنل لهنم؛ لن منا ل يحنل لهنم ل تعمنل فينه تذكيتهنم؛ فمنعنت هذه‬
‫الطائفنة الطرينف‪ ،‬والشحوم المحضنة منن ذبائح أهنل الكتاب؛ وقصنرت لفنظ الطعام على البعنض‪،‬‬
‫وحملتنه الولى على العموم فني جمينع منا يؤكنل‪ .‬وهذا الخلف موجود فني مذهنب مالك‪ .‬قال أبنو‬
‫عمنر‪ :‬وكره مالك شحوم اليهود وأكنل منا نحروا منن البنل‪ ،‬وأكثنر أهنل العلم ل يرون بذلك بأسنا؛‬
‫وسننيأتي هذا فنني "النعام" إن شاء ال تعالى؛ وكان مالك رحمننه ال يكره مننا ذبحوه إذا وجنند مننا‬
‫ذبحه المسلم‪ ،‬وكره أن يكون لهم أسواق يبيعون فيها ما يذبحون؛ وهذا منه رحمه ال تنزه‪.‬‬
‫@ وأمنا المجوس فالعلماء مجمعون ‪ -‬إل منن شنذ منهنم ‪ -‬على أن ذبائحهنم ل تؤكنل‪ ،‬ول يتزوج‬
‫منهننم؛ لنهننم ليسننوا أهننل كتاب على المشهور عننند العلماء‪ .‬ول بأس يأكننل طعام مننن ل كتاب له‬
‫كالمشركين وعبدة الوثان ما لم يكن من ذبائحهم ولم يحتج إلى ذكاة؛ إل الجبن؛ لما فيه من إنفحة‬
‫الميتة‪ .‬فإن كان أبو الصبي مجوسيا وأمه كتابية فحكمه حكم أبيه عند مالك‪ ،‬وعند غيره ل تؤكل‬
‫ذبيحة الصبي إذا كان أحد أبويه ممن ل تؤكل ذبيحته‪.‬‬
‫@ وأما ذبيحة نصارى بني تغلب وذبائح كل دخيل في اليهودية والنصرانية فكان علي رضي ال‬
‫عننه ينهنى عنن ذبائح بنني تغلب؛ لنهنم عرب‪ ،‬ويقول‪ :‬إنهنم لم يتمسنكوا بشينء منن النصنرانية إل‬
‫بشرب الخمنر؛ وهنو قول الشافعني؛ وعلى هذا فلينس ينهنى عنن ذبائح النصنارى المحققينن منهنم‪.‬‬
‫وقال جمهور المنة‪ :‬إن ذبيحنة كنل نصنراني حلل؛ سنواء كان منن بنني تغلب أو غيرهنم‪ ،‬وكذلك‬
‫اليهودي‪ .‬واحتنج ابنن عباس بقوله تعالى‪" :‬ومنن يتولهنم منكنم فإننه منهنم" [المائدة‪ ، ]51 :‬فلو لم‬
‫تكن بنو تغلب من النصارى إل بتوليهم إياهم لكلت ذبائحهم‪.‬‬
‫@ ول بأس بالكل والشرب والطبخ في آنية الكفار كلهم‪ ،‬ما لم تكن ذهبا أو فضة أو جلد خنزير‬
‫بعنند أن تغسننل وتغلى؛ لنهننم ل يتوقون النجاسننات ويأكلون الميتات؛ فإذا طبخوا فنني تلك القدور‬
‫تنجست‪ ،‬وربما سرت النجاسات في أجزاء دور الفخار؛ فإذا طبخ فيها بعد ذلك توقع مخالطة تلك‬
‫الجزاء النجسنة للمطبوخ فني القدد ثانينة؛ فاقتضنى الورع الكنف عنهنا‪ .‬وروي عنن ابنن عباس أننه‬
‫قال‪ :‬إن كان الناء من نحاس أو حديد غسل‪ ،‬وإن كان من فخار أغلي فيه الماء ثم غسل ‪ -‬هذا إذا‬
‫احتينج إلينه ‪ -‬وقاله مالك؛ فأمنا منا يسنتعملونه لغينر الطبنخ فل بأس باسنتعماله منن غينر غسنل؛ لمنا‬
‫روى الدارقطنني عن عمنر أننه توضنأ منن بينت نصنراني فني حنق نصنرانية؛ وهو صنحيح وسنيأتي‬
‫في "الفرقان" بكماله‪ .‬وفي صحيح مسلم من حديث أبي ثعلبة الخشني قال أتيت رسول ال صلى‬
‫ال علينه وسنلم فقلت‪ :‬ينا رسنول ال إننا بأرض قوم منن أهنل كتاب نأكنل فني آنيتهنم‪ ،‬وأرض صنيد‪،‬‬
‫أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعم‪ ،‬وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم؛ فأخبرني ما الذي يحل لنا من‬
‫ذلك؟ قال‪( :‬أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم من أهل كتاب تأكلون في آنيتهم فإن وجدتم غير آنيتهم‬
‫فل تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها) ثم ذكر الحديث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وطعامكم حل لهم" دليل على أنهم مخاطبون بتفاصيل شرعنا؛ أي إذا اشتروا منا‬
‫اللحم يحل لهم اللحم ويحل لنا الثمن المأخوذ منهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" الية‪.‬‬
‫قنند تقدم معناهننا فنني "البقرة" و"النسنناء" والحمنند ل‪ .‬وروي عننن ابننن عباس فنني قوله تعالى‪:‬‬
‫"والمحصننات منن الذينن أوتوا الكتاب"‪ .‬هنو على العهند دون دار الحرب فيكون خاصنا‪ .‬وقال‬
‫غيره‪ :‬يجوز نكاح الذمينة والحربينة لعموم الينة‪ .‬وروي عنن ابنن عباس أننه قال‪" :‬المحصننات"‬
‫العفيفات العاقلت‪ .‬وقال الشعننبي‪ :‬هننو أن تحصننن فرجهننا فل تزننني‪ ،‬وتغتسننل مننن الجنابننة‪ .‬وقرأ‬
‫الشعبي "والمحصنات" بكسر الصاد‪ ،‬وبه قرأ الكسائي‪ .‬وقال مجاهد‪" :‬المحصنات" الحرائر؛ قال‬
‫أبنو عبيند‪ :‬يذهنب إلى أننه ل يحنل نكاح إماء أهنل الكتاب؛ لقوله تعالى‪" :‬فمنن منا ملكنت أيمانكنم منن‬
‫فتيانكم المؤمنات" [النساء‪ ]25 :‬وهذا القول الذي عليه جلة العلماء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنن يكفنر باليمان" قينل‪ :‬لمنا قال تعالى‪" :‬المحصننات منن الذينن أوتوا الكتاب"‬
‫قال نسنناء أهننل الكتاب‪ :‬لول أن ال تعالى رضنني ديننننا لم يبننح لكننم نكاحنننا؛ فنزلت "ومننن يكفننر‬
‫اليمان" أي بمنا أنزل على محمند‪ .‬وقال أبنو الهيثنم‪ :‬الباء صنلة؛ أي ومنن يكفنر اليمان أي يجحده‬
‫"فقد حبط عمله" وقرأ ابن السميقع "فقد حبط" بفتح الباء‪ .‬وقيل‪ :‬لما ذكرت فرائض وأحكام يلزم‬
‫القيام بها‪ ،‬ذكر الوعيد على مخالفتها؛ لما في ذلك من تأكيد الزجر عن تضييعها‪ .‬وروي عن ابن‬
‫عباس ومجاهد أن المعنى‪ :‬ومن يكفر بال؛ قال الحسن بن الفضل‪ :‬إن صحت هذه الرواية فمعناها‬
‫برب اليمان‪ .‬وقال الشيننخ أبننو الحسننن الشعري‪ :‬ول يجوز أن يسننمى ال إيمانننا خلفننا للحشوينة‬
‫والسنالمية؛ لن اليمان مصندر آمنن يؤمنن إيماننا‪ ،‬واسنم الفاعنل مننه مؤمنن؛ واليمان التصنديق‪،‬‬
‫والتصديق ل يكون إل كلما‪ ،‬ول يجوز أن يكون الباري تعالى كلما‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 6 :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا إذا قمتنم إلى الصنلة فاغسنلوا وجوهكنم وأيديكنم إلى المرافنق‬
‫وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر‬
‫أو جاء أحنند منكننم مننن الغائط أو لمسننتم النسنناء فلم تجدوا ماء فتيمموا صننعيدا طيبننا فامسننحوا‬
‫بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد ال ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم‬
‫لعلكم تشكرون}‬
‫@ ذكنر القشيري وابنن عطينة أن هذه الينة نزلت فني قصنة عائشنة حينن فقدت العقند فني غزوة‬
‫المريسننيع‪ ،‬وهنني آيننة الوضوء‪ .‬قال ابننن عطيننة‪ :‬لكننن مننن حيننث كان الوضوء متقررا عندهننم‬
‫مسنتعمل‪ ،‬فكأن الينة لم تزدهنم فينه إل تلوتنه‪ ،‬وإنمنا أعطتهنم الفائدة والرخصنة فني التيمنم‪ .‬وقند‬
‫ذكرننا فني آينة "النسناء" خلف هذا‪ ،‬وال أعلم‪ .‬ومضمون هذه الينة داخنل فيمنا أمنر بنه منن الوفاء‬
‫بالعقود وأحكام الشرع‪ ،‬وفيما ذكر من إتمام النعمة؛ فإن هذه الرخصة من إتمام النعم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في المعنى المراد بقوله‪" :‬إذا قمتم إلى الصلة" على أقوال؛ فقالت طائفة‪ :‬هذا‬
‫لفنظ عام فني كنل قيام إلى الصنلة‪ ،‬سنواء كان القائم متطهرا أو محدثنا؛ فإننه ينبغني له إذا قام إلى‬
‫الصنلة أن يتوضنأ‪ ،‬وكان عنل يفعله ويتلو هذه الينة؛ ذكره أبنو محمند الدرامني فني مسننده‪ .‬وروي‬
‫مثله عن عكرمة‪ .‬وقال ابن سيرين‪ :‬كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فالية على هذا محكمة ل نسخ فيها‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬الخطاب خاص بالنبي صلى ال عليه‬
‫وسنلم؛ قال عبدال بنن حنظلة بنن أبني عامنر الغسنيل‪ :‬إن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أمنر بالوضوء‬
‫عنند كنل صنلة فشنق ذلك علينه؛ فأمنر بالسنواك ورفنع عننه الوضوء إل منن حدث‪ .‬وقال علقمنة بنن‬
‫الفغواء عن أبيه ‪ -‬وهو من الصحابة‪ ،‬وكان دليل رسول ال صلى ال عليه وملم إلى تبوك‪ :‬نزلت‬
‫هذه الية رخصة لرسول ال صلى ال عليه وسلم؛ لنه كان ل يعمل عمل إل وهو على وضوء‪،‬‬
‫ول يكلم أحدا ول يرد سننلما إلى غيننر ذلك؛ فأعلمننه ال بهذه اليننة أن الوضوء إنمننا هننو قيام إلى‬
‫الصنلة فقنط دون سنائر العمال‪ .‬وقالت طائفنة‪ :‬المراد بالينة الوضوء لكنل صنلة طلبنا للفضنل؛‬
‫وحملوا المنر على الندب‪ ،‬وكان كثينر منن الصنحابة منهنم ابنن عمنر يتوضؤون لكنل صنلة طلبنا‬
‫للفضننل‪ ،‬وكان عليننه الصننلة والسننلم يفعننل ذلك إلى أن جمننع يوم الفتننح بيننن الصننلوات الخمننس‬
‫بوضوء واحد‪ ،‬إرادة البيان لمته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وظاهنر هذا القول أن الوضوء لكنل صنلة قبنل ورود الناسنخ كان مسنتحبا ل إيجابنا ولينس‬
‫كذلك؛ فإن المنر إذا ورد‪ ،‬مقتضاه الوجوب؛ ل سنيما عنند الصنحابة رضوان ال عليهنم‪ ،‬على منا‬
‫هو معروف من سيرتهم‪ .‬وقال آخرون‪ :‬إن الفرض في كل وضوء كان لكل صلة ثم نسخ في فتح‬
‫مكنة؛ وهذا غلط لحدينث أننس قال‪ :‬كان الننبي صنلى ال علينه وسنلم يتوضنأ لكنل صنلة‪ ،‬وأن أمتنه‬
‫كاننت على خلف ذلك‪ ،‬وسنيأتي؛ ولحدينث سنويد بنن النعمان أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم صنلى‬
‫وهنو بالصنهباء العصنر والمغرب بوضوء واحند؛ وذلك فني غزوة خينبر‪ ،‬وهني سننة سنت‪ ،‬وقينل‪:‬‬
‫سننة سنبع‪ ،‬وفتنح مكنة كان فني سننة ثمان؛ وهنو حدينث صنحيح رواه مالك فني موطئه‪ ،‬وأخرجنه‬
‫البخاري ومسلم؛ فبان بهذين الحديثين أن الفرض لم يكن قبل الفتح لكل صلة‪ .‬فإن قيل‪ :‬فقد روى‬
‫مسلم عن بريدة بن الحصيب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلة‪ ،‬فلما كان‬
‫يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد‪ ،‬ومسح على خفيه‪ ،‬فقال عمر رضي ال عنه‪ :‬لقد صنعت‬
‫اليوم شيئا لم تكنن تصننعه؛ فقال‪( :‬عمدا صننعته ينا عمنر)‪ .‬فلم سنأله عمنر واسنتفهمه؟ قينل له‪ :‬إنمنا‬
‫سنأله لمخالفتنه عادتنه مننذ صنلته بخينبر؛ وال أعلم‪ .‬وروى الترمذي عنن أننس أن الننبي صنلى ال‬
‫عليننه وسننلم كان يتوضننأ لكننل صننلة طاهرا وغيننر طاهننر؛ قال حمينند‪ :‬قلت لنننس‪ :‬وكيننف كنتننم‬
‫تصنعون أنتم؟ قال‪ :‬كنا نتوضأ وضوءا واحدا؛ قال‪ :‬حديث حسن صحيح؛ وروي عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬الوضوء على الوضوء نور) فكان عليه السلم يتوضأ مجددا لكل صلة‪،‬‬
‫وقد سلم عليه وجل وهو يبول فلم يرد عليه حتى تيمم ثم رد السلم وقال‪( :‬إني كرهت أن أذكر ال‬
‫إل على طهنر) رواه الدارقطنني‪ .‬وقال السندي وزيند بنن أسنلم‪ :‬معننى الينة "إذا قمتنم إلى الصنلة"‬
‫يريد من المضاجع يعني النوم‪ ،‬والقصد بهذا التأويل أن يعم الحداث بالذكر‪ ،‬ول سيما النوم الذي‬
‫هو مختلف فيه هل هو حدث في نفسه أم ل؟ وفي الية على هذا التأويل تقديم وتأخير؛ التقدير‪ :‬يا‬
‫أيهنا الذينن آمنوا إذا قمتنم إلى الصنلة منن النوم‪ ،‬أو جاء أحند منكنم منن الغائط أو لمسنتم النسناء ‪-‬‬
‫يعنني الملمسنة الصنغرى ‪ -‬فاغسنلوا؛ فتمنت أحكام المحدث حدثنا أصنغر‪ .‬ثنم قال‪" :‬وإن كنتنم جنبنا‬
‫فاطهروا" فهذا حكنم نوع آخنر؛ ثنم قال للنوعينن جميعنا‪" :‬وإن كنتنم مرضنى أو على سنفر أو جاء‬
‫أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا" [النساء‪ .]43 :‬وقال‬
‫بهذا التأوينل محمند بنن مسنلمة منن أصنحاب مالك ‪ -‬رحمنه ال ‪ -‬وغيره‪ .‬وقال جمهور أهنل العلم‪:‬‬
‫معننى الينة إذا قمتنم إلى الصنلة محدثينن؛ ولينس فني الينة على هذا تقدينم وتأخينر‪ ،‬بنل ترتنب فني‬
‫الية حكم واجد الماء إلى قوله‪ :‬فاطهروا" ودخلت الملمسة الصغرى في قوله "محدثين"‪ .‬ثم ذكر‬
‫بعنند قوله‪" :‬وإن كنتننم جنبننا فاطهروا" حكننم عادم الماء مننن النوع جميعننا‪ ،‬وكانننت الملمسننة هنني‬
‫الجماع‪ ،‬ول بد أن يذكنر الجنب العادم الماء كما ذكر الواجد؛ وهذا تأويل الشافعي وغيره؛ وعليه‬
‫تجيء أقوال الصحابة كسعد بن أبي وقاص وابن عباس وأبي موسى الشعري وغيرهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذان التأويلن أحسن ما قيل في الية؛ وال أعلم‪ .‬ومعنى "إذا قمتم" إذا أردتم‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪" :‬فإذا قرأت القرآن فاسنتعذ" [النحنل‪ ، ]98 :‬أي إذا أردت؛ لن الوضوء حالة القيام إلى‬
‫الصلة ل يمكن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين‬
‫ذكنر تعالى أربعنة أعضاء‪ :‬الوجنه وفرضنه الغسنل واليدينن كذلك والرأس وفرضنه المسنح اتفاقنا‬
‫واختلف فني الرجلينن على منا يأتني‪ ،‬لم يذكنر سنواها فدل ذلك على أن منا عداهنا آداب وسننن‪ .‬وال‬
‫أعلم‪ .‬ول بد في غسل الوجه من نقل الماء إليه‪ ،‬وإمرار اليد عليه؛ وهذه حقيقة الغسل عندنا‪ ،‬وقد‬
‫بيناه فنني "النسنناء"‪ .‬وقال غيرنننا‪ :‬إنمننا عليننه إجراء الماء وليننس عليننه دلك بيده؛ ول شننك أنننه إذا‬
‫انغمنس الرجنل فني الماء وغمنس وجهنه أو يده ولم يدلك يقال‪ :‬غسنل وجهنه ويده‪ ،‬ومعلوم أننه ل‬
‫يعتبر في ذلك غير حصول السم‪ ،‬فإذا حصل كفى‪ .‬والوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة‪ ،‬وهو‬
‫عضو مشتمل على أعضاء وله طول وعرض؛ فحده في الطول من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى‬
‫اللحييننن‪ ،‬ومننن الذن إلى الذن فنني العرض‪ ،‬وهذا فنني المرد؛ وأمننا الملتحنني فإذا اكتسننى الذقننن‬
‫بالشعر فل يخلو أن يكون خفيفا أو كثيفا؛ فإن كان الول بحيث تبين منه البشرة فل بد من إيصال‬
‫الماء إليهنا‪ ،‬وإن كان كثيفنا فقند انتقنل الفرض إلينه كشعنر الرأس؛ ثنم منا زاد على الذقنن منن الشعنر‬
‫واسنترسل منن اللحينة‪ ،‬فقال سنحنون عنن ابنن القاسنم‪ :‬سنمعت مالكنا سنئل‪ :‬هنل سنمعت بنع أهنل العلم‬
‫يقول إن اللحية من الوجه فليمر عليها الماء؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وتخليلها في الوضوء ليس من أمر الناس‪،‬‬
‫وعاب ذلك على من فعله‪ .‬وذكر ابن القاسم أيضا عن مالك قال‪ :‬يحرك المتوضئ ظاهر لحيته من‬
‫غينر أن يدخنل يده فيهنا؛ قال‪ :‬وهني مثنل أصنابع الرجلينن‪ .‬قال ابنن عبدالحكنم‪ :‬تخلينل اللحينة واجنب‬
‫فني الوضوء والغسنل‪ .‬قال أبنو عمنر‪ :‬روي عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه خلل لحيتنه فني‬
‫الوضوء منن وجوه كلهنا ضعيفنة‪ .‬وذكنر ابنن خوينز منداد‪ :‬أن الفقهاء اتفقوا على أن تخلينل اللحينة‬
‫لينس بواجنب فني الوضوء‪ ،‬إل شينء روي عنن سنعيد بنن جنبير؛ قوله‪ :‬منا بال الرجنل يغسنل لحيتنه‬
‫قبل أن تنبت فإذا نبتت لم يغسلها‪ ،‬وما بال المرد يغسل ذقنه ول يغسله ذو اللحية؟ قال الطحاوي‪:‬‬
‫التيمننم واجننب فينه مسننح البشرة قبننل نبات الشعننر فنني الوجنه ثننم سننقط بعده عنند جميعهننم‪ .‬فكذلك‬
‫الوضوء‪ .‬قال أبنو عمنر‪ :‬منن جعنل غسنل اللحينة كلهنا واجبنا جعلهنا وجهنا؛ لن الوجنه مأخوذ منن‬
‫المواجهنة‪ ،‬وال قند أمنر بغسنل الوجنه أمرا مطلقنا لم يخنص صناحب لحينة منن أمرد؛ فوجنب غسنلها‬
‫بظاهر القرآن لنها بدل من البشرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬واختار هذا القول ابنن العربني وقال‪ :‬وبنه أول؛ لمنا روي أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم‬
‫كان يغسل لحيته‪ ،‬خرجه الترمذي وغيره؛ فعين المحتمل بالفعل‪ .‬وحكى ابن المنذر عن إسحاق أن‬
‫منن ترك تخلينل لحيتنه عامدا أعاد‪ .‬وروى الترمذي عنن عثمان بنن عفان أن الننبي صنلى ال علينه‬
‫وسنلم كان يخلل لحيتنه؛ قال‪ :‬هذا حدينث حسنن صنحيح؛ قال أبنو عمنر‪ :‬ومنن لم يوجنب غسنل منا‬
‫انسدل من اللحية ذهب إلى أن الصل المأمور بغسله البشرة‪ ،‬فوجب غسل ما ظهر فوق البشرة‪،‬‬
‫ومنا انسندل منن اللحينة لينس تحتنه منا يلزم غسنله‪ ،‬فيكون غسنل اللحينة بدل مننه‪ .‬واختلفوا أيضنا فني‬
‫غسنل منا وراء العذار إلى الذن؛ فروى ابنن وهنب عنن مالك قال‪ :‬لينس منا خلف الصندغ الذي منن‬
‫وراء شعنر اللحينة إلى الذقنن منن الوجنه‪ .‬قال أبنو عمنر‪ :‬ل أعلم أحدا منن فقهاء المصنار قال بمنا‬
‫رواه ابننن وهننب عننن مالك‪ .‬وقال أبننو حنيفننة وأصننحابه‪ :‬البياض بيننن العذار والذن مننن الوجننه‪.‬‬
‫وغسننله واجننب؛ ونحوه قال الشافعنني وأحمنند‪ .‬وقيننل‪ :‬يغسننل البياض اسننتحبابا؛ قال ابننن العربنني‪:‬‬
‫والصحيح عندي أنه ل يلزم غسله إل للمرد ل للمعذر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهننو اختيار القاضنني عبدالوهاب؛ وسننبب الخلف هننل تقننع عليننه المواجهننة أم ل؟ وال‬
‫أعلم‪ .‬وبسبب هذا الحتمال اختلفوا هل يتناول المر بغسل الوجه باطن النف والفم أم ل؟ فذهب‬
‫أحمد بن حنبل وإسحاق وغيرهما إلى وجوب ذلك في الوضوء والغسل‪ ،‬إل أن أحمد قال‪ :‬يعيد من‬
‫ترك السنتنشاق فني وضوئه ول يعيند منن ترك المضمضنة‪ .‬وقال عامنة الفقهاء‪ :‬همنا سننتان فني‬
‫الوضوء والغسننل؛ لن المننر إنمننا يتناول الظاهننر دون الباطننن‪ ،‬والعرب ل تسننمي وجهننا إل مننا‬
‫وقعنت بنه المواجهنة‪ ،‬ثنم إن ال تعالى لم يذكرهمنا فني كتابنه‪ ،‬ول أوجبهمنا المسنلمون‪ ،‬ول لتفنق‬
‫الجمينع علينه؛ والفرائض ل تثبنت إل منن هذه الوجوه‪ .‬وقند مضنى هذا المعننى فني "النسناء"‪ .‬وأمنا‬
‫العينان فالناس كلهنم مجمعون على أن داخنل العينينن ل يلزم غسنله‪ ،‬إل منا روي عنن عبدال بنن‬
‫عمننر أنننه كان ينضننح الماء فنني عينيننه؛ وإنمننا سننقط غسننلهما للتأذي بذلك والحرج بننه؛ قال ابننن‬
‫العربني‪ :‬ولذلك كان عبدال بنن عمنر لمنا عمني يغسنل عينينه إذ كان ل يتأذى بذلك؛ وإذا تقرر هذا‬
‫من حكم الوجه فل بد من غسل جزء من الرأس مع الوجه من غير تحديند‪ ،‬كما ل بد على القول‬
‫بوجوب عموم الرأس منن مسنح جزء معنه منن الوجنه ل يتقدر؛ وهذا ينبنني على أصنل منن أصنول‬
‫الفقه وهو‪" :‬أن ما ل يتم الواجب إل به اجب مثله" وال أعلم‪.‬‬
‫@ وجمهور العلماء على أن الوضوء ل بند فينه منن نينة؛ لقول علينه السنلم‪( :‬إنمنا العمال‬
‫بالنيات)‪ .‬قال البخاري‪ :‬فدخنل فينه اليمان والوضوء والصنلة والزكاة والحنج والصنوم والحكام؛‬
‫وقال ال تعالى‪" :‬قل كل يعمل على شاكلته" [السراء‪ ، ]84 :‬يعني على نيته‪ .‬وقال النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬ولكن جهاد ونية)‪ .‬وقال كثير من الشافعية‪ :‬ل حاجة إلى نية؛ وهو قول الحنفية؛‬
‫قالوا‪ :‬ل تجنب النينة إل فني الفروض التني هني مقصنودة لعيانهنا ولم تجعنل سنببا لغيرهنا‪ ،‬فأمنا منا‬
‫كان شرطنا لصنحة فعنل آخنر فلينس يجنب ذلك فينه بنفنس ورود المنر إل بدللة تقارننه‪ ،‬والطهارة‬
‫شرط؛ فإن منن ل صنلة علينه ل يجنب علينه فرض الطهارة‪ ،‬كالحائض والنفسناء‪ .‬احتنج علماؤننا‬
‫وبعنض الشافعينة بقوله تعالى‪" :‬إذا قمتنم إلى الصنلة فاغسنلوا وجوهكنم" فلمنا وجنب فعنل الغسنل‬
‫كانت النية شرطا في صحة الفعل؛ أن الفرض من قبل ال تعالى فينبغي أن يجب فعل ما أمر ال‬
‫بنه؛ فإذا قلننا‪ :‬إن النينة ل تجنب علينه لم يجنب علينه القصند إلى فعنل منا أمره ال تعالى‪ ،‬ومعلوم أن‬
‫الذي اغتسنل تنبردا أو لغرض منا‪ ،‬قصند أداء الواجنب؛ وصنح فني الحدينث أن الوضوء يكفنر؛ فلو‬
‫صح بغير نية لما كفر‪ .‬وقال تعالى‪" :‬وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين" [البينة‪.]5 :‬‬
‫@ قال ابنن العربني‪ ،‬قال بعنض علمائننا‪ :‬إن منن خرج إلى النهنر بنينة الغسنل أجزأه‪ ،‬وإن عزبنت‬
‫نيته في الطريق‪ ،‬ولو خرج إلى الحمام فعزبت في أثناء الطريق بطلت النية‪ .‬قال القاضي أبو بكر‬
‫بنن العربني رضني ال عننه‪ :‬فركنب على هذا سنفاسفة المفتينن أن نينة الصنلة تتخرج على القولينن‪،‬‬
‫وأوردوا فيهننا نصننا عمننن ل يفرق بيننن الظننن واليقيننن بأنننه قال‪ :‬يجوز أن تتقدم فيهننا النيننة على‬
‫التكننبير؛ ويننا ل وينا للعالمينن منن أمننة أرادت أن تكون مفتينة مجتهدة فمننا وفقهنا ال ول سنددها؛‬
‫اعلموا رحمكنم ال أن النينة فني الوضوء مختلف فني وجوبهنا بينن العلماء‪ ،‬وقند اختلف فيهنا قول‬
‫مالك؛ فلمنا نزلت عنن مرتبنة التفاق سنومح فني تقديمهنا فني بعنض المواضنع‪ ،‬فأمنا الصنلة فلم‬
‫يختلف أحد من الئمة فيها‪ ،‬وهي أصل مقصود‪ ،‬فكيف يحمل الصل المقصود المتفق عليه على‬
‫الفرع التابنع المختلف فينه! هنل هذا إل غاينة الغباوة؟ وأمنا الصنوم فإن الشرع رفنع الحرج فينه ل‬
‫كان ابتداؤه في وقت الغفلة بتقديم النية عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأيديكنم إلى المرافنق" واختلف الناس فني دخول المرافق فني التحديد؛ فقال قوم‪:‬‬
‫نعم؛ لن ما بعد "إلى" إذا كان من نوع ما قبلها دخل فيه؛ قال سيبويه وغيره‪ ،‬وقد مضى هذا في‬
‫"البقرة" مبينننا‪ .‬وقيننل‪ :‬ل يدخننل المرفقان فنني الغسننل؛ والروايتان مرويتان عننن مالك؛ الثانيننة‬
‫لشهب؛ والولى عليها أكثر العلماء وهو الصحيح؛ لما رواه الدارقطني عن جابر أن النبي صلى‬
‫ال عليننه وسننلم كان إذا توضننأ أدار الماء على مرفقيننه‪ .‬وقنند قال بعضهننم‪ :‬إن "إلى" بمعنننى مننع‪،‬‬
‫كقولهنم‪ :‬الذود إلى الذود إبنل‪ ،‬أي منع الذود‪ ،‬وهذا ل يحتاج إلينه كمنا بيناه فني "النسناء"؛ ولن اليند‬
‫عنند العرب تقنع على أطراف الصنابع إلى الكتنف‪ ،‬وكذلك الرجنل تقنع على الصنابع إلى أصنل‬
‫الفخنذ؛ فالمرفنق داخنل تحنت اسنم اليند‪ ،‬فلو كان المعننى منع المرافنق لم يفند‪ ،‬فلمنا قال‪" :‬إلى" اقتطنع‬
‫منن حند المرافنق عنن الغسنل‪ ،‬وبقينت المرافنق مغسنولة إلى الظفنر‪ ،‬وهذا كلم صنحيح يجري على‬
‫الصول لغة ومعنى؛ قال ابن العربي‪ :‬وما فهم أحد مقطع المسألة إل القاضي أبو محمد فإنه قان‪:‬‬
‫إن قوله "إلى المرافق" حد للمتروك من اليدين ل للمغسول فيه؛ ولذلك تدخل المرافق في الغسل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وما كان اليد والرجل تنطلق في اللغة على ما ذكرنا كان أبو هريرة يبلغ بالوضوء إبطه‬
‫وسنناقه ويقول‪ :‬سننمعت خليلي صننلى ال عليننه وسننلم يقول‪( :‬تبلغ الحليننة مننن المؤمننن حيننث يبلغ‬
‫الوضوء)‪ .‬قال القاضنني عياض‪ :‬والناس مجمعون على خلف هذا‪ ،‬وأل يتعدى بالوضوء حدوده؛‬
‫لقوله عليه السلم‪( :‬فمن زاد فقد تعدى وظلم)‪ .‬وقال غيره‪ :‬كان هذا الفعل مذهبا له ومما انفرد به‪،‬‬
‫ولم يحكننه عننن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم وإنمننا اسننتنبطه مننن قوله عليننه السننلم‪( :‬أنتننم الغننر‬
‫المحجلون) ومن قوله‪( :‬تبلغ الحلية) كما ذكر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وامسحوا برؤوسكم" تقدم في "النساء" أن المسح لفظ مشترك‪ .‬وأما الرأس فهو‬
‫عبارة عنن الجملة التني يعلمهنا الناس ضرورة ومنهنا الوجنه‪ ،‬فلمنا ذكره ال عنز وجنل فني الوضوء‬
‫وعينن الوجنه للغسنل بقني باقينه للمسنح‪ ،‬ولو لم يذكنر الغسنل للزم مسنح جميعنه‪ ،‬منا علينه شعنر منن‬
‫الرأس وما فيه العينان والنف والفم؛ وقد أشار مالك في وجوب مسح الرأس إلى ما ذكرناه؛ فإنه‬
‫سننئل عننن الذي يترك بعننض رأسننه فنني الوضوء فقال‪ :‬أرأيننت إن ترك غسننل بعننض وجهننه أكان‬
‫يجزئه؟ ووضح بهذا الذي ذكرناه أن الذنين من الرأس‪ ،‬وأن حكمهما حكم الرأس خلفا للزهري‪،‬‬
‫حينث قال‪ :‬همنا منن الوجنه يغسنلن معنه‪ ،‬وخلفنا للشعنبي‪ ،‬حينث قال‪ :‬منا أقبنل منهمنا منن الوجنه‬
‫وظاهرهمنا منن الرأس؛ وهنو قول الحسنن وإسنحاق‪ ،‬وحكاه ابن أبني هريرة عنن الشافعني‪ ،‬وسنيأتي‬
‫بيان حجتهمنا؛ وإنمنا سنمي الرأس رأسنا لعلوه ونبات الشعنر فينه‪ ،‬ومننه رأس الجبنل؛ وإنمنا قلننا إن‬
‫الرأس اسم لجملة أعضاء لقول الشاعر‪:‬‬
‫وغودر عند الملتقى ثم سائري‬ ‫إذا احتملوا رأسي وفي الرأس أكثري‬
‫@ واختلف العلماء فني تقدينر مسنحه على أحند عشنر قول؛ ثلثنة لبني حنيفنة‪ ،‬وقولن للشافعني‪،‬‬
‫وستة أقوال لعلمائنا؛ والصحيح منها واحد وهو وجوب التعميم لما ذكرناه‪ .‬وأجمع العلماء على أن‬
‫مسح رأسه كله فقد أحسن وفعل ما يلزمه؛ والباء مؤكدة زائدة ليست للتبعيض‪ :‬والمعنى وامسحوا‬
‫رؤوسكم‪ .‬وقيل‪ :‬دخولها حسن كدخولها في التيمم في قوله‪" :‬فامسحوا بوجوهكم" فلو كان معناها‬
‫التبعيض لفادته في ذلك الموضع‪ ،‬وهذا قاطع‪ .‬وقيل‪ :‬إنما دخلت لتفيد معنى بديعا وهو أن الغسل‬
‫لغنة يقتضني مغسنول بنه‪ ،‬والمسنح لغنة ل يقتضني ممسنوحا بنه؛ فلو قال‪ :‬وامسنحوا رؤوسنكم لجزأ‬
‫المسنح باليند إمرارا منن غينر شينء على الرأس؛ فدخلت الباء لتفيند ممسنوحا بنه وهنو الماء‪ ،‬فكأننه‬
‫قال‪ :‬وامسننحوا برؤوسننكم الماء؛ وذلك فصننيح فنني اللغننة على وجهيننن؛ إمننا على القلب كمننا أنشنند‬
‫سيبويه‪:‬‬
‫ومسحت باللثتين عصف الثمد‬ ‫كنواح ريش حمامة بخديه‬
‫واللثنة هني الممسنوحة بعصنف الثمند فقلب‪ ،‬وإمنا على الشتراك فني الفعنل والتسناوي فني نسنبته‬
‫كقول الشاعر‪:‬‬
‫نجران أو بلغت سوءاتهم هجر‬ ‫مثل القنافذ هداجون قد بلغت‬
‫فهذا ما لعلمائنا في معنى الباء‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬احتمل قول ال تعالى‪" :‬وامسحوا برؤوسكم" بعض‬
‫الرأس ومسح جميعه فدلت السنة أن مسح بعضه يجزئ‪ ،‬وهو أن النبي صلى ال علبه وسلم مسح‬
‫بناصنيته؛ وقال فني موضنع آخنر‪ :‬فإن قينل قند قال ال عنز وجنل‪" :‬فامسنحوا بوجوهكنم" فني التيمنم‬
‫أيجزئ بعنض الوجنه فينه؟ قينل له‪ :‬مسنح الوجنه فني التيمنم بدل منن غسنله؛ فل بند أن يأتني بالمسنح‬
‫على جمينع موضنع الغسنل مننه‪ ،‬ومسنح الرأس أصنل؛ فهذأ فرق منا بينهمنا‪ .‬أجاب علماؤننا عنن‬
‫الحدينث بأن قالوا‪ :‬لعنل الننبي صنلى ال علينه وسنلم فعنل ذلك لعذر ل سنيما وكان هذا الفعنل مننه‬
‫صنلى ال علينه وسنلم فني السنفر وهنو مظننة العذار‪ ،‬وموضنع السنتعجال والختصنار‪ ،‬وحذف‬
‫كثينر منن الفرائض لجنل المشقات والخطار؛ ثنم هو لم يكتنف بالناصنية حتنى مسنح على العمامنة؛‬
‫أخرجنه مسنلم منن حدينث المغيرة بنن شعبنة؛ فلو لم يكنن مسنح جمينع الرأس واجبنا لمنا مسنح على‬
‫العمامة؛ وال أعلم‪.‬‬
‫@ وجمهور العلماء على أن مسحة واحدة موعبة كاملة تجزئ‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬يمسح رأسه ثلثا؛‬
‫وروي عن أنس وسعيد بن جبير وعطاء‪ .‬وكان ابن سيرين يمسح مرتين‪ .‬قال أبو داود‪ :‬وأحاديث‬
‫عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة؛ فإنهم ذكروا الوضوء ثلثا‪ ،‬قالوا فيها‪ :‬ومسح‬
‫برأسه ولم يذكروا عددا‪.‬‬
‫@ واختلفوا منن أينن يبدأ بمسنحه؛ فقال مالك‪ :‬يبدأ بمقدم رأسنه‪ ،‬ثنم يذهنب بيدينه إلى مؤخره‪ ،‬ثنم‬
‫يردهما إلى مقدمه؛ على حديث عبدال بن زيد أخرجه مسلم؛ وبه يقول الشافعي وابن حنبل‪ .‬وكان‬
‫الحسنن بنن حني يقول‪ :‬يبدأ مؤخنر الرأس؛ على حدينث الربينع بننت معوذ بنن عفراء؛ وهنو حدينث‬
‫يختلف في ألفاظه‪ ،‬وهو يدور‪ .‬على عبدال بن محمد بن عقيل وليس بالحافظ عندهم؛ أخرجه أبو‬
‫داود منن رواينة بشنر بن المفضنل عن عبدال عن الربيع‪ ،‬وروي ابنن عجلن عنه عن الربيع‪ :‬أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم توضأ عندنا فمسح الرأس كله من قرن الشعر كل ناحية بمنصب‬
‫الشعنر‪ ،‬ل يحرك الشعنر عنن هيئتنه؛ وروينت هذه الصنفة عنن ابنن عمنر‪ ،‬وأننه كان يبدأ منن وسنط‬
‫رأسه‪ .‬وأصح ما في هذا الباب حديث عبدال بن زيد؛ وكل من أجاز بعض الرأس فإنما يرى ذلك‬
‫البعنض فني مقدم الرأس‪ .‬وروي عنن إبراهينم والشعنبي أنهمنا قال‪ :‬أي نواحني رأسنك مسنحت أجزأ‬
‫عنننك‪ .‬ومسننح عمننر اليافوخ فقننط‪ .‬والجماع منعقنند على اسننتحسان المسننح باليديننن معننا‪ ،‬وعلى‬
‫الجزاء إن مسنح بيند واحدة‪ .‬واختلف فيمنن مسنح بإصنبع واحدة حتنى عنم منا يرى أننه يجزئه منن‬
‫الرأس؛ فالمشهور أن ذلك يجزئ‪ ،‬وهنو قول سنفيان الثوري؛ قال سنفيان‪ :‬إن مسنح رأسنه بإصنبع‬
‫واحدة أجزأه‪ .‬وقينل‪ :‬إن ذلك ل يجزئ؛ لننه خروج عنن سننة المسنح وكأننه لعنب‪ ،‬إل أن يكون ذلك‬
‫عنن ضرورة مرض فينبغني أل تنل يختلف فني الجزاء‪ .‬قال أبنو حنيفنة وأبنو يوسنف ومحمند‪ :‬ل‬
‫يجزئ مسح الرأس بأقل من ثلث أصابع؛ واختلفوا في رد اليدين على شعر الرأس هل هو فرض‬
‫أو سنة ‪ -‬بعد الجماع على أن المسحة الولى فرض بالقرآن ‪ -‬فالجمهور على أنه سنة‪ .‬وقيل‪ :‬هو‬
‫فرض‪.‬‬
‫@ فلو غسنل متوضنئ رأسنه بدل المسنح فقال ابنن العربني‪ :‬ل نعلم خلفنا أن ذلك يجزئه‪ ،‬إل منا‬
‫أخبرننا المام فخنر السنلم الشاشني فني الدرس عنن أبني العباس ابنن القاص منن أصنحابهم قال‪ :‬ل‬
‫يجزئه‪ ،‬وهذا تولج فني مذهب الداودينة الفاسند من أتباع الظاهنر المبطنل للشريعة الذي ذمه ال في‬
‫قوله‪" :‬يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا" [الروم‪ ، ]7 :‬وقال تعالى‪" :‬أم بظاهر من القول" [الرعد‪:‬‬
‫‪ ]33‬وإل فقد جاء هذا الغسل بما أمر وزيادة‪ .‬فإن قيل‪ :‬هذه زيادة خرجت عن اللفظ المتعبد به؛‬
‫قلنا‪ :‬ولم يخرج عن معناه في إيصال الفعل إلى المحل؛ وكذلك لو مسح رأسه ثم حلقه لم يكن عليه‬
‫إعادة المسح‪.‬‬
‫@ وأما الذنان فهما الرأس عند مالك وأحمد والثوري وأبي حنيفة وغيرهم‪ ،‬ثم اختلفوا في تجديد‬
‫الماء؛ فقال مالك وأحمند‪ :‬يسنتأنف لهمنا ماء جديدا سنوى الماء الذي مسنح بنه الرأس‪ ،‬على منا فعنل‬
‫ابنن عمنر؛ وهكذا قال الشافعني فني تجديند الماء‪ ،‬وقال‪ :‬همنا سننة على حالهمنا ل من الوجنه ول منن‬
‫الرأس؛ لتفاق العلماء على أننه ل يحلق منا عليهمنا منن الشعنر فني الحنج؛ وقول أبني ثور فني هذا‬
‫كقول الشافعني‪ .‬وقال الثوري وأبو حنيفة‪ :‬يمسنحان منع الرأس بماء واحد؛ وروي عن جماعة من‬
‫السنلف مثنل هذا القول منن الصنحابة والتابعينن‪ .‬وقال داود‪ :‬إن مسنح أذنينه فحسنن‪ ،‬وإل فل شينء‬
‫عليه؛ إذ ليستا مذكورتين في القرآن‪ .‬قيل له‪ :‬اسم الرأس تضمنهما كما بيناه‪ .‬وقد جاءت الحاديث‬
‫الصنحيحة فني كتاب النسنائي وأبني داود وغيرهمنا بأن الننبي صنلى ال علينه وسنلم مسنح ظاهرهمنا‬
‫وباطنهمنا‪ ،‬وأدخنل أصنابعه فني صنماخيه‪ ،‬وإنمنا يدل عدد ذكرهمنا منن الكتاب على أنهمنا ليسنتا‬
‫بفرض كغسنل الوجنه واليدينن‪ ،‬وثبتنت سننة مسنحهما بالسننة‪ .‬وأهنل العلم يكرهون للمتوضنئ ترك‬
‫مسنح أذنينه ويجعلوننه تارك سننة من سننن الننبي صنلى ال عليه وسنلم‪ ،‬ول يوجبون عليه إعادة إل‬
‫إسحاق فإنه قال‪ :‬إن ترك مسح أذنيه لم يجزه‪ .‬وقال أحمد‪ :‬إن تركهما عمدا أحببت أن يعيد‪ .‬وروي‬
‫عنن علي بنن زياد منن أصنحاب مالك أننه قال‪ :‬منن ترك سننة منن سننن الوضوء أو الصنلة عامدا‬
‫أعاد؛ وهذا عند الفقهاء ضعيف‪ ،‬وليس لقائله سلف ول له حظ من النظر‪ ،‬ولو كان كذلك لم يعرف‬
‫الفرض الواجب من غيره؛ وال أعلم‪ .‬احتج قال‪ :‬هما من الوجه بما ثبت عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسنلم أننه كان يقول فني سنجوده‪( :‬سنجد وجهني للذي خلقنه وصنوره وشنق سنمعه وبصنره) فأضاف‬
‫السمع إلى الوجه فثبت أن يكون لهما حكم الوجه‪ .‬وفى مصنف أبي داود من حديث عثمان‪ :‬فغسل‬
‫بطونهما وظهورهما مرة واحدة‪ ،‬ثم غسل رجليه ثم قال‪ :‬أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يتوضأ‪ .‬احتج من قال‪ :‬يغسل ظاهرهما مع الوجه‪ ،‬وباطنها يمس‬
‫منع الرأس بأن ال عنز وجنل قند أمنر بغسنل الوجنه وأمنر بمسنح الرأس؛ فمنا واجهنك منن الذنينن‬
‫وجنب غسنله؛ لننه منن الوجنه ومنا لم يواجهنك وجنب مسنحه لننه منن الرأس‪ ،‬وهذا ترده الثار بأن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم كان يمسح ظاهر أذنيه وباطنهما من حديث علي وعثمان وابن عباس‬
‫والربيع وغيرهم‪ .‬احتج من قال‪ :‬هما من الرأس بقوله صلى ال عليه وسلم من حديث الصنابحي‪:‬‬
‫(فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج أذنيه) الحديث أخرجه مالك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأرجلكم" قرأ نافع وابن عامر والكسائي "وأرجلكم" بالنصب؛ وروى الوليد بن‬
‫مسنلم عنن نافنع أننه قرأ "وأرجلكنم" بالرفنع وهني قراءة الحسنن والعمنش سنليمان؛ وقرأ ابنن كثينر‬
‫وأبو عمرو وحمزة "وأرجلكم" بالخفض ويحسب هذه القراءات اختلف الصحابة والتابعون؛ فمن‬
‫قرأ بالنصنب جعنل العام "اغسنلوا" وبننى على أن الفرض فني الرجلينن الغسنل دون المسنح‪ ،‬وهذا‬
‫مذهب الجمهور والكافة من العلماء‪ ،‬وهو الثابت من فعل النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واللزم من‬
‫قول فنني غيننر مننا حديننث‪ ،‬وقنند رأى قومننا يتوضؤون وأعقابهننم تلوح فنادى بأعلى صننوته (ويننل‬
‫للعقاب منن النار أسنبغوا الوضوء)‪ .‬ثنم إن ال حدهمنا فقال‪" :‬إلى الكعنبين" كمنا قال فني اليدينن‬
‫"إلى المرافنق" فدل على وجوب غسنلهما؛ وال أعلم‪ .‬ومنن قرأ بالخفنض جعنل العامنل الباء‪ ،‬قال‬
‫ابن العربي‪ :‬اتفقت العلماء على وجوب غسلهما‪ ،‬وما علمت من رد ذلك سوى الطبري من فقهاء‬
‫المسلمين‪ ،‬والرافضة من غيرهم‪ ،‬وتعلق الطبري بقراءة الخفض‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قند روي عنن ابنن عباس أننه قال‪ :‬الوضوء غسنلتان ومسنحتان‪ .‬وروي أن الحجاج خطنب‬
‫بالهواز فذكنر الوضوء فقال‪ :‬اغسنلوا وجوهكنم وأيديكنم وامسنحوا برؤوسنكم وأرجلكنم‪ ،‬فإننه لينس‬
‫شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه‪ ،‬فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيهما‪ .‬فسمع ذلك‬
‫أننس بنن مالك فقال‪ :‬صندق ال وكذب الحجاج؛ قال ال وتعالى‪" :‬وامسنحوا برؤوسنكم وأرجلكنم"‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكان إذا مسننح رجليننه بلهمننا‪ ،‬وروي عننن أنننس أيضننا أنننه قال‪ :‬نزل القرآن بالمسننح والسنننة‬
‫بالغسل‪ .‬وكان عكرمة يمسح رجليه وقال‪ :‬ليس في الرجلين غسل إنما نزل فيه المسح‪ .‬وقال عامر‬
‫الشعنبي‪ :‬نزل جبرينل بالمسنح؛ أل ترى أن التيمنم يمسنح فينه منا كان غسنل‪ ،‬ويلغني منا كان مسنحا‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬افترض ال غسنلتين ومسنح‪ .‬وذهنب ابنن جرينر الطنبري إلى أن فرضهمنا التخيينر بينن‬
‫الغسنل والمسنح‪ ،‬وجعنل القراءتينن كالروايتينن؛ قال النحاس‪ :‬ومنن أحسنن منا قينل فينه؛ أن المسنح‬
‫والغسنل واجبان جميعنا‪ ،‬فالمسنح واجنب على قراءة منن قرأ بالخفنض‪ ،‬والغسنل واجنب على قراءة‬
‫منن قرأ بالنصنب‪ ،‬والقراءتان بمنزلة آيتينن‪ .‬قال ابنن عطينة‪ :‬وذهنب قوم ممنن يقرأ بالكسنر إلى أن‬
‫المسح في الرجلين هو الغسل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهنو الصنحيح؛ فإن لفنظ المسنح مشترك‪ ،‬يطلق بمعننى المسنح ويطلق بمعننى الغسنل؛ قال‬
‫الهروي‪ :‬أخبرنا الزهري أخبرنا أبو بكر محمد بن عثمان بن سعيد الداري عن أبي حاتم عن أبي‬
‫زينند النصنناري قال‪ :‬المسننح فنني كلم العرب يكون غسننل ويكون مسننحا‪ ،‬ومنننه يقال للرجننل إذا‬
‫توضأ فغسل أعضاءه‪ :‬قد تمسح؛ ويقال‪ :‬مسح ال ما بك إذا غسلك وطهرك من الذنوب‪ ،‬فإذا ثبت‬
‫بالنقنل عنن العرب أن المسنح يكون بمعننى الغسنل فترجنح قول منن قال‪ :‬إن المراد بقراءة الخفنض‬
‫الغسنل؛ بقراءة النصنب التني ل احتمال فيهنا‪ ،‬وبكثرة الحادينث الثابتنة بالغسنل‪ ،‬والتوعند على ترك‬
‫غسلها في أخبار صحاح ل تحصى كثرة أخرجها الئمة؛ ثم إن المسح في الرأس إنما دخل بين ما‬
‫يغسل لبيان الترتيب على أنه مفعول قبل الرجلين‪ ،‬التقدير فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق‬
‫وأرجلكنم إلى الكعنبين وامسنحوا برؤوسنكم؛ فلمنا كان الرأس مفعول قبنل الرجلينن قدم عليهمنا فني‬
‫التلوة ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬ل أنهمنا مشتركان منع الرأس لتقدمنه عليهمنا فني صنفة التطهينر‪ .‬وقند روى‬
‫عاصنم بنن كلينب عنن أبني عبدالرحمنن السنلمي قال‪ :‬قرأ الحسنن والحسنين ‪ -‬رحمنة ال عليهمنا ‪-‬‬
‫(وأرجلكم) فسمع علي ذلك وكان يقضي بين الناس فقال‪( :‬وأرجلكم) هذا من المقدم والمؤخر من‬
‫الكلم‪ .‬وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي ال عنه قال‪ :‬اغسلوا القدام إلى الكعبين‪.‬‬
‫وكذا روي عنن ابنن مسنعود وابنن عباس أنهمنا قرأ (وأرجلكنم) بالنصنب‪ .‬وقند قينل‪ :‬إن الخفنض فني‬
‫الرجلين إنما جاء مقيد لمسحهما لكن إذا كان عليهما خفان‪ ،‬وتلقينا هذا القيد من رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬إذ لم يصح عنه أنه مسح رجليه إل وعليهما خفان‪ ،‬فبين صلى ال عليه وسلم بفعله‬
‫الحال التي غسل فيه الرجل والحال التي تمسح فيه‪ ،‬وهذا حسن‪ .‬فإن قيل‪ :‬إن المسح على الخفين‬
‫منسنوخ بسنورة (المائدة) ‪ -‬وقند قال ابنن عباس‪ ،‬ورد المسنح أبنو هريرة وعائشنة‪ ،‬وأنكره مالك فني‬
‫رواية عنه ‪ -‬فالجواب أن من نفى شيئا وأثبته غيره فل حجة للنافي‪ ،‬وقد أثبت المسح على الخفين‬
‫عدد كثير من الصحابة وغيرهم‪ ،‬وقد قال الحسن‪ :‬حدثني سبعون رجل من أصحاب النبي صلى‬
‫ال علينه وسنلم أنهنم مسنحوا على الخفينن؛ وقند ثبنت بالنقنل الصنحيح عنن همام قال‪ :‬بال جرينر ثنم‬
‫توضنأ ومسح على خفيه؛ قال إبراهينم النخعني‪ :‬وإن رسول ال صنلى ال علينه وسنلم بال ثم توضنأ‬
‫ومسنح على خفينه‪ .‬وقال إبراهينم النخعني‪ :‬كان يعجبهنم هذا الحدينث؛ لن إسنلم جرينر كان بعند‬
‫نزول (المائدة) وهذا ننص يرد منا ذكروه ومنا احتجوا بنه منن رواينة الواقدي عنن عبدالحميند بنن‬
‫جعفنر عنن أبينه أن جريرا أسنلم فني سنتة عشنر منن شهنر رمضان‪ ،‬وأن (المائدة) نزلت فني ذي‬
‫الحجنة يوم عرفات‪ ،‬وهذا حدينث ل يثبنت لوهاه ؟؟؛ وإنمنا نزل منهنا يوم عرفنة "اليوم أكملت لكنم‬
‫دينكنم" على منا تقدم؛ قال أحمند بنن حنبنل‪ :‬أننا اسنتحسن حدينث جرينر فني المسنح على الخفينن؛ لن‬
‫إسلمه كان بعد نزول (المائدة) وأما ما روي عن أبي هريرة وعائشة رضي ال عنهما فل يصح‪،‬‬
‫أمنا عائشنة فلم يكنن عندهنا بذلك علم؛ ولذلك ردت السنائل إلى علي رضني ال عننه وأحالتنه علينه‬
‫فقالت‪ :‬سله فإنه كان يسافر مع رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ الحديث‪ .‬وأما مالك فما روي عنه‬
‫منن النكار فهنو منكنر ل يصنح‪ ،‬والصنحيح منا قاله عنند موتنه لبنن نافنع قال‪ :‬إنني كننت أخنذ فني‬
‫خاصة نفسي بالطهور ول أرى من مسح مقصرا فيما بجب عليه‪ .‬وعلى هذا حمل أحمد بن حنبل‬
‫ما رواه ابن وهب عنه أنه قال‪ :‬ل أمسح في حضر ول سفر‪ .‬قال أحمد‪ :‬كما روي عن ابن عمر‬
‫أنه أمرهم أن يمسحوا خفافهم وخلع هو وتوضأ وقال‪ :‬حبب إلى الوضوء؛ ونحوه عن أبي أيوب‪.‬‬
‫وقال أحمد رضي ال عنه‪ :‬فمن ترك ذلك على نحو ما تركه ابن عمر وأبو أيوب ومالك لم أنكره‬
‫عليه‪ ،‬وصلينا خلفه ولم نعبه‪ ،‬إل أن يترك ذلك ول يراه كما صنع أهل البدع‪ ،‬فل صلى خلفه‪ .‬واله‬
‫أعلم‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن قوله "وأرجلكم" معطوف على اللفظ دون المعنى‪ ،‬وهذا أيضا يدل على الغسل‬
‫فإن المراعنى المعننى ل اللفنظ‪ ،‬وإنمنا خفنض للجوار كمنا تفعنل العرب؛ وقند جاء هذا فني القرآن‬
‫وغيره قال ال تعالى‪" :‬يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس" [الرحمن‪ ]35 :‬بالجر لن النحاس‬
‫الدخان‪ .‬وقال‪" :‬بنل هنو قرآن مجيند‪ .‬فني لوح محفوظ" [البروج‪ ]22 - 21 :‬بالجنر‪ .‬قال امرؤ‬
‫القيس‪:‬‬
‫كبير أناس في بجاد مزمل‬
‫فخفض مزمل بالجوار‪ ،‬وأن المزمل الرجل وإعرابه الرفع؛ قال زهير‪:‬‬
‫بعدي سوافي المور والقطر‬ ‫لعب الزمان بها وغيرها‬
‫قال أبو حاتم‪ :‬كان الوجه القطر بالرفع ولكنه جره على جوار المور؛ كما قالت العرب‪ :‬هذا جحر‬
‫ضنب خرب؛ فجروه وإنمنا هنو رفنع‪ .‬وهذا مذهنب الخفنش وأبني عنبيدة ورده النحاس وقال‪ :‬هذا‬
‫القول غلط عظيم؛ لن الجوار ل يكون في الكلم أن يقاس عليه‪ ،‬وإنما هو غلط ونظيره القواء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والقاطع في الباب من أن فرض الرجلين الغسل ما قدمناه‪ ،‬وما ثبت من قول عليه الصلة‬
‫والسننلم (ويننل للعقاب وبطون القدام مننن النار) فخوفنننا بذكننر النار عننل مخالفننة مراد ال عننز‬
‫وجل‪ ،‬ومعلوم أن النار ل يعذب بها إل من ترك الواجب‪ ،‬ومعلوم أن المسح ليس شأنه الستيعاب‬
‫ول خلف بين القائلين بالمسح على الرجلين أن ذلك على ظهورهما ل على بطونهما‪ ،‬فتبين بهذا‬
‫الحديث بطلن قول من قال بالمسح‪ ،‬إذ ل مدخل لمسح‪ :‬بطونهما عندهم‪ ،‬وإنما ذلك درك بالغسل‬
‫ل بالمسنح‪ .‬ودلينل آخنر منن وجهنة الجماع؛ وذلك أنهنم اتفقوا على أن منن غسنل قدمينه فقند أدى‬
‫الواجنب علينه‪ ،‬واختلفوا فيمنن مسنح قدمينه؛ فاليقينن منا أجمعوا علينه دون منا اختلفوا فينه‪ .‬ونقنل‬
‫الجمهور كافنة عنن كافنة عنن ننبيهم صنلى ال علينه وسنلم أننه كان يغسنل رجلينه فني وضوئه مرة‬
‫واثنتين وثلثا حتى ينقيهما؛ وحسبك بهذا حجة في الغسل مع ما بيناه‪ ،‬فقد وضح وظهر أن قراءة‬
‫الخفننض المعننني فيهننا الغسننل ل المسننح كمننا ذكرنننا‪ ،‬وأن العامننل فنني قوله "وأرجلكننم" قوله‪:‬‬
‫"فاغسلوا" والعرب قد تعطف الشيء على الشيء بفعل ينفرد به أحدهما تقول‪ :‬أكلت الخبز واللبن‬
‫أي وشربت اللبن؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫علفتها تبنا وماء باردا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫متقلدا سيفا ورمحا‬ ‫ورأيت زوجك في الوغى‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫بالجلهتين ظباؤها ونعامها‬ ‫‪ ....... .‬وأطفلت‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫شراب ألبان وتمر وإقط‬
‫التقديننر‪ :‬علفتهننا تبنننا وسننقيتها ماء‪ .‬ومتقلدا سننيفا وحامل رمحننا‪ .‬وأطفلت بالجهلتيننن ظباؤهننا‬
‫وفرخننت نعامهننا؛ والنعام ل يطفننل إنمننا يفرخ‪ .‬وأطفلت كان لهننا أطفال‪ ،‬والجهلتان جنبتننا الوادي‪.‬‬
‫وشراب ألبان وأكل تمر؛ فيكون قوله‪" :‬وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم" عطف بالغسل على المسح‬
‫حمل على المعنى والمراد الغسل؛ وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إلى الكعبين" روى البخاري‪ :‬حدثني موسى قال أنبأنا وهيب عن عمرو ‪ -‬هو ابن‬
‫يحيى ‪ -‬عن أبيه قال شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبدال بن زيد عن وضوء النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم فدعا بتور من ماء‪ ،‬فتوضأ لهم وضوء النبي صلى ال عليه وسلم؛ فأكفأ على يده من‬
‫التور فغسنل يدينه ثلثنا‪ ،‬ثنم أدخنل يده فني التور فمضمنض واسنتنشق واسنتنثر ثلث غرفات‪ ،‬ثنم‬
‫أدخل يده فغسل وجهه ثلثا‪ ،‬ثم أدخل يديه فغسل يديه إلى المرفقين ثلثا‪ ،‬ثم أدخل يده فمسح رأسه‬
‫فأقبنل بهمنا وأدبر مرة واحدة‪ ،‬ثنم غسنل رجلينه إلى الكعنبين؛ فهذا الحدينث دلينل على أن الباء فني‬
‫قوله "وامسنحوا برؤوسنكم" زائدة لقوله‪ :‬فمسنح رأسنه ولم يقنل برأسنه‪ ،‬وأن مسنح الرأس مرة‪ ،‬وقند‬
‫جاء مبينا في كتاب مسلم من حديث عبدال بن زيد في تفسير قوله‪ :‬فأقبل بهما وأدبر‪ ،‬وبدأ بمقدم‬
‫رأسنه ثنم ذهنب بهمنا إلى قفاه‪ ،‬ثنم ردهمنا حتنى رجنع إلى المكان الذي بدأ مننه‪ .‬واختلف العلماء فني‬
‫الكعنبين فالجمهور على أنهمنا العظمان الناتئان فني جننبي الرجل‪ .‬وأنكنر الصمعي فول الناس‪ :‬إن‬
‫الكعب في ظهر القدم؛ قال في (الصحاح) وروي عن ابن القاسم‪ ،‬وبه قال محمد بن الحسن؛ قال‬
‫ابنن عطينة‪ :‬ول أعلم أحدا جعنل حند الوضوء إلى هذا‪ ،‬ولكنن عبدالوهاب فني التلقينن جاء فني ذلك‬
‫بلفنظ فينه تخلينط وإيهام؛ وقال الشافعني رحمنه ال‪ :‬لم أعلم مخالفنا فني أن الكعنبين همنا العظمان فني‬
‫مجمنع مفصنل السناق؛ وروى الطنبري عنن يوننس عنن أشهنب عنن مالك قال‪ :‬الكعبان اللذان يجنب‬
‫الوضوء ليهما هما العظمان الملتصقان بالساق المحاذيان للعقب‪ ،‬وليس الكعب بالظاهر في وجه‬
‫القدم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا هنو الصنحيح لغنة وسننة فإن الكعنب فني كلم العرب مأخوذ منن العلو ومننه سنميت‬
‫الكعبة؛ وكعبت المرأة إذا فلك ثديها‪ ،‬وكعب القناة أنبوبها‪ ،‬وأنبوب ما بين كل عقدتين كعب‪ ،‬وقد‬
‫يسنتعمل فني الشرف والمجند تشبيهنا‪ ،‬ومننه الحدينث‪( :‬وال ل يزال كعبنك عالينا)‪ .‬وأمنا السننة فقوله‬
‫صلى ال عليه وسلم فيما رواه أبو دواد عن النعمان بن بشير (وال لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن ال‬
‫بين قلوبكم)‪ ،‬قال‪ :‬فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه‪ ،‬وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه‬
‫والعقننب هنو مؤخننر الرجننل تحننت العرقوب‪ ،‬والعرقوب هنو مجمننع مفصننل السنناق والقدم‪ ،‬ومنننه‬
‫الحدينث (وينل للعراقينب منن النار) يعنني إذا لم تغسنل؛ كمنا قال‪( :‬وينل للعقاب وبطون القدام من‬
‫النار)‪ .‬الخامسة عشرة‪ :‬قال ابن وهب عن مالك‪ :‬ليس على أحد تخليل أصابع رجليه في الوضوء‬
‫ول في الغسل‪ ،‬ول خير في الجفاء والغلو؛ قال ابن وهب‪ :‬تخليل أصابع الرجلين مرغب فيه ول‬
‫بند منن ذلك فني أصنابع اليدينن؛ وقال ابنن القاسنم عنن مالك‪ :‬منن لم يخلل أصنابع رجلينه فل شينء‬
‫علينه‪ .‬وقال محمند بنن خالد عنن ابنن القاسنم عنن مالك نيمنن توضنأ على نهنر فحرك رجلينه‪ :‬إننه ل‬
‫يجزئه حتى يغسلهما بيديه؛ قال ابن القاسم‪ :‬وإن قدر على غسل إحداهما بالخرى أجزأه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الصحيح أنه ل يجزئه فيهما إل غسل ما بينهما كسائر الرجل إذ ذلك من الرجل‪ ،‬كما أن‬
‫منا بينن أصنابع اليند منن اليند‪ ،‬ول اعتبار بانفراج أصنابع اليدينن وانضمام أصنابع الرجلينن‪ ،‬فإن‬
‫النسان مأمور بغسل الرجل جميعها كما هو مأمور بغسل اليد جميعها‪ .‬وقد روي عن النبي صلى‬
‫ال علينه وسنلم أننه كان إذا توضنأ يدلك أصنابع رجلينه بخنصنره‪ ،‬منع منا ثبنت أننه علينه الصنلة‬
‫والسنلم كان يغسنل رجلينه؛ وهذا يقتضني العموم‪ .‬وقند كان مالك رحمنه ال فني آخنر عمره يدلك‬
‫أصنابع رجلينه بخنصنره أو ببعنض أصنابعه لحدينث حدثنه بنه ابنن وهنب عنن ابنن لهيعنة واللينث بنن‬
‫سعد عن يزيد بن عمرو الغفاري عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال‪:‬‬
‫رأينت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم يتوضنأ فيخلل بخنصنره منا بينن أصنابع رجلينه؛ قال ابنن‬
‫وهب‪ ،‬فقال لي مالك‪ :‬إن هذا لحسن‪ ،‬وما سمعته قط إل الساعة؛ قال ابن وهب‪ :‬وسمعته سئل بعد‬
‫ذلك عن تخليل الصابع في الوضوء فأمر به‪ .‬وقد روى حذيفة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(خللوا بين الصابع ل تخللها النار) وهذا نص في الوعيد على ترك التخليل؛ فثبت ما قلناه‪ .‬وال‬
‫الموفق‪.‬‬
‫@ ألفاظ الينة تقتضني الموالة بينن العضاء‪ ،‬وهني إتباع المتوضنئ الفعنل الفعنل إلى آخره منن‬
‫غينر تراخ بينن أبعاضنه‪ ،‬ول فصنل بفعنل لينس مننه؛ واختلف العلماء فني ذلك؛ فقال ابنن أبني سنلمة‬
‫وابن وهب‪ :‬ذلك من فروض الوضوء في الذكر والنسيان‪ ،‬فمن فرق بين أعضاء وضوئه متعمدا‬
‫أو ناسننيا لم يجزه‪ .‬وقال ابننن عبدالحكننم‪ :‬يجزئه ناسننيا ومتعمدا‪ .‬وقال مالك فنني "المدونننة" وكتاب‬
‫محمند‪ :‬إن الموالة سناقطة؛ وبنه قال الشافعني‪ .‬وقال مالك وابنن القاسنم‪ :‬إن فرقنه متعمدا لم يجزه‬
‫ويجزئه ناسنيا؛ وقال مالك فني رواينة ابنن حنبيب‪ :‬يجزئه فني المغسنول ول يجزئه فني الممسنوح؛‬
‫فهذه خمسننة أقوال ابتنيننت على أصننلين‪ :‬الول‪ :‬أن ال سننبحانه وتعالى أمننر أمرا مطلقننا فوال أو‬
‫فرق‪ ،‬وإنمننا المقصننود وجود الغسننل فنني جميننع العضاء عننند القيام إلى الصننلة‪ .‬والثاننني‪ :‬أنهننا‬
‫عبادات ذات أركان مختلفة فوجب فيها التوالي كالصلة؛ وهذا أصح‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ وتتضمنن ألفاظ الينة أيضنا الترتينب وقند اختلف فينه؛ فقال البهري‪ :‬الترتينب سننة‪ ،‬وظاهنر‬
‫المذهنب أن التنكينس للناسني يجزئ‪ ،‬واختلف فني العامند فقينل‪ :‬يجزئ ويرتنب فني المسنتقبل‪ .‬وقال‬
‫أبو بكر القاضي وغيره‪ :‬ل يجزئ لنه عابت‪ ،‬وإلى هذا ذهب الشافعي وسائر أصحابه‪ ،‬وبه يقول‬
‫أحمند بنن حنبنل وأبنو عبيند القاسنم بنن سنلم وإسنحاق وأبنو ثور‪ ،‬وإلينه ذهنب أبنو مصنعب صناحب‬
‫مالك وذكره فني مختصنره‪ ،‬وحكاه عنن أهنل المديننة ومالك معهنم فني أن منن قدم فني الوضوء يدينه‬
‫على وجهه‪ ،‬ولم يتوضأ على ترتيب الية فعليه العادة لما صلى بذلك الوضوء‪ .‬وذهب مالك في‬
‫أكثنر الروايات عننه وأشهرهنا أن "الواو" ل توجنب التعقينب ول تعطنى رتبنة‪ ،‬وبذلك قال أصنحابه‬
‫وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والوزاعي والليث بن سعد والمزني وداود بن علي؛ قال‬
‫الكينا الطنبري ظاهنر قوله تعالى‪" :‬فاغسنلوا وجوهكنم وأيديكنم" يقتضني الجزاء فرق أو جمنع أو‬
‫والى على منا هنو الصنحيح منن مذهنب الشافعني‪ ،‬وهو مذهنب الكثرينن منن العلماء‪ .‬قال أبنو عمنر‪:‬‬
‫إل أن مالكا يستحب له استئناف الوضوء على النسق لما يستقبل من الصلة‪ ،‬ول يرى ذلك واجبا‬
‫علينه؛ هذا تحصنيل مذهبنه‪ .‬وقند روي علي بنن زياد عنن مالك قال‪ :‬منن غسنل ذراعينه ثنم وجهنه ثنم‬
‫ذكنر مكانه أعاد غسنل ذراعيه‪ ،‬وإن لم يذكنر حتى صلى أعاد الوضوء والصلة؛ قال علي ثم قال‬
‫بعند ذلك‪ :‬ل يعيند الصنلة ويعيند الوضوء لمنا يسنتأنف‪ .‬وسنبب الخلف منا قال بعضهنم‪ :‬إن "الفاء"‬
‫توجب التعقينب فني قوله‪" :‬فاغسنلوا" فإنهنا لمنا كاننت جوابا للشرط ربطنت المشروط به‪ ،‬فاقتضنت‬
‫الترتيب في الجميع؛ وأجيب بأنه إنما اقتضت البداءة في الوجه إذ هو جزاء الشرط وجوابه‪ ،‬وإنما‬
‫كنت تقتضي الترتيب في الجميع لو كان جواب الشرط معنى واحدا‪ ،‬فإذا كنت جمل كلها جوابا لم‬
‫تبال بأيه بدأت‪ ،‬إذ المطلوب تحصيلها‪ .‬قيل‪ :‬إن الترتيب إنما جاء من قبل الواو؛ وليس كذلك لنك‬
‫تقول‪ :‬تقاتنل زيند وعمرو‪ ،‬وتخاصنم بكنر وخالد‪ ،‬فدخولهنا فني باب المفاعلة يخرجهنا عنن الترتينب‪.‬‬
‫والصحيح أن يقال‪ :‬إن الترتينب متلقني من وجوه أربعنة‪ :‬الول‪ :‬أن يبدأ بمنا بدأ ال به كنم قال عليه‬
‫الصنلة والسنلم حينن حنج‪( :‬نبدأ بمنا بدأ ال بنه)‪ .‬الثانني‪ :‬منن إجماع السنلف فإنهنم كانوا يرتبون‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬من تشبيه الوضوء بالصلة‪ .‬الرابع‪ :‬من مواظبة رسول ال صلى ال عليه وسلم على ذلك‪.‬‬
‫احتنج منن أجاز ذلك بالجماع على أن ل ترتينب فني غسنل أعضاء الجنابنة‪ ،‬فكذلك غسنل أعضاء‬
‫الوضوء؛ لن المعنننى فنني ذلك الغسننل ل التبديننة‪ .‬وروي عننن علي أنننه قال‪ :‬مننا أبالي إذا أتممننت‬
‫وضوئي بأي أعضائي بدأت‪ .‬وعن عبدال بن مسعود قال‪ :‬ل بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك؛ قال‬
‫الدارقطني‪ :‬هذا مرسل ول يثبت‪ ،‬والولى وجوب الترتيب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ إذا كان في الشتغال بالوضوء فوات الوقت لم يتيمم عند أكثر العلماء‪ ،‬ومالك يجوز التيمم في‬
‫مثل ذلك؛ لن التيمم إنما جاء في الصل لحفظ وقت الصلة‪ ،‬ولول ذلك لوجب تأخير الصلة إلى‬
‫حين وجود الماء‪ .‬احتج الجمهور بقوله تعالى‪" :‬فلم تجدوا ماء فتيمموا" وهذا واجد‪ ،‬فقد عدم شرط‬
‫صحة التيمم فل يتيمم‪.‬‬
‫@ وقد استدل بعض العلماء بهذه الية على أن إزالة النجاسة ليست بواجبة؛ لنه قال‪" :‬إذ قمتم‬
‫إلى الصنلة" ولم يذكنر السنتنجاء وذكنر الوضوء‪ ،‬فلو كاننت إزالتهنا واجبنة لكاننت أول مبدوء بنه؛‬
‫وهنو قول أصنحاب أبني حنيفنة‪ ،‬وهني رواينة أشهنب عنن مالك‪ .‬وقال ابنن وهنب عنن مالك‪ :‬إزالتهنا‬
‫واجبنة فني الذكنر والنسنيان؛ وهنو قول الشافعني‪ .‬وقال ابنن القاسنم‪ :‬تجنب إزالتهنا منع الذكنر‪ ،‬وتسنقط‬
‫منع النسنيان‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬تجنب إزالة النجاسنة إذا زادت على قدر الدرهنم البغلي ‪ -‬يريد الكبير‬
‫الذي هنو على هيئة المثقال ‪ -‬قياسنا على فنم المخرج المعتاد الذي عفني عننه‪ .‬والصنحيح رواينة ابنن‬
‫وهنب؛ لن الننبي صنلى ال علينه وسنلم قال فني صناحبي القنبرين‪( :‬إنهمنا ليعذبان ومنا يعذبان فني‬
‫كنبير أمنا أحدهمنا فكان يمشني بالنميمنة وأمنا الخنر فكان ل يسنتبرئ منن بوله) ول يعذب إل على‬
‫ترك الواجب؛ ول حجة في ظاهر القرآن؛ لن ال سبحانه وتعالى إنما بين من آية الوضوء صفة‬
‫الوضوء خاصة‪ ،‬ولم يتعرض لزالة النجاسة ول غيرها‪.‬‬
‫@ ودلت الينة أيضنا على المسنح على الخفينن كمنا بيننا‪ ،‬ولمالك فني ذلك ثلث روايات‪ :‬النكار‬
‫مطلقنا كمنا يقول الخوارج‪ ،‬وهذه الرواينة منكرة وليسنت بصنحيحة‪ .‬وقند تقدم‪ .‬الثانينة‪ :‬يمسنح فني‬
‫السنفر دون الحضنر؛ لن أكثنر الحادينث بالمسنح إنمنا هني فني السنفر؛ وحدينث السنباطة يدل على‬
‫جواز المسنح فني الحضنر‪ ،‬أخرجنه مسنلم منن حدينث حذيفنة قال‪ :‬فلقند رأيتنني أننا ورسول ال صنلى‬
‫ال عليننه وسننلم نتماشننى؛ فأتننى سننباطة قوم خلف حائط‪ ،‬فقام كمننا يقوم أحدكننم فبال فانتبذت منننه‪،‬‬
‫فأشار إلى فجئت فقمنت عنند عقبنه حتنى فرغ ‪ -‬زاد فني رواينة ‪ -‬فتوضنأ ومسنح على خفينه‪ .‬ومثله‬
‫حدينث شرينح بنن هاننئ قال‪ :‬أتينت عائشنة أسنألها عنن المسنح على الخفينن فقالت‪ :‬علينك بابنن أبني‬
‫طالب فسنله؛ فإننه كان يسنافر منع رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم؛ فسنألناه فقال‪ :‬جعنل رسنول ال‬
‫صنلى ال علينه وسنلم سنافر ثلثنة أيام ولياليهنن وللمقينم يومنا وليلة؛ ‪ -‬وهني الرواينة الثالثنة ‪ -‬يمسنح‬
‫حضرا وسفرا؛ وقد تقدم ذكرها‪.‬‬
‫@ ويمسح المسافر عند مالك على الخفين بغير توقيت‪ ،‬وهو قول الليث بن سعد؛ قال ابن وهب‬
‫سنمعت مالكنا يقول‪ :‬لينس عنند أهنل بلدننا فني ذلك وقنت‪ .‬وروي أبنو داود منن حدينث أبني بنن عمارة‬
‫أننه قال‪ :‬ينا رسنول ال أمسنح على الخفينن؟ قال‪( :‬نعنم) قال‪ :‬يومنا؟ قال‪( :‬يومنا) قال‪ :‬ويومينن؟ قال‪:‬‬
‫(ويومين) قال‪ :‬وثلثة أيام؟ قال‪( :‬نعم وما شئت) وفي رواية (نعم وما بدا لك)‪ .‬قال أبو داود‪ :‬وقد‬
‫اختلف في إسناده وليس بالقوي‪ .‬وقال الشافعي وأحمد بن حنبل والنعمان والطبري‪ :‬يمسح المقيم‬
‫يوما وليلة‪ ،‬والمسافر ثلثة أيام على حديث شريح وما كان مثله؛ وروي عن مالك في رسالته إلى‬
‫هرون أو بعض الخلفاء‪ ،‬وأنكرها أصحابه‪.‬‬
‫@ والمسح عند جميعهم لمن لبس خفيه على وضوء؛ لحديث المغيرة بن شعبة أنه قال‪ :‬كنت مع‬
‫النننبي صننلى ال علينه وسننلم ذات ليلة فنني مسننير ‪ -‬الحديننث ‪ -‬وفينه؛ فأهويننت لزرع خفيننه فقال‪:‬‬
‫(دعهما فإني أدخلتهم طاهرتين) ومسح عليهما‪ .‬ورأى أصبغ أن هذه طهارة التيمم‪ ،‬وهذا بناء منه‬
‫على أن التيمنم يرفنع الحدث‪ .‬وشنذ داود فقال‪ :‬المراد بالطهارة ههننا هني الطهارة منن النجنس فقنط؛‬
‫فإذا كاننت رجله طاهرتينن منن النجاسنة جاز المسنح على الخفينن‪ .‬وسنبب الخلف الشتراك فني‬
‫اسم الطهارة‪.‬‬
‫@ ويجوز عند مالك المسح على الخف وإن كان فيه خرق يسير‪ :‬قال ابن خويز منداد‪ :‬معناه أن‬
‫يكون الخرق ل يمنع من النتفاع به ومن لبسه‪ ،‬ويكون مثله يمشى فيه‪ .‬وبمثل قول مالك هذا قال‬
‫اللينث والثوري والشافعني والطنبري؛ وقند روي عنن الثوري والطنبري إجازة المسنح على الخنف‬
‫المخرق جملة‪ .‬وقال الوزاعني‪ :‬يمسنح على الخنف وعلى منا ظهنر منن القدم؛ وهنو قول الطنبري‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إذا كان ما ظهر من الرجل أقل من ثلث أصابع مسح‪ ،‬ول يمسح ذا ظهر ثلث؛‬
‫وهذا تحديد يحتاج إلى توقيف‪ .‬ومعلوم أن أخفاف الصحابة رضي ال عنهم وغيرهم من التابعين‬
‫كاننت ل تسنلم منن الخرق اليسنير‪ ،‬وذلك متجاوز عنند الجمهور منهنم‪ .‬وروي عنن الشافعني إذا كان‬
‫الخرق في مقدم الرجل أنه ل يجوز المسح عليه‪ .‬وقال الحسن بن حي‪ :‬يمسح على الخف إذا كان‬
‫منا ظهنر مننه يغطينه الجورب‪ ،‬فإن ظهنر شينء منن القدم لم يمسنح‪ ،‬قال أبنو عمنر‪ :‬هذا على مذهبنه‬
‫فنني المسننح على الجوربيننن إذا كانننا ثخينيننن؛ وهننو قول الثوري وأبنني يوسننف ومحمنند ول يجوز‬
‫المسنح على الجوربينن عنند أبني حنيفنة والشافعني إل أن يكوننا مجلدينن‪ ،‬وهنو أحند قولي مالك‪ .‬وله‬
‫قول آخنر أننه ل يجوز المسنح على الجوربينن وإن كاننا مجلدينن‪ .‬وفني كتاب أبني داود عنن المغيرة‬
‫بن شعبة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين؛ قال أبو داود‪:‬‬
‫وكان عبدالرحمن بن مهدي ل يحدث بهذا الحديث؛ لن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى ال‬
‫علينه وسنلم مسنح على الخفينن؛ وروي هذا الحدينث عنن أبني موسنى الشعري عنن الننبي صنلى ال‬
‫علينه وسنلم ولينس بالقوي ول بالمتصنل‪ .‬قال أبنو داود‪ :‬ومسنح على الجوربينن علي بنن أبني طالب‬
‫وأبنو مسنعود والبراء بنن عازب وأننس بنن مالك وأبنو أمامنة وسنهل بنن سنعد وعمرو بنن حرينث؛‬
‫وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس؛ رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأما المسح على النعلين فروى أبو محمد الدرامي في مسنده حدثنا أبو نعيم أخبرنا يونس‬
‫عن أبي إسحاق عن عبد خير قال‪ :‬رأيت عليا توضنأ ومسح على النعلين فوسع ثم قال‪ :‬لول أني‬
‫رأينت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فعنل كمنا رأيتمونني فعلت لرأينت أن باطنن القدمينن أحنق‬
‫بالمسننح مننن ظاهرهمننا؛ قال أبننو محمنند الدارمنني رحمننه ال‪ :‬هذا الحديننث منسننوخ بقوله تعالى‪:‬‬
‫"فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقول علي ‪ -‬رضني ال عننه ‪ -‬لرأينت أن باطنن القدمينن أحنق بالمسنح منن ظاهرهمنا مثله‬
‫قال فني المسنح على الخفينن‪ ،‬أخرجنه أبنو داود عننه قال‪ :‬لو كان الدينن بالرأي لكان باطنن الخنف‬
‫أولى بالمسنح منن أعله‪ ،‬وقند رأينت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم يمسنح على ظاهنر خفينه‪ .‬قال‬
‫مالك والشافعني فيمنن مسنح ظهور خفينه دون بطونهمنا‪ :‬إن ذلك يجزئه؛ إل أن مالكنا قال‪ :‬منن فعنل‬
‫ذلك أعاد فني الوقنت؛ ومنن مسنح على باطنن الخفينن دون ظاهرهمنا يجزه؛ وكان علينه العادة فني‬
‫الوقنت وبعده؛ وكذلك قال جمينع أصنحاب مالك إل شينء روي عنن أشهنب أننه قال‪ :‬باطنن الخفينن‬
‫وظاهرهما سواء‪ ،‬ومن مسح باطنهما دون ظاهرهما لم يعد إل في الوقت‪ .‬وروي عن الشافعي أنه‬
‫قال يجزئه مسننح بطونهمننا دون ظهورهمننا؛ والمشهور مننن مذهبننه أنننه مسننح بطونهمننا واقتصننر‬
‫عليهما لم يجزه وليس بماسح‪ .‬وقال أبو حنيفة والثوري‪ :‬يمسح ظاهري الخفين دون باطنهما؛ وبه‬
‫قال أحمند بنن حنبنل وإسنحاق وجماعنة‪ ،‬والمختار عنند مالك والشافعني وأصنحابهما مسنح العلى‬
‫والسنفل‪ ،‬وهنو قول ابنن عمنر وابنن شهاب؛ لمنا رواه أبنو داود والدارقطنني عنن المغيرة بنن شعبنة‬
‫قال‪ :‬وضأت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فني غزوة تبوك فمسنح أعلى الخنف وأسنفله؛ قال أبنو‬
‫داود‪ :‬روي أن ثورا لم يسمع هذا الحديث من رجاء بن حيوة‪.‬‬
‫@ واختلفوا فيمن نزع خفيه وقد مسح عليهما على أقوال ثلثة‪ :‬الول‪ :‬يغسل رجليه مكانه وإن‬
‫أخر استأنف الوضوء؛ قاله مالك والليث‪ ،‬وكذلك قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم؛ وروي عن‬
‫الوزاعني والنخعني ولم يذكروا مكاننه‪ .‬الثانني‪ :‬يسنتأنف الوضوء؛ قاله الحسنن بنن حني الوزاعني‬
‫والنخعي ولم يذكروا مكانه‪ .‬الثاني‪ :‬يستأنف الوضوء؛ قاله ابن أبي ليلى والحسن البصري‪ ،‬وهي‬
‫رواية عن إبراهيم النخعي رضي ال عنهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كنتم جنبا فاطهروا" وقد مضى في "النساء" معنى الجنب‪ .‬و"اطهروا" أمر‬
‫بالغتسنال بالماء؛ ولذلك رأى عمر وابن مسعود ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬أن الجنب ل تيمنم البتة بل‬
‫يدع الصلة حتى يجد الماء‪ .‬وقال الجمهور من الناس‪ :‬بل هذه العبارة هي لواجد الماء‪ ،‬وقد ذكر‬
‫الجنب بعد في أحكام عادم الماء بقوله‪" :‬أو لمستم النساء" والملمسة هنا الجماع؛ وقد صح عن‬
‫عمنر وابنن مسنعود أنهمنا رجعنا إلى منا علينه الناس وأن الجننب يتيمنم‪ .‬وحدينث عمران بنن حصنين‬
‫نص في ذلك‪ ،‬وهو أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى رجل معتزل لم يصل في القوم فقال‪:‬‬
‫(ينا فلن منا منعنك أن تصنلي فني القوم) فقال‪ :‬ينا رسنول ال أصنابتني جنابنة ول ماء‪ .‬قال‪( :‬علينك‬
‫بالصعيد فإنه يكفيك) أخرجه البخاري‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط" تقدم في "النساء"‬
‫مسنتوفى‪ ،‬ونزيند هننا مسنألة أصنولية أغفلناهنا هناك‪ ،‬وهني تخصنيص العموم بالعادة الغالبنة‪ ،‬فإن‬
‫الغائط كناينة عنن الحداث الخارجنة منن المخرجينن كمنا بيناه فني "النسناء" فهنو عام‪ ،‬غينر أن جنل‬
‫علمائنننا خصننصوا ذلك بالحداث المعتادة الخارجننة على الوجننه المعتاد‪ ،‬فلو خرج غيننر المعتاد‬
‫كالحصنى والدود‪ ،‬أو خرج المعتاد على وجنه السنل والمرض لم يكنن شينء منن ذلك ناقضنا‪ .‬وإنمنا‬
‫صناروا إلى اللفنظ؛ لن اللفنظ مهمنا تقرر لمدلوله عرف غالب فني السنتعمال‪ ،‬سنبق ذلك الغالب‬
‫لفهنم السنامع حالة الطلق‪ ،‬وصار غيره مما وضع له اللفنظ بعيدا عن الذهن‪ ،‬فصنار غينر مدلول‬
‫له‪ ،‬وصنار الحال فينه كالحال فني الدابنة؛ فإنهنا إذا أطلقنت سنبق منهنا الذهنن إلى ذوات الربنع‪ ،‬ولم‬
‫تخطنر النملة ببال السنامع فصنارت غينر مرادة ول مدلولة لذلك اللفنظ ظاهرا‪ .‬والمخالف يقول‪ :‬ل‬
‫يلزم منن أسنبقية الغالب أن يكون النادر غينر مراد؛ فإن تناول اللفنظ لهمنا واحند وضعنا‪ ،‬وذلك يدل‬
‫على شعور المتكلم بهما قصدا؛ والول أصح‪ ،‬وتتمته في كتب الصول‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو لمستم النساء" روي عبيدة عن عبدال بن مسعود أنه قال‪ :‬القبلة من اللمس‪،‬‬
‫وكل ما دون الجماع لمس؛ وكذلك قال ابن عمر واختاره محمد بن يزيد قال‪ :‬لن قد ذكر في أول‬
‫الية ما يجب على من جامع في قوله‪" :‬وإن كنتم جنبا فاطهروا"‪ .‬وقال عبدال بن عباس‪ :‬اللمس‬
‫والمنس والغشيان الجماع‪ ،‬ولكننه عنز وجنل يكنني‪ .‬وقال مجاهند فني قوله عنز وجنل‪" :‬وإذا مروا‬
‫باللغنو مروا كرامنا" [الفرقان‪ ]72 :‬قال‪ :‬إذا ذكروا النكاح كنوا عننه؛ وقند مضنى فني "النسناء"‬
‫القول في هذا الباب مستوفى والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلم تجدوا ماء" قد تقدم في "النساء" أن عدمه يترتب للصحيح الحاضر أن يسجن‬
‫أو يربنط‪ ،‬وهنو الذي يقال فينه‪ :‬إننه إن لم يجند ماء ول ترابنا وخشني خروج الوقنت؛ اختلف الفقهاء‬
‫في حكمه على أربعة أقوال‪ :‬الول‪ :‬قال ابن خويز منداد‪ :‬الصحيح على مذهب مالك بأنه ل يصلي‬
‫ول شيء عليه؛ قال‪ :‬ورواه المدنيون عن مالك؛ قال‪ :‬وهو الصحيح من المذهب‪ .‬وقال ابن القاسم‪:‬‬
‫يصننلي ويعينند؛ وهننو قول الشافعنني‪ .‬وقال أشهننب‪ :‬يصننلي ول يعينند‪ .‬وقال أصننبغ‪ :‬ل يصننلي ول‬
‫يقضي؛ وبه قال أبو حنيفة‪ .‬قال أبو عمر بن عبدالبر‪ :‬ما أعرف كيف أقدم بن خويز منداد على أن‬
‫جعل الصحيح من المذهب ما ذكر‪ ،‬وعلى خلفه جمهور السلف وعامة الفقهاء وجماعة المالكيين‪.‬‬
‫وأظنه ذهنب إلى ظاهنر حديث مالك فني قوله‪ :‬وليسنوا على ماء ‪ -‬الحديث ‪ -‬ولم يذكنر أنهنم صلوا؛‬
‫وهذا ل حجة فيه‪ .‬وقده ذكر هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في هذا الحديث أنهم صلوا بغير‬
‫وضوء ولم يذكر إعادة؛ وقد ذهب إلى هذا طائفة من الفقهاء‪ .‬قال أبو ثور‪ :‬وهو القياس‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد احتج المزني فيما ذكره الكيا الطبري بما ذكر في قصة القلدة عن عائشة رضي ال‬
‫عنهنا حينن ضلت‪ ،‬وأن أصنحاب الننبي صنلى ال علينه وسنلم الذينن بعثهنم لطلب القلدة صنلوا بغينر‬
‫تيمنم ول وضوء وأخنبروه بذلك‪ ،‬ثنم نزلت آينة التيمنم ولم ينكنر عليهنم فعلهنا بل وضوء ول تيمنم‪،‬‬
‫والتيمم متى لم مشروعا فقد صلوا بل طهارة أصل‪ .‬ومنه قال المزني‪ :‬ول إعادة‪ ،‬وهو نص في‬
‫جواز الصنلة منع عدم الطهارة مطلقنا عنند تعذر الوصنول إليهنا؛ قال أبنو عمنر‪ :‬ول ينبغني حمله‬
‫على المغمني علينه لن المغمنى علينه مغلوب على عقله وهذا معنه عقله‪ .‬وقال ابنن القاسنم وسنائر‬
‫العلماء‪ :‬الصنلة علينه واجبنة إذا كان معنه عقله‪ ،‬فإذا زال الماننع له توضنأ أو تيمنم وصنلى‪ .‬وعنن‬
‫الشافعي روايتان؛ المشهور عنه يصلي كما هو ويعيد؛ قال المزني‪ :‬إذا كان محبوسا ل يقدر على‬
‫تراب نظيننف صننلى وأعاد؛ وهننو قول أبنني يوسننف ومحمنند والثوري والطننبري‪ .‬وقال زفننر بننن‬
‫الهذيل‪ :‬المحبوس في الحضر ل يصلي وإن وجد ترابا نظيفا‪ .‬وهذا على أصله فإنه ل يتيمم عنده‬
‫فني الحضنر كمنا تقدم‪ .‬وقال أبنو عمنر‪ :‬منن قال يصنلي كمنا هنو ويعيند إذا قدر على الطهارة فإنهنم‬
‫احتاطوا للصلة بغير طهور؛ قالوا‪ :‬وقوله عليه السلم‪( :‬ل يقبل ال صلة بغير طهور) لمن قدر‬
‫على طهور؛ فأمنا منن لم يقدر فلينس كذلك؛ لن الوقنت فرض وهنو قادر علينه فيصنلي كمنا قدر فني‬
‫الوقنت ثنم يعيند‪ ،‬فيكون قند أخنذ بالحتياط فني الوقنت والطهارة جميعنا‪ .‬وذهنب الذينن قالوا ل يصنلي‬
‫لظاهر هذا الحديث؛ وهو قول مالك وابن نافع وأصبغ قالوا‪ :‬من عدم الماء والصعيد لم يصل ولم‬
‫يقنض إن خرج وقنت الصنلة؛ لن عدم قبولهنا لعدم شروطهنا يدل على أننه غينر مخاطنب بهنا حالة‬
‫عدم شروطها فل يترتب شيء في الذمة فل يقضي؛ قاله غير أبي عمر‪ ،‬وعلى هذا تكون الطهارة‬
‫من شروط الوجوب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتيمموا صنعيدا طيبنا" قند مضنى فني "النسناء" اختلفهنم فني الصنعيد‪ ،‬وحدينث‬
‫عمران بنن حصنين ننص على منا يقول مالك‪ ،‬إذ لو كان الصنعيد التراب لقال علينه السنلم للرجنل‬
‫عليننك بالتراب فإنننه يكفيننك‪ ،‬فلمننا قال‪( :‬عليننك بالصننعيد) أحال على وجننه الرض‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫"فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه" تقدم في "النساء" الكلم فيه فتأمله هناك‪.‬‬
‫@ وإذا انتهنى القول بننا فني الي إلى هننا فاعلم أن العلماء تكلموا فني فضنل الوضوء والطهارة‬
‫وهي خاتمة الباب‪ :‬قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬الطهور شطر اليمان) أخرجه مسلم من حديث أبي‬
‫مالك الشعري‪ ،‬وقند تقدم فني "البقرة" الكلم فينه؛ قال ابنن العربني‪ :‬والوضوء أصنل فني الدينن‪،‬‬
‫وطهارة المسنلمين‪ ،‬وخصنوصا لهذه المنة فني العالمينن‪ .‬وقند روي أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم‬
‫توضنأ وقال‪( :‬هذا وضوئي ووضوء الننبياء منن قبلي ووضوء أبني إبراهينم) وذلك ل يصنح؛ قال‬
‫غيره‪ :‬لينس هذا بمعارض لقوله علينه السنلم‪( :‬لكنم سنيما ليسنت لغيركنم) فإنهنم كانوا يتوضؤون‪،‬‬
‫وإنمنا الذي خنص بنه هذه المنة الغرة والتحجينل ل بالوضوء‪ ،‬وهمنا تفضنل منن ال تعالى اختنص‬
‫بهما هذه المة شرفا لها ولنبيها صلى ال عليه وسلم كسائر فضائلها على سائر المم‪ ،‬كما فضل‬
‫نبيهنا صنلى ال علينه وسنلم بالمقام المحمود وغيره على سنائر الننبياء؛ وال أعلم‪ .‬قال أبنو عمنر‪:‬‬
‫وقند يجوز أن يكون الننبياء يتوضؤون فيكتسنبون بذلك الغرة والتحجينل ول يتوضنأ أتباعهنم‪ ،‬كمنا‬
‫جاء عن موسى عليه السلم قال‪" :‬يا رب أجد أمة كلهم كالنبياء فاجعلها أمتي" فقال له‪" :‬تلك أمة‬
‫محمد" في حديث فيه طول‪ .‬وقد روى سالم بن عبدال بن عمر عن كعب الحبار أنه سمع رجل‬
‫يحدث أننه رأى رؤينا فني المنام أن الناس قند جمعوا للحسناب؛ ثنم دعني الننبياء منع كنل ننبي أمتنه‪،‬‬
‫وأننه رأى لكنل ننبي نورينن يمشني بينهمنا‪ ،‬ولم اتبعنه منن أمتنه نورا واحدا يمشني بنه‪ ،‬حتنى دعني‬
‫بمحمد صلى ال عليه وسلم فإذا شعر رأسه ووجهه نور كله يراه كل من نظر إليه‪ ،‬وإذا لمن اتبعه‬
‫من أمته نوران كنور النبياء؛ فقال له كعب وهو ل يشعر أنها رؤيا‪ :‬من حدثك بهذا الحديث وما‬
‫علمنك بنه؟ فأخنبره أنهنا رؤينا؛ فأنشده كعنب‪ ،‬ال الذي ل إله إل هنو لقند رأينت منا تقول فني منامنك؟‬
‫فقال‪ :‬نعنم وال لقند رأينت ذلك؛ فقال كعنب‪ :‬والذي نفسني بيده ‪ -‬أو قال والذي بعنث محمدا بالحنق ‪-‬‬
‫إن هذه لصفة أحمد وأمته‪ ،‬وصفة النبياء في كتاب ال‪ ،‬لكأن ما تقوله من التوراة‪ .‬أسنده في كتاب‬
‫"التمهيند" قال أبنو عمنر‪ :‬وقند قينل إن سنائر المنم كانوا يتوضؤون وال أعلم؛ وهذا ل أعرفنه منن‬
‫وجنه صنحيح‪ .‬وخرج مسنلم عنن أبني هريرة أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال‪( :‬إذا توضنأ‬
‫العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو آخر‬
‫قطنر الماء فإذا غسنل يدينه خرج منن يدينه كنل خطيئة كان بطشتهنا يداه منع الماء أو منع آخنر قطنر‬
‫الماء فإذا ضل رجليه خرجت كل خطيئة كان مشتها رجله مع الماء أو مع آخر قطر السماء حتى‬
‫يخرج نقيننا مننن الذنوب)‪ .‬وحديننث مالك عننن عبدال الصنننابحي أكمننل‪ ،‬والصننواب أبننو عبدال ل‬
‫عبدال‪ ،‬وهنو ممنا وهنم فينه مالك‪ ،‬واسنمه عبدالرحمنن بنن عسنيلة تابنع شامني كنبير لدراكنه أول‬
‫خلفنة أبني بكنر؛ قال أبنو عبدال الصننابحي‪ :‬قدمنت مهاجرا إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم منن‬
‫اليمنن فلمنا وصنلنا الجحفنة إذا براكنب قلننا له منا الخنبر؟ قال‪ :‬دفننا رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‬
‫مننذ ثلثنة أيام‪ .‬وهذه الحادينث ومنا كان فني معناهنا منن حدينث عمرو بنن عبسنة وغيره تفيدك أن‬
‫المراد بها كون الوضوء مشروعا عبادة لدحض الثام؛ وذلك يقتضي افتقاره إلى نية شرعية؛ لنه‬
‫شرع لمحو الثم ورفع الدرجات عند ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منا يريد ال ليجعنل عليكم من حرج" أي من ضينق فني الدينن؛ دليله قوله تعالى‪:‬‬
‫"ومنا جعنل عليكنم فني الدينن منن حرج" [الحنج‪ .]78 :‬و"منن" صنلة أي ليجعنل عليكنم حرجنا‪.‬‬
‫"ولكنن يريند ليطهركنم" أي منن الذنوب كمنا ذكرننا منن حدينث أبني هريرة والصننابحي‪ .‬وقينل‪ :‬منن‬
‫الحدث والجنابة‪ .‬وقيل‪ :‬لتستحقوا الوصف بالطهارة التي يوصف بها أهل الطاعة‪ .‬وقرأ سعيد بن‬
‫المسنيب "ليطهركنم" والمعننى واحند‪ ،‬كمنا يقال‪ :‬نجاه وأنجاه‪" .‬وليتنم نعمتنه عليكنم" أي بالترخينص‬
‫فني التيمنم عنند المرض والسنفر‪ .‬وقينل‪ :‬بتنبيان الشرائع‪ .‬وقينل‪ :‬بغفران الذنوب؛ وفني الخنبر (تمام‬
‫النعمة دخول الجنة والنجاة من النار)‪" .‬لعلكم تشكرون" أي لتشكروا نعمته فتقبلوا على طاعته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬واذكروا نعمة ال عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا ال‬
‫إن ال عليم بذات الصدور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واذكروا نعمة ال عليكم وميثاقه الذي واثقكم به" قيل‪ :‬هو الميثاق الذي في قوله‬
‫عنز وجنل‪" :‬وإذ أخنذ ربنك منن بنني آدم" [العراف‪ ]172 :‬؛ قال مجاهند وغيره‪ .‬ونحنن وإن لم‬
‫نذكره فقند أخبرننا الصنادق به‪ ،‬فيجوز أن نؤمنر بالوفاء بنه‪ .‬وقينل‪ :‬هو خطاب لليهود بحفنظ منا أخنذ‬
‫عليهنم فني التوراة؛ والذي علينه الجمهور منن المفسنرين كابنن عباس والسندي هنو العهند والميثاق‬
‫الذي جرى لهنم منع الننبي صنلى ال علينه وسنلم على السنمع والطاعنة فني المنشنط والمكره إذ قالوا‪:‬‬
‫سنمعنا وأطعننا‪ ،‬كمنا جرى ليلة العقبنة وتحنت الشجرة‪ ،‬وأضافنه تعالى إلى نفسنه كمنا قال‪" :‬إنمنا‬
‫يبايعون ال" [الفتح‪ ]10 :‬فبايعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم عند العقبة على أن يمنعوه مما‬
‫يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم‪ ،‬وأن يرحل إليهم هو وأصحابه‪ ،‬وكان أول من بايعه البراء‬
‫بنن معرور‪ ،‬وكان له فني تلك الليلة المقام المحمود فني التوثنق لرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪،‬‬
‫والشند لعقند أمره‪ ،‬وهنو القائل‪ :‬والذي بعثنك بالحنق لنمنعننك ممنا نمننع مننه أزرننا‪ ،‬فبايعننا ينا رسنول‬
‫ال فنحنن وال أبناء الحروب وأهنل الحلقنة ورثناهنا كابرا عنن كابر‪ .‬الخنبر المشهور فني سنيرة ابنن‬
‫إسنحاق‪ .‬ويأتني ذكنر بيعنة الرضوان فني موضعهنا‪ .‬وقند اتصنل هذا بقوله تعالى‪" :‬أوفوا بالعقود"‬
‫[المائدة‪ ]1 :‬فوفوا بمنا قالوا؛ جزاهنم ال تعالى عنهنم وعنن السنلم خيرا‪ ،‬ورضني ال عنهنم‬
‫وأرضاهم‪" .‬واتقوا ال" أي في مخالفته أنه عالم بكل شيء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 10 - 8 :‬يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ل شهداء بالقسط ول يجرمنكم شنآن قوم‬
‫على أل تعدلوا اعدلوا هنو أقرب للتقوى واتقوا ال إن ال خنبير بمنا تعملون‪ ،‬وعند ال الذينن آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم‪ ،‬والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين" الية تقدم معناها في "النساء"‪ .‬والمعنى‪ :‬أتمم‬
‫علينك نعمتني فكونوا قوامينن ل‪ ،‬أي لجنل ثواب ال؛ فقوموا بحقنه‪ ،‬وأشهدوا بالحنق منن غينر مينل‬
‫إلى أقاربكم‪ ،‬وحيف على أعدائكم‪" .‬ول يجرمنكم شنآن قوم" على ترك العدل وإيثار العدوان على‬
‫الحنق‪ .‬وفني هذا دلينل على نفوذ حكنم العدو على عدوه فني ال تعالى ونفوذ شهادته عليه؛ لنه أمنر‬
‫بالعدل وإن أبغضننه‪ ،‬ولو كان حكمننه عليننه وشهادتننه ل تجوز فيننه مننع البغننض له لمننا كان لمره‬
‫بالعدل فينه وجنه‪ .‬ودلت الينة أيضنا على أن كفنر الكافنر ل يمننع منن العدل علينه‪ ،‬وأن يقتصنر بهنم‬
‫على المسننتحق مننن القتال والسننترقاق‪ ،‬وأن المثلة بهننم غيننر جائزة وإن قتلوا نسنناءنا وأطفالنننا‬
‫وغموننا بذلك؛ فلينس لننا أن نقتلهنم بمثله قصندا ليصنال الغنم والحزن إليهنم؛ وإلينه أشار عبدال بنن‬
‫رواحنة بقوله فني القصنة المشهورة‪ :‬هذا معننى الينة‪ .‬وتقدم فني صندر هذه السنورة معننى قوله‪" :‬ل‬
‫يجنر منكنم شنآن قوم"‪ .‬وقرئ "ول يجرمنكنم" قال الكسنائي‪ :‬همنا لغتان‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬معننى "ل‬
‫يجنر منكنم" ل يدخلنكنم فني الجرم؛ كمنا تقول‪ :‬آثمنني أي أدخلنني فني الثنم‪ .‬ومعننى "هنو أقرب‬
‫للتقوى" أي لن تتقوا ال‪ .‬وقيل‪ :‬لن تتقوا النار‪ .‬ومعنى "لهم مغفرة وأجر عظيم" أي قال ال في‬
‫حق المؤمنين‪" :‬لهم مغفرة وأجر عظيم" أي ل تعرف كنهه أفهام الخلق؛ كما قال‪" :‬فل تعلم نفس‬
‫منا أخفني لهنم منن قرة أعينن" [السنجدة‪ .]17 :‬وإذا قال ال تعالى‪" :‬أجنر عظينم" و"أجنر كرينم"‬
‫[يس‪ ]11 :‬و"أجر كبير" [هود‪ ]11 :‬فمن ذا الذي يقدر قدره؟‪ .‬ولما كان الوعد من قبيل القول‬
‫حسنن إدخال اللم فني قوله‪" :‬لهنم مغفرة" وهنو فني موضنع نصنب؛ لننه وقنع موقنع الموعود بنه‪،‬‬
‫على معنننى وعدهننم أن لهننم مغفرة أو وعدهننم مغفرة إل أن الجملة وقعننت موقننع المفرد؛ كمننا قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وجنات وعينا سلسبيل‬ ‫وجدنا الصالحين لهم جزاء‬
‫وموضنع الجملة نصنب؛ ولذلك عطنف عليهنا بالنصنب‪ .‬وقينل‪ :‬هنو فني موضنع رفنع على أن يكون‬
‫الموعود به محذوفا؛ على تقدير لهم مغفرة وأجر عظيم فيما وعدهم به‪ .‬وهذا المعنى عن الحسن‪.‬‬
‫نزلت في بني النضير‪ .‬وقيل في جميع الكفار‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 11 :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا اذكروا نعمنة ال عليكنم إذ هنم قوم أن يبسنطوا إليكنم أيديهنم‬
‫فكف أيديهم عنكم واتقوا ال وعلى ال فليتوكل المؤمنون}‬
‫@ قال جماعة‪ :‬نزلت بسبب فعل العرابي في غزوة ذات الرقاع حين اخترط سيف النبي صلى‬
‫ال علينه وسنلم وقال‪ :‬منن يعصنمك منني ينا محمند؟ كمنا تقدم فني "النسناء"‪ .‬وفني البخاري‪ :‬أن الننبي‬
‫صنلى ال علينه وسنلم دعنا الناس فاجتمعوا وهنو جالس عنند الننبي صنلى ال علينه وسنلم ولم يعاقبنه‪.‬‬
‫وذكنر الواقدي وابنن أبني حاتنم أننه أسنلم‪ .‬وذكنر قوم أننه ضرب برأسنه فني سناق شجرة حتنى مات‪.‬‬
‫وفني البخاري فني غزوة ذات الرقاع أن اسنم الرجنل غورث بنن الحارث (بالغينن منقوطنة مفتوحنة‬
‫وسكون الواو بعدها راء وثاء مثلثة) وقد ضم بعضهم الغين‪ ،‬والول صح‪ .‬وذكر أبو حاتم محمد‬
‫بنن إدرينس الرازي‪ ،‬وأبنو عبدال محمند بنن عمنر الواقدي أن اسنمه دعثور بنن الحارث‪ ،‬وذكنر أننه‬
‫أسنلم كمنا تقدم‪ .‬وذكنر محمند بنن إسنحاق أن اسنمه عمرو بنن جحاش وهنو أخنو بنني النضينر‪ .‬وذكنر‬
‫بعضهم أن قصة عمرو بن جحاش في غير هذه القصة‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال قتادة ومجاهد وغيرهما‪:‬‬
‫نزلت في قوم من اليهود جاءهم النبي صلى ال عليه وسلم يستعينهم في دية فهموا بقتله صلى ال‬
‫عليه وسلم ال منهم‪ .‬قال القشيري‪ :‬وقد تنزل الية في قصة ثم ينزل ذكرها مرة أخرى لدكار ما‬
‫سبق‪" .‬أن يبسطوا إليكم أيديهم" أي بالسوء‪" .‬فكف أيديهم عنكم" أي منعهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬ولقد أخذ ال ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال ال إني معكم‬
‫لئن أقمتنم الصنلة وآتيتنم الزكاة وآمنتنم برسنلي وعزرتموهنم وأقرضتنم ال قرضنا حسننا لكفرن‬
‫عنكنم سنيئاتكم ولدخلنكنم جنات تجري منن تحتهنا النهار فمنن كفنر بعند ذلك منكنم فقند ضنل سنواء‬
‫السبيل}‬
‫@ قال ابنن عطينة‪ :‬هذه اليات المتضمننة الخنبر عنن نقضهنم مواثينق ال تعالى تقوي أن الينة‬
‫المتقدمنة فني كنف اليدي إنمنا كاننت فني بنني النضينر‪ ،‬واختلف أهنل التأوينل فني كيفينة بعنث هؤلء‬
‫النقباء بعند الجماع على أن النقينب كنبير القوم‪ ،‬القائم بأمورهنم الذي ينقنب عنهنا وعنن مصنالحهم‬
‫فيها‪ .‬والنقاب‪ :‬الرجل العظيم الذي هو في الناس على هذه الطريقة؛ ومنه قيل في عمر رضي ال‬
‫عنننه‪ :‬إنننه كان لنقابننا‪ .‬فالنقباء الضمان‪ ،‬واحدهننم نقيننب‪ ،‬وهننو شاهنند القوم وضمينهننم؛ يقال‪ :‬نقننب‬
‫عليهنم‪ ،‬وهنو حسنن النقيبنة أي حسنن الخليقنة‪ .‬والنقنب والنقنب الطرينق فني الجبنل‪ .‬وإنمنا قينل‪ :‬نقينب‬
‫لننه يعلم دخيلة أمنر القوم‪ ،‬ويعرف مناقبهنم وهنو الطرينق إلى معرفنة أمورهنم‪ .‬وقال قوم‪ :‬القباء‬
‫المناء على قومهنم؛ وهذا كله قرينب بعضنه منن بعنض‪ .‬والنقينب أكنبر مكاننة منن العرينف‪ .‬قال‬
‫عطاء بنن يسنار‪ :‬حملة القرآن عرفاء أهنل الجننة؛ ذكره الدرامني فني مسننده‪ .‬قال قتادة ‪ -‬رحمنه ال‬
‫وغيره‪ :‬هؤلء النقباء قوم كبار من كل سبط‪ ،‬تكفل كل واحد بسنبطه بأن يؤمنوا ويتقوا ال؛ ونحو‬
‫هذا كان النقباء ليلة العقبنة؛ باينع فيهنا سنبعون رجل وامرأتان‪ .‬فاختار رسنول ال صنلى ال علينه‬
‫وسنلم منن السنبعين اثنني عشنر رجل‪ ،‬وسنماهم القباء اقتداء بموسنى صنلى ال علينه وسنلم‪ .‬وقال‬
‫الربينع والسندي وغيرهمنا‪ :‬إنمنا بعنث النقباء منن بنني إسنرائيل أمناء على الطلع على الجبارينن‬
‫والسبر لقوتهم ومنعتهم؛ فساروا ليختبروا حال من بها‪ ،‬ويعلموه بما اطلعوه عليه فيها حتى ينظر‬
‫فني الغزو إليهنم؛ فأطلعوا منن الجبارينن على قوة عظيمنة ‪ -‬على منا يأتني ‪ -‬وظنوا أنهنم ل قبنل لهنم‬
‫بها؛ فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل‪ ،‬وأن يعلموا به موسى عليه السلم‪ ،‬فلما‬
‫انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فعرفوا قراباتهم‪ ،‬ومن وثقوه على سرهم؛ ففشا الخبر‬
‫حتى أعوج أمر بني إسرائيل فقالوا‪" :‬فاذهب أنت وربك فقاتل إنا ههنا قاعدون" [المائدة‪.]24 :‬‬
‫@ ففي الية دليل على قبول خبر الواحد فيما يفتقر إليه المرء‪ ،‬ويحتاج إلى اطلعه من حاجاته‬
‫الدينيننة والدنيويننة؛ فتركننب عليننه الحكام‪ ،‬ويرتبننط بننه الحلل والحرام؛ وقنند جاء أيضننا مثله فنني‬
‫السنلم؛ قال صنلى ال علينه وسنلم لهوازن‪( :‬ارجعوا حتنى يرفنع إيننا عرفاؤكنم أمركنم)‪ .‬أخرجنه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫@ وفيهنا أيضنا دلينل على اتخاذ الجاسنوس‪ .‬والتجسنس‪ :‬التبحنث‪ .‬وقند بعنث رسنول ال صنلى ال‬
‫عليه وسلم بسبسة عينا؛ أخرجه مسلم‪ .‬وسيأتي حكم الجاسوس في "الممتحنة" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫وأمنا أسنماء نقباء بنني إسنرائيل فقند ذكنر أسنماءهم محمند بنن حنبيب فني "المحنبر" فقال‪ :‬منن سنبط‬
‫روبيل شموع بن ركوب‪ ،‬ومن سبط شمعون شوقوط بن حوري‪ ،‬ومن سبط يهوذا كالب بن يوقنا‪،‬‬
‫ومنن سنبط السناحر يوغول بنن يوسنف‪ ،‬ومنن سنبط أفراثينم بنن يوسنف يوشنع بنن النون‪ ،‬ومنن سنبط‬
‫بنيامين يلظى بن روقو‪ ،‬ومن سبط ربالون كرابيل بن سودا ومن سبط منشا بن يوسف كدي بن‬
‫سوشا‪ ،‬ومن سبط دان عمائيل بن كسل‪ ،‬ومن سبط شير ستور بن ميخائيل‪ ،‬ومن سبط نفتال يوحنا‬
‫بنن وقوشنا‪ ،‬ومنن سنبط كاذ كوال بنن موخنى؛ فالمؤمنان منهنم يوشنع وكالب‪ ،‬ودعنا موسنى علينه‬
‫السلم على الخرين فهلكوا مسخوطا عليهم؛ قاله الماوردي‪ .‬وأما نقباء ليلة العقبة فمذكورون في‬
‫سيرة ابن إسحاق فلينظروا هناك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال ال إني معكم لئن أقمتم الصلة" الية‪ .‬قال الربيع بن أنس‪ :‬قال ذلك للنقباء‪.‬‬
‫وقال غيره‪ :‬قال ذلك لجمينع ينني إسنرائيل‪ .‬وكسنرت "إن" لنهنا مبتدأة‪" .‬معكنم" لننه ظرف‪ ،‬أي‬
‫بالنصننر والعون‪ .‬ثننم ابتدأ فقال‪" :‬لئن أقمتننم الصننلة" إلى أن قال "لكفرن عنكننم سننيئاتكم" أي إن‬
‫فعلتنم ذلك "ولدخلنكنم جنات" واللم فني "لئن" لم توكيند ومعناهنا القسنم؛ وكذا "لكفرن عنكنم"‪،‬‬
‫"ولدخلنكم"‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى لئن أقمتم الصلة لكفرن عنكم سيئاتكم‪ ،‬وتضمن شرطا آخر لقوله‪:‬‬
‫"لكفرن" أي إن فعلتم ذلك كفر‪ .‬وقيل‪ :‬قوله "لئن أقمتم الصلة" جزاء لقوله‪" :‬إني معكم" وشرط‬
‫لقوله‪" :‬لكفرن" والتعزير‪ :‬التعظيم والتوقير؛ وأنشد أبو عبيدة‪:‬‬
‫ومن ليث يعزر في الندي‬ ‫وكم من ماجد لهم كريم‬
‫أي يعظنم ويوقنر‪ .‬والتعزينر‪ :‬الضرب دون الحند‪ ،‬والرد؛ تقول‪ :‬عزرت فلننا إذا أدبتنه ورددت عن‬
‫القبيننح‪ .‬فقوله‪" :‬عزرتموهننم" أي رددتننم عنهننم أعداءهننم‪" .‬وأقرضتننم ال قرضننا حسنننا" يعننني‬
‫الصندقات؛ ولم يقنل إقراضا‪ ،‬وهذا ممنا جاء منن المصندر بخلف المصدر كقوله‪" :‬وال أنبتكنم منن‬
‫الرض نباتنا" [نوح‪" ، ]17 :‬فتقبلهنا ربهنا بقبول حسنن" [آل عمران‪ ]37 :‬وقند تقدم‪ .‬ثنم قينل‪:‬‬
‫"حسننا" أي طيبنة بهنا نفوسنكم‪ .‬وقينل‪ :‬يبتغون بهنا وجنه ال‪ .‬وقينل‪ :‬حلل‪ .‬وقينل‪" :‬قرضنا" اسنم ل‬
‫مصندر‪" .‬فمنن كفنر بعند ذلك منكنم" أي بعند الميثاق‪" .‬فقند ضنل سنواء السنبيل" أي أخطنأ قصند‬
‫الطريق‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 13 :‬فبمنا نقضهنم ميثاقهنم لعناهنم وجعلننا قلوبهنم قاسنية يحرفون الكلم عنن مواضعنه‬
‫ونسنوا حظنا ممنا ذكروا بنه ول تزال تطلع على خائننة منهنم إل قليل منهنم فاعنف عنهنم واصنفح إن‬
‫ال يحب المحسنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فبما نقضهم ميثاقهم" أي فبنقضهم ميثاقهم‪" ،‬ما" زائدة للتوكيد‪ ،‬عن قتادة وسائر‬
‫أهل العلم؛ وذلك أنها تؤكد الكلم بمعنى تمكنه في النفس من جهة حسن النظم‪ ،‬ومن جهة تكثيره‬
‫للتوكيد؛ كما قال‪:‬‬
‫لشيء ما يسود من يسود‬
‫فالتأكيند بعلمنة موضوعنة كالتأكيند بالتكرينر‪" .‬لعناهنم" قال ابنن عباس‪ :‬عذبناهنم بالجزينة‪ .‬وقال‬
‫الحسنن ومقاتنل‪ :‬بالمسنخ‪ .‬عطاء‪ :‬أبعدناهنم؛ واللعنن البعاد والطرد منن الرحمنة‪" .‬وجعلننا قلوبهنم‬
‫قاسنية" أي صنلبة ل تعني خيرا ول تفعله؛ والقاسنية والعاتينة بمعننى واحند‪ .‬وقرأ الكسنائي وحمزة‪:‬‬
‫"قسنية" بتشديند الياء منن غينر ألف؛ وهني قراءة ابنن مسنعود والنخعني ويحينى بنن وثاب‪ .‬والعام‬
‫القسي الشديد الذي ل مطر فيه‪ .‬وقيل‪ :‬هو من الدراهم القسيات أي الفاسدة الرديئة؛ فمعنى "قسية"‬
‫على هذا ليسنت بخالصنة اليمان‪ ،‬أي فيهنا نفاق‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا قول حسنن؛ لننه يقال‪ :‬درهنم‬
‫قسني إذا كان مغشوشنا بنحاس أو غيره‪ .‬يقال‪ :‬درهنم قسني (مخفنف السنين مشدد الياء) مثال شقني‬
‫أي زائف؛ ذكر ذلك أبو عبيد وأنشد‪:‬‬
‫صاح القسيات في أيدي الصياريف‬ ‫لها صواهل في صم السلم كما‬
‫يصف وقع المساحي في الحجارة‪ .‬وقال الصمعي وأبو عبيد‪ :‬درهم قسي كأنه معرب قاشي‪ .‬قال‬
‫القشيري‪ :‬وهذا بعيند؛ لننه لينس فني القرآن منا لينس منن لغنة العرب‪ ،‬بنل الدرهنم القسني منن القسنوة‬
‫والشدة أيضنا؛ لن منا قلت نقرتنه يقسنوا ويصنلب‪ .‬وقرأ العمنش‪" :‬قسنية" بتخفينف الياء على وزن‬
‫فعلة نحنو عمينة وشجينة؛ منن قسني يقسنى ل منن قسنا يقسنو‪ .‬وقرأ الباقون على وزن فاعلة؛ وهنو‬
‫اختيار أبي عبيد؛ وهما لغتان مثل العلية والعالية‪ ،‬والزكية والزاكية‪ .‬قال أبو جعفر النحاس‪ :‬أولى‬
‫ما فيه أن تكون قسية بمعنى قاسية‪ ،‬إل أن فعيلة أبلغ من فاعلة‪ .‬فالمعنى‪ :‬جعلنا قلوبهم غليظة نابية‬
‫عنن اليمان والتوفينق لطاعتني؛ لن القوم لم يوصنفوا بشينء منن اليمان فتكون قلوبهنم موصنوفة‬
‫بأن إيمانها خالطه كفر‪ ،‬كالدراهم القسية التي خالطها غش‪ .‬قال الراجز‪:‬‬
‫قد قسوت وقست لداتي‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يحرفون الكلم عنن مواضعنه" أي يتأولوننه على غينر تأويله‪ ،‬ويلقون ذلك إلى‬
‫العوام‪ .‬وقيننل‪ :‬معناه يبدلون حروفننه‪" .‬ويحرفون" فنني موضننع نصننب‪ ،‬أي جعلنننا قلوبهننم قاسننية‬
‫محرفينن‪ .‬وقرأ السنلمي والنخعني "الكلم" باللف وذلك أنهنم غيروا صنفة محمند صنلى ال علينه‬
‫وسنلم وآينة الرجنم‪" .‬ونسنوا حظنا ممنا ذكروا بنه" أي نسنوا عهند ال الذي أخذه الننبياء عليهنم منن‬
‫اليمان بمحمند صنلى ال علينه وسنلم‪ ،.‬وبيان نعتنه‪" .‬ول تزال تطلع" أي وأننت ينا محمند ل تزال‬
‫الن تقف "على خائنة منهم" والخائنة الخيانة؛ قال قتادة‪ .‬وهذا جائز في اللغة‪ ،‬ويكون مثل قولهم‪:‬‬
‫قائلة بمعننى قيلولة‪ .‬وقينل‪ :‬هنو نعنت لمحذوف والتقدينر فرقنة خائننة‪ .‬وقند تقنع "خائننة" للواحند كمنا‬
‫يقال‪ :‬رجنل نسنابة وعلمنة؛ فخائننة على هذا للمبالغنة؛ يقال‪ :‬رجنل خائننة إذا بالغنت فنني وصنفه‬
‫بالخيانة‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫للغدر خائنة مغل الصبع‬ ‫حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن‬
‫قال ابن عباس‪" :‬على خائنة" أي معصية‪ .‬وقيل‪ :‬كذب وفجور‪ .‬وكانت خيانتهم نقضهم العهد بينهم‬
‫وبينن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬ومظاهرتهنم المشركينن على حرب رسنول ال صنلى ال‬
‫عليننه وسننلم؛ كيوم الحزاب وغيننر ذلك مننن همهننم بقتله وسننبه‪" .‬إل قليل منهننم" لم يخونوا فهننو‬
‫استثناء من الهاء والميم اللتين في "خائنة منهم"‪" .‬فاعف عنهم واصفح" في معناه قولن‪ :‬فاعف‬
‫عنهنم واصنفح منا دام بيننك وبينهنم عهند وهنم أهنل الذمنة‪ .‬والقول الخنر إننه منسنوخ بآينة السنيف‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بقوله عز وجل "وإما تخافن من قوم خيانة" [النفال‪.]58:‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 16 - 14 :‬ومنن الذينن قالوا إننا نصنارى أخذننا ميثاقهنم فنسنوا حظنا ممنا ذكروا بنه‬
‫فأغريننا بينهنم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامنة وسنوف ينبئهنم ال بمنا كانوا يصننعون‪ ،‬ينا أهنل‬
‫الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من‬
‫ال نور وكتاب مبين‪ ،‬يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل السلم ويخرجهم من الظلمات إلى النور‬
‫بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم" أي في التوحيد واليمان بمحمد صلى‬
‫ال عليننه وسننلم؛ إذ هننو مكتوب فنني النجيننل‪" .‬فنسننوا حظننا" وهننو اليمان بمحمنند عليننه الصننلة‬
‫والسنلم؛ أي لم يعملوا بمنا أمروا بنه‪ ،‬وجعلوا ذلك الهوى والتحرينف سنببا للكفنر بمحمند صنلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬ومعنى "أخذنا ميثاقهم" هو كقولك‪ :‬أخذت من زيد ثوبه ودرهمه؛ قاله الخفش‪ .‬ورتبة‬
‫"الذينن" أن تكون بعند "أخذننا" وقينل الميثاق؛ فيكون التقدينر‪ :‬أخذننا منن الذينن قالوا إننا نصنارى‬
‫ميثاقهم؛ لنه في موضع المفعول الثاني لخذنا‪ .‬وتقديره عند الكوفيين ومن الذين قالوا إنا نصارى‬
‫مننن أخذنننا ميثاقننه؛ فالهاء والميننم تعودان على "مننن" المحذوفننة‪ ،‬وعلى القول الول تعودان على‬
‫"الذينن"‪ .‬ول يجينز النحويون أخذننا ميثاقهنم منن الذينن قالوا إننا نصنارى‪ ،‬ول ألينهنا لبسنت منن‬
‫الثياب؛ لئل يتقدم مضمر على ظاهر‪ .‬وفي قولهم‪" :‬إنا نصارى" ولم يقل من النصارى دليل على‬
‫أنهم ابتدعوا النصرانية وتسموا بها؛ روي معناه عن الحسن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء" أي هيجنا‪ .‬وقيل‪ :‬ألصقنا بهم؛ مأخوذ من الغراء‬
‫وهنو منا يلصنق الشينء بالشينء كالصنمغ وشبهنه‪ .‬يقال‪ :‬غري بالشينء يغرى غرا "بفتنح الغينن"‬
‫مقصنورا وغراء "بكسنر الغينن" ممدودا إذا أولع بنه كأننه التصنق بنه‪ .‬وحكنى الرمانني‪ :‬الغراء‬
‫تسليط بعضهم على بعض‪ .‬وقيل‪ :‬الغراء التحريش‪ ،‬وأصله اللصوق؛ يقال‪ :‬غريت بالرجل غرا‬
‫‪ -‬مقصور وممدود مفتوح الول ‪ -‬إذ لصقت به‪ .‬وقال كثير‪.‬‬
‫غراء ومدتها حوافل نهل‬ ‫إذا قيل مهل قالت العين بالبكا‬
‫وأغريننت زيدا بكذا حتننى غري بننه؛ ومنننه الغراء الذي يغري بننه للصننوقه؛ فالغراء بالشيننء‬
‫اللصناق بنه منن جهنة التسنليط علينه‪ .‬وأغرينت الكلب أي أولعتنه بالصنيد‪" .‬بينهنم" ظرف للعداوة‪.‬‬
‫"والبغضاء" البغض‪ .‬أشار بهذا إلى اليهود والنصارى لتقدم ذكرهما‪ .‬عن السدي وقتادة‪ :‬بعضهم‬
‫لبعض عدو‪ .‬وقيل‪ :‬أشار إلى افتراق النصارى خاصة؛ قاله الربيع بن أنس‪ ،‬لنهم أقرب مذكور؛‬
‫وذلك أنهم افترقوا إلى اليعاقبة والنسطورية والملكانية؛ أي كفر بعضهم بعضا‪ .‬قال النحاس‪ :‬ومن‬
‫أحسنن منا قينل فني معننى "أغريننا بينهنم العداوة والبغضاء" أن ال عنز وجنل أمنر بعداوة الكفار‬
‫وإبغاضهم‪ ،‬فكل فرقة مأمُورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها لنهم كفار‪ .‬وقوله‪" :‬وسوف ينبئهم ال"‬
‫تهديد لهم؛ أي سيلقون جزاء نقض الميثاق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أهل الكتاب" الكتاب اسم جنس بمعنى الكتب؛ فجميعهم مخاطبون‪" .‬قد جاءكم‬
‫رسولنا" محمد صلى ال عليه وسلم‪" .‬يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب" أي من كتبكم؛‬
‫منن اليمان بنه‪ ،‬ومنن آينة الرجنم‪ ،‬ومنن قصنة أصنحاب السنبت الذينن مسنخوا قردة؛ فإنهنم كانوا‬
‫يخفونها‪" .‬ويعفو عن كثير" أي يتركه ول يبينه‪ ،‬وإنما يبين ما فيه حجة على نبوته‪ ،‬ودللة على‬
‫صندقه وشهادة برسنالته‪ ،‬ويترك منا لم يكنن بنه حاجنة إلى تنبيينه‪ .‬وقينل‪" :‬ويعفنو عنن كثينر" يعنني‬
‫يتجاوز عن كثير فل يخبركم به‪ .‬وذكر أن رجل من أحبارهم جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فسأله فقال‪ :‬يا هذا عفوت عنا؟ فأعرض عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يبين؛ وإنما أراد‬
‫اليهودي أن يظهنر مناقضنة كلمنه‪ ،‬فلمنا لم ينبين له رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قام منن عنده‬
‫فذهب وقال لصحابه‪ :‬أرى أنه صادق فيما يقول‪ :‬لنه كان وجد في كتابه أنه ل يبين له ما سأله‬
‫عننه‪" .‬قند جاءكنم منن ال نور" أي ضياء؛ قينل‪ :‬السنلم‪ .‬وقينل‪ :‬محمند علينه السنلم؛ عنن الزجاج‪.‬‬
‫"وكتاب مبين" أي القرآن؛ فإنه يبين الحكام‪ ،‬وقد تقدم‪" .‬يهدي به ال من اتبع رضوانه" أي ما‬
‫رضيه ال‪" .‬سبل السلم" طرق السلمة الموصلة إلى دار السلم المنزهة عن كل آفة‪ ،‬والمؤمنة‬
‫من كل مخافة؛ وهي الجنة‪ .‬وقال الحسن والسدي‪" :‬السلم" ال عز وجل؛ فالمعنى دين ال ‪ -‬وهو‬
‫السلم ‪ -‬كما قال‪" :‬إن الدين عند ال السلم" [آل عمران‪" .]19 :‬ويخرجهم من الظلمات إلى‬
‫النور" أي من ظلمات الكفر والجهالت إلى نور السلم والهدايات‪" .‬بإذنه" أي بتوفيق وإرادته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من ال شيئا إن‬
‫أراد أن يهلك المسنيح ابنن مرينم وأمنه ومنن فني الرض جميعنا ول ملك السنماوات والرض ومنا‬
‫بينهما يخلق ما يشاء وال على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقند كفنر الذينن قالوا إن ال هنو المسنيح ابنن مرينم" تقدم فني آخنر "النسناء" بياننه‬
‫والقول فيه‪ .‬وكفر النصارى في دللة هذا الكلم إنما كان بقولهم‪ :‬إن ال هو المسيح ابن مريم على‬
‫جهنة الدينوننة بنه؛ لنهنم لو قالوه على جهنة الحكاينة منكرينن له لم يكفروا‪" .‬قنل فمنن يملك منن ال‬
‫شيئا" أي منن أمنر ال‪ .‬و"يملك" بمعننى يقدر؛ منن قولهنم ملكنت على فلن أمره أي اقتدرت علينه‪.‬‬
‫أي فمن يقدر أن يمنع من ذلك شيئا؟ فأعلم ال تعالى أن المسيح لو كان إلها لقدر على دفع ما ينزل‬
‫بنه أو بغيره‪ ،‬وقند أمات أمنه ولم يتمكنن منن دفنع الموت عنهنا؛ فلو أهلكنه هنو أيضنا فمنن يدفعنه عنن‬
‫ذلك أو يرده‪" .‬ول ملك السماوات والرض وما بينهما" والمسيح وأمه بينهمنا مخلوقان محدودان‬
‫محصوران‪ ،‬وما أحاط به الحد والنهاية ل يصلح لللهية‪ .‬وقال "وما بينهما" ولم يقل وما بينهن؛‬
‫لنه أراد النوعين والصنفين كما قال الراعي‪:‬‬
‫قلصا لواقح كالقصي وحول‬ ‫طرقا فتلك هماهمي أقربهما‬
‫فقال‪" :‬طرقا" ثم قال‪" :‬فتلك هماهمي"‪" .‬يخلق ما يشاء" عيسى من أم بل أب آية لعباده‪` .‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء ال وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم‬
‫بشنر ممنن خلق يغفنر لمنن يشاء ويعذب منن يشاء ول ملك السنماوات والرض ومنا بينهمنا وإلينه‬
‫المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالت اليهود والنصنارى نحنن أبناء ال وأحباؤه" قال ابن عباس‪ :‬خوف رسنول‬
‫ال صننلى ال عليننه وسننلم قومننا مننن اليهود العقاب فقالوا‪ :‬ل نخاف فإنننا أبناء ال وأحباؤه؛ فنزلت‬
‫الينة‪ .‬قال ابنن إسنحاق‪ :‬أتنى رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم نعمان بنن أضنا وبحري بنن عمرو‬
‫وشأس بنن عدي فكلموه وكلمهنم‪ ،‬ودعاهنم إلى ال عنز وجنل وحذرهنم نقمتنه فقالوا‪ :‬منا تخوفننا ينا‬
‫محمننند؟؛ نحنننن أبناء ال وأحباؤه‪ ،‬كقول النصنننارى؛ فأنزل ال عنننز وجنننل فيهنننم "وقالت اليهود‬
‫والنصنارى نحنن أبناء ال وأحباؤه قنل فلم يعذبكنم بذنوبكنم" إلى آخنر الينة‪ .‬قال لهنم معاذ بنن جبنل‬
‫وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب‪ :‬يا معشر يهود اتقوا ال‪ ،‬فوال إنكم لتعلمون أنه رسول ال‪ ،‬ولقد‬
‫كنتم تذكرونه لنا فبل مبعثه‪ ،‬وتصفونه لنا بصفته؛ فقال رافع بن حريمة ووهب بن يهوذا‪ :‬ما قلنا‬
‫هذا لكنم‪ ،‬ول أنزل ال منن كتاب بعند موسنى‪ ،‬ول أرسنل بشيرا ول نذيرا منن بعده؛ فأنزل ال عنز‬
‫وجل‪" :‬يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل" إلى قوله‪" :‬وال على كل‬
‫شينء قدينر"‪ .‬السندي‪ :‬زعمنت اليهود أن ال عنز وجنل أوحنى إلى إسنرائيل علينه السنلم أن ولدك‬
‫بكري منن الولد‪ .‬قال غيره‪ :‬والنصنارى قالت نحنن أبناء ال؛ لن فني النجينل حكاينة عنن عيسنى‬
‫"أذهب إلى أبي وأبيكم"‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى‪ :‬نحن أبناء رسل ال‪ ،‬فهو على حذف مضاف‪ .‬وبالجملة‪.‬‬
‫فإنهم رأوا لنفسهم فضل؛ فرد عليهم قولهم فقال "فلم يعذبكم بذنوبكم" فلم يكونوا يخلون من أحد‬
‫وجهين؛ إما أن يقولوا هو يعذبنا‪ .‬فيقال لهم‪ :‬فلستم إذا أبناءه وأحباءه؛ فإن الحبيب ل يعذب حبيبه‪،‬‬
‫وأنتنم تقرون بعذابنه؛ فذلك دلينل على كذبكنم ‪ -‬وهذا هنو المسنمى عنند الجدليينن بنبرهان الخلف ‪ -‬أو‬
‫يقولوا‪ :‬ل يعذبننا فيكذبوا منا فني كتبهنم‪ ،‬ومنا جاءت بنه رسنلهم‪ ،‬وينبيحوا المعاصني وهنم معترفون‬
‫بعذاب العصنناة منهننم؛ ولهذا يلتزمون أحكام كتبهننم‪ .‬وقيننل‪ :‬معنننى "يعذبكننم" عذبكننم؛ فهننو بمعنننى‬
‫المضي؛ أي فلم مسخكم قردة وخنازير؟ ولم عذب من قبلكم من اليهود والنصارى بأنواع العذاب‬
‫وهم أمثالكم؟ لن ال سبحانه ل يحتج عليهم بشيء لم يكن بعد‪ ،‬لنهم ربما يقولون ل نعذب غدا‪،‬‬
‫بنل يحتنج عليهنم بمنا عرفوه‪ .‬ثنم قال‪" :‬بنل أنتنم بشنر ممنن خلق" أي كسنائر خلقنه يحاسنبكم على‬
‫الطاعنة والمعصنية‪ ،‬ويجازي كل بمنا عمنل‪" .‬يغفنر لمنن يشاء" أي لمنن تاب منن اليهود‪" .‬ويعذب‬
‫مننن يشاء" مننن مات عليهننا‪" .‬ول ملك السننماوات والرض" فل شريننك له يعارضننه‪" .‬وإليننه‬
‫المصير" أي يؤول أمر العباد إليه في الخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 19 :‬ينا أهنل الكتاب قند جاءكنم رسنولنا ينبين لكنم على فترة منن الرسنل أن تقولوا منا‬
‫جاءنا من بشير ول نذير فقد جاءكم بشير ونذير وال على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا" يعني محمدا صلى ال عليه وسلم‪" .‬يبين لكم"‬
‫انقطاع حجتهنم حتنى ل يقولوا غدا منا جاءننا رسنول‪" .‬على فترة منن الرسنل" أي سنكون؛ يقال فتنر‬
‫الشينء سنكن‪ .‬وقينل‪" :‬على فترة" على انقطاع منا بينن الننبيين؛ عنن أبني علي وجماعنة أهنل العلم‪،‬‬
‫حكاه الرماني؛ قال‪ :‬والصل فيها انقطاع العمل عما كان عليه من الجد فيه‪ ،‬من قولهم‪ :‬فتنر عن‬
‫عمله وفترتنه عننه‪ .‬ومننه فتنر الماء إذا عمنا كان منن السنخونة إلى البرد‪ .‬وامرأة فاترة الطرف أي‬
‫منقطعنة عنن حدة النظنر‪ .‬وفتور البدن كفتور الماء‪ .‬والفتنر منا بينن السنبابة والبهام إذا فتحتهمنا‪.‬‬
‫والمعننى؛ أي مضنت للرسنل مدة قبله‪ .‬واختلف فني قدر مدة تلك الفترة؛ فذكنر محمند بنن سنعد فني‬
‫كتاب "الطبقات" عن ابن عباس قال‪ :‬كان بين موسى بن عمران وعيسى ابن مريم عليهما السلم‬
‫ألف سنة وسبعمائة سنة‪ ،‬ولم يكن بينهما فترة‪ ،‬وأنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل سوى‬
‫منن أرسنل منن غيرهنم‪ .‬وكان بينن ميلد عيسنى والننبي صنلى ال علينه وسنلم خمسنمائة سننة وتسنع‬
‫وستون سنة‪ ،‬بعث في أولها ثلثة أنبياء؛ وهو قوله تعالى‪" :‬إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا‬
‫بثالث" [يس‪ ]14 :‬والذي عزز به "شمعون" وكان من الحواريين‪ .‬وكانت الفترة التي لم يبعث‬
‫ال فيهنا رسنول أربعمائة سننة وأربعنا وثلثينن سننة‪ .‬وذكنر الكلبني أن بينن عيسنى ومحمند عليهمنا‬
‫السنلم خمسنمائة سننة وتسنعا وسنتين‪ ،‬وبينهمنا أربعنة أننبياء؛ واحند منن العرب منن بنني عبنس وهنو‬
‫خالد بن سنان‪ .‬قال القشيري‪ :‬ومثل هذا مما لم إل بخبر صدق‪ .‬وقال قتادة‪ :‬كان بين عيسى ومحمد‬
‫عليهما السلم ستمائة سنة؛ وقاله مقاتل والضحاك ووهب بن منبه‪ ،‬إل أن وهبا زاد عشرين سنة‪.‬‬
‫وعنن الضحاك أيضنا أربعمائة وبضنع وثلثون سننة‪ .‬وذكنر ابنن سنعد عنن عكرمنة قال‪ :‬بينن آدم‬
‫ونوح عشرة قرون‪ ،‬كلهنم على السنلم‪ .‬قال ابنن سنعد‪ :‬أخبرننا محمند بنن عمرو بنن واقند السنلمي‬
‫عننن غيننر واحنند قالوا‪ :‬كان بيننن آدم ونوح عشرة قرون‪ ،‬والقرن مائة سنننة‪ ،‬وبيننن نوح وإبراهيننم‬
‫عشرة قرون‪ ،‬والقرن مائة سنننة‪ ،‬وبيننن إبراهيننم وموسننى بننن عمران عشرة قرون‪ ،‬والقرن مائة‬
‫سننة؛ فهذا منا بينن آدم ومحمند عليهمنا السنلم منن القرون والسننين‪ .‬وال أعلم‪" .‬أن تقولوا" أي لئل‬
‫أو كراهينة أن تقولوا؛ فهنو فني موضنع نصنب‪" .‬منا جاءننا منن بشينر" أي مبشنر‪" .‬ول نذينر" أي‬
‫منذر‪ .‬ويجوز "منن بشينر ول نذينر" على الموضنع‪ .‬قال ابنن عباس‪ :‬قال معاذ بنن جبنل وسنعد بنن‬
‫عبادة وعقبنة بنن وهنب لليهود؛ ينا معشنر يهود اتقوا ال‪ ،‬فوال إنكنم لتعلمنن أن محمدا رسنول ال‪،‬‬
‫ولقند منتنم تذكروننه لننا قبنل مبعثنه وتصنفونه بصنفته؛ فقالوا‪ :‬منا أنزل ال منن كتاب بعند موسنى ول‬
‫أرسل بعده من بشير ول نذير؛ فنزلت الية‪" .‬وال على كل شيء قدير" على إرسال من شاء من‬
‫خلقه‪ .‬وقيل‪ :‬قدير على إنجاز ما بشر به وأنذر منه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 26 - 20 :‬وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة ال عليكم إذ جعل فيكم أنبياء‬
‫وجعلكنم ملوكنا وآتاكنم منا لم يؤت أحدا منن العالمينن‪ ،‬ينا قوم ادخلوا الرض المقدسنة التني كتنب ال‬
‫لكم ول ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين‪ ،‬قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها‬
‫حتنى يخرجوا منهنا فإن يخرجوا منهنا فإننا داخلون‪ ،‬قال رجلن منن الذينن يخافون أنعنم ال عليهمنا‬
‫ادخلوا عليهنم الباب فإذا دخلتموه فإنكنم غالبون وعلى ال فتوكلوا إن كنتنم مؤمنينن‪ ،‬قالوا ينا موسنى‬
‫إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتل إنا ههنا قاعدون‪ ،‬قال رب إني ل أملك إل‬
‫نفسني وأخني فافرق بينننا وبينن القوم الفاسنقين‪ ،‬قال فإنهنا محرمنة عليهنم أربعينن سننة يتيهون فني‬
‫الرض فل تأس على القوم الفاسقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قال موسنى لقومنه ينا قوم اذكروا نعمنة ال عليكنم" تنبيين منن ال تعالى أن‬
‫أسلفهم تمردوا على موسى وعصوه؛ فكذلك هؤلء على محمد عليه السلم‪ ،‬وهو تسلية له؛ أي يا‬
‫أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة ال عليكم‪ ،‬واذكروا قصة موسى‪ .‬وروي عن عبدال بن كثير أنه قرأ‬
‫"ينا قوم اذكروا" بضنم المينم‪ ،‬وكذلك منا أشبهنه؛ وتقديره ينا أيهنا القوم‪" .‬إذ جعنل فيكنم أننبياء" لم‬
‫ينصرف؛ لنه فيه ألف التأنيث‪" .‬وجعلكنم ملوكا" أي تملكون أمركنم ل يغلبكم عليه غالب بعد أن‬
‫كنتم مملوكين لفرعون مقهورين‪ ،‬فأنقذكم منه بالغرق؛ فهم ملوك بهذا الوجه‪ ،‬وبنحوه فسر السدي‬
‫والحسننين وغيرهمننا‪ .‬قال السنندي‪ :‬ملك كننل واحنند منننه نفسننه وأهله وماله‪ .‬وقال قتادة‪ :‬إنمننا قال‪:‬‬
‫"وجعلكم ملوكا" لنا كنا نتحدث أنهم أول من خدم من بني آدم‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا ضعيف؛ لن‬
‫القبنط قند كانوا يسنتخدمون بنني إسنرائيل‪ ،‬وظاهنر أمنر بنني آدم أن بعضهنم كان يسنخر بعضنا منذ‬
‫تناسنلوا وكثروا‪ ،‬وإنمنا اختلفنت المنم فني معننى التملينك فقنط‪ .‬وقينل‪ :‬جعلكنم ذوي منازل ل يدخنل‬
‫عليكم إل بإذن؛ روي معناه عن جماعة من أهل العلم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬إن الرجل إذا لم يدخل أحد‬
‫بيتنه إل بإذننه فهنو ملك‪ .‬وعنن الحسنن أيضنا وزيند بنن أسنلم منن كاننت له دار وزوجنة وخادم فهنو‬
‫ملك؛ وهنو قول عبدال بنن عمرو كمنا فني صنحيح مسنلم عنن أبني عبدالرحمنن الحبلي قال‪ :‬سنمعت‬
‫عبدال بنن عمرو بنن العاص وسنأله رجنل فقال‪ :‬ألسننا منن فقراء المهاجرينن؟ فقال له عبدال‪ :‬ألك‬
‫امرأة تأوي إليها؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ألك منزل تسكنه؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فأنت من الغنياء‪ .‬قال‪ :‬فإن لي‬
‫خادمنا‪ .‬قال‪ :‬فأننت منن الملوك‪ .‬قال ابن العربني‪ :‬وفائدة هذا أن الرجنل إذا وجبنت علينه كفارة وملك‬
‫دار وخادمننا باعهمننا فنني الكفارة ولم يجننز له الصننيام‪ ،‬لنننه قادر على الرقبننة والملوك ل يكفرون‬
‫بالصننيام‪ ،‬ول يوصننفون بالعجننز عننن العتاق‪ .‬وقال ابننن عباس ومجاهنند‪ :‬جعلهننم ملوكننا بالمننن‬
‫والسننلوى والحجننر والغمام‪ ،‬أي هننم مخدومون كالملوك‪ .‬وعننن ابننن عباس أيضننا يعننني الخادم‬
‫والمنزل؛ وقاله مجاهد وعكرمة والحكم بن عيين‪ ،‬وزادوا الزوجة؛ وكذا قال زيد بن أسلم إل أنه‬
‫قال فيمننا يعلم ‪ -‬عننن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم‪( :‬مننن كان له بيننت ‪ -‬أو قال منزل ‪ -‬يأوي إليننه‬
‫وزوجة وخادم يخدمه فهنو ملك؛ ذكره النحاس‪ .‬ويقال‪ :‬من اسنتغنى عن غيره فهنو ملك؛ وهذا كما‬
‫قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حيزت‬
‫له الدنيا بحذافيرها)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتاكم" أي أعطاكم "ما لم يؤت أحدا من العالمين" والخطاب من موسى لقومه‬
‫فني قول جمهور المفسنرين؛ وهنو وجنه الكلم‪ .‬مجاهند‪ :‬والمراد باليتاء المنن والسنلوى والحجنر‬
‫والغمام‪ .‬وقينل‪ :‬كثرة الننبياء فيهنم‪ ،‬واليات التني جاءتهنم‪ .‬وقينل‪ :‬قلوبنا سنليمة منن الغنل والغنش‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إحلل الغنائم والنتفاع بها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا القول مردود؛ فإن الغنائم لم تحنل لحند إل لهذه المنة على منا ثبنت فني الصنحيح؛‬
‫وسنيأتي بياننه إن شاء ال تعالى‪ .‬وهذه المقالة منن موسنى توطئة لنفوسنهم حتنى تعزز وتأخنذ المنر‬
‫بدخول أرض الجباريننن بقوة‪ ،‬وتنقننذ فنني ذلك نفوذ مننن أعزه ال ورفننع مننن شأنننه‪ .‬ومعنننى "مننن‬
‫العالمينن" أي عالمني زمانكنم؛ عنن الحسنن‪ .‬وقال ابنن جنبير وأبنو مالك‪ :‬الخطاب لمنة محمند صنلى‬
‫ال علينه وسنلم؛ وهذا عدول عنن ظاهنر الكلم بمنا ل يحسنن مثله‪ .‬وتظاهرت الخبار أن دمشنق‬
‫قاعدة الجباريننن‪ .‬و"المقدسننة" معناه المطهرة‪ .‬مجاهنند‪ :‬المباركننة؛ والبركننة التطهيننر مننن القحوط‬
‫والجوع ونحوه‪ .‬قتادة‪ :‬هني الشام‪ .‬مجاهند‪ :‬الطور ومنا حوله‪ .‬ابنن عباس والسندي وابنن زيند‪ :‬هني‬
‫أريحاء‪ .‬قال الزجاج‪ :‬دمشق وفلسطين وبعض‪ :‬الردن‪ .‬وقول قتادة يجمع هذا كله‪" .‬التي كتب ال‬
‫لكم" أي فرض دخولها عليكم ووعدكم دخولها وسكناها لكم‪ .‬ولما خرجت بنو إسرائيل من مصر‬
‫أمرهننم بجهاد أهننل أريحاء منن بلد فلسننطين فقالوا‪ :‬ل علم لنننا بتلك الديار؛ فبعننث بأمننر ال اثننني‬
‫عشننر نقيبننا‪ ،‬مننن كننل سننبط رجننل يتجسننسون الخبار على مننا تقدم‪ ،‬فرأوا سننكانها الجباريننن مننن‬
‫العمالقنة‪ ،‬وهنم ذوو أجسنام هائلة؛ حتنى قينل‪ :‬إن بعضهنم رأى هؤلء النقباء فأخذهنم فني كمنه منع‬
‫فاكهة كان قد حملها من بستانه وجاء بهم إلى الملك فنثرهم بين يده وقال‪ :‬إن هؤلء يريدون قتالنا؛‬
‫فقال لهم الملك‪ :‬ارجعوا إلى صناحبكم فأخبروه خبرنا؛ على ما تقدم‪ .‬وقيل‪ :‬إنهنم لما رجعوا أخذوا‬
‫من عنب تلك الرض عنقودا فقيل‪ :‬حمله رجل واحد‪ ،‬وقيل‪ :‬حمله النقباء الثنا عشر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا أشبه؛ فإنه يقال‪ :‬إنهم لما وصلوا إلى الجبارين وجدوهم يدخل في كم أحدهم رجلن‬
‫منهنم‪ ،‬ول يحمنل عنقود أحدهنم إل خمسنة منهنم فني خشينة‪ ،‬ويدخنل فني شطنر الرماننة إذا نزع حبنه‬
‫خمسة أنفس أو أربعة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ول تعارض بينن هذا والول؛ فإن ذلك الجبار الذي أخذهنم فني كمنه ‪ -‬ويقال‪ :‬فني حجره ‪-‬‬
‫هنو عوج بنن عناق وكان أطولهنم قامنة وأعظمهنم خلقنا؛ على منا يأتني منن ذكره إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫وكان طول سنائرهم سنتة أذرع ونصنف فني قول مقاتنل‪ .‬وقال الكلبني‪ :‬كان طول كنل رجنل منهنم‬
‫ثمانين ذراعا‪ ،‬وال أعلم‪ .‬فلما أذاعوا الخبر ما عدا يوشع وكالب بن يوفنا‪ ،‬وامتنعت بنو إسرائيل‬
‫منن الجهاد عوقبوا بالتينه أربعينن سننة إلى أن مات أولئك العصناة ونشنأ أولدهنم‪ ،‬فقاتلوا الجبارينن‬
‫وغلبوهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول ترتدوا على أدباركنم" أي ل ترجعوا عنن طاعتني ومنا أمرتكنم بنه منن قتال‬
‫الجبارين‪ .‬وقيل‪ :‬ل ترجعوا عن طاعة ال إلى معصيته‪ ،‬والمعنى واحد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين" أي عظام الجسام طوال‪ ،‬وقد تقدم؛ يقال‪:‬‬
‫نخلة جبارة أي طويلة‪ .‬والجبار المتعظنننم الممتننننع منننن الذل والفقنننر‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬الجبار منننن‬
‫الدميين العاتي‪ ،‬وهو الذي يجبر الناس على ما يريد؛ فأصله على هذا من الجبار وهو الكراه؛‬
‫فإننه يجنبر غيره على منا يريده؛ وأجنبره أي أكرهنه‪ .‬وقينل‪ :‬هنو مأخوذ منن جنبر العظنم؛ فأصنل‬
‫الجبار على هذا المصلح أمر نفسه‪ ،‬ثم استعمل في كل من جر لنفسه نفعا بحق أو بطل‪ .‬وقيل‪ :‬إن‬
‫جبر العظم راجع إلى معنى الكراه‪ .‬قال الفراء‪ :‬لم أسمع فعال من أفعل إل في حرفين؛ جبار من‬
‫أجنبر ودراك منن أدرك‪ .‬ثنم قينل‪ :‬كان هؤلء منن بقاينا عاد‪ .‬وقينل‪ :‬هنم منن ولد عيصنو بنن إسنحاق‪،‬‬
‫وكانوا منننن الروم‪ ،‬وكان معهنننم عوج العننننق‪ ،‬وكان طوله ثلثنننة آلف ذراع وثلثمائة وثلثنننة‬
‫وثلثينن ذراعنا؛ قاله ابنن عمنر‪ ،‬وكان يحتجنن السنحاب أي يجذبنه بمحجننه ويشرب مننه‪ ،‬ويتناول‬
‫الحوت من قاع البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله‪ .‬وحضر طوفان نوح عليه السلم‬
‫ولم يجاوز ركبتيه وكان عمره ثلثة آلف وستمائة سنة‪ ،‬وأنه قلع صخرة على قدر عسكر موسى‬
‫ليرضخهنم بهنا‪ ،‬فبعنث ال طائرا فنقرهنا ووقعنت فني عنقنه فصنرعته‪ .‬وأقبنل موسنى علينه السنلم‬
‫وطوله عشرة أذرع؛ وعصناه عشرة أذرع وترقنى فني السنماء عشرة أذرع فمنا أصناب إل كعبنه‬
‫وهنو مصنروع فقتله‪ .‬وقينل‪ :‬بنل ضربنه فني العرق الذي تحنت كعبنه فصنرعه فمات ووقنع على نينل‬
‫مصر فجسرهم سنة‪ .‬ذكر هذا المعنى باختلف ألفاظ محمد بن إسحاق والطبري ومكي وغيرهم‪.‬‬
‫وقال الكلبي‪ :‬عوج من ولد هاروت وماروت حيث وقعا بالمرأة فحملت‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإنا لن ندخلها" يعني البلدة إيلياء‪ ،‬ويقال‪ :‬أريحاء أي حتى يسلموها لنا من غير‬
‫قتال‪ .‬وقينل‪ :‬قالوا ذلك خوفنا منن الجبارينن ولم يقصندوا العصنيان؛ فإنهنم قالوا‪" :‬فإن يخرجوا منهنا‬
‫فإنا داخلون"‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال رجلن من الذين يخافون" قال ابن عباس وغيره‪ :‬هما يوشع وكالب بن يوقنا‬
‫ويقال ابنن قانينا‪ ،‬وكاننا منن الثنني عشنر نقيبنا‪ .‬و"يخافون" أي منن الجبارينن‪ .‬قتادة‪ :‬يخافون ال‬
‫تعالى‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬همنا رجلن كاننا فني مديننة الجبارينن على دينن موسنى؛ فمعننى "يخافون"‬
‫على هذا أي من العمالقة من حيث الطبع لئل يطلعوا على إيمانهم فيفتنوهم ولكن وثقا بال‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫يخافون ضعنف بنني إسنرائيل وجبنهنم‪ .‬وقرأ مجاهند وابنن جنبير "يخافون" بضنم الياء‪ ،‬وهذا يقوي‬
‫أنهمنا منن غينر قوم موسنى‪" .‬أنعنم ال عليهمنا" أي بالسنلم أو باليقينن والصنلح‪" .‬ادخلوا عليهنم‬
‫الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون" قال لبني إسرائيل ل يهولنكم عظم أجسامهم فقلوبهم ملئت رعبا‬
‫منكنم؛ فأجسنامهم عظيمنة وقلوبهنم ضعيفنة‪ ،‬وكانوا قند علموا أنهنم إذا دخلوا منن ذلك الباب كان لهنم‬
‫الغلب‪ .‬ويحتمننل أن يكونننا قال ذلك ثقننة بوعنند ال‪ .‬ثننم قال‪" :‬وعلى ال فتوكلوا إن كنتننم مؤمنيننن"‬
‫مصندقين بنه؛ فإننه ينصنركم‪ .‬ثنم قينل على القول الول‪ :‬لمنا قال هذا أراد بننو إسنرائيل رجمهمنا‬
‫بالحجارة‪ ،‬وقالوا‪ :‬نصدقكما وندع قول عشرة! ثم قالوا لموسى‪" :‬إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها"‬
‫ح ْيدٌ عن القتال‪ ،‬وإِياسٌ من النصر‪ .‬ثم جهلوا صفة الرب تبارك وتعالى فقالوا "فاذهب‬ ‫وهذا عناد و َ‬
‫أنننت وربننك فقاتل" وصننفوه بالذهاب والنتقال‪ ،‬وال متعال عننن ذلك‪ .‬وهذا يدل على أنهننم كانوا‬
‫مشبهنة؛ وهنو معننى قول الحسنن؛ لننه قال‪ :‬هنو كفنر منهنم بال‪ ،‬وهنو الظهنر فني معننى الكلم‪.‬‬
‫وقينل‪ :‬أي إن نصنرة ربنك لك أحنق منن نصنرتنا‪ ،‬وقتاله معنك ‪ -‬إن كننت رسنوله ‪ -‬أولى منن قتالننا؛‬
‫فعلى هذا يكون ذلك منهنم كفنر؛ لنهنم شكوا فني رسنالته‪ .‬وقينل المعننى‪ :‬أذهنب أننت فقاتنل وليعننك‬
‫ربك‪ .‬وقيل‪ :‬أرادوا بالرب هارون‪ ،‬وكان أكبر من موسى وكان موسى يطيعه‪ .‬وبالجملة فقد فسقوا‬
‫بقولهم؛ لقوله تعالى‪" :‬فل تأس على القوم الفاسقين" أي ل تحزن عليهم‪" .‬إنا ههنا قاعدون" أي ل‬
‫نبرح ول نقاتل‪ .‬ويجوز "قاعدين" على الحال؛ لن الكلم قد تم قبله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال رب إنني ل أملك إل نفسني وأخني" لننه كان يطيعنه‪ .‬وقينل المعننى‪ :‬إنني ل‬
‫أملك إل نفسي‪ ،‬ثم ابتدأ فقال‪" :‬وأخي"‪ .‬أي وأخي أيضا ل يملك إل نفسه؛ فأخي على القول الول‬
‫في موضع نصب عطفا على نفسي‪ ،‬وعلى الثاني في موضع رفع‪ ،‬وإن شئت عطفت على اسم إن‬
‫وهني الياء؛ أي إنني وأخني ل نملك إل أنفسننا‪ .‬وإن شئت عطفنت على المضمنر فني أملك كأننه قال‪:‬‬
‫ل أملك أننا وأخني إل أنفسننا‪" .‬فافرق بينننا وبينن القوم الفاسنقين" يقال‪ :‬بأي وجنه سنأله الفرق بيننه‬
‫وبين هؤلء القوم؟ ففيه أجوبة؛ الول‪ :‬بما يدل على بعدهم عن الحق‪ ،‬وذهابهم عن الصواب فيما‬
‫ارتكبوا من العصيان؛ ولذلك ألقوا في التيه‪ .‬الثاني‪ :‬بطلب التمييز أي ميزنا عن جماعتهم وجملتهم‬
‫ول تلحقننا بهنم فني العقاب‪ ،‬وقينل المعننى‪ :‬فاقنض بينننا وبينهنم بعصنمتك إياننا منن العصنيان الذي‬
‫ابتليتهنم بنه؛ ومننه قوله تعالى‪" :‬فيهنا يفرق كنل أمنر حكينم" [الدخان‪ ]4 :‬أي يقضني‪ .‬وقند فعنل لمنا‬
‫أماتهنم فني التينه‪ .‬وقينل‪ :‬إنمنا أراد فني الخرة‪ ،‬أي اجعلننا فني الجننة ول تجعلننا معهنم فني النار؛‬
‫والشاهد على الفرق الذي يدل على المباعدة في الحوال قول الشاعر‪:‬‬
‫أشد ما فرقت بين اثنين‬ ‫يا رب فافرق بينه وبيني‬
‫وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير أنه قرأ‪" :‬فافرق" بكسر الراء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال فإنهنا محرمنة عليهنم أربعينن سننة يتيهون فني الرض" اسنتحباب ال دعاءه‬
‫وعاقبهنم فني التينه أربعينن سننة‪ .‬وأصنل التينه فني اللغنة الحيرة؛ يقال مننه‪ :‬تاه يتينه تيهنا وتوهنا إذا‬
‫تحير‪ .‬وتيهته وتوهته بالياء والواو‪ ،‬والياء أكثر‪ .‬والرض التيهاء التي ل يهتدى فيها؛ وأرض تيه‬
‫وتيهاء ومنها قال‪:‬‬
‫تيه أتاويه على السقاط‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫الحزن قد كانت فراخا بيوضها‬ ‫بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا‬
‫فكانوا يسنيرون فني فراسنخ قليلة ‪ -‬قينل‪ :‬فني قدر سننة فراسنخ ‪ -‬يومهنم وليلتهنم فيصنبحون حينث‬
‫أمسننوا ويمسننون حيننث أصننبحوا؛ فكانوا سننيارة ل قرار لهننم‪ .‬واختلف هننل كان معهننم موسننى‬
‫وهارون؟ فقيل‪ :‬ل؛ لن التيه عقوبة‪ ،‬وكانت سنو التيه بعدد أيام العجل‪ ،‬فقوبلوا على كل يوم سنة؛‬
‫وقد قال‪" :‬فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين"‪ .‬وقيل‪ :‬كانا معهم لكن سهل ال المر عليهما كما جعل‬
‫النار بردا وسلما على إبراهيم‪ .‬ومعنى "محرمة" أي أنهم ممنوعون من دخولها؛ كما يقال‪ :‬حرم‬
‫ال وجهك على النار‪ ،‬وحرمت عليك دخول الدار؛ فهو تحريم منع ل تحريم شرع‪ ،‬عن أكثر أهل‬
‫التفسير؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫إني امرؤ صرعي عليك حرام‬ ‫جالت لتصرعني فقلت لها اقصري‬
‫أي أننا فارس فل يمكننك صنرعي‪ .‬وقال أبنو علي‪ :‬يجوز أن يكون تحرينم تعبند‪ .‬ويقال‪ :‬كينف يجوز‬
‫على جماعنة كثيرة منن العقلء أن يسنيروا فني فراسنخ يسنيرة فل يهتدوا للخروج منهنا؟ فالجواب‪:‬‬
‫قال أبننو علي‪ :‬قنند يكون ذلك بأن يحول ال الرض التنني هنني عليهننا إذا ناموا فيردهننم إلى المكان‬
‫الذي ابتدؤوا منننه‪ .‬وقنند يكون بغيننر ذلك مننن الشتباه والسننباب المانعننة مننن الخروج عنهننا على‬
‫طرينق المعجزة الخارجنة عنن العادة‪" .‬أربعينن" ظرف زمان للتينه؛ فني قول الحسنن وقتادة؛ قال‪:‬‬
‫ولم يدخلهنا أحند منهنم؛ فالوقنف على هذا على "عليهنم"‪ .‬وقال الربينع بنن أننس وغيره‪ :‬إن "أربعينن‬
‫سنة" ظرف للتحريم‪ ،‬فالوقف على هذا على "أربعين سنة"؛ فعلى الول إنما دخلها أولدهم؛ قاله‬
‫ابن عباس‪ .‬ولم يبق منهم إل يوشع وكالب‪ ،‬فخرج منهم يوشع بذرياتهم إلى تلك المدينة وفتحوها‪.‬‬
‫وعلى الثانني‪ :‬فمنن بقي منهنم بعد أربعينن سنة دخلوهنا‪ .‬وروي عن ابنن عباس أن موسى وهارون‬
‫ماتنا فني التينه‪ .‬قال غيره‪ :‬ونبنأ ال يوشنع وأمره بقتال الجبارينن‪ ،‬وفيهنا حبسنت علينه الشمنس حتنى‬
‫دخنل المديننة‪ ،‬وفيهنا أحرق الذي وجند الغلول عنده‪ ،‬وكاننت تنزل منن السنماء إذا غنموا نار بيضاء‬
‫فتأكننننل الغنائم؛ وكان ذلك دليل على قبولهننننا‪ ،‬فإن كان فيهننننا غلول لم تأكله‪ ،‬وجاءت السننننباع‬
‫والوحوش فأكلته؛ فنزلت النار فلم تأكل ما غنموا فقال‪ :‬إن فيكم الغلول فلتبايعني كل قبيلة فبايعته‪،‬‬
‫فلصنقت يند رجنل منهنم بيده فقال‪ :‬فيكنم الغلول فليبايعنني كنل رجنل منكنم فبايعوه رجل رجل حتنى‬
‫لصقت يد رجل منهم بيده فقال‪ :‬عند الغلول فأخرج مثل رأس البقرة من ذهب‪ ،‬فنزلت النار فأكل‬
‫الغنائم‪ .‬وكاننت نارا بيضاء مثنل الفضنة لهنا حفينف أي صنوت مثنل صنوت الشجنر وجناح الطائر‬
‫فيما يذكرون؛ فذكروا أنه أحرق الغال ومتاعه بغور يقال له الن عاجز‪ ،‬عرف باسم الغال؛ وكان‬
‫اسمه عاجزا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويستفاد من هذا عقوبة الغال قبلنا‪ ،‬وقد تقدم حكمه في ملتنا‪ .‬وبيان ما انبهم من اسم النبي‬
‫والغال في الحديث الصحيح عن أبي هريرة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال (غزا نبي من‬
‫النبياء) الحديث أخرجه مسلم وفيه قال‪( :‬فغزا فأدنى للقرية حين صلة العصر أو قريبا من ذلك‬
‫فقال للشمنس أننت مأمورة وأننا مأمور اللهنم أحبسنها على شيئا فحبسنت علينه حتنى فتنح ال علينه ‪-‬‬
‫قال‪ :‬فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه فقال‪ :‬فيكم غلول فليبايعني من كل قبيل‬
‫رجنل فبايعوه ‪ -‬قال ‪ -‬فلصنقت يده بيند رجلينن أو ثلثنة فقال فيكنم الغلول) وذكنر نحنو منا تقدم‪ .‬قال‬
‫علماؤنا‪ :‬والحكمة في حبس الشمس على يوشع عند قتاله أهل أريحاء وإشرافه على فتحها عشي‬
‫يوم الجمعة‪ ،‬وإشفاقه من أن تغرب الشمس قبل الفتح أنه لو لم تحبس عليه حرم عليه القتال لجل‬
‫السنبت‪ ،‬ويعلم بنه عدوهنم فيعمنل فيهنم السنيف ويجتاحهنم؛ فكان ذلك آينة له خنص بهنا بعند أن كاننت‬
‫نبوتنه ثابتنة خنبر موسنى علينه الصنلة والسنلم‪ ،‬على منا يقال‪ .‬وال أعلم‪ .‬وفني هذا الحدينث يقول‬
‫علينه السنلم‪( :‬فلم تحنل الغنائم لحند منن قبلننا) ذلك بأن ال عنز وجنل رأى ضعفننا وعجزننا فطيبهنا‬
‫لنا‪ .‬وهذا يرد قول من قال في تأويل قوله تعالى‪" :‬وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين" إنه تحليل‬
‫الغنائم والنتفاع بهننا‪ .‬وممننن قال إن موسننى عليننه الصننلة والسننلم مات بالتيننه عمرو بننن ميمون‬
‫الودي‪ ،‬وزاد وهارون؛ وكانننا خرجننا فنني التيننه إلى بعننض الكهوف فمات هارون فدفنننه موسننى‬
‫وانصنرف إلى بنني إسنرائيل؛ فقالوا‪ :‬منا فعنل هارون؟ فقال‪ :‬مات؛ قالوا‪ :‬كذبنت ولكننك قتلتنه لحبننا‬
‫له‪ ،‬وكان محبنا فني بنني إسنرائيل؛ فأوحنى ال تعالى إلينه أن انطلق بهنم إلى قنبره فإنني باعثنه حتنى‬
‫يخنبرهم أننه مات موتنا ولم تقتله؛ فانطلق بهنم إلى قنبره فنادي ينا هارون فخرج منن قنبره ينفنض‬
‫رأسنه فقال‪ :‬أننا قاتلك؟ قال‪ :‬ل؛ ولكنني منت؛ قال‪ :‬فعند إلى مضجعنك؛ وانصنرف‪ .‬وقال الحسنن‪ :‬إن‬
‫موسى لم يمت بالتيه‪ .‬وقال غيره‪ :‬إن موسى فتح أريحاء‪ ،‬وكان يوشع على مقدمته فقاتل الجبابرة‬
‫الذينن كانوا بهنا‪ ،‬ثنم دخلهنا موسنى ببنني إسنرائيل فأقام فيهنا منا شاء ال أن يقينم‪ ،‬ثنم قبضنه ال تعالى‬
‫إليه ل يعلم بقبره أحد من الخلئق‪ .‬قال الثعلبي‪ :‬وهو أصح القاويل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قند روى مسنلم عنن أبني هريرة قال‪ :‬أرسنل ملك الموت إلى موسنى علينه الصنلة والسنلم‬
‫فلمنا جاءه صنكه ففقنأ عيننه فرجنع إلى ربنه فقال‪" :‬أرسنلتني إلى عبند ل يريند الموت" قال‪ :‬فرد ال‬
‫إلينه عيننه وقال‪" :‬ارجنع إلينه فقنل له يضنع يده على متنن ثور فله بمنا غطنت يده بكنل شعرة سننة"‬
‫قال‪" :‬أي رب ثنم منه"‪ ،‬قال‪" :‬ثنم الموت" قال‪" :‬فالن"؛ فسنأل ال أن يدنينه منن الرض المقدسنة‬
‫رمية بحجر؛ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬فلو كنت ثم لريتكم قبره إلى جانب الطريق‬
‫تحت الكثيب الحمر) فهذا نبينا صلى ال عليه وسلم قد علم قبره ووصف موضعه‪ ،‬ورآه فيه قائما‬
‫يصننلي كمننا فنني حديننث السننراء‪ ،‬إل أنننه يحتمننل أن يكون أخفاه ال عننن الخلق سننواه ولم يجعله‬
‫مشهورا عندهنم؛ ولعنل ذلك لئل يعبند‪ ،‬وال أعلم‪ .‬ويعنني بالطرينق طرينق بينت المقدس‪ .‬ووقنع فني‬
‫بعض الروايات إلى جانب الطور مكان الطريق‪ .‬واختلف العلماء في تأويل لطم موسى عين ملك‬
‫الموت وفقئهنا على أقوال؛ منهنا‪ :‬أنهنا كاننت عيننا متخيلة ل حقيقنة‪ ،‬وهذا باطنل‪ ،‬لننه يؤدي إلى أن‬
‫ما يراه النبياء من صور الملئكة ل حقيقة له‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنها كانت عينا معنوية وإنما فقأها بالحجة‪ ،‬وهذا مجاز ل حقيقة‪ .‬ومنها‪ :‬أنه عليه السلم‬
‫لم يعرف الموت‪ ،‬وأننه رأى رجل دخنل منزله بغينر إذننه يريند نفسنه فدافنع عنن نفسنه فلطنم عيننه‬
‫ففقأهنا؛ وتجنب المدافعنة فني هذا بكنل ممكنن‪ .‬وهذا وجنه حسنن؛ لننه حقيقنة فني العينن والصنك؛ قاله‬
‫المام أبو بكر بن خزيمة‪ ،‬غير أنه اعترض عليه بما في الحديث؛ وهو أن ملك الموت لما رجع‬
‫إلى ال تعالى قال‪" :‬يا رب أرسلتني إلى عبد ل يريد الموت" فلو لم يعرفه موسى لما صدق القول‬
‫منن ملك الموت؛ وأيضنا قوله فني الرواينة الخرى‪" :‬أجنب ربنك" يدل على تعريفنه بنفسنه‪ .‬وال‬
‫أعلم‪ .‬ومنهنا‪ :‬أن موسنى علينه الصنلة والسنلم كان سنريع الغضنب‪ ،‬إذ غضنب طلع الدخان منن‬
‫قلنسنوته ورفنع شعنر بدننه جبتنه؛ وسنرعة غضبنه كاننت سنببا لصنكه ملك الموت‪ .‬قال ابنن العربني‪:‬‬
‫وهذا كمنا ترى‪ ،‬فإن الننبياء معصنومون أن يقنع منهنم ابتداء مثنل هذا فني الرضنا والغضنب‪ .‬ومنهنا‬
‫وهنو الصنحيح منن هذه القوال‪ :‬أن موسننى علينه الصنلة والسنلم عرف ملك الموت‪ ،‬وأننه جاء‬
‫ليقبض روحه لكنه جاء مجيء الجزم بأنه قد أمر بقبض روحه من غير تخيير‪ ،‬وعند موسى ما قد‬
‫نص عليه نبينا محمد صلى ال عليه وسلم من (أن ال ل يقبض روح نبي حتى يخبره) فلما جاءه‬
‫على غيننر الوجننه الذي أعلم بادر بشهامتننه وقوة نفسننه إلى أدبننه‪ ،‬فلطمننه ففقننأ عينننه امتحانننا لملك‬
‫الموت؛ إذ لم يصنرح له بالتخيينر‪ .‬وممنا يدل على صنحة هذا‪ ،‬أننه لمنا رجنع إليه ملك الموت فخيره‬
‫بيننن الحياة والموت اختار الموت واسننتسلم‪ .‬وال بغيبننه أحكننم وأعلم‪ .‬هذا أصننح مننا قيننل فنني وفاة‬
‫موسى عليه السلم‪ .‬وقد ذكر المفسرون في ذلك قصصا وأخبارا ال أعلم بصحتها؛ وفي الصحيح‬
‫غنية عنها‪ .‬وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة؛ فيروى أن يوشع رآه بعد موته في المنام فقال‬
‫له‪ :‬كيف وجدت الموت؟ فقال‪" :‬كشاة تسلخ وهي حية"‪ .‬وهذا صحيح معننى؛ قال‪ :‬صلى ال عليه‬
‫وسنلم فني الحدينث الصنحيح‪( :‬إن للموت سنكرات) على منا بيناه فني كتاب "التذكرة"‪ .‬وقوله‪" :‬فل‬
‫تأس على القوم الفاسقين" أي ل تحزن‪ .‬والسى الحزن؛ أسي يأسى أي حزن‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يقولون ل تهلك أسى وتحمل‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 27 :‬واتنل عليهنم نبنأ ابنني آدم بالحنق إذ قربنا قرباننا فتقبنل منن أحدهمنا ولم يتقبنل منن‬
‫الخر قال لقتلنك قال إنما يتقبل ال من المتقين}‬
‫@ وجه اتصنال هذه الينة بمنا قبلهنا التننبيه منن ال تعالى على أن ظلم اليهود‪ ،‬ونقضهنم المواثينق‬
‫والعهود كظلم ابننن آدم لخيننه‪ .‬المعنننى‪ :‬إن هننم هؤلء اليهود بالفتننك بننك يننا محمنند فقنند قتلوا قبلك‬
‫الننبياء‪ ،‬وقتنل قابينل هابينل‪ ،‬والشنر قدينم‪ .‬أي ذكرهنم هذه القصنة فهني قصنة صندق‪ ،‬ل كالحادينث‬
‫الموضوعة؛ وفي ذلك تبكيت لمن خالف السلم‪ ،‬وتسلية للنبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬واختلف في‬
‫ابني آدم؛ فقال الحسن البصري‪ :‬ليسا لصلبه‪ ،‬كانا رجلين من بني إسرائيل ‪ -‬ضرب ال بهما المثل‬
‫فنني إبانننة حسنند اليهود ‪ -‬وكان بينهمننا خصننومة‪ ،‬فتقربننا بقربانيننن ولم تكننن القرابيننن إل فنني بننني‬
‫إسرائيل‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا وهم‪ ،‬وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي‬
‫بالغراب؟ والصنحيح أنهمنا ابناه لصنلبه؛ هذا قول الجمهور منن المفسنرين وقاله ابنن عباس وابنن‬
‫عمنر وغيرهمنا؛ وهمنا قابينل وهابينل‪ ،‬وكان قربان قابينل حزمنة منن سننبل ‪ -‬لننه صناحب زرع ‪-‬‬
‫واختارها من أردأ زرعه‪ ،‬ثم إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها‪ .‬وكان قربان هابيل كبشا ‪-‬‬
‫لنه كان صاحب غنم ‪ -‬أخذه من أجود غنمه‪" .‬فتقبل" فرفع إلى الجنة‪ ،‬فلم يزل يرعى فيها إلى أن‬
‫فدي بنه الذبينح علينه السنلم؛ قاله سنعيد بنن جنبير وغيره‪ .‬فلمنا تقبنل قربان هابينل لننه كان مؤمننا ‪-‬‬
‫قال له قابيننل حسنندا‪ :‬أنننه كان كافرا ‪ -‬أتمشنني على الرض يراك الناس أفضننل مننني! "لقتلنننك"‬
‫وقيل‪ :‬سبب هذا القربان أن حواء عليها السلم كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى ‪ -‬إل شيثا عليه‬
‫السلم فإنها ولدته منفردا عوضا من هابيل على ما يأتي‪ ،‬واسمه هبة ال؛ لن جبريل عليه السلم‬
‫قال لحواء لمنا ولدتنه‪ :‬هذا هبنة ال لك بدل هابينل‪ .‬وكان آدم يوم ولد شينث ابنن ثلثينن ومئة سننة ‪-‬‬
‫وكان يزوج الذكنر منن هذا البطنن النثنى منن البطنن الخنر‪ ،‬ول تحنل له أختنه توأمتنه؛ فولدت منع‬
‫قابيننل أختننا جميلة واسننمها إقليمياء‪ ،‬ومننع هابيننل أختننا ليسننت كذلك واسننمها ليوذا؛ فلمننا أراد آدم‬
‫تزويجهمننا قال قابيننل‪ :‬أنننا أحننق بأختنني‪ ،‬فأمره آدم فلم يأتمننر‪ ،‬وزجره فلم ينزجننر؛ فاتفقوا على‬
‫التقرينب؛ قال جماعنة منن المفسنرين منهنم ابنن مسنعود‪ .‬وروي أن آدم حضنر ذلك‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقند‬
‫روي فني هذا الباب عن جعفنر الصنادق‪ :‬إن آدم لم يكنن يزوج ابنتنه منن ابننه؛ ولو فعنل ذلك آدم لمنا‬
‫رغنب عنه الننبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول كان دين آدم إل يكن الننبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأن‬
‫ال تعالى لمنا أهبنط آدم وحواء إلى الرض وجمنع بينهمنا ولدت حواء بنتنا فسنماها عناقنا فبغنت‪،‬‬
‫وهي أول من بغى على وجه الرض؛ فسلط ال عليها من قتلها‪ ،‬ثم ولدت لدم قابيل‪ ،‬ثم ولدت له‬
‫هابيل؛ فلما أدرك قابيل أظهر ال له جنية من ولد الجن‪ ،‬يقال لها‪ :‬جملة في صورة إنسية؛ وأوحى‬
‫ال إلى آدم أن زوجها من قابيل فزوجها منه‪ .‬فلما أدرك هابيل أهبط ال إلى آدم حورية في صفة‬
‫إنسية وخلق لها رحما‪ ،‬وكان اسمها بزلة‪ ،‬فلما نظر إليها هابيل أحبها؛ فأوحى ال إلى آدم أن زوج‬
‫بزلة من هابيل ففعل‪ .‬فقال قابيل‪ :‬يا أبت ألست أكبر من أخي؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فكنت أحق أن زوج‬
‫بزلة من منه! فقال له آدم‪ :‬يا بني إن ال قد أمرني بذلك‪ ،‬وإن الفضل بيد ال يؤتيه من يشاء‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ل وال‪ ،‬ولكنك آثرته علي‪ .‬فقال آدم‪" :‬فقربا قربانا فأيكما يقبل قربانه فهو أحق بالفضل"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه القضية عن جعفر ما أظنها تصح‪ ،‬وأن القول ما ذكرناه من أنه كان يزوج غلم هذا‬
‫البطن لجارية تلك البطن‪ .‬والدليل على هذا من الكتاب قوله تعالى‪" :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي‬
‫خلقكنم منن نفنس واحدة وخلق منهنا زوجهنا وبنث منهمنا رجال كثيرا ونسناء" [النسناء‪ .]1 :‬وهذا‬
‫كالنص ثم نسخ ذلك‪ ،‬حسبما تقدم بيانه في سورة "البقرة"‪ .‬وكان جميع ما ولدته حواء أربعين من‬
‫ذكر وأنثى في عشرين بطنا؛ أولهم قابيل وتوأمته إقليمياء‪ ،‬وآخرهم عبدالمغيث‪ .‬ثم بارك ال في‬
‫نسل آدم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا‪ .‬وما روي عن جعفر ‪-‬‬
‫من قوله‪ :‬فولدت بنتا وأنها بغت ‪ -‬فيقال‪ :‬مع من بغت؟ أمع جني تسول لها! ومثل هذا يحتاج إلى‬
‫نقل صحيح يقطع العذر‪ ،‬وذلك معدوم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ وفني قول هابينل "قال إنمنا يتقبنل ال منن المتقينن" كلم قبله محذوف؛ لننه لمنا قال له قابينل‪:‬‬
‫"لقتلنك" قال له‪ :‬ولم تقتلني وأنا لم أجن شيئا؟‪ ،‬ول ذنب لي في قبول ال قرباني‪ ،‬أما إني أتقيته‬
‫وكننت على لحنب الحنق وإنمنا يتقبنل ال منن المتقينن‪ .‬قال ابنن عطينة‪ :‬المراد بالتقوى هننا اتقاء‬
‫الشرك بإجماع أهل السنة؛ فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة؛ وأما المتقي‬
‫الشرك والمعاصني فله الدرجنة العلينا منن القبول والختنم بالرحمنة؛ علم ذلك بإخبار ال تعالى ل أن‬
‫ذلل يجب على ال تعالى عقل‪ .‬وقال عدي بن ثابت وغيره‪ :‬قربان متقي هذه المة الصلة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا خاص في نوع من العبادات‪ .‬وقد روى البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول ال‬
‫صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬إن ال تبارك وتعالى قال منن عادى لي ولينا فقند آذنتنه بالحرب ومنا تقرب‬
‫إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزل عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا‬
‫أحببته كنت مسمى الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي‬
‫بها ولئن سألني لعطينه ولئن استعاذني لعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس‬
‫المؤمن بكره الموت وأنا أكره مساءته)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 29 - 28 :‬لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لقتلك إني أخاف‬
‫ال رب العالمين‪ ،‬إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لئن بسطت إلي يدك" أي لئن قصدت قتلي فأنا ل أقصد قتلك؛ فهذا استسلم منه‪.‬‬
‫وفني الخنبر‪( :‬إذا كاننت الفتننة فكنن خينر ابنني آدم)‪ .‬وروى أبنو داود عنن سنعد بنن أبني وقاص قال‬
‫قلت يا رسول‪ :‬إن دخل عل بيتي وبسط يده إلي ليقتلني؟ قال فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(كنن كخينر ابنني آدم) وتل هذه الينة "لئن بسنطت إلي يدك لتقتلنني"‪ .‬قال مجاهند‪ :‬كان الفرض‬
‫عليهنم حينئذ أل يسنتل أحند سنيفا‪ ،‬وأل يمتننع ممنن يريند قتله‪ .‬قال علماؤننا‪ :‬وذلك ممنا يجوز ورود‬
‫التعبند بنه‪ ،‬إل أن فني شرعننا يجوز دفعنه إجماعنا‪ .‬وفني وجوب ذلك علينه خلف‪ ،‬والصنح وجوب‬
‫ذلك؛ لما فيه من النهي عن المنكر‪ .‬وفي الحشوية قوم ل يجوزون للحصول عليه الدفع؛ واحتجوا‬
‫بحديث أبي ذ‪ ،‬وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة‪ ،‬وكف اليد عند الشبهة؛ على ما بيناه في‬
‫كتاب "التذكرة"‪ .‬وقال عبدال بننن عمرو وجمهور الناس‪ :‬كان هابيننل أشنند قوة مننن قابيننل ولكنننه‬
‫تحرج‪ .‬قال ابنن عطينة‪ :‬وهذا هو الظهنر‪ ،‬ومن ههننا يقوى أن قابينل إنمنا هنو عاص ل كافنر؛ لننه‬
‫لو كان كافرا لم يكنن للتحرج هننا وجنه‪ ،‬وإنمنا وجنه التحرج فني هذا أن المتحرج يأبنى أن يقاتنل‬
‫موحدا‪ ،‬ويرضننى بأن يظلم ليجازي فنني الخرة؛ ونحننو هذا فعننل عثمان رضنني ال عتننه‪ .‬وقيننل‪:‬‬
‫المعننى ل أقصند قتلك بنل أقصند الدفنع عنن نفسني‪ ،‬وعلى هذا فينل‪ :‬كان نائمنا فجاء قابينل ورضنخ‬
‫رأسنه بحجنر على منا يأتني ومدافعنة النسنان عمنن يريند ظلمنه جائزة وإن أتنى على نفنس العادي‪.‬‬
‫وقيننل‪ :‬لئن بدأت بقتلي فل أبدأ بالقتننل‪ .‬وقينل‪ :‬أراد لئن بسننطت إلى يدك ظلمننا فمننا أننا بظالم؛ إننني‬
‫أخاف ال رب العالمين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنني أريند أن تبوء بإثمني وإثمنك" قينل‪ :‬معناه معننى قول الننبي صنلى ال علينه‬
‫وسنلم‪( :‬إذا التقنى المسنلمان بسنيفيهما فالقاتنل والمقتول فني النار) قينل‪ :‬ينا رسنول ال هذا القاتنل فمنا‬
‫بال المقتول؟ قال‪( :‬إننه كان حريصنا على قتنل صناحبه) وكأن هابينل أراد أنني لسنت بحرينص على‬
‫قتلك؛ فالثنم الذي كان يلحقنني لو كنت‪ ،‬حريصا على قتلك أريند أن تحمله أنت منع إثمك فني قتلي‪.‬‬
‫وقينل‪ :‬المعننى "بإثمني" الذي يختنص بني فيمنا فرطنت؛ أي يؤخنذ فني سنيئاتي فتطرح علينك بسنبب‬
‫ظلمنك لي‪ ،‬وتبوء بإثمنك فني قتلك؛ وهذا يعضده قوله علينه الصنلة والسنلم‪( :‬يؤتنى يوم القيامنة‬
‫بالظالم والمظلوم فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم تكن له‬
‫حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه)‪ .‬وهذا بين ل إشكال فيه‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى إني أريد أل‬
‫تبوء بإثمي وإثمك كما قال تعالى‪" :‬وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم" [النحل‪ ]15 :‬أي لئل‬
‫تميد بكم‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬يبين ال لكم أن تضلوا" [النساء‪ ]176 :‬أي لئل تضلوا فحذف "ل"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ضعيف؛ لقوله عليه السلم‪( :‬ل تقتل نفس ظلما إل كان على ابن آدم الول كفل من‬
‫دمها لنه أول من سن القتل)‪ ،‬فثبت بهذا أن إثم القتل حاصل؛ ولهذا قال أكثر العلماء‪ :‬إن المعنى؛‬
‫ترجنع بإثنم قتلي وإثمنك الذي عملتنه قبنل قتلي‪ .‬قال الثعلبني‪ :‬هذا قول عامنة أكثنر المفسنرين‪ .‬وقينل‪:‬‬
‫هنو اسنتفهام‪ ،‬أي أو إنني أريند؟ على جهنة النكار؛ كقوله تعالى‪" :‬وتلك نعمنة" أي أو تلك نعمنة؟‬
‫وهذا لن إرادة القتنل معصنية‪ .‬حكاه القشيري وسنئل أبنو الحسنن بنن كيسنان‪ :‬كينف يريند المؤمنن أن‬
‫يأثنم أخوه وأن يدخنل النار؟ فقال‪ :‬إنمنا وقعنت الرادة بعند منا بسنط يده إلينه بالقتنل؛ والمعننى‪ :‬لئن‬
‫بسطت إلى يدك لتقتلني لمتنع من ذلك مريدا للثواب؛ فقيل له‪ :‬فكيف قال‪ :‬بإثمي وإثمك؛ وأي إثم‬
‫له إذا قتنل؟ فقال‪ :‬فينه ثلثنة أجوبنة؛ أحدهنا‪ :‬أن تبوء بإثنم قتلي وإثنم ذنبنك الذي منن أجله لم يتقبنل‬
‫قربانك‪ ،‬ويروى هذا القول عن مجاهد‪ .‬والوجه الخر‪ :‬أن تبوء بإثم قتلي وإثم اعتدائك علي؛ لنه‬
‫قد يأثم بالعتداء وإن لم يقتل‪ .‬والوجه الثالث‪ :‬أنه لو بسط يده إليه أثم؛ فرأى أنه إذا أمسك عن ذلك‬
‫فإثمه يرجع على صاحبه‪ .‬فصار هذا مثل قولك‪ :‬المال به وبين زيد؛ أي المال بينهما‪ ،‬فالمعنى أن‬
‫تبوء بإثمننا‪ .‬وأصنل باء رجنع إلى المباءة‪ ،‬وهني المنزل‪" .‬وباؤوا بغضنب منن ال" [البقرة‪]61 :‬‬
‫أي رجعوا‪ .‬وقد مضى في "البقرة" مستوفى‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫محارمنا ل يبؤ الدم بالدم‬ ‫أل تنتهي عنا ملوك وتبقي‬
‫أي ل يرجنع الدم بالدم فني القود‪" .‬فتكون منن أصنحاب النار" دلينل على أنهنم كانوا فني ذلك الوقنت‬
‫مكلفين قد لحقهم الوعد والوعيد‪ .‬وقد استدل بقول هابيل لخيه قابيل‪" :‬فتكون من أصحاب النار"‬
‫على أنه كان كافرا؛ لن لفظ أصحاب النار إنما ورد في الكفار حيث وقع في القرآن‪ .‬وهذا مردود‬
‫هننا بمنا ذكرناه عنن أهنل العلم فني تأوينل الينة‪ .‬ومعننى "منن أصنحاب النار" مدة كوننك فيهنا‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فطوعت له نفسه"‪ .‬أي سولت وسهلت نفسه عليه المر وشجعته وصورت له أن‬
‫قتننل أخيننه طوع سننهل له يقال‪ :‬طاع الشيننء أي سننهل وانقاد‪ .‬وطوعننه فلن له أي سننهله‪ .‬قال‬
‫الهروي‪ :‬طوعنت وأطاعنت واحند؛ يقال‪ :‬طاع له كذا إذا أتاه طوعنا‪ .‬وقينل‪ :‬طاوعتنه نفسنه فني قتنل‬
‫أخيه؛ فنزع الخافض فانتصب‪ .‬وروي أنه جهل كيف يقتله فجاء إبليس بطائر ‪ -‬أو حيوان غيره ‪-‬‬
‫فجعل يشدخ رأسه بين حجرين ليقتدي به قابيل ففعل؛ قال ابن جريج ومجاهد وغيرهما‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس وابننن مسننعود‪ :‬وجده نائمننا فشنند رأسننه بحجننر وكان ذلك فنني ثور ‪ -‬جبننل بمكننة ‪ -‬قال ابننن‬
‫عباس‪ .‬وقيل‪ :‬عند عقبة حراء؛ حكاه محمد بن جرير الطبري‪ .‬وقال جعفر الصادق‪ :‬بالبصرة في‬
‫موضنع المسنجد العظنم‪ .‬وكان لهابينل يوم قتله قابينل عشرون سننة‪ .‬ويقال‪ :‬إن قابينل كان يعرف‬
‫القتنل بطبعنه؛ لن النسنان وإن لم ينر القتنل فإننه يعلم بطبعنه أن النفنس فانينة لحكنن إتلفهنا؛ فأخنذ‬
‫حجرا فقتله بأرض الهننند‪ .‬وال أعلم‪ .‬ولمننا قتله ندم فقعنند يبكنني عننند رأسننه إذ أقبننل غرابان فاقتتل‬
‫فقتل أحدهما الخر ثم حفر له حفرة فدفنه؛ ففعل القاتل بأخيه كذا‪ .‬والسوءة يراد بها العورة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫يراد بهنا جيفة المقتول؛ ثنم إننه هرب إلى أرض عدن من اليمن‪ ،‬فأتاه إبليس وقال‪ :‬إنمنا أكلت النار‬
‫قربان أخينك لننه كان يعبند النار‪ ،‬فانصنب أننت أيضنا نارا تكون لك ولعقبنك‪ ،‬فبننى بينت نار‪ ،‬فهنو‬
‫أول من عبد النار فيما قيل‪ .‬وال أعلم‪ .‬وروي عن ابن عباس أنه لما قتله وآدم بمكة اشتاك الشجر‪،‬‬
‫وتغيرت الطعمة‪ ،‬وحمضت الفواكه‪ ،‬وملحت المياه‪ ،‬واغبرت الرض؛ فقال آدم عليه السلم‪ :‬قد‬
‫حدث في الرض حدث‪ ،‬فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل‪ .‬وقيل‪ :‬إن قابيل هو الذي انصرف إلى‬
‫آدم‪ ،‬فلمننا وصننل إليننه قال له‪ :‬أيننن هابيننل؟ فقال‪ :‬ل أدري كأنننك وكلتننني بحفظننه‪ .‬فقال له آدم‪:‬‬
‫أفعلتها؟ ! وال إن دمه لينادي‪ ،‬اللهم العن أرضا شربت دم هابيل‪ .‬فروي أنه من حينئذ ما شربت‬
‫أرض دمنا‪ .‬ثنم إن آدم بقني مائة سننة لم يضحنك‪ ،‬حتنى جاءه ملك فقال له‪ :‬حياك ال ينا آدم وبياك‪.‬‬
‫فقال‪ :‬منا بياك؟ قال‪ :‬أضحكنك؛ قال مجاهند وسنالم بنن أبني الجعند‪ .‬ولمنا مضنى منن عمنر آدم مائة‬
‫وثلثون سننة ‪ -‬وذلك بعند قتنل هابينل بخمنس سننين ولدت له شيثنا‪ ،‬وتفسنيره هبنة ال‪ ،‬أي خلفنا منن‬
‫هابيل‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬كان قبل قتل قابيل هابيل السباع والطيور تستأنس بآدم‪ ،‬فلما قتل قابيل هابيل‬
‫هربوا‪ ،‬فلحقننت الطيور بالهواء‪ ،‬والوحوش بالبريننة‪ ،‬ولحقنت السننباع بالغياض‪ .‬وروي أن آدم لمننا‬
‫تغيرت الحال قال‪:‬‬
‫فوجه الرض مغير قبيح‬ ‫تغيرت البلد ومن عليها‬
‫وقل بشاشة الوجه المليح‬ ‫تغير كل ذي طعم ولون‬
‫فني أبيات كثيرة ذكرهنا الثعلبني وغيره‪ .‬قال ابنن عطينة‪ :‬هكذا هنو الشعنر بنصنب "بشاشنة" وكنف‬
‫التنوينن‪ .‬قال القشيري وغيره قال ابنن عباس‪ :‬منا قال آدم الشعننر‪ ،‬وإن محمدا والنننبياء كلهننم فنني‬
‫النهني عنن الشعنر سنواء؛ لكنن لمنا قتنل هابينل رثاه آدم وهنو سنرياني‪ ،‬فهني مرثينة بلسنان السنريانية‬
‫أوصنى بهنا إلى ابننه شينث وقال‪ :‬إننك وصنيي فاحفنظ منني هذا الكلم ليتوارث؛ فحفظنت مننه إلى‬
‫زمان يعرب بن قحطان‪ ،‬فترجم عنه يعرب بالعربية وجعله شعرا‪.‬‬
‫@ روي من حديث أنس قال‪ :‬سئل النبي صلى ال عليه وسلم عن يوم الثلثاء فقال‪( :‬يوم الدم فيه‬
‫حاضت حواء وفيه قتنل ابن آدم أخاه)‪ .‬وثبنت في صنحيح مسلم وغيره عن عبدال قال قال رسول‬
‫ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬ل تقتنل نفنس ظلمنا إل كان على ابنن آدم الول كفنل منن دمهنا لننه كان‬
‫أول من سن القتل)‪ .‬وهذا نص على التعليل؛ وبهذا العتبار يكون على إبليس كفل من معصية كل‬
‫منن عصنى بالسنجود؛ لننه أول منن عصنى بنه‪ ،‬وكذلك كنل منن أحدث فني دينن ال منا ل يجوز منن‬
‫البدع والهواء؛ قال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬منن سنن فني السنلم سننة حسننة كان له أجرهنا وأجنر‬
‫من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في السلم سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها‬
‫إلى يوم القيامنة)‪ .‬وهذا ننص فني الخنبر والشنر‪ .‬وقال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬إن أخوف منا أخاف‬
‫على أمتني الئمنة المضلون)‪ .‬وهذا كله صنريح‪ ،‬وننص صنحيح فني معننى الينة‪ ،‬وهذا منا لم يتنب‬
‫الفاعل من تلك المعصية‪ ،‬لن آدم عليه السلم كان أول من خالف في أكل ما نهي عنه‪ ،‬ول يكون‬
‫عليه شيء من أوزار من عصى بأكل ما نهي عنه ول شربه من بعده بالجماع؛ لن آدم تاب من‬
‫ذلك وتاب ال علينه‪ ،‬فصنار كمنن لم يجنن‪ .‬ووجنه آخنر‪ :‬فإننه أكنل ناسنيا على الصنحيح منن القوال‪،‬‬
‫كما بيناه في "البقرة" والناسي غير آثم ول مؤاخذ‪.‬‬
‫@ تضمننت هذه الينة البيان عنن حال الحاسند‪ ،‬حتنى أننه قند يحمله حسنده على إهلك نفسنه بقتنل‬
‫أقرب الناس إليه قرابة‪ ،‬وأمسه به رحما‪ ،‬وأولهم بالحنو عليه ودفع الذية عنه‪ .‬الرابعة‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأصبح من الخاسرين" أي ممن خسر حسناته‪ .‬وقال‪ ،‬مجاهد‪ :‬علقت إحدى رجلي‬
‫القاتنل بسناقها إلى فخذهنا منن يومئذ إلى يوم القيامنة‪ ،‬ووجهنه إلى الشمنس حيثمنا دارت‪ ،‬علينه فني‬
‫الصيف حظيرة من نار‪ ،‬وعليه في الشتاء من ثلج‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬فإن صح هذا فهو من خسرانه‬
‫الذي تضمنه قوله تعالى‪" :‬فأصبح من الخاسرين" وإل فالخسران يعم خسران الدنيا والخرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولعننل هذا يكون عقوبتننه على القول بأنننه عاص ل كافننر؛ فيكون المعنننى "فأصننبح مننن‬
‫الخاسرين" أي في الدنيا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 :‬فبعث ال غرابا يبحث في الرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى‬
‫أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين}‬
‫@ قال مجاهد‪ :‬بعث ال غرابين فاقتتل حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه‪ .‬وكان ابن آدم هذا‬
‫أول منن قتنل‪ .‬وقينل‪ :‬إن الغراب بحنث الرض على طعمنه ليخفينه إلى وقنت الحاجنة إلينه؛ لننه منن‬
‫عادة الغراب فعل ذلك؛ فتنبه قابيل ذلك على مواراة أخيه‪ .‬وروي أن قابيل لما قتل هابيل جعله في‬
‫جراب‪ ،‬ومشنى بنه يحمله فني عنقنه مائة سننة؛ قال مجاهند‪ .‬وروى ابنن القاسنم عنن مالك أننه حمله‬
‫سنة واحدة؛ وقال ابن عباس‪ .‬وقيل‪ :‬حتى أروح ول يدري ما يصنع به إلى أن اقتدى بالغراب كما‬
‫تقدم‪ .‬وفني الخنبر عنن أننس قال‪ :‬سنمعت الننبي صنلى ال علينه وسنلم يقول‪( :‬امتنن ال على ابنن آدم‬
‫بثلث بعد ثلث بالريح بعد الروح فلول أن الريح يقع بعد الروح ما دفن حميم حميما وبالدود في‬
‫الجثننة فلول أن الدود يقننع فنني الجثننة لكتنزتهننا الملوك وكانننت خيرا لهننم مننن الدراهننم والدنانيننر‬
‫وبالموت بعد الكبر وإن الرجل ليكبر حتى يمل نفسه ويمله أهله وولده وأقرباؤه فكان الموت أستر‬
‫له)‪ .‬وقال قوم‪ :‬كان قابيل يعلم الدفن‪ ،‬ولكن ترك أخاه بالعراء استخفافا به‪ ،‬فبعث ال غرابا يبحث‬
‫التراب على هابينل ليدفننه‪ ،‬فقال عنند ذلك‪" :‬ينا ويلتنى أعجزت أن أكون مثنل هذا الغراب فأواري‬
‫سنوءة أخني فأصنبح منن النادمينن" ‪ ،‬حينث رأى إكرام ال لهابينل بأن قينض له الغراب حتنى واراه‪،‬‬
‫ولم يكننن ذلك ندم توبننة‪ ،‬وقيننل‪ :‬إنمننا ندمننه كان على فقده ل على قتله‪ ،‬وإن كان فلم يكننن موفيننا‬
‫شروطه‪ .‬أو ندم ولم يسنتمر ندمه؛ فقال ابنن عباس‪ :‬ولو كاننت ندامته على قتله لكاننت الندامنة توبة‬
‫منه‪ .‬ويقال‪ :‬إن آدم وحواء أتيا قبره وبكيا أياما عليه‪ .‬ثم إن قابيل كان على ذروة جبل فنطحه ثور‬
‫فوقنع إلى السنفح وقند تفرقنت عروقنه‪ .‬ويقال‪ :‬دعنا علينه آدم فانخسنفت بنه الرض‪ .‬ويقال‪ :‬إن قابينل‬
‫استوحش بعد قتل هابيل ولزم البرية‪ ،‬وكان ل يقدر على ما يأكله إل من الوحش‪ ،‬فكان إذا ظفر به‬
‫وقذه حتى يموت ثم يأكله‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬فكانت الموقوذة حراما من لدن قابيل بن آدم‪ ،‬وهو أول‬
‫مننن يسنناق مننن الدمييننن إلى النار؛ وذلك قوله تعالى‪" :‬ربنننا أرنننا اللذيننن أضلنننا مننن الجننن‬
‫والنس"[فصلت‪ ]29 :‬الية‪ ،‬فإبليس رأس الكافرين من الجن‪ ،‬وقابيل رأس الخطيئة من النس؛‬
‫على منا يأتني بياننه فني "حنم فصنلت" إن شاء ال تعالى‪ .‬وقند قينل‪ :‬إن الندم فني ذلك الوقنت لم يكنن‬
‫توبة‪ ،‬وال بكل ذلك أعلم وأحكم‪ .‬وظاهر الية أن هابيل هو أول ميت من بني آدم؛ ولذلك جهلت‬
‫سننة المواراة؛ وكذلك حكنى الطنبري عنن ابنن إسنحاق عنن بعنض أهنل العلم بمنا فني كتنب الوائل‪.‬‬
‫وقوله "يبحث" معناه يفتش التراب بمنقاره ويثيره‪ .‬ومن هذا سميت سورة "براءة" البحوث؛ لنها‬
‫فتشت عن المنافقين؛ ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫وإن بحثوني كان فيهم مباحث‬ ‫إن الناس غطوني تغطيت عنهم‬
‫وفي المثل‪ :‬ل تكن كالباحث على الشفرة؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫إلى مدية مدفونة تستثيرها‬ ‫فكانت كعنز السوء قامت برجلها‬
‫@ بعنث ال الغراب حكمنة؛ ليرى ابنن آدم كيفينة المواراة‪ ،‬وهنو معننى قوله تعالى‪" :‬ثنم أماتنه‬
‫فأقبره" [عبس‪ ، ]21 :‬فصار فعل الغراب في المواراة سنة باقية في الخلق‪ ،‬فرضا على جميع‬
‫الناس على الكفاينة‪ ،‬منن فعله منهنم سنقط فرضنه‪ .‬عنن الباقينن‪ .‬وأخنص الناس بنه القربون الذينن‬
‫يلونه‪ ،‬ثم الجيرة‪ ،‬ثم سائر المسلمين‪ .‬وأما الكفار فقد روى أبو داود عن على قال‪ :‬قلت للنبي صلى‬
‫ال علينه وسنلم إن عمنك الشينخ الضال قند مات؛ قال‪( :‬أذهنب فوار أباك التراب ثنم ل تحدثنن شيئا‬
‫حتى تأتيني) فذهبت فواريته وجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي‪.‬‬
‫@ ويستحب في القبر سعته وإحسانه؛ لما رواه ابن ماجة عن هشام بن عامر رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬احفروا وأوسنعوا وأحسننوا)‪ .‬وروي عنن الدرع السنلمي‬
‫قال‪ :‬جئت ليلة أحرس النبي صلى ال عليه وسلم؛ فإذا رجل قراءته عالية‪ ،‬فخرج النبي صلى ال‬
‫علينه وسنلم فقلت‪ :‬ينا رسنول ال‪ :‬هذا مراء؛ قال‪ :‬فمات بالمديننة ففرغوا منن جهازه فحملوا نعشنه‪،‬‬
‫فقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬ارفقوا بنه رفنق ال بنه إننه كان يحنب ال ورسنوله)‪ .‬قال‪:‬‬
‫وحضنر حفرتنه فقال‪( :‬أوسنعوا له وسنع ال علينه) فقال بعنض أصنحابه‪ :‬ينا رسنول ال لقند حزننت‬
‫علينه؟ فقال‪( :‬أجنل إننه كان يحنب ال ورسنوله)؛ أخرجنه عنن أبني بكنر بنن أبني شيبنة عنن زيند بنن‬
‫الحباب‪ .‬عنن موسنى بنن عنبيدة عنن سنعيد بنن أبني سنعيد‪ .‬قال أبنو عمنر بنن عبدالبر‪ :‬أدرع السنلمي‬
‫روى عن النبي صلى ال عليه وسلم حديثا واحدا‪ ،‬وروى عنه سعيد بن أبي سعيد المقبري؛ وأما‬
‫هشام بنن عامنر بنن أمينة بنن الحسنحاس بنن عامنر بنن غننم بنن عدي بنن النجار النصناري‪ ،‬كان‬
‫يسمى في الجاهلية شهابا فغير النبي صلى ال عليه وسلم اسمه فسماه هشاما‪ ،‬واستشهد أبوه عامر‬
‫يوم أحد‪ .‬سكن هشام البصرة ومات بها؛ ذكر هذا في كتاب الصحابة‪.‬‬
‫@ ثم قيل‪ :‬اللحد أفضل من الشق؛ فإنه الذي اختاره ال لرسوله صلى ال عليه وسلم؛ فإن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم لما توفي كان بالمدينة رجلن أحدهما يلحد والخر ل يلحد؛ فقالوا‪ :‬أيهما جاء‬
‫أول عمل عمله‪ ،‬فجاء الذي يلحد فلحد لرسول ال صلى ال عليه وسلم؛ ذكره مالك في الموطأ عن‬
‫هشام بننن عروة عننن أبيننه‪ ،‬وأخرجننه ابننن ماجننة عننن أنننس بننن مالك وعائشننة رضنني ال عنهمننا‪.‬‬
‫والرجلن هما أبو طلحة وأبو عبيدة؛ وكان أبو طلحة يلحد وأبو عبيدة يشق‪ .‬واللحد هو أن يحفر‬
‫في جانب القبر إن كانت تربة صلبة‪ ،‬يوضع فيه الميت ثم يوضع عليه اللبن ثم يهال التراب؛ قال‬
‫سعد بن أبي وقاص في مرضه الذي هلك فيه‪ :‬ألحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع‬
‫برسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬أخرجه مسلم‪ .‬وروى ابن ماجة وغيره عن ابن عباس قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬اللحد لنا والشق لغيرنا)‪.‬‬
‫@ روى ابن ماجة عن سعيد بن المسيب قال‪ :‬حضرت ابن عمر في جنازة فلما وضعها في اللحد‬
‫قال‪ :‬بسنم ال وفني سنبيل ال وعلى ملة رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬فلمنا أخنذ فني تسنوية اللبنن‬
‫على اللحنند قال‪ :‬اللهننم أجرهننا مننن الشيطان ومننن عذاب القننبر‪ ،‬اللهننم جاف الرض عننن جنبيهننا‪،‬‬
‫وصعد روحها ولقها منك رضوانا‪ .‬قلت يا ابن عمر أشيء سمعته من رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أم قلته برأيك؟ قال‪ :‬إني إذا لقادر على القول! بل شيء سمعته من رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسنلم‪ .‬وروي عنن أبني هريرة أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم صنلى على جنازة ثنم أتنى قنبر‬
‫المينت فحثنا علينه منن قبنل رأسنه ثلثنا‪ .‬فهذا منا تعلق فني معننى الينة منن الحكام‪ .‬والصنل فني "ينا‬
‫ويلتي" يا ويلتي ثم أبدل من الياء ألف‪ .‬وقرأ الحسن على الصل بالياء‪ ،‬والول أفصح؛ لن حذف‬
‫الياء فنني النداء أكثننر‪ .‬وهنني كلمننة تدعننو بهننا العرب عننند الهلك؛ قال سننيبويه‪ .‬وقال الصننمعي‪:‬‬
‫"ويل" بعد‪ .‬وقرأ الحسن‪" :‬أعجزت" بكسر الجيم‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهي لغة شاذة؛ إنما يقال عجزت‬
‫المرأة إذا عظمت عجيزتها‪ ،‬وعجزت عن الشيء عجزا ومعجزة ومعجزة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 32 :‬منن أجنل ذلك كتبننا على بنني إسنرائيل أننه منن قتنل نفسنا بغينر نفنس أو فسناد فني‬
‫الرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات‬
‫ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الرض لمسرفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من أجل ذلك" أي من جراء ذلك القاتل وجريرته‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أي من جنايته؛‬
‫يقال‪ :‬أجل الرجل على أهله شرا يأجل أجل إذا جنى؛ مثل أخذ يأخذ أخذ‪ .‬قال الخنوت‪:‬‬
‫قد احتربوا في عاجل أنا آجله‬ ‫وأهل خباء صالح كنت بينهم‬
‫أي جانيه‪ ،‬وقيل‪ :‬أنا جاره عليهم‪ .‬وقال عدي بن زيد‪:‬‬
‫فوق من أحكا صلبا بإزار‬ ‫أجل أن ال قد فضلكم‬
‫وأصنله الجنر؛ ومننه الجنل لننه وقنت يجنر إلينه العقند الول‪ .‬ومننه الجنل نقينض العاجنل‪ ،‬وهنو‬
‫بمعنى يجر إليه أمر متقدم‪ .‬ومنه أجل بمعنى نعم‪ .‬لنه انقياد إلى ما جر إليه‪ .‬ومنه الجل للقطيع‬
‫من بقر الوحش؛ لن بعضه ينجر إلى بعض؛ قاله الرماني‪ .‬وقرأ يزيد بن القعقاع أبو جعفر‪" :‬من‬
‫أجنل ذلك" بكسنر النون وحذف الهمزة وهني لغنة‪ ،‬والصنل "منن إجنل ذلك" فألقينت كسنرة الهمزة‬
‫على النون وحذفننت الهمزة‪ .‬ثننم قيننل‪ :‬يجوز أن يكون قوله‪" :‬مننن أجننل ذلك" متعلقننا بقوله‪" :‬مننن‬
‫النادمين" [المائدة‪ ، ]31 :‬فالوقنف على قوله‪" :‬من أجل ذلك"‪ .‬ويجوز أن يكون متعلقا بما بعده‬
‫وهنو "كتبننا"‪ .‬فنن "منن أجنل" ابتداء كلم والتمام "منن النادمينن"؛ وعلى هذا أكثنر الناس؛ أي منن‬
‫سنبب هذه النازلة كتبننا‪ .‬وخنص بنني إسنرائيل بالذكنر وقند تقدمتنه أمنم قبلهنم كان قتنل النفنس فيهنم‬
‫محظورا ‪ -‬لنهنم أول أمنة نزل الوعيند عليهنم فني قتنل النفنس مكتوبنا‪ ،‬وكان قبنل ذلك قول مطلقنا؛‬
‫فغلظ المنر على بنني إسنرائيل بالكتاب بحسنب طغيانهنم وسنفكهم الدماء‪ .‬ومعننى "بغينر نفنس" أي‬
‫بغير أن يقتل نفسا فيستحق القتل‪ .‬وقد حرم ال القتل في جميع الشرائع إل بثلث خصال‪ :‬كفر بعد‬
‫إيمان‪ ،‬أو زنني بعند إحصنان‪ ،‬أو قتنل نفنس ظلمنا وتعدينا‪" .‬أو فسناد فني الرض" أي شرك‪ ،‬وقينل‪:‬‬
‫قطع طريق‪.‬‬
‫وقرأ الحسن‪" :‬أو فسادا" بالنصب على تقدير حذف فعل يدل عليه أول الكلم تقديره؛ أو أحدث‬
‫فسادا؛ والدليل عليه قوله‪" :‬من قتل نفسا بغير نفس" لنه من أعظم الفساد‪.‬‬
‫وقرأ العامة‪" :‬فساد" بالجر على معنى أو بغير فساد‪" .‬فكأنما قتل الناس جميعا" اضطرب لفظ‬
‫المفسنرين فني ترتينب هذا التشنبيه لجنل أن عقاب منن قتنل الناس جميعنا أكثنر منن عقاب منن قتنل‬
‫واحدا؛ فروي عنن ابنن عباس أننه قال‪ :‬المعننى منن قتنل نبينا أو إمام عدل فكأنمنا قتنل الناس جميعنا‬
‫ومن أحياه بأن شد عضده ونصره فكأنما أحيا الناس جميعا‪ .‬وعنه أيضا أنه قال‪ :‬المعنى من قتل‬
‫نفسنا واحدة وانتهنك حرمتهنا فهنو مثنل منن قتنل الناس جميعنا‪ ،‬ومنن ترك قتنل نفنس واحدة وصنان‬
‫حرمتها واستحياها خوفا من ال فهو كمن أحيا الناس جميعا‪ .‬وعنه أيضا‪ .‬المعنى فكأنما قتل الناس‬
‫جميعا عند المقتول‪ ،‬ومن أحياها واستنقذها من هلكة فكأنما أحيا الناس جميعا عند المستنقذ‪ .‬وقال‬
‫مجاهند‪ :‬المعننى أن الذي يقتنل النفنس المؤمننة متعمدا جعنل ال جزاءه جهننم وغضنب علينه ولعننه‬
‫وأعند له عذابنا عظيمنا؛ يقول‪ :‬لو قتنل الناس جميعنا لم يزد على ذلك‪ ،‬ومنن لم يقتنل فقند حيني الناس‬
‫مننه‪ .‬وقال ابنن زيند‪ :‬المعننى أن منن قتنل نفسنا فيلزمنه منن القود والقصناص منا يلزم منن قتنل الناس‬
‫جميعنا‪ ،‬قال‪ :‬ومنن أحياهنا أي منن عفنا عمنن وجنب له قتله؛ وقاله الحسنن أيضنا؛ أي هنو العفنو بعند‬
‫المقدرة‪ .‬وقينل‪ :‬المعننى أن منن قتنل نفسنا فالمؤمنون كلهنم خصنماؤه؛ لننه قند وتنر الجمينع‪ ،‬ومنن‬
‫أحياهنا فكأنمنا أحينا الناس جميعا‪ ،‬أي يجب على الكل شكره‪ .‬وقيل‪ :‬جعنل إثم قاتنل الواحد إثنم قاتل‬
‫الجمينع؛ وله أن يحكنم بمنا يريند‪ .‬وقينل‪ :‬كان هذا مختصنا ببنني إسنرائيل تغليظنا عليهنم‪ .‬قال ابنن‬
‫عطينة‪ :‬وعلى الجملة فالتشنبيه على منا قينل واقنع كله‪ ،‬والمنتهنك فني واحند ملحوظ بعينن منتهنك‬
‫الجمينع؛ ومثاله رجلن حلفنا على شجرتينن أل يطعمنا منن ثمرهمنا شيئا‪ ،‬فطعنم أحدهمنا واحدة منن‬
‫ثمنر شجرته‪ ،‬وطعم الخر ثمنر شجرته كلها‪ ،‬فقد استويا في الجث‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى أن من استحل‬
‫واحدا فقد استحل الجميع؛ لنه أنكر الشرع‪ .‬وفي قوله‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن أحياها" تجوز؛ فإنه عبارة عن الترك والنقاذ من هلكة‪ ،‬وإل فالحياء حقيقة‬
‫‪ -‬الذي هو الختراع ‪ -‬إنما هو ل تعالى‪ .‬وإنما هذا الحياء بمنزلة قول نمروذ اللعين‪" :‬أنا أحيي‬
‫وأمينت" [البقرة‪ ]258 :‬فسنمى الترك إحياء‪ .‬ثنم أخنبر ال عنن بنني إسنرائيل أنهنم جاءتهنم الرسنل‬
‫بالبينات‪ ،‬وأن أكثرهم مجاوزون الحد‪ ،‬وتاركون أمر ال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 34 - 33 :‬إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن‬
‫يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض ذلك لهم خزي في الدنيا‬
‫ولهننم فنني الخرة عذاب عظيننم‪ ،‬إل الذيننن تابوا مننن قبننل أن تقدروا عليهننم فاعلموا أن ال غفور‬
‫رحيم}‬
‫@ اختلف الناس في سبب نزول هذه الية؛ فالذي عليه الجمهور أنها نزلت في العرنيين؛ روى‬
‫الئمنة واللفنظ لبني داود عنن أننس بنن مالك‪ :‬أن قومنا منن عكنل ‪ -‬أو قال منن عريننة ‪ -‬قدموا على‬
‫رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فاجتووا المديننة؛ فأمنر لهنم رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بلقاح‬
‫وأمرهنم أن يشربوا منن أبوالهنا وألبانهنا فانطلقوا‪ ،‬فلمنا صنحوا قتلوا راعني الننبي صنلى ال علينه‬
‫وسنلم واسنتاقوا النعنم؛ فبلغ الننبي صنلى ال علينه وسنلم خنبرهم منن أول النهار فأرسنل فني آثارهنم؛‬
‫فلما ارتفع النهار حتى جيء بهم؛ فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وألقوا في الحرة‬
‫يسنتسقون فل يسنقون‪ .‬قال أبنو قلبنة‪ :‬فهؤلء قوم سنرقوا وقتلوا وكفروا بعند إيمانهنم وحاربوا ال‬
‫ورسنوله‪ .‬وفني رواينة‪ :‬فأمنر بمسنامير فأحمينت فكحلهنم وقطنع أيديهنم وأرجلهنم ومنا حسنمهم؛ وفني‬
‫رواية‪ :‬فبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم في طلبهم قافة فأتي به قال‪ :‬فأنزل ال تبارك وتعالى‬
‫فني ذلك‪" :‬إنمنا جزاء الذينن يحاربون ال ورسنوله ويسنعون فني الرض فسنادا" الينة‪ .‬وفني رواينة‬
‫قال أننس‪ :‬فلقند رأينت أحدهنم يكدم الرض بفينه عطشنا حتنى ماتوا‪ .‬وفني البخاري قال جرينر بنن‬
‫عبدال في حديثه‪ :‬فبعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم في نفر من المسلمين حتى أدركناهم وقد‬
‫أشرفوا على بلدهنم‪ ،‬فجئننا بهنم إلى رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪ .‬قال جرينر‪ :‬فكانوا يقولون‬
‫الماء‪ ،‬ويقول رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬النار)‪ .‬وقند حكنى أهنل التوارينخ والسنير‪ :‬أنهنم‬
‫قطعوا يدي الراعني ورجلينه‪ ،‬وغرزوا الشوك فني عينينه حتنى مات‪ ،‬وأدخنل المديننة ميتنا‪ .‬وكان‬
‫اسمه يسار وكان نوبيا‪ .‬وكان هذا الفعل من المرتدين سنة ست من الهجرة‪ .‬وفي بعض الروايات‬
‫عنن أننس‪ :‬أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم أحرقهنم بالنار بعند منا قتلهنم‪ .‬وروي عنن ابنن عباس‬
‫والضحاك‪ :‬أنها نزلت بسبب قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عهند فنقضوا العهند وقطعوا السنبيل وأفسندوا فني الرض‪ .‬وفني مصننف أبني داود عنن ابنن عباس‬
‫قال‪" :‬إنمننا جزاء الذيننن يحاربون ال ورسننوله" إلى قوله‪" :‬غفور رحيننم" نزلت هذه اليننة فنني‬
‫المشركينن فمنن أخنذ منهنم قبنل أن يقدر علينه لم يمنعنه ذلك أن يقام علينه الحند الذي أصنابه‪ .‬وممنن‬
‫قال‪ :‬إن الينة نزلت فني المشركينن عكرمنة والحسنن‪ ،‬وهذا ضعينف يرده قوله تعالى‪" :‬قنل للذينن‬
‫كفروا إن ينتهوا يغفنر لهنم منا قند سنلف" [النفال‪ ، ]38 :‬وقوله علينه الصنلة والسنلم‪( :‬السنلم‬
‫يهدم ما قبله) أخرجه مسلم؛ والصحيح الول لنصوص الحاديث الثابتة في ذلك‪.‬‬
‫وقال مالك والشافعني وأبنو ثور وأصنحاب الرأي‪ :‬الينة نزلت فيمنن خرج منن المسنلمين يقطنع‬
‫السبيل ويسعى في الرض بالفساد‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬قول مالك صحيح‪ ،‬وقال أبو ثور محتجا لهذا‬
‫القول‪ :‬وفي الية دليل على أنها نزلت في غير أهل الشرك؛ وهو قوله جل ثناؤه‪" :‬إل الذين تابوا‬
‫من قبل أن تقدروا عليهم" وقد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم‬
‫تحرم؛ فدل ذلك على أن الينة نزلت فني أهنل السنلم‪ .‬وحكنى الطنبري عنن بعنض أهنل العلم‪ :‬أن‬
‫هذه الينة نسنخت فعنل الننبي صنلى ال علينه وسنلم فني العرنيينن‪ ،‬فوقنف المنر على هذه الحدود‪.‬‬
‫وروى محمند بنن سنيرين قال‪ :‬كان هذا قبنل أن تنزل الحدود؛ يعنني حدينث أننس؛ ذكره أبنو داود‪.‬‬
‫وقال قوم منهنم اللينث بنن سنعد‪ :‬منا فعله الننبي صنلى ال علينه وسنلم بوفند عريننة نسنخ؛ إذ ل يجوز‬
‫التمثينل بالمرتند‪ .‬قال أبنو الزناد‪ :‬إن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم لمنا قطنع الذينن سنرقوا لقاحنه‬
‫وسننمل أعينهننم بالنار عاتبننه ال عننز وجننل فنني ذلك؛ فأنزل ال تعالى فنني ذلك "إنمننا جزاء الذيننن‬
‫يحاربون ال ورسنوله ويسنعون فني الرض فسنادا أن يقتلوا أو يصنلبوا" الينة‪ .‬أخرجنه أبنو داود‪.‬‬
‫قال أبو الزناد‪ :‬فلما وعظ ونهي عن المثلة لم يعد‪ .‬وحكي عن جماعة أن هذه الية ليست بناسخة‬
‫لذلك الفعل؛ لن ذلك وقع في مرتين‪ ،‬ل سيما وقد ثبت في صحيح مسلم وكتاب النسائي وغيرهما‬
‫قال‪ :‬إنما سمل النبي صلى ال عليه وسلم أن أولئك لنهم سملوا أعين الرعاة؛ فكان هذا قصاصا‪،‬‬
‫وهذه الية في المحارب المؤمن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا قول حسننن‪ ،‬وهنو معنننى مننا ذهننب إلينه مالك والشافعني؛ ولذلك قال ال تعالى‪" :‬إل‬
‫الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم" ومعلوم أن الكفار ل تختلف أحكامهم في زوال العقوبة عنهم‬
‫بالتوبنة بعند القدرة كمنا تسنق قبنل القدرة‪ .‬والمرتند يسنتحق القتنل بنفنس الردة ‪ -‬دون المحاربنة ‪ -‬ول‬
‫ينفنى ول تقطنع يده ول رجله ول يخلى سنبيله بنل يقتنل إن لم يسنلم‪ ،‬ول يصنلب أيضنا؛ فدل أن منا‬
‫اشتملت عليه الية ما عني به المرتد‪ .‬وقال تعالى في حق الكفار‪" :‬قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر‬
‫لهم ما قد سلف" [النفال‪ .]38 :‬وقال في المحاربين‪" :‬إل الذين تابوا" الية؛ وهذا بين‪ .‬وعلى ما‬
‫قررناه فنني أول الباب ل إشكال ول لوم ول عتاب إذ هننو مقتضننى الكتاب؛ قال ال تعالى‪" :‬فمننن‬
‫اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" [البقرة‪ ]194 :‬فمثلوا فمثل بهم‪ ،‬إل أنه يحتمل‬
‫أن يكون العتاب إن صنح على الزيادة فني القتنل‪ ،‬وذلك تكحيلهنم بمسنامير محماة وتركهنم عطاشنى‬
‫حتنى ماتوا‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وحكنى الطنبري عنن السندي‪ :‬أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم يسنمل أعينن‬
‫العرنييننن وإنمننا أراد ذلك؛ فنزلت اليننة ناهيننة عننن ذلك‪ ،‬وهذا ضعيننف جدا؛ فإن الخبار الثابتننة‬
‫وردت بالسنمل؛ وفني صنحيح البخاري‪ :‬فأمنر بمسنامير فأحمينت لهنم‪ .‬ول خلف بينن أهنل العلم أن‬
‫حكنم هذه الينة مترتنب فني المحاربينن منن أهنل السنلم وإن كاننت نزلت فني المرتدينن أو اليهود‪.‬‬
‫وفي قوله تعالى‪" :‬إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله" استعارة ومجاز؛ إذ ال سبحانه وتعالى‬
‫ل يحارب ول يغالب لمنا هنو علينه منن صنفات الكمال‪ ،‬ولمنا وجنب له منن التنزينه عنن الضداد‬
‫والنداد‪ .‬والمعننى‪ :‬يحاربون أولياء ال؛ فعنبر بنفسنه العزيزة عنن أوليائه إكبارا لذايتهنم‪ ،‬كمنا عنبر‬
‫بنفسنه عنن الفقراء الضعفاء فني قوله‪" :‬منن ذا الذي يقرض ال قرضنا حسننا" [البقرة‪ ]245 :‬حثنا‬
‫على الستعطاف عليهم؛ ومثله في صحيح السنة (استطعمتك فلم تطعمني)‪ .‬الحديث أخرجه مسلم‪،‬‬
‫وقد تقدم في "البقرة"‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة؛ فقال مالك‪ :‬المحارب عندنا من حمل على الناس‬
‫فني مصنر أو فني برينة وكابرهنم عنن أنفسنهم وأموالهنم دون نائرة ول ذحنل ول عداوة؛ قال ابنن‬
‫المنذر‪ :‬اختلف عن مالك في هذه المسألة‪ ،‬فأثبت المحاربة في المصر مرة ونفى ذلك مرة؛ وقالت‬
‫طائفنة‪ :‬حكنم ذلك فني المصنر أو فني المنازل والطرق وديار أهنل البادينة والقرى سنواء وحدودهنم‬
‫واحدة؛ وهذا قول الشافعي وأبي ثور؛ قال ابن المنذر‪ :‬كذلك هو لن كل يقع عليه اسم المحاربة‪،‬‬
‫والكتاب على العموم‪ ،‬ولينس لحند أن يخرج منن جملة الينة قومنا بغينر حجنة‪ .‬وقالت طائفنة‪ :‬ل‬
‫تكون المحاربننة فنني المصننر إنمننا تكون خارجننا عننن المصننر؛ هذا قول سننفيان الثوري وإسننحاق‬
‫والنعمان‪ .‬والمغتال كالمحارب وهننو الذي يحتال فنني قتننل إنسننان على أخننذ ماله‪ ،‬وإن لم يشهننر‬
‫السلح لكن دخل عليه بيته أو صحبه في سفر فأطعمه سما فقتله فيقتل حدا ل قودا‪.‬‬
‫@ واختلفوا في حكم المحارب؛ فقالت طائفة‪ :‬يقام عليه بقدر فعله؛ فمن أخاف السبيل وأخذ المال‬
‫قطعت يده ورجله من خلف‪ ،‬وإن أخذ المال وقتل قطعت يده ورجله ثم صلب‪ ،‬فإذا قتل ولم يأخذ‬
‫المال‪ ،‬وإن هننو لم يأخننذ المال ولم يقتننل نفنني؛ قاله ابننن عباس‪ ،‬وروي عننن أبنني مجلز والنخعنني‬
‫وعطاء الخراسناني وغيرهنم‪ .‬وقال أبنو يوسنف‪ :‬إذا أخنذ المال وقتنل صنلب وقتنل على الخشبنة؛ قال‬
‫الليث‪ :‬بالحربة مصلوبا‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إذا قتل قتل‪ ،‬وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله‬
‫منن خلف‪ ،‬وإذا أخنذ المال وقتنل فالسنلطان مخينر فينه‪ ،‬إن شاء قطنع يده ورجله وإن شاء لم يقطنع‬
‫وقتله وصنلبه؛ قال أبنو يوسنف‪ :‬القتنل يأتني على كنل شينء‪ .‬ونحوه قول الوزاعني‪ .‬وقال الشافعني‪:‬‬
‫إذا أخننذ المال قطعننت يده اليمنننى وحسننمت‪ ،‬ثننم قطعننت رجله اليسننرى وحسننمت وخلي؛ لن هذه‬
‫الجناية زادت على السرقة بالحرابة‪ ،‬وإذا قتل قتل‪ ،‬وإذا أخذ المال وقتل قتل وصلب؛ وروي عنه‬
‫أننه قال‪ :‬يصنلب ثلثنة أيام؛ قال‪ :‬وإن حضنر وكثنر وهينب وكان ردءا للعدو حبنس‪ .‬وقال أحمند‪ :‬إن‬
‫قتنل قتنل‪ ،‬وإن أخنذ المال قطعنت يده ورجله كقول الشافعني‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل ينبغني أن يصنلب قبنل‪،‬‬
‫القتل فيحال بينه وبين الصلة والكل والشرب؛ وحكي عن الشافعي‪ :‬أكره أن يقتل مصلوبا لنهي‬
‫رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم عنن المثلة‪ .‬وقال أبنو ثور‪ :‬المام مخينر على ظاهنر الينة‪ ،‬وكذلك‬
‫قال مالك‪ ،‬وهو مروي عن ابن عباس‪ ،‬وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز ومجاهد‬
‫والضحاك والنخعني كلهنم قال‪ :‬المام مخينر فني الحكنم على المحاربينن‪ ،‬يحكنم عليهنم بأي الحكام‬
‫التي أوجبها ال تعالى من القتل والصلب أو القطع أو النفي بظاهر الية؛ قال ابن عباس‪ :‬ما كان‬
‫في القرآن "أو" فصاحبه بالخيار؛ وهذا القول أشعر بظاهر الية؛ فإن أهل القول الول الذين قالوا‬
‫"أو" للترتيب وإن اختلفوا ‪ -‬فإننك تجد أقوالهم أنهم يجمعون عليه حدين فيقولون‪ :‬يقتل ويصلب؛‬
‫ويقول بعضهنم‪ :‬يصنلب ويقتنل؛ ويقول بعضهنم‪ :‬تقطنع يده ورجله وينفنى؛ ولينس كذلك الينة ول‬
‫معننى "أو" فني اللغنة؛ قال النحاس‪ .‬واحتنج الولون بمنا ذكره الطنبري عنن أننس بنن مالك أننه قال‪:‬‬
‫سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم جبريل عليه السلم عن الحكم في المحارب فقال‪" :‬من أخاف‬
‫السنبيل وأخنذ المال فأقطنع بنه للخنذ ورجله للخافنة ومنن قتنل فاقتله ومنن جمنع ذلك فأصنلبه"‪ .‬قال‬
‫ابنن عطينة‪ :‬وبقني النفني للمخينف فقنط والمخينف فني حكنم القاتنل‪ ،‬ومنع ذلك فمالك يرى فينه الخنذ‬
‫بأيسر العذاب والعقاب استحسانا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو ينفوا منن الرض" اختلف فني معناه؛ فقال السندي‪ :‬هنو أن يطلب أبدا بالخينل‬
‫والرجل حتى يؤخذ فيقام عليه حد ال‪ ،‬أو يخرج من دار السلم هربا ممن يطلبه؛ عن ابن عباس‬
‫وأننس بنن مالك ومالك بنن أننس والحسنن والسندي والضحاك وقتادة وسنعيد بنن جنبير والربينع بنن‬
‫أنننس والزهري‪ .‬حكاه الرماننني فنني كتابننه؛ وحكنني عننن الشافعنني أنهننم يخرجون مننن بلد إلى بلد‪،‬‬
‫ويطلبون لتقام عليهم الحدود؛ وقال الليث بن سعد والزهري أيضا‪ .‬وقال مالك أيضا‪ :‬ينفى من البلد‬
‫الذي أحدث فينه هذا إلى غيره ويحبنس فينه كالزانني‪ .‬وقال مالك أيضنا والكوفيون‪ :‬نفيهنم سنجنهم‬
‫فينفنى منن سنعة الدنينا إلى ضيقهنا‪ ،‬فصنار كأننه إذا سنجن فقند نفني منن الرض إل منن موضنع‬
‫استقراره؛ واحتجوا بقول بعض أهل السجون في ذلك‪:‬‬
‫فلسنا من الموات فيها ول الحيا‬ ‫خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها‬
‫عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا‬ ‫إذا جاءنا السجان يوما لحاجة‬
‫حكى مكحول أن عمر بن الخطاب رضني ال عنه أول من حبس فني السجون وقال‪ :‬أحبسه حتى‬
‫أعلم منه التوبة‪ ،‬ول أنفيه من بلد إلى بلد فيؤذيهم؛ والظاهر أن الرض في الية هي أرض النازلة‬
‫وفد تجنب‪ ،‬الناس قديما الرض التي أصابوا فيها الذنوب؛ ومنه الحديث (الذي ناء بصدره ونحو‬
‫الرض المقدسنة)‪ .‬وينبغني المام إن كان هذا المحارب مخوف الجاننب يظنن أننه يعود إلى حرابنة‬
‫أو إفسناد أن يسنجنه فني البلد الذي يغرب إلينه‪ ،‬وإن كان غينر مخوف الجاننب فظنن أننه ل يعود إلى‬
‫جناينة رح؛ قال ابنن عطينة‪ :‬وهذا صنريح مذهنب مالك أن يغرب ويسنن حينث يغرب‪ ،‬وهذا على‬
‫الغلب في أنه مخوف‪ ،‬ورجحه الطبري وهو الواضح؛ لن نفيه من أرض النازلة هو نص الية‪،‬‬
‫وسجنه بعد بحسب الخوف منه‪ ،‬فإن تاب وفهمت حاله سرح‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو ينفوا من الرض" النفي أصله الهلك؛ ومنه الثبات والنفي‪ ،‬فالنفي الهلك‬
‫بالعدام؛ ومنه النفاية لردي المتاع؛ ومنه النفي لما تطاير من الماء عن الدلو‪ .‬قال الراجز‪:‬‬
‫مواقع الطير على الصفي‬ ‫كأن متنيه من النفي‬
‫@ قال ابن خويز منداد‪ :‬ول يراعى المال الذي يأخذه المحارب نصابا كما يراعى في السارق‪.‬‬
‫وقد قيل‪ :‬يراعى في ذلك النصاب ربع دينار؛ قال ابن العربني‪ ،‬قال الشافعني وأصحاب الرأي‪ :‬ل‬
‫يقطنع منن قطاع الطرينق إل منن أخنذ قدر منا تقطنع فينه يند السنارق؛ وقال مالك‪ :‬يحكنم علينه بحكنم‬
‫المحارب وهنو الصنحيح؛ فإن ال تعالى وقنت على لسنان ننبيه علينه الصنلة والسنلم القطنع فني‬
‫السنرقة فني ربنع دينار‪ ،‬ولم يوقنت فني الحرابنة شيئا‪ ،‬بنل ذكنر جزاء المحارب‪ ،‬فاقتضنى ذلك توفينة‬
‫الجزاء لهنم على المحاربنة عنن حبنة؛ ثنم إن هذا قياس أصنل على أصنل وهنو مختلف فينه‪ ،‬وقياس‬
‫العلى بالدنننى والدنننى بالسننفل وذلك عكننس القياس‪ .‬وكيننف يصننح أن يقاس المحارب على‬
‫السارق وهو يطلب خطنف المال فإن شعر به فنر؛ حتى إن السارق إذا دخل بالسلح يطلب المال‬
‫فإن منع منه أو صبح عليه وحارب عليه فهو محارب حكم عليه بحكم المحارب‪ .‬قال القاضي ابن‬
‫العربي‪ :‬كنت في أيام حكمي بين الناس إذا جاءني أحد بسارق‪ ،‬وقد دخل الدار بسكين يحبسه على‬
‫قلب صنناحب الدار وهننو نائم‪ ،‬وأصننحابه يأخذون مال الرجننل‪ ،‬حكمننت فيهننم بحكننم المحاربيننن‪،‬‬
‫فافهموا هذا منن أصنل الدينن‪ ،‬وارتفعوا إلى يفاع العلم عنن حضينض الجاهلينن‪ .‬قلت‪ :‬اليفنع أعلى‬
‫الجبنل ومننه غلم يفعنة إذا ارتفنع إلى البلوغ؛ والحضينض الحفرة فني أسنفل الوادي؛ كذا قال أهنل‬
‫اللغة‪.‬‬
‫@ ول خلف فني أن الحرابنة يقتنل فيهنا منن قتنل وإن لم يكنن المقتول مكافئا للقاتنل؛ وللشافعني‬
‫قولن‪ :‬أحدهمنا‪ :‬أنهنا تعتنبر المكافأة لننه قتنل فاعتنبر فينه المكافأة كالقصناص؛ وهذا ضعينف؛ لن‬
‫القتنل هننا لينس على مجرد القتنل وإنمنا هنو على الفسناد العام منن التخوينف وسنلب المال؛ قال ال‬
‫تعالى‪" :‬إنمنا جزاء الذين يحاربون ال ورسنوله ويسعون فني الرض فسنادا أن يقتلوا" فأمنر تعالى‬
‫بإقامة الحدود على المحارب إذا جمع شيئين محاربة وسعيا في الرض بالفساد‪ ،‬ولم يخص شريفا‬
‫من وضيع‪ ،‬ول رفيعا من دنيء‪.‬‬
‫@ وإذا خرج المحاربون فاقتتلوا منع القافلة فقتنل بعنض المحاربينن ولم يقتنل بعنض قتنل الجمينع‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ل قتل إل من قتل؛ وهذا أيضا ضعيف؛ فإن من حضر الوقيعة شركاء في الغنيمة‬
‫وإن لم يقتل جميعهم؛ وقد اتفق معنا على قتل الردء وهو الطليعة‪ ،‬فالمحارب أولى‪.‬‬
‫@ وإذا أخاف المحاربون السبيل وقطعوا الطريق وجب على المام قتالهم من غير أن يدعوهم‪،‬‬
‫ووجننب على المسننلمين التعاون على قتالهننم وهننم عننن أذى المسننلمين‪ ،‬فإن انهزموا لم يتبننع منهننم‬
‫مدبرا إل أن يكون قند قتنل وأخنذ مال‪ ،‬فإن كان كذلك أتبنع ليؤخنذ ويقام عليه منا وجنب لجنايتنه؛ ول‬
‫يدفف منهم على جريح إل أن يكون قد قتل؛ فإن أخذوا وجد في أيديهم مال لحد بعينه رد إليه أو‬
‫إلى ورثته‪ ،‬وإن لم يوجد له صاحب جعل في بيت المال؛ وما أتلفوه من مال لحد غرموه؛ ول دية‬
‫لمنن قتلوا إذا قدر عليهنم قبنل التوبنة‪ ،‬فإن تابوا وجاؤوا تائبينن لم يكنن للمام عليهنم سنبيل‪ ،‬وسنقط‬
‫عنهنم منا كان حدا ل وأخذوا بحقوق الدميينن‪ ،‬فاقتنص منهنم منن النفنس والجراح‪ ،‬وكان عليهنم منا‬
‫أتلفوه منن مال ودم لوليائه فني ذلك‪ ،‬ويجوز لهنم العفنو والهبنة كسنائر الجناة منن غينر المحاربينن؛‬
‫هذا مذهب مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي‪ .‬وإنما أخذ ما بأيديهم من الموال وضمنوا‬
‫قيمه ما استهلكوا؛ لن ذلك غصب فل يجوز ملكه لهم‪ ،‬ويصرف إلى أربابه أو يوقفه المام عنده‬
‫حتى يعلم صاحبه‪ .‬وقال قوم من الصحابة والتابعين‪ :‬ل يطلب من المال إل بما وجد عنده‪ ،‬وأما ما‬
‫استهلكه فل يطالب به؛ وذكر الطبري ذلك عن مالك من رواية الوليد بن مسلم عنه‪ ،‬وهو الظاهر‬
‫منن فعنل علي بنن أبني طالب رضني ال عننه بحارثنة بنن بدر الغدانني فإننه كان محاربنا ثنم تاب قبنل‬
‫القدرة علينه‪ ،‬فكتنب له بسنقوط الموال والدم عننه كتابنا منشورا؛ قال ابنن خوينز منداد‪ :‬واختلفنت‬
‫الرواينة عنن مالك فني المحارب إذا أقينم علينه الحند ولم يوجند له مال؛ هنل يتبنع ديننا بمنا أخنذ‪ ،‬أو‬
‫يسقط عنه كما سقط عن السارق؟ والمسلم والذمي في ذلك سواء‪.‬‬
‫@ وجمع أهل العلم على أن السلطان ولي من حارب؛ فإن قتل محارب أخا امرئ أو أباه في حال‬
‫المحاربنة‪ ،‬فلينس إلى طالب الدم منن أمنر المحارب شينء‪ ،‬ول يجوز عفنو ولي الدم‪ ،‬والقائم بذلك‬
‫المام؛ جعلوا ذلك بمنزلة حنند مننن حدود ال تعالى‪ .‬قلت‪ :‬فهذه جملة مننن أحكام المحاربيننن جمعنننا‬
‫غررها‪ ،‬واجتلبنا دررها؛ ومن أغرب ما قيل في تفسيرها وهي‪:‬‬
‫@ وتفسنير مجاهند لهنا؛ المراد بالمحاربنة فني هذه الية الزننى والسنرقة؛ ولينس بصنحيح؛ فإن ال‬
‫سنبحانه بينن فني كتابنه وعلى لسنان ننبيه أن السنارق تقطنع يده‪ ،‬وأن الزانني يجلد ويغرب إن كان‬
‫بكرا‪ ،‬ويرجنم إن كان ثيبا محصنا‪ .‬وأحكام المحارب في هذه الية مخالف لذلك‪ ،‬اللهم إل أن يريد‬
‫إخافنة الطرينق بإظهار السنلح قصندا للغلبنة على الفروج‪ ،‬فهذا أفحنش المحاربنة‪ ،‬وأقبنح منن أخنذ‬
‫الموال وقد دخل في معنى قوله تعالى‪" :‬ويسعون في الرض فسادا"‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬ويناشد اللص بال تعالى‪ ،‬فإن كف ترك وإن أبى قوتل‪ ،‬فإن أنت قتلته فشر قتيل‬
‫ودمه هدر‪ .‬روى النسائي عن أبي هريرة أن رجل جاء إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫ينا رسنول ال أرأينت إن عدي على مالي؟ قال‪( :‬فانشند بال) قال‪ :‬فإن أبوا علي‪ .‬قال‪( :‬فانشند بال)‬
‫قال‪ :‬فإن أبوا علي قال‪( :‬فانشد بال) قال‪ :‬فإن أبوا علي قال‪( :‬فقاتل فإن قتلت ففي الجنة وإن قتلت‬
‫ففني النار) وأخرجنه البخاري ومسنلم ‪ -‬ولينس فينه ذكنر المناشدة ‪ -‬عنن أبني هريرة قال‪ :‬جاء رجنل‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال‪:‬‬
‫(فل تعطنه مالك) قال‪ :‬أرأينت إن قاتلنني؟ قال‪( :‬فقاتله) قال‪ :‬أرأينت إن قتلنني؟ قال‪( :‬فأننت شهيند)‬
‫قال‪ :‬فإن قتلتنه؟ قال‪( :‬هنو فني النار)‪ .‬قال ابنن المنذر‪ :‬وريننا عنن جماعنة منن أهنل العلم أنهنم رأوا‬
‫قتال اللصنوص ودفعهنم عنن أنفسنهم وأموالهنم؛ هذا مذهنب ابنن عمنر والحسنن البصنري وإبراهينم‬
‫النخعي وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والنعمان‪ ،‬وبهذا يقول عوام أهل العلم‪ :‬إن للرجل‬
‫أن يقاتل عن نفسه وأهله وماله إذا أريد ظلما؛ للخبار التي جاءت عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫لم يخص وقتا دون وقت‪ ،‬ول حال دون حال إل السلطان؛ فإن جماعة أهل الحديث ل يحاربه ول‬
‫يخرج عليه؛ للخبار الدالة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬التي فيها المر بالصبر على ما‬
‫يكون منهم‪ ،‬من الجور والظلم‪ ،‬وترك قتالهم والخروج عليهم ما أقاموا الصلة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقنند اختلف مذهبنننا إذا طلب الشيننء الخفيننف كالثوب والطعام هننل يعطونننه أو يقاتلون؟‬
‫وهذا الخلف مبنني على أصنل‪ ،‬وهنو هنل المنر بقتالهنم لننه تغيينر منكنر أو هنو منن باب دفنع‬
‫الضرر؟ وعلى هذا أيضا ينبني الخلف في دعوتهم قبل القتال‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك لهم خزي في الدنيا" لشناعة المحاربة وعظم ضررها‪ ،‬وإنما كانت المحاربة‬
‫عظيمنة الضرر؛ لن فيهنا سند سنبيل الكسنب على الناس‪ ،‬لن أكثنر المكاسنب وأعظمهنا التجارات‪،‬‬
‫وركنهننا وعمادهننا الضرب فنني الرض؛ كمننا قال عننز وجننل‪" :‬وآخرون يضربون فنني الرض‬
‫يبتغون من فضل ال" [المزمل‪ ]20 :‬فإذا أخيف الطريق انقطع الناس عن السفر‪ ،‬واحتاجوا إلى‬
‫لزوم البيوت‪ ،‬فانسد باب التجارة عليهم‪ ،‬وانقطعت أكسابهم؛ فشرع ال على قطاع الطريق الحدود‬
‫المغلظة‪ ،‬وذلك الخزي في الدنيا ردعا لهم عن سوء فعلهم‪ ،‬وفتحا لباب التجارة التي أباحها لعباده‬
‫لمننن أرادهننا منهننم‪ ،‬ووعنند فيهننا بالعذاب العظيننم فنني الخرة‪ .‬وتكون هذه المعصننية خارجننة عننن‬
‫المعاصني‪ ،‬ومسنتثناة منن حدينث عبادة فني قول الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬فمنن أصناب منن ذلك‬
‫شيئا فعوقنب به فني الدنينا فهنو له كفارة) وال أعلم‪ .‬ويحتمنل أن يكون الخزي لمنن عوقنب‪ ،‬وعذاب‬
‫الخرة لمنن سنلم فني الدنينا‪ ،‬ويجرى هذا الذننب مجرى غيره‪ .‬ول خلود لمؤمنن فني النار على منا‬
‫تقدم‪ ،‬ولكنن يعظنم عقابنه لعظنم الذننب‪ ،‬ثنم يخرج إمنا بالشفاعنة وإمنا بالقبضنة‪ ،‬ثنم إن هذا الوعيند‬
‫مشروط النفاذ بالمشيئة كقوله تعالى‪" :‬ويغفننر مننا دون ذلك لمننن يشاء" [النسنناء‪ ]116 :‬أمننا إن‬
‫الخوف يغلب عليهم بحسب الوعيد وكبر المعصية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم" استثنى جل وعز التائبين قبل أن يقدر‬
‫عليهننم‪ ،‬وأخننبر بسننقوط حقننه عنهننم بقوله‪" :‬فاعلموا أن ال غفور رحيننم"‪ .‬أمننا القصنناص وحقوق‬
‫الدميينن فل تسنقط‪ .‬ومنن تاب بعند القدرة فظاهنر الينة أن التوبنة ل تنفنع‪ ،‬وتقام الحدود علينه كمنا‬
‫تقدم‪ .‬وللشافعني قول أننه يسنقط كنل حند بالتوبنة‪ ،‬والصنحيح منن مذهبنه أن منا تعلق بنه حنق لدمني‬
‫قصناصا كان أو غيره فإننه ل يسنقط بالتوبنة قبنل القدرة علينه‪ .‬وقينل‪ :‬أراد بالسنتثناء المشرك إذا‬
‫تاب وأمن قبل القدرة عليه فإنه تسقط عنه الحدود؛ وهذا ضعيف؛ لنه إن آمن بعد القدرة عليه لم‬
‫يقتل أيضا بالجماع‪ .‬وقيل‪ :‬إنما ل يسقط الحد عن المحاربين بعد القدرة عليهم ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬لنهم‬
‫متهمون بالكذب فنني توبتهننم والتصنننع فيهننا إذا نالتهننم ينند المام‪ ،‬أو لنننه لمننا قدر عليهننم صنناروا‬
‫بمعرض أن ينكنل بهنم فلم تقبنل توبتهنم؛ كالمتلبنس بالعذاب منن المنم قبلننا‪ ،‬أو منن صنار إلى حال‬
‫الغرغرة فتاب؛ فأمنا إذا تقدمنت توبتهنم القدرة عليهنم‪ ،‬فل تهمنة وهني نافعنة على منا يأتني بياننه فني‬
‫سنورة "يوننس"؛ فأمنا الشراب والزناة والسنراق إذا تابوا وأصنلحوا وعرف ذلك منهنم‪ ،‬ثنم رفعوا‬
‫إلى المام فل ينبغنني له أن يحدهننم‪ ،‬وإن رفعوا إليننه فقالوا تبنننا لم يتركوا‪ ،‬وهننم فنني هذه الحال‬
‫كالمحاربين إذا غلبوا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 36 - 35 :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا اتقوا ال وابتغوا إلينه الوسنيلة وجاهدوا فني سنبيله‬
‫لعلكم تفلحون‪ ،‬إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم‬
‫القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وابتغوا إليه الوسيلة" الوسيلة هي القربة عن أبي وائل‬
‫والحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسد وابن زيد وعبدال بن كثير‪ ،‬وهي فعيلة من توسلت إليه أي‬
‫تقربت؛ قال عنترة‪:‬‬
‫أن يأخذوك تكحلي وتخصني‬ ‫إن الرجال لهم إليك وسيلة‬
‫والجمع الوسائل؛ قال‪:‬‬
‫وعاد التصافي بيننا والوسائل‬ ‫إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا‬
‫ويقال‪ :‬مننه سنلت أسنأل أي طلبنت‪ ،‬وهمنا يتسناولن أي يطلب كنل واحند منن صناحبه؛ فالصنل‬
‫الطلب؛ والوسنيلة القربنة التني ينبغني أن يطلب بهنا‪ ،‬والوسنيلة درجنة فني الجننة‪ ،‬وهني التني جاء‬
‫الحديث الصحيح بها في قوله عليه الصلة والسلم‪( :‬فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 :‬يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم}‬
‫@ قال يزيند الفقينر‪ :‬قينل لجابر بنن عبدال إنكنم ينا أصنحاب محمند تقولون إن قومنا يخرجون منن‬
‫النار وال تعالى يقول‪" :‬ومنا هنم بخارجينن منهنا" فقال جابر‪ :‬إنكنم تجعلون العام خاصنا والخاص‬
‫عامننا‪ ،‬إنمننا هذا فنني الكفار خاصننة؛ فقرأت الينة كلهننا مننن أولهننا إلى آخرهننا فإذا هنني فنني الكفار‬
‫خاصة‪ .‬و"يقيم" معناه دائم ثابت ل يزول ول يحول؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫عذابا دائما لكم مقيما‬ ‫فإن لكم بيوم الشعب مني‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 39 - 38 :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال من ال وال‬
‫عزيز حكيم‪ ،‬فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن ال يتوب عليه إن ال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والسنارق والسنارقة فاقطعوا أيديهمنا" الينة‪ .‬لمنا ذكنر تعالى أخنذ الموال بطرينق‬
‫السعي في الرض والفساد ذكر حكم السارق من غير جراب على ما يأتي بيانه أثناء الباب؛ وبدأ‬
‫سننبحانه بالسننارق قبننل السننارقة عكننس الزنننى على مننا نننبينه آخننر الباب‪ .‬وقنند قطننع السننارق فنني‬
‫الجاهلية‪ ،‬وأول من حكم بقطعه في الجاهلية الوليد بن المغيرة‪ ،‬فأمر ال بقطعه في السلم‪ ،‬فكان‬
‫أول سارق قطعه رسول ال صلى ال عليه وسلم في السلم من الرجال الخيار بن عدي بن نوفل‬
‫بن عبد مناف‪ ،‬ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبدالسد من بن مخزوم‪ ،‬وقطع أبو بكر يد اليمني‬
‫الذي سنرق العقند؛ وقطنع عمنر يند ابنن سنمرة أخني عبدالرحمنن بنن سنمرة ول خلف فينه‪ .‬وظاهنر‬
‫الية العموم في كل سارق وليس كذلك؛ لقوله عليه السلم (ل تقطع يد السارق إل في ربع دينار‬
‫فصاعدا) فبين انه إنما أراد بقوله‪" :‬والسارق والسارقة" بعض السراق دون بعض؛ فل تقطع يد‬
‫السارق إل في ربع دينار‪ ،‬أو فيما قيمته ربع دينار؛ وهذا قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان‬
‫وعلي رضني ال عنهنم‪ ،‬وبنه قال عمنر بنن عبدالعزينز واللينث والشافعني وأبنو ثور؛ وقال مالك‪:‬‬
‫تقطع اليد في ربع دينار أو في ثلثة دراهم‪ ،‬فإن سرق درهمين وهو ربع دينار لنحطاط الصرف‬
‫لم تقطنع يده فيهمنا‪ .‬والعروض ل تقطنع فيهنا إل أن تبلغ ثلثنة دراهنم قنل الصنرف أو كثنر؛ فجعنل‬
‫مالك الذهب والورق كل واحد منهما أصل بنفسه‪ ،‬وجعل تقويم العروض بالدراهم في المشهور‪.‬‬
‫وقال أحمد وإسحاق‪ :‬إن سرق ذهب فربع دينار‪ ،‬وإن سرق غير الذهب والفضة كانت قيمته ربع‬
‫دينار أو ثلثنة دراهنم منن الورق‪ .‬وهذا نحنو منا صنار إلينه مال فني القول الخنر؛ والحجنة للول‬
‫حديث ابن عمر أن رجل سرق جحفة‪ ،‬فأتي به النبي صلى ال عليه وسلم فأمر بها فقومت بثلثة‬
‫دراهنم‪ .‬والشافعني حديث عائشة رضي ال عنها في الربع دينار أصل رد إليه تقويم العروض ل‬
‫بالثلثننة دراهننم على غلء الذهننب ورخصننه‪ ،‬وترك حديننث ابننن عمننر لمننا رآه ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬مننن‬
‫اختلف الصحابة في المجن الذي قطع فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فابن عمر يقول‪ :‬ثلثة‬
‫دراهنم؛ وابنن عباس يقول‪ :‬عشرة دراهنم؛ وأننس يقول‪ :‬خمسنة دراهنم‪ ،‬وحدينث عائشنة فني الربنع‬
‫دينار حدينث صنحيح ثابنت لم يختلف فينه عنن عائشنة إل أن بعضهنم وقفه‪ ،‬ورقعنه منن يجنب العمنل‬
‫بقوله لحفظننه وعدالتننه؛ قاله أبننو عمننر وغيره‪ .‬وعلى هذا فإن بلغ العرض المسننروق ربننع دينار‬
‫بالتقويم قطع سارقه؛ وهو قول إسحاق؛ فقف على هذين الصلين فهما عمدة الباب‪ ،‬وما أصح ما‬
‫قيل فيه‪.‬‬
‫وقال أبنو حنيفنة وصناحباه والثوري‪ :‬ل تقطنع يند السنارق إل فني عشرة دراهنم كيل‪ ،‬أو دينارا‬
‫ذهبا عينا أو وزنا؛ ول يقطع حتى خرج بالمتاع من ملك الرجل؛ وحجتهم حديث ابن عباس؛ قال‪:‬‬
‫قوم المجنن الذي منع قطنع فينه الننبي صنلى ال علينه وسنلم بعشرة دراهنم‪ .‬ورواه عمرو بنن شعينب‬
‫عنن أبينه عنن جده قال‪ :‬كان ثمنن المجنن يومئذ عشرة دراهنم؛ أخرجهمنا الدارقطنني وغيره‪ .‬وفني‬
‫المسألة قول رابع‪ ،‬وهو ما رواه الدارقطني عن عمر قال‪ :‬ل تقطع الخمس إل في خمس؛ وبه قال‬
‫سليمان بن يسار وابن أبي ليلى وابن شبرمة؛ وقال أنس بن مالك‪ :‬قطع أبو بكر ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في‬
‫مجن قيمته خمسة دراهم‪ .‬وقول خامس‪ :‬وهو أن اليد تقطع في أربعة دراهنم فصاعدا؛ روي عن‬
‫أبي هريرة وأبى سعيد الخدري‪ .‬وقول سادس‪ :‬وهو أن اليد تقطع في درهم فما فوقه؛ قاله عثمان‬
‫البتي‪ .‬وذكر الطبري أن عبدال بن الزبير قطع في درهم‪ .‬وقول سابع‪ :‬وهو أن اليد تقطع في كل‬
‫مننا له قيمننة على ظاهننر اليننة؛ هذا قول الخوارج‪ ،‬وروي عننن الحسننن البصننري‪ ،‬وهنني إحدى‬
‫الروايات الثلث عننه‪ ،‬والثانينة كمنا روي عنن عمنر‪ ،‬والثالثنة حكاهنا قتادة عننه أننه قال‪ :‬تذاكرننا‬
‫القطع في كم يكون على عهد زياد؟ فاتفق رأينا على درهمين‪ .‬وهذه أقوال متكافئة والصحيح منها‬
‫منا قدمناه لك؛ فإن قينل‪ :‬قند روى البخاري ومسنلم وغيرهمنا عنن أبني هريرة قال قال رسنول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬لعن ال السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده) وهذا‬
‫موافق لظاهر الية في القطع في القليل والكثير؛ فالجواب أن هذا خرج مخرج التحذير بالقليل عن‬
‫الكثينر‪ ،‬كمنا جاء فني معرض الترغينب بالقلينل مجرى الكثينر فني قوله علينه السنلم‪( :‬منن بننى ل‬
‫مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بنى ال له بيتا في الجنة)‪ .‬وقيل‪ :‬إن ذلك مجاز من وجه آخر؛ وذلك‬
‫أننه إذا رضنى بسنرقة القلينل سنرق الكثينر فقطعنت يده‪ .‬وأحسنن منن هذا منا قاله العمنش وذكره‬
‫البخاري فني آخنر الحدينث كالتفسنير قال‪ :‬كانوا يرون أننه بينض الحديند‪ ،‬والحبنل كانوا يرون أننه‬
‫منها ما يساوي دراهم‪ .‬قلت‪ :‬كحبال السفينة وشبه ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ اتفق جمهور الناس على أن القطع ل يكون إل على من أخرج من حرز ما يجب فيه القطع‪.‬‬
‫وقال الحسن بن أبي الحسن‪ :‬إذا جمع الثياب في البيت‪ .‬وقال الحسن بن أبي الحسن أيضا في قول‬
‫آخر مثل قول سائر أهل العلم فصار اتفاقا صحيحا‪ .‬والحمد ل‪.‬‬
‫@ الحرز هو ما نصب عادة لحفظ أموال الناس‪ ،‬وهو يختلف في كل شيء بحسب حاله على ما‬
‫يأتنني بيانننه‪ .‬قال ابننن المنذر‪ :‬ليننس فنني هذا الباب خننبر ثابننت ل مقال فيننه لهننل العلم‪ ،‬وإنمننا ذلك‬
‫كالجماع منن أهنل العلم‪ .‬وحكني عنن الحسنن وأهنل الظاهنر أنهنم لم يشترطوا الحرز‪ .‬وفني الموطنأ‬
‫لمالك عنن عبدال بنن عبدالرحمنن بنن أبني حسنين المكني؛ أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال‪:‬‬
‫(ل قطنع فني ثمنر معلق ول فني حريسنة جبنل فإذا آواه المراح أو الجرينن فالقطنع فيمنا بلغ ثمنن‬
‫المجنن) قال أبنو عمنر‪ :‬هذا حدينث يتصنل معناه منن حدينث عبدال بنن عمرو بنن العاص وغيره‪،‬‬
‫وعبدال هذا ثقة عند الجميع‪ ،‬وكان أحمد يثني عليه‪ .‬وعن عبدال بن عمرو عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أنه سئل عن الثمر المعلق فقال‪( :‬من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فل‬
‫شينء عليه ومن خرج بشينء مننه فعليه القطنع ومن سنرق دون ذلك فعليه غرامة مثلينه والعقوبة)‬
‫وفني رواينة‪( .‬وجلدات نكال) بدل (والعقوبنة)‪ .‬قال العلماء‪ :‬ثنم نسنخ الجلد وجعنل مكاننه القطنع‪ .‬قال‬
‫أبو عمر‪ :‬قول (غرامة مثليه) منسوخ ل أعلم أحد من الفقهاء قال به إل ما جاء عن عمر في دقيق‬
‫حاطنب بننن أبني بلتعنة؛ خرج مالك؛ ورواينة عنن أحمند بنن حنبنل‪ .‬والذي علينه الناس فنني الغرم‬
‫بالمثنل؛ لقوله تعالى‪" :‬فمنن اعتدى عليكنم فاعتدوا علينه بمثنل منا اعتدى عليكنم" [البقرة‪.]194 :‬‬
‫وروى أبنو داود عنن صنفوان بنن أمينة قال‪ :‬كننت نائمنا فني المسنجد على خميصنة لي ثمنن ثلثينن‬
‫درهما‪ ،‬فجاء رجل فاختلسها مني‪ ،‬فأخذ الرجل فأتى به النبي صلى ال عليه وسلم فأمر به ليقطع‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأتيته فقلت أتقطع من أجل ثلثين درهما؟ أنا أبيعه وأنسئه ثمنها؛ قال‪( :‬فهل كان هذا قبل أن‬
‫تأتينني بنه)؟‪ .‬ومنن جهنة النظنر أن الموال خلقنت مهيأة للنتفاع بهنا للخلق أجمعينن‪ ،‬ثنم الحكمنة‬
‫الولينة حكمنت فيهنا بالختصناص الذي هنو الملك شرعنا‪ ،‬وبغينت الطماع متعلقنة بهنا‪ ،‬والمال‬
‫محومنة عليهنا؛ فتكفهنا المروءة والدياننة فني أقنل الخلق‪ ،‬ويكفهنا الصنون والحرز عنن أكثرهنم‪ ،‬فإذا‬
‫أحرزهنا مالك فقند اجتمنع فيهنا الصنون والحرز الذي هنو غاينة المكان للنسنان؛ فإذا هتكنا فحشنت‬
‫الجريمة فعظمت العقوبة‪ ،‬وإذا هتك أحد الصونين وهو الملك وجب الضمان والدب‪.‬‬
‫@ فإذا اجتمنع جماعنة فاشتركوا فني إخراج نصناب منن حرزه‪ ،‬فل يخلو‪ ،‬إمنا أن يكون بعضهنم‬
‫ممننن يقدر على إخراجننه‪ ،‬أول إل بتعاونهننم‪ ،‬فإذا كان الول فاختلف فيننه علماؤنننا على قوليننن‪:‬‬
‫أحدهمنا يقطنع فينه‪ ،‬والثانني ل يقطنع فينه؛ وبنه قال أبنو حنيفنة والشافعني؛ قال‪ :‬ل يقطنع فني السنرقة‬
‫المشتركون إل بشرط أن يجب لكل واحد من حصته نصاب؛ لقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل تقطع‬
‫يند السنارق إل فني ربنع دينار فصناعدا) وكنل واحند منن هؤلء لم يسنرق نصنابا فل قطنع عليهنم‪.‬‬
‫ووجه القطع في إحدى الروايتين أن الشتراك في الجناية ل يسقط عقوبتها كالشتراك في القتل؛‬
‫قال ابنن العربني‪ :‬ومنا أقرب منا بينهمنا فإننا إنمنا قتلننا الجماعنة بالواحند صنيانة للدماء؛ لئل يتعاون‬
‫على سنفكها العداء‪ ،‬فكذلك فني الموال مثله؛ ل سنيما وقند سناعدنا الشافعني على أن الجماعنة إذا‬
‫اشتركوا فني قطنع يند رجنل قطعوا ول فرق بينهمنا‪ .‬وإن كان الثانني وهنو ممنا ل يمكنن إخراجنه إل‬
‫بالتعاون فإنه يقطع جميعهم بالتفاق من العلماء؛ ذكره ابن العربي‪.‬‬
‫@ فإن اشتركوا فني السنرقة بأن نقنب واحند الحرز وأخرج آخنر‪ ،‬فإن كاننا متعاونينن قطعنا‪ .‬وإن‬
‫انفرد كنل منهمنا بفعله دون اتفاق بينهمنا‪ ،‬بأن يجينء آخنر فيخرج فل قطنع على واحند منهمنا‪ .‬وإن‬
‫تعاوننا فني النقنب وانفرد أحدهمنا بالخراج فالقطنع علينه خاصنة؛ وقال الشافعني‪ :‬ل قطنع؛ لن هذا‬
‫نقنب ولم يسنرق‪ ،‬والخنر سنرق منن حرز مهتوك الحرمنة‪ .‬وقال أبنو حنيفنة‪ :‬إن شارك فني النقنب‬
‫ودخنل وأخنذ قطنع‪ .‬ول يشترط فني الشتراك فني النقنب التحامنل على آلة واحدة‪ ،‬بنل التعاقنب فني‬
‫الضرب تحصل به الشركة‪.‬‬
‫@ ولو دخل أحدهما فأخرج المتاع إلى باب الحرز فأدخل الخر يده فأخذه فعليه القطع‪ ،‬ويعاقب‬
‫الول؛ وقال أشهنب‪ :‬يقطعان‪ .‬وإن وضعنه خارج الحرز فعلينه القطنع ل على الخنذ‪ ،‬وإن وضعنه‬
‫في وسط النقب فأخذه الخر والتقت أيديهما في النقب قطعا جميعا‪.‬‬
‫@ والقنبر والمسنجد حرز‪ ،‬فيقطنع النباش عنند الكثنر؛ وقال أبنو حنيفنة‪ :‬ل قطنع علينه؛ لننه سنرق‬
‫منن غينر حرز منا معرضنا للتلف ل مالك له؛ لن المينت ل يملك‪ .‬ومنهنم منن ينكنر السنرقة؛ لننه‬
‫لينس فينه سناكن‪ ،‬وإنمنا تكون السنرقة بحينث تتقنى العينن‪ ،‬ويتحفنظ منن الناس؛ وعلى نفني السنرقة‬
‫عول أهل ما وراء النهر‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬هو سارق لنه تدرع الليل لباسا وأتقى العين‪ ،‬وقصد‬
‫وقتا ل ناظر فيه ول ما عليه‪ ،‬فكان بمنزلة ما لو سرق في وقت بروز الناس للعيد‪ ،‬وخلو البلد من‬
‫جميعهنم‪ .‬وأمنا قولهنم‪ :‬إن القنبر غينر حرز فباطنل؛ لن حرز كنل شينء بحسنب حال الممكننة فينه‪.‬‬
‫وأما قولهم‪ :‬إن الميت ل ملك فباطل أيضا؛ لنه ل يجوز ترك الميت عارينا فصارت هذه الحاجة‬
‫قاضينة بأن القنبر حرز‪ .‬وقند نبنه ال تعالى علينه بقول‪" :‬ألم نجعنل الرض كفاتنا أحياء وأمواتنا"‬
‫[المرسلت‪ ]26 - 25 :‬ليسكن فيها حيا‪ ،‬ويدفن فيها ميتا‪ .‬وأما قولهم‪ :‬إنه عرضة للتلف؛ فكل‬
‫منا يلبسنه الحني أيضنا معرض للتلف والخلق بلباسنه‪ ،‬إل أن أحند المرينن أعجنل منن الثانني؛ وقند‬
‫روى أبننو داود عننن أبنني ذر قال‪ :‬دعاننني رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم فقال‪( :‬كيننف أنننت إذا‬
‫أصناب الناس موت يكون البينت فينه بالوصنيف)‪ ،‬يعنني القنبر؛ قلت‪ :‬ال ورسنول أعلم قال‪( :‬علينك‬
‫بالصبر) قال حماد‪ :‬فبهذا قال من قال تقطع يد السارق؛ لنه دخل على الميت بيته‪ .‬وأما المسجد‪،‬‬
‫فمنن سنرق حصنره قطنع؛ رواه عيسنى عنن ابنن القاسنم‪ ،‬وإن لم يكنن للمسنجد باب؛ ورآهنا محرزة‪.‬‬
‫وإن سنرق البواب قطنع أيضنا؛ وروي عنن ابنن القاسنم أيضنا إن كاننت سنرقته للحصنر نهارا لم‬
‫يقطنع‪ ،‬وإن كان تسنور عليهنا ليل قطنع؛ وذكنر عنن سنحنون إن كاننت حصنره خينط بعضهنا إلى‬
‫بعض قطع‪ ،‬وإل لم يقطع‪ .‬قال أصبغ‪ :‬يقطع سارق حصر المسجد وقناديله وبلطه‪ ،‬كما لو سرق‬
‫بابه مستسرا أو خشبة من سقفه أو من جوائزه‪ .‬وقال أشهب في كتاب محمد‪ :‬ل قطع في شيء من‬
‫حصر المسجد وقناديله وبلطه‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء هنل يكون غرم منع القطنع أم ل؟ فقال أبنو حنيفنة‪ :‬ل يجتمنع الغرم منع القطنع‬
‫بحال؛ لن ال سبحانه قال‪" :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال من ال" ولم‬
‫يذكنر غرمنا‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬يغرم قيمنة السنرقة موسنرا كان أو معسنرا‪ ،‬وتكون ديننا علينه إذا أيسنر‬
‫أداه؛ وهنو قول أحمند وإسنحاق‪ .‬وأمنا علماؤننا مالك وأصنحابه فقالوا‪ :‬إن كاننت العينن قائمنة ردهنا‪،‬‬
‫وإن تلفنت فإن كان موسنرا غرم‪ ،‬وإن كان معسنرا لم يتبنع ديننا ولم يكنن علينه شينء؛ وروى مالك‬
‫مثل‪ ،‬ذلك عن الزهري؛ قال الشيخ أبو إسحاق‪ :‬وقد قيل إنه يتبع بها دينا مع القطع موسرا كان أو‬
‫معسرا؛ قال‪ :‬وهو قول غير واحد من علمائنا من أهل المدينة‪ ،‬واستدل على صحته بأنهما حقان‬
‫لمسنتحقين فل يسنقط أحدهمنا الخنر كالدينة والكفارة‪ ،‬ثنم قال‪ :‬وبهذا أقول‪ .‬واسنتدل القاضني أبنو‬
‫الحسن للمشهور بقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا أقيم على السارق الحد فل ضمان عليه) وأسنده‬
‫فني كتابنه‪ .‬وقال بعضهنم‪ :‬إن التباع بالغرم عقوبنة‪ ،‬والقطنع عقوبنة‪ ،‬ول تجتمنع عقوبتان؛ وعلينه‬
‫عول القاضني عبدالوهاب‪ .‬والصنحيح قول الشافعني ومنن وافقنه؛ قال الشافعني‪ :‬يغرم السنارق منا‬
‫سنرق موسنرا كان أو معسنرا؛ قطنع أو لم يقطنع‪ ،‬وكذلك إذا قطنع الطرينق؛ قال‪ :‬ول يسنقط الحند ل‬
‫منا أتلف للعباد‪ ،‬وأمنا منا احتنج بنه علماؤننا منن الحدينث (إذا كان معسنرا) فبنه احتنج الكوفيون وهنو‬
‫قول الطبري‪ ،‬ول حجة فيه؛ رواه النسائي والدارقطني عن عبدالرحمن بن عوف‪ .‬قال أبو عمر‪:‬‬
‫هذا حدينث لينس بالقوي ول تقوم بنه حجنة‪ ،‬وقال ابنن العربني‪ :‬وهذا حدينث باطنل‪ .‬وقال الطنبري‪:‬‬
‫القياس أن عليه غرم ما استهلك‪ .‬ولكن تركنا ذلك اتباعا للثر في ذلك‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬ترك القياس‬
‫لضعيف الثر غير جائز؛ لن الضعيف ل يوجب حكما‪.‬‬
‫@ واختلف في قطع يد من سرق المال من الذي سرقه؛ فقال علماؤنا‪ :‬يقطع‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل‬
‫يقطع؛ لنه سرق من غير مالك ومن غير حرز‪ .‬وقال علماؤنا‪ :‬حرمة المالك عليه باقية لم تنقطع‬
‫عنه‪ ،‬ويد السارق كل يد‪ ،‬كالغاصب لو سرق منه المال المغصوب قطع‪ ،‬فإن قيل‪ :‬اجعلوا حرزه‬
‫بل حرز؛ قلنا‪ :‬الحرز قائم والملك قائم ولم يبطل الملك فيه فيقولوا لنا أبطلوا الحرز‪.‬‬
‫@ واختلفوا إذا كرر السرقة بعد القطع في العين المسروقة؛ فقال الكثر‪ :‬يقطع‪ .‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫ل قطع عليه‪ .‬وعموم القرآن يوجب عليه القطع‪ ،‬وهو يرد قوله‪ .‬وقال أبو حنيفة أيضا في السارق‬
‫يملك الشيننء المسننروق بشراء أو هبننة قبننل القطننع‪ :‬فإنننه ل يقطننع‪ ،‬وال تعالى يقول‪" :‬والسننارق‬
‫والسارقة فاقطعوا أيديهما" فإذا وجب القطع حقا ل تعالى لم يسقطه شيء‪.‬‬
‫@ قرأ الجمهور "والسارق" بالرفع‪ .‬قال سيبويه‪ :‬المعنى وفيما فرض عليكم السارق والسارقة‪.‬‬
‫وقينل‪ :‬الرفنع فيهمنا على البتداء والخنبر "فاقطعوا أيديهمنا"‪ .‬ولينس القصند إلى معينن إذ لو قصند‬
‫معينا لوجب النصب؛ تقول‪ :‬زيدا اضربه؛ بل هو كقولك‪ :‬من سرق فاقطع يده‪ .‬قال الزجاج‪ :‬وهذا‬
‫القول هنو المختار‪ .‬وقرئ "والسنارق" بالنصنب فيهمنا على تقدينر اقطعوا السنارق والسنارقة؛ وهنو‬
‫اختيار سننيبويه؛ لن الفعننل بالمننر أولى؛ قال سننيبويه رحمننه ال تعالى‪ :‬الوجننه فنني كلم العرب‬
‫النصنب؛ كمنا تقول‪ :‬زيدا اضربنه؛ ولكنن العامنة أبنت إل الرفنع؛ يعنني عامنة القراء وجلهنم‪ ،‬فأنزل‬
‫سنيبويه النوع السنارق منزلة الشخنص المعينن‪ .‬وقرأ ابنن مسنعود "والسنارقون والسنارقات فاقطعوا‬
‫أيمانهننم" وهننو يقوي قراءة الجماعننة‪ .‬والسننرق والسننرقة بكسننر الراء فيهمننا هننو اسننم الشيننء‬
‫المسنروق‪ ،‬والمصندر منن سنرق سنرقا بفتنح الراء‪ .‬قاله الجوهري‪ .‬وأصنل هذا اللفنظ إنمنا هنو أخنذ‬
‫الشينء فني خفينة منن العينن‪ ،‬ومننه اسنترق السنمع‪ ،‬وسنارقه النظنر‪ .‬قال ابنن عرفنة‪ :‬السنارق عنند‬
‫العرب هننو مننن جاء مسننتترا إلى حرز فأخننذ منننه مننا ليننس له‪ ،‬فإن أخننذ مننن ظاهننر فهننو مختلس‬
‫ومستلب ومنتهب ومحترس‪ ،‬فإن تمنع بما في يده فهو غاصب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفني الخنبر عنن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم (وأسنوأ السنرقة الذي يسنرق صنلته)‬
‫قالوا‪ :‬وكينف يسنرق صنلته؟ قال‪ :‬ل يتنم ركوعهنا ول سنجودها) خرجنه الموطنأ وغيره‪ ،‬فسنماه‬
‫سارقا وإن كان ليس سارقا من حيث هو موضع الشتقاق‪ ،‬فإنه ليس قيه مسارقة العين غالبا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاقطعوا" القطنع معناه الباننة والزالة‪ ،‬ول يجنب إل بجمنع أوصناف تعتنبر فني‬
‫السنارق وفني الشينء المسنروق‪ ،‬وفني الموضنع المسنروق مننه‪ ،‬وفني صنفته‪ .‬فأمنا منا يعتنبر فني‬
‫السارق فخمسة أوصاف؛ وهي البلوغ والعقل‪ ،‬وأن يكون غير مالك للمسروق منه‪ ،‬وأل يكون له‬
‫عليه ولية‪ ،‬فل يقطع العبد إن سرق من مال سيده‪ ،‬وكذلك السيد إن أخذ مال عبده ل قطع بحال؛‬
‫لن العبند وماله لسنيده‪ .‬ولم يقطنع أحند بأخنذ مال عبده لننه أخنذ لماله‪ ،‬وسنقط قطنع العبند بإجماع‬
‫الصنحابة وبقول الخليفنة‪ :‬غلمكنم سنرق متاعكنم‪ .‬وذكنر الدارقطنني عنن ابنن عباس قال قال رسنول‬
‫ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬لينس على العبند البنق إذا سنرق قطنع ول على الذمني) قال‪ :‬لم يرفعنه‬
‫غير فهد بن سليمان‪ ،‬والصواب أنه موقوف‪ .‬وذكر ابن ماجة عن أبي هريرة قال قال رسول ال‬
‫صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬إذا سنرق العبد فبيعوه ولو بننش) أخرجه عن أبني بكنر بنن أبي شيبة حدثنا‬
‫أبو أسامة عن أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبي هريرة؛ قال ابن ماجة‪ :‬وحدثنا جبارة بن‬
‫المغلس حدثننا حجاج بنن تمينم عنن ميمون بنن مهران عنن ابنن عباس؛ أن عبدا منن رقينق الخمنس‬
‫سنرق منن الخمنس‪ ،‬فرفنع إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فلم يقطعنه‪ .‬وقال‪( :‬مال اله سنرق بعضنه‬
‫بعضننا) وجبارة بننن المغلس متروك؛ قاله أبننو زرعننة الرازي‪ .‬ول قطننع على صننبي ول مجنون‪.‬‬
‫ويجب على الذمي والمعاهد‪ ،‬والحربي إذا دخل بأمان‪ .‬وأما ما يعتبر في الشيء المسروق فأربعة‬
‫أوصاف؛ وهي النصاب وقد مضى القول فيه‪ ،‬وأن يكون مما يتمول ويتملك ويحل بيعه‪ ،‬وإن كان‬
‫مما ل يتمول ول يحل بيعه كالخمر والخنزير فل يقطع فيه باتفاق حاشا الحر الصغير عند مالك‪،‬‬
‫وابن القاسم؛ وقيل‪ :‬ل قطع عليه؛ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة؛ لنه ليس بمال‪ .‬وقال علماؤنا‪ :‬هو‬
‫منن أعظنم المال؛ ولم يقطنع السنارق فني المال لعيننه‪ .‬وإنمنا قطنع لتعلق النفوس بنه‪ ،‬وتعلقهنا بالحنر‬
‫أكثر من تعلقها بالعبد‪ .‬وإن كان مما يجوز تملكه ول يجوز بيعه كالكلب المأذون في اتخاذه ولحوم‬
‫الضحايا‪ ،‬ففي ذلك اختلف بين ابن القاسم وأشهب‪ .‬قال ابن القاسم‪ :‬ول يقطع سارق الكلب؛ وقال‬
‫أشهنب‪ :‬ذلك فني المنهني عنن اتخاذه‪ ،‬فأمنا المأذون فني اتخاذه فيقطنع سنارقه‪ .‬قال‪ :‬ومنن سنرق لحنم‬
‫أضحيننة أو جلدهننا قطننع إذا كان قيمننة ذلك ثلثننة دراهننم‪ .‬وقال ابننن حننبيب قال أصننبغ‪ :‬إن سننرق‬
‫الضحينة قبنل الذبنح قطنع؛ وأمنا إن سنرقها بعند الذبنح فل يقطنع‪ .‬وإن كان ممنا يجوز اتخاذ أصنله‬
‫وبيعه‪ ،‬فصنع منه ما ل يجوز استعمال كالطنبور والملهي من المزمار والعود وشبهه من آلت‬
‫اللهو فينظر؛ فإن كان يبقى منها بعد فساد صورها وإذهاب المنفعة المقصودة بها ربع دينار فأكثر‬
‫قطع‪ .‬وكذلك الحكم في أواني الذهب والفضة التي ل يجوز استعمالها ويؤمر بكسرها فإنما يقوم ما‬
‫فيها من ذهب أو فضة دون صنعة‪ .‬وكذلك الصليب من ذهب أو فضة‪ ،‬والزيت النجس إن كانت‬
‫قيمتنه على نجاسنته نصنابا قطنع فينه‪ .‬الوصنف الثالث؛ أل يكون للسنارق فني ملك‪ ،‬كمنن سنرق منا‬
‫رهننه أو منا اسنتأجره‪ ،‬ول شبهنة ملك‪ ،‬على اختلف بينن علمائننا وغيرهنم فني مراعاة شبهنة ملك‬
‫كالذي يسرق من المغنم أو من بيت المال؛ لن له فيه نصيبا‪ .‬وروي عن علي رضي ال عنه أنه‬
‫أتني برجنل سنرق مغفرا منن الخمنس فلم ينر علينه قطعنا وقال‪ :‬له فينه نصنيب‪ .‬وعلى هذا مذهنب‬
‫الجماعة في بيت المال‪ .‬وقيل‪ :‬يجب عليه القطع تعلقا بعموم لفظ آية السرقة‪ .‬وأن يكون مما تصح‬
‫سرقته كالعبد الصغير والعجمي الكبير؛ لن ما ل تصح سرقته كالعبد الفصيح فإنه‪ .‬ل يقطع فيه‪.‬‬
‫وأما ما يعتبر في الموضع المسروق منه فوصف واحد وهو الحرز لمثل ذلك الشيء المسروق‪.‬‬
‫وجملة القول فينه أن كنل شينء له مكان معروف فمكاننه حرزه‪ ،‬وكنل شينء معنه حافنظ فحافظنه‬
‫حرزه؛ فالدور والمنازل والحوانيننت جرز لمننا فيهننا‪ ،‬غاب عنهننا أهلهننا أو حضروا‪ ،‬وكذلك بيننت‬
‫المال حرز لجماعنة المسنلمين‪ ،‬والسنارق ل يسنتحق فينه شيئا‪ ،‬وإن كان فبنل السنرقة ممنن يجوز أن‬
‫يعطينه المام وإنمنا يتعينن حنق كنل مسنلم بالعطينة؛ أل ترى أن المام قند يجوز أن يصنرف جمينع‬
‫المال إلى وجه من وجوه المصالح ول يفرقه في الناس‪ ،‬أو يفرقه في بلد دون بلد آخر ويمنع منه‬
‫قومنا دون فوم؛ ففني التقدينر أن هذا السنارق ممنن ل حنق له فينه‪ .‬وكذلك المغاننم ل تخلو‪ :‬أن تتعينن‬
‫بالقسمة؛ فهو ما ذكرناه في بيت المال؛ وتتعين بنفس التناول لمن شهد الواقعة؛ فيجب أن براعي‬
‫قدر ما سرق‪ ،‬فإن كان فوق حقه قطع وإل لم يقطع‪.‬‬
‫@ وظهور الدواب حرز لما حملت‪ ،‬وأفنية الحوانيت حرز لما وضع فيها في موقف البيع وإن لم‬
‫يكننن هناك حانوت‪ ،‬كان معننه أهله أم ل؛ سننرقت بليننل أو نهار‪ .‬وكذلك موقننف الشاة فنني السننوق‬
‫مربوطة أو غير مربوطة‪ ،‬والدواب على مرابطها محرزة‪ ،‬كان معها أهلها أم ل؛ فإن كانت الدابة‬
‫بباب المسنجد أو فني السنوق لم تكنن محرزة إل أن يكون معهنا حافنظ؛ ومنن ربطهنا بفنائه أو اتخنذ‬
‫موضعا مربطا لدوابه فإنه حرز لها‪ .‬والسفينة حرز لما فيها وسواء كانت سائبة أو مربوطة؛ فإن‬
‫سنرقت السنفينة نفسنها فهني كالدابنة إن كاننت سنائبة فليسنت بمحرزة‪ ،‬وإن كان صناحبها ربنط فني‬
‫موضنع وأرسناها فينه فربطهنا جرز؛ وهكذا إن كان معهنا أحند حيثمنا كاننت فهني محرزة‪ ،‬كالدابنة‬
‫بباب المسنجد معهنا حافنظ؛ إل أن ينزلوا بالسنفينة فني سنفرهم منزل فيربطوهنا فهنو حرز لهنا كان‬
‫صناحبها معهنا أم ل‪ .‬ول خنف أن السناكنين فني دار واحدة كالفنادق التني يسنكن فيهنا كنل رجنل بيتنه‬
‫على حدة‪ ،‬يقطنع منن سنرق منهنم منن بينت صناحبه إذا أخنذ وقند خرج بسنرقته إلى قاعنة الدار شيئا‬
‫وإن بها بيته ول خرج بها من الدار‪.‬‬
‫@ ول خلف في أنه ل يقطع من سرق منهم من قاعة الدار شيئا وإن أدخله بيته أو أخرجه من‬
‫الدار؛ لن قاعتهنا مباحنة للجمينع للبينع والشراء‪ ،‬إل أن تكون دابنة فني مربطهنا أو منا يشبههنا منن‬
‫المتاع‪.‬‬
‫@ ول يقطع البوان بسرقة مال ابنهما؛ لقوله عليه السلم‪( :‬أنت ومالك لبيك)‪ .‬ويقطع في سرقة‬
‫مالهمنا؛ لننه ل شبهنة له فينه‪ .‬وقينل‪ :‬ل يقطنع؛ وهنو قول ابنن وهنب وأشهنب؛ لن البنن ينبسنط فني‬
‫مال أبيننه فنني العادة‪ ،‬أل ترى أن العبنند ل يقطننع فنني مال سننيده فأن ل يقطننع ابنننه فنني ماله أولى‪.‬‬
‫واختلفوا في الجد؛ فقال مالك وابن القاسم‪ :‬ل يقطع‪ .‬وقال أشهب‪ :‬يقطع‪ .‬وقول مالك أصح انه أب؛‬
‫قال مالك‪ :‬أحنب إلى أل يقطنع الجداد منن قبنل الب والم وإن لم تجنب لهنم نفقنة‪ .‬قال ابنن القاسنم‬
‫وأشهب‪ :‬ويقطع من سواهما من القرابات‪ .‬قال ابن القاسنم‪ :‬ول يقطع من سنرق من جوع أصابه‪.‬‬
‫وقال أبنو حنيفنة‪ :‬ل قطنع على أحند منن ذوي المحارم مثنل العمنة والخالة والخنت وغيرهنم؛ وهنو‬
‫قول الثوري‪ .‬وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق‪ :‬يقطع من سرق من هؤلء‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬يقع‬
‫كل سارق سرق ما تقطع فيه اليد؛ إل أن يجمعوا على سيئ فيسلم للجماع‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلفوا في سارق المصحف؛ فقال الشافعي وأبو يوسف وأبو ثور‪ :‬يقطع إذا كانت قيمته ما‬
‫تقطنع فينه اليند؛ وبنه قال ابنن القاسنم‪ .‬وقال النعمان‪ :‬ل يقطنع منن سنرق مصنحفا‪ .‬قال ابنن المنذر‪:‬‬
‫يقطع سارق المصحف‪ .‬واختلفوا في الطرار يطر النفقة من الكم‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬يقطع من طر من‬
‫داخل الكم أو من خارج؛ وهو قول مالك والوزاعي وأبي ثور ويعقوب‪ .‬قال أبو حنيفة ومحمد بن‬
‫الحسن وإسحاق‪ :‬إن كانت الدراهم مصرورة فني ظاهنر كمه فطرها فسرقها لم يقطع‪ ،‬وإن كانت‬
‫مصرورة إلى داخل الكم فأدخل يده فسرقها قطع‪ .‬وقال الحسن‪ :‬يقطع‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬يقطع على‬
‫أي جهة طر‪.‬‬
‫@ واختلفوا في قطع اليد في السفر‪ ،‬وإقامة الحدود في أرض الحرب؛ فقال مالك والليث بن سعد‪:‬‬
‫تقام الحدود فني أرض الحرب ول فرق بينن دار الحرب والسنلم‪ .‬وقال الوزاعني‪ :‬يقينم منن غزا‬
‫على جينش ‪ -‬وإن لم يكنن أمينر مصنر منن المصنار ‪ -‬الحدود فني عسنكره غينر القطنع‪ .‬وقال أبنو‬
‫حنيفة‪ :‬إذا غزا الجند أرض الحرب وعليهم أمير فإنه ل يقيم الحدود في عسكره‪ ،‬إل أن يكون إمام‬
‫مصنر أو الشام أو العراق أو منا أشبهنه فيقينم الحدود فني عسكره‪ .‬اسنتدل الوزاعي ومنن قال بقوله‬
‫بحديث جنادة بن أبي أمية قال‪ :‬كنا مع بسر بن أرطأة في البحر‪ ،‬فأتي بسارق يقال له مصدر قد‬
‫سنرق بختينة‪ ،‬فقال‪ :‬سنمعت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم يقول‪( :‬ل تقطنع اليدي فني الغزو)‬
‫ولول ذلك لقطعته‪ .‬يسر هذا يقال ولد في زمن النبي صلى ال عليه‪ .‬وسلم‪ ،‬وكانت له أخبار سوء‬
‫فني جاننب علي وأصنحابه‪ ،‬وهنو الذي ذبنح طفلينن لعبدال بنن العباس ففقدت أمهمنا عقلهنا فهامنت‬
‫على وجههنا‪ ،‬فدعنا علينه علي رضني ال عننه أن يطينل ال عمره ويذهنب عقله‪ ،‬فكان كذلك‪ .‬قال‬
‫يحيى بن معين‪ :‬كان بسر بن أرطأة رجل سوء‪ .‬استدل من قال بالقطع بالقطع بعموم القرآن؛ وهو‬
‫الصحيح إن شاء ال تعالى‪ .‬وأولى ما يحتج به لمن منع القطع في أرض الحرب والحدود‪ :‬مخافة‬
‫أن يلحق ذلك بالشرك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ فإذا قطعت اليد أو الرجل فإلى أين تقطع‪ .‬فقال الكافة‪ :‬تقطع من الرسغ والرجل من المفصل‪،‬‬
‫ويحسم الساق إذا قطع‪ .‬وقال بعضهنم‪ :‬يقطع إلى المرفنق‪ .‬وقيل‪ :‬إلى المنكب‪ ،‬لن اسنم اليد يتناول‬
‫ذلك‪ .‬وقال علي رضي ال عنه‪ :‬تقطع الرجل من شطر القدم ويترك له العقب؛ وبه قال أحمد وأبو‬
‫ثور‪ .‬قال ابنن المنذر‪ :‬وقند رويننا عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه أمنر بقطنع يند رجنل فقال‪:‬‬
‫(أحسنموها) وفني إسنناده مقال؛ واسنتحب ذلك جماعنة منهنم الشافعني وأبنو ثور وغيرهمنا‪ ،‬وهذا‬
‫أحسن وهو أقرب إلى البرء وأبعد من التلف‪.‬‬
‫@ ل خلف أن اليمنى هي التي تقطع أول‪ ،‬ثم اختلفوا إن سرق ثانية؛ فقال مالك وأهل المدينة‬
‫والشافعي وأبو ثور وغيرهم‪ :‬تقطع رجله اليسرى‪ ،‬ثم في الثالثة يده اليسرى‪ ،‬ثم في الرابعة رجله‬
‫اليمنى‪ ،‬ثم إن سرق خامسة يعزر ويحبس‪ .‬وقال أبو مصعب من علمائنا‪ :‬يقتل بعد الرابعة؛ واحتج‬
‫بحديث خرجه النسائي عن الحارث بن حاطب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتي بلص فقال‪:‬‬
‫(اقتلوه) فقالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إنما سرق‪ ،‬قال‪( :‬اقتلوه)‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول إنما سرق‪ ،‬قال‪( :‬اقطعوا‬
‫يده)‪ ،‬قال‪ :‬ثم سرق فقطعت رجع‪ ،‬ثم سرق على عهد أبي بكر رضي ال عنه حتى قطعت قوائمه‬
‫كلها‪ ،‬ثم سرق أيضا الخامسة‪ ،‬فقال أبو بكر رضي ال عنه‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أعلم بهذا حين قال‪( :‬اقتلوه) ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه؛ منهم عبدال بن الزبير وكان يحب‬
‫المارة فقال‪ :‬أمروني عليكم فأمروه عليهم‪ ،‬فكان إذا ضرب ضرب حتى قتلوه‪ .‬وبحديث جابر أن‬
‫الننبي صنلى ال علينه وسنلم أمنر بسنارق فني الخامسنة فقال‪( :‬اقتلوه)‪ .‬قال جابر‪ :‬فانطلقننا بنه فقتلناه‪،‬‬
‫ثننم اجتررناه فرميناه فنني بئر ورمينننا عليننه الحجارة‪ .‬رواه أبننو داود وخرجننه النسننائي وقال‪ :‬هذا‬
‫حديث منكر وأحد رواته ليس بالقوي‪ .‬ول أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬ثبت‬
‫عن أبي بكر وعمر رضي ال عنهما أنهما قطعا اليد بعد اليد والرجل بعد الرجل‪ .‬وقيل‪ :‬تقطع في‬
‫الثانينة رجله اليسنرى ثنم ل قطنع فني غيرهنا‪ ،‬ثنم إذا عاد عزر وحبنس؛ وروي عنن علي بنن أبني‬
‫طالب‪ ،‬وبه قال الزهري وحماد بن أبي سليمان وأحمد بن حنبل‪ .‬قال الزهري‪ :‬لم يبلغنا في السنة‬
‫إل قطننع الينند والرجننل‪ .‬وقال عطاء‪ :‬تقطننع يده اليمنننى خاصننة ول يعود عليننه القطننع‪ :‬ذكره ابننن‬
‫العربي وقال‪ :‬أما قول عطاء فإن الصحابة قالوا قبله خلفه‪.‬‬
‫@ واختلفوا في الحاكم يأمر بقطع يد السارق اليمنى فتقطع يساره‪ ،‬فقال قتادة‪ :‬قد أقيم عليه الحد‬
‫ول يزاد علينه؛ وبنه قال مالك‪ :‬إذا أخطنأ القاطنع فقطنع شمال‪ ،‬وبنه قال أصنحاب الرأي اسنتحسانا‪.‬‬
‫وقال أبنو ثور‪ :‬على الحزاز الدينة لننه أخطنأ وتقطنع يميننه إل أن يمننع بإجماع‪ .‬قال ابنن المنذر‪:‬‬
‫ليس يخلو قطع يسار السارق من أحد معنيين؛ إما أن يكون القاطع عمد ذلك فعليه الود‪ ،‬أو يكون‬
‫أخطنأ فديتنه على عاقلة القاطنع؛ وقطنع يمينن السنارق يجنب‪ ،‬ول يجوز إزالة منا أوجنب ال سنبحانه‬
‫بتعدي معتد أو خطأ مخطئ‪ .‬وقال الثوري في الذي يقتص منه في يمينه فيقدم شماله فتقطع؛ قال‪:‬‬
‫تقطع يمينه أيضا‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وهذا صحيح‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬تقطع يمينه إذا برئ؛ وذلك أنه هو‬
‫أتلف يسناره‪ ،‬ول شينء على القاطنع فني قول أصنحاب الرأي‪ ،‬وقياس قول الشافعني‪ .‬وتقطنع يميننه‬
‫إذا برئت‪ .‬وقال قتادة والشعبي‪ :‬ل شيء على القاطع وحسبه ما قطع منه‪.‬‬
‫@ وتعلق يند السنارق فني عنقنه‪ ،‬قال عبدال بنن محيرينز سنألت فضالة عنن تعلينق يند السنارق فني‬
‫عنقه أمن السنة هو؟ فقال‪ :‬جيء رسول ال صلى ال عليه وسلم بسارق فقطعت يده‪ ،‬ثم أمر بها‬
‫فعلقت في عنقه؛ أخرجه الترمذي ‪ -‬وقال‪ :‬حديث حسن غريب ‪ -‬وأبو داود والنسائي‪.‬‬
‫@ إذا وجب حد السرقة فقتل السارق رجل؛ فقال مالك‪ :‬يقتل ويدخل القطع فيه‪ .‬وقال الشافعي‪:‬‬
‫يقطع ويقتل؛ لنهما حقان لمستحقين فوجب أن يوفى لكل واحد منهما حقه‪ ،‬وهذا هو الصحيح إن‬
‫شاء ال تعالى‪ ،‬وهو اختيار ابن العربي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أيديهما" لما قال "أيديهما" ولم يقل يديهما تكلم علماء اللسان في ذلك ‪ -‬قال ابن‬
‫العربني‪ :‬وتابعهنم الفقهاء على منا ذكروه حسنن ظنن بهنم ‪ -‬فقال الخلينل بن أحمند والفراء‪ :‬كنل شينء‬
‫يوجند خلق النسنان إذا أضينف إلى اثنينن جمنع تقول‪ :‬هشمنت رؤوسنهما وأشبعنت بطونهمنا‪ ،‬و"إن‬
‫تتوبنا إلى ال فقند صنغت قلوبكمنا" [التحرينم‪ ، ]4 :‬ولهذا قال‪" :‬اقطعوا أيديهمنا" ولم يقنل يدهمنا‪.‬‬
‫والمراد فاقطعوا يمينا من هذا ويمينا من هذا‪ .‬ويجوز في اللغة؛ فاقطعوا يديهما وهو الصل؛ وقد‬
‫قال الشاعر فجمع بين اللغتين‪:‬‬
‫ظهراهما مثل ظهور الترسين‬ ‫ومهمهمين قذفين مرتين‬
‫وقينل‪ :‬فعنل هذا لننه ل يشكنل‪ .‬وقال سنيبويه‪ :‬إذا كان مفردا قند يجمنع إذا أردت بنه التثنينة‪ ،‬وحكني‬
‫عننن العرب؛ وضعننا رحالهمننا‪ .‬ويرينند بنه رحلي راحلتيهمننا؛ قال ابننن العربنني‪ :‬وهذا بناء على أن‬
‫اليمينن وحدهنا هني التني تقطنع ولينس كذلك‪ ،‬بنل تقطنع اليدي والرجنل‪ ،‬فيعود قول "أيديهمنا" إلى‬
‫أربعة وهي جمع في الثنين‪ ،‬وهما تثنية فيأتي الكلم على فصاحته‪ ،‬ولو قال‪ :‬فاقطعوا أيديهم لكان‬
‫وجهنا؛ لن السنارق والسنارقة لم يرد بهمنا شخصنين خاصنة‪ ،‬وإنمنا همنا اسنما جننس يعمان منا ل‬
‫يحصى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬جزاء بمنا كسنبا" مفعول منن أجله‪ ،‬وإن شئت كان مصندرا وكذا "نكال منن ال"‬
‫يقال‪ :‬نكلت بنه إذا فعلت بنه منا يوجنب أن ينكنل بنه عنن ذلك الفعنل "وال عزينز" ل يغالب "حكينم"‬
‫فيما يفعله؛ وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى "فمنن تاب منن بعند ظلمنه وأصنلح" شرط وجوابنه" فإن ال يتوب علينه" "منن بعند‬
‫ظلمه" من بعد السرقة؛ فإن ال يتجاوز عنه‪ .‬والقطع ل يسقط بالتوبة‪ .‬وقال عطاء وجماعة‪ :‬يسقط‬
‫بالتوبنة قبنل القدوة على السنارق‪ .‬وقال بعنض الشافعينة وعزاه إلى الشافعني قول‪ .‬وتعلقوا بقول ال‬
‫تعالى‪" :‬إل الذينن تابوا منن قبنل أن تقدوا عليهنم" وذلك اسنتثناء منن الوجوب‪ ،‬فوجنب حمنل جمينع‬
‫الحدود علينه‪ .‬وقال علماؤننا‪ :‬هذا بعيننه دليلننا؛ لن ال سنبحانه وتعالى لمنا ذكنر حند المحارب قال‪:‬‬
‫"إل الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم" وعطف عليه حد السارق وقال فيه‪" :‬فمن تاب من بعد‬
‫ظلمه وأصلح فإن ال يتوب عليه" فلو كان مثله في الحكم ما غاير الحكم بينهما‪ .‬قال ابن العربي‪:‬‬
‫ويننا معشننر الشافعيننة سننبحان ال! أيننن الدقائق الفقهيننة‪ ،‬والحكننم الشرعيننة‪ ،‬التنني تسننتنبطونها مننن‬
‫غوامض المسائل؟! ألم تروا إلى المحارب المستبد بنفسه‪ ،‬المعتدي بسلح‪ ،‬الذي يفتقر المام معه‬
‫إلى اليجاف بالخيل والركاب كيف أسقط جزاءه بالتوبة استنزال عن تلك الحالة‪ ،‬كما فعل بالكافر‬
‫فني مغفرة جمينع منا سنلف اسنتئلفا على السنلم؛ فأمنا السنارق والزانني وهمنا فني قبضنة المسنلمين‬
‫وتحنت حكنم المام‪ ،‬فمنا الذي يسنقط عنهنم حكنم منا وجنب عليهنم؟! أو كينف يجوز أن يقال‪ :‬يقاس‬
‫على المحارب وقند فرقنت بينهمنا الحكمنة والحالة! هذا منا ل يلينق بمثلكنم ينا معشنر المحققينن‪ .‬وإذا‬
‫ثبت أن الحد ل يسقط بالتوبة‪ ،‬فالتوبة مقبولة والقطع كفارة له‪" .‬وأصلح" أي كما تاب عن السرقة‬
‫تاب عنن كنل ذننب‪ .‬وقينل‪" :‬وأصنلح" أي ترك المعصنية بالكلينة‪ ،‬فأمنا منن ترك السنرقة بالزننى أو‬
‫التهود بالتنصر فهذا ليس بتوبة‪ ،‬وتوبة ال على العبد أن يوفقه للتوبة‪ .‬وقيل‪ :‬أن تقبل منه التوبة‪.‬‬
‫@ يقال‪ :‬بدأ ال بالسارق في هذه الية قبل السرقة‪ ،‬وفي الزنى بالزانية قبل الزاني ما الحكمة في‬
‫ذلك؟ فالجواب أن يقال‪ :‬لمننا كان حننب المال على الرجال أغلب‪ ،‬وشهوة السننتمتاع على النسنناء‬
‫أغلب بدأ بهما في الموضع؛ هذا أحد الوجوه في المرأة على ما يأتي بيانه في سورة "النور" من‬
‫البداية بها على الزاني إن شاء ال‪ .‬ثم جعل ال قطع السرقة قطع اليد لتناول المال‪ ،‬ولم يجعل حد‬
‫الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به لثلثة معان‪ :‬أحدها‪ :‬أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن‬
‫انزجنر بهنا اعتاض بالثانينة‪ ،‬ولينس للزانني مثنل ذكره إذا قطنع فلم يعتنض بغيره لو انزجنر بقطعنه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الحد زجر للمحدود وغيره‪ ،‬وقطع اليد في السرقة ظاهر‪ :‬وقطع الذكر في الزنى باطن‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن قطع الذكر فيه إبطال للنسل وليس في قطع اليد إبطال‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬ألم تعلم أن ال له ملك السماوات والرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء وال‬
‫على كل شيء قدير}‬
‫@ الية‪ .‬خطاب للنبي صلى ال عليه وسلم وغيره؛ أي ل قرابة بين ال تعالى وبين أحد توجب‬
‫المحاباة حتى يقول القائل‪ :‬نحن أبناء ال وأحباؤه‪ ،‬والحدود تقام على كل من يقارف موجب الحد‪.‬‬
‫وقينل‪ :‬أي له أن يحكنم بمنا يريند؛ فلهذا فرق بينن المحارب وبينن السنارق غينر المحارب‪ .‬وقند تقدم‬
‫نظائر هذه الية والكلم فيها فل معنى لعادتها وال الموفق‪ .‬هذا ما يتعلق بآية السرقة من بعض‬
‫أحكام السرقة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 41 :‬ينا أيهنا الرسنول ل يحزننك الذينن يسنارعون فني الكفنر منن الذينن قالوا آمننا‬
‫بأفواههننم ولم تؤمننن قلوبهننم ومننن الذيننن هادوا سننماعون للكذب سننماعون لقوم آخريننن لم يأتوك‬
‫يحرفون الكلم منن بعند مواضعنه يقولون إن أوتيتنم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومنن يرد ال‬
‫فتنته فلن تملك له من ال شيئا أولئك الذين لم يرد ال أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في‬
‫الخرة عذاب عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الرسول ل يحزنك" الية في سبب نزولها ثلثة أقوال‪ :‬قيل نزلت في بني‬
‫قريظة والنضير؛ قتل قرظي نضيريا وكان بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة لم يقيدوهم‪ ،‬وإنما‬
‫يعطونهنم الدينة على منا يأتني بياننه‪ ،‬فتحاكموا إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فحكنم بالتسنوية بينن‬
‫القرظي والنضيري‪ ،‬فساءهم ذلك ولم يقبلوا‪ .‬وقيل؛ إنها نزلت في شأن أبي لبابة حين أرسله النبي‬
‫صنلى ال علينه وسنلم إلى بنني قريظنة فخاننه حينن أشار إليهنم أنه الذبنح‪ .‬وقينل‪ :‬إنهنا نزلت فني زنني‬
‫اليهوديينن وقصنة الرجنم؛ وهذا أصنح القوال؛ رواه الئمنة مالك والبخاري ومسنلم والترمذي وأبنو‬
‫داود‪ .‬قال أبننو داود عننن جابر بننن عبدال أن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم قال لهننم (ائتوننني بأعلم‬
‫رجلين منكم) فجاؤوا بابني صوريا فنشدهما ال تعالى (كيف تجدان أمر هذين في التوراة)؟ قال‪:‬‬
‫نجند فني التوراة إذا شهند أربعنة أنهنم رأوا ذكره فني فرجهنا كالمرور فني المكحلة رجمنا‪ .‬قال‪( :‬فمنا‬
‫يمنعكننم أن ترجموهمننا)‪ ،‬قال‪ :‬ذهننب سننلطاننا فكرهنننا القتننل‪ .‬فدعننا النننبي صننلى ال عليننه وسننلم‬
‫بالشهود‪ ،‬فجاؤوا فشهدوا أنهنم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل فني المكحلة‪ ،‬فأمنر الننبي صنلى ال‬
‫عليه وسلم برجمهما‪ .‬وفي غير الصحيحين عن الشعبي عن جابر بن عبدال قال‪ :‬زنى رجل من‬
‫أهل فدك‪ ،‬فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمدا عن ذلك‪ ،‬فإن أمركم بالجلد‬
‫فخذوه‪ ،‬وإن أمركم بالرجم فل تأخذوه؛ فسألوه فدعا بابن صوريا وكان عالمهم وكان أعور؛ فقال‬
‫له رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬أنشدك ال كينف تجدون حند الزانني فني كتابكنم)‪ ،‬فقال ابنن‬
‫صنوريا‪ :‬فأمنا إذ ناشدتنني ال فإننا نجند فني التوراة أن النظنر زنينة‪ ،‬والعتناق زنينة‪ ،‬والقبلة زنينة‪،‬‬
‫فإن شهند أربعنة بأنهنم رأوا ذكره فني فرجهنا مثنل المينل فني المكحلة فقند وجنب الرجنم‪ .‬فقال الننبي‬
‫صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬هنو ذاك)‪ .‬وفني صنحيح مسنلم عنن البراء بنن عازب قال‪ :‬منر على الننبي‬
‫صنلى ال علينه وسنلم بيهودي محممنا مجلودا‪ ،‬فدعاهنم فقال‪ :‬هكذا تجدون حند الزانني فني كتابكنم)‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪ .‬فدعا رجل من علمائهم فقال‪( :‬أنشدك بال الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون‬
‫حند الزانني فني كتابكنم) قال‪ :‬ل ‪ -‬ولول أننك نشدتنني بهذا لم أخنبرك ‪ -‬نجده الرم‪ ،‬ولكننه كثنر فني‬
‫أشرافننا فكننا إذا أخذننا الشرينف تركناه‪ ،‬وإذا أخذننا الضعينف أقمننا علينه الحند‪ ،‬قلننا‪ :‬تعالوا فلنجتمنع‬
‫على شينء نقيمنه على الشرينف والوضينع‪ ،‬فجعلننا التحمينم والجلد مكان الرجنم؛ فقال رسنول ال‬
‫صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬اللهنم إنني أول منن أحينا أمرك إذ أماتوه) فأمنر بنه فرجنم؛ فأنزل ال تعالى‪:‬‬
‫"ينا أيهنا الرسنول ل يحزننك الذينن يسنارعون فني الكفنر" إلى قوله‪" :‬إن أوتيتنم هذا فخذوه" يقول‪:‬‬
‫ائتوا محمدا‪ ،‬فإن أمركنم بالتحمينم والجلد فخذوه وإن أفتاكنم بالرجنم فاحذروا‪ ،‬فأنزل ال عنز وجنل‪:‬‬
‫"ومنن لم يحكنم بمنا أنزل ال فأولئك هنم الكافرون" [المائدة ‪" ، ]44‬ومنن لم يحكنم بمنا أنزل ال‬
‫فأولئك هم الظالمون" [المائدة‪" ، ]45 :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون" [المائدة‪:‬‬
‫‪ ]47‬في الكفار كلها‪ .‬هكذا في هذه الرواية (مر على النبي صلى ال عليه وسلم)‪ ،‬وفي حديث ابن‬
‫عمنر‪ :‬أتني بيهودي ويهودينة فند زنينا فانطلق رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم حتنى جاء يهود‪ ،‬قنل‪:‬‬
‫(ما تجدون في التوراة على من زنى) الحديث‪ .‬وفي رواية؛ أن اليهود جاؤوا إلى رسول ال صلى‬
‫ال علينه وسنلم يرجنل وامرأة قند زنينا‪ .‬وفني كتاب أبني داود منن حدينث ابنن عمنر قال‪ :‬أتنى تفنر منن‬
‫اليهود‪ ،‬فدعوا رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم إلى القنف فأتاهنم فني بينت المدراس فقالوا‪ :‬ينا أبنا‬
‫القاسم‪ ،‬إن رجل منا زنى بامرأة فاحكم بيننا‪ .‬ول تعارض في شيء من هذا كله‪ ،‬وهي كلها قصة‬
‫واحدة‪ ،‬وفد ساقها أبو داود من حديث أبي هريرة سياقة حسنة فقال‪ :‬زنى رجل من اليهود وامرأة‪،‬‬
‫فقال بعضهننم لبعننض‪ :‬اذهبوا بنننا إلى هذا النننبي‪ ،‬فإنننه نننبي بعننث بالتخفيفات‪ ،‬فإن أفتننى بفتيننا دون‬
‫الرجنم قبلناهنا واحتججننا بهنا عنند ال‪ ،‬وقلننا فتينا ننبي منن أننبيائك؛ قال‪ :‬فأتوا الننبي صنلى ال علينه‬
‫وسنلم وهنو جالس فني المسنجد فني أصنحابه؛ فقالوا‪ :‬ينا أبنا القاسنم منا ترى فني رجنل وامرأة منهنم‬
‫زنيا؟ فلم يكل النبي صلى ال عليه وسلم حتى أتى بيت مدراسهم‪ ،‬فقام على الباب‪ ،‬فقال‪( :‬أنشدكم‬
‫بال الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن)‪ ،‬فقالوا‪ :‬يحمم‬
‫وجهننه ويجبننه ويجلد‪ ،‬والتجبيننة أن يحمننل الزانيان على حمار وتقابننل أقفيتهمننا ويطاف بننه؛ قال‪:‬‬
‫وسكت شاب منهم‪ ،‬فلما رآه النبي صلى ال عليه وسلم سكت ألظ به النشدة؛ فقال‪ :‬اللهم إذ نشدتنا‬
‫فإنا نجد في التوراة الرجم‪ .‬وساق الحديث إلى أن قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬فإني أحكم‬
‫بما في التوراة) فأمر به فرجما‪.‬‬
‫@ والحاصنل منن هذه الروايات أن اليهود حكمنت الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬فحكنم عليهنم‬
‫بمقتضنى منا فني التوراة‪ .‬واسنتند فني ذلك إلى قول ابنني صنوريا‪ ،‬وأننه سنمع شهادة اليهود وعمنل‬
‫بهنا‪ ،‬وأن السنلم لينس شرطنا فني الحصنان‪ .‬فهذه مسنائل أربنع‪ .‬فإذا ترافنع أهنل الذمنة إلى المام؛‬
‫فإن كان ما رفعوه ظلما كالقتل والعدوان والغصب حكم بينهم‪ ،‬ومنعهم منه بل خلف‪ .‬وأما إذا لم‬
‫يكن كذلك فالمام مخير في الحكم بينهم وتركه عند مالك والشافعي‪ ،‬غير أن مالكا رأى العراض‬
‫عنهنم أولى‪ ،‬فإن حكنم حكنم بينهنم السنلم‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬ل يحكنم بينهنم فني الحدود‪ .‬وقال أبنو‬
‫حنيفة‪ :‬يحكم بينهم على كل حال‪ ،‬وهو قول الزهري وعمر بن عبدالعزيز والحكم‪ ،‬وروي عن ابن‬
‫عباس وهو أحد قولي الشافعي؛ لقوله تعالى‪" :‬وأن احكم بينهم بما أنزل ال" [المائدة‪ ]49 :‬على‬
‫منا يأتني بياننه بعند‪ ،‬احتنج مالك بقوله تعالى‪" :‬فإن جاؤوك فاحكنم بينهنم أو أعرض عنهنم" [المائدة‪:‬‬
‫‪ ]42‬وهي نص في التخيير‪ .‬قال ابن القاسم‪ :‬إذا جاء الساقفة والزانيان فالحاكم مخير؛ لن إنفاذ‬
‫الحكنم حنق للسناقفة والمخالف يقول‪ :‬ل يلتفنت إلى السناقفة‪ .‬قال ابنن العربني‪ :‬وهنو الصنح؛ لن‬
‫مسنلمين لو حكمنا بينهمنا رجل لنفنذ‪ ،‬ولم يعتنبر رضنا الحاكنم‪ .‬فالكتابيون بذلك أولى‪ .‬وقال عيسنى‬
‫عنن ابنن القاسنم‪ :‬لم يكونوا أهل ذمنة إنمنا كانوا أهنل حرب‪ .‬قال ابنن العربني‪ :‬وهذا الذي قال عيسنى‬
‫عننه إنمنا نزع بنه لمنا رواه الطنبري وغيره‪ :‬أن الزانيينن كاننا منن أهنل خينبر أو فدك‪ ،‬وكانوا حربنا‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬واسم المرأة الزانية بسرة‪ ،‬وكانوا بعثوا إلى يهود المدينة يقولون‬
‫لهنم اسنألوا محمدا أعنن هذا‪ ،‬فإن أفتاكنم بغينر الرجنم فخذوه مننه واقبلوه‪ ،‬وإن أفتاكنم بنه فاحذروه؛‬
‫الحديث‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهذا لو كان صحيحا لكان مجيئهم بالزانيين وسؤالهم عهدا وأمانا؛ وإن‬
‫لم يكنن عهند وذمنة ودار لكان له حكنم الكنف عنهنم والعدل فيهنم؛ فل حجنة لرواينة عيسنى فني هذا؛‬
‫وعنهم أخبر ال تعالى بقوله‪" :‬سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك" ولما حكموا النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم نفذ الحكم عليهم ولم يكن لهم الرجوع؛ فكل من حكم رجل في الدين وهي‪:‬‬
‫@ فأصله هذه الية‪ .‬قال مالك‪ :‬إذا حكم رجل فحكمه ماض وإن رفع إلى قاض أمضاه‪ ،‬إل أن‬
‫يكونوا جورا بينننا‪ .‬وقال سننحنون‪ :‬يمضيننه إن رآه صننوابا‪ .‬قال ابننن العربنني‪ :‬وذلك فنني الموال‬
‫والحقوق التني تختنص بالطالب‪ ،‬فأمنا الحدود فل يحكنم فيهنا إل السنلطان؛ والضابنط أن كنل حنق‬
‫اختص به الخصمان جاز التحكيم فيه ونفذ تحكيم المحكم فيه‪ ،‬وتحقيقه أن التحكيم بين الناس إنما‬
‫هنو حقهنم ل حنق الحاكنم بيند أن السنترسال على التحكينم خرم لقاعدة الولينة‪ ،‬ومؤد إلى تهارج‬
‫الناس كتهارج الحمنر‪ ،‬فل بند منن فاصنل؛ فأمنر الشرع بنصنب الوالي ليحسنم قاعدة الهرج؛ وأذن‬
‫فني التحكينم تخفيفنا عننه وعنهنم فني مشقنة الترافنع لتتنم المصنلحتان وتحصنل الفائدة‪ .‬وقال الشافعني‬
‫وغيره‪ :‬التحكينم جائز وإنمنا هنو فتوى‪ .‬وقال بعنض العلماء‪ :‬إنمنا كان حكنم الننبي صنلى ال علينه‬
‫وسنلم على اليهود بالرجنم إقامنة لحكنم كتابهنم‪ ،‬لمنا حرفوه وأخفوه وتركوا العمنل بنه؛ أل ترى أننه‬
‫قال‪( :‬اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه) وأن ذلك كان حين قدم المدينة‪ ،‬ولذلك استثبت ابني‬
‫صوريا عن حكم التوراة واستحلفهما على ذلك‪ .‬وأقوال الكفار في الحدود وفي شهادتهم عليها غير‬
‫مقبولة بالجماع‪ ،‬لكنن فعنل ذلك على طرينق إلزامهنم منا التزموه وعملوا بنه‪ .‬وقند يحتمنل أن بكون‬
‫حصول طريق العلم بذلك الوحي‪ ،‬أو ما ألقى ال في روعه من تصديق ابني صوريا فيما قاله من‬
‫ذلك ل فولهما مجردا؛ فبين له النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأخبر بمشروعية الرجم‪ ،‬ومبدؤه ذلك‬
‫الوقنت‪ ،‬فيكون أفاد بمنا فعله إقامنة حكنم التوراة‪ ،‬وبينن أن ذلك حكنم شريعتنه‪ ،‬وأن التوراة حكنم ال‬
‫سبحانه؛ لقوله تعالى‪" :‬إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا" [المائدة‪:‬‬
‫‪ ]44‬وهو من النبياء‪ .‬وقد قال عنه أبو هريرة‪( :‬فإني أحكم بما في التوراة) وال أعلم‪.‬‬
‫@ والجمهور على رد شهادة الذمي؛ لنه ليس من أهلها فل تقبل على مسلم ول على كافر‪ ،‬وقد‬
‫قبنل شهادتهنم جماعنة منن التابعينن وغيرهنم إذ لم يوجند مسنلم على منا يأتني بياننه آخنر السنورة فإن‬
‫قينل‪ :‬فقند حكنم بشهادتهنم ورجنم الزانيينن‪ :‬فالجواب؛ أننه إنمنا نفنذ عليهنم منا علم أننه حكنم التوراة‬
‫وألزمهنم العمنل بنه‪ ،‬على نحنو منا عملت بنه بننو إسنرائيل إلزامنا للحجنة عليهنم‪ ،‬وإظهارا لتحريفهنم‬
‫وتغييرهم‪ ،‬فكان منفذا ل حاكما‪ .‬وهذا على التأويل الول‪ ،‬وعلى ما ذكر من الحتمال فيكون ذلك‬
‫خاصا بل الواقعة‪ ،‬إذ لم يسمع في الصدر الول من قبل شهادتهم في مثل ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يحزننك" قرأ نافنع بضنم الياء وكسنر الزاي‪ ،‬والباقون بفتنح الياء وضنم الزاي‪.‬‬
‫والحزن والحزن خلف السرور‪ ،‬وحزن الرجل بالكسر فهو حزن وحزين‪ ،‬وأحزنه غيره وحزنه‬
‫أيضنا مثل أسنلكه وسلكه‪ ،‬ومحزون بنني عليه‪ .‬قال اليزيدي‪ :‬حزنه لغنة قرينش‪ ،‬وأحزنه لغة تمينم‪،‬‬
‫وقد قرئ بهما‪ .‬واحتزن وأحزن بمعنى‪ .‬والمعنى في الية تأنيس للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬أي ل‬
‫يحزنك مسارعتهم إلى الكفر‪ ،‬فإن ال قد وعدك النصر عليهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من الذين قالوا آمنا بأفواههم" وهم المنافقون "ولم تؤمن قلوبهم" أي لم يضمروا‬
‫فني قلوبهنم اليمان كمنا نطقنت بنه ألسننتهم "ومنن الذينن هادوا" يعنني يهود المديننة ويكون هذا تمام‬
‫الكلم‪ ،‬ثنم ابتدأ فقال "سنماعون للكذب" أي هنم سنماعون‪ ،‬ومثله "طوافون عليكنم" [النور‪.]58 :‬‬
‫وقيننل البتداء مننن قوله‪" :‬ومننن الذيننن هادوا" ومننن الذيننن هادوا قوم سننماعون للكذب‪ ،‬أي قابلون‬
‫لكذب رؤسنائه منن تحرينف التوراة‪ .‬وقينل‪ :‬أي يسنمعون كلمنك ينا محمند ليكذبوا علينك‪ ،‬فكان فيهنم‬
‫من يحضر النبي صلى ال عليه وسلم ثم يكذب عليه عند عامتهم‪ ،‬ويقبح صورته في أعينهم؛ وهو‬
‫معنى قوله‪" :‬سماعون لقوم آخرين لم يأتوك" وكان في المنافقين من يفعل هذا‪ .‬قال الفراء ويجوز‬
‫سنماعين وطوافينن‪ ،‬كمنا قال‪" :‬ملعونينن أينمنا ثقفوا" وكمنا قال‪" :‬إن المتقينن فني جنات ونعينم"‪.‬‬
‫[الطور‪ ]17 :‬ثم قال‪" :‬فاكهين" "آخذين"‪ .‬وقال سفيان بن عيينة‪ :‬إن ال سبحانه ذكر الجاسوس‬
‫في القرآن بقوله‪" :‬سماعون لقوم آخرين لم يأتوك" ولم يعرض النبي صلى ال علبه وسلم لهم مع‬
‫علمننه بهننم؛ لنننه لم يكننن حينئذ تقرر الحكام ول تمكننن السننلم‪ .‬وسننيأتي حكننم الجاسننوس فنني‬
‫"الممتحنة" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يحرفون الكلم من بعد مواضعه" أي يتأولونه على غير تأويله بعد أن فهموه عنك‬
‫وعرفوا مواضعنه التني أرادهنا ال عنز وجنل؛ وبينن أحكامنه؛ فقالوا‪ :‬شرعنه ترك الرجنم؛ وجعلهنم‬
‫بدل رجنم المحصنن جلد أربعينن تغييرا لحكنم ال عنز وجنل‪ .‬و"يحرفون" فني موضنع الصنفة لقوله‬
‫"سنماعون" وليس بحال من الضمينر الذي في "يأتوك" لنهنم إذا لم يأتوا لم يسمعوا‪ ،‬والتحرينف‬
‫إنمنا هنو ممنن يشهند ويسنمع فيحرف‪ .‬والمحرفون منن اليهود بعضهنم ل كلهنم‪ ،‬ولذلك كان حمنل‬
‫المعنى على "من الذين هادوا" فريق سماعون أشبه" "يقولون" في موضع الحال من المضمر في‬
‫"يحرفون" "إن أوتيتم هذا فخذوه" أي إن أتاكم محمد صلى ال عليه وسلم بالجلى فأقبلوا وإل فل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يرد ال فتنته" أي ضللته في الدنيا وعقوبته في الخرة "فلن تملك له من‬
‫ال شيئا" أي فلن تنفعنه "أولئك الذينن لم يرد ال أن يطهنر قلوبهنم" بيان مننه عنز وجنل أننه قضنى‬
‫عليهنم بالكفنر‪ .‬ودلت الية على أن الضلل بمشيئة ال تعالى ردا على منن قال خلف ذلك على منا‬
‫تقدم؛ أي لم يرد ال أن يطهنر قلوبهنم منن الطبنع عليهنا والختنم كمنا طهنر قلوب المؤمنينن ثوابنا لهنم‬
‫"لهنم فني الدنينا خزي" قينل‪ :‬هنو فضيحتهنم حينن أنكروا الرجنم‪ ،‬ثنم أحضرت التوراة فوجند فيهنا‬
‫الرجم وقيل‪ :‬خزيهم في الدنيا أخذ الجزية والذل‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 :‬سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن‬
‫تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن ال يحب المقسطين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سماعون للكذب" كرره تأكيدا وتفخيما‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬أكالون للسحت‬
‫على التكثيننر‪ .‬والسننحت فنني اللغننة أصنله الهلك والشدة؛ قال ال تعالى‪" :‬فيسننحتكم بعذاب"‪ .‬وقال‬
‫الفرزدق‪:‬‬
‫من المال إل مسحتا أو مجلف‬ ‫وعض زمان يا ابن مروان لم يدع‬
‫كذا الرواية‪ .‬أو مجلف بالرفع عطفا على المعنى؛ لن معنى لم يدع لم يبق‪ .‬ويقال للحالق‪ :‬اسحت‬
‫أي استأصل‪ .‬وسمي المال الحرام سحتا لنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها‪ .‬وقال الفراء‪:‬‬
‫أصله كلب الجوع‪ ،‬يقال رجل مسحوت المعدة أي أكول؛ فكأن بالمسترشي وآكل الحرام من الشره‬
‫إلى ما يعطى مثل الذي بالمسحوت المعدة من النهم‪ .‬وقيل‪ :‬سمي الحرام سحتا لنه يسحت مروءة‬
‫النسان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والقول الول أولى؛ لن بذهاب الدين تذهب المروءة‪ ،‬ول مروءة لمن ل دين له‪ .‬قال ابن‬
‫مسعود وغيره‪ :‬السحت الرشا‪ .‬وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ :‬رشوة الحاكم من السحت‪.‬‬
‫وعن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه قال‪( :‬كنل لحنم نبنت بالسنحت فالنار أولى به) قالوا‪ :‬ينا رسنول‬
‫ال ؛ومنا السنحت؟ قال‪( :‬الرشوة فني الحكنم)‪ .‬وعنن ابنن مسنعود أيضنا أننه قال‪ :‬السنحت أن يقضني‬
‫الرجنل لخينه حاجنة فيهدي إلينه هدينة فيقبلهنا‪ .‬وقال ابنن خوينز منداد‪ :‬منن السنحت أن يأكنل الرجنل‬
‫بجاهه‪ ،‬وذلك أن يكون له جاه عند السلطان فيسأله إنسان حاجة فل يقضيها إل برشوة يأخذها‪ .‬ول‬
‫خلف بين السلف أن أخذ الرشوة على إبطال حق أو ما ل يجوز سحت حرام‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إذا‬
‫ارتشى الحاكم انعزل في الوقت وإن لم يعزل‪ ،‬وبطل كل حكم حكم به بعد ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ل يجوز أن يختلف فينه إن شاء ال؛ لن أخنذ الرشوة مننه فسنق‪ ،‬والفاسنق ل يجوز‬
‫حكمه‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال عليه الصلة والسلم‪( :‬لعن اله الراشي والمرتشي)‪ .‬وعن علي رضي ال‬
‫عنه أنه قال‪ :‬السحت الرشوة وحلوان الكاهن والستجعال في القضية‪ .‬وروي عن وهب بن منبه‬
‫أنه قيل له‪ :‬الرشوة حرام في كل شيء؟ فقال‪ :‬ل؛ إنما يكره من الرشوة أن ترشي لتعطي ما ليس‬
‫لك‪ ،‬أو تدفع حقا فد لزمك؛ فأما أن ترشي لتدفع عن دينك ودمك ومالك فليس بحرام‪ .‬قال أبو الليث‬
‫السنمرقندي الفقينه‪ :‬وبهذا نأخنذ؛ ل بأس بأن يدفنع الرجنل عنن نفسنه وماله بالرشوة‪ .‬وهذا كمنا روي‬
‫عنن عبدال بنن مسنعود أننه كان بالحبشنة فرشنا دينارينن وقال‪ :‬إنمنا الثنم على القابنض دون الدافنع؛‬
‫قال المهدوي‪ :‬ومن جعل كسب الحجام ومن ذكر معه سحتا فمعناه أنه يسحت مروءة آخذه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الصحيح في كسب الحجام أنه طيب‪ ،‬ومن أخذ طيبا ل تسقط مروءته ول تنحط مرتبته‪.‬‬
‫وقد روى مالك عن حميد الطويل عن أنس أنه قال‪ :‬احتجم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حجمه‬
‫أبنو طيبنة فأمنر له رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بصناع منن تمنر وأمنر أهله أن يخففوا عننه منن‬
‫خراجنه؛ قال ابنن عبدالبر‪ :‬هذا يدل على أن كسنب الحجام طينب؛ لن رسنول ال صنلى ال علينه‬
‫وسلم ل يجعل ثمنا ول جعل ول عوضا لشيء من الباطل‪ .‬وحديث أنس هذا ناسخ لما حرمه النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم من ثمن الدم‪ ،‬وناسخ لما كرهه من إجارة الحجام‪ .‬وروى البخاري وأبو داود‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬احتجم رسنول ال صلى ال عليه وسنلم وأعطنى الحجام أجره‪ ،‬ولو كان سحتا‬
‫لم يعطننه‪ .‬والسُنحْت والسُنحُت لغتان قرئ بهمننا؛ قرأ أبننو عمرو وابننن كثيننر والكسننائي بضمتيننن‪،‬‬
‫والباقون بضم السين وحدها‪ .‬وروى العباس بن الفضل عن خارجة بن مصعب عن نافع "أكالون‬
‫للسنحت" بفتنح السنين وإسنكان الحاء وهذا مصندر منن سنحته؛ يقال‪ :‬أسنحت وسنحت بمعننى واحند‪.‬‬
‫وقال الزجاج‪ :‬سحته ذهب به قليل قليل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن جاؤوك فاحكنم بينهنم أو أعرض عنهنم" هذا تخيينر منن ال تعالى؛ ذكره‬
‫القشيري؛ وتقدم معناه أنهم كانوا أهل موادعة ل أهل ذمة؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم لما قدم‬
‫المديننة وادع اليهود‪ .‬ول يجنب عليننا الحكنم بينن الكفار إذا لم يكونوا أهنل ذمنة‪ ،‬بنل يجوز الحكنم إن‬
‫أردنا‪ .‬فأما أهل الذمة فهل يجب علينا الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا؟ قولن للشافعي؛ وإن ارتبطت‬
‫الخصننومة بمسننلم يجننب الحكننم‪ .‬قال المهدوي‪ :‬أجمننع العلماء على أن على الحاكننم أن يحكننم بيننن‬
‫المسنلم والذمني‪ .‬واختلفوا فني الذميينن؛ فذهنب بعضهنم إلى أن الينة محكمنة وأن الحاكنم مخينر؛‬
‫روي‪ ،‬ذلك عن النخعي والشعبي وغيرهما‪ ،‬وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما‪ ،‬سوى ما روي‬
‫عن مالك في ترك إقامة الحد على أهل الكتاب في الزنى؛ فإنه إن زنى المسلم بالكتابية حد ول حد‬
‫عليهننا‪ ،‬فإن كان الزانيان ذمييننن فل حنند عليهمننا؛ وهننو مذهننب أبنني حنيفننة ومحمنند بننن الحسننن‬
‫وغيرهما‪ .‬وقد روي عن أبي حنيفة أيضا أنه قال‪ :‬يجلدان ول يرجمان‪ .‬وقال الشافعي وأبو يوسف‬
‫وأبنو ثور وغيرهنم‪ :‬عليهمنا الحند إن أتينا راضيينن بحكمننا‪ .‬قال ابنن خوينز منداد‪ :‬ول يرسنل المام‬
‫إليهم إذا استعدى بعضهم على بعض‪ ،‬ول يحضر الخصم مجلسه إل أن يكون فيما يتعلق بالمظالم‬
‫التي ينتشر منها الفساد كالقتل ونهب المنازل وأشباه ذلك‪ ،‬فأما الديون والطلق وسائر المعاملت‬
‫فل يحكم بينهم إل بعد التراضي‪ ،‬والختيار له أل يحكم ويردهم إلى حكامهم‪ .‬فإن حكم بينهم حكم‬
‫بحكم السلم‪ .‬وأما إجبارهم على حكم المسلم فيما ينتشر منه الفساد فليس على الفساد عاهدناهم‪،‬‬
‫وواجب قطع الفساد عنهم‪ ،‬منهم ومن غيرهم؛ لن في ذلك حفظ أموالهم ودمائهم؛ ولعل في دينهم‬
‫اسنتباحة ذلك فينتشنر مننه الفسناد بينننا؛ ولذلك منعناهنم أن ينبيعوا الخمنر جهارا وأن يظهروا الزننى‬
‫وغينر ذلك منن القاذورات؛ لئل يفسند بهنم سنفهاء المسنلمين‪ .‬وأمنا الحكنم فيمنا يختنص بنه دينهنم منن‬
‫الطلق والزننى وغيره فلينس يلزمهنم أن يتدينوا بدينننا‪ ،‬وفني الحكنم بينهنم بذلك إضرار بحكامهنم‬
‫وتغيينر ملتهنم‪ ،‬ولينس كذلك الديون والمعاملت؛ لن فيهنا وجهنا منن المظالم وقطنع الفسناد‪ .‬وال‬
‫أعلم‪ .‬وفنني الينة قول ثان‪ :‬وهنو منا روي عنن عمننر بنن عبدالعزينز والنخعنني أيضننا أن التخييننر‬
‫المذكور فني الينة منسنوخ بقوله تعالى‪" :‬وأن احكنم بينهنم بمنا أنزل ال" وأن على الحاكنم أن يحكنم‬
‫بينهم؛ وهو مذهب عطاء الخراساني وأبي حنيفة وأصحابه وغيرهم‪ .‬وروي عن عكرمة أنه قال‪:‬‬
‫"فإن جاؤوك فاحكنم بينهنم أو أعرض عنهنم" نسنختها آينة أخرى "وأن احكنم بينهنم بمنا أنزل ال"‬
‫[المائدة‪ .]49 :‬وقال مجاهند‪ :‬لم ينسنخ منن "المائدة" إل آيتان؛ قوله‪ :‬فاحكنم بينهنم أو أعرض‬
‫عنهم" نسختها "وأن احكم بينهم بما أنزل ال"؛ وقوله‪" :‬ل تحلوا شعائر ال" [المائدة‪ ]2 :‬نسختها‬
‫"فاقتلوا المشركينن حينث وجدتموهنم" [التوبنة‪ .]5 :‬وقال الزهري‪ :‬مضنت السننة أن يرد أهنل‬
‫الكتاب في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم‪ ،‬إل أن يأتوا راغبين في حكم ال فيحكم بينهم بكتاب‬
‫ال‪ .‬قال السنمرقندي‪ :‬وهذا القول يوافنق قول أبني حنيفنة أننه ل يحكنم بينهنم منا لم يتراضوا بحكمننا‪.‬‬
‫وقال النحاس في "الناسخ والمنسوخ" له قوله تعالى‪" :‬فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"‬
‫منسنوخ؛ لننه إنمنا نزل أول منا قدم الننبي صنلى ال علينه وسنلم المديننة واليهود فيهنا يومئذ كثينر‪،‬‬
‫وكان الدعنى لهنم والصنلح أن يردوا إلى أحكامهنم‪ ،‬فلمنا قوي السنلم أنزل ال عنز وجنل "وأن‬
‫احكنم بينهنم بمنا أنزل ال"‪ .‬وقاله ابنن عباس ومجاهند وعكرمنة والزهري وعمنر بنن عبدالعزينز‬
‫والسندي؛ وهنو الصنحيح منن قول الشافعني؛ قال فني كتاب الجزينة‪ :‬ول خيار له إذا تحاكموا إلينه؛‬
‫لقوله عز وجل‪" :‬حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" [التوبة‪ .]29 :‬قال النحاس‪ :‬وهذا‬
‫مننن أصننح الحتجاجات؛ لنننه إذا كان معنننى قوله‪" :‬وهننم صنناغرون" أن تجرى عليهننم أحكام‬
‫المسنلمين وجنب أل يردوا إلى أحكامهنم؛ فإذا وجنب هذا فالينة منسنوخة‪ .‬وهنو أيضنا قول الكوفيينن‬
‫أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد‪ ،‬ل اختلف بينهم إذا تحاكم أهل الكتاب إلى المام أنه ليس‬
‫له أن يعرض عنهم‪ ،‬غير أن أبا حنيفة قال‪ :‬إذا جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهم بالعدل‪،‬‬
‫وإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم‪.‬‬
‫وقال الباقون‪ :‬يحكنم؛ فثبنت أن قول أكثنر العلماء أن الينة منسنوخة منع منا ثبنت فيهنا منن توقينف‬
‫ابن عباس؛ ولو لم يأت الحديث عن ابن عباس لكان النظر يوجب أنها منسوخة؛ لنهم قد أجمعوا‬
‫أن أهننل الكتاب إذا تحاكموا إلى المام فله أن ينظننر بينهننم‪ ،‬وأنننه إذا نظننر بينهننم مصننيب عننند‬
‫الجماعنة‪ ،‬وأل يعرض عنهنم فيكون عنند بعنض العلماء تاركنا فرضنا‪ ،‬فاعل منا ل يحنل ول يسنعه‪.‬‬
‫قال النحاس‪ :‬ولمن قال بأنها منسوخة من الكوفيين قول آخر؛ منهم من يقول‪ :‬على المام إذا لم من‬
‫أهنل الكتاب حدا منن حدود ال عنز وجنل أن يقيمنه وإن لم يتحاكموا إلينه ويحتنج بأن قول ال عنز‬
‫وجل‪" :‬وأن احكم بينهم" يحتمل أمرين‪ :‬أحدهما‪ :‬وأن احكم بينهم إذا تحاكموا إليك‪ .‬والخر‪ :‬وأن‬
‫احكنم بينهنم وإن لم يتحاكموا إلينك ‪ -‬إذا علمنت ذلك منهنم ‪ -‬قالوا‪ :‬فوجدننا فني كتاب ال تعالى وسننة‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم ما يوجب إقامة الحق عليهم وإن لم يتحاكموا إلينا؛ فأما ما في كتاب‬
‫ال فقوله تعالى‪" :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا كونوا قوامينن بالقسنط شهداء ل" [النسناء‪ .]135 :‬وأمنا منا‬
‫فني السننة فحدينث البراء بنن عازب قال‪ :‬منر على رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بيهودي قند جلد‬
‫وحمم فقال‪( :‬أهكذا حد الزاني عندكم) فقالوا‪ :‬نعم‪ .‬فدعا رجل من علمائهم فقال‪( :‬سألت بال أهكذا‬
‫حد الزاني فيكم) فقال‪ :‬ل‪ .‬الحديث‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬قال النحاس‪ :‬فاحتجوا بأن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫حكنم بينهنم ولم يتحاكموا إلينه فني هذا الحدينث‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬ففني حدينث مالك عنن نافنع عنن ابنن‬
‫عمر أن اليهود أتوا النبي صلى ال عليه وسلم؛ قيل له‪ :‬ليس في حديث مالك أيضا أن اللذين زنيا‬
‫رضيا بالحكم وقد رجمهما النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال أبو عمر بن عبدالبر‪ :‬لو تدبر من احتج‬
‫بحديث البراء لم يحتج؛ لن في درج الحديث تفسير قوله عز وجل‪" :‬إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم‬
‫تؤتوه فاحذروا" [المائدة‪ ]41 :‬يقول‪ :‬إن أفتاكننم بالجلد والتحميننم فخذوه‪ ،‬وإن أفتاكننم بالرجننم‬
‫فاحذروا‪ ،‬دلينل على أنهنم حكموه‪ .‬وذلك بينن فني حدينث ابنن عمنر وغيره‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬لينس فني‬
‫حديث ابن عمر أن الزانيين حكما رسول ال صلى ال عليه وسلم ول رضيا بحكمه‪ .‬قيل له‪ :‬حد‬
‫الزانني حق من حقوق ال تعالى على الحاكنم إقامته‪ .‬ومعلوم أن اليهود كان لهم حاكنم يحكنم بينهنم‪،‬‬
‫ويقيم حدودهم عليهم‪ ،‬وهو الذي حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن حكمت فاحكنم بينهم بالقسنط" روى النسائي عن ابن عباس قال كان قريظة‬
‫والنضير‪ ،‬وكان النضير أشرف من قريظة‪ ،‬وكان إذا قتل رجل من قريظة رجل من النضير قتل‬
‫بنه‪ ،‬وإذا قتنل رجنل منن النضينر رجل منن قريظنة ودى مائة وسنق منن تمنر؛ فلمنا بعنث رسنول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قتل رجل من النضير رجل من قريظة فقالوا‪ :‬ادفعوه إلينا لنقتله؛ فقالوا‪ :‬بيننا‬
‫وبينكنم الننبي صنلى ال علينه وسنلم فنزلت‪" :‬وإن حكمنت فاحكنم بينهنم بالقسنط" النفنس بالنفنس‪،‬‬
‫ونزلت‪" :‬أفحكم الجاهلية يبغون" [المائدة‪.]50 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 :‬وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم ال ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك‬
‫بالمؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكينف يحكموننك وعندهنم التوراة فيهنا حكنم ال" قال الحسنن‪ :‬هنو الرجنم‪ .‬وقال‬
‫قتادة‪ :‬هنو القود‪ .‬ويقال‪ :‬هنل يدل قوله تعالى‪ :‬فيهنا حكنم ال" على أننه لم ينسنخ؟ الجواب‪ :‬قال أبنو‬
‫علي‪ :‬نعنم؛ لننه لو نسنخ لم يطلق علينه بعند النسنخ أننه حكنم ال‪ ،‬كمنا ل يطلق أن حكنم ال تحلينل‬
‫الخمنر أو تحرينم السنبت‪ .‬وقوله‪" :‬ومنا أولئك بالمؤمنينن" أي بحكمنك أننه منن عنند ال‪ .‬وقال أبنو‬
‫علي‪ :‬إن من طلب غير حكم ال من حيث لم يرضى به فهو كافر؛ وهذه حالة اليهود‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 44 :‬إننا أنزلننا التوراة فيهنا هدى ونور يحكنم بهنا الننبيون الذينن أسنلموا للذينن هادوا‬
‫والربانيون والحبار بمننا اسننتحفظوا مننن كتاب ال وكانوا عليننه شهداء فل تخشوا الناس واخشون‬
‫ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور" أي بيان وضياء وتعريف أن محمدا صلى ال‬
‫عليه وسلم حق‪" .‬هدى" في موضع رفع بالبتداء "ونور" عطف عليه‪" .‬يحكم بها النبيون الذين‬
‫أسنلموا للذينن هادوا" قينل‪ :‬المراد بالننبيين محمند صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬وعنبر عننه بلفنظ الجمنع‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬كل من بعث من بعد موسى بإقامة التوراة‪ ،‬وأن اليهود قالت‪ :‬إن النبياء كانوا يهودا‪ .‬وقالت‬
‫النصنارى‪ :‬كانوا نصنارى؛ فنبين ال عنز وجنل كذبهنم‪ .‬ومعننى "أسنلموا" صندقوا بالتوراة منن لدن‬
‫موسنى إلى زمان عيسنى عليهمنا السنلم وبينهمنا ألف ننبي؛ ويقال‪ :‬أربعنة آلف‪ .‬ويقال‪ :‬أكثنر منن‬
‫ذلك‪ ،‬كانوا يحكمون بمنا فني التوراة‪ .‬وقينل‪ :‬معننى "أسنلموا" خضعوا وانقادوا لمنر ال فيمنا بعثوا‬
‫بنه‪ .‬وقينل‪ :‬أي يحكنم بهنا الننبيون الذينن هنم على دينن إبراهينم صنلى ال علينه وسنلم والمعننى واحند‪.‬‬
‫و"الذين أسلموا" ههنا نعت فيه معنى المدح مثل "بسم ال الرحمن الرحيم"‪" .‬هادوا" أي تابوا من‬
‫الكفر‪ .‬وقيل‪ :‬فيه تقديم وتأخير؛ أي إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون‬
‫والربانيون والحبار؛ أي يحكم بها الربانيون وهم الذين يسوسون الناس بالعلم ويربونهم بصغاره‬
‫قبنل كباره؛ عنن ابنن عباس وغيره‪ .‬وقند تقدم فني آل عمران‪ .‬وقال أبنو رزينن‪ :‬الربانيون العلماء‬
‫الحكماء والحبار‪ .‬قال ابننن عباس‪ :‬هننم الفقهاء‪ :‬والحننبر والحننبر الرجننل العالم وهننو مأخوذ مننن‬
‫الحنبير وهنو التحسنين‪ ،‬فهنم يحنبرون العلم أي ينبينونه ويزينوننه‪ ،‬وهنو محنبر فني صندورهم‪ .‬قال‬
‫مجاهنند‪ :‬الربانيون فوق العلماء‪ .‬واللف واللم للمبالغننة‪ .‬قال الجوهري‪ :‬والجننبر والحننبر واحنند‬
‫أحبار اليهود‪ ،‬وبالكسنر أفصنح‪ :‬لننه يجمنع على أفعال دون الفعول؛ قال الفراء‪ :‬هنو جنبر بالكسنر‬
‫يقال ذلك للعالم‪ .‬وقال الثوري‪ :‬سننألت الفراء لم سننمي الحننبر حننبرا؟ فقال‪ :‬يقال للعالم حننبر وحننبر‬
‫فالمعنى مداد حبر ثم حذف كما قال‪" :‬واسأل القرية" [يوسف‪ ]82 :‬أي أهل القرية‪ .‬قال‪ :‬فسألت‬
‫الصنمعي يقال لينس هذا بشينء؛ إنمنا سنمي حنبرا لتأثيره‪ ،‬يقال‪ :‬على أسننانه حنبر أي صنفرة أو‬
‫سنواد‪ .‬وقال أبنو العباس‪ :‬سنمي الحنبر الذي يكتنب بنه حنبرا لننه يحنبر بنه أي يحقنق بنه‪ .‬وقال أبنو‬
‫عبيند‪ :‬والذي عندي فني واحند الحبار الحنبر بالفتنح ومعناه العالم بتحنبير الكلم والعلم وتحسنينه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهكذا يرويننه المحدثون كلهننم بالفتننح‪ ،‬والحننبر الذي يكتننب بننه وموضعننه المحننبرة بالكسننر‪.‬‬
‫والحنبر أيضنا الثنر والجمنع حبور‪ ،‬عنن يعقوب‪" .‬بمنا اسنتحفظوا منن كتاب ال" أي اسنتودعوا منن‬
‫علمنه‪ .‬والباء متعلقنة "الربانيينن والحبار" كأننه قال‪ :‬والعلماء بمنا اسنتحفظوا‪ .‬أو تكون متعلقنة بنن‬
‫"يحكم" أي يحكمون بما استحفظوا‪" .‬وكانوا عليه شهداء" أي على الكتاب بأنه من عند ال‪ .‬ابن‬
‫عباس‪ :‬شهداء على حكنم الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه فني التوراة‪" .‬فل تخشوا الناس" أي فني‬
‫إظهار صنننفة محمنند صننلى ال عليننه وسنننلم‪ ،‬وإظهار الرجنننم‪" .‬واخشون" أي فننني كتمان ذلك؛‬
‫فالخطاب لعلماء اليهود‪ .‬وقند يدخنل بالمعننى كنل منن كتنم حقنا وجنب علينه ولم يظهره‪ .‬وتقدم معننى‬
‫"ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل" مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنن لم يحكنم بمنا أنزل ال فأولئك هنم الكافرون" و"الظالمون" و"الفاسنقون"‬
‫نزلت كلها في الكفار؛ ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬وعلى هذا المعظم‪.‬‬
‫فأمنا المسنلم فل يكفنر وإن ارتكنب كنبيرة‪ .‬وقينل‪ :‬فينه إضمار؛ أي ومنن لم يحكنم بمنا أنزل ال ردا‬
‫للقرآن‪ ،‬وجحدا لقول الرسنول علينه الصنلة والسنلم فهنو كافنر؛ قال ابنن عباس ومجاهند‪ ،‬فالينة‬
‫عامة على هذا‪ .‬قال ابن مسعود والحسن‪ :‬هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل ال من المسلمين‬
‫واليهود والكفار أي معتقدا ذلك ومسنتحل له؛ فأننا منن فعنل ذلك وهنو معتقند أننه راكنب محرم فهنو‬
‫منن فسناق المسنلمين‪ ،‬وأمره إلى ال تعالى إن شاء عذبنه‪ ،‬وإن شاء غفنر له‪ .‬وقال ابنن عباس فني‬
‫رواينة‪ :‬ومنن لم يحكنم بمنا أنزل ال فقند فعنل فعل يضاهني أفعال الكفار‪ .‬وقينل‪ :‬أي ومنن لم يحكنم‬
‫بجمينع منا أنزل ال فهنو كافنر؛ فأمنا منن حكنم بالتوحيند ولم يحكنم ببعنض الشرائع فل يدخنل فني هذه‬
‫الينة‪ ،‬والصنحيح الول‪ ،‬إل أن الشعنبي قال‪ :‬هني فني اليهود خاصنة‪ ،‬واختاره النحاس؛ قال‪ :‬ويدل‬
‫على ذلك ثلثنة أشياء؛ منهنا أن اليهود قند ذكروا قبنل هذا فني قوله‪" :‬للذينن هادوا"؛ فعاد الضمينر‬
‫عليهم‪ ،‬ومنها أن سياق الكلم يدل على ذلك؛ أل ترى أن بعده "وكتبنا عليهم" فهذا الضمير لليهود‬
‫بإجماع؛ وأيضننا فإن اليهود هننم الذيننن أنكروا الرجننم والقصنناص‪ .‬فإن قال قائل‪" :‬مننن" إذا كانننت‬
‫للمجازاة فهي عامة إل أن يقع دليل على تخصيصها؟ قيل له‪" :‬من" هنا بمعنى الذي مع ما ذكرناه‬
‫من الدلة؛ والتقدير‪ :‬واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون؛ فهذا من أحسن ما‬
‫قينل فني هذا؛ ويروى أن حذيفنة سنئل عنن هذه اليات أهني فني بنني إسنرائيل؟ قال‪ :‬نعنم هني فيهنم‪،‬‬
‫ولتسنننلكن سنننبيلهم حذو النعنننل بالنعنننل‪ .‬وقينننل‪" :‬الكافرون" للمسنننلمين‪ ،‬و"الظالمون" لليهود‪،‬‬
‫و"الفاسنقون" للنصنارى؛ وهذا اختيار أبني بكنر بنن العربني‪ ،‬قال‪ :‬لننه ظاهنر اليات‪ .‬وهنو اختيار‬
‫ابنن عباس وجابر بنن زيند وابنن أبني زائدة وابنن شبرمنة والشعنب أيضنا‪ .‬قال طاوس وغيره‪ :‬لينس‬
‫بكفنر ينقنل عنن الملة‪ ،‬ولكننه كفنر دون كفنر‪ ،‬وهذا يختلف إن حكنم بمنا عنده على أننه منن عنند ال‪،‬‬
‫فهنو تبدينل له يوجنب الكفر؛ وإن حكنم به هوى ومعصنية فهنو ذنب تدركه المغفرة على أصنل أهنل‬
‫السننة فني الغفران للمذننبين‪ .‬قال القشيري‪ :‬ومذهنب الخوارج أن منن ارتشنى وحكنم بغينر حكنم ال‬
‫فهنو كافنر‪ ،‬وعزي هذا إلى الحسنن والسندي‪ .‬وقال الحسنن أيضنا‪ :‬أخنذ ال عنز وجنل على الحكام‬
‫ثلثة أشياء‪ :‬أل يتبعوا الهوى‪ ،‬وأل يخشوا الناس ويخشوه‪ ،‬وأل يشتروا بآياته ثمنا قليل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والنف بالنف والذن بالذن‬
‫والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم‬
‫الظالمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" بين تعالى أنه سوى بين النفس والنفس في‬
‫التوراة فخالفوا ذلك‪ ،‬فضلوا؛ فكانت دية النضيري أكثر‪ ،‬وكان النضيري ل يقتل بالقرظي‪ ،‬ويقتل‬
‫بننه القرظنني فلمننا جاء السننلم راجننع بنننو قريظننة رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم فيننه‪ ،‬فحكننم‬
‫بالسنتواء؛ فقالت بننو النضينر‪ :‬قند حططنت مننا؛ فنزلت هذه الينة‪ .‬و"كتبننا" بمعننى فرضننا‪ .‬وقند‬
‫تقدم‪ .‬وكان شرعهم القصاص أو العفو‪ ،‬وما كان فيهم الدية؛ كما تقدم في "البقرة" بيانه‪ .‬وتعلق أبو‬
‫حنيفنة وغيره بهذه الينة فقال‪ :‬يقتنل المسنلم بالذمني؛ لننه نفنس بنفنس‪ ،‬وقند تقدم فني "البقرة" بيان‬
‫هذا‪ .‬وقد روى أبو داود والترمذي والنسائي عن علي رضي ال عنه أنه سئل هل خصك رسول‬
‫ال صنلى ال علينه وسنلم بشينء؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬إل منا فني هذا‪ ،‬وأخرج كتابنا منن قراب سنيفه وإذا فينه‬
‫(المؤمنون تتكافنأ دماؤهنم وهنم يند على منن سنواهم ول يقتنل مسنلم بكافنر ول ذو عهند فني عهده)‬
‫وأيضنا فإن الينة إنمنا جاءت للرد على اليهود فني المفاضلة بينن القبائل‪ ،‬وأخذهنم منن قنبيلة رجل‬
‫برجل‪ ،‬ومن قبيلة أخرى رجل برجلين‪ .‬وقالت الشافعية‪ :‬هذا خبر عن شرع من قبلنا‪ ،‬وشرع من‬
‫قبلننا لينس شرعنا لننا؛ وقند مضنى فني "البقرة" فني الرد عليهنم منا يكفني فتأمله هناك‪ .‬ووجنه رابنع‪:‬‬
‫وهو أنه تعالى قال‪" :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" وكان ذلك مكتوبا على أهل التوراة وهم‬
‫ملة واحدة‪ ،‬ولم يكن لهم أهل ذمة كما للمسلمين أهل ذمة؛ لن الجزية فيء وغنيمة أفاءها ال على‬
‫المؤمنينن‪ ،‬ولم يجعنل الفينء لحند قبنل هذه المنة‪ ،‬ولم يكنن ننبي فيمنا مضنى مبعوثنا إل إلى قومنه؛‬
‫فأوجبت الية الحكم على بني إسرائيل إذ كانت دماؤهم تتكافأ؛ فهو مثل قول الواحد منا في دماء‬
‫سنوى المسنلمين النفنس بالنفنس‪ ،‬إذ يشينر إلى قوم معينينن‪ ،‬ويقول‪ :‬إن الحكنم فني هؤلء أن النفنس‬
‫منهم بالنفس؛ فالذي يجب بحكم هذه الية على أهل القرآن أن يقال لهم فيما بينهم على ‪ -‬هذا الوجه‬
‫‪ : -‬النفس بالنفس‪ ،‬ولبس كتاب ال ما يدل على أن النفس بالنفس مع اختلف الملة‪.‬‬
‫@ قال أصحاب الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬إذا جرح أو قطع الذن أو اليد ثم قتل فعل ذلك به؛ لن ال‬
‫تعالى قال‪" :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين" فيؤخذ منه ما أخذ‪ ،‬ويفعل به كما‬
‫فعل‪ .‬وقال علماؤنا‪ :‬إن قصد به المثلة فعل به مثله‪ ،‬وإن كان ذلك في أثناء مضاربته ومدافعته قتل‬
‫بالسنيف؛ وإنمنا قالوا ذلك فني المثلة يجنب؛ لن الننبي صنلى ال علينه وسنلم سنمل أعينن العرنيينن؛‬
‫حسبما تقدم بيانه في هذه السورة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والعينن بالعينن" قرأ نافنع وعاصنم والعمنش وحمزة بالنصنب فني جميعهنا على‬
‫العطنف‪ ،‬ويجوز تخفينف "أن" ورفنع الكنل بالبتداء والعطنف‪ .‬وقرأ ابنن كثينر وابنن عامنر وأبنو‬
‫عمرو وأبننو جعفننر بنصننب الكننل إل الجروح‪ .‬وكان الكسننائي وأبننو عبينند يقرآن "والعيننن بالعيننن‬
‫والنف بالنف والذن بالذن والسن والجروح" بالرفع فيها كلها‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬حدثنا حجاج عن‬
‫هارون عن عباد بن كثير عن عقيل عن الزهري عن أنس النبي صلى ال عليه وسلم قرأ "وكتبنا‬
‫عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والنف بالنف والذن بالذن والسن بالسن والجروح‬
‫قصناص"‪ .‬والرفنع منن ثلث جهات؛ بالبتداء والخنبر‪ ،‬وعلى المعننى على موضنع "أن النفنس"؛‬
‫لن المعننى قلننا لهنم‪ :‬النفنس بالنفنس‪ .‬والوجنه الثالث‪ :‬قاله الزجاج يكون عطفنا على المضمنر فني‬
‫النفننس؛ لن الضميننر فنني النفننس فنني موضننع رفننع؛ لن التقديننر أن النفننس هنني مأخوذة بالنفننس؛‬
‫فالسننماء معطوفننة على هني‪ .‬قال ابنن المنذر‪ :‬ومنن قرأ بالرفنع جعنل ذلك ابتداء كلم‪ ،‬حكننم فني‬
‫المسلمين؛ وهذا أصح القولين‪ ،‬وذلك أنها قراءة رسول ال صلى ال عليه وسلم "والعين بالعين"‬
‫وكذا منا بعده‪ .‬والخطاب للمسنلمين أمروا بهذا‪ .‬ومنن خنص الجروح بالرفنع فعلى القطنع ممنا قبلهنا‬
‫والستئناف بها؛ كأن المسلمين أمروا بهذا خاصة وما قبله لم يواجهوا به‪.‬‬
‫@ هذه الينة تدل على جريان القصناص فيمنا ذكنر وقند تعلق ابنن شبرمنة بعموم قوله‪" :‬والعينن‬
‫بالعينن" على أن اليمننى تفقنأ باليسنرى وكذلك على العكنس‪ ،‬وأجنر ذلك فني اليند اليمننى واليسنرى‪،‬‬
‫وقال‪ :‬تؤخذ الثنية بالضرس والضرس بالثنية؛ لعموم قوله تعالى‪" :‬والسن بالسن"‪ .‬والذين خالفوه‬
‫وهنم علماء المنة قالوا‪ :‬العينن اليمننى هني المأخوذة باليمننى عنند وجودهنا‪ ،‬ول يتجاوز ذلك إلى‬
‫اليسرى مع الرضا؛ وذلك يبين لنا أن المراد بقوله‪" :‬والعين بالعين" استيفاء ما يماثله من الجاني؛‬
‫فل يجوز له أن يتعدى إلى غيره كما ل يتعدى من الرجل إلى اليد في الحوال كلها‪ ،‬وهذا ل ريب‬
‫فيه‪.‬‬
‫@ وجمع العلماء على أن العينين إذا أصيبتا خطأ ففيهما الدية‪ ،‬وفي العين الواحدة نصف الدية‪.‬‬
‫وفنني عيننن العور إذا فقئت الديننة كاملة؛ روي ذلك عننن عمننر وعثمان‪ ،‬وبننه قال عبدالملك بننن‬
‫مروان والزهري وقتادة ومالك واللينث بنن سنعد وأحمند وإسنحاق‪ .‬وقينل‪ :‬نصنف الدينة؛ روي ذلك‬
‫عنن عبدال بنن المغفنل ومسنروق والنخعني؛ وبنه قال الثوري والشافعني والنعمان‪ .‬قال ابنن المنذر‪:‬‬
‫وبه نقول؛ لن في الحديث (في العينين الدية) ومعقول إذ كان كذلك أن في إحداهما نصف الدية‪.‬‬
‫قال ابن العربي‪ :‬وهو القياس الظاهر‪ ،‬ولكن علماؤنا قالوا‪ :‬إن منفعة العور ببصره كمنفعة السالم‬
‫أو قريب من ذلك‪ ،‬فوجب عليه مثل ديته‪.‬‬
‫@ واختلفوا في العور يفقأ عين صحيح؛ فروي عن عمر وعثمان وعلي أنه ل قود عليه‪ ،‬وعليه‬
‫الدية كاملة؛ وبه قال عطاء وسعيد بن المسيب وأحمد بن حنبل‪ .‬وقال مالك‪ :‬إن شاء اقتص فتركه‬
‫أعمنى‪ ،‬وإن شاء أخنذ الدينة كاملة (دينة عينن العور)‪ .‬وقال النخعني‪ :‬إن شاء اقتنص وإن شاء أخنذ‬
‫نصنف الدينة‪ .‬وقال الشافعني وأبنو حنيفنة والثوري‪ :‬علينه القصناص‪ ،.‬وروي ذلك عنن علي أيضنا‪،‬‬
‫وهنو قول مسنروق وابنن سنيرين وابنن معقنل‪ ،‬واختاره ابنن المنذر وابنن العربني؛ لن ال وتعالى‬
‫قال‪" :‬والعين بالعين" وجعل النبي صلى ال عليه وسلم في العينين الدية؛ ففي العين نصف الدية‪،‬‬
‫والقصناص بينن صنحيح العينن والعور كهيئتنه بينن سنائر الناس‪ .‬ومتعلق أحمند بنن حنبنل أن فني‬
‫القصناص مننه أخنذ جمينع البصنر بضمنه وذلك لينس بمسناواة‪ ،‬وبمنا روي عنن عمنر وعثمان وعلي‬
‫في ذلك‪ ،‬ومتمسك مالك أن الدلة لما تعارضت خير المجني عليه‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬والخذ بعموم‬
‫القرآن أولى؛ فإنه أسلم عند ال تعالى‪.‬‬
‫@ واختلفوا في عين العور التي ل يبصر بها؛ فروي عن زيد بن ثابت أنه قال‪ :‬فيها مائة دينار‪.‬‬
‫وعن عمر بن الخطاب أنه قال‪ :‬فيها ثلث ديتها؛ وبه قال إسحاق‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬فيها نصف ديتها‪.‬‬
‫وقال مسنروق والزهري ومالك والشافعني وأبنو ثور والنعمان‪ :‬فيهنا حكومنة؛ قال ابنن المنذر‪ :‬وبنه‬
‫نقول لنه القل مما قيل‪.‬‬
‫@ وفي إبطال البصر من العينين مع بقاء الحدقتين كمال الدية‪ ،‬ويستوي فيه العمش والخفش‪.‬‬
‫وفي إبطال من إحداهما مع بقائها النصف‪ .‬قال ابن المنذر وأحسن ما قيل في ذلك ما قاله علي بن‬
‫أبني طالب‪ :‬أننه أمنر بعيننه الصنحيحة فغطينت وأعطني رجنل بيضنة فانطلق بهنا وهنو ينظنر حتنى‬
‫انتهنى نظره‪ ،‬ثنم أمنر بخنط عنند ذلك‪ ،‬ثنم أمنر بعيننه الخرى فغطينت وفتحنت الصنحيحة‪ ،‬وأعطني‬
‫رجل بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى نظره ثم خط عند ذلك‪ ،‬ثم أمر به فحول إلى مكان‬
‫آخنر ففعنل بنه مثنل ذلك فوجده سنواء؛ فأعطني منا نقنص منن بصنره مال الخنر‪ ،‬وهذا على مذهنب‬
‫الشافعي؛ وهو قول علمائنا‪.‬‬
‫ول خلف بين أهل العلم على أن ل قود في بعض البصر‪ ،‬إذ غير ممكن الوصول إليه‪ .‬وكيفية‬
‫القود في العين أن تحمى مرآة ثم توضع على العين الخرى قطنة‪ ،‬ثم تقرب المرآة من عينه حتى‬
‫يسنيل إنسنانها؛ روي عنن علي رضني ال عننه؛ ذكره المهدوي وابنن العربني‪ .‬واختلف فني جفنن‬
‫العين؛ فقال زيد بن ثابت‪ :‬فيه ربع الدية‪ ،‬وهو قول الشعبي والحسن وقتادة وأبي‪ ،‬هاشم والثوري‬
‫والشافعني وأصنحاب الرأي‪ .‬وروي عنن الشعنبي أننه قال‪ :‬فني الجفنن العلى ثلث الدينة وفني الجفنن‬
‫السفل ثلثا الدية‪ ،‬وبه قال مالك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والنف بالنف" جاء الحديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬وفي‬
‫النف إذا أوعب جدعا الدية)‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على القول‬
‫بنه؛ والقصناص منن الننف إذا كاننت الجناينة عمدا كالقصناص منن سنائر العضاء على كتاب ال‬
‫تعاق‪ .‬واختلفوا في كسر النف‪ .‬فكان مالك يرى في العمد منه القود‪ ،‬وفي الخطأ الجتهاد‪ .‬وروى‬
‫ابننن نافننع أنننه ل ديننة للنننف حتننى يسننتأصله مننن أصننله‪ .‬قال أبننو إسننحاق التونسنني‪ :‬وهذا شاذ‪،‬‬
‫والمعروف الول‪ .‬وإذا فرعنا على المعروف ففي بعض المارن من الدية بحساب من المارن‪ .‬قال‬
‫ابنن المنذر‪ :‬ومنا قطنع منن الننف فبحسنابه؛ روي ذلك عنن عمنر بنن عبدالعزينز والشعنبي‪ ،‬وبنه قال‬
‫الشافعني‪ .‬قال أبنو عمنر‪ :‬واختلفوا فني المارن إذا قطنع ولم يسنتأصل الننف؛ فذهنب مالك والشافعني‬
‫وأبنو حنيفنة وأصنحابهم إلى أن فني ذلك الدينة كاملة‪ ،‬ثنم إن ع مننه شينء بعند ذلك ففينه حكومنة‪ .‬قال‬
‫مالك‪ :‬الذي فينه الدينة منن الننف أن يقطنع المارن؛ وهنو دون العظنم‪ .‬قال ابنن القاسنم‪ :‬وسنواء قطنع‬
‫المارن منن العظنم أو اسنتؤصل الننف منن العظنم منن تحنت العينينن إنمنا فينه الدينة؛ كالحشفنة فيهنا‬
‫الدية‪ :‬وفي استئصال الذكر الدية‪.‬‬
‫@ قال ابن القاسم‪ :‬وإذا خرم النف أو كسر فبرئ على عثم ففيه الجتهاد‪ ،‬وليس فيه دية معلومة‪.‬‬
‫وإن برئ على غير عثم فل شيء فيه‪ .‬قال‪ :‬وليس النف إذا خرم فبرئ على غير عثم كالموضحة‬
‫تنبرأ على غينر ثنم فيكون فيهنا ديتهنا؛ لن تلك جاءت بهنا السننة‪ ،‬ولينس فني خرم الننف أثنر‪ .‬قال‪:‬‬
‫والننف عظنم منفرد لينس فينه موضحنة‪ .‬واتفنق مالك والشافعني وأصنحابهما على أن ل جائفنة فينه‪،‬‬
‫ول جائفة عندهم إل فيما كان في الجوف‪ ،‬والمارن ما لن من النف؛ وكذلك قال الخليل وغيره‪.‬‬
‫قال أبنو عمنر‪ :‬وأظنن روثتنه مارننه‪ ،‬وأرنبتنه طرفنه‪ .‬وقند قينل‪ :‬الرنبنة والروثنة والعرتمنة طرف‬
‫النننف‪ .‬والذي عليننه الفقهاء مالك والشافعنني والكوفيون ومننن تبعهننم‪ ،‬فنني الشننم إذا نقننص أو فقنند‬
‫حكومة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذن بالذن" قال علماؤننا رحمنة ال عليهنم فني الذي يقطنع أذنني رجنل‪ :‬علينه‬
‫حكومة‪ ،‬وإنمنا تكون علينه الدية فني السنمع‪ ،‬ويقاس في نقصنانه كما يقاس فني البصنر‪ .‬وفي إبطاله‬
‫من إحداهما نص الدية ولو لم يكن يسمع إل بها‪ ،‬بخلف العين العوراء فيها الدية كاملة؛ على ما‬
‫تقدم‪ .‬وقال أشهب‪ :‬إن كان السمع إذا سئل عنه قيل إن أحد السمعين يسمع ما يسمع السمعان فهو‬
‫عندي كالبصر‪ ،‬وإذا شك في السمع جرب بأن يصاح به من مواضع عدة‪ ،‬يقاس ذلك؛ فإن تساوت‬
‫أو تقاربنت أعطني بقدر منا ذهنب منن سنمعه ويحلف على ذلك‪ .‬قال أشهنب‪ :‬ويحسنب له ذلك على‬
‫سنمع وسنط منن الرجنل مثله؛ فإن اختنبر فاختلف قوله لم يكنن له شينء‪ .‬وقال عيسنى بنن دينار‪ :‬إذا‬
‫اختلف قوله عقل له القل مع يمينه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والسن بالسن" قال ابن المنذر‪ :‬وثبت عن رسول ال صل ال عليه وسلم أنه أقاد‬
‫منن سن وقال‪( :‬كتاب ال القصناص)‪ .‬وجاء الحدينث عن رسول ال صنلى ال عليه وسلم أننه قال‪:‬‬
‫(في السن خمس من البل)‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬فبظاهر هذا الحديث نقول؛ ل فضل للثنايا منها على‬
‫النياب والضراس والرباعيات؛ لدخولها كلها في ظاهر الحديث؛ وبه يقول الكثر من أهل العلم‪.‬‬
‫وممنن قال بظاهنر الحدينث ولم يفضنل شيئا منهنا على شينء عروة بنن الزبينر وطاوس والزهري‬
‫وقتادة ومالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق والنعمان وابن الحسن‪ ،‬وروي ذلك عن علي بن‬
‫أبي طالب وابن عباس ومعاوية‪ .‬وفيه قول ثان ‪ -‬رويناه عن عمر بن الخطاب أنه قضى فيما أقبل‬
‫منن الفنم بخمنس فرائض خمنس فرائض‪ ،‬وذلك خمسنون دينارا‪ ،‬قيمنة كنل فريضنة عشرة دنانينر‪.‬‬
‫وفي الضراس ببعير بعير‪ .‬وكان عطاء يقول‪ :‬في السن والرباعيتين والنابين خمس خمس‪ ،‬وفيما‬
‫بقي بعيران بعيران‪ ،‬أعلى الفم وأسفله سواء‪ ،‬والضراس سواء؛ قال أبو عمر‪ :‬أما ما رواه مالك‬
‫في موطئه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر قضى في الضراس ببعير بعير فإن‬
‫المعنننى فنني ذلك أن الضراس عشرون ضرسننا‪ ،‬والسنننان اثنننا عشننر سنننا‪ :‬أربننع ثنايننا وأربننع‬
‫رباعيات وأربع أنياب؛ فعلى قول عمر تصير الدية ثمانين بعيرا؛ في السنان خمسة خمسة‪ ،‬وفي‬
‫الضراس بعيننر بعيننر‪ .‬وعلى قول معاويننة فنني الضراس والسنننان خمسننة أبعرة خمسننة أبعرة؛‬
‫تصير الدية ستين ومائة بعير‪ .‬وعلى قول سعيد بن المسيب‪ ،‬بعير بن بعيرين في الضراس وهي‬
‫عشرون ضرسا‪ .‬يجب لها أربعون‪ .‬وفي السنان خمسة أبعرة فذلك ستون‪ ،‬وهي تتمة لمائة بعير‪،‬‬
‫وهي الدية كاملة من البل‪ .‬والختلف بينهم إنما هو في الضراس ل في السنان‪ .‬قال أبو عمر‪:‬‬
‫واختلف العلماء من الصحابة والتابعين في ديات السنان وتفضيل بعضها على بعض كثير جدا‪،‬‬
‫والحجنة قائمنة لمنا ذهنب إلينه الفقهاء مالك وأبنو حنيفنة والثوري؛ بظاهنر قول رسنول ال صنلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬وفي السن خمس من البل) والضرس سن من السنان‪ .‬روى ابن عباس أن رسول‬
‫ال صنلى ال علينه وسنلم قال‪( :‬الصنابع سنواء والسننان سنواء الثنينة والضرس سنواء هذه وهذه‬
‫سنواء) وهذا ننص أخرجنه أبنو داود‪ .‬وروى أبنو داود أيضنا عنن ابنن عباس قال‪ :‬جعنل رسنول ال‬
‫صنلى ال علينه وسنلم أصنابع اليدينن والرجلينن سنواء‪ .‬قال أبنو عمنر‪ :‬على هذه الثار جماعنة فقهاء‬
‫المصار وجمهور أهل العلم أن الصابع في الدية كلها سواء‪ ،‬وأن السنان في الدية كلها سواء‪،‬‬
‫الثناينا والضراس والنياب ل يفضنل شينء منهنا على شينء؛ على منا فني كتاب عمرو بنن حزم‪.‬‬
‫ذكنر الثوري عنن أزهنر بنن محارب قال‪ :‬اختصنم إلى شرينح رجلن ضرب أحدهمنا ثنينة الخنر‬
‫وأصناب الخنر ضرسنه فقال شرينح‪ :‬الثنينة وجمالهنا والضرس ومنفعتنه سنن بسنن قومنا‪ .‬قال أبنو‬
‫عمر‪ :‬على هذا العمل اليوم في جميع المصار‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ فإن ضرب سننه فاسنودت ففيهنا ديتهنا كاملة عنند مالك واللينث بنن سنعد‪ ،‬وبنه قال أبنو حنيفنة‪،‬‬
‫وروي عنن زيند بنن ثابنت؛ وهنو قول سنعيد بنن المسنيب والزهري والحسنن وابنن سنيرين وشرينح‪.‬‬
‫وروي عنن عمنر بنن الخطاب رضني ال تعالى عننه أن فيهنا ثلث ديتهنا؛ وبنه قال أحمند وإسنحاق‪.‬‬
‫وقال الشافعني وأبنو ثور‪ :‬فيهنا حكومنة‪ .‬قال ابنن العربني‪ :‬وهذا عندي خلف يؤول إلى وفاق؛ فإننه‬
‫إن كان سنوادها أذهنب منفعتهنا وإنمنا بقينت صنورتها كاليند الشلء والعينن العمياء‪ ،‬فل خلف فني‬
‫وجوب الدية؛ ثم إن كان بقي من منفعتها شيء أو جميعه لم يجب إل بمقدار ما نقص من المنفعة‬
‫حكومة؛ وما روي عن عمر رضي ال عنه فيها ثلث ديتها لم يصح عنه سندا ول فقها‪.‬‬
‫@ واختلفوا في سن الصبي يقلع قبل أن يثغر؛ فكان مالك والشافعي وأصحاب الرأي يقولون‪ :‬إذا‬
‫قلعت سن الصبي فنبتت فل شيء على القالع‪ ،‬إل أن مالكا والشافعي قال‪ :‬إذا نبتت ناقصة الطول‬
‫عنن التني تقاربهنا أخنذ له منن أرشهنا بقدر نقصنها‪ .‬وقالت طائفنة‪ :‬فيهنا حكومنة‪ ،‬وروي ذلك عنن‬
‫الشعنبي؛ وبنه قال النعمان‪ .‬قال ابنن المنذر‪ :‬يسنتأتى بهنا إلى الوقنت الذي يقول أهنل المعرفنة إنهنا ل‬
‫تنبنت‪ ،‬فإذا كان ذلك كان فيهنا قدرهنا تامنا؛ على ظاهنر الحدينث‪ ،‬وإن نبتنت رد الرش‪ .‬وأكثنر منن‬
‫يحفظ عنه من أهل العلم يقولون‪ :‬يستأنى بها سنة؛ روي ذلك عن علي وزيد وعمر بن عبدالعزيز‬
‫وشريح والنخعي وقتادة ومالك وأصحاب الرأي‪ .‬ولم يجعل الشافع لهذا مدة معلومة‪.‬‬
‫@ إذا قلع سن الكبير فأخذ ديتها ثم نبتت؛ فقال مالك ل يرد ما أخذ‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬يرد إذا نبتت‪.‬‬
‫وللشافعني قولن‪ :‬يرد ول يرد؛ لن هذا نبات لم تجنر بنه عادة‪ ،‬ول يثبنت الحكنم بالنادر؛ هذا قول‬
‫علمائننا‪ .‬تمسنك الكوفيون بأن عوضهنا قند نبنت فيرد؛ أصنله سنن الصنغير‪ .‬قال الشافعني‪ :‬ولو جننى‬
‫عليهنا جان آخنر وقند نبتنت صنحيحة كان فيهنا أرشهنا تامنا‪ .‬قال ابنن المنذر‪ :‬هذا أصنح القولينن؛ لن‬
‫كل واحد منهما قالع سن‪ ،‬وقد جعل النبي صلى ال عليه وسلم في السن خمسا من البل‪.‬‬
‫@ فلو قلع رجل سن رجل فردها صاحبها فالتحمت فل شيء فيها عندنا‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ليس له‬
‫أن يردهنا منن قبنل أنهنا نجسنة؛ وقاله ابنن المسنيب وعطاء‪ .‬ولو ردهنا أعاد كنل صنلة صنلها لنهنا‬
‫ميتنة؛ وكذلك لو قطعنت أذننه فردهنا بحرارة الدم فالتزقنت مثله‪ .‬وقال عطاء‪ :‬يجنبره السنلطان على‬
‫قلعها لنها ميتة ألصنقها‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهذا غلط‪ ،‬وقند جهنل من خفي علينه أن ردهنا وعودهنا‬
‫بصننورتها ل يوجننب عودهننا بحكمهننا؛ لن النجاسننة كانننت فيهننا للنفصننال‪ ،‬وقنند عادت متصننلة‪،‬‬
‫وأحكام الشريعنة ليسنت صنفات للعيان‪ ،‬وإنمنا هني أحكام تعود إلى قول ال سنبحانه فيهنا وإخباره‬
‫عنها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما حكاه ابن العربي عن عطاء خلف ما حكاه ابن المنذر عنه؛ قال ابن المنذر‪ :‬واختلفوا‬
‫فني السنن تقلع قودا ثنم ترد مكانهنا فتنبنت؛ فقال عطاء الخراسناني وعطاء بنن أبني رباح‪ :‬ل بأس‬
‫بذلك‪ .‬وقال الثوري وأحمد وإسحاق‪ :‬تقلع؛ لن القصاص للشين‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ليس له أن يردها‬
‫من قبل أنها نجسة‪ ،‬ويجبره السلطان على القلع‪.‬‬
‫فلو كانت له سن زائدة فقلعت ففيها حكومة؛ وبه قال فقهاء المصار‪ .‬وقال زيد بن ثابت‪ :‬فيها‬
‫ثلث الدية‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وليس في التقدير دليل‪ ،‬فالحكومة أعدل‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬ول يصح ما‬
‫روي عن زيد؛ وقد روي عن علي أنه قال‪ :‬في السن إذا كسر بعضها أعطي صاحبها بحساب ما‬
‫نقص منه؛ وهذا قول مالك والشافعي وغيرهما‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهنا انتهى ما نص ال عز وجل عليه من العضاء‪ ،‬ولم يذكر الشفتين واللسان‬
‫@ قال الجمهور‪ :‬وفي الشفتين الدية‪ ،‬وفي كل واحدة منهما نص الدية ل فضل للعليا منهما على‬
‫السنفلي‪ .‬وروي عنن زيند بنن ثابنت وسنعيد بنن المسنيب والزهري‪ :‬فني الشفنة العلينا ثلث الدينة‪ ،‬وفني‬
‫الشفنة السنفلي ثلثنا الدينة‪ .‬وقال ابنن المنذر‪ :‬وبالقول الول أقول؛ للحدينث المرفوع عنن رسنول ال‬
‫صنلى ال علينه وسنلم أننه قال‪( :‬وفني الشفتينن الدينة) ولن فني اليدينن الدينة ومنافعهمنا مختلفنة‪ .‬ومنا‬
‫قطع من الشفتين فبحساب ذلك‪ .‬وأما اللسان فجاء الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫(في اللسان الدية)‪ .‬وأجمع أهل العلم من أهل المدينة وأهل الكوفة وأصحاب الحديث وأهل الرأي‬
‫على القول به؛ قال ابن المنذر‪.‬‬
‫@ واختلفوا في الرجل يجني على لسان الرجل فيقطع من اللسان شيئا‪ ،‬ويذهب من الكلم بعضه؛‬
‫فقال أكثنر أهنل العلم‪ :‬ينظنر إلى مقدار منا ذهنب منن الكلم منن ثمانينة وعشرينن حرفنا فيكون علينه‬
‫من الدية بقدر ما ذهب من كلمه‪ ،‬وإن ذهب الكلم كله ففيه الدية؛ هذا قول مالك والشافعي وأحمد‬
‫وإسحاق وأصحاب الرأي‪ .‬وقال مالك‪ :‬ليس في اللسان قود لعدم الحاطة باستيفاء القود‪ .‬فإن أمكن‬
‫فالقود هو الصل‪.‬‬
‫@ واختلفوا فني لسنان الخرس يقطنع؛ فقال الشعنبي ومالك وأهنل المديننة والثوري وأهنل العراق‬
‫والشافعي وأبو ثور والنعمان وصاحباه‪ :‬فيه حكومة‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وفيه قولن شاذان‪ :‬أحدهما‪:‬‬
‫قول النخعنني أن فيننه الديننة‪ .‬والخننر‪ :‬قول قتادة أن فيننه ثلث الديننة‪ .‬قال ابننن المنذر‪ :‬والقول الول‬
‫أصنح؛ لننه القنل ممنا قينل‪ .‬قال ابنن العربني‪ :‬ننص ال سنبحانه على أمهات العضاء وترك باقيهنا‬
‫للقياس عليها؛ فكل عضو فيه القصاص إذا أمكن ولم يخش عليه الموت‪ ،‬وكذلك كل عضو بطلت‬
‫منفعته وبقيت صورته فل قود فيه‪ ،‬وفيه الدية لعدم إمكان القود فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والجروح قصناص" أي مقاصنة‪ ،‬وقند تقدم فني "البقرة"‪ .‬ول قصناص فني كنل‬
‫مخوف ول فيما ل يوصل إلى القصاص فيه إل بأن يخطئ الضارب أو يزيد أو ينقص‪ .‬ويقاد من‬
‫جراح العمند إذا كان ممنا يمكنن القود منه‪ .‬وهذا كله فني العمند؛ فأمنا الخطنأ فالدينة‪ ،‬وإذا كاننت الدينة‬
‫فني قتنل الخطنأ فكذلك فني الجراح‪ .‬وفني صنحيح مسنلم عنن أننس أن أخنت الربينع ‪ -‬أم حارثنة ‪-‬‬
‫جرحنت إنسنانا فاختصنموا إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬فقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪:‬‬
‫(القصاص القصاص)‪ ،‬فقالت أم الربيع‪ :‬يا رسول ال أيقتص من فلنة؟! وال ل يقتص منها‪ .‬فقال‬
‫الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ :‬سنبحان ال ينا أم الربينع القصناص كتاب ال) قالت‪ :‬ل وال ل يقتنص‬
‫منهنا أبدا؛ قال فمنا زالت حتنى قبلوا الدينة؛ فقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬إن منن عباد ال‬
‫من لو أقسم على ال لبره)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬المجروح فني هذا الحدينث جارينة‪ ،‬والجرح كسنر ثنيتهنا؛ أخرجنه النسنائي عنن أننس أيضنا‬
‫أن عمته كسرت ثنية جارية فقضى نبي ال صلى ال عليه وسلم بالقصاص؛ فقال أخوها أنس بن‬
‫النضر‪ :‬أتكسر ثنية فلنة؟ ل والذي بعثك بالحق ل تكسر ثنيتها‪ .‬قال‪ :‬وكانوا قبل ذلك سألوا أهلها‬
‫العفو والرش‪ ،‬فلما حلف أخوها وهو عم أنس ‪ -‬وهو الشهيد يوم أحد ‪ -‬رضي القوم بالعفو؛ فقال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن من عباد ال من لو أقسم على ال لبره)‪ .‬وخرجه أبو داود أيضا‪،‬‬
‫وقال‪ :‬سمعت أحمد بن حنبل قيل له‪ :‬كيف يقتص من السن؟ قال‪ :‬تبرد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ول تعارض بينن الحديثينن؛ فإننه يحتمنل أن يكون كنل واحند منهمنا حلف فنبر ال قسنمهما‪.‬‬
‫وفنى هذا منا يدل على كرامات الولياء على منا يأتني بياننه فني قصنة الخضنر إن ال تعالى‪ .‬فنسنأل‬
‫ال التثبت على اليمان بكراماتهم وأن ينظمنا في سلكهم من غير محنة ول فتنة‪.‬‬
‫@ أجمع العلماء على أن قوله تعالى‪" :‬والسن بالسن" أنه فني العمد؛ فمن أصاب سن أحد عمدا‬
‫ففينه القصناص على حدينث أننس‪ .‬واختلفوا فني سنائر عظام الجسند إذا كسنرت عمدا؛ فقال مالك‪:‬‬
‫عظام الجسند كلهنا فيهنا القود إل منا كان مخوفا مثل الفخنذ والصلب والمأمومة والمنقلة والهاشمنة‪،‬‬
‫ففني ذلك الدينة‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬ل قصناص فني عظنم يكسنر منا خل السنن؛ لقوله تعالى‪" :‬والسنن‬
‫بالسننن" وهننو قول الليننث والشافعنني‪ .‬قال الشافعنني‪ :‬ل يكون كسننر ككسننر أبدا؛ فهننو ممنوع‪ .‬قال‬
‫الطحاوي‪ :‬اتفقوا على أننه ل قصناص فني عظنم الرأس؛ فكذلك فنني سننائر العظام‪ .‬والحجننة لمالك‬
‫حدينث أننس فني السنن وهني عظم؛ فكذلك سائر العظام إل عظمنا أجمعوا على أنه ل قصناص فينه؛‬
‫لخوف ذهاب النفنس مننه‪ .‬قال ابنن المنذر‪ :‬ومنن قال ل قصناص فني عظنم فهنو مخالف للحدينث؛‬
‫والخروج إلى النظير غير جائز مع وجود الخبر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويدل على هذا أيضننا قوله تعالى‪" :‬فمننن اعتدى عليكننم فاعتدوا عليننه بمثننل مننا اعتدى‬
‫عليكنم" [البقرة‪ ، ]194 :‬وقوله‪" :‬وإن عاقبتنم فعاقبوا بمثنل منا عوقبتنم بنه" [النحنل‪ ]126 :‬ومنا‬
‫أجمعوا عليه فغير داخل في الي‪ .‬وال أعلم وبال التوفيق‪.‬‬
‫@ قال أبنو عبيند فني حدينث الننبي صنلى ال علينه وسنلم فني الموضحنة‪ ،‬ومنا جاء عنن غيره فني‬
‫الشجاع‪ .‬قال الصمعي وغيره‪ :‬دخل كلم بعضهم في بعض؛ أول الشجاج ‪ -‬الخاصة وهي‪ :‬التي‬
‫تحرص الجلد ‪ -‬يعنني التني تشقنه فليل ‪ -‬ومننه قينل‪ :‬حرص القصنار الثوب إذا شقنه؛ وقند يقال لهنا‪:‬‬
‫الحرصة أيضا‪ .‬ثم الباضعة ‪ -‬وهي‪ :‬التي تشق اللحم تبضعه بعد الجلد‪ .‬ثم المتلحمة ‪ -‬وهي‪ :‬التي‬
‫أخذت فنني الجلد ولم تبلغ السننمحاق‪ .‬والسننمحاق‪ :‬جلدة أو قشرة رقيقننة بيننن اللحننم والعظننم‪ .‬وقال‬
‫الواقدي‪ :‬هني عندننا الملطنى‪ .‬وقال غيره‪ :‬هني الملطاة‪ ،‬قال‪ :‬وهني التني جاء فيهنا الحدينث (يقضنى‬
‫فني الملطاة بدمهنا)‪ .‬ثنم الموضحنة ‪ -‬وهني‪ :‬التني تكشنط عنهنا ذلك القشنر أو تشنق حتنى يبدو وضنح‬
‫العظنم‪ ،‬فتلك الموضحنة‪ .‬قال أبنو عبيند‪ :‬ولينس فني شينء منن الشجاج قصناص إل فني الوضحنة‬
‫خاصنة؛ لننه لينس منهنا شينء له حند ينتهني إلينه سنواها‪ ،‬وأمنا غيرهنا منن الشجاج ففيهنا ديتهنا‪ .‬ثنم‬
‫الهاشمنة ‪ -‬وهني التني تهشنم العظنم‪ .‬ثنم المنقلة ‪ -‬بكسنر القاف حكاه الجوهري ‪ -‬وهني التني تنقنل‬
‫العظنم ‪ -‬أي تكسنره ‪ -‬حتنى يخرج منهنا فراش العظام منع الدواء‪ .‬ثنم المنة ‪ -‬ويقال لهنا المأمومنة ‪-‬‬
‫وهي التي تبلغ أم الرأس‪ ،‬يعني الدماغ‪ .‬قال أبو عبيد ويقال في قوله‪( :‬ويقضى في الملطاة بدمها)‬
‫أنه إذا شج الشاج حكم عليه للمشجوج بمبلغ الشجة ساعة شج ول يستأنى بها‪ .‬قال‪ :‬وسائر الشجاج‬
‫عندنا يستأنى بها حتى ينظر إلى ما يصير أمرها ثم يحكم فيها حينئذ‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬والمر عندنا‬
‫فني الشجاج كلهنا والجراحات كلهنا أننه يسنتأنى بهنا؛ حدثننا هشينم عنن حصنين قال‪ :‬قال عمنر بنن‬
‫عبدالعزيننز‪ :‬مننا دون الموضحننة خدوش وفيهننا صننلح‪ .‬وقال الحسننن البصننري‪ :‬ليننس فيمننا دون‬
‫الموضحنة قصناص‪ .‬وقال مالك‪ :‬القصناص فيمنا دون الموضحنة الملطني والدامينة والباضعنة ومنا‬
‫أشبنه ذلك؛ وكذلك قال الكوفيون وزادوا السنمحاق‪ ،‬حكاه ابنن المنذر‪ .‬وقال أبنو عبيند‪ :‬الدامينة التني‬
‫تدمنى منن غينر أن يسنيل منهنا دم‪ .‬والدامعنة‪ :‬أن يسنيل منهنا دم‪ .‬ولينس فينا دون الموضحنة قصناص‬
‫بنن‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬والدامينة الشجنة التني تدمنى ول تسنيل‪ .‬وقال علماؤننا‪ :‬الدامينة هني التني تسنيل‬
‫الدم‪ .‬ول قصناص فيمنا بعند الموضحنة‪ ،‬منن الهاشمنة للعظنم‪ ،‬والمنقلة ‪ -‬على خلف فيهنا خاصنة ‪-‬‬
‫والمة هي البالغة إلى أم الرأس‪ ،‬والدامغة الخارقة لخريطة الدماغ‪ .‬وفي هاشمة الجسد القصاص‪،‬‬
‫إل ما هو مخوف كالفخذ وشبهه‪ .‬وأما هاشمة الرأس فقال ابن القاسم‪ :‬ل قود فيها؛ لنها ل بد تعود‬
‫منقلة‪ .‬وقال أشهنب‪ :‬فيهنا القصناص‪ ،‬إل أن تنقنل فتصنير منقلة ل قود فيهنا‪ .‬وأمنا الطراف فيجنب‬
‫القصناص فني جمينع المفاصنل إل المخوف منهنا‪ .‬وفني معننى المفاصنل أبعاض المارن والذنينن‬
‫والذكر والجفان والشفتين؛ لنها تقبل التقدير‪ .‬وفي اللسان روايتان‪ .‬والقصاص في كسر العظام‪،‬‬
‫إل مننا كان متلفننا كعظام الصنندر والعنننق والصننلب والفخننذ وشبهننه‪ .‬وفنني كسننر عظام العضنند‬
‫القصاص‪ .‬وقضى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في رجل كسر فخذ رجل أن يكسر فخذه؛‬
‫وفعل ذلك عبدالعزيز بن عبدال بن خالد بن أسيد بمكة‪ .‬وروي عن عمر بن عبدالعزيز أنه فعله؛‬
‫وهذا مذهب مالك على ما ذكرنا‪ ،‬وقال‪ :‬إنه المر المجمع عليه عندهم‪ ،‬والمعمول به في بلدنا في‬
‫الرجل يضرب الرجل فيتقيه بيده فكسرها يقاد منه‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬الشجاج فني الرأس‪ ،‬والجراح فني البدن‪ .‬وأجمنع أهنل العلم على أن فيمنا دون‬
‫الموضحنة أرش فينا ذكنر ابنن المنذر؛ واختلفوا فني ذلك الرش ومنا دون الموضحنة شجاج خمنس‪:‬‬
‫الداميننة والدامعننة والباضعننة والمتلحمننة والسننمحاق؛ فقال مالك والشافعنني وأحمنند وإسننحاق‬
‫وأصننحاب الرأي فنني الداميننة حكومننة‪ ،‬وفنني الباضعننة حكومننة‪ ،‬وفنني المتلحمننة حكومننة‪ .‬وذكننر‬
‫عبدالرزاق عن زيند بن ثابت قال‪ :‬فني الدامية بعينر‪ ،‬وفني الباضعنة بعيران‪ ،‬وفني المتلحمنة ثلثة‬
‫أبعرة منن البنل‪ ،‬وفني السنمحاق أربنع‪ ،‬وفني الموضحنة خمنس‪ ،‬وفني الهاشمنة عشنر‪ ،‬وفني المنقلة‬
‫خمنس عشرة‪ ،‬وفني المأمومنة ثلث الدينة‪ ،‬وفني الرجنل يضرب حتنى يذهنب عقله الدينة كاملة‪ ،‬أو‬
‫يضرب حتنى يغنن ول يفهنم الدينة كاملة‪ ،‬أو حتنى يبنح ول يفهنم الدينة كاملة‪ ،‬وفني جفنن العبنن ربنع‬
‫الدينة‪ .‬وفني حلمنة الثدي ربنع الدينة‪ .‬قال ابنن المنذر‪ :‬وروي عنن علي فني السنمحاق مثنل قول زيند‪.‬‬
‫وروي عنن عمنر وعثمان أنهمنا قال‪ :‬فيهنا نصنف الموضحنة‪ .‬وقال الحسنن البصنري وعمنر بنن‬
‫عبدالعزيننز والنخعنني فيهننا حكومننة؛ وكذلك قال مالك والشافعنني وأحمنند‪ .‬ول يختلف العلماء أن‬
‫الموضحة فيها خمس من البل؛ على ما في حديث عمرو بن حزم‪ ،‬وفيه‪ :‬وفي الموضحة خمس‪.‬‬
‫وأجمننع أهننل العلم على أن الموضحننة تكون فنني الرأس والوجننه‪ .‬واختلفوا فنني تفضيننل موضحننة‬
‫الوجنه على موضحنة الرأس؛ فروي عنن أبني بكنر وعمنر أنهمنا سنواء‪ .‬وقال بقولهمنا جماعنة منن‬
‫التابعين؛ وبه يقول الشافعي وإسحاق‪ .‬وروي عن سعيد بن المسيب تضعيف موضحة الوجه على‬
‫موضحنة الرأس‪ .‬وقال أحمند‪ :‬موضحنة الوجنه أحرى أن يزاد فيهنا‪ .‬وقال مالك‪ :‬المأمومنة والمنقلة‬
‫والموضحنة ل تكون إل فني الرأس والوجنه‪ ،‬ول تكون المأمومنة إل فني الرأس خاصنة إذا وصنل‬
‫إلى الدماغ‪ ،‬قال‪ :‬والموضحنة منا تكون فني جمجمنة الرأس‪ ،‬ومنا دونهنا فهنو منن العننق لينس فينه‬
‫موضحنة‪ .‬قال مالك‪ :‬والننف لينس منن الرأس ولينس فينه موضحنة‪ ،‬وكذلك اللحني السنفل لينس فينه‬
‫موضحة‪ .‬وقد اختلفوا في الموضحة في غير الرأس وليس فيه والوجه؛ فقال أشهب وابن القاسم‪:‬‬
‫ليس في موضحة الجسد ومنقلته ومأمومته إل الجتهاد‪ ،‬وليس فيها أرش معلوم‪ .‬قال ابن المنذر‪:‬‬
‫هذا قول مالك والثوري والشافعني وأحمند وإسنحاق‪ ،‬وبنه نقول‪ .‬وروي عنن عطاء الخراسناني أن‬
‫الموضحنة إذا كاننت فني جسند النسنان فيهنا خمنس وعشرون دينارا‪ .‬قال أبنو عمنر‪ :‬واتفنق مالك‬
‫والشافعي وأصحابهما أن من شج رجل مأمومتين أو موضحتين أو ثلث مأمومات أو موضحات‬
‫أو أكثر في ضربة واحدة أن فيهن كلهن ‪ -‬وإن انخرقت فصارت واحدة ‪ -‬دية كاملة‪ .‬وأما الهاشمة‬
‫فل دية فيها عندنا بل حكومة‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬ولم أجد في كتب المدنيين ذكر الهاشمة‪ ،‬بل قد قال‬
‫مالك فيمننن كسننر أنننف رجننل إن كان خطننأ ففيننه الجتهاد‪ .‬وكان الحسننن البصننري ل يوقننت فنني‬
‫الهاشمة شيئا‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬إن اختلفوا فيه ففيها حكومة‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬النظر يدل على هذا؛ إذ‬
‫ل سنة فيها ول إجماع‪ .‬وقال القاضي أبو الوليد الباجي‪ :‬فيها ما في الموضحة؛ فإن صارت منقلة‬
‫فخمسة عشر‪ ،‬وإن صارت مأمومة فثلث الدية‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬ووجدنا أكثر من لقيناه وبلغنا عنه‬
‫من أهل العلم يجعلون في الهاشمة عشرا من البل‪ .‬وروينا هذا القول عن زيد بن ثابت؛ وبه قال‬
‫قتادة وعنبيدال بنن الحسنن والشافعني‪ .‬وقال الثوري وأصنحاب الرأي‪ :‬فيهنا ألف درهنم‪ ،‬ومرادهنم‬
‫عشر الدية‪ .‬وأما المنقلة فقال ابن المنذر‪ :‬جاء الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬في‬
‫المنقلة خمنس عشرة منن البنل) وأجمنع أهنل العلم على القول بنه‪ .‬قال ابنن المنذر‪ :‬وقال كنل منن‬
‫يحفننظ عنننه مننن أهننل العلم أن المنقلة هنني التنني تنقننل منهننا العظام‪ .‬وقال مالك والشافعنني وأحمنند‬
‫وأصحاب الرأي ‪ -‬وهو قول قتادة وابن شبرمة ‪ -‬أن المنقلة ل قود فيها؛ وروينا عن ابن الزبير ‪-‬‬
‫وليس بثابت عنه ‪ -‬أنه أقاد من المنقلة‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬والول أولى؛ لني ل أعلم أحدا خالف في‬
‫ذلك وأمنا المأمومنة فقال ابنن المنذر‪ :‬جاء الحدينث عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه قال‪( :‬فني‬
‫المأمومنة ثلث الدينة)‪ .‬وأجمنع عوام أهنل العلم على القول بنه‪ ،‬ول نعلم أحدا خالف ذلك إل مكحول‬
‫فإنه قال‪ :‬إذا كانت المأمومة عمدا ففيها ثلثا الدية‪ ،‬وإذا كانت خطأ ففي ثلث الدية؛ وهذا قول شاذ‪،‬‬
‫وبالقول الول أقول‪ .‬واختلفوا فنني القود مننن المأمومننة؛ فقال كثيننر مننن أهننل العلم‪ :‬ل قود فيهننا؛‬
‫وروي عنن ابنن الزبينر أننه أقنص منن المأمومنة‪ ،‬فأنكنر ذلك الناس‪ .‬وقال عطاء‪ :‬منا علمننا أحدا أقاد‬
‫مننا قبنل ابنن الزبينر‪ .‬وأمنا الجائفنة ففيهنا ثلث الدينة على حدينث عمرو بنن حزم؛ ول خلف فني ذلك‬
‫إل منا روي عنن مكحول أننه قال‪ :‬إذا كاننت عمدا ففني ثلثنا الدينة‪ ،‬وإن كاننت خطنأ ففيهنا ثلث الدبنة‪.‬‬
‫والجائفة كل ما خرق إلى الجوف ولو مدخل إبرة؛ فإن نفذت من جهتين عندهم جائفتان‪ ،‬وفيها من‬
‫الدينة الثلثان‪ .‬قال أشهنب‪ :‬وقند قضنى أبنو بكنر الصنديق رضني ال عننه فني جائفنة نافذة منن الجننب‬
‫الخر‪ .‬بدية جائفتين‪ .‬وقال عطاء ومالك والشافعي وأصحاب الرأي كلهم يقولون‪ :‬ل قصاص في‬
‫الجائفة‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وبه نقول‪.‬‬
‫@ واختلفوا في القود من اللطمة وشبهها؛ فذكر البخاري عن أبي بكر وعلي وابن الزبير وسويد‬
‫بن مقرن رضى ال عنهم أنهم أقادوا من اللطمة وشبهها‪ .‬وروي عن عثمان وخالد بن الوليد مثل‬
‫ذلك؛ وهو قول الشعبي وجماعة من أهل الحديث‪ .‬وقال الليث‪ :‬إن كانت اللطمة في العين فل قود‬
‫فيهننا؛ للخوف على العيننن ويعاقبننه السننلطان‪ .‬وإن كانننت على الخنند ففيهننا القود‪ .‬وقالت طائفننة‪ :‬ل‬
‫قصناص فني اللطمنة؛ روي هذا عنن الحسنن وقتادة‪ ،‬وهنو قول مالك والكوفيينن والشافعني؛ واحتنج‬
‫مالك في ذلك فقال‪ :‬ليس لطمة المريض الضعيف مثل لطمة القوي‪ ،‬وليس العبد السود يلطم مثل‬
‫الرجل ذي الحالة والهيئة؛ وإنما في ذلك كله الجتهاد لجهلنا بمقدار اللطمة‪.‬‬
‫@ واختلفوا في القود من ضرب السوط؛ فقال الليث والحسن‪ :‬يقاد منه‪ ،‬ويزاد عليه للتعدي‪ .‬وقال‬
‫ابنن القاسنم‪ :‬يقاد مننه‪ .‬ول يقاد مننه عنند الكوفيينن والشافعني إل أن يجرح؛ قال الشافعني إن جرح‬
‫السوط ففيه حكومة‪ .‬وقال ابن المنذر‪ :‬وما أصيب به من سوط أو عصا أو حجر فكان دون النفس‬
‫فهننو عمنند‪ ،‬وفيننه القود؛ وهذا قول جماعنة مننن أصننحاب الحديننث‪ .‬وفنني البخاري وأقاد عمننر مننن‬
‫ضربة بالدرة‪ ،‬وأقاد علي بن أبي طالب من ثلثة أسواط‪ .‬واقتص شريح من سوط وخموش‪ .‬وقال‬
‫ابن بطال‪ :‬وحديث لد النبي صلى ال عليه وسلم لهل البيت حجة لمن جعل القود في كل ألم وإن‬
‫لم يكن جرح‪.‬‬
‫@ واختلفوا في عقل جراحات النساء؛ ففي "الموطأ" عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن‬
‫المسنيب أننه كان يقول‪ :‬تعاقنل المرأة الرجنل إلى ثلث دينة الرجنل‪ ،‬إصنبعها كإصنبعه وسننها كسننه‪،‬‬
‫وموضحتهنا كموضحتنه‪ ،‬ومنقلتهنا كمنقلتنه‪ .‬قال ابنن بكينر‪ ،‬قال مالك‪ :‬فإذا بلغنت ثلث دينة الرجنل‬
‫كانت على النصف من دية الرجل‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬روينا هذا القول عن عمر وزيد بن ثابت‪ ،‬وبه‬
‫قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز وعروة بن الزبير والزهري وقتادة وابن هرمز ومالك‬
‫وأحمند بنن حنبنل وعبدالملك بنن الماجشون‪ .‬وقالت طائفنة‪ :‬دينة المرأة على النصنف منن دينة الرجنل‬
‫فيمنا قنل أو كثنر؛ رويننا هذا القول عنن علي بنن أبني طالب‪ ،‬وبنه قال الثوري والشافعني وأبنو ثور‬
‫والنعمان وصاحباه؛ واحتجوا بأنهم لما أجمعوا على الكثير وهو الدية كان القليل مثله‪ ،‬وبه نقول‪.‬‬
‫@ قال القاضي عبدالوهاب‪ :‬وكل ما فيه جمال منفرد عن منفعة أصل ففيه حكومة؛ كالحاجبين‬
‫وذهاب شعر اللحية وشعر الرأس وثديني الرجل وأليته‪ .‬وصفة الحكومة أن يقوم المجني عليه لو‬
‫كان عبدا سنليما‪ ،‬ثنم يقوم منع الجناينة فمنا نقنص منن ثمننه جعنل جزءا منن ديتنه بالغنا منا بلغ‪ ،‬وحكاه‬
‫ابنن المنذر عنن كنل منن يحفنظ عننه منن أهنل العلم؛ قال‪ :‬ويقبنل فينه قول رجلينن ثقتينن منن أهنل‬
‫المعرفننة‪ .‬وقيننل‪ :‬بننل يقبننل قول عدل واحنند‪ .‬وال سننبحانه أعلم‪ .‬فهذه جمننل مننن أحكام الجراحات‬
‫والعضاء تضمنهنا معننى هذه الينة‪ ،‬فيهنا لمنن اقتصنر عليهنا كفاينة‪ ،‬وال الموفنق للهداينة بمننه‬
‫وكرمه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمنن تصندق بنه فهنو كفارة له" شرط وجوابنه؛ أي تصندق بالقصناص فعفنا فهنو‬
‫كفارة له‪ ،‬أي لذلك المتصندق‪ .‬وقينل‪ :‬هنو كفارة للجارح فل يؤاخنذ بجنايتنه فني الخرة؛ لننه يقوم‬
‫مقام أخننذ الحننق منننه‪ ،‬وأجننر المتصنندق عليننه‪ .‬وقنند ذكننر ابننن عباس القوليننن؛ وعلى الول أكثننر‬
‫الصنحابة ومنن بعدهنم‪ ،‬وروي الثانني عنن ابنن عباس ومجاهند‪ ،‬وعنن إبراهينم النخعني والشعنبي‬
‫بخلف عنهما؛ والول أظهر لن العائد فيه يرجع إلى مذكور‪ ،‬وهو "من"‪ .‬وعن أبي الدرداء عن‬
‫الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬منا منن مسنلم يصناب بشينء منن جسنده فيهبنه إل رفعنه ال بنه درجنة‬
‫وحط عنه به خطيئة)‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬والذي يقول إنه إذا عفا عنه المجروح عفا ال عنه لم يقم‬
‫عليه دليل؛ فل معنى له‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 47 - 46 :‬وقفيننا على آثارهنم بعيسنى ابنن مرينم مصندقا لمنا بينن يدينه منن التوراة‬
‫وآتيناه النجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين‪ ،‬وليحكم‬
‫أهل النجيل بما أنزل ال فيه ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقفيننا على آثارهنم بعيسنى ابنن مرينم" أي جعلننا عيسنى يقفنو آثارهنم‪ ،‬أي آثار‬
‫الننبيين الذينن أسنلموا‪" .‬مصندقا لمنا بينن يدينه" يعنني التوراة؛ فإننه رأى التوراة حقنا‪ ،‬ورأى وجوب‬
‫العمل بها إلى أن يأتي ناسخ‪" .‬مصدقا" نصب على الحال من عيسى‪" .‬فيه هدى" في موضع رفع‬
‫بالبتداء‪" .‬ونور" عطننف عليننه‪" .‬ومصنندقا" فيننه وجهان؛ يجوز أن يكون لعيسننى وتعطفننه على‬
‫مصنندقا الول‪ ،‬ويجوز أن يكون حال مننن النجيننل‪ ،‬ويكون التقديننر‪ :‬وأتيناه النجيننل مسننتقرا فيننه‬
‫هدى ونور ومصنندقا "وهدى وموعظننة" عطننف على "مصنندقا" أي هاديننا وواعظننا "للمتقيننن"‬
‫وخصهم لنهم المنتفعون بهما‪ .‬ويجوز رفعهما على العطف على قوله‪" :‬فيه هدى ونور"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه" قرأ العمش وحمزة بنصب الفعل على أن‬
‫تكون اللم لم كنني‪ .‬والباقون بالجزم على المننر؛ فعلى الول تكون اللم متعلقننة بقوله‪" :‬وآتيناه"‬
‫فل يجوز الوقننف؛ أي وآتيناه النجيننل ليحكننم أهله بمننا أنزل ال فيننه‪ .‬ومننن قرأه على المننر فهننو‬
‫كقوله‪" :‬وأن احكنم بينهنم" [المائدة‪ ]49 :‬فهنو إلزام مسنتأنف يبتدأ بنه‪ ،‬أي ليحكنم أهنل النجينل أي‬
‫فني ذلك الوقنت‪ ،‬فأمنا الن فهنو منسنوخ‪ .‬وقينل‪ :‬هذا أمنر للنصنارى الن باليمان بمحمند صنلى ال‬
‫عليه وسلم؛ فإن في النجيل وجوب اليمان به‪ ،‬والنسخ إنما يتصور فني الفروع ل فني الصول‪.‬‬
‫قال مكني‪ :‬والختيار الجزم؛ لن الجماعنة علينه؛ ولن منا بعده منن الوعيند والتهديند يدل على أننه‬
‫إلزام منن ال تعالى لهنل النجينل‪ .‬قال النحاس‪ :‬والصنواب عندي أنهمنا قراءتان حسننتان؛ لن ال‬
‫عز وجل لم ينزل كتابا إل ليعمل بما فيه‪ ،‬وأمر بالعمل بما فيه؛ فصحتا جميعا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم‬
‫بينهم بما أنزل ال ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء‬
‫ال لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى ال مرجعكم جميعا فينبئكم بما‬
‫كنتم فيه تختلفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنزلننا إلينك الكتاب" الخطاب لمحمند صنلى ال علينه وسنلم "الكتاب" القرآن‬
‫"بالحنق" أي هنو بالمنر الحنق "مصندقا" حال‪" .‬لمنا بينن يدينه منن الكتاب" أي منن جننس الكتنب‪.‬‬
‫"ومهيمننا علينه" أي عالينا علينه ومرتفعنا‪ .‬وهذا يدل على تأوينل منن يقول بالتفضينل أي فني كثرة‬
‫الثواب‪ ،‬على ما تقدمت إليه الشارة في "الفاتحة" وهو اختيار ابن الحصار في كتاب شرح السنة‬
‫له‪ .‬وقد ذكرنا ما ذكره في كتابنا في شرج السماء الحسنى والحمد ل‪ .‬وقال قتادة‪ :‬المهيمن معناه‬
‫المشاهد‪ .‬وقيل‪ :‬الحافظ‪ .‬وقال الحسن‪ :‬المصدق؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫والحق يعرفه ذوو اللباب‬ ‫إن الكتاب مهيمن لنبينا‬
‫وقال ابن عباس‪" :‬ومهيمنا عليه" أي مؤتمنا عليه‪ .‬قال سعيد بن جبير‪ :‬القرآن مؤتمن على ما قبله‬
‫منن الكتنب‪ ،‬وعنن ابنن عباس والحسنن أيضنا‪ :‬المهيمنن المينن‪ .‬قال المنبرد‪ :‬أصنله مؤتمنن أبدل منن‬
‫الهمزة هاء؛ كمنا قينل فني أرقنت الماء هرقنت‪ ،‬وقاله الزجاج أيضنا وأبنو علي‪ .‬وقند صنرف فقينل‪:‬‬
‫هيمنن يهيمنن هيمننة‪ ،‬وهنو مهيمنن بمعننى كان أميننا‪ .‬الجوهري‪ :‬هنو منن آمنن غيره منن الخوف؛‬
‫وأصنله أأمنن فهنو مؤامنن بهمزتينن‪ ،‬قلبنت الهمزة الثانينة ياء كراهنة لجتماعهمنا فصنار مؤتمنن‪ ،‬ثنم‬
‫صنيرت الولى هاء كما قالوا‪ :‬هراق الماء وأراقه؛ يقال منه‪ :‬هيمن على الشينء يهيمنن إذا كان له‬
‫حافظنا‪ ،‬فهنو مهيمنن؛ عنن أبنى عبيند‪ .‬وقرأ مجاهند وابنن محيصنن‪" :‬ومهيننا علينه" بفتنح المينم‪ .‬قال‬
‫مجاهد‪ :‬أي محمد صلى ال عليه وسلم مؤتمن على القرآن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاحكم بينهم بما أنزل ال" يوجب الحكم؛ فقيل‪ :‬هذا نسخ للتخيير في قوله‪" :‬فاحكم‬
‫بينهنم أو أعرض عنهنم" وقينل‪ :‬لينس هذا وجوبنا‪ ،‬والمعننى‪ :‬فاحكنم بينهنم إن شئت؛ إذ ل يجنب علينا‬
‫الحكنم بينهنم إذا لم يكونوا منن أهنل الذمنة‪ .‬وفني أهنل الذمنة تردد وقند مضنى الكلم فينه‪ .‬وقينل‪ :‬أراد‬
‫فاحكم بين الخلق؛ فهذا كان واجبا عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تتبنع أهواءهنم" يعنني ل تعمنل بأهوائهنم ومرادهنم على منا جاءك منن الحنق؛‬
‫يعنني ل تترك الحكنم بمنا بينن ال تعالى منن القرآن منن بيان الحنق وبيان الحكام‪ .‬والهواء جمنع‬
‫هوى؛ ول يجمنع أهوينة؛ وقند تقدم فني "البقرة"‪ .‬فنهاه عنن أن يتبعهنم فيمنا يريدوننه؛ وهنو يدل على‬
‫بطلن قول من قال‪ :‬تقوم الخمر على من أتلفها عليهم؛ لنها ليست مال لهم فتكون مضمونة على‬
‫متلفها؛ لن إيجاب ضمانها على متلفها حكم بموجب أهواء اليهود؛ وقد أمرنا بخلف ذلك‪ .‬ومعنى‬
‫"عمنا جاءك" على منا جاءك‪" .‬لكنل جعلننا منكنم شرعنة ومنهاجنا" يدل على عدم التعلق بشرائع‬
‫الولينن‪ .‬والشرعنة والشريعنة الطريقنة الظاهرة التني يتوصنل بهنا إلى النجاة‪ .‬والشريعنة فني اللغنة‪:‬‬
‫الطريق الذي يتوصل منه إلى الماء‪ .‬والشريعة ما شرع ال لعباده من الدين؛ وقد شرع لهم يشرع‬
‫شرعنا أي سنن‪ .‬والشارع الطرينق العظنم‪ .‬والشرعنة أيضنا الوتنر‪ ،‬والجمنع شرع وشرع وشراع‬
‫جمنع الجمنع؛ عنن أبني عبيند؛ فهنو مشترك‪ .‬والمنهاج الطرينق المسنتمر‪ ،‬وهنو النهنج والمنهنج‪ ،‬أي‬
‫البين؛ قال الراجز‪:‬‬
‫ماء رواء وطريق نهج‬ ‫من يك ذا شك فهذا فلج‬
‫وقال أبنو العباس محمند بنن يزيند‪ :‬الشريعنة ابتداء الطرينق؛ المنهاج الطرينق المسنتمر‪ .‬وروي عنن‬
‫ابنن عباس والحسنن وغيرهمنا "شرعنة ومنهاجننا" سننة وسنبيل‪ .‬ومعننى الينة أننه جعنل التوراة‬
‫لهلها؛ والنجيل لهله؛ والقرآن لهله؛ وهذا في الشرائع والعبادات؛ والصل التوحيد ل اختلف‬
‫فيه؛ روي معنى ذلك عن قتادة‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬الشرعة والمنهاج دين محمد عليه السلم؛ وقد نسخ‬
‫به كل ما سواه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة" أي لجعل شريعتكم واحدة فكنتم على الحق؛ فبين‬
‫أننه أراد بالختلف إيمان قوم وكفنر قوم‪" .‬ولكنن ليبلوكنم فني منا آتاكنم" فني الكلم حذف تتعلق بنه‬
‫لم كي؛ أي ولكن جعل شرائعكم مختلفة ليختبركم؛ والبتلء الختبار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاسننتبقوا الخيرات" أي سننارعوا إلى الطاعات؛ وهذا يدل على أن تقديمننه‬
‫الواجبات أفضنل منن تأخيرهننا‪ ،‬وذلك ل اختلف فيننه فنني العبادات كلهنا إل فنني الصننلة فنني أول‬
‫الوقت؛ فإن أبا حنيفة يرى أن الولى تأخيرها‪ ،‬وعموم الية دليل عليه؛ قال الكيا‪ .‬وفيه دليل على‬
‫أن الصنوم فني السنفر أولى منن الفطنر‪ ،‬وقند تقدم جمينع هذا فني "البقرة" "إلى ال مرجعكنم جميعنا‬
‫فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" أي بما اختلفتم فيه‪ ،‬وتزول الشكوك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 49 :‬وأن احكم بينهم بما أنزل ال ول تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض‬
‫منا أنزل ال إلينك فإن تولوا فاعلم أنمنا يريند ال أن يصنيبهم ببعنض ذنوبهنم وإن كثيرا منن الناس‬
‫لفاسقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأن احكنم بينهنم بمنا أنزل ال" تقدم الكلم فيهنا‪ ،‬وأنهنا ناسنخة للتخيينر‪ .‬قال ابنن‬
‫العربني‪ :‬وهذه دعوى عريضنة؛ فإن شروط النسنخ أربعنة‪ :‬منهنا معرفنة التارينخ بتحصنيل المتقدم‬
‫والمتأخنر‪ ،‬وهذا مجهول منن هاتينن اليتينن؛ فامتننع أن يدعنى أن واحدة منهمنا ناسنخة للخرى‪،‬‬
‫وبقي المر على حاله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قند ذكرننا عنن أبني جعفنر النحاس أن هذه الينة متأخرة فني النزول؛ فتكون ناسنخة إل أن‬
‫يقدر في الكلم "وأن احكم بينهم بما أنزل ال" إن شئت؛ لنه قد تقدم ذكر التخيير له‪ ،‬فآخر الكلم‬
‫حذف التخيينر مننه لدللة الول علينه؛ لننه معطوف علينه‪ ،‬فحكنم التخيينر كحكنم المعطوف علينه‪،‬‬
‫فهما شريكان وليس الخر بمنقطع مما قبله؛ إذ ل معنى لذلك ول يصح‪ ،‬فل بد من أن يكون قوله‪:‬‬
‫"وأن احكم بينهم بما أنزل ال" معطوفا على ما قبله من قوله‪" :‬وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط"‬
‫ومن قوله‪" :‬فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم" فمعنى "وأن احكم بينهم بما أنزل ال" أي‬
‫احكنم بذلك إن حكمنت واخترت الحكنم؛ فهنو كله محكنم غينر منسنوخ‪ ،‬لن الناسنخ ل يكون مرتبطنا‬
‫بالمنسنوخ معطوفنا علينه‪ ،‬فالتخيينر للننبي صنلى ال علينه وسنلم فني ذلك محكنم غينر منسنوخ‪ ،‬قاله‬
‫مكي رحمه اله‪" .‬وأن احكم" في موضع نصب عطفا على الكتاب؛ أي وأنزلنا إليك أن احكم بينهم‬
‫بمنا أنزل اله‪ ،‬أي بحكنم ال الذي أنزله إلينك فني كتابنه‪" .‬واحذرهنم أن يفتنوك" "أن" بدل منن الهاء‬
‫والمينم فني "واحذرهنم" وهنو بدل اشتمال‪ .‬أو مفعول منن أجله؛ أي منن أجنل أن يفتنوك‪ .‬وعنن ابنن‬
‫إسنحاق قال ابنن عباس‪ :‬اجتمنع قوم منن الحبار منهنم ابنن صنوريا وكعنب بنن أسند وابنن صنلوبا‬
‫وشأس بنن عدي وقالوا‪ :‬اذهبوا بننا إلى محمند فلعلننا نفتننه عنن ديننه فإنمنا هنو بشنر؛ فأتوه فقالوا‪ :‬قند‬
‫عرفننت يننا محمنند أنننا أحبار اليهود‪ ،‬وإن اتبعناك لم يخالفنننا أحنند مننن اليهود‪ ،‬وإن بيننننا وبيننن قوم‬
‫خصومة فتحاكمهم إليك‪ ،‬فأقض لنا عليهم حتى نؤمن بك؛ فأبى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫فنزلت هذه الية‪ .‬وأصل الفتنة الختبار حسبما تقدم‪ ،‬ثم يختلف معناها؛ فقوله تعالى هنا "يفتنوك"‬
‫معناه يصدوك ويردوك؛ وتكون الفتنة بمعنى الشرك؛ ومنه قوله‪" :‬والفتنة" بمعنى العبرة؛ وقوله‪:‬‬
‫"وقاتلوهنم حتنى ل تكون فتننة" [النفال‪ .]39 :‬وتكون الفتننة بمعننى العنبرة؛ كقوله‪" :‬ل تجعلننا‬
‫فتننة للقوم الظالمينن" [يوننس‪ .]85 :‬و"ل تجعلننا فتننة للذينن كفروا" [الممتحننة‪ ، ]5 :‬وتكون‬
‫الفتنة الصد عن السبيل كما في هذه الية‪ .‬وتكرير "وأن احكم بينهم بما أنزل ال" للتأكيد‪ ،‬أو هي‬
‫أحوال وأحكام أمره أن يحكنم فني كنل واحند بمنا أنزل ال‪ .‬وفني الينة دلينل على جواز النسنيان على‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم؛ لنه قال‪" :‬أن يفتنوك" وإنما يكون ذلك عن نسيان ل عن تعمد‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫الخطاب له والمراد غيره‪ .‬وسنيأتي بيان هذا فني "النعام" إن شاء ال تعالى‪ .‬ومعننى "عنن بعنض‬
‫ما أنزل ال إليك" عن كل ما أنزل ال إليك‪ .‬والبعض يستعمل بمعنى الكل قال الشاعر‪:‬‬
‫أو يعتبط بعض النفوس حمامها‬
‫ويروى "أو يرتبط"‪ .‬أراد كل النفوس؛ وعليه حملوا قوله تعالى‪" :‬ولبين لكم بعض الذي تختلفون‬
‫فينه" [الزخرف‪ .]63 :‬قال ابنن العربني‪ :‬والصنحيح أن "بعنض" على حالهنا فني هذه الينة‪ ،‬وأن‬
‫المراد به الرجم أو الحكم الذي كانوا أرادوه ولم يقصدوا أن يفتنوه عن الكل‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن تولوا" أي فإن أبوا حكمنك وأعرضوا عنه "فاعلم أنما يريند ال أن يصيبهم‬
‫ببعننض ذنوبهننم" أي يعذبهننم بالجلء والجزيننة والقتننل‪ ،‬وكذلك كان‪ .‬وإنمننا قال‪" :‬ببعننض" لن‬
‫المجازاة بالبعض كانت كافية في التدمير عليهم‪" .‬وإن كثيرا من الناس لفاسقون" يعني اليهود‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 50 :‬أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفحكم الجاهلية يبغون" "أفحكم" نصب بن "يبغون" والمعنى‪ :‬أن الجاهلية كانوا‬
‫يجعلون حكنم الشرينف خلف حكنم الوضينع؛ كمنا تقنم فني غينر موضنع‪ ،‬وكاننت اليهود تقينم الحدود‬
‫على الضعفاء الفقراء‪ ،‬ول يقيمونها على القوياء الغنياء؛ فضارعوا الجاهلية في هذا الفعل‪.‬‬
‫@ روى سنفيان بنن عييننة عنن ابنن أبني نجينح عنن طاوس قال‪ :‬كان إذا سنألوه عنن الرجنل يفضنل‬
‫بعنض ولده على بعنض يقرأ هذه الينة "أفحكنم الجاهلينة يبغون" فكان طاوس يقول‪ :‬لينس لحند أن‬
‫يفضل بعض ولده على بعض‪ ،‬فإن فعل لم ينفذ وفسخ؛ وبه قال أهل الظاهر‪ .‬وروي عن أحمد بن‬
‫حنبنل مثله‪ ،‬وكرهنه الثوري وابنن المبارك وإسنحاق؛ فإن فعنل ذلك أحند نفنذ ولم يرد‪ ،‬وأجاز ذلك‬
‫مالك والثوري واللينث والشافعني وأصنحاب الرأي؛ واسنتدلوا بفعنل الصنديق فني نحله عائشنة دون‬
‫سائر ولده‪ ،‬وبقول عليه السلم‪( :‬فارجعه) وقوله‪( :‬فأشهد على هذا غيري)‪ .‬واحتج الولون بقوله‬
‫علينه السنلم لبشينر‪( :‬ألك ولد سنوى هذا) قال نعنم‪ ،‬فقال‪( :‬أكلهنم وهبنت له مثنل هذا) فقال ل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(فل تشهدني إذا فإني ل أشهد على جور) في رواية (وإني ل أشهد إل على حق)‪ .‬قالوا‪ :‬وما كان‬
‫جورا وغينر حنق فهنو باطنل ل يجوز‪ .‬وقول‪( :‬أشهند على هذا غيري) لينس إذننا فني الشهادة وإنمنا‬
‫هو زجر عنها؛ لنه عليه السلم قد سماه جورا وامتنع من الشهادة فيه؛ فل يمكن أن يشهد أحد من‬
‫المسلمين في ذلك بوجه‪ .‬وأما فعل أبي بكر فل يعارض به قول النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولعله‬
‫قد كاه نحل أولده نحل يعادل ذلك‪.‬‬
‫فإن قينل‪ :‬الصنل تصننرف النسنان فني ماله مطلقنا‪ ،‬قينل له‪ :‬الصننل الكلي والواقعنة المعينننة‬
‫المخالفنة لذلك الصنل ل تعارض بينهمنا كالعموم والخصنوص‪ .‬وفني الصنول أن الصنحيح بناء‬
‫العام على الخاص‪ ،‬ثنم إننه ينشنأ عنن ذلك العقوق الذي هنو أكنبر الكبائر‪ ،‬وذلك محمند‪ ،‬ومنا يؤدي‬
‫إلى المحرم فهنو ممنوع؛ ولذلك قال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬اتقوا ال واعدلوا بينن أولدكنم)‪ .‬قال‬
‫النعمان‪ :‬فرجننع أبنني فرد تلك الصنندقة‪ ،‬والصنندقة ل يعتصننرها الب بالنفاق وقوله‪( :‬فارجعننه)‬
‫محمول على معننى فاردده‪ ،‬والرد ظاهنر فني الفسنخ؛ كمنا قال علينه السنلم (منن عمنل عمل لينس‬
‫عليه أمرنا فهو رد) أي مردود مفسوخ‪ .‬وهذا كله ظاهر قوي‪ ،‬وترجيح جلي في المنع‪.‬‬
‫@ قرأ ابن وثاب والنخعي "أفحكم" بالرفع على معنى يبغونه؛ فحذف الهاء كما حذفها أبو النجم‬
‫في قوله‪:‬‬
‫على ذنبا كله لم أصنع‬ ‫قد أصبحت أم الخيار تدعي‬
‫فيمنننن روى "كله" بالرفنننع‪ .‬ويجوز أن يكون التقدينننر‪ :‬أفحكنننم الجاهلينننة حكنننم يبغوننننه‪ ،‬فحذف‬
‫الموصنوف‪ .‬وقرأ الحسنن وقتادة والعرج والعمنش "أفحكنم" بنصنب الحاء والكاف وفتنح المينم؛‬
‫وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة إذ ليس المراد نفس الحكم‪ ،‬وإنما المراد الحكم؛ فكأنه قال‪:‬‬
‫أفحكم حكم الجاهلية يبغون‪ .‬وقد يكون الحكم والحاكم في اللغة واحدا وكأنهم يريدون الكاهن وما‬
‫أشبهه من حكام الجاهلية؛ فيكون المراد بالحكم الشيوع والجنس‪ ،‬إذ ل يراد به حاكم بعينه؛ وجاز‬
‫وقوع المضاف جنسنا كما جاز فني قولهم‪ :‬منعت مصر إردبهنا‪ ،‬وشبهه‪ .‬وقرأ ابن عامر "تبغون"‬
‫بالتاء‪ ،‬الباقون بالياء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون" هذا استفهام على جهة النكار بمعنى‪ :‬ل‬
‫أحنند أحسننن؛ فهذا ابتداء وخننبر‪ .‬و"حكمننا" نصننب على البيان‪ .‬لقوله "لقوم يوقنون" أي عننند قوم‬
‫يوقنون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 51 :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن‬
‫يتولهم منكم فإنه منهم إن ال ل يهدي القوم الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اليهود والنصارى أولياء" مفعولن لتتخذوا؛ وهذا يدل على قطع الموالة شرعا‪،‬‬
‫وقند مضنى فني "آل عمران" بيان ذلك‪ .‬ثنم قينل‪ :‬المراد بنه المنافقون؛ المعننى ينا أيهنا الذينن آمنوا‬
‫بظاهرهم‪ ،‬وكانوا يوالون المشركين ويخبرونهم بأسرار المسلمين‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت في أبي لبابة‪ ،‬عن‬
‫عكرمنة‪ .‬قال السندي‪ :‬نزلت فني قصنة يوم أحند حينن خاف المسنلمون حتنى هنم قوم منهنم أن يوالوا‬
‫اليهود والنصنارى‪ .‬وقينل‪ :‬نزلت فني عبادة بنن الصنامت وعبدال بنن أبني بنن سنلول؛ فتنبرأ عبادة‬
‫رضي ال عنه من موالة اليهود‪ ،‬وتمسك بها ابن أبي وقال‪ :‬إني أخاف أن تدور الدوائر‪" .‬بعضهم‬
‫أولياء بعنض" مبتدأ وخنبره؛ وهنو بدل على إثبات الشرع الموالة فيمنا بينهنم حتنى يتوارث اليهود‬
‫والنصارى بعضهم من بعض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يتولهم منكم" أي يعضدهم على المسلمين "فإنه منهم" بين تعالى أن حكمه‬
‫كحكمهنم؛ وهنو يمننع إثبات الميراث للمسنلم منن المرتند‪ ،‬وكان الذي تولهنم ابنن أبني ثنم هذا الحكنم‬
‫باق إلى يوم القيامنة فني قطنع المولة؛ وقند قال تعالى‪" :‬ول تركنوا إلى الذينن ظلموا فتمسنكم النار"‬
‫[هود‪ ]113 :‬وقال تعالى فنني "آل عمران"‪" :‬ل يتخننذ المؤمنون الكافريننن أولياء مننن دون‬
‫المؤمنينن" [آل عمران‪ ]28 :‬وقال تعالى‪" :‬ل تتخذوا بطاننة منن دونكنم" [آل عمران‪]118 :‬‬
‫وقند مضنى القول فينه‪ .‬وقينل‪ :‬إن معننى "بعضهنم أولياء بعنض" أي فني النصنر "ومنن يتولهنم منكنم‬
‫فإننه منهنم" شرط وجوابنه؛ أي أننه قند خالف ال تعالى ورسنوله كمنا خالفوا‪ ،‬ووجبنت معاداتنه كمنا‬
‫وجبت معاداتهم‪ ،‬ووجبت له النار كما وجبت لهم؛ فصار منهم أي من أصحابهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 53 - 52 :‬فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا‬
‫دائرة فعسنى ال أن يأتني بالفتنح أو أمنر منن عنده فيصنبحوا على منا أسنروا فني أنفسنهم نادمينن‪،‬‬
‫ويقول الذينن آمنوا أهؤلء الذينن أقسنموا بال جهند أيمانهنم إنهنم لمعكنم حبطنت أعمالهنم فأصنبحوا‬
‫خاسرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فترى الذينن فني قلوبهنم مرض" شنك ونفاق‪ ،‬وقند تقدم فني "البقرة" والمراد ابنن‬
‫أبني وأصنحابه "يسنارعون فيهنم" أي فني موالتهنم ومعاونتهنم‪" .‬يقولون نخشنى أن تصنيبنا دائرة"‬
‫أي يدور الدهر علينا إما بقحط فل يميزوننا ول يفضلوا علينا‪ ،‬وإما أن يظفر اليهود بالمسلمين فل‬
‫يدوم المنر لمحمنند صننلى ال علينه وسننلم‪ .‬وهذا القول أشبنه بالمعنننى؛ كأننه مننن دارت تدور‪ ،‬أي‬
‫نخشى أن يدور المر؛ ويدل عليه قوله عز وجل‪" :‬فعسى ال أن يأتي بالفتح"؛ وقال الشاعر‪:‬‬
‫ودائرات الدهر أن تدورا‬ ‫يرد عنك القدر المقدورا‬
‫عن دول الدهر دائرة من قوم إلى قوم‪ ،‬واختلف في معنى الفتح؛ فقيل‪ :‬الفتح الفصل والحكم؛ عن‬
‫قتادة وغيره‪ .‬قال ابنن عباس‪ :‬أتنى ال بالفتنح فقتلت مقاتلة بنني قريظنة وسنبيت ذراريهنم وأجلي بننو‬
‫النضينر‪ .‬وقال أبنو علي‪ :‬هنو فتنح بلد المشركينن على المسنلمين‪ .‬وقال السندي‪ :‬يعنني بالفتنح فتنح‬
‫مكة‪" .‬أو أمر من عنده" قال السدي‪ :‬هو الجزية‪ .‬الحسن‪ :‬إظهار أمر المنافقين المنافقين والخبار‬
‫بأسنمائهم والمنر بقتلهنم‪ .‬وقينل‪ :‬الخصنب والسنعة للمسنلمين‪" .‬فيصنبحوا على منا أسنروا فني أنفسنهم‬
‫نادميننن" أي فيصننبحوا نادميننن على توليهننم الكفار إذ رأوا نصننر ال للمؤمنيننن‪ ،‬وإذا عاينوا عننند‬
‫الموت فبشروا بالعذاب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقول الذينن آمنوا" وقرأ أهنل المديننة وأهنل الشام‪" :‬يقول" بغينر واو‪ .‬وقرأ أبنو‬
‫عمرو وابنن أبني إسنحاق‪" :‬ويقول" بالواو والنصنب عطفنا على "أن يأتني" عنند أكثنر النحويينن‪،‬‬
‫التقدير‪ :‬فعسى ال أن يأتي بالفتح وأن يقول‪ .‬وقيل‪ :‬هو عطف على المعنى؛ لن معنى "عسى ال‬
‫أن يأتني بالفتنح" وعسنى أن يأتني ال بالفتنح؛ إذ ل يجوز عسنى زيند أن يأتني ويقوم عمرو؛ لننه ل‬
‫يصح المعنى إذا قلت وعسى زيد أن يقوم عمرو‪ ،‬ولكن لو قلت‪ :‬عسى أن يقوم زيد ويأتي عمرو‬
‫كان جيدا‪ .‬فإذا قدرت التقديم في أن يأتي إلى جنب عسى حسن؛ لنه يصير التقدير‪ :‬عسى أن يأتي‬
‫وعسى أن يقوم‪ ،‬ويكون من باب قوله‪:‬‬
‫متقلدا سيفا ورمحا‬ ‫ورأيت زوجك في الوغى‬
‫وفيه قول ثالث‪ :‬وهو أن تعطفه على الفتح؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫للبس عباءة وتقر عيني‬
‫ويجوز أن يجعنل "أن يأتني" بدل منن اسنم ال جنل ذكره؛ فيصنير التقدينر‪ :‬عسنى أن يأتني ال‬
‫ويقول الذينن آمنوا‪ .‬وقرأ الكوفيون "ويقول الذينن آمنوا" بالرفنع على القطنع منن الول‪" .‬أهؤلء"‬
‫إشارة إلى المنافقيننن‪" .‬أقسننموا بال" حلفوا واجتهدوا فنني اليمان‪" .‬إنهننم لمعكننم" أي قالوا إنهننم‪،‬‬
‫ويجوز "أنهننم" نصننب بن ن "أقسننموا" أي قال المؤمنون لليهود على جهننة التوبيننخ‪ :‬أهؤلء الذيننن‬
‫أقسموا بال جهدا أيمانهم أنه يعينونكم على محمد‪ .‬ويحتمل أن يكون من المؤمنين بعضهم لبعض؛‬
‫أي هؤلء الذينن كانوا يحلفون أنهنم مؤمنون فقند هتنك ال اليوم سنترهم‪" .‬حبطنت أعمالهنم" بطلت‬
‫بنفاقهم‪" .‬فأصبحوا خاسرين" أي خاسرين الثواب‪ .‬وقيل‪ :‬خسروا في موالة اليهود فلم تحصل لهم‬
‫ثمرة بعد قتل اليهود وإجلئهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 54 :‬يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه‬
‫أذلة على المؤمنينن أعزة على الكافرينن يجاهدون فني سنبيل ال ول يخافون لومنة لئم ذلك فضنل‬
‫ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منن يرتند منكنم عنن ديننه" شرط وجوابنه "فسنوف"‪ .‬وقراءة أهنل المديننة والشام‬
‫"من يرتدد" بدالين‪ .‬الباقون "من يرتد"‪ .‬وهذا من إعجاز القرآن والنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬إذ‬
‫أخنبر عنن ارتدادهنم ولم يكنن ذلك فني عهده وكان ذلك غيبنا‪ ،‬فكان على منا أخنبر بعند مدة‪ ،‬وأهنل‬
‫الردة كانوا بعند موتنه صنلى ال علينه وسنلم‪ .‬قال ابنن إسنحاق‪ :‬لمنا قبنض رسنول ال صنلى ال علينه‬
‫وسنلم ارتدت العرب إل ثلثنة مسنجدا المديننة‪ ،‬ومسنجد مكنة‪ ،‬ومسنجد جؤاثنى‪ ،‬وكانوا فني ردتهنم‬
‫على قسننمين‪ :‬قسننم نبننذ الشريعننة كلهننا وخرج عنهننا‪ ،‬وقسننم نبننذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب‬
‫غيرهنا؛ قالوا نصنوم ونصنلي ول نزكني؛ فقاتنل الصنديق جميعهنم؛ وبعنث خالد بنن الوليند إليهنم‬
‫بالجيوش فقاتلهم وسباهم؛ على ما هو مشهور من أخبارهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فسنوف يأتني ال بقوم يحبهنم ويحبوننه" فني موضنع النعنت‪ .‬قال الحسنن وقتادة‬
‫وغيرهمنا‪ :‬نزلت فني أبني بكنر الصنديق وأصنحابه‪ .‬وقال السندي‪ :‬نزلت فني النصنار‪ .‬وقينل‪ :‬هني‬
‫إشارة إلى قوم لم يكونوا موجودينن فني ذلك الوقنت‪ ،‬وأن أبنا بكنر قاتنل أهنل الردة بقوم لم يكونوا‬
‫وقننت نزول اليننة؛ وهننم أحياء مننن اليمننن مننن كندة وبجيلة‪ ،‬ومننن أشجننع‪ .‬وقيننل‪ :‬إنهننا نزلت فنني‬
‫الشعريينن؛ ففني الخنبر أنهنا لمنا نزلت قدم بعند ذلك بيسنير سنفائن الشعريينن‪ ،‬وقبائل اليمنن منن‬
‫طريق البحر‪ ،‬فكان لهم بلء في السلم في زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكانت عامة‬
‫فتوح العراق فني زمنن عمنر رضني ال عننه على يدي قبائل اليمنن؛ هذا أصنح منا قينل فني نزولهنا‪.‬‬
‫وال أعلم‪ .‬وروى الحاكم أبو عبدال في "المستدرك" بإسناده‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم أشار‬
‫إلى أبي موسى الشعري لما نزلت هذه الية فقال‪( :‬هم قوم هذا) قال القشيري‪ :‬فأتباع أبي الحسن‬
‫من قومه؛ لن كل موضع أضيف فيه قوم إلى نبي أريد به التباع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أذلة على المؤمنينن" "أذلة" نعنت لقوم‪ ،‬وكذلك "أعزة" أي يرأفون بالمؤمنينن‬
‫ويرحمونهم ويلينون لهم؛ من قولهم‪ :‬دابة ذلول أي تنقاد سهلة‪ ،‬وليس من الذل في شيء‪ .‬ويغلظون‬
‫على الكافرين ويعادونهم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬هم للمؤمنين كالوالد للولد والسيد للعبد‪ ،‬وهم في الغلظة‬
‫على الكفار كالسنبع على فريسنته؛ قال ال تعالى‪" :‬أشداء على الكفار رحماء بينهنم" [الفتنح‪.]29 :‬‬
‫ويجوز "أذلة" بالنصب على الحال؛ أي يحبهم ويحبونه في هذا الحال‪ ،‬وقد تقدمت معنى محبة ال‬
‫تعالى لعباده ومحبتهم له‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يجاهدون فني سنبيل ال" فني موضنع الصنفة أيضنا‪" .‬ول يخافون لومنة لئم"‬
‫بخلف المنافقيننن يخافون الدوائر؛ فدل بهذا على تثننبيت إمامننة أبنني بكننر وعمننر وعثمان وعلي‬
‫رضي ال عنهم؛ لنهم جاهدوا في ال عز وجل في حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقاتلوا‬
‫المرتدين بعده‪ ،‬ومعلوم أن من كانت فيه هذه الصفات فهو ولي ل تعالى‪ .‬وقيل‪ :‬الية عامة في كل‬
‫مننن يجاهند الكفار إلى قيام السناعة‪ .‬وال أعلم‪" .‬ذلك فضنل ال يؤتيننه منن يشاء" ابتداء وخنبر أي‬
‫واسع الفضل‪ ،‬عليم بمصالح خلقه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 55 :‬إنما وليكنم ال ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم‬
‫راكعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما وليكم ال ورسوله" قال جابر بن عبدال قال عبدال بن سلم للنبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ :‬إن قومنا من قريظة والنضير قد هجرونا وأقسموا أل يجالسونا‪ ،‬ول نستطيع مجالسة‬
‫أصحابك لبعد المنازل‪ ،‬فنزلت هذه الية‪ ،‬فقال‪ :‬رضينا بال وبرسوله وبالمؤمنين أولياء‪" .‬والذين"‬
‫عام فني جمينع المؤمنينن‪ .‬وقند سنئل أبنو جعفنر محمند بنن علي بنن الحسنين بنن علي بنن أبني طالب‬
‫رضني ال عنهنم عنن معننى "إنمنا وليكنم ال ورسنوله والذينن آمنوا" هنل هنو علي بنن أبني طالب؟‬
‫فقال‪ :‬علي مننن المؤمنيننن؛ يذهننب إلى أن هذا لجميننع المؤمنيننن‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا قول بيننن؛ لن‬
‫"الذينن" لجماعنة‪ .‬وقال ابنن عباس‪ :‬نزلت فني أبني بكنر رضني ال عننه‪ .‬وقال فني رواينة أخرى‪:‬‬
‫نزلت فنني علي بننن أبنني طالب رضنني ال عنننه؛ وقاله مجاهنند والسنندي‪ ،‬وحملهننم على ذلك قوله‬
‫تعالى‪" :‬الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" وذلك أن سائل سأل في مسجد رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فلم يعطه أحد شيئا‪ ،‬وكان علي فني الصلة فني الركوع وفي يمينه خاتم‪،‬‬
‫فأشار إلى السننائل بيده حتننى أخذه‪ .‬قال الكيننا الطننبري‪ :‬وهذا يدل على أن العمننل القليننل ل يبطننل‬
‫الصنلة؛ فإن التصندق بالخاتنم فني الركوع عمنل جاء بنه فني الصنلة ولم تبطنل بنه الصنلة‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫"ويؤتون الزكاة وهم راكعون" يدل على أن صدقة التطوع تسمى زكاة‪.‬؛ فإن عليا تصدق بخاتمه‬
‫في الركوع‪ ،‬وهو نظير قوله تعالى‪" :‬وما آتيتم من زكاة تريدون وجه ال فأولئك هم المضعفون"‬
‫[الروم‪ ]39 :‬وقد انتظم الفرض والنفل‪ ،‬فصار اسم الزكاة شامل للفرض والنفل‪ ،‬كاسم الصدقة‬
‫وكاسم الصلة ينتظم المرين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فالمراد على هذا بالزكاة التصندق بالخاتنم‪ ،‬وحمنل لفنظ الزكاة على التصندق بالخاتنم فينه‬
‫بعد؛ لن الزكاة ل تأتي إل بلفظها المختص بها وهو الزكاة المفروضة على ما تقدم بيانه في أول‬
‫سنورة "البقرة"‪ .‬وأيضنا فإن قبله "يقيمون الصنلة" ومعننى يقيمون الصنلة يأتون بهنا فني أوقاتهنا‬
‫بجمينع حقوقهنا‪ ،‬والمراد صنلة الفرض‪ .‬ثنم قال‪" :‬وهنم راكعون" أي النفنل‪ .‬وقينل‪ :‬أفرد الركوع‬
‫بالذكنر تشريفنا‪ .‬وقينل‪ :‬المؤمنون وقنت نزول الينة كانوا بينن متمنم للصنلة وبينن راكنع‪ .‬وقال ابنن‬
‫خويز منداد قوله تعالى‪" :‬ويؤتون الزكاة وهم راكعون" تضمنت جواز العمل اليسير في الصلة؛‬
‫وذلك أن هذا خرج مخرج المدح‪ ،‬وأقنل منا فني باب المدح أن يكون مباحنا؛ وقند روي أن علي بنن‬
‫أبني طالب رضني ال عننه أعطنى السنائل شيئا وهنو فني الصنلة‪ ،‬وقند يجوز أن يكون هذه صنلة‬
‫تطوع‪ ،‬وذلك أننه مكروه فني الفرض‪ .‬ويحتمنل أن يكون المدح متوجهنا على اجتماع حالتينن؛ كأننه‬
‫وصنف منن يعتقند وجوب الصنلة والزكاة؛ فعنبر عنن الصنلة بالركوع‪ ،‬وعنن العتقاد للوجوب‬
‫بالفعنل؛ كما تقول‪ :‬المسلمون هنم المصنلون‪ ،‬ول تريند أنهنم فني تلك الحال مصنلون ول وجه المدح‬
‫حال الصلة؛ فإنما يريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 56 :‬ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنن يتول ال ورسنوله والذينن آمنوا" أي منن فوض أمره إلى ال‪ ،‬وامتثنل أمنر‬
‫رسننوله‪ ،‬ووالى المسننلمين‪ ،‬فهننو مننن حزب ال‪ .‬وقيننل‪ :‬أي ومننن يتولى القيام بطاعننة ال ونصننرة‬
‫رسننوله والمؤمنيننن‪" .‬فإن حزب ال هننم الغالبون" قال الحسننن‪ :‬حزب ال جننند ال‪ .‬وقال غيره‪:‬‬
‫أنصار ال قال الشاعر‪:‬‬
‫وكيف أضوى وبلل حزبي‬
‫أي ناصننننري‪ .‬والمؤمنون حزب ال؛ فل جرم غلبوا اليهود بالسننننبي والقتننننل والجلء وضرب‬
‫الجزيننة‪ .‬والحزب الصنننف مننن الناس‪ .‬وأصننله مننن النائبننة مننن قولهننم‪ :‬حزبننه كذا أي نابننه؛ فكأن‬
‫المحتزبينن مجتمعون كاجتماع أهنل النائبنة عليهنا‪ .‬وحزب الرجنل أصنحابه‪ .‬والحزب الورد؛ ومننه‬
‫الحديننث (فمننن فاتننه حزبننه مننن الليننل)‪ .‬وقنند حزبننت القرآن‪ .‬والحزب الطائفننة‪ .‬وتحزبوا اجتمعوا‪.‬‬
‫والحزاب‪ :‬الطوائف التي تجتمع على محاربة النبياء‪ .‬وحزبه أمر أي أصابه‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 57 :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تتخذوا الذينن اتخذوا دينكنم هزوا ولعبنا منن الذينن أوتوا‬
‫الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا ال إن كنتم مؤمنين}‬
‫@ روي عنن ابنن عباس رضني ال عننه أن قومنا منن اليهود والمشركينن ضحكوا منن المسنلمين‬
‫وقت سجودهم فأنزل ال تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا إلى‬
‫آخنر اليات‪ .‬وتقدم معننى الهزء فني "البقرة"‪" .‬منن الذينن أوتوا الكتاب منن قبلكنم والكفار أولياء"‬
‫قرأه أبنو عمرو والكسنائي بالخفنض بمعننى ومنن الكفار‪ .‬قال الكسنائي‪ :‬وفني حرف أبني رحمنه ال‬
‫"ومنن الكفار"‪ ،‬و"منن" ههننا لبيان الجننس؛ والنصنب أوضنح وأبينن‪ .‬قاله النحاس‪ .‬وقينل‪ :‬هنو‬
‫معطوف على أقرب العامليننن منننه وهننو قوله‪" :‬مننن الذيننن أوتوا الكتاب" فنهاهننم ال أن يتخذوا‬
‫اليهود والمشركينن أولياء‪ ،‬وأعلمهنم أن الفريقينن اتخذوا دينن المؤمنينن هزوا ولعبنا‪ .‬ومنن نصنب‬
‫عطنف على "الذينن" الول فني قوله‪" :‬ل تتخذوا الذينن اتخذوا دينكنم هزوا ولعبنا ‪ -‬والكفار أولياء"‬
‫أي ل تتخذوا هؤلء وهؤلء أولياء؛ فالموصننوف بالهزؤ واللعننب فنني هذه القراءة اليهود ل غيننر‪.‬‬
‫والمنهني عنن اتخاذهنم أولياء اليهود والمشركون‪ ،‬وكلهمنا فني القراءة بالخفنض موصنوف بالهزؤ‬
‫واللعنب‪ .‬قال مكني‪ :‬ولول اتفاق الجماعنة على النصنب لخترت الخفنض‪ ،‬لقوتنه فني العراب وفني‬
‫المعنننى والتفسننير والقرب مننن المعطوف عليننه‪ .‬وقيننل‪ :‬المعنننى ل تتخذوا المشركيننن والمنافقيننن‬
‫أولياء؛ بدليل قولهم‪" :‬إنمنا نحن مسنتهزئون" [البقرة‪ ]14 :‬والمشركون كنل كفار‪ ،‬لكن يطلق فني‬
‫الغالب لفظ الكفار على المشركين؛ فلهذا فصل ذكر أهل الكتاب من الكافرين‪.‬‬
‫@ قال ابن خويز منداد‪ :‬هذه الية مثل قوله تعالى‪" :‬ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم‬
‫أولياء بعض" [المائدة‪ ، ]51 :‬و"ل تتخذوا بطانة من دونكم" [آل عمران‪ ]118 :‬تضمنت المنع‬
‫من التأييد والنتصار بالمشركين ونحو ذلك‪ .‬وروى جابر‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم لما أراد‬
‫الخروج إلى أحنند جاءه قوم مننن اليهود فقالوا‪ :‬نسننير معننك؛ فقال عليننه الصننلة والسننلم‪( :‬إنننا ل‬
‫نستعين على أمرنا بالمشركين) وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعي‪ .‬وأبو حنيفة جوز النتصار‬
‫بهنم على المشركينن للمسنلمين؛ وكتاب ال تعالى يدل على خلف منا قالوه منع منا جاء منن السننة‬
‫ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 58 :‬وإذا ناديتم إلى الصلة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم ل يعقلون}‬
‫@ قال الكلبني‪ :‬كان إذا أذن المؤذن وقام المسنلمون إلى الصنلة قالت اليهود‪ :‬قند قاموا ل قاموا؛‬
‫وكانوا يضحكون إذا ركع المسلمون وسجدوا وقالوا في حق الذان‪ :‬لقد ابتدعت شيئا لم نسنمع به‬
‫فيما مضى من المم‪ ،‬فمن أين لك صياح مثل صياح العير؟ فما أقبحه من صوت‪ ،‬وما أسمجه من‬
‫أمنر‪ .‬وقينل‪ :‬إنهنم كانوا إذا أذن المؤذن للصلة تضاحكوا فيمنا بينهم وتغامزوا على طرينق السخف‬
‫والمجون؛ تجهيل‪ ،‬وتنفيرا للناس عنهننا وعننن الداعنني إليهننا‪ .‬وقيننل‪ :‬إنهننم كانوا يرون المنادي إلي‬
‫بمنزلة اللعب الهازئ بفعلهنا‪ ،‬جهل منهنم بمنزلتهنا؛ فنزلت هذه الينة‪ ،‬ونزل قوله سنبحانه‪" :‬ومنن‬
‫أحسنن قول ممنن دعنا إلى ال وعمنل صنالحا" [فصنلت‪ ]33 :‬والنداء الدعاء برفنع الصنوت‪ ،‬وفند‬
‫يضننم مثننل الدعاء والرغاء‪ .‬وناداه مناداة ونداء أي صنناح بننه‪ .‬وتنادوا أي نادى بعضهننم بعضننا‪.‬‬
‫وتنادوا أي جلسنوا فني النادي‪ ،‬وناداه جالسنه فني النادي‪ .‬ولينس فني كتاب ال تعالى ذكنر الذان إل‬
‫في هذه الية‪ ،‬أما أنه ذكر في الجمعة على الختصاص‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬ولم يكن الذان بمكة قبل الهجرة‪ ،‬وإنما كانوا ينادون "الصلة جامعة" فلما هاجر‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم وصرفت القبلة إلى الكعبة أمر بالذان‪ ،‬وبقي "الصلة جامعة" للمر‬
‫يعرض‪ .‬وكان النبي صلى ال عليه وسلم قد أهمه أمر الذان حتى أريه عبدال بن زيد‪ ،‬وعمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬وأبو بكر الصديق رضي ال عنه‪ .‬وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم سمع الذان ليلة‬
‫السنراء فني السماء‪ ،‬و] ما رؤينا عبدال بنن زيد الخزرجي النصناري وعمنر بنن الخطاب رضي‬
‫ال عنهما فمشهورة؛ وأن عبدال بن زيد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم بذلك ليل طرقه به‪ ،‬وأن‬
‫عمنر رضني ال عننه قال‪ :‬إذا أصنبحت أخنبرت الننبي صنلى ال علينه وسنلم؛ فأمنر الننبي صنلى ال‬
‫علينه وسنلم بلل فأذن بالصنلة أذان الناس اليوم‪ .‬وزاد بلل فني الصنبح "الصنلة خينر منن النوم"‬
‫فأقرها رسول ال صلى ال عليه وسلم وليست فيما أري النصاري؛ ذكره ابن سعد عن ابن عمر‪.‬‬
‫وذكنر الدارقطنني رحمنه ال أن الصنديق رضني ال عننه أري الذان‪ ،‬وأننه أخنبر الننبي صنلى ال‬
‫علينه وسنلم بذلك‪ ،‬وأن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أمنر بلل قبنل أن يخنبره النصناري؛ ذكره فني‬
‫كتاب "المدبنج" له فني حدينث الننبي صنلى ال علينه وسنلم عنن أبني بكنر الصنديق وحدينث أبني بكنر‬
‫عنه‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في وجوب الذان والقامة؛ فأما مالك وأصحابه فإن الذان عندهم إنما بجب‬
‫فنني المسنناجد للجماعات حيننث يجتمننع الناس‪ ،‬وقنند نننص على ذلك مالك فنني موطئه‪ .‬واختلف‬
‫المتأخرون من أصحابه على قولين‪ :‬أحدهما‪ :‬سنة مؤكدة واجبة على الكفاية في المصر وما جرى‬
‫مجرى المصنننر منننن القرى‪ .‬وقال بعضهنننم‪ :‬هنننو فرض على الكفاينننة‪ .‬وكذلك اختلف أصنننحاب‬
‫الشافعني‪ ،‬وحكنى الطنبري عنن مالك قال‪ :‬إن ترك أهنل مصنر الذان عامدينن أعادوا الصنلة؛ قال‬
‫أبو عمر‪ :‬ول أعلم اختلفا في وجوب الذان جملة على أهل المصر؛ لن الذان هو العلمة الدالة‬
‫المفرقنة بينن دار السنلم ودار الكفنر؛ وكان رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم إذا بعنت سنرية قال‬
‫لهننم‪( :‬إذ سننمعتم الذان فأمسننكوا وكفوا وإن لم تسننمعوا الذان فأغيروا ‪ -‬أو قال ‪ -‬فشنوا الغارة)‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر‪ ،‬فإن سمع الذان‬
‫أمسنك وإل أغار الحدينث وقال عطاء ومجاهند والوزاعني وداود‪ :‬الذان فرض‪ ،‬ولم يقولوا على‬
‫الكفايننة‪ .‬قال الطننبري‪ :‬الذان سنننة وليننس بواجننب‪ .‬وذكننر عننن أشهننب عننن مالك‪ :‬إن ترك الذان‬
‫مسنافر عمدا فعلينه إعادة الصنلة‪ .‬وكره الكوفيون أن يصنلي المسنافر بغينر أذان ول إقامنة؛ قالوا‪:‬‬
‫وأمنا سناكن المصنر فيسنتحب له أن يؤذن ويقينم؛ فإن اسنتجزأ بأذان الناس وإقامتهنم أجزأه‪ .‬وقال‬
‫الثوري‪ :‬تجزئه القامة عن الذان في السفر‪ ،‬وإن شئت أذنت وأقمت‪ .‬وقال أحمد بن حنبل‪ :‬يؤذن‬
‫المسنافر على حدينث مالك بنن الحويرث‪ .‬وقال داود‪ :‬الذان واجنب على كنل مسنافر فني خاصنته‬
‫والقامة؛ لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم لمالك بن الحويرث ولصاحبه‪" :‬إذا كنتما في سفر‬
‫فأذننا وأقيمنا وليؤمكمنا أكبركمنا) خرجنه البخاري وهنو قول أهنل الظاهنر‪ .‬قال ابنن المنذر‪ :‬ثبنت أن‬
‫رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال لمالك بنن الحويرث ولبنن عنم له‪( :‬إذا سنافرتما فأذننا وأقيمنا‬
‫وليؤمكما أكبركما)‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬فالذان والقامة واجبان على كل جماعة في الحضر والسفر؛‬
‫لن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أمنر بالذان وأمره على الوجوب‪ .‬قال أبنو عمنر‪ :‬واتفنق الشافعني‬
‫وأبنو حنيفنة وأصنحابهما والثوري وأحمند وإسنحاق وأبنو ثور والطنبري على أن المسنافر إذا ترك‬
‫الذان عامدا أو ناسننيا أجزأتننه صننلته؛ وكذلك لو ترك القامننة عندهننم‪ ،‬وهننم أشنند كراهننة لتركننه‬
‫القامة‪ .‬واحتج الشافعي في أن الذان غير واجب وليس فرضا من فروض الصلة بسقوط الذان‬
‫للواحد عند الجمع بعرفه والمزدلفة‪ ،‬وتحصيل مذهب مالك في الذان في السفر كالشافعي سواء‪.‬‬
‫@ واتفنق مالك والشافعني وأصنحابهما على أن الذان مثننى والقامنة مرة مرة‪ ،‬إل أن الشافعني‬
‫يربع التكبير الول؛ وذلك محفوظ من روايات الثقات في حديث أبي محذورة‪ ،‬وفي حديث عبدال‬
‫بننن زينند؛ قال‪ :‬وهنني زيادة يجننب قبولهننا‪ .‬وزعننم الشافعنني أن أذان أهننل مكننة لم يزل فنني آل أبنني‬
‫محذورة كذلك إلى وقتننه وعصننره‪ .‬قال أصننحابه‪ :‬وكذلك هننو الن عندهننم؛ ومننا ذهننب إليننه مالك‬
‫موجود أيضا في أحاديث صحاح في أذان أبي محذورة‪ ،‬وفي أذان عبدال بن زيد‪ ،‬والعمل عندهم‬
‫بالمدينننة على ذلك فنني آل سننعد القرظنني إلى زمانهننم‪ .‬واتفننق مالك والشافعنني على الترجيننع فنني‬
‫الذان؛ وذلك رجوع المؤذن إذا قال‪" :‬أشهنند أن ل إله إل ال مرتيننن أشهنند أن محمدا رسننول ال‬
‫مرتين" رجع فمد من صوته جهده‪ .‬ول خلف بين مالك والشافعي في القامة إل قوله‪" :‬قد قامت‬
‫الصلة" فإن مالكا يقولها مرة‪ ،‬والشافعي مرتين؛ واكثر العلماء على ما قال الشافعي‪ ،‬وبه جاءت‬
‫الثار‪ .‬وقال أبنو حنيفنة وأصنحابه والثوري والحسنن بنن حني‪ :‬الذان والقامنة جميعنا مثننى مثننى‪،‬‬
‫والتكنبير عندهنم فني أول الذان والقامنة "ال أكنبر" أربنع مرات‪ ،‬ول ترجينع عندهنم فني الذان؛‬
‫وحجتهم في ذلك حديث عبدالرحمن بن أبي ليلى قال‪ :‬حدثنا أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫أن عبدال بنن زيند جاء إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فقال‪ :‬ينا رسنول ال‪ ،‬رأينت فني المنام كأن‬
‫رجل قام وعلينه بردان أخضران على جذم حائط فأذن مثننى وأقام مثننى وقعند بينهمنا قعدة‪ ،‬فسنمع‬
‫بلل بذلك فقام وأذن مثنى وقعد قعدة وأقام مثنى؛ رواه العمش وغيره عن عمر بن مرة عن ابن‬
‫أبي ليلى‪ ،‬وهو قول جماعة التابعين والفقهاء بالعراق‪ .‬قال أبو إسحاق السبيعي‪ :‬كان أصحاب علي‬
‫وعبدال يشفعون الذان والقامننة؛ فهذا أذان الكوفييننن‪ ،‬متوارث عندهننم بننه العمننل قرنننا بعنند قرن‬
‫أيضنا‪ ،‬كمنا يتوارث الحجازيون؛ فأذانهنم تربينع التكنبير مثنل المكيينن‪ .‬ثنم الشهادة بأن ل إله إل ال‬
‫مرة واحدة‪ ،‬وأشهد أن محمدا رسول ال مرة واحدة‪ ،‬ثم حي على الصلة مرة‪ ،‬ثم حي على الفلح‬
‫مرة‪ ،‬ثم يرجع المؤذن فيمد صوته ويقول‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال ‪ -‬الذان كله ‪ -‬مرتين مرتين إلى‬
‫آخره‪ .‬قال أبنو عمنر‪ :‬ذهنب أحمند بنن حنبنل وإسنحاق بنن راهوينه وداود بنن علي ومحمند بنن جرينر‬
‫الطبري إلى إجازة القول بكل ما روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وحملوه على الباحة‬
‫والتخيينر‪ ،‬قالوا‪ :‬كنل ذلك جائز؛ لننه قند ثبنت عنن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم جمينع ذلك‪،‬‬
‫وعمل به أصحابه‪ ،‬فمن شاء قال‪ :‬ال أكبر مرتين في أول الذان‪ ،‬ومن شاء قال ذلك أربعا‪ ،‬ومن‬
‫شاء رجنع فني أذاننه‪ ،‬ومنن شاء لم يرجنع‪ ،‬ومنن شاء ثننى القامنة‪ ،‬ومنن شاء أفردهنا‪ ،‬إل قوله‪" :‬قند‬
‫قامت الصلة" فإن ذلك مرتان مرتان على كل حال!!‪.‬‬
‫@ واختلفوا فني التثوينب لصنلة الصبح ‪ -‬وهو قول المؤذن‪ :‬الصلة خينر من النوم ‪ -‬فقال مالك‬
‫والثوري واللينث‪ :‬يقول المؤذن فني صنلة الصنبح ‪ -‬بعند قوله‪ :‬حني على الفلح مرتينن ‪ -‬الصنلة‬
‫خينر منن النوم مرتينن؛ وهنو قول الشافعني بالعراق‪ ،‬وقال بمصنر‪ :‬ل يقول ذلك‪ .‬وقال أبنو حنيفنة‬
‫وأصنحابه‪ :‬يقوله بعند الفراغ منن الذان إن شاء‪ ،‬وقند روي عنهنم أن ذلك فني نفنس الذان؛ وعلينه‬
‫الناس فني صنلته الفجنر‪ .‬قال أبنو عمنر روي عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم منن حدينث أبني‬
‫محذورة أننه أمره أن يقول فني أذان الصنبح‪( :‬الصنلة خينر منن النوم)‪ .‬وروي عننه أيضنا ذلك منن‬
‫حدينث عبدال بنن زيند‪ .‬وروي عنن أننس أننه قال‪ :‬منن السننة أن يقال فني الفجنر "الصنلة خينر منن‬
‫النوم"‪ .‬وروي عنن ابنن عمنر أننه كان يقوله؛ وأم قول مالك فني "الموطنأ" أننه بلغنه أن المؤذن جاء‬
‫إلى عمنر بنن الخطاب يؤذننه بصنلة الصنبح فوجده نائمنا فقال‪ :‬الصنلة خينر منن النوم؛ فأمره عمنر‬
‫أن يجعلها في نداء الصبح فل أعلم أن هذا روي عن عمر من جهة يحتج بها وتعلم صحتها؛ وإنما‬
‫فينه حدينث هشام بنن عروة عنن رجنل يقال له "إسنماعيل" فأعرفنه؛ ذكنر ابنن أبني شيبنة حدثننا عبدة‬
‫بن سليمان عن هشام بن عروة عن رجل يقال له "إسماعيل" قال‪ :‬جاء المؤذن يؤذن عمر بصلة‬
‫الصنبح فقال‪ :‬الصنلة خينر منن النوم" فأعجنب بنه عمنر وقال للمؤذن‪" :‬أقرهنا فني أذاننك"‪ .‬قال أبنو‬
‫عمنر‪ :‬والمعننى فينه عندي أننه قال له‪ :‬نداء الصنبح موضنع القول بهنا ل هاهننا‪ ،‬كأننه كره أن يكون‬
‫منه نداء آخر عند باب المير كما أحدثه المراء بعد‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وإنما حملني على هذا التأويل‬
‫وإن كان الظاهر من الخبر خلفه؛ لن التثويب في صلة الصبح أشهر عند العلماء‪ ،‬والعامة من‬
‫أن يظن بعمر رضي ال عنه أنه جهل شيئا سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم وأمر به مؤذنيه‪،‬‬
‫بالمديننة بلل‪ ،‬وبمكنة أبنا محذورة؛ فهنو محفوظ معروف فني تأذينن بلل‪ ،‬وأذان أبني محذورة فني‬
‫صلة الصبح للبي صلى ال عليه وسلم؛ مشهور عند العلماء‪ .‬روى وكيع عن سفيان عن عمران‬
‫بنن مسنلم عن سنويد بنن غفلة أننه أرسنل إلى مؤذننه إذا بلغنت "حني على الفلح" فقنل‪ :‬الصنلة خينر‬
‫من النوم؛ فإنه أذان بلل؛ ومعلوم أن بلل لم يؤذن قط لعمر‪ ،‬ول سمعه بعد رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إل مرة بالشام إذ دخلها‪.‬‬
‫@ وأجمع أهل العلم على أن من السنة أل يؤذن للصلة إل بعد دخول وقتها إل الفجر‪ ،‬فإنه يؤذن‬
‫لها قبل طلوع الفجر في قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور؛ وحجتهم قول رسول ال‬
‫صننلى ال عليننه وسننلم‪( :‬إن بلل يؤذن بليننل فكلوا واشربوا حتننى ينادي ابننن أم مكتوم)‪ .‬وقال أبننو‬
‫حنيفة والثوري ومحمد بن الحسن‪ :‬ل يؤذن لصلة الصبح حتى يدخل وقتها لقول رسول ال صلى‬
‫ال علي وسننلم لمالك بننن الحويرث وصنناحبه‪( :‬إذا حضرت الصننلة فأذنننا ثننم أقيمننا وليؤمكمننا‬
‫أكبركما) وقياسا على سائر الصلوات‪ .‬وقالت طائفة من أهل الحديث‪ :‬إذا كان للمسجد مؤذنان أذن‬
‫أحدهما قيل طلوع الفجر‪ ،‬والخر بعد طلوع الفجر‪.‬‬
‫@ واختلفوا فني المؤذن يؤذن ويقينم غيره؛ فذهنب مالك وأبنو حنيفنة وأصنحابهم إلى أننه ل بأس‬
‫بذلك؛ لحدينث محمند بنن عبدال بنن زيند عنن أبينه أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم أمره إذ رأى‬
‫النداء فني النوم أن يلقينه على بلل؛ ثنم أمنر عبدال بنن زيند فأقام‪ .‬وقال الثوري واللينث والشافعني‪:‬‬
‫منن أذن فهنو يقينم؛ لحدينث عبدالرحمنن بنن زياد بنن أنعنم عنن زياد بنن نعينم عنن زباد بنن الحرث‬
‫الصدائي قال‪ :‬أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما كان أول الصبح أمرني فأذنت‪ ،‬ثم قام إلى‬
‫الصنلة فجاء بلل ليقينم‪ .‬فقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬إن أخنا صنداء أذن ومنن أذن فهنو‬
‫يقينم)‪ .‬قال أبنو عمنر‪ :‬عبدالرحمنن بنن زياد هنو الفريقني‪ ،‬وأكثرهنم يضعفوننه‪ ،‬ولينس يروي هذا‬
‫الحدينث غيره؛ والول أحسنن إسننادا إن شاء ال تعالى‪ .‬وإن صنح حدينث الفريقني فإن منن أهنل‬
‫العلم من يوثقه ويثني عليه؛ فالقول به أولى لنه نص في موضع الخلف‪ ،‬وهو متأخر عن قصة‬
‫عبدال بن زيد مع بلل‪ ،‬والخر؛ فالخر من أمر رسول ال أولى أن يتبع‪ ،‬ومع هذا فإني أستحب‬
‫إذا كان المؤذن واحدا راتبنا أن يتولى القامنة؛ فإن أقامهنا غيره فالصنلة ماضينة بإجماع‪ ،‬والحمند‬
‫ل‪.‬‬
‫@ وحكنم المؤذن أن يترسنل فني أذاننه‪ ،‬ول يطرب بنه كمنا يفعله اليوم كثينر منن الجهال‪ ،‬بنل وقند‬
‫أخرجننه كثيننر مننن الطغام والعوام عننن حنند الطراب؛ فيرجعون فيننه الترجيعات‪ ،‬ويكثرون فيننه‬
‫التقطيعات حتنى ل يفهنم منا يقول‪ ،‬ول بمنا بنه يصنول‪ .‬روى الدارقطنني منن حدينث ابنن جرينج عنن‬
‫عطاء عننن ابننن عباس قال‪ :‬كان لرسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم مؤذن يطرب فقال رسننول ال‬
‫صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬إن الذان سنهل سنمح فإن كان أذاننك سنهل سنمحا وإل فل تؤذن)‪ .‬ويسنتقبل‬
‫فني أذاننه القبلة عنند جماعنة العلماء‪ ،‬ويلوي رأسنه يميننا وشمال فني "حني على الصنلة حني على‬
‫الفلح" عنند كثينر منن أهنل العلم‪ .‬قال أحمند‪ :‬ل يدور إل أن يكون فني منارة يريند أن يسنمع الناس؛‬
‫وبه قال إسحاق‪ ،‬والفضل أن يكون متطهرا‪.‬‬
‫@ ويسنتحب لسنامع الذان أن يحكينه إلى آخنر التشهدينن وإن أتمنه جاز؛ لحدينث أبني سنعيد؛ وفني‬
‫صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا قال المؤذن ال‬
‫أكنبر ال أكنبر فقال أحدكنم ال أكنبر‪ ،‬ثنم قال أشهند أن ل إله إل ال‪ ،‬قال أشهند أن إله إل ال ثنم قال‬
‫أشهند أن محمدا رسنول ال قال أشهند أن محمدا رسنول ال‪ ،‬ثنم قال حني على الصنلة قال ل حول‬
‫ول قوة إل بال‪ ،‬ثم قال حي على الفلح قال ل حول ول قوة إل بال‪ ،‬ثم قال ال أكبر ال أكبر قال‬
‫ال أكنبر ال أكنبر‪ ،‬ثنم قال ل إله إل ال قال ل إله إل ال منن قلبنه دخنل الجنن)‪ .‬وفينه عنن سنعد بنن‬
‫أبي وقاص عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ :‬من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن ل إله‬
‫إل ال وحده ل شرينك له وأن محمدا عبده ورسنوله رضينت بال ربنا وبمحمند رسنول وبالسنلم‬
‫دينا غفر له ما تقدم من ذنبه)‪.‬‬
‫@ وأمنا فضنل الذان والمؤذن فقند جاءت فينه أيضنا آثار صنحاح؛ منهنا منا رواه مسنلم عنن أبني‬
‫هريرة أن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم قال‪( :‬إذا نودي للصننلة أدبر الشيطان له صننراط حتننى ل‬
‫يسننمع التأذيننن) الحديننث‪ .‬وحسننبك أنننه شعار السننلم‪ ،‬وعلم على اليمان كمننا تقدم‪ .‬وأمننا المؤذن‬
‫فروى مسننلم عننن معاويننة قال‪ :‬سننمعت رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم يقول‪( :‬المؤذنون أطول‬
‫الناس أعناقننا يوم القيامننة)‪ .‬وهذه إشارة إلى المننن مننن هول ذلك اليوم‪ .‬وال أعلم‪ .‬والعرب تكننني‬
‫بطول العنق عن أشراف القوم وساداتهم؛ كما قال قائلهم‪:‬‬
‫طوال أنضية العناق واللمم‬
‫وفني الموطنأ عنن أبني سنعيد الخدري سنمع رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم يقول‪( :‬ل يسنمع مدى‬
‫صوت المؤذن جن ول إنس ول شيء إل شهد له يوم القيامة)‪ .‬وفي سنن ابن ماجة عن ابن عباس‬
‫قال‪ :‬قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬منن أذن محتسنبا سنبع سننين كتبنت له براءة منن النار)‬
‫وفينه عنن ابنن عمنر أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال‪( :‬منن أذن ثنتني عشرة سننة وجبنت له‬
‫الجننة وكتنب له بتأذيننه فني كنل يوم سنتون حسننة ولكنل إقامنة ثلثون حسننة)‪ .‬قال أبنو حاتنم‪ :‬هذا‬
‫السنناد‪ .‬منكنر والحدينث صنحيح‪ .‬وعنن عثمان بنن أبني العاص قال‪ :‬كان آخنر منا عهند إلى الننبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬أل أتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا) حديث ثابت‪.‬‬
‫@ واختلفوا فني أخنذ الجرة على الذان؛ فكره ذلك القاسنم بنن عبدالرحمنن وأصنحاب الرأي‪،‬‬
‫ورخننص فينه مالك‪ ،‬وقال‪ :‬ل بأس بنه‪ .‬وقال الوزاعني‪ :‬دلك مكروه‪ ،‬ول بأس بأخننذ الرزق عدى‬
‫ذلك منن بينت المال‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬ل يرزق المؤذن إل منن خمنس الخمنس سنهم الننبي صنلى ال‬
‫عليننه وسننلم قال بننن المنذر‪ :‬ل يجوز أخننذ الجرة على الذان‪ .‬وقنند اسننتدل علماؤنننا بأخننذ الجرة‬
‫بحدينث أبني محذورة‪ ،‬وفينه نظنر؛ أخرجنه النسنائي وابنن مادة وغيرهمنا قال‪ :‬خرجنت فني نفنر فكنند‬
‫ببعض الطريق فأذن مؤذن رسول ال صلى ال عليه وسلم بالصلة عند رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬سمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فصرخنا نحكيه نهزأ به؛ فسمع رسول ال صلى‬
‫ال علينه وسنلم فأرسنل إليننا قومنا فأقعدوننا بينن يدينه فدال‪( :‬أيكنم الذي سنمعت صنوته قند ارتدع)‬
‫فأشار إلى القوم كلهم وصدقوا فأرسل كل وحبسني وقال لي‪( :‬قم فأذن) فقمت ول شيء أكره إلي‬
‫منن أدر رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم دل ممنا يأمرنني بنه‪ ،‬فقمنت بينن يدي رسنول ال صنلى ال‬
‫علينه وسنلم‪ ،‬فألقنى علي رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم التأذينن هنو بنفسنه فقال‪( :‬قنل ال أكنبر ال‬
‫أكننبر ال أكننبر ال أكننبر أشهنند أن ل إله إل ال أشهنند أن ل إله إل ال أشهنند أن محمدا رسننول ال‬
‫أشهند أن محمدا رسنول ال)‪ ،‬ثنم قال لي‪( :‬ارفنع فمند صنوتك أشهند أن ل إله إل ال أشهند أن محمدا‬
‫رسنول ال أشهند أن محمدا رسنول ال حني على الصنلة حني على الصنلة حني على الفلح حني‬
‫على الفلح ال أكنبر ال أكنبر ل إله إل ال)‪ ،‬ثنم دعانني حينن قضينت التأذينن فأعطانني صنرة فيهنا‬
‫شينء منن فضنة‪ ،‬قند وضنع يده على ناصنية أبني محذورة ثنم أمرهنا على وجهنه‪ ،‬ثنم على ثديينه‪ ،‬ثنم‬
‫على كبده حتنى بلغنت يند رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم سنرة أبني محدورة؛ ثنم قال رسنول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬بارك ال لك وبارك عليك)‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال مرني بالتأذين بمكة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(قند أمرتنك)‪ .‬فذهنب كنل شينء كان لرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم منن كراهينة‪ ،‬وعاد ذلك كله‬
‫محبنة لرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم؛ فقدمنت على عتاب بنن أسنيد عامنل رسنول ال صنلى ال‬
‫عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلة عن أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ لفظ ابن ماجة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك بأنهم قوم ل يعقلون" أي أنهم بمنزلة من ل عقل له يمنعه من القبائح‪ .‬روي‬
‫أن رجل منن النصنارى وكان بالمديننة إذا سنمع المؤذن يقول‪" :‬أشهند أن محمدا رسنول ال" قال‪:‬‬
‫حرق الكاذب؛ فسنقطت فني بيتنه شرارة منن نار وهنو نائم فتعلقنت بالبينت فأحرقتنه وأحرقنت ذلك‬
‫الكافنر معنه؛ فكاننت عنبرة للخلق "والبلء موكند بالمنطنق" وقند كانوا يمهلون منع الننبي صنلى ال‬
‫عليه وسلم حتى يستفتحوا‪ ،‬فل يؤخروا بعد ذلك؛ ذكره ابن العربي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 60 - 59 :‬قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل‬
‫من قبل وأن أكثركم فاسقون‪ ،‬قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من لعنه ال وغضب عليه‬
‫وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا" قال ابن عباس رضي ال عنه‪ :‬جاء نفر من‬
‫اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع ‪ -‬إلى النبي صلى ال عليه وسلم فسألوه عمن‬
‫يؤمننن بننه مننن الرسننل عليهننم السننلم؛ فقال‪( :‬نؤمننن بال ومننا أنزل إلينننا ومننا أنزل إلى إبراهيننم‬
‫وإسماعيل إلى قوله‪" :‬ونحن له مسلمون") [البقرة‪ ، ]133 :‬فلما ذكر عيسى عليه السلم جحدوا‬
‫نبوتنه وقالوا‪ :‬وال منا نعلم أهنل دينن أقنل حظنا فني الدنينا والخرة منكنم ول ديننا شرا منن دينكنم؛‬
‫فنزلت هده الينة ومنا بعدهنا‪ ،‬وهني متصنلة بمنا سنبقها منن إنكارهنم الذان؛ فهنو جامنع للشهادة ل‬
‫بالتوحيد‪ ،‬ولمحمد بالنبوة‪ ،‬والمتناقض دين من فرق بين أنبياء ال ل دين من يؤمن بالكل‪ .‬ويجوز‬
‫إدغام اللم فنني التاء لقربهننا منهننا‪ .‬و"تنقمون" معناه تسننخطون‪ ،‬وقيننل‪ :‬تكرهون وقيننل‪ :‬تنكرون‪،‬‬
‫والمعنى متقارب؛ يقال‪ :‬نقم من كذا ينقم ونقم ينقم‪ ،‬والول أكثر قال عبدال بن قيس الرقيات‪:‬‬
‫أنهم يحلمون إن غضبوا‬ ‫ما نقموا من بني أمية إل‬
‫وفي التنزيل "وما نقموا منهم" [البروج‪ ]8 :‬ويقال‪ :‬نقمت على الرجل بالكسر فأنا ناقم إذا عتبت‬
‫عليه؛ يقال‪ :‬ما نقمت عليه الحسان‪ .‬قال الكسائي‪ :‬نقمت بالكسر لغة‪ ،‬ونقمت المر أيضا ونقمته‬
‫إذا كرهتنه‪ ،‬وانتقنم ال مننه أي عاقبنه‪ ،‬والسنم مننه النقمنة‪ ،‬والجمنع نقمات ونقنم مثنل كلمنة وكلمات‬
‫وكلم‪ ،‬وإن شئت سنكنت القاف ونقلت حركتها إلى النون فقلت‪ :‬نقمة والجمع نقم؛ مثنل نعمة ونعنم‪،‬‬
‫"إل أن آمنا بال" في موضع نصب بن "تنقمون" و"تنقمون" بمعنى تعيبون‪ ،‬أي هل تنقمون منا‬
‫إل إيماننا بال وقد علمتم أنا على الحق‪" .‬وأن أكثركم فاسقون" أي في ترككم اليمان‪ ،‬وخروجكم‬
‫عنن امتثال أمنر ال فقينل هنو مثنل قول القائل‪ :‬هنل تنقنم منني إل أنني عفينف وأننك فاجنر‪ .‬وقينل‪ :‬أي‬
‫لن أكثركم فاسقون تنقمون منا ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل هل أنبئكم بشر من ذلك" أي بشر من نقمكم علينا‪ .‬وقيل‪ :‬بشر ما تريدون لنا‬
‫مننن المكروه؛ وهذا جواب قولهننم‪ :‬مننا نعرف دينننا شرا مننن دينكننم‪" .‬مثوبننة" نصننب على البيان‬
‫وأصنلها مفعولة فألقينت حركنة الواو على الثاء فسنكنت الواو وبعدهنا واو سناكنة فحذفنت إحداهمنا‬
‫لذلك؛ ومثله مقولة ومجوزة ومضوفة على معنى المصدر؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫أشمر حتى ينصف الساق مئزري‬ ‫وكنت إذا جاري دعا لمضوفة‬
‫وقينل‪ :‬مَ ْفعُلة كقولك مكرمنة ومعقلة‪" .‬منن لعننه ال" "منن" فني موضنع رفنع؛ كمنا قال‪" :‬بشنر منن‬
‫ذلكنم النار" [الحنج‪ ]72 :‬والتقدينر‪ :‬هنو لعنن منن لعننه ال‪ ،‬ويجوز أن يكون فني موضنع نصنب‬
‫بمعننى‪ :‬قنل هنل أنبئكنم بشنر منن ذلك منن لعننه ال‪ ،‬ويجوز أن تكون فني موضنع خفنض على البدل‬
‫مننن شننر والتقديننر‪ :‬هننل أنبئكننم بمننن لعنننه ال؛ والمراد اليهود‪ .‬وقنند تقدم القول فنني الطاغوت‪ ،‬أي‬
‫وجعل منهم من عبد الطاغوت‪ ،‬والموصول محذوف عند الفراء‪ .‬وقال البصريون‪ :‬ل يجوز حذف‬
‫الموصول؛ والمعنى من لعنه ال وعبد الطاغوت‪.‬‬
‫وقرأ ابنن وثاب النخعني "وأنبئكنم" بالتخفينف‪ .‬وقرأ حمزة‪" :‬عبند الطاغوت" بضنم الباء وكسنر‬
‫التاء؛ جعله اسنما على فعنل كعضند فهنو بناء للمبالغنة والكثرة كيقنظ وندس وحذر‪ ،‬وأصنله الصنفة؛‬
‫ومنه قول النابغة‪:‬‬
‫طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد‬ ‫من وحش وجرة موشي أكارعه‬
‫بضنم الراء ونصبه بنن "جعل"؛ أي جعنل منم عبدا للطاغوت‪ ،‬وأضاف عبدالى الطاغوت فخفضه‪.‬‬
‫وجعنل بمعننى خلق‪ ،‬والمعننى وجعنل منهنم منن يبالغ فني عبادة الطاغوت‪ .‬وقرأ الباقون بفتنح الباء‬
‫والتاء؛ وجعلوه فعل ماضينا‪ ،‬وعطفوه على فعنل ماضني وهنو غضنب ولعنن؛ والمعننى عندهنم منن‬
‫لعنننه ال ومننن عبنند الطاغوت‪ ،‬أو منصننوبا بنن "جعننل"؛ أي جعننل منهننم القردة والخنازيننر وعبنند‬
‫الطاغوت‪ .‬ووحند الضمينر فني عبند حمل على لفنظ "منن" دون معناهنا‪ .‬وقرأ أُبني وابنن مسنعود‬
‫"وعبدوا الطاغوت" على المعنى‪ .‬ابن عباس‪" :‬وعبد الطاغوت"‪ ،‬فيجوز أن يكون جمع عبد كما‬
‫يقال‪ :‬رهنن ورهنن‪ ،‬وسنقف وسنقف‪ ،‬ويجوز أن يكون جمنع عباد كمنا يقال‪ :‬مثال ومثنل‪ ،‬ويجوز أن‬
‫يكون جمننع عبنند كرغيننف ورعننف‪ ،‬ويجوز أن يكون جمننع عادل كبازل وبزل؛ والمعنننى‪ :‬وخدم‬
‫الطاغوت‪ .‬وعند ابن عباس أيضا "وعبد الطاغوت" جعله جمع عابد كما يقال شاهد وشهد وغايب‬
‫وغينب‪ .‬وعنن أبني واقند‪ :‬وعباد الطاغوت للمبالغنة‪ ،‬جمنع عابند أيضنا؛ كعامنل وعمال‪ ،‬وضارب‬
‫وضراب‪ .‬وذكنر محبوب أن البصنريين قرؤوا‪( :‬وعباد الطاغوت) جمنع عابند أيضنا‪ ،‬كقائم وقيام‪،‬‬
‫ويجوز أن يكون جمنع عبند‪ .‬وقرأ أبنو جعفنر الرؤاسني (وعبند الطاغوت) على المفعول‪ ،‬والتقدينر‪:‬‬
‫وعبد الطاغوت فيهم‪ .‬وقرأ عون العقيلي وابن بريدة‪( :‬وعابد الطاغوت) على التوحيد‪ ،‬وهو يؤدي‬
‫عن جماعة‪ .‬وقرأ ابن مسعود أيضا (وعبد الطاغوت) وعنه أيضا وأبي (وعبدت الطاغوت) على‬
‫تأنينث الجماعة؛ كمنا قال تعالى‪( :‬قالت العراب) [الحجرات‪ ]14 :‬وقرأ عبيند بنن عمينر‪( :‬وأعبند‬
‫الطاغوت) مثل كلب وأكلب‪ .‬فهذه اثنا عشر وجها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك شنر مكاننا" لن مكانهنم النار؛ وأمنا المؤمنون فل شنر فني مكانهنم‪ .‬وقال‬
‫الزجاج‪ :‬أولئك شر مكانا على قولكم‪ .‬النحاس‪ :‬ومن أحسن ما قيل فيه‪ :‬أولئك الذين لعنهم ال شر‬
‫مكانا في الخرة من مكانكم في الدنيا لما لحقكم من الشر‪ .‬وقيل‪ :‬أولئك الذين لعنهم ال شر مكانا‬
‫منن الذينن نقموا عليكنم‪ .‬وقينل‪ :‬أولئك الذينن نقموا عليكنم شنر مكاننا منن الذينن لعنهنم ال‪ .‬ولمنا نزلت‬
‫هذه الينة قال المسنلمون لهنم‪ :‬ينا إخوة القردة والخنازينر فنكسنوا رؤوسنهم افتضاحنا‪ ،‬وفيهنم يقول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫إن اليهود إخوة القرود‬ ‫فلعنة ال على اليهود‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 63 - 61 :‬وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به وال أعلم‬
‫بمنا كانوا يكتمون‪ ،‬وترى كثيرا منهنم يسنارعون فني الثنم والعدوان وأكلهنم السنحت لبئس منا كانوا‬
‫يعملون‪ ،‬لول ينهاهم الربانيون والحبار عن قولهم الثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا جاؤوكم قالوا آمنا" الية‪ .‬هذه صفة المنافقين‪ ،‬المعنى أنهم لم ينتفعوا بشيء‬
‫ممنا سنمعوه‪ ،‬بنل دخلوا كافرينن وخرجوا كافرينن‪" .‬وال أعلم بمنا كانوا يكتمون" أي منن نفاقهنم‪.‬‬
‫وقينل‪ :‬المراد اليهود الذينن قالوا‪ :‬آمنوا بالذي أنزل على الذينن آمنوا وجنه النهار إذا دخلتنم المديننة‪،‬‬
‫واكفروا آخره إذا رجعتنم إلى بيوتكنم‪ ،‬يدل علينه منا قبله منن ذكرهنم ومنا يأتني‪ .‬قوله تعالى‪" :‬وترى‬
‫كثيرا منهنم" يعنني منن اليهود‪" .‬يسنارعون فني الثنم والعدوان" أي يسنابقون فني المعاصني والظلم‬
‫"وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لول ينهاهننم الربانيون والحبار" (لول) بمعنننى فل‪( .‬ينهاهننم) يزجرهننم‪.‬‬
‫(الربانيون) علماء النصنارى‪( .‬والحبار) علماء اليهود قال الحسنن‪ .‬وقينل الكنل فني اليهود؛ لن‬
‫هذه اليات فيهم‪ .‬ثم وبخ علماءهم في تركهم نهيهم فقال‪" :‬لبئس ما كانوا يصنعون" كما وبخ من‬
‫يسننارع فنني الثننم بقوله‪" :‬لبئس مننا كانوا يعملون" ودلت اليننة على أن تارك النهنني عننن المنكننر‬
‫كمرتكنب المنكنر؛ فالينة توبينخ للعلماء فني ترك المنر بالمعروف والنهني عنن المنكنر‪ .‬وقند مضنى‬
‫في هذا المعنى في (البقرة وآل عمران)‪ .‬وروى سفيان بن عيينة قال‪ :‬حدثني سفيان بن سعيد عن‬
‫مسنعر قال‪ :‬بلغنني أن ملكنا أمنر أن يخسنف بقرينة فقال‪ :‬ينا رب فيهنا فلن العابند فأوحنى ال تعالى‬
‫إلينه‪( :‬أن بنه فابدأ فإننه لم يتعمنر وجهند فني سناعة قنط)‪ .‬وفني صنحيح الترمذي‪( :‬إن الناس إذا رأوا‬
‫الظالم ولم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمهم ال بعقاب من عنده)‪ .‬وسيأتي‪ .‬والصنع بمعنى العمل‬
‫إل أنه يقتضي الجودة؛ يقال‪ :‬سيف صنيع إذا جود عمله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 64 :‬وقالت اليهود يد ال مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق‬
‫كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء‬
‫إلى يوم القيامننة كلمننا أوقدوا نارا للحرب أطفأهننا ال ويسننعون فنني الرض فسننادا وال ل يحننب‬
‫المفسدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالت اليهود يند ال مغلولة" قال عكرمنة‪ :‬إنمنا قال هذا فنحاص بنن عازوراء‪،‬‬
‫لعنه ال‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬وكان لهم أموال فلما كفروا بمحمد صلى ال عليه وسلم قال ذلك لهم؛ فقالوا‪:‬‬
‫إن ال بخينل‪ ،‬ويند ال مقبوضنة عننا فني العطاء؛ فالينة خاصنة فني بعضهنم‪ .‬وقينل‪ :‬لمنا قال قوم هذا‬
‫ولم ينكننر الباقون صنناروا كأنهننم بأجمعهننم قالوا هذا‪ .‬وقال الحسننن‪ :‬المعنننى ينند ال مقبوضننة عننن‬
‫عذابننا‪ .‬وقينل‪ :‬إنهنم لمنا رأوا الننبي صنلى ال علينه وسنلم فني فقنر وقلة مال وسنمعوا (منن ذا الذي‬
‫يقرض ال قرضا حسنا) ورأوا النبي صلى ال عليه وسلم قد كان يستعين بهم في الديات قالوا‪ :‬إن‬
‫إله محمند فقينر‪ ،‬وربمنا قالوا‪ :‬بخينل؛ وهذا معننى قولهنم‪( :‬يند ال مغلولة) فهذا على التمثينل كقوله‪:‬‬
‫(ول تجعنل يدك مغلولة إلى عنقنك) [السنراء‪ .]29 :‬ويقال للبخينل‪ :‬جعند النامنل‪ ،‬ومقبوض‬
‫الكف‪ ،‬وكز الصابع‪ ،‬ومغلول اليد؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫وكل باب من الخيرات مفتوح‬ ‫كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها‬
‫كأنما وجهه بالخل منضوح‬ ‫فاستبدلت بعده جعدا أنامله‬
‫والينند فنني كلم العرب تكون للجارحننة كقوله تعالى‪" :‬وخننذ بيدك ضغثننا" [ص‪ ]44 :‬هذا محال‬
‫على ال تعالى‪ .‬وتكون للنعمنة؛ تقول العرب‪ :‬كنم يند لي عنند فلن‪ ،‬أي كنم منن نعمنة لي قند أسنديتها‬
‫له‪ ،‬وتكون للقوة؛ قال ال عز وجل‪" :‬واذكر عبدنا داود ذا اليد" [ص‪ ، ]17 :‬أي ذا القوة وتكون‬
‫ينند الملك والقدرة؛ قال ال تعالى‪" :‬قننل إن الفضننل بينند ال يؤتيننه مننن يشاء" [آل عمران‪.]73:‬‬
‫وتكون بمعننى الصنلة‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ممنا عملت أيديننا أنعامنا" [ينس‪ ]71 :‬أي ممنا عملننا نحنن‪.‬‬
‫وقال‪" :‬أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح" [البقرة‪ ]237 :‬أي الذي له عقدة النكاح‪ .‬وتكون بمعننى‬
‫التأييند والنصنرة‪ ،‬ومنن قوله علينه السنلم‪( :‬يند ال منع القاضني حتنى يقضني والقاسنم حتنى يقسنم)‪.‬‬
‫وتدون لضافنة الفعنل إلى المخنبر عنند تشريفنا له وتكريمنا؛ قال ال تعالى‪" :‬ينا إبلينس منا منعنك أن‬
‫تسنجد لمنا خلقنت بيدي" [ص‪ ]75 :‬فل يجوز أن يحمنل على الجارحنة؛ لن الباري جنل وتعالى‬
‫واحند ل يجوز علينه التبعينض‪ ،‬ول على القوة والملك والنعمنة والصنلة‪ ،‬لن الشتراك يقنع حينئذ‪.‬‬
‫بين وليه آدم وعدوه إبليس‪ ،‬ويبطل ما ذكر من تفضيله عليه؛ لبطلن معنى التخصيص‪ ،‬فلم يبق‬
‫إل أن تحمل على صفتين تعلقتا بخلق آدم تشريفا له دون خلق إبليس تعلق القدرة بالمقدور‪ ،‬ل من‬
‫طرينق المباشرة ول منن حينث المماسنة؛ ومثله منا روي أننه عنز اسنمه وتعالى عله وجند أننه كتنب‬
‫التوراة بيده‪ ،‬وغرس دار الكرامة بيده لهل الجنة‪ ،‬وغير ذلك تعلق الصفة بمقتضاها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا" حذفت الضمة من الياء لثقلها؛ أي غلت في الخرة‪،‬‬
‫ويجوز أن يكون دعاء عليهنننم‪ ،‬وكذا "ولعنوا بمنننا قالوا" والمقصنننود تعليمننننا كمنننا قال‪" :‬لتدخلن‬
‫المسجد الحرام إن شاء ال" [الفتح‪ ]27 :‬؛ علمنا الستثناء كما علمنا الدعاء على أبي لهب بقوله‪:‬‬
‫"تبت يدا أبي لهب" [المسد‪ ]1 :‬وقيل‪ :‬المراد أنهم أبخل الخلق؛ فل ترى يهوديا غير لئيم‪ .‬وفي‬
‫الكلم علي هذا القول إضمار الواو؛ أي قالوا‪ :‬ينند ال مغلولة وغلت أيديهننم‪ .‬واللعننن بالبعاد‪ ،‬وقنند‬
‫تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بل يداه مبسوطتان" ابتداء وخبر؛ أي بل نعمته مبسوطة؛ فاليد بمعنى النعمة قال‬
‫بعضهنم‪ :‬هذا غلط؛ لقوله‪" :‬بنل يداه مبسنوطتان" فنعنم ال تعالى أكثنر منن أن تحصنى فكينف تكون‬
‫بل نعمتاه مبسوطتان؟ وأجيب بأنه يجوز أن يكون هذا تثنية جنس ل تثنية واحد مفرد؛ فيكون مثل‬
‫قوله علينه السنلم‪( :‬مثنل المنافنق كالشاة العائرة بينن الغنمينن)‪ .‬فأحند الجنسنين نعمنة الدنينا‪ ،‬والثانني‬
‫نعمة في الخرة‪ .‬قيل‪ :‬نعمتا الدنيا النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة؛ كما قال‪" :‬وأسبغ عليكم نعمه‬
‫ظاهرة وباطننة" [لقمان‪ .]20 :‬وروى ابنن عباس عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه قال فينه‪:‬‬
‫(النعمة الظاهرة ما حسن من خلقك‪ ،‬والباطنة ما ستر عليك من سيئ عملك)‪ .‬وقيل‪ :‬نعمتاه المطر‬
‫والنبات اللتان النعمة بهما ومنهما‪ .‬وقيل‪ :‬إن النعمة للمبالغة؛ تقول العرب‪( :‬لبيك وسعديك) وليس‬
‫يريد القتصار على مرتين؛ وقد يقول القائل‪ :‬ما لي بهذا المر يد أو قوة‪ .‬قال السدي؛ معنى قوله‬
‫(يداه) قوتاه بالثواب والعقاب‪ ،‬بخلف ما قالت اليهود‪ :‬إن يده مقبوضة عن عذابهم‪ .‬وفى صحيح‬
‫مسلم عن أبو هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن ال تعالى قال لي أنفق أنفق عليك)‪.‬‬
‫وقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬يمينن ال ملى ل يغيضهنا سنخّاء اللينل والنهار أرأيتنم منا‬
‫أنفنق منذ خلق السنماوات والرض فإننه لم يغنض منا فني يميننه ‪ -‬قال ‪ -‬وعرشنه على الماء وبيده‬
‫الخرى القبنض يرفنع ويخفنض)‪ .‬السنخاء الشينء الكثينر‪ .‬ونظينر ينقنص؛ ونظينر هذا الحدينث قوله‬
‫جننل ذكره‪" :‬وال يقبننض ويبسننط" [البقرة‪ .] :‬وأمننا هذه اليننة ففنني قراءة ابننن مسننعود "بننل يداه‬
‫مبسنوطتان" [المائدة‪ ] :‬حكاه الخفنش‪ ،‬وقال يقال‪ :‬يند بسنطة‪ ،‬أي منطلقنة منبسنطة‪" .‬ينفنق كينف‬
‫يشاء" أي يرزق كما يريد‪ .‬ويجوز أن تكون اليد في هذه الية بمعنى القدرة؛ أي قدرته شاملة‪ ،‬فإن‬
‫شاء وسع وإن شاء قتر‪" .‬وليزيدن كثيرا منهم" لم قسم‪" .‬ما أنزل إليك من ربك" أي بالذي أنزل‬
‫إليننك‪" .‬طغيانننا وكفرا" أي إذا نزل شيننء مننن القرآن فكفروا ازداد كفرهننم‪" .‬وألقينننا بينهننم" قال‬
‫مجاهننند‪ :‬أي بيننن اليهود والنصنننارى؛ لنننه قال قبننل هذا "ل تتخذوا اليهود والنصنننارى أولياء"‬
‫[المائدة‪ .]51 :‬وقينل‪ :‬أي ألقيننا بينن طوائف اليهود‪ ،‬كمنا قال‪" :‬تحسنبهم جميعنا وقلوبهنم شتنى"‬
‫[الحشر‪ ]14 :‬فهم متباغضون متفقين؛ فهم أبغض خلق ال إلى الناس‪" .‬كلما أوقدوا نارا للحرب‬
‫أطفأهننا ال" يرينند اليهود‪ .‬و"كلمننا" ظرف أي كلمننا جمعوا وأعدوا شتننت ال جمعهننم‪ .‬وقيننل‪ :‬إن‬
‫اليهود لما أفسدوا وخالفوا كتاب ال ‪ -‬التوراة ‪ -‬أرسل ال عليهم بختنصر‪ ،‬ثم أفسدوا فأرسل عليم‬
‫بطرس الرومني‪ ،‬ثنم أفسندوا فأرسنل عليهنم المجوس‪ ،‬ثنم أفسندوا فبعنث ال عليهنم المسنلمين؛ فكانوا‬
‫كلمنا اسنتقام أمرهنم شتتهنم ال فكلمنا أوقدوا نارا أي أهادوا شرا‪ ،‬وأجمعوا أمرهنم على حرب الننبي‬
‫صلى ال عليه وسلم "أطفأها ال" وقهرهم ووهن أمرهم فذكر النار مستعار‪ .‬قال قتادة‪ :‬أذلهم ال‬
‫عنز وجنل؛ فلقند بعنث ال الننبي صنلى ال علينه وسنلم وهنم تحنت أيدي المجوس‪ ،‬ثنم قال عنز وجنل‪:‬‬
‫"ويسعون في الرض فسادا" أي يسعون في إبطال السلم‪ ،‬وذلك من أعظم الفساد‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقينل‪ :‬المراد بالنار هننا نار الغضنب‪ ،‬أي كلمنا أوقدوا نار الغضنب فني أنفسنهم وتجمعوا بأبدانهنم‬
‫وقوة النفوس منهنم باحتدام نار الغضنب أطفأهنا ال حتنى يعفوا؛ وذلك بمنا جعله منن الرعنب نصنرة‬
‫بين يدي نبيه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 66 - 65 :‬ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولدخلناهم جنات‬
‫النعينم‪ ،‬ولو أنهنم أقاموا التوراة والنجينل ومنا أنزل إليهنم منن ربهنم لكلوا منن فوقهنم ومنن تحنت‬
‫أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو أن أهنل الكتاب" (أن) فني موضنع رفنع‪ ،‬وكذا "ولو أنهنم أقاموا التوراة"‪.‬‬
‫"آمنوا" صندقوا‪" .‬واتقوا" أي الشرك والمعاصني‪" .‬لكفرننا عنهنم" اللم جواب (لو)‪ .‬وكفرننا‬
‫غطينا‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬وإقامة التوراة والنجيل العمل بمقتضاهما وعدم تحريفهما؛ وقد تقدم هذا المعنى‬
‫فني (البقرة) مسنتوفى‪" .‬ومنا أنزل إليهنم منن ربهنم" أي القرآن‪ .‬وقينل‪ :‬كتنب أننبيائهم‪" .‬لكلوا منن‬
‫فوقهم ومن تحت أرجلهم" قال ابن عباس وغيره‪ :‬يعني المطر والنبات؛ وهذا يدل على أنهم كانوا‬
‫فني جدب‪ .‬وقينل‪ :‬المعننى لوسنعنا عليهنم فني أرزاقهنم ولكلوا أكل متواصنل؛ وذكنر فوق وتحنت‬
‫للمبالغة فيما يفتح عليهم من الدنيا؛ ونظير هذه الية "ومن يتق ال يجعل له مخرجا ويرزقه من‬
‫حينث ل يحتسنب" [الطلق‪" ، ]2 :‬وأن لو اسنتقاموا على الطريقنة لسنقيناهم ماءا غدقنا" [الجنن‪:‬‬
‫‪" ]16‬ولو أن أهنل القرى آمنوا واتقوا لفتحننا عليهنم بركات منن السنماء والرض"[العراف‪:‬‬
‫‪ ]96‬فجعنل تعالى التقنى منن أسنباب الرزق كمنا فني هذه اليات‪ ،‬ووعند بالمزيند لمنن شكنر فقال‪:‬‬
‫"لئن شكرتنم لزيدنكنم" [إبراهينم‪ ، ]7 :‬ثنم أخنبر تعالى أن منهنم مقتصندا ‪ -‬وهنم المؤمنون منهنم‬
‫كالنجاشني وسنلمان وعبدال بنن سنلم ‪ -‬اقتصندوا فلم يقولوا فني عيسنى ومحمند عليهمنا الصنلة‬
‫والسنلم إل منا يلينق بهمنا‪ .‬وقند‪ :‬أراد بالقتصناد قومنا لم يؤمنوا‪ ،‬ولكنهنم لم يكونوا منن المؤذينن‬
‫المسنتهزئين‪ ،‬وال أعلم‪ .‬والقتصناد العتدال فني العمنل؛ وهنو منن القصند‪ ،‬والقصند إتيان الشينء؛‬
‫تقول‪ :‬قددتنه وقصندت له وقصنندت إلينه بمعننى‪" .‬سناء منا يعملون" أي بئس شينء عملوه؛ كذبوا‬
‫الرسل‪ ،‬وحرفوا الكذب وأكلوا السحت‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 67 :‬يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وال‬
‫يعصمك من الناس إن ال ل يهدي القوم الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ينا أيهنا الرسول بلغ منا أنزل إليك منن ربك"‪ .‬قينل‪ :‬معناه أظهنر التبليغ؛ لننه كان‬
‫في أول السلم يخفيه خوفا من المشركين‪ ،‬ثم أمر بإظهاره في هذه الية‪ ،‬وأعلمه ال أنه يعصمه‬
‫منن الناس‪ .‬وكان عمنر رضنى ال عننه أول منن أظهنر إسنلمه وقال‪ :‬ل نعبند ال سنرا؛ وفني ذلك‬
‫نزلت‪" :‬ينا أيهنا الننبي حسنبك ال ومنن اتبعنك منن المؤمنينن" [النفال‪ ]64 :‬فدلت الينة على رد‬
‫قول منن قال‪ :‬إن الننبي صنلى ال علينه وسنلم كتنم شيئا منن أمنر الدينن تقينة‪ ،‬وعلى بطلننه‪ ،‬وهنم‬
‫الرافضة‪ ،‬ودلت على أنه صلى ال عليه وسلم لم يسر إلى أحد شيئا من أمر الدين؛ لن المعنى بلغ‬
‫جميع ما أنزل إليك ظاهرا‪ ،‬ولول هذا ما كان في قوله عز وجل‪" :‬وإن لم تفعل فما بلغت رسالته"‬
‫فائدة‪ .‬وقيل‪ :‬بلغ ما أنزل إليك من ربك في أمر زينب بنت جحش السدية رضي ال عنها‪ .‬وقيل‬
‫غير هذا‪ ،‬والصحيح القول بالعموم؛ قال ابن عباس‪ :‬المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك‪ ،‬فإن‬
‫كتمت شيئا منه فما بلغت رسالته؛ وهذا تأديب للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وتأديب لحملة العلم من‬
‫أمته أل يكتموا شيئا من أمر شريعته‪ ،‬وقد علم ال تعالى من أمر نبيه أنه ل يكتنم شيئا من وحيه؛‬
‫وفني صنحيح مسنلم منن مسنروق عنن عائشنة أنهنا قالت‪ :‬منن حدثنك أن محمدا صنلى ال علينه وسنلم‬
‫كتم شيئا من الوحي فقد كذب؛ وال تعالى يقول‪" :‬يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم‬
‫تفعنل فمنا بلغنت رسنالته" وقبنح ال الروافنض حينث قالوا‪ :‬إننه صنلى ال علينه وسنلم كتنم شيئا ممنا‬
‫أوحى إليه كان بالناس حاجة إليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يعصنمك منن الناس" فينه دلينل على نبوتنه؛ لن ال عنز وجنل أخنبر أننه‬
‫معصوم‪ ،‬ومن ضمن سبحانه له العصمة فل يجوز أن يكون قد ترك شيئا مما أمره ال به‪ .‬وسبب‬
‫نزول هذه الينة أن الننبي صنلى ال عليه وسنلم كان نازل تحنت شجرة فجاء أعرابني فاخترط سنيفه‬
‫وقال للنننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ :‬مننن يمنعننك مننني؟ فقال‪[ :‬ال] ؛ فذعرت ينند العرابنني وسنقط‬
‫السيف من يده؛ وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه؛ ذكره المهدوي‪ .‬وذكره القاضي عياض‬
‫فنني كتاب الشفاء قال‪ :‬وقنند رويننت هذه القصننة فنني الصننحيح‪ ،‬وأن غورث بننن الحارث صنناحب‬
‫القصنة‪ ،‬وأن الننبي صنلى ال علينه وسنلم عفنا عننه؛ فرجنع إلى قومنه وقال‪ :‬جئتكنم منن عنند خينر‬
‫الناس‪ .‬وقند تقدم الكلم فني هذا المعننى فني هذه السنورة عنند قوله‪" :‬إذ هنم قوم أن يبسنطوا إليكنم‬
‫أيديهم" [المائدة‪ ]11 :‬مستوفى‪ ،‬وفي "النساء" أيضا في ذكر صلة الخوف‪ .‬وفي صحيح مسلم‬
‫عن جابر بن عبدال قال‪ :‬غزونا مع وسول ال صلى ال عليه وسلم غزوة قبل نجد فأدركنا رسول‬
‫ال صنلى ال علينه وسنلم فني واد كثينر العضاه فنزل رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم تحنت شجرة‬
‫فعلق سننيفه بغصننن مننن أغصننانها‪ ،‬قال‪ :‬وتفرق الناس فنني الوادي يسننتظلون بالشجننر‪ ،‬قال فقال‬
‫رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬إن رجل أتانني وأننا نائم فأخنذ السنيف فاسنتيقظت وهنو قائم على‬
‫رأسني فلم أشعنر إل والسنيف مصنلتا فني يده فقال لي‪ :‬منن يمنعنك منني ‪ -‬قال ‪ -‬قلت ال ثنم قال فني‬
‫الثانينة منن يمنعنك منني ‪ -‬قال ‪ -‬قلت ال قال فشام السنيف فهنا هنو ذا جالس ثنم لم يعرض له رسنول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم) وقال ابن عباس قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬لما بعثني ال برسالته‬
‫ضقنت بهنا ذرعنا وعنر فنت أن منن الناس منن يكذبنني فأنزل ال هذه الينة) وكان أبنو طالب يرسنل‬
‫كنل يوم منع رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم رجال منن بنني هاشنم يحرسنونه حتنى نزل‪" :‬وال‬
‫يعصننمك مننن الناس" فقال النننبي صننلى ال عليننه وسننلم‪[ :‬يننا عماه إن ال قنند عصننمني مننن الجننن‬
‫والنس فل احتاج إلى من يحرسني]‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا يقتضني أن ذلك كان بمكنة‪ ،‬وأن الينة مكينة ولينس كذلك‪ ،‬وقند تقدم أن هذه السنورة‬
‫مدنينة بإجماع؛ وممنا يدل على أن هذه الينة مدنينة منا رواه مسنلم فني الصنحيح عنن عائشنة قالت‪:‬‬
‫سنهر رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم مقدمنة المديننة ليلة فقال‪[ :‬لينت رجل صنالحا منن أصنحابي‬
‫يحرسني الليلة] قالت‪ :‬فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلح؛ فقال‪[ :‬من هذا] ؟ قال‪ :‬سعد بن أبي‬
‫وقاص فقال له رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬منا جاء بنك] ؟ فقال‪ :‬وقنع فني نفسني خوف على‬
‫رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فجئت أحرسنه؛ فدعنا له رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم ثنم نام‪.‬‬
‫وفي غير الصحيح قالت‪ :‬فبينما نحن كذلك سمعت صوت السلح؛ فقال‪[ :‬من هذا] ؟ فقالوا‪ :‬سعد‬
‫وحذيفنة جئننا نحرسنك؛ فنام صنلى ال علينه وسنلم حتنى سنمعت غطيطنه ونزلت هذه الينة؛ فأخرج‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم رأسه من قبة آدم وقال‪[ :‬انصرفوا أيها الناس فقد عصمني ال]‪.‬‬
‫وقرأ أهنل المديننة‪" :‬رسنالته" على الجمينع‪ .‬وأبنو عمرو وأهنل الكوفنة‪" :‬رسنالته" على التوحيند؛‬
‫قال النحاس‪ :‬والقراءتان حسنننتان والجمننع أبيننن؛ لن رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم كان ينزل‬
‫علينه الوحني شيئا فشيئا ثنم ينبينه‪ ،‬والفراد يدل على الكثرة؛ فهني كالمصندر والمصندر فني أكثنر‬
‫الكلم ل يجمننع ول يثنننى لدللتننه على نوعننه بلفظننه كقوله‪" :‬وإن تعدوا نعمننة ال ل تحصننوها"‬
‫[إبراهيم‪" .]34 :‬إن ال ل يهدي القوم الكافرين" أي ل يرشدهم وقد تقدم‪ .‬وقيل‪ :‬أبلغ أنت فأما‬
‫الهداية فإلينا‪ .‬نظيره "ما على الرسول إل البلغ" [المائدة‪ ]99:‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 68 :‬قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والنجيل وما أنزل إليكم‬
‫من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فل تأس على القوم الكافرين}‬
‫@ قال ابنن عباس‪ :‬جاء جماعنة منن اليهود إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فقالوا‪ :‬ألسنت تُقنر أن‬
‫التوراة حق من عند ال؟ قال‪[ :‬بلى]‪ .‬فقالوا‪ :‬فإنا نؤمن بها ول نؤمن بما عداها؛ فنزلت الية؛ أي‬
‫لستم على شيء من الدين حتى تعلموا بما في الكتابين من اليمان بمحمد عليه السلم‪ ،‬والعمل بما‬
‫يوجبه ذلك منهما؛ وقال أبو علي‪ :‬ويجوز أن يكون ذلك قبل النسخ لهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليزيدن كثيرا منهنم منا أنزل إلينك منن ربنك طغياننا وكفرا" أي يكفرون بنه‬
‫فيزدادون كفرا على كفرهنننم‪ .‬والطغيان تجاوز الحننند فننني الظلم والغلو فينننه‪ .‬وذلك أن الظلم مننننه‬
‫صنغيرة ومننه كنبيرة‪ ،‬فمنن تجاوز منزلة الصنغيرة فقند طغنى‪ .‬ومننه قوله تعالى‪" :‬كل إن النسنان‬
‫ليطغى" [العلق‪ ]6 :‬أي يتجاوز الحد في الخروج عن الحق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تأس على القوم الكافرينن" أي ل تحزن عليهنم‪ .‬أسني يأسنى أسنى إذا حزن‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫وانحلبت عيناه من فرط السى‬
‫وهذه تسنلية للننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬ولينس بنهني عنن الحزن؛ لننه ل يقدر علينه ولكننه تسنلية‬
‫ونهي عن التعرض للحزن‪ .‬وقد مضى هذا المعنى في آخر (آل عمران) مستوفى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 69 :‬إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بال واليوم الخر‬
‫وعمل صالحا فل خوف عليهم ول هم يحزنون}‬
‫@ تقدم الكلم فني هذا كله فل معننى لعادتنه‪" .‬والذينن هادوا" معطوف‪ ،‬وكذا "والصنابئون"‬
‫معطوف على المضمننر فنني "هادوا" فنني قول الكسننائي والخفننش‪ .‬قال النحاس‪ :‬سننمعت الزجاج‬
‫يقول‪ :‬وقند ذكنر له قول الخفنش والكسنائي‪ :‬هذا خطنأ منن جهتينن؛ إحداهمنا أن المضمنر المرفوع‬
‫يقبننح العطننف عليننه حتننى يؤكنند‪ .‬والجهننة الخرى أن المعطوف شريننك المعطوف عليننه فيصننير‬
‫المعننننى أن الصنننابئين قننند دخلوا فننني اليهودينننة وهذا محال‪ .‬وقال الفراء‪ :‬إنمنننا جاز الرفنننع فننني‬
‫"والصنابئون" لن "إن" ضعيفنة فل تؤثنر إل فني السنم دون الخنبر؛ و"الذينن" هننا ل يتنبين فينه‬
‫العراب فجرى على جهننة واحدة المران‪ ،‬فجاز رفننع الصننابئين رجوعننا إلى أصننل الكلم‪ .‬قال‬
‫الزجاج‪ :‬وسنبيل منا يتنبين فينه العراب ومنا ل يتنبين فينه العراب واحند‪ .‬وقال الخلينل وسنيبويه‪:‬‬
‫الرفنع محمول على التقدينم والتأخينر؛ والتقدينر‪ :‬إن الذينن آمنوا والذينن هادوا منن آمنن بال واليوم‬
‫الخننر وعمننل صننالحا فل خوف عليهننم ول هننم يحزنون والصننابئون والنصننارى كذلك‪ .‬وأنشنند‬
‫سيبويه وهو نظيره‪:‬‬
‫بغاة ما بقينا في شقاق‬ ‫وإل فاعلموا أنا وأنتم‬
‫وقال ضابئ البرجمي‪:‬‬
‫فإني وقيار بها لغريب‬ ‫فمن يك أمسى بالمدينة رحله‬
‫وقيننل‪" :‬إن" بمعنننى "نعننم" فالصننابئون مرتفننع بالبتداء‪ ،‬وحذف الخننبر لدللة الثاننني عليننه‪،‬‬
‫فالعطف يكون على هذا التقدير بعد تمام الكلم وانقضاء السم والخبر‪ .‬وقال قيس الرقيات‪:‬‬
‫يلمنني وألومهنه‬ ‫بكر العواذل في الصباح‬
‫وقد كبرت فقلت إنه‬ ‫ويقلن شيب قد علك‬
‫قال الخفش‪( :‬إنه) بمعنى (نعم)‪ ،‬وهذه (الهاء) أدخلت للسكت‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 70 :‬لقند أخذننا ميثاق بنني إسنرائيل وأرسنلنا إليهنم رسنل كلمنا جاءهنم رسنول بمنا ل‬
‫تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقند أخذننا ميثاق بنني إسنرائيل وأرسنلنا إليهنم رسنل" قند تقدم فني (البقرة) معننى‬
‫الميثاق وهنو أل يعبدوا إل ال‪ ،‬ومنا يتصنل بنه‪ .‬والمعننى فني هذه الينة ل تأس على القوم الكافرينن‬
‫فإننا قند أعذرننا إليهنم‪ ،‬وأرسنلنا الرسنل فنقضوا العهود‪ .‬وكنل هذا يرجنع إلى منا افتتحنت بنه السنورة‬
‫وهو قوله‪" :‬أوفوا بالعقود" [المائدة‪" .]1 :‬كلما جاءهم" أي اليهود "رسول بما ل تهوى أنفسهم"‬
‫ل يوافق هواهم "فريقا كذبوا وفريقا يقتلون" أي كذبوا فريقا وقتلوا فريقا؛ فمن كذبوه عيسى ومن‬
‫مثله منن الننبياء‪ ،‬وقتلوا زكرينا ويحينى وغيرهمنا منن الننبياء‪ .‬وإنمنا قال‪" :‬يقتلون" لمراعاة رأس‬
‫الينة‪ .‬وقينل‪ :‬أراد فريقنا كذبوا‪ ،‬وفريقنا قتلوا‪ ،‬وفريقنا يكذبون وفريقنا يقتلون‪ ،‬فهذا دأبهنم وعادتهنم‬
‫فاختصر‪ .‬وقيل‪ :‬فريقا كذبوا لم يقتلوهم‪ ،‬وفريقا قتلوهم فكذبوا‪ .‬و"يقتلون" نعت لفريق‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 71 :‬وحسبوا أل تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب ال عليهم ثم عموا وصموا كثير‬
‫منهم وال بصير بما يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وحسنبوا أل تكون فتنة" المعننى؛ ظنن هؤلء الذينن أخذ عليهنم الميثاق أنه ل يقع‬
‫منن ال عنز وجنل ابتلء واختبار بالشدائد‪ ،‬اغترارا بقولهنم‪ :‬نحنن أبناء ال وأحباؤه‪ ،‬وإنمنا اغتروا‬
‫بطول المهال‪ .‬وقرأ أبنو عمرو وحمزة والكسنائي "تكون" بالرفنع؛ ونصنب الباقون؛ فالرفنع على‬
‫أن حسنب بمعننى علم وتيقنن‪ .‬و"أن" مخففنة منن الثقيلة ودخول "ل" عوض منن التخفينف‪ ،‬وحذف‬
‫الضمير لنهم كرهوا أن يليها الفعل وليس من حكمها أن تدخل عليه؛ ففصلوا بينهما (بل)‪ .‬ومن‬
‫نصنب جعنل "أن" ناصنبة للفعل‪ ،‬وبقني حسنب على بابه منن الشك وغيره‪ .‬قال سنيبويه‪ :‬حسبت أل‬
‫يقول ذلك؛ أي حسننبت أنننه قال ذلك‪ .‬وإن شئت نصننبت؛ قال النحاس‪ :‬والرفننع عننند النحوييننن فنني‬
‫حسب وأخواتها أجود كما قال‪:‬‬
‫كبرت وأل يشهد اللهو أمثالي‬ ‫أل زعمت بسباسة اليوم أنني‬
‫وإنما صار الرفع أجود؛ لن حسب وأخواتها بمنزلة العلم لنه شيء ثابت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فعموا" أي عن الهدى‪" .‬وصموا" أي عن سماع الحق؛ لنهم لم ينتفعوا بما رأوه‬
‫ول سنمعوه‪" .‬ثنم تاب ال عليهنم" فني الكلم إضمار‪ ،‬أي أوقعنت بهنم الفتننة فتابوا فتاب ال عليهنم‬
‫بكشف القحط‪ ،‬أو بإرسال محمد صلى ال عليه وسلم يخبرهم بأن ال يتوب عليهم إن آمنوا‪ ،‬فهذا‬
‫بيان "تاب ال عليهننم" أي يتوب عليهننم إن آمنوا وصنندقوا ل أنهننم تابوا على الحقيقننة‪" .‬ثننم عموا‬
‫وصموا كثير منهم" أي عمي كثينر منهنم وصم بعد تبين الحق لهم بمحمند عليه الصلة والسلم؛‬
‫فارتفع "كثير" على البدل من الواو‪ .‬وقال الخفش سعيد‪ :‬كما تقول رأيت قومك ثلثيهم‪ .‬وإن شئت‬
‫كان على إضمار مبتدأ أي العمني والصنم كثينر منهنم‪ .‬وإن شئت كان التقدينر العمني والصنم منهنم‬
‫كثير‪ .‬وجواب رابع أن يكون على لغة من قال‪( :‬أكلوني البراغيث) وعليه قول الشاعر‪:‬‬
‫بحوران يعصرن السليط أقاربه‬ ‫ولكن ديافي أبوه وأمه‬
‫ومنن هذا المعننى قوله‪" :‬وأسنروا النجوى الذينن ظلموا" [الننبياء‪ .]3 :‬ويجوز فني غينر القرآن‬
‫(كثيرا) بالنصب يكون نعتا لمصدر محذوف‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 72 :‬لقند كفنر الذينن قالوا إن ال هنو المسنيح ابنن مرينم وقال المسنيح ينا بنني إسنرائيل‬
‫اعبدوا ال ربني وربكنم إننه منن يشرك بال فقند حرم ال علينه الجننة ومأواه النار ومنا للظالمينن منن‬
‫أنصار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم" هذا قول اليعقوبية فرد ال ذلك‬
‫بحجنة قاطعنة ممنا يقرون بنه؛ فقال‪" :‬وقال المسنيح ينا بنني إسنرائيل اعبدوا ال ربني وربكنم" أي إذا‬
‫كان المسنيح يقول‪ :‬ينا رب وينا ال فكينف يدعنو نفسنه أم كينف يسنألها؟ هذا محال "إننه منن يشرك‬
‫بال" قينل‪ :‬هنو منن قول عيسنى‪ .‬وقينل‪ :‬ابتداء كلم منن ال تعالى‪ .‬والشراك أن يعتقند معنه موجدا‪.‬‬
‫وقد مضى في (آل عمران) القول في اشتقاق المسيح فل معنى لعادته‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 74 - 73 :‬لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد وإن لم‬
‫ينتهوا عمننا يقولون ليمسننن الذيننن كفروا منهننم عذاب أليننم‪ ،‬أفل يتوبون إلى ال ويسننتغفرونه وال‬
‫غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة" أي أحد ثلثة‪ .‬ول يجوز فيه التنوين؛ عن‬
‫الزجاج وغيره‪ .‬وفينه للعرب مذهنب آخنر؛ يقولون‪ :‬رابنع ثلثنة؛ فعلى هذا يجوز الجنر والنصنب؛‬
‫لن معناه الذي صنير الثلثنة أربعنة بكوننه منهنم‪ .‬وكذلك إذا قلت‪ :‬ثالث اثنينن؛ جاز التنوينن‪ .‬وهذا‬
‫قول فرق النصارى من الملكية والنسنطورية واليعقوبية؛ لنهنم يقولون أب وابن وروح القدس إله‬
‫واحد؛ ول يقولون ثلثة آلهة وهو معنى مذهبهم‪ ،‬وإنما يمتنعون من العبارة وهي لزمة لهم‪ .‬وما‬
‫كان هكذا صننح أن يحكننى بالعبارة اللزمننة؛ وذلك أنهننم يقولون‪ :‬إن البننن إله والب إله وروح‬
‫القدس إله‪ .‬وقند تقدم القول فني هذا فني (النسناء) فأكفرهنم ال بقولهنم هذا‪ ،‬وقال "ومنا منن إله إل إله‬
‫واحند" أي أن الله ل يتعدد وهنم يلزمهنم القول بثلثنة آلهنة كمنا تقدم‪ ،‬وإن لم يصنرحوا بذلك لفظنا؛‬
‫وقند مضنى فني (البقرة) معننى الواحند‪ .‬و(منن) زائدة‪ .‬ويجوز فني غينر القرآن (إلهنا واحدا) على‬
‫الستثناء‪ .‬وأجاز الكسائي الخفض على البدل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن لم ينتهوا" أي يكفوا عنن القول بالتثلينث ليمسننهم عذاب ألينم فني الدنينا‬
‫والخرة‪" .‬أفل يتوبون" تقريننر وتوبيننخ‪ .‬أي فليتوبوا إليننه وليسننألوه سننتر ذنوبهننم؛ والمراد الكفرة‬
‫منهم‪ .‬وإنما خص الكفرة بالذكر لنهم القائلون بذلك دون المؤمنين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 75 :‬ما المسيح ابن مريم إل رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلن‬
‫الطعام انظر كيف نبين لهم اليات ثم انظر أنى يؤفكون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منا المسنيح ابنن مرينم إل رسنول قند خلت منن قبله الرسنل" ابتداء وخنبر؛ أي منا‬
‫المسيح وإن ظهرت اليات على يديه فإنما جاء بها كما جاءت بها الرسل؛ فإن كان إلها فليكن كل‬
‫رسول إلها؛ فهذا رد لقولهم واحتجاج عليهم‪ ،‬ثم بالغ في الحجة فقال‪" :‬وأمه صديقة" ابتداء وخبر‬
‫"كانا يأكلن الطعام" أي أنه مولود مربوب‪ ،‬ومن ولدته النساء وكان يأكل الطعام مخلوق محدث‬
‫كسنائر المخلوقينن؛ ولم يدفنع هذا أحند منهنم‪ ،‬فمتنى يصنلح المربوب لن يكون ربنا؟! وقولهنم‪ :‬كان‬
‫يأكنل بناسنوته ل بلهوتنه فهذا منهنم مصنير إلى الختلط‪ ،‬ول يتصنور اختلط إله بغينر إله‪ ،‬ولو‬
‫جاز اختلط القديم بالمحدث لجاز أن يصير القديم محدثا‪ ،‬ولو صح هذا في حق عيسى لصح في‬
‫حنق غيره حتنى يقال‪ :‬اللهوت مخالط لكنل محدث‪ .‬وقال بعنض المفسنرين فني قوله‪" :‬كاننا يأكلن‬
‫الطعام" إننه كناينة عنن الغائط والبول‪ .‬وفنى هذا دللة على أنهمنا بشران‪ .‬وقند اسنتدل منن قال‪ :‬إن‬
‫مريم عليها السلم لم تكن نبية بقوله تعالى‪" :‬وأمه صديقة"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيه نظر‪ ،‬فإنه يجوز أن تكون صديقة مع كونها نبية كإدريس عليه السلم؛ وقد مضى‬
‫فني "آل عمران" منا يدل على هذا‪ .‬وال أعلم‪ .‬وإنمنا قينل لهنا صنديقة لكثرة تصنديقها بآيات ربهنا‬
‫وتصديقها ولدها فيما أخبرها به؛ عن الحسن وغيره‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬انظنر كينف ننبين لهنم اليات" أي الدللت‪" .‬ثنم انظنر أننى يؤفكون" أي كينف‬
‫يصننرفون عننن الحننق بعنند هذا البيان؛ يقال‪ :‬أفكننه يأفكننه إذا صننرفه‪ .‬وفنني هذا رد على القدريننة‬
‫والمعتزلة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 76 :‬قل أتعبدون من دون ال ما ل يملك لكم ضرا ول نفعا وال هو السميع العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أتعبدون من دون ال ما ل يملك لكم ضرا ول نفعا" زيادة في البيان وإقامة‬
‫حجة عليهم؛ أي أنتم مقرون أن عيسى كان جنينا في بطن أمه‪ ،‬ل يملك لحد ضرا ول نفعا‪ ،‬وإذ‬
‫أقررتم أن عيسى كان في حال من الحوال ل يسمع ول يبصر ول يعلم ول ينفع ول يضر‪ ،‬فكيف‬
‫اتخذتموه إلهنا؟‪" .‬وال هنو السنميع العلينم" أي لم يزل سنميعا عليمنا يملك الضنر والنفنع‪ .‬ومنن كاننت‬
‫هذه صفته فهو الله على الحقيقة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 77 :‬قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا‬
‫من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق" أي ل تفرطوا كما أفرطت اليهود‬
‫والنصنارى فني عيسنى؛ غلو اليهود قولهم فني عيسنى‪ ،‬ليس ولد رشدة‪ ،‬وغلو النصنارى قولهنم‪ :‬إنه‬
‫إله‪ .‬والغلو مجاوزة الحد؛ وقد تقدم في (النساء) بيانه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تتبعوا أهواء قوم" الهواء جمنع هوى وقند تقدم فني (البقرة)‪ .‬وسنمي الهوى‬
‫هوى لنننه يهوى بصنناحبه فنني النار‪" .‬قنند ضلوا مننن قبننل" قال مجاهنند والحسننن‪ :‬يعننني اليهود‪.‬‬
‫"وأضلوا كثيرا" أي أضلوا كثيرا منن الناس‪" .‬وضلوا عنن سنواء السنبيل" أي عنن قصند طرينق‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وتكرير ضلوا على معنى أنهم ضلوا من قبل وضلوا من بعد؛ والمراد‬
‫السلف الذين سنوا الضللة وعملوا بها من رؤساء اليهود والنصارى‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 78 :‬لعنن الذينن كفروا منن بنني إسنرائيل على لسنان داود وعيسنى ابنن مرينم ذلك بمنا‬
‫عصوا وكانوا يعتدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم" فيه مسألة‬
‫واحدة‪ :‬وهني جواز لعنن الكافرينن وإن كانوا منن أولد الننبياء‪ .‬وأن شرف النسنب ل يمننع إطلق‬
‫اللعننة فني حقهنم‪ .‬ومعننى "على لسنان داود وعيسنى بنن مرينم" أي لعنوا فني الزبور والنجينل؛ فإن‬
‫الزبور لسننان داود‪ ،‬والنجيننل لسننان عيسننى أي لعنهننم ال فنني الكتابيننن‪ .‬وقنند تقدم اشتقاقهمننا‪ .‬قال‬
‫مجاهند وقتادة وغيرهمنا‪ :‬لعنهنم مسنخهم قردة وخنازينر‪ .‬قال أبنو مالك‪ :‬الذينن لعنوا على لسنان داود‬
‫مسنخوا قردة‪ .‬والذينن لعنوا على لسنان عيسنى مسنخوا خنازينر‪ .‬وقال ابنن عباس‪ :‬الذينن لعنوا على‬
‫لسننان داود أصننحاب السننبت‪ ،‬والذيننن لعنوا على لسننان عيسننى الذيننن كفروا بالمائدة بعنند نزولهننا‪.‬‬
‫وروي نحوه عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ .‬وقينل‪ :‬لعنن السنلف والخلف ممنن كفنر بمحمند‬
‫صنلى ال علينه وسنلم على لسنان داود وعيسنى؛ لنهمنا أعلمنا أن محمدا صنلى ال علينه وسنلم ننبي‬
‫مبعوث فلعنا من يكفر به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك بمنا عصنوا" ذلك فني موضنع رفنع بالبتداء أي ذلك اللعنن بمنا عصنوا؛ أي‬
‫بعصنننيانهم‪ .‬ويجوز أن يكون على إضمار مبتدأ؛ أي المنننر ذلك‪ .‬ويجوز أن يكون فننني موضنننع‬
‫نصب أي فعلنا ذلك بهم لعصيانهم واعتدائهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 79 :‬كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كانوا ل يتناهون" أي ل ينهى بعضهم بعضا‪" :‬لبئس ما كانوا يفعلون" ذم لتركهم‬
‫النهني‪ ،‬وكذا منن بعدهنم يذم منن فعنل فعلهنم‪ .‬خرج أبنو داود عنن عبدال بنن مسنعود قال قال رسنول‬
‫ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬إن أول منا دخنل النقنص على بنني إسنرائيل كان الرجنل أول منا يلقنى‬
‫الرجل فيقول يا هذا اتق ال ودع ما تصنع فإنه ل يحل لك ثم يلقاه من الغد فل يمنعه ذلك أن يكون‬
‫أكيله وشريبنه وقعيده فلمنا فعلوا ذلك ضرب ال قلوب بعضهنم ببعنض] ثنم قال‪" :‬لعنن الذينن كفروا‬
‫منن بنني إسنرائيل على لسنان داود وعيسنى بنن مرينم ذلك بمنا عصنوا وكانوا يعتدون" إلى قوله‪:‬‬
‫"فاسنقون" ثنم قال‪[ :‬كل وال لتأمرن بالمعروف ولتنهون عنن المنكنر ولتأخذن على يدي الظالم‬
‫ولتأطرنننه على الحننق ولتقصننرنه على الحننق قصننرا أو ليضربننن ال بقلوب بعضكننم على بعننض‬
‫وليلعننكم كما لعنهم] وخرجه الترمذي أيضا‪ .‬ومعنى لتأطرنه لتردنه‪.‬‬
‫@ قال ابنن عطينة‪ :‬والجماع منعقند على أن النهني عنن المنكنر فرض لمنن أطاقنه وأمنن الضرر‬
‫على نفسنه وعلى المسنلمين؛ فإن خاف فينكنر بقلبنه ويهجنر ذا المنكنر ول يخالطنه‪ .‬وقال حذاق أهنل‬
‫العلم‪ :‬ولينس منن شرط الناهني أن يكون سنليما عنن معصنية بنل ينهنى العصناة بعضهنم بعضنا‪ .‬وقال‬
‫بعننض الصننوليين‪ :‬فرض على الذيننن يتعاطون الكؤوس أن ينهننى بعضهننم بعضننا واسننتدلوا بهذه‬
‫الينة؛ قالوا‪ :‬لن قوله‪" :‬كانوا ل يتناهون عنن المنكنر فعلوه" يقتضني اشتراكهنم فني الفعنل وذمهنم‬
‫على ترك التناهني‪ .‬وفني الينة دلينل على النهني عنن مجالسنة المجرمينن وأمنر بتركهنم وهجرانهنم‪.‬‬
‫وأكند ذلك بقوله فني النكار على اليهود‪" :‬ترى كثيرا منهنم يتولون الذينن كفروا" "ومنا" منن قوله‪:‬‬
‫"ما كانوا" يجوز أن تكون في موضع نصب وما بعدها نعت لها؛ التقدير لبئس شيئا كانوا يفعلونه‪.‬‬
‫أو تكون في موضع رفع وهي بمعنى الذي‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 80 :‬ترى كثيرا منهنم يتولون الذينن كفروا لبئس منا قدمنت لهنم أنفسنهم أن سنخط ال‬
‫عليهم وفي العذاب هم خالدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ترى كثيرا منهم" أي من اليهود؛ قيل‪ :‬كعب بن الشرف وأصحابه‪ .‬وقال مجاهد‪:‬‬
‫يعنني المنافقينن "يتولون الذينن كفروا" أي المشركينن؛ وليسنوا على دينهنم‪" .‬لبئس منا قدمنت لهنم‬
‫أنفسهم" أي سولت وزينت‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى لبئس ما قدموا لنفسهم ومعادهم‪" .‬أن سخط ال عليهم"‬
‫"أن" فني موضنع رفنع على إضمار مبتدأ كقولك‪ :‬بئس رجل زيند‪ .‬وقينل‪ :‬بدل منن "منا" فني قوله‬
‫"لبئس" على أن تكون "ما" نكرة فتكون رفعا أيضا‪ .‬ويجوز أن تكون في موضع نصب بمعنى‬
‫لن سخط ال عليه‪" :‬وفي العذاب هم خالدون" ابتداء وخبر‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪ - 81 :‬ولو كانوا يؤمنون بال والننبي ومنا أنزل إلينه منا اتخذوهنم أولياء ولكنن كثيرا‬
‫منهم فاسقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو كانوا يؤمنون بال والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء" يدل بهذا على أن‬
‫من اتخذ كافرا وليا فليس بمؤمن إذا اعتقد اعتقاده ورضي أفعاله‪" .‬ولكن كثيرا منهم فاسقون" أي‬
‫خارجون عن اليمان بنبيهم لتحريفهم‪ ،‬أو عن اليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم لنفاقهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 82 :‬لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة‬
‫للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم ل يستكبرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لتجدن أشند الناس عداوة للذينن آمنوا اليهود" اللم لم القسنم ودخلت النون على‬
‫قول الخليل وسيبويه فرقا بين الحال والمستقبل‪" .‬عداوة" نصب على البيان وكذا "ولتجدن أقربهم‬
‫مودة للذينن آمنوا الذينن قالوا إننا نصنارى" وهذه الينة نزلت فني النجاشني وأصنحابه لمنا قدم عليهنم‬
‫المسنلمون فني الهجرة الولى ‪ -‬حسنب منا هنو مشهور فني سنيرة ابنن إسنحاق وغيره ‪ -‬خوفنا منن‬
‫المشركينن وفتنتهنم؛ وكانوا ذوي عدد‪ .‬ثنم هاجنر رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم إلى المديننة بعند‬
‫ذلك فلم يقدروا على الوصول إليه‪ ،‬حالت بينهم وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم الحرب‪ .‬فلما‬
‫كاننت وقعنة بدر وقتنل ال فيهنا صنناديد الكفار‪ ،‬قال كفار قرينش‪ :‬إن ثأركنم بأرض الحبشنة‪ ،‬فاهدوا‬
‫إلى النجاشني وابعثوا إلينه رجلينن منن ذوي رأيكنم لعله يعطيكنم منن عنده فتقتلونهنم بمنن قتنل منكنم‬
‫ببدر‪ ،‬فبعنث كفار قرينش عمرو بنن العاص وعبدال بنن أبني ربيعنة بهداينا‪ ،‬فسنمع الننبي صنلى ال‬
‫عليه وسلم بذلك‪ ،‬فبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري‪ ،‬وكتب معه إلى‬
‫النجاشني‪ ،‬فقدم على النجاشني‪ ،‬فقرأ كتاب رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬ثنم دعنا جعفنر بنن أبني‬
‫طالب والمهاجرين‪ ،‬وأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم‪ .‬ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهنم القرآن‬
‫فقرأ سورة (مريم) فقاموا تفيض أعينهم من الدمع‪ ،‬فهم الذين أنزل ال فيهم "ولتجدن أقربهم مودة‬
‫للذينن آمنوا الذينن قالوا إننا نصنارى" وقرأ "إلى الشاهدينن" رواه أبنو داود‪ .‬قال‪ :‬حدثننا محمند بنن‬
‫سلمة المرادي قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبدالرحمن‬
‫بنن الحرث بنن هشام‪ ،‬وعنن سنعيد بنن المسنيب وعنن عروة بنن الزبينر‪ ،‬أن الهجرة الولى هجرة‬
‫المسنلمين إلى أرض الحبشنة‪ ،‬وسناق الحدينث بطوله‪ .‬وذكنر البيهقني عنن ابنن إسنحاق قال‪ :‬قدم على‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم عشرون رجل وهو بمكة أو قريب من ذلك‪ ،‬من النصارى حين ظهر‬
‫خبره من الحبشة‪ ،‬فوجدوه في المسجد فكلموه وسألوه‪ ،‬ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة‬
‫فلمنا فرغوا منن مسنألتهم رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم عمنا أرادوا‪ ،‬دعاهنم رسنول ال صنلى ال‬
‫عليننه وسننلم إلى ال عننز وجننل‪ ،‬وتل عليهننم القرآن‪ ،‬فلمننا سننمعوه فاضننت أعينهننم مننن الدمننع‪ ،‬ثننم‬
‫استجابوا له وآمنوا به وصدقوه‪ ،‬وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره‪ ،‬فلما قاموا‬
‫من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا‪ :‬خيبكم ال من ركب! بعثكم من وراءكم من‬
‫أهننل دينكننم ترتادون لهننم فتأتونهننم بخننبر الرجننل‪ ،‬فلم تظهننر مجالسننتكم عنده حتننى فارقتننم دينكننم‬
‫وصنندقتموه‪ ،‬بمننا قال لكننم‪ ،‬مننا نعلم ركبننا أحمننق منكننم ‪ -‬أو كمننا قال لهننم ‪ -‬فقالوا‪ :‬سننلم عليكننم ل‬
‫نجاهلكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم‪ ،‬ل نألوا أنفسنا خيرا‪ .‬فيقال‪ :‬إن النفر النصارى من أهل‪ .‬نجران‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬إن فيهننم نزلت هؤلء اليات "الذيننن آتيناهننم الكتاب مننن قبله هننم بننه يؤمنون" [القصننص‪:‬‬
‫‪ ]52‬إلى قوله‪" :‬ل نبتغي الجاهلين" [القصص‪ ]55 :‬وقيل‪ :‬إن جعفرا وأصحابه قدم على النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم في سبعين رجل عليهم ثياب الصوف‪ ،‬فيهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية‬
‫منن أهنل الشام وهنم بحيراء الراهنب وإدرينس وأشرف وأبرهنة وثمامنة وقثنم ودريند وأيمنن‪ ،‬فقرأ‬
‫عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم سورة "يس" إلى آخرها‪ ،‬فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬منا أشبنه هذا بمنا كان ينزل على عيسنى فنزلت فيهنم "لتجدن أشند الناس عداوة للذينن آمنوا‬
‫اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى" يعني وفد النجاشي‬
‫وكانوا أصنحاب الصنوامع‪ .‬وقال سنعيد بنن جنبير‪ :‬وأنزل ال فيهنم أيضنا "الذينن آتيناهنم الكتاب منن‬
‫قبله هم به يؤمنون" [القصص‪ ]52 :‬إلى قوله‪" :‬أولئك يؤتون أجرهم مرتين" [القصص‪]54 :‬‬
‫إلى آخر الية‪ .‬وقال مقاتل والكلبي‪ :‬كانوا أربعين رجل من أهل نجران من بني الحرث بن كعب‪،‬‬
‫واثنان وثلثون منن الحبشنة‪ ،‬وثمانينة وسنتون منن أهنل الشام‪ .‬وقال قتادة‪ :‬نزلت فني ناس منن أهنل‬
‫الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى‪ ،‬فلما بعث ال محمدا صلى ال عليه وسلم‬
‫آمنوا به فأثنى ال عليهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك بأن منهنم قسنيسين" واحند "القسنيسين" قنس وقسنيس؛ قال قطرب‪ .‬والقسنيس‬
‫العالم؛ وأصله من قس إذا تتبع الشيء فطلبه؛ قال الراجز‪:‬‬
‫يصبحن عن قس الذى غوافل‬
‫وتقسمت أصواتهم بالليل تسمعتها‪ .‬والقس النميمة‪ .‬والقس أيضا رئيس من رؤساء النصارى فني‬
‫الدينن والعلم‪ ،‬وجمعنه قسنوس‪ ،‬وكذلك القسنيس مثنل الشنر والشرينر فالقسنيسون هنم الذينن يتبعون‬
‫العلماء والعباد‪ .‬ويقال فني جمنع قسنيس مكسنرا‪ :‬قسناوسة أبدل منن إحدى السنينين واوا وقسناوسة‬
‫أيضنا كمهالبنة‪ .‬والصنل قسناسسة فأبدلوا إحدى السنينات واوا لكثرتهنا‪ .‬ولفنظ القسنيس إمنا أن يكون‬
‫عربيا‪ ،‬وإما أن يكون بلغة الروم ولكن خلطته العرب بكلمهم فصار من لغتهم إذ ليس في الكتاب‬
‫ما ليس من لغة العرب كما تقدم‪ .‬وقال أبو بكر النباري‪ :‬حدثنا أبي حدثنا نصر بن داود حدثنا أبو‬
‫عبيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثت عن معاوية بن هشام عن نصير الطائي عن الصلت عن حامية بن رباب قال‪:‬‬
‫قلت لسنلمان "بأن منهنم قسنيسين ورهباننا" فقال‪ :‬دع القسنيسين فني الصنوامع والمحراب أقرأنيهنا‬
‫رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم "بأن منهنم صنديقين ورهباننا"‪ .‬وقال عروة بنن الزبينر‪ :‬ضيعنت‬
‫النصنارى النجينل‪ ،‬وأدخلوا فينه منا لينس مننه؛ وكانوا أربعنة نفنر الذينن غيروه؛ لوقاس ومرقوس‬
‫ويحنس ومقبوس وبقي قسيس على الحق وعلى الستقامة‪ ،‬فمن كان على دينه وهديه فهو قسيس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورهبانا" الرهبان جمع راهب كركبان وراكب‪ .‬قال النابغة‪:‬‬
‫عبدالله صرورة متعبد‬ ‫لو أنها عرضت لشمط راهب‬
‫ولخاله رشدا وإن لم يرشد‬ ‫لرنا لرؤيتها وحسن حديثها‬
‫والفعل منه رهب ال يرهبه أي خافه رهبا ورهبا ورهبة‪ .‬والرهبانية والترهب التعبد في صومعة‪.‬‬
‫قال أبننو عبينند‪ :‬وقنند يكون (رهبان) للواحنند والجمننع؛ قال الفراء‪ :‬ويجمننع (رهبان) إذا كان للمفرد‬
‫رهابنة ورهابين كقربان وقرابين؛ قال جرير في الجمع‪:‬‬
‫والعصم من شعف العقول الفادر‬ ‫رهبان مدين لو رأوك تنزلوا‬
‫الفادر المسنن منن الوعول‪ .‬ويقال‪ :‬العظينم‪ ،‬وكذلك الفدور والجمنع فدر وفدور وموضعهنا المفدرة؛‬
‫قال الجوهري‪ .‬وقال آخر في التوحيد‪:‬‬
‫لنحدر الرهبان يسعى ويصل‬ ‫لو أبصرت رهبان دير في الجبل‬
‫منن الصنلة‪ .‬والرهابنة على وزن السنحابة عظنم فني الصند مشرف على البطنن مثنل اللسنان‪ .‬وهذا‬
‫المدح لمنن آمنن منهنم بمحمند صنلى ال علينه وسنلم دون منن أصنر على كفره ولهذا قال‪" :‬وأنهنم ل‬
‫يستكبرون" أي عن النقياد إلى الحق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 83 :‬وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من‬
‫الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع" أي بالدمع وهو‬
‫في موضع الحال؛ وكذا "يقولون"‪ .‬وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫على النحر حتى بل دمعي محملي‬ ‫ففاضت دموع العين مني صبابة‬
‫وخنننبر مسنننتفيض إذا كثنننر وانتشنننر كفينننض الماء عنننن الكثرة‪ .‬وهذه أحوال العلماء يبكون ول‬
‫يصننعقون‪ ،‬ويسننألون ول يصننيحون‪ ،‬ويتحازنون ول يتموتون؛ كمننا قال تعالى‪" :‬ال نزل أحسننن‬
‫الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر‬
‫ال" [الزمر‪ ]23 :‬وقال‪" :‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم"‪ .‬وفي النفال يأتي بيان‬
‫هذا المعنى إن شاء ال تعالى‪ .‬وبين ال سبحانه في هذه اليات أن أشد الكفار تمردا وعتوا وعداوة‬
‫للمسلمين اليهود‪ ،‬ويضاهيهم المشركون‪ ،‬وبين أن أقربهم مودة النصارى‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاكتبنا مع الشاهدين" أي مع أمة محمد صلى ال عليه وسلم الذين يشهدون بالحق‬
‫منن قوله عنز وجنل‪" :‬وكذلك جعلناكنم أمنة وسنطا لتكونوا شهداء على الناس" [البقرة‪ ]143:‬عنن‬
‫ابننن عباس وابننن جريننج‪ .‬وقال الحسننن‪ :‬الذيننن يشهدون باليمان‪ .‬وقال أبننو علي‪ :‬الذيننن يشهدون‬
‫بتصديق نبيك وكتابك‪ .‬ومعنى "فاكتبنا" اجعلنا‪ ،‬فيكون بمنزلة ما قد كتب ودون‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 84 :‬ومنا لننا ل نؤمنن بال ومنا جاءننا منن الحنق ونطمنع أن يدخلننا ربننا منع القوم‬
‫الصالحين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما لنا ل نؤمن بال وما جاءنا من الحق" بين استبصارهم في الدين؛ أي يقولون‬
‫وما لنا ل نؤمن؛ أي وما لنا تاركين اليمان‪" .‬نؤمن" في موضع نصب على الحال‪" .‬ونطمع أن‬
‫يدخلنا ربننا مع القوم الصالحين" أي مع أمة محمد صلى ال عليه وسلم بدليل قوله‪" :‬أن الرض‬
‫يرثهنا عبادي الصنالحون" [الننبياء‪ ]105 :‬يريند أمنة محمند صنلى ال علينه وسنلم‪ .‬وفني الكلم‬
‫إضمار أي نطمنع أن يدخلننا ربننا الجننة‪ .‬وقينل‪" :‬منع" بمعننى (فني) كمنا تذكنر (فني) بمعننى (منع)‬
‫تقول‪ :‬كننت فيمنن لقني المينر؛ أي منع منن لقني المينر‪ .‬والطمنع يكون مخففنا وغينر مخفنف؛ يقال‪:‬‬
‫طمع فيه طمعا وطعامة وطماعية مخفف فهو طمع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 86 - 85 :‬فأثابهم ال بما قالوا جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها وذلك‬
‫جزاء المحسنين‪ ،‬والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأثابهم ال بما قالوا جنات" دليل على إخلص إيمانهم وصدق مقالهم؛ فأجاب ال‬
‫سؤالهم وحقق طمعهم ‪ -‬وهكذا من خلص إيمانه وصدق يقينه يكون ثوابه الجنة‪ .‬ثم قال‪" :‬والذين‬
‫كفروا" منن اليهود والنصنارى ومنن المشركينن "وكذبوا بآياتننا أولئك أصنحاب الجحينم" والجحينم‬
‫النار الشديدة التقاد‪ .‬يقال‪ :‬جحنم فلن النار إذا شدد إيقادهنا‪ .‬ويقال أيضنا لعينن السند‪ :‬جحمنة؛ لشدة‬
‫اتقادها‪ .‬ويقال ذلك للحرب قال الشاعر‪:‬‬
‫التخيل والمراح‬ ‫والحرب ل يبقى لجاحمها‬
‫النجدات والفرس الوقاح‬ ‫إل الفتى الصبار في‬
‫*‪*3‬الية‪{ 87 :‬يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل ال لكم ول تعتدوا إن ال ل يحب‬
‫المعتدين}‬
‫@ أسند الطبري إلى ابن عباس أن الية نزلت بسبب رجل أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫ينا رسنول ال إنني إذا أصنبت منن اللحنم انتشرت وأخذتنني شهوتني فحرمنت اللحنم؛ فأنزل ال هذه‬
‫الية‪ .‬وقيل‪ :‬إنها نزلت بسبب جماعة من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم منهم أبو بكر‬
‫وعلي وابن مسعود وعبدال بن عمر وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن السود‬
‫وسنلمان الفارسني ومعقنل بنن مقرن رضني ال عنهنم‪ ،‬اجتمعوا فني دار عثمان بنن مظعون‪ ،‬واتفقوا‬
‫على أن يصنننوموا النهار ويقوموا اللينننل ول يناموا على الفرش‪ ،‬ول يأكلوا اللحنننم ول الودك ول‬
‫يقربوا النسناء والطينب‪ ،‬ويلبسنوا المسنوح ويرفضوا الدنينا ويسنيحوا فني الرض‪ ،‬ويترهبوا ويجبوا‬
‫المذاكير؛ فأنزل ال تعالى هذه الية‪ .‬والخبار بهذا المعنى كثيرة وإن لم يكن فيها ذكر النزول‬
‫@ خرج مسلم عن أنس أن نفرا من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى‬
‫ال علينه وسنلم عنن عمله فني السنر؛ فقال بعضهنم‪ :‬ل أتزوج النسناء؛ وقال بعضهنم‪ :‬ل آكنل اللحنم؛‬
‫وقال بعضهم‪ :‬ل أنام على الفراش؛ فحمد ال وأثنى عليه فقال‪[ :‬وما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني‬
‫أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني]‪ .‬وخرجه البخاري‬
‫عنن أننس أيضنا ولفظنه قال‪ :‬جاء ثلثنة رهنط إلى بيوت أزواج الننبي صنلى ال علينه وسنلم يسنألون‬
‫عن عبادته؛ فلما أخبروا كأنهم تقالوها ‪ -‬فقالوا‪ :‬وأين نحن من النبي صلى ال عليه وسلم؟ قد غفر‬
‫ال له منن ذنبنه منا تقدم ومنا تأخنر‪ .‬فقال أحدهنم‪ :‬أمنا أننا فإنني أصنلي اللينل أبدا‪ .‬وقال آخنر‪ :‬أمنا أننا‬
‫فأصوم الدهر ول أفطر‪ .‬وقال آخر‪ :‬أما أنا فأعتزل النساء ول أتزوج أبدا‪ .‬فجاء رسول ال صلى‬
‫ال علينه وسنلم فقال‪[ :‬أنتنم الذينن قلتنم كذا وكذا أمنا وال إنني لخشاكنم ل وأتقاكنم له لكنني أصنوم‬
‫وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني]‪ .‬وخرجا عن سعد بن أبي‬
‫وقاص قال‪ :‬أراد عثمان بنن مظعون أن يتبتنل فنهاه الننبي صنلى ال علينه وسنلم ولو أجاز له ذلك‬
‫لختصينا‪ .‬وخرج المام أحمد بن حنبل رضي ال عنه في مسنده قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا‬
‫معان بن رفاعة‪ ،‬قال حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي رضي ال عنه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫خرجنا مع رسول ال صنلى ال عليه وسلم فني سنرية من سنراياه؛ قال‪ :‬فمنر رجل بغار فيه شيء‬
‫منن الماء فحدث نفسنه بأن يقينم فني ذلك الغار فيقوتنه منا كان فينه منن ماء‪ ،‬ويصنيب منا حوله منن‬
‫البقنل‪ ،‬ويتخلى عنن الدنينا؛ قال‪ :‬لو أنني أتينت إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فذكرت له ذلك‪ ،‬فإن‬
‫أذن لي فعلت وإل لم أفعل؛ فأتاه فقال‪ :‬يا نبي ال إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل‪،‬‬
‫فحدثتنني نفسني بأن أقينم فينه وأتخلى عنن الدنينا؛ قال‪ :‬فقال له الننبي صنلى ال علينه وسنلم [إنني لم‬
‫أبعنث باليهودينة ول النصنرانية ولكنني بعثنت بالحنيفينة السنمحة والذي نفنس محمند بيده لغدوة أو‬
‫روحة في سبيل ال خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلته ستين سنة]‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا رحمة ال عليهم في هذه الية وما شابهها والحاديث الواردة في معناها رد على‬
‫غلة المتزهدين‪ ،‬وعلى أهل البطالة من المتصوفين؛ إذ كل فريق منهم قد عدل عن طريقه‪ ،‬وحاد‬
‫عنن تحقيقنه؛ قال الطنبري‪ :‬ل يجوز لحند منن المسنلمين تحرينم شينء ممنا أحنل ال لعباده المؤمنينن‬
‫على نفسنه منن طيبات المطاعنم والملبنس والمناكنح إذا خاف على نفسنه بإحلل ذلك بهنا بعنض‬
‫العننت والمشقنة؛ ولذلك رد الننبي صنلى ال علينه وسنلم التبتنل على ابنن مظعون فثبنت أننه ل فضنل‬
‫فني ترك شيء ممنا أحله ال لعباده‪ ،‬وأن الفضل والبر إنما هو فني فعنل منا ندب عباده إليه‪ ،‬وعمنل‬
‫به رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسنة أمته‪ ،‬واتبعه على منهاجه الئمة الراشدون‪ ،‬إذ كان خير‬
‫الهدي هدي نبينننا محمنند صننلى ال عليننه وسننلم‪ ،‬فإذا كان كذلك تننبين خطننأ مننن آثننر لباس الشعننر‬
‫والصوف على لباس القطن والكتان إذا قدر على لباس ذلك من حله‪ ،‬وآثر أكل الخشن من الطعام‬
‫وترك اللحم وغيره حذرا من عارض الحاجة إلى النساء‪ .‬قال الطبري‪ :‬فإن ظن ظان أن الخير في‬
‫غينر الذي قلننا لمنا فني لباس الخشنن وأكله منن المشقنة على النفنس وصنرف منا فضنل بينهمنا منن‬
‫القيمنة إلى أهنل الحاجنة فقند ظنن خطنأ؛ وذلك أن الولى بالنسنان صنلح نفسنه وعوننه لهنا على‬
‫طاعة ربها‪ ،‬ول شيء أضر للجسم من المطاعم الرديئة لنها مفسدة لعقله ومضعفة لدواته التي‬
‫جعلهننا ال سننببا إلى طاعتننه‪ .‬وقنند جاء رجننل إلى الحسننن البصننري؛ فقال‪ :‬إن لي جارا ل يأكننل‬
‫الفالوذج فقال‪ :‬ولم؟ قال‪ :‬يقول ل يؤدي شكره؛ فقال الحسننننن‪ :‬أفيشرب الماء البارد؟ فقال‪ :‬نعننننم‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إن جارك جاهنل‪ ،‬فإن نعمنة ال علينه فني الماء البارد أكثنر منن نعمتنه علينه فني الفالوذج‪ .‬قال‬
‫ابنن العربني قال علماؤننا‪ :‬هذا إذا كان الدينن قوامنا‪ ،‬ولم يكنن المال حرامنا؛ فأمنا إذا فسند الدينن عنند‬
‫الناس وعم الحرام فالتبتل أفضل‪ ،‬وترك اللذات أولى‪ ،‬وإذا وجد الحلل فحال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم أفضل وأعلى‪ .‬قال المهلب‪ :‬إنما نهى صلى ال عليه وسلم عن التبتل والترهب من أجل أنه‬
‫مكاثر بأمته المم يوم القيامة‪ ،‬وأنه في الدنيا مقاتل بهم طوائف الكفار‪ ،‬وفي آخر الزمان يقاتلون‬
‫الدجال؛ فأراد النبي صلى ال عليه وسلم أن يكثر النسل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تعتدوا" قينل‪ :‬المعننى ل تعتدوا فتحلوا منا حرم ال فالنهيان على هذا تضمننا‬
‫الطرفيننن؛ أي ل تشددوا فتحرموا حلل‪ ،‬ول تترخصننوا فتحلوا حرامننا؛ قاله الحسننن البصننري‪.‬‬
‫وقينل‪ :‬معناه التأكيند لقوله‪" :‬تحرموا"؛ قاله السندي وعكرمنة وغيرهمنا؛ أي ل تحرموا منا أحنل ال‬
‫وشرع‪ .‬والول أولى‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ من حرم على نفسه طعاما أو شرابا أو أمة له‪ ،‬أو شيئا مما أحل ال فل شيء عليه‪ ،‬ول كفارة‬
‫في شيء من ذلك عند مالك؛ إل أنه إن نوى بتحريم المة‪ .‬عتقها صارت حرة وحرم عليه وطؤها‬
‫إل بنكاح جديند بعند عتقهنا‪ .‬وكذلك إذا قال لمرأتنه أننت علي حرام فإننه تطلق علينه ثلثنا؛ وذلك أن‬
‫ال تعالى قند أباح له أن يحرم امرأتنه علينه بالطلق صنريحا وكناينة‪ ،‬وحرام منن كنايات الطلق‪.‬‬
‫وسنيأتي منا للعلماء فينه فني سنورة (التحرينم) إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال أبنو حنيفنة‪ :‬إن منن حرم شيئا‬
‫صنار محرمنا علينه‪ ،‬وإذا تناوله لزمتنه الكفارة؛ وهذا بعيند والينة ترد علينه‪ .‬وقال سنعيد بنن جنبير‪:‬‬
‫لغو اليمين تحريم الحلل‪ .‬وهو معنى قول الشافعي على ما يأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 88 :‬وكلوا مما رزقكم ال حلل طيبا واتقوا ال الذي أنتم به مؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكلوا ممنا رزقكنم ال حلل طيبنا" فينه مسنألة واحدة‪ :‬الكنل فني هذه الينة عبارة‬
‫عننن التمتننع بالكننل والشرب واللباس والركوب ونحننو ذلك‪ .‬وخننص‪ ،‬الكننل بالذكننر؛ لنننه أعظننم‬
‫المقصود وأخص النتفاعات بالنسان‪ .‬وسيأتي بيان حكم الكل والشرب واللباس في "العراف"‬
‫إن شاء ال تعالى‪ .‬وأمنا شهوة الشياء الملذة‪ ،‬ومنازعنة النفنس إلى طلب النواع الشهينة‪ ،‬فمذاهنب‬
‫الناس فني تمكينن النفنس منهنا مختلفنة؛ فمنهننم منن يرى صنرف النفنس عنهنا وقهرهنا عنن اتباع‬
‫شهواتها أحرى ليذل له قيادها‪ ،‬ويهون عليه عندها؛ فإنه إذا أعطاها المراد يصير أسير شهواتها‪،‬‬
‫ومنقادا بانقيادهنا‪ .‬حكني أن أبنا حازم كان يمنر على الفاكهنة فيشتهيهنا فيقول‪ :‬موعدك الجننة‪ .‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬تمكيننن النفننس مننن لذاتهننا أولى لمننا فيننه مننن ارتياحهننا ونشاطهننا بإدراك إرادتهننا‪ .‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬بنل التوسنط فني ذلك أولى؛ لن فني إعطائهنا ذلك مرة ومنعهنا أخرى جمنع بينن المرينن؛‬
‫وذلك النصف من غير شين‪ .‬وتقدم معنى العتداء والرزق في "البقرة" والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 89 :‬ل يؤاخذكنم ال باللغنو فني أيمانكنم ولكنن يؤاخذكنم بمنا عقدتنم اليمان فكفارتنه‬
‫إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام‬
‫ثلثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين ال لكم آياته لعلكم تشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يؤاخذكنم ال باللغنو فني أيمانكنم" تقدم معننى اللغنو فني "البقرة" ومعننى "فني‬
‫أيمانكم" أي من أيمانكم‪ ،‬واليمان جمع يمين‪ .‬وقيل‪ :‬ويمين فعيل من اليمن وهو البركة؛ سماها ال‬
‫تعالى بذلك؛ لنها تحفظ الحقوق‪ .‬ويمين تذكر وتؤنث وتجمع أيمان وأيمن‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫فتجمع أيمن منا ومنكم‬
‫@ واختلف في سبب نزول هذه الية؛ فقال ابن عباس‪ :‬سبب نزولها القوم الذين حرموا طيبات‬
‫المطاعنم والملبنس والمناكنح على أنفسنهم‪ ،‬حلفوا على ذلك فلمنا نزلت "ل تحرموا طيبات منا أحنل‬
‫ال لكم" قالوا‪ :‬كيف نصنع بأيماننا؟ فنزلت هذه الية‪ .‬والمعنى على هذا القول؛ إذا أتيتم باليمين ثم‬
‫ألغيتموهنا ‪ -‬أي أسنقطتم حكمهنا بالتكفينر وكفرتنم ‪ -‬فل يؤاخذكنم ال بذلك؛ وإنمنا يؤاخذكنم بمنا أقمتنم‬
‫عليننه فلم تلغوه؛ أي فلم تكفروا؛ فبان بهذا أن الحلف ل يحرم شيئا‪ .‬وهننو دليننل الشافعنني على أن‬
‫اليمينن ل يتعلق بهنا تحرينم الحلل‪ ،‬وأن تحرينم الحلل لغنو‪ ،‬كمنا أن تحلينل الحرام لغنو مثنل قول‬
‫القائل‪ :‬اسننتحللت شرب الخمننر‪ ،‬فتقتضنني اليننة على هذا القول أن ال تعالى جعننل تحريننم الحلل‬
‫لغوا فنني أننه ل يحرم؛ فقال‪" :‬ل يؤاخذكننم ال باللغننو فنني أيمانكننم" أي بتحريننم الحلل‪ .‬وروي أن‬
‫عبدال بننن رواحننة كان له أيتام وضيننف‪ ،‬فانقلب مننن شغله بعنند سنناعة مننن الليننل‪ .‬فقال‪ :‬أعشيتننم‬
‫ضيفنني؟ فقالوا‪ :‬انتظرناك؛ فقال‪ :‬ل وال ل آكله الليلة؛ فقال ضيفننه‪ :‬ومننا أنننا بالذي يأكننل؛ وقال‬
‫أيتامنه‪ :‬ونحنن ل نأكنل؛ فلمنا رأى ذلك أكنل وأكلوا‪ .‬ثنم أتنى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فأخنبره فقال‬
‫له‪" :‬أطعت الرحمن وعصيت الشيطان" فنزلت الية‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬اليمان في الشريعة على أربعة أقسام‪ :‬قسمان فيهما الكفارة‪ ،‬وقسمان ل كفارة فيهما‪ .‬خرج‬
‫الدارقطني في سننه‪ ،‬حدثنا عبدال بن محمد بن عبدالعزيز حدثنا خلف بن هشام حدثنا عبثر عن‬
‫لينث عن حماد عن إبراهينم عن علقمنة عن عبدال‪ ،‬قال‪ :‬اليمان أربعنة‪ ،‬يمينان يكفران ويمينان ل‬
‫يكفران؛ فاليمينان اللذان يُكفّران فالرجنل الذي يحلف وال ل أفعنل كذا وكذا فيفعنل‪ ،‬والرجنل يقول‬
‫وال لفعلن كذا وكذا فل يفعننل‪ ،‬واليمينان اللذان ل يكفران فالرجننل يحلف وال مننا فعلت كذا وكذا‬
‫وقند فعنل‪ ،‬والرجنل يحلف لقد فعلت كذا وكذا ولم يفعله‪ .‬قال ابنن عبدالبر‪ :‬وذكر سفيان الثوري فني‬
‫(جامعنه) وذكره المروزي عننه أيضنا‪ ،‬قال سنفيان‪ :‬اليمان أربعنة؛ يمينان يكفران وهنو أن يقول‬
‫الرجننل وال ل أفعننل فيفعننل‪ ،‬أو يقول وال لفعلن ثننم ل يفعننل؛ ويمينان ل يكفران وهننو أن يقول‬
‫الرجننل وال مننا فعلت وقنند فعننل‪ ،‬أو يقول وال لقنند فعلت ومننا فعننل؛ قال المروزي‪ :‬أمننا اليمينان‬
‫الوليان فل اختلف فيهما بين العلماء على ما قال سفيان؛ وأما اليمينان الخريان فقد اختلف أهل‬
‫العلم فيهمنا؛ فإن كان الحالف حلف على أننه لم يفعنل كذا وكذا‪ ،‬أو أننه قند فعنل كذا وكذا عنند نفسنه‬
‫صنادقا يرى أننه على منا حلف علينه فل إثنم علينه ول كفارة علينه فني قول مالك وسنفيان الثوري‬
‫وأصننحاب الرأي وكذلك قال أحمنند وأبننو عبينند؛ وقال الشافعنني ل إثننم عليننه وعليننه الكفارة‪ .‬قال‬
‫المروزي‪ :‬ولينس قول الشافعني فني هذا بالقوي‪ .‬قال‪ :‬وإن كان الحالف على أننه لم يفعنل هذا وكذا‬
‫وقنند فعننل متعمدا للكذب فهننو آثننم ول كفارة عليننه فنني قول عامننة العلماء‪ :‬مالك وسننفيان الثوري‬
‫وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وأبي ثور وأبي عبيد‪ .‬وكان الشافعي يقول يُكفّر؛ قال‪ :‬وقد روي‬
‫عنن بعنض التابعينن مثنل قول الشافعني‪ .‬قال المروزي‪ :‬أمينل إلى قول مالك وأحمند‪ .‬قال‪ :‬فأمنا يمينن‬
‫اللغننو الذي اتفننق عامننة العلماء على أنهننا لغننو فهننو قول الرجننل‪ :‬ل وال‪ ،‬وبلى وال‪ ،‬فنني حديثننه‬
‫وكلمه غير منعقد لليمين ول مريدها‪ .‬قال الشافعي‪ :‬وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكن يؤاخذكم بما عقدتنم اليمان" مخفف القاف من العقد‪ ،‬والعقد على ضربين‬
‫حسي كعقد الحبل‪ ،‬وحكمي كعقد البيع؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا‬ ‫قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم‬
‫فاليمين المنعقدة منفعلة من العقد‪ ،‬وهي عقد القلب في المستقبل أل يفعل ففعل؛ أو ليفعلن فل يفعل‬
‫كمنا تقدم‪ .‬فهذه التني يحلهنا السنتثناء والكفارة على منا يأتني‪ .‬وقرئ "عاقدتنم" بألف بعند العينن على‬
‫وزن فاعل وذلك ل يكون إل من اثنين في الكثر‪ ،‬وقد يكون الثاني من حلف لجله في كلم وقع‬
‫معنه‪ ،‬أو يكون المعننى بمنا عاقدتنم علينه اليمان؛ لن عاقند قرينب منن معننى عاهند فعدي بحرف‬
‫الجنر‪ ،‬لمنا كان فني معننى عاهند‪ ،‬وعاهند يتعدى إلى مفعولينن الثانني منهمنا بحرف جنر؛ قال ال‬
‫تعالى‪" :‬ومن أوفى بما عاهد عليه ال" [الفتح‪ ]10 :‬وهذا كما عديت "ناديتم إلى الصلة" بإلى‪،‬‬
‫وبابها أن تقول ناديت زيدا "وناديناه من جانب الطور اليمن" [مريم‪ ]52 :‬لكن لما كانت بمعنى‬
‫دعوت عدي بإلى؛ قال ال تعالى‪" :‬ومنن أحسنن قول ممنن دعنا إلى ال" [فصنلت‪ ]33 :‬ثنم اتسنع‬
‫فنني قوله تعالى‪" :‬عاقدتننم علينه اليمان"‪ .‬فحذف حرف الجننر؛ فوصنل الفعننل إلى المفعول فصننار‬
‫عاقدتموه‪ ،‬ثنم حذفنت الهاء كمنا حذفنت منن قوله تعالى‪" :‬فاصندع بمنا تؤمنر" [الحجنر‪ .]94 :‬أو‬
‫يكون فاعل بمعنى فعل كما قال تعالى‪" :‬قاتلهم ال" [التوبة‪ ]30:‬أي قتلهم‪ .‬وقد تأتي المفاعلة في‬
‫كلم العرب منن واحند بغينر معننى (فاعلت) كقولهنم‪ :‬سنافرت وظاهرت‪ .‬وقرئ "عقدتنم" بتشديند‬
‫القاف‪ .‬قال مجاهند‪ :‬معناه تعمدتنم أي قصندتم‪ .‬وروي عن ابنن عمنر أن التشديند يقتضي التكرار فل‬
‫تجنب علينه الكفارة إل إذا كرر‪ .‬وهذا يرده منا روي أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم قال‪[ :‬إنني وال‬
‫إن شاء ال ل أحلف على يميننن فأرى غيرهننا خيرا منهننا إل أتيننت الذي هننو خيننر وكفرت عننن‬
‫يمينني]‪ .‬فذكنر وجوب الكفارة فني اليمينن التني لم تتكرر‪ .‬قال أبنو عبيند‪ :‬التشديند يقتضني التكرينر‬
‫مرة بعند مرة‪ ،‬ولسنت آمنن أن يلزم منن قرأ بتلك القراءة أل توجنب علينه كفارة فني اليمينن الواحدة‬
‫حتى يرددها مرارا‪ .‬وهذا قول خلف الجماع‪ .‬وروى نافع أن ابن عمر كان إذا حنث من غير أن‬
‫يؤكند اليمينن أطعنم عشرة مسناكين‪ ،‬فإذا وكند اليمينن أعتنق رقبنة‪ .‬قينل لنافنع منا معننى وكند اليمينن؟‬
‫قال‪ :‬أن يحلف على الشيء مرارا‪.‬‬
‫@ اختلف فني اليمينن الغموس هنل هني يمينن منعقدة أم ل؟ فالذي علينه الجمهور أنهنا يمينن مكنر‬
‫وخديعنة وكذب فل تنعقند ول كفارة فيهنا‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬هني يمينن منعقدة؛ لنهنا مكتسنبة بالقلب‪،‬‬
‫معقودة بخبر‪ ،‬مقرونة باسم ال تعالى‪ ،‬وفيها الكفارة‪ .‬والصحيح الول‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وهذا قول‬
‫مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة‪ ،‬وبه قال الوزاعي ومن وافقه من أهل الشام‪ ،‬وهو قول‬
‫الثوري وأهل العراق‪ ،‬وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد‪ ،‬وأصحاب الحديث وأصحاب‬
‫الرأي من أهل الكوفة؛ قال أبو بكر‪ :‬وقول النبي صلى ال عليه وسلم‪[ :‬من حلف على يمين فرأى‬
‫غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه] وقوله‪[ :‬فليكفر عن يمينه ويأتي الذي هو‬
‫خير] يدل على أن الكفارة إنما تجب فيمن حلف على فعل يفعله مما يستقبل فل يفعله‪ ،‬أو على فعل‬
‫أل يفعله فيما يستقبل فيفعله‪.‬‬
‫وفني المسنألة قول ثان وهنو أن يكفنر وإن أثنم وعمند الحلف بال كاذبنا؛ هذا قول الشافعني‪ .‬قال أبنو‬
‫بكننر‪ :‬ولنعلم خننبرا يدل على هذا القول‪ ،‬والكتاب والسنننة دالن على القول الول؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"ول تجعلوا ال عرضة ليمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس" [البقرة‪ ]224 :‬قال ابن‬
‫عباس‪ :‬هنو الرجنل يحلف أل يصنل قرابتنه فجعنل ال له مخرجنا فني التكفينر‪ ،‬وأمره أل يعتنل بال‬
‫وليكفر عن يمينه‪ .‬والخبار دالة على أن اليمين التي يحلف بها الرجل يقتطع بها مال حراما هي‬
‫أعظننم مننن أن يكفرهننا مننا يكفننر اليميننن‪ .‬قال ابننن العربنني‪ :‬اليننة وردت بقسننمين‪ :‬لغننو ومنعقدة‪،‬‬
‫وخرجت على الغالب في أيمان الناس فدع ما بعدها يكون مائة قسم فإنه لم تلعق عليه كفارة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬خرج البخاري عنن عبدال بنن عمرو قال‪ :‬جاء أعرابني إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم‬
‫فقال‪ :‬ينا رسنول ال منا الكبائر؟ قال‪[ :‬الشراك بال] قال‪ :‬ثنم ماذا؟ قال‪[ :‬عقوق الوالدينن] قال‪ :‬ثنم‬
‫ماذا؟ قال‪[ :‬اليمين الغموس] قلت‪ :‬وما اليمين الغموس؟ قال‪[ :‬التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو‬
‫فيها كاذب]‪ .‬وخرج مسلم عن أبي أمامة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪[ :‬من اقتطع حق‬
‫امرئ مسنلم بيميننه فقند أوجنب ال له النار وحرم علينه الجننة] فقال رجنل‪ :‬وإن كان شيئا يسنيرا ينا‬
‫رسنول ال؟ قال‪[:‬وإن كان قضيبنا منن أراك]‪ .‬ومنن حدينث عبدال بنن مسنعود؛ فقال ينا رسنول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪[ :‬من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي ال‬
‫وهنو علينه غضبان]‪ .‬فنزلت "إن الذينن يشترون بعهند ال وأيمانهنم ثمننا قليل" [آل عمران‪]77:‬‬
‫إلى آخر الية ولم يذكر كفارة‪ ،‬فلو أوجبنا عليه كفارة لسقط جرمه‪ ،‬ولقي ال وهو عنه راض‪ ،‬ولم‬
‫يسنتحق الوعيند المتوعند علينه؛ وكينف ل يكون ذلك وقند جمنع هذا الحالف الكذب‪ ،‬واسنتحلل مال‬
‫الغينر‪ ،‬والسنتخفاف باليمينن بال تعالى‪ ،‬والتهاون بهنا وتعظينم الدنينا؟ فأهان منا عظمنه ال‪ ،‬وعظنم‬
‫منا حقره ال وحسنبك‪ .‬ولهذا قينل‪ :‬إنمنا سنميت اليمينن الغموس غموسنا لنهنا تغمنس صناحبها فني‬
‫النار‪.‬‬
‫@ الحالف بأل يفعنل على بر منا لم يفعنل‪ ،‬فإن فعنل حننث ولزمتنه الكفارة لوجود المخالفنة مننه؛‬
‫وكذلك إذا قال إن فعلت‪ .‬وإذا حلف بأن ليفعلن فإنه في الحال على حنث لوجود المخالفة‪ ،‬فإن فعل‬
‫بر‪ ،‬وكذلك إن قال إن لم أفعل‪.‬‬
‫@ قول الحالف‪ :‬لفعلن؛ وإن لم أفعل‪ ،‬بمنزلة المر وقوله‪ :‬ل أفعل‪ ،‬وإن فعلت‪ ،‬بمنزلة النهي‪.‬‬
‫ففني الول ل ينبر حتنى يفعنل جمينع المحلوف علينه‪ :‬مثاله لكلن هذا الرغينف فأكنل بعضنه ل ينبر‬
‫حتنى يأكنل جميعنه‪ :‬لن كنل جزء مننه محلوف علينه‪ .‬فإن قال‪ :‬وال لكلن ‪ -‬مطلقنا ‪ -‬فإننه ينبر بأقنل‬
‫جزء ممنا يقنع علينه السنم؛ لدخال ماهينة الكنل فني الوجود‪ .‬وأمنا فني النهني فإننه يحننث بأقنل منا‬
‫ينطلق علينه السننم؛ لن مقتضاه أل يدخننل فرد منن أفراد المنهننى عننه فنني الوجود؛ فإن حلف أل‬
‫يدخنل دارا فأدخنل إحدى رجلينه حننث؛ والدلينل علينه أننا وجدننا الشارع غلظ جهنة التحرينم بأول‬
‫السم في قوله تعالى‪" :‬ول تنكحوا ما نكح آباؤكم" [النساء‪ ]22 :‬؛ فمن عقد على امرأة ولم يدخل‬
‫بها حرمت على أبيه وابنه‪ ،‬ولم يكتف في جهة التحليل بأول السم فقال‪[ :‬ل حتى تذوقي عسيلته]‪.‬‬
‫@ المحلوف بنه هنو ال سنبحانه وأسنماؤه الحسننى‪ ،‬كالرحمنن والرحينم والسنميع والعلينم والحلينم‪،‬‬
‫ونحنو ذلك منن أسنمائه وصنفاته العلينا‪ ،‬كعزتنه وقدرتنه وعلمنه وإرادتنه وكنبريائه وعظمتنه وعهده‬
‫وميثاقنه وسنائر صنفات ذاتنه؛ لنهنا يمينن بقدينم غينر مخلوق‪ ،‬فكان الحالف بهنا كالحالف بالذات‪.‬‬
‫روى الترمذي والنسائي وغيرهما أن جبريل عليه السلم لما نظر إلى الجنة ورجع إلى ال تعالى‬
‫قال‪ :‬وعزتك ل يسمع بها أحد إل دخلها‪ ،‬وكذلك قال في النار‪ :‬وعزتك ل يسمع بها أحدا فيدخلها‪.‬‬
‫وخرجنا أيضنا وغيرهمنا عنن ابنن عمنر قال‪ :‬كاننت يمينن الننبي صنلى ال علينه وسنلم [ل ومقلب‬
‫القلوب] وفى رواية [ل ومصرف القلوب] وأجمع أهل العلم على أن من حلف فقال‪ :‬وال أو بال‬
‫أو تال فحنث أن عليه الكفارة‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وكان مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وإسحاق‬
‫وأصنحاب الرأي يقولون‪ :‬منن حلف باسنم منن أسنماء ال وحننث فعلينه الكفارة‪ ،‬وبنه نقول ول أعلم‬
‫في ذلك خلفا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد نقل (في باب ذكر الحلف بالقرآن)؛ وقال يعقوب‪ :‬من حلف بالرحمن فحنث فل كفارة‬
‫عليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والرحمن من أسمائه سبحانه مجمع عليه ول خلف فيه‪.‬‬
‫@ واختلفوا فني وحنق ال وعظمنة ال وقدرة ال وعلم ال ولعمنر ال واينم ال؛ فقال مالك‪ :‬كلهنا‬
‫أيمان تجنب فيهنا الكفارة‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬فني وحنق ال وجلل ال وعظمنة ال وقدرة ال‪ ،‬يمينن إن‬
‫نوى بهنا اليمينن‪ ،‬وإن لم يرد اليمينن فليسنت بيمينن؛ لننه يحتمنل وحنق ال واجنب وقدرتنه ماضينة‪.‬‬
‫وقال فني أماننة ال‪ :‬ليسنت بيمينن‪ ،‬ولعمنر ال واينم ال إن لم يرد بهنا اليمينن فليسنت بيمينن‪ .‬وقال‬
‫أصننحاب الرأي إذا قال‪ :‬وعظمننة ال وعزة ال وجلل ال وكننبرياء ال وأمانننة ال فحنننث فعليننه‬
‫الكفارة‪ .‬وقال الحسنن فني وحنق ال‪ :‬ليسنت بيمينن ول كفارة فيهنا؛ وهنو قول أبني حنيفنة حكاه عننه‬
‫الرازي‪ .‬وكذلك عهنند ال وميثاقننه وأمانتننه ليسننت بيميننن‪ .‬وقال بعننض أصننحابه هنني يميننن‪ .‬وقال‬
‫الطحاوي‪ :‬ليسنت بيمينن‪ ،‬وكذا إذا قال‪ :‬وعلم ال لم يكنن يميننا فني قول أبني حنيفنة‪ ،‬وخالفنه صناحبه‬
‫أبننو يوسننف فقال‪ :‬يكون يمينننا‪ .‬قال ابننن العربنني‪ :‬والذي أوقعننه فنني ذلك أن العلم قنند ينطلق على‬
‫المعلوم وهنو المحننث فل يكون يميننا‪ .‬وذهنل عنن أن القدرة تنطلق على المقدور‪ ،‬فكنل كلم له فني‬
‫المقدور فهنو حجتننا فني المعلوم‪ .‬قال ابنن المنذر‪ :‬وثبنت أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال‪:‬‬
‫[واينم ال أن كان لخليقنا للمارة] فني قصنة زيند وابننه أسنامة‪ .‬وكان ابنن عباس يقول‪ :‬واينم ال؛‬
‫وكذلك قال ابن عمر‪ .‬وقال إسحاق‪ :‬إذا أراد بأيم ال يمينا كانت يمينا بالرادة وعقد القلب‪.‬‬
‫@ واختلفوا في الحلف بالقرآن؛ فقال ابن مسعود‪ :‬عليه بكل آية يمين؛ وبه قال الحسن البصري‬
‫وابن المبارك‪ .‬وقال أحمد‪ :‬ما أعلم شيئا يدفعه‪ .‬وقال أبو عبيد‪ :‬يكون يمينا واحدة‪ .‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫ل كفارة عليه‪ .‬وكان قتادة يحلف بالمصحف‪ .‬وقال أحمد وإسحاق ل نكره ذلك‪.‬‬
‫@ ل تنعقد اليمين بغير ال تعالى وأسمائه وصفاته‪ .‬وقال أحمد بن حنبل‪ :‬إذا حلف بالنبي صلى‬
‫ال عليه وسلم انعقدت يمينه؛ لنه حلف بما ل يتم اليمان إل به فتلزمه الكفارة كما لو حلف بال‪.‬‬
‫وهذا يرده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه أدرك عمر بن‬
‫الخطاب في ركب وعمر يحلف بأبيه‪ ،‬فناداهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬أل إن ال ينهاكم‬
‫أن تحلفوا بآبائكنم فمنن كان حالفنا فليحلف بال أو ليصنمت] وهذا حصنر فني عدم الحلف بكنل شينء‬
‫سوى ال تعالى وأسمائه وصفاته كما ذكرنا‪ .‬ومما يحقق ذلك ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما‬
‫عننن أبنني هريرة قال قال رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم‪[ :‬ل تحلفوا بآبائكننم ول بأمهاتكننم ول‬
‫بالنداد ول تحلفوا إل بال إل وأنتنم صنادقون] ثنم ينتقنض علينه بمنن قال‪ :‬وآدم وإبراهينم فإننه ل‬
‫كفارة عليه‪ ،‬وقد حلف بما ل يتم اليمان إل به‪.‬‬
‫@ روى الئمة واللفظ لمسلم عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬من حلف‬
‫منكنم فقال فني حلفه باللت فليقل ل إله إل ال ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصندق]‪ .‬وخرج‬
‫النسنائي عنن مصنعب بنن سنعد عنن أبينه قال‪ :‬كننا نذكنر بعنض المنر وأننا حدينث عهند بالجاهلينة‬
‫فحلفنت باللت والعزى‪ ،‬فقال لي بعنض أصنحاب رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪ :‬بئس منا قلت‪:‬‬
‫وفي رواية قلت هجرا؛ فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال‪[ :‬قل ل إله إل‬
‫ال وحده ل شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وانفث عن يسارك ثلثا وتعوذ‬
‫بال من الشيطان ثم ل تعد]‪ .‬قال العلماء‪ :‬فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم من نطق بذلك أن‬
‫يقول بعده ل إله إل ال تكفيرا لتلك اللفظننة‪ ،‬وتذكيرا مننن الغفلة‪ ،‬وإتمامننا للنعمننة‪ .‬وخننص اللت‬
‫بالذكر لنها أكثر ما كانت تجري على ألسنتهم‪ ،‬وحكم غيرها من أسماء آلهتهم حكمها إذ ل فرق‬
‫بينهنا‪ ،‬وكذا منن قال لصناحبه‪ :‬تعال أقامرك فليتصندق فالقول فينه كالقول فني اللت؛ لنهنم كانوا‬
‫اعتادوا المقامرة وهي من أكل المال بالباطل‪.‬‬
‫@ قال أبو حنيفة في الرجل يقول‪ :‬هو يهودي أو نصراني أو بريء من السلم أو من النبي أو‬
‫من القرآن أو أشرك بال أو أكفر بال‪ :‬إنها يمين تلزم فيها الكفارة‪ ،‬ول تلزم فيما إذا قال‪ :‬اليهودية‬
‫والنصرانية والنبي والكعبة وإن كانت على صيغة اليمان‪ .‬ومتمسكه ما رواه الدارقطني عن أبي‬
‫رافع أن مولته أرادت أن تفرق بينه وبين امرأته فقالت‪ :‬هي يوما يهودية‪ ،‬ويوما نصرانية‪ ،‬وكل‬
‫مملوك لها حر؛ وكل مال لها في سبيل ال‪ ،‬وعليها مشي إلى بيت ال إن لم تفرق بينهما‪ ،‬فسألت‬
‫عائشنة وحفصنة وابنن عمنر وابنن عباس وأم سنلمة فكلهنم قال لهنا‪ :‬أتريدينن أن تكونني مثنل هاروت‬
‫وماروت؟ وأمروهننا أن تكفننر عننن يمينهننا وتخلي بينهمننا‪ .‬وخرج أيضننا عنننه قال‪ :‬قالت مولتنني‬
‫لفرقن بينك وبين امرأتك‪ ،‬وكل مال لها في رتاج الكعبة وهي يوما يهودية ويوما نصرانية ويوما‬
‫مجوسية إن لم أفرق بينك وبين امرأتك؛ قال‪ :‬فانطلقت إلى أم المؤمنين أم سلمة فقلت‪ :‬إن مولتي‬
‫ترينند أن تفرق بيننني وبيننن امرأتنني؛ فقالت انطلق إلى مولتننك فقننل لهننا‪ :‬إن هذا ل يحننل لك؛ قال‪:‬‬
‫فرجعنت إليهنا؛ قال ثنم أتينت ابنن عمنر فأخنبرته فجاء حتنى انتهنى إلى الباب فقال‪ :‬ههننا هاروت‬
‫وماروت؛ فقالت‪ :‬إنني جعلت كنل مال لي فني رتاج الكعبنة‪ .‬قال‪ :‬فمنم تأكلينن؟ قالت‪ :‬وقلت أننا يومنا‬
‫يهودينة ويومنا نصنرانية ويومنا مجوسنية؛ فقال‪ :‬إن تهودت قتلت وإن تنصنرت قتلت وإن تمجسنت‬
‫قتلت؛ قالت‪ :‬فمنا تأمرنني؟ قال‪ :‬تكفرينن عنن يميننك‪ ،‬وتجمعينن بينن فتاك وفتاتنك‪ .‬وأجمنع العلماء‬
‫على أن الحالف إذا قال‪ :‬أقسنم بال أنهنا يمينن‪ .‬واختلفوا إذا قال أقسنم أو أشهند ليكون كذا وكذا ولم‬
‫يقنل بال فإنهنا تكون أيماننا عنند مالك إذا أراد بال‪ ،‬وإن لم يرد بال لم تكنن أيماننا تكفنر‪ .‬وقال أبنو‬
‫حنيفنة والوزاعني والحسنن والنخعني‪ :‬هني أيمان فني الموضعينن‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬ل تكون أيماننا‬
‫حتى يذكر اسم ال تعالى؛ هذه رواية المزني عنه‪ .‬وروى عنه الربيع مثل قول مالك‪.‬‬
‫@ إذا قال‪ :‬أقسنمت عليك لتفعلن؛ فإن أراد سؤاله فل كفارة فيه وليست بيمين؛ وإن أراد اليمين‬
‫كان ما ذكرناه آنفا‪.‬‬
‫@ منن حلف بمنا يضاف إلى ال تعالى ممنا لينس بصنفة كقوله‪ :‬وخلق ال ورزقنه وبيتنه ل شينء‬
‫عليه؛ لنها أيمان غير جائزة‪ ،‬وحلف بغير ال تعالى‪.‬‬
‫@ إذا انعقدت اليمين حلتها الكفارة أو الستثناء‪ .‬وقال‪ ،‬ابن الماجشون‪ :‬الستثناء بدل عن الكفارة‬
‫وليست حل لليمين‪ .‬قال ابن القاسم‪ :‬هي حل لليمين؛ وقال ابن العربي‪ :‬وهو مذهب فقهاء المصار‬
‫وهنو الصنحيح؛ وشرطنه أن يكون متصنل منطوقنا بنه لفظنا؛ لمنا رواه النسنائي وأبنو داود عنن ابنن‬
‫عمنر عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم قال‪[ :‬منن حلف فاسنتثنى فإن شاء مضنى وإن شاء ترك عنن‬
‫غير حنث] فإن نواه من غير نطق أو قطعه من غير عذر لم ينفعه‪ .‬وقال محمد بن المواز‪ :‬يكون‬
‫السنتثناء مقترننا باليمينن اعتقادا ولو بآخنر حرف؛ قال‪ :‬فإن فرغ منهنا واسنتثنى لم ينفعنه ذلك؛ لن‬
‫اليمينن فرغنت عارينة منن السنتثناء‪ ،‬فورودهنا بعده ل يؤثنر كالتراخني؛ وهذا يرده الحدينث [منن‬
‫حلف فاستثنى] والفاء‪ ،‬للتعقيب وعليه جمهور أهل العلم‪ .‬وأيضا فإن ذلك يؤدي إلى أل تنحل يمين‬
‫ابتدئ عقدهننا وذلك باطننل‪ .‬وقال ابننن خويننز منداد‪ :‬واختلف أصننحابنا متننى اسننتثنى فنني نفسننه‬
‫تخصننيص مننا حلف عليننه‪ ،‬فقال بعننض أصننحابنا‪ :‬يصننح اسننتثناؤه وقنند ظلم المحلوف له‪ .‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬ل يصح حتى يسمع المحلوف له‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬يصح إذا حرك به لسانه وشفتيه وإن لم‬
‫يسنمع المحلوف له‪ .‬قال ابنن خوينز منداد‪ :‬وإنمنا قلننا يصنح اسنتثناؤه فني نفسنه‪ ،‬فلن اليمان تعتنبر‬
‫بالنيات‪ ،‬وإنما قلنا ل يصح ذلك حتى يحرك به لسانه وشفتيه‪ ،‬فإن من لم يحرك به لسانه وشفتيه‬
‫لم يكنن متكلمنا‪ ،‬والسنتثناء منن الكلم يقنع بالكلم دون غيره؛ وإنمنا قلننا ل يصنح بحال فلن ذلك‬
‫حنق للمحلوف له‪ ،‬وإنمنا يقنع على حسنب منا يسنتوفيه له الحاكنم‪ ،‬فلمنا لم تكنن اليمينن على اختيار‬
‫الحالف بل كانت مستوفاة منه‪ ،‬وجب أل يكون له فيها حكم‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬يدرك على الستثناء‬
‫اليمينن بعند سننة؛ وتابعنه على ذلك أبنو العالينة والحسنن وتعلق بقوله تعالى‪" :‬والذينن ل يدعون منع‬
‫ال إلهنا آخنر" [الفرقان‪ ]68 :‬الينة؛ فلمنا كان بعند عام نزل "إل منن تاب" [مرينم‪ .]60 :‬وقال‬
‫مجاهند‪ :‬منن قال بعند سننتين إن شاء ال أجزأه‪ .‬وقال سنعيد بنن جنبير‪ :‬إن اسنتثنى بعند أربعنة أشهنر‬
‫أجزأه‪ .‬وقال طاوس‪ :‬له أن يستثني ما دام في مجلسه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬إن استثنى قبل أن يقوم أو يتكلم‬
‫فله ثنياه‪ .‬وقال أحمند بنن حنبنل وإسنحاق‪ :‬يسنتثني منا دام فني ذلك المنر‪ .‬وقال عطاء‪ :‬له ذلك قدر‬
‫حلب الناقة الغزيرة‪.‬‬
‫@ قال ابنن العربني‪ :‬أمنا منا تعلق بنه ابنن عباس منن الينة فل متعلق له فيهنا؛ لن اليتينن كانتنا‬
‫متصلتين في علم ال وفي لوحه‪ ،‬وإنما تأخر نزولها لحكمة علم ال ذلك فيها‪ ،‬أما أنه يتركب عليها‬
‫فرع حسن؛ وهو أن الحالف إذا قال وال ل دخلت الدار‪ ،‬وأنت طالق إن دخلت الدار‪ ،‬واستثنى في‬
‫يمينه الول إن شاء ال في قلبه‪ ،‬واستثنى في اليمين الثانية في قلبه أيضا ما يصلح للستثناء الذي‬
‫يرفنع اليمينن لمدة أو سنبب أو مشيئة أحند‪ ،‬ولم يظهنر شيئا منن السنتثناء إرهابنا على المحلوف له‪،‬‬
‫فإن ذلك ينفعه ول تنعقد اليمينان عليه؛ وهذا في الطلق ما لم تحضره البينة؛ فإن حضرته بينة لم‬
‫تقبل منه دعواه الستثناء‪ ،‬وإنما يكون ذلك نافعا له إذا جاء مستفتيا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وجنه السنتثناء أن ال تعالى أظهنر الينة الولى وأخفنى الثانينة‪ ،‬فكذلك الحالف إذا حلف‬
‫إرهابننا وأخفننى السننتثناء‪ .‬وال أعلم‪ .‬قال ابننن العربنني‪ :‬وكان أبننو الفضننل المراغنني يقرأ بمدينننة‬
‫السلم‪ ،‬وكانت الكتب تأتي إليه من بلده‪ ،‬فيضعها في صندوق ول يقرأ منها واحدا مخافة أن يطلع‬
‫فيهنا على منا يزعجنه ويقطنع بنه عنن طلبنه؛ فلمنا كان بعند خمسنة أعوام وقضنى غرضنا منن الطلب‬
‫وعزم على الرحينل‪ ،‬شند رحله وأبرز كتبنه وأخرج تلك الرسنائل‪ ،‬فقرأ فيهنا منا لو أن واحدا منهنا‬
‫يقرؤه بعند وصنوله منا تمكنن بعده منن تحصنيل حرف منن العلم‪ ،‬فحمند ال ورحنل على دابنة قماشنه‬
‫وخرج إلى باب الحلبننة طريننق خراسننان‪ ،‬وتقدمننه الكري بالدابننة وأقام هننو على فامنني يبتاع منننه‬
‫سننفرته‪ ،‬فبينمننا هنو يحاول ذلك معنه إذ سننمعه يقول لفامنني آخننر‪ :‬أمننا سننمعت العالم يقول ‪ -‬يعننني‬
‫الواعظ ‪ -‬أن ابن عباس يجوز الستثناء ولو بعد سنة‪ ،‬لقد اشتغل بذلك بالي منذ سمعته فظللت فيه‬
‫متفكرا‪ ،‬ولو كان ذلك صنننحيحا لمنننا قال ال تعالى ليوب‪" :‬وخنننذ بيدك ضغثنننا فاضرب بنننه ول‬
‫تحنث" [ص‪ ]44 :‬وما الذي يمنعه من أن يقول‪ :‬قل إن شاء ال! فلما سمعه يقول ذلك قال‪ :‬بلد‬
‫يكون فيه الفاميون بهذا الحظ من العلم وهذه المرتبة أخرج عنه إلى المراغة؟ ل أفعله أبدا؛ واقتفى‬
‫أثر الكري وحلله من الكراء وأقام بها حتى مات‪.‬‬
‫@ السنتثناء إنمنا يرفنع اليمينن بال تعالى إذ هني رخصنة منن ال تعالى‪ ،‬ول خلف فني هذا‪.‬‬
‫واختلفوا فني السنتثناء فني اليمينن بغينر ال؛ فقال الشافعني وأبنو حنيفنة‪ :‬السنتثناء يقنع فني كنل يمينن‬
‫كالطلق والعتاق وغينر ذلك كاليمينن بال تعالى‪ :‬قال أبنو عمنر‪ :‬منا أجمعوا علينه فهنو الحنق‪ ،‬وإنمنا‬
‫ورد التوقيف بالستثناء في اليمين بال عز وجل ل في غير ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فكفارتنه" اختلف العلماء فني تقدينم الكفارة على الحننث هنل تجزئ أم ل؟ ‪ -‬بعند‬
‫إجماعهنم على أن الحننث قبنل الكفارة مباح حسنن وهنو عندهنم أولى ‪ -‬على ثلثنة أقوال‪ :‬أحدهنا‪:‬‬
‫يجزئ مطلقنا وهنو مذهنب أربعنة عشنر منن الصنحابة وجمهور الفقهاء وهنو مشهور مذهنب مالك‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬ل يجزئ بوجه‪ ،‬وهي رواية أشهب عن مالك؛ وجه الجواز ما رواه أبو‬
‫موسنى الشعري قال قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪( :‬وإنني وال إن شاء ال ل أحلف على‬
‫يمينن فأرى غيرهنا خيرا منهنا إل كفرت عنن يمينني وأتينت الذي هنو خينر خرجنه أبنو داود؛ ومنن‬
‫جهنة المعننى أن اليمينن سنبب الكفارة؛ لقوله تعالى‪" :‬ذلك كفارة أيمانكنم إذا حلفتنم" فأضاف الكفارة‬
‫إلى اليميننن والمعاننني تضاف إلى أسننبابها؛ وأيضننا فإن الكفارة بدل عننن البر فيجوز تقديمهننا قبننل‬
‫الحنث‪ .‬ووجه المنع ما رواه مسلم عن عدي بن حاتم قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول‪[ :‬منن حلف على يمينن ثنم رأى غيرهنا خيرا منهنا فليأت الذي هو خينر) زاد النسنائي (وليكفنر‬
‫عن يميننه] ومن جهة المعننى أن الكفارة إنمنا هني لرفع الثم‪ ،‬ومنا لم يحننث لم يكنن هناك منا يرفع‬
‫فل معننى لفعلهنا؛ وكان معننى قوله تعالى‪" :‬إذا حلفتنم" أي إذا حلفتنم وحنثتنم‪ .‬وأيضنا فإن كنل عبادة‬
‫فعلت قبنل وجوبهنا لم تصنح اعتبارا بالصنلوات وسنائر العبادات‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬تجزئ بالطعام‬
‫والعتنق والكسنوة‪ ،‬ول تجزئ بالصنوم؛ لن عمنل البدن ل يقوم قبنل وقتنه‪ .‬ويجزئ فني غينر ذلك‬
‫تقديم الكفارة؛ وهو القول الثالث‪.‬‬
‫@ ذكنر ال سنبحانه فني الكفارة الخلل الثلث فخينر فيهنا‪ ،‬وعقنب عنند عدمهنا بالصنيام‪ ،‬وبدأ‬
‫بالطعام لنننه كان الفضننل فنني بلد الحجاز لغلبننة الحاجننة إليننه وعدم شبعهننم‪ ،‬ول خلف فنني أن‬
‫كفارة اليمينن على التخيينر؛ قال ابنن العربني‪ :‬والذي عندي أنهنا تكون بحسنب الحال؛ فإن علمنت‬
‫محتاجا فالطعام أفضل؛ لنك إذا أعتقت لم تدفع حاجتهم وزدت محتاجا حادي عشر إليهم‪ ،‬وكذلك‬
‫الكسوة تليه‪ ،‬ولما علم ال الحاجة بدأ بالمقدم المهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إطعام عشرة مساكين" ل بد عندنا وعند الشافعي من تمليك المساكين ما يخرج‬
‫لهنم‪ ،‬ودفعنه إليهنم حتنى يتملكوه ويتصنرفوا فينه؛ لقوله تعالى‪" :‬وهنو يطعنم ول يطعنم" [النعام‪:‬‬
‫‪ ]14‬وفي الحديث (أطعم رسول ال صلى ال عليه وسلم الجد السدس؛ ولنه أحد نوعي الكفارة‬
‫فلم يجز فيها إل التمليك؛ أصله الكسوة‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬لو غداهم وعشاهم جاز؛ وهو اختيار ابن‬
‫الماجشون منننن علمائننننا؛ قال ابنننن الماجشون‪ :‬إن التمكينننن منننن الطعام إطعام‪ ،‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫"ويطعمون الطعام على حبنه مسنكينا ويتيمنا وأسنيرا" [النسنان‪ ]8 :‬فبأي وجنه أطعمنه دخنل فني‬
‫الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منن أوسنط منا تطعمون أهليكنم" قند تقدم فني (البقرة) أن الوسنط بمعننى العلى‬
‫والخيار‪ ،‬وهو هنا منزلة بين منزلتين ونصنفا بينن طرفين‪ .‬ومنه الحدينث [خينر المور أوسطها]‪.‬‬
‫وخرج ابن ماجة؛ حدثنا محمد بن يحيى‪ ،‬حدثنا عبدالرحمن بن مهدي‪ ،‬حدثنا سفيان بن عيينة‪ ،‬عن‬
‫سنليمان بنن أبني المغيرة‪ ،‬عنن سنعيد بنن جنبير عنن ابنن عباس قال‪ :‬كان الرجنل يقوت أهله قوتنا فينه‬
‫سنعة وكان الرجنل يقوت أهله قوتنا فينه شدة؛ فنزلت‪" :‬منن أوسنط منا تطعمون أهليكنم"‪ .‬وهذا يدل‬
‫على أن الوسط ما ذكرناه وهو ما كان بين شيئين‪.‬‬
‫@ الطعام عنند مالك مند لكنل واحند منن المسناكين العشرة‪ ،‬إن كان بمديننة الننبي صنلى ال علينه‬
‫وسنلم؛ وبنه قال الشافعني وأهنل المديننة‪ .‬قال سنليمان بنن يسنار‪ :‬أدركنت الناس وهنم إذا أعطوا فني‬
‫كفارة اليمينن أعطوا مدا منن حنطنة بالمند الصنغر‪ ،‬ورأوا ذلك مجزئا عنهنم؛ وهنو قول ابنن عمنر‬
‫وابن عباس وزيد بن ثابت وبه قال عطاء بن أبي رباح‪ .‬واختلف إذا كان بغيرها؛ فقال ابن القاسم‪:‬‬
‫يجزئه المد بكل مكان‪ .‬وقال ابن المواز‪ :‬أفتنى ابنن وهب بمصنر بمند ونصنف‪ .‬وأشهب بمد وثلث؛‬
‫قال‪ :‬وإن مدا وثلثا لوسط من عيش المصار في الغداء والعشاء‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يخرج من البر‬
‫نصف صاع‪ ،‬ومن التمر والشعير صاعا؛ على حديث عبدال بن ثعلبة بن صعير عن أبيه قال‪ :‬قام‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم خطيبا فأمر بصدقة الفطر صاع من تمر‪ ،‬أو صاع من شعير عن‬
‫كنل رأس‪ ،‬أو صناع بر بينن اثنينن‪ .‬وبنه أخنذ سنفيان وابنن المبارك‪ ،‬وروي عنن علي وعمنر وابنن‬
‫عمر وعائشة‪ ،‬رضي ال عنهم وبه قال سعيد بن المسيب‪ ،‬وهو قول عامة فقهاء العراق؛ لما رواه‬
‫ابن عباس قال‪ :‬كفر رسول ال صلى ال عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس بذلك‪ ،‬فمن لم يجد‬
‫فنصف‪ ،‬صاع من بر من أوسط ما تطعمون أهليكم؛ خرجه ابن ماجة في سننه‪.‬‬
‫@ ل يجوز أن يطعم غنيا ول ذا رحم تلزمه نفقته‪ ،‬وإن كان ممن ل تلزمه نفقته فقد قال مالك‪ :‬ل‬
‫يعجبنني أن يطعمنه‪ ،‬ولكنن إن فعنل وكان فقيرا أجزأه‪ ،‬فإن أطعنم غنينا جاهل بغناه ففني (المدوننة)‬
‫وغير كتاب ل يجزئ‪ ،‬وفي (السدية) أنه يجزئ‪.‬‬
‫@ ويخرج الرجل مما يأكل؛ قال ابن العربي‪ :‬وقد زلت هنا جماعة من العلماء فقالوا‪ :‬إنه إذا كان‬
‫يأكنل الشعينر ويأكنل الناس البر فليخرج ممنا يأكنل الناس؛ وهذا سنهو بينن فإن المكفنر إذا لم يسنتطع‬
‫في خاصة نفسه إل الشعير لم يكلف أن يعطي لغيره سواه؛ وقد قال صلى ال عليه وسلم‪[:‬صاعا‬
‫من طعام صاعا من شعير] ففصل ذكرهما ليخرج كل أحد فرضه مما يأكل؛ وهذا ممال خفاء فيه‪.‬‬
‫@ قال مالك‪ :‬إن غدى عشرة مساكين وعشاهم أجزأه‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل يجوز أن يطعمهم جملة‬
‫واحدة؛ لنهنم يختلفون فني الكنل‪ ،‬ولكنن يعطني كنل مسنكين مدا‪ .‬وروي عنن علي بنن أبني طالب‬
‫رضننني ال عننننه‪ :‬ل يجزئ إطعام العشرة وجبنننة واحدة؛ يعنننني غداء دون عشاء‪ ،‬أو عشاء دون‬
‫غداء‪ ،‬حتى يغديهم ويعشيهم؛ قال أبو عمر‪ :‬وهو قول أئمة الفتوى بالمصار‪.‬‬
‫@ قال ابنن حنبيب‪ :‬ول يجزئ الخبنز قفارا بنل يعطني معنه إدامنه زيتنا أو كشكنا أو كامخنا أو منا‬
‫تيسر؛ قال ابن العربي‪ :‬هذه زيادة ما أراها واجبة أما أنه يستحب له أن يطعم مع الخبز السكر ‪-‬‬
‫نعم ‪ -‬واللحم‪ ،‬وأما تعيين الدام للطعام فل سبيل إليه؛ لن اللفظ ل يتضمنه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬نزول الينة فني الوسنط يقتضني الخبنز والزينت أو الخنل‪ ،‬ومنا كان فني معناه منن الجبنن‬
‫والكشنك كمنا قال ابنن حنبيب‪ .‬وال أعلم‪ .‬قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬نعنم الدام الخنل]‬
‫وقال الحسنن البصنري‪ :‬إن أطعمهنم خبزا ولحمنا‪ ،‬أو خبزا وزيتنا مرة واحدة فني اليوم حتنى يشبعوا‬
‫أجزأه‪ ،‬وهو قول ابن سيرين وجابر بن زيد ومكحول‪ ،‬وروي ذلك عن انس بن مالك‪.‬‬
‫@ ل يجوز عندنا دفع الكفارة إلى مسكين واحد‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ .‬وأصحاب أبي حنيفة يمنعون‬
‫صنرف الجمينع إلى واحند دفعنة واحدة‪ ،‬ويختلفون فيمنا إذا صنرف الجمينع فني يوم واحند بدفعات‬
‫مختلقة؛ فمنهم من أجاز ذلك‪ ،‬وأنه إذا تعدد الفعل حسن أن يقال في الفعل الثاني ل يمنع من الذي‬
‫دفعنت إلينه أول؛ فإن اسنم المسنكين يتناول‪ .‬وقال آخرون‪ :‬يجوز دفنع ذلك إلينه فني أيام‪ ،‬وإن تعدد‬
‫اليام يقوم مقام أعداد المسناكين‪ .‬وقال أبنو حنيفنة‪ :‬يجزئه ذلك؛ لن المقصنود منن الينة التعرينف‬
‫بقدر مننا يطعننم‪ ،‬فلو دفننع ذلك القدر‪ .‬لواحنند أجزأه‪ .‬ودليلنننا نننص ال تعالى على العشرة فل يجوز‬
‫العدول عنهنم‪ ،‬وأيضنا فإن فينه إحياء جماعنة منن المسنلمين وكفايتهنم يومنا واحدا‪ ،‬فيتفرغون فينه‬
‫لعبادة ال تبارك وتعالى ولدعائه‪ ،‬فيغفر للمكفر بسبب ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فكفارتنه" الضمينر على الصنناعة النحوينة عائدا على (منا) ويحتمنل فني هذا‬
‫الموضنع أن تكون بمعننى الذي‪ ،‬ويحتمنل أن تكون مصندرية‪ .‬أو يعود على إثنم الحننث وإن لم يجنر‬
‫له ذكر صريح ولكن المعنى يقتضيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أهليكنم" هنو جمنع أهنل على السنلمة‪ .‬وقرأ جعفنر بنن محمند الصنادق‪( :‬أهاليكنم)‬
‫وهذا جمنع مكسنر؛ قال أبنو الفتنح‪ :‬أهال بمنزلة ليال واحدهنا أهلت وليلت؛ والعرب تقول‪ :‬أهنل‬
‫وأهلة‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وأبليتهم في الجهد حمدي ونائلي‬ ‫وأهلة ود قد تبريت ودهم‬
‫يقول‪ :‬تعرضت لودهم؛ قال ابن السكيت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو كسوتهم" قرئ بكسر الكاف وضمها هما لغتان مثل إسوة وأسوة‪ .‬وقرأ سعيد‬
‫بن جبير ومحمد بن السميقع اليماني‪( :‬أو كإسوتهم) يعني كإسوة أهلك‪ .‬والكسوة فني حق الرجال‬
‫الثوب الواحند أو السناتر لجمينع الجسند؛ فأمنا فني حنق النسناء فأقنل منا يجزئهنن فينه الصنلة‪ ،‬وهنو‬
‫الدرع والخمار‪ ،‬وهكذا حكم الصغار‪ .‬قال ابن القاسم في (العتبية)‪ :‬تكسى الصغيرة كسوة كبيرة‪،‬‬
‫والصغير كسوة كبير‪ ،‬قياسا على الطعام‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري والوزاعي‪ :‬أقل ما‬
‫يقنع علينه السنم وذلك ثوب واحند؛ وفني رواينة أبني الفرج عنن مالك‪ ،‬وبنه قال إبراهينم النخعني‬
‫ومغيرة‪ :‬ما يستر جميع البدن؛ بناء على أن الصلة ل تجزئ في أقل من ذلك‪ .‬وروي عن سلمان‬
‫رضي ال عنه أنه قال‪ :‬نعم الثوب التبان؛ أسنده الطبري‪ .‬وقال الحكم بن عتيبة تجزئ عمامة يلف‬
‫بهنا رأسه‪ ،‬وهو قول الثوري‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وما كان أحرصني على أن يقال‪ :‬إنه ل يجزئ إل‬
‫كسنوة تسنتر عنن أذى الحنر والبرد كمنا أن علينه طعامنا يشبعنه منن الرجوع فأقول بنه‪ ،‬وأمنا القول‬
‫بمئزر واحد فل أدريه؛ وال يفتح لي ولكم في المعرفة بعونه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قند راعنى قوم معهود الزي والكسنوة المتعارفنة؛ فقال بعضهنم‪ :‬ل يجزئ الثوب الواحند إل‬
‫إذا كان جامعنا ممنا قند يتزينا بنه كالكسناء والملحفنة‪ .‬وقال أبنو حنيفنة وأصنحابه‪ :‬الكسنوة فني كفارة‬
‫اليميننن لكننل مسننكين ثوب وإزار‪ ،‬أو رداء أو قميننص أو قباء أو كسنناء‪ .‬وروي عننن أبننى موسننى‬
‫الشعري أنه أمر أن يكسى عنه ثوبين ثوبين؛ وبه قال الحسن وابن سيرين وهذا معنى ما اختاره‬
‫ابن العربي وال أعلم‪.‬‬
‫@ ل تجزئ القيمة عن الطعام والكسوة؛ وبه قال الشافعي‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬تجزئ؛ وهو يقول‪:‬‬
‫تجزئ القيمة في الزكاة فكيف في الكفارة! قال ابن العربي‪ :‬وعمدته أن الغرض سد الخلة‪ ،‬ورفع‬
‫الحاجنة؛ فالقيمنة تجزئ فينه‪ .‬قلننا‪ :‬إن نظرتنم إلى سند الخلة فأينن العبادة؟ وأينن ننص القرآن على‬
‫العيان الثلثة‪ ،‬والنتقال بالبيان من نوع إلى نوع ؟ !‬
‫@ إذا دفع الكسوة إلى ذمي أو إلى عبد لم يجزه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يجزئه؛ لنه مسكن يتناوله لفظ‬
‫المسننكنة‪ ،‬ويشتمننل عليننه عموم اليننة‪ .‬قلنننا‪ :‬هذا يخصننه بأن يقول جزء مننن المال يجننب إخراجننه‬
‫للمساكين فل يجوز دفعه للكافر؛ أصله الزكاة؛ وقد اتفقنا على أنه ل يجوز دفعه للمرتد؛ فكل دليل‬
‫خنص بنه المرتند فهنو دليلننا فني الذمني والعبند لينس بمسنكين لسنتغنائه بنفقنة سنيده فل تدفنع إلينه‬
‫كالغني‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو تحرينر رقبنة" التحرينر الخراج منن الرق؛ ويسنتعمل فني السنر والمشقات‬
‫وتعب الدنيا ونحوها‪ .‬ومنه قول أم مريم‪" :‬إني نذرت لك ما في بطني محررا" [آل عمران‪]35 :‬‬
‫أي من شغوب الدنيا ونحوها‪ .‬ومن ذلك قول الفرزدق بن غالب‪:‬‬
‫فوهبتكم لعطية بن جعال‬ ‫أبني غدانة إنني حررتكم‬
‫أي حررتكنم منن الهجاء‪ ،‬وخنص الرقبنة منن النسنان‪ ،‬إذ هنو العضنو الذي يكون فينه الغنل والتوثنق‬
‫غالبا من الحيوان‪ ،‬فهو موضع الملك فأضيف التحرير إليها‪.‬‬
‫@ ل يجوز عندننا إل إعتاق رقبنة مؤمننة كاملة لينس فيهنا شرك لغيره‪ ،‬ول عتاقنة بعضهنا‪ ،‬ول‬
‫عتنق إلى أجنل‪ ،‬ول كتابنة ول تدبينر‪ ،‬ول تكون أم ولد ول منن يعتنق علينه إذا ملكنه‪ ،‬ول يكون بهنا‬
‫من الهرم والزمانة ما يضر بها في الكتساب‪ ،‬سليمة غير معيبة؛ خلفا لداود في تجويزه إعتاق‬
‫المعيبنة‪ .‬وقال أبنو حنيفنة‪ :‬يجوز عتنق الكافرة؛ لن مطلق اللفنظ يقتضيهنا‪ .‬ودليلننا أنهنا قربنة واجبنة‬
‫فل يكون الكافر محل لها كالزكاة؛ وأيضا فكل مطلق في القرآن من هذا فهو راجع إلى المقيد في‬
‫عتق الرقبة في القتل الخطأ‪ .‬وإنما قلنا‪ :‬ل يكون فيها شرك‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬فتحرير رقبة" [النساء‪:‬‬
‫‪ ]92‬وبعنض الرقبنة لينس برقبنة‪ .‬وإنمنا قلننا ل يكون فيهنا عقند عتنق؛ لن التحرينر يقتضني ابتداء‬
‫عتق دون تنجيز عتق مقدم‪ .‬وإنما قلنا‪ :‬سليمة؛ لقوله تعالى‪" :‬فتحرير رقبة" يقتضي تحرير رقبة‬
‫كاملة والعمياء ناقصنة‪ .‬وفني الصنحيح عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم [منا منن مسنلم يعتنق امرأ‬
‫مسنلما إل كان فكاكنه منن النار كنل عضنو مننه بعضنو منهنا حتنى الفرج بالفرج] وهذا ننص‪ .‬وقند‬
‫روي في العور قولن في المذهب‪ .‬وكذلك في الصم والخصي‪.‬‬
‫@ من أخرج مال ليعتق رقبة في كفارة فتلف كانت الكفارة باقية عليه‪ ،‬بخلف مخرج المال في‬
‫الزكاة ليدفعه إلى الفقراء‪ ،‬أو ليشتري به رقبة فتلف‪ ،‬لم يكن عليه غيره لمتثال المر‪.‬‬
‫@ اختلفوا في الكفارة إذا مات الحالف؛ فقال الشافعي وأبو ثور‪ :‬كفارات اليمان تخرج من رأس‬
‫مال الميت‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬تكون في الثلث؛ وكذلك قال مالك إن أوصى بها‪.‬‬
‫من حلف وهو موسر فلم يكفر حتى أعسر‪ ،‬أو حنث وهو معسر فلم يكفر حتى أيسر‪ ،‬أو حنث‬
‫وهو عبد فلم يكفر حتى عتق‪ ،‬فالمراعاة في ذلك كله بوقت التكفير ل وقت الحنث‪.‬‬
‫@ روى مسنلم عنن أبني هريرة قال قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬وال لن يلج أحدكنم‬
‫بيمينه في أهله آثم له عند ال من أن يعطي كفارته التي فرض ال] اللجاج في اليمين هو المضي‬
‫على مقتضاه‪ ،‬وإن لزم من ذلك‪ ،‬حرج ومشقة‪ ،‬وترك ما فيه منفعة عاجلة أو آجلة؛ فإن كان شيء‬
‫من ذلك فالولى به تحنيث نفسه وفعل الكفارة‪ ،‬ول يعتل باليمين كما ذكرناه في قوله تعالى‪" :‬ول‬
‫تجعلوا ال عرضنة ليمانكنم" [البقرة‪ ]224 :‬وقال علينه السنلم‪[ :‬منن حلف على يمينن فرأى‬
‫غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير] أي الذي هو أكثر خيرا‪.‬‬
‫@ روى مسنلم عنن أبني هريرة قال قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬اليمينن على نينة‬
‫المسنتحلف] قال العلماء‪ :‬معناه أن منن وجبنت علينه يمينن فني حنق وجنب علينه فحلف وهنو ينوي‬
‫غيره لم تنفعه نيته‪ ،‬ول يخرج بها عن إثم تلك اليمين‪ ،‬وهو معنى قوله في الحديث الخر‪[ :‬يمينك‬
‫على ما يصدقك عليه صاحبك]‪ .‬وروي [يصدقك به صاحبك] خرجه مسلم أيضا‪ .‬قال مالك‪ :‬من‬
‫حلف لطالبنه فني حنق له علينه‪ ،‬واسنتثنى فني يميننه‪ ،‬أو حرك لسنانه أوشفتينه‪ ،‬أو تكلم بنه‪ ،‬لم ينفعنه‬
‫استثناؤه ذلك؛ لن النية نية المحلوف له؛ لن اليمين حق له‪ ،‬وإنما تقع على حسب ما يستوفيه له‬
‫الحاكم ل على اختيار الحالف؛ لنها مستوفاة منه‪ .‬هذا تحصيل مذهبه وقوله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمنن لم يجند" معناه لم يجند فني ملكنه أحند هذه الثلثنة؛ منن الطعام أو الكسنوة أو‬
‫عتنق الرقبنة بإجماع؛ فإذا عدم هذه الثلثنة الشياء صنام‪ .‬والعدم يكون بوجهينن أمنا بمغينب المال‬
‫عننه أو عدمنه؛ فالول أن يكون فني بلد غينر بلده فإن وجند منن يسنلفه لم يجزه الصنوم‪ ،‬وإن لم يجند‬
‫من يسلفه فقد اختلف فيه؛ فقيل‪ :‬ينتظر إلى بلده؛ قال ابن العربي‪ :‬وذلك ل يلزمه بل يكفر بالصيام؛‬
‫لن الوجوب قند تقرر فني الذمنة والشرط منن العدم قند تحقنق فل وجنه لتأخينر المنر؛ فليكفنر مكاننه‬
‫لعجزه عن النواع الثلثة؛ لقوله تعالى‪" :‬فمن لم يجد"‪ .‬وقيل‪ :‬من لم يكن له فضل عن رأس ماله‬
‫الذي يعيش به فهو الذي لم يجد‪ .‬وقيل‪ :‬هو من لم يكن له إل قوت يومه وليلته‪ ،‬وليس عنده فضل‬
‫يطعمنه؛ وبنه قال الشافعني واختاره الطنبري‪ ،‬وهنو مذهنب مالك وأصنحابه‪ .‬وروي عنن ابنن القاسنم‬
‫أن منن تفضنل عننه نفقنة يومنه فإننه ل يصنوم؛ قال ابنن القاسنم فني كتاب ابنن مزينن‪ :‬إننه إن كان‬
‫للحانث فضل عن قوت يومه أطعم إل أن يخاف الجوع‪ ،‬أو يكون في بلد ل يعطف عليه فيه‪ .‬وقال‬
‫أبنو حنيفنة‪ :‬إذا لم يكنن عنده نصناب فهنو غينر واجند‪ .‬وقال أحمند وإسنحاق‪ :‬إذا كان عنده قوت يوم‬
‫وليلة أطعنم منا فضنل عننه‪ .‬وقال أبنو عبيند‪ :‬إذا كان عنده قوت يومنه وليلتنه وعيال وكسنوة تكون‬
‫لكفايتهنم‪ ،‬ثنم يكون بعند ذلك مالكنا لقدر الكفارة فهنو عندننا واجند‪ .‬قال ابنن المنذر‪ :‬قول أبني عبيند‬
‫حسن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فصنيام ثلثنة أيام" قرأهنا ابنن مسنعود (متتابعات) فيقيند بهنا المطلق؛ وبنه قال أبنو‬
‫حنيفنة والثوري‪ ،‬وهنو أحند قولي الشافعني واختاره المزنني قياسنا على الصنوم فني كفارة الظهار‪،‬‬
‫واعتبارا بقراءة عبدال‪ .‬وقال مالك والشافعي في قوله الخر‪ :‬يجزئه التفريق؛ لن التتابع صفة ل‬
‫تجب إل بنص أو قياس على منصوص وقد عدما‪.‬‬
‫@ منن أفطنر فني يوم منن أيام الصنيام ناسنيا فقال مالك‪ :‬علينه القضاء‪ ،‬وقال الشافعني‪ :‬ل قضاء‬
‫عليه؛ على ما تقدم بيانه في الصيام في (البقرة)‪.‬‬
‫@ هذه الكفارة التي نص ال عليها لزمة للحر المسلم باتفاق‪ .‬واختلفوا فيما يجب منها على العبد‬
‫إذا حنث؛ فكان سفيان الثوري والشافعي وأصحاب الرأي يقولون‪ :‬ليس عليه إل الصوم‪ ،‬ل يجزئه‬
‫غير ذلك؛ واختلف فيه قول مالك‪ ،‬فحكى عنه ابن نافع أنه قال‪ :‬ل يكفر العبد بالعتق؛ لنه ل يكون‬
‫له الولء‪ ،‬ولكنن يكفنر بالصندقة إن أذن له سنيده؛ وأصنوب ذلك أن يصنوم‪ .‬وحكنى ابنن القاسنم عننه‬
‫أنه قال‪ :‬إن أطعم أو كسا بإذن‪ .‬السيد فما هو بالبين‪ ،‬وفي قلبي منه شيء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك كفارة أيمانكم" أي تغطية أيمانكم؛ وكفرت الشيء غطيته وسترته وقد تقدم‪.‬‬
‫ول خلف أن هذه الكفارة فني اليمينن بال تعالى‪ ،‬وقند ذهنب بعنض التابعينن إلى أن كفارة اليمينن‬
‫فعنل الخينر الذي حلف فني تركنه‪ .‬وترجنم ابنن ماجنة فني سنننه (منن قال كفارتهنا تركهنا) حدثننا علي‬
‫بن محمد حدثنا عبدال بن نمير عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬من حلف في قطيعة رحم أو فيما ل يصح فبره أل يتم على ذلك] وأسند‬
‫عنن عمرو بنن شعينب عنن أبينه عنن جده أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم قال‪(:‬منن حلف على يمينن‬
‫فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فإن تركها كفارتها)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويعتضند هذا بقصنة الصنديق رضني ال عننه حينن حلف أل يطعنم الطعام‪ ،‬وحلفنت امرأتنه‬
‫أل تطعمنه حتنى يطعمنه‪ ،‬وحلف الضينف ‪ -‬أو الضياف ‪ -‬أل يطعمنه أو ل يطعموه حتنى يطعمنه‪،‬‬
‫فقال أبو بكر‪ :‬كان هذا من الشيطان؛ فدعا بالطعام فأكل وأكلوا‪ .‬خرجه البخاري‪ ،‬وزاد مسلم قال‪:‬‬
‫فلمنا أصنبح غدا على الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬فقال ينا رسنول ال‪ ،‬بروا وحنثنت؛ قال‪ :‬فأخنبره؛‬
‫قال‪[ :‬بل أنت أبرهم وأخيرهم] قال‪ :‬ولم تبلغني كفارة‪.‬‬
‫@ واختلفوا في كفارة غير اليمين بال عز وجل؛ فقال مالك‪ :‬من حلف بصدقة مال أخرج ثلثه‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬عليه كفارة يمين؛ وبه قال إسحاق وأبو ثور‪ ،‬وروي عن عمر وعائشة رضي ال‬
‫عنها‪ .‬وقال الشعبي وعطاء وطاوس‪ :‬ل شيء عليه‪ .‬وأما اليمين بالمشي إلى مكة فعليه أن يفي به‬
‫عنند مالك وأبني حنيفنة‪ .‬وتجزئه كفارة يمينن عنند الشافعني وأحمند بنن حنبنل وأبني ثور‪ .‬وقال ابنن‬
‫المسنيب والقاسنم بنن محمند‪ :‬ل شينء علينه؛ قال ابنن عبدالبر‪ :‬أكثنر أهنل العلم بالمديننة وغيرهنا‬
‫يوجبون في اليمين بالمشي إلى مكة كفارة مثل كفارة اليمين بال عز وجل؛ وهو قول جماعة من‬
‫الصحابة والتابعين وجمهور فقهاء المسلمين‪ .‬وقد أفتى به ابن القاسم ابنه عبدالصمد‪ ،‬وذكر له أنه‬
‫فول اللينث بنن سنعد‪ .‬والمشهور عنن ابنن القاسنم أننه ل كفارة عنده فني المشني إلى مكنة إل بالمشني‬
‫لمن قدر عليه؛ وهو قول مالك‪ .‬وأما الحالف بالعتق فعليه عتق من حلف عليه بعتقه في قول مالك‬
‫والشافعني وغيرهمنا‪ .‬وروي عنن ابنن عمنر وابنن عباس وعائشنة أننه يكفنر كفارة يمينن ول يلزمنه‬
‫العتنق ‪ -‬وقال عطاء‪ :‬يتصندق بشينء‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وأجمنع منن يعتمند على قول منن العلماء على‬
‫أن الطلق لزم لمن حلف به وحنث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واحفظوا أيمانكم" أي بالبدار إلى ما لزمكم من الكفارة إذا حنثتم‪ .‬وقيل‪ :‬أي بترك‬
‫الحلف؛ فإنكنم إذا لم تحلفوا لم تتوجنه عليكنم هذه التكليفات‪" .‬لعلكنم تشكرون" تقدم معننى "الشكنر"‬
‫و"لعل" في "البقرة" والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 92 - 90 :‬يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من‬
‫عمننل الشيطان فاجتنبوه لعلكننم تفلحون‪ ،‬إنمننا يرينند الشيطان أن يوقننع بينكننم العداوة والبغضاء فنني‬
‫الخمننر والميسننر ويصنندكم عننن ذكننر ال وعننن الصننلة فهننل أنتننم منتهون‪ ،‬وأطيعوا ال وأطيعوا‬
‫الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلغ المبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا" خطاب لجميع المؤمنين بترك هذه الشياء؛ إذا كانت شهوات‬
‫وعادات تلبسننوا بهننا فنني الجاهليننة وغلبننت على النفوس‪ ،‬فكان نَفِيّن منهننا فنني نفوس كثيننر مننن‬
‫المؤمنين‪ .‬قال ابن عطينة‪ :‬ومن هذا القبينل هوى الزجنر بالطينر‪ ،‬وأخنذ الفأل فني الكتنب ونحوه مما‬
‫يصنعه الناس اليوم‪ .‬وأما الخمر فكانت لم تحرم بعد‪ ،‬وإنما نزل تحريمها في سنة ثلث بعد وقعة‬
‫أحد‪ ،‬وكانت وقعة أحد في شوال سنة ثلث من الهجرة‪ .‬وتقدم اشتقاقها‪ .‬وأما "الميسر" فقد مضى‬
‫فني "البقرة" القول فينه‪ .‬وأمنا النصناب فقينل‪ :‬هني الصننام‪ .‬وقينل‪ :‬هني النرد والشطرننج؛ ويأتني‬
‫بيانهمنا فني سنورة "يوننس" عنند قوله تعالى‪" :‬فماذا بعند الحنق إل الضلل" [يوننس‪ .]32 :‬وأمنا‬
‫الزلم فهي القداح‪ ،‬وقد مضى في أول السورة القول فيها‪ .‬ويقال كانت في البيت عند سدنة البيت‬
‫وخدام الصننام؛ يأتني الرجنل إذا أراد حاجنة فيقبنض منهنا شيئا؛ فإن كان علينه أمرنني ربني خرج‬
‫إلى حاجته على ما أحب أو كره‪.‬‬
‫@ تحريم الخمر كان بتدريج ونوازل كثيرة؛ فإنهم كانوا مولعين بشربها‪ ،‬وأول ما نزل في شأنها‬
‫"يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" [البقرة‪ ]219 :‬أي في تجارتهم؛‬
‫فلمنا نزلت هذه الينة تركهنا بعنض الناس وقالوا‪ :‬ل حاجنة لننا فيمنا فينه إثنم كنبير‪ ،‬ولم يتركهنا بعنض‬
‫الناس وقالوا‪ :‬نأخننذ منفعتهننا ونترك إثمهننا فنزلت هذه اليننة "ل تقربوا الصننلة وأنتننم سننكارى"‬
‫[النسناء‪ ]43 :‬فتركهنا بعنض الناس وقالوا‪ :‬ل حاجنة لننا فيمنا يشغلننا عنن الصنلة‪ ،‬وشربهنا بعنض‬
‫الناس فني غينر أوقات الصنلة حتنى نزلت‪" :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا إنمنا الخمنر والميسنر والنصناب‬
‫والزلم رجس" الية ‪ -‬فصارت حراما عليهم حتى صار يقول بعضهم‪ :‬ما حرم ال شيئا أشد من‬
‫الخمنر‪ .‬وقال أبنو ميسنرة‪ :‬نزلت بسنبب عمنر بنن الخطاب؛ فإننه ذكنر للننبي صنلى ال علينه وسنلم‬
‫عيوب الخمنر‪ ،‬ومنا ينزل بالناس منن أجلهنا‪ ،‬ودعنا ال فني تحريمهنا وقال‪ :‬اللهنم بينن لننا فني الخمنر‬
‫بيانننا شافيننا فنزلت هذه اليات‪ ،‬فقال عمننر‪ :‬انتهينننا انتهينننا‪ .‬وقنند مضننى فنني "البقرة" و"النسنناء"‪.‬‬
‫وروى أبو داود عن ابن عباس قال‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى" [النساء‪:‬‬
‫‪ ، ]43‬و"يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" [البقرة‪ ]219 :‬نسختها‬
‫التي في المائدة‪" .‬إنما الخمر والميسر والنصاب"‪ .‬وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه‬
‫قال‪ :‬نزلت فني آيات منن القرآن؛ وفينه قال‪ :‬وأتينت على نفنر منن النصنار؛ فقالوا‪ :‬تعال نطعمنك‬
‫ونسنقيك خمرا‪ ،‬وذلك قبنل أن تحرم الخمنر؛ قال‪ :‬فأتيتهنم فني حنش ‪ -‬والحنش البسنتان ‪ -‬فإذا رأس‬
‫جزور مشوي عندهنننم وزق منننن خمنننر؛ قال‪ :‬فأكلت وشربنننت معهنننم؛ قال‪ :‬فذكرت النصنننار‬
‫والمهاجرين عندهم فقلت‪ :‬المهاجرون خير من النصار؛ قال‪ :‬فأخذ رجل لحيي جمل فضربني به‬
‫فجرح أنفني ‪ -‬وفنى رواينة ففزره وكان أننف سنعد مفزورا فأتينت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‬
‫فأخننبرته؛ فأنزل ال تعالى فنني ‪ -‬يعننني نفسننه شأن الخمننر ‪" -‬إنمننا الخمننر والميسننر والنصنناب‬
‫والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه"‪.‬‬
‫@ هذه الحاديث تدل على أن شرب الخمر كان إذ ذاك مباحا معمول به معروفا عندهم بحيث ل‬
‫ينكنر ول يغينر‪ ،‬وأن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أقنر علينه‪ ،‬وهذا منا ل خلف فينه؛ يدل علينه آينة‬
‫النسناء "ل تقربوا الصنلة وأنتنم سنكارى" [النسناء‪ ]43 :‬على منا تقدم‪ .‬وهنل كان يباح لهنم شرب‬
‫القدر الذي يسنكر؟ حدينث حمزة ظاهنر فينه حينن بقنر خواصنر ناقتني علي رضني ال عنهمنا وجنب‬
‫أسننمتهما‪ ،‬فأخنبر علي بذلك الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬فجاء إلى حمزة فصندر عنن حمزة للننبي‬
‫صنلى ال علينه وسنلم منن القول الجافني المخالف لمنا يجنب علينه منن احترام الننبي صنلى ال علينه‬
‫وسنلم وتوقيره وتعزيره‪ ،‬منا يدل على أن حمزة كان قند ذهنب عقله بمنا يسنكر؛ ولذلك قال الراوي‪:‬‬
‫فعرف رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم أننه ثمنل؛ ثنم إن الننبي صنلى ال علينه وسنلم لم ينكنر على‬
‫حمزة ول عنفه‪ ،‬ل فني حال سنكره ول بعند ذلك‪ ،‬بنل رجنع لمنا قال حمزة‪ :‬وهنل أنتنم إل عبيند لبني‬
‫على عقنبيه القهقري وخرج عننه‪ .‬وهذا خلف منا قاله الصنوليون وحكوه فإنهنم قالوا‪ :‬إن السنكر‬
‫حرام فني كنل شريعنة؛ لن الشرائع مصنالح العباد ل مفاسندهم‪ ،‬وأصنل المصنالح العقنل‪ ،‬كمنا أن‬
‫أصل المفاسد ذهابه‪ ،‬فيجب المنع من كل ما يذهبه أو يشوشه‪ ،‬إل أنه يحتمل حديث حمزة أنه لم‬
‫يقصد بشربه السكر لكنه أسرع فيه فغلبه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رجنس" قال ابنن عباس فني هذه الينة‪( :‬رجنس) سنخط وقند يقال للنتنن والعذرة‬
‫والقذار رجس‪ .‬والرجز بالزاي العذاب ل غير‪ ،‬والركس العذرة ل غير‪ .‬والرجس يقال للمرين‪.‬‬
‫ومعنى "من عمل الشيطان" أي بحمله عليه وتزيينه‪ .‬وقيل‪ :‬هو الذي كان عمل مبادئ هذه المور‬
‫بنفسه حتى اقتدى به فيها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاجتنبوه" يريند ابعدوه واجعلوه ناحينة؛ فأمنر ال تعالى باجتناب هذه المور‪،‬‬
‫واقترنت بصيغة المر مع نصوص الحاديث وإجماع المة‪ ،‬فحصل الجتناب في جهة التحريم؛‬
‫فبهذا حرمنت الخمنر‪ .‬ول خلف بينن علماء المسنلمين أن سنورة "المائدة" نزلت بتحرينم الخمنر‪،‬‬
‫وهي مدنية من آخر ما نزل‪ ،‬وورد التحريم في الميتة والدم ولحم الخنزير في قوله تعالى‪" :‬قل ل‬
‫أجند" وغيرهنا منن الي خنبرا‪ ،‬وفني الخمنر نهينا وزجرا‪ ،‬وهنو أقوى التحرينم وأوكده‪ .‬روى ابنن‬
‫عباس قال‪ :‬لمنا نزل تحرينم الخمنر‪ ،‬مشنى أصنحاب رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بعضهنم إلى‬
‫بعض‪ ،‬وقالوا حرمت الخمر‪ ،‬وجعلت عدل للشرك؛ يعني أنه قرنها بالذبح للنصاب وذلك شرك‪.‬‬
‫ثم علق "لعلكم تفلحون" فعلق الفلح بالمر‪ ،‬وذلك يدل على تأكيد الوجوب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ فهنم الجمهور منن تحرينم الخمنر‪ ،‬واسنتخباث الشرع لهنا‪ ،‬وإطلق الرجنس عليهنا‪ ،‬والمنر‬
‫باجتنابهنا‪ ،‬الحكنم بنجاسنتها‪ .‬وخالفهنم فني ذلك ربيعنة واللينث بنن سنعد والمزنني صناحب الشافعني‪،‬‬
‫وبعنض المتأخرينن منن البغداديينن والقرويينن فرأوا أنهنا طاهرة‪ ،‬وأن المحرم إنمنا هنو شربهنا‪ .‬وقند‬
‫استدل سعيد بن الحداد القروي على طهارتها بسفكها في طرق المدينة؛ قال‪ :‬ولو كانت نجسة لما‬
‫فعنل ذلك الصنحابة رضوان ال عليهنم‪ ،‬ولنهنى رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم عننه كمنا نهنى عنن‬
‫التخلي فني الطرق‪ .‬والجواب؛ أن الصنحابة فعلت ذلك؛ لننه لم يكنن لهنم سنروب ول آبار يريقونهنا‬
‫فيها‪ ،‬إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكنن لهم كنف فني بيوتهنم‪ .‬وقالت عائشنة رضني ال عنهنا إنهنم‬
‫كانوا يتقذرون من اتخاذ الكنف فني البيوت‪ ،‬ونقلها إلى خارج المدينة فيه كلفة ومشقة‪ ،‬ويلزم منه‬
‫تأخينر منا وجنب على الفور‪ .‬وأيضنا فإننه يمكنن التحرز منهنا؛ فإن طرق المديننة كاننت واسنعة‪ ،‬ولم‬
‫تكن الخمر من الكثرة بحيث تصير نهرا يعم الطريق كلها‪ ،‬بل إنما جرت في مواضع يسيرة يمكن‬
‫التحرز عنها ‪ -‬هذا ‪ -‬مع ما يحصل في ذلك من فائدة شهرة إراقتها في طرق المدينة‪ ،‬ليشيع العمل‬
‫على مقتضى تحريمها من إتلفها‪ ،‬وأنه ل ينتفع بها‪ ،‬وتتابع الناس وتوافقوا على ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫فإن قينل‪ :‬التنجينس حكنم شرعني ول ننص فينه‪ ،‬ول يلزم منن كون الشينء محرمنا أن يكون نجسنا؛‬
‫فكم من محرم في الشرع ليس بنجس؛ قلنا‪ :‬قوله تعالى‪" :‬رجس" يدل على نجاستها؛ فإن الرجس‬
‫فنني اللسننان النجاسننة‪ ،‬ثننم لو التزمنننا أل نحكننم بحكننم حتننى نجنند فيننه نصننا لتعطلت الشريعننة؛ فإن‬
‫النصنوص فيهنا قليلة؛ فأي ننص يوجند على تنجينس البول والعذرة والدم والميتنة وغينر ذلك؟ وإنمنا‬
‫هني الظواهنر والعمومات والقيسنة‪ .‬وسنيأتي فني سنورة "الحنج" منا يوضنح هذا المعننى إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫@قوله‪" :‬فاجتنبوه" يقتضني الجتناب المطلق الذي ل ينتفنع معنه بشينء بوجنه منن الوجوه؛ ل‬
‫بشرب ول بيننع ول تخليننل ول مداواة ول غيننر ذلك‪ .‬وعلى هذا تدل الحاديننث الواردة فنني الباب‪.‬‬
‫وروى مسلم عن ابن عباس أن رجل أهدى لرسول ال صلى ال عليه وسلم راوية خمر‪ ،‬فقال له‬
‫رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬هنل علمنت أن ال حرمهنا] قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فسنار رجل فقال له‬
‫رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬بنم سناررته] ؟ قال‪ :‬أمرتنه ببيعهنا؛ فقال‪[ :‬إن الذي حرم شربهنا‬
‫حرم بيعهنا] ‪ ،‬قال‪ :‬ففتنح المزادة حتنى ذهنب منا فيهنا؛ فهذا حدينث يدل على منا ذكرناه؛ إذ لو كان‬
‫فيها منفعة من المنافع الجائزة لبينه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كما قال في الشاة الميتة‪[.‬هل‬
‫أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به] الحديث‪.‬‬
‫@ أجمع المسلمون على تحريم بيع الخمر والدم‪ ،‬وفي ذلك دليل على تحريم بيع العذرات وسائر‬
‫النجاسنات ومنا ل يحنل أكله؛ ولذلك ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬كره مالك بينع زبنل الدواب‪ ،‬ورخنص فينه ابنن‬
‫القاسم لما فيه من المنفعة؛ والقياس ما قاله مالك‪ ،‬وهو مذهب الشافعي‪ ،‬وهذا الحديث شاهد بصحة‬
‫ذلك‪.‬‬
‫@ ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخمر ل يجوز تخليلها لحد‪ ،‬ولو جاز تخليلها ما كان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ليدع الرجل أن يفتح المزادة حتى يذهب ما فيها؛ لن الخل مال وقد نهى عن‬
‫إضاعنة المال‪ ،‬ول يقول أحند فيمنن أراق خمرا على مسنلم أننه أتلف له مال‪ .‬وقند أراق عثمان بنن‬
‫أبني العاص خمرا ليتينم‪ ،‬واسنتؤذن صنلى ال علينه وسنلم فني تخليلهنا فقال‪[ :‬ل] ونهنى عنن ذلك‪.‬‬
‫ذهننب إلى هذا طائفنة منن العلماء مننن أهنل الحديننث والرأي‪ ،‬وإليننه مال سنحنون بنن سننعيد‪ .‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬ل بأس بتخلينل الخمنر ول بأس بأكنل منا تخلل منهنا بمعالجنة آدمني أو غيرهنا؛ وهنو قول‬
‫الثوري والوزاعني واللينث بنن مسنعد والكوفيينن‪ .‬وقال أبنو حنيفنة‪ :‬إن طرح فيهنا المسنك والملح‬
‫فصارت مربى وتحولت عن حال الخمر جاز‪ .‬وخالفه محمد بن الحسن في المربى وقال‪ :‬ل تعالج‬
‫الخمننر بغيننر تحويلهننا إلى الخننل وحده‪ .‬قال أبننو عمننر‪ :‬احتننج العراقيون فنني تخليننل الخمننر بأبنني‬
‫الدرداء؛ وهنو يروي عنن أبني إدرينس الخولنني عنن أبني الدرداء منن وجنه لينس بالقوي أننه كان‬
‫يأكل المربى منه‪ ،‬ويقول‪ :‬دبغته الشمس والملح‪ .‬وخالفه عمر بن الخطاب وعثمان بن أبي العاص‬
‫فني تخلينل الخمنر؛ ولينس فني رأي أحند حجنة منع السننة‪ .‬وبال التوفينق‪ .‬وقند يحتمنل أن يكون المننع‬
‫من تخليلها كان في بدء السلم عند نزول تحريمها؛ لئل يستدام حبسها لقرب العهد بشربها‪ ،‬إرادة‬
‫لقطع العادة في ذلك‪ .‬وإذا كان كذلك لم يكن في النهي عن تخليلها حينئذ‪ ،‬والمر بإراقتها ما يمنع‬
‫منن أكلهنا إذا خللت‪ .‬وروى أشهنب عنن مالك قال‪ :‬إذا خلل النصنراني خمرا فل بأس بأكله‪ ،‬وكذلك‬
‫إن خللها مسلم واستغفر ال؛ وهذه الرواية ذكرها ابن عبدالحكم في كتابه‪ .‬والصحيح ما قاله مالك‬
‫فني رواينة ابنن القاسنم وابنن وهنب أننه ل يحنل لمسنلم أن يعالج الخمنر حتنى يجعلهنا خل ول يبيعهنا‪،‬‬
‫ولكن ليهريقها‪.‬‬
‫@ لم يختلف قول مالك وأصحابه أن الخمر إذا تخللت بذاتها أن أكل ذلك الخل حلل‪ .‬وهو قول‬
‫عمنر بنن الخطاب وقبيصنة وابنن شهاب‪ ،‬وربيعنة وأحند قولي الشافعني‪ ،‬وهنو تحصنيل مذهبنه عنند‬
‫أكثر أصحابه‪.‬‬
‫@ ذكر ابن خويز منداد أنها تملك‪ ،‬ونزع إلى ذلك بأنه يمكن أن يزال بها الغصص‪ ،‬ويطفأ بها‬
‫حرينق؛ وهذا نقنل ل يعرف لمالك‪ ،‬بنل يخرج هذا على قول منن يرى أنهنا طاهرة‪ .‬ولو جاز ملكهنا‬
‫لما أمر النبي صلى ال عليه وسلم بإراقتها‪ .‬وأيضا فإن الملك نوع نفع وقد بطل بإراقتها‪ .‬والحمد‬
‫ل‪.‬‬
‫@ هذه الية تدل على تحريم اللعب بالنرد والشطرنج قمارا أو غير قمار؛ لن ال تعالى لما حرم‬
‫الخمر أخبر بالمعنى الذي فيها فقال‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر" الية‪ .‬ثم قال‪" :‬إنما‬
‫يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء" الية‪ .‬فكل لهو دعا قليله إلى كثير‪ ،‬وأوقع العداوة‬
‫والبغضاء بينن العاكفينن علينه‪ ،‬وصند عنن ذكنر ال وعنن الصنلة فهنو كشرب الخمنر‪ ،‬وأوجنب أن‬
‫يكون حرامنا مثله‪ .‬فإن قينل‪ :‬إن شرب الخمنر يورث السنكر فل يقدر معنه على الصنلة ولينس فني‬
‫اللعنب بالنرد والشطرننج هذا المعننى؛ قينل له‪ :‬قد جمع ال تعالى بين الخمنر والميسنر في التحرينم‪،‬‬
‫ووصفهما جميعا بأنهما يوقعان العداوة والبغضاء بين الناس ويصدان عن ذكر ال وعن الصلة؛‬
‫ومعلوم أن الخمنر إن أسنكرت فالميسنر ل يسنكر‪ ،‬ثنم لم يكنن عنند ال افتراقهمنا فني ذلك يمننع منن‬
‫التسوية بينهما في التحريم لجل ما اشتركا فيه من المعاني‪ .‬وأيضا فإن قليل الخمر ل يسكر كما‬
‫أن اللعنب بالنرد والشطرننج ل يسنكر‪ ،‬ثنم كان حرامنا مثنل الكثينر‪ ،‬فل ينكنر أن يكون اللعنب بالنرد‬
‫والشطرنج حراما مثل الخمر وإن كان ل يسكر‪ .‬وأيضا فإن ابتداء اللعب يورث الغفلة‪ ،‬فتقوم تلك‬
‫الغفلة المسننتولية على القلب مكان السننكر؛ فإن كانننت الخمننر إنمننا حرمننت لنهننا تسننكر فتصنند‬
‫بالسكار عن الصلة‪ ،‬فليحرم اللعب بالنرد والشطرنج لنه يغفل ويلهي فيصد بذلك عن الصلة‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@ مُهدي الراوية يدل على أنه كان لم يبلغه الناسخ‪ ،‬وكان متمسكا بالباحة المتقدمة‪ ،‬فكان ذلك‬
‫دليل على أن الحكنم ل يرتفنع بوجود الناسنخ ‪ -‬كمنا يقول بعنض الصنوليين ‪ -‬بنل ببلوغنه كمنا دل‬
‫علينه هذا الحدينث‪ ،‬وهنو الصنحيح؛ لن الننبي صنلى ال علينه وسنلم لم يوبخنه‪ ،‬بنل بينن له الحكنم؛‬
‫ولننه مخاطنب بالعمنل بالول بحينث لو تركنه عصنى بل خلف‪ ،‬وإن كان الناسنخ قند حصنل فني‬
‫الوجود‪ ،‬وذلك كما وقع لهل قباء؛ إذ كانوا يصلون إلى بيت المقدس إلى أن أتاهم التي فأخبرهم‬
‫بالناسننخ‪ ،‬فمالوا نحننو الكعبننة‪ .‬وقنند تقدم فنني سننورة (البقرة) والحمنند ل؛ وتقدم فيهننا ذكننر الخمننر‬
‫واشتقاقها والميسر‪ .‬وقد مضى في صدر هذه السورة القول‪ ،‬في النصاب والزلم‪ .‬والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنمنا يريند الشيطان أن يوقنع بينكنم العداوة والبغضاء فني الخمنر والميسنر" الينة‪.‬‬
‫أعلم ال تعالى عباده أن الشيطان إنمنا يريند أن يوقنع العداوة والبغضاء بينننا بسنبب الخمنر وغيره‪،‬‬
‫فحذرننا منهنا‪ ،‬ونهاننا عنهنا‪ .‬روي أن قنبيلتين منن النصنار شربوا الخمنر وانتشوا‪ ،‬فعبنث بعضهنم‬
‫ببعنض‪ ،‬فلمنا صنحوا رأى بعضهنم فني وجنه بعنض آثار منا فعلوا‪ ،‬وكانوا إخوة لينس فني قلوبهنم‬
‫ضغائن‪ ،‬فجعنل بعضهنم يقول‪ :‬لو كان أخني بني رحيمنا منا فعنل بني هذا‪ ،‬فحدثنت بينهنم الضغائن؛‬
‫فأنزل ال‪" :‬إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء" الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويصدكم عن ذكر ال وعن الصلة" يقول‪ :‬إذا سكرتم لم تذكروا ال ولم تصلوا‪،‬‬
‫وإن صنليتم خلط عليكنم كمنا فعنل بعلي‪ ،‬وروي‪ :‬بعبدالرحمنن كمنا تقدم فني "النسناء"‪ .‬وقال عنبيدال‬
‫بن عمر‪ :‬سئل القاسم بن محمد عن الشطرنج أهي ميسر؟ وعن النرد أهو ميسر؟ فقال‪ :‬كل ما صد‬
‫عنن ذكنر ال وعنن الصنلة فهنو ميسنر‪ .‬قال أبنو عبيند‪ :‬تأول قوله تعالى‪" :‬ويصندكم عنن ذكنر ال‬
‫وعن الصلة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فهنل أنتنم منتهون" لمنا علم عمنر رضني ال عننه أن هذا وعيند شديند زائد على‬
‫معننى انتهوا قال‪ :‬انتهيننا‪ .‬وأمنر الننبي صنلى ال علينه وسنلم منادينه أن ينادي فني سنكك المديننة‪ ،‬أل‬
‫إن الخمر قد حرمت؛ فكسرت الدنان‪ ،‬وأريقت الخمر حتى جرت في سكاك المدينة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأطيعوا ال وأطيعوا الرسنول واحذروا" تأكيند للتحرينم‪ ،‬وتشديند فني الوعيند‪،‬‬
‫وامتثال للمنر‪ ،‬وكنف عنن المنهني عننه‪ ،‬وحسنن عطنف "وأطيعوا ال" لمنا كان فني الكلم المتقدم‬
‫معننى انتهوا‪ .‬وكرر "وأطيعوا" فني ذكنر الرسنول تأكيدا‪ .‬ثنم حذر فني مخالفنة المنر‪ ،‬وتوعند منن‬
‫تولى بعذاب الخرة؛ فقال‪" :‬فإن توليتم" أي خالفتم" "فإنما على رسولنا البلغ المبين" في تحريم‬
‫ما أمر بتحريمه وعلى المرسل أن يعاقب أو يثيب بحسب ما يُعصى أو يُطاع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 93 :‬ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا‬
‫وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا وال يحب المحسنين}‬
‫@ قال ابنن عباس والبراء بنن عازب وأننس بنن مالك إننه لمنا نزل تحرينم الخمنر قال قوم منن‬
‫الصننحابة‪ :‬كيننف بمننن مات منننا وهنو يشربهننا ويأكننل الميسننر؟ ‪ -‬ونحنو هذا ‪ -‬فنزلت الينة‪ .‬روى‬
‫البخاري عنن أننس قال‪ :‬كننت سناقي القوم فني منزل أبني طلحنة فنزل تحرينم الحمنر‪ ،‬فأمنر منادينا‬
‫ينادي‪ ،‬فقال أبنو طلحنة‪ :‬اخرج فانظنر منا هذا الصنوت قال‪ :‬فخرجنت فقلت‪ :‬هذا مناد ينادي أل إن‬
‫الخمننر قنند حرمننت؛ فقال‪ :‬اذهننب فاهرقهننا ‪ -‬وكان الخمننر مننن الفضيننخ ‪ -‬قال‪ :‬فجرت فنني سننكك‬
‫المدينة؛ فقال بعض القوم‪ :‬قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل ال عز وجل‪" :‬ليس على الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الية‪.‬‬
‫@ هذه الية وهذا الحديث نظير سؤالهم عمن مات إلى القبلة الولى فنزلت "وما كان ال ليضيع‬
‫إيمانكم" [البقرة‪ ]143:‬ومن فعل ما أبيح له حتى مات على فعله لم يكن له ول عليه شيء؛ ل إثم‬
‫ول مؤاخذة ول ذم ول أجنر ول مدح؛ لن المباح مستوي الطرفين بالنسبة إلى الشرع؛ وعلى هذا‬
‫فمنا كان ينبغني أن يتخوف ول يسنأل عنن حال منن مات والخمنر فني بطننه وقنت إباحتهنا‪ ،‬فإمنا أن‬
‫يكون ذلك القائل غفل عن دليل الباحة فلم يخطنر له‪ ،‬أو يكون لغلبة خوفه من ال تعالى‪ ،‬وشفقته‬
‫على إخواننه المؤمنينن توهنم مؤاخذة ومعاقبنة لجننل شرب الخمننر المتقدم؛ فرفنع ال ذلك التوهننم‬
‫بقوله‪" :‬ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الية‪.‬‬
‫@ هذا الحديث في نزول الية فيه دليل واضح على أن نبيذ التمر إذا أسكر خمر؛ وهو نص ول‬
‫يجوز العتراض عليه؛ لن الصحابة رحمهم ال هم أهل اللسان‪ ،‬وقد عقلوا أن شرابهم ذلك خمر‬
‫إذ لم يكن لهم شراب ذلك الوقت بالمدينة غيره؛ وقد قال الحكمي‪:‬‬
‫ولكن من نتاج الباسقات‬ ‫لنا خمر وليست خمر كرم‬
‫وفات ثمارها أيدي الجناة‬ ‫كرام في السماء ذهبن طول‬
‫ومنن الدلينل الواضنح على ذلك منا رواه النسنائي‪ :‬أخبرننا القاسنم بنن زكرينا‪ ،‬أخبرننا عنبيدال عنن‬
‫شيبان عن العمش عن محارب بن دثار عن جابر عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪[ :‬الزبيب‬
‫والتمر هو الخمر]‪ .‬وثبت بالنقل الصحيح أن عمر بن الخطاب رضى ال عنه ‪ -‬وحسبك به عالما‬
‫باللسان والشرع ‪ -‬خطب على منبر النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا أيها الناس؛ أل إنه قد نزل‬
‫تحريم الخمر يوم نزل‪ ،‬وهي من خمسة‪ :‬من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير؛ والخمر ما‬
‫خامنر العقنل‪ .‬وهذا أبينن منا يكون فني معننى الخمنر؛ يخطنب بنه عمنر بالمديننة على المننبر بمحضنر‬
‫جماعة الصحابة‪ ،‬وهم أهل اللسان ولم يفهموا من الخمر إل ما ذكرناه‪ .‬وإذا ثبت هذا بطل مذهب‬
‫أبي حنيفة والكوفيين القائلين بأن الخمر ل تكون إل من العنب‪ ،‬وما كان من غيره ل يسمى خمرا‬
‫ول يتناوله اسم الخمر‪ ،‬وإنما يسمى نبيذا؛ وقال الشاعر‪:‬‬
‫وصرت حليفا لمن عابه‬ ‫تركت النبيذ لهل النبيذ‬
‫ويفتح للشر أبوابه‬ ‫شراب يدنس عرض الفتى‬
‫@ قال المام أبو عبدال المازري‪ :‬ذهب جمهور العلماء من السلف وغيرهم إلى أن كل ما يسكر‬
‫نوعه حرم شربه‪ ،‬قليل كان أو كثيرا‪ ،‬نيئا كان أو مطبوخا‪ ،‬ول فرق بين المستخرج من العنب أو‬
‫حدّ؛ فأمنا المسنتخرج منن العننب المسنكر النينئ فهنو الذي انعقند‬
‫غيره‪ ،‬وأن منن شرب شيئا منن ذلك ُ‬
‫الجماع على تحريم قليله وكثيره ولو نقطة منه‪ .‬وأما ما عدا ذلك فالجمهور على تحريمه‪ .‬وخالف‬
‫الكوفيون فني القلينل ممنا عدا منا ذكنر‪ ،‬وهنو الذي ل يبلغ السنكار؛ وفني المطبوخ المسنتخرج منن‬
‫العننب؛ فذهنب قوم منن أهنل البصنرة إلى قصنر التحرينم على عصنير العننب‪ ،‬ونقينع الزبينب النينئ؛‬
‫فأمنا المطبوخ منهمنا‪ ،‬والنينئ والمطبوخ ممنا سنواهما فحلل منا لم يقنع السنكار‪ .‬وذهنب أبنو حنيفنة‬
‫إلى قصننر التحريننم على المعتصننر مننن ثمرات النخيننل والعناب على تفصننيل؛ فيرى أن سننلفة‬
‫العننب يحرم قليلهنا وكثيرهنا إل أن تطبنخ حتنى ينقنص ثلثاهنا‪ ،‬وأمنا نقينع الزبينب والتمنر فيحنل‬
‫مطبوخهمنا وإن مسنته النار مسنا قليل منن غينر اعتبار بحند؛ وأمنا النينئ مننه فحرام‪ ،‬ولكننه منع‬
‫تحريمه إياه ل يوجب الحد فيه؛ وهذا كله ما لم يقع السكار‪ ،‬فإن وقع السكار استوى الجميع‪ .‬قال‬
‫شيخنا الفقيه المام أبو العباس أحمد رضي ال عنه‪ :‬العجب من المخالفين في هذه المسألة؛ فإنهم‬
‫قالوا‪ :‬إن القليل من الخمر المعتصر من العنب حرام ككثيره‪ ،‬وهو مجمع عليه؛ فإذا قيل لهم‪ :‬فلم‬
‫حرم القليل من الخمر وليس مذهبا للعقل؟ فل بد أن يقال‪ :‬لنه داعية إلى الكثير‪ ،‬أو للتعبد؛ فحينئذ‬
‫يقال لهم‪ :‬كل ما قدرتموه في قليل الخمر هو بعينه موجود في قليل النبيذ فيحرم أيضا‪ ،‬إذ ل فارق‬
‫بينهمننا إل مجرد السننم إذا سننلم ذلك‪ .‬وهذا القياس هننو أرفننع أنواع القياس؛ لن الفرع فيننه مسنناو‬
‫للصل في جميع أوصافه؛ وهذا كما يقول في قياس المة على العبد في سراية العتق‪ .‬ثم العجب‪،‬‬
‫منن أبني حنيفنة وأصنحابه رحمهنم ال! فإنهنم يتوغلون فني القياس ويرجحوننه على أخبار الحاد‪،‬‬
‫ومنع ذلك فقند تركوا هذا القياس الجلي المعضود بالكتاب والسننة وإجماع صندور المنة‪ ،‬لحادينث‬
‫ل يصنح شينء منهنا على منا قند بينن عللهنا المحدثون فني كتبهنم‪ ،‬ولينس فني الصنحيح شينء منهنا‪.‬‬
‫وسيأتي في سورة "النحل" تمام هذه المسألة إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬طعموا" أصل هذه اللفظة في الكل؛ يقال‪ :‬طعم الطعام وشرب الشراب‪ ،‬لكن قد‬
‫تجوز في ذلك فيقال‪ :‬لم أطعم خبزا ول ماء ول نوما؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫ل تطعم النوم إل صياما‬ ‫نعاما بوجرة صعر الخدود‬
‫وقد تقدم القول في "البقرة" في قوله تعالى‪" :‬ومن لم يطعمه" [البقرة‪ ]249:‬بما فيه الكفاية‪.‬‬
‫قال ابن خويز منداد‪ :‬تضمنت هذه الية تناول المباح والشهوات‪ ،‬والنتفاع بكل لذيذ من مطعم‬
‫ومشرب ومنكح وإن بولغ فيه وتنوهي في ثمنه‪ .‬وهذه الية نظير قوله تعالى‪" :‬ل تحرموا طيبات‬
‫ما أحل ال لكم" [المائدة‪ ]87 :‬ونظير قوله‪" :‬قل من حرم زينة ال التي أخرج لعباده والطيبات‬
‫من الرزق" [العراف‪.]32:‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا وال يحب‬
‫المحسنين" فيه أربعة أقوال‪ :‬الول‪ :‬أنه ليس في ذكر التقوى تكرار؛ والمعنى اتقوا شربها‪ ،‬وآمنوا‬
‫بتحريمها؛ والمعنى الثاني دام اتقاؤهم وإيمانهم؛ والثالث على معنى الحسان إلى التقاء‪ .‬والثاني‪:‬‬
‫اتقوا قبنل التحرينم فني غيرهنا منن المحرمات‪ ،‬ثنم اتقوا بعند تحريمهنا شربهنا‪ ،‬ثنم اتقوا فيمنا بقني منن‬
‫أعمالهننم‪ ،‬وأحسنننوا العمننل‪ .‬الثالث‪ :‬اتقوا الشرك وآمنوا بال ورسننوله‪ ،‬والمعنننى الثاننني ثننم اتقوا‬
‫الكبائر‪ ،‬وازدادوا إيمانننا‪ ،‬ومعنننى الثالث ثننم اتقوا الصننغائر وأحسنننوا أي تنفلوا‪ .‬وقال محمنند بننن‬
‫جرينر‪ :‬التقاء الول هنو التقاء بتلقني أمنر ال بالقبول‪ ،‬والتصنديق والدينوننة بنه والعمنل‪ ،‬والتقاء‬
‫الثاني‪ ،‬التقاء بالثبات على التصديق‪ ،‬والثالث التقاء بالحسان‪ ،‬والتقرب بالنوافل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪ :‬ثنم اتقوا وأحسننوا وال يحنب المحسننين" دلينل على أن المتقني المحسنن أفضنل منن‬
‫المتقي المؤمن الذي عمل الصالحات؛ فضله بأجر الحسان‪.‬‬
‫قند تأول هذه الية قدامنة بنن مظعون الجمحني منن الصنحابة رضنى ال عنهنم‪ ،‬وهنو ممنن هاجنر‬
‫عمّر‪ .‬وكان ختن‬ ‫إلى أرض الحبشة مع أخويه عثمان وعبدال‪ ،‬ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا و ُ‬
‫عمنر بنن الخطاب‪ ،‬خال عبدال وحفصنة‪ ،‬ووله عمنر بنن الخطاب على البحرينن‪ ،‬ثنم عزله بشهادة‬
‫الجارود ‪ -‬سنيد عبدالقينس ‪ -‬علينه بشرب الخمنر‪ .‬روى الدارقطنني قال‪ :‬حدثننا أبنو الحسنن علي بنن‬
‫محمد المصري‪ ،‬حدثنا يحيى بن أيوب العلف‪ ،‬حدثني سعيد بن عفير‪ ،‬حدثني يحيى بن فليح بن‬
‫شرّاب كانوا يضربون في عهد‬ ‫سليمان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس‪ :‬أن ال ُ‬
‫رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم باليدي والنعال والعصني حتنى توفني‪ ،‬رسنول ال صنلى ال علينه‬
‫وسلم‪ ،‬فكانوا في خلفة أبي بكر أكثر منهم في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكان أبو بكر‬
‫يجلدهنم أربعينن حتنى توفني‪ ،‬ثنم كان عمنر منن بعده يجلدهنم كذلك أربعينن حتنى أتني برجنل منن‬
‫المهاجرينن الولينن وقند شرب فأمنر بنه أن يجلد؛ قال‪ :‬لينم تجلدنني؟ بينني وبيننك كتاب ال! فقال‬
‫عمنر‪ :‬وفني أي كتاب ال تجند أل أجلدك؟ فقال له‪ :‬إن ال تعالى يقول فني كتابنه‪" :‬لينس على الذينن‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الية‪ .‬فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات‪ ،‬ثم اتقوا‬
‫وآمنوا‪ ،‬ثننم اتقوا وأحسنننوا؛ شهدت مننع رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم بدرا وأحدا والخندق‬
‫والمشاهنند كلهننا؛ فقال عمننر‪ :‬أل تردون عليننه مننا يقول؛ فقال ابننن عباس‪ :‬إن هؤلء اليات أنزلت‬
‫عذرا لمن غبر وحجة على الناس؛ لن ال تعالى يقول‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر"‬
‫الية؛ ثم قرأ حتى أنفذ الية الخرى؛ فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات‪ ،‬الية؛ فإن ال‬
‫قد نهاه أن يشرب الخمر؛ فقال عمر‪ :‬صدقت ماذا ترون؟ فقال علي رضي ال عنه‪ :‬إنه إذا شرب‬
‫سنكر وإذا سنكر هذى‪ ،‬وإذا هذى افترى‪ ،‬وعلى المفتري ثمانون جلدة؛ فأمنر بنه عمنر فجلد ثمانينن‬
‫جلدة‪.‬‬
‫وذكنر الحميدي عنن أبني بكنر البرقانني عنن ابنن عباس قال‪ :‬لمنا قدم الجارود منن البحرينن قال‪ :‬ينا‬
‫أمير المؤمنين إن قدامة بن مظعون قد شرب مسكرا‪ ،‬وإني إذا رأيت حقا من حقوق ال حق علي‬
‫أن أرفعه إليك؛ فقال عمر‪ :‬من يشهد على ما تقول؟ فقال‪ :‬أبو هريرة؛ فدعا عمر أبا هريرة فقال‪:‬‬
‫علم تشهند ينا أبنا هريرة؟ فقال‪ :‬لم أره حينن شرب‪ ،‬ورأيتنه سنكران يقينء‪ ،‬فقال عمنر‪ :‬لقند تنطعنت‬
‫فني الشهادة؛ ثنم كتنب عمنر إلى قدامنة وهنو بالبحرينن يأمره بالقدوم علينه‪ ،‬فلمنا قدم قدامنة والجارود‬
‫بالمدينة كلم الجارود عمر؛ فقال‪ :‬أقم على هذا كتاب ال؛ فقال عمر للجارود‪ :‬أشهيد أنت أم خصم؟‬
‫فقال الجارود‪ :‬أنا شهيد؛ قال‪ :‬قد كنت أديت الشهادة؛ ثم قال لعمر‪ :‬إني أنشدك ال! فقال عمر‪ :‬أما‬
‫وال لتملكننن لسننانك أو لسننوءنك؛ فقال الجارود‪ :‬أمننا وال مننا ذلك بالحننق‪ ،‬أن يشرب ابننن عمننك‬
‫وتسنوءني! فأوعده عمنر؛ فقال أبنو هريرة وهنو جالس‪ :‬ينا أمينر المؤمنينن إن كننت فني شنك منن‬
‫شهادتننا فسنل بننت الوليند امرأة ابنن مظعون‪ ،‬فأرسنل عمنر إلى هنند ينشدهنا بال‪ ،‬فأقامنت هنند على‬
‫زوجهنا الشهادة؛ فقال عمنر‪ :‬ينا قدامنة إنني جالدك؛ فقال قدامنة‪ :‬وال لو شربنت ‪ -‬كمنا يقولون ‪ -‬منا‬
‫كان لك أن تجلدننني يننا عمننر‪ .‬قال‪ :‬ولم يننا قدامننة؟ قال‪ :‬لن ال سننبحانه يقول‪" :‬ليننس على آمنوا‬
‫وعملوا الصننالحات جناح" فيمننا طعموا" اليننة إلى "المحسنننين"‪ .‬فقال عمننر‪ :‬أخطأت التأويننل يننا‬
‫قدامنة؛ إذا اتقينت ال اجتنبنت منا حرم ال‪ ،‬ثنم أقبنل عمنر على القوم فقال‪ :‬منا ترون فني جلد قدامنة؟‬
‫فقال القوم‪ :‬ل نرى أن تجلده ما دام وجعا؛ فسكت عمر عن جلده ثم أصبح يوما فقال لصحابه‪ :‬ما‬
‫ترون فني جلد قدامنة؟ فقال القوم‪ :‬ل نرى أن تجلده منا دام وجعنا‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إنه وال لن يلقنى ال‬
‫تحنت السنوط‪ ،‬أحنب إلي أن ألقنى ال وهنو فني عنقني! وال لجلدننه؛ ائتونني بسنوط‪ ،‬فجاءه موله‬
‫أسنلم بسنوط رقينق صنغير‪ ،‬فأخذه عمنر فمسنحه بيده ثنم قال لسنلم‪ :‬أخذتنك دقرارة أهلك؛ ائتونني‬
‫بسوط غير هذا‪ .‬قال‪ :‬فجاءه أسلم بسوط تام؛ فأمر عمر بقدامة فجلد؛ فغاضب قدامة عمر وهجره؛‬
‫فحجنا وقدامنة مهاجنر لعمنر حتنى قفلوا عنن حجهنم ونزل عمنر بالسنقيا ونام بهنا فلمنا اسنتيقظ عمنر‬
‫قال‪ :‬عجلوا علي بقدامة‪ ،‬انطلقوا فأتوني به‪ ،‬فوال لرى في النوم أنه جاءني آت فقال‪ :‬سالم قدامة‬
‫فإننه أخوك‪ ،‬فلمنا جاؤوا قدامنة أبنى أن يأتينه‪ ،‬فأمنر عمنر بقدامنة أن يجنر إلينه جرا حتنى كلمنه عمنر‬
‫واسنتغفر له‪ ،‬فكان أول صنلحهما‪ .‬قال أيوب بنن أبني تميمنة‪ :‬لم يحند أحند منن أهنل بدر فني الخمنر‬
‫غيره‪ .‬قال ابننن العربنني‪ :‬فهذا يدلك على تأويننل اليننة‪ ،‬ومننا ذكننر فيننه عننن ابننن عباس مننن حديننث‬
‫الدارقطنني‪ ،‬وعمنر فني حدينث البرقانني وهنو صنحيح؛ وبسنطه أننه لو كان منن شرب الخمنر واتقنى‬
‫ال في غيره ما حد على الخمر أحد‪ ،‬فكان هذا من أفسد تأويل؛ وقد خفي على قدامة؛ وعرفه من‬
‫وفقه ال كعمر وابن عباس رضي ال عنهما؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫على شجوه إل بكيت على عمر‬ ‫وإن حراما ل أرى الدهر باكيا‬
‫وروي عنن علي رضني ال عننه أن قومنا شربوا بالشام وقالوا‪ :‬هني لننا حلل وتأولوا هذه الينة‪،‬‬
‫فأجمع علي وعمر على أن يستتابوا‪ ،‬فإن تابوا وإل قتلوا؛ ذكره الكيا الطبري‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 94 :‬يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم ال بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم ال‬
‫من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليبلونكم ال" أي ليختبرنكم‪ ،‬والبتلء الختبار‪ .‬وكان الصيد أحد معايش العرب‬
‫العاربة‪ ،‬وشائعا عند الجميع منهم‪ ،‬مستعمل جدا‪ ،‬فابتلهم ال فيه مع الحرام والحرم‪ ،‬كما ابتلى‬
‫بني إسرائيل في أل يعتدوا في السبت‪ .‬وقيل‪ :‬إنها نزلت عام الحديبية؛ أحرم بعض الناس مع النبي‬
‫صننلى ال عليننه وسننلم ولم يحرم بعضهننم‪ ،‬فكان إذا عرض صننيد اختلف فيننه أحوالهننم وأفعالهننم‪،‬‬
‫واشتبهنت أحكامنه عليهنم‪ ،‬فأنزل ال هذه الينة بياننا لحكام أحوالهنم وأفعالهنم‪ ،‬ومحظورات حجهنم‬
‫وعمرتهم‪.‬‬
‫@اختلف العلماء من المخاطب بهذه الية على قولين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنهم المحلون؛ قاله مالك‪ .‬الثاني‪:‬‬
‫أنهم المحرمون قال ابن عباس؛ وتعلق بقوله تعالى‪" :‬ليبلونكم" فإن تكليف المتناع الذي يتحقق به‬
‫البتلء هنو منع الحرام‪ .‬قال ابنن العربني‪ :‬وهذا ل يلزم؛ فإن التكلينف يتحقنق فني المحنل بمنا شرط‬
‫له من أمور الصيد‪ ،‬وما شرع له من وصفه في كيفية الصطياد‪ .‬والصحيح أن الخطاب في الية‬
‫لجميع الناس مُحلِهم ومُحرِمهم؛ لقوله تعالى‪" :‬ليبلونكم ال" أي‪ :‬ليكلفنكم‪ ،‬والتكليف كله ابتلء وإن‬
‫تفاضل في الكثرة والقلة‪ ،‬وتباين في الضعف والشدة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بشينء منن الصنيد" يريند ببعنض الصنيد‪ ،‬فمنن للتبعينض‪ ،‬وهنو صنيد البر خاصنة؛‬
‫ولم يعنم الصنيد كله لن للبحنر صنيدا‪ ،‬قال الطنبري وغيره‪ .‬وأراد بالصنيد المصنيد؛ لقوله‪" :‬تناله‬
‫أيديكم"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تناله أيديكننم ورماحكننم" بيان لحكننم صننغار الصننيد وكباره‪ .‬وقرأ ابننن وثاب‬
‫والنخعنني‪" :‬يناله" بالياء منقوطننة مننن تحننت‪ .‬قال مجاهنند‪ :‬اليدي تنال الفراخ والبيننض ومننا ل‬
‫يستطيع أن يفر‪ ،‬والرماح تنال كبار الصيد‪ .‬وقال ابن وهب قال مالك قال ال تعالى‪" :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ليبلونكم ال بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم" وكل شيء يناله النسان بيده أو برمحه‬
‫أو بشيء من سلحه فقتله فهو صيد كما قال ال تعالى‪.‬‬
‫@ خنص ال تعالى اليدي بالذكنر لنهنا عظنم التصنرف فني الصنطياد؛ وفيهنا تدخنل الجوارح‬
‫والحبالت‪ ،‬ومننا عمنل بالينند مننن فخاخ وشباك؛ وخننص الرماح بالذكننر لنهننا عظننم مننا يجرح بنه‬
‫الصنيد‪ ،‬وفيهنا يدخنل السنهم ونحوه؛ وقند مضنى القول فيمنا يصناد به منن الجوارح والسنهام فني أول‬
‫السورة بما فيه الكفاية والحمد ل‪.‬‬
‫@ ما وقع في الفخ والحبالة فلربها‪ ،‬فإن ألجأ الصيد إليها أحد ولولها لم يتهيأ له أخذه فربها فيه‬
‫شريكنه‪ .‬ومنا وقنع فني الجبنح المنصنوب فني الجبنل منن ذباب النحنل فهنو كالحبالة والفنخ‪ ،‬وحمام‬
‫البرجنة ترد على أربابهنا إن اسنتطيع ذلك‪ ،‬وكذلك نحنل الجباح؛ وقند روي عنن مالك‪ .‬وقال بعنض‬
‫أصنحابه‪ :‬إننه لينس على منن حصنل الحمام أو النحنل عنده أن يرد‪ .‬ولو ألجأت الكلب صنيدا فدخنل‬
‫في بيت أحد أو داره فهو للصائد مرسل الكلب دون صاحب البيت‪ ،‬ولو دخل في البيت من غير‬
‫اضطرار الكلب له فهو لرب البيت‪.‬‬
‫@ احتج بعض الناس على أن الصيد للخذ ل للمثير بهذه الية؛ لن المثير لم تنل يده ول رمحه‬
‫بعدُ شيئا‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة‪.‬‬
‫@ كره مالك صنيد أهنل الكتاب ولم يحرمنه‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬تناله أيديكنم ورماحكنم" يعنني أهنل‬
‫اليمان‪ ،‬لقوله تعالى فنني صنندر اليننة‪" :‬يننا أيهننا الذيننن آمنوا" فخرج عنهننم أهننل الكتاب‪ .‬وخالفننه‬
‫جمهور أهنل العلم‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا" [المائدة‪ ]94 :‬وهنو عندهنم مثنل ذبائحهنم‪.‬‬
‫وأجاب علماؤنننا بأن اليننة إنمننا تضمنننت أكننل طعامهننم‪ ،‬والصننيد باب آخننر فل يدخننل فنني عموم‬
‫الطعام‪ ،‬ول يتناوله مطلق لفظه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا بناء على أن الصننيد ليننس مشروعننا عندهننم فل يكون مننن طعامهننم‪ ،‬فيسننقط عنننا هذا‬
‫اللزام؛ فأما إن كان مشروعا عندهم في دينهم فيلزمنا أكله لتناول اللفظ له‪ ،‬فإنه من طعامهم‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 95 :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل‬
‫منا قتنل منن النعنم يحكنم بنه ذوا عدل منكنم هدينا بالغ الكعبنة أو كفارة طعام مسناكين أو عدل ذلك‬
‫صياما ليذوق وبال أمره عفا ال عما سلف ومن عاد فينتقم ال منه وال عزيز ذو انتقام}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا" هذا خطاب عام لكنل مسنلم ذكنر وأنثنى‪ ،‬وهذا النهني هنو‬
‫البتلء المذكور في قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم ال بشيء من الصيد" الية‪ .‬وروي‬
‫أن أبا اليسر واسمه عمرو بن مالك النصاري كان محرما عام الحديبية بعمرة فقتل حمار وحش‬
‫فنزلت فيه "ل تقتلوا الصيد وأنتم حرم"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تقتلوا الصيد" القتل هو كل فعل يميت الروح‪ ،‬وهو أنواع‪ :‬منها النحر والذبح‬
‫والخنق والرضخ وشبهه؛ فحرم ال تعالى على المحرم في الصيد كل فعل يكون مقيتا للروح‪ .‬من‬
‫قتل صيدا أو ذبحه فأكل منه فعليه جزاء واحد لقتله دون أكله؛ وبه قال الشافعي‪ .‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫عليه جزاء ما أكل؛ يعني قيمته‪ ،‬وخالفه صاحباه فقال‪ :‬ل شيء عليه سوى الستغفار؛ لنه تناول‬
‫الميتنة كمنا لو تناول ميتنة أخرى؛ ولهذا لو أكلهنا محرم آخنر ل يلزمنه إل السنتغفار‪ .‬وحجنة أبني‬
‫حنيفة أنه تناول محظور إحرامه؛ لن قتله كان من محظورات الحرام‪ ،‬ومعلوم أن المقصود من‬
‫القتنل هنو التناول‪ ،‬فإذا كان منا يتوصنل بنه إلى المقصنود ‪ -‬محظور إحرامنه ‪ -‬موجبنا علينه الجزاء‬
‫فما هو المقصود كان أولى‪.‬‬
‫@ ل يجوز عندننا ذبنح المحرم للصنيد‪ ،‬لنهني ال سنبحانه المحرم عنن قتله؛ وبنه قال أبنو حنيفنة‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ذبح المحرم للصيد ذكاة؛ وتعلق بأنه ذبح صدر من أهله وهو المسلم‪ ،‬مضاف إلى‬
‫محله وهنو النعام؛ فأفاد مقصنوده منن حنل الكنل؛ أصنله ذبنح الحلل‪ .‬قلننا‪ :‬قولكنم ذبنح صندر منن‬
‫أهله فالمحرم لينس بأهنل لذبنح الصنيد؛ إذ الهلينة ل تسنتفاد عقل‪ ،‬وإنمنا يفيدهنا الشرع؛ وذلك بإذننه‬
‫فنني الذبنح‪ ،‬أو بنفيهننا وذلك بنهيننه عنن الذبنح‪ ،‬والمحرم منهنني عنن ذبننح الصننيد؛ لقوله‪" :‬ل تقتلوا‬
‫الصيد" فقد انتفت الهلية بالنهي‪ .‬وقولكم أفاد مقصوده فقد اتفقنا على أن المحرم إذا ذبح الصيد ل‬
‫يحنل له أكله‪ ،‬وإنمنا يأكنل مننه غيره عندكنم؛ فإذا كان الذبنح ل يفيند الحنل للذابنح فأولى وأحرى أل‬
‫يفيده لغيره‪ ،‬لن الفرع تبع للصل في أحكامه؛ فل يصح أن يثبت له ما ل يثبت لصله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الصيد" مصدر عومل معاملة السماء‪ ،‬فأوقع على الحيوان المصيد؛ ولفظ الصيد‬
‫هنا عام في كل صيد بري وبحري حتى جاء قوله تعالى‪" :‬وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما"‬
‫[المائدة‪ ]96 :‬فأباح صيد البحر إباحة مطلقة؛ على ما يأتني بيانه فني الية بعد هذا إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فني خروج السنباع منن صنيد البر وتخصنيصها مننه؛ فقال مالك‪ :‬كنل شينء ل‬
‫يعدو مننن السننباع مثننل الهننر والثعلب والضبننع ومننا أشبههننا فل يقتله المحرم‪ ،‬وإن قتله فداه‪ .‬قال‪:‬‬
‫وصغار الذئاب ل أرى أن يقتلها المحرم‪ ،‬فإن قتلها فداها؛ وهي مثل فراخ الغربان‪ .‬ول بأس بقتل‬
‫كنل منا عدا على الناس فني الغلب؛ مثنل السند والذئب والنمنر والفهند؛ وكذلك ل بأس علينه بقتنل‬
‫الحيات والعقارب والفأرة والغراب والحدأة‪ .‬قال إسننماعيل‪ :‬إنمننا ذلك لقوله عليننه السننلم‪[ :‬خمننس‬
‫فواسنق يقتلن فني الحنل والحرم] الحدينث؛ فسنماهن فسناقا؛ ووصنفهن بأفعالهنن؛ لن الفاسنق فاعنل‬
‫للفسق‪ ،‬والصغار ل فعل لهن‪ ،‬ووصف الكلب بالعقور وأولده ل تعقر؛ فل تدخل في هذا النعت‪.‬‬
‫قال القاضننني إسنننماعيل‪ :‬الكلب العقور ممنننا يعظنننم ضرره على الناس‪ .‬قال‪ :‬ومنننن ذلك الحينننة‬
‫والعقرب؛ لننه يخاف منهمنا‪ ،‬وكذلك الحدأة والغراب؛ لنهمنا يخطفان اللحنم منن أيدي الناس‪ .‬قال‬
‫ابنن بكينر‪ :‬إنمنا أذن فني قتنل العقرب لنهنا ذات حمنة؛ وفني الفأرة لقرضهنا السنقاء والحذاء اللذينن‬
‫بهمنا قوام المسنافر‪ .‬وفني الغراب لوقوعنه على الظهنر ونقبنه عنن لحومهنا؛ وقند روي عنن مالك أننه‬
‫قال‪ :‬ل يقتنل الغراب ول الحدأة إل أن يضرا‪ .‬قال القاضني إسنماعيل‪ :‬واختلف فني الزنبور؛ فشبهنه‬
‫بعضهننننم بالحيننننة والعقرب‪ ،‬قال‪ :‬ولول أن الزنبور ل يبتدئ لكان أغلظ على الناس مننننن الحينننة‬
‫والعقرب‪ ،‬ولكنه ليس في طبعه من العداء ما في الحية والعقرب‪ ،‬وإنما يحمي الزنبور إذا أوذي‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإذا عرض الزنبور لحند فدفعنه عنن نفسنه لم يكنن علينه شينء فني قتله؛ وثبنت عنن عمنر بنن‬
‫الخطاب إباحننة قتننل الزنبور‪ .‬وقال مالك‪ :‬يطعننم قاتله شيئا؛ وكذلك قال مالك فيمننن قتننل البرغوث‬
‫والذباب والنمنل ونحوه‪ .‬وقال أصنحاب الرأي‪ :‬ل شينء على قاتنل هذه كلهنا‪ .‬وقال أبنو حنيفنة‪ :‬ل‬
‫يقتل المحرم من السباع إل الكلب‪ ،‬العقور والذئب خاصة‪ ،‬سواء ابتدأه أو ابتدأهما؛ وإن قتل غيره‬
‫منن السنباع فداه‪ .‬قال‪ :‬فإن ابتدأه غيرهمنا منن السنباع فقتله فل شينء عليه؛ قال‪ :‬ول شينء علينه فني‬
‫قتننل الحيننة والعقرب والغراب والحدأة‪ ،‬هذه جملة قول أبنني حنيفننة وأصننحابه إل زفننر؛ وبننه قال‬
‫الوزاعنني والثوري والحسننن؛ واحتجوا بأن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم خننص دواب بأعيانهننا‬
‫وأرخنص للمحرم فني قتلهنا منن أجنل ضررهنا؛ فل وجنه أن يزاد عليهنا إل أن يجمعوا على شينء‬
‫فيدخل في معناها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬العجنب منن أبني حنيفنة رحمنه ال يحمنل التراب على البر بعلة الكينل‪ ،‬ول يحمنل السنباع‬
‫العاديننة على الكلب بعلة الفسننق والعقننر‪ ،‬كمننا فعننل مالك والشافعنني رحمهمننا ال! وقال زفننر بننن‬
‫الهذيل‪ :‬ل يقتل إل الذئب وحده‪ ،‬ومن قتل غيره وهو محرم فعليه الفدية‪ ،‬سواء ابتدأه أو لم يبتدئه؛‬
‫لننه عجماء فكان فعله هدرا؛ وهذا رد للحدينث ومخالفنة له‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬كنل منا ل يؤكنل لحمنه‬
‫فللمحرم أن يقتله؛ وصنغار ذلك وكباره سنواء‪ ،‬إل السّنمْع وهنو المتولد بينن الذئب والضبنع‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وليس في الرخمة والخنافس والقردان والحلم وما ل يؤكل لحمه شيء؛ لن هذا ليس من الصيد‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪" :‬وحرم عليكنم صنيد البر منا دمتنم حرمنا" [المائدة‪ ]96 :‬فدل أن الصنيد الذي حرم‬
‫عليهنم منا كان لهنم قبنل الحرام حلل؛ حكنى عننه هذه الجملة المزنني والربينع؛ فإن قينل‪ :‬فلم تفدى‬
‫القملة وهي تؤذي ول تؤكل؟ قيل له‪ :‬ليس تفدى إل على ما يفدى به الشعر والظفر ولبس ما ليس‬
‫له لبسه؛ لن في طرح القملة إماطة الذى عن نفسه إذا كانت في رأسه ولحيته‪ ،‬فكأنه أماط بعض‬
‫شعره؛ فأما إذا ظهرت فقتلت فإنها ل تؤذي‪ .‬وقول أبي ثور في هذا الباب كقول الشافعي؛ قاله أبو‬
‫عمر‪.‬‬
‫@ روى الئمنة عنن ابن عمنر أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال‪( :‬خمنس منن الدواب لينس‬
‫على المحرم فني قتلهنن جناح‪ :‬الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور)‪ .‬اللفنظ للبخاري؛‬
‫وبنه قال أحمند وإسنحاق‪ .‬وفني كتاب مسنلم عنن عائشنة عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه قال‪:‬‬
‫[خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والغراب البقع والفأرة والكلب العقور والحديا]‪ .‬وبه‬
‫قالت طائفة من أهل العلم قالوا‪ :‬ل يقتل من الغربان إل البقع خاصة؛ لنه تقييد مطلق‪ .‬وفي كتاب‬
‫أبي داود عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى ال عليه وسلم‪[ :‬ويرمي الغراب ول يقتله]‪ .‬وبه‬
‫قال مجاهند‪ .‬وجمهور العلماء على القول بحدينث ابنن عمنر‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وعنند أبني داود والترمذي‪:‬‬
‫والسبع العادي؛ وهذا تنبيه على العلة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنتم حرم" عام في النوعين من الرجال والنساء‪ ،‬الحرار والعبيد؛ يقال‪ :‬رجل‬
‫حرُم؛ كقولهننم‪ :‬قذال وقذل‪ .‬وأحرم الرجننل دخننل فنني الحرم؛ كمننا‬‫حرام وامرأة حرام‪ ،‬وجمننع ذلك ُ‬
‫يقال‪ :‬أسننهل دخننل فنني السننهل‪ .‬وهذا اللفننظ يتناول الزمان والمكان وحالة الحرام بالشتراك ل‬
‫بالعموم‪ .‬يقال‪ :‬رجننل حرام إذا دخننل فنني الشهننر الحرم أو فنني الحرم‪ ،‬أو تلبننس بالحرام؛ إل أن‬
‫تحريننم الزمان خرج بالجماع عننن أن يكون معتننبرا‪ ،‬وبقنني تحريننم المكان وحالة الحرام على‬
‫أصل التكليف؛ قاله ابن العربي‪.‬‬
‫@ حرم المكان حرمان‪ ،‬حرم المديننة وحرم مكنة وزاد الشافعني الطائف‪ ،‬فل يجوز عنده قطنع‬
‫شجره‪ ،‬ول صنيد صنيده‪ ،‬ومن فعل ذلك فل جزاء عليه فأمنا حرم المدينة فل يجوز فينه الصنطياد‬
‫لحند ول قطنع الشجنر كحرم مكنة‪ ،‬فإن فعنل أثنم ول جزاء علينه عنند مالك والشافعني وأصنحابهما‪.‬‬
‫وقال ابنن أبني ذئب‪ :‬علينه الجزاء‪ .‬وقال سنعد‪ :‬جزاؤه أخنذ سنلبه‪ ،‬وروي عنن الشافعني‪ .‬وقال أبنو‬
‫حنيفنة‪ :‬صنيد المديننة غينر مُحرّم‪ ،‬وكذلك قطنع شجرهنا‪ .‬واحتنج له بعنض منن ذهنب مذهبنه بحدينث‬
‫سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪[ :‬من وجدتموه يصيد في حدود المدينة‬
‫أو يقطنع شجرهنا فخذوا سنلبه]‪ .‬وأخنذ سنعد سنلب منن فعنل ذلك‪ .‬قال‪ :‬وقند اتفنق الفقهاء على أننه ل‬
‫يؤخنذ سنلب منن صناد فني المديننة‪ ،‬فدل ذلك على أننه منسنوخ‪ .‬واحتنج لهنم الطحاوي أيضنا بحدينث‬
‫أننس ‪ -‬منا فعنل النفينر؛ فلم ينكنر صنيده وإمسناكه ‪ -‬وهذا كله ل حجنة فينه‪ .‬أمنا الحدينث الول فلينس‬
‫بالقوي‪ ،‬ولو صح لم يكن في نسخ أحد السلب ما يسقط ما صح من تحريم المدينة‪ ،‬فكم من محرم‬
‫لينس علينه عقوبنة فني الدنينا‪ .‬وأمنا الحدينث الثانني فيجوز أن يكون صنيد فني غينر الحرم‪ .‬وكذلك‬
‫حديث عائشة؛ أنه كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم وحش فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر‪،‬‬
‫فإذا أحس برسول ال صلى ال عليه وسلم ربض‪ ،‬فلم يترمرم كراهية أن يؤذيه‪ .‬ودليلنا عليهم ما‬
‫رواه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال‪ :‬لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة‬
‫منا ذعرتهنا‪ ،‬قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬منا بينن لبتيهنا حرام] فقول أبني هريرة منا‬
‫ذعرتها دليل على أنه ل يجوز ترويع الصيد في حرم المدينة‪ ،‬كما ل يجوز ترويعه في حرم مكة‪.‬‬
‫وكذلك نزع زيد بن ثابت النهس ‪ -‬وهو طائر ‪ -‬من يد شرحبيل بن سعد كان صاده بالمدينة؛ دليل‬
‫على أن الصحابة فهموا مراد رسول ال صلى ال عليه وسلم في تحريم صيد المدينة‪ ،‬فلم يجيزوا‬
‫فيها الصطياد ول تملك ما يصطاد‪.‬‬
‫ومتعلق ابنن أبني ذئب قوله صنلى ال علينه وسنلم فني الصنحيح‪[ :‬اللهنم إن إبراهينم حرم مكنة وإنني‬
‫أحرم المدينة مثل ما حرم به مكة ومثله معه ل يختلى خلها ول يعضد شجرها ول ينفر صيدها]‬
‫ولننه حرم مننع الصنطياد فينه فتعلق الجزاء بنه كحرم مكنة‪ .‬قال القاضني عبدالوهاب‪ :‬وهذا قول‬
‫أقينس عندي على أصنولنا‪ ،‬ل سنيما أن المديننة عنند أصنحابنا أفضنل منن مكنة‪ ،‬وأن الصنلة فيهنا‬
‫أفضل من الصلة في المسجد الحرام‪ .‬ومن حجة مالك والشافعي في أل يحكم عليه بجزاء ول أخذ‬
‫سنلب ‪ -‬فني المشهور منن قول الشافعني ‪ -‬عموم قوله صنلى ال علينه وسنلم فني الصنحيح‪[ :‬المديننة‬
‫حرم منا بينن عَيْر إلى ثَوْر فمنن أحدث فيهنا حدثنا أو آوى محدثنا فعلينه لعننة ال والملئكنة والناس‬
‫أجمعينن ل يقبنل ال مننه يوم القيامنة صنرفا ول عدل] فأرسنل صنلى ال علينه وسنلم الوعيند الشديند‬
‫ولم يذكر كفارة‪ .‬وأما ما ذكر عن سعد فذلك مذهب له مخصوص به؛ لما روي عنه في الصحيح‬
‫أننه ركنب إلى قصنره بالعقينق‪ ،‬فوجند عبدا يقطنع شجرا ‪ -‬أو يخبطنه ‪ -‬فسنلبه‪ ،‬فلمنا رجنع سنعد جاءه‬
‫أهنل العبند فكلموه أن يرد على غلمهنم أو عليهنم منا أخنذ منن غلمهنم؛ فقال‪ :‬معاذ ال أن أرد شيئا‬
‫نفلنينه رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬وأبنى أن يرد عليهنم؛ فقوله‪( :‬نفلنينه) ظاهره الخصنوص‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنن قتله منكنم متعمدا" ذكنر ال سنبحانه المتعمند ولم يذكنر المخطنئ والناسني؛‬
‫والمتعمد هنا هو القاصد للشيء مع العلم بالحرام‪ .‬والمخطئ هو الذي يقصد شيئا فيصيب صيدا‪،‬‬
‫والناسي هو الذي يتعمد الصيد ول يذكر إحرامه‪ .‬واختلف العلماء في ذلك على خمسة أقوال‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما أسنده الدارقطني عن ابن عباس قال‪ :‬إنما التكفير في العمد‪ ،‬وإنما غلظوا في الخطأ لئل‬
‫يعودوا‪ .‬الثانني‪ :‬أن قوله‪" :‬متعمدا" خرج على الغالب‪ ،‬فألحنق بنه النادر كأصنول الشريعنة‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫أنه ل شيء على المخطئ والناسي؛ وبه قال الطبري وأحمد بن حنبل في إحدى روايتيه‪ ،‬وروي‬
‫عن ابن عباس وسعيد بن جبير‪ ،‬وبه قال طاوس وأبو ثور‪ ،‬وهو قول داود‪ .‬وتعلق أحمد بأن قال‪:‬‬
‫لما خص ال سبحانه المتعمد بالذكر‪ ،‬دل عل أن غيره بخلفه‪ .‬وزاد بأن قال‪ :‬الصل براءة الذمة‬
‫فمن ادعى شغلها فعليه الدليل‪ .‬الرابع‪ :‬أنه يحكم عليه في العمد والخطأ والنسيان؛ قاله ابن عباس‪،‬‬
‫وروي عننن عمننر وطاوس والحسننن وإبراهيننم وإبراهيننم‪ ،‬وبننه قال مالك والشافعنني وأبننو حنيفننة‬
‫وأصنحابهم‪ .‬قال الزهري‪ :‬وجنب الجزاء فني العمند بالقرآن‪ ،‬وفني الخطنأ والنسنيان بالسننة؛ قال ابنن‬
‫العربني‪ :‬إن كان يريند بالسننة الثار التني وردت عنن ابنن عباس وعمنر فنعمنا هني‪ ،‬ومنا أحسننها‬
‫أسنوة‪ .‬الخامنس‪ :‬أن يقتله متعمدا لقتله ناسنيا لحرامنه ‪ -‬وهنو قول مجاهند ‪ -‬لقوله تعالى بعند ذلك‪:‬‬
‫"ومن عاد فينتقم ال منه"‪ .‬قال‪ :‬ولو كان ذاكرا لحرامه لوجبت عليه العقوبة لول مرة‪ ،‬قال‪ :‬فدل‬
‫على أنه أراد متعمدا لقتله ناسيا لحرامه؛ قال مجاهد‪ :‬فإن كان ذاكرا لحرامه فقد حل ول حج له‬
‫لرتكابنه محظور إحرامنه‪ ،‬فبطنل علينه كمنا لو تكلم فني الصنلة‪ ،‬أو أحدث فيهنا؛ قال‪ :‬ومنن أخطنأ‬
‫فذلك الذي يجزئه‪ .‬ودليلنا على مجاهد أن ال سبحانه أوجب الجزاء ولم يذكر الفساد‪ ،‬ول فرق بين‬
‫أن يكون ذاكرا للحرام أو ناسنيا له‪ ،‬ول يصنح اعتبار الحنج بالصنلة فإنهمنا مختلفان؛ وقند روي‬
‫عنه أنه ل حكم عليه في قتله متعمدا‪ ،‬ويستغفر ال‪ ،‬وحجه تام؛ وبه قال ابن زيد‪ .‬ودليلنا على داود‬
‫أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم سنئل عنن الضبنع فقال‪[ :‬هني صنيد] وجعنل فيهنا إذا أصنابها المحرم‬
‫كبشننا‪ ،‬ولم يقننل عمدا ول خطننأ‪ .‬وقال ابننن بكيننر مننن علمائنننا‪ :‬قول سننبحانه‪" :‬متعمدا" لم يرد بننه‬
‫التجاوز عنن الخطنأ‪ ،‬وإنمنا أراد "متعمدا" لينبين أننه لينس كابنن آدم الذي لم يجعنل فني قتله متعمدا‬
‫كفارة‪ ،‬وأن الصيد فيه كفارة‪ ،‬ولم يرد به إسقاط الجزاء في قتل الخطأ‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫فإن قتله فني إحرامنه مرة بعند مرة حكنم علينه كلمنا قتله فني قول مالك والشافعني وأبني حنيفنة‬
‫وغيرهنم؛ لقول ال تعالى‪" :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تقتلوا الصنيد وأنتنم حرم ومنن قتله منكنم متعمدا‬
‫فجزاء مثل ما قتل من النعم" فالنهي دائم مستمر عليه ما دام محرما فمتى قتله فالجزاء لجل ذلك‬
‫لزم له‪ .‬وروي عنن ابنن عباس قال‪ :‬ل يحكنم علينه مرتينن فني السنلم‪ ،‬ول يحكنم علينه إل مرة‬
‫واحدة‪ ،‬فإن عاد ثانينة فل يحكنم علينه‪ ،‬ويقال له‪ :‬ينتقنم ال مننك؛ لقوله تعالى‪" :‬ومنن عاد فينتقنم ال‬
‫مننه"‪ .‬وبه قال الحسنن وإبراهينم ومجاهند وشرينح‪ .‬ودليلننا عليهنم منا ذكرناه منن تمادي التحرينم فني‬
‫الحرام‪ ،‬وتوجُهُ الخطاب عليه في دين السلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فجزاء مثنل منا قتنل منن النعنم" فينه أربعنة قراءات؛ "فجزاء مثنل" برفنع جزاء‬
‫وتنويننه‪ ،‬و"مثنل" على الصنفة‪ ،‬والخنبر مضمنر‪ ،‬التقدينر فعلينه جزاء مماثنل واجنب أو لزم منن‬
‫النعم‪ .‬وهذه القراءة تقتضي أن يكون المثل هو الجزاء بعينه‪ .‬و"جزاء" بالرفع غير منون و"مثل"‬
‫بالضافنة أي فعلينه جزاء مثنل منا قتنل‪ ،‬و"مثنل" مقحمنة كقولك أننا أكرم مثلك‪ ،‬وأننت تقصند أننا‬
‫أكرمك‪ .‬ونظير هذا قوله تعالى‪" :‬أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن‬
‫مثله فني الظلمات" [النعام‪ ]122 :‬التقدينر كمنن هنو فني الظلمات؛ وقوله‪" :‬لينس كمثله شينء"‬
‫[الشورى‪ ]11 :‬أي ليس كهو شيء‪ .‬وهذه القراءة تقتضي أن يكون الجزاء غير المثل؛ إذ الشيء‬
‫ل يضاف إلى نفسنننه‪ .‬وقال أبنننو علي‪ :‬إنمنننا يجنننب علينننه جزاء المقتول‪ ،‬ل جزاء مثنننل المقتول‪،‬‬
‫والضافنة توجنب جزاء المثنل ل جزاء المقتول‪ .‬وهنو قول الشافعنني على منا يأتني‪ .‬وقوله‪" :‬منن‬
‫النعم" صفة لجزاء على القراءتين جميعا‪ .‬وقرأ الحسن "من النعم" بإسكان العين وهي لغة‪ .‬وقرأ‬
‫عبدالرحمنن "فجزاء" بالرفننع والتنويننن "مثنل" النصنب؛ قال أبنو الفتنح‪" :‬مثننل" منصننوبة بنفنس‬
‫الجزاء؛ والمعنننى أن يجزى مثننل مننا قتننل‪ .‬وقرأ ابننن مسننعود والعمننش "فجزاؤه مثننل" بإظهار‬
‫(هاء)؛ ويحتمل أن يعود على الصيد أو على الصائد القاتل‪.‬‬
‫@ الجزاء إنما يجب بقتل الصيد ل بنفس أخذه كما قال تعالى‪ .‬وفي (المدونة)‪ :‬من اصطاد طائرا‬
‫فنتنف ريشنه ثنم حبسنه حتنى نسنل ريشنه فطار‪ ،‬قال‪ :‬ل جزاء علينه‪ .‬قال وكذلك لو قطنع يند صنيد أو‬
‫رجله أو شيئا منن أعضائه وسنلمت نفسنه وصنح ولحنق بالصنيد فل شينء علينه‪ .‬وقينل‪ :‬علينه منن‬
‫الجزاء بقدر ما نقصه‪ .‬ولو ذهب ولم يدر ما فعل فعليه جزاؤه‪ .‬ولو زمن الصيد ولم يلحق الصيد‪،‬‬
‫أو تركه محوفا عليه فعليه جزاؤه كامل‪.‬‬
‫@ منا يُجزَى منن الصنيد شيئان‪ :‬دواب وطينر؛ فيُجزَى منا كان منن الدواب بنظيره فني الخلقنة‬
‫والصنورة‪ ،‬ففني النعامنة بدننة‪ ،‬وفني حمار الوحنش وبقرة الوحنش بقرة‪ ،‬وفني الظنبي شاة؛ وبنه قال‬
‫الشافعي‪ .‬وأقل ما يجزي عند مالك ما استيسر من الهدي وكان أضحية؛ وذلك كالجذع من الضأن‬
‫والثنني ممنا سنواه‪ ،‬ومنا لم يبلغ جزاؤه ذلك ففينه إطعام أو صنيام‪ .‬وفني الحمام كله قيمتنه إل حمام‬
‫مكننة؛ فإن فنني الحمامننة منننه شاة اتباعننا للسننلف فنني ذلك‪ .‬والدبسنني والفواخننت والقمري وذوات‬
‫الطواق كله حمام‪ .‬وحكنى ابنن عبدالحكنم عنن مالك أن فني حمام مكنة وفراخهنا شاة؛ قال‪ :‬وكذلك‬
‫حمام الحرم؛ قال‪ :‬وفني حمام الحنل حكومنة‪ .‬وقال أبنو حنيفنة‪ :‬إنمنا يعتنبر المثنل فنني القيمنة دون‬
‫الخلقنة‪ ،‬فيقوم الصنيد دراهنم فني المكان الذي قتله فينه‪ ،‬أو فني أقرب موضنع إلينه إن كان ل يباع‬
‫الصيد فني موضع قتله؛ فيشتري بتلك القيمة هديا إن شاء‪ ،‬أو يشتري بها طعاما ويطعنم المساكين‬
‫كل مسكين نصف صاع من بر‪ ،‬أو صاعا من شعير‪ ،‬أو صاعا من تمر‪ .‬وأما الشافعي فإنه يرى‬
‫المثنل منن النعنم ثنم يقوم المثنل كمنا فني المتلفات يقوم المثنل‪ ،‬وتؤخنذ قيمنة المثنل كقيمنة الشينء؛ فإن‬
‫المثنل هنو الصنل فني الوجوب؛ وهذا بينن وعلينه تخرج قراءة الضافنة (فجزاء مثنل)‪ .‬احتنج أبنو‬
‫حنيفنة فقال‪ :‬لو كان الشبنه منن طرينق الخلقنة معتنبرا‪ ،‬فني النعامنة بدننة‪ ،‬وفني الحمار بقرة‪ ،‬وفني‬
‫الظنبي شاة‪ ،‬لمنا أوقفنه على عدلينن يحكمان بنه؛ لن ذلك قند علم فل يحتاج إلى الرتياء والنظنر؛‬
‫وإنما يفتقر إلى العدول والنظر ما تشكل الحال فيه‪ ،‬ويضطرب وجه النظر عليه‪ .‬ودليلنا عليه قول‬
‫ال تعالى‪" :‬فجزاء مثنل منا قتنل منن النعنم" الينة‪ .‬فالمثنل يقتضني بظاهرة المثنل الخلقني الصنوري‬
‫دون المعنى‪ ،‬ثم قال‪" :‬من النعم" فبين جنس المثل؛ ثم قال‪" :‬يحكم به ذوا عدل منكم" وهذا ضمير‬
‫راجع إلى مثل من النعم؛ لنه لم يتقدم ذكر لسواه يرجع الضمير عليه؛ ثم قال‪" :‬هديا بالغ الكعبة"‬
‫والذي يتصور فيه الهدي مثل المقتول من النعم‪ ،‬فأما القيمة فل يتصور أن تكون هديا‪ ،‬ول جرى‬
‫لها ذكر في نفس الية؛ فصح ما ذكرناه‪ .‬والحمد ل‪ .‬وقولهم‪ :‬لو كان الشبه معتبرا لما أوقفه على‬
‫عدلينن؛ فالجواب أن اعتبار العدلينن إنمنا وجنب للنظنر فني حال الصنيد منن صنغر وكنبر‪ ،‬ومنا ل‬
‫جنس له مما له جنس‪ ،‬وإلحاق ما لم يقع عليه نص بما وقع عليه النص‪.‬‬
‫@ من أحرم من مكة فأغلق باب بيته على فراخ حمام فماتت فعليه في كل فرخ شاة‪ .‬قال مالك‪:‬‬
‫وفي صغار الصيد مثل ما في كباره؛ وهو قول عطاء‪ .‬ول يفدى عند مالك شيء بعناق ول جفرة؛‬
‫قال مالك‪ :‬وذلك مثننل الديننة؛ الصننغير والكننبير فيهننا سننواء‪ .‬وفنني الضننب عنده واليربوع قيمتهمننا‬
‫طعامنا‪ .‬ومنن أهنل المديننة منن يخالفنه فني صنغار الصنيد‪ ،‬وفني اعتبار الجذع والثنني‪ ،‬ويقول بقول‬
‫عمر‪ :‬فني الرنب عناق وفي اليربوع جفرة؛ رواه مالك موقوفا‪ .‬وروى أبو الزبينر عن جابر عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال‪[ :‬في الضبع إذا أصابه المحرم كبش وفي الظبي شاة وفي الرنب‬
‫عناق وفني اليربوع جفرة] قال‪ :‬والجفرة التني قند ارتعنت‪ .‬وفني طرينق آخنر قلت لبني الزبينر‪ :‬ومنا‬
‫الجفرة؟ قال‪ :‬التني قند فطمنت ورعنت‪ .‬خرجنه الدارقطنني‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬فني النعامنة بدننة‪ ،‬وفني‬
‫فرخها فصيل‪ ،‬وفي حمار الوحش بقرة‪ ،‬وفي سخله عجل؛ لن ال تعالى حكم بالمثلية في الخلقة‪،‬‬
‫والصنغر والكنبر متفاوتان فيجنب اعتبار الصنغير فينه والكنبير كسنائر المتلفات‪ .‬قال ابنن العربني‪:‬‬
‫وهذا صننحيح وهننو اختيار علمائنننا؛ قالوا‪ :‬ولو كان الصننيد أعور أو أعرج أو كسننيرا لكان المثننل‬
‫على صفته لتتحقق المثلية‪ ،‬فل يلزم المتلف فوق ما أتلف‪ .‬ودليلنا قوله تعالى‪" :‬فجزاء مثل ما قتل‬
‫مننن النعننم" ولم يفصننل بيننن صننغير وكننبير‪ .‬وقوله‪" :‬هديننا" يقتضنني مننا يتناوله اسننم الهدي لحننق‬
‫الطلق‪ .‬وذلك يقتضي الهدي التام‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ في بيض النعامة عشر ثمن البدنة عند مالك‪ .‬وفي بيض الحمامة المكية عنده عشر ثمن الشاة‪.‬‬
‫قال ابنن القاسنم‪ :‬وسنواء كان فيهنا فرخ أو لم يكنن منا لم يسنتهل الفرخ بعند الكسنر؛ فان اسنتهل فعلينه‬
‫الجزاء كامل كجزاء الكبير من ذلك الطير‪ .‬قال ابن المواز‪ :‬بحكومة عدلين‪ .‬وأكثر العلماء يرون‬
‫فني بينض كنل طائر القيمنة‪ .‬روى عكرمنة عنن ابنن عباس عنن كعنب بنن عجرة أن الننبي صنلى ال‬
‫علينه وسنلم قضنى فني بينض نعام أصنابه محرم بقدر ثمننه؛ خرجنه الدارقطنني‪ .‬وروي عنن أبني‬
‫هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬في كل بيضة نعام صيام يوم أو إطعام مسكين]‪.‬‬
‫@ وأمنا منا ل مثنل له كالعصنافير والفيلة فقيمنة لحمنه أو عدله منن الطعام‪ ،‬دون منا يراد له منن‬
‫الغراض؛ لن المراعنى فيمنا له مثنل وجوب مثله‪ ،‬فإن عدم المثنل فالقيمنة قائمنة مقامنه كالغصنب‬
‫وغيره‪ .‬ولن الناس قائلن ‪ -‬أي على مذهبين ‪ -‬معتبر للقيمة في جميع الصيد؛ ومقتصر بها على‬
‫ما ل مثل له من النعم؛ فقد تضمن ذلك الجماع على اعتبار القيمة فيما ل مثل له‪ .‬وأما الفيل فقيل‪:‬‬
‫فينه بدننة منن الهجان العظام التني لهنا سننامان؛ وهني بينض خراسنانية‪ ،‬فإذا لم يوجند شينء منن هذه‬
‫البنل فينظنر إلى قيمتنه طعامنا‪ ،‬فيكون علينه ذلك‪ ،‬والعمنل فينه أن يجعنل الفينل فني مركنب‪ ،‬وينظنر‬
‫إلى منتهنى منا ينزل المركنب فني الماء‪ ،‬ثنم يخرج الفينل ويجعنل فني المركنب طعام حتنى ينزل إلى‬
‫الحنند الذي نزل والفينل فيننه‪ ،‬وهذا عدله منن الطعام‪ .‬وأمننا أن ينظننر إلى قيمتننه فهنو يكون له ثمننن‬
‫عظيم لجل عظامه وأنيابه فيكثر الطعام وذلك ضرر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يحكم به ذوا عدل منكم" روى مالك عن عبدالملك بن قريب عن محمد بن سيرين‬
‫أن رجل جاء إلى عمنر بنن الخطاب فقال‪ :‬إنني أجرينت أننا وصناحب لي فرسنين نسنتبق إلى ثغرة‬
‫ثنينة‪ ،‬فأصنبنا ظبينا ونحنن محرمان فماذا ترى؟ فقال عمنر لرجنل إلى جنبنه‪ :‬تعال حتنى أحكنم أننا‬
‫وأنت؛ فحكما عليه بعنز؛ فولى الرجل وهو يقول‪ :‬هذا أمير المؤمنين ل يستطيع أن يحكم في ظبي‬
‫حتنى دعنا رجل يحكنم معنه‪ ،‬فسنمع عمنر بنن الخطاب قول الرجنل فدعاه فسنأله‪ ،‬هنل تقرأ سنورة‬
‫"المائدة"؟ فقال‪ :‬ل؛ قال‪ :‬هل تعرف الرجل الذي حكم معي؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬فقال عمر رضي ال عنه‪:‬‬
‫لو أخنبرتني أننك تقرأ سنورة "المائدة" لوجعتنك ضربنا‪ ،‬ثنم قال‪ :‬إن ال سنبحانه يقول فني كتابنه‪:‬‬
‫"يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة" وهذا عبدالرحمن بن عوف‪.‬‬
‫حكَمان لزم الحكنم؛ وبنه قال الحسنن والشافعني‪ .‬وإن اختلفنا نظنر فني غيرهمنا‪ .‬وقال‬ ‫@ إذا اتفنق ال َ‬
‫محمند بنن المواز‪ :‬ل يأخنذ بأرفنع منن قوليهمنا؛ لننه عمنل بغينر تحكينم‪ .‬وكذلك ل ينتقنل عنن المثنل‬
‫الخلقي إذا حكما به إلى الطعام؛ لنه أمر قد لزم؛ قال ابن شعبان‪ .‬وقال ابن القاسم‪ :‬إن أمرهما أن‬
‫يحكمنا بالجزاء منن المثنل ففعل‪ ،‬فأراد أن ينتقنل إلى الطعام جاز‪ .‬وقال ابنن وهنب رحمنه ال فني‬
‫(العتبية)‪ :‬من السنة أن يخير الحكمان من أصاب الصيد‪ ،‬كما خيره ال في أن يخرج "هديا بالغ‬
‫الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما" فإن اختار الهدي حكما عليه بما يريانه نظيرا‬
‫لمنا أصناب منا بينهمنا وبينن أن يكون عدل ذلك شاة لنهنا أدننى الهدي؛ ومنا لم يبلغ شاة حكمنا فينه‬
‫بالطعام ثم خير في أن يطعمه‪ ،‬أو يصوم مكان كل مد يوما؛ وكذلك قال مالك في (المدونة)‪.‬‬
‫ويستأنف الحكم في كل ما مضت فيه حكومة أو لم تمض‪ ،‬ولو اجتزأ بحكومة الصحابة رضي‬
‫ال عنهنم فيمنا حكموا بنه منن جزاء الصنيد كان حسننا‪ .‬وقند روي عنن مالك أننه منا عدا حمام مكنة‬
‫وحمار الوحنش والظنبي والنعامنة ل بند فينه منن الحكومنة‪ ،‬ويجتزأ فني هذه الربعنة بحكومنة منن‬
‫مضى من السلف رضي ال عنهم‪.‬‬
‫@ ل يجوز أن يكون الجانني أحند الحكمينن‪ ،‬وبنه قال أبنو حنيفنة‪ .‬وقال الشافعني فني أحند قولينه‪:‬‬
‫يكون الجانني أحند الحكمينن؛ وهذا تسنامح مننه؛ فإن ظاهنر الينة يقتضني جانينا وحكمينن فحذف‬
‫بعنض العدد إسنقاط للظاهنر‪ ،‬وإفسناد للمعننى؛ لن حكنم المرء لنفسنه ل يجوز‪ ،‬ولو كان ذلك جائزا‬
‫لستغنى بنفسه عن غيره؛ لنه حكم بينه وبين ال تعالى فزيادة ثان إليه دليل على استئناف الحكم‬
‫برجلين‪.‬‬
‫@ إذا اشترك جماعة محرمون في قتل صيد فقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬على كل واحد جزاء كامل‪.‬‬
‫وقال الشافعني‪ :‬عليهنم كلهنم كفارة واحدة لقضاء عمنر وعبدالرحمنن‪ .‬وروى الدارقطنني أن موالي‬
‫لبنن الزبينر أحرموا إذ مرت بهنم ضبنع فحذفوهنا بعصنيهم فأصنابوها‪ ،‬فوقنع فني أنفسنهم‪ ،‬فأتوا ابنن‬
‫عمر فذكروا له فقال‪ :‬عليكم كلكم كبش؛ قالوا‪ :‬أو على كل واحد منا كبش؛ قال‪ :‬إنكم لمعزز بكم‪،‬‬
‫عليكننم كلكننم كبننش‪ .‬قال اللغويون‪ :‬لمعزز بكننم أي لمشدد عليكننم‪ .‬وروي عننن ابننن عباس فنني قوم‬
‫أصابوا ضبعا قال‪ :‬عليهم كبش يتخارجونه بينهم‪ .‬ودليلنا قول ال سبحانه‪" :‬ومن قتله منكم متعمدا‬
‫فجزاء مثل ما قتل من النعم" وهذا خطاب لكل قاتل‪ .‬وكل واحد من القاتلين للصيد قاتل نفسا على‬
‫التمام والكمال‪ ،‬بدليل قتل الجماعة بالواحد‪ ،‬ولول ذلك ما وجب عليهم القصاص‪ ،‬وقد قلنا بوجوبه‬
‫إجماعا منا ومنهم؛ فثبت ما قلناه‪.‬‬
‫@ قال أبو حنيفة‪ :‬إذا قتل جماعة صيدا في الحرم وكلهم محلون‪ ،‬عليهم جزاء واحد‪ ،‬بخلف ما‬
‫لو قتله المحرمون فنني الحننل والحرم؛ فإن ذلك ل يختلف‪ .‬وقال مالك‪ :‬على كننل واحنند منهننم جزاء‬
‫كامنل‪ ،‬بناء على أن الرجنل يكون محرمنا بدخوله الحرم‪ ،‬كمنا يكون محرمنا بتلبيتنه بالحرام‪ ،‬وكنل‬
‫واحد من الفعلين قد أكسبه صفة تعلق بها نهي‪ ،‬فهو هاتك لها في الحالتين‪.‬‬
‫وحجة أبي حنيفة ما ذكره القاضي أبو زيد الدبوسي قال‪ :‬السر فيه أن الجناية في الحرام على‬
‫العبادة‪ ،‬وقد ارتكب كل واحد منهم محظور إحرامه‪ .‬وإذا قتل المحلون صيدا في الحرم فإنما أتلفوا‬
‫دابة محرمة بمنزلة ما لو أتلف جماعة دابة؛ فإن كل واحد منهم قاتل دابة‪ ،‬ويشتركون في القيمة‪.‬‬
‫قال ابنن العربني‪ :‬وأبنو حنيفنة أقوى مننا‪ ،‬وهذا الدلينل يسنتهين بنه علماؤننا وهنو عسنير النفصنال‬
‫علينا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هديا بالغ الكعبة" المعنى أنهما إذا حكما بالهدي فإنه يفعل به ما يفعل بالهدي من‬
‫الشعار والتقليد‪ ،‬ويرسنل منن الحل إلى مكة‪ ،‬وينحنر ويتصندق به فيهنا؛ لقوله‪" :‬هدينا بالغ الكعبة"‬
‫ولم يرد الكعبنة بعينهنا فإن الهدي ل يبلغهنا‪ ،‬إذ هني فني المسنجد‪ ،‬وإنمنا أراد الحرم ول خلف فني‬
‫هذا‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬ل يحتاج الهدي إلى الحنل بناء على أن الصنغير منن الهدي يجنب فني الصنغير‬
‫من الصيد‪ ،‬فإنه يبتاع في الحرم ويهدى فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو كفارة طعام مساكين" الكفارة إنما هي عن الصيد ل عن الهدي‪ .‬قال ابن وهب‬
‫قال مالك‪ :‬أحسنن منا سنمعت فني الذي يقتنل الصنيد فيحكنم علينه فينه‪ ،‬أننه يقوم الصنيد الذي أصناب‪،‬‬
‫فينظركنم ثمننه منن الطعام‪ ،‬فيطعنم لكنل مسنكين مدا‪ ،‬أو يصنوم مكان كنل مند يومنا‪ .‬وقال ابنن القاسنم‬
‫عننه‪ :‬إن قوم الصنيد دراهنم ثنم قومهنا طعامنا أجزأه؛ والصنواب الول‪ .‬وقال عبدال بنن عبدالحكنم‬
‫مثله قال عننه‪ :‬وهنو فني هذه الثلثنة بالخيار؛ أي ذلك فعنل أجزأه موسنرا كان أو معسنرا‪ .‬وبنه قال‬
‫عطاء وجمهور الفقهاء؛ لن "أو" للتخيينر قال مالك‪ :‬كنل شينء فني كتاب ال فني الكفارات كذا أو‬
‫كذا فصناحبه مخينر فني ذلك أي ذلك أحنب أن يفعنل فعنل‪ .‬وروي عنن ابنن عباس أننه قال‪ :‬إذا قتنل‬
‫المحرم ظبينا أو نحوه فعلينه شاة تذبنح بمكنة؛ فإن لم يجند فإطعام سنتة مسناكين‪ ،‬فإن لم يجند فعلينه‬
‫صنيام ثلثنة أيام؛ وإن قتنل إيل أو نحوه فعلينه بقرة‪ ،‬فإن لم يجند أطعنم عشرينن مسنكينا‪ ،‬فإن لم يجند‬
‫صام عشرين يوما؛ وإن قتل نعامة أو حمارا فعليه بدنة‪ ،‬فإن لم يجد فإطعام ثلثين مسكينا‪ ،‬فإن لم‬
‫يجند فصنيام ثلثينن يومنا‪ .‬والطعام مند مند لشبعهنم‪ .‬وقال إبراهينم النخعني وحماد بنن سنلمة‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫والمعننى "أو كفار طعام" إن لم يجند الهدي‪ .‬وحكنى الطنبري عنن ابنن عباس أننه قال‪ :‬إذا أصناب‬
‫المحرم الصيد حكم عليه بجزائه‪ ،‬فإن وجد جزاءه ذبحه وتصدق به‪ ،‬وإن لم يكن عنده جزاؤه قوم‬
‫جزاؤه بدراهنم‪ ،‬ثنم قومنت الدراهنم حنطنة‪ ،‬ثنم صنام مكان كنل نصنف صناع يومنا؛ وقال‪ :‬إنمنا أريند‬
‫بالطعام تننبيين أمننر الصننيام‪ ،‬فمننن لم يجنند طعامننا‪ ،‬فإنننه يجنند جزاءه‪ .‬وأسنننده أيضننا عننن السنندي‪.‬‬
‫ويعترض هذا القول بظاهر الية فإنه ينافره‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في الوقت الذي يعتبر فيه المتلف؛ فقال قوم‪ :‬يوم التلف‪ .‬وقال آخرون‪ :‬يوم‬
‫القضاء‪ .‬وقال آخرون‪ :‬يلزم المتلف أكثنننر القيمتينننن‪ ،‬منننن يوم التلف إلى يوم الحكنننم‪ .‬قال ابنننن‬
‫العربني‪ :‬واختلف علماؤننا كاختلفهنم‪ ،‬والصنحيح أننه تلزمنه القيمنة يوم التلف؛ والدلينل على ذلك‬
‫أن الوجود كان حقا للمتلف عليه‪ ،‬فإذا أعدمه المتلف لزمه إيجاده بمثله‪ ،‬وذلك في وقت العدم‪.‬‬
‫@ أمنا الهدي فل خلف أننه ل بند له منن مكنة؛ لقوله تعالى‪" :‬هدينا بالغ الكعبنة"‪ .‬وأمنا الطعام‬
‫فاختلف فيه قول مالك هل يكون بمكة أو بموضع الصابة؛ وإلى كونه بمكة ذهب الشافعي‪ .‬وقال‬
‫عطاء‪ :‬منا كان منن دم أو طعام فبمكنة ويصنوم حينث يشاء؛ وهو قول مالك فني الصنوم‪ ،‬ول خلف‬
‫فينه‪ .‬قال القاضني أبنو محمند عبدالوهاب‪ :‬ول يجوز إخراج شينء منن جزاء الصنيد بغينر الحرم إل‬
‫الصنيام‪ .‬وقال حماد وأبنو حنيفنة‪ :‬يكفنر بموضنع الصنابة مطلقنا‪ .‬وقال الطنبري‪ :‬يكفنر حينث شاء‬
‫مطلقنا‪ ،‬فأمنا قول أبني حنيفنة فل وجنه له فني النظنر‪ ،‬ول أثنر فينه‪ .‬وأمنا منن قال يصنوم حينث شاء؛‬
‫فلن الصنوم عبادة تختنص بالصنائم فتكون فني كنل موضنع كصنيام سنائر الكفارات وغيرهنا‪ .‬وأمنا‬
‫وجه القول بأن الطعام يكون بمكنة؛ فلننه بدل عنن الهدي أو نظينر له‪ ،‬والهدي حنق لمسناكين مكنة‪،‬‬
‫فلذلك يكون بمكنة بدله أو نظيره‪ .‬وأمنا منن قاله إننه يكون بكنل موضنع؛ فاعتبار بكنل طعام وفدينة‪،‬‬
‫فإنها تجوز بكل موضع‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو عدل ذلك صياما" العدل والعدل بفتح العين وكسرها لغتان وهما المثل؛ قاله‬
‫الكسائي‪ .‬وقاله الفراء‪ :‬عدل الشيء بكسر العين مثله من جنسه‪ ،‬وبفتح العين مثله من غير جنسه‪،‬‬
‫ويؤثر هذا القول عن الكسائي‪ ،‬تقول‪ :‬عندي عدل دراهمك من الدراهم‪ ،‬وعندي عدل دراهمك من‬
‫الثياب؛ والصنحيح عنن الكسنائي أنهمنا لغتان‪ ،‬وهنو قول البصنريين‪ .‬ول يصنح أن يماثنل الصنيام‬
‫الطعام فنني وجننه أقرب مننن العدد قال مالك‪ :‬يصننوم عننن كننل منند يومننا‪ ،‬وإن زاد على شهريننن أو‬
‫ثلثنة؛ وبه قاله الشافعني‪ .‬وقال يحينى بن عمنر من أصنحابنا‪ :‬إنمنا يقال كنم من رجنل يشبنع منن هذا‬
‫الصننيد فيعرف العدد‪ ،‬ثننم يقال‪ :‬كننم مننن الطعام يشبننع هذا العدد؛ فإن شاء أخرج ذلك الطعام‪ ،‬وإن‬
‫شاء صام عدد أمداده‪ .‬وهذا قول حسن احتاط فيه لنه قد تكون قيمة الصيد من الطعام قليلة؛ فبهذا‬
‫النظر يكثر الطعام‪ .‬ومن أهله العلم من ل يرى أن يتجاوز في صيام الجزاء شهرين؛ قالوا‪ :‬لنها‬
‫أعلى الكفارات‪ .‬واختاره ابننن العربنني‪ .‬وقاله أبننو حنيفننة رحمننه ال‪ :‬يصننوم عننن كننل مديننن يومننا‬
‫اعتبارا بفدية الذى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليذوق وبال أمره" الذوق هنا مستعار كقوله تعالى‪" :‬ذق إنك أنت العزيز الكريم"‬
‫[الدخان‪ .]49 :‬وقال‪" :‬فأذاقها ال لباس الجوع والخوف" [النحل‪ .]112 :‬وحقيقة الذوق إنما‬
‫هي في حاسة اللسان‪ ،‬وهي في هذا كله مستعارة ومنه الحديث (ذاق طعم اليمان من رضي بال‬
‫ربا)‪ .‬الحديث والوبال سوء العاقبة‪ .‬والمرعى الوبيل هو الذي يتأذى به بغد أكله‪ .‬وطعام وبيله إذا‬
‫كان ثقيل؛ ومنه قوله‪:‬‬
‫عقيلة شيخ كالوبيل يلندد‬
‫وعبر بأمره عن جميع حاله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عفا ال عما سلف" بمعنى في جاهليتكم من قتلكم الصيد؛ قاله عطاء بن أبي رباح‬
‫وجماعنة معنه‪ .‬وقينل‪ :‬قبنل نزول الكفارة‪" .‬ومنن عاد" يعنني للمنهني "فينتقنم ال مننه" أي بالكفارة‪.‬‬
‫وقينل‪ :‬المعننى "فينتقنم ال مننه" يعنني فني الخرة إن كان مسنتحل؛ ويكفنر فني ظاهنر الحكنم‪ .‬وقال‬
‫شريح وسعيد بن جبير‪ :‬يحكم عليه في أول مرة‪ ،‬فإذا عاد لم يحكم عليه‪ ،‬وقيله له‪ :‬اذهب ينتقم ال‬
‫مننك‪ ،‬أي ذنبنك أعظنم منن أن يكفنر‪ ،‬كمنا أن اليمينن الفاجرة ل كفارة لهنا عنند أكثنر أهله العلم لعظنم‬
‫إثمهننا‪ .‬والمتورعون يتقون النقمننة بالتكفيننر‪ .‬وقنند روي عننن ابننن عباس‪ :‬يمل ظهره سننوطا حتننى‬
‫يموت وروي عنن زيند بنن أبني المعلى‪ :‬أن رجل أصناب صنيدا وهنو محرم فتجوز عننه‪ ،‬ثنم عاد‬
‫فأنزل ال عز وجل نارا من السماء فأحرقته؛ وهذه عبرة للمة وكف للمعتدين عن المعصية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال عزيز ذو انتقام" "عزيز" أي منيع في ملكه‪ ،‬ول يمتنع عليه ما يريده‪" .‬ذو‬
‫انتقام" ممن عصاه إن شاء‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 96 :‬أحنل لكنم صنيد البحنر وطعامنه متاعنا لكنم وللسنيارة وحرم عليكنم صنيد البر منا‬
‫دمتم حرما واتقوا ال الذي إليه تحشرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أحل لكم صيد البحر" هذا حكم بتحليل صيد البحر‪ ،‬وهو كل ما صيد من حيتانه‬
‫والصيد هنا يراد به المصيد‪ ،‬وأضيف إلى البحر لما كان منه بسبب‪ .‬وقد مضى القول في البحر‬
‫في "البقرة" والحمد ل‪ .‬و"متاعا" نصب على المصدر أي متعتم به متاعا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وطعامنه" الطعام لفنظ مشترك يطلق على كنل منا يطعنم‪ ،‬ويطلق على مطعوم‬
‫خاص كالماء وحده‪ ،‬والبر وحده‪ ،‬والتمننر وحده‪ ،‬واللبننن وحده‪ ،‬وقنند يطلق على النوم كمننا تقدم؛‬
‫وهنو هننا عبارة عمنا قذف بنه البحنر وطفنا علينه؛ أسنند الدارقطنني عنن ابنن عباس فني قول ال عنز‬
‫وجنل‪" :‬أحنل لكنم صنيد البحنر وطعامنه متاعنا لكنم وللسنيارة" الينة صنيده منا صنيد وطعامنه منا لفنظ‬
‫البحنر‪ .‬وروي عنن أبني هريرة مثله؛ وهنو قوله جماعنة كثيرة منن الصنحابة والتابعينن‪ .‬وروي عنن‬
‫ابن عباس طعامه وهو في ذلك المعنى‪ .‬وروي عنه أنه قال‪ :‬طعامه ما ملح منه وبقي؛ وقاله معه‬
‫جماعة‪ .‬وقاله قوم‪ :‬طعامه ملحه الذي ينعقد من مائه وسائر ما فيه من نبات وغيره‪.‬‬
‫@ قال أبو حنيفة‪ :‬ل يؤكل السمك الطافي ويؤكل ما سواه من السمك‪ ،‬ول يؤكل شيء من حيوان‬
‫البحر إل السمك وهو قول الثوري في رواية أبي إسحاق الفزاري عنه‪ .‬وكره الحسن أكل الطافي‬
‫منن السنمك‪ .‬وروي عنن علي بنن أبني طالب رضني ال عننه أننه كرهنه‪ ،‬وروي عننه أيضنا أننه كره‬
‫أكنل الجري وروي عننه أكنل ذلك كله وهنو أصنح؛ ذكره عبدالرزاق عنن الثوري عنن جعفنر بنن‬
‫محمند عنن علي قال‪ :‬الجراد والحيتان ذكني؛ فعلي مختلف عننه فني أكنل الطافني منن السنمك ولم‬
‫يختلف عن جابر أنه كرهه‪ ،‬وهو قول طاوس ومحمد بن سيرين وجابر بن زيد‪ ،‬واحتجوا بعموم‬
‫قوله تعالى‪" :‬حرمت عليكنم الميتة" [المائدة‪ .]3 :‬وبما رواه أبو داود والدارقطنني عن جابر بن‬
‫عبدال عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪[ :‬كلوا ما حسر عنه البحر وما ألقاه وما وجدتموه ميتا‬
‫أو طافينا فوق الماء فل تأكلوه]‪ .‬قاله الدارقطنني‪ :‬تفرد بنه عبدالعزينز بنن عنبيدال عنن وهنب بنن‬
‫كيسنان عنن جابر‪ ،‬وعبدالعزينز ضعينف ل يحتنج بنه‪ .‬وروى سنفيان الثوري عنن أبني الزبينر عنن‬
‫جابر عنن الننبي صنلى ال عليه وسنلم نحوه؛ قاله الدارقطنني‪ :‬لم يسننده عنن الثوري غينر أبني أحمند‬
‫الزبيري وخالفنه وكينع والعدنيان وعبدالرزاق ومؤمنل وأبنو عاصنم وغيرهنم؛ رووه عنن الثوري‬
‫موقوفنا وهنو الصنواب‪ .‬وكذلك رواه أيوب السنختياني‪ ،‬وعنبيدال بنن عمنر وابنن جرينح‪ ،‬وزهينر‬
‫وحماد بنن سنلمة وغيرهنم عنن أبني الزبينر موقوفنا قاله أبنو داود‪ :‬وقند أسنند هذا الحدينث منن وجنه‬
‫ضعيننف عننن ابننن أبنني ذئب عننن أبنني الزبيننر عننن جابر عننن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم‪ ،‬قاله‬
‫الدارقطني‪ :‬وروي عن إسماعيل بن أمية وابن أبي ذئب عن أبي الزبير مرفوعا‪ ،‬ول يصح رفعه‪،‬‬
‫رفعنه يحينى بنن سنليم عنن إسنماعيل بنن أمينة ووقفنه غيره‪ .‬وقال مالك والشافعني وابنن أبني ليلى‬
‫والوزاعي والثوري في رواية الشجعي‪ :‬يؤكل كل ما في البحر من السمك والدواب‪ ،‬وسائر ما‬
‫فني البحنر منن الحيوان‪ ،‬وسنواء اصنطيد أو وجند ميتنا‪ ،‬واحتنج مالك ومنن تابعنه بقوله علينه الصنلة‬
‫والسلم في البحر‪[ :‬هو الطهور ماؤه الحل ميتته] وأصح ما في هذا الباب من جهة السناد حديث‬
‫جابر فني الحوت الذي يقال له‪[ :‬العننبر] وهنو منن أثبنت الحادينث خرجنه الصنحيحان‪ .‬وفينه‪ :‬فلمنا‬
‫قدمننا المديننة أتينا رسنول ال صلى ال عليه وسنلم فذكرننا ذلك له فقال‪[ :‬هنو رزق أخرجنه ال لكنم‬
‫فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا] فأرسلنا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم منه فأكله؛ لفظ‬
‫مسلم وأسند الدارقطني عن ابن عباس أنه قال أشهد على أبي بكر أنه قال‪ :‬السمكة الطافية حلل‬
‫لمنن أراد أكلهنا‪ .‬وأسند عنه أيضنا أنه قال‪ :‬أشهد على أبي بكنر أنه أكنل السمك الطافي على الماء‪.‬‬
‫وأسنند عنن أبني أيوب أننه ركنب البحنر فني رهنط منن أصنحابه‪ ،‬فوجدوا سنمكة طافينة على الماء‬
‫فسألوه عنها فقال‪ :‬أطيبة هي لم تتغير؟ قالوا‪ :‬نعم قال‪ :‬فكلوها وارفعوا نصيبي منها؛ وكان صائما‪.‬‬
‫وأسند عن جبلة بن عطية أن أصحاب أبي طلحة أصابوا سمكة طافية فسألوا عنها أبا طلحة فقال‪:‬‬
‫اهدوهنا إلي‪ .‬وقال عمنر بنن الخطاب‪ :‬الحوت ذكني والجراد ذكني كله؛ رواه عننه الدارقطنني فهذه‬
‫الثار ترد قول منن كره ذلك وتخصنص عموم الينة‪ ،‬وهنو حجنة للجمهور؛ إل أن مالكنا كان يكره‬
‫خنزير الماء من جهة اسمه ولم يحرمه وقال‪ :‬أنتم تقولون خنزيرا! وقاله الشافعي‪ :‬ل بأس بخنزير‬
‫الماء وقال الليننث‪ :‬ليننس بميتننة البحننر بأس‪ .‬قال‪ :‬وكذلك كلب الماء وفرس الماء‪ .‬قال‪ :‬ول يؤكننل‬
‫إنسان الماء ول خنزير الماء‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فني الحيوان الذي يكون فني البر والبحنر هنل يحنل صنيده للمحرم أم ل؟ فقال‬
‫مالك وأبنو مجلز وعطاء وسنعيد بنن جنبير وغيرهنم‪ :‬كنل منا يعينش فني البر وله فينه حياة فهنو صنيد‬
‫البر‪ ،‬إن قتله المحرم وداه‪ ،‬وزاد أبننو مجلز فنني ذلك الضفادع والسننلحف والسننرطان‪ .‬الضفادع‬
‫وأجناسنها حرام عنند أبني حنيفنة ول خلف عنن الشافعني فني أننه ل يجوز أكنل الضفدع‪ ،‬واختلف‬
‫قوله فيما له شبه في البر مما ل يؤكل كالخنزير والكلب وغير ذلك‪ .‬والصحيح أكل ذلك كله؛ لنه‬
‫نص على الخنزير في جواز أكله‪ ،‬وهو له شبه في البر مما ل يؤكل‪ .‬ول يؤكل عنده التمساح ول‬
‫القرش والدلفين‪ ،‬وكل ما له ناب لنهيه عليه السلم عن أكل كل ذي ناب‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬ومن هذه‬
‫أنواع ل زوال لهننا مننن الماء فهنني ل محالة مننن صننيد البحننر‪ ،‬وعلى هذا خرج جواب مالك فنني‬
‫الضفادع في "المدونة" فإنه قال‪ :‬الضفادع من صيد البحر‪ .‬وروي عن عطاء بن أبي رباح خلف‬
‫منا ذكرناه‪ ،‬وهنو أننه يراعني أكثنر عينش الحيوان؛ سنئل عنن ابنن الماء أصنيد بر هنو أم صنيد بحنر؟‬
‫فقال‪ :‬حينث يكون اكثنر فهنو مننه‪ ،‬وحينث يفرخ فهنو مننه؛ وهنو قول أبني حنيفنة‪ .‬والصنواب فني ابنن‬
‫الماء أنه صيد بر يرعى ويأكل الحب‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬الصحيح في الحيوان الذي يكون في البر‬
‫والبحنر منعنه؛ لننه تعارض فينه دليلن‪ ،‬دليله تحلينل ودلينل تحرينم‪ ،‬فيغلب دليله التحرينم احتياطنا‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وللسيارة" فيه قولن‪ :‬أحدهما للمقيم والمسافر كما جاء في حديث أبي عبيدة أنهم‬
‫أكلوه وهنم مسنافرون وأكنل الننبي صنلى ال علينه وسنلم وهنو مقينم‪ ،‬فنبين ال تعالى أننه حلل لمنن‬
‫أقام‪ ،‬كمننا أحله لمننن سننافر‪ .‬الثاننني‪ :‬أن السننيارة هننم الذيننن يركبونننه‪ ،‬كمننا جاء فنني حديننث مالك‬
‫والنسائي‪ :‬أن رجل سأله النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من‬
‫الماء‪ ،‬فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقاله النبي صلى ال عليه وسلم‪[ :‬هو الطهور‬
‫ماؤه الحنل ميتتنه] قال ابنن العربني قاله علماؤننا‪ :‬فلو قال له الننبي صنلى ال علينه وسنلم [نعنم] لمنا‬
‫جاز الوضوء بنه إل عنند خوف العطنش؛ لن الجواب مرتبننط بالسنؤال‪ ،‬فكان يكون محال علينه‪،‬‬
‫ولكن النبي صلى ال عليه وسلم ابتدأ تأسيس القاعدة‪ ،‬وبيان الشرع فقاله‪( :‬هو الطهور ماؤه الحل‬
‫ميتته)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكان يكون الجواب مقصورا عليهم ل يتعدى لغيرهم‪ ،‬لول ما تقرر من حكم الشريعة أن‬
‫حكمه على الواحد حكمه على الجميع‪ ،‬إل ما نص بالتخصيص عليه‪ ،‬كقوله لبي بردة في العناق‪:‬‬
‫[ضح بها ولن تجزئ عن أحد غيرك]‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وحرم عليكنم صنيد البر منا دمتنم حرمنا" التحرينم لينس صنفة للعيان‪ ،‬إنمنا يتعلق‬
‫بالفعال فمعننى قوله‪" :‬وحرم عليكنم صنيد البر" أي فعله الصنيد‪ ،‬وهنو المننع منن الصنطياد‪ ،‬أو‬
‫يكون الصنيد بمعننى المصنيد‪ ،‬على معننى تسنمية المفعول بالفعنل كمنا تقدم‪ ،‬وهنو الظهنر لجماع‬
‫العلماء على أننننه ل يجوز للمحرم قبول صنننيد وهنننب له‪ ،‬ول يجوز له شراؤه ول اصنننطياده ول‬
‫اسنتحداث ملكنه بوجنه منن الوجوه‪ ،‬ول خلف بينن علماء المسنلمين فني ذلك؛ لعموم قوله تعالى‪:‬‬
‫"وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما" ولحديث الصعب بن جثامة على ما يأتي‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فيما يأكله المحرم من الصنيد فقاله مالك والشافعني وأصنحابهما وأحمند وروي‬
‫عنن إسنحاق‪ ،‬وهنو الصنحيح عنن عثمان بنن عفان‪ :‬إننه ل بأس بأكنل المحرم الصنيد إذا لم يصند له‪،‬‬
‫ول منن أجله‪ ،‬لمنا رواه الترمذي والنسنائي والدارقطنني عنن جابر أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم‬
‫قال‪[ :‬صيد البر لكم حلل ما لم تصيدوه أو يُصد لكم] قال أبو عيسى‪ :‬هذا أحسن حديث في الباب؛‬
‫وقال النسنائي‪ :‬عمرو بنن أبني عمرو لينس بالقوي فني الحدينث‪ ،‬وإن كان قند روى عننه مالك‪ .‬فإن‬
‫أكل من صيد صيد من أجله فداه‪ .‬وبه قاله الحسن بن صالح والوزاعي‪ ،‬واختلف قول مالك فيما‬
‫صيد لمحرم بعينه‪ .‬والمشهور من مذهبه عند أصنحابه أن المحرم ل يأكل مما صيد لمحرم معين‬
‫أو غينر معينن ولم يأخنذ بقوله عثمان لصنحابه حينن أتني بلحنم صنيد وهنو محرم‪ :‬كلوا فلسنتم مثلي‬
‫لنه صيد من أجلي وبه قالت طائفة من أهله المدينة‪ ،‬وروي عن مالك‪ .‬وقاله أبو حنيفة وأصحابه‪:‬‬
‫أكننل الصننيد للمحرم جائز على كننل حال إذا اصننطاده الحلل‪ ،‬سننواء صننيد مننن أجله أو لم يصنند‬
‫لظاهر قوله تعالى‪" :‬ل تقتلوا الصيد وأنتم حرم" فحرم صيده وقتله على المحرمين‪ ،‬دون ما صاده‬
‫غيرهنم‪ .‬واحتجوا بحدينث البهزي واسنمه زيند بنن كعنب عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم فني حمار‬
‫الوحش العقير أنه أمر أبا بكر فقسمه في الرفاق‪ ،‬من حديث مالك وغيره‪ .‬وبحديث أبي قتادة عن‬
‫الننبي صنلى ال علينه وسنلم وفينه [إنمنا هني طعمنة أطعمكموهنا ال]‪ .‬وهنو قول عمنر بنن الخطاب‬
‫وعثمان بنن عفان فني رواينة عننه‪ ،‬وأبني هريرة والزبينر بنن العوام ومجاهند وعطاء وسنعيد بنن‬
‫جبير‪ .‬وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر أنه ل يجوز للمحرم أكل صيد على‬
‫حال منن الحوال‪ ،‬سنواء صنيد منن أجله أو لم يصند؛ لعموم قوله تعالى‪" :‬وحرم عليكنم صنيد البر‬
‫مادمتم حرما"‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬هي مبهمة وبه قال طاوس وجابر بن زيد أبو الشعثاء وروي ذلك‬
‫عن الثوري وبه قال إسحاق‪ .‬واحتجوا بحديث الصعب بن جثامة الليثي‪ ،‬أنه أهدى إلى رسول ال‬
‫صنلى ال علينه وسنلم حمارا وحشينا‪ ،‬وهنو بالبواء أو بودان فرده علينه رسنول ال صنلى ال علينه‬
‫وسلم؛ قال‪ :‬فلما أن رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم ما في وجهي قال‪[ :‬إنا لم نرده عليك إل‬
‫حرُم] خرجه الئمنة واللفنظ لمالك‪ .‬قاله أبو عمر‪ :‬وروى ابنن عباس منن حديث سعيد بن جنبير‬ ‫إننا ُ‬
‫ومقسنم وعطاء وطاوس عننه‪ ،‬أن الصنعب بنن جثامنة أهدى لرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم لحنم‬
‫حمار وحش؛ وقال سعيد بن جبير في حديثه‪ :‬عجز حمار وحش فرده يقطر دما كأنه صيد في ذلك‬
‫الوقت؛ وقال مقسم في حديثه رجل حمار وحش‪ .‬وقاله عطاء في حديثه‪ :‬أهدى له عضد صيد فلم‬
‫يقبله وقال‪[ :‬إننا حرم] وقال طاوس فني حديثنه‪ :‬عضدا منن لحنم صنيد؛ حدث بنه إسنماعيل عنن علي‬
‫بنن المدينني‪ ،‬عنن يحينى بنن سنعيد عنن ابنن جرينج‪ ،‬عنن الحسنن بنن مسنلم‪ ،‬عنن طاوس‪ ،‬عنن ابنن‬
‫عباس‪ ،‬إل أن منهم من يجعله عن ابن عباس عن زيد بن أرقم‪ .‬قال إسماعيل‪ :‬سمعت سليمان بن‬
‫حرب يتأول هذا الحديث على أنه صنيد منن أجله الننبي صنلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولول ذلك لكان أكله‬
‫جائزا؛ قال سننليمان‪ :‬وممننا يدل على أنننه صننيد مننن أجله النننبي صننلى ال عليننه وسننلم قولهننم فنني‬
‫الحدينث‪ :‬فرده يقطنر دمنا كأننه فني ذلك الوقنت‪ .‬قال إسنماعيل‪ :‬إنمنا تأول سنليمان هذا الحدينث لننه‬
‫يحتاج إلى تأويل؛ فأما رواية مالك فل تحتاج إلى التأويل؛ لن المحرم ل يجوز له أن يمسك صيدا‬
‫حيا ول يذكيه؛ قال إسماعيل‪ :‬وعلى تأويل سليمان بن حرب تكون الحاديث المرفوعة كلها غير‬
‫مختلفة فيها إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ إذا أحرم وبيده صيد أو في بيته عند أهله فقال مالك‪ :‬إن كان في يده فعليه إرساله‪ ،‬وإن كان‬
‫فني أهله فلينس علينه إرسناله‪ .‬وهنو قول أبني حنيفنة وأحمند بنن حنبنل‪ .‬وقال الشافعني فني أحند قولينه‪:‬‬
‫سنواء كان فني يده أو فني بيتنه لينس علينه أن يرسنله‪ .‬وبنه قال أبنو ثور‪ ،‬وروي عنن مجاهند وعبدال‬
‫بنن الحارث مثله وروي عنن مالك‪ .‬وقال ابنن أبني ليلى والثوري والشافعني فني القول الخنر‪ :‬علينه‬
‫أن يرسنله‪ ،‬سنواء كان فني بيتنه أو فني يده فإن لم يرسنله ضمنن‪ .‬وجنه القول بإرسناله قوله تعالى‪:‬‬
‫"وحرم عليكنم صنيد البر منا دمتنم حرمنا" وهذا عام فني الملك والتصنرف كله‪ .‬ووجنه القول‬
‫بإمساكه‪ :‬أنه معنى ل يمنع من ابتداء الحرام فل يمنع من استدامة ملكه‪ ،‬أصله النكاح‪.‬‬
‫@ فإن صناده الحلل فني الحنل فأدخله الحرم جاز له التصنرف فينه بكنل نوع منن ذبحنه‪ ،‬وأكنل‬
‫لحمننه‪ .‬وقال أبننو حنيفننة‪ :‬ل يجوز‪ .‬ودليلنننا أنننه معنننى يفعننل فنني الصننيد فجاز فنني الحرم للحلل‪،‬‬
‫كالمساك والشراء ول خلف فيها‪.‬‬
‫ل على صنيد فقتله الحلل اختلف فينه‪ ،‬فقال مالك والشافعني وأبنو ثور‪ :‬ل‬ ‫@ إذا دل المحرم حِ ً‬
‫شيننء عليننه‪ ،‬وهننو قول ابننن الماجشون‪ .‬وقال الكوفيون وأحمنند وإسننحاق وجماعننة مننن الصننحابة‬
‫والتابعينن‪ :‬علينه الجزاء؛ لن المحرم التزم بإحرامنه ترك التعرض؛ فيضمنن بالدللة كالمودع إذا‬
‫دل سارقا على سرقة‪.‬‬
‫@ واختلفوا فني المحرم إذا دل محرما آخر؛ فذهب الكوفيون وأشهب من أصحابنا إلى أن على‬
‫كله واحند منهمنا جزاء‪ .‬وقال مالك والشافعني وأبنو ثور‪ :‬الجزاء على المحرم القاتنل؛ لقوله تعالى‪:‬‬
‫"ومن قتله منكم متعمدا" فعلق وجوب الجزاء بالقتل‪ ،‬فدل على انتفائه بغيره؛ ولنه دال فلم يلزمه‬
‫بدللتننه غرم كمننا لو دل الحلل فنني الحرم على صننيد فنني الحرم‪ .‬وتعلق الكوفيون وأشهننب بقوله‬
‫علينه السنلم فني حدينث أبني قتادة‪[ :‬هنل أشرتنم أو أعنتنم] ؟ وهذا يدل على وجوب الجزاء‪ .‬والول‬
‫أصح‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ إذا كاننت شجرة نابتنة فني الحنل وفرعهنا فني الحرم فأصنيب منا علينه منن الصنيد ففينه الجزاء؛‬
‫لننه أخنذ فني الحرم وإن كان أصنلها فني الحرم وفرعهنا فني الحنل فاختلف علماؤننا فيمنا أخنذ علينه‬
‫على قولين‪ :‬الجزاء نظرا إلى الصل‪ ،‬ونفيه نظرا إلى الفرع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتقوا ال الذي إليه تحشرون" تشديد وتنبيه عقب هذا التحليل والتحريم‪ ،‬ثم ذكر‬
‫بأمر الحشر والقيامة مبالغة في التحذير‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 97 :‬جعل ال الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلئد ذلك‬
‫لتعلموا أن ال يعلم ما في السماوات وما في الرض وأن ال بكل شيء عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬جعنل ال الكعبنة" جعنل هننا بمعننى خلق وقند تقدم‪ .‬وقند سنميت الكعبنة كعبنة لنهنا‬
‫مربعة وأكثر بيوت العرب مدورة وقيل‪ :‬إنما سميت كعبة لنتوئها وبروزها‪ ،‬فكل ناتئ بارز كعب‪،‬‬
‫مسنتديرا كان أو غينر مسنتدير‪ .‬ومننه كعنب القدم وكعوب القناة‪ .‬وكعنب ثدي المرأة إذا ظهنر فني‬
‫صندرها‪ .‬والبينت سنمي بذلك لنهنا ذات سنقف وجدار‪ ،‬وهني حقيقنة البيتينة وإن لم يكنن بهنا سناكن‪.‬‬
‫وسنماه سنبحانه حرامنا بتحريمنه إياه؛ قال الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬إن مكنة حرمهنا ال ولم‬
‫بحرمها الناس] وقد تقدم أكثر هذا مستوفى والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيامنا للناس" أي صنلحا ومعاشنا‪ ،‬لمنن الناس بهنا؛ وعلى هذا يكون "قيامنا"‬
‫بمعنى يقومون بها‪ .‬وقيل‪" :‬قياما" أي يقومون بشرائعها‪ .‬وقرأ ابن عامر وعاصم "قيما" وهما من‬
‫ذوات الواو فقلبنت الواو ياء لكسنرة منا قبلهنا‪ .‬وقند قينل‪" :‬قوام"‪ .‬قال العلماء‪ :‬والحكمنة فني جعنل ال‬
‫تعالى هذه الشياء قيامنننا للناس‪ ،‬أن ال سنننبحانه خلق الخلق على سنننليقة الدمينننة منننن التحاسننند‬
‫والتنافننس والتقاطننع والتدابر‪ ،‬والسننلب والغارة والقتننل والثأر‪ ،‬فلم يكننن بنند فنني الحكمننة اللهيننة‪،‬‬
‫والمشيئة الولية من كاف يدوم معه الحال ووازع يحمد معه المآل‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬إني جاعل في‬
‫الرض خليفة" [البقرة‪ ]30 :‬فأمرهم ال سبحانه بالخلفة‪ ،‬وجعله أمورهم إلى واحد يزعهم عن‬
‫التنازع‪ ،‬ويحملهننم على التآلف مننن التقاطننع‪ ،‬ويرد الظالم عننن المظلوم‪ ،‬ويقرر كننل ينند على مننا‬
‫تسنتولي علينه‪ .‬روى ابنن القاسنم قال حدثننا مالك أن عثمان بنن عفان رضني ال عننه كان يقول‪ :‬منا‬
‫يزع المام أكثر مما يزع القرآن؛ ذكره أبو عمر رحمه ال‪ .‬وجور السلطان عاما واحدا أقل إذاية‬
‫مننن كون الناس فوضننى لحظننة واحدة؛ فأنشننأ ال سننبحانه الخليفننة لهذه الفائدة‪ ،‬لتجري على رأيننه‬
‫المور‪ ،‬ويكنف ال بنه عادينة الجمهور؛ فعظنم ال سنبحانه فني قلوبهنم البينت الحرام‪ ،‬وأوقنع فني‬
‫نفوسنهم هيبتنه‪ ،‬وعظنم بينهنم حرمتنه‪ ،‬فكان منن لجنأ إلينه معصنوما بنه‪ ،‬وكان منن اضطهند محمينا‬
‫بالكون فينننه‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬أولم يروا أننننا جعلننننا حرمنننا آمننننا ويتخطنننف الناس منننن حولهنننم"‬
‫[العنكبوت‪ .]67:‬قال العلماء‪ :‬فلمنا كان موضعنا مخصوصا ل يدركه كنل مظلوم‪ ،‬ول يناله كنل‬
‫خائف جعله ال الشهر الحرام ملجأ آخر‬
‫@ الشهر الحرام هو اسم جنس‪ ،‬والمراد الشهر الثلثة بإجماع من العرب‪ ،‬فقرر ال في قلوبهم‬
‫حرمتهنا‪ ،‬فكانوا ل يروعون فيهنا سربا أي نفسنا ول يطلبون فيهنا دمنا ول يتوقعون فيهنا ثأرا‪ ،‬حتى‬
‫كان الرجل يلقى قاتل أبيه وابنه وأخيه فل يؤذيه‪ .‬واقتطعوا فيها ثلث الزمان‪ .‬ووصلوا منها ثلثة‬
‫متوالينة‪ ،‬فسنحة وراحنة ومجال للسنياحة فني المنن والسنتراحة‪ ،‬وجعلوا منهنا واحدا منفردا فني‬
‫نصف العام دركا للحترام‪ ،‬وهو شهر رجب الصم ويسمى مضر‪ ،‬وإنما قيل له‪ :‬رجب الصم؛‬
‫لنه كان ل يسمع فيه صوت الحديد‪ ،‬ويسمى منصل السنة؛ لنهنم كانوا ينزعون فيه السنة من‬
‫الرماح‪ ،‬وهو شهر قريش‪ ،‬وله يقول عوف بن الحوص‪:‬‬
‫إذا سيقت مضرجها الدماء‬ ‫وشهر بني أمية والهدايا‬
‫وسننماه النننبي صننلى ال عليننه وسننلم شهننر ال؛ أي شهننر آل ال‪ ،‬وكان يقال لهله الحرم‪ :‬آل ال‪.‬‬
‫ويحتمننل أن يرينند شهننر ال؛ لن ال متنننه وشدده إذ كان كثيننر مننن العرب ل يراه‪ .‬وسننيأتي فنني‬
‫"براءة" أسماء الشهور إن شاء ال‪ .‬ثم يسر لهم اللهام‪ ،‬وشرع على ألسنة الرسل الكرام الهدي‬
‫والقلئد‪ ،‬فكانوا إذا أخذوا بعيرا أشعروه دمنا‪ ،‬أو علقوا علينه نعل‪ ،‬أو فعله ذلك الرجنل بنفسنه منن‬
‫التقليد على ما تقدم بيانه أول السورة لم يروعه أحد حيث لقيه‪ ،‬وكان الفيصل بينه وبين من طلبه‬
‫أو ظلمه حتى جاء ال بالسلم وبين الحق بمحمد عليه السلم‪ ،‬فانتظم الدين في سلكه‪ ،‬وعاد الحق‬
‫إلى نصنابه‪ ،‬فأسنندت المامنة إلينه‪ ،‬وانبننى وجوبهنا على الخلق علينه وهنو قوله سنبحانه‪" :‬وعند ال‬
‫الذينن آمنوا منكنم وعملوا الصنالحات ليسنتخلفنهم فني الرض" [النور‪ ]55 :‬الينة‪ .‬وقند مضنى فني‬
‫"البقرة" أحكام المامة فل معنى لعادتها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك لتعلموا" "ذلك" إشارة إلى جعل ال هذه المور قياما؛ والمعنى فعل ال ذلك‬
‫لتعلموا أن ال يعلم تفاصننيل أمور السننماوات والرض‪ ،‬ويعلم مصننالحكم أيهننا الناس قبننل وبعنند‪،‬‬
‫فانظروا لطفه بالعباد على حال كفرهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 98 :‬اعلموا أن ال شديد العقاب وأن ال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اعلموا أن ال شديند العقاب" تخوينف "وأن ال غفور رحينم" ترجينة‪ ،‬وقند تقدم‬
‫هذا المعنى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 99 :‬ما على الرسول إل البلغ وال يعلم ما تبدون وما تكتمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما على الرسول إل البلغ" أي ليس له الهداية والتوفيق ول الثواب‪ ،‬وإنما عليه‬
‫البلغ وفني هذا رد على القدرينة كمنا تقدم‪ .‬وأصنله البلغ البلوغ‪ ،‬وهنو الوصنول‪ .‬بلغ يبلغ بلوغنا‪،‬‬
‫وأبلغنه إبلغنا‪ ،‬وتبلغ تبلغنا‪ ،‬وبالغنه مبالغنة‪ ،‬وبلغنه تبليغنا‪ ،‬ومننه البلغنة‪ ،‬لنهنا إيصنال المعننى إلى‬
‫النفس في حسن صورة من اللفظ وتبالغ الرجل إذا تعاطى البلغة وليس ببليغ‪ ،‬وفي هذا بلغ أي‬
‫كفاينة؛ لننه يبلغ مقدار الحاجنة‪" .‬وال يعلم ما تبدون" أي تظهرونه‪ ،‬يقال‪ :‬بدا السنر وأبداه صناحبه‬
‫يبديه‪" .‬وما تكتمون" أي ما تسرونه وتخفونه في قلوبكم من الكفر والنفاق‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 100 :‬قنل ل يسنتوي الخنبيث والطينب ولو أعجبنك كثرة الخنبيث فاتقوا ال ينا أولي‬
‫اللباب لعلكم تفلحون}‬
‫@ قال الحسن‪" :‬الخبيث والطيب" الحلل والحرام‪ .‬وقال السدي‪ :‬المؤمن والكافر‪ .‬وقيل‪ :‬المطيع‬
‫والعاصني‪ .‬وقينل‪ :‬الردينء والجيند؛ وهذا على ضرب المثال‪ .‬والصنحيح أن اللفنظ عام فني جمينع‬
‫المور‪ ،‬يتصنور فني المكاسنب والعمال‪ ،‬والناس‪ ،‬والمعارف منن العلوم وغيرهنا؛ فالخنبيث منن‬
‫هذا كله ل يفلح ول ينجب‪ ،‬ول تحسن له عاقبة وإن كثر‪ ،‬والطيب وإن قل نافع جميله العاقبة‪ .‬قال‬
‫ال تعالى‪" :‬والبلد الطينب يخرج نباتنه بإذن ربنه والذي خبنث ل يخرج إل نكدا" [العراف‪.]58 :‬‬
‫ونظينر هذه الينة قوله تعالى‪" :‬أم نجعنل الذينن آمنوا وعملوا الصنالحات كالمفسندين فني الرض أم‬
‫نجعنل المتقينن كالفجار" [ص‪ ]28 :‬وقوله "أم حسنب الذينن اجترحوا السنيئات أن نجعلهنم كالذينن‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات" [الجاثية‪ ]21 :‬؛ فالخبيث ل يساوي الطيب مقدارا ول إنفاقا‪ ،‬ول مكانا‬
‫ول ذهابا‪ ،‬فالطيب يأخذ جهة اليمين‪ ،‬والخبيث يأخذ جهة الشمال‪ ،‬والطيب في الجنة‪ ،‬والخبيث في‬
‫النار وهذا بين‪ .‬وحقيقة الستواء الستمرار في جهة واحدة‪ ،‬ومثله الستقامة وضدها العوجاج‪.‬‬
‫@ قال بعض علمائنا‪ :‬إن البيع الفاسد يفسخ ول يمضى بحوالة سوق‪ ،‬ول بتغير بدن‪ ،‬فيستوي في‬
‫إمضائه منع البينع الصنحيح‪ ،‬بنل يفسنخ أبدا‪ ،‬ويرد الثمنن على المبتاع إن كان قبضنه‪ ،‬وإن تلف فني‬
‫يده ضمنه؛ لنه لم يقبضه على المانة‪ ،‬وإنما قبضه بشبهة عقد‪ .‬وقيل‪ :‬ل يفسخ نظرا إلى أن البيع‬
‫إذا فسخ ورد بعد الفوت يكون فيه ضرر وغبن على البائع‪ ،‬فتكون السلعة تساوي مائة وترد عليه‬
‫وهني تسناوي عشرينن‪ ،‬ول عقوبنة فني الموال‪ .‬والول أصنح لعموم الينة‪ ،‬ولقوله علينه السنلم‪:‬‬
‫[من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد]‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإذا تتبع هذا المعنى في عدم الستواء في مسائل الفقه تعددت وكثرت‪.‬‬
‫فمنن ذلك الغاصنب إذا بننى فني البقعنة المغصنوبة أو غرس إننه يلزمنه قلع ذلك البناء والغرس؛‬
‫لننه خنبيث‪ ،‬وردهنا؛ خلفنا لبني حنيفنة فني قوله‪ :‬ل يقلع ويأخنذ صناحبها القيمنة‪ .‬وهذا يرده قوله‬
‫علينه السنلم‪[ :‬لينس لعرق ظالم حنق]‪ .‬قال هشام‪ :‬العرق الظالم أن يغرس الرجنل فني أرض غيره‬
‫ليسنتحقها بذلك‪ .‬قال مالك‪ :‬العرق الظالم كنل منا أخنذ واحتفنر وغرس فني غينر حنق‪ .‬قال مالك‪ :‬منن‬
‫غصب أرضا فزرعها‪ ،‬أو أكراها‪ ،‬أو دارا فسكنها أو أكراها‪ ،‬ثم استحقها ربها أن على الغاصب‬
‫كراء منا سنكن ورد منا أخنذ فني الكراء واختلف قوله إذا لم يسنكنها أو لم يزرع الرض وعطلهنا؛‬
‫فالمشهور منن مذهبنه أننه لينس علينه فينه شينء؛ وقند روي عننه أننه علينه كراء ذلك كله‪ .‬واختاره‬
‫الوقار‪ ،‬وهو مذهب الشافعي؛ لقوله عليه السلم‪[ :‬ليس لعرق ظالم حق] وروى أبو داود عن أبي‬
‫الزبينر أن رجلينن اختصنما إلى رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪ :‬غرس أحدهمنا نخل فني أرض‬
‫الخنر‪ ،‬فقضنى لصناحب الرض بأرضنه‪ ،‬وأمنر صناحب النخنل أن يخرج نخله منهنا‪ ،‬قال‪ :‬فلقند‬
‫رأيتهنا‪ ،‬وأنهنا لتضرب أصنولها بالفؤوس حتنى أخرجنت منهنا وإنهنا لنخنل عنم‪ .‬وهذا ننص‪ .‬قال ابنن‬
‫حنبيب‪ :‬والحكنم فينه أن يكون صناحب الرض مخيرا على الظالم‪ ،‬إن شاء حبنس ذلك فني أرضنه‬
‫بقيمتنه مقلوعنا‪ ،‬وإن شاء نزعنه منن أرضنه؛ وأجنر النزع على الغاصنب‪ .‬وروى الدارقطنني عنن‬
‫عائشنة قالت‪ :‬قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬منن بننى فني رباع قوم بإذنهنم فله القيمنة ومنن‬
‫بننى بغينر إذنهنم فله النقض] قال علماؤننا‪ :‬إنمنا تكون له القيمة؛ لننه بننى فني موضنع يملك منفعتنه‪.‬‬
‫وذلك كمن بنى أو غرس بشبهة فله حق؛ إن شاء رب المال أن يدفع إليه قيمته قائما‪ ،‬وإن أبى قيل‬
‫للذي بننى أو غرس‪ :‬ادفنع إلينه قيمنة أرضنه براحنا؛ فإن أبنى كاننا شريكينن‪ .‬قال ابنن الماجشون‪:‬‬
‫وتفسير اشتراكهما أن تقوم الرض براحا‪ ،‬ثم تقوم بعمارتها فما زادت قيمتها بالعمارة على قيمتها‬
‫براحا كان العامل شريكا لرب الرض فيها‪ ،‬إن أحبا قسما أو حبسا‪ .‬قال ابن الجهم‪ :‬فإذا دفع رب‬
‫الرض قيمنة العمارة وأخنذ أرضنه كان له كراؤهنا فيمنا مضنى منن السننين‪ .‬وقند روي عنن ابنن‬
‫القاسم وغيره أنه إذا بنى رجل في أرض رجل بإذنه ثم وجب له إخراجه‪ ،‬فإنه يعطيه قيمة بنائه‬
‫مقلوعا والول أصح لقوله عليه السلم‪( :‬فله القيمة) وعليه أكثر الفقهاء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو أعجبك كثرة الخبيث" قيل‪ :‬الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته؛‬
‫فإن النبي صلى ال عليه وسلم ل يعجبه الخبيث‪ .‬وقيل‪ :‬المراد به النبي صلى ال عليه وسلم نفسه‪،‬‬
‫وإعجابه له أنه صار عنده عجبا مما يشاهده من كثرة الكفار والمال الحرام‪ ،‬وقلة المؤمنين والمال‬
‫الحلل‪" .‬فاتقوا ال يا أولي اللباب لعلكم تفلحون" تقدم معناه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 102 - 101 :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تسنألوا عنن أشياء إن تبند لكنم تسنؤكم وإن‬
‫تسنألوا عنهنا حينن ينزل القرآن تبند لكنم عفنا ال عنهنا وال غفور حلينم‪ ،‬قند سنألها قوم منن قبلكنم ثنم‬
‫أصبحوا بها كافرين}‬
‫@ روى البخاري ومسنلم وغيرهمنا واللفنظ للبخاري عنن أننس قال‪ ،‬قال رجنل‪ :‬ينا ننبي ال‪ ،‬منن‬
‫أبني ؟ قال‪[ :‬أبوك فلن] قال فنزلت "ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تسنألوا عنن أشياء إن تبند لكنم تسنؤكم"‬
‫الية‪ .‬وخرج أيضا عن أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم وفيه‪[ :‬فوال ل تسألوني عن شيء إل‬
‫أخنبرتكم به منا دمنت فني مقامني هذا] فقام إلينه رجنل فقال‪ :‬أينن مدخلي ينا رسنول ال؟ قال‪[ :‬النار]‪.‬‬
‫فقام عبدال بنن حذافنة فقال‪ :‬منن أبني ينا رسنول ال فقال‪[ :‬أبوك حذافنة] وذكنر الحدينث قال ابنن‬
‫عبدالبر‪ :‬عبدال بننن حذافننة أسننلم قديمننا‪ ،‬وهاجننر إلى أرض الحبشننة الهجرة الثانيننة‪ ،‬وشهنند بدرا‬
‫وكانت فيه دعابة‪ ،‬وكان رسول رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ أرسله إلى كسرى بكتاب رسول‬
‫ال صنلى ال علينه سنلم؛ ولمنا قال منن أبني ينا رسنول ال؛ قال‪[ :‬أبوك حذافنة] قالت له أمنه‪ :‬منا‬
‫سنمعت بابنن أعنق مننك آمننت أن تكون أمنك قارفنت منا يقارف نسناء الجاهلينة فتفضحهنا على أعينن‬
‫الناس ! فقال‪ :‬وال لو ألحقني بعبد أسود للحقت به‪ .‬وروى الترمذي والدارقطنني عن علي رضي‬
‫ال عنه قال‪ :‬لما نزلت هذه الية "ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل" [آل عمران‪:‬‬
‫‪ .]97‬قالوا‪ :‬يا رسول ال أفي كل عام؟ فسكت‪ ،‬فقالوا‪ :‬أفي كل عام ؟ قال‪[ :‬ل ولو قلت نعم لو‬
‫جبنت] ‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تسنألوا عنن أشياء إن تبند لكنم تسنؤكم" إلى آخنر‬
‫الية‪ .‬واللفظ للدارقطني سئل البخاري عن هذا الحديث فقال‪ :‬هو حديث حسن إل أنه مرسل؛ أبو‬
‫البختري لم يدرك علينا‪ ،‬واسنمه سنعيد‪ .‬وأخرجنه الدارقطنني أيضنا عن أبني عياض عن أبني هريرة‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬يا أيها الناس كتب عليكم الحج] فقام رجل فقال‪ :‬في كل‬
‫عام ينا رسنول ال؟ فأعرض عننه‪ ،‬ثنم عاد فقال‪ :‬فني كنل عام ينا رسنول ال؟ فقال‪( :‬ومنن القائل)؟‬
‫قالوا‪ :‬فلن؛ قال‪[ :‬والذي نفسني بيده لو قلت نعنم لوجبنت ولو وجبنت منا أطقتموهنا ولو لم تطيقوهنا‬
‫لكفرتنم] فأنزل ال تعالى‪" :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تسنألوا عن أشياء إن تبند لكنم تسنؤكم" الية‪ .‬وقال‬
‫الحسنن البصنري فني هذه الية‪ :‬سنألوا النبي صلى ال عليه وسلم عن أمور الجاهلية التني عفا ال‬
‫عنهنا ول وجنه للسنؤال عمنا عفنا ال عننه‪ .‬وروى مجاهند عنن ابنن عباس أنهنا نزلت فني قوم سنألوا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام؛ وهو قول سعيد بن جبير؛‬
‫وقال‪ :‬أل ترى أن بعده‪" :‬ما جعل ال من بحيرة ول سائبة ول وصيلة ول حام" [المائدة‪.]103 :‬‬
‫قلت‪ :‬وفي الصحيح والمسند كفاية‪ .‬ويحتمل أن تكون الية نزلت جوابا للجميع‪ ،‬فيكون السؤال‬
‫قريبنا بعضنه منن بعنض‪ .‬وال أعلم‪ .‬و"أشياء" وزننه أفعال؛ ولم يصنرف لننه مشبنه بحمراء؛ قاله‬
‫الكسنائي وقينل‪ :‬وزننه أفعلء؛ كقولك‪ :‬هينن وأهوناء؛ عنن الفراء والخفنش ويصنغر فيقال‪ :‬أشياء؛‬
‫قال المازنني‪ :‬يجنب أن يصنغر شييات كمنا يصنغر أصندقاء؛ فني المؤننث صنديقات وفني المذكنر‬
‫صديقون‪.‬‬
‫@ قال ابن عون‪ :‬سألت نافعا عن قوله تعالى "ل تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" فقال‪ :‬لم‬
‫تزل المسائل منذ قط تكره‪ .‬روى مسلم عن المغيرة بن شعبة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪[ :‬إن ال حرم عليكننم عقوق المهات وواد البنات ومنعننا وهات وكره لكننم ثلثننا‪ ،‬قيننل‪ ،‬وقال‬
‫وكثرة السنؤال وإضاعنة المال] قال كثينر منن العلماء‪ :‬المراد بقوله [وكثرة السنؤال] التكثيننر منن‬
‫السؤال في المسائل الفقهية تنطعا‪ ،‬وتكلفا فيما لم ينزل‪ ،‬والغلوطات وتشقيق المولدات‪ ،‬وقد كان‬
‫السننلف يكرهون ذلك ويرونننه مننن التكليننف‪ ،‬ويقولون‪ :‬إذا نزلت النازلة وفننق المسننؤول لهننا‪ .‬قال‬
‫مالك‪ :‬أدركت أهله هذا البلد وما عندهم علم غير الكتاب والسنة‪ ،‬فإذا نزلت نازلة جمع المير لها‬
‫من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه‪ ،‬وأنتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول ال صلى ال‬
‫علينه وسنلم‪ .‬وقينل‪ :‬المراد بكثرة المسنائل كثرة سنؤال الناس الموال والحوائج إلحاحنا واسنتكثارا؛‬
‫وقاله أيضنا مالك وقيله‪ :‬المراد بكثرة المسنائل السنؤال عمنا ل يعنني منن أحوال الناس بحينث يؤدي‬
‫ذلك إلى كشف عوراتهنم والطلع على مسناوئهم‪ .‬وهذا مثل قوله تعالى‪" :‬ول تجسنسوا ول يغتب‬
‫بعضكنم بعضنا" [الحجرات‪ ]12 :‬قال ابنن خوينز منداد‪ :‬ولذلك قال بعنض أصنحابنا متنى قدم إلينه‬
‫طعام لم يسنأل عننه منن أينن هذا أو عرض علينه شينء يشترينه لم يسنأل منن أينن هنو وحمنل أمور‬
‫المسلمين على السلمة والصحة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والوجه حمل الحديث على عمومه فيتناول جميع تلك الوجوه كلها‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬اعتقد قوم من الغافلين تحريم أسئلة النوازل حتى تقع تعلقا بهذه الية وليس‬
‫كذلك لن هذه الينة مصنرحة بأن السنؤال المنهني عننه إنمنا كان فيمنا تقنع المسناءة فني جوابنه ول‬
‫مساءة في جواب نوازل الوقت فافترقا‪.‬‬
‫قلت قوله‪ :‬اعتقد قوم من الغافلين فيه قبح‪ ،‬وإنما كان الولى به أن يقول‪ :‬ذهب قوم إلى تحريم‬
‫أسننئلة النوازل‪ ،‬لكنننه جرى على عادتننه‪ ،‬وإنمننا قلنننا كان أولى بننه؛ لنننه قنند كان قوم مننن السننلف‬
‫يكرههنا‪ .‬وكان عمنر بنن الخطاب رضني ال عننه يلعنن منن سنأل عمنا لم يكنن؛ ذكره الدارمني فني‬
‫مسننده؛ وذكنر عنن الزهري قال‪ :‬بلغننا أن زيند بنن ثابنت النصناري كان يقول إذا سنئل عنن المنر‪:‬‬
‫أكان هذا؟ فإن قالوا‪ :‬نعنم قند كان حدث فينه بالذي يعلم‪ ،‬وإن قالوا‪ :‬لم يكنن قال فذروه حتنى يكون‪.‬‬
‫وأسند عن عمار بن ياسر وقد سئل عن مسألة فقال‪ :‬هل كان هذا بعد؟ قالوا‪ :‬ل؛ قال‪ :‬دعونا حتى‬
‫يكون‪ ،‬فإذا كان تجشمناهنا لكنم‪ .‬قال الدارمني‪ :‬حدثننا عبدال بن محمند بنن أبي شيبة‪ ،‬قال حدثنا ابن‬
‫فضيل عن عطاء عن ابن عباس قال‪ :‬ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول ال صلى ال‬
‫علينه وسنلم‪ ،‬منا سنألوه إل عنن ثلث عشرة مسنألة حتنى قبنض‪ ،‬كلهنن فني القرآن؛ منهنن "يسنألونك‬
‫عن الشهر الحرام" [البقرة‪" ، ]217 :‬ويسألونك عن المحيض" [البقرة‪ ]222 :‬وشبهه ما كانوا‬
‫يسألون إل عما ينفعهم‪.‬‬
‫@ قال ابنن عبدالبر‪ :‬السنؤال اليوم ل يخاف مننه أن ينزل تحرينم ول تحلينل منن أجله‪ ،‬فمنن سنأل‬
‫مسنتفهما راغبنا فني العلم ونفني الجهنل عنن نفسنه‪ ،‬باحثنا عنن معننى يجنب الوقوف فني الدياننة علينه‪،‬‬
‫فل بأس بنه فشفاء العني السنؤال؛ ومنن سنأل متعنتنا غينر متفقنه ول متعلم فهنو الذي ل يحنل قلينل‬
‫سؤاله ول كثيره؛ قال ابن العربي‪ :‬الذي ينبغني للعالم أن يشتغل به هو بسنط الدلة‪ ،‬وإيضاح سبل‬
‫النظر‪ ،‬وتحصيل مقدمات الجتهاد‪ ،‬وإعداد اللة المعينة على الستمداد؛ فإذا عرضت نازلة أتيت‬
‫من بابها‪ ،‬ونشدت في مظانها‪ ،‬وال يفتح في صوابها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" فيه غموض‪ ،‬وذلك أن في أول الية‬
‫النهي عن السؤال ثم قال‪" :‬وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" فأباحه لهم؛ فقيل‪ :‬المعنى‬
‫وإن تسننألوا عننن غيرهننا فيمننا مسننت الحاجننة إليننه‪ ،‬فحذف المضاف‪ ،‬ول يصننح حمله على غيننر‬
‫الحذف‪ .‬قال الجرجاننني‪ :‬الكنايننة فنني "عنهننا" ترجننع إلى أشياء أخننر؛ كقوله تعالى‪" :‬ولقنند خلقنننا‬
‫النسان من سللة من طين" [المؤمنون‪ ]12 :‬يعني آدم‪ ،‬ثم قال‪" :‬ثم جعلناه نطفة" [المؤمنون‪:‬‬
‫‪ ]13‬أي ابن آدم؛ لن آدم لم يجعل نطفة في قرار مكين‪ ،‬لكن لما ذكر النسان وهو آدم دل على‬
‫إنسان مثله‪ ،‬وعرف ذلك بقرينة الحال؛ فالمعنى وإن تسألوا عن أشياء حين ينزل القرآن من تحليل‬
‫أو تحريم أو حكم‪ ،‬أو مست حاجتكم إلى التفسير‪ ،‬فإذا سألتم فحينئذ تبد لكم؛ فقد أباح هذا النوع من‬
‫السنؤال‪ :‬ومثاله أننه بينن عدة المطلقنة والمتوفنى عنهنا زوجهنا والحامنل‪ ،‬ولم يجنز ذكنر عدة التني‬
‫ليسننت بذات قرء ول حامننل‪ ،‬فسننألوا عنهننا فنزل "واللئى يئسننن مننن المحيننض" [الطلق‪.]4 :‬‬
‫فالنهي إذا في شيء لم يكن بهم حاجة إلى السؤال فيه؛ فأما ما مست الحاجة إليه فل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عفنا ال عنهنا وال غفور حلينم" أي عنن المسنألة التني سنلفت منهنم‪ .‬وقينل‪ :‬عنن‬
‫الشياء التني سنألوا عنهنا منن أمور الجاهلينة ومنا جرى مجراهنا‪ .‬وقينل‪ :‬العفنو بمعننى الترك؛ أي‬
‫تركها ولم يعرف بها في حلل ول حرام فهو معفو عنها فل تبحثوا عنه فلعله إن ظهر لكم حكمه‬
‫من ساءكم‪ .‬وكان عبيد بن عمير يقول‪ :‬إن ال أحل وحرم‪ ،‬فما أحل فاستحلوه‪ ،‬وما حرم فاجتنبوه‪،‬‬
‫وترك بينننن ذلك أشياء لم يحلهنننا ولم يحرمهنننا‪ ،‬فذلك عفنننو منننن ال‪ ،‬ثنننم يتلو هذه الينننة‪ .‬وخرج‬
‫الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشنني قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬إن ال تعالى فرض‬
‫فرائض فل تضيعوها وحرم حرمات فل تنتهكوها وحدد حدودا فل تعتدوها وسكت عن أشياء من‬
‫غينر نسنيان فل تبحثوا عنهنا] والكلم على هذا التقدينر فينه تقدينم وتأخينر؛ أي ل تسنألوا عنن أشياء‬
‫عفا ال عنها إن تبد لكم تسؤكم‪ ،‬أي أمسك عن ذكرها فلم يوجب فيها حكما‪ .‬وقيل‪ :‬ليس فيه تقديم‬
‫ول تأخير؛ بل المعنى قد عفا ال عن مسألتكم التي سلفت وإن كرهها النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫فل تعودوا لمثالها‪ .‬فقوله‪" :‬عنها" أي عن المسألة‪ ،‬أو عن السؤالت كما ذكرناه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين" أخبر تعالى أن قوما من قبلنا قد‬
‫سنألوا آيات مثلهنا‪ ،‬فلمنا أعطوهنا وفرضنت عليهنم كفروا بهنا‪ ،‬وقالوا‪ :‬ليسنت منن عنند ال؛ وذلك‬
‫كسؤاله قوم صالح الناقة‪ ،‬وأصحاب عيسى المائدة؛ وهذا تحذير مما وقع فيه من سبق من المم‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@ إن قال قائل‪ :‬منا ذكرتنم من كراهينة السنؤال والنهنى عننه‪ ،‬يعارضنه قوله تعالى‪" :‬فاسنألوا أهل‬
‫الذكنر إن كنتنم ل تعلمون" [النحنل‪ ]43 :‬فالجواب؛ أن هذا الذي أمنر ال بنه عباده هنو منا تقرر‬
‫وثبنت وجوبنه ممنا يجنب عليهنم العمنل بنه‪ ،‬والذي جاء فينه النهني هنو منا لم يتعبدال عباده بنه؛ ولم‬
‫يذكره في كتابه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ روى مسلم عن عامر بن سعد عن أبيه قال‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬إن أعظم‬
‫المسنلمين فني المسنلمين جرمنا منن سنأل عنن شينء لم يحرم على المسنلمين فحرم عليهنم منن أجله‬
‫مسألته]‪ .‬قال القشيري أبو نصر‪ :‬ولو لم يسأل العجلني عن الزنى لما ثبت اللعان‪ .‬قال أبو الفرج‬
‫الجوزي‪ :‬هذا محمول على منن سنأل عنن الشينء عنتنا وعبثنا فعوقنب بسنوء قصنده بتحرينم منا سنأل‬
‫عنه؛ والتحريم يعم‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬ل تعلق للقدرية بهذا الحديث في أن ال تعالى يفعل شيئا من أجل شيء وبسببه‪،‬‬
‫تعالى ال عنن ذلك؛ فإن ال على كله شينء قدينر‪ ،‬وهنو بكنل شينء علينم؛ بنل السنبب والداعني فعله‬
‫من أفعاله‪ ،‬لكن سبق القضاء والقدر أن يحرم من الشيء المسؤول عنه إذا وقع السؤال فيه؛ ل أن‬
‫السؤال موجب للتحريم‪ ،‬وعلة له‪ ،‬ومثله كثير "ل يسأل عما يفعل وهم يسألون" [النبياء‪.]23 :‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 103 :‬منا جعنل ال منن بحيرة ول سنائبة ول وصنيلة ول حام ولكنن الذينن كفروا‬
‫يفترون على ال الكذب وأكثرهم ل يعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منا جعنل ال" جعنل هننا بمعننى سنمى‪ ،‬كمنا قال تعالى‪" :‬إننا جعلناه قرآننا عربينا"‬
‫[الزخرف‪ ]3:‬أي سنميناه‪ .‬والمعننى فني هذه الينة ما سنمى ال‪ ،‬ول سنن ذلك حكمنا‪ ،‬ول تعبد به‬
‫شرعنا‪ ،‬بيند أننه قضنى بنه علمنا‪ ،‬وأوجده بقدرتنه وإرادتنه خلقنا؛ فإن ال خالق كنل شينء منن خينر‬
‫وشر‪ ،‬ونفع وضر‪ ،‬وطاعة ومعصية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منن بحيرة ول سنائبة" "منن" زائدة‪ .‬والبحيرة فعيلة بمعننى مفعولة‪ ،‬وهني على‬
‫وزن النطيحننة والذبيحننة‪ .‬وفنني الصننحيح عننن سننعيد بننن المسننيب‪ :‬البحيرة هنني التنني يمنننع درهننا‬
‫للطواغينت‪ ،‬فل يحتلبهنا أحند منن الناس‪ .‬وأمنا السنائبة فهني التني كانوا يسنيبونها للهتهنم‪ .‬وقينل‪:‬‬
‫البحيرة لغة هي الناقة المشقوقة الذن؛ يقال بحرت أذن الناقة أي شققتها شقا واسعا‪ ،‬والناقة بحيرة‬
‫ومبحورة‪ ،‬وكان البحر علمة التخلية‪ .‬قال ابن سيده‪ :‬يقال البحيرة هي التي خليت بل راع‪ ،‬ويقال‬
‫للناقة الغزيرة بحيرة‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬البحيرة هي ابنة السائبة‪ ،‬والسائبة هي الناقة إذا تابعت بين‬
‫عشنر إناث لينس بينهنن ذكنر‪ ،‬لم يركنب ظهرهنا ولم يجنز وبرهنا‪ ،‬ولم يشرب لبنهنا إل ضينف‪ ،‬فمنا‬
‫نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها‪ ،‬وخلي سبيلها مع أمها فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها‪ ،‬ولم‬
‫يشرب لبنهنا إل ضينف كمنا فعنل بأمهنا؛ فهني البحيرة ابننة السنائبة‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬إذا نتجنت الناقنة‬
‫خمسة أبطن إناثا بحرت أذنها فحرمت؛ قال‪:‬‬
‫ول نحن في شيء كذاك البحائر‬ ‫محرمة ل يطعم الناس لحمها‬
‫وقال ابنن عزينز البحيرة الناقنة إذا نتجنت خمسنة أبطنن فإذا كان الخامنس ذكرا نحروه فأكله الرجال‬
‫والنسناء‪ ،‬وإن كان الخامنس أنثنى بحروا أذنهنا أي شقوه وكاننت حرامنا على النسناء لحمهنا ولبنهنا‬
‫وقاله عكرمنة فإذا ماتنت حلت للنسناء‪ .‬والسنائبة البعينر يسنيب بنذر يكون على الرجنل إن سنلمه ال‬
‫منن مرض‪ ،‬أو بلغنه منزله أن يفعنل ذلك‪ ،‬فل تجنس عنن رعني ول ماء‪ ،‬ول يركبهنا أحند؛ وقال بنه‬
‫أبو عبيد؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫إن ال عافى عامرا أو مجاشعا‬ ‫وسائبة ل تنمي تشكرا‬
‫وقد يسيبون غير الناقة‪ ،‬وكانوا إذا سيبوا العبد لم يكن عليه ولء‪ .‬وقيل‪ :‬السائبة هي المخلة ل قيد‬
‫عليهنا‪ ،‬ول راعني لهنا؛ فاعنل بمعننى مفعول‪ ،‬نحنو "عيشنة راضينة" أي مرضينة‪ .‬منن سنابت الحينة‬
‫وانسابت؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫وسائبة فقوموا للعقاب‬ ‫عقرتم ناقة كانت لربي‬
‫وأما الوصيلة والحام؛ فقال ابن وهب‪ ،‬قال مالك‪ :‬كان أهل الجاهلية يعتقون البل والغنم يسيبونها؛‬
‫فأمنا الحام فمنن البنل؛ كان الفحنل إذا انقضنى ضرابنه جعلوا علينه منن رينش الطواوينس وسنيبوه؛‬
‫وأما الوصيلة فمن الغنم إذا ولدت أنثى بعد أنثى سيبوها‪ .‬وقال ابن عزيز‪ :‬الوصيلة في الغنم؛ قال‪:‬‬
‫كانوا إذا ولدت الشاة سنبعة أبطنن نظروا؛ فإن كان السنابع ذكرا ذبنح وأكنل مننه الرجال والنسناء‪،‬‬
‫وإن كان أنثنى تركنت فني الغننم‪ ،‬وإن كان ذكرا وأنثنى قالوا وصنلت أخاهنا فلم تذبنح لمكانهنا‪ ،‬وكان‬
‫لحمها حراما على النساء‪ ،‬ولبن النثى حراما على النساء إل أن يموت منهما شيء فيأكله الرجال‬
‫والنساء‪ .‬والحامي الفحل إذا ركب ولد ولده‪ .‬قال‪:‬‬
‫كما قد حمى أولد أولده الفحل‬ ‫حماها أبو قابوس في عز ملكه‬
‫ويقال‪ :‬إذا نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا‪ :‬قد حمى ظهنر فل يركب ول يمنع من كلء ول ماء‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق‪ :‬الوصيلة الشاة إذا أتمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وصنلت فكان منا ولدت بعند ذلك للذكور منهنم دون الناث‪ ،‬إل أن يموت شينء منهنا فيشترك‬
‫في أكله ذكورهم وإناثهم‪.‬‬
‫@ روى مسلم عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬رأيت عمرو بن عامر‬
‫الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب] وفي رواية [عمرو بن لحي بن قمعة‬
‫بنن خندف أخنا بنني كعنب هؤلء يجنر قصنبه فني النار]‪ .‬وروى أبنو هريرة قال سنمعت رسنول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول لكثم بن الجون‪[ :‬رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندق يجر قصبه‬
‫في النار فما رأيت رجل أشبه برجل منك به ول به منك] فقال أكثم‪ :‬أخشى أن يضرني شبهه يا‬
‫رسنول ال؛ قال‪[ :‬ل إننك مؤمنن وهنو كافنر إننه أول منن غينر دينن إسنماعيل وبحنر البحيرة وسنيب‬
‫السنائبة وحمنى الحامني] وفني رواينة‪[ :‬رأيتنه رجل قصنيرا أشعنر له وفرة يجنر قصنبه فني النار]‪.‬‬
‫وفي رواية ابن القاسم وغيره عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن النبي صلى ال‬
‫علينه وسنلم قال‪[ :‬إننه يؤذي أهله النار بريحنه]‪ .‬مرسنل ذكره ابنن العربني وقينل‪ :‬إن أول منن ابتدع‬
‫ذلك جنادة بن عوف‪ .‬وال أعلم‪ .‬وفي الصحيح كفاية‪ .‬وروى ابن إسحاق‪ :‬أن سبب نصب الوثان‪،‬‬
‫وتغيير دين إبراهيم عليه السلم عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام‪ ،‬فلما قدم مآب من أرض‬
‫البلقاء‪ ،‬وبهنا يومئذ العمالينق أولد عملينق ويقال عملق بنن لوذ بنن سنام بنن نوح‪ ،‬رآهنم يعبدون‬
‫الصننام فقال لهنم‪ :‬منا هذه الصننام التني أراكنم تعبدون؟ قالوا‪ :‬هذه أصننام نسنتمطر بهنا فنمطنر‪،‬‬
‫ونسنتنصر بهنا فننصنر؛ فقال لهنم‪ :‬أفل تعطونني منهنا صننما أسنير بنه إلى أرض العرب فيعبدننه؟‬
‫فأعطوه صننما يقال له‪( :‬هبنل) فقدم بنه مكنة فنصنبه‪ ،‬وأخنذ الناس بعبادتنه وتعظيمنه؛ فلمنا بعنث ال‬
‫محمدا صنلى ال علينه وسنلم أنزل ال علينه "منا جعنل ال بحيرة ول سنائبة ول وصنيلة ول حام"‪.‬‬
‫"ولكنن الذينن كفروا" يعنني منن قرينش وخزاعنة ومشركني العرب "يفترون على ال الكذب"‬
‫بقولهنم‪ :‬إن ال أمنر بتحريمهنا‪ ،‬ويزعمون أنهنم يفعلون ذلك لرضنا ربهنم فني طاعنة ال‪ ،‬وطاعنة ال‬
‫إنما تعلم من قوله‪ ،‬ولم يكن عندهم من ال بذلك قول‪ ،‬فكان ذلك مما يفترونه على ال‪ .‬وقالوا‪" :‬ما‬
‫فني بطون هذه النعام خالصنة لذكورننا" [النعام‪ ]139 :‬يعنني منن الولد واللبان "ومحرم على‬
‫أزواجنا وإن يكن ميتة" [النعام‪ ]139 :‬يعني إن وضعته ميتا اشترك فيه الرجال والنساء؛ فذلك‬
‫قوله عنز وجنل‪" :‬فهنم فينه شركاء سنيجزيهم وصنفهم" [النعام‪ ]139 :‬أي بكذبهنم العذاب فني‬
‫الخرة "إننه حكينم علينم" [النعام‪ ]139 :‬أي بالتحرينم والتحلينل‪ .‬وأنزل علينه‪" :‬قنل أرأيتنم منا‬
‫أنزل ال لكنم منن رزق فجعلتنم مننه حرامنا وحلل قنل آل أذن لكنم أم على ال تفترون" [يوننس‪:‬‬
‫‪ ]59‬وأنزل علينه‪" :‬ثمانينة أزواج" [النعام‪ ]143 :‬وأنزله علينه‪" :‬وأنعام ل يذكرون اسنم ال‬
‫عليها افتراء عليه" [النعام‪ @ .]138 :‬تعلق أبو حنيفة رضي ال عنه في منعه الحباس ورده‬
‫الوقاف؛ بأن ال تعالى عاب على العرب مننا كانننت تفعله مننن تسننييب البهائم وحمايتهننا وحبننس‬
‫أنفاسنها عنهنا‪ ،‬وقاس على البحيرة والسنائبة والفرق بيّنن‪ .‬ولو عمند رجنل إلى ضيعنة له فقال‪ :‬هذه‬
‫تكون حبسا‪ ،‬ل يجتنى ثمرها‪ ،‬ول تزرع أرضها‪ ،‬ول ينتفع منها بنفع‪ ،‬لجاز أن يشبه هذا بالبحيرة‬
‫والسائبة‪ .‬وقد قال علقمة لمن سأله عن هذه الشياء‪ :‬ما تريد إلى شيء كان من عمل أهله الجاهلية‬
‫وقند ذهنب‪ .‬وقال نحوه ابنن زيند‪ .‬وجمهور العلماء على القول بجواز الحباس والوقاف منا عدا أبنا‬
‫حنيفنة وأبنا يوسنف وزفنر؛ وهنو قول شرينح أن أبنا يوسنف رجنع عنن قول أبنى حنيفنة فني ذلك لمنا‬
‫حدثه ابن علية عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر أنه استأذن رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫أن يتصدق بسنهمه بخيبر فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬احبس الصنل وسبل الثمرة]‪.‬‬
‫وبه يحتج كل من أجاز الحباس؛ وهو حديث صحيح قاله أبو عمر‪ .‬وأيضا فإن المسألة إجماع من‬
‫الصحابة وذلك أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص وابن الزبير‬
‫وجابرا كلهنم وقفوا الوقاف‪ ،‬وأوقافهنم بمكنة والمديننة معروفنة مشهورة‪ .‬وروي أن أبنا يوسنف قال‬
‫لمالك بحضرة الرشيند‪ :‬إن الحبنس ل يجوز؛ فقال له مالك‪ :‬هذه الحباس أحباس رسنول ال صنلى‬
‫ال عليه وسلم بخيبر وفدك وأحباس أصحابه‪ .‬وأما ما احتج به أبو حنيفة من الية فل حجة فيه؛‬
‫لن ال سنبحانه إنمنا عاب عليهنم أن تصنرفوا بعقولهنم بغينر شرع توجنه إليهنم‪ ،‬أو تكلينف فرض‬
‫عليهم في قطع طريق النتفاع وإذهاب نعمة ال تعالى وإزالة المصلحة التي للعباد في تلك البل‪.‬‬
‫وبهذا فارقنت هذه المور الحباس والوقاف‪ .‬وممنا احتنج بنه أبنو حنيفنة وزفنر منا رواه عطاء عنن‬
‫ابن المسيب قال‪ :‬سألت شريحا عن رجل جعل داره حبسا على الخر من ولده فقال‪ :‬ل حبس عن‬
‫فرائض ال؛ قالوا‪ :‬فهذا شرينح قاضنني عمنر وعثمان وعلي الخلفاء الراشدينن حكننم بذلك‪ .‬واحتنج‬
‫أيضا بما رواه ابن لهيعة عن أخيه عيسى‪ ،‬عن عكرمة عن ابن عباس‪ ،‬قال سمعت النبي صلى ال‬
‫علينه وسنلم يقول بعدمنا أنزلت سنورة "النسناء" وأنزل ال فيهنا الفرائض‪ :‬ينهنى عنن الحبنس‪ .‬قال‬
‫الطنبري‪ :‬الصندقة التني يمضيهنا المتصندق فني حياتنه على منا أذن ال بنه على لسنان ننبيه وعمنل بنه‬
‫الئمنة الراشدون رضني ال عنهنم لينس منن الحبنس عنن فرائض ال؛ ول حجنة فني قول شرينح ول‬
‫فني قول أحند يخالف السننة‪ ،‬وعمنل الصنحابة الذينن هنم الحجنة على جمينع الخلق؛ وأمنا حدينث ابنن‬
‫عباس فرواه ابن لهيعة‪ ،‬وهو رجل اختلط عقله في آخر عمره‪ ،‬وأخوه غير معروف فل حجة فيه؛‬
‫قال ابن القصار‪.‬‬
‫فإن قينننل‪ :‬كينننف يجوز أن تخرج الرض بالوقنننف عنننن ملك أربابهنننا ل إلى ملك مالك؟ قال‬
‫الطحاوي يقال لهنم‪ :‬ومنا ينكنر منن هذا وقند اتفقنت أننت وخصنمك على الرض يجعلهنا صناحبها‬
‫مسنجدا للمسنلمين‪ ،‬ويخلي بينهنم وبينهنا‪ ،‬وقند خرجنت بذلك منن ملك إلى غينر مالك‪ ،‬ولكنن إلى ال‬
‫تعالى؛ وكذلك السنقايات والجسنور والقناطنر‪ ،‬فمنا ألزمنت مخالفنك فني حجتنك علينه يلزمنك فني هذا‬
‫كله‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ اختلف المجيزون للحبنس فيمنا للمحبنس منن التصنرف؛ فقال الشافعني‪ :‬ويحرم على الموقنف‬
‫ملكننه كمننا يحرم عليننه ملك رقبننة العبنند‪ ،‬إل أنننه جائز له أن يتولى صنندقته‪ ،‬وتكون بيده ليفرقهننا‬
‫ويسلبها فيما أخرجها فيه؛ لن عمر بن الخطاب رضي ال عنه لم يزل يلي صدقته فيما بلغنا حتى‬
‫قبضه ال عز وجل قال‪ :‬وكذلك علي وفاطمة رضي ال عنهما كانا يليان صدقاتهما؛ وبه قال أبو‬
‫يوسنف وقال مالك‪ :‬منن حبنس أرضنا أو نخل أو دارا على المسناكين وكاننت بيده يقوم بهنا ويكريهنا‬
‫ويقسمها في المساكين حتى مات والحبس في يديه‪ ،‬أنه ليس بحبس ما لم يجزه غيره وهو ميراث؛‬
‫والربنع عنده والحوائط والرض ل ينفنذ حبسنها‪ ،‬ول يتنم حوزهنا‪ ،‬حتنى يتوله غينر منن حبسنه‪،‬‬
‫بخلف الخيل والسلح‪ ،‬هذا محصل مذهبه عند جماعة أصحابه؛ وبه قال ابن أبي ليلى‪.‬‬
‫@ ل يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه؛ لنه أخرجه ل وقطعه عن ملكه‪ ،‬فانتفاعه بشيء منه رجوع‬
‫فنني صنندقته؛ وإنمننا يجوز له النتفاع إن شرط ذلك فنني الوقننف‪ ،‬أو أن يفتقننر المحبننس‪ ،‬أو ورثتننه‬
‫فيجوز لهم الكل منه‪ .‬ذكر ابن حبيب عن مالك قال‪ :‬من حبس أصل تجري غلته على المساكين‬
‫فإن ولده يعطون مننه إذا افتقروا كانوا يوم حبنس أغنياء أو فقراء غينر أنهنم ل يعطون جمينع الغلة‬
‫مخافة أن يندرس الحبس ولكن يبقى منه سهم للمساكين ليبقى عليه اسم الحبس؛ ويكتب على الولد‬
‫كتاب أنهم إنما يعطون منه ما أعطوا على سبيل المسكنة‪ ،‬وليس على حق لهم دون المساكين‪.‬‬
‫@ عتق السائبة جائز؛ وهو أن يقول السيد لعبده أنت حر وينوي العتق‪ ،‬أو يقول‪ :‬أعتقتك سائبة؛‬
‫فالمشهور منن مذهنب مالك عنند جماعنة أصنحابه أن ولءه لجماعنة المسنلمين‪ ،‬وعتقنه نافنذ؛ هكذا‬
‫روى عنه ابن القاسم وابن عبدالحكم وأشهب وغيرهم‪ ،‬وبه قال ابن وهب؛ وروى ابن وهب عن‬
‫مالك قال‪ :‬ل يعتق أحد سائبة؛ لن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع الولء وعن هبته؛‬
‫قال ابنن عبدالبر‪ :‬وهذا عنند كله منن ذهنب مذهبنه‪ ،‬إنمنا هنو محمول على كراهنة عتنق السنائبة ل‬
‫غينر؛ فإن وقنع نفنذ وكان الحكنم فينه منا ذكرناه‪ .‬وروى ابنن وهنب أيضنا وابنن القاسنم عنن مالك أننه‬
‫قال‪ :‬أنا أكره عتق السائبة وأنهى عنه؛ فإن وقع نفذ وكان ميراثا لجماعة المسلمين‪ ،‬وعقله عليهم‪.‬‬
‫وقال أصبغ‪ :‬ل بأس بعتق السائبة ابتداء؛ ذهب إلى المشهور من مذهب مالك؛ وله احتج إسماعيل‬
‫القاضني ابنن إسنحاق وإياه تقلد‪ .‬ومنن حجتنه فني ذلك أن عتنق السنائبة مسنتفيض بالمديننة ل ينكره‬
‫عالم‪ ،‬وأن عبدال بن عمر وغيره من السلف أعتقوا سائبة‪ .‬وروي ابن شهاب وربيعة وأبي الزناد‬
‫وهو قول عمر بن عبدالعزيز وأبي العالية وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أبو العالية الرياحي البصنري التميمني رضنى ال عنه ممنن أعتنق سنائبة؛ أعتقته مولة له‬
‫من بني رياح سائبة لوجه ال تعالى‪ ،‬وطافت به على حلق المسجد‪ ،‬واسمه رفيع بن مهران‪ ،‬وقال‬
‫ابن نافع‪ :‬ل سائبة اليوم في السلم‪ ،‬ومن أعتق سائبة كان ولؤه له؛ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة‬
‫وابنن الماجشون‪ ،‬ومال إلينه ابنن العربني؛ واحتجوا بقوله صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬منن أعتنق سنائبة‬
‫فولؤه له] وبقوله‪[ :‬إنمننا الولء لمننن أعتننق]‪ .‬فنفننى أن يكون الولء لغيننر معتننق‪ ،‬واحتجوا بقوله‬
‫تعالى‪" :‬منا جعنل ال منن بحيرة ول سنائبة" وبالحدينث [ل سنائبة فني السنلم] وبمنا رواه أبنو قينس‬
‫عنن هزينل بنن شرحبينل قال‪ :‬قال رجنل لعبدال‪ :‬إنني أعتقنت غلمنا لي سنائبة فماذا ترى فينه؟ فقال‬
‫عبدال‪ :‬إن أهل السلم ل يسيبون‪ ،‬إنما كانت تسيب الجاهلية؛ أنت وارثه وولي نعمته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 104 :‬وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل ال وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه‬
‫آباءنا أولو كان آباؤهم ل يعلمون شيئا ول يهتدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا قينل لهنم تعالوا إلى منا أنزل ال وإلى الرسنول قالوا حسنبنا منا وجدننا علينه‬
‫آباءنا" الية تقدم معناها والكلم عليها في "البقرة" فل معنى لعادتها‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 105 :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا عليكنم أنفسنكم ل يضركنم منن ضنل إذا اهتديتنم إلى ال‬
‫مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون}‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬وجه اتصال هذه الية بما قبلها التحذير مما يجب أن يحذر منه‪ ،‬وهو حال من‬
‫تقدمنت صنفته ممنن ركنن فني ديننه إلى تقليند آبائه وأسنلفه‪ .‬وظاهنر هذه الينة يدل على أن المنر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكنر لينس القيام به بواجب إذا استقام النسنان‪ ،‬وأنه ل يؤاخنذ أحد بذنب‬
‫غيره‪ ،‬لول منا ورد منن تفسنيرها فني السننة وأقاوينل الصنحابة والتابعينن على منا نذكره بحول ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عليكم أنفسكم" معناه احفظوا أنفسكم من المعاصي؛ تقول عليك زيدا بمعنى الزم‬
‫زيدا؛ ول يجوز علينه زيدا‪ ،‬بنل إنمنا يجرى هذا فني المخاطبنة فني ثلثنة ألفاظ علينك زيدا أي خنذ‬
‫زيدا‪ ،‬وعندك عمرا أي حضرك‪ ،‬ودونك زيدا أي قرب منك؛ وأنشد‪:‬‬
‫يا أيها المائح دلوي دونكا‬
‫وأما قوله‪ :‬عليه رجل ليسني‪ ،‬فشاذ‪.‬‬
‫@ روى أبنو داود والترمذي وغيرهمنا عنن قينس قال‪ :‬خطبننا أبنو بكنر الصنديق رضني ال عننه‬
‫فقال‪ :‬إنكنم تقرؤون هذه الينة وتتأولونهنا على غينر تأويلهنا "ينا أيهنا الذينن آمنوا عليكنم أنفسنكم ل‬
‫يضركنم منن ضنل إذا اهتديتنم" وإنني سنمعت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم يقول‪[ :‬إن الناس إذا‬
‫رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديننه أوشننك أن يعمهننم ال بعذاب مننن عنده]‪ .‬قال أبننو عيسننى‪ :‬هذا‬
‫حديث حسن صحيح؛ قال إسحاق بن إبراهيم سمعت عمرو بن علي يقول‪ :‬سمعت وكيعا يقول‪ :‬ل‬
‫يصح عن أبي بكر عن النبي صلى ال عليه وسلم ول حديث واحد‪ ،‬قلت‪ :‬ول إسماعيل عن قيس‪،‬‬
‫قال‪ :‬إن إسننماعيل روى عننن قيننس موقوفننا‪ .‬قال النقاش‪ :‬وهذا إفراط مننن وكيننع؛ رواه شعبننة عننن‬
‫سننفيان وإسننحاق عننن إسننماعيل مرفوعننا؛ وروى أبننو داود والترمذي وغيرهمننا عننن أبنني أميننة‬
‫الشعبانني قال‪ :‬أتينت أبنا ثعلبنة الخشنني فقلت له‪ :‬كينف تصننع بهذه الينة؟ فقال‪ :‬أينة آينة؟ قلت‪ :‬قوله‬
‫تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ل يضركم من ضل إذا اهتديتم" قال‪ :‬أما وال لقد سألت‬
‫عنهنا خنبيرا‪ ،‬سنألت عنهنا رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فقال‪[ :‬بنل ائتمروا بالمعروف وتناهوا‬
‫شحّا مُطاعنا وهَوىً مُتبعاً ودنينا مُؤثَرةً وإعجابَن كنل ذي رأي برأينه‬‫عنن المنكنر حتنى إذا رأينت ُ‬
‫فعلينك بخاصنة نفسنك ودع عننك أمنر العامنة فإن منن ورائكنم أيامنا الصنبر فيهنن مثنل القبنض على‬
‫الجمنر للعامل فيهن مثنل أجنر خمسنين رجل يعملون مثنل عملكم]‪ .‬وفي رواية قيل‪ :‬ينا رسول ال‬
‫أجر خمسين منا أو منهم؟ قال‪[ :‬بل أجر خمسين منكم]‪ .‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫قال ابنن عبدالبر قوله‪[ :‬بنل منكنم] هذه اللفظنة قند سنكت عنهنا بعنض الرواة فلم يذكرهنا‪ ،‬وقند تقدم‪.‬‬
‫وروى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪[ :‬إنكم في زمان من ترك منكم‬
‫عشر ما أمر به هلك ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا] قال‪ :‬هذا حديث غريب‪.‬‬
‫وروي عن ابن مسعود أنه قال‪ :‬ليس هذا بزمان هذه الية؛ قولوا الحق ما قُبل منكم‪ ،‬فإذا رُد عليكم‬
‫فعليكم أنفسكم‪ .‬وقيل لبن عمر في بعض أوقات الفتن‪ :‬لو تركت القول في هذه اليام فلم تأمر ولم‬
‫تننه؟ فقال إن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال لننا‪[ :‬ليبلغ الشاهند الغائب] ونحنن شهدننا فيلزمننا‬
‫أن نبلغكنم‪ ،‬وسنيأتي زمان إذا قينل فينه الحنق لم يقبنل‪ .‬فني رواينة عنن ابنن عمنر بعند قوله‪[ :‬ليبلغ‬
‫الشاهد الغائب] فكنا نحن الشهود وأنتم ال ُغيّب‪ ،‬ولكن هذه الية لقوام يجيؤون من بعدنا إن قالوا‪،‬‬
‫لم يقبنل منهنم‪ .‬وقال ابنن المبارك قوله تعالى‪" :‬عليكنم أنفسنكم" خطاب لجمينع المؤمنينن‪ ،‬أي عليكنم‬
‫أهله دينكم؛ كقوله تعالى‪" :‬ول تقتلوا أنفسكم" فكأنه قال‪ :‬ليأمر بعضكم بعضا؛ ولينه بعضكم بعضا‬
‫فهننو دليننل على وجوب المننر بالمعروف والنهنني عننن المنكننر‪ ،‬ول يضركننم ضلل المشركيننن‬
‫والمنافقينن وأهنل الكتاب؛ وهذا لن المنر بالمعروف يجري منع المسنلمين منن أهنل العصنيان كمنا‬
‫تقدم؛ وروي معنى هذا عن سعيد بن جبير وقال سعيد بن المسيب‪ :‬معنى الية ل يضركم من ضل‬
‫إذا اهتديتم بعد المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ .‬وقال ابن خويز منداد‪ :‬تضمنت الية اشتغال‬
‫النسان بخاصة نفسه‪ ،‬وتركه التعرض لمعائب الناس‪ ،‬والبحث عن أحوالهم فإنهم ل يسألون عن‬
‫حاله فل يسأل عن حالهنم وهذا كقوله تعالى‪" :‬كنل نفس بمنا كسنبت رهينة" [المدثنر‪" ، ]38 :‬ول‬
‫تزر وازرة وزر أخرى" [النعام‪ .]164 :‬وقول الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬كنن جلينس بيتنك‬
‫وعليك بخاصة نفسك]‪ .‬ويجوز أن يكون أريد به الزمان الذي يتعذر فيه المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر؛ فينكر بقلبه‪ ،‬ويشتغل بإصلح نفسه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قند جاء حدينث غرينب رواه ابنن لهيعنة‪ :‬قال حدثننا بكنر بنن سنوداة الجذامني عنن عقبنة بنن‬
‫عامنر قال‪ :‬قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬إذا كان رأس مائتينن فل تأمنر بمعروف ول تننه‬
‫عنن منكنر وعلينك بخاصنة نفسنك]‪ .‬قال علماؤننا‪ :‬إنمنا قال علينه السنلم ذلك لتغينر الزمان‪ ،‬وفسناد‬
‫الحوال‪ ،‬وقلة المعينين‪ .‬وقال جابر بن زيد‪ :‬معنى الية‪ :‬يا أيها الذين آمنوا من أبناء أولئك الذين‬
‫بحروا البحيرة وسننيبوا السننوائب؛ عليكننم أنفسننكم فنني السننتقامة على الديننن‪ ،‬ل يضركننم ضلل‬
‫السننلف إذا اهتديتننم؛ قال‪ :‬وكان الرجننل إذا أسننلم قال له الكفار سننفهت آباءك وضللتهننم وفعلت‬
‫وفعلت؛ فأنزل ال الية بسبب ذلك وقيل‪ :‬الية في أهل الهواء الذين ل ينفعهم الوعظ؛ فإذا علمت‬
‫منن قوم أنهنم ل يقبلون‪ ،‬بنل يسنتخفون ويظهرون فاسنكت عنهنم‪ .‬وقينل‪ :‬نزلت فني السنارى الذينن‬
‫عذبهم المشركون حتى ارتد بعضهم‪ ،‬فقيل لمن بقي على السلم‪ :‬عليكم أنفسكم ل يضركم ارتداد‬
‫أصحابكم‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬هي في أهل الكتاب وقال مجاهد‪ :‬في اليهود والنصارى ومن كان‬
‫مثلهنم؛ يذهبان إلى أن المعننى ل يضركنم كفنر أهنل الكتاب إذا أدوا الجزينة‪ .‬وقينل‪ :‬هني منسنوخة‬
‫بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ قاله المهدوي‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا ضعيف ول يعلم قائله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قند جاء عنن أبني عبيند القاسنم بنن سنلم أننه قال‪ :‬لينس فني كتاب ال تعالى آينة جمعنت الناسنخ‬
‫والمنسننوخ غيننر هذه اليننة‪ .‬قال غيره‪ :‬الناسننخ منهننا قوله‪" :‬إذا اهتديتننم" والهدى هنننا هننو المننر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ المر بالمعروف والنهي عن المنكر متعين متى رجي القبول‪ ،‬أو رجي رد الظالم ولو بعنف‪،‬‬
‫ما لم يخف المر ضررا يلحقه في خاصته‪ ،‬أو فتنة يدخلها على المسلمين؛ إما بشق عصا‪ ،‬وإما‬
‫بضرر يلحق طائفة من الناس؛ فإذا خيف هذا فن "عليكم أنفسكم" محكم واجب أن يوقف عنده ول‬
‫يشترط في الناهي أن يكون عدل كما تقدم؛ وعلى هذا جماعة أهل العلم فاعلمه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 108 - 106 :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا شهادة بينكنم إذا حضنر أحدكنم الموت حينن‬
‫الوصنية اثنان ذوا عدل منكنم أو آخران منن غيركنم إن أنتنم ضربتنم فني الرض فأصنابتكم مصنيبة‬
‫الموت تحبسونهما من بعد الصلة فيقسمان بال إن ارتبتم ل نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ول‬
‫نكتنم شهادة ال إننا إذا لمنن الثمينن‪ ،‬فإن عثنر على أنهمنا اسنتحقا إثمنا فآخران يقومان مقامهمنا منن‬
‫الذينن اسنتحق عليهنم الوليان فيقسنمان بال لشهادتننا أحنق منن شهادتهمنا ومنا اعتديننا إننا إذا لمنن‬
‫الظالمينن‪ ،‬ذلك أدننى أن يأتوا بالشهادة على وجههنا أو يخافوا أن ترد أيمان بعند أيمانهنم واتقوا ال‬
‫واسمعوا وال ل يهدي القوم الفاسقين}‬
‫@ قال مكني رحمنه ال‪ :‬هذه الينة ومنا بعدهنا عنند أهنل المعانني منن أشكنل منا فني القرآن إعرابنا‬
‫ومعننى وحكمنا؛ قال ابنن عطينة‪ :‬هذا كلم منن لم يقنع له الثلج فني تفسنيرها؛ وذلك بينن منن كتابنه‬
‫رحمه ال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مننا ذكره مكنني رحمننه ال ذكره أبننو جعفننر النحاس قبله أيضننا‪ ،‬ول أعلم خلفننا أن هذه‬
‫اليات نزلت بسنبب تمينم الداري وعدي بنن بداء‪ .‬روى البخاري والدارقطنني وغيرهمنا عنن ابنن‬
‫عباس قال‪ :‬كان تمينم الداري وعدي بنن بداء يختلفان إلى مكنة‪ ،‬فخرج معهمنا فتنى منن بنني سنهم‬
‫فتوفي بأرض ليس بها مسلم‪ ،‬فأوصى إليهما؛ فدفعا تركته إلى أهله وحبسا جاما من فضة مخوصا‬
‫بالذهب‪ ،‬فاستحلفهما رسول ال صلى ال عليه وسلم (ما كتمتما ول اطلعتما) ثم وجد الجام بمكة‬
‫فقالوا‪ :‬اشتريناه مننن عدي وتميننم‪ ،‬فجاء رجلن مننن ورثننة السننهمي فحلفننا أن هذا الجام للسننهمي‪،‬‬
‫ولشهادتنننا أحننق مننن شهادتهمننا ومننا اعتدينننا؛ قال‪ :‬فأخذوا الجام؛ وفيهننم نزلت هذه اليننة‪ .‬لفننظ‬
‫الدارقطني‪ .‬وروى الترمذي عن تميم الداري في هذه الية "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" برئ‬
‫منها الناس غيري وغير عدي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل السلم‪ ،‬فأتيا الشام‬
‫بتجارتهما‪ ،‬وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له‪ :‬بديل بن أبي مريم بتجارة‪ ،‬ومعه جام من فضة‬
‫يريند بنه الملك‪ ،‬وهنو عُظْم تجارتنه‪ ،‬فمرض فأوصنى إليهمنا‪ ،‬وأمرهمنا أن يبلغنا منا ترك أهله؛ قال‬
‫تمينم‪ :‬فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهنم ثم اقتسمناها أنا وعدي بن بداء‪ ،‬فلما قدمننا إلى‬
‫أهله دفعننا إليهنم منا كان معننا‪ ،‬وفقدوا الجام فسنألونا عننه فقلننا‪ :‬منا ترك غينر هذا‪ ،‬ومنا دفنع إليننا‬
‫غيره؛ قال تمينم‪ :‬فلمنا أسنلمت بعند قدوم رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم المديننة تأثمنت منن ذلك‪،‬‬
‫فأتيت أهله وأخبرتهم الخبر‪ ،‬وأديت إليهم خمسمائة درهم‪ ،‬وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها‪ ،‬فأتوا‬
‫به إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا‪ ،‬فأمرهم أن يستحلفوه بما يقطع به‬
‫على أهننل دينننه‪ ،‬فحلف فأنزل ال عننز وجننل‪" :‬يننا أيهننا الذيننن آمنوا شهادة بينكننم" إلى قوله "بعنند‬
‫أيمانهم" فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا فنزعت الخمسمائة من يدي عدي بن بداء‪.‬‬
‫قال أبنو عيسنى‪ :‬هذا حدينث غرينب ولينس إسنناده بصنحيح‪ .‬وذكنر الواقدي أن اليات الثلث نزلت‬
‫فني تيم وأخينه عدي‪ ،‬وكاننا نصنرانيين‪ ،‬وكان متجرهمنا إلى مكة‪ ،‬فلمنا هاجنر النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم إلى المدينة قدم ابن أبي مريم مولى عمرو بن العاص المدينة وهو يريد الشام تاجرا‪ ،‬فخرج‬
‫مع تميم وأخيه عدي؛ وذكر الحديث‪ .‬وذكر النقاش قال‪ :‬نزلت في بديل بن أبي مريم مولى العاص‬
‫بننن وائل السننهمي؛ كان خرج مسننافرا فنني البحننر إلى أرض النجاشنني ومعننه رجلن نصننرانيان‬
‫أحدهمنا يسنمى تميمنا وكان منن لخنم وعدي بنن بداء‪ ،‬فمات بدينل وهنم فني السنفينة فرمني بنه فني‬
‫البحنر‪ ،‬وكان كتنب وصنيته ثنم جعلهنا فني المتاع فقال‪ :‬أبلغنا هذا المتاع أهلي‪ ،‬فلمنا مات بدينل قبضنا‬
‫المال‪ ،‬فأخذا منننه مننا أعجبهمننا فكان فيمننا أخذا إناء مننن فضننة فيننه ثلثمائة مثقال‪ ،‬منقوشننا مموهننا‬
‫بالذهب؛ وذكر الحديث‪ .‬وذكره سنيد وقال‪ :‬فلما قدموا الشام مرض بديله وكان مسلما؛ الحديث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬شهادة بينكنم" ورد "شهند" فني كتاب ال تعالى بأنواع مختلفنة‪ :‬منهنا قوله تعالى‪:‬‬
‫"واسنتشهدوا شهيدينن منن رجالكنم" [البقرة‪ ]282 :‬قينل‪ :‬معناه أحضروا‪ .‬ومنهنا "شهند" بمعننى‬
‫قضننى أي أعلم؛ قاله أبننو عننبيدة كقوله تعالى‪" :‬شهنند ال أنننه ل إله إل هننو" [آل عمران‪.]18 :‬‬
‫ومنهنا "شهند" بمعننى أقنر؛ كقوله تعالى‪" :‬والملئكنة يشهدون" [النسناء‪ .]166 :‬ومنهنا "شهند"‬
‫بمعنى حكم؛ قال ال تعالى‪" :‬وشهد شاهد من أهلها" [يوسف‪ .]26 :‬ومنها "شهد" بمعنى حلف؛‬
‫كمنا فني اللعان‪" .‬وشهند" بمعننى وصنى؛ كقوله تعالى‪" :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا شهادة بينكنم" وقينل‪:‬‬
‫معناه هنننا الحضور للوصننية؛ يقال‪ :‬شهدت وصننية فلن أي حضرتهننا‪ .‬وذهننب الطننبري إلى أن‬
‫الشهادة بمعننى اليمينن؛ فيكون المعننى يمينن منا بينكنم أن يحلف اثنان؛ واسنتدل على أن ذلك غينر‬
‫الشهادة التي تؤدى للمشهود له بأنه ل يعلم ل حكنم يجب فينه على الشاهند يمينن‪ .‬واختار هذا القول‬
‫القفال‪ .‬وسنميت اليميننن شهادة؛ لننه يثبننت بهننا الحكننم كمننا يثبننت بالشهادة‪ .‬واختار ابننن عطينة أن‬
‫الشهادة هنا هي الشهادة التي تحفظ فتؤدى‪ ،‬وضعف كونها بمعنى الحضور واليمين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بينكم" قيل‪ :‬معناه ما بينكم فحذف "ما" وأضيفت الشهادة إلى الظرف‪ ،‬واستعمل‬
‫اسم على الحقيقة‪ ،‬وهو المسمى عند النحويين بالمفعول على السعة؛ كما قال‬
‫يوما شهدناه سليمان وعامرا‬
‫أراد شهدنا فيه‪ .‬وقال تعالى‪" :‬بل مكر الليل والنهار" [سبأ‪ ]33 :‬أي مكركم فيهما‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫صفاحا وعني بين عينك منزوي‬ ‫تصافح من لقيت لي ذا عداوة‬
‫أراد ما بين عينيك فحذف؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬هذا فراق بيني وبينك" [الكهف‪ ]78 :‬أي ما بيني‬
‫وبينك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذا حضر" معناه إذا قارب الحضور‪ ،‬وإل فإذا حضر الموت لم يشهد ميت‪ .‬وهذا‬
‫كقوله تعالى‪" :‬فإذا قرأت القرآن فاسنننتعذ بال" [النحنننل‪ .]98 :‬وكقوله‪" :‬إذا طلقتنننم النسننناء‬
‫فطلقوهن" [الطلق‪ ]1 :‬ومثله كثير‪ .‬والعامل في "إذا" المصدر الذي هو "شهادة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حينن الوصية اثنان" "حينن" ظرف زمان والعامنل فينه "حضنر" وقوله‪" :‬اثنان"‬
‫يقتضني بمطلقنه شخصنين‪ ،‬ويحتمنل رجلينن‪ ،‬إل أننه لمنا قال بعند ذلك‪" :‬ذوا عدل" بينن أننه أراد‬
‫رجلينن؛ لننه لفنظ ل يصنلح إل للمذكنر‪ ،‬كمنا أن "ذواتنا" [الرحمنن‪ ]48 :‬ل يصنلح إل للمؤننث‪.‬‬
‫وارتفننع "اثنان" على أنننه خننبر المبتدأ الذي هننو "شهادة" قال أبننو علي "شهادة" رفننع بالبتداء‬
‫والخنبر فني قوله‪" :‬اثنان" التقدينر شهادة بينكنم فني وصناياكم شهادة اثنينن؛ فحذف المضاف وأقام‬
‫المضاف إليه مقامه؛ كما قال تعالى‪" :‬وأزواجه أمهاتهم" [الحزاب‪ ]6 :‬أي مثل أمهاتهم‪ .‬ويجوز‬
‫أن يرتفنع "اثنان" بنن "شهادة"؛ التقدينر وفيمنا أنزل عليكنم أو ليكنن منكنم أن يشهند اثنان‪ ،‬أو ليقنم‬
‫الشهادة اثنان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذوا عدل منكم" "ذوا عدل" صفة لقوله‪" :‬اثنان" و"منكم" صفة بعد صفة‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫"أو آخران من غيركم" أي أو شهادة آخرين من غيركم؛ فمن غيركم صفة لخرين‪ .‬وهذا الفصل‬
‫هنو المشكنل فني هذه الينة‪ ،‬والتحقينق فينه أن يقال‪ :‬اختلف العلماء فينه على ثلثنة أقوال‪ :‬الول‪ :‬أن‬
‫الكاف والمينم فني قوله‪" :‬منكنم" ضمينر للمسنلمين "وآخران منن غيركنم" للكافرينن فعلى هذا تكون‬
‫شهادة أهل الكتاب على المسلمين جائزة في السفر إذا كانت وصية‪ ،‬وهو الشبه بسياق الية‪ ،‬مع‬
‫ما تقرر من الحاديث‪ .‬وهو قول ثلثة من الصنحابة الذين شاهدوا التنزيل؛ أبو موسى الشعري‬
‫وعبدال بن قيس وعبدال بن عباس فمعنى الية من أولها إلى آخرها على هذا القول أن ال تعالى‬
‫أخنبر أن حكمنه فني الشهادة على الموصني إذا حضنر الموت أن تكون شهادة عدلينن فإن كان فني‬
‫سفر وهو الضرب في الرض‪ ،‬ولم يكن معه أحد من المؤمنين‪ ،‬فليشهد شاهدين ممن حضره من‬
‫أهله الكفنر‪ ،‬فإذا قدمنا وأدينا الشهادة على وصنيته حلفنا بعند الصنلة أنهمنا منا كذبنا ومنا بدل‪ ،‬وأن منا‬
‫شهدا بنه حنق‪ ،‬منا كتمنا فينه شهادة وحكنم بشهادتهمنا؛ فإن عثنر بعند ذلك على أنهمنا كذبنا أو خاننا‪،‬‬
‫ونحننو هذا ممننا هننو إثننم حلف رجلن مننن أولياء الموصنني فنني السننفر‪ ،‬وغرم الشاهدان مننا ظهننر‬
‫عليهما‪ .‬هذا معنى الية على مذهب أبي موسى الشعري‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ ،‬ويحيى بن يعمر؛‬
‫وسنعيد بنن جنبير وأبني مجلز وإبراهينم وشرينح وعنبيدة السنلماني؛ وابنن سنيرين ومجاهند وقتادة‬
‫والسندي وابنن عباس وغيرهنم‪ .‬وقال بنه منن الفقهاء سنفيان الثوري؛ ومال إلينه أبنو عبيند القاسنم بنن‬
‫سنلم لكثرة منن قال بنه‪ .‬واختاره أحمند بنن حنبنل وقال‪ :‬شهادة أهنل الذمنة جائزة على المسنلمين فني‬
‫السنفر عنند عدم المسنلمين كلهنم يقولون "منكنم" منن المؤمنينن ومعننى "منن غيركنم" يعنني الكفار‪.‬‬
‫قال بعضهنم‪ :‬وذلك أن الينة نزلت ول مؤمنن إل بالمديننة؛ وكانوا يسنافرون بالتجارة صنحبة أهنل‬
‫الكتاب وعبدة الوثان وأنواع الكفرة والينة محكمنة على مذهنب أبني موسنى وشرينح وغيرهمنا‪.‬‬
‫القول الثانني‪ :‬أن قوله سنبحانه‪" :‬أو آخران منن غيركنم" منسنوخ؛ هذا قول زيند بنن أسنلم والنخعني‬
‫ومالك؛ والشافعني وأبني حنيفنة وغيرهنم منن الفقهاء؛ إل أن أبنا حنيفنة خالفهنم فقال‪ :‬تجوز شهادة‬
‫الكفار بعضهننم على بعننض؛ ول تجوز على المسننلمين واحتجوا بقوله تعالى‪" :‬ممننن ترضون مننن‬
‫الشهداء" [البقرة‪ ]282 :‬وقوله‪" :‬وأشهدوا ذوي عدل منكنم" [الطلق‪ ]2 :‬؛ فهؤلء زعموا أن‬
‫آيننة الديننن مننن آخننر مننا نزل؛ وأن فيهننا "ممننن ترضون مننن الشهداء" فهننو ناسننخ لذلك؛ ولم يكننن‬
‫السنلم يومئذ إل بالمديننة؛ فجازت شهادة أهله الكتاب؛ وهنو اليوم طبنق الرض فسنقطت شهادة‬
‫الكفار؛ وقد أجمع المسلمون على أن شهادة الفساق ل تجوز؛ والكفار فساق فل تجوز شهادتهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مننا ذكرتموه صننحيح إل أنننا نقول بموجبننه؛ وأن ذلك جائز فنني شهادة أهننل الذمننة على‬
‫المسلمين في الوصية في السفر خاصة للضرورة بحيث ل يوجد مسلم؛ وأما مع وجود مسلم فل؛‬
‫ولم يأت منا ادعيتموه منن النسنخ عنن أحند ممنن شهند التنزينل؛ وقند قال بالول ثلثنة منن الصنحابة‬
‫ولينس ذلك فني غيره؛ ومخالفنة الصنحابة إلى غيرهنم ينفنر عننه أهنل العلم‪ .‬ويقوي هذا أن سنورة‬
‫"المائدة" من آخر القرآن نزول حتى قال ابن عباس والحسن وغيرهما‪ :‬إنه ل منسوخ فيها‪ .‬وما‬
‫ادعوه من النسخ ل يصح فإن النسخ ل بد فيه من إثبات الناسخ على وجه يتنافى الجمع بينهما مع‬
‫تراخني الناسنخ؛ فمنا ذكروه ل يصنح أن يكون ناسنخا؛ فإننه فني قصنة غينر قصنة الوصنية لمكان‬
‫الحاجنة والضرورة؛ ول يمتننع اختلف الحكنم عنند الضرورات؛ ولننه ربمنا كان الكافنر ثقنة عنند‬
‫المسلم يرتضيه عند الضرورة؛ فليس فيما قالوه ناسخ‪.‬‬
‫القول الثالث أن الية ل نسخ فيها؛ قال الزهري والحسن وعكرمة‪ ،‬ويكون معنى قوله‪" :‬منكم"‬
‫أي من عشيرتكم وقرابتكم؛ لنهم أحفظ وأضبط وأبعد عن النسيان‪ .‬ومعنى قوله‪" :‬أو آخران من‬
‫غيركم" أي من غير القرابة والعشيرة؛ قال النحاس‪ :‬وهذا ينبني على معنى غامض في العربية؛‬
‫وذلك أن معنننى "آخننر" فنني العربيننة مننن جنننس الول؛ تقول‪ :‬مررت بكريننم وكريننم آخننر؛ فقوله‬
‫"آخنر" يدل على أننه منن جننس الول؛ ول يجوز عنند أهنل العربينة مررت بكرينم وخسنيس آخنر؛‬
‫ول مررت برجنل وحمار آخنر؛ فوجنب منن هذا أن يكون معننى قوله‪" :‬أو آخران منن غيركنم" أي‬
‫عدلن؛ والكفار ل يكونون عدول فيصنح على هذا قوله منن قال "منن غيركنم" منن غينر عشيرتكنم‬
‫من المسلمين‪ .‬وهذا معنى حسن من جهة اللسان؛ وقد يحتج به لمالك ومن قال بقوله؛ لن المعنى‬
‫عندهنم "منن غيركنم" منن غينر قنبيلتكم على أننه قند عورض هذا القول بأن فني أول الينة "ينا أيهنا‬
‫الذين آمنوا" فخوطب الجماعة من المؤمنين‪.‬‬
‫@ استدل أبو حنيفة بهذه الية على جواز شهادة الكفار من أهل الذمة فيما بينهم؛ قال‪ :‬ومعنى "أو‬
‫آخران من غيركم" أي من غير أهل دينكم؛ فدل على جواز شهادة بعضهم على بعض؛ فيقال له‪:‬‬
‫أننت ل تقول بمقتضنى هذه الينة؛ لنهنا نزلت فني قبول شهادة أهنل الذمنة على المسنلمين وأننت ل‬
‫تقول بها فل يصح احتجاجك بها‪ .‬فإن قيل‪ :‬هذه الية دلت على جواز قبول شهادة أهل الذمة على‬
‫المسلمين من طريق النطق؛ ودلت على قبول شهادتهم على أهل الذمة من طريق التنبيه؛ وذلك أنه‬
‫إذا قبلت شهادتهننم على المسننلمين فلن تقبننل على أهله الذمننة أولى؛ ثننم دل الدليننل على بطلن‬
‫شهادتهم على المسلمين؛ فبقي شهادتهم على أهل الذمة على ما كان عليه؛ وهذا ليس بشيء؛ لن‬
‫قبول شهادة أهنل الذمنة على أهنل الذمنة فرع لقبول شهادتهنم على المسنلمين؛ فإذا بطلت شهادتهنم‬
‫على المسلمين وهي الصل فلن تبطل شهادتهم على أهل الذمة وهي فرعها أحرى وأولى‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن أنتم ضربتم في الرض" أي سافرتم؛ وفي الكلم حذف تقديره إن أنتم ضربتم‬
‫فني الرض "فأصنابتكم مصنيبة الموت" فأوصنيتم إلى اثنينن عدلينن فني ظنكنم؛ ودفعتنم إليهمنا منا‬
‫معكنم منن المال؛ ثنم متنم وذهبنا إلى ورثتكنم بالتركنة فارتابوا فني أمرهمنا؛ وادعوا عليهمنا خياننة؛‬
‫فالحكنم أن تحبسنوهما من بعند الصنلة؛ أي تستوثقوا منهمنا؛ وسمى ال تعالى الموت فني هذه الينة‬
‫مصنيبة؛ قال علماؤننا‪ :‬والموت وإن كان مصنيبة عظمنى‪ ،‬ورزينة كنبرى؛ فأعظنم مننه الغفلة عننه‪،‬‬
‫والعراض عن ذكره‪ ،‬وترك التفكر فيه؛ وترك العمل له؛ وإن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر‪ ،‬وفكرة‬
‫لمننن تفكننر‪ .‬وروي عننن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم أنننه قال‪( :‬لو أن البهائم تعلم مننن الموت مننا‬
‫تعلمون منا أكلتنم منهنا سنمينا)‪ .‬ويروى أن أعرابينا كان يسنير على جمنل له؛ فخنر الجمنل ميتنا فنزل‬
‫العرابني عننه‪ ،‬وجعنل يطوف بنه ويتفكنر فينه ويقول‪ :‬منا لك ل تقوم ؟! منا لك ل تنبعنث ؟! هذه‬
‫أعضاؤك كاملة‪ ،‬وجوارحك سالمة؛ ما شأنك ؟! ما الذي كان يحملك ؟! ما الذي كان يبعثك ؟! ما‬
‫الذي صنرعك؟! منا الذي عنن الحركنة منعنك ؟! ثنم تركنه وانصنرف متفكرا فني شأننه‪ ،‬متعجبنا منن‬
‫أمره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تحبسونهما" قال أبو علي‪" :‬تحبسونهما" صفة لن "آخران" واعترض بين الصفة‬
‫والموصنوف بقوله‪" :‬إن أنتنم"‪ .‬وهذه الينة أصنل فني حبنس منن وجنب علينه حنق؛ والحقوق على‬
‫قسمين‪ :‬منها ما يصلح استيفاؤه معجل؛ ومنها ما ل يمكن استيفاؤه إل مؤجل؛ فإن خلي من عليه‬
‫الحنق غاب واختفنى وبطنل الحنق وتوي فلم يكنن بند منن التوثنق مننه فإمنا بعوض عنن الحنق وهنو‬
‫المسمى رهنا؛ وإما بشخص ينوب منابه في المطالبة والذمة وهو الحميل؛ وهو دون الول؛ لنه‬
‫يجوز أن يغينب كمغيبنه ويتعذر وجوده كتعذره؛ ولكنن ل يمكنن أكثنر منن هذا فإن تعذرا جميعنا لم‬
‫يبق إل التوثق بحبسه حتى تقع منه التوفية لما كان عليه من حق؛ أو تبين عسرته‪.‬‬
‫فإن كان الحق بدنيا ل يقبل البدل كالحدود والقصاص ولم يتفق استيفاؤه معجل؛ لم يكن فيه إل‬
‫التوثنق بسنجنه؛ ولجنل هذه الحكمنة شرع السنجن روى أبنو داود والترمذي وغيرهمنا عنن بهنز بنن‬
‫حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى ال عليه وسلم حبس رجل في تهمة‪ .‬وروى أبو داود عن‬
‫عمرو بنن الشريند عنن أبينه عنن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال‪[ :‬لي الواجند يحنل عرضنه‬
‫وعقوبته]‪ .‬قال ابن المبارك يحل عرضه يغلظ له‪ ،‬وعقوبته يحبس له‪ .‬قال الخطابي‪ :‬الحبس على‬
‫ضربين؛ حبس عقوبة‪ ،‬وحبس استظهار‪ ،‬فالعقوبة ل تكون إل في واجب‪ ،‬وأما ما كان في تهمة‬
‫فإنما يستظهر بذلك ليستكشف به ما وراءه؛ وقد روي أنه حبس رجل في تهمة ساعة من نهار ثم‬
‫خلى عنه‪ .‬وروى معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال‪ :‬كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر‬
‫بحبسه في المسجد إلى أن يقوم فإن أعطاه حقه وإل أمر به إلى السجن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منن بعند الصنلة" يريند صنلة العصنر؛ قاله الكثنر منن العلماء؛ لن أهنل الديان‬
‫يعظمون ذلك الوقنت ويتجنبون فينه الكذب واليمينن الكاذبنة‪ .‬وقال الحسنن‪ :‬صنلة الظهنر‪ .‬وقينل‪ :‬أي‬
‫صلة كانت‪ .‬وقيل‪ :‬من بعد صلتهما على أنهما كافران؛ قاله السدي‪ .‬وقيل‪ :‬إن فائدة اشتراطه بعد‬
‫الصنلة تعظيمنا للوقنت‪ ،‬وإرهابنا بنه؛ لشهود الملئكنة ذلك الوقنت؛ وفني الصنحيح [منن حلف على‬
‫يمين كاذبة بعد العصر لقي ال وهو عليه غضبان]‪.‬‬
‫@ هذه الينة أصنل فني التغلينظ فني اليمان‪ ،‬والتغلينظ يكون بأربعنة أشياء‪ :‬أحدهنا‪ :‬الزمان كمنا‬
‫ذكرنننا‪ .‬الثاننني‪ :‬المكان كالمسننجد والمنننبر‪ ،‬خلفننا لبنني حنيفننة وأصننحابه حيننث يقولون‪ :‬ل يجننب‬
‫استحلف أحد عند منبر النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول بين الركن والمقام ل في قليل الشياء ول‬
‫في كثيرها؛ وإلى هذا القول ذهب البخاري رحمه ال حيث ترجم (باب يحلف المدعى عليه حيثما‬
‫وجبنت علينه اليمينن ول يصنرف منن موضنع إلى غيره)‪ .‬وقال مالك والشافعني‪ :‬ويُجلب فني أيمان‬
‫القسامة إلى مكة من كان من أعمالها‪ ،‬فيحلف بين الركن والمقام‪ ،‬ويُجلب إلى المدينة من كان من‬
‫أعمالها فيحلف عند المنبر‪ .‬الثالث‪ :‬الحال روى مطرف وابن الماجشون وبعض أصحاب الشافعي‬
‫أنه يحلف قائما مستقبل القبلة؛ لن ذلك أبلغ في الردع والزجر‪ .‬وقال ابن كنانة‪ :‬يحلف جالسا؛ قال‬
‫ابن العربي‪ :‬والذي عندي أنه يحلف كما يحكم عليه بها إن كان قائما فقائما وإن جالسا فجالسا إذ لم‬
‫يثبت في أثر ول نظر اعتبار ذلك من قيام أو جلوس‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قند اسنتنبط بعنض العلماء منن قوله فني حدينث علقمنة بنن وائل عنن أبينه‪[ :‬فانطلق ليحلف]‬
‫القيام وال أعلم أخرجه مسلم‪.‬‬
‫الرابنع‪ :‬التغلينظ باللفنظ؛ فذهبنت طائفنة إلى الحلف بال ل يزيند علينه؛ لقوله تعالى‪" :‬فيقسنمان بال"‬
‫وقوله‪" :‬قل إي وربي" [يونس‪ ]53 :‬وقال‪" :‬وتال لكيدن أصنامكم" [النبياء‪ ]57 :‬وقوله عليه‬
‫السلم‪[ :‬من كان حالفا فليحلف بال أو ليصمت]‪ .‬وقول الرجل‪ :‬وال ل أزيد عليهن‪ .‬وقال مالك‪:‬‬
‫يحلف بال الذي ل إله إل هو ما له عندي حق‪ ،‬وما ادعاه علي باطل؛ والحجة له ما رواه أبو داود‬
‫حدثنا مسدد قال حدثنا أبو الحوص قال حدثنا عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس أن‬
‫النننبي صننلى ال عليننه وسننلم قال‪ :‬يعننني لرجننل حلفننه [احلف بال الذي ل إله إل هننو مننا له عندك‬
‫شينء] يعنني للمدعني؛ قال أبنو داود‪ :‬أبنو يحينى اسنمه زياد كوفني ثقنة ثبنت‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬يحلف‬
‫بال ل غيننر‪ ،‬فإن اتهمننه القاضنني غلظ عليننه اليميننن؛ فيحلفننه بال الذي ل إله إل هننو عالم الغيننب‬
‫والشهادة الرحمنن الرحينم الذي يعلم منن السنر منا يعلم منن العلنينة الذي يعلم خائننة العينن ومنا‬
‫تخفي الصدور‪ .‬وزاد أصحاب الشافعي التغليظ بالمصحف‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهو بدعة ما ذكرها‬
‫أحد قط من الصحابة‪ .‬وزعم الشافعي أنه رأى ابن مازن قاضي صنعاء يحلف بالمصحف ويأمر‬
‫أصحابه بذلك ويرويه عن ابن عباس‪ ،‬ولم يصح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفني كتاب (المهذب) وإن حلف بالمصنحف ومنا فينه منن القرآن فقند حكنى الشافعني عنن‬
‫مطرف أن ابننن الزبيننر كان يحلف على المصننحف‪ ،‬قال‪ :‬ورأيننت مطرفننا بصنننعاء يحلف على‬
‫المصننحف؛ قال الشافعنني‪ :‬وهننو حسننن‪ .‬قال ابننن المنذر‪ :‬وأجمعوا على أنننه ل ينبغنني للحاكننم أن‬
‫يستحلف بالطلق والعتاق والمصحف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قنند تقدم فنني اليمان‪ :‬وكان قتادة يحلف بالمصننحف وقال أحمنند وإسننحاق‪ :‬ل يكره ذلك؛‬
‫حكاه عنهما ابن المنذر‪.‬‬
‫@ اختلف مالك والشافعي من هذا الباب في قدر المال الذي يحلف به في مقطع الحق؛ فقال مالك‪:‬‬
‫ل تكون اليمين في مقطع الحق في أقل من ثلثة دراهم قياسا على القطع‪ ،‬وكل مال تقطع فيه اليد‬
‫وتسقط به حرمنة العضنو فهو عظينم‪ .‬وقال الشافعني‪ :‬ل تكون اليمين فني ذلك فني أقنل منن عشرين‬
‫دينارا قياسا على الزكاة‪ ،‬وكذلك عند منبر كل مسجد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيقسمان بال" الفاء في "فيقسمان" عاطفة جملة على جملة‪ ،‬أو جواب جزاء؛ لن‬
‫"تحسنبونها" معناه احبسنوهما‪ ،‬أي لليمينن؛ فهنو جواب المنر الذي دل علينه الكلم كأننه قال‪ :‬إذا‬
‫حبستموهما أقسما؛ قال ذو الرمة‪:‬‬
‫فيبدو وتارات يجم فيغرق‬ ‫وإنسان عيني يحسر الماء مرة‬
‫تقديره عندهم‪ :‬إذا حسر بدا‪.‬‬
‫@ واختلف من المراد بقوله‪" :‬فيقسمان"؟ فقيل‪ :‬الوصيان إذا ارتيب في قولهما وقيل‪ :‬الشاهدان‬
‫إذا لم يكونننا عدليننن وارتاب بقولهمننا الحاكننم حلفهمننا‪ .‬قال ابننن العربنني مبطل لهذا القول‪ :‬والذي‬
‫سنمعت وهنو بدعنة عنن ابنن أبني ليلى أننه يحلف الطالب منع شاهدينه أن الذي شهدا بنه حنق؛ وحينئذ‬
‫يقضى له بالحق؛ وتأويل هذا عندي إذا ارتاب الحاكم بالقبض فيحلف إنه لباق‪ ،‬وأما غير ذلك فل‬
‫يلتفت إليه؛ هذا في المدعي فكيف يحبس الشاهد أو يحلف ؟! هذا ما ل يلتفت إليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقند تقدم منن قول الطنبري فني أننه ل يعلم ل حكنم يجنب فينه على الشاهند يمينن‪ .‬وقند قينل‪:‬‬
‫إنما استحلف الشاهدان لنهما صارا مدعى عليهما‪ ،‬حيث ادعى الورثة أنهما خانا في المال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ارتبتنم" شرط ل يتوجنه تحلينف الشاهدينن إل بنه‪ ،‬ومتنى لم يقنع رينب ول‬
‫اختلف فل يمين‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬أما أنه يظهر من حكم أبي موسى في تحليف الذميين أنه باليمين‬
‫تكمنل شهادتهمنا وتنفذ الوصنية لهلها روى أبو داود عن الشعنبي أن رجل من المسلمين حضرته‬
‫الوفاة بدقوقاء هذه‪ ،‬ولم يجد أحدا من المسلمين حضره يشهده على وصيته‪ ،‬فأشهد رجلين من أهله‬
‫الكتاب‪ ،‬فقدمنا الكوفنة فأتينا الشعري فأخنبراه‪ ،‬وقدمنا بتركتنه ووصنيته؛ فقال الشعري‪ :‬هذا أمنر لم‬
‫يكنن بعند الذي كان فني عهند رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم؛ فأحلفهمنا بعند العصنر‪[ :‬بال منا خاننا‬
‫ول كذبنا ول بدل ول كتمنا ول غيرا وإنهنا لوصنية الرجنل وتركتنه] فأمضنى شهادتهمنا‪ .‬قال ابنن‬
‫عطينة‪ :‬وهذه الريبنة عنند منن ل يرى الينة منسنوخة تترتنب فني الخياننة‪ ،‬وفني التهام بالمينل إلى‬
‫بعض الموصى لهم دون بعض‪ ،‬وتقع مع ذلك اليمين عنده؛ وأما من يرى الية منسوخة فل يقع‬
‫تحليننف إل أن يكون الرتياب فنني خيانننة أو تعنند بوجننه مننن وجوه التعدي؛ فيكون التحليننف عنده‬
‫بحسنب الدعوى على منكنر ل على أننه تكمينل للشهادة‪ .‬قال ابن العربني‪ :‬يمينن الريبنة والتهمنة على‬
‫قسمين‪ :‬أحدهما‪ :‬ما تقع الريبة فيه بعد ثبوت الحق وتوجه الدعوى فل خلف في وجوب اليمين‪.‬‬
‫الثانني‪ :‬التهمة المطلقة في الحقوق والحدود‪ ،‬وله تفصيل بيانه في كتب الفروع؛ وقد تحققت ههنا‬
‫الدعوى وقويت حسبما ذكر في الروايات‪.‬‬
‫@ الشرط في قوله‪" :‬إن ارتبتم" يتعلق بقوله‪" :‬تحبسونهما" ل بقوله "فيقسمان" لن هذا الحبس‬
‫سبب القسم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل نشتري بنه ثمننا ولو كان ذا قربنى" أي يقولن فني يمينهمنا ل نشتري بقسنمنا‬
‫عوضا نأخذه بدل مما أوصى به ول ندفعه إلى أحد ولو كان الذي نقسم له ذا قربى منا‪ .‬وإضمار‬
‫القول كثير‪ ،‬كقوله‪" :‬والملئكة يدخلون عليهم من كل باب‪ .‬سلم عليكم" [الرعد‪ ]24 - 23 :‬أي‬
‫يقولون سلم عليكم‪ .‬والشتراء ههنا ليس بمعنى البيع‪ ،‬بل هو التحصيل‪.‬‬
‫@ اللم في قوله‪" :‬ل نشتري" جواب لقوله‪" :‬فيقسمان" لن أقسم يلتقي بما يلتقي به القسم؛ وهو‬
‫"ل" و"ما" في النفي‪" ،‬وإن" واللم في اليجاب‪ .‬والهاء في "به" عائد على اسم ال تعالى‪ ،‬وهو‬
‫أقرب مذكور؛ المعننى‪ :‬ل ننبيع حظننا منن ال تعالى بهذا العرض‪ .‬ويحتمنل أن يعود على الشهادة‬
‫وذكرت على معننى القول؛ كمنا قال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬واتنق دعوة المظلوم فإننه لينس بينهنا‬
‫وبين ال حجاب] فأعاد الضمير على معنى الدعوة الذي هو الدعاء‪ ،‬وقد تقدم في سورة "النساء"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثمننا" قال الكوفيون‪ :‬المعننى ذا ثمنن أي سنلعة ذا ثمنن‪ ،‬فحذف المضاف وأقينم‬
‫المضاف إليه مقامه‪ .‬وعندنا وعند كثير من العلماء أن الثمن قد يكون هو يكون السلعة؛ فإن الثمن‬
‫عندنا مشترى كما أن المثمون مشترى؛ فكل واحد من المبيعين ثمنا ومثمونا كان البيع دائرا على‬
‫عرض ونقند‪ ،‬أو على عرضينن‪ ،‬أو على نقدينن؛ وعلى هذا الصنل تنبنني مسنألة‪ :‬إذا أفلس المبتاع‬
‫ووجند البائع متاعنه هنل يكون أولى بنه؟ قال أبنو حنيفنة‪ :‬ل يكون أولى بنه؛ وبناه على هذا الصنل‪،‬‬
‫وقال‪ :‬يكون صننناحبها أسنننوة الغرماء‪ .‬وقال مالك‪ :‬هنننو أحنننق بهنننا فننني الفلس دون الموت‪ .‬وقال‬
‫الشافعي‪ :‬صاحبها أحق بها في الفلس والموت‪ .‬تمسك أبو حنيفة بما ذكرنا‪ ،‬وبأن الصل الكلي أن‬
‫الدين في ذمة المفلس والميت‪ ،‬وما بأيديهما محل للوفاء؛ فيشترك جميع الغرماء فيه بقدر رؤوس‬
‫أموالهم‪ ،‬ول فرق في ذلك بين أن تكون أعيان السلع موجودة أو ل‪ ،‬إذ قد خرجت عن ملك بائعها‬
‫ووجبت أثمانها لهم في الذمة بالجماع‪ ،‬فل يكون لهم إل أثمانها أو ما وجد منها‪ .‬وخصص مالك‬
‫والشافعي هذه القاعدة بأخبار رويت في هذا الباب رواها الئمة أبو داود وغيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول نكتم شهادة ال" أي ما أعلمنا ال من الشهادة‪ .‬وفيها سبع قراءات من أرادها‬
‫وجدها في (التحصيل) وغيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن عثر على أنهما استحقا إثما" قال عمر‪ :‬هذه الية أعضل ما في هذه السورة‬
‫منن الحكام‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أصنعب منا فني القرآن منن العراب قوله‪" :‬منن الذينن اسنتحق عليهنم‬
‫الوليان"‪ .‬عثر على كذا أي اطلع عليه؛ يقال‪ :‬عثرت منه على خيانة أي اطلعت‪ ،‬وأعثرت غيري‬
‫علينه‪ ،‬ومننه قوله تعالى‪" :‬وكذلك أعثرننا عليهنم" [الكهنف‪ .]21 :‬لنهنم كانوا يطلبونهنم وقند خفني‬
‫عليهنم موضعهنم‪ ،‬وأصنل العثور الوقوع والسنقوط على الشينء؛ ومننه قولهنم‪ :‬عثنر الرجنل يعثنر‬
‫عثورا إذا وقعنت إصنبعه بشينء صندمته‪ ،‬وعثرت إصنبع فلن بكذا إذا صندمته فأصنابته ووقعنت‬
‫عليه‪ .‬وعثر الفرس عثارا قال العشى‪:‬‬
‫فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا‬ ‫بذات لوث عفرناة إذا عثرت‬
‫والعثينر الغبار السناطع؛ لننه يقنع على الوجنه‪ ،‬والعثينر الثنر الخفني لننه يوقنع علينه منن خفاء‪.‬‬
‫والضمير في "أنهما" يعود على الوصيين اللذين في قوله عز وجل‪" :‬اثنان" عن سعيد بن جبير‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬على الشاهدين؛ عن ابن عباس‪ .‬و"استحقا" أي استوجبا "إثما" يعني بالخيانة‪ ،‬وأخذهما ما‬
‫لينس لهمنا‪ ،‬أو باليمينن الكاذبنة أو بالشهادة الباطلة‪ .‬وقال أبنو علي‪ :‬الثنم هننا اسنم الشينء المأخوذ؛‬
‫لن آخذه بأخذه آثم‪ ،‬فسمي إثما كما سمي ما يؤخذ بغير حق مظلمة‪ .‬وقال سيبويه‪ :‬المظلمة اسم ما‬
‫أخذ منك؛ فكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر وهو الجام‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فآخران يقومان مقامهما" يعني في اليمان أو في الشهادة؛ وقال "آخران" بحسب‬
‫أن الورثنة كاننا اثنينن‪ .‬وارتفنع "آخران" بفعنل مضمنر‪" .‬يقومان" فني موضنع نعنت‪" .‬مقامهمنا"‬
‫مصدر‪ ،‬وتقديره‪ :‬مقاما مثل مقامهما‪ ،‬ثم أقيم النعت مقام المنعوت‪ ،‬المضاف مقام المضاف إليه‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مننن الذيننن اسننتحق عليهننم الوليان" قال ابننن السننري‪ :‬المعنننى اسننتحق عليهننم‬
‫اليصاء؛ قال النحاس‪ :‬وهذا من أحسن ما قيل فيه؛ لنه ل يجعل حرف بدل من حرف؛ واختاره‬
‫ابنن العربني؛ وأيضنا فإن التفسنير علينه؛ لن المعننى عنند أهنل التفسنير‪ :‬منن الذينن اسنتحقت عليهنم‬
‫الوصنننية‪ .‬و"الوليان" بدل منننن قوله‪" :‬فآخران" قاله ابنننن السنننري‪ ،‬واختاره النحاس وهنننو بدل‬
‫المعرفنة منن النكرة وإبدال المعرفنة منن النكرة جائز‪ .‬وقينل‪ :‬النكرة إذا تقدم ذكرهنا ثنم أعيند ذكرهنا‬
‫صننارت معرفننة؛ كقوله تعالى‪" :‬كمشكاة فيهننا مصننباح" [النور‪ ]35 :‬ثننم قال‪" :‬المصننباح فنني‬
‫زجاجنة" [النور‪ ]35 :‬ثنم قال‪" :‬الزجاجنة" [النور‪ .]35 :‬وقينل‪ :‬وهنو بدل منن الضمينر فني‬
‫"يقومان" كأنه قال‪ :‬فيقوم الوليان أو خبر ابتداء محذوف؛ التقدير‪ :‬فآخران يقومان مقامهما هما‬
‫الوليان‪ .‬وقال ابننن عيسننى‪" :‬الوليان" مفعول "اسننتحق" على حذف المضاف؛ أي اسننتحق فيهننم‬
‫وبسنببهم إثنم الوليينن فعليهنم بمعننى فيهنم مثنل "على ملك سنليمان" [البقرة‪ ]102 :‬أي فني ملك‬
‫سليمان‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫على أقطارها علق نفيث‬ ‫متى ما تنكروها تعرفوها‬
‫أي فني أقطارهنا‪ .‬وقرأ يحينى بنن وثاب والعمنش وحمزة "الولينن" جمنع أول على أننه بدل منن‬
‫"الذي" أو من الهاء والميم في "عليهم" وقرأ حفص‪" :‬استحق" بفتح التاء والحاء‪ ،‬وروي عن أبي‬
‫بننن كعننب‪ ،‬وفاعله "الوليان" والمفعول محذوف‪ ،‬والتقديننر‪ :‬مننن الذيننن اسننتحق عليهننم الوليان‬
‫بالمينت وصنيته التني أوصنى بهنا‪ .‬وقينل‪ :‬اسنتحق عليهنم الوليان رد اليمان‪ .‬وروي عنن الحسنن‪:‬‬
‫"الولن" وعن ابن سنيرين‪" :‬الولينن" قال النحاس‪ :‬والقراءتان لحن؛ ل يقال فني مثنى؛ مثنان‪،‬‬
‫غير أنه قد روي عن الحسن "الولن"‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيقسنمان بال" أي يحلفان الخران اللذان يقومان مقام الشاهدينن (أن الذي قال‬
‫صاحبنا في وصيته حق‪ ،‬وأن المال الذي وصى به إليكما كان أكثر مما أتيتمانا به وأن هذا الناء‬
‫لمن متاع صاحبنا الذي خرج به معه وكتبه في وصيته‪ ،‬وأنكما خنتما) فذلك قوله‪" :‬لشهادتنا أحق‬
‫منن شهادتهمنا" أي يمينننا أحنق منن يمينهمنا؛ فصنح أن الشهادة قند تكون بمعننى اليمينن‪ ،‬ومننه قوله‬
‫تعالى‪" :‬فشهادة أحدهنم أربنع شهادات" [النور‪ .]6 :‬وقند روى معمنر عنن أيوب عنن ابنن سنيرين‬
‫عنن عنبيدة قال‪ :‬قام رجلن منن أولياء المينت فحلفنا‪" .‬لشهادتننا أحنق" ابتداء وخنبر‪ .‬وقوله‪" :‬ومنا‬
‫اعتدينا" أي تجاوزنا الحق في قسمنا‪" .‬إنا إذا لمن الظالمين" أي إن كنا حلفنا على باطل‪ ،‬وأخذنا‬
‫ما ليس لنا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك أدننى" ابتداء وخنبر‪" .‬أن" فني موضنع نصنب‪" .‬يأتوا" نصنب بنن "أن"‪" .‬أو‬
‫يخافوا" عطف عليه‪" .‬أن ترد" في موضع نصب بن "يخافوا"‪" .‬إيمان بعد أيمانهم" قيل‪ :‬الضمير‬
‫فني "يأتوا" و"يخافوا" راجنع إلى الموصنى إليهمنا؛ وهنو اللينق بمسناق الينة‪ .‬وقينل‪ :‬المراد بنه‬
‫الناس‪ ،‬أي أحرى أن يحذر الناس الخيانننة فيشهدوا بالحننق خوف الفضيحننة فنني رد اليميننن على‬
‫المدعي‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتقوا ال واسنمعوا" أمنر؛ ولذلك حذفنت مننه النون‪ ،‬أي اسنمعوا منا يقال لكنم‪،‬‬
‫قابليننن له متبعيننن أم ال فيننه‪" .‬وال ل يهدي القوم الفاسننقين" فسننق يفسننق ويفسننق إذا خرج مننن‬
‫الطاعة إلى المعصية‪ ،‬وقد تقدم‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 109 :‬يوم يجمع ال الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا ل علم لنا إنك أنت علم الغيوب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم يجمنع ال الرسنل" يقال‪ :‬منا وجنه اتصنال هذه الينة بمنا قبلهنا؟ فالجواب‪ :‬أننه‬
‫اتصال الزجر عن الظهار خلف البطان في وصية أو غيرها مما ينبئ أن المجازي عليه عالم‬
‫به‪ .‬و"يوم" ظرف زمان والعامل فيه "واسمعوا" أي واسمعوا خبر يوم‪ .‬وقيل‪ :‬التقدير واتقوا يوم‬
‫يجمع ال الرسل عن الزجاج‪ .‬وقيل‪ :‬التقدير اذكروا أو احذروا يوم القيامة حين يجمع ال الرسل‪،‬‬
‫والمعننى متقارب؛ والمراد التهديند والتخوينف‪" .‬فيقول ماذا أجبتنم" أي منا الذي أجابتكنم بنه أممكنم؟‬
‫ومننا الذي رد عليكننم قومكننم حيننن دعوتموهننم إلى توحيدي ؟ "قالوا" أي فيقولون‪" :‬ل علم لنننا"‪.‬‬
‫واختلف أهله التأويل في المعنى المراد بقولهم‪" :‬ل علم لنا" فقيل‪ :‬معناه ل علم لنا بباطن ما أجاب‬
‫بنه أممننا؛ لن ذلك هنو الذي يقنع علينه الجزاء؛ وهذا مروي عنن الننبي علينه ال علينه وسنلم‪ .‬وقينل‪:‬‬
‫المعننى ل علم لننا إل منا علمتننا‪ ،‬فحذف؛ عنن ابنن عباس ومجاهند بخلف‪ .‬وقال ابنن عباس أيضنا‪:‬‬
‫معناه ل علم لنا إل علم أنت أعلم به منا‪ .‬وقيل‪ :‬إنهم يذهلون من هول ذلك ويفزعون من الجواب‪،‬‬
‫ثننم يجيبون بعدمننا تثوب إليهننم عقولهننم فيقولون‪" :‬ل علم لنننا" قال الحسننن ومجاهنند والسنندي‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وهذا ل يصح؛ لن الرسل صلوات ال عليهم ل خوف عليهم ول هم يحزنون‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا في أكثر مواطن القيامة؛ ففي الخبر [إن جهنم إذا جيء بها زفرت زفرة فل يبقى نبي‬
‫ول صنديق إل جثنا لركبتينه] وقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬خوفنني جبرينل يوم القيامنة‬
‫حتى أبكاني فقلت يا جبريل ألم يغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ؟ فقال لي يا محمد لتشهدن من‬
‫هول ذلك اليوم ما ينسيك المغفرة]‬
‫قلت‪ :‬فإن كان السنؤال عنند زفرة جهننم كمنا قال بعضهنم فقول مجاهند والحسنن صنحيح؛ وال‬
‫أعلم‪ .‬قال النحاس‪ :‬والصحيح في هذا أن المعنى‪ :‬ماذا أجبتم في السر والعلنية ليكون هذا توبيخنا‬
‫للكفار؛ فيقولون‪ :‬ل علم لنا؛ فيكون هذا تكذيبا لمن اتخذ المسيح إلها‪ .‬وقال ابن جريج‪ :‬معنى قوله‪:‬‬
‫"ماذا أجبتم" ماذا عملوا بعدكم؟ قالوا‪" :‬ل علم لنا إنك أنت علم الغيوب"‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬ويشبه‬
‫هذا حدينث الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه قال‪[ :‬يرد علي أقوام الحوض فيختلجون فأقول أمتني‬
‫فيقال إننك ل تدري منا أحدثوا بعدك]‪ .‬وكسنر الغينن من الغيوب حمزة والكسنائي وأبنو بكنر‪ ،‬وضنم‬
‫الباقون‪ .‬قال الماوردي فإن قينل‪ :‬فلم سنألهم عمنا هنو أعلم بنه منهننم ؟ فعننه جوابان‪ :‬أحدهمنا‪ :‬أننه‬
‫سنألهم ليعلمهنم منا لم يعلموا منن كفنر أممهنم ونفاقهنم وكذبهنم عليهنم منن بعدهنم‪ .‬الثانني‪ :‬أننه أراد أن‬
‫يفضحهم بذلك على رؤوس الشهاد ليكون ذلك نوعا من العقوبة لهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 110 :‬إذ قال ال يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح‬
‫القدس تكلم الناس فني المهند وكهل وإذ علمتنك الكتاب والحكمنة والتوراة والنجينل وإذ تخلق منن‬
‫الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الكمه والبرص بإذني وإذ تخرج‬
‫الموتنى بإذنني وإذ كففنت بنني إسنرائيل عننك إذ جئتهنم بالبينات فقال الذينن كفروا منهنم إن هذا إل‬
‫سحر مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ قال ال يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك" هذا من صفة يوم القيامة كأنه‬
‫قال‪ :‬اذكننر يوم يجمننع ال الرسننل وإذ يقول ال لعيسننى كذا؛ قاله المهدوي‪ .‬و"عيسننى" يجوز أن‬
‫يكون فني موضنع رفنع على أن يكون "ابنن مرينم" نداء ثانينا‪ ،‬ويجوز أن يكون فني موضنع نصنب؛‬
‫لنه نداء منصوب كما قال‪:‬‬
‫يا حكم بن المنذر بن الجارود‬
‫ول يجوز الرفع في الثاني إذا كان مضافا إل عند الطوال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اذكر نعمتي عليك" إنما ذكر ال تعالى عيسى نعمته عليه وعلى والدته وإن كان‬
‫لهمنا ذاكرا لمرينن‪ :‬أحدهمنا‪ :‬ليتلو على المنم منا خصنهما بنه منن الكرامنة‪ ،‬وميزهمنا بنه منن علو‬
‫المنزلة‪ .‬الثانني‪ :‬ليؤكند بنه حجتنه‪ ،‬ويرد بنه جاحده‪ .‬ثنم أخنذ فني تعديند نعمنه فقال‪" :‬إذ أيدتنك" يعنني‬
‫قويتنك؛ مأخوذ منن اليند وهنو القوة‪ ،‬وقند تقدم‪ .‬وفني "روح القدس" وجهان‪ :‬أحدهمنا‪ :‬أنهنا الروح‬
‫الطاهرة التني خصنه ال بهنا كمنا تقدم فني قوله "وروح مننه" [النسناء‪ ]171 :‬الثانني‪ :‬أننه جبرينل‬
‫عليه السلم وهو الصح‪ ،‬كما تقدم في "البقرة"‪" .‬تكلم الناس" يعني وتكلم الناس في المهد صبيا‪،‬‬
‫وفني الكهولة نبينا‪ ،‬وقند تقدم منا فني هذا فني "آل عمران" فل معننى لعادتنه‪" .‬كففنت" معناه دفعنت‬
‫وصننرفت "بننني إسننرائيل عنننك" حيننن هموا بقتلك "إذ جئتننم بالبينات" أي الدللت والمعجزات‪،‬‬
‫وهي المذكورة في الية‪" .‬فقال الذين كفروا" يعني الذين لم يؤمنوا بك وجحدوا نبوتك‪" .‬إن هذا"‬
‫أي المعجزات‪" .‬إل سننحر مننبين"‪ .‬وقرأ حمزة والكسننائي "سنناحر" أي إن هذا الرجننل إل سنناحر‬
‫قوي على السحر‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 111 :‬وإذ أوحينت إلى الحواريينن أن آمنوا بني وبرسنولي قالوا آمننا واشهند بأنننا‬
‫مسلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي" قد تقدم القول في معاني هذه‬
‫الينة‪ .‬والوحني فني كلم العرب معناه اللهام ويكون على أقسنام‪ :‬وحني بمعننى إرسنال جبرينل إلى‬
‫الرسل عليهم السلم‪ .‬ووحي بمعنى اللهام كما في هذه الية؛ أي ألهمتهم وقذفت في قلوبهم؛ ومنه‬
‫قوله تعالى‪" :‬وأوحنى ربنك إلى النحنل" النحنل‪" ]68 :‬وأوحيننا إلى أم موسنى" [القصنص‪]7 :‬‬
‫ووحي بمعنى العلم في اليقظة والمنام قال أبو عبيدة‪ :‬أوحيت بمعنى أمرت‪" ،‬وإلى" صلة يقال‪:‬‬
‫وحى وأوحى بمعنى؛ قال ال تعالى‪" :‬بأن ربك أوحى لها" [الزلزلة‪ ]5 :‬وقال العجاج‪:‬‬
‫وحى لها القرار فاستقرت‬
‫أي أمرهنا بالقرار فاسنتقرت‪ .‬وقينل‪" :‬أوحينت" هننا بمعننى أمرتهنم وقينل‪ :‬بيننت لهنم‪" .‬واشهند بأنننا‬
‫مسلمون" على الصل؛ ومن العرب من يحذف إحدى النونين؛ أي واشهد يا رب‪ .‬وقيل‪ :‬يا عيسى‬
‫بأننا مسلمون ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 112 :‬إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة‬
‫من السماء قال اتقوا ال إن كنتم مؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم" على ما تقدم من العراب‪" .‬هل يستطيع‬
‫ربنك"‪ .‬قراءة الكسنائي وعلي وابنن عباس وسنعيد بنن جنبير ومجاهند "هنل تسنتطيع" بالتاء "ربنك"‬
‫بالنصننب‪ .‬وأدغننم الكسننائي اللم مننن "هننل" فنني التاء‪ .‬وقرأ الباقون بالياء‪" ،‬ربننك" بالرفننع‪ ،‬وهذه‬
‫القراءة أشكنل منن الولى؛ فقال السندي‪ :‬المعننى هنل يطيعنك ربنك إن سنألته "أن ينزل" فيسنتطيع‬
‫بمعننى يطينع؛ كمنا قالوا‪ :‬اسنتجاب بمعننى أجاب‪ ،‬وكذلك اسنتطاع بمعننى أطاع‪ .‬وقينل المعننى‪ :‬هنل‬
‫يقدر ربنك وكان هذا السنؤال فني ابتداء أمرهنم قبنل اسنتحكام معرفتهنم بال عنز وجنل؛ ولهذا قال‬
‫عيسى في الجواب عند غلطهم وتجويزهم على ال ما ل يجوز‪" :‬اتقوا ال إن كنتم مؤمنين" أي ل‬
‫تشكوا في قدرة ال تعالى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا فينه نظنر؛ لن الحواريينن خلصنان الننبياء ودخلؤهنم وأنصنارهم كمنا قال‪" :‬منن‬
‫أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال" [الصف‪ .]14 :‬وقال عليه السلم‪[ :‬لكل نبي‬
‫حواري وحواري الزبير] ومعلوم أن النبياء صلوات ال وسلمه عليهم جاؤوا بمعرفة ال تعالى‬
‫وما يجب له وما يجوز وما يستحيل عليه وأن يبلغوا ذلك أممهم؛ فكيف يخفى ذلك على من باطنهم‬
‫واختنص بهنم حتنى يجهلوا قدرة ال تعالى؟ إل أننه يجوز أن يقال‪ :‬إن ذلك صندر ممنن كان معهنم‪،‬‬
‫كمنا قال بعنض جهال العراب للننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ :‬اجعنل لننا ذات أنواط كمنا لهنم ذات‬
‫أنواط‪ ،‬وكمنا قال منن قال منن قوم موسنى‪" :‬اجعنل لننا إلهنا كمنا لهنم آلهنة" [العراف‪ ]138 :‬على‬
‫مننا يأتنني بياننه فنني "العراف" إن شاء ال تعالى‪ .‬وقيننل‪ :‬إن القوم لم يشكوا فنني اسنتطاعة الباري‬
‫سنبحانه لنهنم كانوا مؤمنينن عارفينن عالمينن‪ ،‬وإنمنا هنو كقولك للرجنل‪ :‬هنل يسنتطيع فلن أن يأتني‬
‫وقند علمنت أننه يسنتطيع؛ فالمعننى‪ :‬هنل يفعنل ذلك ؟ وهنل يجيبنني إلى ذلك أم ل؟ وقند كانوا عالمينن‬
‫باسنننتطاعة ال تعالى لذلك ولغيره علم دللة وخنننبر ونظنننر فأرادوا علم معايننننة كذلك؛ كمنننا قال‬
‫إبراهيم صلى ال عليه وسلم‪" :‬رب أرنني كيف تحيي الموتى" [البقرة‪ ]260 :‬على ما تقدم وقد‬
‫كان إبراهيم علم لذلك علم خبر ونظر‪ ،‬ولكن أراد المعاينة التي ل يدخلها ريب ول شبهة؛ لن علم‬
‫النظنر والخنبر قند تدخله الشبهنة والعتراضات‪ ،‬وعلم المعايننة ل يدخله شينء منن ذلك‪ ،‬ولذلك قال‬
‫الحواريون‪" :‬وتطمئن قلوبنا" كما قال إبراهيم‪" :‬ولكن ليطمئن قلبي" [البقرة‪]260 :‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا تأوينل حسنن؛ وأحسنن مننه أن ذلك كان منن قول منن كان منع الحواريينن؛ على منا‬
‫يأتني بياننه وقند أدخنل ابنن العربني المسنتطيع فني أسنماء ال تعالى‪ ،‬وقال‪ :‬لم يرد بنه كتاب ول سننة‬
‫اسما وقد ورد فعل‪ ،‬وذكر قول الحواريين‪" :‬هل يستطيع ربك" ورده عليه ابن الحصار في كتاب‬
‫شرح السنننة له وغيره؛ قال ابننن الحصننار‪ :‬وقوله سننبحانه مخننبرا عننن الحوارييننن لعيسننى‪" :‬هننل‬
‫يسنتطيع ربنك" لينس بشنك فني السنتطاعة‪ ،‬وإنمنا هنو تلطنف فني السنؤال‪ ،‬وأدب منع ال تعالى؛ إذ‬
‫ليس كل ممكن سبق في علمه وقوعه ول لكل أحد‪ ،‬والحواريون هم كانوا خيرة من آمن بعيسى‪،‬‬
‫فكينف يظنن بهنم الجهنل باقتدار ال تعالى على كله شينء ممكنن؟! وأمنا قراءة "التاء" فقينل المعننى‬
‫هنل تسنتطيع أن تسنأل ربنك هذا قول عائشنة ومجاهند رضني ال عنهمنا؛ قالت عائشنة رضني ال‬
‫عنهنا‪ :‬كان القوم أعلم بال عنز وجنل منن أن يقولوا "هنل يسنتطيع ربنك" قالت‪ :‬ولكنن "هنل تسنتطيعُ‬
‫ربّكننن"‪ .‬وروي عنهنننا أيضنننا أنهنننا قالت‪ :‬كان الحواريون ل يشكون أن ال يقدر على إنزال مائدة‬
‫ولكنن قالوا‪" :‬هنل تسنتطيع ربنك" وعنن معاذ بنن جبنل قال‪ :‬أقرأننا الننبي صنلى ال علينه وسنلم "هنل‬
‫تسننتطيع ربننك" قال معاذ‪ :‬وسننمعت النننبي صننلى ال عليننه وسننلم مرارا يقرأ بالتاء "هننل تسننتطيع‬
‫ربك" وقال الزجاج‪ :‬المعنى هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله‪ .‬وقيل‪ :‬هل تستطيع أن تدعو ربك‬
‫أو تسنأله؛ والمعننى متقارب‪ ،‬ول بند منن محذوف كمنا قال‪" :‬واسنأل القرينة" [يوسنف‪ ]82 :‬وعلى‬
‫قراءة الياء ل يحتاج إلى حذف‪" .‬قال اتقوا ال" أي اتقوا معاصنيه وكثرة السنؤال؛ فإنكنم ل تدرون‬
‫ما يحل بكم عند اقتراح اليات؛ إذ كان ال عز وجل إنما يفعل الصلح لعباده‪" .‬إن كنتم مؤمنين"‬
‫أي إن كنتم مؤمنين به وبما جئت به فقد جاءكم من اليات ما فيه غنى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 113 :‬قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من‬
‫الشاهدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا نريد أن نأكل منها" نصب بأن "وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون‬
‫عليهنا منن الشاهدينن" عطنف كله بينوا بنه سنبب سنؤالهم حينن نهوا عننه‪ .‬وفنى قولهنم‪" :‬نأكنل منهنا"‬
‫وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬أنهم أرادوا الكل منها لحاجة الداعية إليها؛ وذلك أن عيسى عليه السلم كان إذا‬
‫خرج اتبعه خمسة آلف أو أكثر‪ ،‬بعضهم كانوا أصحابه وبعضهم كانوا يطلبون منه أن يدعو لهم‬
‫لمرض كان بهم أو علة إذ كانوا زمنى أو عميانا وبعضهم كانوا ينظرون ويستهزئون فخرج يوما‬
‫إلى موضنع فوقعوا فني مفازة ولم يكنن معهنم نفقنة فجاعوا وقالوا للحواريينن‪ :‬قولوا لعيسنى حتنى‬
‫يدعنو بأن تنزل عليننا مائدة منن السنماء؛ فجاءه شمعون رأس الحواريينن وأخنبره أن الناس يطلبون‬
‫بأن تدعننو بأن تنزل عليهننم مائدة مننن السننماء‪ ،‬فقال عيسننى لشمعون‪" :‬قننل لهننم اتقوا ال إن كنتننم‬
‫مؤمنينن" فأخنبر بذلك شمعون القوم فقالوا له‪ :‬قنل له‪" :‬نريند أن نأكنل منهنا" الينة‪ .‬الثانني‪" :‬نأكنل‬
‫منهنا" لننال بركتهنا ل لحاجنة دعتهنم إليهنا‪ ،‬قال الماوردي‪ :‬وهذا أشبنه؛ لنهنم لو احتاجوا لم ينهوا‬
‫عن السؤال وقولهم‪" :‬وتطمئن قلوبهم" يحتمنل ثلثنة أوجه‪ :‬أحدهنا‪ :‬تطمئن إلى أن ال تعالى بعثك‬
‫إليننا نبينا الثانني‪ :‬تطمئن إلى أن ال تعالى قند اختارننا لدعوتننا الثالث‪ :‬تطمئن إلى أن ال تعالى قند‬
‫أجابننا إلى منا سنألنا؛ ذكرهنا الماوردي وقال المهدوي‪ :‬أي تطمئن بأن ال قند قبنل صنومنا وعملننا‬
‫قال الثعلبني‪ :‬نسنتيقن قدرتنه فتسنكن قلوبننا‪" .‬ونعلم أن قند صندقتنا" بأننك رسنول ال "ونكون عليهنا‬
‫من الشاهدين" ل بالوحدانية‪ ،‬ولك بالرسالة والنبوة‪ .‬وقيل‪" :‬ونكون عليها من الشاهدين" لك عند‬
‫من لم يرها إذا رجعنا إليهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 114 :‬قال عيسنى ابنن مرينم اللهنم ربننا أنزل عليننا مائدة منن السنماء تكون لننا عيدا‬
‫لولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال عيسنى ابنن مرينم اللهنم ربننا" الصنل عنند سنيبويه ينا ال‪ ،‬والميمان بدل منن‬
‫"يا" "ربننا" نداء ثان ل يجينز سيبويه غيره ول يجوز أن يكون نعتا لنه قند أشبه الصوات من‬
‫أجننل مننا لحقننه‪" .‬أنزل علينننا مائدة" المائدة الخوان الذي عليننه الطعام قال قطرب‪ :‬ل تكون المائدة‬
‫مائدة حتى يكون عليها طعام فإن لم يكنن قيل‪ :‬خوان وهي فاعلة من ماد عبده إذا أطعمه وأعطاه؛‬
‫فالمائدة تميد ما عليها أي تعطي ومنه قول رؤبة ‪ -‬أنشده الخفش‪:‬‬
‫إلى أمير المؤمنين الممتاد‬ ‫تهدي رؤوس المترفين النداد‬
‫أي المستعطى المسؤول فالمائدة هي المطعمة والمعطية الكلين الطعام ويسمى الطعام أيضا مائدة‬
‫تجوزا لننه يؤكنل على المائدة؛ كقولهنم للمطنر سنماء‪ .‬وقال أهنل الكوفنة‪ :‬سنميت مائدة لحركتهنا بمنا‬
‫عليها من قولهم‪ :‬ماد الشيء إذا مال وتحرك قال الشاعر‪:‬‬
‫يميد بها غصن من اليك مائل‬ ‫لعلك باك إن تغنت حمامة‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫فكادت بي الرض الفضاء تميد‬ ‫وأقلقني قتل الكناني بعده‬
‫ومنه قوله تعالى‪" :‬وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم" [النحل‪ .]15 :‬وقال أبو عبيدة‪ :‬مائدة‬
‫فاعلة بمعنى مفعولة‪ ،‬مثله "عيشة راضية" [الحاقة‪ ]21 :‬بمعنى مرضية و"ماء دافق" [الطارق‪:‬‬
‫‪ ]6‬أي مدفوق‪ .‬قوله تعالى‪" :‬تكون لنا عيدا" "تكون" نعت لمائدة وليس بجواب‪.‬‬
‫وقرأ العمنش "تكنن" على الجواب؛ والمعننى‪ :‬يكون يوم نزولهنا "عيدا لولننا" أي لول أمتننا‬
‫وآخرها فقيل‪ :‬إن المائدة نزلت عليهم يوم الحد غدوة وعشية فلذلك جعلوا الحد عيدا والعيد واحد‬
‫العياد وإنمنا جمنع بالياء وأصنله الواو للزومهنا فني الواحند ويقال‪ :‬للفرق بيننه وبينن أعواد الخشنب‬
‫وقند عيدوا أي شهدوا العيند قال الجوهري وقينل‪ :‬أصنله منن عاد يعود أي رجنع فهنو عود بالواو‪،‬‬
‫فقلبننت ياء لنكسننار مننا قبلهننا مثننل الميزان والميقات والميعاد فقيننل ليوم الفطننر والضحننى‪ :‬عيدا‬
‫لنهمنا يعودان كنل سننة‪ .‬وقال الخلينل‪ :‬العيند كنل يوم يجمنع كأنهنم عادوا إلينه‪ .‬وقال ابنن النباري‪:‬‬
‫سنمي عيدا للعود فني المرح والفرح فهنو يوم سنرور الخلق كلهنم؛ أل ترى أن المسنجونين فني ذلك‬
‫اليوم ل يطالبون ول يعاقبون ول يصناد الوحنش ول الطيور ول تنفنذ الصنبيان إلى المكاتنب وقينل‪:‬‬
‫سنمي عيدا لن كنل إنسنان يعود إلى قدر منزلتنه أل ترى إلى اختلف ملبسنهم وهيئاتهنم ومآكلهنم‬
‫فمنهم من يضيف ومنهم من يضاف ومنهم من يرحم ومنهم من يرحم وقيل‪ :‬سمي بذلك لنه يوم‬
‫شريف تشبيها بالعيد‪ :‬وهو فحل كريم مشهور عند العرب وينسبون إليه فيقال‪ :‬إبل عيدية قال‪:‬‬
‫عيدية أرهنت فيها الدنانير‬
‫وقند تقدم وقرأ زيند بنن ثابنت "لولننا وأخراننا" على الجمنع قال ابنن عباس‪ :‬يأكنل منهنا آخنر الناس‬
‫كمننا يأكننل منهننا أولهننم‪" .‬وآيننة منننك" يعننني دللة وحجننة‪" .‬وارزقنننا" أي أعطنننا‪" .‬وأنننت خيننر‬
‫الرازقين" أي خير من أعطى خير من ورزق لنك الغني الحميد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 115 :‬قال ال إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا ل أعذبه أحدا‬
‫من العالمين}‬
‫@قوله تعالى "قال ال إني منزلها عليكم" هذا وعد من ال تعالى أجاب به سؤال عيسى كما كان‬
‫سنؤاله عيسنى إجابنة للحواريينن وهذا يوجنب أننه قند أنزلهنا ووعده الحنق فجحند القوم وكفروا بعند‬
‫نزولها فمسخوا قردة وخنازير قال ابن عمر‪ :‬إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المنافقون ومن كفر‬
‫منن أصنحاب المائدة وآل فرعون قال ال تعالى "فمنن يكفنر بعند منكنم فإنني أعذبنه عذابنا ل أعذبنه‬
‫أحدا منن العالمينن" واختلف العلماء فني المائدة هنل نزلت أم ل؟ فالذي علينه الجمهور وهنو الحنق‬
‫نزولهنا لقوله تعالى‪" :‬إني منزلهنا عليكنم" وقال مجاهند‪ :‬ما نزلت وإنمنا هو ضرب مثنل ضربنه ال‬
‫تعالى لخلقه فنهاهم عن مسألة اليات لنبيائه وقيل‪ :‬وعدهم بالجابة فلما قال لهم‪" :‬فمن يكفر بعد‬
‫منكنم" الينة اسنتعفوا منهنا‪ ،‬واسنتغفروا ال وقالوا‪ :‬ل نريند هذا؛ قاله الحسنن‪ .‬وهذا القول الذي قبله‬
‫خطأ والصواب أنها نزلت‬
‫قال ابنن عباس‪ :‬إن عيسنى ابنن مرينم قال لبنني إسنرائيل‪[ :‬صنوموا ثلثينن يومنا ثنم سنلوا ال منا‬
‫شئتنم يعطكنم] فصناموا ثلثينن يومنا وقالوا‪ :‬ينا عيسنى لو عملننا لحند فقضيننا عملننا لطعمننا وإننا‬
‫صننمنا وجعنننا فادع ال أن ينزل عليننا مائدة منن السننماء فأقبلت الملئكننة بمائدة يحملونهننا‪ ،‬عليهننا‬
‫سبعة أرغفة وسبعة أحوات فوضعوها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم وذكر أبو‬
‫عبدال محمند بنن علي الترمذي الحكينم فني "نوادر الصنول" له‪ :‬حدثننا عمنر بنن أبني عمنر قال‬
‫حدثنا عمار بن هارون الثقفي عن زكرياء بن حكيم الحنظلي عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي‬
‫عثمان النهدي عننن سننلمان الفارسنني قال‪ :‬لمننا سننألت الحواريون عيسننى ابننن مريننم صننلوات ال‬
‫وسلمه عليه المائدة قام فوضع ثياب الصوف ولبس ثياب المسوح وهو سربال من مسوح أسود‬
‫ولِحاف أسنود فقام فألزق القدم بالقدم وألصنق العقنب بالعقنب والبهام بالبهام‪ ،‬ووضنع يده اليمننى‬
‫على يده اليسنرى ثنم طأطنأ رأسنه خاشعنا ل ثنم أرسنل عينينه يبكنى حتنى جرى الدمنع على لحيتنه‬
‫وجعنل يقطنر على صندره ثنم قال‪" :‬اللهنم ربننا أنزل عليننا مائدة منن السنماء تكون لننا عيدا لولننا‬
‫وآخرننا وآينة مننك وارزقننا وأننت خينر الرازقينن قال ال إنني منزلهنا عليكنم" الينة‪ .‬فنزلت سنفرة‬
‫حمراء مدورة بينن غمامتينن منن فوقهنا وغمامنة منن تحتهنا والناس ينظرون إليهنا؛ فقال عيسنى‪:‬‬
‫[اللهنم اجعلهنا رحمنة ول تجعلهنا فتننة إلهني أسنألك منن العجائب فتعطنى] فهبطنت بينن يدي عيسنى‬
‫علينه السنلم وعليهنا مندينل مغطنى فخنر عيسنى سناجدا والحواريون معنه وهنم يجدون لهنا رائحنة‬
‫طيبننة ولم يكونوا يجدون مثلهننا قبننل ذلك فقال عيسننى‪[ :‬أيكننم أعبنند ل وأجرأ على ال وأوثننق بال‬
‫فليكشف عن هذه السفرة حتى نأكل منها ونذكر اسم ال عليها ونحمد ال عليها] فقال الحواريون‪:‬‬
‫يا روح ال أنت أحق بذلك فقام عيسى صلوات ال عليه فتوضأ وضوءا حسنا وصلى صلة جديدة‬
‫ودعا دعاء كثيرا ثم جلس إلى السنفرة فكشنف عنها فإذا عليها سمكة مشوية ليس فيها شوك تسنيل‬
‫سنيلن الدسنم وقند نضند حولهنا منن كله البقول منا عدا الكراث وعنند رأسنها ملح وخنل وعنند ذنبهنا‬
‫خمسننة أرغفننة على واحنند منهننا خمننس رمانات وعلى الخننر تمرات وعلى الخننر زيتون قال‬
‫الثعلبني‪ :‬على واحند منهنا زيتون‪ ،‬وعلى الثانني عسنل وعلى الثالث بينض وعلى الرابنع جبنن وعلى‬
‫الخامننس قدينند فبلغ ذلك اليهود فجاؤوا غمننا ينظرون إليننه فرأوا عجبننا فقال شمعون وهننو رأس‬
‫الحواريينن‪ :‬ينا روح ال أمنن طعام الدنينا أم منن طعام الجننة؟ فقال عيسنى صنلوات ال علينه‪[ :‬أمنا‬
‫افترقتم بعد عن هذه المسائل ما أخوفني أن تعذبوا] فقال شمعون‪ :‬وإله بني إسرائيل ما أردت بذلك‬
‫سوءا فقالوا‪ :‬يا روح ال لو كان مع هذه الية آية أخرى قال عيسى عليه السلم‪[ :‬يا سمكة احيي‬
‫بإذن ال] فاضطربنت السنمكة طرينة َتبِصّن عيناهنا‪ ،‬ففزع الحواريون فقال عيسنى‪[ :‬منا لي أراكنم‬
‫تسنألون عنن الشينء فإذا أعطيتموه كرهتموه منا أخوفنني أن تعذبوا] وقال‪[ :‬لقند نزلت منن السنماء‬
‫وما عليها طعام من الدنيا ول من طعام الجنة ولكنه شيء ابتدعه ال بالقدرة البالغة فقال لها كوني‬
‫فكاننت] فقال عيسنى‪[ :‬ينا سنمكة عودي كمنا كننت] فعادت مشوينة كمنا كاننت فقال الحواريون‪ :‬ينا‬
‫روح ال كنن أول منن يأكنل منهنا‪ ،‬فقال عيسنى‪[ :‬معاذ ال إنمنا يأكنل منهنا منن طلبهنا وسنألها] فأبنت‬
‫الحواريون أن يأكلوا منهننا خشيننة أن تكون َمثُلَة وفتنننة فلمننا رأى عيسننى ذلك دعننا عليهننا الفقراء‬
‫والمساكين والمرضى والزمنى والمجذمين والمقعدين والعميان وأهل الماء الصفر‪ ،‬وقال‪[ :‬كلوا‬
‫منن رزق ربكنم ودعوة ننبيكم واحمدوا ال علينه] وقال‪[ :‬يكون المهننأ لكنم والعذاب على غيركنم]‬
‫فأكلوا حتنى صندروا عنن سنبعة آلف وثلثمائة يتجشؤون فنبرئ كنل سنقيم أكله مننه واسنتغنى كله‬
‫فقير أكل منه حتى الممات فلما رأى ذلك الناس ازدحموا عليه فما بقي صغير ول كبير ول شيخ‬
‫ول شاب ول غنني ول فقينر إل جاؤوا يأكلون مننه فضغنط بعضهنم بعضنا فلمنا رأى ذلك عيسنى‬
‫جعلهنا نوبنا بينهنم فكاننت تنزل يومنا ول تنزل يومنا كناقنة ثمود ترعنى يومنا وتشرب يومنا فنزلت‬
‫أربعينن يومنا تنزل ضحنا فل تزال حتنى يفينء الفينء موضعنه وقال الثعلبني‪ :‬فل تزال منصنوبة‬
‫يؤكننل منهننا حتننى إذا فاء الفيننء طارت صننعدا فيأكننل منهننا الناس ثننم ترجننع إلى السننماء والناس‬
‫ينظرون إلى ظلهننا حتننى تتوارى عنهننم فلمننا تننم أربعون يومننا أوحننى ال تعالى إلى عيسننى عليننه‬
‫السننلم [يننا عيسننى اجعننل مائدتنني هذه للفقراء دون الغنياء] فتمارى الغنياء فنني ذلك وعادوا‬
‫الفقراء وشككوا والناس فقال ال يا عيسى‪[ :‬إني آخذ بشرطي] فأصبح منهم ثلثة وثلثون خنزيرا‬
‫يأكلون العذرة يطلبونها بالكباء والكباء هي الكناسة واحدها كبا بعدما كانوا يأكلون الطعام الطب‬
‫وينامون على الفرش اللينننة فلمننا رأى الناس ذلك اجتمعوا على عيسننى يبكون‪ ،‬وجاءت الخنازيننر‬
‫فجثوا على ركبهنم قدام عيسنى فجعلوا يبكون وتقطنر دموعهنم فعرفهنم عيسنى فجعنل يقول‪[ :‬ألسنت‬
‫بفلن] ؟ فيومنئ برأسنه ول يسنتطيع الكلم فلبثوا كذلك سنبعة أيام ومنهنم منن يقول‪ :‬أربعنة أيام‪ ،‬ثنم‬
‫دعننا ال عيسننى أن يقبننض أرواحهننم فأصننبحوا ل يدرى أيننن ذهبوا؟ الرض ابتلعتهننم أو مننا‬
‫صنعوا؟!‪.‬‬
‫قلت‪ :‬في هذا الحديث مقال ول يصح من قبل إسناده وعن ابن عباس وأبي عبدالرحمن السلمي‬
‫كان طعام المائدة خبزا وسنمكا وقال ابنن عطينة‪ :‬كانوا يجدون فني السنمك طينب كله طعام؛ وذكره‬
‫الثعلبني وقال عمار بنن ياسنر وقتادة‪ :‬كاننت مائدة تنزل منن السنماء وعليهنا ثمار منن ثمار الجننة‪.‬‬
‫وقال وهب بن منبه‪ :‬أنزله ال تعالى أقرصة من شعير وحيتانا وخرج الترمذي في أبواب التفسير‬
‫عنن عمار بنن ياسنر قال‪ :‬قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬أنزلت المائدة منن السنماء خبزا‬
‫ولحمنا وأمروا أل يخونوا ول يدخروا لغند فخانوا وادخروا ورفعوا لغند فمسنخوا قردة وخنازينر]‬
‫قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث قد رواه أبو عاصم وغير واحد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن‬
‫خلس عن عمار بن ياسر موقوفا ول نعرفه مرفوعا إل من حديث الحسن بن قزعة حدثنا حميد‬
‫بنن مسنعد قال حدثننا سنفيان بنن حنبيب عنن سنعيد بنن أبني عروبنة نحوه ولم يرفعنه‪ ،‬وهذا أصنح منن‬
‫حدينث الحسنن بنن قزعنة ول نعلم للحدينث المرفوع أصنل وقال سنعيد بنن جنبير‪ :‬أنزل على المائدة‬
‫كله شيء إل الخبز واللحم‪ .‬وقال عطاء‪ :‬نزل عليها كل شيء إل السمك واللحم‪ .‬وقال كعب‪ :‬نزلت‬
‫المائدة منكوسة من السماء تطير بها الملئكة بين السماء والرض عليها كل طعام إل اللحم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه الثلثننة أقوال مخالفننة لحديننث الترمذي وهننو أولى منهننا؛ لنننه إن لم يصننح مرفوعننا‬
‫فصنح موقوفنا عنن صنحابي كنبير وال أعلم والمقطوع بنه أنهنا نزلت وكان عليهنا طعام يؤكنل وال‬
‫أعلم بتعيينه وذكر أبو نعيم عن كعب أنها نزلت ثانية لبعض عباد بني إسرائيل قال كعب‪ :‬اجتمع‬
‫ثلثنة نفنر منن عباد بنني إسنرائيل فاجتمعوا فني أرض فلة منع كنل رجنل منهنم اسنم منن أسنماء ال‬
‫تعالى فقال أحدهنم‪ :‬سنلوني فأدعنو ال لكنم بمنا شئتنم قالوا‪ :‬نسنألك أن تدعنو ال أن يظهنر لننا عيننا‬
‫سنناحة بهذا المكان؛ ورياضننا خضرا وعبقريننا قال‪ :‬فدعننا ال فإذا عيننن سنناحة ورياض خضننر‬
‫وعبقري ثم قال أحدهم سلوني فأدعوا ال لكم بما شئتم فقالوا‪ :‬نسألك أن تدعو ال أن يطعمنا شيئا‬
‫من ثمار الجنة فدعا ال فنزلت عليهم بسرة فأكلوا منها ل تقلب إل أكلوا منها لونا ثم رفعت ثم قال‬
‫أحدهنم‪ :‬سنلوني فأدعنو ال لكنم بمنا شئتنم؛ فقالوا‪ :‬نسنألك أن تدعنو ال أن ينزل عليننا المائدة التني‬
‫أنزلها على عيسى قال‪ :‬فدعا فنزلت فقضوا منها حاجتهم ثم رفعت وذكر تمام الخبر‪.‬‬
‫مسننألة‪ :‬جاء فنني حديننث سننلمان المذكور بيان المائدة وأنهننا كانننت سننفرة ل مائدة ذات قوائم‬
‫والسنفرة مائدة الننبي صنلى ال علينه وسنلم وموائد العرب خرج أبنو عبدال الترمذي الحكينم‪ :‬حدثننا‬
‫محمد بن بسار قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن يونس عن قتادة عن أنس قال ما أكل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على خوان قط ول في سكرجة ول خبز له مرقق قال‪ :‬قلت لنس‬
‫فعلم كانوا يأكلون ؟ قال‪ :‬على السفر قال محمد بن بشار‪ :‬يونس هذا هو أبو الفرات السكاف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا حدينث صنحيح ثابنت اتفنق على رجاله البخاري ومسنلم وخرجنه الترمذي قال‪ :‬حدثننا‬
‫محمند بنن بشار قال حدثننا معاذ بنن هشام فذكره وقال فينه‪ :‬حسنن غرينب قال الترمذي أبنو عبدال‪:‬‬
‫الخوان هننو شيننء محدث فعلتننه العاجننم ومننا كانننت العرب لتمتهنهننا وكانوا يأكلون على السننفر‬
‫واحدها سفرة وهي التي تتخذ من الجلود ولها معاليق تنضم وتنفرج فبالنفراج سميت سفرة لنها‬
‫إذا حلت معاليقهنا انفرجنت فأسنفرت عمنا فيهنا فقينل لهنا السنفرة وإنمنا سنمي السنفر سنفرا لسنفار‬
‫الرجل بنفسه عن البيوت وقوله‪ :‬ول في سكرجة لنها أوعية الصباغ وإنما الصباغ لللوان ولم‬
‫تكن من سماتهم اللوان وإنما كان طعامهم الثريد عليه مقطعات اللحم وكان يقول‪" :‬انهسوا اللحم‬
‫نهسنا فإننه أشهنى وأمرأ" فإن قينل‪ :‬فقند جاء ذكنر المائدة فني الحادينث منن ذلك حدينث ابنن عباس‬
‫قال‪ :‬لو كان الضنب حرامنا منا أكنل على مائدة الننبي صنلى ال علينه وسنلم؛ خرجنه مسنلم وغيره‪.‬‬
‫وعنن عائشنة رضني ال عنهنا قالت‪ :‬قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪[ :‬تصنلي الملئكنة على‬
‫الرجنل منا دامنت مائدتنه موضوعنة] خرجنه الثقات وقينل‪ :‬إن المائدة كنل شينء يمند ويبسنط مثنل‬
‫المندينل والثوب وكان منن حقنه أن تكون مادة الدال مضعفنة فجعلوا إحدى الدالينن ياء فقينل‪ :‬مائدة‪،‬‬
‫والفعنل واقنع به فكان ينبغني أن تكون ممدودة ولكنن خرجنت فني اللغنة مخرج فاعنل كمنا قالوا‪ :‬سنر‬
‫كاتنم وهنو مكتوم وعيشنة راضينة وهني مرضينة وكذلك خرج فني اللغنة منا هنو فاعنل على مخرج‬
‫مفعول فقالوا‪ :‬رجننل مشؤوم وإنمننا هننو شائم وحجاب مسننتور وإنمننا هننو سنناتر قال فالخوان هننو‬
‫المرتفنع عنن الرض بقوائمنه والمائدة منا مند وبسنط والسنفرة منا أسنفر عمنا فني جوفنه وذلك لنهنا‬
‫مضمومنة بمعاليقهنا وعنن الحسنن قال‪ :‬الكنل على الخوان فعله الملوك وعلى المندينل فعنل العجنم‬
‫وعلى السفرة فعل العرب وهو السنة وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 116 :‬وإذ قال ال يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون‬
‫ال قال سنبحانك منا يكون لي أن أقول منا لينس لي بحنق إن كننت قلتنه فقند علمتنه تعلم منا فني نفسني‬
‫ول أعلم ما في نفسك إنك أنت علم الغيوب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قال ال ينا عيسنى ابنن مرينم أأننت قلت للناس اتخذونني وأمني إلهينن منن دون‬
‫ال" اختلف فنني وقننت هذه المقالة فقال قتادة وابننن جريننح وأكثننر المفسننرين‪ :‬إنمننا يقال له هذا يوم‬
‫القيامنة وقال السندي وقطرب قال له ذلك حينن رفعنه إلى السنماء وقالت النصنارى فينه منا قالت؛‬
‫واحتجوا بقوله‪" :‬إن تعذبهنم فإنهم عبادك" [المائدة‪ ]118 :‬فإن "إذ" فني كلم العرب لما مضى‪.‬‬
‫والول أصنح يدل علينه منا قبله من قوله‪" :‬يوم يجمنع ال الرسنل" [المائدة‪ ]109 :‬الينة ومنا بعده‬
‫"هذا يوم ينفنع الصنادقين صندقهم" [المائدة‪ .]119 :‬وعلى هذا تكون "إذ" بمعننى "إذا" كقوله‬
‫تعالى‪" :‬ولو ترى إذ فزعوا" [سبأ‪ ]51 :‬أي إذا فزعوا وقال أبو النجم‪:‬‬
‫جنات عدن في السماوات العل‬ ‫ثم جزاه ال عني إذ جزى‬
‫يعني إذا جزى وقال السود بن جعفر الزدي‪:‬‬
‫يقلن أل لم يذهب الشيخ مذهبا‬ ‫فالن إذ هازلتهن فإنما‬
‫يعني إذا هازلتهن فعبر عن المستقبل بلفظ الماضي لنه لتحقيق أمره وظهور برهانه كأنه قد وقع‬
‫وفنني التنزيننل "ونادى أصننحاب النار أصننحاب الجنننة" [العراف‪ ]50 :‬ومثله كثيننر وقنند تقدم‪.‬‬
‫واختلف أهنل التأوينل فني معننى هذا السنؤال ولينس هنو باسنتفهام وإن خرج مخرج السنتفهام على‬
‫قولينن‪ :‬أحدهمنا‪ :‬أننه سنأله عنن ذلك توبيخنا لمنن ادعنى ذلك علينه ليكون إنكاره بعند السنؤال أبلغ فني‬
‫التكذيب وأشد في التوبيخ والتقريع الثاني‪ :‬قصد بهذا السؤال تعريفه أن قومه غيروا بعده‪ ،‬وادعوا‬
‫علينه منا لم يقنل فإن قينل فالنصنارى لم يتخذوا مرينم إلهنا فكينف قال ذلك فيهنم ؟ فقينل‪ :‬لمنا كان منن‬
‫قولهنم أنهنا لم تلد بشرا وإنمنا ولدت إلهنا لزمهنم أن يقولوا إنهنا لجنل البعضينة بمثابنة منن ولدتنه‪،‬‬
‫فصاروا حين لزمهم ذلك بمثابة القائلين له‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته" خرج‬
‫الترمذي عنن أبني هريرة قال‪ :‬تلقنى عيسنى حجتنه ولقاه ال فني قوله‪" :‬وإذ قال ال ينا عيسنى ابنن‬
‫مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون ال" قال أبو هريرة عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسنلم‪[ :‬فلقاه ال] "سنبحانك منا يكون لي أن أقوم منا لينس لي بحنق" الينة كلهنا قال أبنو عيسنى‪ :‬هذا‬
‫حديث حسن صحيح وبدأ بالتسبيح قبل الجواب لمرين‪ :‬أحدهما‪ :‬تنزيها له عما أضيف إليه الثاني‬
‫خضوعا لعزته وخوفا من سطوته ويقال‪ :‬إن ال تعالى لما قال لعيسى‪" :‬أأنت قلت للناس اتخذوني‬
‫وأمني إلهينن منن دون ال" أخذتنه الرعدة منن ذلك القول حتنى سنمع صنوت عظامنه فني نفسنه فقال‪:‬‬
‫"سبحانك" ثم قال‪" :‬ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" أي أن ادعى لنفسي ما ليس من حقها‬
‫يعنني أننني مربوب ولسنت برب وعابند ولسنت بمعبود ثنم قال‪" :‬إن كننت قلتنه فقند علمتنه" فرد ذلك‬
‫إلى علمنه وقند كان ال عالمنا بنه أننه لم يقله ولكننه سنأله عننه تقريعنا لمنن اتخنذ عيسنى إلهنا‪ .‬ثنم قال‪:‬‬
‫"تعلم منا فني نفسني ول أعلم منا فني نفسنك" أي تعلم منا فني غنبيي ول أعلم منا فني غيبنك وقينل‪:‬‬
‫المعنى تعلم ما أعلم ول أعلم ما تعلم وقيل‪ :‬تعلم ما أخفيه ول أعلم ما تخفيه وقيل‪ :‬تعلم ما أريد ول‬
‫أعلم ما تريد وقيل‪ :‬تعلم سري ول أعلم سرك لن السر موضعه النفس وقيل‪ :‬تعلم ما كان مني في‬
‫دار الدنيا ول أعلم ما يكون منك في دار الخرة‬
‫قلت‪ :‬والمعننى فني هذه القوال متقارب أي تعلم سنري ومنا انطوى علينه ضميري الذي خلقتنه‬
‫ول أعلم شيئا مما استأثرت به من غيبك وعلمك‪" .‬إنك أنت علم الغيوب" ما كان وما يكون وما‬
‫لم يكن وما هو كائن‪*3*.‬الية‪{ 117 :‬ما قلت لهم إل ما أمرتني به أن اعبدوا ال ربي وربكم‬
‫وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما قلت لهم إل ما أمرتني به" يعني في الدنيا بالتوحيد‪" .‬أن اعبدوا ال" "أن" ل‬
‫موضع لها من العراب وهي مفسرة مثل "وانطلق المل منهم أن امشوا" [ص‪ .]6 :‬ويجوز أن‬
‫تكون في موضع نصب أي ما ذكرت لهم إل عبادة ال ويجوز أن تكون في موضع خفض أي بأن‬
‫اعبدوا ال وضنم النون أولى لنهننم يسنتثقلوا كسننرة بعدهنا ضمنة والكسننر جائز على أصنل التقاء‬
‫الساكنين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكننت عليهنم شهيدا" أي حفيظنا بمنا أمرتهنم‪" .‬منا دمنت فيهنم" "منا" فني موضنع‬
‫نصب أي وقت دوامي فيهم‪" .‬فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم" قيل‪ :‬هذا يدل على أن ال عز‬
‫وجنل توفاه أن يرفعنه ولينس بشينء لن الخبار تظاهرت برفعنه وأننه فني السنماء حني وأننه ينزل‬
‫ويقتل الدجال على ما يأتي بيانه وإنما المعنى فلما رفعتني إلى السماء قال الحسن‪ :‬الوفاة في كتاب‬
‫ال عننز وجننل على ثلثننة أوجننه وفاة الموت وذلك قوله تعالى‪" :‬ال يتوفننى النفننس حيننن موتهننا"‬
‫[الزمنر‪ ]42 :‬يعنني وقنت انقضاء أجلهنا‪ .‬ووفاة النوم قال ال تعالى‪" :‬وهنو الذي يتوفاكنم باللينل"‬
‫[النعام‪ ]60 :‬يعني الذي ينيمكم ووفاة الرفع قال ال تعالى‪" :‬يا عيسى إني متوفيك" [آل عمران‪:‬‬
‫‪ .]55‬وقوله "كنت أنت" "أنت هنا" توكيد "الرقيب" خبر "كنت" ومعناه الحافظ عليهم والعالم‬
‫بهم والشاهد على أفعالهم؛ وأصله المراقبة أي المراعاة ومنه المرقبة لنها في موضع الرقيب من‬
‫علو المكان‪" .‬وأننت على كل شينء شهيند" أي من مقالتني ومقالتهنم وقينل على من عصى وأطاع؛‬
‫خرج مسلم عن ابن عباس قال‪ :‬قام فينا رسول ال صلى ال عليه وسلم خطيبا بموعظة فقال‪( :‬يا‬
‫أيهنا الناس إنكنم تحشرون إلى ال حفاة عراة غرل "كمنا بدأننا أول خلق نعيده وعدا عليننا إننا كننا‬
‫فاعلينن" [الننبياء‪ ]104 :‬أل وإن أول الخلئق يكسنى يوم القيامنة إبراهينم علينه السنلم أل وإننه‬
‫سنيجاء برجال منن أمتني فيؤخنذ بهنم ذات الشمال فأقول ينا رب أصنحابي فيقال إننك ل تدري منا‬
‫أحدثوا بعدك فأقول كمنا قال العبند الصنالح‪" :‬وكننت عليهنم شهيدا منا دمنت فيهنم توفيتنني كننت أننت‬
‫الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهنم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزينز‬
‫الحكيم" قال‪ :‬فيقال لي إنهم لم يزالوا مدبرين مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)‬
‫*‪*3‬الية‪{ 118 :‬إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن تعذبهم فإنهم عبادك" شرط وجوابه "وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"‬
‫مثله روى النسنائي عن أبني ذر قال‪ :‬قام الننبي صنلى ال عليه وسنلم بآينة ليلة حتنى أصنبح‪ ،‬والينة‪:‬‬
‫"إن تعذبهنم فإنهنم عبادك وإن تغفنر لهنم فإننك أننت العزينز الحكينم" واختلف فني تأويله فقينل‪ :‬قاله‬
‫على وجنه السنتعطاف لهنم والرأفنة بهنم كمنا يسنتعطف السنيد لعبده ولهذا لم يقنل‪ :‬فإنهنم عصنوك‬
‫وقيل‪ :‬قاله على وجه التسليم لمره والستجارة من عذابه وهو يعلم أنه ل يغفر لكافر وقيل الهاء‬
‫والميم في "إن تعذبهم" لمن مات منهم على الكفر والهاء والميم في "إن تغفر لهم" لمن تاب منهم‬
‫قبل الموت وهذا حسن وأما قول من قال إن عيسى عليه السلم لم يعلم أن الكافر ل يغفر له فقول‬
‫مجترئ على كتاب ال عنز وجنل لن الخبار منن ال عنز وجنل ل تنسنخ وقينل‪ :‬كان عنند عيسنى‬
‫أنهم أحدثوا معاصي وعملوا بعده بما لم يأمرهم به إل أنهم على عمود دينه فقال‪ :‬وإن تغفر لهم ما‬
‫أحدثوا بعدي منن المعاصني‪ .‬وقال‪" :‬فإننك أننت العزينز الحكينم" ولم يقنل‪ :‬فإننك أننت الغفور الرحينم‬
‫على منا تقتضينه القصنة منن التسنليم لمره والتفوينض لحكمنه‪ .‬ولو قال‪ :‬فإننك أننت الغفور الرحينم‬
‫لوهنم الدعاء بالمغفرة لمنن مات على شركنه وذلك مسنتحيل فالتقدينر إن تبقهنم على كفرهنم حتنى‬
‫يموتوا وتعذبهم فإنهم عبادك وإن تهدهم إلى توحيدك وطاعتك فتغفر لهم فإنك أنت العزيز الذي ل‬
‫يمتننع علينك منا تريده؛ الحكينم فيمنا تفعله تضنل منن تشاء وتهدي منن تشاء وقند قرأ جماعنة‪" :‬فإننك‬
‫أنت الغفور الرحيم" وليست من المصحف ذكره القاضي عياض في كتاب "الشفا" وقال أبو بكر‬
‫النباري‪ :‬وقند طعنن على القرآن منن قال إن قوله‪" :‬إننك أننت العزينز الحكينم" لينس بمشاكنل لقوله‪:‬‬
‫"وإن تغفر لهم" لن الذي يشاكل المغفرة فإنك أنت الغفور الرحيم والجواب أنه ل يحتمل إل ما‬
‫أنزله ال ومتنى نقنل إلى الذي نقله إلينه ضعنف معناه؛ فإننه ينفرد الغفور الرحينم بالشرط الثانني فل‬
‫يكون له بالشرط الول تعلق وهننو على مننا أنزله ال عننز وجننل واجتمننع على قراءتننه المسننلمون‬
‫مقرون بالشرطين كليهما أولهما وآخرهما إذ تلخيصه إن تعذبهم فإنك أنت عزيز حكيم‪ ،‬وإن تغفر‬
‫لهنم فإننك أننت العزينز الحكينم فني المرينن كليهمنا منن التعذينب والغفران فكان العزينز الحكينم ألينق‬
‫بهذا المكان لعمومنه فإننه يجمنع الشرطينن ولم يصنلح الغفور الرحينم إذ لم يحتمنل منن العموم منا‬
‫احتمله العزينز الحكينم ومنا شهند بتعظينم ال تعالى وعدله والثناء علينه فني الينة كلهنا والشرطينن‬
‫المذكورين أولى وأثبت معنى في الية مما يصلح لبعض الكلم دون بعض خرج مسلم من غير‬
‫طرينق عنن عبدال بنن عمرو بنن العاص أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم تل قوله عنز وجنل فني‬
‫إبراهيم "رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم"‬
‫[إبراهيم‪ ]36 :‬وقال عيسى عليه السلم‪" :‬إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز‬
‫الحكيم" فرفع يديه وقال‪( :‬اللهم أمتي) وبكى فقال ال عز وجل‪( :‬يا جبريل اذهب إلى محمد وربك‬
‫أعلم فسله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلم فسأله فأخبره رسول ال صلى ال عليه وسلم بما قال‬
‫وهنو أعلم فقال ال‪ :‬ينا جبرينل اذهنب إلى محمند فقنل له إننا سننرضيك فني أمتنك ول نسنوءك) وقال‬
‫بعضهنم‪ :‬فني الينة تقدينم وتأخينر ومعناه إن تعذبهنم فإننك أننت العزينز الحكينم وإن تغفنر لهنم فإنهنم‬
‫عبادك ووجه الكلم على نفسه أولى لما بيناه وبال التوفيق‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 119 :‬قال ال هذا يوم ينفنع الصنادقين صندقهم لهنم جنات تجري منن تحتهنا النهار‬
‫خالدين فيها أبدا رضي ال عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال ال هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" أي صدقهم في الدنيا فأما في الخرة فل‬
‫ينفع فيها الصدق وصدقهم في الدنيا يحتمل أن يكون صدقهم في العمل ل ويحتمل أن يكون تركهم‬
‫الكذب عليه وعلى رسله ل وإنما ينفعهم الصدق في ذلك اليوم وإن كان نافعا في كل اليام لوقوع‬
‫الجزاء فينه وقينل‪ :‬المراد صندقهم فني الخرة وذلك فني الشهادة لننبيائهم بالبلغ وفيمنا شهدوا بنه‬
‫على أنفسنهم منن أعمالهنم ويكون وجنه النفنع فينه أن يكفوا المؤاخذة بتركهنم كتنم الشهادة فيغفنر لهنم‬
‫بإقرارهم لنبيائهم وعلى أنفسهم وال أعلم وقرأ نافع وابن محيصن "يوم" بالنصب ورفع الباقون‬
‫وهنني القراءة البينننة على البتداء والخننبر فيوم ينفننع خننبر لن ن "هذا" والجملة فنني موضننع نصننب‬
‫بالقول‪ .‬وأما قراءة نافع وابن محيصن فحكى إبراهيم بن حميد عن محمد بن يزيد أن هذه القراءة‬
‫ل تجوز لنه نصب خبر البتداء ول يجوز فيه البناء وقال إبراهيم بن السري‪ :‬هي جائزة بمعنى‬
‫قال ال هذا لعيسنى ابنن مرينم يوم ينفنع الصنادقين صندقهم فنن "يوم" ظرف للقول و"هذا" مفعول‬
‫القول والتقديننر قال ال هذا القول فنني يوم ينفننع الصننادقين وقيننل‪ :‬التقديننر قال ال عننز وجننل هذه‬
‫الشياء تنفنع يوم القيامنة وقال الكسنائي والفراء‪ :‬بنني يوم ههننا على النصنب لننه مضاف إلى غينر‬
‫اسم؛ كما تقول‪ :‬مضى يومئذ وأنشد الكسائي‪:‬‬
‫وقلت ألما أصح والشيب وازع‬ ‫على حين عاتبت المشيب على الصبا‬
‫الزجاج ول يجيز البصريون ما قاله إذا أضفت الظرف إلى فعل مضارع فإن كان إلى ماض كان‬
‫جيدا كما مر في البيت وإنما جاز أن يضاف الفعل إلى ظروف الزمان لن الفعل بمعنى المصدر‬
‫وقيل‪ :‬يجوز أن يكون منصوبا ظرفا ويكون خبر البتداء الذي هو "هذا" لنه مشار به إلى حدث‪،‬‬
‫وظروف الزمان تكون أخبارا عنننن الحداث تقول‪ :‬القتال اليوم والخروج السننناعة‪ ،‬والجملة فننني‬
‫موضع نصب بالقول وقيل‪ :‬يجوز أن يكون "هذا" في موضع رفع بالبتداء و"يوم" خبر البتداء‬
‫والعامنل فينه محذوف والتقدينر‪ :‬قال ال هذا الذي قصنصناه يقنع يوم ينفنع الصنادقين صندقهم‪ .‬وفينه‬
‫قراءة ثالثنة "يوم ينفنع" بالتنوينن "الصنادقين صندقهم" فني الكلم حذف تقديره "فينه" مثنل قوله‪:‬‬
‫"واتقوا يوما ل تجزي نفس عن نفس شيئا" [البقرة‪ ]48 :‬وهي قراءة العمش‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لهم جنات" ابتداء وخبر‪" .‬تجري" في موضع الصفة‪" .‬من تحتها" أي من تحت‬
‫غرفهننا وأشجارهننا وقنند تقدم ثننم بيننن تعالى ثوابهننم وأنننه راض عنهننم رضننا ل يغضننب بعده أبدا‬
‫"ورضوا عنه" أي عن الجزاء الذي أثابهنم به‪" .‬ذلك الفوز" أي الظفر "العظينم" أي الذي عظم‬
‫خيره وكثر وارتفعت منزلة صاحبه وشرف‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 120 :‬ل ملك السماوات والرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل ملك السماوات والرض" الية جاء هذا عقب ما جرى من دعوى النصارى‬
‫في عيسى أنه إله فأخبر تعالى أن ملك السماوات والرض له دون عيسى ودون سائر المخلوقين‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون المعننننى أن الذي له ملك السنننماوات والرض يعطننني الجنات المتقدم ذكرهنننا‬
‫للمطيعين من عباده جعلنا ال منهم بمنه وكرمه‪ .‬تمت سورة "المائدة" بحمد ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة النعام‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ سورة النعام مكية في قوله الكثرين قال ابن عباس وقتادة‪ :‬هي مكية كلها إل آيتين منها نزلتا‬
‫بالمدينننة‪ ،‬قوله تعالى‪" :‬ومننا قدروا ال حننق قدره" [النعام‪ ]91 :‬نزلت فنني مالك بننن الصننيف‬
‫وكعنننب بنننن الشرف اليهوديينننن والخرى قوله‪" :‬وهنننو الذي أنشنننأ جنات معروشات وغينننر‬
‫معروشات" [النعام‪ ]141 :‬نزلت فني ثابنت بنن قينس بنن شماس النصناري وقال ابنن جرينج‪:‬‬
‫نزلت فني معاذ بنن جبنل وقال الماوردي وقال الثعلبني سنورة "النعام" مكينة إل سنت آيات نزلت‬
‫بالمديننة "ومنا قدروا ال حنق قدره" إلى آخنر ثلث آيات و"قنل تعالوا أتنل منا حرم ربكنم عليكنم"‬
‫[النعام‪ ]151 :‬إلى آخر ثلث آيات قال ابن عطية‪ :‬وهي اليات المحكمات وذكر ابن العربي‪:‬‬
‫أن قوله تعالى‪" :‬قنل ل أجند" نزل بمكنة يوم عرفنة وسنيأتي القول فني جمينع ذلك إن شاء ال وفني‬
‫الخنبر أنها نزلت جملة واحدة غير الست اليات وشيعها سبعون ألف ملك مع آية واحدة منهنا اثننا‬
‫عشنر ألف ملك وهني "وعنده مفاتنح الغينب ل يعلمهنا إل هنو" [النعام‪ ]59 :‬نزلوا بهنا ليل لهنم‬
‫زجل بالتسبيح والتحميد فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم الكتاب فكتبوها من ليلتهم وأسند أبو‬
‫جعفنر النحاس قال‪ :‬حدثننا محمند بنن يحينى حدثننا أبنو حاتنم روح بنن الفرج مولى الحضارمنة قال‬
‫حدثننا أحمند بنن محمند أبنو بكنر العمري حدثننا ابنن أبني فدينك حدثنني عمنر بنن طلحنة بنن علقمنة بنن‬
‫وقاص عنن نافنع أبني سنهل بنن مالك عنن أننس بنن مالك قال قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪:‬‬
‫(نزلت سورة النعام معها موكب من الملئكة سد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح) والرض‬
‫لهننم ترتننج ورسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم يقول‪( :‬سننبحان ربنني العظيننم) ثلث مرات وذكننر‬
‫الدارمني أبنو محمند فني مسننده عنن عمنر بنن الخطاب رضنني ال عننه قال‪ :‬النعام منن عجائب‬
‫القرآن‪ .‬وفيه عن كعب قال‪ :‬فاتحة "التوراة" فاتحة النعام وخاتمتها خاتمة "هود"‪ .‬وقاله وهب بن‬
‫منبننه أيضننا وذكننر المهدوي قال المفسننرون إن "التوراة" افتتحننت بقوله‪" :‬الحمنند ل الذي خلق‬
‫السماوات والرض" [النعام‪ ]1 :‬الية وختمت بقوله "الحمد ل الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له‬
‫شريك في الملك" [السراء‪ ]111 :‬إلى آخر الية وذكر الثعلبي عن جابر عن النبي صلى ال‬
‫عليننه وسننلم قال (مننن قرأ ثلث آيات مننن أول سننورة "النعام" إلى قوله‪" :‬ويعلم مننا تكسننبون"‬
‫[النعام‪ ]3 :‬وكل ال به أربعين ألف ملك يكتبون له مثله عبادتهم إلى يوم القيامة وينزل ملك من‬
‫السنماء السنابعة ومعنه مرزبنة منن حديند‪ ،‬فإذا أراد الشيطان أن يوسنوس له أو يوحني فني قلبنه شيئا‬
‫ضربه ضربة فيكون بينه وبينه سبعون حجابا فإذا كان يوم القيامة قال ال تعالى‪" :‬امش في ظلي‬
‫يوم ل ظل إل ظلي وكل من ثمار جنتي واشرب من ماء الكوثر واغتسل من ماء السلسبيل فأنت‬
‫عبدي وأنا ربك"‪ .‬وفي البخاري عن ابن عباس قال‪ :‬إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق‬
‫الثلثين ومائة من سورة "النعام" "قد خسر الذين قتلوا أولدهم سفها بغير علم" إلى قوله‪" :‬وما‬
‫كانوا مهتدين" [النعام‪.]140 :‬‬
‫تنبيه‪ :‬قال العلماء‪ :‬هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب‬
‫بالبعنث والنشور وهذا يقتضني إنزالهنا جملة واحدة لنهنا فني معننى واحند منن الحجنة وإن تصنرف‬
‫ذلك بوجوه كثيرة وعليهنا بننى المتكلمون أصنول الدينن لن فيهنا آيات بينات ترد على القدرينة دون‬
‫السور التي تذكر والمذكورات وسنزيد ذلك بيانا إن شاء ال بحول ال تعالى وعونه‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 1 :‬الحمند ل الذي خلق السنماوات والرض وجعنل الظلمات والنور ثنم الذينن كفروا‬
‫بربهم يعدلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الحمد ل" بدأ سبحانه فاتحتها بالحمد على نفسه وإثبات اللوهية أي أن الحمد كله‬
‫له فل شريك له فإن قيل‪ :‬فقد افتتح غيرها بالحمد ل فكان الجتزاء بواحدة يغني عن سائره فيقال‪:‬‬
‫لن لكنل واحدة مننه معننى فني موضعنه ل يؤدي عننه غيره منن أجنل عقده بالنعنم المختلفنة وأيضنا‬
‫فلمنا فينه منن الحجنة فني هذا الموضنع على الذينن هنم بربهنم يعدلون‪ .‬وقند تقدم معننى "الحمند" فني‬
‫الفاتحة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذي خلق السماوات والرض" أخبر عن قدرته وعلمه وإرادته فقال‪ :‬الذي خلق‬
‫أي اخترع وأوجند وأنشنأ وابتدع والخلق يكون بمعننى الختراع ويكون بمعننى التقدينر‪ ،‬وقند تقدم‬
‫وكلهما مراد هنا وذلك دليل على حدوثهما فرفع السماء بغير عمد وجعلها مستوية من غير أود‬
‫وجعننل فيهننا الشمننس والقمننر آيتيننن وزينهننا بالنجوم وأودعهننا السننحاب والغيوم علمتيننن وبسننط‬
‫الرض وأودعهنا الرزاق والنبات وبنث فيهنا منن كنل دابنة آيات جعنل فيهنا الجبال أوتادا وسنبل‬
‫فجاجننا وأجرى فيهننا النهار والبحار وفجننر فيهننا العيون مننن الحجار دللت على وحدانيتننه‪،‬‬
‫وعظيم قدرته وأنه هو ال الواحد القهار وبين بخلقه السماوات والرض أنه خالق كل شيء‪.‬‬
‫@ خرج مسلم قال‪ :‬حدثني سريج بن يونس وهارون بن عبدال قال حدثنا حجاج بن محمد قال‬
‫قال ابنن جرينج أخنبرني إسنماعيل بنن أمينة عنن أيوب بنن خالد عنن عبدال بنن رافنع مولى أم سنلمة‬
‫عن أبي هريرة قال أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم بيدي فقال‪( :‬خلق ال عز وجل التربة يوم‬
‫السنبت وخلق فيهنا الجبال يوم الحند وخلق الشجنر يوم الثنينن وخلق المكروه يوم الثلثاء وخلق‬
‫النور يوم الربعاء وبننث فيهننا الدواب يوم الخميننس وخلق آدم عليننه السننلم بعنند العصننر مننن يوم‬
‫الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أدخننل العلماء هذا الحديننث تفسننيرا لفاتحننة هذه السننورة؛ قال البيهقنني‪ :‬وزعننم أهننل العلم‬
‫بالحديننث أنننه غيننر محفوظ لمخالفننة مننا عليننه أهله التفسننير وأهله التواريننخ‪ .‬وزعننم بعضهننم أن‬
‫إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أيوب بن خالد وإبراهيم غير محتج به‬
‫وذكنر محمند بنن يحينى قال‪ :‬سنألت علي بنن المدينني عنن حدينث أبنى هريرة (خلق ال التربنة يوم‬
‫السبت)‪ .‬فقال علي‪ :‬هذا حديث مدني رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية‬
‫عن أيوب بن خالد عن أبي رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال‪ :‬أخذ رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسنلم بيدي قال علي‪ :‬وشبنك بيدي إبراهينم بنن أبني يحينى فقال لي‪ :‬شبنك بيدي أيوب بنن خالد وقال‬
‫لي شبنك بيدي عبدال بنن رافنع وقال لي‪ :‬شبنك بيدي أبنو هريرة وقال لي‪ :‬شبنك بيدي أبنو القاسنم‬
‫رسنول ال صننلى ال عليننه وسننلم فقال‪( :‬خلق ال الرض يوم السننبت) فذكننر الحدينث بنحوه‪ .‬قال‬
‫علي بنن المدينني‪ :‬ومنا أرى إسنماعيل بنن أمينة أخنذ هذا المنر إل منن إبراهينم بنن أبني يحينى قال‬
‫البيهقني‪ :‬وقند تابعنه على ذلك موسنى بنن عنبيدة الربذي عنن أيوب بنن خالد إل أن موسنى بنن عنبيدة‬
‫ضعيف‪ .‬وروي عن بكر بن الشرود عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم عن أيوب بن‬
‫خالد وإسناده ضعيف عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن في الجمعة ساعة ل‬
‫يوافقهنا أحند يسنأل ال عنز وجنل فيهنا شيئا إل أعطاه إياه) قال فقال عبدال بنن سنلم‪ :‬إن ال عنز‬
‫وجننننل ابتدأ الخلق فخلق الرض يوم الحنننند ويوم الثنيننننن وخلق السننننماوات يوم الثلثاء ويوم‬
‫الربعاء وخلق القوات ومنا فني الرض يوم الخمينس ويوم الجمعنة إلى صنلة العصنر ومنا بينن‬
‫صلة العصر إلى أن تغرب الشمس خلق آدم خرجه البيهقي‬
‫قلت‪ :‬وفينه أن ال تعالى بدأ الخلق يوم الحند ل يوم السنبت وكذلك تقدم فني "البقرة" عنن ابنن‬
‫مسنعود وغيره منن أصنحاب الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ .‬وتقدم فيهنا أن الختلف أيمنا خلق أول‬
‫الرض أم السماء مستوفى‪ .‬والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعل الظلمات والنور" ذكر بعد خلق الجواهر خلق العراض لكون الجوهر ل‬
‫يستغني عنه وما ل يستغني عن الحوادث فهو حادث‪ .‬والجوهر في اصطلح المتكلمين هو الجزء‬
‫الذي ل يتجزأ الحامل للعرض وقد أتينا على ذكره في الكتاب السنى في شرح أسماء ال الحسنى‬
‫فني اسنمه "الواحند" وسنمي العرض عرضنا لننه يعرض فني الجسنم والجوهنر فيتغينر بنه منن حال‬
‫إلى حال والجسم هو المجتمع وأقل ما يقع عليه اسم الجسم جوهران مجتمعان وهذه الصطلحات‬
‫وإن لم تكنن موجودة فني الصندر الول فقند دل عليهنا معننى الكتاب والسنتة فل معننى لنكارهنا وقند‬
‫استعملها العلماء واصطلحوا عليها وبنوا عليها كلمهم وقتلوا بها خصومهم‬
‫واختلف العلماء في المعنى المراد بالظلمات والنور فقال السدي وقتادة وجمهور المفسرين‪ :‬المراد‬
‫سواد الليل وضياء النهار وقال الحسن الكفر واليمان قال ابن عطية‪ :‬وهذا خروج عن الظاهر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬اللفنظ يعمنه وفني التنزينل‪" :‬أومنن كان ميتنا فأحييناه وجعلننا له نورا يمشني بنه فني الناس‬
‫كمنن مثله فني الظلمات" [النعام‪ .]122 :‬والرض هننا اسنم للجننس فإفرادهنا فني اللفنظ بمنزلة‬
‫جمعها وكذلك "والنور" ومثله "ثم يخرجكم طفل" [غافر‪ ]67 :‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫كلوا في بعض بطنكم تعفوا‬
‫وقد تقدم وجعل هنا بمعنى خلق ل يجوز غيره قاله ابن عطية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعليه يتفق اللفظ والمعنى في النسق فيكون الجمع معطوفا على الجميع والمفرد معطوفا‬
‫على المفرد فيتجانس اللفظ وتظهر الفصاحة وال أعلم وقيل‪ :‬جمع "الظلمات" ووحد "النور" لن‬
‫الظلمات ل تتعدى والنور يتعدى وحكنى الثعلبني أن بعنض أهنل المعانني قال‪" :‬جعنل" هننا زائدة‬
‫والعرب تزيد "جعل" في الكلم كقول الشاعر‪:‬‬
‫والواحد اثنين لما هدني الكبر‬ ‫وقد جعلت أرى الثنين أربعة‬
‫قال النحاس‪ :‬جعل بمعنى خلق وإذا كانت بمعنى خلق لم تتعد إل إلى مفعول واحد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" ابتداء وخبر والمعنى‪ :‬ثم الذين كفروا يجعلون ل‬
‫عدل وشريكننا وهننو الذي خلق هذه الشياء وحده قال ابننن عطيننة‪ :‬فننن "ثننم" دالة على قبننح فعننل‬
‫الكافرينن لن المعننى‪ :‬أن خلقنه السنماوات والرض قند تقرر وآياتنه قند سنطعت وإنعامنه بذلك قند‬
‫تنبين ثنم بعند ذلك كله عدلوا بربهنم فهذا كمنا تقول‪ :‬ينا فلن أعطيتنك وأكرمتنك وأحسننت إلينك ثنم‬
‫تشتمني ولو وقع العطف بالواو في هذا ونحوه لم يلزم التوبيخ كلزومه بثم وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجل وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هنو الذي خلقكنم منن طينن" الينة خنبر وفني معناه قولن‪ :‬أحدهمنا‪ :‬وهنو الشهنر‬
‫وعلينه منن الخلق الكثنر أن المراد آدم علينه السنلم والخلق نسنله والفرع يضاف إلى أصنله فلذلك‬
‫قال‪" :‬خلقكم" بالجمع فأخرجه مخرج الخطاب لهم إذ كانوا ولده؛ هذا قول الحسن وقتادة وابن أبي‬
‫نجينح والسندي والضحاك وابنن زيند وغيرهنم الثانني‪ :‬أن تكون النطفنة خلقهنا ال منن طينن على‬
‫الحقيقة ثم قلبها حتى كان النسان منها ذكره النحاس‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وبالجملة فلمننا ذكننر جننل وعننز خلق العالم الكننبير ذكننر بعده خلق العالم الصننغير وهننو‬
‫النسان وجعل فيه ما في العالم الكبير على ما بيناه في "البقرة" في آية التوحيد وال أعلم والحمد‬
‫ل وقند روى أبنو نعينم الحافنظ فني كتابنه عنن مرة عنن ابنن مسنعود أن الملك الموكنل بالرحنم يأخنذ‬
‫النطفنة فيضعهنا على كفنه ثنم يقول‪ :‬ينا رب مخلقنة أو غينر مخلقنة؟ فإن قال مخلقنة قال‪ :‬ينا رب منا‬
‫الرزق ما الثر ما الجل؟ فيقول‪ :‬انظر في أم الكتاب فينظر اللوح المحفوظ فيجد فيه رزقه وأثره‬
‫وأجله وعمله ويأخذ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته فذلك قوله تعالى‪" :‬منها خلقناكم‬
‫وفيها نعيدكم" [طه‪ .]55 :‬وخرج عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ما‬
‫من مولود إل وقد ذر عليه من تراب حفرته"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا يكون كله إنسنان مخلوقنا منن طينن وماء مهينن كمنا أخنبر جنل وعنز فني سنورة‬
‫"المؤمنون" فتنتظنم اليات والحادينث ويرتفنع الشكال والتعارض وال أعلم وأمنا الخبار عنن‬
‫خلق آدم علينه السنلم فقند تقدم فني "البقرة" ذكره واشتقاقنه ونزيند هننا طرفنا منن ذلك ونعتنه وسننه‬
‫ووفاتنه ذكنر ابنن سنعد فني "الطبقات" عنن أبني هريرة قال قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪:‬‬
‫(الناس ولد آدم وآدم منن التراب) وعنن سنعيد بنن جنبير قال‪ :‬خلق ال آدم علينه السنلم منن أرض‬
‫يقال لها دجناء قال الحسن‪ :‬وخلق جؤجؤه من ضرية قال الجوهري‪ :‬ضرية قرية لبني كلب على‬
‫طريق البصرة وهي إلى مكة أقرب وعن ابن مسعود قال‪ :‬إن ال تعالى بعث إبليس فأخذ من أديم‬
‫الرض من عذبها ومالحهنا فخلق منه آدم عليه السنلم فكل شيء خلقه منن عذبها فهو صنائر إلى‬
‫الجنة وإن كان ابن كافر وكل شيء خلقه من مالحها فهو صائر إلى النار وإن كان ابن تقي فمن ثم‬
‫قال إبليس "أأسجد لمن خلقت طينا" [السراء‪ ]61 :‬لنه جاء بالطينة فسمي آدم؛ لنه خلق من‬
‫أدينم الرض وعن عبدال بنن سلم قال خلق ال آدم فني آخنر يوم الجمعنة وعن ابن عباس قال لما‬
‫خلق ال آدم كان رأسنه يمنس السنماء قال فوطده إلى الرض حتنى صنار سنتين ذراعنا فني سنبعة‬
‫أذرع عرضا وعن أبي بن كعب قال‪ :‬كان آدم عليه السلم طوال جعدا كأنه نخلة سحوق وعن ابن‬
‫عباس في حديث فيه طول وحج آدم عليه السلم من الهند إلى مكة أربعين حجة على رجليه وكان‬
‫آدم حين أهبط تمسح رأسه السماء فمن ثم صلع وأورث ولده الصلع ونفرت من طول دواب البر‬
‫فصنارت وحشنا منن يومئذ ولم يمنت حتنى بلغ ولده وولد ولده أربعينن ألفنا وتوفني على ذروة الجبنل‬
‫الذي أنزل علينه فقال شينث لجبرينل عليهمنا السنلم‪" :‬صنل على آدم" فقال له جبرينل علينه السنلم‪:‬‬
‫تقدم أننت فصنل على أبينك وكنبر علينه ثلثينن تكنبيرة فأمنا خمنس فهني الصنلة وخمنس وعشرون‬
‫تفضيل لدم‪ .‬وقينل‪ :‬كنبر علينه أربعنا فجعنل بننو شينث آدم فني مغارة وجعلوا عليهنا حافظنا ل يقربنه‬
‫أحد من بني قابيل وكان الذين يأتونه ويستغفرون له بنو شيث وكان عمر آدم تسعمائة سنة وستا‬
‫وثلثينن سننة‪ .‬ويقال‪ :‬هنل فني الينة دلينل على أن الجواهنر منن جننس واحند؟ الجواب نعنم لننه إذا‬
‫جاز أن ينقلب الطيننن إنسننانا حيننا قادرا عليمننا جار أن ينقلب إلى كننل حال مننن أحواله الجواهننر‬
‫لتسوية العقل بين ذلك في الحكم وقد صح انقلب الجماد إلى الحيوان بدللة هذه الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم قضى أجل" مفعول‪" .‬وأجل مسمى عنده" ابتداء وخبر قال الضحاك‪" :‬أجل"‬
‫فني الموت "وأجنل مسنمى عنده" أجنل القيامنة فالمعننى على هذا‪ :‬حكنم أجل وأعلمكنم أنكنم تقيمون‬
‫إلى الموت ولم يعلمكنم بأجنل القيامنة‪ .‬وقال الحسنن ومجاهند وعكرمنة وخصنيف وقتادة وهذا لفنظ‬
‫الحسنن‪ :‬قضنى أجنل الدنينا منن يوم خلقنك إلى أن تموت "وأجنل مسنمى عنده" يعنني الخرة‪ .‬وقينل‪:‬‬
‫"قضى أجل" ما أعلمناه من أنه ل نبي بعد محمد صلى ال عليه وسلم (وأجل مسمى) من الخرة‬
‫وقينل‪" :‬قضنى أجل" ممنا نعرفنه منن أوقات الهلة والزرع ومنا أشبههمنا "وأجنل مسنمى" أجنل‬
‫الموت ل يعلم النسنان متنى يموت وقال ابنن عباس ومجاهند‪ :‬معنننى الينة "قضنى أجل" بقضاء‬
‫الدنينا‪" ،‬وأجنل مسنمى عنده" لبتداء الخرة‪ .‬وقينل‪ :‬الول قبنض الرواح فني النوم والثانني قبنض‬
‫الروح عند الموت عن ابن عباس أيضا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم أنتم تمترون" ابتداء وخبر أي تشكون في أنه إله واحد وقيل‪ :‬تمارون في ذلك‬
‫أي تجادلون جدال الشاكيننن والتماري المجادلة على مذهننب الشننك ومنننه قوله تعالى‪" :‬أفتمارونننه‬
‫على ما يرى" [النجم‪.]12 :‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 5 - 3 :‬وهنو ال فنني السنماوات وفني الرض يعلم سننركم وجهركنم ويعلم منا‬
‫تكسبون‪ ،‬وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إل كانوا عنها معرضين‪ ،‬فقد كذبوا بالحق لما جاءهم‬
‫فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهنو ال فني السنماوات وفني الرض" يقال‪ :‬منا عامنل العراب فني الظرف منن‬
‫"في السماوات وفى الرض" ؟ ففيه أجوبة‪ :‬أحدها‪ :‬أي وهو ال المعظم أو المعبود في السماوات‬
‫وفي الرض؛ كما تقول‪ :‬زيد الخليفة في الشرق والغرب أي حكمه ويجوز أن يكون المعنى وهو‬
‫ال المنفرد بالتدبينر فني السنماوات وفني الرض؛ كمنا تقول‪ :‬هنو فني حاجات الناس وفني الصنلة‬
‫ويجوز أن يكون خننبرا بعنند خننبر ويكون المعننى‪ :‬وهنو ال فني السنماوات وهنو ال فنني الرض‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنى وهو ال يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الرض فل يخفى عليه شيء؛ قال‬
‫النحاس‪ :‬وهذا منن أحسنن منا قينل فينه وقال محمند بنن جرينر‪ :‬وهنو ال فني السنماوات ويعلم سنركم‬
‫وجهركننم فنني الرض فيعلم مقدم فنني الوجهيننن والول أسننلم وأبعنند مننن الشكال وقيننل غيننر هذا‬
‫والقاعدة تنزيهه جل وعز عن الحركة والنتقال وشغل المكنة‪" .‬ويعلم ما تكسبون" أي من خير‬
‫وشر والكسب الفعل لجتلب نفع أو دفع ضرر ولهذا ل يقال لفعل ال كسب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما تأتيهم من آية" أي علمة كانشقاق القمر ونحوها‪ .‬و"من" لستغراق الجنس؛‬
‫تقول‪ :‬ما في الدار من أحد‪" .‬من آيات ربهم" "من" الثانية للتبعيض‪ .‬و"معرضين" خبر "كانوا"‬
‫والعراض ترك النظنر فني اليات التني يجنب أن يسنتدلوا بهنا على توحيند ال جنل وعنز منن خلق‬
‫السنماوات والرض ومنا بينهمنا وأننه يرجنع إلى قدينم حني غنني عنن جمينع الشياء قادر ل يعجزه‬
‫شيء عالم ل يخفى عليه شيء من المعجزات التي أقامها لنبيه صلى ال عليه وسلم؛ ليسنتدل بها‬
‫على صدقه في جميع ما أتى به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقند كذبوا" يعنني مشركني مكنة‪" .‬بالحنق" يعنني القرآن‪ ،‬وقينل‪ :‬بمحمند صنلى ال‬
‫عليننه وسننلم‪" .‬فسننوف يأتيهننم" أي يحننل بهننم العقاب؛ وأراد بالنباء وهنني الخبار العذاب؛ كقولك‬
‫اصبر وسوف يأتيك الخبر أي العذاب؛ والمراد ما نالهم يوم بدر ونحوه‪ .‬وقيل‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا‬
‫السنماء عليهنم مدرارا وجعلننا النهار تجري من تحتهنم فأهلكناهنم بذنوبهنم وأنشأننا منن بعدهنم قرننا‬
‫آخرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم يروا كنم أهلكننا منن قبلهنم منن قرن" "كنم" فني موضنع نصنب بأهلكننا ل بقوله‬
‫"ألم يروا" لن لفظ الستفهام ل يعمل فيه ما قبله‪ ،‬وإنما يعمل فيه ما بعده من أجل أن له صدر‬
‫الكلم‪ .‬والمعننى‪ :‬أل يعتنبرون بمنن أهلكننا منن المنم قبلهنم لتكذيبهنم أننبياءهم أي ألم يعرفوا ذلك‬
‫والقرن المة من الناس‪ .‬والجمع القرون؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫وخلفت في قرن فأنت غريب‬ ‫إذا ذهب القرن الذي كنت فيهم‬
‫فالقرن كله عالم فنني عصننره مأخوذ مننن القتران أي عالم مقترن بننه بعضهننم إلى بعننض؛ وفنني‬
‫الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬خير الناس قرني يعني أصحابي ثم الذين يلونهم ثم‬
‫الذينن يلونهنم) هذا أصنح منا قينل فينه‪ .‬وقينل‪ :‬المعننى منن أهنل قرن فحذف كقوله‪" :‬واسنأل القرينة"‬
‫[يوسف‪ .]82 :‬فالقرن على هذا مدة من الزمان؛ قيل‪ :‬ستون عاما وقيل سبعون‪ ،‬وقيل‪ :‬ثمانون؛‬
‫وقينل‪ :‬مائة؛ وعلينه أكثنر أصنحاب الحدينث أن القرن مائة سننة؛ واحتجوا بأن الننبي صنلى ال علينه‬
‫وسنلم قال لعبدال بنن بسنر‪" :‬تعينش قرننا" فعاش مائة سننة؛ ذكره النحاس‪ .‬وأصنل القرن الشينء‬
‫الطالع كقرن ما له قرن من الحيوان‪" .‬مكناهم في الرض ما لم نمكن لكم" خروج من الغيبة إلى‬
‫الخطاب؛ عكسنه "حتنى إذا كنتنم فني الفلك وجرينن؛ بهنم برينح طيبنة" [يوننس‪ .]22 :‬وقال أهنل‬
‫البصنرة أخنبر عنهنم بقوله "ألم يروا" وفيهنم محمند علينه السنلم وأصنحابه؛ ثنم خاطبهنم معهنم؛‬
‫والعرب تقول‪ :‬قلت لعبدال منا أكرمنه‪ :‬وقلت لعبدال منا أكرمنك؛ ولو جاء على منا تقدم منن الغيبنة‬
‫لقال‪ :‬ما لم نمكن لهم‪ .‬ويجوز مكنه ومكن له؛ فجاء باللغتين جميعا؛ أي أعطيناهم ما لم نعطكم من‬
‫الدنينا‪" .‬وأرسنلنا السنماء عليهنم مدرارا" يريند المطنر الكثينر؛ عنبر عننه بالسنماء لننه منن السنماء‬
‫ينزل؛ ومنه قوله الشاعر‪:‬‬
‫إذا سقط السماء بأرض قوم‬
‫و"مدرارا" بناء دال على التكثير؛ كمذكار للمرأة التي كثرت ولدتها للذكور؛ ومئناث للمرأة التي‬
‫تلد الناث؛ يقال‪ :‬در اللبنننننن يدر إذا أقبنننننل على الحالب بكثرة‪ .‬وانتصنننننب "مدارا" على الحال‪.‬‬
‫"وجعلنا النهار تجري من تحتهم" أي من تحت أشجارهم ومنازلهم؛ ومنه قوله فرعون‪" :‬وهذه‬
‫النهار تجري منن تحتني" [الزخرف‪ ]51 :‬والمعننى‪ :‬وسنعنا عليهنم النعنم فكفروهنا‪" .‬فأهلكناهنم‬
‫بذنوبهنم" أي بكفرهنم فالذنوب سنبب النتقام وزوال النعنم‪" .‬وأنشأننا منن بعدهنم قرننا آخرينن" أي‬
‫أوجدنا؛ فليحذر هؤلء من الهلك أيضا‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 7 :‬ولو نزلننا علينك كتابنا فني قرطاس فلمسنوه بأيديهنم لقال الذينن كفروا إن هذا إل‬
‫سحر مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس" الية‪ .‬المعنى‪ :‬ولو نزلنا يا محمد بمرأى منهم‬
‫كما زعموا وطلبوا كلما مكتوبا "في قرطاس" وعن ابن عباس‪ :‬كتابا معلقا بين السماء والرض‬
‫وهذا يبين لك أن التنزيل على وجهين؛ أحدهما‪ :‬على معنى نزله عليك الكتاب بمعنى نزول الملك‬
‫به‪ .‬والخر‪ :‬ولو نزلنا كتابا في قرطاس من يمسكه ال بين السماء والرض؛ وقال‪" :‬نزلنا" على‬
‫المبالغنة بطول مكنث الكتاب بينن السنماء والرض والكتاب مصندر بمعننى الكتابنة فنبين أن الكتابنة‬
‫فني قرطاس؛ لننه غينر معقول كتابنة إل فني قرطاس أي فني صنحيفة والقرطاس الصنحيفة؛ ويقال‪:‬‬
‫قرطاس بالضم؛ وقرطس فلن إذا رمى فأصناب الصحيفة الملزقة بالهدف‪" .‬فلمسوه بأيديهم" أي‬
‫فعاينوا ذلك ومسنوه باليند كمنا اقترحوا وبالغوا فني ميزه وتقليبنه جسنا بأيديهنم ليرتفنع كنل ارتياب‬
‫ويزول عنهنم كله إشكال‪ ،‬لعاندوا فينه وتابعوا كفرهنم‪ ،‬وقالوا‪ :‬سنحر منبين إنمنا سنكرت أبصنارنا‬
‫وسحرنا؛ وهذه الية جواب لقولهم‪" :‬حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه" [السراء‪ ]93 :‬فأعلم ال بما‬
‫سبق في علمه من أنه لو نزل لكذبوا به‪ .‬قال الكلبي‪ :‬نزلت في النضر بن الحرث وعبدال بن أبي‬
‫أمينة ونوفنل بنن خويلد قالوا‪" :‬لن نؤمنن لك حتنى تفجنر لننا منن الرض ينبوعنا" [السنراء‪]90 :‬‬
‫الية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 10 - 8 :‬وقالوا لول أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي المر ثم ل ينظرون‪،‬‬
‫ولو جعلناه ملكننا لجعلناه رجل وللبسنننا عليهننم مننا يلبسننون‪ ،‬ولقنند اسننتهزئ برسننل مننن قبلك فحاق‬
‫بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا لول أنزل عليه ملك" اقترحوا هذا أيضا و"لول" بمعنى هل‪" .‬ولو أنزلنا‬
‫ملكا لقضي المر" قال ابن عباس‪ :‬لو رأوا الملك على صورته لماتوا إذ ل يطيقون رؤيته‪ .‬مجاهد‬
‫وعكرمة‪ :‬لقامت الساعة‪ .‬قال الحسن وقتادة‪ :‬لهلكوا بعذاب الستئصال؛ لن ال أجرى سنته بأن‬
‫مننن طلب آيننة فأظهرت له فلم يؤمننن أهلكننه ال فنني الحال‪" .‬ثننم ل ينظرون" أي ل يمهلون ول‬
‫يؤخرون‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجل" أي ل يستطيعون أن يروا الملك في صورته إل‬
‫بعند التجسنم بالجسنام الكثيفنة؛ لن كله جننس يأننس بجنسنه وينفنر منن غينر جنسنه؛ فلو جعنل ال‬
‫تعالى الرسول إلى البشر ملكا لنفروا من مقاربته‪ ،‬ولما أنسوا به‪ ،‬ولداخلهم من الرعب من كلمه‬
‫والتقاء له منا يكفهنم عنن كلمنه‪ ،‬ويمنعهنم عنن سنؤاله‪ ،‬فل تعنم المصنلحة؛ ولو نقله عنن صنورة‬
‫الملئكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به وليسكنوا إليه لقالوا‪ :‬لست ملكا وإنما أنت بشر فل نؤمن بك‬
‫وعادوا إلى مثنل حالهنم‪ .‬وكاننت الملئكنة تأتني الننبياء فني صنورة البشنر فأتوا إبراهينم ولوطنا فني‬
‫صنورة الدميينن‪ ،‬وأتنى جبرينل الننبي علينه الصنلة والسنلم فني صنورة دحينة الكلبني‪ .‬أي لو أنزل‬
‫ملك لرأوه فني صنورة رجنل كمنا جرت عادة الننبياء‪ ،‬ولو نزل على عادتنه لم يروه؛ فإذا جعلناه‬
‫رجل التبننس عليهننم فكانوا يقولون‪ :‬هذا سنناحر مثلك‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬المعنننى "وللبسنننا عليهننم" أي‬
‫على رؤسنائهم كمنا يلبسنون على ضعفتهنم وكانوا يقولون لهنم إنمنا محمند بشروا ولينس بيننه وبينكنم‬
‫فروق فيلبسنون عليهنم بهذا ويشككونهنم؛ فأعلمهنم ال عنز وجنل أننه لو أنزل فني ملكنا فني صنورة‬
‫رجل لوجدوا سبيل إلى اللبس كما يفعلون‪ .‬واللبس الخلط؛ يقال‪ :‬لبست عليه المر ألبسه لبسا أي‬
‫خلطتنه؛ وأصنله التسنتر بالثوب ونحوه وقال‪" :‬لبسننا" بالضافنة إلى نفسنه على جهنة الخلق‪ ،‬وقال‬
‫"ما يلبسون" فأضاف إليهم على جهة الكتساب‪ .‬ثم قال مؤنسا لنبيه عليه الصلة والسلم ومعزيا‪:‬‬
‫"ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق" أي نزل بأممهم من العذاب ما أهلكوا به جزاء استهزائهم‬
‫بأننبيائهم‪ .‬حاق بالشينء يحينق حيقنا وحيوقنا وحيقاننا نزل؛ قال ال تعالى‪" :‬ول يحينق المكنر السنيئ‬
‫إل بأهله" [فاطر‪ ]43 :‬و"ما" في قوله‪" :‬ما كانوا" بمعنى الذي وقيل‪ :‬بمعنى المصدر أي حاق‬
‫بهم عاقبة استهزائهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 12 - 11 :‬قل سيروا في الرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين‪ ،‬قل لمن ما‬
‫في السماوات والرض قل ل كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة ل ريب فيه الذين‬
‫خسروا أنفسهم فهم ل يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قننل سننيروا فنني الرض" أي قننل يننا محمنند لهؤلء المسننتهزئين المسننتسخرين‬
‫المكذبينن‪ :‬سنافروا فني الرض فانظروا واسنتخبروا لتعرفوا منا حنل بالكفرة قبلكنم من العقاب وألينم‬
‫العذاب وهذا السنفر مندوب إلينه إذا كان على سنبيل العتبار بآثار منن خل منن المنم وأهنل الديار‪،‬‬
‫والعاقبة آخر المر‪ .‬والمكذبون هنا من كذب الحق وأهله ل من كذب بالباطل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل لمن ما في السماوات والرض" هذا أيضا احتجاج عليهم؛ المعنى قل لهم يا‬
‫محمد‪" :‬لمن في السماوات والرض" فإن قالوا لمن هو؟ فقل هو "ل" المعنى‪ :‬إذا ثبت أن له ما‬
‫فني السنماوات والرض وأننه خالق الكنل إمنا باعترافهنم أو بقيام الحجنة عليهنم‪ ،‬فال قادر على أن‬
‫يعاجلهنم بالعقاب ويبعثهنم بعند الموت‪ ،‬ولكننه "كتنب على نفسنه الرحمنة" أي وعند بهنا فضل مننه‬
‫وكرمننا فلذلك أمهننل وذكننر النفننس هنننا عبارة عننن وجود وتأكينند وعده‪ ،‬وارتفاع الوسننائط دونننه؛‬
‫ومعنى الكلم الستعطاف منه تعالى للمتولين عنه إلى القبال إليه‪ ،‬وإخبار منه سبحانه بأنه رحيم‬
‫بعباده ل يعجل عليهم بالعقوبة‪ ،‬ويقبل منهم النابة والتوبة‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال‪:‬‬
‫قال رسوله ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬لما قضى ال الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع‬
‫عنده إن رحمتنني تغلب غضننبي) أي لمننا أظهننر قضاءه وأبرزه لمننن شاء أظهننر كتابننا فنني اللوح‬
‫المحفوظ أو فيما شاءه مقتضاه خبر حق ووعد صدق "إن رحمتي تغلب غضبي" أي تسبقه وتزيد‬
‫عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليجمعنكنم" اللم لم القسنم‪ ،‬والنون نون التأكيند‪ .‬وقال الفراء وغيره‪ :‬يجوز أن‬
‫يكون تمام الكلم عننند قوله‪" :‬الرحمننة" ويكون مننا بعده مسننتأنفا على جهننة التننبيين؛ فيكون معنننى‬
‫"ليجمعنكنم" ليمهلنكنم وليؤخرن جمعكنم‪ .‬وقينل‪ :‬المعننى ليجمعنكنم أي فني القبور إلى اليوم الذي‬
‫أنكرتموه‪ .‬وقينل‪( :‬إلى) بمعننى فني‪ ،‬أي ليجعنكنم فني يوم القيامنة‪ .‬وقينل‪ :‬يجوز أن يكون موضنع‬
‫"ليجمعنكم" نصبا على البدل من الرحمة؛ فتكون اللم بمعنى (أن) المعنى‪ :‬كتب ربكم على نفسه‬
‫ليجمعنكنم‪ ،‬أي أن يجمعكنم؛ وكذلك قال كثينر منن النحويينن فني قوله تعالى‪" :‬ثنم بدا لهنم منن بعند منا‬
‫رأوا اليات ليسجننه" [يوسف‪ ]35 :‬أي أن يسجنوه‪ .‬وقيل‪ :‬موضعه نصب (بكتب)؛ كما تكون‬
‫(أن) في قوله عز وجل "كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة" [النعام‪:‬‬
‫‪ ]54‬وذلك أنه مفسر للرحمة بالمهال إلى يوم القيامة؛ عن الزجاج‪" .‬ل ريب فيه" ل شك فيه‪.‬‬
‫"الذين خسروا أنفسهم فهم ل يؤمنون" ابتداء وخبر‪ ،‬قاله الزجاج‪ ،‬وهو أجود ما قيل فيه؛ تقول‪:‬‬
‫الذي يكرمنننني فله درهنننم‪ ،‬فالفاء تتضمنننن معننننى الشرط والجزاء‪ .‬وقال الخفنننش‪ :‬إن شئت كان‬
‫(الذينن) فني موضنع نصنب على البدل منن الكاف والمينم فني (ليجمعنكنم) أي ليجمعنن المشركينن‬
‫الذيننن خسننروا أنفسننهم؛ وأنكروه المننبرد وزعننم أنننه خطننأ؛ لنننه ل يبدل مننن المخاطننب ول مننن‬
‫المخاطب‪ ،‬ل يقال‪ :‬مررت بك زيد ول مررت بي زيد لن هذا ل يشكل فيبين‪ .‬قال القتبي‪ :‬يجوز‬
‫أن يكون (الذينن) جزاء على البدل منن (المكذبينن) الذينن تقدم ذكرهنم‪ .‬أو على النعنت لهنم‪ .‬وقينل‪:‬‬
‫(الذين) نداء مفرد‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 16 - 13 :‬وله منا سنكن فني اللينل والنهار وهنو السنميع العلينم‪ ،‬قنل أغينر ال أتخنذ‬
‫ولينا فاطنر السنماوات والرض وهنو يطعنم ول يطعنم قنل إنني أمرت أن أكون أول منن أسنلم ول‬
‫تكوننن منن المشركينن‪ ،‬قنل إنني أخاف إن عصنيت ربني عذاب يوم عظينم‪ ،‬منن يصنرف عننه يومئذ‬
‫فقد رحمه وذلك الفوز المبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وله ما سكن في الليل والنهار" أي ثبت‪ ،‬وهذا احتجاج عليهم أيضا‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت‬
‫الينة لنهنم قالوا‪ :‬علمننا أننه منا يحملك على منا تفعنل إل الحاجنة‪ ،‬فنحنن نجمنع لك منن أموالننا حتنى‬
‫تصنير أغناننا؛ فقال ال تعالى‪ :‬أخنبرهم أن جمينع الشياء ل‪ ،‬فهنو قادر على أن يغنينني‪ .‬و(سنكن)‬
‫معناه هدأ واسنتقر؛ والمراد منا سنكن ومنا تحرك‪ ،‬فحذف لعلم السنامع‪ .‬وقينل‪ :‬خنص السناكن بالذكنر‬
‫لن ما يعمه السكون أكثر مما تعمه الحركة‪ .‬وقيل المعنى ما خلق‪ ،‬فهو عام في جميع المخلوقات‬
‫متحركهنا وسناكنها‪ ،‬فإننه يجري عليه الليل والنهار؛ وعلى هذا فلينس المراد بالسنكون ضند الحركة‬
‫بننل المراد الخلق‪ ،‬وهذا أحسننن مننا قيننل؛ لنننه يجمننع شتات القوال‪" .‬وهننو السننميع" لصننواتهم‬
‫"العليم" بأسرارهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أغير ال أتخذ وليا" مفعولن؛ لما دعوه إلى عبادة الصنام دين آبائه أنزل ال‬
‫تعالى "قنل" ينا محمند‪" :‬أغينر ال اتخنذ ولينا" أي ربنا ومعبودا وناصنرا دون ال‪" .‬فاطنر السنماوات‬
‫والرض" بالخفض على النعت لسم ال؛ وأجاز الخفش الرفع على إضمار مبتدأ‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫ويجوز النصنب على المدح‪ .‬أبنو علي الفارسني‪ :‬ويجوز نصنبه على فعنل مضمنر كأننه قال‪ :‬اترك‬
‫فاطننر السننماوات والرض؟ لن قوله‪" :‬أغيننر ال اتخننذ وليننا" يدل على ترك الوليننة له‪ ،‬وحسننن‬
‫إضماره لقوة هذه الدللة‪" .‬وهننو يطعننم ول يطعننم" كذا قراءة العامننة‪ ،‬أي يرزق ول يرزق؛ دليله‬
‫على قوله تعالى‪" :‬ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون" [الذاريات‪ ]57:‬وقرأ سعيد بن‬
‫جنبير ومجاهند والعمنش‪ :‬وهنو يطعنم ول يطعنم‪ ،‬وهني قراءة حسننة؛ أي أننه يرزق عباده‪ ،‬وهنو‬
‫سنبحانه غينر محتاج إلى منا يحتاج إلينه المخلوقون منن الغذاء‪ .‬وقرئ بضنم الياء وكسنر العينن فني‬
‫الفعلينن‪ ،‬أي إن ال يطعنم عباده ويرزقهنم والولي ل يطعنم نفسنه ول منن يتخذه‪ .‬وقرئ بفتنح الياء‬
‫والعين في الول أي الولي (ول يطعم) بضم الياء وكسر العين‪ .‬وخص الطعام بالذكر دون غيره‬
‫منن ضروب النعام؛ لن الحاجنة إليه أمنس لجمينع النام‪" .‬قنل إنني أمرت أن أكون أول من أسنلم"‬
‫أي استسلم لمر ال تعالى‪ .‬وقيل‪ :‬أول من أخلص أي من قومي وأمتي؛ عن الحسن وغيره‪" .‬ول‬
‫تكوننن منن المشركينن" أي وقينل لي‪" :‬ول تكوننن منن المشركينن"‪" .‬قنل إنني أخاف إن عصنيت‬
‫ربني" أي بعبادة غيره أن يعذبنني‪ ،‬والخوف توقنع المكروه‪ .‬قال ابنن عباس‪" :‬أخاف" هننا بمعننى‬
‫أعلم‪" .‬من يصرف عنه" أي العذاب "يومئذ" يوم القيامة "فقد رحمه" أي فاز ونجا ورحم‪.‬‬
‫@ وقرأ الكوفيون "منن يصنرف" بفتنح الياء وكسنر الراء‪ ،‬وهنو اختيار أبني حاتنم وأبني عبيند؛‬
‫لقوله‪" :‬قننل لمننن مننا فنني السننماوات والرض قننل ل" ولقوله‪" :‬فقنند رحمننه" ولم يقننل رحننم على‬
‫المجهول‪ ،‬ولقراءة أبي "من يصرف ال عنه" واختار سيبويه القراءة الولى ‪ -‬قراءة أهل المدينة‬
‫وأبنني عمرو ‪ -‬قال سننيبويه‪ :‬وكلمننا قننل الضمار فنني الكلم كان أولى؛ فأمننا قراءة مننن قرأ "مننن‬
‫يصنرف" بفتنح الياء فتقديره‪ :‬منن يصنرف ال عننه العذاب‪ ،‬وإذا قرئ (منن يصنرف عننه) فتقديره‪:‬‬
‫من يصرف عنه العذاب‪" .‬وذلك الفوز المبين" أي النجاة البينة‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 17 :‬وإن يمسنسك ال بضنر فل كاشنف له إل هنو وإن يمسنسك بخينر فهنو على كنل‬
‫شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يمسسك ال بضر فل كاشف له إل هو" المس والكشف من صفات الجسام‪،‬‬
‫وهو هنا مجاز وتوسع؛ والمعنى‪ :‬إن تنزل بك يا محمد شدة من فقر أو مرض فل رافع وصارف‬
‫له إل هنو‪ ،‬وإن يصنبك بعافينة ورخاء ونعمنة "فهنو على كنل شينء قدينر" منن الخينر والضنر روى‬
‫ابنن عباس قال‪ :‬كننت ردينف رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فقال لي‪( :‬ينا غلم ‪ -‬أو ينا بنني ‪ -‬أل‬
‫أعلمك كلمات ينفعنك ال بهنن)؟ فقلت‪ :‬بلى؛ فقال‪( :‬احفنظ ال يحفظنك احفنظ ال تجده أمامك تعرف‬
‫إلى ال فني الرخاء يعرفنك فني الشدة إذا سنألت فاسنأل ال وإذا اسنتعنت فاسنتعن بال فقند جنف القلم‬
‫بمنا هنو كائن فلو أن الخلق كلهنم جميعنا أرادوا أن يضروك بشينء لم يقضنه ال لك لم يقدروا علينه‬
‫واعمنل ال بالشكنر واليقينن واعلم أن فني الصنبر على منا تكره خيرا كثيرا وأن النصنر منع الصنبر‬
‫وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا) أخرجه أبو بكر بن ثابت الخطيب في كتاب (الفصل‬
‫والوصل) وهو حديث صحيح؛ وقد خرجه الترمذي‪ ،‬وهذا أتم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 19 - 18 :‬وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير‪ ،‬قل أي شيء أكبر شهادة‬
‫قنل ال شهيند بينني وبينكنم وأوحني إلي هذا القرآن لنذركنم بنه ومنن بلغ أئنكنم لتشهدون أن منع ال‬
‫آلهة أخرى قل ل أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهنو القاهنر فوق عباده" القهنر الغلبنة‪ ،‬والقاهنر الغالب‪ ،‬وأقهنر الرجنل إذا صنير‬
‫بحال المقهور الذليل؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫فأمسى حصين قد أذل وأقهرا‬ ‫تمنى حصين أن يسود جذاعه‬
‫وقهنر غلب‪ .‬ومعننى (فوق عباده) فوقينة السنتعلء بالقهنر والغلبنة عليهنم؛ أي هنم تحنت تسنخيره ل‬
‫فوقية مكان؛ كما تقول‪ :‬السلطان فوق رعيته أي بالمنزلة والرفعة‪ .‬وفي القهر معنى زائد ليس في‬
‫القدرة‪ ،‬وهو منع غيره عن بلوغ المراد‪" .‬وهو الحكيم" في أمره "الخبير" بأعمال عباده‪ ،‬أي من‬
‫اتصف بهذه الصفات يجب أل يشرك به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أي شيء أكبر شهادة" وذلك أن المشركين قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫من يشهد لك بأنك رسول ال فنزلت الية؛ عن الحسن وغيره‪ .‬ولفظ (شيء) هنا واقع موقع اسم‬
‫ال تعالى؛ المعننى ال أكنبر شهادة أي انفراده بالربوبينة‪ ،‬وقيام البراهينن على توحيده أكنبر شهادة‬
‫وأعظم؛ فهو شهيد بيني وبينكم على أني قد بلغتكم وصدقت فيما قلته وادعيته من الرسالة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأوحني إلي هذا القرآن" أي والقرآن شاهند بنبوتني‪" .‬لنذركنم بنه" ينا أهنل مكنة‪.‬‬
‫"ومنن بلغ" أي ومنن بلغنه القرآن‪ .‬فحذف (الهاء) لطول الكلم‪ .‬وقينل‪ :‬ومنن بلغ الحلم‪ .‬ودل بهذا‬
‫على أن منن لم يبلغ الحلم لينس بمخاطنب ول متعبند‪ .‬وتبلينغ القرآن والسننة مأمور بهمنا‪ ،‬كمنا أمنر‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم بتبليغهما؛ فقال‪" :‬يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" [المائدة‪:‬‬
‫‪ .]67‬وفي صحيح البخاري عن عبدال بن عمرو عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬بلغوا عني‬
‫ولو آينة وحدثوا عنن بنني إسنرائيل ول حرج ومنن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده منن النار)‪ .‬وفني‬
‫الخنبر أيضنا؛ منن بلغتنه آينة منن كتاب ال فقند بلغنه أمنر ال أخنذ بنه أو تركنه‪ .‬وقال مقاتنل‪ :‬منن بلغنه‬
‫القرآن من الجن والنس فهو نذير له‪ .‬وقال القرظي‪ :‬من بلغه القرآن فكأنما قد رأى محمدا صلى‬
‫ال علينه وسنلم وسنمع مننه‪ .‬وقرأ أبنو نهينك‪( :‬وأوحنى إلي هذا القرآن) مسنمى الفاعنل؛ وهنو معننى‬
‫قراءة الجماعنة‪" .‬أئنكنم لتشهدون أن منع ال آلهنة أخرى" اسنتفهام توبينخ وتقرينع‪ .‬وقرئ (أئنكنم)‬
‫بهمزتينن على الصنل‪ .‬وإن خففنت الثانينة قلت‪( :‬أئنكنم)‪ .‬وروى الصنمعي عنن أبني عمرو ونافنع‬
‫(أئنكم)؛ وهذه لغة معروفة‪ ،‬تجعل بين الهمزتين ألف كراهة للتقائهما؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫وبين النقا أأنت أم أم سالم‬ ‫أيا ظبية الوعساء بين جلجل‬
‫ومننن قرأ "أئنكننم" على الخننبر فعلى أنننه قنند حقننق عليهننم شركهننم‪ .‬وقال‪ ":‬آلهننة أخرى" ولم يقننل‪:‬‬
‫(آخر)؛ قال الفراء‪ :‬لن اللهة جمع والجمع يقع عليه التأنيث؛ ومنه قوله‪" :‬ول السماء الحسنى‬
‫فادعوه بها" [طه‪ ، ]51 :‬وقوله‪" :‬فما بال القرون الولى" [طه‪ ]51 :‬ولو قال‪ :‬الول والخر‬
‫صح أيضا‪" .‬قل ل أشهد قل" أي فأنا ل أشهد معكم فحذف لدللة الكلم عليه ونظيره "فإن شهدوا‬
‫فل تشهد معهم" [النعام‪.]150 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم ل‬
‫يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين آتيناهم الكتاب" يريند اليهود والنصارى الذين عرفوا وعانوا و(الذين) في‬
‫موضع رفع بالبتداء‪" .‬يعرفونه" في موضع الخبر؛ أي يعرفون النبي صلى ال عليه وسلم؛ عن‬
‫الحسنن وقتادة‪ ،‬وهنو قول الزجاج‪ .‬وقينل‪ :‬يعود على الكتاب‪ ،‬أي يعرفوننه على منا يدل علينه‪ ،‬أي‬
‫على الصفة التي هو بها من دللته على صحة أمر النبي صلى ال عليه وسلم وآله‪" .‬الذين خسروا‬
‫أنفسهم" في موضع النعت؛ ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره "فهم ل يؤمنون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 22 - 21 :‬ومنن أظلم ممنن افترى على ال كذبنا أو كذب بآياتنه إننه ل يفلح‬
‫الظالمون‪ ،‬ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن أظلم" ابتداء وخبر أي ل أحد أظلم "ممن افترى" أي اختلق "على ال كذبا‬
‫أو كذب بآياته" يريد القرآن والمعجزات‪" .‬إنه ل يفلح الظالمون" قيل‪ :‬معناه في الدنيا؛ ثم استأنف‬
‫فقال "ويوم نحشرهم جميعا" على معنى واذكر "يوم نحشرهم" وقيل‪ :‬معناه أنه ل يفلح الظالمون‬
‫في الدنيا ول يوم نحشرهم؛ فل يوقف على هذا التقدير على قوله‪( :‬الظالمون) لنه متصل‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫هننو متعلق بمننا بعده وهننو (انظننر) أي انظننر كيننف كذبوا يوم نحشرهننم؛ أي كيننف يكذبون يوم‬
‫نحشرهننم؟‪" .‬ثننم نقول للذيننن أشركوا أيننن شركاؤكننم" سننؤال إفضاح ل إفصنناح‪" .‬الذيننن كنتننم‬
‫تزعمون" أي في أنهم شفعاء لكم عند ال بزعمكم‪ ،‬وأنها تقربكم منه زلفى؛ وهذا توبيخ لهم‪ .‬قال‬
‫ابن عباس‪ :‬كل زعم في القرآن فهو كذب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 23 :‬ثم لم تكن فتنتهم إل أن قالوا وال ربنا ما كنا مشركين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم لم تكن فتنتهم" الفتنة الختبار أي لم يكن جوابهم حين اختبروا بهذا السؤال‪،‬‬
‫ورأوا الحقائق‪ ،‬وارتفعنت الدواعني‪" .‬إل أن قالوا وال ربننا منا كننا مشركينن" تنبرؤوا منن الشرك‬
‫وانتفوا منننه لمننا رأوا مننن تجاوزه ومغفرتننه للمؤمنيننن‪ .‬قال ابننن عباس‪ :‬يغفننر ال تعالى لهننل‬
‫الخلص ذنوبهنم‪ ،‬ول يتعاظنم علينه ذننب أن يغفره‪ ،‬فإذا رأى المشركون ذلك؛ قالوا إن ربننا يغفنر‬
‫الذنوب ول يغفنر الشرك فتعالوا نقول إننا كننا أهنل ذنوب ولم نكنن مشركينن؛ فقال ال تعالى‪ :‬أمنا إذ‬
‫كتموا الشرك فاختموا على أفواههنم‪ ،‬فيختنم على أفواههنم‪ ،‬فتنطنق أيديهنم وتشهند أرجلهنم بمنا كانوا‬
‫يكسننبون‪ ،‬فعننند ذلك يعرف المشركون أن ال ل يكتننم حديثننا؛ فذلك قوله‪" :‬يومئذ يود الذيننن كفروا‬
‫وعصوا الرسول لو تسوى بهم الرض ول يكتمون ال حديثا" [النساء‪ .]42 :‬وقال أبو إسحاق‬
‫الزجاج‪ :‬تأويل هذه الية لطيف جدا‪ ،‬أخبر ال عز وجل بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم‪ ،‬ثم‬
‫أخنبر أن فتنتهنم لم تكنن حينن رأوا الحقائق إل أن انتفوا منن الشرك‪ ،‬ونظينر هذا فني اللغنة أن ترى‬
‫إنسانا يحب غاويا فإذا وقع في هلكة تبرأ منه‪ ،‬فيقال‪ :‬ما كانت محبتك إياه إل أن تبرأت منه‪ .‬وقال‬
‫الحسننن‪ :‬هذا خاص بالمنافقيننن جروا على عادتهننم فنني الدنيننا‪ ،‬ومعنننى (فتنتهننم) عاقبننة فتنتهننم أي‬
‫كفرهنم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬معناه معذرتهنم‪ .‬وفني صنحيح مسنلم منن حدينث أبني هريرة قال‪( :‬فيلقنى العبند‬
‫فيقول أي فنل ألم أكرمنك وأسنودك وأزوجنك وأسنخر لك الخينل والبنل وأذرك ترأس وتربنع فيقول‬
‫بلى أي رب‪ :‬فيقول أفظنننت أننك ملقني فيقول ل‪ ،‬فيقول إنني أنسناك كمنا نسنيتني‪ .‬ثنم يلقنى الثانني‬
‫فيقول له ويقول هننو مثننل ذلك بعينننه‪ ،‬ثننم يلقننى الثالث فيقول له مثننل ذلك فيقول يننا رب آمنننت بننك‬
‫وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت وتصدقت يثني بخير ما استطاع قال‪ :‬فيقال ههنا إذا ثم يقال‬
‫له الن نبعنث شاهدا علينك ويتفكنر فني نفسنه منن ذا الذي يشهند علي فيختنم على فينه ويقال لفخذه‬
‫ولحمنه وعظامنه انطقني فتنطنق فخذه ولحمنه وعظامنه بعمله وذلك ليعذر منن نفسنه وذلك المنافنق‬
‫وذلك الذي سخط ال عليه)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬انظر كيف كذبوا على أنفسهم" كذب المشركين قولهم‪ :‬إن عبادة الصنام تقربنا‬
‫إلى ال زلفى‪ ،‬بل ظنوا ذلك وظنهم الخطأ ل يعذرهم ول يزيل اسم الكذب عنهم‪ ،‬وكذب المنافقين‬
‫باعتذارهنم بالباطنل‪ ،‬وجحدهنم نفاقهنم‪" .‬وضنل عنهنم منا كانوا يفترون" أي فانظنر كينف ضنل عنهنم‬
‫افتراؤهنم أي تلشنى وبطنل منا كانوا يظنوننه منن شفاعنة آلهتهنم‪ .‬وقينل‪( :‬وضنل عنهنم منا كانوا‬
‫يفترون) أي فارقهنم منا كانوا يعبدون منن دون ال فلم يغنن عنهنم شيئا؛ عنن الحسنن‪ .‬وقينل‪ :‬المعننى‬
‫عزب عنهم افتراؤهنم لدهشهم‪ ،‬وذهول عقولهم‪ .‬والنظنر في قوله‪( :‬انظنر) يراد به نظنر العتبار؛‬
‫ثنم قينل‪" :‬كذبوا" بمعننى يكذبون‪ ،‬فعنبر عنن المسنتقبل بالماضني؛ وجاز أن يكذبوا فني الخرة لننه‬
‫موضع دهش وحيرة وذهول عقل‪ .‬وقيل‪ :‬ل يجوز أن يقع منهم كذب في الخرة؛ لنها دار جزاء‬
‫على منا كان فني الدنينا ‪ -‬وعلى ذلك أكثنر أهنل النظنر ‪ -‬وإنمنا ذلك فني الدنينا؛ فمعننى "وال ربننا منا‬
‫كننا مشركينن" على هذا‪ :‬منا كننا مشركينن عنند أنفسننا؛ وعلى جواز أن يكذبوا فني الخرة يعارضنه‬
‫قوله‪( :‬ول يكتمون ال حديثا)؛ ول معارضة ول تناقض؛ ل يكتمون ال حديثا في بعض المواطن‬
‫إذا شهدت عليهم ألسنتهم وأيديهنم وأرجلهم بعملهم‪ ،‬ويكذبون على أنفسهم فني بعض المواطن قبل‬
‫شهادة الجوارح على منا تقدم‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال سنعيد بنن جنبير فني قوله تعالى‪" :‬وال ربننا منا كننا‬
‫مشركين" قال‪ :‬اعتذروا وحلفوا؛ وكذلك قال ابن أبي نجيح وقتادة‪ :‬وروي عن مجاهد أنه قال‪ :‬لما‬
‫رأوا أن الذنوب تغفر إل الشرك بال والناس يخرجون من النار قالوا‪" :‬وال ربنا ما كنا مشركين"‬
‫وقيننل‪" :‬وال ربنننا مننا كنننا مشركيننن" أي علمنننا أن الحجار ل تضننر ول تنفننع‪ ،‬وهذا وإن كان‬
‫صنحيحا منن القول فقند صندقوا ولم يكتموا‪ ،‬ولكنن ل يعذرون بهذا؛ فإن المعانند كافنر غينر معذور‪.‬‬
‫ثنم قينل فني قوله‪" :‬ثنم لم تكنن فتنتهنم" خمنس قراءات‪ :‬قرأ حمزة والكسنائي "يكنن" بالياء "فتنتهنم"‬
‫بالنصنب خنبر "يكنن" "إل أن قالوا" اسنمها أي إل قولهنم؛ فهذه قراءة بيننة‪ .‬وقرأ أهنل المديننة وأبنو‬
‫عمرو "تكنن" بالتاء "فتنتهنم" بالنصنب (إل أن قالوا) أي إل مقالتهنم‪ .‬وقرأ أبني وابنن مسنعود ومنا‬
‫كان ‪ -‬بدل قوله (ثنم لم تكنن) ‪ -‬فتنتهنم إل أن قالوا)‪ .‬وقرأ ابنن عامنر وعاصنم منن رواينة حفنص‪،‬‬
‫والعمنش منن رواينة المفضنل‪ ،‬والحسنن وقتادة وغيرهنم (ثنم لم تكنن" بالتاء "فتنتهنم" بالرفنع اسنم‬
‫"تكنن" والخنبر "إل أن قالوا" فهذه أربنع قراءات‪ .‬الخامسنة‪( :‬ثنم لم يكنن" بالياء (فتنتهنم)؛ رفنع‬
‫ويذكنر الفتننة لنهنا بمعننى الفتون‪ ،‬ومثله "فمنن جاءه موعظنة منن ربنه فانتهنى" [البقرة‪.]275 :‬‬
‫"وال" الواو واو القسنم "ربننا" نعنت ل عنز وجنل‪ ،‬أو بدل‪ .‬ومنن نصنب فعلى النداء أي ينا ربننا‬
‫وهي قراءة حسنة؛ لن فيها معنى الستكانة والتضرع‪ ،‬إل أنه فصل بين القسم وجوابه بالمنادى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن‬
‫يروا كننل آيننة ل يؤمنوا بهننا حتننى إذا جاؤوك يجادلونننك يقول الذيننن كفروا إن هذا إل أسنناطير‬
‫الولين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنهم من يستمع إليك" أفرد على اللفظ يعني المشركين كفار مكة‪" .‬وجعلنا على‬
‫قلوبهنم أكننة" أي فعلننا ذلك بهنم مجازاة على كفرهنم‪ .‬ولينس المعننى أنهنم ل يسنمعون ول يفقهون‪،‬‬
‫ولكن لما كانوا ل ينتفعون بما يسمعون‪ ،‬ول ينقادون إلى الحق كانوا بمنزلة من ل يسمع ول يفهم‪.‬‬
‫والكنة الغطية جمع كنان مثل السنة والسنان‪ ،‬والعنة والعنان‪ .‬كننت الشيء في كنه إذا صنته‬
‫فينه‪ .‬وأكنننت الشينء أخفيتنه‪ .‬والكناننة معروفنة‪ .‬والكننة (بفتنح الكاف والنون) امرأة أبينك؛ ويقال‪:‬‬
‫امرأة البننن أو الخ؛ لنهننا فنني كنننه‪" .‬أن يفقهوه" أي يفهموه وهننو فنني موضننع نصننب؛ المعنننى‬
‫كراهية أن يفهموه‪ ،‬أو لئل يفهموه‪" .‬وفي آذانهم وقرا" عطف عليه أي ثقل؛ يقال منه‪ :‬وقرت أذنه‬
‫(بفتح الواو) توقر وقرا أي صنمت‪ ،‬وقياس مصدره التحريك إل أنه جاء بالتسكين‪ .‬وقد وقر ال‬
‫أذننه يقرهنا وقرا؛ يقال‪ :‬اللهنم قنر أذننه‪ .‬وحكنى أبنو زيند عنن العرب‪ :‬أذن موقورة على منا لم يسنم‬
‫فاعله؛ فعلى هذا وقرت (بضم الواو)‪ .‬وقرأ طلحة بن مصرف (وقرا) بكسر الواو؛ أي جعل‪ ،‬في‬
‫آذانهنم منا سندها عنن اسنتماع القول على التشنبيه بوقنر البعينر‪ ،‬وهنو مقدار منا يطينق أن يحمنل‪،‬‬
‫والوقننر الحمنل؛ يقال مننه‪ :‬نخلة موقننر وموقرة إذا كانننت ذات ثمننر كثيننر‪ .‬ورجنل ذو قرة إذا كان‬
‫وقورا بفتح الواو؛ ويقال منه‪ :‬وقر الرجل (بقضم القاف) وقارا‪ ،‬ووقر (بفتح القاف) أيضا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يروا كنل آينة ل يؤمنوا بهنا" أخنبر ال تعالى بعنادهنم لنهنم لمنا رأوا القمنر‬
‫منشقا قالوا‪ :‬سحر؛ فأخبر ال عز وجل بردهم اليات بغير حجة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتى إذا جاؤوك يجادلونك" مجادلتهم قولهم‪ :‬تأكلون ما قتلتم‪ ،‬ول تأكلون ما قتل‬
‫ال؛ عنن ابنن عباس‪" .‬يقول الذينن كفروا" يعنني قريشنا؛ قال ابنن عباس‪ :‬قالوا للنضنر بنن الحرث‪]:‬‬
‫ما يقول محمد؟ قال‪ :‬أرى تحريك شفتيه وما يقول إل أساطير الولين مثل ما أحدثكم عن القرون‬
‫الماضية‪ ،‬وكان النضر صاحب قصص وأسفار‪ ،‬فسمع أقاصيص في ديار العجم مثل قصة رستم‬
‫واسنفنديار فكان يحدثهنم‪ .‬وواحند السناطير أسنطار كأبيات وأبايينت؛ عنن الزجاج‪ .‬قال الخفنش‪:‬‬
‫واحدهنا أسنطورة كأحدوثنة وأحادينث‪ .‬أبنو عنبيدة‪ :‬واحدهنا إسنطارة‪ .‬النحاس‪ :‬واحدهنا أسنطور مثنل‬
‫عثكول‪ .‬ويقال‪ :‬هو جمع أسطار‪ ،‬وأسطار جمع سطر؛ يقال‪ :‬سطر وسطر‪ .‬والسطر الشيء الممتد‬
‫المؤلف كسنطر الكتاب‪ .‬القشيري‪ :‬واحدهنا أسنطير‪ .‬وقينل‪ :‬هنو جمنع ل واحند له كمذاكينر وعباديند‬
‫وأبابينل أي منا سنطره الولون فني الكتنب‪ .‬قال الجوهري وغيره‪ :‬السناطير الباطينل والترهات‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أنشدني بعض أشياخي‪:‬‬
‫لت أتى بالترهات الباطيل‬ ‫تطاول ليلي واعترتني وساوسي‬
‫*‪*3‬الية‪{ 26 :‬وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إل أنفسهم وما يشعرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهنم ينهون عننه وينأون عننه" النهني الزجنر‪ ،‬والنأي البعند‪ ،‬وهنو عام فني جمينع‬
‫الكفار أي ينهون عنن اتباع محمند صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬وينأون عننه؛ عنن ابنن عباس والحسنن‪.‬‬
‫وقينل‪ :‬هنو خاص بأبني طالب ينهنى الكفار عنن إذاينة محمند صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬ويتباعند عنن‬
‫اليمان به؛ عن ابن عباس أيضا‪ .‬وروى أهل السير قال‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم قد خرج‬
‫إلى الكعبنة يومنا وأراد أن يصنلي‪ ،‬فلمنا دخنل فني الصنلة قال أبنو جهنل ‪ -‬لعننه ال ‪ : -‬منن يقوم إلى‬
‫هذا الرجنل فيفسند علينه صنلته‪ .‬فقام ابنن الزبعرى فأخنذ فرثنا ودمنا فلطنخ بنه وجنه الننبي صنلى ال‬
‫عليه وسلم؛ فانفتل النبي صلى ال عليه وسلم من صلته‪ ،‬ثم أتى أبا طالب عمه فقال‪( :‬يا عم أل‬
‫ترى إلى ما فعل بي) فقال أبو طالب‪ :‬من فعل هذا بك؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬عبدال بن‬
‫الزبعرى؛ فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى معه حتى أتى القوم؛ فلما رأوا أبا طالب‬
‫قند أقبنل جعنل القوم ينهضون؛ فقال أبنو طالب‪ :‬وال لئن قام رجنل جللتنه بسنيفي فقعدوا حتنى دننا‬
‫إليهنم‪ ،‬فقال‪ :‬ينا بنني منن الفاعنل بنك هذا؟ فقال‪( :‬عبدال بنن الزبعرى)؛ فأخنذ أبنو طالب فرثنا ودمنا‬
‫فلطنخ بنه وجوههنم ولحاهنم وثيابهنم وأسناء لهنم القول؛ فنزلت هذه الينة (وهنم ينهون عننه وينأون‬
‫عنه) فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬يا عم نزلت فيك آية) قال‪ :‬وما هي؟ قال‪( :‬تمنع قريشا أن‬
‫تؤذيني وتأبى أن تؤمن بي) فقال أبو طالب‪:‬‬
‫حتى أوسد في التراب دفينا‬ ‫وال لن يصلوا إليك بجمعهم‬
‫وابشر بذاك وقر منك عيونا‬ ‫فأصدع بأمرك ما عليك غضاضة‬
‫فلقد صدقت وكنت قبل أمينا‬ ‫ودعوتني وزعمت أنك ناصحي‬
‫من خير أديان البرية دينا‬ ‫وعرضت دينا قد عرفت بأنه‬
‫لوجدتني سمحا بذاك يقينا‬ ‫لول الملمة أو حذار مسبة‬
‫فقالوا‪ :‬ينا رسنول ال هنل تنفنع أبنا طالب نصنرته؟ قال‪( :‬نعنم دفنع عننه بذاك الغنل ولم يقرن منع‬
‫الشياطين ولم يدخل في جب الحيات والعقارب إنما عذابه في نعلين من نار في رجليه يغلي منهما‬
‫دماغنه فني رأسنه وذلك أهون أهنل النار عذابنا)‪ .‬وأنزل ال على رسنوله "فاصنبر كمنا صنبر أولوا‬
‫العزم من الرسل" [الحقاف‪ .]35 :‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم لعمه‪( :‬قل ل إله إل ال أشهد لك بها يوم القيامة) قال‪ :‬لول تعيرني قريش يقولون‪:‬‬
‫إنمنا حمله على ذلك الجزع لقررت بهنا عيننك؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬إننك ل تهدي منن أحببنت ولكنن‬
‫ال يهدي منن يشاء" [القصنص‪ ]56 :‬كذا الرواينة المشهورة (الجزع) بالجينم والزاي ومعناه‬
‫الخوف‪ .‬وقال أبننو عبينند‪( :‬الخرع) بالخاء المنقوطننة والراء المهملة‪ .‬قال يعننني الضعننف والخور‪،‬‬
‫وفي صحيح مسلم أيضا عن ابن عباس قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أهون أهل النار‬
‫عذابا أبو طالب وهو منتعل بنعلين من نار يغلى منهما دماغه)‪ .‬وأما عبدال بن الزبعرى فإنه أسلم‬
‫عام الفتنح وحسنن إسنلمه‪ ،‬واعتذر إلى رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فقبنل عذره؛ وكان شاعرا‬
‫مجيدا؛ فقال يمدح الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬وله فني مدحنه أشعار كثيرة ينسنخ بهنا منا قند مضنى‬
‫في كفره؛ منها قوله‪:‬‬
‫والليل معتلج الرواق بهيم‬ ‫منع الرقاد بلبل وهموم‬
‫فيه فبت كأنني محموم‬ ‫مما أتاني أن أحمد لمني‬
‫عيرانة سرح اليدين غشوم‬ ‫يا خير من حملت على أوصالها‬
‫أسديت إذ أنا في الضلل أهيم‬ ‫إني لمعتذر إليك من الذي‬
‫سهم وتأمرني بها مخزوم‬ ‫أيام تأمرني بأغوى خطة‬
‫أمر الغواة وأمرهم مشؤوم‬ ‫وأمد أسباب الردى ويقودني‬
‫قلبي ومخطئ هذه محروم‬ ‫فاليوم آمن بالنبي محمد‬
‫وأتت أواصر بيننا وحلوم‬ ‫مضت العداوة فانقضت أسبابها‬
‫زللي فإنك راحم مرحوم‬ ‫فاغفر فدى لك والداي كلهما‬
‫نور أغر وخاتم مختوم‬ ‫وعليك من سمة المليك علمة‬
‫شرفا وبرهان الله عظيم‬ ‫أعطاك بعد محبة برهانه‬
‫حقا وأنك في العباد جسيم‬ ‫ولقد شهدت بأن دينك صادق‬
‫مستقبل في الصالحين كريم‬ ‫وال يشهد أن أحمد مصطفى‬
‫فرع تمكن في الذرى وأروم‬ ‫قرم عل بنيانه من هاشم‬
‫وقيل‪ :‬المعنى (ينهون عنه) أي هؤلء الذين يستمعون ينهون عن القرآن (وينأون عنه)‪ .‬عن قتادة؛‬
‫فالهاء على القولينن الولينن فني (عننه) للننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬وعلى قول قتادة للقرآن‪" .‬وإن‬
‫يهلكون إل أنفسنهم" (إن) نافينة أي ومنا يهلكون إل أنفسنهم بإصنرارهم على الكفنر‪ ،‬وحملهنم أوزار‬
‫الذين يصدونهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ول نكذب بآيات ربنا ونكون من‬
‫المؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو ترى إذ وقفوا على النار" أي إذ وقفوا غدا و(إذ) قد تستعمل في موضع (إذا)‬
‫و(إذا) فنني موضننع (إذ) ومننا سننيكون فكأنننه كان؛ لن خننبر ال تعالى حننق وصنندق‪ ،‬فلهذا عننبر‬
‫بالماضني‪ .‬ومعننى (إذ وقفوا) حبسنوا يقال‪ :‬وقفتنه وقفنا فوقنف وقوفنا‪ .‬وقرأ ابنن السنميقع (إذ وقفوا)‬
‫بفتننح الواو والقاف مننن الوقوف‪" .‬على النار" أي هننم فوقهننا على الصننراط وهنني تحتهننم‪ .‬وقيننل‪:‬‬
‫(على) بمعنى الباء؛ أي وقفوا بقربهنا وهنم يعاينونهنا‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬جمعوا‪ ،‬يعنني على أبوابها‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬وقفوا على متنن جهننم والنار تحتهنم‪ .‬وفني الخنبر‪ :‬أن الناس كلهنم يوقفون على متنن جهننم‬
‫كأنهنا متنن إهالة‪ ،‬ثنم ينادي مناد خذي أصنحابك ودعني أصنحابي‪ .‬وقينل‪( :‬وقفوا) دخلوهنا ‪ -‬أعاذننا‬
‫ال منها ‪ -‬فعلى بمعنى (في) أي وقفوا في النار‪ .‬وجواب (لو) محذوف ليذهب الوهم إلى كل شيء‬
‫فيكون أبلغ فني التخوينف؛ والمعننى‪ :‬لو تراهنم فني تلك الحال لرأينت أسنوأ حال‪ ،‬أو لرأينت منظرا‬
‫هائل‪ ،‬أو لرأيت أمرا عجبا وما كان مثل هذا التقدير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقالوا يا ليتنا نرد ول نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين" بالرفع في الفعال‬
‫الثلثنة عطفنا قراءة أهنل المديننة والكسنائي؛ وأبنو عمرو وأبنو بكنر عنن عاصنم بالضنم‪ .‬ابنن عامنر‬
‫على رفنع (نكذب) ونصنب (ونكون) وكله داخنل فني معننى التمنني؛ أي ل تمنوا الرد وأل يكذبوا‬
‫وأن يكونوا منن المؤمنينن‪ .‬واختار سنيبويه القطنع فني (ول نكذب) فيكون غينر داخنل فني التمنني؛‬
‫المعننى‪ :‬ونحنن ل نكذب على معننى الثبات على ترك التكذينب؛ أي ل نكذب رددننا أو لم نرد؛ قال‬
‫سنيبويه‪ :‬وهنو مثنل قوله دعنني ول أعود أي ل أعود على كنل حال تركتنني أو لم تتركنني‪ .‬واسنتدل‬
‫أبنو عمرو على خروجنه منن التمنني بقوله‪" :‬وإنهنم لكاذبون" لن الكذب ل يكون فني التمنني إنمنا‬
‫يكون فني الخنبر‪ .‬وقال منن جعله داخل فني التمنني‪ :‬المعننى وإنهنم لكاذبون فني الدنينا فني إنكارهنم‬
‫البعنث وتكذيبهنم الرسنل‪ .‬وقرأ حمزة وحفنص بنصنب (نكذب) و(نكون) جوابنا للتمنني؛ لننه غينر‬
‫واجب‪ ،‬وهما داخلن في التمني على معنى أنهم تمنوا الرد وترك التكذيب والكون مع المؤمنين‪.‬‬
‫قال أبنننو إسنننحاق‪ :‬معننننى (ول نكذب) أي إن رددننننا لم نكذب‪ .‬والنصنننب فننني (الكذب) و(نكون)‬
‫بإضمار (أن) كما ينصب في جواب الستفهام والمر والنهي والعرض؛ لن جميعه غير واجب‬
‫ول واقنع بعند‪ ،‬فينصنب‪ ،‬الجواب منع الواو كأننه عطنف على مصندر الول؛ كأنهنم قالوا‪ :‬ينا ليتننا‬
‫يكون لننا رد وانتفاء منن الكذب‪ ،‬وكون منن المؤمنينن؛ فحمل على مصندر (نرد) لنقلب المعننى‬
‫إلى الرفنع‪ ،‬ولم يكنن بند منن إضمار (أن) فينه يتنم النصنب فني الفعلينن‪ .‬وقرأ ابنن عامنر (ونكون)‬
‫بالنصنب على جواب التمنني كقولك‪ :‬ليتنك تصنير إليننا ونكرمنك‪ ،‬أي لينت مصنيرك يقنع وإكرامننا‬
‫يقننع‪ ،‬وأدخننل الفعليننن الوليننن فنني التمننني‪ ،‬أو أراد‪ :‬ونحننن ل نكرمننك على القطننع على مننا تقدم؛‬
‫يحتمنل‪ .‬وقرأ أبني (ول نكذب بآيات ربننا أبدا)‪ .‬وعننه وابنن مسنعود (ينا ليتننا نرد فل نكذب) بالفاء‬
‫والنصنب‪ ،‬والفاء ينصنب بهنا فني الجواب كمنا ينصنب بالواو؛ عنن الزجاج‪ .‬وأكثنر البصنريين ل‬
‫يجيزون الجواب إل بالفاء‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 28 :‬بنل بدا لهنم منا كانوا يخفون منن قبنل ولو ردوا لعادوا لمنا نهوا عننه وإنهنم‬
‫لكاذبون}@قوله تعالى‪" :‬بنل بدا لهنم منا كانوا يخفون منن قبنل" بنل إضراب عنن تمنيهنم وادعائهنم‬
‫اليمان لو ردوا‪ .‬واختلفوا فنني معنننى (بدا لهننم) على أقوال بعنند تعييننن مننن المراد؛ فقيننل‪ :‬المراد‬
‫المنافقون لن اسنم الكفنر مشتمنل عليهنم‪ ،‬فعاد الضمينر على بعنض المذكورينن؛ قال النحاس‪ :‬وهذا‬
‫من الكلم العذب الفصيح‪ .‬وقيل‪ :‬المراد الكفار وكانوا إذا وعظهم النبي صلى ال عليه وسلم خافوا‬
‫وأخفوا ذلك الخوف لئل يفطن بهم ضعفاؤهم‪ ،‬فيظهر يوم القيامة؛ ولهذا قال الحسن‪( :‬بدا لهم) أي‬
‫بدا لبعضهم ما كان يخفيه عن بعض‪ .‬وقيل‪ :‬بل ظهر لهم ما كانوا يجحدونه من الشرك فيقولون‪:‬‬
‫(وال ربنا ما كنا مشركين) فينطق ال جوارحهم فتشهد عليهم بالكفر فذلك حين (بدا لهم ما كانوا‬
‫يخفون منن قبنل)‪ .‬قال أبنو روق‪ .‬وقينل‪( :‬بدا لهنم) منا كانوا يكتموننه منن الكفنر؛ أي بدت أعمالهنم‬
‫السنيئة كمنا قال‪" :‬وبدا لهنم منن ال منا لم يكونوا يحتسنبون" [الزمنر‪ .]47:‬قال المنبرد‪ :‬بدا لهنم‬
‫جزاء كفرهنم الذي كانوا يخفوننه‪ .‬وقينل‪ :‬المعننى بنل ظهنر للذينن اتبعوا الغواة منا كان الغواة يخفون‬
‫عنهم من أمر البعث والقيامة؛ لن بعده "وقالوا إن هي إل حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو ردوا" قيل‪ :‬بعد معاينة العذاب‪ .‬وقيل‪ :‬قبل معاينته‪" .‬لعادوا لما نهوا عنه" أي‬
‫لصاروا ورجعوا إلى ما نهوا عنه من الشرك لعلم ال تعالى فيهم أنهم ل يؤمنون‪ ،‬وقد عاين إبليس‬
‫ما عاين من آيات ال ثم عاند‪ .‬قوله تعالى‪" :‬وإنهم لكاذبون" إخبار عنهم‪ ،‬وحكاية عن الحال التي‬
‫كانوا عليهنا فني الدنينا منن تكذيبهنم الرسنل‪ ،‬وإنكارهنم البعنث؛ كمنا قال‪" :‬وإن ربنك ليحكنم بينهنم"‬
‫[النحل‪ ]124:‬فجعله حكاية عن الحال التية‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى وإنهم لكاذبون فيما أخبروا به عن‬
‫أنفسهم من أنهم ل يكذبون ويكونون من المؤمنين‪ .‬وقرأ يحيى بن وثاب (ولو ردوا) بكسر الراء؛‬
‫لن الصل رددوا فنقلت كسرة الدال على الراء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬وقالوا إن هي إل حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا إن هي إل حياتنا الدنيا" ابتداء وخبر و(إن) نافية‪( .‬وما نحن) (نحن) اسم‬
‫(ما) بمبعوثين" خبرها؛ وهذا ابتداء إخبار عنهم عما قالوه في الدنيا‪ .‬قال ابن زيد‪ :‬هو داخل في‬
‫قوله‪" :‬ولو ردوا لعادوا لمننا نهوا عنننه" "وقالوا إن هنني إل حياتنننا الدنيننا" أي لعادوا إلى الكفننر‪،‬‬
‫واشتغلوا بلذة الحال‪ .‬وهذا يحمل على المعاند كما بيناه في حال إبليس‪ ،‬أو على أن ال يلبس عليهم‬
‫بعد ما عرفوا‪ ،‬وهذا شائع في العقل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا‬
‫العذاب بما كنتم تكفرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو ترى إذ وقفوا على ربهم" (وقفوا) أي حبسوا (على ربهم) أي على ما يكون‬
‫من أمر ال فيهم‪ .‬وقيل‪( :‬على) بمعنى (عند) أي عند ملئكته وجزائه؛ وحيث ل سلطان فيه لغير‬
‫ال عنز وجنل؛ تقول‪ :‬وقفنت على فلن أي عنده؛ وجواب "لو" محذوف لعظنم شأن الوقوف‪" .‬قال‬
‫أليننس هذا بالحننق" تقريننر وتوبيننخ أي أليننس هذا البعننث كائنننا موجودا؟ "قالوا بلى" ويؤكدون‬
‫اعترافهنم بالقسنم بقولهنم‪" :‬وربننا"‪ .‬وقينل‪ :‬إن الملئكنة تقول لهنم بأمنر ال ألينس هذا البعنث وهذا‬
‫العذاب حقا؟ فيقولون‪( :‬بلى وربنا) إنه حق‪" .‬قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 :‬قد خسر الذين كذبوا بلقاء ال حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على‬
‫ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم أل ساء ما يزرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قد خسر الذين كذبوا بلقاء ال" قيل‪ :‬بالبعث بعد الموت وبالجزاء؛ دليله قوله عليه‬
‫السنلم‪( :‬منن حلف على يمينن كاذبنة ليقتطنع بهنا مال امرئ مسنلم لقني ال وهنو علينه غضبان) أي‬
‫لقي جزاءه؛ لن من غضب عليه ل يرى ال عند مثبتي الرؤية‪ ،‬ذهب إلى هذا القفال وغيره؛ قال‬
‫القشيري‪ :‬وهذا ليننس بشيننء؛ لن حمننل اللقاء فنني موضننع على الجزاء لدليننل قائم ل يوجننب هذا‬
‫التأوينل فني كنل موضنع‪ ،‬فليحمنل اللقاء على ظاهره فني هذه الينة؛ والكفار كانوا ينكرون الصنانع‪،‬‬
‫ومنكر الرؤية منكر للوجود!‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتنى إذا جاءتهنم السناعة بغتنة" سنميت القيامنة بالسناعة لسنرعة الحسناب فيهنا‪.‬‬
‫ومعننى (بغتنة) فجأة؛ يقال‪ :‬بغتهنم المنر بغتهنم بغتنا وبغتنة‪ .‬وهني نصنب على الحال‪ ،‬وهني عنند‬
‫سيبويه مصدر في موضع الحال‪ ،‬كما تقول‪ :‬قتلته صبرا‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫على ظهر محبوك ظماء مفاصله‬ ‫فليا بلي ما حملنا وليدنا‬
‫ول يجيز سيبويه أن يقاس عليه؛ ل يقال‪ :‬جاء فلن سرعة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا يا حسرتنا" وقع النداء على الحسرة وليست بمنادى في الحقيقة‪ ،‬ولكنه يدل‬
‫على كثرة التحسنر‪ ،‬ومثله ينا للعجنب وينا للرخاء وليسنا بمناديينن فني الحقيقنة‪ ،‬ولكننه يدل على كثرة‬
‫التعجب والرخاء؛ قال سيبويه‪ :‬كأنه قال يا عجب تعال فهذا زمن إتيانك؛ وكذلك قولك يا حسرتي‬
‫أي ينا حسنرتا تعالي فهذا وقتنك؛ وكذلك منا ل يصنح نداؤه يجرى هذا المجرى‪ ،‬فهذا أبلغ منن قولك‬
‫تعجبت‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫فيا عجبا من رحلها المتحمل‬
‫وقينل‪ :‬هنو تننبيه للناس على عظينم منا يحنل بهنم منن الحسنرة؛ أي ينا أيهنا الناس تنبوا على عظينم منا‬
‫بني منن الحسنرة‪ ،‬فوقنع النداء على غينر المنادى حقيقنة‪ ،‬كقولك‪ :‬ل أريننك ههننا‪ .‬فيقنع النهني على‬
‫غير المنهي في الحقيقة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬على ما فرطنا فيها" أي في الساعة‪ ،‬أي في التقدمة لها؛ عن الحسن‪ .‬و(فرطنا)‬
‫معناه ضيعنننا وأصننله التقدم؛ يقال‪ :‬فرط فلن أي تقدم وسننبق إلى الماء‪ ،‬ومنننه (أنننا فرطكننم على‬
‫الحوض)‪ .‬ومننه الفارط أي المتقدم للماء‪ ،‬ومننه ‪ -‬فني الدعاء للصنبي ‪ -‬اللهنم اجعله فرطنا لبوينه؛‬
‫فقولهم‪( :‬فرطنا) أي قدمنا العجز‪ .‬وقيل‪( :‬فرطنا) أي جعلنا غيرنا الفارط السابق لنا إلى طاعة ال‬
‫وتخلفننا‪( .‬فيهنا) أي فني الدنينا بترك العمنل للسناعة‪ .‬وقال الطنبري‪( :‬الهاء) راجعنة إلى الصنفقة‪،‬‬
‫وذلك أنهم لما تبين لهم خسران صفقتهم ببيعهم اليمان بالكفر‪ ،‬والخرة بالدنيا‪" ،‬قالوا يا حسرتنا‬
‫على ما فرطنا فيها" أي في الصفقة‪ ،‬وترك ذكرها لدللة الكلم عليها؛ لن الخسران ل يكون إل‬
‫في صفقة بيع؛ دليله قوله‪" :‬فما ربحت تجارتهم" [البقرة‪ .]16 :‬وقال السدي‪ :‬على ما ضيعنا أي‬
‫منن عمنل الجننة‪ .‬وفني الخنبر عن أبني سنعيد الخدري عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم فني هذه الينة‬
‫قال‪( :‬يرى أهل النار منازلهم في الجنة فيقولون‪( :‬يا حسرتنا)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهنم يحملون أوزارهنم" أي ذنوبهنم جمنع وزر‪" .‬على ظهورهنم" مجاز وتوسنع‬
‫وتشنبيه بمنن يحمنل ثقل؛ يقال مننه‪ :‬وزر يزر‪ ،‬ووزر يوزر فهنو وازر ومزور؛ وأصنله منن الوزر‬
‫وهو الجبل‪ .‬ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة (ارجعن مزورات غير مأجورات)‬
‫قال أبنو عبيند‪ :‬والعامنة تقول‪( :‬مأزورات) كأننه ل وجنه له عنده؛ لننه منن الوزر‪ .‬قال أبنو عبيند‪:‬‬
‫ويقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع احمل وزرك أي ثقلك‪ .‬ومنه الوزير لنه يحمل أثقال‬
‫منا يسنند إلينه منن تدبينر الولينة‪ :‬والمعننى أنهنم لزمتهنم الثام فصناروا مثقلينن بهنا‪" .‬أل سناء منا‬
‫يزرون" أي ما أسوأ الشيء الذي يحملونه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 :‬وما الحياة الدنيا إل لعب ولهو وللدار الخرة خير للذين يتقون أفل تعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما الحياة الدنيا إل لعب ولهو" أي لقصر مدتها كما قال‪:‬‬
‫وما خير عيش ل يكون بدائم‬ ‫أل إنما الدنيا كأحلم نائم‬
‫فأفنيتها هل أنت إل كحالم‬ ‫تأمل إذا ما نلت بالمس لذة‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫واكدح لنفسك أيها النسان‬ ‫فاعمل على مهل فإنك ميت‬
‫وكأن ما هو كائن قد كانا‬ ‫فكأن ما قد كان لم يك إذ مضى‬
‫وقينل‪ :‬المعننى متاع الحياة الدنينا لعنب ولهنو؛ أي الذي يشتهوه فني الدنينا ل عاقبنة له‪ ،‬فهنو بمنزلة‬
‫اللعب واللهو‪ .‬ونظر سليمان بن عبدال في المرآة فقال‪ :‬أنا الملك الشاب؛ فقالت له جارية له‪:‬‬
‫غير أن ل بقاء للنسان‬ ‫أنت نعم المتاع لو كنت تبقى‬
‫كان في الناس غير أنك فاني‬ ‫ليس فيما بدا لنا منك عيب‬
‫وقيننل‪ :‬معنننى (لعننب ولهننو) باطننل وغرور‪ ،‬كمننا قال‪( :‬ومننا الحياة الدنيننا إل متاع الغرور) "آل‬
‫عمران‪ ]185 :‬فالمقصند بالينة تكذينب الكفار فني قولهنم‪" :‬إن هني إل الحياة الدنينا" واللعنب‬
‫معروف‪ ،‬والتلعابة الكثير اللعب‪ ،‬والملعب مكان اللعب؛ يقال‪ :‬لعب يلعب‪ .‬واللهو أيضا معروف‪،‬‬
‫وكل منا شغلك فقد ألهاك‪ ،‬ولهوت من اللهو‪ ،‬وقينل‪ :‬أصله الصنرف عن الشيء؛ من قولهنم‪ :‬لهينت‬
‫عننه؛ قال المهدوي‪ :‬وفينه بعند؛ لن الذي معناه الصنرف لمنه ياء بدلينل قولهنم‪ :‬لهيان‪ ،‬ولم الول‬
‫واو‪.‬‬
‫@ لينس منن اللهنو واللعنب منا كان منن أمور الخرة‪ ،‬فإن حقيقنة اللعنب منا ل ينتفنع بنه واللهنو منا‬
‫يلتهى به‪ ،‬وما كان مرادا للخرة خارج عنهما؛ وذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب رضي ال‬
‫عنه فقال علي‪ :‬الدنيا دار صدق لمن صدقها‪ ،‬ودار نجاة لمن فهم عنها‪ ،‬ودار غنى لمن تزود منها‪.‬‬
‫وقال محمود الوراق‪:‬‬
‫ذما وإن دارت بك الدائرة‬ ‫ل تتبع الدنيا وأيامها‬
‫أن بها تستدرك الخرة‬ ‫من شرف الدنيا ومن فضلها‬
‫وروى أبنو عمنر بنن عبدالبر عنن أبني سنعيد الخدري‪ ،‬قال قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪:‬‬
‫(الدنينا ملعوننة ملعون منا فيهنا إل منا كان فيهنا منن ذكنر ال أو أدى إلى ذكنر ال والعالم والمتعلم‬
‫شريكان في الجر وسائر الناس همج ل خير فيه) وأخرجه الترمذي عن أبي هريرة وقال‪ :‬حديث‬
‫حسن غريب‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال (من هوان الدنيا على ال أل يعصى‬
‫إل فيها ول ينال ما عنده إل بتركها)‪ .‬وروى الترمذي عن سهل بن سعد قال قال رسول ال صلى‬
‫ال علينه وسنلم‪(:‬لو كاننت الدنينا تعدل عنند ال جناح بعوضنة منا سنقى كافرا منهنا شربنة ماء)‪ .‬وقال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫فإنك منها بين ناه وآمر‬ ‫تسمع من اليام إن كنت حازما‬
‫فما فات من شيء فليس بضائر‬ ‫إذا أبقت الدنيا على المرء دينه‬
‫ول وزن زف من جناح لطائر‬ ‫ولن تعدل الدنيا جناح بعوضة‬
‫ول رضي الدنيا جزاء لكافر‬ ‫فما رضي الدنيا ثوابا لمؤمن‬
‫وقال ابنن عباس‪ :‬هذه حياة الكافر لنه يزجيهنا فني غرور وباطنل‪ ،‬فأمنا حياة المؤمن فتنطوي على‬
‫أعمال صالحة‪ ،‬فل تكون لهوا ولعبا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وللدار الخرة خير" أي الجنة لبقائها؛ وسميت آخرة لتأخرها عنا‪ ،‬والدنيا لدنوها‬
‫منا‪.‬‬
‫وقرأ ابننن عامننر (ولدار الخرة) بلم واحدة؛ والضافننة على تقديننر حذف المضاف وإقامننة‬
‫الصننننفة مقامننننه‪ ،‬التقديننننر‪ :‬ولدار الحياة الخرة‪ .‬وعلى قراءة الجمهور (وللدار الخرة) اللم لم‬
‫البتداء‪ ،‬ورفننع الدار بالبتداء‪ ،‬وجعننل الخرة نعتننا لهننا والخننبر (خيننر للذيننن) يقويننه "تلك الدار‬
‫الخرة" [القصنص‪" ]83 :‬وإن الدار الخرة لهني الحيوان" [العنكبوت‪ .]64 :‬فأتنت الخرة‬
‫صنفة للدار فيهمنا "للذينن يتقون" أي الشرك‪" .‬أفل تعقلون" قرئ بالياء والتاء؛ أي أفل يعقلون أن‬
‫المر هكذا فيزهدوا في الدنيا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 - 33 :‬قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم ل يكذبونك ولكن الظالمين بآيات‬
‫ال يجحدون‪ ،‬ولقند كذبنت رسنل منن قبلك فصنبروا على منا كذبوا وأوذوا حتنى أتاهنم نصنرنا ول‬
‫مبدل لكلمات ال ولقد جاءك من نبأ المرسلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون" كسرت (إن) لدخول اللم‪ .‬قال أبو ميسرة‪ :‬إن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم مر بأبي جهل وأصحابه فقالوا‪ :‬يا محمد وال ما نكذبك وإنك عندنا‬
‫لصنادق‪ ،‬ولكنن نكذب منا جئت بنه؛ فنزلت هذه الينة "فإنهنم ل يكذبوننك ولكنن الظالمينن بآيات ال‬
‫يجحدون" ثنم آنسنه بقوله‪" :‬ولقند كذبنت رسنل منن قبلك" الينة‪ .‬وقرئ "يكذبوننك" مخففنا ومشددا؛‬
‫وقينل‪ :‬همنا بمعننى واحند كحزنتنه وأحزنتنه؛ واختار أبنو عبيند قراءة التخفينف‪ ،‬وهني قراءة علي‬
‫رضي ال عنه؛ وروي عنه أن أبا جهل قال للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬إنا ل نكذبك ولكن نكذب‬
‫ما جئت به؛ فأنزل ال عز وجل "فإنهم ل يكذبونك"‬
‫قال النحاس‪ :‬وقد خولف أبو عبيد في هذا‪ .‬وروي‪ :‬ل نكذبك‪ .‬فأنزل ال عز وجل‪" :‬ل يكذبونك"‪.‬‬
‫ويقوي هذا أن رجل قرأ على ابنن عباس "فإنهنم ل يكذبوننك" مخففنا فقال له ابنن عباس‪" :‬فإنهنم ل‬
‫يكذبونك" لنهم كانوا يسمون النبي صلى ال عليه وسلم المين‪ .‬ومعنى "يكذبونك" عند أهل اللغة‬
‫ينسنبونك إلى الكذب‪ ،‬ويردون علينك منا قلت‪ .‬ومعننى "ل يكذبوننك" أي ل يجدوننك تأتني بالكذب؛‬
‫كما تقول‪ :‬أكذبته وجدته كذابا؛ وأبخلته وجدته بخيل‪ ،‬أي ل يجدونك كذابا إن تدبروا ما جئت به‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون المعننى‪ :‬ل يثبتون علينك أننك كاذب؛ لننه يقال‪ :‬أكذبتنه إذا احتججنت علينه وبيننت‬
‫أننه كاذب‪ .‬وعلى التشديند‪ :‬ل يكذبوننك بحجنة ول برهان؛ ودل على هذا "ولكنن الظالمينن بآيات ال‬
‫يجحدون"‪ .‬قال النحاس‪ :‬والقول فنني هذا مذهننب أبنني عبينند‪ ،‬واحتجاجننه لزم؛ لن عليننا كرم ال‬
‫وجهنه هنو الذي روى الحدينث‪ ،‬وقند صنح عننه أننه قرأ بالتخفينف؛ وحكنى الكسنائي عنن العرب‪:‬‬
‫أكذبننت الرجننل إذا أخننبرت أنننه جاء بالكذب ورواه‪ ،‬وكذبتننه إذا أخننبرت أنننه كاذب؛ وكذلك قال‬
‫الزجاج‪ :‬كذبته إذا قلت له كذبت‪ ،‬وأكذبته إذا أردت أن ما أتى به كذب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فصبروا على ما كذبوا" أي فاصبر كما صبروا‪" .‬وأوذوا حتى أتاهم نصرنا" أي‬
‫عونننا‪ ،‬أي فسنيأتيك منا وعدت بنه‪" .‬ول مبدل لكلمات ال" منبين لذلك النصنر؛ أي منا وعند ال عنز‬
‫وجنل بنه فل يقدر أحند أن يدفعنه؛ ل ناقنض لحكمنه‪ ،‬ول خلف لوعده؛ و"لكنل أجنل كتاب" [الرعند‪:‬‬
‫‪" ، ]38‬إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا" [غافر‪" ]51 :‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين‪ .‬إنهم‬
‫لهنم المنصنورون‪ .‬وإن جندننا لهنم الغالبون" [الصنافات‪" ، ]173 - 171 :‬كتنب ال لغلبنن أننا‬
‫ورسلي" [المجادلة‪" .]21 :‬ولقد جاءك من نبأ المرسلين" فاعل (جاءك) مضمر؛ المعنى‪ :‬جاءك‬
‫من نبأ المرسلين نبأ‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 :‬وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الرض أو سلما‬
‫في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء ال لجمعهم على الهدى فل تكونن من الجاهلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كان كبر عليك إعراضهم" أي عظم عليك إعراضهم وتوليهم عن اليمان‪.‬‬
‫"فإن استطعت" قدرت "أن تبتغي" تطلب "نفقا في الرض" أي سربا تخلص منه إلى مكان آخر‪،‬‬
‫ومننه النافقاء لجحنر اليربوع‪ ،‬وقند تقدم فني "البقرة" بياننه‪ ،‬ومننه المنافنق‪ .‬وقند تقدم‪" .‬أو سنلما"‬
‫معطوف عليه‪ ،‬أي سببا إلى السماء؛ وهذا تمثيل؛ لن العلم الذي يرتقى عليه سبب إلى الموضع‪،‬‬
‫وهننو مذكننر‪ ،‬ول يعرف مننا حكاه الفراء مننن تأنيننث العلم‪ .‬قال قتادة‪ :‬السننلم الدرج‪ .‬الزجاج‪ :‬وهننو‬
‫مشتنق منن السنلمة كأننه يسنلمك إلى الموضنع الذي تريند‪" .‬فتأتيهنم بآينة" عطنف علينه أي ليؤمنوا‬
‫فافعنل؛ فأضمنر الجواب لعلم السنامع‪ .‬أمنر ال ننبيه صنلى ال علينه وسنلم أل يشتند حزننه عليهنم إذا‬
‫كانوا ل يؤمنون؛ كما أنه ل يستطيع هداهم‪" .‬ولو شاء ال لجمعهم على الهدى" أي لخلقهم مؤمنين‬
‫وطبعهنم علينه؛ بينن تعالى أن كفرهنم بمشيئة ال ردا على القدرينة‪ .‬وقينل المعننى‪ :‬أي لراهنم آينة‬
‫تضطرهنم إلى اليمان‪ ،‬ولكننه أراد عنز وجل أن يثيب منهنم من آمن ومن أحسن‪" .‬فل تكونن منن‬
‫الجاهلينن" أي منن الذين أشتند حزنهنم وتحسنروا حتى أخرجهنم ذلك إلى الجزع الشديند‪ ،‬وإلى منا ل‬
‫يحل؛ أي ل تحزن على كفرهم فتقارب حال الجاهلين‪ .‬وقيل‪ :‬الخطاب له والمراد المة؛ فإن قلوب‬
‫المسلمين كانت تضيق من كفرهم وإذايتهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 37 - 36 :‬إنمنا يسنتجيب الذينن يسنمعون والموتنى يبعثهنم ال ثنم إلينه يرجعون‪،‬‬
‫وقالوا لول نزل عليه آية من ربه قل إن ال قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنمننا يسننتجيب الذيننن يسننمعون" أي سننماع إصننغاء وتفهننم وإرادة الحننق‪ ،‬وهننم‬
‫المؤمنون الذينن يقبلون منا يسنمعون فينتفعون بنه ويعملون؛ قال معناه الحسنن ومجاهند‪ ،‬وتنم الكلم‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬والموتى يبعثهم ال" وهم الكفار؛ عن الحسن ومجاهد؛ أي هم بمنزلة الموتى في أنهم ل‬
‫يقبلون ول يصغون إلى حجة‪ .‬وقيل‪ :‬الموتى كل من مات‪" .‬يبعثهم ال" أي للحساب؛ وعلى الول‬
‫بعثهنم هدايتهنم إلى اليمان بال وبرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪ .‬وعنن الحسنن‪ :‬هنو بعثهنم منن‬
‫شركهم حتى يؤمنوا بك يا محمد ‪ -‬يعني عند حضور الموت ‪ -‬في حال اللجاء في الدنيا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا لول نزل علينه آينة منن ربنه" قال الحسنن‪( :‬لول) ههننا بمعننى هل؛ وقال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫بني ضوطرى لول الكمي المقنعا‬ ‫تعدون عقر النيب أفضل مجدكم‬
‫وكان هذا منهننم نعتننا بعنند ظهور البراهيننن؛ وإقامننة الحجننة بالقرآن الذي عجزوا أن يأتوا بسننورة‬
‫مثله‪ ،‬لمننا فيننه مننن الوصننف وعلم الغيوب‪" .‬ولكننن أكثرهننم ل يعلمون" أي ل يعلمون أن ال عننز‬
‫وجل إنما ينزل من اليات ما فيه مصلحة لعباده؛ وكان في علم ال أن يخرج من أصلبهم أقواما‬
‫يؤمنون بننه ولم يرد اسننتئصالهم‪ .‬وقيننل‪( :‬ولكننن أكثرهننم ل يعلمون) أن ال قادر على إنزالهننا‪.‬‬
‫الزجاج‪ :‬طلبوا أن يجمعهم على الهدى أي جمع إلجاء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 38 :‬وما من دابة في الرض ول طائر يطير بجناحيه إل أمم أمثالكم ما فرطنا في‬
‫الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما من دابة في الرض" وأصله الصفة؛ من دب يدب فهو داب إذا مشى مشيا‬
‫فيه تقارب خطو‪" .‬ول طائر يطير بجناحيه" بخفض "طائر" عطفا على اللفظ‪.‬‬
‫وقرأ الحسننن وعبدال بننن إسننحاق (ول طائر) بالرفننع عطفننا على الموضننع‪ ،‬و(مننن) زائدة‪،‬‬
‫التقدير‪ :‬وما من دابة‪" .‬بجناحيه" تأكيدا وإزالة للبهام؛ فإن العرب تستعمل الطيران لغير الطائر؛‬
‫تقول للرجنل‪ :‬طنر فني حاجتني؛ أي أسنرع؛ فذكنر (بجناحينه) ليتمحنض القول فني الطينر‪ ،‬وهنو فني‬
‫غيره مجاز‪ .‬وقيننل‪ :‬إن اعتدال جسنند الطائر بيننن الجناحيننن يعينننه على الطيران‪ ،‬ولو كان غيننر‬
‫معتدل لكان يميل؛ فأعلمنا أن الطيران بالجناحين و"ما يمسكهن إل ال" [النحل‪ .]79 :‬والجناح‬
‫أحند ناحيتني الطينر الذي يتمكنن بنه منن الطيران فني الهواء‪ ،‬وأصنله المينل إلى ناحينة منن النواحني؛‬
‫ومننه جنحنت السنفينة إذا مالت إلى ناحينة الرض لصنقة بهنا فوقفنت‪ .‬وطائر النسنان عمله؛ وفني‬
‫التنزيل "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" [السراء‪" .]13 :‬إل أمم أمثالكم" أي هم جماعات‬
‫مثلكنم فني أن ال عنز وجنل خلقهنم‪ ،‬وتكفنل بأرزاقهنم‪ ،‬وعدل عليهنم‪ ،‬فل ينبغني أن تظلموهنم‪ ،‬ول‬
‫تجاوزوا فيهنم منا أمرتنم بنه‪ .‬و(دابنة) تقنع على جمينع منا دب؛ وخنص بالذكنر منا فني الرض دون‬
‫السماء لنه الذي يعرفونه ويعاينونه‪ .‬وقيل‪ :‬هي أمثال لنا في التسبيح والدللة؛ والمعنى‪ :‬وما من‬
‫دابة ول طائر إل وهو يسبح ال تعالى‪ ،‬ويدل على وحدانيته لو تأمل الكفار‪ .‬وقال أبو هريرة‪ :‬هي‬
‫أمثال لنا على معنى أنه يحشر البهائم غدا ويقتص للجماء من القرناء ثم يقول ال لها‪ :‬كوني ترابا‪.‬‬
‫وهذا اختيار الزجاج فإنه قال‪( :‬إل أمم أمثالكم) في الخلق والرزق والموت والبعث والقتصاص‪،‬‬
‫وقد دخل فيه معنى القول الول أيضا‪ .‬وقال سفيان بن عيينة‪ :‬أي ما من صنف من الدواب والطير‬
‫إل فني الناس شبنه مننه؛ فمنهنم منن يعدو كالسند‪ ،‬ومنهنم منن يشره كالخنزينر‪ ،‬ومنهنم منن يعوي‬
‫كالكلب‪ ،‬ومنهننم مننن يزهننو كالطاوس؛ فهذا معنننى المماثلة‪ .‬واسننتحسن الخطابنني هذا وقال‪ :‬فإنننك‬
‫تعاشر البهائم والسباع فخذ حذرك‪ .‬وقال مجاهد في قوله عز وجل‪" :‬إل أمم أمثالكم" قال أصناف‬
‫لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون‪ .‬وقيل غير هذا مما ل يصح من أنها مثلنا في المعرفة‪ ،‬وأنها‬
‫تحشنر وتنعنم فني الجننة‪ ،‬وتعوض منن اللم التني حلت بهنا فني الدنينا وأن أهنل الجننة يسنتأنسون‬
‫بصورهم؛ والصحيح "إل أمم أمثالكم" في كونها مخلوقة دالة على الصانع محتاجة إليه مرزوقة‬
‫من جهته‪ ،‬كما أن رزقكم على ال‪ .‬وقول سفيان أيضا حسن؛ فإنه تشبيه واقع في الوجود‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما فرطنا في الكتاب من شيء" أي في اللوح المحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من‬
‫الحوادث‪ .‬وقينل‪ :‬أي فني القرآن أي منا تركنا شيئا من أمر الدين إل وقد دللننا عليه فني القرآن؛ إما‬
‫دللة مبينة مشروحة‪ ،‬وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬أو من الجماع‪،‬‬
‫أو مننن القياس الذي ثبننت بنننص الكتاب؛ قال ال تعالى‪" :‬ونزلنننا عليننك الكتاب تبيانننا لكننل شيننء"‬
‫[النحل‪ ]89:‬وقال‪" :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" [النحل‪ ]44 :‬وقال‪" :‬وما‬
‫آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر‪ ]7 :‬فأجمل في هذه الية وآية (النحل) ما‬
‫لم يننص علينه ممنا لم يذكره‪ ،‬فصندق خنبر ال بأننه منا فرط فني الكتاب منن شينء إل ذكره‪ ،‬إمنا‬
‫تفصيل وإما تأصيل؛ وقال‪" :‬اليوم أكملت لكم دينكم" [المائدة‪.]3 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم إلى ربهم يحشرون" أي للجزاء‪ ،‬كما سبق في خبر أبي هريرة‪ ،‬وفي صحيح‬
‫مسلم عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد‬
‫للشاة الجلحاء مننن الشاة القرناء)‪ .‬ودل بهذا على أن البهائم تحشننر يوم القيامننة؛ وهذا قول أبنني ذر‬
‫وأبني هريرة والحسنن وغيرهنم؛ وروي عنن ابنن عباس؛ قال ابنن عباس فني رواينة‪ :‬حشنر الدواب‬
‫والطينر موتهنا؛ وقال الضحاك؛ والول أصنح لظاهنر الينة والخنبر الصنحيح؛ وفني التنزينل "وإذا‬
‫الوحوش حشرت" [التكوينر‪ ]5 :‬وقول أبني هريرة فيمنا روى جعفنر بنن برقان عنن يزيند بنن‬
‫الصم عنه‪ :‬يحشر ال الخلق كلهم يوم القيامة‪ ،‬البهائم والدواب والطير وكل شيء؛ فيبلغ من عدل‬
‫ال تعالى يومئذ أن يأخننذ للجماء مننن القرناء ثننم يقول‪( :‬كوننني ترابننا) فذلك قوله تعالى‪" :‬ويقول‬
‫الكافر يا ليتني كنت ترابا" [النبأ‪ .]40 :‬وقال عطاء‪ :‬فإذا رأوا بني آدم وما هم عليه من الجزع‬
‫قلن‪ :‬الحمنند ل الذي لم يجعلنننا مثلكننم‪ ،‬فل جنننة نرجننو ول نار نخاف؛ فيقول ال تعالى لهننن‪( :‬كننن‬
‫ترابنا) فحينئذ يتمننى الكافنر أن يكون تراب‪ .‬وقالت جماعنة‪ :‬هذا الحشنر الذي فني الينة يرجنع إلى‬
‫الكفار وما تخلل كلم معترض وإقامة حجج؛ وأما الحديث فالمقصود منه التمثيل على جهة تعظيم‬
‫أمنر الحسناب والقصناص والعتناء فينه حتنى يفهنم مننه أننه ل بند لكنل أحند مننه‪ ،‬وأننه ل محينص له‬
‫عنه؛ وعضدوا هذا بما في الحديث في غير الصحيح عن بعض رواته من الزيادة فقال‪ :‬حتى يقاد‬
‫للشاة الجلحاء منن القرناء‪ ،‬وللحجنر لمنا ركنب على الحجنر‪ ،‬وللعود لمنا خدش العود؛ قالوا‪ :‬فظهنر‬
‫منن هذا أن المقصنود مننه التمثينل المفيند للعتبار والتهوينل‪ ،‬لن الجمادات ل يعقنل خطابهنا ول‬
‫ثوابهنا ول عقابهنا‪ ،‬ولم يصنر إلينه أحند منن العقلء‪ ،‬ومتخيله منن جملة المعتوهينن الغنبياء؛ قالوا‪:‬‬
‫ولن القلم ل يجري عليهم فل يجوز أن يؤاخذوا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الصنحيح القول الول لمنا ذكرناه منن حدينث أبني هريرة‪ ،‬وإن كان القلم ل يجري عليهنم‬
‫في الحكام ولكن فيما بينهم يؤاخذون به؛ وروي عن أبي ذر قال‪ :‬انتطحت شاتان عند النبي صلى‬
‫ال عليننه وسننلم فقال‪( :‬يننا أبننا ذر هننل تدري فيمننا انتطحتننا؟) قلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪( :‬لكننن ال تعالى يدري‬
‫وسنيقضي بينهمنا) وهذا ننص‪ ،‬وقند زدناه بياننا فني كتاب (التذكرة بأحوال الموتنى وأمور الخرة)‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 41 - 39 :‬والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ ال يضلله ومن يشأ‬
‫يجعله على صنراط مسنتقيم‪ ،‬قنل أرأيتكنم إن أتاكنم عذاب ال أو أتتكنم السناعة أغينر ال تدعون إن‬
‫كنتم صادقين‪ ،‬بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذينن كذبوا بآياتننا صنم وبكنم" ابتداء وخنبر‪ ،‬أي عدموا النتفاع بأسنماعهم‬
‫وأبصارهم؛ فكل أمة من الدواب وغيرها تهتدي لمصالحها والكفار ل يهتدون‪" .‬في الظلمات" أي‬
‫ظلمات الكفنر‪ .‬وقال أبنو علي‪ :‬يجوز أن يكون المعننى (صنم وبكنم) فني الخرة؛ فيكون حقيقنة دون‬
‫مجاز اللغنة‪" .‬منن يشنأ ال يضلله" دل على أننه شاء ضلل الكافنر وأراده لينفنذ فينه عدله؛ أل ترى‬
‫أنه قال‪" :‬ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم" أي على دين السلم لينفذ فيه فضله‪ .‬وفيه إبطال‬
‫لمذهب القدرية‪ .‬والمشيئة راجعة إلى الذين كذبوا‪ ،‬فمنهم من يضله ومنهم من يهديه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قنل أرأيتكنم" وقرأ نافنع بتخفينف الهمزتينن‪ ،‬يلقني حركنة الولى على منا قبلهنا‪،‬‬
‫ويأتني بالثانينة بينن بينن‪ .‬وحكنى أبنو عبيند عننه أننه يسنقط الهمزة ويعوض منهنا ألفنا‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫وهذا عنند أهنل العربينة غلط علينه؛ لن الياء سناكنة واللف سناكنة ول يجتمنع سناكنان‪ .‬قال مكني‪:‬‬
‫وقد روي عن ورش أنه أبدل من الهمزة ألفا؛ لن الرواية عنه أنه يمد الثانية‪ ،‬والمد ل يتمكن إل‬
‫مننع البدل‪ ،‬والبدل فرع عننن الصننول‪ ،‬والصننل أن تجعننل الهمزة بيننن الهمزة المفتوحننة واللف؛‬
‫وعلينه كنل منن خفنف الثانينة غينر ورش؛ وحسنن جواز البدل فني الهمزة وبعدهنا سناكن لن الول‬
‫حرف مند ولينن‪ ،‬فالمند الذي يحدث منع السناكن يقوم مقام حركنة يوصنل بهنا إلى النطنق بالسناكن‬
‫الثانني‪ .‬وقرأ أبنو عمرو وعاصنم وحمزة (أرأيتكنم) بتحقينق الهمزتينن وأتوا بالكلمنة على أصنلها‪،‬‬
‫والصننل الهمننز؛ لن همزة السننتفهام دخلت على (رأيننت) فالهمزة عيننن الفعننل‪ ،‬والياء سنناكنة‬
‫لتصال المضمر المرفوع بها‪ .‬وقرأ عيسى بن عمر والكسائي (أريتكم) بحذف الهمزة الثانية‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وهذا بعيند فني العربينة‪ ،‬وإنمنا يجوز فني الشعنر؛ والعرب تقول‪ :‬أرأيتنك زيدا منا شأننه‪.‬‬
‫ومذهنب البصنريين أن الكاف والمينم للخطاب‪ ،‬ل حنظ لهمنا فني العراب؛ وهنو اختبار الزجاج‪.‬‬
‫ومذهب الكسائي والفراء وغيرهما أن الكاف والميم نصب بوقوع الرؤية عليهما‪ ،‬والمعنى أرأيتم‬
‫أنفسكم؛ فإذا كانت للخطاب ‪ -‬زائدة للتأكيد ‪ -‬كان (إن) من قوله "إن أتاكم" في موضع نصب على‬
‫المفعول لرأينت‪ ،‬وإذا كان اسنما فني موضنع نصنب (فإن) فني موضنع المفعول الثانني؛ فالول منن‬
‫رؤينة العينن لتعديهنا لمفعول واحند‪ ،‬وبمعننى العلم تتعدى إلى مفعولينن‪ .‬وقوله‪" :‬أو أتتكنم السناعة"‬
‫المعنى‪ :‬أو أتتكم الساعة التي تبعثون فيها‪ .‬ثم قال‪" :‬أغير ال تدعون إن كنتم صادقين" والية في‬
‫محاجنة المشركينن ممنن اعترف أن له صنانعا؛ أي أنتنم عنند الشدائد ترجعون إلى ال‪ ،‬وسنترجعون‬
‫إليننه يوم القيامننة أيضننا فلم تصننرون على الشرك فنني حال الرفاهيننة؟ ! وكانوا يعبدون الصنننام‬
‫ويدعون ال في صرف العذاب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بنل إياه تدعون" "بنل" إضراب عنن الول وإيجاب للثانني‪" .‬إياه" نصنب‪ .‬بنن‬
‫"تدعون" "فيكشنف منا تدعون إلينه إن شاء" أي يكشنف الضنر الذي تدعون إلى كشفنه إن شاء‬
‫كشفنه‪" .‬وتنسنون منا تشركون" قينل‪ :‬عنند نزول العذاب‪ .‬وقال الحسنن‪ :‬أي تعرضون عننه إعراض‬
‫الناسنني‪ ،‬وذلك لليأس مننن النجاة مننن قبله إذ ل ضرر فيننه ول نفننع‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬يجوز أن يكون‬
‫المعنى وتتركون‪ .‬قال النحاس‪ :‬مثل قوله‪" :‬ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي" [طه‪.]115 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 :‬ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقند أرسنلنا إلى أمنم منن قبلك" الينة تسنلية للننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬وفينه‬
‫إضمار؛ أي أرسلنا إلى أمم من قبلك رسل وفيه إضمار آخر يدل عليه الظاهر؛ تقديره‪ :‬فكذبوا‬
‫فأخذناهنم‪ .‬وهذه الينة متصنلة بمنا قبنل اتصنال الحال بحال قريبنة منهنا؛ وذلك أن هؤلء سنلكوا فني‬
‫مخالفنة ننبيهم مسنلك منن كان قبلهنم فني مخالفنة أننبيائهم‪ ،‬فكانوا بعرض أن ينزل بهنم منن البلء منا‬
‫نزل بمنن كان قبلهنم‪ .‬ومعننى "بالبأسناء" بالمصنائب فني الموال "والضراء" فني البدان؛ هذا قول‬
‫الكثر‪ ،‬وقد يوضع كل واحد منهما موضع الخر؛ ويؤدب ال عباده بالبأساء والضراء وبما شاء‬
‫"ل يسأل عما يفعل" [النبياء‪ .]23 :‬قال ابن عطية‪ :‬استدل العباد في تأديب أنفسهم بالبأساء في‬
‫تفريق الموال‪ ،‬والضراء في الحمل على البدان بالجوع والعري بهذه الية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه جهالة ممنن فعلهنا وجعنل هذه الينة أصنل لهنا؛ هذه عقوبة منن ال لمنن شاء منن عباده‬
‫يمتحنهم بها‪ ،‬ول يجوز لنا أن نمتحن أنفسنا ونكافئها قياسا عليها؛ فإنها المطية التي نبلغ عليها دار‬
‫الكرامة‪ ،‬ونفوز بها من أهوال يوم القيامة؛ وفى التنزيل‪" :‬يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا‬
‫صنالحا" [المؤمنون‪ ]51 :‬وقال‪" :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا أنفقوا منن طيبات منا كسنبتم" [البقرة‪:‬‬
‫‪" .]267‬ينا أيهنا الذينن آمنوا كلوا منن طيبات منا رزقناكنم" [البقرة‪ ]172 :‬فأمنر المؤمنينن بمنا‬
‫خاطنب بنه المرسنلين؛ وكان رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم وأصنحابه يأكلون الطيبات ويلبسنون‬
‫أحسنن الثياب ويتجملون بهنا؛ وكذلك التابعون بعدهنم إلى هلم جرا‪ ،‬ولو كان كمنا زعموا واسنتدلوا‬
‫لما كان في امتنان ال تعالى بالزروع والجنات وجميع الثمار والنبات والنعام التي سخرها وأباح‬
‫لننا أكلهنا وشربهنا ألبانهنا والدفنء بأصنوافها ‪ -‬إلى غينر ذلك ممنا امتنن بنه ‪ -‬كنبير فائدة‪ ،‬فلو كان منا‬
‫ذهبوا إلينه فينه الفضنل لكان أولى بنه رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم وأصنحابه ومنن بعدهنم منن‬
‫التابعين والعلماء‪ ،‬وقد نهى النبي صلى ال عليه وسلم عن الوصال مخافة الضعف على البدان‪،‬‬
‫ونهى عن إضاعة المال ردا على الغنياء الجهال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لعلهنم يتضرعون" أي يدعون ويذلون‪ ،‬مأخوذ منن الضراعنة وهني الذلة؛ يقال‪:‬‬
‫ضر فهو ضارع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 45 - 43:‬فلول إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما‬
‫كانوا يعملون‪ ،‬فلمنا نسنوا مننا ذكروا بنه فتحنننا عليهننم أبواب كنل شيننء حتننى إذا فرحوا بمننا أوتوا‬
‫أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون‪ ،‬فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد ل رب العالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلول إذ جاءهنم بأسننا تضرعوا" (لول) تخصنيص‪ ،‬وهني التني تلي الفعنل بمعننى‬
‫هل؛ وهذا عتاب على ترك الدعاء‪ ،‬وإخبار عنهم أنهم لم يتضرعوا حين نزول العذاب‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكونوا تضرعوا تضرع مننن لم يخلص‪ ،‬أو تضرعوا حيننن لبسننهم العذاب‪ ،‬والتضرع على هذه‬
‫الوجوه غينر نافنع‪ .‬والدعاء مأمور ب حال الرخاء والشدة؛ قال ال تعالى‪" :‬ادعونني اسنتجب لكنم"‬
‫[غافنر‪ ]60 :‬وقال‪" :‬إن الذينن يسنتكبرون عنن عبادتني" [غافنر‪ ]60 :‬أي دعائي "سنيدخلون‬
‫جهنم داخرين" [غافر‪ ]60 :‬وهذا وعيد شديد‪" .‬ولكن قست قلوبهم" أي صلبت وغلظت‪ ،‬وهي‬
‫عبارة عننن الكفننر والصننرار على المعصننية‪ ،‬نسننأل ال العافيننة‪" .‬وزيننن لهننم الشيطان مننا كانوا‬
‫يعملون" أي أغواهم بالمعاصي وحملهم عليها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما نسوا ما ذكروا به" يقال‪ :‬لم ذموا على النسيان وليس من فعلهم؟ فالجواب‪:‬‬
‫أن (نسوا) بمعنى تركوا ما ذكروا به‪ ،‬عن ابن عباس وابن جريج‪ ،‬وهو قول أبي علي؛ وذلك لن‬
‫التارك للشيء إعراضا عنه قد صيره بمنزلة ما قد نسي‪ ،‬كما يقال‪ :‬تركه‪ .‬في النسي‪ .‬جواب آخر‪:‬‬
‫وهننو أنهننم تعرضوا للنسننيان فجاز الذم لذلك؛ كمننا جاز الذم على التعرض لسننخط ال عننز وجننل‬
‫وعقابه‪" .‬فتحنا عليهم أبواب كل شيء" أي من النعم والخيرات‪ ،‬أي كثرنا لهم ذلك‪ .‬والتقدير عند‬
‫أهنل العربينة‪ :‬فتحننا عليهنم أبواب كنل شينء كان مغلقنا عنهنم‪" .‬حتنى إذا فرحوا بمنا أوتوا" معناه‬
‫بطروا وأشروا وأعجبوا وظنوا أن ذلك العطاء ل يبيند‪ ،‬وأننه دال على رضاء ال عنز وجنل عنهنم‬
‫"أخذناهنم بغتنة" أي اسنتأصلناهم وسنطونا بهنم‪ .‬و(بغتنة) معناه فجأة‪ ،‬وهني الخنذ على غرة ومنن‬
‫غينر تقدم أمارة؛ فإذا أخنذ لنسنان وهنو غار غافنل فقند أخنذ بغتنة‪ ،‬وأنكنى شينء منا يفجنأ من البغنت‪.‬‬
‫وقند قينل‪ :‬إن التذكينر الذي سنلف ‪ -‬فأعرضوا عننه ‪ -‬قام مقام المارة‪ .‬وال أعلم‪ .‬و(بغتنة) مصندر‬
‫في موضع الحال ل يقاس عليه عند سيبويه كما تقدم؛ فكان ذلك استدراجا من ال تعالى كما قال‪:‬‬
‫"وأملي لهم إن كيدي متين" [العراف‪ ]183 :‬نعوذ بال من سخطه ومكره‪ .‬قال بعض العلماء‪:‬‬
‫رحنم ال عبدا تدبر هذه الينة "حتنى إذا فرحوا بمنا أوتوا أخذناهنم بغتنة"‪ .‬وقال محمند بنن النضنر‬
‫الحارثني‪ :‬أمهنل هؤلء القوم عشرينن سننة‪ .‬وروى عقبنة بنن عامنر أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم‬
‫قال‪( :‬إذا رأيتنم ال تعالى يعطني العباد منا يشاؤون على معاصنيهم فإنمنا ذلك اسنتدراج مننه لهنم) ثنم‬
‫تل "فلما نسوا ما ذكروا به" الية كلها‪ .‬وقال الحسن‪ :‬وال ما أحد من الناس بسط ال له في الدنيا‬
‫فلم يخفف أن يكون قد مكر له فيها إل كان قد نقص عمله‪ ،‬وعجز رأيه‪ .‬وما أمسكها ال عن عبد‬
‫فلم يظن أنه خير له فيها إل كان قد نقص عمله‪ ،‬وعجز رأيه‪ .‬وفي الخبر أن ال تعالى أوحى إلى‬
‫موسى عليه وسلم‪( :‬إذا رأيت الفقر مقبل إليك فقل مرحبا بشعار الصالحين وإذا رأيت الغني مقبل‬
‫إليك فقل ذنب عجلت عقوبته)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا هنم مبلسنون" المبلس الباهنت الحزينن الينس منن الخينر الذي ل يحينر جوابنا‬
‫لشدة ما نزل به من سوء الحال؛ قال العجاج‪:‬‬
‫قال نعم أعرفه وأبلسا‬ ‫يا صاح هل تعرف رسما مكرسا‬
‫أي تحينر لهول منا رأى‪ ،‬ومنن ذلك اشتنق اسنم إبلينس؛ أبلس الرجنل سنكت‪ ،‬وأبلسنت الناقنة وهني‬
‫مبلس إذا لم ترغ من شدة الضبعة؛ ضبعت الناق تضبع ضبعة وضبعا إذا أرادت الفحل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقطع دابر القوم الذين ظلموا" الدابر الخر؛ يقال‪ :‬دبر القوم يدبرهم دبرا إذا كان‬
‫آخرهم في المجيء‪ .‬وفي الحديث عن عبدال بن مسعود (من الناس من ل يأتي الصلة إل دبريا)‬
‫أي فني آخنر الوقنت؛ والمعننى هننا قطنع خلفهنم منن نسنلهم وغيرهنم فلم تبنق لهنم باقينة‪ .‬قال قطرب‪:‬‬
‫يعني أنهم استؤصلوا وأهلكوا‪ .‬قال أمية بن أبي الصلت‪:‬‬
‫فما استطاعوا له صرفا ول انتصروا‬ ‫فأهلكوا بعذاب حص دابرهم‬
‫ومنه التدبير لنه إحكام عواقب المور‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والحمد ل رب العالمين" قيل‪ :‬على إهلكهم وقيل‪ :‬تعليم للمؤمنين كيف يحمدونه‪.‬‬
‫وتضمننت هذه الينة الحجنة على وجوب ترك الظلم؛ لمنا يعقنب منن قطنع الدابر‪ ،‬إلى العذاب الدائم‪،‬‬
‫مع استحقاق القاطع الحمد من كل حامد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 46 :‬قل أرأيتم إن أخذ ال سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير ال يأتيكم‬
‫بنه انظنر كينف نصنرف اليات ثنم هنم يصندفون‪ ،‬قنل أرأيتكنم إن أتاكنم عذاب ال بغتنة أو جهرة هنل‬
‫يهلك إل القوم الظالمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أرأيتم إن أخذ ال سمعكم وأبصاركم" أي أذهب وانتزع‪ .‬ووحد "سمعكم" لنه‬
‫مصننندر يدل على الجمنننع‪" .‬وختنننم" أي طبنننع‪ .‬وجواب (إن) محذوف تقديره‪ :‬فمنننن يأتيكنننم بنننه‪،‬‬
‫وموضعنه نصنب؛ لنهنا فني موضنع الحال‪ ،‬كقولك‪ :‬اضربنه إن خرج أي خارجنا‪ .‬ثنم قينل‪ :‬المراد‬
‫المعانني القائمنة بهذه الجوارح‪ ،‬وقند يذهنب ال الجوارح والعراض جميعنا فل يبقني شيئا‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى‪" :‬من قبل أن نطمس وجوها" [النساء‪ ]47 :‬والية احتجاج على الكفار‪" .‬من إله غير ال‬
‫يأتيكنم بنه" "منن" رفنع بالبتداء وخبرهنا "إله" و"غيره" صنفة له‪ ،‬وكذلك "يأتيكنم" موضعنه رفنع‬
‫بأننه صنفة "إله" ومخرجهنا مخرج السنتفهام‪ ،‬والجملة التني هني منهنا فني موضنع مفعولي رأيتنم‪.‬‬
‫ومعنننى "أرأيتننم" علمتننم؛ ووحنند الضميننر فنني (بننه) ‪ -‬وقنند تقدم الذكننر بالجمننع ‪ -‬لن المعنننى أي‬
‫بالمأخوذ‪ ،‬فالهاء راجعنة إلى المذكور‪ .‬وقينل‪ :‬على السننمع بالتصننريح؛ مثنل قوله‪" :‬وال ورسنوله‬
‫أحق أن يرضوه" [التوبة‪ .]62 :‬ودخلت البصار والقلوب بدللة التضمين‪ .‬وقيل‪" :‬من إله غير‬
‫ال يأتيكم"‪ .‬بأحد هذه المذكورات‪ .‬وقيل‪ :‬على الهدى الذي تضمنه المعنى‪.‬‬
‫وقرأ عبدالرحمننن العرج (بننه انظننر) بضننم الهاء على الصننل؛ لن الصننل أن تكون الهاء‬
‫مضمومنة كمنا تقول‪ :‬جئت معنه‪ .‬قال النقاش‪ :‬فني هذه الينة دلينل على تفضينل السنمع على البصنر‬
‫لتقدمته هنا وفي غير آية‪ ،‬وقد مضى هذا في أول "البقرة" مستوفى‪ .‬وتصريف اليات التيان بها‬
‫من جهات؛ من إعذار وإنذار وترغيب وترهيب ونحو ذلك‪" .‬ثم هم يصدفون" أي يعرضون‪ .‬عن‬
‫ابننن عباس والحسننن ومجاهنند وقتادة والسنندي؛ يقال‪ :‬صنندف عننن الشيننء إذا أعرض عنننه صنندفا‬
‫وصدوفا فهو صادف‪ .‬وصادفته مصادفة أي لقيته عن إعراض عن جهته؛ قال ابن الرقاع‪:‬‬
‫وهن عن كل سوء يتقى صدف‬ ‫إذا ذكرن حديثا قلن أحسنه‬
‫والصندف فني البعينر أن يمينل خفنه منن اليند أو الرجنل إلى الجاننب الوحشني؛ فهنم يصندفون أي‬
‫مائلون معرضون عن الحجج والدللت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قنل أرأيتكنم إن أتاكنم عذاب ال بغتنة أو جهرة" الحسنن‪" :‬بغتنة" ليل "أو جهرة"‬
‫نهارا‪ .‬وقينل‪ :‬بغتنة فجأة‪ .‬وقال الكسنائي‪ :‬يقال بغتهنم المنر يبغتهنم بغتنا وبغتنة إذا أتاهنم فجأة‪ ،‬وقند‬
‫تقدم‪" .‬هنل يهلك إل القوم الظالمون" نظيره "فهنل يهلك إل القوم الفاسنقون" [الحقاف‪ ]35 :‬أي‬
‫هنل يهلك إل أنتنم لشرككنم؛ والظلم هننا بمعننى الشرك‪ ،‬كمنا قال لقمان لبننه‪" :‬ينا بنني ل تشرك بال‬
‫إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان‪.]13 :‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 48 :‬ومنا نرسنل المرسنلين إل مبشرينن ومنذرينن فمنن آمنن وأصنلح فل خوف عليهنم‬
‫ول هم يحزنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومننا نرسننل المرسننلين إل مبشريننن ومنذريننن" أي بالترغيننب والترهيننب‪ .‬قال‬
‫الحسنن‪ :‬مبشرينن بسنعة الرزق فني الدنينا والثواب فني الخرة؛ يدل على ذلك قوله تعالى‪" :‬ولو أن‬
‫أهنل القرى آمنوا واتقوا لفتحننا عليهنم بركات منن السنماء والرض" [العراف‪ .]96 :‬ومعننى‬
‫(منذرين) مخوفين عقاب ال؛ فالمعنى‪ :‬إنما أرسلنا المرسلين لهذا ل لما يقترح عليهم من اليات‪،‬‬
‫وإنمنا يأتون منن اليات بمنا تظهنر معنه براهينهنم وصندقهم‪ .‬وقوله‪" :‬فمنن آمنن وأصنلح فل خوف‬
‫عليهم ول هم يحزنون"‪ .‬تقدم القول فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 49 :‬والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيننن كذبوا بآياتنننا" أي بالقرآن والمعجزات‪ .‬وقيننل‪ :‬بمحمنند عليننه الصننلة‬
‫والسلم‪" .‬يمسهم العذاب" أي يصيبهم "بما كانوا يفسقون" أي يكفرون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 50 :‬قل ل أقول لكم عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول أقول لكم إني ملك إن أتبع‬
‫إل ما يوحى إلي قل هل يستوي العمى والبصير أفل تتفكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قنل ل أقول لكنم عندي خزائن ال" هذا جواب لقولهنم‪" :‬لول نزل علينه آينة منن‬
‫ربنه" [النعام‪ ، ]37 :‬فالمعننى لينس عندي خزائن قدرتنه فأنزل منا اقترحتموه منن اليات‪ ،‬ول‬
‫أعلم الغينب فأخنبركم بنه‪ .‬والخزاننة منا يخزن فينه الشينء؛ ومننه الحدينث (فإنمنا تخزن لهنم ضروع‬
‫مواشيهنم أطعماتهنم أيحنب أحدكنم أن تؤتنى مشربتنه فتكسنر خزانتنه)‪ .‬وخزائن ال مقدوراتنه؛ أي ل‬
‫أملك أن أفعنل كنل منا أريند ممنا تقترحون "ول أعلم الغينب" أيضنا "ول أقول لكنم إنني ملك" وكان‬
‫القوم يتوهمون أن الملئكننة أفضننل‪ ،‬أي لسننت بملك فأشاهنند مننن أمور ال مننا ل يشهده البشننر‪.‬‬
‫واسنتدل بهذا القائلون بأن الملئكنة أفضنل منن الننبياء‪ .‬وقند مضنى فني "البقرة" القول فينه فتأمله‬
‫هناك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن أتبنع إل منا يوحنى إلي" ظاهره أننه ل يقطنع أمرا إل إذا كان فينه وحني‪.‬‬
‫والصنحيح أن الننبياء يجوز منهنم الجتهاد‪ ،‬والقياس على المنصنوص‪ ،‬والقياس أحند أدلة الشرع‪.‬‬
‫وسيأتي بيان هذا في "العراف" وجواز اجتهاد النبياء في (النبياء) إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل هل يستوي العمى والبصير" أي الكافر والمؤمن؛ عن مجاهد وغيره‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫الجاهل والعالم‪" .‬أفل تتفكرون" أنهما ل يستويان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 51 :‬وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ول شفيع‬
‫لعلهم يتقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنذر به" أي بالقرآن‪ .‬والنذار العلم وقيل‪" :‬به" أي بال‪ .‬وقيل‪ :‬باليوم الخر‪.‬‬
‫وخص "الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم" لن الحجة عليهم أوجب‪ ،‬فهم خائفون من عذابه‪ ،‬ل‬
‫أنهنم يترددون فني الحشنر؛ فالمعننى "يخافون" يتوقعون عذاب الحشنر‪ .‬وقينل‪" :‬يخافون" يعلمون‪،‬‬
‫فإن كان مسنلما أنذر ليترك المعاصني‪ ،‬وإن كان منن أهنل الكتاب أنذر ليتبنع الحنق‪ .‬وقال الحسنن‪:‬‬
‫المراد المؤمنون‪ .‬قال الزجاج‪ :‬كل من أقر بالبعث من مؤمن وكافر‪ .‬وقيل‪ :‬الية في المشركين أي‬
‫أنذرهنم بيوم القيامنة‪ .‬والول أظهنر‪" .‬لينس لهنم منن دوننه" أي منن غينر ال "شفينع" هذا رد على‬
‫اليهود والنصارى في زعمهما أن أباهما يشفع لهما حيث قالوا‪" :‬نحن أبناء ال وأحباؤه" [المائدة‪:‬‬
‫‪ ]18‬والمشركون حينث جعلوا أصننامهم شفعاء لهنم عنند ال‪ ،‬فأعلم ال أن الشفاعنة ل تكون‬
‫للكفار‪ .‬ومن قال الية في المؤمنين قال‪ :‬شفاعة الرسول لهم تكون بإذن ال فهو الشفيع حقيقة إذن؛‬
‫وفني التنزينل‪" :‬ول يشفعون إل لمنن ارتضنى" [الننبياء‪" .]28 :‬ول تنفنع الشفاعنة عنده إل لمنن‬
‫أذن له" [سبأ‪" .]23 :‬من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه" [البقرة‪" .]255 :‬لعلهم يتقون" أي في‬
‫المستقبل وهو الثبات على اليمان‪.‬‬
‫*‪*3‬الينة‪{ 52 :‬ول تطرد الذينن يدعون ربهنم بالغداة والعشني يريدون وجهنه منا علينك منن‬
‫حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تطرد الذين يدعون ربهم" الية‪ .‬قال المشركون‪ :‬ول نرضى بمجالسة أمثال‬
‫هؤلء ‪ -‬يعنون سنلمان وصنهيبا وبلل وخبابنا ‪ -‬فاطردهنم عننك؛ وطلبوا أن يكتنب لهنم بذلك‪ ،‬فهنم‬
‫الننبي صنلى ال علينه وسنلم بذلك‪ ،‬ودعنا علينا ليكتنب؛ فقام الفقراء وجلسنوا ناحينة؛ فأنزل ال الينة‪.‬‬
‫ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح‪ :‬فوقع في نفس رسول ال صلى ال عليه وسلم ما شاء‬
‫ال أن يقع؛ وسيأتي ذكره‪ .‬وكان النبي صلى ال عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعا في إسلمهم‪،‬‬
‫وإسنلم قومهنم‪ ،‬ورأى أن ذلك ل يفوت أصنحابه شيئا‪ ،‬ول ينقنص لهنم قدرا‪ ،‬فمال إلينه فأنزل ال‬
‫الية‪ ،‬فنهاه عما هم به من الطرد ل أنه أوقع الطرد‪ .‬روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال‪ :‬كنا‬
‫مع النبي صلى ال عليه وسلم ستة نفر‪ ،‬فقال المشركون للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬اطرد هؤلء‬
‫عنننك ل يجترئون علينننا؛ قال‪ :‬وكنننت أنننا وابننن مسننعود ورجننل مننن هذيننل وبلل ورجلن لسننت‬
‫أسنميهما‪ ،‬فوقنع فني نفنس رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم منا شاء ال أن يقنع‪ ،‬فحدث نفسنه‪ ،‬فأنزل‬
‫ال عنز وجنل "ول تطرد الذينن يدعون ربهنم بالغداة والعشني يريدون وجهنه"‪ .‬قينل‪ :‬المراد بالدعاء‬
‫المحافظنة على الصنلة المكتوبنة فني الجماعنة؛ قاله ابنن عباس ومجاهند والحسنن‪ .‬وقينل‪ :‬الذكنر‬
‫وقراءة القرآن‪ .‬ويحتمل أن يريد الدعاء في أول النهار وآخره؛ ليستفتحوا يومهم بالدعاء رغبة في‬
‫التوفينننق‪ .‬ويختموه بالدعاء طلبنننا للمغفرة‪" .‬يريدون وجهنننه" أي طاعتنننه‪ ،‬والخلص فيهنننا‪ ،‬أي‬
‫يخلصنون فني عبادتهنم وأعمالهنم ل‪ ،‬ويتوجهون بذلك إلينه ل لغيره‪ .‬وقينل‪ :‬يريدون ال الموصنوف‬
‫بأن له الوجنه كمنا قال‪" :‬ويبقنى وجنه ربنك ذو الجلل والكرام" [الرحمنن‪ ]27 :‬وهنو كقوله‪:‬‬
‫"والذينن صنبروا ابتغاء وجنه ربهنم" [الرعند‪ .]22 :‬وخنص الغداة والعشني بالذكنر؛ لن الشغنل‬
‫غالب فيهمنا على الناس‪ ،‬ومنن كان فني وقنت الشغنل مقبل على العبادة كان فني وقنت الفراغ منن‬
‫الشغنل أعمنل‪ .‬وكان رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بعند ذلك يصنبر نفسنه معهنم كمنا أمره ال فني‬
‫قوله‪" :‬واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ول تعد عيناك عنهم"‬
‫[الكهف‪ ، ]28 :‬فكان ل يقوم حتى يكونوا هم الذين يبتدئون القيام‪ ،‬وقد أخرج هذا المعنى مبينا‬
‫مكمل ابن ماجة في سننه عن خباب في قول ال عز وجل‪" :‬ول تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة‬
‫والعشي" إلى قوله‪" :‬فتكون من الظالمين" قال‪ :‬جاء القرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن‬
‫الفزاري فوجدا رسول ال صلى ال عليه وسلم مع صهيب وبلل وعمار وخباب‪ ،‬قاعدا في ناس‬
‫من الضعفاء من المؤمنين؛ فلما رأوهم حول النبي صلى ال عليه وسلم حقروهم؛ فأتوه فخلوا به‬
‫وقالوا‪ :‬إننا نريند أن تجعنل لننا مننك مجلسنا تعرف لننا بنه العرب فضلننا‪ ،‬فإن وفود العرب تأتينك‬
‫فنستحي أن ترانا العرب مع هذه العبد‪ ،‬فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك‪ ،‬فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم‬
‫إن شئت؛ قال‪( :‬نعم) قالوا‪ :‬فاكتب لنا عليك كتابا؛ قال‪ :‬فدعا بصحيفة ودعا عليا ‪ -‬رضي ال عنه‬
‫‪ -‬ليكتنب ونحنن قعود فني ناحينة؛ فنزل جبرينل علينه السنلم فقال‪" :‬ول تطرد الذينن يدعون ربهنم‬
‫بالغداة والعشني يريدون وجهنه منا علينك منن حسنابهم منن شينء ومنا منن حسنابك عليهنم منن شينء‬
‫فتطردهنم فتكون منن الظالمينن" ثنم ذكنر القرع بنن حابنس وعييننة بنن حصنن؛ فقال‪" :‬وكذلك فتننا‬
‫بعضهنم ببعنض ليقولوا أهؤلء منن ال عليهنم منن بينننا ألينس ال بأعلم بالشاكرينن" [النعام‪]53 :‬‬
‫ثم قال‪" :‬وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلم عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة" [النعام‪:‬‬
‫‪ ]54‬قال‪ :‬فدنوننا مننه حتنى وضعننا ركبننا على ركبتنه؛ وكان رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‬
‫يجلس معننا فإذا أراد أن يقوم قام وتركننا؛ فأنزل ال عنز وجنل "واصنبر نفسنك منع الذينن يدعون‬
‫ربهنم بالغداة والعشني يريدون وجهنه ول تعند عيناك عنهنم تريند زيننة الحياة الدنينا" [الكهنف‪]28 :‬‬
‫ول تجالس الشراف "ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا" [الكهف‪ ]28 :‬يعني عيينة والقرع‪،‬‬
‫"واتبع هواه وكان أمره فرطا" [الكهف‪ ، ]28 :‬أي هلكا‪ .‬قال‪ :‬أمر عيينة والقرع؛ ثم ضرب‬
‫لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا‪ .‬قال خباب‪ :‬فكنا نقعد مع النبي صلى ال عليه وسلم فإذا بلغنا‬
‫الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم؛ رواه عن أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان‬
‫حدثنا عمرو بن محمد العنقزي حدثننا أسباط عن السدي عن أبي سعيد الزدي وكان قارئ الزد‬
‫عنن أبني الكنود عنن خباب؛ وأخرجنه أيضنا عنن سنعد قال‪ :‬نزلت هذه الينة فيننا سنتة‪ ،‬فني وفني ابنن‬
‫مسنعود وصنهيب وعمار والمقداد وبلل؛ قال‪ :‬قالت قرينش لرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم إننا ل‬
‫نرضى أن نكون أتباعا لهم فاطردهم‪ ،‬قال‪ :‬فدخل قلب رسول ال صلى ال عليه وسلم من ذلك ما‬
‫شاء ال أن يدخننل؛ فأنزل ال عننز وجننل‪" :‬ول تطرد الذيننن يدعون ربهننم بالغداة والعشنني" اليننة‪.‬‬
‫وقرئ (بالغدوة) وسيأتي بيانه في (الكهف) إن شاء ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما عليك من حسابهم من شيء" أي من جزائهم ول كفاية أرزاقهم‪ ،‬أي جزاؤهم‬
‫ورزقهم على ال‪ ،‬وجزاؤك ورزقك على ال ل على غيره‪( .‬من) الولى للتبعيض‪ ،‬والثانية زائدة‬
‫للتوكينند‪ .‬وكذا "ومننا مننن حسننابك عليهننم مننن شيننء" المعنننى وإذا كان المننر كذلك فاقبننل عليهننم‬
‫وجالسنهم ول تطردهنم مراعاة لحنق منن لينس على مثنل حالهنم فني الدينن والفضنل؛ فإن فعلت كننت‬
‫ظالما‪ .‬وحاشاه من وقوع ذلك منه‪ ،‬وإنما هذا بيان للحكام‪ ،‬ولئل يقع مثل ذلك من غيره من أهل‬
‫السنلم؛ وهذا مثنل قوله‪" :‬لئن أشركنت ليحبطنن عملك" [الزمنر‪ ]65 :‬وقند علم ال مننه أننه ل‬
‫يشرك ول يحبنط عمله‪" .‬فتطردهنم" جواب النفني‪" .‬فتكون منن الظالمينن" نصنب بالفاء فني جواب‬
‫النهني؛ المعننى‪ :‬ول تطرد الذينن يدعون ربهنم فتكون منن الظالمينن‪ ،‬ومنا منن حسنابك‪ ،‬عليهنم منن‬
‫شينء فتطردهنم‪ ،‬على التقدينم والتأخينر‪ .‬والظلم أصله وضنع الشينء فني غير موضعه‪ .‬وقند حصنل‬
‫من قوة الية والحديث النهي عن أن يعظم أحد لجاهه ولثوبه‪ ،‬وعن أن يحتقر أحد لخموله ولرثاثة‬
‫ثوبيه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 53 :‬وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلء من ال عليهم من بيننا أليس ال بأعلم‬
‫بالشاكرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك فتننا بعضهنم ببعنض" أي كمنا فتننا منن قبلك كذلك فتننا هؤلء‪ .‬والفتننة‬
‫الختبار؛ أي عاملناهنم معاملة المختنبرين‪" .‬ليقولوا" نصنب بلم كني‪ ،‬يعنني الشراف والغنياء‪.‬‬
‫"أهؤلء" يعني الضعفاء والفقراء‪" .‬من ال عليهم من بيننا" قال النحاس‪ :‬وهذا من المشكل؛ لنه‬
‫يقال‪ :‬كينف فتنوا ليقولوا هذه الينة؟ لننه إن كان إنكارا فهنو كفنر منهنم‪ .‬وفني هذا جوابان‪ :‬أحدهمنا‪:‬‬
‫أن المعنى اختبر الغنياء بالفقراء أن تكون مرتبتهم واحدة عند النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ليقولوا‬
‫على سبيل الستفهام ل على سبيل النكار "أهؤلء من ال عليهم من بيننا" والجواب الخر‪ :‬أنهم‬
‫لمنا اختنبروا بهذا قال عاقبتنه إلى أن قالوا هذا على سنبيل النكار‪ ،‬وصنار مثنل قوله‪" :‬فالتقطنه آل‬
‫فرعون ليكون لهننم عدوا وحزنننا" [القصننص‪" .]8 :‬أليننس ال بأعلم بالشاكريننن" فيمننن عليهننم‬
‫باليمان دون الرؤسنناء الذيننن علم ال منهننم الكفننر‪ ،‬وهذا اسننتفهام تقريننر‪ ،‬وهننو جواب لقولهننم‪:‬‬
‫"أهؤلء من ال عليهم من بيننا" وقل‪ :‬المعنى أليس ال بأعلم من يشكر السلم إذا هديته إليه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 54 :‬وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلم عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة‬
‫أنه من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلم عليكم" السلم والسلمة بمعنى واحد‪.‬‬
‫ومعننى "سنلم عليكنم" سنلمكم ال فني دينكنم وأنفسنكم؛ نزلت فني الذينن نهنى ال ننبيه علينه الصنلة‬
‫والسلم عن طردهم‪ ،‬فكان إذا رآهم بدأهم بالسلم وقال‪( :‬الحمد ل الذي جعل في أمتي من أمرني‬
‫أن أبدأهنم بالسنلم) فعلى هذا كان السنلم منن جهنة الننبي صنلى ال علينه وسنلم‪ .‬وقينل‪ :‬إننه كان منن‬
‫جهنة ال تعالى‪ ،‬أي أبلغهنم مننا السنلم؛ وعلى الوجهينن ففينه دلينل على فضلهنم ومكانتهنم عنند ال‬
‫تعالى‪ .‬وفي صحيح مسلم عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلل ونفر‬
‫فقالوا‪ :‬وال ما أخذت سيوف ال من عنق عدو ال مأخذها؛ قال‪ :‬فقال أبو بكر‪ :‬أتقولون هذا لشيخ‬
‫قرينش وسنيدهم؟! فأتنى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فأخنبره فقال‪( :‬ينا أبنا بكنر لعلك أغضبتهنم لئن‬
‫كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك) فأتاهم أبو بكر فقال‪ :‬يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا‪ :‬ل؛ يغفر ال لك‬
‫يا أخي؛ فهذا دليل على رفعة منازلهم وحرمتهم كما بيناه في معنى الية‪ .‬ويستفاد من هذا احترام‬
‫الصنالحين واجتناب منا يغضبهنم أو يؤذيهنم؛ فإن فني ذلك غضنب ال‪ ،‬أي حلول عقابنه بمنن آذى‬
‫أحدا من أوليائه‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬نزلت الية في أبى بكر وعمر وعثمان وعلي رضي ال عنهم‪.‬‬
‫وقال الفضينل بنن عياض‪ :‬جاء قوم منن المسنلمين إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فقالوا‪ :‬إننا قند‬
‫أصبنا من الذنوب فاستغفر لنا فأعرض عنهم؛ فنزلت الية‪ .‬وروي عن أنس بن مالك مثله سواء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كتنب ربكنم على نفسنه الرحمنة" أي أوجنب ذلك بخنبره الصندق‪ ،‬ووعده الحنق‪،‬‬
‫فخوطنب العباد على ما يعرفوننه من أنه من كتنب شيئا فقد أوجبنه على نفسنه‪ .‬وقيل‪ :‬كتنب ذلك فني‬
‫اللوح المحفوظ‪" .‬أنه من عمل منكم سوءا بجهالة" أي خطيئة من غير قصد؛ قال مجاهد‪ :‬ل يعلم‬
‫حلل منن حرام ومنن جهالتنه ركنب المنر‪ ،‬فكنل منن عمنل خطيئة فهنو بهنا جاهنل؛ وقند مضنى هذا‬
‫المعنى في "النساء" وقيل‪ :‬من آثر العاجل على الخرة فهو الجاهل‪" .‬فإنه غفور رحيم" قرأ بفتح‬
‫"أن" منن "فأننه" ابنن عامنر وعاصنم‪ ،‬وكذلك "أننه منن عمنل" ووافقهمنا نافنع فني "أننه منن عمنل"‪.‬‬
‫وقرأ الباقون بالكسر فيهما؛ فمن كسر فعلى الستئناف‪ ،‬والجملة مفسرة للرحمة؛ و(إن) إذا دخلت‬
‫على الجمل كسرت وحكم ما بعد الفاء البتداء والستئناف فكسرت لذلك‪ .‬ومن فتحهما فالولى في‬
‫موضنع نصنب على البدل منن الرحمنة‪ ،‬بدل الشينء منن الشينء وهنو هنو فأعمنل فيهنا (كتنب) كأننه‬
‫قال‪ :‬كتب ربكم على نفسه أنه من عمل؛ وأما (فأنه غفور) بالفتح ففيه وجهان؛ أحدهما‪ :‬أن يكون‬
‫فني موضنع رفنع بالبتداء والخنبر مضمنر‪ ،‬كأننه قال‪ :‬فله أننه غفور رحينم؛ لن منا بعند الفاء مبتدأ‪،‬‬
‫أي فله غفران ال‪ .‬الوجنه الثانني‪ :‬أن يضمنر مبتدأ تكون (أن) ومنا عملت فينه خنبره؛ تقديره‪ :‬فأمره‬
‫غفران ال له‪ ،‬وهذا اختيار سننيبويه‪ ،‬ولم يجننز الول‪ ،‬وأجازه أبننو حاتننم‪ .‬وقيننل‪ :‬إن (كتننب) عمننل‬
‫فيهنا؛ أي كتنب ربكنم أننه غفور رحينم‪ .‬وروي عنن علي بنن صنالح وابنن هرمنز كسنر الولى على‬
‫السنتئناف‪ ،‬وفتنح الثانينة على أن تكون مبتدأة أو خنبر مبتدأ أو معمولة لكتنب على منا تقدم‪ .‬ومنن‬
‫فتنح الولى ‪ -‬وهنو نافنع ‪ -‬جعلهنا بدل منن الرحمنة‪ ،‬واسنتأنف الثانينة لنهنا بعند الفاء‪ ،‬وهني قراءة‬
‫بينة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 55 :‬وكذلك نفصل اليات ولتستبين سبيل المجرمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك نفصنل اليات" التفصنيل التنبيين الذي تظهنر بنه المعانني؛ والمعننى‪ :‬وكمنا‬
‫فصنلنا لك فني هذه السنورة دلئلننا ومحاجتننا منع المشركينن كذلك نفصنل لكنم اليات فني كنل منا‬
‫تحتاجون إليه من أمر الدين‪ ،‬ونبين لكم أدلتنا وحججنا في كل حق ينكره أهل الباطل‪ .‬وقال القتبي‪:‬‬
‫"نفصنل اليات" نأتني بهنا شيئا بعند شينء‪ ،‬ول ننزلهنا جملة متصنلة‪" .‬ولتسنتبين سنبيل المجرمينن"‬
‫يقال‪ :‬هذه اللم تتعلق بالفعننل فأيننن الفعننل الذي تتعلق بننه؟ فقال الكوفيون‪ :‬هننو مقدر؛ أي وكذلك‬
‫نفصنل اليات لننبين لكنم ولتسنتبين؛ قال النحاس‪ :‬وهذا الحذف كله ل يحتاج إلينه‪ ،‬والتقدينر‪ :‬وكذلك‬
‫نفصنل اليات فصنلناها‪ .‬وقينل‪ :‬إن دخول الواو للعطنف على المعننى؛ أي ليظهنر الحنق وليسنتبين‪،‬‬
‫قرئ بالياء والتاء‪( .‬سنبيل) برفنع اللم ونصنبها‪ ،‬وقراءة التاء خطاب للننبي صنلى ال علينه وسنلم‪،‬‬
‫أي ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين‪ .‬فإن قيل‪ :‬فقد كان النبي عليه السلم يستبينها؟ فالجواب عند‬
‫الزجاج ‪ -‬أن الخطاب للننبي علينه السنلم خطاب لمتنه؛ فالمعننى‪ :‬ولتسنتبينوا سنبيل المجرمينن‪ .‬فإن‬
‫قينل‪ :‬فلم لم يذكنر سنبيل المؤمنينن؟ ففني هذا جوابان؛ أحدهمنا‪ :‬أن يكون مثنل قوله‪" :‬سنرابيل تقيكنم‬
‫الحنر" [النحنل‪ ]81 :‬فالمعننى؛ وتقيكنم البرد ثنم حذف؛ وكذلك يكون هذا المعننى ولتسنتبين سنبيل‬
‫المؤمنينن ثنم حذف‪ .‬والجواب الخنر‪ :‬أن يقال‪ :‬اسنتبان الشينء واسنتبنته؛ وإذا بان سنبيل المجرمينن‬
‫فقند بان سنبيل المؤمنينن‪ .‬والسنبيل يذكنر ويؤننث؛ فتمينم تذكره‪ ،‬وأهنل الحجاز تؤنثنه؛ وفني التنزينل‬
‫"وإن يروا سنبيل الرشند" [العراف‪ ]146 :‬مذكنر "لم تصندون عنن سنبيل ال" [آل عمران‪:‬‬
‫‪ ]99‬مؤننث؛ وكذلك قرئ (ولتسنتبين) بالياء والتاء؛ فالتاء خطاب للننبي صنلى ال علينه وسنلم‬
‫والمراد أمته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 56 :‬قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون ال قل ل أتبع أهواءكم قد ضللت‬
‫إذا وما أنا من المهتدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون ال" قيل‪" :‬تدعون" بمعنى تعبدون‪.‬‬
‫وقينل‪ :‬تدعونهنم فني مهمات أموركنم على جهنة العبادة؛ أراد بذلك الصننام‪" .‬قنل ل أتبنع أهواءكنم"‬
‫فيما طلبتموه من عبادة هذه الشياء‪ ،‬ومن طرد من أردتم طرده‪" .‬قد ضللت إذا" أي قد ضللت إن‬
‫اتبعت أهواءكم‪" .‬وما أنا من المهتدين" أي على طريق رشد وهدى‪.‬‬
‫وقرئ "ضللت" بفتنح اللم وكسنرها وهمنا لغتان‪ .‬قال أبنو عمرو بنن العلء‪ :‬ضللت بكسنر اللم‬
‫لغة تميم‪ ،‬وهي قراءة يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف‪ ،‬والولى هي الصح والفصح؛ لنها‬
‫لغننة أهننل الحجاز‪ ،‬وهنني قراءة الجمهور‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬والضلل والضللة ضنند الرشاد‪ ،‬وقنند‬
‫ضللت أضنل‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬قنل إن ضللت فإنمنا أضنل على نفسني" [سنبأ‪ ]50 :‬فهذه لغنة نجند‪،‬‬
‫وهي الفصيحة‪ ،‬وأهل العالية يقولون‪ :‬ضللت بالكسر أضل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 57 :‬قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إل ل‬
‫يقص الحق وهو خير الفاصلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل إني على بينة من ربي" أي دللة ويقين وحجة وبرهان‪ ،‬ل على هوى؛ ومنه‬
‫البيننة لنهنا تنبين الحنق وتظهره‪" .‬وكذبتنم بنه" أي بالبيننة لنهنا فني معننى البيان‪ ،‬كمنا قال‪" :‬وإذا‬
‫حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه" [النساء‪ ]8 :‬على ما بيناه هناك‪.‬‬
‫وقيننل يعود على الرب‪ ،‬أي كذبتننم بربنني لنننه جرى ذكره‪ .‬وقيننل‪ :‬بالعذاب‪ .‬وقيننل‪ :‬بالقرآن‪ .‬وفنني‬
‫معننى هذه الينة والتني قبلهنا منا أنشده مصنعب بنن عبدال بنن الزبينر لنفسنه‪ ،‬وكان شاعرا محسننا‬
‫رضي ال عنه‪:‬‬
‫وكان الموت أقرب ما يليني‬ ‫أأقعد بعدما رجفت عظامي‬
‫وأجعل دينه غرضا لديني‬ ‫أجادل كل معترض خصيم‬
‫وليس الرأي كالعلم اليقين‬ ‫فاترك ما علمت لرأي غيري‬
‫يصرف في الشمال وفي اليمين‬ ‫وما أنا والخصومة وهي شيء‬
‫يلحن بكل فج أو وجين‬ ‫وقد سنت لنا سنن قوام‬
‫أغر كغرة الفلق المبين‬ ‫وكان الحق ليس به خفاء‬
‫بمنهاج ابن آمنة المين‬ ‫وما عوض لنا منهاج جهم‬
‫وأما ما جهلت فجنبوني‬ ‫فأما ما علمت فقد كفاني‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منا عندي منا تسنتعجلون بنه" أي العذاب؛ فإنهنم كانوا لفرط تكذيبهنم يسنتعجلون‬
‫نزوله استهزاء نحو قولهم‪" :‬أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا" [السراء‪" ]92 :‬وإذ قالوا‬
‫اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" [النفال‪ .]32 :‬وقيل‪ :‬ما‬
‫عندي مننن اليات التنني تقترحونهننا‪" .‬إن الحكننم إل ل" أي مننا الحكننم إل ل فنني تأخيننر العذاب‬
‫وتعجيله‪ .‬وقيل‪ :‬الحكم الفاصل بين الحق والباطل ل‪" .‬يقص الحق" أي يقص القصص الحق؛ وبه‬
‫اسنتدل منن مننع المجاز فني القرآن‪ ،‬وهني قراءة نافنع وابنن كثينر وعاصنم ومجاهند والعرج وابنن‬
‫عباس؛ قال ابنن عباس‪ :‬قال ال عنز وجنل‪" :‬نحنن نقنص علينك أحسنن القصنص" [يوسنف‪.]3 :‬‬
‫والباقون "يَقْضِن الحقّ" بالضاد المعجمنة‪ ،‬وكذلك قرأ علي ‪ -‬رضني ال عننه ‪ -‬وأبنو عبدالرحمنن‬
‫السلمي وسعيد بن المسيب‪ ،‬وهو مكتوب في المصحف بغير ياء‪ ،‬ول ينبغي الوقف عليه‪ ،‬وهو من‬
‫القضاء؛ ودل على ذلك أن بعده "وهنو خينر الفاصنلين" والفصنل ل يكون إل قضاء دون قصنص‪،‬‬
‫ويقوي ذلك قوله قبله‪" :‬إن الحكننم إل ل" ويقوي ذلك أيضننا قراءة ابننن مسننعود (إن الحكننم إل ل‬
‫يقضني بالحنق) فدخول الباء يؤكند معننى القضاء‪ .‬قال النحاس‪ :‬هذا ل يلزم؛ لن معننى "يقضني"‬
‫يأتني ويصننع فالمعننى‪ :‬يأتني الحنق‪ ،‬ويجوز أن يكون المعننى‪ :‬يقضني القضاء الحنق‪ .‬قال مكني‪:‬‬
‫وقراءة الصناد أحنب إلي؛ لتفاق الحرميينن وعاصنم على ذلك‪ ،‬ولننه لو كان منن القضاء للزمنت‬
‫الباء فينه كمنا أتنت فني قراءة ابنن مسنعود‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا الحتجاج ل يلزم؛ لن مثنل هذه الباء‬
‫تحذف كثيرا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 58 :‬قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي المر بيني وبينكم وال أعلم بالظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل لو أن عندي ما تستعجلون به" أي من العذاب لنزلته بكم حتى ينقضي المر‬
‫إلى آخره‪ .‬والسننتعجال‪ :‬تعجيننل طلب الشيننء قبننل وقتننه‪" .‬وال أعلم بالظالميننن" أي بالمشركيننن‬
‫وبوقت عقوبتهم‪.‬‬

You might also like