Professional Documents
Culture Documents
**2سورة النساء
**3اليتان{ 149 - 148 :ل يحب ال الجهر بالسوء من القول إل من ظلم وكان ال سميعا
عليما ،إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن ال كان عفوا قديرا}
@قوله تعالى" :ل يحب ال الجهر بالسوء من القول" وتم الكلم .ثم قال عز وجل" :إل من ظلم"
اسنتثناء لينس منن الول فني موضنع نصنب؛ أي لكنن منن ظلم فله أن يقول ظلمنني فلن .ويجوز أن
يكون فنني موضننع رفننع ويكون التقديننر :ل يحننب ال أن يجهننر أحنند بالسننوء إل مننن ظلم .وقراءة
الجمهور "ظلم" بضم الظاء وكسر اللم؛ ويجوز إسكانها .ومن قرأ "ظلم" بفتح الظاء وفتح اللم
وهنو زيند بنن أسنلم وابنن أبني إسنحاق وغيرهمنا على منا يأتني ،فل يجوز له أن يسنكن اللم لخفنة
الفتحنة .فعلى القراءة الولى قالت طائفنة :المعننى ل يحنب ال أن يجهنر أحند بالسنوء منن القول إل
منن ظلم فل يكره له الجهنر بنه .ثنم اختلفوا فني كيفينة الجهنر بالسنوء ومنا هنو المباح منن ذلك؛ فقال
الحسن :هو الرجل يظلم الرجل فل يدع عليه ،ولكن ليقل :اللهم أعني عليه ،اللهم استخرج حقي،
اللهم حل بينه وبين ما يريد من ظلمي .فهذا دعاء في المدافعة وهي أقل منازل السوء .وقال ابن
عباس وغيره :المباح لمنن ظلم أن يدعنو على منن ظلمنه ،وإن صنبر فهنو خينر له؛ فهذا إطلق فني
نوع الدعاء على الظالم .وقال أيضنا هنو والسندي :ل بأس لمنن ظلم أن ينتصنر ممنن ظلمنه بمثنل
ظلمه ويجهر له بالسوء من القول .وقال ابن المستنير" :إل من ظلم" معناه؛ إل من أكره على أن
يجهننر بسننوء مننن القول كفننر أو نحوه فذلك مباح .واليننة على هذا فنني الكراه؛ وكذا قال قطرب:
"إل منن ظلم" يريند المكره؛ لننه مظلوم فذلك موضوع عننه وإن كفنر؛ قال :ويجوز أن يكون
المعنى "إل من ظلم" على البدل؛ كأنه قال :ل يحب ال إل من ظلم ،أي ل يحب ال الظالم؛ فكأنه
يقول :يحنب منن ظلم أي يأجنر منن ظلم .والتقدينر على هذا القول :ل يحنب ال ذا الجهنر بالسنوء إل
من ظلم ،على البدل .وقال مجاهد :نزلت في الضيافة فرخص له أن يقول فيه .قال ابن جريج عن
مجاهد :نزلت في رجل ضاف رجل بفلة من الرض فلم يضيفه فنزلت "إل من ظلم" ورواه ابن
أبني نجينح أيضنا عنن مجاهند؛ قال :نزلت هذه الينة "ل يحنب ال الجهنر بالسنوء منن القول إل منن
ظلم" في الرجل يمر بالرجل فل يضيفه فرخص له أن يقول فيه :إنه لم يحسن ضيافته .وقد استدل
من أوجب الضيافة بهذه الية؛ قالوا :لن الظلم ممنوع منه فدل على وجوبها؛ وهو قول الليث بن
سعد .والجمهور على أنها من مكارم الخلق وسيأتي بيانها في "هود" والذي يقتضيه ظاهر الية
أن للمظلوم أن ينتصنر منن ظالمنه -ولكنن منع اقتصناد -وإن كان مؤمننا كمنا قال الحسنن؛ فأمنا أن
يقابننل القذف بالقذف ونحوه فل؛ وقنند تقدم فنني "البقرة" .وإن كان كافرا فأرسننل لسننانك وأدع بمننا
شئت منن الهلكنة وبكنل دعاء؛ كمنا فعنل الننبي صنلى ال علينه وسنلم حينث قال( :اللهنم أشدد وطأتنك
على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف) وقال( :اللهم عليك بفلن وفلن) سماهم .وإن كان
مجاهرا بالظلم دعني علينه جهرا ،ولم يكنن له عرض محترم ول بدن محترم ول مال محترم .وقند
روي أبو داود عن عائشة قال :سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه؛ فقال رسول ال صلى ال عليه
وسنلم( :ل تسنبخي عننه) أي ل تخففني عننه العقوبنة بدعائك علينه .وروي ،أيضنا عنن عمرو بنن
الشريد عن أبيه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته).
قال ابن المبارك :يحل عرضه يغلظ له ،وعقوبته يحبس له .وفي صحيح مسلم (مطل الغني ظلم).
فالموسنر المتمكنن إذا طولب بالداء ومطنل ظلم ،وذلك يبينح منن عرضنه أن يقال فينه :فلن يمطنل
الناس ويحبنس حقوقهنم ويبينح للمام أدبنه وتعزيره حتنى يرتدع عنن ذلك؛ حكني معناه عنن سنفيان،
وهو معنى قول ابن المبارك رضي ال عنهما.
@ ولينس منن هذا الباب منا وقنع فني صنحيح مسنلم منن قول العباس فني علي رضني ال عنهمنا
بحضرة عمنر وعثمان والزبينر وعبدالرحمنن بنن عوف :ينا أمينر المؤمنينن اقنض بينني وبينن هذا
الكاذب الثنم الغادر الخائن .الحدينث .ولم يرد علينه واحند منهنم؛ لنهنا كاننت حكومنة ،كنل واحند
منهما يعتقدها لنفسه ،حتى أنفذ فيها عليهم عمر الواجب؛ قاله ابن العربي .وقال علماؤنا :هذا إنما
يكون فيما إذا استوت المنازل أو تقاربت ،وأما إذا تفاوتت ،فل تمكن الغوغاء من أن تستطيل على
الفضلء ،وإنمننا تطلب حقهننا بمجرد الدعوى مننن غيننر تصننريح بظلم ول غضننب؛ وهذا صننحيح
وعلينه تدل الثار .ووجنه آخنر :وهنو أن هذا القول أخرجنه منن العباس الغضنب وصنولة سنلطة
العمومنة ! فإن العنم صننو الب ،ول شنك أن الب إذا أطلق هذه اللفاظ على ولده إنمنا يحمنل ذلك
مننه على أننه قصند الغلظ والردع مبالغنة فني تأديبنه ،ل أننه موصنوف بتلك المور؛ ثنم أنضاف
إلى هذا أنهنم فني محاجنة ولينة دينينة؛ فكان العباس يعتقند أن مخالفتنه فيهنا ل تجوز ،وأن مخالفتنه
فيهنا تؤدي إلى أن يتصنف المخالف بتلك المور؛ فأطلقهنا ببوادر الغضنب على هذه الوجنه؛ ولمنا
علم الحاضرون ذلك لم ينكروا عليه؛ أشار إلى هذا المازري والقاضي عياض وغيرهما.
@ فأمنا منن قرأ "ظلم" بالفتنح فني الظاء واللم -وهني ،قراءة زيند بنن أسنلم ،وكان منن العلماء
بالقرآن بالمدينة بعد محمد بن كعب القرظي ،وقراءة ابن أبي إسحاق والضحاك وابن عباس وابن
جبير وعطاء بن السائب -فالمعنى :إل من ظلم في فعل أو قول فاجهروا له بالسوء من القول؛ في
معننى النهني عنن فعله والتوبينخ له والرد علينه؛ المعننى ل يحنب ال أن يقال لمنن تاب منن النفاق:
ألسنت نافقنت ؟ إل منن ظلم ،أي أقام على النفاق؛ ودل على هذا قوله تعالى" :إل الذينن تابوا" .قال
ابن زيد :وذلك أنه سبحانه لما أخبر عن المنافقين أنهم في الدرك السفل من النار كان ذلك جهرا
بسوء من القول ،ثم قال لهم بعد ذلك" :ما يفعل ال بعذابكم" [النساء ]147 :على معنى التأنيس
والسنتدعاء إلى الشكنر واليمان .ثنم قال للمؤمنينن" :ل يحنب ال الجهنر بالسنوء منن القول إل منن
ظلم" في إقامته على النفاق؛ فإنه يقال له :ألست المنافق الكافر الذي لك في الخرة الدرك السفل
منن النار ؟ ونحنو هذا منن القول .وقال قوم :معننى الكلم :ل يحنب ال أن يجهنر أحند بالسنوء منن
القول ،ثم استثنى استثناء منقطعا؛ أي لكن من ظلم فإنه يجهر بالسوء ظلما وعدوانا وهو ظالم في
ذلك.
قلت :وهذا شأن كثينر منن الظلمنة ودأبهنم؛ فإنهنم منع ظلمهنم يسنتطيلون بألسننتهم وينالون منن
عرض مظلومهنم منا حرم عليهنم .وقال أبنو إسنحاق الزجاج :يجوز أن يكون المعننى "إل منن ظلم"
فقال سوءا؛ فإنه ينبغي أن تأخذوا على يديه؛ ويكون الستثناء ليس من الول.
قلت :ويدل على هذا أحادينننث منهنننا قوله علينننه السنننلم( :خذوا على أيدي سنننفهائكم) .وقوله:
(انصر أخاك ظالما أو مظلوما) قالوا :هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ؟ قال( :تكفه عن
الظلم) .وقال الفراء" :إل من ظلم" يعني ول من ظلم.
@قوله تعالى" :وكان ال سميعا عليما" تحذير للظالم حتى ل يظلم ،وللمظلوم حتى ل يتعدى الحد
فني النتصنار .ثنم أتبنع هذا بقوله" :إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عنن سنوء" فندب إلى العفنو
ورغنب فينه .والعفنو منن صنفة ال تعالى منع القدرة على النتقام؛ وقند تقدم فني "آل عمران" فضنل
العافين عن الناس .ففي هذه اللفاظ اليسيرة معان كثيرة لمن تأملها .وقيل :إن عفوت فإن ال يعفو
عنك .روي ابن المبارك قال :حدثني من سمع الحسن يقول :إذا جئت المم بين يدي رب العالمين
يوم القيامنة نودي ليقنم منن أجره على ال فل يقوم إل منن عفنا فني الدنينا؛ يصندق هذا الحدينث قوله
تعالى" :فمن عفا وأصلح فأجره على ال" [الشورى.]40 :
**3اليتان{ 151 - 150 :إن الذين يكفرون بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بين ال ورسله
ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل ،أولئك هم الكافرون حقا
وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}
@قوله تعالى" :إن الذينن يكفرون" لمنا ذكنر المشركينن والمنافقينن ذكنر الكفار منن أهنل الكتاب،
اليهود والنصنارى؛ إذ كفروا بمحمند صنلى ال علينه وسنلم ،وبينن أن الكفنر بنه كفنر بالكنل؛ لننه منا
منن ننبي إل وقند أمنر قومنه باليمان بحمند صنلى ال علينه وسنلم وبجمينع الننبياء عليهنم الصنلة
والسنلم .ومعننى "يريدون أن يفرقوا بينن ال ورسنله" أي بينن اليمان بال ورسنله؛ فننص سنبحانه
على أن التفريق بين ال ورسله كفر؛ وإنما كان كفرا لن ال سبحانه فرض على الناس أن يعبدوه
بما شرع لهم على ألسنة الرسل ،فإذا جحدوا الرسل ردوا عليهم شرائعهم ولم يقبلوها منهم ،فكانوا
ممتنعينن منن التزام العبودينة التني أمروا بالتزامهنا؛ فكان كجحند الصنانع سنبحانه ،وجحند الصنانع
كفر لما فيه من ترك التزام الطاعة والعبودية .وكذلك التفريق بين رسله في اليمان بهم كفر.
@قوله تعالى" :ويقولون نؤمنن ببعنض ونكفنر ببعنض" وهنم اليهود آمنوا بموسنى وكفروا بعيسنى
ومحمند؛ وقند تقدم هذا منن قولهنم فني "البقرة" .ويقولون لعوامهنم :لم نجند ذكنر محمند فني كتبننا.
"ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل" أي يتخذوا بين اليمان والجحد طريقا ،أي دينا مبتدعا بين
السلم واليهودية .وقال" :ذلك" ولم يقل ذينك؛ لن ذلك تقع للثنين ولو كان ذينك لجاز.
@قوله تعالى" :أولئك هم الكافرون حقا" تأكيد يزيل التوهم في إيمانهم حين وصفهم بأنهم يقولون
نؤمن ببعض ،وأن ذلك ل ينفعهنم إذا كفروا برسوله؛ وإذا كفروا برسوله فقد كفروا به عز وجل،
وكفروا بكنل رسنول مبشنر بذلك الرسنول؛ فلذلك صناروا الكافرينن حقنا" .وأعتدننا للكافرينن" يقوم
مقام المفعول الثاني لعتدنا؛ أي أعتدنا لجميع أصنافهم "عذابا مهينا" أي مذل.
**3الينة{ 152 :والذينن آمنوا بال ورسنله ولم يفرقوا بينن أحند منهنم أولئك سنوف يؤتيهنم
أجورهم وكان ال غفورا رحيما}
@ يعني به النبي صلى ال عليه وسلم وأمته.
**3الية{ 153 :يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من
ذلك فقالوا أرننا ال جهرة فأخذتهنم الصناعقة بظلمهنم ثنم اتخذوا العجنل منن بعند منا جاءتهنم البينات
فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا}
@ سألت اليهود محمدا صلى ال عليه وسلم أن يصعد إلى السماء وهم يرونه فينزل عليهم كتابا
مكتوبنا فيمنا يدعينه على صندقه دفعنة واحدة ،كمنا أتنى موسنى بالتوراة؛ تعنتنا له صنلى ال علينه
وسنلم؛ فأعلم ال عنز وجنل أن آباءهنم قند عنتوا موسنى علينه السنلم بأكنبر منن هذا "فقالوا أرننا ال
جهرة" أي عيانننا؛ وقنند تقدم فنني "البقرة" .و"جهرة" نعننت لمصنندر محذوف أي رؤيننة جهرة؛
فعوقبوا بالصاعقة لعظم ما جاؤوا به من السؤال والظلم من بعد ما رأوا من المعجزات.
@قوله تعالى" :ثم اتخذوا العجل" في الكلم حذف تقديره :فأحييناهم فلم يبرحوا فاتخذوا العجل؛
وقنند تقدم فنني "البقرة" ويأتنني ذكره فنني "طننه" إن شاء ال" .مننن بعنند مننا جاءتهننم البينات" أي
البراهين والدللت والمعجزات الظاهرات من اليد والعصا وفلق البحر وغيرها بأنه ل معبود إل
ال عنز وجنل" .فعفوننا عنن ذلك" أي عمنا كان منهنم منن التعننت" .وآتيننا موسنى سنلطانا مبيننا" أي
حجة بينة وهي اليات التي جاء بها؛ وسميت سلطانا لن من جاء بها قاهر بالحجة ،وهي قاهرة
للقلوب ،بأن تعلم أنه ليس في قوى البشر أن يأتوا بمثلها.
**3الية{ 154 :ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم ل تعدوا
في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا}
@قوله تعالى" :ورفعننا فوقهنم الطور بميثاقهنم" أي بسنبب نقضهنم الميثاق الذي أخنذ منهنم ،وهنو
العمنل بمنا فني التوراة؛ وقند تقدم رفنع الجبنل ودخولهنم الباب فني "البقرة" .و"سنجدا" نصنب على
الحال .وقرأ ورش وحده "وقلننا لهنم ل تعدوا فني السنبت" بفتنح العينن منن عدا يعدو عدوا وعدواننا
وعدوا وعداء ،أي باقتناص الحيتان كمنا تقدم فني "البقرة" .والصنل فينه وتعتدوا أدغمنت التاء فني
الدال؛ قال النحاس :ول يجوز إسكان العين ول يوصل إلى الجمع بين ساكنين في هذا ،والذي يقرأ
بنه إنمنا يروم الخطنأ" .وأخذننا منهنم ميثاقنا غليظنا" يعنني العهند الذي أخنذ عليهنم فني التوراة .وقينل:
عهد مؤكد باليمين فسمي غليظا لذلك.
**3اليتان{ 156 - 155 :فبمنا نقضهنم ميثاقهنم وكفرهنم بآيات ال وقتلهنم الننبياء بغينر حنق
وقولهنم قلوبننا غلف بنل طبنع ال عليهنا بكفرهنم فل يؤمنون إل قليل ،وبكفرهنم وقولهنم على مرينم
بهتانا عظيما}
@قوله تعالى" :فبمنا نقضهنم ميثاقهنم" "فبمنا نقضهنم" خفنض بالباء و"منا" زائدة مؤكدة كقوله:
"فبما رحمة من ال" [آل عمران ]159 :وقد تقدم؛ والباء متعلقة بمحذوف ،التقدير :فبنقضهنم
ميثاقهننم لعناهننم؛ عننن قتادة وغيره .وحذف هذا لعلم السننامع .وقال أبننو الحسننن علي بننن حمزة
الكسائي :هو متعلق بما قبله؛ والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم إلى قوله" :فبما نقضهم ميثاقهم"
قال :ففسنر ظلمهنم الذي أخذتهنم الصناعقة منن أجله بمنا بعده منن نقضهنم الميثاق وقتلهنم الننبياء
وسائر ما بين من الشياء التي ظلموا فيها أنفسهم .وأنكر ذلك الطبري وغيره؛ لن الذين أخذتهم
الصنناعقة كانوا على عهنند موسننى ،والذيننن قتلوا النننبياء ورموا مريننم بالبهتان كانوا بعنند موسننى
بزمان ،فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برميهم مريم بالبهتان .قال المهدوي وغيره :وهذا ل يلزم؛
لنننه يجوز أن يخننبر عنهننم والمراد آباؤهننم؛ على مننا تقدم فنني "البقرة" .قال الزجاج :المعنننى
فبنقضهننم ميثاقهننم حرمنننا عليهننم طيبات أحلت لهننم؛ لن هذه القصننة ممتدة إلى قوله" :فبظلم مننن
الذين هادوا حرمنا" [النساء .]160 :ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبي صلى
ال عليه وسلم .وقيل :المعنى فبنقضهم ميثاقهم وفعلهم كذا وفعلهم كذا طبع ال على قلوبهم .وقيل:
المعننى فبنقضهنم ل يؤمنون إل قليل؛ والفاء مقحمنة .و"كفرهنم" عطنف ،وكذا و"قتلهنم" .والمراد
"بآيات ال" كتبهم التي حرفوها .و"غلف" جمع غلف؛ أي قلوبنا أوعية للعلم فل حاجة بنا إلى
علم سوى ما عندنا .وقيل :هو جمع أغلف وهو المغطى بالغلف؛ أي قلوبنا في أغطية فل نفقه ما
تقول؛ وهو كقوله" :قلوبنا في أكنة" [فصلت ]5 :وقد تقدم هذا في "البقرة" وغرضهم بهذا درء
حجة الرسل .والطبع الختم؛ وقد تقدم في "البقرة"" .بكفرهم" أي جزاء لهم على كفرهم؛ كما قال:
"بنل لعنهنم ال بكفرهنم فقليل منا يؤمنون" [البقرة ]88 :أي إل إيماننا قليل أي ببعنض الننبياء،
وذلك غيننر نافننع لهننم .ثننم كرر "وبكفرهننم" ليخننبر أنهننم كفروا كفرا بعنند كفننر .وقيننل :المعنننى
"وبكفرهم" بالمسيح؛ فحذف لدللة ما بعده عليه ،والعامل في "بكفرهم" هو العامل في "بنقضهم"
لنه معطوف عليه ،ول يجوز أن يكون العامل فيه "طبع" .والبهتان العظيم رميها بيوسف النجار
وكان من الصالحين منهم .والبهتان الكذب المفرط الذي يتعجب منه وقد تقدم .وال سبحانه وتعالى
أعلم.
**3اليتان{ 158 - 157 :وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وما قتلوه وما
صنلبوه ولكنن شبنه لهنم وإن الذينن اختلفوا فينه لفني شنك مننه منا لهنم بنه منن علم إل اتباع الظنن ومنا
قتلوه يقينا ،بل رفعه ال إليه وكان ال عزيزا حكيما}
@قوله تعالى" :وقولهنم إننا قتلننا المسنيح عيسنى ابنن مرينم" كسنرت "إن" لنهنا مبتدأة بعند القول
وفتحهنا لغنة .وقند تقدم فني "آل عمران" اشتقاق لفنظ المسنيح" .رسنول ال" بدل ،وإن شئت على
معننى أعنني" .ومنا قتلوه ومنا صنلبوه" رد لقولهنم" .ولكنن شبنه لهنم" أي ألقني شبهنه على غيره كمنا
تقدم فني "آل عمران" .وقينل :لم يكونوا يعرفون شخصنه وقتلوا الذي قتلوه وهنم شاكون فينه؛ كمنا
قال تعالى" :وإن الذينن اختلفوا فينه لفني شنك مننه" والخبار قينل :إننه عنن جميعهنم .وقينل :إننه لم
يختلف فينه إل عوامهنم؛ ومعننى اختلفهنم قول بعضهنم إننه إله ،وبعضهنم هو ابنن ال .قاله الحسنن:
وقينل اختلفهنم أن عوامهنم قالوا قتلننا عيسنى .وقال منن عاينن رفعنه إلى السنماء :منا قتلناه .وقينل:
اختلفهنم أن النسنطورية منن النصنارى قالوا :صنلب عيسنى منن جهنة ناسنوته ل منن جهنة لهوتنه.
وقالت الملكانينة :وقنع الصنلب والقتنل على المسنيح بكماله ناسنوته ول هوتنه .وقينل :اختلفهنم هنو
أنهننم قالوا :إن كان هذا صنناحبنا فأيننن عيسننى ؟ ! وإن كان هذا عيسننى فأيننن صنناحبنا ؟ ! وقيننل:
اختلفهنم هنو أن اليهود قالوا :نحنن قتلناه؛ لن يهوذا رأس اليهود هنو الذي سنعى فني قتله .وقالت
طائفة من النصارى :بل قتلناه نحن .وقالت طائفة منهم :بل رفعه ال إلى السماء ونحن ننظر إليه.
"ما لهم به من علم" من زائدة؛ وتم الكلم .ثم قال عز وجل" :إل اتباع الظن" استثناء ليس من
الول فني موضنع نصنب ،ويجوز أن يكون فني موضنع رفنع على البدل؛ أي منا لهنم بنه منن علم إل
اتباع الظن .وأنشد سيبويه:
إل اليعافير وإل العيس وبلدة ليس بها أنيس
@قوله تعالى" :وما قتلوه يقينا" قال ابن عباس والسدي :المعنى ما قتلوا ظنهم يقينا؛ كقولك :قتلته
علما إذا علمته علما تاما؛ فالهاء عائدة على الظن .قال أبو عبيد :ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى
يقينا لقال :وما قتلوه فقط .وقيل :المعنى وما قتلوا الذي شبه لهم أنه عيسى يقينا؛ فالوقف على هذا
على "يقيننا" .وقينل :المعننى ومنا قتلوا عيسنى ،والوقنف على "ومنا قتلوه" و"يقيننا" نعنت لمصندر
محذوف ،وفيه تقديران :أحدهما :أي قالوا هذا قول يقينا ،أو قال ال هذا قول يقينا .والقول الخر:
أن يكون المعنى وما علموه علما يقينا .النحاس :إن قدرت المعنى بل رفعه ال إليه يقينا فهو خطأ؛
لننه ل يعمنل منا بعند "بنل" فيمنا قبلهنا لضعفهنا .وأجاز ابنن النباري الوقنف على "ومنا قتلوه" على
أن ينصنب "يقيننا" بفعنل مضمنر هنو جواب القسنم ،تقديره :ولقند صندقتم يقيننا أي صندقا يقيننا" .بنل
رفعه ال إليه" ابتداء كلم مستأنف؛ أي إلى السماء ،وال تعالى متعال عن المكان؛ وقد تقدم كيفية
رفعنه فني "آل عمران"" .وكان ال عزيزا" أي قوينا بالنقمنة منن اليهود فسنلط عليهنم بطرس بنن
استيسانوس الرومي فقتل منهم مقتلة عظيمة" .حكيما" حكم عليهم باللعنة والغضب.
**3الية{ 159 :وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا}
@قوله تعالى" :وإن منن أهنل الكتاب إل ليؤمننن بنه قبنل موتنه" قال ابنن عباس والحسنن ومجاهند
وعكرمننة :المعنننى ليؤمنننن بالمسننيح "قبننل موتننه" أي الكتابنني؛ فالهاء الولى عائدة على عيسننى،
والثانينة على الكتابني؛ وذلك أننه لينس أحند منن أهنل الكتاب اليهود والنصنارى إل ويؤمنن بعيسنى
عليننه السننلم إذا عايننن الملك ،ولكنننه إيمان ل ينفننع؛ لنننه إيمان عننند اليأس وحيننن التلبننس بحالة
الموت؛ فاليهودي يقر في ذلك الوقت بأنه رسول ال ،والنصراني يقر بأنه كان رسول ال .وروي
أن الحجاج سنأل شهنر بنن حوشنب عنن هذه الينة فقال :إنني لوتنى بالسنير منن اليهود والنصنارى
فآمر بضرب عنقه ،وأنظر إليه في ذلك الوقت فل أرى منه اليمان؛ فقال له شهر بن حوشب :إنه
حينن عاينن أمنر الخرة يقنر بأن عيسنى عبدال ورسنوله فيؤمنن بنه ول ينفعنه؛ فقال له الحجاج :منن
أيننن أخذت هذا ؟ قال :أخذتننه مننن محمنند بننن الحنفيننة؛ فقال له الحجاج :أخذت مننن عيننن صننافية.
وروي عنن مجاهند أننه قال :منا منن أحند منن أهنل الكتاب إل يؤمنن بعيسنى قبنل موتنه؛ فقينل له :إن
غرق أو احترق أو أكله السنبع يؤمنن بعيسنى ؟ فقال :نعنم ! وقينل :إن الهاءينن جميعنا لعيسنى علينه
السنلم؛ والمعننى ليؤمننن بنه منن كان حينا حينن نزوله يوم القيامنة؛ قال قتادة وابنن زيند وغيرهمنا
واختاره الطنبري .وروى يزيند بنن زرينع عنن رجنل عنن الحسنن فني قوله تعالى" :وإن منن أهنل
الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته" قال :قبل موت عيسى؛ وال إنه لحي عند ال الن؛ ولكن إذا نزل
آمنوا بنه أجمعون؛ ونحوه عنن الضحاك وسنعيد .بنن جنبير .وقينل" :ليؤمننن بنه" أي بمحمند علينه
السننلم وإن لم يجننر له ذكننر؛ لن هذه القاصننيص أنزلت عليننه والمقصننود اليمان بننه ،واليمان
بعيسنى يتضمنن اليمان بمحمند علينه الصنلة والسنلم أيضنا؛ إذ ل يجوز أن يفرق بينهنم .وقينل:
"ليؤمننن بنه" أي بال تعالى قبنل أن يموت ول ينفعنه اليمان عنند المعايننة .والتأويلن الولن
أظهنر .وروى الزهري عن سنعيد بن المسنيب عن أبي هريرة عن النبي صنلى ال عليه وسنلم أنه
قال" :لينزلن ابننن مريننم حكمننا عدل فليقتلن الدجال وليقتلن الخنزيننر وليكسننرن الصننليب وتكون
السنجدة واحدة ل رب العالمينن) ،ثنم قال أبنو هريرة :واقرؤوا إن شئتنم "وإن منن أهنل الكتاب إل
ليؤمننن بنه قبنل موتنه" قال أبنو هريرة :قبنل موت عيسنى؛ يعيدهنا ثلث مرات .وتقدينر الينة عنند
سنيبويه :وإن منن أهنل الكتاب أحند إل ليؤمننن بنه .وتقدينر الكوفيينن :وإن منن أهنل الكتاب إل منن
ليؤمننن بنه ،وفينه قبنح ،لن فينه حذف الموصنول ،والصنلة بعنض الموصنول فكأننه حذف بعنض
السم.
@قوله تعالى" :ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا" أي بتكذيب من كذبه وتصديق من صدقه.
**3اليتان{ 161 - 160 :فبظلم منن الذينن هادوا حرمننا عليهنم طيبات أحلت لهنم وبصندهم
عنن سنبيل ال كثيرا ،وأخذهنم الربنا وقند نهوا عننه وأكلهنم أموال الناس بالباطنل وأعتدننا للكافرينن
منهم عذابا أليما}
@قوله تعالى" :فبظلم منن الذينن هادوا" قال الزجاج :هذا بدل منن "فبمنا نقضهنم" .والطيبات منا
نصنه فني قوله تعالى" :وعلى الذينن هادوا حرمننا كنل ذي ظفنر" [النعام .]146 :وقدم الظلم
على التحريم إذ هو الغرض الذي قصد إلى الخبار عنه بأنه سبب التحريم" .وبصدهم عن سبيل
ال كثيرا" أي وبصدهم أنفسهم وغيرهم عن أتباع محمد صلى ال عليه وسلم" .وأخذهم الربا وقد
نهوا عننه وأكلهنم أموال الناس بالباطنل" كله تفسنير للظلم الذي تعاطوه ،وكذلك منا قبله منن نقضهنم
الميثاق ومنا بعده؛ وقند مضنى فني "آل عمران" أن اختلف العلماء فني سنبب التحرينم على ثلثنة
أقوال هذا أحدها.
@ قال ابن العربي :ل خلف في مذهب مالك أن الكفار مخاطبون ،وقد بين ال في هذه الية أنهم
قد نهوا عن الربا وأكل الموال بالباطل؛ فإن كان ذلك خبرا عما نزل على محمد في القرآن وأنهم
دخلوا في الخطاب فبها ونعمت ،وإن كان خبرا عما أنزل ال على موسى في التوراة ،وأنهم بدلوا
وحرفوا وعصوا وخالفوا فهل يجوز لنا معاملتهم والقوم قد أفسدوا أموالهم في دينهم أم ل؟ فظنت
طائفنة أن معاملتهنم ل تجوز؛ وذلك لمنا فني أموالهنم منن هذا الفسناد .والصنحيح جواز معاملتهنم منع
رباهننم واقتحام مننا حرم ال سننبحانه عليهننم؛ فقنند قام الليننل القاطننع على ذلك قرآنننا وسنننة؛ قال ال
تعالى" :وطعام الذينن أوتوا الكتاب حنل لكنم" [المائدة ]5:وهذا ننص؛ وقند عامنل الننبي صنلى ال
علينه وسنلم اليهود ومات ودرعنه مرهوننة عنند يهودي فني شعينر أخذه لعياله .والحاسنم لداء الشنك
والخلف اتفاق المنة على جواز التجارة منع أهنل الحرب؛ وقند سنافر الننبي صنلى ال علينه وسنلم
إليهم تاجرا ،وذلك من سفره أمر قاطع على جواز السفر إليهم والتجارة معهم .فإن قيل :كان ذلك
قبنل النبوة؛ قلننا :إننه لم يتدننس قبنل النبوة بحرام -ثبنت ذلك تواترا -ول اعتذر عننه إذ بعنث ،ول
منع منه إذ نبئ ،ول قطعه أحد من الصحابة في حياته ،ول أحد من المسلمين بعد وفاته؛ فقد كانوا
يسنافرون فني فنك السنرى وذلك واجنب ،وفني الصنلح كمنا أرسنل عثمان وغيره؛ وقند يجنب وقند
يكون ندبا؛ فأما السفر إليهم لمجرد التجارة فمباح.
**3الية{ 162 :كن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من
قبلك والمقيمينننن الصنننلة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بال واليوم الخنننر أولئك سننننؤتيهم أجرا
عظيما}
@قوله تعالى" :لكنن الراسنخون فني العلم منهنم" اسنتثنى مؤمنني أهنل الكتاب؛ وذلك أن اليهود
أنكروا وقالوا :إن هذه الشياء كانت حراما في الصل وأنت تحلها ولم تكن حرمت بظلمنا؛ فنزل
"لكن الراسخون في العلم" والراسخ هو المبالغ في علم الكتاب الثابت فيه ،والرسوخ الثبوت؛ وقد
تقدم فني "آل عمران" والمراد عبدال بنن سنلم وكعنب الحبار ونظراؤهمنا" .والمؤمنون" أي منن
المهاجرينن والنصنار ،أصنحاب محمند علينه السنلم" .والمقيمينن الصنلة" وقرأ الحسنن ومالك بنن
دينار وجماعنة" :والمقيمون" على العطنف ،وكذا هنو فني حرف عبدال ،وأمنا حرف أبني فهنو فينه
"والمقيمينن" كمنا فني المصناحف .واختلف فني نصنبه على أقوال سنتة؛ أصنحها قول سنيبويه بأننه
نصب على المدح؛ أي وأعني المقيمين؛ قال سيبويه :هذا باب ما ينتصب على التعظيم؛ ومن ذلك
"والمقيمين الصلة" وأنشد:
إل نميرا أطاعت أمر غاويها وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم
ويروى (أمر مرشدهم).
والقائلون لمن دار نخليها الظاعنين ولما يظعنوا أحدا
وأنشد:
سم العداة وآفة الجزر ل يبعدن قومي الذين هم
والطيبون معاقد الزر النازلين بكل معترك
قال النحاس :وهذا أصنح منا قينل فني "المقيمينن" .وقال الكسنائي" :والمقيمينن" معطوف على
"ما" .قال النحاس قال الخفش :وهذا بعيند؛ لن المعنى يكون ويؤمنون بالمقيمين .وحكى محمد
بنن جرينر أننه قينل له :إن المقيمينن ههننا الملئكنة عليهنم السنلم؛ لدوامهنم على الصنلة والتسنبيح
والستغفار ،واختار هذا القول ،وحكى أن النصب على المدح بعيد؛ لن المدح إنما يأتي بعد تمام
الخنبر ،وخنبر الراسنخين فني "أولئك سننؤتيهم أجرا عظيمنا" فل ينتصنب "المقيمينن" على المدح.
قال النحاس :ومذهنب سنيبويه فني قوله" :والمؤتون" رفنع بالبتداء .وقال غيره :هنو مرفوع على
إضمار مبتدأ؛ أي هم المؤتون الزكاة .وقيل" :والمقيمين" عطف على الكاف التي في "قبلك" .أي
منن قبلك ومنن قبنل المقيمينن .وقينل" :المقيمينن" عطنف على الكاف التني فني "إلينك" .وقينل :هنو
عطف على الهاء والميم ،أي منهم ومن المقيمين؛ وهذه الجوبة الثلثة ل تجوز؛ لن فيها عطف
مظهنر على مضمنر مخفوض .والجواب السنادس :منا روي أن عائشنة رضني ال عنهنا سنئلت عنن
هذه الية وعن قوله" :إن هذان لساحران" [طه ، ]63 :وقوله" :والصابئون" في "المائدة]69 :
،فقالت للسنائل :ينا ابنن أخني الكتاب أخطؤوا .وقال أبان بنن عثمان :كان الكاتنب يملى علينه فيكتنب
فكتب "لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون" ثم قال له :ما أكتب ؟ فقيل له :اكتب "والمقيمين
الصنلة" فمنن ثنم وقنع هذا .قال القشيري :وهذا المسنلك باطنل؛ لن الذينن جمعوا الكتاب كانوا قدوة
في اللغة ،فل يظن بهم أنهم يدرجون في القرآن ما لم ينزل .وأصح هذه القوال قول سيبويه وهو
قول الخليل ،وقول الكسائي هو اختيار القفال والطبري ،وال أعلم.
**3الينة{ 163 :إننا أوحيننا إلينك كمنا أوحيننا إلى نوح والننبيين منن بعده وأوحيننا إلى إبراهينم
وإسننماعيل وإسننحاق ويعقوب والسننباط وعيسننى وأيوب ويونننس وهارون وسننليمان وآتينننا داود
زبورا}
@قوله تعالى" :إننا أوحيننا إلينك كمنا أوحيننا إلى نوح" هذا متصنل بقوله" :يسنألك أهنل الكتاب أن
تنزل عليهم كتابا من السماء" [النساء ، ]153 :فأعلم تعالى أن أمر محمد صلى ال عليه وسلم
كأمنر منن تقدمنه منن الننبياء .وقال ابنن عباس فيمنا ذكره ابنن إسنحاق :نزلت فني قوم منن اليهود -
منهم سكين وعدي بن زيد -قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم :ما أوحى ال إلى أحد من بعد موسى
فكذبهنم ال .والوحني إعلم فني خفاء؛ يقال :وحنى إلينه بالكلم يحني وحينا ،وأوحنى يوحني إيحاء.
"إلى نوح" قدمه لنه أول نبي شرعت على لسانه الشرائع .وقيل غير هذا؛ ذكر الزبير بن بكار
حدثني أبو الحسن علي بن المغيرة عن هشام بن محمد بن السائب عن أبيه قال :أول نبي بعثه ال
تبارك وتعالى فني الرض إدرينس واسنمه أخنوخ؛ ثنم انقطعنت الرسنل حتنى بعنث ال نوح بنن لمنك
بنن متوشلخ بنن أخنوخ ،وقند كان سنام بنن نوح نبينا ،ثنم انقطعنت الرسنل حتنى بعنث ال إبراهينم نبينا
واتخذه خليل؛ وهنو إبراهينم بنن تارخ واسنم تارخ آزر ،ثنم بعنث إسنماعيل بنن إبراهينم فمات بمكنة،
ثم إسحاق بن إبراهيم فمات بالشام ،ثم لوط وإبراهيم عمه ،ثم يعقوب وهو إسرائيل بن إسحاق ثم
يوسف بن يعقوب ثم شعيب بن يوبب ،ثم هود بن عبدال ،ثم صالح بن أسف ،ثم موسى وهارون
ابننا عمران ،ثم أيوب ثنم الخضنر وهو خضرون ،ثنم داود بن إيشنا ،ثنم سنليمان بن داود ،ثنم يونس
بنن متنى ،ثنم إلياس ،ثنم ذا الكفنل واسنمه عويدننا منن سنبط يهوذا بنن يعقوب؛ قال :وبينن موسنى بنن
عمران ومريم بنت عمران أم عيسى ألف سنة وسبعمائة سنة وليسا من سبط؛ ثم محمد بن عبدال
بنن عبدالمطلب الننبي صنلى ال علينه وسنلم .قال الزبينر :كنل ننبي ذكنر فني القرآن منن ولد إبراهينم
غيننر إدريننس ونوح ولوط وهود وصننالح .ولم يكننن مننن العرب أنننبياء إل خمسننة :هود وصننالح
وإسننماعيل وشعيننب ومحمنند صننلى ال عليننه وعليهننم أجمعيننن؛ وإنمننا سننموا عربننا لنننه لم يتكلم
بالعربية غيرهم.
@قوله تعالى" :والننبيين منن بعده" هذا يتناول جمينع الننبياء ثنم قال" :وأوحيننا إلى إبراهينم"
فخننص أقوامننا بالذكننر تشريفننا لهننم؛ كقوله تعالى" :وملئكتننه ورسننله وجبريننل ومكيال" ثننم قال:
"وعيسنى وأيوب" قدم عيسنى على قوم كانوا قبله؛ لن الواو ل تقتضني الترتينب ،وأيضنا فينه
تخصننيص عيسننى ردا على اليهود .وفنني هذه اليننة تنننبيه على قدر نبينننا صننلى ال عليننه وسننلم
وشرفه ،حيث قدمه في الذكر على أنبيائه؛ ومثله قوله تعالى" :وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك
ومنن نوح" [الحزاب ]7 :؛ ونوح مشتنق منن النوح؛ وقند تقدم ذكره موعبنا فني "آل عمران"
وانصنرف وهنو اسنم أعجمني؛ لننه على ثلثنة أحرف فخنف؛ فأمنا إبراهينم وإسنماعيل وإسنحاق
فأعجمينة وهني معرفنة ولذلك لم تنصنرف ،وكذا يعقوب وعيسنى وموسنى إل أن عيسنى وموسنى
يجوز أن تكون اللف فيهما للتأنيث فل ينصرفان في معرفة ول نكرة؛ فأما يونس ويوسف فروي
عن الحسن أنه قرأ "ويونس" بكسنر النون وكذا "يوسنف" يجعلهمنا منن آنس وآسف ،ويجنب على
هذا أن يصنرفا ويهمزا ويكون جمعهمنا يآننس ويآسنف .ومنن لم يهمنز قال :يوننس ويوسنف .وحكنى
أبو زيد :يوننس ويوسنف بفتنح النون والسنين؛ قال المهدوي :وكأن "يونس" في الصنل فعنل مبنني
للفاعل ،و"يونس" فعل مبني للمفعول ،فسمي بهما.
@قوله تعالى" :وآتينا داود زبورا" الزبور كتاب داود وكان مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم
ول حلل ول حرام ،وإنمننا هنني حكننم ومواعننظ .والزبر الكتابننة ،والزبور بمعنننى المزبور أي
المكتوب ،كالرسننننول والركوب والحلوب .وقرأ حمزة "زبورا" بضننننم الزاي جمننننع زبر كفلس
وفلوس ،وزبر بمعننى المزبور؛ كمنا يقال :هذا الدرهنم ضرب المينر أي مضروبنه؛ والصنل فني
الكلمننة التوثيننق؛ يقال :بئر مزبورة أي مطويننة بالحجارة ،والكتاب يسننمى زبورا لقوة الوثيقننة بننه.
وكان داود عليه السلم حسن الصوت؛ فإذا أخذ في قراءة الزبور اجتمع إليه النس والجن والطير
والوحش لحسن صوته ،وكان متواضعا يأكل من عمل يده؛ روى أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو
أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال :أن كان داود صلى ال عليه وسلم ليخطب الناس وفي يده
القفنة منن الخوص ،فإذا فرغ ناولهنا بعنض منن إلى جنبنه يبيعهنا ،وكان يصننع الدروع؛ وسنيأتي.
وفي الحديث( :الزرقة في العين يمن) وكان داود أزرق.
**3الينة{ 164 :ورسنل قند قصنصناهم علينك منن قبنل ورسنل لم نقصنصهم علينك وكلم ال
موسى تكليما}
@قوله تعالى" :ورسنل قند قصنصناهم علينك منن قبنل" يعنني بمكنة" .ورسنل" منصنوب بإضمار
فعنل ،أي وأرسنلنا رسنل؛ لن معننى "وأوحيننا إلى نوح" وأرسنلنا نوحنا .وقينل :هو منصنوب بفعنل
دل عليه "قصصناهم" أي وقصصنا رسل؛ ومثله ما أنشد سيبويه:
أملك رأس البعير إن نفرا أصبحت ل أحمل السلح ول
وحدي وأخشى الرياح والمطرا والذئب أخشاه إن مررت به
أي وأخشى الذئب .وفي حرف أبي "ورسل" بالرفع على تقدير ومنهم رسل .ثم قيل :إن ال تعالى
لما قص في كتابه بعض أسماء أنبيائه ،ولم يذكر أسماء بعض ،ولمن ذكر فضل على من لم يذكر.
قالت اليهود :ذكننر محمنند النننبياء ولم يذكننر موسننى؛ فنزلت "وكلم ال موسننى تكليمننا" "تكليمننا"
مصندر معناه التأكيند؛ يدل على بطلن منن يقول :خلق لنفسنه كلمنا فني شجرة فسنمعه موسنى ،بنل
هو الكلم الحقيقي الذي يكون به المتكلم متكلما .قال النحاس :وأجمع النحويون على أنك إذا أكدت
الفعل بالمصدر لم يكن مجازا ،وأنه ل يجوز في قول الشاعر:
امتل الحوض وقال قطني
أن يقول :قال قول؛ فكذا لمنا قال" :تكليمنا" وجنب أن يكون كلمنا على الحقيقنة منن الكلم الذي
يعقل .وقال وهب بن منبه :إن موسى عليه السلم قال" :يا رب بم اتخذتني كليما" ؟ طلب العمل
الذي أسنعده ال بنه ليكثنر مننه؛ فقال ال تعالى له :أتذكنر إذ نند منن غنمنك جدي فأتبعتنه أكثنر النهار
وأتعبك ،ثم أخذته وقبلته وضممته إلى صدرك وقلت له :أتعبتني وأتعبت نفسك ،ولم تغضب عليه؛
من أجل ذلك اتخذتك كليما.
**3الية{ 165 :رسل مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل وكان ال
عزيزا حكيما}
@قوله تعالى" :رسنل مبشرينن ومنذرينن" هنو نصنب على البدل منن "ورسنل قند قصنصناهم"
ويجوز أن يكون على إضمار فعنل؛ ويجوز نصنبه على الحال؛ أي كمنا أوحيننا إلى نوح والننبيين
من بعده رسل" .لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل" فيقولوا ما أرسلت إلينا رسول ،وما
أنزلت عليننا كتابنا؛ وفني التنزينل" :ومنا كننا معذبينن حتنى نبعنث رسنول" [السنراء ، ]15 :وقوله
تعالى" :ولو أننا أهلكناهنم بعذاب منن قبله لقالوا ربننا لول أرسنلت إليننا رسنول فنتبنع آياتنك" [طنه:
]134وفي هذا كله دليل واضح أنه ل يجب شيء من ناحية العقل .وروي عن كعب الحبار
أننه قال :كان الننبياء ألفني ألف ومائتني ألف .وقال مقاتنل :كان الننبياء ألف ألف وأربعمائة ألف
وأربعنة وعشرينن ألفنا .وروى أننس بنن مالك عنن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم أننه قال( :بعثنت
على أثر ثمانية آلف من النبياء منهم أربعة آلف من بني إسرائيل) ذكره أبو الليث السمرقندي
في التفسير له؛ ثم أسند عن شعبة عن أبي إسحاق عن الحارث العور عن أبي ذر الغفاري قال:
قلت يننا رسننول ال كننم كانننت النننبياء وكننم كان المرسننلون ؟ قال( :كانننت النننبياء مائة ألف نننبي
وأربعة وعشرين ألف نبي وكان المرسلون ثلثمائة وثلثة عشر).
قلت :هذا أصح ما روي في ذلك؛ خرجه الجري وأبو حاتم البستي في المسند الصحيح له.
**3الية{ 166 :لكن ال يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملئكة يشهدون وكفى بال شهيدا}
@قوله تعالى" :لكن ال يشهد" رفع بالبتداء ،وإن شئت شددت النون ونصبت .وفي الكلم حذف
دل عليه الكلم؛ كأن الكفار قالوا :ما نشهد لك يا محمد فيما تقول فمن يشهد لك ؟ فنزل "ولكن ال
يشهند" .ومعننى "أنزله بعلمنه "أي وهنو يعلم أننك أهنل لنزاله علينك؛ ودلت الينة على أننه تعالى
عالم بعلم" .والملئكة يشهدون" ذكر شهادة الملئكة ليقابل بها نفي شهادتهم" .وكفى بال شهيدا"
أي كفى ال شاهدا ،والباء زائدة.
**3الية{ 167 :إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال قد ضلوا ضلل بعيدا}
@قوله تعالى" :إن الذين كفروا" يعني اليهود أي ظلموا" .وصدوا عن سبيل ال" أي عن اتباع
الرسول محمند صلى ال عليه وسلم بقولهم :ما نجد صفته فني كتابنا ،وإنما النبوة فني ولد هارون
وداود ،وإن فني التوراة أن شرع موسنى ل ينسنخ" .قند ضلوا ضلل بعيدا" لنهنم كفروا ومنع ذلك
منعوا الناس من السلم.
**3الية{ 168 :إن الذين كفروا وظلموا لم يكن ال ليغفر لهم ول ليهديهم طريقا ،إل طريق
جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على ال يسيرا}
@قوله تعالى" :إن الذين كفروا وظلموا" يعني اليهود؛ أي ظلموا محمدا بكتمان نعته ،وأنفسهم إذ
كفروا ،والناس إذ كتموهم" .لم يكن ال ليغفر لهم" هذا فيمن يموت على كفره ولم يتب.
**3الية{ 170 :يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا
فإن ل ما في السماوات والرض وكان ال عليما حكيما}
@قوله تعالى" :ينا أيهنا الناس" هذا خطاب للكل" .قد جاءكم الرسنول" يريند محمدا عليه الصلة
والسننلم" .بالحننق" بالقرآن .وقيننل :بالديننن الحننق؛ وقيننل :بشهادة أن ل إله إل ال ،وقيننل :الباء
للتعدية؛ أي جاءكم ومعه الحق؛ فهو في موضع الحال" .فآمنوا خيرا لكم" في الكلم إضمار؛ أي
وأتوا خيرا لكم؛ هذا مذهب سيبويه ،وعلى قول الفراء نعت لمصدر محذوف؛ أي إيمانا خيرا لكم،
وعلى قول أبي عبيدة يكن خيرا لكم.
**3الينة{ 171 :ينا أهنل الكتاب ل تغلوا فني دينكنم ول تقولوا على ال إل الحنق إنمنا المسنيح
عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بال ورسله ول تقولوا ثلثة
انتهوا خيرا لكنم إنمنا ال إله واحند سنبحانه أن يكون له ولد له منا فني السنماوات ومنا فني الرض
وكفى بال وكيل}
@قوله تعالى" :يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم" نهى عن الغلو .والغلو التجاوز في الحد؛ ومنه
غل السنعر يغلو غلء؛ وغل الرجنل فني المنر غلوا ،وغل بالجارينة لحمهنا وعظمهنا إذا أسنرعت
الشباب فجاوزت لداتها؛ ويعني بذلك فيما ذكره المفسرون غلو اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم،
وغلو النصنارى فينه حتنى جعلوه ربنا؛ فالفراط والتقصنير كله سنيئة وكفنر؛ ولذلك قال مطرف بنن
عبدال :الحسنة بين سيئتين؛ وقال الشاعر:
وصافح فلم يستوف قط كريم وأوف ول تستوف حقك كله
وأقتصد كل طرفي قصد المور ذميم ول تغل في شيء من المر
وقال آخر:
ول تركب ذلول ول صعبا عليك بأوساط المور فإنها نجاة
وفني صنحيح البخاري عننه علينه السنلم( :ل تطرونني كمنا أطرت النصنارى عيسنى وقولوا عبدال
ورسوله).
@قوله تعالى" :ول تقولوا على ال إل الحق" أي ل تقولوا إن له شريكا أو ابنا .ثم بين تعالى حال
عيسى عليه السلم وصفته فقال" :إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته"
وفيه ثلث مسائل:
الولى :قوله تعالى" :إنمننا المسننيح" المسننيح رفننع بالبتداء؛ و"عيسننى" بدل منننه وكذا "ابننن
مريم" .ويجوز أن يكون خبر البتداء ويكون المعننى :إنما المسيح ابن مريم .ودل بقوله" :عيسى
ابنن مرينم" على أن منن كان منسنوبا بوالدتنه كينف يكون إلهنا ،وحنق الله أن يكون قديمنا ل محدثنا.
ويكون "رسول ال" خبرا بعد خبر.
الثانينة :لم يذكنر ال عنز وجنل امرأة وسنماها باسنمها فني كتابنه إل مرينم ابننة عمران؛ فإننه ذكنر
اسننمها فنني نحننو مننن ثلثيننن موضعننا لحكمننة ذكرهننا بعننض الشياخ؛ فإن الملوك والشراف ل
يذكرون حرائرهننم فنني المل ،ول يبتذلون أسننماءهن؛ بننل يكنون عننن الزوجننة بالعرس والهننل
والعيال ونحو ذلك؛ فإن ذكروا الماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسماءهن عن الذكر والتصريح
بهنا؛ فلمنا قالت النصنارى فني مرينم منا قالت ،وفني ابنهنا صنرح ال باسنمها ،ولم يكنن عنهنا بالموة
والعبودية التي هي صفة لها؛ وأجرى الكلم على عادة العرب في ذكر إمائها.
الثالثة :اعتقاد أن عيسنى عليه السلم ل أب له واجب ،فإذا تكرر اسمه منسوبا للم استشعرت
القلوب ما يجب عليها اعتقاده من نفي الب عنه ،وتنزيه الم الطاهرة عن مقالة اليهود لعنهم ال.
وال أعلم.
@قوله تعالى" :وكلمتنه ألقاهنا إلى مرينم" أي هنو مكون بكلمنة "كنن" فكان بشرا منن غينر أب؛
والعرب تسنمي الشينء باسنم الشينء إذا كان صنادرا عننه .وقينل" :كلمتنه" بشارة ال تعالى مرينم
عليها السلم ،ورسالته إليها على لسان جبريل عليه السلم؛ وذلك قوله" :إذ قالت الملئكة يا مريم
إن ال يبشرك بكلمة منه" [آل عمران .]45 :وقيل" :الكلمة" ههنا بمعنى الية؛ قال ال تعالى:
"وصدقت بكلمات ربها" [التحريم ]12 :و"ما نفدت كلمات ال" [لقمان .]27 :وكان لعيسى
أربعة أسنماء؛ المسيح وعيسى وكلمنة وروح ،وقيل غير هذا ممنا لينس فني القرآن .ومعننى "ألقاها
إلى مريم" أمر بها مريم.
@قوله تعالى" :وروح مننه" هذا الذي أوقنع النصنارى فني الضلل؛ فقالوا :عيسنى جزء مننه
فجهلوا وضلوا؛ وعننه أجوبنة ثمانينة :الول :قال أبني بنن كعنب :خلق ال أرواح بنني آدم لمنا أخنذ
عليهنم الميثاق؛ ثنم ردهنا إلى صنلب آدم وأمسنك عنده روح عيسنى علينه السنلم؛ فلمنا أراد خلقنه
أرسنل ذلك الروح إلى مرينم ،فكان مننه عيسنى علينه السنلم؛ فلهذا قال" :وروح مننه" .وقينل :هذه
الضافة للتفضيل وإن كان جميع الرواح من خلقه؛ وهذا كقوله" :وطهر بيتي للطائفين" [الحج:
، ]26وقيل :قد يسمى من تظهر منه الشياء العجيبة روحا ،وتضاف إلى ال تعالى فيقال :هذا
روح من ال أي من خلقه؛ كما يقال في النعمة إنها من ال .وكان عيسى يبرئ الكمه والبرص
ويحيني الموتنى فاسنتحق هذا السنم .وقينل :يسنمى روحنا بسنبب نفخنة جبرينل علينه السنلم ،ويسنمى
النفخ روحا؛ لنه ريح يخرج من الروح .قال الشاعر -هو ذو الرمة:
بروحك وأقتته لها قيتة قدرا فقلت له أرفعها إليك وأحيها
وقنند ورد أن جبريننل نفننخ فنني درع مريننم فحملت منننه بإذن ال؛ وعلى هذا يكون "وروح منننه"
معطوفنا على المضمنر الذي هنو اسنم ال فني "ألقاهنا" التقدينر :ألقنى ال وجبرينل الكلمنة إلى مرينم.
وقينل" :روح مننه" أي منن خلقنه؛ كمنا قال" :وسنخر لكنم منا فني السنموات ومنا فني الرض جميعنا
منه" [الجاثية ]13 :أي من خلقه .وقيل" :روح منه" أي رحمة منه؛ فكان عيسى رحمة من ال
لمنن اتبعنه؛ ومننه قوله تعالى" :وأيدهنم بروح مننه" [المجادلة ]22 :أي برحمنة ،وقرئ" :فروح
وريحان" .وقيل" :وروح منه" وبرهان منه؛ وكان عيسى برهانا وحجة على قومه صلى ال عليه
وسلم.
@قوله تعالى" :فآمنوا بال ورسنله" أي آمنوا بأن ال إله واحند خالق المسنيح ومرسنله ،وآمنوا
برسنله ومنهنم عيسنى فل تجعلوه إلهنا" .ول تقولوا" آلهتننا "ثلثنة" عنن الزجاج .قال ابنن عباس:
يريند بالتثلينث ال تعالى وصناحبته وابننه .وقال الفراء وأبنو عبيند :أي ل تقولوا هنم ثلثنة؛ كقوله
تعالى" :سيقولون ثلثة" [الكهف .]22 :قال أبو علي :التقدير ول تقولوا هو ثالث ثلثة؛ فحذف
المبتدأ والمضاف .والنصنارى منع فرقهنم مجمعون على التثلينث ويقولون :إن ال جوهنر واحند وله
ثلثنة أقانينم؛ فيجعلون كنل أقنوم إلهنا ويعنون بالقانينم الوجود والحياة والعلم ،وربمنا يعنبرون عنن
القانينم بالب والبنن وروح القدس؛ فيعنون بالب الوجود ،وبالروح الحياة ،وبالبنن المسنيح ،فني
كلم لهم فيه تخبط بيانه في أصول الدين .ومحصول كلمهم يؤول إلى التمسك بأن عيسى إله بما
كان يجريه ال سبحانه وتعالى على يديه من خوارق العادات على حسب دواعيه وإرادته؛ وقالوا:
قند علمننا خروج هذه المور عنن مقدور البشنر ،فينبغني أن يكون المقتدر عليهنا موصنوفا باللهينة؛
فيقال لهنم :لو كان ذلك منن مقدوراتنه وكان مسنتقل بنه كان تخلينص نفسنه منن أعدائه ودفنع شرهنم
عننه منن مقدوراتنه ،ولينس كذلك؛ فإن اعترفنت النصنارى بذلك فقند سنقط قولهنم ودعواهنم أننه كان
يفعلها مستقل به؛ وإن لم يسلموا ذلك فل حجة لهم أيضا؛ لنهم معارضون بموسى عليه السلم،
ومنا كان يجري على يدينه منن المور العظام ،مثنل قلب العصنا ثعباننا ،وفلق البحنر واليند البيضاء
والمنن والسنلوى ،وغينر ذلك؛ وكذلك منا جرى على يند الننبياء؛ فإن أنكروا ذلك فننكنر منا يدعوننه
هنم أيضنا منن ظهوره على يند عيسنى علينه السنلم ،فل يمكنهنم إثبات شينء منن ذلك لعيسنى؛ فإن
طرينق إثباتنه عندننا نصنوص القرآن وهنم ينكرون القرآن ،ويكذبون منن أتنى بنه ،فل يمكنهنم إثبات
ذلك بأخبار التواتر .وقد قيل :إن النصارى كانوا على دين السلم إحدى وثمانين سنة بعدما رفع
عيسنى؛ يصنلون إلى القبلة؛ ويصنومون شهنر رمضان ،حتنى وقنع فيمنا بينهنم وبينن اليهود حرب،
وكان فني اليهود رجنل شجاع يقال له بولس ،قتنل جماعنة منن أصنحاب عيسنى فقال :إن كان الحنق
منع عيسنى فقند كفرننا وجحدننا وإلى النار مصنيرنا ،ونحنن مغبونون إن دخلوا الجننة ودخلننا النار؛
وإنني أحتال فيهنم فأضلهنم فيدخلون النار؛ وكان له فرس يقال لهنا العقاب ،فأظهنر الندامنة ووضنع
على رأسنه التراب وقال للنصنارى :أننا بولس عدوكنم قند نودينت منن السنماء أن ليسنت لك توبنة إل
أن تتنصننر ،فأدخلوه فنني الكنيسننة بيتننا فأقام فيننه سنننة ل يخرج ليل ول نهارا حتننى تعلم النجيننل؛
فخرج وقال :نوديت من السماء أن ال قد قبل توبتك فصدقوه وأحبوه ،ثم مضى إلى بيت المقدس
واسنتخلف عليهنم نسنطورا وأعلمنه أن عيسنى ابنن مرينم إله ،ثنم توجنه إلى الروم وعلمهنم اللهوت
والناسنوت وقال :لم يكنن عيسنى بإننس فتأننس ول بجسنم فتجسنم ولكننه ابنن ال .وعلم رجل يقال له
يعقوب ذلك؛ ثنم دعنا رجل يقال له الملك فقال له؛ إن الله لم يزل ول يزال عيسنى؛ فلمنا اسنتمكن
منهم دعا هؤلء الثلثة واحدا واحدا وقال له :أنت خالصتي ولقد رأيت المسيح في النوم ورضي
عنني ،وقال لكنل واحند منهنم :إنني غدا أذبنح نفسني وأتقرب بهنا ،فأدع الناس إلى نحلتنك ،ثنم دخنل
المذبنح فذبنح نفسنه؛ فلمنا كان يوم ثالثنه دعنا كنل واحند منهنم الناس إلى نحلتنه ،فتبنع كنل واحند منهنم
طائفننة ،فاقتتلوا واختلفوا إلى يومنننا هذا ،فجميننع النصننارى مننن الفرق الثلث؛ فهذا كان سننبب
شركهم فيما يقال؛ وال أعلم .وقد رويت هذه القصة في معنى قوله تعالى" :فأغرينا بينهم العداوة
والبغضاء إلى يوم القيامة" [المائدة ]14 :وسيأتي إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :انتهوا خيرا لكنم" "خيرا" منصنوب عنند سنيبويه بإضمار فعنل؛ كأننه قال :ائتوا
خيرا لكم ،لنه إذا نهاهم عن الشرك فقد أمرهم بإتيان ما هو خير لهم؛ قال سيبويه :ومما ينتصب
على إضمار الفعنل المتروك إظهاره "انتهوا خيرا لكنم" لننك إذا قلت :انتنه فأننت تخرجنه منن أمنر
وتدخله في أخر؛ وأنشد:
أو الربا بينهما أسهل فواعديه سرحتي مالك
ومذهنب أبني عنبيدة :انتهوا يكنن خيرا لكنم؛ قال محمند بنن يزيند :هذا خطنأ؛ لننه يضمنر الشرط
وجوابنه ،وهذا ل يوجند فني كلم العرب .ومذهنب الفراء أننه نعنت لمصندر محذوف؛ قال علي بنن
سليمان :هذا خطأ فاحش؛ لنه يكون المعنى :انتهوا النتهاء الذي هو خير لكم.
@قوله تعالى" :إنمنا ال إله واحند" هذا ابتداء وخنبر؛ و"واحند" نعنت له .ويجوز أن يكون "إله"
بدل منن اسنم ال عنز وجنل و"واحند" خنبره؛ التقدينر إنمنا المعبود واحند" .سنبحانه أن يكون له ولد"
أي تنزيهنا عنن أن يكون له ولد؛ فلمنا سنقط "عنن" كان "أن" فني محنل النصنب بنزع الخافنض؛ أي
كينف يكون له ولد ؟ وولد الرجنل مشبنه له ،ول شنبيه ل عنز وجنل" .له منا فني السنماوات ومنا فني
الرض" فل شرينك له ،وعيسنى ومرينم منن جملة منا فني السنموات ومنا فني الرض ،ومنا فيهمنا
مخلوق ،فكيننف يكون عيسننى إلهننا وهننو مخلوق ! وإن جاز ولد فليجننز أولد حتننى يكون كننل مننن
ظهرت عليه معجزة ولدا له" .وكفى بال وكيل" أي لوليائه؛ وقد تقدم.
**3الينة{ 173 - 172 :لن يسنتنكف المسنيح أن يكون عبدا ل ول الملئكنة المقربون ومنن
يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ،فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم
أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ول يجدون لهم من
دون ال وليا ول نصيرا}
@قوله تعالى" :لن يسنتنكف المسنيح" أي لن يأننف ولن يحتشنم" .أن يكون عبدا ل" أي منن أن
يكون؛ فهنو فني موضنع نصنب .وقرأ الحسنن" :إن يكون" بكسنر الهمزة على أنهنا نفني هنو بمعننى
"ما" والمعنى ما يكون له ولد؛ وينبغي رفع يكون ولم يذكره الرواة" .ول الملئكة المقربون" أي
منن رحمنة ال ورضاه؛ فدل بهذا على أن الملئكنة أفضنل منن الننبياء صنلوات ال عليهنم أجمعينن.
وكذا "ول أقول إني ملك" [هود ]31 :وقد تقدمت الشارة إلى هذا المعنى فني "البقرة"" .ومن
يسننتنكف" أي يأنننف "عننن عبادتننه ويسننتكبر" فل يفعلهننا" .فسننيحشرهم إليننه" أي إلى المحشننر.
"جميعا" فيجازي كل بما يستحق ،كما بينه في الية بعد هذا "فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات
فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" إلى قوله" :نصيرا" .وأصل "يستنكف" نكف ،فالياء والسين
والتاء زوائد؛ يقال :نكفنت منن الشينء واسنتنكفت مننه وأنكفتنه أي نزهتنه عمنا يسنتنكف مننه؛ ومننه
الحديث سئل عن "سبحان ال" فقال( :إنكاف ال من كل سوء) يعنني تنزيهه وتقديسه عن النداد
والولد .وقال الزجاج :اسنتنكف أي أننف مأخوذ منن نكفنت الدمنع إذا نحيتنه بإصنبعك عنن خدك،
ومننه الحدينث (منا ينكنف العرق عنن جنبينه) أي منا ينقطنع؛ ومننه الحدينث (جاء بجينش ل ينكنف
آخره) أي ل ينقطع آخره .وقيل :هو من النكف وهو العيب؛ يقال :ما عليه في هذا المر نكف ول
وكف أي عيب :أي لن يمتنع المسيح ولن يتنزه من العبودية ولن ينقطع عنها ولن يعيبها.
**3الية{ 174 :يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا}
@قوله تعالى" :يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم" يعني محمدا صلى ال عليه وسلم؛ عن
الثوري؛ وسننماه برهانننا لن معننه البرهان وهننو المعجزة .وقال مجاهنند :البرهان ههنننا الحجننة؛
والمعنننى متقارب؛ فإن المعجزات حجتننه صننلى ال عليننه وسننلم .والنور المنزل هننو القرآن؛ عننن
الحسنن؛ وسنماه نورا لن بنه تتنبين الحكام ويهتدى بنه منن الضللة ،فهنو نور منبين ،أي واضنح
بين.
**3الية{ 175 :فأما الذين آمنوا بال واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم
إليه صراطا مستقيما}
@قوله تعالى" :فأمنا الذينن آمنوا بال واعتصنموا بنه" أي بالقرآن عنن معاصنيه ،وإذا اعتصنموا
بكتابه فقد اعتصموا به وبنبيه .وقيل" :اعتصموا به" أي بال .والعصمة المتناع ،وقد تقدم.
@قوله تعالى" :ويهديهنم" أي وهنو يهديهنم؛ فأضمنر هنو ليدل على أن الكلم مقطوع ممنا قبله.
"إليه" أي إلى ثوابه .وقيل :إلى الحق ليعرفوه" .صراطا مستقيما" أي دينا مستقيما .و"صراطا"
منصوب بإضمار فعل دل عليه "ويهديهم" التقدير؛ ويعرفهم صراطا مستقيما .وقيل :هو مفعول
ثان على تقدينر؛ ويهديهنم إلى ثوابنه صنراطا مسنتقيما .وقينل :هنو حال .والهاء فني "إلينه" قينل :هني
للقرآن ،وقيل :للفضل ،وقيل للفضل والرحمة؛ لنهما بمعنى الثواب .وقيل :هي ل عز وجل على
حذف المضاف كما تقدم من أن المعنى ويهديهم إلى ثوابه .أبو علي :الهاء راجعة إلى ما تقدم من
اسم ال عز وجل ،والمعنى ويهديهم إلى صراطه؛ فإذا جعلنا "صراطا مستقيما" نصبا على الحال
كانننت الحال مننن هذا المحذوف .وفنني قوله" :وفضننل" دليننل على أنننه تعالى يتفضننل على عباده
بثوابه؛ إذ لو كان في مقابلة العمل لما كان فضل .وال أعلم.
**3الينة{ 176 :يسنتفتونك قنل ال يفتيكنم فني الكللة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلهنا
نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة
رجال ونساء فللذكر مثل حظ النثيين يبين ال لكم أن تضلوا وال بكل شيء عليم}
@ قال البراء بن عازب :هذه آخر آية نزلت من القرآن؛ كذا في كتاب مسلم .وقيل :نزلت والنبي
صنلى ال علينه وسنلم متجهنز لحجنة الوداع ،ونزلت بسنبب جابر؛ قال جابر بنن عبدال :مرضنت
فأتاني رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر يعوداني ماشيين ،فأغمي علي؛ فتوضأ رسول ال
صلى ال عليه وسلم ثم صب علي من وضوئه فأفقت ،فقلت :يا رسول ال كيف أقضي في مالي ؟
فلم يرد علي شيئا حتى نزلت آية الميراث "يستفتونك قل ال يفتيكم في الكللة" رواه مسلم؛ وقال:
آخنر آينة نزلت" :واتقوا يومنا ترجعون فينه إلى ال" [البقرة ]281 :وقند تقدم .ومضنى فني أول
السننورة الكلم فنني "الكللة" مسننتوفى ،وأن المراد بالخوة هنننا الخوة للب والم أو للب وكان
لجابر تسع أخوات.
@قوله تعالى" :إن امرؤ هلك ليس له ولد" أي ليس له ولد ول والد؛ فاكتفى بذكر أحدهما؛ قال
الجرجانني :لفنظ الولد ينطلق على الوالد والمولود ،فالوالد يسنمى ،والدا لننه ولد ،والمولود يسنمى
ولدا لنه ولد؛ كالذرية فإنها من ذرا ثم تطلق على المولود وعلى الوالد؛ قال ال تعالى" :وآية لهم
أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون" [يس.]41 :
@ والجمهور منن العلماء منن الصنحابة والتابعينن يجعلون الخوات عصنبة البنات وإن لم يكنن
معهنن أخ ،غينر ابنن عباس؛ فإننه كان ل يجعنل الخوات عصنبة البنات؛ وإلينه ذهنب داود وطائفنة؛
وحجتهننم ظاهننر قول ال تعالى" :إن امرؤ هلك ليننس له ولد وله أخننت فلهننا نصننف مننا ترك" ولم
يورث الخت إل إذا لم يكن للميت ولد؛ قالوا :ومعلوم أن البنة من الولد ،فوجب أل ترث الخت
مع وجودها .وكان ابن الزبير يقول بقول ابن عباس في هذه المسألة حتى أخبره السود بن يزيد:
أن معاذا قضى في بنت وأخت فجعل المال بينهما نصفين.
@ هذه الية تسمى بآية الصيف؛ لنها نزلت في زمن الصيف؛ قال عمر :إني وال ل أدع شيئا
أهم إلي من أمر الكللة ،وقد سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عنها فما أغلظ لي في شيء ما
أغلظ لي فيها ،حتى طعن بإصبعه في جنبي أو في صدري ثم قال( :يا عمر أل تكفيك آية الصيف
التني أنزلت فني آخنر سنورة النسناء) .وعننه رضني ال عننه قال :ثلث لن يكون رسنول ال صنلى
ال عليه وسنلم بينهنن أحب إلي من الدنينا وما فيها :الكللة والربنا والخلفنة؛ خرجنه ابن ماجنة فني
سننه.
@ طعن بعض الرافضة بقول عمر( :وال ل أدع) الحديث.
@قوله تعالى" :ينبين ال لكنم أن تضلوا" قال الكسنائي :المعننى ينبين ال لكنم لئل تضلوا .قال أبو
عبيد؛ فحدثت الكسائي بحديث رواه ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :ل يدعون
أحدكنم على ولده أن يوافنق منن ال إجابنة) فاسنتحسنه .قال النحاس :والمعننى عنند أبني عبيند لئل
يوافننق مننن ال إجابننة ،وهذا القول عننند البصننريين خطننأ صننراح؛ لنهننم ل يجيزون إضمار ل؛
والمعننى عندهنم :ينبين ال لكنم كراهنة أن تضلوا ،ثنم حذف؛ كمنا قال" :واسنأل القرينة" [يوسنف:
]82وكذا معنى حديث النبي صلى ال عليه وسلم؛ أي كراهية أن يوافق من ال إجابة" .وال
بكل شيء عليم" تقدم في غير موضع .وال أعلم.
تمت سورة "النساء" والحمد ل الذي وفق.
**2سورة المائدة
@ بحول ال تعالى وقوته ،وهي مدنية بإجماع ،وروي أنها نزلت منصرف رسول ال صلى ال
عليه وسلم من الحديبية .وذكر النقاش عن أبي سلمة أنه قال :لما رجع رسول ال صلى ال عليه
وسنلم منن الحديبينة قال( :ينا علي أشعرت أننه نزلت علي سنورة المائدة ونعمنت الفائدة) .قال ابنن
العربي :هذا حديث موضوع ل يحل لمسلم اعتقاده؛ أما إنا نقول :سورة "المائدة ،ونعمت الفائدة"
فل نأثره عنن أحند ولكننه كلم حسنن .وقال ابنن عطينة :وهذا عندي ل يشبنه كلم الننبي صنلى ال
عليه وسلم .وروي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال( :سورة المائدة تدعى في ملكوت ال المنقذة
تنقذ صاحبها من أيدي ملئكة العذاب) .ومن هذه السورة ما نزل في حجة الوداع ،ومنها ما أنزل
عام الفتح وهو قوله تعالى" :ول يجرمنكم شنآن قوم" [المائدة ]2 :الية .وكل ما أنزل من القرآن
بعد هجرة النبي صلى ال عليه وسلم فهو مدني ،سواء نزل بالمدينة أو في سفر من السفار .وإنما
يرسم بالمكي ما نزل قبل الهجرة .وقال أبو ميسرة" :المائدة" من آخر ما نزل ليس فيها منسوخ،
وفيها ثمان عشرة فريضة ليست في غيرها؛ وهي" :المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما
أكنل السنبع" [المائدة" ، ]3 :ومنا ذبنح على النصنب وأن تسنتقسموا بالزلم"" ،ومنا علمتنم منن
الجوارح مكلبينن" [المائدة" ، ]4 :وطعام الذينن أوتوا الكتاب" [المائدة" ]5 :والمحصننات منن
الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" [المائدة ، ]5 :وتمام الطهور "إذا قمتم إلى الصلة" [المائدة، ]6 :
"والسنارق والسنارقة" [المائدة" ، ]38 :ل تقتلوا الصنيد وأنتنم حرم" [المائدة ]95 :إلى قوله:
"عزينز ذو انتقام" [المائدة ]95 :و"منا جعنل ال منن بحيرة ول سنائبة ول وصنيلة ول حام"
[المائدة .]103 :وقوله تعالى" :شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" [المائدة ]106 :الية.
قلت :وفريضنة تاسنعة عشرة وهني قوله جنل وعنز" :وإذا ناديتنم إلى الصنلة" [المائدة]58 :
لينس للذان ذكنر فني القرآن إل فني هذه السنورة ،أمنا منا جاء فني سنورة "الجمعنة" فمخصنوص
بالجمعنة ،وهنو فني هذه السنورة عام لجمينع الصنلوات .وروي عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه
قرأ سورة "المائدة" في حجة الوداع وقال( :يا أيها الناس إن سورة المائدة من آخر ما نزل فأحلوا
حللهنا وحرموا حرامهنا) ونحوه عنن عائشنة رضني ال عنهنا موقوفنا؛ قال جنبير بنن نفينر :دخلت
على عائشة رضي ال عنها فقالت :هل تقرأ سورة "المائدة" ؟ فقلت :نعم ،فقالت :فإنها من آخر ما
أنزل ال ،فمنا وجدتنم فيهنا منن حلل فأحلوه ومنا وجدتنم فيهنا منن حرام فحرموه .وقال الشعنبي :لم
ينسنخ منن هذه السنورة إل قوله" :ول الشهنر الحرام ول الهدي" [المائدة ]2 :الينة .وقال بعضهنم:
نسخ منها "أو آخران من غيركم" [المائدة.]106 :
**3الينة{ 1 :ينا أيهنا الذينن آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكنم بهيمنة النعام إل منا يتلى عليكنم غينر
محلي الصيد وأنتم حرم إن ال يحكم ما يريد}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا" قال علقمة :كل ما في القرآن "يا أيها الذين آمنوا" فهو مدني
و"يا أيها الناس" [النساء ]1 :فهو مكي؛ وهذا خرج على الكثر ،وقد تقدم .وهذه الية مما تلوح
فصناحتها وكثرة معانيهنا على قلة ألفاظهنا لكنل ذي بصنيرة بالكلم؛ فإنهنا تضمننت خمسنة أحكام:
الول :المر بالوفاء بالعقود؛ الثاني :تحليل بهيمة النعام؛ الثالث :استثناء ما يلي بعد ذلك؛ الرابع:
اسنتثناء حال الحرام فيمنا يصناد؛ الخامنس :منا تقتضينه الينة منن إباحنة الصنيد لمنن لينس بمحرم.
وحكى النقاش أن أصحاب الكندي قالوا له :أيها الحكيم أعمل لنا مثل هذا القرآن فقال :نعم ! أعمل
مثننل بعضننه؛ فأحتجننب أيامننا كثيرة ثننم خرج فقال :وال مننا أقدر ول يطيننق هذا أحنند؛ إننني فتحننت
المصنحف فخرجنت سنورة "المائدة" فنظرت فإذا هنو قند نطنق بالوفاء ونهنى عنن النكنث ،وحلل
تحليل عامنا ،ثنم اسنتثنى اسنتثناء بعند اسنتثناء ،ثنم أخنبر عنن قدرتنه وحكمتنه فني سنطرين ،ول يقدر
أحد أن يأتي بهذا إل في أجلد.
@قوله تعالى" :أوفوا" يقال :وفنى وأوفنى لغتان :قال ال تعالى" :ومنن أوفنى بعهده منن ال"
[التوبة ، ]111 :وقال تعالى" :وإبراهيم الذي وفى" [النجم ]37 :وقال الشاعر:
كما وفى بقلص النجم حاديها أما ابن طوق فقد أوفى بذمته
فجمع بين اللغتين.
@قوله تعالى" :بالعقود" العقود الربوط ،واحدها عقد؛ يقال :عقدت العهد والحبل ،وعقدت العسل
فهو يستعمل في المعاني والجسام؛ قال الحطيئة:
شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم
فأمنر ال سنبحانه بالوفاء بالعقود؛ قال الحسنن :يعنني بذلك عقود الدينن وهني منا عقده المرء على
نفسه؛ من بيع وشراء وإجارة وكراء ومناكحة وطلق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير وعتق
وتدبير وغير ذلك من المور ،ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة؛ وكذلك ما عقده على نفسه ل
منن الطاعات ،كالحنج والصنيام والعتكاف والقيام والنذر ومنا أشبنه ذلك منن طاعات ملة السنلم.
وأمننا نذر المباح فل يلزم بإجماع مننن المنة؛ قال ابنن العربنني .ثننم قيننل :إن اليننة نزلت فنني أهننل
الكتاب؛ لقوله تعالى" :وإذ أخنننذ ال ميثاق الذينننن أوتوا الكتاب لتنننبيننه للناس ول تكتموننننه" [آل
عمران .]187 :قال ابنن جرينج :هنو خاص بأهنل الكتاب وفيهنم نزلت .وقينل :هني عامنة وهنو
الصحيح؛ فإن لفظ المؤمنين يعم مؤمني أهل الكتاب؛ لن بينهم وبين ال عقدا في أداء المانة فيما
فني كتابهنم منن أمنر محمند صنلى ال علينه وسنلم؛ فإنهنم مأمورون بذلك فني قوله" :أوفوا بالعقود"
وغير موضع .قال ابن عباس" :أوفوا بالعقود" معناه بما أحل وبما حرم وبما فرض وبما حد في
جميع الشياء؛ وكذلك قال مجاهد وغيره .وقال ابن شهاب :قرأت كتاب رسول ال صلى ال عليه
وسننلم الذي كتبننه لعمرو بننن حزم حيننن بعثننه إلى نجران وفنني صنندره( :هذا بيان للناس مننن ال
ورسنوله "ينا أيهنا الذينن آمنوا أوفوا بالعقود" فكتنب اليات فيهنا إلى قوله" :إن ال سنريع الحسناب"
[المائدة .) ]4 :وقال الزجاج :المعنى أوفوا بعقد ال عليكم وبعقدكم بعضكم على بعض .وهذا كله
راجننع إلى القول بالعموم وهننو الصننحيح فنني الباب؛ قال صننلى ال عليننه وسننلم( :المؤمنون عننند
شروطهم) وقال( :كل شرط ليس في كتاب ال فهو باطل وإن كان مائة شرط) فبين أن الشرط أو
العقند الذي يجنب الوفاء بنه منا وافنق كتاب ال أي دينن ال؛ فإن ظهنر فيهنا منا يخالف رد؛ كمنا قال
صنلى ال علينه وسنلم( :منن عمنل عمل لينس علينه أمرننا فهنو رد) .ذكنر ابنن إسنحاق قال :اجتمعنت
قبائل مننن قريننش فنني دار عبدال بننن جدعان -لشرفننه ونسننبه -فتعاقدوا وتعاهدوا على أل يجدوا
بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم إل قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته؛ فسمت قريش ذلك الحلف
حلف الفضول ،وهنو الذي قال فينه الرسنول صنلى ال علينه وسنلم( :لقند شهدت فني دار عبدال بنن
جدعان جلفنا منا أحنب أن لي بنه خمنر النعنم ولو أدعني بنه فني السنلم لجبنت) .وهذا الحلف هنو
المعننى المراد فني قوله علينه السنلم( :وأيمنا حلف كان فني الجاهلينة لم يزده السنلم إل شدة) لننه
موافنق للشرع إذ أمنر بالنتصناف منن الظالم؛ فأمنا منا كان منن عهودهنم الفاسندة وعقودهنم الباطلة
على الظلم والغارات فقند هدمنه السنلم والحمند ل .قال ابنن إسنحاق :تحامنل الوليند بنن عتبنة على
الحسين بن علي في مال له -لسلطان الوليد؛ فإنه كان أميرا على المدينة -فقال له الحسين :أحلف
بال لتنصفني من حقي أو لخذن بسيفي ثم لقومن في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم
لدعون بحلف الفضول .قال عبدال بننن الزبيننر :وأنننا أحلف بال لئن دعاننني لخذن بسننيفي ثننم
لقومنن معنه حتنى ينتصنف منن حقنه أو نموت جميعنا؛ وبلغنت المسنور بنن مخرمنة فقال مثنل ذلك؛
وبلغت عبدالرحمن بن عثمان بن عبيدال التيمي فقال مثل ذلك؛ فلما بلغ ذلك الوليد أنصفه.
@قوله تعالى" :أحلت لكنم بهيمنة النعام" الخطاب لكنل منن ألتزم اليمان على وجهنه وكماله؛
وكاننت للعرب سننن فني النعام منن البحيرة والسنائبة والوصنيلة والحام ،يأتني بيانهنا؛ فنزلت هذه
اليننة رافعننة لتلك الوهام الخياليننة ،والراء الفاسنندة الباطلة .واختلف فنني معنننى "بهيمننة النعام"
والبهيمنة اسنم لكنل ذي أربنع؛ سنميت بذلك لبهامهنا منن جهنة نقنص نطقهنا وفهمهنا وعدم تمييزهنا
وعقلهنا؛ ومننه باب مبهنم أي مغلق ،ولينل بهينم ،وبهمنة للشجاع الذي ل يدرى منن أينن يؤتنى له.
و"النعام" :البل والبقر والغنم ،سميت بذلك للين مشيها؛ قال ال تعالى" :والنعام خلقها لكم فيها
دفء ومنافع" [النحل ]5 :إلى قوله" :وتحمل أثقالكم" [النحل ، ]7 :وقال تعالى" :ومن النعام
حمولة وفرشنا" [النعام ]142 :يعنني كبارا وصنغارا؛ ثنم بينهنا فقال" :ثمانينة أزواج" [النعام:
]143إلى قوله" :أم كنتنم شهداء" [البقرة ]133 :وقال تعالى" :وجعنل لكنم منن جلود النعام
بيوتنا تسنتخفونها يوم ظعنكنم ويوم إقامتكنم ومنن أصنوافها" [النحنل ]80 :يعنني الغننم "وأوبارهنا"
يعني البل "وأشعارها" يعني المعز؛ فهذه ثلثة أدلة تنبئ عن تضمن اسم النعام لهذه الجناس؛
البل والبقر والغنم؛ وهو قول ابن عباس والحسن .قال الهروي :وإذا قيل النعم فهو البل خاصة.
وقال الطننبري :وقال قوم "بهيمننة النعام" وحشيهننا كالظباء وبقننر الوحننش والحمننر وغيننر ذلك.
وذكره غينر الطنبري والربينع وقتادة والضحاك ،كأننه قال :أحلت لكنم النعام ،فأضينف الجننس إلى
أخنص مننه .قال ابنن عطينة :وهذا قول حسنن؛ وذلك أن النعام هني الثمانينة الزواج ،ومنا أنضاف
إليها من سائر الحيوان يقال له أنعام بمجموعه معها ،وكأن المفترس كالسد وكل ذي ناب خارج
عن حد النعام؛ فبهيمة النعام هي الراعي من ذوات الربع.
قلت :فعلى هذا يدخل فيها ذوات الحوافر لنها راعية غير مفترسة وليس كذلك؛ لن ال تعالى
قال" :والنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع" [النحل ]5 :ثم عطف عليها قوله" :والخيل والبغال
والحمينر" [النحنل ]8 :فلمنا اسنتأنف ذكرهنا وعطفهنا على النعام دل على أنهنا ليسنت منهنا؛ وال
أعلم .وقينل" :بهيمنة النعام" ما لم يكن صنيدا؛ لن الصنيد يسمى وحشا ل بهيمنة ،وهذا راجنع إلى
القول الول .وروي عنن عبدال بنن عمنر أننه قال" :بهيمنة النعام" الجننة التني تخرج عنند الذبنح
منن بطون المهات؛ فهني تؤكنل دون ذكاة ،وقاله ابنن عباس وفينه بعند؛ لن ال تعالى قال" :إل منا
يتلى عليكنم" ولينس فني الجننة منا يسنتثنى؛ قال مالك :ذكاة الذبيحنة ذكاة لجنينهنا إذا لم يدرك حينا
وكان قند نبنت شعره وتنم خلقنه؛ فإن لم يتنم خلقنه ولم ينبنت شعره لم يؤكنل إل أن يدرك حينا فيذكنى،
وإن بادروا إلى تذكيته فمات بنفسه ،فقيل :هو ذكي .وقيل :ليس بذكي؛ وسيأتي لهذا مزيد بيان إن
شاء ال تعالى:
@قوله تعالى" :إل منا يتلى عليكنم" أي يقرأ عليكنم فني القرآن والسننة منن قوله تعالى" :حرمنت
عليكنم الميتنة" [المائدة ]3 :وقوله عليه الصنلة والسنلم( :وكل ذي ناب من السنباع حرام) .فإن
قينل :الذي يتلى عليننا الكتاب لينس السننة؛ قلننا :كنل سننة لرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فهني منن
كتاب ال؛ والدليل عليه أمران :أحدهما :حديث العسيف (لقضين بينكما بكتاب ال) والرجم ليس
منصوصا في كتاب ال .الثاني :حديث ابن مسعود :وما لي ل ألعن من لعن رسول ال صلى ال
عليه وسلم وهو في كتاب ال؛ الحديث .وسيأتي في سورة "الحشر" .ويحتمل "إل ما يتلى عليكم"
الن أو "ما يتلى عليكم" فيما بعد من مستقبل الزمان على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم؛
فيكون فيه دليل على جواز تأخير البيان عن وقت ل يفتقر فيه إلى تعجيل الحاجة.
@قوله تعالى" :غير محلي الصيد" أي ما كان صيدا فهو حلل في الحلل دون الحرام ،وما لم
يكنن صنيدا فهنو حلل فني الحالينن .واختلف النحاة فني "إل منا يتلى" هنل هنو اسنتثناء أو ل ؟ فقال
البصننريون :هننو اسننتثناء مننن "بهيمننة النعام" و"غيننر محلي الصننيد" اسننتثناء آخننر أيضننا منننه؛
فالسنتثناءان جميعنا منن قوله" :بهيمنة النعام" وهني المسنتثنى منهنا؛ التقدينر :إل منا يتلى عليكنم إل
الصنيد وأنتنم محرمون؛ بخلف قوله" :إننا أرسنلنا إلى قوم مجرمينن .إل آل لوط" [الحجنر- 58 :
]59على ما يأتي .وقيل :هو مستثنى مما يليه من الستثناء؛ فيصير بمنزلة قوله عز وجل" :إنا
أرسننلنا إلى قوم مجرميننن" ولو كان كذلك لوجننب إباحننة الصننيد فنني الحرام؛ لنننه مسننتثنى مننن
المحظور إذ كان قوله تعالى" :إل مننا يتلى عليكننم" مسننتثنى مننن الباحننة؛ وهذا وجننه سنناقط؛ فإذا
معناه أحلت لكم بهيمة النعام غير محلي الصيد وأنتم حرم إل ما يتلى عليكم سوى الصيد .ويجوز
أن يكون معناه أيضنا أوفوا بالعقود غينر محلي الصنيد وأحلت لكنم بهيمنة النعام إل منا يتلى عليكنم.
وأجاز الفراء أن يكون "إل منا يتلى عليكنم" فني موضنع رفنع على البدل على أن يعطنف بإل كمنا
يعطنف بل؛ ول يجيزه البصنريون إل فني النكرة أو منا قاربهنا منن أسنماء الجناس نحنو جاء القوم
إل زيد .والنصب عنده بأن "غير محلي الصيد" نصب على الحال مما في "أوفوا"؛ قال الخفش:
ينا أيهنا الذينن آمنوا أوفوا بالعقود غينر محلي الصنيد .وقال غيره :حال منن الكاف والمينم فني "لكنم"
والتقدير :أحلت لكم بهيمة النعام غير محلي الصيد .ثم قيل :يجوز أن يرجع الحلل إلى الناس،
أي ل تحلوا الصيد فني حال الحرام ،ويجوز أن يرجع إلى ال تعالى أي أحللت لكم البهيمة إل ما
كان صنيدا فني وقنت الحرام؛ كمنا تقول :أحللت لك كذا غينر مبينح لك يوم الجمعنة .فإذا قلت يرجنع
إلى الناس فالمعنى :غير محلين الصيد ،فحذفت النون تخفيفا.
@قوله تعالى" :وأنتنم حرم" يعنني الحرام بالحنج والعمرة؛ يقال :رجنل حرام وقوم حرم إذا
أحرموا بالحج؛ ومنه قول الشاعر:
حرام وأني بعد ذاك لبيب فقلت لها فيئي إليك فإنني
أي ملب ،وسنمي ذلك إحرامنا لمنا يحرمنه منن دخنل فينه على نفسنه منن النسناء والطينب وغيرهمنا.
ويقال :أحرم دخنل فني الحرم؛ فيحرم صنيد الحرم أيضنا .وقرأ الحسنن وإبراهينم ويحينى بنن وثاب
"حرم" بسكون الراء؛ وهي لغة تميمية يقولون في رسل :رسل وفي كتب كتب ونحوه.
@قوله تعالى" :إن ال يحكم ما يريد" تقوية لهذه الحكام الشرعية المخالفة لمعهود أحكام العرب؛
أي فأنت يا محمد السامع لنسخ تلك التي عهدت من أحكامهم تنبه ،فإن الذي هو مالك الكل "يحكم
ما يريد" "ل معقب لحكمه" [الرعد ]41 :يشرع ما يشاء كما يشاء.
**3الية{ 2 :يا أيها الذين آمنوا ل تحلوا شعائر ال ول الشهر الحرام ول الهدي ول القلئد ول
آمين البيت الحرام يبتغون فضل من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ول يجرمنكم شنآن قوم
أن صننندوكم عنننن المسنننجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثنننم
والعدوان واتقوا ال إن ال شديد العقاب}
@قوله تعالى" :ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تحلوا شعائر ال" خطاب للمؤمنين حقنا؛ أي ل تتعدوا حدود
ال فني أمنر منن المور .والشعائر جمنع شعيرة على وزن فعيلة .وقال ابنن فارس :ويقال للواحدة
شعارة؛ وهنو أحسنن .والشعيرة البدننة تهدى ،وإشعارهنا أن يجنز سننامها حتنى يسنيل مننه الدم فيعلم
أنهنا هدي .والشعار العلم منن طرينق الحسناس؛ يقال :أشعنر هدينه أي جعنل له علمنة ليعرف
أنه هدي؛ ومنه المشاعر المعالم ،واحدها مشعر وهي المواضع التي قد أشعرت بالعلمات .ومنه
الشعنر ،لننه يكون بحينث يقنع الشعور؛ ومننه الشاعنر؛ لننه يشعنر بفطنتنه لمنا ل يفطنن له غيره؛
ومننه الشعينر لشعرتنه التني فني رأسنه؛ فالشعائر على قول منا أشعنر منن الحيوانات لتهدى إلى بينت
ال ،وعلى قول جمينع مناسنك الحنج؛ قال ابنن عباس .وقال مجاهند :الصنفا والمروة والهدي والبدن
كل ذلك من الشعائر .وقال الشاعر:
شعائر قربان بها يتقرب نقتلهم جيل فجيل تراهم
وكان المشركون يحجون ويعتمرون ويهدون فأراد المسنلمون أن يغيروا عليهننم؛ فأنزل ال تعالى:
"ل تحلوا شعائر ال" .وقال عطاء بن أبي رباح :شعائر ال جميع ما أمر ال به ونهى عنه .وقال
الحسن :دين ال كله؛ كقوله" :ذلك ومن يعظم شعائر ال فإنها من تقوى القلوب" [الحج ]32 :أي
دين ال.
قلت :وهذا القول هننو الراجننح الذي يقدم على غيره لعمومننه .وقنند اختلف العلماء فنني إشعار
الهدي فأجازه الجمهور؛ ثنم اختلفوا فني أي جهنة يشعنر؛ فقال الشافعني وأحمند وأبنو ثور :يكون فني
الجاننب اليمنن؛ وروي عنن ابنن عمنر .وثبنت عن ابنن عباس أن الننبي صنلى ال عليه وسنلم أشعنر
ناقتنه فني صنفحة سننامها اليمنن؛ أخرجنه مسنلم وغيره وهنو الصنحيح .وروي أننه أشعنر بدننه منن
الجانننب اليسننر؛ قال أبننو عمننر بننن عبدالبر :هذا عندي حديننث منكننر مننن حديننث ابننن عباس؛
والصحيح حديث مسلم عن ابن عباس ،قال :ول يصح عنه غيره .وصفحة السنام جانبه ،والسنام
أعلى الظهننر .وقالت طائفننة :يكون فنني الجانننب اليسننر؛ وهننو قول مالك ،وقال :ل بأس بننه فنني
الجانب اليمن .وقال مجاهد :من أي الجانبين شاء؛ وبه قال أحمد في أحد قوليه .ومنع من هذا كله
أبنو حنيفنة وقال :إننه تعذينب للحيوان ،والحدينث يرد علينه؛ وأيضنا فذلك يجري مجرى الوسنم الذي
يعرف بنه الملك كمنا تقدم؛ وقند أوغنل ابنن العربني على أبني حنيفنة فني الرد والنكار حينن لم ينر
الشعار فقال :كأنه لم يسمع بهذه الشعيرة في الشريعة ! لهي أشهر منه في العلماء.
قلت :والذي رأيته منصوصا في كتب علماء الحنفية الشعار مكروه من قول أبي حنيفة ،وعند
أبني يوسنف ومحمند لينس بمكروه ول سننة بنل هنو مباح؛ لن الشعار لمنا كان إعلمنا كان سننة
بمنزلة التقليند ،ومنن حينث أننه جرح ومثلة كان حرامنا ،فكان مشتمل على السننة والبدعنة فجعنل
مباحنا .ولبني حنيفنة أن الشعار مثلة وأنه حرام من حينث إنه تعذينب الحيوان فكان مكروهنا ،ومنا
روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما كان في أول البتداء حين كانت العرب تنتهب كل
مال إل ما جعل هديا ،وكانوا ل يعرفون الهدي إل بالشعار ثم زال لزوال العذر؛ هكذا روي عن
ابن عباس .وحكي عن الشيخ المام أبي منصور الماتريدي رحمه ال تعالى أنه قال :يحتمل أن أبا
حنيفنة كره إشعار أهنل زماننه وهنو المبالغنة فني البضنع على وجنه يخاف مننه السنراية ،أمنا منا لم
يجاوز الحد فعل كما كان يفعل في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فهو حسن؛ وهكذا ذكر أبو
جعفنر الطحاوي .فهذا اعتذار علماء الحنفينة لبني حنيفنة عنن الحدينث الذي ورد فني الشعار ،فقند
سننمعوه ووصننل إليهننم وعلموه؛ قالوا :وعلى القول بأنننه مكروه ل يصننير بننه أحنند محرمننا؛ لن
مباشرة المكروه ل تعد من المناسك.
@قوله تعالى" :ول الشهنر الحرام" اسنم مفرد يدل على الجننس فني جمينع الشهنر الحرم وهني
أربعنة :واحند فرد وثلثنة سنرد ،يأتني بيانهنا فني "براءة"؛ والمعننى :ل تسنتحلوها للقتال ول للغارة
ول تبدلوها؛ فإن استبدالها استحلل ،وذلك ما كانوا يفعلونه من النسيء؛ وكذلك قوله" :ول الهدي
ول القلئد" أي ل تسنننتحلوه ،وهنننو على حذف مضاف أي ول ذوات القلئد جمنننع قلدة .فنهنننى
سنبحانه عنن اسنتحلل الهدي جملة ،ثنم ذكنر المقلد مننه تأكيدا ومبالغنة فني التننبيه على الحرمنة فني
التقليد.
@قوله تعالى" :ول الهدي ول القلئد" الهدي منا أهدي إلى بينت ال تعالى منن ناقنة أو بقرة أو
شاة؛ الواحدة هديننة وهديننة وهدي .فمننن قال :أراد بالشعائر المناسننك قال :ذكننر الهدي تنبيهننا على
تخصنيصها .ومنن قال :الشعائر الهدي قال :إن الشعائر منا كان مشعرا أي معلمنا بإسنالة الدم منن
سننامه ،والهدي منا لم يشعنر ،اكتفنى فينه بالتقليند .وقينل :الفرق أن الشعائر هني البدن منن النعام.
والهدي البقنر والغننم والثياب وكنل منا يهدى .وقال الجمهور :الهدي عامنا فني جمينع منا يتقرب بنه
منن الذبائح والصندقات؛ ومننه قوله عليه الصلة والسلم( :المبكنر إلى الجمعنة كالمهدي بدننة) إلى
أن قال( :كالهدي بيضنة) فسنماها هدينا؛ وتسنمية البيضنة هدينا ل محمنل له إل أننه أراد بنه الصندقة؛
وكذلك قال العلماء :إذا قال جعلت ثوبني هدينا فعلينه أن يتصندق بنه؛ إل أن الطلق إنمنا ينصنرف
إلى أحد الصناف الثلثة من البل والبقر والغنم ،وسوقها إلى الحرم وذبحها فيه ،وهذا إنما تلقي
منن عرف الشرع فني قوله تعالى" :فإن أحصنرتم فمنا اسنتيسر منن الهدي" [البقرة ]196 :وأراد
بننه الشاة؛ وقال تعالى" :يحكننم بننه ذوا عدل منكننم هديننا بالغ الكعبننة" [المائدة ]95 :وقال تعالى:
"فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي" [البقرة ]196 :وأقله شاة عند الفقهاء .وقال
مالك :إذا قال ثوبني هدي يجعنل ثمننه فني هدي" .والقلئد" منا كان الناس يتقلدوننه أمننة لهنم؛ فهنو
على حذف مضاف ،أي ول أصنحاب القلئد ثنم نسنخ .قال ابنن عباس :آيتان نسنختا منن "المائدة"
آية القلئد وقوله" :فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم" [المائدة ]42 :فأما القلئد فنسخها
المنر بقتنل المشركينن حينث كانوا وفني أي شهنر كانوا .وأمنا الخرى فنسنخها قوله تعالى" :وأن
احكم بينهم بما أنزل ال" [المائدة ]49 :على ما يأتي .وقيل :أراد بالقلئد نفس القلئد؛ فهو نهي
عنن أخنذ لحاء شجنر الحرم حتنى يتقلد بنه طلبنا للمنن؛ قاله مجاهند وعطاء ومطرف بنن الشخينر.
وال أعلم .وحقيقنة الهدي كنل معطنى لم يذكنر معنه عوض .وأتفنق الفقهاء على أن من قال :ل علي
هدي أنه يبعث بثمنه إلى مكة .وأما القلئد فهي كل ما علق على أسنمة الهدايا وأعناقها علمة أنه
ل سبحانه؛ من نعل أو غيره ،وهي سنة إبراهيمية بقيت في الجاهلية وأقرها السلم ،وهي سنة
البقنر والغننم .قالت عائشنة رضني ال عنهنا :أهدى رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم مرة إلى البينت
غنمننا فقلدهننا؛ أخرجننه البخاري ومسننلم؛ وإلى هذا صننار جماعننة مننن العلماء :الشافعنني وأحمنند
وإسنحاق وأبنو ثور وابنن حنبيب؛ وأنكره مالك وأصنحاب الرأي وكأنهنم لم يبلغهنم هذا الحدينث فني
تقليد الغنم ،أو بلغ لكنهم ردوه لنفراد السود به عن عائشة رضي ال عنها؛ فالقول به أولى .وال
أعلم .وأما البقر فإن كانت لها أسنمة أشعرت كالبدن؛ قال ابن عمر؛ وبه قال مالك .وقال الشافعي:
تقلد وتشعنر مطلقنا ولم يفرقوا .وقال سنعيد بنن جنبير :تقلد ول تشعنر؛ وهذا القول أصنح إذ لينس لهنا
سنام ،وهي أشبه بالغنم منها بالبل .وال أعلم.
@ واتفقوا فيمنن قلد بدننة على نينة الحرام وسناقها أننه يصنير محرمنا؛ قال ال تعالى" :ل تحلوا
شعائر ال" إلى أن قال" :فاصننطادوا" ولم يذكننر الحرام لكننن لمننا ذكننر التقلينند عرف أنننه بمنزلة
الحرام.
فإن بعنث بالهدي ولم يسنق بنفسنه لم يكنن محرمنا؛ لحدينث عائشنة قالت :أننا فتلت قلئد هدي
رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بيدي؛ ثنم قلدهنا بيدينه ،ثنم بعنث بهنا منع أبني فلم يحرم على رسنول
ال صنلى ال علينه وسنلم شينء أحله ال له حتنى نحنر الهدي؛ أخرجنه البخاري ،وهذا مذهنب مالك
والشافعني وأحمند وإسنحاق وجمهور العلماء .وروي عنن ابنن عباس أننه قال :يصنير محرمنا؛ قال
ابن عباس :من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي؛ رواه البخاري؛ وهذا
مذهب ابن عمر وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير ،وحكاه الخطابي عن أصحاب الرأي؛ واحتجوا
بحديث جابر بنن عبدال قال :كننت عند الننبي صلى ال عليه وسلم جالسا فقد قميصه منن جيبه ثنم
أخرجه من رجليه ،فنظر القوم إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال( :إني أمرت ببدني التي بعثت
بهننا أن تقلد وتشعننر على مكان كذا وكذا فلبسننت قميصنني ونسننيت فلم أكننن لخرج قميصنني مننن
رأسني) وكان بعنث ببدننه وأقام بالمدينننة .فنني إسننناده عبدالرحمننن بنن عطاء بنن أبنني لبيبننة وهنو
ضعينف .فإن قلد شاة وتوجنه معهنا فقال الكوفيون :ل يصنير محرمنا؛ لن تقليند الشاة لينس بمسننون
ول من الشعائر؛ لنه يخاف عليها الذئب فل تصل إلى الحرم بخلف البدن؛ فإنها تترك حتى ترد
الماء وترعى الشجر وتصل إلى الحرم .وفي صحيح البخاري عن عائشة أم المؤمنين قالت :فتلت
قلئدها من عهن كان عندي .العهن الصوف المصبوغ؛ ومنه قوله تعالى" :وتكون الجبال كالعهن
المنفوش" [القارعة.]5 :
@ ول يجوز بيع الهدي ول هبته إذا قلد أو أشعر؛ لنه قد وجب ،وإن مات موجبه لم يورث عنه
ونفنذ لوجهنه؛ بخلف الضحينة فإنهنا ل تجنب إل بالذبنح خاصنة عنند مالك إل أن يوجبهنا بالقول؛
فإن أوجبها بالقول قبل الذبح فقال :جعلت هذه الشاة أضحية تعينت؛ وعليه؛ إن تلفت ثم وجدها أيام
الذبنح أو بعدهنا ذبحهنا ولم يجنز له بيعهنا؛ فإن كان اشترى أضحينة غيرهنا ذبحهمنا جميعنا فني قول
أحمند وإسحاق .وقال الشافعني :ل بدل عليه إذا ضلت أو سنرقت ،إنمنا البدال في الواجنب .وروي
عن ابن عباس أنه قال :إذا ضلت فقد أجزأت .ومن مات يوم النحر قبل أن يضحي كانت ضحيته
موروثنة عننه كسنائر ماله بخلف الهدي .وقال أحمند وأبنو ثور :تذبنح بكنل حال .وقال الوزاعني:
تذبح إل أن يكون عليه دين ل وفاء له إل من تلك الضحية فتباع في دينه .ولو مات بعد ذبحها لم
يرثها عنه ورثته ،وصنعوا بها من الكل والصدقة ما كان له أن يصنع بها ،ول يقتسمون لحمها
على سنبيل الميراث .وما أصناب الضحية قبنل الذبنح من العيوب كان على صاحبها بدلهنا بخلف
الهدي ،هذا تحصنيل مذهنب مالك .وقند قينل فني الهدي على صناحبه البدل؛ والول أصنوب .وال
أعلم .قال أبنننو اللينننث السنننمرقندي :وقوله تعالى" :ول الشهنننر الحرام" منسنننوخ بقوله" :وقاتلوا
المشركين كافة" [التوبة ]36 :وقوله" :ول الهدي ول القلئد" محكم لم ينسخ؛ فكل من قلد الهدي
ونوى الحرام صنار محرمنا ل يجوز له أن يحنل بدلينل هذه الينة؛ فهذه الحكام معطوف بعضهنا
على بعض؛ بعضها منسوخ وبعضها غير منسوخ.
@قوله تعالى" :ول آمين البيت الحرام" يعني القاصدين له؛ من قولهم أممت كذا أي قصدته .وقرأ
العمننش" :ول آمنني البيننت الحرام" بالضافننة كقوله" :غيننر محلي الصننيد" والمعنننى :ل تمنعوا
الكفار القاصندين البينت الحرام على جهنة التعبند والقربنة؛ وعلينه فقينل :منا فني هذه اليات منن نهني
عن مشرك ،أو مراعاة حرمة له بقلدة ،أو أم البيت فهو كله منسوخ بآية السيف في قوله" :فاقتلوا
المشركينن حينث وجدتموهنم" [التوبنة ]5 :وقوله" :فل يقربوا المسنجد الحرام بعند عامهنم هذا"
[التوبنة ]28 :فل يمكنن المشرك منن الحنج ،ول يؤمنن فني الشهنر الحرم وإن أهدى وقلد وحنج؛
روي عن ابن عباس وقاله ابن زيد على ما يأتي ذكره .وقال قوم :الية محكمة لم تنسخ وهي في
المسنلمين ،وقند نهنى ال عنن إخافنة منن يقصند بيتنه منن المسنلمين .والنهني عام فني الشهنر الحرام
وغيره؛ ولكننه خنص الشهنر الحرام بالذكنر تعظيمنا وتفضيل؛ وهذا يتمشنى على قول عطاء؛ فإن
المعننى ل تحلوا معالم ال ،وهني أمره ونهينه ومنا أعلمنه الناس فل تحلوه؛ ولذلك قال أبنو ميسنرة:
هي محكمة .وقال مجاهد :لم ينسخ منها إل "القلئد" وكان الرجل يتقلد بشيء من لحاء الحرم فل
يقرب فنسنبخ ذلك .وقال ابنن جرينج :هذه الينة نهني عنن الحجاج أن تقطنع سنبلهم .وقال ابنن زيند:
نزلت الينة عام الفتنح ورسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بمكنة؛ جاء أناس منن المشركينن يحجون
ويعتمرون فقال المسلمون :يا رسول ال إنما هؤلء مشركون فلن ندعهم إل أن نغير عليهم؛ فنزل
القرآن "ول آمين البيت الحرام" .وقيل :كان هذا لمر شريح بن ضبيعة البكري -ويلقب بالحطم
-أخذته جند رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو في عمرته فنزلت هذه الية ،ثم نسخ هذا الحكم
كما .ذكرنا .وأدرك الحطم هذا ردة اليمامة فقتل مرتدا وقد روي من خبره أنه أتى النبي صلى ال
علينه وسنلم بالمديننة ،وخلف خيله خارج المديننة فقال :إلم تدعنو الناس ؟ فقال( :إلى شهادة أن ل
إله إل ال وإقام الصننلة وإيتاء الزكاة) فقال :حسننن ،إل أن لي أمراء ل أقطننع أمرا دونهننم ولعلي
أسلم وآتي بهم ،وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم قال لصحابه( :يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان
شيطان) ثم خرج من عنده فقال عليه الصلة والسلم( :لقد دخل بوجه كافر وخرج بقفا غادر وما
الرجل بمسلم) .فمر بسرح المدينة فاستاقه؛ فطلبوه فعجزوا عنه ،فانطلق وهو يقول:
ليس براعي إبل ول غنم قد لفها الليل بسواق حطم
باتوا نيامننا وابننن هننند لم ينننم بات يقاسننيها غلم كالزلم ول بجزار على ظهننر وضننم
خدلج الساقين خفاق القدم
فلمننا خرج الننبي صنلى ال علينه وسنلم عام القضنة سنمع تلبينة حجاج اليمامنة فقال( :هذا الحطنم
وأصنحابه) .وكان قند قلد منا نهنب منن سنرح المديننة وأهداه إلى مكنة ،فتوجهوا فني طلبنه؛ فنزلت
الية ،أي ل تحلوا ما أشعر ل وإن كانوا مشركين؛ ذكره ابن عباس.
@ وعلى أن الية محكمة قوله تعالى" :ل تحلوا شعائر ال" يوجب إتمام أمور المناسك؛ ولهذا
قال العلماء :إن الرجل إذا دخل في الحج ثم أفسده فعليه أن يأتي بجميع أفعال الحج ،ول يجوز أن
يترك شيئا منها وإن فسد حجه؛ ثم عليه القضاء في السنة الثانية.
@قوله تعالى" :يبتغون فضل منن ربهنم ورضواننا" قال فينه جمهور المفسنرين :معناه يبتغون
الفضل والرباح في التجارة ،ويبتغون مع ذلك رضوانه في ظنهم وطمعهم .وقيل :كان منهم من
يبتغني التجارة ،ومنهنم منن يطلب بالحنج رضوان ال وإن كان ل يناله؛ وكان منن العرب منن يعتقند
جزاء بعند الموت ،وأننه يبعنث ،ول يبعند أن يحصنل له نوع تخفينف فني النار .قال ابنن عطينة :هذه
الية استئلف من ال تعالى للعرب ولطف بهم؛ لتنبسط النفوس ،وتتداخل الناس ،ويردون الموسم
فيسنتمعون القرآن ،ويدخنل اليمان فني قلوبهنم وتقوم عندهنم الحجنة كالذي كان .وهذه الينة نزلت
عام الفتح فنسخ ال ذلك كله بعد عام سنة تسع؛ إذ حج أبو بكر ونودي الناس بسورة "براءة".
@قوله تعالى" :وإذا حللتنم فاصنطادوا" أمنر إباحنة -بإجماع الناس -رفنع منا كان محظورا
بالحرام؛ حكاه كثيننر مننن العلماء وليننس بصننحيح ،بننل صننيغة "أفعننل" الواردة بعنند الحظننر على
أصنلها منن الوجوب؛ وهنو مذهنب القاضني أبني الطينب وغيره؛ لن المقتضني للوجوب قائم وتقدم
الحظنر ل يصنلح مانعنا؛ دليله قوله تعالى" :فإذا انسنلخ الشهنر الحرم فاقتلوا المشركينن" [التوبنة:
]5فهذه "أفعل" على الوجوب؛ لن المراد بها الجهاد ،وإنما فهمت الباحة هناك وما كان مثله
منن قوله" :فإذا قضينت الصنلة فانتشروا" [الجمعنة" ]10 :فإذا تطهرن فأتوهنن" منن النظنر إلى
المعنى والجماع ،ل من صيغة المر .وال أعلم.
@قوله تعالى" :ول يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام" أي ل يحملنكم؛ عن ابن
عباس وقتادة ،وهنو قول الكسنائي وأبني العباس .وهنو يتعدى إلى مفعولينن؛ يقال :جرمنني كذا على
بغضك أي حملني عليه؛ قال الشاعر:
جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا ولقد طعنت أبا عيينة طعنة
وقال الخفش :أي ول يحقنكم .وقال أبو عبيدة والفراء :معنى "ل يجرمنكم" أي ل يكسبنكم بغض
قوم أن تعتدوا الحنق إلى الباطنل ،والعدل إلى الظلم ،قال علينه السنلم( :أد الماننة إلى منن ائتمننك
ول تخن من خانك) وقد مضى القول في هذا .ونظير هذه الية "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم" [البقرة ]194 :وقد تقدم مستوفى .ويقال :فلن جريمة أهله أي كاسبهم،
فالجريمة والجارم بمعنى الكاسب وأجرم فلن أي أكتسب الثم .ومنه قول الشاعر:
ترى لعظام ما جمعت صليبا جريمة ناهض في رأس نيق
معناه كاسنب قوت ،والصنليب الودك ،وهذا هنو الصنل فني بناء ج ر م .قال ابنن فارس :يقال جرم
وأجرم ،ول جرم بمنزلة قولك :ل بد ول محالة؛ وأصلها من جرم أي أكتسب ،قال:
جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
وقال آخر:
إلى القبائل من قتل وإباس يا أيها المشتكي عكل وما جرمت
ويقال :جرم يجرم جرمنا إذا قطنع؛ قال الرمانني علي بنن عيسنى :وهنو الصنل؛ فجرم بمعننى حمنل
على الشينء لقطعنه منن غيره ،وجرم بمعننى كسنب لنقطاعنه إلى الكسنب ،وجرم بمعننى حنق لن
الحق يقطع عليه .وقال الخليل" :ل جرم أن لهم النار" [النحل ]62 :لقد حق أن لهم العذاب .وقال
الكسنائي :جرم وأجرم لغتان بمعننى واحند ،أي أكتسنب .وقرأ ابنن مسنعود "يجرمنكنم" بضنم الياء،
والمعنننى أيضننا ل يكسنبنكم؛ ول يعرف البصننريون الضننم ،وإنمننا يقولون :جرم ل غينر .والشنآن
البغنض .وقرئ بفتنح النون وإسنكانها؛ يقال :شنئت الرجنل أشنؤه شننأ وشنأة وشناننا وشناننا بجزم
النون ،كنل ذلك إذا أبغضتنه؛ أي ل يكسنبنكم بغنض قوم بصندهم إياكنم أن تعتدوا؛ والمراد بغضكنم
قوما ،فأضاف المصدر إلى المفعول .قال ابن زيد :لما صد المسلمون عن البيت عام الحديبية مر
بهم ناس من المشركين يريدون العمرة؛ فقال المسلمون :نصدهم كما صدنا أصحابهم ،فنزلت هذه
الينة؛ أي ل تعتدوا على هؤلء ،ول تصندوهم "أن صندوكم" أصنحابهم ،بفتنح الهمزة مفعول منن
أجله؛ أي لن صندوكم .وقرأ أبنو عمرو وابنن كثينر بكسنر الهمزة "إن صندوكم" وهنو اختيار أبني
عبيد .وروي عن العمش "إن يصدوكم" .قال ابن عطية :فإن للجزاء؛ أي إن وقع مثل هذا الفعل
فني المسنتقبل .والقراءة الولى أمكنن فني المعننى .وقال النحاس :وأمنا "إن صندوكم" بكسنر "إن"
فالعلماء الجلة بالنحنو والحدينث والنظنر يمنعون القراءة بهنا لشياء :منهنا أن الينة نزلت عام الفتنح
سننة ثمان ،وكان المشركون صندوا المسنلمين عام الحديبينة سننة سنت ،فالصند كان قبنل الينة؛ وإذا
قرئ بالكسننر لم يجننز أن يكون إل بعده؛ كمننا تقول :ل تعننط فلنننا شيئا إن قاتلك؛ فهذا ل يكون إل
للمسنتقبل ،وإن فتحنت كان للماضني ،فوجنب على هذا أل يجوز إل "أن صندوكم" .وأيضنا فلو لم
يصنح هذا الحدينث لكان الفتنح واجبنا؛ لن قوله" :ل تحلوا شعائر ال" إلى آخنر الينة يدل على أن
مكنة كاننت فني أيديهنم ،وأنهنم ل ينهون عنن هذا إل وهنم قادرون على الصند عنن البينت الحرام،
فوجب من هذا فتح "أن" لنه لما مضى.
@قوله تعالى" :أن تعتدوا
في موضع نصب؛ لنه مفعول به ،أي ل يجرمنكم شنآن قوم العتداء.
وأنكنر أبنو حاتنم وأبنو عبيند "شنآن" بإسنكان النون؛ لن المصنادر إنمنا تأتني فني مثنل هذا متحركنة؛
وخالفهما غيرهما وقال :ليس هذا مصدرا ولكنه اسم الفاعل على وزن كسلن وغضبان.
@قوله تعالى" :وتعاونوا على البر والتقوى" قال الخفش :هو مقطوع من أول الكلم ،وهو أمر
لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى؛ أي ليعن بعضكم بعضا ،وتحاثوا على ما أمر ال تعالى
وأعملوا بنه ،وانتهوا عمنا نهنى ال عننه وامتنعوا مننه؛ وهذا موافنق لمنا روي عنن الننبي صنلى ال
علينه وسنلم أننه قال( :الدال على الخينر كفاعله) .وقند قينل :الدال على الشنر كصنانعه .ثنم قينل :البر
والتقوى لفظان بمعنى واحد ،وكرر باختلف اللفظ تأكيدا ومبالغة ،إذ كل بر تقوى وكل تقوى بر.
قال ابننن عطيننة :وفنني هذا تسننامح مننا ،والعرف فنني دللة هذيننن اللفظيننن أن البر يتناول الواجننب
والمندوب إلينه ،والتقوى رعاينة الواجنب ،فإن جعنل أحدهمنا بدل الخنر فبتجوز .وقال الماوردي:
ندب ال سنبحانه إلى التعاون بالبر وقرننه بالتقوى له؛ لن فنني التقوى رضنا ال تعالى ،وفني البر
رضنا الناس ،ومنن جمنع بينن رضنا ال تعالى ورضنا الناس فقند تمنت سنعادته وعمنت نعمتنه .وقال
ابننن خويننز منداد فنني أحكامننه :والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه؛ فواجننب على العالم أن
يعيننن الناس بعلمننه فيعلمهننم ،ويعينهننم الغننني بماله ،والشجاع بشجاعتننه فنني سننبيل ال ،وأن يكون
المسنلمون متظاهرينن كاليند الواحدة (المؤمنون تتكافنأ دماؤهنم ويسنعى بذمتهنم أدناهنم وهنم يند على
منن سنواهم) .ويجنب العراض عنن المتعدي وترك النصنرة له ورده عمنا هنو علينه .ثنم نهنى فقال:
"ول تعاونوا على الثنم والعدوان" وهنو الحكنم اللحنق عنن الجرائم ،وعنن "العدوان" وهنو ظلم
الناس .ثم أمر بالتقوى وتوعد توعدا مجمل فقال" :واتقوا ال إن ال شديد العقاب".
**3اليننة{ 3 :حرمننت عليكننم الميتننة والدم ولحننم الخنزيننر ومننا أهننل لغيننر ال بننه والمنخنقننة
والموقوذة والمتردينة والنطيحنة ومنا أكنل السنبع إل منا ذكيتنم ومنا ذبنح على النصنب وأن تسنتقسموا
بالزلم ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فل تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لثم فإن
ال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :حرمنت عليكنم الميتنة والدم ولحنم الخنزينر ومنا أهنل لغينر ال بنه" تقدم القول فينه
كامل في البقرة.
@قوله تعالى" :والمنخنقة" هي التي تموت خنقا ،وهو حبس النفس سواء فعل بها ذلك آدمي أو
أتفنق لهنا ذلك فني حبنل أو بينن عودينن أو نحوه .وذكنر قتادة :أن أهنل الجاهلينة كانوا يخنقون الشاة
وغيرها فإذا ماتت أكلوها؛ وذكر نحوه ابن عباس.
@قوله تعالى" :والموقوذة" الموقوذة هي التي ترمى أو تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من
غينر تذكينة؛ عنن ابنن عباس والحسنن وقتادة والضحاك والسندي؛ يقال مننه :وقذه يقذه وقذا وهنو
وقيذ .والوقذ شدة الضرب ،وفلن وقيذ أي مثخن ضربا .قال قتادة :كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك
ويأكلوننه .وقال الضحاك :كانوا يضربون النعام بالخشنب للهتهنم حتنى يقتلوهنا فيأكلوهنا ،ومننه
المقتولة بقوس البندق .وقال الفرزدق:
فطارة لقوادم البكار شغارة تقذ الفصيل برجلها
وفنني صننحيح مسننلم عننن عدي بننن حاتننم قال :قلت يننا رسننول ال فإننني أرمنني بالمعراض الصننيد
فأصيب؛ فقال( :إذا رميت بالمعراض فخزق فكله وإن أصابه بعرضه فل تأكله) وفي رواية (فإنه
وقينذ) .قال أبنو عمنر :اختلف العلماء قديمنا وحديثنا فني الصنيد بالبندق والحجنر والمعراض؛ فمنن
ذهب إلى أنه وقيذ لم يجزه إل ما أدرك ذكاته؛ على ما روي عن ابن عمر ،وهو قول مالك وأبي
حنيفنة وأصنحابه والثوري والشافعني .وخالفهنم الشاميون فني ذلك؛ قال الوزاعني فني المعراض؛
كله خزق أو لم يخزق؛ فقند كان أبنو الدرداء وفضالة بنن عبيند وعبدال بنن عمنر ومكحول ل يرون
بنه بأسنا؛ قال أبنو عمنر :هكذا ذكنر الوزاعني عنن عبدال بنن عمنر ،والمعروف عنن ابنن عمنر منا
ذكره مالك عنن نافنع عننه .والصنل فني هذا الباب والذي علينه العمنل وفينه الحجنة لمنن لجنأ إلينه
حديث عدي بن حاتم وفيه (وما أصاب بعرضه فل تأكله فإنما هو وقيذ).
@قوله تعالى" :والمتردية" المتردية هي التي تتردى من العلو إلى السفل فتموت؛ كان ذلك من
جبننل أو فنني بئر ونحوه؛ وهنني متفعلة مننن الردى وهننو الهلك؛ وسننواء تردت بنفسننها أو رداهننا
غيرهننا .وإذا أصنناب السننهم الصننيد فتردى مننن جبننل إلى الرض حرم أيضننا؛ لنننه ربمننا مات
بالصندمة والتردي ل بالسنهم؛ ومننه الحدينث (وإن وجدتنه غريقنا فني الماء فل تأكله فإننك ل تدري
الماء قتله أو سهمك) أخرجه مسلم .وكانت الجاهلية تأكل المتردي ولم تكن تعتقد ميتة إل ما مات
بالوجنع ونحوه دون سنبب يعرف؛ فأمنا هذه السنباب فكاننت عندهنا كالذكاة؛ فحصنر الشرع الذكاة
في صفة مخصوصة على ما يأتي بيانها ،وبقيت هذه كلها ميتة ،وهذا كله من المحكم المتفق عليه.
وكذلك النطيحة وأكيلة السبع التي فات نفسها بالنطح والكل.
@قوله تعالى" :والنطيحة" النطيحة فعيلة بمعنى مفعولة ،وهي الشاة تنطحها أخرى أو غير ذلك
فتموت قبننل أن تذكننى .وتأول قوم النطيحننة بمعنننى الناطحننة؛ لن الشاتيننن قنند تتناطحان فتموتان.
وقينل :نطيحنة ولم يقنل نطينح ،وحنق فعينل ل يذكنر فينه الهاء كمنا يقال :كنف خضينب ولحينة دهينن؛
لكنن ذكر الهاء ههنا لن الهاء إنما تحذف من الفعيلة إذا كانت صفة لموصوف منطوق به؛ يقال:
شاة نطيننح وامرأة قتيننل ،فإن لم تذكننر الموصننوف أثبننت الهاء فتقول :رأيننت قتيلة بننني فلن وهذه
نطيحة الغنم؛ لنك لو لم تذكر الهاء فقلت :رأيت قتيل بني فلن لم يعرف أرجل هو أم امرأة .وقرأ
أبو ميسرة "والمنطوحة".
@قوله تعالى" :وما أكل السبع" يرد كل ما أفترسه ذو ناب وأظفار من الحيوان ،كالسد والنمر
والثعلب والذئب والضبنع ونحوهنا ،هذه كلهنا سنباع .يقال :سنبع فلن فلننا أي عضنه بسننه ،وسنبعه
أي عابه ووقع فيه .وفي الكلم إضمار ،أي وما أكل منه السبع؛ لن ما أكله السبع فقد فني .ومن
العرب من يوقف اسم السبع على السد ،وكانت العرب إذا أخذ السبع شاة ثم خلصت منه أكلوها،
وكذلك إن أكل بعضها؛ قاله قتادة وغيره وقرأ الحسن وأبو حيوة "السبع" بسكون الباء ،وهي لغة
لهل نجد .وقال حسان في عتبة بن أبي لهب:
فما أكيل السبع بالراجع من يرجع العام إلى أهله
ل السبُع".
سبُع" وقرأ عبدال بن عباس" :وأكي ِ وقرأ ابن مسعود" :وأكيلة ال ّ
@قوله تعالى" :إل ما ذكيتم" نصب على الستثناء المتصل ،عند الجمهور من العلماء والفقهاء.
وهنو راجنع على كنل منا أدرك ذكاتنه منن المذكورات وفينه حياة؛ فإن الذكاة عاملة فينه؛ لن حنق
السنتثناء أن يكون مصنروفا إلى منا تقدم منن الكلم ،ول يجعنل منقطعنا إل بدلينل يجنب التسنليم له.
روى ابنن عييننة وشرينك وجرينر عنن الركينن بنن الربينع عنن أبني طلحنة السندي قال :سنألت ابنن
عباس عن ذئب عدا على شاة فشق بطنها حتى انتثر قصبها فأدركت ذكاتها فذكيتها فقال :كل وما
انتثنر منن قصنبها فل تأكنل .قال إسنحاق بنن راهوينه :السننة فني الشاة على منا وصنف ابنن عباس؛
فإنها وإن خرجت مصارينها فإنها حية بعد ،وموضع الذكاة منها سالم؛ وإنما ينظر عند الذبح أحية
هني أم ميتنة ،ول ينظر إلى فعنل هنل يعيش مثلها ؟ فكذلك المريضة؛ قال إسنحاق :ومن خالف هذا
فقد خالف السنة من جمهور الصحابة وعامة العلماء.
قلت :وإليه ذهب ابن حبيب وذكر عن أصحاب مالك؛ وهو قول ابن وهب والشهر من مذهب
الشافعي .قال المزني :وأحفظ للشافعي قول آخر أنها ل تؤكل إذا بلغ منها السبع أو التردي إلى ما
ل حياة معه؛ وهو قول المدنيين ،والمشهور من قول مالك ،وهو الذي ذكره عبدالوهاب في تلقينه،
وروي عن زيد بن ثابت؛ ذكره مالك في موطئه ،وإليه ذهب إسماعيل القاضي وجماعة المالكيين
البغداديينن .والسنتثناء على هذا القول منقطنع؛ أي حرمنت عليكنم هذه الشياء لكنن منا ذكيتنم فهنو
الذي لم يحرم .قال ابنن العربني :اختلف قول مالك فني هذه الشياء؛ فروي عننه أننه ل يؤكنل إل منا
ذكي بذكاة صحيحة؛ والذي في الموطأ أنه إن كان ذبحها ونفسها يجري ،وهي تضطرب فليأكل؛
وهنو الصنحيح منن قوله الذي كتبنه بيده وقرأه على الناس منن كنل بلد طول عمره؛ فهنو أولى منن
الروايات النادرة .وقند أطلق علماؤننا على المريضنة أن المذهنب جواز تذكيتهنا ولو أشرفنت على
الموت إذا كاننت فيهنا بقينة حياة؛ ولينت شعري أي فرق بينن بقينة حياة منن مرض ،وبقينة حياة منن
سبع لو أتسق النظر ،وسلمت من الشبهة الفكر ! .وقال أبو عمرو :قد أجمعوا في المريضة التي ل
ترجنى حياتهنا أن ذبحهنا ذكاة لهنا إذا كاننت فيهنا الحياة فني حينن ذبحهنا ،وعلم ذلك منهنا بمنا ذكروا
مننن حركننة يدهننا أو رجلهننا أو ذنبهننا أو نحننو ذلك؛ وأجمعوا أنهننا إذا صننارت فنني حال النزع ولم
تحرك يدا ول رجل أننه ل ذكاة فيهنا؛ وكذلك ينبغني فني القياس أن يكون حكنم المتردينة ومنا ذكنر
معها في الية .وال أعلم.
@قوله تعالى" :ذكيتنم" الذكاة فني كلم العرب الذبنح؛ قاله قطرب .وقال ابنن سنيده فني "المحكنم]
والعرب تقول (ذكاة الجنين ذكاة أمه)؛ قال ابن عطية :وهذا إنما هو حديث .وذكى الحيوان ذبحه؛
ومنه قول الشاعر:
يذكيها السل
قلت :الحديننث الذي أشار إليننه أخرجننه الدارقطننني مننن حديننث أبنني سننعيد وأبنني هريرة وعلي
وعبدال عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ذكاة الجنين ذكاة أمه) .وبه يقول جماعة أهل العلم،
إل ما روي عن أبي حنيفة أنه قال :إذا خرج الجنين من بطن أمه ميتا لم يحل أكله؛ لن ذكاة نفس
ل تكون ذكاة نفسين .قال ابن المنذر :وفي قول النبي صلى ال عليه وسلم( :ذكاة الجنين ذكاة أمه)
دليل على أن الجنين غير الم ،وهو يقول :لو أعتقت أمة حامل أن عتقه عتق أمه؛ وهذا يلزمه أن
ذكاته ذكاة أمه؛ لنه إذا أجاز أن يكون عتق واحد عتق اثنين جاز أن يكون ذكاة واحد ذكاة اثنين؛
على أن الخنبر عنن الننبي صنلى ال علينه وسننلم ،ومننا جاء عنن أصنحابه ،ومنا علينه جننل الناس
مسنتغنى بنه عنن قول كنل قائل .وأجمنع أهنل العلم على أن الجنينن إذا خرج حينا أن ذكاة أمنه ليسنت
بذكاة له ،واختلفوا إذا ذكيت الم وفي بطنها جنين؛ فقال مالك وجميع أصحابه :ذكاته ذكاة أمه إذا
كان قد تم خلقه ونبت شعره ،وذلك إذا خرج ميتا أو خرج به رمق من الحياة ،غير أنه يستحب أن
يذبنح إن خرج يتحرك ،فإن سنبقهم بنفسنه أكنل .وقال ابنن القاسنم :ضحينت بنعجنة فلمنا ذبحتهنا جعنل
يركنض ولدهنا فني بطنهنا فأمرتهنم أن يتركوهنا حتنى يموت فني بطنهنا ،ثنم أمرتهنم فشقوا جوفهنا
فأخرج مننه فذبحتنه فسنال مننه دم؛ فأمرت أهلي أن يشووه .وقال عبدال بنن كعنب بنن مالك .كان
أصننحاب رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم يقولون :إذا أشعننر الجنيننن فذكاتننه ذكاة أمننه .قال ابننن
المنذر :وممنن قال ذكاتنه ذكاة أمنه ولم يذكنر أشعنر أو لم يشعنر علي بنن أبني طالب رضني ال عننه
وسعيد بن المسيب والشافعي وأحمد وإسحاق .قال القاضي أبو الوليد الباجي :وقد روي عن النبي
صنلى ال علينه وسنلم أننه قال( :ذكاة الجنينن ذكاة أمنه أشعنر أو لم يشعنر" إل أننه حدينث ضعينف؛
فمذهب مالك هو الصحيح من القوال الذي عليه عامة فقهاء المصار .وبال التوفيق.
@قوله تعالى" :ذكيتم" الذكاة في اللغة أصلها التمام ،ومنه تمام السن .والفرس المذكى الذي يأتي
بعننند تمام القروح بسننننة ،وذلك تمام اسنننتكمال القوة .ويقال :ذكنننى يذكننني ،والعرب تقول :جري
المذكيات غلب .والذكاء حدة القلب؛ وقال الشاعر:
تمام السن منه والذكاء يفضله إذا اجتهدوا عليه
والذكاء سنرعة الفطننة ،والفعنل مننه ذكني يذكنى ذكنا ،والذكوة منا تذكنو بنه النار ،وأذكينت الحرب
والنار أو قدتهمننا .وذكاء اسننم الشمننس؛ وذلك أنهننا تذكننو كالنار ،والصننحيح ابننن ذكاء لنننه مننن
ضوئها .فمعنى "ذكيتم" أدركتم ذكاته على التمام .ذكيت الذبيحة أذكيها مشتقة من التطيب؛ يقال:
رائحة ذكية؛ فالحيوان إذا أسيل دمه فقد طيب ،لنه يتسارع إليه التجفيف؛ وفي حديث محمد بن
علي رضني ال عنهمنا "ذكاة الرض يبسنها" يريند طهارتهنا منن النجاسنة؛ فالذكاة فني الذبيحنة لهنا،
وإباحنة لكلهنا فجعنل يبنس الرض بعند النجاسنة تطهيرا لهنا وإباحنة الصنلة فيهننا بمنزلة الذكاة
للذبيحنة؛ وهنو قول أهنل العراق .وإذا تقرر هذا فأعلم أنهنا فني الشرع عبارة عنن إنهار الدم وفري
الوداج في المذبوح ،والنحر في المنحور والعقر في غير المقدور ،مقرونا بنية القصد ل وذكره
عليه؛ على ما يأتي بيانه.
@ واختلف العلماء فيما يقع به الذكاة؛ فالذي عليه الجمهور من العلماء أن كل ما أفرى الوداج
وأنهننر الدم فهننو مننن آلت الذكاة مننا خل السننن والعظننم؛ على هذا تواترت الثار ،وقال بننه فقهاء
المصنار .والسنن والظفنر المنهني عنهمنا فني التذكينة همنا غينر المنزوعينن؛ لن ذلك يصنير خنقنا؛
وكذلك قال ابنن عباس :ذلك الخننق؛ فأمنا المنزوعان فإذا فرينا الوداج فجائز الذكاة بهمنا عندهنم.
وقنند كره قوم السننن والظفننر والعظننم على كننل حال؛ منزوعننة أو غيننر منزوعننة؛ منهننم إبراهيننم
والحسن والليث بن سعد ،وروي عن الشافعي؛ وحجتهم ظاهر حديث رافع بن خديج قال :قلت يا
رسنول ال إننا لقنو العدو غدا وليسنت معننا مدى -فني رواينة -فنذكني باللينط ؟ .وفني موطنأ مالك
عنن نافنع عنن رجنل منن النصنار عنن معاذ بنن سنعد أو سنعد بنن معاذ :أن جارينة لكعنب بنن مالك
كاننت ترعنى غنمنا له بسنلع فأصنيبت شاة منهنا فأدركتهنا فذكتهنا بحجنر ،فسنئل رسنول ال صنلى ال
علينه وسنلم عنن ذلك فقال( :ل بأس بهنا وكلوهنا) .وفني مصننف أبني داود :أنذبنح بالمروة وشقنة
العصا ؟ قال( :أعجل وأرن ما أنهر الدم وذكر اسم ال عليه فكل ليس السن والظفر وسأحدثك أما
السنن فعظنم وأمنا الظفنر فمدى الحبشنة) الحدينث أخرجنه مسنلم .وروي عنن سنعيد بنن المسنيب أننه
قال :منا ذبنح بالليطنة والشطينر والظرر فحنل ذكني .الليطنة فلقنة القصنبة ويمكنن بهنا الذبنح والنحنر.
والشطير فلقة العود ،وقد يمكن بها الذبح لن لها جانبا دقيقا .والظرر فلقة الحجر يمكن الذكاة بها
ول يمكن النحر؛ وعكسه الشظاظ ينحر به ،لنه كطرف السنان ول يمكن به الذبح.
@ قال مالك وجماعنة :ل تصنح الذكاة إل بقطنع الحلقوم والودجينن .وقال الشافعني :يصنح بقطنع
الحلقوم والمريننء ول يحتاج إلى الودجيننن؛ لنهمننا مجرى الطعام والشراب الذي ل يكون معهمننا
حياة ،وهننو الغرض مننن الموت .ومالك وغيره اعتننبروا الموت على وجننه يطيننب معننه اللحننم،
ويفترق فينه الحلل -وهنو اللحنم -منن الحرام الذي يخرج بقطنع الوداج وهنو مذهنب أبني حنيفنة؛
وعليه يدل حديث رافع بن خديج في قوله( :ما أنهر الدم) .وحكى البغداديون عن مالك أنه يشترط
قطنع أربنع :الحلقوم والودجينن والمرينء؛ وهنو قول أبني ثور ،والمشهور منا تقدم وهنو قول اللينث.
ثم اختلف أصحابنا في قطع أحد الودجين والحلقوم هل هو ذكاة أم ل ؟ على قولين.
@ وأجمع العلماء على أن الذبح مهما كان في الحلق تحت الغلصمة فقد تمت الذكاة؛ واختلف فيما
إذا ذبننح فوقهننا وجازهننا إلى البدن هننل ذلك ذكاة أم ل ،على قوليننن :وقنند روي عننن مالك أنهننا ل
تؤكنل؛ وكذلك لو ذبحهنا منن القفنا واسنتوفى القطنع وأنهنر الدم وقطنع الحلقوم والودجينن لم تؤكنل.
وقال الشافعني :تؤكنل؛ لن المقصنود قند حصنل .وهذا ينبنني على أصنل ،وهنو أن الذكاة وإن كان
المقصنود منهنا إنهار الدم ففيهنا ضرب منن التعبند؛ وقند ذبنح صنلى ال علينه وسنلم فني الحلق ونحنر
في اللبة وقال( :إنما الذكاة في الحلق واللبة) فبين محلها وعين موضعها ،وقال مبينا لفائدتها( :ما
أنهر الدم وذكر اسم ال عليه فكل) .فإذا أهمل ذلك ولم تقع بنية ول بشرط ول بصفة مخصوصة
زال منها حظ التعبد ،فلم تؤكل لذلك .وال أعلم.
@ واختلفوا فيمن رفع يده قبل تمام الذكاة ثم رجع في الفور وأكمل الذكاة؛ فقيل :يجزئه .وقيل :ل
يجزئه؛ والول أصح لنه جرحها ثم ذكاها بعد وحياتها مستجمعة فيها.
ويستحب إل يذبنح إل من ترضنى حاله ،وكنل من أطاقه وجاء به على سنته منن ذكر أو أنثنى بالغ
أو غينر بالغ جاز ذبحنه إذا كان مسنلما أو كتابينا ،وذبنح المسنلم أفضنل منن ذبنح الكتابني ،ول يذبنح
نسنكا إل مسلم؛ فإن ذبنح النسك كتابني فقند اختلف فينه؛ ول يجوز فني تحصنيل المذهب ،وقند أجازه
أشهب.
@ ومنا اسنتوحش منن النسني لم يجنز فني ذكاتنه إل منا يجوز فني ذكاة النسني ،فني قول مالك
وأصحابه وربيعة والليث بن سعد؛ وكذلك المتردي في البئر ل تكون الذكاة فيه إل فيما بين الحلق
واللبنة على سننة الذكاة .وقند خالف فني هاتينن المسنألتين بعنض أهنل المديننة وغيرهنم؛ وفني الباب
حديث رافع بن خديج وقد تقدم ،وتمامه بعد قوله( :فمدى الحبشة) قال :وأصبنا نهب إبل وغنم فند
منهنا بعينر فرماه رجنل بسنهم فحبسنه؛ فقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم( :إن لهذه البنل أوابند
كأوابند الوحنش فإذا غلبكنم منهنا شينء فافعلوا بنه هكذا -وفني رواينة -فكلوه) .وبنه قال أبنو حنيفنة
والشافعني؛ قال الشافعني :تسنليط الننبي صنلى ال علينه وسنلم على هذا الفعنل دلينل على أننه ذكاة؛
واحتنج بمنا رواه أبنو داود والترمذي عنن أبني الشعراء عنن أبينه قال :قلت ينا رسنول ال أمنا تكون
الذكاة إل فني الحلق واللبنة ؟ قال( :لو طعننت فني فخذهنا لجزأ عننك) .قال يزيند بنن هارون :وهنو
حديث صحيح أعجب أحمد بن حنبل ورواه عن أبي داود ،وأشار على من دخل عليه من الحفاظ
أن يكتبنه .قال أبنو داود :ل يصنلح هذا إل فني المتردينة والمسنتوحش .وقند حمنل ابنن حنبيب هذا
الحديث على ما سقط في مهواة فل يوصل إلى ذكاته إل بالطعن في غير موضع الذكاة؛ وهو قول
أنفرد بنه عنن مالك وأصنحابه .قال أبنو عمنر :قول الشافعني أظهنر فني أهنل العلم ،وأننه يؤكنل بمنا
يؤكنل بنه الوحشني؛ لحدينث رافنع بنن خدينج؛ وهنو قول ابنن عباس وابنن مسنعود؛ ومنن جهنة القياس
لمنا كان الوحشني إذا قدر علينه لم يحنل إل بمنا يحنل بنه النسني؛ لننه صنار مقدورا علينه؛ فكذلك
ينبغي في القياس إذا توحش أو صار في معنى الوحشي من المتناع أن يحل بما يحل به الوحشي.
قلت :أجاب علماؤنا عن حديث رافع بن خديج بأن قالوا :تسليط النبي صلى ال عليه وسلم إنما
هنو على حبسنه ل على ذكاتنه ،وهنو مقتضنى الحدينث وظاهره؛ لقوله( :فحبسنه) ولم يقنل إن السنهم
قتله؛ وأيضننا فإنننه مقدور عليننه فنني غالب الحوال فل يراعننى النادر منننه ،وإنمننا يكون ذلك فنني
الصيد .وقد صرح الحديث بأن السهم حبسه وبعد أن صار محبوسا صار مقدورا عليه؛ فل يؤكل
إل بالذبنح والنحنر .وال أعلم .وأمنا حدينث أبني العشراء فقند قال فينه الترمذي" :حدينث غرينب ل
نعرفه إل من حديث حماد بن سلمة ،ول نعرف لبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث .واختلفوا
فني اسنم أبني الشعراء؛ فقال بعضهنم :اسنمه أسنامة بنن قهطنم ،ويقال :اسنمه يسنار بنن برز -ويقال:
بلز -ويقال :اسمه عطارد نسب إلى جده" .فهذا سند مجهول ل حجة فيه؛ ولو سلمت صحته كما
قال يزينند بننن هارون لمننا كان فيننه حجننة؛ إذ مقتضاه جواز الذكاة فنني أي عضننو كان مطلقننا فنني
المقدور وغيره ،ول قائل به في المقدور؛ فظاهره ليس بمراد قطعا .وتأويل أبي داود وابن حجيب
له غير متفق عليه؛ فل يكون فيه حجة ،وال أعلم .قال أبو عمر :وحجة مالك أنهم قد أجمعوا أنه
لو لم يند النسي أنه ل يذكى إل بما يذكى به المقدور عليه ،ثم اختلفوا فهو على أصله حتى يتفقوا.
وهذا ل حجة فيه؛ لن إجماعهم إنما انعقد على مقدور عليه ،وهذا غير مقدور عليه.
@ ومن تمام هذا الباب قوله عليه السلم( :إن ال كتب الحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا
القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا وليحد وأحدكم شفرته وليرح ذبيحته) رواه مسلم عن شداد بن أوس قال:
اثنتان حفظتهمننا عننن رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم قال( :إن ال كتننب) فذكره .قال علماؤنننا:
إحسنان الذبنح فني البهائم الرفنق بهنا؛ فل يصنرعها بعننف ول يجرهنا منن موضنع إلى آخنر ،وإحداد
اللة ،وإحضار نيننة الباحننة والقربننة وتوجيههننا إلى القبلة ،والجهاز ،وقطننع الودجيننن والحلقوم،
وإراحتها وتركها إلى أن تبرد ،والعتراف ل بالمنة ،والشكر له بالنعمة؛ بأنه سخر لنا ما لو شاء
لسنلطه عليننا ،وأباح لننا منا لو شاء لحرمنه عليننا .وقال ربيعنة :منن إحسنان الذبنح إل يذبنح بهيمنة
وأخرى تنظنر إليهنا؛ وحكني جوازه عن مالك؛ والول أحسنن .وأمنا حسنن القتلة فعام فني كنل شينء
منن التذكينة والقصناص والحدود وغيرهنا .وقند روى أبنو داود عنن ابنن عباس وأبني هريرة قال:
نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن شريطة الشيطان ،زاد ابن عيسى في حديثه (وهي التي
تذبح فتقطع ول تفرى الوداج ثم تترك فتموت).
@قوله تعالى" :ومنا ذبنح على النصنب" قال ابنن فارس" :النصنب" حجنر كان ينصنب فيعبند
وتصننب عليننه دماء الذبائح ،وهننو النصننب أيضننا .والنصننائب حجارة تنصننب حوالي شفيننر البئر
فتجعنل عضائد ،وغبار منتصنب مرتفنع .وقينل" :النصنب" جمنع ،واحده نصناب كحمار وحمنر.
وقيل :هو اسم مفرد والجمع أنصاب؛ وكانت ثلثمائة وستين حجرا .وقرأ طلحة "النصب" بجزم
الصناد .وروي عنن ابنن عمنر "النصنب" بفتنح النون وجزم الصناد .الجحدري :بفتنح النون والصناد
جعله اسما موحدا كالجبل والجمل ،والجمع أنصاب؛ كالجمال والجبال .قال مجاهد :هي حجارة
كاننت حوالي مكنة يذبحون عليهنا .قال ابنن جرينج :كاننت العرب تذبنح بمكنة وتنضنح بالدم منا أقبنل
من البيت ،ويشرحون اللحم ويضعونه على الحجارة؛ فلما جاء السلم قال المسلمون للنبي صلى
ال علينه وسنلم :نحنن أحنق أن نعظنم هذا البينت بهذه الفعال ،فكأننه علينه الصنلة والسنلم لم يكره
ذلك؛ فأنزل ال تعالى" :لن ينال ال لحومهنا ول دماؤهنا" [الحنج ]37 :ونزلت "ومنا ذبنح على
النصب" المعنى :والنية فيها تعظيم النصب ل أن الذبح عليها غير جائز ،وقال العشى:
لعافية وال ربك فاعبدا وذا النصب المنصوب ل تنسكنه
وقيل" :على" بمعنى اللم؛ أي لجلها؛ قال قطرب قال ابن زيد :ما ذبح على النصب وما أهل به
لغير ال شيء واحد .قال ابن عطية :ما ذبح على النصب جزء مما أهل به لغير ال ،ولكن خص
بالذكر بعد جنسه لشهرة المر وتشرف الموضع وتعظيم النفوس له.
@قوله تعالى" :وأن تستقسموا بالزلم" معطوف على ما قبله ،و"أن" في محل رفع ،أي وحم
عليكم الستقسام .والزلم قداح الميسر ،واحدها زلم وزلم؛ قال:
بات يقاسيها غلم كالزلم
وقال آخر ،فجمع:
فنساؤها يضربن بالزلم فلئن جذيمة قتلت سرواتها
وذكنر محمند بنن جرينر :أن ابنن وكينع حدثهنم عنن أبينه عنن شرينك عنن أبني حصنين عنن سنعيد بنن
جنبير أن الزلم حصنى بينض كانوا يضربون بهنا .قال محمند بنن جرينر :قال لننا سنفيان بنن وكينع:
هي الشطرنج .فأما قول لبيد:
تزل عن الثرى أزلمها
فقالوا :أراد أظلف البقرة الوحشينة .والزلم العرب ثلثنة أنواع :منهنا الثلثنة التني كان يتخذهنا
كنل إنسنان لنفسنه ،على أحدهنا أفعنل ،وعلى الثانني ل تفعنل ،والثالث مهمنل ل شينء علينه ،فيجعلهنا
فني خريطنة معنه ،فإذا أراد فعنل شينء أدخنل يده -وهني متشابهنة -فإذا خرج أحدهنا ائتمنر وانتهنى
بحسب ما يخرج له ،وإن خرج القدح الذي ل شيء عليه أعاد الضرب؛ وهذه هي التي ضرب بها
سراقة بن مالك بن جعشم حين أتبع النبي صلى ال عليه وسلم وأبا بكر وقت الهجرة؛ وإنما قيل
لهذا الفعننل :اسننتقسام لنهننم كانوا يسننتقسمون بننه الرزق ومننا يريدون؛ كمننا يقال :السننتسقاء فنني
السننتدعاء للسننقي .ونظيننر هذا الذي حرمننه ال تعالى قول المنجننم :ل تخرج مننن أجننل نجننم كذا،
وأخرج من أجل نجم كذا .وقال جل وعز" :وما تدري نفس ماذا تكسب غدا" الية [لقمان.]34 :
وسيأتي بيان هذا مستوفى إن شاء ال.
والنوع الثانني :سنبعة قداح كاننت عنند هبنل فني جوف الكعبنة مكتوب عليهنا منا يدور بينن الناس
منن النوازل ،كنل قدح منهنا فينه كتاب؛ قدح فينه العقنل منن أم الديات ،وفني آخنر "منكنم" وفني آخنر
"من غيركم" ،وفي آخر "ملصق" ،وفي سائرها أحكام المياه وغير ذلك ،وهي التي ضرب بها
عبدالمطلب على بنينه إذ كان نذر نحنر أحدهنم إذا كملوا عشرة؛ الخنبر المشهور ذكره ابنن إسنحاق.
وهذه السبعة أيضا كانت عند كل كاهن من كهان العرب وحكامهم؛ على نحو ما كانت في الكعبة
عند هبل.
والنوع الثالث :هنو قداح المسنير وهني عشرة؛ سنبعة منهنا فيهنا حظوظ ،وثلثنة أغفال ،وكانوا
يضربون بهنا مقام لهوا ولعبننا ،وكان عقلؤهننم يقصنندون بهننا إطعام المسنناكين والمعدم فنني زمننن
الشتاء وكلب البرد وتعذر التحرف .وقال مجاهند :الزلم هني كعاب فارس والروم التني يتقامرون
بهنا .وقال سنفيان ووكينع :هني الشطرننج؛ فالسنتقسام بهذا كله هنو طلب القسنم والنصنيب كمنا بيننا؛
وهو من أكنل المال بالباطنل ،وهو حرام ،وكل مقامرة بحمام أو بنرد أو شطرننج أو بغينر ذلك من
هذه اللعاب فهو استقسام بما هو في معنى الزلم حرام كله؛ وهو صرب من التكهن والتعرض
لدعوى علم الغينب .قال ابنن خوينز منداد :ولهذا نهنى أصنحابنا عنن المور التني يفعلهنا المنجمون
على الطرقات منن السنهام التني معهنم ،ورقاع الفأل فني أشباه ذلك .وقال الكينا الطنبري :وإنمنا نهنى
ال عنها فيما يتعلق بأمور الغيب؛ فإنه ل تدري نفس ماذا يصيبها غدا ،فليس للزلم في تعريف
المغيبات أثنر؛ فاسنتنبط بعنض الجاهلينن منن هذا الرد على الشافعني فني القراع بينن الممالينك فني
العتننق ،ولم يعلم هذا الجاهننل أن الذي قاله الشافعنني بننني على الخبار الصننحيحة ،وليننس ممننا
يعترض علينه بالنهني عنن السنتقسام بالزلم؛ فإن العتنق حكنم شرعني ،يجوز أن يجعنل الشرع
خروج القرعنة علمنا على إثبات حكنم العتنق قطعنا للخصنومة ،أو لمصنلحة يراهنا ،ول يسناوي ذلك
قول القائل :إذا فعلت كذا أو قلت كذا فذلك يدلك فني المسنتقبل على أمنر منن المور ،فل يجوز أن
يجعنل خروج القداح علمنا على شينء يتجدد فني المسنتقبل ،ويجوز أن يجعنل خروج القرعنة علمنا
على العتق قطعا؛ فظهر افتراق البابين.
@ وليس من هذا الباب طلب الفأل ،وكان عليه الصلة والسلم يعجبه أن يسمع يا راشد يا نجيح؛
أخرجننه الترمذي وقال :حديننث صننحيح غريننب؛ وإنمننا كان يعجبننه الفأل لنننه تنشرح له النفننس
وتستبشر بقضاء الحاجة وبلوغ المل؛ فيحسن الظن بال عز وجل ،وقد قال( :أنا عند ظن عبدي
بني) .وكان علينه السنلم يكره الطيرة؛ لنهنا منن أعمال أهنل الشرك؛ ولنهنا تجلب ظنن السنوء بال
عنز وجنل .قال الخطابني :الفرق بينن الفأل والطيرة أن الفأل إنمنا هنو منن طرينق حسنن الظنن بال،
والطيرة إنما هي من طريق التكال على شيء سواه .وقال الصمعي :سألت ابن عون عن الفأل
فقال :هنو أن يكون مريضنا فيسنمع ينا سنالم ،أو يكون باغينا فيسنمع ينا واجند؛ وهذا معننى حدينث
الترمذي ،وفني صنحيح مسنلم عنن أبني هريرة قال :سنمعت الننبي صنلى ال علينه وسنلم يقول( :ل
طيرة وخيرهننا الفأل) ،قيننل :يننا رسننول ال ومننا الفأل ؟ قال( :الكلمننة الصننالحة يسننمعها أحدكننم).
وسيأتي لمعنى الطيرة مزيد بيان إن شاء ال تعالى .روي عن أبي الدرداء رضي ال عنه أنه قال:
إنمنا العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ،ومنن يتحنر الخينر يعطنه ،ومنن يتوق الشنر يوقنه ،وثلثنة ل ينالون
الدرجات العل؛ من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر من طيرة.
@قوله تعالى" :ذلكنم فسنق" إشارة إلى السنتقسام بالزلم .والفسنق الخروج ،وقند تقدم .وقينل
يرجع إلى جميع ما ذكر من الستحلل لجميع هذه المحرمات ،وكل شيء منها فسق وخروج من
الحلل إلى الحرام ،والنكفاف عننننن هذه المحرمات مننننن الوفاء بالعقود ،إذ قال" :أوفوا بالعقود"
[المائدة.]1 :
@قوله تعالى" :اليوم يئس الذينن كفروا منن دينكنم" يعنني أن ترجعوا إلى دينهنم كفارا .قال
الضحاك :نزلت هذه الية حين فتح مكة؛ وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم فتح مكة لثمان
بقينن منن رمضان سننة تسنع ،ويقال :سننة ثمان ،ودخلهنا ونادى منادي رسنول ال صنلى ال علينه
وسلم "إل من قال ل إله إل ال فهو آمن ،ومن وضع السلح فهو آمن ،ومن أغلق بابه فهو آمن".
وفنني "يئس" لغتان ،يئس ييأس يأسننا ،وأيننس يأيننس إياسننا وإياسننة؛ قاله النضننر بننن شميننل" .فل
تخشوهم واخشوني" أي ل تخافوهم وخافوني فإني أنا القادر على نصركم.
@قوله تعالى" :اليوم أكملت لكنم دينكنم" وذلك أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم حينن كان بمكنة لم
تكنن إل فريضنة الصنلة وحدهنا ،فلمنا قدم المديننة أنزل ال الحلل والحرام إلى أن حنج؛ فلمنا حنج
وكمنل الدينن نزلت هذه الينة" :اليوم أكملت لكنم دينكنم" الينة؛ على منا ننبينه .روى الئمنة عنن
طارق بننن شهاب قال :جاء رجننل مننن اليهود إلى عمننر فقال :يننا أميننر المؤمنيننن آيننة فنني كتابكننم
تقرؤونها لو علينا أنزلت معشر اليهود لتخذنا ذلك اليوم عيدا؛ قال :وأي آية ؟ قال" :اليوم أكملت
لكنم دينكنم وأتممنت عليكنم نعمتني ورضينت لكنم السنلم ديننا" فقال عمنر :إنني لعلم اليوم الذي
أنزلت فينه والمكان الذي أنزلت فينه؛ نزلت على رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بعرفنة فني يوم
جمعنة .لفنظ مسنلم .وعنند النسنائي ليلة جمعنة .وروي أنهنا لمنا نزلت فني يوم الحنج الكنبر وقرأهنا
رسول ال صلى ال عليه وسلم بكى عمر؛ فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما يبكيك) ؟
فقال :أبكانني أننا كننا فني زيادة منن دينننا فأمنا إذ كمنل فإننه لم يكمنل شينء إل نقنص .فقال له الننبي
صلى ال عليه وسلم( :صدقت) .وروى مجاهد أن هذه الية نزلت يوم فتح مكة.
قلت :القول الول أصح ،أنها نزلت في يوم جمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع
سننة عشنر ورسنول ال صنلى ال علينه وسنلم واقنف بعرفنة على ناقتنه العضباء ،فكاد عضند الناقنة
ينقد من ثقلها فبركت .و"اليوم" قد يعبر بجزء منه عن جميعه ،وكذلك عن الشهر ببعضه؛ تقول:
فعلنننا فنني شهننر كذا وكذا وفنني سنننة كذا كذا ،ومعلوم أنننك لم تسننتوعب الشهننر ول السنننة؛ وذلك
مسنتعمل فني لسنان العرب والعجنم .والدينن عبارة عنن الشرائع التني شرع وفتنح لننا؛ فإنهنا نزلت
نجومننا وآخننر مننا نزل منهننا هذه اليننة ،ولم ينزل بعدهننا حكننم ،قاله ابننن عباس والسنندي .وقال
الجمهور :المراد معظم الفرائض والتحليل والتحريم ،قالوا :وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير ،ونزلت
آينة الربنا ،ونزلت آينة الكللة إلى غينر ذلك ،وإنمنا كمنل معظنم الدينن وأم الحنج ،إذا لم يطنف معهنم
فني هذه السننة مشرك ،ول طاف بالبينت عريان ،ووقنف الناس كلهنم بعرفنة .وقينل" :أكملت لكنم
دينكم" بأن أهلكت لكم عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول :قد تم لنا ما نريد إذا كفيت
عدوك.
@قوله تعالى" :وأتممنت عليكنم نعمتني" أي بإكمال الشرائع والحكام وإظهار دينن السنلم كمنا
وعدتكم ،إذ قلت" :ولتم نعمتني عليكنم" [البقرة ]150 :وهي دخول مكة .آمنين مطمئنينن وغينر
ذلك مما انتظمته هذه الملة الحنيفية إلى دخول الجنة في رحمة ال تعالى.
@ لعل قائل يقول :قوله تعالى" :اليوم أكملت لكم دينكم" يدل على أن الدين كان غير كامل في
وقت من الوقات ،وذلك يوجب أن يكون جميع من مات من المهاجرين والنصار والذين شهدوا
بدرا والحديبية وبايعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم البيعتين جميعا ،وبذلوا أنفسهم ل مع عظيم
ما حل بهم من أنواع المحن ماتوا على دين ناقص ،وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم في ذلك
كان يدعنو الناس إلى دينن ناقنص ،ومعلوم أن النقنص عينب ،ودينن ال تعالى قينم ،كمنا قال تعالى:
"دينا قيما" [النعام ]161 :فالجواب أن يقال له :لم قلت إن كل نقص فهو عيب وما دليلك عليه ؟
ثم يقال له :أرأيت نقصان الشهر هل كون عيبا ،ونقصان صلة المسافر أهو عيب لها ،ونقصان
العمر الذي أراده ال بقوله" :وما يعمر من معمر ول ينقص من عمره" [فاطر ]11 :أهو عيب
له ،ونقصنان أيام الحينض عنن المعهود ،ونقصنان أيام الحمنل ،ونقصنان المال بسنرقة أو حرينق أو
غرق إذا لم يفتقر صاحبه ،فما أنكرت أن نقصان أجزاء الدين في الشرع قبل أن تلحق به الجزاء
الباقينة فني علم ال تعالى هذه ليسنت بشينن ول عينب ،ومنا أنكرت أن معننى قول ال تعالى" :اليوم
أكملت لكم دينكم" يخرج على وجهين:
أحدهمنا :أن يكون المراد بلغتنه أقصنى الحند الذي كان له عندي فيمنا قضيتنه وقدرتنه ،وذلك ل
يوجنب أن يكون منا قبنل ذلك ناقصنا نقصنان عينب ،لكننه يوصنف بنقصنان مقيند فيقال له :إننه كان
ناقصا عما كان عند ال تعالى أنه ملحقه به وضامه إليه؛ كالرجل يبلغه ال مائة سنة فيقال :أكمل
ال عمره؛ ول يجب عن ذلك أن يكون عمره حين كان ابن ستين كان ناقصا نقص قصور وخلل؛
فإن الننبي صنلى ال علينه وسنلم كان يقول( :منن عمره ال سنتين سننة فقند أعذر إلينه فني العمنر).
ولكننه يجوز أن يوصنف بنقصنان مقيند فيقال :كان ناقصنا عمنا كان عنند ال تعالى أننه مبلغنه إياه
ومعمره إلينه .وقند بلغ ال بالظهنر والعصنر والعشاء أربنع ركعات؛ فلو قينل عنند ذلك أكملهنا لكان
الكلم صحيحا ،ول يجب عن ذلك أنها كانت حين كانت ركعتين ناقصة نقص قصور وخلل؛ ولو
قينل :كاننت ناقصنة عمنا عنند ال أننه ضامنه إليهنا وزائدة عليهنا لكان ذلك صنحيحا فهكذا ،هذا فني
شرائع السننلم ومننا كان شرع منهننا شيئا فشيئا إلى أن أنهننى ال الديننن منتهاه الذي كان له عنده.
وال أعلم.
والوجه الخر :أنه أراد بقوله" :اليوم أكملت لكم دينكم" أنه وفقهم للحج الذي لم يكن بقي عليهم
من أركان الدين غيره ،فحجوا؛ فاستجمع لهم الدين أداء لركانه وقياما بفرائضه؛ فإنه يقول عليه
السنلم( :بنني السنلم على خمنس) الحدينث .وقند كانوا تشهدوا وصنلوا وزكوا وصناموا وجاهدوا
واعتمروا ولم يكونوا حجوا؛ فلمنا حجوا ذلك اليوم منع الننبي صنلى ال علينه وسنلم أنزل ال تعالى
وهم بالموقف عشية عرفة "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي" فإنما أراد أكمل وضعه
لهم؛ وفي ذلك دللة على أن الطاعات كلها دين وإيمان وإسلم.
@قوله تعالى" :ورضيت لكم السلم دينا" أي أعلمتكم برضاي به لكم دينا؛ فإنه تعالى لم يزل
راضيننا بالسننلم لننا ديننا؛ فل يكون لختصنناص الرضننا بذلك اليوم فائدة إن حملناه على ظاهره.
و"ديننا" نصنب على التميينز ،وإن شئت على مفعول ثان .وقينل :المعننى ورضينت عنكنم إذا أنقدتنم
لي بالدينن الذي شرعتنه لكنم .ويحتمنل أن يريند "رضينت لكنم السنلم ديننا" أي ورضينت إسنلمكم
الذي أنتنم علينه اليوم ديننا باقينا بكماله إلى آخنر الينة ل أنسنخ مننه شيئا .وال أعلم .و"السنلم" فني
هذه الية هو الذي في قوله تعالى" :إن الدين عند ال السلم" [آل عمران ]19 :وهو الذي يفسر
في سؤال جبريل للنبي عليهما الصلة والسلم ،وهو اليمان والعمال والشعب.
@قوله تعالى" :فمنن اضطنر فني مخمصنة" يعنني منن دعتنه ضرورة إلى أكنل الميتنة وسنائر
المحرمات فني هذه الينة .والمخمصنة الجوع وخلء البطنن منن الطعام .والخمنص ضمور البطنن.
ورجنل خمينص وخمصنان وامرأة خميصنة وخمصنانة؛ ومننه أخمنص القدم ،ويسنتعمل كثيرا فني
الجوع والغرث؛ قال العشى:
وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا تبيتون في المشتى ملء بطونكم
أي منطويات على الجوع قد أضمر بطونهن .وقال النابغة في خمص البطن من جهة ضمره:
والنحر تنفجه بثدي مقعد والبطن ذو عكن خميص لين
وفني الحدينث( :خماص البطون خفاف الظهور) .الخماص جمنع الخمينص البطنن ،وهنو الضامنر.
أخننبر أنهننم أعفاء عننن أموال الناس؛ ومنننه الحديننث( :إن الطيننر تغدو خماصننا وتروح بطانننا).
والخميصة أيضا ثوب؛ قال الصمعي :الخمائص ثياب خز أو صوف معلمة ،وهي سوداء ،كانت
من لباس الناس .وقد تقدم معنى الضطرار وحكمه في البقرة.
@قوله تعالى" :غينر متجاننف لثنم" أي غينر مائل لحرام ،وهنو بمعننى "غينر باغ ول عاد"
[البقرة ]173 :وقند تقدم .والجننف المينل ،والثنم الحرام؛ ومننه قول عمنر رضني ال عننه :منا
تجانفنا فيه لثم؛ أي ما ملنا ول تعمدنا ونحن نعلمه :وكل مائل فهو متجانف وجنف .وقرأ النخعي
ويحينى بنن وثاب والسنلمي "متجننف" دون ألف ،وهنو أبلغ فني المعنني ،لن شند العينن يقتضني
مبالغنة وتوغل فني المعننى وثبوتنا لحكمنه؛ وتفاعنل إنمنا هنو محاكاة الشينء والتقرب مننه؛ أل ترك
أننك إذا قلت :تماينل الغصنن فإن ذلك يقتضني تأودا ومقاربنة مينل ،وإذا قلت :تمينل فقند ثبنت حكنم
الميل ،وكذلك تصاون الرجل وتصون ،وتعاقل وتعقل؛ فالمعنى غير متعمد لمعصية في مقصده؛
قاله قتادة والشافعي" .فإن ال غفور رحيم" أي فإن ال له غفور رحيم فحذف ،وأنشد سيبويه:
علي ذنبا كله لم أصنع قد أصبحت أم الخيار تدعي
أراد لم أصنعه فحذف .وال أعلم.
**3الينة{ 4 :يسنألونك ماذا أحنل لهنم قنل أحنل لكنم الطيبات ومنا علمتنم منن الجوارح مكلبينن
تعلمونهنن ممنا علمكنم ال فكلوا ممنا أمسنكن عليكنم واذكروا اسنم ال علينه واتقوا ال إن ال سنريع
الحساب}
@قوله تعالى" :يسألونك" الية نزلت بسبب عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل وهو زيد الخيل الذي
سماه رسول ال صلى ال عليه وسلم زيد الخير؛ قال :يا رسول ال إنا قوم نصيد بالكلب والبزاة،
وإن الكلب تأخنذ البقر والحمنر والظباء فمنه منا ندرك ذكاتنه ،ومنه منا تقتله فل ندرك ذكاتنه ،وقد
حرم ال الميتة فماذا يحل لنا ؟ فنزلت الية.
@قوله تعالى" :ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات" "ما" في موضع رفع بالبتداء ،والخبر "أحل
لهننم" و"ذا" زائدة ،وإن شئت كانننت بمعنننى الذي ،ويكون الخننبر "قننل أحننل لكننم الطيبات" وهننو
الحلل ،وكنل حرام فلينس بطينب .وقينل :منا التذه آكله وشاربنه ولم يكنن علينه فينه ضرر فني الدنينا
ول في الخرة .وقيل :الطيبات الذبائح ،لنها طابت بالتذكية.
@قوله تعالى" :ومنا علمتنم" أي وصنيد منا علمتنم؛ ففني الكلم إضمار ل بند مننه ،ولوله لكان
المعننى يقتضني أن يكون الحنل المسنؤول عننه متناول للمعلم منن الجوارح المكلبينن ،وذلك لينس
مذهبنا لحند؛ فإن الذي يبينح لحنم الكلب فل يخصنص الباحنة بالمعلم؛ وسنيأتي منا للعلماء فني أكنل
الكلب فني "النعام" إن شاء ال تعالى .وقند ذكنر بعنض منن صننف فني أحكام القرآن أن الينة تدل
على أن الباحنة تتناول منا علمناه منن الجوارح ،وهنو ينتظنم الكلب وسنائر جوارح الطينر ،وذلك
يوجب إباحة سائر وجوه النتفاع ،فدل على جواز بيع الكلب والجوارح والنتفاع بها بسائر وجوه
المنافع إل ما خصه الدليل ،وهو الكل من الجوارح أي الكواسب من الكلب وسباع الطير؛ وكان
لعدي كلب خمسنننة قننند سنننماها بأسنننماء أعلم ،وكان أسنننماء أكلبنننه سنننلهب وغلب والمختلس
والمتناعس ،قال السهيلي :وخامس أشك ،قال فيه أخطب ،أو قال فيه وثاب.
@ أجمعت المة على أن الكلب إذا لم يكن أسود وعلمه مسلم فينشلي إذا أشلي ويجيب إذ دعي،
وينزجر بعد ظفره بالصيد إذا زجر ،وأن يكون ل يأكل من صيده الذي صاده ،وأثر فيه بجرح أو
تنيينب ،وصناد بنه مسنلم وذكنر اسنم ال عنند إرسناله أن صنيده صنحيح يؤكنل بل خلف؛ فإن انخرم
شرط مننن هذه الشروط دخننل الخلف .فإن كان الذي يصنناد بننه غيننر كلب كالفهنند ومننا أشبهننه
وكالبازي والصقر ونحوهما من الطير فجمهور المة على أن كل ما صاد بعد التعليم فهو جارح
كاسننب .يقال :جرح فلن واجترح إذا اكتسننب؛ ومنننه الجارحننة لنهننا يكتسننب بهننا ،ومنننه اجتراح
السيئات .وقال العشى:
يذكر الجارح ما كان اجترح ذا جبار منضجا ميسمه
وفي التنزيل "ويعلم ما جرحتم بالنهار" [النعام ]60 :وقال" :أم حسب الذين اجترحوا السيئات"
[الجاثية.]21 :
@قوله تعالى" :مكلبين" معنى "مكلبين" أصحاب الكلب وهو كالمؤدب صاحب التأديب .وقيل:
معناه مضرينن على الصنيد كمنا تضرى الكلب؛ قال الرمانني :وكل القولينن محتمنل .ولينس فني
"مكلبين" دليل على أنه إنما أبيح صيد الكلب خاصة؛ لنه بمنزلة قوله" :مؤمنين" وإن كان قد
تمسنك بنه منن قصنر الباحنة على الكلب خاصنة .روي عنن ابنن عمنر فيمنا حكنى ابنن المنذر عننه
قال :وأما ما يصاد به من البزاة وغيرها من الطير فما أدركت ذكاته فذكه فهو لك حلل ،وإل فل
تطعمه .قال ابن المنذر :وسئل أبو جعفر عن البازي يحل صيده قال :ل؛ إل أن تدرك ذكاته .وقال
الضحاك والسندي" :ومنا علمتنم منن الجوارح مكلبينن" هني الكلب خاصنة؛ فإن كان الكلب أسنود
بهيما فكره صيده الحسن وقتادة والنخعي .وقال أحمد :ما أعرف أحدا يرخص فيه إذا كان بهيما؛
وبنه قال إسنحاق بنن راهوينه؛ فأمنا عوام أهنل العلم بالمديننة والكوفنة فيرون جواز صنيد كنل كلب
معلم ،أمننا مننن منننع صننيد الكلب السننود فلقوله صننلى ال عليننه وسننلم( :الكلب السننود شيطان)،
أخرجنه مسنلم .احتنج الجمهور بعموم الينة ،واحتجوا أيضنا فني جواز صنيد البازي بمنا ذكنر منن
سبب النزول ،وبما خرجه الترمذي عن عدي بن حاتم قال :سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم
عنن صنيد البازي فقال( :منا أمسنك علينك فكنل) .فني إسنناده مجالد ول يعرف إل منن جهتنه وهنو
ضعيف .وبالمعنى وهو أن كل ما يتأتى من الكلب يتأتى من الفهد مثل فل فارق إل فيما ل مدخل
له فني التأثينر؛ وهذا هنو القياس فني معننى الصنل ،كقياس السنيف على المدينة والمنة على العبند،
وقد تقدم.
@ وإذا تقرر هذا فأعلم أنه ل بد للصائد أن يقصد عند الرسال التذكية والباحة ،وهذا ل يختلف
فيه؛ لقوله عليه السلم( :إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم ال عليه فكل) وهذا يقتضي النية والتسمية؛
فلو قصد مع ذلك اللهو فكرهه مالك وأجازه ابن عبدالحكنم ،وهو ظاهر قول الليث :ما رأيت حقا
أشبنه بباطنل مننه ،يعنني الصنيد؛ فأمنا لو فعله بغينر نينة التذكينة فهنو حرام؛ لننه منن باب الفسناد
وإتلف حيوان لغير منفعة ،وقد نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن قتل الحيوان إل لمأكلة.
وقند ذهنب الجمهور منن العلماء إلى أن التسنمية ل بند منهنا بالقول عنند الرسنال؛ لقوله( :وذكرت
اسنم ال) فلو لم توجند على أي وجنه كان لم يؤكنل الصنيد؛ وهنو مذهنب أهنل الظاهنر وجماعنة أهنل
الحديث .وذهبت جماعة من أصحابنا وغيرهم إلى أنه يجوز أكل ما صاده المسلم وذبحه وإن ترك
التسنمية عمدا؛ وحملوا المنر بالتسنمية على الندب .وذهنب مالك فني المشهور إلى الفرق بينن ترك
التسمية عمدا أو سهوا فقال :ل تؤكل مع العمد وتؤكل مع السهو؛ وهو قول فقهاء المصار ،وأحد
قولي الشافعنني ،وسننتأتي هذه المسننألة فنني "النعام" إن شاء ال تعالى .ثننم ل بنند أن يكون انبعاث
الكلب بإرسال من يد الصائد بحيث يكون زمامه بيده .فيخلي عنه ويغريه عليه فينبعث ،أو يكون
الجارح ساكنا مع رؤيته الصيد فل يتحرك له إل بالغراء من الصائد ،فهذا بمنزلة ما زمامه بيده
فأطلقنه مغرينا له على أحند القولينن؛ فأمنا لو انبعنث الجارح منن تلقاء نفسنه منن غينر إرسنال ول
إغراء فل يجوز صنيده ول يحنل أكله عنند الجمهور ومالك والشافعني وأبني ثور وأصنحاب الرأي؛
لنه إنما صاد لنفسه من غير إرسال وأمسك عليها ،ول صنع للصائد فيه ،فل ينسب إرسال إليه؛
لنننه ل يصنندق عليننه قوله عليننه السننلم( :إذا أرسننلت كلبننك المعلم) .وقال عطاء بننن أبنني رباح
والوزاعي :يؤكل صيده إذا كان أخرجه للصيد.
@ قرأ الجمهور "علمتنم" بفتنح العينن واللم .وابنن عباس ومحمند بنن الحنفينة بضنم العينن وكسنر
اللم ،أي منن أمنر الجوارح والصنيد بهنا .والجوارح الكواسنب ،وسنميت أعضاء النسنان جوارح
لنهنا تكسنب وتتصنرف .وقينل :سنميت جوارح لنهنا تجرح وتسنيل الدم ،فهنو مأخوذ منن الجراح،
وهذا ضعينف ،وأهنل اللغنة على خلفنه ،وحكاه ابنن المنذر عنن قوم .و"مكلبينن" قراءة الجمهور
بفتح الكاف وشد اللم ،والمكلب معلم الكلب ومضريها .ويقال لمن يعلم غير الكلب :مكلب؛ لنه
يرد ذلك الحيوان كالكلب؛ حكاه بعضهننم .ويقال للصننائد :مكلب فعلى هذا معناه صننائدين .وقيننل:
المكلب صنناحب الكلب ،يقال :كلب فهننو مكلب وكلب .وقرأ الحسننن "مكلبيننن" بسننكون الكاف
وتخفينف اللم ،ومعناه أصنحاب كلب ،يقال :أمشنى الرجنل كثرت ماشيتنه ،وأكلب كثرت كلبنه،
وأنشد الصمعي:
ستخلجه عن الدنيا منون وكل فتى وإن أمشى فأثرى
@قوله تعالى" :تعلمونهنن ممنا علمكنم ال" أننث الضمينر مراعاة للفنظ الجوارح؛ إذ هنو جمنع
جارحة .ول خلف بين العلماء في شرطين في التعليم وهما :أن يأتمر إذا أمر وينزجر إذا زجر؛
ل خلف فني هذينن الشرطينن فني الكلب ومنا فني معناهنا منن سنباع الوحوش .واختلف فيمنا يصناد
بنه منن الطينر؛ فالمشهور أن ذلك مشترط فيهنا عنند الجمهور .وذكنر ابنن حنبيب أننه ل يشترط فيهنا
أن تنزجر إذا زجرت؛ فإنه ل يتأتى ذلك فيها غالبا ،فيكفي أنها إذا أمرت أطاعت .وقال ربيعة :ما
أجاب منهننا إذا دعنني فهننو المعلم الضاري؛ لن أكثننر الحيوان بطبعننه ينشلي .وقنند شرط الشافعنني
وجمهور منن العلماء فنني التعلينم أن يمسنك على صناحبه ،ولم يشترطنه مالك فني المشهور عننه.
وقال الشافعي :المعلم هو الذي إذا أشله صاحبه انشلى؛ وإذا دعاه إلى الرجوع رجع إليه ،ويمسك
الصيد على صاحبه ول يأكل منه؛ فإذا فعل هذا مرارا وقال أهل العرف :صار معلما فهو المعلم.
وعنن الشافعني أيضنا والكوفيينن :إذا أشلي فانشلى وإذا أخنذ حبنس وفعنل ذلك مرة بعند مرة أكنل
صنيده فني الثالثنة .ومنن العلماء منن قال :يفعنل ذلك ثلث مرات ويؤكنل صنيده فني الرابعنة .ومنهنم
من قال :إذا فعل ذلك مرة فهو معلم ويؤكل صيده في الثانية.
@قوله تعالى" :فكلوا ممنا أمسنكن عليكنم" أي حبسنن لكنم .واختلف العلماء فني تأويله؛ فقال ابنن
عباس وأبنو هريرة والنخعني وقتادة وابنن جنبير وعطاء بنن أبني رباح وعكرمنة والشافعني وأحمند
وإسنحاق وأبنو ثور والنعمان وأصنحابه :المعننى ولم يأكنل؛ فإن أكنل لم يؤكنل منا بقني ،لننه أمسنك
على نفسنه ولم يمسنك على ربنه .والفهند عنند أبني حنيفنة وأصنحابه كالكلب ولم يشترطوا ذلك فني
الطيور بل يؤكل ما أكلت منه .وقال سعد بن أبي وقاص وعبدال بن عمر وسلمان الفارسي وأبو
هريرة أيضا :المعنى وإن أكل؛ فإذا أكل الجارح كلبا كان أو فهدا أو طيرا أكل ما بقي من الصيد
وإن لم يبق إل بضعة؛ وهذا قول مالك وجميع أصحابه ،وهو القول الثاني للشافعي ،وهو القياس.
وفي الباب حديثان بمعنى ما ذكرنا أحدهما :حديث عدي في الكلب المعلم (وإذا أكل فل تأكل فإنما
أمسنك على نفسنه) أخرجنه مسنلم .الثانني :حدينث أبني ثعلبنة الخشنني قال :قال رسنول ال صنلى ال
علينه وسنلم فني صنيد الكلب( :إذا أرسنلت كلبنك وذكرت اسنم ال علينه فكنل وإن أكنل مننه وكنل منا
ردت عليك يدك) أخرجه أبو داود ،وروي عن عدي ول يصح؛ والصحيح عنه حديث مسلم؛ ولما
تعارضنت الروايتان رام بعنض أصنحابنا وغيرهنم الجمنع بينهمنا فحملوا حدينث النهني على التنزينه
والورع ،وحدينث الباحنة على الجواز ،وقالوا :إن عدينا كان موسنعا علينه فأفتاه الننبي صنلى ال
عليه وسلم بالكف ورعا ،وأبا ثعلبة كان محتاجا فأفتاه بالجواز؛ وال أعلم .وقد دل على صحة هذا
التأوينل قول عليه الصنلة والسنلم فني حدينث عدي( :فإنني أخاف أن يكون إنمنا أمسنك على نفسه)
هذا تأويل علمائنا .وقال أبو عمر في كتاب "الستذكار" :وقد عارض حديث عدي هذا حديث أبي
ثعلبنة ،والظاهنر أن حدينث أبني ثعلبنة ناسنخ له؛ فقوله :وإن أكنل ينا رسنول ال ؟ قال( :وإن أكنل).
قلت :هذا فيه نظر؛ لن التاريخ مجهول؛ والجمع بين الحديثين أولى ما لم يعلم التاريخ؛ وال أعلم.
وأما أصحاب الشافعي فقالوا :إن كان الكل عن فرط جوع من الكلب أكل وإل لم يؤكل؛ فإن ذلك
من سوء تعليمه .وقد روي عن قوم من السلف التفرقة بين ما أكل منه الكلب والفهد فمنعوه ،وبين
مننا أكننل منننه البازي فأجازوه ،قال النخعنني والثوري وأصننحاب الرأي وحماد بننن أبنني سننليمان،
وحكي عن ابن عباس وقالوا :الكلب والفهد يمكن ضربه وزجره ،والطير ل يمكن ذلك فيه ،وحد
تعليمه أن يدعى فيجيب ،وأن يشلى فينشلي؛ ل يمكن فيه أكثر من ذلك ،والضرب يؤذيه.
@ والجمهور منن العلماء عنل أن الجارح إذا شرب منن دم الصنيد أن الصنيد يؤكنل؛ قال عطاء:
لينس شرب الدم بأكنل؛ وكره أكنل ذلك الصنيد الشعنبي وسنفيان الثوري ،ول خلف بينهنم أن سنبب
إباحة الصيد الذي هو عقر الجارح له ل بد أن يكون متحققا غير مشكوك فيه ،ومع الشك ل يجوز
الكل ،وهي:
@ فإن وجد الصائد مع كلبه كلبا آخر فهو محمول على أنه غير مرسل من صائد آخر ،وأنه إنما
انبعننث فنني طلب الصننيد بطبعننه ونفسننه ،ول يختلف فنني هذا؛ لقوله علينه الصننلة والسننلم( :وإن
خالطها كلب من غيرها فل تأكل -في رواية -فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره) .فأما
لو أرسله صائد آخر فاشترك الكلبان فيه فإنه للصائدين يكونان شريكين فيه .فلو أنفذ أحد الكلبين
مقاتله ثم جاء الخر فهو للذي أنفذ مقاتله ،وكذلك ل يؤكل ما رمي بسهم فتردى من جبل أو غرق
في ماء؛ لقوله عليه الصلة والسلم لعدي( :وإن رميت بسهمك فأذكر اسم ال فإن غاب عنك يوما
فلم تجند فينه إل أثنر سنهمك فكنل وإن وجدتنه غريقنا فني الماء فل تأكنل فإننك ل تدري الماء قتله أو
سهمك) .وهذا نص.
@ لو مات الصيد في أفواه الكلب من غير بضع لم يؤكل؛ لنه مات خنقا فأشبه أن يذبح بسكين
كالة فيموت في الذبح قبل أن يفرى حلقه .ولو أمكنه أخذه من الجوارح وذبحه فلم يفعل حتى مات
لم يؤكنل ،وكان مقصنرا فني الذكاة؛ لننه قند صنار مقدورا على ذبحنه ،وذكاة المقدور علينه تخالف
ذكاة غينر المقدور علينه .ولو أخذه ثنم مات قبنل أن يخرج السنكين ،أو تناولهنا وهني معنه جاز أكله؛
ولو لم تكنن السنكين معنه فتشاغنل بطلبهنا لم تؤكنل .وقال الشافعني :فيمنا نالتنه الجوارح ولم تدمنه
قولن أحدهما :إل يؤكل حتى يجرح؛ لقوله تعالى" :من الجوارح" وهو قول ابن القاسم؛ والخر:
أنه حر وهو قول أشهب ،قال أشهب :إن مات من صدمة الكلب أكل.
@ قوله( :فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إل أثر سهمك فكل) ونحوه في حديث أبي ثعلبة الذي
خرجنه أبنو داود ،غينر أننه زاد (فكله بعند ثلث منا لم ينتنن) يعارضنه قوله علينه السنلم( :كنل منا
أصميت ودع ما أنميت) .فالصماء ما قتل مسرعا وأنت تراه ،والنماء أن ترمي الصيد فيغيب،
عنك فيموت وأنت ل تراه؛ يقال :قد أنميت الرمية فنمت تنمي إذا غابت ثم ماتت قال امرؤ القيس:
ماله ل عد من نفرة فهو ل تنمي رميته
وقد اختلف العلماء في أكل الصيد الغائب على ثلثة أقوال :يؤكل ،وسواء قتله السهم أو الكلب.
الثانني :ل يؤكنل شينء منن ذلك إذا غاب؛ لقوله( :كنل منا أصنميت ودع منا أنمينت) .وإنمنا لم يؤكنل
مخافنة أن يكون قند أعان على قتله غينر السنهم منن الهوام .الثالث :الفرق بينن السنهم فيؤكنل وبينن
الكلب فل يؤكنل ،ووجهنه أن السنهم يقتنل على جهنة واحدة فل يشكنل؛ والجارح على جهات متعددة
فيشكل ،والثلثة القوال لعلمائنا .وقال مالك في غير الموطأ :إذا بات الصيد ثم أصابه ميتا لم ينفذ
البازي أو الكلب أو السننهم مقاتله لم يأكله؛ قال أبننو عمننر :فهذا يدلك على أنننه إذا بلغ مقاتله كان
حلل عنده أكله وإن بات ،إل أننه يكرهنه إذا بات؛ لمنا جاء عنن ابنن عباس" :وإن غاب عننك ليلة
فل تأكننل" ونحوه عننن الثوري قال :إذا غاب عنننك يومننا كرهننت أكله .وقال الشافعنني :القياس أل
يأكله إذا غاب عنه مصرعه .وقال الوزاعي :إن وجده من الغد ميتا ووجد فيه سهمه أو أثرا من
كلبننه فليأكله؛ ونحوه قال أشهننب وعبدالملك وأصننبغ؛ قالوا :جائز أكننل الصننيد وإن بات إذا نفذت
مقاتله ،وقوله في الحديث( :ما لم ينتن) تعليل؛ لنه إذا أنتن لحق بالمستقذرات التي تمجها الطباع
فيكره أكلهنا؛ فلو أكلهنا لجاز ،كمنا أكنل الننبي صنلى ال علينه وسنلم الهالة السننخة وهني المنتننة.
وقيننل :هننو معلل بمننا يخاف منننه الضرر على آكله ،وعلى هذا التعليننل يكون أكله محرمننا إن كان
الخوف محققا ،وال أعلم.
@ واختلف العلماء منن هذا الباب فني الصنيد بكلب اليهودي والنصنراني إذا كان معلمنا ،فكرهنه
الحسنن البصنري؛ وأمنا كلب المجوسني وبازه وصنقره فكره الصنيد بهنا جابر بنن عبدال والحسنن
وعطاء ومجاهد والنخعي والثوري وإسحاق ،وأجاز الصيد بكلبهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إذا
كان الصنائد مسنلما؛ قالوا :وذلك مثنل شفرتنه .وأمنا إن كان الصنائد منن أهنل الكتاب فجمهور المنة
على جواز صنيده غينر مالك ،وفرق بينن ذلك وبينن ذبيحتنه؛ وتل" :ينا أيهنا الذينن آمنوا ليبلونكنم ال
بشينء منن الصنيد تناله أيديكنم ورماحكنم" [المائدة ، ]94 :قال :فلم يذكنر ال فني هذا اليهود ول
النصنارى .وقال ابنن وهنب وأشهنب :صنيد اليهودي والنصنراني حلل كذبيحتنه؛ وفني كتاب محمند
ل يجوز صننيد الصننابئ ول ذبحننه ،وهننم قوم بيننن اليهود والنصننارى ول ديننن لهننم .وأمننا إن كان
الصنائد مجوسنا فمننع منن أكله مالك والشافعني وأبنو حنيفنة وأصنحابهم وجمهور الناس .وقال أبنو
ثور فيهنا قولن :أحدهمنا :كقول هؤلء ،والخنر :أن المجوس منن أهنل الكتاب وأن صنيدهم جائز.
ولو أصطاد السكران أو ذبح لم يؤكل صيده ول ذبيحته؛ لن الذكاة تحتاج إلى قصد ،والسكران ل
قصد له.
@ واختلف النحاة في "من" في قوله تعالى" :مما أمسكن عليكم" فقال الخفش :هي زائدة كقوله:
"كلوا منن ثمره" [النعام .]141 :وخطأه البصنريون وقالوا" :منن" ل تزاد فني الثبات وإنمنا
تزاد في النفي والستفهام ،وقوله" :من ثمره"" ،يكفر عنكم من سيئاتكم" [البقرة ]271 :و"يغفر
لكم من ذنوبكنم" [الحقاف ]31 :للتبعيض؛ أجاب فقال :قد قال" :يغفر لكم من ذنوبكم" [نوح:
]4بإسقاط "من" فدل على زيادتها في اليجاب؛ أجيب بأن "من" ههنا للتبعيض؛ لنه إنما يحل
من الصيد اللحم دون الفرث والدم .قلت :هذا ليس بمراد ول معهود في الكل فيعكر على ما قال.
ويحتمل أن يريد "مما أمسكن" أي مما أبقته الجوارح لكم؛ وهذا على قول من قال :لو أكل الكلب
الفريسنة لم يضنر وبسنبب هذا الحتمال اختلف العلماء فني جواز أكنل الصنيد إذا أكنل الجارح مننه
على ما تقدم.
@ ودلت الينة على جواز اتخاذ الكلب واقتنائهنا للصنيد ،وثبنت ذلك فني صنحيح السننة وزادت
الحرث والماشينة؛ وقند كان أول السنلم أمنر بقتنل الكلب حتنى كان يقتنل كلب المرينة منن البادينة
يتبعها؛ روى مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :من أقتنى كلبا إل كلب صيد
أو ماشينة نقنص منن أجره كنل يوم قيراطان) .وروي أيضنا عنن أبني هريرة قال :قال رسنول ال
صنلى ال علينه وسنلم( :منن اتخنذ كلبنا إل كلب ماشينة أو صنيد أو زرع انتقنص منن أجره كنل يوم
قيراط) .قال الزهري :وذكنر لبنن عمنر قول أبني هريرة فقال :يرحنم ال أبنا هريرة ،كان صناحب
زرع؛ فقد دلت السنة على ما ذكرنا ،وجعل النقص من أجر من أقتناها على غير ذلك من المنفعة؛
إمنا لتروينع الكلب المسنلمين وتشويشنه عليهنم بنباحنه -كمنا قال بعنض شعراء البصنرة ،وقند نزل
بعمار فسمع لكلبه نباحا فأنشأ يقول:
علينا فكدنا بين بيتيه نؤكل نزلنا بعمار فأشلى كلبه
إذا اليوم أم يوم القيامة أطول فقلت لصحابي أسر إليهم
أو لمنع دخول الملئكة البيت ،أو لنجاسته على ما يراه الشافعي ،أو لقتحام النهي عن اتخاذ ما ل
منفعنة فينه؛ وال أعلم .وقال فني إحدى الروايتينن( :قيراطان) وفني الخرى (قيراط) وذلك يحتمنل
أن يكون فني نوعينن منن الكلب أحدهمنا أشند أذى منن الخنر؛ كالسنود الذي أمنر علينه الصنلة
والسننلم بقتله ،ولم يدخله فنني السننتثناء حيننن نهننى عننن قتلهننا فقال( :عليكننم بالسننود البهيننم ذي
النقطتينن فإننه شيطان) أخرجنه مسنلم .ويحتمنل أن يكون ذلك لختلف المواضنع ،فيكون ممسنكه
بالمديننة مثل أو بمكنة ينقنص قيراطان ،وبغيرهمنا قيراط؛ وال أعلم .وأمنا المباح اتخاذه فل ينقنص
أجنر متخذه كالفرس والهر ،ويجوز بيعنه وشراؤه ،حتى قال سنحنون :ويحج بثمنه .وكلب الماشية
المباح اتخاذه عند مالك هو الذي يسرح معها ل الذي يحفظها في الدار من السراق .وكلب الزرع
هنو الذي يحفظنه منن الوحوش باللينل والنهار ل منن السنراق .وقند أجاز غينر مالك اتخاذهنا لسنراق
الماشية والزرع والدار في البادية.
وفني هذه الينة دلينل على أن العالم له منن الفضيلة منا لينس للجاهنل؛ لن الكلب إذا علم يكون له
فضيلة على سنائر الكلب ،فالنسنان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضنل على سنائر الناس ،ل
سيما إذا عمل بما علم؛ وهذا كما روي عن علي بن أبي طالب كرم ال وجهه أنه قال :لكل شيء
قيمة وقيمة المرء ما يحسنه.
@قوله تعالى" :واذكروا اسنم ال علينه" أمنر بالتسنمية؛ قينل :عنند الرسنال على الصنيد ،وفقنه
الصيد والذبح في معنى التسمية واحد ،يأتي بيانه في "النعام" .وقيل :المراد بالتسمية هنا التسمية
عند الكل ،وهو الظهر .وفي صحيح مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لعمر بن أبي سلمة:
(ينا غلم سم ال وكل بيمينك وكنل مما يليك) .وروي من حدينث حذيفنة قال رسنول ال صنلى ال
علينه وسنلم( :إن الشيطان ليسنتحل الطعام إل يذكنر اسنم ال علينه) الحدينث .فإن نسني التسنمية أول
الكل فليسم آخره؛ وروى النسائي عن أمية بن مخشي -وكان من أصحاب رسول ال صلى ال
علينه وسنلم -أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم رأى رجل يأكنل ولم يسنم ال ،فلمنا كان فني آخنر
لقمة قال :بسنم ال أوله وآخره؛ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما زال الشيطان يأكل معه
فلما سمى قاء ما أكله).
@قوله تعالى" :واتقوا ال" أمنر بالتقوى على الجملة ،والشارة القريبنة هني منا تضمنتنه هذه
اليات من الوامر .وسرعة الحساب هي من حيث كونه تعالى قد أحاط بكل شيء علما وأحصى
كننل شيننء عددا؛ فل يحتاج إلى محاولة عنند ول عقنند كمننا يفعله الحسنناب؛ ولهذا قال" :وكفننى بنننا
حاسبين" [النبياء ]47 :فهو سبحانه يحاسب الخلئق دفعة واحدة .ويحتمل أن يكون وعيدا بيوم
القيامة كأنه قال :إن حساب ال لكم سريع إتيانه؛ إذ يوم القيامة قريب ،ويحتمل أن يريد بالحساب
المجازاة؛ فكأنه توعد في الدنيا بمجازاة سريعة قريبة إن لم يتقوا ال.
**3الينة{ 5 :اليوم أحنل لكنم الطيبات وطعام الذينن أوتوا الكتاب حنل لكنم وطعامكنم حنل لهنم
والمحصننات منن المؤمنات والمحصننات منن الذينن أوتوا الكتاب منن قبلكنم إذا آتيتموهنن أجورهنن
محصنين غير مسافحين ول متخذي أخدان ومن يكفر باليمان فقد حبط عمله وهو في الخرة من
الخاسرين}
@قوله تعالى" :اليوم أحل لكم الطيبات" ،أي "اليوم أكملت لكم دينكم" و"اليوم أحل لكم الطيبات"
فأعاد تأكيدا أي أحنل لكنم الطيبات التني سنألتم عنهنا؛ وكاننت الطيبات أبيحنت للمسنلمين قبنل نزول
هذه الينة؛ فهذا جواب سنؤالهم إذ قالوا :ماذا أحنل لننا ؟ .وقينل :أشار بذكنر اليوم إلى وقنت محمند
صنلى ال علينه وسنلم كمنا يقال :هذه أيام فلن؛ أي هذا أوان ظهوركنم وشيوع السنلم؛ فقند أكملت
بهذا دينكم ،وأحللت لكم الطيبات .وقد تقدم ذكر الطيبات في الية قبل هذا.
@قوله تعالى" :وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم" ابتداء وخبر .والطعام اسم لما يؤكل والذبائح
مننه ،وهنو هننا خاص بالذبائح عنند كثينر منن أهنل العلم بالتأوينل .وأمنا منا حرم عليننا منن طعامهنم
فليس بداخل تحت عموم الخطاب؛ قال ابن عباس :قال ال تعالى" :ول تأكلوا مما لم يذكر اسم ال
علينه" [النعام ، ]121 :ثنم اسنتثنى فقال" :وطعام الذينن أوتوا الكتاب حنل لكنم" يعنني ذبيحنة
اليهودي والنصنراني؛ وإن كان النصنراني يقول عنند الذبنح :باسنم المسنيح واليهودي يقول :باسنم
عزيننر؛ وذلك لنهننم يذبحون على الملة .وقال عطاء :كننل مننن ذبيحننة النصننراني وإن قال باسننم
المسيح؛ لن ال جل وعز قد أباح ذبائحهم ،وقد علم ما يقولون .وقال القاسم بن مخيمرة :كل من
ذبيحتنه وإن قال باسنم سنرجس -اسنم كنيسنة لهنم -وهنو قول الزهري وربيعنة والشعنبي ومكحول؛
وروي عنن صنحابيين :عنن أبني الدرداء وعبادة بنن الصنامت .وقالت طائفنة :إذا سنمعت الكتابني
يسنمي غينر اسنم ال عنز وجنل فل تأكنل؛ وقال بهذا منن الصنحابة علي وعائشنة وابنن عمنر؛ وهنو
قول طاوس والحسنن متمسنكين بقوله تعالى" :ول تأكلوا ممنا لم يذكنر اسنم ال علينه وإننه لفسنق"
[النعام .]121 :وقال مالك :أكره ذلك ،ولم يحرمه.
قلت :العجب من الكيا الطبري الذي حكى التفاق على جواز ذبيحة أهل الكتاب ،ثم أخذ يستدل
بذلك على أن التسنمية على الذبيحنة ليسنت بشرط فقال :ول شنك أنهنم ل يسنمون على الذبيحنة إل
الله الذي لينس معبودا حقيقنة مثنل المسنيح وعزينر ،ولو سنموا الله حقيقنة لم تكنن تسنميتهم على
طريننق العبادة ،وإنمننا كان على طريننق آخننر؛ واشتراط التسننمية ل على وجننه العبادة ل يعقننل،
ووجود التسمية من الكافر وعدمها بمثابة واحدة؛ إذا لم تتصور منه العبادة ،ولن النصراني إنما
يذبنح على اسنم المسنيح ،وقند حكنم ال بحنل ذبائحهنم مطلقنا ،وفني ذلك دلينل على أن التسنمية ل
تشترط أصل كما يقول الشافعي ،وسيأتي ما في هذا للعلماء في "النعام" إن شاء ال تعالى.
@ ول خلف بين العلماء أن ما ل يحتاج إلى ذكاة كالطعام الذي ل محاولة فيه كالفاكهة والبر
جائز أكله؛ إذ ل يضر فيه تملك أحد .والطعام الذي تقع فيه محاولة على ضربين :أحدهما :ما فيه
محاولة صنعة ل تعلق للدين بها؛ كخبنز الدقيق ،وعصر الزيت ونحوه؛ فهذا إن تجنب من الذمي
فعلى وجه التقزز .والضرب الثاني :هي التذكية التي ذكرنا أنها هي التي تحتاج إلى الدين والنية؛
فلمنا كان القياس إل تجوز ذبائحهنم -كمنا نقول إنهنم ل صنلة لهنم ول عبادة مقبولة -رخنص ال
تعالى فنني ذبائحهننم على هذه المننة ،وأخرجهننا النننص عننن القياس على مننا ذكرناه مننن قول ابننن
عباس؛ وال أعلم.
@ واختلف العلماء أيضا فيما ذكوه هل تعمل الذكاة فيما حرم عليهم أول ؟ على قولين؛ فالجمهور
على أنها عاملة في كل الذبيحة ما حل له منها وما حرم عليه ،لنه مذكى .وقالت جماعة من أهل
العلم :إنمنا حنل لننا منن ذبيحتهنم منا حنل لهنم؛ لن منا ل يحنل لهنم ل تعمنل فينه تذكيتهنم؛ فمنعنت هذه
الطائفنة الطرينف ،والشحوم المحضنة منن ذبائح أهنل الكتاب؛ وقصنرت لفنظ الطعام على البعنض،
وحملتنه الولى على العموم فني جمينع منا يؤكنل .وهذا الخلف موجود فني مذهنب مالك .قال أبنو
عمنر :وكره مالك شحوم اليهود وأكنل منا نحروا منن البنل ،وأكثنر أهنل العلم ل يرون بذلك بأسنا؛
وسننيأتي هذا فنني "النعام" إن شاء ال تعالى؛ وكان مالك رحمننه ال يكره مننا ذبحوه إذا وجنند مننا
ذبحه المسلم ،وكره أن يكون لهم أسواق يبيعون فيها ما يذبحون؛ وهذا منه رحمه ال تنزه.
@ وأمنا المجوس فالعلماء مجمعون -إل منن شنذ منهنم -على أن ذبائحهنم ل تؤكنل ،ول يتزوج
منهننم؛ لنهننم ليسننوا أهننل كتاب على المشهور عننند العلماء .ول بأس يأكننل طعام مننن ل كتاب له
كالمشركين وعبدة الوثان ما لم يكن من ذبائحهم ولم يحتج إلى ذكاة؛ إل الجبن؛ لما فيه من إنفحة
الميتة .فإن كان أبو الصبي مجوسيا وأمه كتابية فحكمه حكم أبيه عند مالك ،وعند غيره ل تؤكل
ذبيحة الصبي إذا كان أحد أبويه ممن ل تؤكل ذبيحته.
@ وأما ذبيحة نصارى بني تغلب وذبائح كل دخيل في اليهودية والنصرانية فكان علي رضي ال
عننه ينهنى عنن ذبائح بنني تغلب؛ لنهنم عرب ،ويقول :إنهنم لم يتمسنكوا بشينء منن النصنرانية إل
بشرب الخمنر؛ وهنو قول الشافعني؛ وعلى هذا فلينس ينهنى عنن ذبائح النصنارى المحققينن منهنم.
وقال جمهور المنة :إن ذبيحنة كنل نصنراني حلل؛ سنواء كان منن بنني تغلب أو غيرهنم ،وكذلك
اليهودي .واحتنج ابنن عباس بقوله تعالى" :ومنن يتولهنم منكنم فإننه منهنم" [المائدة ، ]51 :فلو لم
تكن بنو تغلب من النصارى إل بتوليهم إياهم لكلت ذبائحهم.
@ ول بأس بالكل والشرب والطبخ في آنية الكفار كلهم ،ما لم تكن ذهبا أو فضة أو جلد خنزير
بعنند أن تغسننل وتغلى؛ لنهننم ل يتوقون النجاسننات ويأكلون الميتات؛ فإذا طبخوا فنني تلك القدور
تنجست ،وربما سرت النجاسات في أجزاء دور الفخار؛ فإذا طبخ فيها بعد ذلك توقع مخالطة تلك
الجزاء النجسنة للمطبوخ فني القدد ثانينة؛ فاقتضنى الورع الكنف عنهنا .وروي عنن ابنن عباس أننه
قال :إن كان الناء من نحاس أو حديد غسل ،وإن كان من فخار أغلي فيه الماء ثم غسل -هذا إذا
احتينج إلينه -وقاله مالك؛ فأمنا منا يسنتعملونه لغينر الطبنخ فل بأس باسنتعماله منن غينر غسنل؛ لمنا
روى الدارقطنني عن عمنر أننه توضنأ منن بينت نصنراني فني حنق نصنرانية؛ وهو صنحيح وسنيأتي
في "الفرقان" بكماله .وفي صحيح مسلم من حديث أبي ثعلبة الخشني قال أتيت رسول ال صلى
ال علينه وسنلم فقلت :ينا رسنول ال إننا بأرض قوم منن أهنل كتاب نأكنل فني آنيتهنم ،وأرض صنيد،
أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعم ،وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم؛ فأخبرني ما الذي يحل لنا من
ذلك؟ قال( :أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم من أهل كتاب تأكلون في آنيتهم فإن وجدتم غير آنيتهم
فل تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها) ثم ذكر الحديث.
@قوله تعالى" :وطعامكم حل لهم" دليل على أنهم مخاطبون بتفاصيل شرعنا؛ أي إذا اشتروا منا
اللحم يحل لهم اللحم ويحل لنا الثمن المأخوذ منهم.
@قوله تعالى" :والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" الية.
قنند تقدم معناهننا فنني "البقرة" و"النسنناء" والحمنند ل .وروي عننن ابننن عباس فنني قوله تعالى:
"والمحصننات منن الذينن أوتوا الكتاب" .هنو على العهند دون دار الحرب فيكون خاصنا .وقال
غيره :يجوز نكاح الذمينة والحربينة لعموم الينة .وروي عنن ابنن عباس أننه قال" :المحصننات"
العفيفات العاقلت .وقال الشعننبي :هننو أن تحصننن فرجهننا فل تزننني ،وتغتسننل مننن الجنابننة .وقرأ
الشعبي "والمحصنات" بكسر الصاد ،وبه قرأ الكسائي .وقال مجاهد" :المحصنات" الحرائر؛ قال
أبنو عبيند :يذهنب إلى أننه ل يحنل نكاح إماء أهنل الكتاب؛ لقوله تعالى" :فمنن منا ملكنت أيمانكنم منن
فتيانكم المؤمنات" [النساء ]25 :وهذا القول الذي عليه جلة العلماء.
@قوله تعالى" :ومنن يكفنر باليمان" قينل :لمنا قال تعالى" :المحصننات منن الذينن أوتوا الكتاب"
قال نسنناء أهننل الكتاب :لول أن ال تعالى رضنني ديننننا لم يبننح لكننم نكاحنننا؛ فنزلت "ومننن يكفننر
اليمان" أي بمنا أنزل على محمند .وقال أبنو الهيثنم :الباء صنلة؛ أي ومنن يكفنر اليمان أي يجحده
"فقد حبط عمله" وقرأ ابن السميقع "فقد حبط" بفتح الباء .وقيل :لما ذكرت فرائض وأحكام يلزم
القيام بها ،ذكر الوعيد على مخالفتها؛ لما في ذلك من تأكيد الزجر عن تضييعها .وروي عن ابن
عباس ومجاهد أن المعنى :ومن يكفر بال؛ قال الحسن بن الفضل :إن صحت هذه الرواية فمعناها
برب اليمان .وقال الشيننخ أبننو الحسننن الشعري :ول يجوز أن يسننمى ال إيمانننا خلفننا للحشوينة
والسنالمية؛ لن اليمان مصندر آمنن يؤمنن إيماننا ،واسنم الفاعنل مننه مؤمنن؛ واليمان التصنديق،
والتصديق ل يكون إل كلما ،ول يجوز أن يكون الباري تعالى كلما.
**3الينة{ 6 :ينا أيهنا الذينن آمنوا إذا قمتنم إلى الصنلة فاغسنلوا وجوهكنم وأيديكنم إلى المرافنق
وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر
أو جاء أحنند منكننم مننن الغائط أو لمسننتم النسنناء فلم تجدوا ماء فتيمموا صننعيدا طيبننا فامسننحوا
بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد ال ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم
لعلكم تشكرون}
@ ذكنر القشيري وابنن عطينة أن هذه الينة نزلت فني قصنة عائشنة حينن فقدت العقند فني غزوة
المريسننيع ،وهنني آيننة الوضوء .قال ابننن عطيننة :لكننن مننن حيننث كان الوضوء متقررا عندهننم
مسنتعمل ،فكأن الينة لم تزدهنم فينه إل تلوتنه ،وإنمنا أعطتهنم الفائدة والرخصنة فني التيمنم .وقند
ذكرننا فني آينة "النسناء" خلف هذا ،وال أعلم .ومضمون هذه الينة داخنل فيمنا أمنر بنه منن الوفاء
بالعقود وأحكام الشرع ،وفيما ذكر من إتمام النعمة؛ فإن هذه الرخصة من إتمام النعم.
@ واختلف العلماء في المعنى المراد بقوله" :إذا قمتم إلى الصلة" على أقوال؛ فقالت طائفة :هذا
لفنظ عام فني كنل قيام إلى الصنلة ،سنواء كان القائم متطهرا أو محدثنا؛ فإننه ينبغني له إذا قام إلى
الصنلة أن يتوضنأ ،وكان عنل يفعله ويتلو هذه الينة؛ ذكره أبنو محمند الدرامني فني مسننده .وروي
مثله عن عكرمة .وقال ابن سيرين :كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلة.
قلت :فالية على هذا محكمة ل نسخ فيها .وقالت طائفة :الخطاب خاص بالنبي صلى ال عليه
وسنلم؛ قال عبدال بنن حنظلة بنن أبني عامنر الغسنيل :إن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أمنر بالوضوء
عنند كنل صنلة فشنق ذلك علينه؛ فأمنر بالسنواك ورفنع عننه الوضوء إل منن حدث .وقال علقمنة بنن
الفغواء عن أبيه -وهو من الصحابة ،وكان دليل رسول ال صلى ال عليه وملم إلى تبوك :نزلت
هذه الية رخصة لرسول ال صلى ال عليه وسلم؛ لنه كان ل يعمل عمل إل وهو على وضوء،
ول يكلم أحدا ول يرد سننلما إلى غيننر ذلك؛ فأعلمننه ال بهذه اليننة أن الوضوء إنمننا هننو قيام إلى
الصنلة فقنط دون سنائر العمال .وقالت طائفنة :المراد بالينة الوضوء لكنل صنلة طلبنا للفضنل؛
وحملوا المنر على الندب ،وكان كثينر منن الصنحابة منهنم ابنن عمنر يتوضؤون لكنل صنلة طلبنا
للفضننل ،وكان عليننه الصننلة والسننلم يفعننل ذلك إلى أن جمننع يوم الفتننح بيننن الصننلوات الخمننس
بوضوء واحد ،إرادة البيان لمته صلى ال عليه وسلم.
قلت :وظاهنر هذا القول أن الوضوء لكنل صنلة قبنل ورود الناسنخ كان مسنتحبا ل إيجابنا ولينس
كذلك؛ فإن المنر إذا ورد ،مقتضاه الوجوب؛ ل سنيما عنند الصنحابة رضوان ال عليهنم ،على منا
هو معروف من سيرتهم .وقال آخرون :إن الفرض في كل وضوء كان لكل صلة ثم نسخ في فتح
مكنة؛ وهذا غلط لحدينث أننس قال :كان الننبي صنلى ال علينه وسنلم يتوضنأ لكنل صنلة ،وأن أمتنه
كاننت على خلف ذلك ،وسنيأتي؛ ولحدينث سنويد بنن النعمان أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم صنلى
وهنو بالصنهباء العصنر والمغرب بوضوء واحند؛ وذلك فني غزوة خينبر ،وهني سننة سنت ،وقينل:
سننة سنبع ،وفتنح مكنة كان فني سننة ثمان؛ وهنو حدينث صنحيح رواه مالك فني موطئه ،وأخرجنه
البخاري ومسلم؛ فبان بهذين الحديثين أن الفرض لم يكن قبل الفتح لكل صلة .فإن قيل :فقد روى
مسلم عن بريدة بن الحصيب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلة ،فلما كان
يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد ،ومسح على خفيه ،فقال عمر رضي ال عنه :لقد صنعت
اليوم شيئا لم تكنن تصننعه؛ فقال( :عمدا صننعته ينا عمنر) .فلم سنأله عمنر واسنتفهمه؟ قينل له :إنمنا
سنأله لمخالفتنه عادتنه مننذ صنلته بخينبر؛ وال أعلم .وروى الترمذي عنن أننس أن الننبي صنلى ال
عليننه وسننلم كان يتوضننأ لكننل صننلة طاهرا وغيننر طاهننر؛ قال حمينند :قلت لنننس :وكيننف كنتننم
تصنعون أنتم؟ قال :كنا نتوضأ وضوءا واحدا؛ قال :حديث حسن صحيح؛ وروي عن النبي صلى
ال عليه وسلم أنه قال( :الوضوء على الوضوء نور) فكان عليه السلم يتوضأ مجددا لكل صلة،
وقد سلم عليه وجل وهو يبول فلم يرد عليه حتى تيمم ثم رد السلم وقال( :إني كرهت أن أذكر ال
إل على طهنر) رواه الدارقطنني .وقال السندي وزيند بنن أسنلم :معننى الينة "إذا قمتنم إلى الصنلة"
يريد من المضاجع يعني النوم ،والقصد بهذا التأويل أن يعم الحداث بالذكر ،ول سيما النوم الذي
هو مختلف فيه هل هو حدث في نفسه أم ل؟ وفي الية على هذا التأويل تقديم وتأخير؛ التقدير :يا
أيهنا الذينن آمنوا إذا قمتنم إلى الصنلة منن النوم ،أو جاء أحند منكنم منن الغائط أو لمسنتم النسناء -
يعنني الملمسنة الصنغرى -فاغسنلوا؛ فتمنت أحكام المحدث حدثنا أصنغر .ثنم قال" :وإن كنتنم جنبنا
فاطهروا" فهذا حكنم نوع آخنر؛ ثنم قال للنوعينن جميعنا" :وإن كنتنم مرضنى أو على سنفر أو جاء
أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا" [النساء .]43 :وقال
بهذا التأوينل محمند بنن مسنلمة منن أصنحاب مالك -رحمنه ال -وغيره .وقال جمهور أهنل العلم:
معننى الينة إذا قمتنم إلى الصنلة محدثينن؛ ولينس فني الينة على هذا تقدينم وتأخينر ،بنل ترتنب فني
الية حكم واجد الماء إلى قوله :فاطهروا" ودخلت الملمسة الصغرى في قوله "محدثين" .ثم ذكر
بعنند قوله" :وإن كنتننم جنبننا فاطهروا" حكننم عادم الماء مننن النوع جميعننا ،وكانننت الملمسننة هنني
الجماع ،ول بد أن يذكنر الجنب العادم الماء كما ذكر الواجد؛ وهذا تأويل الشافعي وغيره؛ وعليه
تجيء أقوال الصحابة كسعد بن أبي وقاص وابن عباس وأبي موسى الشعري وغيرهم.
قلت :وهذان التأويلن أحسن ما قيل في الية؛ وال أعلم .ومعنى "إذا قمتم" إذا أردتم ،كما قال
تعالى" :فإذا قرأت القرآن فاسنتعذ" [النحنل ، ]98 :أي إذا أردت؛ لن الوضوء حالة القيام إلى
الصلة ل يمكن.
@قوله تعالى" :فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين
ذكنر تعالى أربعنة أعضاء :الوجنه وفرضنه الغسنل واليدينن كذلك والرأس وفرضنه المسنح اتفاقنا
واختلف فني الرجلينن على منا يأتني ،لم يذكنر سنواها فدل ذلك على أن منا عداهنا آداب وسننن .وال
أعلم .ول بد في غسل الوجه من نقل الماء إليه ،وإمرار اليد عليه؛ وهذه حقيقة الغسل عندنا ،وقد
بيناه فنني "النسنناء" .وقال غيرنننا :إنمننا عليننه إجراء الماء وليننس عليننه دلك بيده؛ ول شننك أنننه إذا
انغمنس الرجنل فني الماء وغمنس وجهنه أو يده ولم يدلك يقال :غسنل وجهنه ويده ،ومعلوم أننه ل
يعتبر في ذلك غير حصول السم ،فإذا حصل كفى .والوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة ،وهو
عضو مشتمل على أعضاء وله طول وعرض؛ فحده في الطول من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى
اللحييننن ،ومننن الذن إلى الذن فنني العرض ،وهذا فنني المرد؛ وأمننا الملتحنني فإذا اكتسننى الذقننن
بالشعر فل يخلو أن يكون خفيفا أو كثيفا؛ فإن كان الول بحيث تبين منه البشرة فل بد من إيصال
الماء إليهنا ،وإن كان كثيفنا فقند انتقنل الفرض إلينه كشعنر الرأس؛ ثنم منا زاد على الذقنن منن الشعنر
واسنترسل منن اللحينة ،فقال سنحنون عنن ابنن القاسنم :سنمعت مالكنا سنئل :هنل سنمعت بنع أهنل العلم
يقول إن اللحية من الوجه فليمر عليها الماء؟ قال :نعم ،وتخليلها في الوضوء ليس من أمر الناس،
وعاب ذلك على من فعله .وذكر ابن القاسم أيضا عن مالك قال :يحرك المتوضئ ظاهر لحيته من
غينر أن يدخنل يده فيهنا؛ قال :وهني مثنل أصنابع الرجلينن .قال ابنن عبدالحكنم :تخلينل اللحينة واجنب
فني الوضوء والغسنل .قال أبنو عمنر :روي عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه خلل لحيتنه فني
الوضوء منن وجوه كلهنا ضعيفنة .وذكنر ابنن خوينز منداد :أن الفقهاء اتفقوا على أن تخلينل اللحينة
لينس بواجنب فني الوضوء ،إل شينء روي عنن سنعيد بنن جنبير؛ قوله :منا بال الرجنل يغسنل لحيتنه
قبل أن تنبت فإذا نبتت لم يغسلها ،وما بال المرد يغسل ذقنه ول يغسله ذو اللحية؟ قال الطحاوي:
التيمننم واجننب فينه مسننح البشرة قبننل نبات الشعننر فنني الوجنه ثننم سننقط بعده عنند جميعهننم .فكذلك
الوضوء .قال أبنو عمنر :منن جعنل غسنل اللحينة كلهنا واجبنا جعلهنا وجهنا؛ لن الوجنه مأخوذ منن
المواجهنة ،وال قند أمنر بغسنل الوجنه أمرا مطلقنا لم يخنص صناحب لحينة منن أمرد؛ فوجنب غسنلها
بظاهر القرآن لنها بدل من البشرة.
قلت :واختار هذا القول ابنن العربني وقال :وبنه أول؛ لمنا روي أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم
كان يغسل لحيته ،خرجه الترمذي وغيره؛ فعين المحتمل بالفعل .وحكى ابن المنذر عن إسحاق أن
منن ترك تخلينل لحيتنه عامدا أعاد .وروى الترمذي عنن عثمان بنن عفان أن الننبي صنلى ال علينه
وسنلم كان يخلل لحيتنه؛ قال :هذا حدينث حسنن صنحيح؛ قال أبنو عمنر :ومنن لم يوجنب غسنل منا
انسدل من اللحية ذهب إلى أن الصل المأمور بغسله البشرة ،فوجب غسل ما ظهر فوق البشرة،
ومنا انسندل منن اللحينة لينس تحتنه منا يلزم غسنله ،فيكون غسنل اللحينة بدل مننه .واختلفوا أيضنا فني
غسنل منا وراء العذار إلى الذن؛ فروى ابنن وهنب عنن مالك قال :لينس منا خلف الصندغ الذي منن
وراء شعنر اللحينة إلى الذقنن منن الوجنه .قال أبنو عمنر :ل أعلم أحدا منن فقهاء المصنار قال بمنا
رواه ابننن وهننب عننن مالك .وقال أبننو حنيفننة وأصننحابه :البياض بيننن العذار والذن مننن الوجننه.
وغسننله واجننب؛ ونحوه قال الشافعنني وأحمنند .وقيننل :يغسننل البياض اسننتحبابا؛ قال ابننن العربنني:
والصحيح عندي أنه ل يلزم غسله إل للمرد ل للمعذر.
قلت :وهننو اختيار القاضنني عبدالوهاب؛ وسننبب الخلف هننل تقننع عليننه المواجهننة أم ل؟ وال
أعلم .وبسبب هذا الحتمال اختلفوا هل يتناول المر بغسل الوجه باطن النف والفم أم ل؟ فذهب
أحمد بن حنبل وإسحاق وغيرهما إلى وجوب ذلك في الوضوء والغسل ،إل أن أحمد قال :يعيد من
ترك السنتنشاق فني وضوئه ول يعيند منن ترك المضمضنة .وقال عامنة الفقهاء :همنا سننتان فني
الوضوء والغسننل؛ لن المننر إنمننا يتناول الظاهننر دون الباطننن ،والعرب ل تسننمي وجهننا إل مننا
وقعنت بنه المواجهنة ،ثنم إن ال تعالى لم يذكرهمنا فني كتابنه ،ول أوجبهمنا المسنلمون ،ول لتفنق
الجمينع علينه؛ والفرائض ل تثبنت إل منن هذه الوجوه .وقند مضنى هذا المعننى فني "النسناء" .وأمنا
العينان فالناس كلهنم مجمعون على أن داخنل العينينن ل يلزم غسنله ،إل منا روي عنن عبدال بنن
عمننر أنننه كان ينضننح الماء فنني عينيننه؛ وإنمننا سننقط غسننلهما للتأذي بذلك والحرج بننه؛ قال ابننن
العربني :ولذلك كان عبدال بنن عمنر لمنا عمني يغسنل عينينه إذ كان ل يتأذى بذلك؛ وإذا تقرر هذا
من حكم الوجه فل بد من غسل جزء من الرأس مع الوجه من غير تحديند ،كما ل بد على القول
بوجوب عموم الرأس منن مسنح جزء معنه منن الوجنه ل يتقدر؛ وهذا ينبنني على أصنل منن أصنول
الفقه وهو" :أن ما ل يتم الواجب إل به اجب مثله" وال أعلم.
@ وجمهور العلماء على أن الوضوء ل بند فينه منن نينة؛ لقول علينه السنلم( :إنمنا العمال
بالنيات) .قال البخاري :فدخنل فينه اليمان والوضوء والصنلة والزكاة والحنج والصنوم والحكام؛
وقال ال تعالى" :قل كل يعمل على شاكلته" [السراء ، ]84 :يعني على نيته .وقال النبي صلى
ال عليه وسلم( :ولكن جهاد ونية) .وقال كثير من الشافعية :ل حاجة إلى نية؛ وهو قول الحنفية؛
قالوا :ل تجنب النينة إل فني الفروض التني هني مقصنودة لعيانهنا ولم تجعنل سنببا لغيرهنا ،فأمنا منا
كان شرطنا لصنحة فعنل آخنر فلينس يجنب ذلك فينه بنفنس ورود المنر إل بدللة تقارننه ،والطهارة
شرط؛ فإن منن ل صنلة علينه ل يجنب علينه فرض الطهارة ،كالحائض والنفسناء .احتنج علماؤننا
وبعنض الشافعينة بقوله تعالى" :إذا قمتنم إلى الصنلة فاغسنلوا وجوهكنم" فلمنا وجنب فعنل الغسنل
كانت النية شرطا في صحة الفعل؛ أن الفرض من قبل ال تعالى فينبغي أن يجب فعل ما أمر ال
بنه؛ فإذا قلننا :إن النينة ل تجنب علينه لم يجنب علينه القصند إلى فعنل منا أمره ال تعالى ،ومعلوم أن
الذي اغتسنل تنبردا أو لغرض منا ،قصند أداء الواجنب؛ وصنح فني الحدينث أن الوضوء يكفنر؛ فلو
صح بغير نية لما كفر .وقال تعالى" :وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين" [البينة.]5 :
@ قال ابنن العربني ،قال بعنض علمائننا :إن منن خرج إلى النهنر بنينة الغسنل أجزأه ،وإن عزبنت
نيته في الطريق ،ولو خرج إلى الحمام فعزبت في أثناء الطريق بطلت النية .قال القاضي أبو بكر
بنن العربني رضني ال عننه :فركنب على هذا سنفاسفة المفتينن أن نينة الصنلة تتخرج على القولينن،
وأوردوا فيهننا نصننا عمننن ل يفرق بيننن الظننن واليقيننن بأنننه قال :يجوز أن تتقدم فيهننا النيننة على
التكننبير؛ ويننا ل وينا للعالمينن منن أمننة أرادت أن تكون مفتينة مجتهدة فمننا وفقهنا ال ول سنددها؛
اعلموا رحمكنم ال أن النينة فني الوضوء مختلف فني وجوبهنا بينن العلماء ،وقند اختلف فيهنا قول
مالك؛ فلمنا نزلت عنن مرتبنة التفاق سنومح فني تقديمهنا فني بعنض المواضنع ،فأمنا الصنلة فلم
يختلف أحد من الئمة فيها ،وهي أصل مقصود ،فكيف يحمل الصل المقصود المتفق عليه على
الفرع التابنع المختلف فينه! هنل هذا إل غاينة الغباوة؟ وأمنا الصنوم فإن الشرع رفنع الحرج فينه ل
كان ابتداؤه في وقت الغفلة بتقديم النية عليه.
@قوله تعالى" :وأيديكنم إلى المرافنق" واختلف الناس فني دخول المرافق فني التحديد؛ فقال قوم:
نعم؛ لن ما بعد "إلى" إذا كان من نوع ما قبلها دخل فيه؛ قال سيبويه وغيره ،وقد مضى هذا في
"البقرة" مبينننا .وقيننل :ل يدخننل المرفقان فنني الغسننل؛ والروايتان مرويتان عننن مالك؛ الثانيننة
لشهب؛ والولى عليها أكثر العلماء وهو الصحيح؛ لما رواه الدارقطني عن جابر أن النبي صلى
ال عليننه وسننلم كان إذا توضننأ أدار الماء على مرفقيننه .وقنند قال بعضهننم :إن "إلى" بمعنننى مننع،
كقولهنم :الذود إلى الذود إبنل ،أي منع الذود ،وهذا ل يحتاج إلينه كمنا بيناه فني "النسناء"؛ ولن اليند
عنند العرب تقنع على أطراف الصنابع إلى الكتنف ،وكذلك الرجنل تقنع على الصنابع إلى أصنل
الفخنذ؛ فالمرفنق داخنل تحنت اسنم اليند ،فلو كان المعننى منع المرافنق لم يفند ،فلمنا قال" :إلى" اقتطنع
منن حند المرافنق عنن الغسنل ،وبقينت المرافنق مغسنولة إلى الظفنر ،وهذا كلم صنحيح يجري على
الصول لغة ومعنى؛ قال ابن العربي :وما فهم أحد مقطع المسألة إل القاضي أبو محمد فإنه قان:
إن قوله "إلى المرافق" حد للمتروك من اليدين ل للمغسول فيه؛ ولذلك تدخل المرافق في الغسل.
قلت :وما كان اليد والرجل تنطلق في اللغة على ما ذكرنا كان أبو هريرة يبلغ بالوضوء إبطه
وسنناقه ويقول :سننمعت خليلي صننلى ال عليننه وسننلم يقول( :تبلغ الحليننة مننن المؤمننن حيننث يبلغ
الوضوء) .قال القاضنني عياض :والناس مجمعون على خلف هذا ،وأل يتعدى بالوضوء حدوده؛
لقوله عليه السلم( :فمن زاد فقد تعدى وظلم) .وقال غيره :كان هذا الفعل مذهبا له ومما انفرد به،
ولم يحكننه عننن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم وإنمننا اسننتنبطه مننن قوله عليننه السننلم( :أنتننم الغننر
المحجلون) ومن قوله( :تبلغ الحلية) كما ذكر.
@قوله تعالى" :وامسحوا برؤوسكم" تقدم في "النساء" أن المسح لفظ مشترك .وأما الرأس فهو
عبارة عنن الجملة التني يعلمهنا الناس ضرورة ومنهنا الوجنه ،فلمنا ذكره ال عنز وجنل فني الوضوء
وعينن الوجنه للغسنل بقني باقينه للمسنح ،ولو لم يذكنر الغسنل للزم مسنح جميعنه ،منا علينه شعنر منن
الرأس وما فيه العينان والنف والفم؛ وقد أشار مالك في وجوب مسح الرأس إلى ما ذكرناه؛ فإنه
سننئل عننن الذي يترك بعننض رأسننه فنني الوضوء فقال :أرأيننت إن ترك غسننل بعننض وجهننه أكان
يجزئه؟ ووضح بهذا الذي ذكرناه أن الذنين من الرأس ،وأن حكمهما حكم الرأس خلفا للزهري،
حينث قال :همنا منن الوجنه يغسنلن معنه ،وخلفنا للشعنبي ،حينث قال :منا أقبنل منهمنا منن الوجنه
وظاهرهمنا منن الرأس؛ وهنو قول الحسنن وإسنحاق ،وحكاه ابن أبني هريرة عنن الشافعني ،وسنيأتي
بيان حجتهمنا؛ وإنمنا سنمي الرأس رأسنا لعلوه ونبات الشعنر فينه ،ومننه رأس الجبنل؛ وإنمنا قلننا إن
الرأس اسم لجملة أعضاء لقول الشاعر:
وغودر عند الملتقى ثم سائري إذا احتملوا رأسي وفي الرأس أكثري
@ واختلف العلماء فني تقدينر مسنحه على أحند عشنر قول؛ ثلثنة لبني حنيفنة ،وقولن للشافعني،
وستة أقوال لعلمائنا؛ والصحيح منها واحد وهو وجوب التعميم لما ذكرناه .وأجمع العلماء على أن
مسح رأسه كله فقد أحسن وفعل ما يلزمه؛ والباء مؤكدة زائدة ليست للتبعيض :والمعنى وامسحوا
رؤوسكم .وقيل :دخولها حسن كدخولها في التيمم في قوله" :فامسحوا بوجوهكم" فلو كان معناها
التبعيض لفادته في ذلك الموضع ،وهذا قاطع .وقيل :إنما دخلت لتفيد معنى بديعا وهو أن الغسل
لغنة يقتضني مغسنول بنه ،والمسنح لغنة ل يقتضني ممسنوحا بنه؛ فلو قال :وامسنحوا رؤوسنكم لجزأ
المسنح باليند إمرارا منن غينر شينء على الرأس؛ فدخلت الباء لتفيند ممسنوحا بنه وهنو الماء ،فكأننه
قال :وامسننحوا برؤوسننكم الماء؛ وذلك فصننيح فنني اللغننة على وجهيننن؛ إمننا على القلب كمننا أنشنند
سيبويه:
ومسحت باللثتين عصف الثمد كنواح ريش حمامة بخديه
واللثنة هني الممسنوحة بعصنف الثمند فقلب ،وإمنا على الشتراك فني الفعنل والتسناوي فني نسنبته
كقول الشاعر:
نجران أو بلغت سوءاتهم هجر مثل القنافذ هداجون قد بلغت
فهذا ما لعلمائنا في معنى الباء .وقال الشافعي :احتمل قول ال تعالى" :وامسحوا برؤوسكم" بعض
الرأس ومسح جميعه فدلت السنة أن مسح بعضه يجزئ ،وهو أن النبي صلى ال علبه وسلم مسح
بناصنيته؛ وقال فني موضنع آخنر :فإن قينل قند قال ال عنز وجنل" :فامسنحوا بوجوهكنم" فني التيمنم
أيجزئ بعنض الوجنه فينه؟ قينل له :مسنح الوجنه فني التيمنم بدل منن غسنله؛ فل بند أن يأتني بالمسنح
على جمينع موضنع الغسنل مننه ،ومسنح الرأس أصنل؛ فهذأ فرق منا بينهمنا .أجاب علماؤننا عنن
الحدينث بأن قالوا :لعنل الننبي صنلى ال علينه وسنلم فعنل ذلك لعذر ل سنيما وكان هذا الفعنل مننه
صنلى ال علينه وسنلم فني السنفر وهنو مظننة العذار ،وموضنع السنتعجال والختصنار ،وحذف
كثينر منن الفرائض لجنل المشقات والخطار؛ ثنم هو لم يكتنف بالناصنية حتنى مسنح على العمامنة؛
أخرجنه مسنلم منن حدينث المغيرة بنن شعبنة؛ فلو لم يكنن مسنح جمينع الرأس واجبنا لمنا مسنح على
العمامة؛ وال أعلم.
@ وجمهور العلماء على أن مسحة واحدة موعبة كاملة تجزئ .وقال الشافعي :يمسح رأسه ثلثا؛
وروي عن أنس وسعيد بن جبير وعطاء .وكان ابن سيرين يمسح مرتين .قال أبو داود :وأحاديث
عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة؛ فإنهم ذكروا الوضوء ثلثا ،قالوا فيها :ومسح
برأسه ولم يذكروا عددا.
@ واختلفوا منن أينن يبدأ بمسنحه؛ فقال مالك :يبدأ بمقدم رأسنه ،ثنم يذهنب بيدينه إلى مؤخره ،ثنم
يردهما إلى مقدمه؛ على حديث عبدال بن زيد أخرجه مسلم؛ وبه يقول الشافعي وابن حنبل .وكان
الحسنن بنن حني يقول :يبدأ مؤخنر الرأس؛ على حدينث الربينع بننت معوذ بنن عفراء؛ وهنو حدينث
يختلف في ألفاظه ،وهو يدور .على عبدال بن محمد بن عقيل وليس بالحافظ عندهم؛ أخرجه أبو
داود منن رواينة بشنر بن المفضنل عن عبدال عن الربيع ،وروي ابنن عجلن عنه عن الربيع :أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم توضأ عندنا فمسح الرأس كله من قرن الشعر كل ناحية بمنصب
الشعنر ،ل يحرك الشعنر عنن هيئتنه؛ وروينت هذه الصنفة عنن ابنن عمنر ،وأننه كان يبدأ منن وسنط
رأسه .وأصح ما في هذا الباب حديث عبدال بن زيد؛ وكل من أجاز بعض الرأس فإنما يرى ذلك
البعنض فني مقدم الرأس .وروي عنن إبراهينم والشعنبي أنهمنا قال :أي نواحني رأسنك مسنحت أجزأ
عنننك .ومسننح عمننر اليافوخ فقننط .والجماع منعقنند على اسننتحسان المسننح باليديننن معننا ،وعلى
الجزاء إن مسنح بيند واحدة .واختلف فيمنن مسنح بإصنبع واحدة حتنى عنم منا يرى أننه يجزئه منن
الرأس؛ فالمشهور أن ذلك يجزئ ،وهنو قول سنفيان الثوري؛ قال سنفيان :إن مسنح رأسنه بإصنبع
واحدة أجزأه .وقينل :إن ذلك ل يجزئ؛ لننه خروج عنن سننة المسنح وكأننه لعنب ،إل أن يكون ذلك
عنن ضرورة مرض فينبغني أل تنل يختلف فني الجزاء .قال أبنو حنيفنة وأبنو يوسنف ومحمند :ل
يجزئ مسح الرأس بأقل من ثلث أصابع؛ واختلفوا في رد اليدين على شعر الرأس هل هو فرض
أو سنة -بعد الجماع على أن المسحة الولى فرض بالقرآن -فالجمهور على أنه سنة .وقيل :هو
فرض.
@ فلو غسنل متوضنئ رأسنه بدل المسنح فقال ابنن العربني :ل نعلم خلفنا أن ذلك يجزئه ،إل منا
أخبرننا المام فخنر السنلم الشاشني فني الدرس عنن أبني العباس ابنن القاص منن أصنحابهم قال :ل
يجزئه ،وهذا تولج فني مذهب الداودينة الفاسند من أتباع الظاهنر المبطنل للشريعة الذي ذمه ال في
قوله" :يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا" [الروم ، ]7 :وقال تعالى" :أم بظاهر من القول" [الرعد:
]33وإل فقد جاء هذا الغسل بما أمر وزيادة .فإن قيل :هذه زيادة خرجت عن اللفظ المتعبد به؛
قلنا :ولم يخرج عن معناه في إيصال الفعل إلى المحل؛ وكذلك لو مسح رأسه ثم حلقه لم يكن عليه
إعادة المسح.
@ وأما الذنان فهما الرأس عند مالك وأحمد والثوري وأبي حنيفة وغيرهم ،ثم اختلفوا في تجديد
الماء؛ فقال مالك وأحمند :يسنتأنف لهمنا ماء جديدا سنوى الماء الذي مسنح بنه الرأس ،على منا فعنل
ابنن عمنر؛ وهكذا قال الشافعني فني تجديند الماء ،وقال :همنا سننة على حالهمنا ل من الوجنه ول منن
الرأس؛ لتفاق العلماء على أننه ل يحلق منا عليهمنا منن الشعنر فني الحنج؛ وقول أبني ثور فني هذا
كقول الشافعني .وقال الثوري وأبو حنيفة :يمسنحان منع الرأس بماء واحد؛ وروي عن جماعة من
السنلف مثنل هذا القول منن الصنحابة والتابعينن .وقال داود :إن مسنح أذنينه فحسنن ،وإل فل شينء
عليه؛ إذ ليستا مذكورتين في القرآن .قيل له :اسم الرأس تضمنهما كما بيناه .وقد جاءت الحاديث
الصنحيحة فني كتاب النسنائي وأبني داود وغيرهمنا بأن الننبي صنلى ال علينه وسنلم مسنح ظاهرهمنا
وباطنهمنا ،وأدخنل أصنابعه فني صنماخيه ،وإنمنا يدل عدد ذكرهمنا منن الكتاب على أنهمنا ليسنتا
بفرض كغسنل الوجنه واليدينن ،وثبتنت سننة مسنحهما بالسننة .وأهنل العلم يكرهون للمتوضنئ ترك
مسنح أذنينه ويجعلوننه تارك سننة من سننن الننبي صنلى ال عليه وسنلم ،ول يوجبون عليه إعادة إل
إسحاق فإنه قال :إن ترك مسح أذنيه لم يجزه .وقال أحمد :إن تركهما عمدا أحببت أن يعيد .وروي
عنن علي بنن زياد منن أصنحاب مالك أننه قال :منن ترك سننة منن سننن الوضوء أو الصنلة عامدا
أعاد؛ وهذا عند الفقهاء ضعيف ،وليس لقائله سلف ول له حظ من النظر ،ولو كان كذلك لم يعرف
الفرض الواجب من غيره؛ وال أعلم .احتج قال :هما من الوجه بما ثبت عن النبي صلى ال عليه
وسنلم أننه كان يقول فني سنجوده( :سنجد وجهني للذي خلقنه وصنوره وشنق سنمعه وبصنره) فأضاف
السمع إلى الوجه فثبت أن يكون لهما حكم الوجه .وفى مصنف أبي داود من حديث عثمان :فغسل
بطونهما وظهورهما مرة واحدة ،ثم غسل رجليه ثم قال :أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت
رسول ال صلى ال عليه وسلم يتوضأ .احتج من قال :يغسل ظاهرهما مع الوجه ،وباطنها يمس
منع الرأس بأن ال عنز وجنل قند أمنر بغسنل الوجنه وأمنر بمسنح الرأس؛ فمنا واجهنك منن الذنينن
وجنب غسنله؛ لننه منن الوجنه ومنا لم يواجهنك وجنب مسنحه لننه منن الرأس ،وهذا ترده الثار بأن
النبي صلى ال عليه وسلم كان يمسح ظاهر أذنيه وباطنهما من حديث علي وعثمان وابن عباس
والربيع وغيرهم .احتج من قال :هما من الرأس بقوله صلى ال عليه وسلم من حديث الصنابحي:
(فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج أذنيه) الحديث أخرجه مالك.
@قوله تعالى" :وأرجلكم" قرأ نافع وابن عامر والكسائي "وأرجلكم" بالنصب؛ وروى الوليد بن
مسنلم عنن نافنع أننه قرأ "وأرجلكنم" بالرفنع وهني قراءة الحسنن والعمنش سنليمان؛ وقرأ ابنن كثينر
وأبو عمرو وحمزة "وأرجلكم" بالخفض ويحسب هذه القراءات اختلف الصحابة والتابعون؛ فمن
قرأ بالنصنب جعنل العام "اغسنلوا" وبننى على أن الفرض فني الرجلينن الغسنل دون المسنح ،وهذا
مذهب الجمهور والكافة من العلماء ،وهو الثابت من فعل النبي صلى ال عليه وسلم ،واللزم من
قول فنني غيننر مننا حديننث ،وقنند رأى قومننا يتوضؤون وأعقابهننم تلوح فنادى بأعلى صننوته (ويننل
للعقاب منن النار أسنبغوا الوضوء) .ثنم إن ال حدهمنا فقال" :إلى الكعنبين" كمنا قال فني اليدينن
"إلى المرافنق" فدل على وجوب غسنلهما؛ وال أعلم .ومنن قرأ بالخفنض جعنل العامنل الباء ،قال
ابن العربي :اتفقت العلماء على وجوب غسلهما ،وما علمت من رد ذلك سوى الطبري من فقهاء
المسلمين ،والرافضة من غيرهم ،وتعلق الطبري بقراءة الخفض.
قلت :قند روي عنن ابنن عباس أننه قال :الوضوء غسنلتان ومسنحتان .وروي أن الحجاج خطنب
بالهواز فذكنر الوضوء فقال :اغسنلوا وجوهكنم وأيديكنم وامسنحوا برؤوسنكم وأرجلكنم ،فإننه لينس
شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه ،فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيهما .فسمع ذلك
أننس بنن مالك فقال :صندق ال وكذب الحجاج؛ قال ال وتعالى" :وامسنحوا برؤوسنكم وأرجلكنم".
قال :وكان إذا مسننح رجليننه بلهمننا ،وروي عننن أنننس أيضننا أنننه قال :نزل القرآن بالمسننح والسنننة
بالغسل .وكان عكرمة يمسح رجليه وقال :ليس في الرجلين غسل إنما نزل فيه المسح .وقال عامر
الشعنبي :نزل جبرينل بالمسنح؛ أل ترى أن التيمنم يمسنح فينه منا كان غسنل ،ويلغني منا كان مسنحا.
وقال قتادة :افترض ال غسنلتين ومسنح .وذهنب ابنن جرينر الطنبري إلى أن فرضهمنا التخيينر بينن
الغسنل والمسنح ،وجعنل القراءتينن كالروايتينن؛ قال النحاس :ومنن أحسنن منا قينل فينه؛ أن المسنح
والغسنل واجبان جميعنا ،فالمسنح واجنب على قراءة منن قرأ بالخفنض ،والغسنل واجنب على قراءة
منن قرأ بالنصنب ،والقراءتان بمنزلة آيتينن .قال ابنن عطينة :وذهنب قوم ممنن يقرأ بالكسنر إلى أن
المسح في الرجلين هو الغسل.
قلت :وهنو الصنحيح؛ فإن لفنظ المسنح مشترك ،يطلق بمعننى المسنح ويطلق بمعننى الغسنل؛ قال
الهروي :أخبرنا الزهري أخبرنا أبو بكر محمد بن عثمان بن سعيد الداري عن أبي حاتم عن أبي
زينند النصنناري قال :المسننح فنني كلم العرب يكون غسننل ويكون مسننحا ،ومنننه يقال للرجننل إذا
توضأ فغسل أعضاءه :قد تمسح؛ ويقال :مسح ال ما بك إذا غسلك وطهرك من الذنوب ،فإذا ثبت
بالنقنل عنن العرب أن المسنح يكون بمعننى الغسنل فترجنح قول منن قال :إن المراد بقراءة الخفنض
الغسنل؛ بقراءة النصنب التني ل احتمال فيهنا ،وبكثرة الحادينث الثابتنة بالغسنل ،والتوعند على ترك
غسلها في أخبار صحاح ل تحصى كثرة أخرجها الئمة؛ ثم إن المسح في الرأس إنما دخل بين ما
يغسل لبيان الترتيب على أنه مفعول قبل الرجلين ،التقدير فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق
وأرجلكنم إلى الكعنبين وامسنحوا برؤوسنكم؛ فلمنا كان الرأس مفعول قبنل الرجلينن قدم عليهمنا فني
التلوة -وال أعلم -ل أنهمنا مشتركان منع الرأس لتقدمنه عليهمنا فني صنفة التطهينر .وقند روى
عاصنم بنن كلينب عنن أبني عبدالرحمنن السنلمي قال :قرأ الحسنن والحسنين -رحمنة ال عليهمنا -
(وأرجلكم) فسمع علي ذلك وكان يقضي بين الناس فقال( :وأرجلكم) هذا من المقدم والمؤخر من
الكلم .وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي ال عنه قال :اغسلوا القدام إلى الكعبين.
وكذا روي عنن ابنن مسنعود وابنن عباس أنهمنا قرأ (وأرجلكنم) بالنصنب .وقند قينل :إن الخفنض فني
الرجلين إنما جاء مقيد لمسحهما لكن إذا كان عليهما خفان ،وتلقينا هذا القيد من رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،إذ لم يصح عنه أنه مسح رجليه إل وعليهما خفان ،فبين صلى ال عليه وسلم بفعله
الحال التي غسل فيه الرجل والحال التي تمسح فيه ،وهذا حسن .فإن قيل :إن المسح على الخفين
منسنوخ بسنورة (المائدة) -وقند قال ابنن عباس ،ورد المسنح أبنو هريرة وعائشنة ،وأنكره مالك فني
رواية عنه -فالجواب أن من نفى شيئا وأثبته غيره فل حجة للنافي ،وقد أثبت المسح على الخفين
عدد كثير من الصحابة وغيرهم ،وقد قال الحسن :حدثني سبعون رجل من أصحاب النبي صلى
ال علينه وسنلم أنهنم مسنحوا على الخفينن؛ وقند ثبنت بالنقنل الصنحيح عنن همام قال :بال جرينر ثنم
توضنأ ومسح على خفيه؛ قال إبراهينم النخعني :وإن رسول ال صنلى ال علينه وسنلم بال ثم توضنأ
ومسنح على خفينه .وقال إبراهينم النخعني :كان يعجبهنم هذا الحدينث؛ لن إسنلم جرينر كان بعند
نزول (المائدة) وهذا ننص يرد منا ذكروه ومنا احتجوا بنه منن رواينة الواقدي عنن عبدالحميند بنن
جعفنر عنن أبينه أن جريرا أسنلم فني سنتة عشنر منن شهنر رمضان ،وأن (المائدة) نزلت فني ذي
الحجنة يوم عرفات ،وهذا حدينث ل يثبنت لوهاه ؟؟؛ وإنمنا نزل منهنا يوم عرفنة "اليوم أكملت لكنم
دينكنم" على منا تقدم؛ قال أحمند بنن حنبنل :أننا اسنتحسن حدينث جرينر فني المسنح على الخفينن؛ لن
إسلمه كان بعد نزول (المائدة) وأما ما روي عن أبي هريرة وعائشة رضي ال عنهما فل يصح،
أمنا عائشنة فلم يكنن عندهنا بذلك علم؛ ولذلك ردت السنائل إلى علي رضني ال عننه وأحالتنه علينه
فقالت :سله فإنه كان يسافر مع رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ الحديث .وأما مالك فما روي عنه
منن النكار فهنو منكنر ل يصنح ،والصنحيح منا قاله عنند موتنه لبنن نافنع قال :إنني كننت أخنذ فني
خاصة نفسي بالطهور ول أرى من مسح مقصرا فيما بجب عليه .وعلى هذا حمل أحمد بن حنبل
ما رواه ابن وهب عنه أنه قال :ل أمسح في حضر ول سفر .قال أحمد :كما روي عن ابن عمر
أنه أمرهم أن يمسحوا خفافهم وخلع هو وتوضأ وقال :حبب إلى الوضوء؛ ونحوه عن أبي أيوب.
وقال أحمد رضي ال عنه :فمن ترك ذلك على نحو ما تركه ابن عمر وأبو أيوب ومالك لم أنكره
عليه ،وصلينا خلفه ولم نعبه ،إل أن يترك ذلك ول يراه كما صنع أهل البدع ،فل صلى خلفه .واله
أعلم .وقد قيل :إن قوله "وأرجلكم" معطوف على اللفظ دون المعنى ،وهذا أيضا يدل على الغسل
فإن المراعنى المعننى ل اللفنظ ،وإنمنا خفنض للجوار كمنا تفعنل العرب؛ وقند جاء هذا فني القرآن
وغيره قال ال تعالى" :يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس" [الرحمن ]35 :بالجر لن النحاس
الدخان .وقال" :بنل هنو قرآن مجيند .فني لوح محفوظ" [البروج ]22 - 21 :بالجنر .قال امرؤ
القيس:
كبير أناس في بجاد مزمل
فخفض مزمل بالجوار ،وأن المزمل الرجل وإعرابه الرفع؛ قال زهير:
بعدي سوافي المور والقطر لعب الزمان بها وغيرها
قال أبو حاتم :كان الوجه القطر بالرفع ولكنه جره على جوار المور؛ كما قالت العرب :هذا جحر
ضنب خرب؛ فجروه وإنمنا هنو رفنع .وهذا مذهنب الخفنش وأبني عنبيدة ورده النحاس وقال :هذا
القول غلط عظيم؛ لن الجوار ل يكون في الكلم أن يقاس عليه ،وإنما هو غلط ونظيره القواء.
قلت :والقاطع في الباب من أن فرض الرجلين الغسل ما قدمناه ،وما ثبت من قول عليه الصلة
والسننلم (ويننل للعقاب وبطون القدام مننن النار) فخوفنننا بذكننر النار عننل مخالفننة مراد ال عننز
وجل ،ومعلوم أن النار ل يعذب بها إل من ترك الواجب ،ومعلوم أن المسح ليس شأنه الستيعاب
ول خلف بين القائلين بالمسح على الرجلين أن ذلك على ظهورهما ل على بطونهما ،فتبين بهذا
الحديث بطلن قول من قال بالمسح ،إذ ل مدخل لمسح :بطونهما عندهم ،وإنما ذلك درك بالغسل
ل بالمسنح .ودلينل آخنر منن وجهنة الجماع؛ وذلك أنهنم اتفقوا على أن منن غسنل قدمينه فقند أدى
الواجنب علينه ،واختلفوا فيمنن مسنح قدمينه؛ فاليقينن منا أجمعوا علينه دون منا اختلفوا فينه .ونقنل
الجمهور كافنة عنن كافنة عنن ننبيهم صنلى ال علينه وسنلم أننه كان يغسنل رجلينه فني وضوئه مرة
واثنتين وثلثا حتى ينقيهما؛ وحسبك بهذا حجة في الغسل مع ما بيناه ،فقد وضح وظهر أن قراءة
الخفننض المعننني فيهننا الغسننل ل المسننح كمننا ذكرنننا ،وأن العامننل فنني قوله "وأرجلكننم" قوله:
"فاغسلوا" والعرب قد تعطف الشيء على الشيء بفعل ينفرد به أحدهما تقول :أكلت الخبز واللبن
أي وشربت اللبن؛ ومنه قول الشاعر:
علفتها تبنا وماء باردا
وقال آخر:
متقلدا سيفا ورمحا ورأيت زوجك في الوغى
وقال آخر:
بالجلهتين ظباؤها ونعامها ....... .وأطفلت
وقال آخر:
شراب ألبان وتمر وإقط
التقديننر :علفتهننا تبنننا وسننقيتها ماء .ومتقلدا سننيفا وحامل رمحننا .وأطفلت بالجهلتيننن ظباؤهننا
وفرخننت نعامهننا؛ والنعام ل يطفننل إنمننا يفرخ .وأطفلت كان لهننا أطفال ،والجهلتان جنبتننا الوادي.
وشراب ألبان وأكل تمر؛ فيكون قوله" :وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم" عطف بالغسل على المسح
حمل على المعنى والمراد الغسل؛ وال أعلم.
@قوله تعالى" :إلى الكعبين" روى البخاري :حدثني موسى قال أنبأنا وهيب عن عمرو -هو ابن
يحيى -عن أبيه قال شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبدال بن زيد عن وضوء النبي صلى ال
عليه وسلم فدعا بتور من ماء ،فتوضأ لهم وضوء النبي صلى ال عليه وسلم؛ فأكفأ على يده من
التور فغسنل يدينه ثلثنا ،ثنم أدخنل يده فني التور فمضمنض واسنتنشق واسنتنثر ثلث غرفات ،ثنم
أدخل يده فغسل وجهه ثلثا ،ثم أدخل يديه فغسل يديه إلى المرفقين ثلثا ،ثم أدخل يده فمسح رأسه
فأقبنل بهمنا وأدبر مرة واحدة ،ثنم غسنل رجلينه إلى الكعنبين؛ فهذا الحدينث دلينل على أن الباء فني
قوله "وامسنحوا برؤوسنكم" زائدة لقوله :فمسنح رأسنه ولم يقنل برأسنه ،وأن مسنح الرأس مرة ،وقند
جاء مبينا في كتاب مسلم من حديث عبدال بن زيد في تفسير قوله :فأقبل بهما وأدبر ،وبدأ بمقدم
رأسنه ثنم ذهنب بهمنا إلى قفاه ،ثنم ردهمنا حتنى رجنع إلى المكان الذي بدأ مننه .واختلف العلماء فني
الكعنبين فالجمهور على أنهمنا العظمان الناتئان فني جننبي الرجل .وأنكنر الصمعي فول الناس :إن
الكعب في ظهر القدم؛ قال في (الصحاح) وروي عن ابن القاسم ،وبه قال محمد بن الحسن؛ قال
ابنن عطينة :ول أعلم أحدا جعنل حند الوضوء إلى هذا ،ولكنن عبدالوهاب فني التلقينن جاء فني ذلك
بلفنظ فينه تخلينط وإيهام؛ وقال الشافعني رحمنه ال :لم أعلم مخالفنا فني أن الكعنبين همنا العظمان فني
مجمنع مفصنل السناق؛ وروى الطنبري عنن يوننس عنن أشهنب عنن مالك قال :الكعبان اللذان يجنب
الوضوء ليهما هما العظمان الملتصقان بالساق المحاذيان للعقب ،وليس الكعب بالظاهر في وجه
القدم.
قلت :هذا هنو الصنحيح لغنة وسننة فإن الكعنب فني كلم العرب مأخوذ منن العلو ومننه سنميت
الكعبة؛ وكعبت المرأة إذا فلك ثديها ،وكعب القناة أنبوبها ،وأنبوب ما بين كل عقدتين كعب ،وقد
يسنتعمل فني الشرف والمجند تشبيهنا ،ومننه الحدينث( :وال ل يزال كعبنك عالينا) .وأمنا السننة فقوله
صلى ال عليه وسلم فيما رواه أبو دواد عن النعمان بن بشير (وال لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن ال
بين قلوبكم) ،قال :فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه ،وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه
والعقننب هنو مؤخننر الرجننل تحننت العرقوب ،والعرقوب هنو مجمننع مفصننل السنناق والقدم ،ومنننه
الحدينث (وينل للعراقينب منن النار) يعنني إذا لم تغسنل؛ كمنا قال( :وينل للعقاب وبطون القدام من
النار) .الخامسة عشرة :قال ابن وهب عن مالك :ليس على أحد تخليل أصابع رجليه في الوضوء
ول في الغسل ،ول خير في الجفاء والغلو؛ قال ابن وهب :تخليل أصابع الرجلين مرغب فيه ول
بند منن ذلك فني أصنابع اليدينن؛ وقال ابنن القاسنم عنن مالك :منن لم يخلل أصنابع رجلينه فل شينء
علينه .وقال محمند بنن خالد عنن ابنن القاسنم عنن مالك نيمنن توضنأ على نهنر فحرك رجلينه :إننه ل
يجزئه حتى يغسلهما بيديه؛ قال ابن القاسم :وإن قدر على غسل إحداهما بالخرى أجزأه.
قلت :الصحيح أنه ل يجزئه فيهما إل غسل ما بينهما كسائر الرجل إذ ذلك من الرجل ،كما أن
منا بينن أصنابع اليند منن اليند ،ول اعتبار بانفراج أصنابع اليدينن وانضمام أصنابع الرجلينن ،فإن
النسان مأمور بغسل الرجل جميعها كما هو مأمور بغسل اليد جميعها .وقد روي عن النبي صلى
ال علينه وسنلم أننه كان إذا توضنأ يدلك أصنابع رجلينه بخنصنره ،منع منا ثبنت أننه علينه الصنلة
والسنلم كان يغسنل رجلينه؛ وهذا يقتضني العموم .وقند كان مالك رحمنه ال فني آخنر عمره يدلك
أصنابع رجلينه بخنصنره أو ببعنض أصنابعه لحدينث حدثنه بنه ابنن وهنب عنن ابنن لهيعنة واللينث بنن
سعد عن يزيد بن عمرو الغفاري عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال:
رأينت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم يتوضنأ فيخلل بخنصنره منا بينن أصنابع رجلينه؛ قال ابنن
وهب ،فقال لي مالك :إن هذا لحسن ،وما سمعته قط إل الساعة؛ قال ابن وهب :وسمعته سئل بعد
ذلك عن تخليل الصابع في الوضوء فأمر به .وقد روى حذيفة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
(خللوا بين الصابع ل تخللها النار) وهذا نص في الوعيد على ترك التخليل؛ فثبت ما قلناه .وال
الموفق.
@ ألفاظ الينة تقتضني الموالة بينن العضاء ،وهني إتباع المتوضنئ الفعنل الفعنل إلى آخره منن
غينر تراخ بينن أبعاضنه ،ول فصنل بفعنل لينس مننه؛ واختلف العلماء فني ذلك؛ فقال ابنن أبني سنلمة
وابن وهب :ذلك من فروض الوضوء في الذكر والنسيان ،فمن فرق بين أعضاء وضوئه متعمدا
أو ناسننيا لم يجزه .وقال ابننن عبدالحكننم :يجزئه ناسننيا ومتعمدا .وقال مالك فنني "المدونننة" وكتاب
محمند :إن الموالة سناقطة؛ وبنه قال الشافعني .وقال مالك وابنن القاسنم :إن فرقنه متعمدا لم يجزه
ويجزئه ناسنيا؛ وقال مالك فني رواينة ابنن حنبيب :يجزئه فني المغسنول ول يجزئه فني الممسنوح؛
فهذه خمسننة أقوال ابتنيننت على أصننلين :الول :أن ال سننبحانه وتعالى أمننر أمرا مطلقننا فوال أو
فرق ،وإنمننا المقصننود وجود الغسننل فنني جميننع العضاء عننند القيام إلى الصننلة .والثاننني :أنهننا
عبادات ذات أركان مختلفة فوجب فيها التوالي كالصلة؛ وهذا أصح .وال أعلم.
@ وتتضمنن ألفاظ الينة أيضنا الترتينب وقند اختلف فينه؛ فقال البهري :الترتينب سننة ،وظاهنر
المذهنب أن التنكينس للناسني يجزئ ،واختلف فني العامند فقينل :يجزئ ويرتنب فني المسنتقبل .وقال
أبو بكر القاضي وغيره :ل يجزئ لنه عابت ،وإلى هذا ذهب الشافعي وسائر أصحابه ،وبه يقول
أحمند بنن حنبنل وأبنو عبيند القاسنم بنن سنلم وإسنحاق وأبنو ثور ،وإلينه ذهنب أبنو مصنعب صناحب
مالك وذكره فني مختصنره ،وحكاه عنن أهنل المديننة ومالك معهنم فني أن منن قدم فني الوضوء يدينه
على وجهه ،ولم يتوضأ على ترتيب الية فعليه العادة لما صلى بذلك الوضوء .وذهب مالك في
أكثنر الروايات عننه وأشهرهنا أن "الواو" ل توجنب التعقينب ول تعطنى رتبنة ،وبذلك قال أصنحابه
وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والوزاعي والليث بن سعد والمزني وداود بن علي؛ قال
الكينا الطنبري ظاهنر قوله تعالى" :فاغسنلوا وجوهكنم وأيديكنم" يقتضني الجزاء فرق أو جمنع أو
والى على منا هنو الصنحيح منن مذهنب الشافعني ،وهو مذهنب الكثرينن منن العلماء .قال أبنو عمنر:
إل أن مالكا يستحب له استئناف الوضوء على النسق لما يستقبل من الصلة ،ول يرى ذلك واجبا
علينه؛ هذا تحصنيل مذهبنه .وقند روي علي بنن زياد عنن مالك قال :منن غسنل ذراعينه ثنم وجهنه ثنم
ذكنر مكانه أعاد غسنل ذراعيه ،وإن لم يذكنر حتى صلى أعاد الوضوء والصلة؛ قال علي ثم قال
بعند ذلك :ل يعيند الصنلة ويعيند الوضوء لمنا يسنتأنف .وسنبب الخلف منا قال بعضهنم :إن "الفاء"
توجب التعقينب فني قوله" :فاغسنلوا" فإنهنا لمنا كاننت جوابا للشرط ربطنت المشروط به ،فاقتضنت
الترتيب في الجميع؛ وأجيب بأنه إنما اقتضت البداءة في الوجه إذ هو جزاء الشرط وجوابه ،وإنما
كنت تقتضي الترتيب في الجميع لو كان جواب الشرط معنى واحدا ،فإذا كنت جمل كلها جوابا لم
تبال بأيه بدأت ،إذ المطلوب تحصيلها .قيل :إن الترتيب إنما جاء من قبل الواو؛ وليس كذلك لنك
تقول :تقاتنل زيند وعمرو ،وتخاصنم بكنر وخالد ،فدخولهنا فني باب المفاعلة يخرجهنا عنن الترتينب.
والصحيح أن يقال :إن الترتينب متلقني من وجوه أربعنة :الول :أن يبدأ بمنا بدأ ال به كنم قال عليه
الصنلة والسنلم حينن حنج( :نبدأ بمنا بدأ ال بنه) .الثانني :منن إجماع السنلف فإنهنم كانوا يرتبون.
الثالث :من تشبيه الوضوء بالصلة .الرابع :من مواظبة رسول ال صلى ال عليه وسلم على ذلك.
احتنج منن أجاز ذلك بالجماع على أن ل ترتينب فني غسنل أعضاء الجنابنة ،فكذلك غسنل أعضاء
الوضوء؛ لن المعنننى فنني ذلك الغسننل ل التبديننة .وروي عننن علي أنننه قال :مننا أبالي إذا أتممننت
وضوئي بأي أعضائي بدأت .وعن عبدال بن مسعود قال :ل بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك؛ قال
الدارقطني :هذا مرسل ول يثبت ،والولى وجوب الترتيب .وال أعلم.
@ إذا كان في الشتغال بالوضوء فوات الوقت لم يتيمم عند أكثر العلماء ،ومالك يجوز التيمم في
مثل ذلك؛ لن التيمم إنما جاء في الصل لحفظ وقت الصلة ،ولول ذلك لوجب تأخير الصلة إلى
حين وجود الماء .احتج الجمهور بقوله تعالى" :فلم تجدوا ماء فتيمموا" وهذا واجد ،فقد عدم شرط
صحة التيمم فل يتيمم.
@ وقد استدل بعض العلماء بهذه الية على أن إزالة النجاسة ليست بواجبة؛ لنه قال" :إذ قمتم
إلى الصنلة" ولم يذكنر السنتنجاء وذكنر الوضوء ،فلو كاننت إزالتهنا واجبنة لكاننت أول مبدوء بنه؛
وهنو قول أصنحاب أبني حنيفنة ،وهني رواينة أشهنب عنن مالك .وقال ابنن وهنب عنن مالك :إزالتهنا
واجبنة فني الذكنر والنسنيان؛ وهنو قول الشافعني .وقال ابنن القاسنم :تجنب إزالتهنا منع الذكنر ،وتسنقط
منع النسنيان .وقال أبو حنيفة :تجنب إزالة النجاسنة إذا زادت على قدر الدرهنم البغلي -يريد الكبير
الذي هنو على هيئة المثقال -قياسنا على فنم المخرج المعتاد الذي عفني عننه .والصنحيح رواينة ابنن
وهنب؛ لن الننبي صنلى ال علينه وسنلم قال فني صناحبي القنبرين( :إنهمنا ليعذبان ومنا يعذبان فني
كنبير أمنا أحدهمنا فكان يمشني بالنميمنة وأمنا الخنر فكان ل يسنتبرئ منن بوله) ول يعذب إل على
ترك الواجب؛ ول حجة في ظاهر القرآن؛ لن ال سبحانه وتعالى إنما بين من آية الوضوء صفة
الوضوء خاصة ،ولم يتعرض لزالة النجاسة ول غيرها.
@ ودلت الينة أيضنا على المسنح على الخفينن كمنا بيننا ،ولمالك فني ذلك ثلث روايات :النكار
مطلقنا كمنا يقول الخوارج ،وهذه الرواينة منكرة وليسنت بصنحيحة .وقند تقدم .الثانينة :يمسنح فني
السنفر دون الحضنر؛ لن أكثنر الحادينث بالمسنح إنمنا هني فني السنفر؛ وحدينث السنباطة يدل على
جواز المسنح فني الحضنر ،أخرجنه مسنلم منن حدينث حذيفنة قال :فلقند رأيتنني أننا ورسول ال صنلى
ال عليننه وسننلم نتماشننى؛ فأتننى سننباطة قوم خلف حائط ،فقام كمننا يقوم أحدكننم فبال فانتبذت منننه،
فأشار إلى فجئت فقمنت عنند عقبنه حتنى فرغ -زاد فني رواينة -فتوضنأ ومسنح على خفينه .ومثله
حدينث شرينح بنن هاننئ قال :أتينت عائشنة أسنألها عنن المسنح على الخفينن فقالت :علينك بابنن أبني
طالب فسنله؛ فإننه كان يسنافر منع رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم؛ فسنألناه فقال :جعنل رسنول ال
صنلى ال علينه وسنلم سنافر ثلثنة أيام ولياليهنن وللمقينم يومنا وليلة؛ -وهني الرواينة الثالثنة -يمسنح
حضرا وسفرا؛ وقد تقدم ذكرها.
@ ويمسح المسافر عند مالك على الخفين بغير توقيت ،وهو قول الليث بن سعد؛ قال ابن وهب
سنمعت مالكنا يقول :لينس عنند أهنل بلدننا فني ذلك وقنت .وروي أبنو داود منن حدينث أبني بنن عمارة
أننه قال :ينا رسنول ال أمسنح على الخفينن؟ قال( :نعنم) قال :يومنا؟ قال( :يومنا) قال :ويومينن؟ قال:
(ويومين) قال :وثلثة أيام؟ قال( :نعم وما شئت) وفي رواية (نعم وما بدا لك) .قال أبو داود :وقد
اختلف في إسناده وليس بالقوي .وقال الشافعي وأحمد بن حنبل والنعمان والطبري :يمسح المقيم
يوما وليلة ،والمسافر ثلثة أيام على حديث شريح وما كان مثله؛ وروي عن مالك في رسالته إلى
هرون أو بعض الخلفاء ،وأنكرها أصحابه.
@ والمسح عند جميعهم لمن لبس خفيه على وضوء؛ لحديث المغيرة بن شعبة أنه قال :كنت مع
النننبي صننلى ال علينه وسننلم ذات ليلة فنني مسننير -الحديننث -وفينه؛ فأهويننت لزرع خفيننه فقال:
(دعهما فإني أدخلتهم طاهرتين) ومسح عليهما .ورأى أصبغ أن هذه طهارة التيمم ،وهذا بناء منه
على أن التيمنم يرفنع الحدث .وشنذ داود فقال :المراد بالطهارة ههننا هني الطهارة منن النجنس فقنط؛
فإذا كاننت رجله طاهرتينن منن النجاسنة جاز المسنح على الخفينن .وسنبب الخلف الشتراك فني
اسم الطهارة.
@ ويجوز عند مالك المسح على الخف وإن كان فيه خرق يسير :قال ابن خويز منداد :معناه أن
يكون الخرق ل يمنع من النتفاع به ومن لبسه ،ويكون مثله يمشى فيه .وبمثل قول مالك هذا قال
اللينث والثوري والشافعني والطنبري؛ وقند روي عنن الثوري والطنبري إجازة المسنح على الخنف
المخرق جملة .وقال الوزاعني :يمسنح على الخنف وعلى منا ظهنر منن القدم؛ وهنو قول الطنبري.
وقال أبو حنيفة :إذا كان ما ظهر من الرجل أقل من ثلث أصابع مسح ،ول يمسح ذا ظهر ثلث؛
وهذا تحديد يحتاج إلى توقيف .ومعلوم أن أخفاف الصحابة رضي ال عنهم وغيرهم من التابعين
كاننت ل تسنلم منن الخرق اليسنير ،وذلك متجاوز عنند الجمهور منهنم .وروي عنن الشافعني إذا كان
الخرق في مقدم الرجل أنه ل يجوز المسح عليه .وقال الحسن بن حي :يمسح على الخف إذا كان
منا ظهنر مننه يغطينه الجورب ،فإن ظهنر شينء منن القدم لم يمسنح ،قال أبنو عمنر :هذا على مذهبنه
فنني المسننح على الجوربيننن إذا كانننا ثخينيننن؛ وهننو قول الثوري وأبنني يوسننف ومحمنند ول يجوز
المسنح على الجوربينن عنند أبني حنيفنة والشافعني إل أن يكوننا مجلدينن ،وهنو أحند قولي مالك .وله
قول آخنر أننه ل يجوز المسنح على الجوربينن وإن كاننا مجلدينن .وفني كتاب أبني داود عنن المغيرة
بن شعبة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين؛ قال أبو داود:
وكان عبدالرحمن بن مهدي ل يحدث بهذا الحديث؛ لن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى ال
علينه وسنلم مسنح على الخفينن؛ وروي هذا الحدينث عنن أبني موسنى الشعري عنن الننبي صنلى ال
علينه وسنلم ولينس بالقوي ول بالمتصنل .قال أبنو داود :ومسنح على الجوربينن علي بنن أبني طالب
وأبنو مسنعود والبراء بنن عازب وأننس بنن مالك وأبنو أمامنة وسنهل بنن سنعد وعمرو بنن حرينث؛
وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس؛ رضي ال عنهم أجمعين.
قلت :وأما المسح على النعلين فروى أبو محمد الدرامي في مسنده حدثنا أبو نعيم أخبرنا يونس
عن أبي إسحاق عن عبد خير قال :رأيت عليا توضنأ ومسح على النعلين فوسع ثم قال :لول أني
رأينت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فعنل كمنا رأيتمونني فعلت لرأينت أن باطنن القدمينن أحنق
بالمسننح مننن ظاهرهمننا؛ قال أبننو محمنند الدارمنني رحمننه ال :هذا الحديننث منسننوخ بقوله تعالى:
"فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين".
قلت :وقول علي -رضني ال عننه -لرأينت أن باطنن القدمينن أحنق بالمسنح منن ظاهرهمنا مثله
قال فني المسنح على الخفينن ،أخرجنه أبنو داود عننه قال :لو كان الدينن بالرأي لكان باطنن الخنف
أولى بالمسنح منن أعله ،وقند رأينت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم يمسنح على ظاهنر خفينه .قال
مالك والشافعني فيمنن مسنح ظهور خفينه دون بطونهمنا :إن ذلك يجزئه؛ إل أن مالكنا قال :منن فعنل
ذلك أعاد فني الوقنت؛ ومنن مسنح على باطنن الخفينن دون ظاهرهمنا يجزه؛ وكان علينه العادة فني
الوقنت وبعده؛ وكذلك قال جمينع أصنحاب مالك إل شينء روي عنن أشهنب أننه قال :باطنن الخفينن
وظاهرهما سواء ،ومن مسح باطنهما دون ظاهرهما لم يعد إل في الوقت .وروي عن الشافعي أنه
قال يجزئه مسننح بطونهمننا دون ظهورهمننا؛ والمشهور مننن مذهبننه أنننه مسننح بطونهمننا واقتصننر
عليهما لم يجزه وليس بماسح .وقال أبو حنيفة والثوري :يمسح ظاهري الخفين دون باطنهما؛ وبه
قال أحمند بنن حنبنل وإسنحاق وجماعنة ،والمختار عنند مالك والشافعني وأصنحابهما مسنح العلى
والسنفل ،وهنو قول ابنن عمنر وابنن شهاب؛ لمنا رواه أبنو داود والدارقطنني عنن المغيرة بنن شعبنة
قال :وضأت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فني غزوة تبوك فمسنح أعلى الخنف وأسنفله؛ قال أبنو
داود :روي أن ثورا لم يسمع هذا الحديث من رجاء بن حيوة.
@ واختلفوا فيمن نزع خفيه وقد مسح عليهما على أقوال ثلثة :الول :يغسل رجليه مكانه وإن
أخر استأنف الوضوء؛ قاله مالك والليث ،وكذلك قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم؛ وروي عن
الوزاعني والنخعني ولم يذكروا مكاننه .الثانني :يسنتأنف الوضوء؛ قاله الحسنن بنن حني الوزاعني
والنخعي ولم يذكروا مكانه .الثاني :يستأنف الوضوء؛ قاله ابن أبي ليلى والحسن البصري ،وهي
رواية عن إبراهيم النخعي رضي ال عنهم.
@قوله تعالى" :وإن كنتم جنبا فاطهروا" وقد مضى في "النساء" معنى الجنب .و"اطهروا" أمر
بالغتسنال بالماء؛ ولذلك رأى عمر وابن مسعود -رضي ال عنهما -أن الجنب ل تيمنم البتة بل
يدع الصلة حتى يجد الماء .وقال الجمهور من الناس :بل هذه العبارة هي لواجد الماء ،وقد ذكر
الجنب بعد في أحكام عادم الماء بقوله" :أو لمستم النساء" والملمسة هنا الجماع؛ وقد صح عن
عمنر وابنن مسنعود أنهمنا رجعنا إلى منا علينه الناس وأن الجننب يتيمنم .وحدينث عمران بنن حصنين
نص في ذلك ،وهو أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى رجل معتزل لم يصل في القوم فقال:
(ينا فلن منا منعنك أن تصنلي فني القوم) فقال :ينا رسنول ال أصنابتني جنابنة ول ماء .قال( :علينك
بالصعيد فإنه يكفيك) أخرجه البخاري.
@قوله تعالى" :وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط" تقدم في "النساء"
مسنتوفى ،ونزيند هننا مسنألة أصنولية أغفلناهنا هناك ،وهني تخصنيص العموم بالعادة الغالبنة ،فإن
الغائط كناينة عنن الحداث الخارجنة منن المخرجينن كمنا بيناه فني "النسناء" فهنو عام ،غينر أن جنل
علمائنننا خصننصوا ذلك بالحداث المعتادة الخارجننة على الوجننه المعتاد ،فلو خرج غيننر المعتاد
كالحصنى والدود ،أو خرج المعتاد على وجنه السنل والمرض لم يكنن شينء منن ذلك ناقضنا .وإنمنا
صناروا إلى اللفنظ؛ لن اللفنظ مهمنا تقرر لمدلوله عرف غالب فني السنتعمال ،سنبق ذلك الغالب
لفهنم السنامع حالة الطلق ،وصار غيره مما وضع له اللفنظ بعيدا عن الذهن ،فصنار غينر مدلول
له ،وصنار الحال فينه كالحال فني الدابنة؛ فإنهنا إذا أطلقنت سنبق منهنا الذهنن إلى ذوات الربنع ،ولم
تخطنر النملة ببال السنامع فصنارت غينر مرادة ول مدلولة لذلك اللفنظ ظاهرا .والمخالف يقول :ل
يلزم منن أسنبقية الغالب أن يكون النادر غينر مراد؛ فإن تناول اللفنظ لهمنا واحند وضعنا ،وذلك يدل
على شعور المتكلم بهما قصدا؛ والول أصح ،وتتمته في كتب الصول.
@قوله تعالى" :أو لمستم النساء" روي عبيدة عن عبدال بن مسعود أنه قال :القبلة من اللمس،
وكل ما دون الجماع لمس؛ وكذلك قال ابن عمر واختاره محمد بن يزيد قال :لن قد ذكر في أول
الية ما يجب على من جامع في قوله" :وإن كنتم جنبا فاطهروا" .وقال عبدال بن عباس :اللمس
والمنس والغشيان الجماع ،ولكننه عنز وجنل يكنني .وقال مجاهند فني قوله عنز وجنل" :وإذا مروا
باللغنو مروا كرامنا" [الفرقان ]72 :قال :إذا ذكروا النكاح كنوا عننه؛ وقند مضنى فني "النسناء"
القول في هذا الباب مستوفى والحمد ل.
@قوله تعالى" :فلم تجدوا ماء" قد تقدم في "النساء" أن عدمه يترتب للصحيح الحاضر أن يسجن
أو يربنط ،وهنو الذي يقال فينه :إننه إن لم يجند ماء ول ترابنا وخشني خروج الوقنت؛ اختلف الفقهاء
في حكمه على أربعة أقوال :الول :قال ابن خويز منداد :الصحيح على مذهب مالك بأنه ل يصلي
ول شيء عليه؛ قال :ورواه المدنيون عن مالك؛ قال :وهو الصحيح من المذهب .وقال ابن القاسم:
يصننلي ويعينند؛ وهننو قول الشافعنني .وقال أشهننب :يصننلي ول يعينند .وقال أصننبغ :ل يصننلي ول
يقضي؛ وبه قال أبو حنيفة .قال أبو عمر بن عبدالبر :ما أعرف كيف أقدم بن خويز منداد على أن
جعل الصحيح من المذهب ما ذكر ،وعلى خلفه جمهور السلف وعامة الفقهاء وجماعة المالكيين.
وأظنه ذهنب إلى ظاهنر حديث مالك فني قوله :وليسنوا على ماء -الحديث -ولم يذكنر أنهنم صلوا؛
وهذا ل حجة فيه .وقده ذكر هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في هذا الحديث أنهم صلوا بغير
وضوء ولم يذكر إعادة؛ وقد ذهب إلى هذا طائفة من الفقهاء .قال أبو ثور :وهو القياس.
قلت :وقد احتج المزني فيما ذكره الكيا الطبري بما ذكر في قصة القلدة عن عائشة رضي ال
عنهنا حينن ضلت ،وأن أصنحاب الننبي صنلى ال علينه وسنلم الذينن بعثهنم لطلب القلدة صنلوا بغينر
تيمنم ول وضوء وأخنبروه بذلك ،ثنم نزلت آينة التيمنم ولم ينكنر عليهنم فعلهنا بل وضوء ول تيمنم،
والتيمم متى لم مشروعا فقد صلوا بل طهارة أصل .ومنه قال المزني :ول إعادة ،وهو نص في
جواز الصنلة منع عدم الطهارة مطلقنا عنند تعذر الوصنول إليهنا؛ قال أبنو عمنر :ول ينبغني حمله
على المغمني علينه لن المغمنى علينه مغلوب على عقله وهذا معنه عقله .وقال ابنن القاسنم وسنائر
العلماء :الصنلة علينه واجبنة إذا كان معنه عقله ،فإذا زال الماننع له توضنأ أو تيمنم وصنلى .وعنن
الشافعي روايتان؛ المشهور عنه يصلي كما هو ويعيد؛ قال المزني :إذا كان محبوسا ل يقدر على
تراب نظيننف صننلى وأعاد؛ وهننو قول أبنني يوسننف ومحمنند والثوري والطننبري .وقال زفننر بننن
الهذيل :المحبوس في الحضر ل يصلي وإن وجد ترابا نظيفا .وهذا على أصله فإنه ل يتيمم عنده
فني الحضنر كمنا تقدم .وقال أبنو عمنر :منن قال يصنلي كمنا هنو ويعيند إذا قدر على الطهارة فإنهنم
احتاطوا للصلة بغير طهور؛ قالوا :وقوله عليه السلم( :ل يقبل ال صلة بغير طهور) لمن قدر
على طهور؛ فأمنا منن لم يقدر فلينس كذلك؛ لن الوقنت فرض وهنو قادر علينه فيصنلي كمنا قدر فني
الوقنت ثنم يعيند ،فيكون قند أخنذ بالحتياط فني الوقنت والطهارة جميعنا .وذهنب الذينن قالوا ل يصنلي
لظاهر هذا الحديث؛ وهو قول مالك وابن نافع وأصبغ قالوا :من عدم الماء والصعيد لم يصل ولم
يقنض إن خرج وقنت الصنلة؛ لن عدم قبولهنا لعدم شروطهنا يدل على أننه غينر مخاطنب بهنا حالة
عدم شروطها فل يترتب شيء في الذمة فل يقضي؛ قاله غير أبي عمر ،وعلى هذا تكون الطهارة
من شروط الوجوب.
@قوله تعالى" :فتيمموا صنعيدا طيبنا" قند مضنى فني "النسناء" اختلفهنم فني الصنعيد ،وحدينث
عمران بنن حصنين ننص على منا يقول مالك ،إذ لو كان الصنعيد التراب لقال علينه السنلم للرجنل
عليننك بالتراب فإنننه يكفيننك ،فلمننا قال( :عليننك بالصننعيد) أحال على وجننه الرض .وال أعلم.
"فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه" تقدم في "النساء" الكلم فيه فتأمله هناك.
@ وإذا انتهنى القول بننا فني الي إلى هننا فاعلم أن العلماء تكلموا فني فضنل الوضوء والطهارة
وهي خاتمة الباب :قال صلى ال عليه وسلم( :الطهور شطر اليمان) أخرجه مسلم من حديث أبي
مالك الشعري ،وقند تقدم فني "البقرة" الكلم فينه؛ قال ابنن العربني :والوضوء أصنل فني الدينن،
وطهارة المسنلمين ،وخصنوصا لهذه المنة فني العالمينن .وقند روي أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم
توضنأ وقال( :هذا وضوئي ووضوء الننبياء منن قبلي ووضوء أبني إبراهينم) وذلك ل يصنح؛ قال
غيره :لينس هذا بمعارض لقوله علينه السنلم( :لكنم سنيما ليسنت لغيركنم) فإنهنم كانوا يتوضؤون،
وإنمنا الذي خنص بنه هذه المنة الغرة والتحجينل ل بالوضوء ،وهمنا تفضنل منن ال تعالى اختنص
بهما هذه المة شرفا لها ولنبيها صلى ال عليه وسلم كسائر فضائلها على سائر المم ،كما فضل
نبيهنا صنلى ال علينه وسنلم بالمقام المحمود وغيره على سنائر الننبياء؛ وال أعلم .قال أبنو عمنر:
وقند يجوز أن يكون الننبياء يتوضؤون فيكتسنبون بذلك الغرة والتحجينل ول يتوضنأ أتباعهنم ،كمنا
جاء عن موسى عليه السلم قال" :يا رب أجد أمة كلهم كالنبياء فاجعلها أمتي" فقال له" :تلك أمة
محمد" في حديث فيه طول .وقد روى سالم بن عبدال بن عمر عن كعب الحبار أنه سمع رجل
يحدث أننه رأى رؤينا فني المنام أن الناس قند جمعوا للحسناب؛ ثنم دعني الننبياء منع كنل ننبي أمتنه،
وأننه رأى لكنل ننبي نورينن يمشني بينهمنا ،ولم اتبعنه منن أمتنه نورا واحدا يمشني بنه ،حتنى دعني
بمحمد صلى ال عليه وسلم فإذا شعر رأسه ووجهه نور كله يراه كل من نظر إليه ،وإذا لمن اتبعه
من أمته نوران كنور النبياء؛ فقال له كعب وهو ل يشعر أنها رؤيا :من حدثك بهذا الحديث وما
علمنك بنه؟ فأخنبره أنهنا رؤينا؛ فأنشده كعنب ،ال الذي ل إله إل هنو لقند رأينت منا تقول فني منامنك؟
فقال :نعنم وال لقند رأينت ذلك؛ فقال كعنب :والذي نفسني بيده -أو قال والذي بعنث محمدا بالحنق -
إن هذه لصفة أحمد وأمته ،وصفة النبياء في كتاب ال ،لكأن ما تقوله من التوراة .أسنده في كتاب
"التمهيند" قال أبنو عمنر :وقند قينل إن سنائر المنم كانوا يتوضؤون وال أعلم؛ وهذا ل أعرفنه منن
وجنه صنحيح .وخرج مسنلم عنن أبني هريرة أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال( :إذا توضنأ
العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو آخر
قطنر الماء فإذا غسنل يدينه خرج منن يدينه كنل خطيئة كان بطشتهنا يداه منع الماء أو منع آخنر قطنر
الماء فإذا ضل رجليه خرجت كل خطيئة كان مشتها رجله مع الماء أو مع آخر قطر السماء حتى
يخرج نقيننا مننن الذنوب) .وحديننث مالك عننن عبدال الصنننابحي أكمننل ،والصننواب أبننو عبدال ل
عبدال ،وهنو ممنا وهنم فينه مالك ،واسنمه عبدالرحمنن بنن عسنيلة تابنع شامني كنبير لدراكنه أول
خلفنة أبني بكنر؛ قال أبنو عبدال الصننابحي :قدمنت مهاجرا إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم منن
اليمنن فلمنا وصنلنا الجحفنة إذا براكنب قلننا له منا الخنبر؟ قال :دفننا رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم
مننذ ثلثنة أيام .وهذه الحادينث ومنا كان فني معناهنا منن حدينث عمرو بنن عبسنة وغيره تفيدك أن
المراد بها كون الوضوء مشروعا عبادة لدحض الثام؛ وذلك يقتضي افتقاره إلى نية شرعية؛ لنه
شرع لمحو الثم ورفع الدرجات عند ال تعالى.
@قوله تعالى" :منا يريد ال ليجعنل عليكم من حرج" أي من ضينق فني الدينن؛ دليله قوله تعالى:
"ومنا جعنل عليكنم فني الدينن منن حرج" [الحنج .]78 :و"منن" صنلة أي ليجعنل عليكنم حرجنا.
"ولكنن يريند ليطهركنم" أي منن الذنوب كمنا ذكرننا منن حدينث أبني هريرة والصننابحي .وقينل :منن
الحدث والجنابة .وقيل :لتستحقوا الوصف بالطهارة التي يوصف بها أهل الطاعة .وقرأ سعيد بن
المسنيب "ليطهركنم" والمعننى واحند ،كمنا يقال :نجاه وأنجاه" .وليتنم نعمتنه عليكنم" أي بالترخينص
فني التيمنم عنند المرض والسنفر .وقينل :بتنبيان الشرائع .وقينل :بغفران الذنوب؛ وفني الخنبر (تمام
النعمة دخول الجنة والنجاة من النار)" .لعلكم تشكرون" أي لتشكروا نعمته فتقبلوا على طاعته.
**3الية{ 7 :واذكروا نعمة ال عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا ال
إن ال عليم بذات الصدور}
@قوله تعالى" :واذكروا نعمة ال عليكم وميثاقه الذي واثقكم به" قيل :هو الميثاق الذي في قوله
عنز وجنل" :وإذ أخنذ ربنك منن بنني آدم" [العراف ]172 :؛ قال مجاهند وغيره .ونحنن وإن لم
نذكره فقند أخبرننا الصنادق به ،فيجوز أن نؤمنر بالوفاء بنه .وقينل :هو خطاب لليهود بحفنظ منا أخنذ
عليهنم فني التوراة؛ والذي علينه الجمهور منن المفسنرين كابنن عباس والسندي هنو العهند والميثاق
الذي جرى لهنم منع الننبي صنلى ال علينه وسنلم على السنمع والطاعنة فني المنشنط والمكره إذ قالوا:
سنمعنا وأطعننا ،كمنا جرى ليلة العقبنة وتحنت الشجرة ،وأضافنه تعالى إلى نفسنه كمنا قال" :إنمنا
يبايعون ال" [الفتح ]10 :فبايعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم عند العقبة على أن يمنعوه مما
يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم ،وأن يرحل إليهم هو وأصحابه ،وكان أول من بايعه البراء
بنن معرور ،وكان له فني تلك الليلة المقام المحمود فني التوثنق لرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم،
والشند لعقند أمره ،وهنو القائل :والذي بعثنك بالحنق لنمنعننك ممنا نمننع مننه أزرننا ،فبايعننا ينا رسنول
ال فنحنن وال أبناء الحروب وأهنل الحلقنة ورثناهنا كابرا عنن كابر .الخنبر المشهور فني سنيرة ابنن
إسنحاق .ويأتني ذكنر بيعنة الرضوان فني موضعهنا .وقند اتصنل هذا بقوله تعالى" :أوفوا بالعقود"
[المائدة ]1 :فوفوا بمنا قالوا؛ جزاهنم ال تعالى عنهنم وعنن السنلم خيرا ،ورضني ال عنهنم
وأرضاهم" .واتقوا ال" أي في مخالفته أنه عالم بكل شيء.
**3اليات{ 10 - 8 :يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ل شهداء بالقسط ول يجرمنكم شنآن قوم
على أل تعدلوا اعدلوا هنو أقرب للتقوى واتقوا ال إن ال خنبير بمنا تعملون ،وعند ال الذينن آمنوا
وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم ،والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين" الية تقدم معناها في "النساء" .والمعنى :أتمم
علينك نعمتني فكونوا قوامينن ل ،أي لجنل ثواب ال؛ فقوموا بحقنه ،وأشهدوا بالحنق منن غينر مينل
إلى أقاربكم ،وحيف على أعدائكم" .ول يجرمنكم شنآن قوم" على ترك العدل وإيثار العدوان على
الحنق .وفني هذا دلينل على نفوذ حكنم العدو على عدوه فني ال تعالى ونفوذ شهادته عليه؛ لنه أمنر
بالعدل وإن أبغضننه ،ولو كان حكمننه عليننه وشهادتننه ل تجوز فيننه مننع البغننض له لمننا كان لمره
بالعدل فينه وجنه .ودلت الينة أيضنا على أن كفنر الكافنر ل يمننع منن العدل علينه ،وأن يقتصنر بهنم
على المسننتحق مننن القتال والسننترقاق ،وأن المثلة بهننم غيننر جائزة وإن قتلوا نسنناءنا وأطفالنننا
وغموننا بذلك؛ فلينس لننا أن نقتلهنم بمثله قصندا ليصنال الغنم والحزن إليهنم؛ وإلينه أشار عبدال بنن
رواحنة بقوله فني القصنة المشهورة :هذا معننى الينة .وتقدم فني صندر هذه السنورة معننى قوله" :ل
يجنر منكنم شنآن قوم" .وقرئ "ول يجرمنكنم" قال الكسنائي :همنا لغتان .وقال الزجاج :معننى "ل
يجنر منكنم" ل يدخلنكنم فني الجرم؛ كمنا تقول :آثمنني أي أدخلنني فني الثنم .ومعننى "هنو أقرب
للتقوى" أي لن تتقوا ال .وقيل :لن تتقوا النار .ومعنى "لهم مغفرة وأجر عظيم" أي قال ال في
حق المؤمنين" :لهم مغفرة وأجر عظيم" أي ل تعرف كنهه أفهام الخلق؛ كما قال" :فل تعلم نفس
منا أخفني لهنم منن قرة أعينن" [السنجدة .]17 :وإذا قال ال تعالى" :أجنر عظينم" و"أجنر كرينم"
[يس ]11 :و"أجر كبير" [هود ]11 :فمن ذا الذي يقدر قدره؟ .ولما كان الوعد من قبيل القول
حسنن إدخال اللم فني قوله" :لهنم مغفرة" وهنو فني موضنع نصنب؛ لننه وقنع موقنع الموعود بنه،
على معنننى وعدهننم أن لهننم مغفرة أو وعدهننم مغفرة إل أن الجملة وقعننت موقننع المفرد؛ كمننا قال
الشاعر:
وجنات وعينا سلسبيل وجدنا الصالحين لهم جزاء
وموضنع الجملة نصنب؛ ولذلك عطنف عليهنا بالنصنب .وقينل :هنو فني موضنع رفنع على أن يكون
الموعود به محذوفا؛ على تقدير لهم مغفرة وأجر عظيم فيما وعدهم به .وهذا المعنى عن الحسن.
نزلت في بني النضير .وقيل في جميع الكفار.
**3الينة{ 11 :ينا أيهنا الذينن آمنوا اذكروا نعمنة ال عليكنم إذ هنم قوم أن يبسنطوا إليكنم أيديهنم
فكف أيديهم عنكم واتقوا ال وعلى ال فليتوكل المؤمنون}
@ قال جماعة :نزلت بسبب فعل العرابي في غزوة ذات الرقاع حين اخترط سيف النبي صلى
ال علينه وسنلم وقال :منن يعصنمك منني ينا محمند؟ كمنا تقدم فني "النسناء" .وفني البخاري :أن الننبي
صنلى ال علينه وسنلم دعنا الناس فاجتمعوا وهنو جالس عنند الننبي صنلى ال علينه وسنلم ولم يعاقبنه.
وذكنر الواقدي وابنن أبني حاتنم أننه أسنلم .وذكنر قوم أننه ضرب برأسنه فني سناق شجرة حتنى مات.
وفني البخاري فني غزوة ذات الرقاع أن اسنم الرجنل غورث بنن الحارث (بالغينن منقوطنة مفتوحنة
وسكون الواو بعدها راء وثاء مثلثة) وقد ضم بعضهم الغين ،والول صح .وذكر أبو حاتم محمد
بنن إدرينس الرازي ،وأبنو عبدال محمند بنن عمنر الواقدي أن اسنمه دعثور بنن الحارث ،وذكنر أننه
أسنلم كمنا تقدم .وذكنر محمند بنن إسنحاق أن اسنمه عمرو بنن جحاش وهنو أخنو بنني النضينر .وذكنر
بعضهم أن قصة عمرو بن جحاش في غير هذه القصة .وال أعلم .وقال قتادة ومجاهد وغيرهما:
نزلت في قوم من اليهود جاءهم النبي صلى ال عليه وسلم يستعينهم في دية فهموا بقتله صلى ال
عليه وسلم ال منهم .قال القشيري :وقد تنزل الية في قصة ثم ينزل ذكرها مرة أخرى لدكار ما
سبق" .أن يبسطوا إليكم أيديهم" أي بالسوء" .فكف أيديهم عنكم" أي منعهم.
**3الية{ 12 :ولقد أخذ ال ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال ال إني معكم
لئن أقمتنم الصنلة وآتيتنم الزكاة وآمنتنم برسنلي وعزرتموهنم وأقرضتنم ال قرضنا حسننا لكفرن
عنكنم سنيئاتكم ولدخلنكنم جنات تجري منن تحتهنا النهار فمنن كفنر بعند ذلك منكنم فقند ضنل سنواء
السبيل}
@ قال ابنن عطينة :هذه اليات المتضمننة الخنبر عنن نقضهنم مواثينق ال تعالى تقوي أن الينة
المتقدمنة فني كنف اليدي إنمنا كاننت فني بنني النضينر ،واختلف أهنل التأوينل فني كيفينة بعنث هؤلء
النقباء بعند الجماع على أن النقينب كنبير القوم ،القائم بأمورهنم الذي ينقنب عنهنا وعنن مصنالحهم
فيها .والنقاب :الرجل العظيم الذي هو في الناس على هذه الطريقة؛ ومنه قيل في عمر رضي ال
عنننه :إنننه كان لنقابننا .فالنقباء الضمان ،واحدهننم نقيننب ،وهننو شاهنند القوم وضمينهننم؛ يقال :نقننب
عليهنم ،وهنو حسنن النقيبنة أي حسنن الخليقنة .والنقنب والنقنب الطرينق فني الجبنل .وإنمنا قينل :نقينب
لننه يعلم دخيلة أمنر القوم ،ويعرف مناقبهنم وهنو الطرينق إلى معرفنة أمورهنم .وقال قوم :القباء
المناء على قومهنم؛ وهذا كله قرينب بعضنه منن بعنض .والنقينب أكنبر مكاننة منن العرينف .قال
عطاء بنن يسنار :حملة القرآن عرفاء أهنل الجننة؛ ذكره الدرامني فني مسننده .قال قتادة -رحمنه ال
وغيره :هؤلء النقباء قوم كبار من كل سبط ،تكفل كل واحد بسنبطه بأن يؤمنوا ويتقوا ال؛ ونحو
هذا كان النقباء ليلة العقبنة؛ باينع فيهنا سنبعون رجل وامرأتان .فاختار رسنول ال صنلى ال علينه
وسنلم منن السنبعين اثنني عشنر رجل ،وسنماهم القباء اقتداء بموسنى صنلى ال علينه وسنلم .وقال
الربينع والسندي وغيرهمنا :إنمنا بعنث النقباء منن بنني إسنرائيل أمناء على الطلع على الجبارينن
والسبر لقوتهم ومنعتهم؛ فساروا ليختبروا حال من بها ،ويعلموه بما اطلعوه عليه فيها حتى ينظر
فني الغزو إليهنم؛ فأطلعوا منن الجبارينن على قوة عظيمنة -على منا يأتني -وظنوا أنهنم ل قبنل لهنم
بها؛ فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل ،وأن يعلموا به موسى عليه السلم ،فلما
انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فعرفوا قراباتهم ،ومن وثقوه على سرهم؛ ففشا الخبر
حتى أعوج أمر بني إسرائيل فقالوا" :فاذهب أنت وربك فقاتل إنا ههنا قاعدون" [المائدة.]24 :
@ ففي الية دليل على قبول خبر الواحد فيما يفتقر إليه المرء ،ويحتاج إلى اطلعه من حاجاته
الدينيننة والدنيويننة؛ فتركننب عليننه الحكام ،ويرتبننط بننه الحلل والحرام؛ وقنند جاء أيضننا مثله فنني
السنلم؛ قال صنلى ال علينه وسنلم لهوازن( :ارجعوا حتنى يرفنع إيننا عرفاؤكنم أمركنم) .أخرجنه
البخاري.
@ وفيهنا أيضنا دلينل على اتخاذ الجاسنوس .والتجسنس :التبحنث .وقند بعنث رسنول ال صنلى ال
عليه وسلم بسبسة عينا؛ أخرجه مسلم .وسيأتي حكم الجاسوس في "الممتحنة" إن شاء ال تعالى.
وأمنا أسنماء نقباء بنني إسنرائيل فقند ذكنر أسنماءهم محمند بنن حنبيب فني "المحنبر" فقال :منن سنبط
روبيل شموع بن ركوب ،ومن سبط شمعون شوقوط بن حوري ،ومن سبط يهوذا كالب بن يوقنا،
ومنن سنبط السناحر يوغول بنن يوسنف ،ومنن سنبط أفراثينم بنن يوسنف يوشنع بنن النون ،ومنن سنبط
بنيامين يلظى بن روقو ،ومن سبط ربالون كرابيل بن سودا ومن سبط منشا بن يوسف كدي بن
سوشا ،ومن سبط دان عمائيل بن كسل ،ومن سبط شير ستور بن ميخائيل ،ومن سبط نفتال يوحنا
بنن وقوشنا ،ومنن سنبط كاذ كوال بنن موخنى؛ فالمؤمنان منهنم يوشنع وكالب ،ودعنا موسنى علينه
السلم على الخرين فهلكوا مسخوطا عليهم؛ قاله الماوردي .وأما نقباء ليلة العقبة فمذكورون في
سيرة ابن إسحاق فلينظروا هناك.
@قوله تعالى" :وقال ال إني معكم لئن أقمتم الصلة" الية .قال الربيع بن أنس :قال ذلك للنقباء.
وقال غيره :قال ذلك لجمينع ينني إسنرائيل .وكسنرت "إن" لنهنا مبتدأة" .معكنم" لننه ظرف ،أي
بالنصننر والعون .ثننم ابتدأ فقال" :لئن أقمتننم الصننلة" إلى أن قال "لكفرن عنكننم سننيئاتكم" أي إن
فعلتنم ذلك "ولدخلنكنم جنات" واللم فني "لئن" لم توكيند ومعناهنا القسنم؛ وكذا "لكفرن عنكنم"،
"ولدخلنكم" .وقيل :المعنى لئن أقمتم الصلة لكفرن عنكم سيئاتكم ،وتضمن شرطا آخر لقوله:
"لكفرن" أي إن فعلتم ذلك كفر .وقيل :قوله "لئن أقمتم الصلة" جزاء لقوله" :إني معكم" وشرط
لقوله" :لكفرن" والتعزير :التعظيم والتوقير؛ وأنشد أبو عبيدة:
ومن ليث يعزر في الندي وكم من ماجد لهم كريم
أي يعظنم ويوقنر .والتعزينر :الضرب دون الحند ،والرد؛ تقول :عزرت فلننا إذا أدبتنه ورددت عن
القبيننح .فقوله" :عزرتموهننم" أي رددتننم عنهننم أعداءهننم" .وأقرضتننم ال قرضننا حسنننا" يعننني
الصندقات؛ ولم يقنل إقراضا ،وهذا ممنا جاء منن المصندر بخلف المصدر كقوله" :وال أنبتكنم منن
الرض نباتنا" [نوح" ، ]17 :فتقبلهنا ربهنا بقبول حسنن" [آل عمران ]37 :وقند تقدم .ثنم قينل:
"حسننا" أي طيبنة بهنا نفوسنكم .وقينل :يبتغون بهنا وجنه ال .وقينل :حلل .وقينل" :قرضنا" اسنم ل
مصندر" .فمنن كفنر بعند ذلك منكنم" أي بعند الميثاق" .فقند ضنل سنواء السنبيل" أي أخطنأ قصند
الطريق .وال أعلم.
**3الينة{ 13 :فبمنا نقضهنم ميثاقهنم لعناهنم وجعلننا قلوبهنم قاسنية يحرفون الكلم عنن مواضعنه
ونسنوا حظنا ممنا ذكروا بنه ول تزال تطلع على خائننة منهنم إل قليل منهنم فاعنف عنهنم واصنفح إن
ال يحب المحسنين}
@قوله تعالى" :فبما نقضهم ميثاقهم" أي فبنقضهم ميثاقهم" ،ما" زائدة للتوكيد ،عن قتادة وسائر
أهل العلم؛ وذلك أنها تؤكد الكلم بمعنى تمكنه في النفس من جهة حسن النظم ،ومن جهة تكثيره
للتوكيد؛ كما قال:
لشيء ما يسود من يسود
فالتأكيند بعلمنة موضوعنة كالتأكيند بالتكرينر" .لعناهنم" قال ابنن عباس :عذبناهنم بالجزينة .وقال
الحسنن ومقاتنل :بالمسنخ .عطاء :أبعدناهنم؛ واللعنن البعاد والطرد منن الرحمنة" .وجعلننا قلوبهنم
قاسنية" أي صنلبة ل تعني خيرا ول تفعله؛ والقاسنية والعاتينة بمعننى واحند .وقرأ الكسنائي وحمزة:
"قسنية" بتشديند الياء منن غينر ألف؛ وهني قراءة ابنن مسنعود والنخعني ويحينى بنن وثاب .والعام
القسي الشديد الذي ل مطر فيه .وقيل :هو من الدراهم القسيات أي الفاسدة الرديئة؛ فمعنى "قسية"
على هذا ليسنت بخالصنة اليمان ،أي فيهنا نفاق .قال النحاس :وهذا قول حسنن؛ لننه يقال :درهنم
قسني إذا كان مغشوشنا بنحاس أو غيره .يقال :درهنم قسني (مخفنف السنين مشدد الياء) مثال شقني
أي زائف؛ ذكر ذلك أبو عبيد وأنشد:
صاح القسيات في أيدي الصياريف لها صواهل في صم السلم كما
يصف وقع المساحي في الحجارة .وقال الصمعي وأبو عبيد :درهم قسي كأنه معرب قاشي .قال
القشيري :وهذا بعيند؛ لننه لينس فني القرآن منا لينس منن لغنة العرب ،بنل الدرهنم القسني منن القسنوة
والشدة أيضنا؛ لن منا قلت نقرتنه يقسنوا ويصنلب .وقرأ العمنش" :قسنية" بتخفينف الياء على وزن
فعلة نحنو عمينة وشجينة؛ منن قسني يقسنى ل منن قسنا يقسنو .وقرأ الباقون على وزن فاعلة؛ وهنو
اختيار أبي عبيد؛ وهما لغتان مثل العلية والعالية ،والزكية والزاكية .قال أبو جعفر النحاس :أولى
ما فيه أن تكون قسية بمعنى قاسية ،إل أن فعيلة أبلغ من فاعلة .فالمعنى :جعلنا قلوبهم غليظة نابية
عنن اليمان والتوفينق لطاعتني؛ لن القوم لم يوصنفوا بشينء منن اليمان فتكون قلوبهنم موصنوفة
بأن إيمانها خالطه كفر ،كالدراهم القسية التي خالطها غش .قال الراجز:
قد قسوت وقست لداتي
@قوله تعالى" :يحرفون الكلم عنن مواضعنه" أي يتأولوننه على غينر تأويله ،ويلقون ذلك إلى
العوام .وقيننل :معناه يبدلون حروفننه" .ويحرفون" فنني موضننع نصننب ،أي جعلنننا قلوبهننم قاسننية
محرفينن .وقرأ السنلمي والنخعني "الكلم" باللف وذلك أنهنم غيروا صنفة محمند صنلى ال علينه
وسنلم وآينة الرجنم" .ونسنوا حظنا ممنا ذكروا بنه" أي نسنوا عهند ال الذي أخذه الننبياء عليهنم منن
اليمان بمحمند صنلى ال علينه وسنلم ،.وبيان نعتنه" .ول تزال تطلع" أي وأننت ينا محمند ل تزال
الن تقف "على خائنة منهم" والخائنة الخيانة؛ قال قتادة .وهذا جائز في اللغة ،ويكون مثل قولهم:
قائلة بمعننى قيلولة .وقينل :هنو نعنت لمحذوف والتقدينر فرقنة خائننة .وقند تقنع "خائننة" للواحند كمنا
يقال :رجنل نسنابة وعلمنة؛ فخائننة على هذا للمبالغنة؛ يقال :رجنل خائننة إذا بالغنت فنني وصنفه
بالخيانة .قال الشاعر:
للغدر خائنة مغل الصبع حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن
قال ابن عباس" :على خائنة" أي معصية .وقيل :كذب وفجور .وكانت خيانتهم نقضهم العهد بينهم
وبينن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم ،ومظاهرتهنم المشركينن على حرب رسنول ال صنلى ال
عليننه وسننلم؛ كيوم الحزاب وغيننر ذلك مننن همهننم بقتله وسننبه" .إل قليل منهننم" لم يخونوا فهننو
استثناء من الهاء والميم اللتين في "خائنة منهم"" .فاعف عنهم واصفح" في معناه قولن :فاعف
عنهنم واصنفح منا دام بيننك وبينهنم عهند وهنم أهنل الذمنة .والقول الخنر إننه منسنوخ بآينة السنيف.
وقيل :بقوله عز وجل "وإما تخافن من قوم خيانة" [النفال.]58:
**3اليات{ 16 - 14 :ومنن الذينن قالوا إننا نصنارى أخذننا ميثاقهنم فنسنوا حظنا ممنا ذكروا بنه
فأغريننا بينهنم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامنة وسنوف ينبئهنم ال بمنا كانوا يصننعون ،ينا أهنل
الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من
ال نور وكتاب مبين ،يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل السلم ويخرجهم من الظلمات إلى النور
بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}
@قوله تعالى" :ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم" أي في التوحيد واليمان بمحمد صلى
ال عليننه وسننلم؛ إذ هننو مكتوب فنني النجيننل" .فنسننوا حظننا" وهننو اليمان بمحمنند عليننه الصننلة
والسنلم؛ أي لم يعملوا بمنا أمروا بنه ،وجعلوا ذلك الهوى والتحرينف سنببا للكفنر بمحمند صنلى ال
عليه وسلم .ومعنى "أخذنا ميثاقهم" هو كقولك :أخذت من زيد ثوبه ودرهمه؛ قاله الخفش .ورتبة
"الذينن" أن تكون بعند "أخذننا" وقينل الميثاق؛ فيكون التقدينر :أخذننا منن الذينن قالوا إننا نصنارى
ميثاقهم؛ لنه في موضع المفعول الثاني لخذنا .وتقديره عند الكوفيين ومن الذين قالوا إنا نصارى
مننن أخذنننا ميثاقننه؛ فالهاء والميننم تعودان على "مننن" المحذوفننة ،وعلى القول الول تعودان على
"الذينن" .ول يجينز النحويون أخذننا ميثاقهنم منن الذينن قالوا إننا نصنارى ،ول ألينهنا لبسنت منن
الثياب؛ لئل يتقدم مضمر على ظاهر .وفي قولهم" :إنا نصارى" ولم يقل من النصارى دليل على
أنهم ابتدعوا النصرانية وتسموا بها؛ روي معناه عن الحسن.
@قوله تعالى" :فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء" أي هيجنا .وقيل :ألصقنا بهم؛ مأخوذ من الغراء
وهنو منا يلصنق الشينء بالشينء كالصنمغ وشبهنه .يقال :غري بالشينء يغرى غرا "بفتنح الغينن"
مقصنورا وغراء "بكسنر الغينن" ممدودا إذا أولع بنه كأننه التصنق بنه .وحكنى الرمانني :الغراء
تسليط بعضهم على بعض .وقيل :الغراء التحريش ،وأصله اللصوق؛ يقال :غريت بالرجل غرا
-مقصور وممدود مفتوح الول -إذ لصقت به .وقال كثير.
غراء ومدتها حوافل نهل إذا قيل مهل قالت العين بالبكا
وأغريننت زيدا بكذا حتننى غري بننه؛ ومنننه الغراء الذي يغري بننه للصننوقه؛ فالغراء بالشيننء
اللصناق بنه منن جهنة التسنليط علينه .وأغرينت الكلب أي أولعتنه بالصنيد" .بينهنم" ظرف للعداوة.
"والبغضاء" البغض .أشار بهذا إلى اليهود والنصارى لتقدم ذكرهما .عن السدي وقتادة :بعضهم
لبعض عدو .وقيل :أشار إلى افتراق النصارى خاصة؛ قاله الربيع بن أنس ،لنهم أقرب مذكور؛
وذلك أنهم افترقوا إلى اليعاقبة والنسطورية والملكانية؛ أي كفر بعضهم بعضا .قال النحاس :ومن
أحسنن منا قينل فني معننى "أغريننا بينهنم العداوة والبغضاء" أن ال عنز وجنل أمنر بعداوة الكفار
وإبغاضهم ،فكل فرقة مأمُورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها لنهم كفار .وقوله" :وسوف ينبئهم ال"
تهديد لهم؛ أي سيلقون جزاء نقض الميثاق.
@قوله تعالى" :يا أهل الكتاب" الكتاب اسم جنس بمعنى الكتب؛ فجميعهم مخاطبون" .قد جاءكم
رسولنا" محمد صلى ال عليه وسلم" .يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب" أي من كتبكم؛
منن اليمان بنه ،ومنن آينة الرجنم ،ومنن قصنة أصنحاب السنبت الذينن مسنخوا قردة؛ فإنهنم كانوا
يخفونها" .ويعفو عن كثير" أي يتركه ول يبينه ،وإنما يبين ما فيه حجة على نبوته ،ودللة على
صندقه وشهادة برسنالته ،ويترك منا لم يكنن بنه حاجنة إلى تنبيينه .وقينل" :ويعفنو عنن كثينر" يعنني
يتجاوز عن كثير فل يخبركم به .وذكر أن رجل من أحبارهم جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم
فسأله فقال :يا هذا عفوت عنا؟ فأعرض عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يبين؛ وإنما أراد
اليهودي أن يظهنر مناقضنة كلمنه ،فلمنا لم ينبين له رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قام منن عنده
فذهب وقال لصحابه :أرى أنه صادق فيما يقول :لنه كان وجد في كتابه أنه ل يبين له ما سأله
عننه" .قند جاءكنم منن ال نور" أي ضياء؛ قينل :السنلم .وقينل :محمند علينه السنلم؛ عنن الزجاج.
"وكتاب مبين" أي القرآن؛ فإنه يبين الحكام ،وقد تقدم" .يهدي به ال من اتبع رضوانه" أي ما
رضيه ال" .سبل السلم" طرق السلمة الموصلة إلى دار السلم المنزهة عن كل آفة ،والمؤمنة
من كل مخافة؛ وهي الجنة .وقال الحسن والسدي" :السلم" ال عز وجل؛ فالمعنى دين ال -وهو
السلم -كما قال" :إن الدين عند ال السلم" [آل عمران" .]19 :ويخرجهم من الظلمات إلى
النور" أي من ظلمات الكفر والجهالت إلى نور السلم والهدايات" .بإذنه" أي بتوفيق وإرادته.
**3الية{ 17 :لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من ال شيئا إن
أراد أن يهلك المسنيح ابنن مرينم وأمنه ومنن فني الرض جميعنا ول ملك السنماوات والرض ومنا
بينهما يخلق ما يشاء وال على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :لقند كفنر الذينن قالوا إن ال هنو المسنيح ابنن مرينم" تقدم فني آخنر "النسناء" بياننه
والقول فيه .وكفر النصارى في دللة هذا الكلم إنما كان بقولهم :إن ال هو المسيح ابن مريم على
جهنة الدينوننة بنه؛ لنهنم لو قالوه على جهنة الحكاينة منكرينن له لم يكفروا" .قنل فمنن يملك منن ال
شيئا" أي منن أمنر ال .و"يملك" بمعننى يقدر؛ منن قولهنم ملكنت على فلن أمره أي اقتدرت علينه.
أي فمن يقدر أن يمنع من ذلك شيئا؟ فأعلم ال تعالى أن المسيح لو كان إلها لقدر على دفع ما ينزل
بنه أو بغيره ،وقند أمات أمنه ولم يتمكنن منن دفنع الموت عنهنا؛ فلو أهلكنه هنو أيضنا فمنن يدفعنه عنن
ذلك أو يرده" .ول ملك السماوات والرض وما بينهما" والمسيح وأمه بينهمنا مخلوقان محدودان
محصوران ،وما أحاط به الحد والنهاية ل يصلح لللهية .وقال "وما بينهما" ولم يقل وما بينهن؛
لنه أراد النوعين والصنفين كما قال الراعي:
قلصا لواقح كالقصي وحول طرقا فتلك هماهمي أقربهما
فقال" :طرقا" ثم قال" :فتلك هماهمي"" .يخلق ما يشاء" عيسى من أم بل أب آية لعباده` .
**3الية{ 18 :وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء ال وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم
بشنر ممنن خلق يغفنر لمنن يشاء ويعذب منن يشاء ول ملك السنماوات والرض ومنا بينهمنا وإلينه
المصير}
@قوله تعالى" :وقالت اليهود والنصنارى نحنن أبناء ال وأحباؤه" قال ابن عباس :خوف رسنول
ال صننلى ال عليننه وسننلم قومننا مننن اليهود العقاب فقالوا :ل نخاف فإنننا أبناء ال وأحباؤه؛ فنزلت
الينة .قال ابنن إسنحاق :أتنى رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم نعمان بنن أضنا وبحري بنن عمرو
وشأس بنن عدي فكلموه وكلمهنم ،ودعاهنم إلى ال عنز وجنل وحذرهنم نقمتنه فقالوا :منا تخوفننا ينا
محمننند؟؛ نحنننن أبناء ال وأحباؤه ،كقول النصنننارى؛ فأنزل ال عنننز وجنننل فيهنننم "وقالت اليهود
والنصنارى نحنن أبناء ال وأحباؤه قنل فلم يعذبكنم بذنوبكنم" إلى آخنر الينة .قال لهنم معاذ بنن جبنل
وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب :يا معشر يهود اتقوا ال ،فوال إنكم لتعلمون أنه رسول ال ،ولقد
كنتم تذكرونه لنا فبل مبعثه ،وتصفونه لنا بصفته؛ فقال رافع بن حريمة ووهب بن يهوذا :ما قلنا
هذا لكنم ،ول أنزل ال منن كتاب بعند موسنى ،ول أرسنل بشيرا ول نذيرا منن بعده؛ فأنزل ال عنز
وجل" :يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل" إلى قوله" :وال على كل
شينء قدينر" .السندي :زعمنت اليهود أن ال عنز وجنل أوحنى إلى إسنرائيل علينه السنلم أن ولدك
بكري منن الولد .قال غيره :والنصنارى قالت نحنن أبناء ال؛ لن فني النجينل حكاينة عنن عيسنى
"أذهب إلى أبي وأبيكم" .وقيل :المعنى :نحن أبناء رسل ال ،فهو على حذف مضاف .وبالجملة.
فإنهم رأوا لنفسهم فضل؛ فرد عليهم قولهم فقال "فلم يعذبكم بذنوبكم" فلم يكونوا يخلون من أحد
وجهين؛ إما أن يقولوا هو يعذبنا .فيقال لهم :فلستم إذا أبناءه وأحباءه؛ فإن الحبيب ل يعذب حبيبه،
وأنتنم تقرون بعذابنه؛ فذلك دلينل على كذبكنم -وهذا هنو المسنمى عنند الجدليينن بنبرهان الخلف -أو
يقولوا :ل يعذبننا فيكذبوا منا فني كتبهنم ،ومنا جاءت بنه رسنلهم ،وينبيحوا المعاصني وهنم معترفون
بعذاب العصنناة منهننم؛ ولهذا يلتزمون أحكام كتبهننم .وقيننل :معنننى "يعذبكننم" عذبكننم؛ فهننو بمعنننى
المضي؛ أي فلم مسخكم قردة وخنازير؟ ولم عذب من قبلكم من اليهود والنصارى بأنواع العذاب
وهم أمثالكم؟ لن ال سبحانه ل يحتج عليهم بشيء لم يكن بعد ،لنهم ربما يقولون ل نعذب غدا،
بنل يحتنج عليهنم بمنا عرفوه .ثنم قال" :بنل أنتنم بشنر ممنن خلق" أي كسنائر خلقنه يحاسنبكم على
الطاعنة والمعصنية ،ويجازي كل بمنا عمنل" .يغفنر لمنن يشاء" أي لمنن تاب منن اليهود" .ويعذب
مننن يشاء" مننن مات عليهننا" .ول ملك السننماوات والرض" فل شريننك له يعارضننه" .وإليننه
المصير" أي يؤول أمر العباد إليه في الخرة.
**3الينة{ 19 :ينا أهنل الكتاب قند جاءكنم رسنولنا ينبين لكنم على فترة منن الرسنل أن تقولوا منا
جاءنا من بشير ول نذير فقد جاءكم بشير ونذير وال على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا" يعني محمدا صلى ال عليه وسلم" .يبين لكم"
انقطاع حجتهنم حتنى ل يقولوا غدا منا جاءننا رسنول" .على فترة منن الرسنل" أي سنكون؛ يقال فتنر
الشينء سنكن .وقينل" :على فترة" على انقطاع منا بينن الننبيين؛ عنن أبني علي وجماعنة أهنل العلم،
حكاه الرماني؛ قال :والصل فيها انقطاع العمل عما كان عليه من الجد فيه ،من قولهم :فتنر عن
عمله وفترتنه عننه .ومننه فتنر الماء إذا عمنا كان منن السنخونة إلى البرد .وامرأة فاترة الطرف أي
منقطعنة عنن حدة النظنر .وفتور البدن كفتور الماء .والفتنر منا بينن السنبابة والبهام إذا فتحتهمنا.
والمعننى؛ أي مضنت للرسنل مدة قبله .واختلف فني قدر مدة تلك الفترة؛ فذكنر محمند بنن سنعد فني
كتاب "الطبقات" عن ابن عباس قال :كان بين موسى بن عمران وعيسى ابن مريم عليهما السلم
ألف سنة وسبعمائة سنة ،ولم يكن بينهما فترة ،وأنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل سوى
منن أرسنل منن غيرهنم .وكان بينن ميلد عيسنى والننبي صنلى ال علينه وسنلم خمسنمائة سننة وتسنع
وستون سنة ،بعث في أولها ثلثة أنبياء؛ وهو قوله تعالى" :إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا
بثالث" [يس ]14 :والذي عزز به "شمعون" وكان من الحواريين .وكانت الفترة التي لم يبعث
ال فيهنا رسنول أربعمائة سننة وأربعنا وثلثينن سننة .وذكنر الكلبني أن بينن عيسنى ومحمند عليهمنا
السنلم خمسنمائة سننة وتسنعا وسنتين ،وبينهمنا أربعنة أننبياء؛ واحند منن العرب منن بنني عبنس وهنو
خالد بن سنان .قال القشيري :ومثل هذا مما لم إل بخبر صدق .وقال قتادة :كان بين عيسى ومحمد
عليهما السلم ستمائة سنة؛ وقاله مقاتل والضحاك ووهب بن منبه ،إل أن وهبا زاد عشرين سنة.
وعنن الضحاك أيضنا أربعمائة وبضنع وثلثون سننة .وذكنر ابنن سنعد عنن عكرمنة قال :بينن آدم
ونوح عشرة قرون ،كلهنم على السنلم .قال ابنن سنعد :أخبرننا محمند بنن عمرو بنن واقند السنلمي
عننن غيننر واحنند قالوا :كان بيننن آدم ونوح عشرة قرون ،والقرن مائة سنننة ،وبيننن نوح وإبراهيننم
عشرة قرون ،والقرن مائة سنننة ،وبيننن إبراهيننم وموسننى بننن عمران عشرة قرون ،والقرن مائة
سننة؛ فهذا منا بينن آدم ومحمند عليهمنا السنلم منن القرون والسننين .وال أعلم" .أن تقولوا" أي لئل
أو كراهينة أن تقولوا؛ فهنو فني موضنع نصنب" .منا جاءننا منن بشينر" أي مبشنر" .ول نذينر" أي
منذر .ويجوز "منن بشينر ول نذينر" على الموضنع .قال ابنن عباس :قال معاذ بنن جبنل وسنعد بنن
عبادة وعقبنة بنن وهنب لليهود؛ ينا معشنر يهود اتقوا ال ،فوال إنكنم لتعلمنن أن محمدا رسنول ال،
ولقند منتنم تذكروننه لننا قبنل مبعثنه وتصنفونه بصنفته؛ فقالوا :منا أنزل ال منن كتاب بعند موسنى ول
أرسل بعده من بشير ول نذير؛ فنزلت الية" .وال على كل شيء قدير" على إرسال من شاء من
خلقه .وقيل :قدير على إنجاز ما بشر به وأنذر منه.
**3اليات{ 26 - 20 :وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة ال عليكم إذ جعل فيكم أنبياء
وجعلكنم ملوكنا وآتاكنم منا لم يؤت أحدا منن العالمينن ،ينا قوم ادخلوا الرض المقدسنة التني كتنب ال
لكم ول ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ،قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها
حتنى يخرجوا منهنا فإن يخرجوا منهنا فإننا داخلون ،قال رجلن منن الذينن يخافون أنعنم ال عليهمنا
ادخلوا عليهنم الباب فإذا دخلتموه فإنكنم غالبون وعلى ال فتوكلوا إن كنتنم مؤمنينن ،قالوا ينا موسنى
إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتل إنا ههنا قاعدون ،قال رب إني ل أملك إل
نفسني وأخني فافرق بينننا وبينن القوم الفاسنقين ،قال فإنهنا محرمنة عليهنم أربعينن سننة يتيهون فني
الرض فل تأس على القوم الفاسقين}
@قوله تعالى" :وإذ قال موسنى لقومنه ينا قوم اذكروا نعمنة ال عليكنم" تنبيين منن ال تعالى أن
أسلفهم تمردوا على موسى وعصوه؛ فكذلك هؤلء على محمد عليه السلم ،وهو تسلية له؛ أي يا
أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة ال عليكم ،واذكروا قصة موسى .وروي عن عبدال بن كثير أنه قرأ
"ينا قوم اذكروا" بضنم المينم ،وكذلك منا أشبهنه؛ وتقديره ينا أيهنا القوم" .إذ جعنل فيكنم أننبياء" لم
ينصرف؛ لنه فيه ألف التأنيث" .وجعلكنم ملوكا" أي تملكون أمركنم ل يغلبكم عليه غالب بعد أن
كنتم مملوكين لفرعون مقهورين ،فأنقذكم منه بالغرق؛ فهم ملوك بهذا الوجه ،وبنحوه فسر السدي
والحسننين وغيرهمننا .قال السنندي :ملك كننل واحنند منننه نفسننه وأهله وماله .وقال قتادة :إنمننا قال:
"وجعلكم ملوكا" لنا كنا نتحدث أنهم أول من خدم من بني آدم .قال ابن عطية :وهذا ضعيف؛ لن
القبنط قند كانوا يسنتخدمون بنني إسنرائيل ،وظاهنر أمنر بنني آدم أن بعضهنم كان يسنخر بعضنا منذ
تناسنلوا وكثروا ،وإنمنا اختلفنت المنم فني معننى التملينك فقنط .وقينل :جعلكنم ذوي منازل ل يدخنل
عليكم إل بإذن؛ روي معناه عن جماعة من أهل العلم .قال ابن عباس :إن الرجل إذا لم يدخل أحد
بيتنه إل بإذننه فهنو ملك .وعنن الحسنن أيضنا وزيند بنن أسنلم منن كاننت له دار وزوجنة وخادم فهنو
ملك؛ وهنو قول عبدال بنن عمرو كمنا فني صنحيح مسنلم عنن أبني عبدالرحمنن الحبلي قال :سنمعت
عبدال بنن عمرو بنن العاص وسنأله رجنل فقال :ألسننا منن فقراء المهاجرينن؟ فقال له عبدال :ألك
امرأة تأوي إليها؟ قال :نعم .قال :ألك منزل تسكنه؟ قال :نعم .قال :فأنت من الغنياء .قال :فإن لي
خادمنا .قال :فأننت منن الملوك .قال ابن العربني :وفائدة هذا أن الرجنل إذا وجبنت علينه كفارة وملك
دار وخادمننا باعهمننا فنني الكفارة ولم يجننز له الصننيام ،لنننه قادر على الرقبننة والملوك ل يكفرون
بالصننيام ،ول يوصننفون بالعجننز عننن العتاق .وقال ابننن عباس ومجاهنند :جعلهننم ملوكننا بالمننن
والسننلوى والحجننر والغمام ،أي هننم مخدومون كالملوك .وعننن ابننن عباس أيضننا يعننني الخادم
والمنزل؛ وقاله مجاهد وعكرمة والحكم بن عيين ،وزادوا الزوجة؛ وكذا قال زيد بن أسلم إل أنه
قال فيمننا يعلم -عننن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم( :مننن كان له بيننت -أو قال منزل -يأوي إليننه
وزوجة وخادم يخدمه فهنو ملك؛ ذكره النحاس .ويقال :من اسنتغنى عن غيره فهنو ملك؛ وهذا كما
قال صلى ال عليه وسلم( :من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حيزت
له الدنيا بحذافيرها).
@قوله تعالى" :وآتاكم" أي أعطاكم "ما لم يؤت أحدا من العالمين" والخطاب من موسى لقومه
فني قول جمهور المفسنرين؛ وهنو وجنه الكلم .مجاهند :والمراد باليتاء المنن والسنلوى والحجنر
والغمام .وقينل :كثرة الننبياء فيهنم ،واليات التني جاءتهنم .وقينل :قلوبنا سنليمة منن الغنل والغنش.
وقيل :إحلل الغنائم والنتفاع بها.
قلت :وهذا القول مردود؛ فإن الغنائم لم تحنل لحند إل لهذه المنة على منا ثبنت فني الصنحيح؛
وسنيأتي بياننه إن شاء ال تعالى .وهذه المقالة منن موسنى توطئة لنفوسنهم حتنى تعزز وتأخنذ المنر
بدخول أرض الجباريننن بقوة ،وتنقننذ فنني ذلك نفوذ مننن أعزه ال ورفننع مننن شأنننه .ومعنننى "مننن
العالمينن" أي عالمني زمانكنم؛ عنن الحسنن .وقال ابنن جنبير وأبنو مالك :الخطاب لمنة محمند صنلى
ال علينه وسنلم؛ وهذا عدول عنن ظاهنر الكلم بمنا ل يحسنن مثله .وتظاهرت الخبار أن دمشنق
قاعدة الجباريننن .و"المقدسننة" معناه المطهرة .مجاهنند :المباركننة؛ والبركننة التطهيننر مننن القحوط
والجوع ونحوه .قتادة :هني الشام .مجاهند :الطور ومنا حوله .ابنن عباس والسندي وابنن زيند :هني
أريحاء .قال الزجاج :دمشق وفلسطين وبعض :الردن .وقول قتادة يجمع هذا كله" .التي كتب ال
لكم" أي فرض دخولها عليكم ووعدكم دخولها وسكناها لكم .ولما خرجت بنو إسرائيل من مصر
أمرهننم بجهاد أهننل أريحاء منن بلد فلسننطين فقالوا :ل علم لنننا بتلك الديار؛ فبعننث بأمننر ال اثننني
عشننر نقيبننا ،مننن كننل سننبط رجننل يتجسننسون الخبار على مننا تقدم ،فرأوا سننكانها الجباريننن مننن
العمالقنة ،وهنم ذوو أجسنام هائلة؛ حتنى قينل :إن بعضهنم رأى هؤلء النقباء فأخذهنم فني كمنه منع
فاكهة كان قد حملها من بستانه وجاء بهم إلى الملك فنثرهم بين يده وقال :إن هؤلء يريدون قتالنا؛
فقال لهم الملك :ارجعوا إلى صناحبكم فأخبروه خبرنا؛ على ما تقدم .وقيل :إنهنم لما رجعوا أخذوا
من عنب تلك الرض عنقودا فقيل :حمله رجل واحد ،وقيل :حمله النقباء الثنا عشر.
قلت :وهذا أشبه؛ فإنه يقال :إنهم لما وصلوا إلى الجبارين وجدوهم يدخل في كم أحدهم رجلن
منهنم ،ول يحمنل عنقود أحدهنم إل خمسنة منهنم فني خشينة ،ويدخنل فني شطنر الرماننة إذا نزع حبنه
خمسة أنفس أو أربعة.
قلت :ول تعارض بينن هذا والول؛ فإن ذلك الجبار الذي أخذهنم فني كمنه -ويقال :فني حجره -
هنو عوج بنن عناق وكان أطولهنم قامنة وأعظمهنم خلقنا؛ على منا يأتني منن ذكره إن شاء ال تعالى.
وكان طول سنائرهم سنتة أذرع ونصنف فني قول مقاتنل .وقال الكلبني :كان طول كنل رجنل منهنم
ثمانين ذراعا ،وال أعلم .فلما أذاعوا الخبر ما عدا يوشع وكالب بن يوفنا ،وامتنعت بنو إسرائيل
منن الجهاد عوقبوا بالتينه أربعينن سننة إلى أن مات أولئك العصناة ونشنأ أولدهنم ،فقاتلوا الجبارينن
وغلبوهم.
@قوله تعالى" :ول ترتدوا على أدباركنم" أي ل ترجعوا عنن طاعتني ومنا أمرتكنم بنه منن قتال
الجبارين .وقيل :ل ترجعوا عن طاعة ال إلى معصيته ،والمعنى واحد.
@قوله تعالى" :قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين" أي عظام الجسام طوال ،وقد تقدم؛ يقال:
نخلة جبارة أي طويلة .والجبار المتعظنننم الممتننننع منننن الذل والفقنننر .وقال الزجاج :الجبار منننن
الدميين العاتي ،وهو الذي يجبر الناس على ما يريد؛ فأصله على هذا من الجبار وهو الكراه؛
فإننه يجنبر غيره على منا يريده؛ وأجنبره أي أكرهنه .وقينل :هنو مأخوذ منن جنبر العظنم؛ فأصنل
الجبار على هذا المصلح أمر نفسه ،ثم استعمل في كل من جر لنفسه نفعا بحق أو بطل .وقيل :إن
جبر العظم راجع إلى معنى الكراه .قال الفراء :لم أسمع فعال من أفعل إل في حرفين؛ جبار من
أجنبر ودراك منن أدرك .ثنم قينل :كان هؤلء منن بقاينا عاد .وقينل :هنم منن ولد عيصنو بنن إسنحاق،
وكانوا منننن الروم ،وكان معهنننم عوج العننننق ،وكان طوله ثلثنننة آلف ذراع وثلثمائة وثلثنننة
وثلثينن ذراعنا؛ قاله ابنن عمنر ،وكان يحتجنن السنحاب أي يجذبنه بمحجننه ويشرب مننه ،ويتناول
الحوت من قاع البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله .وحضر طوفان نوح عليه السلم
ولم يجاوز ركبتيه وكان عمره ثلثة آلف وستمائة سنة ،وأنه قلع صخرة على قدر عسكر موسى
ليرضخهنم بهنا ،فبعنث ال طائرا فنقرهنا ووقعنت فني عنقنه فصنرعته .وأقبنل موسنى علينه السنلم
وطوله عشرة أذرع؛ وعصناه عشرة أذرع وترقنى فني السنماء عشرة أذرع فمنا أصناب إل كعبنه
وهنو مصنروع فقتله .وقينل :بنل ضربنه فني العرق الذي تحنت كعبنه فصنرعه فمات ووقنع على نينل
مصر فجسرهم سنة .ذكر هذا المعنى باختلف ألفاظ محمد بن إسحاق والطبري ومكي وغيرهم.
وقال الكلبي :عوج من ولد هاروت وماروت حيث وقعا بالمرأة فحملت .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وإنا لن ندخلها" يعني البلدة إيلياء ،ويقال :أريحاء أي حتى يسلموها لنا من غير
قتال .وقينل :قالوا ذلك خوفنا منن الجبارينن ولم يقصندوا العصنيان؛ فإنهنم قالوا" :فإن يخرجوا منهنا
فإنا داخلون"
@قوله تعالى" :قال رجلن من الذين يخافون" قال ابن عباس وغيره :هما يوشع وكالب بن يوقنا
ويقال ابنن قانينا ،وكاننا منن الثنني عشنر نقيبنا .و"يخافون" أي منن الجبارينن .قتادة :يخافون ال
تعالى .وقال الضحاك :همنا رجلن كاننا فني مديننة الجبارينن على دينن موسنى؛ فمعننى "يخافون"
على هذا أي من العمالقة من حيث الطبع لئل يطلعوا على إيمانهم فيفتنوهم ولكن وثقا بال .وقيل:
يخافون ضعنف بنني إسنرائيل وجبنهنم .وقرأ مجاهند وابنن جنبير "يخافون" بضنم الياء ،وهذا يقوي
أنهمنا منن غينر قوم موسنى" .أنعنم ال عليهمنا" أي بالسنلم أو باليقينن والصنلح" .ادخلوا عليهنم
الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون" قال لبني إسرائيل ل يهولنكم عظم أجسامهم فقلوبهم ملئت رعبا
منكنم؛ فأجسنامهم عظيمنة وقلوبهنم ضعيفنة ،وكانوا قند علموا أنهنم إذا دخلوا منن ذلك الباب كان لهنم
الغلب .ويحتمننل أن يكونننا قال ذلك ثقننة بوعنند ال .ثننم قال" :وعلى ال فتوكلوا إن كنتننم مؤمنيننن"
مصندقين بنه؛ فإننه ينصنركم .ثنم قينل على القول الول :لمنا قال هذا أراد بننو إسنرائيل رجمهمنا
بالحجارة ،وقالوا :نصدقكما وندع قول عشرة! ثم قالوا لموسى" :إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها"
ح ْيدٌ عن القتال ،وإِياسٌ من النصر .ثم جهلوا صفة الرب تبارك وتعالى فقالوا "فاذهب وهذا عناد و َ
أنننت وربننك فقاتل" وصننفوه بالذهاب والنتقال ،وال متعال عننن ذلك .وهذا يدل على أنهننم كانوا
مشبهنة؛ وهنو معننى قول الحسنن؛ لننه قال :هنو كفنر منهنم بال ،وهنو الظهنر فني معننى الكلم.
وقينل :أي إن نصنرة ربنك لك أحنق منن نصنرتنا ،وقتاله معنك -إن كننت رسنوله -أولى منن قتالننا؛
فعلى هذا يكون ذلك منهنم كفنر؛ لنهنم شكوا فني رسنالته .وقينل المعننى :أذهنب أننت فقاتنل وليعننك
ربك .وقيل :أرادوا بالرب هارون ،وكان أكبر من موسى وكان موسى يطيعه .وبالجملة فقد فسقوا
بقولهم؛ لقوله تعالى" :فل تأس على القوم الفاسقين" أي ل تحزن عليهم" .إنا ههنا قاعدون" أي ل
نبرح ول نقاتل .ويجوز "قاعدين" على الحال؛ لن الكلم قد تم قبله.
@قوله تعالى" :قال رب إنني ل أملك إل نفسني وأخني" لننه كان يطيعنه .وقينل المعننى :إنني ل
أملك إل نفسي ،ثم ابتدأ فقال" :وأخي" .أي وأخي أيضا ل يملك إل نفسه؛ فأخي على القول الول
في موضع نصب عطفا على نفسي ،وعلى الثاني في موضع رفع ،وإن شئت عطفت على اسم إن
وهني الياء؛ أي إنني وأخني ل نملك إل أنفسننا .وإن شئت عطفنت على المضمنر فني أملك كأننه قال:
ل أملك أننا وأخني إل أنفسننا" .فافرق بينننا وبينن القوم الفاسنقين" يقال :بأي وجنه سنأله الفرق بيننه
وبين هؤلء القوم؟ ففيه أجوبة؛ الول :بما يدل على بعدهم عن الحق ،وذهابهم عن الصواب فيما
ارتكبوا من العصيان؛ ولذلك ألقوا في التيه .الثاني :بطلب التمييز أي ميزنا عن جماعتهم وجملتهم
ول تلحقننا بهنم فني العقاب ،وقينل المعننى :فاقنض بينننا وبينهنم بعصنمتك إياننا منن العصنيان الذي
ابتليتهنم بنه؛ ومننه قوله تعالى" :فيهنا يفرق كنل أمنر حكينم" [الدخان ]4 :أي يقضني .وقند فعنل لمنا
أماتهنم فني التينه .وقينل :إنمنا أراد فني الخرة ،أي اجعلننا فني الجننة ول تجعلننا معهنم فني النار؛
والشاهد على الفرق الذي يدل على المباعدة في الحوال قول الشاعر:
أشد ما فرقت بين اثنين يا رب فافرق بينه وبيني
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير أنه قرأ" :فافرق" بكسر الراء.
@قوله تعالى" :قال فإنهنا محرمنة عليهنم أربعينن سننة يتيهون فني الرض" اسنتحباب ال دعاءه
وعاقبهنم فني التينه أربعينن سننة .وأصنل التينه فني اللغنة الحيرة؛ يقال مننه :تاه يتينه تيهنا وتوهنا إذا
تحير .وتيهته وتوهته بالياء والواو ،والياء أكثر .والرض التيهاء التي ل يهتدى فيها؛ وأرض تيه
وتيهاء ومنها قال:
تيه أتاويه على السقاط
وقال آخر:
الحزن قد كانت فراخا بيوضها بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا
فكانوا يسنيرون فني فراسنخ قليلة -قينل :فني قدر سننة فراسنخ -يومهنم وليلتهنم فيصنبحون حينث
أمسننوا ويمسننون حيننث أصننبحوا؛ فكانوا سننيارة ل قرار لهننم .واختلف هننل كان معهننم موسننى
وهارون؟ فقيل :ل؛ لن التيه عقوبة ،وكانت سنو التيه بعدد أيام العجل ،فقوبلوا على كل يوم سنة؛
وقد قال" :فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين" .وقيل :كانا معهم لكن سهل ال المر عليهما كما جعل
النار بردا وسلما على إبراهيم .ومعنى "محرمة" أي أنهم ممنوعون من دخولها؛ كما يقال :حرم
ال وجهك على النار ،وحرمت عليك دخول الدار؛ فهو تحريم منع ل تحريم شرع ،عن أكثر أهل
التفسير؛ كما قال الشاعر:
إني امرؤ صرعي عليك حرام جالت لتصرعني فقلت لها اقصري
أي أننا فارس فل يمكننك صنرعي .وقال أبنو علي :يجوز أن يكون تحرينم تعبند .ويقال :كينف يجوز
على جماعنة كثيرة منن العقلء أن يسنيروا فني فراسنخ يسنيرة فل يهتدوا للخروج منهنا؟ فالجواب:
قال أبننو علي :قنند يكون ذلك بأن يحول ال الرض التنني هنني عليهننا إذا ناموا فيردهننم إلى المكان
الذي ابتدؤوا منننه .وقنند يكون بغيننر ذلك مننن الشتباه والسننباب المانعننة مننن الخروج عنهننا على
طرينق المعجزة الخارجنة عنن العادة" .أربعينن" ظرف زمان للتينه؛ فني قول الحسنن وقتادة؛ قال:
ولم يدخلهنا أحند منهنم؛ فالوقنف على هذا على "عليهنم" .وقال الربينع بنن أننس وغيره :إن "أربعينن
سنة" ظرف للتحريم ،فالوقف على هذا على "أربعين سنة"؛ فعلى الول إنما دخلها أولدهم؛ قاله
ابن عباس .ولم يبق منهم إل يوشع وكالب ،فخرج منهم يوشع بذرياتهم إلى تلك المدينة وفتحوها.
وعلى الثانني :فمنن بقي منهنم بعد أربعينن سنة دخلوهنا .وروي عن ابنن عباس أن موسى وهارون
ماتنا فني التينه .قال غيره :ونبنأ ال يوشنع وأمره بقتال الجبارينن ،وفيهنا حبسنت علينه الشمنس حتنى
دخنل المديننة ،وفيهنا أحرق الذي وجند الغلول عنده ،وكاننت تنزل منن السنماء إذا غنموا نار بيضاء
فتأكننننل الغنائم؛ وكان ذلك دليل على قبولهننننا ،فإن كان فيهننننا غلول لم تأكله ،وجاءت السننننباع
والوحوش فأكلته؛ فنزلت النار فلم تأكل ما غنموا فقال :إن فيكم الغلول فلتبايعني كل قبيلة فبايعته،
فلصنقت يند رجنل منهنم بيده فقال :فيكنم الغلول فليبايعنني كنل رجنل منكنم فبايعوه رجل رجل حتنى
لصقت يد رجل منهم بيده فقال :عند الغلول فأخرج مثل رأس البقرة من ذهب ،فنزلت النار فأكل
الغنائم .وكاننت نارا بيضاء مثنل الفضنة لهنا حفينف أي صنوت مثنل صنوت الشجنر وجناح الطائر
فيما يذكرون؛ فذكروا أنه أحرق الغال ومتاعه بغور يقال له الن عاجز ،عرف باسم الغال؛ وكان
اسمه عاجزا.
قلت :ويستفاد من هذا عقوبة الغال قبلنا ،وقد تقدم حكمه في ملتنا .وبيان ما انبهم من اسم النبي
والغال في الحديث الصحيح عن أبي هريرة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال (غزا نبي من
النبياء) الحديث أخرجه مسلم وفيه قال( :فغزا فأدنى للقرية حين صلة العصر أو قريبا من ذلك
فقال للشمنس أننت مأمورة وأننا مأمور اللهنم أحبسنها على شيئا فحبسنت علينه حتنى فتنح ال علينه -
قال :فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه فقال :فيكم غلول فليبايعني من كل قبيل
رجنل فبايعوه -قال -فلصنقت يده بيند رجلينن أو ثلثنة فقال فيكنم الغلول) وذكنر نحنو منا تقدم .قال
علماؤنا :والحكمة في حبس الشمس على يوشع عند قتاله أهل أريحاء وإشرافه على فتحها عشي
يوم الجمعة ،وإشفاقه من أن تغرب الشمس قبل الفتح أنه لو لم تحبس عليه حرم عليه القتال لجل
السنبت ،ويعلم بنه عدوهنم فيعمنل فيهنم السنيف ويجتاحهنم؛ فكان ذلك آينة له خنص بهنا بعند أن كاننت
نبوتنه ثابتنة خنبر موسنى علينه الصنلة والسنلم ،على منا يقال .وال أعلم .وفني هذا الحدينث يقول
علينه السنلم( :فلم تحنل الغنائم لحند منن قبلننا) ذلك بأن ال عنز وجنل رأى ضعفننا وعجزننا فطيبهنا
لنا .وهذا يرد قول من قال في تأويل قوله تعالى" :وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين" إنه تحليل
الغنائم والنتفاع بهننا .وممننن قال إن موسننى عليننه الصننلة والسننلم مات بالتيننه عمرو بننن ميمون
الودي ،وزاد وهارون؛ وكانننا خرجننا فنني التيننه إلى بعننض الكهوف فمات هارون فدفنننه موسننى
وانصنرف إلى بنني إسنرائيل؛ فقالوا :منا فعنل هارون؟ فقال :مات؛ قالوا :كذبنت ولكننك قتلتنه لحبننا
له ،وكان محبنا فني بنني إسنرائيل؛ فأوحنى ال تعالى إلينه أن انطلق بهنم إلى قنبره فإنني باعثنه حتنى
يخنبرهم أننه مات موتنا ولم تقتله؛ فانطلق بهنم إلى قنبره فنادي ينا هارون فخرج منن قنبره ينفنض
رأسنه فقال :أننا قاتلك؟ قال :ل؛ ولكنني منت؛ قال :فعند إلى مضجعنك؛ وانصنرف .وقال الحسنن :إن
موسى لم يمت بالتيه .وقال غيره :إن موسى فتح أريحاء ،وكان يوشع على مقدمته فقاتل الجبابرة
الذينن كانوا بهنا ،ثنم دخلهنا موسنى ببنني إسنرائيل فأقام فيهنا منا شاء ال أن يقينم ،ثنم قبضنه ال تعالى
إليه ل يعلم بقبره أحد من الخلئق .قال الثعلبي :وهو أصح القاويل.
قلت :قند روى مسنلم عنن أبني هريرة قال :أرسنل ملك الموت إلى موسنى علينه الصنلة والسنلم
فلمنا جاءه صنكه ففقنأ عيننه فرجنع إلى ربنه فقال" :أرسنلتني إلى عبند ل يريند الموت" قال :فرد ال
إلينه عيننه وقال" :ارجنع إلينه فقنل له يضنع يده على متنن ثور فله بمنا غطنت يده بكنل شعرة سننة"
قال" :أي رب ثنم منه" ،قال" :ثنم الموت" قال" :فالن"؛ فسنأل ال أن يدنينه منن الرض المقدسنة
رمية بحجر؛ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :فلو كنت ثم لريتكم قبره إلى جانب الطريق
تحت الكثيب الحمر) فهذا نبينا صلى ال عليه وسلم قد علم قبره ووصف موضعه ،ورآه فيه قائما
يصننلي كمننا فنني حديننث السننراء ،إل أنننه يحتمننل أن يكون أخفاه ال عننن الخلق سننواه ولم يجعله
مشهورا عندهنم؛ ولعنل ذلك لئل يعبند ،وال أعلم .ويعنني بالطرينق طرينق بينت المقدس .ووقنع فني
بعض الروايات إلى جانب الطور مكان الطريق .واختلف العلماء في تأويل لطم موسى عين ملك
الموت وفقئهنا على أقوال؛ منهنا :أنهنا كاننت عيننا متخيلة ل حقيقنة ،وهذا باطنل ،لننه يؤدي إلى أن
ما يراه النبياء من صور الملئكة ل حقيقة له.
ومنها :أنها كانت عينا معنوية وإنما فقأها بالحجة ،وهذا مجاز ل حقيقة .ومنها :أنه عليه السلم
لم يعرف الموت ،وأننه رأى رجل دخنل منزله بغينر إذننه يريند نفسنه فدافنع عنن نفسنه فلطنم عيننه
ففقأهنا؛ وتجنب المدافعنة فني هذا بكنل ممكنن .وهذا وجنه حسنن؛ لننه حقيقنة فني العينن والصنك؛ قاله
المام أبو بكر بن خزيمة ،غير أنه اعترض عليه بما في الحديث؛ وهو أن ملك الموت لما رجع
إلى ال تعالى قال" :يا رب أرسلتني إلى عبد ل يريد الموت" فلو لم يعرفه موسى لما صدق القول
منن ملك الموت؛ وأيضنا قوله فني الرواينة الخرى" :أجنب ربنك" يدل على تعريفنه بنفسنه .وال
أعلم .ومنهنا :أن موسنى علينه الصنلة والسنلم كان سنريع الغضنب ،إذ غضنب طلع الدخان منن
قلنسنوته ورفنع شعنر بدننه جبتنه؛ وسنرعة غضبنه كاننت سنببا لصنكه ملك الموت .قال ابنن العربني:
وهذا كمنا ترى ،فإن الننبياء معصنومون أن يقنع منهنم ابتداء مثنل هذا فني الرضنا والغضنب .ومنهنا
وهنو الصنحيح منن هذه القوال :أن موسننى علينه الصنلة والسنلم عرف ملك الموت ،وأننه جاء
ليقبض روحه لكنه جاء مجيء الجزم بأنه قد أمر بقبض روحه من غير تخيير ،وعند موسى ما قد
نص عليه نبينا محمد صلى ال عليه وسلم من (أن ال ل يقبض روح نبي حتى يخبره) فلما جاءه
على غيننر الوجننه الذي أعلم بادر بشهامتننه وقوة نفسننه إلى أدبننه ،فلطمننه ففقننأ عينننه امتحانننا لملك
الموت؛ إذ لم يصنرح له بالتخيينر .وممنا يدل على صنحة هذا ،أننه لمنا رجنع إليه ملك الموت فخيره
بيننن الحياة والموت اختار الموت واسننتسلم .وال بغيبننه أحكننم وأعلم .هذا أصننح مننا قيننل فنني وفاة
موسى عليه السلم .وقد ذكر المفسرون في ذلك قصصا وأخبارا ال أعلم بصحتها؛ وفي الصحيح
غنية عنها .وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة؛ فيروى أن يوشع رآه بعد موته في المنام فقال
له :كيف وجدت الموت؟ فقال" :كشاة تسلخ وهي حية" .وهذا صحيح معننى؛ قال :صلى ال عليه
وسنلم فني الحدينث الصنحيح( :إن للموت سنكرات) على منا بيناه فني كتاب "التذكرة" .وقوله" :فل
تأس على القوم الفاسقين" أي ل تحزن .والسى الحزن؛ أسي يأسى أي حزن ،قال:
يقولون ل تهلك أسى وتحمل
**3الينة{ 27 :واتنل عليهنم نبنأ ابنني آدم بالحنق إذ قربنا قرباننا فتقبنل منن أحدهمنا ولم يتقبنل منن
الخر قال لقتلنك قال إنما يتقبل ال من المتقين}
@ وجه اتصنال هذه الينة بمنا قبلهنا التننبيه منن ال تعالى على أن ظلم اليهود ،ونقضهنم المواثينق
والعهود كظلم ابننن آدم لخيننه .المعنننى :إن هننم هؤلء اليهود بالفتننك بننك يننا محمنند فقنند قتلوا قبلك
الننبياء ،وقتنل قابينل هابينل ،والشنر قدينم .أي ذكرهنم هذه القصنة فهني قصنة صندق ،ل كالحادينث
الموضوعة؛ وفي ذلك تبكيت لمن خالف السلم ،وتسلية للنبي صلى ال عليه وسلم .واختلف في
ابني آدم؛ فقال الحسن البصري :ليسا لصلبه ،كانا رجلين من بني إسرائيل -ضرب ال بهما المثل
فنني إبانننة حسنند اليهود -وكان بينهمننا خصننومة ،فتقربننا بقربانيننن ولم تكننن القرابيننن إل فنني بننني
إسرائيل .قال ابن عطية :وهذا وهم ،وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي
بالغراب؟ والصنحيح أنهمنا ابناه لصنلبه؛ هذا قول الجمهور منن المفسنرين وقاله ابنن عباس وابنن
عمنر وغيرهمنا؛ وهمنا قابينل وهابينل ،وكان قربان قابينل حزمنة منن سننبل -لننه صناحب زرع -
واختارها من أردأ زرعه ،ثم إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها .وكان قربان هابيل كبشا -
لنه كان صاحب غنم -أخذه من أجود غنمه" .فتقبل" فرفع إلى الجنة ،فلم يزل يرعى فيها إلى أن
فدي بنه الذبينح علينه السنلم؛ قاله سنعيد بنن جنبير وغيره .فلمنا تقبنل قربان هابينل لننه كان مؤمننا -
قال له قابيننل حسنندا :أنننه كان كافرا -أتمشنني على الرض يراك الناس أفضننل مننني! "لقتلنننك"
وقيل :سبب هذا القربان أن حواء عليها السلم كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى -إل شيثا عليه
السلم فإنها ولدته منفردا عوضا من هابيل على ما يأتي ،واسمه هبة ال؛ لن جبريل عليه السلم
قال لحواء لمنا ولدتنه :هذا هبنة ال لك بدل هابينل .وكان آدم يوم ولد شينث ابنن ثلثينن ومئة سننة -
وكان يزوج الذكنر منن هذا البطنن النثنى منن البطنن الخنر ،ول تحنل له أختنه توأمتنه؛ فولدت منع
قابيننل أختننا جميلة واسننمها إقليمياء ،ومننع هابيننل أختننا ليسننت كذلك واسننمها ليوذا؛ فلمننا أراد آدم
تزويجهمننا قال قابيننل :أنننا أحننق بأختنني ،فأمره آدم فلم يأتمننر ،وزجره فلم ينزجننر؛ فاتفقوا على
التقرينب؛ قال جماعنة منن المفسنرين منهنم ابنن مسنعود .وروي أن آدم حضنر ذلك .وال أعلم .وقند
روي فني هذا الباب عن جعفنر الصنادق :إن آدم لم يكنن يزوج ابنتنه منن ابننه؛ ولو فعنل ذلك آدم لمنا
رغنب عنه الننبي صلى ال عليه وسلم ،ول كان دين آدم إل يكن الننبي صلى ال عليه وسلم ،وأن
ال تعالى لمنا أهبنط آدم وحواء إلى الرض وجمنع بينهمنا ولدت حواء بنتنا فسنماها عناقنا فبغنت،
وهي أول من بغى على وجه الرض؛ فسلط ال عليها من قتلها ،ثم ولدت لدم قابيل ،ثم ولدت له
هابيل؛ فلما أدرك قابيل أظهر ال له جنية من ولد الجن ،يقال لها :جملة في صورة إنسية؛ وأوحى
ال إلى آدم أن زوجها من قابيل فزوجها منه .فلما أدرك هابيل أهبط ال إلى آدم حورية في صفة
إنسية وخلق لها رحما ،وكان اسمها بزلة ،فلما نظر إليها هابيل أحبها؛ فأوحى ال إلى آدم أن زوج
بزلة من هابيل ففعل .فقال قابيل :يا أبت ألست أكبر من أخي؟ قال :نعم .قال :فكنت أحق أن زوج
بزلة من منه! فقال له آدم :يا بني إن ال قد أمرني بذلك ،وإن الفضل بيد ال يؤتيه من يشاء ،فقال:
ل وال ،ولكنك آثرته علي .فقال آدم" :فقربا قربانا فأيكما يقبل قربانه فهو أحق بالفضل".
قلت :هذه القضية عن جعفر ما أظنها تصح ،وأن القول ما ذكرناه من أنه كان يزوج غلم هذا
البطن لجارية تلك البطن .والدليل على هذا من الكتاب قوله تعالى" :يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي
خلقكنم منن نفنس واحدة وخلق منهنا زوجهنا وبنث منهمنا رجال كثيرا ونسناء" [النسناء .]1 :وهذا
كالنص ثم نسخ ذلك ،حسبما تقدم بيانه في سورة "البقرة" .وكان جميع ما ولدته حواء أربعين من
ذكر وأنثى في عشرين بطنا؛ أولهم قابيل وتوأمته إقليمياء ،وآخرهم عبدالمغيث .ثم بارك ال في
نسل آدم .قال ابن عباس :لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا .وما روي عن جعفر -
من قوله :فولدت بنتا وأنها بغت -فيقال :مع من بغت؟ أمع جني تسول لها! ومثل هذا يحتاج إلى
نقل صحيح يقطع العذر ،وذلك معدوم .وال أعلم.
@ وفني قول هابينل "قال إنمنا يتقبنل ال منن المتقينن" كلم قبله محذوف؛ لننه لمنا قال له قابينل:
"لقتلنك" قال له :ولم تقتلني وأنا لم أجن شيئا؟ ،ول ذنب لي في قبول ال قرباني ،أما إني أتقيته
وكننت على لحنب الحنق وإنمنا يتقبنل ال منن المتقينن .قال ابنن عطينة :المراد بالتقوى هننا اتقاء
الشرك بإجماع أهل السنة؛ فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة؛ وأما المتقي
الشرك والمعاصني فله الدرجنة العلينا منن القبول والختنم بالرحمنة؛ علم ذلك بإخبار ال تعالى ل أن
ذلل يجب على ال تعالى عقل .وقال عدي بن ثابت وغيره :قربان متقي هذه المة الصلة.
قلت :وهذا خاص في نوع من العبادات .وقد روى البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول ال
صنلى ال علينه وسنلم( :إن ال تبارك وتعالى قال منن عادى لي ولينا فقند آذنتنه بالحرب ومنا تقرب
إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزل عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا
أحببته كنت مسمى الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي
بها ولئن سألني لعطينه ولئن استعاذني لعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس
المؤمن بكره الموت وأنا أكره مساءته).
**3اليتان{ 29 - 28 :لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لقتلك إني أخاف
ال رب العالمين ،إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين}
@قوله تعالى" :لئن بسطت إلي يدك" أي لئن قصدت قتلي فأنا ل أقصد قتلك؛ فهذا استسلم منه.
وفني الخنبر( :إذا كاننت الفتننة فكنن خينر ابنني آدم) .وروى أبنو داود عنن سنعد بنن أبني وقاص قال
قلت يا رسول :إن دخل عل بيتي وبسط يده إلي ليقتلني؟ قال فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(كنن كخينر ابنني آدم) وتل هذه الينة "لئن بسنطت إلي يدك لتقتلنني" .قال مجاهند :كان الفرض
عليهنم حينئذ أل يسنتل أحند سنيفا ،وأل يمتننع ممنن يريند قتله .قال علماؤننا :وذلك ممنا يجوز ورود
التعبند بنه ،إل أن فني شرعننا يجوز دفعنه إجماعنا .وفني وجوب ذلك علينه خلف ،والصنح وجوب
ذلك؛ لما فيه من النهي عن المنكر .وفي الحشوية قوم ل يجوزون للحصول عليه الدفع؛ واحتجوا
بحديث أبي ذ ،وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة ،وكف اليد عند الشبهة؛ على ما بيناه في
كتاب "التذكرة" .وقال عبدال بننن عمرو وجمهور الناس :كان هابيننل أشنند قوة مننن قابيننل ولكنننه
تحرج .قال ابنن عطينة :وهذا هو الظهنر ،ومن ههننا يقوى أن قابينل إنمنا هنو عاص ل كافنر؛ لننه
لو كان كافرا لم يكنن للتحرج هننا وجنه ،وإنمنا وجنه التحرج فني هذا أن المتحرج يأبنى أن يقاتنل
موحدا ،ويرضننى بأن يظلم ليجازي فنني الخرة؛ ونحننو هذا فعننل عثمان رضنني ال عتننه .وقيننل:
المعننى ل أقصند قتلك بنل أقصند الدفنع عنن نفسني ،وعلى هذا فينل :كان نائمنا فجاء قابينل ورضنخ
رأسنه بحجنر على منا يأتني ومدافعنة النسنان عمنن يريند ظلمنه جائزة وإن أتنى على نفنس العادي.
وقيننل :لئن بدأت بقتلي فل أبدأ بالقتننل .وقينل :أراد لئن بسننطت إلى يدك ظلمننا فمننا أننا بظالم؛ إننني
أخاف ال رب العالمين.
@قوله تعالى" :إنني أريند أن تبوء بإثمني وإثمنك" قينل :معناه معننى قول الننبي صنلى ال علينه
وسنلم( :إذا التقنى المسنلمان بسنيفيهما فالقاتنل والمقتول فني النار) قينل :ينا رسنول ال هذا القاتنل فمنا
بال المقتول؟ قال( :إننه كان حريصنا على قتنل صناحبه) وكأن هابينل أراد أنني لسنت بحرينص على
قتلك؛ فالثنم الذي كان يلحقنني لو كنت ،حريصا على قتلك أريند أن تحمله أنت منع إثمك فني قتلي.
وقينل :المعننى "بإثمني" الذي يختنص بني فيمنا فرطنت؛ أي يؤخنذ فني سنيئاتي فتطرح علينك بسنبب
ظلمنك لي ،وتبوء بإثمنك فني قتلك؛ وهذا يعضده قوله علينه الصنلة والسنلم( :يؤتنى يوم القيامنة
بالظالم والمظلوم فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم تكن له
حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه) .وهذا بين ل إشكال فيه .وقيل :المعنى إني أريد أل
تبوء بإثمي وإثمك كما قال تعالى" :وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم" [النحل ]15 :أي لئل
تميد بكم .وقوله تعالى" :يبين ال لكم أن تضلوا" [النساء ]176 :أي لئل تضلوا فحذف "ل".
قلت :وهذا ضعيف؛ لقوله عليه السلم( :ل تقتل نفس ظلما إل كان على ابن آدم الول كفل من
دمها لنه أول من سن القتل) ،فثبت بهذا أن إثم القتل حاصل؛ ولهذا قال أكثر العلماء :إن المعنى؛
ترجنع بإثنم قتلي وإثمنك الذي عملتنه قبنل قتلي .قال الثعلبني :هذا قول عامنة أكثنر المفسنرين .وقينل:
هنو اسنتفهام ،أي أو إنني أريند؟ على جهنة النكار؛ كقوله تعالى" :وتلك نعمنة" أي أو تلك نعمنة؟
وهذا لن إرادة القتنل معصنية .حكاه القشيري وسنئل أبنو الحسنن بنن كيسنان :كينف يريند المؤمنن أن
يأثنم أخوه وأن يدخنل النار؟ فقال :إنمنا وقعنت الرادة بعند منا بسنط يده إلينه بالقتنل؛ والمعننى :لئن
بسطت إلى يدك لتقتلني لمتنع من ذلك مريدا للثواب؛ فقيل له :فكيف قال :بإثمي وإثمك؛ وأي إثم
له إذا قتنل؟ فقال :فينه ثلثنة أجوبنة؛ أحدهنا :أن تبوء بإثنم قتلي وإثنم ذنبنك الذي منن أجله لم يتقبنل
قربانك ،ويروى هذا القول عن مجاهد .والوجه الخر :أن تبوء بإثم قتلي وإثم اعتدائك علي؛ لنه
قد يأثم بالعتداء وإن لم يقتل .والوجه الثالث :أنه لو بسط يده إليه أثم؛ فرأى أنه إذا أمسك عن ذلك
فإثمه يرجع على صاحبه .فصار هذا مثل قولك :المال به وبين زيد؛ أي المال بينهما ،فالمعنى أن
تبوء بإثمننا .وأصنل باء رجنع إلى المباءة ،وهني المنزل" .وباؤوا بغضنب منن ال" [البقرة]61 :
أي رجعوا .وقد مضى في "البقرة" مستوفى .وقال الشاعر:
محارمنا ل يبؤ الدم بالدم أل تنتهي عنا ملوك وتبقي
أي ل يرجنع الدم بالدم فني القود" .فتكون منن أصنحاب النار" دلينل على أنهنم كانوا فني ذلك الوقنت
مكلفين قد لحقهم الوعد والوعيد .وقد استدل بقول هابيل لخيه قابيل" :فتكون من أصحاب النار"
على أنه كان كافرا؛ لن لفظ أصحاب النار إنما ورد في الكفار حيث وقع في القرآن .وهذا مردود
هننا بمنا ذكرناه عنن أهنل العلم فني تأوينل الينة .ومعننى "منن أصنحاب النار" مدة كوننك فيهنا .وال
أعلم.
**3الية{ 30 :فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين}
@قوله تعالى" :فطوعت له نفسه" .أي سولت وسهلت نفسه عليه المر وشجعته وصورت له أن
قتننل أخيننه طوع سننهل له يقال :طاع الشيننء أي سننهل وانقاد .وطوعننه فلن له أي سننهله .قال
الهروي :طوعنت وأطاعنت واحند؛ يقال :طاع له كذا إذا أتاه طوعنا .وقينل :طاوعتنه نفسنه فني قتنل
أخيه؛ فنزع الخافض فانتصب .وروي أنه جهل كيف يقتله فجاء إبليس بطائر -أو حيوان غيره -
فجعل يشدخ رأسه بين حجرين ليقتدي به قابيل ففعل؛ قال ابن جريج ومجاهد وغيرهما .وقال ابن
عباس وابننن مسننعود :وجده نائمننا فشنند رأسننه بحجننر وكان ذلك فنني ثور -جبننل بمكننة -قال ابننن
عباس .وقيل :عند عقبة حراء؛ حكاه محمد بن جرير الطبري .وقال جعفر الصادق :بالبصرة في
موضنع المسنجد العظنم .وكان لهابينل يوم قتله قابينل عشرون سننة .ويقال :إن قابينل كان يعرف
القتنل بطبعنه؛ لن النسنان وإن لم ينر القتنل فإننه يعلم بطبعنه أن النفنس فانينة لحكنن إتلفهنا؛ فأخنذ
حجرا فقتله بأرض الهننند .وال أعلم .ولمننا قتله ندم فقعنند يبكنني عننند رأسننه إذ أقبننل غرابان فاقتتل
فقتل أحدهما الخر ثم حفر له حفرة فدفنه؛ ففعل القاتل بأخيه كذا .والسوءة يراد بها العورة ،وقيل:
يراد بهنا جيفة المقتول؛ ثنم إننه هرب إلى أرض عدن من اليمن ،فأتاه إبليس وقال :إنمنا أكلت النار
قربان أخينك لننه كان يعبند النار ،فانصنب أننت أيضنا نارا تكون لك ولعقبنك ،فبننى بينت نار ،فهنو
أول من عبد النار فيما قيل .وال أعلم .وروي عن ابن عباس أنه لما قتله وآدم بمكة اشتاك الشجر،
وتغيرت الطعمة ،وحمضت الفواكه ،وملحت المياه ،واغبرت الرض؛ فقال آدم عليه السلم :قد
حدث في الرض حدث ،فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل .وقيل :إن قابيل هو الذي انصرف إلى
آدم ،فلمننا وصننل إليننه قال له :أيننن هابيننل؟ فقال :ل أدري كأنننك وكلتننني بحفظننه .فقال له آدم:
أفعلتها؟ ! وال إن دمه لينادي ،اللهم العن أرضا شربت دم هابيل .فروي أنه من حينئذ ما شربت
أرض دمنا .ثنم إن آدم بقني مائة سننة لم يضحنك ،حتنى جاءه ملك فقال له :حياك ال ينا آدم وبياك.
فقال :منا بياك؟ قال :أضحكنك؛ قال مجاهند وسنالم بنن أبني الجعند .ولمنا مضنى منن عمنر آدم مائة
وثلثون سننة -وذلك بعند قتنل هابينل بخمنس سننين ولدت له شيثنا ،وتفسنيره هبنة ال ،أي خلفنا منن
هابيل .وقال مقاتل :كان قبل قتل قابيل هابيل السباع والطيور تستأنس بآدم ،فلما قتل قابيل هابيل
هربوا ،فلحقننت الطيور بالهواء ،والوحوش بالبريننة ،ولحقنت السننباع بالغياض .وروي أن آدم لمننا
تغيرت الحال قال:
فوجه الرض مغير قبيح تغيرت البلد ومن عليها
وقل بشاشة الوجه المليح تغير كل ذي طعم ولون
فني أبيات كثيرة ذكرهنا الثعلبني وغيره .قال ابنن عطينة :هكذا هنو الشعنر بنصنب "بشاشنة" وكنف
التنوينن .قال القشيري وغيره قال ابنن عباس :منا قال آدم الشعننر ،وإن محمدا والنننبياء كلهننم فنني
النهني عنن الشعنر سنواء؛ لكنن لمنا قتنل هابينل رثاه آدم وهنو سنرياني ،فهني مرثينة بلسنان السنريانية
أوصنى بهنا إلى ابننه شينث وقال :إننك وصنيي فاحفنظ منني هذا الكلم ليتوارث؛ فحفظنت مننه إلى
زمان يعرب بن قحطان ،فترجم عنه يعرب بالعربية وجعله شعرا.
@ روي من حديث أنس قال :سئل النبي صلى ال عليه وسلم عن يوم الثلثاء فقال( :يوم الدم فيه
حاضت حواء وفيه قتنل ابن آدم أخاه) .وثبنت في صنحيح مسلم وغيره عن عبدال قال قال رسول
ال صنلى ال علينه وسنلم( :ل تقتنل نفنس ظلمنا إل كان على ابنن آدم الول كفنل منن دمهنا لننه كان
أول من سن القتل) .وهذا نص على التعليل؛ وبهذا العتبار يكون على إبليس كفل من معصية كل
منن عصنى بالسنجود؛ لننه أول منن عصنى بنه ،وكذلك كنل منن أحدث فني دينن ال منا ل يجوز منن
البدع والهواء؛ قال صنلى ال علينه وسنلم( :منن سنن فني السنلم سننة حسننة كان له أجرهنا وأجنر
من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في السلم سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها
إلى يوم القيامنة) .وهذا ننص فني الخنبر والشنر .وقال صنلى ال علينه وسنلم( :إن أخوف منا أخاف
على أمتني الئمنة المضلون) .وهذا كله صنريح ،وننص صنحيح فني معننى الينة ،وهذا منا لم يتنب
الفاعل من تلك المعصية ،لن آدم عليه السلم كان أول من خالف في أكل ما نهي عنه ،ول يكون
عليه شيء من أوزار من عصى بأكل ما نهي عنه ول شربه من بعده بالجماع؛ لن آدم تاب من
ذلك وتاب ال علينه ،فصنار كمنن لم يجنن .ووجنه آخنر :فإننه أكنل ناسنيا على الصنحيح منن القوال،
كما بيناه في "البقرة" والناسي غير آثم ول مؤاخذ.
@ تضمننت هذه الينة البيان عنن حال الحاسند ،حتنى أننه قند يحمله حسنده على إهلك نفسنه بقتنل
أقرب الناس إليه قرابة ،وأمسه به رحما ،وأولهم بالحنو عليه ودفع الذية عنه .الرابعة
@قوله تعالى" :فأصبح من الخاسرين" أي ممن خسر حسناته .وقال ،مجاهد :علقت إحدى رجلي
القاتنل بسناقها إلى فخذهنا منن يومئذ إلى يوم القيامنة ،ووجهنه إلى الشمنس حيثمنا دارت ،علينه فني
الصيف حظيرة من نار ،وعليه في الشتاء من ثلج .قال ابن عطية :فإن صح هذا فهو من خسرانه
الذي تضمنه قوله تعالى" :فأصبح من الخاسرين" وإل فالخسران يعم خسران الدنيا والخرة.
قلت :ولعننل هذا يكون عقوبتننه على القول بأنننه عاص ل كافننر؛ فيكون المعنننى "فأصننبح مننن
الخاسرين" أي في الدنيا .وال أعلم.
**3الية{ 31 :فبعث ال غرابا يبحث في الرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى
أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين}
@ قال مجاهد :بعث ال غرابين فاقتتل حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه .وكان ابن آدم هذا
أول منن قتنل .وقينل :إن الغراب بحنث الرض على طعمنه ليخفينه إلى وقنت الحاجنة إلينه؛ لننه منن
عادة الغراب فعل ذلك؛ فتنبه قابيل ذلك على مواراة أخيه .وروي أن قابيل لما قتل هابيل جعله في
جراب ،ومشنى بنه يحمله فني عنقنه مائة سننة؛ قال مجاهند .وروى ابنن القاسنم عنن مالك أننه حمله
سنة واحدة؛ وقال ابن عباس .وقيل :حتى أروح ول يدري ما يصنع به إلى أن اقتدى بالغراب كما
تقدم .وفني الخنبر عنن أننس قال :سنمعت الننبي صنلى ال علينه وسنلم يقول( :امتنن ال على ابنن آدم
بثلث بعد ثلث بالريح بعد الروح فلول أن الريح يقع بعد الروح ما دفن حميم حميما وبالدود في
الجثننة فلول أن الدود يقننع فنني الجثننة لكتنزتهننا الملوك وكانننت خيرا لهننم مننن الدراهننم والدنانيننر
وبالموت بعد الكبر وإن الرجل ليكبر حتى يمل نفسه ويمله أهله وولده وأقرباؤه فكان الموت أستر
له) .وقال قوم :كان قابيل يعلم الدفن ،ولكن ترك أخاه بالعراء استخفافا به ،فبعث ال غرابا يبحث
التراب على هابينل ليدفننه ،فقال عنند ذلك" :ينا ويلتنى أعجزت أن أكون مثنل هذا الغراب فأواري
سنوءة أخني فأصنبح منن النادمينن" ،حينث رأى إكرام ال لهابينل بأن قينض له الغراب حتنى واراه،
ولم يكننن ذلك ندم توبننة ،وقيننل :إنمننا ندمننه كان على فقده ل على قتله ،وإن كان فلم يكننن موفيننا
شروطه .أو ندم ولم يسنتمر ندمه؛ فقال ابنن عباس :ولو كاننت ندامته على قتله لكاننت الندامنة توبة
منه .ويقال :إن آدم وحواء أتيا قبره وبكيا أياما عليه .ثم إن قابيل كان على ذروة جبل فنطحه ثور
فوقنع إلى السنفح وقند تفرقنت عروقنه .ويقال :دعنا علينه آدم فانخسنفت بنه الرض .ويقال :إن قابينل
استوحش بعد قتل هابيل ولزم البرية ،وكان ل يقدر على ما يأكله إل من الوحش ،فكان إذا ظفر به
وقذه حتى يموت ثم يأكله .قال ابن عباس :فكانت الموقوذة حراما من لدن قابيل بن آدم ،وهو أول
مننن يسنناق مننن الدمييننن إلى النار؛ وذلك قوله تعالى" :ربنننا أرنننا اللذيننن أضلنننا مننن الجننن
والنس"[فصلت ]29 :الية ،فإبليس رأس الكافرين من الجن ،وقابيل رأس الخطيئة من النس؛
على منا يأتني بياننه فني "حنم فصنلت" إن شاء ال تعالى .وقند قينل :إن الندم فني ذلك الوقنت لم يكنن
توبة ،وال بكل ذلك أعلم وأحكم .وظاهر الية أن هابيل هو أول ميت من بني آدم؛ ولذلك جهلت
سننة المواراة؛ وكذلك حكنى الطنبري عنن ابنن إسنحاق عنن بعنض أهنل العلم بمنا فني كتنب الوائل.
وقوله "يبحث" معناه يفتش التراب بمنقاره ويثيره .ومن هذا سميت سورة "براءة" البحوث؛ لنها
فتشت عن المنافقين؛ ومن ذلك قول الشاعر:
وإن بحثوني كان فيهم مباحث إن الناس غطوني تغطيت عنهم
وفي المثل :ل تكن كالباحث على الشفرة؛ قال الشاعر:
إلى مدية مدفونة تستثيرها فكانت كعنز السوء قامت برجلها
@ بعنث ال الغراب حكمنة؛ ليرى ابنن آدم كيفينة المواراة ،وهنو معننى قوله تعالى" :ثنم أماتنه
فأقبره" [عبس ، ]21 :فصار فعل الغراب في المواراة سنة باقية في الخلق ،فرضا على جميع
الناس على الكفاينة ،منن فعله منهنم سنقط فرضنه .عنن الباقينن .وأخنص الناس بنه القربون الذينن
يلونه ،ثم الجيرة ،ثم سائر المسلمين .وأما الكفار فقد روى أبو داود عن على قال :قلت للنبي صلى
ال علينه وسنلم إن عمنك الشينخ الضال قند مات؛ قال( :أذهنب فوار أباك التراب ثنم ل تحدثنن شيئا
حتى تأتيني) فذهبت فواريته وجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي.
@ ويستحب في القبر سعته وإحسانه؛ لما رواه ابن ماجة عن هشام بن عامر رضي ال عنه قال:
قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم( :احفروا وأوسنعوا وأحسننوا) .وروي عنن الدرع السنلمي
قال :جئت ليلة أحرس النبي صلى ال عليه وسلم؛ فإذا رجل قراءته عالية ،فخرج النبي صلى ال
علينه وسنلم فقلت :ينا رسنول ال :هذا مراء؛ قال :فمات بالمديننة ففرغوا منن جهازه فحملوا نعشنه،
فقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم( :ارفقوا بنه رفنق ال بنه إننه كان يحنب ال ورسنوله) .قال:
وحضنر حفرتنه فقال( :أوسنعوا له وسنع ال علينه) فقال بعنض أصنحابه :ينا رسنول ال لقند حزننت
علينه؟ فقال( :أجنل إننه كان يحنب ال ورسنوله)؛ أخرجنه عنن أبني بكنر بنن أبني شيبنة عنن زيند بنن
الحباب .عنن موسنى بنن عنبيدة عنن سنعيد بنن أبني سنعيد .قال أبنو عمنر بنن عبدالبر :أدرع السنلمي
روى عن النبي صلى ال عليه وسلم حديثا واحدا ،وروى عنه سعيد بن أبي سعيد المقبري؛ وأما
هشام بنن عامنر بنن أمينة بنن الحسنحاس بنن عامنر بنن غننم بنن عدي بنن النجار النصناري ،كان
يسمى في الجاهلية شهابا فغير النبي صلى ال عليه وسلم اسمه فسماه هشاما ،واستشهد أبوه عامر
يوم أحد .سكن هشام البصرة ومات بها؛ ذكر هذا في كتاب الصحابة.
@ ثم قيل :اللحد أفضل من الشق؛ فإنه الذي اختاره ال لرسوله صلى ال عليه وسلم؛ فإن النبي
صلى ال عليه وسلم لما توفي كان بالمدينة رجلن أحدهما يلحد والخر ل يلحد؛ فقالوا :أيهما جاء
أول عمل عمله ،فجاء الذي يلحد فلحد لرسول ال صلى ال عليه وسلم؛ ذكره مالك في الموطأ عن
هشام بننن عروة عننن أبيننه ،وأخرجننه ابننن ماجننة عننن أنننس بننن مالك وعائشننة رضنني ال عنهمننا.
والرجلن هما أبو طلحة وأبو عبيدة؛ وكان أبو طلحة يلحد وأبو عبيدة يشق .واللحد هو أن يحفر
في جانب القبر إن كانت تربة صلبة ،يوضع فيه الميت ثم يوضع عليه اللبن ثم يهال التراب؛ قال
سعد بن أبي وقاص في مرضه الذي هلك فيه :ألحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع
برسول ال صلى ال عليه وسلم .أخرجه مسلم .وروى ابن ماجة وغيره عن ابن عباس قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :اللحد لنا والشق لغيرنا).
@ روى ابن ماجة عن سعيد بن المسيب قال :حضرت ابن عمر في جنازة فلما وضعها في اللحد
قال :بسنم ال وفني سنبيل ال وعلى ملة رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم ،فلمنا أخنذ فني تسنوية اللبنن
على اللحنند قال :اللهننم أجرهننا مننن الشيطان ومننن عذاب القننبر ،اللهننم جاف الرض عننن جنبيهننا،
وصعد روحها ولقها منك رضوانا .قلت يا ابن عمر أشيء سمعته من رسول ال صلى ال عليه
وسلم أم قلته برأيك؟ قال :إني إذا لقادر على القول! بل شيء سمعته من رسول ال صلى ال عليه
وسنلم .وروي عنن أبني هريرة أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم صنلى على جنازة ثنم أتنى قنبر
المينت فحثنا علينه منن قبنل رأسنه ثلثنا .فهذا منا تعلق فني معننى الينة منن الحكام .والصنل فني "ينا
ويلتي" يا ويلتي ثم أبدل من الياء ألف .وقرأ الحسن على الصل بالياء ،والول أفصح؛ لن حذف
الياء فنني النداء أكثننر .وهنني كلمننة تدعننو بهننا العرب عننند الهلك؛ قال سننيبويه .وقال الصننمعي:
"ويل" بعد .وقرأ الحسن" :أعجزت" بكسر الجيم .قال النحاس :وهي لغة شاذة؛ إنما يقال عجزت
المرأة إذا عظمت عجيزتها ،وعجزت عن الشيء عجزا ومعجزة ومعجزة .وال أعلم.
**3الينة{ 32 :منن أجنل ذلك كتبننا على بنني إسنرائيل أننه منن قتنل نفسنا بغينر نفنس أو فسناد فني
الرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات
ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الرض لمسرفون}
@قوله تعالى" :من أجل ذلك" أي من جراء ذلك القاتل وجريرته .وقال الزجاج :أي من جنايته؛
يقال :أجل الرجل على أهله شرا يأجل أجل إذا جنى؛ مثل أخذ يأخذ أخذ .قال الخنوت:
قد احتربوا في عاجل أنا آجله وأهل خباء صالح كنت بينهم
أي جانيه ،وقيل :أنا جاره عليهم .وقال عدي بن زيد:
فوق من أحكا صلبا بإزار أجل أن ال قد فضلكم
وأصنله الجنر؛ ومننه الجنل لننه وقنت يجنر إلينه العقند الول .ومننه الجنل نقينض العاجنل ،وهنو
بمعنى يجر إليه أمر متقدم .ومنه أجل بمعنى نعم .لنه انقياد إلى ما جر إليه .ومنه الجل للقطيع
من بقر الوحش؛ لن بعضه ينجر إلى بعض؛ قاله الرماني .وقرأ يزيد بن القعقاع أبو جعفر" :من
أجنل ذلك" بكسنر النون وحذف الهمزة وهني لغنة ،والصنل "منن إجنل ذلك" فألقينت كسنرة الهمزة
على النون وحذفننت الهمزة .ثننم قيننل :يجوز أن يكون قوله" :مننن أجننل ذلك" متعلقننا بقوله" :مننن
النادمين" [المائدة ، ]31 :فالوقنف على قوله" :من أجل ذلك" .ويجوز أن يكون متعلقا بما بعده
وهنو "كتبننا" .فنن "منن أجنل" ابتداء كلم والتمام "منن النادمينن"؛ وعلى هذا أكثنر الناس؛ أي منن
سنبب هذه النازلة كتبننا .وخنص بنني إسنرائيل بالذكنر وقند تقدمتنه أمنم قبلهنم كان قتنل النفنس فيهنم
محظورا -لنهنم أول أمنة نزل الوعيند عليهنم فني قتنل النفنس مكتوبنا ،وكان قبنل ذلك قول مطلقنا؛
فغلظ المنر على بنني إسنرائيل بالكتاب بحسنب طغيانهنم وسنفكهم الدماء .ومعننى "بغينر نفنس" أي
بغير أن يقتل نفسا فيستحق القتل .وقد حرم ال القتل في جميع الشرائع إل بثلث خصال :كفر بعد
إيمان ،أو زنني بعند إحصنان ،أو قتنل نفنس ظلمنا وتعدينا" .أو فسناد فني الرض" أي شرك ،وقينل:
قطع طريق.
وقرأ الحسن" :أو فسادا" بالنصب على تقدير حذف فعل يدل عليه أول الكلم تقديره؛ أو أحدث
فسادا؛ والدليل عليه قوله" :من قتل نفسا بغير نفس" لنه من أعظم الفساد.
وقرأ العامة" :فساد" بالجر على معنى أو بغير فساد" .فكأنما قتل الناس جميعا" اضطرب لفظ
المفسنرين فني ترتينب هذا التشنبيه لجنل أن عقاب منن قتنل الناس جميعنا أكثنر منن عقاب منن قتنل
واحدا؛ فروي عنن ابنن عباس أننه قال :المعننى منن قتنل نبينا أو إمام عدل فكأنمنا قتنل الناس جميعنا
ومن أحياه بأن شد عضده ونصره فكأنما أحيا الناس جميعا .وعنه أيضا أنه قال :المعنى من قتل
نفسنا واحدة وانتهنك حرمتهنا فهنو مثنل منن قتنل الناس جميعنا ،ومنن ترك قتنل نفنس واحدة وصنان
حرمتها واستحياها خوفا من ال فهو كمن أحيا الناس جميعا .وعنه أيضا .المعنى فكأنما قتل الناس
جميعا عند المقتول ،ومن أحياها واستنقذها من هلكة فكأنما أحيا الناس جميعا عند المستنقذ .وقال
مجاهند :المعننى أن الذي يقتنل النفنس المؤمننة متعمدا جعنل ال جزاءه جهننم وغضنب علينه ولعننه
وأعند له عذابنا عظيمنا؛ يقول :لو قتنل الناس جميعنا لم يزد على ذلك ،ومنن لم يقتنل فقند حيني الناس
مننه .وقال ابنن زيند :المعننى أن منن قتنل نفسنا فيلزمنه منن القود والقصناص منا يلزم منن قتنل الناس
جميعنا ،قال :ومنن أحياهنا أي منن عفنا عمنن وجنب له قتله؛ وقاله الحسنن أيضنا؛ أي هنو العفنو بعند
المقدرة .وقينل :المعننى أن منن قتنل نفسنا فالمؤمنون كلهنم خصنماؤه؛ لننه قند وتنر الجمينع ،ومنن
أحياهنا فكأنمنا أحينا الناس جميعا ،أي يجب على الكل شكره .وقيل :جعنل إثم قاتنل الواحد إثنم قاتل
الجمينع؛ وله أن يحكنم بمنا يريند .وقينل :كان هذا مختصنا ببنني إسنرائيل تغليظنا عليهنم .قال ابنن
عطينة :وعلى الجملة فالتشنبيه على منا قينل واقنع كله ،والمنتهنك فني واحند ملحوظ بعينن منتهنك
الجمينع؛ ومثاله رجلن حلفنا على شجرتينن أل يطعمنا منن ثمرهمنا شيئا ،فطعنم أحدهمنا واحدة منن
ثمنر شجرته ،وطعم الخر ثمنر شجرته كلها ،فقد استويا في الجث .وقيل :المعنى أن من استحل
واحدا فقد استحل الجميع؛ لنه أنكر الشرع .وفي قوله
@قوله تعالى" :ومن أحياها" تجوز؛ فإنه عبارة عن الترك والنقاذ من هلكة ،وإل فالحياء حقيقة
-الذي هو الختراع -إنما هو ل تعالى .وإنما هذا الحياء بمنزلة قول نمروذ اللعين" :أنا أحيي
وأمينت" [البقرة ]258 :فسنمى الترك إحياء .ثنم أخنبر ال عنن بنني إسنرائيل أنهنم جاءتهنم الرسنل
بالبينات ،وأن أكثرهم مجاوزون الحد ،وتاركون أمر ال.
**3اليتان{ 34 - 33 :إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن
يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض ذلك لهم خزي في الدنيا
ولهننم فنني الخرة عذاب عظيننم ،إل الذيننن تابوا مننن قبننل أن تقدروا عليهننم فاعلموا أن ال غفور
رحيم}
@ اختلف الناس في سبب نزول هذه الية؛ فالذي عليه الجمهور أنها نزلت في العرنيين؛ روى
الئمنة واللفنظ لبني داود عنن أننس بنن مالك :أن قومنا منن عكنل -أو قال منن عريننة -قدموا على
رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فاجتووا المديننة؛ فأمنر لهنم رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بلقاح
وأمرهنم أن يشربوا منن أبوالهنا وألبانهنا فانطلقوا ،فلمنا صنحوا قتلوا راعني الننبي صنلى ال علينه
وسنلم واسنتاقوا النعنم؛ فبلغ الننبي صنلى ال علينه وسنلم خنبرهم منن أول النهار فأرسنل فني آثارهنم؛
فلما ارتفع النهار حتى جيء بهم؛ فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وألقوا في الحرة
يسنتسقون فل يسنقون .قال أبنو قلبنة :فهؤلء قوم سنرقوا وقتلوا وكفروا بعند إيمانهنم وحاربوا ال
ورسنوله .وفني رواينة :فأمنر بمسنامير فأحمينت فكحلهنم وقطنع أيديهنم وأرجلهنم ومنا حسنمهم؛ وفني
رواية :فبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم في طلبهم قافة فأتي به قال :فأنزل ال تبارك وتعالى
فني ذلك" :إنمنا جزاء الذينن يحاربون ال ورسنوله ويسنعون فني الرض فسنادا" الينة .وفني رواينة
قال أننس :فلقند رأينت أحدهنم يكدم الرض بفينه عطشنا حتنى ماتوا .وفني البخاري قال جرينر بنن
عبدال في حديثه :فبعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم في نفر من المسلمين حتى أدركناهم وقد
أشرفوا على بلدهنم ،فجئننا بهنم إلى رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم .قال جرينر :فكانوا يقولون
الماء ،ويقول رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم( :النار) .وقند حكنى أهنل التوارينخ والسنير :أنهنم
قطعوا يدي الراعني ورجلينه ،وغرزوا الشوك فني عينينه حتنى مات ،وأدخنل المديننة ميتنا .وكان
اسمه يسار وكان نوبيا .وكان هذا الفعل من المرتدين سنة ست من الهجرة .وفي بعض الروايات
عنن أننس :أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم أحرقهنم بالنار بعند منا قتلهنم .وروي عنن ابنن عباس
والضحاك :أنها نزلت بسبب قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم
عهند فنقضوا العهند وقطعوا السنبيل وأفسندوا فني الرض .وفني مصننف أبني داود عنن ابنن عباس
قال" :إنمننا جزاء الذيننن يحاربون ال ورسننوله" إلى قوله" :غفور رحيننم" نزلت هذه اليننة فنني
المشركينن فمنن أخنذ منهنم قبنل أن يقدر علينه لم يمنعنه ذلك أن يقام علينه الحند الذي أصنابه .وممنن
قال :إن الينة نزلت فني المشركينن عكرمنة والحسنن ،وهذا ضعينف يرده قوله تعالى" :قنل للذينن
كفروا إن ينتهوا يغفنر لهنم منا قند سنلف" [النفال ، ]38 :وقوله علينه الصنلة والسنلم( :السنلم
يهدم ما قبله) أخرجه مسلم؛ والصحيح الول لنصوص الحاديث الثابتة في ذلك.
وقال مالك والشافعني وأبنو ثور وأصنحاب الرأي :الينة نزلت فيمنن خرج منن المسنلمين يقطنع
السبيل ويسعى في الرض بالفساد .قال ابن المنذر :قول مالك صحيح ،وقال أبو ثور محتجا لهذا
القول :وفي الية دليل على أنها نزلت في غير أهل الشرك؛ وهو قوله جل ثناؤه" :إل الذين تابوا
من قبل أن تقدروا عليهم" وقد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم
تحرم؛ فدل ذلك على أن الينة نزلت فني أهنل السنلم .وحكنى الطنبري عنن بعنض أهنل العلم :أن
هذه الينة نسنخت فعنل الننبي صنلى ال علينه وسنلم فني العرنيينن ،فوقنف المنر على هذه الحدود.
وروى محمند بنن سنيرين قال :كان هذا قبنل أن تنزل الحدود؛ يعنني حدينث أننس؛ ذكره أبنو داود.
وقال قوم منهنم اللينث بنن سنعد :منا فعله الننبي صنلى ال علينه وسنلم بوفند عريننة نسنخ؛ إذ ل يجوز
التمثينل بالمرتند .قال أبنو الزناد :إن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم لمنا قطنع الذينن سنرقوا لقاحنه
وسننمل أعينهننم بالنار عاتبننه ال عننز وجننل فنني ذلك؛ فأنزل ال تعالى فنني ذلك "إنمننا جزاء الذيننن
يحاربون ال ورسنوله ويسنعون فني الرض فسنادا أن يقتلوا أو يصنلبوا" الينة .أخرجنه أبنو داود.
قال أبو الزناد :فلما وعظ ونهي عن المثلة لم يعد .وحكي عن جماعة أن هذه الية ليست بناسخة
لذلك الفعل؛ لن ذلك وقع في مرتين ،ل سيما وقد ثبت في صحيح مسلم وكتاب النسائي وغيرهما
قال :إنما سمل النبي صلى ال عليه وسلم أن أولئك لنهم سملوا أعين الرعاة؛ فكان هذا قصاصا،
وهذه الية في المحارب المؤمن.
قلت :وهذا قول حسننن ،وهنو معنننى مننا ذهننب إلينه مالك والشافعني؛ ولذلك قال ال تعالى" :إل
الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم" ومعلوم أن الكفار ل تختلف أحكامهم في زوال العقوبة عنهم
بالتوبنة بعند القدرة كمنا تسنق قبنل القدرة .والمرتند يسنتحق القتنل بنفنس الردة -دون المحاربنة -ول
ينفنى ول تقطنع يده ول رجله ول يخلى سنبيله بنل يقتنل إن لم يسنلم ،ول يصنلب أيضنا؛ فدل أن منا
اشتملت عليه الية ما عني به المرتد .وقال تعالى في حق الكفار" :قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر
لهم ما قد سلف" [النفال .]38 :وقال في المحاربين" :إل الذين تابوا" الية؛ وهذا بين .وعلى ما
قررناه فنني أول الباب ل إشكال ول لوم ول عتاب إذ هننو مقتضننى الكتاب؛ قال ال تعالى" :فمننن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" [البقرة ]194 :فمثلوا فمثل بهم ،إل أنه يحتمل
أن يكون العتاب إن صنح على الزيادة فني القتنل ،وذلك تكحيلهنم بمسنامير محماة وتركهنم عطاشنى
حتنى ماتوا ،وال أعلم .وحكنى الطنبري عنن السندي :أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم يسنمل أعينن
العرنييننن وإنمننا أراد ذلك؛ فنزلت اليننة ناهيننة عننن ذلك ،وهذا ضعيننف جدا؛ فإن الخبار الثابتننة
وردت بالسنمل؛ وفني صنحيح البخاري :فأمنر بمسنامير فأحمينت لهنم .ول خلف بينن أهنل العلم أن
حكنم هذه الينة مترتنب فني المحاربينن منن أهنل السنلم وإن كاننت نزلت فني المرتدينن أو اليهود.
وفي قوله تعالى" :إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله" استعارة ومجاز؛ إذ ال سبحانه وتعالى
ل يحارب ول يغالب لمنا هنو علينه منن صنفات الكمال ،ولمنا وجنب له منن التنزينه عنن الضداد
والنداد .والمعننى :يحاربون أولياء ال؛ فعنبر بنفسنه العزيزة عنن أوليائه إكبارا لذايتهنم ،كمنا عنبر
بنفسنه عنن الفقراء الضعفاء فني قوله" :منن ذا الذي يقرض ال قرضنا حسننا" [البقرة ]245 :حثنا
على الستعطاف عليهم؛ ومثله في صحيح السنة (استطعمتك فلم تطعمني) .الحديث أخرجه مسلم،
وقد تقدم في "البقرة".
@ واختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة؛ فقال مالك :المحارب عندنا من حمل على الناس
فني مصنر أو فني برينة وكابرهنم عنن أنفسنهم وأموالهنم دون نائرة ول ذحنل ول عداوة؛ قال ابنن
المنذر :اختلف عن مالك في هذه المسألة ،فأثبت المحاربة في المصر مرة ونفى ذلك مرة؛ وقالت
طائفنة :حكنم ذلك فني المصنر أو فني المنازل والطرق وديار أهنل البادينة والقرى سنواء وحدودهنم
واحدة؛ وهذا قول الشافعي وأبي ثور؛ قال ابن المنذر :كذلك هو لن كل يقع عليه اسم المحاربة،
والكتاب على العموم ،ولينس لحند أن يخرج منن جملة الينة قومنا بغينر حجنة .وقالت طائفنة :ل
تكون المحاربننة فنني المصننر إنمننا تكون خارجننا عننن المصننر؛ هذا قول سننفيان الثوري وإسننحاق
والنعمان .والمغتال كالمحارب وهننو الذي يحتال فنني قتننل إنسننان على أخننذ ماله ،وإن لم يشهننر
السلح لكن دخل عليه بيته أو صحبه في سفر فأطعمه سما فقتله فيقتل حدا ل قودا.
@ واختلفوا في حكم المحارب؛ فقالت طائفة :يقام عليه بقدر فعله؛ فمن أخاف السبيل وأخذ المال
قطعت يده ورجله من خلف ،وإن أخذ المال وقتل قطعت يده ورجله ثم صلب ،فإذا قتل ولم يأخذ
المال ،وإن هننو لم يأخننذ المال ولم يقتننل نفنني؛ قاله ابننن عباس ،وروي عننن أبنني مجلز والنخعنني
وعطاء الخراسناني وغيرهنم .وقال أبنو يوسنف :إذا أخنذ المال وقتنل صنلب وقتنل على الخشبنة؛ قال
الليث :بالحربة مصلوبا .وقال أبو حنيفة :إذا قتل قتل ،وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله
منن خلف ،وإذا أخنذ المال وقتنل فالسنلطان مخينر فينه ،إن شاء قطنع يده ورجله وإن شاء لم يقطنع
وقتله وصنلبه؛ قال أبنو يوسنف :القتنل يأتني على كنل شينء .ونحوه قول الوزاعني .وقال الشافعني:
إذا أخننذ المال قطعننت يده اليمنننى وحسننمت ،ثننم قطعننت رجله اليسننرى وحسننمت وخلي؛ لن هذه
الجناية زادت على السرقة بالحرابة ،وإذا قتل قتل ،وإذا أخذ المال وقتل قتل وصلب؛ وروي عنه
أننه قال :يصنلب ثلثنة أيام؛ قال :وإن حضنر وكثنر وهينب وكان ردءا للعدو حبنس .وقال أحمند :إن
قتنل قتنل ،وإن أخنذ المال قطعنت يده ورجله كقول الشافعني .وقال قوم :ل ينبغني أن يصنلب قبنل،
القتل فيحال بينه وبين الصلة والكل والشرب؛ وحكي عن الشافعي :أكره أن يقتل مصلوبا لنهي
رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم عنن المثلة .وقال أبنو ثور :المام مخينر على ظاهنر الينة ،وكذلك
قال مالك ،وهو مروي عن ابن عباس ،وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز ومجاهد
والضحاك والنخعني كلهنم قال :المام مخينر فني الحكنم على المحاربينن ،يحكنم عليهنم بأي الحكام
التي أوجبها ال تعالى من القتل والصلب أو القطع أو النفي بظاهر الية؛ قال ابن عباس :ما كان
في القرآن "أو" فصاحبه بالخيار؛ وهذا القول أشعر بظاهر الية؛ فإن أهل القول الول الذين قالوا
"أو" للترتيب وإن اختلفوا -فإننك تجد أقوالهم أنهم يجمعون عليه حدين فيقولون :يقتل ويصلب؛
ويقول بعضهنم :يصنلب ويقتنل؛ ويقول بعضهنم :تقطنع يده ورجله وينفنى؛ ولينس كذلك الينة ول
معننى "أو" فني اللغنة؛ قال النحاس .واحتنج الولون بمنا ذكره الطنبري عنن أننس بنن مالك أننه قال:
سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم جبريل عليه السلم عن الحكم في المحارب فقال" :من أخاف
السنبيل وأخنذ المال فأقطنع بنه للخنذ ورجله للخافنة ومنن قتنل فاقتله ومنن جمنع ذلك فأصنلبه" .قال
ابنن عطينة :وبقني النفني للمخينف فقنط والمخينف فني حكنم القاتنل ،ومنع ذلك فمالك يرى فينه الخنذ
بأيسر العذاب والعقاب استحسانا.
@قوله تعالى" :أو ينفوا منن الرض" اختلف فني معناه؛ فقال السندي :هنو أن يطلب أبدا بالخينل
والرجل حتى يؤخذ فيقام عليه حد ال ،أو يخرج من دار السلم هربا ممن يطلبه؛ عن ابن عباس
وأننس بنن مالك ومالك بنن أننس والحسنن والسندي والضحاك وقتادة وسنعيد بنن جنبير والربينع بنن
أنننس والزهري .حكاه الرماننني فنني كتابننه؛ وحكنني عننن الشافعنني أنهننم يخرجون مننن بلد إلى بلد،
ويطلبون لتقام عليهم الحدود؛ وقال الليث بن سعد والزهري أيضا .وقال مالك أيضا :ينفى من البلد
الذي أحدث فينه هذا إلى غيره ويحبنس فينه كالزانني .وقال مالك أيضنا والكوفيون :نفيهنم سنجنهم
فينفنى منن سنعة الدنينا إلى ضيقهنا ،فصنار كأننه إذا سنجن فقند نفني منن الرض إل منن موضنع
استقراره؛ واحتجوا بقول بعض أهل السجون في ذلك:
فلسنا من الموات فيها ول الحيا خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها
عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا إذا جاءنا السجان يوما لحاجة
حكى مكحول أن عمر بن الخطاب رضني ال عنه أول من حبس فني السجون وقال :أحبسه حتى
أعلم منه التوبة ،ول أنفيه من بلد إلى بلد فيؤذيهم؛ والظاهر أن الرض في الية هي أرض النازلة
وفد تجنب ،الناس قديما الرض التي أصابوا فيها الذنوب؛ ومنه الحديث (الذي ناء بصدره ونحو
الرض المقدسنة) .وينبغني المام إن كان هذا المحارب مخوف الجاننب يظنن أننه يعود إلى حرابنة
أو إفسناد أن يسنجنه فني البلد الذي يغرب إلينه ،وإن كان غينر مخوف الجاننب فظنن أننه ل يعود إلى
جناينة رح؛ قال ابنن عطينة :وهذا صنريح مذهنب مالك أن يغرب ويسنن حينث يغرب ،وهذا على
الغلب في أنه مخوف ،ورجحه الطبري وهو الواضح؛ لن نفيه من أرض النازلة هو نص الية،
وسجنه بعد بحسب الخوف منه ،فإن تاب وفهمت حاله سرح.
@قوله تعالى" :أو ينفوا من الرض" النفي أصله الهلك؛ ومنه الثبات والنفي ،فالنفي الهلك
بالعدام؛ ومنه النفاية لردي المتاع؛ ومنه النفي لما تطاير من الماء عن الدلو .قال الراجز:
مواقع الطير على الصفي كأن متنيه من النفي
@ قال ابن خويز منداد :ول يراعى المال الذي يأخذه المحارب نصابا كما يراعى في السارق.
وقد قيل :يراعى في ذلك النصاب ربع دينار؛ قال ابن العربني ،قال الشافعني وأصحاب الرأي :ل
يقطنع منن قطاع الطرينق إل منن أخنذ قدر منا تقطنع فينه يند السنارق؛ وقال مالك :يحكنم علينه بحكنم
المحارب وهنو الصنحيح؛ فإن ال تعالى وقنت على لسنان ننبيه علينه الصنلة والسنلم القطنع فني
السنرقة فني ربنع دينار ،ولم يوقنت فني الحرابنة شيئا ،بنل ذكنر جزاء المحارب ،فاقتضنى ذلك توفينة
الجزاء لهنم على المحاربنة عنن حبنة؛ ثنم إن هذا قياس أصنل على أصنل وهنو مختلف فينه ،وقياس
العلى بالدنننى والدنننى بالسننفل وذلك عكننس القياس .وكيننف يصننح أن يقاس المحارب على
السارق وهو يطلب خطنف المال فإن شعر به فنر؛ حتى إن السارق إذا دخل بالسلح يطلب المال
فإن منع منه أو صبح عليه وحارب عليه فهو محارب حكم عليه بحكم المحارب .قال القاضي ابن
العربي :كنت في أيام حكمي بين الناس إذا جاءني أحد بسارق ،وقد دخل الدار بسكين يحبسه على
قلب صنناحب الدار وهننو نائم ،وأصننحابه يأخذون مال الرجننل ،حكمننت فيهننم بحكننم المحاربيننن،
فافهموا هذا منن أصنل الدينن ،وارتفعوا إلى يفاع العلم عنن حضينض الجاهلينن .قلت :اليفنع أعلى
الجبنل ومننه غلم يفعنة إذا ارتفنع إلى البلوغ؛ والحضينض الحفرة فني أسنفل الوادي؛ كذا قال أهنل
اللغة.
@ ول خلف فني أن الحرابنة يقتنل فيهنا منن قتنل وإن لم يكنن المقتول مكافئا للقاتنل؛ وللشافعني
قولن :أحدهمنا :أنهنا تعتنبر المكافأة لننه قتنل فاعتنبر فينه المكافأة كالقصناص؛ وهذا ضعينف؛ لن
القتنل هننا لينس على مجرد القتنل وإنمنا هنو على الفسناد العام منن التخوينف وسنلب المال؛ قال ال
تعالى" :إنمنا جزاء الذين يحاربون ال ورسنوله ويسعون فني الرض فسنادا أن يقتلوا" فأمنر تعالى
بإقامة الحدود على المحارب إذا جمع شيئين محاربة وسعيا في الرض بالفساد ،ولم يخص شريفا
من وضيع ،ول رفيعا من دنيء.
@ وإذا خرج المحاربون فاقتتلوا منع القافلة فقتنل بعنض المحاربينن ولم يقتنل بعنض قتنل الجمينع.
وقال الشافعي :ل قتل إل من قتل؛ وهذا أيضا ضعيف؛ فإن من حضر الوقيعة شركاء في الغنيمة
وإن لم يقتل جميعهم؛ وقد اتفق معنا على قتل الردء وهو الطليعة ،فالمحارب أولى.
@ وإذا أخاف المحاربون السبيل وقطعوا الطريق وجب على المام قتالهم من غير أن يدعوهم،
ووجننب على المسننلمين التعاون على قتالهننم وهننم عننن أذى المسننلمين ،فإن انهزموا لم يتبننع منهننم
مدبرا إل أن يكون قند قتنل وأخنذ مال ،فإن كان كذلك أتبنع ليؤخنذ ويقام عليه منا وجنب لجنايتنه؛ ول
يدفف منهم على جريح إل أن يكون قد قتل؛ فإن أخذوا وجد في أيديهم مال لحد بعينه رد إليه أو
إلى ورثته ،وإن لم يوجد له صاحب جعل في بيت المال؛ وما أتلفوه من مال لحد غرموه؛ ول دية
لمنن قتلوا إذا قدر عليهنم قبنل التوبنة ،فإن تابوا وجاؤوا تائبينن لم يكنن للمام عليهنم سنبيل ،وسنقط
عنهنم منا كان حدا ل وأخذوا بحقوق الدميينن ،فاقتنص منهنم منن النفنس والجراح ،وكان عليهنم منا
أتلفوه منن مال ودم لوليائه فني ذلك ،ويجوز لهنم العفنو والهبنة كسنائر الجناة منن غينر المحاربينن؛
هذا مذهب مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي .وإنما أخذ ما بأيديهم من الموال وضمنوا
قيمه ما استهلكوا؛ لن ذلك غصب فل يجوز ملكه لهم ،ويصرف إلى أربابه أو يوقفه المام عنده
حتى يعلم صاحبه .وقال قوم من الصحابة والتابعين :ل يطلب من المال إل بما وجد عنده ،وأما ما
استهلكه فل يطالب به؛ وذكر الطبري ذلك عن مالك من رواية الوليد بن مسلم عنه ،وهو الظاهر
منن فعنل علي بنن أبني طالب رضني ال عننه بحارثنة بنن بدر الغدانني فإننه كان محاربنا ثنم تاب قبنل
القدرة علينه ،فكتنب له بسنقوط الموال والدم عننه كتابنا منشورا؛ قال ابنن خوينز منداد :واختلفنت
الرواينة عنن مالك فني المحارب إذا أقينم علينه الحند ولم يوجند له مال؛ هنل يتبنع ديننا بمنا أخنذ ،أو
يسقط عنه كما سقط عن السارق؟ والمسلم والذمي في ذلك سواء.
@ وجمع أهل العلم على أن السلطان ولي من حارب؛ فإن قتل محارب أخا امرئ أو أباه في حال
المحاربنة ،فلينس إلى طالب الدم منن أمنر المحارب شينء ،ول يجوز عفنو ولي الدم ،والقائم بذلك
المام؛ جعلوا ذلك بمنزلة حنند مننن حدود ال تعالى .قلت :فهذه جملة مننن أحكام المحاربيننن جمعنننا
غررها ،واجتلبنا دررها؛ ومن أغرب ما قيل في تفسيرها وهي:
@ وتفسنير مجاهند لهنا؛ المراد بالمحاربنة فني هذه الية الزننى والسنرقة؛ ولينس بصنحيح؛ فإن ال
سنبحانه بينن فني كتابنه وعلى لسنان ننبيه أن السنارق تقطنع يده ،وأن الزانني يجلد ويغرب إن كان
بكرا ،ويرجنم إن كان ثيبا محصنا .وأحكام المحارب في هذه الية مخالف لذلك ،اللهم إل أن يريد
إخافنة الطرينق بإظهار السنلح قصندا للغلبنة على الفروج ،فهذا أفحنش المحاربنة ،وأقبنح منن أخنذ
الموال وقد دخل في معنى قوله تعالى" :ويسعون في الرض فسادا".
@ قال علماؤنا :ويناشد اللص بال تعالى ،فإن كف ترك وإن أبى قوتل ،فإن أنت قتلته فشر قتيل
ودمه هدر .روى النسائي عن أبي هريرة أن رجل جاء إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال:
ينا رسنول ال أرأينت إن عدي على مالي؟ قال( :فانشند بال) قال :فإن أبوا علي .قال( :فانشند بال)
قال :فإن أبوا علي قال( :فانشد بال) قال :فإن أبوا علي قال( :فقاتل فإن قتلت ففي الجنة وإن قتلت
ففني النار) وأخرجنه البخاري ومسنلم -ولينس فينه ذكنر المناشدة -عنن أبني هريرة قال :جاء رجنل
إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال:
(فل تعطنه مالك) قال :أرأينت إن قاتلنني؟ قال( :فقاتله) قال :أرأينت إن قتلنني؟ قال( :فأننت شهيند)
قال :فإن قتلتنه؟ قال( :هنو فني النار) .قال ابنن المنذر :وريننا عنن جماعنة منن أهنل العلم أنهنم رأوا
قتال اللصنوص ودفعهنم عنن أنفسنهم وأموالهنم؛ هذا مذهنب ابنن عمنر والحسنن البصنري وإبراهينم
النخعي وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والنعمان ،وبهذا يقول عوام أهل العلم :إن للرجل
أن يقاتل عن نفسه وأهله وماله إذا أريد ظلما؛ للخبار التي جاءت عن النبي صلى ال عليه وسلم
لم يخص وقتا دون وقت ،ول حال دون حال إل السلطان؛ فإن جماعة أهل الحديث ل يحاربه ول
يخرج عليه؛ للخبار الدالة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،التي فيها المر بالصبر على ما
يكون منهم ،من الجور والظلم ،وترك قتالهم والخروج عليهم ما أقاموا الصلة.
قلت :وقنند اختلف مذهبنننا إذا طلب الشيننء الخفيننف كالثوب والطعام هننل يعطونننه أو يقاتلون؟
وهذا الخلف مبنني على أصنل ،وهنو هنل المنر بقتالهنم لننه تغيينر منكنر أو هنو منن باب دفنع
الضرر؟ وعلى هذا أيضا ينبني الخلف في دعوتهم قبل القتال .وال أعلم.
@قوله تعالى" :ذلك لهم خزي في الدنيا" لشناعة المحاربة وعظم ضررها ،وإنما كانت المحاربة
عظيمنة الضرر؛ لن فيهنا سند سنبيل الكسنب على الناس ،لن أكثنر المكاسنب وأعظمهنا التجارات،
وركنهننا وعمادهننا الضرب فنني الرض؛ كمننا قال عننز وجننل" :وآخرون يضربون فنني الرض
يبتغون من فضل ال" [المزمل ]20 :فإذا أخيف الطريق انقطع الناس عن السفر ،واحتاجوا إلى
لزوم البيوت ،فانسد باب التجارة عليهم ،وانقطعت أكسابهم؛ فشرع ال على قطاع الطريق الحدود
المغلظة ،وذلك الخزي في الدنيا ردعا لهم عن سوء فعلهم ،وفتحا لباب التجارة التي أباحها لعباده
لمننن أرادهننا منهننم ،ووعنند فيهننا بالعذاب العظيننم فنني الخرة .وتكون هذه المعصننية خارجننة عننن
المعاصني ،ومسنتثناة منن حدينث عبادة فني قول الننبي صنلى ال علينه وسنلم( :فمنن أصناب منن ذلك
شيئا فعوقنب به فني الدنينا فهنو له كفارة) وال أعلم .ويحتمنل أن يكون الخزي لمنن عوقنب ،وعذاب
الخرة لمنن سنلم فني الدنينا ،ويجرى هذا الذننب مجرى غيره .ول خلود لمؤمنن فني النار على منا
تقدم ،ولكنن يعظنم عقابنه لعظنم الذننب ،ثنم يخرج إمنا بالشفاعنة وإمنا بالقبضنة ،ثنم إن هذا الوعيند
مشروط النفاذ بالمشيئة كقوله تعالى" :ويغفننر مننا دون ذلك لمننن يشاء" [النسنناء ]116 :أمننا إن
الخوف يغلب عليهم بحسب الوعيد وكبر المعصية.
@قوله تعالى" :إل الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم" استثنى جل وعز التائبين قبل أن يقدر
عليهننم ،وأخننبر بسننقوط حقننه عنهننم بقوله" :فاعلموا أن ال غفور رحيننم" .أمننا القصنناص وحقوق
الدميينن فل تسنقط .ومنن تاب بعند القدرة فظاهنر الينة أن التوبنة ل تنفنع ،وتقام الحدود علينه كمنا
تقدم .وللشافعني قول أننه يسنقط كنل حند بالتوبنة ،والصنحيح منن مذهبنه أن منا تعلق بنه حنق لدمني
قصناصا كان أو غيره فإننه ل يسنقط بالتوبنة قبنل القدرة علينه .وقينل :أراد بالسنتثناء المشرك إذا
تاب وأمن قبل القدرة عليه فإنه تسقط عنه الحدود؛ وهذا ضعيف؛ لنه إن آمن بعد القدرة عليه لم
يقتل أيضا بالجماع .وقيل :إنما ل يسقط الحد عن المحاربين بعد القدرة عليهم -وال أعلم -لنهم
متهمون بالكذب فنني توبتهننم والتصنننع فيهننا إذا نالتهننم ينند المام ،أو لنننه لمننا قدر عليهننم صنناروا
بمعرض أن ينكنل بهنم فلم تقبنل توبتهنم؛ كالمتلبنس بالعذاب منن المنم قبلننا ،أو منن صنار إلى حال
الغرغرة فتاب؛ فأمنا إذا تقدمنت توبتهنم القدرة عليهنم ،فل تهمنة وهني نافعنة على منا يأتني بياننه فني
سنورة "يوننس"؛ فأمنا الشراب والزناة والسنراق إذا تابوا وأصنلحوا وعرف ذلك منهنم ،ثنم رفعوا
إلى المام فل ينبغنني له أن يحدهننم ،وإن رفعوا إليننه فقالوا تبنننا لم يتركوا ،وهننم فنني هذه الحال
كالمحاربين إذا غلبوا .وال أعلم.
**3اليتان{ 36 - 35 :ينا أيهنا الذينن آمنوا اتقوا ال وابتغوا إلينه الوسنيلة وجاهدوا فني سنبيله
لعلكم تفلحون ،إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم
القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وابتغوا إليه الوسيلة" الوسيلة هي القربة عن أبي وائل
والحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسد وابن زيد وعبدال بن كثير ،وهي فعيلة من توسلت إليه أي
تقربت؛ قال عنترة:
أن يأخذوك تكحلي وتخصني إن الرجال لهم إليك وسيلة
والجمع الوسائل؛ قال:
وعاد التصافي بيننا والوسائل إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا
ويقال :مننه سنلت أسنأل أي طلبنت ،وهمنا يتسناولن أي يطلب كنل واحند منن صناحبه؛ فالصنل
الطلب؛ والوسنيلة القربنة التني ينبغني أن يطلب بهنا ،والوسنيلة درجنة فني الجننة ،وهني التني جاء
الحديث الصحيح بها في قوله عليه الصلة والسلم( :فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة).
**3الية{ 37 :يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم}
@ قال يزيند الفقينر :قينل لجابر بنن عبدال إنكنم ينا أصنحاب محمند تقولون إن قومنا يخرجون منن
النار وال تعالى يقول" :ومنا هنم بخارجينن منهنا" فقال جابر :إنكنم تجعلون العام خاصنا والخاص
عامننا ،إنمننا هذا فنني الكفار خاصننة؛ فقرأت الينة كلهننا مننن أولهننا إلى آخرهننا فإذا هنني فنني الكفار
خاصة .و"يقيم" معناه دائم ثابت ل يزول ول يحول؛ قال الشاعر:
عذابا دائما لكم مقيما فإن لكم بيوم الشعب مني
**3اليتان{ 39 - 38 :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال من ال وال
عزيز حكيم ،فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن ال يتوب عليه إن ال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :والسنارق والسنارقة فاقطعوا أيديهمنا" الينة .لمنا ذكنر تعالى أخنذ الموال بطرينق
السعي في الرض والفساد ذكر حكم السارق من غير جراب على ما يأتي بيانه أثناء الباب؛ وبدأ
سننبحانه بالسننارق قبننل السننارقة عكننس الزنننى على مننا نننبينه آخننر الباب .وقنند قطننع السننارق فنني
الجاهلية ،وأول من حكم بقطعه في الجاهلية الوليد بن المغيرة ،فأمر ال بقطعه في السلم ،فكان
أول سارق قطعه رسول ال صلى ال عليه وسلم في السلم من الرجال الخيار بن عدي بن نوفل
بن عبد مناف ،ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبدالسد من بن مخزوم ،وقطع أبو بكر يد اليمني
الذي سنرق العقند؛ وقطنع عمنر يند ابنن سنمرة أخني عبدالرحمنن بنن سنمرة ول خلف فينه .وظاهنر
الية العموم في كل سارق وليس كذلك؛ لقوله عليه السلم (ل تقطع يد السارق إل في ربع دينار
فصاعدا) فبين انه إنما أراد بقوله" :والسارق والسارقة" بعض السراق دون بعض؛ فل تقطع يد
السارق إل في ربع دينار ،أو فيما قيمته ربع دينار؛ وهذا قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان
وعلي رضني ال عنهنم ،وبنه قال عمنر بنن عبدالعزينز واللينث والشافعني وأبنو ثور؛ وقال مالك:
تقطع اليد في ربع دينار أو في ثلثة دراهم ،فإن سرق درهمين وهو ربع دينار لنحطاط الصرف
لم تقطنع يده فيهمنا .والعروض ل تقطنع فيهنا إل أن تبلغ ثلثنة دراهنم قنل الصنرف أو كثنر؛ فجعنل
مالك الذهب والورق كل واحد منهما أصل بنفسه ،وجعل تقويم العروض بالدراهم في المشهور.
وقال أحمد وإسحاق :إن سرق ذهب فربع دينار ،وإن سرق غير الذهب والفضة كانت قيمته ربع
دينار أو ثلثنة دراهنم منن الورق .وهذا نحنو منا صنار إلينه مال فني القول الخنر؛ والحجنة للول
حديث ابن عمر أن رجل سرق جحفة ،فأتي به النبي صلى ال عليه وسلم فأمر بها فقومت بثلثة
دراهنم .والشافعني حديث عائشة رضي ال عنها في الربع دينار أصل رد إليه تقويم العروض ل
بالثلثننة دراهننم على غلء الذهننب ورخصننه ،وترك حديننث ابننن عمننر لمننا رآه -وال أعلم -مننن
اختلف الصحابة في المجن الذي قطع فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فابن عمر يقول :ثلثة
دراهنم؛ وابنن عباس يقول :عشرة دراهنم؛ وأننس يقول :خمسنة دراهنم ،وحدينث عائشنة فني الربنع
دينار حدينث صنحيح ثابنت لم يختلف فينه عنن عائشنة إل أن بعضهنم وقفه ،ورقعنه منن يجنب العمنل
بقوله لحفظننه وعدالتننه؛ قاله أبننو عمننر وغيره .وعلى هذا فإن بلغ العرض المسننروق ربننع دينار
بالتقويم قطع سارقه؛ وهو قول إسحاق؛ فقف على هذين الصلين فهما عمدة الباب ،وما أصح ما
قيل فيه.
وقال أبنو حنيفنة وصناحباه والثوري :ل تقطنع يند السنارق إل فني عشرة دراهنم كيل ،أو دينارا
ذهبا عينا أو وزنا؛ ول يقطع حتى خرج بالمتاع من ملك الرجل؛ وحجتهم حديث ابن عباس؛ قال:
قوم المجنن الذي منع قطنع فينه الننبي صنلى ال علينه وسنلم بعشرة دراهنم .ورواه عمرو بنن شعينب
عنن أبينه عنن جده قال :كان ثمنن المجنن يومئذ عشرة دراهنم؛ أخرجهمنا الدارقطنني وغيره .وفني
المسألة قول رابع ،وهو ما رواه الدارقطني عن عمر قال :ل تقطع الخمس إل في خمس؛ وبه قال
سليمان بن يسار وابن أبي ليلى وابن شبرمة؛ وقال أنس بن مالك :قطع أبو بكر -رحمه ال -في
مجن قيمته خمسة دراهم .وقول خامس :وهو أن اليد تقطع في أربعة دراهنم فصاعدا؛ روي عن
أبي هريرة وأبى سعيد الخدري .وقول سادس :وهو أن اليد تقطع في درهم فما فوقه؛ قاله عثمان
البتي .وذكر الطبري أن عبدال بن الزبير قطع في درهم .وقول سابع :وهو أن اليد تقطع في كل
مننا له قيمننة على ظاهننر اليننة؛ هذا قول الخوارج ،وروي عننن الحسننن البصننري ،وهنني إحدى
الروايات الثلث عننه ،والثانينة كمنا روي عنن عمنر ،والثالثنة حكاهنا قتادة عننه أننه قال :تذاكرننا
القطع في كم يكون على عهد زياد؟ فاتفق رأينا على درهمين .وهذه أقوال متكافئة والصحيح منها
منا قدمناه لك؛ فإن قينل :قند روى البخاري ومسنلم وغيرهمنا عنن أبني هريرة قال قال رسنول ال
صلى ال عليه وسلم( :لعن ال السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده) وهذا
موافق لظاهر الية في القطع في القليل والكثير؛ فالجواب أن هذا خرج مخرج التحذير بالقليل عن
الكثينر ،كمنا جاء فني معرض الترغينب بالقلينل مجرى الكثينر فني قوله علينه السنلم( :منن بننى ل
مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بنى ال له بيتا في الجنة) .وقيل :إن ذلك مجاز من وجه آخر؛ وذلك
أننه إذا رضنى بسنرقة القلينل سنرق الكثينر فقطعنت يده .وأحسنن منن هذا منا قاله العمنش وذكره
البخاري فني آخنر الحدينث كالتفسنير قال :كانوا يرون أننه بينض الحديند ،والحبنل كانوا يرون أننه
منها ما يساوي دراهم .قلت :كحبال السفينة وشبه ذلك .وال أعلم.
@ اتفق جمهور الناس على أن القطع ل يكون إل على من أخرج من حرز ما يجب فيه القطع.
وقال الحسن بن أبي الحسن :إذا جمع الثياب في البيت .وقال الحسن بن أبي الحسن أيضا في قول
آخر مثل قول سائر أهل العلم فصار اتفاقا صحيحا .والحمد ل.
@ الحرز هو ما نصب عادة لحفظ أموال الناس ،وهو يختلف في كل شيء بحسب حاله على ما
يأتنني بيانننه .قال ابننن المنذر :ليننس فنني هذا الباب خننبر ثابننت ل مقال فيننه لهننل العلم ،وإنمننا ذلك
كالجماع منن أهنل العلم .وحكني عنن الحسنن وأهنل الظاهنر أنهنم لم يشترطوا الحرز .وفني الموطنأ
لمالك عنن عبدال بنن عبدالرحمنن بنن أبني حسنين المكني؛ أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال:
(ل قطنع فني ثمنر معلق ول فني حريسنة جبنل فإذا آواه المراح أو الجرينن فالقطنع فيمنا بلغ ثمنن
المجنن) قال أبنو عمنر :هذا حدينث يتصنل معناه منن حدينث عبدال بنن عمرو بنن العاص وغيره،
وعبدال هذا ثقة عند الجميع ،وكان أحمد يثني عليه .وعن عبدال بن عمرو عن رسول ال صلى
ال عليه وسلم أنه سئل عن الثمر المعلق فقال( :من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فل
شينء عليه ومن خرج بشينء مننه فعليه القطنع ومن سنرق دون ذلك فعليه غرامة مثلينه والعقوبة)
وفني رواينة( .وجلدات نكال) بدل (والعقوبنة) .قال العلماء :ثنم نسنخ الجلد وجعنل مكاننه القطنع .قال
أبو عمر :قول (غرامة مثليه) منسوخ ل أعلم أحد من الفقهاء قال به إل ما جاء عن عمر في دقيق
حاطنب بننن أبني بلتعنة؛ خرج مالك؛ ورواينة عنن أحمند بنن حنبنل .والذي علينه الناس فنني الغرم
بالمثنل؛ لقوله تعالى" :فمنن اعتدى عليكنم فاعتدوا علينه بمثنل منا اعتدى عليكنم" [البقرة.]194 :
وروى أبنو داود عنن صنفوان بنن أمينة قال :كننت نائمنا فني المسنجد على خميصنة لي ثمنن ثلثينن
درهما ،فجاء رجل فاختلسها مني ،فأخذ الرجل فأتى به النبي صلى ال عليه وسلم فأمر به ليقطع،
قال :فأتيته فقلت أتقطع من أجل ثلثين درهما؟ أنا أبيعه وأنسئه ثمنها؛ قال( :فهل كان هذا قبل أن
تأتينني بنه)؟ .ومنن جهنة النظنر أن الموال خلقنت مهيأة للنتفاع بهنا للخلق أجمعينن ،ثنم الحكمنة
الولينة حكمنت فيهنا بالختصناص الذي هنو الملك شرعنا ،وبغينت الطماع متعلقنة بهنا ،والمال
محومنة عليهنا؛ فتكفهنا المروءة والدياننة فني أقنل الخلق ،ويكفهنا الصنون والحرز عنن أكثرهنم ،فإذا
أحرزهنا مالك فقند اجتمنع فيهنا الصنون والحرز الذي هنو غاينة المكان للنسنان؛ فإذا هتكنا فحشنت
الجريمة فعظمت العقوبة ،وإذا هتك أحد الصونين وهو الملك وجب الضمان والدب.
@ فإذا اجتمنع جماعنة فاشتركوا فني إخراج نصناب منن حرزه ،فل يخلو ،إمنا أن يكون بعضهنم
ممننن يقدر على إخراجننه ،أول إل بتعاونهننم ،فإذا كان الول فاختلف فيننه علماؤنننا على قوليننن:
أحدهمنا يقطنع فينه ،والثانني ل يقطنع فينه؛ وبنه قال أبنو حنيفنة والشافعني؛ قال :ل يقطنع فني السنرقة
المشتركون إل بشرط أن يجب لكل واحد من حصته نصاب؛ لقوله صلى ال عليه وسلم( :ل تقطع
يند السنارق إل فني ربنع دينار فصناعدا) وكنل واحند منن هؤلء لم يسنرق نصنابا فل قطنع عليهنم.
ووجه القطع في إحدى الروايتين أن الشتراك في الجناية ل يسقط عقوبتها كالشتراك في القتل؛
قال ابنن العربني :ومنا أقرب منا بينهمنا فإننا إنمنا قتلننا الجماعنة بالواحند صنيانة للدماء؛ لئل يتعاون
على سنفكها العداء ،فكذلك فني الموال مثله؛ ل سنيما وقند سناعدنا الشافعني على أن الجماعنة إذا
اشتركوا فني قطنع يند رجنل قطعوا ول فرق بينهمنا .وإن كان الثانني وهنو ممنا ل يمكنن إخراجنه إل
بالتعاون فإنه يقطع جميعهم بالتفاق من العلماء؛ ذكره ابن العربي.
@ فإن اشتركوا فني السنرقة بأن نقنب واحند الحرز وأخرج آخنر ،فإن كاننا متعاونينن قطعنا .وإن
انفرد كنل منهمنا بفعله دون اتفاق بينهمنا ،بأن يجينء آخنر فيخرج فل قطنع على واحند منهمنا .وإن
تعاوننا فني النقنب وانفرد أحدهمنا بالخراج فالقطنع علينه خاصنة؛ وقال الشافعني :ل قطنع؛ لن هذا
نقنب ولم يسنرق ،والخنر سنرق منن حرز مهتوك الحرمنة .وقال أبنو حنيفنة :إن شارك فني النقنب
ودخنل وأخنذ قطنع .ول يشترط فني الشتراك فني النقنب التحامنل على آلة واحدة ،بنل التعاقنب فني
الضرب تحصل به الشركة.
@ ولو دخل أحدهما فأخرج المتاع إلى باب الحرز فأدخل الخر يده فأخذه فعليه القطع ،ويعاقب
الول؛ وقال أشهنب :يقطعان .وإن وضعنه خارج الحرز فعلينه القطنع ل على الخنذ ،وإن وضعنه
في وسط النقب فأخذه الخر والتقت أيديهما في النقب قطعا جميعا.
@ والقنبر والمسنجد حرز ،فيقطنع النباش عنند الكثنر؛ وقال أبنو حنيفنة :ل قطنع علينه؛ لننه سنرق
منن غينر حرز منا معرضنا للتلف ل مالك له؛ لن المينت ل يملك .ومنهنم منن ينكنر السنرقة؛ لننه
لينس فينه سناكن ،وإنمنا تكون السنرقة بحينث تتقنى العينن ،ويتحفنظ منن الناس؛ وعلى نفني السنرقة
عول أهل ما وراء النهر .وقال الجمهور :هو سارق لنه تدرع الليل لباسا وأتقى العين ،وقصد
وقتا ل ناظر فيه ول ما عليه ،فكان بمنزلة ما لو سرق في وقت بروز الناس للعيد ،وخلو البلد من
جميعهنم .وأمنا قولهنم :إن القنبر غينر حرز فباطنل؛ لن حرز كنل شينء بحسنب حال الممكننة فينه.
وأما قولهم :إن الميت ل ملك فباطل أيضا؛ لنه ل يجوز ترك الميت عارينا فصارت هذه الحاجة
قاضينة بأن القنبر حرز .وقند نبنه ال تعالى علينه بقول" :ألم نجعنل الرض كفاتنا أحياء وأمواتنا"
[المرسلت ]26 - 25 :ليسكن فيها حيا ،ويدفن فيها ميتا .وأما قولهم :إنه عرضة للتلف؛ فكل
منا يلبسنه الحني أيضنا معرض للتلف والخلق بلباسنه ،إل أن أحند المرينن أعجنل منن الثانني؛ وقند
روى أبننو داود عننن أبنني ذر قال :دعاننني رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم فقال( :كيننف أنننت إذا
أصناب الناس موت يكون البينت فينه بالوصنيف) ،يعنني القنبر؛ قلت :ال ورسنول أعلم قال( :علينك
بالصبر) قال حماد :فبهذا قال من قال تقطع يد السارق؛ لنه دخل على الميت بيته .وأما المسجد،
فمنن سنرق حصنره قطنع؛ رواه عيسنى عنن ابنن القاسنم ،وإن لم يكنن للمسنجد باب؛ ورآهنا محرزة.
وإن سنرق البواب قطنع أيضنا؛ وروي عنن ابنن القاسنم أيضنا إن كاننت سنرقته للحصنر نهارا لم
يقطنع ،وإن كان تسنور عليهنا ليل قطنع؛ وذكنر عنن سنحنون إن كاننت حصنره خينط بعضهنا إلى
بعض قطع ،وإل لم يقطع .قال أصبغ :يقطع سارق حصر المسجد وقناديله وبلطه ،كما لو سرق
بابه مستسرا أو خشبة من سقفه أو من جوائزه .وقال أشهب في كتاب محمد :ل قطع في شيء من
حصر المسجد وقناديله وبلطه.
@ واختلف العلماء هنل يكون غرم منع القطنع أم ل؟ فقال أبنو حنيفنة :ل يجتمنع الغرم منع القطنع
بحال؛ لن ال سبحانه قال" :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال من ال" ولم
يذكنر غرمنا .وقال الشافعني :يغرم قيمنة السنرقة موسنرا كان أو معسنرا ،وتكون ديننا علينه إذا أيسنر
أداه؛ وهنو قول أحمند وإسنحاق .وأمنا علماؤننا مالك وأصنحابه فقالوا :إن كاننت العينن قائمنة ردهنا،
وإن تلفنت فإن كان موسنرا غرم ،وإن كان معسنرا لم يتبنع ديننا ولم يكنن علينه شينء؛ وروى مالك
مثل ،ذلك عن الزهري؛ قال الشيخ أبو إسحاق :وقد قيل إنه يتبع بها دينا مع القطع موسرا كان أو
معسرا؛ قال :وهو قول غير واحد من علمائنا من أهل المدينة ،واستدل على صحته بأنهما حقان
لمسنتحقين فل يسنقط أحدهمنا الخنر كالدينة والكفارة ،ثنم قال :وبهذا أقول .واسنتدل القاضني أبنو
الحسن للمشهور بقوله صلى ال عليه وسلم( :إذا أقيم على السارق الحد فل ضمان عليه) وأسنده
فني كتابنه .وقال بعضهنم :إن التباع بالغرم عقوبنة ،والقطنع عقوبنة ،ول تجتمنع عقوبتان؛ وعلينه
عول القاضني عبدالوهاب .والصنحيح قول الشافعني ومنن وافقنه؛ قال الشافعني :يغرم السنارق منا
سنرق موسنرا كان أو معسنرا؛ قطنع أو لم يقطنع ،وكذلك إذا قطنع الطرينق؛ قال :ول يسنقط الحند ل
منا أتلف للعباد ،وأمنا منا احتنج بنه علماؤننا منن الحدينث (إذا كان معسنرا) فبنه احتنج الكوفيون وهنو
قول الطبري ،ول حجة فيه؛ رواه النسائي والدارقطني عن عبدالرحمن بن عوف .قال أبو عمر:
هذا حدينث لينس بالقوي ول تقوم بنه حجنة ،وقال ابنن العربني :وهذا حدينث باطنل .وقال الطنبري:
القياس أن عليه غرم ما استهلك .ولكن تركنا ذلك اتباعا للثر في ذلك .قال أبو عمر :ترك القياس
لضعيف الثر غير جائز؛ لن الضعيف ل يوجب حكما.
@ واختلف في قطع يد من سرق المال من الذي سرقه؛ فقال علماؤنا :يقطع .وقال الشافعي :ل
يقطع؛ لنه سرق من غير مالك ومن غير حرز .وقال علماؤنا :حرمة المالك عليه باقية لم تنقطع
عنه ،ويد السارق كل يد ،كالغاصب لو سرق منه المال المغصوب قطع ،فإن قيل :اجعلوا حرزه
بل حرز؛ قلنا :الحرز قائم والملك قائم ولم يبطل الملك فيه فيقولوا لنا أبطلوا الحرز.
@ واختلفوا إذا كرر السرقة بعد القطع في العين المسروقة؛ فقال الكثر :يقطع .وقال أبو حنيفة:
ل قطع عليه .وعموم القرآن يوجب عليه القطع ،وهو يرد قوله .وقال أبو حنيفة أيضا في السارق
يملك الشيننء المسننروق بشراء أو هبننة قبننل القطننع :فإنننه ل يقطننع ،وال تعالى يقول" :والسننارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما" فإذا وجب القطع حقا ل تعالى لم يسقطه شيء.
@ قرأ الجمهور "والسارق" بالرفع .قال سيبويه :المعنى وفيما فرض عليكم السارق والسارقة.
وقينل :الرفنع فيهمنا على البتداء والخنبر "فاقطعوا أيديهمنا" .ولينس القصند إلى معينن إذ لو قصند
معينا لوجب النصب؛ تقول :زيدا اضربه؛ بل هو كقولك :من سرق فاقطع يده .قال الزجاج :وهذا
القول هنو المختار .وقرئ "والسنارق" بالنصنب فيهمنا على تقدينر اقطعوا السنارق والسنارقة؛ وهنو
اختيار سننيبويه؛ لن الفعننل بالمننر أولى؛ قال سننيبويه رحمننه ال تعالى :الوجننه فنني كلم العرب
النصنب؛ كمنا تقول :زيدا اضربنه؛ ولكنن العامنة أبنت إل الرفنع؛ يعنني عامنة القراء وجلهنم ،فأنزل
سنيبويه النوع السنارق منزلة الشخنص المعينن .وقرأ ابنن مسنعود "والسنارقون والسنارقات فاقطعوا
أيمانهننم" وهننو يقوي قراءة الجماعننة .والسننرق والسننرقة بكسننر الراء فيهمننا هننو اسننم الشيننء
المسنروق ،والمصندر منن سنرق سنرقا بفتنح الراء .قاله الجوهري .وأصنل هذا اللفنظ إنمنا هنو أخنذ
الشينء فني خفينة منن العينن ،ومننه اسنترق السنمع ،وسنارقه النظنر .قال ابنن عرفنة :السنارق عنند
العرب هننو مننن جاء مسننتترا إلى حرز فأخننذ منننه مننا ليننس له ،فإن أخننذ مننن ظاهننر فهننو مختلس
ومستلب ومنتهب ومحترس ،فإن تمنع بما في يده فهو غاصب.
قلت :وفني الخنبر عنن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم (وأسنوأ السنرقة الذي يسنرق صنلته)
قالوا :وكينف يسنرق صنلته؟ قال :ل يتنم ركوعهنا ول سنجودها) خرجنه الموطنأ وغيره ،فسنماه
سارقا وإن كان ليس سارقا من حيث هو موضع الشتقاق ،فإنه ليس قيه مسارقة العين غالبا.
@قوله تعالى" :فاقطعوا" القطنع معناه الباننة والزالة ،ول يجنب إل بجمنع أوصناف تعتنبر فني
السنارق وفني الشينء المسنروق ،وفني الموضنع المسنروق مننه ،وفني صنفته .فأمنا منا يعتنبر فني
السارق فخمسة أوصاف؛ وهي البلوغ والعقل ،وأن يكون غير مالك للمسروق منه ،وأل يكون له
عليه ولية ،فل يقطع العبد إن سرق من مال سيده ،وكذلك السيد إن أخذ مال عبده ل قطع بحال؛
لن العبند وماله لسنيده .ولم يقطنع أحند بأخنذ مال عبده لننه أخنذ لماله ،وسنقط قطنع العبند بإجماع
الصنحابة وبقول الخليفنة :غلمكنم سنرق متاعكنم .وذكنر الدارقطنني عنن ابنن عباس قال قال رسنول
ال صنلى ال علينه وسنلم( :لينس على العبند البنق إذا سنرق قطنع ول على الذمني) قال :لم يرفعنه
غير فهد بن سليمان ،والصواب أنه موقوف .وذكر ابن ماجة عن أبي هريرة قال قال رسول ال
صنلى ال علينه وسنلم( :إذا سنرق العبد فبيعوه ولو بننش) أخرجه عن أبني بكنر بنن أبي شيبة حدثنا
أبو أسامة عن أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبي هريرة؛ قال ابن ماجة :وحدثنا جبارة بن
المغلس حدثننا حجاج بنن تمينم عنن ميمون بنن مهران عنن ابنن عباس؛ أن عبدا منن رقينق الخمنس
سنرق منن الخمنس ،فرفنع إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فلم يقطعنه .وقال( :مال اله سنرق بعضنه
بعضننا) وجبارة بننن المغلس متروك؛ قاله أبننو زرعننة الرازي .ول قطننع على صننبي ول مجنون.
ويجب على الذمي والمعاهد ،والحربي إذا دخل بأمان .وأما ما يعتبر في الشيء المسروق فأربعة
أوصاف؛ وهي النصاب وقد مضى القول فيه ،وأن يكون مما يتمول ويتملك ويحل بيعه ،وإن كان
مما ل يتمول ول يحل بيعه كالخمر والخنزير فل يقطع فيه باتفاق حاشا الحر الصغير عند مالك،
وابن القاسم؛ وقيل :ل قطع عليه؛ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة؛ لنه ليس بمال .وقال علماؤنا :هو
منن أعظنم المال؛ ولم يقطنع السنارق فني المال لعيننه .وإنمنا قطنع لتعلق النفوس بنه ،وتعلقهنا بالحنر
أكثر من تعلقها بالعبد .وإن كان مما يجوز تملكه ول يجوز بيعه كالكلب المأذون في اتخاذه ولحوم
الضحايا ،ففي ذلك اختلف بين ابن القاسم وأشهب .قال ابن القاسم :ول يقطع سارق الكلب؛ وقال
أشهنب :ذلك فني المنهني عنن اتخاذه ،فأمنا المأذون فني اتخاذه فيقطنع سنارقه .قال :ومنن سنرق لحنم
أضحيننة أو جلدهننا قطننع إذا كان قيمننة ذلك ثلثننة دراهننم .وقال ابننن حننبيب قال أصننبغ :إن سننرق
الضحينة قبنل الذبنح قطنع؛ وأمنا إن سنرقها بعند الذبنح فل يقطنع .وإن كان ممنا يجوز اتخاذ أصنله
وبيعه ،فصنع منه ما ل يجوز استعمال كالطنبور والملهي من المزمار والعود وشبهه من آلت
اللهو فينظر؛ فإن كان يبقى منها بعد فساد صورها وإذهاب المنفعة المقصودة بها ربع دينار فأكثر
قطع .وكذلك الحكم في أواني الذهب والفضة التي ل يجوز استعمالها ويؤمر بكسرها فإنما يقوم ما
فيها من ذهب أو فضة دون صنعة .وكذلك الصليب من ذهب أو فضة ،والزيت النجس إن كانت
قيمتنه على نجاسنته نصنابا قطنع فينه .الوصنف الثالث؛ أل يكون للسنارق فني ملك ،كمنن سنرق منا
رهننه أو منا اسنتأجره ،ول شبهنة ملك ،على اختلف بينن علمائننا وغيرهنم فني مراعاة شبهنة ملك
كالذي يسرق من المغنم أو من بيت المال؛ لن له فيه نصيبا .وروي عن علي رضي ال عنه أنه
أتني برجنل سنرق مغفرا منن الخمنس فلم ينر علينه قطعنا وقال :له فينه نصنيب .وعلى هذا مذهنب
الجماعة في بيت المال .وقيل :يجب عليه القطع تعلقا بعموم لفظ آية السرقة .وأن يكون مما تصح
سرقته كالعبد الصغير والعجمي الكبير؛ لن ما ل تصح سرقته كالعبد الفصيح فإنه .ل يقطع فيه.
وأما ما يعتبر في الموضع المسروق منه فوصف واحد وهو الحرز لمثل ذلك الشيء المسروق.
وجملة القول فينه أن كنل شينء له مكان معروف فمكاننه حرزه ،وكنل شينء معنه حافنظ فحافظنه
حرزه؛ فالدور والمنازل والحوانيننت جرز لمننا فيهننا ،غاب عنهننا أهلهننا أو حضروا ،وكذلك بيننت
المال حرز لجماعنة المسنلمين ،والسنارق ل يسنتحق فينه شيئا ،وإن كان فبنل السنرقة ممنن يجوز أن
يعطينه المام وإنمنا يتعينن حنق كنل مسنلم بالعطينة؛ أل ترى أن المام قند يجوز أن يصنرف جمينع
المال إلى وجه من وجوه المصالح ول يفرقه في الناس ،أو يفرقه في بلد دون بلد آخر ويمنع منه
قومنا دون فوم؛ ففني التقدينر أن هذا السنارق ممنن ل حنق له فينه .وكذلك المغاننم ل تخلو :أن تتعينن
بالقسمة؛ فهو ما ذكرناه في بيت المال؛ وتتعين بنفس التناول لمن شهد الواقعة؛ فيجب أن براعي
قدر ما سرق ،فإن كان فوق حقه قطع وإل لم يقطع.
@ وظهور الدواب حرز لما حملت ،وأفنية الحوانيت حرز لما وضع فيها في موقف البيع وإن لم
يكننن هناك حانوت ،كان معننه أهله أم ل؛ سننرقت بليننل أو نهار .وكذلك موقننف الشاة فنني السننوق
مربوطة أو غير مربوطة ،والدواب على مرابطها محرزة ،كان معها أهلها أم ل؛ فإن كانت الدابة
بباب المسنجد أو فني السنوق لم تكنن محرزة إل أن يكون معهنا حافنظ؛ ومنن ربطهنا بفنائه أو اتخنذ
موضعا مربطا لدوابه فإنه حرز لها .والسفينة حرز لما فيها وسواء كانت سائبة أو مربوطة؛ فإن
سنرقت السنفينة نفسنها فهني كالدابنة إن كاننت سنائبة فليسنت بمحرزة ،وإن كان صناحبها ربنط فني
موضنع وأرسناها فينه فربطهنا جرز؛ وهكذا إن كان معهنا أحند حيثمنا كاننت فهني محرزة ،كالدابنة
بباب المسنجد معهنا حافنظ؛ إل أن ينزلوا بالسنفينة فني سنفرهم منزل فيربطوهنا فهنو حرز لهنا كان
صناحبها معهنا أم ل .ول خنف أن السناكنين فني دار واحدة كالفنادق التني يسنكن فيهنا كنل رجنل بيتنه
على حدة ،يقطنع منن سنرق منهنم منن بينت صناحبه إذا أخنذ وقند خرج بسنرقته إلى قاعنة الدار شيئا
وإن بها بيته ول خرج بها من الدار.
@ ول خلف في أنه ل يقطع من سرق منهم من قاعة الدار شيئا وإن أدخله بيته أو أخرجه من
الدار؛ لن قاعتهنا مباحنة للجمينع للبينع والشراء ،إل أن تكون دابنة فني مربطهنا أو منا يشبههنا منن
المتاع.
@ ول يقطع البوان بسرقة مال ابنهما؛ لقوله عليه السلم( :أنت ومالك لبيك) .ويقطع في سرقة
مالهمنا؛ لننه ل شبهنة له فينه .وقينل :ل يقطنع؛ وهنو قول ابنن وهنب وأشهنب؛ لن البنن ينبسنط فني
مال أبيننه فنني العادة ،أل ترى أن العبنند ل يقطننع فنني مال سننيده فأن ل يقطننع ابنننه فنني ماله أولى.
واختلفوا في الجد؛ فقال مالك وابن القاسم :ل يقطع .وقال أشهب :يقطع .وقول مالك أصح انه أب؛
قال مالك :أحنب إلى أل يقطنع الجداد منن قبنل الب والم وإن لم تجنب لهنم نفقنة .قال ابنن القاسنم
وأشهب :ويقطع من سواهما من القرابات .قال ابن القاسنم :ول يقطع من سنرق من جوع أصابه.
وقال أبنو حنيفنة :ل قطنع على أحند منن ذوي المحارم مثنل العمنة والخالة والخنت وغيرهنم؛ وهنو
قول الثوري .وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق :يقطع من سرق من هؤلء .وقال أبو ثور :يقع
كل سارق سرق ما تقطع فيه اليد؛ إل أن يجمعوا على سيئ فيسلم للجماع .وال أعلم.
@ واختلفوا في سارق المصحف؛ فقال الشافعي وأبو يوسف وأبو ثور :يقطع إذا كانت قيمته ما
تقطنع فينه اليند؛ وبنه قال ابنن القاسنم .وقال النعمان :ل يقطنع منن سنرق مصنحفا .قال ابنن المنذر:
يقطع سارق المصحف .واختلفوا في الطرار يطر النفقة من الكم ،فقالت طائفة :يقطع من طر من
داخل الكم أو من خارج؛ وهو قول مالك والوزاعي وأبي ثور ويعقوب .قال أبو حنيفة ومحمد بن
الحسن وإسحاق :إن كانت الدراهم مصرورة فني ظاهنر كمه فطرها فسرقها لم يقطع ،وإن كانت
مصرورة إلى داخل الكم فأدخل يده فسرقها قطع .وقال الحسن :يقطع .قال ابن المنذر :يقطع على
أي جهة طر.
@ واختلفوا في قطع اليد في السفر ،وإقامة الحدود في أرض الحرب؛ فقال مالك والليث بن سعد:
تقام الحدود فني أرض الحرب ول فرق بينن دار الحرب والسنلم .وقال الوزاعني :يقينم منن غزا
على جينش -وإن لم يكنن أمينر مصنر منن المصنار -الحدود فني عسنكره غينر القطنع .وقال أبنو
حنيفة :إذا غزا الجند أرض الحرب وعليهم أمير فإنه ل يقيم الحدود في عسكره ،إل أن يكون إمام
مصنر أو الشام أو العراق أو منا أشبهنه فيقينم الحدود فني عسكره .اسنتدل الوزاعي ومنن قال بقوله
بحديث جنادة بن أبي أمية قال :كنا مع بسر بن أرطأة في البحر ،فأتي بسارق يقال له مصدر قد
سنرق بختينة ،فقال :سنمعت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم يقول( :ل تقطنع اليدي فني الغزو)
ولول ذلك لقطعته .يسر هذا يقال ولد في زمن النبي صلى ال عليه .وسلم ،وكانت له أخبار سوء
فني جاننب علي وأصنحابه ،وهنو الذي ذبنح طفلينن لعبدال بنن العباس ففقدت أمهمنا عقلهنا فهامنت
على وجههنا ،فدعنا علينه علي رضني ال عننه أن يطينل ال عمره ويذهنب عقله ،فكان كذلك .قال
يحيى بن معين :كان بسر بن أرطأة رجل سوء .استدل من قال بالقطع بالقطع بعموم القرآن؛ وهو
الصحيح إن شاء ال تعالى .وأولى ما يحتج به لمن منع القطع في أرض الحرب والحدود :مخافة
أن يلحق ذلك بالشرك .وال أعلم.
@ فإذا قطعت اليد أو الرجل فإلى أين تقطع .فقال الكافة :تقطع من الرسغ والرجل من المفصل،
ويحسم الساق إذا قطع .وقال بعضهنم :يقطع إلى المرفنق .وقيل :إلى المنكب ،لن اسنم اليد يتناول
ذلك .وقال علي رضي ال عنه :تقطع الرجل من شطر القدم ويترك له العقب؛ وبه قال أحمد وأبو
ثور .قال ابنن المنذر :وقند رويننا عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه أمنر بقطنع يند رجنل فقال:
(أحسنموها) وفني إسنناده مقال؛ واسنتحب ذلك جماعنة منهنم الشافعني وأبنو ثور وغيرهمنا ،وهذا
أحسن وهو أقرب إلى البرء وأبعد من التلف.
@ ل خلف أن اليمنى هي التي تقطع أول ،ثم اختلفوا إن سرق ثانية؛ فقال مالك وأهل المدينة
والشافعي وأبو ثور وغيرهم :تقطع رجله اليسرى ،ثم في الثالثة يده اليسرى ،ثم في الرابعة رجله
اليمنى ،ثم إن سرق خامسة يعزر ويحبس .وقال أبو مصعب من علمائنا :يقتل بعد الرابعة؛ واحتج
بحديث خرجه النسائي عن الحارث بن حاطب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتي بلص فقال:
(اقتلوه) فقالوا :يا رسول ال ،إنما سرق ،قال( :اقتلوه) ،قالوا :يا رسول إنما سرق ،قال( :اقطعوا
يده) ،قال :ثم سرق فقطعت رجع ،ثم سرق على عهد أبي بكر رضي ال عنه حتى قطعت قوائمه
كلها ،ثم سرق أيضا الخامسة ،فقال أبو بكر رضي ال عنه :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم
أعلم بهذا حين قال( :اقتلوه) ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه؛ منهم عبدال بن الزبير وكان يحب
المارة فقال :أمروني عليكم فأمروه عليهم ،فكان إذا ضرب ضرب حتى قتلوه .وبحديث جابر أن
الننبي صنلى ال علينه وسنلم أمنر بسنارق فني الخامسنة فقال( :اقتلوه) .قال جابر :فانطلقننا بنه فقتلناه،
ثننم اجتررناه فرميناه فنني بئر ورمينننا عليننه الحجارة .رواه أبننو داود وخرجننه النسننائي وقال :هذا
حديث منكر وأحد رواته ليس بالقوي .ول أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا .قال ابن المنذر :ثبت
عن أبي بكر وعمر رضي ال عنهما أنهما قطعا اليد بعد اليد والرجل بعد الرجل .وقيل :تقطع في
الثانينة رجله اليسنرى ثنم ل قطنع فني غيرهنا ،ثنم إذا عاد عزر وحبنس؛ وروي عنن علي بنن أبني
طالب ،وبه قال الزهري وحماد بن أبي سليمان وأحمد بن حنبل .قال الزهري :لم يبلغنا في السنة
إل قطننع الينند والرجننل .وقال عطاء :تقطننع يده اليمنننى خاصننة ول يعود عليننه القطننع :ذكره ابننن
العربي وقال :أما قول عطاء فإن الصحابة قالوا قبله خلفه.
@ واختلفوا في الحاكم يأمر بقطع يد السارق اليمنى فتقطع يساره ،فقال قتادة :قد أقيم عليه الحد
ول يزاد علينه؛ وبنه قال مالك :إذا أخطنأ القاطنع فقطنع شمال ،وبنه قال أصنحاب الرأي اسنتحسانا.
وقال أبنو ثور :على الحزاز الدينة لننه أخطنأ وتقطنع يميننه إل أن يمننع بإجماع .قال ابنن المنذر:
ليس يخلو قطع يسار السارق من أحد معنيين؛ إما أن يكون القاطع عمد ذلك فعليه الود ،أو يكون
أخطنأ فديتنه على عاقلة القاطنع؛ وقطنع يمينن السنارق يجنب ،ول يجوز إزالة منا أوجنب ال سنبحانه
بتعدي معتد أو خطأ مخطئ .وقال الثوري في الذي يقتص منه في يمينه فيقدم شماله فتقطع؛ قال:
تقطع يمينه أيضا .قال ابن المنذر :وهذا صحيح .وقالت طائفة :تقطع يمينه إذا برئ؛ وذلك أنه هو
أتلف يسناره ،ول شينء على القاطنع فني قول أصنحاب الرأي ،وقياس قول الشافعني .وتقطنع يميننه
إذا برئت .وقال قتادة والشعبي :ل شيء على القاطع وحسبه ما قطع منه.
@ وتعلق يند السنارق فني عنقنه ،قال عبدال بنن محيرينز سنألت فضالة عنن تعلينق يند السنارق فني
عنقه أمن السنة هو؟ فقال :جيء رسول ال صلى ال عليه وسلم بسارق فقطعت يده ،ثم أمر بها
فعلقت في عنقه؛ أخرجه الترمذي -وقال :حديث حسن غريب -وأبو داود والنسائي.
@ إذا وجب حد السرقة فقتل السارق رجل؛ فقال مالك :يقتل ويدخل القطع فيه .وقال الشافعي:
يقطع ويقتل؛ لنهما حقان لمستحقين فوجب أن يوفى لكل واحد منهما حقه ،وهذا هو الصحيح إن
شاء ال تعالى ،وهو اختيار ابن العربي.
@قوله تعالى" :أيديهما" لما قال "أيديهما" ولم يقل يديهما تكلم علماء اللسان في ذلك -قال ابن
العربني :وتابعهنم الفقهاء على منا ذكروه حسنن ظنن بهنم -فقال الخلينل بن أحمند والفراء :كنل شينء
يوجند خلق النسنان إذا أضينف إلى اثنينن جمنع تقول :هشمنت رؤوسنهما وأشبعنت بطونهمنا ،و"إن
تتوبنا إلى ال فقند صنغت قلوبكمنا" [التحرينم ، ]4 :ولهذا قال" :اقطعوا أيديهمنا" ولم يقنل يدهمنا.
والمراد فاقطعوا يمينا من هذا ويمينا من هذا .ويجوز في اللغة؛ فاقطعوا يديهما وهو الصل؛ وقد
قال الشاعر فجمع بين اللغتين:
ظهراهما مثل ظهور الترسين ومهمهمين قذفين مرتين
وقينل :فعنل هذا لننه ل يشكنل .وقال سنيبويه :إذا كان مفردا قند يجمنع إذا أردت بنه التثنينة ،وحكني
عننن العرب؛ وضعننا رحالهمننا .ويرينند بنه رحلي راحلتيهمننا؛ قال ابننن العربنني :وهذا بناء على أن
اليمينن وحدهنا هني التني تقطنع ولينس كذلك ،بنل تقطنع اليدي والرجنل ،فيعود قول "أيديهمنا" إلى
أربعة وهي جمع في الثنين ،وهما تثنية فيأتي الكلم على فصاحته ،ولو قال :فاقطعوا أيديهم لكان
وجهنا؛ لن السنارق والسنارقة لم يرد بهمنا شخصنين خاصنة ،وإنمنا همنا اسنما جننس يعمان منا ل
يحصى.
@قوله تعالى" :جزاء بمنا كسنبا" مفعول منن أجله ،وإن شئت كان مصندرا وكذا "نكال منن ال"
يقال :نكلت بنه إذا فعلت بنه منا يوجنب أن ينكنل بنه عنن ذلك الفعنل "وال عزينز" ل يغالب "حكينم"
فيما يفعله؛ وقد تقدم.
@قوله تعالى "فمنن تاب منن بعند ظلمنه وأصنلح" شرط وجوابنه" فإن ال يتوب علينه" "منن بعند
ظلمه" من بعد السرقة؛ فإن ال يتجاوز عنه .والقطع ل يسقط بالتوبة .وقال عطاء وجماعة :يسقط
بالتوبنة قبنل القدوة على السنارق .وقال بعنض الشافعينة وعزاه إلى الشافعني قول .وتعلقوا بقول ال
تعالى" :إل الذينن تابوا منن قبنل أن تقدوا عليهنم" وذلك اسنتثناء منن الوجوب ،فوجنب حمنل جمينع
الحدود علينه .وقال علماؤننا :هذا بعيننه دليلننا؛ لن ال سنبحانه وتعالى لمنا ذكنر حند المحارب قال:
"إل الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم" وعطف عليه حد السارق وقال فيه" :فمن تاب من بعد
ظلمه وأصلح فإن ال يتوب عليه" فلو كان مثله في الحكم ما غاير الحكم بينهما .قال ابن العربي:
ويننا معشننر الشافعيننة سننبحان ال! أيننن الدقائق الفقهيننة ،والحكننم الشرعيننة ،التنني تسننتنبطونها مننن
غوامض المسائل؟! ألم تروا إلى المحارب المستبد بنفسه ،المعتدي بسلح ،الذي يفتقر المام معه
إلى اليجاف بالخيل والركاب كيف أسقط جزاءه بالتوبة استنزال عن تلك الحالة ،كما فعل بالكافر
فني مغفرة جمينع منا سنلف اسنتئلفا على السنلم؛ فأمنا السنارق والزانني وهمنا فني قبضنة المسنلمين
وتحنت حكنم المام ،فمنا الذي يسنقط عنهنم حكنم منا وجنب عليهنم؟! أو كينف يجوز أن يقال :يقاس
على المحارب وقند فرقنت بينهمنا الحكمنة والحالة! هذا منا ل يلينق بمثلكنم ينا معشنر المحققينن .وإذا
ثبت أن الحد ل يسقط بالتوبة ،فالتوبة مقبولة والقطع كفارة له" .وأصلح" أي كما تاب عن السرقة
تاب عنن كنل ذننب .وقينل" :وأصنلح" أي ترك المعصنية بالكلينة ،فأمنا منن ترك السنرقة بالزننى أو
التهود بالتنصر فهذا ليس بتوبة ،وتوبة ال على العبد أن يوفقه للتوبة .وقيل :أن تقبل منه التوبة.
@ يقال :بدأ ال بالسارق في هذه الية قبل السرقة ،وفي الزنى بالزانية قبل الزاني ما الحكمة في
ذلك؟ فالجواب أن يقال :لمننا كان حننب المال على الرجال أغلب ،وشهوة السننتمتاع على النسنناء
أغلب بدأ بهما في الموضع؛ هذا أحد الوجوه في المرأة على ما يأتي بيانه في سورة "النور" من
البداية بها على الزاني إن شاء ال .ثم جعل ال قطع السرقة قطع اليد لتناول المال ،ولم يجعل حد
الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به لثلثة معان :أحدها :أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن
انزجنر بهنا اعتاض بالثانينة ،ولينس للزانني مثنل ذكره إذا قطنع فلم يعتنض بغيره لو انزجنر بقطعنه.
الثاني :أن الحد زجر للمحدود وغيره ،وقطع اليد في السرقة ظاهر :وقطع الذكر في الزنى باطن.
الثالث :أن قطع الذكر فيه إبطال للنسل وليس في قطع اليد إبطال .وال أعلم.
**3الية{ 40 :ألم تعلم أن ال له ملك السماوات والرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء وال
على كل شيء قدير}
@ الية .خطاب للنبي صلى ال عليه وسلم وغيره؛ أي ل قرابة بين ال تعالى وبين أحد توجب
المحاباة حتى يقول القائل :نحن أبناء ال وأحباؤه ،والحدود تقام على كل من يقارف موجب الحد.
وقينل :أي له أن يحكنم بمنا يريند؛ فلهذا فرق بينن المحارب وبينن السنارق غينر المحارب .وقند تقدم
نظائر هذه الية والكلم فيها فل معنى لعادتها وال الموفق .هذا ما يتعلق بآية السرقة من بعض
أحكام السرقة .وال أعلم.
**3الينة{ 41 :ينا أيهنا الرسنول ل يحزننك الذينن يسنارعون فني الكفنر منن الذينن قالوا آمننا
بأفواههننم ولم تؤمننن قلوبهننم ومننن الذيننن هادوا سننماعون للكذب سننماعون لقوم آخريننن لم يأتوك
يحرفون الكلم منن بعند مواضعنه يقولون إن أوتيتنم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومنن يرد ال
فتنته فلن تملك له من ال شيئا أولئك الذين لم يرد ال أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في
الخرة عذاب عظيم}
@قوله تعالى" :يا أيها الرسول ل يحزنك" الية في سبب نزولها ثلثة أقوال :قيل نزلت في بني
قريظة والنضير؛ قتل قرظي نضيريا وكان بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة لم يقيدوهم ،وإنما
يعطونهنم الدينة على منا يأتني بياننه ،فتحاكموا إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فحكنم بالتسنوية بينن
القرظي والنضيري ،فساءهم ذلك ولم يقبلوا .وقيل؛ إنها نزلت في شأن أبي لبابة حين أرسله النبي
صنلى ال علينه وسنلم إلى بنني قريظنة فخاننه حينن أشار إليهنم أنه الذبنح .وقينل :إنهنا نزلت فني زنني
اليهوديينن وقصنة الرجنم؛ وهذا أصنح القوال؛ رواه الئمنة مالك والبخاري ومسنلم والترمذي وأبنو
داود .قال أبننو داود عننن جابر بننن عبدال أن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم قال لهننم (ائتوننني بأعلم
رجلين منكم) فجاؤوا بابني صوريا فنشدهما ال تعالى (كيف تجدان أمر هذين في التوراة)؟ قال:
نجند فني التوراة إذا شهند أربعنة أنهنم رأوا ذكره فني فرجهنا كالمرور فني المكحلة رجمنا .قال( :فمنا
يمنعكننم أن ترجموهمننا) ،قال :ذهننب سننلطاننا فكرهنننا القتننل .فدعننا النننبي صننلى ال عليننه وسننلم
بالشهود ،فجاؤوا فشهدوا أنهنم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل فني المكحلة ،فأمنر الننبي صنلى ال
عليه وسلم برجمهما .وفي غير الصحيحين عن الشعبي عن جابر بن عبدال قال :زنى رجل من
أهل فدك ،فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمدا عن ذلك ،فإن أمركم بالجلد
فخذوه ،وإن أمركم بالرجم فل تأخذوه؛ فسألوه فدعا بابن صوريا وكان عالمهم وكان أعور؛ فقال
له رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم( :أنشدك ال كينف تجدون حند الزانني فني كتابكنم) ،فقال ابنن
صنوريا :فأمنا إذ ناشدتنني ال فإننا نجند فني التوراة أن النظنر زنينة ،والعتناق زنينة ،والقبلة زنينة،
فإن شهند أربعنة بأنهنم رأوا ذكره فني فرجهنا مثنل المينل فني المكحلة فقند وجنب الرجنم .فقال الننبي
صنلى ال علينه وسنلم( :هنو ذاك) .وفني صنحيح مسنلم عنن البراء بنن عازب قال :منر على الننبي
صنلى ال علينه وسنلم بيهودي محممنا مجلودا ،فدعاهنم فقال :هكذا تجدون حند الزانني فني كتابكنم)
قالوا :نعم .فدعا رجل من علمائهم فقال( :أنشدك بال الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون
حند الزانني فني كتابكنم) قال :ل -ولول أننك نشدتنني بهذا لم أخنبرك -نجده الرم ،ولكننه كثنر فني
أشرافننا فكننا إذا أخذننا الشرينف تركناه ،وإذا أخذننا الضعينف أقمننا علينه الحند ،قلننا :تعالوا فلنجتمنع
على شينء نقيمنه على الشرينف والوضينع ،فجعلننا التحمينم والجلد مكان الرجنم؛ فقال رسنول ال
صنلى ال علينه وسنلم( :اللهنم إنني أول منن أحينا أمرك إذ أماتوه) فأمنر بنه فرجنم؛ فأنزل ال تعالى:
"ينا أيهنا الرسنول ل يحزننك الذينن يسنارعون فني الكفنر" إلى قوله" :إن أوتيتنم هذا فخذوه" يقول:
ائتوا محمدا ،فإن أمركنم بالتحمينم والجلد فخذوه وإن أفتاكنم بالرجنم فاحذروا ،فأنزل ال عنز وجنل:
"ومنن لم يحكنم بمنا أنزل ال فأولئك هنم الكافرون" [المائدة " ، ]44ومنن لم يحكنم بمنا أنزل ال
فأولئك هم الظالمون" [المائدة" ، ]45 :ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون" [المائدة:
]47في الكفار كلها .هكذا في هذه الرواية (مر على النبي صلى ال عليه وسلم) ،وفي حديث ابن
عمنر :أتني بيهودي ويهودينة فند زنينا فانطلق رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم حتنى جاء يهود ،قنل:
(ما تجدون في التوراة على من زنى) الحديث .وفي رواية؛ أن اليهود جاؤوا إلى رسول ال صلى
ال علينه وسنلم يرجنل وامرأة قند زنينا .وفني كتاب أبني داود منن حدينث ابنن عمنر قال :أتنى تفنر منن
اليهود ،فدعوا رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم إلى القنف فأتاهنم فني بينت المدراس فقالوا :ينا أبنا
القاسم ،إن رجل منا زنى بامرأة فاحكم بيننا .ول تعارض في شيء من هذا كله ،وهي كلها قصة
واحدة ،وفد ساقها أبو داود من حديث أبي هريرة سياقة حسنة فقال :زنى رجل من اليهود وامرأة،
فقال بعضهننم لبعننض :اذهبوا بنننا إلى هذا النننبي ،فإنننه نننبي بعننث بالتخفيفات ،فإن أفتننى بفتيننا دون
الرجنم قبلناهنا واحتججننا بهنا عنند ال ،وقلننا فتينا ننبي منن أننبيائك؛ قال :فأتوا الننبي صنلى ال علينه
وسنلم وهنو جالس فني المسنجد فني أصنحابه؛ فقالوا :ينا أبنا القاسنم منا ترى فني رجنل وامرأة منهنم
زنيا؟ فلم يكل النبي صلى ال عليه وسلم حتى أتى بيت مدراسهم ،فقام على الباب ،فقال( :أنشدكم
بال الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن) ،فقالوا :يحمم
وجهننه ويجبننه ويجلد ،والتجبيننة أن يحمننل الزانيان على حمار وتقابننل أقفيتهمننا ويطاف بننه؛ قال:
وسكت شاب منهم ،فلما رآه النبي صلى ال عليه وسلم سكت ألظ به النشدة؛ فقال :اللهم إذ نشدتنا
فإنا نجد في التوراة الرجم .وساق الحديث إلى أن قال :قال النبي صلى ال عليه وسلم( :فإني أحكم
بما في التوراة) فأمر به فرجما.
@ والحاصنل منن هذه الروايات أن اليهود حكمنت الننبي صنلى ال علينه وسنلم ،فحكنم عليهنم
بمقتضنى منا فني التوراة .واسنتند فني ذلك إلى قول ابنني صنوريا ،وأننه سنمع شهادة اليهود وعمنل
بهنا ،وأن السنلم لينس شرطنا فني الحصنان .فهذه مسنائل أربنع .فإذا ترافنع أهنل الذمنة إلى المام؛
فإن كان ما رفعوه ظلما كالقتل والعدوان والغصب حكم بينهم ،ومنعهم منه بل خلف .وأما إذا لم
يكن كذلك فالمام مخير في الحكم بينهم وتركه عند مالك والشافعي ،غير أن مالكا رأى العراض
عنهنم أولى ،فإن حكنم حكنم بينهنم السنلم .وقال الشافعني :ل يحكنم بينهنم فني الحدود .وقال أبنو
حنيفة :يحكم بينهم على كل حال ،وهو قول الزهري وعمر بن عبدالعزيز والحكم ،وروي عن ابن
عباس وهو أحد قولي الشافعي؛ لقوله تعالى" :وأن احكم بينهم بما أنزل ال" [المائدة ]49 :على
منا يأتني بياننه بعند ،احتنج مالك بقوله تعالى" :فإن جاؤوك فاحكنم بينهنم أو أعرض عنهنم" [المائدة:
]42وهي نص في التخيير .قال ابن القاسم :إذا جاء الساقفة والزانيان فالحاكم مخير؛ لن إنفاذ
الحكنم حنق للسناقفة والمخالف يقول :ل يلتفنت إلى السناقفة .قال ابنن العربني :وهنو الصنح؛ لن
مسنلمين لو حكمنا بينهمنا رجل لنفنذ ،ولم يعتنبر رضنا الحاكنم .فالكتابيون بذلك أولى .وقال عيسنى
عنن ابنن القاسنم :لم يكونوا أهل ذمنة إنمنا كانوا أهنل حرب .قال ابنن العربني :وهذا الذي قال عيسنى
عننه إنمنا نزع بنه لمنا رواه الطنبري وغيره :أن الزانيينن كاننا منن أهنل خينبر أو فدك ،وكانوا حربنا
لرسول ال صلى ال عليه وسلم .واسم المرأة الزانية بسرة ،وكانوا بعثوا إلى يهود المدينة يقولون
لهنم اسنألوا محمدا أعنن هذا ،فإن أفتاكنم بغينر الرجنم فخذوه مننه واقبلوه ،وإن أفتاكنم بنه فاحذروه؛
الحديث .قال ابن العربي :وهذا لو كان صحيحا لكان مجيئهم بالزانيين وسؤالهم عهدا وأمانا؛ وإن
لم يكنن عهند وذمنة ودار لكان له حكنم الكنف عنهنم والعدل فيهنم؛ فل حجنة لرواينة عيسنى فني هذا؛
وعنهم أخبر ال تعالى بقوله" :سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك" ولما حكموا النبي
صلى ال عليه وسلم نفذ الحكم عليهم ولم يكن لهم الرجوع؛ فكل من حكم رجل في الدين وهي:
@ فأصله هذه الية .قال مالك :إذا حكم رجل فحكمه ماض وإن رفع إلى قاض أمضاه ،إل أن
يكونوا جورا بينننا .وقال سننحنون :يمضيننه إن رآه صننوابا .قال ابننن العربنني :وذلك فنني الموال
والحقوق التني تختنص بالطالب ،فأمنا الحدود فل يحكنم فيهنا إل السنلطان؛ والضابنط أن كنل حنق
اختص به الخصمان جاز التحكيم فيه ونفذ تحكيم المحكم فيه ،وتحقيقه أن التحكيم بين الناس إنما
هنو حقهنم ل حنق الحاكنم بيند أن السنترسال على التحكينم خرم لقاعدة الولينة ،ومؤد إلى تهارج
الناس كتهارج الحمنر ،فل بند منن فاصنل؛ فأمنر الشرع بنصنب الوالي ليحسنم قاعدة الهرج؛ وأذن
فني التحكينم تخفيفنا عننه وعنهنم فني مشقنة الترافنع لتتنم المصنلحتان وتحصنل الفائدة .وقال الشافعني
وغيره :التحكينم جائز وإنمنا هنو فتوى .وقال بعنض العلماء :إنمنا كان حكنم الننبي صنلى ال علينه
وسنلم على اليهود بالرجنم إقامنة لحكنم كتابهنم ،لمنا حرفوه وأخفوه وتركوا العمنل بنه؛ أل ترى أننه
قال( :اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه) وأن ذلك كان حين قدم المدينة ،ولذلك استثبت ابني
صوريا عن حكم التوراة واستحلفهما على ذلك .وأقوال الكفار في الحدود وفي شهادتهم عليها غير
مقبولة بالجماع ،لكنن فعنل ذلك على طرينق إلزامهنم منا التزموه وعملوا بنه .وقند يحتمنل أن بكون
حصول طريق العلم بذلك الوحي ،أو ما ألقى ال في روعه من تصديق ابني صوريا فيما قاله من
ذلك ل فولهما مجردا؛ فبين له النبي صلى ال عليه وسلم ،وأخبر بمشروعية الرجم ،ومبدؤه ذلك
الوقنت ،فيكون أفاد بمنا فعله إقامنة حكنم التوراة ،وبينن أن ذلك حكنم شريعتنه ،وأن التوراة حكنم ال
سبحانه؛ لقوله تعالى" :إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا" [المائدة:
]44وهو من النبياء .وقد قال عنه أبو هريرة( :فإني أحكم بما في التوراة) وال أعلم.
@ والجمهور على رد شهادة الذمي؛ لنه ليس من أهلها فل تقبل على مسلم ول على كافر ،وقد
قبنل شهادتهنم جماعنة منن التابعينن وغيرهنم إذ لم يوجند مسنلم على منا يأتني بياننه آخنر السنورة فإن
قينل :فقند حكنم بشهادتهنم ورجنم الزانيينن :فالجواب؛ أننه إنمنا نفنذ عليهنم منا علم أننه حكنم التوراة
وألزمهنم العمنل بنه ،على نحنو منا عملت بنه بننو إسنرائيل إلزامنا للحجنة عليهنم ،وإظهارا لتحريفهنم
وتغييرهم ،فكان منفذا ل حاكما .وهذا على التأويل الول ،وعلى ما ذكر من الحتمال فيكون ذلك
خاصا بل الواقعة ،إذ لم يسمع في الصدر الول من قبل شهادتهم في مثل ذلك .وال أعلم.
@قوله تعالى" :ل يحزننك" قرأ نافنع بضنم الياء وكسنر الزاي ،والباقون بفتنح الياء وضنم الزاي.
والحزن والحزن خلف السرور ،وحزن الرجل بالكسر فهو حزن وحزين ،وأحزنه غيره وحزنه
أيضنا مثل أسنلكه وسلكه ،ومحزون بنني عليه .قال اليزيدي :حزنه لغنة قرينش ،وأحزنه لغة تمينم،
وقد قرئ بهما .واحتزن وأحزن بمعنى .والمعنى في الية تأنيس للنبي صلى ال عليه وسلم :أي ل
يحزنك مسارعتهم إلى الكفر ،فإن ال قد وعدك النصر عليهم.
@قوله تعالى" :من الذين قالوا آمنا بأفواههم" وهم المنافقون "ولم تؤمن قلوبهم" أي لم يضمروا
فني قلوبهنم اليمان كمنا نطقنت بنه ألسننتهم "ومنن الذينن هادوا" يعنني يهود المديننة ويكون هذا تمام
الكلم ،ثنم ابتدأ فقال "سنماعون للكذب" أي هنم سنماعون ،ومثله "طوافون عليكنم" [النور.]58 :
وقيننل البتداء مننن قوله" :ومننن الذيننن هادوا" ومننن الذيننن هادوا قوم سننماعون للكذب ،أي قابلون
لكذب رؤسنائه منن تحرينف التوراة .وقينل :أي يسنمعون كلمنك ينا محمند ليكذبوا علينك ،فكان فيهنم
من يحضر النبي صلى ال عليه وسلم ثم يكذب عليه عند عامتهم ،ويقبح صورته في أعينهم؛ وهو
معنى قوله" :سماعون لقوم آخرين لم يأتوك" وكان في المنافقين من يفعل هذا .قال الفراء ويجوز
سنماعين وطوافينن ،كمنا قال" :ملعونينن أينمنا ثقفوا" وكمنا قال" :إن المتقينن فني جنات ونعينم".
[الطور ]17 :ثم قال" :فاكهين" "آخذين" .وقال سفيان بن عيينة :إن ال سبحانه ذكر الجاسوس
في القرآن بقوله" :سماعون لقوم آخرين لم يأتوك" ولم يعرض النبي صلى ال علبه وسلم لهم مع
علمننه بهننم؛ لنننه لم يكننن حينئذ تقرر الحكام ول تمكننن السننلم .وسننيأتي حكننم الجاسننوس فنني
"الممتحنة" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :يحرفون الكلم من بعد مواضعه" أي يتأولونه على غير تأويله بعد أن فهموه عنك
وعرفوا مواضعنه التني أرادهنا ال عنز وجنل؛ وبينن أحكامنه؛ فقالوا :شرعنه ترك الرجنم؛ وجعلهنم
بدل رجنم المحصنن جلد أربعينن تغييرا لحكنم ال عنز وجنل .و"يحرفون" فني موضنع الصنفة لقوله
"سنماعون" وليس بحال من الضمينر الذي في "يأتوك" لنهنم إذا لم يأتوا لم يسمعوا ،والتحرينف
إنمنا هنو ممنن يشهند ويسنمع فيحرف .والمحرفون منن اليهود بعضهنم ل كلهنم ،ولذلك كان حمنل
المعنى على "من الذين هادوا" فريق سماعون أشبه" "يقولون" في موضع الحال من المضمر في
"يحرفون" "إن أوتيتم هذا فخذوه" أي إن أتاكم محمد صلى ال عليه وسلم بالجلى فأقبلوا وإل فل.
@قوله تعالى" :ومن يرد ال فتنته" أي ضللته في الدنيا وعقوبته في الخرة "فلن تملك له من
ال شيئا" أي فلن تنفعنه "أولئك الذينن لم يرد ال أن يطهنر قلوبهنم" بيان مننه عنز وجنل أننه قضنى
عليهنم بالكفنر .ودلت الية على أن الضلل بمشيئة ال تعالى ردا على منن قال خلف ذلك على منا
تقدم؛ أي لم يرد ال أن يطهنر قلوبهنم منن الطبنع عليهنا والختنم كمنا طهنر قلوب المؤمنينن ثوابنا لهنم
"لهنم فني الدنينا خزي" قينل :هنو فضيحتهنم حينن أنكروا الرجنم ،ثنم أحضرت التوراة فوجند فيهنا
الرجم وقيل :خزيهم في الدنيا أخذ الجزية والذل .وال أعلم.
**3الية{ 42 :سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن
تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن ال يحب المقسطين}
@قوله تعالى" :سماعون للكذب" كرره تأكيدا وتفخيما ،وقد تقدم .وقوله تعالى" :أكالون للسحت
على التكثيننر .والسننحت فنني اللغننة أصنله الهلك والشدة؛ قال ال تعالى" :فيسننحتكم بعذاب" .وقال
الفرزدق:
من المال إل مسحتا أو مجلف وعض زمان يا ابن مروان لم يدع
كذا الرواية .أو مجلف بالرفع عطفا على المعنى؛ لن معنى لم يدع لم يبق .ويقال للحالق :اسحت
أي استأصل .وسمي المال الحرام سحتا لنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها .وقال الفراء:
أصله كلب الجوع ،يقال رجل مسحوت المعدة أي أكول؛ فكأن بالمسترشي وآكل الحرام من الشره
إلى ما يعطى مثل الذي بالمسحوت المعدة من النهم .وقيل :سمي الحرام سحتا لنه يسحت مروءة
النسان.
قلت :والقول الول أولى؛ لن بذهاب الدين تذهب المروءة ،ول مروءة لمن ل دين له .قال ابن
مسعود وغيره :السحت الرشا .وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه :رشوة الحاكم من السحت.
وعن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه قال( :كنل لحنم نبنت بالسنحت فالنار أولى به) قالوا :ينا رسنول
ال ؛ومنا السنحت؟ قال( :الرشوة فني الحكنم) .وعنن ابنن مسنعود أيضنا أننه قال :السنحت أن يقضني
الرجنل لخينه حاجنة فيهدي إلينه هدينة فيقبلهنا .وقال ابنن خوينز منداد :منن السنحت أن يأكنل الرجنل
بجاهه ،وذلك أن يكون له جاه عند السلطان فيسأله إنسان حاجة فل يقضيها إل برشوة يأخذها .ول
خلف بين السلف أن أخذ الرشوة على إبطال حق أو ما ل يجوز سحت حرام .وقال أبو حنيفة :إذا
ارتشى الحاكم انعزل في الوقت وإن لم يعزل ،وبطل كل حكم حكم به بعد ذلك.
قلت :وهذا ل يجوز أن يختلف فينه إن شاء ال؛ لن أخنذ الرشوة مننه فسنق ،والفاسنق ل يجوز
حكمه .وال أعلم .وقال عليه الصلة والسلم( :لعن اله الراشي والمرتشي) .وعن علي رضي ال
عنه أنه قال :السحت الرشوة وحلوان الكاهن والستجعال في القضية .وروي عن وهب بن منبه
أنه قيل له :الرشوة حرام في كل شيء؟ فقال :ل؛ إنما يكره من الرشوة أن ترشي لتعطي ما ليس
لك ،أو تدفع حقا فد لزمك؛ فأما أن ترشي لتدفع عن دينك ودمك ومالك فليس بحرام .قال أبو الليث
السنمرقندي الفقينه :وبهذا نأخنذ؛ ل بأس بأن يدفنع الرجنل عنن نفسنه وماله بالرشوة .وهذا كمنا روي
عنن عبدال بنن مسنعود أننه كان بالحبشنة فرشنا دينارينن وقال :إنمنا الثنم على القابنض دون الدافنع؛
قال المهدوي :ومن جعل كسب الحجام ومن ذكر معه سحتا فمعناه أنه يسحت مروءة آخذه.
قلت :الصحيح في كسب الحجام أنه طيب ،ومن أخذ طيبا ل تسقط مروءته ول تنحط مرتبته.
وقد روى مالك عن حميد الطويل عن أنس أنه قال :احتجم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،حجمه
أبنو طيبنة فأمنر له رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بصناع منن تمنر وأمنر أهله أن يخففوا عننه منن
خراجنه؛ قال ابنن عبدالبر :هذا يدل على أن كسنب الحجام طينب؛ لن رسنول ال صنلى ال علينه
وسلم ل يجعل ثمنا ول جعل ول عوضا لشيء من الباطل .وحديث أنس هذا ناسخ لما حرمه النبي
صلى ال عليه وسلم من ثمن الدم ،وناسخ لما كرهه من إجارة الحجام .وروى البخاري وأبو داود
عن ابن عباس قال :احتجم رسنول ال صلى ال عليه وسنلم وأعطنى الحجام أجره ،ولو كان سحتا
لم يعطننه .والسُنحْت والسُنحُت لغتان قرئ بهمننا؛ قرأ أبننو عمرو وابننن كثيننر والكسننائي بضمتيننن،
والباقون بضم السين وحدها .وروى العباس بن الفضل عن خارجة بن مصعب عن نافع "أكالون
للسنحت" بفتنح السنين وإسنكان الحاء وهذا مصندر منن سنحته؛ يقال :أسنحت وسنحت بمعننى واحند.
وقال الزجاج :سحته ذهب به قليل قليل.
@قوله تعالى" :فإن جاؤوك فاحكنم بينهنم أو أعرض عنهنم" هذا تخيينر منن ال تعالى؛ ذكره
القشيري؛ وتقدم معناه أنهم كانوا أهل موادعة ل أهل ذمة؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم لما قدم
المديننة وادع اليهود .ول يجنب عليننا الحكنم بينن الكفار إذا لم يكونوا أهنل ذمنة ،بنل يجوز الحكنم إن
أردنا .فأما أهل الذمة فهل يجب علينا الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا؟ قولن للشافعي؛ وإن ارتبطت
الخصننومة بمسننلم يجننب الحكننم .قال المهدوي :أجمننع العلماء على أن على الحاكننم أن يحكننم بيننن
المسنلم والذمني .واختلفوا فني الذميينن؛ فذهنب بعضهنم إلى أن الينة محكمنة وأن الحاكنم مخينر؛
روي ،ذلك عن النخعي والشعبي وغيرهما ،وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما ،سوى ما روي
عن مالك في ترك إقامة الحد على أهل الكتاب في الزنى؛ فإنه إن زنى المسلم بالكتابية حد ول حد
عليهننا ،فإن كان الزانيان ذمييننن فل حنند عليهمننا؛ وهننو مذهننب أبنني حنيفننة ومحمنند بننن الحسننن
وغيرهما .وقد روي عن أبي حنيفة أيضا أنه قال :يجلدان ول يرجمان .وقال الشافعي وأبو يوسف
وأبنو ثور وغيرهنم :عليهمنا الحند إن أتينا راضيينن بحكمننا .قال ابنن خوينز منداد :ول يرسنل المام
إليهم إذا استعدى بعضهم على بعض ،ول يحضر الخصم مجلسه إل أن يكون فيما يتعلق بالمظالم
التي ينتشر منها الفساد كالقتل ونهب المنازل وأشباه ذلك ،فأما الديون والطلق وسائر المعاملت
فل يحكم بينهم إل بعد التراضي ،والختيار له أل يحكم ويردهم إلى حكامهم .فإن حكم بينهم حكم
بحكم السلم .وأما إجبارهم على حكم المسلم فيما ينتشر منه الفساد فليس على الفساد عاهدناهم،
وواجب قطع الفساد عنهم ،منهم ومن غيرهم؛ لن في ذلك حفظ أموالهم ودمائهم؛ ولعل في دينهم
اسنتباحة ذلك فينتشنر مننه الفسناد بينننا؛ ولذلك منعناهنم أن ينبيعوا الخمنر جهارا وأن يظهروا الزننى
وغينر ذلك منن القاذورات؛ لئل يفسند بهنم سنفهاء المسنلمين .وأمنا الحكنم فيمنا يختنص بنه دينهنم منن
الطلق والزننى وغيره فلينس يلزمهنم أن يتدينوا بدينننا ،وفني الحكنم بينهنم بذلك إضرار بحكامهنم
وتغيينر ملتهنم ،ولينس كذلك الديون والمعاملت؛ لن فيهنا وجهنا منن المظالم وقطنع الفسناد .وال
أعلم .وفنني الينة قول ثان :وهنو منا روي عنن عمننر بنن عبدالعزينز والنخعنني أيضننا أن التخييننر
المذكور فني الينة منسنوخ بقوله تعالى" :وأن احكنم بينهنم بمنا أنزل ال" وأن على الحاكنم أن يحكنم
بينهم؛ وهو مذهب عطاء الخراساني وأبي حنيفة وأصحابه وغيرهم .وروي عن عكرمة أنه قال:
"فإن جاؤوك فاحكنم بينهنم أو أعرض عنهنم" نسنختها آينة أخرى "وأن احكنم بينهنم بمنا أنزل ال"
[المائدة .]49 :وقال مجاهند :لم ينسنخ منن "المائدة" إل آيتان؛ قوله :فاحكنم بينهنم أو أعرض
عنهم" نسختها "وأن احكم بينهم بما أنزل ال"؛ وقوله" :ل تحلوا شعائر ال" [المائدة ]2 :نسختها
"فاقتلوا المشركينن حينث وجدتموهنم" [التوبنة .]5 :وقال الزهري :مضنت السننة أن يرد أهنل
الكتاب في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم ،إل أن يأتوا راغبين في حكم ال فيحكم بينهم بكتاب
ال .قال السنمرقندي :وهذا القول يوافنق قول أبني حنيفنة أننه ل يحكنم بينهنم منا لم يتراضوا بحكمننا.
وقال النحاس في "الناسخ والمنسوخ" له قوله تعالى" :فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"
منسنوخ؛ لننه إنمنا نزل أول منا قدم الننبي صنلى ال علينه وسنلم المديننة واليهود فيهنا يومئذ كثينر،
وكان الدعنى لهنم والصنلح أن يردوا إلى أحكامهنم ،فلمنا قوي السنلم أنزل ال عنز وجنل "وأن
احكنم بينهنم بمنا أنزل ال" .وقاله ابنن عباس ومجاهند وعكرمنة والزهري وعمنر بنن عبدالعزينز
والسندي؛ وهنو الصنحيح منن قول الشافعني؛ قال فني كتاب الجزينة :ول خيار له إذا تحاكموا إلينه؛
لقوله عز وجل" :حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" [التوبة .]29 :قال النحاس :وهذا
مننن أصننح الحتجاجات؛ لنننه إذا كان معنننى قوله" :وهننم صنناغرون" أن تجرى عليهننم أحكام
المسنلمين وجنب أل يردوا إلى أحكامهنم؛ فإذا وجنب هذا فالينة منسنوخة .وهنو أيضنا قول الكوفيينن
أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد ،ل اختلف بينهم إذا تحاكم أهل الكتاب إلى المام أنه ليس
له أن يعرض عنهم ،غير أن أبا حنيفة قال :إذا جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهم بالعدل،
وإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم.
وقال الباقون :يحكنم؛ فثبنت أن قول أكثنر العلماء أن الينة منسنوخة منع منا ثبنت فيهنا منن توقينف
ابن عباس؛ ولو لم يأت الحديث عن ابن عباس لكان النظر يوجب أنها منسوخة؛ لنهم قد أجمعوا
أن أهننل الكتاب إذا تحاكموا إلى المام فله أن ينظننر بينهننم ،وأنننه إذا نظننر بينهننم مصننيب عننند
الجماعنة ،وأل يعرض عنهنم فيكون عنند بعنض العلماء تاركنا فرضنا ،فاعل منا ل يحنل ول يسنعه.
قال النحاس :ولمن قال بأنها منسوخة من الكوفيين قول آخر؛ منهم من يقول :على المام إذا لم من
أهنل الكتاب حدا منن حدود ال عنز وجنل أن يقيمنه وإن لم يتحاكموا إلينه ويحتنج بأن قول ال عنز
وجل" :وأن احكم بينهم" يحتمل أمرين :أحدهما :وأن احكم بينهم إذا تحاكموا إليك .والخر :وأن
احكنم بينهنم وإن لم يتحاكموا إلينك -إذا علمنت ذلك منهنم -قالوا :فوجدننا فني كتاب ال تعالى وسننة
رسوله صلى ال عليه وسلم ما يوجب إقامة الحق عليهم وإن لم يتحاكموا إلينا؛ فأما ما في كتاب
ال فقوله تعالى" :ينا أيهنا الذينن آمنوا كونوا قوامينن بالقسنط شهداء ل" [النسناء .]135 :وأمنا منا
فني السننة فحدينث البراء بنن عازب قال :منر على رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بيهودي قند جلد
وحمم فقال( :أهكذا حد الزاني عندكم) فقالوا :نعم .فدعا رجل من علمائهم فقال( :سألت بال أهكذا
حد الزاني فيكم) فقال :ل .الحديث ،وقد تقدم .قال النحاس :فاحتجوا بأن النبي صلى ال عليه وسلم
حكنم بينهنم ولم يتحاكموا إلينه فني هذا الحدينث .فإن قال قائل :ففني حدينث مالك عنن نافنع عنن ابنن
عمر أن اليهود أتوا النبي صلى ال عليه وسلم؛ قيل له :ليس في حديث مالك أيضا أن اللذين زنيا
رضيا بالحكم وقد رجمهما النبي صلى ال عليه وسلم .قال أبو عمر بن عبدالبر :لو تدبر من احتج
بحديث البراء لم يحتج؛ لن في درج الحديث تفسير قوله عز وجل" :إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم
تؤتوه فاحذروا" [المائدة ]41 :يقول :إن أفتاكننم بالجلد والتحميننم فخذوه ،وإن أفتاكننم بالرجننم
فاحذروا ،دلينل على أنهنم حكموه .وذلك بينن فني حدينث ابنن عمنر وغيره .فإن قال قائل :لينس فني
حديث ابن عمر أن الزانيين حكما رسول ال صلى ال عليه وسلم ول رضيا بحكمه .قيل له :حد
الزانني حق من حقوق ال تعالى على الحاكنم إقامته .ومعلوم أن اليهود كان لهم حاكنم يحكنم بينهنم،
ويقيم حدودهم عليهم ،وهو الذي حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وإن حكمت فاحكنم بينهم بالقسنط" روى النسائي عن ابن عباس قال كان قريظة
والنضير ،وكان النضير أشرف من قريظة ،وكان إذا قتل رجل من قريظة رجل من النضير قتل
بنه ،وإذا قتنل رجنل منن النضينر رجل منن قريظنة ودى مائة وسنق منن تمنر؛ فلمنا بعنث رسنول ال
صلى ال عليه وسلم قتل رجل من النضير رجل من قريظة فقالوا :ادفعوه إلينا لنقتله؛ فقالوا :بيننا
وبينكنم الننبي صنلى ال علينه وسنلم فنزلت" :وإن حكمنت فاحكنم بينهنم بالقسنط" النفنس بالنفنس،
ونزلت" :أفحكم الجاهلية يبغون" [المائدة.]50 :
**3الية{ 43 :وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم ال ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك
بالمؤمنين}
@قوله تعالى" :وكينف يحكموننك وعندهنم التوراة فيهنا حكنم ال" قال الحسنن :هنو الرجنم .وقال
قتادة :هنو القود .ويقال :هنل يدل قوله تعالى :فيهنا حكنم ال" على أننه لم ينسنخ؟ الجواب :قال أبنو
علي :نعنم؛ لننه لو نسنخ لم يطلق علينه بعند النسنخ أننه حكنم ال ،كمنا ل يطلق أن حكنم ال تحلينل
الخمنر أو تحرينم السنبت .وقوله" :ومنا أولئك بالمؤمنينن" أي بحكمنك أننه منن عنند ال .وقال أبنو
علي :إن من طلب غير حكم ال من حيث لم يرضى به فهو كافر؛ وهذه حالة اليهود.
**3الينة{ 44 :إننا أنزلننا التوراة فيهنا هدى ونور يحكنم بهنا الننبيون الذينن أسنلموا للذينن هادوا
والربانيون والحبار بمننا اسننتحفظوا مننن كتاب ال وكانوا عليننه شهداء فل تخشوا الناس واخشون
ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون}
@قوله تعالى" :إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور" أي بيان وضياء وتعريف أن محمدا صلى ال
عليه وسلم حق" .هدى" في موضع رفع بالبتداء "ونور" عطف عليه" .يحكم بها النبيون الذين
أسنلموا للذينن هادوا" قينل :المراد بالننبيين محمند صنلى ال علينه وسنلم ،وعنبر عننه بلفنظ الجمنع.
وقيل :كل من بعث من بعد موسى بإقامة التوراة ،وأن اليهود قالت :إن النبياء كانوا يهودا .وقالت
النصنارى :كانوا نصنارى؛ فنبين ال عنز وجنل كذبهنم .ومعننى "أسنلموا" صندقوا بالتوراة منن لدن
موسنى إلى زمان عيسنى عليهمنا السنلم وبينهمنا ألف ننبي؛ ويقال :أربعنة آلف .ويقال :أكثنر منن
ذلك ،كانوا يحكمون بمنا فني التوراة .وقينل :معننى "أسنلموا" خضعوا وانقادوا لمنر ال فيمنا بعثوا
بنه .وقينل :أي يحكنم بهنا الننبيون الذينن هنم على دينن إبراهينم صنلى ال علينه وسنلم والمعننى واحند.
و"الذين أسلموا" ههنا نعت فيه معنى المدح مثل "بسم ال الرحمن الرحيم"" .هادوا" أي تابوا من
الكفر .وقيل :فيه تقديم وتأخير؛ أي إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون
والربانيون والحبار؛ أي يحكم بها الربانيون وهم الذين يسوسون الناس بالعلم ويربونهم بصغاره
قبنل كباره؛ عنن ابنن عباس وغيره .وقند تقدم فني آل عمران .وقال أبنو رزينن :الربانيون العلماء
الحكماء والحبار .قال ابننن عباس :هننم الفقهاء :والحننبر والحننبر الرجننل العالم وهننو مأخوذ مننن
الحنبير وهنو التحسنين ،فهنم يحنبرون العلم أي ينبينونه ويزينوننه ،وهنو محنبر فني صندورهم .قال
مجاهنند :الربانيون فوق العلماء .واللف واللم للمبالغننة .قال الجوهري :والجننبر والحننبر واحنند
أحبار اليهود ،وبالكسنر أفصنح :لننه يجمنع على أفعال دون الفعول؛ قال الفراء :هنو جنبر بالكسنر
يقال ذلك للعالم .وقال الثوري :سننألت الفراء لم سننمي الحننبر حننبرا؟ فقال :يقال للعالم حننبر وحننبر
فالمعنى مداد حبر ثم حذف كما قال" :واسأل القرية" [يوسف ]82 :أي أهل القرية .قال :فسألت
الصنمعي يقال لينس هذا بشينء؛ إنمنا سنمي حنبرا لتأثيره ،يقال :على أسننانه حنبر أي صنفرة أو
سنواد .وقال أبنو العباس :سنمي الحنبر الذي يكتنب بنه حنبرا لننه يحنبر بنه أي يحقنق بنه .وقال أبنو
عبيند :والذي عندي فني واحند الحبار الحنبر بالفتنح ومعناه العالم بتحنبير الكلم والعلم وتحسنينه.
قال :وهكذا يرويننه المحدثون كلهننم بالفتننح ،والحننبر الذي يكتننب بننه وموضعننه المحننبرة بالكسننر.
والحنبر أيضنا الثنر والجمنع حبور ،عنن يعقوب" .بمنا اسنتحفظوا منن كتاب ال" أي اسنتودعوا منن
علمنه .والباء متعلقنة "الربانيينن والحبار" كأننه قال :والعلماء بمنا اسنتحفظوا .أو تكون متعلقنة بنن
"يحكم" أي يحكمون بما استحفظوا" .وكانوا عليه شهداء" أي على الكتاب بأنه من عند ال .ابن
عباس :شهداء على حكنم الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه فني التوراة" .فل تخشوا الناس" أي فني
إظهار صنننفة محمنند صننلى ال عليننه وسنننلم ،وإظهار الرجنننم" .واخشون" أي فننني كتمان ذلك؛
فالخطاب لعلماء اليهود .وقند يدخنل بالمعننى كنل منن كتنم حقنا وجنب علينه ولم يظهره .وتقدم معننى
"ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل" مستوفى.
@قوله تعالى" :ومنن لم يحكنم بمنا أنزل ال فأولئك هنم الكافرون" و"الظالمون" و"الفاسنقون"
نزلت كلها في الكفار؛ ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء ،وقد تقدم .وعلى هذا المعظم.
فأمنا المسنلم فل يكفنر وإن ارتكنب كنبيرة .وقينل :فينه إضمار؛ أي ومنن لم يحكنم بمنا أنزل ال ردا
للقرآن ،وجحدا لقول الرسنول علينه الصنلة والسنلم فهنو كافنر؛ قال ابنن عباس ومجاهند ،فالينة
عامة على هذا .قال ابن مسعود والحسن :هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل ال من المسلمين
واليهود والكفار أي معتقدا ذلك ومسنتحل له؛ فأننا منن فعنل ذلك وهنو معتقند أننه راكنب محرم فهنو
منن فسناق المسنلمين ،وأمره إلى ال تعالى إن شاء عذبنه ،وإن شاء غفنر له .وقال ابنن عباس فني
رواينة :ومنن لم يحكنم بمنا أنزل ال فقند فعنل فعل يضاهني أفعال الكفار .وقينل :أي ومنن لم يحكنم
بجمينع منا أنزل ال فهنو كافنر؛ فأمنا منن حكنم بالتوحيند ولم يحكنم ببعنض الشرائع فل يدخنل فني هذه
الينة ،والصنحيح الول ،إل أن الشعنبي قال :هني فني اليهود خاصنة ،واختاره النحاس؛ قال :ويدل
على ذلك ثلثنة أشياء؛ منهنا أن اليهود قند ذكروا قبنل هذا فني قوله" :للذينن هادوا"؛ فعاد الضمينر
عليهم ،ومنها أن سياق الكلم يدل على ذلك؛ أل ترى أن بعده "وكتبنا عليهم" فهذا الضمير لليهود
بإجماع؛ وأيضننا فإن اليهود هننم الذيننن أنكروا الرجننم والقصنناص .فإن قال قائل" :مننن" إذا كانننت
للمجازاة فهي عامة إل أن يقع دليل على تخصيصها؟ قيل له" :من" هنا بمعنى الذي مع ما ذكرناه
من الدلة؛ والتقدير :واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون؛ فهذا من أحسن ما
قينل فني هذا؛ ويروى أن حذيفنة سنئل عنن هذه اليات أهني فني بنني إسنرائيل؟ قال :نعنم هني فيهنم،
ولتسنننلكن سنننبيلهم حذو النعنننل بالنعنننل .وقينننل" :الكافرون" للمسنننلمين ،و"الظالمون" لليهود،
و"الفاسنقون" للنصنارى؛ وهذا اختيار أبني بكنر بنن العربني ،قال :لننه ظاهنر اليات .وهنو اختيار
ابنن عباس وجابر بنن زيند وابنن أبني زائدة وابنن شبرمنة والشعنب أيضنا .قال طاوس وغيره :لينس
بكفنر ينقنل عنن الملة ،ولكننه كفنر دون كفنر ،وهذا يختلف إن حكنم بمنا عنده على أننه منن عنند ال،
فهنو تبدينل له يوجنب الكفر؛ وإن حكنم به هوى ومعصنية فهنو ذنب تدركه المغفرة على أصنل أهنل
السننة فني الغفران للمذننبين .قال القشيري :ومذهنب الخوارج أن منن ارتشنى وحكنم بغينر حكنم ال
فهنو كافنر ،وعزي هذا إلى الحسنن والسندي .وقال الحسنن أيضنا :أخنذ ال عنز وجنل على الحكام
ثلثة أشياء :أل يتبعوا الهوى ،وأل يخشوا الناس ويخشوه ،وأل يشتروا بآياته ثمنا قليل.
**3الية{ 45 :وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والنف بالنف والذن بالذن
والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم
الظالمون}
@قوله تعالى" :وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" بين تعالى أنه سوى بين النفس والنفس في
التوراة فخالفوا ذلك ،فضلوا؛ فكانت دية النضيري أكثر ،وكان النضيري ل يقتل بالقرظي ،ويقتل
بننه القرظنني فلمننا جاء السننلم راجننع بنننو قريظننة رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم فيننه ،فحكننم
بالسنتواء؛ فقالت بننو النضينر :قند حططنت مننا؛ فنزلت هذه الينة .و"كتبننا" بمعننى فرضننا .وقند
تقدم .وكان شرعهم القصاص أو العفو ،وما كان فيهم الدية؛ كما تقدم في "البقرة" بيانه .وتعلق أبو
حنيفنة وغيره بهذه الينة فقال :يقتنل المسنلم بالذمني؛ لننه نفنس بنفنس ،وقند تقدم فني "البقرة" بيان
هذا .وقد روى أبو داود والترمذي والنسائي عن علي رضي ال عنه أنه سئل هل خصك رسول
ال صنلى ال علينه وسنلم بشينء؟ فقال :ل ،إل منا فني هذا ،وأخرج كتابنا منن قراب سنيفه وإذا فينه
(المؤمنون تتكافنأ دماؤهنم وهنم يند على منن سنواهم ول يقتنل مسنلم بكافنر ول ذو عهند فني عهده)
وأيضنا فإن الينة إنمنا جاءت للرد على اليهود فني المفاضلة بينن القبائل ،وأخذهنم منن قنبيلة رجل
برجل ،ومن قبيلة أخرى رجل برجلين .وقالت الشافعية :هذا خبر عن شرع من قبلنا ،وشرع من
قبلننا لينس شرعنا لننا؛ وقند مضنى فني "البقرة" فني الرد عليهنم منا يكفني فتأمله هناك .ووجنه رابنع:
وهو أنه تعالى قال" :وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" وكان ذلك مكتوبا على أهل التوراة وهم
ملة واحدة ،ولم يكن لهم أهل ذمة كما للمسلمين أهل ذمة؛ لن الجزية فيء وغنيمة أفاءها ال على
المؤمنينن ،ولم يجعنل الفينء لحند قبنل هذه المنة ،ولم يكنن ننبي فيمنا مضنى مبعوثنا إل إلى قومنه؛
فأوجبت الية الحكم على بني إسرائيل إذ كانت دماؤهم تتكافأ؛ فهو مثل قول الواحد منا في دماء
سنوى المسنلمين النفنس بالنفنس ،إذ يشينر إلى قوم معينينن ،ويقول :إن الحكنم فني هؤلء أن النفنس
منهم بالنفس؛ فالذي يجب بحكم هذه الية على أهل القرآن أن يقال لهم فيما بينهم على -هذا الوجه
: -النفس بالنفس ،ولبس كتاب ال ما يدل على أن النفس بالنفس مع اختلف الملة.
@ قال أصحاب الشافعي وأبو حنيفة :إذا جرح أو قطع الذن أو اليد ثم قتل فعل ذلك به؛ لن ال
تعالى قال" :وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين" فيؤخذ منه ما أخذ ،ويفعل به كما
فعل .وقال علماؤنا :إن قصد به المثلة فعل به مثله ،وإن كان ذلك في أثناء مضاربته ومدافعته قتل
بالسنيف؛ وإنمنا قالوا ذلك فني المثلة يجنب؛ لن الننبي صنلى ال علينه وسنلم سنمل أعينن العرنيينن؛
حسبما تقدم بيانه في هذه السورة.
@قوله تعالى" :والعينن بالعينن" قرأ نافنع وعاصنم والعمنش وحمزة بالنصنب فني جميعهنا على
العطنف ،ويجوز تخفينف "أن" ورفنع الكنل بالبتداء والعطنف .وقرأ ابنن كثينر وابنن عامنر وأبنو
عمرو وأبننو جعفننر بنصننب الكننل إل الجروح .وكان الكسننائي وأبننو عبينند يقرآن "والعيننن بالعيننن
والنف بالنف والذن بالذن والسن والجروح" بالرفع فيها كلها .قال أبو عبيد :حدثنا حجاج عن
هارون عن عباد بن كثير عن عقيل عن الزهري عن أنس النبي صلى ال عليه وسلم قرأ "وكتبنا
عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والنف بالنف والذن بالذن والسن بالسن والجروح
قصناص" .والرفنع منن ثلث جهات؛ بالبتداء والخنبر ،وعلى المعننى على موضنع "أن النفنس"؛
لن المعننى قلننا لهنم :النفنس بالنفنس .والوجنه الثالث :قاله الزجاج يكون عطفنا على المضمنر فني
النفننس؛ لن الضميننر فنني النفننس فنني موضننع رفننع؛ لن التقديننر أن النفننس هنني مأخوذة بالنفننس؛
فالسننماء معطوفننة على هني .قال ابنن المنذر :ومنن قرأ بالرفنع جعنل ذلك ابتداء كلم ،حكننم فني
المسلمين؛ وهذا أصح القولين ،وذلك أنها قراءة رسول ال صلى ال عليه وسلم "والعين بالعين"
وكذا منا بعده .والخطاب للمسنلمين أمروا بهذا .ومنن خنص الجروح بالرفنع فعلى القطنع ممنا قبلهنا
والستئناف بها؛ كأن المسلمين أمروا بهذا خاصة وما قبله لم يواجهوا به.
@ هذه الينة تدل على جريان القصناص فيمنا ذكنر وقند تعلق ابنن شبرمنة بعموم قوله" :والعينن
بالعينن" على أن اليمننى تفقنأ باليسنرى وكذلك على العكنس ،وأجنر ذلك فني اليند اليمننى واليسنرى،
وقال :تؤخذ الثنية بالضرس والضرس بالثنية؛ لعموم قوله تعالى" :والسن بالسن" .والذين خالفوه
وهنم علماء المنة قالوا :العينن اليمننى هني المأخوذة باليمننى عنند وجودهنا ،ول يتجاوز ذلك إلى
اليسرى مع الرضا؛ وذلك يبين لنا أن المراد بقوله" :والعين بالعين" استيفاء ما يماثله من الجاني؛
فل يجوز له أن يتعدى إلى غيره كما ل يتعدى من الرجل إلى اليد في الحوال كلها ،وهذا ل ريب
فيه.
@ وجمع العلماء على أن العينين إذا أصيبتا خطأ ففيهما الدية ،وفي العين الواحدة نصف الدية.
وفنني عيننن العور إذا فقئت الديننة كاملة؛ روي ذلك عننن عمننر وعثمان ،وبننه قال عبدالملك بننن
مروان والزهري وقتادة ومالك واللينث بنن سنعد وأحمند وإسنحاق .وقينل :نصنف الدينة؛ روي ذلك
عنن عبدال بنن المغفنل ومسنروق والنخعني؛ وبنه قال الثوري والشافعني والنعمان .قال ابنن المنذر:
وبه نقول؛ لن في الحديث (في العينين الدية) ومعقول إذ كان كذلك أن في إحداهما نصف الدية.
قال ابن العربي :وهو القياس الظاهر ،ولكن علماؤنا قالوا :إن منفعة العور ببصره كمنفعة السالم
أو قريب من ذلك ،فوجب عليه مثل ديته.
@ واختلفوا في العور يفقأ عين صحيح؛ فروي عن عمر وعثمان وعلي أنه ل قود عليه ،وعليه
الدية كاملة؛ وبه قال عطاء وسعيد بن المسيب وأحمد بن حنبل .وقال مالك :إن شاء اقتص فتركه
أعمنى ،وإن شاء أخنذ الدينة كاملة (دينة عينن العور) .وقال النخعني :إن شاء اقتنص وإن شاء أخنذ
نصنف الدينة .وقال الشافعني وأبنو حنيفنة والثوري :علينه القصناص ،.وروي ذلك عنن علي أيضنا،
وهنو قول مسنروق وابنن سنيرين وابنن معقنل ،واختاره ابنن المنذر وابنن العربني؛ لن ال وتعالى
قال" :والعين بالعين" وجعل النبي صلى ال عليه وسلم في العينين الدية؛ ففي العين نصف الدية،
والقصناص بينن صنحيح العينن والعور كهيئتنه بينن سنائر الناس .ومتعلق أحمند بنن حنبنل أن فني
القصناص مننه أخنذ جمينع البصنر بضمنه وذلك لينس بمسناواة ،وبمنا روي عنن عمنر وعثمان وعلي
في ذلك ،ومتمسك مالك أن الدلة لما تعارضت خير المجني عليه .قال ابن العربي :والخذ بعموم
القرآن أولى؛ فإنه أسلم عند ال تعالى.
@ واختلفوا في عين العور التي ل يبصر بها؛ فروي عن زيد بن ثابت أنه قال :فيها مائة دينار.
وعن عمر بن الخطاب أنه قال :فيها ثلث ديتها؛ وبه قال إسحاق .وقال مجاهد :فيها نصف ديتها.
وقال مسنروق والزهري ومالك والشافعني وأبنو ثور والنعمان :فيهنا حكومنة؛ قال ابنن المنذر :وبنه
نقول لنه القل مما قيل.
@ وفي إبطال البصر من العينين مع بقاء الحدقتين كمال الدية ،ويستوي فيه العمش والخفش.
وفي إبطال من إحداهما مع بقائها النصف .قال ابن المنذر وأحسن ما قيل في ذلك ما قاله علي بن
أبني طالب :أننه أمنر بعيننه الصنحيحة فغطينت وأعطني رجنل بيضنة فانطلق بهنا وهنو ينظنر حتنى
انتهنى نظره ،ثنم أمنر بخنط عنند ذلك ،ثنم أمنر بعيننه الخرى فغطينت وفتحنت الصنحيحة ،وأعطني
رجل بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى نظره ثم خط عند ذلك ،ثم أمر به فحول إلى مكان
آخنر ففعنل بنه مثنل ذلك فوجده سنواء؛ فأعطني منا نقنص منن بصنره مال الخنر ،وهذا على مذهنب
الشافعي؛ وهو قول علمائنا.
ول خلف بين أهل العلم على أن ل قود في بعض البصر ،إذ غير ممكن الوصول إليه .وكيفية
القود في العين أن تحمى مرآة ثم توضع على العين الخرى قطنة ،ثم تقرب المرآة من عينه حتى
يسنيل إنسنانها؛ روي عنن علي رضني ال عننه؛ ذكره المهدوي وابنن العربني .واختلف فني جفنن
العين؛ فقال زيد بن ثابت :فيه ربع الدية ،وهو قول الشعبي والحسن وقتادة وأبي ،هاشم والثوري
والشافعني وأصنحاب الرأي .وروي عنن الشعنبي أننه قال :فني الجفنن العلى ثلث الدينة وفني الجفنن
السفل ثلثا الدية ،وبه قال مالك.
@قوله تعالى" :والنف بالنف" جاء الحديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال( :وفي
النف إذا أوعب جدعا الدية) .قال ابن المنذر :وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على القول
بنه؛ والقصناص منن الننف إذا كاننت الجناينة عمدا كالقصناص منن سنائر العضاء على كتاب ال
تعاق .واختلفوا في كسر النف .فكان مالك يرى في العمد منه القود ،وفي الخطأ الجتهاد .وروى
ابننن نافننع أنننه ل ديننة للنننف حتننى يسننتأصله مننن أصننله .قال أبننو إسننحاق التونسنني :وهذا شاذ،
والمعروف الول .وإذا فرعنا على المعروف ففي بعض المارن من الدية بحساب من المارن .قال
ابنن المنذر :ومنا قطنع منن الننف فبحسنابه؛ روي ذلك عنن عمنر بنن عبدالعزينز والشعنبي ،وبنه قال
الشافعني .قال أبنو عمنر :واختلفوا فني المارن إذا قطنع ولم يسنتأصل الننف؛ فذهنب مالك والشافعني
وأبنو حنيفنة وأصنحابهم إلى أن فني ذلك الدينة كاملة ،ثنم إن ع مننه شينء بعند ذلك ففينه حكومنة .قال
مالك :الذي فينه الدينة منن الننف أن يقطنع المارن؛ وهنو دون العظنم .قال ابنن القاسنم :وسنواء قطنع
المارن منن العظنم أو اسنتؤصل الننف منن العظنم منن تحنت العينينن إنمنا فينه الدينة؛ كالحشفنة فيهنا
الدية :وفي استئصال الذكر الدية.
@ قال ابن القاسم :وإذا خرم النف أو كسر فبرئ على عثم ففيه الجتهاد ،وليس فيه دية معلومة.
وإن برئ على غير عثم فل شيء فيه .قال :وليس النف إذا خرم فبرئ على غير عثم كالموضحة
تنبرأ على غينر ثنم فيكون فيهنا ديتهنا؛ لن تلك جاءت بهنا السننة ،ولينس فني خرم الننف أثنر .قال:
والننف عظنم منفرد لينس فينه موضحنة .واتفنق مالك والشافعني وأصنحابهما على أن ل جائفنة فينه،
ول جائفة عندهم إل فيما كان في الجوف ،والمارن ما لن من النف؛ وكذلك قال الخليل وغيره.
قال أبنو عمنر :وأظنن روثتنه مارننه ،وأرنبتنه طرفنه .وقند قينل :الرنبنة والروثنة والعرتمنة طرف
النننف .والذي عليننه الفقهاء مالك والشافعنني والكوفيون ومننن تبعهننم ،فنني الشننم إذا نقننص أو فقنند
حكومة.
@قوله تعالى" :والذن بالذن" قال علماؤننا رحمنة ال عليهنم فني الذي يقطنع أذنني رجنل :علينه
حكومة ،وإنمنا تكون علينه الدية فني السنمع ،ويقاس في نقصنانه كما يقاس فني البصنر .وفي إبطاله
من إحداهما نص الدية ولو لم يكن يسمع إل بها ،بخلف العين العوراء فيها الدية كاملة؛ على ما
تقدم .وقال أشهب :إن كان السمع إذا سئل عنه قيل إن أحد السمعين يسمع ما يسمع السمعان فهو
عندي كالبصر ،وإذا شك في السمع جرب بأن يصاح به من مواضع عدة ،يقاس ذلك؛ فإن تساوت
أو تقاربنت أعطني بقدر منا ذهنب منن سنمعه ويحلف على ذلك .قال أشهنب :ويحسنب له ذلك على
سنمع وسنط منن الرجنل مثله؛ فإن اختنبر فاختلف قوله لم يكنن له شينء .وقال عيسنى بنن دينار :إذا
اختلف قوله عقل له القل مع يمينه.
@قوله تعالى" :والسن بالسن" قال ابن المنذر :وثبت عن رسول ال صل ال عليه وسلم أنه أقاد
منن سن وقال( :كتاب ال القصناص) .وجاء الحدينث عن رسول ال صنلى ال عليه وسلم أننه قال:
(في السن خمس من البل) .قال ابن المنذر :فبظاهر هذا الحديث نقول؛ ل فضل للثنايا منها على
النياب والضراس والرباعيات؛ لدخولها كلها في ظاهر الحديث؛ وبه يقول الكثر من أهل العلم.
وممنن قال بظاهنر الحدينث ولم يفضنل شيئا منهنا على شينء عروة بنن الزبينر وطاوس والزهري
وقتادة ومالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق والنعمان وابن الحسن ،وروي ذلك عن علي بن
أبي طالب وابن عباس ومعاوية .وفيه قول ثان -رويناه عن عمر بن الخطاب أنه قضى فيما أقبل
منن الفنم بخمنس فرائض خمنس فرائض ،وذلك خمسنون دينارا ،قيمنة كنل فريضنة عشرة دنانينر.
وفي الضراس ببعير بعير .وكان عطاء يقول :في السن والرباعيتين والنابين خمس خمس ،وفيما
بقي بعيران بعيران ،أعلى الفم وأسفله سواء ،والضراس سواء؛ قال أبو عمر :أما ما رواه مالك
في موطئه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر قضى في الضراس ببعير بعير فإن
المعنننى فنني ذلك أن الضراس عشرون ضرسننا ،والسنننان اثنننا عشننر سنننا :أربننع ثنايننا وأربننع
رباعيات وأربع أنياب؛ فعلى قول عمر تصير الدية ثمانين بعيرا؛ في السنان خمسة خمسة ،وفي
الضراس بعيننر بعيننر .وعلى قول معاويننة فنني الضراس والسنننان خمسننة أبعرة خمسننة أبعرة؛
تصير الدية ستين ومائة بعير .وعلى قول سعيد بن المسيب ،بعير بن بعيرين في الضراس وهي
عشرون ضرسا .يجب لها أربعون .وفي السنان خمسة أبعرة فذلك ستون ،وهي تتمة لمائة بعير،
وهي الدية كاملة من البل .والختلف بينهم إنما هو في الضراس ل في السنان .قال أبو عمر:
واختلف العلماء من الصحابة والتابعين في ديات السنان وتفضيل بعضها على بعض كثير جدا،
والحجنة قائمنة لمنا ذهنب إلينه الفقهاء مالك وأبنو حنيفنة والثوري؛ بظاهنر قول رسنول ال صنلى ال
عليه وسلم( :وفي السن خمس من البل) والضرس سن من السنان .روى ابن عباس أن رسول
ال صنلى ال علينه وسنلم قال( :الصنابع سنواء والسننان سنواء الثنينة والضرس سنواء هذه وهذه
سنواء) وهذا ننص أخرجنه أبنو داود .وروى أبنو داود أيضنا عنن ابنن عباس قال :جعنل رسنول ال
صنلى ال علينه وسنلم أصنابع اليدينن والرجلينن سنواء .قال أبنو عمنر :على هذه الثار جماعنة فقهاء
المصار وجمهور أهل العلم أن الصابع في الدية كلها سواء ،وأن السنان في الدية كلها سواء،
الثناينا والضراس والنياب ل يفضنل شينء منهنا على شينء؛ على منا فني كتاب عمرو بنن حزم.
ذكنر الثوري عنن أزهنر بنن محارب قال :اختصنم إلى شرينح رجلن ضرب أحدهمنا ثنينة الخنر
وأصناب الخنر ضرسنه فقال شرينح :الثنينة وجمالهنا والضرس ومنفعتنه سنن بسنن قومنا .قال أبنو
عمر :على هذا العمل اليوم في جميع المصار .وال أعلم.
@ فإن ضرب سننه فاسنودت ففيهنا ديتهنا كاملة عنند مالك واللينث بنن سنعد ،وبنه قال أبنو حنيفنة،
وروي عنن زيند بنن ثابنت؛ وهنو قول سنعيد بنن المسنيب والزهري والحسنن وابنن سنيرين وشرينح.
وروي عنن عمنر بنن الخطاب رضني ال تعالى عننه أن فيهنا ثلث ديتهنا؛ وبنه قال أحمند وإسنحاق.
وقال الشافعني وأبنو ثور :فيهنا حكومنة .قال ابنن العربني :وهذا عندي خلف يؤول إلى وفاق؛ فإننه
إن كان سنوادها أذهنب منفعتهنا وإنمنا بقينت صنورتها كاليند الشلء والعينن العمياء ،فل خلف فني
وجوب الدية؛ ثم إن كان بقي من منفعتها شيء أو جميعه لم يجب إل بمقدار ما نقص من المنفعة
حكومة؛ وما روي عن عمر رضي ال عنه فيها ثلث ديتها لم يصح عنه سندا ول فقها.
@ واختلفوا في سن الصبي يقلع قبل أن يثغر؛ فكان مالك والشافعي وأصحاب الرأي يقولون :إذا
قلعت سن الصبي فنبتت فل شيء على القالع ،إل أن مالكا والشافعي قال :إذا نبتت ناقصة الطول
عنن التني تقاربهنا أخنذ له منن أرشهنا بقدر نقصنها .وقالت طائفنة :فيهنا حكومنة ،وروي ذلك عنن
الشعنبي؛ وبنه قال النعمان .قال ابنن المنذر :يسنتأتى بهنا إلى الوقنت الذي يقول أهنل المعرفنة إنهنا ل
تنبنت ،فإذا كان ذلك كان فيهنا قدرهنا تامنا؛ على ظاهنر الحدينث ،وإن نبتنت رد الرش .وأكثنر منن
يحفظ عنه من أهل العلم يقولون :يستأنى بها سنة؛ روي ذلك عن علي وزيد وعمر بن عبدالعزيز
وشريح والنخعي وقتادة ومالك وأصحاب الرأي .ولم يجعل الشافع لهذا مدة معلومة.
@ إذا قلع سن الكبير فأخذ ديتها ثم نبتت؛ فقال مالك ل يرد ما أخذ .وقال الكوفيون :يرد إذا نبتت.
وللشافعني قولن :يرد ول يرد؛ لن هذا نبات لم تجنر بنه عادة ،ول يثبنت الحكنم بالنادر؛ هذا قول
علمائننا .تمسنك الكوفيون بأن عوضهنا قند نبنت فيرد؛ أصنله سنن الصنغير .قال الشافعني :ولو جننى
عليهنا جان آخنر وقند نبتنت صنحيحة كان فيهنا أرشهنا تامنا .قال ابنن المنذر :هذا أصنح القولينن؛ لن
كل واحد منهما قالع سن ،وقد جعل النبي صلى ال عليه وسلم في السن خمسا من البل.
@ فلو قلع رجل سن رجل فردها صاحبها فالتحمت فل شيء فيها عندنا .وقال الشافعي :ليس له
أن يردهنا منن قبنل أنهنا نجسنة؛ وقاله ابنن المسنيب وعطاء .ولو ردهنا أعاد كنل صنلة صنلها لنهنا
ميتنة؛ وكذلك لو قطعنت أذننه فردهنا بحرارة الدم فالتزقنت مثله .وقال عطاء :يجنبره السنلطان على
قلعها لنها ميتة ألصنقها .قال ابن العربي :وهذا غلط ،وقند جهنل من خفي علينه أن ردهنا وعودهنا
بصننورتها ل يوجننب عودهننا بحكمهننا؛ لن النجاسننة كانننت فيهننا للنفصننال ،وقنند عادت متصننلة،
وأحكام الشريعنة ليسنت صنفات للعيان ،وإنمنا هني أحكام تعود إلى قول ال سنبحانه فيهنا وإخباره
عنها.
قلت :ما حكاه ابن العربي عن عطاء خلف ما حكاه ابن المنذر عنه؛ قال ابن المنذر :واختلفوا
فني السنن تقلع قودا ثنم ترد مكانهنا فتنبنت؛ فقال عطاء الخراسناني وعطاء بنن أبني رباح :ل بأس
بذلك .وقال الثوري وأحمد وإسحاق :تقلع؛ لن القصاص للشين .وقال الشافعي :ليس له أن يردها
من قبل أنها نجسة ،ويجبره السلطان على القلع.
فلو كانت له سن زائدة فقلعت ففيها حكومة؛ وبه قال فقهاء المصار .وقال زيد بن ثابت :فيها
ثلث الدية .قال ابن العربي :وليس في التقدير دليل ،فالحكومة أعدل .قال ابن المنذر :ول يصح ما
روي عن زيد؛ وقد روي عن علي أنه قال :في السن إذا كسر بعضها أعطي صاحبها بحساب ما
نقص منه؛ وهذا قول مالك والشافعي وغيرهما.
قلت :وهنا انتهى ما نص ال عز وجل عليه من العضاء ،ولم يذكر الشفتين واللسان
@ قال الجمهور :وفي الشفتين الدية ،وفي كل واحدة منهما نص الدية ل فضل للعليا منهما على
السنفلي .وروي عنن زيند بنن ثابنت وسنعيد بنن المسنيب والزهري :فني الشفنة العلينا ثلث الدينة ،وفني
الشفنة السنفلي ثلثنا الدينة .وقال ابنن المنذر :وبالقول الول أقول؛ للحدينث المرفوع عنن رسنول ال
صنلى ال علينه وسنلم أننه قال( :وفني الشفتينن الدينة) ولن فني اليدينن الدينة ومنافعهمنا مختلفنة .ومنا
قطع من الشفتين فبحساب ذلك .وأما اللسان فجاء الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال:
(في اللسان الدية) .وأجمع أهل العلم من أهل المدينة وأهل الكوفة وأصحاب الحديث وأهل الرأي
على القول به؛ قال ابن المنذر.
@ واختلفوا في الرجل يجني على لسان الرجل فيقطع من اللسان شيئا ،ويذهب من الكلم بعضه؛
فقال أكثنر أهنل العلم :ينظنر إلى مقدار منا ذهنب منن الكلم منن ثمانينة وعشرينن حرفنا فيكون علينه
من الدية بقدر ما ذهب من كلمه ،وإن ذهب الكلم كله ففيه الدية؛ هذا قول مالك والشافعي وأحمد
وإسحاق وأصحاب الرأي .وقال مالك :ليس في اللسان قود لعدم الحاطة باستيفاء القود .فإن أمكن
فالقود هو الصل.
@ واختلفوا فني لسنان الخرس يقطنع؛ فقال الشعنبي ومالك وأهنل المديننة والثوري وأهنل العراق
والشافعي وأبو ثور والنعمان وصاحباه :فيه حكومة .قال ابن المنذر :وفيه قولن شاذان :أحدهما:
قول النخعنني أن فيننه الديننة .والخننر :قول قتادة أن فيننه ثلث الديننة .قال ابننن المنذر :والقول الول
أصنح؛ لننه القنل ممنا قينل .قال ابنن العربني :ننص ال سنبحانه على أمهات العضاء وترك باقيهنا
للقياس عليها؛ فكل عضو فيه القصاص إذا أمكن ولم يخش عليه الموت ،وكذلك كل عضو بطلت
منفعته وبقيت صورته فل قود فيه ،وفيه الدية لعدم إمكان القود فيه.
@قوله تعالى" :والجروح قصناص" أي مقاصنة ،وقند تقدم فني "البقرة" .ول قصناص فني كنل
مخوف ول فيما ل يوصل إلى القصاص فيه إل بأن يخطئ الضارب أو يزيد أو ينقص .ويقاد من
جراح العمند إذا كان ممنا يمكنن القود منه .وهذا كله فني العمند؛ فأمنا الخطنأ فالدينة ،وإذا كاننت الدينة
فني قتنل الخطنأ فكذلك فني الجراح .وفني صنحيح مسنلم عنن أننس أن أخنت الربينع -أم حارثنة -
جرحنت إنسنانا فاختصنموا إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم ،فقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم:
(القصاص القصاص) ،فقالت أم الربيع :يا رسول ال أيقتص من فلنة؟! وال ل يقتص منها .فقال
الننبي صنلى ال علينه وسنلم :سنبحان ال ينا أم الربينع القصناص كتاب ال) قالت :ل وال ل يقتنص
منهنا أبدا؛ قال فمنا زالت حتنى قبلوا الدينة؛ فقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم( :إن منن عباد ال
من لو أقسم على ال لبره).
قلت :المجروح فني هذا الحدينث جارينة ،والجرح كسنر ثنيتهنا؛ أخرجنه النسنائي عنن أننس أيضنا
أن عمته كسرت ثنية جارية فقضى نبي ال صلى ال عليه وسلم بالقصاص؛ فقال أخوها أنس بن
النضر :أتكسر ثنية فلنة؟ ل والذي بعثك بالحق ل تكسر ثنيتها .قال :وكانوا قبل ذلك سألوا أهلها
العفو والرش ،فلما حلف أخوها وهو عم أنس -وهو الشهيد يوم أحد -رضي القوم بالعفو؛ فقال
النبي صلى ال عليه وسلم( :إن من عباد ال من لو أقسم على ال لبره) .وخرجه أبو داود أيضا،
وقال :سمعت أحمد بن حنبل قيل له :كيف يقتص من السن؟ قال :تبرد.
قلت :ول تعارض بينن الحديثينن؛ فإننه يحتمنل أن يكون كنل واحند منهمنا حلف فنبر ال قسنمهما.
وفنى هذا منا يدل على كرامات الولياء على منا يأتني بياننه فني قصنة الخضنر إن ال تعالى .فنسنأل
ال التثبت على اليمان بكراماتهم وأن ينظمنا في سلكهم من غير محنة ول فتنة.
@ أجمع العلماء على أن قوله تعالى" :والسن بالسن" أنه فني العمد؛ فمن أصاب سن أحد عمدا
ففينه القصناص على حدينث أننس .واختلفوا فني سنائر عظام الجسند إذا كسنرت عمدا؛ فقال مالك:
عظام الجسند كلهنا فيهنا القود إل منا كان مخوفا مثل الفخنذ والصلب والمأمومة والمنقلة والهاشمنة،
ففني ذلك الدينة .وقال الكوفيون :ل قصناص فني عظنم يكسنر منا خل السنن؛ لقوله تعالى" :والسنن
بالسننن" وهننو قول الليننث والشافعنني .قال الشافعنني :ل يكون كسننر ككسننر أبدا؛ فهننو ممنوع .قال
الطحاوي :اتفقوا على أننه ل قصناص فني عظنم الرأس؛ فكذلك فنني سننائر العظام .والحجننة لمالك
حدينث أننس فني السنن وهني عظم؛ فكذلك سائر العظام إل عظمنا أجمعوا على أنه ل قصناص فينه؛
لخوف ذهاب النفنس مننه .قال ابنن المنذر :ومنن قال ل قصناص فني عظنم فهنو مخالف للحدينث؛
والخروج إلى النظير غير جائز مع وجود الخبر.
قلت :ويدل على هذا أيضننا قوله تعالى" :فمننن اعتدى عليكننم فاعتدوا عليننه بمثننل مننا اعتدى
عليكنم" [البقرة ، ]194 :وقوله" :وإن عاقبتنم فعاقبوا بمثنل منا عوقبتنم بنه" [النحنل ]126 :ومنا
أجمعوا عليه فغير داخل في الي .وال أعلم وبال التوفيق.
@ قال أبنو عبيند فني حدينث الننبي صنلى ال علينه وسنلم فني الموضحنة ،ومنا جاء عنن غيره فني
الشجاع .قال الصمعي وغيره :دخل كلم بعضهم في بعض؛ أول الشجاج -الخاصة وهي :التي
تحرص الجلد -يعنني التني تشقنه فليل -ومننه قينل :حرص القصنار الثوب إذا شقنه؛ وقند يقال لهنا:
الحرصة أيضا .ثم الباضعة -وهي :التي تشق اللحم تبضعه بعد الجلد .ثم المتلحمة -وهي :التي
أخذت فنني الجلد ولم تبلغ السننمحاق .والسننمحاق :جلدة أو قشرة رقيقننة بيننن اللحننم والعظننم .وقال
الواقدي :هني عندننا الملطنى .وقال غيره :هني الملطاة ،قال :وهني التني جاء فيهنا الحدينث (يقضنى
فني الملطاة بدمهنا) .ثنم الموضحنة -وهني :التني تكشنط عنهنا ذلك القشنر أو تشنق حتنى يبدو وضنح
العظنم ،فتلك الموضحنة .قال أبنو عبيند :ولينس فني شينء منن الشجاج قصناص إل فني الوضحنة
خاصنة؛ لننه لينس منهنا شينء له حند ينتهني إلينه سنواها ،وأمنا غيرهنا منن الشجاج ففيهنا ديتهنا .ثنم
الهاشمنة -وهني التني تهشنم العظنم .ثنم المنقلة -بكسنر القاف حكاه الجوهري -وهني التني تنقنل
العظنم -أي تكسنره -حتنى يخرج منهنا فراش العظام منع الدواء .ثنم المنة -ويقال لهنا المأمومنة -
وهي التي تبلغ أم الرأس ،يعني الدماغ .قال أبو عبيد ويقال في قوله( :ويقضى في الملطاة بدمها)
أنه إذا شج الشاج حكم عليه للمشجوج بمبلغ الشجة ساعة شج ول يستأنى بها .قال :وسائر الشجاج
عندنا يستأنى بها حتى ينظر إلى ما يصير أمرها ثم يحكم فيها حينئذ .قال أبو عبيد :والمر عندنا
فني الشجاج كلهنا والجراحات كلهنا أننه يسنتأنى بهنا؛ حدثننا هشينم عنن حصنين قال :قال عمنر بنن
عبدالعزيننز :مننا دون الموضحننة خدوش وفيهننا صننلح .وقال الحسننن البصننري :ليننس فيمننا دون
الموضحنة قصناص .وقال مالك :القصناص فيمنا دون الموضحنة الملطني والدامينة والباضعنة ومنا
أشبنه ذلك؛ وكذلك قال الكوفيون وزادوا السنمحاق ،حكاه ابنن المنذر .وقال أبنو عبيند :الدامينة التني
تدمنى منن غينر أن يسنيل منهنا دم .والدامعنة :أن يسنيل منهنا دم .ولينس فينا دون الموضحنة قصناص
بنن .وقال الجوهري :والدامينة الشجنة التني تدمنى ول تسنيل .وقال علماؤننا :الدامينة هني التني تسنيل
الدم .ول قصناص فيمنا بعند الموضحنة ،منن الهاشمنة للعظنم ،والمنقلة -على خلف فيهنا خاصنة -
والمة هي البالغة إلى أم الرأس ،والدامغة الخارقة لخريطة الدماغ .وفي هاشمة الجسد القصاص،
إل ما هو مخوف كالفخذ وشبهه .وأما هاشمة الرأس فقال ابن القاسم :ل قود فيها؛ لنها ل بد تعود
منقلة .وقال أشهنب :فيهنا القصناص ،إل أن تنقنل فتصنير منقلة ل قود فيهنا .وأمنا الطراف فيجنب
القصناص فني جمينع المفاصنل إل المخوف منهنا .وفني معننى المفاصنل أبعاض المارن والذنينن
والذكر والجفان والشفتين؛ لنها تقبل التقدير .وفي اللسان روايتان .والقصاص في كسر العظام،
إل مننا كان متلفننا كعظام الصنندر والعنننق والصننلب والفخننذ وشبهننه .وفنني كسننر عظام العضنند
القصاص .وقضى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في رجل كسر فخذ رجل أن يكسر فخذه؛
وفعل ذلك عبدالعزيز بن عبدال بن خالد بن أسيد بمكة .وروي عن عمر بن عبدالعزيز أنه فعله؛
وهذا مذهب مالك على ما ذكرنا ،وقال :إنه المر المجمع عليه عندهم ،والمعمول به في بلدنا في
الرجل يضرب الرجل فيتقيه بيده فكسرها يقاد منه.
@ قال العلماء :الشجاج فني الرأس ،والجراح فني البدن .وأجمنع أهنل العلم على أن فيمنا دون
الموضحنة أرش فينا ذكنر ابنن المنذر؛ واختلفوا فني ذلك الرش ومنا دون الموضحنة شجاج خمنس:
الداميننة والدامعننة والباضعننة والمتلحمننة والسننمحاق؛ فقال مالك والشافعنني وأحمنند وإسننحاق
وأصننحاب الرأي فنني الداميننة حكومننة ،وفنني الباضعننة حكومننة ،وفنني المتلحمننة حكومننة .وذكننر
عبدالرزاق عن زيند بن ثابت قال :فني الدامية بعينر ،وفني الباضعنة بعيران ،وفني المتلحمنة ثلثة
أبعرة منن البنل ،وفني السنمحاق أربنع ،وفني الموضحنة خمنس ،وفني الهاشمنة عشنر ،وفني المنقلة
خمنس عشرة ،وفني المأمومنة ثلث الدينة ،وفني الرجنل يضرب حتنى يذهنب عقله الدينة كاملة ،أو
يضرب حتنى يغنن ول يفهنم الدينة كاملة ،أو حتنى يبنح ول يفهنم الدينة كاملة ،وفني جفنن العبنن ربنع
الدينة .وفني حلمنة الثدي ربنع الدينة .قال ابنن المنذر :وروي عنن علي فني السنمحاق مثنل قول زيند.
وروي عنن عمنر وعثمان أنهمنا قال :فيهنا نصنف الموضحنة .وقال الحسنن البصنري وعمنر بنن
عبدالعزيننز والنخعنني فيهننا حكومننة؛ وكذلك قال مالك والشافعنني وأحمنند .ول يختلف العلماء أن
الموضحة فيها خمس من البل؛ على ما في حديث عمرو بن حزم ،وفيه :وفي الموضحة خمس.
وأجمننع أهننل العلم على أن الموضحننة تكون فنني الرأس والوجننه .واختلفوا فنني تفضيننل موضحننة
الوجنه على موضحنة الرأس؛ فروي عنن أبني بكنر وعمنر أنهمنا سنواء .وقال بقولهمنا جماعنة منن
التابعين؛ وبه يقول الشافعي وإسحاق .وروي عن سعيد بن المسيب تضعيف موضحة الوجه على
موضحنة الرأس .وقال أحمند :موضحنة الوجنه أحرى أن يزاد فيهنا .وقال مالك :المأمومنة والمنقلة
والموضحنة ل تكون إل فني الرأس والوجنه ،ول تكون المأمومنة إل فني الرأس خاصنة إذا وصنل
إلى الدماغ ،قال :والموضحنة منا تكون فني جمجمنة الرأس ،ومنا دونهنا فهنو منن العننق لينس فينه
موضحنة .قال مالك :والننف لينس منن الرأس ولينس فينه موضحنة ،وكذلك اللحني السنفل لينس فينه
موضحة .وقد اختلفوا في الموضحة في غير الرأس وليس فيه والوجه؛ فقال أشهب وابن القاسم:
ليس في موضحة الجسد ومنقلته ومأمومته إل الجتهاد ،وليس فيها أرش معلوم .قال ابن المنذر:
هذا قول مالك والثوري والشافعني وأحمند وإسنحاق ،وبنه نقول .وروي عنن عطاء الخراسناني أن
الموضحنة إذا كاننت فني جسند النسنان فيهنا خمنس وعشرون دينارا .قال أبنو عمنر :واتفنق مالك
والشافعي وأصحابهما أن من شج رجل مأمومتين أو موضحتين أو ثلث مأمومات أو موضحات
أو أكثر في ضربة واحدة أن فيهن كلهن -وإن انخرقت فصارت واحدة -دية كاملة .وأما الهاشمة
فل دية فيها عندنا بل حكومة .قال ابن المنذر :ولم أجد في كتب المدنيين ذكر الهاشمة ،بل قد قال
مالك فيمننن كسننر أنننف رجننل إن كان خطننأ ففيننه الجتهاد .وكان الحسننن البصننري ل يوقننت فنني
الهاشمة شيئا .وقال أبو ثور :إن اختلفوا فيه ففيها حكومة .قال ابن المنذر :النظر يدل على هذا؛ إذ
ل سنة فيها ول إجماع .وقال القاضي أبو الوليد الباجي :فيها ما في الموضحة؛ فإن صارت منقلة
فخمسة عشر ،وإن صارت مأمومة فثلث الدية .قال ابن المنذر :ووجدنا أكثر من لقيناه وبلغنا عنه
من أهل العلم يجعلون في الهاشمة عشرا من البل .وروينا هذا القول عن زيد بن ثابت؛ وبه قال
قتادة وعنبيدال بنن الحسنن والشافعني .وقال الثوري وأصنحاب الرأي :فيهنا ألف درهنم ،ومرادهنم
عشر الدية .وأما المنقلة فقال ابن المنذر :جاء الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :في
المنقلة خمنس عشرة منن البنل) وأجمنع أهنل العلم على القول بنه .قال ابنن المنذر :وقال كنل منن
يحفننظ عنننه مننن أهننل العلم أن المنقلة هنني التنني تنقننل منهننا العظام .وقال مالك والشافعنني وأحمنند
وأصحاب الرأي -وهو قول قتادة وابن شبرمة -أن المنقلة ل قود فيها؛ وروينا عن ابن الزبير -
وليس بثابت عنه -أنه أقاد من المنقلة .قال ابن المنذر :والول أولى؛ لني ل أعلم أحدا خالف في
ذلك وأمنا المأمومنة فقال ابنن المنذر :جاء الحدينث عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه قال( :فني
المأمومنة ثلث الدينة) .وأجمنع عوام أهنل العلم على القول بنه ،ول نعلم أحدا خالف ذلك إل مكحول
فإنه قال :إذا كانت المأمومة عمدا ففيها ثلثا الدية ،وإذا كانت خطأ ففي ثلث الدية؛ وهذا قول شاذ،
وبالقول الول أقول .واختلفوا فنني القود مننن المأمومننة؛ فقال كثيننر مننن أهننل العلم :ل قود فيهننا؛
وروي عنن ابنن الزبينر أننه أقنص منن المأمومنة ،فأنكنر ذلك الناس .وقال عطاء :منا علمننا أحدا أقاد
مننا قبنل ابنن الزبينر .وأمنا الجائفنة ففيهنا ثلث الدينة على حدينث عمرو بنن حزم؛ ول خلف فني ذلك
إل منا روي عنن مكحول أننه قال :إذا كاننت عمدا ففني ثلثنا الدينة ،وإن كاننت خطنأ ففيهنا ثلث الدبنة.
والجائفة كل ما خرق إلى الجوف ولو مدخل إبرة؛ فإن نفذت من جهتين عندهم جائفتان ،وفيها من
الدينة الثلثان .قال أشهنب :وقند قضنى أبنو بكنر الصنديق رضني ال عننه فني جائفنة نافذة منن الجننب
الخر .بدية جائفتين .وقال عطاء ومالك والشافعي وأصحاب الرأي كلهم يقولون :ل قصاص في
الجائفة .قال ابن المنذر :وبه نقول.
@ واختلفوا في القود من اللطمة وشبهها؛ فذكر البخاري عن أبي بكر وعلي وابن الزبير وسويد
بن مقرن رضى ال عنهم أنهم أقادوا من اللطمة وشبهها .وروي عن عثمان وخالد بن الوليد مثل
ذلك؛ وهو قول الشعبي وجماعة من أهل الحديث .وقال الليث :إن كانت اللطمة في العين فل قود
فيهننا؛ للخوف على العيننن ويعاقبننه السننلطان .وإن كانننت على الخنند ففيهننا القود .وقالت طائفننة :ل
قصناص فني اللطمنة؛ روي هذا عنن الحسنن وقتادة ،وهنو قول مالك والكوفيينن والشافعني؛ واحتنج
مالك في ذلك فقال :ليس لطمة المريض الضعيف مثل لطمة القوي ،وليس العبد السود يلطم مثل
الرجل ذي الحالة والهيئة؛ وإنما في ذلك كله الجتهاد لجهلنا بمقدار اللطمة.
@ واختلفوا في القود من ضرب السوط؛ فقال الليث والحسن :يقاد منه ،ويزاد عليه للتعدي .وقال
ابنن القاسنم :يقاد مننه .ول يقاد مننه عنند الكوفيينن والشافعني إل أن يجرح؛ قال الشافعني إن جرح
السوط ففيه حكومة .وقال ابن المنذر :وما أصيب به من سوط أو عصا أو حجر فكان دون النفس
فهننو عمنند ،وفيننه القود؛ وهذا قول جماعنة مننن أصننحاب الحديننث .وفنني البخاري وأقاد عمننر مننن
ضربة بالدرة ،وأقاد علي بن أبي طالب من ثلثة أسواط .واقتص شريح من سوط وخموش .وقال
ابن بطال :وحديث لد النبي صلى ال عليه وسلم لهل البيت حجة لمن جعل القود في كل ألم وإن
لم يكن جرح.
@ واختلفوا في عقل جراحات النساء؛ ففي "الموطأ" عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن
المسنيب أننه كان يقول :تعاقنل المرأة الرجنل إلى ثلث دينة الرجنل ،إصنبعها كإصنبعه وسننها كسننه،
وموضحتهنا كموضحتنه ،ومنقلتهنا كمنقلتنه .قال ابنن بكينر ،قال مالك :فإذا بلغنت ثلث دينة الرجنل
كانت على النصف من دية الرجل .قال ابن المنذر :روينا هذا القول عن عمر وزيد بن ثابت ،وبه
قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز وعروة بن الزبير والزهري وقتادة وابن هرمز ومالك
وأحمند بنن حنبنل وعبدالملك بنن الماجشون .وقالت طائفنة :دينة المرأة على النصنف منن دينة الرجنل
فيمنا قنل أو كثنر؛ رويننا هذا القول عنن علي بنن أبني طالب ،وبنه قال الثوري والشافعني وأبنو ثور
والنعمان وصاحباه؛ واحتجوا بأنهم لما أجمعوا على الكثير وهو الدية كان القليل مثله ،وبه نقول.
@ قال القاضي عبدالوهاب :وكل ما فيه جمال منفرد عن منفعة أصل ففيه حكومة؛ كالحاجبين
وذهاب شعر اللحية وشعر الرأس وثديني الرجل وأليته .وصفة الحكومة أن يقوم المجني عليه لو
كان عبدا سنليما ،ثنم يقوم منع الجناينة فمنا نقنص منن ثمننه جعنل جزءا منن ديتنه بالغنا منا بلغ ،وحكاه
ابنن المنذر عنن كنل منن يحفنظ عننه منن أهنل العلم؛ قال :ويقبنل فينه قول رجلينن ثقتينن منن أهنل
المعرفننة .وقيننل :بننل يقبننل قول عدل واحنند .وال سننبحانه أعلم .فهذه جمننل مننن أحكام الجراحات
والعضاء تضمنهنا معننى هذه الينة ،فيهنا لمنن اقتصنر عليهنا كفاينة ،وال الموفنق للهداينة بمننه
وكرمه.
@قوله تعالى" :فمنن تصندق بنه فهنو كفارة له" شرط وجوابنه؛ أي تصندق بالقصناص فعفنا فهنو
كفارة له ،أي لذلك المتصندق .وقينل :هنو كفارة للجارح فل يؤاخنذ بجنايتنه فني الخرة؛ لننه يقوم
مقام أخننذ الحننق منننه ،وأجننر المتصنندق عليننه .وقنند ذكننر ابننن عباس القوليننن؛ وعلى الول أكثننر
الصنحابة ومنن بعدهنم ،وروي الثانني عنن ابنن عباس ومجاهند ،وعنن إبراهينم النخعني والشعنبي
بخلف عنهما؛ والول أظهر لن العائد فيه يرجع إلى مذكور ،وهو "من" .وعن أبي الدرداء عن
الننبي صنلى ال علينه وسنلم( :منا منن مسنلم يصناب بشينء منن جسنده فيهبنه إل رفعنه ال بنه درجنة
وحط عنه به خطيئة) .قال ابن العربي :والذي يقول إنه إذا عفا عنه المجروح عفا ال عنه لم يقم
عليه دليل؛ فل معنى له.
**3اليتان{ 47 - 46 :وقفيننا على آثارهنم بعيسنى ابنن مرينم مصندقا لمنا بينن يدينه منن التوراة
وآتيناه النجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ،وليحكم
أهل النجيل بما أنزل ال فيه ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون}
@قوله تعالى" :وقفيننا على آثارهنم بعيسنى ابنن مرينم" أي جعلننا عيسنى يقفنو آثارهنم ،أي آثار
الننبيين الذينن أسنلموا" .مصندقا لمنا بينن يدينه" يعنني التوراة؛ فإننه رأى التوراة حقنا ،ورأى وجوب
العمل بها إلى أن يأتي ناسخ" .مصدقا" نصب على الحال من عيسى" .فيه هدى" في موضع رفع
بالبتداء" .ونور" عطننف عليننه" .ومصنندقا" فيننه وجهان؛ يجوز أن يكون لعيسننى وتعطفننه على
مصنندقا الول ،ويجوز أن يكون حال مننن النجيننل ،ويكون التقديننر :وأتيناه النجيننل مسننتقرا فيننه
هدى ونور ومصنندقا "وهدى وموعظننة" عطننف على "مصنندقا" أي هاديننا وواعظننا "للمتقيننن"
وخصهم لنهم المنتفعون بهما .ويجوز رفعهما على العطف على قوله" :فيه هدى ونور".
@قوله تعالى" :وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه" قرأ العمش وحمزة بنصب الفعل على أن
تكون اللم لم كنني .والباقون بالجزم على المننر؛ فعلى الول تكون اللم متعلقننة بقوله" :وآتيناه"
فل يجوز الوقننف؛ أي وآتيناه النجيننل ليحكننم أهله بمننا أنزل ال فيننه .ومننن قرأه على المننر فهننو
كقوله" :وأن احكنم بينهنم" [المائدة ]49 :فهنو إلزام مسنتأنف يبتدأ بنه ،أي ليحكنم أهنل النجينل أي
فني ذلك الوقنت ،فأمنا الن فهنو منسنوخ .وقينل :هذا أمنر للنصنارى الن باليمان بمحمند صنلى ال
عليه وسلم؛ فإن في النجيل وجوب اليمان به ،والنسخ إنما يتصور فني الفروع ل فني الصول.
قال مكني :والختيار الجزم؛ لن الجماعنة علينه؛ ولن منا بعده منن الوعيند والتهديند يدل على أننه
إلزام منن ال تعالى لهنل النجينل .قال النحاس :والصنواب عندي أنهمنا قراءتان حسننتان؛ لن ال
عز وجل لم ينزل كتابا إل ليعمل بما فيه ،وأمر بالعمل بما فيه؛ فصحتا جميعا.
**3الية{ 48 :وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم
بينهم بما أنزل ال ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء
ال لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى ال مرجعكم جميعا فينبئكم بما
كنتم فيه تختلفون}
@قوله تعالى" :وأنزلننا إلينك الكتاب" الخطاب لمحمند صنلى ال علينه وسنلم "الكتاب" القرآن
"بالحنق" أي هنو بالمنر الحنق "مصندقا" حال" .لمنا بينن يدينه منن الكتاب" أي منن جننس الكتنب.
"ومهيمننا علينه" أي عالينا علينه ومرتفعنا .وهذا يدل على تأوينل منن يقول بالتفضينل أي فني كثرة
الثواب ،على ما تقدمت إليه الشارة في "الفاتحة" وهو اختيار ابن الحصار في كتاب شرح السنة
له .وقد ذكرنا ما ذكره في كتابنا في شرج السماء الحسنى والحمد ل .وقال قتادة :المهيمن معناه
المشاهد .وقيل :الحافظ .وقال الحسن :المصدق؛ ومنه قول الشاعر:
والحق يعرفه ذوو اللباب إن الكتاب مهيمن لنبينا
وقال ابن عباس" :ومهيمنا عليه" أي مؤتمنا عليه .قال سعيد بن جبير :القرآن مؤتمن على ما قبله
منن الكتنب ،وعنن ابنن عباس والحسنن أيضنا :المهيمنن المينن .قال المنبرد :أصنله مؤتمنن أبدل منن
الهمزة هاء؛ كمنا قينل فني أرقنت الماء هرقنت ،وقاله الزجاج أيضنا وأبنو علي .وقند صنرف فقينل:
هيمنن يهيمنن هيمننة ،وهنو مهيمنن بمعننى كان أميننا .الجوهري :هنو منن آمنن غيره منن الخوف؛
وأصنله أأمنن فهنو مؤامنن بهمزتينن ،قلبنت الهمزة الثانينة ياء كراهنة لجتماعهمنا فصنار مؤتمنن ،ثنم
صنيرت الولى هاء كما قالوا :هراق الماء وأراقه؛ يقال منه :هيمن على الشينء يهيمنن إذا كان له
حافظنا ،فهنو مهيمنن؛ عنن أبنى عبيند .وقرأ مجاهند وابنن محيصنن" :ومهيننا علينه" بفتنح المينم .قال
مجاهد :أي محمد صلى ال عليه وسلم مؤتمن على القرآن.
@قوله تعالى" :فاحكم بينهم بما أنزل ال" يوجب الحكم؛ فقيل :هذا نسخ للتخيير في قوله" :فاحكم
بينهنم أو أعرض عنهنم" وقينل :لينس هذا وجوبنا ،والمعننى :فاحكنم بينهنم إن شئت؛ إذ ل يجنب علينا
الحكنم بينهنم إذا لم يكونوا منن أهنل الذمنة .وفني أهنل الذمنة تردد وقند مضنى الكلم فينه .وقينل :أراد
فاحكم بين الخلق؛ فهذا كان واجبا عليه.
@قوله تعالى" :ول تتبنع أهواءهنم" يعنني ل تعمنل بأهوائهنم ومرادهنم على منا جاءك منن الحنق؛
يعنني ل تترك الحكنم بمنا بينن ال تعالى منن القرآن منن بيان الحنق وبيان الحكام .والهواء جمنع
هوى؛ ول يجمنع أهوينة؛ وقند تقدم فني "البقرة" .فنهاه عنن أن يتبعهنم فيمنا يريدوننه؛ وهنو يدل على
بطلن قول من قال :تقوم الخمر على من أتلفها عليهم؛ لنها ليست مال لهم فتكون مضمونة على
متلفها؛ لن إيجاب ضمانها على متلفها حكم بموجب أهواء اليهود؛ وقد أمرنا بخلف ذلك .ومعنى
"عمنا جاءك" على منا جاءك" .لكنل جعلننا منكنم شرعنة ومنهاجنا" يدل على عدم التعلق بشرائع
الولينن .والشرعنة والشريعنة الطريقنة الظاهرة التني يتوصنل بهنا إلى النجاة .والشريعنة فني اللغنة:
الطريق الذي يتوصل منه إلى الماء .والشريعة ما شرع ال لعباده من الدين؛ وقد شرع لهم يشرع
شرعنا أي سنن .والشارع الطرينق العظنم .والشرعنة أيضنا الوتنر ،والجمنع شرع وشرع وشراع
جمنع الجمنع؛ عنن أبني عبيند؛ فهنو مشترك .والمنهاج الطرينق المسنتمر ،وهنو النهنج والمنهنج ،أي
البين؛ قال الراجز:
ماء رواء وطريق نهج من يك ذا شك فهذا فلج
وقال أبنو العباس محمند بنن يزيند :الشريعنة ابتداء الطرينق؛ المنهاج الطرينق المسنتمر .وروي عنن
ابنن عباس والحسنن وغيرهمنا "شرعنة ومنهاجننا" سننة وسنبيل .ومعننى الينة أننه جعنل التوراة
لهلها؛ والنجيل لهله؛ والقرآن لهله؛ وهذا في الشرائع والعبادات؛ والصل التوحيد ل اختلف
فيه؛ روي معنى ذلك عن قتادة .وقال مجاهد :الشرعة والمنهاج دين محمد عليه السلم؛ وقد نسخ
به كل ما سواه.
@قوله تعالى" :ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة" أي لجعل شريعتكم واحدة فكنتم على الحق؛ فبين
أننه أراد بالختلف إيمان قوم وكفنر قوم" .ولكنن ليبلوكنم فني منا آتاكنم" فني الكلم حذف تتعلق بنه
لم كي؛ أي ولكن جعل شرائعكم مختلفة ليختبركم؛ والبتلء الختبار.
@قوله تعالى" :فاسننتبقوا الخيرات" أي سننارعوا إلى الطاعات؛ وهذا يدل على أن تقديمننه
الواجبات أفضنل منن تأخيرهننا ،وذلك ل اختلف فيننه فنني العبادات كلهنا إل فنني الصننلة فنني أول
الوقت؛ فإن أبا حنيفة يرى أن الولى تأخيرها ،وعموم الية دليل عليه؛ قال الكيا .وفيه دليل على
أن الصنوم فني السنفر أولى منن الفطنر ،وقند تقدم جمينع هذا فني "البقرة" "إلى ال مرجعكنم جميعنا
فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" أي بما اختلفتم فيه ،وتزول الشكوك.
**3الية{ 49 :وأن احكم بينهم بما أنزل ال ول تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض
منا أنزل ال إلينك فإن تولوا فاعلم أنمنا يريند ال أن يصنيبهم ببعنض ذنوبهنم وإن كثيرا منن الناس
لفاسقون}
@قوله تعالى" :وأن احكنم بينهنم بمنا أنزل ال" تقدم الكلم فيهنا ،وأنهنا ناسنخة للتخيينر .قال ابنن
العربني :وهذه دعوى عريضنة؛ فإن شروط النسنخ أربعنة :منهنا معرفنة التارينخ بتحصنيل المتقدم
والمتأخنر ،وهذا مجهول منن هاتينن اليتينن؛ فامتننع أن يدعنى أن واحدة منهمنا ناسنخة للخرى،
وبقي المر على حاله.
قلت :قند ذكرننا عنن أبني جعفنر النحاس أن هذه الينة متأخرة فني النزول؛ فتكون ناسنخة إل أن
يقدر في الكلم "وأن احكم بينهم بما أنزل ال" إن شئت؛ لنه قد تقدم ذكر التخيير له ،فآخر الكلم
حذف التخيينر مننه لدللة الول علينه؛ لننه معطوف علينه ،فحكنم التخيينر كحكنم المعطوف علينه،
فهما شريكان وليس الخر بمنقطع مما قبله؛ إذ ل معنى لذلك ول يصح ،فل بد من أن يكون قوله:
"وأن احكم بينهم بما أنزل ال" معطوفا على ما قبله من قوله" :وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط"
ومن قوله" :فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم" فمعنى "وأن احكم بينهم بما أنزل ال" أي
احكنم بذلك إن حكمنت واخترت الحكنم؛ فهنو كله محكنم غينر منسنوخ ،لن الناسنخ ل يكون مرتبطنا
بالمنسنوخ معطوفنا علينه ،فالتخيينر للننبي صنلى ال علينه وسنلم فني ذلك محكنم غينر منسنوخ ،قاله
مكي رحمه اله" .وأن احكم" في موضع نصب عطفا على الكتاب؛ أي وأنزلنا إليك أن احكم بينهم
بمنا أنزل اله ،أي بحكنم ال الذي أنزله إلينك فني كتابنه" .واحذرهنم أن يفتنوك" "أن" بدل منن الهاء
والمينم فني "واحذرهنم" وهنو بدل اشتمال .أو مفعول منن أجله؛ أي منن أجنل أن يفتنوك .وعنن ابنن
إسنحاق قال ابنن عباس :اجتمنع قوم منن الحبار منهنم ابنن صنوريا وكعنب بنن أسند وابنن صنلوبا
وشأس بنن عدي وقالوا :اذهبوا بننا إلى محمند فلعلننا نفتننه عنن ديننه فإنمنا هنو بشنر؛ فأتوه فقالوا :قند
عرفننت يننا محمنند أنننا أحبار اليهود ،وإن اتبعناك لم يخالفنننا أحنند مننن اليهود ،وإن بيننننا وبيننن قوم
خصومة فتحاكمهم إليك ،فأقض لنا عليهم حتى نؤمن بك؛ فأبى رسول ال صلى ال عليه وسلم،
فنزلت هذه الية .وأصل الفتنة الختبار حسبما تقدم ،ثم يختلف معناها؛ فقوله تعالى هنا "يفتنوك"
معناه يصدوك ويردوك؛ وتكون الفتنة بمعنى الشرك؛ ومنه قوله" :والفتنة" بمعنى العبرة؛ وقوله:
"وقاتلوهنم حتنى ل تكون فتننة" [النفال .]39 :وتكون الفتننة بمعننى العنبرة؛ كقوله" :ل تجعلننا
فتننة للقوم الظالمينن" [يوننس .]85 :و"ل تجعلننا فتننة للذينن كفروا" [الممتحننة ، ]5 :وتكون
الفتنة الصد عن السبيل كما في هذه الية .وتكرير "وأن احكم بينهم بما أنزل ال" للتأكيد ،أو هي
أحوال وأحكام أمره أن يحكنم فني كنل واحند بمنا أنزل ال .وفني الينة دلينل على جواز النسنيان على
النبي صلى ال عليه وسلم؛ لنه قال" :أن يفتنوك" وإنما يكون ذلك عن نسيان ل عن تعمد .وقيل:
الخطاب له والمراد غيره .وسنيأتي بيان هذا فني "النعام" إن شاء ال تعالى .ومعننى "عنن بعنض
ما أنزل ال إليك" عن كل ما أنزل ال إليك .والبعض يستعمل بمعنى الكل قال الشاعر:
أو يعتبط بعض النفوس حمامها
ويروى "أو يرتبط" .أراد كل النفوس؛ وعليه حملوا قوله تعالى" :ولبين لكم بعض الذي تختلفون
فينه" [الزخرف .]63 :قال ابنن العربني :والصنحيح أن "بعنض" على حالهنا فني هذه الينة ،وأن
المراد به الرجم أو الحكم الذي كانوا أرادوه ولم يقصدوا أن يفتنوه عن الكل .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فإن تولوا" أي فإن أبوا حكمنك وأعرضوا عنه "فاعلم أنما يريند ال أن يصيبهم
ببعننض ذنوبهننم" أي يعذبهننم بالجلء والجزيننة والقتننل ،وكذلك كان .وإنمننا قال" :ببعننض" لن
المجازاة بالبعض كانت كافية في التدمير عليهم" .وإن كثيرا من الناس لفاسقون" يعني اليهود.
**3الية{ 50 :أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون}
@قوله تعالى" :أفحكم الجاهلية يبغون" "أفحكم" نصب بن "يبغون" والمعنى :أن الجاهلية كانوا
يجعلون حكنم الشرينف خلف حكنم الوضينع؛ كمنا تقنم فني غينر موضنع ،وكاننت اليهود تقينم الحدود
على الضعفاء الفقراء ،ول يقيمونها على القوياء الغنياء؛ فضارعوا الجاهلية في هذا الفعل.
@ روى سنفيان بنن عييننة عنن ابنن أبني نجينح عنن طاوس قال :كان إذا سنألوه عنن الرجنل يفضنل
بعنض ولده على بعنض يقرأ هذه الينة "أفحكنم الجاهلينة يبغون" فكان طاوس يقول :لينس لحند أن
يفضل بعض ولده على بعض ،فإن فعل لم ينفذ وفسخ؛ وبه قال أهل الظاهر .وروي عن أحمد بن
حنبنل مثله ،وكرهنه الثوري وابنن المبارك وإسنحاق؛ فإن فعنل ذلك أحند نفنذ ولم يرد ،وأجاز ذلك
مالك والثوري واللينث والشافعني وأصنحاب الرأي؛ واسنتدلوا بفعنل الصنديق فني نحله عائشنة دون
سائر ولده ،وبقول عليه السلم( :فارجعه) وقوله( :فأشهد على هذا غيري) .واحتج الولون بقوله
علينه السنلم لبشينر( :ألك ولد سنوى هذا) قال نعنم ،فقال( :أكلهنم وهبنت له مثنل هذا) فقال ل ،قال:
(فل تشهدني إذا فإني ل أشهد على جور) في رواية (وإني ل أشهد إل على حق) .قالوا :وما كان
جورا وغينر حنق فهنو باطنل ل يجوز .وقول( :أشهند على هذا غيري) لينس إذننا فني الشهادة وإنمنا
هو زجر عنها؛ لنه عليه السلم قد سماه جورا وامتنع من الشهادة فيه؛ فل يمكن أن يشهد أحد من
المسلمين في ذلك بوجه .وأما فعل أبي بكر فل يعارض به قول النبي صلى ال عليه وسلم ،ولعله
قد كاه نحل أولده نحل يعادل ذلك.
فإن قينل :الصنل تصننرف النسنان فني ماله مطلقنا ،قينل له :الصننل الكلي والواقعنة المعينننة
المخالفنة لذلك الصنل ل تعارض بينهمنا كالعموم والخصنوص .وفني الصنول أن الصنحيح بناء
العام على الخاص ،ثنم إننه ينشنأ عنن ذلك العقوق الذي هنو أكنبر الكبائر ،وذلك محمند ،ومنا يؤدي
إلى المحرم فهنو ممنوع؛ ولذلك قال صنلى ال علينه وسنلم( :اتقوا ال واعدلوا بينن أولدكنم) .قال
النعمان :فرجننع أبنني فرد تلك الصنندقة ،والصنندقة ل يعتصننرها الب بالنفاق وقوله( :فارجعننه)
محمول على معننى فاردده ،والرد ظاهنر فني الفسنخ؛ كمنا قال علينه السنلم (منن عمنل عمل لينس
عليه أمرنا فهو رد) أي مردود مفسوخ .وهذا كله ظاهر قوي ،وترجيح جلي في المنع.
@ قرأ ابن وثاب والنخعي "أفحكم" بالرفع على معنى يبغونه؛ فحذف الهاء كما حذفها أبو النجم
في قوله:
على ذنبا كله لم أصنع قد أصبحت أم الخيار تدعي
فيمنننن روى "كله" بالرفنننع .ويجوز أن يكون التقدينننر :أفحكنننم الجاهلينننة حكنننم يبغوننننه ،فحذف
الموصنوف .وقرأ الحسنن وقتادة والعرج والعمنش "أفحكنم" بنصنب الحاء والكاف وفتنح المينم؛
وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة إذ ليس المراد نفس الحكم ،وإنما المراد الحكم؛ فكأنه قال:
أفحكم حكم الجاهلية يبغون .وقد يكون الحكم والحاكم في اللغة واحدا وكأنهم يريدون الكاهن وما
أشبهه من حكام الجاهلية؛ فيكون المراد بالحكم الشيوع والجنس ،إذ ل يراد به حاكم بعينه؛ وجاز
وقوع المضاف جنسنا كما جاز فني قولهم :منعت مصر إردبهنا ،وشبهه .وقرأ ابن عامر "تبغون"
بالتاء ،الباقون بالياء.
@قوله تعالى" :ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون" هذا استفهام على جهة النكار بمعنى :ل
أحنند أحسننن؛ فهذا ابتداء وخننبر .و"حكمننا" نصننب على البيان .لقوله "لقوم يوقنون" أي عننند قوم
يوقنون.
**3الية{ 51 :يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن
يتولهم منكم فإنه منهم إن ال ل يهدي القوم الظالمين}
@قوله تعالى" :اليهود والنصارى أولياء" مفعولن لتتخذوا؛ وهذا يدل على قطع الموالة شرعا،
وقند مضنى فني "آل عمران" بيان ذلك .ثنم قينل :المراد بنه المنافقون؛ المعننى ينا أيهنا الذينن آمنوا
بظاهرهم ،وكانوا يوالون المشركين ويخبرونهم بأسرار المسلمين .وقيل :نزلت في أبي لبابة ،عن
عكرمنة .قال السندي :نزلت فني قصنة يوم أحند حينن خاف المسنلمون حتنى هنم قوم منهنم أن يوالوا
اليهود والنصنارى .وقينل :نزلت فني عبادة بنن الصنامت وعبدال بنن أبني بنن سنلول؛ فتنبرأ عبادة
رضي ال عنه من موالة اليهود ،وتمسك بها ابن أبي وقال :إني أخاف أن تدور الدوائر" .بعضهم
أولياء بعنض" مبتدأ وخنبره؛ وهنو بدل على إثبات الشرع الموالة فيمنا بينهنم حتنى يتوارث اليهود
والنصارى بعضهم من بعض.
@قوله تعالى" :ومن يتولهم منكم" أي يعضدهم على المسلمين "فإنه منهم" بين تعالى أن حكمه
كحكمهنم؛ وهنو يمننع إثبات الميراث للمسنلم منن المرتند ،وكان الذي تولهنم ابنن أبني ثنم هذا الحكنم
باق إلى يوم القيامنة فني قطنع المولة؛ وقند قال تعالى" :ول تركنوا إلى الذينن ظلموا فتمسنكم النار"
[هود ]113 :وقال تعالى فنني "آل عمران"" :ل يتخننذ المؤمنون الكافريننن أولياء مننن دون
المؤمنينن" [آل عمران ]28 :وقال تعالى" :ل تتخذوا بطاننة منن دونكنم" [آل عمران]118 :
وقند مضنى القول فينه .وقينل :إن معننى "بعضهنم أولياء بعنض" أي فني النصنر "ومنن يتولهنم منكنم
فإننه منهنم" شرط وجوابنه؛ أي أننه قند خالف ال تعالى ورسنوله كمنا خالفوا ،ووجبنت معاداتنه كمنا
وجبت معاداتهم ،ووجبت له النار كما وجبت لهم؛ فصار منهم أي من أصحابهم.
**3اليتان{ 53 - 52 :فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا
دائرة فعسنى ال أن يأتني بالفتنح أو أمنر منن عنده فيصنبحوا على منا أسنروا فني أنفسنهم نادمينن،
ويقول الذينن آمنوا أهؤلء الذينن أقسنموا بال جهند أيمانهنم إنهنم لمعكنم حبطنت أعمالهنم فأصنبحوا
خاسرين}
@قوله تعالى" :فترى الذينن فني قلوبهنم مرض" شنك ونفاق ،وقند تقدم فني "البقرة" والمراد ابنن
أبني وأصنحابه "يسنارعون فيهنم" أي فني موالتهنم ومعاونتهنم" .يقولون نخشنى أن تصنيبنا دائرة"
أي يدور الدهر علينا إما بقحط فل يميزوننا ول يفضلوا علينا ،وإما أن يظفر اليهود بالمسلمين فل
يدوم المنر لمحمنند صننلى ال علينه وسننلم .وهذا القول أشبنه بالمعنننى؛ كأننه مننن دارت تدور ،أي
نخشى أن يدور المر؛ ويدل عليه قوله عز وجل" :فعسى ال أن يأتي بالفتح"؛ وقال الشاعر:
ودائرات الدهر أن تدورا يرد عنك القدر المقدورا
عن دول الدهر دائرة من قوم إلى قوم ،واختلف في معنى الفتح؛ فقيل :الفتح الفصل والحكم؛ عن
قتادة وغيره .قال ابنن عباس :أتنى ال بالفتنح فقتلت مقاتلة بنني قريظنة وسنبيت ذراريهنم وأجلي بننو
النضينر .وقال أبنو علي :هنو فتنح بلد المشركينن على المسنلمين .وقال السندي :يعنني بالفتنح فتنح
مكة" .أو أمر من عنده" قال السدي :هو الجزية .الحسن :إظهار أمر المنافقين المنافقين والخبار
بأسنمائهم والمنر بقتلهنم .وقينل :الخصنب والسنعة للمسنلمين" .فيصنبحوا على منا أسنروا فني أنفسنهم
نادميننن" أي فيصننبحوا نادميننن على توليهننم الكفار إذ رأوا نصننر ال للمؤمنيننن ،وإذا عاينوا عننند
الموت فبشروا بالعذاب.
@قوله تعالى" :ويقول الذينن آمنوا" وقرأ أهنل المديننة وأهنل الشام" :يقول" بغينر واو .وقرأ أبنو
عمرو وابنن أبني إسنحاق" :ويقول" بالواو والنصنب عطفنا على "أن يأتني" عنند أكثنر النحويينن،
التقدير :فعسى ال أن يأتي بالفتح وأن يقول .وقيل :هو عطف على المعنى؛ لن معنى "عسى ال
أن يأتني بالفتنح" وعسنى أن يأتني ال بالفتنح؛ إذ ل يجوز عسنى زيند أن يأتني ويقوم عمرو؛ لننه ل
يصح المعنى إذا قلت وعسى زيد أن يقوم عمرو ،ولكن لو قلت :عسى أن يقوم زيد ويأتي عمرو
كان جيدا .فإذا قدرت التقديم في أن يأتي إلى جنب عسى حسن؛ لنه يصير التقدير :عسى أن يأتي
وعسى أن يقوم ،ويكون من باب قوله:
متقلدا سيفا ورمحا ورأيت زوجك في الوغى
وفيه قول ثالث :وهو أن تعطفه على الفتح؛ كما قال الشاعر:
للبس عباءة وتقر عيني
ويجوز أن يجعنل "أن يأتني" بدل منن اسنم ال جنل ذكره؛ فيصنير التقدينر :عسنى أن يأتني ال
ويقول الذينن آمنوا .وقرأ الكوفيون "ويقول الذينن آمنوا" بالرفنع على القطنع منن الول" .أهؤلء"
إشارة إلى المنافقيننن" .أقسننموا بال" حلفوا واجتهدوا فنني اليمان" .إنهننم لمعكننم" أي قالوا إنهننم،
ويجوز "أنهننم" نصننب بن ن "أقسننموا" أي قال المؤمنون لليهود على جهننة التوبيننخ :أهؤلء الذيننن
أقسموا بال جهدا أيمانهم أنه يعينونكم على محمد .ويحتمل أن يكون من المؤمنين بعضهم لبعض؛
أي هؤلء الذينن كانوا يحلفون أنهنم مؤمنون فقند هتنك ال اليوم سنترهم" .حبطنت أعمالهنم" بطلت
بنفاقهم" .فأصبحوا خاسرين" أي خاسرين الثواب .وقيل :خسروا في موالة اليهود فلم تحصل لهم
ثمرة بعد قتل اليهود وإجلئهم.
**3الية{ 54 :يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه
أذلة على المؤمنينن أعزة على الكافرينن يجاهدون فني سنبيل ال ول يخافون لومنة لئم ذلك فضنل
ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم}
@قوله تعالى" :منن يرتند منكنم عنن ديننه" شرط وجوابنه "فسنوف" .وقراءة أهنل المديننة والشام
"من يرتدد" بدالين .الباقون "من يرتد" .وهذا من إعجاز القرآن والنبي صلى ال عليه وسلم :إذ
أخنبر عنن ارتدادهنم ولم يكنن ذلك فني عهده وكان ذلك غيبنا ،فكان على منا أخنبر بعند مدة ،وأهنل
الردة كانوا بعند موتنه صنلى ال علينه وسنلم .قال ابنن إسنحاق :لمنا قبنض رسنول ال صنلى ال علينه
وسنلم ارتدت العرب إل ثلثنة مسنجدا المديننة ،ومسنجد مكنة ،ومسنجد جؤاثنى ،وكانوا فني ردتهنم
على قسننمين :قسننم نبننذ الشريعننة كلهننا وخرج عنهننا ،وقسننم نبننذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب
غيرهنا؛ قالوا نصنوم ونصنلي ول نزكني؛ فقاتنل الصنديق جميعهنم؛ وبعنث خالد بنن الوليند إليهنم
بالجيوش فقاتلهم وسباهم؛ على ما هو مشهور من أخبارهم.
@قوله تعالى" :فسنوف يأتني ال بقوم يحبهنم ويحبوننه" فني موضنع النعنت .قال الحسنن وقتادة
وغيرهمنا :نزلت فني أبني بكنر الصنديق وأصنحابه .وقال السندي :نزلت فني النصنار .وقينل :هني
إشارة إلى قوم لم يكونوا موجودينن فني ذلك الوقنت ،وأن أبنا بكنر قاتنل أهنل الردة بقوم لم يكونوا
وقننت نزول اليننة؛ وهننم أحياء مننن اليمننن مننن كندة وبجيلة ،ومننن أشجننع .وقيننل :إنهننا نزلت فنني
الشعريينن؛ ففني الخنبر أنهنا لمنا نزلت قدم بعند ذلك بيسنير سنفائن الشعريينن ،وقبائل اليمنن منن
طريق البحر ،فكان لهم بلء في السلم في زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وكانت عامة
فتوح العراق فني زمنن عمنر رضني ال عننه على يدي قبائل اليمنن؛ هذا أصنح منا قينل فني نزولهنا.
وال أعلم .وروى الحاكم أبو عبدال في "المستدرك" بإسناده :أن النبي صلى ال عليه وسلم أشار
إلى أبي موسى الشعري لما نزلت هذه الية فقال( :هم قوم هذا) قال القشيري :فأتباع أبي الحسن
من قومه؛ لن كل موضع أضيف فيه قوم إلى نبي أريد به التباع.
@قوله تعالى" :أذلة على المؤمنينن" "أذلة" نعنت لقوم ،وكذلك "أعزة" أي يرأفون بالمؤمنينن
ويرحمونهم ويلينون لهم؛ من قولهم :دابة ذلول أي تنقاد سهلة ،وليس من الذل في شيء .ويغلظون
على الكافرين ويعادونهم .قال ابن عباس :هم للمؤمنين كالوالد للولد والسيد للعبد ،وهم في الغلظة
على الكفار كالسنبع على فريسنته؛ قال ال تعالى" :أشداء على الكفار رحماء بينهنم" [الفتنح.]29 :
ويجوز "أذلة" بالنصب على الحال؛ أي يحبهم ويحبونه في هذا الحال ،وقد تقدمت معنى محبة ال
تعالى لعباده ومحبتهم له.
@قوله تعالى" :يجاهدون فني سنبيل ال" فني موضنع الصنفة أيضنا" .ول يخافون لومنة لئم"
بخلف المنافقيننن يخافون الدوائر؛ فدل بهذا على تثننبيت إمامننة أبنني بكننر وعمننر وعثمان وعلي
رضي ال عنهم؛ لنهم جاهدوا في ال عز وجل في حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وقاتلوا
المرتدين بعده ،ومعلوم أن من كانت فيه هذه الصفات فهو ولي ل تعالى .وقيل :الية عامة في كل
مننن يجاهند الكفار إلى قيام السناعة .وال أعلم" .ذلك فضنل ال يؤتيننه منن يشاء" ابتداء وخنبر أي
واسع الفضل ،عليم بمصالح خلقه.
**3الية{ 55 :إنما وليكنم ال ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون}
@قوله تعالى" :إنما وليكم ال ورسوله" قال جابر بن عبدال قال عبدال بن سلم للنبي صلى ال
عليه وسلم :إن قومنا من قريظة والنضير قد هجرونا وأقسموا أل يجالسونا ،ول نستطيع مجالسة
أصحابك لبعد المنازل ،فنزلت هذه الية ،فقال :رضينا بال وبرسوله وبالمؤمنين أولياء" .والذين"
عام فني جمينع المؤمنينن .وقند سنئل أبنو جعفنر محمند بنن علي بنن الحسنين بنن علي بنن أبني طالب
رضني ال عنهنم عنن معننى "إنمنا وليكنم ال ورسنوله والذينن آمنوا" هنل هنو علي بنن أبني طالب؟
فقال :علي مننن المؤمنيننن؛ يذهننب إلى أن هذا لجميننع المؤمنيننن .قال النحاس :وهذا قول بيننن؛ لن
"الذينن" لجماعنة .وقال ابنن عباس :نزلت فني أبني بكنر رضني ال عننه .وقال فني رواينة أخرى:
نزلت فنني علي بننن أبنني طالب رضنني ال عنننه؛ وقاله مجاهنند والسنندي ،وحملهننم على ذلك قوله
تعالى" :الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" وذلك أن سائل سأل في مسجد رسول
ال صلى ال عليه وسلم فلم يعطه أحد شيئا ،وكان علي فني الصلة فني الركوع وفي يمينه خاتم،
فأشار إلى السننائل بيده حتننى أخذه .قال الكيننا الطننبري :وهذا يدل على أن العمننل القليننل ل يبطننل
الصنلة؛ فإن التصندق بالخاتنم فني الركوع عمنل جاء بنه فني الصنلة ولم تبطنل بنه الصنلة .وقوله:
"ويؤتون الزكاة وهم راكعون" يدل على أن صدقة التطوع تسمى زكاة.؛ فإن عليا تصدق بخاتمه
في الركوع ،وهو نظير قوله تعالى" :وما آتيتم من زكاة تريدون وجه ال فأولئك هم المضعفون"
[الروم ]39 :وقد انتظم الفرض والنفل ،فصار اسم الزكاة شامل للفرض والنفل ،كاسم الصدقة
وكاسم الصلة ينتظم المرين.
قلت :فالمراد على هذا بالزكاة التصندق بالخاتنم ،وحمنل لفنظ الزكاة على التصندق بالخاتنم فينه
بعد؛ لن الزكاة ل تأتي إل بلفظها المختص بها وهو الزكاة المفروضة على ما تقدم بيانه في أول
سنورة "البقرة" .وأيضنا فإن قبله "يقيمون الصنلة" ومعننى يقيمون الصنلة يأتون بهنا فني أوقاتهنا
بجمينع حقوقهنا ،والمراد صنلة الفرض .ثنم قال" :وهنم راكعون" أي النفنل .وقينل :أفرد الركوع
بالذكنر تشريفنا .وقينل :المؤمنون وقنت نزول الينة كانوا بينن متمنم للصنلة وبينن راكنع .وقال ابنن
خويز منداد قوله تعالى" :ويؤتون الزكاة وهم راكعون" تضمنت جواز العمل اليسير في الصلة؛
وذلك أن هذا خرج مخرج المدح ،وأقنل منا فني باب المدح أن يكون مباحنا؛ وقند روي أن علي بنن
أبني طالب رضني ال عننه أعطنى السنائل شيئا وهنو فني الصنلة ،وقند يجوز أن يكون هذه صنلة
تطوع ،وذلك أننه مكروه فني الفرض .ويحتمنل أن يكون المدح متوجهنا على اجتماع حالتينن؛ كأننه
وصنف منن يعتقند وجوب الصنلة والزكاة؛ فعنبر عنن الصنلة بالركوع ،وعنن العتقاد للوجوب
بالفعنل؛ كما تقول :المسلمون هنم المصنلون ،ول تريند أنهنم فني تلك الحال مصنلون ول وجه المدح
حال الصلة؛ فإنما يريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده.
**3الية{ 56 :ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون}
@قوله تعالى" :ومنن يتول ال ورسنوله والذينن آمنوا" أي منن فوض أمره إلى ال ،وامتثنل أمنر
رسننوله ،ووالى المسننلمين ،فهننو مننن حزب ال .وقيننل :أي ومننن يتولى القيام بطاعننة ال ونصننرة
رسننوله والمؤمنيننن" .فإن حزب ال هننم الغالبون" قال الحسننن :حزب ال جننند ال .وقال غيره:
أنصار ال قال الشاعر:
وكيف أضوى وبلل حزبي
أي ناصننننري .والمؤمنون حزب ال؛ فل جرم غلبوا اليهود بالسننننبي والقتننننل والجلء وضرب
الجزيننة .والحزب الصنننف مننن الناس .وأصننله مننن النائبننة مننن قولهننم :حزبننه كذا أي نابننه؛ فكأن
المحتزبينن مجتمعون كاجتماع أهنل النائبنة عليهنا .وحزب الرجنل أصنحابه .والحزب الورد؛ ومننه
الحديننث (فمننن فاتننه حزبننه مننن الليننل) .وقنند حزبننت القرآن .والحزب الطائفننة .وتحزبوا اجتمعوا.
والحزاب :الطوائف التي تجتمع على محاربة النبياء .وحزبه أمر أي أصابه.
**3الينة{ 57 :ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تتخذوا الذينن اتخذوا دينكنم هزوا ولعبنا منن الذينن أوتوا
الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا ال إن كنتم مؤمنين}
@ روي عنن ابنن عباس رضني ال عننه أن قومنا منن اليهود والمشركينن ضحكوا منن المسنلمين
وقت سجودهم فأنزل ال تعالى" :يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا إلى
آخنر اليات .وتقدم معننى الهزء فني "البقرة"" .منن الذينن أوتوا الكتاب منن قبلكنم والكفار أولياء"
قرأه أبنو عمرو والكسنائي بالخفنض بمعننى ومنن الكفار .قال الكسنائي :وفني حرف أبني رحمنه ال
"ومنن الكفار" ،و"منن" ههننا لبيان الجننس؛ والنصنب أوضنح وأبينن .قاله النحاس .وقينل :هنو
معطوف على أقرب العامليننن منننه وهننو قوله" :مننن الذيننن أوتوا الكتاب" فنهاهننم ال أن يتخذوا
اليهود والمشركينن أولياء ،وأعلمهنم أن الفريقينن اتخذوا دينن المؤمنينن هزوا ولعبنا .ومنن نصنب
عطنف على "الذينن" الول فني قوله" :ل تتخذوا الذينن اتخذوا دينكنم هزوا ولعبنا -والكفار أولياء"
أي ل تتخذوا هؤلء وهؤلء أولياء؛ فالموصننوف بالهزؤ واللعننب فنني هذه القراءة اليهود ل غيننر.
والمنهني عنن اتخاذهنم أولياء اليهود والمشركون ،وكلهمنا فني القراءة بالخفنض موصنوف بالهزؤ
واللعنب .قال مكني :ولول اتفاق الجماعنة على النصنب لخترت الخفنض ،لقوتنه فني العراب وفني
المعنننى والتفسننير والقرب مننن المعطوف عليننه .وقيننل :المعنننى ل تتخذوا المشركيننن والمنافقيننن
أولياء؛ بدليل قولهم" :إنمنا نحن مسنتهزئون" [البقرة ]14 :والمشركون كنل كفار ،لكن يطلق فني
الغالب لفظ الكفار على المشركين؛ فلهذا فصل ذكر أهل الكتاب من الكافرين.
@ قال ابن خويز منداد :هذه الية مثل قوله تعالى" :ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم
أولياء بعض" [المائدة ، ]51 :و"ل تتخذوا بطانة من دونكم" [آل عمران ]118 :تضمنت المنع
من التأييد والنتصار بالمشركين ونحو ذلك .وروى جابر :أن النبي صلى ال عليه وسلم لما أراد
الخروج إلى أحنند جاءه قوم مننن اليهود فقالوا :نسننير معننك؛ فقال عليننه الصننلة والسننلم( :إنننا ل
نستعين على أمرنا بالمشركين) وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعي .وأبو حنيفة جوز النتصار
بهنم على المشركينن للمسنلمين؛ وكتاب ال تعالى يدل على خلف منا قالوه منع منا جاء منن السننة
ذلك .وال أعلم.
**3الية{ 58 :وإذا ناديتم إلى الصلة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم ل يعقلون}
@ قال الكلبني :كان إذا أذن المؤذن وقام المسنلمون إلى الصنلة قالت اليهود :قند قاموا ل قاموا؛
وكانوا يضحكون إذا ركع المسلمون وسجدوا وقالوا في حق الذان :لقد ابتدعت شيئا لم نسنمع به
فيما مضى من المم ،فمن أين لك صياح مثل صياح العير؟ فما أقبحه من صوت ،وما أسمجه من
أمنر .وقينل :إنهنم كانوا إذا أذن المؤذن للصلة تضاحكوا فيمنا بينهم وتغامزوا على طرينق السخف
والمجون؛ تجهيل ،وتنفيرا للناس عنهننا وعننن الداعنني إليهننا .وقيننل :إنهننم كانوا يرون المنادي إلي
بمنزلة اللعب الهازئ بفعلهنا ،جهل منهنم بمنزلتهنا؛ فنزلت هذه الينة ،ونزل قوله سنبحانه" :ومنن
أحسنن قول ممنن دعنا إلى ال وعمنل صنالحا" [فصنلت ]33 :والنداء الدعاء برفنع الصنوت ،وفند
يضننم مثننل الدعاء والرغاء .وناداه مناداة ونداء أي صنناح بننه .وتنادوا أي نادى بعضهننم بعضننا.
وتنادوا أي جلسنوا فني النادي ،وناداه جالسنه فني النادي .ولينس فني كتاب ال تعالى ذكنر الذان إل
في هذه الية ،أما أنه ذكر في الجمعة على الختصاص.
@ قال العلماء :ولم يكن الذان بمكة قبل الهجرة ،وإنما كانوا ينادون "الصلة جامعة" فلما هاجر
النبي صلى ال عليه وسلم وصرفت القبلة إلى الكعبة أمر بالذان ،وبقي "الصلة جامعة" للمر
يعرض .وكان النبي صلى ال عليه وسلم قد أهمه أمر الذان حتى أريه عبدال بن زيد ،وعمر بن
الخطاب ،وأبو بكر الصديق رضي ال عنه .وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم سمع الذان ليلة
السنراء فني السماء ،و] ما رؤينا عبدال بنن زيد الخزرجي النصناري وعمنر بنن الخطاب رضي
ال عنهما فمشهورة؛ وأن عبدال بن زيد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم بذلك ليل طرقه به ،وأن
عمنر رضني ال عننه قال :إذا أصنبحت أخنبرت الننبي صنلى ال علينه وسنلم؛ فأمنر الننبي صنلى ال
علينه وسنلم بلل فأذن بالصنلة أذان الناس اليوم .وزاد بلل فني الصنبح "الصنلة خينر منن النوم"
فأقرها رسول ال صلى ال عليه وسلم وليست فيما أري النصاري؛ ذكره ابن سعد عن ابن عمر.
وذكنر الدارقطنني رحمنه ال أن الصنديق رضني ال عننه أري الذان ،وأننه أخنبر الننبي صنلى ال
علينه وسنلم بذلك ،وأن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أمنر بلل قبنل أن يخنبره النصناري؛ ذكره فني
كتاب "المدبنج" له فني حدينث الننبي صنلى ال علينه وسنلم عنن أبني بكنر الصنديق وحدينث أبني بكنر
عنه.
@ واختلف العلماء في وجوب الذان والقامة؛ فأما مالك وأصحابه فإن الذان عندهم إنما بجب
فنني المسنناجد للجماعات حيننث يجتمننع الناس ،وقنند نننص على ذلك مالك فنني موطئه .واختلف
المتأخرون من أصحابه على قولين :أحدهما :سنة مؤكدة واجبة على الكفاية في المصر وما جرى
مجرى المصنننر منننن القرى .وقال بعضهنننم :هنننو فرض على الكفاينننة .وكذلك اختلف أصنننحاب
الشافعني ،وحكنى الطنبري عنن مالك قال :إن ترك أهنل مصنر الذان عامدينن أعادوا الصنلة؛ قال
أبو عمر :ول أعلم اختلفا في وجوب الذان جملة على أهل المصر؛ لن الذان هو العلمة الدالة
المفرقنة بينن دار السنلم ودار الكفنر؛ وكان رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم إذا بعنت سنرية قال
لهننم( :إذ سننمعتم الذان فأمسننكوا وكفوا وإن لم تسننمعوا الذان فأغيروا -أو قال -فشنوا الغارة).
وفي صحيح مسلم قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر ،فإن سمع الذان
أمسنك وإل أغار الحدينث وقال عطاء ومجاهند والوزاعني وداود :الذان فرض ،ولم يقولوا على
الكفايننة .قال الطننبري :الذان سنننة وليننس بواجننب .وذكننر عننن أشهننب عننن مالك :إن ترك الذان
مسنافر عمدا فعلينه إعادة الصنلة .وكره الكوفيون أن يصنلي المسنافر بغينر أذان ول إقامنة؛ قالوا:
وأمنا سناكن المصنر فيسنتحب له أن يؤذن ويقينم؛ فإن اسنتجزأ بأذان الناس وإقامتهنم أجزأه .وقال
الثوري :تجزئه القامة عن الذان في السفر ،وإن شئت أذنت وأقمت .وقال أحمد بن حنبل :يؤذن
المسنافر على حدينث مالك بنن الحويرث .وقال داود :الذان واجنب على كنل مسنافر فني خاصنته
والقامة؛ لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم لمالك بن الحويرث ولصاحبه" :إذا كنتما في سفر
فأذننا وأقيمنا وليؤمكمنا أكبركمنا) خرجنه البخاري وهنو قول أهنل الظاهنر .قال ابنن المنذر :ثبنت أن
رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال لمالك بنن الحويرث ولبنن عنم له( :إذا سنافرتما فأذننا وأقيمنا
وليؤمكما أكبركما) .قال ابن المنذر :فالذان والقامة واجبان على كل جماعة في الحضر والسفر؛
لن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أمنر بالذان وأمره على الوجوب .قال أبنو عمنر :واتفنق الشافعني
وأبنو حنيفنة وأصنحابهما والثوري وأحمند وإسنحاق وأبنو ثور والطنبري على أن المسنافر إذا ترك
الذان عامدا أو ناسننيا أجزأتننه صننلته؛ وكذلك لو ترك القامننة عندهننم ،وهننم أشنند كراهننة لتركننه
القامة .واحتج الشافعي في أن الذان غير واجب وليس فرضا من فروض الصلة بسقوط الذان
للواحد عند الجمع بعرفه والمزدلفة ،وتحصيل مذهب مالك في الذان في السفر كالشافعي سواء.
@ واتفنق مالك والشافعني وأصنحابهما على أن الذان مثننى والقامنة مرة مرة ،إل أن الشافعني
يربع التكبير الول؛ وذلك محفوظ من روايات الثقات في حديث أبي محذورة ،وفي حديث عبدال
بننن زينند؛ قال :وهنني زيادة يجننب قبولهننا .وزعننم الشافعنني أن أذان أهننل مكننة لم يزل فنني آل أبنني
محذورة كذلك إلى وقتننه وعصننره .قال أصننحابه :وكذلك هننو الن عندهننم؛ ومننا ذهننب إليننه مالك
موجود أيضا في أحاديث صحاح في أذان أبي محذورة ،وفي أذان عبدال بن زيد ،والعمل عندهم
بالمدينننة على ذلك فنني آل سننعد القرظنني إلى زمانهننم .واتفننق مالك والشافعنني على الترجيننع فنني
الذان؛ وذلك رجوع المؤذن إذا قال" :أشهنند أن ل إله إل ال مرتيننن أشهنند أن محمدا رسننول ال
مرتين" رجع فمد من صوته جهده .ول خلف بين مالك والشافعي في القامة إل قوله" :قد قامت
الصلة" فإن مالكا يقولها مرة ،والشافعي مرتين؛ واكثر العلماء على ما قال الشافعي ،وبه جاءت
الثار .وقال أبنو حنيفنة وأصنحابه والثوري والحسنن بنن حني :الذان والقامنة جميعنا مثننى مثننى،
والتكنبير عندهنم فني أول الذان والقامنة "ال أكنبر" أربنع مرات ،ول ترجينع عندهنم فني الذان؛
وحجتهم في ذلك حديث عبدالرحمن بن أبي ليلى قال :حدثنا أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم
أن عبدال بنن زيند جاء إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فقال :ينا رسنول ال ،رأينت فني المنام كأن
رجل قام وعلينه بردان أخضران على جذم حائط فأذن مثننى وأقام مثننى وقعند بينهمنا قعدة ،فسنمع
بلل بذلك فقام وأذن مثنى وقعد قعدة وأقام مثنى؛ رواه العمش وغيره عن عمر بن مرة عن ابن
أبي ليلى ،وهو قول جماعة التابعين والفقهاء بالعراق .قال أبو إسحاق السبيعي :كان أصحاب علي
وعبدال يشفعون الذان والقامننة؛ فهذا أذان الكوفييننن ،متوارث عندهننم بننه العمننل قرنننا بعنند قرن
أيضنا ،كمنا يتوارث الحجازيون؛ فأذانهنم تربينع التكنبير مثنل المكيينن .ثنم الشهادة بأن ل إله إل ال
مرة واحدة ،وأشهد أن محمدا رسول ال مرة واحدة ،ثم حي على الصلة مرة ،ثم حي على الفلح
مرة ،ثم يرجع المؤذن فيمد صوته ويقول :أشهد أن ل إله إل ال -الذان كله -مرتين مرتين إلى
آخره .قال أبنو عمنر :ذهنب أحمند بنن حنبنل وإسنحاق بنن راهوينه وداود بنن علي ومحمند بنن جرينر
الطبري إلى إجازة القول بكل ما روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وحملوه على الباحة
والتخيينر ،قالوا :كنل ذلك جائز؛ لننه قند ثبنت عنن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم جمينع ذلك،
وعمل به أصحابه ،فمن شاء قال :ال أكبر مرتين في أول الذان ،ومن شاء قال ذلك أربعا ،ومن
شاء رجنع فني أذاننه ،ومنن شاء لم يرجنع ،ومنن شاء ثننى القامنة ،ومنن شاء أفردهنا ،إل قوله" :قند
قامت الصلة" فإن ذلك مرتان مرتان على كل حال!!.
@ واختلفوا فني التثوينب لصنلة الصبح -وهو قول المؤذن :الصلة خينر من النوم -فقال مالك
والثوري واللينث :يقول المؤذن فني صنلة الصنبح -بعند قوله :حني على الفلح مرتينن -الصنلة
خينر منن النوم مرتينن؛ وهنو قول الشافعني بالعراق ،وقال بمصنر :ل يقول ذلك .وقال أبنو حنيفنة
وأصنحابه :يقوله بعند الفراغ منن الذان إن شاء ،وقند روي عنهنم أن ذلك فني نفنس الذان؛ وعلينه
الناس فني صنلته الفجنر .قال أبنو عمنر روي عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم منن حدينث أبني
محذورة أننه أمره أن يقول فني أذان الصنبح( :الصنلة خينر منن النوم) .وروي عننه أيضنا ذلك منن
حدينث عبدال بنن زيند .وروي عنن أننس أننه قال :منن السننة أن يقال فني الفجنر "الصنلة خينر منن
النوم" .وروي عنن ابنن عمنر أننه كان يقوله؛ وأم قول مالك فني "الموطنأ" أننه بلغنه أن المؤذن جاء
إلى عمنر بنن الخطاب يؤذننه بصنلة الصنبح فوجده نائمنا فقال :الصنلة خينر منن النوم؛ فأمره عمنر
أن يجعلها في نداء الصبح فل أعلم أن هذا روي عن عمر من جهة يحتج بها وتعلم صحتها؛ وإنما
فينه حدينث هشام بنن عروة عنن رجنل يقال له "إسنماعيل" فأعرفنه؛ ذكنر ابنن أبني شيبنة حدثننا عبدة
بن سليمان عن هشام بن عروة عن رجل يقال له "إسماعيل" قال :جاء المؤذن يؤذن عمر بصلة
الصنبح فقال :الصنلة خينر منن النوم" فأعجنب بنه عمنر وقال للمؤذن" :أقرهنا فني أذاننك" .قال أبنو
عمنر :والمعننى فينه عندي أننه قال له :نداء الصنبح موضنع القول بهنا ل هاهننا ،كأننه كره أن يكون
منه نداء آخر عند باب المير كما أحدثه المراء بعد .قال أبو عمر :وإنما حملني على هذا التأويل
وإن كان الظاهر من الخبر خلفه؛ لن التثويب في صلة الصبح أشهر عند العلماء ،والعامة من
أن يظن بعمر رضي ال عنه أنه جهل شيئا سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم وأمر به مؤذنيه،
بالمديننة بلل ،وبمكنة أبنا محذورة؛ فهنو محفوظ معروف فني تأذينن بلل ،وأذان أبني محذورة فني
صلة الصبح للبي صلى ال عليه وسلم؛ مشهور عند العلماء .روى وكيع عن سفيان عن عمران
بنن مسنلم عن سنويد بنن غفلة أننه أرسنل إلى مؤذننه إذا بلغنت "حني على الفلح" فقنل :الصنلة خينر
من النوم؛ فإنه أذان بلل؛ ومعلوم أن بلل لم يؤذن قط لعمر ،ول سمعه بعد رسول ال صلى ال
عليه وسلم إل مرة بالشام إذ دخلها.
@ وأجمع أهل العلم على أن من السنة أل يؤذن للصلة إل بعد دخول وقتها إل الفجر ،فإنه يؤذن
لها قبل طلوع الفجر في قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور؛ وحجتهم قول رسول ال
صننلى ال عليننه وسننلم( :إن بلل يؤذن بليننل فكلوا واشربوا حتننى ينادي ابننن أم مكتوم) .وقال أبننو
حنيفة والثوري ومحمد بن الحسن :ل يؤذن لصلة الصبح حتى يدخل وقتها لقول رسول ال صلى
ال علي وسننلم لمالك بننن الحويرث وصنناحبه( :إذا حضرت الصننلة فأذنننا ثننم أقيمننا وليؤمكمننا
أكبركما) وقياسا على سائر الصلوات .وقالت طائفة من أهل الحديث :إذا كان للمسجد مؤذنان أذن
أحدهما قيل طلوع الفجر ،والخر بعد طلوع الفجر.
@ واختلفوا فني المؤذن يؤذن ويقينم غيره؛ فذهنب مالك وأبنو حنيفنة وأصنحابهم إلى أننه ل بأس
بذلك؛ لحدينث محمند بنن عبدال بنن زيند عنن أبينه أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم أمره إذ رأى
النداء فني النوم أن يلقينه على بلل؛ ثنم أمنر عبدال بنن زيند فأقام .وقال الثوري واللينث والشافعني:
منن أذن فهنو يقينم؛ لحدينث عبدالرحمنن بنن زياد بنن أنعنم عنن زياد بنن نعينم عنن زباد بنن الحرث
الصدائي قال :أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما كان أول الصبح أمرني فأذنت ،ثم قام إلى
الصنلة فجاء بلل ليقينم .فقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم( :إن أخنا صنداء أذن ومنن أذن فهنو
يقينم) .قال أبنو عمنر :عبدالرحمنن بنن زياد هنو الفريقني ،وأكثرهنم يضعفوننه ،ولينس يروي هذا
الحدينث غيره؛ والول أحسنن إسننادا إن شاء ال تعالى .وإن صنح حدينث الفريقني فإن منن أهنل
العلم من يوثقه ويثني عليه؛ فالقول به أولى لنه نص في موضع الخلف ،وهو متأخر عن قصة
عبدال بن زيد مع بلل ،والخر؛ فالخر من أمر رسول ال أولى أن يتبع ،ومع هذا فإني أستحب
إذا كان المؤذن واحدا راتبنا أن يتولى القامنة؛ فإن أقامهنا غيره فالصنلة ماضينة بإجماع ،والحمند
ل.
@ وحكنم المؤذن أن يترسنل فني أذاننه ،ول يطرب بنه كمنا يفعله اليوم كثينر منن الجهال ،بنل وقند
أخرجننه كثيننر مننن الطغام والعوام عننن حنند الطراب؛ فيرجعون فيننه الترجيعات ،ويكثرون فيننه
التقطيعات حتنى ل يفهنم منا يقول ،ول بمنا بنه يصنول .روى الدارقطنني منن حدينث ابنن جرينج عنن
عطاء عننن ابننن عباس قال :كان لرسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم مؤذن يطرب فقال رسننول ال
صنلى ال علينه وسنلم( :إن الذان سنهل سنمح فإن كان أذاننك سنهل سنمحا وإل فل تؤذن) .ويسنتقبل
فني أذاننه القبلة عنند جماعنة العلماء ،ويلوي رأسنه يميننا وشمال فني "حني على الصنلة حني على
الفلح" عنند كثينر منن أهنل العلم .قال أحمند :ل يدور إل أن يكون فني منارة يريند أن يسنمع الناس؛
وبه قال إسحاق ،والفضل أن يكون متطهرا.
@ ويسنتحب لسنامع الذان أن يحكينه إلى آخنر التشهدينن وإن أتمنه جاز؛ لحدينث أبني سنعيد؛ وفني
صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا قال المؤذن ال
أكنبر ال أكنبر فقال أحدكنم ال أكنبر ،ثنم قال أشهند أن ل إله إل ال ،قال أشهند أن إله إل ال ثنم قال
أشهند أن محمدا رسنول ال قال أشهند أن محمدا رسنول ال ،ثنم قال حني على الصنلة قال ل حول
ول قوة إل بال ،ثم قال حي على الفلح قال ل حول ول قوة إل بال ،ثم قال ال أكبر ال أكبر قال
ال أكنبر ال أكنبر ،ثنم قال ل إله إل ال قال ل إله إل ال منن قلبنه دخنل الجنن) .وفينه عنن سنعد بنن
أبي وقاص عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال :من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن ل إله
إل ال وحده ل شرينك له وأن محمدا عبده ورسنوله رضينت بال ربنا وبمحمند رسنول وبالسنلم
دينا غفر له ما تقدم من ذنبه).
@ وأمنا فضنل الذان والمؤذن فقند جاءت فينه أيضنا آثار صنحاح؛ منهنا منا رواه مسنلم عنن أبني
هريرة أن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم قال( :إذا نودي للصننلة أدبر الشيطان له صننراط حتننى ل
يسننمع التأذيننن) الحديننث .وحسننبك أنننه شعار السننلم ،وعلم على اليمان كمننا تقدم .وأمننا المؤذن
فروى مسننلم عننن معاويننة قال :سننمعت رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم يقول( :المؤذنون أطول
الناس أعناقننا يوم القيامننة) .وهذه إشارة إلى المننن مننن هول ذلك اليوم .وال أعلم .والعرب تكننني
بطول العنق عن أشراف القوم وساداتهم؛ كما قال قائلهم:
طوال أنضية العناق واللمم
وفني الموطنأ عنن أبني سنعيد الخدري سنمع رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم يقول( :ل يسنمع مدى
صوت المؤذن جن ول إنس ول شيء إل شهد له يوم القيامة) .وفي سنن ابن ماجة عن ابن عباس
قال :قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم( :منن أذن محتسنبا سنبع سننين كتبنت له براءة منن النار)
وفينه عنن ابنن عمنر أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال( :منن أذن ثنتني عشرة سننة وجبنت له
الجننة وكتنب له بتأذيننه فني كنل يوم سنتون حسننة ولكنل إقامنة ثلثون حسننة) .قال أبنو حاتنم :هذا
السنناد .منكنر والحدينث صنحيح .وعنن عثمان بنن أبني العاص قال :كان آخنر منا عهند إلى الننبي
صلى ال عليه وسلم( :أل أتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا) حديث ثابت.
@ واختلفوا فني أخنذ الجرة على الذان؛ فكره ذلك القاسنم بنن عبدالرحمنن وأصنحاب الرأي،
ورخننص فينه مالك ،وقال :ل بأس بنه .وقال الوزاعني :دلك مكروه ،ول بأس بأخننذ الرزق عدى
ذلك منن بينت المال .وقال الشافعني :ل يرزق المؤذن إل منن خمنس الخمنس سنهم الننبي صنلى ال
عليننه وسننلم قال بننن المنذر :ل يجوز أخننذ الجرة على الذان .وقنند اسننتدل علماؤنننا بأخننذ الجرة
بحدينث أبني محذورة ،وفينه نظنر؛ أخرجنه النسنائي وابنن مادة وغيرهمنا قال :خرجنت فني نفنر فكنند
ببعض الطريق فأذن مؤذن رسول ال صلى ال عليه وسلم بالصلة عند رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،سمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فصرخنا نحكيه نهزأ به؛ فسمع رسول ال صلى
ال علينه وسنلم فأرسنل إليننا قومنا فأقعدوننا بينن يدينه فدال( :أيكنم الذي سنمعت صنوته قند ارتدع)
فأشار إلى القوم كلهم وصدقوا فأرسل كل وحبسني وقال لي( :قم فأذن) فقمت ول شيء أكره إلي
منن أدر رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم دل ممنا يأمرنني بنه ،فقمنت بينن يدي رسنول ال صنلى ال
علينه وسنلم ،فألقنى علي رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم التأذينن هنو بنفسنه فقال( :قنل ال أكنبر ال
أكننبر ال أكننبر ال أكننبر أشهنند أن ل إله إل ال أشهنند أن ل إله إل ال أشهنند أن محمدا رسننول ال
أشهند أن محمدا رسنول ال) ،ثنم قال لي( :ارفنع فمند صنوتك أشهند أن ل إله إل ال أشهند أن محمدا
رسنول ال أشهند أن محمدا رسنول ال حني على الصنلة حني على الصنلة حني على الفلح حني
على الفلح ال أكنبر ال أكنبر ل إله إل ال) ،ثنم دعانني حينن قضينت التأذينن فأعطانني صنرة فيهنا
شينء منن فضنة ،قند وضنع يده على ناصنية أبني محذورة ثنم أمرهنا على وجهنه ،ثنم على ثديينه ،ثنم
على كبده حتنى بلغنت يند رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم سنرة أبني محدورة؛ ثنم قال رسنول ال
صلى ال عليه وسلم( :بارك ال لك وبارك عليك) ،فقلت :يا رسول ال مرني بالتأذين بمكة ،قال:
(قند أمرتنك) .فذهنب كنل شينء كان لرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم منن كراهينة ،وعاد ذلك كله
محبنة لرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم؛ فقدمنت على عتاب بنن أسنيد عامنل رسنول ال صنلى ال
عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلة عن أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ لفظ ابن ماجة.
@قوله تعالى" :ذلك بأنهم قوم ل يعقلون" أي أنهم بمنزلة من ل عقل له يمنعه من القبائح .روي
أن رجل منن النصنارى وكان بالمديننة إذا سنمع المؤذن يقول" :أشهند أن محمدا رسنول ال" قال:
حرق الكاذب؛ فسنقطت فني بيتنه شرارة منن نار وهنو نائم فتعلقنت بالبينت فأحرقتنه وأحرقنت ذلك
الكافنر معنه؛ فكاننت عنبرة للخلق "والبلء موكند بالمنطنق" وقند كانوا يمهلون منع الننبي صنلى ال
عليه وسلم حتى يستفتحوا ،فل يؤخروا بعد ذلك؛ ذكره ابن العربي.
**3الية{ 60 - 59 :قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل
من قبل وأن أكثركم فاسقون ،قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من لعنه ال وغضب عليه
وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل}
@قوله تعالى" :قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا" قال ابن عباس رضي ال عنه :جاء نفر من
اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع -إلى النبي صلى ال عليه وسلم فسألوه عمن
يؤمننن بننه مننن الرسننل عليهننم السننلم؛ فقال( :نؤمننن بال ومننا أنزل إلينننا ومننا أنزل إلى إبراهيننم
وإسماعيل إلى قوله" :ونحن له مسلمون") [البقرة ، ]133 :فلما ذكر عيسى عليه السلم جحدوا
نبوتنه وقالوا :وال منا نعلم أهنل دينن أقنل حظنا فني الدنينا والخرة منكنم ول ديننا شرا منن دينكنم؛
فنزلت هده الينة ومنا بعدهنا ،وهني متصنلة بمنا سنبقها منن إنكارهنم الذان؛ فهنو جامنع للشهادة ل
بالتوحيد ،ولمحمد بالنبوة ،والمتناقض دين من فرق بين أنبياء ال ل دين من يؤمن بالكل .ويجوز
إدغام اللم فنني التاء لقربهننا منهننا .و"تنقمون" معناه تسننخطون ،وقيننل :تكرهون وقيننل :تنكرون،
والمعنى متقارب؛ يقال :نقم من كذا ينقم ونقم ينقم ،والول أكثر قال عبدال بن قيس الرقيات:
أنهم يحلمون إن غضبوا ما نقموا من بني أمية إل
وفي التنزيل "وما نقموا منهم" [البروج ]8 :ويقال :نقمت على الرجل بالكسر فأنا ناقم إذا عتبت
عليه؛ يقال :ما نقمت عليه الحسان .قال الكسائي :نقمت بالكسر لغة ،ونقمت المر أيضا ونقمته
إذا كرهتنه ،وانتقنم ال مننه أي عاقبنه ،والسنم مننه النقمنة ،والجمنع نقمات ونقنم مثنل كلمنة وكلمات
وكلم ،وإن شئت سنكنت القاف ونقلت حركتها إلى النون فقلت :نقمة والجمع نقم؛ مثنل نعمة ونعنم،
"إل أن آمنا بال" في موضع نصب بن "تنقمون" و"تنقمون" بمعنى تعيبون ،أي هل تنقمون منا
إل إيماننا بال وقد علمتم أنا على الحق" .وأن أكثركم فاسقون" أي في ترككم اليمان ،وخروجكم
عنن امتثال أمنر ال فقينل هنو مثنل قول القائل :هنل تنقنم منني إل أنني عفينف وأننك فاجنر .وقينل :أي
لن أكثركم فاسقون تنقمون منا ذلك.
@قوله تعالى" :قل هل أنبئكم بشر من ذلك" أي بشر من نقمكم علينا .وقيل :بشر ما تريدون لنا
مننن المكروه؛ وهذا جواب قولهننم :مننا نعرف دينننا شرا مننن دينكننم" .مثوبننة" نصننب على البيان
وأصنلها مفعولة فألقينت حركنة الواو على الثاء فسنكنت الواو وبعدهنا واو سناكنة فحذفنت إحداهمنا
لذلك؛ ومثله مقولة ومجوزة ومضوفة على معنى المصدر؛ كما قال الشاعر:
أشمر حتى ينصف الساق مئزري وكنت إذا جاري دعا لمضوفة
وقينل :مَ ْفعُلة كقولك مكرمنة ومعقلة" .منن لعننه ال" "منن" فني موضنع رفنع؛ كمنا قال" :بشنر منن
ذلكنم النار" [الحنج ]72 :والتقدينر :هنو لعنن منن لعننه ال ،ويجوز أن يكون فني موضنع نصنب
بمعننى :قنل هنل أنبئكنم بشنر منن ذلك منن لعننه ال ،ويجوز أن تكون فني موضنع خفنض على البدل
مننن شننر والتقديننر :هننل أنبئكننم بمننن لعنننه ال؛ والمراد اليهود .وقنند تقدم القول فنني الطاغوت ،أي
وجعل منهم من عبد الطاغوت ،والموصول محذوف عند الفراء .وقال البصريون :ل يجوز حذف
الموصول؛ والمعنى من لعنه ال وعبد الطاغوت.
وقرأ ابنن وثاب النخعني "وأنبئكنم" بالتخفينف .وقرأ حمزة" :عبند الطاغوت" بضنم الباء وكسنر
التاء؛ جعله اسنما على فعنل كعضند فهنو بناء للمبالغنة والكثرة كيقنظ وندس وحذر ،وأصنله الصنفة؛
ومنه قول النابغة:
طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد من وحش وجرة موشي أكارعه
بضنم الراء ونصبه بنن "جعل"؛ أي جعنل منم عبدا للطاغوت ،وأضاف عبدالى الطاغوت فخفضه.
وجعنل بمعننى خلق ،والمعننى وجعنل منهنم منن يبالغ فني عبادة الطاغوت .وقرأ الباقون بفتنح الباء
والتاء؛ وجعلوه فعل ماضينا ،وعطفوه على فعنل ماضني وهنو غضنب ولعنن؛ والمعننى عندهنم منن
لعنننه ال ومننن عبنند الطاغوت ،أو منصننوبا بنن "جعننل"؛ أي جعننل منهننم القردة والخنازيننر وعبنند
الطاغوت .ووحند الضمينر فني عبند حمل على لفنظ "منن" دون معناهنا .وقرأ أُبني وابنن مسنعود
"وعبدوا الطاغوت" على المعنى .ابن عباس" :وعبد الطاغوت" ،فيجوز أن يكون جمع عبد كما
يقال :رهنن ورهنن ،وسنقف وسنقف ،ويجوز أن يكون جمنع عباد كمنا يقال :مثال ومثنل ،ويجوز أن
يكون جمننع عبنند كرغيننف ورعننف ،ويجوز أن يكون جمننع عادل كبازل وبزل؛ والمعنننى :وخدم
الطاغوت .وعند ابن عباس أيضا "وعبد الطاغوت" جعله جمع عابد كما يقال شاهد وشهد وغايب
وغينب .وعنن أبني واقند :وعباد الطاغوت للمبالغنة ،جمنع عابند أيضنا؛ كعامنل وعمال ،وضارب
وضراب .وذكنر محبوب أن البصنريين قرؤوا( :وعباد الطاغوت) جمنع عابند أيضنا ،كقائم وقيام،
ويجوز أن يكون جمنع عبند .وقرأ أبنو جعفنر الرؤاسني (وعبند الطاغوت) على المفعول ،والتقدينر:
وعبد الطاغوت فيهم .وقرأ عون العقيلي وابن بريدة( :وعابد الطاغوت) على التوحيد ،وهو يؤدي
عن جماعة .وقرأ ابن مسعود أيضا (وعبد الطاغوت) وعنه أيضا وأبي (وعبدت الطاغوت) على
تأنينث الجماعة؛ كمنا قال تعالى( :قالت العراب) [الحجرات ]14 :وقرأ عبيند بنن عمينر( :وأعبند
الطاغوت) مثل كلب وأكلب .فهذه اثنا عشر وجها.
@قوله تعالى" :أولئك شنر مكاننا" لن مكانهنم النار؛ وأمنا المؤمنون فل شنر فني مكانهنم .وقال
الزجاج :أولئك شر مكانا على قولكم .النحاس :ومن أحسن ما قيل فيه :أولئك الذين لعنهم ال شر
مكانا في الخرة من مكانكم في الدنيا لما لحقكم من الشر .وقيل :أولئك الذين لعنهم ال شر مكانا
منن الذينن نقموا عليكنم .وقينل :أولئك الذينن نقموا عليكنم شنر مكاننا منن الذينن لعنهنم ال .ولمنا نزلت
هذه الينة قال المسنلمون لهنم :ينا إخوة القردة والخنازينر فنكسنوا رؤوسنهم افتضاحنا ،وفيهنم يقول
الشاعر:
إن اليهود إخوة القرود فلعنة ال على اليهود
**3اليات{ 63 - 61 :وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به وال أعلم
بمنا كانوا يكتمون ،وترى كثيرا منهنم يسنارعون فني الثنم والعدوان وأكلهنم السنحت لبئس منا كانوا
يعملون ،لول ينهاهم الربانيون والحبار عن قولهم الثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون}
@قوله تعالى" :وإذا جاؤوكم قالوا آمنا" الية .هذه صفة المنافقين ،المعنى أنهم لم ينتفعوا بشيء
ممنا سنمعوه ،بنل دخلوا كافرينن وخرجوا كافرينن" .وال أعلم بمنا كانوا يكتمون" أي منن نفاقهنم.
وقينل :المراد اليهود الذينن قالوا :آمنوا بالذي أنزل على الذينن آمنوا وجنه النهار إذا دخلتنم المديننة،
واكفروا آخره إذا رجعتنم إلى بيوتكنم ،يدل علينه منا قبله منن ذكرهنم ومنا يأتني .قوله تعالى" :وترى
كثيرا منهنم" يعنني منن اليهود" .يسنارعون فني الثنم والعدوان" أي يسنابقون فني المعاصني والظلم
"وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون".
@قوله تعالى" :لول ينهاهننم الربانيون والحبار" (لول) بمعنننى فل( .ينهاهننم) يزجرهننم.
(الربانيون) علماء النصنارى( .والحبار) علماء اليهود قال الحسنن .وقينل الكنل فني اليهود؛ لن
هذه اليات فيهم .ثم وبخ علماءهم في تركهم نهيهم فقال" :لبئس ما كانوا يصنعون" كما وبخ من
يسننارع فنني الثننم بقوله" :لبئس مننا كانوا يعملون" ودلت اليننة على أن تارك النهنني عننن المنكننر
كمرتكنب المنكنر؛ فالينة توبينخ للعلماء فني ترك المنر بالمعروف والنهني عنن المنكنر .وقند مضنى
في هذا المعنى في (البقرة وآل عمران) .وروى سفيان بن عيينة قال :حدثني سفيان بن سعيد عن
مسنعر قال :بلغنني أن ملكنا أمنر أن يخسنف بقرينة فقال :ينا رب فيهنا فلن العابند فأوحنى ال تعالى
إلينه( :أن بنه فابدأ فإننه لم يتعمنر وجهند فني سناعة قنط) .وفني صنحيح الترمذي( :إن الناس إذا رأوا
الظالم ولم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمهم ال بعقاب من عنده) .وسيأتي .والصنع بمعنى العمل
إل أنه يقتضي الجودة؛ يقال :سيف صنيع إذا جود عمله.
**3الية{ 64 :وقالت اليهود يد ال مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق
كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء
إلى يوم القيامننة كلمننا أوقدوا نارا للحرب أطفأهننا ال ويسننعون فنني الرض فسننادا وال ل يحننب
المفسدين}
@قوله تعالى" :وقالت اليهود يند ال مغلولة" قال عكرمنة :إنمنا قال هذا فنحاص بنن عازوراء،
لعنه ال ،وأصحابه ،وكان لهم أموال فلما كفروا بمحمد صلى ال عليه وسلم قال ذلك لهم؛ فقالوا:
إن ال بخينل ،ويند ال مقبوضنة عننا فني العطاء؛ فالينة خاصنة فني بعضهنم .وقينل :لمنا قال قوم هذا
ولم ينكننر الباقون صنناروا كأنهننم بأجمعهننم قالوا هذا .وقال الحسننن :المعنننى ينند ال مقبوضننة عننن
عذابننا .وقينل :إنهنم لمنا رأوا الننبي صنلى ال علينه وسنلم فني فقنر وقلة مال وسنمعوا (منن ذا الذي
يقرض ال قرضا حسنا) ورأوا النبي صلى ال عليه وسلم قد كان يستعين بهم في الديات قالوا :إن
إله محمند فقينر ،وربمنا قالوا :بخينل؛ وهذا معننى قولهنم( :يند ال مغلولة) فهذا على التمثينل كقوله:
(ول تجعنل يدك مغلولة إلى عنقنك) [السنراء .]29 :ويقال للبخينل :جعند النامنل ،ومقبوض
الكف ،وكز الصابع ،ومغلول اليد؛ قال الشاعر:
وكل باب من الخيرات مفتوح كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها
كأنما وجهه بالخل منضوح فاستبدلت بعده جعدا أنامله
والينند فنني كلم العرب تكون للجارحننة كقوله تعالى" :وخننذ بيدك ضغثننا" [ص ]44 :هذا محال
على ال تعالى .وتكون للنعمنة؛ تقول العرب :كنم يند لي عنند فلن ،أي كنم منن نعمنة لي قند أسنديتها
له ،وتكون للقوة؛ قال ال عز وجل" :واذكر عبدنا داود ذا اليد" [ص ، ]17 :أي ذا القوة وتكون
ينند الملك والقدرة؛ قال ال تعالى" :قننل إن الفضننل بينند ال يؤتيننه مننن يشاء" [آل عمران.]73:
وتكون بمعننى الصنلة ،قال ال تعالى" :ممنا عملت أيديننا أنعامنا" [ينس ]71 :أي ممنا عملننا نحنن.
وقال" :أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح" [البقرة ]237 :أي الذي له عقدة النكاح .وتكون بمعننى
التأييند والنصنرة ،ومنن قوله علينه السنلم( :يند ال منع القاضني حتنى يقضني والقاسنم حتنى يقسنم).
وتدون لضافنة الفعنل إلى المخنبر عنند تشريفنا له وتكريمنا؛ قال ال تعالى" :ينا إبلينس منا منعنك أن
تسنجد لمنا خلقنت بيدي" [ص ]75 :فل يجوز أن يحمنل على الجارحنة؛ لن الباري جنل وتعالى
واحند ل يجوز علينه التبعينض ،ول على القوة والملك والنعمنة والصنلة ،لن الشتراك يقنع حينئذ.
بين وليه آدم وعدوه إبليس ،ويبطل ما ذكر من تفضيله عليه؛ لبطلن معنى التخصيص ،فلم يبق
إل أن تحمل على صفتين تعلقتا بخلق آدم تشريفا له دون خلق إبليس تعلق القدرة بالمقدور ،ل من
طرينق المباشرة ول منن حينث المماسنة؛ ومثله منا روي أننه عنز اسنمه وتعالى عله وجند أننه كتنب
التوراة بيده ،وغرس دار الكرامة بيده لهل الجنة ،وغير ذلك تعلق الصفة بمقتضاها.
@قوله تعالى" :غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا" حذفت الضمة من الياء لثقلها؛ أي غلت في الخرة،
ويجوز أن يكون دعاء عليهنننم ،وكذا "ولعنوا بمنننا قالوا" والمقصنننود تعليمننننا كمنننا قال" :لتدخلن
المسجد الحرام إن شاء ال" [الفتح ]27 :؛ علمنا الستثناء كما علمنا الدعاء على أبي لهب بقوله:
"تبت يدا أبي لهب" [المسد ]1 :وقيل :المراد أنهم أبخل الخلق؛ فل ترى يهوديا غير لئيم .وفي
الكلم علي هذا القول إضمار الواو؛ أي قالوا :ينند ال مغلولة وغلت أيديهننم .واللعننن بالبعاد ،وقنند
تقدم.
@قوله تعالى" :بل يداه مبسوطتان" ابتداء وخبر؛ أي بل نعمته مبسوطة؛ فاليد بمعنى النعمة قال
بعضهنم :هذا غلط؛ لقوله" :بنل يداه مبسنوطتان" فنعنم ال تعالى أكثنر منن أن تحصنى فكينف تكون
بل نعمتاه مبسوطتان؟ وأجيب بأنه يجوز أن يكون هذا تثنية جنس ل تثنية واحد مفرد؛ فيكون مثل
قوله علينه السنلم( :مثنل المنافنق كالشاة العائرة بينن الغنمينن) .فأحند الجنسنين نعمنة الدنينا ،والثانني
نعمة في الخرة .قيل :نعمتا الدنيا النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة؛ كما قال" :وأسبغ عليكم نعمه
ظاهرة وباطننة" [لقمان .]20 :وروى ابنن عباس عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه قال فينه:
(النعمة الظاهرة ما حسن من خلقك ،والباطنة ما ستر عليك من سيئ عملك) .وقيل :نعمتاه المطر
والنبات اللتان النعمة بهما ومنهما .وقيل :إن النعمة للمبالغة؛ تقول العرب( :لبيك وسعديك) وليس
يريد القتصار على مرتين؛ وقد يقول القائل :ما لي بهذا المر يد أو قوة .قال السدي؛ معنى قوله
(يداه) قوتاه بالثواب والعقاب ،بخلف ما قالت اليهود :إن يده مقبوضة عن عذابهم .وفى صحيح
مسلم عن أبو هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إن ال تعالى قال لي أنفق أنفق عليك).
وقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم( :يمينن ال ملى ل يغيضهنا سنخّاء اللينل والنهار أرأيتنم منا
أنفنق منذ خلق السنماوات والرض فإننه لم يغنض منا فني يميننه -قال -وعرشنه على الماء وبيده
الخرى القبنض يرفنع ويخفنض) .السنخاء الشينء الكثينر .ونظينر ينقنص؛ ونظينر هذا الحدينث قوله
جننل ذكره" :وال يقبننض ويبسننط" [البقرة .] :وأمننا هذه اليننة ففنني قراءة ابننن مسننعود "بننل يداه
مبسنوطتان" [المائدة ] :حكاه الخفنش ،وقال يقال :يند بسنطة ،أي منطلقنة منبسنطة" .ينفنق كينف
يشاء" أي يرزق كما يريد .ويجوز أن تكون اليد في هذه الية بمعنى القدرة؛ أي قدرته شاملة ،فإن
شاء وسع وإن شاء قتر" .وليزيدن كثيرا منهم" لم قسم" .ما أنزل إليك من ربك" أي بالذي أنزل
إليننك" .طغيانننا وكفرا" أي إذا نزل شيننء مننن القرآن فكفروا ازداد كفرهننم" .وألقينننا بينهننم" قال
مجاهننند :أي بيننن اليهود والنصنننارى؛ لنننه قال قبننل هذا "ل تتخذوا اليهود والنصنننارى أولياء"
[المائدة .]51 :وقينل :أي ألقيننا بينن طوائف اليهود ،كمنا قال" :تحسنبهم جميعنا وقلوبهنم شتنى"
[الحشر ]14 :فهم متباغضون متفقين؛ فهم أبغض خلق ال إلى الناس" .كلما أوقدوا نارا للحرب
أطفأهننا ال" يرينند اليهود .و"كلمننا" ظرف أي كلمننا جمعوا وأعدوا شتننت ال جمعهننم .وقيننل :إن
اليهود لما أفسدوا وخالفوا كتاب ال -التوراة -أرسل ال عليهم بختنصر ،ثم أفسدوا فأرسل عليم
بطرس الرومني ،ثنم أفسندوا فأرسنل عليهنم المجوس ،ثنم أفسندوا فبعنث ال عليهنم المسنلمين؛ فكانوا
كلمنا اسنتقام أمرهنم شتتهنم ال فكلمنا أوقدوا نارا أي أهادوا شرا ،وأجمعوا أمرهنم على حرب الننبي
صلى ال عليه وسلم "أطفأها ال" وقهرهم ووهن أمرهم فذكر النار مستعار .قال قتادة :أذلهم ال
عنز وجنل؛ فلقند بعنث ال الننبي صنلى ال علينه وسنلم وهنم تحنت أيدي المجوس ،ثنم قال عنز وجنل:
"ويسعون في الرض فسادا" أي يسعون في إبطال السلم ،وذلك من أعظم الفساد ،وال أعلم.
وقينل :المراد بالنار هننا نار الغضنب ،أي كلمنا أوقدوا نار الغضنب فني أنفسنهم وتجمعوا بأبدانهنم
وقوة النفوس منهنم باحتدام نار الغضنب أطفأهنا ال حتنى يعفوا؛ وذلك بمنا جعله منن الرعنب نصنرة
بين يدي نبيه صلى ال عليه وسلم.
**3اليتان{ 66 - 65 :ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولدخلناهم جنات
النعينم ،ولو أنهنم أقاموا التوراة والنجينل ومنا أنزل إليهنم منن ربهنم لكلوا منن فوقهنم ومنن تحنت
أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون}
@قوله تعالى" :ولو أن أهنل الكتاب" (أن) فني موضنع رفنع ،وكذا "ولو أنهنم أقاموا التوراة".
"آمنوا" صندقوا" .واتقوا" أي الشرك والمعاصني" .لكفرننا عنهنم" اللم جواب (لو) .وكفرننا
غطينا ،وقد تقدم .وإقامة التوراة والنجيل العمل بمقتضاهما وعدم تحريفهما؛ وقد تقدم هذا المعنى
فني (البقرة) مسنتوفى" .ومنا أنزل إليهنم منن ربهنم" أي القرآن .وقينل :كتنب أننبيائهم" .لكلوا منن
فوقهم ومن تحت أرجلهم" قال ابن عباس وغيره :يعني المطر والنبات؛ وهذا يدل على أنهم كانوا
فني جدب .وقينل :المعننى لوسنعنا عليهنم فني أرزاقهنم ولكلوا أكل متواصنل؛ وذكنر فوق وتحنت
للمبالغة فيما يفتح عليهم من الدنيا؛ ونظير هذه الية "ومن يتق ال يجعل له مخرجا ويرزقه من
حينث ل يحتسنب" [الطلق" ، ]2 :وأن لو اسنتقاموا على الطريقنة لسنقيناهم ماءا غدقنا" [الجنن:
" ]16ولو أن أهنل القرى آمنوا واتقوا لفتحننا عليهنم بركات منن السنماء والرض"[العراف:
]96فجعنل تعالى التقنى منن أسنباب الرزق كمنا فني هذه اليات ،ووعند بالمزيند لمنن شكنر فقال:
"لئن شكرتنم لزيدنكنم" [إبراهينم ، ]7 :ثنم أخنبر تعالى أن منهنم مقتصندا -وهنم المؤمنون منهنم
كالنجاشني وسنلمان وعبدال بنن سنلم -اقتصندوا فلم يقولوا فني عيسنى ومحمند عليهمنا الصنلة
والسنلم إل منا يلينق بهمنا .وقند :أراد بالقتصناد قومنا لم يؤمنوا ،ولكنهنم لم يكونوا منن المؤذينن
المسنتهزئين ،وال أعلم .والقتصناد العتدال فني العمنل؛ وهنو منن القصند ،والقصند إتيان الشينء؛
تقول :قددتنه وقصندت له وقصنندت إلينه بمعننى" .سناء منا يعملون" أي بئس شينء عملوه؛ كذبوا
الرسل ،وحرفوا الكذب وأكلوا السحت.
**3الية{ 67 :يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وال
يعصمك من الناس إن ال ل يهدي القوم الكافرين}
@قوله تعالى" :ينا أيهنا الرسول بلغ منا أنزل إليك منن ربك" .قينل :معناه أظهنر التبليغ؛ لننه كان
في أول السلم يخفيه خوفا من المشركين ،ثم أمر بإظهاره في هذه الية ،وأعلمه ال أنه يعصمه
منن الناس .وكان عمنر رضنى ال عننه أول منن أظهنر إسنلمه وقال :ل نعبند ال سنرا؛ وفني ذلك
نزلت" :ينا أيهنا الننبي حسنبك ال ومنن اتبعنك منن المؤمنينن" [النفال ]64 :فدلت الينة على رد
قول منن قال :إن الننبي صنلى ال علينه وسنلم كتنم شيئا منن أمنر الدينن تقينة ،وعلى بطلننه ،وهنم
الرافضة ،ودلت على أنه صلى ال عليه وسلم لم يسر إلى أحد شيئا من أمر الدين؛ لن المعنى بلغ
جميع ما أنزل إليك ظاهرا ،ولول هذا ما كان في قوله عز وجل" :وإن لم تفعل فما بلغت رسالته"
فائدة .وقيل :بلغ ما أنزل إليك من ربك في أمر زينب بنت جحش السدية رضي ال عنها .وقيل
غير هذا ،والصحيح القول بالعموم؛ قال ابن عباس :المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك ،فإن
كتمت شيئا منه فما بلغت رسالته؛ وهذا تأديب للنبي صلى ال عليه وسلم ،وتأديب لحملة العلم من
أمته أل يكتموا شيئا من أمر شريعته ،وقد علم ال تعالى من أمر نبيه أنه ل يكتنم شيئا من وحيه؛
وفني صنحيح مسنلم منن مسنروق عنن عائشنة أنهنا قالت :منن حدثنك أن محمدا صنلى ال علينه وسنلم
كتم شيئا من الوحي فقد كذب؛ وال تعالى يقول" :يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم
تفعنل فمنا بلغنت رسنالته" وقبنح ال الروافنض حينث قالوا :إننه صنلى ال علينه وسنلم كتنم شيئا ممنا
أوحى إليه كان بالناس حاجة إليه.
@قوله تعالى" :وال يعصنمك منن الناس" فينه دلينل على نبوتنه؛ لن ال عنز وجنل أخنبر أننه
معصوم ،ومن ضمن سبحانه له العصمة فل يجوز أن يكون قد ترك شيئا مما أمره ال به .وسبب
نزول هذه الينة أن الننبي صنلى ال عليه وسنلم كان نازل تحنت شجرة فجاء أعرابني فاخترط سنيفه
وقال للنننبي صنلى ال علينه وسنلم :مننن يمنعننك مننني؟ فقال[ :ال] ؛ فذعرت ينند العرابنني وسنقط
السيف من يده؛ وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه؛ ذكره المهدوي .وذكره القاضي عياض
فنني كتاب الشفاء قال :وقنند رويننت هذه القصننة فنني الصننحيح ،وأن غورث بننن الحارث صنناحب
القصنة ،وأن الننبي صنلى ال علينه وسنلم عفنا عننه؛ فرجنع إلى قومنه وقال :جئتكنم منن عنند خينر
الناس .وقند تقدم الكلم فني هذا المعننى فني هذه السنورة عنند قوله" :إذ هنم قوم أن يبسنطوا إليكنم
أيديهم" [المائدة ]11 :مستوفى ،وفي "النساء" أيضا في ذكر صلة الخوف .وفي صحيح مسلم
عن جابر بن عبدال قال :غزونا مع وسول ال صلى ال عليه وسلم غزوة قبل نجد فأدركنا رسول
ال صنلى ال علينه وسنلم فني واد كثينر العضاه فنزل رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم تحنت شجرة
فعلق سننيفه بغصننن مننن أغصننانها ،قال :وتفرق الناس فنني الوادي يسننتظلون بالشجننر ،قال فقال
رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم( :إن رجل أتانني وأننا نائم فأخنذ السنيف فاسنتيقظت وهنو قائم على
رأسني فلم أشعنر إل والسنيف مصنلتا فني يده فقال لي :منن يمنعنك منني -قال -قلت ال ثنم قال فني
الثانينة منن يمنعنك منني -قال -قلت ال قال فشام السنيف فهنا هنو ذا جالس ثنم لم يعرض له رسنول
ال صلى ال عليه وسلم) وقال ابن عباس قال النبي صلى ال عليه وسلم( :لما بعثني ال برسالته
ضقنت بهنا ذرعنا وعنر فنت أن منن الناس منن يكذبنني فأنزل ال هذه الينة) وكان أبنو طالب يرسنل
كنل يوم منع رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم رجال منن بنني هاشنم يحرسنونه حتنى نزل" :وال
يعصننمك مننن الناس" فقال النننبي صننلى ال عليننه وسننلم[ :يننا عماه إن ال قنند عصننمني مننن الجننن
والنس فل احتاج إلى من يحرسني].
قلت :وهذا يقتضني أن ذلك كان بمكنة ،وأن الينة مكينة ولينس كذلك ،وقند تقدم أن هذه السنورة
مدنينة بإجماع؛ وممنا يدل على أن هذه الينة مدنينة منا رواه مسنلم فني الصنحيح عنن عائشنة قالت:
سنهر رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم مقدمنة المديننة ليلة فقال[ :لينت رجل صنالحا منن أصنحابي
يحرسني الليلة] قالت :فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلح؛ فقال[ :من هذا] ؟ قال :سعد بن أبي
وقاص فقال له رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم[ :منا جاء بنك] ؟ فقال :وقنع فني نفسني خوف على
رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فجئت أحرسنه؛ فدعنا له رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم ثنم نام.
وفي غير الصحيح قالت :فبينما نحن كذلك سمعت صوت السلح؛ فقال[ :من هذا] ؟ فقالوا :سعد
وحذيفنة جئننا نحرسنك؛ فنام صنلى ال علينه وسنلم حتنى سنمعت غطيطنه ونزلت هذه الينة؛ فأخرج
رسول ال صلى ال عليه وسلم رأسه من قبة آدم وقال[ :انصرفوا أيها الناس فقد عصمني ال].
وقرأ أهنل المديننة" :رسنالته" على الجمينع .وأبنو عمرو وأهنل الكوفنة" :رسنالته" على التوحيند؛
قال النحاس :والقراءتان حسنننتان والجمننع أبيننن؛ لن رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم كان ينزل
علينه الوحني شيئا فشيئا ثنم ينبينه ،والفراد يدل على الكثرة؛ فهني كالمصندر والمصندر فني أكثنر
الكلم ل يجمننع ول يثنننى لدللتننه على نوعننه بلفظننه كقوله" :وإن تعدوا نعمننة ال ل تحصننوها"
[إبراهيم" .]34 :إن ال ل يهدي القوم الكافرين" أي ل يرشدهم وقد تقدم .وقيل :أبلغ أنت فأما
الهداية فإلينا .نظيره "ما على الرسول إل البلغ" [المائدة ]99:وال أعلم.
**3الية{ 68 :قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والنجيل وما أنزل إليكم
من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فل تأس على القوم الكافرين}
@ قال ابنن عباس :جاء جماعنة منن اليهود إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فقالوا :ألسنت تُقنر أن
التوراة حق من عند ال؟ قال[ :بلى] .فقالوا :فإنا نؤمن بها ول نؤمن بما عداها؛ فنزلت الية؛ أي
لستم على شيء من الدين حتى تعلموا بما في الكتابين من اليمان بمحمد عليه السلم ،والعمل بما
يوجبه ذلك منهما؛ وقال أبو علي :ويجوز أن يكون ذلك قبل النسخ لهما.
@قوله تعالى" :وليزيدن كثيرا منهنم منا أنزل إلينك منن ربنك طغياننا وكفرا" أي يكفرون بنه
فيزدادون كفرا على كفرهنننم .والطغيان تجاوز الحننند فننني الظلم والغلو فينننه .وذلك أن الظلم مننننه
صنغيرة ومننه كنبيرة ،فمنن تجاوز منزلة الصنغيرة فقند طغنى .ومننه قوله تعالى" :كل إن النسنان
ليطغى" [العلق ]6 :أي يتجاوز الحد في الخروج عن الحق.
@قوله تعالى" :فل تأس على القوم الكافرينن" أي ل تحزن عليهنم .أسني يأسنى أسنى إذا حزن.
قال:
وانحلبت عيناه من فرط السى
وهذه تسنلية للننبي صنلى ال علينه وسنلم ،ولينس بنهني عنن الحزن؛ لننه ل يقدر علينه ولكننه تسنلية
ونهي عن التعرض للحزن .وقد مضى هذا المعنى في آخر (آل عمران) مستوفى.
**3الية{ 69 :إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بال واليوم الخر
وعمل صالحا فل خوف عليهم ول هم يحزنون}
@ تقدم الكلم فني هذا كله فل معننى لعادتنه" .والذينن هادوا" معطوف ،وكذا "والصنابئون"
معطوف على المضمننر فنني "هادوا" فنني قول الكسننائي والخفننش .قال النحاس :سننمعت الزجاج
يقول :وقند ذكنر له قول الخفنش والكسنائي :هذا خطنأ منن جهتينن؛ إحداهمنا أن المضمنر المرفوع
يقبننح العطننف عليننه حتننى يؤكنند .والجهننة الخرى أن المعطوف شريننك المعطوف عليننه فيصننير
المعننننى أن الصنننابئين قننند دخلوا فننني اليهودينننة وهذا محال .وقال الفراء :إنمنننا جاز الرفنننع فننني
"والصنابئون" لن "إن" ضعيفنة فل تؤثنر إل فني السنم دون الخنبر؛ و"الذينن" هننا ل يتنبين فينه
العراب فجرى على جهننة واحدة المران ،فجاز رفننع الصننابئين رجوعننا إلى أصننل الكلم .قال
الزجاج :وسنبيل منا يتنبين فينه العراب ومنا ل يتنبين فينه العراب واحند .وقال الخلينل وسنيبويه:
الرفنع محمول على التقدينم والتأخينر؛ والتقدينر :إن الذينن آمنوا والذينن هادوا منن آمنن بال واليوم
الخننر وعمننل صننالحا فل خوف عليهننم ول هننم يحزنون والصننابئون والنصننارى كذلك .وأنشنند
سيبويه وهو نظيره:
بغاة ما بقينا في شقاق وإل فاعلموا أنا وأنتم
وقال ضابئ البرجمي:
فإني وقيار بها لغريب فمن يك أمسى بالمدينة رحله
وقيننل" :إن" بمعنننى "نعننم" فالصننابئون مرتفننع بالبتداء ،وحذف الخننبر لدللة الثاننني عليننه،
فالعطف يكون على هذا التقدير بعد تمام الكلم وانقضاء السم والخبر .وقال قيس الرقيات:
يلمنني وألومهنه بكر العواذل في الصباح
وقد كبرت فقلت إنه ويقلن شيب قد علك
قال الخفش( :إنه) بمعنى (نعم) ،وهذه (الهاء) أدخلت للسكت.
**3الينة{ 70 :لقند أخذننا ميثاق بنني إسنرائيل وأرسنلنا إليهنم رسنل كلمنا جاءهنم رسنول بمنا ل
تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون}
@قوله تعالى" :لقند أخذننا ميثاق بنني إسنرائيل وأرسنلنا إليهنم رسنل" قند تقدم فني (البقرة) معننى
الميثاق وهنو أل يعبدوا إل ال ،ومنا يتصنل بنه .والمعننى فني هذه الينة ل تأس على القوم الكافرينن
فإننا قند أعذرننا إليهنم ،وأرسنلنا الرسنل فنقضوا العهود .وكنل هذا يرجنع إلى منا افتتحنت بنه السنورة
وهو قوله" :أوفوا بالعقود" [المائدة" .]1 :كلما جاءهم" أي اليهود "رسول بما ل تهوى أنفسهم"
ل يوافق هواهم "فريقا كذبوا وفريقا يقتلون" أي كذبوا فريقا وقتلوا فريقا؛ فمن كذبوه عيسى ومن
مثله منن الننبياء ،وقتلوا زكرينا ويحينى وغيرهمنا منن الننبياء .وإنمنا قال" :يقتلون" لمراعاة رأس
الينة .وقينل :أراد فريقنا كذبوا ،وفريقنا قتلوا ،وفريقنا يكذبون وفريقنا يقتلون ،فهذا دأبهنم وعادتهنم
فاختصر .وقيل :فريقا كذبوا لم يقتلوهم ،وفريقا قتلوهم فكذبوا .و"يقتلون" نعت لفريق .وال أعلم.
**3الية{ 71 :وحسبوا أل تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب ال عليهم ثم عموا وصموا كثير
منهم وال بصير بما يعملون}
@قوله تعالى" :وحسنبوا أل تكون فتنة" المعننى؛ ظنن هؤلء الذينن أخذ عليهنم الميثاق أنه ل يقع
منن ال عنز وجنل ابتلء واختبار بالشدائد ،اغترارا بقولهنم :نحنن أبناء ال وأحباؤه ،وإنمنا اغتروا
بطول المهال .وقرأ أبنو عمرو وحمزة والكسنائي "تكون" بالرفنع؛ ونصنب الباقون؛ فالرفنع على
أن حسنب بمعننى علم وتيقنن .و"أن" مخففنة منن الثقيلة ودخول "ل" عوض منن التخفينف ،وحذف
الضمير لنهم كرهوا أن يليها الفعل وليس من حكمها أن تدخل عليه؛ ففصلوا بينهما (بل) .ومن
نصنب جعنل "أن" ناصنبة للفعل ،وبقني حسنب على بابه منن الشك وغيره .قال سنيبويه :حسبت أل
يقول ذلك؛ أي حسننبت أنننه قال ذلك .وإن شئت نصننبت؛ قال النحاس :والرفننع عننند النحوييننن فنني
حسب وأخواتها أجود كما قال:
كبرت وأل يشهد اللهو أمثالي أل زعمت بسباسة اليوم أنني
وإنما صار الرفع أجود؛ لن حسب وأخواتها بمنزلة العلم لنه شيء ثابت.
@قوله تعالى" :فعموا" أي عن الهدى" .وصموا" أي عن سماع الحق؛ لنهم لم ينتفعوا بما رأوه
ول سنمعوه" .ثنم تاب ال عليهنم" فني الكلم إضمار ،أي أوقعنت بهنم الفتننة فتابوا فتاب ال عليهنم
بكشف القحط ،أو بإرسال محمد صلى ال عليه وسلم يخبرهم بأن ال يتوب عليهم إن آمنوا ،فهذا
بيان "تاب ال عليهننم" أي يتوب عليهننم إن آمنوا وصنندقوا ل أنهننم تابوا على الحقيقننة" .ثننم عموا
وصموا كثير منهم" أي عمي كثينر منهنم وصم بعد تبين الحق لهم بمحمند عليه الصلة والسلم؛
فارتفع "كثير" على البدل من الواو .وقال الخفش سعيد :كما تقول رأيت قومك ثلثيهم .وإن شئت
كان على إضمار مبتدأ أي العمني والصنم كثينر منهنم .وإن شئت كان التقدينر العمني والصنم منهنم
كثير .وجواب رابع أن يكون على لغة من قال( :أكلوني البراغيث) وعليه قول الشاعر:
بحوران يعصرن السليط أقاربه ولكن ديافي أبوه وأمه
ومنن هذا المعننى قوله" :وأسنروا النجوى الذينن ظلموا" [الننبياء .]3 :ويجوز فني غينر القرآن
(كثيرا) بالنصب يكون نعتا لمصدر محذوف.
**3الينة{ 72 :لقند كفنر الذينن قالوا إن ال هنو المسنيح ابنن مرينم وقال المسنيح ينا بنني إسنرائيل
اعبدوا ال ربني وربكنم إننه منن يشرك بال فقند حرم ال علينه الجننة ومأواه النار ومنا للظالمينن منن
أنصار}
@قوله تعالى" :لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم" هذا قول اليعقوبية فرد ال ذلك
بحجنة قاطعنة ممنا يقرون بنه؛ فقال" :وقال المسنيح ينا بنني إسنرائيل اعبدوا ال ربني وربكنم" أي إذا
كان المسنيح يقول :ينا رب وينا ال فكينف يدعنو نفسنه أم كينف يسنألها؟ هذا محال "إننه منن يشرك
بال" قينل :هنو منن قول عيسنى .وقينل :ابتداء كلم منن ال تعالى .والشراك أن يعتقند معنه موجدا.
وقد مضى في (آل عمران) القول في اشتقاق المسيح فل معنى لعادته.
**3اليتان{ 74 - 73 :لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد وإن لم
ينتهوا عمننا يقولون ليمسننن الذيننن كفروا منهننم عذاب أليننم ،أفل يتوبون إلى ال ويسننتغفرونه وال
غفور رحيم}
@قوله تعالى" :لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة" أي أحد ثلثة .ول يجوز فيه التنوين؛ عن
الزجاج وغيره .وفينه للعرب مذهنب آخنر؛ يقولون :رابنع ثلثنة؛ فعلى هذا يجوز الجنر والنصنب؛
لن معناه الذي صنير الثلثنة أربعنة بكوننه منهنم .وكذلك إذا قلت :ثالث اثنينن؛ جاز التنوينن .وهذا
قول فرق النصارى من الملكية والنسنطورية واليعقوبية؛ لنهنم يقولون أب وابن وروح القدس إله
واحد؛ ول يقولون ثلثة آلهة وهو معنى مذهبهم ،وإنما يمتنعون من العبارة وهي لزمة لهم .وما
كان هكذا صننح أن يحكننى بالعبارة اللزمننة؛ وذلك أنهننم يقولون :إن البننن إله والب إله وروح
القدس إله .وقند تقدم القول فني هذا فني (النسناء) فأكفرهنم ال بقولهنم هذا ،وقال "ومنا منن إله إل إله
واحند" أي أن الله ل يتعدد وهنم يلزمهنم القول بثلثنة آلهنة كمنا تقدم ،وإن لم يصنرحوا بذلك لفظنا؛
وقند مضنى فني (البقرة) معننى الواحند .و(منن) زائدة .ويجوز فني غينر القرآن (إلهنا واحدا) على
الستثناء .وأجاز الكسائي الخفض على البدل.
@قوله تعالى" :وإن لم ينتهوا" أي يكفوا عنن القول بالتثلينث ليمسننهم عذاب ألينم فني الدنينا
والخرة" .أفل يتوبون" تقريننر وتوبيننخ .أي فليتوبوا إليننه وليسننألوه سننتر ذنوبهننم؛ والمراد الكفرة
منهم .وإنما خص الكفرة بالذكر لنهم القائلون بذلك دون المؤمنين.
**3الية{ 75 :ما المسيح ابن مريم إل رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلن
الطعام انظر كيف نبين لهم اليات ثم انظر أنى يؤفكون}
@قوله تعالى" :منا المسنيح ابنن مرينم إل رسنول قند خلت منن قبله الرسنل" ابتداء وخنبر؛ أي منا
المسيح وإن ظهرت اليات على يديه فإنما جاء بها كما جاءت بها الرسل؛ فإن كان إلها فليكن كل
رسول إلها؛ فهذا رد لقولهم واحتجاج عليهم ،ثم بالغ في الحجة فقال" :وأمه صديقة" ابتداء وخبر
"كانا يأكلن الطعام" أي أنه مولود مربوب ،ومن ولدته النساء وكان يأكل الطعام مخلوق محدث
كسنائر المخلوقينن؛ ولم يدفنع هذا أحند منهنم ،فمتنى يصنلح المربوب لن يكون ربنا؟! وقولهنم :كان
يأكنل بناسنوته ل بلهوتنه فهذا منهنم مصنير إلى الختلط ،ول يتصنور اختلط إله بغينر إله ،ولو
جاز اختلط القديم بالمحدث لجاز أن يصير القديم محدثا ،ولو صح هذا في حق عيسى لصح في
حنق غيره حتنى يقال :اللهوت مخالط لكنل محدث .وقال بعنض المفسنرين فني قوله" :كاننا يأكلن
الطعام" إننه كناينة عنن الغائط والبول .وفنى هذا دللة على أنهمنا بشران .وقند اسنتدل منن قال :إن
مريم عليها السلم لم تكن نبية بقوله تعالى" :وأمه صديقة".
قلت :وفيه نظر ،فإنه يجوز أن تكون صديقة مع كونها نبية كإدريس عليه السلم؛ وقد مضى
فني "آل عمران" منا يدل على هذا .وال أعلم .وإنمنا قينل لهنا صنديقة لكثرة تصنديقها بآيات ربهنا
وتصديقها ولدها فيما أخبرها به؛ عن الحسن وغيره .وال أعلم.
@قوله تعالى" :انظنر كينف ننبين لهنم اليات" أي الدللت" .ثنم انظنر أننى يؤفكون" أي كينف
يصننرفون عننن الحننق بعنند هذا البيان؛ يقال :أفكننه يأفكننه إذا صننرفه .وفنني هذا رد على القدريننة
والمعتزلة.
**3الية{ 76 :قل أتعبدون من دون ال ما ل يملك لكم ضرا ول نفعا وال هو السميع العليم}
@قوله تعالى" :قل أتعبدون من دون ال ما ل يملك لكم ضرا ول نفعا" زيادة في البيان وإقامة
حجة عليهم؛ أي أنتم مقرون أن عيسى كان جنينا في بطن أمه ،ل يملك لحد ضرا ول نفعا ،وإذ
أقررتم أن عيسى كان في حال من الحوال ل يسمع ول يبصر ول يعلم ول ينفع ول يضر ،فكيف
اتخذتموه إلهنا؟" .وال هنو السنميع العلينم" أي لم يزل سنميعا عليمنا يملك الضنر والنفنع .ومنن كاننت
هذه صفته فهو الله على الحقيقة .وال أعلم.
**3الية{ 77 :قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا
من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}
@قوله تعالى" :قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق" أي ل تفرطوا كما أفرطت اليهود
والنصنارى فني عيسنى؛ غلو اليهود قولهم فني عيسنى ،ليس ولد رشدة ،وغلو النصنارى قولهنم :إنه
إله .والغلو مجاوزة الحد؛ وقد تقدم في (النساء) بيانه.
@قوله تعالى" :ول تتبعوا أهواء قوم" الهواء جمنع هوى وقند تقدم فني (البقرة) .وسنمي الهوى
هوى لنننه يهوى بصنناحبه فنني النار" .قنند ضلوا مننن قبننل" قال مجاهنند والحسننن :يعننني اليهود.
"وأضلوا كثيرا" أي أضلوا كثيرا منن الناس" .وضلوا عنن سنواء السنبيل" أي عنن قصند طرينق
محمد صلى ال عليه وسلم .وتكرير ضلوا على معنى أنهم ضلوا من قبل وضلوا من بعد؛ والمراد
السلف الذين سنوا الضللة وعملوا بها من رؤساء اليهود والنصارى.
**3الينة{ 78 :لعنن الذينن كفروا منن بنني إسنرائيل على لسنان داود وعيسنى ابنن مرينم ذلك بمنا
عصوا وكانوا يعتدون}
@قوله تعالى" :لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم" فيه مسألة
واحدة :وهني جواز لعنن الكافرينن وإن كانوا منن أولد الننبياء .وأن شرف النسنب ل يمننع إطلق
اللعننة فني حقهنم .ومعننى "على لسنان داود وعيسنى بنن مرينم" أي لعنوا فني الزبور والنجينل؛ فإن
الزبور لسننان داود ،والنجيننل لسننان عيسننى أي لعنهننم ال فنني الكتابيننن .وقنند تقدم اشتقاقهمننا .قال
مجاهند وقتادة وغيرهمنا :لعنهنم مسنخهم قردة وخنازينر .قال أبنو مالك :الذينن لعنوا على لسنان داود
مسنخوا قردة .والذينن لعنوا على لسنان عيسنى مسنخوا خنازينر .وقال ابنن عباس :الذينن لعنوا على
لسننان داود أصننحاب السننبت ،والذيننن لعنوا على لسننان عيسننى الذيننن كفروا بالمائدة بعنند نزولهننا.
وروي نحوه عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم .وقينل :لعنن السنلف والخلف ممنن كفنر بمحمند
صنلى ال علينه وسنلم على لسنان داود وعيسنى؛ لنهمنا أعلمنا أن محمدا صنلى ال علينه وسنلم ننبي
مبعوث فلعنا من يكفر به.
@قوله تعالى" :ذلك بمنا عصنوا" ذلك فني موضنع رفنع بالبتداء أي ذلك اللعنن بمنا عصنوا؛ أي
بعصنننيانهم .ويجوز أن يكون على إضمار مبتدأ؛ أي المنننر ذلك .ويجوز أن يكون فننني موضنننع
نصب أي فعلنا ذلك بهم لعصيانهم واعتدائهم.
**3الية{ 79 :كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}
@قوله تعالى" :كانوا ل يتناهون" أي ل ينهى بعضهم بعضا" :لبئس ما كانوا يفعلون" ذم لتركهم
النهني ،وكذا منن بعدهنم يذم منن فعنل فعلهنم .خرج أبنو داود عنن عبدال بنن مسنعود قال قال رسنول
ال صنلى ال علينه وسنلم[ :إن أول منا دخنل النقنص على بنني إسنرائيل كان الرجنل أول منا يلقنى
الرجل فيقول يا هذا اتق ال ودع ما تصنع فإنه ل يحل لك ثم يلقاه من الغد فل يمنعه ذلك أن يكون
أكيله وشريبنه وقعيده فلمنا فعلوا ذلك ضرب ال قلوب بعضهنم ببعنض] ثنم قال" :لعنن الذينن كفروا
منن بنني إسنرائيل على لسنان داود وعيسنى بنن مرينم ذلك بمنا عصنوا وكانوا يعتدون" إلى قوله:
"فاسنقون" ثنم قال[ :كل وال لتأمرن بالمعروف ولتنهون عنن المنكنر ولتأخذن على يدي الظالم
ولتأطرنننه على الحننق ولتقصننرنه على الحننق قصننرا أو ليضربننن ال بقلوب بعضكننم على بعننض
وليلعننكم كما لعنهم] وخرجه الترمذي أيضا .ومعنى لتأطرنه لتردنه.
@ قال ابنن عطينة :والجماع منعقند على أن النهني عنن المنكنر فرض لمنن أطاقنه وأمنن الضرر
على نفسنه وعلى المسنلمين؛ فإن خاف فينكنر بقلبنه ويهجنر ذا المنكنر ول يخالطنه .وقال حذاق أهنل
العلم :ولينس منن شرط الناهني أن يكون سنليما عنن معصنية بنل ينهنى العصناة بعضهنم بعضنا .وقال
بعننض الصننوليين :فرض على الذيننن يتعاطون الكؤوس أن ينهننى بعضهننم بعضننا واسننتدلوا بهذه
الينة؛ قالوا :لن قوله" :كانوا ل يتناهون عنن المنكنر فعلوه" يقتضني اشتراكهنم فني الفعنل وذمهنم
على ترك التناهني .وفني الينة دلينل على النهني عنن مجالسنة المجرمينن وأمنر بتركهنم وهجرانهنم.
وأكند ذلك بقوله فني النكار على اليهود" :ترى كثيرا منهنم يتولون الذينن كفروا" "ومنا" منن قوله:
"ما كانوا" يجوز أن تكون في موضع نصب وما بعدها نعت لها؛ التقدير لبئس شيئا كانوا يفعلونه.
أو تكون في موضع رفع وهي بمعنى الذي.
**3الينة{ 80 :ترى كثيرا منهنم يتولون الذينن كفروا لبئس منا قدمنت لهنم أنفسنهم أن سنخط ال
عليهم وفي العذاب هم خالدون}
@قوله تعالى" :ترى كثيرا منهم" أي من اليهود؛ قيل :كعب بن الشرف وأصحابه .وقال مجاهد:
يعنني المنافقينن "يتولون الذينن كفروا" أي المشركينن؛ وليسنوا على دينهنم" .لبئس منا قدمنت لهنم
أنفسهم" أي سولت وزينت .وقيل :المعنى لبئس ما قدموا لنفسهم ومعادهم" .أن سخط ال عليهم"
"أن" فني موضنع رفنع على إضمار مبتدأ كقولك :بئس رجل زيند .وقينل :بدل منن "منا" فني قوله
"لبئس" على أن تكون "ما" نكرة فتكون رفعا أيضا .ويجوز أن تكون في موضع نصب بمعنى
لن سخط ال عليه" :وفي العذاب هم خالدون" ابتداء وخبر.
**3الينة - 81 :ولو كانوا يؤمنون بال والننبي ومنا أنزل إلينه منا اتخذوهنم أولياء ولكنن كثيرا
منهم فاسقون}
@قوله تعالى" :ولو كانوا يؤمنون بال والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء" يدل بهذا على أن
من اتخذ كافرا وليا فليس بمؤمن إذا اعتقد اعتقاده ورضي أفعاله" .ولكن كثيرا منهم فاسقون" أي
خارجون عن اليمان بنبيهم لتحريفهم ،أو عن اليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم لنفاقهم.
**3الية{ 82 :لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة
للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم ل يستكبرون}
@قوله تعالى" :لتجدن أشند الناس عداوة للذينن آمنوا اليهود" اللم لم القسنم ودخلت النون على
قول الخليل وسيبويه فرقا بين الحال والمستقبل" .عداوة" نصب على البيان وكذا "ولتجدن أقربهم
مودة للذينن آمنوا الذينن قالوا إننا نصنارى" وهذه الينة نزلت فني النجاشني وأصنحابه لمنا قدم عليهنم
المسنلمون فني الهجرة الولى -حسنب منا هنو مشهور فني سنيرة ابنن إسنحاق وغيره -خوفنا منن
المشركينن وفتنتهنم؛ وكانوا ذوي عدد .ثنم هاجنر رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم إلى المديننة بعند
ذلك فلم يقدروا على الوصول إليه ،حالت بينهم وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم الحرب .فلما
كاننت وقعنة بدر وقتنل ال فيهنا صنناديد الكفار ،قال كفار قرينش :إن ثأركنم بأرض الحبشنة ،فاهدوا
إلى النجاشني وابعثوا إلينه رجلينن منن ذوي رأيكنم لعله يعطيكنم منن عنده فتقتلونهنم بمنن قتنل منكنم
ببدر ،فبعنث كفار قرينش عمرو بنن العاص وعبدال بنن أبني ربيعنة بهداينا ،فسنمع الننبي صنلى ال
عليه وسلم بذلك ،فبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ،وكتب معه إلى
النجاشني ،فقدم على النجاشني ،فقرأ كتاب رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم ،ثنم دعنا جعفنر بنن أبني
طالب والمهاجرين ،وأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم .ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهنم القرآن
فقرأ سورة (مريم) فقاموا تفيض أعينهم من الدمع ،فهم الذين أنزل ال فيهم "ولتجدن أقربهم مودة
للذينن آمنوا الذينن قالوا إننا نصنارى" وقرأ "إلى الشاهدينن" رواه أبنو داود .قال :حدثننا محمند بنن
سلمة المرادي قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبدالرحمن
بنن الحرث بنن هشام ،وعنن سنعيد بنن المسنيب وعنن عروة بنن الزبينر ،أن الهجرة الولى هجرة
المسنلمين إلى أرض الحبشنة ،وسناق الحدينث بطوله .وذكنر البيهقني عنن ابنن إسنحاق قال :قدم على
النبي صلى ال عليه وسلم عشرون رجل وهو بمكة أو قريب من ذلك ،من النصارى حين ظهر
خبره من الحبشة ،فوجدوه في المسجد فكلموه وسألوه ،ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة
فلمنا فرغوا منن مسنألتهم رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم عمنا أرادوا ،دعاهنم رسنول ال صنلى ال
عليننه وسننلم إلى ال عننز وجننل ،وتل عليهننم القرآن ،فلمننا سننمعوه فاضننت أعينهننم مننن الدمننع ،ثننم
استجابوا له وآمنوا به وصدقوه ،وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره ،فلما قاموا
من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا :خيبكم ال من ركب! بعثكم من وراءكم من
أهننل دينكننم ترتادون لهننم فتأتونهننم بخننبر الرجننل ،فلم تظهننر مجالسننتكم عنده حتننى فارقتننم دينكننم
وصنندقتموه ،بمننا قال لكننم ،مننا نعلم ركبننا أحمننق منكننم -أو كمننا قال لهننم -فقالوا :سننلم عليكننم ل
نجاهلكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ،ل نألوا أنفسنا خيرا .فيقال :إن النفر النصارى من أهل .نجران،
ويقال :إن فيهننم نزلت هؤلء اليات "الذيننن آتيناهننم الكتاب مننن قبله هننم بننه يؤمنون" [القصننص:
]52إلى قوله" :ل نبتغي الجاهلين" [القصص ]55 :وقيل :إن جعفرا وأصحابه قدم على النبي
صلى ال عليه وسلم في سبعين رجل عليهم ثياب الصوف ،فيهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية
منن أهنل الشام وهنم بحيراء الراهنب وإدرينس وأشرف وأبرهنة وثمامنة وقثنم ودريند وأيمنن ،فقرأ
عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم سورة "يس" إلى آخرها ،فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا،
وقالوا :منا أشبنه هذا بمنا كان ينزل على عيسنى فنزلت فيهنم "لتجدن أشند الناس عداوة للذينن آمنوا
اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى" يعني وفد النجاشي
وكانوا أصنحاب الصنوامع .وقال سنعيد بنن جنبير :وأنزل ال فيهنم أيضنا "الذينن آتيناهنم الكتاب منن
قبله هم به يؤمنون" [القصص ]52 :إلى قوله" :أولئك يؤتون أجرهم مرتين" [القصص]54 :
إلى آخر الية .وقال مقاتل والكلبي :كانوا أربعين رجل من أهل نجران من بني الحرث بن كعب،
واثنان وثلثون منن الحبشنة ،وثمانينة وسنتون منن أهنل الشام .وقال قتادة :نزلت فني ناس منن أهنل
الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى ،فلما بعث ال محمدا صلى ال عليه وسلم
آمنوا به فأثنى ال عليهم.
@قوله تعالى" :ذلك بأن منهنم قسنيسين" واحند "القسنيسين" قنس وقسنيس؛ قال قطرب .والقسنيس
العالم؛ وأصله من قس إذا تتبع الشيء فطلبه؛ قال الراجز:
يصبحن عن قس الذى غوافل
وتقسمت أصواتهم بالليل تسمعتها .والقس النميمة .والقس أيضا رئيس من رؤساء النصارى فني
الدينن والعلم ،وجمعنه قسنوس ،وكذلك القسنيس مثنل الشنر والشرينر فالقسنيسون هنم الذينن يتبعون
العلماء والعباد .ويقال فني جمنع قسنيس مكسنرا :قسناوسة أبدل منن إحدى السنينين واوا وقسناوسة
أيضنا كمهالبنة .والصنل قسناسسة فأبدلوا إحدى السنينات واوا لكثرتهنا .ولفنظ القسنيس إمنا أن يكون
عربيا ،وإما أن يكون بلغة الروم ولكن خلطته العرب بكلمهم فصار من لغتهم إذ ليس في الكتاب
ما ليس من لغة العرب كما تقدم .وقال أبو بكر النباري :حدثنا أبي حدثنا نصر بن داود حدثنا أبو
عبيد ،قال :حدثت عن معاوية بن هشام عن نصير الطائي عن الصلت عن حامية بن رباب قال:
قلت لسنلمان "بأن منهنم قسنيسين ورهباننا" فقال :دع القسنيسين فني الصنوامع والمحراب أقرأنيهنا
رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم "بأن منهنم صنديقين ورهباننا" .وقال عروة بنن الزبينر :ضيعنت
النصنارى النجينل ،وأدخلوا فينه منا لينس مننه؛ وكانوا أربعنة نفنر الذينن غيروه؛ لوقاس ومرقوس
ويحنس ومقبوس وبقي قسيس على الحق وعلى الستقامة ،فمن كان على دينه وهديه فهو قسيس.
@قوله تعالى" :ورهبانا" الرهبان جمع راهب كركبان وراكب .قال النابغة:
عبدالله صرورة متعبد لو أنها عرضت لشمط راهب
ولخاله رشدا وإن لم يرشد لرنا لرؤيتها وحسن حديثها
والفعل منه رهب ال يرهبه أي خافه رهبا ورهبا ورهبة .والرهبانية والترهب التعبد في صومعة.
قال أبننو عبينند :وقنند يكون (رهبان) للواحنند والجمننع؛ قال الفراء :ويجمننع (رهبان) إذا كان للمفرد
رهابنة ورهابين كقربان وقرابين؛ قال جرير في الجمع:
والعصم من شعف العقول الفادر رهبان مدين لو رأوك تنزلوا
الفادر المسنن منن الوعول .ويقال :العظينم ،وكذلك الفدور والجمنع فدر وفدور وموضعهنا المفدرة؛
قال الجوهري .وقال آخر في التوحيد:
لنحدر الرهبان يسعى ويصل لو أبصرت رهبان دير في الجبل
منن الصنلة .والرهابنة على وزن السنحابة عظنم فني الصند مشرف على البطنن مثنل اللسنان .وهذا
المدح لمنن آمنن منهنم بمحمند صنلى ال علينه وسنلم دون منن أصنر على كفره ولهذا قال" :وأنهنم ل
يستكبرون" أي عن النقياد إلى الحق.
**3الية{ 83 :وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من
الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين}
@قوله تعالى" :وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع" أي بالدمع وهو
في موضع الحال؛ وكذا "يقولون" .وقال امرؤ القيس:
على النحر حتى بل دمعي محملي ففاضت دموع العين مني صبابة
وخنننبر مسنننتفيض إذا كثنننر وانتشنننر كفينننض الماء عنننن الكثرة .وهذه أحوال العلماء يبكون ول
يصننعقون ،ويسننألون ول يصننيحون ،ويتحازنون ول يتموتون؛ كمننا قال تعالى" :ال نزل أحسننن
الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر
ال" [الزمر ]23 :وقال" :إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم" .وفي النفال يأتي بيان
هذا المعنى إن شاء ال تعالى .وبين ال سبحانه في هذه اليات أن أشد الكفار تمردا وعتوا وعداوة
للمسلمين اليهود ،ويضاهيهم المشركون ،وبين أن أقربهم مودة النصارى .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فاكتبنا مع الشاهدين" أي مع أمة محمد صلى ال عليه وسلم الذين يشهدون بالحق
منن قوله عنز وجنل" :وكذلك جعلناكنم أمنة وسنطا لتكونوا شهداء على الناس" [البقرة ]143:عنن
ابننن عباس وابننن جريننج .وقال الحسننن :الذيننن يشهدون باليمان .وقال أبننو علي :الذيننن يشهدون
بتصديق نبيك وكتابك .ومعنى "فاكتبنا" اجعلنا ،فيكون بمنزلة ما قد كتب ودون.
**3الينة{ 84 :ومنا لننا ل نؤمنن بال ومنا جاءننا منن الحنق ونطمنع أن يدخلننا ربننا منع القوم
الصالحين}
@قوله تعالى" :وما لنا ل نؤمن بال وما جاءنا من الحق" بين استبصارهم في الدين؛ أي يقولون
وما لنا ل نؤمن؛ أي وما لنا تاركين اليمان" .نؤمن" في موضع نصب على الحال" .ونطمع أن
يدخلنا ربننا مع القوم الصالحين" أي مع أمة محمد صلى ال عليه وسلم بدليل قوله" :أن الرض
يرثهنا عبادي الصنالحون" [الننبياء ]105 :يريند أمنة محمند صنلى ال علينه وسنلم .وفني الكلم
إضمار أي نطمنع أن يدخلننا ربننا الجننة .وقينل" :منع" بمعننى (فني) كمنا تذكنر (فني) بمعننى (منع)
تقول :كننت فيمنن لقني المينر؛ أي منع منن لقني المينر .والطمنع يكون مخففنا وغينر مخفنف؛ يقال:
طمع فيه طمعا وطعامة وطماعية مخفف فهو طمع.
**3اليتان{ 86 - 85 :فأثابهم ال بما قالوا جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها وذلك
جزاء المحسنين ،والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم}
@قوله تعالى" :فأثابهم ال بما قالوا جنات" دليل على إخلص إيمانهم وصدق مقالهم؛ فأجاب ال
سؤالهم وحقق طمعهم -وهكذا من خلص إيمانه وصدق يقينه يكون ثوابه الجنة .ثم قال" :والذين
كفروا" منن اليهود والنصنارى ومنن المشركينن "وكذبوا بآياتننا أولئك أصنحاب الجحينم" والجحينم
النار الشديدة التقاد .يقال :جحنم فلن النار إذا شدد إيقادهنا .ويقال أيضنا لعينن السند :جحمنة؛ لشدة
اتقادها .ويقال ذلك للحرب قال الشاعر:
التخيل والمراح والحرب ل يبقى لجاحمها
النجدات والفرس الوقاح إل الفتى الصبار في
**3الية{ 87 :يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل ال لكم ول تعتدوا إن ال ل يحب
المعتدين}
@ أسند الطبري إلى ابن عباس أن الية نزلت بسبب رجل أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال:
ينا رسنول ال إنني إذا أصنبت منن اللحنم انتشرت وأخذتنني شهوتني فحرمنت اللحنم؛ فأنزل ال هذه
الية .وقيل :إنها نزلت بسبب جماعة من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم منهم أبو بكر
وعلي وابن مسعود وعبدال بن عمر وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن السود
وسنلمان الفارسني ومعقنل بنن مقرن رضني ال عنهنم ،اجتمعوا فني دار عثمان بنن مظعون ،واتفقوا
على أن يصنننوموا النهار ويقوموا اللينننل ول يناموا على الفرش ،ول يأكلوا اللحنننم ول الودك ول
يقربوا النسناء والطينب ،ويلبسنوا المسنوح ويرفضوا الدنينا ويسنيحوا فني الرض ،ويترهبوا ويجبوا
المذاكير؛ فأنزل ال تعالى هذه الية .والخبار بهذا المعنى كثيرة وإن لم يكن فيها ذكر النزول
@ خرج مسلم عن أنس أن نفرا من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى
ال علينه وسنلم عنن عمله فني السنر؛ فقال بعضهنم :ل أتزوج النسناء؛ وقال بعضهنم :ل آكنل اللحنم؛
وقال بعضهم :ل أنام على الفراش؛ فحمد ال وأثنى عليه فقال[ :وما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني
أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني] .وخرجه البخاري
عنن أننس أيضنا ولفظنه قال :جاء ثلثنة رهنط إلى بيوت أزواج الننبي صنلى ال علينه وسنلم يسنألون
عن عبادته؛ فلما أخبروا كأنهم تقالوها -فقالوا :وأين نحن من النبي صلى ال عليه وسلم؟ قد غفر
ال له منن ذنبنه منا تقدم ومنا تأخنر .فقال أحدهنم :أمنا أننا فإنني أصنلي اللينل أبدا .وقال آخنر :أمنا أننا
فأصوم الدهر ول أفطر .وقال آخر :أما أنا فأعتزل النساء ول أتزوج أبدا .فجاء رسول ال صلى
ال علينه وسنلم فقال[ :أنتنم الذينن قلتنم كذا وكذا أمنا وال إنني لخشاكنم ل وأتقاكنم له لكنني أصنوم
وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني] .وخرجا عن سعد بن أبي
وقاص قال :أراد عثمان بنن مظعون أن يتبتنل فنهاه الننبي صنلى ال علينه وسنلم ولو أجاز له ذلك
لختصينا .وخرج المام أحمد بن حنبل رضي ال عنه في مسنده قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا
معان بن رفاعة ،قال حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي رضي ال عنه ،قال:
خرجنا مع رسول ال صنلى ال عليه وسلم فني سنرية من سنراياه؛ قال :فمنر رجل بغار فيه شيء
منن الماء فحدث نفسنه بأن يقينم فني ذلك الغار فيقوتنه منا كان فينه منن ماء ،ويصنيب منا حوله منن
البقنل ،ويتخلى عنن الدنينا؛ قال :لو أنني أتينت إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فذكرت له ذلك ،فإن
أذن لي فعلت وإل لم أفعل؛ فأتاه فقال :يا نبي ال إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل،
فحدثتنني نفسني بأن أقينم فينه وأتخلى عنن الدنينا؛ قال :فقال له الننبي صنلى ال علينه وسنلم [إنني لم
أبعنث باليهودينة ول النصنرانية ولكنني بعثنت بالحنيفينة السنمحة والذي نفنس محمند بيده لغدوة أو
روحة في سبيل ال خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلته ستين سنة].
@ قال علماؤنا رحمة ال عليهم في هذه الية وما شابهها والحاديث الواردة في معناها رد على
غلة المتزهدين ،وعلى أهل البطالة من المتصوفين؛ إذ كل فريق منهم قد عدل عن طريقه ،وحاد
عنن تحقيقنه؛ قال الطنبري :ل يجوز لحند منن المسنلمين تحرينم شينء ممنا أحنل ال لعباده المؤمنينن
على نفسنه منن طيبات المطاعنم والملبنس والمناكنح إذا خاف على نفسنه بإحلل ذلك بهنا بعنض
العننت والمشقنة؛ ولذلك رد الننبي صنلى ال علينه وسنلم التبتنل على ابنن مظعون فثبنت أننه ل فضنل
فني ترك شيء ممنا أحله ال لعباده ،وأن الفضل والبر إنما هو فني فعنل منا ندب عباده إليه ،وعمنل
به رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وسنة أمته ،واتبعه على منهاجه الئمة الراشدون ،إذ كان خير
الهدي هدي نبينننا محمنند صننلى ال عليننه وسننلم ،فإذا كان كذلك تننبين خطننأ مننن آثننر لباس الشعننر
والصوف على لباس القطن والكتان إذا قدر على لباس ذلك من حله ،وآثر أكل الخشن من الطعام
وترك اللحم وغيره حذرا من عارض الحاجة إلى النساء .قال الطبري :فإن ظن ظان أن الخير في
غينر الذي قلننا لمنا فني لباس الخشنن وأكله منن المشقنة على النفنس وصنرف منا فضنل بينهمنا منن
القيمنة إلى أهنل الحاجنة فقند ظنن خطنأ؛ وذلك أن الولى بالنسنان صنلح نفسنه وعوننه لهنا على
طاعة ربها ،ول شيء أضر للجسم من المطاعم الرديئة لنها مفسدة لعقله ومضعفة لدواته التي
جعلهننا ال سننببا إلى طاعتننه .وقنند جاء رجننل إلى الحسننن البصننري؛ فقال :إن لي جارا ل يأكننل
الفالوذج فقال :ولم؟ قال :يقول ل يؤدي شكره؛ فقال الحسننننن :أفيشرب الماء البارد؟ فقال :نعننننم.
فقال :إن جارك جاهنل ،فإن نعمنة ال علينه فني الماء البارد أكثنر منن نعمتنه علينه فني الفالوذج .قال
ابنن العربني قال علماؤننا :هذا إذا كان الدينن قوامنا ،ولم يكنن المال حرامنا؛ فأمنا إذا فسند الدينن عنند
الناس وعم الحرام فالتبتل أفضل ،وترك اللذات أولى ،وإذا وجد الحلل فحال النبي صلى ال عليه
وسلم أفضل وأعلى .قال المهلب :إنما نهى صلى ال عليه وسلم عن التبتل والترهب من أجل أنه
مكاثر بأمته المم يوم القيامة ،وأنه في الدنيا مقاتل بهم طوائف الكفار ،وفي آخر الزمان يقاتلون
الدجال؛ فأراد النبي صلى ال عليه وسلم أن يكثر النسل.
@قوله تعالى" :ول تعتدوا" قينل :المعننى ل تعتدوا فتحلوا منا حرم ال فالنهيان على هذا تضمننا
الطرفيننن؛ أي ل تشددوا فتحرموا حلل ،ول تترخصننوا فتحلوا حرامننا؛ قاله الحسننن البصننري.
وقينل :معناه التأكيند لقوله" :تحرموا"؛ قاله السندي وعكرمنة وغيرهمنا؛ أي ل تحرموا منا أحنل ال
وشرع .والول أولى .وال أعلم.
@ من حرم على نفسه طعاما أو شرابا أو أمة له ،أو شيئا مما أحل ال فل شيء عليه ،ول كفارة
في شيء من ذلك عند مالك؛ إل أنه إن نوى بتحريم المة .عتقها صارت حرة وحرم عليه وطؤها
إل بنكاح جديند بعند عتقهنا .وكذلك إذا قال لمرأتنه أننت علي حرام فإننه تطلق علينه ثلثنا؛ وذلك أن
ال تعالى قند أباح له أن يحرم امرأتنه علينه بالطلق صنريحا وكناينة ،وحرام منن كنايات الطلق.
وسنيأتي منا للعلماء فينه فني سنورة (التحرينم) إن شاء ال تعالى .وقال أبنو حنيفنة :إن منن حرم شيئا
صنار محرمنا علينه ،وإذا تناوله لزمتنه الكفارة؛ وهذا بعيند والينة ترد علينه .وقال سنعيد بنن جنبير:
لغو اليمين تحريم الحلل .وهو معنى قول الشافعي على ما يأتي.
**3الية{ 88 :وكلوا مما رزقكم ال حلل طيبا واتقوا ال الذي أنتم به مؤمنون}
@قوله تعالى" :وكلوا ممنا رزقكنم ال حلل طيبنا" فينه مسنألة واحدة :الكنل فني هذه الينة عبارة
عننن التمتننع بالكننل والشرب واللباس والركوب ونحننو ذلك .وخننص ،الكننل بالذكننر؛ لنننه أعظننم
المقصود وأخص النتفاعات بالنسان .وسيأتي بيان حكم الكل والشرب واللباس في "العراف"
إن شاء ال تعالى .وأمنا شهوة الشياء الملذة ،ومنازعنة النفنس إلى طلب النواع الشهينة ،فمذاهنب
الناس فني تمكينن النفنس منهنا مختلفنة؛ فمنهننم منن يرى صنرف النفنس عنهنا وقهرهنا عنن اتباع
شهواتها أحرى ليذل له قيادها ،ويهون عليه عندها؛ فإنه إذا أعطاها المراد يصير أسير شهواتها،
ومنقادا بانقيادهنا .حكني أن أبنا حازم كان يمنر على الفاكهنة فيشتهيهنا فيقول :موعدك الجننة .وقال
آخرون :تمكيننن النفننس مننن لذاتهننا أولى لمننا فيننه مننن ارتياحهننا ونشاطهننا بإدراك إرادتهننا .وقال
آخرون :بنل التوسنط فني ذلك أولى؛ لن فني إعطائهنا ذلك مرة ومنعهنا أخرى جمنع بينن المرينن؛
وذلك النصف من غير شين .وتقدم معنى العتداء والرزق في "البقرة" والحمد ل.
**3الينة{ 89 :ل يؤاخذكنم ال باللغنو فني أيمانكنم ولكنن يؤاخذكنم بمنا عقدتنم اليمان فكفارتنه
إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام
ثلثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين ال لكم آياته لعلكم تشكرون}
@قوله تعالى" :ل يؤاخذكنم ال باللغنو فني أيمانكنم" تقدم معننى اللغنو فني "البقرة" ومعننى "فني
أيمانكم" أي من أيمانكم ،واليمان جمع يمين .وقيل :ويمين فعيل من اليمن وهو البركة؛ سماها ال
تعالى بذلك؛ لنها تحفظ الحقوق .ويمين تذكر وتؤنث وتجمع أيمان وأيمن .قال زهير:
فتجمع أيمن منا ومنكم
@ واختلف في سبب نزول هذه الية؛ فقال ابن عباس :سبب نزولها القوم الذين حرموا طيبات
المطاعنم والملبنس والمناكنح على أنفسنهم ،حلفوا على ذلك فلمنا نزلت "ل تحرموا طيبات منا أحنل
ال لكم" قالوا :كيف نصنع بأيماننا؟ فنزلت هذه الية .والمعنى على هذا القول؛ إذا أتيتم باليمين ثم
ألغيتموهنا -أي أسنقطتم حكمهنا بالتكفينر وكفرتنم -فل يؤاخذكنم ال بذلك؛ وإنمنا يؤاخذكنم بمنا أقمتنم
عليننه فلم تلغوه؛ أي فلم تكفروا؛ فبان بهذا أن الحلف ل يحرم شيئا .وهننو دليننل الشافعنني على أن
اليمينن ل يتعلق بهنا تحرينم الحلل ،وأن تحرينم الحلل لغنو ،كمنا أن تحلينل الحرام لغنو مثنل قول
القائل :اسننتحللت شرب الخمننر ،فتقتضنني اليننة على هذا القول أن ال تعالى جعننل تحريننم الحلل
لغوا فنني أننه ل يحرم؛ فقال" :ل يؤاخذكننم ال باللغننو فنني أيمانكننم" أي بتحريننم الحلل .وروي أن
عبدال بننن رواحننة كان له أيتام وضيننف ،فانقلب مننن شغله بعنند سنناعة مننن الليننل .فقال :أعشيتننم
ضيفنني؟ فقالوا :انتظرناك؛ فقال :ل وال ل آكله الليلة؛ فقال ضيفننه :ومننا أنننا بالذي يأكننل؛ وقال
أيتامنه :ونحنن ل نأكنل؛ فلمنا رأى ذلك أكنل وأكلوا .ثنم أتنى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فأخنبره فقال
له" :أطعت الرحمن وعصيت الشيطان" فنزلت الية.
الثالثة :اليمان في الشريعة على أربعة أقسام :قسمان فيهما الكفارة ،وقسمان ل كفارة فيهما .خرج
الدارقطني في سننه ،حدثنا عبدال بن محمد بن عبدالعزيز حدثنا خلف بن هشام حدثنا عبثر عن
لينث عن حماد عن إبراهينم عن علقمنة عن عبدال ،قال :اليمان أربعنة ،يمينان يكفران ويمينان ل
يكفران؛ فاليمينان اللذان يُكفّران فالرجنل الذي يحلف وال ل أفعنل كذا وكذا فيفعنل ،والرجنل يقول
وال لفعلن كذا وكذا فل يفعننل ،واليمينان اللذان ل يكفران فالرجننل يحلف وال مننا فعلت كذا وكذا
وقند فعنل ،والرجنل يحلف لقد فعلت كذا وكذا ولم يفعله .قال ابنن عبدالبر :وذكر سفيان الثوري فني
(جامعنه) وذكره المروزي عننه أيضنا ،قال سنفيان :اليمان أربعنة؛ يمينان يكفران وهنو أن يقول
الرجننل وال ل أفعننل فيفعننل ،أو يقول وال لفعلن ثننم ل يفعننل؛ ويمينان ل يكفران وهننو أن يقول
الرجننل وال مننا فعلت وقنند فعننل ،أو يقول وال لقنند فعلت ومننا فعننل؛ قال المروزي :أمننا اليمينان
الوليان فل اختلف فيهما بين العلماء على ما قال سفيان؛ وأما اليمينان الخريان فقد اختلف أهل
العلم فيهمنا؛ فإن كان الحالف حلف على أننه لم يفعنل كذا وكذا ،أو أننه قند فعنل كذا وكذا عنند نفسنه
صنادقا يرى أننه على منا حلف علينه فل إثنم علينه ول كفارة علينه فني قول مالك وسنفيان الثوري
وأصننحاب الرأي وكذلك قال أحمنند وأبننو عبينند؛ وقال الشافعنني ل إثننم عليننه وعليننه الكفارة .قال
المروزي :ولينس قول الشافعني فني هذا بالقوي .قال :وإن كان الحالف على أننه لم يفعنل هذا وكذا
وقنند فعننل متعمدا للكذب فهننو آثننم ول كفارة عليننه فنني قول عامننة العلماء :مالك وسننفيان الثوري
وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وأبي ثور وأبي عبيد .وكان الشافعي يقول يُكفّر؛ قال :وقد روي
عنن بعنض التابعينن مثنل قول الشافعني .قال المروزي :أمينل إلى قول مالك وأحمند .قال :فأمنا يمينن
اللغننو الذي اتفننق عامننة العلماء على أنهننا لغننو فهننو قول الرجننل :ل وال ،وبلى وال ،فنني حديثننه
وكلمه غير منعقد لليمين ول مريدها .قال الشافعي :وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة.
@قوله تعالى" :ولكن يؤاخذكم بما عقدتنم اليمان" مخفف القاف من العقد ،والعقد على ضربين
حسي كعقد الحبل ،وحكمي كعقد البيع؛ قال الشاعر:
شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم
فاليمين المنعقدة منفعلة من العقد ،وهي عقد القلب في المستقبل أل يفعل ففعل؛ أو ليفعلن فل يفعل
كمنا تقدم .فهذه التني يحلهنا السنتثناء والكفارة على منا يأتني .وقرئ "عاقدتنم" بألف بعند العينن على
وزن فاعل وذلك ل يكون إل من اثنين في الكثر ،وقد يكون الثاني من حلف لجله في كلم وقع
معنه ،أو يكون المعننى بمنا عاقدتنم علينه اليمان؛ لن عاقند قرينب منن معننى عاهند فعدي بحرف
الجنر ،لمنا كان فني معننى عاهند ،وعاهند يتعدى إلى مفعولينن الثانني منهمنا بحرف جنر؛ قال ال
تعالى" :ومن أوفى بما عاهد عليه ال" [الفتح ]10 :وهذا كما عديت "ناديتم إلى الصلة" بإلى،
وبابها أن تقول ناديت زيدا "وناديناه من جانب الطور اليمن" [مريم ]52 :لكن لما كانت بمعنى
دعوت عدي بإلى؛ قال ال تعالى" :ومنن أحسنن قول ممنن دعنا إلى ال" [فصنلت ]33 :ثنم اتسنع
فنني قوله تعالى" :عاقدتننم علينه اليمان" .فحذف حرف الجننر؛ فوصنل الفعننل إلى المفعول فصننار
عاقدتموه ،ثنم حذفنت الهاء كمنا حذفنت منن قوله تعالى" :فاصندع بمنا تؤمنر" [الحجنر .]94 :أو
يكون فاعل بمعنى فعل كما قال تعالى" :قاتلهم ال" [التوبة ]30:أي قتلهم .وقد تأتي المفاعلة في
كلم العرب منن واحند بغينر معننى (فاعلت) كقولهنم :سنافرت وظاهرت .وقرئ "عقدتنم" بتشديند
القاف .قال مجاهند :معناه تعمدتنم أي قصندتم .وروي عن ابنن عمنر أن التشديند يقتضي التكرار فل
تجنب علينه الكفارة إل إذا كرر .وهذا يرده منا روي أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم قال[ :إنني وال
إن شاء ال ل أحلف على يميننن فأرى غيرهننا خيرا منهننا إل أتيننت الذي هننو خيننر وكفرت عننن
يمينني] .فذكنر وجوب الكفارة فني اليمينن التني لم تتكرر .قال أبنو عبيند :التشديند يقتضني التكرينر
مرة بعند مرة ،ولسنت آمنن أن يلزم منن قرأ بتلك القراءة أل توجنب علينه كفارة فني اليمينن الواحدة
حتى يرددها مرارا .وهذا قول خلف الجماع .وروى نافع أن ابن عمر كان إذا حنث من غير أن
يؤكند اليمينن أطعنم عشرة مسناكين ،فإذا وكند اليمينن أعتنق رقبنة .قينل لنافنع منا معننى وكند اليمينن؟
قال :أن يحلف على الشيء مرارا.
@ اختلف فني اليمينن الغموس هنل هني يمينن منعقدة أم ل؟ فالذي علينه الجمهور أنهنا يمينن مكنر
وخديعنة وكذب فل تنعقند ول كفارة فيهنا .وقال الشافعني :هني يمينن منعقدة؛ لنهنا مكتسنبة بالقلب،
معقودة بخبر ،مقرونة باسم ال تعالى ،وفيها الكفارة .والصحيح الول .قال ابن المنذر :وهذا قول
مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة ،وبه قال الوزاعي ومن وافقه من أهل الشام ،وهو قول
الثوري وأهل العراق ،وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد ،وأصحاب الحديث وأصحاب
الرأي من أهل الكوفة؛ قال أبو بكر :وقول النبي صلى ال عليه وسلم[ :من حلف على يمين فرأى
غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه] وقوله[ :فليكفر عن يمينه ويأتي الذي هو
خير] يدل على أن الكفارة إنما تجب فيمن حلف على فعل يفعله مما يستقبل فل يفعله ،أو على فعل
أل يفعله فيما يستقبل فيفعله.
وفني المسنألة قول ثان وهنو أن يكفنر وإن أثنم وعمند الحلف بال كاذبنا؛ هذا قول الشافعني .قال أبنو
بكننر :ولنعلم خننبرا يدل على هذا القول ،والكتاب والسنننة دالن على القول الول؛ قال ال تعالى:
"ول تجعلوا ال عرضة ليمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس" [البقرة ]224 :قال ابن
عباس :هنو الرجنل يحلف أل يصنل قرابتنه فجعنل ال له مخرجنا فني التكفينر ،وأمره أل يعتنل بال
وليكفر عن يمينه .والخبار دالة على أن اليمين التي يحلف بها الرجل يقتطع بها مال حراما هي
أعظننم مننن أن يكفرهننا مننا يكفننر اليميننن .قال ابننن العربنني :اليننة وردت بقسننمين :لغننو ومنعقدة،
وخرجت على الغالب في أيمان الناس فدع ما بعدها يكون مائة قسم فإنه لم تلعق عليه كفارة.
قلت :خرج البخاري عنن عبدال بنن عمرو قال :جاء أعرابني إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم
فقال :ينا رسنول ال منا الكبائر؟ قال[ :الشراك بال] قال :ثنم ماذا؟ قال[ :عقوق الوالدينن] قال :ثنم
ماذا؟ قال[ :اليمين الغموس] قلت :وما اليمين الغموس؟ قال[ :التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو
فيها كاذب] .وخرج مسلم عن أبي أمامة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال[ :من اقتطع حق
امرئ مسنلم بيميننه فقند أوجنب ال له النار وحرم علينه الجننة] فقال رجنل :وإن كان شيئا يسنيرا ينا
رسنول ال؟ قال[:وإن كان قضيبنا منن أراك] .ومنن حدينث عبدال بنن مسنعود؛ فقال ينا رسنول ال
صلى ال عليه وسلم[ :من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي ال
وهنو علينه غضبان] .فنزلت "إن الذينن يشترون بعهند ال وأيمانهنم ثمننا قليل" [آل عمران]77:
إلى آخر الية ولم يذكر كفارة ،فلو أوجبنا عليه كفارة لسقط جرمه ،ولقي ال وهو عنه راض ،ولم
يسنتحق الوعيند المتوعند علينه؛ وكينف ل يكون ذلك وقند جمنع هذا الحالف الكذب ،واسنتحلل مال
الغينر ،والسنتخفاف باليمينن بال تعالى ،والتهاون بهنا وتعظينم الدنينا؟ فأهان منا عظمنه ال ،وعظنم
منا حقره ال وحسنبك .ولهذا قينل :إنمنا سنميت اليمينن الغموس غموسنا لنهنا تغمنس صناحبها فني
النار.
@ الحالف بأل يفعنل على بر منا لم يفعنل ،فإن فعنل حننث ولزمتنه الكفارة لوجود المخالفنة مننه؛
وكذلك إذا قال إن فعلت .وإذا حلف بأن ليفعلن فإنه في الحال على حنث لوجود المخالفة ،فإن فعل
بر ،وكذلك إن قال إن لم أفعل.
@ قول الحالف :لفعلن؛ وإن لم أفعل ،بمنزلة المر وقوله :ل أفعل ،وإن فعلت ،بمنزلة النهي.
ففني الول ل ينبر حتنى يفعنل جمينع المحلوف علينه :مثاله لكلن هذا الرغينف فأكنل بعضنه ل ينبر
حتنى يأكنل جميعنه :لن كنل جزء مننه محلوف علينه .فإن قال :وال لكلن -مطلقنا -فإننه ينبر بأقنل
جزء ممنا يقنع علينه السنم؛ لدخال ماهينة الكنل فني الوجود .وأمنا فني النهني فإننه يحننث بأقنل منا
ينطلق علينه السننم؛ لن مقتضاه أل يدخننل فرد منن أفراد المنهننى عننه فنني الوجود؛ فإن حلف أل
يدخنل دارا فأدخنل إحدى رجلينه حننث؛ والدلينل علينه أننا وجدننا الشارع غلظ جهنة التحرينم بأول
السم في قوله تعالى" :ول تنكحوا ما نكح آباؤكم" [النساء ]22 :؛ فمن عقد على امرأة ولم يدخل
بها حرمت على أبيه وابنه ،ولم يكتف في جهة التحليل بأول السم فقال[ :ل حتى تذوقي عسيلته].
@ المحلوف بنه هنو ال سنبحانه وأسنماؤه الحسننى ،كالرحمنن والرحينم والسنميع والعلينم والحلينم،
ونحنو ذلك منن أسنمائه وصنفاته العلينا ،كعزتنه وقدرتنه وعلمنه وإرادتنه وكنبريائه وعظمتنه وعهده
وميثاقنه وسنائر صنفات ذاتنه؛ لنهنا يمينن بقدينم غينر مخلوق ،فكان الحالف بهنا كالحالف بالذات.
روى الترمذي والنسائي وغيرهما أن جبريل عليه السلم لما نظر إلى الجنة ورجع إلى ال تعالى
قال :وعزتك ل يسمع بها أحد إل دخلها ،وكذلك قال في النار :وعزتك ل يسمع بها أحدا فيدخلها.
وخرجنا أيضنا وغيرهمنا عنن ابنن عمنر قال :كاننت يمينن الننبي صنلى ال علينه وسنلم [ل ومقلب
القلوب] وفى رواية [ل ومصرف القلوب] وأجمع أهل العلم على أن من حلف فقال :وال أو بال
أو تال فحنث أن عليه الكفارة .قال ابن المنذر :وكان مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وإسحاق
وأصنحاب الرأي يقولون :منن حلف باسنم منن أسنماء ال وحننث فعلينه الكفارة ،وبنه نقول ول أعلم
في ذلك خلفا.
قلت :قد نقل (في باب ذكر الحلف بالقرآن)؛ وقال يعقوب :من حلف بالرحمن فحنث فل كفارة
عليه.
قلت :والرحمن من أسمائه سبحانه مجمع عليه ول خلف فيه.
@ واختلفوا فني وحنق ال وعظمنة ال وقدرة ال وعلم ال ولعمنر ال واينم ال؛ فقال مالك :كلهنا
أيمان تجنب فيهنا الكفارة .وقال الشافعني :فني وحنق ال وجلل ال وعظمنة ال وقدرة ال ،يمينن إن
نوى بهنا اليمينن ،وإن لم يرد اليمينن فليسنت بيمينن؛ لننه يحتمنل وحنق ال واجنب وقدرتنه ماضينة.
وقال فني أماننة ال :ليسنت بيمينن ،ولعمنر ال واينم ال إن لم يرد بهنا اليمينن فليسنت بيمينن .وقال
أصننحاب الرأي إذا قال :وعظمننة ال وعزة ال وجلل ال وكننبرياء ال وأمانننة ال فحنننث فعليننه
الكفارة .وقال الحسنن فني وحنق ال :ليسنت بيمينن ول كفارة فيهنا؛ وهنو قول أبني حنيفنة حكاه عننه
الرازي .وكذلك عهنند ال وميثاقننه وأمانتننه ليسننت بيميننن .وقال بعننض أصننحابه هنني يميننن .وقال
الطحاوي :ليسنت بيمينن ،وكذا إذا قال :وعلم ال لم يكنن يميننا فني قول أبني حنيفنة ،وخالفنه صناحبه
أبننو يوسننف فقال :يكون يمينننا .قال ابننن العربنني :والذي أوقعننه فنني ذلك أن العلم قنند ينطلق على
المعلوم وهنو المحننث فل يكون يميننا .وذهنل عنن أن القدرة تنطلق على المقدور ،فكنل كلم له فني
المقدور فهنو حجتننا فني المعلوم .قال ابنن المنذر :وثبنت أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال:
[واينم ال أن كان لخليقنا للمارة] فني قصنة زيند وابننه أسنامة .وكان ابنن عباس يقول :واينم ال؛
وكذلك قال ابن عمر .وقال إسحاق :إذا أراد بأيم ال يمينا كانت يمينا بالرادة وعقد القلب.
@ واختلفوا في الحلف بالقرآن؛ فقال ابن مسعود :عليه بكل آية يمين؛ وبه قال الحسن البصري
وابن المبارك .وقال أحمد :ما أعلم شيئا يدفعه .وقال أبو عبيد :يكون يمينا واحدة .وقال أبو حنيفة:
ل كفارة عليه .وكان قتادة يحلف بالمصحف .وقال أحمد وإسحاق ل نكره ذلك.
@ ل تنعقد اليمين بغير ال تعالى وأسمائه وصفاته .وقال أحمد بن حنبل :إذا حلف بالنبي صلى
ال عليه وسلم انعقدت يمينه؛ لنه حلف بما ل يتم اليمان إل به فتلزمه الكفارة كما لو حلف بال.
وهذا يرده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه أدرك عمر بن
الخطاب في ركب وعمر يحلف بأبيه ،فناداهم رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :أل إن ال ينهاكم
أن تحلفوا بآبائكنم فمنن كان حالفنا فليحلف بال أو ليصنمت] وهذا حصنر فني عدم الحلف بكنل شينء
سوى ال تعالى وأسمائه وصفاته كما ذكرنا .ومما يحقق ذلك ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما
عننن أبنني هريرة قال قال رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم[ :ل تحلفوا بآبائكننم ول بأمهاتكننم ول
بالنداد ول تحلفوا إل بال إل وأنتنم صنادقون] ثنم ينتقنض علينه بمنن قال :وآدم وإبراهينم فإننه ل
كفارة عليه ،وقد حلف بما ل يتم اليمان إل به.
@ روى الئمة واللفظ لمسلم عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :من حلف
منكنم فقال فني حلفه باللت فليقل ل إله إل ال ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصندق] .وخرج
النسنائي عنن مصنعب بنن سنعد عنن أبينه قال :كننا نذكنر بعنض المنر وأننا حدينث عهند بالجاهلينة
فحلفنت باللت والعزى ،فقال لي بعنض أصنحاب رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم :بئس منا قلت:
وفي رواية قلت هجرا؛ فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال[ :قل ل إله إل
ال وحده ل شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وانفث عن يسارك ثلثا وتعوذ
بال من الشيطان ثم ل تعد] .قال العلماء :فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم من نطق بذلك أن
يقول بعده ل إله إل ال تكفيرا لتلك اللفظننة ،وتذكيرا مننن الغفلة ،وإتمامننا للنعمننة .وخننص اللت
بالذكر لنها أكثر ما كانت تجري على ألسنتهم ،وحكم غيرها من أسماء آلهتهم حكمها إذ ل فرق
بينهنا ،وكذا منن قال لصناحبه :تعال أقامرك فليتصندق فالقول فينه كالقول فني اللت؛ لنهنم كانوا
اعتادوا المقامرة وهي من أكل المال بالباطل.
@ قال أبو حنيفة في الرجل يقول :هو يهودي أو نصراني أو بريء من السلم أو من النبي أو
من القرآن أو أشرك بال أو أكفر بال :إنها يمين تلزم فيها الكفارة ،ول تلزم فيما إذا قال :اليهودية
والنصرانية والنبي والكعبة وإن كانت على صيغة اليمان .ومتمسكه ما رواه الدارقطني عن أبي
رافع أن مولته أرادت أن تفرق بينه وبين امرأته فقالت :هي يوما يهودية ،ويوما نصرانية ،وكل
مملوك لها حر؛ وكل مال لها في سبيل ال ،وعليها مشي إلى بيت ال إن لم تفرق بينهما ،فسألت
عائشنة وحفصنة وابنن عمنر وابنن عباس وأم سنلمة فكلهنم قال لهنا :أتريدينن أن تكونني مثنل هاروت
وماروت؟ وأمروهننا أن تكفننر عننن يمينهننا وتخلي بينهمننا .وخرج أيضننا عنننه قال :قالت مولتنني
لفرقن بينك وبين امرأتك ،وكل مال لها في رتاج الكعبة وهي يوما يهودية ويوما نصرانية ويوما
مجوسية إن لم أفرق بينك وبين امرأتك؛ قال :فانطلقت إلى أم المؤمنين أم سلمة فقلت :إن مولتي
ترينند أن تفرق بيننني وبيننن امرأتنني؛ فقالت انطلق إلى مولتننك فقننل لهننا :إن هذا ل يحننل لك؛ قال:
فرجعنت إليهنا؛ قال ثنم أتينت ابنن عمنر فأخنبرته فجاء حتنى انتهنى إلى الباب فقال :ههننا هاروت
وماروت؛ فقالت :إنني جعلت كنل مال لي فني رتاج الكعبنة .قال :فمنم تأكلينن؟ قالت :وقلت أننا يومنا
يهودينة ويومنا نصنرانية ويومنا مجوسنية؛ فقال :إن تهودت قتلت وإن تنصنرت قتلت وإن تمجسنت
قتلت؛ قالت :فمنا تأمرنني؟ قال :تكفرينن عنن يميننك ،وتجمعينن بينن فتاك وفتاتنك .وأجمنع العلماء
على أن الحالف إذا قال :أقسنم بال أنهنا يمينن .واختلفوا إذا قال أقسنم أو أشهند ليكون كذا وكذا ولم
يقنل بال فإنهنا تكون أيماننا عنند مالك إذا أراد بال ،وإن لم يرد بال لم تكنن أيماننا تكفنر .وقال أبنو
حنيفنة والوزاعني والحسنن والنخعني :هني أيمان فني الموضعينن .وقال الشافعني :ل تكون أيماننا
حتى يذكر اسم ال تعالى؛ هذه رواية المزني عنه .وروى عنه الربيع مثل قول مالك.
@ إذا قال :أقسنمت عليك لتفعلن؛ فإن أراد سؤاله فل كفارة فيه وليست بيمين؛ وإن أراد اليمين
كان ما ذكرناه آنفا.
@ منن حلف بمنا يضاف إلى ال تعالى ممنا لينس بصنفة كقوله :وخلق ال ورزقنه وبيتنه ل شينء
عليه؛ لنها أيمان غير جائزة ،وحلف بغير ال تعالى.
@ إذا انعقدت اليمين حلتها الكفارة أو الستثناء .وقال ،ابن الماجشون :الستثناء بدل عن الكفارة
وليست حل لليمين .قال ابن القاسم :هي حل لليمين؛ وقال ابن العربي :وهو مذهب فقهاء المصار
وهنو الصنحيح؛ وشرطنه أن يكون متصنل منطوقنا بنه لفظنا؛ لمنا رواه النسنائي وأبنو داود عنن ابنن
عمنر عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم قال[ :منن حلف فاسنتثنى فإن شاء مضنى وإن شاء ترك عنن
غير حنث] فإن نواه من غير نطق أو قطعه من غير عذر لم ينفعه .وقال محمد بن المواز :يكون
السنتثناء مقترننا باليمينن اعتقادا ولو بآخنر حرف؛ قال :فإن فرغ منهنا واسنتثنى لم ينفعنه ذلك؛ لن
اليمينن فرغنت عارينة منن السنتثناء ،فورودهنا بعده ل يؤثنر كالتراخني؛ وهذا يرده الحدينث [منن
حلف فاستثنى] والفاء ،للتعقيب وعليه جمهور أهل العلم .وأيضا فإن ذلك يؤدي إلى أل تنحل يمين
ابتدئ عقدهننا وذلك باطننل .وقال ابننن خويننز منداد :واختلف أصننحابنا متننى اسننتثنى فنني نفسننه
تخصننيص مننا حلف عليننه ،فقال بعننض أصننحابنا :يصننح اسننتثناؤه وقنند ظلم المحلوف له .وقال
بعضهم :ل يصح حتى يسمع المحلوف له .وقال بعضهم :يصح إذا حرك به لسانه وشفتيه وإن لم
يسنمع المحلوف له .قال ابنن خوينز منداد :وإنمنا قلننا يصنح اسنتثناؤه فني نفسنه ،فلن اليمان تعتنبر
بالنيات ،وإنما قلنا ل يصح ذلك حتى يحرك به لسانه وشفتيه ،فإن من لم يحرك به لسانه وشفتيه
لم يكنن متكلمنا ،والسنتثناء منن الكلم يقنع بالكلم دون غيره؛ وإنمنا قلننا ل يصنح بحال فلن ذلك
حنق للمحلوف له ،وإنمنا يقنع على حسنب منا يسنتوفيه له الحاكنم ،فلمنا لم تكنن اليمينن على اختيار
الحالف بل كانت مستوفاة منه ،وجب أل يكون له فيها حكم .وقال ابن عباس :يدرك على الستثناء
اليمينن بعند سننة؛ وتابعنه على ذلك أبنو العالينة والحسنن وتعلق بقوله تعالى" :والذينن ل يدعون منع
ال إلهنا آخنر" [الفرقان ]68 :الينة؛ فلمنا كان بعند عام نزل "إل منن تاب" [مرينم .]60 :وقال
مجاهند :منن قال بعند سننتين إن شاء ال أجزأه .وقال سنعيد بنن جنبير :إن اسنتثنى بعند أربعنة أشهنر
أجزأه .وقال طاوس :له أن يستثني ما دام في مجلسه .وقال قتادة :إن استثنى قبل أن يقوم أو يتكلم
فله ثنياه .وقال أحمند بنن حنبنل وإسنحاق :يسنتثني منا دام فني ذلك المنر .وقال عطاء :له ذلك قدر
حلب الناقة الغزيرة.
@ قال ابنن العربني :أمنا منا تعلق بنه ابنن عباس منن الينة فل متعلق له فيهنا؛ لن اليتينن كانتنا
متصلتين في علم ال وفي لوحه ،وإنما تأخر نزولها لحكمة علم ال ذلك فيها ،أما أنه يتركب عليها
فرع حسن؛ وهو أن الحالف إذا قال وال ل دخلت الدار ،وأنت طالق إن دخلت الدار ،واستثنى في
يمينه الول إن شاء ال في قلبه ،واستثنى في اليمين الثانية في قلبه أيضا ما يصلح للستثناء الذي
يرفنع اليمينن لمدة أو سنبب أو مشيئة أحند ،ولم يظهنر شيئا منن السنتثناء إرهابنا على المحلوف له،
فإن ذلك ينفعه ول تنعقد اليمينان عليه؛ وهذا في الطلق ما لم تحضره البينة؛ فإن حضرته بينة لم
تقبل منه دعواه الستثناء ،وإنما يكون ذلك نافعا له إذا جاء مستفتيا.
قلت :وجنه السنتثناء أن ال تعالى أظهنر الينة الولى وأخفنى الثانينة ،فكذلك الحالف إذا حلف
إرهابننا وأخفننى السننتثناء .وال أعلم .قال ابننن العربنني :وكان أبننو الفضننل المراغنني يقرأ بمدينننة
السلم ،وكانت الكتب تأتي إليه من بلده ،فيضعها في صندوق ول يقرأ منها واحدا مخافة أن يطلع
فيهنا على منا يزعجنه ويقطنع بنه عنن طلبنه؛ فلمنا كان بعند خمسنة أعوام وقضنى غرضنا منن الطلب
وعزم على الرحينل ،شند رحله وأبرز كتبنه وأخرج تلك الرسنائل ،فقرأ فيهنا منا لو أن واحدا منهنا
يقرؤه بعند وصنوله منا تمكنن بعده منن تحصنيل حرف منن العلم ،فحمند ال ورحنل على دابنة قماشنه
وخرج إلى باب الحلبننة طريننق خراسننان ،وتقدمننه الكري بالدابننة وأقام هننو على فامنني يبتاع منننه
سننفرته ،فبينمننا هنو يحاول ذلك معنه إذ سننمعه يقول لفامنني آخننر :أمننا سننمعت العالم يقول -يعننني
الواعظ -أن ابن عباس يجوز الستثناء ولو بعد سنة ،لقد اشتغل بذلك بالي منذ سمعته فظللت فيه
متفكرا ،ولو كان ذلك صنننحيحا لمنننا قال ال تعالى ليوب" :وخنننذ بيدك ضغثنننا فاضرب بنننه ول
تحنث" [ص ]44 :وما الذي يمنعه من أن يقول :قل إن شاء ال! فلما سمعه يقول ذلك قال :بلد
يكون فيه الفاميون بهذا الحظ من العلم وهذه المرتبة أخرج عنه إلى المراغة؟ ل أفعله أبدا؛ واقتفى
أثر الكري وحلله من الكراء وأقام بها حتى مات.
@ السنتثناء إنمنا يرفنع اليمينن بال تعالى إذ هني رخصنة منن ال تعالى ،ول خلف فني هذا.
واختلفوا فني السنتثناء فني اليمينن بغينر ال؛ فقال الشافعني وأبنو حنيفنة :السنتثناء يقنع فني كنل يمينن
كالطلق والعتاق وغينر ذلك كاليمينن بال تعالى :قال أبنو عمنر :منا أجمعوا علينه فهنو الحنق ،وإنمنا
ورد التوقيف بالستثناء في اليمين بال عز وجل ل في غير ذلك.
@قوله تعالى" :فكفارتنه" اختلف العلماء فني تقدينم الكفارة على الحننث هنل تجزئ أم ل؟ -بعند
إجماعهنم على أن الحننث قبنل الكفارة مباح حسنن وهنو عندهنم أولى -على ثلثنة أقوال :أحدهنا:
يجزئ مطلقنا وهنو مذهنب أربعنة عشنر منن الصنحابة وجمهور الفقهاء وهنو مشهور مذهنب مالك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه :ل يجزئ بوجه ،وهي رواية أشهب عن مالك؛ وجه الجواز ما رواه أبو
موسنى الشعري قال قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم( :وإنني وال إن شاء ال ل أحلف على
يمينن فأرى غيرهنا خيرا منهنا إل كفرت عنن يمينني وأتينت الذي هنو خينر خرجنه أبنو داود؛ ومنن
جهنة المعننى أن اليمينن سنبب الكفارة؛ لقوله تعالى" :ذلك كفارة أيمانكنم إذا حلفتنم" فأضاف الكفارة
إلى اليميننن والمعاننني تضاف إلى أسننبابها؛ وأيضننا فإن الكفارة بدل عننن البر فيجوز تقديمهننا قبننل
الحنث .ووجه المنع ما رواه مسلم عن عدي بن حاتم قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم
يقول[ :منن حلف على يمينن ثنم رأى غيرهنا خيرا منهنا فليأت الذي هو خينر) زاد النسنائي (وليكفنر
عن يميننه] ومن جهة المعننى أن الكفارة إنمنا هني لرفع الثم ،ومنا لم يحننث لم يكنن هناك منا يرفع
فل معننى لفعلهنا؛ وكان معننى قوله تعالى" :إذا حلفتنم" أي إذا حلفتنم وحنثتنم .وأيضنا فإن كنل عبادة
فعلت قبنل وجوبهنا لم تصنح اعتبارا بالصنلوات وسنائر العبادات .وقال الشافعني :تجزئ بالطعام
والعتنق والكسنوة ،ول تجزئ بالصنوم؛ لن عمنل البدن ل يقوم قبنل وقتنه .ويجزئ فني غينر ذلك
تقديم الكفارة؛ وهو القول الثالث.
@ ذكنر ال سنبحانه فني الكفارة الخلل الثلث فخينر فيهنا ،وعقنب عنند عدمهنا بالصنيام ،وبدأ
بالطعام لنننه كان الفضننل فنني بلد الحجاز لغلبننة الحاجننة إليننه وعدم شبعهننم ،ول خلف فنني أن
كفارة اليمينن على التخيينر؛ قال ابنن العربني :والذي عندي أنهنا تكون بحسنب الحال؛ فإن علمنت
محتاجا فالطعام أفضل؛ لنك إذا أعتقت لم تدفع حاجتهم وزدت محتاجا حادي عشر إليهم ،وكذلك
الكسوة تليه ،ولما علم ال الحاجة بدأ بالمقدم المهم.
@قوله تعالى" :إطعام عشرة مساكين" ل بد عندنا وعند الشافعي من تمليك المساكين ما يخرج
لهنم ،ودفعنه إليهنم حتنى يتملكوه ويتصنرفوا فينه؛ لقوله تعالى" :وهنو يطعنم ول يطعنم" [النعام:
]14وفي الحديث (أطعم رسول ال صلى ال عليه وسلم الجد السدس؛ ولنه أحد نوعي الكفارة
فلم يجز فيها إل التمليك؛ أصله الكسوة .وقال أبو حنيفة :لو غداهم وعشاهم جاز؛ وهو اختيار ابن
الماجشون منننن علمائننننا؛ قال ابنننن الماجشون :إن التمكينننن منننن الطعام إطعام ،قال ال تعالى:
"ويطعمون الطعام على حبنه مسنكينا ويتيمنا وأسنيرا" [النسنان ]8 :فبأي وجنه أطعمنه دخنل فني
الية.
@قوله تعالى" :منن أوسنط منا تطعمون أهليكنم" قند تقدم فني (البقرة) أن الوسنط بمعننى العلى
والخيار ،وهو هنا منزلة بين منزلتين ونصنفا بينن طرفين .ومنه الحدينث [خينر المور أوسطها].
وخرج ابن ماجة؛ حدثنا محمد بن يحيى ،حدثنا عبدالرحمن بن مهدي ،حدثنا سفيان بن عيينة ،عن
سنليمان بنن أبني المغيرة ،عنن سنعيد بنن جنبير عنن ابنن عباس قال :كان الرجنل يقوت أهله قوتنا فينه
سنعة وكان الرجنل يقوت أهله قوتنا فينه شدة؛ فنزلت" :منن أوسنط منا تطعمون أهليكنم" .وهذا يدل
على أن الوسط ما ذكرناه وهو ما كان بين شيئين.
@ الطعام عنند مالك مند لكنل واحند منن المسناكين العشرة ،إن كان بمديننة الننبي صنلى ال علينه
وسنلم؛ وبنه قال الشافعني وأهنل المديننة .قال سنليمان بنن يسنار :أدركنت الناس وهنم إذا أعطوا فني
كفارة اليمينن أعطوا مدا منن حنطنة بالمند الصنغر ،ورأوا ذلك مجزئا عنهنم؛ وهنو قول ابنن عمنر
وابن عباس وزيد بن ثابت وبه قال عطاء بن أبي رباح .واختلف إذا كان بغيرها؛ فقال ابن القاسم:
يجزئه المد بكل مكان .وقال ابن المواز :أفتنى ابنن وهب بمصنر بمند ونصنف .وأشهب بمد وثلث؛
قال :وإن مدا وثلثا لوسط من عيش المصار في الغداء والعشاء .وقال أبو حنيفة :يخرج من البر
نصف صاع ،ومن التمر والشعير صاعا؛ على حديث عبدال بن ثعلبة بن صعير عن أبيه قال :قام
رسول ال صلى ال عليه وسلم خطيبا فأمر بصدقة الفطر صاع من تمر ،أو صاع من شعير عن
كنل رأس ،أو صناع بر بينن اثنينن .وبنه أخنذ سنفيان وابنن المبارك ،وروي عنن علي وعمنر وابنن
عمر وعائشة ،رضي ال عنهم وبه قال سعيد بن المسيب ،وهو قول عامة فقهاء العراق؛ لما رواه
ابن عباس قال :كفر رسول ال صلى ال عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس بذلك ،فمن لم يجد
فنصف ،صاع من بر من أوسط ما تطعمون أهليكم؛ خرجه ابن ماجة في سننه.
@ ل يجوز أن يطعم غنيا ول ذا رحم تلزمه نفقته ،وإن كان ممن ل تلزمه نفقته فقد قال مالك :ل
يعجبنني أن يطعمنه ،ولكنن إن فعنل وكان فقيرا أجزأه ،فإن أطعنم غنينا جاهل بغناه ففني (المدوننة)
وغير كتاب ل يجزئ ،وفي (السدية) أنه يجزئ.
@ ويخرج الرجل مما يأكل؛ قال ابن العربي :وقد زلت هنا جماعة من العلماء فقالوا :إنه إذا كان
يأكنل الشعينر ويأكنل الناس البر فليخرج ممنا يأكنل الناس؛ وهذا سنهو بينن فإن المكفنر إذا لم يسنتطع
في خاصة نفسه إل الشعير لم يكلف أن يعطي لغيره سواه؛ وقد قال صلى ال عليه وسلم[:صاعا
من طعام صاعا من شعير] ففصل ذكرهما ليخرج كل أحد فرضه مما يأكل؛ وهذا ممال خفاء فيه.
@ قال مالك :إن غدى عشرة مساكين وعشاهم أجزأه .وقال الشافعي :ل يجوز أن يطعمهم جملة
واحدة؛ لنهنم يختلفون فني الكنل ،ولكنن يعطني كنل مسنكين مدا .وروي عنن علي بنن أبني طالب
رضننني ال عننننه :ل يجزئ إطعام العشرة وجبنننة واحدة؛ يعنننني غداء دون عشاء ،أو عشاء دون
غداء ،حتى يغديهم ويعشيهم؛ قال أبو عمر :وهو قول أئمة الفتوى بالمصار.
@ قال ابنن حنبيب :ول يجزئ الخبنز قفارا بنل يعطني معنه إدامنه زيتنا أو كشكنا أو كامخنا أو منا
تيسر؛ قال ابن العربي :هذه زيادة ما أراها واجبة أما أنه يستحب له أن يطعم مع الخبز السكر -
نعم -واللحم ،وأما تعيين الدام للطعام فل سبيل إليه؛ لن اللفظ ل يتضمنه.
قلت :نزول الينة فني الوسنط يقتضني الخبنز والزينت أو الخنل ،ومنا كان فني معناه منن الجبنن
والكشنك كمنا قال ابنن حنبيب .وال أعلم .قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم[ :نعنم الدام الخنل]
وقال الحسنن البصنري :إن أطعمهنم خبزا ولحمنا ،أو خبزا وزيتنا مرة واحدة فني اليوم حتنى يشبعوا
أجزأه ،وهو قول ابن سيرين وجابر بن زيد ومكحول ،وروي ذلك عن انس بن مالك.
@ ل يجوز عندنا دفع الكفارة إلى مسكين واحد ،وبه قال الشافعي .وأصحاب أبي حنيفة يمنعون
صنرف الجمينع إلى واحند دفعنة واحدة ،ويختلفون فيمنا إذا صنرف الجمينع فني يوم واحند بدفعات
مختلقة؛ فمنهم من أجاز ذلك ،وأنه إذا تعدد الفعل حسن أن يقال في الفعل الثاني ل يمنع من الذي
دفعنت إلينه أول؛ فإن اسنم المسنكين يتناول .وقال آخرون :يجوز دفنع ذلك إلينه فني أيام ،وإن تعدد
اليام يقوم مقام أعداد المسناكين .وقال أبنو حنيفنة :يجزئه ذلك؛ لن المقصنود منن الينة التعرينف
بقدر مننا يطعننم ،فلو دفننع ذلك القدر .لواحنند أجزأه .ودليلنننا نننص ال تعالى على العشرة فل يجوز
العدول عنهنم ،وأيضنا فإن فينه إحياء جماعنة منن المسنلمين وكفايتهنم يومنا واحدا ،فيتفرغون فينه
لعبادة ال تبارك وتعالى ولدعائه ،فيغفر للمكفر بسبب ذلك .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فكفارتنه" الضمينر على الصنناعة النحوينة عائدا على (منا) ويحتمنل فني هذا
الموضنع أن تكون بمعننى الذي ،ويحتمنل أن تكون مصندرية .أو يعود على إثنم الحننث وإن لم يجنر
له ذكر صريح ولكن المعنى يقتضيه.
@قوله تعالى" :أهليكنم" هنو جمنع أهنل على السنلمة .وقرأ جعفنر بنن محمند الصنادق( :أهاليكنم)
وهذا جمنع مكسنر؛ قال أبنو الفتنح :أهال بمنزلة ليال واحدهنا أهلت وليلت؛ والعرب تقول :أهنل
وأهلة .قال الشاعر:
وأبليتهم في الجهد حمدي ونائلي وأهلة ود قد تبريت ودهم
يقول :تعرضت لودهم؛ قال ابن السكيت.
@قوله تعالى" :أو كسوتهم" قرئ بكسر الكاف وضمها هما لغتان مثل إسوة وأسوة .وقرأ سعيد
بن جبير ومحمد بن السميقع اليماني( :أو كإسوتهم) يعني كإسوة أهلك .والكسوة فني حق الرجال
الثوب الواحند أو السناتر لجمينع الجسند؛ فأمنا فني حنق النسناء فأقنل منا يجزئهنن فينه الصنلة ،وهنو
الدرع والخمار ،وهكذا حكم الصغار .قال ابن القاسم في (العتبية) :تكسى الصغيرة كسوة كبيرة،
والصغير كسوة كبير ،قياسا على الطعام .وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري والوزاعي :أقل ما
يقنع علينه السنم وذلك ثوب واحند؛ وفني رواينة أبني الفرج عنن مالك ،وبنه قال إبراهينم النخعني
ومغيرة :ما يستر جميع البدن؛ بناء على أن الصلة ل تجزئ في أقل من ذلك .وروي عن سلمان
رضي ال عنه أنه قال :نعم الثوب التبان؛ أسنده الطبري .وقال الحكم بن عتيبة تجزئ عمامة يلف
بهنا رأسه ،وهو قول الثوري .قال ابن العربي :وما كان أحرصني على أن يقال :إنه ل يجزئ إل
كسنوة تسنتر عنن أذى الحنر والبرد كمنا أن علينه طعامنا يشبعنه منن الرجوع فأقول بنه ،وأمنا القول
بمئزر واحد فل أدريه؛ وال يفتح لي ولكم في المعرفة بعونه.
قلت :قند راعنى قوم معهود الزي والكسنوة المتعارفنة؛ فقال بعضهنم :ل يجزئ الثوب الواحند إل
إذا كان جامعنا ممنا قند يتزينا بنه كالكسناء والملحفنة .وقال أبنو حنيفنة وأصنحابه :الكسنوة فني كفارة
اليميننن لكننل مسننكين ثوب وإزار ،أو رداء أو قميننص أو قباء أو كسنناء .وروي عننن أبننى موسننى
الشعري أنه أمر أن يكسى عنه ثوبين ثوبين؛ وبه قال الحسن وابن سيرين وهذا معنى ما اختاره
ابن العربي وال أعلم.
@ ل تجزئ القيمة عن الطعام والكسوة؛ وبه قال الشافعي .وقال أبو حنيفة :تجزئ؛ وهو يقول:
تجزئ القيمة في الزكاة فكيف في الكفارة! قال ابن العربي :وعمدته أن الغرض سد الخلة ،ورفع
الحاجنة؛ فالقيمنة تجزئ فينه .قلننا :إن نظرتنم إلى سند الخلة فأينن العبادة؟ وأينن ننص القرآن على
العيان الثلثة ،والنتقال بالبيان من نوع إلى نوع ؟ !
@ إذا دفع الكسوة إلى ذمي أو إلى عبد لم يجزه .وقال أبو حنيفة :يجزئه؛ لنه مسكن يتناوله لفظ
المسننكنة ،ويشتمننل عليننه عموم اليننة .قلنننا :هذا يخصننه بأن يقول جزء مننن المال يجننب إخراجننه
للمساكين فل يجوز دفعه للكافر؛ أصله الزكاة؛ وقد اتفقنا على أنه ل يجوز دفعه للمرتد؛ فكل دليل
خنص بنه المرتند فهنو دليلننا فني الذمني والعبند لينس بمسنكين لسنتغنائه بنفقنة سنيده فل تدفنع إلينه
كالغني.
@قوله تعالى" :أو تحرينر رقبنة" التحرينر الخراج منن الرق؛ ويسنتعمل فني السنر والمشقات
وتعب الدنيا ونحوها .ومنه قول أم مريم" :إني نذرت لك ما في بطني محررا" [آل عمران]35 :
أي من شغوب الدنيا ونحوها .ومن ذلك قول الفرزدق بن غالب:
فوهبتكم لعطية بن جعال أبني غدانة إنني حررتكم
أي حررتكنم منن الهجاء ،وخنص الرقبنة منن النسنان ،إذ هنو العضنو الذي يكون فينه الغنل والتوثنق
غالبا من الحيوان ،فهو موضع الملك فأضيف التحرير إليها.
@ ل يجوز عندننا إل إعتاق رقبنة مؤمننة كاملة لينس فيهنا شرك لغيره ،ول عتاقنة بعضهنا ،ول
عتنق إلى أجنل ،ول كتابنة ول تدبينر ،ول تكون أم ولد ول منن يعتنق علينه إذا ملكنه ،ول يكون بهنا
من الهرم والزمانة ما يضر بها في الكتساب ،سليمة غير معيبة؛ خلفا لداود في تجويزه إعتاق
المعيبنة .وقال أبنو حنيفنة :يجوز عتنق الكافرة؛ لن مطلق اللفنظ يقتضيهنا .ودليلننا أنهنا قربنة واجبنة
فل يكون الكافر محل لها كالزكاة؛ وأيضا فكل مطلق في القرآن من هذا فهو راجع إلى المقيد في
عتق الرقبة في القتل الخطأ .وإنما قلنا :ل يكون فيها شرك ،لقوله تعالى" :فتحرير رقبة" [النساء:
]92وبعنض الرقبنة لينس برقبنة .وإنمنا قلننا ل يكون فيهنا عقند عتنق؛ لن التحرينر يقتضني ابتداء
عتق دون تنجيز عتق مقدم .وإنما قلنا :سليمة؛ لقوله تعالى" :فتحرير رقبة" يقتضي تحرير رقبة
كاملة والعمياء ناقصنة .وفني الصنحيح عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم [منا منن مسنلم يعتنق امرأ
مسنلما إل كان فكاكنه منن النار كنل عضنو مننه بعضنو منهنا حتنى الفرج بالفرج] وهذا ننص .وقند
روي في العور قولن في المذهب .وكذلك في الصم والخصي.
@ من أخرج مال ليعتق رقبة في كفارة فتلف كانت الكفارة باقية عليه ،بخلف مخرج المال في
الزكاة ليدفعه إلى الفقراء ،أو ليشتري به رقبة فتلف ،لم يكن عليه غيره لمتثال المر.
@ اختلفوا في الكفارة إذا مات الحالف؛ فقال الشافعي وأبو ثور :كفارات اليمان تخرج من رأس
مال الميت .وقال أبو حنيفة :تكون في الثلث؛ وكذلك قال مالك إن أوصى بها.
من حلف وهو موسر فلم يكفر حتى أعسر ،أو حنث وهو معسر فلم يكفر حتى أيسر ،أو حنث
وهو عبد فلم يكفر حتى عتق ،فالمراعاة في ذلك كله بوقت التكفير ل وقت الحنث.
@ روى مسنلم عنن أبني هريرة قال قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم[ :وال لن يلج أحدكنم
بيمينه في أهله آثم له عند ال من أن يعطي كفارته التي فرض ال] اللجاج في اليمين هو المضي
على مقتضاه ،وإن لزم من ذلك ،حرج ومشقة ،وترك ما فيه منفعة عاجلة أو آجلة؛ فإن كان شيء
من ذلك فالولى به تحنيث نفسه وفعل الكفارة ،ول يعتل باليمين كما ذكرناه في قوله تعالى" :ول
تجعلوا ال عرضنة ليمانكنم" [البقرة ]224 :وقال علينه السنلم[ :منن حلف على يمينن فرأى
غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير] أي الذي هو أكثر خيرا.
@ روى مسنلم عنن أبني هريرة قال قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم[ :اليمينن على نينة
المسنتحلف] قال العلماء :معناه أن منن وجبنت علينه يمينن فني حنق وجنب علينه فحلف وهنو ينوي
غيره لم تنفعه نيته ،ول يخرج بها عن إثم تلك اليمين ،وهو معنى قوله في الحديث الخر[ :يمينك
على ما يصدقك عليه صاحبك] .وروي [يصدقك به صاحبك] خرجه مسلم أيضا .قال مالك :من
حلف لطالبنه فني حنق له علينه ،واسنتثنى فني يميننه ،أو حرك لسنانه أوشفتينه ،أو تكلم بنه ،لم ينفعنه
استثناؤه ذلك؛ لن النية نية المحلوف له؛ لن اليمين حق له ،وإنما تقع على حسب ما يستوفيه له
الحاكم ل على اختيار الحالف؛ لنها مستوفاة منه .هذا تحصيل مذهبه وقوله.
@قوله تعالى" :فمنن لم يجند" معناه لم يجند فني ملكنه أحند هذه الثلثنة؛ منن الطعام أو الكسنوة أو
عتنق الرقبنة بإجماع؛ فإذا عدم هذه الثلثنة الشياء صنام .والعدم يكون بوجهينن أمنا بمغينب المال
عننه أو عدمنه؛ فالول أن يكون فني بلد غينر بلده فإن وجند منن يسنلفه لم يجزه الصنوم ،وإن لم يجند
من يسلفه فقد اختلف فيه؛ فقيل :ينتظر إلى بلده؛ قال ابن العربي :وذلك ل يلزمه بل يكفر بالصيام؛
لن الوجوب قند تقرر فني الذمنة والشرط منن العدم قند تحقنق فل وجنه لتأخينر المنر؛ فليكفنر مكاننه
لعجزه عن النواع الثلثة؛ لقوله تعالى" :فمن لم يجد" .وقيل :من لم يكن له فضل عن رأس ماله
الذي يعيش به فهو الذي لم يجد .وقيل :هو من لم يكن له إل قوت يومه وليلته ،وليس عنده فضل
يطعمنه؛ وبنه قال الشافعني واختاره الطنبري ،وهنو مذهنب مالك وأصنحابه .وروي عنن ابنن القاسنم
أن منن تفضنل عننه نفقنة يومنه فإننه ل يصنوم؛ قال ابنن القاسنم فني كتاب ابنن مزينن :إننه إن كان
للحانث فضل عن قوت يومه أطعم إل أن يخاف الجوع ،أو يكون في بلد ل يعطف عليه فيه .وقال
أبنو حنيفنة :إذا لم يكنن عنده نصناب فهنو غينر واجند .وقال أحمند وإسنحاق :إذا كان عنده قوت يوم
وليلة أطعنم منا فضنل عننه .وقال أبنو عبيند :إذا كان عنده قوت يومنه وليلتنه وعيال وكسنوة تكون
لكفايتهنم ،ثنم يكون بعند ذلك مالكنا لقدر الكفارة فهنو عندننا واجند .قال ابنن المنذر :قول أبني عبيند
حسن.
@قوله تعالى" :فصنيام ثلثنة أيام" قرأهنا ابنن مسنعود (متتابعات) فيقيند بهنا المطلق؛ وبنه قال أبنو
حنيفنة والثوري ،وهنو أحند قولي الشافعني واختاره المزنني قياسنا على الصنوم فني كفارة الظهار،
واعتبارا بقراءة عبدال .وقال مالك والشافعي في قوله الخر :يجزئه التفريق؛ لن التتابع صفة ل
تجب إل بنص أو قياس على منصوص وقد عدما.
@ منن أفطنر فني يوم منن أيام الصنيام ناسنيا فقال مالك :علينه القضاء ،وقال الشافعني :ل قضاء
عليه؛ على ما تقدم بيانه في الصيام في (البقرة).
@ هذه الكفارة التي نص ال عليها لزمة للحر المسلم باتفاق .واختلفوا فيما يجب منها على العبد
إذا حنث؛ فكان سفيان الثوري والشافعي وأصحاب الرأي يقولون :ليس عليه إل الصوم ،ل يجزئه
غير ذلك؛ واختلف فيه قول مالك ،فحكى عنه ابن نافع أنه قال :ل يكفر العبد بالعتق؛ لنه ل يكون
له الولء ،ولكنن يكفنر بالصندقة إن أذن له سنيده؛ وأصنوب ذلك أن يصنوم .وحكنى ابنن القاسنم عننه
أنه قال :إن أطعم أو كسا بإذن .السيد فما هو بالبين ،وفي قلبي منه شيء.
@قوله تعالى" :ذلك كفارة أيمانكم" أي تغطية أيمانكم؛ وكفرت الشيء غطيته وسترته وقد تقدم.
ول خلف أن هذه الكفارة فني اليمينن بال تعالى ،وقند ذهنب بعنض التابعينن إلى أن كفارة اليمينن
فعنل الخينر الذي حلف فني تركنه .وترجنم ابنن ماجنة فني سنننه (منن قال كفارتهنا تركهنا) حدثننا علي
بن محمد حدثنا عبدال بن نمير عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت :قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم[ :من حلف في قطيعة رحم أو فيما ل يصح فبره أل يتم على ذلك] وأسند
عنن عمرو بنن شعينب عنن أبينه عنن جده أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم قال(:منن حلف على يمينن
فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فإن تركها كفارتها).
قلت :ويعتضند هذا بقصنة الصنديق رضني ال عننه حينن حلف أل يطعنم الطعام ،وحلفنت امرأتنه
أل تطعمنه حتنى يطعمنه ،وحلف الضينف -أو الضياف -أل يطعمنه أو ل يطعموه حتنى يطعمنه،
فقال أبو بكر :كان هذا من الشيطان؛ فدعا بالطعام فأكل وأكلوا .خرجه البخاري ،وزاد مسلم قال:
فلمنا أصنبح غدا على الننبي صنلى ال علينه وسنلم ،فقال ينا رسنول ال ،بروا وحنثنت؛ قال :فأخنبره؛
قال[ :بل أنت أبرهم وأخيرهم] قال :ولم تبلغني كفارة.
@ واختلفوا في كفارة غير اليمين بال عز وجل؛ فقال مالك :من حلف بصدقة مال أخرج ثلثه.
وقال الشافعي :عليه كفارة يمين؛ وبه قال إسحاق وأبو ثور ،وروي عن عمر وعائشة رضي ال
عنها .وقال الشعبي وعطاء وطاوس :ل شيء عليه .وأما اليمين بالمشي إلى مكة فعليه أن يفي به
عنند مالك وأبني حنيفنة .وتجزئه كفارة يمينن عنند الشافعني وأحمند بنن حنبنل وأبني ثور .وقال ابنن
المسنيب والقاسنم بنن محمند :ل شينء علينه؛ قال ابنن عبدالبر :أكثنر أهنل العلم بالمديننة وغيرهنا
يوجبون في اليمين بالمشي إلى مكة كفارة مثل كفارة اليمين بال عز وجل؛ وهو قول جماعة من
الصحابة والتابعين وجمهور فقهاء المسلمين .وقد أفتى به ابن القاسم ابنه عبدالصمد ،وذكر له أنه
فول اللينث بنن سنعد .والمشهور عنن ابنن القاسنم أننه ل كفارة عنده فني المشني إلى مكنة إل بالمشني
لمن قدر عليه؛ وهو قول مالك .وأما الحالف بالعتق فعليه عتق من حلف عليه بعتقه في قول مالك
والشافعني وغيرهمنا .وروي عنن ابنن عمنر وابنن عباس وعائشنة أننه يكفنر كفارة يمينن ول يلزمنه
العتنق -وقال عطاء :يتصندق بشينء .قال المهدوي :وأجمنع منن يعتمند على قول منن العلماء على
أن الطلق لزم لمن حلف به وحنث.
@قوله تعالى" :واحفظوا أيمانكم" أي بالبدار إلى ما لزمكم من الكفارة إذا حنثتم .وقيل :أي بترك
الحلف؛ فإنكنم إذا لم تحلفوا لم تتوجنه عليكنم هذه التكليفات" .لعلكنم تشكرون" تقدم معننى "الشكنر"
و"لعل" في "البقرة" والحمد ل.
**3اليات{ 92 - 90 :يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من
عمننل الشيطان فاجتنبوه لعلكننم تفلحون ،إنمننا يرينند الشيطان أن يوقننع بينكننم العداوة والبغضاء فنني
الخمننر والميسننر ويصنندكم عننن ذكننر ال وعننن الصننلة فهننل أنتننم منتهون ،وأطيعوا ال وأطيعوا
الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلغ المبين}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا" خطاب لجميع المؤمنين بترك هذه الشياء؛ إذا كانت شهوات
وعادات تلبسننوا بهننا فنني الجاهليننة وغلبننت على النفوس ،فكان نَفِيّن منهننا فنني نفوس كثيننر مننن
المؤمنين .قال ابن عطينة :ومن هذا القبينل هوى الزجنر بالطينر ،وأخنذ الفأل فني الكتنب ونحوه مما
يصنعه الناس اليوم .وأما الخمر فكانت لم تحرم بعد ،وإنما نزل تحريمها في سنة ثلث بعد وقعة
أحد ،وكانت وقعة أحد في شوال سنة ثلث من الهجرة .وتقدم اشتقاقها .وأما "الميسر" فقد مضى
فني "البقرة" القول فينه .وأمنا النصناب فقينل :هني الصننام .وقينل :هني النرد والشطرننج؛ ويأتني
بيانهمنا فني سنورة "يوننس" عنند قوله تعالى" :فماذا بعند الحنق إل الضلل" [يوننس .]32 :وأمنا
الزلم فهي القداح ،وقد مضى في أول السورة القول فيها .ويقال كانت في البيت عند سدنة البيت
وخدام الصننام؛ يأتني الرجنل إذا أراد حاجنة فيقبنض منهنا شيئا؛ فإن كان علينه أمرنني ربني خرج
إلى حاجته على ما أحب أو كره.
@ تحريم الخمر كان بتدريج ونوازل كثيرة؛ فإنهم كانوا مولعين بشربها ،وأول ما نزل في شأنها
"يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" [البقرة ]219 :أي في تجارتهم؛
فلمنا نزلت هذه الينة تركهنا بعنض الناس وقالوا :ل حاجنة لننا فيمنا فينه إثنم كنبير ،ولم يتركهنا بعنض
الناس وقالوا :نأخننذ منفعتهننا ونترك إثمهننا فنزلت هذه اليننة "ل تقربوا الصننلة وأنتننم سننكارى"
[النسناء ]43 :فتركهنا بعنض الناس وقالوا :ل حاجنة لننا فيمنا يشغلننا عنن الصنلة ،وشربهنا بعنض
الناس فني غينر أوقات الصنلة حتنى نزلت" :ينا أيهنا الذينن آمنوا إنمنا الخمنر والميسنر والنصناب
والزلم رجس" الية -فصارت حراما عليهم حتى صار يقول بعضهم :ما حرم ال شيئا أشد من
الخمنر .وقال أبنو ميسنرة :نزلت بسنبب عمنر بنن الخطاب؛ فإننه ذكنر للننبي صنلى ال علينه وسنلم
عيوب الخمنر ،ومنا ينزل بالناس منن أجلهنا ،ودعنا ال فني تحريمهنا وقال :اللهنم بينن لننا فني الخمنر
بيانننا شافيننا فنزلت هذه اليات ،فقال عمننر :انتهينننا انتهينننا .وقنند مضننى فنني "البقرة" و"النسنناء".
وروى أبو داود عن ابن عباس قال" :يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى" [النساء:
، ]43و"يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" [البقرة ]219 :نسختها
التي في المائدة" .إنما الخمر والميسر والنصاب" .وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه
قال :نزلت فني آيات منن القرآن؛ وفينه قال :وأتينت على نفنر منن النصنار؛ فقالوا :تعال نطعمنك
ونسنقيك خمرا ،وذلك قبنل أن تحرم الخمنر؛ قال :فأتيتهنم فني حنش -والحنش البسنتان -فإذا رأس
جزور مشوي عندهنننم وزق منننن خمنننر؛ قال :فأكلت وشربنننت معهنننم؛ قال :فذكرت النصنننار
والمهاجرين عندهم فقلت :المهاجرون خير من النصار؛ قال :فأخذ رجل لحيي جمل فضربني به
فجرح أنفني -وفنى رواينة ففزره وكان أننف سنعد مفزورا فأتينت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم
فأخننبرته؛ فأنزل ال تعالى فنني -يعننني نفسننه شأن الخمننر " -إنمننا الخمننر والميسننر والنصنناب
والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه".
@ هذه الحاديث تدل على أن شرب الخمر كان إذ ذاك مباحا معمول به معروفا عندهم بحيث ل
ينكنر ول يغينر ،وأن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أقنر علينه ،وهذا منا ل خلف فينه؛ يدل علينه آينة
النسناء "ل تقربوا الصنلة وأنتنم سنكارى" [النسناء ]43 :على منا تقدم .وهنل كان يباح لهنم شرب
القدر الذي يسنكر؟ حدينث حمزة ظاهنر فينه حينن بقنر خواصنر ناقتني علي رضني ال عنهمنا وجنب
أسننمتهما ،فأخنبر علي بذلك الننبي صنلى ال علينه وسنلم ،فجاء إلى حمزة فصندر عنن حمزة للننبي
صنلى ال علينه وسنلم منن القول الجافني المخالف لمنا يجنب علينه منن احترام الننبي صنلى ال علينه
وسنلم وتوقيره وتعزيره ،منا يدل على أن حمزة كان قند ذهنب عقله بمنا يسنكر؛ ولذلك قال الراوي:
فعرف رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم أننه ثمنل؛ ثنم إن الننبي صنلى ال علينه وسنلم لم ينكنر على
حمزة ول عنفه ،ل فني حال سنكره ول بعند ذلك ،بنل رجنع لمنا قال حمزة :وهنل أنتنم إل عبيند لبني
على عقنبيه القهقري وخرج عننه .وهذا خلف منا قاله الصنوليون وحكوه فإنهنم قالوا :إن السنكر
حرام فني كنل شريعنة؛ لن الشرائع مصنالح العباد ل مفاسندهم ،وأصنل المصنالح العقنل ،كمنا أن
أصل المفاسد ذهابه ،فيجب المنع من كل ما يذهبه أو يشوشه ،إل أنه يحتمل حديث حمزة أنه لم
يقصد بشربه السكر لكنه أسرع فيه فغلبه .وال أعلم.
@قوله تعالى" :رجنس" قال ابنن عباس فني هذه الينة( :رجنس) سنخط وقند يقال للنتنن والعذرة
والقذار رجس .والرجز بالزاي العذاب ل غير ،والركس العذرة ل غير .والرجس يقال للمرين.
ومعنى "من عمل الشيطان" أي بحمله عليه وتزيينه .وقيل :هو الذي كان عمل مبادئ هذه المور
بنفسه حتى اقتدى به فيها.
@قوله تعالى" :فاجتنبوه" يريند ابعدوه واجعلوه ناحينة؛ فأمنر ال تعالى باجتناب هذه المور،
واقترنت بصيغة المر مع نصوص الحاديث وإجماع المة ،فحصل الجتناب في جهة التحريم؛
فبهذا حرمنت الخمنر .ول خلف بينن علماء المسنلمين أن سنورة "المائدة" نزلت بتحرينم الخمنر،
وهي مدنية من آخر ما نزل ،وورد التحريم في الميتة والدم ولحم الخنزير في قوله تعالى" :قل ل
أجند" وغيرهنا منن الي خنبرا ،وفني الخمنر نهينا وزجرا ،وهنو أقوى التحرينم وأوكده .روى ابنن
عباس قال :لمنا نزل تحرينم الخمنر ،مشنى أصنحاب رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بعضهنم إلى
بعض ،وقالوا حرمت الخمر ،وجعلت عدل للشرك؛ يعني أنه قرنها بالذبح للنصاب وذلك شرك.
ثم علق "لعلكم تفلحون" فعلق الفلح بالمر ،وذلك يدل على تأكيد الوجوب .وال أعلم.
@ فهنم الجمهور منن تحرينم الخمنر ،واسنتخباث الشرع لهنا ،وإطلق الرجنس عليهنا ،والمنر
باجتنابهنا ،الحكنم بنجاسنتها .وخالفهنم فني ذلك ربيعنة واللينث بنن سنعد والمزنني صناحب الشافعني،
وبعنض المتأخرينن منن البغداديينن والقرويينن فرأوا أنهنا طاهرة ،وأن المحرم إنمنا هنو شربهنا .وقند
استدل سعيد بن الحداد القروي على طهارتها بسفكها في طرق المدينة؛ قال :ولو كانت نجسة لما
فعنل ذلك الصنحابة رضوان ال عليهنم ،ولنهنى رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم عننه كمنا نهنى عنن
التخلي فني الطرق .والجواب؛ أن الصنحابة فعلت ذلك؛ لننه لم يكنن لهنم سنروب ول آبار يريقونهنا
فيها ،إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكنن لهم كنف فني بيوتهنم .وقالت عائشنة رضني ال عنهنا إنهنم
كانوا يتقذرون من اتخاذ الكنف فني البيوت ،ونقلها إلى خارج المدينة فيه كلفة ومشقة ،ويلزم منه
تأخينر منا وجنب على الفور .وأيضنا فإننه يمكنن التحرز منهنا؛ فإن طرق المديننة كاننت واسنعة ،ولم
تكن الخمر من الكثرة بحيث تصير نهرا يعم الطريق كلها ،بل إنما جرت في مواضع يسيرة يمكن
التحرز عنها -هذا -مع ما يحصل في ذلك من فائدة شهرة إراقتها في طرق المدينة ،ليشيع العمل
على مقتضى تحريمها من إتلفها ،وأنه ل ينتفع بها ،وتتابع الناس وتوافقوا على ذلك .وال أعلم.
فإن قينل :التنجينس حكنم شرعني ول ننص فينه ،ول يلزم منن كون الشينء محرمنا أن يكون نجسنا؛
فكم من محرم في الشرع ليس بنجس؛ قلنا :قوله تعالى" :رجس" يدل على نجاستها؛ فإن الرجس
فنني اللسننان النجاسننة ،ثننم لو التزمنننا أل نحكننم بحكننم حتننى نجنند فيننه نصننا لتعطلت الشريعننة؛ فإن
النصنوص فيهنا قليلة؛ فأي ننص يوجند على تنجينس البول والعذرة والدم والميتنة وغينر ذلك؟ وإنمنا
هني الظواهنر والعمومات والقيسنة .وسنيأتي فني سنورة "الحنج" منا يوضنح هذا المعننى إن شاء ال
تعالى.
@قوله" :فاجتنبوه" يقتضني الجتناب المطلق الذي ل ينتفنع معنه بشينء بوجنه منن الوجوه؛ ل
بشرب ول بيننع ول تخليننل ول مداواة ول غيننر ذلك .وعلى هذا تدل الحاديننث الواردة فنني الباب.
وروى مسلم عن ابن عباس أن رجل أهدى لرسول ال صلى ال عليه وسلم راوية خمر ،فقال له
رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم[ :هنل علمنت أن ال حرمهنا] قال :ل ،قال :فسنار رجل فقال له
رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم[ :بنم سناررته] ؟ قال :أمرتنه ببيعهنا؛ فقال[ :إن الذي حرم شربهنا
حرم بيعهنا] ،قال :ففتنح المزادة حتنى ذهنب منا فيهنا؛ فهذا حدينث يدل على منا ذكرناه؛ إذ لو كان
فيها منفعة من المنافع الجائزة لبينه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،كما قال في الشاة الميتة[.هل
أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به] الحديث.
@ أجمع المسلمون على تحريم بيع الخمر والدم ،وفي ذلك دليل على تحريم بيع العذرات وسائر
النجاسنات ومنا ل يحنل أكله؛ ولذلك -وال أعلم -كره مالك بينع زبنل الدواب ،ورخنص فينه ابنن
القاسم لما فيه من المنفعة؛ والقياس ما قاله مالك ،وهو مذهب الشافعي ،وهذا الحديث شاهد بصحة
ذلك.
@ ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخمر ل يجوز تخليلها لحد ،ولو جاز تخليلها ما كان رسول ال
صلى ال عليه وسلم ليدع الرجل أن يفتح المزادة حتى يذهب ما فيها؛ لن الخل مال وقد نهى عن
إضاعنة المال ،ول يقول أحند فيمنن أراق خمرا على مسنلم أننه أتلف له مال .وقند أراق عثمان بنن
أبني العاص خمرا ليتينم ،واسنتؤذن صنلى ال علينه وسنلم فني تخليلهنا فقال[ :ل] ونهنى عنن ذلك.
ذهننب إلى هذا طائفنة منن العلماء مننن أهنل الحديننث والرأي ،وإليننه مال سنحنون بنن سننعيد .وقال
آخرون :ل بأس بتخلينل الخمنر ول بأس بأكنل منا تخلل منهنا بمعالجنة آدمني أو غيرهنا؛ وهنو قول
الثوري والوزاعني واللينث بنن مسنعد والكوفيينن .وقال أبنو حنيفنة :إن طرح فيهنا المسنك والملح
فصارت مربى وتحولت عن حال الخمر جاز .وخالفه محمد بن الحسن في المربى وقال :ل تعالج
الخمننر بغيننر تحويلهننا إلى الخننل وحده .قال أبننو عمننر :احتننج العراقيون فنني تخليننل الخمننر بأبنني
الدرداء؛ وهنو يروي عنن أبني إدرينس الخولنني عنن أبني الدرداء منن وجنه لينس بالقوي أننه كان
يأكل المربى منه ،ويقول :دبغته الشمس والملح .وخالفه عمر بن الخطاب وعثمان بن أبي العاص
فني تخلينل الخمنر؛ ولينس فني رأي أحند حجنة منع السننة .وبال التوفينق .وقند يحتمنل أن يكون المننع
من تخليلها كان في بدء السلم عند نزول تحريمها؛ لئل يستدام حبسها لقرب العهد بشربها ،إرادة
لقطع العادة في ذلك .وإذا كان كذلك لم يكن في النهي عن تخليلها حينئذ ،والمر بإراقتها ما يمنع
منن أكلهنا إذا خللت .وروى أشهنب عنن مالك قال :إذا خلل النصنراني خمرا فل بأس بأكله ،وكذلك
إن خللها مسلم واستغفر ال؛ وهذه الرواية ذكرها ابن عبدالحكم في كتابه .والصحيح ما قاله مالك
فني رواينة ابنن القاسنم وابنن وهنب أننه ل يحنل لمسنلم أن يعالج الخمنر حتنى يجعلهنا خل ول يبيعهنا،
ولكن ليهريقها.
@ لم يختلف قول مالك وأصحابه أن الخمر إذا تخللت بذاتها أن أكل ذلك الخل حلل .وهو قول
عمنر بنن الخطاب وقبيصنة وابنن شهاب ،وربيعنة وأحند قولي الشافعني ،وهنو تحصنيل مذهبنه عنند
أكثر أصحابه.
@ ذكر ابن خويز منداد أنها تملك ،ونزع إلى ذلك بأنه يمكن أن يزال بها الغصص ،ويطفأ بها
حرينق؛ وهذا نقنل ل يعرف لمالك ،بنل يخرج هذا على قول منن يرى أنهنا طاهرة .ولو جاز ملكهنا
لما أمر النبي صلى ال عليه وسلم بإراقتها .وأيضا فإن الملك نوع نفع وقد بطل بإراقتها .والحمد
ل.
@ هذه الية تدل على تحريم اللعب بالنرد والشطرنج قمارا أو غير قمار؛ لن ال تعالى لما حرم
الخمر أخبر بالمعنى الذي فيها فقال" :يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر" الية .ثم قال" :إنما
يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء" الية .فكل لهو دعا قليله إلى كثير ،وأوقع العداوة
والبغضاء بينن العاكفينن علينه ،وصند عنن ذكنر ال وعنن الصنلة فهنو كشرب الخمنر ،وأوجنب أن
يكون حرامنا مثله .فإن قينل :إن شرب الخمنر يورث السنكر فل يقدر معنه على الصنلة ولينس فني
اللعنب بالنرد والشطرننج هذا المعننى؛ قينل له :قد جمع ال تعالى بين الخمنر والميسنر في التحرينم،
ووصفهما جميعا بأنهما يوقعان العداوة والبغضاء بين الناس ويصدان عن ذكر ال وعن الصلة؛
ومعلوم أن الخمنر إن أسنكرت فالميسنر ل يسنكر ،ثنم لم يكنن عنند ال افتراقهمنا فني ذلك يمننع منن
التسوية بينهما في التحريم لجل ما اشتركا فيه من المعاني .وأيضا فإن قليل الخمر ل يسكر كما
أن اللعنب بالنرد والشطرننج ل يسنكر ،ثنم كان حرامنا مثنل الكثينر ،فل ينكنر أن يكون اللعنب بالنرد
والشطرنج حراما مثل الخمر وإن كان ل يسكر .وأيضا فإن ابتداء اللعب يورث الغفلة ،فتقوم تلك
الغفلة المسننتولية على القلب مكان السننكر؛ فإن كانننت الخمننر إنمننا حرمننت لنهننا تسننكر فتصنند
بالسكار عن الصلة ،فليحرم اللعب بالنرد والشطرنج لنه يغفل ويلهي فيصد بذلك عن الصلة.
وال أعلم.
@ مُهدي الراوية يدل على أنه كان لم يبلغه الناسخ ،وكان متمسكا بالباحة المتقدمة ،فكان ذلك
دليل على أن الحكنم ل يرتفنع بوجود الناسنخ -كمنا يقول بعنض الصنوليين -بنل ببلوغنه كمنا دل
علينه هذا الحدينث ،وهنو الصنحيح؛ لن الننبي صنلى ال علينه وسنلم لم يوبخنه ،بنل بينن له الحكنم؛
ولننه مخاطنب بالعمنل بالول بحينث لو تركنه عصنى بل خلف ،وإن كان الناسنخ قند حصنل فني
الوجود ،وذلك كما وقع لهل قباء؛ إذ كانوا يصلون إلى بيت المقدس إلى أن أتاهم التي فأخبرهم
بالناسننخ ،فمالوا نحننو الكعبننة .وقنند تقدم فنني سننورة (البقرة) والحمنند ل؛ وتقدم فيهننا ذكننر الخمننر
واشتقاقها والميسر .وقد مضى في صدر هذه السورة القول ،في النصاب والزلم .والحمد ل.
@قوله تعالى" :إنمنا يريند الشيطان أن يوقنع بينكنم العداوة والبغضاء فني الخمنر والميسنر" الينة.
أعلم ال تعالى عباده أن الشيطان إنمنا يريند أن يوقنع العداوة والبغضاء بينننا بسنبب الخمنر وغيره،
فحذرننا منهنا ،ونهاننا عنهنا .روي أن قنبيلتين منن النصنار شربوا الخمنر وانتشوا ،فعبنث بعضهنم
ببعنض ،فلمنا صنحوا رأى بعضهنم فني وجنه بعنض آثار منا فعلوا ،وكانوا إخوة لينس فني قلوبهنم
ضغائن ،فجعنل بعضهنم يقول :لو كان أخني بني رحيمنا منا فعنل بني هذا ،فحدثنت بينهنم الضغائن؛
فأنزل ال" :إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء" الية.
@قوله تعالى" :ويصدكم عن ذكر ال وعن الصلة" يقول :إذا سكرتم لم تذكروا ال ولم تصلوا،
وإن صنليتم خلط عليكنم كمنا فعنل بعلي ،وروي :بعبدالرحمنن كمنا تقدم فني "النسناء" .وقال عنبيدال
بن عمر :سئل القاسم بن محمد عن الشطرنج أهي ميسر؟ وعن النرد أهو ميسر؟ فقال :كل ما صد
عنن ذكنر ال وعنن الصنلة فهنو ميسنر .قال أبنو عبيند :تأول قوله تعالى" :ويصندكم عنن ذكنر ال
وعن الصلة".
@قوله تعالى" :فهنل أنتنم منتهون" لمنا علم عمنر رضني ال عننه أن هذا وعيند شديند زائد على
معننى انتهوا قال :انتهيننا .وأمنر الننبي صنلى ال علينه وسنلم منادينه أن ينادي فني سنكك المديننة ،أل
إن الخمر قد حرمت؛ فكسرت الدنان ،وأريقت الخمر حتى جرت في سكاك المدينة.
@قوله تعالى" :وأطيعوا ال وأطيعوا الرسنول واحذروا" تأكيند للتحرينم ،وتشديند فني الوعيند،
وامتثال للمنر ،وكنف عنن المنهني عننه ،وحسنن عطنف "وأطيعوا ال" لمنا كان فني الكلم المتقدم
معننى انتهوا .وكرر "وأطيعوا" فني ذكنر الرسنول تأكيدا .ثنم حذر فني مخالفنة المنر ،وتوعند منن
تولى بعذاب الخرة؛ فقال" :فإن توليتم" أي خالفتم" "فإنما على رسولنا البلغ المبين" في تحريم
ما أمر بتحريمه وعلى المرسل أن يعاقب أو يثيب بحسب ما يُعصى أو يُطاع.
**3الية{ 93 :ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا
وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا وال يحب المحسنين}
@ قال ابنن عباس والبراء بنن عازب وأننس بنن مالك إننه لمنا نزل تحرينم الخمنر قال قوم منن
الصننحابة :كيننف بمننن مات منننا وهنو يشربهننا ويأكننل الميسننر؟ -ونحنو هذا -فنزلت الينة .روى
البخاري عنن أننس قال :كننت سناقي القوم فني منزل أبني طلحنة فنزل تحرينم الحمنر ،فأمنر منادينا
ينادي ،فقال أبنو طلحنة :اخرج فانظنر منا هذا الصنوت قال :فخرجنت فقلت :هذا مناد ينادي أل إن
الخمننر قنند حرمننت؛ فقال :اذهننب فاهرقهننا -وكان الخمننر مننن الفضيننخ -قال :فجرت فنني سننكك
المدينة؛ فقال بعض القوم :قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل ال عز وجل" :ليس على الذين آمنوا
وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الية.
@ هذه الية وهذا الحديث نظير سؤالهم عمن مات إلى القبلة الولى فنزلت "وما كان ال ليضيع
إيمانكم" [البقرة ]143:ومن فعل ما أبيح له حتى مات على فعله لم يكن له ول عليه شيء؛ ل إثم
ول مؤاخذة ول ذم ول أجنر ول مدح؛ لن المباح مستوي الطرفين بالنسبة إلى الشرع؛ وعلى هذا
فمنا كان ينبغني أن يتخوف ول يسنأل عنن حال منن مات والخمنر فني بطننه وقنت إباحتهنا ،فإمنا أن
يكون ذلك القائل غفل عن دليل الباحة فلم يخطنر له ،أو يكون لغلبة خوفه من ال تعالى ،وشفقته
على إخواننه المؤمنينن توهنم مؤاخذة ومعاقبنة لجننل شرب الخمننر المتقدم؛ فرفنع ال ذلك التوهننم
بقوله" :ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الية.
@ هذا الحديث في نزول الية فيه دليل واضح على أن نبيذ التمر إذا أسكر خمر؛ وهو نص ول
يجوز العتراض عليه؛ لن الصحابة رحمهم ال هم أهل اللسان ،وقد عقلوا أن شرابهم ذلك خمر
إذ لم يكن لهم شراب ذلك الوقت بالمدينة غيره؛ وقد قال الحكمي:
ولكن من نتاج الباسقات لنا خمر وليست خمر كرم
وفات ثمارها أيدي الجناة كرام في السماء ذهبن طول
ومنن الدلينل الواضنح على ذلك منا رواه النسنائي :أخبرننا القاسنم بنن زكرينا ،أخبرننا عنبيدال عنن
شيبان عن العمش عن محارب بن دثار عن جابر عن النبي صلى ال عليه وسلم قال[ :الزبيب
والتمر هو الخمر] .وثبت بالنقل الصحيح أن عمر بن الخطاب رضى ال عنه -وحسبك به عالما
باللسان والشرع -خطب على منبر النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا أيها الناس؛ أل إنه قد نزل
تحريم الخمر يوم نزل ،وهي من خمسة :من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير؛ والخمر ما
خامنر العقنل .وهذا أبينن منا يكون فني معننى الخمنر؛ يخطنب بنه عمنر بالمديننة على المننبر بمحضنر
جماعة الصحابة ،وهم أهل اللسان ولم يفهموا من الخمر إل ما ذكرناه .وإذا ثبت هذا بطل مذهب
أبي حنيفة والكوفيين القائلين بأن الخمر ل تكون إل من العنب ،وما كان من غيره ل يسمى خمرا
ول يتناوله اسم الخمر ،وإنما يسمى نبيذا؛ وقال الشاعر:
وصرت حليفا لمن عابه تركت النبيذ لهل النبيذ
ويفتح للشر أبوابه شراب يدنس عرض الفتى
@ قال المام أبو عبدال المازري :ذهب جمهور العلماء من السلف وغيرهم إلى أن كل ما يسكر
نوعه حرم شربه ،قليل كان أو كثيرا ،نيئا كان أو مطبوخا ،ول فرق بين المستخرج من العنب أو
حدّ؛ فأمنا المسنتخرج منن العننب المسنكر النينئ فهنو الذي انعقند
غيره ،وأن منن شرب شيئا منن ذلك ُ
الجماع على تحريم قليله وكثيره ولو نقطة منه .وأما ما عدا ذلك فالجمهور على تحريمه .وخالف
الكوفيون فني القلينل ممنا عدا منا ذكنر ،وهنو الذي ل يبلغ السنكار؛ وفني المطبوخ المسنتخرج منن
العننب؛ فذهنب قوم منن أهنل البصنرة إلى قصنر التحرينم على عصنير العننب ،ونقينع الزبينب النينئ؛
فأمنا المطبوخ منهمنا ،والنينئ والمطبوخ ممنا سنواهما فحلل منا لم يقنع السنكار .وذهنب أبنو حنيفنة
إلى قصننر التحريننم على المعتصننر مننن ثمرات النخيننل والعناب على تفصننيل؛ فيرى أن سننلفة
العننب يحرم قليلهنا وكثيرهنا إل أن تطبنخ حتنى ينقنص ثلثاهنا ،وأمنا نقينع الزبينب والتمنر فيحنل
مطبوخهمنا وإن مسنته النار مسنا قليل منن غينر اعتبار بحند؛ وأمنا النينئ مننه فحرام ،ولكننه منع
تحريمه إياه ل يوجب الحد فيه؛ وهذا كله ما لم يقع السكار ،فإن وقع السكار استوى الجميع .قال
شيخنا الفقيه المام أبو العباس أحمد رضي ال عنه :العجب من المخالفين في هذه المسألة؛ فإنهم
قالوا :إن القليل من الخمر المعتصر من العنب حرام ككثيره ،وهو مجمع عليه؛ فإذا قيل لهم :فلم
حرم القليل من الخمر وليس مذهبا للعقل؟ فل بد أن يقال :لنه داعية إلى الكثير ،أو للتعبد؛ فحينئذ
يقال لهم :كل ما قدرتموه في قليل الخمر هو بعينه موجود في قليل النبيذ فيحرم أيضا ،إذ ل فارق
بينهمننا إل مجرد السننم إذا سننلم ذلك .وهذا القياس هننو أرفننع أنواع القياس؛ لن الفرع فيننه مسنناو
للصل في جميع أوصافه؛ وهذا كما يقول في قياس المة على العبد في سراية العتق .ثم العجب،
منن أبني حنيفنة وأصنحابه رحمهنم ال! فإنهنم يتوغلون فني القياس ويرجحوننه على أخبار الحاد،
ومنع ذلك فقند تركوا هذا القياس الجلي المعضود بالكتاب والسننة وإجماع صندور المنة ،لحادينث
ل يصنح شينء منهنا على منا قند بينن عللهنا المحدثون فني كتبهنم ،ولينس فني الصنحيح شينء منهنا.
وسيأتي في سورة "النحل" تمام هذه المسألة إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :طعموا" أصل هذه اللفظة في الكل؛ يقال :طعم الطعام وشرب الشراب ،لكن قد
تجوز في ذلك فيقال :لم أطعم خبزا ول ماء ول نوما؛ قال الشاعر:
ل تطعم النوم إل صياما نعاما بوجرة صعر الخدود
وقد تقدم القول في "البقرة" في قوله تعالى" :ومن لم يطعمه" [البقرة ]249:بما فيه الكفاية.
قال ابن خويز منداد :تضمنت هذه الية تناول المباح والشهوات ،والنتفاع بكل لذيذ من مطعم
ومشرب ومنكح وإن بولغ فيه وتنوهي في ثمنه .وهذه الية نظير قوله تعالى" :ل تحرموا طيبات
ما أحل ال لكم" [المائدة ]87 :ونظير قوله" :قل من حرم زينة ال التي أخرج لعباده والطيبات
من الرزق" [العراف.]32:
@قوله تعالى" :إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا وال يحب
المحسنين" فيه أربعة أقوال :الول :أنه ليس في ذكر التقوى تكرار؛ والمعنى اتقوا شربها ،وآمنوا
بتحريمها؛ والمعنى الثاني دام اتقاؤهم وإيمانهم؛ والثالث على معنى الحسان إلى التقاء .والثاني:
اتقوا قبنل التحرينم فني غيرهنا منن المحرمات ،ثنم اتقوا بعند تحريمهنا شربهنا ،ثنم اتقوا فيمنا بقني منن
أعمالهننم ،وأحسنننوا العمننل .الثالث :اتقوا الشرك وآمنوا بال ورسننوله ،والمعنننى الثاننني ثننم اتقوا
الكبائر ،وازدادوا إيمانننا ،ومعنننى الثالث ثننم اتقوا الصننغائر وأحسنننوا أي تنفلوا .وقال محمنند بننن
جرينر :التقاء الول هنو التقاء بتلقني أمنر ال بالقبول ،والتصنديق والدينوننة بنه والعمنل ،والتقاء
الثاني ،التقاء بالثبات على التصديق ،والثالث التقاء بالحسان ،والتقرب بالنوافل.
@قوله تعالى :ثنم اتقوا وأحسننوا وال يحنب المحسننين" دلينل على أن المتقني المحسنن أفضنل منن
المتقي المؤمن الذي عمل الصالحات؛ فضله بأجر الحسان.
قند تأول هذه الية قدامنة بنن مظعون الجمحني منن الصنحابة رضنى ال عنهنم ،وهنو ممنن هاجنر
عمّر .وكان ختن إلى أرض الحبشة مع أخويه عثمان وعبدال ،ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا و ُ
عمنر بنن الخطاب ،خال عبدال وحفصنة ،ووله عمنر بنن الخطاب على البحرينن ،ثنم عزله بشهادة
الجارود -سنيد عبدالقينس -علينه بشرب الخمنر .روى الدارقطنني قال :حدثننا أبنو الحسنن علي بنن
محمد المصري ،حدثنا يحيى بن أيوب العلف ،حدثني سعيد بن عفير ،حدثني يحيى بن فليح بن
شرّاب كانوا يضربون في عهد سليمان ،قال :حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس :أن ال ُ
رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم باليدي والنعال والعصني حتنى توفني ،رسنول ال صنلى ال علينه
وسلم ،فكانوا في خلفة أبي بكر أكثر منهم في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فكان أبو بكر
يجلدهنم أربعينن حتنى توفني ،ثنم كان عمنر منن بعده يجلدهنم كذلك أربعينن حتنى أتني برجنل منن
المهاجرينن الولينن وقند شرب فأمنر بنه أن يجلد؛ قال :لينم تجلدنني؟ بينني وبيننك كتاب ال! فقال
عمنر :وفني أي كتاب ال تجند أل أجلدك؟ فقال له :إن ال تعالى يقول فني كتابنه" :لينس على الذينن
آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الية .فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ،ثم اتقوا
وآمنوا ،ثننم اتقوا وأحسنننوا؛ شهدت مننع رسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم بدرا وأحدا والخندق
والمشاهنند كلهننا؛ فقال عمننر :أل تردون عليننه مننا يقول؛ فقال ابننن عباس :إن هؤلء اليات أنزلت
عذرا لمن غبر وحجة على الناس؛ لن ال تعالى يقول" :يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر"
الية؛ ثم قرأ حتى أنفذ الية الخرى؛ فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ،الية؛ فإن ال
قد نهاه أن يشرب الخمر؛ فقال عمر :صدقت ماذا ترون؟ فقال علي رضي ال عنه :إنه إذا شرب
سنكر وإذا سنكر هذى ،وإذا هذى افترى ،وعلى المفتري ثمانون جلدة؛ فأمنر بنه عمنر فجلد ثمانينن
جلدة.
وذكنر الحميدي عنن أبني بكنر البرقانني عنن ابنن عباس قال :لمنا قدم الجارود منن البحرينن قال :ينا
أمير المؤمنين إن قدامة بن مظعون قد شرب مسكرا ،وإني إذا رأيت حقا من حقوق ال حق علي
أن أرفعه إليك؛ فقال عمر :من يشهد على ما تقول؟ فقال :أبو هريرة؛ فدعا عمر أبا هريرة فقال:
علم تشهند ينا أبنا هريرة؟ فقال :لم أره حينن شرب ،ورأيتنه سنكران يقينء ،فقال عمنر :لقند تنطعنت
فني الشهادة؛ ثنم كتنب عمنر إلى قدامنة وهنو بالبحرينن يأمره بالقدوم علينه ،فلمنا قدم قدامنة والجارود
بالمدينة كلم الجارود عمر؛ فقال :أقم على هذا كتاب ال؛ فقال عمر للجارود :أشهيد أنت أم خصم؟
فقال الجارود :أنا شهيد؛ قال :قد كنت أديت الشهادة؛ ثم قال لعمر :إني أنشدك ال! فقال عمر :أما
وال لتملكننن لسننانك أو لسننوءنك؛ فقال الجارود :أمننا وال مننا ذلك بالحننق ،أن يشرب ابننن عمننك
وتسنوءني! فأوعده عمنر؛ فقال أبنو هريرة وهنو جالس :ينا أمينر المؤمنينن إن كننت فني شنك منن
شهادتننا فسنل بننت الوليند امرأة ابنن مظعون ،فأرسنل عمنر إلى هنند ينشدهنا بال ،فأقامنت هنند على
زوجهنا الشهادة؛ فقال عمنر :ينا قدامنة إنني جالدك؛ فقال قدامنة :وال لو شربنت -كمنا يقولون -منا
كان لك أن تجلدننني يننا عمننر .قال :ولم يننا قدامننة؟ قال :لن ال سننبحانه يقول" :ليننس على آمنوا
وعملوا الصننالحات جناح" فيمننا طعموا" اليننة إلى "المحسنننين" .فقال عمننر :أخطأت التأويننل يننا
قدامنة؛ إذا اتقينت ال اجتنبنت منا حرم ال ،ثنم أقبنل عمنر على القوم فقال :منا ترون فني جلد قدامنة؟
فقال القوم :ل نرى أن تجلده ما دام وجعا؛ فسكت عمر عن جلده ثم أصبح يوما فقال لصحابه :ما
ترون فني جلد قدامنة؟ فقال القوم :ل نرى أن تجلده منا دام وجعنا ،فقال عمر :إنه وال لن يلقنى ال
تحنت السنوط ،أحنب إلي أن ألقنى ال وهنو فني عنقني! وال لجلدننه؛ ائتونني بسنوط ،فجاءه موله
أسنلم بسنوط رقينق صنغير ،فأخذه عمنر فمسنحه بيده ثنم قال لسنلم :أخذتنك دقرارة أهلك؛ ائتونني
بسوط غير هذا .قال :فجاءه أسلم بسوط تام؛ فأمر عمر بقدامة فجلد؛ فغاضب قدامة عمر وهجره؛
فحجنا وقدامنة مهاجنر لعمنر حتنى قفلوا عنن حجهنم ونزل عمنر بالسنقيا ونام بهنا فلمنا اسنتيقظ عمنر
قال :عجلوا علي بقدامة ،انطلقوا فأتوني به ،فوال لرى في النوم أنه جاءني آت فقال :سالم قدامة
فإننه أخوك ،فلمنا جاؤوا قدامنة أبنى أن يأتينه ،فأمنر عمنر بقدامنة أن يجنر إلينه جرا حتنى كلمنه عمنر
واسنتغفر له ،فكان أول صنلحهما .قال أيوب بنن أبني تميمنة :لم يحند أحند منن أهنل بدر فني الخمنر
غيره .قال ابننن العربنني :فهذا يدلك على تأويننل اليننة ،ومننا ذكننر فيننه عننن ابننن عباس مننن حديننث
الدارقطنني ،وعمنر فني حدينث البرقانني وهنو صنحيح؛ وبسنطه أننه لو كان منن شرب الخمنر واتقنى
ال في غيره ما حد على الخمر أحد ،فكان هذا من أفسد تأويل؛ وقد خفي على قدامة؛ وعرفه من
وفقه ال كعمر وابن عباس رضي ال عنهما؛ قال الشاعر:
على شجوه إل بكيت على عمر وإن حراما ل أرى الدهر باكيا
وروي عنن علي رضني ال عننه أن قومنا شربوا بالشام وقالوا :هني لننا حلل وتأولوا هذه الينة،
فأجمع علي وعمر على أن يستتابوا ،فإن تابوا وإل قتلوا؛ ذكره الكيا الطبري.
**3الية{ 94 :يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم ال بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم ال
من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}
@قوله تعالى" :ليبلونكم ال" أي ليختبرنكم ،والبتلء الختبار .وكان الصيد أحد معايش العرب
العاربة ،وشائعا عند الجميع منهم ،مستعمل جدا ،فابتلهم ال فيه مع الحرام والحرم ،كما ابتلى
بني إسرائيل في أل يعتدوا في السبت .وقيل :إنها نزلت عام الحديبية؛ أحرم بعض الناس مع النبي
صننلى ال عليننه وسننلم ولم يحرم بعضهننم ،فكان إذا عرض صننيد اختلف فيننه أحوالهننم وأفعالهننم،
واشتبهنت أحكامنه عليهنم ،فأنزل ال هذه الينة بياننا لحكام أحوالهنم وأفعالهنم ،ومحظورات حجهنم
وعمرتهم.
@اختلف العلماء من المخاطب بهذه الية على قولين :أحدهما :أنهم المحلون؛ قاله مالك .الثاني:
أنهم المحرمون قال ابن عباس؛ وتعلق بقوله تعالى" :ليبلونكم" فإن تكليف المتناع الذي يتحقق به
البتلء هنو منع الحرام .قال ابنن العربني :وهذا ل يلزم؛ فإن التكلينف يتحقنق فني المحنل بمنا شرط
له من أمور الصيد ،وما شرع له من وصفه في كيفية الصطياد .والصحيح أن الخطاب في الية
لجميع الناس مُحلِهم ومُحرِمهم؛ لقوله تعالى" :ليبلونكم ال" أي :ليكلفنكم ،والتكليف كله ابتلء وإن
تفاضل في الكثرة والقلة ،وتباين في الضعف والشدة.
@قوله تعالى" :بشينء منن الصنيد" يريند ببعنض الصنيد ،فمنن للتبعينض ،وهنو صنيد البر خاصنة؛
ولم يعنم الصنيد كله لن للبحنر صنيدا ،قال الطنبري وغيره .وأراد بالصنيد المصنيد؛ لقوله" :تناله
أيديكم".
@قوله تعالى" :تناله أيديكننم ورماحكننم" بيان لحكننم صننغار الصننيد وكباره .وقرأ ابننن وثاب
والنخعنني" :يناله" بالياء منقوطننة مننن تحننت .قال مجاهنند :اليدي تنال الفراخ والبيننض ومننا ل
يستطيع أن يفر ،والرماح تنال كبار الصيد .وقال ابن وهب قال مالك قال ال تعالى" :يا أيها الذين
آمنوا ليبلونكم ال بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم" وكل شيء يناله النسان بيده أو برمحه
أو بشيء من سلحه فقتله فهو صيد كما قال ال تعالى.
@ خنص ال تعالى اليدي بالذكنر لنهنا عظنم التصنرف فني الصنطياد؛ وفيهنا تدخنل الجوارح
والحبالت ،ومننا عمنل بالينند مننن فخاخ وشباك؛ وخننص الرماح بالذكننر لنهننا عظننم مننا يجرح بنه
الصنيد ،وفيهنا يدخنل السنهم ونحوه؛ وقند مضنى القول فيمنا يصناد به منن الجوارح والسنهام فني أول
السورة بما فيه الكفاية والحمد ل.
@ ما وقع في الفخ والحبالة فلربها ،فإن ألجأ الصيد إليها أحد ولولها لم يتهيأ له أخذه فربها فيه
شريكنه .ومنا وقنع فني الجبنح المنصنوب فني الجبنل منن ذباب النحنل فهنو كالحبالة والفنخ ،وحمام
البرجنة ترد على أربابهنا إن اسنتطيع ذلك ،وكذلك نحنل الجباح؛ وقند روي عنن مالك .وقال بعنض
أصنحابه :إننه لينس على منن حصنل الحمام أو النحنل عنده أن يرد .ولو ألجأت الكلب صنيدا فدخنل
في بيت أحد أو داره فهو للصائد مرسل الكلب دون صاحب البيت ،ولو دخل في البيت من غير
اضطرار الكلب له فهو لرب البيت.
@ احتج بعض الناس على أن الصيد للخذ ل للمثير بهذه الية؛ لن المثير لم تنل يده ول رمحه
بعدُ شيئا ،وهو قول أبي حنيفة.
@ كره مالك صنيد أهنل الكتاب ولم يحرمنه ،لقوله تعالى" :تناله أيديكنم ورماحكنم" يعنني أهنل
اليمان ،لقوله تعالى فنني صنندر اليننة" :يننا أيهننا الذيننن آمنوا" فخرج عنهننم أهننل الكتاب .وخالفننه
جمهور أهنل العلم ،لقوله تعالى" :ينا أيهنا الذينن آمنوا" [المائدة ]94 :وهنو عندهنم مثنل ذبائحهنم.
وأجاب علماؤنننا بأن اليننة إنمننا تضمنننت أكننل طعامهننم ،والصننيد باب آخننر فل يدخننل فنني عموم
الطعام ،ول يتناوله مطلق لفظه.
قلت :هذا بناء على أن الصننيد ليننس مشروعننا عندهننم فل يكون مننن طعامهننم ،فيسننقط عنننا هذا
اللزام؛ فأما إن كان مشروعا عندهم في دينهم فيلزمنا أكله لتناول اللفظ له ،فإنه من طعامهم .وال
أعلم.
**3الية{ 95 :يا أيها الذين آمنوا ل تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل
منا قتنل منن النعنم يحكنم بنه ذوا عدل منكنم هدينا بالغ الكعبنة أو كفارة طعام مسناكين أو عدل ذلك
صياما ليذوق وبال أمره عفا ال عما سلف ومن عاد فينتقم ال منه وال عزيز ذو انتقام}
@قوله تعالى" :ينا أيهنا الذينن آمنوا" هذا خطاب عام لكنل مسنلم ذكنر وأنثنى ،وهذا النهني هنو
البتلء المذكور في قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم ال بشيء من الصيد" الية .وروي
أن أبا اليسر واسمه عمرو بن مالك النصاري كان محرما عام الحديبية بعمرة فقتل حمار وحش
فنزلت فيه "ل تقتلوا الصيد وأنتم حرم".
@قوله تعالى" :ل تقتلوا الصيد" القتل هو كل فعل يميت الروح ،وهو أنواع :منها النحر والذبح
والخنق والرضخ وشبهه؛ فحرم ال تعالى على المحرم في الصيد كل فعل يكون مقيتا للروح .من
قتل صيدا أو ذبحه فأكل منه فعليه جزاء واحد لقتله دون أكله؛ وبه قال الشافعي .وقال أبو حنيفة:
عليه جزاء ما أكل؛ يعني قيمته ،وخالفه صاحباه فقال :ل شيء عليه سوى الستغفار؛ لنه تناول
الميتنة كمنا لو تناول ميتنة أخرى؛ ولهذا لو أكلهنا محرم آخنر ل يلزمنه إل السنتغفار .وحجنة أبني
حنيفة أنه تناول محظور إحرامه؛ لن قتله كان من محظورات الحرام ،ومعلوم أن المقصود من
القتنل هنو التناول ،فإذا كان منا يتوصنل بنه إلى المقصنود -محظور إحرامنه -موجبنا علينه الجزاء
فما هو المقصود كان أولى.
@ ل يجوز عندننا ذبنح المحرم للصنيد ،لنهني ال سنبحانه المحرم عنن قتله؛ وبنه قال أبنو حنيفنة.
وقال الشافعي :ذبح المحرم للصيد ذكاة؛ وتعلق بأنه ذبح صدر من أهله وهو المسلم ،مضاف إلى
محله وهنو النعام؛ فأفاد مقصنوده منن حنل الكنل؛ أصنله ذبنح الحلل .قلننا :قولكنم ذبنح صندر منن
أهله فالمحرم لينس بأهنل لذبنح الصنيد؛ إذ الهلينة ل تسنتفاد عقل ،وإنمنا يفيدهنا الشرع؛ وذلك بإذننه
فنني الذبنح ،أو بنفيهننا وذلك بنهيننه عنن الذبنح ،والمحرم منهنني عنن ذبننح الصننيد؛ لقوله" :ل تقتلوا
الصيد" فقد انتفت الهلية بالنهي .وقولكم أفاد مقصوده فقد اتفقنا على أن المحرم إذا ذبح الصيد ل
يحنل له أكله ،وإنمنا يأكنل مننه غيره عندكنم؛ فإذا كان الذبنح ل يفيند الحنل للذابنح فأولى وأحرى أل
يفيده لغيره ،لن الفرع تبع للصل في أحكامه؛ فل يصح أن يثبت له ما ل يثبت لصله.
@قوله تعالى" :الصيد" مصدر عومل معاملة السماء ،فأوقع على الحيوان المصيد؛ ولفظ الصيد
هنا عام في كل صيد بري وبحري حتى جاء قوله تعالى" :وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما"
[المائدة ]96 :فأباح صيد البحر إباحة مطلقة؛ على ما يأتني بيانه فني الية بعد هذا إن شاء ال
تعالى.
@ اختلف العلماء فني خروج السنباع منن صنيد البر وتخصنيصها مننه؛ فقال مالك :كنل شينء ل
يعدو مننن السننباع مثننل الهننر والثعلب والضبننع ومننا أشبههننا فل يقتله المحرم ،وإن قتله فداه .قال:
وصغار الذئاب ل أرى أن يقتلها المحرم ،فإن قتلها فداها؛ وهي مثل فراخ الغربان .ول بأس بقتل
كنل منا عدا على الناس فني الغلب؛ مثنل السند والذئب والنمنر والفهند؛ وكذلك ل بأس علينه بقتنل
الحيات والعقارب والفأرة والغراب والحدأة .قال إسننماعيل :إنمننا ذلك لقوله عليننه السننلم[ :خمننس
فواسنق يقتلن فني الحنل والحرم] الحدينث؛ فسنماهن فسناقا؛ ووصنفهن بأفعالهنن؛ لن الفاسنق فاعنل
للفسق ،والصغار ل فعل لهن ،ووصف الكلب بالعقور وأولده ل تعقر؛ فل تدخل في هذا النعت.
قال القاضننني إسنننماعيل :الكلب العقور ممنننا يعظنننم ضرره على الناس .قال :ومنننن ذلك الحينننة
والعقرب؛ لننه يخاف منهمنا ،وكذلك الحدأة والغراب؛ لنهمنا يخطفان اللحنم منن أيدي الناس .قال
ابنن بكينر :إنمنا أذن فني قتنل العقرب لنهنا ذات حمنة؛ وفني الفأرة لقرضهنا السنقاء والحذاء اللذينن
بهمنا قوام المسنافر .وفني الغراب لوقوعنه على الظهنر ونقبنه عنن لحومهنا؛ وقند روي عنن مالك أننه
قال :ل يقتنل الغراب ول الحدأة إل أن يضرا .قال القاضني إسنماعيل :واختلف فني الزنبور؛ فشبهنه
بعضهننننم بالحيننننة والعقرب ،قال :ولول أن الزنبور ل يبتدئ لكان أغلظ على الناس مننننن الحينننة
والعقرب ،ولكنه ليس في طبعه من العداء ما في الحية والعقرب ،وإنما يحمي الزنبور إذا أوذي.
قال :فإذا عرض الزنبور لحند فدفعنه عنن نفسنه لم يكنن علينه شينء فني قتله؛ وثبنت عنن عمنر بنن
الخطاب إباحننة قتننل الزنبور .وقال مالك :يطعننم قاتله شيئا؛ وكذلك قال مالك فيمننن قتننل البرغوث
والذباب والنمنل ونحوه .وقال أصنحاب الرأي :ل شينء على قاتنل هذه كلهنا .وقال أبنو حنيفنة :ل
يقتل المحرم من السباع إل الكلب ،العقور والذئب خاصة ،سواء ابتدأه أو ابتدأهما؛ وإن قتل غيره
منن السنباع فداه .قال :فإن ابتدأه غيرهمنا منن السنباع فقتله فل شينء عليه؛ قال :ول شينء علينه فني
قتننل الحيننة والعقرب والغراب والحدأة ،هذه جملة قول أبنني حنيفننة وأصننحابه إل زفننر؛ وبننه قال
الوزاعنني والثوري والحسننن؛ واحتجوا بأن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم خننص دواب بأعيانهننا
وأرخنص للمحرم فني قتلهنا منن أجنل ضررهنا؛ فل وجنه أن يزاد عليهنا إل أن يجمعوا على شينء
فيدخل في معناها.
قلت :العجنب منن أبني حنيفنة رحمنه ال يحمنل التراب على البر بعلة الكينل ،ول يحمنل السنباع
العاديننة على الكلب بعلة الفسننق والعقننر ،كمننا فعننل مالك والشافعنني رحمهمننا ال! وقال زفننر بننن
الهذيل :ل يقتل إل الذئب وحده ،ومن قتل غيره وهو محرم فعليه الفدية ،سواء ابتدأه أو لم يبتدئه؛
لننه عجماء فكان فعله هدرا؛ وهذا رد للحدينث ومخالفنة له .وقال الشافعني :كنل منا ل يؤكنل لحمنه
فللمحرم أن يقتله؛ وصنغار ذلك وكباره سنواء ،إل السّنمْع وهنو المتولد بينن الذئب والضبنع ،قال:
وليس في الرخمة والخنافس والقردان والحلم وما ل يؤكل لحمه شيء؛ لن هذا ليس من الصيد،
لقوله تعالى" :وحرم عليكنم صنيد البر منا دمتنم حرمنا" [المائدة ]96 :فدل أن الصنيد الذي حرم
عليهنم منا كان لهنم قبنل الحرام حلل؛ حكنى عننه هذه الجملة المزنني والربينع؛ فإن قينل :فلم تفدى
القملة وهي تؤذي ول تؤكل؟ قيل له :ليس تفدى إل على ما يفدى به الشعر والظفر ولبس ما ليس
له لبسه؛ لن في طرح القملة إماطة الذى عن نفسه إذا كانت في رأسه ولحيته ،فكأنه أماط بعض
شعره؛ فأما إذا ظهرت فقتلت فإنها ل تؤذي .وقول أبي ثور في هذا الباب كقول الشافعي؛ قاله أبو
عمر.
@ روى الئمنة عنن ابن عمنر أن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال( :خمنس منن الدواب لينس
على المحرم فني قتلهنن جناح :الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور) .اللفنظ للبخاري؛
وبنه قال أحمند وإسنحاق .وفني كتاب مسنلم عنن عائشنة عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه قال:
[خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والغراب البقع والفأرة والكلب العقور والحديا] .وبه
قالت طائفة من أهل العلم قالوا :ل يقتل من الغربان إل البقع خاصة؛ لنه تقييد مطلق .وفي كتاب
أبي داود عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى ال عليه وسلم[ :ويرمي الغراب ول يقتله] .وبه
قال مجاهند .وجمهور العلماء على القول بحدينث ابنن عمنر ،وال أعلم .وعنند أبني داود والترمذي:
والسبع العادي؛ وهذا تنبيه على العلة.
@قوله تعالى" :وأنتم حرم" عام في النوعين من الرجال والنساء ،الحرار والعبيد؛ يقال :رجل
حرُم؛ كقولهننم :قذال وقذل .وأحرم الرجننل دخننل فنني الحرم؛ كمنناحرام وامرأة حرام ،وجمننع ذلك ُ
يقال :أسننهل دخننل فنني السننهل .وهذا اللفننظ يتناول الزمان والمكان وحالة الحرام بالشتراك ل
بالعموم .يقال :رجننل حرام إذا دخننل فنني الشهننر الحرم أو فنني الحرم ،أو تلبننس بالحرام؛ إل أن
تحريننم الزمان خرج بالجماع عننن أن يكون معتننبرا ،وبقنني تحريننم المكان وحالة الحرام على
أصل التكليف؛ قاله ابن العربي.
@ حرم المكان حرمان ،حرم المديننة وحرم مكنة وزاد الشافعني الطائف ،فل يجوز عنده قطنع
شجره ،ول صنيد صنيده ،ومن فعل ذلك فل جزاء عليه فأمنا حرم المدينة فل يجوز فينه الصنطياد
لحند ول قطنع الشجنر كحرم مكنة ،فإن فعنل أثنم ول جزاء علينه عنند مالك والشافعني وأصنحابهما.
وقال ابنن أبني ذئب :علينه الجزاء .وقال سنعد :جزاؤه أخنذ سنلبه ،وروي عنن الشافعني .وقال أبنو
حنيفنة :صنيد المديننة غينر مُحرّم ،وكذلك قطنع شجرهنا .واحتنج له بعنض منن ذهنب مذهبنه بحدينث
سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال[ :من وجدتموه يصيد في حدود المدينة
أو يقطنع شجرهنا فخذوا سنلبه] .وأخنذ سنعد سنلب منن فعنل ذلك .قال :وقند اتفنق الفقهاء على أننه ل
يؤخنذ سنلب منن صناد فني المديننة ،فدل ذلك على أننه منسنوخ .واحتنج لهنم الطحاوي أيضنا بحدينث
أننس -منا فعنل النفينر؛ فلم ينكنر صنيده وإمسناكه -وهذا كله ل حجنة فينه .أمنا الحدينث الول فلينس
بالقوي ،ولو صح لم يكن في نسخ أحد السلب ما يسقط ما صح من تحريم المدينة ،فكم من محرم
لينس علينه عقوبنة فني الدنينا .وأمنا الحدينث الثانني فيجوز أن يكون صنيد فني غينر الحرم .وكذلك
حديث عائشة؛ أنه كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم وحش فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر،
فإذا أحس برسول ال صلى ال عليه وسلم ربض ،فلم يترمرم كراهية أن يؤذيه .ودليلنا عليهم ما
رواه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال :لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة
منا ذعرتهنا ،قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم[ :منا بينن لبتيهنا حرام] فقول أبني هريرة منا
ذعرتها دليل على أنه ل يجوز ترويع الصيد في حرم المدينة ،كما ل يجوز ترويعه في حرم مكة.
وكذلك نزع زيد بن ثابت النهس -وهو طائر -من يد شرحبيل بن سعد كان صاده بالمدينة؛ دليل
على أن الصحابة فهموا مراد رسول ال صلى ال عليه وسلم في تحريم صيد المدينة ،فلم يجيزوا
فيها الصطياد ول تملك ما يصطاد.
ومتعلق ابنن أبني ذئب قوله صنلى ال علينه وسنلم فني الصنحيح[ :اللهنم إن إبراهينم حرم مكنة وإنني
أحرم المدينة مثل ما حرم به مكة ومثله معه ل يختلى خلها ول يعضد شجرها ول ينفر صيدها]
ولننه حرم مننع الصنطياد فينه فتعلق الجزاء بنه كحرم مكنة .قال القاضني عبدالوهاب :وهذا قول
أقينس عندي على أصنولنا ،ل سنيما أن المديننة عنند أصنحابنا أفضنل منن مكنة ،وأن الصنلة فيهنا
أفضل من الصلة في المسجد الحرام .ومن حجة مالك والشافعي في أل يحكم عليه بجزاء ول أخذ
سنلب -فني المشهور منن قول الشافعني -عموم قوله صنلى ال علينه وسنلم فني الصنحيح[ :المديننة
حرم منا بينن عَيْر إلى ثَوْر فمنن أحدث فيهنا حدثنا أو آوى محدثنا فعلينه لعننة ال والملئكنة والناس
أجمعينن ل يقبنل ال مننه يوم القيامنة صنرفا ول عدل] فأرسنل صنلى ال علينه وسنلم الوعيند الشديند
ولم يذكر كفارة .وأما ما ذكر عن سعد فذلك مذهب له مخصوص به؛ لما روي عنه في الصحيح
أننه ركنب إلى قصنره بالعقينق ،فوجند عبدا يقطنع شجرا -أو يخبطنه -فسنلبه ،فلمنا رجنع سنعد جاءه
أهنل العبند فكلموه أن يرد على غلمهنم أو عليهنم منا أخنذ منن غلمهنم؛ فقال :معاذ ال أن أرد شيئا
نفلنينه رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم ،وأبنى أن يرد عليهنم؛ فقوله( :نفلنينه) ظاهره الخصنوص.
وال أعلم.
@قوله تعالى" :ومنن قتله منكنم متعمدا" ذكنر ال سنبحانه المتعمند ولم يذكنر المخطنئ والناسني؛
والمتعمد هنا هو القاصد للشيء مع العلم بالحرام .والمخطئ هو الذي يقصد شيئا فيصيب صيدا،
والناسي هو الذي يتعمد الصيد ول يذكر إحرامه .واختلف العلماء في ذلك على خمسة أقوال:
الول :ما أسنده الدارقطني عن ابن عباس قال :إنما التكفير في العمد ،وإنما غلظوا في الخطأ لئل
يعودوا .الثانني :أن قوله" :متعمدا" خرج على الغالب ،فألحنق بنه النادر كأصنول الشريعنة .الثالث:
أنه ل شيء على المخطئ والناسي؛ وبه قال الطبري وأحمد بن حنبل في إحدى روايتيه ،وروي
عن ابن عباس وسعيد بن جبير ،وبه قال طاوس وأبو ثور ،وهو قول داود .وتعلق أحمد بأن قال:
لما خص ال سبحانه المتعمد بالذكر ،دل عل أن غيره بخلفه .وزاد بأن قال :الصل براءة الذمة
فمن ادعى شغلها فعليه الدليل .الرابع :أنه يحكم عليه في العمد والخطأ والنسيان؛ قاله ابن عباس،
وروي عننن عمننر وطاوس والحسننن وإبراهيننم وإبراهيننم ،وبننه قال مالك والشافعنني وأبننو حنيفننة
وأصنحابهم .قال الزهري :وجنب الجزاء فني العمند بالقرآن ،وفني الخطنأ والنسنيان بالسننة؛ قال ابنن
العربني :إن كان يريند بالسننة الثار التني وردت عنن ابنن عباس وعمنر فنعمنا هني ،ومنا أحسننها
أسنوة .الخامنس :أن يقتله متعمدا لقتله ناسنيا لحرامنه -وهنو قول مجاهند -لقوله تعالى بعند ذلك:
"ومن عاد فينتقم ال منه" .قال :ولو كان ذاكرا لحرامه لوجبت عليه العقوبة لول مرة ،قال :فدل
على أنه أراد متعمدا لقتله ناسيا لحرامه؛ قال مجاهد :فإن كان ذاكرا لحرامه فقد حل ول حج له
لرتكابنه محظور إحرامنه ،فبطنل علينه كمنا لو تكلم فني الصنلة ،أو أحدث فيهنا؛ قال :ومنن أخطنأ
فذلك الذي يجزئه .ودليلنا على مجاهد أن ال سبحانه أوجب الجزاء ولم يذكر الفساد ،ول فرق بين
أن يكون ذاكرا للحرام أو ناسنيا له ،ول يصنح اعتبار الحنج بالصنلة فإنهمنا مختلفان؛ وقند روي
عنه أنه ل حكم عليه في قتله متعمدا ،ويستغفر ال ،وحجه تام؛ وبه قال ابن زيد .ودليلنا على داود
أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم سنئل عنن الضبنع فقال[ :هني صنيد] وجعنل فيهنا إذا أصنابها المحرم
كبشننا ،ولم يقننل عمدا ول خطننأ .وقال ابننن بكيننر مننن علمائنننا :قول سننبحانه" :متعمدا" لم يرد بننه
التجاوز عنن الخطنأ ،وإنمنا أراد "متعمدا" لينبين أننه لينس كابنن آدم الذي لم يجعنل فني قتله متعمدا
كفارة ،وأن الصيد فيه كفارة ،ولم يرد به إسقاط الجزاء في قتل الخطأ .وال أعلم.
فإن قتله فني إحرامنه مرة بعند مرة حكنم علينه كلمنا قتله فني قول مالك والشافعني وأبني حنيفنة
وغيرهنم؛ لقول ال تعالى" :ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تقتلوا الصنيد وأنتنم حرم ومنن قتله منكنم متعمدا
فجزاء مثل ما قتل من النعم" فالنهي دائم مستمر عليه ما دام محرما فمتى قتله فالجزاء لجل ذلك
لزم له .وروي عنن ابنن عباس قال :ل يحكنم علينه مرتينن فني السنلم ،ول يحكنم علينه إل مرة
واحدة ،فإن عاد ثانينة فل يحكنم علينه ،ويقال له :ينتقنم ال مننك؛ لقوله تعالى" :ومنن عاد فينتقنم ال
مننه" .وبه قال الحسنن وإبراهينم ومجاهند وشرينح .ودليلننا عليهنم منا ذكرناه منن تمادي التحرينم فني
الحرام ،وتوجُهُ الخطاب عليه في دين السلم.
@قوله تعالى" :فجزاء مثنل منا قتنل منن النعنم" فينه أربعنة قراءات؛ "فجزاء مثنل" برفنع جزاء
وتنويننه ،و"مثنل" على الصنفة ،والخنبر مضمنر ،التقدينر فعلينه جزاء مماثنل واجنب أو لزم منن
النعم .وهذه القراءة تقتضي أن يكون المثل هو الجزاء بعينه .و"جزاء" بالرفع غير منون و"مثل"
بالضافنة أي فعلينه جزاء مثنل منا قتنل ،و"مثنل" مقحمنة كقولك أننا أكرم مثلك ،وأننت تقصند أننا
أكرمك .ونظير هذا قوله تعالى" :أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن
مثله فني الظلمات" [النعام ]122 :التقدينر كمنن هنو فني الظلمات؛ وقوله" :لينس كمثله شينء"
[الشورى ]11 :أي ليس كهو شيء .وهذه القراءة تقتضي أن يكون الجزاء غير المثل؛ إذ الشيء
ل يضاف إلى نفسنننه .وقال أبنننو علي :إنمنننا يجنننب علينننه جزاء المقتول ،ل جزاء مثنننل المقتول،
والضافنة توجنب جزاء المثنل ل جزاء المقتول .وهنو قول الشافعنني على منا يأتني .وقوله" :منن
النعم" صفة لجزاء على القراءتين جميعا .وقرأ الحسن "من النعم" بإسكان العين وهي لغة .وقرأ
عبدالرحمنن "فجزاء" بالرفننع والتنويننن "مثنل" النصنب؛ قال أبنو الفتنح" :مثننل" منصننوبة بنفنس
الجزاء؛ والمعنننى أن يجزى مثننل مننا قتننل .وقرأ ابننن مسننعود والعمننش "فجزاؤه مثننل" بإظهار
(هاء)؛ ويحتمل أن يعود على الصيد أو على الصائد القاتل.
@ الجزاء إنما يجب بقتل الصيد ل بنفس أخذه كما قال تعالى .وفي (المدونة) :من اصطاد طائرا
فنتنف ريشنه ثنم حبسنه حتنى نسنل ريشنه فطار ،قال :ل جزاء علينه .قال وكذلك لو قطنع يند صنيد أو
رجله أو شيئا منن أعضائه وسنلمت نفسنه وصنح ولحنق بالصنيد فل شينء علينه .وقينل :علينه منن
الجزاء بقدر ما نقصه .ولو ذهب ولم يدر ما فعل فعليه جزاؤه .ولو زمن الصيد ولم يلحق الصيد،
أو تركه محوفا عليه فعليه جزاؤه كامل.
@ منا يُجزَى منن الصنيد شيئان :دواب وطينر؛ فيُجزَى منا كان منن الدواب بنظيره فني الخلقنة
والصنورة ،ففني النعامنة بدننة ،وفني حمار الوحنش وبقرة الوحنش بقرة ،وفني الظنبي شاة؛ وبنه قال
الشافعي .وأقل ما يجزي عند مالك ما استيسر من الهدي وكان أضحية؛ وذلك كالجذع من الضأن
والثنني ممنا سنواه ،ومنا لم يبلغ جزاؤه ذلك ففينه إطعام أو صنيام .وفني الحمام كله قيمتنه إل حمام
مكننة؛ فإن فنني الحمامننة منننه شاة اتباعننا للسننلف فنني ذلك .والدبسنني والفواخننت والقمري وذوات
الطواق كله حمام .وحكنى ابنن عبدالحكنم عنن مالك أن فني حمام مكنة وفراخهنا شاة؛ قال :وكذلك
حمام الحرم؛ قال :وفني حمام الحنل حكومنة .وقال أبنو حنيفنة :إنمنا يعتنبر المثنل فنني القيمنة دون
الخلقنة ،فيقوم الصنيد دراهنم فني المكان الذي قتله فينه ،أو فني أقرب موضنع إلينه إن كان ل يباع
الصيد فني موضع قتله؛ فيشتري بتلك القيمة هديا إن شاء ،أو يشتري بها طعاما ويطعنم المساكين
كل مسكين نصف صاع من بر ،أو صاعا من شعير ،أو صاعا من تمر .وأما الشافعي فإنه يرى
المثنل منن النعنم ثنم يقوم المثنل كمنا فني المتلفات يقوم المثنل ،وتؤخنذ قيمنة المثنل كقيمنة الشينء؛ فإن
المثنل هنو الصنل فني الوجوب؛ وهذا بينن وعلينه تخرج قراءة الضافنة (فجزاء مثنل) .احتنج أبنو
حنيفنة فقال :لو كان الشبنه منن طرينق الخلقنة معتنبرا ،فني النعامنة بدننة ،وفني الحمار بقرة ،وفني
الظنبي شاة ،لمنا أوقفنه على عدلينن يحكمان بنه؛ لن ذلك قند علم فل يحتاج إلى الرتياء والنظنر؛
وإنما يفتقر إلى العدول والنظر ما تشكل الحال فيه ،ويضطرب وجه النظر عليه .ودليلنا عليه قول
ال تعالى" :فجزاء مثنل منا قتنل منن النعنم" الينة .فالمثنل يقتضني بظاهرة المثنل الخلقني الصنوري
دون المعنى ،ثم قال" :من النعم" فبين جنس المثل؛ ثم قال" :يحكم به ذوا عدل منكم" وهذا ضمير
راجع إلى مثل من النعم؛ لنه لم يتقدم ذكر لسواه يرجع الضمير عليه؛ ثم قال" :هديا بالغ الكعبة"
والذي يتصور فيه الهدي مثل المقتول من النعم ،فأما القيمة فل يتصور أن تكون هديا ،ول جرى
لها ذكر في نفس الية؛ فصح ما ذكرناه .والحمد ل .وقولهم :لو كان الشبه معتبرا لما أوقفه على
عدلينن؛ فالجواب أن اعتبار العدلينن إنمنا وجنب للنظنر فني حال الصنيد منن صنغر وكنبر ،ومنا ل
جنس له مما له جنس ،وإلحاق ما لم يقع عليه نص بما وقع عليه النص.
@ من أحرم من مكة فأغلق باب بيته على فراخ حمام فماتت فعليه في كل فرخ شاة .قال مالك:
وفي صغار الصيد مثل ما في كباره؛ وهو قول عطاء .ول يفدى عند مالك شيء بعناق ول جفرة؛
قال مالك :وذلك مثننل الديننة؛ الصننغير والكننبير فيهننا سننواء .وفنني الضننب عنده واليربوع قيمتهمننا
طعامنا .ومنن أهنل المديننة منن يخالفنه فني صنغار الصنيد ،وفني اعتبار الجذع والثنني ،ويقول بقول
عمر :فني الرنب عناق وفي اليربوع جفرة؛ رواه مالك موقوفا .وروى أبو الزبينر عن جابر عن
النبي صلى ال عليه وسلم قال[ :في الضبع إذا أصابه المحرم كبش وفي الظبي شاة وفي الرنب
عناق وفني اليربوع جفرة] قال :والجفرة التني قند ارتعنت .وفني طرينق آخنر قلت لبني الزبينر :ومنا
الجفرة؟ قال :التني قند فطمنت ورعنت .خرجنه الدارقطنني .وقال الشافعني :فني النعامنة بدننة ،وفني
فرخها فصيل ،وفي حمار الوحش بقرة ،وفي سخله عجل؛ لن ال تعالى حكم بالمثلية في الخلقة،
والصنغر والكنبر متفاوتان فيجنب اعتبار الصنغير فينه والكنبير كسنائر المتلفات .قال ابنن العربني:
وهذا صننحيح وهننو اختيار علمائنننا؛ قالوا :ولو كان الصننيد أعور أو أعرج أو كسننيرا لكان المثننل
على صفته لتتحقق المثلية ،فل يلزم المتلف فوق ما أتلف .ودليلنا قوله تعالى" :فجزاء مثل ما قتل
مننن النعننم" ولم يفصننل بيننن صننغير وكننبير .وقوله" :هديننا" يقتضنني مننا يتناوله اسننم الهدي لحننق
الطلق .وذلك يقتضي الهدي التام .وال أعلم.
@ في بيض النعامة عشر ثمن البدنة عند مالك .وفي بيض الحمامة المكية عنده عشر ثمن الشاة.
قال ابنن القاسنم :وسنواء كان فيهنا فرخ أو لم يكنن منا لم يسنتهل الفرخ بعند الكسنر؛ فان اسنتهل فعلينه
الجزاء كامل كجزاء الكبير من ذلك الطير .قال ابن المواز :بحكومة عدلين .وأكثر العلماء يرون
فني بينض كنل طائر القيمنة .روى عكرمنة عنن ابنن عباس عنن كعنب بنن عجرة أن الننبي صنلى ال
علينه وسنلم قضنى فني بينض نعام أصنابه محرم بقدر ثمننه؛ خرجنه الدارقطنني .وروي عنن أبني
هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :في كل بيضة نعام صيام يوم أو إطعام مسكين].
@ وأمنا منا ل مثنل له كالعصنافير والفيلة فقيمنة لحمنه أو عدله منن الطعام ،دون منا يراد له منن
الغراض؛ لن المراعنى فيمنا له مثنل وجوب مثله ،فإن عدم المثنل فالقيمنة قائمنة مقامنه كالغصنب
وغيره .ولن الناس قائلن -أي على مذهبين -معتبر للقيمة في جميع الصيد؛ ومقتصر بها على
ما ل مثل له من النعم؛ فقد تضمن ذلك الجماع على اعتبار القيمة فيما ل مثل له .وأما الفيل فقيل:
فينه بدننة منن الهجان العظام التني لهنا سننامان؛ وهني بينض خراسنانية ،فإذا لم يوجند شينء منن هذه
البنل فينظنر إلى قيمتنه طعامنا ،فيكون علينه ذلك ،والعمنل فينه أن يجعنل الفينل فني مركنب ،وينظنر
إلى منتهنى منا ينزل المركنب فني الماء ،ثنم يخرج الفينل ويجعنل فني المركنب طعام حتنى ينزل إلى
الحنند الذي نزل والفينل فيننه ،وهذا عدله منن الطعام .وأمننا أن ينظننر إلى قيمتننه فهنو يكون له ثمننن
عظيم لجل عظامه وأنيابه فيكثر الطعام وذلك ضرر.
@قوله تعالى" :يحكم به ذوا عدل منكم" روى مالك عن عبدالملك بن قريب عن محمد بن سيرين
أن رجل جاء إلى عمنر بنن الخطاب فقال :إنني أجرينت أننا وصناحب لي فرسنين نسنتبق إلى ثغرة
ثنينة ،فأصنبنا ظبينا ونحنن محرمان فماذا ترى؟ فقال عمنر لرجنل إلى جنبنه :تعال حتنى أحكنم أننا
وأنت؛ فحكما عليه بعنز؛ فولى الرجل وهو يقول :هذا أمير المؤمنين ل يستطيع أن يحكم في ظبي
حتنى دعنا رجل يحكنم معنه ،فسنمع عمنر بنن الخطاب قول الرجنل فدعاه فسنأله ،هنل تقرأ سنورة
"المائدة"؟ فقال :ل؛ قال :هل تعرف الرجل الذي حكم معي؟ فقال :ل ،فقال عمر رضي ال عنه:
لو أخنبرتني أننك تقرأ سنورة "المائدة" لوجعتنك ضربنا ،ثنم قال :إن ال سنبحانه يقول فني كتابنه:
"يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة" وهذا عبدالرحمن بن عوف.
حكَمان لزم الحكنم؛ وبنه قال الحسنن والشافعني .وإن اختلفنا نظنر فني غيرهمنا .وقال @ إذا اتفنق ال َ
محمند بنن المواز :ل يأخنذ بأرفنع منن قوليهمنا؛ لننه عمنل بغينر تحكينم .وكذلك ل ينتقنل عنن المثنل
الخلقي إذا حكما به إلى الطعام؛ لنه أمر قد لزم؛ قال ابن شعبان .وقال ابن القاسم :إن أمرهما أن
يحكمنا بالجزاء منن المثنل ففعل ،فأراد أن ينتقنل إلى الطعام جاز .وقال ابنن وهنب رحمنه ال فني
(العتبية) :من السنة أن يخير الحكمان من أصاب الصيد ،كما خيره ال في أن يخرج "هديا بالغ
الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما" فإن اختار الهدي حكما عليه بما يريانه نظيرا
لمنا أصناب منا بينهمنا وبينن أن يكون عدل ذلك شاة لنهنا أدننى الهدي؛ ومنا لم يبلغ شاة حكمنا فينه
بالطعام ثم خير في أن يطعمه ،أو يصوم مكان كل مد يوما؛ وكذلك قال مالك في (المدونة).
ويستأنف الحكم في كل ما مضت فيه حكومة أو لم تمض ،ولو اجتزأ بحكومة الصحابة رضي
ال عنهنم فيمنا حكموا بنه منن جزاء الصنيد كان حسننا .وقند روي عنن مالك أننه منا عدا حمام مكنة
وحمار الوحنش والظنبي والنعامنة ل بند فينه منن الحكومنة ،ويجتزأ فني هذه الربعنة بحكومنة منن
مضى من السلف رضي ال عنهم.
@ ل يجوز أن يكون الجانني أحند الحكمينن ،وبنه قال أبنو حنيفنة .وقال الشافعني فني أحند قولينه:
يكون الجانني أحند الحكمينن؛ وهذا تسنامح مننه؛ فإن ظاهنر الينة يقتضني جانينا وحكمينن فحذف
بعنض العدد إسنقاط للظاهنر ،وإفسناد للمعننى؛ لن حكنم المرء لنفسنه ل يجوز ،ولو كان ذلك جائزا
لستغنى بنفسه عن غيره؛ لنه حكم بينه وبين ال تعالى فزيادة ثان إليه دليل على استئناف الحكم
برجلين.
@ إذا اشترك جماعة محرمون في قتل صيد فقال مالك وأبو حنيفة :على كل واحد جزاء كامل.
وقال الشافعني :عليهنم كلهنم كفارة واحدة لقضاء عمنر وعبدالرحمنن .وروى الدارقطنني أن موالي
لبنن الزبينر أحرموا إذ مرت بهنم ضبنع فحذفوهنا بعصنيهم فأصنابوها ،فوقنع فني أنفسنهم ،فأتوا ابنن
عمر فذكروا له فقال :عليكم كلكم كبش؛ قالوا :أو على كل واحد منا كبش؛ قال :إنكم لمعزز بكم،
عليكننم كلكننم كبننش .قال اللغويون :لمعزز بكننم أي لمشدد عليكننم .وروي عننن ابننن عباس فنني قوم
أصابوا ضبعا قال :عليهم كبش يتخارجونه بينهم .ودليلنا قول ال سبحانه" :ومن قتله منكم متعمدا
فجزاء مثل ما قتل من النعم" وهذا خطاب لكل قاتل .وكل واحد من القاتلين للصيد قاتل نفسا على
التمام والكمال ،بدليل قتل الجماعة بالواحد ،ولول ذلك ما وجب عليهم القصاص ،وقد قلنا بوجوبه
إجماعا منا ومنهم؛ فثبت ما قلناه.
@ قال أبو حنيفة :إذا قتل جماعة صيدا في الحرم وكلهم محلون ،عليهم جزاء واحد ،بخلف ما
لو قتله المحرمون فنني الحننل والحرم؛ فإن ذلك ل يختلف .وقال مالك :على كننل واحنند منهننم جزاء
كامنل ،بناء على أن الرجنل يكون محرمنا بدخوله الحرم ،كمنا يكون محرمنا بتلبيتنه بالحرام ،وكنل
واحد من الفعلين قد أكسبه صفة تعلق بها نهي ،فهو هاتك لها في الحالتين.
وحجة أبي حنيفة ما ذكره القاضي أبو زيد الدبوسي قال :السر فيه أن الجناية في الحرام على
العبادة ،وقد ارتكب كل واحد منهم محظور إحرامه .وإذا قتل المحلون صيدا في الحرم فإنما أتلفوا
دابة محرمة بمنزلة ما لو أتلف جماعة دابة؛ فإن كل واحد منهم قاتل دابة ،ويشتركون في القيمة.
قال ابنن العربني :وأبنو حنيفنة أقوى مننا ،وهذا الدلينل يسنتهين بنه علماؤننا وهنو عسنير النفصنال
علينا.
@قوله تعالى" :هديا بالغ الكعبة" المعنى أنهما إذا حكما بالهدي فإنه يفعل به ما يفعل بالهدي من
الشعار والتقليد ،ويرسنل منن الحل إلى مكة ،وينحنر ويتصندق به فيهنا؛ لقوله" :هدينا بالغ الكعبة"
ولم يرد الكعبنة بعينهنا فإن الهدي ل يبلغهنا ،إذ هني فني المسنجد ،وإنمنا أراد الحرم ول خلف فني
هذا .وقال الشافعني :ل يحتاج الهدي إلى الحنل بناء على أن الصنغير منن الهدي يجنب فني الصنغير
من الصيد ،فإنه يبتاع في الحرم ويهدى فيه.
@قوله تعالى" :أو كفارة طعام مساكين" الكفارة إنما هي عن الصيد ل عن الهدي .قال ابن وهب
قال مالك :أحسنن منا سنمعت فني الذي يقتنل الصنيد فيحكنم علينه فينه ،أننه يقوم الصنيد الذي أصناب،
فينظركنم ثمننه منن الطعام ،فيطعنم لكنل مسنكين مدا ،أو يصنوم مكان كنل مند يومنا .وقال ابنن القاسنم
عننه :إن قوم الصنيد دراهنم ثنم قومهنا طعامنا أجزأه؛ والصنواب الول .وقال عبدال بنن عبدالحكنم
مثله قال عننه :وهنو فني هذه الثلثنة بالخيار؛ أي ذلك فعنل أجزأه موسنرا كان أو معسنرا .وبنه قال
عطاء وجمهور الفقهاء؛ لن "أو" للتخيينر قال مالك :كنل شينء فني كتاب ال فني الكفارات كذا أو
كذا فصناحبه مخينر فني ذلك أي ذلك أحنب أن يفعنل فعنل .وروي عنن ابنن عباس أننه قال :إذا قتنل
المحرم ظبينا أو نحوه فعلينه شاة تذبنح بمكنة؛ فإن لم يجند فإطعام سنتة مسناكين ،فإن لم يجند فعلينه
صنيام ثلثنة أيام؛ وإن قتنل إيل أو نحوه فعلينه بقرة ،فإن لم يجند أطعنم عشرينن مسنكينا ،فإن لم يجند
صام عشرين يوما؛ وإن قتل نعامة أو حمارا فعليه بدنة ،فإن لم يجد فإطعام ثلثين مسكينا ،فإن لم
يجند فصنيام ثلثينن يومنا .والطعام مند مند لشبعهنم .وقال إبراهينم النخعني وحماد بنن سنلمة ،قالوا:
والمعننى "أو كفار طعام" إن لم يجند الهدي .وحكنى الطنبري عنن ابنن عباس أننه قال :إذا أصناب
المحرم الصيد حكم عليه بجزائه ،فإن وجد جزاءه ذبحه وتصدق به ،وإن لم يكن عنده جزاؤه قوم
جزاؤه بدراهنم ،ثنم قومنت الدراهنم حنطنة ،ثنم صنام مكان كنل نصنف صناع يومنا؛ وقال :إنمنا أريند
بالطعام تننبيين أمننر الصننيام ،فمننن لم يجنند طعامننا ،فإنننه يجنند جزاءه .وأسنننده أيضننا عننن السنندي.
ويعترض هذا القول بظاهر الية فإنه ينافره.
@ اختلف العلماء في الوقت الذي يعتبر فيه المتلف؛ فقال قوم :يوم التلف .وقال آخرون :يوم
القضاء .وقال آخرون :يلزم المتلف أكثنننر القيمتينننن ،منننن يوم التلف إلى يوم الحكنننم .قال ابنننن
العربني :واختلف علماؤننا كاختلفهنم ،والصنحيح أننه تلزمنه القيمنة يوم التلف؛ والدلينل على ذلك
أن الوجود كان حقا للمتلف عليه ،فإذا أعدمه المتلف لزمه إيجاده بمثله ،وذلك في وقت العدم.
@ أمنا الهدي فل خلف أننه ل بند له منن مكنة؛ لقوله تعالى" :هدينا بالغ الكعبنة" .وأمنا الطعام
فاختلف فيه قول مالك هل يكون بمكة أو بموضع الصابة؛ وإلى كونه بمكة ذهب الشافعي .وقال
عطاء :منا كان منن دم أو طعام فبمكنة ويصنوم حينث يشاء؛ وهو قول مالك فني الصنوم ،ول خلف
فينه .قال القاضني أبنو محمند عبدالوهاب :ول يجوز إخراج شينء منن جزاء الصنيد بغينر الحرم إل
الصنيام .وقال حماد وأبنو حنيفنة :يكفنر بموضنع الصنابة مطلقنا .وقال الطنبري :يكفنر حينث شاء
مطلقنا ،فأمنا قول أبني حنيفنة فل وجنه له فني النظنر ،ول أثنر فينه .وأمنا منن قال يصنوم حينث شاء؛
فلن الصنوم عبادة تختنص بالصنائم فتكون فني كنل موضنع كصنيام سنائر الكفارات وغيرهنا .وأمنا
وجه القول بأن الطعام يكون بمكنة؛ فلننه بدل عنن الهدي أو نظينر له ،والهدي حنق لمسناكين مكنة،
فلذلك يكون بمكنة بدله أو نظيره .وأمنا منن قاله إننه يكون بكنل موضنع؛ فاعتبار بكنل طعام وفدينة،
فإنها تجوز بكل موضع .وال أعلم.
@قوله تعالى" :أو عدل ذلك صياما" العدل والعدل بفتح العين وكسرها لغتان وهما المثل؛ قاله
الكسائي .وقاله الفراء :عدل الشيء بكسر العين مثله من جنسه ،وبفتح العين مثله من غير جنسه،
ويؤثر هذا القول عن الكسائي ،تقول :عندي عدل دراهمك من الدراهم ،وعندي عدل دراهمك من
الثياب؛ والصنحيح عنن الكسنائي أنهمنا لغتان ،وهنو قول البصنريين .ول يصنح أن يماثنل الصنيام
الطعام فنني وجننه أقرب مننن العدد قال مالك :يصننوم عننن كننل منند يومننا ،وإن زاد على شهريننن أو
ثلثنة؛ وبه قاله الشافعني .وقال يحينى بن عمنر من أصنحابنا :إنمنا يقال كنم من رجنل يشبنع منن هذا
الصننيد فيعرف العدد ،ثننم يقال :كننم مننن الطعام يشبننع هذا العدد؛ فإن شاء أخرج ذلك الطعام ،وإن
شاء صام عدد أمداده .وهذا قول حسن احتاط فيه لنه قد تكون قيمة الصيد من الطعام قليلة؛ فبهذا
النظر يكثر الطعام .ومن أهله العلم من ل يرى أن يتجاوز في صيام الجزاء شهرين؛ قالوا :لنها
أعلى الكفارات .واختاره ابننن العربنني .وقاله أبننو حنيفننة رحمننه ال :يصننوم عننن كننل مديننن يومننا
اعتبارا بفدية الذى.
@قوله تعالى" :ليذوق وبال أمره" الذوق هنا مستعار كقوله تعالى" :ذق إنك أنت العزيز الكريم"
[الدخان .]49 :وقال" :فأذاقها ال لباس الجوع والخوف" [النحل .]112 :وحقيقة الذوق إنما
هي في حاسة اللسان ،وهي في هذا كله مستعارة ومنه الحديث (ذاق طعم اليمان من رضي بال
ربا) .الحديث والوبال سوء العاقبة .والمرعى الوبيل هو الذي يتأذى به بغد أكله .وطعام وبيله إذا
كان ثقيل؛ ومنه قوله:
عقيلة شيخ كالوبيل يلندد
وعبر بأمره عن جميع حاله.
@قوله تعالى" :عفا ال عما سلف" بمعنى في جاهليتكم من قتلكم الصيد؛ قاله عطاء بن أبي رباح
وجماعنة معنه .وقينل :قبنل نزول الكفارة" .ومنن عاد" يعنني للمنهني "فينتقنم ال مننه" أي بالكفارة.
وقينل :المعننى "فينتقنم ال مننه" يعنني فني الخرة إن كان مسنتحل؛ ويكفنر فني ظاهنر الحكنم .وقال
شريح وسعيد بن جبير :يحكم عليه في أول مرة ،فإذا عاد لم يحكم عليه ،وقيله له :اذهب ينتقم ال
مننك ،أي ذنبنك أعظنم منن أن يكفنر ،كمنا أن اليمينن الفاجرة ل كفارة لهنا عنند أكثنر أهله العلم لعظنم
إثمهننا .والمتورعون يتقون النقمننة بالتكفيننر .وقنند روي عننن ابننن عباس :يمل ظهره سننوطا حتننى
يموت وروي عنن زيند بنن أبني المعلى :أن رجل أصناب صنيدا وهنو محرم فتجوز عننه ،ثنم عاد
فأنزل ال عز وجل نارا من السماء فأحرقته؛ وهذه عبرة للمة وكف للمعتدين عن المعصية.
@قوله تعالى" :وال عزيز ذو انتقام" "عزيز" أي منيع في ملكه ،ول يمتنع عليه ما يريده" .ذو
انتقام" ممن عصاه إن شاء.
**3الينة{ 96 :أحنل لكنم صنيد البحنر وطعامنه متاعنا لكنم وللسنيارة وحرم عليكنم صنيد البر منا
دمتم حرما واتقوا ال الذي إليه تحشرون}
@قوله تعالى" :أحل لكم صيد البحر" هذا حكم بتحليل صيد البحر ،وهو كل ما صيد من حيتانه
والصيد هنا يراد به المصيد ،وأضيف إلى البحر لما كان منه بسبب .وقد مضى القول في البحر
في "البقرة" والحمد ل .و"متاعا" نصب على المصدر أي متعتم به متاعا.
@قوله تعالى" :وطعامنه" الطعام لفنظ مشترك يطلق على كنل منا يطعنم ،ويطلق على مطعوم
خاص كالماء وحده ،والبر وحده ،والتمننر وحده ،واللبننن وحده ،وقنند يطلق على النوم كمننا تقدم؛
وهنو هننا عبارة عمنا قذف بنه البحنر وطفنا علينه؛ أسنند الدارقطنني عنن ابنن عباس فني قول ال عنز
وجنل" :أحنل لكنم صنيد البحنر وطعامنه متاعنا لكنم وللسنيارة" الينة صنيده منا صنيد وطعامنه منا لفنظ
البحنر .وروي عنن أبني هريرة مثله؛ وهنو قوله جماعنة كثيرة منن الصنحابة والتابعينن .وروي عنن
ابن عباس طعامه وهو في ذلك المعنى .وروي عنه أنه قال :طعامه ما ملح منه وبقي؛ وقاله معه
جماعة .وقاله قوم :طعامه ملحه الذي ينعقد من مائه وسائر ما فيه من نبات وغيره.
@ قال أبو حنيفة :ل يؤكل السمك الطافي ويؤكل ما سواه من السمك ،ول يؤكل شيء من حيوان
البحر إل السمك وهو قول الثوري في رواية أبي إسحاق الفزاري عنه .وكره الحسن أكل الطافي
منن السنمك .وروي عنن علي بنن أبني طالب رضني ال عننه أننه كرهنه ،وروي عننه أيضنا أننه كره
أكنل الجري وروي عننه أكنل ذلك كله وهنو أصنح؛ ذكره عبدالرزاق عنن الثوري عنن جعفنر بنن
محمند عنن علي قال :الجراد والحيتان ذكني؛ فعلي مختلف عننه فني أكنل الطافني منن السنمك ولم
يختلف عن جابر أنه كرهه ،وهو قول طاوس ومحمد بن سيرين وجابر بن زيد ،واحتجوا بعموم
قوله تعالى" :حرمت عليكنم الميتة" [المائدة .]3 :وبما رواه أبو داود والدارقطنني عن جابر بن
عبدال عن النبي صلى ال عليه وسلم قال[ :كلوا ما حسر عنه البحر وما ألقاه وما وجدتموه ميتا
أو طافينا فوق الماء فل تأكلوه] .قاله الدارقطنني :تفرد بنه عبدالعزينز بنن عنبيدال عنن وهنب بنن
كيسنان عنن جابر ،وعبدالعزينز ضعينف ل يحتنج بنه .وروى سنفيان الثوري عنن أبني الزبينر عنن
جابر عنن الننبي صنلى ال عليه وسنلم نحوه؛ قاله الدارقطنني :لم يسننده عنن الثوري غينر أبني أحمند
الزبيري وخالفنه وكينع والعدنيان وعبدالرزاق ومؤمنل وأبنو عاصنم وغيرهنم؛ رووه عنن الثوري
موقوفنا وهنو الصنواب .وكذلك رواه أيوب السنختياني ،وعنبيدال بنن عمنر وابنن جرينح ،وزهينر
وحماد بنن سنلمة وغيرهنم عنن أبني الزبينر موقوفنا قاله أبنو داود :وقند أسنند هذا الحدينث منن وجنه
ضعيننف عننن ابننن أبنني ذئب عننن أبنني الزبيننر عننن جابر عننن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم ،قاله
الدارقطني :وروي عن إسماعيل بن أمية وابن أبي ذئب عن أبي الزبير مرفوعا ،ول يصح رفعه،
رفعنه يحينى بنن سنليم عنن إسنماعيل بنن أمينة ووقفنه غيره .وقال مالك والشافعني وابنن أبني ليلى
والوزاعي والثوري في رواية الشجعي :يؤكل كل ما في البحر من السمك والدواب ،وسائر ما
فني البحنر منن الحيوان ،وسنواء اصنطيد أو وجند ميتنا ،واحتنج مالك ومنن تابعنه بقوله علينه الصنلة
والسلم في البحر[ :هو الطهور ماؤه الحل ميتته] وأصح ما في هذا الباب من جهة السناد حديث
جابر فني الحوت الذي يقال له[ :العننبر] وهنو منن أثبنت الحادينث خرجنه الصنحيحان .وفينه :فلمنا
قدمننا المديننة أتينا رسنول ال صلى ال عليه وسنلم فذكرننا ذلك له فقال[ :هنو رزق أخرجنه ال لكنم
فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا] فأرسلنا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم منه فأكله؛ لفظ
مسلم وأسند الدارقطني عن ابن عباس أنه قال أشهد على أبي بكر أنه قال :السمكة الطافية حلل
لمنن أراد أكلهنا .وأسند عنه أيضنا أنه قال :أشهد على أبي بكنر أنه أكنل السمك الطافي على الماء.
وأسنند عنن أبني أيوب أننه ركنب البحنر فني رهنط منن أصنحابه ،فوجدوا سنمكة طافينة على الماء
فسألوه عنها فقال :أطيبة هي لم تتغير؟ قالوا :نعم قال :فكلوها وارفعوا نصيبي منها؛ وكان صائما.
وأسند عن جبلة بن عطية أن أصحاب أبي طلحة أصابوا سمكة طافية فسألوا عنها أبا طلحة فقال:
اهدوهنا إلي .وقال عمنر بنن الخطاب :الحوت ذكني والجراد ذكني كله؛ رواه عننه الدارقطنني فهذه
الثار ترد قول منن كره ذلك وتخصنص عموم الينة ،وهنو حجنة للجمهور؛ إل أن مالكنا كان يكره
خنزير الماء من جهة اسمه ولم يحرمه وقال :أنتم تقولون خنزيرا! وقاله الشافعي :ل بأس بخنزير
الماء وقال الليننث :ليننس بميتننة البحننر بأس .قال :وكذلك كلب الماء وفرس الماء .قال :ول يؤكننل
إنسان الماء ول خنزير الماء.
@ اختلف العلماء فني الحيوان الذي يكون فني البر والبحنر هنل يحنل صنيده للمحرم أم ل؟ فقال
مالك وأبنو مجلز وعطاء وسنعيد بنن جنبير وغيرهنم :كنل منا يعينش فني البر وله فينه حياة فهنو صنيد
البر ،إن قتله المحرم وداه ،وزاد أبننو مجلز فنني ذلك الضفادع والسننلحف والسننرطان .الضفادع
وأجناسنها حرام عنند أبني حنيفنة ول خلف عنن الشافعني فني أننه ل يجوز أكنل الضفدع ،واختلف
قوله فيما له شبه في البر مما ل يؤكل كالخنزير والكلب وغير ذلك .والصحيح أكل ذلك كله؛ لنه
نص على الخنزير في جواز أكله ،وهو له شبه في البر مما ل يؤكل .ول يؤكل عنده التمساح ول
القرش والدلفين ،وكل ما له ناب لنهيه عليه السلم عن أكل كل ذي ناب .قال ابن عطية :ومن هذه
أنواع ل زوال لهننا مننن الماء فهنني ل محالة مننن صننيد البحننر ،وعلى هذا خرج جواب مالك فنني
الضفادع في "المدونة" فإنه قال :الضفادع من صيد البحر .وروي عن عطاء بن أبي رباح خلف
منا ذكرناه ،وهنو أننه يراعني أكثنر عينش الحيوان؛ سنئل عنن ابنن الماء أصنيد بر هنو أم صنيد بحنر؟
فقال :حينث يكون اكثنر فهنو مننه ،وحينث يفرخ فهنو مننه؛ وهنو قول أبني حنيفنة .والصنواب فني ابنن
الماء أنه صيد بر يرعى ويأكل الحب .قال ابن العربي :الصحيح في الحيوان الذي يكون في البر
والبحنر منعنه؛ لننه تعارض فينه دليلن ،دليله تحلينل ودلينل تحرينم ،فيغلب دليله التحرينم احتياطنا.
وال أعلم.
@قوله تعالى" :وللسيارة" فيه قولن :أحدهما للمقيم والمسافر كما جاء في حديث أبي عبيدة أنهم
أكلوه وهنم مسنافرون وأكنل الننبي صنلى ال علينه وسنلم وهنو مقينم ،فنبين ال تعالى أننه حلل لمنن
أقام ،كمننا أحله لمننن سننافر .الثاننني :أن السننيارة هننم الذيننن يركبونننه ،كمننا جاء فنني حديننث مالك
والنسائي :أن رجل سأله النبي صلى ال عليه وسلم فقال :إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من
الماء ،فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقاله النبي صلى ال عليه وسلم[ :هو الطهور
ماؤه الحنل ميتتنه] قال ابنن العربني قاله علماؤننا :فلو قال له الننبي صنلى ال علينه وسنلم [نعنم] لمنا
جاز الوضوء بنه إل عنند خوف العطنش؛ لن الجواب مرتبننط بالسنؤال ،فكان يكون محال علينه،
ولكن النبي صلى ال عليه وسلم ابتدأ تأسيس القاعدة ،وبيان الشرع فقاله( :هو الطهور ماؤه الحل
ميتته).
قلت :وكان يكون الجواب مقصورا عليهم ل يتعدى لغيرهم ،لول ما تقرر من حكم الشريعة أن
حكمه على الواحد حكمه على الجميع ،إل ما نص بالتخصيص عليه ،كقوله لبي بردة في العناق:
[ضح بها ولن تجزئ عن أحد غيرك].
@قوله تعالى" :وحرم عليكنم صنيد البر منا دمتنم حرمنا" التحرينم لينس صنفة للعيان ،إنمنا يتعلق
بالفعال فمعننى قوله" :وحرم عليكنم صنيد البر" أي فعله الصنيد ،وهنو المننع منن الصنطياد ،أو
يكون الصنيد بمعننى المصنيد ،على معننى تسنمية المفعول بالفعنل كمنا تقدم ،وهنو الظهنر لجماع
العلماء على أننننه ل يجوز للمحرم قبول صنننيد وهنننب له ،ول يجوز له شراؤه ول اصنننطياده ول
اسنتحداث ملكنه بوجنه منن الوجوه ،ول خلف بينن علماء المسنلمين فني ذلك؛ لعموم قوله تعالى:
"وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما" ولحديث الصعب بن جثامة على ما يأتي.
@ اختلف العلماء فيما يأكله المحرم من الصنيد فقاله مالك والشافعني وأصنحابهما وأحمند وروي
عنن إسنحاق ،وهنو الصنحيح عنن عثمان بنن عفان :إننه ل بأس بأكنل المحرم الصنيد إذا لم يصند له،
ول منن أجله ،لمنا رواه الترمذي والنسنائي والدارقطنني عنن جابر أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم
قال[ :صيد البر لكم حلل ما لم تصيدوه أو يُصد لكم] قال أبو عيسى :هذا أحسن حديث في الباب؛
وقال النسنائي :عمرو بنن أبني عمرو لينس بالقوي فني الحدينث ،وإن كان قند روى عننه مالك .فإن
أكل من صيد صيد من أجله فداه .وبه قاله الحسن بن صالح والوزاعي ،واختلف قول مالك فيما
صيد لمحرم بعينه .والمشهور من مذهبه عند أصنحابه أن المحرم ل يأكل مما صيد لمحرم معين
أو غينر معينن ولم يأخنذ بقوله عثمان لصنحابه حينن أتني بلحنم صنيد وهنو محرم :كلوا فلسنتم مثلي
لنه صيد من أجلي وبه قالت طائفة من أهله المدينة ،وروي عن مالك .وقاله أبو حنيفة وأصحابه:
أكننل الصننيد للمحرم جائز على كننل حال إذا اصننطاده الحلل ،سننواء صننيد مننن أجله أو لم يصنند
لظاهر قوله تعالى" :ل تقتلوا الصيد وأنتم حرم" فحرم صيده وقتله على المحرمين ،دون ما صاده
غيرهنم .واحتجوا بحدينث البهزي واسنمه زيند بنن كعنب عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم فني حمار
الوحش العقير أنه أمر أبا بكر فقسمه في الرفاق ،من حديث مالك وغيره .وبحديث أبي قتادة عن
الننبي صنلى ال علينه وسنلم وفينه [إنمنا هني طعمنة أطعمكموهنا ال] .وهنو قول عمنر بنن الخطاب
وعثمان بنن عفان فني رواينة عننه ،وأبني هريرة والزبينر بنن العوام ومجاهند وعطاء وسنعيد بنن
جبير .وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر أنه ل يجوز للمحرم أكل صيد على
حال منن الحوال ،سنواء صنيد منن أجله أو لم يصند؛ لعموم قوله تعالى" :وحرم عليكنم صنيد البر
مادمتم حرما" .قال ابن عباس :هي مبهمة وبه قال طاوس وجابر بن زيد أبو الشعثاء وروي ذلك
عن الثوري وبه قال إسحاق .واحتجوا بحديث الصعب بن جثامة الليثي ،أنه أهدى إلى رسول ال
صنلى ال علينه وسنلم حمارا وحشينا ،وهنو بالبواء أو بودان فرده علينه رسنول ال صنلى ال علينه
وسلم؛ قال :فلما أن رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم ما في وجهي قال[ :إنا لم نرده عليك إل
حرُم] خرجه الئمنة واللفنظ لمالك .قاله أبو عمر :وروى ابنن عباس منن حديث سعيد بن جنبير إننا ُ
ومقسنم وعطاء وطاوس عننه ،أن الصنعب بنن جثامنة أهدى لرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم لحنم
حمار وحش؛ وقال سعيد بن جبير في حديثه :عجز حمار وحش فرده يقطر دما كأنه صيد في ذلك
الوقت؛ وقال مقسم في حديثه رجل حمار وحش .وقاله عطاء في حديثه :أهدى له عضد صيد فلم
يقبله وقال[ :إننا حرم] وقال طاوس فني حديثنه :عضدا منن لحنم صنيد؛ حدث بنه إسنماعيل عنن علي
بنن المدينني ،عنن يحينى بنن سنعيد عنن ابنن جرينج ،عنن الحسنن بنن مسنلم ،عنن طاوس ،عنن ابنن
عباس ،إل أن منهم من يجعله عن ابن عباس عن زيد بن أرقم .قال إسماعيل :سمعت سليمان بن
حرب يتأول هذا الحديث على أنه صنيد منن أجله الننبي صنلى ال عليه وسلم ،ولول ذلك لكان أكله
جائزا؛ قال سننليمان :وممننا يدل على أنننه صننيد مننن أجله النننبي صننلى ال عليننه وسننلم قولهننم فنني
الحدينث :فرده يقطنر دمنا كأننه فني ذلك الوقنت .قال إسنماعيل :إنمنا تأول سنليمان هذا الحدينث لننه
يحتاج إلى تأويل؛ فأما رواية مالك فل تحتاج إلى التأويل؛ لن المحرم ل يجوز له أن يمسك صيدا
حيا ول يذكيه؛ قال إسماعيل :وعلى تأويل سليمان بن حرب تكون الحاديث المرفوعة كلها غير
مختلفة فيها إن شاء ال تعالى.
@ إذا أحرم وبيده صيد أو في بيته عند أهله فقال مالك :إن كان في يده فعليه إرساله ،وإن كان
فني أهله فلينس علينه إرسناله .وهنو قول أبني حنيفنة وأحمند بنن حنبنل .وقال الشافعني فني أحند قولينه:
سنواء كان فني يده أو فني بيتنه لينس علينه أن يرسنله .وبنه قال أبنو ثور ،وروي عنن مجاهند وعبدال
بنن الحارث مثله وروي عنن مالك .وقال ابنن أبني ليلى والثوري والشافعني فني القول الخنر :علينه
أن يرسنله ،سنواء كان فني بيتنه أو فني يده فإن لم يرسنله ضمنن .وجنه القول بإرسناله قوله تعالى:
"وحرم عليكنم صنيد البر منا دمتنم حرمنا" وهذا عام فني الملك والتصنرف كله .ووجنه القول
بإمساكه :أنه معنى ل يمنع من ابتداء الحرام فل يمنع من استدامة ملكه ،أصله النكاح.
@ فإن صناده الحلل فني الحنل فأدخله الحرم جاز له التصنرف فينه بكنل نوع منن ذبحنه ،وأكنل
لحمننه .وقال أبننو حنيفننة :ل يجوز .ودليلنننا أنننه معنننى يفعننل فنني الصننيد فجاز فنني الحرم للحلل،
كالمساك والشراء ول خلف فيها.
ل على صنيد فقتله الحلل اختلف فينه ،فقال مالك والشافعني وأبنو ثور :ل @ إذا دل المحرم حِ ً
شيننء عليننه ،وهننو قول ابننن الماجشون .وقال الكوفيون وأحمنند وإسننحاق وجماعننة مننن الصننحابة
والتابعينن :علينه الجزاء؛ لن المحرم التزم بإحرامنه ترك التعرض؛ فيضمنن بالدللة كالمودع إذا
دل سارقا على سرقة.
@ واختلفوا فني المحرم إذا دل محرما آخر؛ فذهب الكوفيون وأشهب من أصحابنا إلى أن على
كله واحند منهمنا جزاء .وقال مالك والشافعني وأبنو ثور :الجزاء على المحرم القاتنل؛ لقوله تعالى:
"ومن قتله منكم متعمدا" فعلق وجوب الجزاء بالقتل ،فدل على انتفائه بغيره؛ ولنه دال فلم يلزمه
بدللتننه غرم كمننا لو دل الحلل فنني الحرم على صننيد فنني الحرم .وتعلق الكوفيون وأشهننب بقوله
علينه السنلم فني حدينث أبني قتادة[ :هنل أشرتنم أو أعنتنم] ؟ وهذا يدل على وجوب الجزاء .والول
أصح .وال أعلم.
@ إذا كاننت شجرة نابتنة فني الحنل وفرعهنا فني الحرم فأصنيب منا علينه منن الصنيد ففينه الجزاء؛
لننه أخنذ فني الحرم وإن كان أصنلها فني الحرم وفرعهنا فني الحنل فاختلف علماؤننا فيمنا أخنذ علينه
على قولين :الجزاء نظرا إلى الصل ،ونفيه نظرا إلى الفرع.
@قوله تعالى" :واتقوا ال الذي إليه تحشرون" تشديد وتنبيه عقب هذا التحليل والتحريم ،ثم ذكر
بأمر الحشر والقيامة مبالغة في التحذير .وال أعلم.
**3الية{ 97 :جعل ال الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلئد ذلك
لتعلموا أن ال يعلم ما في السماوات وما في الرض وأن ال بكل شيء عليم}
@قوله تعالى" :جعنل ال الكعبنة" جعنل هننا بمعننى خلق وقند تقدم .وقند سنميت الكعبنة كعبنة لنهنا
مربعة وأكثر بيوت العرب مدورة وقيل :إنما سميت كعبة لنتوئها وبروزها ،فكل ناتئ بارز كعب،
مسنتديرا كان أو غينر مسنتدير .ومننه كعنب القدم وكعوب القناة .وكعنب ثدي المرأة إذا ظهنر فني
صندرها .والبينت سنمي بذلك لنهنا ذات سنقف وجدار ،وهني حقيقنة البيتينة وإن لم يكنن بهنا سناكن.
وسنماه سنبحانه حرامنا بتحريمنه إياه؛ قال الننبي صنلى ال علينه وسنلم[ :إن مكنة حرمهنا ال ولم
بحرمها الناس] وقد تقدم أكثر هذا مستوفى والحمد ل.
@قوله تعالى" :قيامنا للناس" أي صنلحا ومعاشنا ،لمنن الناس بهنا؛ وعلى هذا يكون "قيامنا"
بمعنى يقومون بها .وقيل" :قياما" أي يقومون بشرائعها .وقرأ ابن عامر وعاصم "قيما" وهما من
ذوات الواو فقلبنت الواو ياء لكسنرة منا قبلهنا .وقند قينل" :قوام" .قال العلماء :والحكمنة فني جعنل ال
تعالى هذه الشياء قيامنننا للناس ،أن ال سنننبحانه خلق الخلق على سنننليقة الدمينننة منننن التحاسننند
والتنافننس والتقاطننع والتدابر ،والسننلب والغارة والقتننل والثأر ،فلم يكننن بنند فنني الحكمننة اللهيننة،
والمشيئة الولية من كاف يدوم معه الحال ووازع يحمد معه المآل .قال ال تعالى" :إني جاعل في
الرض خليفة" [البقرة ]30 :فأمرهم ال سبحانه بالخلفة ،وجعله أمورهم إلى واحد يزعهم عن
التنازع ،ويحملهننم على التآلف مننن التقاطننع ،ويرد الظالم عننن المظلوم ،ويقرر كننل ينند على مننا
تسنتولي علينه .روى ابنن القاسنم قال حدثننا مالك أن عثمان بنن عفان رضني ال عننه كان يقول :منا
يزع المام أكثر مما يزع القرآن؛ ذكره أبو عمر رحمه ال .وجور السلطان عاما واحدا أقل إذاية
مننن كون الناس فوضننى لحظننة واحدة؛ فأنشننأ ال سننبحانه الخليفننة لهذه الفائدة ،لتجري على رأيننه
المور ،ويكنف ال بنه عادينة الجمهور؛ فعظنم ال سنبحانه فني قلوبهنم البينت الحرام ،وأوقنع فني
نفوسنهم هيبتنه ،وعظنم بينهنم حرمتنه ،فكان منن لجنأ إلينه معصنوما بنه ،وكان منن اضطهند محمينا
بالكون فينننه .قال ال تعالى" :أولم يروا أننننا جعلننننا حرمنننا آمننننا ويتخطنننف الناس منننن حولهنننم"
[العنكبوت .]67:قال العلماء :فلمنا كان موضعنا مخصوصا ل يدركه كنل مظلوم ،ول يناله كنل
خائف جعله ال الشهر الحرام ملجأ آخر
@ الشهر الحرام هو اسم جنس ،والمراد الشهر الثلثة بإجماع من العرب ،فقرر ال في قلوبهم
حرمتهنا ،فكانوا ل يروعون فيهنا سربا أي نفسنا ول يطلبون فيهنا دمنا ول يتوقعون فيهنا ثأرا ،حتى
كان الرجل يلقى قاتل أبيه وابنه وأخيه فل يؤذيه .واقتطعوا فيها ثلث الزمان .ووصلوا منها ثلثة
متوالينة ،فسنحة وراحنة ومجال للسنياحة فني المنن والسنتراحة ،وجعلوا منهنا واحدا منفردا فني
نصف العام دركا للحترام ،وهو شهر رجب الصم ويسمى مضر ،وإنما قيل له :رجب الصم؛
لنه كان ل يسمع فيه صوت الحديد ،ويسمى منصل السنة؛ لنهنم كانوا ينزعون فيه السنة من
الرماح ،وهو شهر قريش ،وله يقول عوف بن الحوص:
إذا سيقت مضرجها الدماء وشهر بني أمية والهدايا
وسننماه النننبي صننلى ال عليننه وسننلم شهننر ال؛ أي شهننر آل ال ،وكان يقال لهله الحرم :آل ال.
ويحتمننل أن يرينند شهننر ال؛ لن ال متنننه وشدده إذ كان كثيننر مننن العرب ل يراه .وسننيأتي فنني
"براءة" أسماء الشهور إن شاء ال .ثم يسر لهم اللهام ،وشرع على ألسنة الرسل الكرام الهدي
والقلئد ،فكانوا إذا أخذوا بعيرا أشعروه دمنا ،أو علقوا علينه نعل ،أو فعله ذلك الرجنل بنفسنه منن
التقليد على ما تقدم بيانه أول السورة لم يروعه أحد حيث لقيه ،وكان الفيصل بينه وبين من طلبه
أو ظلمه حتى جاء ال بالسلم وبين الحق بمحمد عليه السلم ،فانتظم الدين في سلكه ،وعاد الحق
إلى نصنابه ،فأسنندت المامنة إلينه ،وانبننى وجوبهنا على الخلق علينه وهنو قوله سنبحانه" :وعند ال
الذينن آمنوا منكنم وعملوا الصنالحات ليسنتخلفنهم فني الرض" [النور ]55 :الينة .وقند مضنى فني
"البقرة" أحكام المامة فل معنى لعادتها.
@قوله تعالى" :ذلك لتعلموا" "ذلك" إشارة إلى جعل ال هذه المور قياما؛ والمعنى فعل ال ذلك
لتعلموا أن ال يعلم تفاصننيل أمور السننماوات والرض ،ويعلم مصننالحكم أيهننا الناس قبننل وبعنند،
فانظروا لطفه بالعباد على حال كفرهم.
**3الية{ 98 :اعلموا أن ال شديد العقاب وأن ال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :اعلموا أن ال شديند العقاب" تخوينف "وأن ال غفور رحينم" ترجينة ،وقند تقدم
هذا المعنى.
**3الية{ 99 :ما على الرسول إل البلغ وال يعلم ما تبدون وما تكتمون}
@قوله تعالى" :ما على الرسول إل البلغ" أي ليس له الهداية والتوفيق ول الثواب ،وإنما عليه
البلغ وفني هذا رد على القدرينة كمنا تقدم .وأصنله البلغ البلوغ ،وهنو الوصنول .بلغ يبلغ بلوغنا،
وأبلغنه إبلغنا ،وتبلغ تبلغنا ،وبالغنه مبالغنة ،وبلغنه تبليغنا ،ومننه البلغنة ،لنهنا إيصنال المعننى إلى
النفس في حسن صورة من اللفظ وتبالغ الرجل إذا تعاطى البلغة وليس ببليغ ،وفي هذا بلغ أي
كفاينة؛ لننه يبلغ مقدار الحاجنة" .وال يعلم ما تبدون" أي تظهرونه ،يقال :بدا السنر وأبداه صناحبه
يبديه" .وما تكتمون" أي ما تسرونه وتخفونه في قلوبكم من الكفر والنفاق.
**3الينة{ 100 :قنل ل يسنتوي الخنبيث والطينب ولو أعجبنك كثرة الخنبيث فاتقوا ال ينا أولي
اللباب لعلكم تفلحون}
@ قال الحسن" :الخبيث والطيب" الحلل والحرام .وقال السدي :المؤمن والكافر .وقيل :المطيع
والعاصني .وقينل :الردينء والجيند؛ وهذا على ضرب المثال .والصنحيح أن اللفنظ عام فني جمينع
المور ،يتصنور فني المكاسنب والعمال ،والناس ،والمعارف منن العلوم وغيرهنا؛ فالخنبيث منن
هذا كله ل يفلح ول ينجب ،ول تحسن له عاقبة وإن كثر ،والطيب وإن قل نافع جميله العاقبة .قال
ال تعالى" :والبلد الطينب يخرج نباتنه بإذن ربنه والذي خبنث ل يخرج إل نكدا" [العراف.]58 :
ونظينر هذه الينة قوله تعالى" :أم نجعنل الذينن آمنوا وعملوا الصنالحات كالمفسندين فني الرض أم
نجعنل المتقينن كالفجار" [ص ]28 :وقوله "أم حسنب الذينن اجترحوا السنيئات أن نجعلهنم كالذينن
آمنوا وعملوا الصالحات" [الجاثية ]21 :؛ فالخبيث ل يساوي الطيب مقدارا ول إنفاقا ،ول مكانا
ول ذهابا ،فالطيب يأخذ جهة اليمين ،والخبيث يأخذ جهة الشمال ،والطيب في الجنة ،والخبيث في
النار وهذا بين .وحقيقة الستواء الستمرار في جهة واحدة ،ومثله الستقامة وضدها العوجاج.
@ قال بعض علمائنا :إن البيع الفاسد يفسخ ول يمضى بحوالة سوق ،ول بتغير بدن ،فيستوي في
إمضائه منع البينع الصنحيح ،بنل يفسنخ أبدا ،ويرد الثمنن على المبتاع إن كان قبضنه ،وإن تلف فني
يده ضمنه؛ لنه لم يقبضه على المانة ،وإنما قبضه بشبهة عقد .وقيل :ل يفسخ نظرا إلى أن البيع
إذا فسخ ورد بعد الفوت يكون فيه ضرر وغبن على البائع ،فتكون السلعة تساوي مائة وترد عليه
وهني تسناوي عشرينن ،ول عقوبنة فني الموال .والول أصنح لعموم الينة ،ولقوله علينه السنلم:
[من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد].
قلت :وإذا تتبع هذا المعنى في عدم الستواء في مسائل الفقه تعددت وكثرت.
فمنن ذلك الغاصنب إذا بننى فني البقعنة المغصنوبة أو غرس إننه يلزمنه قلع ذلك البناء والغرس؛
لننه خنبيث ،وردهنا؛ خلفنا لبني حنيفنة فني قوله :ل يقلع ويأخنذ صناحبها القيمنة .وهذا يرده قوله
علينه السنلم[ :لينس لعرق ظالم حنق] .قال هشام :العرق الظالم أن يغرس الرجنل فني أرض غيره
ليسنتحقها بذلك .قال مالك :العرق الظالم كنل منا أخنذ واحتفنر وغرس فني غينر حنق .قال مالك :منن
غصب أرضا فزرعها ،أو أكراها ،أو دارا فسكنها أو أكراها ،ثم استحقها ربها أن على الغاصب
كراء منا سنكن ورد منا أخنذ فني الكراء واختلف قوله إذا لم يسنكنها أو لم يزرع الرض وعطلهنا؛
فالمشهور منن مذهبنه أننه لينس علينه فينه شينء؛ وقند روي عننه أننه علينه كراء ذلك كله .واختاره
الوقار ،وهو مذهب الشافعي؛ لقوله عليه السلم[ :ليس لعرق ظالم حق] وروى أبو داود عن أبي
الزبينر أن رجلينن اختصنما إلى رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم :غرس أحدهمنا نخل فني أرض
الخنر ،فقضنى لصناحب الرض بأرضنه ،وأمنر صناحب النخنل أن يخرج نخله منهنا ،قال :فلقند
رأيتهنا ،وأنهنا لتضرب أصنولها بالفؤوس حتنى أخرجنت منهنا وإنهنا لنخنل عنم .وهذا ننص .قال ابنن
حنبيب :والحكنم فينه أن يكون صناحب الرض مخيرا على الظالم ،إن شاء حبنس ذلك فني أرضنه
بقيمتنه مقلوعنا ،وإن شاء نزعنه منن أرضنه؛ وأجنر النزع على الغاصنب .وروى الدارقطنني عنن
عائشنة قالت :قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم[ :منن بننى فني رباع قوم بإذنهنم فله القيمنة ومنن
بننى بغينر إذنهنم فله النقض] قال علماؤننا :إنمنا تكون له القيمة؛ لننه بننى فني موضنع يملك منفعتنه.
وذلك كمن بنى أو غرس بشبهة فله حق؛ إن شاء رب المال أن يدفع إليه قيمته قائما ،وإن أبى قيل
للذي بننى أو غرس :ادفنع إلينه قيمنة أرضنه براحنا؛ فإن أبنى كاننا شريكينن .قال ابنن الماجشون:
وتفسير اشتراكهما أن تقوم الرض براحا ،ثم تقوم بعمارتها فما زادت قيمتها بالعمارة على قيمتها
براحا كان العامل شريكا لرب الرض فيها ،إن أحبا قسما أو حبسا .قال ابن الجهم :فإذا دفع رب
الرض قيمنة العمارة وأخنذ أرضنه كان له كراؤهنا فيمنا مضنى منن السننين .وقند روي عنن ابنن
القاسم وغيره أنه إذا بنى رجل في أرض رجل بإذنه ثم وجب له إخراجه ،فإنه يعطيه قيمة بنائه
مقلوعا والول أصح لقوله عليه السلم( :فله القيمة) وعليه أكثر الفقهاء.
@قوله تعالى" :ولو أعجبك كثرة الخبيث" قيل :الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته؛
فإن النبي صلى ال عليه وسلم ل يعجبه الخبيث .وقيل :المراد به النبي صلى ال عليه وسلم نفسه،
وإعجابه له أنه صار عنده عجبا مما يشاهده من كثرة الكفار والمال الحرام ،وقلة المؤمنين والمال
الحلل" .فاتقوا ال يا أولي اللباب لعلكم تفلحون" تقدم معناه.
**3اليتان{ 102 - 101 :ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تسنألوا عنن أشياء إن تبند لكنم تسنؤكم وإن
تسنألوا عنهنا حينن ينزل القرآن تبند لكنم عفنا ال عنهنا وال غفور حلينم ،قند سنألها قوم منن قبلكنم ثنم
أصبحوا بها كافرين}
@ روى البخاري ومسنلم وغيرهمنا واللفنظ للبخاري عنن أننس قال ،قال رجنل :ينا ننبي ال ،منن
أبني ؟ قال[ :أبوك فلن] قال فنزلت "ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تسنألوا عنن أشياء إن تبند لكنم تسنؤكم"
الية .وخرج أيضا عن أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم وفيه[ :فوال ل تسألوني عن شيء إل
أخنبرتكم به منا دمنت فني مقامني هذا] فقام إلينه رجنل فقال :أينن مدخلي ينا رسنول ال؟ قال[ :النار].
فقام عبدال بنن حذافنة فقال :منن أبني ينا رسنول ال فقال[ :أبوك حذافنة] وذكنر الحدينث قال ابنن
عبدالبر :عبدال بننن حذافننة أسننلم قديمننا ،وهاجننر إلى أرض الحبشننة الهجرة الثانيننة ،وشهنند بدرا
وكانت فيه دعابة ،وكان رسول رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ أرسله إلى كسرى بكتاب رسول
ال صنلى ال علينه سنلم؛ ولمنا قال منن أبني ينا رسنول ال؛ قال[ :أبوك حذافنة] قالت له أمنه :منا
سنمعت بابنن أعنق مننك آمننت أن تكون أمنك قارفنت منا يقارف نسناء الجاهلينة فتفضحهنا على أعينن
الناس ! فقال :وال لو ألحقني بعبد أسود للحقت به .وروى الترمذي والدارقطنني عن علي رضي
ال عنه قال :لما نزلت هذه الية "ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل" [آل عمران:
.]97قالوا :يا رسول ال أفي كل عام؟ فسكت ،فقالوا :أفي كل عام ؟ قال[ :ل ولو قلت نعم لو
جبنت] ،فأنزل ال تعالى" :ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تسنألوا عنن أشياء إن تبند لكنم تسنؤكم" إلى آخنر
الية .واللفظ للدارقطني سئل البخاري عن هذا الحديث فقال :هو حديث حسن إل أنه مرسل؛ أبو
البختري لم يدرك علينا ،واسنمه سنعيد .وأخرجنه الدارقطنني أيضنا عن أبني عياض عن أبني هريرة
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :يا أيها الناس كتب عليكم الحج] فقام رجل فقال :في كل
عام ينا رسنول ال؟ فأعرض عننه ،ثنم عاد فقال :فني كنل عام ينا رسنول ال؟ فقال( :ومنن القائل)؟
قالوا :فلن؛ قال[ :والذي نفسني بيده لو قلت نعنم لوجبنت ولو وجبنت منا أطقتموهنا ولو لم تطيقوهنا
لكفرتنم] فأنزل ال تعالى" :ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تسنألوا عن أشياء إن تبند لكنم تسنؤكم" الية .وقال
الحسنن البصنري فني هذه الية :سنألوا النبي صلى ال عليه وسلم عن أمور الجاهلية التني عفا ال
عنهنا ول وجنه للسنؤال عمنا عفنا ال عننه .وروى مجاهند عنن ابنن عباس أنهنا نزلت فني قوم سنألوا
رسول ال صلى ال عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام؛ وهو قول سعيد بن جبير؛
وقال :أل ترى أن بعده" :ما جعل ال من بحيرة ول سائبة ول وصيلة ول حام" [المائدة.]103 :
قلت :وفي الصحيح والمسند كفاية .ويحتمل أن تكون الية نزلت جوابا للجميع ،فيكون السؤال
قريبنا بعضنه منن بعنض .وال أعلم .و"أشياء" وزننه أفعال؛ ولم يصنرف لننه مشبنه بحمراء؛ قاله
الكسنائي وقينل :وزننه أفعلء؛ كقولك :هينن وأهوناء؛ عنن الفراء والخفنش ويصنغر فيقال :أشياء؛
قال المازنني :يجنب أن يصنغر شييات كمنا يصنغر أصندقاء؛ فني المؤننث صنديقات وفني المذكنر
صديقون.
@ قال ابن عون :سألت نافعا عن قوله تعالى "ل تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" فقال :لم
تزل المسائل منذ قط تكره .روى مسلم عن المغيرة بن شعبة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم
قال[ :إن ال حرم عليكننم عقوق المهات وواد البنات ومنعننا وهات وكره لكننم ثلثننا ،قيننل ،وقال
وكثرة السنؤال وإضاعنة المال] قال كثينر منن العلماء :المراد بقوله [وكثرة السنؤال] التكثيننر منن
السؤال في المسائل الفقهية تنطعا ،وتكلفا فيما لم ينزل ،والغلوطات وتشقيق المولدات ،وقد كان
السننلف يكرهون ذلك ويرونننه مننن التكليننف ،ويقولون :إذا نزلت النازلة وفننق المسننؤول لهننا .قال
مالك :أدركت أهله هذا البلد وما عندهم علم غير الكتاب والسنة ،فإذا نزلت نازلة جمع المير لها
من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه ،وأنتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول ال صلى ال
علينه وسنلم .وقينل :المراد بكثرة المسنائل كثرة سنؤال الناس الموال والحوائج إلحاحنا واسنتكثارا؛
وقاله أيضنا مالك وقيله :المراد بكثرة المسنائل السنؤال عمنا ل يعنني منن أحوال الناس بحينث يؤدي
ذلك إلى كشف عوراتهنم والطلع على مسناوئهم .وهذا مثل قوله تعالى" :ول تجسنسوا ول يغتب
بعضكنم بعضنا" [الحجرات ]12 :قال ابنن خوينز منداد :ولذلك قال بعنض أصنحابنا متنى قدم إلينه
طعام لم يسنأل عننه منن أينن هذا أو عرض علينه شينء يشترينه لم يسنأل منن أينن هنو وحمنل أمور
المسلمين على السلمة والصحة.
قلت :والوجه حمل الحديث على عمومه فيتناول جميع تلك الوجوه كلها .وال أعلم.
@ قال ابن العربي :اعتقد قوم من الغافلين تحريم أسئلة النوازل حتى تقع تعلقا بهذه الية وليس
كذلك لن هذه الينة مصنرحة بأن السنؤال المنهني عننه إنمنا كان فيمنا تقنع المسناءة فني جوابنه ول
مساءة في جواب نوازل الوقت فافترقا.
قلت قوله :اعتقد قوم من الغافلين فيه قبح ،وإنما كان الولى به أن يقول :ذهب قوم إلى تحريم
أسننئلة النوازل ،لكنننه جرى على عادتننه ،وإنمننا قلنننا كان أولى بننه؛ لنننه قنند كان قوم مننن السننلف
يكرههنا .وكان عمنر بنن الخطاب رضني ال عننه يلعنن منن سنأل عمنا لم يكنن؛ ذكره الدارمني فني
مسننده؛ وذكنر عنن الزهري قال :بلغننا أن زيند بنن ثابنت النصناري كان يقول إذا سنئل عنن المنر:
أكان هذا؟ فإن قالوا :نعنم قند كان حدث فينه بالذي يعلم ،وإن قالوا :لم يكنن قال فذروه حتنى يكون.
وأسند عن عمار بن ياسر وقد سئل عن مسألة فقال :هل كان هذا بعد؟ قالوا :ل؛ قال :دعونا حتى
يكون ،فإذا كان تجشمناهنا لكنم .قال الدارمني :حدثننا عبدال بن محمند بنن أبي شيبة ،قال حدثنا ابن
فضيل عن عطاء عن ابن عباس قال :ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول ال صلى ال
علينه وسنلم ،منا سنألوه إل عنن ثلث عشرة مسنألة حتنى قبنض ،كلهنن فني القرآن؛ منهنن "يسنألونك
عن الشهر الحرام" [البقرة" ، ]217 :ويسألونك عن المحيض" [البقرة ]222 :وشبهه ما كانوا
يسألون إل عما ينفعهم.
@ قال ابنن عبدالبر :السنؤال اليوم ل يخاف مننه أن ينزل تحرينم ول تحلينل منن أجله ،فمنن سنأل
مسنتفهما راغبنا فني العلم ونفني الجهنل عنن نفسنه ،باحثنا عنن معننى يجنب الوقوف فني الدياننة علينه،
فل بأس بنه فشفاء العني السنؤال؛ ومنن سنأل متعنتنا غينر متفقنه ول متعلم فهنو الذي ل يحنل قلينل
سؤاله ول كثيره؛ قال ابن العربي :الذي ينبغني للعالم أن يشتغل به هو بسنط الدلة ،وإيضاح سبل
النظر ،وتحصيل مقدمات الجتهاد ،وإعداد اللة المعينة على الستمداد؛ فإذا عرضت نازلة أتيت
من بابها ،ونشدت في مظانها ،وال يفتح في صوابها.
@قوله تعالى" :وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" فيه غموض ،وذلك أن في أول الية
النهي عن السؤال ثم قال" :وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" فأباحه لهم؛ فقيل :المعنى
وإن تسننألوا عننن غيرهننا فيمننا مسننت الحاجننة إليننه ،فحذف المضاف ،ول يصننح حمله على غيننر
الحذف .قال الجرجاننني :الكنايننة فنني "عنهننا" ترجننع إلى أشياء أخننر؛ كقوله تعالى" :ولقنند خلقنننا
النسان من سللة من طين" [المؤمنون ]12 :يعني آدم ،ثم قال" :ثم جعلناه نطفة" [المؤمنون:
]13أي ابن آدم؛ لن آدم لم يجعل نطفة في قرار مكين ،لكن لما ذكر النسان وهو آدم دل على
إنسان مثله ،وعرف ذلك بقرينة الحال؛ فالمعنى وإن تسألوا عن أشياء حين ينزل القرآن من تحليل
أو تحريم أو حكم ،أو مست حاجتكم إلى التفسير ،فإذا سألتم فحينئذ تبد لكم؛ فقد أباح هذا النوع من
السنؤال :ومثاله أننه بينن عدة المطلقنة والمتوفنى عنهنا زوجهنا والحامنل ،ولم يجنز ذكنر عدة التني
ليسننت بذات قرء ول حامننل ،فسننألوا عنهننا فنزل "واللئى يئسننن مننن المحيننض" [الطلق.]4 :
فالنهي إذا في شيء لم يكن بهم حاجة إلى السؤال فيه؛ فأما ما مست الحاجة إليه فل.
@قوله تعالى" :عفنا ال عنهنا وال غفور حلينم" أي عنن المسنألة التني سنلفت منهنم .وقينل :عنن
الشياء التني سنألوا عنهنا منن أمور الجاهلينة ومنا جرى مجراهنا .وقينل :العفنو بمعننى الترك؛ أي
تركها ولم يعرف بها في حلل ول حرام فهو معفو عنها فل تبحثوا عنه فلعله إن ظهر لكم حكمه
من ساءكم .وكان عبيد بن عمير يقول :إن ال أحل وحرم ،فما أحل فاستحلوه ،وما حرم فاجتنبوه،
وترك بينننن ذلك أشياء لم يحلهنننا ولم يحرمهنننا ،فذلك عفنننو منننن ال ،ثنننم يتلو هذه الينننة .وخرج
الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشنني قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :إن ال تعالى فرض
فرائض فل تضيعوها وحرم حرمات فل تنتهكوها وحدد حدودا فل تعتدوها وسكت عن أشياء من
غينر نسنيان فل تبحثوا عنهنا] والكلم على هذا التقدينر فينه تقدينم وتأخينر؛ أي ل تسنألوا عنن أشياء
عفا ال عنها إن تبد لكم تسؤكم ،أي أمسك عن ذكرها فلم يوجب فيها حكما .وقيل :ليس فيه تقديم
ول تأخير؛ بل المعنى قد عفا ال عن مسألتكم التي سلفت وإن كرهها النبي صلى ال عليه وسلم،
فل تعودوا لمثالها .فقوله" :عنها" أي عن المسألة ،أو عن السؤالت كما ذكرناه.
@قوله تعالى" :قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين" أخبر تعالى أن قوما من قبلنا قد
سنألوا آيات مثلهنا ،فلمنا أعطوهنا وفرضنت عليهنم كفروا بهنا ،وقالوا :ليسنت منن عنند ال؛ وذلك
كسؤاله قوم صالح الناقة ،وأصحاب عيسى المائدة؛ وهذا تحذير مما وقع فيه من سبق من المم.
وال أعلم.
@ إن قال قائل :منا ذكرتنم من كراهينة السنؤال والنهنى عننه ،يعارضنه قوله تعالى" :فاسنألوا أهل
الذكنر إن كنتنم ل تعلمون" [النحنل ]43 :فالجواب؛ أن هذا الذي أمنر ال بنه عباده هنو منا تقرر
وثبنت وجوبنه ممنا يجنب عليهنم العمنل بنه ،والذي جاء فينه النهني هنو منا لم يتعبدال عباده بنه؛ ولم
يذكره في كتابه .وال أعلم.
@ روى مسلم عن عامر بن سعد عن أبيه قال ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :إن أعظم
المسنلمين فني المسنلمين جرمنا منن سنأل عنن شينء لم يحرم على المسنلمين فحرم عليهنم منن أجله
مسألته] .قال القشيري أبو نصر :ولو لم يسأل العجلني عن الزنى لما ثبت اللعان .قال أبو الفرج
الجوزي :هذا محمول على منن سنأل عنن الشينء عنتنا وعبثنا فعوقنب بسنوء قصنده بتحرينم منا سنأل
عنه؛ والتحريم يعم.
@ قال علماؤنا :ل تعلق للقدرية بهذا الحديث في أن ال تعالى يفعل شيئا من أجل شيء وبسببه،
تعالى ال عنن ذلك؛ فإن ال على كله شينء قدينر ،وهنو بكنل شينء علينم؛ بنل السنبب والداعني فعله
من أفعاله ،لكن سبق القضاء والقدر أن يحرم من الشيء المسؤول عنه إذا وقع السؤال فيه؛ ل أن
السؤال موجب للتحريم ،وعلة له ،ومثله كثير "ل يسأل عما يفعل وهم يسألون" [النبياء.]23 :
**3الينة{ 103 :منا جعنل ال منن بحيرة ول سنائبة ول وصنيلة ول حام ولكنن الذينن كفروا
يفترون على ال الكذب وأكثرهم ل يعقلون}
@قوله تعالى" :منا جعنل ال" جعنل هننا بمعننى سنمى ،كمنا قال تعالى" :إننا جعلناه قرآننا عربينا"
[الزخرف ]3:أي سنميناه .والمعننى فني هذه الينة ما سنمى ال ،ول سنن ذلك حكمنا ،ول تعبد به
شرعنا ،بيند أننه قضنى بنه علمنا ،وأوجده بقدرتنه وإرادتنه خلقنا؛ فإن ال خالق كنل شينء منن خينر
وشر ،ونفع وضر ،وطاعة ومعصية.
@قوله تعالى" :منن بحيرة ول سنائبة" "منن" زائدة .والبحيرة فعيلة بمعننى مفعولة ،وهني على
وزن النطيحننة والذبيحننة .وفنني الصننحيح عننن سننعيد بننن المسننيب :البحيرة هنني التنني يمنننع درهننا
للطواغينت ،فل يحتلبهنا أحند منن الناس .وأمنا السنائبة فهني التني كانوا يسنيبونها للهتهنم .وقينل:
البحيرة لغة هي الناقة المشقوقة الذن؛ يقال بحرت أذن الناقة أي شققتها شقا واسعا ،والناقة بحيرة
ومبحورة ،وكان البحر علمة التخلية .قال ابن سيده :يقال البحيرة هي التي خليت بل راع ،ويقال
للناقة الغزيرة بحيرة .قال ابن إسحاق :البحيرة هي ابنة السائبة ،والسائبة هي الناقة إذا تابعت بين
عشنر إناث لينس بينهنن ذكنر ،لم يركنب ظهرهنا ولم يجنز وبرهنا ،ولم يشرب لبنهنا إل ضينف ،فمنا
نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها ،وخلي سبيلها مع أمها فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ،ولم
يشرب لبنهنا إل ضينف كمنا فعنل بأمهنا؛ فهني البحيرة ابننة السنائبة .وقال الشافعني :إذا نتجنت الناقنة
خمسة أبطن إناثا بحرت أذنها فحرمت؛ قال:
ول نحن في شيء كذاك البحائر محرمة ل يطعم الناس لحمها
وقال ابنن عزينز البحيرة الناقنة إذا نتجنت خمسنة أبطنن فإذا كان الخامنس ذكرا نحروه فأكله الرجال
والنسناء ،وإن كان الخامنس أنثنى بحروا أذنهنا أي شقوه وكاننت حرامنا على النسناء لحمهنا ولبنهنا
وقاله عكرمنة فإذا ماتنت حلت للنسناء .والسنائبة البعينر يسنيب بنذر يكون على الرجنل إن سنلمه ال
منن مرض ،أو بلغنه منزله أن يفعنل ذلك ،فل تجنس عنن رعني ول ماء ،ول يركبهنا أحند؛ وقال بنه
أبو عبيد؛ قال الشاعر:
إن ال عافى عامرا أو مجاشعا وسائبة ل تنمي تشكرا
وقد يسيبون غير الناقة ،وكانوا إذا سيبوا العبد لم يكن عليه ولء .وقيل :السائبة هي المخلة ل قيد
عليهنا ،ول راعني لهنا؛ فاعنل بمعننى مفعول ،نحنو "عيشنة راضينة" أي مرضينة .منن سنابت الحينة
وانسابت؛ قال الشاعر:
وسائبة فقوموا للعقاب عقرتم ناقة كانت لربي
وأما الوصيلة والحام؛ فقال ابن وهب ،قال مالك :كان أهل الجاهلية يعتقون البل والغنم يسيبونها؛
فأمنا الحام فمنن البنل؛ كان الفحنل إذا انقضنى ضرابنه جعلوا علينه منن رينش الطواوينس وسنيبوه؛
وأما الوصيلة فمن الغنم إذا ولدت أنثى بعد أنثى سيبوها .وقال ابن عزيز :الوصيلة في الغنم؛ قال:
كانوا إذا ولدت الشاة سنبعة أبطنن نظروا؛ فإن كان السنابع ذكرا ذبنح وأكنل مننه الرجال والنسناء،
وإن كان أنثنى تركنت فني الغننم ،وإن كان ذكرا وأنثنى قالوا وصنلت أخاهنا فلم تذبنح لمكانهنا ،وكان
لحمها حراما على النساء ،ولبن النثى حراما على النساء إل أن يموت منهما شيء فيأكله الرجال
والنساء .والحامي الفحل إذا ركب ولد ولده .قال:
كما قد حمى أولد أولده الفحل حماها أبو قابوس في عز ملكه
ويقال :إذا نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا :قد حمى ظهنر فل يركب ول يمنع من كلء ول ماء.
وقال ابن إسحاق :الوصيلة الشاة إذا أتمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر،
قالوا :وصنلت فكان منا ولدت بعند ذلك للذكور منهنم دون الناث ،إل أن يموت شينء منهنا فيشترك
في أكله ذكورهم وإناثهم.
@ روى مسلم عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :رأيت عمرو بن عامر
الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب] وفي رواية [عمرو بن لحي بن قمعة
بنن خندف أخنا بنني كعنب هؤلء يجنر قصنبه فني النار] .وروى أبنو هريرة قال سنمعت رسنول ال
صلى ال عليه وسلم يقول لكثم بن الجون[ :رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندق يجر قصبه
في النار فما رأيت رجل أشبه برجل منك به ول به منك] فقال أكثم :أخشى أن يضرني شبهه يا
رسنول ال؛ قال[ :ل إننك مؤمنن وهنو كافنر إننه أول منن غينر دينن إسنماعيل وبحنر البحيرة وسنيب
السنائبة وحمنى الحامني] وفني رواينة[ :رأيتنه رجل قصنيرا أشعنر له وفرة يجنر قصنبه فني النار].
وفي رواية ابن القاسم وغيره عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن النبي صلى ال
علينه وسنلم قال[ :إننه يؤذي أهله النار بريحنه] .مرسنل ذكره ابنن العربني وقينل :إن أول منن ابتدع
ذلك جنادة بن عوف .وال أعلم .وفي الصحيح كفاية .وروى ابن إسحاق :أن سبب نصب الوثان،
وتغيير دين إبراهيم عليه السلم عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام ،فلما قدم مآب من أرض
البلقاء ،وبهنا يومئذ العمالينق أولد عملينق ويقال عملق بنن لوذ بنن سنام بنن نوح ،رآهنم يعبدون
الصننام فقال لهنم :منا هذه الصننام التني أراكنم تعبدون؟ قالوا :هذه أصننام نسنتمطر بهنا فنمطنر،
ونسنتنصر بهنا فننصنر؛ فقال لهنم :أفل تعطونني منهنا صننما أسنير بنه إلى أرض العرب فيعبدننه؟
فأعطوه صننما يقال له( :هبنل) فقدم بنه مكنة فنصنبه ،وأخنذ الناس بعبادتنه وتعظيمنه؛ فلمنا بعنث ال
محمدا صنلى ال علينه وسنلم أنزل ال علينه "منا جعنل ال بحيرة ول سنائبة ول وصنيلة ول حام".
"ولكنن الذينن كفروا" يعنني منن قرينش وخزاعنة ومشركني العرب "يفترون على ال الكذب"
بقولهنم :إن ال أمنر بتحريمهنا ،ويزعمون أنهنم يفعلون ذلك لرضنا ربهنم فني طاعنة ال ،وطاعنة ال
إنما تعلم من قوله ،ولم يكن عندهم من ال بذلك قول ،فكان ذلك مما يفترونه على ال .وقالوا" :ما
فني بطون هذه النعام خالصنة لذكورننا" [النعام ]139 :يعنني منن الولد واللبان "ومحرم على
أزواجنا وإن يكن ميتة" [النعام ]139 :يعني إن وضعته ميتا اشترك فيه الرجال والنساء؛ فذلك
قوله عنز وجنل" :فهنم فينه شركاء سنيجزيهم وصنفهم" [النعام ]139 :أي بكذبهنم العذاب فني
الخرة "إننه حكينم علينم" [النعام ]139 :أي بالتحرينم والتحلينل .وأنزل علينه" :قنل أرأيتنم منا
أنزل ال لكنم منن رزق فجعلتنم مننه حرامنا وحلل قنل آل أذن لكنم أم على ال تفترون" [يوننس:
]59وأنزل علينه" :ثمانينة أزواج" [النعام ]143 :وأنزله علينه" :وأنعام ل يذكرون اسنم ال
عليها افتراء عليه" [النعام @ .]138 :تعلق أبو حنيفة رضي ال عنه في منعه الحباس ورده
الوقاف؛ بأن ال تعالى عاب على العرب مننا كانننت تفعله مننن تسننييب البهائم وحمايتهننا وحبننس
أنفاسنها عنهنا ،وقاس على البحيرة والسنائبة والفرق بيّنن .ولو عمند رجنل إلى ضيعنة له فقال :هذه
تكون حبسا ،ل يجتنى ثمرها ،ول تزرع أرضها ،ول ينتفع منها بنفع ،لجاز أن يشبه هذا بالبحيرة
والسائبة .وقد قال علقمة لمن سأله عن هذه الشياء :ما تريد إلى شيء كان من عمل أهله الجاهلية
وقند ذهنب .وقال نحوه ابنن زيند .وجمهور العلماء على القول بجواز الحباس والوقاف منا عدا أبنا
حنيفنة وأبنا يوسنف وزفنر؛ وهنو قول شرينح أن أبنا يوسنف رجنع عنن قول أبنى حنيفنة فني ذلك لمنا
حدثه ابن علية عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر أنه استأذن رسول ال صلى ال عليه وسلم في
أن يتصدق بسنهمه بخيبر فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :احبس الصنل وسبل الثمرة].
وبه يحتج كل من أجاز الحباس؛ وهو حديث صحيح قاله أبو عمر .وأيضا فإن المسألة إجماع من
الصحابة وذلك أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص وابن الزبير
وجابرا كلهنم وقفوا الوقاف ،وأوقافهنم بمكنة والمديننة معروفنة مشهورة .وروي أن أبنا يوسنف قال
لمالك بحضرة الرشيند :إن الحبنس ل يجوز؛ فقال له مالك :هذه الحباس أحباس رسنول ال صنلى
ال عليه وسلم بخيبر وفدك وأحباس أصحابه .وأما ما احتج به أبو حنيفة من الية فل حجة فيه؛
لن ال سنبحانه إنمنا عاب عليهنم أن تصنرفوا بعقولهنم بغينر شرع توجنه إليهنم ،أو تكلينف فرض
عليهم في قطع طريق النتفاع وإذهاب نعمة ال تعالى وإزالة المصلحة التي للعباد في تلك البل.
وبهذا فارقنت هذه المور الحباس والوقاف .وممنا احتنج بنه أبنو حنيفنة وزفنر منا رواه عطاء عنن
ابن المسيب قال :سألت شريحا عن رجل جعل داره حبسا على الخر من ولده فقال :ل حبس عن
فرائض ال؛ قالوا :فهذا شرينح قاضنني عمنر وعثمان وعلي الخلفاء الراشدينن حكننم بذلك .واحتنج
أيضا بما رواه ابن لهيعة عن أخيه عيسى ،عن عكرمة عن ابن عباس ،قال سمعت النبي صلى ال
علينه وسنلم يقول بعدمنا أنزلت سنورة "النسناء" وأنزل ال فيهنا الفرائض :ينهنى عنن الحبنس .قال
الطنبري :الصندقة التني يمضيهنا المتصندق فني حياتنه على منا أذن ال بنه على لسنان ننبيه وعمنل بنه
الئمنة الراشدون رضني ال عنهنم لينس منن الحبنس عنن فرائض ال؛ ول حجنة فني قول شرينح ول
فني قول أحند يخالف السننة ،وعمنل الصنحابة الذينن هنم الحجنة على جمينع الخلق؛ وأمنا حدينث ابنن
عباس فرواه ابن لهيعة ،وهو رجل اختلط عقله في آخر عمره ،وأخوه غير معروف فل حجة فيه؛
قال ابن القصار.
فإن قينننل :كينننف يجوز أن تخرج الرض بالوقنننف عنننن ملك أربابهنننا ل إلى ملك مالك؟ قال
الطحاوي يقال لهنم :ومنا ينكنر منن هذا وقند اتفقنت أننت وخصنمك على الرض يجعلهنا صناحبها
مسنجدا للمسنلمين ،ويخلي بينهنم وبينهنا ،وقند خرجنت بذلك منن ملك إلى غينر مالك ،ولكنن إلى ال
تعالى؛ وكذلك السنقايات والجسنور والقناطنر ،فمنا ألزمنت مخالفنك فني حجتنك علينه يلزمنك فني هذا
كله .وال أعلم.
@ اختلف المجيزون للحبنس فيمنا للمحبنس منن التصنرف؛ فقال الشافعني :ويحرم على الموقنف
ملكننه كمننا يحرم عليننه ملك رقبننة العبنند ،إل أنننه جائز له أن يتولى صنندقته ،وتكون بيده ليفرقهننا
ويسلبها فيما أخرجها فيه؛ لن عمر بن الخطاب رضي ال عنه لم يزل يلي صدقته فيما بلغنا حتى
قبضه ال عز وجل قال :وكذلك علي وفاطمة رضي ال عنهما كانا يليان صدقاتهما؛ وبه قال أبو
يوسنف وقال مالك :منن حبنس أرضنا أو نخل أو دارا على المسناكين وكاننت بيده يقوم بهنا ويكريهنا
ويقسمها في المساكين حتى مات والحبس في يديه ،أنه ليس بحبس ما لم يجزه غيره وهو ميراث؛
والربنع عنده والحوائط والرض ل ينفنذ حبسنها ،ول يتنم حوزهنا ،حتنى يتوله غينر منن حبسنه،
بخلف الخيل والسلح ،هذا محصل مذهبه عند جماعة أصحابه؛ وبه قال ابن أبي ليلى.
@ ل يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه؛ لنه أخرجه ل وقطعه عن ملكه ،فانتفاعه بشيء منه رجوع
فنني صنندقته؛ وإنمننا يجوز له النتفاع إن شرط ذلك فنني الوقننف ،أو أن يفتقننر المحبننس ،أو ورثتننه
فيجوز لهم الكل منه .ذكر ابن حبيب عن مالك قال :من حبس أصل تجري غلته على المساكين
فإن ولده يعطون مننه إذا افتقروا كانوا يوم حبنس أغنياء أو فقراء غينر أنهنم ل يعطون جمينع الغلة
مخافة أن يندرس الحبس ولكن يبقى منه سهم للمساكين ليبقى عليه اسم الحبس؛ ويكتب على الولد
كتاب أنهم إنما يعطون منه ما أعطوا على سبيل المسكنة ،وليس على حق لهم دون المساكين.
@ عتق السائبة جائز؛ وهو أن يقول السيد لعبده أنت حر وينوي العتق ،أو يقول :أعتقتك سائبة؛
فالمشهور منن مذهنب مالك عنند جماعنة أصنحابه أن ولءه لجماعنة المسنلمين ،وعتقنه نافنذ؛ هكذا
روى عنه ابن القاسم وابن عبدالحكم وأشهب وغيرهم ،وبه قال ابن وهب؛ وروى ابن وهب عن
مالك قال :ل يعتق أحد سائبة؛ لن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع الولء وعن هبته؛
قال ابنن عبدالبر :وهذا عنند كله منن ذهنب مذهبنه ،إنمنا هنو محمول على كراهنة عتنق السنائبة ل
غينر؛ فإن وقنع نفنذ وكان الحكنم فينه منا ذكرناه .وروى ابنن وهنب أيضنا وابنن القاسنم عنن مالك أننه
قال :أنا أكره عتق السائبة وأنهى عنه؛ فإن وقع نفذ وكان ميراثا لجماعة المسلمين ،وعقله عليهم.
وقال أصبغ :ل بأس بعتق السائبة ابتداء؛ ذهب إلى المشهور من مذهب مالك؛ وله احتج إسماعيل
القاضني ابنن إسنحاق وإياه تقلد .ومنن حجتنه فني ذلك أن عتنق السنائبة مسنتفيض بالمديننة ل ينكره
عالم ،وأن عبدال بن عمر وغيره من السلف أعتقوا سائبة .وروي ابن شهاب وربيعة وأبي الزناد
وهو قول عمر بن عبدالعزيز وأبي العالية وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم.
قلت :أبو العالية الرياحي البصنري التميمني رضنى ال عنه ممنن أعتنق سنائبة؛ أعتقته مولة له
من بني رياح سائبة لوجه ال تعالى ،وطافت به على حلق المسجد ،واسمه رفيع بن مهران ،وقال
ابن نافع :ل سائبة اليوم في السلم ،ومن أعتق سائبة كان ولؤه له؛ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة
وابنن الماجشون ،ومال إلينه ابنن العربني؛ واحتجوا بقوله صنلى ال علينه وسنلم[ :منن أعتنق سنائبة
فولؤه له] وبقوله[ :إنمننا الولء لمننن أعتننق] .فنفننى أن يكون الولء لغيننر معتننق ،واحتجوا بقوله
تعالى" :منا جعنل ال منن بحيرة ول سنائبة" وبالحدينث [ل سنائبة فني السنلم] وبمنا رواه أبنو قينس
عنن هزينل بنن شرحبينل قال :قال رجنل لعبدال :إنني أعتقنت غلمنا لي سنائبة فماذا ترى فينه؟ فقال
عبدال :إن أهل السلم ل يسيبون ،إنما كانت تسيب الجاهلية؛ أنت وارثه وولي نعمته.
**3الية{ 104 :وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل ال وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه
آباءنا أولو كان آباؤهم ل يعلمون شيئا ول يهتدون}
@قوله تعالى" :وإذا قينل لهنم تعالوا إلى منا أنزل ال وإلى الرسنول قالوا حسنبنا منا وجدننا علينه
آباءنا" الية تقدم معناها والكلم عليها في "البقرة" فل معنى لعادتها.
**3الينة{ 105 :ينا أيهنا الذينن آمنوا عليكنم أنفسنكم ل يضركنم منن ضنل إذا اهتديتنم إلى ال
مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون}
@ قال علماؤنا :وجه اتصال هذه الية بما قبلها التحذير مما يجب أن يحذر منه ،وهو حال من
تقدمنت صنفته ممنن ركنن فني ديننه إلى تقليند آبائه وأسنلفه .وظاهنر هذه الينة يدل على أن المنر
بالمعروف والنهي عن المنكنر لينس القيام به بواجب إذا استقام النسنان ،وأنه ل يؤاخنذ أحد بذنب
غيره ،لول منا ورد منن تفسنيرها فني السننة وأقاوينل الصنحابة والتابعينن على منا نذكره بحول ال
تعالى.
@قوله تعالى" :عليكم أنفسكم" معناه احفظوا أنفسكم من المعاصي؛ تقول عليك زيدا بمعنى الزم
زيدا؛ ول يجوز علينه زيدا ،بنل إنمنا يجرى هذا فني المخاطبنة فني ثلثنة ألفاظ علينك زيدا أي خنذ
زيدا ،وعندك عمرا أي حضرك ،ودونك زيدا أي قرب منك؛ وأنشد:
يا أيها المائح دلوي دونكا
وأما قوله :عليه رجل ليسني ،فشاذ.
@ روى أبنو داود والترمذي وغيرهمنا عنن قينس قال :خطبننا أبنو بكنر الصنديق رضني ال عننه
فقال :إنكنم تقرؤون هذه الينة وتتأولونهنا على غينر تأويلهنا "ينا أيهنا الذينن آمنوا عليكنم أنفسنكم ل
يضركنم منن ضنل إذا اهتديتنم" وإنني سنمعت رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم يقول[ :إن الناس إذا
رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديننه أوشننك أن يعمهننم ال بعذاب مننن عنده] .قال أبننو عيسننى :هذا
حديث حسن صحيح؛ قال إسحاق بن إبراهيم سمعت عمرو بن علي يقول :سمعت وكيعا يقول :ل
يصح عن أبي بكر عن النبي صلى ال عليه وسلم ول حديث واحد ،قلت :ول إسماعيل عن قيس،
قال :إن إسننماعيل روى عننن قيننس موقوفننا .قال النقاش :وهذا إفراط مننن وكيننع؛ رواه شعبننة عننن
سننفيان وإسننحاق عننن إسننماعيل مرفوعننا؛ وروى أبننو داود والترمذي وغيرهمننا عننن أبنني أميننة
الشعبانني قال :أتينت أبنا ثعلبنة الخشنني فقلت له :كينف تصننع بهذه الينة؟ فقال :أينة آينة؟ قلت :قوله
تعالى" :يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ل يضركم من ضل إذا اهتديتم" قال :أما وال لقد سألت
عنهنا خنبيرا ،سنألت عنهنا رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فقال[ :بنل ائتمروا بالمعروف وتناهوا
شحّا مُطاعنا وهَوىً مُتبعاً ودنينا مُؤثَرةً وإعجابَن كنل ذي رأي برأينهعنن المنكنر حتنى إذا رأينت ُ
فعلينك بخاصنة نفسنك ودع عننك أمنر العامنة فإن منن ورائكنم أيامنا الصنبر فيهنن مثنل القبنض على
الجمنر للعامل فيهن مثنل أجنر خمسنين رجل يعملون مثنل عملكم] .وفي رواية قيل :ينا رسول ال
أجر خمسين منا أو منهم؟ قال[ :بل أجر خمسين منكم] .قال أبو عيسى :هذا حديث حسن غريب.
قال ابنن عبدالبر قوله[ :بنل منكنم] هذه اللفظنة قند سنكت عنهنا بعنض الرواة فلم يذكرهنا ،وقند تقدم.
وروى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال[ :إنكم في زمان من ترك منكم
عشر ما أمر به هلك ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا] قال :هذا حديث غريب.
وروي عن ابن مسعود أنه قال :ليس هذا بزمان هذه الية؛ قولوا الحق ما قُبل منكم ،فإذا رُد عليكم
فعليكم أنفسكم .وقيل لبن عمر في بعض أوقات الفتن :لو تركت القول في هذه اليام فلم تأمر ولم
تننه؟ فقال إن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال لننا[ :ليبلغ الشاهند الغائب] ونحنن شهدننا فيلزمننا
أن نبلغكنم ،وسنيأتي زمان إذا قينل فينه الحنق لم يقبنل .فني رواينة عنن ابنن عمنر بعند قوله[ :ليبلغ
الشاهد الغائب] فكنا نحن الشهود وأنتم ال ُغيّب ،ولكن هذه الية لقوام يجيؤون من بعدنا إن قالوا،
لم يقبنل منهنم .وقال ابنن المبارك قوله تعالى" :عليكنم أنفسنكم" خطاب لجمينع المؤمنينن ،أي عليكنم
أهله دينكم؛ كقوله تعالى" :ول تقتلوا أنفسكم" فكأنه قال :ليأمر بعضكم بعضا؛ ولينه بعضكم بعضا
فهننو دليننل على وجوب المننر بالمعروف والنهنني عننن المنكننر ،ول يضركننم ضلل المشركيننن
والمنافقينن وأهنل الكتاب؛ وهذا لن المنر بالمعروف يجري منع المسنلمين منن أهنل العصنيان كمنا
تقدم؛ وروي معنى هذا عن سعيد بن جبير وقال سعيد بن المسيب :معنى الية ل يضركم من ضل
إذا اهتديتم بعد المر بالمعروف والنهي عن المنكر .وقال ابن خويز منداد :تضمنت الية اشتغال
النسان بخاصة نفسه ،وتركه التعرض لمعائب الناس ،والبحث عن أحوالهم فإنهم ل يسألون عن
حاله فل يسأل عن حالهنم وهذا كقوله تعالى" :كنل نفس بمنا كسنبت رهينة" [المدثنر" ، ]38 :ول
تزر وازرة وزر أخرى" [النعام .]164 :وقول الننبي صنلى ال علينه وسنلم[ :كنن جلينس بيتنك
وعليك بخاصة نفسك] .ويجوز أن يكون أريد به الزمان الذي يتعذر فيه المر بالمعروف والنهي
عن المنكر؛ فينكر بقلبه ،ويشتغل بإصلح نفسه.
قلت :قند جاء حدينث غرينب رواه ابنن لهيعنة :قال حدثننا بكنر بنن سنوداة الجذامني عنن عقبنة بنن
عامنر قال :قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم[ :إذا كان رأس مائتينن فل تأمنر بمعروف ول تننه
عنن منكنر وعلينك بخاصنة نفسنك] .قال علماؤننا :إنمنا قال علينه السنلم ذلك لتغينر الزمان ،وفسناد
الحوال ،وقلة المعينين .وقال جابر بن زيد :معنى الية :يا أيها الذين آمنوا من أبناء أولئك الذين
بحروا البحيرة وسننيبوا السننوائب؛ عليكننم أنفسننكم فنني السننتقامة على الديننن ،ل يضركننم ضلل
السننلف إذا اهتديتننم؛ قال :وكان الرجننل إذا أسننلم قال له الكفار سننفهت آباءك وضللتهننم وفعلت
وفعلت؛ فأنزل ال الية بسبب ذلك وقيل :الية في أهل الهواء الذين ل ينفعهم الوعظ؛ فإذا علمت
منن قوم أنهنم ل يقبلون ،بنل يسنتخفون ويظهرون فاسنكت عنهنم .وقينل :نزلت فني السنارى الذينن
عذبهم المشركون حتى ارتد بعضهم ،فقيل لمن بقي على السلم :عليكم أنفسكم ل يضركم ارتداد
أصحابكم .وقال سعيد بن جبير :هي في أهل الكتاب وقال مجاهد :في اليهود والنصارى ومن كان
مثلهنم؛ يذهبان إلى أن المعننى ل يضركنم كفنر أهنل الكتاب إذا أدوا الجزينة .وقينل :هني منسنوخة
بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ قاله المهدوي .قال ابن عطية :وهذا ضعيف ول يعلم قائله.
قلت :قند جاء عنن أبني عبيند القاسنم بنن سنلم أننه قال :لينس فني كتاب ال تعالى آينة جمعنت الناسنخ
والمنسننوخ غيننر هذه اليننة .قال غيره :الناسننخ منهننا قوله" :إذا اهتديتننم" والهدى هنننا هننو المننر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،وال أعلم.
@ المر بالمعروف والنهي عن المنكر متعين متى رجي القبول ،أو رجي رد الظالم ولو بعنف،
ما لم يخف المر ضررا يلحقه في خاصته ،أو فتنة يدخلها على المسلمين؛ إما بشق عصا ،وإما
بضرر يلحق طائفة من الناس؛ فإذا خيف هذا فن "عليكم أنفسكم" محكم واجب أن يوقف عنده ول
يشترط في الناهي أن يكون عدل كما تقدم؛ وعلى هذا جماعة أهل العلم فاعلمه.
**3اليات{ 108 - 106 :ينا أيهنا الذينن آمنوا شهادة بينكنم إذا حضنر أحدكنم الموت حينن
الوصنية اثنان ذوا عدل منكنم أو آخران منن غيركنم إن أنتنم ضربتنم فني الرض فأصنابتكم مصنيبة
الموت تحبسونهما من بعد الصلة فيقسمان بال إن ارتبتم ل نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ول
نكتنم شهادة ال إننا إذا لمنن الثمينن ،فإن عثنر على أنهمنا اسنتحقا إثمنا فآخران يقومان مقامهمنا منن
الذينن اسنتحق عليهنم الوليان فيقسنمان بال لشهادتننا أحنق منن شهادتهمنا ومنا اعتديننا إننا إذا لمنن
الظالمينن ،ذلك أدننى أن يأتوا بالشهادة على وجههنا أو يخافوا أن ترد أيمان بعند أيمانهنم واتقوا ال
واسمعوا وال ل يهدي القوم الفاسقين}
@ قال مكني رحمنه ال :هذه الينة ومنا بعدهنا عنند أهنل المعانني منن أشكنل منا فني القرآن إعرابنا
ومعننى وحكمنا؛ قال ابنن عطينة :هذا كلم منن لم يقنع له الثلج فني تفسنيرها؛ وذلك بينن منن كتابنه
رحمه ال.
قلت :مننا ذكره مكنني رحمننه ال ذكره أبننو جعفننر النحاس قبله أيضننا ،ول أعلم خلفننا أن هذه
اليات نزلت بسنبب تمينم الداري وعدي بنن بداء .روى البخاري والدارقطنني وغيرهمنا عنن ابنن
عباس قال :كان تمينم الداري وعدي بنن بداء يختلفان إلى مكنة ،فخرج معهمنا فتنى منن بنني سنهم
فتوفي بأرض ليس بها مسلم ،فأوصى إليهما؛ فدفعا تركته إلى أهله وحبسا جاما من فضة مخوصا
بالذهب ،فاستحلفهما رسول ال صلى ال عليه وسلم (ما كتمتما ول اطلعتما) ثم وجد الجام بمكة
فقالوا :اشتريناه مننن عدي وتميننم ،فجاء رجلن مننن ورثننة السننهمي فحلفننا أن هذا الجام للسننهمي،
ولشهادتنننا أحننق مننن شهادتهمننا ومننا اعتدينننا؛ قال :فأخذوا الجام؛ وفيهننم نزلت هذه اليننة .لفننظ
الدارقطني .وروى الترمذي عن تميم الداري في هذه الية "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" برئ
منها الناس غيري وغير عدي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل السلم ،فأتيا الشام
بتجارتهما ،وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له :بديل بن أبي مريم بتجارة ،ومعه جام من فضة
يريند بنه الملك ،وهنو عُظْم تجارتنه ،فمرض فأوصنى إليهمنا ،وأمرهمنا أن يبلغنا منا ترك أهله؛ قال
تمينم :فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهنم ثم اقتسمناها أنا وعدي بن بداء ،فلما قدمننا إلى
أهله دفعننا إليهنم منا كان معننا ،وفقدوا الجام فسنألونا عننه فقلننا :منا ترك غينر هذا ،ومنا دفنع إليننا
غيره؛ قال تمينم :فلمنا أسنلمت بعند قدوم رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم المديننة تأثمنت منن ذلك،
فأتيت أهله وأخبرتهم الخبر ،وأديت إليهم خمسمائة درهم ،وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها ،فأتوا
به إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا ،فأمرهم أن يستحلفوه بما يقطع به
على أهننل دينننه ،فحلف فأنزل ال عننز وجننل" :يننا أيهننا الذيننن آمنوا شهادة بينكننم" إلى قوله "بعنند
أيمانهم" فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا فنزعت الخمسمائة من يدي عدي بن بداء.
قال أبنو عيسنى :هذا حدينث غرينب ولينس إسنناده بصنحيح .وذكنر الواقدي أن اليات الثلث نزلت
فني تيم وأخينه عدي ،وكاننا نصنرانيين ،وكان متجرهمنا إلى مكة ،فلمنا هاجنر النبي صلى ال عليه
وسلم إلى المدينة قدم ابن أبي مريم مولى عمرو بن العاص المدينة وهو يريد الشام تاجرا ،فخرج
مع تميم وأخيه عدي؛ وذكر الحديث .وذكر النقاش قال :نزلت في بديل بن أبي مريم مولى العاص
بننن وائل السننهمي؛ كان خرج مسننافرا فنني البحننر إلى أرض النجاشنني ومعننه رجلن نصننرانيان
أحدهمنا يسنمى تميمنا وكان منن لخنم وعدي بنن بداء ،فمات بدينل وهنم فني السنفينة فرمني بنه فني
البحنر ،وكان كتنب وصنيته ثنم جعلهنا فني المتاع فقال :أبلغنا هذا المتاع أهلي ،فلمنا مات بدينل قبضنا
المال ،فأخذا منننه مننا أعجبهمننا فكان فيمننا أخذا إناء مننن فضننة فيننه ثلثمائة مثقال ،منقوشننا مموهننا
بالذهب؛ وذكر الحديث .وذكره سنيد وقال :فلما قدموا الشام مرض بديله وكان مسلما؛ الحديث.
@قوله تعالى" :شهادة بينكنم" ورد "شهند" فني كتاب ال تعالى بأنواع مختلفنة :منهنا قوله تعالى:
"واسنتشهدوا شهيدينن منن رجالكنم" [البقرة ]282 :قينل :معناه أحضروا .ومنهنا "شهند" بمعننى
قضننى أي أعلم؛ قاله أبننو عننبيدة كقوله تعالى" :شهنند ال أنننه ل إله إل هننو" [آل عمران.]18 :
ومنهنا "شهند" بمعننى أقنر؛ كقوله تعالى" :والملئكنة يشهدون" [النسناء .]166 :ومنهنا "شهند"
بمعنى حكم؛ قال ال تعالى" :وشهد شاهد من أهلها" [يوسف .]26 :ومنها "شهد" بمعنى حلف؛
كمنا فني اللعان" .وشهند" بمعننى وصنى؛ كقوله تعالى" :ينا أيهنا الذينن آمنوا شهادة بينكنم" وقينل:
معناه هنننا الحضور للوصننية؛ يقال :شهدت وصننية فلن أي حضرتهننا .وذهننب الطننبري إلى أن
الشهادة بمعننى اليمينن؛ فيكون المعننى يمينن منا بينكنم أن يحلف اثنان؛ واسنتدل على أن ذلك غينر
الشهادة التي تؤدى للمشهود له بأنه ل يعلم ل حكنم يجب فينه على الشاهند يمينن .واختار هذا القول
القفال .وسنميت اليميننن شهادة؛ لننه يثبننت بهننا الحكننم كمننا يثبننت بالشهادة .واختار ابننن عطينة أن
الشهادة هنا هي الشهادة التي تحفظ فتؤدى ،وضعف كونها بمعنى الحضور واليمين.
@قوله تعالى" :بينكم" قيل :معناه ما بينكم فحذف "ما" وأضيفت الشهادة إلى الظرف ،واستعمل
اسم على الحقيقة ،وهو المسمى عند النحويين بالمفعول على السعة؛ كما قال
يوما شهدناه سليمان وعامرا
أراد شهدنا فيه .وقال تعالى" :بل مكر الليل والنهار" [سبأ ]33 :أي مكركم فيهما .وأنشد:
صفاحا وعني بين عينك منزوي تصافح من لقيت لي ذا عداوة
أراد ما بين عينيك فحذف؛ ومنه قوله تعالى" :هذا فراق بيني وبينك" [الكهف ]78 :أي ما بيني
وبينك.
@قوله تعالى" :إذا حضر" معناه إذا قارب الحضور ،وإل فإذا حضر الموت لم يشهد ميت .وهذا
كقوله تعالى" :فإذا قرأت القرآن فاسنننتعذ بال" [النحنننل .]98 :وكقوله" :إذا طلقتنننم النسننناء
فطلقوهن" [الطلق ]1 :ومثله كثير .والعامل في "إذا" المصدر الذي هو "شهادة".
@قوله تعالى" :حينن الوصية اثنان" "حينن" ظرف زمان والعامنل فينه "حضنر" وقوله" :اثنان"
يقتضني بمطلقنه شخصنين ،ويحتمنل رجلينن ،إل أننه لمنا قال بعند ذلك" :ذوا عدل" بينن أننه أراد
رجلينن؛ لننه لفنظ ل يصنلح إل للمذكنر ،كمنا أن "ذواتنا" [الرحمنن ]48 :ل يصنلح إل للمؤننث.
وارتفننع "اثنان" على أنننه خننبر المبتدأ الذي هننو "شهادة" قال أبننو علي "شهادة" رفننع بالبتداء
والخنبر فني قوله" :اثنان" التقدينر شهادة بينكنم فني وصناياكم شهادة اثنينن؛ فحذف المضاف وأقام
المضاف إليه مقامه؛ كما قال تعالى" :وأزواجه أمهاتهم" [الحزاب ]6 :أي مثل أمهاتهم .ويجوز
أن يرتفنع "اثنان" بنن "شهادة"؛ التقدينر وفيمنا أنزل عليكنم أو ليكنن منكنم أن يشهند اثنان ،أو ليقنم
الشهادة اثنان.
@قوله تعالى" :ذوا عدل منكم" "ذوا عدل" صفة لقوله" :اثنان" و"منكم" صفة بعد صفة .وقوله:
"أو آخران من غيركم" أي أو شهادة آخرين من غيركم؛ فمن غيركم صفة لخرين .وهذا الفصل
هنو المشكنل فني هذه الينة ،والتحقينق فينه أن يقال :اختلف العلماء فينه على ثلثنة أقوال :الول :أن
الكاف والمينم فني قوله" :منكنم" ضمينر للمسنلمين "وآخران منن غيركنم" للكافرينن فعلى هذا تكون
شهادة أهل الكتاب على المسلمين جائزة في السفر إذا كانت وصية ،وهو الشبه بسياق الية ،مع
ما تقرر من الحاديث .وهو قول ثلثة من الصنحابة الذين شاهدوا التنزيل؛ أبو موسى الشعري
وعبدال بن قيس وعبدال بن عباس فمعنى الية من أولها إلى آخرها على هذا القول أن ال تعالى
أخنبر أن حكمنه فني الشهادة على الموصني إذا حضنر الموت أن تكون شهادة عدلينن فإن كان فني
سفر وهو الضرب في الرض ،ولم يكن معه أحد من المؤمنين ،فليشهد شاهدين ممن حضره من
أهله الكفنر ،فإذا قدمنا وأدينا الشهادة على وصنيته حلفنا بعند الصنلة أنهمنا منا كذبنا ومنا بدل ،وأن منا
شهدا بنه حنق ،منا كتمنا فينه شهادة وحكنم بشهادتهمنا؛ فإن عثنر بعند ذلك على أنهمنا كذبنا أو خاننا،
ونحننو هذا ممننا هننو إثننم حلف رجلن مننن أولياء الموصنني فنني السننفر ،وغرم الشاهدان مننا ظهننر
عليهما .هذا معنى الية على مذهب أبي موسى الشعري ،وسعيد بن المسيب ،ويحيى بن يعمر؛
وسنعيد بنن جنبير وأبني مجلز وإبراهينم وشرينح وعنبيدة السنلماني؛ وابنن سنيرين ومجاهند وقتادة
والسندي وابنن عباس وغيرهنم .وقال بنه منن الفقهاء سنفيان الثوري؛ ومال إلينه أبنو عبيند القاسنم بنن
سنلم لكثرة منن قال بنه .واختاره أحمند بنن حنبنل وقال :شهادة أهنل الذمنة جائزة على المسنلمين فني
السنفر عنند عدم المسنلمين كلهنم يقولون "منكنم" منن المؤمنينن ومعننى "منن غيركنم" يعنني الكفار.
قال بعضهنم :وذلك أن الينة نزلت ول مؤمنن إل بالمديننة؛ وكانوا يسنافرون بالتجارة صنحبة أهنل
الكتاب وعبدة الوثان وأنواع الكفرة والينة محكمنة على مذهنب أبني موسنى وشرينح وغيرهمنا.
القول الثانني :أن قوله سنبحانه" :أو آخران منن غيركنم" منسنوخ؛ هذا قول زيند بنن أسنلم والنخعني
ومالك؛ والشافعني وأبني حنيفنة وغيرهنم منن الفقهاء؛ إل أن أبنا حنيفنة خالفهنم فقال :تجوز شهادة
الكفار بعضهننم على بعننض؛ ول تجوز على المسننلمين واحتجوا بقوله تعالى" :ممننن ترضون مننن
الشهداء" [البقرة ]282 :وقوله" :وأشهدوا ذوي عدل منكنم" [الطلق ]2 :؛ فهؤلء زعموا أن
آيننة الديننن مننن آخننر مننا نزل؛ وأن فيهننا "ممننن ترضون مننن الشهداء" فهننو ناسننخ لذلك؛ ولم يكننن
السنلم يومئذ إل بالمديننة؛ فجازت شهادة أهله الكتاب؛ وهنو اليوم طبنق الرض فسنقطت شهادة
الكفار؛ وقد أجمع المسلمون على أن شهادة الفساق ل تجوز؛ والكفار فساق فل تجوز شهادتهم.
قلت :مننا ذكرتموه صننحيح إل أنننا نقول بموجبننه؛ وأن ذلك جائز فنني شهادة أهننل الذمننة على
المسلمين في الوصية في السفر خاصة للضرورة بحيث ل يوجد مسلم؛ وأما مع وجود مسلم فل؛
ولم يأت منا ادعيتموه منن النسنخ عنن أحند ممنن شهند التنزينل؛ وقند قال بالول ثلثنة منن الصنحابة
ولينس ذلك فني غيره؛ ومخالفنة الصنحابة إلى غيرهنم ينفنر عننه أهنل العلم .ويقوي هذا أن سنورة
"المائدة" من آخر القرآن نزول حتى قال ابن عباس والحسن وغيرهما :إنه ل منسوخ فيها .وما
ادعوه من النسخ ل يصح فإن النسخ ل بد فيه من إثبات الناسخ على وجه يتنافى الجمع بينهما مع
تراخني الناسنخ؛ فمنا ذكروه ل يصنح أن يكون ناسنخا؛ فإننه فني قصنة غينر قصنة الوصنية لمكان
الحاجنة والضرورة؛ ول يمتننع اختلف الحكنم عنند الضرورات؛ ولننه ربمنا كان الكافنر ثقنة عنند
المسلم يرتضيه عند الضرورة؛ فليس فيما قالوه ناسخ.
القول الثالث أن الية ل نسخ فيها؛ قال الزهري والحسن وعكرمة ،ويكون معنى قوله" :منكم"
أي من عشيرتكم وقرابتكم؛ لنهم أحفظ وأضبط وأبعد عن النسيان .ومعنى قوله" :أو آخران من
غيركم" أي من غير القرابة والعشيرة؛ قال النحاس :وهذا ينبني على معنى غامض في العربية؛
وذلك أن معنننى "آخننر" فنني العربيننة مننن جنننس الول؛ تقول :مررت بكريننم وكريننم آخننر؛ فقوله
"آخنر" يدل على أننه منن جننس الول؛ ول يجوز عنند أهنل العربينة مررت بكرينم وخسنيس آخنر؛
ول مررت برجنل وحمار آخنر؛ فوجنب منن هذا أن يكون معننى قوله" :أو آخران منن غيركنم" أي
عدلن؛ والكفار ل يكونون عدول فيصنح على هذا قوله منن قال "منن غيركنم" منن غينر عشيرتكنم
من المسلمين .وهذا معنى حسن من جهة اللسان؛ وقد يحتج به لمالك ومن قال بقوله؛ لن المعنى
عندهنم "منن غيركنم" منن غينر قنبيلتكم على أننه قند عورض هذا القول بأن فني أول الينة "ينا أيهنا
الذين آمنوا" فخوطب الجماعة من المؤمنين.
@ استدل أبو حنيفة بهذه الية على جواز شهادة الكفار من أهل الذمة فيما بينهم؛ قال :ومعنى "أو
آخران من غيركم" أي من غير أهل دينكم؛ فدل على جواز شهادة بعضهم على بعض؛ فيقال له:
أننت ل تقول بمقتضنى هذه الينة؛ لنهنا نزلت فني قبول شهادة أهنل الذمنة على المسنلمين وأننت ل
تقول بها فل يصح احتجاجك بها .فإن قيل :هذه الية دلت على جواز قبول شهادة أهل الذمة على
المسلمين من طريق النطق؛ ودلت على قبول شهادتهم على أهل الذمة من طريق التنبيه؛ وذلك أنه
إذا قبلت شهادتهننم على المسننلمين فلن تقبننل على أهله الذمننة أولى؛ ثننم دل الدليننل على بطلن
شهادتهم على المسلمين؛ فبقي شهادتهم على أهل الذمة على ما كان عليه؛ وهذا ليس بشيء؛ لن
قبول شهادة أهنل الذمنة على أهنل الذمنة فرع لقبول شهادتهنم على المسنلمين؛ فإذا بطلت شهادتهنم
على المسلمين وهي الصل فلن تبطل شهادتهم على أهل الذمة وهي فرعها أحرى وأولى .وال
أعلم.
@قوله تعالى" :إن أنتم ضربتم في الرض" أي سافرتم؛ وفي الكلم حذف تقديره إن أنتم ضربتم
فني الرض "فأصنابتكم مصنيبة الموت" فأوصنيتم إلى اثنينن عدلينن فني ظنكنم؛ ودفعتنم إليهمنا منا
معكنم منن المال؛ ثنم متنم وذهبنا إلى ورثتكنم بالتركنة فارتابوا فني أمرهمنا؛ وادعوا عليهمنا خياننة؛
فالحكنم أن تحبسنوهما من بعند الصنلة؛ أي تستوثقوا منهمنا؛ وسمى ال تعالى الموت فني هذه الينة
مصنيبة؛ قال علماؤننا :والموت وإن كان مصنيبة عظمنى ،ورزينة كنبرى؛ فأعظنم مننه الغفلة عننه،
والعراض عن ذكره ،وترك التفكر فيه؛ وترك العمل له؛ وإن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر ،وفكرة
لمننن تفكننر .وروي عننن النننبي صننلى ال عليننه وسننلم أنننه قال( :لو أن البهائم تعلم مننن الموت مننا
تعلمون منا أكلتنم منهنا سنمينا) .ويروى أن أعرابينا كان يسنير على جمنل له؛ فخنر الجمنل ميتنا فنزل
العرابني عننه ،وجعنل يطوف بنه ويتفكنر فينه ويقول :منا لك ل تقوم ؟! منا لك ل تنبعنث ؟! هذه
أعضاؤك كاملة ،وجوارحك سالمة؛ ما شأنك ؟! ما الذي كان يحملك ؟! ما الذي كان يبعثك ؟! ما
الذي صنرعك؟! منا الذي عنن الحركنة منعنك ؟! ثنم تركنه وانصنرف متفكرا فني شأننه ،متعجبنا منن
أمره.
@قوله تعالى" :تحبسونهما" قال أبو علي" :تحبسونهما" صفة لن "آخران" واعترض بين الصفة
والموصنوف بقوله" :إن أنتنم" .وهذه الينة أصنل فني حبنس منن وجنب علينه حنق؛ والحقوق على
قسمين :منها ما يصلح استيفاؤه معجل؛ ومنها ما ل يمكن استيفاؤه إل مؤجل؛ فإن خلي من عليه
الحنق غاب واختفنى وبطنل الحنق وتوي فلم يكنن بند منن التوثنق مننه فإمنا بعوض عنن الحنق وهنو
المسمى رهنا؛ وإما بشخص ينوب منابه في المطالبة والذمة وهو الحميل؛ وهو دون الول؛ لنه
يجوز أن يغينب كمغيبنه ويتعذر وجوده كتعذره؛ ولكنن ل يمكنن أكثنر منن هذا فإن تعذرا جميعنا لم
يبق إل التوثق بحبسه حتى تقع منه التوفية لما كان عليه من حق؛ أو تبين عسرته.
فإن كان الحق بدنيا ل يقبل البدل كالحدود والقصاص ولم يتفق استيفاؤه معجل؛ لم يكن فيه إل
التوثنق بسنجنه؛ ولجنل هذه الحكمنة شرع السنجن روى أبنو داود والترمذي وغيرهمنا عنن بهنز بنن
حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى ال عليه وسلم حبس رجل في تهمة .وروى أبو داود عن
عمرو بنن الشريند عنن أبينه عنن رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم قال[ :لي الواجند يحنل عرضنه
وعقوبته] .قال ابن المبارك يحل عرضه يغلظ له ،وعقوبته يحبس له .قال الخطابي :الحبس على
ضربين؛ حبس عقوبة ،وحبس استظهار ،فالعقوبة ل تكون إل في واجب ،وأما ما كان في تهمة
فإنما يستظهر بذلك ليستكشف به ما وراءه؛ وقد روي أنه حبس رجل في تهمة ساعة من نهار ثم
خلى عنه .وروى معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال :كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر
بحبسه في المسجد إلى أن يقوم فإن أعطاه حقه وإل أمر به إلى السجن.
@قوله تعالى" :منن بعند الصنلة" يريند صنلة العصنر؛ قاله الكثنر منن العلماء؛ لن أهنل الديان
يعظمون ذلك الوقنت ويتجنبون فينه الكذب واليمينن الكاذبنة .وقال الحسنن :صنلة الظهنر .وقينل :أي
صلة كانت .وقيل :من بعد صلتهما على أنهما كافران؛ قاله السدي .وقيل :إن فائدة اشتراطه بعد
الصنلة تعظيمنا للوقنت ،وإرهابنا بنه؛ لشهود الملئكنة ذلك الوقنت؛ وفني الصنحيح [منن حلف على
يمين كاذبة بعد العصر لقي ال وهو عليه غضبان].
@ هذه الينة أصنل فني التغلينظ فني اليمان ،والتغلينظ يكون بأربعنة أشياء :أحدهنا :الزمان كمنا
ذكرنننا .الثاننني :المكان كالمسننجد والمنننبر ،خلفننا لبنني حنيفننة وأصننحابه حيننث يقولون :ل يجننب
استحلف أحد عند منبر النبي صلى ال عليه وسلم ،ول بين الركن والمقام ل في قليل الشياء ول
في كثيرها؛ وإلى هذا القول ذهب البخاري رحمه ال حيث ترجم (باب يحلف المدعى عليه حيثما
وجبنت علينه اليمينن ول يصنرف منن موضنع إلى غيره) .وقال مالك والشافعني :ويُجلب فني أيمان
القسامة إلى مكة من كان من أعمالها ،فيحلف بين الركن والمقام ،ويُجلب إلى المدينة من كان من
أعمالها فيحلف عند المنبر .الثالث :الحال روى مطرف وابن الماجشون وبعض أصحاب الشافعي
أنه يحلف قائما مستقبل القبلة؛ لن ذلك أبلغ في الردع والزجر .وقال ابن كنانة :يحلف جالسا؛ قال
ابن العربي :والذي عندي أنه يحلف كما يحكم عليه بها إن كان قائما فقائما وإن جالسا فجالسا إذ لم
يثبت في أثر ول نظر اعتبار ذلك من قيام أو جلوس.
قلت :قند اسنتنبط بعنض العلماء منن قوله فني حدينث علقمنة بنن وائل عنن أبينه[ :فانطلق ليحلف]
القيام وال أعلم أخرجه مسلم.
الرابنع :التغلينظ باللفنظ؛ فذهبنت طائفنة إلى الحلف بال ل يزيند علينه؛ لقوله تعالى" :فيقسنمان بال"
وقوله" :قل إي وربي" [يونس ]53 :وقال" :وتال لكيدن أصنامكم" [النبياء ]57 :وقوله عليه
السلم[ :من كان حالفا فليحلف بال أو ليصمت] .وقول الرجل :وال ل أزيد عليهن .وقال مالك:
يحلف بال الذي ل إله إل هو ما له عندي حق ،وما ادعاه علي باطل؛ والحجة له ما رواه أبو داود
حدثنا مسدد قال حدثنا أبو الحوص قال حدثنا عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس أن
النننبي صننلى ال عليننه وسننلم قال :يعننني لرجننل حلفننه [احلف بال الذي ل إله إل هننو مننا له عندك
شينء] يعنني للمدعني؛ قال أبنو داود :أبنو يحينى اسنمه زياد كوفني ثقنة ثبنت .وقال الكوفيون :يحلف
بال ل غيننر ،فإن اتهمننه القاضنني غلظ عليننه اليميننن؛ فيحلفننه بال الذي ل إله إل هننو عالم الغيننب
والشهادة الرحمنن الرحينم الذي يعلم منن السنر منا يعلم منن العلنينة الذي يعلم خائننة العينن ومنا
تخفي الصدور .وزاد أصحاب الشافعي التغليظ بالمصحف .قال ابن العربي :وهو بدعة ما ذكرها
أحد قط من الصحابة .وزعم الشافعي أنه رأى ابن مازن قاضي صنعاء يحلف بالمصحف ويأمر
أصحابه بذلك ويرويه عن ابن عباس ،ولم يصح.
قلت :وفني كتاب (المهذب) وإن حلف بالمصنحف ومنا فينه منن القرآن فقند حكنى الشافعني عنن
مطرف أن ابننن الزبيننر كان يحلف على المصننحف ،قال :ورأيننت مطرفننا بصنننعاء يحلف على
المصننحف؛ قال الشافعنني :وهننو حسننن .قال ابننن المنذر :وأجمعوا على أنننه ل ينبغنني للحاكننم أن
يستحلف بالطلق والعتاق والمصحف.
قلت :قنند تقدم فنني اليمان :وكان قتادة يحلف بالمصننحف وقال أحمنند وإسننحاق :ل يكره ذلك؛
حكاه عنهما ابن المنذر.
@ اختلف مالك والشافعي من هذا الباب في قدر المال الذي يحلف به في مقطع الحق؛ فقال مالك:
ل تكون اليمين في مقطع الحق في أقل من ثلثة دراهم قياسا على القطع ،وكل مال تقطع فيه اليد
وتسقط به حرمنة العضنو فهو عظينم .وقال الشافعني :ل تكون اليمين فني ذلك فني أقنل منن عشرين
دينارا قياسا على الزكاة ،وكذلك عند منبر كل مسجد.
@قوله تعالى" :فيقسمان بال" الفاء في "فيقسمان" عاطفة جملة على جملة ،أو جواب جزاء؛ لن
"تحسنبونها" معناه احبسنوهما ،أي لليمينن؛ فهنو جواب المنر الذي دل علينه الكلم كأننه قال :إذا
حبستموهما أقسما؛ قال ذو الرمة:
فيبدو وتارات يجم فيغرق وإنسان عيني يحسر الماء مرة
تقديره عندهم :إذا حسر بدا.
@ واختلف من المراد بقوله" :فيقسمان"؟ فقيل :الوصيان إذا ارتيب في قولهما وقيل :الشاهدان
إذا لم يكونننا عدليننن وارتاب بقولهمننا الحاكننم حلفهمننا .قال ابننن العربنني مبطل لهذا القول :والذي
سنمعت وهنو بدعنة عنن ابنن أبني ليلى أننه يحلف الطالب منع شاهدينه أن الذي شهدا بنه حنق؛ وحينئذ
يقضى له بالحق؛ وتأويل هذا عندي إذا ارتاب الحاكم بالقبض فيحلف إنه لباق ،وأما غير ذلك فل
يلتفت إليه؛ هذا في المدعي فكيف يحبس الشاهد أو يحلف ؟! هذا ما ل يلتفت إليه.
قلت :وقند تقدم منن قول الطنبري فني أننه ل يعلم ل حكنم يجنب فينه على الشاهند يمينن .وقند قينل:
إنما استحلف الشاهدان لنهما صارا مدعى عليهما ،حيث ادعى الورثة أنهما خانا في المال.
@قوله تعالى" :إن ارتبتنم" شرط ل يتوجنه تحلينف الشاهدينن إل بنه ،ومتنى لم يقنع رينب ول
اختلف فل يمين .قال ابن عطية :أما أنه يظهر من حكم أبي موسى في تحليف الذميين أنه باليمين
تكمنل شهادتهمنا وتنفذ الوصنية لهلها روى أبو داود عن الشعنبي أن رجل من المسلمين حضرته
الوفاة بدقوقاء هذه ،ولم يجد أحدا من المسلمين حضره يشهده على وصيته ،فأشهد رجلين من أهله
الكتاب ،فقدمنا الكوفنة فأتينا الشعري فأخنبراه ،وقدمنا بتركتنه ووصنيته؛ فقال الشعري :هذا أمنر لم
يكنن بعند الذي كان فني عهند رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم؛ فأحلفهمنا بعند العصنر[ :بال منا خاننا
ول كذبنا ول بدل ول كتمنا ول غيرا وإنهنا لوصنية الرجنل وتركتنه] فأمضنى شهادتهمنا .قال ابنن
عطينة :وهذه الريبنة عنند منن ل يرى الينة منسنوخة تترتنب فني الخياننة ،وفني التهام بالمينل إلى
بعض الموصى لهم دون بعض ،وتقع مع ذلك اليمين عنده؛ وأما من يرى الية منسوخة فل يقع
تحليننف إل أن يكون الرتياب فنني خيانننة أو تعنند بوجننه مننن وجوه التعدي؛ فيكون التحليننف عنده
بحسنب الدعوى على منكنر ل على أننه تكمينل للشهادة .قال ابن العربني :يمينن الريبنة والتهمنة على
قسمين :أحدهما :ما تقع الريبة فيه بعد ثبوت الحق وتوجه الدعوى فل خلف في وجوب اليمين.
الثانني :التهمة المطلقة في الحقوق والحدود ،وله تفصيل بيانه في كتب الفروع؛ وقد تحققت ههنا
الدعوى وقويت حسبما ذكر في الروايات.
@ الشرط في قوله" :إن ارتبتم" يتعلق بقوله" :تحبسونهما" ل بقوله "فيقسمان" لن هذا الحبس
سبب القسم.
@قوله تعالى" :ل نشتري بنه ثمننا ولو كان ذا قربنى" أي يقولن فني يمينهمنا ل نشتري بقسنمنا
عوضا نأخذه بدل مما أوصى به ول ندفعه إلى أحد ولو كان الذي نقسم له ذا قربى منا .وإضمار
القول كثير ،كقوله" :والملئكة يدخلون عليهم من كل باب .سلم عليكم" [الرعد ]24 - 23 :أي
يقولون سلم عليكم .والشتراء ههنا ليس بمعنى البيع ،بل هو التحصيل.
@ اللم في قوله" :ل نشتري" جواب لقوله" :فيقسمان" لن أقسم يلتقي بما يلتقي به القسم؛ وهو
"ل" و"ما" في النفي" ،وإن" واللم في اليجاب .والهاء في "به" عائد على اسم ال تعالى ،وهو
أقرب مذكور؛ المعننى :ل ننبيع حظننا منن ال تعالى بهذا العرض .ويحتمنل أن يعود على الشهادة
وذكرت على معننى القول؛ كمنا قال صنلى ال علينه وسنلم[ :واتنق دعوة المظلوم فإننه لينس بينهنا
وبين ال حجاب] فأعاد الضمير على معنى الدعوة الذي هو الدعاء ،وقد تقدم في سورة "النساء".
@قوله تعالى" :ثمننا" قال الكوفيون :المعننى ذا ثمنن أي سنلعة ذا ثمنن ،فحذف المضاف وأقينم
المضاف إليه مقامه .وعندنا وعند كثير من العلماء أن الثمن قد يكون هو يكون السلعة؛ فإن الثمن
عندنا مشترى كما أن المثمون مشترى؛ فكل واحد من المبيعين ثمنا ومثمونا كان البيع دائرا على
عرض ونقند ،أو على عرضينن ،أو على نقدينن؛ وعلى هذا الصنل تنبنني مسنألة :إذا أفلس المبتاع
ووجند البائع متاعنه هنل يكون أولى بنه؟ قال أبنو حنيفنة :ل يكون أولى بنه؛ وبناه على هذا الصنل،
وقال :يكون صننناحبها أسنننوة الغرماء .وقال مالك :هنننو أحنننق بهنننا فننني الفلس دون الموت .وقال
الشافعي :صاحبها أحق بها في الفلس والموت .تمسك أبو حنيفة بما ذكرنا ،وبأن الصل الكلي أن
الدين في ذمة المفلس والميت ،وما بأيديهما محل للوفاء؛ فيشترك جميع الغرماء فيه بقدر رؤوس
أموالهم ،ول فرق في ذلك بين أن تكون أعيان السلع موجودة أو ل ،إذ قد خرجت عن ملك بائعها
ووجبت أثمانها لهم في الذمة بالجماع ،فل يكون لهم إل أثمانها أو ما وجد منها .وخصص مالك
والشافعي هذه القاعدة بأخبار رويت في هذا الباب رواها الئمة أبو داود وغيره.
@قوله تعالى" :ول نكتم شهادة ال" أي ما أعلمنا ال من الشهادة .وفيها سبع قراءات من أرادها
وجدها في (التحصيل) وغيره.
@قوله تعالى" :فإن عثر على أنهما استحقا إثما" قال عمر :هذه الية أعضل ما في هذه السورة
منن الحكام .وقال الزجاج :أصنعب منا فني القرآن منن العراب قوله" :منن الذينن اسنتحق عليهنم
الوليان" .عثر على كذا أي اطلع عليه؛ يقال :عثرت منه على خيانة أي اطلعت ،وأعثرت غيري
علينه ،ومننه قوله تعالى" :وكذلك أعثرننا عليهنم" [الكهنف .]21 :لنهنم كانوا يطلبونهنم وقند خفني
عليهنم موضعهنم ،وأصنل العثور الوقوع والسنقوط على الشينء؛ ومننه قولهنم :عثنر الرجنل يعثنر
عثورا إذا وقعنت إصنبعه بشينء صندمته ،وعثرت إصنبع فلن بكذا إذا صندمته فأصنابته ووقعنت
عليه .وعثر الفرس عثارا قال العشى:
فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا بذات لوث عفرناة إذا عثرت
والعثينر الغبار السناطع؛ لننه يقنع على الوجنه ،والعثينر الثنر الخفني لننه يوقنع علينه منن خفاء.
والضمير في "أنهما" يعود على الوصيين اللذين في قوله عز وجل" :اثنان" عن سعيد بن جبير.
وقيل :على الشاهدين؛ عن ابن عباس .و"استحقا" أي استوجبا "إثما" يعني بالخيانة ،وأخذهما ما
لينس لهمنا ،أو باليمينن الكاذبنة أو بالشهادة الباطلة .وقال أبنو علي :الثنم هننا اسنم الشينء المأخوذ؛
لن آخذه بأخذه آثم ،فسمي إثما كما سمي ما يؤخذ بغير حق مظلمة .وقال سيبويه :المظلمة اسم ما
أخذ منك؛ فكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر وهو الجام
@قوله تعالى" :فآخران يقومان مقامهما" يعني في اليمان أو في الشهادة؛ وقال "آخران" بحسب
أن الورثنة كاننا اثنينن .وارتفنع "آخران" بفعنل مضمنر" .يقومان" فني موضنع نعنت" .مقامهمنا"
مصدر ،وتقديره :مقاما مثل مقامهما ،ثم أقيم النعت مقام المنعوت ،المضاف مقام المضاف إليه
@قوله تعالى" :مننن الذيننن اسننتحق عليهننم الوليان" قال ابننن السننري :المعنننى اسننتحق عليهننم
اليصاء؛ قال النحاس :وهذا من أحسن ما قيل فيه؛ لنه ل يجعل حرف بدل من حرف؛ واختاره
ابنن العربني؛ وأيضنا فإن التفسنير علينه؛ لن المعننى عنند أهنل التفسنير :منن الذينن اسنتحقت عليهنم
الوصنننية .و"الوليان" بدل منننن قوله" :فآخران" قاله ابنننن السنننري ،واختاره النحاس وهنننو بدل
المعرفنة منن النكرة وإبدال المعرفنة منن النكرة جائز .وقينل :النكرة إذا تقدم ذكرهنا ثنم أعيند ذكرهنا
صننارت معرفننة؛ كقوله تعالى" :كمشكاة فيهننا مصننباح" [النور ]35 :ثننم قال" :المصننباح فنني
زجاجنة" [النور ]35 :ثنم قال" :الزجاجنة" [النور .]35 :وقينل :وهنو بدل منن الضمينر فني
"يقومان" كأنه قال :فيقوم الوليان أو خبر ابتداء محذوف؛ التقدير :فآخران يقومان مقامهما هما
الوليان .وقال ابننن عيسننى" :الوليان" مفعول "اسننتحق" على حذف المضاف؛ أي اسننتحق فيهننم
وبسنببهم إثنم الوليينن فعليهنم بمعننى فيهنم مثنل "على ملك سنليمان" [البقرة ]102 :أي فني ملك
سليمان .وقال الشاعر:
على أقطارها علق نفيث متى ما تنكروها تعرفوها
أي فني أقطارهنا .وقرأ يحينى بنن وثاب والعمنش وحمزة "الولينن" جمنع أول على أننه بدل منن
"الذي" أو من الهاء والميم في "عليهم" وقرأ حفص" :استحق" بفتح التاء والحاء ،وروي عن أبي
بننن كعننب ،وفاعله "الوليان" والمفعول محذوف ،والتقديننر :مننن الذيننن اسننتحق عليهننم الوليان
بالمينت وصنيته التني أوصنى بهنا .وقينل :اسنتحق عليهنم الوليان رد اليمان .وروي عنن الحسنن:
"الولن" وعن ابن سنيرين" :الولينن" قال النحاس :والقراءتان لحن؛ ل يقال فني مثنى؛ مثنان،
غير أنه قد روي عن الحسن "الولن"
@قوله تعالى" :فيقسنمان بال" أي يحلفان الخران اللذان يقومان مقام الشاهدينن (أن الذي قال
صاحبنا في وصيته حق ،وأن المال الذي وصى به إليكما كان أكثر مما أتيتمانا به وأن هذا الناء
لمن متاع صاحبنا الذي خرج به معه وكتبه في وصيته ،وأنكما خنتما) فذلك قوله" :لشهادتنا أحق
منن شهادتهمنا" أي يمينننا أحنق منن يمينهمنا؛ فصنح أن الشهادة قند تكون بمعننى اليمينن ،ومننه قوله
تعالى" :فشهادة أحدهنم أربنع شهادات" [النور .]6 :وقند روى معمنر عنن أيوب عنن ابنن سنيرين
عنن عنبيدة قال :قام رجلن منن أولياء المينت فحلفنا" .لشهادتننا أحنق" ابتداء وخنبر .وقوله" :ومنا
اعتدينا" أي تجاوزنا الحق في قسمنا" .إنا إذا لمن الظالمين" أي إن كنا حلفنا على باطل ،وأخذنا
ما ليس لنا.
@قوله تعالى" :ذلك أدننى" ابتداء وخنبر" .أن" فني موضنع نصنب" .يأتوا" نصنب بنن "أن"" .أو
يخافوا" عطف عليه" .أن ترد" في موضع نصب بن "يخافوا"" .إيمان بعد أيمانهم" قيل :الضمير
فني "يأتوا" و"يخافوا" راجنع إلى الموصنى إليهمنا؛ وهنو اللينق بمسناق الينة .وقينل :المراد بنه
الناس ،أي أحرى أن يحذر الناس الخيانننة فيشهدوا بالحننق خوف الفضيحننة فنني رد اليميننن على
المدعي ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :واتقوا ال واسنمعوا" أمنر؛ ولذلك حذفنت مننه النون ،أي اسنمعوا منا يقال لكنم،
قابليننن له متبعيننن أم ال فيننه" .وال ل يهدي القوم الفاسننقين" فسننق يفسننق ويفسننق إذا خرج مننن
الطاعة إلى المعصية ،وقد تقدم ،وال أعلم.
**3الية{ 109 :يوم يجمع ال الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا ل علم لنا إنك أنت علم الغيوب}
@قوله تعالى" :يوم يجمنع ال الرسنل" يقال :منا وجنه اتصنال هذه الينة بمنا قبلهنا؟ فالجواب :أننه
اتصال الزجر عن الظهار خلف البطان في وصية أو غيرها مما ينبئ أن المجازي عليه عالم
به .و"يوم" ظرف زمان والعامل فيه "واسمعوا" أي واسمعوا خبر يوم .وقيل :التقدير واتقوا يوم
يجمع ال الرسل عن الزجاج .وقيل :التقدير اذكروا أو احذروا يوم القيامة حين يجمع ال الرسل،
والمعننى متقارب؛ والمراد التهديند والتخوينف" .فيقول ماذا أجبتنم" أي منا الذي أجابتكنم بنه أممكنم؟
ومننا الذي رد عليكننم قومكننم حيننن دعوتموهننم إلى توحيدي ؟ "قالوا" أي فيقولون" :ل علم لنننا".
واختلف أهله التأويل في المعنى المراد بقولهم" :ل علم لنا" فقيل :معناه ل علم لنا بباطن ما أجاب
بنه أممننا؛ لن ذلك هنو الذي يقنع علينه الجزاء؛ وهذا مروي عنن الننبي علينه ال علينه وسنلم .وقينل:
المعننى ل علم لننا إل منا علمتننا ،فحذف؛ عنن ابنن عباس ومجاهند بخلف .وقال ابنن عباس أيضنا:
معناه ل علم لنا إل علم أنت أعلم به منا .وقيل :إنهم يذهلون من هول ذلك ويفزعون من الجواب،
ثننم يجيبون بعدمننا تثوب إليهننم عقولهننم فيقولون" :ل علم لنننا" قال الحسننن ومجاهنند والسنندي .قال
النحاس :وهذا ل يصح؛ لن الرسل صلوات ال عليهم ل خوف عليهم ول هم يحزنون.
قلت :هذا في أكثر مواطن القيامة؛ ففي الخبر [إن جهنم إذا جيء بها زفرت زفرة فل يبقى نبي
ول صنديق إل جثنا لركبتينه] وقال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم[ :خوفنني جبرينل يوم القيامنة
حتى أبكاني فقلت يا جبريل ألم يغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ؟ فقال لي يا محمد لتشهدن من
هول ذلك اليوم ما ينسيك المغفرة]
قلت :فإن كان السنؤال عنند زفرة جهننم كمنا قال بعضهنم فقول مجاهند والحسنن صنحيح؛ وال
أعلم .قال النحاس :والصحيح في هذا أن المعنى :ماذا أجبتم في السر والعلنية ليكون هذا توبيخنا
للكفار؛ فيقولون :ل علم لنا؛ فيكون هذا تكذيبا لمن اتخذ المسيح إلها .وقال ابن جريج :معنى قوله:
"ماذا أجبتم" ماذا عملوا بعدكم؟ قالوا" :ل علم لنا إنك أنت علم الغيوب" .قال أبو عبيد :ويشبه
هذا حدينث الننبي صنلى ال علينه وسنلم أننه قال[ :يرد علي أقوام الحوض فيختلجون فأقول أمتني
فيقال إننك ل تدري منا أحدثوا بعدك] .وكسنر الغينن من الغيوب حمزة والكسنائي وأبنو بكنر ،وضنم
الباقون .قال الماوردي فإن قينل :فلم سنألهم عمنا هنو أعلم بنه منهننم ؟ فعننه جوابان :أحدهمنا :أننه
سنألهم ليعلمهنم منا لم يعلموا منن كفنر أممهنم ونفاقهنم وكذبهنم عليهنم منن بعدهنم .الثانني :أننه أراد أن
يفضحهم بذلك على رؤوس الشهاد ليكون ذلك نوعا من العقوبة لهم.
**3الية{ 110 :إذ قال ال يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح
القدس تكلم الناس فني المهند وكهل وإذ علمتنك الكتاب والحكمنة والتوراة والنجينل وإذ تخلق منن
الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الكمه والبرص بإذني وإذ تخرج
الموتنى بإذنني وإذ كففنت بنني إسنرائيل عننك إذ جئتهنم بالبينات فقال الذينن كفروا منهنم إن هذا إل
سحر مبين}
@قوله تعالى" :إذ قال ال يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك" هذا من صفة يوم القيامة كأنه
قال :اذكننر يوم يجمننع ال الرسننل وإذ يقول ال لعيسننى كذا؛ قاله المهدوي .و"عيسننى" يجوز أن
يكون فني موضنع رفنع على أن يكون "ابنن مرينم" نداء ثانينا ،ويجوز أن يكون فني موضنع نصنب؛
لنه نداء منصوب كما قال:
يا حكم بن المنذر بن الجارود
ول يجوز الرفع في الثاني إذا كان مضافا إل عند الطوال.
@قوله تعالى" :اذكر نعمتي عليك" إنما ذكر ال تعالى عيسى نعمته عليه وعلى والدته وإن كان
لهمنا ذاكرا لمرينن :أحدهمنا :ليتلو على المنم منا خصنهما بنه منن الكرامنة ،وميزهمنا بنه منن علو
المنزلة .الثانني :ليؤكند بنه حجتنه ،ويرد بنه جاحده .ثنم أخنذ فني تعديند نعمنه فقال" :إذ أيدتنك" يعنني
قويتنك؛ مأخوذ منن اليند وهنو القوة ،وقند تقدم .وفني "روح القدس" وجهان :أحدهمنا :أنهنا الروح
الطاهرة التني خصنه ال بهنا كمنا تقدم فني قوله "وروح مننه" [النسناء ]171 :الثانني :أننه جبرينل
عليه السلم وهو الصح ،كما تقدم في "البقرة"" .تكلم الناس" يعني وتكلم الناس في المهد صبيا،
وفني الكهولة نبينا ،وقند تقدم منا فني هذا فني "آل عمران" فل معننى لعادتنه" .كففنت" معناه دفعنت
وصننرفت "بننني إسننرائيل عنننك" حيننن هموا بقتلك "إذ جئتننم بالبينات" أي الدللت والمعجزات،
وهي المذكورة في الية" .فقال الذين كفروا" يعني الذين لم يؤمنوا بك وجحدوا نبوتك" .إن هذا"
أي المعجزات" .إل سننحر مننبين" .وقرأ حمزة والكسننائي "سنناحر" أي إن هذا الرجننل إل سنناحر
قوي على السحر.
**3الينة{ 111 :وإذ أوحينت إلى الحواريينن أن آمنوا بني وبرسنولي قالوا آمننا واشهند بأنننا
مسلمون}
@قوله تعالى" :وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي" قد تقدم القول في معاني هذه
الينة .والوحني فني كلم العرب معناه اللهام ويكون على أقسنام :وحني بمعننى إرسنال جبرينل إلى
الرسل عليهم السلم .ووحي بمعنى اللهام كما في هذه الية؛ أي ألهمتهم وقذفت في قلوبهم؛ ومنه
قوله تعالى" :وأوحنى ربنك إلى النحنل" النحنل" ]68 :وأوحيننا إلى أم موسنى" [القصنص]7 :
ووحي بمعنى العلم في اليقظة والمنام قال أبو عبيدة :أوحيت بمعنى أمرت" ،وإلى" صلة يقال:
وحى وأوحى بمعنى؛ قال ال تعالى" :بأن ربك أوحى لها" [الزلزلة ]5 :وقال العجاج:
وحى لها القرار فاستقرت
أي أمرهنا بالقرار فاسنتقرت .وقينل" :أوحينت" هننا بمعننى أمرتهنم وقينل :بيننت لهنم" .واشهند بأنننا
مسلمون" على الصل؛ ومن العرب من يحذف إحدى النونين؛ أي واشهد يا رب .وقيل :يا عيسى
بأننا مسلمون ل.
**3الية{ 112 :إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة
من السماء قال اتقوا ال إن كنتم مؤمنين}
@قوله تعالى" :إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم" على ما تقدم من العراب" .هل يستطيع
ربنك" .قراءة الكسنائي وعلي وابنن عباس وسنعيد بنن جنبير ومجاهند "هنل تسنتطيع" بالتاء "ربنك"
بالنصننب .وأدغننم الكسننائي اللم مننن "هننل" فنني التاء .وقرأ الباقون بالياء" ،ربننك" بالرفننع ،وهذه
القراءة أشكنل منن الولى؛ فقال السندي :المعننى هنل يطيعنك ربنك إن سنألته "أن ينزل" فيسنتطيع
بمعننى يطينع؛ كمنا قالوا :اسنتجاب بمعننى أجاب ،وكذلك اسنتطاع بمعننى أطاع .وقينل المعننى :هنل
يقدر ربنك وكان هذا السنؤال فني ابتداء أمرهنم قبنل اسنتحكام معرفتهنم بال عنز وجنل؛ ولهذا قال
عيسى في الجواب عند غلطهم وتجويزهم على ال ما ل يجوز" :اتقوا ال إن كنتم مؤمنين" أي ل
تشكوا في قدرة ال تعالى.
قلت :وهذا فينه نظنر؛ لن الحواريينن خلصنان الننبياء ودخلؤهنم وأنصنارهم كمنا قال" :منن
أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال" [الصف .]14 :وقال عليه السلم[ :لكل نبي
حواري وحواري الزبير] ومعلوم أن النبياء صلوات ال وسلمه عليهم جاؤوا بمعرفة ال تعالى
وما يجب له وما يجوز وما يستحيل عليه وأن يبلغوا ذلك أممهم؛ فكيف يخفى ذلك على من باطنهم
واختنص بهنم حتنى يجهلوا قدرة ال تعالى؟ إل أننه يجوز أن يقال :إن ذلك صندر ممنن كان معهنم،
كمنا قال بعنض جهال العراب للننبي صنلى ال علينه وسنلم :اجعنل لننا ذات أنواط كمنا لهنم ذات
أنواط ،وكمنا قال منن قال منن قوم موسنى" :اجعنل لننا إلهنا كمنا لهنم آلهنة" [العراف ]138 :على
مننا يأتنني بياننه فنني "العراف" إن شاء ال تعالى .وقيننل :إن القوم لم يشكوا فنني اسنتطاعة الباري
سنبحانه لنهنم كانوا مؤمنينن عارفينن عالمينن ،وإنمنا هنو كقولك للرجنل :هنل يسنتطيع فلن أن يأتني
وقند علمنت أننه يسنتطيع؛ فالمعننى :هنل يفعنل ذلك ؟ وهنل يجيبنني إلى ذلك أم ل؟ وقند كانوا عالمينن
باسنننتطاعة ال تعالى لذلك ولغيره علم دللة وخنننبر ونظنننر فأرادوا علم معايننننة كذلك؛ كمنننا قال
إبراهيم صلى ال عليه وسلم" :رب أرنني كيف تحيي الموتى" [البقرة ]260 :على ما تقدم وقد
كان إبراهيم علم لذلك علم خبر ونظر ،ولكن أراد المعاينة التي ل يدخلها ريب ول شبهة؛ لن علم
النظنر والخنبر قند تدخله الشبهنة والعتراضات ،وعلم المعايننة ل يدخله شينء منن ذلك ،ولذلك قال
الحواريون" :وتطمئن قلوبنا" كما قال إبراهيم" :ولكن ليطمئن قلبي" [البقرة]260 :
قلت :وهذا تأوينل حسنن؛ وأحسنن مننه أن ذلك كان منن قول منن كان منع الحواريينن؛ على منا
يأتني بياننه وقند أدخنل ابنن العربني المسنتطيع فني أسنماء ال تعالى ،وقال :لم يرد بنه كتاب ول سننة
اسما وقد ورد فعل ،وذكر قول الحواريين" :هل يستطيع ربك" ورده عليه ابن الحصار في كتاب
شرح السنننة له وغيره؛ قال ابننن الحصننار :وقوله سننبحانه مخننبرا عننن الحوارييننن لعيسننى" :هننل
يسنتطيع ربنك" لينس بشنك فني السنتطاعة ،وإنمنا هنو تلطنف فني السنؤال ،وأدب منع ال تعالى؛ إذ
ليس كل ممكن سبق في علمه وقوعه ول لكل أحد ،والحواريون هم كانوا خيرة من آمن بعيسى،
فكينف يظنن بهنم الجهنل باقتدار ال تعالى على كله شينء ممكنن؟! وأمنا قراءة "التاء" فقينل المعننى
هنل تسنتطيع أن تسنأل ربنك هذا قول عائشنة ومجاهند رضني ال عنهمنا؛ قالت عائشنة رضني ال
عنهنا :كان القوم أعلم بال عنز وجنل منن أن يقولوا "هنل يسنتطيع ربنك" قالت :ولكنن "هنل تسنتطيعُ
ربّكننن" .وروي عنهنننا أيضنننا أنهنننا قالت :كان الحواريون ل يشكون أن ال يقدر على إنزال مائدة
ولكنن قالوا" :هنل تسنتطيع ربنك" وعنن معاذ بنن جبنل قال :أقرأننا الننبي صنلى ال علينه وسنلم "هنل
تسننتطيع ربننك" قال معاذ :وسننمعت النننبي صننلى ال عليننه وسننلم مرارا يقرأ بالتاء "هننل تسننتطيع
ربك" وقال الزجاج :المعنى هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله .وقيل :هل تستطيع أن تدعو ربك
أو تسنأله؛ والمعننى متقارب ،ول بند منن محذوف كمنا قال" :واسنأل القرينة" [يوسنف ]82 :وعلى
قراءة الياء ل يحتاج إلى حذف" .قال اتقوا ال" أي اتقوا معاصنيه وكثرة السنؤال؛ فإنكنم ل تدرون
ما يحل بكم عند اقتراح اليات؛ إذ كان ال عز وجل إنما يفعل الصلح لعباده" .إن كنتم مؤمنين"
أي إن كنتم مؤمنين به وبما جئت به فقد جاءكم من اليات ما فيه غنى.
**3الية{ 113 :قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من
الشاهدين}
@قوله تعالى" :قالوا نريد أن نأكل منها" نصب بأن "وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون
عليهنا منن الشاهدينن" عطنف كله بينوا بنه سنبب سنؤالهم حينن نهوا عننه .وفنى قولهنم" :نأكنل منهنا"
وجهان :أحدهما :أنهم أرادوا الكل منها لحاجة الداعية إليها؛ وذلك أن عيسى عليه السلم كان إذا
خرج اتبعه خمسة آلف أو أكثر ،بعضهم كانوا أصحابه وبعضهم كانوا يطلبون منه أن يدعو لهم
لمرض كان بهم أو علة إذ كانوا زمنى أو عميانا وبعضهم كانوا ينظرون ويستهزئون فخرج يوما
إلى موضنع فوقعوا فني مفازة ولم يكنن معهنم نفقنة فجاعوا وقالوا للحواريينن :قولوا لعيسنى حتنى
يدعنو بأن تنزل عليننا مائدة منن السنماء؛ فجاءه شمعون رأس الحواريينن وأخنبره أن الناس يطلبون
بأن تدعننو بأن تنزل عليهننم مائدة مننن السننماء ،فقال عيسننى لشمعون" :قننل لهننم اتقوا ال إن كنتننم
مؤمنينن" فأخنبر بذلك شمعون القوم فقالوا له :قنل له" :نريند أن نأكنل منهنا" الينة .الثانني" :نأكنل
منهنا" لننال بركتهنا ل لحاجنة دعتهنم إليهنا ،قال الماوردي :وهذا أشبنه؛ لنهنم لو احتاجوا لم ينهوا
عن السؤال وقولهم" :وتطمئن قلوبهم" يحتمنل ثلثنة أوجه :أحدهنا :تطمئن إلى أن ال تعالى بعثك
إليننا نبينا الثانني :تطمئن إلى أن ال تعالى قند اختارننا لدعوتننا الثالث :تطمئن إلى أن ال تعالى قند
أجابننا إلى منا سنألنا؛ ذكرهنا الماوردي وقال المهدوي :أي تطمئن بأن ال قند قبنل صنومنا وعملننا
قال الثعلبني :نسنتيقن قدرتنه فتسنكن قلوبننا" .ونعلم أن قند صندقتنا" بأننك رسنول ال "ونكون عليهنا
من الشاهدين" ل بالوحدانية ،ولك بالرسالة والنبوة .وقيل" :ونكون عليها من الشاهدين" لك عند
من لم يرها إذا رجعنا إليهم.
**3الينة{ 114 :قال عيسنى ابنن مرينم اللهنم ربننا أنزل عليننا مائدة منن السنماء تكون لننا عيدا
لولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين}
@قوله تعالى" :قال عيسنى ابنن مرينم اللهنم ربننا" الصنل عنند سنيبويه ينا ال ،والميمان بدل منن
"يا" "ربننا" نداء ثان ل يجينز سيبويه غيره ول يجوز أن يكون نعتا لنه قند أشبه الصوات من
أجننل مننا لحقننه" .أنزل علينننا مائدة" المائدة الخوان الذي عليننه الطعام قال قطرب :ل تكون المائدة
مائدة حتى يكون عليها طعام فإن لم يكنن قيل :خوان وهي فاعلة من ماد عبده إذا أطعمه وأعطاه؛
فالمائدة تميد ما عليها أي تعطي ومنه قول رؤبة -أنشده الخفش:
إلى أمير المؤمنين الممتاد تهدي رؤوس المترفين النداد
أي المستعطى المسؤول فالمائدة هي المطعمة والمعطية الكلين الطعام ويسمى الطعام أيضا مائدة
تجوزا لننه يؤكنل على المائدة؛ كقولهنم للمطنر سنماء .وقال أهنل الكوفنة :سنميت مائدة لحركتهنا بمنا
عليها من قولهم :ماد الشيء إذا مال وتحرك قال الشاعر:
يميد بها غصن من اليك مائل لعلك باك إن تغنت حمامة
وقال آخر:
فكادت بي الرض الفضاء تميد وأقلقني قتل الكناني بعده
ومنه قوله تعالى" :وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم" [النحل .]15 :وقال أبو عبيدة :مائدة
فاعلة بمعنى مفعولة ،مثله "عيشة راضية" [الحاقة ]21 :بمعنى مرضية و"ماء دافق" [الطارق:
]6أي مدفوق .قوله تعالى" :تكون لنا عيدا" "تكون" نعت لمائدة وليس بجواب.
وقرأ العمنش "تكنن" على الجواب؛ والمعننى :يكون يوم نزولهنا "عيدا لولننا" أي لول أمتننا
وآخرها فقيل :إن المائدة نزلت عليهم يوم الحد غدوة وعشية فلذلك جعلوا الحد عيدا والعيد واحد
العياد وإنمنا جمنع بالياء وأصنله الواو للزومهنا فني الواحند ويقال :للفرق بيننه وبينن أعواد الخشنب
وقند عيدوا أي شهدوا العيند قال الجوهري وقينل :أصنله منن عاد يعود أي رجنع فهنو عود بالواو،
فقلبننت ياء لنكسننار مننا قبلهننا مثننل الميزان والميقات والميعاد فقيننل ليوم الفطننر والضحننى :عيدا
لنهمنا يعودان كنل سننة .وقال الخلينل :العيند كنل يوم يجمنع كأنهنم عادوا إلينه .وقال ابنن النباري:
سنمي عيدا للعود فني المرح والفرح فهنو يوم سنرور الخلق كلهنم؛ أل ترى أن المسنجونين فني ذلك
اليوم ل يطالبون ول يعاقبون ول يصناد الوحنش ول الطيور ول تنفنذ الصنبيان إلى المكاتنب وقينل:
سنمي عيدا لن كنل إنسنان يعود إلى قدر منزلتنه أل ترى إلى اختلف ملبسنهم وهيئاتهنم ومآكلهنم
فمنهم من يضيف ومنهم من يضاف ومنهم من يرحم ومنهم من يرحم وقيل :سمي بذلك لنه يوم
شريف تشبيها بالعيد :وهو فحل كريم مشهور عند العرب وينسبون إليه فيقال :إبل عيدية قال:
عيدية أرهنت فيها الدنانير
وقند تقدم وقرأ زيند بنن ثابنت "لولننا وأخراننا" على الجمنع قال ابنن عباس :يأكنل منهنا آخنر الناس
كمننا يأكننل منهننا أولهننم" .وآيننة منننك" يعننني دللة وحجننة" .وارزقنننا" أي أعطنننا" .وأنننت خيننر
الرازقين" أي خير من أعطى خير من ورزق لنك الغني الحميد.
**3الية{ 115 :قال ال إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا ل أعذبه أحدا
من العالمين}
@قوله تعالى "قال ال إني منزلها عليكم" هذا وعد من ال تعالى أجاب به سؤال عيسى كما كان
سنؤاله عيسنى إجابنة للحواريينن وهذا يوجنب أننه قند أنزلهنا ووعده الحنق فجحند القوم وكفروا بعند
نزولها فمسخوا قردة وخنازير قال ابن عمر :إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المنافقون ومن كفر
منن أصنحاب المائدة وآل فرعون قال ال تعالى "فمنن يكفنر بعند منكنم فإنني أعذبنه عذابنا ل أعذبنه
أحدا منن العالمينن" واختلف العلماء فني المائدة هنل نزلت أم ل؟ فالذي علينه الجمهور وهنو الحنق
نزولهنا لقوله تعالى" :إني منزلهنا عليكنم" وقال مجاهند :ما نزلت وإنمنا هو ضرب مثنل ضربنه ال
تعالى لخلقه فنهاهم عن مسألة اليات لنبيائه وقيل :وعدهم بالجابة فلما قال لهم" :فمن يكفر بعد
منكنم" الينة اسنتعفوا منهنا ،واسنتغفروا ال وقالوا :ل نريند هذا؛ قاله الحسنن .وهذا القول الذي قبله
خطأ والصواب أنها نزلت
قال ابنن عباس :إن عيسنى ابنن مرينم قال لبنني إسنرائيل[ :صنوموا ثلثينن يومنا ثنم سنلوا ال منا
شئتنم يعطكنم] فصناموا ثلثينن يومنا وقالوا :ينا عيسنى لو عملننا لحند فقضيننا عملننا لطعمننا وإننا
صننمنا وجعنننا فادع ال أن ينزل عليننا مائدة منن السننماء فأقبلت الملئكننة بمائدة يحملونهننا ،عليهننا
سبعة أرغفة وسبعة أحوات فوضعوها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم وذكر أبو
عبدال محمند بنن علي الترمذي الحكينم فني "نوادر الصنول" له :حدثننا عمنر بنن أبني عمنر قال
حدثنا عمار بن هارون الثقفي عن زكرياء بن حكيم الحنظلي عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي
عثمان النهدي عننن سننلمان الفارسنني قال :لمننا سننألت الحواريون عيسننى ابننن مريننم صننلوات ال
وسلمه عليه المائدة قام فوضع ثياب الصوف ولبس ثياب المسوح وهو سربال من مسوح أسود
ولِحاف أسنود فقام فألزق القدم بالقدم وألصنق العقنب بالعقنب والبهام بالبهام ،ووضنع يده اليمننى
على يده اليسنرى ثنم طأطنأ رأسنه خاشعنا ل ثنم أرسنل عينينه يبكنى حتنى جرى الدمنع على لحيتنه
وجعنل يقطنر على صندره ثنم قال" :اللهنم ربننا أنزل عليننا مائدة منن السنماء تكون لننا عيدا لولننا
وآخرننا وآينة مننك وارزقننا وأننت خينر الرازقينن قال ال إنني منزلهنا عليكنم" الينة .فنزلت سنفرة
حمراء مدورة بينن غمامتينن منن فوقهنا وغمامنة منن تحتهنا والناس ينظرون إليهنا؛ فقال عيسنى:
[اللهنم اجعلهنا رحمنة ول تجعلهنا فتننة إلهني أسنألك منن العجائب فتعطنى] فهبطنت بينن يدي عيسنى
علينه السنلم وعليهنا مندينل مغطنى فخنر عيسنى سناجدا والحواريون معنه وهنم يجدون لهنا رائحنة
طيبننة ولم يكونوا يجدون مثلهننا قبننل ذلك فقال عيسننى[ :أيكننم أعبنند ل وأجرأ على ال وأوثننق بال
فليكشف عن هذه السفرة حتى نأكل منها ونذكر اسم ال عليها ونحمد ال عليها] فقال الحواريون:
يا روح ال أنت أحق بذلك فقام عيسى صلوات ال عليه فتوضأ وضوءا حسنا وصلى صلة جديدة
ودعا دعاء كثيرا ثم جلس إلى السنفرة فكشنف عنها فإذا عليها سمكة مشوية ليس فيها شوك تسنيل
سنيلن الدسنم وقند نضند حولهنا منن كله البقول منا عدا الكراث وعنند رأسنها ملح وخنل وعنند ذنبهنا
خمسننة أرغفننة على واحنند منهننا خمننس رمانات وعلى الخننر تمرات وعلى الخننر زيتون قال
الثعلبني :على واحند منهنا زيتون ،وعلى الثانني عسنل وعلى الثالث بينض وعلى الرابنع جبنن وعلى
الخامننس قدينند فبلغ ذلك اليهود فجاؤوا غمننا ينظرون إليننه فرأوا عجبننا فقال شمعون وهننو رأس
الحواريينن :ينا روح ال أمنن طعام الدنينا أم منن طعام الجننة؟ فقال عيسنى صنلوات ال علينه[ :أمنا
افترقتم بعد عن هذه المسائل ما أخوفني أن تعذبوا] فقال شمعون :وإله بني إسرائيل ما أردت بذلك
سوءا فقالوا :يا روح ال لو كان مع هذه الية آية أخرى قال عيسى عليه السلم[ :يا سمكة احيي
بإذن ال] فاضطربنت السنمكة طرينة َتبِصّن عيناهنا ،ففزع الحواريون فقال عيسنى[ :منا لي أراكنم
تسنألون عنن الشينء فإذا أعطيتموه كرهتموه منا أخوفنني أن تعذبوا] وقال[ :لقند نزلت منن السنماء
وما عليها طعام من الدنيا ول من طعام الجنة ولكنه شيء ابتدعه ال بالقدرة البالغة فقال لها كوني
فكاننت] فقال عيسنى[ :ينا سنمكة عودي كمنا كننت] فعادت مشوينة كمنا كاننت فقال الحواريون :ينا
روح ال كنن أول منن يأكنل منهنا ،فقال عيسنى[ :معاذ ال إنمنا يأكنل منهنا منن طلبهنا وسنألها] فأبنت
الحواريون أن يأكلوا منهننا خشيننة أن تكون َمثُلَة وفتنننة فلمننا رأى عيسننى ذلك دعننا عليهننا الفقراء
والمساكين والمرضى والزمنى والمجذمين والمقعدين والعميان وأهل الماء الصفر ،وقال[ :كلوا
منن رزق ربكنم ودعوة ننبيكم واحمدوا ال علينه] وقال[ :يكون المهننأ لكنم والعذاب على غيركنم]
فأكلوا حتنى صندروا عنن سنبعة آلف وثلثمائة يتجشؤون فنبرئ كنل سنقيم أكله مننه واسنتغنى كله
فقير أكل منه حتى الممات فلما رأى ذلك الناس ازدحموا عليه فما بقي صغير ول كبير ول شيخ
ول شاب ول غنني ول فقينر إل جاؤوا يأكلون مننه فضغنط بعضهنم بعضنا فلمنا رأى ذلك عيسنى
جعلهنا نوبنا بينهنم فكاننت تنزل يومنا ول تنزل يومنا كناقنة ثمود ترعنى يومنا وتشرب يومنا فنزلت
أربعينن يومنا تنزل ضحنا فل تزال حتنى يفينء الفينء موضعنه وقال الثعلبني :فل تزال منصنوبة
يؤكننل منهننا حتننى إذا فاء الفيننء طارت صننعدا فيأكننل منهننا الناس ثننم ترجننع إلى السننماء والناس
ينظرون إلى ظلهننا حتننى تتوارى عنهننم فلمننا تننم أربعون يومننا أوحننى ال تعالى إلى عيسننى عليننه
السننلم [يننا عيسننى اجعننل مائدتنني هذه للفقراء دون الغنياء] فتمارى الغنياء فنني ذلك وعادوا
الفقراء وشككوا والناس فقال ال يا عيسى[ :إني آخذ بشرطي] فأصبح منهم ثلثة وثلثون خنزيرا
يأكلون العذرة يطلبونها بالكباء والكباء هي الكناسة واحدها كبا بعدما كانوا يأكلون الطعام الطب
وينامون على الفرش اللينننة فلمننا رأى الناس ذلك اجتمعوا على عيسننى يبكون ،وجاءت الخنازيننر
فجثوا على ركبهنم قدام عيسنى فجعلوا يبكون وتقطنر دموعهنم فعرفهنم عيسنى فجعنل يقول[ :ألسنت
بفلن] ؟ فيومنئ برأسنه ول يسنتطيع الكلم فلبثوا كذلك سنبعة أيام ومنهنم منن يقول :أربعنة أيام ،ثنم
دعننا ال عيسننى أن يقبننض أرواحهننم فأصننبحوا ل يدرى أيننن ذهبوا؟ الرض ابتلعتهننم أو مننا
صنعوا؟!.
قلت :في هذا الحديث مقال ول يصح من قبل إسناده وعن ابن عباس وأبي عبدالرحمن السلمي
كان طعام المائدة خبزا وسنمكا وقال ابنن عطينة :كانوا يجدون فني السنمك طينب كله طعام؛ وذكره
الثعلبني وقال عمار بنن ياسنر وقتادة :كاننت مائدة تنزل منن السنماء وعليهنا ثمار منن ثمار الجننة.
وقال وهب بن منبه :أنزله ال تعالى أقرصة من شعير وحيتانا وخرج الترمذي في أبواب التفسير
عنن عمار بنن ياسنر قال :قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم[ :أنزلت المائدة منن السنماء خبزا
ولحمنا وأمروا أل يخونوا ول يدخروا لغند فخانوا وادخروا ورفعوا لغند فمسنخوا قردة وخنازينر]
قال أبو عيسى :هذا حديث قد رواه أبو عاصم وغير واحد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن
خلس عن عمار بن ياسر موقوفا ول نعرفه مرفوعا إل من حديث الحسن بن قزعة حدثنا حميد
بنن مسنعد قال حدثننا سنفيان بنن حنبيب عنن سنعيد بنن أبني عروبنة نحوه ولم يرفعنه ،وهذا أصنح منن
حدينث الحسنن بنن قزعنة ول نعلم للحدينث المرفوع أصنل وقال سنعيد بنن جنبير :أنزل على المائدة
كله شيء إل الخبز واللحم .وقال عطاء :نزل عليها كل شيء إل السمك واللحم .وقال كعب :نزلت
المائدة منكوسة من السماء تطير بها الملئكة بين السماء والرض عليها كل طعام إل اللحم.
قلت :هذه الثلثننة أقوال مخالفننة لحديننث الترمذي وهننو أولى منهننا؛ لنننه إن لم يصننح مرفوعننا
فصنح موقوفنا عنن صنحابي كنبير وال أعلم والمقطوع بنه أنهنا نزلت وكان عليهنا طعام يؤكنل وال
أعلم بتعيينه وذكر أبو نعيم عن كعب أنها نزلت ثانية لبعض عباد بني إسرائيل قال كعب :اجتمع
ثلثنة نفنر منن عباد بنني إسنرائيل فاجتمعوا فني أرض فلة منع كنل رجنل منهنم اسنم منن أسنماء ال
تعالى فقال أحدهنم :سنلوني فأدعنو ال لكنم بمنا شئتنم قالوا :نسنألك أن تدعنو ال أن يظهنر لننا عيننا
سنناحة بهذا المكان؛ ورياضننا خضرا وعبقريننا قال :فدعننا ال فإذا عيننن سنناحة ورياض خضننر
وعبقري ثم قال أحدهم سلوني فأدعوا ال لكم بما شئتم فقالوا :نسألك أن تدعو ال أن يطعمنا شيئا
من ثمار الجنة فدعا ال فنزلت عليهم بسرة فأكلوا منها ل تقلب إل أكلوا منها لونا ثم رفعت ثم قال
أحدهنم :سنلوني فأدعنو ال لكنم بمنا شئتنم؛ فقالوا :نسنألك أن تدعنو ال أن ينزل عليننا المائدة التني
أنزلها على عيسى قال :فدعا فنزلت فقضوا منها حاجتهم ثم رفعت وذكر تمام الخبر.
مسننألة :جاء فنني حديننث سننلمان المذكور بيان المائدة وأنهننا كانننت سننفرة ل مائدة ذات قوائم
والسنفرة مائدة الننبي صنلى ال علينه وسنلم وموائد العرب خرج أبنو عبدال الترمذي الحكينم :حدثننا
محمد بن بسار قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن يونس عن قتادة عن أنس قال ما أكل
رسول ال صلى ال عليه وسلم على خوان قط ول في سكرجة ول خبز له مرقق قال :قلت لنس
فعلم كانوا يأكلون ؟ قال :على السفر قال محمد بن بشار :يونس هذا هو أبو الفرات السكاف.
قلت :هذا حدينث صنحيح ثابنت اتفنق على رجاله البخاري ومسنلم وخرجنه الترمذي قال :حدثننا
محمند بنن بشار قال حدثننا معاذ بنن هشام فذكره وقال فينه :حسنن غرينب قال الترمذي أبنو عبدال:
الخوان هننو شيننء محدث فعلتننه العاجننم ومننا كانننت العرب لتمتهنهننا وكانوا يأكلون على السننفر
واحدها سفرة وهي التي تتخذ من الجلود ولها معاليق تنضم وتنفرج فبالنفراج سميت سفرة لنها
إذا حلت معاليقهنا انفرجنت فأسنفرت عمنا فيهنا فقينل لهنا السنفرة وإنمنا سنمي السنفر سنفرا لسنفار
الرجل بنفسه عن البيوت وقوله :ول في سكرجة لنها أوعية الصباغ وإنما الصباغ لللوان ولم
تكن من سماتهم اللوان وإنما كان طعامهم الثريد عليه مقطعات اللحم وكان يقول" :انهسوا اللحم
نهسنا فإننه أشهنى وأمرأ" فإن قينل :فقند جاء ذكنر المائدة فني الحادينث منن ذلك حدينث ابنن عباس
قال :لو كان الضنب حرامنا منا أكنل على مائدة الننبي صنلى ال علينه وسنلم؛ خرجنه مسنلم وغيره.
وعنن عائشنة رضني ال عنهنا قالت :قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم[ :تصنلي الملئكنة على
الرجنل منا دامنت مائدتنه موضوعنة] خرجنه الثقات وقينل :إن المائدة كنل شينء يمند ويبسنط مثنل
المندينل والثوب وكان منن حقنه أن تكون مادة الدال مضعفنة فجعلوا إحدى الدالينن ياء فقينل :مائدة،
والفعنل واقنع به فكان ينبغني أن تكون ممدودة ولكنن خرجنت فني اللغنة مخرج فاعنل كمنا قالوا :سنر
كاتنم وهنو مكتوم وعيشنة راضينة وهني مرضينة وكذلك خرج فني اللغنة منا هنو فاعنل على مخرج
مفعول فقالوا :رجننل مشؤوم وإنمننا هننو شائم وحجاب مسننتور وإنمننا هننو سنناتر قال فالخوان هننو
المرتفنع عنن الرض بقوائمنه والمائدة منا مند وبسنط والسنفرة منا أسنفر عمنا فني جوفنه وذلك لنهنا
مضمومنة بمعاليقهنا وعنن الحسنن قال :الكنل على الخوان فعله الملوك وعلى المندينل فعنل العجنم
وعلى السفرة فعل العرب وهو السنة وال أعلم.
**3الية{ 116 :وإذ قال ال يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون
ال قال سنبحانك منا يكون لي أن أقول منا لينس لي بحنق إن كننت قلتنه فقند علمتنه تعلم منا فني نفسني
ول أعلم ما في نفسك إنك أنت علم الغيوب}
@قوله تعالى" :وإذ قال ال ينا عيسنى ابنن مرينم أأننت قلت للناس اتخذونني وأمني إلهينن منن دون
ال" اختلف فنني وقننت هذه المقالة فقال قتادة وابننن جريننح وأكثننر المفسننرين :إنمننا يقال له هذا يوم
القيامنة وقال السندي وقطرب قال له ذلك حينن رفعنه إلى السنماء وقالت النصنارى فينه منا قالت؛
واحتجوا بقوله" :إن تعذبهنم فإنهم عبادك" [المائدة ]118 :فإن "إذ" فني كلم العرب لما مضى.
والول أصنح يدل علينه منا قبله من قوله" :يوم يجمنع ال الرسنل" [المائدة ]109 :الينة ومنا بعده
"هذا يوم ينفنع الصنادقين صندقهم" [المائدة .]119 :وعلى هذا تكون "إذ" بمعننى "إذا" كقوله
تعالى" :ولو ترى إذ فزعوا" [سبأ ]51 :أي إذا فزعوا وقال أبو النجم:
جنات عدن في السماوات العل ثم جزاه ال عني إذ جزى
يعني إذا جزى وقال السود بن جعفر الزدي:
يقلن أل لم يذهب الشيخ مذهبا فالن إذ هازلتهن فإنما
يعني إذا هازلتهن فعبر عن المستقبل بلفظ الماضي لنه لتحقيق أمره وظهور برهانه كأنه قد وقع
وفنني التنزيننل "ونادى أصننحاب النار أصننحاب الجنننة" [العراف ]50 :ومثله كثيننر وقنند تقدم.
واختلف أهنل التأوينل فني معننى هذا السنؤال ولينس هنو باسنتفهام وإن خرج مخرج السنتفهام على
قولينن :أحدهمنا :أننه سنأله عنن ذلك توبيخنا لمنن ادعنى ذلك علينه ليكون إنكاره بعند السنؤال أبلغ فني
التكذيب وأشد في التوبيخ والتقريع الثاني :قصد بهذا السؤال تعريفه أن قومه غيروا بعده ،وادعوا
علينه منا لم يقنل فإن قينل فالنصنارى لم يتخذوا مرينم إلهنا فكينف قال ذلك فيهنم ؟ فقينل :لمنا كان منن
قولهنم أنهنا لم تلد بشرا وإنمنا ولدت إلهنا لزمهنم أن يقولوا إنهنا لجنل البعضينة بمثابنة منن ولدتنه،
فصاروا حين لزمهم ذلك بمثابة القائلين له.
@قوله تعالى" :قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته" خرج
الترمذي عنن أبني هريرة قال :تلقنى عيسنى حجتنه ولقاه ال فني قوله" :وإذ قال ال ينا عيسنى ابنن
مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون ال" قال أبو هريرة عن النبي صلى ال عليه
وسنلم[ :فلقاه ال] "سنبحانك منا يكون لي أن أقوم منا لينس لي بحنق" الينة كلهنا قال أبنو عيسنى :هذا
حديث حسن صحيح وبدأ بالتسبيح قبل الجواب لمرين :أحدهما :تنزيها له عما أضيف إليه الثاني
خضوعا لعزته وخوفا من سطوته ويقال :إن ال تعالى لما قال لعيسى" :أأنت قلت للناس اتخذوني
وأمني إلهينن منن دون ال" أخذتنه الرعدة منن ذلك القول حتنى سنمع صنوت عظامنه فني نفسنه فقال:
"سبحانك" ثم قال" :ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" أي أن ادعى لنفسي ما ليس من حقها
يعنني أننني مربوب ولسنت برب وعابند ولسنت بمعبود ثنم قال" :إن كننت قلتنه فقند علمتنه" فرد ذلك
إلى علمنه وقند كان ال عالمنا بنه أننه لم يقله ولكننه سنأله عننه تقريعنا لمنن اتخنذ عيسنى إلهنا .ثنم قال:
"تعلم منا فني نفسني ول أعلم منا فني نفسنك" أي تعلم منا فني غنبيي ول أعلم منا فني غيبنك وقينل:
المعنى تعلم ما أعلم ول أعلم ما تعلم وقيل :تعلم ما أخفيه ول أعلم ما تخفيه وقيل :تعلم ما أريد ول
أعلم ما تريد وقيل :تعلم سري ول أعلم سرك لن السر موضعه النفس وقيل :تعلم ما كان مني في
دار الدنيا ول أعلم ما يكون منك في دار الخرة
قلت :والمعننى فني هذه القوال متقارب أي تعلم سنري ومنا انطوى علينه ضميري الذي خلقتنه
ول أعلم شيئا مما استأثرت به من غيبك وعلمك" .إنك أنت علم الغيوب" ما كان وما يكون وما
لم يكن وما هو كائن*3*.الية{ 117 :ما قلت لهم إل ما أمرتني به أن اعبدوا ال ربي وربكم
وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد}
@قوله تعالى" :ما قلت لهم إل ما أمرتني به" يعني في الدنيا بالتوحيد" .أن اعبدوا ال" "أن" ل
موضع لها من العراب وهي مفسرة مثل "وانطلق المل منهم أن امشوا" [ص .]6 :ويجوز أن
تكون في موضع نصب أي ما ذكرت لهم إل عبادة ال ويجوز أن تكون في موضع خفض أي بأن
اعبدوا ال وضنم النون أولى لنهننم يسنتثقلوا كسننرة بعدهنا ضمنة والكسننر جائز على أصنل التقاء
الساكنين.
@قوله تعالى" :وكننت عليهنم شهيدا" أي حفيظنا بمنا أمرتهنم" .منا دمنت فيهنم" "منا" فني موضنع
نصب أي وقت دوامي فيهم" .فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم" قيل :هذا يدل على أن ال عز
وجنل توفاه أن يرفعنه ولينس بشينء لن الخبار تظاهرت برفعنه وأننه فني السنماء حني وأننه ينزل
ويقتل الدجال على ما يأتي بيانه وإنما المعنى فلما رفعتني إلى السماء قال الحسن :الوفاة في كتاب
ال عننز وجننل على ثلثننة أوجننه وفاة الموت وذلك قوله تعالى" :ال يتوفننى النفننس حيننن موتهننا"
[الزمنر ]42 :يعنني وقنت انقضاء أجلهنا .ووفاة النوم قال ال تعالى" :وهنو الذي يتوفاكنم باللينل"
[النعام ]60 :يعني الذي ينيمكم ووفاة الرفع قال ال تعالى" :يا عيسى إني متوفيك" [آل عمران:
.]55وقوله "كنت أنت" "أنت هنا" توكيد "الرقيب" خبر "كنت" ومعناه الحافظ عليهم والعالم
بهم والشاهد على أفعالهم؛ وأصله المراقبة أي المراعاة ومنه المرقبة لنها في موضع الرقيب من
علو المكان" .وأننت على كل شينء شهيند" أي من مقالتني ومقالتهنم وقينل على من عصى وأطاع؛
خرج مسلم عن ابن عباس قال :قام فينا رسول ال صلى ال عليه وسلم خطيبا بموعظة فقال( :يا
أيهنا الناس إنكنم تحشرون إلى ال حفاة عراة غرل "كمنا بدأننا أول خلق نعيده وعدا عليننا إننا كننا
فاعلينن" [الننبياء ]104 :أل وإن أول الخلئق يكسنى يوم القيامنة إبراهينم علينه السنلم أل وإننه
سنيجاء برجال منن أمتني فيؤخنذ بهنم ذات الشمال فأقول ينا رب أصنحابي فيقال إننك ل تدري منا
أحدثوا بعدك فأقول كمنا قال العبند الصنالح" :وكننت عليهنم شهيدا منا دمنت فيهنم توفيتنني كننت أننت
الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهنم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزينز
الحكيم" قال :فيقال لي إنهم لم يزالوا مدبرين مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)
**3الية{ 118 :إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :إن تعذبهم فإنهم عبادك" شرط وجوابه "وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"
مثله روى النسنائي عن أبني ذر قال :قام الننبي صنلى ال عليه وسنلم بآينة ليلة حتنى أصنبح ،والينة:
"إن تعذبهنم فإنهنم عبادك وإن تغفنر لهنم فإننك أننت العزينز الحكينم" واختلف فني تأويله فقينل :قاله
على وجنه السنتعطاف لهنم والرأفنة بهنم كمنا يسنتعطف السنيد لعبده ولهذا لم يقنل :فإنهنم عصنوك
وقيل :قاله على وجه التسليم لمره والستجارة من عذابه وهو يعلم أنه ل يغفر لكافر وقيل الهاء
والميم في "إن تعذبهم" لمن مات منهم على الكفر والهاء والميم في "إن تغفر لهم" لمن تاب منهم
قبل الموت وهذا حسن وأما قول من قال إن عيسى عليه السلم لم يعلم أن الكافر ل يغفر له فقول
مجترئ على كتاب ال عنز وجنل لن الخبار منن ال عنز وجنل ل تنسنخ وقينل :كان عنند عيسنى
أنهم أحدثوا معاصي وعملوا بعده بما لم يأمرهم به إل أنهم على عمود دينه فقال :وإن تغفر لهم ما
أحدثوا بعدي منن المعاصني .وقال" :فإننك أننت العزينز الحكينم" ولم يقنل :فإننك أننت الغفور الرحينم
على منا تقتضينه القصنة منن التسنليم لمره والتفوينض لحكمنه .ولو قال :فإننك أننت الغفور الرحينم
لوهنم الدعاء بالمغفرة لمنن مات على شركنه وذلك مسنتحيل فالتقدينر إن تبقهنم على كفرهنم حتنى
يموتوا وتعذبهم فإنهم عبادك وإن تهدهم إلى توحيدك وطاعتك فتغفر لهم فإنك أنت العزيز الذي ل
يمتننع علينك منا تريده؛ الحكينم فيمنا تفعله تضنل منن تشاء وتهدي منن تشاء وقند قرأ جماعنة" :فإننك
أنت الغفور الرحيم" وليست من المصحف ذكره القاضي عياض في كتاب "الشفا" وقال أبو بكر
النباري :وقند طعنن على القرآن منن قال إن قوله" :إننك أننت العزينز الحكينم" لينس بمشاكنل لقوله:
"وإن تغفر لهم" لن الذي يشاكل المغفرة فإنك أنت الغفور الرحيم والجواب أنه ل يحتمل إل ما
أنزله ال ومتنى نقنل إلى الذي نقله إلينه ضعنف معناه؛ فإننه ينفرد الغفور الرحينم بالشرط الثانني فل
يكون له بالشرط الول تعلق وهننو على مننا أنزله ال عننز وجننل واجتمننع على قراءتننه المسننلمون
مقرون بالشرطين كليهما أولهما وآخرهما إذ تلخيصه إن تعذبهم فإنك أنت عزيز حكيم ،وإن تغفر
لهنم فإننك أننت العزينز الحكينم فني المرينن كليهمنا منن التعذينب والغفران فكان العزينز الحكينم ألينق
بهذا المكان لعمومنه فإننه يجمنع الشرطينن ولم يصنلح الغفور الرحينم إذ لم يحتمنل منن العموم منا
احتمله العزينز الحكينم ومنا شهند بتعظينم ال تعالى وعدله والثناء علينه فني الينة كلهنا والشرطينن
المذكورين أولى وأثبت معنى في الية مما يصلح لبعض الكلم دون بعض خرج مسلم من غير
طرينق عنن عبدال بنن عمرو بنن العاص أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم تل قوله عنز وجنل فني
إبراهيم "رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم"
[إبراهيم ]36 :وقال عيسى عليه السلم" :إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز
الحكيم" فرفع يديه وقال( :اللهم أمتي) وبكى فقال ال عز وجل( :يا جبريل اذهب إلى محمد وربك
أعلم فسله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلم فسأله فأخبره رسول ال صلى ال عليه وسلم بما قال
وهنو أعلم فقال ال :ينا جبرينل اذهنب إلى محمند فقنل له إننا سننرضيك فني أمتنك ول نسنوءك) وقال
بعضهنم :فني الينة تقدينم وتأخينر ومعناه إن تعذبهنم فإننك أننت العزينز الحكينم وإن تغفنر لهنم فإنهنم
عبادك ووجه الكلم على نفسه أولى لما بيناه وبال التوفيق.
**3الينة{ 119 :قال ال هذا يوم ينفنع الصنادقين صندقهم لهنم جنات تجري منن تحتهنا النهار
خالدين فيها أبدا رضي ال عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم}
@قوله تعالى" :قال ال هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" أي صدقهم في الدنيا فأما في الخرة فل
ينفع فيها الصدق وصدقهم في الدنيا يحتمل أن يكون صدقهم في العمل ل ويحتمل أن يكون تركهم
الكذب عليه وعلى رسله ل وإنما ينفعهم الصدق في ذلك اليوم وإن كان نافعا في كل اليام لوقوع
الجزاء فينه وقينل :المراد صندقهم فني الخرة وذلك فني الشهادة لننبيائهم بالبلغ وفيمنا شهدوا بنه
على أنفسنهم منن أعمالهنم ويكون وجنه النفنع فينه أن يكفوا المؤاخذة بتركهنم كتنم الشهادة فيغفنر لهنم
بإقرارهم لنبيائهم وعلى أنفسهم وال أعلم وقرأ نافع وابن محيصن "يوم" بالنصب ورفع الباقون
وهنني القراءة البينننة على البتداء والخننبر فيوم ينفننع خننبر لن ن "هذا" والجملة فنني موضننع نصننب
بالقول .وأما قراءة نافع وابن محيصن فحكى إبراهيم بن حميد عن محمد بن يزيد أن هذه القراءة
ل تجوز لنه نصب خبر البتداء ول يجوز فيه البناء وقال إبراهيم بن السري :هي جائزة بمعنى
قال ال هذا لعيسنى ابنن مرينم يوم ينفنع الصنادقين صندقهم فنن "يوم" ظرف للقول و"هذا" مفعول
القول والتقديننر قال ال هذا القول فنني يوم ينفننع الصننادقين وقيننل :التقديننر قال ال عننز وجننل هذه
الشياء تنفنع يوم القيامنة وقال الكسنائي والفراء :بنني يوم ههننا على النصنب لننه مضاف إلى غينر
اسم؛ كما تقول :مضى يومئذ وأنشد الكسائي:
وقلت ألما أصح والشيب وازع على حين عاتبت المشيب على الصبا
الزجاج ول يجيز البصريون ما قاله إذا أضفت الظرف إلى فعل مضارع فإن كان إلى ماض كان
جيدا كما مر في البيت وإنما جاز أن يضاف الفعل إلى ظروف الزمان لن الفعل بمعنى المصدر
وقيل :يجوز أن يكون منصوبا ظرفا ويكون خبر البتداء الذي هو "هذا" لنه مشار به إلى حدث،
وظروف الزمان تكون أخبارا عنننن الحداث تقول :القتال اليوم والخروج السننناعة ،والجملة فننني
موضع نصب بالقول وقيل :يجوز أن يكون "هذا" في موضع رفع بالبتداء و"يوم" خبر البتداء
والعامنل فينه محذوف والتقدينر :قال ال هذا الذي قصنصناه يقنع يوم ينفنع الصنادقين صندقهم .وفينه
قراءة ثالثنة "يوم ينفنع" بالتنوينن "الصنادقين صندقهم" فني الكلم حذف تقديره "فينه" مثنل قوله:
"واتقوا يوما ل تجزي نفس عن نفس شيئا" [البقرة ]48 :وهي قراءة العمش.
@قوله تعالى" :لهم جنات" ابتداء وخبر" .تجري" في موضع الصفة" .من تحتها" أي من تحت
غرفهننا وأشجارهننا وقنند تقدم ثننم بيننن تعالى ثوابهننم وأنننه راض عنهننم رضننا ل يغضننب بعده أبدا
"ورضوا عنه" أي عن الجزاء الذي أثابهنم به" .ذلك الفوز" أي الظفر "العظينم" أي الذي عظم
خيره وكثر وارتفعت منزلة صاحبه وشرف.
**3الية{ 120 :ل ملك السماوات والرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :ل ملك السماوات والرض" الية جاء هذا عقب ما جرى من دعوى النصارى
في عيسى أنه إله فأخبر تعالى أن ملك السماوات والرض له دون عيسى ودون سائر المخلوقين.
ويجوز أن يكون المعننننى أن الذي له ملك السنننماوات والرض يعطننني الجنات المتقدم ذكرهنننا
للمطيعين من عباده جعلنا ال منهم بمنه وكرمه .تمت سورة "المائدة" بحمد ال تعالى.
**2سورة النعام
**3مقدمة السورة
@ سورة النعام مكية في قوله الكثرين قال ابن عباس وقتادة :هي مكية كلها إل آيتين منها نزلتا
بالمدينننة ،قوله تعالى" :ومننا قدروا ال حننق قدره" [النعام ]91 :نزلت فنني مالك بننن الصننيف
وكعنننب بنننن الشرف اليهوديينننن والخرى قوله" :وهنننو الذي أنشنننأ جنات معروشات وغينننر
معروشات" [النعام ]141 :نزلت فني ثابنت بنن قينس بنن شماس النصناري وقال ابنن جرينج:
نزلت فني معاذ بنن جبنل وقال الماوردي وقال الثعلبني سنورة "النعام" مكينة إل سنت آيات نزلت
بالمديننة "ومنا قدروا ال حنق قدره" إلى آخنر ثلث آيات و"قنل تعالوا أتنل منا حرم ربكنم عليكنم"
[النعام ]151 :إلى آخر ثلث آيات قال ابن عطية :وهي اليات المحكمات وذكر ابن العربي:
أن قوله تعالى" :قنل ل أجند" نزل بمكنة يوم عرفنة وسنيأتي القول فني جمينع ذلك إن شاء ال وفني
الخنبر أنها نزلت جملة واحدة غير الست اليات وشيعها سبعون ألف ملك مع آية واحدة منهنا اثننا
عشنر ألف ملك وهني "وعنده مفاتنح الغينب ل يعلمهنا إل هنو" [النعام ]59 :نزلوا بهنا ليل لهنم
زجل بالتسبيح والتحميد فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم الكتاب فكتبوها من ليلتهم وأسند أبو
جعفنر النحاس قال :حدثننا محمند بنن يحينى حدثننا أبنو حاتنم روح بنن الفرج مولى الحضارمنة قال
حدثننا أحمند بنن محمند أبنو بكنر العمري حدثننا ابنن أبني فدينك حدثنني عمنر بنن طلحنة بنن علقمنة بنن
وقاص عنن نافنع أبني سنهل بنن مالك عنن أننس بنن مالك قال قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم:
(نزلت سورة النعام معها موكب من الملئكة سد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح) والرض
لهننم ترتننج ورسننول ال صننلى ال عليننه وسننلم يقول( :سننبحان ربنني العظيننم) ثلث مرات وذكننر
الدارمني أبنو محمند فني مسننده عنن عمنر بنن الخطاب رضنني ال عننه قال :النعام منن عجائب
القرآن .وفيه عن كعب قال :فاتحة "التوراة" فاتحة النعام وخاتمتها خاتمة "هود" .وقاله وهب بن
منبننه أيضننا وذكننر المهدوي قال المفسننرون إن "التوراة" افتتحننت بقوله" :الحمنند ل الذي خلق
السماوات والرض" [النعام ]1 :الية وختمت بقوله "الحمد ل الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له
شريك في الملك" [السراء ]111 :إلى آخر الية وذكر الثعلبي عن جابر عن النبي صلى ال
عليننه وسننلم قال (مننن قرأ ثلث آيات مننن أول سننورة "النعام" إلى قوله" :ويعلم مننا تكسننبون"
[النعام ]3 :وكل ال به أربعين ألف ملك يكتبون له مثله عبادتهم إلى يوم القيامة وينزل ملك من
السنماء السنابعة ومعنه مرزبنة منن حديند ،فإذا أراد الشيطان أن يوسنوس له أو يوحني فني قلبنه شيئا
ضربه ضربة فيكون بينه وبينه سبعون حجابا فإذا كان يوم القيامة قال ال تعالى" :امش في ظلي
يوم ل ظل إل ظلي وكل من ثمار جنتي واشرب من ماء الكوثر واغتسل من ماء السلسبيل فأنت
عبدي وأنا ربك" .وفي البخاري عن ابن عباس قال :إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق
الثلثين ومائة من سورة "النعام" "قد خسر الذين قتلوا أولدهم سفها بغير علم" إلى قوله" :وما
كانوا مهتدين" [النعام.]140 :
تنبيه :قال العلماء :هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب
بالبعنث والنشور وهذا يقتضني إنزالهنا جملة واحدة لنهنا فني معننى واحند منن الحجنة وإن تصنرف
ذلك بوجوه كثيرة وعليهنا بننى المتكلمون أصنول الدينن لن فيهنا آيات بينات ترد على القدرينة دون
السور التي تذكر والمذكورات وسنزيد ذلك بيانا إن شاء ال بحول ال تعالى وعونه.
**3الينة{ 1 :الحمند ل الذي خلق السنماوات والرض وجعنل الظلمات والنور ثنم الذينن كفروا
بربهم يعدلون}
@قوله تعالى" :الحمد ل" بدأ سبحانه فاتحتها بالحمد على نفسه وإثبات اللوهية أي أن الحمد كله
له فل شريك له فإن قيل :فقد افتتح غيرها بالحمد ل فكان الجتزاء بواحدة يغني عن سائره فيقال:
لن لكنل واحدة مننه معننى فني موضعنه ل يؤدي عننه غيره منن أجنل عقده بالنعنم المختلفنة وأيضنا
فلمنا فينه منن الحجنة فني هذا الموضنع على الذينن هنم بربهنم يعدلون .وقند تقدم معننى "الحمند" فني
الفاتحة.
@قوله تعالى" :الذي خلق السماوات والرض" أخبر عن قدرته وعلمه وإرادته فقال :الذي خلق
أي اخترع وأوجند وأنشنأ وابتدع والخلق يكون بمعننى الختراع ويكون بمعننى التقدينر ،وقند تقدم
وكلهما مراد هنا وذلك دليل على حدوثهما فرفع السماء بغير عمد وجعلها مستوية من غير أود
وجعننل فيهننا الشمننس والقمننر آيتيننن وزينهننا بالنجوم وأودعهننا السننحاب والغيوم علمتيننن وبسننط
الرض وأودعهنا الرزاق والنبات وبنث فيهنا منن كنل دابنة آيات جعنل فيهنا الجبال أوتادا وسنبل
فجاجننا وأجرى فيهننا النهار والبحار وفجننر فيهننا العيون مننن الحجار دللت على وحدانيتننه،
وعظيم قدرته وأنه هو ال الواحد القهار وبين بخلقه السماوات والرض أنه خالق كل شيء.
@ خرج مسلم قال :حدثني سريج بن يونس وهارون بن عبدال قال حدثنا حجاج بن محمد قال
قال ابنن جرينج أخنبرني إسنماعيل بنن أمينة عنن أيوب بنن خالد عنن عبدال بنن رافنع مولى أم سنلمة
عن أبي هريرة قال أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم بيدي فقال( :خلق ال عز وجل التربة يوم
السنبت وخلق فيهنا الجبال يوم الحند وخلق الشجنر يوم الثنينن وخلق المكروه يوم الثلثاء وخلق
النور يوم الربعاء وبننث فيهننا الدواب يوم الخميننس وخلق آدم عليننه السننلم بعنند العصننر مننن يوم
الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل).
قلت :أدخننل العلماء هذا الحديننث تفسننيرا لفاتحننة هذه السننورة؛ قال البيهقنني :وزعننم أهننل العلم
بالحديننث أنننه غيننر محفوظ لمخالفننة مننا عليننه أهله التفسننير وأهله التواريننخ .وزعننم بعضهننم أن
إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أيوب بن خالد وإبراهيم غير محتج به
وذكنر محمند بنن يحينى قال :سنألت علي بنن المدينني عنن حدينث أبنى هريرة (خلق ال التربنة يوم
السبت) .فقال علي :هذا حديث مدني رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية
عن أيوب بن خالد عن أبي رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال :أخذ رسول ال صلى ال عليه
وسنلم بيدي قال علي :وشبنك بيدي إبراهينم بنن أبني يحينى فقال لي :شبنك بيدي أيوب بنن خالد وقال
لي شبنك بيدي عبدال بنن رافنع وقال لي :شبنك بيدي أبنو هريرة وقال لي :شبنك بيدي أبنو القاسنم
رسنول ال صننلى ال عليننه وسننلم فقال( :خلق ال الرض يوم السننبت) فذكننر الحدينث بنحوه .قال
علي بنن المدينني :ومنا أرى إسنماعيل بنن أمينة أخنذ هذا المنر إل منن إبراهينم بنن أبني يحينى قال
البيهقني :وقند تابعنه على ذلك موسنى بنن عنبيدة الربذي عنن أيوب بنن خالد إل أن موسنى بنن عنبيدة
ضعيف .وروي عن بكر بن الشرود عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم عن أيوب بن
خالد وإسناده ضعيف عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إن في الجمعة ساعة ل
يوافقهنا أحند يسنأل ال عنز وجنل فيهنا شيئا إل أعطاه إياه) قال فقال عبدال بنن سنلم :إن ال عنز
وجننننل ابتدأ الخلق فخلق الرض يوم الحنننند ويوم الثنيننننن وخلق السننننماوات يوم الثلثاء ويوم
الربعاء وخلق القوات ومنا فني الرض يوم الخمينس ويوم الجمعنة إلى صنلة العصنر ومنا بينن
صلة العصر إلى أن تغرب الشمس خلق آدم خرجه البيهقي
قلت :وفينه أن ال تعالى بدأ الخلق يوم الحند ل يوم السنبت وكذلك تقدم فني "البقرة" عنن ابنن
مسنعود وغيره منن أصنحاب الننبي صنلى ال علينه وسنلم .وتقدم فيهنا أن الختلف أيمنا خلق أول
الرض أم السماء مستوفى .والحمد ل.
@قوله تعالى" :وجعل الظلمات والنور" ذكر بعد خلق الجواهر خلق العراض لكون الجوهر ل
يستغني عنه وما ل يستغني عن الحوادث فهو حادث .والجوهر في اصطلح المتكلمين هو الجزء
الذي ل يتجزأ الحامل للعرض وقد أتينا على ذكره في الكتاب السنى في شرح أسماء ال الحسنى
فني اسنمه "الواحند" وسنمي العرض عرضنا لننه يعرض فني الجسنم والجوهنر فيتغينر بنه منن حال
إلى حال والجسم هو المجتمع وأقل ما يقع عليه اسم الجسم جوهران مجتمعان وهذه الصطلحات
وإن لم تكنن موجودة فني الصندر الول فقند دل عليهنا معننى الكتاب والسنتة فل معننى لنكارهنا وقند
استعملها العلماء واصطلحوا عليها وبنوا عليها كلمهم وقتلوا بها خصومهم
واختلف العلماء في المعنى المراد بالظلمات والنور فقال السدي وقتادة وجمهور المفسرين :المراد
سواد الليل وضياء النهار وقال الحسن الكفر واليمان قال ابن عطية :وهذا خروج عن الظاهر.
قلت :اللفنظ يعمنه وفني التنزينل" :أومنن كان ميتنا فأحييناه وجعلننا له نورا يمشني بنه فني الناس
كمنن مثله فني الظلمات" [النعام .]122 :والرض هننا اسنم للجننس فإفرادهنا فني اللفنظ بمنزلة
جمعها وكذلك "والنور" ومثله "ثم يخرجكم طفل" [غافر ]67 :وقال الشاعر:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا
وقد تقدم وجعل هنا بمعنى خلق ل يجوز غيره قاله ابن عطية.
قلت :وعليه يتفق اللفظ والمعنى في النسق فيكون الجمع معطوفا على الجميع والمفرد معطوفا
على المفرد فيتجانس اللفظ وتظهر الفصاحة وال أعلم وقيل :جمع "الظلمات" ووحد "النور" لن
الظلمات ل تتعدى والنور يتعدى وحكنى الثعلبني أن بعنض أهنل المعانني قال" :جعنل" هننا زائدة
والعرب تزيد "جعل" في الكلم كقول الشاعر:
والواحد اثنين لما هدني الكبر وقد جعلت أرى الثنين أربعة
قال النحاس :جعل بمعنى خلق وإذا كانت بمعنى خلق لم تتعد إل إلى مفعول واحد.
@قوله تعالى" :ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" ابتداء وخبر والمعنى :ثم الذين كفروا يجعلون ل
عدل وشريكننا وهننو الذي خلق هذه الشياء وحده قال ابننن عطيننة :فننن "ثننم" دالة على قبننح فعننل
الكافرينن لن المعننى :أن خلقنه السنماوات والرض قند تقرر وآياتنه قند سنطعت وإنعامنه بذلك قند
تنبين ثنم بعند ذلك كله عدلوا بربهنم فهذا كمنا تقول :ينا فلن أعطيتنك وأكرمتنك وأحسننت إلينك ثنم
تشتمني ولو وقع العطف بالواو في هذا ونحوه لم يلزم التوبيخ كلزومه بثم وال أعلم.
**3الية{ 2 :هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجل وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون}
@قوله تعالى" :هنو الذي خلقكنم منن طينن" الينة خنبر وفني معناه قولن :أحدهمنا :وهنو الشهنر
وعلينه منن الخلق الكثنر أن المراد آدم علينه السنلم والخلق نسنله والفرع يضاف إلى أصنله فلذلك
قال" :خلقكم" بالجمع فأخرجه مخرج الخطاب لهم إذ كانوا ولده؛ هذا قول الحسن وقتادة وابن أبي
نجينح والسندي والضحاك وابنن زيند وغيرهنم الثانني :أن تكون النطفنة خلقهنا ال منن طينن على
الحقيقة ثم قلبها حتى كان النسان منها ذكره النحاس.
قلت :وبالجملة فلمننا ذكننر جننل وعننز خلق العالم الكننبير ذكننر بعده خلق العالم الصننغير وهننو
النسان وجعل فيه ما في العالم الكبير على ما بيناه في "البقرة" في آية التوحيد وال أعلم والحمد
ل وقند روى أبنو نعينم الحافنظ فني كتابنه عنن مرة عنن ابنن مسنعود أن الملك الموكنل بالرحنم يأخنذ
النطفنة فيضعهنا على كفنه ثنم يقول :ينا رب مخلقنة أو غينر مخلقنة؟ فإن قال مخلقنة قال :ينا رب منا
الرزق ما الثر ما الجل؟ فيقول :انظر في أم الكتاب فينظر اللوح المحفوظ فيجد فيه رزقه وأثره
وأجله وعمله ويأخذ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته فذلك قوله تعالى" :منها خلقناكم
وفيها نعيدكم" [طه .]55 :وخرج عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ما
من مولود إل وقد ذر عليه من تراب حفرته".
قلت :وعلى هذا يكون كله إنسنان مخلوقنا منن طينن وماء مهينن كمنا أخنبر جنل وعنز فني سنورة
"المؤمنون" فتنتظنم اليات والحادينث ويرتفنع الشكال والتعارض وال أعلم وأمنا الخبار عنن
خلق آدم علينه السنلم فقند تقدم فني "البقرة" ذكره واشتقاقنه ونزيند هننا طرفنا منن ذلك ونعتنه وسننه
ووفاتنه ذكنر ابنن سنعد فني "الطبقات" عنن أبني هريرة قال قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم:
(الناس ولد آدم وآدم منن التراب) وعنن سنعيد بنن جنبير قال :خلق ال آدم علينه السنلم منن أرض
يقال لها دجناء قال الحسن :وخلق جؤجؤه من ضرية قال الجوهري :ضرية قرية لبني كلب على
طريق البصرة وهي إلى مكة أقرب وعن ابن مسعود قال :إن ال تعالى بعث إبليس فأخذ من أديم
الرض من عذبها ومالحهنا فخلق منه آدم عليه السنلم فكل شيء خلقه منن عذبها فهو صنائر إلى
الجنة وإن كان ابن كافر وكل شيء خلقه من مالحها فهو صائر إلى النار وإن كان ابن تقي فمن ثم
قال إبليس "أأسجد لمن خلقت طينا" [السراء ]61 :لنه جاء بالطينة فسمي آدم؛ لنه خلق من
أدينم الرض وعن عبدال بنن سلم قال خلق ال آدم فني آخنر يوم الجمعنة وعن ابن عباس قال لما
خلق ال آدم كان رأسنه يمنس السنماء قال فوطده إلى الرض حتنى صنار سنتين ذراعنا فني سنبعة
أذرع عرضا وعن أبي بن كعب قال :كان آدم عليه السلم طوال جعدا كأنه نخلة سحوق وعن ابن
عباس في حديث فيه طول وحج آدم عليه السلم من الهند إلى مكة أربعين حجة على رجليه وكان
آدم حين أهبط تمسح رأسه السماء فمن ثم صلع وأورث ولده الصلع ونفرت من طول دواب البر
فصنارت وحشنا منن يومئذ ولم يمنت حتنى بلغ ولده وولد ولده أربعينن ألفنا وتوفني على ذروة الجبنل
الذي أنزل علينه فقال شينث لجبرينل عليهمنا السنلم" :صنل على آدم" فقال له جبرينل علينه السنلم:
تقدم أننت فصنل على أبينك وكنبر علينه ثلثينن تكنبيرة فأمنا خمنس فهني الصنلة وخمنس وعشرون
تفضيل لدم .وقينل :كنبر علينه أربعنا فجعنل بننو شينث آدم فني مغارة وجعلوا عليهنا حافظنا ل يقربنه
أحد من بني قابيل وكان الذين يأتونه ويستغفرون له بنو شيث وكان عمر آدم تسعمائة سنة وستا
وثلثينن سننة .ويقال :هنل فني الينة دلينل على أن الجواهنر منن جننس واحند؟ الجواب نعنم لننه إذا
جاز أن ينقلب الطيننن إنسننانا حيننا قادرا عليمننا جار أن ينقلب إلى كننل حال مننن أحواله الجواهننر
لتسوية العقل بين ذلك في الحكم وقد صح انقلب الجماد إلى الحيوان بدللة هذه الية.
@قوله تعالى" :ثم قضى أجل" مفعول" .وأجل مسمى عنده" ابتداء وخبر قال الضحاك" :أجل"
فني الموت "وأجنل مسنمى عنده" أجنل القيامنة فالمعننى على هذا :حكنم أجل وأعلمكنم أنكنم تقيمون
إلى الموت ولم يعلمكنم بأجنل القيامنة .وقال الحسنن ومجاهند وعكرمنة وخصنيف وقتادة وهذا لفنظ
الحسنن :قضنى أجنل الدنينا منن يوم خلقنك إلى أن تموت "وأجنل مسنمى عنده" يعنني الخرة .وقينل:
"قضى أجل" ما أعلمناه من أنه ل نبي بعد محمد صلى ال عليه وسلم (وأجل مسمى) من الخرة
وقينل" :قضنى أجل" ممنا نعرفنه منن أوقات الهلة والزرع ومنا أشبههمنا "وأجنل مسنمى" أجنل
الموت ل يعلم النسنان متنى يموت وقال ابنن عباس ومجاهند :معنننى الينة "قضنى أجل" بقضاء
الدنينا" ،وأجنل مسنمى عنده" لبتداء الخرة .وقينل :الول قبنض الرواح فني النوم والثانني قبنض
الروح عند الموت عن ابن عباس أيضا.
@قوله تعالى" :ثم أنتم تمترون" ابتداء وخبر أي تشكون في أنه إله واحد وقيل :تمارون في ذلك
أي تجادلون جدال الشاكيننن والتماري المجادلة على مذهننب الشننك ومنننه قوله تعالى" :أفتمارونننه
على ما يرى" [النجم.]12 :
**3اليات{ 5 - 3 :وهنو ال فنني السنماوات وفني الرض يعلم سننركم وجهركنم ويعلم منا
تكسبون ،وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إل كانوا عنها معرضين ،فقد كذبوا بالحق لما جاءهم
فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون}
@قوله تعالى" :وهنو ال فني السنماوات وفني الرض" يقال :منا عامنل العراب فني الظرف منن
"في السماوات وفى الرض" ؟ ففيه أجوبة :أحدها :أي وهو ال المعظم أو المعبود في السماوات
وفي الرض؛ كما تقول :زيد الخليفة في الشرق والغرب أي حكمه ويجوز أن يكون المعنى وهو
ال المنفرد بالتدبينر فني السنماوات وفني الرض؛ كمنا تقول :هنو فني حاجات الناس وفني الصنلة
ويجوز أن يكون خننبرا بعنند خننبر ويكون المعننى :وهنو ال فني السنماوات وهنو ال فنني الرض.
وقيل :المعنى وهو ال يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الرض فل يخفى عليه شيء؛ قال
النحاس :وهذا منن أحسنن منا قينل فينه وقال محمند بنن جرينر :وهنو ال فني السنماوات ويعلم سنركم
وجهركننم فنني الرض فيعلم مقدم فنني الوجهيننن والول أسننلم وأبعنند مننن الشكال وقيننل غيننر هذا
والقاعدة تنزيهه جل وعز عن الحركة والنتقال وشغل المكنة" .ويعلم ما تكسبون" أي من خير
وشر والكسب الفعل لجتلب نفع أو دفع ضرر ولهذا ل يقال لفعل ال كسب.
@قوله تعالى" :وما تأتيهم من آية" أي علمة كانشقاق القمر ونحوها .و"من" لستغراق الجنس؛
تقول :ما في الدار من أحد" .من آيات ربهم" "من" الثانية للتبعيض .و"معرضين" خبر "كانوا"
والعراض ترك النظنر فني اليات التني يجنب أن يسنتدلوا بهنا على توحيند ال جنل وعنز منن خلق
السنماوات والرض ومنا بينهمنا وأننه يرجنع إلى قدينم حني غنني عنن جمينع الشياء قادر ل يعجزه
شيء عالم ل يخفى عليه شيء من المعجزات التي أقامها لنبيه صلى ال عليه وسلم؛ ليسنتدل بها
على صدقه في جميع ما أتى به.
@قوله تعالى" :فقند كذبوا" يعنني مشركني مكنة" .بالحنق" يعنني القرآن ،وقينل :بمحمند صنلى ال
عليننه وسننلم" .فسننوف يأتيهننم" أي يحننل بهننم العقاب؛ وأراد بالنباء وهنني الخبار العذاب؛ كقولك
اصبر وسوف يأتيك الخبر أي العذاب؛ والمراد ما نالهم يوم بدر ونحوه .وقيل :يوم القيامة.
**3الية{ 6 :ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا
السنماء عليهنم مدرارا وجعلننا النهار تجري من تحتهنم فأهلكناهنم بذنوبهنم وأنشأننا منن بعدهنم قرننا
آخرين}
@قوله تعالى" :ألم يروا كنم أهلكننا منن قبلهنم منن قرن" "كنم" فني موضنع نصنب بأهلكننا ل بقوله
"ألم يروا" لن لفظ الستفهام ل يعمل فيه ما قبله ،وإنما يعمل فيه ما بعده من أجل أن له صدر
الكلم .والمعننى :أل يعتنبرون بمنن أهلكننا منن المنم قبلهنم لتكذيبهنم أننبياءهم أي ألم يعرفوا ذلك
والقرن المة من الناس .والجمع القرون؛ قال الشاعر:
وخلفت في قرن فأنت غريب إذا ذهب القرن الذي كنت فيهم
فالقرن كله عالم فنني عصننره مأخوذ مننن القتران أي عالم مقترن بننه بعضهننم إلى بعننض؛ وفنني
الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :خير الناس قرني يعني أصحابي ثم الذين يلونهم ثم
الذينن يلونهنم) هذا أصنح منا قينل فينه .وقينل :المعننى منن أهنل قرن فحذف كقوله" :واسنأل القرينة"
[يوسف .]82 :فالقرن على هذا مدة من الزمان؛ قيل :ستون عاما وقيل سبعون ،وقيل :ثمانون؛
وقينل :مائة؛ وعلينه أكثنر أصنحاب الحدينث أن القرن مائة سننة؛ واحتجوا بأن الننبي صنلى ال علينه
وسنلم قال لعبدال بنن بسنر" :تعينش قرننا" فعاش مائة سننة؛ ذكره النحاس .وأصنل القرن الشينء
الطالع كقرن ما له قرن من الحيوان" .مكناهم في الرض ما لم نمكن لكم" خروج من الغيبة إلى
الخطاب؛ عكسنه "حتنى إذا كنتنم فني الفلك وجرينن؛ بهنم برينح طيبنة" [يوننس .]22 :وقال أهنل
البصنرة أخنبر عنهنم بقوله "ألم يروا" وفيهنم محمند علينه السنلم وأصنحابه؛ ثنم خاطبهنم معهنم؛
والعرب تقول :قلت لعبدال منا أكرمنه :وقلت لعبدال منا أكرمنك؛ ولو جاء على منا تقدم منن الغيبنة
لقال :ما لم نمكن لهم .ويجوز مكنه ومكن له؛ فجاء باللغتين جميعا؛ أي أعطيناهم ما لم نعطكم من
الدنينا" .وأرسنلنا السنماء عليهنم مدرارا" يريند المطنر الكثينر؛ عنبر عننه بالسنماء لننه منن السنماء
ينزل؛ ومنه قوله الشاعر:
إذا سقط السماء بأرض قوم
و"مدرارا" بناء دال على التكثير؛ كمذكار للمرأة التي كثرت ولدتها للذكور؛ ومئناث للمرأة التي
تلد الناث؛ يقال :در اللبنننننن يدر إذا أقبنننننل على الحالب بكثرة .وانتصنننننب "مدارا" على الحال.
"وجعلنا النهار تجري من تحتهم" أي من تحت أشجارهم ومنازلهم؛ ومنه قوله فرعون" :وهذه
النهار تجري منن تحتني" [الزخرف ]51 :والمعننى :وسنعنا عليهنم النعنم فكفروهنا" .فأهلكناهنم
بذنوبهنم" أي بكفرهنم فالذنوب سنبب النتقام وزوال النعنم" .وأنشأننا منن بعدهنم قرننا آخرينن" أي
أوجدنا؛ فليحذر هؤلء من الهلك أيضا.
**3الينة{ 7 :ولو نزلننا علينك كتابنا فني قرطاس فلمسنوه بأيديهنم لقال الذينن كفروا إن هذا إل
سحر مبين}
@قوله تعالى" :ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس" الية .المعنى :ولو نزلنا يا محمد بمرأى منهم
كما زعموا وطلبوا كلما مكتوبا "في قرطاس" وعن ابن عباس :كتابا معلقا بين السماء والرض
وهذا يبين لك أن التنزيل على وجهين؛ أحدهما :على معنى نزله عليك الكتاب بمعنى نزول الملك
به .والخر :ولو نزلنا كتابا في قرطاس من يمسكه ال بين السماء والرض؛ وقال" :نزلنا" على
المبالغنة بطول مكنث الكتاب بينن السنماء والرض والكتاب مصندر بمعننى الكتابنة فنبين أن الكتابنة
فني قرطاس؛ لننه غينر معقول كتابنة إل فني قرطاس أي فني صنحيفة والقرطاس الصنحيفة؛ ويقال:
قرطاس بالضم؛ وقرطس فلن إذا رمى فأصناب الصحيفة الملزقة بالهدف" .فلمسوه بأيديهم" أي
فعاينوا ذلك ومسنوه باليند كمنا اقترحوا وبالغوا فني ميزه وتقليبنه جسنا بأيديهنم ليرتفنع كنل ارتياب
ويزول عنهنم كله إشكال ،لعاندوا فينه وتابعوا كفرهنم ،وقالوا :سنحر منبين إنمنا سنكرت أبصنارنا
وسحرنا؛ وهذه الية جواب لقولهم" :حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه" [السراء ]93 :فأعلم ال بما
سبق في علمه من أنه لو نزل لكذبوا به .قال الكلبي :نزلت في النضر بن الحرث وعبدال بن أبي
أمينة ونوفنل بنن خويلد قالوا" :لن نؤمنن لك حتنى تفجنر لننا منن الرض ينبوعنا" [السنراء]90 :
الية.
**3اليات{ 10 - 8 :وقالوا لول أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي المر ثم ل ينظرون،
ولو جعلناه ملكننا لجعلناه رجل وللبسنننا عليهننم مننا يلبسننون ،ولقنند اسننتهزئ برسننل مننن قبلك فحاق
بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون}
@قوله تعالى" :وقالوا لول أنزل عليه ملك" اقترحوا هذا أيضا و"لول" بمعنى هل" .ولو أنزلنا
ملكا لقضي المر" قال ابن عباس :لو رأوا الملك على صورته لماتوا إذ ل يطيقون رؤيته .مجاهد
وعكرمة :لقامت الساعة .قال الحسن وقتادة :لهلكوا بعذاب الستئصال؛ لن ال أجرى سنته بأن
مننن طلب آيننة فأظهرت له فلم يؤمننن أهلكننه ال فنني الحال" .ثننم ل ينظرون" أي ل يمهلون ول
يؤخرون.
@قوله تعالى" :ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجل" أي ل يستطيعون أن يروا الملك في صورته إل
بعند التجسنم بالجسنام الكثيفنة؛ لن كله جننس يأننس بجنسنه وينفنر منن غينر جنسنه؛ فلو جعنل ال
تعالى الرسول إلى البشر ملكا لنفروا من مقاربته ،ولما أنسوا به ،ولداخلهم من الرعب من كلمه
والتقاء له منا يكفهنم عنن كلمنه ،ويمنعهنم عنن سنؤاله ،فل تعنم المصنلحة؛ ولو نقله عنن صنورة
الملئكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به وليسكنوا إليه لقالوا :لست ملكا وإنما أنت بشر فل نؤمن بك
وعادوا إلى مثنل حالهنم .وكاننت الملئكنة تأتني الننبياء فني صنورة البشنر فأتوا إبراهينم ولوطنا فني
صنورة الدميينن ،وأتنى جبرينل الننبي علينه الصنلة والسنلم فني صنورة دحينة الكلبني .أي لو أنزل
ملك لرأوه فني صنورة رجنل كمنا جرت عادة الننبياء ،ولو نزل على عادتنه لم يروه؛ فإذا جعلناه
رجل التبننس عليهننم فكانوا يقولون :هذا سنناحر مثلك .وقال الزجاج :المعنننى "وللبسنننا عليهننم" أي
على رؤسنائهم كمنا يلبسنون على ضعفتهنم وكانوا يقولون لهنم إنمنا محمند بشروا ولينس بيننه وبينكنم
فروق فيلبسنون عليهنم بهذا ويشككونهنم؛ فأعلمهنم ال عنز وجنل أننه لو أنزل فني ملكنا فني صنورة
رجل لوجدوا سبيل إلى اللبس كما يفعلون .واللبس الخلط؛ يقال :لبست عليه المر ألبسه لبسا أي
خلطتنه؛ وأصنله التسنتر بالثوب ونحوه وقال" :لبسننا" بالضافنة إلى نفسنه على جهنة الخلق ،وقال
"ما يلبسون" فأضاف إليهم على جهة الكتساب .ثم قال مؤنسا لنبيه عليه الصلة والسلم ومعزيا:
"ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق" أي نزل بأممهم من العذاب ما أهلكوا به جزاء استهزائهم
بأننبيائهم .حاق بالشينء يحينق حيقنا وحيوقنا وحيقاننا نزل؛ قال ال تعالى" :ول يحينق المكنر السنيئ
إل بأهله" [فاطر ]43 :و"ما" في قوله" :ما كانوا" بمعنى الذي وقيل :بمعنى المصدر أي حاق
بهم عاقبة استهزائهم.
**3اليتان{ 12 - 11 :قل سيروا في الرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ،قل لمن ما
في السماوات والرض قل ل كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة ل ريب فيه الذين
خسروا أنفسهم فهم ل يؤمنون}
@قوله تعالى" :قننل سننيروا فنني الرض" أي قننل يننا محمنند لهؤلء المسننتهزئين المسننتسخرين
المكذبينن :سنافروا فني الرض فانظروا واسنتخبروا لتعرفوا منا حنل بالكفرة قبلكنم من العقاب وألينم
العذاب وهذا السنفر مندوب إلينه إذا كان على سنبيل العتبار بآثار منن خل منن المنم وأهنل الديار،
والعاقبة آخر المر .والمكذبون هنا من كذب الحق وأهله ل من كذب بالباطل.
@قوله تعالى" :قل لمن ما في السماوات والرض" هذا أيضا احتجاج عليهم؛ المعنى قل لهم يا
محمد" :لمن في السماوات والرض" فإن قالوا لمن هو؟ فقل هو "ل" المعنى :إذا ثبت أن له ما
فني السنماوات والرض وأننه خالق الكنل إمنا باعترافهنم أو بقيام الحجنة عليهنم ،فال قادر على أن
يعاجلهنم بالعقاب ويبعثهنم بعند الموت ،ولكننه "كتنب على نفسنه الرحمنة" أي وعند بهنا فضل مننه
وكرمننا فلذلك أمهننل وذكننر النفننس هنننا عبارة عننن وجود وتأكينند وعده ،وارتفاع الوسننائط دونننه؛
ومعنى الكلم الستعطاف منه تعالى للمتولين عنه إلى القبال إليه ،وإخبار منه سبحانه بأنه رحيم
بعباده ل يعجل عليهم بالعقوبة ،ويقبل منهم النابة والتوبة .وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال:
قال رسوله ال صلى ال عليه وسلم( :لما قضى ال الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع
عنده إن رحمتنني تغلب غضننبي) أي لمننا أظهننر قضاءه وأبرزه لمننن شاء أظهننر كتابننا فنني اللوح
المحفوظ أو فيما شاءه مقتضاه خبر حق ووعد صدق "إن رحمتي تغلب غضبي" أي تسبقه وتزيد
عليه.
@قوله تعالى" :ليجمعنكنم" اللم لم القسنم ،والنون نون التأكيند .وقال الفراء وغيره :يجوز أن
يكون تمام الكلم عننند قوله" :الرحمننة" ويكون مننا بعده مسننتأنفا على جهننة التننبيين؛ فيكون معنننى
"ليجمعنكنم" ليمهلنكنم وليؤخرن جمعكنم .وقينل :المعننى ليجمعنكنم أي فني القبور إلى اليوم الذي
أنكرتموه .وقينل( :إلى) بمعننى فني ،أي ليجعنكنم فني يوم القيامنة .وقينل :يجوز أن يكون موضنع
"ليجمعنكم" نصبا على البدل من الرحمة؛ فتكون اللم بمعنى (أن) المعنى :كتب ربكم على نفسه
ليجمعنكنم ،أي أن يجمعكنم؛ وكذلك قال كثينر منن النحويينن فني قوله تعالى" :ثنم بدا لهنم منن بعند منا
رأوا اليات ليسجننه" [يوسف ]35 :أي أن يسجنوه .وقيل :موضعه نصب (بكتب)؛ كما تكون
(أن) في قوله عز وجل "كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة" [النعام:
]54وذلك أنه مفسر للرحمة بالمهال إلى يوم القيامة؛ عن الزجاج" .ل ريب فيه" ل شك فيه.
"الذين خسروا أنفسهم فهم ل يؤمنون" ابتداء وخبر ،قاله الزجاج ،وهو أجود ما قيل فيه؛ تقول:
الذي يكرمنننني فله درهنننم ،فالفاء تتضمنننن معننننى الشرط والجزاء .وقال الخفنننش :إن شئت كان
(الذينن) فني موضنع نصنب على البدل منن الكاف والمينم فني (ليجمعنكنم) أي ليجمعنن المشركينن
الذيننن خسننروا أنفسننهم؛ وأنكروه المننبرد وزعننم أنننه خطننأ؛ لنننه ل يبدل مننن المخاطننب ول مننن
المخاطب ،ل يقال :مررت بك زيد ول مررت بي زيد لن هذا ل يشكل فيبين .قال القتبي :يجوز
أن يكون (الذينن) جزاء على البدل منن (المكذبينن) الذينن تقدم ذكرهنم .أو على النعنت لهنم .وقينل:
(الذين) نداء مفرد.
**3اليات{ 16 - 13 :وله منا سنكن فني اللينل والنهار وهنو السنميع العلينم ،قنل أغينر ال أتخنذ
ولينا فاطنر السنماوات والرض وهنو يطعنم ول يطعنم قنل إنني أمرت أن أكون أول منن أسنلم ول
تكوننن منن المشركينن ،قنل إنني أخاف إن عصنيت ربني عذاب يوم عظينم ،منن يصنرف عننه يومئذ
فقد رحمه وذلك الفوز المبين}
@قوله تعالى" :وله ما سكن في الليل والنهار" أي ثبت ،وهذا احتجاج عليهم أيضا .وقيل :نزلت
الينة لنهنم قالوا :علمننا أننه منا يحملك على منا تفعنل إل الحاجنة ،فنحنن نجمنع لك منن أموالننا حتنى
تصنير أغناننا؛ فقال ال تعالى :أخنبرهم أن جمينع الشياء ل ،فهنو قادر على أن يغنينني .و(سنكن)
معناه هدأ واسنتقر؛ والمراد منا سنكن ومنا تحرك ،فحذف لعلم السنامع .وقينل :خنص السناكن بالذكنر
لن ما يعمه السكون أكثر مما تعمه الحركة .وقيل المعنى ما خلق ،فهو عام في جميع المخلوقات
متحركهنا وسناكنها ،فإننه يجري عليه الليل والنهار؛ وعلى هذا فلينس المراد بالسنكون ضند الحركة
بننل المراد الخلق ،وهذا أحسننن مننا قيننل؛ لنننه يجمننع شتات القوال" .وهننو السننميع" لصننواتهم
"العليم" بأسرارهم.
@قوله تعالى" :قل أغير ال أتخذ وليا" مفعولن؛ لما دعوه إلى عبادة الصنام دين آبائه أنزل ال
تعالى "قنل" ينا محمند" :أغينر ال اتخنذ ولينا" أي ربنا ومعبودا وناصنرا دون ال" .فاطنر السنماوات
والرض" بالخفض على النعت لسم ال؛ وأجاز الخفش الرفع على إضمار مبتدأ .وقال الزجاج:
ويجوز النصنب على المدح .أبنو علي الفارسني :ويجوز نصنبه على فعنل مضمنر كأننه قال :اترك
فاطننر السننماوات والرض؟ لن قوله" :أغيننر ال اتخننذ وليننا" يدل على ترك الوليننة له ،وحسننن
إضماره لقوة هذه الدللة" .وهننو يطعننم ول يطعننم" كذا قراءة العامننة ،أي يرزق ول يرزق؛ دليله
على قوله تعالى" :ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون" [الذاريات ]57:وقرأ سعيد بن
جنبير ومجاهند والعمنش :وهنو يطعنم ول يطعنم ،وهني قراءة حسننة؛ أي أننه يرزق عباده ،وهنو
سنبحانه غينر محتاج إلى منا يحتاج إلينه المخلوقون منن الغذاء .وقرئ بضنم الياء وكسنر العينن فني
الفعلينن ،أي إن ال يطعنم عباده ويرزقهنم والولي ل يطعنم نفسنه ول منن يتخذه .وقرئ بفتنح الياء
والعين في الول أي الولي (ول يطعم) بضم الياء وكسر العين .وخص الطعام بالذكر دون غيره
منن ضروب النعام؛ لن الحاجنة إليه أمنس لجمينع النام" .قنل إنني أمرت أن أكون أول من أسنلم"
أي استسلم لمر ال تعالى .وقيل :أول من أخلص أي من قومي وأمتي؛ عن الحسن وغيره" .ول
تكوننن منن المشركينن" أي وقينل لي" :ول تكوننن منن المشركينن"" .قنل إنني أخاف إن عصنيت
ربني" أي بعبادة غيره أن يعذبنني ،والخوف توقنع المكروه .قال ابنن عباس" :أخاف" هننا بمعننى
أعلم" .من يصرف عنه" أي العذاب "يومئذ" يوم القيامة "فقد رحمه" أي فاز ونجا ورحم.
@ وقرأ الكوفيون "منن يصنرف" بفتنح الياء وكسنر الراء ،وهنو اختيار أبني حاتنم وأبني عبيند؛
لقوله" :قننل لمننن مننا فنني السننماوات والرض قننل ل" ولقوله" :فقنند رحمننه" ولم يقننل رحننم على
المجهول ،ولقراءة أبي "من يصرف ال عنه" واختار سيبويه القراءة الولى -قراءة أهل المدينة
وأبنني عمرو -قال سننيبويه :وكلمننا قننل الضمار فنني الكلم كان أولى؛ فأمننا قراءة مننن قرأ "مننن
يصنرف" بفتنح الياء فتقديره :منن يصنرف ال عننه العذاب ،وإذا قرئ (منن يصنرف عننه) فتقديره:
من يصرف عنه العذاب" .وذلك الفوز المبين" أي النجاة البينة.
**3الينة{ 17 :وإن يمسنسك ال بضنر فل كاشنف له إل هنو وإن يمسنسك بخينر فهنو على كنل
شيء قدير}
@قوله تعالى" :وإن يمسسك ال بضر فل كاشف له إل هو" المس والكشف من صفات الجسام،
وهو هنا مجاز وتوسع؛ والمعنى :إن تنزل بك يا محمد شدة من فقر أو مرض فل رافع وصارف
له إل هنو ،وإن يصنبك بعافينة ورخاء ونعمنة "فهنو على كنل شينء قدينر" منن الخينر والضنر روى
ابنن عباس قال :كننت ردينف رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فقال لي( :ينا غلم -أو ينا بنني -أل
أعلمك كلمات ينفعنك ال بهنن)؟ فقلت :بلى؛ فقال( :احفنظ ال يحفظنك احفنظ ال تجده أمامك تعرف
إلى ال فني الرخاء يعرفنك فني الشدة إذا سنألت فاسنأل ال وإذا اسنتعنت فاسنتعن بال فقند جنف القلم
بمنا هنو كائن فلو أن الخلق كلهنم جميعنا أرادوا أن يضروك بشينء لم يقضنه ال لك لم يقدروا علينه
واعمنل ال بالشكنر واليقينن واعلم أن فني الصنبر على منا تكره خيرا كثيرا وأن النصنر منع الصنبر
وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا) أخرجه أبو بكر بن ثابت الخطيب في كتاب (الفصل
والوصل) وهو حديث صحيح؛ وقد خرجه الترمذي ،وهذا أتم.
**3اليتان{ 19 - 18 :وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ،قل أي شيء أكبر شهادة
قنل ال شهيند بينني وبينكنم وأوحني إلي هذا القرآن لنذركنم بنه ومنن بلغ أئنكنم لتشهدون أن منع ال
آلهة أخرى قل ل أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون}
@قوله تعالى" :وهنو القاهنر فوق عباده" القهنر الغلبنة ،والقاهنر الغالب ،وأقهنر الرجنل إذا صنير
بحال المقهور الذليل؛ قال الشاعر:
فأمسى حصين قد أذل وأقهرا تمنى حصين أن يسود جذاعه
وقهنر غلب .ومعننى (فوق عباده) فوقينة السنتعلء بالقهنر والغلبنة عليهنم؛ أي هنم تحنت تسنخيره ل
فوقية مكان؛ كما تقول :السلطان فوق رعيته أي بالمنزلة والرفعة .وفي القهر معنى زائد ليس في
القدرة ،وهو منع غيره عن بلوغ المراد" .وهو الحكيم" في أمره "الخبير" بأعمال عباده ،أي من
اتصف بهذه الصفات يجب أل يشرك به.
@قوله تعالى" :قل أي شيء أكبر شهادة" وذلك أن المشركين قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم:
من يشهد لك بأنك رسول ال فنزلت الية؛ عن الحسن وغيره .ولفظ (شيء) هنا واقع موقع اسم
ال تعالى؛ المعننى ال أكنبر شهادة أي انفراده بالربوبينة ،وقيام البراهينن على توحيده أكنبر شهادة
وأعظم؛ فهو شهيد بيني وبينكم على أني قد بلغتكم وصدقت فيما قلته وادعيته من الرسالة.
@قوله تعالى" :وأوحني إلي هذا القرآن" أي والقرآن شاهند بنبوتني" .لنذركنم بنه" ينا أهنل مكنة.
"ومنن بلغ" أي ومنن بلغنه القرآن .فحذف (الهاء) لطول الكلم .وقينل :ومنن بلغ الحلم .ودل بهذا
على أن منن لم يبلغ الحلم لينس بمخاطنب ول متعبند .وتبلينغ القرآن والسننة مأمور بهمنا ،كمنا أمنر
النبي صلى ال عليه وسلم بتبليغهما؛ فقال" :يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" [المائدة:
.]67وفي صحيح البخاري عن عبدال بن عمرو عن النبي صلى ال عليه وسلم( :بلغوا عني
ولو آينة وحدثوا عنن بنني إسنرائيل ول حرج ومنن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده منن النار) .وفني
الخنبر أيضنا؛ منن بلغتنه آينة منن كتاب ال فقند بلغنه أمنر ال أخنذ بنه أو تركنه .وقال مقاتنل :منن بلغنه
القرآن من الجن والنس فهو نذير له .وقال القرظي :من بلغه القرآن فكأنما قد رأى محمدا صلى
ال علينه وسنلم وسنمع مننه .وقرأ أبنو نهينك( :وأوحنى إلي هذا القرآن) مسنمى الفاعنل؛ وهنو معننى
قراءة الجماعنة" .أئنكنم لتشهدون أن منع ال آلهنة أخرى" اسنتفهام توبينخ وتقرينع .وقرئ (أئنكنم)
بهمزتينن على الصنل .وإن خففنت الثانينة قلت( :أئنكنم) .وروى الصنمعي عنن أبني عمرو ونافنع
(أئنكم)؛ وهذه لغة معروفة ،تجعل بين الهمزتين ألف كراهة للتقائهما؛ قال الشاعر:
وبين النقا أأنت أم أم سالم أيا ظبية الوعساء بين جلجل
ومننن قرأ "أئنكننم" على الخننبر فعلى أنننه قنند حقننق عليهننم شركهننم .وقال ":آلهننة أخرى" ولم يقننل:
(آخر)؛ قال الفراء :لن اللهة جمع والجمع يقع عليه التأنيث؛ ومنه قوله" :ول السماء الحسنى
فادعوه بها" [طه ، ]51 :وقوله" :فما بال القرون الولى" [طه ]51 :ولو قال :الول والخر
صح أيضا" .قل ل أشهد قل" أي فأنا ل أشهد معكم فحذف لدللة الكلم عليه ونظيره "فإن شهدوا
فل تشهد معهم" [النعام.]150 :
**3الية{ 20 :الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم ل
يؤمنون}
@قوله تعالى" :الذين آتيناهم الكتاب" يريند اليهود والنصارى الذين عرفوا وعانوا و(الذين) في
موضع رفع بالبتداء" .يعرفونه" في موضع الخبر؛ أي يعرفون النبي صلى ال عليه وسلم؛ عن
الحسنن وقتادة ،وهنو قول الزجاج .وقينل :يعود على الكتاب ،أي يعرفوننه على منا يدل علينه ،أي
على الصفة التي هو بها من دللته على صحة أمر النبي صلى ال عليه وسلم وآله" .الذين خسروا
أنفسهم" في موضع النعت؛ ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره "فهم ل يؤمنون".
**3اليتان{ 22 - 21 :ومنن أظلم ممنن افترى على ال كذبنا أو كذب بآياتنه إننه ل يفلح
الظالمون ،ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون}
@قوله تعالى" :ومن أظلم" ابتداء وخبر أي ل أحد أظلم "ممن افترى" أي اختلق "على ال كذبا
أو كذب بآياته" يريد القرآن والمعجزات" .إنه ل يفلح الظالمون" قيل :معناه في الدنيا؛ ثم استأنف
فقال "ويوم نحشرهم جميعا" على معنى واذكر "يوم نحشرهم" وقيل :معناه أنه ل يفلح الظالمون
في الدنيا ول يوم نحشرهم؛ فل يوقف على هذا التقدير على قوله( :الظالمون) لنه متصل .وقيل:
هننو متعلق بمننا بعده وهننو (انظننر) أي انظننر كيننف كذبوا يوم نحشرهننم؛ أي كيننف يكذبون يوم
نحشرهننم؟" .ثننم نقول للذيننن أشركوا أيننن شركاؤكننم" سننؤال إفضاح ل إفصنناح" .الذيننن كنتننم
تزعمون" أي في أنهم شفعاء لكم عند ال بزعمكم ،وأنها تقربكم منه زلفى؛ وهذا توبيخ لهم .قال
ابن عباس :كل زعم في القرآن فهو كذب.
**3الية{ 23 :ثم لم تكن فتنتهم إل أن قالوا وال ربنا ما كنا مشركين}
@قوله تعالى" :ثم لم تكن فتنتهم" الفتنة الختبار أي لم يكن جوابهم حين اختبروا بهذا السؤال،
ورأوا الحقائق ،وارتفعنت الدواعني" .إل أن قالوا وال ربننا منا كننا مشركينن" تنبرؤوا منن الشرك
وانتفوا منننه لمننا رأوا مننن تجاوزه ومغفرتننه للمؤمنيننن .قال ابننن عباس :يغفننر ال تعالى لهننل
الخلص ذنوبهنم ،ول يتعاظنم علينه ذننب أن يغفره ،فإذا رأى المشركون ذلك؛ قالوا إن ربننا يغفنر
الذنوب ول يغفنر الشرك فتعالوا نقول إننا كننا أهنل ذنوب ولم نكنن مشركينن؛ فقال ال تعالى :أمنا إذ
كتموا الشرك فاختموا على أفواههنم ،فيختنم على أفواههنم ،فتنطنق أيديهنم وتشهند أرجلهنم بمنا كانوا
يكسننبون ،فعننند ذلك يعرف المشركون أن ال ل يكتننم حديثننا؛ فذلك قوله" :يومئذ يود الذيننن كفروا
وعصوا الرسول لو تسوى بهم الرض ول يكتمون ال حديثا" [النساء .]42 :وقال أبو إسحاق
الزجاج :تأويل هذه الية لطيف جدا ،أخبر ال عز وجل بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم ،ثم
أخنبر أن فتنتهنم لم تكنن حينن رأوا الحقائق إل أن انتفوا منن الشرك ،ونظينر هذا فني اللغنة أن ترى
إنسانا يحب غاويا فإذا وقع في هلكة تبرأ منه ،فيقال :ما كانت محبتك إياه إل أن تبرأت منه .وقال
الحسننن :هذا خاص بالمنافقيننن جروا على عادتهننم فنني الدنيننا ،ومعنننى (فتنتهننم) عاقبننة فتنتهننم أي
كفرهنم .وقال قتادة :معناه معذرتهنم .وفني صنحيح مسنلم منن حدينث أبني هريرة قال( :فيلقنى العبند
فيقول أي فنل ألم أكرمنك وأسنودك وأزوجنك وأسنخر لك الخينل والبنل وأذرك ترأس وتربنع فيقول
بلى أي رب :فيقول أفظنننت أننك ملقني فيقول ل ،فيقول إنني أنسناك كمنا نسنيتني .ثنم يلقنى الثانني
فيقول له ويقول هننو مثننل ذلك بعينننه ،ثننم يلقننى الثالث فيقول له مثننل ذلك فيقول يننا رب آمنننت بننك
وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت وتصدقت يثني بخير ما استطاع قال :فيقال ههنا إذا ثم يقال
له الن نبعنث شاهدا علينك ويتفكنر فني نفسنه منن ذا الذي يشهند علي فيختنم على فينه ويقال لفخذه
ولحمنه وعظامنه انطقني فتنطنق فخذه ولحمنه وعظامنه بعمله وذلك ليعذر منن نفسنه وذلك المنافنق
وذلك الذي سخط ال عليه).
**3الية{ 24 :انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون}
@قوله تعالى" :انظر كيف كذبوا على أنفسهم" كذب المشركين قولهم :إن عبادة الصنام تقربنا
إلى ال زلفى ،بل ظنوا ذلك وظنهم الخطأ ل يعذرهم ول يزيل اسم الكذب عنهم ،وكذب المنافقين
باعتذارهنم بالباطنل ،وجحدهنم نفاقهنم" .وضنل عنهنم منا كانوا يفترون" أي فانظنر كينف ضنل عنهنم
افتراؤهنم أي تلشنى وبطنل منا كانوا يظنوننه منن شفاعنة آلهتهنم .وقينل( :وضنل عنهنم منا كانوا
يفترون) أي فارقهنم منا كانوا يعبدون منن دون ال فلم يغنن عنهنم شيئا؛ عنن الحسنن .وقينل :المعننى
عزب عنهم افتراؤهنم لدهشهم ،وذهول عقولهم .والنظنر في قوله( :انظنر) يراد به نظنر العتبار؛
ثنم قينل" :كذبوا" بمعننى يكذبون ،فعنبر عنن المسنتقبل بالماضني؛ وجاز أن يكذبوا فني الخرة لننه
موضع دهش وحيرة وذهول عقل .وقيل :ل يجوز أن يقع منهم كذب في الخرة؛ لنها دار جزاء
على منا كان فني الدنينا -وعلى ذلك أكثنر أهنل النظنر -وإنمنا ذلك فني الدنينا؛ فمعننى "وال ربننا منا
كننا مشركينن" على هذا :منا كننا مشركينن عنند أنفسننا؛ وعلى جواز أن يكذبوا فني الخرة يعارضنه
قوله( :ول يكتمون ال حديثا)؛ ول معارضة ول تناقض؛ ل يكتمون ال حديثا في بعض المواطن
إذا شهدت عليهم ألسنتهم وأيديهنم وأرجلهم بعملهم ،ويكذبون على أنفسهم فني بعض المواطن قبل
شهادة الجوارح على منا تقدم .وال أعلم .وقال سنعيد بنن جنبير فني قوله تعالى" :وال ربننا منا كننا
مشركين" قال :اعتذروا وحلفوا؛ وكذلك قال ابن أبي نجيح وقتادة :وروي عن مجاهد أنه قال :لما
رأوا أن الذنوب تغفر إل الشرك بال والناس يخرجون من النار قالوا" :وال ربنا ما كنا مشركين"
وقيننل" :وال ربنننا مننا كنننا مشركيننن" أي علمنننا أن الحجار ل تضننر ول تنفننع ،وهذا وإن كان
صنحيحا منن القول فقند صندقوا ولم يكتموا ،ولكنن ل يعذرون بهذا؛ فإن المعانند كافنر غينر معذور.
ثنم قينل فني قوله" :ثنم لم تكنن فتنتهنم" خمنس قراءات :قرأ حمزة والكسنائي "يكنن" بالياء "فتنتهنم"
بالنصنب خنبر "يكنن" "إل أن قالوا" اسنمها أي إل قولهنم؛ فهذه قراءة بيننة .وقرأ أهنل المديننة وأبنو
عمرو "تكنن" بالتاء "فتنتهنم" بالنصنب (إل أن قالوا) أي إل مقالتهنم .وقرأ أبني وابنن مسنعود ومنا
كان -بدل قوله (ثنم لم تكنن) -فتنتهنم إل أن قالوا) .وقرأ ابنن عامنر وعاصنم منن رواينة حفنص،
والعمنش منن رواينة المفضنل ،والحسنن وقتادة وغيرهنم (ثنم لم تكنن" بالتاء "فتنتهنم" بالرفنع اسنم
"تكنن" والخنبر "إل أن قالوا" فهذه أربنع قراءات .الخامسنة( :ثنم لم يكنن" بالياء (فتنتهنم)؛ رفنع
ويذكنر الفتننة لنهنا بمعننى الفتون ،ومثله "فمنن جاءه موعظنة منن ربنه فانتهنى" [البقرة.]275 :
"وال" الواو واو القسنم "ربننا" نعنت ل عنز وجنل ،أو بدل .ومنن نصنب فعلى النداء أي ينا ربننا
وهي قراءة حسنة؛ لن فيها معنى الستكانة والتضرع ،إل أنه فصل بين القسم وجوابه بالمنادى.
**3الية{ 25 :ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن
يروا كننل آيننة ل يؤمنوا بهننا حتننى إذا جاؤوك يجادلونننك يقول الذيننن كفروا إن هذا إل أسنناطير
الولين}
@قوله تعالى" :ومنهم من يستمع إليك" أفرد على اللفظ يعني المشركين كفار مكة" .وجعلنا على
قلوبهنم أكننة" أي فعلننا ذلك بهنم مجازاة على كفرهنم .ولينس المعننى أنهنم ل يسنمعون ول يفقهون،
ولكن لما كانوا ل ينتفعون بما يسمعون ،ول ينقادون إلى الحق كانوا بمنزلة من ل يسمع ول يفهم.
والكنة الغطية جمع كنان مثل السنة والسنان ،والعنة والعنان .كننت الشيء في كنه إذا صنته
فينه .وأكنننت الشينء أخفيتنه .والكناننة معروفنة .والكننة (بفتنح الكاف والنون) امرأة أبينك؛ ويقال:
امرأة البننن أو الخ؛ لنهننا فنني كنننه" .أن يفقهوه" أي يفهموه وهننو فنني موضننع نصننب؛ المعنننى
كراهية أن يفهموه ،أو لئل يفهموه" .وفي آذانهم وقرا" عطف عليه أي ثقل؛ يقال منه :وقرت أذنه
(بفتح الواو) توقر وقرا أي صنمت ،وقياس مصدره التحريك إل أنه جاء بالتسكين .وقد وقر ال
أذننه يقرهنا وقرا؛ يقال :اللهنم قنر أذننه .وحكنى أبنو زيند عنن العرب :أذن موقورة على منا لم يسنم
فاعله؛ فعلى هذا وقرت (بضم الواو) .وقرأ طلحة بن مصرف (وقرا) بكسر الواو؛ أي جعل ،في
آذانهنم منا سندها عنن اسنتماع القول على التشنبيه بوقنر البعينر ،وهنو مقدار منا يطينق أن يحمنل،
والوقننر الحمنل؛ يقال مننه :نخلة موقننر وموقرة إذا كانننت ذات ثمننر كثيننر .ورجنل ذو قرة إذا كان
وقورا بفتح الواو؛ ويقال منه :وقر الرجل (بقضم القاف) وقارا ،ووقر (بفتح القاف) أيضا.
@قوله تعالى" :وإن يروا كنل آينة ل يؤمنوا بهنا" أخنبر ال تعالى بعنادهنم لنهنم لمنا رأوا القمنر
منشقا قالوا :سحر؛ فأخبر ال عز وجل بردهم اليات بغير حجة.
@قوله تعالى" :حتى إذا جاؤوك يجادلونك" مجادلتهم قولهم :تأكلون ما قتلتم ،ول تأكلون ما قتل
ال؛ عنن ابنن عباس" .يقول الذينن كفروا" يعنني قريشنا؛ قال ابنن عباس :قالوا للنضنر بنن الحرث]:
ما يقول محمد؟ قال :أرى تحريك شفتيه وما يقول إل أساطير الولين مثل ما أحدثكم عن القرون
الماضية ،وكان النضر صاحب قصص وأسفار ،فسمع أقاصيص في ديار العجم مثل قصة رستم
واسنفنديار فكان يحدثهنم .وواحند السناطير أسنطار كأبيات وأبايينت؛ عنن الزجاج .قال الخفنش:
واحدهنا أسنطورة كأحدوثنة وأحادينث .أبنو عنبيدة :واحدهنا إسنطارة .النحاس :واحدهنا أسنطور مثنل
عثكول .ويقال :هو جمع أسطار ،وأسطار جمع سطر؛ يقال :سطر وسطر .والسطر الشيء الممتد
المؤلف كسنطر الكتاب .القشيري :واحدهنا أسنطير .وقينل :هنو جمنع ل واحند له كمذاكينر وعباديند
وأبابينل أي منا سنطره الولون فني الكتنب .قال الجوهري وغيره :السناطير الباطينل والترهات.
قلت :أنشدني بعض أشياخي:
لت أتى بالترهات الباطيل تطاول ليلي واعترتني وساوسي
**3الية{ 26 :وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إل أنفسهم وما يشعرون}
@قوله تعالى" :وهنم ينهون عننه وينأون عننه" النهني الزجنر ،والنأي البعند ،وهنو عام فني جمينع
الكفار أي ينهون عنن اتباع محمند صنلى ال علينه وسنلم ،وينأون عننه؛ عنن ابنن عباس والحسنن.
وقينل :هنو خاص بأبني طالب ينهنى الكفار عنن إذاينة محمند صنلى ال علينه وسنلم ،ويتباعند عنن
اليمان به؛ عن ابن عباس أيضا .وروى أهل السير قال :كان النبي صلى ال عليه وسلم قد خرج
إلى الكعبنة يومنا وأراد أن يصنلي ،فلمنا دخنل فني الصنلة قال أبنو جهنل -لعننه ال : -منن يقوم إلى
هذا الرجنل فيفسند علينه صنلته .فقام ابنن الزبعرى فأخنذ فرثنا ودمنا فلطنخ بنه وجنه الننبي صنلى ال
عليه وسلم؛ فانفتل النبي صلى ال عليه وسلم من صلته ،ثم أتى أبا طالب عمه فقال( :يا عم أل
ترى إلى ما فعل بي) فقال أبو طالب :من فعل هذا بك؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم :عبدال بن
الزبعرى؛ فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى معه حتى أتى القوم؛ فلما رأوا أبا طالب
قند أقبنل جعنل القوم ينهضون؛ فقال أبنو طالب :وال لئن قام رجنل جللتنه بسنيفي فقعدوا حتنى دننا
إليهنم ،فقال :ينا بنني منن الفاعنل بنك هذا؟ فقال( :عبدال بنن الزبعرى)؛ فأخنذ أبنو طالب فرثنا ودمنا
فلطنخ بنه وجوههنم ولحاهنم وثيابهنم وأسناء لهنم القول؛ فنزلت هذه الينة (وهنم ينهون عننه وينأون
عنه) فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :يا عم نزلت فيك آية) قال :وما هي؟ قال( :تمنع قريشا أن
تؤذيني وتأبى أن تؤمن بي) فقال أبو طالب:
حتى أوسد في التراب دفينا وال لن يصلوا إليك بجمعهم
وابشر بذاك وقر منك عيونا فأصدع بأمرك ما عليك غضاضة
فلقد صدقت وكنت قبل أمينا ودعوتني وزعمت أنك ناصحي
من خير أديان البرية دينا وعرضت دينا قد عرفت بأنه
لوجدتني سمحا بذاك يقينا لول الملمة أو حذار مسبة
فقالوا :ينا رسنول ال هنل تنفنع أبنا طالب نصنرته؟ قال( :نعنم دفنع عننه بذاك الغنل ولم يقرن منع
الشياطين ولم يدخل في جب الحيات والعقارب إنما عذابه في نعلين من نار في رجليه يغلي منهما
دماغنه فني رأسنه وذلك أهون أهنل النار عذابنا) .وأنزل ال على رسنوله "فاصنبر كمنا صنبر أولوا
العزم من الرسل" [الحقاف .]35 :وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم لعمه( :قل ل إله إل ال أشهد لك بها يوم القيامة) قال :لول تعيرني قريش يقولون:
إنمنا حمله على ذلك الجزع لقررت بهنا عيننك؛ فأنزل ال تعالى" :إننك ل تهدي منن أحببنت ولكنن
ال يهدي منن يشاء" [القصنص ]56 :كذا الرواينة المشهورة (الجزع) بالجينم والزاي ومعناه
الخوف .وقال أبننو عبينند( :الخرع) بالخاء المنقوطننة والراء المهملة .قال يعننني الضعننف والخور،
وفي صحيح مسلم أيضا عن ابن عباس قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أهون أهل النار
عذابا أبو طالب وهو منتعل بنعلين من نار يغلى منهما دماغه) .وأما عبدال بن الزبعرى فإنه أسلم
عام الفتنح وحسنن إسنلمه ،واعتذر إلى رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فقبنل عذره؛ وكان شاعرا
مجيدا؛ فقال يمدح الننبي صنلى ال علينه وسنلم ،وله فني مدحنه أشعار كثيرة ينسنخ بهنا منا قند مضنى
في كفره؛ منها قوله:
والليل معتلج الرواق بهيم منع الرقاد بلبل وهموم
فيه فبت كأنني محموم مما أتاني أن أحمد لمني
عيرانة سرح اليدين غشوم يا خير من حملت على أوصالها
أسديت إذ أنا في الضلل أهيم إني لمعتذر إليك من الذي
سهم وتأمرني بها مخزوم أيام تأمرني بأغوى خطة
أمر الغواة وأمرهم مشؤوم وأمد أسباب الردى ويقودني
قلبي ومخطئ هذه محروم فاليوم آمن بالنبي محمد
وأتت أواصر بيننا وحلوم مضت العداوة فانقضت أسبابها
زللي فإنك راحم مرحوم فاغفر فدى لك والداي كلهما
نور أغر وخاتم مختوم وعليك من سمة المليك علمة
شرفا وبرهان الله عظيم أعطاك بعد محبة برهانه
حقا وأنك في العباد جسيم ولقد شهدت بأن دينك صادق
مستقبل في الصالحين كريم وال يشهد أن أحمد مصطفى
فرع تمكن في الذرى وأروم قرم عل بنيانه من هاشم
وقيل :المعنى (ينهون عنه) أي هؤلء الذين يستمعون ينهون عن القرآن (وينأون عنه) .عن قتادة؛
فالهاء على القولينن الولينن فني (عننه) للننبي صنلى ال علينه وسنلم ،وعلى قول قتادة للقرآن" .وإن
يهلكون إل أنفسنهم" (إن) نافينة أي ومنا يهلكون إل أنفسنهم بإصنرارهم على الكفنر ،وحملهنم أوزار
الذين يصدونهم.
**3الية{ 27 :ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ول نكذب بآيات ربنا ونكون من
المؤمنين}
@قوله تعالى" :ولو ترى إذ وقفوا على النار" أي إذ وقفوا غدا و(إذ) قد تستعمل في موضع (إذا)
و(إذا) فنني موضننع (إذ) ومننا سننيكون فكأنننه كان؛ لن خننبر ال تعالى حننق وصنندق ،فلهذا عننبر
بالماضني .ومعننى (إذ وقفوا) حبسنوا يقال :وقفتنه وقفنا فوقنف وقوفنا .وقرأ ابنن السنميقع (إذ وقفوا)
بفتننح الواو والقاف مننن الوقوف" .على النار" أي هننم فوقهننا على الصننراط وهنني تحتهننم .وقيننل:
(على) بمعنى الباء؛ أي وقفوا بقربهنا وهنم يعاينونهنا .وقال الضحاك :جمعوا ،يعنني على أبوابها.
ويقال :وقفوا على متنن جهننم والنار تحتهنم .وفني الخنبر :أن الناس كلهنم يوقفون على متنن جهننم
كأنهنا متنن إهالة ،ثنم ينادي مناد خذي أصنحابك ودعني أصنحابي .وقينل( :وقفوا) دخلوهنا -أعاذننا
ال منها -فعلى بمعنى (في) أي وقفوا في النار .وجواب (لو) محذوف ليذهب الوهم إلى كل شيء
فيكون أبلغ فني التخوينف؛ والمعننى :لو تراهنم فني تلك الحال لرأينت أسنوأ حال ،أو لرأينت منظرا
هائل ،أو لرأيت أمرا عجبا وما كان مثل هذا التقدير.
@قوله تعالى" :فقالوا يا ليتنا نرد ول نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين" بالرفع في الفعال
الثلثنة عطفنا قراءة أهنل المديننة والكسنائي؛ وأبنو عمرو وأبنو بكنر عنن عاصنم بالضنم .ابنن عامنر
على رفنع (نكذب) ونصنب (ونكون) وكله داخنل فني معننى التمنني؛ أي ل تمنوا الرد وأل يكذبوا
وأن يكونوا منن المؤمنينن .واختار سنيبويه القطنع فني (ول نكذب) فيكون غينر داخنل فني التمنني؛
المعننى :ونحنن ل نكذب على معننى الثبات على ترك التكذينب؛ أي ل نكذب رددننا أو لم نرد؛ قال
سنيبويه :وهنو مثنل قوله دعنني ول أعود أي ل أعود على كنل حال تركتنني أو لم تتركنني .واسنتدل
أبنو عمرو على خروجنه منن التمنني بقوله" :وإنهنم لكاذبون" لن الكذب ل يكون فني التمنني إنمنا
يكون فني الخنبر .وقال منن جعله داخل فني التمنني :المعننى وإنهنم لكاذبون فني الدنينا فني إنكارهنم
البعنث وتكذيبهنم الرسنل .وقرأ حمزة وحفنص بنصنب (نكذب) و(نكون) جوابنا للتمنني؛ لننه غينر
واجب ،وهما داخلن في التمني على معنى أنهم تمنوا الرد وترك التكذيب والكون مع المؤمنين.
قال أبنننو إسنننحاق :معننننى (ول نكذب) أي إن رددننننا لم نكذب .والنصنننب فننني (الكذب) و(نكون)
بإضمار (أن) كما ينصب في جواب الستفهام والمر والنهي والعرض؛ لن جميعه غير واجب
ول واقنع بعند ،فينصنب ،الجواب منع الواو كأننه عطنف على مصندر الول؛ كأنهنم قالوا :ينا ليتننا
يكون لننا رد وانتفاء منن الكذب ،وكون منن المؤمنينن؛ فحمل على مصندر (نرد) لنقلب المعننى
إلى الرفنع ،ولم يكنن بند منن إضمار (أن) فينه يتنم النصنب فني الفعلينن .وقرأ ابنن عامنر (ونكون)
بالنصنب على جواب التمنني كقولك :ليتنك تصنير إليننا ونكرمنك ،أي لينت مصنيرك يقنع وإكرامننا
يقننع ،وأدخننل الفعليننن الوليننن فنني التمننني ،أو أراد :ونحننن ل نكرمننك على القطننع على مننا تقدم؛
يحتمنل .وقرأ أبني (ول نكذب بآيات ربننا أبدا) .وعننه وابنن مسنعود (ينا ليتننا نرد فل نكذب) بالفاء
والنصنب ،والفاء ينصنب بهنا فني الجواب كمنا ينصنب بالواو؛ عنن الزجاج .وأكثنر البصنريين ل
يجيزون الجواب إل بالفاء.
**3الينة{ 28 :بنل بدا لهنم منا كانوا يخفون منن قبنل ولو ردوا لعادوا لمنا نهوا عننه وإنهنم
لكاذبون}@قوله تعالى" :بنل بدا لهنم منا كانوا يخفون منن قبنل" بنل إضراب عنن تمنيهنم وادعائهنم
اليمان لو ردوا .واختلفوا فنني معنننى (بدا لهننم) على أقوال بعنند تعييننن مننن المراد؛ فقيننل :المراد
المنافقون لن اسنم الكفنر مشتمنل عليهنم ،فعاد الضمينر على بعنض المذكورينن؛ قال النحاس :وهذا
من الكلم العذب الفصيح .وقيل :المراد الكفار وكانوا إذا وعظهم النبي صلى ال عليه وسلم خافوا
وأخفوا ذلك الخوف لئل يفطن بهم ضعفاؤهم ،فيظهر يوم القيامة؛ ولهذا قال الحسن( :بدا لهم) أي
بدا لبعضهم ما كان يخفيه عن بعض .وقيل :بل ظهر لهم ما كانوا يجحدونه من الشرك فيقولون:
(وال ربنا ما كنا مشركين) فينطق ال جوارحهم فتشهد عليهم بالكفر فذلك حين (بدا لهم ما كانوا
يخفون منن قبنل) .قال أبنو روق .وقينل( :بدا لهنم) منا كانوا يكتموننه منن الكفنر؛ أي بدت أعمالهنم
السنيئة كمنا قال" :وبدا لهنم منن ال منا لم يكونوا يحتسنبون" [الزمنر .]47:قال المنبرد :بدا لهنم
جزاء كفرهنم الذي كانوا يخفوننه .وقينل :المعننى بنل ظهنر للذينن اتبعوا الغواة منا كان الغواة يخفون
عنهم من أمر البعث والقيامة؛ لن بعده "وقالوا إن هي إل حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين".
@قوله تعالى" :ولو ردوا" قيل :بعد معاينة العذاب .وقيل :قبل معاينته" .لعادوا لما نهوا عنه" أي
لصاروا ورجعوا إلى ما نهوا عنه من الشرك لعلم ال تعالى فيهم أنهم ل يؤمنون ،وقد عاين إبليس
ما عاين من آيات ال ثم عاند .قوله تعالى" :وإنهم لكاذبون" إخبار عنهم ،وحكاية عن الحال التي
كانوا عليهنا فني الدنينا منن تكذيبهنم الرسنل ،وإنكارهنم البعنث؛ كمنا قال" :وإن ربنك ليحكنم بينهنم"
[النحل ]124:فجعله حكاية عن الحال التية .وقيل :المعنى وإنهم لكاذبون فيما أخبروا به عن
أنفسهم من أنهم ل يكذبون ويكونون من المؤمنين .وقرأ يحيى بن وثاب (ولو ردوا) بكسر الراء؛
لن الصل رددوا فنقلت كسرة الدال على الراء.
**3الية{ 29 :وقالوا إن هي إل حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين}
@قوله تعالى" :وقالوا إن هي إل حياتنا الدنيا" ابتداء وخبر و(إن) نافية( .وما نحن) (نحن) اسم
(ما) بمبعوثين" خبرها؛ وهذا ابتداء إخبار عنهم عما قالوه في الدنيا .قال ابن زيد :هو داخل في
قوله" :ولو ردوا لعادوا لمننا نهوا عنننه" "وقالوا إن هنني إل حياتنننا الدنيننا" أي لعادوا إلى الكفننر،
واشتغلوا بلذة الحال .وهذا يحمل على المعاند كما بيناه في حال إبليس ،أو على أن ال يلبس عليهم
بعد ما عرفوا ،وهذا شائع في العقل.
**3الية{ 30 :ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا
العذاب بما كنتم تكفرون}
@قوله تعالى" :ولو ترى إذ وقفوا على ربهم" (وقفوا) أي حبسوا (على ربهم) أي على ما يكون
من أمر ال فيهم .وقيل( :على) بمعنى (عند) أي عند ملئكته وجزائه؛ وحيث ل سلطان فيه لغير
ال عنز وجنل؛ تقول :وقفنت على فلن أي عنده؛ وجواب "لو" محذوف لعظنم شأن الوقوف" .قال
أليننس هذا بالحننق" تقريننر وتوبيننخ أي أليننس هذا البعننث كائنننا موجودا؟ "قالوا بلى" ويؤكدون
اعترافهنم بالقسنم بقولهنم" :وربننا" .وقينل :إن الملئكنة تقول لهنم بأمنر ال ألينس هذا البعنث وهذا
العذاب حقا؟ فيقولون( :بلى وربنا) إنه حق" .قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون".
**3الية{ 31 :قد خسر الذين كذبوا بلقاء ال حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على
ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم أل ساء ما يزرون}
@قوله تعالى" :قد خسر الذين كذبوا بلقاء ال" قيل :بالبعث بعد الموت وبالجزاء؛ دليله قوله عليه
السنلم( :منن حلف على يمينن كاذبنة ليقتطنع بهنا مال امرئ مسنلم لقني ال وهنو علينه غضبان) أي
لقي جزاءه؛ لن من غضب عليه ل يرى ال عند مثبتي الرؤية ،ذهب إلى هذا القفال وغيره؛ قال
القشيري :وهذا ليننس بشيننء؛ لن حمننل اللقاء فنني موضننع على الجزاء لدليننل قائم ل يوجننب هذا
التأوينل فني كنل موضنع ،فليحمنل اللقاء على ظاهره فني هذه الينة؛ والكفار كانوا ينكرون الصنانع،
ومنكر الرؤية منكر للوجود!
@قوله تعالى" :حتنى إذا جاءتهنم السناعة بغتنة" سنميت القيامنة بالسناعة لسنرعة الحسناب فيهنا.
ومعننى (بغتنة) فجأة؛ يقال :بغتهنم المنر بغتهنم بغتنا وبغتنة .وهني نصنب على الحال ،وهني عنند
سيبويه مصدر في موضع الحال ،كما تقول :قتلته صبرا ،وأنشد:
على ظهر محبوك ظماء مفاصله فليا بلي ما حملنا وليدنا
ول يجيز سيبويه أن يقاس عليه؛ ل يقال :جاء فلن سرعة.
@قوله تعالى" :قالوا يا حسرتنا" وقع النداء على الحسرة وليست بمنادى في الحقيقة ،ولكنه يدل
على كثرة التحسنر ،ومثله ينا للعجنب وينا للرخاء وليسنا بمناديينن فني الحقيقنة ،ولكننه يدل على كثرة
التعجب والرخاء؛ قال سيبويه :كأنه قال يا عجب تعال فهذا زمن إتيانك؛ وكذلك قولك يا حسرتي
أي ينا حسنرتا تعالي فهذا وقتنك؛ وكذلك منا ل يصنح نداؤه يجرى هذا المجرى ،فهذا أبلغ منن قولك
تعجبت .ومنه قول الشاعر:
فيا عجبا من رحلها المتحمل
وقينل :هنو تننبيه للناس على عظينم منا يحنل بهنم منن الحسنرة؛ أي ينا أيهنا الناس تنبوا على عظينم منا
بني منن الحسنرة ،فوقنع النداء على غينر المنادى حقيقنة ،كقولك :ل أريننك ههننا .فيقنع النهني على
غير المنهي في الحقيقة.
@قوله تعالى" :على ما فرطنا فيها" أي في الساعة ،أي في التقدمة لها؛ عن الحسن .و(فرطنا)
معناه ضيعنننا وأصننله التقدم؛ يقال :فرط فلن أي تقدم وسننبق إلى الماء ،ومنننه (أنننا فرطكننم على
الحوض) .ومننه الفارط أي المتقدم للماء ،ومننه -فني الدعاء للصنبي -اللهنم اجعله فرطنا لبوينه؛
فقولهم( :فرطنا) أي قدمنا العجز .وقيل( :فرطنا) أي جعلنا غيرنا الفارط السابق لنا إلى طاعة ال
وتخلفننا( .فيهنا) أي فني الدنينا بترك العمنل للسناعة .وقال الطنبري( :الهاء) راجعنة إلى الصنفقة،
وذلك أنهم لما تبين لهم خسران صفقتهم ببيعهم اليمان بالكفر ،والخرة بالدنيا" ،قالوا يا حسرتنا
على ما فرطنا فيها" أي في الصفقة ،وترك ذكرها لدللة الكلم عليها؛ لن الخسران ل يكون إل
في صفقة بيع؛ دليله قوله" :فما ربحت تجارتهم" [البقرة .]16 :وقال السدي :على ما ضيعنا أي
منن عمنل الجننة .وفني الخنبر عن أبني سنعيد الخدري عنن الننبي صنلى ال علينه وسنلم فني هذه الينة
قال( :يرى أهل النار منازلهم في الجنة فيقولون( :يا حسرتنا).
@قوله تعالى" :وهنم يحملون أوزارهنم" أي ذنوبهنم جمنع وزر" .على ظهورهنم" مجاز وتوسنع
وتشنبيه بمنن يحمنل ثقل؛ يقال مننه :وزر يزر ،ووزر يوزر فهنو وازر ومزور؛ وأصنله منن الوزر
وهو الجبل .ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة (ارجعن مزورات غير مأجورات)
قال أبنو عبيند :والعامنة تقول( :مأزورات) كأننه ل وجنه له عنده؛ لننه منن الوزر .قال أبنو عبيند:
ويقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع احمل وزرك أي ثقلك .ومنه الوزير لنه يحمل أثقال
منا يسنند إلينه منن تدبينر الولينة :والمعننى أنهنم لزمتهنم الثام فصناروا مثقلينن بهنا" .أل سناء منا
يزرون" أي ما أسوأ الشيء الذي يحملونه.
**3الية{ 32 :وما الحياة الدنيا إل لعب ولهو وللدار الخرة خير للذين يتقون أفل تعقلون}
@قوله تعالى" :وما الحياة الدنيا إل لعب ولهو" أي لقصر مدتها كما قال:
وما خير عيش ل يكون بدائم أل إنما الدنيا كأحلم نائم
فأفنيتها هل أنت إل كحالم تأمل إذا ما نلت بالمس لذة
وقال آخر:
واكدح لنفسك أيها النسان فاعمل على مهل فإنك ميت
وكأن ما هو كائن قد كانا فكأن ما قد كان لم يك إذ مضى
وقينل :المعننى متاع الحياة الدنينا لعنب ولهنو؛ أي الذي يشتهوه فني الدنينا ل عاقبنة له ،فهنو بمنزلة
اللعب واللهو .ونظر سليمان بن عبدال في المرآة فقال :أنا الملك الشاب؛ فقالت له جارية له:
غير أن ل بقاء للنسان أنت نعم المتاع لو كنت تبقى
كان في الناس غير أنك فاني ليس فيما بدا لنا منك عيب
وقيننل :معنننى (لعننب ولهننو) باطننل وغرور ،كمننا قال( :ومننا الحياة الدنيننا إل متاع الغرور) "آل
عمران ]185 :فالمقصند بالينة تكذينب الكفار فني قولهنم" :إن هني إل الحياة الدنينا" واللعنب
معروف ،والتلعابة الكثير اللعب ،والملعب مكان اللعب؛ يقال :لعب يلعب .واللهو أيضا معروف،
وكل منا شغلك فقد ألهاك ،ولهوت من اللهو ،وقينل :أصله الصنرف عن الشيء؛ من قولهنم :لهينت
عننه؛ قال المهدوي :وفينه بعند؛ لن الذي معناه الصنرف لمنه ياء بدلينل قولهنم :لهيان ،ولم الول
واو.
@ لينس منن اللهنو واللعنب منا كان منن أمور الخرة ،فإن حقيقنة اللعنب منا ل ينتفنع بنه واللهنو منا
يلتهى به ،وما كان مرادا للخرة خارج عنهما؛ وذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب رضي ال
عنه فقال علي :الدنيا دار صدق لمن صدقها ،ودار نجاة لمن فهم عنها ،ودار غنى لمن تزود منها.
وقال محمود الوراق:
ذما وإن دارت بك الدائرة ل تتبع الدنيا وأيامها
أن بها تستدرك الخرة من شرف الدنيا ومن فضلها
وروى أبنو عمنر بنن عبدالبر عنن أبني سنعيد الخدري ،قال قال رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم:
(الدنينا ملعوننة ملعون منا فيهنا إل منا كان فيهنا منن ذكنر ال أو أدى إلى ذكنر ال والعالم والمتعلم
شريكان في الجر وسائر الناس همج ل خير فيه) وأخرجه الترمذي عن أبي هريرة وقال :حديث
حسن غريب .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال (من هوان الدنيا على ال أل يعصى
إل فيها ول ينال ما عنده إل بتركها) .وروى الترمذي عن سهل بن سعد قال قال رسول ال صلى
ال علينه وسنلم(:لو كاننت الدنينا تعدل عنند ال جناح بعوضنة منا سنقى كافرا منهنا شربنة ماء) .وقال
الشاعر:
فإنك منها بين ناه وآمر تسمع من اليام إن كنت حازما
فما فات من شيء فليس بضائر إذا أبقت الدنيا على المرء دينه
ول وزن زف من جناح لطائر ولن تعدل الدنيا جناح بعوضة
ول رضي الدنيا جزاء لكافر فما رضي الدنيا ثوابا لمؤمن
وقال ابنن عباس :هذه حياة الكافر لنه يزجيهنا فني غرور وباطنل ،فأمنا حياة المؤمن فتنطوي على
أعمال صالحة ،فل تكون لهوا ولعبا.
@قوله تعالى" :وللدار الخرة خير" أي الجنة لبقائها؛ وسميت آخرة لتأخرها عنا ،والدنيا لدنوها
منا.
وقرأ ابننن عامننر (ولدار الخرة) بلم واحدة؛ والضافننة على تقديننر حذف المضاف وإقامننة
الصننننفة مقامننننه ،التقديننننر :ولدار الحياة الخرة .وعلى قراءة الجمهور (وللدار الخرة) اللم لم
البتداء ،ورفننع الدار بالبتداء ،وجعننل الخرة نعتننا لهننا والخننبر (خيننر للذيننن) يقويننه "تلك الدار
الخرة" [القصنص" ]83 :وإن الدار الخرة لهني الحيوان" [العنكبوت .]64 :فأتنت الخرة
صنفة للدار فيهمنا "للذينن يتقون" أي الشرك" .أفل تعقلون" قرئ بالياء والتاء؛ أي أفل يعقلون أن
المر هكذا فيزهدوا في الدنيا .وال أعلم.
**3الية{ 34 - 33 :قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم ل يكذبونك ولكن الظالمين بآيات
ال يجحدون ،ولقند كذبنت رسنل منن قبلك فصنبروا على منا كذبوا وأوذوا حتنى أتاهنم نصنرنا ول
مبدل لكلمات ال ولقد جاءك من نبأ المرسلين}
@قوله تعالى" :قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون" كسرت (إن) لدخول اللم .قال أبو ميسرة :إن
رسول ال صلى ال عليه وسلم مر بأبي جهل وأصحابه فقالوا :يا محمد وال ما نكذبك وإنك عندنا
لصنادق ،ولكنن نكذب منا جئت بنه؛ فنزلت هذه الينة "فإنهنم ل يكذبوننك ولكنن الظالمينن بآيات ال
يجحدون" ثنم آنسنه بقوله" :ولقند كذبنت رسنل منن قبلك" الينة .وقرئ "يكذبوننك" مخففنا ومشددا؛
وقينل :همنا بمعننى واحند كحزنتنه وأحزنتنه؛ واختار أبنو عبيند قراءة التخفينف ،وهني قراءة علي
رضي ال عنه؛ وروي عنه أن أبا جهل قال للنبي صلى ال عليه وسلم :إنا ل نكذبك ولكن نكذب
ما جئت به؛ فأنزل ال عز وجل "فإنهم ل يكذبونك"
قال النحاس :وقد خولف أبو عبيد في هذا .وروي :ل نكذبك .فأنزل ال عز وجل" :ل يكذبونك".
ويقوي هذا أن رجل قرأ على ابنن عباس "فإنهنم ل يكذبوننك" مخففنا فقال له ابنن عباس" :فإنهنم ل
يكذبونك" لنهم كانوا يسمون النبي صلى ال عليه وسلم المين .ومعنى "يكذبونك" عند أهل اللغة
ينسنبونك إلى الكذب ،ويردون علينك منا قلت .ومعننى "ل يكذبوننك" أي ل يجدوننك تأتني بالكذب؛
كما تقول :أكذبته وجدته كذابا؛ وأبخلته وجدته بخيل ،أي ل يجدونك كذابا إن تدبروا ما جئت به.
ويجوز أن يكون المعننى :ل يثبتون علينك أننك كاذب؛ لننه يقال :أكذبتنه إذا احتججنت علينه وبيننت
أننه كاذب .وعلى التشديند :ل يكذبوننك بحجنة ول برهان؛ ودل على هذا "ولكنن الظالمينن بآيات ال
يجحدون" .قال النحاس :والقول فنني هذا مذهننب أبنني عبينند ،واحتجاجننه لزم؛ لن عليننا كرم ال
وجهنه هنو الذي روى الحدينث ،وقند صنح عننه أننه قرأ بالتخفينف؛ وحكنى الكسنائي عنن العرب:
أكذبننت الرجننل إذا أخننبرت أنننه جاء بالكذب ورواه ،وكذبتننه إذا أخننبرت أنننه كاذب؛ وكذلك قال
الزجاج :كذبته إذا قلت له كذبت ،وأكذبته إذا أردت أن ما أتى به كذب.
@قوله تعالى" :فصبروا على ما كذبوا" أي فاصبر كما صبروا" .وأوذوا حتى أتاهم نصرنا" أي
عونننا ،أي فسنيأتيك منا وعدت بنه" .ول مبدل لكلمات ال" منبين لذلك النصنر؛ أي منا وعند ال عنز
وجنل بنه فل يقدر أحند أن يدفعنه؛ ل ناقنض لحكمنه ،ول خلف لوعده؛ و"لكنل أجنل كتاب" [الرعند:
" ، ]38إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا" [غافر" ]51 :ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين .إنهم
لهنم المنصنورون .وإن جندننا لهنم الغالبون" [الصنافات" ، ]173 - 171 :كتنب ال لغلبنن أننا
ورسلي" [المجادلة" .]21 :ولقد جاءك من نبأ المرسلين" فاعل (جاءك) مضمر؛ المعنى :جاءك
من نبأ المرسلين نبأ.
**3الية{ 35 :وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الرض أو سلما
في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء ال لجمعهم على الهدى فل تكونن من الجاهلين}
@قوله تعالى" :وإن كان كبر عليك إعراضهم" أي عظم عليك إعراضهم وتوليهم عن اليمان.
"فإن استطعت" قدرت "أن تبتغي" تطلب "نفقا في الرض" أي سربا تخلص منه إلى مكان آخر،
ومننه النافقاء لجحنر اليربوع ،وقند تقدم فني "البقرة" بياننه ،ومننه المنافنق .وقند تقدم" .أو سنلما"
معطوف عليه ،أي سببا إلى السماء؛ وهذا تمثيل؛ لن العلم الذي يرتقى عليه سبب إلى الموضع،
وهننو مذكننر ،ول يعرف مننا حكاه الفراء مننن تأنيننث العلم .قال قتادة :السننلم الدرج .الزجاج :وهننو
مشتنق منن السنلمة كأننه يسنلمك إلى الموضنع الذي تريند" .فتأتيهنم بآينة" عطنف علينه أي ليؤمنوا
فافعنل؛ فأضمنر الجواب لعلم السنامع .أمنر ال ننبيه صنلى ال علينه وسنلم أل يشتند حزننه عليهنم إذا
كانوا ل يؤمنون؛ كما أنه ل يستطيع هداهم" .ولو شاء ال لجمعهم على الهدى" أي لخلقهم مؤمنين
وطبعهنم علينه؛ بينن تعالى أن كفرهنم بمشيئة ال ردا على القدرينة .وقينل المعننى :أي لراهنم آينة
تضطرهنم إلى اليمان ،ولكننه أراد عنز وجل أن يثيب منهنم من آمن ومن أحسن" .فل تكونن منن
الجاهلينن" أي منن الذين أشتند حزنهنم وتحسنروا حتى أخرجهنم ذلك إلى الجزع الشديند ،وإلى منا ل
يحل؛ أي ل تحزن على كفرهم فتقارب حال الجاهلين .وقيل :الخطاب له والمراد المة؛ فإن قلوب
المسلمين كانت تضيق من كفرهم وإذايتهم.
**3اليتان{ 37 - 36 :إنمنا يسنتجيب الذينن يسنمعون والموتنى يبعثهنم ال ثنم إلينه يرجعون،
وقالوا لول نزل عليه آية من ربه قل إن ال قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم ل يعلمون}
@قوله تعالى" :إنمننا يسننتجيب الذيننن يسننمعون" أي سننماع إصننغاء وتفهننم وإرادة الحننق ،وهننم
المؤمنون الذينن يقبلون منا يسنمعون فينتفعون بنه ويعملون؛ قال معناه الحسنن ومجاهند ،وتنم الكلم.
ثم قال" :والموتى يبعثهم ال" وهم الكفار؛ عن الحسن ومجاهد؛ أي هم بمنزلة الموتى في أنهم ل
يقبلون ول يصغون إلى حجة .وقيل :الموتى كل من مات" .يبعثهم ال" أي للحساب؛ وعلى الول
بعثهنم هدايتهنم إلى اليمان بال وبرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم .وعنن الحسنن :هنو بعثهنم منن
شركهم حتى يؤمنوا بك يا محمد -يعني عند حضور الموت -في حال اللجاء في الدنيا.
@قوله تعالى" :وقالوا لول نزل علينه آينة منن ربنه" قال الحسنن( :لول) ههننا بمعننى هل؛ وقال
الشاعر:
بني ضوطرى لول الكمي المقنعا تعدون عقر النيب أفضل مجدكم
وكان هذا منهننم نعتننا بعنند ظهور البراهيننن؛ وإقامننة الحجننة بالقرآن الذي عجزوا أن يأتوا بسننورة
مثله ،لمننا فيننه مننن الوصننف وعلم الغيوب" .ولكننن أكثرهننم ل يعلمون" أي ل يعلمون أن ال عننز
وجل إنما ينزل من اليات ما فيه مصلحة لعباده؛ وكان في علم ال أن يخرج من أصلبهم أقواما
يؤمنون بننه ولم يرد اسننتئصالهم .وقيننل( :ولكننن أكثرهننم ل يعلمون) أن ال قادر على إنزالهننا.
الزجاج :طلبوا أن يجمعهم على الهدى أي جمع إلجاء.
**3الية{ 38 :وما من دابة في الرض ول طائر يطير بجناحيه إل أمم أمثالكم ما فرطنا في
الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون}
@قوله تعالى" :وما من دابة في الرض" وأصله الصفة؛ من دب يدب فهو داب إذا مشى مشيا
فيه تقارب خطو" .ول طائر يطير بجناحيه" بخفض "طائر" عطفا على اللفظ.
وقرأ الحسننن وعبدال بننن إسننحاق (ول طائر) بالرفننع عطفننا على الموضننع ،و(مننن) زائدة،
التقدير :وما من دابة" .بجناحيه" تأكيدا وإزالة للبهام؛ فإن العرب تستعمل الطيران لغير الطائر؛
تقول للرجنل :طنر فني حاجتني؛ أي أسنرع؛ فذكنر (بجناحينه) ليتمحنض القول فني الطينر ،وهنو فني
غيره مجاز .وقيننل :إن اعتدال جسنند الطائر بيننن الجناحيننن يعينننه على الطيران ،ولو كان غيننر
معتدل لكان يميل؛ فأعلمنا أن الطيران بالجناحين و"ما يمسكهن إل ال" [النحل .]79 :والجناح
أحند ناحيتني الطينر الذي يتمكنن بنه منن الطيران فني الهواء ،وأصنله المينل إلى ناحينة منن النواحني؛
ومننه جنحنت السنفينة إذا مالت إلى ناحينة الرض لصنقة بهنا فوقفنت .وطائر النسنان عمله؛ وفني
التنزيل "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" [السراء" .]13 :إل أمم أمثالكم" أي هم جماعات
مثلكنم فني أن ال عنز وجنل خلقهنم ،وتكفنل بأرزاقهنم ،وعدل عليهنم ،فل ينبغني أن تظلموهنم ،ول
تجاوزوا فيهنم منا أمرتنم بنه .و(دابنة) تقنع على جمينع منا دب؛ وخنص بالذكنر منا فني الرض دون
السماء لنه الذي يعرفونه ويعاينونه .وقيل :هي أمثال لنا في التسبيح والدللة؛ والمعنى :وما من
دابة ول طائر إل وهو يسبح ال تعالى ،ويدل على وحدانيته لو تأمل الكفار .وقال أبو هريرة :هي
أمثال لنا على معنى أنه يحشر البهائم غدا ويقتص للجماء من القرناء ثم يقول ال لها :كوني ترابا.
وهذا اختيار الزجاج فإنه قال( :إل أمم أمثالكم) في الخلق والرزق والموت والبعث والقتصاص،
وقد دخل فيه معنى القول الول أيضا .وقال سفيان بن عيينة :أي ما من صنف من الدواب والطير
إل فني الناس شبنه مننه؛ فمنهنم منن يعدو كالسند ،ومنهنم منن يشره كالخنزينر ،ومنهنم منن يعوي
كالكلب ،ومنهننم مننن يزهننو كالطاوس؛ فهذا معنننى المماثلة .واسننتحسن الخطابنني هذا وقال :فإنننك
تعاشر البهائم والسباع فخذ حذرك .وقال مجاهد في قوله عز وجل" :إل أمم أمثالكم" قال أصناف
لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون .وقيل غير هذا مما ل يصح من أنها مثلنا في المعرفة ،وأنها
تحشنر وتنعنم فني الجننة ،وتعوض منن اللم التني حلت بهنا فني الدنينا وأن أهنل الجننة يسنتأنسون
بصورهم؛ والصحيح "إل أمم أمثالكم" في كونها مخلوقة دالة على الصانع محتاجة إليه مرزوقة
من جهته ،كما أن رزقكم على ال .وقول سفيان أيضا حسن؛ فإنه تشبيه واقع في الوجود.
@قوله تعالى" :ما فرطنا في الكتاب من شيء" أي في اللوح المحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من
الحوادث .وقينل :أي فني القرآن أي منا تركنا شيئا من أمر الدين إل وقد دللننا عليه فني القرآن؛ إما
دللة مبينة مشروحة ،وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلة والسلم ،أو من الجماع،
أو مننن القياس الذي ثبننت بنننص الكتاب؛ قال ال تعالى" :ونزلنننا عليننك الكتاب تبيانننا لكننل شيننء"
[النحل ]89:وقال" :وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" [النحل ]44 :وقال" :وما
آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر ]7 :فأجمل في هذه الية وآية (النحل) ما
لم يننص علينه ممنا لم يذكره ،فصندق خنبر ال بأننه منا فرط فني الكتاب منن شينء إل ذكره ،إمنا
تفصيل وإما تأصيل؛ وقال" :اليوم أكملت لكم دينكم" [المائدة.]3 :
@قوله تعالى" :ثم إلى ربهم يحشرون" أي للجزاء ،كما سبق في خبر أبي هريرة ،وفي صحيح
مسلم عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد
للشاة الجلحاء مننن الشاة القرناء) .ودل بهذا على أن البهائم تحشننر يوم القيامننة؛ وهذا قول أبنني ذر
وأبني هريرة والحسنن وغيرهنم؛ وروي عنن ابنن عباس؛ قال ابنن عباس فني رواينة :حشنر الدواب
والطينر موتهنا؛ وقال الضحاك؛ والول أصنح لظاهنر الينة والخنبر الصنحيح؛ وفني التنزينل "وإذا
الوحوش حشرت" [التكوينر ]5 :وقول أبني هريرة فيمنا روى جعفنر بنن برقان عنن يزيند بنن
الصم عنه :يحشر ال الخلق كلهم يوم القيامة ،البهائم والدواب والطير وكل شيء؛ فيبلغ من عدل
ال تعالى يومئذ أن يأخننذ للجماء مننن القرناء ثننم يقول( :كوننني ترابننا) فذلك قوله تعالى" :ويقول
الكافر يا ليتني كنت ترابا" [النبأ .]40 :وقال عطاء :فإذا رأوا بني آدم وما هم عليه من الجزع
قلن :الحمنند ل الذي لم يجعلنننا مثلكننم ،فل جنننة نرجننو ول نار نخاف؛ فيقول ال تعالى لهننن( :كننن
ترابنا) فحينئذ يتمننى الكافنر أن يكون تراب .وقالت جماعنة :هذا الحشنر الذي فني الينة يرجنع إلى
الكفار وما تخلل كلم معترض وإقامة حجج؛ وأما الحديث فالمقصود منه التمثيل على جهة تعظيم
أمنر الحسناب والقصناص والعتناء فينه حتنى يفهنم مننه أننه ل بند لكنل أحند مننه ،وأننه ل محينص له
عنه؛ وعضدوا هذا بما في الحديث في غير الصحيح عن بعض رواته من الزيادة فقال :حتى يقاد
للشاة الجلحاء منن القرناء ،وللحجنر لمنا ركنب على الحجنر ،وللعود لمنا خدش العود؛ قالوا :فظهنر
منن هذا أن المقصنود مننه التمثينل المفيند للعتبار والتهوينل ،لن الجمادات ل يعقنل خطابهنا ول
ثوابهنا ول عقابهنا ،ولم يصنر إلينه أحند منن العقلء ،ومتخيله منن جملة المعتوهينن الغنبياء؛ قالوا:
ولن القلم ل يجري عليهم فل يجوز أن يؤاخذوا.
قلت :الصنحيح القول الول لمنا ذكرناه منن حدينث أبني هريرة ،وإن كان القلم ل يجري عليهنم
في الحكام ولكن فيما بينهم يؤاخذون به؛ وروي عن أبي ذر قال :انتطحت شاتان عند النبي صلى
ال عليننه وسننلم فقال( :يننا أبننا ذر هننل تدري فيمننا انتطحتننا؟) قلت :ل .قال( :لكننن ال تعالى يدري
وسنيقضي بينهمنا) وهذا ننص ،وقند زدناه بياننا فني كتاب (التذكرة بأحوال الموتنى وأمور الخرة).
وال أعلم.
**3اليات{ 41 - 39 :والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ ال يضلله ومن يشأ
يجعله على صنراط مسنتقيم ،قنل أرأيتكنم إن أتاكنم عذاب ال أو أتتكنم السناعة أغينر ال تدعون إن
كنتم صادقين ،بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون}
@قوله تعالى" :والذينن كذبوا بآياتننا صنم وبكنم" ابتداء وخنبر ،أي عدموا النتفاع بأسنماعهم
وأبصارهم؛ فكل أمة من الدواب وغيرها تهتدي لمصالحها والكفار ل يهتدون" .في الظلمات" أي
ظلمات الكفنر .وقال أبنو علي :يجوز أن يكون المعننى (صنم وبكنم) فني الخرة؛ فيكون حقيقنة دون
مجاز اللغنة" .منن يشنأ ال يضلله" دل على أننه شاء ضلل الكافنر وأراده لينفنذ فينه عدله؛ أل ترى
أنه قال" :ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم" أي على دين السلم لينفذ فيه فضله .وفيه إبطال
لمذهب القدرية .والمشيئة راجعة إلى الذين كذبوا ،فمنهم من يضله ومنهم من يهديه.
@قوله تعالى" :قنل أرأيتكنم" وقرأ نافنع بتخفينف الهمزتينن ،يلقني حركنة الولى على منا قبلهنا،
ويأتني بالثانينة بينن بينن .وحكنى أبنو عبيند عننه أننه يسنقط الهمزة ويعوض منهنا ألفنا .قال النحاس:
وهذا عنند أهنل العربينة غلط علينه؛ لن الياء سناكنة واللف سناكنة ول يجتمنع سناكنان .قال مكني:
وقد روي عن ورش أنه أبدل من الهمزة ألفا؛ لن الرواية عنه أنه يمد الثانية ،والمد ل يتمكن إل
مننع البدل ،والبدل فرع عننن الصننول ،والصننل أن تجعننل الهمزة بيننن الهمزة المفتوحننة واللف؛
وعلينه كنل منن خفنف الثانينة غينر ورش؛ وحسنن جواز البدل فني الهمزة وبعدهنا سناكن لن الول
حرف مند ولينن ،فالمند الذي يحدث منع السناكن يقوم مقام حركنة يوصنل بهنا إلى النطنق بالسناكن
الثانني .وقرأ أبنو عمرو وعاصنم وحمزة (أرأيتكنم) بتحقينق الهمزتينن وأتوا بالكلمنة على أصنلها،
والصننل الهمننز؛ لن همزة السننتفهام دخلت على (رأيننت) فالهمزة عيننن الفعننل ،والياء سنناكنة
لتصال المضمر المرفوع بها .وقرأ عيسى بن عمر والكسائي (أريتكم) بحذف الهمزة الثانية .قال
النحاس :وهذا بعيند فني العربينة ،وإنمنا يجوز فني الشعنر؛ والعرب تقول :أرأيتنك زيدا منا شأننه.
ومذهنب البصنريين أن الكاف والمينم للخطاب ،ل حنظ لهمنا فني العراب؛ وهنو اختبار الزجاج.
ومذهب الكسائي والفراء وغيرهما أن الكاف والميم نصب بوقوع الرؤية عليهما ،والمعنى أرأيتم
أنفسكم؛ فإذا كانت للخطاب -زائدة للتأكيد -كان (إن) من قوله "إن أتاكم" في موضع نصب على
المفعول لرأينت ،وإذا كان اسنما فني موضنع نصنب (فإن) فني موضنع المفعول الثانني؛ فالول منن
رؤينة العينن لتعديهنا لمفعول واحند ،وبمعننى العلم تتعدى إلى مفعولينن .وقوله" :أو أتتكنم السناعة"
المعنى :أو أتتكم الساعة التي تبعثون فيها .ثم قال" :أغير ال تدعون إن كنتم صادقين" والية في
محاجنة المشركينن ممنن اعترف أن له صنانعا؛ أي أنتنم عنند الشدائد ترجعون إلى ال ،وسنترجعون
إليننه يوم القيامننة أيضننا فلم تصننرون على الشرك فنني حال الرفاهيننة؟ ! وكانوا يعبدون الصنننام
ويدعون ال في صرف العذاب.
@قوله تعالى" :بنل إياه تدعون" "بنل" إضراب عنن الول وإيجاب للثانني" .إياه" نصنب .بنن
"تدعون" "فيكشنف منا تدعون إلينه إن شاء" أي يكشنف الضنر الذي تدعون إلى كشفنه إن شاء
كشفنه" .وتنسنون منا تشركون" قينل :عنند نزول العذاب .وقال الحسنن :أي تعرضون عننه إعراض
الناسنني ،وذلك لليأس مننن النجاة مننن قبله إذ ل ضرر فيننه ول نفننع .وقال الزجاج :يجوز أن يكون
المعنى وتتركون .قال النحاس :مثل قوله" :ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي" [طه.]115 :
**3الية{ 42 :ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون}
@قوله تعالى" :ولقند أرسنلنا إلى أمنم منن قبلك" الينة تسنلية للننبي صنلى ال علينه وسنلم ،وفينه
إضمار؛ أي أرسلنا إلى أمم من قبلك رسل وفيه إضمار آخر يدل عليه الظاهر؛ تقديره :فكذبوا
فأخذناهنم .وهذه الينة متصنلة بمنا قبنل اتصنال الحال بحال قريبنة منهنا؛ وذلك أن هؤلء سنلكوا فني
مخالفنة ننبيهم مسنلك منن كان قبلهنم فني مخالفنة أننبيائهم ،فكانوا بعرض أن ينزل بهنم منن البلء منا
نزل بمنن كان قبلهنم .ومعننى "بالبأسناء" بالمصنائب فني الموال "والضراء" فني البدان؛ هذا قول
الكثر ،وقد يوضع كل واحد منهما موضع الخر؛ ويؤدب ال عباده بالبأساء والضراء وبما شاء
"ل يسأل عما يفعل" [النبياء .]23 :قال ابن عطية :استدل العباد في تأديب أنفسهم بالبأساء في
تفريق الموال ،والضراء في الحمل على البدان بالجوع والعري بهذه الية.
قلت :هذه جهالة ممنن فعلهنا وجعنل هذه الينة أصنل لهنا؛ هذه عقوبة منن ال لمنن شاء منن عباده
يمتحنهم بها ،ول يجوز لنا أن نمتحن أنفسنا ونكافئها قياسا عليها؛ فإنها المطية التي نبلغ عليها دار
الكرامة ،ونفوز بها من أهوال يوم القيامة؛ وفى التنزيل" :يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا
صنالحا" [المؤمنون ]51 :وقال" :ينا أيهنا الذينن آمنوا أنفقوا منن طيبات منا كسنبتم" [البقرة:
" .]267ينا أيهنا الذينن آمنوا كلوا منن طيبات منا رزقناكنم" [البقرة ]172 :فأمنر المؤمنينن بمنا
خاطنب بنه المرسنلين؛ وكان رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم وأصنحابه يأكلون الطيبات ويلبسنون
أحسنن الثياب ويتجملون بهنا؛ وكذلك التابعون بعدهنم إلى هلم جرا ،ولو كان كمنا زعموا واسنتدلوا
لما كان في امتنان ال تعالى بالزروع والجنات وجميع الثمار والنبات والنعام التي سخرها وأباح
لننا أكلهنا وشربهنا ألبانهنا والدفنء بأصنوافها -إلى غينر ذلك ممنا امتنن بنه -كنبير فائدة ،فلو كان منا
ذهبوا إلينه فينه الفضنل لكان أولى بنه رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم وأصنحابه ومنن بعدهنم منن
التابعين والعلماء ،وقد نهى النبي صلى ال عليه وسلم عن الوصال مخافة الضعف على البدان،
ونهى عن إضاعة المال ردا على الغنياء الجهال.
@قوله تعالى" :لعلهنم يتضرعون" أي يدعون ويذلون ،مأخوذ منن الضراعنة وهني الذلة؛ يقال:
ضر فهو ضارع.
**3اليات{ 45 - 43:فلول إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما
كانوا يعملون ،فلمنا نسنوا مننا ذكروا بنه فتحنننا عليهننم أبواب كنل شيننء حتننى إذا فرحوا بمننا أوتوا
أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ،فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد ل رب العالمين}
@قوله تعالى" :فلول إذ جاءهنم بأسننا تضرعوا" (لول) تخصنيص ،وهني التني تلي الفعنل بمعننى
هل؛ وهذا عتاب على ترك الدعاء ،وإخبار عنهم أنهم لم يتضرعوا حين نزول العذاب .ويجوز أن
يكونوا تضرعوا تضرع مننن لم يخلص ،أو تضرعوا حيننن لبسننهم العذاب ،والتضرع على هذه
الوجوه غينر نافنع .والدعاء مأمور ب حال الرخاء والشدة؛ قال ال تعالى" :ادعونني اسنتجب لكنم"
[غافنر ]60 :وقال" :إن الذينن يسنتكبرون عنن عبادتني" [غافنر ]60 :أي دعائي "سنيدخلون
جهنم داخرين" [غافر ]60 :وهذا وعيد شديد" .ولكن قست قلوبهم" أي صلبت وغلظت ،وهي
عبارة عننن الكفننر والصننرار على المعصننية ،نسننأل ال العافيننة" .وزيننن لهننم الشيطان مننا كانوا
يعملون" أي أغواهم بالمعاصي وحملهم عليها.
@قوله تعالى" :فلما نسوا ما ذكروا به" يقال :لم ذموا على النسيان وليس من فعلهم؟ فالجواب:
أن (نسوا) بمعنى تركوا ما ذكروا به ،عن ابن عباس وابن جريج ،وهو قول أبي علي؛ وذلك لن
التارك للشيء إعراضا عنه قد صيره بمنزلة ما قد نسي ،كما يقال :تركه .في النسي .جواب آخر:
وهننو أنهننم تعرضوا للنسننيان فجاز الذم لذلك؛ كمننا جاز الذم على التعرض لسننخط ال عننز وجننل
وعقابه" .فتحنا عليهم أبواب كل شيء" أي من النعم والخيرات ،أي كثرنا لهم ذلك .والتقدير عند
أهنل العربينة :فتحننا عليهنم أبواب كنل شينء كان مغلقنا عنهنم" .حتنى إذا فرحوا بمنا أوتوا" معناه
بطروا وأشروا وأعجبوا وظنوا أن ذلك العطاء ل يبيند ،وأننه دال على رضاء ال عنز وجنل عنهنم
"أخذناهنم بغتنة" أي اسنتأصلناهم وسنطونا بهنم .و(بغتنة) معناه فجأة ،وهني الخنذ على غرة ومنن
غينر تقدم أمارة؛ فإذا أخنذ لنسنان وهنو غار غافنل فقند أخنذ بغتنة ،وأنكنى شينء منا يفجنأ من البغنت.
وقند قينل :إن التذكينر الذي سنلف -فأعرضوا عننه -قام مقام المارة .وال أعلم .و(بغتنة) مصندر
في موضع الحال ل يقاس عليه عند سيبويه كما تقدم؛ فكان ذلك استدراجا من ال تعالى كما قال:
"وأملي لهم إن كيدي متين" [العراف ]183 :نعوذ بال من سخطه ومكره .قال بعض العلماء:
رحنم ال عبدا تدبر هذه الينة "حتنى إذا فرحوا بمنا أوتوا أخذناهنم بغتنة" .وقال محمند بنن النضنر
الحارثني :أمهنل هؤلء القوم عشرينن سننة .وروى عقبنة بنن عامنر أن الننبي صنلى ال علينه وسنلم
قال( :إذا رأيتنم ال تعالى يعطني العباد منا يشاؤون على معاصنيهم فإنمنا ذلك اسنتدراج مننه لهنم) ثنم
تل "فلما نسوا ما ذكروا به" الية كلها .وقال الحسن :وال ما أحد من الناس بسط ال له في الدنيا
فلم يخفف أن يكون قد مكر له فيها إل كان قد نقص عمله ،وعجز رأيه .وما أمسكها ال عن عبد
فلم يظن أنه خير له فيها إل كان قد نقص عمله ،وعجز رأيه .وفي الخبر أن ال تعالى أوحى إلى
موسى عليه وسلم( :إذا رأيت الفقر مقبل إليك فقل مرحبا بشعار الصالحين وإذا رأيت الغني مقبل
إليك فقل ذنب عجلت عقوبته).
@قوله تعالى" :فإذا هنم مبلسنون" المبلس الباهنت الحزينن الينس منن الخينر الذي ل يحينر جوابنا
لشدة ما نزل به من سوء الحال؛ قال العجاج:
قال نعم أعرفه وأبلسا يا صاح هل تعرف رسما مكرسا
أي تحينر لهول منا رأى ،ومنن ذلك اشتنق اسنم إبلينس؛ أبلس الرجنل سنكت ،وأبلسنت الناقنة وهني
مبلس إذا لم ترغ من شدة الضبعة؛ ضبعت الناق تضبع ضبعة وضبعا إذا أرادت الفحل.
@قوله تعالى" :فقطع دابر القوم الذين ظلموا" الدابر الخر؛ يقال :دبر القوم يدبرهم دبرا إذا كان
آخرهم في المجيء .وفي الحديث عن عبدال بن مسعود (من الناس من ل يأتي الصلة إل دبريا)
أي فني آخنر الوقنت؛ والمعننى هننا قطنع خلفهنم منن نسنلهم وغيرهنم فلم تبنق لهنم باقينة .قال قطرب:
يعني أنهم استؤصلوا وأهلكوا .قال أمية بن أبي الصلت:
فما استطاعوا له صرفا ول انتصروا فأهلكوا بعذاب حص دابرهم
ومنه التدبير لنه إحكام عواقب المور.
@قوله تعالى" :والحمد ل رب العالمين" قيل :على إهلكهم وقيل :تعليم للمؤمنين كيف يحمدونه.
وتضمننت هذه الينة الحجنة على وجوب ترك الظلم؛ لمنا يعقنب منن قطنع الدابر ،إلى العذاب الدائم،
مع استحقاق القاطع الحمد من كل حامد.
**3الية{ 46 :قل أرأيتم إن أخذ ال سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير ال يأتيكم
بنه انظنر كينف نصنرف اليات ثنم هنم يصندفون ،قنل أرأيتكنم إن أتاكنم عذاب ال بغتنة أو جهرة هنل
يهلك إل القوم الظالمون}
@قوله تعالى" :قل أرأيتم إن أخذ ال سمعكم وأبصاركم" أي أذهب وانتزع .ووحد "سمعكم" لنه
مصننندر يدل على الجمنننع" .وختنننم" أي طبنننع .وجواب (إن) محذوف تقديره :فمنننن يأتيكنننم بنننه،
وموضعنه نصنب؛ لنهنا فني موضنع الحال ،كقولك :اضربنه إن خرج أي خارجنا .ثنم قينل :المراد
المعانني القائمنة بهذه الجوارح ،وقند يذهنب ال الجوارح والعراض جميعنا فل يبقني شيئا ،قال ال
تعالى" :من قبل أن نطمس وجوها" [النساء ]47 :والية احتجاج على الكفار" .من إله غير ال
يأتيكنم بنه" "منن" رفنع بالبتداء وخبرهنا "إله" و"غيره" صنفة له ،وكذلك "يأتيكنم" موضعنه رفنع
بأننه صنفة "إله" ومخرجهنا مخرج السنتفهام ،والجملة التني هني منهنا فني موضنع مفعولي رأيتنم.
ومعنننى "أرأيتننم" علمتننم؛ ووحنند الضميننر فنني (بننه) -وقنند تقدم الذكننر بالجمننع -لن المعنننى أي
بالمأخوذ ،فالهاء راجعنة إلى المذكور .وقينل :على السننمع بالتصننريح؛ مثنل قوله" :وال ورسنوله
أحق أن يرضوه" [التوبة .]62 :ودخلت البصار والقلوب بدللة التضمين .وقيل" :من إله غير
ال يأتيكم" .بأحد هذه المذكورات .وقيل :على الهدى الذي تضمنه المعنى.
وقرأ عبدالرحمننن العرج (بننه انظننر) بضننم الهاء على الصننل؛ لن الصننل أن تكون الهاء
مضمومنة كمنا تقول :جئت معنه .قال النقاش :فني هذه الينة دلينل على تفضينل السنمع على البصنر
لتقدمته هنا وفي غير آية ،وقد مضى هذا في أول "البقرة" مستوفى .وتصريف اليات التيان بها
من جهات؛ من إعذار وإنذار وترغيب وترهيب ونحو ذلك" .ثم هم يصدفون" أي يعرضون .عن
ابننن عباس والحسننن ومجاهنند وقتادة والسنندي؛ يقال :صنندف عننن الشيننء إذا أعرض عنننه صنندفا
وصدوفا فهو صادف .وصادفته مصادفة أي لقيته عن إعراض عن جهته؛ قال ابن الرقاع:
وهن عن كل سوء يتقى صدف إذا ذكرن حديثا قلن أحسنه
والصندف فني البعينر أن يمينل خفنه منن اليند أو الرجنل إلى الجاننب الوحشني؛ فهنم يصندفون أي
مائلون معرضون عن الحجج والدللت.
@قوله تعالى" :قنل أرأيتكنم إن أتاكنم عذاب ال بغتنة أو جهرة" الحسنن" :بغتنة" ليل "أو جهرة"
نهارا .وقينل :بغتنة فجأة .وقال الكسنائي :يقال بغتهنم المنر يبغتهنم بغتنا وبغتنة إذا أتاهنم فجأة ،وقند
تقدم" .هنل يهلك إل القوم الظالمون" نظيره "فهنل يهلك إل القوم الفاسنقون" [الحقاف ]35 :أي
هنل يهلك إل أنتنم لشرككنم؛ والظلم هننا بمعننى الشرك ،كمنا قال لقمان لبننه" :ينا بنني ل تشرك بال
إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان.]13 :
**3الينة{ 48 :ومنا نرسنل المرسنلين إل مبشرينن ومنذرينن فمنن آمنن وأصنلح فل خوف عليهنم
ول هم يحزنون}
@قوله تعالى" :ومننا نرسننل المرسننلين إل مبشريننن ومنذريننن" أي بالترغيننب والترهيننب .قال
الحسنن :مبشرينن بسنعة الرزق فني الدنينا والثواب فني الخرة؛ يدل على ذلك قوله تعالى" :ولو أن
أهنل القرى آمنوا واتقوا لفتحننا عليهنم بركات منن السنماء والرض" [العراف .]96 :ومعننى
(منذرين) مخوفين عقاب ال؛ فالمعنى :إنما أرسلنا المرسلين لهذا ل لما يقترح عليهم من اليات،
وإنمنا يأتون منن اليات بمنا تظهنر معنه براهينهنم وصندقهم .وقوله" :فمنن آمنن وأصنلح فل خوف
عليهم ول هم يحزنون" .تقدم القول فيه.
**3الية{ 49 :والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون}
@قوله تعالى" :والذيننن كذبوا بآياتنننا" أي بالقرآن والمعجزات .وقيننل :بمحمنند عليننه الصننلة
والسلم" .يمسهم العذاب" أي يصيبهم "بما كانوا يفسقون" أي يكفرون.
**3الية{ 50 :قل ل أقول لكم عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول أقول لكم إني ملك إن أتبع
إل ما يوحى إلي قل هل يستوي العمى والبصير أفل تتفكرون}
@قوله تعالى" :قنل ل أقول لكنم عندي خزائن ال" هذا جواب لقولهنم" :لول نزل علينه آينة منن
ربنه" [النعام ، ]37 :فالمعننى لينس عندي خزائن قدرتنه فأنزل منا اقترحتموه منن اليات ،ول
أعلم الغينب فأخنبركم بنه .والخزاننة منا يخزن فينه الشينء؛ ومننه الحدينث (فإنمنا تخزن لهنم ضروع
مواشيهنم أطعماتهنم أيحنب أحدكنم أن تؤتنى مشربتنه فتكسنر خزانتنه) .وخزائن ال مقدوراتنه؛ أي ل
أملك أن أفعنل كنل منا أريند ممنا تقترحون "ول أعلم الغينب" أيضنا "ول أقول لكنم إنني ملك" وكان
القوم يتوهمون أن الملئكننة أفضننل ،أي لسننت بملك فأشاهنند مننن أمور ال مننا ل يشهده البشننر.
واسنتدل بهذا القائلون بأن الملئكنة أفضنل منن الننبياء .وقند مضنى فني "البقرة" القول فينه فتأمله
هناك.
@قوله تعالى" :إن أتبنع إل منا يوحنى إلي" ظاهره أننه ل يقطنع أمرا إل إذا كان فينه وحني.
والصنحيح أن الننبياء يجوز منهنم الجتهاد ،والقياس على المنصنوص ،والقياس أحند أدلة الشرع.
وسيأتي بيان هذا في "العراف" وجواز اجتهاد النبياء في (النبياء) إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :قل هل يستوي العمى والبصير" أي الكافر والمؤمن؛ عن مجاهد وغيره .وقيل:
الجاهل والعالم" .أفل تتفكرون" أنهما ل يستويان.
**3الية{ 51 :وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ول شفيع
لعلهم يتقون}
@قوله تعالى" :وأنذر به" أي بالقرآن .والنذار العلم وقيل" :به" أي بال .وقيل :باليوم الخر.
وخص "الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم" لن الحجة عليهم أوجب ،فهم خائفون من عذابه ،ل
أنهنم يترددون فني الحشنر؛ فالمعننى "يخافون" يتوقعون عذاب الحشنر .وقينل" :يخافون" يعلمون،
فإن كان مسنلما أنذر ليترك المعاصني ،وإن كان منن أهنل الكتاب أنذر ليتبنع الحنق .وقال الحسنن:
المراد المؤمنون .قال الزجاج :كل من أقر بالبعث من مؤمن وكافر .وقيل :الية في المشركين أي
أنذرهنم بيوم القيامنة .والول أظهنر" .لينس لهنم منن دوننه" أي منن غينر ال "شفينع" هذا رد على
اليهود والنصارى في زعمهما أن أباهما يشفع لهما حيث قالوا" :نحن أبناء ال وأحباؤه" [المائدة:
]18والمشركون حينث جعلوا أصننامهم شفعاء لهنم عنند ال ،فأعلم ال أن الشفاعنة ل تكون
للكفار .ومن قال الية في المؤمنين قال :شفاعة الرسول لهم تكون بإذن ال فهو الشفيع حقيقة إذن؛
وفني التنزينل" :ول يشفعون إل لمنن ارتضنى" [الننبياء" .]28 :ول تنفنع الشفاعنة عنده إل لمنن
أذن له" [سبأ" .]23 :من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه" [البقرة" .]255 :لعلهم يتقون" أي في
المستقبل وهو الثبات على اليمان.
**3الينة{ 52 :ول تطرد الذينن يدعون ربهنم بالغداة والعشني يريدون وجهنه منا علينك منن
حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين}
@قوله تعالى" :ول تطرد الذين يدعون ربهم" الية .قال المشركون :ول نرضى بمجالسة أمثال
هؤلء -يعنون سنلمان وصنهيبا وبلل وخبابنا -فاطردهنم عننك؛ وطلبوا أن يكتنب لهنم بذلك ،فهنم
الننبي صنلى ال علينه وسنلم بذلك ،ودعنا علينا ليكتنب؛ فقام الفقراء وجلسنوا ناحينة؛ فأنزل ال الينة.
ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح :فوقع في نفس رسول ال صلى ال عليه وسلم ما شاء
ال أن يقع؛ وسيأتي ذكره .وكان النبي صلى ال عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعا في إسلمهم،
وإسنلم قومهنم ،ورأى أن ذلك ل يفوت أصنحابه شيئا ،ول ينقنص لهنم قدرا ،فمال إلينه فأنزل ال
الية ،فنهاه عما هم به من الطرد ل أنه أوقع الطرد .روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال :كنا
مع النبي صلى ال عليه وسلم ستة نفر ،فقال المشركون للنبي صلى ال عليه وسلم :اطرد هؤلء
عنننك ل يجترئون علينننا؛ قال :وكنننت أنننا وابننن مسننعود ورجننل مننن هذيننل وبلل ورجلن لسننت
أسنميهما ،فوقنع فني نفنس رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم منا شاء ال أن يقنع ،فحدث نفسنه ،فأنزل
ال عنز وجنل "ول تطرد الذينن يدعون ربهنم بالغداة والعشني يريدون وجهنه" .قينل :المراد بالدعاء
المحافظنة على الصنلة المكتوبنة فني الجماعنة؛ قاله ابنن عباس ومجاهند والحسنن .وقينل :الذكنر
وقراءة القرآن .ويحتمل أن يريد الدعاء في أول النهار وآخره؛ ليستفتحوا يومهم بالدعاء رغبة في
التوفينننق .ويختموه بالدعاء طلبنننا للمغفرة" .يريدون وجهنننه" أي طاعتنننه ،والخلص فيهنننا ،أي
يخلصنون فني عبادتهنم وأعمالهنم ل ،ويتوجهون بذلك إلينه ل لغيره .وقينل :يريدون ال الموصنوف
بأن له الوجنه كمنا قال" :ويبقنى وجنه ربنك ذو الجلل والكرام" [الرحمنن ]27 :وهنو كقوله:
"والذينن صنبروا ابتغاء وجنه ربهنم" [الرعند .]22 :وخنص الغداة والعشني بالذكنر؛ لن الشغنل
غالب فيهمنا على الناس ،ومنن كان فني وقنت الشغنل مقبل على العبادة كان فني وقنت الفراغ منن
الشغنل أعمنل .وكان رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم بعند ذلك يصنبر نفسنه معهنم كمنا أمره ال فني
قوله" :واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ول تعد عيناك عنهم"
[الكهف ، ]28 :فكان ل يقوم حتى يكونوا هم الذين يبتدئون القيام ،وقد أخرج هذا المعنى مبينا
مكمل ابن ماجة في سننه عن خباب في قول ال عز وجل" :ول تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة
والعشي" إلى قوله" :فتكون من الظالمين" قال :جاء القرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن
الفزاري فوجدا رسول ال صلى ال عليه وسلم مع صهيب وبلل وعمار وخباب ،قاعدا في ناس
من الضعفاء من المؤمنين؛ فلما رأوهم حول النبي صلى ال عليه وسلم حقروهم؛ فأتوه فخلوا به
وقالوا :إننا نريند أن تجعنل لننا مننك مجلسنا تعرف لننا بنه العرب فضلننا ،فإن وفود العرب تأتينك
فنستحي أن ترانا العرب مع هذه العبد ،فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك ،فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم
إن شئت؛ قال( :نعم) قالوا :فاكتب لنا عليك كتابا؛ قال :فدعا بصحيفة ودعا عليا -رضي ال عنه
-ليكتنب ونحنن قعود فني ناحينة؛ فنزل جبرينل علينه السنلم فقال" :ول تطرد الذينن يدعون ربهنم
بالغداة والعشني يريدون وجهنه منا علينك منن حسنابهم منن شينء ومنا منن حسنابك عليهنم منن شينء
فتطردهنم فتكون منن الظالمينن" ثنم ذكنر القرع بنن حابنس وعييننة بنن حصنن؛ فقال" :وكذلك فتننا
بعضهنم ببعنض ليقولوا أهؤلء منن ال عليهنم منن بينننا ألينس ال بأعلم بالشاكرينن" [النعام]53 :
ثم قال" :وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلم عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة" [النعام:
]54قال :فدنوننا مننه حتنى وضعننا ركبننا على ركبتنه؛ وكان رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم
يجلس معننا فإذا أراد أن يقوم قام وتركننا؛ فأنزل ال عنز وجنل "واصنبر نفسنك منع الذينن يدعون
ربهنم بالغداة والعشني يريدون وجهنه ول تعند عيناك عنهنم تريند زيننة الحياة الدنينا" [الكهنف]28 :
ول تجالس الشراف "ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا" [الكهف ]28 :يعني عيينة والقرع،
"واتبع هواه وكان أمره فرطا" [الكهف ، ]28 :أي هلكا .قال :أمر عيينة والقرع؛ ثم ضرب
لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا .قال خباب :فكنا نقعد مع النبي صلى ال عليه وسلم فإذا بلغنا
الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم؛ رواه عن أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان
حدثنا عمرو بن محمد العنقزي حدثننا أسباط عن السدي عن أبي سعيد الزدي وكان قارئ الزد
عنن أبني الكنود عنن خباب؛ وأخرجنه أيضنا عنن سنعد قال :نزلت هذه الينة فيننا سنتة ،فني وفني ابنن
مسنعود وصنهيب وعمار والمقداد وبلل؛ قال :قالت قرينش لرسنول ال صنلى ال علينه وسنلم إننا ل
نرضى أن نكون أتباعا لهم فاطردهم ،قال :فدخل قلب رسول ال صلى ال عليه وسلم من ذلك ما
شاء ال أن يدخننل؛ فأنزل ال عننز وجننل" :ول تطرد الذيننن يدعون ربهننم بالغداة والعشنني" اليننة.
وقرئ (بالغدوة) وسيأتي بيانه في (الكهف) إن شاء ال.
@قوله تعالى" :ما عليك من حسابهم من شيء" أي من جزائهم ول كفاية أرزاقهم ،أي جزاؤهم
ورزقهم على ال ،وجزاؤك ورزقك على ال ل على غيره( .من) الولى للتبعيض ،والثانية زائدة
للتوكينند .وكذا "ومننا مننن حسننابك عليهننم مننن شيننء" المعنننى وإذا كان المننر كذلك فاقبننل عليهننم
وجالسنهم ول تطردهنم مراعاة لحنق منن لينس على مثنل حالهنم فني الدينن والفضنل؛ فإن فعلت كننت
ظالما .وحاشاه من وقوع ذلك منه ،وإنما هذا بيان للحكام ،ولئل يقع مثل ذلك من غيره من أهل
السنلم؛ وهذا مثنل قوله" :لئن أشركنت ليحبطنن عملك" [الزمنر ]65 :وقند علم ال مننه أننه ل
يشرك ول يحبنط عمله" .فتطردهنم" جواب النفني" .فتكون منن الظالمينن" نصنب بالفاء فني جواب
النهني؛ المعننى :ول تطرد الذينن يدعون ربهنم فتكون منن الظالمينن ،ومنا منن حسنابك ،عليهنم منن
شينء فتطردهنم ،على التقدينم والتأخينر .والظلم أصله وضنع الشينء فني غير موضعه .وقند حصنل
من قوة الية والحديث النهي عن أن يعظم أحد لجاهه ولثوبه ،وعن أن يحتقر أحد لخموله ولرثاثة
ثوبيه.
**3الية{ 53 :وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلء من ال عليهم من بيننا أليس ال بأعلم
بالشاكرين}
@قوله تعالى" :وكذلك فتننا بعضهنم ببعنض" أي كمنا فتننا منن قبلك كذلك فتننا هؤلء .والفتننة
الختبار؛ أي عاملناهنم معاملة المختنبرين" .ليقولوا" نصنب بلم كني ،يعنني الشراف والغنياء.
"أهؤلء" يعني الضعفاء والفقراء" .من ال عليهم من بيننا" قال النحاس :وهذا من المشكل؛ لنه
يقال :كينف فتنوا ليقولوا هذه الينة؟ لننه إن كان إنكارا فهنو كفنر منهنم .وفني هذا جوابان :أحدهمنا:
أن المعنى اختبر الغنياء بالفقراء أن تكون مرتبتهم واحدة عند النبي صلى ال عليه وسلم ،ليقولوا
على سبيل الستفهام ل على سبيل النكار "أهؤلء من ال عليهم من بيننا" والجواب الخر :أنهم
لمنا اختنبروا بهذا قال عاقبتنه إلى أن قالوا هذا على سنبيل النكار ،وصنار مثنل قوله" :فالتقطنه آل
فرعون ليكون لهننم عدوا وحزنننا" [القصننص" .]8 :أليننس ال بأعلم بالشاكريننن" فيمننن عليهننم
باليمان دون الرؤسنناء الذيننن علم ال منهننم الكفننر ،وهذا اسننتفهام تقريننر ،وهننو جواب لقولهننم:
"أهؤلء من ال عليهم من بيننا" وقل :المعنى أليس ال بأعلم من يشكر السلم إذا هديته إليه.
**3الية{ 54 :وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلم عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة
أنه من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم}
@قوله تعالى" :وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلم عليكم" السلم والسلمة بمعنى واحد.
ومعننى "سنلم عليكنم" سنلمكم ال فني دينكنم وأنفسنكم؛ نزلت فني الذينن نهنى ال ننبيه علينه الصنلة
والسلم عن طردهم ،فكان إذا رآهم بدأهم بالسلم وقال( :الحمد ل الذي جعل في أمتي من أمرني
أن أبدأهنم بالسنلم) فعلى هذا كان السنلم منن جهنة الننبي صنلى ال علينه وسنلم .وقينل :إننه كان منن
جهنة ال تعالى ،أي أبلغهنم مننا السنلم؛ وعلى الوجهينن ففينه دلينل على فضلهنم ومكانتهنم عنند ال
تعالى .وفي صحيح مسلم عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلل ونفر
فقالوا :وال ما أخذت سيوف ال من عنق عدو ال مأخذها؛ قال :فقال أبو بكر :أتقولون هذا لشيخ
قرينش وسنيدهم؟! فأتنى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فأخنبره فقال( :ينا أبنا بكنر لعلك أغضبتهنم لئن
كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك) فأتاهم أبو بكر فقال :يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا :ل؛ يغفر ال لك
يا أخي؛ فهذا دليل على رفعة منازلهم وحرمتهم كما بيناه في معنى الية .ويستفاد من هذا احترام
الصنالحين واجتناب منا يغضبهنم أو يؤذيهنم؛ فإن فني ذلك غضنب ال ،أي حلول عقابنه بمنن آذى
أحدا من أوليائه .وقال ابن عباس :نزلت الية في أبى بكر وعمر وعثمان وعلي رضي ال عنهم.
وقال الفضينل بنن عياض :جاء قوم منن المسنلمين إلى الننبي صنلى ال علينه وسنلم فقالوا :إننا قند
أصبنا من الذنوب فاستغفر لنا فأعرض عنهم؛ فنزلت الية .وروي عن أنس بن مالك مثله سواء.
@قوله تعالى" :كتنب ربكنم على نفسنه الرحمنة" أي أوجنب ذلك بخنبره الصندق ،ووعده الحنق،
فخوطنب العباد على ما يعرفوننه من أنه من كتنب شيئا فقد أوجبنه على نفسنه .وقيل :كتنب ذلك فني
اللوح المحفوظ" .أنه من عمل منكم سوءا بجهالة" أي خطيئة من غير قصد؛ قال مجاهد :ل يعلم
حلل منن حرام ومنن جهالتنه ركنب المنر ،فكنل منن عمنل خطيئة فهنو بهنا جاهنل؛ وقند مضنى هذا
المعنى في "النساء" وقيل :من آثر العاجل على الخرة فهو الجاهل" .فإنه غفور رحيم" قرأ بفتح
"أن" منن "فأننه" ابنن عامنر وعاصنم ،وكذلك "أننه منن عمنل" ووافقهمنا نافنع فني "أننه منن عمنل".
وقرأ الباقون بالكسر فيهما؛ فمن كسر فعلى الستئناف ،والجملة مفسرة للرحمة؛ و(إن) إذا دخلت
على الجمل كسرت وحكم ما بعد الفاء البتداء والستئناف فكسرت لذلك .ومن فتحهما فالولى في
موضنع نصنب على البدل منن الرحمنة ،بدل الشينء منن الشينء وهنو هنو فأعمنل فيهنا (كتنب) كأننه
قال :كتب ربكم على نفسه أنه من عمل؛ وأما (فأنه غفور) بالفتح ففيه وجهان؛ أحدهما :أن يكون
فني موضنع رفنع بالبتداء والخنبر مضمنر ،كأننه قال :فله أننه غفور رحينم؛ لن منا بعند الفاء مبتدأ،
أي فله غفران ال .الوجنه الثانني :أن يضمنر مبتدأ تكون (أن) ومنا عملت فينه خنبره؛ تقديره :فأمره
غفران ال له ،وهذا اختيار سننيبويه ،ولم يجننز الول ،وأجازه أبننو حاتننم .وقيننل :إن (كتننب) عمننل
فيهنا؛ أي كتنب ربكنم أننه غفور رحينم .وروي عنن علي بنن صنالح وابنن هرمنز كسنر الولى على
السنتئناف ،وفتنح الثانينة على أن تكون مبتدأة أو خنبر مبتدأ أو معمولة لكتنب على منا تقدم .ومنن
فتنح الولى -وهنو نافنع -جعلهنا بدل منن الرحمنة ،واسنتأنف الثانينة لنهنا بعند الفاء ،وهني قراءة
بينة.
**3الية{ 55 :وكذلك نفصل اليات ولتستبين سبيل المجرمين}
@قوله تعالى" :وكذلك نفصنل اليات" التفصنيل التنبيين الذي تظهنر بنه المعانني؛ والمعننى :وكمنا
فصنلنا لك فني هذه السنورة دلئلننا ومحاجتننا منع المشركينن كذلك نفصنل لكنم اليات فني كنل منا
تحتاجون إليه من أمر الدين ،ونبين لكم أدلتنا وحججنا في كل حق ينكره أهل الباطل .وقال القتبي:
"نفصنل اليات" نأتني بهنا شيئا بعند شينء ،ول ننزلهنا جملة متصنلة" .ولتسنتبين سنبيل المجرمينن"
يقال :هذه اللم تتعلق بالفعننل فأيننن الفعننل الذي تتعلق بننه؟ فقال الكوفيون :هننو مقدر؛ أي وكذلك
نفصنل اليات لننبين لكنم ولتسنتبين؛ قال النحاس :وهذا الحذف كله ل يحتاج إلينه ،والتقدينر :وكذلك
نفصنل اليات فصنلناها .وقينل :إن دخول الواو للعطنف على المعننى؛ أي ليظهنر الحنق وليسنتبين،
قرئ بالياء والتاء( .سنبيل) برفنع اللم ونصنبها ،وقراءة التاء خطاب للننبي صنلى ال علينه وسنلم،
أي ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين .فإن قيل :فقد كان النبي عليه السلم يستبينها؟ فالجواب عند
الزجاج -أن الخطاب للننبي علينه السنلم خطاب لمتنه؛ فالمعننى :ولتسنتبينوا سنبيل المجرمينن .فإن
قينل :فلم لم يذكنر سنبيل المؤمنينن؟ ففني هذا جوابان؛ أحدهمنا :أن يكون مثنل قوله" :سنرابيل تقيكنم
الحنر" [النحنل ]81 :فالمعننى؛ وتقيكنم البرد ثنم حذف؛ وكذلك يكون هذا المعننى ولتسنتبين سنبيل
المؤمنينن ثنم حذف .والجواب الخنر :أن يقال :اسنتبان الشينء واسنتبنته؛ وإذا بان سنبيل المجرمينن
فقند بان سنبيل المؤمنينن .والسنبيل يذكنر ويؤننث؛ فتمينم تذكره ،وأهنل الحجاز تؤنثنه؛ وفني التنزينل
"وإن يروا سنبيل الرشند" [العراف ]146 :مذكنر "لم تصندون عنن سنبيل ال" [آل عمران:
]99مؤننث؛ وكذلك قرئ (ولتسنتبين) بالياء والتاء؛ فالتاء خطاب للننبي صنلى ال علينه وسنلم
والمراد أمته.
**3الية{ 56 :قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون ال قل ل أتبع أهواءكم قد ضللت
إذا وما أنا من المهتدين}
@قوله تعالى" :قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون ال" قيل" :تدعون" بمعنى تعبدون.
وقينل :تدعونهنم فني مهمات أموركنم على جهنة العبادة؛ أراد بذلك الصننام" .قنل ل أتبنع أهواءكنم"
فيما طلبتموه من عبادة هذه الشياء ،ومن طرد من أردتم طرده" .قد ضللت إذا" أي قد ضللت إن
اتبعت أهواءكم" .وما أنا من المهتدين" أي على طريق رشد وهدى.
وقرئ "ضللت" بفتنح اللم وكسنرها وهمنا لغتان .قال أبنو عمرو بنن العلء :ضللت بكسنر اللم
لغة تميم ،وهي قراءة يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف ،والولى هي الصح والفصح؛ لنها
لغننة أهننل الحجاز ،وهنني قراءة الجمهور .وقال الجوهري :والضلل والضللة ضنند الرشاد ،وقنند
ضللت أضنل ،قال ال تعالى" :قنل إن ضللت فإنمنا أضنل على نفسني" [سنبأ ]50 :فهذه لغنة نجند،
وهي الفصيحة ،وأهل العالية يقولون :ضللت بالكسر أضل.
**3الية{ 57 :قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إل ل
يقص الحق وهو خير الفاصلين}
@قوله تعالى" :قل إني على بينة من ربي" أي دللة ويقين وحجة وبرهان ،ل على هوى؛ ومنه
البيننة لنهنا تنبين الحنق وتظهره" .وكذبتنم بنه" أي بالبيننة لنهنا فني معننى البيان ،كمنا قال" :وإذا
حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه" [النساء ]8 :على ما بيناه هناك.
وقيننل يعود على الرب ،أي كذبتننم بربنني لنننه جرى ذكره .وقيننل :بالعذاب .وقيننل :بالقرآن .وفنني
معننى هذه الينة والتني قبلهنا منا أنشده مصنعب بنن عبدال بنن الزبينر لنفسنه ،وكان شاعرا محسننا
رضي ال عنه:
وكان الموت أقرب ما يليني أأقعد بعدما رجفت عظامي
وأجعل دينه غرضا لديني أجادل كل معترض خصيم
وليس الرأي كالعلم اليقين فاترك ما علمت لرأي غيري
يصرف في الشمال وفي اليمين وما أنا والخصومة وهي شيء
يلحن بكل فج أو وجين وقد سنت لنا سنن قوام
أغر كغرة الفلق المبين وكان الحق ليس به خفاء
بمنهاج ابن آمنة المين وما عوض لنا منهاج جهم
وأما ما جهلت فجنبوني فأما ما علمت فقد كفاني
@قوله تعالى" :منا عندي منا تسنتعجلون بنه" أي العذاب؛ فإنهنم كانوا لفرط تكذيبهنم يسنتعجلون
نزوله استهزاء نحو قولهم" :أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا" [السراء" ]92 :وإذ قالوا
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" [النفال .]32 :وقيل :ما
عندي مننن اليات التنني تقترحونهننا" .إن الحكننم إل ل" أي مننا الحكننم إل ل فنني تأخيننر العذاب
وتعجيله .وقيل :الحكم الفاصل بين الحق والباطل ل" .يقص الحق" أي يقص القصص الحق؛ وبه
اسنتدل منن مننع المجاز فني القرآن ،وهني قراءة نافنع وابنن كثينر وعاصنم ومجاهند والعرج وابنن
عباس؛ قال ابنن عباس :قال ال عنز وجنل" :نحنن نقنص علينك أحسنن القصنص" [يوسنف.]3 :
والباقون "يَقْضِن الحقّ" بالضاد المعجمنة ،وكذلك قرأ علي -رضني ال عننه -وأبنو عبدالرحمنن
السلمي وسعيد بن المسيب ،وهو مكتوب في المصحف بغير ياء ،ول ينبغي الوقف عليه ،وهو من
القضاء؛ ودل على ذلك أن بعده "وهنو خينر الفاصنلين" والفصنل ل يكون إل قضاء دون قصنص،
ويقوي ذلك قوله قبله" :إن الحكننم إل ل" ويقوي ذلك أيضننا قراءة ابننن مسننعود (إن الحكننم إل ل
يقضني بالحنق) فدخول الباء يؤكند معننى القضاء .قال النحاس :هذا ل يلزم؛ لن معننى "يقضني"
يأتني ويصننع فالمعننى :يأتني الحنق ،ويجوز أن يكون المعننى :يقضني القضاء الحنق .قال مكني:
وقراءة الصناد أحنب إلي؛ لتفاق الحرميينن وعاصنم على ذلك ،ولننه لو كان منن القضاء للزمنت
الباء فينه كمنا أتنت فني قراءة ابنن مسنعود .قال النحاس :وهذا الحتجاج ل يلزم؛ لن مثنل هذه الباء
تحذف كثيرا.
**3الية{ 58 :قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي المر بيني وبينكم وال أعلم بالظالمين}
@قوله تعالى" :قل لو أن عندي ما تستعجلون به" أي من العذاب لنزلته بكم حتى ينقضي المر
إلى آخره .والسننتعجال :تعجيننل طلب الشيننء قبننل وقتننه" .وال أعلم بالظالميننن" أي بالمشركيننن
وبوقت عقوبتهم.