You are on page 1of 31

‫دفع شبه التشبيه بأكف التنـزيه‬

‫لبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي‬


‫المتوفى سنة ‪597‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫المقدمة‬

‫قال الشيخ المام الحافظ العلمة أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد ال بن حماد الجوزي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد ال بن القاسم‬
‫بن الفطر بن القاسم بن محمد بن عبد ال بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي ال عنهم‪:‬‬

‫ل كبير القدر في العلوم ‪ ،‬قد بالغ رحمة ال عليه في النظر في‬


‫اعلم وفقك ال تعالى أني لما تتبعت مذهب المام أحمد رضي ال عنه رأيته رج ً‬
‫علوم الفقه ومذهب القدماء ‪ ،‬حتى ل تأتي مسألة إل وله فيها نص أو تنبيه إل أنه على طريق السلف ‪ ،‬فلم يصنف إل المنقول ‪ ،‬فرأيت مذهبه‬
‫خاليًا من التصانيف التي كثر جنسها عند الخصوم‪.‬‬

‫فصنفت تفاسير مطولة منها )المغنى( مجلدات و) زاد المسير( ‪ ،‬و) تذكرة الريب( ‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫وفي الحديث ‪ :‬كتبًا منها )جامع المسانيد( ‪ ،‬و )الحدائق( ‪ ،‬و) نفي النقل( ‪ ،‬وكتبًا كثيرة في الجرح والتعديل ‪ ،‬وما رأيت لهم )تعليقه( في‬
‫الخلف إل أن القاضي أبا يعلى قال ‪ :‬كنت أقول ما لهل المذاهب يذكرون الخلف مع خصومهم ول يذكرون أحمد ؟ ثم عذرتهم ‪ ،‬إذ ليس لنا‬
‫تعليقة في الفقه‪.‬‬

‫قال ‪ :‬فصنفت لهم تعليقة‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وتعليقته لم يحقق فيها بيان الصحة والطعن في المردود ‪ ،‬وذكر فيها أقيسة طردية‪ .‬ورأيت من يلقي الدرس من أصحابنا من يفزع إلى‬
‫تعليقة الصطلم أو تعليقة أسعد ‪ ،‬أو تعليقة العاملي ‪ ،‬أو تعليقة الشريفة ويستعير منها استعارات‪ .‬فصنفت لهم تعاليق منها )كتاب النصاف في‬
‫جّنة الفطر( ومنها )عمدة الدلئل في مشهور المسائل( ‪ ،‬ثم رأيت جمع أحاديث التعليق التي يحتج بها أهل‬‫جّنُة النظر و ُ‬
‫مسائل الخلف( ومنها ) َ‬
‫المذهب ‪ ،‬وبينت تصحيح الصحيح ‪ ،‬وطعن المطعون فيه وعملت كتابًا في المذاهب أدخلتها فيه ‪ ،‬وسميته )الباز الشهب المنقض على مخالفي‬
‫المذهب( وصنفت في الفروع كتاب )الُمّذهب في المذهب( وكتاب )مسبوك الذهب( وكتاب )البلغة( وكتاب )منهاج الوصول إلى علم الصول(‬
‫وقد بلغت مصنفاتي مأتين وخمسين مصنفًا‪.‬‬

‫ورأيت من أصحابنا من تكلم في الصول بما ل يصلح ‪ ،‬وانتدب للتصنيف ثلثة ‪ :‬أبو عبد ال بن حامد ‪ ،‬وصاحبه القاضي ‪ ،‬وابن الزاغوني‬
‫فصنفوا كتبًا شانوا بها المذهب ‪ ،‬ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام ‪ ،‬فحملوا الصفات على مقتضى الحس ‪ .‬فسمعوا أن ال تعالى خلق آدم على‬
‫صورته ‪ ،‬فأثبتوا له صورة ووجهًا زائدًا على الذات ‪ ،‬وعينين وفمًا ولهوات وأضراسًا وأضواًء لوجهة هى السبحات ويدين وأصابع وكفًا‬
‫وخنصرًا وإبهامًا وصدرًا وفخذًا وساقين ورجلين‪.‬‬

‫وقالوا ‪ :‬ما سمعنا بذكر الرأس‪ .‬وقالوا ‪ :‬يجوز أن َيمس وُيمس ‪ ،‬ويدني العبد من ذاته‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬ويتنفس‪ .‬ثم يرضون العوام بقولهم ‪ :‬ل‬
‫كما يعقل‪.‬‬

‫وقد أخذوا بالظاهر في السماء والصفات ‪ ،‬فسموها بالصفات تسمية مبتدعة ل دليل لهم في ذلك من النقل ول من العقل ‪ ،‬ولم يلتفتوا إلـى‬
‫النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة ل تعالى ول إلـى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث ‪ ،‬ولم يقنعوا بأن يقولوا‬
‫صفة فعل ‪ ،‬حتى قالوا صفة ذات ‪ ،‬ثم لما أثبتوا أنها صفات ذات قالوا ‪ :‬ل نحملها على توجيه اللغة مثل يد على نعمة وقدرة ومجيء وإتيان‬
‫على معنى بر ولطف ‪ ،‬وساق على شدة ‪ ،‬بل قالوا ‪ :‬نحملها على ظواهرها المتعارفة ‪ ،‬والظاهر المعهود من نعوت الدميين ‪ ،‬والشيء إنما‬
‫يحمل على حقيقته إذا أمكن ‪ ،‬ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون ‪ :‬نحن أهل السنة ‪ ،‬وكلمهم صريح فـي التشبيه وقد‬
‫تبعهم خلق من العوام‪.‬‬
‫فقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم ‪ :‬يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل وإمامكم الكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط ‪) :‬كيف أقول ما لم‬
‫ُيَقل(‪.‬‬

‫فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه ‪ ،‬ثم قلتم في الحاديث ‪ ،‬تحمل على ظاهرها‪ .‬وظاهر القدم الجارحة ‪ ،‬فإنه لما قيل في عيسى روح ال‬
‫اعتقدت النصارى أن ل صفة هي روح ولجت في مريم ‪ ،‬ومن قال ‪ :‬استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسيات ‪ ،‬وينبغي أن ل يهمل ما يثبت به‬
‫الصل وهو العقل ‪ ،‬فإنا به عرفنا ال تعالى ‪ ،‬وحكمنا له بالقدم ‪ ،‬فلو أنكم قلتم ‪ :‬نقرأ الحاديث ونسكت ‪ ،‬ما أنكر عليكم أحد ‪ ،‬إنما حملكم إياها‬
‫على الظاهر قبيح ‪ ،‬فل تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه‪ .‬ولقد كسيتم هذا المذهب شينًا قبيحًا حتى ل يقال حنبلي إل‬
‫سم ‪ ،‬ثم زينتم مذهبكم أيضًا بالعصبية ليزيد بن معاوية ‪ ،‬ولقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته ‪ ،‬وقد كان أبو محمد التميمي يقول في‬ ‫مج ّ‬
‫بعض أئمتكم ‪ :‬لقد شان هذا المذهب شينًا قبيحًا ل يغسل إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫فصل‬

‫قلت ‪ :‬وقد وقع غلط المصنفين الذين ذكرتهم في سبعة أوجه‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬أنهم سموا الخبار أخبار صفات ‪ ،‬وإنما هي إضافات ‪ ،‬وليس كل مضاف صفة ‪ ،‬فإنه قال سبحانه‬ ‫•‬
‫ت فيِه ِمن َروحي(‪.‬‬
‫وتعالى ‪َ) :‬وَنَفخ ُ‬

‫وليس ل صفة تسمى روحًا ‪ ،‬فقد ابتدع من سمي المضاف صفة‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬أنهم قالوا ‪ :‬إن هذه الحاديث من المتشابه الذي ل يعلمه إل ال تعالى‪ .‬ثم قالوا ‪ :‬نحملها على‬ ‫•‬
‫ظواهرها ‪ ،‬فواعجبًا !! ما ل يعلمه إل ال أي ظاهر له‪..‬؟! فهل ظاهر الستواء إل القعود ‪ ،‬وظاهر النـزول إل‬
‫النتقال‪..‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنهم أثبتوا ال تعالى صفات ‪ ،‬وصفات الحق ل تثبت إل بما يثبت به الذات من الدلة القطعية‪.‬‬ ‫•‬
‫وقال ابن حامد‪ :‬من رد ما يتعلق به بالخبار الثابتة فهل يكفر ؟ على وجهين ‪ ،‬وقال ‪ :‬غالب أصحابنا على تكفير‬
‫من خالف الخبار في الساق والقدم والصابع والكف ونظائر ذلك وإن كانت أخبار آحاد لنها عندنا توجب العلم‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا قول من ل يفهم الفقه ول العقل‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬أنهم لم يفرقوا في الحاديث بين خبر مشهور في قوله ‪) :‬ينـزل إلـى السماء الدنيا( وبين حديث ل‬ ‫•‬
‫يصح كقوله ‪ ) :‬رأيت ربي في أحسن صورة( بل أثبتوا بهذا صفة وبهذا صفة‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬أنهم لم يفرقوا بين حديث مرفوع إلى النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وبين حديث موقوف على‬ ‫•‬
‫صحابي أو تابعي ‪ ،‬فأثبتوا بهذا ماأثبتوا بهذا‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬أنهم تأولوا بعض اللفاظ في موضع ولم يتأولوها في آخر كقوله ‪) :‬ومن أتاني يمشي أتيته‬ ‫•‬
‫هرولة(‪.‬‬

‫ب مثل للنعام‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬هذا ضر ُ‬

‫وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال ‪) :‬إذا كان يوم القيامة جاء ال يمشي( فقالوا ‪ :‬نحمله على ظاهره‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬فواعجبًا!! ممن تأول حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ول يتأول كلم عمر بن عبد العزيز‪.‬‬

‫السابع ‪ :‬أنهم حملوا الحاديث على مقتضى الحس فقالوا ‪ :‬ينـزل بذاته وينتقل ويتحرك ‪ ،‬ثم قالوا ‪ :‬ل كما‬ ‫•‬
‫يعقل‪ .‬فغالطوا من يسمع فكابروا الحس والعقل فحملوا الحاديث على الحسيات‪ ،‬فرأيت الرد عليهم لزمًا لئـل‬
‫ينسب المام إلى ذلك ‪ ،‬وإذا سكت نسبت إلى اعتقاد ذلك ‪ ،‬ول يهولني أمر عظيم في النفوس لن العمل على الدليل‬
‫‪ ،‬وخصوصًا في معرفة الحق ل يجوز فيه التقليد‪.‬‬
‫فصل‬

‫فإن قال قائل ‪ :‬ما الذي دعى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يتكلم بألفاظ موهمة للتشبيه؟‬

‫قلنا ‪ :‬إن الخلق غلب عليهم الحس فل يكادون يعرفون غيره ‪ ،‬وسببه المجانسة لهم في الحديث ‪ ،‬فعبد قوم النجوم وأضافوا إليها المنافع‬
‫والمضار ‪ ،‬وعبد قوم النور وأضافوا إليه الخير ‪ ،‬وأضافوا الشر إلى الظلمة ‪ ،‬وعبد قوم الملئكة ‪ ،‬وقوم الشمس وقوم عيسى ‪ ،‬وقوم عزير ‪،‬‬
‫وعبد قوم البقـر والكثرون الصنام فآنست نفوسهم بالحس المقطوع بوجوده ولذلك قال قوم موسى ‪ِ) :‬إجَعل َلنا ِإَلهًا( فلو جاءت الشرائع‬
‫ل َأحد( ولو قال لهم ليس بجسم ول جوهر ول عرض ول‬ ‫بالتنـزيه المحض جاءت بما يطابق النفي فلما قالوا ‪) :‬صف لنا ربك( نزلت )ُقل ُهَو ا َُ‬
‫طويل ول عريض ول يشغل المكنة ول يحويه مكان ول جهة من الجهات الست وليس بمتحرك ول ساكن ول يدركه الحساس لقالوا حد لنا‬
‫النفي بأن تميز ما تدعونا إلـى عبادتـه عـن النفي وإل فأنت تدعو إلى عدم‪.‬‬

‫فلما علم الحق سبحانه ذلك جاءهم بأسماء يعقلونها من السمع والبصر والحلم والغضب ‪ ،‬وبنى البيت وجعل الحجر بمثابة اليمين المصافحة ‪،‬‬
‫وجاء بذكر الوجه واليدين والقدم والستواء والنـزول لن المقصود الثبات فهو أهم عند الشرع من التنـزيه ‪ ،‬وإن كان التنـزيه منها ‪ ،‬ولهذا‬
‫س َكمثِلِه‬
‫قال للجارية ‪ :‬أين ال ‪ ،‬وقيل له‪ :‬أيضحك ربنا ؟ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬فلما أثبت وجوده بذكر صور الحسيات نفى خيال التشبيه بقوله )َلي َ‬
‫شيء( ‪ ،‬ثم لم يذكر الرسول الحاديث جملة وإنما كان يذكر الكلمة في الحيان فقد غلط من ألفها أبوابًا على ترتيب صورة غلطًا قبيحًا ‪ ،‬ثم هي‬ ‫َ‬
‫بمجموعها يسيرة ‪ ،‬والصحيح منها يسير ‪ :‬ثم هو عربي وله التجوز ‪ ،‬أليس هو القائل ‪) :‬تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو فرقان من‬
‫طير صاف( ‪) ،‬ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح(؟!‪.‬‬

‫فإن قيل لما سكت السلف عن تفسير الحاديث وقالوا‪ :‬أمروها كما جاءت ؟‬

‫قلت لثلثة أوجه‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬أنها ذكرت للإيناس بموجود فإذا فسرت لم يحصل اليناس مع أن فيها ما ل بد من تأويله كقوله‬ ‫•‬
‫ك( أي جاء أمره‪.‬‬
‫تعالـى )َوجاَء َرُب َ‬

‫وقال أحمد بن حنبل ‪ :‬وإنما صرفه إلى ذلك أدلة العقل فإنه ل يجوز عليه النتقال‪.‬‬

‫والوجه الثاني ‪ :‬أنه لو تأولت اليد بمعنى القدرة جاز أن يتأول بمعنى القوة فيحصل الخطر بالصرف عما‬ ‫•‬
‫يحتمل‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬أنهم لو أطلقوا فـي التأويل اتسع الخرق فخلط المتأول ‪ ،‬فإذا سئل العامي عن قوله تعالى ‪ُ) :‬ثـَم‬ ‫•‬
‫علـى الَعـرش( قيل له ‪ :‬الستواء معلـوم والكيف غير معقول واليمان به واجب والسؤال عنه بدعة ‪،‬‬ ‫ِاسَتـوى َ‬
‫وإنما فعلنا هذا لن العوام ل يدركون الغوامض‪.‬‬

‫فصل‬

‫وكان المام أحمد يقول ‪ :‬أمروا الحاديث كما جاءت وعلى هذا من كبار أصحابه كإبراهيم الحربـي ‪ ،‬وأبي داود الشرم ‪ ،‬ومن كبار أصحابنا‬
‫أبو الحسن التميمي ‪ ،‬وأبو محمد رزق ال بن عبد الوهاب ‪ ،‬وأبو الوفاء ابن عقيل فنبغ الثلثة الذين ذكرناهم ابن حامد‪ ،‬والقاضي أبو يعلى‪،‬‬
‫والزاغوني‪.‬‬

‫وقد سئل المام أحمد عن مسألة فأفتى فيها فقيل هذا ل يقول به ابن المبارك ‪ ،‬فقال ‪ :‬ابن المبارك لم ينـزل من السماء‪.‬‬

‫وقال المام الشافعي رضي ال عنه ‪ :‬استخرت ال تعالـى في الرد على المام مالك‪ .‬ولما صنف هؤلء الثلث كتبًا ‪ ،‬وانفرد القاضي أبو يعلى‬
‫فصنف الحاديث التي ذكرتها على ترتيبه ‪ ،‬وقدم عليها اليات التي وردت فـي ذلك ]رأيت أن أرد كلمه في تلك الحاديث والثار مقدمًا‬
‫اليات الشريفة التي وردت في ذلك[‪.‬‬
‫باب ما جاء في القرآن العظيم من ذلك‬

‫ن َوجِهِه( أي يريدونه‪.‬‬
‫جلِل َواِلكرام( قال المفسرون ‪ :‬يبقى ربك ‪ ،‬وكذا قالوا في قوله ‪َ) :‬يريدو َ‬
‫ك ذو ال َ‬
‫‪ (1‬قال ال تعالى ‪َ) :‬وَيبقى َوجُه َرّب َ‬

‫شيٍء هاِلك ِإل َوجِهِه( أي إل هو ‪ ،‬وقد ذهب الذين أنكرنا عليهم إلى أن الوجه صفة تختص باسم‬
‫وقال الضحاك وأبو عبيدة في قوله ‪ُ) :‬كُل َ‬
‫زائد على الذات‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فمن أين قالوا هذا وليس لهم دليل إل ما عرفوه من الحسيات‪ . . .‬؟ وذلك يوجب التبعيض ‪ ،‬ولو كان كما قالوا ‪ :‬كان المعنى‪ :‬أن ذاته تهلك‬
‫إل وجهه‪ .‬وقال ابن حامد‪ :‬أثبتنا ل وجهًا ول نجوز إثبات رأس‪ .‬قلت ‪ :‬ولقد اقشعر بدني من جراءته على ذكر هذا فما أعوزه في التشبيه غير‬
‫الرأس‪.‬‬

‫عيني(‪) ،‬وأصنع الفلك بأعيننا(‬


‫على َ‬
‫‪ (2‬قلت‪ :‬ومن ذلك قوله‪َ) :‬وِلَتصنع َ‬

‫قال المفسرون‪ :‬بأمرنا ‪ ،‬أي بمرأى منا ‪ ،‬قال أبو بكر بن النباري ‪ :‬أما جمع العين على مذهب العرب فـي ايقاعها الجمع على الواحد يقال ‪:‬‬
‫خرجنا في السفر إلى البصرة‪ .‬وإنما جمع لن عادة الملك أن يقول ‪ :‬أمرنا ونهينا‪.‬‬

‫وقد ذهب القاضي أبو يعلى إلـى أن العين صفة زائدة على الذات وقد سبقه أبو بكر بن خزيمة فقال في الية ‪) :‬لربنا عينان ينظر بهما(‪!!.‬‬

‫وقال ابن حامد‪ :‬يجب اليمان أن له عينين‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا ابتداع ل دليل لهم عليه وإنما أثبتوا عينين من دليل الخطاب في قوله عليه الصلة والسلم ‪ ):‬وان ال ليس بأعور(‪.‬‬

‫وإنما أراد نفي النقص عنه تعالى‪ ،‬ومتى ثبت أنه ل يتجزأ ‪ ،‬لم يكن لما يتخيل من الصفات وجه‪.‬‬

‫ت ِبَيدي(‪.‬‬
‫خَلق ُ‬
‫‪ (3‬ومنها قوله تعالى‪َ) :‬لّما َ‬

‫اليد في اللغة‪ :‬بمعنى النعمة والحسان‪.‬‬

‫ضَلـُه َيدًا‬
‫َتريحي َفَتلقى من َفوا ِ‬ ‫ب َبني هاشم‬
‫عنَد با ِ‬
‫َمتى َتناخي ِ‬ ‫قال الشاعر‪:‬‬

‫ل َمغلوَلٌة( أي‪ :‬محبوسة عن النفقة ‪ ،‬واليد‪ :‬القوة ‪ ،‬يقولون ‪ :‬ما لنا بهذا المر من يد ‪ ،‬وقوله تعالى‪َ) :‬بل َيداُه‬
‫ومعنى قول اليهود ‪َ) :‬يُد ا ِ‬
‫طتانِ( أي نعمته وقدرته‪.‬‬ ‫َمبسو َ‬

‫ق َأيديُهم(‪ .‬أي منته وإحسانه‪.‬‬


‫ل َفو َ‬
‫وقوله‪) :‬لما خلقت بيدي( أي‪ :‬بقدرتي ونعمتي ‪ ،‬وقال الحسن في قوله تعالى ‪َ) :‬يُد ا َِ‬

‫قلت‪ :‬هذا كلم المحققين‪ .‬وقال القاضي أبو يعلى‪) :‬اليدان صفتان ذاتيتان تسميان باليدين( اهـ‪.‬‬

‫ك ِبما َقَدَمت َيداك( أي بما قدمت أنت‪.‬‬


‫قلت‪ :‬وهذا تصرف بالرأي ل دليل عليه‪ .‬وقال ابن عقيل‪ :‬معنى الية لما خلقت أنا‪ ،‬فهو كقوله‪َ) :‬ذِل َ‬

‫وقد قال بعض البُله‪ :‬الضافات إلـى ال تعالـى‪ ،‬لو لم يكن لدم مزية على سائر الحيوانات بخلقه باليد التي هي صفة لما عظمه بذكرها وأجله‬
‫فقال )ِبَيدي(‪ .‬ولو كانت القدرة لما كانت له مزية‪ ،‬فإن قالوا القدرة ل تثنى‪ .‬وقد قال )بيدي(‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬بلى قالت العرب‪ :‬ليس لـي بهذا المر يدان‪ ،‬أي ليس لي به قدرة ‪ ،‬وقال عروة بن حزام في شعره‪:‬‬

‫ع َيدا ِ‬
‫ن‬ ‫ضلو ُ‬
‫ك ال ُ‬
‫ضَمت ِمن َ‬
‫ِبما َ‬ ‫ل ماَلنا‬
‫ل َوا َُ‬
‫ك ا َُ‬
‫شفا َ‬
‫َفقال َ‬

‫عِمَلت َأيدينا َأنعامًا( ولم يدل هذا على تمييز النعام على بقية الحيوان‪ .‬قال‬
‫خَلقنا َلُهم ِمما َ‬
‫وقولهم‪ :‬ميزه بذلك عن الحيوان‪ ،‬نفاه قوله عز وجل‪َ ) :‬‬
‫سعون( أي بقوة‪.‬‬‫سماُء َبَنيناها بأيٍد َوِإنا َلُمَو ِ‬
‫ال تعالى‪َ) :‬وال َ‬
‫ثم قد أخبر أنه نفخ فيه من روحه ‪ ،‬ولم يرد إل الوضع بالفعل والتكوين‪ ،‬والمعنى‪ :‬نفخت أنا ‪ ،‬ويكفي شرف الضافة ‪ ،‬إذ ل يليق بالخالق جل‬
‫جلله سوى ذلك لنه ل يحتاج أن يفعل بواسطة‪ ،‬فل له أعضاء وجوارح يفعل بها‪ ،‬لنه الغني بذاته‪ ،‬فل ينبغي أن يتشاغل بطلب تعظيم آدم مع‬
‫الغفلة عما يستحقه الباري سبحانه من التعظيم بنفي البعاض واللت في الفعال ‪ ،‬لن هذه الشياء صفة الجسام ‪ ،‬وقد ظن بعض البله أن ال‬
‫يمس ‪ ،‬حتى توهموا أنه مس طينة آدم بيد هي بعض ذاته ‪ ،‬وما فطنوا أنه من جملة مخلوقاته جسمًا يقابل جسمًا فيتحد به ويفعل فيه‪ ،‬ومن‬
‫ل وصفة‪ ،‬أفتراه سبحانه جعل أفعال الشخاص والجسام تتعدى إلـى الجسام البعيدة‪ ،‬ثم يحتاج هو‬ ‫عقدًا فيتغير به الشيء حا ً‬
‫السحر من يُعقد ُ‬
‫في أفعاله إلى معاناة الطين‪.‬‬

‫خَلَقه ِمن ُتراب ُثَم قاَل َلُه ُكن َفَيكون(‪.‬‬


‫ل َكَمَثِل آدم َ‬
‫عنَد ا َِ‬
‫وقد رُد قول من قال هذا بقوله تعالى‪ِ) :‬إن ِمثَل عيسى ِ‬

‫سُه( وقوله تعالى على لسان عيسى‪َ) :‬تَعَلم ما في َنفسي َول َأعَلُم ما في َنفسك(‪.‬‬
‫ل َنف َ‬
‫حِذَرُكم ا َُ‬
‫‪ (4‬ومنها قوله تعالى‪َ) :‬وُي َ‬

‫قال المفسرون‪ :‬ويحذركم ال إياه‪ .‬وقالوا ‪ :‬تعلم ما عندي ول أعلم ما عندك‪.‬‬

‫قال المحققون‪ :‬المراد بالنفس هاهنا الذات‪ ،‬ونفس الشيء ذاته‪ ،‬وقد ذهب القاضي أبو يعلى إلـى أن ل نفسًا ‪ ،‬وهي صفة زائدة على ذاته‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا قوله ل يستند إل إلى التشبيه‪ ،‬لنه يوجب أن الذات شيء والنفس غيرها‪ ،‬وحكى ابن حامد أعظم من هذا فقال‪ :‬ذهبت طائفة في قوله‬
‫خت فيِه ِمن َروحي( إن تلك الروح صفة من ذاته وإنها إذا خرجت رجعت إلى ال تعالى‪.‬‬
‫تعالى ‪َ) :‬وَنِف َ‬

‫قلت‪ :‬وهذا أقبح من كلم النصارى فما أبقى هذا من التشبيه بقية‪.‬‬

‫شيء(‪.‬‬
‫س َكمثِلِه َ‬
‫‪ (5‬ومنها قوله تعالى‪َ) :‬لي َ‬

‫ظاهر الكلم أن له مثلًا ‪ ،‬فليس كمثله شيء ‪ ،‬وليس كذلك ‪ ،‬وإنما معناه عند أهل اللغة‪ :‬أن يقام المثل مقام الشيء نفسه‪ .‬يقول الرجل‪ :‬مثلي ل‬
‫يكلم مثلك‪ ،‬وإنما المعنى ‪ :‬ليس كهو شيء‪.‬‬

‫عن ساق(‪.‬‬
‫ف ِ‬
‫ش ُ‬
‫‪ (6‬ومنها قوله تعالى‪َ) :‬يوَم َيك ِ‬

‫قال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم النخعي وقتادة وجمهور العلماء‪ :‬يكشف عن شدة ‪ ،‬وأنشدوا‪:‬‬

‫)وقامت الحرب بنا على ساق(‪.‬‬

‫وقال آخرون ‪ :‬إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا ‪.‬‬

‫قال ابن قتيبة‪ :‬وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناة الجد فيه‪ ،‬شمر عن ساقه‪ ،‬فاستعيرت الساق في موضع الشدة‪.‬‬
‫وبهـذا قال الفراء وأبو عبيد‪ ،‬وثعلب واللغويون‪.‬‬

‫وروى البخاري ومسلم في الصحيحين عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪) :‬إن ال عز وجل يكشف عن ساقه(‪.‬‬

‫هذه إضافة إليه معناها‪ :‬يكشف عن شدته وأفعاله المضافة إليه ومعنى يكشف عنها‪) :‬يزيلها(‪.‬‬

‫وقال عاصم بن كليب‪ :‬رأيت سعيد بن جبير غضب وقال‪ :‬يقولون يكشف عن ساقه‪ ،‬وإنما ذلك عن أمر شديد‪ ،‬وقد ذكر أبو عمر الزاهد ان‬
‫الساق بمعنى )النفس( وقال‪ :‬ومنه قول علي رضي ال عنه لما قالت البغاة‪ :‬ل حكم إل ل فقال‪ :‬ل بد من محاربتهم ولو تلفت ساقي‪ . . .‬فعلى‬
‫هذا يكون المعنى يتجلى لهم ‪ ،‬وفـي حديث أبي موسى عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪:‬‬

‫)يكشف لهم الحجاب فينظرون إلى ال تعالى فيخرون ل سجدًا‪ ،‬ويبقى أقوام في ظهورهم مثل صياصي البقر‪ ،‬يريدون السجود فل‬
‫يستطيعون(‪.‬‬

‫صفة ذاتية‪ .‬وقال‬


‫سجـوِد َفل َيسَتطيعـون( وقد ذهب القاضي أبو يعلى إلـى أن الساق ِ‬
‫ن ِإلـى ال ُ‬
‫ق وَيدعو َ‬
‫عن سا ِ‬
‫ف َ‬
‫ش ُ‬
‫فذلك قوله تعالى‪َ) :‬يوَم َيك ِ‬
‫مثله في )يضع قدمه في النار(‪ :‬وحكى عن ابن مسعود‪ :‬ويكشف عن ساقه اليمنى فتضيء من نور ساقه الرض‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وذكر الساق مع القدم تشبيه محض‪ ،‬وما ذكر عن ابن مسعود محال‪ ،‬ول تثبت ل صفة بمثل هذه الخرافات‪ ،‬ول توصف ذاته سبحانه‬
‫بنور شعاع تضيء به الرض‪ ،‬واحتجاجه بالضافة ليس بشيء لنه إذا كشف عن شدته ‪ ،‬فقد كشف عن ساقه ‪ ،‬وهؤلء وقع لهم أن معنى‬
‫يكشف )يظهر( وإنما المعنى )يزيل ويرفع(‪.‬‬

‫قال ابن حامد‪ :‬يجب اليمان بأن ل تعالى ساقًا صفة لذاته‪ ،‬فمن جحد ذلك كفر‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ولو تكلم بهذا عامي جلف كان قبيحًا‪ ،‬فكيف بمن ينسب إلى العلم ؟! فإن المتأولين أعذر منهم لنهم ردوا المر إلى اللغة‪ ،‬وهؤلء أثبتوا‬
‫ساقًا للذات ‪ ،‬وقدمًا حتى يتحقق التجسيم والصورة‪.‬‬

‫على الَعرش(‪.‬‬
‫‪ (7‬ومنها قوله تعالى ‪ُ) :‬ثَم ِاسَتوى َ‬

‫قال الخليل بن أحمد‪ :‬العرش‪ :‬السرير ‪ ،‬فكل سرير ملك يسمى عرشًا ‪ ،‬والعرش مشهور عند العرب في الجاهلية والسلم قال ال تعالى ‪:‬‬
‫)ورفع أبويه على العرش(‪ .‬وقال تعالى‪) :‬أيكم يأتيني بعرشها(‪.‬‬

‫واعلم أن الستواء في اللغة على وجوه منها ‪ :‬العتدال‪ .‬قال بعض بني تميم فاستوى ظالم العشيرة والمظلوم‪ .‬أي اعتدل ‪ ،‬والستواء ‪ :‬تمام‬
‫شَدُه َوِاسَتوى( أي تم‪.‬‬
‫الشيء قال ال تعالى‪َ) :‬وَلما َبَلَغ َأ َ‬

‫والستواء ‪ :‬القصد إلى الشيء قال تعالى‪ُ) :‬ثَم ِاسَتوى ِإلى السماِء(‪ .‬أي قصد خلقها ‪ ،‬والستواء الستيلء على الشيء قال الشاعر‪:‬‬

‫ف َوَدم ِمهراق‬
‫سي ٍ‬
‫غيِر َ‬
‫ِمن َ‬ ‫على الِعرا ِ‬
‫ق‬ ‫شـٌر َ‬
‫َقد ِاسَتوى َب َ‬

‫على ما َمَلكوُه َقد ِاسَتوى‬


‫َوَأضحى َ‬ ‫حريَمُهم‬
‫ح َ‬
‫غزى َقومًا َأبا َ‬
‫ِإذا ما َ‬ ‫وقال الخر‪:‬‬

‫وروى إسماعيل بن أبي خالد الطائي قال‪ :‬العرش ياقوتة حمراء‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وجميع السلف على إمرار هذه الية كما جاءت من غير تفسير ول تأويل‪.‬‬

‫ش ِاسَتوى( كيف استوى ؟ فأطرق مالك‬


‫على الَعر ِ‬
‫ن َ‬
‫قال عبد ال بن وهب‪ :‬كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال ‪ :‬يا أبا عبد ال )الَرحَمـ ُ‬
‫وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال ‪ :‬الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ول يقال له كيف‪ ،‬وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء‬
‫صاحب بدعة فأخرجوه فأخرج‪.‬‬

‫وقد حمل قوم من المتأخرين هذه الصفة على مقتضى الحس فقالوا ‪) :‬استوى على العرش بذاته(‪ ،‬وهـي زيـادة لم تنقـل ‪ ،‬إنما فهموها من‬
‫إحساسهم ‪ ،‬وهو ان المستوي على الشيء إنما تستوي عليه ذاته‪ ،‬قال أبو حامد‪ :‬الستواء مماسته وصفة لذاته ‪ ،‬والمراد به القعود ‪ ،‬قال‪ :‬وقد‬
‫ذهبت طائفة من أصحابنا إلى أن ال سبحانه وتعالى على عرشه ما مله‪ ،‬وانه يقعد فيـه ‪ ،‬ويقعـد نبيه صلى ال عليه وسلم معه على العرش‪.‬‬

‫قال أبو حامد ‪ :‬والنـزول هو انتقال‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وعلى ما حكى تكون ذاتـه أصغر من العرش فالعجب من قول هـذا ‪ ،‬ما نحن مجسمة‪ . .‬؟؟!!‬

‫وقيل لبن الزاغوني‪ :‬هل تجددت له صفـة لم تكـن له بعد خلق العرش ‪ . .‬؟ قال ‪ :‬ل إنما خلق العالم بصفة التحت ‪ ،‬فصار العالم بالضافة إليه‬
‫أسفل فإذا ثبت لحدى الذاتين صفـة التحـت تثبت للخرى صفة استحقاق الفوق قال ‪ :‬وقد ثبت أن الماكن ليست في ذاته ‪ ،‬ول ذاته فيهـا ‪،‬‬
‫فثبت انفصاله عنها ‪ ،‬ول بد من شيء يحصل به الفصل ‪ ،‬فلما قال‪ُ) :‬ثَم ِاستوى( علمنا اختصاصه بتلك الجهة‪.‬‬

‫قال ابن الزاغوني ‪ :‬ول بد أن تكون لذاته نهاية وغاية يعلمها‪.‬‬

‫ل بين الخالق والمخلوق فقد حدده ‪ ،‬وأقر بأنه جسم ‪ ،‬وهو يقول فـي كتابـه‪ :‬إنه ليس‬
‫قلت‪ :‬وهذا رجل ل يدري ما يقول لنه إذا قدر غاية وفص ً‬
‫بجوهر ‪ ،‬لن الجوهر ما تحيز ثم يثبت له مكانًا يتحيز فيه‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا كلم جهل من قائله وتشبيه محض ‪ ،‬فما عرف هذا الشيخ ما يجب للخالق ‪ ،‬وما يستحيل عليه‪ .‬فإن وجوده تعالـى ليس كوجود‬
‫الجواهر والجسام التي ل بد لها من حيز ‪ ،‬والتحت والفوق إنما يكون فيما يقابل ويحاذي ‪ ،‬ومن ضرورة المحاذي أن يكون أكبر من المحـاذي‬
‫أو أصغر أو مثله ‪ ،‬وان هذا ومثله إنما يكون فـي الجسام ‪ ،‬وكل ما يحـاذي الجسام يجـوز أن يمسها ‪ ،‬وما جاز عليه مماسة الجسام ومباينتها‬
‫فهو حادث ‪ ،‬إذ قد ثبت أن الدليل على حدوث الجواهر قبولهـا للمباينـة والمماسـة‪ .‬فإذا أجـازوا هـذا عليـه ‪ ،‬قالوا بجـواز حدوثـه ‪ ،‬وإن منعوا‬
‫جواز هذا عليه ‪ ،‬لم يبق لنا طريق لثبات حدوث الجواهر ‪ ،‬ومتى قدرنا مستغنيًا عن المحل والحيز ومحتاجًا إلى الحيز ‪ ،‬ثم قلنا ‪ ،‬إما أن يكون‬
‫ل‪.‬‬
‫متجاورين أو متباينين ‪ ،‬كان ذلك محا ً‬

‫فإن التجاور والتباين من لوازم المتحيز فـي المتحيزات ‪ ،‬وقد ثبت أن الجتماع والفتراق من لوازم المتحيز ‪ ،‬والحق سبحانه وتعالى ل‬
‫يوصف بالتحيز ‪ ،‬لنه لو كان متحيزًا لم يخل إما أن يكون ساكنًا في حيزه ‪ ،‬أو متحركًا عنـه ‪ ،‬ول يجـوز أن يوصف بحركـة ول سكـون ‪ ،‬ول‬
‫اجتماع ول افتـراق ‪ ،‬وما جاور أو باين ‪ ،‬فقد تناهى ذاتًا ‪ ،‬والمتناهي إذا خص بمقدار ‪ ،‬استدعى مخصصاً ‪ ،‬وكذا ينبغي أن يقال ‪ ،‬ليس بداخل‬
‫العالم ‪ ،‬وليس بخارج منه ‪ ،‬لن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات وهما كالحركة والسكون وسائر العراض التي تختص بالجرام‪ .‬وأما‬
‫قولهم‪ :‬خلق الماكن ل في ذاته ‪ ،‬فثبت انفصاله عنها‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬ذاته تعالى ل تقبل أن يخلق فيها شيء ‪ ،‬ول أن يحل فيها شيء ‪ ،‬والفصل من حيث الحس يوجب عليه ما يوجب على الجواهر ‪ ،‬ومعنى‬
‫الحيز أن الذي يختص به يمنع مثله أن يوجد ‪ ،‬وكلم هؤلء كله مبني على الحس ‪ ،‬وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط حتى قال بعضهم ‪:‬‬
‫إنا ذكر الستواء على العرش لنه أقرب الموجودات إليـه!! وهذا جهل أيضًا‪ .‬لن قرب المساحة ل يتصور إل في حق الجسم ‪ ،‬وقال بعضهم ‪:‬‬
‫جهـة العرش تحاذي مـا يقابلـه من الـذات ول تحـاذي جميع الذات‪ ،‬وهـذا صريح في التجسيم والتبعيـض ‪ ،‬ويعـز علينا كيف هذا القائل ينسب‬
‫إلـى مذهبنا ؟‬

‫عباِدِه(‪ .‬وجعلوا‬
‫ق ِ‬
‫طيب َوالَعَمل الصالح يرفعه(‪ .‬وبقوله ‪َ) :‬وُهَو القاهر َفو َ‬
‫واحتج بعضهم بأنه على العرش بقوله تعالى ‪) :‬إَِليِه َيصَعُد الَكَلُم ال َ‬
‫ذلك فوقية حسية‪ ،‬ونسوا أن الفوقية الحسية إنما تكون لجسم أو جوهر وأن الفوقية قد تطلق لعلو المرتبة فيقال ‪ :‬فلن فوق فلن ‪ ،‬ثم انه كما قال‬
‫‪) :‬فوق عباده( قال ‪) :‬وهو معكم(‪.‬‬

‫فمن حملها على العلم‪ ،‬حمل خصمه الستواء على القهر‪ .‬أخبرنا علي بن محمد بن عمر الدباس ‪ ،‬قال أنبأنا رزق ال بن عبد الوهاب التميمي‬
‫قال ‪ :‬كان أحمد بن حنبل يقول ‪ :‬الستواء صفة مسلمة وليست بمعنى القصد ول الستعلء‪ .‬قال‪ :‬وكان أحمد ل يقول بالجهة للباري لن‬
‫الجهات تخلي عما سواها‪ .‬وقال ابن حامد‪ :‬الحـق يختص بمكان دون مكان‪ ،‬ومكانه الذي هو فيه وجود ذاته على عرشه‪ .‬وقال‪ :‬وذهبت طائفة‬
‫إلى أن ال تعالى على عرشه‪ :‬قد مله ‪ ،‬والشبه أنه مماس للعرش الكرسي موضع قدميه‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬المماسة إنما تقع بين جسمين‪ ،‬وما أبقى هذا في التجسيم بقية ‪ . .‬؟ !!‬

‫فصل‬

‫واعلم أن كل من يتصور وجود الحق سبحانه وجودًا مكانيًا طلب له جهة كما أن من تخيل أن وجوده وجودًا زمانيًا طلب له مدة في تقدمـه علـى‬
‫العالـم بأزمنـة وكل التخييلين باطل‪ .‬وقد ثبت أن جميع الجهات تتساوى بالضافة إلـى القائل بالجهة فاختصاصه ببعضها ليس بواجب لذاته بل‬
‫هو جائز فيحتـاج إلـى مخصص يخصصه ويكون الختصاص بذلك المعنى زائدًا على ذاته وما تطرق الجواز إليه استحال قدمه لن القديم هو‬
‫الواجب الوجود من جميع الجهات‪ .‬ثم ان كل من هو في جهة يكون مقدرًا محدودًا وهـو يتعالـى عن ذلك وإنما الجهات للجواهر والجسام لنها‬
‫أجرام تحتاج إلى جهة والجهة ليست في جهة وإذا ثبت بطلن الجهة ثبت بطلن المكان ويوضحه أن المكان يحيط بمن فيه والخالق ل يحويه‬
‫شيء ول تحدث له صفة‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬فقـد أخرج فـي الصحيحين عن شريك بن عبد ال بن أبي نمر عن أنس بن مالك رضي ال عنه ‪ :‬أنه ذكر المعراج فقال فيه ‪) :‬فعل به‬
‫إلى الجبار تعالى( فقال ‪) :‬وهو في مكانه يا رب خفف عنا(‪.‬‬

‫فالجواب ‪ :‬ان أبا سليمان الخطابي قال‪ :‬هذه لفظة تفرد بها شريك‪ ،‬ولم يذكرها غيره وهو كثير التفرد بمناكير اللفاظ‪ ،‬والمكان ل يضاف إلى‬
‫ال عز وجل‪ ،‬إنما هو مكان النبي صلى ال عليه وسلم ومعناه‪ :‬مقامه الول الذي أقيم فيه‪.‬‬

‫قال الخطابي‪ :‬وفي هذا الحديث )فاستأذنت على ربي وهو في داره(‪.‬‬

‫يوهم مكانًا‪ ،‬وإنما المعنى ‪ ،‬في داره التي دورها لوليائـه‪ ،‬وقد قال القاضي‪ :‬أبو يعلي في كتابه )المعتمد( إن ال عز وجل ل يوصف بالمكان‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬نفي الجهات يحيل وجوده‪ ،‬قلنا ‪ :‬إن كان الموجود يقبل التصال والنفصال فقد صدقت ‪ ،‬فاما إذا لم يقبلهما فليس خلوه من طرف‬
‫النقيض بمحال‪.‬‬

‫فإن قيل ‪ :‬أنتم تلزموننا أن نقر بما ل يدخل تحت الفهم‪.‬‬


‫قلنا‪ :‬إن أردت بالفهم التخيل والتصور فإن الخالق ل يدخل تحت ذلك إذ ليس يحس ول يدخل تحت ذلك إل جسم له لون وقـدر فإن الخيال قد‬
‫أنس بالمبصرات فهو ل يتوهم شيئًا إل على وفق ما رآه لن الوهم من نتائـج الحس‪ ،‬وإن أردت أنه ل يعلم بالعقل فقـد دللنا أنه ثابت بالعقل لن‬
‫العقل مضطر إلى التصديق بموجب الدليل‪.‬‬

‫واعلم أنك لما لم تجد إل حسًا أو عرضًا وعلمت تنـزيه الخالق عن ذلك بدليل العقل الذي صرفك عن ذلك فينبغي أن يصرفك عن كونه متحيزًا‬
‫ل‪ ،‬ولما كان مثل هـذا الكلم ل يفهمه العامي قلنا‪ :‬ل تسمعوه ما ل يفهمه ودعوا اعتقاده ل تحركوه‪ ،‬ويقال إن ال تعالى‬‫أو متحركًا أو منتق ً‬
‫استوى على عرشه كما يليق به‪.‬‬

‫سماء(‪.‬‬
‫‪ (8‬ومن اليات قوله تعالى‪َ) :‬أَءَمنُتم َمن في ال َ‬

‫قلت‪ :‬وقد ثبت قطعًا أنها ليست على ظاهرها‪ ،‬لن لفظـة )في( للظرفية والحق سبحانه غير مظروف‪ ،‬وإذا مُنع الحس أن يتصرف فـي مثل‬
‫هـذا‪ ،‬بقي وصـف العظيم بما هو عظيم عند الخلق‪.‬‬

‫ل(‪ .‬أي في طاعته وأمره ‪ ،‬أي لن التفريط ل يقع إل في ذلك ‪ ،‬وأما الجنب‬
‫با َ‬
‫جن ِ‬
‫ت في َ‬
‫على ما َفَرط ُ‬
‫حسَرتي َ‬
‫‪ (9‬ومنها قوله تعالى‪) :‬يا َ‬
‫المعهود من ذي الجوارح ‪ ،‬فل يقع فيه تفريط‪.‬‬

‫جنبًا ِبَهِذِه الية‪.‬‬


‫ل َ‬
‫ن َُِ‬
‫ن ِبَأ َ‬
‫وقال ابن حامد‪ُ :‬نؤِم ُ‬

‫قلت ‪ :‬وآعجبًا من عدم العقول!! إذا لم يتهيأ التفريط في جنب مخلوق كيف يتهيأ في صفة الخالق؟!‬

‫وأنشد ثعلب وفسره‪) :‬خليلي كفا فاذكرا ال في جنبي( أي في أمري‪. . .‬‬

‫حنا(‪.‬‬
‫‪ (10‬ومنها قوله تعالى‪َ) :‬فَنفخنا فيِه ِمن َرو ِ‬

‫قال المفسرون‪ :‬أي من رحمتنا‪.‬‬

‫وإنما نسب الروح إليه‪ ،‬لنه بأمره كان‪.‬‬

‫ل(‪ .‬قلت ‪ :‬أي يؤذون أولياءه كقوله تعالى‪َ) :‬وَاسَأل الَقرَيةَ( أي‪ :‬أهلها‪.‬‬
‫نا َ‬
‫‪ (11‬ومنها قوله تعالى ‪ُ) :‬يؤذو َ‬

‫وقال النبي عليه الصلة والسلم‪) :‬أحد جبل يحبنا ونحبه(‪.‬‬

‫ب الَمجِل ِ‬
‫س‬ ‫ك يا ُكلي َ‬
‫ب َبعَد َ‬
‫َوِاسَت َ‬ ‫ك َأوَقَدت‬
‫ن الناَر َبعَد َ‬
‫ت َأ ّ‬
‫َأنَبئ َ‬ ‫قال الشاعر‪:‬‬

‫ظلٍل من الَغمامِ( أي بظلل‪.‬‬


‫ل في َ‬
‫ن ِإل َأن َيأتيُهُم ا َُ‬
‫ظرو َ‬
‫‪ (12‬ومنها قوله تعالى‪َ) :‬هل َين ُ‬

‫ك(‪.‬‬
‫جاء رُب َ‬
‫وكذلك قوله تعالى ‪) :‬و َ‬

‫قلت ‪ :‬قال القاضي أبو يعلى عن أحمد بن حنبل أنه قال ‪ :‬في قوله تعالى‪َ) :‬يَأتيُهُم( قال المراد به‪ :‬قدرته وأمره‪ ،‬قال‪ :‬وقد بينه في قوله تعالى ‪) :‬‬
‫ك( قال‪ :‬إنما هو قدرته‪.‬‬‫ك( ‪ ،‬ومثل هذا في القرآن‪َ) :‬وجاَء َرُب َ‬
‫َأو َيأتي َأمُر َرِب َ‬

‫قال ابن حامد ‪ :‬هذا خطأ‪ ،‬إنما ينـزل بذاته بانتقال‪.‬‬

‫ح ِمن َأمِر َربي(‪.‬‬


‫قلت ‪ :‬وهذا الكلم في ذاته تعالـى بمقتضى الحس ‪ ،‬كما يتكلم في الجسام‪ ،‬قال ابن عقيل في قوله تعالى‪ُ) :‬قل الرو ُ‬

‫قال‪ :‬ال كف خلقه عن السؤال عن مخلوق‪ ،‬فكفهم عن الخالق وصفاته أولى‪ .‬وأنشدوا‪:‬‬

‫جباِر في الَقَدِم‬
‫ف َكيفيِة ال َ‬
‫َفَكي َ‬ ‫س الَمرُء ُيدِرُكها‬
‫س َلي َ‬
‫َكيفيِة الَنف ِ‬
‫فصل‬

‫ذكر الحاديث التي سموها أخبار الصفات‬

‫اعلم أن للحاديث دقائق وآفات ل يعرفهما إل العلماء الفقهاء ‪ ،‬تارة في نظمها ‪ ،‬وتارة في كشف معناها ‪ ،‬وسنوضح بعض ذلك إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬

‫الحديث الول‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪) :‬خلق ال آدم على‬
‫صورته(‪.‬‬

‫قلت‪ :‬للناس في هذا مذهبان‪ .‬أحدهما‪ :‬السكوت عن تفسيره ‪ ،‬والثاني ‪ :‬الكلم في معناه ‪ ،‬واختلف أرباب هذا المذهب في الهاء على من تعود‪..‬؟‬
‫على ثلثة أقوال‪:‬‬

‫ل وهو يقول‪ :‬قبح ال وجهك ووجه من أشبه‬


‫أحدها‪ :‬تعود على بعض بني آدم‪ ،‬وذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم مر برجل يضرب رج ً‬
‫وجهك‪ .‬فقال‪) :‬إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن ال تعالى خلق آدم على صورته(‪ .‬قالوا‪ :‬وإنما اقتصر بعض الرواة على بعض الحديث فيحمل‬
‫المقتصر على المفسر قالوا‪ :‬فوجه من أشبه وجهك يتضمن سب النبياء والمؤمنين‪.‬‬

‫إنما خص آدم بالذكر‪ ،‬لنه هو الذي ابتدأت خلقه وجهه على هذه الصورة التي احُتذي عليها من بعده‪ ،‬وكأنه نبه على أنك سببت آدم وأنت من‬
‫أولده وذلك مبالغة في زجره‪ ،‬فعلى هذا تكون الهاء كناية عن المضروب‪ ،‬ومن الخطأ الفاحش أن ترجع إلى ال عز وجل بقوله‪ :‬ووجه من‬
‫أشبه وجهك فإنه إذا نسب إليه شبه سبحانه وتعالى كان تشبيهًا صريحًا‪.‬‬

‫وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪) :‬إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه‪ ،‬فإن ال‬
‫تعالى خلق آدم على صورته(‪.‬‬

‫القول الثاني‪) :‬إن الهاء كناية عن إسمين ظاهرين( ‪ ،‬فل يصح أن يضاف إلـى ال عز وجل لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة‪ ،‬فعادت إلى‬
‫آدم‪ ،‬ومعنى الحديث‪ :‬إن ال خلق آدم على صورته التي خلقه عليها تامًا لم ينقله من نطفة إلى علقة هذا مذهب أبي سليمان الخطابي‪ ،‬وقد ذكره‬
‫ثعلب في أماليه‪.‬‬

‫القول الثالث‪) :‬إنها تعود إلـى ال تعالى( وفي معنى ذلك قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أن تكون صورة ِملك‪ ،‬لنها فعله‪ ،‬فتكون إضافتها إليه من وجهين‪:‬‬

‫طَهرا َبيتي ِللطاِئفين(‪.‬‬


‫أحدهما ‪ :‬التشريف بالضافة كقوله تعالـى‪) :‬أن َ‬

‫والثاني ‪ :‬لنه ابتدعها على غير مثال سابق‪.‬‬

‫خلق على صورة الرحمن(‪.‬‬


‫وقد روي هذا الحديث من طريق ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪) :‬ل تقبح الوجه فإن آدم ُ‬

‫قلت ‪ :‬هذا الحديث فيه ثلثة علل‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬أن الثوري والعمش اختلفا فيه فأرسله الثوري ورفعه العمش‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬أن العمش كان يدلس فلم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت‪.‬‬

‫والثالثة ‪ :‬أن حبيبًا كان يدلس فلم يعلم أنه سمعه من عطاء‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذه أدلة توجب مهنًا في الحديث ثم هو محمول على اضافة الصورة إليه ُملكًا‪.‬‬

‫والقول الثاني‪ :‬أن تكون صورة بمعنى الصفة‪ .‬تقول ‪ :‬هذا صورة هذا المر‪ :‬أي صفته‪ ،‬ويكون المعنى خلق آدم على صفته من الحياة والعلم‬
‫والقدرة والسمع والبصر والرادة والكلم فميزه بذلك على جميع الحيوانات‪ ،‬ثم ميزه على الملئكة بصفة التعالي حين أسجدهم له‪ .‬وقال ابن‬
‫عقيل إنما خص آدم بإضافة صورته إليه لتخصيصه وهـي السلطنة التي تشاكلها الربوبية استعبادًا وسجودًا وأمرًا نافذًا وسياسات تعمر بها‬
‫البلد ويصلح به العباد وليس في الملئكة والجن من تجمع على طاعته نوعه وقبيله سوى الدمي‪.‬‬

‫وإن الصورة هاهنا معنوية ل صورة تخاطيط‪ ،‬وقد ذهب أبو محمد بن قتيبة في هذا الحديث إلى مذهب قبيح فقال ‪ :‬ل صورة ل كالصور فخلق‬
‫آدم عليها‪..‬؟؟ وهذا تخليط وتهافت لن معنى كلمه ‪ :‬إن صورة آدم كصورة الحق‪.‬‬

‫وقال القاضي أبو يعلي‪ :‬يطلق على الحق تسمية الصورة ل كالصور كما أطلقنا اسم ذاته‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا تخليط‪ ،‬لن الذات بمعنى الشيء ‪ ،‬وأما الصورة فهي هيئة وتخاطيط وتأليف‪ ،‬وتفتقر إلـى مصور ومؤلف وقول القائل ل كالصور‪،‬‬
‫نقض لما قاله‪ ،‬وصار بمثابة من يقول‪ :‬جسم ل كالجسام‪ ،‬فإن الجسم ما كان مؤلفا ‪ ،‬فإذا قال‪ :‬ل كالجسام نقض ما قال‪.‬‬

‫الحديث الثاني‬

‫روى عبد الرحمن بن عياش ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪) :‬رأيت ربي في أحسن صورة ‪ ،‬فقال لـي‪ :‬فيم‬
‫يختصم المل العلى يا محمد قلت‪ :‬أنت أعلم يا رب‪ ،‬فوضع كفه بين كتفي‪ ،‬حتى وجدت بردها بين ثديي‪ ،‬فعلمت ما في السموات والرض(‪.‬‬

‫قال أحمد رضي ال عنه ‪ :‬أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة يرويه معاذ عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وكل أسانيده مضطربة ليس‬
‫فيها صحيح‪ ،‬ورواه قتادة عن أنس واختلف على قتادة فرواه يوسف بن عطية عن قتادة ووهم فيه‪ ،‬ورواه هشام عن قتادة عن أبي قلبة عن‬
‫خالد بن اللجلج عن ابن عباس ووهم في قوله عن ابن عبـاس وإنما رواه خالد عن عبد الرحمن بن عائش وعبد الرحمن لم يسمعه من رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وإنما رواه عـن مالك بن يخامر عن معاذ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬قد ذكرنا أنه ل يصح‪ ،‬وقال أبو بكر البيهقي‪ :‬فقد ُروي عن أوجه كلها ضعيفة وأحسن طرقه تدل على أن ذلك كان في النوم‪.‬‬

‫وقد روي من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪) :-‬أتاني آت في أحسن صورة‪ .‬فقال‪ :‬فيم‬
‫يختصم المل العلى ‪ . .‬؟ فقلت‪ :‬ل أدري ‪ ،‬فوضع كفه بين كتفي ‪ ،‬فوجدت بردها بين ثديي ‪ ،‬فعرفت كل شيء يسألني عنه(‪.‬‬

‫وروي من حديث ثوبان قال ‪ :‬خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد صلة الصبح ‪ ،‬فقال ‪) :‬إن ربي أتاني اليلة في أحسن صورة فقال‬
‫لـي ‪ :‬يا محمد‪ :‬فيم يختصم المل العلى؟ قلت ‪ :‬ل أدري يا رب ‪ ،‬فوضع كفه بين كتفي ‪ ،‬حتى وجدت برد أنامله في صدري ‪ ،‬فتجلى لـي ما‬
‫بين السماء والرض(‪.‬‬

‫وروي عن أبي عبيدة بن الجراح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪) :‬لما كنت ليلة أسري بي رأيت ربي في أحسن صورة(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذه أحاديث مختلفة ‪ ،‬وليس فيها ما يثبت وفي بعضها أتاني آت وذلك يرفع الشكال ‪ ،‬وأحسن طرقها يدل على أن ذلك كان في النوم‬
‫ورؤيا المنام وهم والوهام لتكون حقائق وأن النسان يرى كأنه يطير أو كأنه صار بهيمة وقد رأى أقوام في منامهم الحق سبحانه على‬
‫ي والرضى عني ‪،‬‬ ‫ماذكرنا وإن قلنا إنه رأه في اليقظة فالصورة إن قلنا ترجع إلى ال تعالـى ‪ ،‬فالمعنى رأيُته على أحسن صفاته من القبال عل ّ‬
‫وإن قلنا ترجع إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فالمعنى رأيته وأنا على أحسن صورة‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬والعجب مع اضطراب هذه الحاديث وكون مثلها ل َيثبُت به حكم فـي الوضوء ]كيف يحتجون بها في العقائد؟![ وروي ابن حامد من‬
‫حديث ابن عباس رضي ال عنهما عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪) :‬ولما أسري بي رأيت الرحمن تعالى في صورة شاب أمرد ‪ ،‬له‬
‫نور يتلل ‪ ،‬وقد نهيت عن وصفه لكم ‪ ،‬فسألت ربي أن يكرمني برؤيته ‪ ،‬وإذا هو كأنه عروس حين كشف عن حجابه مستٍو على عرشه(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هـذا الحديث كذب قبيح‪ .‬ما روي قط فـي صحيح ول في كذب مشهور‪ .‬فأبعد ال من عمله‪ ،‬فقد كنا نقول‪ :‬ذلك فـي المنام ‪ ،‬فذكر هذا في‬
‫ليلة السراء كافأهم ال وجزاهم النار‪ ،‬يشبهون ال بعروس ‪ . .‬؟ ما قال هذا مسلم ‪ . .‬؟؟‬

‫وأما ذكر البرد في الحديث الماضي ‪ ،‬فإن البرد عرض ‪ ،‬ل يجوز أن ينسب إلى ال تعالى‪ .‬وقد ذكر القاضي أبو يعلى في كتاب الكفاية عن‬
‫أحمد ‪) :‬رأيت ربي في أحسن صورة( ‪ ،‬أي‪ :‬في أحسن موضع‪.‬‬
‫الحديث الثالث‬

‫روت أم طفيل امرأة ُأبي رضي ال عنهما ‪ ،‬أنها سمعت رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يذكر أنه‪) :‬رأى ربه عز وجل في المنام في أحسن‬
‫صورة‪ ،‬شابًا موقرًا ‪ ،‬رجله فـي خضرة‪ ،‬عليه نعلن من ذهب ‪ ،‬على وجهه فراش من ذهب(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا الحديث يرويه ُنعيم بن حماد بن معاوية المروزي‪ ،‬قال ابن عدي ‪ :‬كان يضع الحديث‪ .‬وقال يحيى بن معين ‪ :‬ليس ُنعيم بشيء في‬
‫الحديث‪ .‬وفي إسناده مروان بن عثمان عن عمارة بن عامر ‪ ،‬قال أبو عبد الرحمن النسائي‪ :‬ومن مروان حتى يصدق على ال عز وجل؟ وقال‬
‫مهنى بن يحيى ‪ ،‬سئلت أحمد عن هذا الحديث ‪ ،‬فأعرض بوجهه وقـال ‪ :‬هذا حديث منكر مجهول يعني مروان بن عثمان قال ول يعرف أيضًا‬
‫عمارة‪.‬‬

‫وقد روى عبيد ال بن أبي سلمة قال ‪ :‬بعث ابن عمر إلى عبد ال بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه؟ فأرسل إليه أن نعم قد رآه‪ .‬فرد الرسول‬
‫إليه كيف رآه؟ قال ‪ :‬رآه على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملئكة في صورة رجل‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا الحديث تفرد به ابن إسحاق وكذبه جماعة من العلماء‪.‬‬

‫وفي رواية عن ابن عباس )رآه كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا يرويه إبراهيم بن الحكم بن ابان وقد ضعفه يحيى بن معين وغيره‪.‬‬

‫وفي رواية ابن عباس ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪) :‬رأيت ربي أجعد أمرد عليه حلة خضراء(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا يروى من طريق حماد بن سلمة وكان ابن أبي العوجاء الزنديق ربيب حماد ‪ ،‬وكان يدس في كتبه هذه الحاديث ‪ ،‬على أن هذا كان‬
‫منامًا والمنام خيال‪.‬‬

‫ومثل هذه الحاديث ل ثبوت لها ‪ ،‬ول يحسن أن يحتج بمثلها في الوضوء ‪ ،‬وقد أثبت بها القاضي أبو يعلى ل تعالى صفات فقال ‪ :‬قوله ‪:‬‬
‫شاب ‪ ،‬وأمرد ‪ ،‬وجعد ‪ ،‬وقطط‪ ،‬والفراش والنعلن والتاج‪ .‬قال ‪ :‬ثبت ذلك تسمية ل يعقل معناها ‪ ،‬وليس في إثباتهـا أكثر من تقريب المحدث‬
‫من القديم وذلك جائز كما روي )يدني عبده إليه( يعني يقربه إلى ذاته‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ومن يثبت بالمنام ‪ ،‬وبما ل يصح نقله صفات؟!‪،‬‬

‫وقد عرفنا معنى الشاب والمرد ماهو!!‬

‫ثم يقول ‪ :‬ما هو كما نعلم ‪ ،‬كمن يقول ‪ :‬قام فلن وما هو قائم ‪ ،‬وقعد وليس بقاعد‪.‬‬

‫قال ابن عقيل ‪ :‬هذا الحديث مقطوع بأنه كذب‪.‬‬

‫ل ‪ ،‬وصار هـذا كما لو أخبرنا جماعة من المعدلين ‪ :‬بأن جمل البزاز دخل في خرم إبرة الخياط‪ .‬فإنه‬
‫ثم ل تنفع ثقة الرواة إذا كان المتن مستحي ً‬
‫ل حكم لصدق الرواة مع استحالة خبرهم‪.‬‬

‫الحديث الرابع‬

‫روي عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪) -‬انتهيت ليلة أسري بي إلى السماء فرأيت ربي ‪ ،‬فرأيت‬
‫كل شيء من ربي ‪ ،‬حتى لقد رأيت تاجًا مخوصًا من لؤلؤ(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هـذا يرويه أبو القاسم عبـد ال بن محمد بن اليسع عن القاسم بن إبراهيم‪ .‬قال الزهري ‪ :‬كنت أقعد مع ابن اليسع ساعة فيقول ‪) :‬قد‬
‫ختمت الختمة منذ قعدت وقاسم ليس شيء(‪.‬‬

‫قال الدارقطني ‪ :‬هو كذاب‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬كافأ ال عن عمل مثل هذا الحديث‪.‬‬


‫الحديث الخامس‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي ال تعالى عنه عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪:‬‬

‫)يجمع ال الناس فيقول ‪ :‬من كان يعبد شيئًا فليّتبعه ‪ ،‬فيتبعون ما كانوا يعبدون ‪ ،‬وتبقى هذه المة فيها منافقوها ‪ ،‬فيأتهم ال عز وجل في غير‬
‫الصورة التي كانوا يعرفون فيقول ‪ :‬أنا ربكم‪ .‬فيقولون نعوذ بال منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا‪ .‬فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم في الصورة التي‬
‫يعرفون ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أنا ربكم‪ .‬فيقولون ‪ :‬أنت ربنا ‪. .‬؟(‬

‫وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪) :‬فيأتيهم الجبار في غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة‪.‬‬
‫فيقول أنا ربكم‪ ،‬فيقولون أنت ربنا‪ ،‬فل يكلمه إل النبياء‪ .‬فيقال ‪ :‬هل بينكم وبينه آية تعرفونها‪. . .‬؟ فيقولون ‪ :‬الساق‪ .‬فيكشف عن ساقه فيسجد‬
‫له كل مؤمن ‪.(. . .‬‬

‫قلت ‪ :‬إعلم أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬ل تجوز عليه الصورة التي هي هيئة وتأليف‪.‬‬

‫ل فرؤيته بعد أن لم‬


‫قال أبو سليمان الخطابي ‪ :‬معنى )فيأتيهم ال( أي يكشف الحجاب لهم حتى يرونه عيانًا كما كانوا عرفوه في الدنيا استدل ً‬
‫يكونوا رأوه بمنزلة اتيان التي ولم يكن شوهد من قبل‪.‬‬

‫وأما الصورة فتتأول على وجهين أحدهما ‪ :‬أنها بمعنى الصفة‪ ،‬يقال صورة المر كذا‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬أن المذكورات من المعبودات في أول الحديث صور يخرج الكلم على نوعين من المطابقة ‪ ،‬وقوله )فـي غيـر صورة رأوه فيها(‬
‫دليل على أن المراد بالصورة الصفة لنهم ما رأوه قبلها فعلمت أن المراد الصفة التي عرفوه فيها‪.‬‬

‫وقال غيره من العلماء ‪ :‬يأتيهم بأهوال القيامة ‪ ،‬وصور الملئكة ‪ ،‬ما لم يعهدوا مثله في الدنيا ‪ ،‬فيستعيذون من تلك الحال‪ ،‬ويقولون ‪ :‬إذا جاء‬
‫ربناه عرفناه ‪ ،‬أي أتـى بما يعرفونه من لطفه ‪ ،‬وهي الصورة التي يعرفون فيكشف عن ساق ‪ :‬أي عـن شدة كأنه يرفع تلك الشدائد المهولة ‪،‬‬
‫فيسجدون شكرًا ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬صورة يمتحن إيمانهم بها ‪ ،‬كما يبعث الدجال فيقولون ‪ :‬نعوذ بال منك‪.‬‬

‫وفي حديث أبي موسى عن رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪) :-‬أن الناس يقولون ‪ :‬إن لنا ربًا كنا نعبده في الدنيا فيقال ‪ :‬أوتعرفونه إذا‬
‫رأيتموه‪...‬؟ فيقولون ‪ :‬نعم‪ .‬فيقال ‪ :‬كيف تعرفونه ولم تروه‪...‬؟ فيقولون‪ :‬إنه ل شبيه له ‪ ،‬فيكشف الحجاب فينظرون إلى ال عز وجل فيخرون‬
‫سجدًا(‪.‬‬

‫قال ابن عقيل ‪ :‬الصورة على الحقيقة تقع على الشكال والتخاطيط ‪ ،‬وذلك من صفات الجسام ‪ ،‬والذي صرفنا عن كونه جسمًا الدلة القطعية‬
‫شيء(‪.‬‬
‫س َكَمَثِلِه َ‬
‫كقوله‪َ) :‬لي َ‬

‫ل العراض ‪ ،‬جاز عليه ما يجوز على الجسام ‪ ،‬وافتقر إلى‬ ‫ومن الدلة العقلية ‪ :‬أنه لو كان جسمًا لكان صورة وعرضًا ‪ ،‬ولو كان حام ً‬
‫صانع ‪ ،‬ولو كان جسمًا مع قدمه ‪ ،‬جاز قدم أحدنا ‪ ،‬فاحوجتنا الدلة إلى تأويل صورة تليق أضافتها إليه ‪ ،‬وما ذلك إل الحال الذي يوقع عليه‬
‫أهل اللغة اسم صورة فيقولون كيف صورتك مع فلن؟ وفلن‪ ...‬على صورة من الفقر‪ .‬والحال التي أنكروها الغضب ‪ ،‬والتـي يعرفونها‬
‫اللطف‪ .‬فيكشف عن الشـدة ‪ ،‬والتغيرات أليق بفعله ‪ ،‬فأما ذاته ‪ ،‬فتعالى عن التغير نعوذ بال أن يحمل الحديث على ما قالته المجسمـة إن‬
‫ل فليس‬
‫فخرجوه في صورة إن كانت حقيقية ‪ ،‬فذلك استحالة‪ .‬وإن كانت تخي ً‬‫الصورة ترجع إلى ذاته ‪ ،‬فإن في ذلك تجويز التغير على صفاته‪ّ .‬‬
‫ذلك هو ‪ ،‬إنما يريهم غيره‪.‬‬

‫الحديث السادس‬

‫روى مسلم في صحيحه من حديث المغيرة عن رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪) :‬ل شخص أغير من ال ‪ ،‬ول شخص أحب إليه‬
‫العذر من ال ‪ ،‬ول شخص أحب إليه المدحة من ال(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬لفظة )الشخص( يرويها بعض الرواة ‪ ،‬ويروي بعضهم )لشيء أغير من ال(‪.‬‬

‫والرواة يروون بما يظنون به المعنى فيكون لفظ شخص من تغيير الرواة ‪ ،‬والشخص ل يكون إل جسمًا مؤلفًا ‪ ،‬وسمي شخصًا فإن له شخوصًا‬
‫وارتفاعًا والصواب أنه يرجع ذكر الشخص إلى المخلوقين ل أن الخالق يقال له شخص ‪ ،‬ويكون المعنى‪) :‬ليس منكم أيها الشخاص أغير من‬
‫ال( ‪ ،‬لنه لما اجتمع الكل بالذكر‪ ،‬سمي بأسمائهم‪ .‬ومثل هذا قول ابن مسعود ‪) :‬ما خلق ال من جنة ول نار أعظم من آية الكرسي(‪.‬‬
‫خيَر‬
‫جنَة َيوَمئذ َ‬
‫قال المام أحمد بن حنبل رحمه ال تعالى ‪ :‬الخلق يرجع إلـى الجنة ‪ ،‬والنـار ل إلـى القرآن ومن هذا الجنس قوله تعالـى‪) :‬ال َ‬
‫ل( ومعلوم أن أهل النار ل مستقر لهم ول مقيل‪ .‬ويمكن أن يكون هذا من باب المستثنى من غير الجنس كقوله تعالى‪) :‬ما‬ ‫ُمسَتقرًا َوَأحسنَ َمقي ً‬
‫ظن(‪ .‬وقد أجاز بعضهم إطلق الشخص على ال تعالى وذلك غلط لما بيناه‪.‬‬ ‫علم ِإل ِاتباع ال َ‬
‫َلُهم ِبِه ِمن ِ‬

‫وأما الغيرة ‪ :‬فقد قال العلماء ‪ :‬كل من غار من شيء اشتدت كراهيته له ‪ ،‬فلما حرم الفواحش وتوعد عليها وصفه رسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫بالغيرة‪.‬‬

‫الحديث السابع‬

‫روى أبو موسى الشعري رضي ال عنه عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪) :‬إن ال خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الرض(‪.‬‬
‫المعنى مقدار قبضته وليست على ما يتصور من قبضات المخلوقين فإن الحق منـزه عن ذلك‪.‬‬

‫طَمسنا َأعُيُنُهم(‪.‬‬
‫وإنما أضيفت القبضة إليه لن أفعال المملوك تنسب إلى المالك ‪ ،‬وذلك أنه بعث من قبض كقوله تعالى ‪َ) :‬ف َ‬

‫خَلق ُ‬
‫ت‬ ‫جد ِلَمن َ‬
‫وقد روي محمد بن سعد في كتاب الطبقات ‪ :‬أن ال تعالى بعث إبليس فأخذ من أديم الرض فخلق منه آدم فمن ثم قال )َأَأس ُ‬
‫طينًا(‪.‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى‪ :‬ل يمتنع إطلق اسم القبض إليه وإضافة القبضة ل على معنى الجارحة ول على المعالجة والممارسة‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬فيقال له ‪ :‬أطلقت وما تدري‪.‬‬

‫الحديث الثامن‬

‫طيب في يمينه ‪ ،‬وكل خبيث في يده الخرى ‪ ،‬ثم خلط بينهما ‪،‬‬
‫روى سليمان قال ‪) :‬إن ال تعالى لما خمر طينة آدم ضرب بيده فيه ‪ ،‬فخرج كل َ‬
‫فمن ثم يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي(‪.‬‬

‫مثل لما جرت به القدار‪.‬‬


‫قلت ‪ :‬وهذا مرسل وقد ثبت بالدليل أن ال سبحانه وتعالى ل يوصف بمس شيء ‪ ،‬فإن صح فضرب ٍ‬

‫وقال القاضي أبو يعلى ‪ :‬تخمير الطين وخلط بعضه ببعض مضاف إلى اليد التي خلق بها آدم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا التشبيه المحض‪ . .‬؟‬

‫الحديث التاسع‬

‫روى عبيد بن حنين قال ‪ :‬بينما أنا جالس في المسجد ‪ ،‬إذ جاء قتادة بن النعمان فجلس يتحدث ثم قال ‪) :‬انطلق بنا إلى أبي سعيد الخدري ‪ ،‬فإني‬
‫قد أخبرت أنه قد اشتكى ‪ ،‬فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد فوجدناه مستلقيًا واضعًا رجله اليمنى على اليسرى ‪ ،‬فسلمنا عليه وجلسنا ‪ ،‬فرفع‬
‫قتادة يده إلى رجل أبي سعيد ‪ ،‬فقرصها قرصة شديدة فقال أبو سعيد ‪ :‬سبحان ال يا ابن أم أوجعتني(‪.‬‬

‫فقال ‪ :‬ذلك أردت‪ ،‬ان رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪) :‬إن ال لما قضى خلقه ‪ ،‬استلقى ثم وضع إحدى رجليه على الخرى ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫ل ينبغي لحد من خلقي أن يفعل هذا(‪ .‬قال أبو سعيد ‪ :‬ل جرم ل أفعله أبدًا‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وقد رواه عبد ال بن أحمد عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصاغاني قال ‪ :‬حدثني إبراهيم بن المنذر ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا محمد بن فليح عن‬
‫سعيد بن الحارث عن عبيد ال بن حنين‪.‬‬

‫قلت‪ :‬قال عبد ال بن أحمد بن حنبل ‪ :‬ما رأيت هذا الحديث في ديوان من دواوين الشريعة المعتمد عليها‪ .‬وكان أحمد بن حنبل يذم إبراهيم بن‬
‫المنذر ويتكلم فيه ‪ ،‬وقال زكريا الساجي عنده مناكير ‪ ،‬وقال يحيى بن معين ‪ :‬فليح ليس حديثه بالجائز‪ .‬وقال مرة ‪ :‬هو ضعيف ‪ ،‬وقال النسائي‬
‫‪ :‬ليس بالقوي‪.‬‬

‫وأما عبيد بن حنين فقال البخاري ‪ :‬ل يصح حديثه في أهل المدينة ‪ ،‬وقال أبو بكر البيهقي ‪ :‬إذا كان فليح مختَلفًا في جواز الحتجاج عند الحفاظ‬
‫به لم يثبت بروايته مثل هذا المر العظيم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وفي الحديث علة أخرى ‪ ،‬وهي أن قتادة بن النعمان مات في خلفة عمر بن الخطاب رضي ال عنه ‪ ،‬وعبيد بن حنين مات سنة خمس‬
‫ومائة‪ .‬وله خمس وسبعون سنة‪ ،‬في قول الواقدي ‪ ،‬فتكون روايته عن قتادة بن النعمان منقطعة‪ .‬وقول الراوي ‪ :‬فانطلقنا حتى دخلنا على أبي‬
‫سعيد ل يرجع إلى عبيد بن حنين وإنما يرجـع إلى من أرسله عنه ونحن ل نعرفه قال ‪ :‬ول نقبل المراسيل في الحكام فكيف في هذا المر‬
‫العظيم‪.‬‬

‫قال المام أحمـد ‪ :‬ثم لو صح طريقه احتمل أن يكون رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬حدث به عن بعض أهل الكتاب على طريق النكار‬
‫عليهم ‪ ،‬فلم يفهم قتادة إنكاره عليهم‪.‬‬

‫ل يحدث عن رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فاستمع له الزبير حتى إذا قضى‬ ‫قلت ‪ :‬ومن هذا الفن حديث رويناه ‪ ،‬أن الزبير سمع رج ً‬
‫الرجل حديثه ‪ ،‬قال له الزبير ‪) :‬أنت سمعت هذا من رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪..-‬؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا وأشباهه يمنعنا أن نحدث عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬لعمري سمعت هذا من رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وأنا يومئذ حاضر ولكن رسول ال ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬ابتـدأ بهذا الحديث‪ ،‬فحدثناه عن رجل من أهل الكتاب حدثه إياه ‪ ،‬فجئت أنت يومئذ بعد انقضاء صدر الحديث ‪ ،‬وذكر الرجل الذي‬
‫من أهل الكتاب فظننت به أنه من حديث رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪.-‬‬

‫قلت ‪ :‬وغالب الظن أن الشارة في حديث الزبير إلى حديث قتادة ‪ ،‬فإن أهل الكتاب قالوا ‪ :‬إن ال تعالى لما خلق السموات والرض استراح‬
‫سنا ِمن َلغوب(‪.‬‬
‫فنـزل قوله تعالى ‪َ) :‬وما َم َ‬

‫فيمكن أن يكون رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬حكى ذلك عنهم ‪ ،‬ولم يسمـع قتـادة أول الكلم‪.‬‬

‫وقد روى أبو عبد الرحمن بن أحمد في كتاب )السنة( عن أبي سفيان قال‪) :‬رأيت الحسن قد وضع رجله اليمنى على شماله وهو قاعد ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫سنا من َلغوب(‪.‬‬
‫سَتِة َأيام َوما َم َ‬
‫ت َوالرض َوما َبيَنُهما في ِ‬
‫سموا ِ‬
‫يا أبا سعيد تكره هذه القعدة ‪ .‬؟ فقال ‪ :‬قاتل ال اليهود ثم قرأ‪َ) :‬وَلَقد خَلقنا ال َ‬
‫فعرفت ما عنى فامسكت‪.‬‬

‫قلت‪ :‬إنما أشار الحسن إلـى ما ذكرناه عن اليهود‪.‬‬

‫وروينا عن العوام بن حوشب قال ‪ :‬سألت أبا مجلز عن رجل يجلس فوضع إحدى رجليه على الخرى قال‪ :‬ل بأس وانما ذكره ذاك اليهود‬
‫زعموا ان ال عز وجل خلق السموات والرض وما بينهما في ستة أيام‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وقد تأول بعض العلماء الحديث الذي نحن فيه على تقدير الصحة فقال ‪ :‬معنى استلقى أتم خلقه ‪ ،‬وفرغ يقال فلن بنى لفلن داره‬
‫ل على رجل أي وضع بعض المخلوقات على بعض‪.‬‬ ‫واستلقى على ظهره أي لم يبق له فيها عمل‪ .‬وقوله‪ :‬وضع رج ً‬

‫ل على رجل ثم قال‪ :‬ل على وجه يعقل معناه‪ .‬قال‪ :‬ويفيد الحديث إثبات‬
‫وذهب القاضي أبو يعلى إلى جعل الستلقاء صفة وأنه وضع رج ً‬
‫رجلين‪.‬‬

‫ل لم نثبت صفة بأخبار آحاد‪.‬‬


‫قلت‪ :‬ولو لم يعقله ما أثبت رجلين ول نثبت صفات بمثل هذا الحديث المعلول ‪ ،‬ولو لم يكن معلو ً‬

‫ل على رجل وإنما يكره هذا لمن ل‬


‫وقد صح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأبي بكر وعمر ‪ ،‬أنهم كانوا يستلقون ويضعون رج ً‬
‫سراويل له‪.‬‬

‫الحديث العاشر‬

‫ل من المشركين سب رسول ال صلى ال عليه وسلم فحمل عليه رجل من المسلمين فقاتله وقتل‬
‫روى القاضي أبو يعلى عن ابن عطية ان رج ً‬
‫الرجل‪.‬‬

‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪) :‬ما تعجبون من نصر ال ورسوله لقي ال متكئًا فقعد له(‪.‬‬

‫قلت‪ :‬هذا حديث مقطوع بعيد الصحة ‪ ،‬ولو كان له وجه كان المعنى ‪ :‬فأقبل عليه وأنعم‪.‬‬
‫الحديث الحادي عشر‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪) :‬ل تزال جهنم يلقي فيها‬
‫وتقول ‪ :‬هل من مزيد ‪ . .‬؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينـزوي بعضها إلى بعض فتمتلئ(‪.‬‬

‫قلت‪ :‬الواجب علينا أن نعتقد أن ذات ال تعالى ل تتبعض ول يحويها مكان ول توصف بالتغير ول بالنتقال‪.‬‬

‫وقد حكى أبو عبيد الهروي عن الحسن البصري أنه قال ‪ :‬القدم ‪ :‬هم الذين قدمهم ال تعالى من شرار خلقه وأثبتهم لها‪.‬‬

‫وقال المام ابن العرابي ‪ :‬القدم المتقدم ‪ ،‬وروى أبو بكر البيهقي عن النضر بن شميل أنه قال ‪ :‬القدم ههنا الكفار الذين سبق في علم ال أنهم‬
‫من أهل النار‪.‬‬

‫وقال ‪ :‬أبو منصور الزهري ‪ ،‬القدم هم الذين قدم ال بتخليدهم في النار فعلى هذا يكون في المعنى وجهين أحدهما ‪ :‬كل شيء قدمه‪.‬‬

‫يقال ‪ :‬لما ُقّدم َقَدم‪ ،‬ولما ُهّدم َهَدم‪ ،‬ويؤيد هذا قوله في تمام الحديث )وأما الجنة فينشئ لها خلقًا(‪.‬‬

‫ووجه ثان ‪ :‬إن لكل قادم عليها سمي قادمًا ‪ ،‬فالقدم جمع قادم‪.‬‬

‫فبعض الرواة رواه بما يظنه المعنى من أن المقدم )الرّجل( ‪ ،‬وقد رواه الطبراني من طرق ‪ ،‬فقال ‪) :‬قدمه ورجله( قلت ‪ :‬وهذا دليل على تغير‬
‫الرجل( فإنه يقول ‪ :‬رجل من جراد‪ .‬فيكون المراد يدخلها جماعة يشبهون‬
‫الرواة بما يظنونه على أن الرّجل في اللغة جماعة‪ .‬ومن يرويه بلفظ ) ّ‬
‫في كثرتهم رجل الجراد ‪ ،‬فيسرعون التهافت فيها‪.‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى ‪ :‬القدم صفة ذاتية‪.‬‬

‫وقال ابن الزاغوني ‪ :‬نقول إنما وضع قدمه في النار ليخبرهم أن أصنافهم تحترق وأنا ل أحترق‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا اثبات تبعيض ‪ ،‬وهو من أقبح العتقادات‪.‬‬

‫الرجل‬
‫قلت ‪ :‬ورأيت أبا بكر بن خزيمة قد جمع كتابًا في الصفات وبوبه فقال‪ :‬باب إثبات اليد ‪ ،‬باب امساك السموات على أصابعه ‪ ،‬باب إثبات ّ‬
‫ن ِبها(‪.‬‬
‫طشو َ‬
‫ن ِبها َأم َلُهم َأيٍد َيب ُ‬
‫جٌل َيمشو َ‬
‫وإن رغمت أنوف المعتزلة‪ ،‬ثم قال ‪ :‬قال ال تعالى ‪َ) :‬أَلُهم َأر ُ‬

‫فأعَلَمنا أن من ل يد له ول ِرجل فهو كالنعام‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬واني لعجب من هذا الرجل مع علو قدره في علم النقل ‪ ،‬يقول هذا ويثبت ال ما ذم الصنام بعدمه من اليد الباطشة والرجل الماشية ‪،‬‬
‫ويلزمه أن يثبت الذن ‪ ،‬ولو رزق الفهم ما تكلم بهذا ‪ ،‬ولفهم أن ال تعالى عاب الصنام عند عابديها ‪ ،‬والمعنى ‪ :‬لكم أيد وأرجل فكيف عبدتم‬
‫ناقصًا ل يد له يبطش ول رجل يمشي بها‪.‬‬

‫قال ابن عقيل ‪ :‬تعالى ال أن يكون له صفة تشغل المكنة ‪ ،‬هذا عين التجسيم ‪ ،‬وليس الحق بذي أجزاء وأبعاض يعالج بها ‪ ،‬ثم أليس يعمل في‬
‫سلمًا(؟!!‬
‫النار أمره وتكوينه؟ فكيف يستعين بشيء من ذاته ويعالجها بصفة من صفاته وهو القائل‪) :‬كوني َبردًا َو َ‬

‫ن َهُؤلء آلهة ما وردوها(‪.‬‬


‫فما أسخف هذا العتقاد وأبعده عن مكون الملك والفلك فقد كذبهم ال تعالـى في كتابه إذ قال ‪َ) :‬لو كا َ‬

‫ظن بالخالق أنه َيِرُدها ‪ . .‬؟!! تعالى ال عن تجاهل المجسمة‪.‬‬


‫فكيف ُي َ‬

‫الحديث الثاني عشر‬

‫روى أبو هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪) :‬ضرس الكافر مثل أحد ‪ ،‬وكثافة جلده إثنان وأربعون ذراعًا بذراع‬
‫الجبار(‪.‬‬

‫قال أبو عمر الزاهد ‪ :‬الجبار ها هنا الطويل ‪ ،‬يقال ‪ :‬نخلة جبارة‪.‬‬
‫قال ابن قتيبة ‪ :‬الجبار ههنا الملك‪ ،‬والجبابرة الملوك‪.‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى‪ :‬نحمله على ظاهره‪ .‬والجبار هو ال تعالى ‪ ،‬لنا ل نثبت ذراعًا هو جارحة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬واعجبًا اذهبت العقول إلى هذا الحد ؟ أيجوز أن يقال ‪ :‬إن ذراع ال سبحانه إثنان وأربعون مرة تبلغ جلد الكافر ‪ ،‬ويضاف الذراع إلى‬
‫ذات القديم سبحانه‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ليس بجارحة ‪ ،‬فإذا لم يكن جارحة كيف ينشئ أربعين مرة؟! تعالى ال عن ذلك علوًا كبيرًا‪.‬‬

‫الحديث الثالث عشر‬

‫روى القاضي أبو يعلى‪ :‬عن مجاهد أنه قال ‪ :‬إذا كان يوم القيامة يذكر داود عليه السلم ذنبه فيقول ال ‪) :‬كن أمامي ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا رب ذنبي ‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬كن خلفي ‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب ذنبي ‪ ،‬فيقول‪ :‬خذ بقدمي(‪.‬‬

‫قال ‪ :‬وفي لفظ عن ابن سيرين قال ال تعالى‪) :‬ليقرب داود حتى يضع يده على فخذه(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬والعجب من إثبات صفات الحق سبحانه وتعالى بأقوال التابعين ‪ ،‬وما تصح عنهم‪ ،‬ولو صحت فإنما يذكرونها عن أهل الكتاب ‪ ،‬كما‬
‫يذكر وهب بن منبه‪.‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى ‪ :‬نحمله على ظاهره ‪ ،‬لنا ل نثبت قدمًا ول فخذًا هو جارحة وكذلك ل نثبت المام‪ .‬قلت ‪ :‬واعجبًا لقد كملوا هيئة البدن‬
‫باثبات فخذ وسـاق ‪ ،‬وقـدم ‪ ،‬ووجه ‪ ،‬ويدين وأصابع ‪ ،‬وخنصر وابهام وجنب ‪ ،‬وحقو وصعود ونزول ‪ ،‬ويقولون تحمل على ظاهرها وليست‬
‫جوارح ‪ ،‬وهل يجوز لعاقل ان يثبت ل تعالى خلفًا وأمامًا وفخذًا ‪ . .‬؟ ما ينبغي أن يحدّث هؤلء‪.‬‬

‫ولنا قد عرفنا الفخذ فيقال‪ :‬ليس بفخذ ‪ ،‬والخلف ليس بخلف ‪ ،‬ومثل هؤلء ل يحدثون ‪ ،‬فإنهم يكابرون العقول ‪ ،‬وكأنهم يحدثون الطفال‪.‬‬

‫الحديث الرابع عشر‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪) :‬يضحك ال من رجلين يقتل‬
‫أحدهما الخر يدخلن الجنة(‪.‬‬

‫وفي إفراد مسلم من حديث ابن مسعود رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أخبر عن آخر من يدخل الجنة وضحك فقيل‪ :‬مم‬
‫تضحك ‪ . .‬؟ فقال ‪ :‬من ضحك رب العالمين حين قال‪ :‬أتستهزئي مني(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬اعلم ان الضحك له معان ترجع إلى معنى البيان والظهور ‪ ،‬وكل من أبدى من أمر كان مستورًا قيل قد ضحك‪ .‬يقال ‪ :‬ضحكت الرض‬
‫بالنبات إذا ظهر ما فيها ‪ ،‬وانفتق عن زهره ‪ ،‬كما يقال‪ :‬بكت السماء‪.‬‬

‫سماء‬
‫ض ِمن َبكاء ال َ‬
‫لر َ‬
‫كا َ‬
‫حُ‬
‫َتض َ‬ ‫جديد‬
‫ن َ‬
‫حوا ِ‬
‫ل َيوٍم ِبالق ُ‬
‫ُك ُ‬ ‫قال الشاعر‪:‬‬

‫وكذلك الضحك الذي يعتري البشر إنما هو انفتاح الفم عند النسان ‪ ،‬وهذا يستحيل على ال تعالى فوجب حمله على ابداء ال كرمه ‪ ،‬وإبانة‬
‫فضله‪.‬‬

‫ومعنى ‪ :‬ضحكت لضحك ربي ‪ ،‬أبديت عن أسناني بفتح فمي ‪ ،‬لظهار فضله وكرمه وقول الخر ‪) :‬لن نعدم من رب يضحك خيرًا( ‪ ،‬أي‬
‫يكشف الكرب ‪ ،‬فرقًا بينه وبين الجسام التي ل يرجى خيرها‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا تأويل جماعة من العلماء ‪ ،‬وقال الخطابي ‪ :‬معنى ضحك الجبار عز وجل عن الرضى وحسن المجازاة‪.‬‬

‫وقد روي في حديث موقوف ‪) :‬فضحك حتى بدت لهواته وأضراسه( ذكره الخلل في كتاب السنة‪ .‬وقال المروزي ‪ :‬قلت لبي عبد ال ‪ -‬أحمد‬
‫بن حنبل ‪ : -‬ما تقول في هذا الحديث‪..‬؟ قال‪ :‬هذا بشعٌ‪.‬‬

‫قال‪ :‬ثم على تقدير الصحة يحتمل امرين‪:‬‬


‫أحدها ‪ :‬أن يكون ذلك راجعًا إلـى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كأنه ضحك حين أخبر بضحك الرب ‪ ،‬حتى بدت لهواته وأضراسه كما روي أنه‬
‫ضحك حتى بدت نواجذه ‪ ،‬وهذا هو الصحيح لو ثبت الحديث‪ .‬وإنما هو مقطوع‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬أن يكون تجوزًا من كثرة الكرم وسعة الرضا ‪ ،‬كما جوز بقوله ‪) :‬ومن أتاني يمشي أتيته هرولة(‪.‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى ‪ :‬ل يمتنع الخذ بظاهر الحاديث في امرارها على ظواهرها من غير تأويل‪ .‬لنا ل نثبت ضحكًا هو فتح الفم ول‬
‫أضراسًا ولهوات وجوارح وأبعاضًا‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬واعجبًا قد أثبت ل صفات بأحاديث وألفاظ لتصح‪.‬‬

‫ل فقد تأول ول يدري ‪ ،‬وواعجبًا قـد عرف أن الضحك يشار به إلـى الفضل والنعام‪ .‬فالضراس ما وجهها؟!! وال‬‫وإذا لم يثبت ضحكًا معقو ً‬
‫ل ‪ ،‬وقد روى أحمد‪) :‬لو ان الناس اعتزلوهم( يعني المراء فقال ‪ :‬اضرب على هذا‬
‫لو رويت في الصحيحين وجب ردها ‪ ،‬فكيف وما ثبتت أص ً‬
‫وهذا الحديث في الصحيحين فكيف بحديث ل يثبت يخالف المنقول والمعقول‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ومن أثبت الضراس صفة فما عنده من السلم خبر‪.‬‬

‫الحديث الخامس عشر‬

‫روى القاضي أبو يعلى ‪ :‬عن عبد ال بن عمرو موقوفًا أنه قال‪) :‬خلق ال الملئكة من نور الذراعين والصدر(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وقد أثبت به القاضي ذاراعين وصدرًا ل عز وجل ‪ . .‬وقال ‪ :‬ليس بجوارح‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا قبيح ‪ ،‬لنه حديث ليس بمرفوع ول يصح ‪ ،‬وهل يجوز ان يخلق مخلوق من ذات ال القديم ‪ . .‬؟ هذا أقبح مما ادعاه النصارى ‪.‬‬
‫‪ .‬؟؟؟‬

‫الحديث السادس عشر‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي ال عنهما ‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪) :‬ان ال يدني عبده المؤمن‬
‫فيضع عليه كنفه ويقول ‪ :‬أتعرف ذنب كذا؟(‪.‬‬

‫قال العلماء ‪ :‬يدنيه من رحمته ولطفه‪ .‬وقال ابن النباري وكنفه ‪ :‬حياطته وستره ‪ ،‬يقال ‪ :‬قد كنف فلن فلنًا ‪ :‬إذا أحاطه وستره ‪ ،‬وكل شيء‬
‫ستر شيئًا فقد كنفه ‪ ،‬ويقال للترس كنيف لنه يستر صاحبه‪.‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى ‪ :‬يدنيه من ذاته‪.‬‬

‫وهذا قول من لم يعرف ال عز وجل ‪ ،‬ول يعلم أنه ل يجوز عليه الدنو الذي هو بالمسافة‪ .‬وكذلك قوله ‪ :‬أنه ليدنو به يوم عرفة ‪ :‬أي يقرب‬
‫بلطفه وعفوه‪.‬‬

‫الحديث السابع عشر‬

‫روى مسلم في افراده من حديث معاوية بن الحكم قال ‪) :‬كانت لـي جارية ترعى غنمًا لـي‪ ،‬فانطلقت ذات يوم ‪ ،‬فإذا الذئب قد ذهب بشاة ‪ ،‬وأنا‬
‫من بني آدم آسف كما يأسفون فصككتها صكة ‪ ،‬فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فعظم ذلك علي‪ .‬فقلت‪ :‬أل أعتقها ‪ . .‬؟ قال‪ :‬أئتني بها‪.‬‬
‫فأتيته بها ‪ ،‬فقال لها ‪ :‬أين ال ‪ . .‬؟ قالت ‪ :‬في السماء‪ .‬قال‪ :‬من أنا ؟ قالت ‪ :‬أنت رسول ال‪ .‬قال ‪ :‬اعتقها فإنها مؤمنة‪(.‬‬

‫قلت ‪ :‬قد ثبت عند العلماء ان ال تعالى ل يحويه السماء والرض ول تضمه القطار ‪ ،‬وإنما عرف بإشارتها تعظيم الخالق عندها‪.‬‬

‫الحديث الثامن عشر‬

‫رواه أبو رزين العقيلي قال ‪ :‬قلت يا رسول ال ‪ :‬أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ‪ . .‬؟ قال ‪) :‬كان في عماء‪ ،‬ما تحته هواء ‪ ،‬وما فوقه هواء ‪،‬‬
‫ثم خلق عرشه على الماء(‪.‬‬
‫عُدس‪ ،‬وليس لوكيع راو غير يعلى والعماء السحاب‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬هذا حديث تفرد به يعلي بن عطاء عن وكيع بن ُ‬

‫اعلم أن الفوق والتحت يرجعان إلى السحاب ل إلى ال تعالى ‪ ،‬وفي معنى فوق ‪ ،‬فالمعنى‪ :‬كان فوق السحاب بالتدبير والقهر ‪ ،‬ولما كان القوم‬
‫سئل عما قبل السحاب ‪ ،‬لخبر أن ال تعالى كان ول شيء معه ‪ ،‬كذلك‬ ‫يأنسون بالمخلوقات ‪ ،‬سألوا عنها ‪ ،‬والسحاب من جملة خلقه ‪ ،‬ولو ُ‬
‫روى عن عمران بن حصين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪) :‬كان ال ول شيء معه(‪.‬‬

‫وقال أبو الحسين ابن المنادي ونقلته من خطه ‪ :‬وصف الهواء بالفوقية والتحتية مكروه عن أهل العلم لما في ذلك من الجعل كالوعاء لمن ليس‬
‫كالشياء جل وتعالـى ‪ ،‬قـال ‪ :‬ولسنا نختلف أن الجبار ل يعلوه شيء من خلقه بحال ‪ ،‬وأنه ل يحل بالشياء بنفسه ‪ ،‬ول يزول عنها ‪ ،‬لنه لو‬
‫حل بها لكان منها ‪ ،‬ولو زال عنها لنأي عنها فاتفاقنا على هذا أكثر من هذا الخبر على المعنى المكروه ‪ ،‬والتأويل المألوف‪.‬‬

‫الحديث التاسع عشر‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ :‬ينـزل ربنا كل ليلة إلـى‬
‫السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الخير يقول‪) :‬من يدعوني فاستجيب له(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وقد روى حديث النـزول عشرون صحابيًا ‪ ،‬وقد سبق القول أنه يستحيل على ال عز وجل الحركة والنُقلة والتغير‪ .‬فيبقى الناس رجلين ‪،‬‬
‫شديد(‪ .‬وإن كان معدنه بالرض‬ ‫س َ‬ ‫حديد فيِه َبأ ٌ‬
‫أحدهما المتأول له بمعنى ‪ :‬أنه ُيَقّرب رحمته‪ .‬وقد ذكر أشياء بالنـزول فقال تعالى ‪َ) :‬وأَنَزلنا ال َ‬
‫جمل ‪ . .‬؟!‬‫وقال‪َ) :‬وَأنَزلنا َلُكم ِمن اَلنعام َثمانية َأزواج(‪ .‬ومن لم يعرف كيف نزول الجَمل كيف يتكلم في تفصيل هذه ال ُ‬

‫والثاني ‪ :‬الساكت عن الكلم في ذلك مع اعتقاد التنـزيه‪ .‬روى أبو عيسى الترمذي عن مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وابن المبارك أنهم قالوا ‪:‬‬
‫أمروا هذه الحاديث بل كيف‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وواجب على الخلق اعتقاد التنـزيه وامتناع تجويز الُنقلة ‪ ،‬وأن النـزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلثة أجسام ‪ :‬جسم‬
‫عالي‪ ،‬وهو مكان الساكن ‪ ،‬وجسم سافل ‪ ،‬وجسم ينتقل من علو إلى أسفل ‪ ،‬وهذا ل يجوز على ال تعالى قطعًا‪.‬‬

‫فإن قال العامي ‪ :‬فما الذي أراد بالنـزول ؟ قيل ‪ :‬أراد به معنى يليق بجلله ل يلزمك التفتيش عنه ‪ ،‬فإن قال ‪ :‬كيف حدث بما ل أفهمه ؟ قلنا ‪ :‬قد‬
‫علمت أن النازل إليك قريب منك ‪ ،‬فاقتنع بالقرب ول تظنه كقرب الجسام‪.‬‬

‫قال ابن حامد ‪ :‬هو على العرش بذاته ‪ ،‬مماس له ‪ ،‬وينـزل من مكانه الذي هو فيه فيزول وينتقل‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا رجل ل يعرف ما يجوز على ال تعالى‪.‬‬

‫وقال القاضي ‪ :‬النـزول صفة ذاتية ‪ ،‬ول نقول نزوله انتقال‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا مغالطة‪ .‬ومنهم من قال ‪) :‬يتحرك إذا نزل(‪ .‬ول يدري أن الحركة ل تجوز على الخالق‪.‬‬

‫وقد حكوا عن أحمد ذلك وهو كذب عليه‪ .‬ولو كان النـزول صفة لذاته ‪ ،‬لكانت صفاته كل ليلة تتجدد وصفاته قديمة‪.‬‬

‫الحديث العشرون‬

‫ل أتى إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪) :‬إني‬


‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي ال عنه أن رج ً‬
‫مجهود‪ .‬فقال ‪ :‬من يضيف هذا هذه الليلة ‪ . .‬؟(‪.‬‬

‫فقام رجل من النصار فقال ‪ :‬أنا يا رسول ال ‪ ،‬فانطلق به فقال لمرأته ‪ :‬هل عندك شيء ‪ . . .‬؟ قالت ‪ :‬ل إل قوت صبياني‪.‬‬

‫قال ‪ :‬فعلليهم بشيء إذا أرادوا الصبية العشاء فنوميهم‪ .‬فإذا دخل ضيفنا فأطفيء السراج ‪ ،‬وأريه أنا نأكل‪ .‬فقعدوا وأكل الضيف ‪ ،‬فلما أصبح‬
‫غدا على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪) :‬لقد عجب ال من صنيعكما بضيفكما الليلة(‪.‬‬

‫وفي أفراد البخاري من حديث أبي هريرة رضى ال عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم قال ‪) :‬عجب ربك من قوم جىء بهم في السلسل‬
‫حتى يدخلهم الجنة(‪.‬‬
‫قال العلماء ‪ :‬العجب إنما يكون من شيء يدهم النسان مما ل يعلمه فيستعظمه وهذا ل يليق بالخالق سبحانه ‪ ،‬لكن معناه ‪ :‬عظم قدر ذلك الشيء‬
‫كرهوا على الطاعة التي بها يدخلون الجنة‪ .‬وقال ابن النباري ‪:‬‬
‫عند ال لن المتعجب من شيء يعظم قدره عنده ‪ ،‬ومعنى في السلسل ‪ٌ :‬أ ِ‬
‫معنى عجب ربك ‪ :‬زادهم إنعامًا وإحسانًا ‪ ،‬فعبر بعجب عن هذا‪.‬‬

‫وقال ابن عقيل ‪ :‬العجب في الصل استغراب الشيء وذلك يكون من علم ما لم ُيعَلم ‪ ،‬وإل فكل شيء أنس به ل ُيتصور العجب منه ‪ ،‬فإن‬
‫النسان إذا رأى حجر المغناطيس يجذب الحديد ولم يكن رآه قبل ذلك عجب ‪ ،‬والباري سبحانه ل يعزب عن علمه شيء ‪ ،‬فأين العجب منه ؟!‬
‫ض من ذلك قوله صلى ال عليه وسلم ‪) :‬ل أفرح‬
‫فلم يبق للحديث معنى إل أن يكون فعل شيء أعجبه فعله وكذلك الضحك ل يصدر إل عن را ٍ‬
‫ب ِبما َلَديُهم َفِرحون(‪ .‬أي راضون‪.‬‬
‫حز ٍ‬
‫بتوبة عبده( أي رضى ‪ ،‬ومنه قوله تعالـى‪ُ) :‬كُل ِ‬

‫وقال القاضي ‪ :‬ل نثبت عجبًا هو تعظيم المر بل نثبت ذلك صفة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا ليس بشيء‪.‬‬

‫الحديث الحادي والعشرون‬

‫روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪) :‬ل أشد فرحًا بتوبة عبده إذا تاب ‪ ،‬من‬
‫أحدكم براحلته إذا وجدها(‪.‬‬

‫قلت‪ :‬من كان مسرورًا بشيء راضيًا به قيل له فرح ‪ ،‬والمراد الرضا بتوبة التائب ‪ ،‬ول يجوز أن يعتقد في ال تعالـى التأثر الذي يوجد في‬
‫المخلوقين ‪ ،‬فإن صفات الحق قديمة فل تحدث لها صفة‪.‬‬

‫الحديث الثاني والعشرون‬

‫روى مسلم في إفراده من حديث أبي موسى قال ‪ :‬قام فينا رسول ال صلى ال عليه وسلم بخمس كلمات فقال ‪) :‬إن ال ل ينام ول ينبغي له أن‬
‫سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه(‪.‬‬
‫ينام ‪ ،‬يخفض القسط ويرفعه‪ ..‬إلى قوله‪ :‬حجابه النور ولو كشفه لحرقت ُ‬

‫قلت ‪ :‬معنى يخفض القسط ويرفعه‪ :‬أي يخفض بعدل ويرفع بعدل‪.‬‬

‫وقوله‪ :‬حجابه النور‪ .‬ينبغي أن يعلم أن هذا الحجاب للخلق عنه ‪ ،‬لنه ل يجوز أن يكون محجوبًا لن الحجاب يكون أكبر مما يستره ‪ ،‬ويستحيل‬
‫أن يكون جسمًا أو جوهرًا أو متناهيًا محاذيًا اذ جميع ذلك من َأمارات الحدث ‪ ،‬وإنما عرف الناس حدوث الجسام من حيث وجودها متناهية‬
‫ل للحوادث‪.‬‬‫محدودة مح ً‬

‫وكما أنه ل يجوز أن يكون لوجوده ابتداء ول انتهاء ل يصح أن يكون لذاتـه انتهاء ‪ ،‬وإنما المراد ‪ :‬أن الخلق محجوبون عنه كما قال سبحانه‬
‫عن َرِبُهم َيوَمئٍذ َلَمحجوبون(‪.‬‬
‫وتعالى‪َ) :‬كل ِإنَُهم َ‬

‫وقد روى سهل بن سعد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪) :‬دون ال سبعون ألف حجاب من نور وظلمة(‪.‬‬

‫سُبحات فجمع سبحة ‪ ،‬قال أبو عبيدة لم نسمع هذا إل في هذا‬ ‫قلت ‪ :‬وهذا حديث ل يصح ولو كان صحيحًا كانت الحجب للخلق ل للحق‪ .‬وأما ال ُ‬
‫الحديث ‪ ،‬قال‪ :‬ويقول أن السبحة جلل وجهه‪ .‬ومنه قوله ‪ :‬سبحان ال وإنما هو تعظيم له وتنـزيه‪.‬‬

‫وقال ابن خزيمـة ‪) :‬باب صفة وجه ربنا( ثم ذكر حديث السبحات متوهمًا النور المعروف ‪ ،‬والخالق منـزه عن النور الجسماني‪ .‬وروى أبو‬
‫بكر الخلل في كتاب السنة قال ‪ :‬سئلت أحمد بن يحيى عن قوله ‪ :‬لحرقت سبحات وجهه فقال‪ :‬السبحات الموضع الذي يسجد عليه‪ .‬قلت‪ :‬فعلى‬
‫هذا يكون الخطاب بما يعرفون كما قال‪) :‬قلوب العباد بين أصبعين(‪.‬‬

‫وقال القاضي ‪ :‬ل يمنع اطلق حجاب من دون ال تعالى ‪ ،‬ل على وجه الحد والمحاذاة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا كلم مختلط ل ترضى به العوام‪.‬‬


‫الحديث الثالث والعشرون‬

‫روى ابن عباس رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أنه قال‪) :‬أهل الجنة يرون ربهم تعالى في كل جمعة ‪ ،‬في رمال الكافور ‪،‬‬
‫وأقربهم منه مجلسًا أسرعهم إليه يوم الجمعة(‪ .‬قوله‪ :‬في رمال الكافور ‪ :‬إشارة إلى الحاضرين‪ .‬ثم في رمال الكافور وأقربهم منه أي أحظاهم‬
‫عنده‪.‬‬

‫وفي حديث آخر ‪) :‬المقسطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن(‪.‬‬

‫وقال بعضهم ‪) :‬يمين العرش( وفي حديث )سوق الجنة( فل يبقى في ذلك المجلس أحد إل حاضره ال محاضرة‪ .‬ويروي )خاصرة( بالخاء‬
‫المعجمة ‪ ،‬قال ‪ :‬وهذا يرويه يوسف بن عبد ال عن سلمة بن العيار ولم يذكر في الصحاح ‪ ،‬ومثل هذا ل يثبت برواية هؤلء وقال ‪:‬‬
‫والمحاضرة ‪ :‬المصافحة‪.‬‬

‫وقال القاضي ‪ :‬ل يمتنع أن يكون الحق في رمال الكافور‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬فقد أقر بالحصر‪ .‬ثم قال‪ :‬ل على وجه النتقال ‪ ،‬وهذا تلعب‪ .‬ثم قال‪ :‬ول يمتنع قربهم من الذات وهذا يضيع معه الحديث ‪ ،‬واستدل‬
‫بقوله‪) :‬ما منكم من أحد إل سيخلو به ربه(‪ .‬وقال ‪ :‬الخلوة عبارة عن القرب ‪ ،‬ويجوز القرب من الذات‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وقد سبق رد هذا‪.‬‬

‫الحديث الرابع والعشرون‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن مسعود ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ :‬جاء من اليهود رجل إلـى رسول ال صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال‪) :‬يا محمد إن ال يضع السموات على اصبع والرضين على إصبع ‪ ،‬والجبال على اصبع ‪ ،‬والشجر والنهار على اصبع‪ ..‬وفي لفظ الماء‬
‫ق َقدِرِه(‪.‬‬
‫ح َ‬
‫ل َ‬
‫والثرى على اصبع ‪ ،‬ثم يهزهن(‪ .‬فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال‪َ) :‬وما َقَدروا ا َ‬

‫وفي بعض اللفاظ ‪ :‬فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم تعجبًا وتصديقًا له‪.‬‬

‫قال أبو سليمان الخطابي ‪ :‬ل تثبت ل صفة إل بالكتاب أو خبر مقطوع بصحته يستند إلى أصل في الكتاب أو في السنة المقطوع على صحتها ‪،‬‬
‫وما بخلف ذلك فالواجب التوقف عن اطلق ذلك ويتأول على ما يليق بمعاني الصول المتفق عليها من أقوال أهل العلم من نفي التشبيه‪.‬‬

‫قال ‪ :‬وذكر الصابع لم يوجد في الكتاب ول في السنة التي شرطها في الثبوت ما وصفنا‪ ،‬فليس معنى اليد في الصفات معنى اليد حتى يتوهم‬
‫بثبوتها ثبوت الصابع بل هو توقيف شرعي اطلقنا السم فيه على ما جاء به الكتاب من غير تكييف ول تشبيه‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬ظاهر ضحك النبي صلى ال عليه وسلم النكار ‪ ،‬واليهود مشبهة ونزول الية دليل على إنكار الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وقال ابن عقيل ‪ :‬ما قدروا ال حق قدره حيث جعلوا صفاته تتساعد وتتعاضد على حمل مخلوقاته وإنما ذكر الشرك في الية ردًا عليهم‪.‬‬

‫وفي معنى هذا الحديث قوله عليه الصلة والسلم‪) :‬إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء(‪.‬‬

‫ل مقهورًا ‪ ،‬دل بهذا على أن القلوب مقهورة لمقلبها‪.‬‬


‫ولما كان القلب بين إصبعين ذلي ً‬

‫وقال القاضي أبو يعلى‪ :‬غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في الثبات ‪ ،‬والصبع صفة راجعة إلى الذات ‪ ،‬لنا ل نثبت أصابعًا هي جارحة‬
‫ول أبعاضًا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا كلم مخّبط لنه إما أن يثبت جوارحًا وإما أن يتأولها ‪ ،‬فأما حملها على ظواهرها ‪ ،‬فظواهرها الجوارح‪!!.‬‬

‫ثم يقول ‪ :‬ليست أبعاضًا ‪ ،‬فهذا كلم قائم قاعد ‪ ،‬ويضيع الخطاب لمن يقول هذا‪.‬‬
‫الحديث الخامس والعشرون‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪) :‬يطوي ال عز وجل‬
‫السموات يوم القيامة بيده ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول‪ :‬أنا الملك ‪ ،‬أين الجبارون أين المتكبرون ‪. .‬؟ ثم يطوي الرض بشماله ثم يقول ‪ :‬أنا‬
‫الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ‪.(. .‬‬

‫هكذا رواه مسلم وهي أتم الروايات في لفظ أخرجه مسلم من حديث عبيد ال بن مقسم أنه نظر إلى عبد ال بن عمر كيف يحكي رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ ) :‬يأخذ ال عز وجل سمواته وأرضه بيديه فيقول ‪ :‬أنا ال ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وقد ثبت بالدليل القاطع ان يد الحق سبحانه وتعالى ليست بجارحة وإن قبضه للشياء ليس مباشرة ‪ ،‬ول كف له‪.‬‬

‫وإنما قرب رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى الفهام ما يدركه الحس فقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم أصابعه وبسطها‪ ..‬فوقوع الشبه‬
‫بين القبضتين من حيث ملكه المقبوض كما وقع الشبه في رؤية الحق سبحانه برؤية القمر في إيضاح الرؤية ل في تشبيه المرئي‪ .‬فأما لفظ‬
‫)الشمال( فهي في رواية مسلم وهي مما إنفرد به عن عمر بن حمزة عن سالم عن ابن عمر ‪ ،‬وقد روى الحديث نافع وغيره عن ابن عمر فلم‬
‫يذكروا لفظة الشمال ‪ ،‬ورواه أبو هريرة وغيره عن النبي صلى ال عليه وسلم فلم يذكر أحد منهم فيه الشمال ‪ ،‬وقد روي ذكر الشمال في‬
‫حديث آخر في غير هذه القصة إل أنه ضعيف بالمرة ‪ ،‬ورواه بعض المتروكين‪.‬‬

‫وقد صح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪) :‬وكلتا يديه يمين مباركة(‪.‬‬

‫وهذا يوهن ذكر الشمال‪ ،‬وقال أبو بكر البيهقي ‪ :‬وكأن الذي ذكر الشمال رواه على العادة في أن الشمال يقابل اليمين‪ .‬قال القاضي أبو يعلى ‪:‬‬
‫غير مستحيل إضافة القبض والبسط إلى ذاته‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وقد سبق إنكار هذا‪.‬‬

‫الحديث السادس والعشرون‬

‫جبل(‪ .‬قال ‪ :‬قال هكذا‬


‫جلى َرِبِه ِلل َ‬
‫روى أحمد في مسنده من حديث أنس ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله تعالى‪َ) :‬فَلما َت َ‬
‫يعني أنه أخرج طرف الخنصر ‪ ،‬فقال حميد الطويل لثابت ‪ :‬ما تريد إلى هذا يا أبا محمد ‪ ،‬قال فضرب صدره ضربة شديدة‪ .‬فقال ‪ :‬من أنت يا‬
‫حميد ‪ ،‬وما أنت يا حميد‪ .‬فحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى ال عليه وسلم وفي لفظ ‪ :‬فأومئ بخنصره فساخ الجبل وخر موسى صعقًا(‪.‬‬

‫وروى ابن حامد‪) :‬فلما تجلى ربه للجبل( قال ‪ :‬خرج منه أول مفصل من خنصره‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا الحديث تكلم فيه علماء الحديث وقالوا ‪ :‬لم يروه عن ثابت غير حماد بن سلمة وكان ابن أبي العوجاء الزنديق قد أدخل على حماد‬
‫ومخرج الحديث سهل ‪ ،‬وذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم كان‬
‫َ‬ ‫أشياء ‪ ،‬فرواها في آخر عمره ولذلك تجافى أصحاب الصحيح الخراج عنه ‪،‬‬
‫يُقرب إلـى الفهام بذكر الحسيات ‪ ،‬فوضع يده على خنصره إشارة إلى أن ال تعالى أظهر اليسير من آياته‪.‬‬

‫قال ابن عقيل ‪ :‬كشف من أنواره التي يملكها بقدر طرف الخنصر وهذا تقدير لنا بحسب ما نفهم من القلة ل نحكم أنه يتقدر‪ .‬فإن قيل ‪ :‬كيف‬
‫أنكر حميد على ثابت ؟ قلنا ‪ :‬يحتمل أن يكون توهم ان هذا يرجع إلى الصفات‪.‬‬

‫وقد أثبت القاضي أبو يعلى ل سبحانه خنصرًا بهذا الحديث المعلول‪.‬‬

‫الحديث السابع والعشرون‬

‫روى القاضي أبو يعلى عن عكرمة أنه قال ‪) :‬إذا أراد ال عز وجل أن يخوف عباده أبدى عن بعضه إلى الرض فعند ذلك تتزلزل ‪ ،‬وإذا أراد‬
‫أن يدمدم على قوم تجلى لها(‪.‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى‪ :‬أبدى عن بعضه ‪ ،‬هو على ظاهره ‪ ،‬وهو راجع إلى الذات على وجه ل يفضي إلى التبعيض‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬ومن يقول أبدى عن بعض ذاته ‪ ،‬وما هو بعض ل يكلم‪ .‬ثم إثبات البعض بكلم تابعي لو صح يخالف اجماع المسلمين فإنهم أجمعوا أن‬
‫الخالق ل يتبعض وإنما المراد أبدى عن آياته‪.‬‬
‫الحديث الثامن والعشرون‬

‫روى أبو الحوص الجشمي رضي ال عنه عن أبيه‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له ‪ :‬لعلك تأخذ موساك فتقطع أذن بعضها فيقول‬
‫هذه بحر ‪ ،‬وتشق الذن الخرى وتقول‪ :‬حرم ‪ . .‬؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فل تفعل ‪ ،‬فإن موسى ال أحد من موساك ‪ ،‬وساعد ال أشد من ساعدك‪.‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى‪ :‬ل يمتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات الساعد صفة لذاته‪.‬‬

‫قلت‪ :‬هذا منه غفلة عامية وخروج عن مقتضى الفهم‪ .‬وكان ينبغي أن يثبت الموسى ‪!!!. . .‬‬

‫قلت ‪ :‬إثبات صفة ال بهذا الخبر الذي ل يكاد يثبت مع العراض عن فهم خطاب العرب وإنها تريد بمثل هذا التجوز والستعارة قبيح جدًا!!‬

‫والمراد بالساعد القوة لن قوة النسان في ساعده‪.‬‬

‫الحديث التاسع والعشرون‬

‫روى أبو هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪) :‬إن العبد إذا قام إلى الصلة فإنه بين عيني الرحمن(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬قد ذكرنا صفة العين في اليات المذكورة قبل الحاديث والمراد بالحديث ان ال تعالى يشاهد المصلي فليتأدب‪ .‬وكذلك قوله ‪) :‬فإن ال‬
‫قبل وجهه( أي أنه يراه‪.‬‬

‫الحديث الثلثون‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عائشة رضي ال عنهما ‪ ) :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة‪ .‬فقال‬
‫‪ :‬من هذه ‪ . .‬؟ قالت‪ :‬فلنة تذكر من صلتها‪ .‬فقال ‪ :‬مه عليكم ما تطيقون‪ ،‬فوال ل يمل ال حتى تملوا(‪.‬‬

‫وفي لفظ ‪) :‬ل يسأم ال حتى تسأموا‪(. .‬‬

‫قال العلماء ‪ :‬معنى الحديث ل يمل ال تعالى وان مللتم‪ .‬وهو قول ابن قتيبة والخطابي ول يختلف في أهل اللغة‪ .‬كما قال الشاعر‪:‬‬

‫حّتى َيمل‬
‫ل اُلشَر َ‬
‫ل َيم ُ‬ ‫خِر ٍ‬
‫ق‬ ‫ل ِب َ‬
‫ت ِمنى ُهَذي ٌ‬
‫صَلي ُ‬
‫َ‬

‫المعنى ‪ :‬ل يمل وإن ملوا ‪ ،‬وإل لم يكن له فضل عليهم ‪ ،‬وقال قوم ‪ :‬من مل من شيء تركه‪ .‬والمعنى ل يترك الثواب ما لم يتركوا العمل ‪ ،‬وأما‬
‫الملل الذي هو كراهة الشيء والستثقال له ‪ ،‬ونفور النفس عنه والسآمة منه ‪ ،‬فمحال في حقه تعالى ‪ ،‬لنه يقتضي تغيره وحلول الحوادث في‬
‫حقه‪.‬‬

‫وقال القاضي أبو يعلى‪ :‬ل يمتنع إطلق الملل عليه ل بمعنى السآمة‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا بعيد عن معرفة اللغة وما يجوز عليه وما ل يجوز عليه‪.‬‬

‫الحديث الحادي والثلثون‬

‫روت خولة بنت حكيم عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪) :‬آخر وطأة وطئها الرحمن بوجٍ( ‪ ،‬ووج واد بالطائف ‪ ،‬وهي آخر وقعة أوقعها‬
‫ال بالمشركين على يد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ومنه قوله ‪) :‬اللهم اشدد وطأتك على مضر(‪.‬‬

‫والوطأة مأخوذ من القدم ‪ ،‬وإلى هذا ذهب ابن قتيبة وغيره ‪ ،‬وقال سفيان بن عيينة في تفسير هذا الحديث ‪ :‬آخر غزاة غزاها رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم بالطائف‪.‬‬
‫وقال القاضي أبو يعلى ‪ :‬غير ممتنع على أصولنا ‪ ،‬حمل هذا الخبر على ظاهره ‪ ،‬وإن ذلك المعنى بالذات دون الفعل ‪ ،‬لنا حملنا قوله ‪) :‬ينـزل‬
‫ويضع قدمه في النار( على الذات‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا الرجل يشير بأصولهم إلى ما يوجب التجسيم والنتقال والحركة ‪ ،‬وهذا مع التشبيه بعيد عن اللغة ومعرفة التواريخ وأدلة العقول ‪،‬‬
‫وإنما اغتر بحديث روي عن كعب انه قال ‪) :‬ووج مقدس ‪ ،‬منه عرج الرب إلى السماء ‪ ،‬ثم قضى خلق الرض(‪.‬‬

‫وهذا لو صح عن كعب احتمل أن يكون حاكيًا عن أهل الكتاب ‪ ،‬وكان يحكي عنهم كثيرًا ‪ ،‬ولو قدرناه من قوله كان معناه ‪ :‬ان ذلك المكان آخر‬
‫ما استوى من الرض لما خلقت ‪ ،‬ثم عرج الرب ‪ ،‬أي عمد إلى خلق السماء وهو قوله‪) :‬ثم استوى الى السماء وهي دخان(‪.‬‬

‫ويروى عن أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪) :‬لما ُأسرى بي ‪ ،‬مر بي جبريل ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬حتى أتى بي‬
‫إلى الصخرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد من ها هنا عرج ربك إلى السماء(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا يرويه بكر بن زياد ‪ ،‬وكان يضع الحديث عن الثقات ‪ ،‬فإن قيل ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬استوى إلى السماء ‪ :‬صعد قلنا‪ :‬صعد أمره ‪ ،‬إذ ل‬
‫يجوز عليه النتقال والتغير‪.‬‬

‫واعلم أن الناس في أخبار الصفات على ثلث مراتب‪:‬‬

‫ك( أي جاء أمره وهذا مذهب السلف‪.‬‬


‫احداها ‪ :‬إمرارها على ماجاءت من غير تفسير ول تأويل ‪ ،‬إل أن تقع ضرورة كقوله‪) :‬جاَء َرُب َ‬

‫المرتبة الثانية ‪ :‬التأويل وهو مقام خطر على ما سبق بيانه‪.‬‬

‫المرتبة الثالثة ‪ :‬القول فيها بمقتضى الحس ‪ ،‬وقد عم جهلة الناقلين ‪ ،‬إذ ليس لهم حظ من علوم المعقولت التي بها يعرف ما يجوز على ال وما‬
‫يستحيل‪ ،‬فإن علم المعقولت يصرف ظواهر المنقولت عن التشبيه فإذا عدموها تصرفوا في النقل بمقتضى الحس‪ .‬وإليه أشار القاضي أبو‬
‫يعلى بقوله‪) :‬ل يمتنع أن تحمل الوطأة التي وطئها الحق على أصولنا وانه معنى يتعلق بالذات(‪ .‬وأصولهم على زعمه ترجع إلى الحس ‪ ،‬ولو‬
‫فهموا أن ال تعالى ل يوصف بحركة ول انتقال ول تغير ‪ ،‬ما بنوا على الحسيات‪.‬‬

‫والعجب أن يقر بهذا القول ثم يقول ‪) :‬من غير نقلة ول حركة( فينقض ما يبني‪.‬‬

‫ومن أعجب ما رأيت لهم ما أنبأنا أبو العز أحمد بن عبيد ال بن كادش ‪ ،‬قال ‪ :‬أنبأنا أبو طالب العشاري قال ‪ :‬أنبأنا البنا ‪ ،‬قال ‪ :‬أنبأنا أبو الفتح‬
‫ابن أبي الفوارس قال ‪ :‬انبأنا أبو علي بن الصواف ‪ ،‬قال ‪ :‬انبأنا أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة أنه قال في كتاب )العرش(‪ :‬إن ال‬
‫تعالى قد أخبرنا أنه صار من الرض إلى السماء ‪ ،‬ومن السماء إلى العرش فاستوى على العرش‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬ونحن نحمد ال إذ لم يبخس حظنا من المنقولت ‪ ،‬ول من المعقولت ونبرأ من أقوام شانوا مذهبنا ‪ ،‬فعاب الناس كلمهم‪.‬‬

‫الحديث الثاني والثلثون‬

‫روى أبو إمامة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪) :‬ما تقرب العباد إلى ال تعالى بمثل ‪ ،‬ما خرج منه وهو القرآن(‪.‬‬

‫وفي حديث عثمان ‪ -‬رضي ال عنه ‪ : -‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال )فضيلة القرآن على سائر الكلم كفضل ال على خلقه إن القرآن منه‬
‫خرج وإليه يعود(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬والمعنى إنه وصل إلينا من عنده وإليه يعود فيرفع‪.‬‬

‫الحديث الثالث والثلثون‬

‫روى أبو هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪) :‬إن ال قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف سنة ‪ ،‬فلما سمعت الملئكة القرآن‬
‫قالوا ‪ :‬طوبى لمة ينـزل عليهم ‪ ،‬وطوبى لجواف تحمل هذا ‪ ،‬وطوبى للسن تتكلم بهذا(‪.‬‬

‫وهذا حديث موضوع يرويه إبراهيم بن مهاجر عن عمر بن حفص ‪ ،‬وأما عمر بن حفص فقال أحمد بن حنبل ‪ :‬حرقنا حديثه ‪ ،‬وقال يحيى بن‬
‫معين ‪ :‬ليس بشيء ‪ ،‬وقال أبو حاتم بن حبان الحافظ ‪ :‬وهذا متن موضوع‪.‬‬
‫الحديث الرابع والثلثون‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪) :‬إن ال عز وجل خلق‬
‫صل من وصلك وأقطع من قطعك(‪.‬‬ ‫الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت ‪ :‬هذا مقام العائذ بك من القطيعة‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪ :‬أما ترضين ان أ ِ‬

‫شجَنة من الرحمن(‪.‬‬
‫وفي لفظ أخرجه البخاري أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪) :‬إن الرحم ِ‬

‫شجن إذا إلتف بعضها ببعض‪.‬‬


‫فال أبو عبيدة ‪ :‬الشجنة كالغصن من الشجرة ‪ ،‬ومعنى شجنة أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق ‪ ،‬والشجر ُ‬

‫قلت‪ :‬ول يخلو هذا الحديث من أحد أمرين‪ .‬اما أن يراد أن ال تعالى يراعي الرحم فيصل من يصلها ويقطع من قطعها ويأخذ لها حقًا كما‬
‫يراعي القريب قرابته ‪ ،‬فإنه يزيد في المراعاة على الجانب‪ .‬أو أن يراد أن الرحم بعض حروف الرحمن ‪ ،‬فكأنه عظم قدرها بهذا السم ‪،‬‬
‫ويؤيد هذا حديث عبد الرحمن بن عوف ‪ -‬رضى ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬قال ال تعالى ‪) :‬أنا ال وأنا الرحمن خلقت‬
‫الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته(‪ .‬أو قال )بتته(‪.‬‬

‫وقد روى هذا الحديث بلفظ لم يخّرج في الصحاح ‪) :‬الرحم شجنة من الرحمن تعلقت بحقوي الرحمن تقول ‪ :‬اللهم صل من وصلني واقطع من‬
‫قطعني(‪ .‬وفي لفظ ‪) :‬الرحم شجنة آخذة بحقو الرحمن( ‪ ،‬وفي لفظ ‪) :‬لما خلق ال الخلق قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقالت ‪ :‬هذا مقام‬
‫العائذ بك من القطيعة(‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذه أمثال كلها ترجع إلى ما بينا ‪ ،‬ومعنى تعلقها بحقو الرحمن ‪ :‬الستجارة والعتصام‪.‬‬

‫وفي صحيح مسلم من حديث عائشة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪) :‬الرحم ُمعلقة بالعرش تقول ‪ :‬من وصلني وصله ال ومن قطعني‬
‫قطعه ال(‪.‬‬

‫لزار ‪ ،‬والمعنى ‪ :‬يتعلق بعزه‪.‬‬


‫قال أبو بكر البيهقي ‪ :‬الحقو ا ِ‬

‫ب‬
‫جن ِ‬
‫ت في َ‬
‫على ما َفَرط َ‬
‫قال ابن حامد ‪ :‬يجب التصديق بأن ل تعالى حقوًا ‪ ،‬فتأخذ الرحم بحقوه‪ .‬قال ‪ :‬وكذلك نؤمن بأن ل جنبًا لقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ل(‪.‬‬
‫ا َ‬

‫ل ‪ ،‬كيف يقع التفريط في جنب الذات ‪ . .‬؟‬


‫قلت ‪ :‬وهذا ل فهم له أص ً‬

‫قال ابن حامد ‪ :‬والمراد بالتعلق القرب والمماسة بالحقو كما روي أن ال تعالى يدني إليه داود حتى يمس بعضه‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬قد طم القاضي أبو يعلى على هذا فقال ‪ :‬ل على وجه الجارحة والتبعيض ‪ ،‬والرحم أخذة بها ل على وجه الجارحة والتبعيض ‪ ،‬والرحم‬
‫أخذة بها ل على وجه التصال والمماسة ‪ ،‬ثم نقض هذا التخليط وقال ‪ :‬في الخبر اضمار تقديره ذو الرحم يأخذ بحقو الرحمن فحذف المضاف‬
‫وأقام المضاف إليه مقامه ‪ ،‬قال ‪ :‬لن الرحم ل يصح عليها التعلق فالمراد ذو الرحم يتعلق بالحقو‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬فقد زاد على التشبيه التجسيم ‪ ،‬والكلم مع هؤلء ضائع كما يقال ل عقل ول قرآن ‪ ،‬وإذا تعلق ذو الرحم وهو جسم فبماذا يتعلق ؟ نعوذ‬
‫بال من سوء الفهم‪.‬‬

‫الحديث الخامس والثلثون‬

‫روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬يقول ال عز وجل ‪) :‬الكبرياء ردائي والعظمة ازاري فمن نازعني في شيء منهما‬
‫عذبته(‪.‬‬

‫أحد ‪ ،‬ول ينبغي لمخلوق ان‬


‫قال أبو سليمان الخطابي معنى الكلم ‪ :‬أن الكبرياء والعظمة صفتان ل تعالى ‪ :‬اختص بهما ل يشاركه فيهما ٌ‬
‫ل يقول ‪ -‬وال اعلم ‪ -‬كما ل يشارك النسان في إزاره وردائه‬
‫يتعاطاهما ‪ ،‬لن صفة المخلوق التواضع والتذلل وضرب الزار والرداء مث ً‬
‫أحد ‪ ،‬كذلك ل يشاركني في الكبرياء والعظمة مخلوق‪.‬‬
‫الحديث السادس والثلثون‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬يقول ال تعالى ‪ ) :‬أنا عند‬
‫ظن عبدي وأنا معه حيث يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ‪ ،‬وإن ذكرني في مل ذكرته في مل خير منهم‪ ،‬وإن تقرب إلي شبرًا‬
‫تقربت إليه ذراعًا ‪ ،‬وإن تقرب إلي ذراعًا اقتربت إليه باعًا‪ ،‬وإن أتاني يمشي أتيته هرولة(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬ذهب القاضي أبو يعلى إلى أن ال نفسًا هي صفة زائدة على الذات‪ ،‬وهذا قول مبتدع بنوع التشبيه لنه ل يفرق بين الذات والنفس ‪ ،‬وما‬
‫سعوا في آياِتنا(‪.‬‬
‫المانع أن يكون المعنى ذكرته أنا وقد سبق هذا في الكلم على اليات ‪ ،‬والتقرب والهرولة ‪ ،‬توسع في الكلم كقوله تعالـى ‪َ ) :‬‬
‫ل يراد به المشي‪.‬‬

‫الحديث السابع والثلثون‬

‫روى أبو سعيد رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪) :‬إن ال جميل يحب الجمال(‪.‬‬

‫قال العلماء ‪ :‬الجميل الُمجِمل بتحسين الصور والخلق والحسان ‪ ،‬والذي أراه أن الجميل الذي أوصافه تامة مستحسنة‪.‬‬

‫وقد فسره القاضي أبو يعلى بما ل يليق بالحق سبحانه فقال ‪ :‬غير ممتنع وصفه بالجمال وإن ذلك صفة راجعة إلى الذات ‪ ،‬لن الجمال في‬
‫حسن‪.‬‬ ‫معنى ال ُ‬

‫قال ‪ :‬وقد تقدم قوله‪) ...‬رأيت ربي في أحسن صورة(‪ .‬قلت‪ :‬وهذا تشبيه محض‪.‬‬

‫الحديث الثامن والثلثون‬

‫روى القاضي أبو يعلى عن عمر بن عبد العزيز ‪) :‬إذا فرغ ال من أهل الجنة والنار أقبل يمشي في ظلل من الغمام والملئكة فيقف على أول‬
‫درجة فيسلم عليهم ‪ ،‬فيردون عليه السلم فيقول ‪ :‬سلوني‪ .‬فيقولون ‪ :‬وماذا نسألك ‪ . .‬؟ وعزتك وجللك وارتفاعك في مكانك لو انك قسمت‬
‫علينا رزق الثقلين لطعمناهم وأسقيناهم ولم ينقص ما عندنا‪ .‬فيقول ‪ :‬بلى سلوني‪ .‬فيقولون ‪ :‬نسألك رضاك‪ .‬فيقول ‪ :‬رضاي ‪ ،‬أحللكم دار‬
‫كرامتي ‪ ،‬فيفعل هذا بأهل كل درجة حتى ينتهي إلى مجلسه(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا حديث مكذوب به على عمر بن عبد العزيز‪ .‬وبعد كيف يثبت ل صفة بقول عمر بن عبد العزيز؟!!‬

‫قال ابن حامد ‪ :‬يأتي يوم القيامة إلى المحشر لقوله ‪) :‬يأتي ربك( وقت نزوله إلى السماء‪.‬‬

‫ن الَغماِم(‪.‬‬
‫ظَلٍل ِم َ‬
‫ل في َ‬
‫وقـال القاضي أبو يعلى‪ :‬الية تشهد لحديث عمر يعني قوله تعالى‪َ) :‬يأتيُهم ا َ‬

‫قلت ‪ :‬ول يدري أن المعني يأتيهم ال بظلل‪.‬‬

‫قال ابن حامد‪ :‬ول يمتنع امراره على ظاهره لنه ل بد من مشيه وانتهائه إلى مجلسه ل عن انتقال‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬من يقول ُيحمل هذا على ظاهره كيف يقول بل انتقال ‪ ،‬وإنما يقول هذا ارضاء للجهال وهل المشي إل انتقال‪.‬‬

‫الحديث التاسع والثلثون‬

‫روي عن عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬قالت ‪ :‬سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن المقام المحمود قال ‪) :‬وعدني ربي بالقعود على العرش(‪.‬‬

‫قلت‪ :‬هذا حديث مكذوب ل يصح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫عنَدنا ِلُزلفى(‪.‬‬
‫ن َلُه ِ‬
‫قال ابن حامد ‪ :‬يجب اليمان بما ورد من المماسة والقرب من الحق لنبيه في اقعاده على العرش‪ .‬قال ‪ :‬وقال ابن عمر ‪َ) :‬وِإ ّ‬
‫قال‪ :‬ذكر ال الدنو منه حتى يمس بعضه‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا كذب على ابن عمر ومن ذكر تبعيض الذات كفر بالجماع‪.‬‬
‫ن َأو َأدنى( وقال ابن عباس ‪:‬‬
‫سي ِ‬
‫ب َقو َ‬
‫ن قا َ‬
‫قال القاضي أبو يعلى‪ُ :‬يقِعد نبيه على عرشه بمعنى‪ :‬يدنيه من ذاته وُيقّربه منها ويشهد له قوله )َفكا َ‬
‫كان بينه وبينه مقدار قوسين‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا عن جبريل ل عن ال سبحانه‪ ،‬ومن أجاز القرب من الذات أجاز الملصقة وما ذهب اليه القاضي أبو يعلى صريح في التجسيم‪.‬‬

‫الحديث الربعون‬

‫روى الدارقطني من حديث أبي إسحاق عن عبد ال بن خليفة عن عمر ‪ :‬أن امرأة جاءت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت ‪ :‬ادع ال‬
‫أن يدخلني الجنة فعظم الرب عز وجل فقال ‪) :‬إن كرسيه وسع السموات والرض ‪ ،‬وإن له أطيطًا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله(‪.‬‬

‫هذا حديث مختلف جدًا ‪ ،‬فتارة يروي عن عبد ال بن خليفة عن عمر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وتارة عن عمر موقوفًا عليه‪ .‬وقد‬
‫رواه أبو إسحاق عن ابن خليفة عن ابن عمر قال ‪) :‬إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل(‪ .‬ورواه ابن جرير عن‬
‫عبد ال بن خليفة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬أن كرسيه وسع السموات والرض وانه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع‬
‫أصابع ثم قال بأصبعه فجمعها ‪ . .‬وإن له أطيطًا كأطيط الرحل إذا ركب من ثقله(‪.‬‬

‫وروى أبو بكر المرورزي ان ابن خليفة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪) :‬الكرسي الذي يجلس عليه الرب ما يفضل منه إل مقدار‬
‫أربعة أصابع(‪.‬‬

‫قلت‪ :‬هذا على ضد اللفظ الول ‪ ،‬وكل ذلك من تخليط الرواة وسوء الحفظ ‪ ،‬والليق فما يفضل منه مقدار أربع أصابع ‪ :‬والمعنى أنه قد مله‬
‫بهيبته وعظمته ‪ ،‬ويكون هذا ضرب مثل يقرب عظمة الخالق ‪ ،‬وقول الرواة ‪ :‬إذ قعد وإذا جلس من تغييرهم أو من تعبيرهم بما ظنونه المعنى‬
‫‪ ،‬كما قال القائل ‪ :‬ثم استوى على العرش قعد ‪ ،‬وإنما قلنا هذا لن الخالق سبحانه وتعالى ل يجوز أن يوصف بالجلوس على شيء فيفضل من‬
‫ذلك الشيء ‪ ،‬لن هذه صفة الجسام‪.‬‬

‫وقال الزاغوني ‪ :‬معنى الحديث خرج عن صفة الستواء أربعة أصابع‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا قد قصد به مغالطة العوام!! وهل لما قاله معنى؟!! إل أن يقال إن هذه الربعة لم تحاذ ولم تماس وكل هذا صريح في التشبيه ظاهر‬
‫في التجسيم ثم هو اثبات صفات بما ل يحسن اثباته من الحاديث المعلولة‪ .‬وقد روينا عن أبي بكر بن مسلم العائدي قال ‪ :‬هذا الموضع الذي‬
‫يفضل لمحمد ليجلس عليه قال ‪ :‬وقد كان الليق بهذا المتعبد ان يتشاغل بعبادته عن الكلم في هذا الفن‪.‬‬

‫وقـد روي القاضي أبو يعلى عن الشعبي أنه قال ‪ :‬ان ال تعالى قد مل العرش حتى أن له اطيطًا كأطيط الرحل‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا كذب على الشعبي‪.‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى‪ :‬وغير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في أن ذاته تمل العرش ثم قال ‪ :‬ل على شغل مكان‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬ومن ُيخّلط هذا التخليط ل ُيكّلم‪ ،‬واعجبًا من يمل مكانًا يشغله!!‬

‫روى القاضي أبو يعلى عن خالد بن معدان أنه قال ‪ :‬إن الرحمن ليثقل على حملة العرش ‪ ،‬وقال‪ :‬غير ممتنع حمل هذا على ظاهره وإن ثقله‬
‫يحصل على وجه المماسة‪.‬‬

‫الحديث الحادي والربعون‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي سعيد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪) :‬يقول ال عز وجل يوم القيامة ‪ :‬يا آدم‬
‫فيقول ‪ :‬لبيك وسعديك‪ .‬فينادَى بصوت ‪ :‬إن ال يأمرك أن ُتخِرج من ذريتك بعثًا إلى النار(‪.‬‬

‫قلت‪ :‬إنفرد بلفظ الصوت حفص بن غياث وخالفه وكيع وجرير وغيرهما ‪ ،‬من أصحاب العمش ‪ ،‬فلم يذكروا الصوت‪.‬‬

‫وسئل أحمد عن حفص قال ‪ :‬كان يخلط في حديثه‪ .‬وفي الحديث الصحيح ‪ ) :‬إذا تكلم ال بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر‬
‫السلسلة على الصفا(‪ .‬فرواه بعضهم بالمعنى الذي يظنه فقال ‪) :‬سمع صوته أهل السماء(‪ .‬وفي حديث ابن مسعود‪) :‬إذا تكلم ال بالوحي سمع‬
‫أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا(‪.‬‬
‫وهذا مع اللفظ الول أليق وليس في الصحيح ‪ :‬سمع صوته أهل السماء‪.‬‬

‫الحديث الثاني والربعون‬

‫روى جابر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ :‬لما كلم ال موسى عليه السلم يوم الطور ‪ ،‬كلمه بغير الكلم الذي به‬
‫ناداه ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا موسى إني كلمتك بقوة عشرة آلف لسان ولـي قوة اللسنة كلها ‪ ،‬وأنا أقوى من ذلك فلما سمع رجع إلـى بني إسرائيل قالوا ‪:‬‬
‫صف لنا كلم الرحمن ‪ . .‬؟ قال ‪ :‬ل أستطيع قالوا ‪َ :‬قّربه لنا قال ‪ :‬ألم تسمعوا صوت الصواعق التي تقبل بأجلى كلم سمعتموه قط‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا حديث ل يصح يرويه علي بن عاصم عن الفضل بن عيسى قال يحيى‪ :‬كذاب ليس بشيء‪.‬‬

‫وقال النسائي ‪ :‬علي بن عاصم متروك الحديث‪ .‬وقال يزيد بن هارون ‪ :‬ما زلنا نعرفه بالكذب‪.‬‬

‫وأما الفضل بن عيسى فقال أيوب السختياني ‪ :‬لو خلق أخرس كان خيرًا له ‪ ،‬وقال ابن عيينة ‪ :‬الفضل بن عيسى ل شيء ‪ ،‬وقال يحيى ‪ :‬هو‬
‫رجل سوء‪.‬‬

‫الحديث الثالث والربعون‬

‫روى القاضي عن حسان بن عطية أنه قال ‪) :‬الساجد يسجد على قدم الرحمن(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا قول تابعي ‪ ،‬وهو مثل المقرب من فضل ال تعالى ‪ ،‬وأثبت القاضي أبو يعلى بهذا وصف قدم ‪ ،‬وأنه يسجد على قدم حقيقة ل على‬
‫وجه المماسة‪.‬‬

‫الحديث الرابع والربعون‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي موسى ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪) :‬جنتان من فضة آنيتهما‬
‫وما فيهما ‪ ،‬وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬وليس بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إل رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن(‪.‬‬

‫قلت‪ :‬الرائي في جنة عدن ل المرئي لنه ل تحيط به المكنة‪.‬‬

‫وقال القاضي أبو يعلى‪ :‬ظاهر الحديث أنه المرئي في جنة عدن‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا هو التجسيم المحض ‪ ،‬ورداء الكبرياء ما له من الكبرياء والعظمة ‪ ،‬فكأنه إن منعهم فلعظمته ‪ ،‬وإن شاء كشف لهم‪ .‬وقد تكلمنا على‬
‫الوجه في اليات وقلنا المراد بالوجه هو سبحانه‪.‬‬

‫الحديث الخامس والربعون‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال رسول صلى ال عليه وسلم ‪) :‬لما قضى ال الخلق كتب في‬
‫كتابه ‪ -‬فهو عنده فوق العرش ‪ -‬إن رحمتي غلبت غضبي( وفي لفظ‪) :‬سبقت(‪.‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى‪ :‬ظاهر قوله عنده القرب من الذات‪ .‬واعلم أن القرب من الحق ل يكون بمسافة وإنما ذلك من صفة الجسام ‪ ،‬وقد قال‬
‫ك(‪.‬‬
‫عنَد َرِب َ‬
‫سبحانه وتعالى ‪َ) :‬مسوَمًة ِ‬

‫الحديث السادس والربعون‬

‫ُرِوي عن بعض التابعين أنه قال ‪) :‬خلق ال آدم بيده ‪ ،‬وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده(‪.‬‬

‫ت ِبَيدي(‪.‬‬
‫خَلق َ‬
‫قلت ‪ :‬هذا حديث ل يثبت عن قائله وقد تكلمنا علىه عند قوله تعالى ) َلّما َ‬
‫الحديث السابع والربعون‬

‫ت َواَلرض( ‪ ،‬قال‪ ) :‬كرسيه موضع‬


‫سموا ِ‬
‫سـَع ُكرسيِه ال َ‬
‫روى ابن عباس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله تعالى )َو ِ‬
‫قدميه ‪ ،‬والعرش ل يقدر قدره(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬رواه جماعة من الثبات فوقفوه على ابن عباس ‪ ،‬ورفعه منهم شجاع بن مخلد فعلم بمخالفته الكبار المتقنين أنه فد غلط‪.‬‬

‫ومعنى الحديث ‪ :‬أن الكرسي صغير بالضافة إلى العرش كمقدار كرسي يكون عنده سرير قد وضع لقدمي القاعد على السرير‪.‬‬

‫قال الضحاك ‪ :‬الكرسي الذي تجعل الملوك أرجلهم عليه‪ ،‬وقال القاضي ‪ :‬القدم قدم الذات وهي التي يضعها في النار‪.‬‬

‫الحديث الثامن والربعون‬

‫حديث العباس رضي ال عنه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪) :‬فوق السماء السابعة بحر بين أعله وأسفله كما بين السماء‬
‫والرض ‪ ،‬وال تعالى فوق ذلك(‪.‬‬

‫هذا حديث ل يصح تفرد به يحيى بن العلء‪.‬‬

‫قال أحمد ‪ :‬هو كذاب يضع الحديث ‪ ،‬وقال يحيى بن معين ‪ :‬ليس بثقة ‪ ،‬وقال ابن عدي ‪ :‬أحاديثه موضوعة وقد تكلمنا في الفوقية في قوله‬
‫عباِدِه(‪.‬‬
‫ق ِ‬
‫تعالى )َوُهَو القاِهُر َفو َ‬

‫قال القاضي أبو يعلى‪ :‬المراد من الفوقية ‪ :‬استواء الذات على العرش ‪ ،‬وقال‪ :‬هو على العرش ما حاذى العرش من ذاته فهو حد له وما عدا‬
‫حد‪.‬‬
‫الجهة المحاذية للعرش وهو الفوق والخلف والمام واليسرة ل ُي َ‬

‫قلت ‪ :‬هذا الكلم أصل التجسيم لن المحاذي يكون أكبر أو أصغر والمقادير ل تكون إل في الجسام‪.‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى ‪ :‬إذا ثبت أنه مستو على العرش فهل يجوز أن نطلق عليه الجلوس والقيام ‪ ،‬ما وجدت عن إمامنا في هذا شيئًا‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وكل الشيئين ل يصح‪ .‬أما لفظة القعود فقد رواها عن ابن عباس ول يصح ‪ ،‬وأما القيام فيرويها عيسى عن جابر عن عمر بن الصبح‪.‬‬

‫قال البخاري ‪ :‬قال عمر بن الصبح أنا وضعت خطبة رسول ال‪ .‬وقال ابن حبان ‪ :‬وكان يضع الحديث على الثقات ل يصح كتب حديثه إل على‬
‫التعجب ‪ ،‬وقال الدارقطني ‪ :‬متروك‪ .‬وقـال الزدي ‪ :‬كذاب ذاهل‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وبمثل هذه يثبت ل صفة أين العقول ؟! تعالى الحق ان يُوصَف بقيام وهو انتصاب القامة إنما هو قائم بالقسط ‪ ،‬ول يوصف بقعود ولنها‬
‫حالة الجسماني‪.‬‬

‫الحديث التاسع والربعون‬

‫ُرِوي في الصحيحين من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ ) :‬من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب‬
‫ول يقبل ال إل طيبًا ‪ ،‬فإن ال يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل ‪ .(. .‬وفي لفظ أخرجه مسلم‪:‬‬
‫)فتربوا في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل(‪.‬‬

‫قال العلماء هذا خطاب للناس بما يعلمونه ويفهمونه من الخذ والتربية والنمو لما كان التناول باليد والقبض بالكف ‪ ،‬خاطبهم بما يعقلون ‪ ،‬وإنما‬
‫جرى ذكر اليمين لنها مرصدة لما عز من المور ‪ ،‬ومعنى التربية ‪ :‬المضاعفة‪.‬‬

‫الحديث الخمسون‬

‫روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي ال عنه عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه ذكر الدجال فقال ‪ ) :‬أل أنه‬
‫أعور وإن ربكم ليس بأعور(‪.‬‬
‫قال العلماء ‪ :‬إنما أراد تحقيق وصفه بأنه ل يجوز عليه النقص ‪ ،‬والعور نقص ولم يرد إثبات جارحة ‪ ،‬لنه ل مدح في إثبات جارحة‪.‬‬

‫قال ابن عقيل ‪ :‬بحسب بعض الجهلة أنه لما نفى العور عن ال عز وجل أثبت من دليل الخطاب أنه ذو عينين وهذا بعيد من الفهم إنما نفى عنه‬
‫العور من حيث نفي النقائص كأنه قال ‪ :‬ربكم ليس بذي جوارح تتسلط عليه النقائص ‪ ،‬وهذا مثل نفي الولد عنه لنه يستحيل عليه التجزئ ‪،‬‬
‫ولو كانت الشارة إلـى صورة كاملة ‪ ،‬لم يكن في ذلك دليل على اللوهية ول القدم فإن الكامل في الصورة كثير‪ .‬قال ‪ :‬ومن قال بدليل الخطاب‬
‫ل في أحكام الفقه وفروع الدين فكيف بأصوله‪ ،‬ثم هو عند من اعتقده حجة يقضي عليه‬ ‫فأثبت عينين قيل له ‪ :‬دليل الخطاب مختلف في كونه دلي ً‬
‫معنى النطق وهو القياس المظنون فكيف يكون له حكم الدليل وقد قضى عليه دليل العقل بالرد‪.‬‬

‫الحديث الحادي والخمسون‬

‫روى البخاري في إفراده من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬يقول ال عز وجل ‪) :‬ما يزال عبدي‬
‫يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ‪ ،‬وما‬
‫ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬قوله ‪) :‬كنت سمعه وبصره( فهو َمَثل وله ثلثة أوجه ‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬كنت كسمعه وبصره فهو يحب طاعتي‪ .‬كما يحب هذه الجوارح‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬أن جوارحه مشغولة بي‪ ،‬فل يصغي إلى ما ل يرضيني ول يبصر إل عن أمري‪.‬‬

‫صل له مقاصده كما ينالها بسمعه وبصره ويديه اللواتي تعينه على عدوه‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬أني ُأح ِ‬

‫والحق منـزه عن حقيقته فهو كقوله ‪) :‬ومن أتاني يمشي أتيته هرولة(‪ .‬وقال بعض العلماء ‪ :‬لما كان المؤمن يمرض فيسئل العافية فيعافي كان‬
‫ذلك كالتردد في إماتته‪ .‬وأما التردد فخطاب لنا بما نعقل‪.‬‬

‫الحديث الثاني والخمسون‬

‫روى جبير بن مطعم قال ‪ :‬أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم أعرابي فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ :‬جهدت النفس وجاعت العيال ‪ ،‬ونهكت الموال ‪،‬‬
‫وهلكت النعام فاستسق ال لنا ‪ ،‬فانا نستشفع بك على ال ونستشفع بال عليك ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ويحك‪ :‬أتدري ما تقول؟؟‬
‫عِرف ذلك في وجه أصحابه فقال ‪ :‬إنه ل يستشفع بال على أحد من خلقه‪.‬‬
‫وسبح رسول ال صلى ال عليه وسلم فما زال يسبح حتى ُ‬

‫ط به كأطيط الرحل‬
‫شأن ال أعظم من ذلك ‪ :‬ويحك أتدري ما ال ‪ . .‬؟ إن عرشه على سمواته هكذا ‪ ،‬وقال باصابعه مثل القبة ‪ ،‬وإنه ليِئ ّ‬
‫بالراكب‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا الحديث تفرد بروايته محمد بن إسحق عن يعقوب بن عتبة وكلهما ل يحتج به أرباب الصحاح ‪ ،‬قال أبو سليمان الخطابي ‪ :‬هذا‬
‫الحديث إذ أجرى على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية ‪ ،‬وهي عن ال وصفاته منفية ‪ ،‬فعلم أنه كلم تقريب أريد به تقرير عظمة ال من حيث‬
‫يدركه فهم السامع إذا كان إعرابيًا جلفًا ل علم له بمعاني ما دق من الكلم‪.‬‬

‫ومعنى قوله ‪ :‬أتدري ما ال ‪ -‬أتدري ما عظمة ال وجلله ‪ . .‬؟ ومعنى يئط به ‪ :‬أي يعجز عن جلله وعظمته ‪ ،‬إذ كان معلومًا أن أطيط الرحل‬
‫بالراكب معلومًا لقوة ما فوقه ‪ ،‬أو لعجزه عن احتماله ‪ ،‬فقرّب بهذا النوع من التمثيل عنده معنى عظمة ال وجلله لُيَعّلمه أن الموصوف بعلو‬
‫الشأن ل يجعل شفيعًا لمن هو دونه في القدر‪ ...‬وقد ذكرنا فيما تقدم عن القاضي أبو يعلى أنه قال ‪) :‬يئط من ثقل الذات(‪ .‬وهذا صريح في‬
‫التجسيم‪.‬‬

‫الحديث الثالث والخمسون‬

‫سميعًا َبصيرًا(‪ .‬فوضع إصبع الدعاء وإبهامه على عينيه‬


‫ن َ‬
‫ل كا َ‬
‫نا َ‬
‫روى أبو هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قرأ ‪ِ ) :‬إ ّ‬
‫وأذنيه‪.‬‬

‫قال العلماء ‪ :‬أراد بهذا تحقيق السمع والبصر ل تعالى ‪ ،‬فأشار إلـى الجارحتين اللتين هما محل السمع والبصر ‪ ،‬ل أن ل سبحانه جارحة‪.‬‬
‫الحديث الرابع والخمسون‬

‫روى أبو الدرداء ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪) :‬إن ال عز وجل ينـزل في ثلث ساعات يبقين من الليل ‪ ،‬فيفتح‬
‫الذكر في الساعة الولـى‪ ،‬فيمحو ما يشاء وُيثِبت ‪ ،‬ثم ينـزل في الساعة الثانية إلـى جنة عدن وهي داره التي لم يسكنها غيره ‪ ،‬وهي مسكنه ‪ ،‬ثم‬
‫يقول طوبى لمن يسكنك ثم ينزل في الساعة الثالثة إلـى السماء الدنيا بروحه وملئكته ثم ينتفض فيقول ‪ :‬قومي بعزتي(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هـذا الحديث يرويه زيادة النصاري ‪ ،‬قال البخاري ‪ :‬هو منكر الحديث وذكر له أهل الحديث هذا الحديث وقال أبو حاتم بن حبان‪ :‬يروي‬
‫المناكير عن المشاهير ‪ ،‬واستحق الترك‪.‬‬

‫وقد رواه أبو جعفر بن أبي شيبة فقال فيه ‪ :‬زائـدة ‪ :‬وهو غلط إنمـا هو زيادة‪.‬‬

‫ونقول على تقدير الصحة أنها مضافة إليه كما أضيف البيت إليه يقال ‪ :‬هذا بيته وهذا مسكنه ‪ ،‬وإنما قلنا هذا لن السكنى مستحيلة في حقه‪.‬‬

‫الحديث الخامس والخمسون‬

‫خل الجنة من أمتي سبعين ألفًا وثلث حثيات من حثياته(‪.‬‬


‫روى أبو أمامة عن رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪) :‬وعدني ربي أن ُيد ِ‬

‫قلت ‪ :‬الحثية ملئ الكف‪ .‬والمراد التقريب بما يعقل ل حقيقة الحثية‪.‬‬

‫الحديث السادس والخمسون‬

‫روى أبو أمامة عن رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪) :‬إن ال يجلس يوم القيامة على القنطرة الوسطى بين الجنة والنار(‪.‬‬

‫يرويه عثمان بن أبي عاتكة وقال يحيى ‪ :‬ليس بشيء‪.‬‬

‫الحديث السابع والخمسون‬

‫روى القاضي أبو يعلى عن محمد بن كعب القرظي قال ‪) :‬إن الناس إذا سمعوا القرآن من ِفي الرحمن كأنهم لم يسمعوه قط(‪.‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى‪ :‬ول يمتنع أن يطلق الفم عليه‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وآعجبًا يعني أن للرحمن فم ‪ ،‬فيثبت ل صفة بقول تابعي ل تصح الرواية عنه‪ .‬هذا من أقبح الشياء ‪ ،‬فأما الحديث الذي سبق عن أبي‬
‫أمامة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ ) :‬ما تقرب إلي بمثل ما خرج مني(‪.‬‬

‫فالمعنى‪ :‬خرج عنه‪ ،‬ول يجوز أن يظن أنه كخروج جسم من جسم لن ال عز وجل ليس بجسم ول كلمه جسم‪.‬‬

‫الحديث الثامن والخمسون‬

‫روينا عن سهل بن سعد عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ ) :‬دون ال سبعون ألف حجاب من نور وظلمة وما تسمع من نفس شيئًا من‬
‫حس تلك الحجب إل زهقت(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا حديث ل أصل له‪ .‬يرويه موسى بن عبيدة ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬ل يحل عندي الرواية عنه ‪ ،‬قال يحيى ‪ :‬ليس بشيء ‪ ،‬وموسى يرويه عن‬
‫عمر بن الحكم قال البخاري ‪ :‬عمر ذاهب الحديث‪.‬‬

‫الحديث التاسع والخمسون‬

‫رواه أنس بن مالك رضي ال عنه عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ) إن ل َلَلوحًا ‪ ،‬أحد وجهيه درة والخر ياقوتة ‪ ،‬قلمه النور ‪ ،‬فبه‬
‫يخلق وبه يرزق وبه يحيى وبه يميت ‪ ،‬ويعز ويذل ‪ ،‬ويفعل ما يشاء في يوم وليلة(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا الحديث موضوع ‪ ،‬يرويه محمد بن عثمان وهو متروك‪.‬‬


‫الحديث الستون‬

‫روى جابر رضي ال عنه عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪) :‬إذا رأيتم الريح فل تسبوها فإنها من نَفس الرحمن ‪ ،‬تأتي بالرحمة‬
‫وتأتي بالعذاب فاسألوا ال خيرها واستعيذوا بال من شرها(‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬النفس بمعنى التنفيس عن المكروب ‪ ،‬ومثله ما رواه أبو هريرة ‪ -‬رضي ال عنه عن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪) :‬إني لجد‬
‫نَفس ربكم من ِقبل اليمن(‪.‬‬

‫يعني تنفيسه عن المكروب بنصرة أهل المدينة إياي والمدينة من جانب اليمن ‪ ،‬وهذا شيء ل يختلف فيه المسلمون‪.‬‬

‫وقال ابن حامد ‪ :‬رأيت بعض أصحابنا يثبتون ل وصفًا في ذاته بأنه يتنفس‪ .‬قال ‪ :‬وقالوا الرياح الهابة مثل الرياح العاصفة ‪ ،‬والعقيم والجنوب‬
‫والشمال والصبا والدبور مخلوقة ‪ ،‬إل ريحًا من صفاته هي ذات نسيم حياتي‪ ،‬وهي من نفس الرحمن‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬على من يعتقد هذا اللعنة‪ ،‬لنه يثبت جسدًا مخلوقًا وما هؤلء بمسلمين‪.‬‬

You might also like