Professional Documents
Culture Documents
دفع شبه التشبيه بأكف التنـزيه
دفع شبه التشبيه بأكف التنـزيه
المقدمة
قال الشيخ المام الحافظ العلمة أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد ال بن حماد الجوزي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد ال بن القاسم
بن الفطر بن القاسم بن محمد بن عبد ال بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي ال عنهم:
فصنفت تفاسير مطولة منها )المغنى( مجلدات و) زاد المسير( ،و) تذكرة الريب( ،وغير ذلك.
وفي الحديث :كتبًا منها )جامع المسانيد( ،و )الحدائق( ،و) نفي النقل( ،وكتبًا كثيرة في الجرح والتعديل ،وما رأيت لهم )تعليقه( في
الخلف إل أن القاضي أبا يعلى قال :كنت أقول ما لهل المذاهب يذكرون الخلف مع خصومهم ول يذكرون أحمد ؟ ثم عذرتهم ،إذ ليس لنا
تعليقة في الفقه.
قلت :وتعليقته لم يحقق فيها بيان الصحة والطعن في المردود ،وذكر فيها أقيسة طردية .ورأيت من يلقي الدرس من أصحابنا من يفزع إلى
تعليقة الصطلم أو تعليقة أسعد ،أو تعليقة العاملي ،أو تعليقة الشريفة ويستعير منها استعارات .فصنفت لهم تعاليق منها )كتاب النصاف في
جّنة الفطر( ومنها )عمدة الدلئل في مشهور المسائل( ،ثم رأيت جمع أحاديث التعليق التي يحتج بها أهلجّنُة النظر و ُ
مسائل الخلف( ومنها ) َ
المذهب ،وبينت تصحيح الصحيح ،وطعن المطعون فيه وعملت كتابًا في المذاهب أدخلتها فيه ،وسميته )الباز الشهب المنقض على مخالفي
المذهب( وصنفت في الفروع كتاب )الُمّذهب في المذهب( وكتاب )مسبوك الذهب( وكتاب )البلغة( وكتاب )منهاج الوصول إلى علم الصول(
وقد بلغت مصنفاتي مأتين وخمسين مصنفًا.
ورأيت من أصحابنا من تكلم في الصول بما ل يصلح ،وانتدب للتصنيف ثلثة :أبو عبد ال بن حامد ،وصاحبه القاضي ،وابن الزاغوني
فصنفوا كتبًا شانوا بها المذهب ،ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام ،فحملوا الصفات على مقتضى الحس .فسمعوا أن ال تعالى خلق آدم على
صورته ،فأثبتوا له صورة ووجهًا زائدًا على الذات ،وعينين وفمًا ولهوات وأضراسًا وأضواًء لوجهة هى السبحات ويدين وأصابع وكفًا
وخنصرًا وإبهامًا وصدرًا وفخذًا وساقين ورجلين.
وقالوا :ما سمعنا بذكر الرأس .وقالوا :يجوز أن َيمس وُيمس ،ويدني العبد من ذاته .وقال بعضهم :ويتنفس .ثم يرضون العوام بقولهم :ل
كما يعقل.
وقد أخذوا بالظاهر في السماء والصفات ،فسموها بالصفات تسمية مبتدعة ل دليل لهم في ذلك من النقل ول من العقل ،ولم يلتفتوا إلـى
النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة ل تعالى ول إلـى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث ،ولم يقنعوا بأن يقولوا
صفة فعل ،حتى قالوا صفة ذات ،ثم لما أثبتوا أنها صفات ذات قالوا :ل نحملها على توجيه اللغة مثل يد على نعمة وقدرة ومجيء وإتيان
على معنى بر ولطف ،وساق على شدة ،بل قالوا :نحملها على ظواهرها المتعارفة ،والظاهر المعهود من نعوت الدميين ،والشيء إنما
يحمل على حقيقته إذا أمكن ،ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون :نحن أهل السنة ،وكلمهم صريح فـي التشبيه وقد
تبعهم خلق من العوام.
فقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم :يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل وإمامكم الكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط ) :كيف أقول ما لم
ُيَقل(.
فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه ،ثم قلتم في الحاديث ،تحمل على ظاهرها .وظاهر القدم الجارحة ،فإنه لما قيل في عيسى روح ال
اعتقدت النصارى أن ل صفة هي روح ولجت في مريم ،ومن قال :استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسيات ،وينبغي أن ل يهمل ما يثبت به
الصل وهو العقل ،فإنا به عرفنا ال تعالى ،وحكمنا له بالقدم ،فلو أنكم قلتم :نقرأ الحاديث ونسكت ،ما أنكر عليكم أحد ،إنما حملكم إياها
على الظاهر قبيح ،فل تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه .ولقد كسيتم هذا المذهب شينًا قبيحًا حتى ل يقال حنبلي إل
سم ،ثم زينتم مذهبكم أيضًا بالعصبية ليزيد بن معاوية ،ولقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته ،وقد كان أبو محمد التميمي يقول في مج ّ
بعض أئمتكم :لقد شان هذا المذهب شينًا قبيحًا ل يغسل إلى يوم القيامة.
فصل
أحدها :أنهم سموا الخبار أخبار صفات ،وإنما هي إضافات ،وليس كل مضاف صفة ،فإنه قال سبحانه •
ت فيِه ِمن َروحي(.
وتعالى َ) :وَنَفخ ُ
الثاني :أنهم قالوا :إن هذه الحاديث من المتشابه الذي ل يعلمه إل ال تعالى .ثم قالوا :نحملها على •
ظواهرها ،فواعجبًا !! ما ل يعلمه إل ال أي ظاهر له..؟! فهل ظاهر الستواء إل القعود ،وظاهر النـزول إل
النتقال..
الثالث :أنهم أثبتوا ال تعالى صفات ،وصفات الحق ل تثبت إل بما يثبت به الذات من الدلة القطعية. •
وقال ابن حامد :من رد ما يتعلق به بالخبار الثابتة فهل يكفر ؟ على وجهين ،وقال :غالب أصحابنا على تكفير
من خالف الخبار في الساق والقدم والصابع والكف ونظائر ذلك وإن كانت أخبار آحاد لنها عندنا توجب العلم.
الرابع :أنهم لم يفرقوا في الحاديث بين خبر مشهور في قوله ) :ينـزل إلـى السماء الدنيا( وبين حديث ل •
يصح كقوله ) :رأيت ربي في أحسن صورة( بل أثبتوا بهذا صفة وبهذا صفة.
الخامس :أنهم لم يفرقوا بين حديث مرفوع إلى النبي -صلى ال عليه وسلم -وبين حديث موقوف على •
صحابي أو تابعي ،فأثبتوا بهذا ماأثبتوا بهذا.
السادس :أنهم تأولوا بعض اللفاظ في موضع ولم يتأولوها في آخر كقوله ) :ومن أتاني يمشي أتيته •
هرولة(.
ب مثل للنعام.
قالوا :هذا ضر ُ
وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال ) :إذا كان يوم القيامة جاء ال يمشي( فقالوا :نحمله على ظاهره.
قلت :فواعجبًا!! ممن تأول حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ول يتأول كلم عمر بن عبد العزيز.
السابع :أنهم حملوا الحاديث على مقتضى الحس فقالوا :ينـزل بذاته وينتقل ويتحرك ،ثم قالوا :ل كما •
يعقل .فغالطوا من يسمع فكابروا الحس والعقل فحملوا الحاديث على الحسيات ،فرأيت الرد عليهم لزمًا لئـل
ينسب المام إلى ذلك ،وإذا سكت نسبت إلى اعتقاد ذلك ،ول يهولني أمر عظيم في النفوس لن العمل على الدليل
،وخصوصًا في معرفة الحق ل يجوز فيه التقليد.
فصل
فإن قال قائل :ما الذي دعى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يتكلم بألفاظ موهمة للتشبيه؟
قلنا :إن الخلق غلب عليهم الحس فل يكادون يعرفون غيره ،وسببه المجانسة لهم في الحديث ،فعبد قوم النجوم وأضافوا إليها المنافع
والمضار ،وعبد قوم النور وأضافوا إليه الخير ،وأضافوا الشر إلى الظلمة ،وعبد قوم الملئكة ،وقوم الشمس وقوم عيسى ،وقوم عزير ،
وعبد قوم البقـر والكثرون الصنام فآنست نفوسهم بالحس المقطوع بوجوده ولذلك قال قوم موسى ِ) :إجَعل َلنا ِإَلهًا( فلو جاءت الشرائع
ل َأحد( ولو قال لهم ليس بجسم ول جوهر ول عرض ول بالتنـزيه المحض جاءت بما يطابق النفي فلما قالوا ) :صف لنا ربك( نزلت )ُقل ُهَو ا َُ
طويل ول عريض ول يشغل المكنة ول يحويه مكان ول جهة من الجهات الست وليس بمتحرك ول ساكن ول يدركه الحساس لقالوا حد لنا
النفي بأن تميز ما تدعونا إلـى عبادتـه عـن النفي وإل فأنت تدعو إلى عدم.
فلما علم الحق سبحانه ذلك جاءهم بأسماء يعقلونها من السمع والبصر والحلم والغضب ،وبنى البيت وجعل الحجر بمثابة اليمين المصافحة ،
وجاء بذكر الوجه واليدين والقدم والستواء والنـزول لن المقصود الثبات فهو أهم عند الشرع من التنـزيه ،وإن كان التنـزيه منها ،ولهذا
س َكمثِلِه
قال للجارية :أين ال ،وقيل له :أيضحك ربنا ؟ قال :نعم ،فلما أثبت وجوده بذكر صور الحسيات نفى خيال التشبيه بقوله )َلي َ
شيء( ،ثم لم يذكر الرسول الحاديث جملة وإنما كان يذكر الكلمة في الحيان فقد غلط من ألفها أبوابًا على ترتيب صورة غلطًا قبيحًا ،ثم هي َ
بمجموعها يسيرة ،والصحيح منها يسير :ثم هو عربي وله التجوز ،أليس هو القائل ) :تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو فرقان من
طير صاف( ) ،ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح(؟!.
فإن قيل لما سكت السلف عن تفسير الحاديث وقالوا :أمروها كما جاءت ؟
أحدها :أنها ذكرت للإيناس بموجود فإذا فسرت لم يحصل اليناس مع أن فيها ما ل بد من تأويله كقوله •
ك( أي جاء أمره.
تعالـى )َوجاَء َرُب َ
وقال أحمد بن حنبل :وإنما صرفه إلى ذلك أدلة العقل فإنه ل يجوز عليه النتقال.
والوجه الثاني :أنه لو تأولت اليد بمعنى القدرة جاز أن يتأول بمعنى القوة فيحصل الخطر بالصرف عما •
يحتمل.
والثالث :أنهم لو أطلقوا فـي التأويل اتسع الخرق فخلط المتأول ،فإذا سئل العامي عن قوله تعالى ُ) :ثـَم •
علـى الَعـرش( قيل له :الستواء معلـوم والكيف غير معقول واليمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، ِاسَتـوى َ
وإنما فعلنا هذا لن العوام ل يدركون الغوامض.
فصل
وكان المام أحمد يقول :أمروا الحاديث كما جاءت وعلى هذا من كبار أصحابه كإبراهيم الحربـي ،وأبي داود الشرم ،ومن كبار أصحابنا
أبو الحسن التميمي ،وأبو محمد رزق ال بن عبد الوهاب ،وأبو الوفاء ابن عقيل فنبغ الثلثة الذين ذكرناهم ابن حامد ،والقاضي أبو يعلى،
والزاغوني.
وقد سئل المام أحمد عن مسألة فأفتى فيها فقيل هذا ل يقول به ابن المبارك ،فقال :ابن المبارك لم ينـزل من السماء.
وقال المام الشافعي رضي ال عنه :استخرت ال تعالـى في الرد على المام مالك .ولما صنف هؤلء الثلث كتبًا ،وانفرد القاضي أبو يعلى
فصنف الحاديث التي ذكرتها على ترتيبه ،وقدم عليها اليات التي وردت فـي ذلك ]رأيت أن أرد كلمه في تلك الحاديث والثار مقدمًا
اليات الشريفة التي وردت في ذلك[.
باب ما جاء في القرآن العظيم من ذلك
ن َوجِهِه( أي يريدونه.
جلِل َواِلكرام( قال المفسرون :يبقى ربك ،وكذا قالوا في قوله َ) :يريدو َ
ك ذو ال َ
(1قال ال تعالى َ) :وَيبقى َوجُه َرّب َ
شيٍء هاِلك ِإل َوجِهِه( أي إل هو ،وقد ذهب الذين أنكرنا عليهم إلى أن الوجه صفة تختص باسم
وقال الضحاك وأبو عبيدة في قوله ُ) :كُل َ
زائد على الذات.
قلت :فمن أين قالوا هذا وليس لهم دليل إل ما عرفوه من الحسيات . . .؟ وذلك يوجب التبعيض ،ولو كان كما قالوا :كان المعنى :أن ذاته تهلك
إل وجهه .وقال ابن حامد :أثبتنا ل وجهًا ول نجوز إثبات رأس .قلت :ولقد اقشعر بدني من جراءته على ذكر هذا فما أعوزه في التشبيه غير
الرأس.
قال المفسرون :بأمرنا ،أي بمرأى منا ،قال أبو بكر بن النباري :أما جمع العين على مذهب العرب فـي ايقاعها الجمع على الواحد يقال :
خرجنا في السفر إلى البصرة .وإنما جمع لن عادة الملك أن يقول :أمرنا ونهينا.
وقد ذهب القاضي أبو يعلى إلـى أن العين صفة زائدة على الذات وقد سبقه أبو بكر بن خزيمة فقال في الية ) :لربنا عينان ينظر بهما(!!.
قلت :وهذا ابتداع ل دليل لهم عليه وإنما أثبتوا عينين من دليل الخطاب في قوله عليه الصلة والسلم ):وان ال ليس بأعور(.
وإنما أراد نفي النقص عنه تعالى ،ومتى ثبت أنه ل يتجزأ ،لم يكن لما يتخيل من الصفات وجه.
ت ِبَيدي(.
خَلق ُ
(3ومنها قوله تعالىَ) :لّما َ
ضَلـُه َيدًا
َتريحي َفَتلقى من َفوا ِ ب َبني هاشم
عنَد با ِ
َمتى َتناخي ِ قال الشاعر:
ل َمغلوَلٌة( أي :محبوسة عن النفقة ،واليد :القوة ،يقولون :ما لنا بهذا المر من يد ،وقوله تعالىَ) :بل َيداُه
ومعنى قول اليهود َ) :يُد ا ِ
طتانِ( أي نعمته وقدرته. َمبسو َ
قلت :هذا كلم المحققين .وقال القاضي أبو يعلى) :اليدان صفتان ذاتيتان تسميان باليدين( اهـ.
وقد قال بعض البُله :الضافات إلـى ال تعالـى ،لو لم يكن لدم مزية على سائر الحيوانات بخلقه باليد التي هي صفة لما عظمه بذكرها وأجله
فقال )ِبَيدي( .ولو كانت القدرة لما كانت له مزية ،فإن قالوا القدرة ل تثنى .وقد قال )بيدي(.
قلنا :بلى قالت العرب :ليس لـي بهذا المر يدان ،أي ليس لي به قدرة ،وقال عروة بن حزام في شعره:
ع َيدا ِ
ن ضلو ُ
ك ال ُ
ضَمت ِمن َ
ِبما َ ل ماَلنا
ل َوا َُ
ك ا َُ
شفا َ
َفقال َ
عِمَلت َأيدينا َأنعامًا( ولم يدل هذا على تمييز النعام على بقية الحيوان .قال
خَلقنا َلُهم ِمما َ
وقولهم :ميزه بذلك عن الحيوان ،نفاه قوله عز وجلَ ) :
سعون( أي بقوة.سماُء َبَنيناها بأيٍد َوِإنا َلُمَو ِ
ال تعالىَ) :وال َ
ثم قد أخبر أنه نفخ فيه من روحه ،ولم يرد إل الوضع بالفعل والتكوين ،والمعنى :نفخت أنا ،ويكفي شرف الضافة ،إذ ل يليق بالخالق جل
جلله سوى ذلك لنه ل يحتاج أن يفعل بواسطة ،فل له أعضاء وجوارح يفعل بها ،لنه الغني بذاته ،فل ينبغي أن يتشاغل بطلب تعظيم آدم مع
الغفلة عما يستحقه الباري سبحانه من التعظيم بنفي البعاض واللت في الفعال ،لن هذه الشياء صفة الجسام ،وقد ظن بعض البله أن ال
يمس ،حتى توهموا أنه مس طينة آدم بيد هي بعض ذاته ،وما فطنوا أنه من جملة مخلوقاته جسمًا يقابل جسمًا فيتحد به ويفعل فيه ،ومن
ل وصفة ،أفتراه سبحانه جعل أفعال الشخاص والجسام تتعدى إلـى الجسام البعيدة ،ثم يحتاج هو عقدًا فيتغير به الشيء حا ً
السحر من يُعقد ُ
في أفعاله إلى معاناة الطين.
سُه( وقوله تعالى على لسان عيسىَ) :تَعَلم ما في َنفسي َول َأعَلُم ما في َنفسك(.
ل َنف َ
حِذَرُكم ا َُ
(4ومنها قوله تعالىَ) :وُي َ
قال المحققون :المراد بالنفس هاهنا الذات ،ونفس الشيء ذاته ،وقد ذهب القاضي أبو يعلى إلـى أن ل نفسًا ،وهي صفة زائدة على ذاته.
قلت :وهذا قوله ل يستند إل إلى التشبيه ،لنه يوجب أن الذات شيء والنفس غيرها ،وحكى ابن حامد أعظم من هذا فقال :ذهبت طائفة في قوله
خت فيِه ِمن َروحي( إن تلك الروح صفة من ذاته وإنها إذا خرجت رجعت إلى ال تعالى.
تعالى َ) :وَنِف َ
قلت :وهذا أقبح من كلم النصارى فما أبقى هذا من التشبيه بقية.
شيء(.
س َكمثِلِه َ
(5ومنها قوله تعالىَ) :لي َ
ظاهر الكلم أن له مثلًا ،فليس كمثله شيء ،وليس كذلك ،وإنما معناه عند أهل اللغة :أن يقام المثل مقام الشيء نفسه .يقول الرجل :مثلي ل
يكلم مثلك ،وإنما المعنى :ليس كهو شيء.
عن ساق(.
ف ِ
ش ُ
(6ومنها قوله تعالىَ) :يوَم َيك ِ
قال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم النخعي وقتادة وجمهور العلماء :يكشف عن شدة ،وأنشدوا:
قال ابن قتيبة :وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناة الجد فيه ،شمر عن ساقه ،فاستعيرت الساق في موضع الشدة.
وبهـذا قال الفراء وأبو عبيد ،وثعلب واللغويون.
وروى البخاري ومسلم في الصحيحين عن النبي -صلى ال عليه وسلم) :إن ال عز وجل يكشف عن ساقه(.
هذه إضافة إليه معناها :يكشف عن شدته وأفعاله المضافة إليه ومعنى يكشف عنها) :يزيلها(.
وقال عاصم بن كليب :رأيت سعيد بن جبير غضب وقال :يقولون يكشف عن ساقه ،وإنما ذلك عن أمر شديد ،وقد ذكر أبو عمر الزاهد ان
الساق بمعنى )النفس( وقال :ومنه قول علي رضي ال عنه لما قالت البغاة :ل حكم إل ل فقال :ل بد من محاربتهم ولو تلفت ساقي . . .فعلى
هذا يكون المعنى يتجلى لهم ،وفـي حديث أبي موسى عن النبي -صلى ال عليه وسلم -أنه قال:
)يكشف لهم الحجاب فينظرون إلى ال تعالى فيخرون ل سجدًا ،ويبقى أقوام في ظهورهم مثل صياصي البقر ،يريدون السجود فل
يستطيعون(.
قال ابن حامد :يجب اليمان بأن ل تعالى ساقًا صفة لذاته ،فمن جحد ذلك كفر.
قلت :ولو تكلم بهذا عامي جلف كان قبيحًا ،فكيف بمن ينسب إلى العلم ؟! فإن المتأولين أعذر منهم لنهم ردوا المر إلى اللغة ،وهؤلء أثبتوا
ساقًا للذات ،وقدمًا حتى يتحقق التجسيم والصورة.
على الَعرش(.
(7ومنها قوله تعالى ُ) :ثَم ِاسَتوى َ
قال الخليل بن أحمد :العرش :السرير ،فكل سرير ملك يسمى عرشًا ،والعرش مشهور عند العرب في الجاهلية والسلم قال ال تعالى :
)ورفع أبويه على العرش( .وقال تعالى) :أيكم يأتيني بعرشها(.
واعلم أن الستواء في اللغة على وجوه منها :العتدال .قال بعض بني تميم فاستوى ظالم العشيرة والمظلوم .أي اعتدل ،والستواء :تمام
شَدُه َوِاسَتوى( أي تم.
الشيء قال ال تعالىَ) :وَلما َبَلَغ َأ َ
والستواء :القصد إلى الشيء قال تعالىُ) :ثَم ِاسَتوى ِإلى السماِء( .أي قصد خلقها ،والستواء الستيلء على الشيء قال الشاعر:
ف َوَدم ِمهراق
سي ٍ
غيِر َ
ِمن َ على الِعرا ِ
ق شـٌر َ
َقد ِاسَتوى َب َ
قلت :وجميع السلف على إمرار هذه الية كما جاءت من غير تفسير ول تأويل.
وقد حمل قوم من المتأخرين هذه الصفة على مقتضى الحس فقالوا ) :استوى على العرش بذاته( ،وهـي زيـادة لم تنقـل ،إنما فهموها من
إحساسهم ،وهو ان المستوي على الشيء إنما تستوي عليه ذاته ،قال أبو حامد :الستواء مماسته وصفة لذاته ،والمراد به القعود ،قال :وقد
ذهبت طائفة من أصحابنا إلى أن ال سبحانه وتعالى على عرشه ما مله ،وانه يقعد فيـه ،ويقعـد نبيه صلى ال عليه وسلم معه على العرش.
قلت :وعلى ما حكى تكون ذاتـه أصغر من العرش فالعجب من قول هـذا ،ما نحن مجسمة . .؟؟!!
وقيل لبن الزاغوني :هل تجددت له صفـة لم تكـن له بعد خلق العرش . .؟ قال :ل إنما خلق العالم بصفة التحت ،فصار العالم بالضافة إليه
أسفل فإذا ثبت لحدى الذاتين صفـة التحـت تثبت للخرى صفة استحقاق الفوق قال :وقد ثبت أن الماكن ليست في ذاته ،ول ذاته فيهـا ،
فثبت انفصاله عنها ،ول بد من شيء يحصل به الفصل ،فلما قالُ) :ثَم ِاستوى( علمنا اختصاصه بتلك الجهة.
ل بين الخالق والمخلوق فقد حدده ،وأقر بأنه جسم ،وهو يقول فـي كتابـه :إنه ليس
قلت :وهذا رجل ل يدري ما يقول لنه إذا قدر غاية وفص ً
بجوهر ،لن الجوهر ما تحيز ثم يثبت له مكانًا يتحيز فيه.
قلت :وهذا كلم جهل من قائله وتشبيه محض ،فما عرف هذا الشيخ ما يجب للخالق ،وما يستحيل عليه .فإن وجوده تعالـى ليس كوجود
الجواهر والجسام التي ل بد لها من حيز ،والتحت والفوق إنما يكون فيما يقابل ويحاذي ،ومن ضرورة المحاذي أن يكون أكبر من المحـاذي
أو أصغر أو مثله ،وان هذا ومثله إنما يكون فـي الجسام ،وكل ما يحـاذي الجسام يجـوز أن يمسها ،وما جاز عليه مماسة الجسام ومباينتها
فهو حادث ،إذ قد ثبت أن الدليل على حدوث الجواهر قبولهـا للمباينـة والمماسـة .فإذا أجـازوا هـذا عليـه ،قالوا بجـواز حدوثـه ،وإن منعوا
جواز هذا عليه ،لم يبق لنا طريق لثبات حدوث الجواهر ،ومتى قدرنا مستغنيًا عن المحل والحيز ومحتاجًا إلى الحيز ،ثم قلنا ،إما أن يكون
ل.
متجاورين أو متباينين ،كان ذلك محا ً
فإن التجاور والتباين من لوازم المتحيز فـي المتحيزات ،وقد ثبت أن الجتماع والفتراق من لوازم المتحيز ،والحق سبحانه وتعالى ل
يوصف بالتحيز ،لنه لو كان متحيزًا لم يخل إما أن يكون ساكنًا في حيزه ،أو متحركًا عنـه ،ول يجـوز أن يوصف بحركـة ول سكـون ،ول
اجتماع ول افتـراق ،وما جاور أو باين ،فقد تناهى ذاتًا ،والمتناهي إذا خص بمقدار ،استدعى مخصصاً ،وكذا ينبغي أن يقال ،ليس بداخل
العالم ،وليس بخارج منه ،لن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات وهما كالحركة والسكون وسائر العراض التي تختص بالجرام .وأما
قولهم :خلق الماكن ل في ذاته ،فثبت انفصاله عنها.
قلنا :ذاته تعالى ل تقبل أن يخلق فيها شيء ،ول أن يحل فيها شيء ،والفصل من حيث الحس يوجب عليه ما يوجب على الجواهر ،ومعنى
الحيز أن الذي يختص به يمنع مثله أن يوجد ،وكلم هؤلء كله مبني على الحس ،وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط حتى قال بعضهم :
إنا ذكر الستواء على العرش لنه أقرب الموجودات إليـه!! وهذا جهل أيضًا .لن قرب المساحة ل يتصور إل في حق الجسم ،وقال بعضهم :
جهـة العرش تحاذي مـا يقابلـه من الـذات ول تحـاذي جميع الذات ،وهـذا صريح في التجسيم والتبعيـض ،ويعـز علينا كيف هذا القائل ينسب
إلـى مذهبنا ؟
عباِدِه( .وجعلوا
ق ِ
طيب َوالَعَمل الصالح يرفعه( .وبقوله َ) :وُهَو القاهر َفو َ
واحتج بعضهم بأنه على العرش بقوله تعالى ) :إَِليِه َيصَعُد الَكَلُم ال َ
ذلك فوقية حسية ،ونسوا أن الفوقية الحسية إنما تكون لجسم أو جوهر وأن الفوقية قد تطلق لعلو المرتبة فيقال :فلن فوق فلن ،ثم انه كما قال
) :فوق عباده( قال ) :وهو معكم(.
فمن حملها على العلم ،حمل خصمه الستواء على القهر .أخبرنا علي بن محمد بن عمر الدباس ،قال أنبأنا رزق ال بن عبد الوهاب التميمي
قال :كان أحمد بن حنبل يقول :الستواء صفة مسلمة وليست بمعنى القصد ول الستعلء .قال :وكان أحمد ل يقول بالجهة للباري لن
الجهات تخلي عما سواها .وقال ابن حامد :الحـق يختص بمكان دون مكان ،ومكانه الذي هو فيه وجود ذاته على عرشه .وقال :وذهبت طائفة
إلى أن ال تعالى على عرشه :قد مله ،والشبه أنه مماس للعرش الكرسي موضع قدميه.
قلت :المماسة إنما تقع بين جسمين ،وما أبقى هذا في التجسيم بقية . .؟ !!
فصل
واعلم أن كل من يتصور وجود الحق سبحانه وجودًا مكانيًا طلب له جهة كما أن من تخيل أن وجوده وجودًا زمانيًا طلب له مدة في تقدمـه علـى
العالـم بأزمنـة وكل التخييلين باطل .وقد ثبت أن جميع الجهات تتساوى بالضافة إلـى القائل بالجهة فاختصاصه ببعضها ليس بواجب لذاته بل
هو جائز فيحتـاج إلـى مخصص يخصصه ويكون الختصاص بذلك المعنى زائدًا على ذاته وما تطرق الجواز إليه استحال قدمه لن القديم هو
الواجب الوجود من جميع الجهات .ثم ان كل من هو في جهة يكون مقدرًا محدودًا وهـو يتعالـى عن ذلك وإنما الجهات للجواهر والجسام لنها
أجرام تحتاج إلى جهة والجهة ليست في جهة وإذا ثبت بطلن الجهة ثبت بطلن المكان ويوضحه أن المكان يحيط بمن فيه والخالق ل يحويه
شيء ول تحدث له صفة.
فإن قيل :فقـد أخرج فـي الصحيحين عن شريك بن عبد ال بن أبي نمر عن أنس بن مالك رضي ال عنه :أنه ذكر المعراج فقال فيه ) :فعل به
إلى الجبار تعالى( فقال ) :وهو في مكانه يا رب خفف عنا(.
فالجواب :ان أبا سليمان الخطابي قال :هذه لفظة تفرد بها شريك ،ولم يذكرها غيره وهو كثير التفرد بمناكير اللفاظ ،والمكان ل يضاف إلى
ال عز وجل ،إنما هو مكان النبي صلى ال عليه وسلم ومعناه :مقامه الول الذي أقيم فيه.
قال الخطابي :وفي هذا الحديث )فاستأذنت على ربي وهو في داره(.
يوهم مكانًا ،وإنما المعنى ،في داره التي دورها لوليائـه ،وقد قال القاضي :أبو يعلي في كتابه )المعتمد( إن ال عز وجل ل يوصف بالمكان.
فإن قيل :نفي الجهات يحيل وجوده ،قلنا :إن كان الموجود يقبل التصال والنفصال فقد صدقت ،فاما إذا لم يقبلهما فليس خلوه من طرف
النقيض بمحال.
واعلم أنك لما لم تجد إل حسًا أو عرضًا وعلمت تنـزيه الخالق عن ذلك بدليل العقل الذي صرفك عن ذلك فينبغي أن يصرفك عن كونه متحيزًا
ل ،ولما كان مثل هـذا الكلم ل يفهمه العامي قلنا :ل تسمعوه ما ل يفهمه ودعوا اعتقاده ل تحركوه ،ويقال إن ال تعالىأو متحركًا أو منتق ً
استوى على عرشه كما يليق به.
سماء(.
(8ومن اليات قوله تعالىَ) :أَءَمنُتم َمن في ال َ
قلت :وقد ثبت قطعًا أنها ليست على ظاهرها ،لن لفظـة )في( للظرفية والحق سبحانه غير مظروف ،وإذا مُنع الحس أن يتصرف فـي مثل
هـذا ،بقي وصـف العظيم بما هو عظيم عند الخلق.
ل( .أي في طاعته وأمره ،أي لن التفريط ل يقع إل في ذلك ،وأما الجنب
با َ
جن ِ
ت في َ
على ما َفَرط ُ
حسَرتي َ
(9ومنها قوله تعالى) :يا َ
المعهود من ذي الجوارح ،فل يقع فيه تفريط.
قلت :وآعجبًا من عدم العقول!! إذا لم يتهيأ التفريط في جنب مخلوق كيف يتهيأ في صفة الخالق؟!
حنا(.
(10ومنها قوله تعالىَ) :فَنفخنا فيِه ِمن َرو ِ
ل( .قلت :أي يؤذون أولياءه كقوله تعالىَ) :وَاسَأل الَقرَيةَ( أي :أهلها.
نا َ
(11ومنها قوله تعالى ُ) :يؤذو َ
ب الَمجِل ِ
س ك يا ُكلي َ
ب َبعَد َ
َوِاسَت َ ك َأوَقَدت
ن الناَر َبعَد َ
ت َأ ّ
َأنَبئ َ قال الشاعر:
ك(.
جاء رُب َ
وكذلك قوله تعالى ) :و َ
قلت :قال القاضي أبو يعلى عن أحمد بن حنبل أنه قال :في قوله تعالىَ) :يَأتيُهُم( قال المراد به :قدرته وأمره ،قال :وقد بينه في قوله تعالى ) :
ك( قال :إنما هو قدرته.ك( ،ومثل هذا في القرآنَ) :وجاَء َرُب َ
َأو َيأتي َأمُر َرِب َ
قال :ال كف خلقه عن السؤال عن مخلوق ،فكفهم عن الخالق وصفاته أولى .وأنشدوا:
جباِر في الَقَدِم
ف َكيفيِة ال َ
َفَكي َ س الَمرُء ُيدِرُكها
س َلي َ
َكيفيِة الَنف ِ
فصل
اعلم أن للحاديث دقائق وآفات ل يعرفهما إل العلماء الفقهاء ،تارة في نظمها ،وتارة في كشف معناها ،وسنوضح بعض ذلك إن شاء ال
تعالى.
الحديث الول
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم) :خلق ال آدم على
صورته(.
قلت :للناس في هذا مذهبان .أحدهما :السكوت عن تفسيره ،والثاني :الكلم في معناه ،واختلف أرباب هذا المذهب في الهاء على من تعود..؟
على ثلثة أقوال:
إنما خص آدم بالذكر ،لنه هو الذي ابتدأت خلقه وجهه على هذه الصورة التي احُتذي عليها من بعده ،وكأنه نبه على أنك سببت آدم وأنت من
أولده وذلك مبالغة في زجره ،فعلى هذا تكون الهاء كناية عن المضروب ،ومن الخطأ الفاحش أن ترجع إلى ال عز وجل بقوله :ووجه من
أشبه وجهك فإنه إذا نسب إليه شبه سبحانه وتعالى كان تشبيهًا صريحًا.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي ال عنه -عن النبي -صلى ال عليه وسلم -أنه قال) :إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه ،فإن ال
تعالى خلق آدم على صورته(.
القول الثاني) :إن الهاء كناية عن إسمين ظاهرين( ،فل يصح أن يضاف إلـى ال عز وجل لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة ،فعادت إلى
آدم ،ومعنى الحديث :إن ال خلق آدم على صورته التي خلقه عليها تامًا لم ينقله من نطفة إلى علقة هذا مذهب أبي سليمان الخطابي ،وقد ذكره
ثعلب في أماليه.
القول الثالث) :إنها تعود إلـى ال تعالى( وفي معنى ذلك قولن :أحدهما :أن تكون صورة ِملك ،لنها فعله ،فتكون إضافتها إليه من وجهين:
أحدها :أن الثوري والعمش اختلفا فيه فأرسله الثوري ورفعه العمش.
والثانية :أن العمش كان يدلس فلم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت.
والثالثة :أن حبيبًا كان يدلس فلم يعلم أنه سمعه من عطاء.
قلت :وهذه أدلة توجب مهنًا في الحديث ثم هو محمول على اضافة الصورة إليه ُملكًا.
والقول الثاني :أن تكون صورة بمعنى الصفة .تقول :هذا صورة هذا المر :أي صفته ،ويكون المعنى خلق آدم على صفته من الحياة والعلم
والقدرة والسمع والبصر والرادة والكلم فميزه بذلك على جميع الحيوانات ،ثم ميزه على الملئكة بصفة التعالي حين أسجدهم له .وقال ابن
عقيل إنما خص آدم بإضافة صورته إليه لتخصيصه وهـي السلطنة التي تشاكلها الربوبية استعبادًا وسجودًا وأمرًا نافذًا وسياسات تعمر بها
البلد ويصلح به العباد وليس في الملئكة والجن من تجمع على طاعته نوعه وقبيله سوى الدمي.
وإن الصورة هاهنا معنوية ل صورة تخاطيط ،وقد ذهب أبو محمد بن قتيبة في هذا الحديث إلى مذهب قبيح فقال :ل صورة ل كالصور فخلق
آدم عليها..؟؟ وهذا تخليط وتهافت لن معنى كلمه :إن صورة آدم كصورة الحق.
وقال القاضي أبو يعلي :يطلق على الحق تسمية الصورة ل كالصور كما أطلقنا اسم ذاته.
قلت :وهذا تخليط ،لن الذات بمعنى الشيء ،وأما الصورة فهي هيئة وتخاطيط وتأليف ،وتفتقر إلـى مصور ومؤلف وقول القائل ل كالصور،
نقض لما قاله ،وصار بمثابة من يقول :جسم ل كالجسام ،فإن الجسم ما كان مؤلفا ،فإذا قال :ل كالجسام نقض ما قال.
الحديث الثاني
روى عبد الرحمن بن عياش -رضي ال عنه -عن النبي -صلى ال عليه وسلم -أنه قال ) :رأيت ربي في أحسن صورة ،فقال لـي :فيم
يختصم المل العلى يا محمد قلت :أنت أعلم يا رب ،فوضع كفه بين كتفي ،حتى وجدت بردها بين ثديي ،فعلمت ما في السموات والرض(.
قال أحمد رضي ال عنه :أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة يرويه معاذ عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وكل أسانيده مضطربة ليس
فيها صحيح ،ورواه قتادة عن أنس واختلف على قتادة فرواه يوسف بن عطية عن قتادة ووهم فيه ،ورواه هشام عن قتادة عن أبي قلبة عن
خالد بن اللجلج عن ابن عباس ووهم في قوله عن ابن عبـاس وإنما رواه خالد عن عبد الرحمن بن عائش وعبد الرحمن لم يسمعه من رسول
ال صلى ال عليه وسلم وإنما رواه عـن مالك بن يخامر عن معاذ.
قلت :قد ذكرنا أنه ل يصح ،وقال أبو بكر البيهقي :فقد ُروي عن أوجه كلها ضعيفة وأحسن طرقه تدل على أن ذلك كان في النوم.
وقد روي من حديث أبي هريرة -رضي ال عنه -قال :قال رسول ال -صلى ال عليه وسلم ) :-أتاني آت في أحسن صورة .فقال :فيم
يختصم المل العلى . .؟ فقلت :ل أدري ،فوضع كفه بين كتفي ،فوجدت بردها بين ثديي ،فعرفت كل شيء يسألني عنه(.
وروي من حديث ثوبان قال :خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد صلة الصبح ،فقال ) :إن ربي أتاني اليلة في أحسن صورة فقال
لـي :يا محمد :فيم يختصم المل العلى؟ قلت :ل أدري يا رب ،فوضع كفه بين كتفي ،حتى وجدت برد أنامله في صدري ،فتجلى لـي ما
بين السماء والرض(.
وروي عن أبي عبيدة بن الجراح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :لما كنت ليلة أسري بي رأيت ربي في أحسن صورة(.
قلت :وهذه أحاديث مختلفة ،وليس فيها ما يثبت وفي بعضها أتاني آت وذلك يرفع الشكال ،وأحسن طرقها يدل على أن ذلك كان في النوم
ورؤيا المنام وهم والوهام لتكون حقائق وأن النسان يرى كأنه يطير أو كأنه صار بهيمة وقد رأى أقوام في منامهم الحق سبحانه على
ي والرضى عني ، ماذكرنا وإن قلنا إنه رأه في اليقظة فالصورة إن قلنا ترجع إلى ال تعالـى ،فالمعنى رأيُته على أحسن صفاته من القبال عل ّ
وإن قلنا ترجع إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فالمعنى رأيته وأنا على أحسن صورة.
قلت :والعجب مع اضطراب هذه الحاديث وكون مثلها ل َيثبُت به حكم فـي الوضوء ]كيف يحتجون بها في العقائد؟![ وروي ابن حامد من
حديث ابن عباس رضي ال عنهما عن النبي -صلى ال عليه وسلم -أنه قال ) :ولما أسري بي رأيت الرحمن تعالى في صورة شاب أمرد ،له
نور يتلل ،وقد نهيت عن وصفه لكم ،فسألت ربي أن يكرمني برؤيته ،وإذا هو كأنه عروس حين كشف عن حجابه مستٍو على عرشه(.
قلت :هـذا الحديث كذب قبيح .ما روي قط فـي صحيح ول في كذب مشهور .فأبعد ال من عمله ،فقد كنا نقول :ذلك فـي المنام ،فذكر هذا في
ليلة السراء كافأهم ال وجزاهم النار ،يشبهون ال بعروس . .؟ ما قال هذا مسلم . .؟؟
وأما ذكر البرد في الحديث الماضي ،فإن البرد عرض ،ل يجوز أن ينسب إلى ال تعالى .وقد ذكر القاضي أبو يعلى في كتاب الكفاية عن
أحمد ) :رأيت ربي في أحسن صورة( ،أي :في أحسن موضع.
الحديث الثالث
روت أم طفيل امرأة ُأبي رضي ال عنهما ،أنها سمعت رسول ال -صلى ال عليه وسلم -يذكر أنه) :رأى ربه عز وجل في المنام في أحسن
صورة ،شابًا موقرًا ،رجله فـي خضرة ،عليه نعلن من ذهب ،على وجهه فراش من ذهب(.
قلت :هذا الحديث يرويه ُنعيم بن حماد بن معاوية المروزي ،قال ابن عدي :كان يضع الحديث .وقال يحيى بن معين :ليس ُنعيم بشيء في
الحديث .وفي إسناده مروان بن عثمان عن عمارة بن عامر ،قال أبو عبد الرحمن النسائي :ومن مروان حتى يصدق على ال عز وجل؟ وقال
مهنى بن يحيى ،سئلت أحمد عن هذا الحديث ،فأعرض بوجهه وقـال :هذا حديث منكر مجهول يعني مروان بن عثمان قال ول يعرف أيضًا
عمارة.
وقد روى عبيد ال بن أبي سلمة قال :بعث ابن عمر إلى عبد ال بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه؟ فأرسل إليه أن نعم قد رآه .فرد الرسول
إليه كيف رآه؟ قال :رآه على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملئكة في صورة رجل.
وفي رواية عن ابن عباس )رآه كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ(.
قلت :وهذا يرويه إبراهيم بن الحكم بن ابان وقد ضعفه يحيى بن معين وغيره.
وفي رواية ابن عباس -رضي ال عنه -عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :رأيت ربي أجعد أمرد عليه حلة خضراء(.
قلت :وهذا يروى من طريق حماد بن سلمة وكان ابن أبي العوجاء الزنديق ربيب حماد ،وكان يدس في كتبه هذه الحاديث ،على أن هذا كان
منامًا والمنام خيال.
ومثل هذه الحاديث ل ثبوت لها ،ول يحسن أن يحتج بمثلها في الوضوء ،وقد أثبت بها القاضي أبو يعلى ل تعالى صفات فقال :قوله :
شاب ،وأمرد ،وجعد ،وقطط ،والفراش والنعلن والتاج .قال :ثبت ذلك تسمية ل يعقل معناها ،وليس في إثباتهـا أكثر من تقريب المحدث
من القديم وذلك جائز كما روي )يدني عبده إليه( يعني يقربه إلى ذاته.
ثم يقول :ما هو كما نعلم ،كمن يقول :قام فلن وما هو قائم ،وقعد وليس بقاعد.
ل ،وصار هـذا كما لو أخبرنا جماعة من المعدلين :بأن جمل البزاز دخل في خرم إبرة الخياط .فإنه
ثم ل تنفع ثقة الرواة إذا كان المتن مستحي ً
ل حكم لصدق الرواة مع استحالة خبرهم.
الحديث الرابع
روي عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال :قال رسول ال -صلى ال عليه وسلم ) -انتهيت ليلة أسري بي إلى السماء فرأيت ربي ،فرأيت
كل شيء من ربي ،حتى لقد رأيت تاجًا مخوصًا من لؤلؤ(.
قلت :هـذا يرويه أبو القاسم عبـد ال بن محمد بن اليسع عن القاسم بن إبراهيم .قال الزهري :كنت أقعد مع ابن اليسع ساعة فيقول ) :قد
ختمت الختمة منذ قعدت وقاسم ليس شيء(.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي ال تعالى عنه عن النبي -صلى ال عليه وسلم -أنه قال :
)يجمع ال الناس فيقول :من كان يعبد شيئًا فليّتبعه ،فيتبعون ما كانوا يعبدون ،وتبقى هذه المة فيها منافقوها ،فيأتهم ال عز وجل في غير
الصورة التي كانوا يعرفون فيقول :أنا ربكم .فيقولون نعوذ بال منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا .فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم في الصورة التي
يعرفون ،فيقول :أنا ربكم .فيقولون :أنت ربنا . .؟(
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد عن النبي -صلى ال عليه وسلم -أنه قال ) :فيأتيهم الجبار في غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة.
فيقول أنا ربكم ،فيقولون أنت ربنا ،فل يكلمه إل النبياء .فيقال :هل بينكم وبينه آية تعرفونها. . .؟ فيقولون :الساق .فيكشف عن ساقه فيسجد
له كل مؤمن .(. . .
قلت :إعلم أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن ال سبحانه وتعالى ،ل تجوز عليه الصورة التي هي هيئة وتأليف.
وأما الصورة فتتأول على وجهين أحدهما :أنها بمعنى الصفة ،يقال صورة المر كذا.
والثاني :أن المذكورات من المعبودات في أول الحديث صور يخرج الكلم على نوعين من المطابقة ،وقوله )فـي غيـر صورة رأوه فيها(
دليل على أن المراد بالصورة الصفة لنهم ما رأوه قبلها فعلمت أن المراد الصفة التي عرفوه فيها.
وقال غيره من العلماء :يأتيهم بأهوال القيامة ،وصور الملئكة ،ما لم يعهدوا مثله في الدنيا ،فيستعيذون من تلك الحال ،ويقولون :إذا جاء
ربناه عرفناه ،أي أتـى بما يعرفونه من لطفه ،وهي الصورة التي يعرفون فيكشف عن ساق :أي عـن شدة كأنه يرفع تلك الشدائد المهولة ،
فيسجدون شكرًا ،وقال بعضهم :صورة يمتحن إيمانهم بها ،كما يبعث الدجال فيقولون :نعوذ بال منك.
وفي حديث أبي موسى عن رسول ال -صلى ال عليه وسلم ) :-أن الناس يقولون :إن لنا ربًا كنا نعبده في الدنيا فيقال :أوتعرفونه إذا
رأيتموه...؟ فيقولون :نعم .فيقال :كيف تعرفونه ولم تروه...؟ فيقولون :إنه ل شبيه له ،فيكشف الحجاب فينظرون إلى ال عز وجل فيخرون
سجدًا(.
قال ابن عقيل :الصورة على الحقيقة تقع على الشكال والتخاطيط ،وذلك من صفات الجسام ،والذي صرفنا عن كونه جسمًا الدلة القطعية
شيء(.
س َكَمَثِلِه َ
كقولهَ) :لي َ
ل العراض ،جاز عليه ما يجوز على الجسام ،وافتقر إلى ومن الدلة العقلية :أنه لو كان جسمًا لكان صورة وعرضًا ،ولو كان حام ً
صانع ،ولو كان جسمًا مع قدمه ،جاز قدم أحدنا ،فاحوجتنا الدلة إلى تأويل صورة تليق أضافتها إليه ،وما ذلك إل الحال الذي يوقع عليه
أهل اللغة اسم صورة فيقولون كيف صورتك مع فلن؟ وفلن ...على صورة من الفقر .والحال التي أنكروها الغضب ،والتـي يعرفونها
اللطف .فيكشف عن الشـدة ،والتغيرات أليق بفعله ،فأما ذاته ،فتعالى عن التغير نعوذ بال أن يحمل الحديث على ما قالته المجسمـة إن
ل فليس
فخرجوه في صورة إن كانت حقيقية ،فذلك استحالة .وإن كانت تخي ًالصورة ترجع إلى ذاته ،فإن في ذلك تجويز التغير على صفاتهّ .
ذلك هو ،إنما يريهم غيره.
الحديث السادس
روى مسلم في صحيحه من حديث المغيرة عن رسول ال -صلى ال عليه وسلم -أنه قال ) :ل شخص أغير من ال ،ول شخص أحب إليه
العذر من ال ،ول شخص أحب إليه المدحة من ال(.
قلت :لفظة )الشخص( يرويها بعض الرواة ،ويروي بعضهم )لشيء أغير من ال(.
والرواة يروون بما يظنون به المعنى فيكون لفظ شخص من تغيير الرواة ،والشخص ل يكون إل جسمًا مؤلفًا ،وسمي شخصًا فإن له شخوصًا
وارتفاعًا والصواب أنه يرجع ذكر الشخص إلى المخلوقين ل أن الخالق يقال له شخص ،ويكون المعنى) :ليس منكم أيها الشخاص أغير من
ال( ،لنه لما اجتمع الكل بالذكر ،سمي بأسمائهم .ومثل هذا قول ابن مسعود ) :ما خلق ال من جنة ول نار أعظم من آية الكرسي(.
خيَر
جنَة َيوَمئذ َ
قال المام أحمد بن حنبل رحمه ال تعالى :الخلق يرجع إلـى الجنة ،والنـار ل إلـى القرآن ومن هذا الجنس قوله تعالـى) :ال َ
ل( ومعلوم أن أهل النار ل مستقر لهم ول مقيل .ويمكن أن يكون هذا من باب المستثنى من غير الجنس كقوله تعالى) :ما ُمسَتقرًا َوَأحسنَ َمقي ً
ظن( .وقد أجاز بعضهم إطلق الشخص على ال تعالى وذلك غلط لما بيناه. علم ِإل ِاتباع ال َ
َلُهم ِبِه ِمن ِ
وأما الغيرة :فقد قال العلماء :كل من غار من شيء اشتدت كراهيته له ،فلما حرم الفواحش وتوعد عليها وصفه رسوله صلى ال عليه وسلم
بالغيرة.
الحديث السابع
روى أبو موسى الشعري رضي ال عنه عن النبي -صلى ال عليه وسلم -قال ) :إن ال خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الرض(.
المعنى مقدار قبضته وليست على ما يتصور من قبضات المخلوقين فإن الحق منـزه عن ذلك.
طَمسنا َأعُيُنُهم(.
وإنما أضيفت القبضة إليه لن أفعال المملوك تنسب إلى المالك ،وذلك أنه بعث من قبض كقوله تعالى َ) :ف َ
خَلق ُ
ت جد ِلَمن َ
وقد روي محمد بن سعد في كتاب الطبقات :أن ال تعالى بعث إبليس فأخذ من أديم الرض فخلق منه آدم فمن ثم قال )َأَأس ُ
طينًا(.
قال القاضي أبو يعلى :ل يمتنع إطلق اسم القبض إليه وإضافة القبضة ل على معنى الجارحة ول على المعالجة والممارسة.
الحديث الثامن
طيب في يمينه ،وكل خبيث في يده الخرى ،ثم خلط بينهما ،
روى سليمان قال ) :إن ال تعالى لما خمر طينة آدم ضرب بيده فيه ،فخرج كل َ
فمن ثم يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي(.
وقال القاضي أبو يعلى :تخمير الطين وخلط بعضه ببعض مضاف إلى اليد التي خلق بها آدم.
الحديث التاسع
روى عبيد بن حنين قال :بينما أنا جالس في المسجد ،إذ جاء قتادة بن النعمان فجلس يتحدث ثم قال ) :انطلق بنا إلى أبي سعيد الخدري ،فإني
قد أخبرت أنه قد اشتكى ،فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد فوجدناه مستلقيًا واضعًا رجله اليمنى على اليسرى ،فسلمنا عليه وجلسنا ،فرفع
قتادة يده إلى رجل أبي سعيد ،فقرصها قرصة شديدة فقال أبو سعيد :سبحان ال يا ابن أم أوجعتني(.
فقال :ذلك أردت ،ان رسول ال -صلى ال عليه وسلم -قال ) :إن ال لما قضى خلقه ،استلقى ثم وضع إحدى رجليه على الخرى ،ثم قال :
ل ينبغي لحد من خلقي أن يفعل هذا( .قال أبو سعيد :ل جرم ل أفعله أبدًا.
قلت :وقد رواه عبد ال بن أحمد عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصاغاني قال :حدثني إبراهيم بن المنذر ،قال :حدثنا محمد بن فليح عن
سعيد بن الحارث عن عبيد ال بن حنين.
قلت :قال عبد ال بن أحمد بن حنبل :ما رأيت هذا الحديث في ديوان من دواوين الشريعة المعتمد عليها .وكان أحمد بن حنبل يذم إبراهيم بن
المنذر ويتكلم فيه ،وقال زكريا الساجي عنده مناكير ،وقال يحيى بن معين :فليح ليس حديثه بالجائز .وقال مرة :هو ضعيف ،وقال النسائي
:ليس بالقوي.
وأما عبيد بن حنين فقال البخاري :ل يصح حديثه في أهل المدينة ،وقال أبو بكر البيهقي :إذا كان فليح مختَلفًا في جواز الحتجاج عند الحفاظ
به لم يثبت بروايته مثل هذا المر العظيم.
قال :وفي الحديث علة أخرى ،وهي أن قتادة بن النعمان مات في خلفة عمر بن الخطاب رضي ال عنه ،وعبيد بن حنين مات سنة خمس
ومائة .وله خمس وسبعون سنة ،في قول الواقدي ،فتكون روايته عن قتادة بن النعمان منقطعة .وقول الراوي :فانطلقنا حتى دخلنا على أبي
سعيد ل يرجع إلى عبيد بن حنين وإنما يرجـع إلى من أرسله عنه ونحن ل نعرفه قال :ول نقبل المراسيل في الحكام فكيف في هذا المر
العظيم.
قال المام أحمـد :ثم لو صح طريقه احتمل أن يكون رسول ال -صلى ال عليه وسلم -حدث به عن بعض أهل الكتاب على طريق النكار
عليهم ،فلم يفهم قتادة إنكاره عليهم.
ل يحدث عن رسول ال -صلى ال عليه وسلم -فاستمع له الزبير حتى إذا قضى قلت :ومن هذا الفن حديث رويناه ،أن الزبير سمع رج ً
الرجل حديثه ،قال له الزبير ) :أنت سمعت هذا من رسول ال -صلى ال عليه وسلم ..-؟ قال :نعم ،قال :هذا وأشباهه يمنعنا أن نحدث عن
رسول ال صلى ال عليه وسلم .قال :لعمري سمعت هذا من رسول ال -صلى ال عليه وسلم -وأنا يومئذ حاضر ولكن رسول ال -صلى ال
عليه وسلم -ابتـدأ بهذا الحديث ،فحدثناه عن رجل من أهل الكتاب حدثه إياه ،فجئت أنت يومئذ بعد انقضاء صدر الحديث ،وذكر الرجل الذي
من أهل الكتاب فظننت به أنه من حديث رسول ال -صلى ال عليه وسلم .-
قلت :وغالب الظن أن الشارة في حديث الزبير إلى حديث قتادة ،فإن أهل الكتاب قالوا :إن ال تعالى لما خلق السموات والرض استراح
سنا ِمن َلغوب(.
فنـزل قوله تعالى َ) :وما َم َ
فيمكن أن يكون رسول ال -صلى ال عليه وسلم -حكى ذلك عنهم ،ولم يسمـع قتـادة أول الكلم.
وقد روى أبو عبد الرحمن بن أحمد في كتاب )السنة( عن أبي سفيان قال) :رأيت الحسن قد وضع رجله اليمنى على شماله وهو قاعد ،فقلت :
سنا من َلغوب(.
سَتِة َأيام َوما َم َ
ت َوالرض َوما َبيَنُهما في ِ
سموا ِ
يا أبا سعيد تكره هذه القعدة .؟ فقال :قاتل ال اليهود ثم قرأَ) :وَلَقد خَلقنا ال َ
فعرفت ما عنى فامسكت.
وروينا عن العوام بن حوشب قال :سألت أبا مجلز عن رجل يجلس فوضع إحدى رجليه على الخرى قال :ل بأس وانما ذكره ذاك اليهود
زعموا ان ال عز وجل خلق السموات والرض وما بينهما في ستة أيام.
قلت :وقد تأول بعض العلماء الحديث الذي نحن فيه على تقدير الصحة فقال :معنى استلقى أتم خلقه ،وفرغ يقال فلن بنى لفلن داره
ل على رجل أي وضع بعض المخلوقات على بعض. واستلقى على ظهره أي لم يبق له فيها عمل .وقوله :وضع رج ً
ل على رجل ثم قال :ل على وجه يعقل معناه .قال :ويفيد الحديث إثبات
وذهب القاضي أبو يعلى إلى جعل الستلقاء صفة وأنه وضع رج ً
رجلين.
الحديث العاشر
ل من المشركين سب رسول ال صلى ال عليه وسلم فحمل عليه رجل من المسلمين فقاتله وقتل
روى القاضي أبو يعلى عن ابن عطية ان رج ً
الرجل.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :ما تعجبون من نصر ال ورسوله لقي ال متكئًا فقعد له(.
قلت :هذا حديث مقطوع بعيد الصحة ،ولو كان له وجه كان المعنى :فأقبل عليه وأنعم.
الحديث الحادي عشر
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال) :ل تزال جهنم يلقي فيها
وتقول :هل من مزيد . .؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينـزوي بعضها إلى بعض فتمتلئ(.
قلت :الواجب علينا أن نعتقد أن ذات ال تعالى ل تتبعض ول يحويها مكان ول توصف بالتغير ول بالنتقال.
وقد حكى أبو عبيد الهروي عن الحسن البصري أنه قال :القدم :هم الذين قدمهم ال تعالى من شرار خلقه وأثبتهم لها.
وقال المام ابن العرابي :القدم المتقدم ،وروى أبو بكر البيهقي عن النضر بن شميل أنه قال :القدم ههنا الكفار الذين سبق في علم ال أنهم
من أهل النار.
وقال :أبو منصور الزهري ،القدم هم الذين قدم ال بتخليدهم في النار فعلى هذا يكون في المعنى وجهين أحدهما :كل شيء قدمه.
يقال :لما ُقّدم َقَدم ،ولما ُهّدم َهَدم ،ويؤيد هذا قوله في تمام الحديث )وأما الجنة فينشئ لها خلقًا(.
ووجه ثان :إن لكل قادم عليها سمي قادمًا ،فالقدم جمع قادم.
فبعض الرواة رواه بما يظنه المعنى من أن المقدم )الرّجل( ،وقد رواه الطبراني من طرق ،فقال ) :قدمه ورجله( قلت :وهذا دليل على تغير
الرجل( فإنه يقول :رجل من جراد .فيكون المراد يدخلها جماعة يشبهون
الرواة بما يظنونه على أن الرّجل في اللغة جماعة .ومن يرويه بلفظ ) ّ
في كثرتهم رجل الجراد ،فيسرعون التهافت فيها.
وقال ابن الزاغوني :نقول إنما وضع قدمه في النار ليخبرهم أن أصنافهم تحترق وأنا ل أحترق.
الرجل
قلت :ورأيت أبا بكر بن خزيمة قد جمع كتابًا في الصفات وبوبه فقال :باب إثبات اليد ،باب امساك السموات على أصابعه ،باب إثبات ّ
ن ِبها(.
طشو َ
ن ِبها َأم َلُهم َأيٍد َيب ُ
جٌل َيمشو َ
وإن رغمت أنوف المعتزلة ،ثم قال :قال ال تعالى َ) :أَلُهم َأر ُ
قلت :واني لعجب من هذا الرجل مع علو قدره في علم النقل ،يقول هذا ويثبت ال ما ذم الصنام بعدمه من اليد الباطشة والرجل الماشية ،
ويلزمه أن يثبت الذن ،ولو رزق الفهم ما تكلم بهذا ،ولفهم أن ال تعالى عاب الصنام عند عابديها ،والمعنى :لكم أيد وأرجل فكيف عبدتم
ناقصًا ل يد له يبطش ول رجل يمشي بها.
قال ابن عقيل :تعالى ال أن يكون له صفة تشغل المكنة ،هذا عين التجسيم ،وليس الحق بذي أجزاء وأبعاض يعالج بها ،ثم أليس يعمل في
سلمًا(؟!!
النار أمره وتكوينه؟ فكيف يستعين بشيء من ذاته ويعالجها بصفة من صفاته وهو القائل) :كوني َبردًا َو َ
روى أبو هريرة -رضي ال عنه -عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال) :ضرس الكافر مثل أحد ،وكثافة جلده إثنان وأربعون ذراعًا بذراع
الجبار(.
قال أبو عمر الزاهد :الجبار ها هنا الطويل ،يقال :نخلة جبارة.
قال ابن قتيبة :الجبار ههنا الملك ،والجبابرة الملوك.
قال القاضي أبو يعلى :نحمله على ظاهره .والجبار هو ال تعالى ،لنا ل نثبت ذراعًا هو جارحة.
قلت :واعجبًا اذهبت العقول إلى هذا الحد ؟ أيجوز أن يقال :إن ذراع ال سبحانه إثنان وأربعون مرة تبلغ جلد الكافر ،ويضاف الذراع إلى
ذات القديم سبحانه ،ثم قال :ليس بجارحة ،فإذا لم يكن جارحة كيف ينشئ أربعين مرة؟! تعالى ال عن ذلك علوًا كبيرًا.
روى القاضي أبو يعلى :عن مجاهد أنه قال :إذا كان يوم القيامة يذكر داود عليه السلم ذنبه فيقول ال ) :كن أمامي ،فيقول :يا رب ذنبي ،
فيقول :كن خلفي ،فيقول :يا رب ذنبي ،فيقول :خذ بقدمي(.
قال :وفي لفظ عن ابن سيرين قال ال تعالى) :ليقرب داود حتى يضع يده على فخذه(.
قلت :والعجب من إثبات صفات الحق سبحانه وتعالى بأقوال التابعين ،وما تصح عنهم ،ولو صحت فإنما يذكرونها عن أهل الكتاب ،كما
يذكر وهب بن منبه.
قال القاضي أبو يعلى :نحمله على ظاهره ،لنا ل نثبت قدمًا ول فخذًا هو جارحة وكذلك ل نثبت المام .قلت :واعجبًا لقد كملوا هيئة البدن
باثبات فخذ وسـاق ،وقـدم ،ووجه ،ويدين وأصابع ،وخنصر وابهام وجنب ،وحقو وصعود ونزول ،ويقولون تحمل على ظاهرها وليست
جوارح ،وهل يجوز لعاقل ان يثبت ل تعالى خلفًا وأمامًا وفخذًا . .؟ ما ينبغي أن يحدّث هؤلء.
ولنا قد عرفنا الفخذ فيقال :ليس بفخذ ،والخلف ليس بخلف ،ومثل هؤلء ل يحدثون ،فإنهم يكابرون العقول ،وكأنهم يحدثون الطفال.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي ال عنه -عن النبي صلى ال عليه وسلم قال) :يضحك ال من رجلين يقتل
أحدهما الخر يدخلن الجنة(.
وفي إفراد مسلم من حديث ابن مسعود رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أخبر عن آخر من يدخل الجنة وضحك فقيل :مم
تضحك . .؟ فقال :من ضحك رب العالمين حين قال :أتستهزئي مني(.
قلت :اعلم ان الضحك له معان ترجع إلى معنى البيان والظهور ،وكل من أبدى من أمر كان مستورًا قيل قد ضحك .يقال :ضحكت الرض
بالنبات إذا ظهر ما فيها ،وانفتق عن زهره ،كما يقال :بكت السماء.
سماء
ض ِمن َبكاء ال َ
لر َ
كا َ
حُ
َتض َ جديد
ن َ
حوا ِ
ل َيوٍم ِبالق ُ
ُك ُ قال الشاعر:
وكذلك الضحك الذي يعتري البشر إنما هو انفتاح الفم عند النسان ،وهذا يستحيل على ال تعالى فوجب حمله على ابداء ال كرمه ،وإبانة
فضله.
ومعنى :ضحكت لضحك ربي ،أبديت عن أسناني بفتح فمي ،لظهار فضله وكرمه وقول الخر ) :لن نعدم من رب يضحك خيرًا( ،أي
يكشف الكرب ،فرقًا بينه وبين الجسام التي ل يرجى خيرها.
قلت :وهذا تأويل جماعة من العلماء ،وقال الخطابي :معنى ضحك الجبار عز وجل عن الرضى وحسن المجازاة.
وقد روي في حديث موقوف ) :فضحك حتى بدت لهواته وأضراسه( ذكره الخلل في كتاب السنة .وقال المروزي :قلت لبي عبد ال -أحمد
بن حنبل : -ما تقول في هذا الحديث..؟ قال :هذا بشعٌ.
الثاني :أن يكون تجوزًا من كثرة الكرم وسعة الرضا ،كما جوز بقوله ) :ومن أتاني يمشي أتيته هرولة(.
قال القاضي أبو يعلى :ل يمتنع الخذ بظاهر الحاديث في امرارها على ظواهرها من غير تأويل .لنا ل نثبت ضحكًا هو فتح الفم ول
أضراسًا ولهوات وجوارح وأبعاضًا.
ل فقد تأول ول يدري ،وواعجبًا قـد عرف أن الضحك يشار به إلـى الفضل والنعام .فالضراس ما وجهها؟!! والوإذا لم يثبت ضحكًا معقو ً
ل ،وقد روى أحمد) :لو ان الناس اعتزلوهم( يعني المراء فقال :اضرب على هذا
لو رويت في الصحيحين وجب ردها ،فكيف وما ثبتت أص ً
وهذا الحديث في الصحيحين فكيف بحديث ل يثبت يخالف المنقول والمعقول.
روى القاضي أبو يعلى :عن عبد ال بن عمرو موقوفًا أنه قال) :خلق ال الملئكة من نور الذراعين والصدر(.
قلت :وقد أثبت به القاضي ذاراعين وصدرًا ل عز وجل . .وقال :ليس بجوارح.
قلت :وهذا قبيح ،لنه حديث ليس بمرفوع ول يصح ،وهل يجوز ان يخلق مخلوق من ذات ال القديم . .؟ هذا أقبح مما ادعاه النصارى .
.؟؟؟
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي ال عنهما ،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) :ان ال يدني عبده المؤمن
فيضع عليه كنفه ويقول :أتعرف ذنب كذا؟(.
قال العلماء :يدنيه من رحمته ولطفه .وقال ابن النباري وكنفه :حياطته وستره ،يقال :قد كنف فلن فلنًا :إذا أحاطه وستره ،وكل شيء
ستر شيئًا فقد كنفه ،ويقال للترس كنيف لنه يستر صاحبه.
وهذا قول من لم يعرف ال عز وجل ،ول يعلم أنه ل يجوز عليه الدنو الذي هو بالمسافة .وكذلك قوله :أنه ليدنو به يوم عرفة :أي يقرب
بلطفه وعفوه.
روى مسلم في افراده من حديث معاوية بن الحكم قال ) :كانت لـي جارية ترعى غنمًا لـي ،فانطلقت ذات يوم ،فإذا الذئب قد ذهب بشاة ،وأنا
من بني آدم آسف كما يأسفون فصككتها صكة ،فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فعظم ذلك علي .فقلت :أل أعتقها . .؟ قال :أئتني بها.
فأتيته بها ،فقال لها :أين ال . .؟ قالت :في السماء .قال :من أنا ؟ قالت :أنت رسول ال .قال :اعتقها فإنها مؤمنة(.
قلت :قد ثبت عند العلماء ان ال تعالى ل يحويه السماء والرض ول تضمه القطار ،وإنما عرف بإشارتها تعظيم الخالق عندها.
رواه أبو رزين العقيلي قال :قلت يا رسول ال :أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق . .؟ قال ) :كان في عماء ،ما تحته هواء ،وما فوقه هواء ،
ثم خلق عرشه على الماء(.
عُدس ،وليس لوكيع راو غير يعلى والعماء السحاب.
قلت :هذا حديث تفرد به يعلي بن عطاء عن وكيع بن ُ
اعلم أن الفوق والتحت يرجعان إلى السحاب ل إلى ال تعالى ،وفي معنى فوق ،فالمعنى :كان فوق السحاب بالتدبير والقهر ،ولما كان القوم
سئل عما قبل السحاب ،لخبر أن ال تعالى كان ول شيء معه ،كذلك يأنسون بالمخلوقات ،سألوا عنها ،والسحاب من جملة خلقه ،ولو ُ
روى عن عمران بن حصين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :كان ال ول شيء معه(.
وقال أبو الحسين ابن المنادي ونقلته من خطه :وصف الهواء بالفوقية والتحتية مكروه عن أهل العلم لما في ذلك من الجعل كالوعاء لمن ليس
كالشياء جل وتعالـى ،قـال :ولسنا نختلف أن الجبار ل يعلوه شيء من خلقه بحال ،وأنه ل يحل بالشياء بنفسه ،ول يزول عنها ،لنه لو
حل بها لكان منها ،ولو زال عنها لنأي عنها فاتفاقنا على هذا أكثر من هذا الخبر على المعنى المكروه ،والتأويل المألوف.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال :ينـزل ربنا كل ليلة إلـى
السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الخير يقول) :من يدعوني فاستجيب له(.
قلت :وقد روى حديث النـزول عشرون صحابيًا ،وقد سبق القول أنه يستحيل على ال عز وجل الحركة والنُقلة والتغير .فيبقى الناس رجلين ،
شديد( .وإن كان معدنه بالرض س َ حديد فيِه َبأ ٌ
أحدهما المتأول له بمعنى :أنه ُيَقّرب رحمته .وقد ذكر أشياء بالنـزول فقال تعالى َ) :وأَنَزلنا ال َ
جمل . .؟!وقالَ) :وَأنَزلنا َلُكم ِمن اَلنعام َثمانية َأزواج( .ومن لم يعرف كيف نزول الجَمل كيف يتكلم في تفصيل هذه ال ُ
والثاني :الساكت عن الكلم في ذلك مع اعتقاد التنـزيه .روى أبو عيسى الترمذي عن مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وابن المبارك أنهم قالوا :
أمروا هذه الحاديث بل كيف.
قلت :وواجب على الخلق اعتقاد التنـزيه وامتناع تجويز الُنقلة ،وأن النـزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلثة أجسام :جسم
عالي ،وهو مكان الساكن ،وجسم سافل ،وجسم ينتقل من علو إلى أسفل ،وهذا ل يجوز على ال تعالى قطعًا.
فإن قال العامي :فما الذي أراد بالنـزول ؟ قيل :أراد به معنى يليق بجلله ل يلزمك التفتيش عنه ،فإن قال :كيف حدث بما ل أفهمه ؟ قلنا :قد
علمت أن النازل إليك قريب منك ،فاقتنع بالقرب ول تظنه كقرب الجسام.
قال ابن حامد :هو على العرش بذاته ،مماس له ،وينـزل من مكانه الذي هو فيه فيزول وينتقل.
قلت :وهذا مغالطة .ومنهم من قال ) :يتحرك إذا نزل( .ول يدري أن الحركة ل تجوز على الخالق.
وقد حكوا عن أحمد ذلك وهو كذب عليه .ولو كان النـزول صفة لذاته ،لكانت صفاته كل ليلة تتجدد وصفاته قديمة.
الحديث العشرون
فقام رجل من النصار فقال :أنا يا رسول ال ،فانطلق به فقال لمرأته :هل عندك شيء . . .؟ قالت :ل إل قوت صبياني.
قال :فعلليهم بشيء إذا أرادوا الصبية العشاء فنوميهم .فإذا دخل ضيفنا فأطفيء السراج ،وأريه أنا نأكل .فقعدوا وأكل الضيف ،فلما أصبح
غدا على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ) :لقد عجب ال من صنيعكما بضيفكما الليلة(.
وفي أفراد البخاري من حديث أبي هريرة رضى ال عنه -عن النبي -صلى ال عليه وسلم قال ) :عجب ربك من قوم جىء بهم في السلسل
حتى يدخلهم الجنة(.
قال العلماء :العجب إنما يكون من شيء يدهم النسان مما ل يعلمه فيستعظمه وهذا ل يليق بالخالق سبحانه ،لكن معناه :عظم قدر ذلك الشيء
كرهوا على الطاعة التي بها يدخلون الجنة .وقال ابن النباري :
عند ال لن المتعجب من شيء يعظم قدره عنده ،ومعنى في السلسل ٌ :أ ِ
معنى عجب ربك :زادهم إنعامًا وإحسانًا ،فعبر بعجب عن هذا.
وقال ابن عقيل :العجب في الصل استغراب الشيء وذلك يكون من علم ما لم ُيعَلم ،وإل فكل شيء أنس به ل ُيتصور العجب منه ،فإن
النسان إذا رأى حجر المغناطيس يجذب الحديد ولم يكن رآه قبل ذلك عجب ،والباري سبحانه ل يعزب عن علمه شيء ،فأين العجب منه ؟!
ض من ذلك قوله صلى ال عليه وسلم ) :ل أفرح
فلم يبق للحديث معنى إل أن يكون فعل شيء أعجبه فعله وكذلك الضحك ل يصدر إل عن را ٍ
ب ِبما َلَديُهم َفِرحون( .أي راضون.
حز ٍ
بتوبة عبده( أي رضى ،ومنه قوله تعالـىُ) :كُل ِ
وقال القاضي :ل نثبت عجبًا هو تعظيم المر بل نثبت ذلك صفة.
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي ال عنه ،عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :ل أشد فرحًا بتوبة عبده إذا تاب ،من
أحدكم براحلته إذا وجدها(.
قلت :من كان مسرورًا بشيء راضيًا به قيل له فرح ،والمراد الرضا بتوبة التائب ،ول يجوز أن يعتقد في ال تعالـى التأثر الذي يوجد في
المخلوقين ،فإن صفات الحق قديمة فل تحدث لها صفة.
روى مسلم في إفراده من حديث أبي موسى قال :قام فينا رسول ال صلى ال عليه وسلم بخمس كلمات فقال ) :إن ال ل ينام ول ينبغي له أن
سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه(.
ينام ،يخفض القسط ويرفعه ..إلى قوله :حجابه النور ولو كشفه لحرقت ُ
قلت :معنى يخفض القسط ويرفعه :أي يخفض بعدل ويرفع بعدل.
وقوله :حجابه النور .ينبغي أن يعلم أن هذا الحجاب للخلق عنه ،لنه ل يجوز أن يكون محجوبًا لن الحجاب يكون أكبر مما يستره ،ويستحيل
أن يكون جسمًا أو جوهرًا أو متناهيًا محاذيًا اذ جميع ذلك من َأمارات الحدث ،وإنما عرف الناس حدوث الجسام من حيث وجودها متناهية
ل للحوادث.محدودة مح ً
وكما أنه ل يجوز أن يكون لوجوده ابتداء ول انتهاء ل يصح أن يكون لذاتـه انتهاء ،وإنما المراد :أن الخلق محجوبون عنه كما قال سبحانه
عن َرِبُهم َيوَمئٍذ َلَمحجوبون(.
وتعالىَ) :كل ِإنَُهم َ
وقد روى سهل بن سعد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ) :دون ال سبعون ألف حجاب من نور وظلمة(.
سُبحات فجمع سبحة ،قال أبو عبيدة لم نسمع هذا إل في هذا قلت :وهذا حديث ل يصح ولو كان صحيحًا كانت الحجب للخلق ل للحق .وأما ال ُ
الحديث ،قال :ويقول أن السبحة جلل وجهه .ومنه قوله :سبحان ال وإنما هو تعظيم له وتنـزيه.
وقال ابن خزيمـة ) :باب صفة وجه ربنا( ثم ذكر حديث السبحات متوهمًا النور المعروف ،والخالق منـزه عن النور الجسماني .وروى أبو
بكر الخلل في كتاب السنة قال :سئلت أحمد بن يحيى عن قوله :لحرقت سبحات وجهه فقال :السبحات الموضع الذي يسجد عليه .قلت :فعلى
هذا يكون الخطاب بما يعرفون كما قال) :قلوب العباد بين أصبعين(.
وقال القاضي :ل يمنع اطلق حجاب من دون ال تعالى ،ل على وجه الحد والمحاذاة.
روى ابن عباس رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم ،أنه قال) :أهل الجنة يرون ربهم تعالى في كل جمعة ،في رمال الكافور ،
وأقربهم منه مجلسًا أسرعهم إليه يوم الجمعة( .قوله :في رمال الكافور :إشارة إلى الحاضرين .ثم في رمال الكافور وأقربهم منه أي أحظاهم
عنده.
وفي حديث آخر ) :المقسطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن(.
وقال بعضهم ) :يمين العرش( وفي حديث )سوق الجنة( فل يبقى في ذلك المجلس أحد إل حاضره ال محاضرة .ويروي )خاصرة( بالخاء
المعجمة ،قال :وهذا يرويه يوسف بن عبد ال عن سلمة بن العيار ولم يذكر في الصحاح ،ومثل هذا ل يثبت برواية هؤلء وقال :
والمحاضرة :المصافحة.
قلت :فقد أقر بالحصر .ثم قال :ل على وجه النتقال ،وهذا تلعب .ثم قال :ول يمتنع قربهم من الذات وهذا يضيع معه الحديث ،واستدل
بقوله) :ما منكم من أحد إل سيخلو به ربه( .وقال :الخلوة عبارة عن القرب ،ويجوز القرب من الذات.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن مسعود -رضي ال عنه -قال :جاء من اليهود رجل إلـى رسول ال صلى الله عليه وسلم
فقال) :يا محمد إن ال يضع السموات على اصبع والرضين على إصبع ،والجبال على اصبع ،والشجر والنهار على اصبع ..وفي لفظ الماء
ق َقدِرِه(.
ح َ
ل َ
والثرى على اصبع ،ثم يهزهن( .فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم وقالَ) :وما َقَدروا ا َ
وفي بعض اللفاظ :فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم تعجبًا وتصديقًا له.
قال أبو سليمان الخطابي :ل تثبت ل صفة إل بالكتاب أو خبر مقطوع بصحته يستند إلى أصل في الكتاب أو في السنة المقطوع على صحتها ،
وما بخلف ذلك فالواجب التوقف عن اطلق ذلك ويتأول على ما يليق بمعاني الصول المتفق عليها من أقوال أهل العلم من نفي التشبيه.
قال :وذكر الصابع لم يوجد في الكتاب ول في السنة التي شرطها في الثبوت ما وصفنا ،فليس معنى اليد في الصفات معنى اليد حتى يتوهم
بثبوتها ثبوت الصابع بل هو توقيف شرعي اطلقنا السم فيه على ما جاء به الكتاب من غير تكييف ول تشبيه.
قلت :ظاهر ضحك النبي صلى ال عليه وسلم النكار ،واليهود مشبهة ونزول الية دليل على إنكار الرسول صلى ال عليه وسلم.
وقال ابن عقيل :ما قدروا ال حق قدره حيث جعلوا صفاته تتساعد وتتعاضد على حمل مخلوقاته وإنما ذكر الشرك في الية ردًا عليهم.
وفي معنى هذا الحديث قوله عليه الصلة والسلم) :إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء(.
وقال القاضي أبو يعلى :غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في الثبات ،والصبع صفة راجعة إلى الذات ،لنا ل نثبت أصابعًا هي جارحة
ول أبعاضًا.
قلت :وهذا كلم مخّبط لنه إما أن يثبت جوارحًا وإما أن يتأولها ،فأما حملها على ظواهرها ،فظواهرها الجوارح!!.
ثم يقول :ليست أبعاضًا ،فهذا كلم قائم قاعد ،ويضيع الخطاب لمن يقول هذا.
الحديث الخامس والعشرون
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال) :يطوي ال عز وجل
السموات يوم القيامة بيده ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول :أنا الملك ،أين الجبارون أين المتكبرون . .؟ ثم يطوي الرض بشماله ثم يقول :أنا
الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ .(. .
هكذا رواه مسلم وهي أتم الروايات في لفظ أخرجه مسلم من حديث عبيد ال بن مقسم أنه نظر إلى عبد ال بن عمر كيف يحكي رسول ال
صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :يأخذ ال عز وجل سمواته وأرضه بيديه فيقول :أنا ال ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك(.
قلت :وقد ثبت بالدليل القاطع ان يد الحق سبحانه وتعالى ليست بجارحة وإن قبضه للشياء ليس مباشرة ،ول كف له.
وإنما قرب رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى الفهام ما يدركه الحس فقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم أصابعه وبسطها ..فوقوع الشبه
بين القبضتين من حيث ملكه المقبوض كما وقع الشبه في رؤية الحق سبحانه برؤية القمر في إيضاح الرؤية ل في تشبيه المرئي .فأما لفظ
)الشمال( فهي في رواية مسلم وهي مما إنفرد به عن عمر بن حمزة عن سالم عن ابن عمر ،وقد روى الحديث نافع وغيره عن ابن عمر فلم
يذكروا لفظة الشمال ،ورواه أبو هريرة وغيره عن النبي صلى ال عليه وسلم فلم يذكر أحد منهم فيه الشمال ،وقد روي ذكر الشمال في
حديث آخر في غير هذه القصة إل أنه ضعيف بالمرة ،ورواه بعض المتروكين.
وقد صح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :وكلتا يديه يمين مباركة(.
وهذا يوهن ذكر الشمال ،وقال أبو بكر البيهقي :وكأن الذي ذكر الشمال رواه على العادة في أن الشمال يقابل اليمين .قال القاضي أبو يعلى :
غير مستحيل إضافة القبض والبسط إلى ذاته.
وروى ابن حامد) :فلما تجلى ربه للجبل( قال :خرج منه أول مفصل من خنصره.
قلت :هذا الحديث تكلم فيه علماء الحديث وقالوا :لم يروه عن ثابت غير حماد بن سلمة وكان ابن أبي العوجاء الزنديق قد أدخل على حماد
ومخرج الحديث سهل ،وذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم كان
َ أشياء ،فرواها في آخر عمره ولذلك تجافى أصحاب الصحيح الخراج عنه ،
يُقرب إلـى الفهام بذكر الحسيات ،فوضع يده على خنصره إشارة إلى أن ال تعالى أظهر اليسير من آياته.
قال ابن عقيل :كشف من أنواره التي يملكها بقدر طرف الخنصر وهذا تقدير لنا بحسب ما نفهم من القلة ل نحكم أنه يتقدر .فإن قيل :كيف
أنكر حميد على ثابت ؟ قلنا :يحتمل أن يكون توهم ان هذا يرجع إلى الصفات.
وقد أثبت القاضي أبو يعلى ل سبحانه خنصرًا بهذا الحديث المعلول.
روى القاضي أبو يعلى عن عكرمة أنه قال ) :إذا أراد ال عز وجل أن يخوف عباده أبدى عن بعضه إلى الرض فعند ذلك تتزلزل ،وإذا أراد
أن يدمدم على قوم تجلى لها(.
قال القاضي أبو يعلى :أبدى عن بعضه ،هو على ظاهره ،وهو راجع إلى الذات على وجه ل يفضي إلى التبعيض.
قلت :ومن يقول أبدى عن بعض ذاته ،وما هو بعض ل يكلم .ثم إثبات البعض بكلم تابعي لو صح يخالف اجماع المسلمين فإنهم أجمعوا أن
الخالق ل يتبعض وإنما المراد أبدى عن آياته.
الحديث الثامن والعشرون
روى أبو الحوص الجشمي رضي ال عنه عن أبيه ،أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له :لعلك تأخذ موساك فتقطع أذن بعضها فيقول
هذه بحر ،وتشق الذن الخرى وتقول :حرم . .؟ قال :نعم .قال :فل تفعل ،فإن موسى ال أحد من موساك ،وساعد ال أشد من ساعدك.
قال القاضي أبو يعلى :ل يمتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات الساعد صفة لذاته.
قلت :هذا منه غفلة عامية وخروج عن مقتضى الفهم .وكان ينبغي أن يثبت الموسى !!!. . .
قلت :إثبات صفة ال بهذا الخبر الذي ل يكاد يثبت مع العراض عن فهم خطاب العرب وإنها تريد بمثل هذا التجوز والستعارة قبيح جدًا!!
روى أبو هريرة -رضي ال عنه -عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :إن العبد إذا قام إلى الصلة فإنه بين عيني الرحمن(.
قلت :قد ذكرنا صفة العين في اليات المذكورة قبل الحاديث والمراد بالحديث ان ال تعالى يشاهد المصلي فليتأدب .وكذلك قوله ) :فإن ال
قبل وجهه( أي أنه يراه.
الحديث الثلثون
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عائشة رضي ال عنهما ) :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة .فقال
:من هذه . .؟ قالت :فلنة تذكر من صلتها .فقال :مه عليكم ما تطيقون ،فوال ل يمل ال حتى تملوا(.
قال العلماء :معنى الحديث ل يمل ال تعالى وان مللتم .وهو قول ابن قتيبة والخطابي ول يختلف في أهل اللغة .كما قال الشاعر:
حّتى َيمل
ل اُلشَر َ
ل َيم ُ خِر ٍ
ق ل ِب َ
ت ِمنى ُهَذي ٌ
صَلي ُ
َ
المعنى :ل يمل وإن ملوا ،وإل لم يكن له فضل عليهم ،وقال قوم :من مل من شيء تركه .والمعنى ل يترك الثواب ما لم يتركوا العمل ،وأما
الملل الذي هو كراهة الشيء والستثقال له ،ونفور النفس عنه والسآمة منه ،فمحال في حقه تعالى ،لنه يقتضي تغيره وحلول الحوادث في
حقه.
وقال القاضي أبو يعلى :ل يمتنع إطلق الملل عليه ل بمعنى السآمة.
قلت :وهذا بعيد عن معرفة اللغة وما يجوز عليه وما ل يجوز عليه.
روت خولة بنت حكيم عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :آخر وطأة وطئها الرحمن بوجٍ( ،ووج واد بالطائف ،وهي آخر وقعة أوقعها
ال بالمشركين على يد رسول ال صلى ال عليه وسلم.
والوطأة مأخوذ من القدم ،وإلى هذا ذهب ابن قتيبة وغيره ،وقال سفيان بن عيينة في تفسير هذا الحديث :آخر غزاة غزاها رسول ال صلى
ال عليه وسلم بالطائف.
وقال القاضي أبو يعلى :غير ممتنع على أصولنا ،حمل هذا الخبر على ظاهره ،وإن ذلك المعنى بالذات دون الفعل ،لنا حملنا قوله ) :ينـزل
ويضع قدمه في النار( على الذات.
قلت :وهذا الرجل يشير بأصولهم إلى ما يوجب التجسيم والنتقال والحركة ،وهذا مع التشبيه بعيد عن اللغة ومعرفة التواريخ وأدلة العقول ،
وإنما اغتر بحديث روي عن كعب انه قال ) :ووج مقدس ،منه عرج الرب إلى السماء ،ثم قضى خلق الرض(.
وهذا لو صح عن كعب احتمل أن يكون حاكيًا عن أهل الكتاب ،وكان يحكي عنهم كثيرًا ،ولو قدرناه من قوله كان معناه :ان ذلك المكان آخر
ما استوى من الرض لما خلقت ،ثم عرج الرب ،أي عمد إلى خلق السماء وهو قوله) :ثم استوى الى السماء وهي دخان(.
ويروى عن أبي هريرة -رضي ال عنه -عن النبي صلى ال عليه وسلم قال) :لما ُأسرى بي ،مر بي جبريل -عليه السلم -حتى أتى بي
إلى الصخرة ،فقال :يا محمد من ها هنا عرج ربك إلى السماء(.
قلت :وهذا يرويه بكر بن زياد ،وكان يضع الحديث عن الثقات ،فإن قيل :قال ابن عباس :استوى إلى السماء :صعد قلنا :صعد أمره ،إذ ل
يجوز عليه النتقال والتغير.
المرتبة الثالثة :القول فيها بمقتضى الحس ،وقد عم جهلة الناقلين ،إذ ليس لهم حظ من علوم المعقولت التي بها يعرف ما يجوز على ال وما
يستحيل ،فإن علم المعقولت يصرف ظواهر المنقولت عن التشبيه فإذا عدموها تصرفوا في النقل بمقتضى الحس .وإليه أشار القاضي أبو
يعلى بقوله) :ل يمتنع أن تحمل الوطأة التي وطئها الحق على أصولنا وانه معنى يتعلق بالذات( .وأصولهم على زعمه ترجع إلى الحس ،ولو
فهموا أن ال تعالى ل يوصف بحركة ول انتقال ول تغير ،ما بنوا على الحسيات.
والعجب أن يقر بهذا القول ثم يقول ) :من غير نقلة ول حركة( فينقض ما يبني.
ومن أعجب ما رأيت لهم ما أنبأنا أبو العز أحمد بن عبيد ال بن كادش ،قال :أنبأنا أبو طالب العشاري قال :أنبأنا البنا ،قال :أنبأنا أبو الفتح
ابن أبي الفوارس قال :انبأنا أبو علي بن الصواف ،قال :انبأنا أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة أنه قال في كتاب )العرش( :إن ال
تعالى قد أخبرنا أنه صار من الرض إلى السماء ،ومن السماء إلى العرش فاستوى على العرش.
قلت :ونحن نحمد ال إذ لم يبخس حظنا من المنقولت ،ول من المعقولت ونبرأ من أقوام شانوا مذهبنا ،فعاب الناس كلمهم.
روى أبو إمامة -رضي ال عنه -عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :ما تقرب العباد إلى ال تعالى بمثل ،ما خرج منه وهو القرآن(.
وفي حديث عثمان -رضي ال عنه : -أن النبي صلى ال عليه وسلم قال )فضيلة القرآن على سائر الكلم كفضل ال على خلقه إن القرآن منه
خرج وإليه يعود(.
روى أبو هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم ) :إن ال قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف سنة ،فلما سمعت الملئكة القرآن
قالوا :طوبى لمة ينـزل عليهم ،وطوبى لجواف تحمل هذا ،وطوبى للسن تتكلم بهذا(.
وهذا حديث موضوع يرويه إبراهيم بن مهاجر عن عمر بن حفص ،وأما عمر بن حفص فقال أحمد بن حنبل :حرقنا حديثه ،وقال يحيى بن
معين :ليس بشيء ،وقال أبو حاتم بن حبان الحافظ :وهذا متن موضوع.
الحديث الرابع والثلثون
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :إن ال عز وجل خلق
صل من وصلك وأقطع من قطعك(. الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت :هذا مقام العائذ بك من القطيعة .قال :نعم :أما ترضين ان أ ِ
شجَنة من الرحمن(.
وفي لفظ أخرجه البخاري أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :إن الرحم ِ
قلت :ول يخلو هذا الحديث من أحد أمرين .اما أن يراد أن ال تعالى يراعي الرحم فيصل من يصلها ويقطع من قطعها ويأخذ لها حقًا كما
يراعي القريب قرابته ،فإنه يزيد في المراعاة على الجانب .أو أن يراد أن الرحم بعض حروف الرحمن ،فكأنه عظم قدرها بهذا السم ،
ويؤيد هذا حديث عبد الرحمن بن عوف -رضى ال عنه -عن النبي صلى ال عليه وسلم قال :قال ال تعالى ) :أنا ال وأنا الرحمن خلقت
الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته( .أو قال )بتته(.
وقد روى هذا الحديث بلفظ لم يخّرج في الصحاح ) :الرحم شجنة من الرحمن تعلقت بحقوي الرحمن تقول :اللهم صل من وصلني واقطع من
قطعني( .وفي لفظ ) :الرحم شجنة آخذة بحقو الرحمن( ،وفي لفظ ) :لما خلق ال الخلق قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقالت :هذا مقام
العائذ بك من القطيعة(.
قلت :وهذه أمثال كلها ترجع إلى ما بينا ،ومعنى تعلقها بحقو الرحمن :الستجارة والعتصام.
وفي صحيح مسلم من حديث عائشة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :الرحم ُمعلقة بالعرش تقول :من وصلني وصله ال ومن قطعني
قطعه ال(.
ب
جن ِ
ت في َ
على ما َفَرط َ
قال ابن حامد :يجب التصديق بأن ل تعالى حقوًا ،فتأخذ الرحم بحقوه .قال :وكذلك نؤمن بأن ل جنبًا لقوله تعالىَ ) :
ل(.
ا َ
قال ابن حامد :والمراد بالتعلق القرب والمماسة بالحقو كما روي أن ال تعالى يدني إليه داود حتى يمس بعضه.
قلت :قد طم القاضي أبو يعلى على هذا فقال :ل على وجه الجارحة والتبعيض ،والرحم أخذة بها ل على وجه الجارحة والتبعيض ،والرحم
أخذة بها ل على وجه التصال والمماسة ،ثم نقض هذا التخليط وقال :في الخبر اضمار تقديره ذو الرحم يأخذ بحقو الرحمن فحذف المضاف
وأقام المضاف إليه مقامه ،قال :لن الرحم ل يصح عليها التعلق فالمراد ذو الرحم يتعلق بالحقو.
قلت :فقد زاد على التشبيه التجسيم ،والكلم مع هؤلء ضائع كما يقال ل عقل ول قرآن ،وإذا تعلق ذو الرحم وهو جسم فبماذا يتعلق ؟ نعوذ
بال من سوء الفهم.
روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال :يقول ال عز وجل ) :الكبرياء ردائي والعظمة ازاري فمن نازعني في شيء منهما
عذبته(.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي ال عنه -عن النبي صلى ال عليه وسلم قال :يقول ال تعالى ) :أنا عند
ظن عبدي وأنا معه حيث يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ،وإن ذكرني في مل ذكرته في مل خير منهم ،وإن تقرب إلي شبرًا
تقربت إليه ذراعًا ،وإن تقرب إلي ذراعًا اقتربت إليه باعًا ،وإن أتاني يمشي أتيته هرولة(.
قلت :ذهب القاضي أبو يعلى إلى أن ال نفسًا هي صفة زائدة على الذات ،وهذا قول مبتدع بنوع التشبيه لنه ل يفرق بين الذات والنفس ،وما
سعوا في آياِتنا(.
المانع أن يكون المعنى ذكرته أنا وقد سبق هذا في الكلم على اليات ،والتقرب والهرولة ،توسع في الكلم كقوله تعالـى َ ) :
ل يراد به المشي.
روى أبو سعيد رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :إن ال جميل يحب الجمال(.
قال العلماء :الجميل الُمجِمل بتحسين الصور والخلق والحسان ،والذي أراه أن الجميل الذي أوصافه تامة مستحسنة.
وقد فسره القاضي أبو يعلى بما ل يليق بالحق سبحانه فقال :غير ممتنع وصفه بالجمال وإن ذلك صفة راجعة إلى الذات ،لن الجمال في
حسن. معنى ال ُ
قال :وقد تقدم قوله) ...رأيت ربي في أحسن صورة( .قلت :وهذا تشبيه محض.
روى القاضي أبو يعلى عن عمر بن عبد العزيز ) :إذا فرغ ال من أهل الجنة والنار أقبل يمشي في ظلل من الغمام والملئكة فيقف على أول
درجة فيسلم عليهم ،فيردون عليه السلم فيقول :سلوني .فيقولون :وماذا نسألك . .؟ وعزتك وجللك وارتفاعك في مكانك لو انك قسمت
علينا رزق الثقلين لطعمناهم وأسقيناهم ولم ينقص ما عندنا .فيقول :بلى سلوني .فيقولون :نسألك رضاك .فيقول :رضاي ،أحللكم دار
كرامتي ،فيفعل هذا بأهل كل درجة حتى ينتهي إلى مجلسه(.
قلت :هذا حديث مكذوب به على عمر بن عبد العزيز .وبعد كيف يثبت ل صفة بقول عمر بن عبد العزيز؟!!
قال ابن حامد :يأتي يوم القيامة إلى المحشر لقوله ) :يأتي ربك( وقت نزوله إلى السماء.
ن الَغماِم(.
ظَلٍل ِم َ
ل في َ
وقـال القاضي أبو يعلى :الية تشهد لحديث عمر يعني قوله تعالىَ) :يأتيُهم ا َ
قال ابن حامد :ول يمتنع امراره على ظاهره لنه ل بد من مشيه وانتهائه إلى مجلسه ل عن انتقال.
قلت :من يقول ُيحمل هذا على ظاهره كيف يقول بل انتقال ،وإنما يقول هذا ارضاء للجهال وهل المشي إل انتقال.
روي عن عائشة -رضي ال عنها -قالت :سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن المقام المحمود قال ) :وعدني ربي بالقعود على العرش(.
عنَدنا ِلُزلفى(.
ن َلُه ِ
قال ابن حامد :يجب اليمان بما ورد من المماسة والقرب من الحق لنبيه في اقعاده على العرش .قال :وقال ابن عمر َ) :وِإ ّ
قال :ذكر ال الدنو منه حتى يمس بعضه.
قلت :وهذا كذب على ابن عمر ومن ذكر تبعيض الذات كفر بالجماع.
ن َأو َأدنى( وقال ابن عباس :
سي ِ
ب َقو َ
ن قا َ
قال القاضي أبو يعلىُ :يقِعد نبيه على عرشه بمعنى :يدنيه من ذاته وُيقّربه منها ويشهد له قوله )َفكا َ
كان بينه وبينه مقدار قوسين.
قلت :هذا عن جبريل ل عن ال سبحانه ،ومن أجاز القرب من الذات أجاز الملصقة وما ذهب اليه القاضي أبو يعلى صريح في التجسيم.
الحديث الربعون
روى الدارقطني من حديث أبي إسحاق عن عبد ال بن خليفة عن عمر :أن امرأة جاءت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت :ادع ال
أن يدخلني الجنة فعظم الرب عز وجل فقال ) :إن كرسيه وسع السموات والرض ،وإن له أطيطًا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله(.
هذا حديث مختلف جدًا ،فتارة يروي عن عبد ال بن خليفة عن عمر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وتارة عن عمر موقوفًا عليه .وقد
رواه أبو إسحاق عن ابن خليفة عن ابن عمر قال ) :إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل( .ورواه ابن جرير عن
عبد ال بن خليفة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :أن كرسيه وسع السموات والرض وانه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع
أصابع ثم قال بأصبعه فجمعها . .وإن له أطيطًا كأطيط الرحل إذا ركب من ثقله(.
وروى أبو بكر المرورزي ان ابن خليفة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :الكرسي الذي يجلس عليه الرب ما يفضل منه إل مقدار
أربعة أصابع(.
قلت :هذا على ضد اللفظ الول ،وكل ذلك من تخليط الرواة وسوء الحفظ ،والليق فما يفضل منه مقدار أربع أصابع :والمعنى أنه قد مله
بهيبته وعظمته ،ويكون هذا ضرب مثل يقرب عظمة الخالق ،وقول الرواة :إذ قعد وإذا جلس من تغييرهم أو من تعبيرهم بما ظنونه المعنى
،كما قال القائل :ثم استوى على العرش قعد ،وإنما قلنا هذا لن الخالق سبحانه وتعالى ل يجوز أن يوصف بالجلوس على شيء فيفضل من
ذلك الشيء ،لن هذه صفة الجسام.
قلت :وهذا قد قصد به مغالطة العوام!! وهل لما قاله معنى؟!! إل أن يقال إن هذه الربعة لم تحاذ ولم تماس وكل هذا صريح في التشبيه ظاهر
في التجسيم ثم هو اثبات صفات بما ل يحسن اثباته من الحاديث المعلولة .وقد روينا عن أبي بكر بن مسلم العائدي قال :هذا الموضع الذي
يفضل لمحمد ليجلس عليه قال :وقد كان الليق بهذا المتعبد ان يتشاغل بعبادته عن الكلم في هذا الفن.
وقـد روي القاضي أبو يعلى عن الشعبي أنه قال :ان ال تعالى قد مل العرش حتى أن له اطيطًا كأطيط الرحل.
قال القاضي أبو يعلى :وغير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في أن ذاته تمل العرش ثم قال :ل على شغل مكان.
قلت :ومن ُيخّلط هذا التخليط ل ُيكّلم ،واعجبًا من يمل مكانًا يشغله!!
روى القاضي أبو يعلى عن خالد بن معدان أنه قال :إن الرحمن ليثقل على حملة العرش ،وقال :غير ممتنع حمل هذا على ظاهره وإن ثقله
يحصل على وجه المماسة.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي سعيد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ) :يقول ال عز وجل يوم القيامة :يا آدم
فيقول :لبيك وسعديك .فينادَى بصوت :إن ال يأمرك أن ُتخِرج من ذريتك بعثًا إلى النار(.
قلت :إنفرد بلفظ الصوت حفص بن غياث وخالفه وكيع وجرير وغيرهما ،من أصحاب العمش ،فلم يذكروا الصوت.
وسئل أحمد عن حفص قال :كان يخلط في حديثه .وفي الحديث الصحيح ) :إذا تكلم ال بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر
السلسلة على الصفا( .فرواه بعضهم بالمعنى الذي يظنه فقال ) :سمع صوته أهل السماء( .وفي حديث ابن مسعود) :إذا تكلم ال بالوحي سمع
أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا(.
وهذا مع اللفظ الول أليق وليس في الصحيح :سمع صوته أهل السماء.
روى جابر -رضي ال عنه -عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال :لما كلم ال موسى عليه السلم يوم الطور ،كلمه بغير الكلم الذي به
ناداه ،فقال له :يا موسى إني كلمتك بقوة عشرة آلف لسان ولـي قوة اللسنة كلها ،وأنا أقوى من ذلك فلما سمع رجع إلـى بني إسرائيل قالوا :
صف لنا كلم الرحمن . .؟ قال :ل أستطيع قالوا َ :قّربه لنا قال :ألم تسمعوا صوت الصواعق التي تقبل بأجلى كلم سمعتموه قط.
قلت :هذا حديث ل يصح يرويه علي بن عاصم عن الفضل بن عيسى قال يحيى :كذاب ليس بشيء.
وقال النسائي :علي بن عاصم متروك الحديث .وقال يزيد بن هارون :ما زلنا نعرفه بالكذب.
وأما الفضل بن عيسى فقال أيوب السختياني :لو خلق أخرس كان خيرًا له ،وقال ابن عيينة :الفضل بن عيسى ل شيء ،وقال يحيى :هو
رجل سوء.
روى القاضي عن حسان بن عطية أنه قال ) :الساجد يسجد على قدم الرحمن(.
قلت :هذا قول تابعي ،وهو مثل المقرب من فضل ال تعالى ،وأثبت القاضي أبو يعلى بهذا وصف قدم ،وأنه يسجد على قدم حقيقة ل على
وجه المماسة.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي موسى -رضي ال عنه -عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :جنتان من فضة آنيتهما
وما فيهما ،وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ،وليس بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إل رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن(.
وقال القاضي أبو يعلى :ظاهر الحديث أنه المرئي في جنة عدن.
قلت :وهذا هو التجسيم المحض ،ورداء الكبرياء ما له من الكبرياء والعظمة ،فكأنه إن منعهم فلعظمته ،وإن شاء كشف لهم .وقد تكلمنا على
الوجه في اليات وقلنا المراد بالوجه هو سبحانه.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي ال عنه -قال رسول صلى ال عليه وسلم ) :لما قضى ال الخلق كتب في
كتابه -فهو عنده فوق العرش -إن رحمتي غلبت غضبي( وفي لفظ) :سبقت(.
قال القاضي أبو يعلى :ظاهر قوله عنده القرب من الذات .واعلم أن القرب من الحق ل يكون بمسافة وإنما ذلك من صفة الجسام ،وقد قال
ك(.
عنَد َرِب َ
سبحانه وتعالى َ) :مسوَمًة ِ
ُرِوي عن بعض التابعين أنه قال ) :خلق ال آدم بيده ،وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده(.
ت ِبَيدي(.
خَلق َ
قلت :هذا حديث ل يثبت عن قائله وقد تكلمنا علىه عند قوله تعالى ) َلّما َ
الحديث السابع والربعون
قلت :رواه جماعة من الثبات فوقفوه على ابن عباس ،ورفعه منهم شجاع بن مخلد فعلم بمخالفته الكبار المتقنين أنه فد غلط.
ومعنى الحديث :أن الكرسي صغير بالضافة إلى العرش كمقدار كرسي يكون عنده سرير قد وضع لقدمي القاعد على السرير.
قال الضحاك :الكرسي الذي تجعل الملوك أرجلهم عليه ،وقال القاضي :القدم قدم الذات وهي التي يضعها في النار.
حديث العباس رضي ال عنه ،عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :فوق السماء السابعة بحر بين أعله وأسفله كما بين السماء
والرض ،وال تعالى فوق ذلك(.
قال أحمد :هو كذاب يضع الحديث ،وقال يحيى بن معين :ليس بثقة ،وقال ابن عدي :أحاديثه موضوعة وقد تكلمنا في الفوقية في قوله
عباِدِه(.
ق ِ
تعالى )َوُهَو القاِهُر َفو َ
قال القاضي أبو يعلى :المراد من الفوقية :استواء الذات على العرش ،وقال :هو على العرش ما حاذى العرش من ذاته فهو حد له وما عدا
حد.
الجهة المحاذية للعرش وهو الفوق والخلف والمام واليسرة ل ُي َ
قلت :هذا الكلم أصل التجسيم لن المحاذي يكون أكبر أو أصغر والمقادير ل تكون إل في الجسام.
قال القاضي أبو يعلى :إذا ثبت أنه مستو على العرش فهل يجوز أن نطلق عليه الجلوس والقيام ،ما وجدت عن إمامنا في هذا شيئًا.
قلت :وكل الشيئين ل يصح .أما لفظة القعود فقد رواها عن ابن عباس ول يصح ،وأما القيام فيرويها عيسى عن جابر عن عمر بن الصبح.
قال البخاري :قال عمر بن الصبح أنا وضعت خطبة رسول ال .وقال ابن حبان :وكان يضع الحديث على الثقات ل يصح كتب حديثه إل على
التعجب ،وقال الدارقطني :متروك .وقـال الزدي :كذاب ذاهل.
قلت :وبمثل هذه يثبت ل صفة أين العقول ؟! تعالى الحق ان يُوصَف بقيام وهو انتصاب القامة إنما هو قائم بالقسط ،ول يوصف بقعود ولنها
حالة الجسماني.
ُرِوي في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي ال عنه -عن النبي -صلى ال عليه وسلم -قال ) :من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب
ول يقبل ال إل طيبًا ،فإن ال يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل .(. .وفي لفظ أخرجه مسلم:
)فتربوا في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل(.
قال العلماء هذا خطاب للناس بما يعلمونه ويفهمونه من الخذ والتربية والنمو لما كان التناول باليد والقبض بالكف ،خاطبهم بما يعقلون ،وإنما
جرى ذكر اليمين لنها مرصدة لما عز من المور ،ومعنى التربية :المضاعفة.
الحديث الخمسون
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي ال عنه عن النبي -صلى ال عليه وسلم -أنه ذكر الدجال فقال ) :أل أنه
أعور وإن ربكم ليس بأعور(.
قال العلماء :إنما أراد تحقيق وصفه بأنه ل يجوز عليه النقص ،والعور نقص ولم يرد إثبات جارحة ،لنه ل مدح في إثبات جارحة.
قال ابن عقيل :بحسب بعض الجهلة أنه لما نفى العور عن ال عز وجل أثبت من دليل الخطاب أنه ذو عينين وهذا بعيد من الفهم إنما نفى عنه
العور من حيث نفي النقائص كأنه قال :ربكم ليس بذي جوارح تتسلط عليه النقائص ،وهذا مثل نفي الولد عنه لنه يستحيل عليه التجزئ ،
ولو كانت الشارة إلـى صورة كاملة ،لم يكن في ذلك دليل على اللوهية ول القدم فإن الكامل في الصورة كثير .قال :ومن قال بدليل الخطاب
ل في أحكام الفقه وفروع الدين فكيف بأصوله ،ثم هو عند من اعتقده حجة يقضي عليه فأثبت عينين قيل له :دليل الخطاب مختلف في كونه دلي ً
معنى النطق وهو القياس المظنون فكيف يكون له حكم الدليل وقد قضى عليه دليل العقل بالرد.
روى البخاري في إفراده من حديث أبي هريرة -رضي ال عنه -عن النبي صلى ال عليه وسلم قال :يقول ال عز وجل ) :ما يزال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ،وما
ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته(.
قلت :قوله ) :كنت سمعه وبصره( فهو َمَثل وله ثلثة أوجه :
أحدها :كنت كسمعه وبصره فهو يحب طاعتي .كما يحب هذه الجوارح.
والثاني :أن جوارحه مشغولة بي ،فل يصغي إلى ما ل يرضيني ول يبصر إل عن أمري.
صل له مقاصده كما ينالها بسمعه وبصره ويديه اللواتي تعينه على عدوه.
والثالث :أني ُأح ِ
والحق منـزه عن حقيقته فهو كقوله ) :ومن أتاني يمشي أتيته هرولة( .وقال بعض العلماء :لما كان المؤمن يمرض فيسئل العافية فيعافي كان
ذلك كالتردد في إماتته .وأما التردد فخطاب لنا بما نعقل.
روى جبير بن مطعم قال :أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم أعرابي فقال :يا رسول ال :جهدت النفس وجاعت العيال ،ونهكت الموال ،
وهلكت النعام فاستسق ال لنا ،فانا نستشفع بك على ال ونستشفع بال عليك ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ويحك :أتدري ما تقول؟؟
عِرف ذلك في وجه أصحابه فقال :إنه ل يستشفع بال على أحد من خلقه.
وسبح رسول ال صلى ال عليه وسلم فما زال يسبح حتى ُ
ط به كأطيط الرحل
شأن ال أعظم من ذلك :ويحك أتدري ما ال . .؟ إن عرشه على سمواته هكذا ،وقال باصابعه مثل القبة ،وإنه ليِئ ّ
بالراكب.
قلت :هذا الحديث تفرد بروايته محمد بن إسحق عن يعقوب بن عتبة وكلهما ل يحتج به أرباب الصحاح ،قال أبو سليمان الخطابي :هذا
الحديث إذ أجرى على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية ،وهي عن ال وصفاته منفية ،فعلم أنه كلم تقريب أريد به تقرير عظمة ال من حيث
يدركه فهم السامع إذا كان إعرابيًا جلفًا ل علم له بمعاني ما دق من الكلم.
ومعنى قوله :أتدري ما ال -أتدري ما عظمة ال وجلله . .؟ ومعنى يئط به :أي يعجز عن جلله وعظمته ،إذ كان معلومًا أن أطيط الرحل
بالراكب معلومًا لقوة ما فوقه ،أو لعجزه عن احتماله ،فقرّب بهذا النوع من التمثيل عنده معنى عظمة ال وجلله لُيَعّلمه أن الموصوف بعلو
الشأن ل يجعل شفيعًا لمن هو دونه في القدر ...وقد ذكرنا فيما تقدم عن القاضي أبو يعلى أنه قال ) :يئط من ثقل الذات( .وهذا صريح في
التجسيم.
قال العلماء :أراد بهذا تحقيق السمع والبصر ل تعالى ،فأشار إلـى الجارحتين اللتين هما محل السمع والبصر ،ل أن ل سبحانه جارحة.
الحديث الرابع والخمسون
روى أبو الدرداء -رضي ال عنه -عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال) :إن ال عز وجل ينـزل في ثلث ساعات يبقين من الليل ،فيفتح
الذكر في الساعة الولـى ،فيمحو ما يشاء وُيثِبت ،ثم ينـزل في الساعة الثانية إلـى جنة عدن وهي داره التي لم يسكنها غيره ،وهي مسكنه ،ثم
يقول طوبى لمن يسكنك ثم ينزل في الساعة الثالثة إلـى السماء الدنيا بروحه وملئكته ثم ينتفض فيقول :قومي بعزتي(.
قلت :هـذا الحديث يرويه زيادة النصاري ،قال البخاري :هو منكر الحديث وذكر له أهل الحديث هذا الحديث وقال أبو حاتم بن حبان :يروي
المناكير عن المشاهير ،واستحق الترك.
وقد رواه أبو جعفر بن أبي شيبة فقال فيه :زائـدة :وهو غلط إنمـا هو زيادة.
ونقول على تقدير الصحة أنها مضافة إليه كما أضيف البيت إليه يقال :هذا بيته وهذا مسكنه ،وإنما قلنا هذا لن السكنى مستحيلة في حقه.
قلت :الحثية ملئ الكف .والمراد التقريب بما يعقل ل حقيقة الحثية.
روى أبو أمامة عن رسول ال -صلى ال عليه وسلم -أنه قال ) :إن ال يجلس يوم القيامة على القنطرة الوسطى بين الجنة والنار(.
روى القاضي أبو يعلى عن محمد بن كعب القرظي قال ) :إن الناس إذا سمعوا القرآن من ِفي الرحمن كأنهم لم يسمعوه قط(.
قلت :وآعجبًا يعني أن للرحمن فم ،فيثبت ل صفة بقول تابعي ل تصح الرواية عنه .هذا من أقبح الشياء ،فأما الحديث الذي سبق عن أبي
أمامة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :ما تقرب إلي بمثل ما خرج مني(.
فالمعنى :خرج عنه ،ول يجوز أن يظن أنه كخروج جسم من جسم لن ال عز وجل ليس بجسم ول كلمه جسم.
روينا عن سهل بن سعد عن النبي -صلى ال عليه وسلم -قال ) :دون ال سبعون ألف حجاب من نور وظلمة وما تسمع من نفس شيئًا من
حس تلك الحجب إل زهقت(.
قلت :هذا حديث ل أصل له .يرويه موسى بن عبيدة ،قال أحمد :ل يحل عندي الرواية عنه ،قال يحيى :ليس بشيء ،وموسى يرويه عن
عمر بن الحكم قال البخاري :عمر ذاهب الحديث.
رواه أنس بن مالك رضي ال عنه عن النبي -صلى ال عليه وسلم -قال ) إن ل َلَلوحًا ،أحد وجهيه درة والخر ياقوتة ،قلمه النور ،فبه
يخلق وبه يرزق وبه يحيى وبه يميت ،ويعز ويذل ،ويفعل ما يشاء في يوم وليلة(.
روى جابر رضي ال عنه عن النبي -صلى ال عليه وسلم -أنه قال ) :إذا رأيتم الريح فل تسبوها فإنها من نَفس الرحمن ،تأتي بالرحمة
وتأتي بالعذاب فاسألوا ال خيرها واستعيذوا بال من شرها(.
قلت :النفس بمعنى التنفيس عن المكروب ،ومثله ما رواه أبو هريرة -رضي ال عنه عن النبي -صلى ال عليه وسلم -أنه قال ) :إني لجد
نَفس ربكم من ِقبل اليمن(.
يعني تنفيسه عن المكروب بنصرة أهل المدينة إياي والمدينة من جانب اليمن ،وهذا شيء ل يختلف فيه المسلمون.
وقال ابن حامد :رأيت بعض أصحابنا يثبتون ل وصفًا في ذاته بأنه يتنفس .قال :وقالوا الرياح الهابة مثل الرياح العاصفة ،والعقيم والجنوب
والشمال والصبا والدبور مخلوقة ،إل ريحًا من صفاته هي ذات نسيم حياتي ،وهي من نفس الرحمن.
قلت :على من يعتقد هذا اللعنة ،لنه يثبت جسدًا مخلوقًا وما هؤلء بمسلمين.