Professional Documents
Culture Documents
أقول :أبو حاتم الرازي كان يستثقل كلمة يحيى في يوسف بن خالد حتى وقف على
فأقر بوصفه بالزندقة.
كتاب ليوسف ينصر فيه التجهم َّ
والسؤال هنا :يوسف بن خالد َمن الذي ناظره أو أقام عليه الحجة أم أن مخالفاته
كانت ظاهرة جدًّا؟
الكثير من الناس إذا سمع كلمة "قيام الحجة" يقع في ذهنه أمر بعيد ال يكاد يقع أو ال
َّ
وكأن التكفير لم يقع من يتصور
َّ ط واض ًحا يضبطه ،فإذا سمع قيام الحجة فهوضاب َ
أصله.
وكثير من الناس إذا سألته عن ضابط قيام الحجة أو قرائنها ال يجيب ،وذلك أن
الجواب سيوقعه في مشكلتين:
األولى :دخول جماعة من المشاهير في ضابطه ،فأي ضابط يُذ َكر سيدخل فيه
مشاهير.
الثانية :وجود ممارسات للسلف مع أعيان ال يدخلون في ضابطه.
ولهذا غالب من يستدل للقول بإسالم العلماء الواقعين في التجهم الشديد من إنكار
العلو ونحوه حقيقة أدلتهم هي أدلة التوقف ،ألنك إذا لم يكن عندك ضابط واضح
س ُن أحوالك التوقف ،وإال فأنت ما
لضبط القسمة بين المعذور وغير المعذور فأح َ
أنصفت غيرك إذ تذكر قسمة ثم ال تذكر أمثلة إال على أحد طرفي القسمة ،فهذا كأنه
احتيال على إلغاء التكفير من أصله؟!
مقاال بعنوان [توضيح إجماع حرب] ذكرت فيه قول ابن كنت قبل 7أعوام قد كتبت ً
ً
جاهال ،وقلت إن هذا هو سلف أبي عاصم في الجهمي المخلوقي أنه يُعذر إذا كان
ابن تيمية ،وذكرت هذا في مقال آخر لي بعنوان [لماذا احتمل السلف هؤالء].
وكررت في خطابي مع الغالة والجفاة على حد سواء أن عذر الجاهل ال يساوي َّ
ويكفر معينين
ِّ يكفر القول
إلغاء التكفير بالكلية ،وال يجوز أن يقال عن العالم الذي ِّ
بأي ضابط أنه (غير مكفر) ،وال ينطبق عليه قولهم (من لم يكفر الجهمية فهو
منهم) ،ولهذا َمن يختار أي قول في تكفير المعينين الواقعين في المكفرات ال َيلزَ مه
تكفير عالم اختار غير قوله في تفصيل أحوال المعينين مع إقراره بأصل التكفير. ُ
وإنني ألتعجب ممن يتعقبك ببعض قولك! وال يدري أن ما يذكره يصلح جوابًا على
بعض إلزاماته التي جادت بها قريحته ،وابن أبي عاصم ذكر قسمة ثنائية ،والذين
قامت عليهم الحجة وكفَّ َرهم هؤالء بش ٌَر حاضرون ولهم أمثلة معروفة ،بل هم عامة
تكفيرا
ً مشاهير الجهمية في ذلك الزمان ،ال يُعرف إنسان ذُ ِّكر بالتجهم إال وتجد فيه
أو ما يقوم مقامه.
قال قوام السنة األصبهاني في الحجة في بيان المحجة" :وقال أحمد بن منيع :من
زعم أنه مخلوق فهو جهمي ،ومن وقف فيه فإن كان ممن ال يعقل مثل البقالين
والنساء والصبيان سكت عنه وعلم ،وإن كان ممن يفهم فأجره في وادي الجهمية،
ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي".
الحظ الفئة المعذورة عنده (البقالين والنساء (يعني ممن لم يتعلمن) والصبيان) ،فما
ِّ
ذَ َك ر في المعذورين العلماء والفقهاء والمشتغلين بالحديث ،وكالم العلماء يشرح
ضا ،عل ًما أنه إنما ذَ َكر العذر في الوقف في القرآن فحسب وليس في القولبعضه بع ً
بخلق القرآن ،فكأنه ال يُ ِّقر كالم ابن أبي عاصم ألن مقامه مقام تفصيل.
سئل أبي رحمه هللا -وأنا أسمع -عن اللفظية ،والواقفة ،فقالَ « :من كان منهمُ - 224
ً
جاهال ليس بعالم فليَسأل وليتعلم».
- 225سمعت أبي رحمه هللا مرةً أخرى وسئل عن اللفظية ،والواقفة ،فقالَ « :من
كان منهم يُحسن الكالم فهو جهمي ،وقال مرة ً أخرى هم ٌّ
شر ِّمن الجهمية»".
وقال الخالل في السنة - 1788" :وأخبرنا عبد هللا بن أحمد في موضع آخر ،قال:
سمعت أبي يقول« :من كان في أصحاب الحديث أو من أصحاب الكالم ،فأمسك عن
أن يقول :القرآن ليس بمخلوق ،فهو جهمي»".
فأحمد جعل كون المرء َكتَب الحديث أو كان من أصحاب الكالم فذلك يُب ِّعد العذر
بالجهل عنه فهو جهمي ،وهذا في الوقف ،ولم يقله اإلمام في هذا المقام في القائل
بخلق القرآن.
هذه الرواية على قياس الروايات األخرى في أن اللفظي إذا كتب الحديث فهذا يُبعده
عن العذر ،وال يعزب عن ذهنك أن قول اللفظية والواقفة أهون ألف مرة من إنكار
علو هللا عز وجل على خلقه.
وظاهر كالم أحمد أن األصل في علماء اللفظية والواقفة عدم العذر ،وهذا يلتقي مع
قوله (علماء الكالم زنادقة).
وفي عقيدة الرازيين التي في أولها نقل اإلجماع حيث قال" :أدركنا العلماء في جميع
األمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم."..:
فكان مما ورد فيها قولهم" :ومن شك في كالم هللا عز وجل فوقف شا ًّكا فيه يقول :ال
ع ِّلم وبُ ِّدع
أدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي .ومن وقف في القرآن جاهال ُ
ولم يكفر".
ولكنهم لما جاءوا إلى الجهمي المخلوقي الذي يقول مخلوق صراحةً قالوا" :ومن
زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر باهلل العظيم كفرا ينقل عن الملة .ومن شك في كفره
ممن يفهم فهو كافر".
وهنا كلمتهم ال تلتقي مع كلمة ابن أبي عاصم ،إذ لم يفصلوا في الجهمي المخلوقي،
بل فصلوا فقط في حكم من ال يكفره ،ومن يأخذ بكالم ابن أبي عاصم يلزمه األخذ
ضا.
بهذا أي ً
يكفر
وقد نقل حرب الكرماني اإلجماع على نحو هذه الكلمة ،ومقصودهم بمن ال ِّ
كفرا ً
جاهال ،وأما من يعتبر القول ً كفرا فال يكفر عال ًما وال
الجهمية َمن ال َيعد قولهم ً
ويفصل فهذا خارج البحث كما شرحته في مقال توضيح إجماع حرب.
والحظ قيدهم "ممن يفهم" أي أن العامي يخرج من هذا وال يلزمه ،وإنما يلزم ذلك
ِّ
العالم الفاهم ،ويا ليت شعري لو سألت المنافح عن منكري العلو :أيهما أشد ،تكفير
معين ألنه لم يكفر الجهمية أم تكفير معين قال بقول أشد من قول الجهمية؟
ال شك أنه سيقول تكفير معين ألنه لم يكفر الجهمية ،ومع ذلك ال يمكنه رمي من
يقول بهذا بالغلو ألنهم أئمة جبال ،فكيف يرمي َمن قال ً
قوال أهون من قولهم ،وتكفير
من ال يكفر الجهمية روايتان في المذهب الحنبلي ذكرهما ابن أبي يعلى في
الروايتين والوجهين.
وال شك أن َمن وصل به األمر إلى الحديث عن تكفير من ال يكفره فاألصل فيه عدم
العذر ،وأنا أتحدث عن األصل ألن لألصل فائدة ،فأنت إن قلت إن األصل في
األواني الطهارة تنتفع من هذا األصل عدة فوائد:
أولها :أن القائل باألصل ال يطالَب بالدليل وإنما يطالَب من ادعى خالف األصل.
وثانيها :أن األصل يُر َجع إليه عند تعارض القرائن.
العالم الذي اشتَ َرط قيام الحجة ال أحد يقول عنه (ال يكفر الجهميةة) بةل كلهةم يقولةون
ويكفةةر بعةةد قيةةام الحجةةة (والتةةي تُعة َةرف بقةةرائن
ِّ كفَّةةر الجهميةةة ألنةةه يةةرى قةةولهم كفة ًةرا
مرسال) ،فدعوى وجود إجماع على اشتراط قيام الحجة مع كثرة ً أمرا
وبينات وليس ً
تفصةل فةي
قولهم (الجهمية كفار) يعني أنه ال مشكلة أن تقول في فرقة (كفار) وأنت ِّ
األعيان ،وعليه ال يصةلح أن تسةتدرك علةى تكفيةر فرقةة بالحةديث عةن األعيةان إذ ال
ض بحسبك وال أن تمتنع عن إطالق الحكم لداعي الحديث عن األعيان. تعار َ
ُ
__________________