You are on page 1of 6

‫السمت؟‬

‫ي‬ ‫من الذي أقام الحجة عىل يوسف بن خالد‬

‫قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل‪:‬‬


‫"قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول‪ :‬يوسف بن‬
‫خالد السمى كذاب زنديق ال يكتب حديثه نا عبد الرحمن قال سمعت أبي وسألته عن‬
‫يوسف بن خالد السمتى فقال‪ :‬أنكرت قول يحيى بن معين فيه أنه زنديق حتى حمل‬
‫إلى كتاب قد وضعه في التجهم بابًا بابًا ينكر الميزان في القيامة فعلمت أن يحيى بن‬
‫معين كان ال يتكلم إال على بصيرة وفهم"‪.‬‬

‫أقول‪ :‬أبو حاتم الرازي كان يستثقل كلمة يحيى في يوسف بن خالد حتى وقف على‬
‫فأقر بوصفه بالزندقة‪.‬‬
‫كتاب ليوسف ينصر فيه التجهم َّ‬

‫والسؤال هنا‪ :‬يوسف بن خالد َمن الذي ناظره أو أقام عليه الحجة أم أن مخالفاته‬
‫كانت ظاهرة جدًّا؟‬

‫الكثير من الناس إذا سمع كلمة "قيام الحجة" يقع في ذهنه أمر بعيد ال يكاد يقع أو ال‬
‫َّ‬
‫وكأن التكفير لم يقع من‬ ‫يتصور‬
‫َّ‬ ‫ط واض ًحا يضبطه‪ ،‬فإذا سمع قيام الحجة فهو‬‫ضاب َ‬
‫أصله‪.‬‬

‫كثيرا ما كانوا يحكمون على األفراد‬


‫والمتأمل في أحوال السلف وكلماتهم يجد أنهم ً‬
‫ِّ‬
‫بالكفر إذا كانت مقالتهم شديدة المناقضة للكتاب والسنة أو إذا كان هذا الشخص‬
‫معدودًا في العلماء‪.‬‬
‫ذكر الذهبي في العرش وابن تيمية في الفتاوى وابن القيم في اجتماع الجيوش هذا‬
‫األثر‪ :‬عن األصمعي قال‪" :‬قدمت امرأة جهم‪ ،‬وقال رجل عندها هللا على عرشه‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬محدود على محدود‪ .‬قال األصمعي‪ :‬هي كافرة بهذه المقالة" رواه ابن أبي‬
‫حاتم في الرد على الجهمية‪.‬‬

‫وكثير من الناس إذا سألته عن ضابط قيام الحجة أو قرائنها ال يجيب‪ ،‬وذلك أن‬
‫الجواب سيوقعه في مشكلتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬دخول جماعة من المشاهير في ضابطه‪ ،‬فأي ضابط يُذ َكر سيدخل فيه‬
‫مشاهير‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬وجود ممارسات للسلف مع أعيان ال يدخلون في ضابطه‪.‬‬

‫ولهذا غالب من يستدل للقول بإسالم العلماء الواقعين في التجهم الشديد من إنكار‬
‫العلو ونحوه حقيقة أدلتهم هي أدلة التوقف‪ ،‬ألنك إذا لم يكن عندك ضابط واضح‬
‫س ُن أحوالك التوقف‪ ،‬وإال فأنت ما‬
‫لضبط القسمة بين المعذور وغير المعذور فأح َ‬
‫أنصفت غيرك إذ تذكر قسمة ثم ال تذكر أمثلة إال على أحد طرفي القسمة‪ ،‬فهذا كأنه‬
‫احتيال على إلغاء التكفير من أصله؟!‬

‫صا في مسألة وال يعرف قوله وال تفاصيل ما يذهب‬


‫وإنني ألتعجب ممن يناقش شخ ً‬
‫إليه‪.‬‬

‫مقاال بعنوان [توضيح إجماع حرب] ذكرت فيه قول ابن‬ ‫كنت قبل ‪ 7‬أعوام قد كتبت ً‬
‫ً‬
‫جاهال‪ ،‬وقلت إن هذا هو سلف‬ ‫أبي عاصم في الجهمي المخلوقي أنه يُعذر إذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬وذكرت هذا في مقال آخر لي بعنوان [لماذا احتمل السلف هؤالء]‪.‬‬

‫وكررت في خطابي مع الغالة والجفاة على حد سواء أن عذر الجاهل ال يساوي‬ ‫َّ‬
‫ويكفر معينين‬
‫ِّ‬ ‫يكفر القول‬
‫إلغاء التكفير بالكلية‪ ،‬وال يجوز أن يقال عن العالم الذي ِّ‬
‫بأي ضابط أنه (غير مكفر)‪ ،‬وال ينطبق عليه قولهم (من لم يكفر الجهمية فهو‬
‫منهم)‪ ،‬ولهذا َمن يختار أي قول في تكفير المعينين الواقعين في المكفرات ال َيلزَ مه‬
‫تكفير عالم اختار غير قوله في تفصيل أحوال المعينين مع إقراره بأصل التكفير‪.‬‬ ‫ُ‬

‫وإنني ألتعجب ممن يتعقبك ببعض قولك! وال يدري أن ما يذكره يصلح جوابًا على‬
‫بعض إلزاماته التي جادت بها قريحته‪ ،‬وابن أبي عاصم ذكر قسمة ثنائية‪ ،‬والذين‬
‫قامت عليهم الحجة وكفَّ َرهم هؤالء بش ٌَر حاضرون ولهم أمثلة معروفة‪ ،‬بل هم عامة‬
‫تكفيرا‬
‫ً‬ ‫مشاهير الجهمية في ذلك الزمان‪ ،‬ال يُعرف إنسان ذُ ِّكر بالتجهم إال وتجد فيه‬
‫أو ما يقوم مقامه‪.‬‬

‫وتتمي ًما للفائدة‪:‬‬

‫قال قوام السنة األصبهاني في الحجة في بيان المحجة‪" :‬وقال أحمد بن منيع‪ :‬من‬
‫زعم أنه مخلوق فهو جهمي‪ ،‬ومن وقف فيه فإن كان ممن ال يعقل مثل البقالين‬
‫والنساء والصبيان سكت عنه وعلم‪ ،‬وإن كان ممن يفهم فأجره في وادي الجهمية‪،‬‬
‫ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي"‪.‬‬

‫الحظ الفئة المعذورة عنده (البقالين والنساء (يعني ممن لم يتعلمن) والصبيان)‪ ،‬فما‬
‫ِّ‬
‫ذَ َك ر في المعذورين العلماء والفقهاء والمشتغلين بالحديث‪ ،‬وكالم العلماء يشرح‬
‫ضا‪ ،‬عل ًما أنه إنما ذَ َكر العذر في الوقف في القرآن فحسب وليس في القول‬‫بعضه بع ً‬
‫بخلق القرآن‪ ،‬فكأنه ال يُ ِّقر كالم ابن أبي عاصم ألن مقامه مقام تفصيل‪.‬‬

‫وكالم ابن منيع يلتقي مع كالم أحمد‪.‬‬

‫قال عبد هللا بن أحمد في السنة‪:‬‬


‫خاصم‬
‫سئل عن الواقفة فقال أبي‪َ « :‬من كان يُ ِّ‬ ‫"‪ - 223‬سمعت أبي رحمه هللا و ُ‬
‫عرف بالكالم يُجانَب حتى يرجع‪ ،‬و َمن لم يكن‬‫عرف بالكالم فهو جهمي ومن لم يُ َ‬ ‫ويُ َ‬
‫له علم يَسأل»‪.‬‬

‫سئل أبي رحمه هللا ‪-‬وأنا أسمع‪ -‬عن اللفظية‪ ،‬والواقفة‪ ،‬فقال‪َ « :‬من كان منهم‬‫‪ُ - 224‬‬
‫ً‬
‫جاهال ليس بعالم فليَسأل وليتعلم»‪.‬‬

‫‪ - 225‬سمعت أبي رحمه هللا مرةً أخرى وسئل عن اللفظية‪ ،‬والواقفة‪ ،‬فقال‪َ « :‬من‬
‫كان منهم يُحسن الكالم فهو جهمي‪ ،‬وقال مرة ً أخرى هم ٌّ‬
‫شر ِّمن الجهمية»"‪.‬‬

‫وقال الخالل في السنة‪ - 1788" :‬وأخبرنا عبد هللا بن أحمد في موضع آخر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سمعت أبي يقول‪« :‬من كان في أصحاب الحديث أو من أصحاب الكالم‪ ،‬فأمسك عن‬
‫أن يقول‪ :‬القرآن ليس بمخلوق‪ ،‬فهو جهمي»"‪.‬‬

‫فأحمد جعل كون المرء َكتَب الحديث أو كان من أصحاب الكالم فذلك يُب ِّعد العذر‬
‫بالجهل عنه فهو جهمي‪ ،‬وهذا في الوقف‪ ،‬ولم يقله اإلمام في هذا المقام في القائل‬
‫بخلق القرآن‪.‬‬

‫زوج أخته من هؤالء اللفظية‪ ،‬وقد كتب الحديث‪،‬‬


‫وقال ابن قدامة في المغني‪" :‬وإذا َّ‬
‫يفرق بينهما"‪.‬‬
‫فهذا شر من جهمي‪َّ ،‬‬

‫هذه الرواية على قياس الروايات األخرى في أن اللفظي إذا كتب الحديث فهذا يُبعده‬
‫عن العذر‪ ،‬وال يعزب عن ذهنك أن قول اللفظية والواقفة أهون ألف مرة من إنكار‬
‫علو هللا عز وجل على خلقه‪.‬‬
‫وظاهر كالم أحمد أن األصل في علماء اللفظية والواقفة عدم العذر‪ ،‬وهذا يلتقي مع‬
‫قوله (علماء الكالم زنادقة)‪.‬‬

‫وفي عقيدة الرازيين التي في أولها نقل اإلجماع حيث قال‪" :‬أدركنا العلماء في جميع‬
‫األمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم‪."..:‬‬
‫فكان مما ورد فيها قولهم‪" :‬ومن شك في كالم هللا عز وجل فوقف شا ًّكا فيه يقول‪ :‬ال‬
‫ع ِّلم وبُ ِّدع‬
‫أدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي‪ .‬ومن وقف في القرآن جاهال ُ‬
‫ولم يكفر"‪.‬‬

‫ع ِّلم وبُدِّع ولم يكفر" مما يدل على أن التجهيم‬


‫تأ َّمل قولهم "فهو جهمي" في مقابل " ُ‬
‫األصل فيه التكفير‪ ،‬فقالوا هذه الكلمة في الواقفي الجاهل‪ ،‬وهذا نحو كلمة أحمد وابن‬
‫منيع الذي شرح أصناف الجهال‪.‬‬

‫ولكنهم لما جاءوا إلى الجهمي المخلوقي الذي يقول مخلوق صراحةً قالوا‪" :‬ومن‬
‫زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر باهلل العظيم كفرا ينقل عن الملة‪ .‬ومن شك في كفره‬
‫ممن يفهم فهو كافر"‪.‬‬
‫وهنا كلمتهم ال تلتقي مع كلمة ابن أبي عاصم‪ ،‬إذ لم يفصلوا في الجهمي المخلوقي‪،‬‬
‫بل فصلوا فقط في حكم من ال يكفره‪ ،‬ومن يأخذ بكالم ابن أبي عاصم يلزمه األخذ‬
‫ضا‪.‬‬
‫بهذا أي ً‬

‫يكفر‬
‫وقد نقل حرب الكرماني اإلجماع على نحو هذه الكلمة‪ ،‬ومقصودهم بمن ال ِّ‬
‫كفرا‬ ‫ً‬
‫جاهال‪ ،‬وأما من يعتبر القول ً‬ ‫كفرا فال يكفر عال ًما وال‬
‫الجهمية َمن ال َيعد قولهم ً‬
‫ويفصل فهذا خارج البحث كما شرحته في مقال توضيح إجماع حرب‪.‬‬

‫والحظ قيدهم "ممن يفهم" أي أن العامي يخرج من هذا وال يلزمه‪ ،‬وإنما يلزم ذلك‬
‫ِّ‬
‫العالم الفاهم‪ ،‬ويا ليت شعري لو سألت المنافح عن منكري العلو‪ :‬أيهما أشد‪ ،‬تكفير‬
‫معين ألنه لم يكفر الجهمية أم تكفير معين قال بقول أشد من قول الجهمية؟‬
‫ال شك أنه سيقول تكفير معين ألنه لم يكفر الجهمية‪ ،‬ومع ذلك ال يمكنه رمي من‬
‫يقول بهذا بالغلو ألنهم أئمة جبال‪ ،‬فكيف يرمي َمن قال ً‬
‫قوال أهون من قولهم‪ ،‬وتكفير‬
‫من ال يكفر الجهمية روايتان في المذهب الحنبلي ذكرهما ابن أبي يعلى في‬
‫الروايتين والوجهين‪.‬‬

‫وال شك أن َمن وصل به األمر إلى الحديث عن تكفير من ال يكفره فاألصل فيه عدم‬
‫العذر‪ ،‬وأنا أتحدث عن األصل ألن لألصل فائدة‪ ،‬فأنت إن قلت إن األصل في‬
‫األواني الطهارة تنتفع من هذا األصل عدة فوائد‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن القائل باألصل ال يطالَب بالدليل وإنما يطالَب من ادعى خالف األصل‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أن األصل يُر َجع إليه عند تعارض القرائن‪.‬‬

‫صا في عذر الجهمية القائلين بخلق القرآن يفرحون‬


‫والطريف أن البعض إذا وجدوا ن ًّ‬
‫صا في تكفير هؤالء‬
‫صا في األشعرية المتأخرين‪ ،‬وإذا وجدوا ن ًّ‬
‫به ويجعلونه ن ًّ‬
‫الجهمية ولو باإلطالق فإنه ال ينزل عندهم على نفاة العلو ولو باإلطالق حتى!‬

‫العالم الذي اشتَ َرط قيام الحجة ال أحد يقول عنه (ال يكفر الجهميةة) بةل كلهةم يقولةون‬
‫ويكفةةر بعةةد قيةةام الحجةةة (والتةةي تُعة َةرف بقةةرائن‬
‫ِّ‬ ‫كفَّةةر الجهميةةة ألنةةه يةةرى قةةولهم كفة ًةرا‬
‫مرسال)‪ ،‬فدعوى وجود إجماع على اشتراط قيام الحجة مع كثرة‬ ‫ً‬ ‫أمرا‬
‫وبينات وليس ً‬
‫تفصةل فةي‬
‫قولهم (الجهمية كفار) يعني أنه ال مشكلة أن تقول في فرقة (كفار) وأنت ِّ‬
‫األعيان‪ ،‬وعليه ال يصةلح أن تسةتدرك علةى تكفيةر فرقةة بالحةديث عةن األعيةان إذ ال‬
‫ض بحسبك وال أن تمتنع عن إطالق الحكم لداعي الحديث عن األعيان‪.‬‬ ‫تعار َ‬
‫ُ‬

‫__________________‬

‫قناة | أبي جعفر عبدهللا الخليفي‬

You might also like