You are on page 1of 108

‫كما يولى عليكم تكونوا‬

‫‪1‬‬
‫حقوق الطبع محفوظة‬
‫‪1440‬هـ ‪2019 -‬م‬

‫‪2‬‬
‫كما ّ‬
‫يولـى عليكم تكونوا‬
‫(رد علمي على مقال كما تكونوا يو ّلى عليكم)‬

‫تأليف‬
‫د‪ .‬مشاري سعيد املطرفي‬
‫دكتوراه في العقيدة والفلسفة اإلسالمية‬

‫‪3‬‬
4
‫املقدمة‬
‫إن سبب تأليف هذا الكتاب الذي بني يديك‪ ،‬هو أنني قرأت ألحد‬
‫ال بعنوان‪( :‬كما تكونوا يولى عليكم)‬ ‫الك ّتاب املعروفني مقا ً‬
‫ال طوي ً‬
‫نشره في أحد اجلرائد‪ ،‬يذكر فيه أن سبب صالح احلاكم أو فساده هو‬
‫الشعب‪ ،‬وأنه إذا صلح الشعب صلح احلاكم‪ ،‬وإذا فسد الشعب فسد‬
‫احلاكم‪ ،‬فإذا الشعب أراد أن ينصلح له احلاكم فينبغي له أن يصلح من‬
‫ال‪ ،‬واستدل بحديث‪« :‬كما تكونوا يولى عليكم»!!‬ ‫نفسه أو ً‬
‫وهذا بال شك كالم غير صحيح‪ ،‬وفيه خطأ في التأصيل وجهل‬
‫في الواقع‪ ،‬وفيه تبرير لفساد احلاكم وفسقه وخيانته وعمالته‪ ،‬وفيه ظلم‬
‫للشعب الذي الميلك لنفسه حو ً‬
‫ال وال قوة باتهامه بأنه هو سبب الفساد‬
‫والتخ ّلف والظلم‪ ،‬ألنه شعب فاسد؛ لذلك فسد من يحكمهم‪ ،‬وفيه‬
‫حث للناس بالرضا واالستسالم لفساد احلاكم‪ ،‬ألن سبب فساد احلاكم‬ ‫ّ‬
‫هو الشعب‪ ،‬واحلل هو بإصالح أنفسهم وترك احلاكم وشأنه!!‬
‫والصحيح أن يقال‪« :‬كما يو ّلى عليكم تكونوا»؛ فالناس على دين‬
‫ملوكهم ‪ -‬أي حكامهم ‪ -‬فاحلاكم مبا له من سلطة على الشعب يستطيع‬
‫الرعية بالشكل الذي يريده‪ ،‬فصالح الشعب أو‬ ‫ّ‬ ‫تشكيل الشعب أو‬
‫فساده يرجع إلى صالح احلاكم أو فساده‪ ،‬فإذا صلح احلاكم صلحت‬
‫الرعية‪ ،‬وإذا فسد احلاكم فسدت الرعية لذلك قال عمر‪« :‬أخوف ما‬
‫(((‬
‫أخاف عليكم ز ّلة عالم‪ ،‬وجدال منافق بالقرآن‪ ،‬وأئمة مضلون»‪.‬‬

‫((( رواه الدارمي‪ ،‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ّوري ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬ألبي جعفر املنصور‪:‬‬
‫وقال سفيان الث ّ‬
‫«إ ّني ألعلم رج ً‬
‫ال إن صلح صلحت األمة»‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن هو؟‬
‫(((‬
‫قال‪« :‬أنت»‪.‬‬
‫وجاء في األثر‪« :‬إذا صلح الراعي صلحت الرعية»‪.‬‬
‫فاحلاكم مثله مثل رب األس���رة‪ ،‬ف��رب األس��رة إذا ك��ان صاحل ًا‬
‫صلحت األسرة‪ ،‬وذلك ألنه سوف يو ّفر لها وسائل اخلير والصالح‪،‬‬
‫ومينع عنها وسائل الشر والفساد‪ ،‬وإذا كان رب األسرة فاسد ًا فسدت‬
‫األسرة‪ ،‬وذلك ألنه سوف يدخل عليها وسائل الشر والفساد‪ ،‬ومينع‬
‫عنها وسائل اخلير والصالح ‪.‬‬
‫وألن الراعي هو املسؤول عن صالح أو فساد الرعية أوصى النبي‬
‫عما فعل برعيته فقال |‪:‬‬
‫| الراعي أن يهتم برعيته وأنه سوف يسأل ّ‬
‫رعيته‪،‬‬ ‫«ك ّلكم راع وك ّلكم مسؤول عن ّ‬
‫رعيته‪ ،‬اإلمام راع ومسؤول عن ّ‬
‫(((‬
‫رعيته‪.»...‬‬
‫والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن ّ‬‫ّ‬
‫عما استرعى أحفظ‬
‫وقال |‪« :‬إن الله سائل يوم القيامة كل راع ّ‬
‫(((‬
‫أم ضيع»‪.‬‬

‫((( كتاب «حسن السلوك احلافظ دولة امللوك» للعالمة محمد املوصلي (‪.)66/1‬‬
‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫((( رواه ابن حبان في صحيحه‪ ،‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫فهذه الرسالة التي بني يديك هي ر ّد على كل من يرى أو يقول إن‬
‫الشعب أو الرعية هي سبب الفساد‪ ،‬وإن فساد احلاكم هو بسبب فساد‬
‫الرعية‪ ،‬وقد قسمت هذه الرسالة على ثالثة مباحث‪:‬‬
‫ّ‬
‫املبحث األول‪ :‬حكم حديث (كما يولى عليكم تكونوا) سند ًا‬
‫ومتن ًا‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬آثار وأقوال ّ‬


‫تنص على أن صالح الشعب أو فساده‬
‫بسبب احلاكم ‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أحداث من الواقع ‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬كيفية التعامل مع احلاكم الظالم؟‬

‫‪7‬‬
8
‫املبحث الأول‬
‫حكم حديث‪« :‬كما تكونوا يوىل عليكم»‬
‫�سند ًا ومتن ًا‬

‫‪9‬‬
10
‫املبحث األول‬
‫حكم حديث‬
‫«كما تكونوا يولّى عليكم» سند ًا ومتناً‬
‫حديث‪« :‬كما تكونوا يو ّلى عليكم» رواه الديلمي والبيهقي‪ ،‬وهو‬
‫ضعفه غير واحد من أهل العلم‪ ،‬منهم احلافظ ابن‬ ‫حديث ضعيف ّ‬
‫حجر والسيوطي واملناوي‪.‬‬
‫املتأخرين الشيخ العلاّ مة محمد ناصر الدين األلباني ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫ومن‬
‫رحمه الله ‪ -‬وقد جمع طرقه في سلسلة األحاديث الضعيفة وحكم‬
‫بالضعف‪.‬‬‫عليه ّ‬
‫فهذه العبارة مرفوعة إلى النبي | من طريقني‪:‬‬
‫الطريق األولى‪:‬‬
‫روى القضاعي في (مسند الشهاب ‪ )336/1‬من طريق الكرماني‬
‫بن عمرو‪ ،‬ثنا املبارك بن فضالة‪ ،‬عن احلسن‪ ،‬عن أبي بكرة عن النبي‬
‫| قال‪:‬‬
‫«ثم كما تكونون يو ّلى أو يؤ ّمر عليكم»‪.‬‬
‫ّ‬
‫وف��ي ه��ذا السند املبارك بن فضالة‪ ،‬ق��ال احلافظ اب��ن حجر في‬
‫ويسوي‪ .‬وتدليس التسوية من أسوأ أنواع‬
‫ّ‬ ‫التقريب‪ :‬صدوق يد ّلس‬
‫التدليس‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وقد تك ّلم عدد من أهل العلم في روايته عن احلسن البصري‪.‬‬
‫حماد عن عبد الرحمن بن مهدي‪ :‬لم نكتب للمبارك‬ ‫قال نعيم بن ّ‬
‫شيئ ًا إال شيئ ًا يقول فيه‪ :‬سمعت احلسن‪ .‬وفي هذا السند لم يقل املبارك‬
‫بن فضالة‪ :‬حدثنا‪.‬‬
‫قال املناوي في (فيض القدير عن هذا السند ‪ :)47/5‬قال ابن‬
‫طاهر‪ :‬واملبارك وإن ذكر بشيء من الضعف فالعمدة على من رواه عنه‬
‫فإن فيهم جهالة ‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫وق���ال احل��اف��ظ اب��ن حجر ف��ي تخريجه ألح��ادي��ث (الكشاف‬
‫‪ :)345/1‬رواه القضاعي في مسند الشهاب وفي إسناده إلى مبارك‬
‫مجاهيل‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫وقال العجلوني في (كشف اخلفاء ‪ :)166/2‬وأخرجه ابن جميع‬
‫في معجمه‪ ،‬والقضاعي عن أبي بكرة بلفظ‪ :‬يولى عليكم بدون شك‪،‬‬
‫وفي سنده مجاهيل‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫الطريق الثانية‪:‬‬
‫رواها الديلمي في مسند الفردوس‪ ،‬والبيهقي في «الشعب» كما‬
‫رمز له السيوطي في اجلامع الصغير‪ ،‬وذكر سنده املناوي في (فيض‬
‫القدير ‪ )47/5‬فقال‪:‬‬
‫(ف��ر)‪ :‬وكذا القضاعي كالهما من حديث يحيى بن هاشم عن‬
‫يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن جده عن (أبي بكرة) مرفوع ًا‪ .‬قال‬
‫السخاوي‪ :‬ورواية يحيى في عداد من يضع ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫(ه��ب)‪ :‬من جهة يحيى بن هشام عن يونس بن إسحاق (عن‬
‫أبي إسحاق) عمر بن عبد الله (السبيعي مرس ً‬
‫ال) بلفظ‪ :‬كما تكونوا‬
‫كذلك يؤمر عليكم‪ ،‬ثم ق��ال‪ :‬هذا منقطع‪ ،‬وراوي��ة يحيى بن هشام‬
‫ضعيفة‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫وقال العجلوني في (كشف اخلفاء ‪ :)166/2‬قال في األصل‪:‬‬
‫رواه احلاكم‪ ،‬ومن طريقه الديلمي عن أبي بكرة مرفوع ًا‪ ،‬وأخرجه‬
‫البيهقي بلفظ‪ :‬يؤمر عليكم ‪ .‬بدون شك‪ ،‬وبحذف أبي بكرة ؛ فهو‬
‫منقطع‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫وأورد هذا احلديث السيوطي في ال��درر املنتثرة في األحاديث‬
‫املشتهرة (ح ‪ )329‬فقال‪:‬‬
‫حديث‪« :‬كما تكونوا يولى عليكم»‪.‬‬
‫اب��ن جميع في «معجمه» من حديث أب��ي بكرة‪ ،‬والبيهقي في‬
‫«الشعب» من حديث يونس بن أبي إسحاق‪ ،‬عن أبيه مرفوع ًا‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫هذا منقطع‪.‬‬
‫قال الشيخ محمد لطفي الصباغ محقق الدرر في احلاشية‪ :‬ضعيف‪.‬‬
‫وأورده أيض ًا املال علي القاري في (األسرار املرفوعة ح ‪،)281‬‬
‫والشوكاني في (الفوائد املجموعة ح ‪ )624‬وقال‪ :‬في إسناده ّ‬
‫وضاع‪.‬‬
‫وفيه انقطاع ‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫وجاء في تذكرة املوضوعات‪ :‬في سنده انقطاع وواضع هو يحيى‬
‫بن هاشم‪ ،‬وله طريق فيه مجاهيل‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫وقال الزرقاني في (مختصر املقاصد احلسنة ح ‪ :)772‬ضعيف(((‪.‬‬
‫وقال الشيخ العالمة محمد ناصر الدين األلباني في (سلسلة‬
‫األحاديث الضعيفة ‪« :)490/ 1‬ضعيف‪ ،‬أخرجه الديلمي من‬
‫طريق يحيى بن هاشم عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن جده‬
‫عن أبي بكرة مرفوع ًا‪ ،‬والبيهقي في «الشعب» من طريق يحيى عن‬
‫ال‪ ،‬ويحيى في عداد‬ ‫يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق مرس ً‬
‫من يضع‪ ،‬لكن له طريق أخرى عند ابن جميع في «معجمه» (ص‬
‫‪ ،)149‬والقضاعي في «مسنده» (‪ )1 / 47‬من جهة أحمد بن عثمان‬
‫الكرماني عن املبارك بن فضالة عن احلسن عن أبي بكرة مرفوع ًا‪.‬‬
‫قال ابن طاهر‪ :‬واملبارك وإن ذكر بشيء من الضعف فالتهمة على‬
‫من رواه عنه فإن فيهم جهالة‪ ،‬كذا في «املناوي»‪.‬‬
‫وق��ال احلافظ ابن حجر في (تخريج الكشاف ‪ :)25 / 4‬وفي‬
‫إسناده إلى مبارك مجاهيل‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬ومن هذا الوجه رواه السلفي في (الطيوريات ‪،)282 / 1‬‬
‫ثم إن احلديث معناه غير صحيح على إطالقه عندي‪ ،‬فقد حدّ ثنا التاريخ‬
‫تولي رجل صالح عقب أمير غير صالح والشعب هو هو!»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فاحلديث ضعيف ال يصح االحتجاج به وفي سنده ّ‬
‫وضاع‪،‬‬
‫وفيه انقطاع‪ ،‬كما أنه مردود من ناحية املنت‪ ،‬كما أشار إلى ذلك األلباني‬
‫رحمه الله حني قال‪« :‬ثم إن احلديث معناه غير صحيح على إطالقه‬

‫((( الشيخ عبدالله الزقيل «تخريجات وحتذيرات من أحاديث مشهورات» (‪.)22/1‬‬

‫‪14‬‬
‫عندي‪ ،‬فقد حدثنا التاريخ تولي رجل صالح عقب أمير غير صالح‬
‫والشعب هو هو!»‪.‬‬
‫فالناس الذين تو ّلى عليهم عمر بن عبد العزيز – كمثال ال خالف‬
‫عليه لولي األمر الصالح ‪ -‬هم ذاتهم الذين تو ّلى عليهم من سبقه ومن‬
‫تغيروا مبجرد إعالن‬
‫يتغيروا‪ ...‬وال ميكن الزعم أن الناس ّ‬
‫خلفه‪ ...‬لم ّ‬
‫البيعة خلليفة جديد‪.‬‬

‫‪15‬‬
16
‫املبحث الثاين‬
‫�آثار و�أقوال ّ‬
‫تن�ص‬
‫على �أن �صالح ال�شعب‬
‫�أو ف�ساده ب�سبب احلاكم‬

‫‪17‬‬
18
‫املبحث الثاني‬
‫تنص على أن صالح الشعب‬
‫آثار وأقوال ّ‬
‫أو فساده بسبب احلاكم‬
‫‪ - 1‬أثر أبي بكر الصديق ‪ -‬رضي الله عنه‪:‬‬
‫روى البخاري في صحيحه‪ ،‬أن امرأة قالت ألبي بكر الصديق ‪-‬‬
‫الصالح ا ّلذي جاء ال ّله به‬
‫رضي الله عنه ‪« :-‬ما بقاؤنا على هذا األمر ّ‬
‫(((‬
‫أئمتكم»‪.‬‬
‫اجلاهلية قال بقاؤكم عليه ما استقامت بكم ّ‬
‫ّ‬ ‫بعد‬
‫قال احلافظ ابن حجر معلق ًا‪« :‬قوله‪( :‬ما استقامت بكم) وفي‬
‫رواية (لكم)‪ .‬قوله‪( :‬أئمتكم) أي ألن الناس على دين ملوكهم‪ ،‬فمن‬
‫(((‬
‫حاد من األئمة عن احلال مال وأمال»‪.‬‬
‫‪ - 2‬أثر عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي الله عنه‪:‬‬
‫قال عمر بن ّ‬
‫اخلطاب ‪ -‬رضي ال ّله عنه ‪« :-‬اعلموا أ ّنه ال يزال‬
‫(((‬
‫أئمتهم وهداتهم»‪.‬‬‫ال ّناس مستقيمني ما استقامت لهم ّ‬
‫وقال‪« :‬الرعية مؤ ّدية إلى اإلمام ما أ ّدى اإلمام إلى الله‪ ،‬فإن رتع‬
‫(((‬
‫اإلمام رتعوا»‪.‬‬

‫((( رواه البخاري‪.‬‬


‫((( «فتح الباري» البن حجر العسقالني ( ‪. )151/7‬‬
‫((( «جامع بيان العلم وفضله» البن عبدالبر (‪.)643‬‬
‫((( «الطبقات» البن سعد ( ‪ ،)292/3‬والبيهقي في السنن الكبرى (‪.)344 /3‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ - 3‬أثر علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله عنه‪:‬‬
‫ملا جيء لعمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بتاج كسرى وسواريه‬
‫وجعل يق ّلبه بعود في يده ويقول‪ :‬والله إن الذي أدى هذا ألمني‪ ،‬فقال‬
‫له علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله عنه ‪« :-‬يا أمير املؤمنني إنك عففت‬
‫(((‬
‫فع ّفت رعيتك‪ ،‬ولو رتعت لرتعوا»‪.‬‬
‫وفي رواية قال‪« :‬يا أمير املؤمنني أنت أمني الله يؤدون إليك ما‬
‫(((‬
‫أديت إلى الله فإن رتعت رتعوا»‪.‬‬
‫منبه ‪ -‬رضي الله عنه‪:‬‬
‫‪ - 4‬أثر وهب بن ّ‬
‫هم به أدخل الله ال ّنقص في‬
‫حيث قال‪« :‬إذا عمل الوالي باجلور أو ّ‬
‫هم بالعدل أو‬
‫الزرع والضرع وكل شيء‪ ،‬وكذلك إذا ّ‬ ‫أهل مملكته من ّ‬
‫(((‬
‫عمل به أدخل الله البركة في أهل مملكته»‪.‬‬
‫‪ - 5‬عمر بن عبد العزيز ‪ -‬رحمه الله‪:‬‬
‫اخلاصة بعمل‬
‫ّ‬ ‫اخلاصة وال تهلك‬
‫ّ‬ ‫حيث قال‪« :‬تهلك العا ّمة بذنب‬
‫واخلاصة هم الوالة وفي هذا املعنى قال الله تعالى‪{ :‬ﯱ‬‫ّ‬ ‫العا ّمة‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ} (األنفال)‪.‬‬
‫فبصالح احلاكم صالح األمة»‪.‬‬
‫(((‬

‫((( «السنن الكبرى» للبيهقي (‪.)244 /3‬‬


‫((( املصدر السابق‪.‬‬
‫((( «حسن السلوك احلافظ دولة امللوك»‪ ،‬للعالمة محمد املوصلي (‪.)66/1‬‬
‫((( «حسن السلوك احلافظ دولة امللوك» للعالمة محمد املوصلي (‪.)66/1‬‬

‫‪20‬‬
‫وري ‪ -‬رحمه الله‪:‬‬ ‫‪ - 6‬سفيان ّ‬
‫الث ّ‬
‫حيث ق��ال ألب��ي جعفر املنصور‪ :‬إ ّن��ي ألعلم رج� ً‬
‫لا إن صلح‬
‫صلحت األمة‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن هو؟‬
‫قال أنت»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪ - 7‬عبدالله بن املبارك ‪ -‬رحمه الله‪:‬‬


‫حيث قال‪« :‬صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس‪ ،‬وإذا فسدا‬
‫(((‬
‫فسد الناس‪ ،‬قيل من هم؟ قال‪ :‬امللوك والعلماء»‪.‬‬
‫‪ -8‬الفضيل بن عياض ‪ -‬رحمه الله‪:‬‬
‫حيث قال‪ :‬لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إال في السلطان‪.‬‬

‫فقيل له‪ :‬يا أبا علي ّ‬


‫فسر لنا ه��ذا‪ ،‬فقال‪ :‬إذا جعلتها في نفسي‬
‫لم تعدني‪ ،‬وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصالحه العباد‬
‫والبالد‪.‬‬

‫قيل له‪ :‬وكيف ذلك يا أبا علي؟ ّ‬


‫فسر لنا هذا؟‬
‫عمروا اخلرابات‬
‫فقال‪ :‬أما صالح البالد فإذا أمن الناس ظلم اإلمام ّ‬
‫ونزلوا األرض‪ ،‬وأما العباد‪ ،‬فينظر إلى قوم من أهل اجلهل‪.‬‬

‫((( «حسن السلوك احلافظ دولة امللوك» للعالمة محمد املوصلي (‪.)66/1‬‬
‫((( «جامع بيان العلم وفضله» البن عبدالبر (‪.)166‬‬

‫‪21‬‬
‫فيقول‪ :‬قد شغلهم طلب املعيشة عن طلب ما ينفعهم من تع ّلم‬
‫القرآن وغيره‪ ،‬فيجمعهم في دار خمسني خمسني أقل أو أكثر‪.‬‬
‫يقول للرجل‪ :‬لك ما يصلحك وع ّلم هؤالء أمر دينهم‪ ،‬وانظر‬
‫ما أخرج الله عز وجل من فيهم مما يزكى األرض فرده عليهم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقبل ابن املبارك جبهته وقال‪« :‬يا معلم‬
‫فكان صالح العباد والبالد‪ّ .‬‬
‫(((‬
‫اخلير من يحسن هذا غيرك»‪.‬‬
‫‪ - 9‬شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله‪:‬‬
‫حيث قال في قوله تعالى‪{ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬
‫ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ} (النساء)‪.‬‬
‫قال‪« :‬وأول��و األمر أصحابه وذووه‪ ،‬وهم الذين يأمرون الناس‪،‬‬
‫وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكالم‪ ،‬فلهذا كان‬
‫أولو األمر صنفني‪ :‬العلماء‪ ،‬واألمراء‪ ،‬فإذا صلحوا صلح الناس‪ ،‬وإذا‬
‫(((‬
‫فسدوا فسد الناس»‪.‬‬
‫وقال أيض ًا‪« :‬ومعلوم أنه إذا استقام والة األمور الذين يحكمون‬
‫في النفوس واألم��وال استقام عامة الناس كما قال أبو بكر الصديق‬
‫فيما رواه البخاري في صحيحه للمرأة األحمسية ملا سألته فقالت‪« :‬ما‬
‫بقاؤنا على هذا األمر الصالح»؟‬

‫((( رواها أبو نعيم في احللية (‪.)91/8‬‬


‫((( «مجموع الفتاوى» البن تيمية ( ‪.)170/ 28‬‬

‫‪22‬‬
‫قال‪« :‬ما استقامت لكم أئمتكم»‪.‬‬
‫وفي األثر «صنفان إذا صلحوا صلح الناس‪ :‬العلماء واألمراء»‬
‫أهل الكتاب وأهل احلديد كما ّ‬
‫دل عليه قوله‪{ :‬لقد أرسلنا} اآلية‪.‬‬
‫وهم «أولو األمر» في قوله‪:‬‬
‫{ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ}‪.‬‬
‫وكذلك من جهتهم يقع الفساد كما جاء في احلديث مرفوع ًا وعن‬
‫جماعة من الصحابة‪« :‬إن أخوف ما أخاف عليكم ز ّلة عالم‪ ،‬وجدال‬
‫منافق بالقرآن‪ ،‬وأئمة مضلون» فاألئمة املض ّلون هم األمراء‪ ،‬والعالم‬
‫(((‬
‫واملجادل هم العلماء»‪.‬‬
‫‪ - 10‬ابن القيم ‪ -‬رحمه الله‪:‬‬
‫حيث قال‪« :‬وملا كان قيام اإلسالم بطائفة العلماء واألمراء‪ ،‬وكان‬
‫تبعا لهم‪ ،‬كان صالح العالم بصالح هاتني الطائفتني‪،‬‬ ‫الناس كلهم ً‬
‫وفساده بفسادهما»‪ ،‬كما قال عبد الله بن املبارك وغيره من السلف‪:‬‬
‫«صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس‪ ،‬وإذا فسدا فسد الناس‪ ،‬قيل‬
‫من هم؟ قال‪ :‬امللوك والعلماء»‪.‬‬
‫وكما قال عبد الله بن املبارك‪:‬‬
‫رأي��ت ال��ذن��وب متيت القلوب‬
‫ال������ذ ّل إدم��ان��ه��ا‬
‫ّ‬ ‫وق����د ي����ورث‬

‫((( «مجموع الفتاوى» البن تيمية (‪.)354/ 10‬‬

‫‪23‬‬
‫وت��رك ال��ذن��وب حياة القلوب‬
‫وخ���ي���ر ل��ن��ف��س��ك ع��ص��ي��ان��ه��ا‬
‫وه���ل ب���دّ ل ال��دي��ن إال امللوك‬
‫وأح����ب����ار س�����وء وره��ب��ان��ه��ا‬
‫وب��اع��وا ال��ن��ف��وس فلم يربحوا‬
‫ول���م ت��غ��ل ف��ي ال��ب��ي��ع أثمانها‬
‫ل��ق��د رت����ع ال���ق���وم ف���ي جيفة‬
‫(((‬
‫ي��ب�ين ل���ذي ال��ع��ق��ل إن��ت��ان��ه��ا‬
‫‪ - 11‬الشيخ اإلمام العالمة محمد بن محمد بن عبدالكرمي‬
‫املوصلي الشافعي ‪ -‬رحمه الله‪:‬‬
‫حيث قال في كتابه املاتع (حسن السلوك احلافظ دولة امللوك)‪:‬‬
‫«تصلح البالد والعباد بالسلطان العادل وكما أنه ليس فوق رتبة‬
‫السلطان الشرير رتبة‬
‫السلطان العادل رتبة‪ ،‬كذلك ليس فوق رتبة ّ‬ ‫ّ‬
‫يعم وكما أن بالسلطان العادل تصلح البالد والعباد‪،‬‬
‫شره ّ‬ ‫لشره؛ ألن ّ‬
‫كذلك بالسلطان اجلائر تفسد البالد والعباد وتقترف املعاصي واآلثام‪،‬‬
‫الرعية فأقاموا الوزن‬
‫السلطان إذا عدل انتشر العدل في ّ‬ ‫وكذلك ّ‬
‫بالقسط وتعاطوا احلق فيما بينهم ولزموا قوانني العدل فمات الباطل‬
‫السماء غيثها وأخرجت األرض بركاتها‬ ‫وذهبت رسوم اجلور فأرسلت ّ‬

‫((( «إعالم املو ّقعني» ابن القيم (‪.)10/1‬‬

‫‪24‬‬
‫ودرت أرزاقهم‬
‫ومنت جتاراتهم وزكت زروعهم وتناسلت أنعامهم ّ‬
‫ورخصت أسعارهم فواسى البخيل وأفضل الكرمي وقضيت احلقوق‬
‫وأعيرت املواعني وتهادوا فضول األطعمة والتحف فهان كل احلطام‬
‫لكثرته وذل بعد عزته فتماسكت على ال ّناس مروءاتهم وحفظت‬
‫عليهم أديانهم وبهذا يتبينّ لك أن الوالي مأجور على ما يتعاطاه من‬
‫إقامة العدل وعلى ما يتعاطاه ال ّناس بسببه»‪.‬‬
‫وق��ال أيض ًا‪« :‬فساد البالد والعباد بالسلطان اجلائر وإذا جار‬
‫وعم العباد فرقت أديانهم واضمحلت‬ ‫السلطان انتشر اجلور في البالد ّ‬‫ّ‬
‫مروءاتهم وقست قلوبهم وفشت فيهم املعاصي وذهبت أماناتهم‬
‫فضعفت ال ّنفوس وقنطت القلوب فضعفوا عن إقامة احلق فتعاطوا‬
‫الباطل وبخسوا الكيل وامليزان وروجوا البهرج فرفعت منهم البركة‬
‫السماء غيثها ولم تخرج األرض زرعها ونباتها فقل في‬ ‫وأمسكت ّ‬
‫أيديهم احلطام فقنطوا وأمسكوا الفضل املوجود وتناجزوا على املفقود‬
‫فمنعوا الزكوات املفروضة وبخلوا باملواساة املسنونة وقبضوا أيديهم‬
‫عن املكارم وفشت فيه األميان الكاذبة واخلتل في البيع والشّ راء واملكر‬
‫واحليل في القضاء واالقتضاء فيظل أحدهم عاريا من محاسن دينه‬
‫متجردا من جلباب مروءته ومن عاش كذلك فبطن األرض خير له‬
‫من ظهرها»‪.‬‬
‫وقال أيض ًا‪« :‬وروى أصحاب التواريخ في كتبهم أن ال ّناس كانوا‬
‫احلجاج يتساءلون من قتل البارحة ومن صلب‬ ‫إذا أصبحوا في أ ّيام ّ‬
‫ومن جلد ومن قطع وفي أمثال ذلك وك��ان الوليد صاحب ضياع‬

‫‪25‬‬
‫واتخذ مصانع فكان ال ّناس يتساءلون في زمانه عن البنيان واملصانع‬
‫والضياع وشق األنهار وغرس األشجار وملا ولي سليمان بن عبد امللك‬
‫وكان صاحب نكاح وطعام فكان ال ّناس يتحدثون في األطعمة الرفيعة‬
‫ويتخذونها ويتوسعون في األنكحة والسراري ويعمرون مجالسهم‬
‫بذكر ذلك وملا ولي عمر بن عبد العزيز كان ال ّناس يتساءلون في زمانه‬
‫كم حتفظ من القرآن وكم وردك وكم يحفظ فالن وكم يصوم وأمثال‬
‫(((‬
‫ذلك»‪.‬‬

‫‪ - 12‬أبو منصور الثعالبي ‪ -‬رحمه الله‪:‬‬

‫حيث قال في كتابه‪( :‬لطائف املعارف)‪« :‬كان األغلب على عبد‬


‫امللك بن مروان حب الشعر‪ ،‬فكان الناس في أيامه يتناشدون األشعار‬
‫ويتدارسون أخبار الشعراء‪ ،‬وكان األغلب على الوليد بن عبد امللك‬
‫حب البناء واتخاذ املصانع‪ ،‬وكان الناس في أيامه يخوضون في رصف‬
‫األبنية‪ ،‬ويحرصون على التشييد والتأسيس‪ ،‬وك��ان األغلب على‬
‫سليمان بن عبد امللك حب الطعام والنساء‪ ،‬فكان الناس في أيامه‬
‫يصفون ألوان األطعمة ويذكرون أطايبها‪ ،‬ويستكثرون من احلرص‬
‫على أحاديث النساء‪ ،‬ويتساءلون عن ت��زوج احلرائر‪ ،‬واالستمتاع‬
‫بالسراري… إلخ‪.‬‬
‫وكان األغلب على عمر بن عبدالعزيز حب الصالة والصوم وكان‬
‫الناس في أيامه يتالقون‪ ،‬فيقول الرجل ألخيه‪:‬‬

‫((( «حسن السلوك احلافظ دولة امللوك» للعالمة محمد املوصلي (‪.)90-66‬‬

‫‪26‬‬
‫ما وردك الليلة؟‬
‫وكم حتفظ من القرآن؟‬
‫وبكم تختمه؟‬
‫وكم صليت البارحة؟‬
‫وهل أنت صائم؟‬
‫وك��ان يزيد بن عبد امللك يحب اخليل وك��ان الناس يتنافسون‬
‫في اختيارها‪ ،‬ويتقربون إليها‪ ،‬باتخاذ األجود واألحسن منها‪ ،‬وكان‬
‫هشام بن عبدامللك يحب الثياب ونفائس اللباس‪ ،‬وكان الناس في‬
‫أيامه يتبارون في التجارة فيها‪ ،‬ويتواصفون أنواعها‪ ،‬وكان الوليد بن‬
‫يزيد صاحب لهو وشراب وسماع‪ ،‬وكان الناس في أيامه يتشاغلون‬
‫ويترخصون في النبيذ ويقولون بالسماع‪ ،‬وقد صدق من‬ ‫ّ‬ ‫في املالهي‬
‫قال‪ :‬إن الناس على دين ملوكهم والسلطان سوق يجلب إليها ما ينفق‬
‫(((‬
‫فيها»‪.‬‬
‫‪ - 13‬أبو حامد الغزالي ‪ -‬رحمه الله‪:‬‬
‫حيث قال في كتابه (التبر املسبوك في نصيحة امللوك)‪« :‬وقالت‬
‫احلكماء إن طباع الرعية نتيجة طباع امللوك؛ ألن العامة إمنا ينتحلون‬
‫ويركبون الفساد وتضيق أعينهم اقتداء بالكبراء فإنهم يتعلمون منهم‬
‫ويلزمون طباعهم‪ .‬أال ترى أنه قد ذكر في التواريخ أن الوليد بن عبد‬
‫الهمة إلى العمارة وإلى الزراعة‪.‬‬
‫امللك من بني أمية كان مصروف ّ‬

‫((( «لطائف املعارف» ألبي منصور الثعالبي (‪.)170‬‬

‫‪27‬‬
‫همته في كثرة األكل وطيب املطعم‬
‫وكان سليمان بن عبد امللك ّ‬
‫همة عمر بن عبد‬
‫واملهمات وبلوغ الشهوات‪ ،‬وكانت ّ‬
‫ّ‬ ‫وقضاء األوطار‬
‫العزيز في العبادة والزهادة»‪.‬‬
‫الرعية جتري‬
‫ّ‬ ‫قال محمد بن علي بن الفضل‪« :‬ما كنت أعلم أن طباع‬
‫على عادة ملوكها حتى رأيت الناس في أيام الوليد قد اشتغلوا بعمارة‬
‫الكروم والبساتني واهتموا ببناء الدور‪ .‬وعمارة القصور‪ ،‬ورأيتهم في‬
‫زمن سليمان ابن عبد امللك قد اهتموا بكثرة األكل وطيب املطعم حتى‬
‫كان الرجل يسأل صاحبه أي لون اصطنعت؟ وما الذي أكلت؟ ورأيتهم‬
‫وتفرغوا لتالوة القرآن‬
‫في أيام عمر بن عبدالعزيز قد اشتغلوا بالعبادة ّ‬
‫وأعمال اخليرات‪ ،‬وإعطاء الصدقات‪ ،‬ليعلم أن في كل زمن يقتدون‬
‫(((‬
‫بأفعاله‪ ،‬من القبيح واجلميل‪ ،‬واتباع الشهوات وإدراك اإلرادات»‪.‬‬
‫وقال في كتابه‪( :‬احياء علوم الدين)‪« :‬ففساد الرعايا بفساد امللوك‬
‫وفساد امللوك بفساد العلماء وفساد العلماء بإستيالء حب املال واجلاه‬
‫ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على احلسبة على األراذل فكيف‬
‫(((‬
‫على امللوك واألكابر والله املستعان على كل حال»‪.‬‬
‫‪ - 14‬ابن كثير ‪ -‬رحمه الله ‪:-‬‬
‫حيث قال في كتابه‪( :‬البداية والنهاية) في ترجمة الوليد بن عبد‬
‫همة الوليد في البناء‪ ،‬وكان الناس كذلك‪ ،‬يلقى‬ ‫امللك‪« :‬قالوا كانت ّ‬
‫الرجل الرجل‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫((( «التبر املسبوك في نصيحة امللوك» للغزالي (‪.)126‬‬


‫((( «إحياء علوم الدين» للغزالي (‪.)358‬‬

‫‪28‬‬
‫ماذا بنيت؟‬
‫عمرت؟‪.‬‬
‫ماذا ّ‬
‫همة أخيه سليمان في النساء‪ ،‬وكان الناس كذلك‪ ،‬يلقى‬
‫وكانت ّ‬
‫الرجل الرجل‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫كم تزوجت؟‬
‫ماذا عندك من السراري؟»‪.‬‬
‫همة عمر بن عبد العزيز في قراءة القرآن‪ ،‬وفي الصالة‬
‫وكانت ّ‬
‫والعبادة‪ ،‬وكان الناس كذلك‪ ،‬يلقى الرجل الرجل‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫كم وردك؟‬
‫كم تقرأ كل يوم؟‬
‫ماذا صليت البارحة؟‬
‫والناس يقولون‪« :‬الناس على دين مليكهم والناس يقولون الناس‬
‫على دين مليكهم إن كان خمار ًا كثر اخلمر‪ ،‬وإن كان لوطي ًا فكذلك‪،‬‬
‫وإن كان شحيح ًا حريص ًا كان الناس كذلك‪ ،‬وإن كان ج��واد ًا كرمي ًا‬
‫شجاع ًا كان الناس كذلك‪ ،‬وإن كان طماع ًا ظلوم ًا غشوم ًا فكذلك‪،‬‬
‫وإن كان ذا دين وتقوى وبر وإحسان كان الناس كذلك‪ ،‬وهذا يوجد‬
‫(((‬
‫في بعض األزمان وبعض األشخاص والله أعلم‪.»...‬‬

‫((( «البداية والنهاية» البن كثير (‪.)165 /9‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ - 15‬العجلوني ‪ -‬رحمه الله‪:‬‬
‫قال العجلوني ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في (كشف اخلفاء ومزيل اإللباس‬
‫عما اشتهر من األحاديث على ألسنة الناس)‪« :‬الناس على دين مليكهم‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬أو ملوكهم‪ .‬قال في املقاصد‪ :‬ال أعرفه حديث ًا‪ ،‬وهو قريب مما قبله‪،‬‬
‫وروينا عن الفضيل أنه قال‪ :‬لو كانت لي دعوة صاحلة لرأيت السلطان‬
‫أحق بها‪ ،‬إذ بصالحه صالح الرعية وبفساده فسادهم‪ ،‬ويتأ ّيد مبا‬
‫للطبراني في الكبير واألوسط عن أبي أمامة مرفوع ًا‪ :‬ال تسبوا األئمة‬
‫(((‬
‫وادعوا لهم بالصالح‪ ،‬فإن صالحهم لكم صالح»‪.‬‬
‫‪ - 16‬ابن عبد ربه ‪ -‬رحمه الله‪:‬‬
‫حيث قال في كتابه (العقد الفريد)‪« :‬صالح الرعية بصالح اإلمام‪،‬‬
‫قالت احلكماء‪ :‬الناس تبع إلمامهم في اخلير والشر»‪.‬‬
‫وقال أبو حازم األعرج‪« :‬اإلمام سوق‪ ،‬فما نفق عنده جلب إليه»‪.‬‬
‫وملا أتي عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بتاج كسرى وسواريه‪،‬‬
‫قال‪ :‬إن الذي أ ّدى هذا ألمني!‬
‫قال له رجل‪ :‬يا أمير املؤمنني‪ ،‬أنت أمني الله يؤدون إليك ما أديت‬
‫إلى الله تعالى‪ ،‬فإذا رتعت رتعوا‪.‬‬
‫ومن أمثالهم في هذا قولهم‪ :‬إذا صلحت العني صلحت سواقيها‪.‬‬
‫((( «كشف اخلفاء ومزيل اإللباس عما اشتهر من األحاديث على ألسنة الناس»‬
‫للعجلوني (‪.)44 /3‬‬

‫‪30‬‬
‫قال األصمعي‪ :‬كان يقال‪ :‬صنفان إذا صلحا صلح الناس‪ :‬األمراء‪،‬‬
‫والفقهاء‪.‬‬
‫واطلع مروان بن احلكم على ضيعة له بالغوطة فأنكر شيئ ًا‪ ،‬فقال‬
‫لوكيله‪:‬‬
‫ويحك! إن ألظنك تخونني‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفتظن ذلك وال تستيقنه؟‬
‫قال‪ :‬وتفعله؟‬
‫قال‪« :‬نعم‪ ،‬والله إني ألخونك‪ ،‬وإنك لتخون أمير املؤمنني‪ ،‬وإن‬
‫أمير املؤمنني ليخون الله‪ ،‬فلعن الله شر الثالثة»‪.‬‬
‫وقال أيض ًا‪« :‬قال هارون الرشيد ملعن بن زائدة‪ :‬كيف زمانك يا‬
‫معن؟‬
‫قال‪ :‬يا أمير املؤمنني‪ ،‬أنت الزمان‪ ،‬فإن أصلحت صلح الزمان‪،‬‬
‫وإن فسدت فسد الزمان»‪.‬‬
‫وقال الوليد بن هشام‪« :‬إن الرعية لتفسد بفساد امللك وتصلح‬
‫(((‬
‫بصالحه»‪.‬‬

‫((( «العقد الفريد» ابن عبدربه (‪.)44/3‬‬

‫‪31‬‬
32
‫املبحث الثالث‬
‫احداث من الواقع‬

‫‪33‬‬
34
‫املبحث الثالث‬
‫احداث من الواقع‬
‫إن املتأمل لواقع املجتمعات‪ ،‬والدارس لتاريخ الدول‪ ،‬والناظر بعني‬
‫البصيرة‪ ،‬يصل إلى نتيجة حتمية الشك وال ريب فيها‪ ،‬وهو أن صالح‬
‫الشعوب واملجتمعات أو فسادها‪ ،‬هو بسبب صالح احلاكم أو فساده‪.‬‬
‫فاحلاكم عندما يكون فاسد ًا ويدعو للفساد‪ ،‬ويحارب الدين‬
‫ويرخص‬‫ّ‬ ‫واألخالق والفضيلة ويدعم الفساد والرذيلة واملنكرات‪..‬‬
‫املراقص واملالهي ودور ال��دع��ارة ومحالت ش��رب اخلمر‪ ..‬ويبيح‬
‫الدعارة والبغاء‪ ..‬ويدعم إعالم ًا فاسد ًا يطعن في الدين واألخالق‬
‫والقيم والفضيلة‪ ،‬ويدعو للفساد واالنحالل والرذيلة‪ ،‬ويسمح لدعاة‬
‫الفساد من أصحاب الفكر احملارب لإلسالم من العلمانية والليبرالية‬
‫ويضيق على العلماء‬
‫ّ‬ ‫والشيوعية في نشر أفكارهم وحمايتهم‪ ،‬ويحارب‬
‫والدعاة وطلبة العلم الذين يدعون للدين واألخالق والفضيلة‪ ،‬ومينعهم‬
‫من الدعوة واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ..‬فبالله عليك ماذا تتوقع‬
‫بعد هذا‪ ،‬أن يكون مستوى التد ّين واألخالق والفضيلة في املجتمع‪.‬‬
‫بال شك سوف يكون مجتمع وشعب بال دين وبال أخالق وبال‬
‫فضيلة‪ ..‬مجتمع وشعب فاقد للدين‪ ،‬وفاقد لألخالق‪ ،‬وفاقد للفضيلة‪..‬‬
‫مجتمع وشعب فاقد للصاحلني‪ ،‬وفاقد للمصلحني‪ ..‬مجتمع وشعب‬
‫ينتشر فيه الفساد الديني‪ ،‬والفساد األخالقي‪ ..‬مجتمع وشعب ينتشر‬
‫فيه اإلحل��اد والفسق والفجور والرذيلة والزنا‪ ..‬مجتمع وشعب ال‬
‫عالقة له بالدين وال بالتد ّين‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ويحث ويشجع على‬‫ّ‬ ‫وأما إذا كان احلاكم صاحل ًا عاد ً‬
‫ال‪ ،‬ويدعو‬
‫الدين واألخ�لاق والفضيلة‪ ،‬ويدعم الصاحلني واملصلحني‪ ،‬ويدعم‬
‫املبدعني واملتميزين واملخترعني واملوهوبني‪ ،‬ويدعم العلماء والدعاة‬
‫وطلبة العلم‪ ،‬ويدعم اإلعالم الذي يدعو للدين واألخالق والفضيلة‪،‬‬
‫ويحارب الفاسدين واملفسدين‪ ،‬ويحارب دع��اة الفسق والفجور‪،‬‬
‫ويحارب من يدعو للتعدّ ي على الدين واألخالق والفضيلة‪ ،‬ويحارب‬
‫اإلعالم الفاسد الذي يسعى إلفساد املجتمع وتدميره‪ ،‬ومينع وسائل‬
‫الشر والفساد من دور املالهي والرقص وشرب اخلمر‪.‬‬
‫فبإذن الله سوف يكون مجتمع وشعب متدين وعلى قدر كبير من‬
‫األخالق والفضيلة‪ ،‬وذلك ألن احلاكم و ّفر ملجتمعه وشعبه وسائل‬
‫اخلير والصالح‪ ،‬ومنع عنهم وسائل الشر والفساد‪.‬‬
‫فبصالح احلاكم وعدله تصلح الدولة واملجتمع والشعب وتدوم‬
‫الدولة‪ ،‬وبفساد احلاكم وظلمه‪ ،‬تفسد الدولة واملجتمع والشعب‬
‫وتنهار الدولة‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪« :‬إن الله يقيم الدولة العادلة‪ ،‬وإن‬
‫(((‬
‫كانت كافرة‪ ،‬وال يقيم الدولة الظاملة وإن كانت مسلمة»‪.‬‬
‫فبالعدل تقوم الدول‪ ،‬وبالظلم تنهار الدول‪ ،‬لذلك قيل‪« :‬العدل‬
‫أساس امللك»‪.‬‬
‫والذي يقيم العدل أو الظلم في احلكم هو احلاكم وليس الشعب!!‬

‫((( «مجموع الفتاوى» ابن تيمية (‪.)١٤٦ /٢٨‬‬

‫‪36‬‬
‫لذلك إذا صلح احلاكم وعدل في الرعية‪ ،‬أصلح الله له دولته وشعبه‪،‬‬
‫جتبر احلاكم وظلم الرعية‪ ،‬أفسد الله له دولته وأفسد عليه رعيته‪.‬‬
‫وإذا ّ‬
‫وقد فهم العالم اجلليل الفضيل بن عياض ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬أن‬
‫صالح األمة يكون بصالح السلطان فقال كلمته املشهورة‪ :‬لو كانت‬
‫لي دعوة مستجابة ما جعلتها إال في السلطان‪.‬‬
‫فقيل له‪ :‬يا أبا علي فسر لنا هذا‪.‬‬
‫فقال‪« :‬إذا جعلتها في نفسي لم تعدني‪ ،‬وإذا جعلتها في السلطان‬
‫(((‬
‫صلح فصلح بصالحه العباد والبالد»‪.‬‬
‫وحتى أد ّلل على صحة ما ذكرت؛ سوف أذكر في هذا املبحث‬
‫رؤساء صاحلني‪ ،‬نشروا الدين واألخالق والفضيلة‪ ،‬وأقاموا العدل‪،‬‬
‫وأغنوا شعوبهم‪ ،‬فصلحت دولتهم وصلحت شعوبهم‪ ،‬ورؤس��اء‬
‫فاسدين‪ ،‬نشروا الفساد وحاربوا الفضيلة واألخالق‪ ،‬وظلموا العباد‪،‬‬
‫وأفقروا شعوبهم‪ ،‬ففسدت دولتهم‪ ،‬وفسدت شعوبهم‪.‬‬
‫(‪ )1‬عمر بن عبدالعزيز رحمه الله‪:‬‬
‫احلاكم الصالح العادل عمر بن عبدالعزيز بن مروان ابن احلكم‬
‫القرشي األموي‪ ،‬أمه ليلة بنت عاصم بن عمر بن اخلطاب رضي الله‬
‫عنهما‪.‬‬
‫ولد عام ‪61‬هـ‪ ،‬نشأ بر ًا تقي ًا جانح ًا للزهد وراغب ًا في التزود من‬
‫زاد العلم‪.‬‬

‫((( رواه أبو نعيم في احللية «‪.»91/8‬‬

‫‪37‬‬
‫وقد سأل أباه – وهو والي مصر إذ ذاك – أن يخرجه من مصر‬
‫إلى املدينة‪ ،‬ليقعد إلى علمائها وفقهائها‪ ،‬ويتأ ّدب بآدابهم‪ ،‬فأجابه‬
‫أبوه ملا يريد‪ ،‬وأرسله إلى املدينة‪ ،‬فروى عن أنس بن مالك وغيره من‬
‫الصحابة‪ ،‬وروى عن كثير من التابعني‪.‬‬
‫وملا مات أبوه أخذه عمه عبدامللك بن مروان فجعله مع ولده‪،‬‬
‫وزوجه بابنته فاطمة وهي التي وصفها‬
‫وكان يقدمه على كثير منهم‪ّ ،‬‬
‫الشاعر مبا هي جديرة به من كرمي الوصف‪:‬‬
‫بنت اخلليفة واخلليفة جدها‬
‫أخت اخلالئف واخلليفة زوجها‬
‫وملا مات عمه اخلليفة عبدامللك بن م��روان حزن عليه عمر بن‬
‫عبدالعزيز حزن ًا شديد ًا‪.‬‬
‫وقد عامله الوليد أثناء خالفته مبثل ما عامله أبوه عبدامللك‪ ،‬ووالة‬
‫طور في مدة واليته هذه مسجد‬‫املدينة ومكة والطائف مدة سبع سنني‪ ،‬وقد ّ‬
‫النبي | ووسعه حني أمره الوليد بذلك فأدخل فيه قبر النبي | ‪.‬‬
‫وقد كان رحمه الله‪ ،‬من أحسن الناس أخالق ًا‪ ،‬وأفضلهم سيره‪،‬‬
‫وقد أوى إليه الكثير من الفقهاء وأهل العلم‪ ،‬فال يقطع أمر ًا إال عقب‬
‫مشاورتهم‪.‬‬
‫تو ّلى عمر بن عبدالعزيز اخلالفة بعد ابن عمه سليمان ابن عبدامللك‬
‫بن مروان عام ‪99‬هـ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫وقد كان انتشر في عهد سليمان بن عبدامللك‪ ،‬ومن قبله من خلفاء‬
‫بني أميه‪ ،‬الفساد املالي واألثرة واالستحواذ على أموال الشعب‪ ،‬وأكل‬
‫أموال الناس بالباطل‪ ،‬وفرض املكوس والضرائب واألقوات‪ ،‬وانتشر‬
‫الفساد األخالقي أيض ًا‪ ،‬واملنكرات من شرب اخلمر والغناء‪.‬‬
‫فلما تو ّلى عمر بن عبدالعزيز اخلالفة بعد وف��اة سليمان بن‬
‫عبدامللك‪ ،‬ومبايعة الناس له‪ ،‬رفع صوته حتى أسمع الناس فقال‪« :‬يا‬
‫أيها الناس من أطاع الله فقد وجبت طاعته‪ ،‬ومن عصى الله فال طاعة له‪،‬‬
‫(((‬
‫وأطيعوني ما أطعت الله‪ ،‬فإذا عصيت الله فال طاعة لي عليكم»‪.‬‬
‫وأول ما بدأ به رد املظالم إلى أهلها‪ ،‬وقد بدأ برد املظالم التي بيد‬
‫أبناء عمه‪ ،‬أبناء عبدامللك بن مروان‪ ،‬وأخذ منهم القطائع التي كانت‬
‫في أيديهم‪.‬‬
‫ثم قام بعد ذلك بعزل الوالة والقضاة الظلمة‪ ،‬فعزل يزيد بن‬
‫املهلب عن أمرة العراق وقد كان جبار ًا عنيد ًا‪ ،‬وعزل اجلراح بن‬
‫عبدالله احلكمي عن أمره خراسان ألنه كان يأخذ اجلزية ممن أسلم من‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬وكان يقول لهم‪ :‬إمنا تسلمون فرار ًا من اجلزية‪ ،‬فكتب‬
‫له عمر بن عبدالعزيز بعدما عزله‪« :‬إن الله بعث محمد ًا | داعي ًا‬
‫ال منه عبدالرحمن القشيري‪ ،‬وكان مما‬ ‫ولم يبعثه جابي ًا»‪ ،‬وعينّ بد ً‬
‫كتب إليه‪« :‬أما بعد‪ ،‬فكن عبد ًا لله ناصح ًا لله في عبادة‪ ،‬وال تأخذك‬
‫في الله لومة الئم‪ ،‬فإن الله أولى بك من الناس‪ ،‬وح ّقه عليك أعظم‪،‬‬
‫وال تولني شيئ ًا من أمور املسلمني إال املعروف بالنصيحة لهم»‪.‬‬

‫((( «صفة الصفوة» البن اجلوزي (‪.)334‬‬

‫‪39‬‬
‫وكتب إلى بعض عماله‪« :‬أما بعد‪ ،‬فإذا دعتك قدرتك على الناس‬
‫إلى ظلمهم‪ ،‬فاذكر قدرة الله تعالى عليك‪ ،‬ونفاذ ما تأتي إليهم‪ ،‬وبقاء‬
‫ما يأتون إليك»‪.‬‬
‫وقد اجتهد عمر بن عبدالعزيز ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في أثناء خالفته في‬
‫أداء احلقوق إلى أهلها بالرغم من قصر مدته في احلكم‪ ،‬وكان مناديه‬
‫ينادي في الناس كل يوم ويقول‪:‬‬
‫أين الغارمون «املدينون»؟‬
‫أين الناكحون؟‬
‫أين املساكني؟‬
‫أين اليتامى؟‬
‫حتى أغنى ك ً‬
‫ال من هؤالء‪.‬‬
‫وعن عمر بن أسيد قال‪« :‬والله ما مات عمر بن عبدالعزيز حتى‬
‫جعل الرجل يأتينا باملال العظيم‪ ،‬فيقول‪ :‬أجعلوا هذا حيث ترون‪ ،‬فما‬
‫يبرح حتى يرجع مباله كله‪ ،‬قد أغنى عمر الناس»‪.‬‬
‫وكان ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬ال يو ّلي على املسلمني إال من عرف باخلير‬
‫والصالح واحلرص على مصالح املسلمني‪.‬‬
‫قال الفريابي‪ ،‬حدثنا األوزاعي أن عمر بن عبدالعزيز جلس في‬
‫بيته‪ ،‬وعنده أشراف بني أمية‪ ،‬فقال‪ :‬أحتبون أن أو ّلي كل رجل منكم‬
‫جند ًا من هذه األجناد؟‬

‫‪40‬‬
‫فقال له رجل منهم‪ :‬لم تعرض علينا ما ال تفعله؟‬
‫فقال‪ :‬ترون بساطي هذا؟‬
‫أني ألعلم أنه يصير إلى بلى وفناء‪ ،‬وإني أكره أن تدنسوه علي‬
‫بأرجلكم‪ ،‬فكيف أوليكم ديني‪ ،‬وأوليكم أعراض املسلمني وأبشارهم‬
‫حتكمون فيهم؟‬
‫هيهات هيهات‪.‬‬
‫فقالو‪ :‬لم‪ ،‬أما لنا قرابة؟ أما لنا حق؟‬
‫فقال‪ :‬ما أنتم وأقصى رجل من املسلمني عندي في هذا األمر إال‬
‫(((‬
‫سواء‪ ،‬إال رجل حبسه عني طول شقة‪.‬‬
‫وقد توفي عمر بن عبدالعزيز رحمة الله عام ‪111‬هـ‪ ،‬وهو ابن‬
‫تسع وثالثني سنة‪ ،‬وكانت خالفته سنتني وخمسة أشهر‪ ،‬أقام فيها‬
‫العدل‪ ،‬ورد املظالم‪ ،‬وأغنى الناس‪ ،‬وكثر املال‪.‬‬
‫وقد شهد أهل الفضل من أئمة العلم لهذا اخلليفة اجلليل باخلير‬
‫والصالح‪ ،‬فعن سفيان الثورى قال‪« :‬اخللفاء خمسة‪ :‬أبو بكر‪ ،‬وعمر‪،‬‬
‫وعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬وعمر ابن عبدالعزيز»‪ ،‬وروي مثل ذلك عن اإلمام‬
‫الشافعي وغيره من أهل العلم‪ ،‬وأجمع عامة أهل العلم عن أن عمر بن‬
‫عبدالعزيز من أئمة الهدى‪ ،‬وأحد اخللفاء الراشدين واألئمة املهديني‪.‬‬
‫وصدق من قال‪« :‬كما يولى عليكم تكونوا»‪ ،‬فلما تو ّلى احلكم‬

‫((( «سير أعالم البالد» للذهبي (‪.)112/5‬‬

‫‪41‬‬
‫احلاكم الصالح‪ ،‬صلح أمر الرعية وكثر املال واغتنى الناس‪ ،‬وانتشر‬
‫العدل‪ ،‬وأختفى الفقر واجلوع والعوز والظلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬نور الدين زنكي ‪ -‬رحمه الله‪:‬‬
‫امللك العادل أبو القاسم نور الدين محمود بن عماد الدّ ين زنكي‪،‬‬
‫ولد عام (‪ 511‬هجري)‪ ،‬وهو ابن عماد الدين زنكي بن آق سنقر‪،‬‬
‫يل ّقب بامللك العادل‪ ،‬ومن ألقابه األخرى ناصر أمير املؤمنني‪ّ ،‬‬
‫تقي‬
‫امللوك‪ ،‬ليث اإلسالم‪ ،‬وهو االبن الثاني لعماد الدين زنكي‪.‬‬
‫حكم حلب بعد وفاة والده‪ ،‬وقام بتوسيع إمارته بشكل تدريجي‪،‬‬
‫كما ورث عن أبيه مشروع محاربة الصليبيني‪.‬‬
‫شملت إمارته معظم الشام‪ ،‬وتصدّ ى للحملة الصليبية الثانية‪،‬‬
‫ثم قام بضم مصر إلمارته وأسقط الفاطميني وأوقف مذهبهم وجعل‬
‫اخلطبة للخليفة العباسي في مصر بعد أن أوقفها الفاطميون طوي ً‬
‫ال‪.‬‬
‫مهد الطريق أمام صالح الدين األيوبي حملاربة الصليبيني وفتح‬
‫وبذلك ّ‬
‫توحدت مصر والشام في دولة واحدة‪.‬‬‫القدس بعد أن ّ‬
‫متيز عهده بالعدل وتثبيت املذهب الس ّني في بالد الشام ومصر‪،‬‬
‫ّ‬
‫كما قام بنشر التعليم والصحة في إماراته‪ ،‬ويعدّ ه البعض سادس‬
‫اخللفاء الراشدين‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫أهم صفاته الشخصية‬
‫‪ - 1‬حرصه على تطبيق الشريعة‪:‬‬
‫كان نور الدين محمود يقول‪« :‬نحن شحن (شرطة) الشريعة‬
‫منضي أوامرها»‪ ،‬وقال أيض ًا‪« :‬نحن نحفظ الطريق من لص وقاطع‬
‫طريق واألذى احلاصل منهما قريب أفال نحفظ الدين ومننع عنه ما‬
‫يناقضه‪ ،‬وهو األصل»‪.‬‬
‫قال عنه ابن كثير‪« :‬كان يقوم في أحكامه باملعاملة احلسنة واتباع‬
‫(((‬
‫الشرع املطهر‪ ...‬وأظهر ببالده الس ّنة وأمات البدعة»‪.‬‬
‫أمر بإلغاء كل الضرائب واملكوس التي كانت تؤخذ من الشعب‪،‬‬
‫قص عليه وزيره موفق الدين خالد بن محمد بن نصر‬ ‫وذلك عندما ّ‬
‫القيسراني الشاعر أنه رأى في منامه كأنه يغسل ثياب امللك نور الدين‪،‬‬
‫فأمره بأن يكتب مناشير بوضع املكوس والضرائب عن البالد‪ ،‬وقال‬
‫له‏‪:‬‏ «هذا تأويل رؤياك‏»‪.‬‏‬
‫وكتب إلى الناس ليكون منهم في ّ‬
‫حل مما كان أخذ منهم‪ ،‬ويقول‬
‫لهم‏‪:‬‏ «إمنا صرف ذلك في قتال أعدائكم من الكفرة والذب عن بالدكم‬
‫ونسائكم وأوالدكم ‏»‪.‬‏‬
‫الوعاظ أن‬
‫وكتب بذلك إلى سائر ممالكه وبلدان سلطانه‪ ،‬وأمر ّ‬
‫يستح ّلوا له من التجار‪ ،‬وكان يقول في سجوده‏‪:‬‏ «اللهم ارحم املكاس‬
‫العشار الظالم محمود الكلب»‪.‬‏‬

‫((( «البداية والنهاية» ابن كثير ( ‪)٣٤٤ /٦‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ - 2‬عدله‪:‬‬
‫يقول ابن األثير في عدل نور الدين‪« :‬قد طالعت سير امللوك‬
‫املتقدّ مني‪ ،‬فلم أر فيهم بعد اخللفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز‬
‫أحسن من سيرته‪ ،‬وال أكثر حتري ًا منه للعدل»‪.‬‬
‫يتحرى العدل وينصف‬
‫ّ‬ ‫ووصف ابن األثير نور الدين بأنه‪« :‬كان‬
‫املظلوم من الظالم كائن ًا من كان‪ ،‬القوي والضعيف عنده في احلق‬
‫سواء‪ ،‬فكان يسمع شكوى املظلوم ويتو ّلى كشف ذلك بنفسه‪ ،‬وال‬
‫يكل ذلك إلى حاجب وال أمير‪ ،‬فال جرم أن سار ذك��ره في شرق‬
‫األرض وغربها»‪.‬‬
‫وقال ابن األثير‏ أيض ًا‪:‬‏ «وهو أول من ابتنى دار ًا للعدل‪ ،‬وكان يجلس‬
‫فيها في األسبوع مرتني‪ ،‬وقيل‏‪:‬‏ أربع مرات‪ ،‬وقيل‏‪:‬‏ خمس‏‪.‬‏ ويحضر‬
‫القاضي والفقهاء من سائر املذاهب‪ ،‬وال يحجبه يومئذ حاجب وال‬
‫غيره‪ ،‬بل يصل إليه القوي والضعيف‪ ،‬فكان يك ّلم الناس ويستفهمهم‬
‫(((‬
‫ويخاطبهم بنفسه‪ ،‬فيكشف املظالم‪ ،‬وينصف املظلوم من الظالم‏»‪.‬‬
‫كان سبب ذلك أن أسد الدين شيركوه بن شاذي كان قد عظم شأنه‬
‫عند نور الدين‪ ،‬حتى صار كأنه شريكه في اململكة‪ ،‬واقتنى األمالك‬
‫واألموال واملزارع والقرى‪ ،‬وكان رمبا ظلم نوابه جيرانه في األراضي‬
‫واألمالك العدل‪ ،‬وكان القاضي كمال الدين ينصف كل من استعداه‬
‫على جميع األمراء إال أسد الدين هذا فما كان يهجم عليه‪ ،‬فلما علم‬

‫((( «الكامل في التاريخ» ابن األثير ( ‪)٣٦٦ /٤‬‬

‫‪44‬‬
‫نور الدين بذلك ابتنى نور الدين دار العدل تقدم أسد إلى نوابه أن ال‬
‫يدعو ألحد عنده ظالمة‪ ،‬وإن كانت عظيمة‪ ،‬فإن زوال ماله عنده أحب‬
‫إليه من أن يراه نور الدين بعني ظالم‪ ،‬أو يوقفه مع خصم من العامة‪،‬‬
‫ففعلوا ذلك‏‪.‬‬
‫فلما جلس نور الدين بدار العدل مدة متطاولة ولم ير أحد ًا يستعدي‬
‫على أسد الدين‪ ،‬سأل القاضي عن ذلك فأعلمه بصورة احلال‪ ،‬فسجد‬
‫نور الدين شكر ًا لله‪ ،‬وقال‏‪:‬‏ «احلمد لله الذي جعل أصحابنا ينصفون‬
‫من أنفسهم ‏»‪.‬‏‬
‫‪ - 3‬تدينه وزهده‬
‫كان نور الدين يص ّلي كثير ًا بالليل وحكي عنه أنه كان يص ّلي فيطيل‬
‫الصالة‪ ،‬وله أوراد في النهار‪ ،‬فإذا جاء الليل وص ّلى العشاء نام‪ ،‬ثم‬
‫يستيقظ نصف الليل‪ ،‬ويقوم إلى الوضوء والصالة والدعاة إلى بكرة‪،‬‬
‫ثم يظهر للركوب ويشتغل مبهام الدولة‪.‬‬
‫قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية‪« :‬وقد كان حسن اخلط كثير‬
‫املطالعة للكتب الدينية‪ ،‬متبع ًا لآلثار النبوية‪ ،‬محافظ ًا على الصلوات في‬
‫اجلماعات‪ ،‬كثير التالوة‪ ،‬محب ًا لفعل اخليرات‪ ،‬عفيف البطن والفرج‪،‬‬
‫مقتصد ًا في اإلنفاق على نفسه وعياله في املطعم وامللبس‪ ،‬حتى قيل‏‪:‬‏ إنه‬
‫كان أدنى الفقراء في زمانه أعلى نفقة منه من غير اكتناز وال استئثار بالدنيا‪،‬‬
‫ولم يسمع منه كلمة فحش قط‪ ،‬في غضب وال رضا‪ ،‬صموت ًا وقورا‏»‪.‬‬
‫ً (((‬

‫((( «البداية والنهاية» ابن كثير (‪.)٣٦٦/٦‬‬

‫‪45‬‬
‫قال ابن األثير‏‪« :‬لم يكن بعد عمر بن عبد العزيز مثل امللك نور‬
‫الدين‪ ،‬وال أكثر حتري ًا للعدل واإلنصاف منه‪ ،‬وكانت له دكاكني بحمص‬
‫قد اشتراها مما يخصه من املغامن‪ ،‬فكان يقتات منها‪ ،‬وزاد امرأته من‬
‫كراها على نفقتها عليها‪ ،‬واستفتى العلماء في مقدار ما يحل له من‬
‫بيت املال فكان يتناوله وال يزيد عليه شيئ ًا‪ ،‬ولو مات جوع ًا‪ ،‬وكان‬
‫يكثر اللعب بالكرة فعاتبه رجل من كبار الصاحلني في ذلك فقال‏‪:‬‏‬
‫إمنا األعمال بالنيات‪ ،‬وإمنا أريد بذلك مترين اخليل على الكر والفر‪،‬‬
‫(((‬
‫وتعليمها ذلك‪ ،‬ونحن ال نترك اجلهاد»‏‪.‬‬
‫‪ - 4‬جهود نور الدين محمود في نشر العلم‪:‬‬
‫إن من مآثر نور الدين محمود أن حياة اجلهاد العظيمة التي عاشها‬ ‫ّ‬
‫لم تشغله عن االهتمام بالعلم سواء بتع ّلمه أو االهتمام بنشره؛ فقد‬
‫أثر عن نور الدين محمود اهتمامه الشديد بالعلم‪ ،‬واملبالغة في العطاء‬
‫عليه‪ ،‬رغب ًة منه في إعادة بناء دولته (الزنكية) بنا ًء قوي ًا على أساس‬
‫من العلم؛ من هنا حرص على نشر العلم والتعليم بني الناس‪ ،‬فأمر‬
‫بإنشاء عدد من مدارس الفقه في شتى مذاهبه‪ ،‬لتكون قبل ًة لطالب‬
‫العلم‪ ،‬فأمر بإنشاء (املدرسة العادلية) في املذهب الشافعي ‪ ،‬واملدرسة‬
‫(البدرية) لـ(املذهب احلنفي)‪ ،‬وكان أول من بنى مدرس ًة للحديث هو‬
‫نور الدين محمود‪ ،‬فقد كان يؤمن أنه ال ميكن أن تقم راية اجلهاد إال إذا‬
‫أعددت الشعب بالتعليم؛ لذا كان يعدّ الناس للجهاد بنفخ روح اإلميان‬
‫في نفوسهم من ناحية‪ ،‬وبنشر العلم والثقافة من ناحية أخرى‪.‬‬

‫((( «الكامل في التاريخ» ابن األثير ( ‪.)٣٥٥ /٤‬‬

‫‪46‬‬
‫منصب ًا على علوم الدين فحسب‪ ،‬بل كان‬ ‫ّ‬ ‫ول��م يكن اهتمامه‬
‫يقدّ ر لعلوم احلياة قدرها؛ فقد كان شديد االهتمام باالبتكار في سائر‬
‫ّ‬
‫يحث العلماء على االبتكار؛‬ ‫املجاالت كالفلك وعلم النجوم‪ ،‬وكان‬
‫من ذلك ما فعله مع رضوان ابن رستم الساعاتي‪ ،‬الذي صنع الساعات‬
‫يخصه بالكثير من‬
‫ّ‬ ‫التي عند باب اجلامع األموي بدمشق‪ ،‬حيث كان‬
‫املال والعطايا‪ ،‬حتى يتقدّ م في صناعته ويتقنها‪.‬‬
‫اهتم نور الدين محمود بإنشاء املستشفيات (البيمارستانات)‪،‬‬
‫كذلك ّ‬
‫املجانية للشعب‪ ،‬وقد انتشرت في أغلب‬
‫ّ‬ ‫الطبية‬
‫ّ‬ ‫وجعلها تقدّ م اخلدمة‬
‫م��دن الدولة الزنكية‪ ،‬وتعتبر البيمارستانات من مفاخر احلضارة‬
‫اإلسالمية التي سبقت غيرها من احلضارات‪.‬‬
‫وكان امللك العادل نور الدين محمود وخلفاؤه من البيت األيوبي‬
‫هم أول من استكثر منها من امللوك والسالطني‪ ،‬كما اهتموا بدراسة‬
‫بالغا وقاي ًة لبالدهم من األوبئة واألمراض‪،‬‬
‫الطب وممارسته اهتما ًما ً‬
‫وكانت حلب في عهد امللك نور الدين محمود إحدى مراكز تدريس‬
‫الطب في بالد الشام‪ ،‬وكان ميدان ذلك البيمارستان النوري الذي‬
‫يؤدي رسالة علمية لها أهميتها في تدريس الطب إضافة إلى‬ ‫كان ّ‬
‫قيامه بوظيفته األساسية عالج املرضى ومتابعتهم ‪.‬‬
‫‪ - 5‬أهم املؤسسات العلمية التي أنشأها‪:‬‬
‫‪ -1‬البيمارستانات‪:‬‬
‫أ‪ -‬البيمارستان النوري‪ :‬قال ابن الشحنة‪ :‬إن امللك نور الدين‬

‫‪47‬‬
‫محمود هو الذي بنى هذا البيمارستان داخل باب أنطاكية بالقرب من‬
‫سوق الهواء‪.‬‬
‫أن امللك نور الدين حينما أراد بناء هذا‬ ‫وقد ذكر ابن الشحنة ّ‬
‫البيمارستان طلب من األطباء أن يختاروا من حلب أفضل بقعة‪،‬‬
‫صحيحة ال��ه��واء صاحلة إلقامة البيمارستان بها‪ ،‬وذب��ح��وا خرو ًفا‬
‫فلما أصبحوا وجدوا‬ ‫وقطعوه أربعة أرباع‪ ،‬وع ّلقوها بأرباع املدينة لي ً‬
‫ال‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الربع الذي كان في هذا املوقع‪ ،‬فبنوا البيمارستان فيه‪،‬‬ ‫أحسنها رائحة ّ‬
‫وهذه خطة حكيمة في اختيار املكان الصالح لبناء البيمارستان‪ ،‬ومما‬
‫يذكر أن هذا األمر شبيه مبا فعله الرازي من قبل في بغداد حينما أشرف‬
‫على بناء املستشفى العضدي‪ ،‬كل ذلك في وقت تنعدم فيه آالت قياس‬
‫األبعاد ودرجات احلرارة واختبارات األجواء‪.‬‬
‫ب ‪ -‬البيمارستان النوري في دمشق‪ :‬ينسب هذا البيمارستان إلى‬
‫امللك نور الدين محمود زنكي‪ ،‬قال عنه ابن األثير‪ :‬وبنى البيمارستانات‬
‫في البالد‪ ،‬ومن أعظمها البيمارستان الذي بناه بدمشق؛ بلغني أنه لم يجعله‬
‫وق ًفا على الفقراء فحسب‪ ،‬بل على كافة املسلمني من غني وفقير‪.‬‬
‫وقد اشتهر البيمارستان النوري في دمشق في عهد نور الدين‬
‫محمود زنكي بتدريس الطب‪ ،‬وقد أشار إلى ذلك ابن أبي أصيبعة‬
‫وهو يترجم لشيخه الطبيب أبي املجد بن أبي احلكم املتوفى سنة‬
‫‪570‬ﻫ‪1174/‬م؛ فالبيمارستان كان في ذلك العهد هو املكان الرئيس‬
‫ملهنة الطب والصيدلة من حيث التدريس والتطبيق‪ ،‬كما شاركه في ذلك‬
‫مجالس العلم التي كان يعقدها املوصوفون بصناعة الطب وتدريسه‬
‫‪48‬‬
‫لطالبهم‪ ،‬ولم تشر املصادر إلى وجود مدارس مستقلة بتدريس الطب‬
‫في العهد الزنكي كما هو الشأن في العهد األيوبي بعد ذلك‪ ،‬عندما‬
‫أنشئت أول مدرسة خاصة لتدريس الطب سنة ‪621‬ﻫ‪1224/‬م وهي‬
‫املدرسة قبلي اجلامع األموي بدمشق‪.‬‬
‫‪ -2‬املدارس‪:‬‬
‫كانت املساجد هي املراكز األولى للتعليم في اإلسالم‪ ،‬إلى جانب‬
‫كونها محل عبادة املسلمني‪ ،‬ومقر اجتماعاتهم ولكن مع مرور الزمن‬
‫انتقل التعليم في بعض مظاهره عن املساجد إلى أماكن أخرى عرفت‬
‫باملدارس‪ ،‬وملا تو ّلى نور الدين حكم الدولة الزنكية شهدت حركة‬
‫واسعا‪ ،‬فقد أخذ في إنشائها‪ ،‬واستدعى لها كبار‬
‫ً‬ ‫انتشارا‬
‫ً‬ ‫بناء املدارس‬
‫العلماء من مختلف األقطار اإلسالمية‪ ،‬وبنى لهم العديد من املدارس‬
‫في شتى أرجاء مملكته‪ ،‬وكان يهدف من ذلك إلى دعم املذهب الس ّني‪،‬‬
‫التشيع في املنطقة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومقاومة‬
‫ومن أهم املدارس التي قام بإنشائها‪:‬‬
‫املدارس في حلب‪:‬‬
‫بدأت احلركة العلمية تبرز في حلب في بداية حكم نور الدين‬
‫محمود لها في عام ‪541‬ﻫ والذي ّ‬
‫ركز نشاطه منذ استالمه احلكم في‬
‫تنفيذ سياسته الرامية إلى الوقوف بشدة أمام املذهب الشيعي الذي‬
‫زاد انتشاره آنذاك في حلب‪ ،‬فحرص على تقويضه وإحالل املذهب‬
‫علمية بارزة جتاه ذلك‪ ،‬كان‬
‫ّ‬ ‫الس ّني مكانه‪ ،‬مما تط ّلب منه القيام بجهود‬

‫‪49‬‬
‫منها تشجيع العلم والعلماء عن طريق إنشاء العديد من املدارس‬
‫سنية عن طريق‬ ‫السنية‪ ،‬وتوجيه التعليم وجهة ّ‬
‫ّ‬ ‫على مختلف املذاهب‬
‫تشجيع تدريس العلوم الشرعية‪ ،‬وقد جلب عد ًدا من العلماء األكفاء‬
‫تأصل‬
‫لتولي املهمة‪ ،‬وبهذه السياسة جنح نور الدين في إنقاذ حلب من ّ‬
‫الفكر الشيعي بها‪ّ ،‬‬
‫ومتكن من حتويلها إلى مركز من مراكز الس ّنة بعد‬
‫أن كانت قاعدة للمذهب الشيعي في املنطقة‪ ،‬وقد أثمرت تلك اجلهود‬
‫في دعم حركة التعليم في حلب حتى أصبحت من املراكز العلمية‬
‫املشهورة التي جلبت أنظار العلماء من مختلف األقطار اإلسالمية‪،‬‬
‫متيزت به حلب من‬ ‫تفوقت عليها في بعض املجاالت ملا ّ‬ ‫بل رمبا ّ‬
‫موقع متوسط بني تلك املراكز‪ ،‬وإمكانات مادية وبشرية تفوق في‬
‫بعض األحيان إمكانات املراكز األخرى‪ ،‬إضافة إلى استمرار النشاط‬
‫العلمي بها في فترات الحقة للحكم الزنكي في نفس القوة التي بدأ‬
‫نظرا ملا القته تلك اإلمارة من دعم وتشجيع مستمرين طيلة عصر‬‫بها ً‬
‫نور الدين‪ ،‬والسالطني األيوبيني واملماليك من بعدهم‪.‬‬
‫وكانت أبرز املدارس التي أنشئت في حلب‪:‬‬
‫املدرسة النورية‪:‬‬
‫أنشأها امللك العادل نور الدين محمود سنة ‪544‬ﻫ (‪1149‬م)‪،‬‬
‫وكان الشيخ قطب الدين النيسابوري هو أول من ولي التدريس في‬
‫هذه املدرسة‪ ،‬وكان قدم إليها من دمشق‪ ،‬ثم ولي تدريسها بعده مجد‬
‫الدين طاهر بن جهبل املتوفى سنة (‪597‬ﻫ‪1201/‬م)‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫املدرسة العصرونية‪:‬‬
‫كان موقع هذه املدرسة في األصل دار ًا ألبي احلسن علي بن أبي‬
‫الثر ّيا وزير بني مرداس أصحاب حلب‪ ،‬وملا جاء نور الدين محمود‬
‫وحولها إلى مدرسة‪ ،‬وجعل فيها مساكن‬‫إلى حلب اشترى هذه الدار ّ‬
‫للمدرسني بها من الفقهاء وذلك سنة ‪550‬ﻫ حسب ما جاء في بعض‬
‫مت نور الدين محمود بناء هذه املدرسة‬‫املصادر التاريخية‪ ،‬وبعد أن أ ّ‬
‫استدعى لها من نواحي سنجار اإلمام شرف الدين عبد الله بن أبي‬
‫وفوض إليه مهنة التدريس بها والنظر في‬
‫عصرون املتوفى سنة ‪585‬ﻫ‪ّ ،‬‬
‫درس بها فعرفت به‪ ،‬ونسبت إليه‪.‬‬ ‫أوقافها‪ ،‬وهو ّ‬
‫أول من ّ‬
‫اجلوانية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫املدرسة األسدية‬
‫تنسب ه��ذه املدرسة لألمير أس��د الدين شيركوه بن ش��اذى بن‬
‫مروان املتوفى سنة ‪564‬ﻫ‪1168/‬م الذي أنشاها مبحلة الرحبة بحلب‬
‫للمذهب الشافعي‪.‬‬
‫الشعيبية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫املدرسة‬
‫ّ‬
‫اختطه املسلمون‬ ‫كان موقع هذه املدرسة مسجدً ا يقال إنه أول ما‬
‫عند فتح حلب من املساجد‪ ،‬وعرف هذا املسجد مبسجد أبي احلسن‬
‫فلما ملك نور الدين محمود حلب‪،‬‬ ‫الغضائري املتو ّفى سنة ‪313‬ﻫ؛ ّ‬
‫ّ‬
‫فصير‬
‫وأنشأ بها املدارس وصل الشيخ شعيب األندلسي إلى حلب؛ ّ‬
‫مدرسا بها فعرفت به‪ ،‬ولم يزل الشيخ‬
‫ً‬ ‫له هذا املسجد مدرسة‪ ،‬وجعله‬
‫مدرس ًا بها إلى أن توفي بطريق مكة سنة ‪596‬ﻫ‪1199/‬م‪.‬‬ ‫شعيب ّ‬

‫‪51‬‬
‫وفاته‪:‬‬
‫أصيب نور الدين في أوائل شوال من سنة ‪ 569‬هـ ‪ /‬مايو ‪1174‬م‬
‫بالذبحة الصدرية وبقي على فراش املرض أحد عشر يوم ًا ليتوفي في‬
‫‪ 11‬شوال ‪ 569‬هـ ‪ 15 /‬مايو ‪1174‬م وهو في التاسعة واخلمسني من‬
‫عمره‪ ،‬ودفن في البيت الذي كان مالزم ًا فيه في قلعة دمشق‪ ،‬ثم نقل‬
‫جثمانه إلى املدرسة النورية الواقعة في سوق اخلواصني بدمشق‪.‬‬
‫وقد رثاه العماد األصفهاني بقصيدة مطلعها‪:‬‬
‫ال���دّ ي���ن ف��ي ظ��ل��م لغيبة ن��وره‬
‫وال��ده��ر ف��ي غمم لفقد أميره‬
‫فليندب اإلس�ل�ام حامي أهله‬
‫وال��ش��ام ح��اف��ظ ملكه وثغوره‬
‫م��ا أع��ظ��م امل��ق��دار ف��ي أخطاره‬
‫إذ كان هذا اخلطب في مقدوره‬
‫م��ا أك��ث��ر امل��ت��أس��ف�ين ل��ف��ق��د من‬
‫ق���رت ن��واظ��ره��م بفقد نظيره‬
‫ّ‬
‫ما أغ��وص اإلن��س��ان في نسيانه‬
‫أو م��ا كفاه امل��وت ف��ي تذكيره‬

‫‪52‬‬
‫من للمساجد وامل���دارس باني ًا‬
‫لله طوع ًا عن خلوص ضميره‬
‫من ينصر اإلس�لام في غزواته‬
‫فلقد أص��ي��ب ب��رك��ن��ه وظهيره‬
‫(‪ )3‬الشيخ جابر األحمد الصباح‪:‬‬
‫ول��د صاحب السمو الشيخ جابر األحمد اجلابر الصباح عام‬
‫‪1926‬م‪ ،‬وهو االبن الثالث حلاكم الكويت آنذاك الشيخ أحمد اجلابر‬
‫الصباح‪.‬‬
‫نشأ الشيخ جابر األحمد الصباح نشأة محافظة‪ ،‬حيث تربى سموه‬
‫على املبادئ اإلسالمية وتطبيق شريعتها في جميع أمور حياته‪ .‬وقد‬
‫تلقى تعليمه في كل من املدرسة املباركية ومدرسة األحمدية‪.‬‬
‫حياته العملية‪:‬‬
‫بعد حصول الكويت على استقاللها في عام ‪1961‬م ثم تشكيل‬
‫أول حكومة كويتية برئاسة األمير عبدالله السالم الصباح‪ ،‬وثم تعيني‬
‫الشيخ جابر األحمد وزير ًا للمالية والصناعة‪.‬‬
‫وبعد وفاة الشيخ عبدالله السالم الصباح عام ‪1965‬م‪ ،‬وتولى‬
‫مقاليد احلكم الشيخ صباح السالم الصباح‪ ،‬ومت تعيني الشيخ جابر‬
‫األحمد ولي ًا للعهد ورئيس ًا ملجلس الوزراء‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫وبعد وفاة الشيخ صباح السالم الصباح عام ‪1977‬م‪ ،‬تولى مقاليد‬
‫احلكم الشيخ جابر األحمد الصباح‪ ،‬ومت تعيني الشيخ سعد العبدالله‬
‫ولي ًا للعهد ورئيس ًا ملجلس الوزراء‪.‬‬
‫أهم اإلجنازات في عهده‪:‬‬
‫حكم الشيخ جابر األحمد الصباح الكويت ملدة تسعة وعشرين‬
‫عام ًا‪ ،‬كانت حافلة باإلجنازات‪ ،‬حيث استطاع من خاللها توفير احلياة‬
‫الكرمية لشعبه‪ ،‬وكان من أهم اإلجنازات والقوانني التي أقرت في عهده‬
‫فيما يخص الشعب ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تتك ّفل الدولة بالتعليم املجاني للمواطنني الكويتيني في جميع‬
‫املراحل‪ ،‬وتتك ّفل بالدراسة اجلامعية والدراسات العليا‪.‬‬
‫الصحية للمواطن الكويتي مجان ًا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ - 2‬تتك ّفل الدولة بالرعاية‬
‫بدون دفع أي رسوم أو ضرائب‪ ،‬وتتك ّفل بالعمليات الصغرى أو‬
‫الكبرى مجان ًا‪.‬‬
‫‪ - 3‬تتك ّفل الدولة بتوفير وظيفة حكومية لكل مواطن كويتي‪.‬‬
‫‪ - 4‬تتك ّفل الدولة بتوفير السكن اخل��اص لكل مواطن كويتي‬
‫متزوج‪.‬‬
‫‪ - 5‬متنح الدولة كل مواطن مقبل على الزواج مبلغ ًا وقدره ‪ 4‬آالف‬
‫دينار كويتي من بينهم ألفان هبة وألفان يرجعهما باألقساط املريحة‪.‬‬
‫‪ - 6‬متنح الدولة عالوة اجتماعية قدرها ‪ 50‬دينار ًا على كل مولود‬
‫جديد‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫‪ - 7‬متنح الدولة كل طالب جامعي‪ ،‬مساعدة شهرية مبقدار ‪150‬‬
‫دينار ًا‪.‬‬
‫‪ - 8‬متنح الدولة كل مواطن متزوج ولم يحصل على سكن خاص‬
‫بدل إيجار مبقدار ‪150‬دينار ًا‪.‬‬
‫‪ - 9‬متنح الدولة كل مواطن لديه طفل معاق راتب ًا خاص ًا له مبقدار‬
‫‪ 350‬دينار ًا‪.‬‬
‫‪ - 10‬متنح الدولة املرأة األرملة راتب زوجها املتو ّفى‪ ،‬سواء كان‬
‫على رأس عمله أو متقاعد ًا‪.‬‬
‫‪ - 11‬متنح الدولة املرأة املطلقة راتب ًا مخصص ًا لها بحسب حالها‬
‫وعدد أوالدها بحيث يوفر حياة كرمية لها‪.‬‬
‫‪ - 12‬متنح الدولة أبناء املتو ّفى القصر راتب ًا شهري ًا‪ ،‬من هيئة القصر‪،‬‬
‫التي أسسها الشيخ جابر األحمد رحمه الله‪.‬‬
‫‪ - 13‬متنح الدولة الطالب املبتعث للدراسة في اخلارج راتب ًا شهري ًا‬
‫مبقدار ‪200‬دينار وتذاكر سنوية‪.‬‬
‫‪ - 14‬متنح الدولة املواطن املتزوج عالوة اجتماعية مبقدار ‪70‬‬
‫دينار ًا شهري ًا‪.‬‬
‫‪ - 15‬توفر الدولة دور رعاية للمعاقني باملجان‪.‬‬
‫‪ - 16‬توفر الدولة دور رعاية لكبار السن باملجان‪.‬‬
‫العقلية‬
‫ّ‬ ‫‪ - 17‬توفر ال��دول��ة دور رعاية ألصحاب األم���راض‬
‫باملجان‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ - 18‬توفر الدولة رعاية للقطاء مجهولي الوالدين‪ ،‬ومتنحهم‬
‫اجلنسية الكويتية بعد بلوغهم ‪18‬سنة‪.‬‬
‫املهمة ك��األرز والسكر‬
‫‪ - 19‬تدعم الدولة األصناف املعيشية ّ‬
‫والطحني والدجاج والزيت والتمر وتباع بسعر رمزي عن طريق وزارة‬
‫التجارة‪.‬‬
‫‪ - 20‬تدعم الدولة الكهرباء واملاء‪ ،‬فتحسب بسعر رمزي‪.‬‬
‫‪ - 21‬تدعم الدولة البنزين والديزل‪ ،‬فيباع بسعر رمزي‪.‬‬
‫‪ - 22‬تتك ّفل الدولة ببناء املساجد وتأثيثها وصيانتها‪ ،‬وتوفير إمام‬
‫ومؤذن وخادم لكل مسجد براتب من الدولة‪.‬‬
‫‪ - 23‬تأسيس بيت ال��زك��اة الكويتي‪ ،‬ع��ام ‪1982‬م وه��و هيئة‬
‫حكومية‪ ،‬مسؤولة عن جمع وتوزيع أموال الزكاة للمستحقني لها‪.‬‬
‫القصر‪ ،‬عام ‪1983‬م‪ ،‬حيث‬ ‫‪ - 24‬تأسيس الهيئة العامة لشؤون ّ‬
‫القصر من الكويتيني الذين ال ولي لهم‪ ،‬بتوفير حياة‬
‫تتولى الوالية على ّ‬
‫كرمية لهم‪.‬‬
‫‪ - 25‬تأسيس املؤسسة العامة للتأمينات االجتماعية‪ ،‬والتي تعتبر‬
‫أهم املؤسسات احلكومية في الدولة‪ ،‬حيث إنها ترعى شريحة كبيرة‬
‫من املجتمع‪ ،‬وهم مستحقو املعاشات التقاعدية‪ ،‬حيث توفر لهم راتب ًا‬
‫تقاعدي ًا يوفر لهم حياة كرمية‪.‬‬
‫‪ - 26‬أصدر مرسوم أميري في عهده عام ‪1982‬م بتأسيس كلية‬
‫الشريعة والدراسات اإلسالمية في جامعة الكويت‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫وقد كانت الكويت في عهده يضرب بها املثل في التطور واالزدهار‬
‫(((‬
‫والرقي في جميع اجلوانب حتى أطلق عليها «لؤلؤة اخلليج»‪.‬‬
‫عمله اخليري‪:‬‬

‫كان الشيخ جابر األحمد الصباح ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬رائد ًا من ّ‬


‫رواد‬
‫العمل اخليري‪ ،‬حيث كان محب ًا للعمل اخليري‪ ،‬وقد كان معروف ًا ّ‬
‫بتبرعه‬
‫السخي في املشاريع اخليرية من بناء املساجد وبناء املدارس وحفر اآلبار‬
‫وكفالة األيتام في الدولة الفقيرة‪.‬‬
‫ولكن من أبرز ما روي عنه‪ ،‬ما ذكره الشيخ الدكتور عبدالرحمن‬

‫((( ذكر لي أحد اإلخوة أنه كان يدرس في الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬فسأله أحد‬
‫األساتذة يوم ًا عن بلده فقال له‪ ،‬بلدي الكويت‪ ،‬فقال له األستاذ‪ :‬ليس ّ‬
‫لدي معرفة‬
‫بالكويت‪ ،‬أين تقع الكويت؟ قال‪ :‬فقلت له في اخلليج العربي‪ ،‬فقال لي‪ :‬أريدك‬
‫أن تذكر لي نبذة عن الكويت وعن أبرز القوانني فيها‪ ،‬قال‪ :‬فذكرت له نبذة عن‬
‫الكويت وعن أبرز القوانني فيها‪ ،‬وذكرت له أن الدولة تتك ّفل بالتعليم املجاني‪،‬‬
‫املجانية‪ ،‬وتتك ّفل بتوفير بيت لكل أسرة‪ ،‬وتتك ّفل بتوفير‬
‫ّ‬ ‫وتتك ّفل بالرعاية الصحية‬
‫وظيفة حكومية لكل مواطن‪ ،‬وذكرت له أن الدولة متنح املوظف زيادة مالية عند‬
‫زواجه‪ ،‬ومتنح املوظف زيادة مالية لكل طفل‪ ،‬ومتنح الطالب اجلامعي راتب ًا‪ ،‬واملطلقة‬
‫القصر راتب ًا‪ ،‬وتدعم املواد‬
‫راتب ًا‪ ،‬واألرملة راتب ًا‪ ،‬واملعاق راتب ًا‪ ،‬ومتنح أبناء املتوفى ّ‬
‫االستهالكية املهمة كاألرز والزيت والسكر والعدس‪ ،‬وتدعم البنزين والديزل‪،‬‬
‫وتدعم الكهرباء واملاء‪ ،‬وتوفر دور رعاية للمعاقني وللمسنني واللقطاء‪ ،‬والدولة ال‬
‫تفرض أي ضرائب أو رسوم على املواطن مقابل هذه اخلدمات‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأنا أتكلم والدكتور منصت بشدة ومندهش ملا أقول‪ ،‬وملا انتهيت من كالمي‬
‫قال كلمة واحدة‪ ،‬قال‪ :‬إن كان ما تقوله صحيح فأنتم تعيشون في اجلنة!!‬

‫‪57‬‬
‫السميط ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬أنه في يوم من األيام زار الشيخ جابر األحمد‬
‫الصباح وشرح له أعمال اخلير واإلغاثة التي تقوم بها جلنته (جلنة العون‬
‫املباشر)في أفريقيا‪ ،‬وأخبره أن لديه زيارة مرتقبة ألحد البلدان األفريقية‬
‫من أجل تفقد البرامج اخليرية هناك‪.‬‬
‫فقال لي‪ :‬متى ستسافر إلى أفريقيا؟‬
‫فقلت‪ :‬األسبوع القادم‪.‬‬
‫وقبل موعد سفري بيومني‪ ،‬أخذ موظفو الديوان األميري متى‬
‫تذكرتي ذات الدرجة السياحية وقالوا لي‪ :‬تعالى إلى املطار غد ًا في‬
‫الساعة العاشرة صباح ًا‪ ،‬وسنرتب أمور سفرك كله‪.‬‬
‫ال وصلت في املوعد احملرر وإذا بطائرة أميرية في انتظاري‬ ‫وفع ً‬
‫وبداخلها ستة أشخاص‪ ،‬وعندما هممت أن أجلس معهم قالوا مكانك‬
‫في األمام‪ ،‬فلما ذهبت حيث أشاروا وجدت األمير ‪ -‬رحمه الله ‪-‬‬
‫وقد لبس ثوب ًا كويتي ًا عادي ًا وليس عليه بشت‪ ،‬ولم تصحبه صحافة وال‬
‫كاميرات‪.‬‬
‫فلما وصلنا إلى وجهتنا‪ ،‬رحل األمير إلى البلد األفريقي بجواز‬
‫عادي باسم مستعار‪ ،‬فلم يعرفه أحد في املطار ولم يدخل إلى قاعة‬
‫التشريفات‪.‬‬
‫وقد كانت جولة سريعة استمرت ليوم واحد‪ ،‬اطلع فيها ‪ -‬رحمه‬
‫الله ‪ -‬بنفسه على بعض مشاريع اللجنة في تلك الدولة األفريقية‪ ،‬ثم‬
‫غادرها مسا ًء إلى الكويت‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫فلما وصلت إلى الكويت بعده بأيام‪ ،‬علمت من مدير حساباتنا‬
‫في اجلمعية أن األمير ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬قد أودع في حسابنا ‪ 23‬مليون‬
‫دينار كويتي «‪ 70‬مليون دوالر» تبرع ًا منه جلمعيتنا‪.‬‬
‫محبة الناس له‪:‬‬
‫كان الشعب الكويتي محب ًا جد ًا للشيخ جابر األحمد الصباح‪،‬‬
‫وكيف ال يحبه شعبه وهو احلاكم العادل املتواضع احملب لشعبه‪ ،‬أحب‬
‫فأحبه الشعب‪ ،‬وكان يلقبه أبناء الوطن بـ«بابا جابر»‪ ،‬وذلك‬‫ّ‬ ‫شعبه‪،‬‬
‫ألخالقه احلميدة ومعاملته الرحيمة مع أبناء شعبه‪ ،‬فهو فع ً‬
‫ال كان مثال‬
‫األب الذي يحتوي أبناءه ويلتف حولهم حلمايتهم واالرتقاء بهم‬
‫وتوفير العيش واحلياة الكرمية لهم‪.‬‬
‫وكان يلقبه أبناء شعبه أيض ًا «أمير القلوب» وهو فع ً‬
‫ال أمير القلوب‪،‬‬
‫ملك القلوب بتواضعه وعدله وكرمه ومحبته لشعبه وحرصه على اخلير‬
‫والصالح والرقي والتقدير واالزدهار لوطنه ومجتمعه وبلده‪.‬‬
‫وفاته‪:‬‬
‫توفي الشيخ جابر األحمد اجلابر الصباح ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬بتاريخ‬
‫‪2006/1/15‬م‪ ،‬وقد خرج لتشيعيه والصالة على جنازته أعداد كبيرة‬
‫ومهولة من املواطنني‪ ،‬حتى امتألت املقبرة‪ ،‬ووقف الناس خارج املقبرة‬
‫في الساحات والشوارع‪.‬‬
‫وقد دفن ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في مقبرة الصلبيخات‪ ،‬فرحمه الله‬

‫‪59‬‬
‫رحمة واسعة‪ ،‬رحم الله أبا األيتام‪ ،‬رحم الله أبا الفقراء‪ ،‬رحم الله‬
‫«بابا جابر» رحم الله أمير القلوب الذي أحب شعبه‪ ،‬فو ّفر لهم العدل‬
‫واألمان واحلياة الكرمية‪ ،‬فأحبه شعبه وأخلص له وعشقه وبكى عليه‬
‫حزن ًا على فراقه‪.‬‬
‫(‪ )4‬الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ‪:‬‬
‫رائد النهضة التركية رجب طيب أردوغ��ان‪ ،‬ولد في ‪ 26‬فبراير‬
‫‪ ،1954‬هو رئيس جمهورية تركيا الثاني عشر واحلالي منذ ‪ 28‬أغسطس‬
‫‪2014‬م‪ ،‬ويعدّ رجب طيب أردوغان أول رئيس تركي اختاره الشعب‬
‫بطريق االقتراع املباشر‪.‬‬
‫وكان رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا من مارس ‪2003‬‬
‫حتى أغسطس ‪2014‬م‪ ،‬وقبل ذلك كان عمدة مدينة إسطنبول التركية‬
‫من ‪1994‬م إلى ‪1998‬م‪ .‬ورئيس حزب العدالة والتنمية الذي ميلك‬
‫غالبية مقاعد البرملان التركي‪.‬‬
‫نشأ أردوغان في أسرة فقيرة‪ ،‬فقد قال في مناظرة تلفزيونية مع دنيز‬
‫بايكال رئيس احلزب اجلمهوري ما نصه‪« :‬لم يكن أمامي غير بيع البطيخ‬
‫والسميط في مرحلتي االبتدائية واإلعدادية؛ كي أستطيع معاونة والدي‬
‫فقيرا»‪.‬‬
‫وتوفير قسم من مصروفات تعليمي؛ فقد كان والدي ً‬
‫تخرج من‬
‫درس في مدارس (إمام خطيب) اإلسالمية الدينية‪ ،‬ثم ّ‬
‫كلية االقتصاد والعلوم اإلدارية في جامعة مرمرة‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫احلياة السياسية‪:‬‬
‫انضم أردوغ��ان إلى حزب اخل�لاص الوطني بقيادة جنم الدين‬
‫أربكان في نهاية السبعينيات‪ ،‬لكن مع االنقالب العسكري الذي‬
‫حصل في ‪1980‬م‪ ،‬مت إلغاء جميع األحزاب‪ ،‬وبحلول عام ‪1983‬م‬
‫عادت احلياة احلزبية إلى تركيا وعاد نشاط أردوغان من خالل حزب‬
‫الرفاه‪ ،‬خاص ًة في محافظة إسطنبول‪.‬‬
‫في عام ‪1989‬م دخل حزب الرفاه االنتخابات البلدية‪ ،‬وبدأ‬
‫يحقق نتائج جيدة‪ ،‬وقد ّ‬
‫ترشح أردوغان في بلدية (باي أوغلو) سنة‬
‫التحرك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ ،)0000‬نظر ًا لديناميكيته وحيويته وقدرته الفائقة على‬
‫وهدم احلواجز التي كان يضعها أعضاء احلزب بينهم وبني الشعب‪.‬‬
‫لكنه خسر تلك االنتخابات‪ ،‬وبحلول عام ‪1994‬م رشح حزب الرفاه‬
‫أردوغ��ان إلى منصب عمدة إسطنبول‪ ،‬واستطاع أن يفوز في هذه‬
‫االنتخابات خاص ًة مع حصول حزب الرفاه في هذه االنتخابات على‬
‫عدد كبير من املقاعد‪.‬‬
‫تأسيس حزب العدالة والتنمية‪:‬‬
‫في عام ‪1998‬م اتّهم أردوغان بالتحريض على الكراهية الدينية‬
‫التي تسببت في سجنه ومنعه من العمل في الوظائف احلكومية ومنها‬
‫الترشيح لالنتخابات العامة بسبب اقتباسه أبيات ًا من شعر تركي أثناء‬
‫خطاب جماهيري يقول فيه‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫مساجدنا ثكناتنا قبابنا خوذاتنا‬
‫مآذننا حرابنا واملصلون جنودنا‬
‫هذا اجليش املقدس يحرس ديننا‬
‫لم تثن هذه القضية أردوغان عن االستمرار في مشواره السياسي‪،‬‬
‫يعرضه‬
‫بل نبهته هذه القضية إلى كون االستمرار في هذا األمر قد ّ‬
‫للحرمان األبدي من السير في الطريق السياسي كما حدث ألستاذه‬
‫جنم الدين أربكان‪ ،‬فاغتنم فرصة حظر حزب الفضيلة لينشق مع عدد‬
‫من األعضاء منهم عبد الله غول وتأسيس حزب العدالة والتنمية عام‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫ومنذ البداية أراد أردوغان أن يدفع عن نفسه أي شبهة باستمرار الصلة‬
‫احلزبية والفكرية مع أربكان وتياره اإلسالمي الذي أغضب املؤسسات‬
‫العلمانية مرات عدة‪ ،‬فأعلن أن حزب العدالة والتنمية سيحافظ على‬
‫أسس النظام اجلمهوري ولن يدخل في مماحكات مع القوات املسلحة‬
‫التركية وق��ال‪ :‬سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى‬
‫ّ‬
‫املتحضر واملعاصر في إطار‬ ‫الهدف الذي رسمه أتاتورك إلقامة املجتمع‬
‫القيم اإلسالمية التي يؤمن بها ‪ %99‬من مواطني تركيا‪.‬‬
‫توليه رئاسة الوزارة‪:‬‬
‫خاض حزب العدالة والتنمية االنتخابات التشريعية عام ‪2002‬م‬
‫ال بذلك أغلبية ساحقة‪ ،‬لكنه لم يستطع‬ ‫وف��از منه ‪ 363‬نائب ًا مشك ً‬

‫‪62‬‬
‫أردوغان ترأس حكومته بسبب تبعات سجنه‪ ،‬وقام بتلك املهمة عبد‬
‫الله غول‪ّ .‬‬
‫ومتكن في مارس عام ‪ ،2003‬من تولي رئاسة احلكومة بعد‬
‫إسقاط احلكم عنه‪.‬‬
‫بعد توليه رئاسة الوزراء عمل على االستقرار واألمن السياسي‬
‫واالقتصادي واالجتماعي في تركيا‪ ،‬وتصالح مع األرمن بعد عداء‬
‫تاريخي‪ ،‬وكذلك فعل مع اليونان‪ ،‬وفتح جسور ًا بينه وبني أذربيجان‬
‫وبقية اجلمهوريات السوفيتية السابقة‪ ،‬وأرسى تعاون ًا مع العراق‬
‫وسوريا وفتح احل��دود مع ع��دد من ال��دول العربية ورف��ع تأشيرة‬
‫الدخول‪ ،‬وفتح أبواب ًا اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية مع عدد‬
‫من البلدان العاملية‪ ،‬وأصبحت مدينة إسطنبول العاصمة الثقافية‬
‫األوروبية عام ‪2009‬م‪ ،‬ولقد أعاد ملدن وقرى األك��راد أسماءها‬
‫الكردية بعدما كان ذلك محظور ًا‪ ،‬وسمح رسمي ًا باخلطبة باللغة‬
‫الكردية‪.‬‬
‫جائزة امللك فيصل العاملية خلدمة اإلسالم‪:‬‬
‫منحته السعودية جائزة امللك فيصل العاملية خلدمة اإلسالم (لعام‬
‫‪2010‬م ‪ 1430 -‬هـ)‪ .‬وقال عبد الله العثيمني األمني العام للجائزة‪:‬‬
‫إن جلنة االختيار جلائزة خدمة اإلسالم التي يرأسها في ذلك الوقت‬
‫ولي العهد السعودي األمير سلطان بن عبد العزيز اختارت أردوغان‬
‫لقيامه بجهود بناءة في املناصب السياسية واإلدارية التي تو ّ‬
‫الها «ومن‬
‫تلك املناصب أنه كان عمدة مدينة إسطنبول حيث ح ّقق إجنازات رائدة‬

‫‪63‬‬
‫في تطويرها‪ .‬وبعد أن تو ّلى رئاسة وزراء وطنه تركيا أصبح رجل دولة‬
‫يشار بالبنان إلى جناحاته الكبيرة ومواقفة العظيمة؛ وطني ًا وإسالمي ًا‬
‫وعاملي ًا»‪ .‬وقد مت منحه شهادة دكتوراة فخرية من جامعة أم القرى مبكة‬
‫املكرمة في مجال خدمة اإلسالم بتاريخ‪1431/3/23‬هـ ‪.‬‬
‫جائزة القذافي حلقوق اإلنسان‪:‬‬
‫تس ّلم رئيس ال��وزراء التركي رجب طيب أردوغ��ان يوم اإلثنني‬
‫‪ 29‬نوفمبر ‪2010‬م جائزة القذافي حلقوق اإلنسان خالل احلفل الذي‬
‫نظمته مؤسسة القذافي العاملية حلقوق اإلنسان مبسرح فندق املهاري‬
‫بطرابلس ‪ -‬ليبيا‪.‬‬
‫إجنازات أردوغان‪:‬‬
‫‪ -١‬الناجت القومي لتركيا عام ‪٢٠١٣‬م حوالي‪ 101‬تريليون وهو‬
‫يساوي مجموع الناجت احمللي ألقوى اقتصادات ثالث دول في الشرق‬
‫االوسط؛ إيران والسعودية واإلمارات‪.‬‬
‫‪ -٢‬قفز ببالده قفزة مذهلة من املركز االقتصادي ‪ ١١١‬الى ‪١٦‬‬
‫مبعدل عشر درج��ات سنوي ًا‪ ،‬مما يعني دخوله إل��ى ن��ادي مجموعة‬
‫العشرين األقوياء الكبار (‪ )G-20‬في العالم‪.‬‬
‫‪-٤‬قام ببناء مطار إسطنبول الدولي وهو أكبر مطار في أوروبا‬
‫ويستقبل في اليوم الواحد ‪ ١٢٦٠‬طائرة ‪.‬‬
‫‪ -٧‬تركيا صنعت للمرة األولى في عهد حكومة مدنية أول دبابة‬

‫‪64‬‬
‫مصفحة وأول ناقلة جوية وأول طائرة بدون طيار وأول قمر صناعي‬
‫عسكري حديث متعدد املهام ‪.‬‬
‫‪ -٨‬أردوغان في عشر سنوات بنى‪ ١٢٥ :‬جامعة جديدة‪ ،‬و‪١٨٩‬‬
‫مدرسة‪ ،‬و‪ ٥١٠‬مستشفيات‪ ،‬و‪ ١٦٩‬ألف غرفة صفية حديثة ليكون‬
‫عدد الطالب فيها ال يتجاوز ‪ ٢١‬طالب ًا أو طالبة‪.‬‬
‫‪ -٩‬جعل الدراسة في كل اجلامعات وامل��دارس التركية مجانية‬
‫وعلى نفقة الدولة‪.‬‬
‫‪ -١٠‬في عشر سنوات كان دخل الفرد في تركيا ‪ ٣٥٠٠‬دوالر‬
‫سنوي ًا‪ ،‬ارتفع عام ‪ ٢٠١٣‬إلى ‪ ١١‬ألف دوالر وهو أعلى من نسبة دخل‬
‫املواطن الفرنسي في بلده‪ .‬ورفع قيمة العملة التركية إلى ‪ ٣٠‬ضعف ًا‪..‬‬
‫‪ -١٣‬ارتفعت الرواتب واألجور بنسبة ‪ %٣٠٠‬وارتفعت أجرة‬
‫املوظف املبتدئ من ‪ ٣٤٠‬ليرة الى ‪ ٩٥٧‬ليرة تركية وانخفضت نسبة‬
‫البطالة من ‪ %٣٨‬إلى ‪..%٢‬‬
‫‪ -١٤‬ميزانية التعليم والصحة فاقت ميزانية الدفاع وأعطي املعلم‬
‫راتب ًا يوازي راتب الطبيب‪.‬‬
‫‪ّ -١٥‬‬
‫مت انشاء ‪ ٣٥‬ألف قاعة مختبرات لتكنولوجيا املعلومات‬
‫وقواعد بيانية حديثة‪.‬‬
‫‪ -١٦‬سدّ د عجز امليزانية البالغ ‪ ٤٧‬مليار وكانت آخر دفعة للديون‬
‫التركية ‪ ٣٠٠‬مليون دوالر مت تسديدها في يونيو ‪2016‬م‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ -١٧‬تركيا كانت ص��ادرات��ه��ا قبل عشر س��ن��وات ‪ ٢٣‬مليار ًا‪،‬‬
‫وأصبحت ‪ ١٥٣‬مليار ًا تصل إلى ‪ ١٩٠‬دولة في العالم ‪.‬‬
‫‪ -١٨‬تب ّنى مشاريع تدوير القمامة الستخراج الطاقة وتوليد‬
‫الكهرباء ليستفيد منها ثلث سكان تركيا‪ ،‬وقد وصلت الكهرباء إلى‬
‫‪ %٩٨‬من منازل املواطنني ‪.‬‬
‫‪ -٢٦‬أعاد تدريس القرآن واحلديث النبوي إلى املدارس احلكومية‬
‫بعد تسعة عقود من احلكم العلماني ‪.‬‬
‫‪-27‬سمح للمرأة ب��ارت��داء احلجاب في امل��دارس واجلامعات‬
‫ومجرم ًا في القانون ألكثر من‬
‫ّ‬ ‫والوزارات احلكومية بعدما كان ممنوع ًا‬
‫‪ 80‬عام ًا‪.‬‬
‫‪-28‬أع��اد األذان في املساجد باللغة العربية بعدما كان باللغة‬
‫التركية ملدة ‪ 80‬عام ًا‪.‬‬
‫‪ -29‬أعاد تعليم اللغة العربية في املدارس بعدما كانت ممنوعة‬
‫ألكثر من ‪ 80‬عام ًا‪.‬‬
‫‪ 130-30‬مليار دوالر االحتياطي األجنبي للبنك املركزي‪.‬‬
‫(‪ )5‬مصطفى كمال أتاتورك‪:‬‬
‫ّ‬
‫ومحطم اخلالفة مصطفى كمال‬ ‫املجرم الطاغية عدو اإلس�لام‬
‫أتاتورك‪ ،‬وهو أول رئيس لتركيا تولى الرئاسة عام ‪1923‬م‪.‬‬
‫ألغى اخلالفة العثمانية‪ ،‬وأس��س مكانها تركيا املعاصرة التي‬
‫أصبحت كما أراد دولة علمانية غربية الطابع والقوانني والهوى‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫وقام بتغيير أشكال الناس‪ ،‬حيث منع اعتمار الطربوش والعمامة‬
‫وروج للباس الغربي‪ ،‬ومنع‬ ‫ومنع النساء من ارت���داء احل��ج��اب‪ّ ،‬‬
‫املدارس الدينية‪ ،‬وألغى احملاكم الشرعية‪ ،‬وألغى األلقاب املذهبية‬
‫والدينية‪ ،‬وتب ّنى التقومي الدولي‪ ،‬وكتب قوانني مستوحاة من الدستور‬
‫السويسري‪ ،‬وفي عام ‪ 1928‬ألغى استخدام احل��رف العربي في‬
‫الكتابة‪ ،‬وأمر باستخدام احلرف الالتيني في محاولة لقطع ارتباط‬
‫تركيا بالشرق والعالم اإلسالمي‪ .‬وحارب الدين والتدين من خالل‬
‫النظام العلماني ال��ذي شرعه في تركيا‪ ،‬بل إن��ه رب��ط تقدّ م البالد‬
‫الكمالية‬
‫ّ‬ ‫فالعلمانية‬
‫ّ‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ولذلك‬
‫ّ‬ ‫وتطورها بالتخ ّلي عن الهو ّية‬
‫ّ‬
‫لم تكتف بفصل الدين عن الدولة‪ ،‬لكنها سيطرت على املمارسة‬
‫الدينية ومنعت كل مظاهر التد ّين بإجراءات قانونية حتميها مؤسسات‬
‫الدولة وأبرزها اجليش‪.‬‬
‫رمزا لفتح‬
‫منع رفع األذان وأداء الصالة في أيا صوفيا التي تعد ً‬
‫وحوله الى متحف‪.‬‬
‫القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاحت ّ‬
‫قام بتحويل القرآن الكرمي إلى اللغة التركية وقراءته بها بدلاً‬
‫من العربية بالرغم من اعتراض شيخ اإلسالم موسى كاظم وأحمد‬
‫جودت باشا‪ .‬وعلى الرغم من ذلك أصدر قرار ًا يقضي بقراءة القرآن‬
‫الكرمي بالتركية‪.‬‬
‫منع أم��ور ًا كثيرة لها عالقة بالشرع اإلسالمي منها منع تعدّ د‬
‫وغير العطلة الرسمية فلم تعد اجلمعة‪ ،‬بل أصبحت العطلة‬
‫الزوجات‪ّ ,‬‬
‫الرسمية للدولة يوم األحد‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫إغالق كلية الشريعة في إسطنبول‪.‬‬
‫وألغى قوامة الرجل على املرأة‪ ،‬وأطلق لها العنان باسم احلرية‬
‫واملساواة‪ ،‬وشجع احلفالت الراقصة واملسارح املختلطة والرقص‪.‬‬
‫حارب اللغة العربية واستخدم األبجدية الالتينية في كتابة اللغة‬
‫التركية بد ً‬
‫ال من األبجدية العربية‪.‬‬
‫وفرض تطيبيق ذلك إجباري ًا على الشعب في أقصر مدة ممكنة‪.‬‬
‫وحولها إلى متاحف وبعضها حوله اسطبالت للخيل‪.‬‬
‫أغلق املساجد ّ‬
‫قال الدكتور املؤرخ راغب السرجاني عنه‪« :‬هو طاغية العصر‪،‬‬
‫ال لكل كاره‬‫وإم��ام العلمانيني‪ ،‬وق��دوة العمالء واخلائنني‪ ،‬صار مثا ً‬
‫ومنوذجا يحتذى به في كيفية اختراق الصف‬ ‫ً‬ ‫ومبغض لدين اإلسالم‪،‬‬
‫املسلم والتغلغل بداخله من أجل تفريقه ومتزيقه‪ ،‬وباجلملة فهو أشر‬
‫خلق الله في عصره‪ ،‬وال يعلم أحد كان نكبة على أمة اإلسالم مثلما‬
‫كان هذا املجرم اللعني‪ ،‬ولكن هذا ال ينفي أن اجلو احمليط بأمة اإلسالم‬
‫هو الذي أسهم وبشدة في ظهور مثل هذا الشيطان الرجيم‪ ،‬الذي أسقط‬
‫اخلالفة وأصبح مثل الصنم يطوف حوله كل كاره ومبغض للدين‪ ،‬إنه‬
‫مصطفى كمال امللقب بـ(أتاتورك) أي‪ :‬أبو األتراك»‪.‬‬
‫«ضمت لليونان‬
‫ّ‬ ‫ولد مصطفى كمال أتاتورك في مدينة سالنيك‬
‫اآلن» عام ‪1298‬هـ ‪1881 -‬م‪ ،‬من سفاح‪ ،‬وتسمى أمه زبيدة‪ ،‬وقد‬
‫نسبت مصطفى ألحد موظفي الدولة في سالنيك واسمه «علي رضا»‪،‬‬
‫وينتمي مصطفى كمال ألص��ول صربية‪ ،‬وأج��داده من طائفة يهود‬

‫‪68‬‬
‫الدومنة‪ ،‬وهم طائفة من اليهود أظهروا اإلسالم وأبطنوا اليهودية من‬
‫أجل العمل على إسقاط الدولة العثمانية‪ ،‬وإفساد عقائد املسلمني‪.‬‬
‫انتقل مصطفى كمال أتاتورك من سالنيك إلى إسطنبول سنة‬
‫وتخرج فيها سنة ‪1322‬هـ برتبة‬‫ّ‬ ‫‪1318‬هـ لاللتحاق بالكلية احلربية‪،‬‬
‫رائد‪ ،‬وعينّ في لواء الفرسان الثالثني التابع للجيش اخلامس في الشام‪،‬‬
‫وهناك حاول تأسيس جمعية سرية من األتراك املنفيني بالشام‪ ،‬لينافس‬
‫بها جمعية االحتاد والترقي ولكنه فشل‪ ،‬وكان رجال االحتاد والترقي‬
‫خاصة أنور باشا يكرهونه بشدّ ة بسبب انحالله وفجوره‪.‬‬
‫أخذ مصطفى كمال أتاتورك في البحث عن أي وسيلة لالشتهار‬
‫حتى يلمع جنمه وسط رجال االحتاد والترقي‪ ،‬فانضم جليش محمود‬
‫توجه إلسطنبول من سالنيك ليخلع السلطان عبد‬ ‫شوكت ال��ذي ّ‬
‫احلميد الثاني سنة ‪1327‬هـ‪ ،‬وذهب إلى ليبيا حملاربة اإليطاليني كنوع‬
‫فر مثل‬‫من الدعاية‪ ،‬ولكن مع أول مواجهة حقيقية على خط النار ّ‬
‫الفأر املذعور‪ ،‬وكانت بداية شهرة مصطفى كمال احلقيقية بعد انتهاء‬
‫فر معظم رجال االحتاد والترقي بسبب‬ ‫احلرب العاملية األولى‪ ،‬حيث ّ‬
‫هزمية الدولة العثمانية وضياع معظم أمالكها في احل��رب‪ ،‬وأصبح‬
‫الطريق خال ًيا أمام مصطفى كمال أتاتورك‪ ،‬ومن حسن طالعه أنه كان‬
‫على عالقة وثيقة باخلليفة اجلديد «وحيد الدين» قبل أن يلي اخلالفة‪،‬‬
‫وزوده بصالحيات واسعة‪ ،‬وعندها‬ ‫فر ّقاه لرتبة مفتش عام للجيوش ّ‬
‫بدأ اإلجنليز في االتصال به والتنسيق معه للعمل على إسقاط اخلالفة‬
‫العثمانية‪ ،‬وباألسلوب اإلجنليزي املعروف بدأت عملية تلميع مصطفى‬

‫‪69‬‬
‫كمال أتاتورك وإظهاره بصورة البطل القومي‪ ،‬وأنه أشد الرجال خطورة‬
‫على أوروبا واإلجنليز‪ ،‬واألسد الثائر الذي يقلق مضاجع االستعمار‪،‬‬
‫وإمعا ًنا في التضليل أخذ مصطفى كمال أتاتورك في الظهور باملظهر‬
‫اإلسالمي وإلقاء اخلطب في املناسبات الدينية ويدافع عن اخلالفة في‬
‫كل موطن‪ ،‬مع أنه غارق ألذنيه في الزنا والفواحش واخلمر‪.‬‬
‫وبعد أن انتصر األت��راك على اليونانيني في معركة سقاريا سنة‬
‫ّ‬
‫واملتحكم‬ ‫‪1345‬هـ‪ ،‬أصبح مصطفى كمال أتاتورك بطل األمة القومي‪،‬‬
‫الفعلي في البالد‪ ،‬وأنصاره يسيطرون على مجلس النواب واملجالس‬
‫احمللية‪ ،‬وبعد سلسلة طويلة من املناورات ومبساعدة قوية من اإلجنليز‬
‫وشوه صورة‬ ‫ّ‬ ‫تخ ّلص مصطفى كمال أتاتورك من جميع معارضيه‪،‬‬
‫اخلليفة وحيد الدين عندما أظهر للناس بنود معاهدة سيفر التي أجبر‬
‫وحيد الدين على توقيعها حتت التهديد اإلجنليزي باحتالل إسطنبول‪،‬‬
‫واضطر وحيد الدين لالستقالة‪ ،‬وحل مكانه عبد املجيد الثاني والذي‬
‫لم ميكث سوى ثالثة أيام وأعلن مصطفى كمال أتاتورك بعدها وفي‬
‫‪ 27‬رجب‪1341‬هـ إلغاء اخلالفة العثمانية وقيام اجلمهورية التركية‪.‬‬
‫تولى مصطفى كمال رئاسة اجلمهورية التركية وتل ّقب بـ(أتاتورك)‪،‬‬
‫وبدأ يوفي ألسياده اإلجنليز وأستاذه اخلفي الذي ال يعرفه معظم الناس‬
‫أال وهو احلاخام نعوم كبير حاخامي تركيا من ّفذ ّ‬
‫اخلطة اليهودية لهدم‬
‫اخلالفة العثمانية‪.‬‬
‫كما عمل على هدم اإلسالم بكل قوة في تركيا‪ ،‬وبدأت عملية‬

‫‪70‬‬
‫بشعة لسلخ األتراك من هويتهم اإلسالمية بإشراف كامل من اإلجنليز‪،‬‬
‫وحول اجلوامع إلى متاحف‪،‬‬‫فألغى وزارة األوقاف واملدارس الدينية‪ّ ،‬‬
‫ومنع رحالت احلج والعمرة‪ ،‬وألغى احلجاب واحلروف العربية‪ ،‬وألزم‬
‫بالتعبد باللغة التركية‪ ،‬ونقل اإلجازة األسبوعية ليوم األحد مثل‬
‫ّ‬ ‫األتراك‬
‫النصارى‪ ،‬وألزم الناس لبس القبعة الفرجنية‪ ،‬وألغى األعياد واملناسبات‬
‫الدينية‪ ،‬وباع أذربيجان للروس‪ ،‬وقضى على احلريات واملعارضني‬
‫لسياساته‪ ،‬وجعل وسائل اإلعالم ال تتحدث إال عن بطوالته وفتوحاته‬
‫وأخباره وكلها مكذوبة‪.‬‬
‫ولم يكتف أتاتورك بذلك‪ ،‬بل ألغى احل��روف العربية واستعمل‬
‫األحرف الالتينية‪ ،‬وأعلن العلمانية دينًا جديدً ا للبالد ‪ ,‬وكان يخطب في‬
‫ال‪ :‬لقد انتهى العهد الذي كان الشعب فيه يخدع بكلمات هي‬ ‫الناس قائ ً‬
‫خاصة بالطبقات الدنيا أمثال‪ :‬كربالء‪ ,‬حفيد الرسول‪ ,‬اإلميان‪ ,‬القدس‪.‬‬
‫أخالق أتاتورك‪:‬‬
‫كما قلنا من قبل إن أتاتورك كان ولد زنا‪ ،‬وولد الزنا شر الثالثة إذا‬
‫فعل فعلة أبويه كما ورد ذلك في األثر‪ ،‬فلقد كان أتاتورك فاس ًقا ماجنًا‬
‫شرو ًبا للخمر ال يكاد يفيق من شربه‪.‬‬
‫مجاهرا بها‪ ،‬كما اشتهر‬
‫ً‬ ‫واشتهر أتاتورك بركوب الفواحش وكان‬
‫بشذوذه وأنه عدم الرجولة‪.‬‬
‫أما عن عشيقاته فحدّ ث وال حرج‪ ،‬فقد كان يستعمل وزير خارجيته‬
‫سمسارا لشهواته‪ ،‬وكان عنده ثالثون فتاة أطلق عليهن‬
‫ً‬ ‫توفيق رشدي‬

‫‪71‬‬
‫بناته بالتب ّني‪ ،‬وأوص��ى لهن مبقادير ثابتة طيلة حياتهن‪ ،‬وكن يقمن‬
‫بالرقص في حفالته وهن شبه عاريات‪ ,‬وبلغ به الشذوذ أنه كان يلبس‬
‫اخلدم في قصره مالبس النساء ويرقص معهم وهو مخمور‪.‬‬
‫وهلعا‪ ،‬وح ًقا من خاف الله‬
‫ً‬ ‫كان أتاتورك من أكثر الناس جبنًا‬
‫أخاف منه كل شيء‪ ،‬ومن لم يخف من الله أخافه الله من كل شيء‪.‬‬
‫كان أتاتورك من أشد الناس ع��داوة لرسول الله |‪ ،‬فقد كان‬
‫في فندق بارك‪ ،‬وكان املؤذن يؤذن في املسجد الصغير الكائن أمام‬
‫الفندق مباشرة فإذا بـ(أتاتورك) يلتفت ملن حوله قائ ً‬
‫ال‪« :‬من قال بأننا‬
‫مشهورون؟ وما شهرتنا نحن؟ انظروا إلى هذا الرجل‪ - ،‬يعنى‪ :‬النبي‬
‫| ‪ -‬كيف أن اسمه يتكرر في كل حلظة في جميع أنحاء العالم» ثم‬
‫أمر بهدم املنارة‪.‬‬
‫أتاتورك وخامتة السوء‪:‬‬
‫كان أتاتورك شديد اخلوف على نفسه؛ لذلك فقد أحاط نفسه‬
‫ً‬
‫مريضا بالكبد حتى وصل‬ ‫بكبار األطباء‪ ،‬ومع ذلك لم يكتشفوا أنه كان‬
‫التليف الذي أصابه باالستسقاء‪ ،‬واحتاج إلى سحب املاء من‬
‫ملرحلة ّ‬
‫بطنه باإلبر ثم أصابه الله مبرض الزهري نتيجة شذوذه وفحشه‪.‬‬
‫وفي مرض موته ابتاله الله بحشرات صغيرة حمراء ال ترى بالعني‬
‫زواره من السفراء والكبراء حتى‬
‫سببت له احلكة والهرش حتى أمام ّ‬
‫ظهرت على وجهه ويكتشف أن السبب وراء ذلك نوع من النمل‬
‫األحمر الذي ال يوجد إال في الصني!!‬

‫‪72‬‬
‫سبحان الله ‪ -‬من الصني إلى تركيا ‪ -‬ليذل الله عز وجل به هذا‬
‫املجرم الهالك‪{ ،‬وما يعلم جنود ر ّبك إلاّ هو} [املدثر‪ ،]31:‬ويظل‬
‫على عذابه من سنة ‪1356‬هـ حتى سنة ‪1358‬هـ حيث يهلك ويرحل‬
‫(((‬
‫إلى مزبلة التاريخ في ‪ 16‬شعبان ‪1358‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )6‬امللك احمد زوغو‪:‬‬
‫أحمد زوغ��و أو اسكندر بيك الثالث ملك األل��ب��ان‪ ،‬واسمه‬
‫الكامل أحمد مختار بيه زوغوللي‪ ،‬ولد عام ‪1895‬م‪ ،‬وهو ملك‬
‫ألبانيا من الفترة ما بني ‪1928‬م – ‪1939‬م ‪.‬‬
‫امللك أحمد زوغو طاغية ألبانيا اإلسالمية الذي كان حرب ًا على‬
‫اإلسالم‪ ،‬فقد عاشت ألبانيا إسالمها في ظل الدولة العثمانية إلى‬
‫أن تآمر األعداء على ألبانيا بسقوط الدولة العثمانية‪ .‬فوقعت ألبانيا‬
‫بأيدي االستعمار الذي ووجه بصمود من أهلها ومتسك بالدين‪ ،‬فما‬
‫كان من املستعمرين إال أن أورثوا البالد أحد عمالئهم ليقوم مبهمة‬
‫محاربة شرائع اإلسالم ومنها احلجاب نيابة عنهم‪.‬‬
‫فقد تو ّلى أحمد زوغو عرش ألبانيا في سنة ‪1347‬هـ‪1928 /‬م‬
‫وكان رئيس جمهورية إال أن الغرب حثّه – كما يقول د رجب بويا ‪-‬‬
‫على حتويل ألبانيا من اجلمهورية إلى امللكية كي يبقى في احلكم مدى‬
‫احلياة‪ ،‬وقد أعجبه ذلك فأمر بتحويلها إلى امللكية سنة ‪1928‬م‪ ،‬وأعلن‬
‫نفسه ً‬
‫ملكا عليها‪.‬‬

‫((( موقع الدكتور راغب السرجاني‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ك��ان أحمد زوغ��و ‪ -‬كما يقول امل��ؤرخ محمود شاكر ‪ً -‬‬
‫ملكا‬
‫سيئًا حاول تغيير العادات ومسايرة الدول األوروبية‪ ،‬فألغى احلكم‬
‫ال عنه القانون الوضعي الفرنسي‪ ،‬وفرض السفور‬ ‫بالشريعة ووضع بد ً‬
‫على نساء وطنه مما اضطر عد ًدا من املواطنني إلى مغادرة البالد واالجتاه‬
‫نحو بقية البالد اإلسالمية‪ ،‬ففي سنة ‪1356‬هـ‪1937/‬م أصدر أحمد‬
‫زوغو قرار ًا بنـزع نقاب املرأة املسلمة وإلزام موظفي الدولة وطالب‬
‫املدرسة الثانوية بلبس البرنيطة وقد عارضه العلماء في ذلك معارضة‬
‫شديدة وتصدّ وا ألفكاره وقراراته غير اإلسالمية‪ ،‬فعمل من جانبه على‬
‫إسكات صوت احلق وإخراس األلسن التي تصدّ ت ألفكاره امللحدة‪،‬‬
‫وصب جام غضبه عليهم مما جعل البعض منهم يفر‬ ‫ّ‬ ‫فاضطهد العلماء‪،‬‬
‫من هذا الظلم والطغيان تارك ًا وطنه ويذهب بنفسه وآله إلى البالد‬
‫اإلسالمية األخرى‪.‬‬
‫فر من ظلم أحمد‬ ‫وكانت عائلة الشيخ األلباني ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬ممن ّ‬
‫تعرض له الشيخ في سلسلة األحاديث الصحيحة ( رقم‬ ‫زوغو‪ ،‬وقد ّ‬
‫ال‪« :‬في احلديث‬‫‪ )3203‬عند حديث ستكون هجرة بعد هجرة‪ ...‬قائ ً‬
‫بشرى لنا آل الوالد الذي هاجر بأهله من بلده أشقودرة عاصمة ألبانيا‬
‫فرارا بالدين من ثورة أحمد زوغو أزاغ الله قلبه الذي بدأ يسير‬
‫يومئذ ً‬
‫في املسلمني األلبان مسيرة سلفه أتاتورك في تركيا»‪.‬‬
‫وأص��درت احلكومة الشيوعية ق��رار ًا مبنع كافة األنشطة الدينية‬
‫في جميع البالد‪ .‬وكذلك دعت إلى سياسة االختالط بني الرجال‬
‫ورغبت النساء في السفور‪ ،‬كما‬ ‫والنساء في العمل وفي احلفالت‪ّ ،‬‬

‫‪74‬‬
‫أرغم الشيوعيون املسلمني في اجليش وكتائب العمل على أكل حلم‬
‫وزج بهم في غياهب السجون ليتم‬
‫اخلنـزير‪ ،‬واعتقل علماء اإلسالم ّ‬
‫القضاء على صوت اإلسالم في البالد‪ ،‬حتى جاءت النهاية‪ ،‬وكانت‬
‫نهاية زوغو عبرة للمعتبرين؛ ألنه فر من بالده بسبب أن الغرب انقلب‬
‫عليه‪ ,‬وهرب إلى فرنسا وتوفي هناك عام ‪1961‬م‪ .‬يقول صاحب‬
‫كتاب ألبانيا بلد النسور‪ :‬لقد خان زوغو شعبه ليخدم االستعمار ‪..‬‬
‫فخانه االستعمار وطرده ‪..‬‬
‫(‪ )7‬احلبيب بورقيبة‪:‬‬
‫الطاغية املجرم عدو الله وعدو اإلس�لام احلبيب بورقيبة الذي‬
‫حكم تونس ملدة إحدى وثالثني سنة‪ ،‬حارب فيها اإلسالم‪ ،‬وتعدّ ى‬
‫على شرع الله تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ولد احلبيب بورقيبة عام ‪1903‬م‪ ،‬وهو أول رئيس للجمهورية‬
‫التونسية‪.‬‬
‫أص��در عن طريق البرملان التونسي مجلة األح��وال الشخصية‪،‬‬
‫وفي هذه املجلة ص��درت العديد من التشريعات املخالفة للشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬منها صدور قانون منع تعدّ د الزوجات‪ ،‬ورفع سن زواج‬
‫الذكور إلى عشرين سنة‪ ،‬واإلناث إلى ‪ 17‬سنة‪ .‬كما شملت املجلة‬
‫كذلك قوانني اجتماعية خاصة بالزواج والطالق؛ مثل قانون مينع‬
‫الزوج من العودة إلى مطلقته التي طلقها ثال ًثا إال بعد طالقها من زوج‬
‫غيره‪ ،‬وقانون يجعل من الطالق إجراء قانوني ًا ال يتم االعتراف به إال‬

‫‪75‬‬
‫عن طريق القضاء‪ .‬وأصدر أيض ًا قانون ًا يسمح للمواطن بالتب ّني‪ ،‬وأقر‬
‫بورقيبة قانون ًا يسمح للمرأة باإلجهاض‪.‬‬
‫حاول ثني احلجيج التونسيني من زيارة األماكن املقدّ سة وأداء‬
‫مناسك احلج في السعودية ملا فيه من إهدار ملقادير مالية من العمالت‬
‫الصعبة ودعا إلى التبرك مبقامات األولياء والصاحلني كأبي زمعة البلوي‬
‫ال عن احلج في خطاب ألقاه في صفاقس يوم‬ ‫وأبي لبابة األنصاري بد ً‬
‫‪ 29‬أفريل ‪1964‬م‪.‬‬
‫في عام ‪1981‬م أصدر قانونا اسمه املنشور ‪ ،108‬والذي فيه يأمر‬
‫مبنع ارتداء النساء لغطاء الرأس (احلجاب) حتت دعوى أنه ميثل مظهر ًا‬
‫من مظاهر الطائفية‪ ،‬وأنه ينافي روح العصر وس ّنة التطوير السليم‪،‬‬
‫ولقد ظهر بورقيبة على شاشة التلفزيون في احتفال شعبي وهو ينزع‬
‫أغطية الرأس عن بعض النساء قسر ًا قائ ً‬
‫ال‪« :‬انظري إلى الدنيا من غير‬
‫حجاب»‪.‬‬
‫ومت منع احملجبة من دخ��ول امل��دارس واجلامعات وال��وزارات‬
‫احلكومية بل ومنع لبس احلجاب في األماكن العامة‪.‬‬
‫منع إطالق اللحية حيث إنها تعتبر مظهر ًا من مظاهر الدين‪.‬‬
‫إغالق جامع الزيتونة ومنع الدراسة فيه‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫حرب بورقيبة ضد اإلسالم‪:‬‬
‫ما شهدته تونس من حرب ضد اإلسالم‪ ،‬في عهد بورقيبة‪ ،،‬لم‬
‫تبلغه فترة االحتالل الفرنسي املباشر لتونس‪،)1956 / 1881( ،‬‬
‫فاحلرب ضد الزيتونة‪ ،‬وضد صيام رمضان‪ ،‬وضد احلجاب‪ ،‬وضد‬
‫العلماء‪ ،‬والتهكم على كل ذلك‪ ،‬حقائق معروفة في عهد بورقيبة‪،‬‬
‫فمنذ وصوله للسلطة وهو لم يتو ّقف عن حرب اإلس�لام املتمثلة‬
‫في شعائره وعقائده ورجاالته‪ ،‬بل طال بطشه جميع املعارضني من‬
‫مختلف الطيف السياسي التونسي‪ ،‬سواء في الستينيات التي قمع فيها‬
‫رئيسا مدى احلياة في سنة ‪1975‬م‪.‬‬
‫اليوسفيني‪ ،‬أو بعد إعالن نفسه ً‬
‫ومت��ادى بورقيبة في العدوان على شعائر اإلس�لام‪ ،‬فأعلن منع‬
‫الصوم في رمضان‪ ،‬سنة ‪1962‬م‪ ،‬وعزل املفتي الفاضل بن عاشور‬
‫الذي عارضه‪ ،‬وقد قام بورقيبة بنفسه باحتساء كوب من املاء في شهر‬
‫رمضان أمام شاشة التلفزيون ليشجع الناس على ترك الصيام‪ّ ،‬‬
‫ونظم‬
‫حمالت إلجبار املوظفني والعمال وق��وات اجليش وجميع أطياف‬
‫الشعب التونسي على اإلفطار في رمضان‪ ،‬والكثير من الناس فقدوا‬
‫وظائفهم جراء ذلك‪.‬‬
‫جتاوز بورقيبة كل احلدود‪ ،‬فألغى األوقاف التي كانت مستق ّلة عن‬
‫الشرعية‪ ،‬وأعلن مرة أخرى أن‬
‫ّ‬ ‫ومتول النشاط الديني‪ ،‬واحملاكم‬
‫الدولة ّ‬
‫(في القرآن تناقضات) وأن الرسول | كان يقول اخلرافات‪ ،‬وقال في‬
‫ندوة أقيمت في القصر الرئاسي سنة ‪1974‬م‪ :‬إنه ال يؤمن باملعجزات‬

‫‪77‬‬
‫شخصا‬
‫ً‬ ‫«القرآن الذي تعلمونه للشباب مليء باخلرافات‪ ،‬أسمعتم أن‬
‫حتولت إلى ثعبان»‬
‫ينام ‪ 300‬سنة‪ ،‬فكيف تقبلون بقول محمد أن عصا ّ‬
‫ويعني قصة موسى املوجودة في جميع الكتب املقدسة‪.‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫توفي في عام ‪2000‬م‪ ،‬وقد منع بن علي وقتها نقل جنازته مباشرة‬
‫على التلفزيون‪ ،‬كما رفض عرض شريط فيديو يروي حياته إلى جانب‬
‫مقربة‬
‫رفضه حلضور وسائل اإلعالم األجنبية وشخصيات عاملية كانت ّ‬
‫من بورقيبة مراسم اجلنازة‪ ،‬ودفن في مسقط رأسه في مدينة املنستير‪.‬‬

‫(‪ )8‬زين العابدين بن علي‪:‬‬

‫املجرم الطاغية زين العابدين بن علي‪ ،‬ولد عام ‪1936‬م‪ ،‬وهو‬


‫الرئيس الثاني لتونس بعد بورقيبة‪ ،‬وقد تو ّلى احلكم عام ‪1987‬م ‪.‬‬

‫وقد كان زين العابدين بن علي ظامل ًا طاغية‪ ،‬حكم شعبه باحلديد‬
‫وعذب كل من يعارضه‪ ،‬فانتشر الفساد والبطالة‬ ‫والنار‪ ،‬وقد سجن ّ‬
‫والفقر في الدولة‪ ،‬فقامت ضده املظاهرات في جميع تونس في عام‬
‫‪2011‬م‪ ،‬فهرب وجلأ الى السعودية ذلي ً‬
‫ال حقير ًا‪.‬‬

‫وقد حكم زين العابدين بن علي تونس على نفس نهج أستاذه‬
‫ومعلمه الذي سبقه وهو املجرم احلبيب بورقيبة‪ ،‬فقد حارب كل ما له‬
‫صلة باإلسالم‪ ،‬فقد منع احلجاب والنقاب ومنع إطالق اللحية‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫وكان يحارب صوم رمضان كما فعل بورقيبة؛ ألنه يؤثر في زعمه‬
‫على اإلنتاج‪ ،‬وكان مينع الصالة في املسجد إال بإذن من وزارة الداخلية‪،‬‬
‫وكان مينع إقامة أي درس ديني سواء في املساجد أو خارج املساجد‪،‬‬
‫وكان مينع أي مظهر من مظاهر الدين ويعتبره مخالف ًا لعلمانية الدولة‪.‬‬
‫واستئصالية ضد‬
‫ّ‬ ‫في سنة ‪1990‬م بدأ نظام بن علي حر ًبا قذرة‬
‫ترأس فيها‬‫احلركة اإلسالمية‪ ،‬وبلغ عدد املعتقلني سنة ‪1991‬م التي ّ‬
‫احلركة محمد القلوي‪ ،‬إلى أكثر من ‪ 10‬آالف معتقل‪ ،‬وأكثر من ذلك‬
‫متكن وبطرق مختلفة من اخلروج من تونس‪ ،‬ظ ّلوا على مدى أكثر‬ ‫العدد ّ‬
‫من ‪ 20‬سنة في املهاجر في أكثر من ‪ 80‬دولة‪ ،‬وفي نفس السنة حوكم‬
‫‪ 300‬مناضل من بينهم نحو ‪ 100‬عسكري بتهم اإلخالل باألمن العام‪،‬‬
‫وفي أغسطس ‪1992‬م صدرت أحكام قاسية وظاملة على اآلالف من‬
‫قادة احلركة من بينها احلكم باألشغال الشا ّقة مدى احلياة‪.‬‬

‫‪79‬‬
80
‫املبحث الرابع‬
‫كيفية التعامل مع احلاكم الظامل؟‬

‫‪81‬‬
82
‫املبحث الرابع‬
‫كيفية التعامل مع احلاكم الظالم ؟‬
‫قد يتساءل سائل ويقول‪ :‬قد علمنا أن احلاكم إذا صلح صلحت‬
‫الرعية‪ ،‬وإذا فسد فسدت الرعية ‪ ،‬وأن الناس على دين ملوكهم‪ ،‬وأنه كما‬
‫يو ّلى عليكم تكونوا‪ ،‬ولكن السؤال هنا‪ :‬ما هو املطلوب من الشعب؟‬
‫وكيف يتعامل مع ظلم وفساد احلاكم؟‬
‫وما األساليب املشروعة في التغيير واإلصالح نحو األفضل؟‬
‫أق��ول وبالله التوفيق‪ :‬ينبغي للعلماء وال��دع��اة واملصلحني‬
‫الساعني لإلصالح والتغيير أن يسلكوا الطرق املشروعة املباحة‬
‫في التغيير واإلص�لاح التي سار عليها سلف األم��ة من العلماء‬
‫واملصلحني وهي كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬الدعاء لهم‪:‬‬
‫فالدعاء من أعظم أسباب الهداية‪ ،‬فينبغي اإلكثار من الدعاء‬
‫للحاكم بالهداية والصالح والتوفيق والسداد ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫{ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ} (غافر)‪.‬‬
‫والدعاء للحاكم بالهداية والصالح مما درج أئمة السلف على بيانه‬
‫في أقوالهم وأفعالهم ‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫ق��ال اإلم��ام إسماعيل الصابوني رحمه الله‪« :‬وي��رى أصحاب‬
‫احلديث‪ :‬أن اجلمعة‪ ،‬والعيدين‪ ،‬وغيرهما من الصلوات‪ ،‬خلف ّ‬
‫كل‬
‫إمام مسلم‪ّ ،‬بر ًا كان أو فاجر ًا‪ ،‬ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا‬
‫جورة فجرة‪ ،‬ويرون الدّ عاء لهم باإلصالح والتوفيق والصالح(((‪.‬‬
‫وقال أبوبكر االسماعيلي‪« :‬ويرون الصالة اجلمعة وغيرها خلف‬
‫كل إمام مسلم بر ًا كان و فاجر ًا‪ ...‬ويرون الدعاء لهم بالصالح والعطف‬
‫(((‬
‫إلى العدل»‪.‬‬

‫وقال البربهاري رحمه الله‪« :‬إذا رأيت ّ‬


‫الرجل يدعو على السلطان‪،‬‬
‫فاعلم أنه صاحب هوى‪ ،‬وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصالح‪،‬‬
‫فاعلم أنه صاحب س ّنة إن شاء الله تعالى»(((‪.‬‬
‫وقال الفضيل بن عياض‪« :‬لو كانت لي دعوة ما جعلتها إ ّ‬
‫ال في‬
‫(((‬
‫السلطان ألن بصالحه صالح البالد والعباد»‪..‬‬
‫وقال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله‪« :‬وال نرى اخلروج على أئمتنا‬
‫ووالة أمورنا وإن جاروا‪ ،‬والندعو عليهم‪ ،‬وال ننزع يد ًا من طاعتهم‪،‬‬
‫عز وجل فريض ًة ما لم يأمروا مبعصية‪،‬‬ ‫ونرى طاعتهم من طاعة الله ّ‬
‫وندعو لهم بالصالح واملعافاة»(((‪.‬‬

‫((( «عقيدة السلف وأصحاب احلديث» للصابوني (‪. )294‬‬


‫((( «اعتقاد أئمة احلديث» لإلسماعيلي (‪.)65‬‬
‫((( «شرح السنة» للبربهاري (‪. )132‬‬
‫((( « شرح السنة» للبربهاري (‪.)116‬‬
‫((( « شرح العقيدة الطحاوية» البن أبي العز احلنفي (‪.)540 /2‬‬

‫‪84‬‬
‫وقال اخلالل رحمه الله‪« :‬أخبرنا أبو بكر املروذي قال‪ :‬سمعت‬
‫أبا عبدالله وذكر اخلليفة املتوكل ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬فقال‪ :‬إني ألدعو‬
‫لتنظرن ما ّ‬
‫يحل‬ ‫ّ‬ ‫له بالصالح والعافية‪ ،‬وق��ال‪ :‬إلن حدث به حدث‬
‫(((‬
‫باإلسالم»‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد بن حنبل رحمه الله‪« :‬وإني ألرى طاعة أمير‬
‫السر والعالنية‪ ،‬وفي عسري ويسري‪ ،‬ومنشطي ومكرهي‪،‬‬ ‫املؤمنني في ّ‬
‫علي‪ ،‬وإني ألدعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار»(((‪.‬‬
‫وأثرة ّ‬
‫وقال البيهقي رحمه الله‪« :‬قال أبو عثمان رحمه الله‪ :‬فانصح‬
‫والرشاد‪ ،‬بالقول والعمل‬
‫للسلطان‪ ،‬وأكثر له من الدّ عاء بالصالح ّ‬
‫واحلكم‪ ،‬فإنهم إذا صلحوا صلح العباد بصالحهم‪ ،‬وإياك أن تدعو‬
‫شر ًا‪ ،‬ويزداد البالء على املسلمني‪ ،‬ولكن ادع‬
‫عليهم باللعنة‪ ،‬فيزدادوا ّ‬
‫(((‬
‫الشر‪ ،‬فيرتفع البالء عن املؤمنني»‪.‬‬
‫لهم بالتوبة‪ ،‬فيتركوا ّ‬
‫وقال أبو عمر بن الصالح رحمه الله‪« :‬والنصيحة ألئمة املسلمني‪:‬‬
‫أي خللفائهم وقادتهم‪ :‬معاونتهم على احلقّ وطاعتهم فيه‪ ،‬وتنبيههم‬
‫وتذكيرهم في رفق ولطف‪ ،‬ومجانبة اخلروج عليهم‪ ،‬والدّ عاء لهم‬
‫(((‬
‫بالتوفيق‪ ،‬وحث األخيار على ذلك»‪.‬‬

‫((( «السنة» (‪.)122‬‬


‫((( «البداية والنهاية» ابن كثير (‪. )391 /14‬‬
‫((( «شعب اإلمي��ان» للبيهقي (‪ )26 /6‬رقم (‪« ،)7401‬فصل في نصيحة الوالة‬
‫ووعظهم»‪.‬‬
‫((( «صيانة صحيح مسلم» (ص‪.)224‬‬

‫‪85‬‬
‫وقال النووي عن حكم الدّ عاء لوالة أمور املسلمني في خطبة‬
‫اجلمعة‪« :‬الدّ عاء ألئمة املسلمني ووالة أمورهم بالصالح واإلعانة‬
‫على احلقّ والقيام بالعدل ونحو ذلك‪ ،‬وجليوش اإلسالم‪ ،‬فمستحب‬
‫باالتفاق»(((‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلس�لام ابن تيمية رحمه الله‪« :‬ولهذا كان السلف‬
‫كالفضيل ابن عياض‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬وسهل بن عبد الله التستري‪،‬‬
‫وغيرهم‪ّ ،‬‬
‫يعظمون قدر نعمة الله به – أي بالسلطان – ويرون الدّ عاء له‬
‫يتقربون به إلى الله تعالى‪ ،‬مع عدم الطمع في‬‫ومناصحته من أعظم ما ّ‬
‫ماله ورئاسته‪ ،‬وال خلشية منه‪ ،‬وال ملعاونته على اإلثم والعدوان(((‪.‬‬
‫وقال اإلم��ام املجدّ د محمد بن عبد الوهاب ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في‬
‫الدّ عاء إلمام املسلمني في خطبة اجلمعة‪« :‬ويستحب أن يدعو للمؤمنني‬
‫واملؤمنات‪ ،‬ولنفسه وللحاضرين‪ ،‬وإن دعا لسلطان املسلمني بالصالح‬
‫(((‬
‫فحسن»‪.‬‬
‫وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله‪« :‬ومن النصيحة لله‬
‫ّ‬
‫وحكامهم بالتوفيق والهداية‬ ‫ولعباده‪ :‬الدّ عاء لوالة أمور املسلمني‬
‫النية والعمل‪ ،‬وأن مينحهم الله البطانة الصاحلة‪ ،‬التي‬
‫والصالح في ّ‬
‫ّ‬
‫وتذكرهم به»‪.‬‬ ‫تعينهم على اخلير‪،‬‬
‫كل مسلم في ّ‬
‫كل مكان‪ ،‬في هذه البالد وفي‬ ‫حق على ّ‬
‫وهذا ّ‬

‫((( «املجموع شرح املهذب» (‪)391 /4‬‬


‫((( «السياسة الشرعية» (ص‪.)234-233‬‬
‫((( «مجموع مؤلفاته رحمه الله» (ص‪.)138‬‬

‫‪86‬‬
‫غيرها‪ ،‬الدّ عوة لوالة األمر بالتوفيق والهداية‪ ،‬وحسن االستقامة‪،‬‬
‫كل خير‪ ،‬وأن يسدّ د خطاهم‬ ‫وصالح البطانة‪ ،‬وأن يعينهم الله على ّ‬
‫فكل مسلم يدعو‬‫ومينحهم التوفيق ملا فيه صالح العباد والبالد‪ّ ،‬‬
‫يردهم للصواب‪ ،‬وأن‬ ‫لوالة أمور املسلمني بأن يصلحهم الله وأن ّ‬
‫يهديهم ملا يرضيه سبحانه‪ ،‬هكذا يجب عليك يا عبد الله أن تدعو‬
‫ويردهم للصواب‪ ،‬إذا كانوا على غير‬
‫لوالة األمور‪ ،‬بأن يهديهم الله ّ‬
‫الهدى‪ ،‬تدعو الله لهم بالهداية والصالح‪ ،‬حتى يستقيموا على أمر‬
‫يحكموا شريعة الله‪ ،‬ففي حتكيم شريعة الله صالح‬ ‫ّ‬ ‫الله‪ ،‬وحتى‬
‫كل مكان‪ ،‬وفي حتكيم شريعة الله‪ ،‬واتباع كتاب الله‪،‬‬ ‫اجلميع في ّ‬
‫وس ّنة رسوله |‪ ،‬صالح الدنيا واآلخرة‪ ،‬ألن الله إذا عرف من عبده‬
‫كل عمل يرضيه‪،‬‬ ‫ّنية صاحلة وعزمية صادقة‪ ،‬سدّ د رأيه وأعانه على ّ‬
‫أي مكان‪ ،‬ألن في اتباع الشريعة‪ ،‬وتعظيم أمر الله ورسوله |‬ ‫في ّ‬
‫صالح أمر الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫فكل مسلم في دولته عليه أن يسأل الله لها التوفيق والهداية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وينصح لها‪ ،‬ويعينها على اخلير‪ ،‬ويسأل الله لها التوفيق والسداد‪،‬‬
‫وال يسأم وال يضعف‪ ،‬وعليه أن يستعمل احلكمة واألسلوب احلسن‪،‬‬
‫لعل الله يجعله مبارك ًا في دعوته ونصيحته‪ ،‬فيكون‬‫الطيب‪ّ ،‬‬‫والكالم ّ‬
‫سبب ًا لهداية من أراد الله له الهداية‪ ،‬من أمير أو حاكم أو غيرهما‪ ،‬ممن‬
‫له شأن في األمة‪ ،‬ألن هداية املسؤول وهداية من له شأن في األمة‪،‬‬
‫(((‬
‫ينفع الله بها العباد والبالد‪ ،‬ويقتدي به الكثير من األمة‪.‬‬

‫((( «مجموع فتاويه رحمه الله» ( ‪.)45-44 /6‬‬

‫‪87‬‬
‫وقال الشيخ محمد العثيمني رحمه الله‪« :‬إذا وجدت من والة‬
‫األمور شيئ ًا مخالف ًا‪ ،‬فادع الله لهم‪ ،‬ألن بصالحهم صالح األمة»‪.‬‬
‫لكن تسمع بعض السفهاء‪ ،‬إذا قلنا‪ :‬الله يصلح والة األمور‪ ،‬الله‬
‫يهديهم‪ ،‬قال‪ :‬الله ال يصلحهم‪.‬‬
‫سبحان الله العظيم!‪.‬‬
‫إذا لم يصلحهم الله فهو أردى لك!‪.‬‬
‫ادع الله لهم بالهداية والصالح‪ ،‬والله على ّ‬
‫كل شيء قدير‪.‬‬
‫(((‬

‫وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله‪« :‬من أصول أهل الس ّنة‬
‫واجلماعة‪ :‬وجوب طاعة والة أمور املسلمني‪ ،‬ما لم يأمروا مبعصية‪،‬‬
‫فإذا أمروا مبعصية فال جتوز طاعتهم فيها‪ ،‬وتبقى طاعتهم باملعروف‬
‫في غيرها‪ ...‬ويرون الصالة خلفهم‪ ،‬واجلهاد معهم‪ ،‬والدّ عاء لهم‬
‫(((‬
‫بالصالح واالستقامة‪ ،‬ومناصحتهم‪.‬‬
‫‪-2‬النصيحة لهم‪:‬‬
‫وينبغي للعلماء والوجهاء وأهل احلل والعقد وعلية القوم ‪ ،‬أن‬
‫يبينوا له فساد عمله‪ ،‬ومغبة تصرفاته‪،‬‬
‫يناصحوا هذا احلاكم الظالم‪ ،‬وأن ّ‬
‫باحلكمة واملوعظة احلسنة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫{ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ‬

‫((( «التعليق على السياسة الشرعية» (ص‪.)452‬‬


‫((( «امللخص الفقهي» (‪.)201 /1‬‬

‫‪88‬‬
‫ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ} (النحل)‪.‬‬
‫وقال |‪« :‬الدّ ين النصيحة‪ ،‬قيل‪ :‬ملن يا رسول الله؟ قال‪ :‬لله‪،‬‬
‫(((‬
‫ولكتابه‪ ،‬ولرسوله‪ ،‬وألئمة املسلمني‪ ،‬وعا ّمتهم»‬
‫قال النووي‪« :‬وأما النصيحة ألئمة املسلمني فمعاونتهم على احلق‬
‫وطاعتهم فيه وأمرهم به‪ ،‬وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف‪ ،‬وإعالمهم‬
‫مبا غفلوا عنه‪ ،‬ولم يبلغهم من حقوق املسلمني‪ ،‬وترك اخلروج عليهم‬
‫(((‬
‫وتأ ّلف قلوب الناس لطاعتهم»‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ ،‬قال رسول الله |‪« :‬إن الله‬
‫تعالى يرضى لكم ثالث ًا‪ ،‬ويكره لكم ثالث ًا‪ ،‬فيرضى لكم‪ :‬أن تعبدوه و‬
‫ال تشركوا به شيئ ًا‪ ،‬وأن تعتصموا بحبل الله جميع ًا وال تفرقوا‪ ،‬وأن‬
‫تناصحوا من و ّاله الله أمركم‪ ،‬ويكره لكم‪ :‬قيل وقال وكثرة السؤال‬
‫(((‬
‫وإضاعة املال»‪.‬‬
‫قال أبونعيم األصبهاني‪« :‬من نصح الوالة واألمراء اهتدى‪ ،‬ومن‬
‫(((‬
‫غشّ هم غوى واعتدى»‪.‬‬
‫وينبغي أن تكون نصيحة احلاكم في السر وليس في العلن حتى‬

‫((( «رواه مسلم»‪.‬‬


‫((( «شرح صحيح مسلم» للنووي (‪.)38 /2‬‬
‫((( «رواه مسلم»‪.‬‬
‫((( «فضيلة العادلني» لألصبهاني « ‪. »140‬‬

‫‪89‬‬
‫تكون أدعى للقبول‪ ،‬فعن عياض بن غنم قال‪ :‬قال رسول ال ّله |‪:‬‬
‫«من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فال يبد له عالني ًة ولكن ليأخذ بيده‬
‫(((‬
‫فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلاّ كان قد أ ّدى ا ّلذي عليه له»‪.‬‬
‫قال الشوكاني‪« :‬ينبغي ملن ظهر له غلط اإلمام في بعض املسائل أن‬
‫يناصحه واليظهر الشناعة عليه على رؤوس األشهاد‪ ،‬بل كما ورد في‬
‫(((‬
‫احلديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة»‪.‬‬
‫وقال العالمة السعدي رحمه الله‪« :‬على من رأى منهم ما ال يحل‬
‫(((‬
‫أن ينبههم سر ًا ال علن ًا بلطف وعبارة تليق باملقام»‪.‬‬
‫وقال الشيخ ابن باز‪« :‬الطريقة امل ّتبعة عند السلف النصيحة فيما‬
‫بينهم وبني السلطان والكتابة إليه أو االتصال بالعلماء الذين يتصلون‬
‫(((‬
‫يوجه إلى اخلير»‪.‬‬
‫به حتى ّ‬
‫والنصيحة في السر في الواقع ينبغي أن تكون للحاكم ولعامة‬
‫الناس‪ ،‬فاإلنسان بطبيعته يرفض النصيحة في العلن ويرى أن فيها‬
‫تقلي ً‬
‫ال من شأنه ومكانته؛ لذلك قال الشافعي رحمه الله‪:‬‬
‫تعاهدني بنصحك ف��ي انفراد‬
‫وج ّنبني النصيحة في اجلماعة‬

‫((( «رواه أحمد وصححه احلاكم في املستدرك واأللباني في ظالل اجلنة»‪.‬‬


‫((( «السيل اجلرار» لللشوكاني (‪.)556/4‬‬
‫((( «الرياض الناضرة» للسعدي (‪.)50‬‬
‫((( «فتاوى ابن باز» (‪.)210/8‬‬

‫‪90‬‬
‫ف���إنّ ال��ن��ص��ح ب�ين ال��ن��اس نوع‬

‫من التوبيخ ال أرضى استماعه‬

‫ف��إن خالفتني وعصيت أمري‬

‫فال جت��زع إذا لم تعط طاعة‬


‫(((‬

‫‪-3‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪:‬‬

‫وينبغي على العلماء والدعاة وطلبة العلم واملصلحني وعامة‬


‫كل حسب‬ ‫الناس‪ ،‬أن يحيوا فريضة األمر باملعروف والنهي عن املنكر ّ‬
‫قدرته واستطاعته‪ ،‬بالرفق واللني‪ ،‬وبحسب الطرق املشروعة واملتاحة‬
‫التي تصلح وال تفسد حتى يزول املنكر والفساد‪.‬‬

‫وذلك ألن هذه األمة لم تستحق هذه اخليرية إال بأمرها باملعروف‬
‫ونهيها عن املنكر ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫{ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ} (آل عمران)‪.‬‬
‫عز ّ‬
‫وجل في سورة التوبة على إقامة الصالة وإيتاء‬ ‫لذلك قدّ مه الله ّ‬
‫الزكاة فقال تعالى‪:‬‬

‫((( «ديوان الشافعي » (‪.)233‬‬

‫‪91‬‬
‫{ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙﮚﮛ ﮜﮝﮞﮟﮠ‬
‫ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ } (التوبة)‪.‬‬
‫وفي هذا التقدمي إيضاح لعظم شأن هذا الواجب وبيان ألهميته‬
‫في حياة األفراد واملجتمعات والشعوب‪ .‬وبتحقيقه والقيام به تصلح‬
‫األمة ويكثر فيها اخلير ويضمحل الشر ويقل املنكر‪ .‬وبإضاعته تكون‬
‫وتتفرق‬
‫ّ‬ ‫العواقب الوخيمة والكوارث العظيمة والشرور الكثيرة‪،‬‬
‫األمة وتقسو القلوب أو متوت‪ ،‬وتظهر الرذائل وتنتشر‪ ،‬ويظهر صوت‬
‫الباطل‪ ،‬ويفشو املنكر‪.‬‬
‫وألن األمر باملعروف والنهي عن املنكر واجب على كل مسلم ّ‬
‫كل‬
‫حسب قدرته لقوله تعالى ‪:‬‬
‫{ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ} (آل عمران)‪.‬‬
‫فليغيره بيده‪ ،‬فمن لم يستطع‬
‫ّ‬ ‫ولقوله |‪« :‬من رأى منكم منكر ًا‬
‫(((‬
‫فبلسانه‪ ،‬فمن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اإلميان»‪.‬‬
‫قال النووي ‪« :‬وقد تطابق على وجوب األمر باملعروف والنهى‬
‫عن املنكر الكتاب والس ّنة وإجماع األمة‪ ،‬وهو أيض ًا من النصيحة التي‬
‫(((‬
‫هي الدين»‪.‬‬

‫((( رواه مسلم‪.‬‬


‫((( «شرح صحيح مسلم» للنووي (‪.)22 /2‬‬

‫‪92‬‬
‫وإذا عطلت األمة شعيرة األمر باملعروف‪ ,‬والنهي عن املنكر‪ ,‬انتشر‬
‫الظلم والفساد في األمة واستحقت لعنة الله‪ ،‬كما لعن الله الذين كفروا‬
‫من بني إسرائيل؛ لتعطيلهم هذه الشعيرة العظيمة‪ ,‬كما قال سبحانه‪:‬‬

‫{ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ}‬
‫(املائدة)‪.‬‬
‫وعن حذيفة رضي الله عنه مرفوع ًا‪« :‬والذي نفسي بيده لتأمرنّ‬
‫ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاب ًا منه‬
‫ّ‬ ‫باملعروف ولتنهونّ عن املنكر أو‬
‫(((‬
‫ثم تدعونه فال يستجاب لكم»‪.‬‬
‫ومل��ا قالت أم املؤمنني زينب رض��ي الله عنها‪« :‬أنهلك وفينا‬
‫(((‬
‫الصاحلون؟» قال لها الرسول |‪« :‬نعم إذا كثر اخلبث»<‬
‫وبتعطيل شعيرة األمر باملعروف والنهي عن املنكر يكون انتفاء‬
‫ولتنهن عن املنكر‬
‫ّ‬ ‫خيرية هذه األمة‪ ،‬قال |‪« :‬والله لتأمرنّ باملعروف‬
‫ولتأخذنّ على يد الظالم ولتأطر ّنه على احلق أطر ًا ولتقصر ّنه على‬
‫ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم‬ ‫ّ‬ ‫احلق قصر ًا‪ ،‬أو‬
‫(((‬
‫كما لعنهم»‪.‬‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬


‫((( رواه البخاري‪.‬‬
‫((( رواه أبوداود وصححه األلباني ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫مسألة‪ :‬حكم اإلنكار العلني‬
‫هذه املسألة من املسائل التي كثر فيها الكالم بني صغار طلبة‬
‫العلم حتى قال بعضهم‪ :‬إن اإلنكار العلني يعتبر خروج ًا على ولي‬
‫األمر ‪ ،‬قأقول وبالله التوفيق‪ :‬اإلنكار العلني على احلاكم إذا لم يؤد‬
‫إلى مفسدة أعظم فاألصل فيه اجلواز واليعتبر خروج ًا على ولي‬
‫الس ّنة واجلماعة‪ ،‬لذلك‬
‫األمر‪ ،‬وهذا القول هو قول جمهور أهل ّ‬
‫بوب اإلمام مسلم في صحيحه باب «وجوب اإلنكار على األمراء‬ ‫ّ‬
‫فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما ص ّلوا ونحو ذلك»‪.‬‬
‫وذكر حديث النبي |‪« :‬ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون‪ ،‬فمن‬
‫عرف برئ‪ ،‬ومن نكر سلم‪ ،‬ولكن من رضي وتابع» قالوا‪ :‬أفال نقاتلهم؟‬
‫قال‪« :‬ال‪ ،‬ما صلوا»‪.‬‬
‫ثم إن القول بجواز اإلنكار العلني على احلاكم إذا لم يؤد إلى‬
‫سيد‬
‫مفسدة أعظم‪ ،‬هو أعلى مقامات الدين وصاحبه إن قتل فهو ّ‬
‫«سيد الشهداء حمزة‪ ،‬ورجل قام إلى إمام‬ ‫الشهداء‪ ،‬لقوله |‪ّ :‬‬
‫(((‬
‫جائر فأمره ونهاه فقتله»‪.‬‬
‫فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع‬
‫ّ‬ ‫ولقوله |‪« :‬من رأى منكم منكر ًا‪،‬‬
‫فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإلميان»‪.‬‬
‫(((‬

‫ولقول |‪« :‬أفضل اجلهاد كلمة حق عند سلطان جائر»‪.‬‬


‫(((‬

‫وحسنه األلباني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫((( رواه احلاكم‬
‫((( رواه مسلم‪.‬‬
‫((( رواه الترمذي وصححه األلباني‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫ولقوله |‪« :‬إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد‬
‫(((‬
‫تو ّدع منها»‪.‬‬
‫ولقوله |‪« :‬لتأخذنّ على يد الظالم‪ ،‬ولتأطر ّنه((( على احلق أطر ًا‬
‫ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض‬ ‫ّ‬ ‫ولتقصر ّنه على احلق قصر ًا‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫(((‬
‫ثم ليلعنكم كما لعنهم»‪.‬‬
‫وألن األحاديث ال��واردة في فضل األمر باملعروف والنهي عن‬
‫املنكر ليست خاصة بعامة الناس‪ ،‬بل هي عامة لكل الناس للسالطني‬
‫واألمراء وللراعي وللرعية‪.‬‬
‫قال ابن اجلوزي‪« :‬اجلائز من األمر باملعروف والنهي عن املنكر مع‬
‫السالطني التعريف والوعظ‪ ،‬وأما تثخني القول نحو‪ :‬يا ظالم‪ ،‬يا من ال‬
‫شرها إلى الغير لم يجز‪،‬‬
‫يحرك فتنة يتعدّ ى ّ‬
‫يخاف الله‪ ،‬فإن كان ذلك ّ‬
‫(((‬
‫وإن لم يخف إال على نفسه فهو جائز‪ ،‬عند جمهور العلماء»‪.‬‬
‫وقد كان الصحابة والتابعون وسلف األمة ينكرون على الوالة‬
‫والسالطني عالنية وال يخشون في الله لومة الئم‪.‬‬
‫ومن ذلك ما ثبت في الصحيحني عن أبي سعيد اخلدري قال‪:‬‬

‫((( رواه أحمد‪ ،‬وقال الهيثمي في مجمع الزوائد‪ :‬رجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫((( واألطر‪ ،‬هو الرد والثني‪.‬‬
‫((( رواه أحمد والترمذي‪ ،‬قال الهيثمي في مجمع الزوائد‪« :‬ورواه الطبراني ورجاله‬
‫رجال الصحيح»‪.‬‬
‫((( «اآلداب الشرعية» ابن مفلح ( ‪)٢٣٨ /١‬‬

‫‪95‬‬
‫كان رسول الله | يخرج يوم الفطر واألضحى إلى املص ّلى‪ ،‬فأول‬
‫شيء يبدأ به الصالة‪ ،‬ثم ينصرف‪ ،‬فيقوم مقابل الناس‪ ،‬والناس‬
‫جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم‪ ،‬فإن كان يريد‬
‫أن يقطع بعث ًا قطعه أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف‪.‬‬
‫قال أبو سعيد‪ :‬فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان‬
‫وهو أمير املدينة في األضحى أو الفطر‪ ،‬فلما أتينا املصلى إذا منبر بناه‬
‫كثير بن الصلت‪ ،‬فإذا مروان يريد يرتقيه قبل أن يصلي‪ ،‬فجبذت بثوبه‪،‬‬
‫غيرمت والله‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا‬
‫فجبذني فارتفع فخطب قبل الصالة‪ ،‬فقلت له ّ‬
‫سعيد قد ذهب ما تعلم‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أعلم والله خير مما ال أعلم‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬
‫الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصالة فجعلتها قبل الصالة»‪.‬‬
‫فأبو سعيد اخل��دري رضي الله عنه قد أنكر على م��روان بن‬
‫الس ّنة بتقدمي اخلطبة على الصالة‪ ،‬بل لم ينكر‬
‫احلكم عالنية ملخالفته ّ‬
‫عليه بلسانه فقط بل أنكر عليه حتى بيده لقوله «فجبذت بثوبه» أي‬
‫سحبت ثوبه حتى ال يصعد‪.‬‬
‫وروى اإلمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد اخلدري أيض ًا قال‪:‬‬
‫«أخرج مروان املنبر في يوم عيد فبدأ باخلطبة قبل الصالة‪ ،‬فقام رجل‬
‫الس ّنة‪ ،‬أخرجت املنبر في يوم عيد ولم يكن‬ ‫فقال‪ :‬يا مروان خالفت ّ‬
‫يخرج فيه‪ ،‬وبدأت اخلطبة قبل الصالة ولم يكن يبدأ بها»‪.‬‬
‫فقال أبو سعيد اخلدري من هذا؟ قالوافالن بن فالن‪ ،‬فقال‪ :‬أما‬
‫هذا فقد قضى ما عليه‪ ،‬سمعت رسول الله | يقول‪« :‬من رأى منكم‬

‫‪96‬‬
‫فليغيره‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم‬
‫ّ‬ ‫منكر ًا فاستطاع أن ّ‬
‫يغيره بيده‬
‫يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اإلميان»‪.‬‬
‫فهذا الرجل أنكر على مروان بن احلكم أمير املؤمنني عالنية‪ ،‬ولم‬
‫ينكر عليه أحد من الصحابة‪ ،‬بل إن أبا سعيد اخلدري قد أثنى عليه‬
‫وقال‪« :‬أما هذا فقد قضى ما عليه»‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أنه دخل‬
‫املسجد وعبدالرحمن بن أم احلكم يخطب قاعد ًا فقال‪« :‬انظر إلى هذا‬
‫اخلبيث يخطب قاعد ًا وقال الله تعالى‪:‬‬
‫{ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ} (اجلمعة)»‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم أيض ًا عن ّ‬
‫عمار بن روية أنه رأى بشر بن مروان‬
‫على املنبر رافع ًا يديه فقال‪ّ :‬‬
‫«قبح الله هاتني اليدين‪ ،‬لقد رأيت رسول‬
‫الله | ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه املسبحة»‪.‬‬
‫وقد كان الصحابي اجلليل عبادة بن الصامت ينكر على معاوية‬
‫أشياء عالنية‪ ،‬ويحدّ ث بحديث‪« :‬من رأى منكم منكر ًا» ويحتج‬
‫بحديث البيعة وهو‪« :‬بايعنا رسول الله | على السمع والطاعة في‬
‫اليسر والعسر واملنشط واملكره‪ ،‬وأن ال ننازع األمر أهله وأن نقول باحلق‬
‫(((‬
‫حيثما كنا‪ ،‬ال نخاف في الله لومه الئم»‪.‬‬
‫علي‬
‫فكتب معاوية إلى عثمان‪« :‬إن عبادة بن الصامت قد أفسد ّ‬
‫((( متفق عليه‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫الشام وأهله» فلما جاء عبادة إلى عثمان قال‪ :‬له سمعت النبي | يقول‪:‬‬
‫«إنه سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون‪ ،‬وينكرون عليكم‬
‫(((‬
‫ما تعرفون‪ ،‬فال طاعة ملن عصى الله تبارك وتعالى‪ ،‬فال تعتلوا بربكم»‪.‬‬
‫وسئل اإلمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله‪ :‬ما ضابط اإلنكار من‬
‫حيث اإلسرار واجلهر به‪ ،‬وإذا لم يجد اإلسرار فهل يجهر باإلنكار؟‬
‫نوجه‬
‫وهل هنالك فرق بني احلاكم واحملكوم في هذه املسألة؟ وكيف ّ‬
‫قصة أبي سعيد اخلدري مع اخلليفة في تقدمي اخلطبة على الصالة‪،‬‬
‫وقصة سلمان مع عمر في قصة القميص وغيرها من الوقائع؟‬
‫يتحرى ما هو األصلح واألقرب إلى النجاح‪،‬‬‫فقال‪ :‬األصل أن املنكر ّ‬
‫فقد ينجح في مسألة مع أمير وال ينجح مع األمير الثاني‪ ،‬فاملسلم الناصح‬
‫يتحرى األمور التي يرجو فيها النجاح‪ ،‬فإذا كان جهره بالنصيحة في‬ ‫ّ‬
‫موضع يفوت األمر فيه‪ ،‬مثل قصة أبي سعيد‪ ،‬والرجل الذي أنكر على‬
‫مروان إخراج املنبر‪ ،‬وتقدمي الصالة‪ ،‬فهذا ال بأس‪ ،‬ألنه يفوت‪ ،‬أما إذا‬
‫كان اإلنكار على أمور واقعة‪ ،‬ويخشى أنه إن أنكر ال يقبل منه أو تكون‬
‫العاقبة سيئة‪ ،‬فيفعل ما هو األصلح‪ ،‬فإذا كان في مكان أو في بلد مع‬
‫أي شخص‪ ،‬ويظهر له ويرتاح إلى أن األصلح مباشرة اإلنكار باللسان‬
‫ويتحرى األصلح‪ ،‬ألن الناس يختلفون في‬ ‫ّ‬ ‫واجلهر معه فليفعل ذلك‪،‬‬
‫هذه املسائل‪ ،‬فإذا رأى املصلحة أال يجهر‪ ،‬وأن يتصل به كتابة أو مشافهة‬
‫فعل ذلك‪ ،‬ألن هذه األمور تختلف بحسب أحوال الناس‪ ...‬وكذلك‬
‫الشخص املعينّ يحرص على الستر مهما أمكن‪ ،‬وي��زوره‪ ،‬أو يكاتبه‪،‬‬

‫((( رواه احلاكم وأحمد وصححه األلباني في الصحيحة‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫وإذا كان يرى من املصلحة أنه إذا جهر قال‪ :‬فالن فعل كذا‪ ،‬ولم تنفع‬
‫فيه النصيحة السر ّية‪ ،‬ورأى من املصلحة أنه ينفع في هذا الشيء فيفعل‬
‫األصلح‪ ،‬فالناس يختلفون في هذا‪ ،‬واإلنسان إذا جهر باملنكر فليس له‬
‫حرمة إذا جهر به بني الناس فليس ملجهر الفسق حرمة في عدم اإلنكار‬
‫عليه‪ ،‬وقد ذكروا أن الغيبة في حق من أظهر الفسق ال تكون غيبة إذا‬
‫(((‬
‫أظهره ولم يستح»‪.‬‬
‫وقد أجاب العالمة محمد بن عثيمني رحمه الله عندما سئل عن‬
‫اجلمع بني األدلة في اإلنكار العلني على والة األمور حيث قال‪« :‬إذا‬
‫رأينا أن اإلنكار علن ًا يزول به املنكر ويحصل به اخلير فلننكر علن ًا‪ ،‬وإذا‬
‫رأينا أن اإلنكار علن ًا ال يزول به الشر‪ ،‬وال يحصل به اخلير بل يزداد‬
‫ضغط الوالة على املنكرين وأهل اخلير‪ ،‬فإن اخلير أن ننكر سر ًا‪ ،‬وبهذا‬
‫جتتمع األدلة‪ ،‬فتكون األدلة الدالة على أن اإلنكار يكون علن ًا فيما إذا‬
‫ك ّنا نتو ّقع فيه املصلحة‪ ،‬وهي حصول اخلير وزوال الشر‪ ،‬والنصوص‬
‫الدالة على أن اإلنكار يكون سر ًا فيما إذا كان إعالن اإلنكار يزداد به‬
‫الشر وال يحصل به اخلير»‪ ،‬ثم قال ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬كلمات والله تكتب‬
‫مباء الذهب‪ ...« :‬فأقول إنه لم يضل من ضل من هذه األمة إال أنهم‬
‫يأخذون بجانب من النصوص ويدعون جانب ًا‪ ...‬فالنصوص ال يكذب‬
‫ً (((‬
‫بعضها بعض ًا وال يصادم بعضها بعضا»‪.‬‬
‫وقال ع ّ‬
‫المة الشام األلباني رحمه الله‪ ...« :‬فإذا احلاكم خالف‬
‫((( تفريغ لشريط «ابن باز في ضيافة ناصر العمر»‪.‬‬
‫((( «لقاء الباب املفتوح» ص‪ 814‬طبعة دار البصيرة‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫الشريعة علن ًا فاإلنكار عليه علن ًا ال مخالفة للشرع في ذلك‪ ،‬ألن هؤالء‬
‫الذين يسمعون اإلنكار من احلاكم وإنكاره منكر يدخل في قلوبهم‬
‫(((‬
‫فيما إذا لم ينكر املنكر من العالم على ذلك احلاكم»‪.‬‬

‫‪ -4‬الصبر وعدم اخلروج عليهم‪:‬‬

‫من عقيدة أهل الس ّنة واجلماعة وجوب الصبر على ظلم احلكام‬
‫وحرمة اخلروج عليهم وقتالهم؛ ألنه يترتّب على اخلروج من طاعتهم‬
‫من املفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم‪.‬‬
‫قال ابن تيمية رحمه الله‪« :‬الصبر على جور األئمة أصل من أصول‬
‫الس ّنة واجلماعة»(((‪.‬‬
‫أهل ّ‬
‫ومن األحاديث الصحيحة الصريحة التي ّ‬
‫حتث على وجوب طاعة‬
‫والة األمور والصبر على ظلمهم‪:‬‬
‫عباس رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله |‪« :‬من‬
‫‪ -1‬عن ابن ّ‬
‫شبرا فمات‪،‬‬
‫رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر‪ ،‬فإنه من فارق اجلماعة ً‬
‫(((‬
‫جاهلية»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فميتته‬
‫‪ -2‬عن عوف بن مالك رضي الله عنه‪ ،‬عن رسول الله |‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ويحبونكم‪ ،‬وتص ّلون عليهم ويص ّلون‬
‫ّ‬ ‫أئمتكم ا ّلذين ّ‬
‫حتبونهم‬ ‫«خيار ّ‬

‫((( في اليوتيوب بعنوان‪« :‬حكم اإلنكار على احلاكم علن ًا»‪.‬‬


‫((( «مجموع فتاوى ابن تيمية» ( ‪.)179/28‬‬
‫((( رواه مسلم‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫أئمتكم ا ّلذين تبغضونهم ويبغضونكم‪ ،‬وتلعنونهم‬
‫عليكم‪ ،‬وشرار ّ‬
‫بالسيف عند ذلك؟‬
‫ويلعنونكم‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أفال ننابذهم ّ‬
‫(((‬
‫قال‪«:‬ال‪ ،‬ما أقاموا فيكم الصالة»‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي ‪ :‬وأما اخلروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع‬
‫(((‬
‫املسلمني وإن كانوا فسقة‪ ،‬وقد تظاهرت األحاديث مبعنى ما ذكرته‪.‬‬
‫‪ -3‬عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال لنا رسول‬
‫الله |‪« :‬إنكم سترون بعدي أثرة وأمور ًا تنكرونها» قالوا فما تأمرنا يا‬
‫(((‬
‫رسول الله؟ قال‪« :‬أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم»‪.‬‬
‫احلث على السمع والطاعة وإن كان املتو ّلي ظامل ًا‬
‫قال النووي‪« :‬فيه ّ‬
‫يتضرع‬‫ّ‬ ‫عسوف ًا فيعطى ح ّقه من الطاعة وال يخرج عليه وال يخلع بل‬
‫(((‬
‫إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شره وإصالحه»‪.‬‬
‫‪ -4‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ ،‬قال رسول الله |‪« :‬عليك‬
‫(((‬
‫السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك»‪.‬‬
‫‪ - 5‬عن عبادة بن الصامت دعانا رسول الله | فبايعناه‪ ،‬فكان‬
‫فيما أخذ علينا‪ ،‬أن بايعنا على السمع والطاعة‪ ،‬في منشطنا ومكرهنا‪،‬‬

‫((( رواه مسلم‪.‬‬


‫((( «شرح صحيح مسلم» للنووي (‪.)٣٥٥/٣‬‬
‫((( رواه البخاري‪.‬‬
‫((( «شرح صحيح مسلم» للنووي (‪.)٣٥٥/٣‬‬
‫((( رواه مسلم‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫وعسرنا ويسرنا‪ ،‬وأثرة علينا‪ ،‬وأن ال ننازع األمر أهله‪ ،‬قال‪« :‬إال أن‬
‫(((‬
‫تروا كفر ًا بواح ًا عندكم من الله فيه برهان»‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه الله بعد إيراده حلديث عبادة‬
‫رضي الله عنه‪ :‬أمر بالطاعة مع استئثار ولي األمر وذلك ظلم منه ونهي‬
‫عن منازعة األمر أهله‪ ،‬وذلك نهي عن اخلروج عليه‪ ،‬اهـ(((‪.‬‬
‫وقال أيض ًا رحمه الله‪ :‬ونهى الرسول | عن قتال أئمة اجلور وأمر‬
‫بالصبر على جورهم ونهى عن القتال في الفتنة اهـ(((‪.‬‬
‫وقال الطحاوي في عقيدته رحمه الله‪« :‬وال نرى اخلروج على‬
‫أئمتنا ووالة أمورنا‪ ،‬وإن جاروا‪ ،‬وال ندعو عليهم‪ ،‬وال ننزع يدً ا من‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وجل فريضة‪ ،‬ما لم يأمروا‬ ‫عز‬
‫طاعتهم‪ ،‬ونرى طاعتهم من طاعة الله ّ‬
‫مبعصية»‪.‬‬
‫وسبب قول أهل الس ّنة واجلماعة بحرمة اخل��روج على احلاكم‬
‫الظالم وقتاله والثورة ضده‪ ،‬ألنه يترتّب على اخلروج عليهم وقتالهم‬
‫من املفاسد أضعاف ما يحصل من الصبر على ظلمهم و جورهم‪.‬‬
‫وألنها من األساليب التي تفسد والتصلح‪ ،‬وقد أثبت الواقع‬
‫فشلها وس��وء نتائجها من القتل والتشريد والتدمير وإراق��ة الدماء‬
‫وانتهاك احلرمات في األزمنة املاضية وفي زماننا هذا والله املستعان‪.‬‬

‫((( رواه مسلم‪.‬‬


‫((( «منهاج السنة النبوية» ابن تيمية ( ‪.)٣٥٤/٢‬‬
‫((( «التنبيهات السنية» ابن تيمية ( ‪..)٣٢٢‬‬

‫‪102‬‬
‫«وقل من خرج على‬ ‫ّ‬ ‫وقد صدق شيخ اإلسالم ابن تيمية حني قال‪:‬‬
‫إمام ذي سلطان إال كان ما تو ّلد على فعله من الشر أعظم مما تو ّلد من‬
‫(((‬
‫اخلير كالذين خرجوا على يزيد باملدينة»‪.‬‬
‫وقال أيض ًا‪« :‬وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير‬
‫سائغ فال يجوز أن يزال ملا فيه من ظلم وجور كما هو عادة أكثر النفوس‬
‫تزيل الشر مبا هو شر منه‪ ،‬وتزيل العدوان مبا هو أعدى منه‪ ،‬فاخلروج‬
‫(((‬
‫عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصبر عليه»‪.‬‬
‫وصدق تلميذه البار ابن القيم حني قال‪« :‬اإلنكار على امللوك‬
‫(((‬
‫واخلروج عليهم أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر»‪.‬‬
‫وقال ابن أبي العز احلنفي‪« :‬وأ ّما لزوم طاعتهم وإن جاروا‪ ،‬فألنه‬
‫يترتّب على اخلروج من طاعتهم من املفاسد أضعاف ما يحصل من‬
‫(((‬
‫جورهم»‪.‬‬
‫قال القرطبى رحمه الله‪« :‬والذى عليه األكثر من العلماء أن الصبر‬
‫على طاعة اإلم��ام اجلائر أول��ى من اخل��روج عليه؛ ألن في منازعاته‬
‫واخل��روج عليه استبدال األم��ن باخلوف‪ ،‬وإراق��ة ال��دم��اء‪ ،‬وانطالق‬
‫(((‬
‫وشن الغارات على املسلمني والفساد في األرض»‪.‬‬ ‫أيدى السفهاء‪ّ ،‬‬

‫((( «منهاج السنة» ابن تيمية ( ‪.)٤٢٥/٤‬‬


‫((( «مجموع الفتاوى» ابن تيمية (‪.)١٧٨/٢٧‬‬
‫((( «اعالم املوقعني» ابن القيم (‪.)١٢/٢‬‬
‫((( «شرح العقيدة الطحاوية» ابن ابي العز احلنفي ( ‪.)٣٦٦‬‬
‫((( «تفسير القرطبي» للقرطبي ( ‪. )٢٠٨/٢‬‬

‫‪103‬‬
104
‫الفهرس‬

‫ص‬ ‫املوضوع‬

‫‪5‬‬ ‫املقدمة‪.....................................................‬‬

‫‪9‬‬ ‫املبحث األول‬


‫حكم حديث (كما يولى عليكم تكونوا) سند ًا ومتن ًا‬

‫‪17‬‬ ‫املبحث الثاني‬


‫تنص على أن صالح الشعب أو فساده بسبب احلاكم‬
‫آثار وأقوال ّ‬

‫‪19‬‬ ‫‪ -1‬أثرأبيبكرالصديق‪-‬رضياللهعنه ‪........................‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪ - 2‬أثر عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪.......................‬‬

‫‪20‬‬ ‫‪ - 3‬أثر علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله عنه ‪.....................‬‬

‫‪20‬‬ ‫منبه‪-‬رضياللهعنه‪...........................‬‬
‫‪-4‬أثروهببن ّ‬

‫‪20‬‬ ‫‪ - 5‬عمر بن عبد العزيز ‪ -‬رحمه الله ‪...........................‬‬

‫‪21‬‬ ‫ّوري ‪ -‬رحمه الله ‪...............................‬‬


‫‪ - 6‬سفيان الث ّ‬

‫‪21‬‬ ‫‪ - 7‬عبدالله بن املبارك ‪ -‬رحمه الله‪............................‬‬

‫‪105‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪ -8‬الفضيل بن عياض ‪ -‬رحمه الله ‪...........................‬‬

‫‪22‬‬ ‫‪ - 9‬شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله ‪..................‬‬

‫‪23‬‬ ‫‪ - 10‬ابن القيم ‪ -‬رحمه الله ‪...............................‬‬

‫‪24‬‬ ‫‪ - 11‬الشيخ اإلمام العالمة محمد بن محمد بن عبدالكرمي‬


‫املوصلي الشافعي ‪ -‬رحمه الله ‪............................‬‬

‫‪26‬‬ ‫‪ - 12‬أبو منصور الثعالبي ‪ -‬رحمه الله ‪.....................‬‬

‫‪27‬‬ ‫‪ - 13‬أبو حامد الغزالي ‪ -‬رحمه الله ‪.......................‬‬

‫‪28‬‬ ‫‪ - 14‬ابن كثير ‪ -‬رحمه الله ‪................................‬‬

‫‪30‬‬ ‫‪ - 15‬العجلوني ‪ -‬رحمه الله ‪..............................‬‬

‫‪30‬‬ ‫‪ - 16‬ابن عبد ربه ‪ -‬رحمه الله ‪.............................‬‬

‫‪33‬‬ ‫املبحث الثالث‬


‫أحداث من الواقع‬

‫‪37‬‬ ‫(‪ )1‬عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ‪..........................‬‬

‫‪42‬‬ ‫(‪ )2‬نور الدين زنكي ‪ -‬رحمه الله ‪..........................‬‬

‫‪106‬‬
‫‪53‬‬ ‫(‪ )3‬الشيخ جابر األحمد الصباح ‪...........................‬‬

‫‪60‬‬ ‫(‪ )4‬الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ‪..................‬‬

‫‪66‬‬ ‫(‪ )5‬مصطفى كمال أتاتورك ‪..................................‬‬

‫‪73‬‬ ‫(‪ )6‬امللك احمد زوغو ‪.......................................‬‬

‫‪75‬‬ ‫(‪ )7‬احلبيب بورقيبة ‪..........................................‬‬

‫‪78‬‬ ‫(‪ )8‬زين العابدين بن علي‪....................................‬‬

‫‪81‬‬ ‫املبحث الرابع‬


‫كيفية التعامل مع احلاكم الظالم؟‬

‫‪83‬‬ ‫‪ -1‬الدعاء لهم ‪..............................................‬‬

‫‪88‬‬ ‫‪-2‬النصيحة لهم ‪............................................‬‬

‫‪91‬‬ ‫‪-3‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪..........................‬‬

‫‪94‬‬ ‫مسألة‪ :‬حكم اإلنكار العلني ‪..................................‬‬

‫‪100‬‬ ‫‪ -4‬الصبر وعدم اخلروج عليهم ‪...............................‬‬

‫‪107‬‬
@

108

You might also like