You are on page 1of 6

‫قال الناظم‪:‬‬

‫[‪َ ]19‬و َيْح ُر ُم َبْهٌت َو اْغ ِتَياٌب َنِم يَم ٌة‬


‫َو ِإْفَش اُء ِس ٍّر ُثَّم َلْع ُن ُم َقَّيِد‬
‫قول‪11‬ه ‪َ« :‬بْهٌت » ه‪11‬و بفتح الموَّح دة وسكون الهاء وفتحها‪،‬‬
‫لغتان‪.‬‬
‫يقال‪َ :‬بَهَت ه‪ ،‬أي‪ :‬تناول‪11‬ه بما ليس في‪11‬ه(‪ ،)1‬أو‪ :‬ق‪11‬ال علي‪11‬ه ما لم‬
‫يفعله(‪.)2‬‬
‫وقد ورد هذا المعنى في حديث الغيب‪11‬ة‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ،‬أن‬
‫رسول هللا ‪ ‬قال‪« :‬أتدرون‌ما‌الغيب‪11‬ة؟» ق‪11‬الوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪.‬‬
‫قال‪ِ« :‬ذ ْك ُرك أخ‪1‬اك بما يك‪1‬ره» قي‪1‬ل‪ :‬أفرأيت إن ك‪1‬ان في أخي ما‬
‫أقول؟ قال‪« :‬إن كان فيه ما تقول فقد اْغ َتْبَت ه‪ ،‬وإن لم يكن في‪11‬ه فقد‬
‫َبَهَّته»(‪.)3‬‬
‫وورد أيًضا في كالم عب‪11‬د هللا بن عمر ‪ ،‬حيث ق‪11‬ال‪« :‬الغيب‪11‬ة‪:‬‬
‫أن تقول ما فيه‪ .‬والبهتان‪‌:‬أن‌تقول‌ما‌ليس‌فيه»(‪.)4‬‬
‫والَبْهت حرام‪ ،‬ألنه الَك ِذ ب(‪ ،)5‬وفاعله متوَّع د بوعيد شديد‪.‬‬

‫«تهذيب اللغة» (‪ )8/183‬لألزهري‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫«الصحاح تاج اللغة وصحاح العربي‪11‬ة» (‪ )1/244‬للج‪11‬وهري‪ ،‬و«لس‪11‬ان العرب» (‪)2/12‬‬ ‫‪2‬‬

‫البن منظور‪.‬‬
‫أخرجه مسلم برقم (‪.)2589‬‬ ‫‪3‬‬

‫أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الغيبة والنميمة» (ص‪ ،)27‬وفي «الصمت» (ص‪.)136‬‬ ‫‪4‬‬

‫«شرح منظومة اآلداب الشرعية» (ص‪ )99‬للَح َّج اوي‪ ،‬و«غذاء األلب‪11‬اب ش‪11‬رح منظومة‬ ‫‪5‬‬

‫اآلداب» (‪ )1/79‬للَّس َفاِر يني‪.‬‬


‫فعن معاذ بن أنس ‪ ،‬عن الن‪11‬بي ‪ ‬ق‪11‬ال‪« :‬ومن رمى مس‪11‬لًم ا‬
‫بشيء يريد شينه به‪ ،‬حبس‪1‬ه هللا‌على‌جس‪1‬ر‌جهنم حتى يخ‪1‬رج مما‬
‫قال»(‪.)6‬‬
‫ومن أقبح الَبْهت َقْذ ُف المحصنات المؤمنات الغافالت‪ ،‬وه‪11‬ذا من‬
‫السبع الموبقات ال‪11‬تي حَّذ ر منها الن‪11‬بي ‪ ‬بقول‪11‬ه‪« :‬اجتنب‪11‬وا‌الس‪11‬بع‬
‫‌الموبقات»‪ ،‬فس‪11‬ئل عنها‪ ،‬فذكر منها‪...« :‬وق‪11‬ذف المحص‪11‬نات‬
‫المؤمنات الغافالت»(‪.)2‬‬
‫وقوله ‪« :‬واْغ ِتياب»‪ ،‬أي‪ :‬الغيبة‪ ،‬وهي كما فس‪11‬رها الن‪11‬بي ‪:‬‬
‫«ِذ ْك ُرك أخاك بما يكره»(‪.)3‬‬
‫والغيبة محرمة(‪ ،)4‬بل هي من الكبائر بال خالف‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪« :‬ال خالف في أن الغيبة من الكبائر»(‪.)5‬‬
‫وقال ابن كثير ‪« :‬والغيبة محرمة باإلجماع‪ ،‬وال يس‪11‬تثنى من‬
‫ذل‪1111‬ك إال ما رجحت مص‪1111‬لحته‪ ،‬كما في الج‪1111‬رح والتعديل‬
‫والنصيحة»(‪.)6‬‬
‫بل مَّثل هللا ‪ ‬الغيبة بأقذر شيء‪ ،‬وهو‪ :‬أكل الميتة‪ ،‬فقال ‪)( :‬‬
‫[الحجرات‪.]12 :‬‬

‫أخرجه أحمد برقم (‪ ،)15649‬وأبو داود برقم (‪ ،)4883‬وحس‪11‬نه األلب‪11‬اني في «سنن أبي‬ ‫‪6‬‬

‫داود»‪.‬‬
‫أخرجه البخاري برقم (‪ ،)2766‬ومسلم برقم (‪ ،)262‬من حديث أبي هريرة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫تقدم تخريجه (ص)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫سواء ك‪11‬انت باللس‪11‬ان أو بالي‪11‬د أو بالعين أو نحوه‪11‬ا‪ .‬وق‪11‬د فس‪11‬ر مجاه‪11‬د ق‪11‬ول هللا‪( :‬الهمزة)‬ ‫‪4‬‬

‫باالغتياب بالليد والعين‪ ،‬و(اللمزة) باالغتياب باللسان‪ ،‬كما ذكره ابن كثير في «تفسير القرآن‬
‫العظيم» (‪.)8/481‬‬
‫«الجامع ألحكام القرآن» (‪.)19/405‬‬ ‫‪5‬‬

‫«تفسير القرآن العظيم» (‪.)7/380‬‬ ‫‪6‬‬


‫قال عبد هللا بن عباس ‪« :‬إنما ضرب هللا هذا المثل للغيب‪11‬ة ألن‬
‫أكل لحم الميت حرام مستقَذ ر‪ ،‬وكذا الغيبة حرام في الدين وقبيح في‬
‫النفوس»(‪.)1‬‬
‫ومن أعجب ما ورد في ش‪1‬ناعة الغيب‪1‬ة وُقْبحها ما ثبت عن أنس‬
‫بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬ك‪11‬انت العرب َيْخ ُد ُم بعضهم بعًض ا في األسفار‪،‬‬
‫وكان مع أبي بكر وعمر رجل يخ‪1‬دمهما‪ ،‬فن‪1‬ام‪ ،‬واستيقظا ولم يهِّيئ‬
‫طعاًم ا‪ ،‬فقاال‪ :‬إن هذا لَنُئوٌم ‪ .‬فأيقظاه‪ ،‬فقاال‪ :‬ائت رسول هللا ‪ ،‬فقل‬
‫له‪ :‬إن أبا بكر وعمر يقرآنك السالم‪ ،‬وهما يس‪11‬تأدمانك‪ .‬فأت‪11‬اه‪ ،‬فقال‬
‫‪« :‬أخبرهما أنهما قد ائتدما» ففزعا‪ ،‬فجاءا إلى النبي ‪ ،‬فقاال‪ :‬يا‬
‫رسول هللا‪ ،‬بعثنا نستأدمك‪ ،‬فقلت‪ :‬ائتدما‪ ،‬فبأي شيء‌ائتدمنا؟ فقال‪:‬‬
‫«بأكلكما لحَم أخيكما‪ ،‬إني ألرى لحمه بين ثناياكم» فقاال‪ :‬يا رسول‬
‫هللا‪ ،‬فاستغفر لنا‪ .‬قال‪« :‬هو‪ ،‬فليستغفر لكما»(‪.)2‬‬
‫لكن‪ ،‬وإن كان األصل في الغيب‪11‬ة حراًم ا‪ ،‬إال أنها تب‪11‬اح لغ‪11‬رض‬
‫شرعي‪ ،‬وذلك لستة أسباب‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬التظلم‪ ،‬فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاض‪11‬ي‬
‫وغيرهما ممن له ِوالية أو ق‪11‬درة على إنص‪11‬افه من ظالمه‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ظلمني فالن‪ ،‬أو فعل بي كذا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬االستغاثة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب‪،‬‬
‫فيقول لمن يرجو قدرته‪ :‬فالن يعمل كذا‪ ،‬فازجره عنه‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬االستفتاء‪ ،‬بأن يقول للمفتي‪ :‬ظلمني فالن أو أبي أو أخي‬
‫أو زوجي بكذا‪ ،‬فهل له ذل‪11‬ك؟ وما ط‪11‬ريقي في الخالص من‪11‬ه ودفِع‬

‫«الجامع ألحكام القرآن» (‪ )19/403‬للقرطبي‪.‬‬‫‪1‬‬

‫أخرج‪11‬ه الخ‪11‬رائطي في «مس‪11‬اوئ األخالق ومذمومها» (ص‪ ،)95‬والِّض َياء المقدسي في‬
‫‪2‬‬

‫«األحاديث المختارة» (‪ ،)5/71‬وصححه األلباني في «السلسلة الصحيحة» (‪.)6/211‬‬


‫ظلمه عني؟ ونحو ذلك‪ ،‬فهذا جائز للحاجة‪ ،‬واألج‪11‬ود أن يقول في‪11‬ه‪:‬‬
‫رجل أو زوج أو والد وولد كان من أمره ك‪11‬ذا‪ ،‬ومع ذل‪11‬ك فالتعيين‬
‫جائز لحديث هند‪ .‬وقولها‪« :‬إن أبا سفيان رجل شحيح»‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬تحذير المسلمين من الشر‪ ،‬وذلك من وجوه‪:‬‬
‫منها‪ :‬جرح المجروحين من الرواة والشهود والمص ‪ِّ1‬نفين‪ ،‬وذل‪11‬ك‬
‫جائز باإلجماع‪ ،‬بل واجب صوًنا للشريعة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬اإلخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬إذا رأيت من يشتري شيًئا َم ِع يًبا أو عب ‪ً1‬د ا سارًقا أو زانًي ا‬
‫أو شارًبا أو نحو ذل‪11‬ك‪ ،‬ت‪11‬ذكره للمشتري إذا لم يعلمه‪ ،‬نص‪11‬يحة‪ ،‬ال‬
‫بقصد اإليذاء واإلفساد‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬إذا رأيت متفِّقًه ا يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخ‪11‬ذ عن‪11‬ه‬
‫علًم ا‪ ،‬وِخ ْفَت علي‪11‬ه ض‪11‬رره‪ ،‬فعلي‪11‬ك نص‪11‬يحته ببي‪11‬ان حال‪11‬ه قاص ‪ً1‬د ا‬
‫النصيحة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن يكون له ِوالية ال يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو‬
‫لفسقه‪ ،‬فيذكره لمن له عليه والية ليستدل به على حاله‪ ،‬فال يغتر به‬
‫ويلزم االستقامة‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن يكون مجاهًرا بفسقه أو بدعته‪ ،‬كالخمر‪ ،‬ومص‪11‬ادرة‬
‫الناس‪ ،‬وجباية الُم ُك وس‪ ،‬وتولي األمور الباطل‪11‬ة‪ ،‬فيج‪11‬وز ذك‪11‬ره بما‬
‫يجاهر به‪ ،‬وال يجوز بغيره إال بسبب آخر‪.‬‬
‫الس‪111‬ادس‪ :‬التعريف‪ ،‬فإذا ك‪111‬ان معروًف ا بلقب‪ ،‬ك‪111‬األعمش‪،‬‬
‫واألعرج‪ ،‬واألزرق‪ ،‬والقصير‪ ،‬واألعمى‪ ،‬واألقطع‪ ،‬ونحوها‪ ،‬جاز‬
‫تعريفه به‪ ،‬ويحرم ذكره به تنُّقًصا‪ ،‬ولو أمكن التعريف بغ‪11‬يره ك‪11‬ان‬
‫أولى(‪.)1‬‬
‫وقد ُج ِمَع ت هذه األسباب الستة في قول بعضهم‪:‬‬
‫‌القدح‌ليس‌بغيبة في ستة … متظلم ومعرفة ومحذر‬
‫ومجاهر فسًقا ومستفت ومن … طلب اإلعانة في إزالة منكر(‪.)2‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫عَّد بعض العلماء سوء الظن غيبة قلبية‪ ،‬فهذا أبو حامد الغ‪11‬زالي‬
‫‪ ‬قال في كتابه «إحياء علوم الدين»‪« :‬بيان تحريم الغيب‪11‬ة بالقلب‪:‬‬
‫اعلم أن سوء الظن حرام مث‪11‬ل سوء القول‪ ،‬فكما يحرم علي‪11‬ك أن‬
‫تحِّد ث غيرك بلسانك بمس‪11‬اويء الغ‪11‬ير‪ ،‬فليس ل‪11‬ك أن تحِّد ث نفس‪11‬ك‬
‫وتسيء الظن بأخيك‪ ،‬ولس‪ُ1‬ت أع‪11‬ني به إال َع ْق َد القلب وُح ْك َم ه على‬
‫غيره بالس‪11‬وء‪ ،‬فأما الخ‪11‬واطر وحديث النفس فهو َم ْع ُف ٌّو عن‪11‬ه‪ ،‬بل‬
‫الشك أيًض ا َم ْع ُف ٌّو عن‪11‬ه‪ ،‬ولكن المنهي عن‪11‬ه أن يظن‪ ،‬والظن عب‪11‬ارة‬
‫عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب»(‪.)3‬‬
‫وقوله ‪« :‬نميمة»‪ ،‬وهي‪ :‬نقل الحديث من ق‪11‬وم إلى ق‪11‬وم على‬
‫جهة اإلفساد والشر(‪.)4‬‬
‫والنميمة محرمة باإلجماع‪ ،‬ق‪11‬ال المن‪11‬ذري ‪« :‬وق‪11‬د أجمعت‬
‫األمة على‌تحريم‌النميمة‪ ،‬وأنها من أعظم الذنوب عند هللا ‪.)5(»‬‬
‫«المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج» (‪ ،)142-16/141‬و«رياض الص‪11‬الحين» (ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،)426-425‬كالهما للنووي‪.‬‬
‫«غذاء األلباب في شرح منظومة اآلداب» (‪ )1/85‬للَّس َفاريني‪.‬‬‫‪2‬‬

‫(‪.)3/150‬‬
‫‪3‬‬

‫«النهاية في غريب الحديث واألثر» (ص‪ )850‬البن األثير‪ ،‬و«المنهاج شرح صحيح مسلم‬ ‫‪4‬‬

‫بن الحجاج» (‪ )3/201‬للنووي‪.‬‬


‫«الترغيب والترهيب» (‪.)3/498‬‬ ‫‪5‬‬
‫وهي أقبح من الغيب‪11‬ة‪ ،‬ألنها غيب‪11‬ة وزيادة‪ ،‬فك‪11‬ل نميمة غيب‪11‬ة‪،‬‬
‫وليس كل غيبة نميمة‪ ،‬فإن اإلنسان قد يذكر عن غيره ما يكره‪11‬ه‪،‬‬
‫وال إفساد فيه بينه وبين أحد‪ ،‬وهذا غيبة فقط‪ ،‬وق‪11‬د يذكر عن غيره‬
‫ما يكرهه‪ ،‬وفيه إفساد‪ ،‬وهذا غيبة ونميمة(‪.)1‬‬
‫وقول‪11‬ه ‪« :‬وإفشاُء ِس ٍّر »‪ ،‬أي‪ :‬ويحرم إفشاء الس‪11‬ر‪ ،‬وه‪11‬و‬
‫األصل‪ ،‬إال إذا دعت الحاجة إلى إفشائه‪.‬‬

‫«الزواجر عن اقتراف الكبائر» (‪ ،)2/32‬و«تطهير الَع ْيَبة من دنس الغيبة» (ص‪ )45‬البن‬ ‫‪1‬‬

‫حجر الهيتمي‪.‬‬

You might also like