Professional Documents
Culture Documents
جنَّبه الش ّر إذا أبعده عنه ،أي :جعله في جانب من{{ه ،و« جنّب» يتع{{دى إلى مفع{{ولين ،ق{{ال
ي َأ ْن نَ ْعبُ{{{{ َد اَأْل ْ
ص{{{{نا َم ، »٤« ومطاو ُعه :اجتنب ،ينقص مفع{{{{والً، تع{{{{الىَ :واجْ نُ ْبنِي َوبَنِ َّ
وإبهام أي قبيل هوَّ ،
فإن ِمن الظن ما يجب اتبا ُعه كالظن فيم{{ا ال ق{{اطع في{{ه من العملي{{ات،
وحسن الظن باهلل تعالى ،ومنه ما يُحرم ،وهو ما يُوجب نقصا ً باإللهيات والنب{{وات ،وحيث
ْض الظَّنِّ ِإ ْث ٌم ،تعليل لألمر باالجتناب ،قال الزجاج :هو ظنّك بأهل الخير سوءاً ،فأم{{ا
ِإ َّن بَع َ
نظن بهم مثل الذي ظهر عليهم ،وقيل المعنى :اجتنبوا اجتنابا ً كث{{يراً من
أهل الفسق فلنا أن ّ
الظن ،وتح{{ ّرزوا من{{ه ،إن بعض الظن إثم ،وَأ ْولى كث{{يرُه ،واإلثم :ال{{ذنب ال{{ذي يس{{تحق
َّ
الظن أك{{ذبُ صاحبه العقاب ،وفي الحديث عنه صلّى هللا عليه وس{{لم« :إي{{اكم والظن ،ف{{إن
الحديث» ، »١« فالواجب أالَّ يعتمد على مجرد الظن ،فيعمل به ،أو يتكلم بحسبه.
قال ابن عطية :وم{{ا زال أول{{و الع{{زم يحترس{{ون من س{{وء الظن ،ويجتنب{{ون ذرائعه .ق{{ال
النووي :واعلم أن س{{وء الظن ح{{رام مث{{ل الق{{ول ،فكم{{ا يح{{رم أن تح{ ّدث غ{{ي َرك بمس{اوئ
إنسان يحرم أن تُحدِّث نفس{{ك ب{{ذلك ،وتس{{يء الظن ب{{ه ،والم{راد :عق{ ُد القلب وحك ُم{{ه على
{و ُ
وحديث النفس ،إذا لم يستقر ويس{{تمر علي{{ه ص{{احبه ،فمعف{ ٌّ غيره بالسوء ،فأما الخواطرُ،
عنه باتفاق ألنه ال اختيا َر له في وقوعه ،وال طريق له إلى االنفكاك عنه .هـ.
وقال في التمهيد :وقد َ
ثبت عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال« :ح { ّرم هللا من الم{{ؤمن:
ُظن ب{ه إال الخ{ير» . »٢« هـ .ونق{ل أيض{ا ً أن عم{ ُر ُ
بن عب{د د َمه ومالَ{ه و ِع َ
رض{ه ،وأال ي َّ
العزيز كان إذا ُذكر عنده رجل بفضل أو صالح ،قال :كيف هو إذا ُذكر عنده إخوانُه؟ فإن
جميالً ،ويُحس{{ن الثن{{اء عليهم ،ق{{ال :ه{{و كم{{ا تقول{{ون إن ش{{اء هللا .هـ .وفي الح{{ديث
أيضا ً« :خصلتان ليس فوقهما شيء من الخ{{ير ،ح ْ
ُس{ن الظنِّ باهلل ،وح ْ
ُس{ن الظن بعب{{اد هللا.
وخصلتان ليس فوقهما شي ٌء ِمن الشرِّ ،سُو ُء الظن باهلل ،وسوء الظن بعباد هللا».
وبحث عن{{ه ،تَفع { ٌل من :الجسّ .وعن مجاهدُ :خ{{ذوا م{{ا ظه{{ر و َدع{{وا م{{ا س{{تر هللا .وق{{ال
ونحوه فالتجسُّس عليه مطلوب أو واجب .هـ .قلت :معناه :التجسُّس عليه بالشم ونحوه ليُقام
عليه الحد ،ال دخول داره لينظر م{{ا فيه{{ا من الخم{{ر ونح{{وه ،فإن{{ه منهي عن{{ه ،وأ ّم{{ا فع{{ل
عمر -رضي هللا عنه -فحا ٌل غالبة ،يقتصر عليها في محلها .وانظر الثعلبي ،فق{{د ذك{{ر عن
عمر رضي هللا عنه أنه فعل من ذلك أموراً ،ومجملها ما ذكرنا.
التجس {س -ب{{الجيم-
ُّ وقرئ بالحاء ، »٢« من« الحس» الذي هو أثر الجس وغايت{{ه ،وقيل :
وقال بعضهم :التجسُّس -بالجيم -في الشر ،وبالحاء في الخير ،وقد يتداخالن.
والحاصل :أنه يجب ترك البحث عن أخبار الناس ،والتم{{اس المع{{اذر ،ح{{تى يُحس{{ن الظن
فإن التجسُّس هو السبب في الوقوع في الغيبة ،ول{{ذلك ق َّدم{{ه الح{{ق -تع{{الى -على
بالجميعَّ ،
بعض{{{كم بعض{{{ا ً
ُ ْض{{{ ُك ْم بَعْض{{{ا ً أي :ال ي{{{ذكر
النهي عن الغيب{{{ة ،حيث ق{{{الَ :وال يَ ْغتَبْ بَع ُ
بسوء .فالغيبة :الذك ُر بالعيب في ظهر الغيب ،من االغتياب ،كال ِغ ْيلَ { ِة من االغتي{{ال .وس{{ئل
صلّى هللا عليه وسلم عن الغيبة ،فقالِ « :ذ ْكرُك أخاك بما يكره ،ف{{إن ك{{ان في{{ه فق{{د اغتبت{{ه،
وعن معاذ :كنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ف َذ َكر القو ُم رجالً ،فقالوا :ال يأكل إال إذا
ُأطعم ،وال يرحل إال إذا رُحِّ ل ،فما أضعفه! فقال عليه السالم« :اغتبتم أخاكم» ، فقالوا :ي{{ا
رسول هللا ،أ َو غيب{{ة أن يُح{ َّدث بم{{ا في{{ه؟ ق{{ال« :فَ َح ْس{بُكم غيب{ةً أن تُح{دِّثوا عن أخيكم بم{{ا
فيه» . »٤« قال أبو هريرة :قام رجل من عند النبي صلى هللا عليه وس{{لم ف{{رَأ ْوا في قيام{{ه
َعجْ{{ زاً ،فق{{الوا :ي{{ا رس{{ول هللا ،م{{ا أعج{{ز فالن{{اً! فق{{ال علي{{ه الس{{المَ« :أ َك ْلتُم لحْ َم أخيكم
واغتبتموه». »
قال النووي :الغيبة :ك ّل ما أفهمت به غي َرك نقصان مسلم عاقل ،وهو حرام .هـ .قوله :م{{ا
والرأس ،والتحكية بأن يفعل مثلَه ،كالتعارج ،أو يحكي كال َمه على هيئت{{ه ليُض{{حك غ{{يره،
فهذا كله حرام ،إن فهَم المخاطَ ب تعيين الشخص المغتاب ،وإال فال بأس ،وهللا تعالى أعلم.
وال فرق بين غيبة الحي والميت ،لما وردَ « :من شت َم ميتا ً أو اغتابه فكأنما ش{{تم أل{{ف ن{{بي،
ألف ملَك ،وأحبط هللا له عم{{ل س{{بعين س{{نة ،ووض{{ع على قدم{{ه
و َمن اغتابه فكأنما اغتاب َ
سبعين كيةً من نار». »١«
والسامع للغيبة كالمغتاب ،إالَّ أن يُ َغ{{ير أو يق{{وم ،وورد عن الش{{يخ أبي الم{{واهب التونس{{ي
الش{{اذلى أن الن{{بي ص{{لى هللا علي{{ه وس{{لم ق{{ال له« :ف{{إن ك{{ان وال ب{{د من س{{ماعك غيب{{ة
الناس -أي :وقع منك -فاقرأ سورة اإلخالص والمع{{وذتين ،واه{ ِد ثوابه{{ا للمغت{{اب ف{{إن هللا
مجلسٌ إال بذكر عيوب الناس .وفي الحديث« :رأيت ليلة ُأس{{ري بي رج{{االً لهم أظف{{ار من
نحاس ،يَ ْخ ُ
مش{ون وج{{وههم ولح{{و َمهم ،فقلتَ :م ْن ه{{ؤال ِء ي{{ا جبري{{ل؟ فق{{ال :ه{{ؤالء ال{{ذين
َأي ُِحبُّ َأ َح ُد ُك ْم َأ ْن يَْأ ُك َل لَحْ َم َأ ِخي ِه َميْتاً ،ه{{ذا تمثي{{ل وتص{{وير لم{{ا ينالُ{{ه المغت{{اب من ِع{
{رض
ِ
ب على أفحش وجه .وفيه مبالغات ،منها :االستفهام الذي معناه التقرير ،ومنها :فع{{ ُل
المغتا ِ
ما هو الغاية فى الكراهة موصوالً بالمحبة ،ومنها :إسناد الفعل إلى َأ َح ُد ُك ْم إشعاراً َّ
بأن أحداً
ِمن األحدين ال يُحبُّ ذلك ،ومنها :أن{{ه لم يقتص{{ر على تمثي{{ل االغتي{{اب ب{{أ ك{{ل لحم مطل{{ق
اإلنس{{ان ،ب{{ل جعل{{ه أخ {ا ً لآلك{{ل ،ومنها :أن{{ه لم يقتص{{ر على أك{{ل لحم األخ ح{{تى جعل{{ه
ميتا ً .وعن قتادة :كما تكره إن وجدت جيفة ُم َد ّودة أن تأكل منها كذلك فا ْك َره لحم أخيك .هـ.
ول َّما قررهم بأن أحداً منهم ال يُحب أكل جيفة أخيه عقَّب ذلك بقوله :فَ َك ِر ْهتُ ُم{{وهُ أي :وحيث
كان األمر كما ُذكر فقد كرهتموه ،فكما تحققت كراهتُكم له باستقامة العقل فا ْك َرهوا م{{ا ه{{و
تقبَّل هللا ت{{وبتكم ،وأنعم عليكم بث{{واب المتقين الت{{ائبينِ ،إ َّن هَّللا َ تَ{ َّوابٌ َر ِحي ٌم مب{{الغ في قب{{ول
التوبة ،وإفاضة الرحمة ،حيث جعل التائب َك َمن ال َذنَب لَهُ ،ولم يخص تائبا ً دون تائب ،بل
رُوي َّ
أن س{{لمان ك{{ان يخ{{دم رجلين من الص{{حابة ،ويُص{{لح طعا َمهم{{ا ،فن{{ام عن ش{{أنه
يوم{اً ،فبعث{{اه إلى رس{{ول هللا ص{{لى هللا علي{{ه وس{{لم فق{{ال« :م{{ا عن{{دي ش{{يء» فأخبرهم{{ا
سلمان ،فقاال :لو بعثناه إلى ب{{ئر َس{ميح ٍة لَغ{{ار َماُؤ ها .فلم{{ا ج{{اءا إلى رس{{ول هللا ص{{لى هللا
علي{{{ه وس{{{لم ق{{{ال لهما« :م{{{الى َأرى حُم{{{ َرةَ اللَّحم في َأ ْفوا ِه ُكم{{{ا؟» فق{{{اال :م{{{ا تناولن{{{ا
لَحْ ماً ،فقال« :إنكما قد ا ْغتَبتُماَ ،من اغتاب مسلما ً فقد أكل لحمه» ، ثم قرأ اآلية. »١«
وقيل :غيبة الخلق إنما تك{{ون بالغيب{{ة عن الح{{ق .هـ .قال{{ه النس{{في .ق{{ال بعض{{هم :والغيب{{ة
صاعقة الدين ،ف َمن أراد أن يُف ّرق حسناته يمينا ً وشماالً فليغتب الناس .وقيل :مث{ ُل ص{احب
الغيبة مثل َمن نص{{ب منجنيق{ا ً فه{{و ي{{رمي ب{{ه حس{{ناته يمين{ا ً وش{{ماالً ،ش{{رقا ً وغرب{اً .هـ.
وهل هي من الكبائر أو من الصغائر؟ خالف ،ر ّجح ب َعضٌ أنها من الصغائر لعموم البلوى
بها ،قال بعضهم :هي فاكهةُ الق{{راء ،ومرات{ ُع النس{{اء ،وبس{ ُ
{اتين المل{{وك ،ومزبل{{ة المتقين،
منهم ،وعظَّم الجميع ،و َمن نظرهم بعين الفرق طال خص{مه معهم فيم{ا فَعل{وا ،وس{اء ظنُّه
بهم فيما لم يفعلوا ،وص َّغرهم حيث لم ي{ َر منهم م{{ا ال يُعجب{{ه ،فالس{{المةُ :النظ{{ر إليهم بعين
الجم{{ع ،وإقام{{ةُ الحق{{وق عليهم في مق{{ام الف{{رق ،قيام{{ا ً بالحكم{{ة في عين الق{{درة .وفي
يته َم نفسه ما دام عليه شيء من نفسه ،ويجب أن يتهم نَ ْف َسه في كل م{{ا يق{{ع ل{{ه من نقص{{ان
النساء» . »٤« هـ.
التجس{س
ُّ القشيري :العارف ال يتف ّرغ من شهود الح ِّ
ق إلى شهود الخلق ،فكي{{ف يتف{ ّرغ إلى
عن أحوالهم؟! ألن َمن اش{{تغل بنفس{{ه ال يتف{ َرغ إلى الخل{{ق ،و َمن اش{{تغل ب{{الحق ال يتف{رّغ
وتذ ّكر قضية الجنيد مع الفقير الذي رآه يسأل ،وهي مش{{هورة ،وتق { ّدمت حكاي{{ة أبي س{{عيد
صرف ذلك عن قلبه بالدعاء له خاصة ،والتضرُّ ع إلى هللا بأن يُخلِّ َ
صه منه أخاف أن يبتليه
هللا في نفسه بتلك المعايب .هـ .قال القشيري :وعزي ٌز رؤي{ةُ َمن ال يغت{{اب أح{{داً بين ي{ديك.
هـ .وقد أبيحت الغيبة في أمور معلوم{{ة ،منها :التح{{رُّ ز من{{ه لئال يق{{ع االغ{{ترار بكالم{{ه أو
اعلم أن قيام الليل عسير على الخلق إال على من وفق للقيام بش{{روطه الميس{{رة ل{{ه ظ{{اهراً
وباطنا ً فأما الظاهرة فأربعة أمور األول َأ ْن اَل يُ ْكثِ َر اَأْل ْك َل فَيُ ْكثِ َر ال ُّشرْ َ
ب فَيَ ْغلِبَهُ النوم ويثقل
عليه القيام كان بعض الشيوخ يقف على المائدة كل ليلة ويقول معاش{{ر المري{{دين ال ت{{أكلوا
كثيراً فتشربوا كثيراً فترقدوا كثيراً فتتحسروا عند الموت كث{{يراً وه{{ذا ه{{و األص{{ل الكب{{ير
وهو تخفيف المعدة عن ثقل الطعام الثاني أن ال يتعب نفسه بالنهار في األعم{{ال ال{{تي تعي{{ا
ك ْالقَ ْيلُولَةَ
بها الجوارح وتضعف بها األعصاب فإن ذلك أيضا ً مجلبة للنوم الثالث َأ ْن اَل يَ ْت ُر َ
ار فَِإنَّهَا ُسنَّةُ لالستعانة على قيام اللي{{ل ( )١الراب{{ع أن ال يحتقب األوزار بالنه{{ار ف{{إن
بِالنَّهَ ِ
ذلك مما يقسي القلب ويحول بينه وبين أسباب الرحمة قال رج{{ل للحس{{ن ي{{ا أب{{ا س{{عيد إني
أبيت معافى وأحب قيام الليل وأع{د طه{وري فم{ا ب{الي ال أق{وم فق{ال ذنوب{ك قي{دتك وك{ان
الحسن رحمة هللا إذا دخل السوق فسمع لغطهم ولغوهم يقول أظن أن ليل هؤالء لي{{ل س{{وء
فإنهم ال يقيلون وقال الثوري حرمت قي{{ام اللي{{ل خمس{{ة أش{{هر ب{{ذنب أذنبت{{ه قي{{ل وم{{ا ذاك
الذنب قال رأيت رجالً يبكي فقلت في نفسي هذا مراء وق{{ال بعض{{هم دخلت على ك{{رز بن
وبرة وهو يبكي فقلت أتاك نعي بعض أهلك فقال اشد فقلت وجع يؤلمك ق{{ال أش{{د قلت فم{{ا
ذاك قال بابي مغلق وستري مسبل ولم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إال بذنب أحدثت{{ه وه{{ذا
ألن الخير يدعو إلى الخير والشر ي{{دعو إلى الش{{ر والقلي{{ل من ك{{ل واح{{د منهم{{ا يج{{ر إلى
الكثير ولذلك قال أبو سليمان الداراني ال تفوت أحداً صالة الجماعة إال ب{{ذنب وك{{ان يق{{ول
االحتالم بالليل عقوبة والجنابة{ بعد وقال بعض العلماء إذا صمت يا مسكين فانظر عند من
تفطر وعلى أي شيء تفطر فإن العبد ليأكل أكلة فينقلب قلبه عم{ا ك{ان علي{ه وال يع{ود إلى
حالته األولى فالذنوب كلها تورث قساوة القلب وتمنع من قيام الليل وأخصها بالتأثير تناول
الح{{رام وت{{ؤثر اللقم{{ة الحالل في تص{{فية القلب وتحريك{{ه إلى الخ{{ير م{{ا ال ي{{ؤثر غيره{{ا
ويعرف ذلك أهل المراقبة للقلوب بالتجربة بعد شهادة الشرع له ولذلك قال بعض{{هم كم من
أكلة منعت قيام ليلة وكم من نظرة منعت قراءة سورة وإن العبد ليأك{{ل أكل{{ة أو يفع{{ل فعل{{ة
فيحرم بها قيام سنة وكما إن الصالة تنهي عن الفحشاء والمنكر فك{{ذلك الفحش{{اء تنهى عن
--------
ص - 356كتاب إحياء علوم الدين -فضيلة قيام الليل -المكتبة الشاملة
--------