You are on page 1of 22

‫كتاب الحكم‬

‫تأليف‬

‫اإلمام شيخ اإلسالم قطب الدعوة واإلرشاد‬


‫عبد هللا بن علوي بن محمد بن أحمد الحداد‬
‫الحسيني الحضرمي الشافعي‬
‫رحمه هللا تعالى‬
‫)هـ‪(1044-1132‬‬

‫الناشر دار احلاوي للطباعة والنشروـ التوزيع‬

‫الطبعة األوىل سنة ‪1413‬هـ‪ .‬الطبعة الثانية سنة ‪1418‬ه‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫‪1‬‬
‫ك أَنتَ ال َعلي ُم َ‬
‫الحكي ُم(‬ ‫ك ال ِعل َم لَنا إالَّ ما َعلَّمتَنا إِنَّ َ‬
‫)قَالُوا ُسبْحانَ َ‬

‫] سورة البقرة ‪[32 :‬‬

‫الحمد هلل الحنَّان المنَّان‪ ،‬دائم اإلحسان واالمتنان‪،‬‬


‫زمان‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بمكان أو‬
‫ٍ‬ ‫الذي تقدست مواهبه عن التخصيص‬
‫فالن‪ ،‬ج َّل عن التَّقييد ذاتا ً‬
‫ٍ‬ ‫فالن دون‬
‫ٍ‬ ‫وعن الحصر في‬
‫يوم هو في شأْ ٍن‬ ‫ت وأفعاالً فسُبحانه كل ٍ‬
‫‪.‬وصفا ٍ‬
‫أحمده حمد من غرق في بَرِّ ه‪ ،‬فاعترف بالعجز…‬
‫عن القيام بشكره‪ ،‬وعن أن يقدره حق قدره بعد‬
‫اإلتيان بحسب الطاقة واإلمكان‪ ،‬وصالته وسالمه‬
‫على خيرته من خلقه والمبعوث بخير األديان‪ ،‬سيدنا‬
‫حين‬
‫وموالنا محمد وعلى آله وأصحابه في كل ٍ‬
‫‪.‬وأوان‬
‫ٍ‬
‫أما بعد‪ :‬فإني بعون هللا قد عزمت بعد أن…‬
‫ت‪ ،‬تَ ِر ُد‬
‫وأمثال وأبيا ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ت‬
‫استخرت ربي على تقييد كلما ٍ‬
‫ي عند التَّ َذ ُّك ِر والمذاكرة‬
‫‪،‬عل َّ‬

‫‪2‬‬
‫أرجو االنتفاع بها في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وقد جردت‬
‫العزم على هذا األمر مراراً‪ ،‬فلم تتم العزمة‪ ،‬ولم تنفذ‬
‫الهمة‪ ،‬والسبب في ذلك بعد سابق القدر احتقار‬
‫النفس‪ ،‬واالتكال على الحفظ والدرس‪ ،‬ثم إني لما‬
‫رأيت أني نسيت من ذلك الشيء الكثير‪ ،‬ولم يبق منه‬
‫إال القليل اليسير‪ ،‬ورأيت الحاجة في بعض األحيان‬
‫تدعوني إلى ما دخل تحت دائرة النسيان‪ ،‬ووقفت‬
‫على كالم للشيخ ابن عربي حاصله‪ :‬أن اإلنسان ترد‬
‫عليه األشياء في نهاية الطلب‪ ،‬ينبغي له أن يعتني‬
‫بحفظها‪ ،‬ألنه سوف يحتاج إليها فيما بعد‪ ،‬وما وردت‬
‫إال لذلك‪ ،‬فعند ذلك ص َّممت على تقييد ما يخطر في‬
‫البال‪ ،‬وإليه‪ ،‬أضيف إن شاء هللا تعالى ما يكون في‬
‫االستقبال ُمستثنيا ً بمشيئة هللا تعالى النافذة‪ ،‬ومفوضا ً‬
‫‪:‬إليه‪ ،‬ومتوكالً عليه‪ ،‬وراغبا ً فيما لديه‪ ،‬ومعتصما ً به‬
‫قيم((‬
‫صرا ٍط ُمستَ ٍ‬
‫ي إِلى ِ‬ ‫آل( ) َو َمن يَ ْعتَ ِ‬
‫صم بِاهلل فَقَ ْد هُ ِد َ‬
‫ف على ما هنا؛ فرأى فيه‬ ‫عمران ‪ :‬ثم إني أُ ْعلِ ُم أخا ً َوقَ َ‬
‫أن ذلك وقع بطريق‬ ‫ُمقاربةً لكالم أح ٍد لفظا ً أو معن ًى ‪َّ ،‬‬
‫بخاف أن من أثبت كالم أح ٍد‪ ،‬ولم‬ ‫ٍ‬ ‫الموافقة؛ إذ ليس‬
‫ق أو غاصبٌ ‪ ،‬وكالهما قبيحٌ‪ ،‬وهذا‬ ‫يع ُزهُ إليه أنه سار ٌ‬
‫‪.‬أوان االبتداء‪ ،‬أصلح هللا النية‪ ،‬وصفَّى الطوية‬

‫‪3‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫‪:‬قال رضي اهلل عنه ونفع به‬

‫الخلق مع الحق‪ ،‬ال يخلو أحد منهم من أن يكون في إحدى الدائرتين‪ّ :‬إما دائرة‬
‫الرحمة‪ ،‬أو دائرة الحكمة‪ .‬فمن كان اليوم في دائرة الرحمة‪ ،‬كان غداً في دائرة‬
‫‪.‬الفضل‪ .‬ومن كان اليوم في دائرة الحكمة‪ ،‬كان غداً في دائرة العدل‬

‫‪.‬وقال‪ :‬ما ترك من الكمال شيئاً َمن أقام نفسه من ربه مقام عبده من نفسه ‪...‬‬

‫التذكير والتنبيهُ فهو ميًّت‪... .‬‬


‫ُ‬ ‫ذكر‪ ،‬ومن لم يُ ْج ِد فيه‬
‫والغافل يُ َّ‬
‫ُ‬ ‫النائم يُوقَظ‪،‬‬
‫وقال‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫‪ .‬إنما تنفع الموعظة من أقبل عليها بقلبه‪ ( .‬وما َيتَ َذ َّك ُر إال من يُن ُ‬
‫يب)‬

‫وقال‪ :‬كيف يكون من المؤمنين َمن يُرضي المخلوقين بسخط رب العالمين؟‬

‫ت ‪...‬‬
‫ت نَ َس َخ ْ‬
‫‪.‬وقال‪ :‬العادةُ إذا َر َس َخ ْ‬

‫‪.‬وقال‪ :‬ال تدوم مع الكلفة ألفة ‪...‬‬

‫‪4‬‬
‫حصل له الغنى كثيرهُ‪ .‬كذلك من ‪...‬‬
‫قليل المال‪ ،‬لم يُ ِّ‬
‫الفقر ُ‬
‫وقال‪ :‬من لم يدفع عنه َ‬
‫‪.‬لم ينتفع بقليل العلم‪ ،‬فهو من االنتفاع بكثيره أبعد‬

‫األقدار من استقبح من أخيه ما ال يدخل تحت االختيار ‪...‬‬


‫َ‬ ‫نازع‬
‫‪.‬وقال‪َ :‬‬

‫وقال‪ :‬الرضا بالقضاء ينتفي معه االعتراض على اهلل‪ .‬ويبقى معه الطلب لِما ينبغي ‪...‬‬
‫‪.‬أن يطلب‪ ،‬والهرب مما منه يهرب‬

‫‪.‬وقال‪ :‬الدنيا المحمودة هي التي يصل بها إلى فعل خير‪ ،‬أو ينجو بها من فعل شر ‪...‬‬

‫والدنيا المباحة هي التي ال يقع بسببها في ترك مأمور وال ركوب محظور‪ ،‬والدنيا‬
‫المذمومة على لسان الكتاب والسنة‪ ،‬هي التي يقع بسببها في ترك طاعة أو فعل‬
‫‪.‬معصية‬

‫وقال‪ :‬من الناس من يكتفي باإلشارة عن التعيين‪ ،‬ومنهم من يحتاج إلى التصريح ‪...‬‬
‫‪،‬مع الرفق واللين‪ ،‬ومنهم من ال يجدي فيه إال التعنيف والتخشين‬

‫‪ :‬ومن لم ينتفع بذا وال بذاك‪ ،‬فهو من الشياطين‪ ،‬ولهؤالء األربعة أمثال من البهائم‬

‫ثل الدابة المذلَّلة‪ ،‬تستغني عن أن تلجمها أو تضربها‬


‫ثل األول‪َ :‬م ُ‬
‫‪.‬فم ُ‬
‫َ‬

‫ثل الدابة التي تكتفي بالخطام دون الضرب‬


‫ثل الثاني‪َ :‬م ُ‬
‫‪.‬وم ُ‬
‫َ‬

‫ثل الدابة التي ال تستقيم إال بالضرب والزجر‬


‫ثل الثالث‪َ :‬م ُ‬
‫‪.‬و َم ُ‬
‫َ‬

‫ثل الدابة التي إن خطمتها أو ضربتها ازدادت نفوراً‬


‫ثل الرابع‪َ :‬م ُ‬
‫‪.‬وم ُ‬
‫َ‬

‫‪5‬‬
‫وقال‪ :‬إن شئت أن تكون ُح ّراً فاترك كل أمر‪ ،‬إن لم تتركه اختياراً تركته ‪...‬‬
‫‪.‬اضطراراً‬

‫وقال‪ :‬ما عُ ِرف قدر الشيء بمثل ضده‪ ،‬وال تسلى المصاب بمثل ذكر من أصيب ‪...‬‬
‫‪.‬بمثل مصيبته‬

‫‪.‬وقال‪ :‬من أشغله ُّ‬


‫حق ربه عن حقوق نفسه وحقوق إخوانه‪ ،‬فهو عبد الحضرة ‪...‬‬

‫‪.‬ومن أشغله القيام بحق نفسه عن القيام بحق ربه وحق إخوانه‪ ،‬فهو عبد الشهوة‬

‫ومن أشغله القيام بحقوق إخوانه عن القيام بحقوق ربه وحقوق نفسه‪ ،‬فهو عبد‬
‫‪.‬الرياسة‬

‫ومن أشغله القيام بحقوق ربه وحقوق إخوانه عن القيام بحقوق نفسه‪ ،‬فهو صاحب‬
‫‪.‬وراثة‬

‫وقال‪ :‬عجباً لمن يطلب الدنيا وهو من تحصيلها على َو ْه ٍم‪ ،‬ومن االنتفاع بما ‪...‬‬
‫ومن تَركِها والخروج منها على يقين‬ ‫‪.‬حصله منها على شك‪ِ ،‬‬

‫تعود نقض العزائم حيل بينه وبين الغنائم ‪...‬‬


‫‪.‬وقال‪ :‬من َّ‬

‫وأفرغ القلب ‪...‬‬


‫وقال‪ :‬إذا دعتك نفسك إلى شهوة‪ ،‬فإياك أن تقول أجيبها في هذه‪ِّ ،‬‬
‫‪.‬من مطالبتها‪ ،‬فإنك إن أجبتها إليها دعتك إلى أعظم منها‬

‫وقال‪ :‬ال يبلغ العبد حقيقة اإليمان حتى يجد في معاملة الحق ما يجد أهل ‪...‬‬
‫‪.‬الشهوات في شهواتهم من اللذة والحالوة‬
‫‪6‬‬
‫تخو ِ‬
‫ف إفشائه‪ ،‬ممن تطلعه ‪...‬‬ ‫وقال‪ :‬المؤونة في كتمان السر أقل من المؤونة في ُّ‬
‫‪.‬عليه‬

‫أدل ٍ‬
‫دليل على كمال عقل الرجل‪ ،‬ثنا ُؤهُ على أقرانه‬ ‫‪،‬وقال‪ُّ :‬‬

‫يستحق فيه التقديم‪ ،‬وأ ُّ‬


‫َدل دليل‬ ‫ُّ‬ ‫وأ ُّ‬
‫َدل دليل على تواضعه رضاه بالتأخير في موطن‬
‫‪.‬على إخالصه عدم المباالة بإسخاط الخلق في جنب الحق‬

‫ب الجاه‪ .‬فمن‬
‫ب المال‪ ،‬واآلخر‪ُ :‬ح ُّ‬‫وقال‪ :‬الدنيا شيئان ال ثالث لهما‪ ،‬أحدهما‪ُ :‬ح ُّ‬
‫صدِّيق‪ .‬ومن زهد في المال دون الجاه‪ ،‬فهو م ٍ‬
‫راء‪ .‬ومن‬ ‫زهد في المال والجاه‪ ،‬فهو ِ‬
‫ُ‬
‫أحب المال والجاه كان أصغر عقوبته‬‫زهد في الجاه وأحب المال‪ ،‬فهو لئيم‪ .‬ومن َّ‬
‫‪.‬حرمانهما‬

‫‪:‬وقال‪ :‬األراضي ثالث‬

‫‪.‬أرض إذا س ِقيت ِ‬


‫أنبتت العشب والكأل *‬ ‫َُ‬

‫ومثلُها من الناس؛ الذي يتعلم ويفهم في العلم‪ .‬فكما أن النبات ليس عين الماء‪،‬‬
‫َ‬
‫‪.‬ولكن الماء سبب حصوله‪ .‬فكذلك الفهم ليس عين العلم‪ ،‬ولكن عن العلم يكون‬

‫‪.‬واألرض الثانية تمسك الماء وال تنبت الكأل *‬

‫‪.‬ومثلُها من الناس؛ َمثَ ُل الذي يحفظ العلم وال يفهم فيه‬


‫َ‬

‫وإذا رأيت العالم ال يزيد على ما يسمع‪ ،‬فهو ذاك‪ .‬وإذا رأيته يزيد عليه شيئاً يوافق ما‬
‫‪.‬سمع من العلم‪ ،‬فهو األول‬
‫‪7‬‬
‫‪.‬واألرض الثالثة أرض ال تنبت الكأل وال تمسك الماء *‬

‫ثل من ال يحفظ العلم‪ ،‬وال يفهم فيه‪ .‬فإلقاء العلم إلى من هذه‬
‫َو َمثلُها من الناس؛ َم ُ‬
‫صفته إضاعة للعلم‪ .‬فكما أن رب األرض التي هذه صفتها ال يسقيها‪ .‬ويرى أن سقيها‬
‫‪.‬من اإلضاعة‪ ،‬كذلك ينبغي أن ال يُلقى العلم إلى من يضيعه‪ ،‬بل أولى‬

‫‪.‬وقال‪ :‬ال تثبت الدعاوي باألقوال حتى تقوم بإثباتها البيِّنة من األفعال واألعمال ‪...‬‬

‫وقال‪ :‬إذا ادَّعت نفسك أنها ال تفرق بين وجود الشيء وعدمه‪ ،‬فال تقنع منها ‪...‬‬
‫‪.‬بذلك حتى تختبرها باألمرين جميعاً‬

‫وقال‪ :‬لوال العالمات الدَّعى كل واحد ما ليس عنده‪ .‬ولكن بالعالمات واألمارات ‪...‬‬
‫‪.‬ي َف َّرق بين الصادق والكاذب‬
‫ُ‬

‫وتعسرت عليه مطالبه ‪...‬‬


‫تيسرت له مطالبه األخروية‪َّ ،‬‬
‫وقال‪ :‬من َّ‬

‫‪.‬الدنيوية‪ ،‬فهو من ورثة النبيين‬

‫تيسرت مطالبه الدنيوية واألخروية‪ ،‬فهو من أصحاب اليمين‬


‫‪.‬ومن َّ‬

‫المستدرجين‬
‫َ‬ ‫وتعسرت عليه األخروية‪ ،‬فهو من‬
‫تيسرت له مطالبه الدنيوية‪َّ ،‬‬
‫‪.‬ومن َّ‬

‫تعسرت عليه مطالبه األخروية والدنيوية‪ ،‬فهو من الممقوتين‬


‫‪.‬ومن َّ‬

‫وقال‪ :‬شر الفقراء من ُّ‬


‫يود أنه من األغنياء‪ ،‬وخير األغنياء من ال يكره أن يكون ‪...‬‬
‫‪.‬من الفقراء‬

‫‪8‬‬
‫وقال‪ :‬من أمسك عن تناول فضول الشهوات‪ ،‬ولم ينفق ما في يديه من فضول‬
‫‪.‬األموال؛ فهو محروم‬

‫‪.‬والذي يتمتع بما في يده من الدنيا‪ ،‬وينفقه في شهواته المباحة أحسن حاالً منه‬

‫وقال‪ :‬ال يكمل حال الداعي إلى رب العالمين‪ ،‬حتى يصير قوله وفعله حجة على‬
‫‪.‬جميع المؤمنين‬

‫وقال‪ :‬إذا رأيت العالِم يفيد بقوله دون فعله‪ ،‬فاعلم إنه ناقص‪ .‬وإذا رأيت المتعلِّم‬
‫‪.‬تفيده األقوال‪ ،‬وال تؤدِّبه األفعال‪ ،‬فاعلم أنه عن التحصيل ناكص‬

‫وإذا رأيت الطالب ينتفع بأقوال شيخه‪ ،‬وال ينتفع بأفعاله‪ ،‬فانظر فإن لم َت َر في أفعال‬
‫الشيخ ما تحصل به الفائدة‪ ،‬فليس بشيء‪ .‬وإذا رأيت أفعاله تفيد‪ ،‬ولكن ال يحسن‬
‫‪.‬الطالب أن يستفيد‪ ،‬فال تعتد به‬

‫أحب أن يوصف بما ليس عنده من الخير‪ ،‬وكره أن يذكر بما فيه من ‪...‬‬
‫وقال‪ :‬من َّ‬
‫‪.‬الشر‪ ،‬فاعلم أنه ٍ‬
‫مراء‬

‫وقال‪ :‬كثيراً ما يلتبس الحياء المحمود بالجبن المذموم‪ ،‬والفرق بينهما‪ :‬أن كل ‪...‬‬
‫ٍ‬
‫شر‪ ،‬فهو الجبن المذموم‪ ،‬وليس‬ ‫حياء حملك على ترك خي ٍر َو َو َ‬
‫قعت بسببه في ٍّ‬
‫‪.‬بالحياء‪ ،‬ألن الحياء ال يأتي إال بخير‪ .‬كما في الحديث‬

‫‪.‬وقال‪َ :‬من أهمل الصدق حيث يٍخاف‪ ،‬استعمل الكذب حيث يرجو ‪...‬‬

‫‪9‬‬
‫وزوراً‪ .‬ومن نظر إليها بعينَي ‪...‬‬
‫وقال‪ :‬من نظر إلى الدنيا بعينَي رأسه‪ ،‬رأى غروراً ُ‬
‫هباء منثوراَ‬
‫‪.‬قلبه‪ ،‬رأى ً‬

‫هالك الدِّي ِن ‪...‬‬


‫هالك الدِّين‪ ،‬وفي الحرص على الجاه ُ‬
‫وقال‪ :‬في الحرص على المال ُ‬
‫ِ‬
‫‪.‬والمال جميعاً‬

‫‪.‬وقال‪ :‬ليس واضع المال في غير ِّ‬


‫حقه بأقل إثماً من ماسكه عن حقه ‪...‬‬

‫خير من إمساكه‪ ،‬فهو من المؤثرين للدنيا ‪...‬‬


‫‪.‬وقال‪ :‬من أمسك شيئاً يرى أن إنفاقه ٌ‬

‫وقال‪ :‬مشاهدة المؤثرين للدنيا تمحو حب اآلخرة من القلب‪ .‬فكيف بالمجالسة ‪...‬‬
‫!والمخالطة؟‬

‫وقال‪ :‬كفى بفقدان الرغبة في الخير مصيبة! وكفى بالذل في طلب الدنيا عقوبة! ‪...‬‬
‫!وكفى بالظلم حتفاً لصاحبه! وكفى بالذنب عاراً للِ ُملِ ِّم به‬

‫ِّ‬
‫الشك مع إمكان المصير ‪...‬‬ ‫وقال‪ :‬من ترك الحزم للوهم‪ ،‬فهو أحمق! ومن أقام على‬
‫!على اليقين‪ ،‬فهو أخرق‬

‫عامة المؤمنين‪ ،‬على ثالثة أمور ‪...‬‬


‫‪:‬وقال‪ :‬ينبغي أن يدور كالم العالم باهلل مع َّ‬

‫‪.‬األول‪ :‬التذكير بالنعم‬

‫‪.‬والثاني‪ :‬إلزام الطاعة‬

‫‪.‬والثالث‪ :‬اجتناب المعصية‬

‫‪10‬‬
‫العامة بغير ما يدخل تحت هذه الثالثة؛ فهو فتَّان‬
‫‪.‬فكل عالم أخذ يتكلم مع َّ‬

‫‪.‬وقال‪ :‬رحمةٌ تطلبك‪ ،‬ورحمةٌ تطلبها ‪...‬‬

‫الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬


‫فالتي تطلبك‪ :‬رحمة الهداية بالبيان‪ .‬وألجلها كان إرسال ُّ‬
‫‪.‬والتي تطلبها‪ :‬هي الجنة‪ ،‬تسعى لها بالعمل الصالح‪ ،‬على قانون العلم النافع‬

‫‪:‬وقال‪ :‬دواعي الحرص على الدنيا ثالثة ‪...‬‬

‫ب البقاء للتمتُّع‬
‫‪.‬أحدها‪ :‬النظر إليها بعين االستحسان‪ .‬وعنه يكون ُح ُّ‬

‫‪.‬والثاني‪ :‬تعظيم الناس ألربابها‪ ،‬ومنه يكون التفاخر والتكاثر‬

‫‪.‬والثالث‪َ :‬ت َوهُّم أن ال قِوام بدونها‪ .‬وعنه ينشأ البخل وخوف الفقر‬

‫‪.‬وقال‪ :‬أجهل الجاهلين من تزيده المعرفة بسعة رحمة اهلل جرأة على معاصيه ‪...‬‬

‫‪.‬وقال‪ :‬من َحدَّث نفسه بالتوبة من الذنب قبل الوقوع فيه؛ دعاه ذلك إلى فعله ‪...‬‬

‫س بدنَهُ وثيابَهُ لِيغتَ ِس َل! وما هكذا ‪...‬‬


‫ثل الذي يُ َدنِّ ُ‬
‫وب‪َ ،‬م ُ‬
‫وقال‪ :‬مثل الذي ي ْذنِ ِ‬
‫ب ليَتُ َ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫الدنَ ِ‬
‫س ما استطاع‪ ،‬ثم إن وقع بحكم الغفلة والسهو‪،‬‬ ‫ينبغي‪ .‬إنما ينبغي أن يحترز من َّ‬
‫‪.‬كان الواجب عليه التَّنَظُّ َ‬
‫ف في الحال‬

‫ثل الشجرة‪ ،‬تُسقى بماء التزاور‪ ،‬وتثمر التعاون على ‪...‬‬


‫ثل األخوة في اهلل َم ُ‬
‫وقال‪َ :‬م ُ‬
‫ثمر قُ ِط َعت‬
‫تسق الشجرة يبِست‪ ،‬وإذا لم تُ ِ‬
‫َ َ‬ ‫‪.‬البر والتقوى‪ .‬فإذا لم َ‬

‫‪11‬‬
‫وقوته ‪...‬‬ ‫عملت الطاعة‪ ،‬فانظُْر إن ِش َ‬
‫ئت في بدايتها التي كانت بحول اهلل َّ‬ ‫َ‬ ‫وقال‪ :‬إذا‬
‫شهود ِ‬
‫المنَّة هلل تعالى‬ ‫ُ‬ ‫‪.‬وحسن توفيقه‪ ،‬وبذلك ينتفي اإلعجاب‪ ،‬ويبقى‬

‫رت في نهايتها التي هي جزيل الثواب‪ ،‬وحسن المآب‪ ،‬وعنده تعظم‬ ‫وإن ِش َ‬
‫ئت نَظَ َ‬
‫واألو ُل أتَ ُّم‬ ‫ُّ‬
‫وتخف المداومة‪َّ .‬‬ ‫‪.‬الرغبة‬

‫وإذا وقعت منك المعصية‪ ،‬فإياك أن تنظر إلى بدايتها التي هي التقدير‪ ،‬فيدعوك ذلك‬
‫إلى االحتجاج على اهلل‪ ،‬وهو أعظم من المعصية‪ .‬ولكن ينبغي أن تنظر في نهايتها التي‬
‫‪.‬هي أليم العقاب‪ ،‬وعنده تبادر إلى التوبة‪ ،‬وتعظم الرهبة‬

‫وقال‪ :‬من مكارم األخالق‪ :‬التواضع في الرفعة‪ ،‬والتجمل في القلة‪ ،‬واالقتصاد في ‪...‬‬
‫‪.‬الثروة‬

‫كالرشيد الذي ال مال له!! والعالم الذي ال عقل ‪...‬‬


‫وقال‪ :‬العاقل الذي ال علم له؛ َّ‬
‫!!له؛ كصاحب المال الذي ال رشد له‬

‫‪.‬وقال‪ :‬سخِّر عقلك لعلمك‪ ،‬وسخِّر نفسك لعقلك ‪...‬‬

‫وقال‪ :‬ما الشأن شهود التقصير في التقصير‪ ،‬إنما الشأن شهود التقصير في ‪...‬‬
‫‪.‬التشمير‬

‫ومثَ ُل فاعله َمثَ ُل ‪...‬‬


‫وقال‪ :‬يكون الخير في األكثر شاقاً في الحال‪ ،‬حلواً في المآل‪َ ،‬‬
‫‪.‬الذي يصعد في العقبة الكئود‪ ،‬ال يجد الراحة حتى ينتهي إلى أعالها‬

‫‪12‬‬
‫ومثَ ُل فاعلِ ِه َمثَ ُل الذي‬
‫والشر يكون في األكثر حلواً في الحال‪ ،‬وشاقاً في االستقبال‪َ ،‬‬
‫ُّ‬
‫‪.‬يقع من ذروة جبل أو بيت ال يجد األلم حتَّى َي َق َع على األرض‬

‫أخ يستطيع أن ينفعك فال يفعل ‪...‬‬


‫بأخوة ٍ‬ ‫‪.‬وقال‪ :‬ال ينبغي أن َّ‬
‫تعتد َّ‬

‫تصطفي إنساناً لنفسك‪ ،‬فال بأس أن تَ ْمتَ ِحنَهُ بما ال ُّ‬


‫يصح ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫أردت أن‬
‫وقال‪ :‬إذا َ‬
‫‪.‬االصطفاء بدونه‬

‫ك لطلب حقوقِ َ‬
‫ك‪... ،‬‬ ‫ب إال َمن تستطيع القيام بحقوقه‪ ،‬وال يُ ْح ِو ُج َ‬
‫ص َح ْ‬
‫وقال‪ :‬ال تَ ْ‬
‫‪.‬لكمال قيامه بها‬

‫وقال‪ :‬من عول في إسقاط حقوق إخوانه على قبول العذر‪ ،‬كان أقل ما يلقاهم به ‪...‬‬
‫‪.‬الغش والمكر‬

‫وقال‪ :‬أكرم إخوانك إكراماً تستطيع الدوام عليه‪ ،‬وإال كان مآل األمر إلى ‪...‬‬
‫‪.‬الوحشة والقطيعة‬

‫‪:‬وقال‪ :‬التأويل على ضربين ‪...‬‬

‫ؤو ُل ليصل إلى األفهام‪ .‬وهذا النوع كثير في‬


‫أحدهما‪ :‬يدل على الكمال‪ ،‬وهو ما يُ َّ‬
‫‪.‬الكتاب والسنة‬

‫ؤو ُل ليصح كونه حقاً أو غير باطل‪ .‬وهذا يدل على النقص‬
‫‪.‬والثاني‪ :‬ما يُ َّ‬

‫فكل شيخ يحتاج في صحبته إلى التأويل على الوجه الثاني‪ ،‬ال يكمل االقتداء به‪ ،‬ألن‬
‫يحصل كماالً‪ ،‬وإنما يدفع نقصاً‬
‫‪.‬التأويل ال ِّ‬
‫‪13‬‬
‫وقال‪ :‬من أفرط في حب شهوة من شهوات الدنيا المباحة‪ ،‬وقع ال محالة في ‪...‬‬
‫‪.‬موجب النار أو العار‬

‫أض ُّر على صاحبه؟! وترافَعا إلى العقل‪... ،‬‬


‫العجز والحرما ُن‪ :‬أيُّهما َ‬
‫ُ‬ ‫خاصم‬
‫وقال‪ :‬تَ َ‬
‫أصل‪ ،‬والحرما َن فرعُهُ‬
‫العجز ٌ‬
‫أن َ‬‫‪.‬فقضى بينهما‪َّ :‬‬

‫‪.‬وقال‪ :‬ما من طويِّة إال وفيها خفيِّة ‪...‬‬

‫‪.‬وقال‪ :‬إذا صلحت المقاصد لم يَ ِخ ِ‬


‫ب القاصد ‪...‬‬

‫وقال‪ :‬الشيطان على إضالل العالِم أحرص منه على إضالل الجاهل‪ ،‬ألن العالم إذا ‪...‬‬
‫يضل بضالله غيره‪ ،‬والجاهل ليس كذلك‬
‫‪.‬ضل ُّ‬
‫َّ‬

‫‪.‬وقال‪ :‬من أصلح نيته بلغ أمنيته ‪...‬‬

‫‪.‬وقال‪ :‬يصعب سلوك سبيل النجاة على َمن غلب على قلبه حب المال والجاه ‪...‬‬

‫وقال‪ :‬الخوف الصادق يعمل في محو الشهوات النفسانية والهمم الدنية عمل ‪...‬‬
‫‪.‬النار في إحراق األشجار‬

‫فاحت َرقَت) [البقرة‪] 266:‬‬


‫نار َ‬ ‫قال اهلل تعالى‪( :‬فَأَصابها إِعص ِ ِ‬
‫ار فيه ٌ‬
‫ٌَ‬ ‫َ‬

‫النيَّات الطيبة واألعمال الصالحة عمل الماء في‬


‫والرجاء الصادق يعمل في استخراج ِّ‬
‫‪.‬األرض الهامدة الخاشعة‬

‫‪14‬‬
‫ت ِمن ُك ِّل‬
‫ت َوأَْنبَتَ ْ‬
‫ت َو َربَ ْ‬
‫اهت َّز ْ‬
‫المآء َ‬
‫َنزلْنَا َعليها َ‬
‫ِ‬
‫َرض هامدةً فَِإذا أ َ‬
‫(وتَرى األ َ‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫‪َ .‬ز ْو ٍج بَهيج) [الحج‪]5:‬‬

‫وقال‪ :‬ينبغي أن توقِ َد لك سراجاً من العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬تستضيء به في ‪...‬‬
‫ليل ظلمات الدنيا‪ ،‬حتى يطلع عليك فجر الموت‪ ،‬أو شمس الساعة ‪ ،‬فإنك إن بقيت‬
‫‪،‬في ليلها بال سراج‬

‫تنتظر طلوع هذا الفجر‪ ،‬أو سطوع هذه الشمس‪َ ،‬ح َّق عليك قول اهلل تعالى‪َ :‬‬
‫(ومن‬
‫َكا َن فِي ه ِذ ِه أَعمى َفهو في ِ‬
‫اآلخ َر ِة أَعمى َوأ َ‬
‫َض ُّل َسبيالً) [اإلسراء‪]72:‬‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬

‫‪.‬وقال رضي اهلل عنه‪ :‬كفى بالنجاة من النار مثوبة‪ ،‬وكفى بحرمان الجنة عقوبة ‪...‬‬

‫‪.‬وقال‪ :‬العالم بأسره متالشي‪ ،‬وهو في الحقيقة ال شيء ‪...‬‬

‫‪.‬وقال‪ :‬من رحمة ربك بك أن حجبك عنه ‪...‬‬

‫‪.‬وقال‪ :‬اإلفراط في األمر آية على المصير فيه إلى التفريط ‪...‬‬

‫ذمك ال محالة عند غضبه عليك بما ‪...‬‬


‫وقال‪َ :‬من َم َد َحك عند رضائه بما ليس فيك‪َّ ،‬‬
‫‪.‬ليس فيك‬

‫‪:‬بَيتَا ِشع ٍر‬

‫فاء ‪ ...‬فال أج ُفو وإن هو قد جفاني‬ ‫ِ‬


‫آنست من خ ٍّل َج ً‬
‫ُ‬ ‫إذا‬

‫ُمسك عن تناولِ ِه لساني‬


‫برفق ‪ ...‬وأ ِ‬
‫ولكني أفارقه ٍ‬

‫‪15‬‬
‫وقال رضي اهلل عنه‪ :‬الذكر هلل مغناطيس القلوب‪ ،‬يجذبها بخاصيته من مواطن ‪...‬‬
‫‪.‬الغفلة إلى عوالم الغيوب‬

‫ِ‬
‫ركوب ‪...‬‬ ‫نفسه على‬ ‫ِّ‬
‫يطمع في بلوغ اآلمال واألوطار؛ من لم يوطن َ‬
‫وقال‪ :‬ال ُ‬
‫‪.‬األهوال واألخطار‬

‫وقال‪ :‬ال ينبغي للعاقل أن يخاطب الجاهل‪ ،‬الذي يظن بنفسه العقل أصالً‪ .‬فإنه إن ‪...‬‬
‫بح َسب‬
‫خاطبه على مقتضى عقله‪ ،‬كان مضيِّعاً للعقل ومستهيناً بفضله‪ .‬وإن خاطبه َ‬
‫جهله‪ ،‬كان متشبِّهاً به ومعدوداً مثله‪ .‬قال اهلل تعالى لنبيه‪ُ ( :‬خ ِذ الع ْفو وأْمر بِالعر ِ‬
‫ف‬ ‫َ َ َ ُ ْ ُْ‬
‫الجاهلين ) [األعراف ‪]199 :‬‬ ‫َ‬ ‫‪ .‬وأَع ِرض َع ِن‬

‫يضرك في دينك ‪ -‬كالمداهنة لك وعدم النصح والتبصير ‪...‬‬


‫وقال‪ :‬من أرضاك بما ُّ‬
‫عدو‪ ،‬وإن كانت نفسك تميل إليه من حيث طبعها وهواها‪ .‬وهو‬
‫بالعيوب‪ -‬فهو لك ُّ‬
‫الس ُّم الناقع‬
‫‪.‬كالطعام اللذيذ المالئم‪ ،‬وفيه ُّ‬

‫َو َمن أسخطك بما ينفعك في دينك‪ -‬مثل التنبيه على العيوب والنقائص التي هي‬
‫الم ِّر الذي يكون في ضمنه‬
‫وم َثلُه كالدَّواء ُ‬
‫ولي وإن كرهته بطبعك‪َ .‬‬
‫فيك‪ -‬فهو لك ٌّ‬
‫‪.‬العافية والشفاء‬

‫احب أن يذكره الناس ويثنوا عليه بشيء من الكمال‪ ،‬وهو يعلم من ‪...‬‬
‫وقال‪ :‬من َّ‬
‫انطواء ُه عليه‪ ،‬حتى يصير يفرح‬
‫َ‬ ‫نفسه خالفه‪ .‬وكره أن يذموه بأمر يعلم من نفسه‬
‫‪.‬ويميل إلى من يمدحه‪ ،‬وينفر ويكره من يذمه‪ ،‬فقد عظمت حماقته وتمت غباوته‬

‫‪16‬‬
‫وقال‪ :‬اإليمان شجرة ثابتة في أرض القلب‪ ،‬واالعتقادات والمعارف اإليمانية ‪...‬‬
‫بمنزلة األصول والعروق لتلك الشجرة‪ ،‬واألخالق المحمودة‬

‫‪.‬واألعمال الصالحة بمنزلة الفروع والغصون لها‬

‫ومثال الموت‪ ،‬وما يعرض عنده من الفتن‪ ،‬ويحصل بواسطته من شدة األلم‪ ،‬كالسيل‬
‫القوي الذي يجري على أصول هذه الشجرة‪ ،‬أو الريح المزعزعة التي تحرك فروعها‪،‬‬
‫‪.‬وتميل بها يميناً وشماالً‬

‫القوة‪ ،‬والنمو‪ ،‬والرسوخ‪ ،‬فروعاً‬


‫فإن لم تكن هذه الشجرة الشريفة‪ ،‬في نهاية َّ‬
‫يف عليها االنقالع في ذلك الوقت‬ ‫‪.‬وأصوالً‪ِ ،‬خ َ‬

‫خوف األكابر من سوء الخاتمة‪ ،‬وزي ِغ القلب عند الموت‬ ‫‪.‬ومن أجل ذلك‪َّ ،‬‬
‫اشتد ُ‬

‫ثم إن القوادح والعوارض التي تعرض ألصولها‪ ،‬من البدع والشكوك‪ ،‬واالضطراب‬
‫َّ‬
‫في أمر اآلخرة‪ ،‬يجري مجرى ما يعرض في أصول الشجر من اآلفات واألخالق‬
‫المذمومة‪ ،‬و المعاصي تجري منها مجرى ما يقع لفروع الشجرة وأغصانها من‬
‫‪.‬العوارض‬

‫أضر على الشجرة كثيراً من الذي‬


‫فال َج َر َم أ ْن كان الذي يقدح في األصل ويوهنه‪َّ ،‬‬
‫‪.‬يقع على الفروع‬

‫أضر من المعاصي‬ ‫ِّ‬


‫والشك في اليوم اآلخر‪ .‬وكان على صاحبه ُّ‬ ‫ولهذا َعظُ َم أمر البدعة‬
‫‪.‬والمحرمات‬

‫‪17‬‬
‫‪.‬نسأل اهلل العافية‪ ،‬والوفاة على اإلسالم‬

‫وقال رضي اهلل عنه ونفع به‪ :‬الدنيا تنادي على نفسها بلسان الحال‪ ،‬خطاباً ‪...‬‬
‫للراغبين فيها‪ :‬احذروني فإنني فتنة‪ ،‬وخذوا مني زاد اآلخرة‪ .‬وامتثلوا أمر اهلل لكم‪،‬‬
‫في والمتمتعين بي‪.‬‬
‫في ترككم إياي‪ .‬واعتبروا بمن مضى من قبلكم‪ ،‬من الزاهدين َّ‬
‫وانظروا في ِسيَ ِرهم‪ ،‬وكيف ذهبوا وانقلبوا إلى اآلخرة‪ .‬الزاهدون منهم بنعيم ال‬
‫‪.‬ينقضي‪ ،‬وأهل الحرص بحسرة ال تنقطع‬

‫‪:‬وقال‪ :‬الكمال أربعة أجزاء ‪...‬‬

‫عرف حق اهلل تعالى‪ .‬والعمل بالعلم‪ ،‬وهو القيام بأمر اهلل‬


‫‪.‬العلم‪ ،‬وبه يُ َ‬

‫‪.‬واإلخالص في العلم والعمل‪ ،‬وهو تصفية ما هلل‬

‫‪.‬والبراءة من الحول والقوة‪ ،‬وهو االعتماد على اهلل‬

‫فمن عرف َّ‬


‫حق اهلل‪ ،‬وقام بأمر اهلل‪ ،‬وصفى ما هلل‪ ،‬واعتمد على اهلل‪ ،‬فهو اإلنسان‬
‫‪.‬المرتَضى‪ ،‬الولي هلل المجتَبى‬

‫وقال رضي اهلل عنه‪ :‬السماع يشفي السقيم‪ ،‬ويحيي الرميم‪ ،‬إذا وقع من أهله مع ‪...‬‬
‫أهله في الوقت القابل لذلك‪ ،‬والمحل الالئق به‪ .‬وهو فتنة على المستمع بالحظ‬
‫المسمع على هذا الوجه‬
‫ِّ‬ ‫‪.‬والهوى‪ ،‬وعلى‬

‫‪:‬وقال‪ :‬ال َّ‬


‫بد لإلنسان في الوصول إلى سعادات اآلخرة من أمرين ‪...‬‬

‫‪.‬أحدهما‪ :‬الهداية والتوفيق من اهلل‪ .‬وهو بمنزلة الغيث الذي يصيب األرض‬
‫‪18‬‬
‫والثاني‪ :‬السعي إلى اهلل على منهاج االستقامة‪ ،‬وهو بمنزلة الحرث لألرض‪ ،‬وتعهدها‬
‫‪.‬بما تحتاج إليه من البذر‪ ،‬والتربية والحفظ‪ ،‬وتنحية المؤذي‪ ،‬إلى غير ذلك‬

‫وتعب بال حاصل‪ .‬وإصابة السيل لها مع‬


‫فحرث األرض دون أن يصيبها السيل عناءٌ ٌ‬
‫‪.‬ترك الحرث إضاعة‬

‫فالتوفيق من اهلل كالغيث‪ ،‬ليس للعبد فيه مدخل‪ ،‬وذلك هو الحقيقة‪ .‬والسعي‬
‫واالجتهاد الذي هو بمنزلة حرث األرض وتعهدها إلى العبد‪ ،‬وهو كسبه‪ ،‬وعنه يُسأل‪،‬‬
‫‪.‬وعليه يُجزى‪ ،‬وذلك هو الشريعة‬

‫صاب‪.‬‬
‫الس َّراق والغُ َّ‬
‫وقال رضي اهلل عنه‪ :‬الدنيا بمنزلة البادية المخوفة‪ ،‬الكثيرة ُّ‬
‫واآلخرة بمنزلة المدينة الخصيبة اآلمنة‪ .‬واإلنسان خرج إلى الدنيا ليأخذ مما فيها‪،‬‬
‫‪.‬فيقدِّمه لآلخرة‬

‫فالعاقل كلما حصل في يده شيء من أمتعتها قَدَّمه أمامه‪ ،‬ليُحفظ ويأمن عليه‪ ،‬وينتفع‬
‫‪.‬به إذا وصل إلى محل استقراره وهي اآلخرة‬

‫والجاهل يحتبس ما معه عنده بخالً به‪ ،‬فإما أن يأخذه الغُّ َّ‬
‫صاب من يده؛ وهي أمثال‬
‫آفات الدنيا‪ .‬وإما أن يسافر هو من البادية التي ال قرار له بها على القهر منه‪ ،‬ويُ َكلَّف‬
‫‪.‬ترك ما معه‪ ،‬فيأخذه من يبقى في المحل الذي انتقل عنه‬

‫اللبيب‪ .‬قال اهلل تعالى‬


‫ُ‬ ‫العاقل‬
‫ُ‬ ‫فلي ْف َه ْمهُ‬ ‫‪:‬هذا ٌ‬
‫مثال عجيب‪َ ،‬‬

‫َّاس َو َما َي ْع ِقلُها إالَّ العالِمو َن(‬


‫ض ِربُها لِلن ِ‬
‫َمثال نَ ْ‬ ‫)وتِ َ‬
‫لك األ ُ‬ ‫‪].‬العنكبوت‪َ [43:‬‬

‫‪19‬‬
‫وقال رضي اهلل عنه‪ :‬الخوف ال ينتفي‪ ،‬وال يذهب عن المؤمن‪ ،‬وإن كان قوي ‪...‬‬
‫اإليمان صالح العمل‪ .‬بل كلما كان اإليمان أكمل والعمل أصلح‪ ،‬كان الخوف‬
‫‪:‬أعظم‪ .‬مثال ذلك‬

‫اإلنسان يكون معه الذهب‪ ،‬والفضة الكثيرة‪ ،‬واألقمشة المليحة‪ ،‬وهو‬

‫مسافر في خبت مخوف‪ ،‬أو بحر مغرق‪ .‬فالمال الذي يتوصل به إلى الغنى والشرف‬
‫‪.‬معه‪ ،‬ولكنه ال َي ْن ِتف ُع به‪ ،‬ويشتد خوفه على فوته‪ ،‬وال يخاف من ليس معه شيء‬

‫ثم إنه ال يتم سرور صاحب هذا المال بماله‪ ،‬وينتفي عنه الخوف حتى يصل البندر‪،‬‬
‫‪.‬ويتيقن السالمة‬

‫فاآلخرة هي بندر األمن‪ ،‬والدنيا هي البحر المغرق‪ ،‬والخبت المخوف‪ ،‬والمسافر هو‬
‫اإلنسان‪ ،‬والنقود واألقمشة التي تكون معه هي المعارف اإليمانية واألعمال الصالحة‪،‬‬
‫واألمور التي يَخشى منها في هذا السفر على هذه األمتعة الشريفة هي الشكوك‬
‫‪.‬واآلفات التي تعرض لإليمان واألعمال الصالحة فتفسدها‪ .‬نسأل اهلل العافية‬

‫‪.‬وقال رضي اهلل عنه ونفع به‪ :‬تذهب الدنيا شيئاً فشيئاً‪ ،‬حتى ال يبقى منها شيء ‪...‬‬

‫نور وبركةٌ‪ ،‬وإن كان غير فصيح‪ .‬وكالم ‪...‬‬


‫وقال‪ :‬كالم أهل اإلخالص والصدق ٌ‬
‫الرياء والتَّكلُّف ٍ‬
‫ظلمة وخيبة‪ ،‬وإن كان فصيحاً‬ ‫‪.‬أهل َّ‬

‫تعب المعلِّمين والمؤدِّبين فيه ‪...‬‬


‫‪.‬وقال‪ :‬من لم تكن له بصيرة تهديه‪ ،‬طال ُ‬

‫‪20‬‬
‫وقال‪ :‬من تكبَّر على الحق وأهله‪ ،‬ابتاله اهلل بالذل والباطل وأهله‪ ،‬فيجتمع عليه ‪...‬‬
‫‪.‬عند ذلك مصيبتان وعقوبتان‪ ،‬وتفوته منقبتان ومثوبتان‬

‫وقال‪ :‬المؤمن يتجوز في العادات وال يتجوز في العبادات‪ .‬والمنافق يتجوز في ‪...‬‬
‫‪.‬العبادات وال يتجوز في العادات‬

‫وص َدر‪ ،‬وقع منها ُك ُّل الباليا ال ُكبَر ‪...‬‬ ‫‪.‬وقال‪ :‬من لم يتهم نفسه في ِّ ٍ‬
‫كل ورد َ‬

‫داع إلى الهوى والطبيعة‪ ،‬وهو يدَّعي أنه يدعو إلى الدين والشريعة ‪...‬‬
‫ب ٍ‬ ‫‪.‬وقال‪ُ :‬ر َّ‬

‫‪.‬وقال‪ :‬العلم عليك حتى تعمل به‪ ،‬فإذا عملت به كان العلم لك ‪...‬‬

‫وقال‪ :‬ما أظَلَّت الخضراء وال أقلَّت الغبراء أشد حماقةً ممن يعلم ُحسن شيء ‪...‬‬
‫بح شيء وهو له فاعل‬
‫‪.‬وهو له تارك‪ ،‬ويعلم قُ َ‬

‫دب ْر ثم افعل‪ِّ .‬‬


‫فك ْر ثم قُل ‪...‬‬ ‫‪.‬وقال‪ِّ :‬‬

‫ب إليهم‪ ،‬وإن لم يكن ‪...‬‬ ‫أحد يُ ِح ُّ‬


‫ب أن ُي ْن َس َ‬
‫أن كل ٍ‬‫وقال‪ :‬كفى أهل اآلخرة شرفاً َّ‬
‫أحد يكره أن يذكر في جملتهم‪ ،‬وإن كان من‬ ‫كل ٍ‬
‫ضعةً أن َّ‬‫أهل الدنيا َ‬
‫منهم‪ .‬وكفى ُ‬
‫‪.‬أكابرهم‬

‫وقال‪ :‬من أكبر الكبائر الباطنة والظاهرة‪ ،‬أن تلتمس من أصحابك الدنيا‪ ،‬وهم ‪...‬‬
‫‪.‬يلتمسون منك اآلخرة‬

‫‪.‬وقال‪ :‬قيمة اإلنسان عند أهل الدنيا‪ ،‬ما يأخذه منهم ‪...‬‬

‫‪21‬‬
‫وقال‪ :‬إن أردت أن تستشير إنساناً َف َقدِّر أنه يشير عليك بمخالفة ما تحب‪ ،‬فإن ‪...‬‬
‫‪.‬رأيت امتثاله‪ ،‬وإال فدع‬

‫‪.‬وقال‪ :‬رأي اإلنسان فرع علمه وعقله‪ ،‬فال ينبغي أن يضعه عند من ال يأخذ به ‪...‬‬

‫‪:‬ول ِ‬
‫َح َق بع ُد من الكالم المنثور‪ ،‬هذا المسطور‬

‫لك ‪...‬‬
‫اد َه َ‬
‫لك‪ ،‬ومن َح َ‬
‫لك َم َ‬
‫‪.‬وقال‪َ :‬من َس َ‬

‫‪.‬وقال‪ :‬من َحفظ الفؤاد‪ُ ،‬حفظ من الفساد ‪...‬‬

‫‪.‬وقال‪ :‬من حفظ الجوارح‪ِ ،‬أم َن الجوارح ‪...‬‬

‫‪.‬وقال‪ :‬كاد العاقل أن ال يكون له عدو ‪...‬‬

‫‪.‬وقال‪ :‬كاد األحمق أن ال يكون له صديق ‪...‬‬

‫وقال‪ :‬في أسفار األرباح راحة األرواح واألشباح‪ ،‬وفي أسفار األخطار تعب ‪...‬‬
‫الظواهر واألسرار‪ .‬واهلل أعلم‬

‫‪.‬وصلَّى اهلل سيِّدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪22‬‬

You might also like