Professional Documents
Culture Documents
الطبعة :األوىل
عدد النسخ2000:
مقدمة
َّ
إن رضورة البحث عن معرفة الغيبة والبهتان ،وعقوبتهام،وكيفية
اجتناهبام يوجبهام العقل والرشع ،فأ َّما العقل فإنَّه يدفع اإلنسان ملعرفة
ماهية الغيبة ،وأرضارها،فيحكم العقل بلزوم ترك كل فعل قبيح ومنها
الغيبة ،وال يتحقق الرتك إالَّ بمعرفة األسباب ا َّلتي تدفع اإلنسان للغيبة،
وكيفية التخ ّلص منها ،وأ َّما الرضورة الرشعية فقد أوجب الرشع لزوم
االجتناب عن الغيبة دفع ًا للرضر َّ
ألن معرفة العقوبة املرتتبة عىل املغتاب
3
تؤ ِّدي إىل االبتعاد عن الغيبة ،خوف ًا ِمن عقاب اهلل تعاىل ،ويف ترك الغيبة
السالمة والنجاة ِمن نقمته وعذابه،والفوز برضاه ،وثوابه.
نسأل اهلل تعاىل أن يتق َّبل منَّا هذا اجلهد البسيط،وينفع املؤمنني به.
4
تعريف الغيبة
الغيبة
هذه اآلفة التي هي من أقبح القبائح ،وأكثرها انتشارا بني الناس،
حتى أنه ال يسلم منها إال القليل من الناس ،أي إال ما رحم ريب.
وهي يف هذا الزمان فاكهة املجالس ،بل وجبة شهية يتلذذ هبا أكثر
الناس رغم أهنا ترض به وهو يعلم بمدى إثمها وإهنا حمرمة عليه ،ومع
ذلك مستمر واليبايل بام يفعله ،نعم أهنا الغيبة !
«هو أخوك ،والمؤمن أخو المؤمن ألمه وأبيه ،وإن لم يلده أبوه،
معلون من اتهم أخاه ،ملعون من غش أخاه ،ملعون من لم ينصح أخاه،
ملعون من اغتاب أخاه »
((( .
6
«الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه له ،فأسأله عنه
فينكره ،وقد أخبرني عنه قوم ثقاة ،فقال لي( :يا محمدّ ،
كذب سمعك
قسامة ،وقال لك قوالً،
وبصرك عن أخيك ،فإن شهد عندك خمسون ّ
تذيعن عليه شيئ ًا يشينه تهدم به مروته ،فتكون
ّ فصدّ قه ّ
وكذبهم ،وال
7
تعريف الغيبة
هي ذكرك االنسان بام فيه مما يكرهه ،سواء يف بدنه كقولك قصري،
أو يف دينه كقولك متساهل ..الخ
قال« :إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ،وإن لم يكن فيه ما تقول فقد
بهتّه» (((.
قال تعاىل:
وعنه أنه قال« :من لم يغتب فله الجنة ،ومن لم يغضب فله
الجنة ،ومن لم يحسد فله الجنة(((».
وقال له رجل :ما أخوف ما خياف عيل؟ فأخذ بلسانه ،وقال :هذا.
كام يف رواية املعىل بن خنيس قال :قلت أليب عبداهلل :ما حق
املؤمن عىل املؤمن؟ قال« :سبعة حقوق واجبات ،ما فيها حق إال
وهوعليه واجب ،إن خالفه خرج من والية الله وترك طاعته ،ولم يكن
لله عز وجل فيه نصيب».
قال :قلت :جعلت فداك ،حدثني ماهي؟ قال« :يا معلى إني شفيق
عليك ،أخشى أن تضيع وال تحفظ ،وتعلم وال تعمل».
قلت :القوة إالّ باهلل .قال« :أيسر حق منها ،أن تحب له ما تحب
13 لنفسك ،وتكره له ما تكره لنفسك.
وعن أيب املأمون احلارثي قال :قلت الَيب عبداهلل :ما حق املؤمن
حق المؤمن على المؤمن المو َّدة له في
«إن من ّ
عىل املؤمن؟ قالَّ :
14
صدره ،والمواساة له في ماله ،والخلف له في أهله ،والنصرة له على
من ظلمه ،وإن كان نافلة في المسلمين وكان غائب ًا أخذ له بنصيبه ،وإذ
ّ
اليغشه وأن ال يخونه وأن ال مات الزيارة إلى قبره ،وأن ال يظلمه وأن
أف فليس بينهما
أف ،وإذا قال لهّ : يخذله وأن ال ّ
يكذبه ،وأن ال يقول له ّ
عدوي فقد كفر أحدهما ،وإذا اتهمه انماث والية ،وإذا قال له :أنت ّ
((( ِ
االيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء»
أي :لو اختلطت بِامء البحر ألنتن البحر كله ،والبحر ال ينتن ألن
أمالحه كثرية ،ولكن هذه الكلمة -إهنا قصرية وهي تُرى قصرية -
أنتنت ماء البحر لو مزجت به.
16
غيبة �أهل الرياء
ويستعمل اسمهُ ومن أصناف ه��ؤالءَ ،م�� ْن يذك ُُر اهلل سبحانه
فيسبق غيب َت ُه بذكر
ُ الرشيف ،للفت األنظار إىل ما يريدُ قو َل ُه من الغيبة...
ال وغرور ًا لتحقيق ما خيطر يف سوء رسيرته...
اهلل جه ً
الغيبة
وأحيان ًا يذكر أخاه مظهر ًا صدا َقتَه وصح َب َت ُه وغري َت ُه عليه ...ثم ُي ُ
تبع
التعجب
ّ ظهر
ذلك بقوله ،تاب اهلل عليه ،أو غفر اهلل له ...ومنهم َم ْن ُي ُ
ليزيدَ من كالم املغتاب ،فيقول مثالً ،ما أعجب هذا ،أو هل حصل
هذا؟ أو عجب ًا ملا جيري ،أو خ ٌ
رب يكا ُد ال ُيصدَّ ق ...إىل آخر أساليب
الشيطان
(((
18
حرمة الغيبة
وحرم ُة الغيبة من رضوريات اإلسالم ،ومن املعايص ا ُمل ْهلكة التي
ُيمك ُن أن حُتبط عمل سنني بأ َّيامها ولياليها ،وهي ك ََم ْن جيمع حطبه
لسنني وحيرقهم يف ساعة!
20
خطورة الغيبة
ونظر ًا اىل رضر الغيبة وكوهنا جريمة اجتامعية خطرية يتسبب عنها
تفرق وحدة املسلمني ،وفساد قلوهبم ،ومتزق روابطهم ،فقد حارهبا
ّ
االسالم حماربة عنيفة ،وتو ّعد أولئك الذين ينتهكون حرمة املسلمني
اجتَن ِ ُبوا كَثِ ًيرا ين َآمنُوا ْ
ِ
باغتياهبم ونرش عيوهبم ،فقال تعاىلَ ﴿:يا َأ ُّي َها ا َّلذ َ
ِ
َب َب ْع ُضك ُْم َب ْع ًضا م َن ال َّظ ِّن إِ َّن َب ْع َض ال َّظ ِّن إِ ْث ٌم َو اَل ت ََج َّس ُسوا َو اَل َي ْغت ْ
ب َأ َحدُ ك ُْم َأ ْن َي ْأك َُل َل ْح َم َأ ِخ ِيه َم ْيتًا َفك َِر ْهت ُُمو ُه َوا َّت ُقوا ال َّل َه إِ َّن ال َّل َه ِ
َأ ُيح ُّ
يم﴾(الحجرات اآلية .)12 ِ
اب َرح ٌ ت ََّو ٌ
21
عن أيب عبداهلل قال :إن رسول اهلل وقف بمنى حني قىض
مناسكها يف حجة ال��وداع فقال« :أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم
واعقلوه عني فإني ال أدري لعلي ال ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا
هذا ،ثم قال :أي يوم أعظم حرمة»؟ قالوا :هذا اليوم قال« :فأي شهر
أعظم حرمة»؟ قالوا :هذا الشهر ،قال« :فأي بلد أعظم حرمة»؟ قالوا:
هذا البلد ،قال« :فإن دماء كم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم
هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه ،فيسألكم عن
أعمالكم اّأل هل بلغت»؟ قالوا :نعم قال« :اللهم اشهد أال من كانت
الغيبة
عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه ال يحل دم امرئ مسلم وال
ماله إال بطيبة نفسه وال تظلموا أنفسكم وال ترجعوا بعدي كفارا».(((.
قال أمري املؤمنني يف عهده ملالك االشرت رضوان اهلل عليه:
قال الشيخ مكارم شريازي :الويل للهماّ زين واللماّ زين :تبدأ هذه
السورة بتهديد قارع وتقول:
ّ
﴿و ْي� ٌ�ل لِك ُِّل ُه َمز ٍَة ُل� َ�م �ز ٍَة﴾ّ ...
لكل من يستهزيء باآلخرين، َ
ويعيبهم ،ويغتاهبم ،ويطعن هبم ،بلسانه وحركاته وبيده ،وعينه
وحاجبه.
وقيلّ :
إن اإلثنتني بمعنى الذي ينبز النّاس بالقاب قبيحة مستهجنة.
عن عمرو بن نعامن اجلعفي قال :كان آليب عبد اهلل صديق
اليكاد يفارقه إذا ذهب ما كان ،فبينام هو يميش معه يف احلذائني ومعه
غالم له سندي يميش خلفهام إذا التفت الرجل يريد غالمه ثالث مرات
فلم يره فلامنظر يف الرابعة قال :يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال :فرفع أبو
عبد اهلل يده فصك هبا جبهة نفسه ،ثم قال« :سبحان الله تقذف أمه
قد كنت أرى أن لك ورعا فإذا ليس لك ورع» ،فقال :جعلت فداك إن
25
أمه سنديه مرشكة ،فقال« :أما علمت أن لكل امة نكاح ًا ،تنح عني»،
قال :فام رأيته يميش معه حتى فرق املوت بينهام (((.
وقال« :يؤتى بأحد يوم القيامة يوقف بين يدي الله ويدفع إليه
كتابه فال يرى حسناته ،فيقول :إلهي ليس هذا كتابي فاني ال أرى فيها
ويف وصية أمري املؤمنني لنوف قال« :اجتنب الغيبة فأنها أدام
كالب النار».
ثم قال« ::يا نوف كذب من زعم أنه ولد من حالل وهو يأكل
لحوم الناس بالغيبة وكذب من زعم أنه ولد من حالل وهو يبغضني
ويبغض األئمة من ولدي ،وكذب من زعم أنه ولد من حالل وهو
يحب الزنا وكذب من زعم أنه يعرف الله عز وجل وهو مجتر على
26
معاصي الله كل يوم وليلة ،يا نوف أقبل وصيتي ال تكونن نقيبا وال
عريفا وال عشارا وال بريدا ،يا نوف صل رحمك يزيد الله في عمرك
وحسن خلقك يخفف الله في حسابك ،يا نوف إن سرك أن تكون معي
يوم القيامة فال تكن للظالمين معينا ،يا نوف من أحبنا كان معنا يوم
القيامة ،ولو أن رجال أحب حجرا لحشره الله معه ،يا نوف إياك أن
تتزين للناس وتبارز الله بالمعاصي فيفضحك الله يوم تلقاه ،يا نوف
(((
أحفظ عني ما أقول لك تنل به خير الدنيا واآلخرة».
((( البحار .259 / 72 /
((( البحار .383 / 74 /
خطورة الغيبة
وقال رسول اهلل« :اجللوس يف املسجد انتظارا للصالة عبادة ما
مل حيدث» قيل يا رسول اهلل ما احلدث؟ قال « :االغتياب».
وقال أمري املؤمنني« :ما عمر مجلس بالغيبة إال خرب من
الدين فنزهوا أسماعكم عن استماع الغيبة فان القائل والمستمع لها
شريكان في اإلثم».
27 الغيبة أشد من الزنا؟ قال« :الن الرجل يزني ثم يتوب فتاب الله عليه
وإن صاحب الغيبة ال يغفر حتى يغفر له صاحبه».
(((
فذكر الربا وعظم شأنه ،فقال« :إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم
عند الله في الخطيئة من ست وثالثين زنية يزنيها الرجل ،وإن أربى الربا
عرض الرجل المسلم» .ومر عىل قربين يعذب صاحبامها ،فقال:
«إنهما ليعذبان في كبيرة ،أما أحدهما فكان يغتاب الناس ،وأما اآلخر
فكان ال يستبرئ من بوله .ودعا بجريدة رطبه أو جريدتين فكسرهما،
ثم أمر بكل كسرة فغرست على قبره ،وقال :أما إنه يهون من عذابهما
ما كانتا رطبتين» .وروي :أنه« أمر الناس بصوم يوم ،وقال :ال
((( البحار .81 / 8 /
خطورة الغيبة
يفطرن أحد حتى آذن له .فصام الناس ،حتى إذا أمسوا ،جعل الرجل
يجيئ ،فيقول :يا رسول الله ،ظللت صائما فأذن لي ألفطر ،فيأذن له،
والرجل ،حتى جاء رجل ،فقال :يا رسول الله لتفطرا .فأعرض عنه .ثم
عاوده فأعرض عنه .ثم عاوده ،فقال :إنهما لم تصوما ،وكيف صام من
ظل هذا اليوم يأكل لحوم الناس ،أذهب فمرهما إن كانتا صائمتين أن
تستقيئا .فرجع إليهما ،فأخبرهما ،فاستقاءتا ،فقاءت كل واحدة منهما
حلقة من دم ،فرجع إلى النبي فأخبره ،فقال والذي نفس محمد
(((
بيده! لو بقيتا في بطنيهما ألكلتهما النار».
29
وأما اخلواطر ،وحديث النفسَ ،ف ُهو َمع ُف ٌو َعن ُهَ ..و َلك َّن ا َمل ِنه َّي
ميل إِ َل ِيه
َّفس َو َي ُ ِ ِ ِ
بـار ٌة َعماّ تر َك ُن إِليه الن ُ
ِ
َعن ُه َأ ْن َت ُظ َّن ظن السوء ،ال َّظ ُّن ع َ
ال َقلب.
وخالصة الكالم ّ
أن سوء الظن له ثالثة مراحل:
فأ ّما ما كان يف القلب فال يقع مشموالً للتكليف ألنّه خارج عن
دائ��رة االختيار ،ولك ّن ما يصدر من اإلنسان بلسانه أو بعمله فهو
املمنوع واحلرام.
33
تغيري الروابط مع ذلك الطرف ،فعىل هذا األساس ّ
فإن اإلثم هو إعطاء
(((
األثر وترتّبه عليه.
ال�سامع كاملغتاب
وكام حيرم عىل املغتاب حيرم عىل السامع فيجب عىل من سمع
َف رضر ًا ظاهر ًا ،فأن خاف
إنسان ًا يبتدئ بغيبة حمرمة :أن ينهاه إن مل خي ْ
وجب عليه اإلنكار بقلبه ،ومفارقة ذلك املجلس إن متكن من مفارقته،
فإن قدر أن ينكر بلسانه فبها وإال فبقلبه ،أو قطع الغيبة بكالم آخر لزمه
ذلك فإن مل يفعل عىص.
فإن قال بلسانه :أسكت ،وهو رايض بقلبه استمراره ،قال أحد
العلامء :ذلك نفاق ،ال خيرجه من اإلثم ،وال بد من كراهية بقلبه.
35
اضطر إىل البقاء يف ذلك املجلس الذي فيه
ّ أقول :حتى قالوا متى
الغيبة ،وعجز عن اإلنكار ،أو أنكر فلم يقبل منه ،ومل يمكنه اخلروج
من ذلك املجلس حرم عليه االستامع وإال صغاء للغيبة .بل جيب عليه
أن يذكر اهلل بلسانه وقلبه ،أو بقلبه ،أو يفكر يف أمر آخر ليشغل عن
سامعها ،وال يرضه بعد ذلك السامع من غري استامع وإصغاء .ومتى
استطاع اخلروج من ذلك املجلس جيب عليه أن خيرج.
نعم الغيبة ال تتم إال من طرفني ،ليس هناك أحد يغتاب وحده ،ال
بد من أحد يسمعه ،فإذا سمعته فأوقفه ،أما إذا أعطيته إشارة وشجعته
الغيبة
عىل الغيبة فأنت أحد املغتابني ،وعليك من اإلثم مثل ما عليه.
قال :فقلت :فقد غلت األسعار ،فهل تدعو اهلل فيكشف عن
الناس؟
فقال :واهلل ما أبايل ،ولو ،حبة بدينار إن اهلل أخذ علينا أن نعبده كام
أمرنا ،وعليه أن يرزقنا كام وعدنا ،ثم صفق بيديه أنشأ يقول: 40
ثم إنه قد يتضاعف عقاب املغتاب إذا كان ممن يمدح املغتاب يف
((( بلوغ األرب بتقريب بكتاب الشعب .408 / 1 /
((( الزهد الكبري للبيهقي .193 / 2 /
ق�ص�ص عن الغيبة وا�ستماعها
حضوره ،وهذا وإن كان يف نفسه مباحا إال أنه إذا انضم مع ذمه يف غيبته
سمي صاحبه «ذو اللسانني» وتأكد حرمته ،ولذا ورد يف املستفيضة:
«أنه جيئ ذو اللسانني يوم القيامة وله لسانان من النار»
(((
41
2ـ غيبة الظامل يف مقام ال�شكاية منه وبيان ظلمه ال فيما عدا ذلك.
بالسوء ِم َن ال َق ِ
ول ِ الج ْه َر
ب الل ُه َ
ِ
وقال تعاىل يف سورة النساء ﴿ال ُيح ُ
إال َم ْن ُظلِم﴾ .الشورى 41ـ 42
عىل ّ
كل حال جيوز لك أن تنترص بقدر املظلمة ،فال جيوز لك أن
تتهمه يف أمر ليس له عالقة بظلمك مث ً
ال يف عرضه قائالً :هو يميش مع
النساء أو زوجته متيش مع الرجال أو ابنته صفتها كذا وكذا ،وأن يقترص
عىل اظهار التظلم عند من يرجو نرصته واغاثته.
47
عالج الغيبة
ٌ
ومعول هدام ،وسلوك يفرق إن الغيبة مرض خطري ،وداء فتاك،
رشورا
ً بني األحباب ،وهبتان يغطي عىل حماسن اآلخرين ،وبذرة تنبت
بني املجتمع املسلم ،وتقلب موازين العدل واإلنصاف إىل الكذب
واجلور.
ّ
إن عالج هذا املرض األخالقي اخلطري يشبه من جهات عالج
سائر األمراض األخالقية االُخرى ،وخيتلف عنها من بعض اجلهات،
ويف املجموع البدّ من رعاية االُمور التالية للوقاية من الوقوع يف هذا
49
املرض أو عالجه:
1ـ ّ
إن العالج احلقيقي لكل مرض بدين أو نفيس أو أخالقي
يتم ّثل بالعثور عىل اجلذور واألسباب الكامنة وراء االبتالء هبذا املرض
والسعي إلزالتها والقضاء عليها ،وبام ّ
أن عوامل حصول هذه الصفة
القبيحة يف النفس كثرية ومتعددة فالبدّ من التوجه إىل تلك العوامل
املهمة هو :احلسد ،احلقد،
ّ واالسباب ،وقد رأينا ّ
أن من العوامل
حب االنتقام ،التكبرّ والغرور وأمثال ذلك ،وما دامت هذه
األنانيةّ ،
احلاالت النفسية السلبية موجودة يف أعامق النفس ومادام اإلنسان ال
الغيبة
يتحرك عىل مستوى إزالتها من واقعه وذاته ّ
فإن هذه احلالة الرذيلة أي ـ ّ
الغيبة ـ ال تنقلع وال تزول.
وعندما ال جيد اإلنسان يف نفسه حسد ًا عىل أحد وال يعيش حالة
احلقد والكراهية واملقت اجتاه اآلخرين وال يرى يف نفسه إمتياز ًا وال
مسوغ له للت ّلوث بخطيئة الغيبة وال جيد يف ذاته
تفوق ًا عىل الغري فال ّ
ّ
رغبة ومي ً
ال إىل ارتكاب هذا الفعل الذميم
عن ابن مسعود أنه كان عىل الصفا يلبي ويقول يا لسان قل خريا
تغنم أو أنصت تسلم من قبل أن تندم قيل له يا أبا عبد الرمحن هذا يشء
تقوله أو يش ء سمعته قال ال بل سمعت رسول اهلل يقول «إن أكثر
(((
خطايا ابن آدم في لسانه».
قال رسول اهلل« :ال يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه،
وال يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ،فمن استطاع منكم أن يلقى الله
سبحانه وهو نقي اليد من دماء المسلمين وأموالهم ،سليم اللسان من
(((
اعراضهم ،فليفعل»
قال رسول اهلل« :يا علي من خاف الناس لسانه فهو من أهل
(((
النار».
51 (((
قال اإلمام الصادق« :نجاة املرء حفظ لسانه».
أق��ول فلو عرف االنسان مدى تاثري الكلمة وان كانت باحلق
واستمرارها ودوام عمرها وتاثريها ربام لتوقف عن الكالم ومتنى
ان يكون اخرس فربام كلمة قيلت بدون اي وعي وانتباه تناقلت عرب
االلسن واستمرت اجيال ومات القائل ولكنها ال متوت ليوم القيامة
املهم ما نريد قوله ان الغيبة مرض ابتىل اهلل به البرش وال يستخدمها
ويعمل هبا اال كل جبان فاقد للدين واملروءة فلو كان املغتاب شجاع ًا
52
لواجه ذا العالقة هبا ولو كان له دين لوقف الدين بوجه القائل قبل ان
يدمر سمعة انسان او حيطم شخصيته واسقاطه من املجتمع ولوكانت
مرو ٌة لعرف اهنا سالح فتاك ال يرد فلريحم خصمه واالكثر رعبا ان
له ّ
هذه الغيبة لو كانت بمقدار كلمة واحدة حني تلصق باذهان االخرين
لو مجعنا كلامت الكون كلها عىل ان نزيح هذه الكلمة ما استطعنا فهي
اليشء املرعب حقا الن سمعة الناس أمان ٌة بأيدي اآلخرين ومن طرق
مكافحتها ما ورد يف دعاء مكارم األخالق الوارد عن االمام عيل بن
احلسني حيث يقول:
عالج الغيبة
عار َض َم ْن غ ََّشنِي «ال ّل ُه َّم َص ِّل َعلى ُم َح َّم ٍد َوآلِ ِه َو َسدِّ ْدنِي الَ ْن ُأ ِ
يب َم ْن َح َر َمنِي بِال َب ْذ ِل َو ُأكافِ َي ِ ِ
ي َم ْن َه َجرني بِالبِ ِّر َو ُأث َ بِالن ُّْصحِ َو َأ ْج ِز َ
ف َم ْن اغْتا َبنِي إِلى ُح ْس ِن ِّ
الذك ِْرَ ،و َأ ْن َأ ْشك َُر الص َل ِة َو ُأخالِ َ ِ
َم ْن َق َط َعني بِ ِّ
الس ِّيئ َِة». ِ
الح َسنَ َة َو ُأغْضي َع ِن َّ َ
فهذه الفقرة من الدعاء هلا سحر عجيب عىل رد الغيبة لنحر قائلها
ملاذا ال ختترص الكالم كام ختترصه ىف املكاملـات الدولية ،وتعلم بأن كل
كلمة حماسـب ىف ضياع حسناتك كام هو ىف ضياع أموالك.
فلو فوجئت بفـاتورة هاتفك يمكن تداركه وعدم العودة ملثل ذلك
ولكن عندما تفاجأ بضياع حسناتك يف صحيفتك يوم القـيامة وضياع
اجلنة .فاحلسـرة والندامة ابدية.
53
2ـ العدل واإلن��ص��اف ،حيث حتاسب نفسك فهل حتب أن
يغتابك الناس ويذكروك بسوء؟ فكام ال حتب ذلك لنفسك فلامذا حتبه
لآلخرين؟ وانظر كذلك إىل اآلثار الواقعية التي ترتتب عىل مثل هذه
الغيبة ،فإهنا تزرع الشحناء والبغضاء ،وتفرق الصفوف وتوهن يف قوة
املسلمني ،وكل ذلك أرضار إذا تأملتها وأدركت خطورهتا.
وهتيئوا للعرض األكرب عىل اهلل ،فقد قال تعاىلَ ﴿ :ي ْو َمئِ ٍذ ُت ْع َر ُض َ
ون
ال تَخْ َفى ِمنْك ُْم َخافِ َي ٌة﴾ (احلاقة.)18:
ت ِم ْن َخ ْي ٍر ُم ْح َضر ًا َو َما
س َما َع ِم َل ْ
َجدُ ك ُُّل َن ْف ٍوقال تعاىلَ ﴿:ي ْو َم ت ِ
وء ت ََو ُّد َل ْو َأ َّن َب ْين ََها َو َب ْينَ ُه َأ َمد ًا َب ِعيد ًا﴾( .آل عمران)30:
ت ِمن س ٍ ِ
َعم َل ْ ْ ُ
وهذا الرسول األعظم يعطينا درس ًا عملي ًا حيث يروى أنه خرج
أثناء علته يطالب الناس بالقصاص من نفسه؟ وأنه قام رجل يطالبه
القصاص بالسوط لرضبه كام رضبه .رغم الضعف الذي أحل بجسد
الرشيف؟
61
البهتان
وإذا عرفنا خطر الغيبة البد من التعريج عىل ما هو أخطر منها وهو
البهتان ،فمن مجلة الذنوب الكبرية التي ثبتت بطريق األولوية القطعية
هو (البهتان) وهو نسبة العيب اىل شخص ليس فيه ذلك العيب ،وذلك
ألن الغيبة ـ التي هي ذكر اآلخر بعيب موجود فيه ـ من الذنوب الكبائر
فالبهتان بطريق أوىل وبحكم العقل القطعي كبرية أيض ًا ،بل البهتان
يشتمل عىل كبريتني الغيبة والكذب .وحيث أن البهتان مورد ابتالء
عموم الناس ،ومفاسده كثرية ،وقد هني عنه يف القرآن املجيد والروايات
63 بشدة ،وجاء الوعد عليه بعقوبات شديدة (((.
أقول:أن الناس بدأت تستصغر هذا الذنب مع أنه ذنب عظيم ال
جيب أن نستخف فيه ملا له من آثار دنيوية وأخروية سيئة عىل شخصية
اإلنسان.
نعم البهتان هو أن تتهم أخوك املؤمن بام ليس فيه ،وتتجنى عليه
بأعامل مل يقم هبا وجرمه أكرب من الغيبة وإثمه أشد..
وإذا كان اإلسالم حيرم وبشدة ذكر مساوئ الناس التي يتصفون
65 هبا بالفعل ويعترب ذل��ك غيبة حمرمة ويشبه ال��ق��رآن ذك��ر اإلنسان
تعاىل﴿:و اَل َي ْغت ْ
َب َ لعيوب اآلخرين بأنه بمثابة أكل للحومهم يقول
ب َأ َحدُ ك ُْم َأ ْن َي ْأك َُل َل ْح َم َأ ِخ ِيه َم ْيتًا َفك َِر ْهت ُُمو ُه﴾ ِ
َب ْع ُضك ُْم َب ْع ًضا َأ ُيح ُّ
احلجرات12-
وقال الرسول« :من بهت مؤمن ًا أو مؤمنة ،أو قال فيه ما ليس
فيه ،أقامه ال ّله تعالى يوم القيامة على ٍّ
تل من نار ،حتى يخرج مما قاله
فيه»(((.
ويف بعض مصادر اللغة البهتان هو الكذب املفرتى الذي يؤدي إىل
احلرية ..ول ّبهت..
1ـ أن ترسع للتوبة مما بدر منك من غيبة لآلخرين فيام سبق،
وتستغفر اهلل كثري ًا ،وتدعو ملن اغتبته ،عسى أن يغفر اهلل لك.
2ـ أن تأخذ العهد عىل نفسك أمام اهلل أن ال تغتاب بعد اليوم أحد ًا.
4ـ انصح اآلخرين دائ ًام عندما يريدون اخلوض يف غيبة أحد من
الناس ودعوهتم اىل االبتعاد عن ذلك ،مبين ًا هلم خطر الغيبة وأثرها الس ّيئ.
6ـ إذا بادرت يف استغابة أحد ،فأرسع يف إيقاف القول ّيف وتذكر
ٌب إليه .
أنك تنهش من حلمه فاستغفر اهلل وت ْ
من صمت عن الباطل نجا ،فأمسك عليك لسانك فال تنطق إلاّ
بخري ،وليسعك بيتك وابك عىل خطيئتك ،فإن أكثر ما يدخل النار
األجوفان الفم والفرج ،وما يكب الناس يف النار عىل منخارهم إال 70
حصائد ألسنتهم ،وال يستقيم إيامن العبد حتى يستقيم قلبه ،وال يستقيم
قلبه حتى يستقيم لسانه ،وابن آدم إذا أصبح أصبحت األعضاء كلها
تذكر اللسان تقول له (بلسان احلال) اتق اهلل فينا فإنك إذا استقمت
استقمنا وإن اعوججت اعوججنا ،ومن كف لسانه سرت اهلل عورته،
ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خريا أو ليصمت ،ورحم اهلل
عبد ًا تكلم فغنم أو سكت فسلم.
قال تعاىل﴿:ال َخ ْي َر فِي كَثِ ٍير ِم ْن ن َْج َو ُاه ْم إِال َم ْن َأ َم َر بِ َصدَ َق ٍة َأ ْو
ات ال َّل ِهك ابتِغَاء مر َض ِ ِ
َّاس َو َم ْن َي ْف َع ْل َذل َ ْ َ َ ْ وف َأ ْو إِ ْصالحٍ َب ْي َن الن ِ معر ٍ
َ ُْ
ِ َفسو َ ِ ِ
يما﴾ (النساء.)114 : ف ن ُْؤتيه َأ ْج ًرا َعظ ً َ ْ
فإن كان الكالم يف غري عامرة دينا ،أو زيادة يف احلسنات ال خري فيه.
اخلامتة
كل املباحث ا َّلتي تتع َّلق بالغيبة بصورة
الكراس ّ ِ
لقد ُذك َر يف هذا َّ
املفصلة
ّ جمملة وميسرَّ ة تغني القارئ الكريم عن الرجوع إىل املصادر
واملطولة ،واهلدف ِمن ذلك هو إيصال املعلومة الصحيحة بعبارة موجزة
َّ
و أسلوب سهل ،نسأل اهلل تعاىل أن ينفع املؤمنني هبذا اجلهد القليل وال
رب العاملني ِ
حيرمنا من األجر والثواب إنَّه سميع جميب ،و احلمد هلل ِّ
والصالة والسالم عىل س ِّيدنا ونبينا حممد وآل بيته الطيبني الطاهرين.