You are on page 1of 79

‫�إعداد‬

‫ال�شيخ عبد العبا�س اجليا�شي‬


‫الكتاب‪ :‬سلسلة سلسلة املناهل االخالقية للشباب‪/‬الغيبة‪.‬‬
‫الكاتب‪ :‬الشيخ عبد العباس اجليايش‪.‬‬
‫النارش‪:‬قسم الشؤون الفكرية والثقافية يف العتبة العباسية املقدسة‪/‬‬
‫شعبة االعالم‪/‬وحدة الدراسات والنرشات‪.‬‬
‫التصميم واالخراج الطباعي‪ :‬عالء سعيد االسدي‪.‬‬
‫التدقيق اللغوي‪ :‬لؤي عبد الرزاق االسدي‬
‫رقم االيداع يف دار الكتب والوثائق‪ 576 :‬لعام ‪.2012‬‬
‫املطبعة‪ :‬دار الضياء ‪ -‬النجف االرشف‪.07801000603‬‬

‫الطبعة‪ :‬األوىل‬

‫عدد النسخ‪2000:‬‬

‫صفر ‪-1433‬كانون الثاين ‪2012‬‬


‫مقدمة‬

‫‪‬‬
‫مقدمة‬
‫َّ‬
‫إن رضورة البحث عن معرفة الغيبة والبهتان‪ ،‬وعقوبتهام‪،‬وكيفية‬
‫اجتناهبام يوجبهام العقل والرشع‪ ،‬فأ َّما العقل فإنَّه يدفع اإلنسان ملعرفة‬
‫ماهية الغيبة‪ ،‬وأرضارها‪،‬فيحكم العقل بلزوم ترك كل فعل قبيح ومنها‬
‫الغيبة‪ ،‬وال يتحقق الرتك إالَّ بمعرفة األسباب ا َّلتي تدفع اإلنسان للغيبة‪،‬‬
‫وكيفية التخ ّلص منها‪ ،‬وأ َّما الرضورة الرشعية فقد أوجب الرشع لزوم‬
‫االجتناب عن الغيبة دفع ًا للرضر َّ‬
‫ألن معرفة العقوبة املرتتبة عىل املغتاب‬
‫‪3‬‬
‫تؤ ِّدي إىل االبتعاد عن الغيبة‪ ،‬خوف ًا ِمن عقاب اهلل تعاىل‪ ،‬ويف ترك الغيبة‬
‫السالمة والنجاة ِمن نقمته وعذابه‪،‬والفوز برضاه‪ ،‬وثوابه‪.‬‬

‫والغيبة من الذنوب التي يستصغرها بعض الناس وهي من‬


‫وصورها القرآن‬ ‫َّ‬ ‫الذنوب اخلطرية‪ ،‬وعدَّ ها بعض العلامء من الكبائر‪،‬‬
‫ِ‬
‫ب‬‫َب َب ْع ُضك ُْم َب ْع ًضا َأ ُيح ُّ‬
‫﴿و اَل َي ْغت ْ‬
‫الكريم بأبشع الصور؛ فقال تعاىل‪َ :‬‬
‫َأ َحدُ ك ُْم َأ ْن َي ْأك َُل َل ْح َم َأ ِخ ِيه َم ْيتًا َفك َِر ْهت ُُمو ُه﴾ [احلجرات‪.]12/‬‬

‫وقد ُذ ِكر يف هذا الكراس اآليات القرآنية واألحاديث التي تعالج‬


‫هتتم بالشؤون‬ ‫ِ‬
‫مسألة الغيبة‪،‬ويعدُّ هذا الكراس جزء من سلسلة أجزاء ُّ‬
‫الغيبة‬
‫األخالقية لتوعية وتثقيف الشباب املؤمن بأسلوب عرصي سهل ٍ‬
‫خال‬
‫من التعقيد‪.‬‬

‫نسأل اهلل تعاىل أن يتق َّبل منَّا هذا اجلهد البسيط‪،‬وينفع املؤمنني به‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫تعريف الغيبة‬

‫الغيبة‬
‫هذه اآلفة التي هي من أقبح القبائح‪ ،‬وأكثرها انتشارا بني الناس‪،‬‬
‫حتى أنه ال يسلم منها إال القليل من الناس‪ ،‬أي إال ما رحم ريب‪.‬‬

‫وهي يف هذا الزمان فاكهة املجالس‪ ،‬بل وجبة شهية يتلذذ هبا أكثر‬
‫الناس رغم أهنا ترض به وهو يعلم بمدى إثمها وإهنا حمرمة عليه‪ ،‬ومع‬
‫ذلك مستمر واليبايل بام يفعله‪ ،‬نعم أهنا الغيبة !‬

‫آكلة احلسنات! ُمفسدة األخالق!‬

‫‪5‬‬ ‫وهي من أعظم اآلفات وأشدها خطر ًا وأقبحها شك ً‬


‫ال حتى لقد‬
‫شبه اهلل املغتاب بآكل اجليف فقال يف كتابه املجيد‪:‬‬

‫ب َأ َحدُ ك ُْم َأ ْن َي ْأك َُل َل ْح َم َأ ِخ ِيه َم ْيتًا‬ ‫ِ‬


‫َب َب ْع ُضك ُْم َب ْع ًضا َأ ُيح ُّ‬
‫﴿و اَل َي ْغت ْ‬
‫َ‬
‫َفك َِر ْهت ُُمو ُه﴾ احلجرات ‪12 /‬‬

‫وهذه الصورة من تشبه الغائب حالة غيبته ـ بامليت لعدم احساسه‬


‫حال غيابه بام يذكر به من السوء كام ال حيس امليت باالمل اذا قطع من‬
‫جسمه جزء كذلك ال حيس وال يدافع الغائب عن نفسه فإن عاقبة‬
‫الغيبة هي اخلروج من والية اهلل تعاىل اىل والية الشيطان والعجيب أنه‬
‫الغيبة‬
‫حتى الشيطان ال يقبله يف واليته كام جاء عن اإلمام الصادق‪ ‬حيث‬
‫أنه قال‪« :‬من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط‬
‫عن أعين الناس أخرجه الله من واليته إلى والية الشيطان فال يقبله»(((‪.‬‬

‫ع��ن عبد امل��ؤم��ن االن��ص��اري‪ ،‬ق���ال‪ :‬دخ��ل��ت ع�لى م��وس��ى بن‬


‫جعفر‪ ،‬وعنده حممد بن عبد اهلل اجلعفري‪ ،‬فتبسمت إليه فقال‪:‬‬
‫«أتحبه»؟‬

‫فقلت‪ :‬نعم وما أحببته إال لكم‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫«هو أخوك‪ ،‬والمؤمن أخو المؤمن ألمه وأبيه‪ ،‬وإن لم يلده أبوه‪،‬‬
‫معلون من اتهم أخاه‪ ،‬ملعون من غش أخاه‪ ،‬ملعون من لم ينصح أخاه‪،‬‬
‫ملعون من اغتاب أخاه »‬
‫((( ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫عن حممد بن فضيل قال‪ :‬قلت‪ :‬أليب احلسن موسى‪:‬‬

‫«الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه له‪ ،‬فأسأله عنه‬
‫فينكره‪ ،‬وقد أخبرني عنه قوم ثقاة‪ ،‬فقال لي‪( :‬يا محمد‪ّ ،‬‬
‫كذب سمعك‬
‫قسامة‪ ،‬وقال لك قوالً‪،‬‬
‫وبصرك عن أخيك‪ ،‬فإن شهد عندك خمسون ّ‬
‫تذيعن عليه شيئ ًا يشينه تهدم به مروته‪ ،‬فتكون‬
‫ّ‬ ‫فصدّ قه ّ‬
‫وكذبهم‪ ،‬وال‬

‫((( الكايف الرشيف ‪.501 / 2 /‬‬


‫((( وسائل الشيعة ‪.231 / 12 /‬‬
‫تعريف الغيبة‬
‫اح َش ُة فِي‬ ‫ون َأ ْن ت َِشيع ا ْل َف ِ‬
‫َ‬ ‫ح ُّب َ‬ ‫من الذين قال الله فيهم»(((‪﴿ :‬إِ َّن ا َّل ِذين ي ِ‬
‫َ ُ‬
‫يم فِي الدُّ ْن َيا َو آْال ِخ� َ�ر ِة َوال َّل ُه َي ْع َل ُم َو َأ ْنت ُْم اَل‬‫ِ‬
‫اب َأل ٌ‬
‫ين َآمنُوا َل ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫ِ‬
‫ا َّلذ َ‬
‫َت ْع َل ُم َ‬
‫ون﴾(النور‪.)19 :‬‬

‫‪7‬‬

‫((( وسائل الشيعة ‪.295 / 12 /‬‬


‫تعريف الغيبة‬

‫تعريف الغيبة‬
‫هي ذكرك االنسان بام فيه مما يكرهه‪ ،‬سواء يف بدنه كقولك قصري‪،‬‬
‫أو يف دينه كقولك متساهل‪ ..‬الخ‬

‫وكل ما أفهمت به غريك نقصان أخيك املؤمن فهو غيبة حمرمة‪،‬‬


‫ومن ذلك املحاكاة بأن متيش متعارج ًا أو مطأطئ ًا أو عىل غري ذلك من‬
‫اهليئات‪ ،‬مريد ًا هيأة من تنتقصه بذلك‪ .‬ونأخذ مثال عىل ذلك سؤال‬
‫الرسول األعظم‪ ‬وهو يسأل أصحابه عن الغيبة فيقول‪« :‬أتدرون‬
‫ما الغيبة»؟‬
‫‪9‬‬
‫قالوا‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪.‬‬

‫قال‪« :‬ذكرك أخاك بما يكره»‪.‬‬

‫قيل‪ :‬أفرأيت إن كان ّيف أخي ما أقول‪.‬‬

‫قال‪« :‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته‪ ،‬وإن لم يكن فيه ما تقول فقد‬
‫بهتّه» (((‪.‬‬

‫وقال‪« :‬إن من أربى الربا االستطالة في عرض المسلم بغير‬

‫((( مرآة العقول ‪.408 / 10 /‬‬


‫الغيبة‬
‫حق»((( ‪.‬‬

‫وقال‪ :‬يف حجة ال��وداع‪« :‬أيها الناس إن دماءكم وأموالكم‬


‫وأعراضكم عليكم حرام‪ ،‬كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في شهركم هذا‪ ،‬في‬
‫حرم‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬كما ّ‬ ‫حرم أكل لحم‬
‫بلدكم هذا‪ ،‬وإياكم والغيبة‪ ،‬فإن الله ّ‬
‫ماله ودمه» (((‪..‬‬

‫ومن أقبح أمور الغيبة وأشدّ ها حرمة أتنقاص املسلم واحتقاره‬


‫وازدراؤه وبذل اجلهد يف إهانته وإسقاط حرمته والنيل من عرضه‪ .‬فهذا‬
‫اخللق الذميم والداء العظيم كبرية من كبائر الذنوب وصاحبه معرض‬
‫للوعيد والبطش الشديد من الباري عز وجل‪.‬‬

‫فليحذر اإلنسان من لسانه وليعمل جاهد ًا أن يكون لسانه قائده‬ ‫‪10‬‬


‫إىل اجلنة وموصله إىل رضوان اهلل‪ ،‬فإن كل ما يقول حمسوب‪ ،‬إما له أو‬
‫عليه‪.‬‬

‫قال تعاىل‪:‬‬

‫يب َعتِيدٌ » (ق‪)18 /‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫«ما َي ْلف ُظ م ْن َق ْو ٍل إِ اَّل َلدَ ْيه َرق ٌ‬
‫َ‬

‫عن اإلم��ام الصادق‪ ‬ق��ال‪« :‬ق��ال رس��ول الله‪ ‬أال انبئكم‬

‫((( ميزان احلكمة ‪.36 / 4 /‬‬


‫((( تذكرة األخبار يف تلخيص ربيع األبرار ‪.1 / 6 /‬‬
‫تعريف الغيبة‬
‫بالمؤمن‪ :‬من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم اّأل انبئكم‬
‫بالمسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬والمهاجر من هجر‬
‫السيئات وترك ما حرم الله‪ ،‬والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو‬
‫يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة»(((‪.‬‬

‫وعنه‪ ‬أنه قال‪« :‬من لم يغتب فله الجنة‪ ،‬ومن لم يغضب فله‬
‫الجنة‪ ،‬ومن لم يحسد فله الجنة(((»‪.‬‬

‫وقيل له‪« :‬ما النجاة؟ قال‪ :‬أملك عليك لسانك»‪.‬‬

‫وقال‪« :‬أكبر ما يدخل الناس النار إال جوفان‪ :‬الفم‪ ،‬والفرج»‬


‫(((‬

‫واملراد بالفم‪ :‬اللسان‪.‬‬


‫‪11‬‬
‫وقال‪ ‬يف وصيته أليب ذر‪« :‬يا أباذر وهل يكتب الناس على‬
‫مناخرهم في النار إال حصائد ألسنتهم‪ ،‬إنك ال يزال سالما ما سكت‬
‫فإذا تكلمت كتب الله لك أو عليك» (((‪.‬‬

‫وقال له رجل‪ :‬ما أخوف ما خياف عيل؟ فأخذ بلسانه‪ ،‬وقال‪ :‬هذا‪.‬‬

‫بحار األنوار ‪.354 / 64 /‬‬ ‫(((‬


‫جامع األخبار ‪.8 / 21 /‬‬ ‫(((‬
‫بحار األنوار ‪.274 / 68 /‬‬ ‫(((‬
‫مكارم األخالق ‪.481 / 1 /‬‬ ‫(((‬
‫الغيبة‬
‫قال رس��ول اهلل‪« :‬ال يستقيم إي�مان عبد حيت يستقيم قلبه‬
‫وال يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه‪ ،‬فمن استطاع منكم أن يلقى اهلل‬
‫سبحانه وهو نقي الراحة من دماء املسلمني وأمواهلم‪ ،‬سليم اللسان من‬
‫(((‬
‫أعراضهم فليفعل»‬

‫وقال‪«:‬إذا أصبح ابن آدم أصبحت األعضاء كلها تكفر‬


‫اللسان‪ ،‬فتقول‪ :‬اتق الله فينا‪ ،‬فإنما نحن بك‪ ،‬فإن استقمت استقمنا‪،‬‬
‫وإن اعوججت اعوججنا»(((‪.‬‬

‫عرف اإلمام الصادق‪ ‬احلق الذي أوجبه اهلل تعاىل عىل‬


‫وقد ّ‬
‫املسلم عىل أخيه املسلم ظاهر ًا وباطن ًا‪ ،‬وامل�شرع قد أوجب حقوق‬
‫ْ‬
‫للمؤمن عىل أخيه املؤمن‪:‬‬
‫‪12‬‬
‫«المؤمن اخو المؤمن كالجسد الواحد ان اشتكى شيء منه‪،‬‬
‫وجد الم ذلك في سائر جسده‪ ،‬وارواحهما من روح واحدة‪ ،‬وان روح‬
‫المؤمن الشد اتصاالً بروح الله»((( ‪.‬‬

‫وقد جاء عن النبي‪«:‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم‪،‬‬


‫كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد‬

‫((( بحار األنوار‪.262 / 72 /‬‬


‫((( جامع السعادات ‪.28 / 1 /‬‬
‫((( بحار األنوار‪ /‬ج‪/58‬ص‪.148‬‬
‫تعريف الغيبة‬
‫بالسهر والحمى»‪.‬‬
‫(((‬

‫وأوضح اإلمام الصادق‪‬حق املؤمن عىل املؤمن‪.‬‬

‫كام يف رواية املعىل بن خنيس قال‪ :‬قلت أليب عبداهلل‪ :‬ما حق‬
‫املؤمن عىل املؤمن؟ قال‪« :‬سبعة حقوق واجبات‪ ،‬ما فيها حق إال‬
‫وهوعليه واجب‪ ،‬إن خالفه خرج من والية الله وترك طاعته‪ ،‬ولم يكن‬
‫لله عز وجل فيه نصيب»‪.‬‬

‫قال‪ :‬قلت‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬حدثني ماهي؟ قال‪« :‬يا معلى إني شفيق‬
‫عليك‪ ،‬أخشى أن تضيع وال تحفظ‪ ،‬وتعلم وال تعمل»‪.‬‬

‫قلت‪ :‬القوة إالّ باهلل‪ .‬قال‪« :‬أيسر حق منها‪ ،‬أن تحب له ما تحب‬
‫‪13‬‬ ‫لنفسك‪ ،‬وتكره له ما تكره لنفسك‪.‬‬

‫والحق الثاني‪ :‬أن تمشي في حاجته‪ ،‬وتبتغي رضاه‪ ،‬وال تخالف‬


‫قوله‪.‬‬
‫والحق الثالث‪ :‬أن تصله بنفسك‪ ،‬ومالك‪ ،‬وي��دك‪ ،‬ورجلك‪،‬‬
‫ولسانك‪.‬‬

‫والحق الرابع‪ :‬أن تكون عينه ووليه ومرآته وقميصه‪.‬‬

‫والحق الخامس‪ :‬أن ال تشبع ويجوع‪ ،‬وال تلبس ويعرى‪ ،‬وال‬


‫((( البحار ‪.150 / 58 /‬‬
‫الغيبة‬
‫تروى ويظمأ‪.‬‬
‫والحق السادس‪ :‬أن تكون لك امرأة وخادم‪ ،‬وليس ألخيك امرأة‬
‫وال خادم‪ ،‬أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه‪ ،‬وتصنع طعامه‪ ،‬تمهد فراشه‪،‬‬
‫فإن ذلك كله إنما جعل بينك وبينه‪.‬‬

‫والحق السابع‪ :‬أن تبر قسمه‪ ،‬وتجيب دعوته‪ ،‬وتشهد جنازته‪،‬‬


‫وتعوده في مرضه‪ ،‬وتشخص بدنك في قضاء حاجته‪ ،‬وال تحوجه إلى‬
‫أن يسألك‪ ،‬ولكن تبادر إلى قضاء حوائجه‪ ،‬فإذا فعلت ذلك به وصلت‬
‫واليتك بواليته‪ ،‬وواليته بوالية الله عز وجل» (((‪.‬‬

‫وعن أيب املأمون احلارثي قال‪ :‬قلت الَيب عبداهلل‪ :‬ما حق املؤمن‬
‫حق المؤمن على المؤمن المو َّدة له في‬
‫«إن من ّ‬
‫عىل املؤمن؟ قال‪َّ :‬‬
‫‪14‬‬
‫صدره‪ ،‬والمواساة له في ماله‪ ،‬والخلف له في أهله‪ ،‬والنصرة له على‬
‫من ظلمه‪ ،‬وإن كان نافلة في المسلمين وكان غائب ًا أخذ له بنصيبه‪ ،‬وإذ‬
‫ّ‬
‫اليغشه وأن ال يخونه وأن ال‬ ‫مات الزيارة إلى قبره‪ ،‬وأن ال يظلمه وأن‬
‫أف فليس بينهما‬
‫أف‪ ،‬وإذا قال له‪ّ :‬‬ ‫يخذله وأن ال ّ‬
‫يكذبه‪ ،‬وأن ال يقول له ّ‬
‫عدوي فقد كفر أحدهما‪ ،‬وإذا اتهمه انماث‬ ‫والية‪ ،‬وإذا قال له‪ :‬أنت ّ‬
‫(((‬ ‫ِ‬
‫االيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء»‬

‫((( اخلصال ‪.358 / 1 /‬‬


‫((( الكايف ‪.171 / 2 /‬‬
‫تعريف الغيبة‬
‫وقد عدّ أهل البيت‪ ‬أداء حق املؤمن من أفضل العبادات قال‬
‫ِ‬
‫االمام الصادق‪« :‬ما ُعبد الله بشيء أفضل من أداء حق المؤمن»‪.‬‬
‫(((‬

‫وإن شهوة الكالم من أكثر الشهوات غلبة للناس حتى ال تكاد‬


‫جتد من يكبح مجاحها‪ ،‬وما النجاة إال ملن وفقه اهلل فألزم لسانه حدود‬
‫ما أراد اهلل‪.‬‬

‫وعرف النبي‪ ‬حقوق املؤمنني‪.‬‬

‫قيل‪ :‬يا رسول اهلل ما النجاة؟‬

‫«ق���ال أم��س��ك عليك لسانك وليسعك بيتك‪ ،‬واب���ك على‬


‫خطيئتك»(((‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫ويف وصيته لإلمام‪‬قال‪:‬‬

‫«يا علي! أوثق عرى االيمان‪ ،‬الحب في الله‪ ،‬والبغض في الله»‬


‫(((‬

‫وقد زجر النبي‪ ‬زوجته عائشة كام تروي هي حيث قالت‪:‬‬

‫قلت للنبي‪ :‬حسبك من صفية كذا وكذا‪ .‬قالوا‪ :‬تعني قصرية‪.‬‬

‫((( رشح أصول الكايف ‪.43 / 9 /‬‬


‫((( ميزان احلكمة ‪.354 / 10 /‬‬
‫((( مستطرف الرسائر ‪.75 / 1 /‬‬
‫الغيبة‬
‫فقال‪« :‬لقد قلت كلمة لو مزجت بِماء البحر لمزجته»‪.‬‬

‫أي‪ :‬لو اختلطت بِامء البحر ألنتن البحر كله‪ ،‬والبحر ال ينتن ألن‬
‫أمالحه كثرية‪ ،‬ولكن هذه الكلمة ‪ -‬إهنا قصرية وهي تُرى قصرية ‪-‬‬
‫أنتنت ماء البحر لو مزجت به‪.‬‬

‫أقول؟إن السفن والطائرات واملجاري وغريها تفرغ خملفاهتا يف‬


‫البحار وال تستطيع أن تغري البحر لعظمه وسعته وانظروا هذه الكلمة‬
‫التي هي يف نظر الكثري بسيطة لومزجت بام البحر ملزجته‪ .‬أي تغري طعمه‬
‫ولونه ورحيه‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫غيبة �أهل الرياء‬

‫غيبة �أهل الرياء‬


‫قال الشهيد الثاين رضوان اهلل عليه‪ ،‬بام معناه‪ :‬من أفحش أنواع‬
‫أهل الرياء ممن يوصف ِ‬
‫بالعلم‪ ،‬بإظهار التع ّفف والنجاة‪،‬‬ ‫الغيبة‪ ،‬غيب ُة ِ‬
‫َّ‬
‫ٌ‬
‫إنسان عندهم‬ ‫وال يدرون أنهَّ م مجعوا كبريتني‪ ،‬الرياء والغيبة‪ ،‬فإذا ُذكر‬
‫بحب الدنيا واجلاه‪ ،‬أو نعوذ‬ ‫قالوا‪ :‬احلمد هلل الذي مل ي ِ‬
‫بتلنا بام ابتاله‪ ،‬أو‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫باهلل من ق ّلة احلياء‪ ،‬ومن الوقاحة مثالً‪ ...‬فهذه غيب ٌة متسترِّ ٌة بلفظ الدعاء‬
‫ت ِ‬
‫أهل الصالح‪.‬‬ ‫وسم ِ‬
‫َ ْ‬

‫دح َم ْن ير ُد غيبتَه متهيد ًا لذ ِّمه‪ْ ،‬‬


‫كأن يقول ما أحسن فالن هو‬ ‫وقد َي ْم ُ‬
‫‪17‬‬ ‫من أهل اخلري‪ ،‬ولكن أصابه كذا وكذا‪ ...‬أو لو مل يكن ُ‬
‫يفعل كذا‪ ...‬أو‬
‫نفس ُه قاصد ًا ذ َّم ِ‬
‫غريه‪...‬‬ ‫أصابه ما ُيصيبنا مجيع ًا من كذا‪ ...‬فيذ ُّم َ‬

‫العلم والعمل‬ ‫ِ‬


‫ومكائده فيمن يدَّ عي‬ ‫بعض ِ‬
‫طرق الشيطان‬ ‫هذه ُ‬
‫َ‬
‫وهو لعب ٌة يف ِ‬
‫يد الشيطان واهلوى‪.‬‬

‫ويستعمل اسمه‬‫ُ‬ ‫ومن أصناف ه��ؤالء‪َ ،‬م�� ْن يذك ُُر اهلل سبحانه‬
‫فيسبق غيب َت ُه بذكر‬
‫ُ‬ ‫الرشيف‪ ،‬للفت األنظار إىل ما يريدُ قو َل ُه من الغيبة‪...‬‬
‫ال وغرور ًا لتحقيق ما خيطر يف سوء رسيرته‪...‬‬
‫اهلل جه ً‬
‫الغيبة‬
‫وأحيان ًا يذكر أخاه مظهر ًا صدا َقتَه وصح َب َت ُه وغري َت ُه عليه‪ ...‬ثم ُي ُ‬
‫تبع‬
‫التعجب‬
‫ّ‬ ‫ظهر‬
‫ذلك بقوله‪ ،‬تاب اهلل عليه‪ ،‬أو غفر اهلل له‪ ...‬ومنهم َم ْن ُي ُ‬
‫ليزيدَ من كالم املغتاب‪ ،‬فيقول مثالً‪ ،‬ما أعجب هذا‪ ،‬أو هل حصل‬
‫هذا؟ أو عجب ًا ملا جيري‪ ،‬أو خ ٌ‬
‫رب يكا ُد ال ُيصدَّ ق‪ ...‬إىل آخر أساليب‬
‫الشيطان‬
‫(((‬

‫‪18‬‬

‫((( كشف الريبة ‪.10 /‬‬


‫حرمة الغيبة‬

‫حرمة الغيبة‬
‫وحرم ُة الغيبة من رضوريات اإلسالم‪ ،‬ومن املعايص ا ُمل ْهلكة التي‬
‫ُيمك ُن أن حُتبط عمل سنني بأ َّيامها ولياليها‪ ،‬وهي ك ََم ْن جيمع حطبه‬
‫لسنني وحيرقهم يف ساعة!‬

‫صوره القرآن الكريم للمغتاب فجعله‬


‫املقزز الذي َّ‬
‫ويكفي املشهد ِّ‬
‫كالكلب املسعور الذي ينهش حلم أخيه يف حال موته وهو ال يملك من‬
‫نفسه شيئ ًا‪.‬‬

‫ب َأ َحدُ ك ُْم َأ ْن‬ ‫ِ‬


‫َب َب ْع ُضك ُْم َب ْع ًضا َأ ُيح ُّ‬
‫﴿و اَل َي ْغت ْ‬ ‫قال اهلل َّ‬
‫جل جالله‪َ :‬‬
‫‪19‬‬
‫َي ْأك َُل َل ْح َم َأ ِخ ِيه َم ْيتًا َفك َِر ْهت ُُمو ُه﴾ سورة احلجرات آية (‪.)12‬‬

‫وهكذا ستكون صورته يف عامل امللكوت‪ ،‬نعوذ باهلل تعاىل‪.‬‬

‫وقال النبي لرجلني وقعا يف الغيبة‪« :‬انهشا منها» عندما ُّ‬


‫مروا‬
‫بجيفة‪ ،‬فقاال‪ :‬يا رسول اهلل(‪ُ ،)‬‬
‫ننهش جيفة؟ فقال‪« :‬ما أصبتُما من‬
‫أخيكُما أنتن من هذه»(((‪.‬‬

‫وهنى رسول اهلل‪ ‬عن الغيبة قال‪:‬‬

‫((( جواهر الكالم ‪.66 / 22 /‬‬


‫الغيبة‬
‫صوم ُه‪ ،‬ونُقض وضوؤه‪ ،‬وجاء يو َم‬‫ُ‬ ‫«م ْن اغتاب امرء ًا مسلم ًا َب َط َل‬
‫َ‬
‫أهل الموقف‪ ،‬وإن‬‫أنتن من الجيفة‪ ،‬يتأ َّذى به ُ‬‫القيامة يفوح من فيه رائح ٌة ُ‬
‫حر َم الله ع َّز ّ‬
‫وجل»(((‪.‬‬ ‫يتوب‪ ،‬مات مستح ًّ‬
‫ال لما َّ‬ ‫َ‬ ‫مات قبل أن‬

‫‪20‬‬

‫((( مكارم األخالق ‪.438 /‬‬


‫خطورة الغيبة‬

‫خطورة الغيبة‬
‫ونظر ًا اىل رضر الغيبة وكوهنا جريمة اجتامعية خطرية يتسبب عنها‬
‫تفرق وحدة املسلمني‪ ،‬وفساد قلوهبم‪ ،‬ومتزق روابطهم‪ ،‬فقد حارهبا‬
‫ّ‬
‫االسالم حماربة عنيفة‪ ،‬وتو ّعد أولئك الذين ينتهكون حرمة املسلمني‬
‫اجتَن ِ ُبوا كَثِ ًيرا‬ ‫ين َآمنُوا ْ‬
‫ِ‬
‫باغتياهبم ونرش عيوهبم‪ ،‬فقال تعاىل‪َ ﴿:‬يا َأ ُّي َها ا َّلذ َ‬
‫ِ‬
‫َب َب ْع ُضك ُْم َب ْع ًضا‬ ‫م َن ال َّظ ِّن إِ َّن َب ْع َض ال َّظ ِّن إِ ْث ٌم َو اَل ت ََج َّس ُسوا َو اَل َي ْغت ْ‬
‫ب َأ َحدُ ك ُْم َأ ْن َي ْأك َُل َل ْح َم َأ ِخ ِيه َم ْيتًا َفك َِر ْهت ُُمو ُه َوا َّت ُقوا ال َّل َه إِ َّن ال َّل َه‬ ‫ِ‬
‫َأ ُيح ُّ‬
‫يم﴾(الحجرات اآلية ‪.)12‬‬ ‫ِ‬
‫اب َرح ٌ‬ ‫ت ََّو ٌ‬
‫‪21‬‬
‫عن أيب عبداهلل‪ ‬قال‪ :‬إن رسول اهلل‪ ‬وقف بمنى حني قىض‬
‫مناسكها يف حجة ال��وداع فقال‪« :‬أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم‬
‫واعقلوه عني فإني ال أدري لعلي ال ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا‬
‫هذا‪ ،‬ثم قال‪ :‬أي يوم أعظم حرمة»؟ قالوا‪ :‬هذا اليوم قال‪« :‬فأي شهر‬
‫أعظم حرمة»؟ قالوا‪ :‬هذا الشهر‪ ،‬قال‪« :‬فأي بلد أعظم حرمة»؟ قالوا‪:‬‬
‫هذا البلد‪ ،‬قال‪« :‬فإن دماء كم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم‬
‫هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه‪ ،‬فيسألكم عن‬
‫أعمالكم اّأل هل بلغت»؟ قالوا‪ :‬نعم قال‪« :‬اللهم اشهد أال من كانت‬
‫الغيبة‬
‫عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه ال يحل دم امرئ مسلم وال‬
‫ماله إال بطيبة نفسه وال تظلموا أنفسكم وال ترجعوا بعدي كفارا»‪.(((.‬‬

‫وق��ال النبي‪«:‬كل المسلم على المسلم ح��رام دم��ه وماله‬


‫(((‬
‫عرضه»‬

‫أي‪ :‬كل يش من الدم واملال والعرض حمرم عىل املسلم‪ ،‬فيجب‬


‫صيانة الدماء واألعراض واألموال واحلفاظ عىل كرامات الناس كلهم‬
‫مسلمني وغري مسلمني‪.‬‬

‫قال أمري املؤمنني‪ ‬يف عهده ملالك االشرت رضوان اهلل عليه‪:‬‬

‫«الناس صنفان‪ :‬إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»‬


‫‪22‬‬
‫دون إذاء أو خدش أو تعرض هلا حتى ولو كان ذلك بإشارة أو‬
‫الغمز أو اللمز‪ ،‬أي الطعن والتعيب‪.‬‬

‫﴿و ْي ٌل لِك ُِّل ُه َمز ٍَة ُل َمز ٍَة﴾‬


‫قال تعاىل‪َ :‬‬

‫ومهاء من صيغ املبالغة‪ ،‬واهلمز‪ :‬واهلمز يطعن بالغيبة‪ ،‬واللمز‪:‬‬


‫الذي يطعن بالوجه أو احلضور‪.‬‬

‫((( الكايف ‪.385 / 7 /‬‬


‫((( جمموعة ورام ‪.102 / 1 /‬‬
‫خطورة الغيبة‬
‫ٌ‬
‫وويل‪ :‬كلمة عذاب وهتديد‪ ،‬وقال بعض املفرسين‪ :‬واد يف جهنم‪.‬‬

‫قال الشيخ مكارم شريازي‪ :‬الويل للهماّ زين واللماّ زين‪ :‬تبدأ هذه‬
‫السورة بتهديد قارع وتقول‪:‬‬
‫ّ‬

‫﴿و ْي� ٌ�ل لِك ُِّل ُه َمز ٍَة ُل� َ�م �ز ٍَة﴾‪ّ ...‬‬
‫لكل من يستهزيء باآلخرين‪،‬‬ ‫َ‬
‫ويعيبهم‪ ،‬ويغتاهبم‪ ،‬ويطعن هبم‪ ،‬بلسانه وحركاته وبيده‪ ،‬وعينه‬
‫وحاجبه‪.‬‬

‫«اهلمزة» و«اللمزة» صيغتا مبالغة‪ ،‬االُوىل من اهلمز‪ ،‬وهي يف‬


‫األصل الكرس‪ .‬العائبون املغتابون يكرسون شخصية اآلخرين‪ ،‬ولذلك‬
‫ُاطلق عليهم اسم (اهلمزة)‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫و«اللمزة» من اللمز‪ ،‬وهو اغتياب اآلخرين‪ ،‬والصاق العيوب‬


‫هبم‪.‬‬

‫للمفسرّ ين آراء متعددة يف معاين هاتني الكلمتني‪ ،‬هل معنامها‬


‫واحد‪ ،‬وهو املغتابون النّاس العائبون عليهم‪ ،‬أو ّ‬
‫إن معنامها خمتلف‪.‬‬
‫إن معنامها واحد‪ ،‬وذكرمها مع ًا للتأكيد‪.‬‬
‫قال بعضهم ّ‬

‫وقيل‪ :‬اهلمزة هواملغتاب‪ ،‬واللمزة‪ :‬العائب‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬اهلمزة هم العائبون بإشارة اليد والرأس‪ .‬واللمزة من يعيب‬


‫بلسانه‪.‬‬
‫الغيبة‬
‫وقيل‪ :‬االُوىل إش��ارة إىل العائب يف حضور الشخص‪ ،‬وال ّثانية‬
‫للعائب يف الغيبة‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬االُوىل تعني العائب يف العلن‪ ،‬وال ّثانية للعائب يف اخلفاء‪،‬‬


‫وبإشارة العني واحلاجب‪.‬‬

‫وقيل‪ّ :‬‬
‫إن اإلثنتني بمعنى الذي ينبز النّاس بالقاب قبيحة مستهجنة‪.‬‬

‫وعن ابن عباس يف تفسري الكلمتني قال‪« :‬هم املشاؤون بالنميمة‪،‬‬


‫املفرقون بني األحبة‪ ،‬الناعتون للناس بالعيب»‪.‬‬
‫(((‬

‫ومن املحذرات عن الغيبة‪ :‬تصوير عذاب املغتابني بصورة منفرة‬

‫حيث جاء عن النبي‪ ‬أنه قال‪:‬‬


‫‪24‬‬
‫«لما ع��رج بي م��ررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون‬ ‫َّ‬
‫وجوههم وصدورهم! فقلت‪َ :‬من هؤالء يا جبريل؟ قال‪ :‬هؤالء ا َّلذين‬
‫يأكلون لحوم النَّاس ويقعون في أعراضهم (((»‪ .‬أي الذين يتناولون‬
‫أعراض الناس بالكالم القبيح والعرض هو موضع املدح والذم من‬
‫اإلنسان‪ ،‬هم الذين يأكلون حلوم البرش‪ ،‬ويعذبون يف النار‪،‬وتراهم‬
‫جيرحون وجوههم بأظفارهم‪.‬‬

‫((( األمثل ‪.444 / 20 /‬‬


‫((( احلدائق النارضة ‪.127 / 26 /‬‬
‫خطورة الغيبة‬
‫إن مال اإلنسان ودمه وعرضه أمانة‪ ،‬واملساس هبا خيانة يف نظر‬
‫الرشيعة املقدسة ال فرق يف ذلك بني املسلم وغري املسلم لعموم أطالق‬
‫كلمة هؤالء الذين يأكلون حلوم الناس‪.‬‬

‫وقصة اإلمام الصادق‪ ‬مع أحد أصحابه معروفه‪:‬‬

‫عن عمرو بن نعامن اجلعفي قال‪ :‬كان آليب عبد اهلل‪ ‬صديق‬
‫اليكاد يفارقه إذا ذهب ما كان‪ ،‬فبينام هو يميش معه يف احلذائني ومعه‬
‫غالم له سندي يميش خلفهام إذا التفت الرجل يريد غالمه ثالث مرات‬
‫فلم يره فلامنظر يف الرابعة قال‪ :‬يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال‪ :‬فرفع أبو‬
‫عبد اهلل‪ ‬يده فصك هبا جبهة نفسه‪ ،‬ثم قال‪« :‬سبحان الله تقذف أمه‬
‫قد كنت أرى أن لك ورعا فإذا ليس لك ورع»‪ ،‬فقال‪ :‬جعلت فداك إن‬
‫‪25‬‬
‫أمه سنديه مرشكة‪ ،‬فقال‪« :‬أما علمت أن لكل امة نكاح ًا‪ ،‬تنح عني»‪،‬‬
‫قال‪ :‬فام رأيته يميش معه حتى فرق املوت بينهام (((‪.‬‬

‫وقال‪« :‬من اغتاب مسلم ًا أو مسلمة لم يقبل الله صالته وال‬


‫صيامه أربعين يوم ًا وليلة إالَّ أن يغفر له صاحبه(((»‪.‬‬

‫وقال‪« :‬يؤتى بأحد يوم القيامة يوقف بين يدي الله ويدفع إليه‬
‫كتابه فال يرى حسناته‪ ،‬فيقول‪ :‬إلهي ليس هذا كتابي فاني ال أرى فيها‬

‫((( الكايف ‪.452 / 2 /‬‬


‫((( املكاسب املحرمة ‪.297 / 1 /‬‬
‫الغيبة‬
‫طاعتي‪ ،‬فيقال له‪ :‬إن ربك ال يضل وال ينسى‪ ،‬ذهب عملك باغتياب‬
‫الناس‪ ،‬ثم يؤتى بآخر ويدفع إليه كتابه فيرى فيها طاعات كثيرة فيقول‪:‬‬
‫إلهي ما هذا كتابي‪ ،‬فاني ما عملت هذه الطاعات‪ ،‬فيقال الن فالنا‬
‫(((‬
‫اغتابك فدفعت حسناته إليك»‪.‬‬

‫ويف وصية أمري املؤمنني‪ ‬لنوف قال‪« :‬اجتنب الغيبة فأنها أدام‬
‫كالب النار»‪.‬‬

‫ثم قال‪« ::‬يا نوف كذب من زعم أنه ولد من حالل وهو يأكل‬
‫لحوم الناس بالغيبة وكذب من زعم أنه ولد من حالل وهو يبغضني‬
‫ويبغض األئمة من ولدي‪ ،‬وكذب من زعم أنه ولد من حالل وهو‬
‫يحب الزنا وكذب من زعم أنه يعرف الله عز وجل وهو مجتر على‬
‫‪26‬‬
‫معاصي الله كل يوم وليلة‪ ،‬يا نوف أقبل وصيتي ال تكونن نقيبا وال‬
‫عريفا وال عشارا وال بريدا‪ ،‬يا نوف صل رحمك يزيد الله في عمرك‬
‫وحسن خلقك يخفف الله في حسابك‪ ،‬يا نوف إن سرك أن تكون معي‬
‫يوم القيامة فال تكن للظالمين معينا‪ ،‬يا نوف من أحبنا كان معنا يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ولو أن رجال أحب حجرا لحشره الله معه‪ ،‬يا نوف إياك أن‬
‫تتزين للناس وتبارز الله بالمعاصي فيفضحك الله يوم تلقاه‪ ،‬يا نوف‬
‫(((‬
‫أحفظ عني ما أقول لك تنل به خير الدنيا واآلخرة»‪.‬‬
‫((( البحار ‪.259 / 72 /‬‬
‫((( البحار ‪.383 / 74 /‬‬
‫خطورة الغيبة‬
‫وقال رسول اهلل‪« :‬اجللوس يف املسجد انتظارا للصالة عبادة ما‬
‫مل حيدث» قيل يا رسول اهلل ما احلدث؟ قال ‪« :‬االغتياب»‪.‬‬

‫وقال أمري املؤمنني‪« :‬ما عمر مجلس بالغيبة إال خرب من‬
‫الدين فنزهوا أسماعكم عن استماع الغيبة فان القائل والمستمع لها‬
‫شريكان في اإلثم»‪.‬‬

‫وقال أمري املؤمنني‪« :‬ولقد سمعت رسول الله‪ ‬يقول الغيبة‬


‫أدام كالب النار من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره‪ ،‬ومن‬
‫نظر في عيوب الناس فأنكرها‪ ،‬ثم رضيها لنفسه فذاك األحمق بعينه»‬
‫(((‬

‫و قال‪« :‬إياكم والغيبة فان الغيبة أشد من الزنا»‪ ،‬قالوا‪:‬وكيف‬

‫‪27‬‬ ‫الغيبة أشد من الزنا؟ قال‪« :‬الن الرجل يزني ثم يتوب فتاب الله عليه‬
‫وإن صاحب الغيبة ال يغفر حتى يغفر له صاحبه»‪.‬‬
‫(((‬

‫وقال‪« :‬عذاب القبر من النميمة والغيبة والكذب»(((‪.‬‬

‫وقال‪« :‬أربعة يؤذون أهل النار عىل ما هبم من األذى‪ ،‬يسقون‬


‫من احلميم يف اجلحيم ينا دون بالويل والثبور‪ ،‬يقول أهل النار بعضهم‬
‫لبعض‪ :‬ما بال هؤالء األربعة قد آذونا عىل ما بنا من األذى؟ فرجل‬

‫((( روضة الواعظني ‪.470 /‬‬


‫((( معارج اليقني يف أصول الدين ‪.413 /‬‬
‫((( البحار ‪.259 / 72 /‬‬
‫الغيبة‬
‫معلق يف تابوت من مجر‪ ،‬ورجل جير أمعاؤه‪ ،‬ورجل يسيل فوه قيحا‬
‫ودما‪ ،‬ورجل يأكل حلمه‪ ،‬فقيل لصاحب التابوت‪ :‬ما بال األبعد قد آذانا‬
‫عىل مآبنا من األذى؟ فيقول‪ :‬إن األبعد قد مات ويف عنقه أموال الناس مل‬
‫جيد هلا يف نفسه أداء وال وفاء‪ ،‬ثم يقال للذي جير أمعاؤه‪ :‬ما بال األبعد‬
‫قد آذانا عىل مآبنا من األذى؟ فيقول‪ :‬إن األبعد كان ال يبايل أين أصاب‬
‫البول من جسده‪ ،‬ثم يقال للذي يسيل فوه قيحا ودما‪ :‬ما بال األبعد قد‬
‫آذانا عىل ما بنا من األذى؟ فيقول‪ :‬إن األبعد كان حياكي فينظر إىل كل‬
‫كلمة خبيثة فيسندها وحياكي هبا‪ ،‬ثم يقال للذي كان يأكل حلمه‪ :‬ما بال‬
‫األبعد قد آذانا عىل مآبنا من األذى؟ فيقول‪ :‬إن األبعد كان يأكل حلوم‬
‫الناس بالغيبة ويميش بالنميمة (((‪.‬‬

‫وذكر الشيخ النراقي يف جامع السعادات أن النبي‪ ‬خطب يوما‬ ‫‪28‬‬

‫فذكر الربا وعظم شأنه‪ ،‬فقال‪« :‬إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم‬
‫عند الله في الخطيئة من ست وثالثين زنية يزنيها الرجل‪ ،‬وإن أربى الربا‬
‫عرض الرجل المسلم»‪ .‬ومر‪ ‬عىل قربين يعذب صاحبامها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«إنهما ليعذبان في كبيرة‪ ،‬أما أحدهما فكان يغتاب الناس‪ ،‬وأما اآلخر‬
‫فكان ال يستبرئ من بوله‪ .‬ودعا بجريدة رطبه أو جريدتين فكسرهما‪،‬‬
‫ثم أمر بكل كسرة فغرست على قبره‪ ،‬وقال‪ :‬أما إنه يهون من عذابهما‬
‫ما كانتا رطبتين»‪ .‬وروي‪ :‬أنه‪« ‬أمر الناس بصوم يوم‪ ،‬وقال‪ :‬ال‬
‫((( البحار ‪.81 / 8 /‬‬
‫خطورة الغيبة‬
‫يفطرن أحد حتى آذن له‪ .‬فصام الناس‪ ،‬حتى إذا أمسوا‪ ،‬جعل الرجل‬
‫يجيئ‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ظللت صائما فأذن لي ألفطر‪ ،‬فيأذن له‪،‬‬
‫والرجل‪ ،‬حتى جاء رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله لتفطرا‪ .‬فأعرض عنه‪ .‬ثم‬
‫عاوده فأعرض عنه‪ .‬ثم عاوده‪ ،‬فقال‪ :‬إنهما لم تصوما‪ ،‬وكيف صام من‬
‫ظل هذا اليوم يأكل لحوم الناس‪ ،‬أذهب فمرهما إن كانتا صائمتين أن‬
‫تستقيئا‪ .‬فرجع إليهما‪ ،‬فأخبرهما‪ ،‬فاستقاءتا‪ ،‬فقاءت كل واحدة منهما‬
‫حلقة من دم‪ ،‬فرجع إلى النبي‪ ‬فأخبره‪ ،‬فقال والذي نفس محمد‬
‫(((‬
‫بيده! لو بقيتا في بطنيهما ألكلتهما النار»‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫((( جامع السعادات ‪.39 / 1 /‬‬


‫غيبة القلوب هي �سوء الظن‬

‫غيبة القلوب هي �سوء الظن‬


‫غيبة القلوب هي سوء الظن باآلخرين وهي حرام مثل حرمة‬
‫الكالم فكام حيرم أن حتدث غريك بمساوئ إنسان حيرم‪ ،‬أن حتدث‬
‫نفسك بذلك وتيسء الظن به قال تعاىل‪:‬‬

‫اجتَن ِ ُبو ْا كَثِير ًا ِم َن ال َّظ ِّن إِ َّن َب ْع َض ال َّظ ِّن إِ ْث ٌم َوالَ‬


‫ين َآمنُو ْا ْ‬
‫ِ‬
‫﴿ َي َأ ُّي َها ا َّلذ َ‬
‫ب َأ َحدُ ك ُْم َأن َي ْأك َُل َل ْح َم َأ ِخ ِيه‬ ‫ِ‬
‫ت ََج َّس ُسو ْا َوالَ َي ْغتَب َب ْع ُضكُم َب ْعض ًا َأ ُيح ُّ‬
‫ِ‬
‫يم﴾ سورة احلجرات (‪)12‬‬ ‫اب َرح ٌ‬ ‫َم ْيت ًا َفك َِر ْهت ُُمو ُه َوا َّت ُقو ْا الل َه إِ َّن الل َه ت ََّو ٌ‬

‫ماهو ظن السوء املنهي عنه؟‬


‫‪31‬‬
‫هو عقد القلب واحلكم عىل الغري بالسوء وترتيب اآلثار عىل ذلك‬
‫الظن‪.‬‬

‫وأما اخلواطر‪ ،‬وحديث النفس‪َ ،‬ف ُهو َمع ُف ٌو َعن ُه‪َ ..‬و َلك َّن ا َمل ِنه َّي‬
‫ميل إِ َل ِيه‬
‫َّفس َو َي ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بـار ٌة َعماّ تر َك ُن إِليه الن ُ‬
‫ِ‬
‫َعن ُه َأ ْن َت ُظ َّن ظن السوء‪ ،‬ال َّظ ُّن ع َ‬
‫ال َقلب‪.‬‬

‫وخالصة الكالم ّ‬
‫أن سوء الظن له ثالثة مراحل‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬سوء الظن القلبي‪.‬‬


‫الغيبة‬
‫الثانية‪ :‬سوء الظن ال ّلساين‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬سوء الظن العميل‪.‬‬

‫فأ ّما ما كان يف القلب فال يقع مشموالً للتكليف ألنّه خارج عن‬
‫دائ��رة االختيار‪ ،‬ولك ّن ما يصدر من اإلنسان بلسانه أو بعمله فهو‬
‫املمنوع واحلرام‪.‬‬

‫وهلذا ورد يف بعض الروايات عن النبي‪« :‬وإِذا َظ َ‬


‫ننت فال‬
‫ت ََح ِّق ْق»(((‪.‬‬

‫وقال‪« :‬اطلب ألخيك عذرا فان لم تجد له عذرا فالتمس له‬


‫عذرا»(((‪.‬‬
‫وقال أمري املؤمنني‪«: ‬ال َت ُظنَن بِكَلِمة َخرج ْ ِ‬ ‫‪32‬‬
‫ت م ْن َأ َحد ُس ً‬
‫وء‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫َجدُ َلهـا فِي الخَ ِير ُمحت ََمالً»(((‪.‬‬
‫نت ت ِ‬
‫َو َأ َ‬

‫فالواجب علينا أن نجتنب كثري ًا من الظن لكون البعض منها إث ًام‪،‬‬


‫وحتى نحفظ قلوبنا ونحفظ جوارحنا من النيل والوقوع يف أعراض‬
‫إخواننا املسلمني‪.‬‬

‫((( البحار ‪. 320 / 55 /‬‬


‫((( البحار‪.197/ 72/‬‬
‫((( هنج البالغة ‪. 59 / 4 /‬‬
‫غيبة القلوب هي �سوء الظن‬
‫ولذلك يقول النبي‪:‬‬
‫�إن ال َّظن َأك� َ�ذب الح ِد ِ‬
‫يث َوال ت ََح َّس ُسوا َوال‬ ‫«إِ ّياكُم َوال َّظ َّن َف� َّ‬
‫ُ َ‬ ‫َّ‬
‫ت ََج َّس ُسوا»(((‪.‬‬

‫وسوء الظن يولد يف اإلنسان عندما يرتك هذه الفضائل‪ ،‬فتنقطع‬


‫األخوة والبغضاء ويقع احلسد والبغي‪ ،‬ويقع العدوان والفتنة‪ ،‬وأصل‬
‫ذلك كله ناشئ من سوء الظن‪.‬‬

‫قال الشيخ مكارم الشريازي ‪ :‬املراد من هذا النهي هو النهي عن‬


‫ترتيب اآلثار‪ ،‬أي متى ما خطر الظ ّن اليسء يف الذهن عن املسلم فال‬
‫ينبغي االعتناء به عمل ّي ًا‪ ،‬وال ينبغي تبديل ُأسلوب التعامل معه وال‬

‫‪33‬‬
‫تغيري الروابط مع ذلك الطرف‪ ،‬فعىل هذا األساس ّ‬
‫فإن اإلثم هو إعطاء‬
‫(((‬
‫األثر وترتّبه عليه‪.‬‬

‫((( األخالق يف القرآن ‪.10/‬‬


‫((( األمثل ‪.549 / 16 /‬‬
‫ال�سامع كاملغتاب‬

‫ال�سامع كاملغتاب‬
‫وكام حيرم عىل املغتاب حيرم عىل السامع فيجب عىل من سمع‬
‫َف رضر ًا ظاهر ًا‪ ،‬فأن خاف‬
‫إنسان ًا يبتدئ بغيبة حمرمة‪ :‬أن ينهاه إن مل خي ْ‬
‫وجب عليه اإلنكار بقلبه‪ ،‬ومفارقة ذلك املجلس إن متكن من مفارقته‪،‬‬
‫فإن قدر أن ينكر بلسانه فبها وإال فبقلبه‪ ،‬أو قطع الغيبة بكالم آخر لزمه‬
‫ذلك فإن مل يفعل عىص‪.‬‬

‫فإن قال بلسانه‪ :‬أسكت‪ ،‬وهو رايض بقلبه استمراره‪ ،‬قال أحد‬
‫العلامء‪ :‬ذلك نفاق‪ ،‬ال خيرجه من اإلثم‪ ،‬وال بد من كراهية بقلبه‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫اضطر إىل البقاء يف ذلك املجلس الذي فيه‬
‫ّ‬ ‫أقول‪ :‬حتى قالوا متى‬
‫الغيبة‪ ،‬وعجز عن اإلنكار‪ ،‬أو أنكر فلم يقبل منه‪ ،‬ومل يمكنه اخلروج‬
‫من ذلك املجلس حرم عليه االستامع وإال صغاء للغيبة‪ .‬بل جيب عليه‬
‫أن يذكر اهلل بلسانه وقلبه‪ ،‬أو بقلبه‪ ،‬أو يفكر يف أمر آخر ليشغل عن‬
‫سامعها‪ ،‬وال يرضه بعد ذلك السامع من غري استامع وإصغاء‪ .‬ومتى‬
‫استطاع اخلروج من ذلك املجلس جيب عليه أن خيرج‪.‬‬

‫نعم الغيبة ال تتم إال من طرفني‪ ،‬ليس هناك أحد يغتاب وحده‪ ،‬ال‬
‫بد من أحد يسمعه‪ ،‬فإذا سمعته فأوقفه‪ ،‬أما إذا أعطيته إشارة وشجعته‬
‫الغيبة‬
‫عىل الغيبة فأنت أحد املغتابني‪ ،‬وعليك من اإلثم مثل ما عليه‪.‬‬

‫وبعد معرفة الغيبة وخطرها وان الغيبة من الذنوب الكبرية‬


‫التي توعد اهلل عليها النار فكذلك اإلسامع أليها فهو حرام باتفاق‬
‫مجيع الفقهاء‪ ،‬وورد عن الرسول األعظم‪ ‬أنه قال‪« :‬السامع أحد‬
‫المغتابين»‪.‬‬

‫وعن أمري املؤمنني‪ ‬قال‪« :‬السامع للغيبة احد المغتابين»(((‪.‬‬

‫وعن اإلمام الصادق‪‬قال‪«:‬الغيبة كفر والمستمع لها والراضي‬


‫بها مشرك (((»‪.‬‬

‫ومن خالل الروايات يف شأن املؤمن وان حرمته اعظم من حرمة‬


‫الكعبة‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫عن ابن عباس‪ :‬نظر رسول اهلل‪ ‬إىل الكعبة فقال‪:‬‬


‫ِ‬
‫أعظمك وأعظم حرمتك‪ ،‬والله إن المؤمن‬ ‫«مرحب ًا من بيت‪ ،‬ما‬
‫أعظم حرمة عند الله منك‪ ،‬ألن الله حرم منك واحدة ومن المؤمن‬
‫ثالث ًا‪ :‬دمه‪ ،‬وماله وان يظن به ظن السوء»(((‪.‬‬

‫((( مرآة العقول ‪.412 / 10 /‬‬


‫((( مصباح الفقاهة ‪.452 / 1 /‬‬
‫((( تذكرة األخبار يف تلخيص ربيع األبرار ‪.2 / 8 /‬‬
‫ال�سامع كاملغتاب‬
‫فعن الصادق‪‬قال‪« :‬المؤمن أعظم حرمة من الكعبة» (((‪.‬‬

‫نعم هتك حرمته عىل حد سفك دمه‪ ،‬وكشف أرساره موجب‬


‫للعذاب األليم‪ ،‬ومن البدهيي إن الشخص السامع هو الطرف األعظم‬
‫يف الغيبة‪ ،‬وهتك حرمة املؤمن مل يتم‪ ،‬ذلك لو مل يكن هناك سامع‪ ،‬أو‬
‫مل يصغ السامع‪ ،‬فان الغيبة سوف ال حتدث وعىل هذا فيجب عىل كل‬
‫مسلم أن ال يستمع ألحد بنقل عيب يف مؤمن‪ ،‬بل جيب رده واالنتصار‬
‫لذلك املؤمن‪.‬‬

‫وروى الصدوق يف من ال حيرضه الفقيه عن رسول اهلل‪‬أنه قال‪:‬‬


‫«من كظم غيظ ًا وهو قادر على إنفاذه وحلم عنه أعطاه الله اجر شهيد‪،‬‬
‫اّأل ومن تطول على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فر َّدها عنه رد‬
‫‪37‬‬
‫الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا واآلخرة‪ ،‬فان هو لم يردها وهو‬
‫قادر على ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة» (((‪.‬‬

‫وعن اإلمام الصادق‪ ‬قال‪:‬‬


‫«من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله وأعانه في‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن لم ينصره ولم يعنه ولم يدفع عنه وهو يقدر على‬
‫(((‬
‫نصرته وعونه إالّ خفضه الله في الدنيا واآلخرة»‪.‬‬
‫((( اخلصال ‪.36 / 1 /‬‬
‫((( من ال حيرضه الفقيه ‪.15 / 4 /‬‬
‫((( مصباح املنهاج ‪.354 / 1 /‬‬
‫ق�ص�ص عن الغيبة وا�ستماعها‬

‫ق�ص�ص عن الغيبة وا�ستماعها‬


‫ذكر السيوطي يف الدر املنثور عن عبيد موىل رسول اهلل‪ ‬أن‬
‫امرأتني صامتا عىل عهد رسول اهلل‪ ،‬فجلست إحدامها إىل األخرى‬
‫فجعلتا يأكالن حلوم الناس‪ ،‬فجاء منهام رسول النبي‪ ،‬فقال يا‬
‫رسول اهلل‪ :‬إن ههنا امرأتني صامتا وقد كادتا أن متوتا فقال رسول‬
‫اهلل‪ :‬ائتوين هبام فجاءتا فدعا بعس أو قدح‪ ،‬فقال إلحدامها قيئي‬
‫فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف القدح‪ ،‬وقال لألخرى‬
‫قيئي‪ ،‬فقاءت من قيح ودم وصديد حتى مألت القدح‪ ،‬فقال رسول‬
‫‪39‬‬ ‫اهلل‪« :‬إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله‬
‫(((‬
‫عليهما جلست إحداهما إلى األخرى فجعلتا يأكالن لحوم الناس»‬

‫وقال خالد الربعي ‪ :‬كنت يف جملس لنا فذكروا رج ً‬


‫ال فنالوا منه‬
‫فنهيتهم فكفوا‪ ،‬قال‪ :‬ثم عادوا يف ذكره فكأين يعني وافقتهم‪ ،‬قال‪ :‬فقمنا‬
‫من ذلك املجلس فنمت فأتاين يف املنام أسود جسيم عىل كفه طبق من‬
‫خالب فيه بضعة من حلم خنزير خرضاء‪ ،‬فقال‪ :‬كل‪ ،‬فأبيت عليه فقال‪:‬‬
‫كل‪ ،‬فأبيت عليه فأحسب أنه انتهرين وأكرهني عليه؛ قال‪ :‬فجعلت‬

‫((( الدر املنثور ‪.572 / 7 /‬‬


‫الغيبة‬
‫ألوكها وأنا أعلم أنه حلم خنزير فانتبهت فام زلت أجد رحيها يف َّيف نحو ًا‬
‫من شهرين(((‪.‬‬

‫ويروى عن حممد بن إسامعيل بن أيب فديك أنه قال‪ :‬رأيت هبلوال‬


‫يف بعض املقابر قد دىل رجليه يف قرب وهو يلعب بالرتاب‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما‬
‫تصنع ههنا؟‬

‫قال أجالس قوم ًا ال يؤذونني‪ ،‬وإن غبت عنهم اليغتابونني‪.‬‬

‫قال‪ :‬فقلت‪ :‬فقد غلت األسعار‪ ،‬فهل تدعو اهلل فيكشف عن‬
‫الناس؟‬

‫فقال‪ :‬واهلل ما أبايل‪ ،‬ولو‪ ،‬حبة بدينار إن اهلل أخذ علينا أن نعبده كام‬
‫أمرنا‪ ،‬وعليه أن يرزقنا كام وعدنا‪ ،‬ثم صفق بيديه أنشأ يقول‪:‬‬ ‫‪40‬‬

‫يا من متتع بالدنيا وزينتها‬


‫وال تنام عن اللذات عيناه‬
‫شغلت نفسك فيام لست تدركه‬
‫(((‬
‫تقول هلل ماذا حني تلقاه‬
‫يقول الشيخ األنصاري‪ ‬يف املكاسب املحرمة‪:‬‬

‫ثم إنه قد يتضاعف عقاب املغتاب إذا كان ممن يمدح املغتاب يف‬
‫((( بلوغ األرب بتقريب بكتاب الشعب ‪.408 / 1 /‬‬
‫((( الزهد الكبري للبيهقي ‪.193 / 2 /‬‬
‫ق�ص�ص عن الغيبة وا�ستماعها‬
‫حضوره‪ ،‬وهذا وإن كان يف نفسه مباحا إال أنه إذا انضم مع ذمه يف غيبته‬
‫سمي صاحبه «ذو اللسانني» وتأكد حرمته‪ ،‬ولذا ورد يف املستفيضة‪:‬‬
‫«أنه جيئ ذو اللسانني يوم القيامة وله لسانان من النار»‬
‫(((‬

‫‪41‬‬

‫((( املكاسب ‪.320 / 1 /‬‬


‫متى جتوز الغيبة؟‬

‫متى جتوز الغيبة؟‬


‫وقد ذكر الفقهاء موارد جيوز فيها الغيبة‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ املتجاهر بف�سقه‪.‬‬

‫قال الشيخ األنصاري‪ :‬وقد ورد يف األخبار املستفيضة جواز‬


‫غيبة املتجاهر‪ :‬منها‪ :‬قوله‪ ‬يف رواية هارون بن اجلهم ‪« :-‬إذا جاهر‬
‫الفاسق بفسقه فال حرمة له وال غيبة»‪.‬‬

‫وقوله‪« :‬من ألقى جلباب الحياء فال غيبة له»‪.‬‬


‫‪43‬‬
‫ورواي��ة أيب البخرتي‪« :‬ثالثة ليس لهم حرمة‪ :‬صاحب هوى‬
‫مبتدع‪ ،‬واإلمام الجائر‪ ،‬والفاسق المعلن بفسقه»‪ .‬ومفهوم قوله‪:‬‬
‫«من عامل الناس فلم يظلمهم‪ ،‬وحدثهم فلم يكذبهم‪ ،‬ووعدهم فلم‬
‫يخلفهم‪ ،‬كان ممن حرمت غيبته‪ ،‬وكملت مروءته‪ ،‬وظهرت عدالته‪،‬‬
‫ووجبت ُاخوته»‪.‬‬
‫(((‬

‫وجيب ان يعلم ان القدر املتيقن من جواز الغيبة يف هذا املورد هو‬


‫ذكره يف ما يتجاهر به‪ ،‬اما جواز غيبته يف الذنوب األخرى املستورة فهو‬

‫((( املكاسب املحرمة ‪.301 / 1 /‬‬


‫الغيبة‬
‫غري معلوم وان ذكر لشيخ االنصاري انه اذا كان الذنب املتجاهر به اشد‬
‫من املستور فال مانع من ذلك‪ ،‬اال ان األحوط تركه‪.‬‬

‫وقال املحقق الكركي يف رسائله‬

‫االول‪ :‬أن يكون املقول فيه مستحقا « لذلك‪ ،‬الحرمة له لتظاهره‬


‫باملحرم كالفاسق متظاهر بفسقه‪ ،‬مثل شارب اخلمر املتظاهر به‪ ،‬والظامل‬
‫املنتهك بظلمه‪ ،‬فيجوز ذكره بذلك الذي هو فيه ال بغريه‪ ،‬ملاروي من‬
‫(((‬
‫أنه‪ « :‬الغيبة لفاسق‬

‫وجيب ان يعلم ايضا ان جواز غيبة املتجاهر بالفسق إنام هو يف‬


‫صورة ما لو كان املتجاهر يعرتف بأن عمله ذنب‪ ،‬اما لو أظهر لعمله‬
‫عذرا صحيحا فان غيبته غري جائزة كام لو ادعى انه يتناول الرشاب‬ ‫‪44‬‬
‫للدواء والعالج‪ ،‬و انه مقلد لشخص يراه جائزا يف تلك الصورة‪،‬‬
‫ومثل من يفطر يف ايام شهر رمضان بحجة انه مريض او مسافر او‬
‫بأعذار أخرى قابلة للتصديق‪ ،‬ومثل من يعمل يف معونة الظاملني لكن‬
‫يبني عذره لعمله رشيطة ان ال يكون ذلك العذر واضح الفساد كام ان‬
‫األحوط عدم إستغابة املتجاهر يف غري البلد او املحل الذي يتجاهر فيه‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ غيبة الظامل يف مقام ال�شكاية منه وبيان ظلمه ال فيما عدا ذلك‪.‬‬

‫((( رسائل الكركي ‪.45 / 2 /‬‬


‫متى جتوز الغيبة؟‬
‫لم ِه َفأولئِ َ‬
‫ك‬ ‫قال اهلل تعاىل يف سورة الشورى‪﴿ :‬و َلمن إنتَصر بعدَ ُظ ِ‬
‫َ َ ْ َ َ َْ‬
‫ُون في‬
‫الناس و َي ْبغ َ‬ ‫ِ‬ ‫الس ُ‬ ‫ليهم ِمن َس ٍ‬
‫ما َع ِ‬
‫ون َ‬ ‫لم َ‬
‫الذين َيظ ُ‬
‫َ‬ ‫بيل على‬ ‫بيل‪‬إنَّما َ‬
‫َير ِ‬
‫الحق﴾‪.‬‬ ‫األرض بِغ ِ‬
‫ِ‬

‫بالسوء ِم َن ال َق ِ‬
‫ول‬ ‫ِ‬ ‫الج ْه َر‬
‫ب الل ُه َ‬
‫ِ‬
‫وقال تعاىل يف سورة النساء ﴿ال ُيح ُ‬
‫إال َم ْن ُظلِم﴾‪ .‬الشورى ‪ 41‬ـ ‪42‬‬

‫عىل ّ‬
‫كل حال جيوز لك أن تنترص بقدر املظلمة‪ ،‬فال جيوز لك أن‬
‫تتهمه يف أمر ليس له عالقة بظلمك مث ً‬
‫ال يف عرضه قائالً‪ :‬هو يميش مع‬
‫النساء أو زوجته متيش مع الرجال أو ابنته صفتها كذا وكذا‪ ،‬وأن يقترص‬
‫عىل اظهار التظلم عند من يرجو نرصته واغاثته‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫‪ 3‬ـ ن�صح امل�ست�شري يف التزويج‪ ،‬و�إي��داع الأمانة‪ ،‬و�أمثالهما‪ .‬كذلك‬


‫جرح ال�شاهد واملفتي والقا�ضي �إذا �سئل عنهم‪.‬‬

‫ومن موارد التي جتوز هبا الغيبة هي نصح املستشري يف التزويج‪،‬‬


‫وإيداع األمانة‪ ،‬وأمثاهلام‪ .‬كذلك جرح الشاهد واملفتي والقايض إذا‬
‫سئل عنهم‪ ،‬فله أن يذكر ما يعرفه من عدم العدالة واألهلية لالفتاء‬
‫والقضاء‪ ،‬برشط صحة القصد واردة اهلداية وعدم باعث حسد أو‬
‫تلبيس من الشيطان‪ ،‬وكذلك تقي املسلمني من الرش والرضر أو رساية‬
‫الفسق والبدعة‪ ،‬فإن من رأى عاملا أو غريه من املؤمنني يرتدد إىل ذي‬
‫رش أو فاسق أو مبتدع‪ ،‬وخاف أن يترضر ويتعدى إليه الفسق والبدعة‬
‫الغيبة‬
‫بمصاحبته‪ ،‬جيوز له أن يكشف له ما يعرفه من رشه وفسقه وبدعته‪،‬‬
‫برشط كون الباعث جمرد خوف وصول الرش والفساد أو رساية الفسق‬
‫والبدعة إليه‪ .‬قال رسول اهلل‪« :‬أترعوون عن ذكر الفاجر حتى ال‬
‫(((‬
‫يعرفه الناس؟ أذكروه بما فيه يحذره الناس»‪.‬‬

‫وقال املحقق الكركي الثالث نصيحة املستشري يف نكاح‪ ،‬أومعاملة‪،‬‬


‫أو جم��اورة‪ ،‬أو غريها‪.‬ملا روي أنه‪ ‬قال لفاطمة بنت قيس حني‬
‫استشارته يف خطاهبا‪« :‬أما فالن فرجل صعلوك المال له‪ ،‬وأما فالن‬
‫فاليضع العصا عن عاتقه» (((‪.‬‬

‫فمتى استشارك مسلم يف معاملة يريد اجرائها مع شخص وكان‬


‫يف ذلك الشخص عيب بحيث لو مل يذكره للمستشري ألجرى املعاملة‬
‫‪46‬‬
‫وت��ورط برضر ومشقة جاز له يف هذه الصورة ان يذكر العيب ملن‬
‫استشاره‪ ،‬واحلقيقة ان عدم ذكر العيب هنا هو خيانة للمستشري‪ ،‬وعىل‬
‫ذلك ال مانع من ذكر العيب يف هذه الصورة‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ جواز غيبة املبتدعة‪.‬‬

‫قال الكركي‪« :‬ذكر املبتدعة وتصانيفهم الفاسدة وآرائهم املضلة‪،‬‬


‫وليقترص عىل ما حيصل به املطلوب يف ذلك رشعا‪ ،‬ومن كان منهم عدوا‬

‫((( جامع السعادات ‪/‬ج‪.240/2‬‬


‫((( رسائل الكركي ‪.45 / 2 /‬‬
‫متى جتوز الغيبة؟‬
‫ألهل البيت‪ ،‬فال حرج يف ذكر معا يبهم وقبائحهم‪ ،‬والقدح يف‬
‫أنساهبم وإعراضهم بام هو صحيح مطابق للواقع ترصحي ًا وتعريض ًا‪ ،‬كام‬
‫وقع من أمري املؤمنني‪ ،‬وما صدر من أيب حممد احلسن صلوات اهلل‬
‫عليه يف جملس معاوية لعنه اهلل يف ذكره ملعايبه ومعايب عمرو بن العاص‬
‫والوليد بن املغرية وأمثاهلم عليهم أمجعني من اللعن ما ال حيىص إىل يوم‬
‫الدين‪.‬وال حرج يف تكرار ذلك واإلكثار منه يف املجالس لتنفري الناس‬
‫منهم‪ ،‬وتطهري قلوب اخللق من االعتقاد فيهم‪ ،‬واملواالة هلم بحيث‬
‫يربؤون منهم‪.‬وكذا لعنهم والطعن فيهم عىل مرور األوقات مع جمانبة‬
‫الكذب»(((‪.‬‬

‫‪47‬‬

‫((( رسائل الكركي ‪.46 / 2 /‬‬


‫عالج الغيبة‬

‫عالج الغيبة‬
‫ٌ‬
‫ومعول هدام‪ ،‬وسلوك يفرق‬ ‫إن الغيبة مرض خطري‪ ،‬وداء فتاك‪،‬‬
‫رشورا‬
‫ً‬ ‫بني األحباب‪ ،‬وهبتان يغطي عىل حماسن اآلخرين‪ ،‬وبذرة تنبت‬
‫بني املجتمع املسلم‪ ،‬وتقلب موازين العدل واإلنصاف إىل الكذب‬
‫واجلور‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن عالج هذا املرض األخالقي اخلطري يشبه من جهات عالج‬
‫سائر األمراض األخالقية االُخرى‪ ،‬وخيتلف عنها من بعض اجلهات‪،‬‬
‫ويف املجموع البدّ من رعاية االُمور التالية للوقاية من الوقوع يف هذا‬
‫‪49‬‬
‫املرض أو عالجه‪:‬‬

‫‪1‬ـ ّ‬
‫إن العالج احلقيقي لكل مرض بدين أو نفيس أو أخالقي‬
‫يتم ّثل بالعثور عىل اجلذور واألسباب الكامنة وراء االبتالء هبذا املرض‬
‫والسعي إلزالتها والقضاء عليها‪ ،‬وبام ّ‬
‫أن عوامل حصول هذه الصفة‬
‫القبيحة يف النفس كثرية ومتعددة فالبدّ من التوجه إىل تلك العوامل‬
‫املهمة هو‪ :‬احلسد‪ ،‬احلقد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫واالسباب‪ ،‬وقد رأينا ّ‬
‫أن من العوامل‬
‫حب االنتقام‪ ،‬التكبرّ والغرور وأمثال ذلك‪ ،‬وما دامت هذه‬
‫األنانية‪ّ ،‬‬
‫احلاالت النفسية السلبية موجودة يف أعامق النفس ومادام اإلنسان ال‬
‫الغيبة‬
‫يتحرك عىل مستوى إزالتها من واقعه وذاته ّ‬
‫فإن هذه احلالة الرذيلة أي ـ‬ ‫ّ‬
‫الغيبة ـ ال تنقلع وال تزول‪.‬‬

‫وعندما ال جيد اإلنسان يف نفسه حسد ًا عىل أحد وال يعيش حالة‬
‫احلقد والكراهية واملقت اجتاه اآلخرين وال يرى يف نفسه إمتياز ًا وال‬
‫مسوغ له للت ّلوث بخطيئة الغيبة وال جيد يف ذاته‬
‫تفوق ًا عىل الغري فال ّ‬
‫ّ‬
‫رغبة ومي ً‬
‫ال إىل ارتكاب هذا الفعل الذميم‬

‫وعالج الغيبة يكون بام يأيت‪:‬‬

‫‪1‬ـ إمساك اللسان عن املحرمات واستحضار ش��دة العذاب‬


‫والوعيد الذي ذكر يف شأن الغيبة‪ ،‬أقول لو أن إبنك كان يشتم أبناء‬
‫اجلريان واألقارب كلام لـعب معهم وتكرر نصحك له دون جدوى‪،‬‬ ‫‪50‬‬
‫أال حتبسه وحترمه من اللعب؟ فام أشبه اللسان بالطفل‪ .‬فأطبق عىل كل‬
‫كلمة بشـفتيك قبل أن خترج فتندم‪.‬‬

‫عن ابن مسعود أنه كان عىل الصفا يلبي ويقول يا لسان قل خريا‬
‫تغنم أو أنصت تسلم من قبل أن تندم قيل له يا أبا عبد الرمحن هذا يشء‬
‫تقوله أو يش ء سمعته قال ال بل سمعت رسول اهلل‪ ‬يقول «إن أكثر‬
‫(((‬
‫خطايا ابن آدم في لسانه»‪.‬‬

‫((( جمموعة ورام ‪ 0 .93 / 1 /‬‬


‫عالج الغيبة‬
‫وقال أمري املؤمنني‪:‬‬

‫قال رسول اهلل‪« :‬ال يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه‪،‬‬
‫وال يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه‪ ،‬فمن استطاع منكم أن يلقى الله‬
‫سبحانه وهو نقي اليد من دماء المسلمين وأموالهم‪ ،‬سليم اللسان من‬
‫(((‬
‫اعراضهم‪ ،‬فليفعل»‬

‫قال رسول اهلل‪« :‬يا علي من خاف الناس لسانه فهو من أهل‬
‫(((‬
‫النار»‪.‬‬

‫وقال‪:‬أيض ًا‪« :‬من كان ذا لسانين في الدنيا ُجعل له يوم القيامة‬


‫لسانين من نار»‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫(((‬
‫قال اإلمام الصادق‪« :‬نجاة املرء حفظ لسانه»‪.‬‬

‫أقول لو أنك تعرف بأن هناك جهاز ًا يسـجل عليك كل كلـمة‬


‫تصدر عنك ‪ ،‬تغتاب هبا اآلخرين وتنال منهم أال متسك عن الكالم؟‪،‬‬
‫أفال جتعلك معرفتك أن ملكني يسجالن عليك ومرتصدين لكل كلمة‬
‫ِ‬ ‫تتلفظها فقد قال تعاىل‪﴿:‬و إِ َّن ع َليكُم َلحافِظِ ِ‬
‫ون ما‬ ‫ين كرام ًا كاتبِ َ‬
‫ين َي ْع َل ُم َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ْ‬
‫ون﴾‪(.‬االنفطار‪)12 -9 :‬‬ ‫َت ْف َع ُل َ‬

‫((( هنج البالغة ‪.69 / 2 /‬‬


‫((( من ال حيرضه الفقيه ‪.353 / 4 /‬‬
‫((( جامع األخبار ‪.9 / 12 /‬‬
‫الغيبة‬
‫مال َق ِعيدٌ‬
‫الش ِ‬ ‫يان َع ِن ا ْل َي ِم ِ‬
‫ين َو َع ِن ِّ‬ ‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬إِ ْذ َي َت َل َّقى ا ْل ُم َت َل ِّق ِ‬
‫يب َعتِيدٌ ﴾(ق‪.)18 ،17 :‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ما َي ْلف ُظ م ْن َق ْو ٍل إِ اَّل َلدَ ْيه َرق ٌ‬

‫يام ِة كِتاب ًا َي ْلقا ُه َمن ُْشور ًا ا ْق َر ْأ كِتا َب َ‬


‫ك‬ ‫ِ‬
‫﴿و ُنخْ ِر ُج َل ُه َي ْو َم ا ْلق َ‬ ‫وقوله تعاىل َ‬
‫ك َح ِسيب ًا﴾(اإلرساء‪)14 ،13 :‬‬ ‫كَفى بِنَ ْف ِس َ‬
‫ك ا ْل َي ْو َم َع َل ْي َ‬

‫أق��ول فلو عرف االنسان مدى تاثري الكلمة وان كانت باحلق‬
‫واستمرارها ودوام عمرها وتاثريها ربام لتوقف عن الكالم ومتنى‬
‫ان يكون اخرس فربام كلمة قيلت بدون اي وعي وانتباه تناقلت عرب‬
‫االلسن واستمرت اجيال ومات القائل ولكنها ال متوت ليوم القيامة‬
‫املهم ما نريد قوله ان الغيبة مرض ابتىل اهلل به البرش وال يستخدمها‬
‫ويعمل هبا اال كل جبان فاقد للدين واملروءة فلو كان املغتاب شجاع ًا‬
‫‪52‬‬
‫لواجه ذا العالقة هبا ولو كان له دين لوقف الدين بوجه القائل قبل ان‬
‫يدمر سمعة انسان او حيطم شخصيته واسقاطه من املجتمع ولوكانت‬
‫مرو ٌة لعرف اهنا سالح فتاك ال يرد فلريحم خصمه واالكثر رعبا ان‬
‫له ّ‬
‫هذه الغيبة لو كانت بمقدار كلمة واحدة حني تلصق باذهان االخرين‬
‫لو مجعنا كلامت الكون كلها عىل ان نزيح هذه الكلمة ما استطعنا فهي‬
‫اليشء املرعب حقا الن سمعة الناس أمان ٌة بأيدي اآلخرين ومن طرق‬
‫مكافحتها ما ورد يف دعاء مكارم األخالق الوارد عن االمام عيل بن‬
‫احلسني‪ ‬حيث يقول‪:‬‬
‫عالج الغيبة‬
‫عار َض َم ْن غ ََّشنِي‬ ‫«ال ّل ُه َّم َص ِّل َعلى ُم َح َّم ٍد َوآلِ ِه َو َسدِّ ْدنِي الَ ْن ُأ ِ‬
‫يب َم ْن َح َر َمنِي بِال َب ْذ ِل َو ُأكافِ َي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َم ْن َه َجرني بِالبِ ِّر َو ُأث َ‬ ‫بِالن ُّْصحِ َو َأ ْج ِز َ‬
‫ف َم ْن اغْتا َبنِي إِلى ُح ْس ِن ِّ‬
‫الذك ِْر‪َ ،‬و َأ ْن َأ ْشك َُر‬ ‫الص َل ِة َو ُأخالِ َ‬ ‫ِ‬
‫َم ْن َق َط َعني بِ ِّ‬
‫الس ِّيئ َِة»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الح َسنَ َة َو ُأغْضي َع ِن َّ‬ ‫َ‬

‫فهذه الفقرة من الدعاء هلا سحر عجيب عىل رد الغيبة لنحر قائلها‬
‫ملاذا ال ختترص الكالم كام ختترصه ىف املكاملـات الدولية‪ ،‬وتعلم بأن كل‬
‫كلمة حماسـب ىف ضياع حسناتك كام هو ىف ضياع أموالك‪.‬‬

‫فلو فوجئت بفـاتورة هاتفك يمكن تداركه وعدم العودة ملثل ذلك‬
‫ولكن عندما تفاجأ بضياع حسناتك يف صحيفتك يوم القـيامة وضياع‬
‫اجلنة‪ .‬فاحلسـرة والندامة ابدية‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ 2‬ـ العدل واإلن��ص��اف‪ ،‬حيث حتاسب نفسك فهل حتب أن‬
‫يغتابك الناس ويذكروك بسوء؟ فكام ال حتب ذلك لنفسك فلامذا حتبه‬
‫لآلخرين؟ وانظر كذلك إىل اآلثار الواقعية التي ترتتب عىل مثل هذه‬
‫الغيبة‪ ،‬فإهنا تزرع الشحناء والبغضاء‪ ،‬وتفرق الصفوف وتوهن يف قوة‬
‫املسلمني‪ ،‬وكل ذلك أرضار إذا تأملتها وأدركت خطورهتا‪.‬‬

‫‪ -3‬تقوى اهلل عز وجل واخلوف منه سبحانه‪.‬‬

‫قال رسول اهلل‪«:‬عباد الله وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪،‬‬


‫الغيبة‬
‫وزنوها قبل أن توزنوا» (((‪.‬‬

‫وهتيئوا للعرض األكرب عىل اهلل‪ ،‬فقد قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ي ْو َمئِ ٍذ ُت ْع َر ُض َ‬
‫ون‬
‫ال تَخْ َفى ِمنْك ُْم َخافِ َي ٌة﴾ (احلاقة‪.)18:‬‬

‫ت ِم ْن َخ ْي ٍر ُم ْح َضر ًا َو َما‬
‫س َما َع ِم َل ْ‬
‫َجدُ ك ُُّل َن ْف ٍ‬‫وقال تعاىل‪َ ﴿:‬ي ْو َم ت ِ‬
‫وء ت ََو ُّد َل ْو َأ َّن َب ْين ََها َو َب ْينَ ُه َأ َمد ًا َب ِعيد ًا﴾‪( .‬آل عمران‪)30:‬‬
‫ت ِمن س ٍ‬ ‫ِ‬
‫َعم َل ْ ْ ُ‬

‫وقال تعاىل‪َ ﴿:‬ف َم ْن َي ْع َم ْل ِم ْث َق َال َذ َّر ٍة َخ ْير ًا َي َر ُه‪َ ‬و َم ْن َي ْع َم ْل ِم ْث َق َال‬


‫َذ َّر ٍة َش ّر ًا َي َر ُه﴾‪( .‬الزلزلة‪)8-7:‬‬

‫ين ِم َّما فِ ِيه‬ ‫ِِ‬


‫ين ُم ْشفق َ‬
‫ِ‬
‫َاب َفت ََرى ا ْل ُم ْج ِرم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل‪﴿:‬و ُوض َع ا ْلكت ُ‬
‫َ‬ ‫وقال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َه َذا ا ْلكِت ِ‬
‫ون يا َوي َل َتنَا م ِ‬
‫اها‬ ‫َاب ال ُيغَاد ُر َصغ َير ًة َوال َكبِ َير ًة إِ اَّل َأ ْح َص َ‬ ‫َو َي ُقو ُل َ َ ْ َ‬
‫ك َأ َحد ًا﴾‪( .‬الكهف‪)49:‬‬ ‫اضر ًا َوال َي ْظلِ ُم َر ُّب َ‬ ‫ووجدُ وا ما ع ِم ُلوا ح ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫‪54‬‬

‫ين ا ْل ِق ْس َط لِ َي ْو ِم ا ْل ِق َي َام ِة َفال ُت ْظ َل ُم َن ْف ٌس‬


‫﴿ون ََض ُع ا ْل َم َو ِاز َ‬
‫وقال تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َشيئ ًا وإِ ْن ك َ ِ‬
‫ين﴾‪.‬‬ ‫َان م ْث َق َال َح َّبة م ْن َخ ْر َد ٍل َأ َت ْينَا بِ َها َو َك َفى بِنَا َحاسبِ َ‬ ‫ْ َ‬
‫(األنبياء‪)47:‬‬

‫‪ -4‬حماسبة النفس وصدها عن الشهوات وكفها عن املهلكات‬


‫وعن تتبع عورات اآلخرين‪.‬‬

‫قال أمري املؤمنني‪:‬‬


‫((( رشح هنج البالغة البن أيب احلديد ‪.28 / 19 /‬‬
‫عالج الغيبة‬
‫«فكيف بالعائب ا ّلذي عاب أخاه و ع ّيره ببلواه أما ذكر موضع‬
‫مما هو أعظم من ا ّلذنب ا ّلذي عابه به و كيف‬
‫ستر ال ّله عليه من ذنوبه‪ّ ،‬‬
‫ّيذ ّمه بذنب قد ركب مثله؟ فإن لم يكن ركب ذلك ّ‬
‫الذنب بعينه‪ ،‬فقد‬
‫مما هو أعظم منه‪ .‬و أيم ال ّله لئن لم يكن عصاه‬
‫عصى ال ّله فيما سواه‪ّ ،‬‬
‫الصغير‪ ،‬لجرأته على عيب النّاس أكبر»(((‪.‬‬
‫في الكبير‪ ،‬و عصاه في ّ‬

‫‪ -5‬عىل املغتاب أن يعلم أنه متعرض لسخط اهلل يوم القيامة‬


‫بإحباط عمله ما مل يتب إىل اهلل عز وجل‪.‬‬

‫‪ -6‬أن سيئات املغتاب تتعاظم وأن حسناته تتضاءل فيتعرض‬


‫لغضب اجلبار وعذاب النار وبئس املصري‪.‬‬

‫‪55‬‬ ‫نصوحا من‬


‫ً‬ ‫‪ -7‬إذا علم املغتاب بذلك فليبادر بالتوبة إىل اهلل توبة‬
‫قبل أن يأيت يوم توىف فيه كل نفس ما كسبت وهم ال يظلمون‪.‬‬

‫((( نهج البالغة ‪.23 / 2 /‬‬


‫كفارة الغيبة والتوبة منها‬

‫كفارة الغيبة والتوبة منها‬


‫ملا كانت الغيبة من الذنوب الكبرية وجب عىل املبتىل هبا الندم عليها‬
‫فور ًا اذ انه قد عىص ربه‪ ،‬وبعد الندم القلبي يستغفر بلسانه‪ ،‬ويصمم‬
‫عىل ان ال يعود ملثل هذا الذنب‪ ،‬وحيث يظهر من بعض الروايات ان‬
‫الشخص املستغاب يكون صاحب حق عىل املغتاب فيجب ـ يف صورة‬
‫اإلمكان ـ طلب العفو منه وارض��اؤه وذك��ره بخري مقابل استغابته‪،‬‬
‫واألفضل يف صورة موت املستغاب او تعذر الوصول إليه او كان‬
‫طلب العفو منه مستلزم ًا ملحذور أوترتتب عليه مفسدة مثل ما اذا‬
‫‪57‬‬ ‫كان املستغاب غري عارف باستغابته فاذا عرف ذلك غضب واغتاظ‬
‫ويف ذلك نقض للغرض ففي مثل هذا احلال يستغفر له ويسأل اهلل ان‬
‫يرضيه‪ ،‬كام جاء عن اإلمام عيل بن احلسني‪ ‬يف الصحيفة السجادية‬
‫يف دعاء يوم االثنني حيث يقول‪« :‬وأسألك في حمل مظالم العباد عنا‬
‫فأيما عبد من عبيدك أو أمة من إمائك كانت له قبلي مظلمة ظلمتها إياه‬
‫في نفسه أو في عرضه أو في ماله أو في أهله وولده أو غيبة اغتبته بها أو‬
‫تحامل عليه بميل أو هوى أو أنفة أو حمية أو رياء أو عصبية‪ ،‬غائبا كان‬
‫أو شاهدا‪ ،‬حيا كان أو ميتا‪ ،‬فقصرت يدي وضاق وسعي عن ردها إليه‬
‫َ‬
‫فأسألك يا من يملك الحاجات وهى مستجيبة بمشيته‬ ‫والتحلل منه‪،‬‬
‫الغيبة‬
‫ومسرعة إلى إرادته أن تصلى على محمد وآل محمد‪ ،‬وأن ترضيه عنى‬
‫ِ‬
‫بماشئت‪ ،‬وتهب لى من عندك رحمة إنه ال تنقصك المغفرة وال تضرك‬
‫الموهبة يا أرحم الراحمين»(((‪.‬‬

‫قال الشهيد الثاين‪ :‬اعلم أن الواجب عىل املغتاب أن يندم و يتوب‬


‫و يتأسف عىل ما فعله ليخرج من حق اهلل تعاىل ثم يستحل املغتاب عنه‬
‫ليحله فيخرج عن مظلمته و ينبغي أن يستحله و هو حزين متأسف نادم‬
‫عىل فعله إذ املرائي قد يستحل ليظهر من نفسه الورع و يف الباطن ال‬
‫يكون نادما فيكون قد قارف معصية أخرى و قد ورد يف كفارهتا حديثان‬
‫أحدمها قوله‪« :‬كفارة من استغبته أن تستغفر له»‪.‬‬

‫و الثاين قوله‪« ‬من كانت ألخيه عنده مظلمة في عرض أو مال‬


‫‪58‬‬
‫فليستحللها منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار و ال درهم يؤخذ‬
‫من حسناته فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فيزيد على‬
‫سيئاته» ويمكن أن يكون طريق اجلمع محل االستغفار له عىل من مل‬
‫يبلغ غيبته املغتاب فينبغي االقتصار عىل الدعاء له و االستغفار ألن يف‬
‫حمالته إثارة للفتنة و جلبا للضغائن و يف حكم من مل يبلغه من مل يقدر‬
‫عىل الوصول إليه بموت أو غيبة و محل املحالة عىل من يمكن التوصل‬
‫إليه مع بلوغه الغيبة و يستحب للمستعذر إليه قبول العذر و املحالة‬

‫((( البحار ‪.177 / 87 /‬‬


‫كفارة الغيبة والتوبة منها‬
‫﴿خ ِذ ا ْلع ْفو و ْأمر بِا ْلعر ِ‬
‫ف َو َأ ْع ِر ْض َع ِن‬ ‫استحبابا مؤكد ًا قال اهلل تعاىل ُ‬
‫َ َ َ ُْ ُْ‬
‫ِِ‬
‫ين﴾ فقال رسول اهلل «يا جبرئيل ما هذا العفو قال إن الله يأمرك‬ ‫ا ْل َجاهل َ‬
‫عمن ظلمك و تصل من قطعك و تعطي من حرمك» و يف خرب‬
‫أن تعفو ّ‬
‫آخر إذا جيء باألمم بني يدي اهلل تعاىل يوم القيامة نودوا ليقم من كان‬
‫أجره عىل اهلل فال يقوم إال من عفى يف الدنيا (((‪.‬‬

‫وهذا الرسول األعظم يعطينا درس ًا عملي ًا حيث يروى أنه خرج‬
‫أثناء علته يطالب الناس بالقصاص من نفسه؟ وأنه قام رجل يطالبه‬
‫القصاص بالسوط لرضبه كام رضبه‪ .‬رغم الضعف الذي أحل بجسد‬
‫الرشيف؟‬

‫قالوا خرج رسول اهلل‪ ‬والضعف قد أخذ منه كل مأخذ وهو‬


‫‪59‬‬
‫علي بالناس»‪،‬‬
‫«هلم ّ‬
‫مستند عىل كتف أمري املؤمنني‪ ‬ونادى يا بالل !‪ّ ..‬‬
‫متعصب ًا بعاممته متوكّي ًا عىل قوسه‬
‫ّ‬ ‫فاجتمع الناس فخرج رسول اهلل‪‬‬
‫حتى صعد املنرب‪ ،‬فحمد اهلل وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪« :‬معاشرأصحابي أي‬
‫نبي كنت لكم؟ ألم اجاهد بين أظهركم؟ ألم تكسر رباعيتي؟ ألم‬
‫يعفر جبيني؟ ألم تسل الدماء على حر وجهي حتى كنفت لحيتي؟‬
‫ألم اكابد الشدة والجهد مع جهال قومي؟ ألم أربط حجر المجاعة‬
‫على بطني»؟ قالوا‪ :‬بىل يا رسول اهلل‪ ،‬لقد كنت هلل صابرا‪ ،‬وعن منكر‬

‫((( كشف الريبة‪.45/1/‬‬


‫الغيبة‬
‫بالء ناهيا‪ ،‬فجزاك اهلل عنا أفضل اجلزاء قال‪« :‬وأنتم فجزاكم الله»‪ ،‬ثم‬
‫قال‪« :‬إن ربي عزوجل حكم وأقسم أن ال يجوزه ظلم ظالم فناشدتكم‬
‫بالله أي رجل منكم كانت له قبل محمد مظلمة إال قام فليقتص منه‪،‬‬
‫فالقصاص في دار الدنيا أحب إلي من القصاص في دار اآلخرة على‬
‫رؤوس المالئكة واالنبياء»‪ ،‬فقام إليه رجل من أقىص القوم يقال له‪:‬‬
‫سوادة بن قيس فقال له‪ :‬فداك أيب وامي يا رسول اهلل إنك ملا أقبلت‬
‫من الطائف استقبلتك وأنت عىل ناقتك العضباء‪ ،‬وبيدك القضيب‬
‫املمشوق‪ ،‬فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني‪ ،‬فال‬
‫أدري عمدا أو خطأ‪ ،‬فقال‪« :‬معاذ الله أن أكون تعمدت» ثم قال‪« :‬يا‬
‫بالل قم إلى منزل فاطمة فائتني بالقضيب الممشوق»‪ ،‬فخرج بالل‬
‫وهو ينادي يف سكك املدينة‪ :‬معارش الناس من ذا الذي يعطي القصاص‬ ‫‪60‬‬
‫من نفسه قبل يوم القيامة فهذا حممد يعطي القصاص من نفسه قبل يوم‬
‫القيامة وطرق بالل الباب عىل فاطمة‪ ‬وهو يقول‪ :‬يا فاطمة قومي‬
‫! فوالدك يريد القضيب املمشوق‪ ،‬فأقبلت فاطمة‪ ‬وهي تقول‪:‬‬
‫«يا بالل وما يصنع والدي بالقضيب‪ ،‬وليس هذا يوم القضيب»؟ فقال‬
‫بالل‪ :‬يا فاطمة أما علمت أن والدك قد صعد املنرب وهو يودع أهل‬
‫الدين والدنيا‪ ،‬فصاحت فاطمة‪ ‬وقالت‪« :‬واغماه لغمك يا أبتاه‪،‬‬
‫من للفقراء والمساكين وابن السبيل يا حبيب الله‪ ،‬وحبيب القلوب»؟‬
‫ثم ناولت بالال القضيب‪ ،‬فخرج حتى ناوله رسول اهلل‪ ‬فقال رسول‬
‫كفارة الغيبة والتوبة منها‬
‫اهلل ‪« :‬أين الشيخ»؟ فقال الشيخ‪ :‬ها أنا ذا يا رسول اهلل بأيب أنت‬
‫وامي فقال‪« :‬تعال فاقتص مني حتى ترضى»‪ ،‬فقال الشيخ‪ ،‬فاكشف يل‬
‫عن بطنك يا رسول اهلل‪ ،‬فكشف‪ ‬عن بطنه‪ ،‬فقال الشيخ‪ :‬بأيب أنت‬
‫وامي يا رسول اهلل‪ ،‬أتأذن يل أن أضع فمي عىل بطنك؟ فأذن له‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول اهلل من النار يوم النار‪ ،‬فقال‬
‫رسول اهلل‪« :‬يا سوادة بن قيس أتعفو أم تقتص»؟ فقال‪ :‬بل أعفو يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬فقال‪« :‬اللهم اعف عن سوادة ابن قيس‪ ،‬كما عفى عن‬
‫نبيك محمد»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪61‬‬

‫((( ‪33‬البحار ‪.509 / 22 /‬‬


‫البهتان‬

‫البهتان‬
‫وإذا عرفنا خطر الغيبة البد من التعريج عىل ما هو أخطر منها وهو‬
‫البهتان‪ ،‬فمن مجلة الذنوب الكبرية التي ثبتت بطريق األولوية القطعية‬
‫هو (البهتان) وهو نسبة العيب اىل شخص ليس فيه ذلك العيب‪ ،‬وذلك‬
‫ألن الغيبة ـ التي هي ذكر اآلخر بعيب موجود فيه ـ من الذنوب الكبائر‬
‫فالبهتان بطريق أوىل وبحكم العقل القطعي كبرية أيض ًا‪ ،‬بل البهتان‬
‫يشتمل عىل كبريتني الغيبة والكذب‪ .‬وحيث أن البهتان مورد ابتالء‬
‫عموم الناس‪ ،‬ومفاسده كثرية‪ ،‬وقد هني عنه يف القرآن املجيد والروايات‬
‫‪63‬‬ ‫بشدة‪ ،‬وجاء الوعد عليه بعقوبات شديدة (((‪.‬‬

‫أقول‪:‬أن الناس بدأت تستصغر هذا الذنب مع أنه ذنب عظيم ال‬
‫جيب أن نستخف فيه ملا له من آثار دنيوية وأخروية سيئة عىل شخصية‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫نعم البهتان هو أن تتهم أخوك املؤمن بام ليس فيه‪ ،‬وتتجنى عليه‬
‫بأعامل مل يقم هبا وجرمه أكرب من الغيبة وإثمه أشد‪..‬‬

‫والبد من إىل اإلشارة بعض اآليات والروايات وهي‪:‬‬

‫((( الذنوب الكبرية ‪.369 / 2 /‬‬


‫الغيبة‬
‫ك ُع ْص َب ٌة ِمنْك ُْم‬ ‫قال تعاىل يف سورة النور‪﴿:‬إِ َّن ا َّل ِذين جاؤُ بِالإْ ِ ْف ِ‬
‫َ‬
‫ب ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ت َْح َس ُبو ُه َش ًّرا َلك ُْم َب ْل ُه َو َخ ْي ٌر َلك ُْم لك ُِّل ْام ِر ٍئ من ُْه ْم َما ا ْكت ََس َ‬
‫يم‪َ ‬ل ْو ال إِ ْذ َس ِم ْعت ُُمو ُه‬ ‫ِ‬
‫ذاب َعظ ٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الإْ ِ ْث ِم َو ا َّلذي ت ََو َّلى ك ْب َر ُه من ُْه ْم َل ُه َع ٌ‬
‫ين‪‬‬ ‫ك ُمبِ ٌ‬ ‫نات بِ َأ ْن ُف ِس ِه ْم َخ ْير ًا َو قا ُلوا هذا إِ ْف ٌ‬ ‫ُون َو ا ْل ُم ْؤ ِم ُ‬ ‫َظ َّن ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ك ِعنْدَ ال َّل ِه‬ ‫داء َف ُأولئِ َ‬ ‫الشه ِ‬
‫داء َفإِ ْذ َل ْم َي ْأتُوا بِ ُّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َل ْو ال جاؤُ َع َل ْيه بِ َأ ْر َب َعة ُش َه َ‬
‫ون‪َ ‬و َل ْو ال َف ْض ُل ال َّل ِه َع َل ْيك ُْم َو َر ْح َم ُت ُه فِي الدُّ نْيا َو آْال ِخ َر ِة‬ ‫كاذ ُب َ‬ ‫هم ا ْل ِ‬
‫ُ ُ‬
‫ون‬‫يم‪ ‬إِ ْذ َت َل َّق ْو َن ُه بِ َأ ْل ِسنَتِك ُْم َو َت ُقو ُل َ‬ ‫ِ‬
‫ذاب َعظ ٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َل َم َّسك ُْم فيما َأ َف ْضت ُْم فيه َع ٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪َ ‬و‬ ‫بِ َأ ْفواهك ُْم ما َل ْي َس َلك ُْم بِه ع ْل ٌم َو ت َْح َس ُبو َن ُه َه ِّين ًا َو ُه َو عنْدَ ال َّله َعظ ٌ‬
‫تان‬‫َك هذا ُب ْه ٌ‬ ‫ُون َلنا َأ ْن َن َت َك َّل َم بِهذا ُس ْبحان َ‬ ‫َل ْو ال إِ ْذ َس ِم ْعت ُُمو ُه ُق ْلت ُْم ما َيك ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪َ ‬و ُي َب ِّي ُن الل ُه‬ ‫يم‪َ ‬يع ُظك ُُم الل ُه َأ ْن َت ُعو ُدوا لم ْثله َأ َبد ًا إِ ْن ُكنْت ُْم ُم ْؤمن َ‬ ‫َعظ ٌ‬
‫فاح َش ُة فِي‬ ‫ون َأ ْن ت َِشيع ا ْل ِ‬
‫َ‬ ‫ح ُّب َ‬ ‫يات و الله علِيم حكِيم‪ ‬إِ َّن ا َّل ِذين ي ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ َ ٌ َ ٌ‬
‫َلكُم آْال ِ‬
‫ُ‬ ‫‪64‬‬
‫يم فِي الدُّ نْيا َو آْال ِخ َر ِة َو الل ُه َي ْع َل ُم َو َأ ْنت ُْم ال‬ ‫ِ‬
‫ذاب َأل ٌ‬ ‫ين َآمنُوا َل ُه ْم َع ٌ‬
‫ِ‬
‫ا َّلذ َ‬
‫َت ْع َل ُم َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫وهذه اآليات اختلف فيها أصحاب التفسري قالت‪ :‬العامة أهنا‬


‫نزلت يف عائشة‪.‬‬

‫وقالت‪ :‬اخلاصة أهنا نزلت يف أم إبراهيم مارية القبطية (((‪.‬‬

‫وهذه احلادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات‪ ،‬وهي تتناول‬

‫((( تفسري الصايف ‪436 / 4 /‬‬


‫البهتان‬
‫البيت النبوي الطاهر‪ ،‬وتتعرض لعرض أكرم اخللق عىل اهلل‪.‬‬

‫حتى تدخل الوحي ليضع حد ًا لتلك املآساة الفظيعة‪ ،‬ويرسم‬


‫املنهج للمسلمني عرب العصور للموقف الواجب اختاذه عند حلول‬
‫الشائعات املغرضة‪.‬‬

‫بل إن االهتامات التي تنال من عرض اإلنسان وعفته الدينية‬


‫تستوجب عقاب ًا واحد ًا رشعي ًا عىل الذي يتهم … يقول تعاىل‪:‬‬
‫َات ُثم َلم ي ْأتُوا بِ َأربع ِة ُشهدَ اء َف ِ‬ ‫ون ا ْلمحصن ِ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم‬
‫اجلدُ ُ‬
‫ََْ َ َ ْ‬ ‫َّ ْ َ‬ ‫ين َي ْر ُم َ ُ ْ َ‬ ‫﴿وا َّلذ َ‬ ‫َ‬
‫ك هم ا ْل َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون﴾النور‪4-‬‬ ‫اس ُق َ‬ ‫ين َج ْلدَ ًة َو اَل َت ْق َب ُلوا َل ُه ْم َش َها َد ًة َأ َبدً ا َو ُأو َلئ َ ُ ُ‬
‫َث َمان َ‬

‫وإذا كان اإلسالم حيرم وبشدة ذكر مساوئ الناس التي يتصفون‬
‫‪65‬‬ ‫هبا بالفعل ويعترب ذل��ك غيبة حمرمة ويشبه ال��ق��رآن ذك��ر اإلنسان‬
‫تعاىل‪﴿:‬و اَل َي ْغت ْ‬
‫َب‬ ‫َ‬ ‫لعيوب اآلخرين بأنه بمثابة أكل للحومهم يقول‬
‫ب َأ َحدُ ك ُْم َأ ْن َي ْأك َُل َل ْح َم َأ ِخ ِيه َم ْيتًا َفك َِر ْهت ُُمو ُه﴾‬ ‫ِ‬
‫َب ْع ُضك ُْم َب ْع ًضا َأ ُيح ُّ‬
‫احلجرات‪12-‬‬

‫ويقول اإلمام الصادق‪«:‬الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله‬


‫عليه»(((‪.‬‬

‫هذا إذا كانت التهمة صحيحة وموجودة بالفعل يف الطرف اآلخر‬

‫((( احلدائق النظرة ‪.154/18/‬‬


‫الغيبة‬
‫فكيف إذا كانت هتمة باطلة وإشاعة كاذبة … ال شك أن عذاهبا وإثمها‬
‫أكرب عند اهلل أن مورد هذه اآليات وشأن نزوهلا هو خصوص البهتان‬
‫بالزنا إال أن فيها هتديد ًا شديد ًا لعموم البهتان كام سنرى‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َخطي َئ ًة َأ ْو إِ ْث ًما ُث َّم َي ْر ِم بِه َب ِريئًا َف َقد ْ‬
‫احت ََم َل‬ ‫تعاىل‪﴿:‬و َم ْن َيكْس ْ‬
‫َ‬ ‫قال‬
‫ُب ْهتَانًا َوإِ ْث ًما ُمبِينًا﴾‪(.‬سورة النساء‪ :‬اآلية‪)112‬‬
‫ف ما َليس َل َ ِ ِ‬
‫ك بِه ع ْل ٌم إِ َّن َّ‬
‫الس ْم َع َوا ْل َب َص َر‬ ‫تعاىل‪﴿:‬وال َت ْق ُ َ ْ َ‬
‫َ‬ ‫وقال‬
‫َان َعنْ ُه َم ْسئُوالً﴾ (اإلرساء‪.)36:‬‬
‫كك َ‬ ‫َوا ْل ُف َؤا َد ك ُُّل ُأ ْو َلئِ َ‬
‫ت ا ْلم ْؤ ِمن ِ‬ ‫َات ا ْلغَافِلاَ ِ‬ ‫ون ا ْلمحصن ِ‬ ‫ِ‬
‫َات‬ ‫ُ‬ ‫وقال تعاىل ﴿إِ َّن ا َّلذ َ‬
‫ين َي ْر ُم َ ُ ْ َ‬
‫يم‪َ ‬ي ْو َم ت َْش َهدُ َع َل ْي ِه ْم َأ ْل ِس َنت ُُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُلعنُوا في الدُّ ْن َيا َو آْالخ َرة َو َل ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫اب َعظ ٌ‬
‫َو َأ ْي ِد ِ‬
‫يه ْم َو َأ ْر ُج ُل ُه ْم بِ َما كَانُوا َي ْع َم ُل َ‬
‫ون﴾ (النور‪.)24-23:‬‬ ‫‪66‬‬

‫وقال الرسول‪« :‬من بهت مؤمن ًا أو مؤمنة‪ ،‬أو قال فيه ما ليس‬
‫فيه‪ ،‬أقامه ال ّله تعالى يوم القيامة على ٍّ‬
‫تل من نار‪ ،‬حتى يخرج مما قاله‬
‫فيه»(((‪.‬‬

‫وبهُ ت لفظ ًا أي دهش واحتار‪ ،‬وبمعنى عجز عن الرد‪ ..‬ويدل يف‬


‫اللغة عىل االفرتاء والكذب‪.‬‬

‫أما يف املصطلح القرآن الكريم‪ ،‬وعلم األخالق وعلم احلديث‪:‬‬

‫((( عيون أخبار الرضا‪.38/‬‬


‫البهتان‬
‫فمعناه رمي املؤمن بام مل يفعله‪..‬‬

‫وكلمة هبتان‪ :‬تنبع من الكذب واالف�تراء عىل إنسان‪ ،‬مما جيعل‬


‫املفرتى عليه مبهوت ًا مذهوالً من أمل التهمة الكاذبة‪.‬‬

‫ويف بعض مصادر اللغة البهتان هو الكذب املفرتى الذي يؤدي إىل‬
‫احلرية‪ ..‬ول ّبهت‪..‬‬

‫وقد وردت كلمة هبتان يف كتاب اهلل ‪ 6‬مرات يف اآلية ‪ 112‬من‬


‫اإلنسان ما ارتكب من خطيئة أو‬ ‫ُ‬ ‫سورة النساء ا لبهتان يف أن ينسب‬
‫ب َخطيئ ًة أو إثم ًا ُث ّم َي ْر ِم ِبه َبريئ ًا َف َقد‬ ‫ِ‬
‫﴿ومن َيكس ْ‬
‫شخص آخر‪َ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫إثم إىل‬
‫احت َ‬
‫َمل ُبهتان ًا وإثم ًا ُمبين ًا﴾‪.‬‬

‫‪67‬‬ ‫ؤذون المؤمنين‬


‫َ‬ ‫﴿والذين ُي‬
‫َ‬ ‫و ُيفهم يف اآلية ‪ 58‬من سورة األحزاب‪:‬‬
‫بغير ما اكتَسبوا ِ‬
‫فقد احت ََملوا ُبهتان ًا وإثم ًا ُمبين ًا﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والمؤمنات ِ‬
‫َ‬

‫وق��ال بعض مفسرّ ين ال أن جريمة اإلي��ذاء يف هذه اآلي��ة شبيه‬


‫بالبهتان‪ ،‬يف حني يرى آخ��رون أن اإلي��ذاء باللسان هو من مصادق‬
‫البهتان‪.‬‬

‫كر البهتان يف معرض الذم واللوم‪ ،‬منها‬ ‫ِ‬


‫ويف العديد من اآليات ذ َ‬
‫اآلية ‪ 156‬من سورة النساء‪ ،‬واآلية ‪ 16‬من سورة النور‪..‬‬

‫مريم‪ ‬بالفحشاء‪ ،‬وحول قض ّية‬


‫َ‬ ‫حول اهتام بني إرسائيل‬
‫الغيبة‬
‫اإلفك‪ ،‬باستخدام تعبري هبتان عظيم‪.‬‬

‫ويبدو أن املراد من البهتان يف اآلية ‪ 20‬من سورة النساء‪ :‬هو نسبة‬


‫الفحشاء إىل الزوجة من قبل الزوج أو نسبة الكذب‪ .‬والبهتان غالب ًا ما‬
‫ينطوي عىل الكذب‪.‬‬

‫ويف تفسري القرآن أن البهتان يف اآلية ‪ 12‬من سورة املمتحنة يعني‬


‫ال لقيط ًا أو ناشئ ًا من زنا‪.‬‬
‫أن تنسب املرأة إىل زوجها طف ً‬
‫ِ‬
‫﴿و ال َي ْأت َ‬
‫ين بِ ُب ْهت ٍَن‬ ‫قال السيد الطباطائي يف امليزان‪ :‬و قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫يه ّن َو َأ ْر ُجلِ ِه ّن﴾ و ذلك بأن حيملن من الزنا ثم يضعنه‬ ‫ين َأ ْي ِد ِ‬
‫َي ْف ِتري َن ُه َب َ‬
‫و ينسبنه إىل أزواجهن فإحلاقهن الولد كذلك بأزواجهن و نسبته إليهم‬
‫كذبا هبتان يفرتينه بني أيدهين و أرجلهن ألن الولد إذا وضعته أمه سقط‬ ‫‪68‬‬
‫بني يدهيا و رجليها‪ ،‬و ال يغني عن هذا الرشط رشط االجتناب عن الزنا‬
‫ألهنام متغايران و كل مستقل بالنهي و التحريم (((‪.‬‬
‫من وصايا رسول اهلل‪ ‬أليب ذر مقايسة بني البهتان ِ‬
‫والغيبة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫إذ ِ‬
‫الغيبة إظهار يشء من املؤمن كان خمفي ًا‪ ،‬ولك ّن البهتان نسب ُة يشء‬
‫إىل املؤمن عىل سبيل الكذب فعن اإلمام الصادق‪ ‬أنه قال‪« :‬من‬
‫بهت مؤمنا أو مؤمنة بما ليس فيه بعثه الله يوم القيامة في طينة خبال‬
‫حتى يخرج مما قال قلت و ما طينة خبال قال صديد يخرج من فروج‬
‫((( امليزان ‪.132 / 19 /‬‬
‫البهتان‬
‫المومسات»(((‪.‬‬

‫وعن اإلمام الباقر‪ ‬قال‪« :‬قال رسول اهلل‪ ‬سباب املؤمن‬


‫(((‬
‫فسوق و قتاله كفر و أكل حلمه معصية»‪.‬‬

‫وقد ظهر مما تقدم أن البهتان أن تقول يف أخيك املؤمن ما يكرهه‬


‫و مل يكن فيه‪ ،‬فان كان ذلك فيه فقد اغتبته وإن مل يكن فيه كان كذبا و‬
‫هبتان ًا‪ ،‬و إن كان بحضوره كان اشد أنواع الكذب‪.‬‬

‫و مع هذا نرى أن الناس يستهينون هبذا الذنب مع أنه ذنب عظيم‪.‬‬

‫بل جيب أن ال نستخف بِ ِه ملا له من آثار دنيوية وأخروية سيئة عىل‬


‫شخصية اإلنسان‪ ،‬وعىل أي تقدير‪ ،‬فهو اشد إثام من الغيبة و الكذب‬
‫‪69‬‬ ‫ب َخطِي َئ ًة َأ ْو إِ ْث ًما ُث َّم َي ْر ِم بِ ِه َب ِريئًا َف َق ِد‬ ‫ِ‬
‫وتعاىل‪﴿:‬و َم ْن َيكْس ْ‬
‫َ‬ ‫قال اهلل سبحانه‬
‫احت ََم َل ُب ْهتَانًا َوإِ ْث ًما ُمبِينًا﴾(النساء ‪)112 /‬‬
‫ْ‬

‫وعىل هذا نختم هذا البحث بعدة أمور‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ أن ترسع للتوبة مما بدر منك من غيبة لآلخرين فيام سبق‪،‬‬
‫وتستغفر اهلل كثري ًا‪ ،‬وتدعو ملن اغتبته‪ ،‬عسى أن يغفر اهلل لك‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ أن تأخذ العهد عىل نفسك أمام اهلل أن ال تغتاب بعد اليوم أحد ًا‪.‬‬

‫((( املحاسن ‪.101/‬‬


‫((( املحاسن ‪.70/‬‬
‫الغيبة‬
‫‪ 3‬ـ إذا اضطررت للحديث فيام يباح من الغيبة‪ ،‬حتدث بالشكل‬
‫املطلوب بدون زيادة حتى ال تقع يف الغيبة املحرمة‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ انصح اآلخرين دائ ًام عندما يريدون اخلوض يف غيبة أحد من‬
‫الناس ودعوهتم اىل االبتعاد عن ذلك‪ ،‬مبين ًا هلم خطر الغيبة وأثرها الس ّيئ‪.‬‬

‫‪5‬ـ جتنب اجللوس يف مكان فيه غيبة بل ُف ّر منها فرارك من األسد‪.‬‬

‫‪6‬ـ إذا بادرت يف استغابة أحد‪ ،‬فأرسع يف إيقاف القول ّيف وتذكر‬
‫ٌب إليه ‪.‬‬
‫أنك تنهش من حلمه فاستغفر اهلل وت ْ‬

‫من صمت عن الباطل نجا‪ ،‬فأمسك عليك لسانك فال تنطق إلاّ‬
‫بخري‪ ،‬وليسعك بيتك وابك عىل خطيئتك‪ ،‬فإن أكثر ما يدخل النار‬
‫األجوفان الفم والفرج‪ ،‬وما يكب الناس يف النار عىل منخارهم إال‬ ‫‪70‬‬

‫حصائد ألسنتهم‪ ،‬وال يستقيم إيامن العبد حتى يستقيم قلبه‪ ،‬وال يستقيم‬
‫قلبه حتى يستقيم لسانه‪ ،‬وابن آدم إذا أصبح أصبحت األعضاء كلها‬
‫تذكر اللسان تقول له (بلسان احلال) اتق اهلل فينا فإنك إذا استقمت‬
‫استقمنا وإن اعوججت اعوججنا‪ ،‬ومن كف لسانه سرت اهلل عورته‪،‬‬
‫ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خريا أو ليصمت‪ ،‬ورحم اهلل‬
‫عبد ًا تكلم فغنم أو سكت فسلم‪.‬‬

‫وإن الكالم من فضة فالسكوت من ذهب فهنيئ ًا ملن كف لسانه إال‬


‫البهتان‬
‫من خري‪ ،‬فإنك بذلك تغلب الشيطان‪ ،‬ومن كثر كالمه كثر سقطة‪ ،‬ومن‬
‫يب َعتِيدٌ ﴾‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫كثر سقطة كثرت ذنوبه ﴿ َما َي ْلف ُظ من َق ْو ٍل إِلاَّ َلدَ ْيه َرق ٌ‬

‫لسانك سبع إن أرسلته (يف الباطل) أكلك‪ ،‬والعاقل عارف بزمانه‬


‫حافظ للسانه مقبل عىل شأنه‪ ،‬ومن عد كالمه من عمله قل كالمه إال‬
‫فيام يعنيه‪ ،‬ومن حسن سالم املرء تركه ماال يعنيه‪ ،‬ومن مل يشغل نفسه‬
‫باخلري شغلها بالباطل‪ ،‬ونطق باآلفات من الكذب والغيبة والنميمة‬
‫واملراء واجلدال والفحش واخلوض يف الباطل واخلصومة والفضول‬
‫وإيذاء اخللق وهتك العورات‪.‬‬

‫جلرم‪ ،‬فمن احلذر أال تتكلم إال بخري‪،‬‬ ‫فاللسان صغري ِ‬


‫اجلرم عظيم ا ُ‬

‫‪71‬‬ ‫أتنكر أن عليك حافظني كرام ًا كاتبني عن اليمني وعن الشامل‬


‫قعيد ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد‪ ،‬لو تنرش صحيفة أحدنا التي‬
‫أمالها صدر النهار كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه وال دنياه‪.‬‬

‫قال تعاىل‪﴿:‬ال َخ ْي َر فِي كَثِ ٍير ِم ْن ن َْج َو ُاه ْم إِال َم ْن َأ َم َر بِ َصدَ َق ٍة َأ ْو‬
‫ات ال َّل ِه‬‫ك ابتِغَاء مر َض ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس َو َم ْن َي ْف َع ْل َذل َ ْ َ َ ْ‬ ‫وف َأ ْو إِ ْصالحٍ َب ْي َن الن ِ‬ ‫معر ٍ‬
‫َ ُْ‬
‫ِ‬ ‫َفسو َ ِ ِ‬
‫يما﴾ (النساء‪.)114 :‬‬ ‫ف ن ُْؤتيه َأ ْج ًرا َعظ ً‬ ‫َ ْ‬

‫فإن كان الكالم يف غري عامرة دينا‪ ،‬أو زيادة يف احلسنات ال خري فيه‪.‬‬

‫فمن البالء الكالم يف أح��وال النساء وجمالس اخلمر ومقامات‬


‫الغيبة‬
‫الفسق والتفكه بأعراض الناس إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط‬
‫اهلل ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب اهلل عليه هبا سخطه إىل يوم القيامة‪،‬‬
‫وإن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك هبا جلساءه ال يرى هبا بأس ًا هيوي‬
‫(((‬
‫هبا سبعني خريفا (سنة) يف النار‬
‫وض َم َع الخائضين﴾(املدثر‪.)45 :‬‬ ‫تعاىل‪﴿:‬و ُكنَّا َنخُ ُ‬
‫َ‬ ‫كام قال‬
‫يث َغ ْي ِر ِه‬
‫وضو ْا فِي ح ِد ٍ‬
‫َ‬ ‫ال َت ْق ُعدُ و ْا َم َع ُه ْم َحتَّى َيخُ ُ‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿:‬ف َ‬
‫إِ َّنك ُْم إِ ًذا ِّم ْث ُل ُه ْم﴾ (النساء‪.)140 :‬‬
‫ويدخل ومن أعظم آف��ات اللسان امل��راء واجل��دال واخلصومة‬
‫والتقعر يف الكالم‪ ،‬ومن مصائبنا ما يتورط فيه كثري من املتدينني‪،‬‬
‫وأنصاف املتعلمني حيث خوض فيام ال يعنيهم من مسائل العلم‬
‫والدين‪ ،‬وتنقلب يف الغالب املناقشات إىل مهارشات ومهاترات ومراء‬ ‫‪72‬‬
‫وجدال وانشقاق وخصام‪.‬‬
‫فاجلدال بالباطل طريق الضالل والبدعة‪ ،‬قال رسول اهلل‪ ‬قال‪:‬‬
‫«أنا زعيم ببيت في ربض الجنة»((( وبيت يف وسط اجلنة‪ ،‬وبيت يف أعىل‬
‫اجلنة‪ ،‬ملن ترك املراء وإن كان حمقا‪ ،‬وملن ترك الكذب وإن كان هازال‪،‬‬
‫(((‬
‫وملن حسن خلقه‪.‬‬

‫((( البحار ‪.257 / 69 /‬‬


‫(ر َب ِ‬
‫ض اجلنة هو بفتح الباء ما حوهلا خارج ًا عنها‬ ‫((( قال يف لسان العرب َ‬
‫ِ‬
‫تشبيه ًا باألَبنية التي تكون حول املدن وحتت القالع)‪.‬‬
‫((( البحار ‪.388 / 68 /‬‬
‫البهتان‬
‫ومن أسباب فساد وانحراف الشباب املتدين اجلدل‪ .‬وما ضل قوم‬
‫بعد أن هداهم اهلل إال أوتوا اجلدال‪ ،‬ومن جعل دينه عرضة للخصومات‬
‫أكثر التنقل‪ ،‬وإن املراء (االعرتاض عىل الغري) يقيس القلب ويورث‬
‫وجل‪﴿:‬و ُقو ُلو ْا لِلن ِ‬
‫َّاس ُح ْسن ًا﴾ (البقرة‪)83 :‬‬ ‫َ‬ ‫الضغائن وقال عز‬

‫قال رسول اهلل‪«:‬إن يف اجلنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها‪،‬‬


‫وباطنها من ظاهرها‪ ،‬يسكنها من أمتي من أطاب الكالم‪ ،‬وأطعم الطعام‪،‬‬
‫وأفشى السالم‪ ،‬وصىل بالليل والناس نيام»‪ ،‬فقال عيل‪«:‬يا رسول الله‬
‫ومن يطيق هذا من امتك»؟ فقال‪« :‬يا علي أو ما تدري ما إطابة الكالم؟‬
‫من قال إذا أصبح وأمسى‪ :‬سبحان الله‪ ،‬والحمد لله‪ ،‬وال إله إال الله‪،‬‬
‫والله أكبر عشر مرات وإطعام الطعام نفقة الرجل على عياله‪ ،‬وأما الصالة‬
‫‪73‬‬ ‫بالليل والناس نيام فمن صلى المغرب والعشاء اآلخرة وصالة الغداة في‬
‫(((‬
‫المسجد في جماعة فكأنما أحيى الليل كله»‬

‫قال رسول اهلل‪ ‬أليب ذر‪«:‬يا أبادر الكلمة الطيبة صدقة‪،‬‬


‫(((‬ ‫ّ‬
‫وكل خطوة تخطوها إلى الصالة صدقة»‪.‬‬

‫((( البحار ‪.369 / 66 /‬‬


‫((( مكارم األخالق ‪.438 /‬‬
‫اخلامتة‬

‫اخلامتة‬
‫كل املباحث ا َّلتي تتع َّلق بالغيبة بصورة‬
‫الكراس ّ‬ ‫ِ‬
‫لقد ُذك َر يف هذا َّ‬
‫املفصلة‬
‫ّ‬ ‫جمملة وميسرَّ ة تغني القارئ الكريم عن الرجوع إىل املصادر‬
‫واملطولة‪ ،‬واهلدف ِمن ذلك هو إيصال املعلومة الصحيحة بعبارة موجزة‬
‫َّ‬
‫و أسلوب سهل‪ ،‬نسأل اهلل تعاىل أن ينفع املؤمنني هبذا اجلهد القليل وال‬
‫رب العاملني‬ ‫ِ‬
‫حيرمنا من األجر والثواب إنَّه سميع جميب‪ ،‬و احلمد هلل ِّ‬
‫والصالة والسالم عىل س ِّيدنا ونبينا حممد وآل بيته الطيبني الطاهرين‪.‬‬

‫الشيخ عبد العباس اجليايش‬


‫‪75‬‬
‫فهر�س‬
‫‪3‬‬ ‫مقدمة ‬
‫‪5‬‬ ‫الغيبة ‬
‫‪9‬‬ ‫تعريف الغيبة ‬
‫‪17‬‬ ‫غيبة أهل الرياء ‬
‫‪19‬‬ ‫حرمة الغيبة ‬
‫‪21‬‬ ‫خطورة الغيبة ‬
‫‪31‬‬ ‫غيبة القلوب هي سوء الظن ‬
‫‪35‬‬ ‫السامع كاملغتاب ‬
‫‪39‬‬ ‫قصص عن الغيبة واستامعها ‬
‫‪43‬‬ ‫متى جتوز الغيبة؟ ‬
‫‪49‬‬ ‫عالج الغيبة ‬
‫‪57‬‬ ‫كفارة الغيبة والتوبة منها ‬
‫‪63‬‬ ‫البهتان ‬
‫‪75‬‬ ‫اخلامتة ‬

You might also like