You are on page 1of 48

‫�إعداد‬

‫ال�شيخ عبد العبا�س اجليا�شي‬

‫‪1‬‬
‫الكتاب‪ :‬سلسلة املناهل األخالقية للشباب‪/‬بر الوالدين‪.‬‬
‫الكاتب‪ :‬الشيخ عبد العباس اجليايش‪.‬‬
‫النارش‪:‬قسم الشؤون الفكرية والثقافية يف العتبة العباسية املقدسة‪ /‬شعبة‬
‫االعالم‪/‬وحدة الدراسات والنرشات‪.‬‬
‫التصميم واالخراج الطباعي‪ :‬عالء سعيد االسدي‪.‬‬
‫التدقيق اللغوي‪ :‬لؤي رزاق فرج اهلل‪.‬‬
‫رقم االيداع يف دار الكتب والوثائق‪ 577 :‬لعام ‪. .2012‬‬
‫املطبعة‪ :‬دار الضياء ‪ -‬النجف االرشف‪.07801000603‬‬

‫الطبعة‪ :‬األوىل‬

‫عدد النسخ‪2000:‬‬

‫صفر ‪-1433‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬

‫‪‬‬
‫مقدمة‬
‫َّ‬
‫إن رضورة البحث عن بر الوالدين يوجبها العقل و الرشع‪ ،‬فأ َّما‬
‫حتمل العناء ألجل‬
‫العقل فإنَّه يدفع اإلنسان لشكر َمن أحسن إليه و َّ‬
‫هتيئة لوازم احلياة له منذ نعومة أظفاره بل كان السبب يف وجوده‪،‬‬
‫ّ‬
‫فيستقل العقل بلزوم شكر الوالدين وبرهم‪ ،‬وأ َّما الرضورة الرشعية‬
‫فقد أوجب الرشع لزوم شكر الوالدين وبرهم حتى قرن القرآن الكريم‬
‫ان بِ َوالِدَ ْي ِه‬ ‫﴿و َو َّص ْينَا إْ ِ‬
‫الن َْس َ‬ ‫شكر اهلل تعاىل مع شكر الوالدين فقال‪َ :‬‬
‫‪3‬‬ ‫ك‬ ‫َح َم َل ْت ُه ُأ ُّم ُه َو ْهنًا َع َلى َو ْه ٍن َوفِ َصا ُل ُه فِي َع َام ْي ِن َأ ِن ْاشك ُْر لِي َولِ َوالِدَ ْي َ‬
‫إِ َل َّي ا ْل َم ِص ُير﴾[لقامن‪.]14 :‬‬
‫فمن ال�ضروري معرفة كيفية شكر الوالدين وبرهم والسعي‬
‫َّ‬
‫ف��إن ذل��ك ي���ؤ ِّدي إىل طاعة اهلل تعاىل واالب��ت��ع��اد عن‬ ‫إلس��ع��ادمه��ا‬
‫معصيته‪،‬شكر ًا لنِ َع ِمه ا َّلتي أنعمها عليه ومل جيعله يتي ًام‪،‬ويف ذلك السالمة‬
‫والنجاة ِمن نقمته وعذابه‪،‬والفوز برضاه‪،‬وثوابه‪.‬‬
‫وقد احتوى هذا الكراس عىل اآليات واألحاديث التي تبني فضل‬
‫الوالدين ولزوم برمها وعقوبة عقوقهام‪ ،‬ويعدُّ هذا الكراس جزء ِمن‬
‫هتتم بالشؤون العقائدية لتوعية وتثقيف الشباب املؤمن‬
‫سلسلة أجزاء ُّ‬
‫بر الوالدين‬
‫بأسلوب عرصي سهل ٍ‬
‫خال من التعقيد‪.‬‬
‫نسأل اهلل تعاىل أن يتق َّبل منَّا هذا اجلهد البسيط‪،‬وينفع املؤمنني به‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫طاعة الوالدين من طاعة اهلل‬

‫طاعة الوالدين من طاعة اهلل‬


‫�ك َأ اَّل َت ْع ُبدُ وا إِ اَّل إِ َّي��ا ُه‬ ‫املجيد‪﴿:‬و َق َضى َر ُّب� َ‬
‫َ‬ ‫قال تعاىل يف كتابه‬
‫َوبِا ْل َوالِدَ ْي ِن إِ ْح َسان ًا إِ َّما َي ْب ُلغ ََّن ِعنْدَ َك ا ْلكِ َب َر َأ َحدُ ُه َما َأ ْو كِ اَل ُه َما َف اَل َت ُق ْل‬
‫ف و اَل َتنْهرهما و ُق ْل َلهما َقوالً ك َِريم ًا‪ ‬و ْ ِ‬
‫الذ ِّل‬
‫َاح ُّ‬ ‫اخف ْض َل ُه َما َجن َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫َْ ُ َ َ‬ ‫َل ُه َما ُأ ٍّ َ‬
‫الر ْح َم ِة َو ُق ْل َر ِّب ْار َح ْم ُه َما ك ََما َر َّب َيانِي َص ِغير ًا﴾ [اإلرساء‪-23 :‬‬ ‫م َن َّ‬
‫ِ‬

‫‪.]24‬‬
‫اك لِت ُْش ِر َك‬
‫اهدَ َ‬ ‫النْس َ ِ ِ‬
‫ان بِ َوالدَ ْيه ُح ْسنًا َوإِ ْن َج َ‬ ‫تعاىل‪﴿:‬و َو َّص ْينَا إْ ِ َ‬
‫َ‬ ‫وقال‬
‫ك بِ ِه ِع ْل ٌم َف اَل تُطِ ْع ُه َما إِ َل َّي َم ْر ِج ُعك ُْم َف ُأ َن ِّب ُئك ُْم بِ َما ُكنْت ُْم‬
‫بِي َما َل ْي َس َل َ‬
‫‪5‬‬ ‫ون﴾ [العنكبوت ‪.]8‬‬ ‫َت ْع َم ُل َ‬
‫ان بِ َوالِدَ ْي ِه إِ ْح َسانًا َح َم َل ْت ُه ُأ ُّم ُه ك ُْر ًها‬
‫الن َْس َ‬ ‫تعاىل‪﴿:‬و َو َّص ْينَا إْ ِ‬
‫َ‬ ‫وقال‬
‫ون َش ْه ًرا َحتَّى إِ َذا َب َلغَ َأ ُشدَّ ُه َو َب َلغَ‬ ‫َو َو َض َع ْت ُه ك ُْر ًها َو َح ْم ُل ُه َوفِ َصا ُل ُه َث اَل ُث َ‬
‫َك ا َّلتِي َأ ْن َع ْم َ‬
‫ت َع َل َّي َو َع َلى‬ ‫ين َسنَ ًة َق َال َر ِّب َأ ْو ِز ْعنِي َأ ْن َأ ْشك َُر نِ ْع َمت َ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْر َبع َ‬
‫ي َو َأ ْن َأ ْع َم َل َصالِ ًحا ت َْر َضا ُه َو َأ ْصلِ ْح لِي فِي ُذ ِّر َّيتِي إِنِّي ُت ْب ُ‬
‫ت إِ َل ْي َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬
‫َوالدَ َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َوإِنِّي م َن ا ْل ُم ْسلم َ‬
‫ين﴾[األحقاف‪]15‬‬
‫لقد جعل اهلل عقوبة العاق عظيمة شديدة‪ ،‬وقد قرن اهلل حقه‬
‫بحقهام‪ ،‬وجعل من لوازم العبودية بر الوالدين وصلة األرحام‪.‬‬
‫بر الوالدين‬
‫ك َأالَّ َت ْع ُبدُ وا إِالَّ إِ َّيا ُه َوبِا ْل َوالِدَ ْي ِن إِ ْح َسان ًا﴾‬
‫﴿و َق َضى َر ُّب َ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫[اإلرساء‪]23:‬‬
‫قضاؤه وأمره أال يعبد إال هو ومع عبادته ال بد من بر الوالدين‬
‫وصلة األرحام واإلحسان إليهم‪ ،‬وأوىص اهلل وصية خاصة بالوالدين‬
‫ان بِ َوالِدَ ْي ِه َح َم َل ْت ُه ُأ ُّم ُه َو ْهن ًا َع َلى َو ْه ٍن﴾‬
‫نس َ‬ ‫﴿و َو َّص ْينَا ا ِ‬
‫إل َ‬ ‫فقال‪َ :‬‬
‫[لقامن‪.]14:‬‬
‫﴿و ْهن ًا َع َلى َو ْه ٍن﴾ أي ضعف ًا عىل ضعف‪ ،‬ومشقة عىل مشقة‪ ،‬يف‬ ‫َ‬
‫﴿وفِ َصا ُل ُه‬
‫احلمل وعند الوالدة‪ ،‬ويف حضانته يف حجرها‪ ،‬ثم إرضاعه َ‬
‫ك إِ َل َّي ا ْل َم ِص ُير﴾ [لقامن‪ .]14:‬نعم‬
‫فِي َع َام ْي ِن َأ ْن ْاشك ُْر لِي َولِ َوالِدَ ْي َ‬
‫للوالدَ ين منزل ٌة عظيمة عند اهلل ‪ ،‬حيث قرن طاعته وعبادته وشكره‬
‫ورضاه بذكرمها‪ ،‬وأوىص األوالد هبام خري ًا‪ ،‬وجعل هلام حقوق ًا واجبة يف‬ ‫‪6‬‬

‫رقاب األوالد‪ّ ،‬‬


‫وحذرهم من عقوقهام‪ ،‬والذي عُدّ يف الروايات الرشيفة‬
‫ّ‬
‫العاق قد جعله اهلل (سبحانه‬ ‫من الكبائر املوجبة لدخول النار‪ّ ،‬‬
‫وأن‬
‫وتعاىل) يف كتابه املجيد ج ّبار ًا شق ّي ًا‪ ،‬كام قال تعاىل عن لسان نبي اهلل‬
‫﴿و َب ّر ًا بِ َوالِدَ تِي َو َل ْم َي ْج َع ْلنِي َج َّبار ًا َش ِق ّي ًا﴾ وهلذا ينبغي لكل‬
‫عيسى‪َ ،‬‬
‫مؤمن أن يكون شديد االهتامم يف تكريمهام وتعظيمهام واحرتامهام‪،‬‬
‫وال يقرص يف خدمتهام‪ ،‬و حيسن صحبتهام‪ ،‬و إال يرتكهام حتى يسأاله‬
‫شيئ ًا مما حيتاجان إليه بل يبادر إىل قضاء حاجاهتام وامتثال أوامرمها قبل‬
‫السؤال‪ ،‬كام ورد يف األخبار‪ ،‬وإن أضجراه فال يقل هلام أف‪ ،‬وإن رضباه‬
‫طاعة الوالدين من طاعة اهلل‬
‫فال يعبس يف وجههام‪ ،‬ويقول‪ :‬غفر اهلل لكام‪ ،‬وال يمأل عينيه من النظر‬
‫إليهام إال برمحة ورقة ورأفة‪ ،‬وال يرفع صوته فوق صوهتام‪ ،‬وال يده فوق‬
‫أيدهيام‪ ،‬وال يتقدم قدامهام‪ ،‬وإذا جلس عندمها يكثر النظر إليهام وذلك‬
‫ألن النظر يف وجه الوالدين عبادة‪ ،‬وكلام بالغ يف التذلل ولتخضع كان‬
‫أجره أزيد وثوابه أعظم عند اهلل‪.‬‬
‫وعىل هذا األس��اس يكون‪ :‬برمها واجب ًا وطلب رضامها غاية‪،‬‬
‫فليس للولد أن يرتكب شيئ ًا من املباحات واملستحبات إال بإذهنام‪ ،‬بل‬
‫البد أن يستأذن منهام قبل الرشوع يف العمل‪.‬‬
‫وللعقوق مساوئ خطرية‪ ،‬وآثار سيئة تنذر العاق وتتوعده بالشقاء‬
‫الدنيوي واألخروي‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫العاق يع ّقه ابنه‪ ...‬جزا ًء وفاق ًا عىل عقوقه ألبيه‪ .‬وقد‬
‫فمن آثاره أن ّ‬
‫شهد الناس صور ًا وأدوار ًا من هذه املكافأة عىل مرسح احلياة‪ ،‬وعىل هذا‬
‫جيب عىل كل ولد أن ال يقرص يف بذل كل جهوده من أجل بر والديه‬
‫وإرضائهام‪ّ ،‬‬
‫فكل منا ال بد يف یوم من األيام أن یکون والد ويكون له‬
‫أوالد یعاملونه بنفس املعاملة التي كان یعامل هبا والدیه‪ ،‬وهذا أمر‬
‫وجداين يلمسه الكثري من الناس‪.‬‬
‫ومن حق الوالدين علينا أن نعلم وال ننسى بأهنام أصل وجودنا‪،‬‬
‫فلوالمها مل نكن يف الوجود يف هذه الدنيا وهي بحد ذاهتا نعمة كبرية‬
‫تستحق احلمد والشكر هلل تعاىل‪ ،‬وقد روي عن إمامنا عيل بن احلسني‬
‫بر الوالدين‬
‫زين العابدين‪ ‬أنه قال‪« :‬وأما حق أبيك‪ ،‬فتعلم أنه أصلك وأنك‬
‫فرعه‪ ،‬وأنك لواله لم تكن‪ ،‬فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك‪ ،‬فاعلم‬
‫أن أباك أصل النعمة عليك فيه‪ ،‬واحمد الله واشكره على قدر ذلك‬
‫[وال قوة إال بالله]»(((‪.‬‬
‫عن اإلمام جعفر بن حممد الصادق‪ ‬قال‪« :‬إن يوسف‪ ‬لما‬
‫قدم عليه الشيخ يعقوب‪ ‬دخله عز الملك فلم ينزل إليه‪ ،‬فهبط عليه‬
‫جبرئيل فقال‪ :‬يا يوسف ابسط راحتك فخرج منها نور ساطع‪ ،‬فصار‬
‫في جو السماء‪ ،‬فقال يوسف‪ :‬ما هذا النور الذي خرج من راحتي ؟‬
‫فقال‪ :‬نزعت النبوة عن عقبك‪ ،‬عقوبة لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب‪،‬‬
‫(((‬
‫فال يكون من عقبك نبي»‪.‬‬
‫وعن البزنطي قال‪ :‬سمعت الرضا‪ ‬يقول‪« :‬إن رجال من بني‬
‫‪8‬‬
‫إسرائيل قتل قرابة له ثم أخذه و طرحه على طريق أفضل سبط من‬
‫أسباط بني إسرائيل ثم جاء يطلب بدمه فقالوا لموسى إن سبط آل فالن‬
‫قتلوا فالنا فأخبر من قتله قال‪ :‬ائتوني ببقرة قالوا‪ :‬أ تتخذنا هزوا؟ قال‪:‬‬
‫أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين و لو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم‬
‫و لكن شددوا فشدد الله عليهم‪ ،‬قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي؟‬
‫قال إنه يقول إنها بقرة ال فارض و ال بكر يعني ال صغيرة و ال كبيرة‬

‫((( رسالة احلقوق لإلمام زين العابدين ‪.14/‬‬


‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس‪ /‬ج‪ / 70‬ص‪.223‬‬
‫طاعة الوالدين من طاعة اهلل‬
‫عوان بين ذلك و لو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم و لكن شددوا فشدد‬
‫الله عليهم قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ‪ -‬قال إنه يقول إنها بقرة‬
‫صفراء ‪ -‬فاقع لونها تسر الناظرين و لو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم‬
‫و لكن شددوا فشدد الله عليهم قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي أن‬
‫البقر تشابه علينا ‪ -‬و إنا إن شاء الله لمهتدون‪ .‬قال‪ :‬إنه يقول إنها بقرة‬
‫ال ذلول تثير األرض ‪ -‬و ال تسقي الحرث مسلمة ال شية فيها‪ .‬قالوا‬
‫اآلن جئت بالحق فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل فقال‬
‫ال أبيعها إال بملء مسك ذهبا‪ ،‬فجاءوا إلى موسى و قالوا له ذلك قال‬
‫اشتروها فاشتروها و جاءوا بها فأمر بذبحها ثم أمر أن يضربوا الميت‬
‫بذنبها فلما فعلوا ذلك حيي المقتول و قال يا رسول الله إن ابن عمي‬
‫قتلني‪ ،‬دون من أدعي عليه قتلي‪ ،‬فعلموا بذلك قاتله فقال لرسول الله‬
‫‪9‬‬
‫موسى بعض أصحابه إن هذه البقرة لها نبأ فقال و ما هو؟ قال إن فتى‬
‫من بني إسرائيل كان بارا بأبيه و أنه اشترى بيعا فجاء إلى أبيه و األقاليد‬
‫تحت رأسه فكره أن يوقظه فترك ذلك البيع فاستيقظ أبوه فأخبره فقال‬
‫أحسنت‪ ،‬هذه البقرة فهي لك عوضا مما فاتك فقال له رسول الله‬
‫موسى انظر إلى البر ما بلغ بأهله»(((‪.‬‬

‫((( امليزان ‪.205/ 1/‬‬


‫بر الوالدين‬

‫‪10‬‬
‫�إهتمام الإ�سالم بالأم‬

‫اهتمام الإ�سالم بالأم‬


‫لقد اهتم اإلس�لام العظيم باألم وأعطاها حق ًا أكرب؛ وذلك ملا‬
‫تقدمه من تضحيات أكثر‪ ،‬فاألم هي التي يقع عليها وحدها عبيء‬
‫احلمل والوضع واإلرضاع‪ ،‬وما يرافقهام من تضحيات وآالم‪ ،‬حيث‬
‫يبقى الطفل يف بطنها مدة تسعة أشهر يف مرحلة احلمل‪ّ ،‬‬
‫يتغذى يف بطنها‬
‫ويقر مطمئن ًا عىل حساب راحتها وصحتها‪.‬‬
‫من غذائها‪ّ ،‬‬
‫ثم تأيت مرحلة الوضع الذي ال يعرف مقدار األمل فيه إال األُم‪ ،‬حيث‬
‫تكون حياهتا أحيان ًا مهدَّ دة باخلطر‪ .‬ويويص هبا عىل وجه اخلصوص(((‪:‬‬
‫‪11‬‬
‫ان بِ َوالِدَ ْي ِه َح َم َل ْت ُه ُأ ُّم ُه َو ْهن ًا َع َلى َو ْه ٍن َوفِ َصا ُل ُه فِي‬
‫نس َ‬ ‫﴿و َو َّص ْينَا إْ ِ‬
‫ال َ‬ ‫َ‬
‫َع َام ْي ِن﴾ [لقامن‪.]14 :‬‬
‫جاء بالتذكري بالوالدة بعد الوالدين؛ إذ هي أحق الناس بحسن‬
‫الصحبة ‪-‬كام قال‪ -‬وقد سئل‪ :‬من أحق الناس بحسن صحابتي يا‬
‫رسول اهلل؟ قال‪« :‬أمك»‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟ قال‪« :‬أمك»‪ ،‬قال ثم من؟ قال‪:‬‬
‫«أمك»‪ ،‬قال ثم من؟ قال‪« :‬أبوك»(((‪.‬‬

‫((( احلقوق االجتامعية يف اإلسالم‪.49 /‬‬


‫(((مستدرك الوسائل‪/‬ج‪ / 15‬ص‪.182‬‬
‫بر الوالدين‬
‫والوصايا بالوالدين تكررت كثري ًا يف كتاب اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ك َأ اَّل َت ْع ُبدُ وا إِ اَّل إِ َّيا ُه َوبِا ْل َوالِدَ ْي ِن إِ ْح َسانًا﴾ [اإلرساء‪،]23:‬‬
‫﴿و َق َضى َر ُّب َ‬
‫َ‬
‫﴿وا ْع ُبدُ وا الله َوال ت ُْش ِركُوا بِ ِه َش ْيئًا َوبِا ْل َوالِدَ ْي ِن إِ ْح َسانًا﴾‬
‫وقال تعاىل‪َ :‬‬
‫[النساء‪.]36:‬‬
‫وعن النبي‪ ‬أنه قال‪« :‬أفضل العمل الصالة على ميقاتها‪ ،‬ثم بر‬
‫الوالدين‪ ،‬ثم أن يسلم الناس من لسانك»(((‪.‬‬
‫وعن اإلمام جعفرالصادق‪ ‬ملا سئل عن أفضل األعامل قال‪:‬‬
‫«الصالة لوقتها‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬والجهاد في سبيل الله عز جل»(((‪.‬‬
‫َف ُقدّ م بر الوالدين عىل اجلهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬وكذا يف أبواب اجلرائم‪،‬‬
‫يف احلديث‪ :‬أي الذنب أعظم؟ قيل‪ :‬الرشك باهلل‪ ،‬قال‪ :‬ماذا؟ قال‪ :‬ثم‬
‫عقوق الوالدين‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫وقال رسول اهلل‪« :‬الجنة تحت أقدام األمهات» (((‪.‬‬


‫كن فيه‪ ،‬بني الله له بيتا في الجنة‪ :‬من آوى‬
‫وقال‪« :‬أربع من ّ‬
‫(((‬
‫اليتيم‪ ،‬ورحم الضعيف‪ ،‬وأشفق على والديه‪ ،‬ورفق بمملوكه»‬
‫وقال اإلمام زين العابدين عيل بن احلسني‪« :‬فحق أمك أن‬

‫((( ميزان احلكمة ‪.2127/ 3/‬‬


‫((( ميزان احلكمة ‪.2127/ 3/‬‬
‫((( ميزان احلكمة ‪.2675/ 4/‬‬
‫((( اخلصال ‪.224/‬‬
‫�إهتمام الإ�سالم بالأم‬
‫تعلم أنها حملتك حيث ال يحمل أحدٌ أحد ًا‪ ،‬وأطعمتك من ثمرة قلبها‬
‫ما ال يطعم أحد أحد ًا‪ ،‬وأنها َو َقت َ‬
‫ْك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها‬
‫وشعرها وبشرها وجميع جوارحها‪ ،‬مستبشرة بذلك فرحة موبلة‬
‫محتملة لما فيه مكروهها وألمه وثقله وغمه‪ ،‬حتى دفعتها عنك يد‬
‫القدرة وأخرجتك إلى األرض فرضيت أن تشبع وتجوع هي وتكسوك‬
‫وتعرى‪ ،‬وترويك وتظمأ‪ ،‬وتظلك وتضحى‪ ،‬وتنعمك ببؤسها وتلذذك‬
‫بالنوم بأرقها‪ ،‬وكان بطنها لك وعاء‪ ،‬وحجرها لك حواء‪ ،‬وثديها لك‬
‫سقاء‪ ،‬ونفسها لك وقاء‪ ،‬تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك‪ ،‬فتشكرها‬
‫على قدر ذلك‪ ،‬وال تقدر عليه إال بعون الله وتوفيقه»(((‪.‬‬
‫هبذه العبارات املضيئة والتعابري الدقيقة‪ ،‬يستثري اإلم��ام زين‬
‫‪13‬‬ ‫العابدين‪ ‬الضمري والرمحة يف قلب اإلنسان جتاه من (محلته كره ًا‬
‫ووضعته كره ًا)‪ ،‬وتذكره باملشاق العظيمة التي حتملتها األم يف سبيل‬
‫فلذة كبدها‪ ،‬لذلك قال الرسول األعظم‪« :‬حق الوالد أن تطيعه‬
‫ما عاش‪ ،‬وأما حق الوالدة فهيهات هيهات‪ ..‬لو أنه عدد رمل عالج‬
‫(((‬

‫وقطر المطر أيام الدنيا قام بين يديها ما عدل ذلك يوم حملته في‬

‫((( رشح رسالة احلقوق ‪.546/‬‬


‫((( جممع البحرين ‪ 230 / 3‬هي مجع عالج‪ ،‬وهو ما تراكم من الرمل ودخل‬
‫بعضه يف بعض‪ ،‬ونقل أن رمل عالج جبال متواصلة يتصل أعالها بالدهناء‪،‬‬
‫والدهناء بقرب الياممة وأسفلها بنجد‪ .‬ويف كالم البعض رمل عالج حميط‬
‫بأكثر أرض العرب‪.‬‬
‫بر الوالدين‬
‫بطنها»(((‪.‬‬
‫وكان من دعائه ألبويه‪:‬‬
‫ان ا ْلعس ِ‬ ‫ِ‬
‫وف‪َ ،‬و َأ َب ّر ُه َما بِ ّر‬ ‫الس ْل َط ِ َ ُ‬ ‫اج َع ْلني َأ َها ُب ُه َما َه ْي َب َة ّ‬
‫«اللهم ْ‬
‫ّ‬
‫ي َوبِ ّري بِ ِه َما َأ َق ّر لِ َع ْينِي ِم ْن َر ْقدَ ِة‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اج َع ْل َطا َعتي ل َوالدَ ّ‬
‫ِ‬
‫الر ُءوف‪َ ،‬و ْ‬ ‫الأْ ُ ّم ّ‬
‫ِ‬ ‫َان‪َ ،‬و َأ ْث َل َج لِ َصدْ ِري ِم ْن َش ْر َب ِة ال ّظ ْم ِ‬
‫ا ْل َو ْسن ِ‬
‫اي‬‫آن َحتّى ُأوث َر َع َلى َه َو َ‬
‫اه َما َو َأ ْس َتكْثِ َر بِ ّر ُه َما بِي َوإِ ْن َق ّل‪،‬‬ ‫اي ِر َض ُ‬ ‫َه َو ُاه َما‪َ ،‬و ُأ َقدّ َم َع َلى ِر َض َ‬
‫َو َأ ْست َِق ّل بِ ّري بِ ِه َما َوإِ ْن َك ُث َر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫�ن َل ُه َما‬ ‫�ب َل ُه َما ك اََلمي‪َ ،‬و َأل� ْ‬ ‫اللهم َخ ّف ْض َل ُه َما َص ْوتي‪َ ،‬و َأط� ْ‬ ‫ّ‬
‫ف َع َل ْي ِه َما َق ْلبِي‪َ ،‬و َص ّي ْرنِي بِ ِه َما َرفِيق ًا‪َ ،‬و َع َل ْي ِه َما َش ِفيق ًا‪.‬‬ ‫َع ِريكَتِي‪َ ،‬وا ْعطِ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اح َف ْظ َل ُه َما َما‬ ‫اللهم ْاشك ُْر َل ُه َما ت َْربِ َيتي‪َ ،‬و َأث ْب ُه َما َع َلى َتك ِْر َمتي‪َ ،‬و ْ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللهم َو َما َم ّس ُه َما منّي م ْن َأ ًذى‪َ ،‬أ ْو َخ َل َص إِ َل ْي ِه َما‬ ‫َح ِف َظا ُه ِمنّي في صغ َِري‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪14‬‬
‫ّ‬
‫اج َع ْل ُه ِح ّط ًة لِ ُذنُوبِ ِه َما‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وه‪َ ،‬أو َض ِ ِ‬
‫اع ق َبلي َل ُه َما م ْن َح ّق ٍ َف ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عنّي ِمن مكْر ٍ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫َات بِ َأ ْض َعافِ َها‬ ‫وع ُلو ًا فِي درجاتِ ِهما‪ ،‬و ِزياد ًة فِي حسنَاتِ ِهما‪ ،‬يا مبدّ َل السيئ ِ‬
‫ّ ّ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ُ ّ‬
‫ِمن ا ْلحسن ِ‬
‫َات»(((‪.‬‬ ‫َ َ َ‬
‫أقول من الذي يقرأ هذا القول وال يرتك يف نفسه أعمق اآلثار‪،‬‬
‫هياهبام هيبة السلطان العسوف مع خمالطته هلام ودن��وه منهام و علمه‬

‫((( عوايل الآليل ‪.270/ 1 /‬‬


‫((( الصحيفة السجادية الكاملة ‪.130 /‬‬
‫�إهتمام الإ�سالم بالأم‬
‫برأفتهام‪ ،‬أهنا هيبة التعظيم و التوقري الهيبة اخلوف من احلساب و‬
‫العقاب هيبة األبوة التي ال يقدرها إال العارفون‪.‬‬
‫ثم أقراء كلامت اإلمام‪ ‬وهو يدعوا إىل أبويه‪:‬‬
‫«اللهم َو َما َت َعدَّ َيا َع َل َّي فِ ِيه ِم ْن َق ْول‪َ ،‬أ ْو َأ ْس َر َفا َع َل َّى فِ ْي ِه ِم ْن فِ ْعل‪،‬‬
‫َّ‬
‫اجب َف َقدْ َو َه ْب ُت ُه َو ُجدْ ُت‬ ‫َأ ْو َض َّي َعا ُه لِي ِم ْن َح ٍّق َأ ْو َق َّصرا بِي َعنْ ُه ِم ْن َو ِ‬
‫ك فِي َو ْض ِع َتبِ َعتِ ِه َعن ُْه َما َفإنِّي ال َأت َِّه ُم ُه َما َع َلى‬ ‫ت إ َل ْي َ‬‫بِ ِه َع َل ْي ِه َما‪َ ،‬و َر ِغ ْب ُ‬
‫َن ْف ِسي‪َ ،‬والَ َأ ْس َت ْبطِئ ُُه َما فِي بِ ِّري‪َ ،‬وال أك َْر ُه َما ت ََو َّليا ُه ِم ْن َأ ْم ِري َيا َر ِّب َف ُه َما‬
‫َأوجب ح ّق ًا ع َلي‪ ،‬و َأ ْقدَ م إحسان ًا إ َلي و َأع َظم ِمنَّ ًة َلدَ ِ‬
‫ي م ْن َأ ْن أ َق َّ‬
‫اص ُه َما‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ ْ ُ‬ ‫ْ َ ُ َ َ َّ َ ُ ْ َ‬
‫ول ُشغْلِ ِه َما بِت َْربِ َيتِي؟‬‫إله ْي ُط ُ‬ ‫بِ َعدْ ل‪َ ،‬أ ْو أجازيهما َع َلى ِم ْثل‪َ ،‬أ ْي َن إذ ًا َيا ِ‬
‫َو َأ ْي َن ِشدَّ ُة َت َعبِ ِه َما فِي ِح َر َاستِ ْي؟ َو َأ ْي َن إ ْقت َُار ُه َما َع َلى َأ ْن ُف ِس ِه َما لِلت َّْو ِس َع ِة‬
‫‪15‬‬ ‫ب َع َل َّي َل ُه َما‬ ‫ج ُ‬ ‫ان ِمنِّي َح َّق ُه َما‪َ ،‬والَ أدرك َما َي ِ‬ ‫ات َما َي ْست َْوفِ َي ِ‬
‫َع َل َّي؟ َه ْي َه َ‬
‫َوال َأنَا بِ َقاض َوظِي َف َة ِخدْ َمتِ ِه َما‪َ .‬ف َص ِّل َع َلى ُم َح َّمد َوآلِ ِه َو َأ ِعنِّي َيا َخ ْي َر‬
‫ب إ َل ْي ِه‪َ ،‬والَ ت َْج َع ْلنِي فِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين بِه‪َ .‬و َو ِّف ْقني َيا َأ ْه��دَ ى َم ْن ُرغ َ‬
‫ِ‬
‫َم ِن ْاستُع َ‬
‫ت َو ُه ْم‬ ‫البآء واألمهات َي ْو َم ت ُْجزى ك ُُّل َن ْفس بِ َما ك ََس َب ْ‬ ‫وق لِ ِ‬ ‫َأ ْه ِل ا ْل ُع ُق ِ‬

‫ون»(((‪.‬‬‫الَ ُي ْظ َل ُم َ‬
‫عن أيب جعفر‪ ‬قال‪« :‬قال موسى ابن عمران‪ ‬يا رب أوصني‬
‫قال اوصيك بي فقال يا رب أوصني قال اوصيك بي ثالثا فقال يا رب‬
‫أوصني قال اوصيك بامك‪ :‬قال يا رب أوصني قال اوصيك بامك‪ ،‬قال‬
‫((( الصحيفة السجادية الكاملة ‪.131 /‬‬
‫بر الوالدين‬
‫أوصني قال اوصيك بأبيك‪ ،‬قال فكان يقال الجل ذلك أن لالم ثلثا البر‬
‫ولالب؟ الثلث»(((‪.‬‬
‫ألن األم بطبيعة احلال‪ ،‬تتحمل النصيب األوفر من العناية والرعاية‬
‫لولدها ملا جتود به من حنان وعطف بال حدود‪ ،‬فنتيجة لتلك التضحيات‬
‫الال متناهية كان لألم حقها العظيم عىل األبناء‪ ،‬وبخاصة إذا كانت طيبة‬
‫ومؤمنة‪ ،‬لتأثريها البالغ يف جنينها‪ ،‬فتجعل منه إنسان ًا سوي ًا ومستقي ًام‪،‬‬
‫﴿و َب ًّرا‬
‫وحتى أثناء الرضاع ترسي أخالق األم إليه‪ .‬قال تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫بِ َوالِدَ تِي َو َل ْم َي ْج َع ْلنِي َج َّب ًارا َش ِق ًّيا﴾ [مريم‪ ،]32 :‬ومهام قلنا ومهام نقدم‬
‫من توصيات يف حقوق األم‪ ،‬تتضاءل العبارات‪ ،‬وتعجز الكلامت أمام‬
‫الواجب جتاه صانعة األجيال عىل مر العصور‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪.67/ 71/‬‬


‫بر الوالدين حيني �أو ميتني‬

‫بر الوالدين حيني �أو ميتني‬


‫وليس الرب مقصور ًا عىل حياة الوالدين فحسب‪ ،‬بل هو رضوري‬
‫يف حياهتام وبعد وفاهتام‪ ،‬النقطاعهام عن الدنيا وشدة احتياجهام إىل الرب‬
‫واإلحسان‪.‬‬
‫فعن اإلمام الصادق‪ ‬قال‪« :‬ليس يتبع الرجل بعد موته من األجر‬
‫إال ثالث خصال‪ :‬صدقة أجراها في حياته وهي تجري بعد موته‪ُ ،‬وسنّة‬
‫هدى سنّها فهي يعمل بها بعد موته‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له»(((‪.‬‬
‫من أجل ذلك فقد حثت وصايا أهل البيت‪ ‬عىل ّبر الوالدين‬
‫بعد وفاهتام‪ ،‬وأكدت عليه وذلك بقضاء ديوهنام املالية أو العبادية‪،‬‬
‫‪17‬‬
‫وإسداء اخلريات واملربات إليهام‪ ،‬واالستغفار هلام‪ ،‬والرتحم عليهام‪،‬‬
‫واعتربت إمهال ذلك رضب ًا من العقوق‪.‬‬
‫وليس الرب مقترص ًا عىل العاق فحتى البار جيب عليه ذلك لكي‬
‫َّ‬
‫يظل بار ًا هبام‪ ،‬فعن اإلمام الصادق عن أبيه عن آبائه‪‬قال‪« :‬قال‬
‫رسول الله‪ :‬سيدُ األبرار يوم القيامة ٌ‬
‫رجل بر والديه بعد موتهما»(((‪.‬‬
‫وعن اإلم��ام الباقر‪ ‬ق��ال‪« :‬إن العبد ليكون برا بوالديه في‬
‫حياتهما ثم يموتان فال يقضي عنهما ديونهما وال يستغفر لهما فيكتبه‬

‫((( أخالق أهل البيت ‪/‬ص ‪.355‬‬


‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪.86 / 71 /‬‬
‫بر الوالدين‬
‫الله عاقا ‪ ،‬وإنه ليكون عاقا لهما في حياتهما غير بار بهما فإذا ماتا قضى‬
‫دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله‪‬بارا»(((‪.‬‬
‫وعليه فقد يستطيع اإلنسان أن يتدارك ما فرط اجتاه والديه‪ ،‬وهذا‬
‫من أكرب النعم عىل اإلنسان أن يريض والديه ويريض ربه وبيديه يتحول‬
‫بار‪ ،‬ومن مغضوب عليه إىل مريض عنه‪ ،‬ومن إنسان ال‬ ‫من ّ‬
‫عاق إىل ّ‬
‫يشم رائحة اجلنة إىل إنسان له بابني مفتوحان إىل اجلنة‪ ،‬كام جاء عن‬
‫النبي‪.‬‬
‫وعن اإلمام الصادق‪ ‬قال‪« :‬ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه‬
‫حيين أو ميتين يصلي عنهما‪ ،‬ويتصدق عنهما‪ ،‬ويحج عنهما‪ ،‬ويصوم‬
‫ببره وصلته‬
‫عنهما‪ ،‬فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده الله‪ّ ‬‬
‫خير ًا كثير ًا» (((‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫ومن أعامل الرب بالوالدين هذه الصالة التي هلا آثار عجيبة كام يف‬
‫الروايات الرشيفة‪ ،‬يصليها الولد لوالديه وهي ركعتان‪ :‬األوىل بفاحتة‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ي َول ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ين َي ْو َم َي ُقو ُم‬ ‫﴿ر َّبنَا اغْف ْر لي َول َوالدَ َّ‬
‫الكتاب‪ ،‬وعرش مرات َ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ي‬ ‫﴿ر ِّب اغْف ْر لي َول َوالدَ َّ‬ ‫اب﴾‪ ،‬ويف الثانية الفاحتة‪ ،‬وعرش مرات َ‬ ‫ا ْلح َس ُ‬
‫َات﴾‪ ،‬فإذا س ّلم يقول عرش‬ ‫ولِمن د َخ َل بيتِي م ْؤ ِمنًا ولِ ْلم ْؤ ِمنِين وا ْلم ْؤ ِمن ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫﴿ر ِّب ْار َح ْم ُه َما ك ََما َر َّب َيانِي َص ِغ ًيرا﴾ (((‪.‬‬
‫مرات‪َ :‬‬ ‫ّ‬

‫((( الكايف ‪.163/ 2 /‬‬


‫((( الكايف ‪.160/ 2 /‬‬
‫((( مكارم األخالق ‪.335/‬‬
‫من �آثار بر الوالدين‬

‫من �آثار بر الوالدين‬


‫لقد ذكرنا سابق ًا أن هناك توجيه ًا ِ‬
‫لإلنسان من القرآن الكريم‬
‫ورواي���ات املعصومني‪ ‬نحو الدعاء لوالدَ ْيه وذكرهم باخلري‬
‫الربانية هلام جزاء ملا قاما به‬ ‫سواء كانا ح ّيني أم أم ًيتني‪ ،‬وطلب الرمحة ّ‬
‫﴿و ُقل َّر ِّب ْار َح ْم ُه َما ك ََما َر َّب َيانِي َص ِغير ًا﴾‬ ‫ِ‬
‫من تربية‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ :‬‬
‫[اإلرساء‪.]24:‬‬
‫لإلنسان‪،‬‬‫وهنا مالحظة لطيفة يطوهيا التعبري القرآين يف خطابه ِ‬
‫حيث يقول‪ :‬إِذا أصبح والداك ُم ِسنَينّ وضعيفني وكهلني ال يستطيعان‬
‫‪19‬‬ ‫احلركة أو رفع اخلبائث عنهام‪ ،‬فال تنس أنّك عندما كُنت صغري ًا كُنت‬
‫عىل هذه الشاكلة أيض ًا‪ ،‬ولكن والديك مل يقرصا يف مداراتك والعناية‬
‫بك‪ ،‬لذا فال تقصرَّ أنت يف مداراهتم وحمبتهم‪.‬‬
‫ومن هنا فإن القرآن يعلمنا جانب ًا من التعامل األخالقي الدقيق‪،‬‬
‫واالحرتام الذي ينبغي أن يؤ ّديه األبناء للوالدين؛ حيث أشارت اآلية‬
‫إِىل فرتة الشيخوخة‪ ،‬وحاجة الوالدين يف هذه الفرتة إِىل املح ّبة واالحرتام‬
‫أكثر ِمن أي فرتة سابقة‪ ،‬إذ تقول اآلية‪﴿ :‬إِ َّما َي ْب ُلغ ََّن ِعنْدَ َك ا ْلكِ َب َر َأ َحدُ ُه َما‬
‫ف﴾‪.‬‬‫َأ ْو كِ اَل ُه َما َف اَل َت ُق ْل َل ُه َما ُأ ٍّ‬
‫ِ‬
‫ومن املمكن أن يصل الوالدان إِىل مرحلة يكونان فيها غري قادرين‬
‫بر الوالدين‬
‫عىل احلركة دون مساعدة اآلخرين‪ ،‬وقد ال يستطيعون بسبب الكهولة‬
‫رفع اخلبائث عنهم‪ ،‬وهنا يبدأ االختبار احلقيقي لألبناء‪ ،‬فهل يعتربون‬
‫وجود ِمثل هذين الوالدين دليل الرمحة؟ أم أنهّ م حيسبون ذلك بال ًء‬
‫ومصيب ًة وعذاب ًا؟ هل عندهم الصرب الكايف الحرتام مثل هؤالء اآلباء‬
‫واألمهات؟ أم أنهّ م يوجهون إليهام اإلهانات ويسيئون األدب هلم‬
‫ويتمنون موهتم؟!‬
‫ولذا فإن اهلل سبحانه قد وعد البار لوالديه بالتكريم والثواب يف‬
‫الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬وإن اإلنسان إذا بر والديه فإن أوالده سوف يربونه‬
‫تلقائي ًا دون أن يطلب منهم‪ ،‬فعن اإلمام الصادق‪ ‬قال‪«:‬بروا آبائكم‬
‫يبركم أبناؤكم‪ .‬وعفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم»(((‪.‬‬
‫وقد ورد يف روايات أهل بيت العصمة والطهارة‪ ‬آثار بر‬ ‫‪20‬‬
‫الوالدين يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬نورد بعض ًا منها‪:‬‬
‫‪ .1‬زيادة العمر‪ ،‬و�سعة الرزق‪ ،‬واملحبة‪:‬‬
‫عن الرسول األعظم‪ ‬أنه قال‪« :‬من يضمن لي بر الوالدين وصلة‬
‫الرحم‪ ،‬أضمن له كثرة المال‪ ،‬وزيادة العمر‪ ،‬والمحبة في العشيرة»(((‪.‬‬
‫وقال رسول اهلل‪« :‬من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في‬

‫((( حتف العقول ‪.360 /‬‬


‫((( مستدرك الوسائل ‪.176 / 15 /‬‬
‫من �آثار بر الوالدين‬
‫أجله فليصل رحمه»(((‪.‬‬
‫وعنه‪ ‬قال‪« :‬من صدق لسانه زكا عمله ‪ .‬ومن حسنت نيته زيد‬
‫في رزقه ومن حسن بره بأهله زيد في عمره»(((‪.‬‬
‫وعنه‪ ‬قال‪« :‬صلة الرحم وبر الوالدين يمد الله بهما في العمر‬
‫ويزيد في المعيشة»(((‪.‬‬
‫وعنه‪ ‬أن��ه ق��ال‪« :‬إن أحببت أن يزيد الله في عمرك فسر‬
‫أبويك»(((‪.‬‬
‫لميسر‪« :‬يا ميسر! قد حضر أجلك غير مرة وال مرتين‪،‬‬
‫وقال‪ّ ‬‬
‫كل ذلك يؤخر الله أجلك لصلتك قرابتك‪[ ،‬وإن كنت تريد أن يزاد في‬
‫عمرك فبر شيخيك‪ ،‬يعني أبويه]»‬
‫(((‬

‫‪21‬‬
‫وقال رسول اهلل‪«:‬ال يزيد في العمر إال البر‪ .‬وال يرد القضاء‬
‫إال البالء»(((‪.‬‬
‫ومن األمور التي تزيد يف الرزق زيارة احلسني‪.‬‬

‫((( مرآة العقول يف رشح أخبار آل الرسول‪ /‬ج ‪ /12‬ص‪.179 :‬‬


‫((( حتف العقول ‪.296/‬‬
‫((( مشكاة األنوار ‪.288 /‬‬
‫((( وسائل الشيعة ‪.372 / 18 /‬‬
‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪.84 / 71 /‬‬
‫((( مكارم األخالق ‪.389 /‬‬
‫بر الوالدين‬
‫قال اإلمام الباقر‪« :‬مروا شعيتنا بزيارة قبر الحسين‪ ،‬فان‬
‫اتيانه يزيد الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء واتيانه مفترض‬
‫على كل مؤمن يقر له باإلمامة من الله» (((‪.‬‬
‫‪ُ .2‬يكتب له ثواب حجة مربورة‪:‬‬
‫عن رسول اهلل‪ ‬قال‪« :‬ما من ولد بار ينظر إلى والديه نظر رحمة‬
‫إال كان له بكل نظرة حجة مبرورة»‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل وإن نظر كل‬
‫يوم مائة مرة؟ قال‪« :‬نعم الله أكبر وأطيب»(((‪.‬‬
‫‪ .3‬احلفظ وال�صون‪:‬‬
‫عن النبي األعظم‪ ‬أنه قال‪« :‬رأيت بالمنام رج ً‬
‫ال من أمتي قد‬
‫أتاه َم َلك الموت لقبض روحه‪ ،‬فجاءه بره بوالديه فمنعه منه»(((‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫وعنه‪«:‬إن لله ملكين يناجي أحدهما اآلخر ويقول‪ :‬اللهم‬
‫احفظ البارين بعصمتك‪ ،‬واآلخ��ر يقول‪ :‬اللهم أهلك العاقين‬
‫بغضبك»(((‪.‬‬

‫((( هتذيب األحكام ‪ /‬ج‪/6‬ص‪.42‬‬


‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪.80 / 71 /‬‬
‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪.80 / 71 /‬‬
‫((( مستدرك الوسائل ‪.139 / 15 /‬‬
‫من �آثار بر الوالدين‬
‫‪ .4‬تخفيف �سكرات املوت واحل�ساب‪:‬‬
‫َ‬
‫يخفف الل ُه عنه سكرات‬ ‫عن الصادق‪ ‬قال‪« :‬من أحب أن‬
‫الموت فليكن بقرابته َوصوالً‪ ،‬وبوالديه بار ًا‪ ،‬فإذا كان كذلك ّ‬
‫هون الله‬
‫فقر أبد ًا»(((‪.‬‬
‫عليه سكرات الموت ولم يصبه في حياته ٌ‬
‫وعن أيب جعفر الباقر‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬بر الوالدين‬
‫ين َي ِص ُل َ‬
‫ون‬ ‫ِ‬
‫﴿وا َّلذ َ‬
‫وصلة الرحم يهونان الحساب‪ ،‬ثم تال هذه اآلية َ‬
‫ون سوء ا ْل ِ‬ ‫ِ‬
‫اب﴾»‬ ‫ح َس ِ‬ ‫َما َأ َم َر الله بِه َأ ْن ُي َ‬
‫وص َل َو َيخْ َش ْو َن َر َّب ُه ْم َو َيخَ ا ُف َ ُ َ‬
‫[الرعد‪.((( ]21 :‬‬

‫‪23‬‬

‫((( مشكاة األنوار ‪.125 / 1 /‬‬


‫((( مشكاة األنوار ‪.128 / 1 /‬‬
24
‫عقوق الوالدين‬

‫عقوق الوالدين‬
‫بر الوالدين هو اإلحسان إليهام‪ ،‬وهو أفضل القربات إىل اهلل‪،‬‬
‫وقد جاءت بعض الروايات مبينة خطر العقوق‪ ،‬وأنه من الكبائر التي‬
‫توجب سخط اهلل‪ ‬وحترق األعامل‪ ..‬فقد روي عن رسول اهلل‪ ‬أنه‬
‫ُ‬
‫عقوق‬ ‫تؤخر إلى اآلخرة‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫«ثالث من الذنوب تعجل عقوبتها‪ ،‬وال َّ‬ ‫قال‪:‬‬
‫الوالدين‪ ،‬والبغي على الناس‪ ،‬وكفر اإلحسان» (((‪.‬‬
‫وجاء يف احلديث القديس‪« :‬إن أول ما كتب في اللوح المحفوظ‪:‬‬
‫إني أنا الله ال إله إال أنا‪ ،‬من رضي عنه والده فأنا منه راضي‪ ،‬ومن سخط‬
‫‪25‬‬ ‫عليه والداه فأنا عليه ساخط»‪.(((.‬‬
‫وعن الرسول األعظم‪ ‬قال‪« :‬يقال للعاق‪ :‬اعمل ما شئت فإني‬
‫ال أغفر لك‪ ،‬ويقال للبار‪ :‬اعمل ما شئت فإني سأغفر لك»(((‪.‬‬
‫وقال اإلمام الصادق‪« :‬عقوق الوالدين من الكبائر‪ ،‬ألن الله‬
‫تعالى جعل العاق عصي ًا شقي ًا»(((‪ .‬وهذه إشارة إىل قصة نبي اهلل عيسى‬

‫((( وسائل الشيعة ‪.285 / 16 /‬‬


‫((( جامع السعادات ‪.202 / 2 /‬‬
‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪.80 / 70 /‬‬
‫((( ميزان احلكمة ‪.3678/4/‬‬
‫بر الوالدين‬
‫﴿و َل ْم َي ْج َع ْلنِي‬
‫(عىل نبينا وآله وعليه السالم) من قوله تعاىل حكاية عنه َ‬
‫َج َّب ًارا َش ِق ًّيا﴾[مريم اآلية ‪.]23‬‬
‫وعن الرسول األكرم‪ ‬قال‪« :‬اثنتان يعجلهما الله في الدنيا‬
‫البغي وعقوق الوالدين»(((‪.‬‬
‫والعقوق بأي كيفية كانت حتى بكلمة أف غري مقبول‪ ،‬كام يف قوله‬
‫تعاىل‪َ ﴿ :‬ف اَل َت ُق ْل َل ُه َما ُأ ٍّ‬
‫ف َو اَل َتن َْه ْر ُه َما﴾‪ ،‬حيث قال اإلمام الصادق‪:‬‬
‫«لو علم الله شيئ ًا هو أدنى من أف لنهى عنه‪ ،‬وهو من أدنى العقوق‪.‬‬
‫ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما»(((‪.‬‬
‫وقال اإلمام الصادق‪« :‬من حزن والديه فقد عقهما»(((‪.‬‬
‫والبعض يظن أن العقوبة مقترصة يف كوهنام مظلومني بل حتى لو‬
‫كانا ظاملني له‪ ،‬فعن اإلمام الصادق‪ ‬قال‪« :‬من نظر إلى أبويه نظر‬ ‫‪26‬‬

‫ماقت وهما ظالمان له لم يقبل الله له صالة»‪.‬‬


‫وآثار العقوق ليست مقترصة عىل العاق بل تؤثر حتى يف الكون‬
‫فعن اإلم��ام الصادق‪ ‬ق��ال‪« :‬الذنوب التي تظلم الهواء عقوق‬
‫الوالدين»(((‪.‬‬

‫((( ميزان احلكمة ‪.3678/4/‬‬


‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪ /‬ج‪ / 71‬ص‪.64‬‬
‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪ /‬ج ‪ / 75‬ص‪.204‬‬
‫((( ميزان احلكمة ‪.3677/4/‬‬
‫عقوق الوالدين‬
‫لنتأمل هنا هذه القصة العجيبة لتكون لنا درس ًا وعربة‪ ،‬فعن اإلمام‬
‫الصادق‪ ‬أنه قال‪«:‬إن رسول الله‪ ‬حضر شاب ًا عند وفاته‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫قل (ال إله إال الله)‪ ،‬قال‪ :‬فاعتقل لسانه مرار ًا‪ ،‬فقال المرأة عند‬
‫رأسه‪ :‬هل لهذا أم؟‬
‫قالت‪ :‬نعم أنا أمه‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفساخطة أنت عليه؟‬
‫قالت‪ :‬نعم‪ ،‬ما كلمته منذ ست حجج‪.‬‬
‫قال لها‪ْ :‬ار ِ‬
‫ض عنه؟‬
‫قالت‪ :‬رضي الله عنه برضاك يا رسول الله‪.‬‬
‫فقال له رسول الله‪ :‬قل (ال إله إال الله)‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫قال‪ :‬فقالها‪ ،‬فقال النبي‪:‬‬
‫ما ترى؟‬
‫ال أسود ًا قبيح المنظر‪ ،‬وسخ الثياب‪ ،‬منتن الريح‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أرى رج ً‬
‫قد وليني الساعة‪ ،‬فأخذ بكظمي‪.‬‬
‫فقال له النبي‪ :‬قل «يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير‪ ،‬اقبل‬
‫مني اليسير واعف عني الكثير‪ ،‬إنك أنت الغفور الرحيم»‪ ،‬فقالها‬
‫الشاب‪.‬‬
‫بر الوالدين‬
‫فقال النبي‪ :‬أنظر ماذا ترى؟‬
‫قال‪ :‬أرى رج ً‬
‫ال أبيض اللون‪ ،‬حسن الوجه‪ ،‬طيب الريح‪ ،‬حسن‬
‫الثياب‪ ،‬قد وليني‪ ،‬وأرى األسود قد تولى عني‪.‬‬
‫قال‪ :‬أعد‪ ،‬فأعاد‪.‬‬
‫قال‪ :‬ما ترى؟‬
‫قال‪ :‬لست أرى األسود‪ ،‬وأرى األبيض قد وليني‪ ،‬ثم طفن على‬
‫تلك الحال»(((‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫((( أمايل املفيد‪/‬ص ‪.288‬‬


‫ق�ص�ص عن العقوق‬

‫الق�ص�ص عن العقوق‬
‫ومن القصص عن العقوق ما شاهده الشيخ اخلطيب املرحوم عبد‬
‫الزهراء الكعبي رمحه اهلل تعاىل كان يروهيا عىل املنرب‪.‬‬
‫القصة األوىل قال الشيخ سمعت ضوضاء عند جارنا فخرجت‬
‫وإذا ولد ووالد والناس حوهلام ينظرون إىل ما يتهاتران فتقدم الولد‬
‫وصفع والده‪ ،‬قال ملا رأيت ذلك هجمت عىل الولد أريد تأديبه فهرب‪،‬‬
‫فجئت اىل الوالد أسليه بأنه ابنه شاب مغرور‪ ،‬وأن هذه عادات الشباب‬
‫املغرورين‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫قال الشيخ‪ :‬فلام انرصف الناس أخذ الوالد يبكي فقلت له ّمم‬
‫بكاؤك؟‬
‫قال‪ :‬ال أبكي من صفع والدي يل وإنام بكائي ألن هذا جزائي‬
‫الذي تلقيته‪ ،‬وال أعلم أن اهلل غفر يل أم ال؟ قلت‪ :‬كيف؟ قال‪:‬؟ قال‪:‬‬
‫اين صفعت أيب يف هذا املكان نفسه قبل أربعني سنة وهذا الصفع من‬
‫ولدي جزاء ذلك الصفع‪.‬‬
30
‫العقوق من �أكرب الكبائر‬

‫العقوق من �أكرب الكبائر‬


‫من اهتامم الرشع بالوالدين واحلفاظ عىل حقوقهام وطاعتهام أن‬
‫اهلل تعاىل ربط بني رضاه ورضا الوالدين‪ ،‬حتى يعطي للمسألة بعدها‬
‫العبادي‪ ،‬وأكد أيض ًا ّ‬
‫بأن عقوق الوالدين هي من أكرب الكبائر‪ ،‬وربط‬
‫بني حب اهلل ومغفرته‪ ،‬وبني حب الوالدين‪ ،‬فعن اإلمام زين العابدين‬
‫«إن رج ً‬
‫ال جاء إلى النبي‪ ‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬ ‫عيل بن احلسني‪ّ :‬‬
‫ما من عمل قبيح إالّ قد عملتُه فهل لي من توبة؟‬
‫حي»؟‬
‫فقال له رسول الله‪« :‬فهل من والديك أحد ٌّ‬
‫‪31‬‬ ‫قال‪ :‬أبي‪.‬‬
‫فلما و ّلى‪ ،‬قال رسول الله‪« :‬لو كانت‬
‫قال‪« :‬فاذهب فبره»‪ّ .‬‬
‫ُأ ّمه»(((‪.‬‬
‫واإلسالم احلنيف مل يربط حقوق الوالدين بقضية الدين‪ ،‬ورضورة‬
‫كوهنام مسلمني‪ ،‬بل أوجب رعاية حقوقهم بمعزل عن ذلك‪ ،‬يقول‬
‫وإن كانا مشركين‪ ،‬وال طاعة‬
‫«بر الوالدين واجب ْ‬
‫الرضا‪ّ :‬‬
‫اإلمام ِّ‬
‫لهما في معصية الخالق»‪ .‬ومل يكتف اإلمام ِّ‬
‫الرضا‪ ‬بتبيان احلكم‬

‫((( مستدرك الوسائل ‪.142 / 15 /‬‬


‫بر الوالدين‬
‫«حرم الله‬
‫الرشعي بل كشف عن احلكمة من وراء هذا التحريم بقوله‪ّ :‬‬
‫عقوق الوالدين»؛ ملا فيه من اخلروج من التّوفيق لطاعة اهلل‪ ،‬والتّوقري‬
‫للوالدين‪ ،‬وجتنّب كفر النّعمة‪ ،‬وإبطال الشكر‪ ،‬وما يدعو من ذلك إىل‬
‫ق ّلة النّسل وانقطاعه‪ ،‬ملا يف العقوق من ق ّلة توقري الوالدين‪ ،‬والعرفان‬
‫بح ّقهام‪ ،‬وقطع األرحام‪ّ ،‬‬
‫والزهد من الوالدين يف الولد‪ ،‬وترك الترّ بية‬
‫بع ّلة ترك الولد ّبرمها(((‪.‬‬
‫وعن زكريا بن إبراهيم قال‪ :‬كنت نرصاني ًا فأسلمت وحججت‪،‬‬
‫فدخلت عىل أيب عبد اهلل‪ ‬فقلت‪:‬إين كنت عىل النرصانية وإين‬
‫أسلمت‪.‬‬
‫فقال‪« :‬وأي شيء رأيت في اإلسالم»؟‬
‫ان َو َلكِ ْن‬
‫يم ُ‬
‫ال َ‬
‫ِ‬
‫ْت تَدْ ِري َما ا ْلكت ُ‬
‫َاب َو اَل إْ ِ‬ ‫﴿ما ُكن َ‬
‫قلت‪ :‬قول اهلل‪َ :‬‬ ‫‪32‬‬
‫ِ ِ‬
‫اء﴾‪.‬‬ ‫ُورا ن َْهدي بِه َم ْن ن ََش ُ‬
‫َج َع ْلنَا ُه ن ً‬
‫فقال‪« :‬لقد هداك الله‪ .‬ثم قال‪ :‬اللهم اهده (ثالث ًا)‪ ،‬سل عما شئت‬
‫يا بني»‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬إن أيب وأمي عىل النرصانية وأهل بيتي‪ ،‬وأمي مكفوفة‬
‫البرص فأكون معهم‪ ،‬وآكل يف آنيتهم؟‬
‫فقال‪« :‬يأكلون لحم الخنزير»؟‬

‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪.75 / 71 /‬‬


‫العقوق من �أكرب الكبائر‬
‫فقلت ال‪ ،‬وال يمسونه‪.‬‬
‫قال‪« :‬ال بأس‪ ،‬فانظر أمك فبرها فإذا ماتت فال تكلها إلى غيرك‪،‬‬
‫كن أنت الذي تقوم بشأنها‪ ،‬وال تخبرن أحد ًا أنك أتيتني حتى تأتيني‬
‫بمنى إن شاء الله»‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأتيته بمنى والناس حوله كأنه معلم صبيان‪ ،‬هذا يسأله وهذا‬
‫يسأله‪ .‬فلام قدمت الكوفة ألطفت ألمي وكنت أطعمها وأفيل ثوهبا‬
‫ورأسها وأخدمها‪ ،‬فقالت يل‪ :‬يا بني‪ ،‬ما كنت تصنع يب هذا وأنت عىل‬
‫ديني‪ ،‬فام الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت يف احلنيفية؟‬
‫فقلت‪ :‬رجل من ولد نبينا أمرين هبذا‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬هذا الرجل هو نبي؟‬
‫‪33‬‬
‫فقلت‪ :‬ال‪ ،‬ولكنه ابن نبي‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬يا بني‪ ،‬هذا نبي‪َّ ،‬‬
‫إن هذه وصايا األنبياء‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬يا أمه‪ ،‬إنه ليس يكون بعد نبينا نبي‪ ،‬ولكنه ابنه‪.‬‬
‫عيل‪ .‬فعرضته عليها‬ ‫فقالت‪ :‬يا بني‪ ،‬دينك خري دين‪ ،‬اعرضه َّ‬
‫فدخلت يف اإلسالم‪ ،‬وعلمتها فصلت الظهر والعرص واملغرب والعشاء‬
‫اآلخرة‪ ،‬ثم عرض هلا عارض يف الليل‪ ،‬فقالت‪ :‬يا بني‪ ،‬أعد عيل ما‬
‫علمتني‪ ،‬فأعدته عليها‪ ،‬فأقرت به وماتت‪ .‬فلام أصبحت كان املسلمون‬
‫الذين غسلوها‪ ،‬وكنت أنا الذي صليت عليها ونزلت يف قربها(((‪.‬‬

‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪.53 / 71 /‬‬


‫بر الوالدين‬
‫وجاء يف الكايف الرشيف للشيخ الكليني‪ ‬عن أيب جعفر‪‬‬
‫ٌ‬
‫«ثالث لم يجعل الله‪ ‬ألحد فيهن رخصة‪ :‬أداء األمانة إلى‬ ‫قال‪:‬‬
‫البر والفاجر‪ ،‬والوفاء بالعهد للبر والفاجر‪ ،‬وبر الوالدين َّبرين كانا أو‬
‫فاجرين»(((‪.‬‬
‫وقال الصادق‪« :‬بر الوالدين من حسن معرفة العبد بالله‪ ،‬إذ‬
‫المسلم ْين‬
‫َ‬ ‫ال عبادة أسرع بلوغ ًا بصاحبها إلى رضا الله من بر الوالدين‬
‫لوجه الله‪ ،‬ألن حق الوالدين مشتق من حق الله‪ ،‬إذا كانا على منهاج‬
‫الدين والسنة‪ ،‬وال يكونان يمنعان الولد من طاعة الله إلى معصيته‪ ،‬ومن‬
‫اليقين إلى الشك‪ ،‬ومن الزهد إلى الدنيا‪ ،‬وال يدعوانه إلى خالف ذلك‪،‬‬
‫فإذا كانا كذلك فمعصيتهما طاعة وطاعتهما معصية‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫ك بِ ِه ِع ْل ٌم َف اَل تُطِ ْع ُه َما﴾‪،‬‬
‫اك َع َلى َأ ْن ت ُْش ِر َك بِي َما َل ْي َس َل َ‬ ‫﴿وإِ ْن َج َ‬
‫اهدَ َ‬ ‫َ‬
‫‪34‬‬
‫وأما في وأما في العشرة فدار بهما‪ ،‬وارفق بهما‪ ،‬واحتمل أذاهما لحق‬
‫ما احتمال عنك في حال صغرك‪ ،‬وال تقبض عليهما فيما قد وسع الله‬
‫عليك من المأكول والملبوس وال تحول بوجهك عنهما‪ ،‬وال ترفع‬
‫صوتك فوق أصواتهما‪ ،‬فانه من التعظيم المر الله وقل لهما بأحسن‬
‫(((‬
‫القول وألطفه فان الله ال يضيع أجر المحسنين»‪.‬‬

‫((( الكايف ‪.162 / 2/‬‬


‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪.77/ 71 /‬‬
‫من �آثار العقوق‬

‫من �آثار العقوق‬


‫‪ .1‬موجب لدخول النار‪:‬‬
‫فقد جاء عن اإلمام الرضا‪ ‬يف جواب َمن سأله عن الكبائر كم‬
‫هي‪ ،‬قال‪«:‬الكبائر‪ :‬من اجتنب ما وعد الله عليه النار ك َّفر عنه سيئاته إذا‬
‫كان مؤمن ًا‪ .‬والسبع الموجبات‪ :‬قتل النفس الحرام‪ ،‬وعقوق الوالدين‪،‬‬
‫والتعرب بعد الهجرة‪ ،‬وقذف المحصنات‪ ،‬وأكل مال‬
‫ّ‬ ‫وأكل الربا‪،‬‬
‫اليتيم‪ ،‬والفرار من الزحف»(((‪.‬‬
‫ي�شم العاقّ ريح اجلنـّة‪:‬‬
‫‪ .2‬ال ّ‬
‫‪35‬‬ ‫عن أيب جعفر‪ ‬قال‪« :‬قال رسول الله‪ ‬في كال ٍم له‪ :‬إ ّياكم‬
‫ريح الجنّة توجد من مسيرة ألف عام‪ ،‬وال‬
‫فإن َ‬
‫وعقوق الوالدين‪ّ ،‬‬
‫جار إزاره ُخ ْيالء‪ ،‬إنّما‬ ‫يجدها ّ‬
‫عاق‪ ،‬وال قاطع رحم‪ ،‬وال شيخ زان‪ ،‬وال ٍّ‬
‫رب العالمين»(((‪.‬‬
‫الكبرياء لله ّ‬
‫‪ .3‬تعجيل العقوبة يف الدنيا‪:‬‬
‫تعجل عقوبتها‬
‫عن رس��ول اهلل‪ ‬ق��ال‪« :‬ث�لاث من الذنوب ّ‬
‫تؤخر إلى اآلخرة‪ :‬عقوق الوالدين‪ ،‬والبغي على الناس‪ ،‬وكفر‬
‫وال ّ‬

‫((( الكايف ‪.391 / 2/‬‬


‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪.89 / 20 /‬‬
‫بر الوالدين‬
‫اإلحسان»(((‪.‬‬
‫‪ .4‬عدم قبول الأعمال‏‪:‬‬
‫رب‪ ،‬أين صديقي فالن الشهيد؟‬
‫النبي موسى‪ ‬قال‪« :‬يا ّ‬
‫أن ّ‬ ‫روي ّ‬
‫وعدت الشهداء الجنّة‪.‬‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬في النار‪ .‬قال‪ :‬أليس‬
‫مصر ًا على عقوق الوالدين‪ ،‬وأنا ال أقبل مع‬
‫قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن كان ّ‬
‫العقوق عمالً»(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ماقت‪ ،‬وهما‬ ‫وعن أيب عبد اهلل‪ ‬قال‪« :‬من نظر إلى والديه نظر‬
‫ظالمان له لم تُقبل له صالة»(((‪..‬‬
‫‪ .5‬ر ُّد الدعاء‪:‬‬
‫عن أيب عبد اهلل‪ ‬قال‪« :‬الذنوب التي تُغ ّير النعم «البغي»‪،‬‬
‫‪36‬‬
‫والذنوب التي تورث الندم «القتل»‪ ،‬والتي تُنزل النقم «الظلم»‪ ،‬والتي‬
‫تهتك الستور «شرب الخمر»‪ ،‬والتي تحبس الرزق «الزنا»‪ ،‬والتي‬
‫تعجل الفناء «قطيعة الرحم»‪ ،‬والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق‬
‫ّ‬
‫الوالدين»(((‪.‬‬

‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪.74 / 71 /‬‬


‫((( مستدرك الوسائل ‪.154 / 15 /‬‬
‫((( مستدرك الوسائل ‪.156 / 15 /‬‬
‫((( علل الرشايع ‪.584 / 2 /‬‬
‫من �آثار العقوق‬
‫‪ .6‬يورث القلة والذلة واملهانة‪:‬‬
‫روي عن اإلمام أيب احلسن الثالث عيل اهلادي‪ ‬قال‪« :‬العقوق‬
‫يعقب الق ّلة ويؤ ّدي إلى الذ ّلة»(((‪.‬‬

‫‪37‬‬

‫((( مستدرك الوسائل ‪.156 / 15 /‬‬


38
‫حقوق الأبناء‬

‫حقوق الأبناء‬
‫بعد ما بينا بعض حقوق الوالدين ووجوب برمها وطاعتهام البد‬
‫من بيان ما جيب عىل الوالد للولد من احلق‪ ،‬فقد أوجب اهلل لألوالد‬
‫حقوق حتى من قبل الوالدة وذلك من اختيار األم الصاحلة وغريها‪،‬‬
‫حيث إن اآلثار التي تلحق باألوالد راجعة بعضها إىل عامل الوراثة‬
‫فالبيئة والوراثة هلا انعكاسات واضحة يف سلوكيات الفرد‪.‬‬
‫فقد أثبت الواقع االجتامعي والواقع العلمي بدراساته املستفيضة‬
‫بأن للوراثة واملحيط االجتامعي األثر احلاسم يف تكوين الطفل ونشوئه‪،‬‬
‫وانعكاسات الوراثة واملحيط عليه يف مجيع جوانبه اجلسدية والنفسية‪،‬‬
‫‪39‬‬
‫فأغلب الصفات تنتقل من اآلباء واألمهات واألج��داد إىل األبناء‪،‬‬
‫كالذكاء واالضطراب السلوكي(((‪.‬‬
‫‪ .1‬اختيار الأم ال�صاحلة‪:‬‬
‫فلهذا راعى اإلسالم مسألة اختيار األزواج وأوالها عناية خاصة‪،‬‬
‫حتى ال تكون الوراثة سبب يف تعاسة وشقاء األبناء والوالدين فلهذا نجد‬
‫َ‬
‫الخال أحدُ الضجيعين»(((‪.‬‬ ‫قول الرسول‪«:‬اختاروا لنطفكم؛ فإن‬

‫((( تربية الطفل يف اإلسالم ‪.1 / 3 /‬‬


‫((( الكايف ‪.332 / 5 /‬‬
‫بر الوالدين‬
‫دساس»(((‪.‬‬ ‫َ‬
‫العرق ّ‬ ‫وقوله‪«:‬تخيروا لنطفكم؛ فإن‬
‫فهو أمر للطرفني؛ بأن خيتار الرجل املرأة احلسنة‪ ،‬وختتار املرأة‬
‫َ‬
‫الرجل املناسب لكي ال يتأثر الطفل بعامل الوراثة‪.‬‬
‫ويقول النبي‪ ‬محُ ذر ًا‪« :‬إياكم وخضراء الدمن»‪.‬‬
‫قيل‪ :‬يا رسول اهلل وما خرضاء الدّ من؟ قال‪«:‬المرأة الحسناء في‬
‫السوء»(((‪.‬‬
‫منبت ّ‬
‫نعم حذرت األحاديث الرشيفة من امل��رأة احلمقاء‪ ،‬تلك التي‬
‫لضعف مستحكم يف عقلها‪ ،‬وكشفت عن اآلثار‬ ‫ٍ‬ ‫ال تحُ سن الترصف؛‬
‫السلبية التي تُصيب األبناء من جراء االقرتان باملرأة احلمقاء‪ ،‬فاحلديث‬
‫فإن صحبتها بالء‪ ،‬وولدها‬
‫النبوي يقول‪« :‬إياكم وتزوج الحمقاء‪ّ ،‬‬
‫ضياع»(((‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫وقد فعل ذلك أمري املؤمنني‪ ‬عندما قال ألخيه عقيل‪ ‬وكان‬
‫عامل ًا بأخبار العرب وأنساهبا‪:‬‬
‫«أبغني امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب‪ ،‬ألتزوجها‪ ،‬فتلد لي‬
‫غالم ًا فارس ًا»‪.‬‬

‫(((مكارم األخالق ‪.198 /‬‬


‫((( بحار األنوار‪/‬العالمة املجليس‪.232 / 100/‬‬
‫((( احلقوق االجتامعة ‪.10 / 4 /‬‬
‫حقوق الأبناء‬
‫فقال له‪ :‬أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكالبية‪ ،‬فإنه‬
‫ليس يف العرب أشجع من آبائها وال أفرس‪.‬‬
‫‪ .2‬اختيار املر�ضعة العفيفة‪:‬‬
‫يستحب أن خيتار لرضاع األوالد املسلمة‬
‫ّ‬ ‫وقد ذكر الفقهاء أنه‬
‫فإن ل ّلبن تأثري ًا تا ّم ًا‬
‫العاقلة العفيفة الوضيئة ذات األوصاف احلسنة‪ّ ،‬‬
‫يف املرتضع؛ كام يشهد به االختبار ونطقت به األخبار واآلثار‪ ،‬فعن‬
‫الباقر‪ ‬ق��ال‪ :‬ق��ال رس��ول اهلل‪« :‬ال تسترضعوا الحمقاء وال‬
‫العمشاء فان اللبن يعدي»(((‪.‬‬
‫‪.3‬حت�سني ا�سمه و�أدبه وتعليمه‪:‬‬
‫الوالِ ِد َأ ْن ُي َح ِّس َن ْاس َم ُه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الو َلد َع َلى َ‬
‫«و َح ُّق َ‬
‫قال رسول اهلل‪َ :‬‬
‫‪41‬‬ ‫و ُي َح ِّس َن َأ َد َب ُه‪ ،‬و ُي َع ِّل َم ُه ا ْل ُق ْر َ‬
‫آن»(((‪.‬‬
‫وقال اإلمام الصادق‪« :‬قال رسول الله‪ :‬حق الولد على‬
‫والده إذا كان ذكر ًا‪ ،‬أن يستفره أمه (يستفره في الموضعين أي‪ :‬يستكرم أمه وال‬
‫يدعو بالسب ألمه واللعن والفحش)‪ ،‬ويستحسن اسمه‪ ،‬ويعلمه كتاب الله‪،‬‬
‫ويطهره‪ ،‬ويعلمه السباحة‪ .‬وإذا كانت أنثى أن يستفره أمها‪ ،‬ويستحسن‬
‫اسمها‪ ،‬ويعلمها سورة النور‪ ،‬وال يعلمها سورة يوسف‪ ،‬وال ينزلها‬
‫الغرف‪ ،‬ويعجل سراحها إلى بيت زوجها‪ ،‬أما إذا سميتها فاطمة فال‬

‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪ /‬ج‪ /100‬ص‪.323‬‬


‫((( هنج البالغة ‪.638/‬‬
‫بر الوالدين‬
‫تسبها وال تلعنها وال تضربها»‪.(((.‬‬
‫وقال اإلمام زين العابدين‪« :‬وأما حق ولدك فتعلم أنه منك‬
‫ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤول عما وليته‬
‫من حسن االدب والداللة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي‬
‫نفسه‪ ،‬فمثاب على ذلك ومعاقب فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن‬
‫أثره عليه في عاجل الدنيا المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام‬
‫عليه واالخذ له منه وال قوة إال بالله»(((‪.‬‬
‫وقال اإلمام الصادق‪« :‬تجب للولد على والده‪ ،‬ثالث خصال‪:‬‬
‫اختيار والدته‪ ،‬وتحسين اسمه‪ ،‬والمبالغة في تأديبه» (((‪.‬‬
‫ينبغي أن يبدأ الوعي الديني للشاب داخل األرسة منذ حلظة امليالد‪،‬‬
‫وذلك بتنفيذ سنة رسول اهلل‪ ،‬حيث أمرنا أن نؤذن يف أذن املولود اليمني‬ ‫‪42‬‬

‫ونقيم الصالة يف اليرسى؛ ليكون أول ما يطرق سمعه كلمة التوحيد‬


‫ونداء الفالح‪.‬‬
‫عن أيب عبداهلل‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬من ولد له مولود‬
‫فليؤذن في أذنه اليمنى بأذان الصالة‪ ،‬وليقم في أذنه اليسرى ‪ ،‬فإنها‬

‫((( الكايف ‪.49/ 6 /‬‬


‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس‪/‬ج‪ / 71‬ص‪.15‬‬
‫((( بحار األنوار‪ /‬العالمة املجليس ‪.219 / 103 /‬‬
‫حقوق الأبناء‬
‫عصمة من الشيطان الرجيم»‪.‬‬
‫(((‬

‫قال ابو صالح احللبي الكايف‪:‬‬


‫فصل يف أحكام األوالد السنة يف املولود حال وضعه حتنيكه بامء‬
‫الفرات أو بامء فيه عسل‪ ،‬و األذان يف أذنه اليمنى واإلقامة يف اليرسى‪،‬‬
‫فإذا كان يوم السابع حلق رأسه و تصدق بزنته ذهبا أو فضة وختن وعق‬
‫عن الذكر بذكر وعن األنثى بأنثى وتصدق بلحم العقيقة عىل فقراء‬
‫املؤمنني (((‪.‬‬
‫فإذا بلغ سبع سنوات نعلمه الصالة باحلب واللني‪ ،‬ونأمره هبا‬
‫مشددين عند العرش‪ ،‬كام قال الرسول الكريم‪« :‬مروا أوالدكم بالصالة‬
‫لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع»‬
‫(((‬

‫‪43‬‬ ‫أقول‪:‬رغم أهنم ليسوا مكلفني‪ ،‬ملاذا؟ لكي يعتادوها فتسهل عليهم‬
‫إذا كربوا لكن حني ترتكه وهو ابن سبع‪ ،‬وترتكه وهو ابن عرش‪ ،‬ويصيل‬
‫وهو ابن مخس عرشة وهو مكلف إذا مل يصل صار كافر ًا‪ ،‬وعندما‬
‫تقول له‪ :‬صل وهو‪ ،‬ما تدرب عىل صالة‪ ،‬ماذا يصيل؟ يراها أكرب من‬
‫اجلبال‪ ،‬وال يصيل وال يطيع لو ترضبه وحتط ظهره عىل احلديد‪ ،‬ما‬
‫يصيل‪ ،‬ملاذا؟ وكام يقال‪:‬‬

‫(((وسائل الشيعة‪.406/ 21/‬‬


‫((( الكايف للحلبي ‪.289 / 1/‬‬
‫((( هناية األحكام ‪.119 / 2/‬‬
‫بر الوالدين‬
‫إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت وال تلني إذا صارت من اخلشب‬
‫الغصن األخرض قد متيله عىل كيفك‪ ،‬لكن إذا صار خشبة يابسة‪،‬‬
‫تعال اعوجها أو صلحها!‬

‫‪44‬‬
‫اخلامتة‬

‫اخلامتة‬
‫كل املباحث ا َّلتي تتع َّلق بعقوق الوالدين‬
‫الكراس ّ‬ ‫ِ‬
‫لقد ُذك َر يف هذا َّ‬
‫بصورة جمملة وميسرَّ ة تغني القارئ الكريم عن الرجوع إىل املصادر‬
‫واملطولة‪ ،‬واهلدف ِمن ذلك هو إيصال املعلومة الصحيحة‬ ‫َّ‬ ‫املفصلة‬
‫ّ‬
‫بعبارة موجزة و أسلوب سهل‪ ،‬نسأل اهلل تعاىل أن ينفع املؤمنني هبذا‬
‫اجلهد القليل وال حيرمنا ِمن األجر والثواب إنَّه سميع جميب‪ ،‬و احلمد‬
‫رب العاملني والصالة والسالم عىل س ِّيدنا ونبينا حممد وآل بيته‬
‫هلل ِّ‬
‫الطيبني الطاهرين‪.‬‬

‫‪45‬‬
46
‫املحتويات‬

‫املحتويات‬
‫‪3‬‬ ‫مقدمة ‬
‫‪5‬‬ ‫طاعة الوالدين من طاعة اهلل ‬
‫‪11‬‬ ‫اهتامم اإلسالم باألم ‬
‫‪17‬‬ ‫بر الوالدين حيني أو ميتني ‬
‫‪19‬‬ ‫من آثار بر الوالدين ‬
‫‪25‬‬ ‫عقوق الوالدين ‬
‫‪29‬‬ ‫القصص عن العقوق ‬
‫‪31‬‬ ‫العقوق من أكرب الكبائر ‬
‫‪47‬‬ ‫‪35‬‬ ‫من آثار العقوق ‬
‫‪39‬‬ ‫حقوق األبناء ‬
‫‪45‬‬ ‫اخلامتة ‬

You might also like