Professional Documents
Culture Documents
ح
1436هـ
فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النشر
احلازمي ،خالد حامد
أصول األخالق اإلسالمية / .خالد احلازمي
-املدينة املنورة 1429 ،هـ .
447ص ؛ 24×17سم
ردمك 978- 603 – 00- .735 -6 :
تم رشح هذا املنت خالل الفرتة من 1432/8/3ـهإىل 1432/8/6ه
يف املسجد انلبوي الرشيف
3 شرح األربعني النووية
n
:B
هذا املنت مشهور باألربعني انلووية ،وانلووي وضع اثنني وأربعني
ً
حديثا ،اشرتط فيها أن تكون األحاديث اليت عليها مدار ادلين ،يعين أصول
ادلين ،وأىت احلافظ ابن رجب واستدرك عليه ثمانية أحاديث ،فاكنت
ً
زيادة ابن رجب مع انلووي مخسني حديثا ،ولكها شاملة ألمور ادلين.
ﮑ ﮒ ﮊ (.)1
يصافون يف املسادد يف قال ابن كثري :حبسب اإلخالص ،وإذا رأيت انلاا
الصالة ،فتبااين أجاورهم وارتفاعهاا وإعظامهاا ومضااعفتها عناد اهلل حبساب
إخالص لك مصيل.
ِّ
فإذا قيل :ما اذلي يصّف انلية؟
:امهلل اجعل عميل قال شيخ اإلسالم :واكن أكرث داعء عمر بن اخلطاب
ً ً ً ً
لكه صاحلا ،واجعله لوجهك خالصا ،وال جتعل ألحد فيه شيئا ،فيقول املسلم مثال:
امهلل إين أسألك اإلخالص يف القول والعمل ،واهلل قال عن ايلهود
وانلصارى واملرشكني :ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ( )2فلفساد دينهم
لم يثابوا ىلع ما عملوه من األعمال ،وإال فاهلل أخرب عن الكفار بأنهم
ينفقون وجياهدون ،لكن لم يقبل ذلك العمل؛ ملا يف القلب من فساد ،واهلل
يقول :ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ
()3
ومما يصلح انلية مع ادلاعء :اإلكثار من ذكر اهلل ،فذكر اهلل عالمة اإليمان
ً
بإذن اهلل ،ومدح انلا ما ينفع ،وذمك إن كنت ىلع طريق سوي أيضا ال يرض،
وإنما تراقب اهلل فيما تقول وتذر .
احلديث األول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويف رواية :بانلية يعين« :إنما األعمال بانليات» إنما يثاب الرجل ىلع أعماهل
بانلية الصاحلة ،أو ال يثاب بانلية الفاسدة .
ِّ
هذه قاعدة عظيمة« :وإنما لُك امرئ ما نوى» يعين :اعمل ما شئت فاهلل
مطلع ىلع قلبك ،ىلع قدر نيتك تثاب أو تعاقب ،وإذا رأيت أهل األرض مجيعهم
ً ً فانلفس جمبولة ىلع ِّ
يعملونَّ ،
حب العمل الصالح؛ حىت ولو اكن رجال اكفرا حيب
اإلحسان للضعفاء واأليتام وحنو ذلك ،لكن يأيت الشيطان فيفسد عليه انلية .
«فمن َكنت هجرته إىل اهلل ورسوِل فهجرته إىل اهلل ورسوِل»:
يعين :فمن اكنت هدرته إىل اهلل ورسوهل فيعطى من اثلواب ما قصده من
هدرته إىل اهلل ورسوهل ،هذا يف الطاعة ،يف أمر مباح.
«ومن َكنت هجرته ِلنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إىل ما هاجر إَله »:
هذا القسم اثلاين :انلية قد تكون فيه مباحة ،أو فاسدة ،إذا اكنت ادلنيا
مباحة ما يؤجر الشخص ىلع هذا املباح.
شرح األربعني النووية 8
«أو امرأة ينكحها» مباح كذلك ،فإذا اكن قصده ألمر يسء دلنيا وحنو ذلك
فال يثاب ىلع ذلك.
رواه إماما املحدثني أبو عبداهلل حممد بن إسماعيل بن إبراهيم بن املغرية بن
بردزبه ابلخاري اجلعيف وأبو احلسني مسلم بن احلجاج بن القشريي انليسابوري
يف صحيحيهما اذلين هما أصح الكتب املصنفة .
احلديث الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ً
يلتعلمون أمر دينهم، كثريا ما جيلسون إىل انلِب اكن الصحابة
للنِب . عمر يف هذه احلادثة ويه نزول جربيل فوافق جلو
احلديث األول :األعمال بانليات يعين :الشخص أنه يثاب أو يعاقب ىلع قدر
نيته ،هذا أصل من أصول ادلين ،احلديث اثلاين هذا وهو :تقدير أصل من أصول
ادلين ،وهو مرتبة اإلسالم واإليمان واإلحسان ،ذللك قال اخلطايب :هذا احلديث
شمل مجيع أمور ادلين .
يعين ليس بمسافر ،ومن اعدة املسافر أن تتسخ ثيابه ،وأن يتبعرث شعره،
لكن هذا رجل غريب ال نعرفه ،ليس من أهل املدينة حىت يكون بهذا املظهر
ً
اجليد ،وإذا اكن مسافرا ليست عليه صفات السفر ،فذللك عدب الصحابة من
هذا.
هذا الغريب ال يرى عليه أثر السفر حىت نقول من خارج املدينة ،وال
يعرفه منا أحد ،فليس من أهل املدينة ،ولم يعلم بأنه نزل من السماء.
فأسند ركبتيه إىل ركبتيه ووضع كفيه ىلع فخذيه: حىت جلس إىل انليب
،ووضع جربيل يديه ىلع فخذي يعين وضع الركبة عند ركبة انلِب
انلِب ىلع جلسة املتعلم املشفق للتعليم .
« :اإلسالم أن تشهد وقال يا حممد أخْبين عن اإلسالم فقال رسول اهلل
ً
أَل هلإ إَل اهلل وأن حممدا رسول اهلل وتقيم الصالة وتؤِت الزاكة وتصوم رمضان
وَتج ابليت إن استطعت إَله سبيال» قال :صدقت ،فعجبنا ِل يسأِل ويصدقه.
11 شرح األربعني النووية
وهو يسأهل سؤال اجلاهل ،ومع ذلك يقول :نعم هذا الكم صحيح.
قال فأخْبين عن اإليمان؟ قال« :أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله
واَلوم اْلخر والقدر خريه ورشه» قال :صدقت.
واإليمان باهلل مجيعها أمور قلبية ،فليس يشء منها من أعمال اجلوارح باهلل
ومالئكته وكتبه ورسله وايلوم اآلخر ،والقضاء والقدر لكها غيبية ،وهلذا أول
صفة من صفات املتقني املؤمنني املسلمني يف كتاب اهلل :ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ(، )1
اهلل يقول :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﮊ( )2من هم ؟ ﮋﭝ ﭞ ﭟ ﮊ
واجلنة غيب ،وانلار غيب ،وعذاب القرب غيب ،ورؤية اهلل يف اآلخرة غيب،
وما أعد يف اجلنة وانلار وأهوال القيامة غيب ،الرسول بالنسبة نلا غيب سابق،
ذللك املسلم يصدق انلصوص؛ ألن اإليمان مقذوف يف قلبه باتلصديق بأمر لم
يشاهده بعد ،أما الكفار فال يصدقون إال ما يرونه ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ( )3حىت نصدق ما يؤمنون بالغيب.
قال فأخْبين عن اإلحسان؟ قال« :أن تعبد اهلل كأنك تراه فإن لم تكن تراه
فإنه يراك».
قال :فأخْبين عن أماراتها؟ قال« :أن تِل األمة ربتها وأن ترى احلفاة العراة
رَعء الشاء يتطاولون يف ابلنيان» :
احلديث الثالث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«بِن اإلسالم ىلع َخس» :ومجيع هذه األراكن مردها ىلع اجلزء األول من
الركن األول وهو :اإليمان باهلل .قال« :أن تشهد أَل هلإ إَل اهلل» فاحلج والصوم
ً
والزاكة والصالة ،وشهادة أن ُممدا رسول اهلل مردها إىل أن تشهد أال هلإ إال اهلل،
فصل بليان اإليضاح ،وأهمية فلكمة اتلوحيد شاملة جلميع هذه األراكن ،وإنما َّ
األراكن.
احلديث الرابع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا احلديث عظيم ،وهو أصل منشأ اإلنسان ،فادلين يدور ىلع هذا منشأ
اإلنسان ،وتطور يف املنشأ ،أول ما يبدأ اإلنسان نطفة ،وهو أضعف يشء فيه ،ذللك
قال سبحانه :ﮋ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ( )2يعين
لع ويقول :إنك لن تعيدين ولن تقدر لع، َّ
ويتكرب ي اهلل يقول :خياصمين
من ماء مهني ()3
يعين :وما يعلم أنه نطفة ،ذللك اهلل يقول :ﮋ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ
ً
أربعني يوما نطفة ،ثم بعد األربعني يوم علقة ،قال :ثم يكون علقة مثل ذلك،
يوما ،ثم يكون مضغة مثل ذلك ،يعين :أربعني ً
يوما ،ثم يأمر اهلل يعين :أربعني ً
ً
َ ملاك فينفخ فيه الروح خالل الفرتة املاضية ،ويه أربعني ،ثم أربعني ،ثم
ً ً
أربعني ،هذه مئة وعرشين يوما ،املئة والعرشون يوما ال أحد يعلم ما اذلي
سيخرج من نوع اجلنني ،ما هو؟ حىت املالئكة ،وإنما يرقبها امللك يف حتوهلا نطفة
علقة مضغة ،ثم يؤمر بأربع لكمات ،فيقال هل :ذكر أم أنىث ،وإال قبلها ال أحد
يعرف ،حىت املالئكة ،فبعد األربعني يزول علم الغيب عن هذا اجلنني ،من
ً ً ً
كونه ذكرا أو أنىث ،سعيدا أو شقيا ،أو أجله ،فعلماء الطب مقرون بأن اجلنني قبل
ً
مئة وعرشين يوما ال يظهر هلم ما نوعه ،وهذا احلديث يدل عليه ،بعد املئة
ً
وعرشين يوما يزول علم الغيب عن اخللق ،فمن عرفه من املالئكة أو أجهزة
الطب وحنو ذلك نقول :ليس هذا من علم الغيب جيوز ،أما قبله فال يمكن،
ً
وهلذا قبل نفخ اجلنني ىلع الصحيح جيوز إسقاطه قبل مئة وعرشين يوما للرضورة،
ً
أما إذا نفخ فيه الروح بعد مئة وعرشين يوما أصبح خلق اإلنسان ،فال جيوز
إسقاطه .
«ثم يرسل إَله امللك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع َكمات » :
ً
ينفخ فيه الروح بعد أن اكن جامدا ،فيتحول من مجاد إىل ذي روح ،فال
ْ
تعمد إسقاطه عليه ادلية ،غرة عبد أو أمة يعينُ :عرش
جيوز إزهاق نفسه ،ومن َّ
ديَّته .
«فواهلل اذلي َل هلإ غريه إن أحدكم َلعمل بعمل أهل اجلنة حىت ما يكون
بينه وبينها إَل ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل انلار فيدخلها» .
قال انلووي :ومن فضل اهلل هذا قليل ،لكن اإلنسان خيىش أن يكون من
هذه القلة ،فقد يعمل الشخص بأعمال صاحلة ،ثم -والعياذ باهلل -يف آخر حياته
،وبعضهم صىل خلفه، يَ ِضل فيدخل انلار ،وهذا حيدث ،فقوم رأوا انلِب
َ
ارتدوا ىلع أدبارهم ،فإذا اكن لكن ما وقر اإليمان يف قلبه ،بعد وفاة انلِب
«وإن أحدكم َلعمل بعمل أهل انلار حىت ما يكون بينه وبينها إَل ذراع
فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل اجلنة فيدخلها».
ً
ومن فضل اهلل هذا كثري ،ويف احلديث الصحيح :أن رجال ،كما يف حديث
وهو اكفر فقال :يا رسول اهلل! أقاتل أو أسلم؟ قال« :بل الرباء أىت إىل انلِب
أسلم ثم قاتل» قال« :ثم أسلم» فقاتل فاستشهد ولم يسدد هلل سددة ،ما اكن بينه
وبني انلار إال يشء يسري ،فأسلم فدخل اجلنة ،وبعض الصحابة أدرك اإلسالم يف
آخر عمره ،فاكن من أصحاب اجلنة ،بل من املشهود هلم من محلة أهل اجلنة ،مثل:
أيب سفيان ،ومثل ورقة بن نوفل ،والصحيح أنه أسلم.
شرح األربعني النووية 18
احلديث اخلامس
َ أ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ َّ َ ْ ُ ِّ ْ ُ ْ َ ُ ِّ َ ْ َّ َ َ َ
اَّلل « من
ِ ول س ر :ال ق :ت الق ، ة اَّلل اعئِش
عن أم المؤ ِم ِنني أم عب ِد ِ
َ أ َ َ َأ َ َ َ َ َأ َ أُ َُ
أحدث ِيف أم ِرنا هذا ما ليس مِنه فه َو َرد»(.)1
َ أ َ َ َ َ ً َأ َ َ َأ َأ َ َ ُ
َو ِيف ِر َوايَة ل ِ ُم ْس ِلم« :من ع ِمل عمال ليس علي ِه أم ُرنا فه َو َرد» .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا احلديث من أصول ادلين ،أي :ادلين الاكمل ،فمن أحدث فيه يشء
ً
فعمله مردود ،ومن عمل أي عمل ليس يف ديننا أيضا مردود ،فهذا احلديث
بروايتيه ،الرواية األوىل« :من أحدث يف أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» يعين أىت
ً
بترشيع جديد ،فترشيعه مردود عليه؛ ألن ادلين اكمل ،ومن عمل عمال ليس يف
ترشيعنا فهو مردود ،فإحداث أي مردود ،وأي عمل مردود؛ لكمال ادلين ،واهلل
يقول :ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮊ(. )2
ً
قال كعب :لو اكنت هذه اآلية عند األنصار الختذوها عيدا ،يعين اليل يه البشارة
ً
بأن ادلين اكمل ،وإن اكن اكمال يفرح الشخص به يقرأه ،وما فيه يعمل به ،ال يقول
الشخص قد أعمل شيئًا ثم ينسخ ،أو أعمل شيئًا وأنا ىلع غري حق ،فيفرح الشخص به،
فقال عمر :واهلل إين ألعلم اذلي نزلت فيه ،نزلت يف عرفة ،يف يوم اجلمعة.
فلك عمل ليس يف ادلين فهو مردود ،ومن عمله ال يثاب عليه ،بل يؤثم ألنه
فعل شيئًا ليس من رشع اهلل.
شرح األربعني النووية 20
احلديث السادس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ً
هذا احلديث أيضا من أصول ادلين ،وهو وضوح احلالل ،ووضوح احلرام،
«إن احلالل بني واضح واحلرام بني» واضح ،وهذا من فضل اهلل ،وبينهما أمور
مشتبهات بني احلالل واحلرام ،ال يعلمهن كثري من انلا ،يعلمها العلماء ،وبعض
العامة خيتلط عليه هذا من هذا ،فهنا يأيت العالم يمزي احلالل من احلرام ،فما
أشلك ىلع املسلم جيب عليه أن يسأل؛ ئلال يقع يف األمر احلرام.
اذلي يقع يف الشبهة جتره إىل احلرام ما تكتّف بنفسها ،وهلذا بعض انلا
ً
مثال ينظر يف بعض املصنواعت احلديثة ،اإلنرتنت يدخل يف مواطن الشبهات،
يقول: يقول :ال أريد أن أنظر وأذهب أنا إن شاء اهلل ،لن أفنت .نقول :ال ،انلِب
ً
«من وقع يف الشبهات وقع يف احلرام» ،فإذا يبتعد الشخص عنها ،وهذه قاعدة
عظيمة من دىن من الشبهة يقع فيها ،وذللك من يدنو من صنع اخلمر ورشب اخلمر
وأنواع اخلمر يقع ولو بعد حني ،وكذا من يتطلع إىل أمور ُمرمة يقع فيها،
واحلديث ُمكم.
قال ابن القيم :نصحين شيخ اإلسالم نصيحة استفدت منها طول عمري،
قال يل :اجعل قلبك اكملرآة وال جتعله يعين اكإلسفندة ،فاملرآة تعكس ،يعين :يف
شرح األربعني النووية 22
شبهة ابتعد عنها تعكس عندك ،وال جتعل قلبك اكإلسفندة تدخل يف الشبهة،
انظر هذه أو انظر هذه يمكن أفضل ،وهكذا فال تعلم إال وأنت قد وقعت يف
حرام -والعياذ باهلل .-
«أَل وإن لُك ملك حَم أَل وإن حَم اهلل حمارمه» :
يتطاولون عليه وحنو يعين :لك ملك يضع هل ما يمنع اتلداوز عليه ،فانلا
ذلك« ،أال وإن حّم اهلل ُمارمه» يعين :ال تقربوها.
«أَل وإن يف اجلسد مضغة إذا صلحت صلح اجلسد َكه وإذا فسدت فسد
اجلسد َكه أَل وِه القلب».
يعين مقصود العمال الظاهرة من أجل إصالح القلب ،وإذا صلح القلب تصلح
األعمال الظاهرة ،فإذا رأيت اجلوارح فيها ضعف وفساد ،فاعلم أن القلب فيه فساد،
فإذا صلح هذا الفاسد يصلح ما ظهر منه ،وإذا اكن القلب يتغري ويتحرك بما حيدث
فيه من خمالفة أوامر أو يتنور باتباع الطااعت ،فهو قلب سيم قلب ألنه يتقلب مرة
ً
أبيض ،ومرة قد يكون فساد ،ومرة يكون أسود وهكذا ،فليحرص الشخص دائما أن
ً ً
يكون قلبه منريا؛ ذللك من داعء انلِب « :امهلل اجعل يف قلِب نورا»( ،)1واهلل
ىلع أحد يقول :ﮋ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ
()2
احلديث السابع
ااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
ً
«ادلين انلصيحة» ويف لفظ ثالثا ،هذا احلديث من أصول ادلين ،أي:
انلصيحة أصل من أصول اإلسالم ،وهذا مما يتمزي به اإلسالم عن غريه من
األديان ،فانلصح يف اإلسالم للك أحد من صغري إىل كبري ،أما يف غري اإلسالم فقد
ال يصل أحد إىل الكبري ،فيظهر ما يف قلبه مما يريده من نصح يف الطرقات ويف
الشعارات وغري ذلك ،اإلسالم إذا عندنا نصح تذهب للكبري ،وتذهب للصغري
« :ادلين انلصيحة» األلف والالم للعموم يعين :ادلين لكه تنصحه ،ذللك قال
مبناه ىلع انلصيحة ،فال نستطيع أن ننرش ادلين إال بانلصيحة ،وال يملك انلا
ادلين إال بانلصيحة.
وهذا احلديث ينقسم إىل قسمني :قسم نصح املرء نلفسه بإصالحها ،والقسم
ً
اثلاين إصالح غريه ،فيدب ىلع لك مسلم أن يصلح أوال نفسه ،ثم بعد ذلك ينفع
()2
غريه ،وهذا مذكور يف القرآن قال سبحانه :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ
هذا إصالح انلفس ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
قال ابن القيم : وقد دأب العقالء من قديم الزمان ىلع وجوب اتلأدب
مع الوالة ،فبالقول اللني احلسن واحلكمة ينصح سواء بقول أو بكتابة.
األمر اثلاين :مما جيب ادلاعء هلم ،وهلذا قال اإلمام أمحد :لو اكنت يل
دعوة مستدابة جلعلتها يف اإلمام ،فصالح اإلمام من صالح الرعية ،أو فيه
صالح الرعية.
واملراد بانلصيحة اإلخالص فيها والصدق ،فال يكون فيها يشء من الغش
وال اخلديعة وال احلسد وال املكر ،ذللك انلصيحة مأخوذة من نصح اليشء ،يعين:
خالصة وصافيه.
احلديث الثامن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعين هذا احلديث من أصول ادلين ،وهو اإلسالم يعصم املرء من استباحة
حىت يشهدوا أال هلإ إال اهلل دمه ،وقوهل « : أمرت أن أقاتل انلا
ً
وأن ُممدا رسول اهلل ويقيموا الصالة ويؤتوا الزاكة فإذا فعلوا ذلك» يعين :أدوا
أراكن اإلسالم.
«وحسابهم ىلع اهلل »يعين :أمر نيتهم يف إظهار اإلسالم إىل اهلل ،قد
يكونوا صادقني وقد يكونوا منافقني يف لكمة اتلوحيد ،فأنا أفوض أمرهم إىل
اهلل ،أعصم دمهم ،ال أقاتلهم إلظهار اإلسالم ،وحسابهم ىلع اهلل إن اكنوا اكذبني،
فاهلل حياسبهم ،وإن اكنوا صادقني فاهلل يثيبهم ىلع ذلك الفعل.
يف صحيح ابلخاري يف قصة أسامة بن زيد قال :رفعت السيف عليه فقال:
ال هلإ إال اهلل ،فقال« :أقتلته بعد ما قال َل هلإ إَل اهلل» قال :يا رسول اهلل! خاف من
بارقة السيف .قال« :أقتلته بعد ما قال َل هلإ إَل اهلل» قال :فسكت فقال انلِب
« :أقتلته بعد أن قال َل هلإ إَل اهلل» وهو يغضب ، قال أسامة:
فتمنيت أين لم أسلم إال تلك الساعة ،ما دخلت يف اإلسالم؛ ألين قتلت من تشهد
أىت بالشهادة.
ً
جمتهد يف ذلك ،ظن أنه ما فعل ذلك إال خوفا من وأسامة بن زيد
السيف ،فاملقصود أن من أىت بشعائر اإلسالم الظاهرة حيرم قتله ،حىت ولو أظهر
ً
ذلك نفاقا حيرم قتله ،أما إذا أظهر انلفاق وهو الكفر فهذا مباح ادلم ،يقتله
اإلمام .
27 شرح األربعني النووية
احلديث التاسع
َُ ُ َ َ َ ْ َ ُ َ َّ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ ْ َّ ْ َ ْ َ ْ
اَّلل يقول: ِ ول س ر ت عم ِ س :ال ق رخ عن أ ِيب هريرة عب ِد الرمح ِن ب ِن ص
َ ُ أ ُ َ أ َ َ أ ُ أ َ َّ َ َ أ َ َ أ َ ََ ُ ُ أ َ ََأُ ُ أ َأُ َ أَ ُ
«ما نهيتكم عنه فاجتنِبوهَُ ،وما أم أرتكم ب ِ ِه فأتوا مِنه ما استطعتم ،فإِنما أهلك
أ ()1 أ َ أ َ ُ ُ أ ََ َأ َ َّ َ أ َ أ ُ أ َ أ َ ُ َ َ
ْثة مسائِلِ ِهم واختِالفهم ىلع أنبِيائ ِِهم» . اذلِين مِن قبلِكم ك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ً
هذا احلديث أيضا من أصول ادلين ،وهو وجوب طاعة اهلل ورسوهل،
ذللك قال« :ما أمرتكم به من أمر فأتوا منه ما وانليه عن كرثة أسئلة الرسول
ً
استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» عندنا أوامر ونوايه ،أعظم إثما عند اهلل ترك
األوامر أعظم من اجتناب انلوايه ،فعدم امتثال إبليس ألن اهلل أمر بالسدود
ُ ً
أعظم إثما من أكل آدم للشدرة نيه عنها ،فأكل آدم الشدرة ،وهذا أمر بأمر ما
ً
امتثل ،فرتك األوامر أعظم إثما إذا اكن الشخص يستطيعها ،وإن اكن اجلميع فيها إثم،
ً
لكن عدم امتثال األوامر أعظم ،فمثال حىت يتبني لو عندك ابن قلت هل :أعطين
ماء ،رفض ،أعطين ً
ماء ،رفض ،وإال لو قلت هل :ال تتلكم اسكت أريد أن أقرأ ،فتلكم ً
فتقول كيف جاهل؟ أقول لك :ال تتلكم تتلكم وأنت متكرب ،أقول لك أعطين
ً
ماء ،ما تعطيين ،والكرب أسوأ من اجلهل ،فاملقصود من فضل اهلل؛ ألن األوامر يف تركها
إثم عظيم لم نؤمر إال بما نستطيعه« ،ما أمرتكم به من أمر فأتوا منه ما استطعتم»
واهلل يقول :ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ (« ، )1وما نهيتكم عنه فاجتنبوه»
تستطيع أو ال تستطيع جيب أن تستديب انليه ،تبتعد عنه ،ال تقول :وقعت يف الزىن،
ملاذا؟ ما استطعت ال ما فيه ،انليه جتتنبه ،أما األمر اذلي تستطيعه وهذا من فضل
اهلل.
«وإنما أهلك من اكن قبلكم كرثة أسئلتهم ىلع أنبيائهم» أو كرثة مسائلهم ىلع
ً
أنبيائهم يعين :يسألون عن أشياء إما أن تكون عنتا ،فيكون مشقة ىلع األمة يف
ترشيعها ،وإما أن يكون من باب االستكبار والعناد ،فيكون فيه إغضاب ذللك
ً ُ
مغضبا « :سلوا» واكن انلِب المرسل ،ذللك يف صحيح ابلخاري :ملا قال انلِب
ً
ىلع ركبتيه وقال :رضينا باهلل ربا فغطى احلابة رؤوسهم وهم يبكون ،فدثا عمر
ً ً
وباإلسالم دينا وبمحمد نبيا ،فقام حذافة فقال :من أيب؟ قال :أبوك حذافة ،فكرثة
ً
األسئلة ىلع األنبياء قد توقع ترشيعا يرض ىلع األمة؛ ذللك قال « :لو قلت نعم
لوجبت وملا استطعتم» وكذا اكن انلِب آثر عدم اخلروج يف صالة
الليل يف رمضان خشية أن تفرض عليهم ،قال« :ولكن خشية أن تفرض عليكم»
يعين :الرتاويح .
احلديث العاشر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومما يرتتب ىلع املكسب احلالل بإذن اهلل صحة اجلسد ،فكرثة األمراض
واألسقام من أسبابها -واهلل أعلم -عدم الكسب احلالل.
«إن اهلل طيب» فدل ىلع أن من أسماء اهلل أنه طيب ،فيدوز للشخص أن
يسيم عبد الطيب ،وجيوز للشخص أن يدعو باسم الطيب ،فيقول :يا طيب
ً ً
ارزقين ماال طيبا ،وهكذا ،وال يقبل من األعمال إال الطيب ،العمل اخلبيث
واليسء ال يقبله اهلل ،بل ال يرفع إيله ،وال يرفع إيله إال الطيب كما قال سبحانه:
ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ( )1أما العمل اليسء اخلبيث
فال يرفع إيله؛ ألنه طيب ،وال يصل إيله إال الطيب سبحانه.
«أمر املؤمنني بما أمر به املرسلني» يعين :أن اتللكيف اعم جلميع اخللق سواء
من املرسلني أو من غري املرسلني ،يعين :واجب ىلع اجلميع الكسب الطيب،
واحلذر من الكسب احلرام.
ْ َ َّ
اَّلل َ و َرحيَان ِت ِه ول لع بْن أَيب َطالب سبْط َر ُ
س ِّ
ْ
احل َ َسن بْن َ دمَع ْن أَيب ُُمَ َّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
()1 ُ ُ َ َ َ َ أ َ ُ ُ َّ ُ َ ْ ْ َ َ َ
اَّلل « دع ما ي ِريبك إىل ما َل ي ِريبك» .ول ِ ،قال :ح ِفظت ِمن رس ِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاطمة فيسّم السبط. السبط :ابن ابلنت فاحلسن ابن بنت انلِب
هذا احلديث من قواعد ادلين :أن الشخص يبتعد عما فيه ريبة ،وإن ابتعد
ً ً
املرء عما فيه ريبة أصبح دينه ساملا ،وعرضه ناصعا من عدم الوقيعة فيه ،ذللك
قال« :دع ما يريبك» يعين :دع ما تشك فيه ،واذهب إىل «ما ال يريبك» اذلي ال
تشك فيه ،وهذا حديث عظيم .
َ ٌ
يث َح َس ٌن َصح ٌ
يح. ايئ رقمَ ،]5711[ :وقَ َال ِّ ْ
الرت ِم ِذي :ح ِد (َ )1ر َو ُاه ِّ ْ
الرت ِم ِذي رقمَ ،]2520[:والنَّ َس ِ ي
ِ
33 شرح األربعني النووية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعين ساق املصنف هذا احلديث بليان أن إسالم املرء حيسن إذا ابتعد عما
ال يعنيه ،واملراد ما ال يعنيه :ما ال عناية هل به ختصه من أمر دنياه.
ومن أقوال السلف :من عالمات إعراض اهلل عن العبد أن يشغله بما ال
يعنيه ،وإذا اكن املرء ال يشتغل إال بما يعنيه يوفقه اهلل للصواب ،ذللك قال
الشافيع : صحبت الصوفية سنني فلم أستفد منهم إال الوقت اكلسيف إن لم
تقطعه قطعك ،قال :وانلفس إن لم تشغلها باحلق شغلتك بابلاطل ،ولك امرئ هل طاقة
ُمددة ،إن رصفت إىل ما ال يعنيه انشغل بما هو ملكف به ،فمن اشتغل بالوقيعة يف
أعراض املسلمني والغيبة وانلميمة أعرض عن ذكر اهلل وتالوة القرآن
واتلذلذ به ،ومن اشتغل باملعايص جبوارحه انشغل عن طاعة اهلل بالصالة وحنو ذلك،
ذللك جيب ىلع الشخص أن جيهد ويقرص نفسه ىلع ما فيه خري هل ومصلحة ،ذللك
قال« :احرص ىلع ما ينفعك واستعن باهلل» فاذلي ال ينفعك ابتعد عنه، انلِب
واذلي ينفعك مع حرصك عليه استعن باهلل ،وتولك عليه يف حتقيقه ،ذللك من وصايا
انلِب هذا احلديث« :من حسن إسالم املرء تركه ما ال يعنيه» فإسالم
املرء ال حيسن وال يرشف إال إذا ترك الشخص ما ال يعنيه .
َ َ انل ِّ
ِب قال:
َّ
اَّلل َ ع ْن َّ ول سمح َز َة أَنَس بْن َمالك َ خادمِ َر َُ ْ َ َْ
عن أ ِيب
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ ُ ُّ أ َ ُ أ ُ َ َ ُ ُ أ َ َّ ُ َّ َ
خي ِه ما ُيِب ِنلَف ِس ِه»(.)1«َل يؤمِن أحدكم حىت ُيِب ِأل ِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساق املصنف هذا احلديث؛ بليان وجوب سالمة الصدر للمؤمنني ،فال
ً ً ً
يكون املؤمن مؤمنا إال إذا اكن قلبه ُمبا لغريه ،مؤثرا هل ىلع نفسه.
«ال يؤمن» يعين اإليمان الاكمل؛ حىت حيب ألخيه املسلم ما حيبه نلفسه من
اخلري .
َ َ ُ ُْ َ
اري رقمَ ،]13[ :و ُم ْس ِل ٌم رقم.]45[ :
( )1رواه ابلخ ِ
35 شرح األربعني النووية
ُ أ َ َ ُّ َ ُ أ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ ْ ْ َ ْ ُ
اَّلل َ« ل ُيِل دم ام ِر ٍئ مسلِ ٍم يشهد أن عن اب ِن مسعود قال :قال رسول ِ
أ أ ُ َل هلإ إَل اهلل ،وأين رسول اهلل َّإَل بإ أح َدى ثَ َالث :اثلَّ ِّي ُب َّ
الز ِاينَ ،وانلَّفس بِانلَّف ِس، ٍ ِِ
أَُ ُ أ َ َ َ َ َّ ُ
ارق ل ِلجماع ِة»(.)1
ارك ِِلِين ِ ِه المف ِ
واتل ِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساق هذا احلديث بليان مىت تزول العصمة عن دم املسلم؛ ألن دم املسلم
معصوم ُمفوظ ال جيوز أن يهدر دمه ،وال يعتدي عليه جبدل أو رضب وحنو ذلك،
وكذا عرضه مصون من االعتداء عليه ،أو اتلفريق بينه وبني زوجته إن اكن
ً
مزتوجا ،وال تزول العصمة إال بثالثة أمور :اثليب الزاين ،وانلفس بانلفس،
واتلارك دلينه املفارق للدماعة ،بإحدى ثالثة أمور.
وبدأ بما يكرث وقوعه ثم ما هو أقل ،فأكرث ما يقع يف هذا احلديث من هذه
األمور الزىن -والعياذ باهلل ،-قال« :اثليب الزاين» يعين املحصن الزاين ،واملراد
باملحصن :من وطئ امرأته يف فرج يف عقد نكاح صحيح ،فإذا فعل الرجل أو
املرأة تلك الفعلة وهما ُمصنان أو أحدهما ُمصن ،فاملحصن منهما يقتل ،كيفية
. القتل الرجم باحلدارة كما رجم ماعز
ُ ً
األمر اثلاين :انلفس بانلفس يعين :القتل ،فمن قتل نفسا معصومة قتل.
َ َ ُ ُْ َ
اري رقمَ ،]6878[ :و ُم ْس ِل ٌم رقم.]1676[ :
( )1رواه ابلخ ِ
شرح األربعني النووية 36
واألمر اثلالث :اتلارك دلينه املفارق للدماعة« ،اتلارك دلينه» يعين :اذلي
ارتد عن دين اإلسالم وفارق مجاعتهم ،فمن ارتد عن اإلسالم فقد حل دمه
-والعياذ باهلل -وماهل فيقتل ردة وماهل يصادر منه.
37 شرح األربعني النووية
َ َ َ أ َ َ ُ أ ُ َ َّ َ أ َ أ أ
ِ َ َّ َ ُ َ َّ َ ْ َ َََُْ
خ ِرِ اْل م واَلو َّلل
ِ ِ ا ب ِنم ؤ ي ن َك ن م « :ال ق اَّلل
ِ ول س ر ن أ ة عن أ ِيب هرير
َ أ تَ ،و َم أن ََك َن يُ أؤم ُِن با َ ََّّللِ َو أاَلَ أو ِم أاْلخر َفلأ ُي أكر أم َج َ َأَُ أ َ أً َأ َ أ ُ أ
ارهَُ ،ومن ِ ِ ِ ِ فليقل خريا أو َِلصم
َأُ أ أ َ أَ ُ َ َ ُ أ ُ َ َّ َ أ َ أ أ
خ ِر فليك ِرم ضيفه»(.)1 اَلو ِم اْل َِكن يؤمِن بِاَّللِ و
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساق هذا احلديث بليان وجوب حفظ اللسان عما ال ينفع ،وحفظ اللسان
من أصول رشع هذا ادلين ،ورتب اهلل ىلع من حفظ لسانه بالفردو
إىل أن قال :ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ()2
األىلع ،ﮋ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ
ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ(. )3
َ َ ُ ُْ َ
اري رقمَ ،]6018[ :و ُم ْس ِل ٌم رقم.]47[ :
( )1رواه ابلخ ِ
( )2سورة املؤمنون.3 :
( )3سورة املؤمنون.11-10 :
( )4سورة املؤمنون.3 :
( )5سورة الفرقان.72 :
( )6سورة القصص.55 :
شرح األربعني النووية 38
من باب أوىل ،وانلِب هنا قال« :من اكن يؤمن باهلل وايلوم اآلخر
خريا أو يلصمت» ال يتلكم إال فيما ينفعه ،قال سبحانه :ﮋ ﭿ ﮀ فليقل ً
َ َّ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ( )1ومن كرث الكمه يف ما ال ينفعه ،قل
َّ
ذكره هلل سبحانه ،ولكما اطمأن الشخص إىل اخللق استوحش من اخلالق ،ولكما
قرب من اهلل اطمأنت نفسه إيله ،وانرشح صدره هل سبحانه ،واهلل أمر باذلكر
ً
كثريا :ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﮊ( )2وقال:
ﮋﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
يعين يف لك وقت اذكروا اهلل ،فإذا أكرث املرء ﮊﮋﮌ ﮍﮎﮊ
()3
من ذكر اهلل ،صان اهلل لسانه عما ال يعنيه ،وما أوقع من أوقع يف متاهات وقتل أو
تعزير وغري ذلك إال بسبب فرط اللسان ،واللسان هو مغراف القلب ،فإذا اكن
ً
القلب للمرء سليما لم خيرج منه إال السليم ،واهلل ذكر من صفات أهل
اجلنة :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ( )4فأصحاب اجلنة ال يتلكمون إال بالالكم
ً
«لم يكن فاحشا وال متفحشا» وإنما الطيب ،ويف صحيح مسلم أن انلِب
اكن الكمه حياء .
«ومن َكن يؤمن باهلل واَلوم اْلخر فليكرم جاره ومن َكن يؤمن باهلل واَلوم
اْلخر فليكرم ضيفه».
ً
هذا أيضا من أصول ادلين وهو من إكرام اجلار بل قال « : ما
األمر اثلاين من حقوق اجلار :كف األذى عنه ،ال تؤذيهم بأي وسيلة من
الوسائل.
ً ً
األمر اثلالث :اإلحسان إيله ،حىت ولو اكن اكفرا حتسن إيله ،وإذا اكن مسلما
ً
حتسن إيله جلريته وإسالمه ،وإذا اكن قريبا لك حتسن إيله جلريته وإسالمه
وقرابته ،واالعتداء ىلع اجلار ذنبه مضاعف ذللك انلِب قال« :أن
تزِن حبليلة جارك»( ،)1ويف احلديث اآلخر« :من زىن جباره فكأنما زىن بأمه»
واحلديث صحيح.
كذلك إكرام الضيف ،مما جاء به اإلسالم وهو من خصال األنبياء ،ذللك
ملا دخل عليه ضيفان اثنان ظن أنهما من البرش ،وهما من إبراهيم
املالئكة ،جاء بعدل سمني حنيذ ،فقدمه إيلهم وقال :أال تأكلون ،اثنان ذبح هلما
ً ً
،وهكذا جيب ىلع املسلم أن يكون كريما بماهل ،أو عدال ،هذا من كرمه
أخالقه ،أو جاهه ،أو بمنة غريه ملا حيتاج إيله ،وانلِب كما قال
ً ً
جابر :اكن أجود انلا ،اكن كريما ،وما يضع يف يده شيئا ،بل اكن يستدين يلعطي
اآلخرين ،قال بل قال« :لو اكن عندي مثل جبل أحد ما مىض عليه ثالث يلال
( )1احلديث رواه ابليهيق عن عبداَّلل بن مسعود ،السنن الكربى 8/18؛ وصحيح ابن حبان [.]4416
شرح األربعني النووية 40
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوهلَ« :ل تغضب» أي :ال تتعرض ملواطن الغضب فتغضب ،وإال فالغضب قد
يكون جبلة ،وضد الغضب احللم ،ووصف اهلل إبراهيم باحللم وأثىن عليه
يقولون: بذلك فقال :ﮋﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮊ( )2وملا اكن ايلهود يأتون انلِب
السام عليكم ،يعين املوت عليكم ،فاكن انلِب يقول« :وعليكم»
فغضبت اعئشة ،فقال « : ألم تسميع ما قلت هلم» ،ثم قال هلا« :إن
الرفق ال يكون يف يشء إال زانه وال نزع من يشء إال شانه» ،وهكذا إذا رأيت
ً ً َ ْ ً
الرجل غري حليم جتد فيه شينا ،وإذا رأيته حليما وجدت فيه َزيْنا بسبب الرفق.
َ َ ُ ُْ َ
اري رقم.]6116[ :
( )1رواه ابلخ ِ
( )2سورة هود.75 :
شرح األربعني النووية 42
ً
فإذا قال الشخص كيف أكون حليما ؟
ي
باتلحلم ،يعين :إن حدث موقف احبس نفسك عن الغضب ،ثم بعد ذلك
يكون هذا جبلة لك ،وقد أثبت الطب أن كظم الغيظ يقوي عضلة القلب،
ً
واإلسالم أمر بذلك من قبل بعدم الغضب ،أما الغضب فهو حيدث أرضارا يف
اجلسد.
يف صحيح مسلم أثىن ىلع أشدع بن عبد القيس وقال« :إن فيك خلصلتني
حيبهما اهلل ورسوهل احللم واألناة» ،يكفيك أن انلِب أىت أعرايب
إىل مسدده فبال ،يبول يف املسدد انلبوي ،فزجره الصحابة ،وانلِب حليم قال:
«دعوه حىت يقيض بوهل» فلما قىض بوهل ،داع بسدل من ذنوب فأهرق عليه املاء،
ويبول يف،ه يقيض حاجته فيه ،ما
هذه قمة احللم ،أعرايب يأيت مسدد انلِب
ي
نهره وال عنفه ،وال قطع عليه بوهل ،قال أكمل بولك .
43 شرح األربعني النووية
اَّلل َك َتبَ
َّ َّ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َّ ْ َ
اَّلل قال« :إن
ول ِعن أ ِيب يعىل شدا ِد ب ِن أو عن رس ِ
ِّ أ َ َ أ أ َ َ َ َ ُ ِّ َ أ َ َ َ َ أ ُ أ َ َ أ ُ أ أ َ َ َ َ َ َ أ ُ أ َ أ ُ
َ
اإلحسان ىلع ُك َش ٍء ،فإِذا قتلتم فأح ِسنوا ال ِقتلة ،وإِذا ذِبتم فأح ِسنوا اذلِبة، ِ
ُ َ َ َ أ أ ُ َ أ َ أ ُ ُ َ َ
َو أَلُحد أحدكم شف َرتهَ ،ول ُ
َّ
ريح ذبِيحته»(.)1 ِ ِ
ِّ
ساق املصنف حديث شداد؛ بليان وجوب اإلحسان للك خملوق،
ِّ
فاإلحسان اعم للك أحد؛ ذللك قال « : ويف ُك كبد رطب ٍة أجر»
ً
لإلحسان بالقتل واذلحبة ،ثم بني كيف يكون اذلبح مثال ،فقال: ومثل انلِب
«فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ،وإذا ذحبتم فأحسنوا اذلحبة ،ويلحد أحدكم شفرته،
ولريح ذبيحته» فليحسن القتلة فيما يقتل ،مثل :ريم الطري أحسن إيله ،فنىه
ً
اإلسالم عن رميه حبدر ،وجيب أن يكون الريم بمحدد يلقتله ،فريم الطري مثال
بمحدد أو زجاج يتأذى منه حني القتل ونىه اإلسالم عنه.
«وإذا ذبح أحدكم فليحسن اذلحبة» يعين :مما يُذبح اكلشاة أو الطيور ،إذا
أراد أحد أن يذحبها ويه يف قبضته يلحسن اذلحبة يعين :ال تعذب حني اذلبح،
ماذا أصنع ؟
«ويلحد أحدكم شفرته» يعين :السكني تلكون حادة ئلال تتأذى ابلهيمة.
«ولريح ذبيحته» إذا اكنت حادة ،وإذا اكن هذا يف ابلهائم من ادلواب
والطيور وحنوها ،فدل ىلع أن اإلحسان لإلنسان أعظم وأوىل ،بل إن اإلحسان إىل
« :ويف لك كبد رطبة الاكفر بالصدقة جائز ،ويؤجر الشخص عليه ،لقول انلِب
أجر» أما الزاكة فال جيوز دفعها إال للمسلم ،فبقدر ما يمكن للشخص أن حيسن
إىل اآلخرين فليحسن إيلهم؛ ألن ما أوتيت من اإلحسان من مال أو جسد أو قوة
أو قدرة ىلع نفع هذه ال تدوم تزول وتعطى مدة ُمدودة لك ،تبتىل هل حتسن فيها
إىل اآلخرين ،ثم تزول عنك .
45 شرح األربعني النووية
َ ْ َ َ ٍّ ُ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ ْ َّ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َّ
اَّللُ عن أ ِيب ذر جند ِب ب ِن جنادة ،وأ ِيب عب ِد الرمح ِن معا ِذ ب ِن جبل ر ِِض
َ َ أ أ َّ ِّ َ َ أ َ َ َ َ َّ َ َ أ ُ َ ُ أ َّ َ َ َّ َُْ َ َ ْ َُ
اَّلل قال« :ات ِق اَّلل حيثما كنت ،وأتبِع السيئة احلسنة ول ِ عنهما ،عن رس ِ
َ ُُ َ َ َ أ َأ ُ َ
تمحهاَ ،وخال ِق انلَّاس ِخبل ٍق حس ٍن»(.)1
ساق املصنف احلديث بليان وجوب مراقبة اهلل وحسن اخللق ،ومن
أذنب فليتب.
قال« :اتق اهلل حيثما كنت» واملراد بتقوى اهلل يعين :عذاب اهلل ،يلكن
حاجزا ً
مانعا من هذا العذاب ،ال يأيت إيلك. ً بينك وبينه
بم أمنعه؟ بالطااعت واجتناب السيئات ،فالعذاب قادم إيلك ،لكن امنعه
بما ذكر ،وامنعه يف أي ماكن كنت ويف أي زمان رصت ،يلل نهار ،يف أي ماكن
إىل أنظمة، به ،ملا احتاج انلا راقب ربك ،وهذا حديث لو عمل انلا
وال احتاجوا إىل تعزير ملن خيالف ذلك ،فمن اتىق اهلل سار ىلع اجلادة.
ً
«وأتبع السيئة احلسنة تمحها» يعين :إن فعلت ذنبا ،ويف صحيح مسلم انلِب
يقول« :إين ألتوب إىل اهلل يف ايلوم أكرث من مئة مرة» وقال عن
إبراهيم :ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮊ( )2يعين :ارجع إىل اهلل يف لك حني يتوب إىل
اهلل ويستغفره.
ََ َ َ ٌ
يث َح َس ٌنَ ،ويف َب ْعض الن َسخَ :ح َس ٌن َصح ٌ (َ )1ر َو ُاه ِّ ْ
يح. ِ ِ ِ ِ الرت ِم ِذي رقم ]1987[ :وقال :ح ِد
( )2سورة هود.75 :
شرح األربعني النووية 46
جيهل معىن اتلوبة ،فيظن أن قال ابن القيم ( : وكثري من انلا
اتلوبة ال تكون إال بعد ذنب ،وما علم أن اتلوبة عبادة).
واتلوبة ليست عن ذنب فحسب ،بل حىت عن ترك واجب ،وإذا فكر
ً
اإلنسان يف نفسه ،كم من واجب تركه من إاعنة املسلمني مثال ،وتفريج
َّ
كروبهم ،وإاعنة الفقراء واألرامل ،ونرش العلم وهكذا ،فمن قرص يف ذلك حيتاج
()1
إىل اتلوبة؛ هلذا اهلل يقول :ﮋ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ
وانلِب اكن يكرث من اتلوبة ،فيه عبادة ،ال تدع هذه العبادة ال
ً ً
تطرقها إال بعد ذنب ،وإنما كن دائما مالزما هلذه العبادة؛ ألنها حتط السيئات،
ً
فمثال تقول :يا رب تب لع ،يا رب تب لع ،واكن انلِب يقول:
«رب اغفر يل وتب لع إنك أنت اتلواب الرحيم».
خبلق حسن» :انلِب قال« :وأنا ضامن ببيت يف «وخالق انلا
أىلع اجلنة ملن حسن خلقه» وال يكمل إيمان عبد إال إذا اكنت أخالقه اعيلة؛ ذللك
ً
يف املحرش هو يقول :أحاسنكم أخالقا وأقرب انلا إىل انلِب اكن انلِب
من حسن خلقه ،وحسن اخللق تقتيض البشاشة ،وبذل املعروف ،وكف األذى ،واهلل
وصف انلِب بقوهل :ﮋﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ(.)2
«يا غالم إين أعلمك َكمات» :لكمات لكنها قواعد يف ادلين عظيمة.
ذللك ابن اجلوزي يقول( :ملا قرأت هذا احلديث كدت أن أطيش) يعين:
ََ َ َ ٌ
يث َح َس ٌن َصح ٌ (َ )1ر َو ُاه ِّ ْ
يح. ِ الرت ِم ِذي رقم ]2516[ :وقال :ح ِد
شرح األربعني النووية 48
«احفظ اهلل ُيفظك» يعين :احفظ اهلل بالطااعت واجتناب املعايص ،وحبفظ
اهلل حيفظك ،إذا حفظت اهلل اهلل حيفظك من الرشور واآلفات ،ومن كدر الرزق،
وييرس لك األمور ،ويفتح لك أبواب السعادة.
«احفظ اهلل َتده َتاهك» يعين :إذا حفظت اهلل جتد ربك ييرس لك
مجيع األمور.
َْ ُ
«إذا سألت فاسأل اهلل» :ال تدع غري اهلل ،واهلل يقول :ﮋ ﯔ ﯕ
وقال: ()2
وقال :ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ ()1
ﯖﯗﮊ
ومن كرم اهلل أنه يف لك يللة يزنل ويقول :من يسألين ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﮊ
()3
فأعطيه.
«وإذا استعنت فاستعن باهلل» وحده وال تستعن بأحد غريه فيما ال يقدر
عليه سواه ،ومن استعان باهلل أاعنه اهلل سبحانه.
«واعلم أن األمة لو اجتمعت ىلع أن ينفعوك بَشء لم ينفعوك إَل بَشء قد
كتبه اهلل لك» :يعين أن األمر لكه بيد اهلل ،كما قال سبحانه :ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ ﮊ( )4وقال سبحانه :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ( )5وقال يف اآلية األخرى :ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
«وجفت الصحف» بما كتبت هذه حقيقة ،ىلع أن لك يشء مكتوب ،فما
كتب لك سيأتيك ،حىت وأنت تأكل الطعام ،حبة الطعام اليت كتبت لك ما يأكلها
من جبانبك ،وما كتب لصاحبك أنت ال تستطيع أن تأكلها ،فرزقك مما كتب اهلل
ً
حافظ هل ،إذا ال تهتم بالرزق فاهلل هو اذلي يتكفل به ،وهو اذلي كتب
رزقك وأنت يف بطن أمك.
«تعرف ىلع اهلل يف الرخاء يعرفك يف الشدة» يعين :إن عبدته وأنت غري
مكروب ،ثم حدثت شدة اهلل ،هو اذلي يفرحك يف الشدة ،يفرج عليك شدتك؛
ذللك قال سبحانه :ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ قبل كربته أو حال كربته ﮋ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ
وقال سبحانه: ()2
ﯸ ﮊ( )1وقال سبحانه :ﮋ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ
ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮊ( )3يعين :يسهل عليك الرزق.
يعين :إذا اشتد الكرب الح الفرج ومن قوهلم ما بعد شدة ظالم الليل سوى
طلوع الفدر فإذا اشتدت عليك الكروب وتكابلت عليك اهلموم فاعلم أن هذا
إيذان بقرب الفرج وأن مع العرس يرسا ،إذا حدث لك أمر عسري فاعلم أن بعده
اليرس كما قال سبحانه :ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﮊ( )3فهنا عرس بني
عرس يرسين يعين معىن اآلية ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ مع هذا ٌ يرسين ذللك لن يغلب
ً
العرس يرسا ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﮊ هذا يرسا آخر فعندنا يرسان وعرس واحد فاليرسان
املفتوحان أرحب وأوسع وأقوى من العرس الواحد يعين ال حتزن ىلع ما يصيبك من
ادلنيا واعلم أن الكرب يزول وأن العرس بإذن اهلل يتحول إىل يرس لك ذلك بتقوى
اهلل ومناجاته واالبتهال إيله بتفريج الكرب.
احلديث العشرون
َ َ َ َ َ ُ ُ َّ ْ َ ْ َ ِّ ْ
ابل ْدر ِّ َ ْ ُ ْ َ َ
اَّلل
ِ ول سر الق :الق ي ِ
َ اري
األنص ِ ع ْن اب ْ ِن َم ْس ُعود عقبَة ب ْ ِن عمرو
()1 ُ َّ ْ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ َّ َّ َ ْ َ َ َّ ُ ْ َ َ
« إن ِمما أدرك انلا ِمن الكمِ انلبو ِة األوىل :إذا لم تست ِح فاصنع ما ِشئت» .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
َ َ ُ ُْ َ
اري رقم.]3483[ :
( )1رواه ابلخ ِ
53 شرح األربعني النووية
ً ً
فإذا رأيت رجال أو امرأة تستيح ،إذا رأيت رجال يستيح من إظهار عورته،
أو امرأة تستيح من كشف وجهها ،فهذا حياء ُممود ،ويف احلديث« :إن مما أدرك
يأتيهم يشء من بقايا وحكم وويح انلاس من الكم انلبوة األوىل» يعين أن انلا
الرسل املتقدمنيِّ ،
فمما أدركوه «إذا لم تستيح فاصنع ما شئت».
وهذا من باب الزهد واتلوبيخ ،يعين :إذا كنت ما تستيح افعل هذا اليشء،
يعين :استيح وال تفعل هذا اليشء ،يعين :لو خرج رجل وهو يستمع املعازف
قال « :إذا لم تستح فاصنع ما ويؤذي اخللق ،نقول :هذا ما يستيح؛ ذللك انلِب
شئت» لزوال احلياء منك.
شرح األربعني النووية 54
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساق املصنف هذا احلديث؛ بليان وجوب االستقامة ىلع ادلين ،وهذا أصل
عظيم ،اهلل أمر مجيع املسلمني أن يدعو ربهم يف ايلوم سبع عرشة مرة ،بما
يقتضيه هذا احلديث يف قوهلم ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ( )2وذللك قال :قل يل يف
ً ً ً
اإلسالم قوال ،سفيان بن عبداَّلل يقول :قل يل يف اإلسالم قوال ال أسأل عنه أحدا
بعدك ،يعين :قل يل الكم يكفيين أسري عليه ،عطين قاعدة.
تمسك برشع هذا ادلين واهلداية ،إما أن تكون من «ثم استقم» يعينَّ :
ً
الرصاط املعوج إىل طريق السبيل ،أو من اكن مهتديا يدعو ربه باثلبات عليه،
ً
فقوهل ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ من اكن مسلما يا رب ثبتين عليه.
َ َّ َ ُ ً َ َ َ َ ُ َ ِّ َ َ ْ َ َ ْ َّ َ ْ َ ْ َّ ْ َ ْ
« :أن رجال سأل رسول اري اَّلل األنص ِ
اَّلل جابِ ِر ب ِن عب ِد ِعن أ ِيب عب ِد ِ
َ َ ْ ْ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ َ َّ ْ اَّلل َ ف َق َال :أَ َرأَي ْ
َّ
اتَ ،و ُصمت َر َمضانَ ،وأحللت احلَالل، ِ
كتُ َ
وب م ال ت ي ل ص ا إذ ت ِ
ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َّ َ َ َ َ َ أ ْ
امَ ،ول ْم أ ِزد َىلع ذلِك شيئًا؛ أأدخل اجلَنة؟ قال :نعم»(.)1 َو َح َّرمت احلر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
َ َ َ َ َ ُ ُ َّ َْ
األ ْش َعر ِّ احلَارث بْن َ ْ َع ْن أَيب َ
اَّلل ِ ول سر الق :ال ق ي ِ م ص
ِ اع ِ ِ ِ ك ِ لا م ِ
َ أ َ أ ُ َّ َ أ َ ُ أ َ َ َ ُ أ َ َ َّ َ أ َ أ ُ َّ َ أ َ َّ ُ ُ َ أ ُ أ َ
ان ،واحلمد َِّللِ تمَل ال ِمزيان ،وسبحان اَّللِ واحلمد َِّللِ تمَل ِن اإليم ِ «الطهور شطر ِ
ْب ِض َياءٌ، َ َّ َ ُ ُ ٌ َ َّ َ َ ُ ُ أ َ ٌ َ َّ
الص أ ُ َ أ َ أ َ ُ َ َ أ َ َّ َ ِ َ أ أ
َ
-أو :تمَل -ما بني السماء واألر ِض ،والصالة نور ،والصدقة برهان ،و
ُ َ ()1 َأ ُ ََ ٌ َأ َ ُ َُأ ُ َ َأ ُ َّ ُ ُّ َ أ ُ أ ُ ُ َّ ٌ َ َ أ َ َ أ
اس يغدو ،فبائ ِع نفسه فمعتِقها أو موبِقها» . والقرآن حجة لك أو عليكُ ،ك انل ِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«واحلمد هلل تمأل املزيان» تمأل املزيان وإن اكنت لكمة يسرية لكنها عظيمة
وأول لكمة ()2
عند اهلل ،وأول آية يف كتاب اهلل ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮊ
يتلكم بها أهل اجلنة ﮋ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ( )3ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
وملا فرغ اهلل من خلق الكون قال :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ()4
ﮎﮏﮐ ﮊ
«وسبحان اهلل واحلمد هلل تمآلن أو تمأل ما بني السماء واألرض» لعظمتها،
يقول« :من قال سبحان اهلل العظيم وحبمده غرست لعظمة هذه اللكمة ،وانلِب
هل خنلة يف اجلنة» وقال« :من قال سبحان اهلل وحبمده سبحان اهلل العظيم مئة مرة
حطت عنه خطاياه وإن اكنت مثل زبد ابلحر».
«والصالة نور» يعين :والصالة نور ىلع نور ،نور يف القلب ،ونور يف الوجه ،اهلل
أكرب ذللك اذلي يصيل ترى انلور عليه ،ويزيد هذا انلور يف صالة الليل ملن يقوم
الليل ،يعين :يظهر نور الوجه ملن يقوم الليل.
«والصدقة برهان» يعين :ديلل ىلع اإليمان؛ ألن املنافق ال يظهر صدقة خمفية
لعدم إيمانه ،وإنما يرايئ بأفعاهل ،أما املتصدق اذلي خيّف صدقته هذا املؤمن فقط،
وإذا عظم اإلخالص فيها أظل اهلل العبد حتت ظل عرشه« ،تصدق بصدقة
فأخفاها حىت ال تعلم شماهل ما تنفق يمينه».
«والصرب ضياء» الصرب ضياء يعين :اعقبته خري ،وييضء للعبد بإذن اهلل ما
يريده ،ويكّف يف الصرب أن اهلل مع الصابر ،وإذا اكن اهلل معه فليبرش بكل خري،
هذا صنفا انلا :إما أن يعتق نفسه من انلار ،وإما أن يقع فيها ،كما قال
سبحانه :ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮊ( )2وهذه حال انلا ،قال سبحانه:
ﮋ ﮠ ﮡ ﮊ( )3هداية وضاللة ،وإذا اكن األمر كذلك يلدع اإلنسان ربه
َ َ ً
املصطفني األخيار. كثريا بأن جيعله من عباده
«فبائع نفسه» إما هلل ،أو للشيطان ،فمعتقها بائعها هلل ،فيعتقها «أو موبقها»:
بايعها لغري اهلل لدلنيا أو لغريها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساق املصنف هذا احلديث؛ بليان وجوب اتلعلق باهلل ،وفقر العبيد إيله،
وغناه اتلام عن مجيع خلقه ،فقال« :يا عبادي إين حرمت الظلم ىلع نفيس
ً
فهو سبحانه ما يظلم أحدا ،إن عملت حسنة أعطاك إياها ،وإن عملت
سيئة دون الرشك إن شاء جازاك اعقبك عليها ،وإن شاء غفر لك ،وهنا قال:
«حرمت الظلم ىلع نفيس» وهو سبحانه الكبري العظيم الغين الطيب ما يظلم
ً
أحدا ،وليس هل حاجة إىل اخللق حىت يظلمهم ،فهو يف غىن تام عن عبادتهم ﮋ ﭺ
قال« :وجعلته ()9
ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ( )8وقال :ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮊ
بينكم ُمرما فال تظاملوا».
قال ابن اجلوزي وقد قضت سنة اهلل أن العبد ال يظلم إال من هو
دونه وإذا اكن الشخص يتسلط ىلع الضعيف فهو سبحانه قد وعد بنرصة ذلك
بل إن اهلل املظلوم قال ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ
()1
ً
املظلوم دعوته مستدابة وإن اكن اكفرا قال يف ابلخاري
ومسلم واتق دعوة املظلوم فإنه ليس بينها وبني اهلل حداب قال ابن عقيل
ويستداب للمظلوم برسعة للحديث السابق بل لو لم يدع املظلوم ىلع
ظامله اهلل ينترص هل وادليلل قصة أصحاب البستان يف سورة القلم ﮋ ﭣ
ﭤﭥﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯﭰﭱ ﭲﭳ
ﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺ ﭻﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ
يعين أنهم بيتوا يف الليل أن يأتوا صباحا إىل البستان ويأخذوا ()2
ﮅ ﮆ ﮇﮊ
ثمره يلحرموا الفقراء منه وأحرق بستان أوئلك اذلين قصدوا حرمان الفقراء من
ما حقهم هلذا الشخص يبتعد عن الظلم ألن عقوبته اعجلة كما قال انلِب
من ذنب أجدر أن يعدل هل العقوبة من ابليغ يعين الظلم وقطيعة الرحم واكن
لكما خيرج من املزنل يدعو بعدم الظلم امهلل إين أعوذ بك أن أضل أو انلِب
أضل أو أظلم أو أظلم أو أذل أو أذل أو أذل يا عبادي لككم ضال إال من هديته
فاستهدوِن أهدكم يعين لككم ُمتاجون إىل اهلداية فمن لم يهتد فهو ضال
لككم ضال إال من هديته كما قال سبحانه ووجدك ضاال فهدى يعين ووجدك
غري اعلم بالكتاب فهداك اهلل إيله وقلنا هذا يلوافق حديث لك مولود يودل ىلع
عليها فاستهدوِن أهدكم يعين الفطرة وقوهل سبحانه فطرت اهلل اليت فطر انلا
اطلبوا هداييت لِك أهديكم إيلها.
يعين أنتم الفقراء لع« ،لككم جائع إال من أطعمته فاستطعموِن» اطلبوا
الرزق أطعمكم ،فإذا قيل :اهلل تكفل بالرزق فهل يلزم أن ندعو اهلل؟
نقول :نعم ،اهلل تكفل بالرزق ،لكن تدعو اهلل بيرسه وحالهل ،وفتح أبوابه.
يدل ىلع وجوب الرجوع إىل اهلل يف لك حني ،وطلب املغفرة منه سبحانه.
«يا عبادي إنكم لن تبلغوا رضي فتُضوين ولن تبلغوا نفيع فتنفعوين»
«يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم َكنوا ىلع أتَق قلب
ً
رجل واحد منكم ما زاد ذلك يف مليك شيئا»
يعين اهلل غين عن عبادة اخللق ،حىت غين عن املالئكة ،إذا أمرك
بطاعة ال تظن أن اهلل ُمتاج إيلها ،ال ،أنت املحتاج إيله سبحانه ،قال :
ﮋ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ
فأنت اذلي حتتاج إيله؛ ألنه اذلي بيده اخلري والرش ،وانلفع ()1
ﰆ ﰇﮊ
والرض ،وأنت ليس بيدك يشء.
«يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم َكنوا ىلع أفجر قلب
ً
رجل واحد منكم ما نقص ذلك من مليك شيئا»
ً ً ً
ُمتاجا للخلق أصال ،وليس ُمتاجا ألن فدوركم ال يرضِن؛ ألنه ليس
ً
للعرش ،وليس ُمتاجا للمالئكة ،وإنما خلق هذه األشياء من املالئكة
والسماوات واألرض؛ ليستعني بها العبد ىلع طاعة اهلل ،قال : ﮋ ﰄ ﰅ ﰆ
ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﮊ( )2يعين :تلعبدوه ،وإال فهو القائل :ﮋ ﭺ ﭻ
ً
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ( )3يعطيكم أجرا
عليه.
يعين :هذا يدل ىلع غىن اهلل اتلام ،وىلع رزقه الواسع ،فلو مجيع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ال زال اإلمام انلووي يذكر األحاديث اليت اشرتط أن يكون عليها
مدار ِّ
ادلين ،وساق حديث أيب ذر هنا؛ بليان تنوع طرق اخلري ،وأنها ليست
صدقات األغنياء ،حيث مقصورة ىلع فئة معينة ،فلما اشتىك الفقراء للنِب
أنهم ُحرموا من املال ،فظنوا أنهم ُمرومون من أجر الصدقة ،ادلثور :أهل املال
ذهبوا باألجور لكونهم يتصدقون.
يعين هذه األعمال بدنية ،نقوم بها كما يقوم األغنياء ،ولكن سبقنا
األغنياء بابلذل.
يعين :وال نتصدق ،فكأنهم ظنوا أنهم ُمرومون من األجر ،وأن درجاتهم يف
اجلنة ليست بعايلة.
«ولك تكبرية صدقة ،ولك تهليلة صدقة ،وأمر بمعروف صدقة ،ونيه عن
منكر صدقة»
يعين :إتيان الزوج زوجته فيه أجر ،واملقصود بابلضع يعين :الفرج.
قالوا :يا رسول اهلل أيأيت أحدنا شهوته ويكون ِل فيها أجر ؟
فقال« :أرأيتم لو وضعها يف حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها يف
احلالل َكن ِل أجر» .
يعين :إن أىت امرأة ُمرمة عليه إثم ،فإذا وضعها يف حالل يؤجر عليه ،وهذا
ً
من فضل اهلل وكرمه ،حيث إن الرجل يفعل أمرا فيه منفعة ،ويؤجر عليه،
ً ً
وفيه أيضا حث ىلع اتلعفف من احلرام؛ ألن املرء يكسب فيه إثما ،وعليه
ً
باحلالل يكسب فيه ثوابا .
69 شرح األربعني النووية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«لك سالَم من انلا عليه صدقة» يعين :السالَم مفصل لك عظم ،ويف
ً
اإلنسان كما قال 360 مفصال ،ولك مفصل يف اإلنسان يتحرك،
عليه هذه نعمة جيب فيها الشكر لك يوم؛ ذللك قال« :لك سالَم من انلا
صدقة» يعين جيب أن تشكر اهلل بالصدقة عن نعمة املفاصل اليت تتحرك
يف جسدك.
يعين من األعمال اليت تشكر ما أنعم اهلل به جسدك من انلعم اإلصالح بني
يف هذا احلديث من صدقة ،وما ذكره انلِب انلا ،فإذا أصلح الشخص بني انلا
فيه صدقة ،ذللك اهلل يقول :ﮋﭒ ﭓ ﭔ باب اتلمثيل ال احلرص ،فاإلصالح بني انلا
َ َ ُ ُْ َ
اري رقمَ ،]2989[ :و ُم ْس ِل ٌم رقم.]1009[ :
( )1رواه ابلخ ِ
شرح األربعني النووية 70
كذلك أنك تعني غريك بهذه املفاصل ،هذه من شكر نعمة املفاصل.
هذه من باب شكر القدمني بما أنعم اهلل عليك بهما نعم.
ما هو الرب؟ يعين مجاع اخلري ،قال« :الرب حسن اخللق» يعين :اذلي جيمع
اخلري ،هو حسن اخللق ،وحسن اخللق سواء مع ربك أو مع اخللق ،مع اهلل
بالفرح بامتثال أوامره ،إذا أمرك بالصالة تقوم وأنت مرسور هلا؛ ألن اهلل أمرك،
وتتلو كتاب اهلل وأنت مرسور؛ ألن اهلل أمرك ،فهذا من حسن اخللق مع اهلل
، وحسن اخللق مع البرش :بذل انلدى ،وكف األذى ،وطالقة الوجه ،الرب
فحسن خلقك ،وانلِب يقول« :أنا ِّ حسن اخللق ،إذا أردت اخلري
ضامن ببيت يف أىلع اجلنة ملن َح ُسن خلقه».
«وكرهت أن يطلع عليه انلا » يعين :ختىش أن انلا إن عرفوا عنك ذلك
ً ً
الفعل أن يكرهوك ،فإذا اكن ذلك كذلك ،فهذا إثم ،فمثال :لو أن شخصا اكتسب
ً
ماال من أمر مشتبه فيه ،وأنت مرتدد حالل حرام ،أخىش أنه حرام ،هذا إثم دعه
عنك ،وختىش أنك لو قلت للنا :مجعت املال من الكسب الفالين ،ختىش أنهم
يقعون يف عرضك ،فدع هذا الفعل ،فهو من اإلثم .
فقال« :جئت تسأل قال :أتيت رسول اهلل وعن وابصة بن معبد
عن الْب واإلثم».
أخربه بما يف نعم وهذا من أعالم انلبوة ،فلما دخل وابصة ىلع انلِب
نفسه ،بما أطلعه اهلل عليه فقال« :جئت تسأل عن الرب واإلثم».
قلت :نعم ،قال« :استفت قلبك ،الْب ما طمأنت إَله انلفس واطمأن إَله
القلب».
استفت قلبك» يعين :خاطب نفسك وقلبك ،هل هذا صحيح أم غري
ِ «
صحيح ،يعين :وهذا هو فيما هو مشتبه عليك ،واستفتاء القلب املقصود استفتاء
القلب سليم الفطرة ،أما القلب امليلء باملعايص والشهوات ويفيت قلبه ال ،يعين لو
قال شخص ذي معاص ملاذا فعلت هذا ؟ فقال :استفتيت قلِب فقلت حالل،
فنقول ممن ال نستفيت قلب أصحاب املعايص ،وإنما نستفيت أصحاب القلوب
انلرية ،هل هذا صحيح أم غري صحيح ،الرب ما اطمأنت إيله انلفس ،واطمأن إيله
73 شرح األربعني النووية
نفسك مطمئنة ،واطمأن إيله القلب ،اطمأن إيله انلفس فيما لو ظهر ذلك للنا
القلب يعين ال تتحرج من اإلثم فيه؛ ألنك عرفت بأنه حالل نعم.
وأفتوك» من باب املبالغة أفتوك بأنه حالل ،وأكرثوا «وإن أفتاك انلا
عليك بالفتوى بأنه حالل ،فدعه؛ ألنه مرتدد يف صدرك ،ولم تطمنئ إيله نفسك
وال قلبك.
شرح األربعني النووية 74
َ ً
اَّلل َ م ْو ِعظة
َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ
ول سر ان ظع "و : ال ق
ْ َ ََ
ة ي ار س ن ب اض َع ْن أَيب ََنيح الْع ْر َ
ب
َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ ُ َ َ ْ ْ َ ْ ُ ُ ُ َ َ َ َ ْ ْ َ ُ ُ ُ َ ُ َ َ َ ُ َ َّ َ َّ
ْ ْ
اَّلل! كأن َها َم ْو ِعظة و ِجلت ِمنها القلوب ،وذرفت ِمنها العيون ،فقلنا :يا رسول ِ
كمْ َ
َّ َ َّ ْ َ َّ َ َ ْ َ َّ َ َ َ ْ ُ َ ُ ْ َْ ُ َ ِّ َ َ ْ َ َ َ ُ
اَّلل ،والسم ِع والطاع ِة وإِن تأمر علي وصيكم بِتقوى ِ مودع فأو ِصنا ،قال :أ ِ
َّ ْ َ َ َّ ْ َ ً َ ً َ َْ ُ ك ْم فَ َس َ َ
َ ْ ٌ َ َّ ُ َ ْ َ ْ ْ ُ
ريا ،ف َعليك ْم ب ِ ُسن ِيت َو ُسن ِة اخلُلفا ِء ريى اخ ِتالفا ك ِث عبد ،ف ِإنه من ي ِعش ِمن
َ َّ ُ َّ ُ ْ
اك ْم َو ُُمْ َدثَات األ ُ َ َّ ُ ينيَ ،عضوا َعلَيْ َها ب َّ
انل َ ين ال ْ َم ْهد َ
الراش ِد َ
ور؛ ف ِإن لك ِ م ِ يِ إ و ، ذ
ِ اج
ِ و ِ ِ َّ ِ
َ َ ٌَ ْ
بِد َعة ضاللة»(.)1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسنة ساق املصنف هذا احلديث؛ بليان وجوب اتباع سنة انلِب
اخللفاء الراشدين.
وصف العرباض هذه الوصية بثالثة أمور بليغة :والقلوب وجلت منها
وحتركت ،والعني دمعت ،وهكذا ينبيغ للواعظ أو ادلاعية أن خيتار من اللكمات
ما يوعظ القلب ،وال أعظم من أن يكون القرآن هو الواعظ باالستدالل
()2
قال : ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﮊ بكتاب اهلل وسنة انلِب
ولكما قرب املرء من ألفاظ الكتاب والسنة لكما اكنت انلصيحة أبلغ ،ولكما اكنت
األلفاظ إىل الصواب أقرب ،ولكما ابتعد املرء عن انلورين لكما ختبط يف األلفاظ،
ََ َ َ ٌ
يث َح َس ٌن َصح ٌ
يح. لرت ِم ِذي رقم ]266[ :وقال :ح ِد (َ )1ر َو ُاه أَبُو َد ُ
او َد رقمَ ،]4607[ :وا َ ِّ ْ
ِ
( )2سورة ق.45 :
75 شرح األربعني النووية
فإذا أمكن املرء أن تكون ألفاظه بما جاءت به ألفاظ الكتاب والسنة ،اكن بإذن
اهلل أوقع يف انلفو .
ملا وعظهم املوعظة اليت بكى الصحابة منها قالوا :أوصنا ،خشوا أن يكون
هلم؛ ألنه أبكاهم فيها ،وهذا يدل هذه آخر موعظة من انلِب
من جوامع اللكم ،بكلمات ،وما أوتيه انلِب ىلع رقة قلوب الصحابة
وأرضاهم ،تعلم كيف أن ادلين يهذب انلفو ، يسرية أبكى الصحابة
ويرقق القلوب ،وإال فالعرب قلوبهم فيها اجلفاء ،لكن ملا أىت القرآن َّيلنها ﮋ ﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ( )1فاملتكرب ال يطأطئ
رأسه سوى ادلين والقرآن ،والقلب يقسو لكما ابتعد عن ذكر اهلل ،ذللك قال
سبحانه :ﮋ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﮊ( )2وهلذا جتد أكرث الفاحشني
ً
واملتفحشني يف األلفاظ أو يف األعمال هم أقل انلا ذكرا هلل ،وهلذا جتد حفظة
ً
كتاب اهلل أو من يكرث من ذكر اهلل وقراءة القرآن العظيم هم أقل انلا الكما،
وأقلهم حركة ،وأقلهم أذية لآلخرين ،وأكرثهم ً
نفعا للنا .
ً
يعين أوصيناكم أنتم أيضا بماذا ؟ ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮊ ( )1ويه لكمة جامعة تشمل
مجيع أمور ادلين ،يعين :إذا قلت :اتق اهلل ،ابتعد عن لك معصية ،وافعل لك طاعة
نعم.
َّ
«والسمع والطاعة» يعين :والسمع والطاعة ملن واله اهلل أمركم ،وذلك
يف غري معصية ،كما قال يف صحيح مسلم« :أسمع هل وأطع وإن
جدل ظهرك وأخذ مالك ،اسمع هل فما طلب منك يف أمور ادلنيا فأعطه ،واصرب ىلع
َّ
ما تالقيه من أذى ،ويف لفظ آخر« :وإن تأمر عليكم عبد حبيش كأن رأسه
زبيبتان» يعين :اسمع هل وأطع حىت لو عبد.
ً
«وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم بعدي فسريى اختالفا
ً
كثريا»
ً
يعين من طال عمره منكم أيها الصحابة فسريى أمرا جديدا يظهر عليه
من املبتداعت ،ليست مما نشأ عليها ،وهذا من أعالم انلبوة ،فظهر يف آخر عهد
الصحابة القدرية اذلين نفوا القدر ،وظهروا اخلوارج اذلين قاتل بعضهم صحابة
،وهذا من أعالم انلبوة «فإنه من يعش منكم فسريى اختالفا رسول اهلل
كثريا» ويف احلديث اآلخر« :إنكم سرتون بعدي أثرة فاصربوا حىت تلقوِن ىلع
احلوض» فاإلنسان وإن كرثت حوهل الفنت واملحن يصرب ويرجوا ما عند اهلل
من اثلواب.
«فإن لك ُمدثة ضاللة» ويف لفظ« :فإن لك ُمدثة بدعة» عند أيب داوود
«ولك بدعة ضاللة» يعين :إذا أحدثت ً
أمرا فهو مبتدع ،وهذا املبتدع فيه ضاللة
وسوء ،فابتعد عنه ،ويكفيك ما يف رشع اهلل :ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ (.)1
ْ َّ َ ْ ُ
رب ِِن بِ َع َمل يُد ِخل ِين اجلَنة اَّلل! أَ ْخ ْ
َ َ ُ ْ َ َ ُ َ َّ َ ْ َُ ْ ََ
ِ عن معا ِذ ب ِن جبل قال :قلت يا رسول ِ
اَّللُ َ َّ ُ َ َ ٌ َ َ َ ْ َ َّ َ ُ َّ َ ْ َ ْ َّ َ َ َ َ ْ َ َ ْ ََُ ْ
ار ،قال« :لقد سألت عن ع ِظيم ،وإِنه لي ِسري ىلع من يرسه ويبا ِعد ِين ِمن انل ِ
َ َ
وم َر َمضان، الز َاك َةَ ،وتَ ُص ُ الص َال َةَ ،وتُ ْؤ ي َّ يم َّ اَّلل َال ت ُ ْرش ْك ب ِه َشيْئًاَ ،وتُق ُ َعلَيْهَ :ت ْعبُ ُد َّ َ
ِ
ِ ِ ِ ِ
الص َدقَ ُة ُت ْطف ُ الص ْو ُم ُج َّن ٌةَ ،و َّ ْ
ىلع أب ْ َواب اخل َ ْري؟ َّ َ ََ ُ َ َ َ َ ْ َ ُ َّ َ َ ْ َو َحتُ
ئ ِ ِ ِ ك ل د أ ال أ : ال ق م ث ، ت ي ابل ج
َّ ْ ُ َ َ ارَ ،و َص َال ُة َّ ئ ال ْ َم ُ اخلَطيئَ َة َك َما ُي ْطف ُ ْ
الر ُج ِل ِيف َج ْو ِف اللي ِل ،ث َّم تال :ﮋ ﮔ انل َ اء َّ ِ ِ
َْْ ْ ُ َّ َ َ َ َ ُ ْ ََ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮊ َح َّىت بَلغ ﮋ ﮬ ﮊ ،ثم قال :أال أخ ِربك بِرأ ِ األم ِر
َ ُ
َ ُ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ ْ ْ َ ُْ ََُْ َ َ َ َ ُ
اإلسال ُمَ ،وع ُمود ُه اَّلل .قال :رأ األم ِر ِ وعمو ِد ِه وذرو ِة سنا ِم ِه؟ قلت :بىل يا رسول ِ
َ ُ ْ َ َ ُ ِّ
ربك ِب َمال ِك ذل ِك لك ِه؟ فقلت :بَىل يَا
َ ادُ ،ث َّم قَ َال :أَ َال أُ ْخ ُ ْ َ ُ
ه اجل
َّ َ ُ َ ُ ْ َ ُ َ َ
ِ الصالة ،وذروة سن ِ ِ
ه م
ِ ا
َ َ َ ُ َّ َ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ َّ َّ َ َّ َ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ
اَّلل وإِنا لمؤاخذون اَّلل! فأخذ بِ ِلسانِ ِه وقال :كف عليك هذا .قلت :يا ن ِِب ِ رسول ِ
َ َ َ َ َ ََْ َ ُ ُ ََ َ َ َْ َ َ َ َ َّ ُ
انلا َ َىلع ُو ُجو ِه ِه ْم -أ ْو قال َىلع كب َّ كلتك أمك وهل ي بِما نتلكم بِ ِه؟ فقال :ث ِ
َْ َ َّ ََ
اخ ِر ِه ْم -إال َح َصائِ ُد أل ِسن ِت ِه ْم؟!»(.)1 من ِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت :يا رسول اهلل! أخربِن بعمل يدخلين اجلنة ويباعدين عن انلار.
ََ َ َ ٌ
يث َح َس ٌن َصح ٌ (َ )1ر َو ُاه ِّ ْ
يح. ِ الرت ِم ِذي رقم ]2616[ :وقال :ح ِد
79 شرح األربعني النووية
ينشدون هذا ويطلبونه، فقال« :لقد سألت عن عظيم» ألن مجيع انلا
مجيع اخللق يريدون اجلنة ،فسأل معاذ هذا السؤال اجلامع العظيم ،كيف أفعل
حىت أدخل اجلنة؟ فقال :تعبد اهلل.
قال« :لقد سألت عن عظيم وإنه ليسري ىلع من يْسه اهلل عليه» :
سألت عن عمل تقوم به عظيم وشاق ،لكن يسري ىلع من يرسه اهلل ،واهلل
يقول عن الصالة :ﮋ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﮊ( )1يعين إال من أاعنه اهلل
ىلع ذلك فقال تعبد اهلل.
ً
«تعبد اهلل َل ترشك به شيئا» :
َّ
يعين :بني هل انلِب أن اذلي يُدخل اجلنة :اإلسالم واتلمسك
ً
به ،فقال« :تعبد اهلل وال ترشك به شيئا وتقيم الصالة وتؤ ي الزاكة وتصوم رمضان
وحتج ابليت إن استطعت إيله سبيال» هذه أعمال اإلسالم ،فمن فعلها والزتم بها
وابتعد عن املوبقات مع اإلتيان بأصول اإليمان يكون بإذن اهلل من عباده
املوحدين ،ويدخل اجلنة بفضل اهلل.
أي املفروضة.
«وتصوم رمضان وَتج ابليت ثم قال أَل أدلك ىلع أبواب اخلري » :
يعين إذا أردت أن تزدد بأعمال ترفعك يف ادلرجات ،فالصوم جنة يعين:
الصوم من أسباب وقاية العذاب ،واملقصود هنا :صوم انلافلة؛ ألن صوم الفريضة
سبق« ،وتصوم رمضان» يعين :اليت ذكرها يه انلوافل.
ذكر الصوم والصدقة ،وصالة الرجل يف جوف الليل يعين :من أراد أن ترتفع
درجته بإذن اهلل يكرث من صيام انلافلة ،ويلكرث من الصدقة؛ فإنها تطفئ
اخلطيئة ،قال« :كما يطفئ املاء انلار» يعين :لو اكنت نار مشتعلة وتطفئها باملاء
فكذلك الصدقة تمحق اذلنوب واخلطايا ،واملقصود الصغائر .
:ﮋﮔ أي تطفئ اخلطيئة كما يطفئ املاء انلار ،وتال انلِب
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮊ حىت بلغ :ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ( )1انلِب لم يكن يدع
قيام الليل ال يف سفر وال يف حرض ،ال يف حال مرضه وال يف حال صحته ،يف حال
مرضه يصيل وهو جالس ،ويصيل يف السفر إن تيرس هل إىل القبلة ،وإن لم يتيرس إىل
ً
غري القبلة ،ويكرث ويطيل من الصالة فيها ،والقيام والركوع حىت قرأ يوما
ادلين وأصل ادلين ،فال يكون لليشء األمر» يعين :رأ «أال أخربك برأ
يعين :أىلع ما يف هذا ادلين ويقويه هو اجلهاد يف سبيل اهلل ،واألمر باملعروف
وانليه عن املنكر جزء من ذلك ،فاملدتمع يقوى بإذن اهلل بإقامة رشيعة األمر
باملعروف وانليه عن املنكر ،ويصلح وتتزنل فيه اخلريات والرباكت بهذه الشعرية.
يعين :ال تتلكم بما حيرم ،وال تتلكم إال خبري ،وانلِب قال يف
الصحيح« :من يضمن يل ما بني حلييه وفخذيه» ويف لفظ« :رجليه» ويف لفظ« :ما
بني حلييه وقدميه» أضمن هل اجلنة ،يعين :اللسان والفرج؛ فإنها أكرث ما تدخل
انلار والعياذ باهلل ،الفرج بإتيان املحرم ،واللسان الوقيعة يف أعراض انلا
انلا .
ذنب يسري ال يؤدي إىل دخول انلار يعين :اكن معاذ يظن أن الالكم يف انلا
واهلالك ،فقال« :ثكلتك أمك يا معاذ» يعين :هذا داعء لك يقصد ال يقصد به
ادلاعء يعين :أصبحت أمك ثكىل ما عندها أحد.
فقال« :أثكلتك أمك ،وهل يكب انلاس يف انلار ىلع وجوههم» أو قال:
83 شرح األربعني النووية
«ىلع مناخرهم إَل حصائد ألسنتهم».
يف انلار ىلع املناخر والوجوه هو ما حيصدونه من يعين :اذلي يكب انلا
فيهم. ألسنتهم ،بسبب الكم انلا
ويف مسند اإلمام أمحد قال ابن كثري وإسناد جيد يف اإلرساء :قال «واطلعت
قوما هلم أظفار من حنا ،خيمشون وجوههم .فقلت: ىلع أهل انلار فرأيت فيها ً
من هؤالء يا جربيل؟ قال :هؤالء اذلين يقعون يف أعراض انلا » والعياذ باهلل.
ويف صحيح مسلم« :لك املسلم ىلع املسلم حرام دمه وماهل وعرضه» وأخرب
انلِب يف احلديث الصحيح أن الرجل تؤخذ من حسناته فتعطى
ذلاك ،فإذا فنيت حسناته أخذت من سيئات هذاك فأقيت عليه ،والعياذ باهلل،
واملفلس يوم القيامة هو اذلي يأيت بصالة وصيام وصدقة ،ويأيت وقد وقع يف عرض
هذا وتكلم يف هذا وشتم هذا ،والعاقل اذلي حيفظ لسانه.
شرح األربعني النووية 84
احلديث الثالثون
نعم ساق املصنف هذا احلديث؛ بليان أقسام أحاكم اهلل يف الفرض.
ً
يروي عن انلِب قال« :إن اهلل فرض أحاكما أبو ثعلبة
ً
فال تضيعوها وحد حدودا فال تعتدوها» كذلك نعم ،وحرم أشياء فال تقربوها،
وسكت عن أشياء نعمة بكم غري نسيان .هذه أربعة أحاكم يف األرض ،فرض
فرائض ألزمكم بواجبات فال تضيعوها مثل :الصلوات اخلمس ،صيام رمضان.
ً
«وحد حدودا فال تعتدوها» :
يعين :رشع رشائع ال تتداوزوا عليها ،مثل حد ابلكر مئة جدلة ال تزيد
عليه ،ومثل قسمة الرتاكت ،وأعطى اذلكر مثل حظ األنثيني ،ال تساوى األنىث
يف حال ،ويف حال اثللث ،فال تغري ما حده اهلل. باذلكر ،وأعطى األم السد
يعين مسكوت عنها يف رشع اهلل ،فيستصحب احلكم األصيل وهو اإلباحة،
مثل :لو نبات يف األرض ليس فيه مرضة سكت عنه الرشع باسمه ،فاألصل فيه
احلل ،اهلل يقول :ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ( )1فاألصل احلل إال ما أىت فيه
اتلحريم ،فال تسأل عن يشء سكت اهلل عنه حني نزول الويح.
ِب
َ َ َ َ َ ُ ٌ َ
إىل َّ
انل ِّ ل ج ر اء ج : الق يالساعد ي َس ْهل بْن َس ْعد َّ ا َع ْن أَيب الْ َع َّ
ب
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َّ ُ َ َ َ َّ َ َ ُ َّ َّ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َّ َ ََ َ َ َُ
اَّلل! دل ِين ىلع عمل إذا ع ِملته أحب ِين اَّلل َوأحب ِين انلا ؛ فقال: فقال :يا رسول ِ
ُ ُ ُّ َّ ُ أ َ أ َ أ َ ُّ أ َ ُ ُّ أ َأ
اس ُيِبك انلَّاس»(.)1 اِلنيا ُيِبك اَّللَ ،وازهد فِيما عِند انلَّ ِ «ازهد ِيف
يعين :من األسباب اجلابلة ملحبة اهلل الزهد يف ادلنيا ،وعدم اتلعلق
بها ،أو اتلطلع إىل زخرفها وزينتها ،فإن هذا مما يؤثر ىلع القلب يف تأثريها باآلخرة،
وانلِب نهاه اهلل أن يتطلع إىل أمور ادلنيا؛ ئلال يركن إيلها
قال سبحانه :ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ ﮊ( )2أما أنت يا نبينا ال تتطلع ألمور ادلنيا ،فلك اآلخرة.
ً
وقال شيخ اإلسالم :اتلطلع لدلنيا رسورا بها وبما فيها ُمرم ،وأما انلظر فيها
من باب اتلفكر واتلدبر فهذا مرشوع ،فإذا أمكن أن يمنع املرء نفسه من دخول
ادلنيا إىل قلبه ،فهذا هو املطلوب ،وإنما يسىع إىل اآلخرة يف قلبه ،واملال يكون
بايلد وال يكون يف القلب.
نعم ،ذللك من أسباب دخول من يدخل اجلنة بغري حساب عدم طلب يشء
من انلا ،كما قال « : هم اذلين ال يسرتقون وال يكتوون» هذا
مما يطلبونه من انلا ،يطلب من اآلخر أن يرقيه ،ويطلب من اآلخر أن يعاجله،
لكما عز يف دينه ودنياه . وهكذا ،ولكما كف املرء عن انلا
شرح األربعني النووية 88
َ َ َ َ َّ َ ُ َ َّ ْ
اخل ُ ْدر ي َ َع ْن أَيب َسعيد َس ْعد بْن َمالك ب ْ
اَّلل قالَ« :ل
ِ ول سر ن أ ي ِ ان ن س ن
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
رض َر َو ََل ِ َ
رض َ
ار»(. )1 َ َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساق املصنف حديث أيب سعيد هذا؛ بليان أنه ال جيوز مضارة أحد،
يعين :وجوب رفع الرضر .وقوهل َ« ل رضر» أي :أن الرضر منتف
ً
يف اإلسالم ،فليس يف اإلسالم رضر ،وإنما هو خري ُمض ،وأيضا ما دام أن اإلسالم
ليس فيه رضر نهاك عن مضارة غريك ،فقال« :وال رضار» يعين :واحذر أن ترض
ً
غريك ،فادلين اذلي أنت متمسك به ال رضر فيه ،فهذب نفسك ،وال ترض أحدا،
فهذا احلديث عظيم ،وقاعدة كبرية يف املعامالت بني انلا ،ال رضر وال رضار
ً
يعين :احذر لك ما فيه رضر ال تقرب منه ،وإن رأيت رضرا فأزهل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«ابلينة ىلع املديع» ليس عنده بينة« ،ايلمني ىلع من أنكر» اذلي ينكر
ً
حيلف ايلمني ،فإذا لم حيلف يقىض عليه بانلكول ،وأحيانا قد يكون املديع
َّ ً
عليه أحيانا ينقلب إىل ُمدع ،فلو ادىع أنه سدد قرض ،املديع هنا اآلن ادىع
بالسداد ،نقول :أثبت بينة السداد ،ما عنده بينة ،ينقلب املديع األصيل إىل مدىع
ً
عليه ،حيلف أنه ما سدد هل شيئا ،وهكذا ،املقصود :أن هذا حديث عظيم يف أصل
ني".
َْ َّ َ َ ُُْ َ َ َ ََ ْ ُ ُ يث َح َس ٌنَ ،ر َو ُاه ْ َ
ابليْ َه ِ ي َ ٌ
يق يف"السنن" [ ،]252/10وغريه هكذا ،وبعضه ِيف "الص ِحيح ِ ( )1ح ِد
شرح األربعني النووية 90
ساق املصنف هذا احلديث يف األربعني انلووية اليت اشرتط فيها أن
ادلين عليها؛ بليان درجات اإلنكار ،ووجوب إنكار املنكر ىلع لك تكون مدار ِّ
ً
حال ،بأموره اثلالث باتلدرج فيها ،قال« :من رأى منكرا فليغريه بيده» يعين :إذا
اكن يستطيع ذلك وهدم أهل احلسبة« ،فإن لم يستطع فبلسانه» يعين :فإن لم
يستطع تغيري املنكر بيده ،ولم يكن املنكر يف بيته ،وهل قدرة ىلع تغيريه اكألب يف
ابليت ،فلينكر بلسانه يعين :مثل االبن ينكر ىلع وادله باللسان ،ال جيوز هذا
ً
املنكر مثال ،ما يستطيع الشخص ال بايلد وال باللسان.
املرتبة اثلاثلة :بالقلب ،واملراد بالقلب يعين :عدم الرضا باملنكر وإنكاره
بالقلب ،قال« :وذلك أضعف اإليمان» يعين :عدم اإلنكار باللسان ،وعدم
اإلنكار بايلد.
ً ً
«من رأى منكم منكرا فليغريه بيده» يعين :من باب اتلغليب ،وإال أحيانا
قد يكون املنكر بالسماع.
وهذا من فضل اهلل ىلع عباده ،حيث لم يلزمهم بعبادة ،قد ال
يقدرون عليها ،فلو ألزم اجلميع بتغيري املنكر بايلد ،قد ال حيصل هلم ذلك ،ويشق
عليهم ،وحيصل نزاع ،فأعطاك اإلسالم هذا اتلدرج العظيم اذلي فيه صالح
املدتمع ،وفيه صالح انلفس ،وفيه السيع لرضا اهلل بإنكار تلك املعصية .
93 شرح األربعني النووية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا مجلة من أسباب تفرق املدتمع ،فأوهلا «ال حتاسدوا» يذكر انلِب
قال« :ال حتاسدوا» احلسد -والعياذ باهلل :-تمين زوال نعمة الغري ،وال يتمناها
ً
نلفسه ،أهم يشء أن تزول عنه ،يعين :مثل شخص اهلل أعطاه ماال ،فيتمىن أن
ذلك املال يزول عنه؛ حىت وال يريد هذا املال نلفسه ،املهم أن ذاك الرجل ال
ً
يكون غنيا ،هذا احلسود -والعياذ باهلل -واحلسد هو من أسباب دخول انلار،
ً َ
وهو من اذلنوب األوىل اليت فعلت يف األرض ،حيث قتل هابيل قابيل حسدا؛ ملا
اشتعلت انلار فيما أخرجه هلل ،فاكن يف رشعهم :أن الرجل خيرج صدقة ماهل فتأيت
نار إذا قبلت تلتهم صدقته ،وإذا لم تلتهم صدقته معناه أن اهلل لم يتقبل منه ذلك
العمل ،فلما قبلت صدقة هابيل ،أىت قابيل فقتل هابيل ،فاكن جزاؤه جزاء من
يقتل يوم القيامة عليه؛ ألنه حسد أخاه ،ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
ِّ
أخس الطيور الغراب ومؤذ ،وأمر انلِب ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ( )1من
بقتله يف احلل واحلرم ،فبعث اهلل أسوأ الطيور لرييه كيف يدفن
ً ً
قبيحا ،فأرسل إيلك ذلك الطري القبيح ،واجلزاء من جنس أخاه؛ ألنك فعلت فعال
العمل ،واذلي أخرج إبليس من اجلنة حسده بعد أن استكرب ،قال :ﮋﭚ ﭛ ﭜ ﮊ
()2
حسد آدم ،وجيب ىلع املسلم أن يزنه قلبه من احلسد ،ومن أخص صفات الرسل
سالمة صدورهم ،قال اهلل عن إبراهيم ﮋ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﮊ( )3يعين
سليم من الرشك وابلدع ،ومن الغل فيما خيص املخلوقني ،وانلِب
ملا أراده اهلل ألمر عظيم ويه الرسالة َّ
شق اهلل صدره مرتني ،مرة وهو صغري،
ومعه طست من ذهب وماء زمزم فشق صدره ،وأخرج منه فزنل جربيل
ُ
علقة سوداء مما يف قلب بين آدم من احلسد والغل ،وعند اإلرساء كذلك ،شق
صدره ألنه سيكرم ويكون يف ماكن عظيم ال يصل إيله حسود ،وهلذا من أسباب
نرش ادلعوة يف هذه األمة ىلع يد انلِب سالمة قلبه ،رجل يؤذيه
يعفو عنه ،يطلب منه مال يعطيه ،ثم يطلب السؤال مال ويعطيه ،يأيت قومه من
مكة إىل املدينة يلقاتلوه ،وإذا تمكن من رقابهم يصفح عنهم ويعفو ،يموت عدد
من أوالده ستة ،ومع ذلك ما قال :تشاءمت بسبب دعو ي لكم ،يصرب ،بل يتفاءل
ونصح انلا ويقول« :يعجبِن الفأل» اللكمة الصاحلة ،فال يصلح تلعليم انلا
«وَل تناجشوا»
انلدش :الزيادة يف السلعة وهو ال يريد رشائها .مثل :يذهب عند بائع
وعنده من يريد الرشاء ،فيقول الرجل :هذه السلعة بكم؟ بمئة .فيقول :أنا أزيدها
بمئة وعرشين ،بس يريد أن يريد أن يرفع السعر ىلع ذلك املشرتي؛ لِك ال
يشرتيها ،وهو ال يريد الرشاء انلاجش.
«وَل تباغضوا »
ً ً
يعين يلحب بعضكم بعضا ،ومن أسباب ُمبة العباد بعضهم بعضا إفشاء
« :أَل أدلكم ىلع َشء إذا فعلتموه َتاببتم ،أفشوا السالم ،مثل ما قال انلِب
السالم بينكم».
«وَل تدابروا»
يعين :شخص يريد أن يبيع هذه السلعة ،قال :بكم قال بمئة ،فيقول اآلخر:
تعال أنا عندي نفس السلعة أعطيك إياها خبمسني ريال ،هذا من باب ابليع ىلع
بعض ،وكذا العكس الرشاء ىلع الرشاء ،فمثال الشخص يريد أن يشرتي السلعة
بمئة ،ويريد هذا أن يأخذ هذه السلعة بمئة ،فيقول :أنا أشرتي منك السلعة بمئة
وعرشين حىت ما يأخذها هذا .
يعين :هذه يه انلتيدة تلكونوا عباد اهلل إخوانا« ،ال حتاسدوا وال تناجشوا
وال تباغضوا وال تدابروا وال يبع بعضكم ىلع بيع بعض».
«َل يظلمه»
ً
ال يقع يف ظلمه ،ال جيوز للمسلم أن يظلم مسلما.
«وَل خيذِل»
َ
وال خيذهل إن احتاج إىل نرصته وهو قادر ىلع ذلك ،مثال :احتاج إىل دي ْن
ْ
وهو يف كربة ،أ ِعنه وال تتخاذل عن إاعنته .
«وَل يكذبه»
ً
ال يكذب عليه ،فيدب أن يكون املسلم صادقا مع املسلم وغري املسلم،
97 شرح األربعني النووية
ويف احلديث الصحيح انلِب يقول« :الصدق منجاة والكذب مهواة»
وال ينديك إال الصدق ،واهلل يقول :ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﮊ(. )1
قال شيخ اإلسالم :وال يعرف أليب بكر أنه كذب كذبة قط يف حياته،
ال يف جاهلية وال يف إسالم ،ال سفر وال حرض ،ال حرب وال يف سلم ،وال سفر وال
ُ
حل ،ذللك قال :لقب بالصديق بإمجاع األمة ؛ ذللك املرء إذا اعتاد
ىلع الصدق يكون هو طبعه ،وإذا اعتاد ىلع الكذب يكون هو كذلك ،وأصعب
عبادة ىلع املسلمني ايلوم يه الصدق ،وإذا أردت أن ترى صعوبة ذلك فاخترب نفسك
ثالثة أيام ،هل تكذب أم ال؟ وإذا لم تكذب خالل ثالثة أيام دون ما سمعته من
ً
كذبات من انلا جتدها كثرية ،فيه من أكرث السيئات وقواع بني انلا ايلوم.
«وَل ُيقره»
يعين ما يزدريه وال يتكرب عليه ،بل يتواضع هل ،وانلِب اكن
ً
متواضعا حىت مع الصغار ،يأيت البن عبا وهو غالم فيقول هل« :احفظ اهلل
حيفظك» ويأيت لعيل وهو شاب فيقول هل« :يا لع قل امهلل اهدين وسددين» ويأيت
ملعاذ وهو شاب فيقول« :يا معاذ! واهلل إين ألحبك ال تدعن دبر لك صالة أن تقول
امهلل أعين ىلع ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» وقال« :يا أبا عمري ما فعل انلغري»
من باب اتللطف معه ،فهو متواضع للدميع .
ُ ًَ أ ُ َ َ َ أ َ َّ َ َ أ ُ أ َ
ِب قال« :من نفس عن مؤم ٍِن ك أربة مِن ك َر ِب َع ْن أيب ُه َريْ َر َة َ ع ْن َّ
انل ِّ
ِ ِ
َ َّ َ َّ ُ ُّ أ َ َ َّ َ َّ ُ َ أ ُ ُ أ َ ً أ ُ َ َ أ أ َ َ َ َ أ َ َّ َ َ َ ُ أ
ْس ،يْس اَّلل اِلنيا نفس اَّلل عنه كربة مِن كر ِب يو ِم ال ِقيامةِ ،ومن يْس ىلع مع ِ ٍ
َ َّ ُ ُّ أ َ أ رت ُم أسلما َس َ َ ُ ُ خ َرة َِ ،و َم أن َس َ َ ُّ أ َ أ َ َأ
خ َرة ِ َ ،واَّلل ِيف
رته اهلل ِيف اِلنيا َواْل ِ ِ علي ِه ِيف اِلنيا َواْل ِ
أ ً َ َّ َ َ َ أ َ َ َ َ ً َأَ ُ َأ َ َأ أَأ َ َ َ أَأُ
خي ِه ،ومن سلك ط ِريقا يلت ِمس فِي ِه عِلما سهل عو ِن العب ِد ما َكن العبد ِيف عو ِن أ ِ
َّ َ أ ُ َ َ َ أ ُُ َأ َّ ُ َ ُ َ ً َ أ َ َّ َ َ أ َ َ َ َ أ ٌ
وت اَّللِ يتلون ك ِتاب ِ ي ب ِنم ت ٍ ي ب يفاَّلل ِل ب ِ ِه ط ِريقا إىل اجلنةِ ،وما اجتمع قو ِ
م
َ َ أ َ ُ أ َّ َ َ َ أ َ َ أ أ َّ َ ُ َ َ َ أ ُ أ َّ أ َ ُ َّ َ َ َ َ َ ُ َ ُ
الرْحة، ارسونه فِيما بينهم؛ إَل نزلت علي ِهم السكِينة ،وغ ِشيتهم اَّللِ ،ويتد
َ َ ُُ َأ ُأ أ ََ ُُ َ َ
َ َ َ َ ُ أ َّ ُ َ أ أ َ ُ َ َ أ َ أ
ْسع ب ِ ِه نسبه»(.)1
ِ ي م ل ه ل م ع ه
ِ وذكرهم اَّلل فِيمن عِنده ،ومن أب ِ
ب أ ط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
َّ ُ
يف ذلك ابلدل ،وأبو املرأتني أمنه من عدم وصول أحد إيله ،ﮋ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ( )1وملا أراد اخلروج من هذا ابلدل لكمه اهلل ،فتتابعت عليه
اخلريات بسبب فعل واحد يسري يف نظر انلا ،وهو اتلفريج وإاعنة يشء عن
اآلخرين برفع حدر ليسيق غنمهما من هذا املاء ،فقد يكون العمل يف نظرك
يسري لكنه عند املكروب كبري ،بل قد تظلم ادلنيا يف وجهه وال يفتحها غريك بإذن
اهلل ،ومن أعرض عن أصحاب الكرب اهلل أعرض عنه.
هنا اتليسري يف ادلنيا واآلخرة ،تفريج الكروب يف اآلخرة يعين :من فرج عن
مسلم كربة فرج اهلل عنه كرب اآلخرة؛ ألنها أهم وأعظم اتليسري ال من يرس ىلع
ً
مسلم أمرا يرس اهلل عليه يف ادلنيا واآلخرة يعين :جزاء معدل هل يف تيسري األمور،
وانلِب يقول« :يْسوا وَل تعْسوا وبرشوا وَل تنفروا» ويف صحيح
قالَ« :ل تويك فيويك اهلل عليك وَل َتيص ابلخاري من حديث أم سلمة
فيحيص اهلل عليك» وانلِب ما خري بني أمرين إال اختار أيرسهما
ما لم يكن ً
إثما ،فإنه يكون أبعد انلا عنه ،يعين :لكما يستطيع املسلم أن
ييرس ىلع اآلخرين فليفعل ،وبهذا أىت ادلين ،وبهذا أمر سيد املرسلني
ً
قال« :امهلل من ويل من أمر املسلمني شيئا فرفق بهم فارفق به،
ومن شق عليهم فاشقق عليه» فالرفق يف مجيع الشؤون ،الزوج مع أبنائه ،الزوج
مع زوجته ،املعلم مع تالميذه وهكذا .
يعين أن اإلاعنة لك متتابعة ما دمت تعني غريك ،ومن أاعنه اهلل
تيرست أموره.
«ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل اهلل ِل به طريقا إىل اجلنة»
أسهل طريق إىل اجلنة وأيرسه وأرفعه درجات هو طلب العلم وحلق اذلكر
ً
وجمالس أهل العلم ،ذللك قال « : ومن سلك طريقا يلتمس فيه
ً ً
علما سهل اهلل هل به طريقا إىل اجلنة» يعين :يكون طريقك إىل اجلنة سهل وميرس
بإذن اهلل.
شرح األربعني النووية 102
«وما اجتمع قوم يف بيت من بيوت اهلل يتلون كتاب اهلل ويتدارسونه بينهم»
سواء اكن كتاب اهلل ،أو ما أىت ما يدل عليه من العلم من السنة ،أو ما
ً
مقصورا ىلع القرآن فحسب. يرشح الكتاب والسنة ،فليس ذلك
يعين الطمأنينة.
«وغشيتهم الرْحة»
«وحفتهم املالئكة»
اهلل أكرب نعم ،ويف لفظ «إن هلل مالئكة سيارين يطلبون حلق اذلكر فإذا
رأوا حلقة من اذلكر نادى بعضهم بعضا هلموا إىل بغيتكم فيأيت بعضهم إىل
بعض يستمعون فيها حىت يصلون إىل العنان».
يعين :يمدحهم اهلل عند املالئكة املقربني ،ومن أسباب تمحيص اذلنوب
ومغفرة اذلنوب وُمبة اهلل للعبد مالزمة احللق ،ومالزمة ادلرو ،ومالزمة العلم ،ولو
لم يأتك من ذلك إال أن اهلل يرىض عنك ،ويمدحك عند مالئكته سبحانه.
يعين من لم ينفعه عمله فلن ينفعه نسبه ،فأبو هلب ما نفعه علمه ،فلم
ينفعه نسبه ،اهلل يقول :ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ( )1ما يف نسب،
بينهم يف ادلنيا ،أما يف اآلخرة العمل ،وليس النسب ،وإنما النسب يلتعارف انلا
فاملزيان العمل ،وانلِب يقول« :إن اهلل َل ينظر إىل صوركم وَل إىل
أشاكلكم ولكن ينظر إىل قلوبكم».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ال زال اإلمام انلووي يذكر األحاديث اليت اشرتط فيها أن تكون
ً
أساسا يدور عليها هذا ادلين ،وساق حديث ابن عبا هذا؛ بليان
تفصيل كتابة احلسنات والسيئات ،وهذا احلديث قديس يعين :تكلم اهلل به
كما يليق جبالهل وعظمته ،وهو رواه عن ربه.
«إن اهلل كتب احلسنات والسيئات» يعين :ي
فصل احلسنات والسيئات من
حيث املضاعفة وعدمها.
َّ
ثم بني ذلك:
هذا من فضل اهلل أن من يهم حبسنة لكن ال يعملها؛ لنسيان أو عدز فإنه
َ َ ُ ُْ َ
اري رقمَ ،]6491[ :و ُم ْس ِل ٌم رقم ،]131[ :يف "صحيحيهما" بهذه احلروف.
( )1رواه ابلخ ِ
105 شرح األربعني النووية
يؤجر ىلع ذلك ،وتكتب هل حسنة اكملة ،يعين :غري مضاعفة.
«وإن هم بها فعملها كتبها اهلل عنده عرش حسنات إىل سبعمائة ضعف إىل
أضعاف كثرية»
فإذا َّ
هم باحلسنة ثم زاد بالعمل ،ضوعف ذلك إىل عرشة أضعاف إىل
سبعمائة ضعف إىل أضعاف كثرية ،هذا من جانب اجلانب اآلخر ،احلسنات
تتضاعف إما بكمال اإلخالص ،وإما بنوع العمل ،اكنلفقة يف سبيل اهلل ،مثال:
إيلها ،كما يف صحيح مسلم :ملا أىت رجل بناقة خمطومة ليستعان إذا احتاج انلا
بها ىلع الغزو قال هل انلِب « : لك ماكنها سبعمائة ناقة خمطومة يوم
ً
القيامة» وتتضاعف احلسنات أيضا من ناحية العامل ،فلما أنزل اهلل :
ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ( )1قال :نزلت ملا أىت األعرايب ،وملا جاء رجل
من املهاجرين أنزل اهلل :ﮋﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ
()2
هذا من ناحية املضاعفة ،وهناك أعمال ال تقترص ىلع سبعمائة ضعف ،بل أمرها
«إال الصوم مفتوح للكريم سبحانه وهو الوهاب ،وهو الصوم ،كما قال انلِب
َّ ً
فإنه يل وأنا أجزي به» وهناك أيضا عبادة مضاعفتها ال حد هلا ،ويه الصرب ،قال
إذن عمل احلسنة إما أن ()3
سبحانه :ﮋ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﮊ
يضاعف إىل سبعمائة ضعف ،ومنها ما يزيد عن سبعمائة سبعمائة ضعف ،ومنه
ي
ما ال حد هل يف املضاعفة ،واهلل ذو الفضل العظيم.
ً
فدل ىلع أن السيئات ال تضاعف مطلقا وسواء يف مكة أو خارج مكة .
َّ َّ َ َ َ َ َ َ أ َ َ
اَّلل ت َعاىل قال« :من َعدى ِِل اَّلل إن
َّ
ول َع ْن أَيب ُه َريْ َرة قَ َالَ :ق َال َر ُ
س
ِ ِ
َ أ َ َ َّ َ َّ َّ أ َ َ أ ُ ُ َ َ أ َ ًّ َ أ َ أ ُ أ َ أ َ َ َ َ َّ َ َ َّ َ أ
و َِلا فقد آذنته بِاحلر ِب ،وما تقرب إِل عب ِدي بَِش ٍء أحب إِل مِما افرتضته علي ِه،
َ أ َ ُ َّ َ َّ ُ َّ ُ َ َ َ أ َ أ ُ ُ ُ أ َ َّ َّ َ َ َ َّ ُ َ ََ ََ ُ َأ
حبه ،فإِذا أحببته كنت سمعه اذلِي وَل يزال عب ِدي يتقرب إِل بِانلواف ِِل حىت أ ِ
َ َأ َّ َ
أ ُ َ َ َّ َ أ ُ َ
ْص ب ِ ِهَ ،ويدهُ ال ِيت يب ِطش بِهاَ ،و ِرجله ال ِيت يم َِش بِها، ْصهُ َّاذلِي ُي أب ِ ُ
ي َ أس َم ُع ب ِهَ ،و َب َ َ
ِ
ُ َّ َ ُ َ َ أ أ ََ َ أ َ َّ ُ ُ َ َ َ َ أ َ
َول ِِئ سأل ِِن ألع ِطينهَ ،ول ِِئ استعاذ ِين ألعِيذنه»(.)1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«وما تقرب إِل عبدي بَشء أحب إِل مما افرتضت عليه»
يعين أحب يشء يتقرب العبد به إىل اهلل ،يه :الفرائض من أداء الصالة
املكتوبة ،ومن إحسان توحيده ،واحلفاظ عليه من القدح فيه ،أو الزوال ،وكذا
صوم الشهر رمضان ،وكذا الزاكة واحلج ،وهلذا الفرض أفضل من انلافلة ،فعندنا
عمالن اثنان ال يفرق العمل فيهما إال بانلية ،وبانلية يزيد األجر فيها ،فعندنا
ركعتا الفدر السنة ركعتان ،وصالة الفدر ركعتان ،ثواب صالة الفدر أعظم
وأفضل؛ ألنها فريضة ،وإن اكنت الك العبادتني ركعتان ،لكن بانلية أن هذه
فرض يزيد اثلواب فيها ،ذللك ما تقرب إيل عبدي أحب إيل مما افرتضته عليه،
يعين :اهلل حيب أن يتقرب إيله العبد بالفرائض بأدائها اكملة ،كما أراد
سبحانه.
يعين :من أسباب ُمبة اهلل اإلكثار من انلوافل ،فإذا تقرب إيله العبد
بانلوافل أحبه اهلل ، ولكما زادت انلوافل زادت املحبة .
«وبرصه اذلي يبرص به ويده اليت يبطش بها ورجله اليت يميش عليها» يعين:
يعين :هذا وعد من اهلل بأن من أدى الفرائض وتقرب إيله من
انلوافل بأنه يكون جماب ادلعوة« ،ولنئ سألين ألعطينه ولنئ استعاذين ألعيذنه»
إذا سألين أعطيه ،وإن استعاذين من رش أعيذه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
()1
ﮉﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮊ
وإذا أكره الشخص ىلع الطالق مثال ال يقع هذا يف حقوق املخلوقني ،وإذا أكره
الشخص ىلع فطر نهار رمضان ال يؤثم الشخص ،ويصح صومه ،وهكذا ،وهذا من
ً
كرم اهلل ىلع عباده ،واإلنسان ما سيم إنسانا إال لنسيانه ،فاحلديث الصحيح:
«نيس آدم فنسيت ذريته من بعده» قال سبحانه :ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫ ﮊ(.)2
احلديث األربعون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ً
ساق املصنف هذا احلديث؛ بليان أن ادلنيا ليست موطنا ألحد،
فحال املؤمن اليت جيب أن يكون عليها يف ادلنيا أحد حالني :إما أن يأيت إىل
ً
ماكن هو غريب فيه يريد أن يسافر ،فلو أن شخصا سافر إىل بدل لعالج يسري ،أيام
ً
يسرية ،فلو بىن فيها دارا الستنكر انلا فعله ذلك ،ألنهم يقولون أنت أيام قالئل
ثم تعود ،هذه احلال« ،كن يف ادلنيا كأنك غريب» ،غريب يف بدل تشرتي حاجة
أو تعالج ثم تعود ،فمن استقر وهو يريد حاجة فقط ساعة واحدة ،فإذا أىت إىل تلك
عنه إنه جمنون ،ألنه ليس من ابلالد وسىع إىل رشاء أرض ثم بناء بيت لقال انلا
فعل الغريب أن يبين وهو يريد العودة؛ ألن هذا فيه خسارة عليه.
احلال اثلانية« :أو اعبر سبيل» يعين :يف الطريق مثال تريد اذلهاب من املدينة
ً ً
وبناء إىل مكة ،ويف منتصف الطريق ملا أتيت تريد أن تصيل ،أخذت أحدارا
ً
وبدأت تبين بيتا لك ملاذا؟ تقول :أريد أن أسكن فيه ،سيقول انلا أنت يف
َ َ ُ ُْ َ
اري رقم.]6416[ :
( )1رواه ابلخ ِ
شرح األربعني النووية 114
يعين :عد نفسك من أهل اآلخرة ،وإذا أصبحت فال تنتظر املساء يعين :عد
نفسك يف املساء أنك من أهل اآلخرة ،وسيأيت ايلوم اذلي أنت فيه يف الصباح من أهل
ادلنيا ،ويف املساء من أهل اآلخرة ،أو يف املساء من أهل ادلنيا ،ويف الصباح من أهل
اآلخرة ،فليستعد املسلم للنقلة ،ويلعلم أن هذه ادلنيا معرب فقط ،معرب ما بني احلياة
األوىل ثم امليتة ،ثم اآلن احلياة اثلانية ،ثم امليتة ثم احلياة معرب فقط ،طريق حرس ثم
ينتيه.
للعمل الصالح يعين :اعمل يف حال الصحة قبل أن تمرض؛ ألن الصحة من
انلعم اليت تزول ال تدوم .
كذلك احلياة نعمة ،لكن ال تدوم ،وكذا الشباب نعمة ،لكن ال يدوم،
وكذا املال نعمة ،وقد ال يدوم ،فيه من انلعم اليت تزول.
115 شرح األربعني النووية
َ َ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ْ َ ُ َ َّ َ ْ َّ
اَّلل بْن َع ْمرو بْن الْ َ
اَّلل عن ُه َما ،قال :قال اص ر ِِض ِ ع ِ ِ عن أ ِيب ُممد عب َ ِد ِ ِ
َ ُ أ ُ َ ُ ُ أ َ َّ َ ُ َ َ َ ُ َ َ ً َ أ ُ َ ُ ُ َّ
جئت ب ِ ِه»(.)1اَّلل َ« ل يؤمِن أحدكم حىت يكون هواه تبعا ل ِما ِ رسول ِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساق هذا احلديث؛ بليان وجوب تقديم ُماب اهلل ىلع ما تهوى ،يعين :إذا
ً
كنت تهوى مثال انلوم ،وال تريد أن تصيل ،فلم تقدم ما أراده اهلل ىلع ما تهواه،
ومن آثر الصالة ىلع انلوم ،واستيقظ من نومه وصىل ،فهنا قد قدم ما حيبه اهلل ىلع
ً
ما يهواه ،فمن لم يقدم ما أوجبه اهلل ىلع نفسه ىلع هواه لم يكن مؤمنا؛ ذللك قال:
تسري هواك ىلع رشع «َل يؤمن أحدكم حىت يكون هواه تبعا ً ملا جئت به» يعين ِّ
ْ َ ٌ َ َ ٌ َ ٌ َََْ ُ
اب "احل ُ َّد ِة" بِ ِإ ْسنَاد َص ِحيح.َ
( )1ح ِديث حسن ص ِحيح ،رويناه ِيف ِكت ِ
شرح األربعني النووية 116
َ ُ ُ َ َ َّ ُ َ َ َ
اَّلل ت َعاىل« :يا اَّلل يقول :قال
َ َ َ ْ َ ُ َ َّ
ول س ر ت ع م س : ال ق ك لا مَع ْن أَنَس بْن َ
ِ ِ ِ ِ ِ
َ أ َ ُ َ َ أ َ ََ َ َ َ َ ُ ََ َأ أ َ َ َ َّ َ َ َ َ أ
تِن غف أرت لك ىلع ما َكن مِنك َوَل أب ِاِل ،يا اب َن تِن ورجو ِ ابن آدم! إِنك ما دعو ِ
َ َ ُ َ َ أ َ َ َّ َ أ َ َ َ أ َ َ َ أ ُ ُ ُ َ َ َ َّ َ ُ َّ أ
اس َت أغ َف أ
تِن غف أرت لك ،يا اب َن آدم! إنك لو ِ ر آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماءِ ثم
ُ َ َ َ أ َ ً ()1
َ
َ أً َ َأُ َ ُأ ُ َ َ َ ُ َّ َ أَأ أتَيأتِن ب ُق َ
رشك ِِب شيئا ألتيتك بِقرابِها مغ ِفرة» . ِ ت َل يتِن
ِ ق ِ ل م ث ا اي ط خ ضِ ر األ ابر
ِ ِ ِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا احلديث ساقه املصنف؛ بليان وجوب سؤال اهلل املغفرة ،وهذا هو
احلديث األخري اذلي وضعه انلووي يف كتابه األربعون يف مباين األحاكم وقواعد
ادلين.
«دعوتين» تدعو اهلل وترجوه بأن يغفر لك ،يعين :املطلوب أمران:
األمر اثلاين :ايلقني يف القلب بأن اهلل سيغفر لك اذلنب ،أما أن تدعو اهلل
وأنت شاك يف عدم اإلجابة ،فهنا ال تكون أهال لإلجابة ،وإنما اإلجابة أن يكون
ً
ايلقني مقرتنا بادلاعء ،يعين :مثال شخص يدعو ربه بأن يشفيه اهلل ،وموقن بأن
اهلل سيشفيه؛ ألن اهلل هو الشايف القدير ،ويدعو الشخص بأن اهلل يغفر ذنبه،
وموقن أن اهلل سيغفره؛ ألنه هو الغفور الغفار سبحانه« ،رجوتين» رجوت إجابة
ادلاعء.
ََ َ َ ٌ
يث َح َس ٌن َصح ٌ (َ )1ر َو ُاه ِّ ْ
يح. ِ الرت ِم ِذي رقم ،]3540[ :وقال :ح ِد
117 شرح األربعني النووية
«يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتِن غفرت لك»
وهنا انتهت أحاديث اإلمام أيب زكريا انلووي ، ثم اآلن يبدأ بإضافة
ً
احلافظ ابن رجب ملا أضافه واستدركه ىلع االثنني وأربعني حديثا من أحاديث انلووي.
َ َ َ أ ُ أَ َ َأ َ َ َ َ َ َُ ُ َ َ
هلل قال« :أحل ِقوا الف َرائ ِض بِأهلِها،
،قال :قال رسول ا ِ ع ْن اب ْ ِن ع َّبا
َ َ ()1 َ َ َأَ َ أَ َ ُ َ َأ َ َ ُ
فما أبقت الفرائ ِض ف َِلوىل رج ٍل ذك ٍر» .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
َ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ َ َّ ُ َ َ َ ُ َ َّ ْ َ ْ َّ َ ْ َ
اَّلل اعم الفت ِح وهو بِمكة أنه س ِمع رسول ِ اَّلل
عن ج ِاب ِر ب ِن عب ِد ِ
َ أَأ َ َ َ َ ُ َ َّ َّ َ َ َ ُ َ ُ َ َّ َ َ أ َ أ َ أ َ أ َ أ َ َ أ أ َُ ُ
ام ،ف ِقيل :يا َرسولير واألصن ِ يقول« :إِن اَّلل ورسوِل حرم بيع اخلم ِر والميت ِة واخل ِ ِ
ِْن
َّ َ َ َ أ َ ُ ُ َ أ َ أ َ َ َّ َ ُ أ َ َ ُّ ُ ُ َ ُ أ َ ُ َ أ ُ ُ ُ َ َ أ َ أ ُ َ
اَّللِ أرأيت شحوم الميت ِة فإِنها يطىل بِها السفن ،ويدهن بِها اجللود ،ويستصبِح بِها
أ َ َ َ َ َ َ َّ ُ أ ُ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ َ ٌ ُ َ َ ُ ُ َّ
انلَّاس؟ فقالَ :ل ،ه َو ح َرام ،ث َّم قال َرسول اَّللِ عِند ذل ِك :قاتل اَّلل اَلَهود ،إِن
َ َ
ُ ُ َ َ أ َ ُ ُ ُ َّ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ ()1 َّ َ َ َ َ َ أ
اَّلل ح َّرم علي ِهم الشحوم ،فأمجلوه ،ثم باعوه ،فأكلوا ثمنه» .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيع اخلمر :ىلع اختالف أنواعه وأسمائه .وامليتة :امليتة ُمرمة سواء اكنت
مأكولة اللحم أم ال ،ولم يستنث من امليتة إال جدلها؛ لقول انلِب
«أيما إهاب دبغ فقد طهر» فلحمها حرام ،شحمها ال يستصنع به ،وال يطىل به
السفن ،وال ينتفع به ،واخلزنير واألصنام اخلزنير ،كذلك ُمرم بيعه ورشاؤه وأكله،
كذلك األصنام ال جيوز رشاؤها وال بيعها ،وال وضعها يف املنازل للزينة وال لغريها،
ألن اهلل أمر بكرسها.
فإنه يطىل بها السفن ويدهن بها اجللود ويستصبح بها انلاس
يعين :يتخذونها يدهن بها اجللود ،يعين :بعد ادلباغة ،ويستصبح بها انلا
ً
وقودا إلضاءة مصابيحهم ،هذا يف السابق لكن لك ذلك ُمرم.
عند ذلك« :قاتل اهلل اَلهود ».. ثم قال رسول اهلل
يعين :لعن اهلل ايلهود ،وهكذا لك آية يف كتاب اهلل قتل يعين :لعن ،ﮋ ﯶ
ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﮊ( )1يعين لعنهم اهلل كيف ينرصفون عن احلق إىل ابلاطل.
«فأمجلوه» يعين :أذابوه ،يعين :نىه حتريم الشحم عليهم ،فأذابوه وباعوه
«فأكلوا ثمنه» يعين :املصنف ساق هذا احلديث بليان حتريم احليل يف ادلين.
هذا احلديث بليان حتريم اخلمر وإن تغري اسمه بأي صفة اكن ،واألول يف
بيان حتريم اتلحايل ىلع ادلين ،أرشبة اخلمر منه ما يتخذونه من العسل ،ومنه ما
يتخذونه من الشعري ،ومنه ما يتخذ من اتلمر.
نعم ،ابلتع من العسل ،واملزر من الشعري ،ومنه ما يؤخذ من اتلمر ،لك ما فيه
حالوة ،يتخذ منه يف الغالب اخلمر .
واملزر نبيذ الشعري فقالُ« :ك مسكر حرام» [خرجه ابلخاري] .
هذه قاعدة اعمة :لك مسكر حرام ،من أي نوع من أنواع انلباتات الشعري
أو القمح أو الرب أو اتلمر أو العسل ،وهكذا عندنا مما يؤثر ىلع العقل منه ما يغطيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«حبسب ابن آدم» يعين :يكفيه يعين :ال يكرث من األكل لقيمات يقمن
صلبه ،وتزيل جوعه ،وذللك قال سبحانه :ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ(.)2
قال ابن كثري : هذه اآلية نصف الطب ،لك وارشب هذا الربع من
انلصف األول ،وانلصف اثلاين وال ترسفوا ،يعين :لك من غري إكثار ،وارشب من
غري إكثار ،ذللك فرسها هنا ثلث لطعامك ،وثلث لرشابك ،وثلث نلفسك؛ ذللك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«وإن َكنت خصلة منهن فيه َكنت فيه خصلة من انلفاق حىت يدعها»
يعين عدم اإليفاء بالوعد ،ومن صفات أهل اجلنة إيفاؤهم بالوعد :ﮋ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ(.)1
يعين إذا حصلت خصومة يزيد يف الالكم ويفدر ،ويرفع الصوت ،وخيرج ما
َُ
ال خي َّرج ،هذه من صفات املنافقني -والعياذ باهلل -ومن صفات املؤمنني إذا
اعتدى عليه أحد أو خاصمه أحد حيلم عليه ما يفدر .
يعين إذا أدى العهد -والعياذ باهلل -يغدر فيه ،وانلِب
يقول« :تنصب للك اغدر يوم القيامة عند استه لواء ،يقال :هذه غدرة فالن بن
فالن» ،واحلديث يف صحيح ابلخاري.
129 شرح األربعني النووية
َ َ َ أ َ َّ ُ أ َ َّ ُ َ َ َ َّ َ َّ ْ َ ُ
اب عن انلِب قال« :لو أنك ْأم ت َوَّكون ىلع اَّللِ حق ِ طاخل َ َّ ع ْن ع َم َر ب ْ ِن
َ َ ُّ َ َ َ َ ُ أ َ َ َ أ َ ُ َّ أ َ َ أ ُ َ ً َ ُ َ ً
ري تغدو َِخاصا َوت ُروح بِطانا»(.)1 توَّك ِ ِه لرزقكم كما يرزق الط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساق املصنف هذا احلديث؛ بليان وجوب اتلولك ىلع اهلل يف
َّ
مجيع األعمال ،وهذا احلديث بني أن من ثمرات اتلولك ،الرزق من غري حساب،
ومن حيث ال حيتسب؛ ذللك قال« :لو أنكم تولكون ىلع اهلل حق اتلولك لرزقكم
كما يرزق الطري» ،الطري تطري من أكنانها يف الصباح وال تعلم أين تذهب ،وغنما
تبحث عن الرزق فريزقها اهلل ،فتذهب جائعة وتعود ويه قد مألت بطنها ،فيه
متولكة ىلع اهلل ،طارت تطلب الرزق.
ً ً
«تغدو َخاصا وتروح بطانا»
ً
الغدو :اذلهاب يف الصباح ،مخاصا :يعين بطنها ملتصق بظهرها من اجلوع،
ً ً ً
تروح بطانا ترجع بطانا بطنها ممتلئ ،فأصبح هلا بطنا .
واتلولك ىلع اهلل ييرس الرزق ،ويكرثه؛ ذللك اهلل يقول :ﮋ ﮚ ﮛ
()2
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ
َْ ْ ُ َْ َ
ربى" ك َما ِيف "اتلحفاة :رقام،]79/8[ :
َّ
الرت ِم ِذي رقمَ ،]2344[ :والن َس ِايئ ِيف "الك (َ )1ر َو ُاه أَ ْ َ
مح ُد رقم 0 1[ :وَ ،]52و ِّ ْ
احلَاك ُم َ ،418وقَ َال ِّ ْ
الرتمذيَ :ح َس ٌن َصح ٌ َ ْ َ َ َ َّ َ ُ َ ْ ُ َ َ ْ
يح. ِ ِ ِ ِ حه ْاب ُن ِح َّبان ( ،)730و اجه رقم ،]4164[ :وصح وابن م
( )2سورة الطالق.3-2 :
شرح األربعني النووية 130
يعين :اهلل اكفيه يف لك يشء ،فإذا قيل :قد نرى أن اهلل يرزق الاكفر ،وهو ال يتولك
عليه أكرث من رزق املؤمن املتولك؟ نقول :نعم ،هذا يوجد ،ألن اهلل تكفل برزق
ً
اجلميع ،لكن رزق املؤمن ميرس هل ومبارك هل فيه ،فتدده يكسب ماال فيتصدق
منه آلخرته ،ويتمتع به فيما أباحه اهلل هل ،أما الاكفر فتدد أن كسبه للرزق فيه
مشقة وهم وغم ،وإذا مجع املال ال ينتفع به ،ال هو من ناحية مجعه لآلخرة ،وقد ال
ينتفع به حىت أهل ادلنيا ،وإنما يكزن املال حىت يموت.
131 شرح األربعني النووية
احلديث اخلمسون
ٌ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ
اَّلل إ َّن َ َ
رشائِ َع ول سر اي :الق ف رجل َّ
ِب اَّلل بْن ب ُ ْرس قَ َال« :أ َىت َّ
انل
َ ْ َ ْ َّ
عن عب ِد
ِ ِ ِ ِ ِ
َ َ َ َ ُ َ ُ َ أ ً أ ُ ْ ْ َ َ ْ َ َُ ْ ََْ َ ٌ َ
رثت َعلينا ،فبَاب نتَ َم َّسك ِب ِه َجا ِم ٌع؟ قالَ :ل ي َزال ل ِسانك َرطبا مِن اإلسالمِ قد ك ِ
َّ َّ َ َ أ
ذِك ِر اَّللِ ع َّز َوجل»(.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساق املصنف هذا احلديث؛ بليان اإلكثار من ذكر اهلل ،واهلل يقول:
ﮋ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﮊ( )2وذكر اهلل يزيل اهلم والغم،
وجيلب الرزق ،ويفتح لك األبواب ،ويرفعك عند اهلل درجات ،وييرس أمورك،
ً
ويبيض وجهك ،ويرصف عنك لغو احلديث ،وجيعل ألفاظك ألفاظا طيبة؛ ألنك
تتحدث بذكر اهلل سبحانه.
قال :رشائع اإلسالم قد كرثت لع يعين :كثرية ما رشعه اهلل لكن بني
ً
يل بابا أسلكه.
ً
قال« :ال يزال لسانك رطبا من ذكر اهلل» يعين :أكرث من ذكر اهلل ،والرجل اذلي
ال يذكر اهلل لسانه يابس ،ومن يَبَ َس لسانه جف قلبه -والعياذ باهلل -وقسا.
ً
قالَ« :ل يزال لسانك رطبا من ذكر اهلل »
ً ً
يعين ال يزال لسانك رطبا ما دمت حيا .
ويكون بهذا قد أىت املصنفان باألحاديث اليت يدور عليه اغلب أحاكم هذا
ً
اِلين وِه َخسون حديثا.
واهلل أعلم وصىل اهلل ىلع حممد وىلع آِل وصحبه أمجعني .
133 شرح األربعني النووية
o
الصفحة املوضـــــوع
3 مقدمة
7 احلديث األول
9 احلديث اثلاين
13 احلديث اثلالث
14 احلديث الرابع
18 احلديث اخلامس
20 احلديث الساد
23 احلديث السابع
25 احلديث اثلامن
27 احلديث اتلاسع
29 احلديث العارش
32 احلديث احلادي عرش
33 احلديث اثلاين عرش
34 احلديث اثلالث عرش
35 احلديث الرابع عرش
37 احلديث اخلامس عرش
41 عرش احلديث الساد
شرح األربعني النووية 134
الصفحة املوضـــــوع
43 احلديث السابع عرش
45 احلديث اثلامن عرش
47 احلديث اتلاسع عرش
52 احلديث العرشون
54 احلديث احلادي والعرشون
55 احلديث اثلاين والعرشون
57 احلديث اثلالث والعرشون
60 احلديث الرابع والعرشون
66 احلديث اخلامس والعرشون
69 والعرشون احلديث الساد
71 احلديث السابع والعرشون
74 احلديث اثلامن والعرشون
78 احلديث اتلاسع والعرشون
84 احلديث اثلالثون
86 احلديث احلادي واثلالثون
88 احلديث اثلاين واثلالثون
89 احلديث اثلالث واثلالثون
91 احلديث الرابع واثلالثون
93 احلديث اخلامس واثلالثون
99 واثلالثون احلديث الساد
135 شرح األربعني النووية
الصفحة املوضـــــوع
104 احلديث السابع واثلالثون
108 احلديث اثلامن واثلالثون
111 احلديث اتلاسع واثلالثون
113 احلديث األربعون
115 احلديث احلادي واألربعني
116 احلديث اثلاين واألربعون
118 احلديث اثلالث واألربعون
119 احلديث الرابع واألربعون
120 احلديث اخلامس واألربعون
122 واألربعون احلديث الساد
124 احلديث السابع واألربعون
126 احلديث اثلامن واألربعون
129 احلديث اتلاسع واألربعون
131 احلديث اخلمسون