You are on page 1of 135

‫للشيخ‬

‫ح‬
‫‪1436‬هـ‬
‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النشر‬
‫احلازمي ‪ ،‬خالد حامد‬
‫أصول األخالق اإلسالمية ‪ / .‬خالد احلازمي‬
‫‪ -‬املدينة املنورة ‪1429 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 447‬ص ؛ ‪ 24×17‬سم‬
‫ردمك ‪978- 603 – 00- .735 -6 :‬‬

‫أ‪ .‬العنوان‬ ‫‪ -1‬األخالق اإلسالمية‬


‫‪1429/3467‬‬ ‫ديوي ‪212‬‬

‫رقم اإليداع ‪1429/3467 :‬‬


‫ردمــك ‪978- 603 – 00- .735 -6 :‬‬

‫‪‬‬
‫تم رشح هذا املنت خالل الفرتة من ‪ 1432/8/3‬ـهإىل ‪1432/8/6‬ه‬
‫يف املسجد انلبوي الرشيف‬
‫‪3‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫‪n‬‬
‫‪:B‬‬
‫هذا املنت مشهور باألربعني انلووية‪ ،‬وانلووي ‪ ‬وضع اثنني وأربعني‬
‫ً‬
‫حديثا‪ ،‬اشرتط فيها أن تكون األحاديث اليت عليها مدار ادلين‪ ،‬يعين أصول‬
‫ادلين‪ ،‬وأىت احلافظ ابن رجب ‪ ‬واستدرك عليه ثمانية أحاديث‪ ،‬فاكنت‬
‫ً‬
‫زيادة ابن رجب مع انلووي مخسني حديثا‪ ،‬ولكها شاملة ألمور ادلين‪.‬‬

‫واألربعون انلووية هلا مقدمة وضعها املصنف‪ ،‬لكن لطوهلا ال حتفظ‪،‬‬


‫ً‬
‫ووضع يف آخرها رشحا لغريبها‪ ،‬وكذلك ال حتفظ‪ ،‬فدأب بعض أهل العلم ىلع وضع‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫األحاديث اليت حتفظ فحسب‪ ،‬وأول حديث صدره املصنف هو حديث عمر بن‬
‫‪ ،‬وهذا احلديث رواه ابلخاري ومسلم وأبو داوود والرتمذي والنسايئ‬ ‫اخلطاب‬
‫وابن ماجه واإلمام أمحد‪ ،‬وهذا احلديث أصل من أصول هذا ادلين‪ ،‬وهو‪ :‬إصالح‬
‫صدرا ً يف ِّ‬
‫أول كتبهم‪،‬‬
‫ُ َّ‬
‫انلية هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وجعل بعض العلماء هذا احلديث م‬
‫ً‬
‫فإيماء منهم بأهمية إصالح انلية هلل سواء يف طلب العلم أو غريه‪ ،‬فابلخاري أول‬
‫«إنما األعمال بانليات»‪،‬‬ ‫حديث وضعه يف صحيحه حديث عمر بن اخلطاب‬
‫واحلافظ املقديس ‪ ‬يف عمدة األحاكم أول حديث وضعه هذا احلديث «إنما‬
‫األعمال بانليات»‪ ،‬وكذا انلووي هنا أول حديث «إنما األعمال بانليات»‪ ،‬بل حىت‬
‫قال بعضهم ينبيغ للك مصنف أن يضع هذا احلديث يف صدر مصنفه‪ ،‬فالعبد إذا‬
‫أصلح انلية هلل ‪ ‬يف لك عبادة يتضاعف اثلواب‪ ،‬قال سبحانه ﮋ ﮏ ﮐ‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪4‬‬

‫ﮑ ﮒ ﮊ (‪.)1‬‬

‫يصافون يف املسادد يف‬ ‫قال ابن كثري‪ :‬حبسب اإلخالص‪ ،‬وإذا رأيت انلاا‬
‫الصالة‪ ،‬فتبااين أجاورهم وارتفاعهاا وإعظامهاا ومضااعفتها عناد اهلل حبساب‬
‫إخالص لك مصيل‪.‬‬
‫ِّ‬
‫فإذا قيل‪ :‬ما اذلي يصّف انلية؟‬

‫نقول‪ :‬ادلاعء‪ ،‬يدعو الشخص ربه اإلخالص‪.‬‬

‫‪ :‬امهلل اجعل عميل‬ ‫قال شيخ اإلسالم‪ :‬واكن أكرث داعء عمر بن اخلطاب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لكه صاحلا‪ ،‬واجعله لوجهك خالصا‪ ،‬وال جتعل ألحد فيه شيئا‪ ،‬فيقول املسلم مثال‪:‬‬
‫امهلل إين أسألك اإلخالص يف القول والعمل‪ ،‬واهلل ‪ ‬قال عن ايلهود‬
‫وانلصارى واملرشكني‪ :‬ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ(‪ )2‬فلفساد دينهم‬
‫لم يثابوا ىلع ما عملوه من األعمال‪ ،‬وإال فاهلل ‪ ‬أخرب عن الكفار بأنهم‬
‫ينفقون وجياهدون‪ ،‬لكن لم يقبل ذلك العمل؛ ملا يف القلب من فساد‪ ،‬واهلل‬
‫‪ ‬يقول‪ :‬ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ‬
‫(‪)3‬‬

‫فاهلل أخرب أنهم يقاتلون‪ ،‬وقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬


‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ (‪ )4‬فأخرب بأنهم ينفقون‪ ،‬بل قد يكون بذل الاكفر أكرث من بذل‬
‫املسلم‪ ،‬لكن ال يثاب وال حرسة عليها؛ ألجل أنه لم يعمل بهذا احلديث‪ ،‬وهو‬

‫(‪ )1‬سورة ابلقرة‪.261 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة ابلينة‪.5 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة ابلقرة‪.217 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة األنفال‪.36 :‬‬
‫‪5‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫إخالص انلية هلل سبحانه‪ ،‬وقال ‪ ‬عن املنافقني‪ :‬ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬


‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ(‪ )1‬فهم ينفقون لكن لسوء نيتهم‪،‬‬
‫ً‬
‫وقال ‪ ‬أيضا عنهم‪ :‬ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫فعندهم صالة وعندهم ذكر لكن ما نفعهم لعدم‬ ‫(‪)2‬‬
‫ﮇﮈﮉ ﮊﮊ‬
‫صالح انلية‪.‬‬

‫ومما يصلح انلية مع ادلاعء‪ :‬اإلكثار من ذكر اهلل‪ ،‬فذكر اهلل عالمة اإليمان‬
‫ً‬
‫بإذن اهلل‪ ،‬ومدح انلا ما ينفع‪ ،‬وذمك إن كنت ىلع طريق سوي أيضا ال يرض‪،‬‬
‫وإنما تراقب اهلل ‪ ‬فيما تقول وتذر ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬سورة اتلوبة‪.54 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة النساء‪.142 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث األول‬

‫َ َّ َ ُ ِّ‬ ‫َّ َ أ َ أ َ ُ ِّ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ ْ ُ ََ ْ ْ‬


‫اخل َ َّ‬
‫ات‪ ،‬وإِنما ل ُِك‬
‫هلل ﷺ‪« :‬إنما األعمال بِانلي ِ‬ ‫اب ﭬ‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫عن عمر ب ِن‬
‫َ أ َ َ أ‬ ‫ُ‬ ‫َ أ ُُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ أ َ َ أ أ ُُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫أ‬
‫وِلِ‪َ ،‬ومن َكنت‬‫وِلِ ف ِهج َرته إىل اهللِ َو َرس ِ‬
‫ام ِر ٍئ ما ن َوى‪ ،‬فمن َكنت هِج َرته إىل اهللِ َو َرس ِ‬
‫أ َ ُ ُ ُ أ َ ُ ُ َ َ أ ََ َ أ ُ َ َ أ َ ُ ُ َ َ َ َ‬
‫اج َر َ أ‬
‫إَل ِه»‪.‬‬ ‫هِجرته ِِلنيا ي ِصيبها أو امرأ ٍة ينكِحها ف ِهجرته إىل ما ه‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ويف رواية‪ :‬بانلية يعين‪« :‬إنما األعمال بانليات» إنما يثاب الرجل ىلع أعماهل‬
‫بانلية الصاحلة‪ ،‬أو ال يثاب بانلية الفاسدة ‪.‬‬
‫ِّ‬
‫هذه قاعدة عظيمة‪« :‬وإنما لُك امرئ ما نوى» يعين‪ :‬اعمل ما شئت فاهلل‬
‫مطلع ىلع قلبك‪ ،‬ىلع قدر نيتك تثاب أو تعاقب‪ ،‬وإذا رأيت أهل األرض مجيعهم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫فانلفس جمبولة ىلع ِّ‬
‫يعملون‪َّ ،‬‬
‫حب العمل الصالح؛ حىت ولو اكن رجال اكفرا حيب‬
‫اإلحسان للضعفاء واأليتام وحنو ذلك‪ ،‬لكن يأيت الشيطان فيفسد عليه انلية ‪.‬‬

‫«فمن َكنت هجرته إىل اهلل ورسوِل فهجرته إىل اهلل ورسوِل»‪:‬‬

‫يعين‪ :‬فمن اكنت هدرته إىل اهلل ورسوهل فيعطى من اثلواب ما قصده من‬
‫هدرته إىل اهلل ورسوهل‪ ،‬هذا يف الطاعة‪ ،‬يف أمر مباح‪.‬‬

‫«ومن َكنت هجرته ِلنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إىل ما هاجر إَله »‪:‬‬

‫هذا القسم اثلاين‪ :‬انلية قد تكون فيه مباحة‪ ،‬أو فاسدة‪ ،‬إذا اكنت ادلنيا‬
‫مباحة ما يؤجر الشخص ىلع هذا املباح‪.‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪8‬‬

‫«أو امرأة ينكحها» مباح كذلك‪ ،‬فإذا اكن قصده ألمر يسء دلنيا وحنو ذلك‬
‫فال يثاب ىلع ذلك‪.‬‬

‫رواه إماما املحدثني أبو عبداهلل حممد بن إسماعيل بن إبراهيم بن املغرية بن‬
‫بردزبه ابلخاري اجلعيف وأبو احلسني مسلم بن احلجاج بن القشريي انليسابوري‬
‫يف صحيحيهما اذلين هما أصح الكتب املصنفة ‪.‬‬

‫ومسلم تلميذ ابلخاري‪ ،‬وابلخاري أعديم‪ ،‬ومسلم عريب قشريي‪ ،‬وبقية‬


‫أصحاب الكتب الستة أاعجم‪ ،‬وبعضهم يستثين أبا داوود‪ ،‬فهو سدستاين‪،‬‬
‫فأصحاب الكتب الستة أاعجم سوى اإلمام مسلم‪ ،‬وابلخاري تلميذه مسلم‪،‬‬
‫ً‬
‫وتلميذه النسايئ أيضا ‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث الثاني‬

‫َ َ َْ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ ً َ َ ََْ َ َْ ُ ُ ُ ٌ‬ ‫َ ْ ُ ََ‬


‫اَّلل ‪ ‬ذات يوم‪ ،‬إذ‬ ‫ول ِ‬ ‫عن عمر ‪ ‬أيضا قال‪ " :‬بينما حنن جلو ِعند رس ِ‬
‫َّ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ُ َّ َ‬ ‫يد َبيَاض اثلِّيَاب‪َ ،‬شد ُ‬ ‫َطلَ َع َعلَيْنَا َر ُج ٌل َشد ُ‬
‫يد َس َوا ِد الشع ِر‪ ،‬ال يرى علي ِه أثر السف ِر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َْ َ ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ُ َّ َ َ ٌ َ َّ َ َ َ َ‬
‫ِب ‪ . ‬فأسند ُركبَتي ِه إىل ُركبَتي ِه‪َ ،‬و َوض َع‬ ‫انل ِّ‬ ‫إىل َّ‬
‫وال يع ِرفه ِمنا أحد‪ .‬حىت جلس َ ِ‬
‫َ َ َ َ ُ ُ َّ‬ ‫َ ْ ْ ْ َ‬ ‫َ َّ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ َّ ُ ْ ْ‬
‫اَّلل ‪: ‬‬ ‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ال‬‫ق‬ ‫ف‬ ‫‪.‬‬ ‫مِ‬ ‫ال‬ ‫اإلس‬‫كفي ِه ىلع فخذي ِه‪ ،‬وقال‪ :‬يا ُممد أخ ِرب ِِن عن ِ‬
‫الص َالةَ‪َ ،‬وتُ أؤِتَ‬ ‫أ أ َ ُ َ أ َ أ َ َ َ أ َ َ َ َّ َّ ُ َ َ َّ ُ َ َّ ً َ ُ ُ َّ َ ُ َ َّ‬
‫ِ‬ ‫اإلسالم أن تشهد أن َل إِل إَل اَّلل وأن حممدا رسول اَّللِ‪ ،‬وت ِقيم‬ ‫« ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َأ َ ً َ َ‬ ‫َّ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ َّ أ َ أ َ أ أ َ َ أ‬
‫إَل ِه سبِيال»‪ .‬قال‪َ :‬صدقت ‪.‬‬ ‫ابليت إن استطعت‬ ‫الزَكة‪ ،‬وتصوم رمضان‪ ،‬وَتج‬
‫ََّ‬ ‫َ‬
‫يمان‪ .‬قَ َال‪« :‬أ أن تُ أؤم َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ ُ َ ْ َ ُ ُ َ ُ َ ِّ ُ ُ َ َ َ ْ‬
‫َ‬
‫َّلل‬
‫ِ ِ‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ِن‬ ‫ِ ِ‬ ‫اإل‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ِن‬ ‫فع ِدبنا هل يسأهل ويصدقه! قال‪ :‬فأ ِ ِ‬
‫رب‬ ‫خ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ُ أ َ أ َ َ َ أ َ َ ِّ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ُ َ ُ ُ َ أَأ أ‬
‫رشه ِ»‪ .‬قال‪َ :‬صدقت‪.‬‬ ‫ريه ِ و‬
‫ِ ِ‬ ‫خ‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ؤ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫اْل‬ ‫ومالئ ِكت ِ ِه وكتب ِ ِه ورسلِ ِه واَلو ِم‬
‫أ َ أ ُ َ َّ َ َ َّ َ َ ُ َ أ َ أ َ ُ أ َ َ ُ َ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ ْ ْ َ ْ ْ ْ‬
‫ان‪ .‬قال‪« :‬أن تعبد اَّلل كأنك تراه‪ ،‬فإِن لم تكن تراه فإِنه‬ ‫اإلحس ِ‬ ‫قال‪ :‬فأخ ِرب ِِن عن ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َ ْ ْ َ ْ َّ َ َ َ َ أ َ أ ُ ُ َ أ َ أ َ َ أ َّ‬ ‫َ‬
‫ي َراك»‪ .‬قال‪ :‬فأخ ِرب ِِن عن الساع ِة‪ .‬قال‪« :‬ما المسئول عنها بِأعلم مِن السائ ِِل»‪ .‬قال‪:‬‬
‫أُ َ َ أ ُ َ أ َ َ َ َ‬ ‫َ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ أ َ َ أ َ َ ُ َّ َ َ َ أ َ‬
‫احلفاة الع َراة العالة ِرَع َء‬ ‫ِل األمة َربتها‪َ ،‬وأن ت َرى‬ ‫فأخ ِرب ِِن عن أمارا ِتها؟ قال‪« :‬أن ت ِ‬
‫َ أ‬ ‫َ‬
‫ُ َ َ َ ُ َ َأ‬ ‫ُ ْ َ َ َ َْ‬ ‫أُأَ‬ ‫َّ َ َ َ َ ُ َ‬
‫ان»‪ .‬ث َّم ان َطل َق‪ ،‬فل ِبثنا َم ِل ًّيا‪ ،‬ث َّم قال‪« :‬يا عم ُر أتد ِري من‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ابل‬ ‫الشاءِ يتطاول ِ‬
‫يف‬ ‫ون‬
‫أ ُ َ ُ أ ُ َ ِّ ُ ُ أ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫َّ ُ َ َ ُ ُ ُ ْ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َّ ُ‬
‫ْبيل أتاكم يعلمكم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪.‬‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫وهل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫اَّلل‬ ‫‪:‬‬‫ت‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫‪.‬‬ ‫»‬ ‫؟‬ ‫ِل‬ ‫السائ‬
‫َ ُ أ‬
‫دِينكم»(‪.)1‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ً‬
‫يلتعلمون أمر دينهم‪،‬‬ ‫كثريا ما جيلسون إىل انلِب‬ ‫اكن الصحابة‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم رقم [‪.]8‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪10‬‬

‫للنِب ‪.‬‬ ‫عمر يف هذه احلادثة ويه نزول جربيل‬ ‫فوافق جلو‬

‫احلديث األول‪ :‬األعمال بانليات يعين‪ :‬الشخص أنه يثاب أو يعاقب ىلع قدر‬
‫نيته‪ ،‬هذا أصل من أصول ادلين‪ ،‬احلديث اثلاين هذا وهو‪ :‬تقدير أصل من أصول‬
‫ادلين‪ ،‬وهو مرتبة اإلسالم واإليمان واإلحسان‪ ،‬ذللك قال اخلطايب‪ :‬هذا احلديث‬
‫شمل مجيع أمور ادلين ‪.‬‬

‫شديد بياض اثلياب شديد سواد الشعر ‪:‬‬

‫يعين ليس بمسافر‪ ،‬ومن اعدة املسافر أن تتسخ ثيابه‪ ،‬وأن يتبعرث شعره‪،‬‬
‫لكن هذا رجل غريب ال نعرفه‪ ،‬ليس من أهل املدينة حىت يكون بهذا املظهر‬
‫ً‬
‫اجليد‪ ،‬وإذا اكن مسافرا ليست عليه صفات السفر‪ ،‬فذللك عدب الصحابة من‬
‫هذا‪.‬‬

‫َل يرى عليه أثر السفر وَل يعرفه منا أحد‪:‬‬

‫هذا الغريب ال يرى عليه أثر السفر حىت نقول من خارج املدينة‪ ،‬وال‬
‫يعرفه منا أحد‪ ،‬فليس من أهل املدينة‪ ،‬ولم يعلم بأنه نزل من السماء‪.‬‬

‫فأسند ركبتيه إىل ركبتيه ووضع كفيه ىلع فخذيه‪:‬‬ ‫حىت جلس إىل انليب‬

‫‪ ،‬ووضع جربيل يديه ىلع فخذي‬ ‫يعين وضع الركبة عند ركبة انلِب‬
‫انلِب ‪ ‬ىلع جلسة املتعلم املشفق للتعليم ‪.‬‬

‫‪« :‬اإلسالم أن تشهد‬ ‫وقال يا حممد أخْبين عن اإلسالم فقال رسول اهلل‬
‫ً‬
‫أَل هلإ إَل اهلل وأن حممدا رسول اهلل وتقيم الصالة وتؤِت الزاكة وتصوم رمضان‬
‫وَتج ابليت إن استطعت إَله سبيال» قال‪ :‬صدقت‪ ،‬فعجبنا ِل يسأِل ويصدقه‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫وهو يسأهل سؤال اجلاهل‪ ،‬ومع ذلك يقول‪ :‬نعم هذا الكم صحيح‪.‬‬

‫قال فأخْبين عن اإليمان؟ قال‪« :‬أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله‬
‫واَلوم اْلخر والقدر خريه ورشه» قال‪ :‬صدقت‪.‬‬

‫واإليمان باهلل مجيعها أمور قلبية‪ ،‬فليس يشء منها من أعمال اجلوارح باهلل‬
‫ومالئكته وكتبه ورسله وايلوم اآلخر‪ ،‬والقضاء والقدر لكها غيبية‪ ،‬وهلذا أول‬
‫صفة من صفات املتقني املؤمنني املسلمني يف كتاب اهلل‪ :‬ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ(‪، )1‬‬
‫اهلل يقول‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﮊ(‪ )2‬من هم ؟ ﮋﭝ ﭞ ﭟ ﮊ‬
‫واجلنة غيب‪ ،‬وانلار غيب‪ ،‬وعذاب القرب غيب‪ ،‬ورؤية اهلل ‪ ‬يف اآلخرة غيب‪،‬‬
‫وما أعد يف اجلنة وانلار وأهوال القيامة غيب‪ ،‬الرسول بالنسبة نلا غيب سابق‪،‬‬
‫ذللك املسلم يصدق انلصوص؛ ألن اإليمان مقذوف يف قلبه باتلصديق بأمر لم‬
‫يشاهده بعد‪ ،‬أما الكفار فال يصدقون إال ما يرونه ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ(‪ )3‬حىت نصدق ما يؤمنون بالغيب‪.‬‬

‫قال فأخْبين عن اإلحسان؟ قال‪« :‬أن تعبد اهلل كأنك تراه فإن لم تكن تراه‬
‫فإنه يراك»‪.‬‬

‫وسبق هذا احلديث يف ثالثة األصول‪.‬‬

‫قال‪ :‬فأخْبين عن الساعة؟ قال‪« :‬ما املسؤول منها بأعلم من السائل»‪.‬‬

‫يعين أنا وأنت سواء يف عدم العلم بها ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة ابلقرة‪.3 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة ابلقرة‪.2 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة الفرقان‪.21 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪12‬‬

‫قال‪ :‬فأخْبين عن أماراتها؟ قال‪« :‬أن تِل األمة ربتها وأن ترى احلفاة العراة‬
‫رَعء الشاء يتطاولون يف ابلنيان» ‪:‬‬

‫يعين‪ :‬غناهم بعد أن اكنوا فقراء‪ ،‬يعين‪ :‬انقالب احلال‪.‬‬


‫ً‬
‫قال‪ :‬ثم انطلق فلبثت مليا‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا عمر! «أتدري من السائل؟» قلت‪ :‬اهلل‬
‫ورسوِل أعلم‪ .‬قال‪« :‬فإنه جْبيل أتاكم يعلمكم دينكم»‪.‬‬

‫فدل ىلع أن اإلسالم واإليمان واإلحسان هو ادلين ذللك قال أتاكم‬


‫يعلمكم أمر دينكم‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث الثالث‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬


‫اخل َ َّ‬ ‫اَّلل بْن ُع َم َر ب ْ‬‫َ ْ َ َ ْ َّ ْ َ َ ْ َّ‬
‫قال‪َ :‬س ِمعت َر ُسول‬ ‫اب‬
‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عن أ ِيب عب ِدالرمح ِن عب ِد ِ‬
‫َ َ َ َ أ َ َ َّ َّ ُ َ َّ ُ َ َّ ً ُ ُ‬ ‫َُ ُ ُ َ أ أ َ ُ ََ َأ‬ ‫َّ‬
‫اإلسالم ىلع َخ ٍس‪ :‬شهادة ِ أن َل إِلَ إَل اَّلل َوأن حممدا َرسول‬ ‫اَّلل ‪ ‬يقول‪« :‬ب ِِن ِ‬ ‫ِ‬
‫َ أ َ َ َ‬ ‫َّ َ َ َ ِّ أ َ أ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ت‪َ ،‬وصو ِم َرمضان»(‪.)1‬‬ ‫ابلي ِ‬ ‫ام الصالة ِ‪َ ،‬وإِيتاءِ الزَكة ِ‪ ،‬وحج‬
‫اَّللِ‪َ ،‬وإِق ِ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وهذا احلديث مما يدور عليه ادلين‪ ،‬وهو أراكن اإلسالم‪.‬‬

‫«بِن اإلسالم ىلع َخس»‪ :‬ومجيع هذه األراكن مردها ىلع اجلزء األول من‬
‫الركن األول وهو‪ :‬اإليمان باهلل‪ .‬قال‪« :‬أن تشهد أَل هلإ إَل اهلل» فاحلج والصوم‬
‫ً‬
‫والزاكة والصالة‪ ،‬وشهادة أن ُممدا رسول اهلل مردها إىل أن تشهد أال هلإ إال اهلل‪،‬‬
‫فصل بليان اإليضاح‪ ،‬وأهمية‬ ‫فلكمة اتلوحيد شاملة جلميع هذه األراكن‪ ،‬وإنما َّ‬

‫األراكن‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري رقم [‪ ،]8‬ومسلم رقم [‪.]16‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪14‬‬

‫احلديث الرابع‬

‫ُ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ َ ُ ُ َّ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َّ ْ َ َ ْ َّ‬


‫اَّلل بْن َم ْس ُ‬
‫اَّلل ‪َ - ‬وه َو‬ ‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫‪:‬‬‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪‬‬ ‫ود‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫عن أ ِيب عب ِد الرمح ِن عب ِد ِ‬
‫َّ َ َ َ ُ أ ُ أ َ ُ َ أ ُ ُ َ أ ُ ِّ َ أ َ َ َ أ ً ُ أ َ ً ُ‬ ‫َّ ُ ْ ْ ُ‬
‫ني يوما نطفة‪ ،‬ث َّم‬ ‫الصا ِدق ال َمص ُدوق‪« :-‬إن أحدكم ُيمع خلقه ِيف بط ِن أم ِه أرب ِع‬
‫َ ُ ُ َ َ َ ً أ َ َ َ ُ َّ َ ُ ُ ُ أ َ ً أ َ َ َ ُ َّ ُ أ َ ُ َ أ أ َ َ ُ َ َ أ ُ ُ‬
‫إَل ِه الملك فينفخ‬ ‫يكون علقة مِثل ذل ِك‪ ،‬ثم يكون مضغة مِثل ذل ِك‪ ،‬ثم يرسل‬
‫َ‬
‫َ َ ٍّ أ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫أ‬ ‫َأ‬ ‫ُّ َ َ ُ أ َ ُ َ أ َ َ َ‬
‫يد؛‬ ‫ب ِرزق ِ ِه‪ ،‬وأجلِ ِه‪ ،‬وعملِ ِه‪ ،‬وش ِِق أم س ِع ٍ‬ ‫ات‪ :‬بِكت ِ‬ ‫فِي ِه الروح‪ ،‬ويؤمر بِأرب ِع َكِم ٍ‬
‫َ َّ َ َّ َ َ ُ ُ َ أ َ ُ‬ ‫أ‬ ‫َ َ َ َّ َّ َ َ َ َ أ ُ َّ َ َ َ ُ أ أ َ ُ َ َ أ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اجلن ِة حىت ما يكون بينه‬ ‫ريهُ إن أحدكم َلَعمل بِعم ِل أه ِل‬ ‫فواهلل ِ اذلِي َل إِل غ‬
‫َّ‬ ‫َّ َ َ أ ُ ُ َ‬ ‫َ َ أ َ َ َّ َ ٌ َ َ أ ُ َ َ أ أ َ ُ َ َ أ َ ُ َ َ َ أ‬
‫ار فيدخلها‪َ .‬وإِن‬ ‫ِ‬ ‫انل‬ ‫ل‬‫َوبينها إَل ذِراع فيسبَِق علي ِه الكِتاب فيعمل بِعم ِل أ ِ‬
‫ه‬
‫ٌ ََ أ ُ َ َأ‬ ‫َ َ ُ أ َ َ أ َ ُ َ َ أ َّ َ َّ َ َ ُ ُ َ أ َ ُ َ أ َ َ َّ‬
‫ار حىت ما يكون بينه َوبينها إَل ذ َِراع فيسبِق علي ِه‬ ‫أحدكم َلعمل بِعم ِل َأه ِل انل ِ‬
‫َ َّ َ َ أ ُ ُ َ (‪)1‬‬
‫أ َ ُ ََأَُ ََ أ أ‬
‫الكِتاب فيعمل بِعم ِل أه ِل اجلن ِة فيدخلها» ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هذا احلديث عظيم‪ ،‬وهو أصل منشأ اإلنسان‪ ،‬فادلين يدور ىلع هذا منشأ‬
‫اإلنسان‪ ،‬وتطور يف املنشأ‪ ،‬أول ما يبدأ اإلنسان نطفة‪ ،‬وهو أضعف يشء فيه‪ ،‬ذللك‬
‫قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ(‪ )2‬يعين‬
‫لع ويقول‪ :‬إنك لن تعيدين ولن تقدر لع‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ويتكرب ي‬ ‫اهلل ‪ ‬يقول‪ :‬خياصمين‬
‫من ماء مهني‬ ‫(‪)3‬‬
‫يعين‪ :‬وما يعلم أنه نطفة‪ ،‬ذللك اهلل يقول‪ :‬ﮋ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري رقم [‪ ،]3208‬ومسلم رقم [‪.]2643‬‬


‫(‪ )2‬سورة يس‪.77 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة املرسالت‪.20 :‬‬
‫‪15‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫فأضعف درجات تطور اإلنسان هو أوهل وهو انلطفة ﮋ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬


‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫وهو كذلك خملوق من ماء مهني‪ ،‬ذللك أحدكم يف بطن أمه‬ ‫ﮞﮟﮊ‬
‫(‪)1‬‬

‫ً‬
‫أربعني يوما نطفة‪ ،‬ثم بعد األربعني يوم علقة‪ ،‬قال‪ :‬ثم يكون علقة مثل ذلك‪،‬‬
‫يوما‪ ،‬ثم يكون مضغة مثل ذلك‪ ،‬يعين‪ :‬أربعني ً‬
‫يوما‪ ،‬ثم يأمر اهلل‬ ‫يعين‪ :‬أربعني ً‬
‫ً‬
‫‪َ ‬ملاك فينفخ فيه الروح خالل الفرتة املاضية‪ ،‬ويه أربعني‪ ،‬ثم أربعني‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أربعني‪ ،‬هذه مئة وعرشين يوما‪ ،‬املئة والعرشون يوما ال أحد يعلم ما اذلي‬
‫سيخرج من نوع اجلنني‪ ،‬ما هو؟ حىت املالئكة‪ ،‬وإنما يرقبها امللك يف حتوهلا نطفة‬
‫علقة مضغة‪ ،‬ثم يؤمر بأربع لكمات‪ ،‬فيقال هل‪ :‬ذكر أم أنىث‪ ،‬وإال قبلها ال أحد‬
‫يعرف‪ ،‬حىت املالئكة‪ ،‬فبعد األربعني يزول علم الغيب عن هذا اجلنني‪ ،‬من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كونه ذكرا أو أنىث‪ ،‬سعيدا أو شقيا‪ ،‬أو أجله‪ ،‬فعلماء الطب مقرون بأن اجلنني قبل‬
‫ً‬
‫مئة وعرشين يوما ال يظهر هلم ما نوعه‪ ،‬وهذا احلديث يدل عليه‪ ،‬بعد املئة‬
‫ً‬
‫وعرشين يوما يزول علم الغيب عن اخللق‪ ،‬فمن عرفه من املالئكة أو أجهزة‬
‫الطب وحنو ذلك نقول‪ :‬ليس هذا من علم الغيب جيوز‪ ،‬أما قبله فال يمكن‪،‬‬
‫ً‬
‫وهلذا قبل نفخ اجلنني ىلع الصحيح جيوز إسقاطه قبل مئة وعرشين يوما للرضورة‪،‬‬
‫ً‬
‫أما إذا نفخ فيه الروح بعد مئة وعرشين يوما أصبح خلق اإلنسان‪ ،‬فال جيوز‬
‫إسقاطه ‪.‬‬

‫«ثم يرسل إَله امللك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع َكمات » ‪:‬‬
‫ً‬
‫ينفخ فيه الروح بعد أن اكن جامدا‪ ،‬فيتحول من مجاد إىل ذي روح‪ ،‬فال‬

‫(‪ )1‬سورة يس‪.78 ،77 :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪16‬‬

‫ْ‬
‫تعمد إسقاطه عليه ادلية‪ ،‬غرة عبد أو أمة يعين‪ُ :‬عرش‬
‫جيوز إزهاق نفسه‪ ،‬ومن َّ‬

‫ديَّته ‪.‬‬

‫«يكتب رزقه وأجله وعمله وشِق أم سعيد » ‪:‬‬


‫َّ‬
‫يكتب ىلع الرزق‪ :‬األكل والرشب والعمل وأجله‪ ،‬فدل ىلع أن املوت قريب‬
‫َّ‬
‫من اإلنسان‪ ،‬يكتب الرزق مىت سيموت‪ ،‬فدل ىلع أن حياته ليست طويلة‪،‬‬
‫وعمله من أعمال صاحلة أو فاسدة‪ ،‬وشيق أو سعيد‪ ،‬اكفر أو مسلم‪.‬‬

‫وهذه اللكمات األربع ال يمكن أن يتداوزها أي شخص‪ ،‬فلك شخص‬


‫مكتوب‪ ،‬ومكتوب رزقه‪ ،‬مكتوب أجله‪ ،‬مكتوب عمله‪ ،‬ماذا سيعمل يف احلياة يف‬
‫مجيع ترصفاته‪ ،‬ومكتوب هل هو شيق أو سعيد‪ ،‬واهلل ‪ ‬يقول‪ :‬ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫َّ ٌ‬ ‫ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﮊ (‪ )1‬وهذه الكتابة َّ‬
‫فمدون‬ ‫تسّم‪ :‬كتابة عمرية‪ ،‬وإال‬
‫َّ‬
‫يف صحيح مسلم يقول‪« :‬إن اهلل قدر‬ ‫يف اللوح املحفوظ لك يشء‪ ،‬انلِب‬
‫مقادير اخللق قبل أن خيلق السماوات واألرض خبمسني ألف سنة» فلك يشء‬
‫مكتوب‪.‬‬

‫«فواهلل اذلي َل هلإ غريه إن أحدكم َلعمل بعمل أهل اجلنة حىت ما يكون‬
‫بينه وبينها إَل ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل انلار فيدخلها» ‪.‬‬

‫قال انلووي‪ :‬ومن فضل اهلل هذا قليل‪ ،‬لكن اإلنسان خيىش أن يكون من‬
‫هذه القلة‪ ،‬فقد يعمل الشخص بأعمال صاحلة‪ ،‬ثم ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬يف آخر حياته‬
‫‪ ،‬وبعضهم صىل خلفه‪،‬‬ ‫يَ ِضل فيدخل انلار‪ ،‬وهذا حيدث‪ ،‬فقوم رأوا انلِب‬
‫َ‬
‫ارتدوا ىلع أدبارهم‪ ،‬فإذا اكن‬ ‫لكن ما وقر اإليمان يف قلبه‪ ،‬بعد وفاة انلِب‬

‫(‪ )1‬سورة احلج‪.70 :‬‬


‫‪17‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫ورأى هديه‪ ،‬فاخلوف ممن بعده ممن لم‬ ‫فيه من ارتد عن ادلين وهو رأى انلِب‬
‫يَ َر انلِب ‪ ‬ولم يَر شيئًا من أفعاهل‪.‬‬

‫«وإن أحدكم َلعمل بعمل أهل انلار حىت ما يكون بينه وبينها إَل ذراع‬
‫فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل اجلنة فيدخلها»‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن فضل اهلل هذا كثري‪ ،‬ويف احلديث الصحيح‪ :‬أن رجال‪ ،‬كما يف حديث‬
‫وهو اكفر فقال‪ :‬يا رسول اهلل! أقاتل أو أسلم؟ قال‪« :‬بل‬ ‫الرباء أىت إىل انلِب‬
‫أسلم ثم قاتل» قال‪« :‬ثم أسلم» فقاتل فاستشهد ولم يسدد هلل سددة‪ ،‬ما اكن بينه‬
‫وبني انلار إال يشء يسري‪ ،‬فأسلم فدخل اجلنة‪ ،‬وبعض الصحابة أدرك اإلسالم يف‬
‫آخر عمره‪ ،‬فاكن من أصحاب اجلنة‪ ،‬بل من املشهود هلم من محلة أهل اجلنة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫أيب سفيان‪ ،‬ومثل ورقة بن نوفل‪ ،‬والصحيح أنه أسلم‪.‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪18‬‬

‫احلديث اخلامس‬

‫َ أ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ُ ُ َّ‬ ‫َ ْ ُ ِّ ْ ُ ْ َ ُ ِّ َ ْ َّ َ َ َ‬
‫اَّلل ‪« ‬من‬
‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫‪:‬‬‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪:‬‬‫ت‬ ‫ال‬‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ة‬ ‫اَّلل اعئِش‬
‫عن أم المؤ ِم ِنني أم عب ِد ِ‬
‫َ أ َ َ َأ َ َ َ َ َأ َ أُ َُ‬
‫أحدث ِيف أم ِرنا هذا ما ليس مِنه فه َو َرد»(‪.)1‬‬
‫َ أ َ َ َ َ ً َأ َ َ َأ َأ َ َ ُ‬
‫َو ِيف ِر َوايَة ل ِ ُم ْس ِلم‪« :‬من ع ِمل عمال ليس علي ِه أم ُرنا فه َو َرد» ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وهذا احلديث من أصول ادلين‪ ،‬أي‪ :‬ادلين الاكمل‪ ،‬فمن أحدث فيه يشء‬
‫ً‬
‫فعمله مردود‪ ،‬ومن عمل أي عمل ليس يف ديننا أيضا مردود‪ ،‬فهذا احلديث‬
‫بروايتيه‪ ،‬الرواية األوىل‪« :‬من أحدث يف أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» يعين أىت‬
‫ً‬
‫بترشيع جديد‪ ،‬فترشيعه مردود عليه؛ ألن ادلين اكمل‪ ،‬ومن عمل عمال ليس يف‬
‫ترشيعنا فهو مردود‪ ،‬فإحداث أي مردود‪ ،‬وأي عمل مردود؛ لكمال ادلين‪ ،‬واهلل‬
‫‪ ‬يقول‪ :‬ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮊ(‪. )2‬‬
‫ً‬
‫قال كعب‪ :‬لو اكنت هذه اآلية عند األنصار الختذوها عيدا‪ ،‬يعين اليل يه البشارة‬
‫ً‬
‫بأن ادلين اكمل‪ ،‬وإن اكن اكمال يفرح الشخص به يقرأه‪ ،‬وما فيه يعمل به‪ ،‬ال يقول‬
‫الشخص قد أعمل شيئًا ثم ينسخ‪ ،‬أو أعمل شيئًا وأنا ىلع غري حق‪ ،‬فيفرح الشخص به‪،‬‬
‫فقال عمر‪ :‬واهلل إين ألعلم اذلي نزلت فيه‪ ،‬نزلت يف عرفة‪ ،‬يف يوم اجلمعة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري رقم [‪ ،]2697‬ومسلم رقم [‪.]1718‬‬


‫(‪ )2‬سورة املائدة‪.3 :‬‬
‫‪19‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮊ ولك نعمة عند الشخص ال‬


‫تكمل إال إذا اكن عنده دين‪ ،‬فمن اكن ذا مال وليس عنده دين‪ ،‬فانلعمة اليت‬
‫عنده ويه املال ناقصة‪ ،‬ومن اكن ذا ودل وليس عنده ادلين‪ ،‬فانلعمة عنده ناقصة‪،‬‬
‫وال تكمل انلعمة ألي شخص إال بادلين‪ ،‬فمن تمسك بادلين فقد أعطي نعمتان‪،‬‬
‫األوىل‪ :‬نعمة ادلين مع نعمة انلعمة اليت عنده‪ ،‬اثلانية‪ :‬أن هذا ادلين اكمل لم حنتج‬
‫إلعمال أفاكرنا وال إىل ابتاكر كيف نعبد اهلل‪ ،‬بل أتانا ادلين اكمل سهل واضح‪،‬‬
‫ً‬
‫فقط نتبعه‪ ،‬وهلذا من ابتدع يف ادلين فهو طعن يف ربوبية اهلل‪ ،‬يعين‪ :‬كأن رشاع‬
‫من رشائع اهلل ناقصة‪ ،‬وهو يكملها‪ ،‬وهلذا ذكر بعض أهل العلم اكبن القيم‬
‫وغريه‪ :‬أن املبتدع يَ ِقل أن يتوب؛ ألنه طعن يف ذات اهلل يف ترشيعه‪ ،‬فهو يزعم بأن‬
‫ما سيأيت به أكمل وأفضل مما رشعه اهلل ‪.‬‬
‫ً‬
‫ويف رواية ملسلم ‪« :‬من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد» ‪.‬‬

‫فلك عمل ليس يف ادلين فهو مردود‪ ،‬ومن عمله ال يثاب عليه‪ ،‬بل يؤثم ألنه‬
‫فعل شيئًا ليس من رشع اهلل‪.‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪20‬‬

‫احلديث السادس‬

‫َُ ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َ َّ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َّ‬


‫اَّلل انل ْع َمان بْن ب َ‬
‫اَّلل ‪ ‬يقول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ت‬ ‫ع‬‫م‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫‪:‬‬‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫ري‬ ‫ش‬‫ِ ِ ِ‬ ‫عن أ ِيب عب ِد ِ‬
‫َّ أ َ َ َ َ ِّ ٌ َ َّ أ َ َ َ َ ِّ ٌ َ َ أ َ ُ َ ُ ُ ٌ ُ أ َ َ ٌ َ َ أ َ ُ ُ َّ َ ٌ أ‬
‫ري مِن‬ ‫«إن احلالل بني‪ ،‬وإِن احلرام بني‪ ،‬وبينهما أمور مشتبِهات َل يعلمهن كثِ‬
‫َََ‬ ‫ُّ ُ َ‬ ‫َ َ أ َََ‬ ‫أ‬ ‫َأ أ َأ َ‬ ‫ُّ ُ َ‬ ‫َ َ أ َّ َ‬
‫ات وقع‬ ‫َ‬
‫ْبأ ِِلِين ِ ِه وعِر ِض ِه‪ ،‬ومن وقع ِيف الشبه ِ‬ ‫ات فقد است َ‬ ‫اس‪ ،‬فمن اتَق الشبه ِ‬ ‫انلَّ ِ‬
‫ً‬ ‫َ َ َ َّ ُ ِّ َ‬ ‫أ َ َ ِ َ َّ ِ َ أ َ َ أ َ أ َ ُ ُ َ أ َ أ َ َ‬
‫حَم‪،‬‬ ‫ِيف احلرام‪َ ،‬كلراِع يرَع حول احل َِم يو ِشك أن يرتع فِي ِه‪ ،‬أَل وإِن ل ُِك ملِ ٍك ِ‬
‫أ َ َ ُ أ َ ً َ َ َ َ أ َ َ َ أ َ َ ُ ُ ُُّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ َ َّ َ َّ َ َ ُ ُ َ َّ‬
‫ارمه‪ ،‬أَل َوإِن ِيف اجلس ِد مضغة إذا صلحت صلح اجلسد َكه‪،‬‬ ‫حَم اَّللِ حم ِ‬‫أَل وإِن ِ‬
‫َ َ َ َ َ أ َ َ َ أ َ َ ُ ُ ُّ ُ َ َ َ َ أ َ أ‬
‫ِه القل ُب»(‪.)1‬‬ ‫وإذا فسدت فسد اجلسد َكه‪ ،‬أَل و ِ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ً‬
‫هذا احلديث أيضا من أصول ادلين‪ ،‬وهو وضوح احلالل‪ ،‬ووضوح احلرام‪،‬‬
‫«إن احلالل بني واضح واحلرام بني» واضح‪ ،‬وهذا من فضل اهلل‪ ،‬وبينهما أمور‬
‫مشتبهات بني احلالل واحلرام‪ ،‬ال يعلمهن كثري من انلا ‪ ،‬يعلمها العلماء‪ ،‬وبعض‬
‫العامة خيتلط عليه هذا من هذا‪ ،‬فهنا يأيت العالم يمزي احلالل من احلرام‪ ،‬فما‬
‫أشلك ىلع املسلم جيب عليه أن يسأل؛ ئلال يقع يف األمر احلرام‪.‬‬

‫«فمن اتَق الشبهات فقد استْبأ ِلينه وعرضه» ‪:‬‬


‫ْ‬
‫هذه قاعدة عظيمة‪ ،‬لك أمر مشتبه فيه قد يكون كذا أو كذا‪ ،‬ابتعد عنه‪.‬‬

‫«فمن اتىق الشبهات» أي‪ :‬ابتعد عنها‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري رقم [‪ ،]52‬ومسلم رقم [‪.]1599‬‬


‫‪21‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫«فقد استربأ دلينه وعرضه» يعين‪َ :‬سلم دينَه َ‬
‫وس ِلم ِعرضه من وقوع انلا‬ ‫ِ‬
‫فيه‪ ،‬فالشبهة ابتعد عنها ألنها خطرية قد توقع الشخص‪ ،‬فّف صحيح ابلخاري‪:‬‬
‫«من يرشف هلا تسترشفه» يعين‪ :‬اذلي يقرب منها توقعه‪ ،‬ومن حام حول محاها‬
‫أهلكته؛ ألنها عظيمة خطرية‪ ،‬فال يستقل الشخص من خطر الشبهة‪ ،‬سواء يف مال‬
‫سواء يف مطعم‪ ،‬سواء يف عبادة‪ ،‬سواء يف لفظ يبتعد عنه‪.‬‬

‫«ومن وقع يف الشبهات وقع يف احلرام» ‪:‬‬

‫اذلي يقع يف الشبهة جتره إىل احلرام ما تكتّف بنفسها‪ ،‬وهلذا بعض انلا‬
‫ً‬
‫مثال ينظر يف بعض املصنواعت احلديثة‪ ،‬اإلنرتنت يدخل يف مواطن الشبهات‪،‬‬
‫يقول‪:‬‬ ‫يقول‪ :‬ال أريد أن أنظر وأذهب أنا إن شاء اهلل‪ ،‬لن أفنت‪ .‬نقول‪ :‬ال‪ ،‬انلِب‬
‫ً‬
‫«من وقع يف الشبهات وقع يف احلرام»‪ ،‬فإذا يبتعد الشخص عنها‪ ،‬وهذه قاعدة‬
‫عظيمة من دىن من الشبهة يقع فيها‪ ،‬وذللك من يدنو من صنع اخلمر ورشب اخلمر‬
‫وأنواع اخلمر يقع ولو بعد حني‪ ،‬وكذا من يتطلع إىل أمور ُمرمة يقع فيها‪،‬‬
‫واحلديث ُمكم‪.‬‬

‫«َكلراِع يرَع حول احلَم يوشك أن يرتع فيه» ‪:‬‬


‫ً‬
‫حّم للبهائم‪ ،‬ماكن تأكل وترىع منه ابلهائم وحوهل ماكن‬ ‫يعين‪ :‬لو أن‬
‫يمنعون ابلهائم وتدخل فيه‪ ،‬وهذا املاكن أخرض‪ ،‬فانلِب ‪ ‬يقول‬
‫اكلرايع يرىع حول احلّم يوشك أن تذهب شاة تأكل من هذا املمنوع يف املزرعة‬
‫اخلرضاء‪ ،‬وكذلك القلب إذا َ ُ‬
‫رشف للفتنة يقع فيها ‪ -‬والعياذ باهلل ‪.-‬‬

‫قال ابن القيم‪ :‬نصحين شيخ اإلسالم نصيحة استفدت منها طول عمري‪،‬‬
‫قال يل‪ :‬اجعل قلبك اكملرآة وال جتعله يعين اكإلسفندة‪ ،‬فاملرآة تعكس‪ ،‬يعين‪ :‬يف‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪22‬‬

‫شبهة ابتعد عنها تعكس عندك‪ ،‬وال جتعل قلبك اكإلسفندة تدخل يف الشبهة‪،‬‬
‫انظر هذه أو انظر هذه يمكن أفضل‪ ،‬وهكذا فال تعلم إال وأنت قد وقعت يف‬
‫حرام ‪ -‬والعياذ باهلل ‪.-‬‬

‫«أَل وإن لُك ملك حَم أَل وإن حَم اهلل حمارمه» ‪:‬‬

‫يتطاولون عليه وحنو‬ ‫يعين‪ :‬لك ملك يضع هل ما يمنع اتلداوز عليه‪ ،‬فانلا‬
‫ذلك‪« ،‬أال وإن حّم اهلل ُمارمه» يعين‪ :‬ال تقربوها‪.‬‬

‫«أَل وإن يف اجلسد مضغة إذا صلحت صلح اجلسد َكه وإذا فسدت فسد‬
‫اجلسد َكه أَل وِه القلب»‪.‬‬

‫يعين مقصود العمال الظاهرة من أجل إصالح القلب‪ ،‬وإذا صلح القلب تصلح‬
‫األعمال الظاهرة‪ ،‬فإذا رأيت اجلوارح فيها ضعف وفساد‪ ،‬فاعلم أن القلب فيه فساد‪،‬‬
‫فإذا صلح هذا الفاسد يصلح ما ظهر منه‪ ،‬وإذا اكن القلب يتغري ويتحرك بما حيدث‬
‫فيه من خمالفة أوامر أو يتنور باتباع الطااعت‪ ،‬فهو قلب سيم قلب ألنه يتقلب مرة‬
‫ً‬
‫أبيض‪ ،‬ومرة قد يكون فساد‪ ،‬ومرة يكون أسود وهكذا‪ ،‬فليحرص الشخص دائما أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يكون قلبه منريا؛ ذللك من داعء انلِب ‪« :‬امهلل اجعل يف قلِب نورا»(‪ ،)1‬واهلل ‪‬‬
‫ىلع أحد‬ ‫يقول‪ :‬ﮋ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ‬
‫(‪)2‬‬

‫اتلفسريين مثل قلب املؤمن كمشاكة منري ميضء‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري برقم [‪ ،]6316‬ومسلم برقم [‪.]525‬‬


‫(‪ )2‬سورة انلور‪.35 :‬‬
‫‪23‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث السابع‬

‫ِّ ُ َّ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َّ َ َ‬


‫اري ‪ ‬أن انل ِِب ‪ ‬قال‪« :‬اِلين انل ِصيحة»‪.‬‬ ‫يم ب ِن أو ادل ِ‬ ‫عن أ ِيب رقية ت ِم ِ‬
‫َ َ َّ أ‬ ‫أ‬
‫َّ ُ أ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ُْ‬
‫ني َوَعمتِ ِهم»(‪. )1‬‬ ‫قلنَا‪ :‬ل ِ َم ْن؟ قال‪َِّ « :‬للِ‪َ ،‬ولِكِتاب ِ ِه‪َ ،‬ول َِرس ِ‬
‫وِل ِ‪َ ،‬و ِألئ ِم ِة المسلِ ِم‬

‫ااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا‬
‫ً‬
‫«ادلين انلصيحة» ويف لفظ ثالثا‪ ،‬هذا احلديث من أصول ادلين‪ ،‬أي‪:‬‬
‫انلصيحة أصل من أصول اإلسالم‪ ،‬وهذا مما يتمزي به اإلسالم عن غريه من‬
‫األديان‪ ،‬فانلصح يف اإلسالم للك أحد من صغري إىل كبري‪ ،‬أما يف غري اإلسالم فقد‬
‫ال يصل أحد إىل الكبري‪ ،‬فيظهر ما يف قلبه مما يريده من نصح يف الطرقات ويف‬
‫الشعارات وغري ذلك‪ ،‬اإلسالم إذا عندنا نصح تذهب للكبري‪ ،‬وتذهب للصغري‬
‫‪« :‬ادلين انلصيحة» األلف والالم للعموم يعين‪ :‬ادلين لكه‬ ‫تنصحه‪ ،‬ذللك قال‬
‫مبناه ىلع انلصيحة‪ ،‬فال نستطيع أن ننرش ادلين إال بانلصيحة‪ ،‬وال يملك انلا‬
‫ادلين إال بانلصيحة‪.‬‬

‫وهذا احلديث ينقسم إىل قسمني‪ :‬قسم نصح املرء نلفسه بإصالحها‪ ،‬والقسم‬
‫ً‬
‫اثلاين إصالح غريه‪ ،‬فيدب ىلع لك مسلم أن يصلح أوال نفسه‪ ،‬ثم بعد ذلك ينفع‬
‫(‪)2‬‬
‫غريه‪ ،‬وهذا مذكور يف القرآن قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ‬
‫هذا إصالح انلفس ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم برقم [‪.]55‬‬


‫(‪ )2‬سورة املزمل‪.2-1 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪24‬‬

‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ(‪ )1‬تلبليغ انلا ‪ ،‬وهنا «ادلين انلصيحة» قلنا‪ :‬ملن يا رسول‬


‫اهلل؟ قال‪« :‬هلل» يعين‪ :‬تمتثل أوامر اهلل‪ ،‬ولرسوهل تطيع الرسول ‪‬‬
‫ولكتابه كذلك تمتثل بما يف كتاب اهلل‪ ،‬هذه إصالح انلفس‪ ،‬ثم بعد ذلك تنتقل‬
‫إىل غريك وألئمة املسلمني واعمتهم‪ ،‬والواجب يف أئمة املسلمني أمران‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬نصحهم باحلكمة‪.‬‬

‫قال ابن القيم ‪ : ‬وقد دأب العقالء من قديم الزمان ىلع وجوب اتلأدب‬
‫مع الوالة‪ ،‬فبالقول اللني احلسن واحلكمة ينصح سواء بقول أو بكتابة‪.‬‬

‫األمر اثلاين‪ :‬مما جيب ادلاعء هلم‪ ،‬وهلذا قال اإلمام أمحد ‪ :‬لو اكنت يل‬
‫دعوة مستدابة جلعلتها يف اإلمام‪ ،‬فصالح اإلمام من صالح الرعية‪ ،‬أو فيه‬
‫صالح الرعية‪.‬‬

‫واملراد بانلصيحة اإلخالص فيها والصدق‪ ،‬فال يكون فيها يشء من الغش‬
‫وال اخلديعة وال احلسد وال املكر‪ ،‬ذللك انلصيحة مأخوذة من نصح اليشء‪ ،‬يعين‪:‬‬
‫خالصة وصافيه‪.‬‬

‫وتوجيههم وتعليمهم والصرب‬ ‫قال‪« :‬ولعامتهم» يعين‪ :‬بإرشاد اعمة انلا‬


‫عليهم‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة املزمل‪.5-3 :‬‬


‫‪25‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث الثامن‬

‫َ َ َّ‬ ‫َ أ َُ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َّ َ ُ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫اَّلل ‪ ‬قال‪« :‬أم أِرت أن أقات ِل انلَّاس حىت‬ ‫‪ ،‬أن رسول ِ‬ ‫ع ْن اب ْ ِن ع َم َر‬
‫َّ َ َ َ ُ أ ُ َّ َ َ َ َ‬ ‫َ أ َ ُ َ أ َ َ َّ َّ ُ َ َّ ُ َ َّ ً ُ ُ َّ ُ ُ‬
‫الزَكة؛ فإِذا‬ ‫يشهدوا أن َل إِلَ إَل اَّلل َوأن حممدا َرسول اَّللِ‪َ ،‬وي ِقيموا الصالة‪ ،‬ويؤتوا‬
‫ِّ َ َ ُ أ َ َ أ َ َ ُ أ َّ َ ِّ أ أ َ ِ َ َ ُ ُ أ َ َ َّ‬ ‫ََُ َ َ َ َ ُ‬
‫حسابهم ىلع اَّللِ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬و ِ‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ِب‬
‫ِ‬ ‫إَل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ال‬‫و‬‫م‬ ‫أ‬‫و‬ ‫م‬‫ه‬ ‫اء‬ ‫ِم‬
‫د‬ ‫ِِن‬
‫م‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫فعلوا ذل ِك عص‬
‫ََ َ‬
‫تعاىل»(‪. )1‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يعين هذا احلديث من أصول ادلين‪ ،‬وهو اإلسالم يعصم املرء من استباحة‬
‫حىت يشهدوا أال هلإ إال اهلل‬ ‫دمه‪ ،‬وقوهل ‪« : ‬أمرت أن أقاتل انلا‬
‫ً‬
‫وأن ُممدا رسول اهلل ويقيموا الصالة ويؤتوا الزاكة فإذا فعلوا ذلك» يعين‪ :‬أدوا‬
‫أراكن اإلسالم‪.‬‬

‫«عصموا مين دماءهم وأمواهلم» يعين‪ :‬أصبحت معصومة ُمرمة إباحتها‪،‬‬


‫وكذا نساءهم من استباحة أمواهلم وذراريهم‪.‬‬

‫«وحسابهم ىلع اهلل ‪ »‬يعين‪ :‬أمر نيتهم يف إظهار اإلسالم إىل اهلل‪ ،‬قد‬
‫يكونوا صادقني وقد يكونوا منافقني يف لكمة اتلوحيد‪ ،‬فأنا أفوض أمرهم إىل‬
‫اهلل‪ ،‬أعصم دمهم‪ ،‬ال أقاتلهم إلظهار اإلسالم‪ ،‬وحسابهم ىلع اهلل إن اكنوا اكذبني‪،‬‬
‫فاهلل حياسبهم‪ ،‬وإن اكنوا صادقني فاهلل يثيبهم ىلع ذلك الفعل‪.‬‬

‫يف صحيح ابلخاري يف قصة أسامة بن زيد قال‪ :‬رفعت السيف عليه فقال‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري رقم [‪ ،]25‬ومسلم رقم [‪.]22‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪26‬‬

‫ال هلإ إال اهلل‪ ،‬فقال‪« :‬أقتلته بعد ما قال َل هلإ إَل اهلل» قال‪ :‬يا رسول اهلل! خاف من‬
‫بارقة السيف‪ .‬قال‪« :‬أقتلته بعد ما قال َل هلإ إَل اهلل» قال‪ :‬فسكت فقال انلِب‬
‫‪« :‬أقتلته بعد أن قال َل هلإ إَل اهلل» وهو يغضب ‪ ، ‬قال أسامة‪:‬‬
‫فتمنيت أين لم أسلم إال تلك الساعة‪ ،‬ما دخلت يف اإلسالم؛ ألين قتلت من تشهد‬
‫أىت بالشهادة‪.‬‬
‫ً‬
‫جمتهد يف ذلك‪ ،‬ظن أنه ما فعل ذلك إال خوفا من‬ ‫وأسامة بن زيد‬
‫السيف‪ ،‬فاملقصود أن من أىت بشعائر اإلسالم الظاهرة حيرم قتله‪ ،‬حىت ولو أظهر‬
‫ً‬
‫ذلك نفاقا حيرم قتله‪ ،‬أما إذا أظهر انلفاق وهو الكفر فهذا مباح ادلم‪ ،‬يقتله‬
‫اإلمام ‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث التاسع‬

‫َُ ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َ َّ‬ ‫َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ ْ َّ ْ َ ْ َ ْ‬
‫اَّلل ‪ ‬يقول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ع‬‫م‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫‪:‬‬‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪‬‬ ‫ر‬‫خ‬ ‫عن أ ِيب هريرة عب ِد الرمح ِن ب ِن ص‬
‫َ ُ أ ُ َ أ َ َ أ ُ أ َ َّ َ َ أ َ َ‬ ‫أ‬ ‫َ ََ ُ ُ أ‬ ‫َ ََأُ ُ أ َأُ َ أَ ُ‬
‫«ما نهيتكم عنه فاجتنِبوهُ‪َ ،‬وما أم أرتكم ب ِ ِه فأتوا مِنه ما استطعتم‪ ،‬فإِنما أهلك‬
‫أ (‪)1‬‬ ‫أ َ أ َ ُ ُ أ ََ َأ َ‬ ‫َّ َ أ َ أ ُ أ َ أ َ ُ َ َ‬
‫ْثة مسائِلِ ِهم واختِالفهم ىلع أنبِيائ ِِهم» ‪.‬‬ ‫اذلِين مِن قبلِكم ك‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ً‬
‫هذا احلديث أيضا من أصول ادلين‪ ،‬وهو وجوب طاعة اهلل ‪ ‬ورسوهل‪،‬‬
‫ذللك قال‪« :‬ما أمرتكم به من أمر فأتوا منه ما‬ ‫وانليه عن كرثة أسئلة الرسول‬
‫ً‬
‫استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» عندنا أوامر ونوايه‪ ،‬أعظم إثما عند اهلل ترك‬
‫األوامر أعظم من اجتناب انلوايه‪ ،‬فعدم امتثال إبليس ألن اهلل ‪ ‬أمر بالسدود‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫أعظم إثما من أكل آدم للشدرة نيه عنها‪ ،‬فأكل آدم الشدرة‪ ،‬وهذا أمر بأمر ما‬
‫ً‬
‫امتثل‪ ،‬فرتك األوامر أعظم إثما إذا اكن الشخص يستطيعها‪ ،‬وإن اكن اجلميع فيها إثم‪،‬‬
‫ً‬
‫لكن عدم امتثال األوامر أعظم‪ ،‬فمثال حىت يتبني لو عندك ابن قلت هل‪ :‬أعطين‬
‫ماء‪ ،‬رفض‪ ،‬أعطين ً‬
‫ماء‪ ،‬رفض‪ ،‬وإال لو قلت هل‪ :‬ال تتلكم اسكت أريد أن أقرأ‪ ،‬فتلكم‬ ‫ً‬

‫ثم تقول‪ :‬اسكت ال تتلكم‪ ،‬فيتلكم أيهم أعظم ؟‬


‫ً‬
‫كرس أوامرك أو أنه يقع يف نيه نهيته؟ ال شك عدم امتثال أوامرك استكبارا‬
‫منه‪ ،‬ذللك وصف اهلل إبليس بالكرب‪ ،‬ووصف آدم وزوجته باجلهل؛ ملا فعلوا انليه‪.‬‬

‫فتقول كيف جاهل؟ أقول لك‪ :‬ال تتلكم تتلكم وأنت متكرب‪ ،‬أقول لك أعطين‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري رقم [‪ ،]7288‬ومسلم رقم [‪.]1337‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪28‬‬

‫ً‬
‫ماء‪ ،‬ما تعطيين‪ ،‬والكرب أسوأ من اجلهل‪ ،‬فاملقصود من فضل اهلل؛ ألن األوامر يف تركها‬
‫إثم عظيم لم نؤمر إال بما نستطيعه‪« ،‬ما أمرتكم به من أمر فأتوا منه ما استطعتم»‬
‫واهلل يقول‪ :‬ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ (‪« ، )1‬وما نهيتكم عنه فاجتنبوه»‬
‫تستطيع أو ال تستطيع جيب أن تستديب انليه‪ ،‬تبتعد عنه‪ ،‬ال تقول‪ :‬وقعت يف الزىن‪،‬‬
‫ملاذا؟ ما استطعت ال ما فيه‪ ،‬انليه جتتنبه‪ ،‬أما األمر اذلي تستطيعه وهذا من فضل‬
‫اهلل‪.‬‬

‫«وإنما أهلك من اكن قبلكم كرثة أسئلتهم ىلع أنبيائهم» أو كرثة مسائلهم ىلع‬
‫ً‬
‫أنبيائهم يعين‪ :‬يسألون عن أشياء إما أن تكون عنتا‪ ،‬فيكون مشقة ىلع األمة يف‬
‫ترشيعها‪ ،‬وإما أن يكون من باب االستكبار والعناد‪ ،‬فيكون فيه إغضاب ذللك‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫مغضبا‬ ‫‪« :‬سلوا» واكن انلِب‬ ‫المرسل‪ ،‬ذللك يف صحيح ابلخاري‪ :‬ملا قال انلِب‬
‫ً‬
‫ىلع ركبتيه وقال‪ :‬رضينا باهلل ربا‬ ‫فغطى احلابة رؤوسهم وهم يبكون‪ ،‬فدثا عمر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وباإلسالم دينا وبمحمد نبيا‪ ،‬فقام حذافة فقال‪ :‬من أيب؟ قال‪ :‬أبوك حذافة‪ ،‬فكرثة‬
‫ً‬
‫األسئلة ىلع األنبياء قد توقع ترشيعا يرض ىلع األمة؛ ذللك قال ‪« :‬لو قلت نعم‬
‫لوجبت وملا استطعتم» وكذا اكن انلِب ‪ ‬آثر عدم اخلروج يف صالة‬
‫الليل يف رمضان خشية أن تفرض عليهم‪ ،‬قال‪« :‬ولكن خشية أن تفرض عليكم»‬
‫يعين‪ :‬الرتاويح ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة ابلقرة‪.286 :‬‬


‫‪29‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث العاشر‬

‫َّ َّ َ َ ِّ َ َ أ َ ُ َّ َ ِّ ً‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ُ َّ‬ ‫َ ْ َ َََُْ‬


‫اَّلل ‪« ‬إن اَّلل طي ٌب َل يقبل إَل طيبا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪:‬‬‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪‬‬ ‫ة‬ ‫عن أ ِيب هرير‬
‫أُأ َ َ ََ َ ََ َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ أ ُ أ َ َ َ َ‬
‫ني فقال تعاىل‪ :‬ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬ ‫َوإِن اَّلل أم َر المؤ ِمنِني بِما أم َر ب ِ ِه المرسلِ‬
‫َ َ َ َ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ ‪َ ،‬وقال ت َعاىل‪ :‬ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ُ َّ َ َ َ َّ ُ َ ُ ُ َّ َ َ َ أ َ َ َ أ َ َ َ ُ ُّ َ َ أ َ َّ َ َ َ ِّ‬
‫ﮄ ﮊ ثم ذكر الرجل ي ِطيل السفر أشعث أغْب يمد يدي ِه إىل السماءِ‪ :‬يا رب!‬
‫َ َ َّ‬ ‫ام‪َ ،‬و ُغ ِّذ َي ب أ َ‬
‫َ َ ِّ َ َ أ َ ُ ُ َ َ ٌ َ َ أ َ ُ ُ َ َ ٌ َ َ أ َ ُ ُ َ َ ٌ‬
‫احل َر ِام‪ ،‬فأَّن‬ ‫ِ‬ ‫يا رب! ومطعمه حرام‪ ،‬ومرشبه حرام‪ ،‬وملبسه حر‬
‫ُأ َ َ ُ َ‬
‫يستجاب ِلُ؟»‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ال زنلا يف األربعني انلووية‪ ،‬وقد اشرتط املصنف ‪ ‬فيها أن خيتار‬


‫األحاديث اليت عليها مدار ادلين؛ هلذا ي‬
‫سماها كما يف رشحه ىلع صحيح ابلخاري‬
‫(األربعون يف مباين اإلسالم وقواعد األحاكم)‪ ،‬وهذا احلديث اذلي ذكره حديث‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يف وجوب أن يكون الرزق طيبا حالال‪ ،‬والرزق الطيب احلالل‬ ‫أيب هريرة‬
‫يرتتب عليه إجابة ادلاعء‪ ،‬وعكسه رد ادلاعء ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬وترتب عليه بإذن‬
‫اهلل الربكة يف املال‪ ،‬وإن اكن ضد ذلك ُمق الربكة‪ ،‬كما قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﮄ ﮅ‬
‫ً‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ(‪ )1‬واملحق ليس خاصا بالربا فحسب‪ ،‬بل لك حرام من املال‬
‫ً‬
‫فهو ممحوق الربكة زائل‪ ،‬ويرتتب عليه أيضا صالح اذلرية بإذن اهلل‪ ،‬فصالح‬
‫ً‬
‫اذلرية من صالح مكسب الرجل‪ ،‬ويرتتب عليه أيضا األلفة بني اذلرية من‬

‫(‪ )1‬سورة ابلقرة‪.276 :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪30‬‬
‫ً‬
‫األوالد وابلنني‪ ،‬وقد ظهر بأن من يكون كسبه حراما‪ ،‬تتشتت ذريته وحيصل‬
‫بينهم القطيعة واإلثم واتلدابر واتلهاجر‪ - ،‬والعياذ باهلل ‪.-‬‬

‫ومما يرتتب ىلع املكسب احلالل بإذن اهلل صحة اجلسد‪ ،‬فكرثة األمراض‬
‫واألسقام من أسبابها ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬عدم الكسب احلالل‪.‬‬

‫«إن اهلل طيب» فدل ىلع أن من أسماء اهلل أنه طيب‪ ،‬فيدوز للشخص أن‬
‫يسيم عبد الطيب‪ ،‬وجيوز للشخص أن يدعو باسم الطيب‪ ،‬فيقول‪ :‬يا طيب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ارزقين ماال طيبا‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وال يقبل من األعمال إال الطيب‪ ،‬العمل اخلبيث‬
‫واليسء ال يقبله اهلل‪ ،‬بل ال يرفع إيله‪ ،‬وال يرفع إيله إال الطيب كما قال سبحانه‪:‬‬
‫ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ(‪ )1‬أما العمل اليسء اخلبيث‬
‫فال يرفع إيله؛ ألنه طيب‪ ،‬وال يصل إيله إال الطيب سبحانه‪.‬‬

‫«أمر املؤمنني بما أمر به املرسلني» يعين‪ :‬أن اتللكيف اعم جلميع اخللق سواء‬
‫من املرسلني أو من غري املرسلني‪ ،‬يعين‪ :‬واجب ىلع اجلميع الكسب الطيب‪،‬‬
‫واحلذر من الكسب احلرام‪.‬‬

‫فقال تعاىل‪ :‬ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ(‪ )2‬وقال عن‬


‫املؤمنني‪ :‬ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ(‪ )3‬وكذا قال للرسل باألمر بالطيبات‪.‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ «ثم ذكر الرجل‬


‫يطيل السفر أشعث أغْب يمد يديه إىل السماء‪ :‬يارب يارب ومطعمه حرام‬

‫(‪ )1‬سورة فاطر‪.10 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة املؤمنون‪.51 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة ابلقرة‪.172 :‬‬
‫‪31‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫ومرشبه حرام وملبسه حرام وغذي باحلرام فأَّن يستجاب ذللك» ‪.‬‬

‫صفة من صفة اتلرضع يف ادلاعء‪ ،‬مسافر ومكروب‬ ‫يعين ذكر انلِب‬


‫ومضطر ومنقطع وعليه آثار السفر‪ ،‬أشعث أغرب‪ ،‬متبتل إىل اهلل ‪ ‬برفع يديه‪،‬‬
‫ومع ذلك مع هذه احلال ردت دعوته بسبب املطعم اخلبيث ‪ -‬والعياذ باهلل ‪-‬‬
‫فيدب ىلع املسلم أن يسىع للكسب الطيب‪ ،‬وحيذر الكسب اخلبيث‪ ،‬وانلِب‬
‫‪ ‬تورع عن أكل ثمرة‪ ،‬قال‪« :‬أخىش أن تكون من الصدقة» وليس‬
‫هناك ما يسّم بتطهري املال بإخراج نسبة منه‪ ،‬وإنما القطرة اليسرية من املال‬
‫تدنس مجيع املال‪ ،‬فال يكون تطهريه بإخراج يشء‪ ،‬وإنما الكسب الطيب هو‬
‫املطلوب‪ ،‬وما وقع فيه من خبيث جتب اتلوبة إىل اهلل ‪ ، ‬أما أن الشخص‬
‫يتاجر بأمر ُمرم وما يكسبه من نسبة خيرجه‪ ،‬هذا قول ال أصل هل يف اإلسالم‪.‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪32‬‬

‫احلديث احلادي عشر‬

‫ْ َ‬ ‫َّ‬
‫اَّلل ‪َ ‬و َرحيَان ِت ِه‬ ‫ول‬ ‫لع بْن أَيب َطالب سبْط َر ُ‬
‫س‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬
‫احل َ َسن بْن َ‬ ‫د‬‫م‬‫َع ْن أَيب ُُمَ َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ أ َ ُ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫اَّلل ‪« ‬دع ما ي ِريبك إىل ما َل ي ِريبك» ‪.‬‬‫ول ِ‬‫‪ ،‬قال‪ :‬ح ِفظت ِمن رس ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فاطمة فيسّم السبط‪.‬‬ ‫السبط‪ :‬ابن ابلنت فاحلسن ابن بنت انلِب‬

‫هذا احلديث من قواعد ادلين‪ :‬أن الشخص يبتعد عما فيه ريبة‪ ،‬وإن ابتعد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املرء عما فيه ريبة أصبح دينه ساملا‪ ،‬وعرضه ناصعا من عدم الوقيعة فيه‪ ،‬ذللك‬
‫قال‪« :‬دع ما يريبك» يعين‪ :‬دع ما تشك فيه‪ ،‬واذهب إىل «ما ال يريبك» اذلي ال‬
‫تشك فيه‪ ،‬وهذا حديث عظيم ‪.‬‬

‫َ ٌ‬
‫يث َح َس ٌن َصح ٌ‬
‫يح‪.‬‬ ‫ايئ رقم‪َ ،]5711[ :‬وقَ َال ِّ ْ‬
‫الرت ِم ِذي‪ :‬ح ِد‬ ‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ِّ ْ‬
‫الرت ِم ِذي رقم‪َ ،]2520[:‬والنَّ َس ِ ي‬
‫ِ‬
‫‪33‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث الثاني عشر‬


‫أ َ أَأ َأ ُ ُ َ َ‬ ‫أ ُ أ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ َ َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫اَّلل ‪« ‬مِن حس ِن إسال ِم المرءِ تركه ما َل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عن أ ِيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول ِ‬
‫َأ‬
‫يعنِي ِه»(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يعين ساق املصنف هذا احلديث بليان أن إسالم املرء حيسن إذا ابتعد عما‬
‫ال يعنيه‪ ،‬واملراد ما ال يعنيه‪ :‬ما ال عناية هل به ختصه من أمر دنياه‪.‬‬

‫ومن أقوال السلف‪ :‬من عالمات إعراض اهلل عن العبد أن يشغله بما ال‬
‫يعنيه‪ ،‬وإذا اكن املرء ال يشتغل إال بما يعنيه يوفقه اهلل ‪ ‬للصواب‪ ،‬ذللك قال‬
‫الشافيع ‪ : ‬صحبت الصوفية سنني فلم أستفد منهم إال الوقت اكلسيف إن لم‬
‫تقطعه قطعك‪ ،‬قال‪ :‬وانلفس إن لم تشغلها باحلق شغلتك بابلاطل‪ ،‬ولك امرئ هل طاقة‬
‫ُمددة‪ ،‬إن رصفت إىل ما ال يعنيه انشغل بما هو ملكف به‪ ،‬فمن اشتغل بالوقيعة يف‬
‫أعراض املسلمني والغيبة وانلميمة أعرض عن ذكر اهلل ‪ ‬وتالوة القرآن‬
‫واتلذلذ به‪ ،‬ومن اشتغل باملعايص جبوارحه انشغل عن طاعة اهلل بالصالة وحنو ذلك‪،‬‬
‫ذللك جيب ىلع الشخص أن جيهد ويقرص نفسه ىلع ما فيه خري هل ومصلحة‪ ،‬ذللك‬
‫قال‪« :‬احرص ىلع ما ينفعك واستعن باهلل» فاذلي ال ينفعك ابتعد عنه‪،‬‬ ‫انلِب‬
‫واذلي ينفعك مع حرصك عليه استعن باهلل‪ ،‬وتولك عليه يف حتقيقه‪ ،‬ذللك من وصايا‬
‫انلِب ‪ ‬هذا احلديث‪« :‬من حسن إسالم املرء تركه ما ال يعنيه» فإسالم‬
‫املرء ال حيسن وال يرشف إال إذا ترك الشخص ما ال يعنيه ‪.‬‬

‫يث َح َس ٌن‪َ ،‬ر َو ُاه ِّ ْ‬


‫الرت ِم ِذي رقم‪ ، ]2318[ :‬ابن ماجه رقم‪.]3976[ :‬‬
‫َ ٌ‬
‫(‪ )1‬ح ِد‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪34‬‬

‫احلديث الثالث عشر‬

‫َ َ‬ ‫انل ِّ‬
‫ِب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫َّ‬
‫اَّلل ‪َ ‬ع ْن َّ‬ ‫ول‬ ‫س‬‫مح َز َة أَنَس بْن َمالك ‪َ ‬خادمِ َر ُ‬‫َ ْ َ َْ‬
‫عن أ ِيب‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َ ُ ُّ أ‬ ‫َ ُ أ ُ َ َ ُ ُ أ َ َّ ُ َّ َ‬
‫خي ِه ما ُيِب ِنلَف ِس ِه»(‪.)1‬‬‫«َل يؤمِن أحدكم حىت ُيِب ِأل ِ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف هذا احلديث؛ بليان وجوب سالمة الصدر للمؤمنني‪ ،‬فال‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يكون املؤمن مؤمنا إال إذا اكن قلبه ُمبا لغريه‪ ،‬مؤثرا هل ىلع نفسه‪.‬‬

‫«ال يؤمن» يعين اإليمان الاكمل؛ حىت حيب ألخيه املسلم ما حيبه نلفسه من‬
‫اخلري ‪.‬‬

‫َ َ ُ ُْ َ‬
‫اري رقم‪َ ،]13[ :‬و ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]45[ :‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابلخ ِ‬
‫‪35‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث الرابع عشر‬

‫ُ أ‬ ‫َ َ ُّ َ ُ أ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ُ َّ‬ ‫َ ْ ْ َ ْ ُ‬
‫اَّلل ‪َ« ‬ل ُيِل دم ام ِر ٍئ مسلِ ٍم يشهد أن‬ ‫عن اب ِن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول ِ‬
‫أ‬ ‫أ ُ‬ ‫َل هلإ إَل اهلل‪ ،‬وأين رسول اهلل َّإَل بإ أح َدى ثَ َالث‪ :‬اثلَّ ِّي ُب َّ‬
‫الز ِاين‪َ ،‬وانلَّفس بِانلَّف ِس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬
‫أَُ ُ أ َ َ َ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫ارق ل ِلجماع ِة»(‪.)1‬‬
‫ارك ِِلِين ِ ِه المف ِ‬
‫واتل ِ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق هذا احلديث بليان مىت تزول العصمة عن دم املسلم؛ ألن دم املسلم‬
‫معصوم ُمفوظ ال جيوز أن يهدر دمه‪ ،‬وال يعتدي عليه جبدل أو رضب وحنو ذلك‪،‬‬
‫وكذا عرضه مصون من االعتداء عليه‪ ،‬أو اتلفريق بينه وبني زوجته إن اكن‬
‫ً‬
‫مزتوجا‪ ،‬وال تزول العصمة إال بثالثة أمور‪ :‬اثليب الزاين‪ ،‬وانلفس بانلفس‪،‬‬
‫واتلارك دلينه املفارق للدماعة‪ ،‬بإحدى ثالثة أمور‪.‬‬

‫وبدأ بما يكرث وقوعه ثم ما هو أقل‪ ،‬فأكرث ما يقع يف هذا احلديث من هذه‬
‫األمور الزىن ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ ،-‬قال‪« :‬اثليب الزاين» يعين املحصن الزاين‪ ،‬واملراد‬
‫باملحصن‪ :‬من وطئ امرأته يف فرج يف عقد نكاح صحيح‪ ،‬فإذا فعل الرجل أو‬
‫املرأة تلك الفعلة وهما ُمصنان أو أحدهما ُمصن‪ ،‬فاملحصن منهما يقتل‪ ،‬كيفية‬
‫‪.‬‬ ‫القتل الرجم باحلدارة كما رجم ماعز‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫األمر اثلاين‪ :‬انلفس بانلفس يعين‪ :‬القتل‪ ،‬فمن قتل نفسا معصومة قتل‪.‬‬

‫َ َ ُ ُْ َ‬
‫اري رقم‪َ ،]6878[ :‬و ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]1676[ :‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابلخ ِ‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪36‬‬

‫واألمر اثلالث‪ :‬اتلارك دلينه املفارق للدماعة‪« ،‬اتلارك دلينه» يعين‪ :‬اذلي‬
‫ارتد عن دين اإلسالم وفارق مجاعتهم‪ ،‬فمن ارتد عن اإلسالم فقد حل دمه‬
‫‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬وماهل فيقتل ردة وماهل يصادر منه‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث اخلامس عشر‬

‫َ َ َ أ َ َ ُ أ ُ َ َّ َ أ َ أ أ‬
‫ِ‬ ‫َ َّ َ ُ َ َّ‬ ‫َ ْ َ َََُْ‬
‫خ ِر‬‫ِ‬ ‫اْل‬ ‫م‬ ‫و‬‫اَل‬‫و‬ ‫َّلل‬
‫ِ ِ‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪‬‬ ‫اَّلل‬
‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫‪‬‬ ‫ة‬ ‫عن أ ِيب هرير‬
‫َ أ‬ ‫ت‪َ ،‬و َم أن ََك َن يُ أؤم ُِن با َ ََّّللِ َو أاَلَ أو ِم أاْلخر َفلأ ُي أكر أم َج َ‬ ‫َأَُ أ َ أً َأ َ أ ُ أ‬
‫ارهُ‪َ ،‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فليقل خريا أو َِلصم‬
‫َأُ أ أ َ أَ ُ‬ ‫َ َ ُ أ ُ َ َّ َ أ َ أ أ‬
‫خ ِر فليك ِرم ضيفه»(‪.)1‬‬ ‫اَلو ِم اْل ِ‬‫َكن يؤمِن بِاَّللِ و‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق هذا احلديث بليان وجوب حفظ اللسان عما ال ينفع‪ ،‬وحفظ اللسان‬
‫من أصول رشع هذا ادلين‪ ،‬ورتب اهلل ‪ ‬ىلع من حفظ لسانه بالفردو‬
‫إىل أن قال‪ :‬ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫(‪)2‬‬
‫األىلع‪ ،‬ﮋ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ(‪. )3‬‬

‫واإلعراض عن اللغو أىت يف كتاب اهلل يف ثالثة مواضع‪ :‬ﮋ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬


‫ﭟ ﮊ(‪ ،)4‬ﮋ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ(‪ ، )5‬ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮊ(‪ )6‬فمدرد سمع اللغو املسلم يعرض عنه فدل ىلع أن أصل اللغو يعرض عنه‬

‫َ َ ُ ُْ َ‬
‫اري رقم‪َ ،]6018[ :‬و ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]47[ :‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابلخ ِ‬
‫(‪ )2‬سورة املؤمنون‪.3 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة املؤمنون‪.11-10 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة املؤمنون‪.3 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة الفرقان‪.72 :‬‬
‫(‪ )6‬سورة القصص‪.55 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪38‬‬

‫من باب أوىل‪ ،‬وانلِب ‪ ‬هنا قال‪« :‬من اكن يؤمن باهلل وايلوم اآلخر‬
‫خريا أو يلصمت» ال يتلكم إال فيما ينفعه‪ ،‬قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﭿ ﮀ‬ ‫فليقل ً‬
‫َ َّ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ(‪ )1‬ومن كرث الكمه يف ما ال ينفعه‪ ،‬قل‬
‫َّ‬
‫ذكره هلل سبحانه‪ ،‬ولكما اطمأن الشخص إىل اخللق استوحش من اخلالق‪ ،‬ولكما‬
‫قرب من اهلل اطمأنت نفسه إيله‪ ،‬وانرشح صدره هل سبحانه‪ ،‬واهلل ‪ ‬أمر باذلكر‬
‫ً‬
‫كثريا‪ :‬ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﮊ(‪ )2‬وقال‪:‬‬
‫ﮋﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫يعين يف لك وقت اذكروا اهلل‪ ،‬فإذا أكرث املرء‬ ‫ﮊﮋﮌ ﮍﮎﮊ‬
‫(‪)3‬‬

‫من ذكر اهلل‪ ،‬صان اهلل لسانه عما ال يعنيه‪ ،‬وما أوقع من أوقع يف متاهات وقتل أو‬
‫تعزير وغري ذلك إال بسبب فرط اللسان‪ ،‬واللسان هو مغراف القلب‪ ،‬فإذا اكن‬
‫ً‬
‫القلب للمرء سليما لم خيرج منه إال السليم‪ ،‬واهلل ‪ ‬ذكر من صفات أهل‬
‫اجلنة‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ(‪ )4‬فأصحاب اجلنة ال يتلكمون إال بالالكم‬
‫ً‬
‫«لم يكن فاحشا وال متفحشا» وإنما‬ ‫الطيب‪ ،‬ويف صحيح مسلم أن انلِب‬
‫اكن الكمه حياء ‪.‬‬

‫«ومن َكن يؤمن باهلل واَلوم اْلخر فليكرم جاره ومن َكن يؤمن باهلل واَلوم‬
‫اْلخر فليكرم ضيفه»‪.‬‬
‫ً‬
‫هذا أيضا من أصول ادلين وهو من إكرام اجلار بل قال ‪« : ‬ما‬

‫(‪ )1‬سورة االنفطار‪.12-10 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة األحزاب‪.42-41 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة ق‪.40-39 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة احلج‪.24 :‬‬
‫‪39‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫أن‬ ‫زال جربيل يوصيين باجلار حىت ظننت أنه سيورثه» يعين حىت ظن انلِب‬
‫اجلار من ضمن ورثة جاره‪ ،‬اكالبن واألخ والعم‪ ،‬وهكذا لكرثة الوصية باإلحسان‬
‫ً‬
‫أمر إذا طبخت مرقا فأكرث ماءها يلعطي اجلريان‪ ،‬وأوىل‬ ‫إىل اجلار‪ ،‬وانلِب‬
‫باجلار‬ ‫اجلار القريب منك‪ ،‬وحقوق اجلار السرت عما يبدر منه‪ ،‬من أعرف انلا‬
‫هو جاره‪ ،‬فقد يرى من عورات جاره ما ال يراه غريه من أهله أو ودله أو نفسه‪ ،‬فما‬
‫يصدر منهم من عيب يسرته‪.‬‬

‫األمر اثلاين من حقوق اجلار‪ :‬كف األذى عنه‪ ،‬ال تؤذيهم بأي وسيلة من‬
‫الوسائل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األمر اثلالث‪ :‬اإلحسان إيله‪ ،‬حىت ولو اكن اكفرا حتسن إيله‪ ،‬وإذا اكن مسلما‬
‫ً‬
‫حتسن إيله جلريته وإسالمه‪ ،‬وإذا اكن قريبا لك حتسن إيله جلريته وإسالمه‬
‫وقرابته‪ ،‬واالعتداء ىلع اجلار ذنبه مضاعف ذللك انلِب ‪ ‬قال‪« :‬أن‬
‫تزِن حبليلة جارك»(‪ ،)1‬ويف احلديث اآلخر‪« :‬من زىن جباره فكأنما زىن بأمه»‬
‫واحلديث صحيح‪.‬‬

‫كذلك إكرام الضيف‪ ،‬مما جاء به اإلسالم وهو من خصال األنبياء‪ ،‬ذللك‬
‫ملا دخل عليه ضيفان اثنان ظن أنهما من البرش‪ ،‬وهما من‬ ‫إبراهيم‬
‫املالئكة‪ ،‬جاء بعدل سمني حنيذ‪ ،‬فقدمه إيلهم وقال‪ :‬أال تأكلون‪ ،‬اثنان ذبح هلما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ ،‬وهكذا جيب ىلع املسلم أن يكون كريما بماهل‪ ،‬أو‬ ‫عدال‪ ،‬هذا من كرمه‬
‫أخالقه‪ ،‬أو جاهه‪ ،‬أو بمنة غريه ملا حيتاج إيله‪ ،‬وانلِب ‪ ‬كما قال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جابر‪ :‬اكن أجود انلا ‪ ،‬اكن كريما‪ ،‬وما يضع يف يده شيئا‪ ،‬بل اكن يستدين يلعطي‬
‫اآلخرين‪ ،‬قال بل قال‪« :‬لو اكن عندي مثل جبل أحد ما مىض عليه ثالث يلال‬

‫(‪ )1‬احلديث رواه ابليهيق عن عبداَّلل بن مسعود‪ ،‬السنن الكربى ‪ 8/18‬؛ وصحيح ابن حبان [‪.]4416‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪40‬‬

‫عندي منه يشء» واكن يَ ُ‬


‫عد بالعطية قبل أن تأتيه‪ ،‬فاكن يقول‪« :‬إن أتاين مال‬
‫‪:‬‬ ‫ابلحرين أعطيتك منه» ولك هذا من كرمه‪ ،‬ويف بيته كما قالت اعئشة‬
‫ً‬
‫طعاما قالت‪ :‬فلم أجد منه سوى تمرة‪ ،‬ويف لفظ‪ :‬سوى‬ ‫أتتين امرأة فطلبت مين‬
‫تمرتني‪ ،‬ويف مرة أخرى قالت‪ :‬فلم أجد فيه سوى ماء‪ ،‬يعين يف بيت انلِب‬
‫ماء‪ ،‬كريم حىت يف بيته ما فيه يشء‪.‬‬

‫وذكر الشيخ ُممد بن عبدالوهاب ‪ : ‬أن من مسائل اجلاهلية أنهم‬


‫يظنون أن الكرم يُفقر فأمسكوا‪ ،‬قال‪ :‬وما علموا أن الكرم هو اذلي يزيد املال‪،‬‬
‫وانلِب ‪ ‬ذكر أن يف صبيحة لك يوم يزنل ملاكن أحدهما يقول‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫«امهلل أعط ممساك تلفا‪ ،‬وأعط منفقا خلفا» فاملال اكلرضع إذا بذل يزيد‪ ،‬وإذا‬
‫حبس ينقص وتقب بركته‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث السادس عشر‬

‫َ َ َ َ أ َ أ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ ً َ َ َّ‬ ‫َ ْ َ َََُْ‬


‫ِب ‪ ‬أ ْو ِص ِين‪ .‬قال‪َ« :‬ل تغضب»‪ ،‬ف َردد‬
‫لن ِّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ل‬ ‫ال‬‫ق‬ ‫ال‬ ‫ج‬‫ر‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫‪‬‬ ‫ة‬ ‫عن أ ِيب هرير‬
‫َ ً َ َ َ َأ َ أ‬
‫ارا‪ ،‬قال‪َ« :‬ل تغضب»(‪.)1‬‬‫ِمر‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث بليان أن انليه عن الغضب من أصول‬


‫إصالح املدتمعات‪ ،‬وإذا تأمل الشخص يف لك جريمة تقع‬ ‫هذا ادلين‪ ،‬ومن أسا‬
‫فإذا رشارتها الغضب‪ ،‬فال يتقاتل اثنان إال بسبب أن أحدهما أغضب اآلخر‪ ،‬أو‬
‫حدث من أحدهما غضب‪ ،‬وال يتشاجران اثنان إال بسبب أن أحدهما قد غضب‪،‬‬
‫بقطع رزق اآلخر إال بسبب الغضب‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫بل ال يتعمد أحد انلا‬

‫وقوهل‪َ« :‬ل تغضب» أي‪ :‬ال تتعرض ملواطن الغضب فتغضب‪ ،‬وإال فالغضب قد‬
‫يكون جبلة‪ ،‬وضد الغضب احللم‪ ،‬ووصف اهلل ‪ ‬إبراهيم باحللم وأثىن عليه‬
‫يقولون‪:‬‬ ‫بذلك فقال‪ :‬ﮋﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮊ(‪ )2‬وملا اكن ايلهود يأتون انلِب‬
‫السام عليكم‪ ،‬يعين املوت عليكم‪ ،‬فاكن انلِب ‪ ‬يقول‪« :‬وعليكم»‬
‫فغضبت اعئشة‪ ،‬فقال ‪« : ‬ألم تسميع ما قلت هلم»‪ ،‬ثم قال هلا‪« :‬إن‬
‫الرفق ال يكون يف يشء إال زانه وال نزع من يشء إال شانه»‪ ،‬وهكذا إذا رأيت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ ْ ً‬
‫الرجل غري حليم جتد فيه شينا‪ ،‬وإذا رأيته حليما وجدت فيه َزيْنا بسبب الرفق‪.‬‬

‫َ َ ُ ُْ َ‬
‫اري رقم‪.]6116[ :‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابلخ ِ‬
‫(‪ )2‬سورة هود‪.75 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪42‬‬
‫ً‬
‫فإذا قال الشخص كيف أكون حليما ؟‬
‫ي‬
‫باتلحلم‪ ،‬يعين‪ :‬إن حدث موقف احبس نفسك عن الغضب‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫يكون هذا جبلة لك‪ ،‬وقد أثبت الطب أن كظم الغيظ يقوي عضلة القلب‪،‬‬
‫ً‬
‫واإلسالم أمر بذلك من قبل بعدم الغضب‪ ،‬أما الغضب فهو حيدث أرضارا يف‬
‫اجلسد‪.‬‬

‫يف صحيح مسلم أثىن ىلع أشدع بن عبد القيس وقال‪« :‬إن فيك خلصلتني‬
‫حيبهما اهلل ورسوهل احللم واألناة»‪ ،‬يكفيك أن انلِب ‪ ‬أىت أعرايب‬
‫إىل مسدده فبال‪ ،‬يبول يف املسدد انلبوي‪ ،‬فزجره الصحابة‪ ،‬وانلِب حليم قال‪:‬‬
‫«دعوه حىت يقيض بوهل» فلما قىض بوهل‪ ،‬داع بسدل من ذنوب فأهرق عليه املاء‪،‬‬
‫ويبول يف‪،‬ه يقيض حاجته فيه‪ ،‬ما‬
‫هذه قمة احللم‪ ،‬أعرايب يأيت مسدد انلِب‬
‫ي‬
‫نهره وال عنفه‪ ،‬وال قطع عليه بوهل‪ ،‬قال أكمل بولك ‪. ‬‬
‫‪43‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث السابع عشر‬

‫اَّلل َك َتبَ‬
‫َّ َّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ َ َّ ْ َ‬
‫اَّلل ‪ ‬قال‪« :‬إن‬
‫ول ِ‬‫عن أ ِيب يعىل شدا ِد ب ِن أو ‪ ‬عن رس ِ‬
‫ِّ أ َ َ‬ ‫أ أ َ َ َ َ ُ ِّ َ أ َ َ َ َ أ ُ أ َ َ أ ُ أ أ َ َ َ َ َ َ أ ُ أ َ أ ُ‬
‫َ‬
‫اإلحسان ىلع ُك َش ٍء‪ ،‬فإِذا قتلتم فأح ِسنوا ال ِقتلة‪ ،‬وإِذا ذِبتم فأح ِسنوا اذلِبة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َو أَلُحد أحدكم شف َرته‪َ ،‬ول ُ‬
‫َّ‬
‫ريح ذبِيحته»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬
‫ساق املصنف ‪ ‬حديث شداد؛ بليان وجوب اإلحسان للك خملوق‪،‬‬
‫ِّ‬
‫فاإلحسان اعم للك أحد؛ ذللك قال ‪« : ‬ويف ُك كبد رطب ٍة أجر»‬
‫ً‬
‫لإلحسان بالقتل واذلحبة‪ ،‬ثم بني كيف يكون اذلبح مثال‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ومثل انلِب‬
‫«فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة‪ ،‬وإذا ذحبتم فأحسنوا اذلحبة‪ ،‬ويلحد أحدكم شفرته‪،‬‬
‫ولريح ذبيحته» فليحسن القتلة فيما يقتل‪ ،‬مثل‪ :‬ريم الطري أحسن إيله‪ ،‬فنىه‬
‫ً‬
‫اإلسالم عن رميه حبدر‪ ،‬وجيب أن يكون الريم بمحدد يلقتله‪ ،‬فريم الطري مثال‬
‫بمحدد أو زجاج يتأذى منه حني القتل ونىه اإلسالم عنه‪.‬‬

‫«وإذا ذبح أحدكم فليحسن اذلحبة» يعين‪ :‬مما يُذبح اكلشاة أو الطيور‪ ،‬إذا‬
‫أراد أحد أن يذحبها ويه يف قبضته يلحسن اذلحبة يعين‪ :‬ال تعذب حني اذلبح‪،‬‬
‫ماذا أصنع ؟‬

‫«ويلحد أحدكم شفرته» يعين‪ :‬السكني تلكون حادة ئلال تتأذى ابلهيمة‪.‬‬

‫«ولريح ذبيحته» إذا اكنت حادة‪ ،‬وإذا اكن هذا يف ابلهائم من ادلواب‬

‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]1955[ :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪44‬‬

‫والطيور وحنوها‪ ،‬فدل ىلع أن اإلحسان لإلنسان أعظم وأوىل‪ ،‬بل إن اإلحسان إىل‬
‫‪« :‬ويف لك كبد رطبة‬ ‫الاكفر بالصدقة جائز‪ ،‬ويؤجر الشخص عليه‪ ،‬لقول انلِب‬
‫أجر» أما الزاكة فال جيوز دفعها إال للمسلم‪ ،‬فبقدر ما يمكن للشخص أن حيسن‬
‫إىل اآلخرين فليحسن إيلهم؛ ألن ما أوتيت من اإلحسان من مال أو جسد أو قوة‬
‫أو قدرة ىلع نفع هذه ال تدوم تزول وتعطى مدة ُمدودة لك‪ ،‬تبتىل هل حتسن فيها‬
‫إىل اآلخرين‪ ،‬ثم تزول عنك ‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث الثامن عشر‬

‫َ ْ َ َ ٍّ ُ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ ْ َّ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َّ‬
‫اَّللُ‬ ‫عن أ ِيب ذر جند ِب ب ِن جنادة‪ ،‬وأ ِيب عب ِد الرمح ِن معا ِذ ب ِن جبل ر ِِض‬
‫َ َ أ أ َّ ِّ َ َ أ َ َ َ َ‬ ‫َّ َ َ أ ُ َ ُ أ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َُْ َ َ ْ َُ‬
‫اَّلل ‪ ‬قال‪« :‬ات ِق اَّلل حيثما كنت‪ ،‬وأتبِع السيئة احلسنة‬ ‫ول ِ‬ ‫عنهما‪ ،‬عن رس ِ‬
‫َ ُُ َ َ‬ ‫َ أ‬ ‫َأ ُ َ‬
‫تمحها‪َ ،‬وخال ِق انلَّاس ِخبل ٍق حس ٍن»(‪.)1‬‬

‫ساق املصنف ‪ ‬احلديث بليان وجوب مراقبة اهلل وحسن اخللق‪ ،‬ومن‬
‫أذنب فليتب‪.‬‬

‫قال‪« :‬اتق اهلل حيثما كنت» واملراد بتقوى اهلل يعين‪ :‬عذاب اهلل‪ ،‬يلكن‬
‫حاجزا ً‬
‫مانعا من هذا العذاب‪ ،‬ال يأيت إيلك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بينك وبينه‬

‫بم أمنعه؟ بالطااعت واجتناب السيئات‪ ،‬فالعذاب قادم إيلك‪ ،‬لكن امنعه‬
‫بما ذكر‪ ،‬وامنعه يف أي ماكن كنت ويف أي زمان رصت‪ ،‬يلل نهار‪ ،‬يف أي ماكن‬
‫إىل أنظمة‪،‬‬ ‫به‪ ،‬ملا احتاج انلا‬ ‫راقب ربك ‪ ،‬وهذا حديث لو عمل انلا‬
‫وال احتاجوا إىل تعزير ملن خيالف ذلك‪ ،‬فمن اتىق اهلل سار ىلع اجلادة‪.‬‬
‫ً‬
‫«وأتبع السيئة احلسنة تمحها» يعين‪ :‬إن فعلت ذنبا‪ ،‬ويف صحيح مسلم انلِب‬
‫‪ ‬يقول‪« :‬إين ألتوب إىل اهلل يف ايلوم أكرث من مئة مرة» وقال عن‬
‫إبراهيم‪ :‬ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮊ(‪ )2‬يعين‪ :‬ارجع إىل اهلل يف لك حني يتوب إىل‬
‫اهلل ويستغفره‪.‬‬

‫ََ َ َ ٌ‬
‫يث َح َس ٌن‪َ ،‬ويف َب ْعض الن َسخ‪َ :‬ح َس ٌن َصح ٌ‬ ‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ِّ ْ‬
‫يح‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرت ِم ِذي رقم‪ ]1987[ :‬وقال‪ :‬ح ِد‬
‫(‪ )2‬سورة هود‪.75 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪46‬‬

‫جيهل معىن اتلوبة‪ ،‬فيظن أن‬ ‫قال ابن القيم ‪( : ‬وكثري من انلا‬
‫اتلوبة ال تكون إال بعد ذنب‪ ،‬وما علم أن اتلوبة عبادة)‪.‬‬

‫واتلوبة ليست عن ذنب فحسب‪ ،‬بل حىت عن ترك واجب‪ ،‬وإذا فكر‬
‫ً‬
‫اإلنسان يف نفسه‪ ،‬كم من واجب تركه من إاعنة املسلمني مثال‪ ،‬وتفريج‬
‫َّ‬
‫كروبهم‪ ،‬وإاعنة الفقراء واألرامل‪ ،‬ونرش العلم وهكذا‪ ،‬فمن قرص يف ذلك حيتاج‬
‫(‪)1‬‬
‫إىل اتلوبة؛ هلذا اهلل ‪ ‬يقول‪ :‬ﮋ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ‬
‫وانلِب ‪ ‬اكن يكرث من اتلوبة‪ ،‬فيه عبادة‪ ،‬ال تدع هذه العبادة ال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تطرقها إال بعد ذنب‪ ،‬وإنما كن دائما مالزما هلذه العبادة؛ ألنها حتط السيئات‪،‬‬
‫ً‬
‫فمثال تقول‪ :‬يا رب تب لع‪ ،‬يا رب تب لع‪ ،‬واكن انلِب ‪ ‬يقول‪:‬‬
‫«رب اغفر يل وتب لع إنك أنت اتلواب الرحيم»‪.‬‬

‫خبلق حسن»‪ :‬انلِب ‪ ‬قال‪« :‬وأنا ضامن ببيت يف‬ ‫«وخالق انلا‬
‫أىلع اجلنة ملن حسن خلقه» وال يكمل إيمان عبد إال إذا اكنت أخالقه اعيلة؛ ذللك‬
‫ً‬
‫يف املحرش هو‬ ‫يقول‪ :‬أحاسنكم أخالقا وأقرب انلا إىل انلِب‬ ‫اكن انلِب‬
‫من حسن خلقه‪ ،‬وحسن اخللق تقتيض البشاشة‪ ،‬وبذل املعروف‪ ،‬وكف األذى‪ ،‬واهلل‬
‫‪ ‬وصف انلِب ‪ ‬بقوهل‪ :‬ﮋﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬سورة انلور‪.31 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة القلم‪.3 :‬‬
‫‪47‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث التاسع عشر‬


‫ََ َ‬
‫اَّلل ‪ ‬يَ ْو ًما‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫"كنْت َخلْ َف َر ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫اَّلل ب ْ ِن ع َّبا‬
‫َ ْ َ ْ َّ‬
‫ول ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫قال‪:‬‬ ‫عن عب ِد ِ‬
‫َ‬ ‫أ َ أ َّ َ َ أ ُ ُ َ َ‬ ‫أ َ أ َّ َ َ أ َ أ‬ ‫َ ُ َ ِ ِّ ُ َ ِّ ُ َ َ‬
‫َتده َتاهك‪ ،‬إذا‬ ‫ات‪ :‬احفظ اَّلل ُيفظك‪ ،‬احفظ اَّلل ِ‬ ‫«يا غالم! إين أعلمك َكِم ٍ‬
‫َ َ أ َ أ َ أ َّ َ َ َ أ َ َ أ َ أ َ أ َ َّ َ أ َ أ َ َّ أ ُ َّ َ َ أ أ َ َ َ أ َ َ أَ‬
‫سألت فاسأل اَّلل‪ ،‬وإِذا استعنت فاست ِعن بِاَّللِ‪ ،‬واعلم أن األمة لو اجتمعت ىلع أن‬
‫ُّ‬ ‫َّ َ أ َ أ َ َ َ ُ َّ ُ َ َ أ أ َ َ ُ َ َ َ أ َ ُ‬ ‫َ أ َأ َأَ ُ‬ ‫َأَ ُ‬
‫َش ٍء لم ينفعوك إَل بَِش ٍء قد كتبه اَّلل لك‪ ،‬وإِن اجتمعوا ىلع أن يُضوك‬ ‫ينفعوك ِب‬
‫ُ َ أ أ َ أ َ ُ َ َ َّ أ‬ ‫َّ َ أ َ أ َ َ َ ُ َّ ُ َ َ أ‬ ‫َش ٍء ل َ أم يَ ُ ُّ‬‫بِ َ أ‬
‫َش ٍء قد كتبه اَّلل عليك؛ رف ِعت األقالم‪ ،‬وجفت‬ ‫ُضوك إَل ِب‬
‫ُّ ُ ُ‬
‫الصحف»(‪.)1‬‬
‫َّ َ‬ ‫َ َ أ َ َّ‬ ‫أ َ أ َّ َ َ أ‬ ‫َويف ر َوايَة َغ ْري ِّ ْ‬
‫الرخا ِء‬ ‫َتد ُه أمامك‪ ،‬تع َّرف إىل اَّللِ ِيف‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل‬ ‫ظ‬ ‫ف‬ ‫اح‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬‫ي‬‫الرتمذ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫َ َ َ َأ َ ُ أ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأ َ ُ أ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أ َ أ َّ َ أ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َّ‬ ‫َأ ُ‬
‫يع ِرفك ِيف الشدة ِ‪َ ،‬واعلم أن ما أخطأك لم يكن َِلُ ِصيبك‪َ ،‬وما أصابك لم يكن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ أ َ َ أ َ أ َ َّ َّ أ َ َ َ َّ‬
‫الص أْب‪َ ،‬وأ أن أال َف َر َج َم َع أال َك أرب‪َ ،‬وأ َّن َم َع أال ُع أْس ي ُ أ ً‬
‫ْسا»‪.‬‬ ‫َِلخ ِطئك‪ ،‬واعلم أن انلْص مع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان وجوب اتلعلق بااهلل ‪ ‬واتلاولك‬


‫عليه‪ ،‬فهذا ابن عبا اكن خلف انلِب ‪ ‬وقاال هل‪« :‬ياا غاالم» فااكن‬
‫ً‬
‫انلِب ‪ ‬حريصا ىلع غر العقيدة الصحيحة حىت يف نفو الصابيان‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ً‬
‫ولم حيقر أحدا‪ ،‬وال يقول الشخص‪ :‬لن أعلم هذا الصِب شيئا من العقيدة‪ ،‬أخىشا أن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫علمه أمورا عظاما هامة يف ادلين‪.‬‬ ‫خيتلط عليه‪ ،‬فانظر إىل انلِب‬

‫«يا غالم إين أعلمك َكمات»‪ :‬لكمات لكنها قواعد يف ادلين عظيمة‪.‬‬

‫ذللك ابن اجلوزي يقول‪( :‬ملا قرأت هذا احلديث كدت أن أطيش) يعين‪:‬‬
‫ََ َ َ ٌ‬
‫يث َح َس ٌن َصح ٌ‬ ‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ِّ ْ‬
‫يح‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الرت ِم ِذي رقم‪ ]2516[ :‬وقال‪ :‬ح ِد‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪48‬‬

‫لعظم ما فيه من اتلوجيهات العظيمة‪.‬‬

‫«احفظ اهلل ُيفظك» يعين‪ :‬احفظ اهلل بالطااعت واجتناب املعايص‪ ،‬وحبفظ‬
‫اهلل حيفظك‪ ،‬إذا حفظت اهلل اهلل حيفظك من الرشور واآلفات‪ ،‬ومن كدر الرزق‪،‬‬
‫وييرس لك األمور‪ ،‬ويفتح لك أبواب السعادة‪.‬‬

‫«احفظ اهلل َتده َتاهك» يعين‪ :‬إذا حفظت اهلل ‪ ‬جتد ربك ييرس لك‬
‫مجيع األمور‪.‬‬
‫َْ ُ‬
‫«إذا سألت فاسأل اهلل»‪ :‬ال تدع غري اهلل‪ ،‬واهلل ‪ ‬يقول‪ :‬ﮋ ﯔ ﯕ‬
‫وقال‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وقال‪ :‬ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ‬ ‫(‪)1‬‬
‫ﯖﯗﮊ‬
‫ومن كرم اهلل أنه يف لك يللة يزنل ويقول‪ :‬من يسألين‬ ‫ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﮊ‬
‫(‪)3‬‬

‫فأعطيه‪.‬‬

‫«وإذا استعنت فاستعن باهلل» وحده وال تستعن بأحد غريه فيما ال يقدر‬
‫عليه سواه‪ ،‬ومن استعان باهلل أاعنه اهلل سبحانه‪.‬‬
‫«واعلم أن األمة لو اجتمعت ىلع أن ينفعوك بَشء لم ينفعوك إَل بَشء قد‬
‫كتبه اهلل لك» ‪ :‬يعين أن األمر لكه بيد اهلل‪ ،‬كما قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﮊ(‪ )4‬وقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ(‪ )5‬وقال يف اآلية األخرى‪ :‬ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬

‫(‪ )1‬سورة النساء‪.32 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة ابلقرة‪.186 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة اغفر‪.60 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة آل عمران‪.154 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة األنعام‪.17 :‬‬
‫‪49‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ(‪ )1‬وقال ‪ : ‬ﮋ ﯛ‬


‫ً‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ(‪ )2‬إال هو إذا فتح للشخص رزقا ال أحد‬
‫يستطيع أن يمنعه‪ ،‬وانلِب ‪ ‬بعد لك صالة مفروضة يقرر هذه‬
‫القاعدة العظيمة‪ ،‬ويه قدرة اهلل ىلع األشياء‪ ،‬فاكن يقول بعد لك صالة مفروضة‪:‬‬
‫ً‬
‫«امهلل ال مانع ملا أعطيت وال معطي ملا منعت» يعين‪ :‬من أعطيته يا رب رزقا ال‬
‫ً‬
‫أحد يستطيع أن يغلق هذا الرزق‪ ،‬وإذا أغلقت رزقا ال أحد يستطيع أن يفتحه‬
‫«امهلل ال مانع ملا أعطيت وال معطي ملا منعت وال ينفع ذا اجلد منك اجلد» ذللك‬
‫قال‪« :‬واعلم أن األمة لو اجتمعت ىلع أن ينفعوك بَشء لم ينفعوك إَل بَشء قد‬
‫ً‬
‫كتبه اهلل لك» فلو اجتمعت مجيع اخلالئق لريفعوا عنك مرضا‪ ،‬واهلل لم يكتب‬
‫أن يرفعه عنك ما استطاعوا‪ ،‬حىت لو كنت ذا مال وجاه ونسب‪ ،‬فاهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬يعين‪ :‬ولوا‬ ‫(‪)3‬‬
‫ﮋﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ‬
‫اجتمعوا ىلع أن يرضوك بيشء لم يرضوك إال بيشء قد كتبه اهلل عليك يعين‪ :‬ولوا‬
‫ً‬
‫اجتمعوا ىلع أن جيلبوا لك رضرا‪ ،‬واهلل حافظك‪ ،‬ما استطاعوا‪ ،‬إبراهيم‬
‫ً‬
‫رضرا‪ ،‬فما رضه يشء‪،‬‬ ‫وضعوا انلار وأرضموها وألقوه فيها‪ ،‬ولم يكتب اهلل عليه‬
‫ويونس يف بطن احلوت يلتقمه‪ ،‬واهلل كتب حفظه فحفظه‪ ،‬ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫(‪)4‬‬
‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬ ﮭﮮﮯﮰ ﮱﮊ‬
‫مع أنه ُمقق موته‪ ،‬وموىس يف ابلحر ينديه اهلل ويغرق من بعده فرعون‪ ،‬ذللك هذا‬
‫احلديث كقوهل ‪ ‬ﮋ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ(‪ )5‬فيدب ىلع املسلم أن يتعلق‬
‫باهلل وحده وال ينظر إىل ختويف البرش‪ ،‬فما خيوفونه أو غلق أبواب هذا الرزق يف‬

‫(‪ )1‬سورة يونس‪.107 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة فاطر‪.2 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة يوسف‪.21 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة الصافات‪.145-143 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة ابلقرة‪.20 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪50‬‬

‫وجهه‪ ،‬فاهلل هو الفتاح العليم سبحانه‪.‬‬

‫«رفعت األقالم» يعين‪ :‬مما كتب يف اللوح املحفوظ‪.‬‬

‫«وجفت الصحف» بما كتبت هذه حقيقة‪ ،‬ىلع أن لك يشء مكتوب‪ ،‬فما‬
‫كتب لك سيأتيك‪ ،‬حىت وأنت تأكل الطعام‪ ،‬حبة الطعام اليت كتبت لك ما يأكلها‬
‫من جبانبك‪ ،‬وما كتب لصاحبك أنت ال تستطيع أن تأكلها‪ ،‬فرزقك مما كتب اهلل‬
‫ً‬
‫‪ ‬حافظ هل‪ ،‬إذا ال تهتم بالرزق فاهلل هو اذلي يتكفل به‪ ،‬وهو اذلي كتب‬
‫رزقك وأنت يف بطن أمك‪.‬‬

‫«تعرف ىلع اهلل يف الرخاء يعرفك يف الشدة» يعين‪ :‬إن عبدته وأنت غري‬
‫مكروب‪ ،‬ثم حدثت شدة اهلل‪ ،‬هو اذلي يفرحك يف الشدة‪ ،‬يفرج عليك شدتك؛‬
‫ذللك قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ قبل كربته أو حال كربته ﮋ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫وقال سبحانه‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ﯸ ﮊ(‪ )1‬وقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ‬
‫ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮊ(‪ )3‬يعين‪ :‬يسهل عليك الرزق‪.‬‬

‫«واعلم أن ما أخطأك لم يكن َلصيبك‪ ،‬وما أصابك لم يكن َلخطئك»‬


‫ً‬
‫هذا من اإليمان بالقدر‪ ،‬فإذا وقع حتمد اهلل ‪ ‬عليه‪ ،‬وإذا سيق لك خريا‬
‫من القدر حتمد اهلل وتشكره ىلع ما ساق لك من اخلري‪.‬‬

‫«واعلم أن انلْص مع الصْب»‬


‫َّ‬
‫يعين‪ :‬من صرب وتعلق باهلل ينترص‪ ،‬قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ‬

‫(‪ )1‬سورة الطالق‪.4 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة الطالق‪.3 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة الطالق‪.2 :‬‬
‫‪51‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫ي‬
‫أما من لم يصرب لم‬ ‫(‪)1‬‬
‫ﯭ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﮊ‬
‫ً‬
‫يظفر‪ ،‬وانلِب ‪ ‬اكن صابرا يف دعوته نارشا هلا فأيده‪ ،‬واهلل قال هل‪:‬‬
‫ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ(‪.)2‬‬

‫«وأن الفرج مع الكرب‪ ،‬وأن مع العْس يْسا»‬

‫يعين‪ :‬إذا اشتد الكرب الح الفرج ومن قوهلم ما بعد شدة ظالم الليل سوى‬
‫طلوع الفدر فإذا اشتدت عليك الكروب وتكابلت عليك اهلموم فاعلم أن هذا‬
‫إيذان بقرب الفرج وأن مع العرس يرسا‪ ،‬إذا حدث لك أمر عسري فاعلم أن بعده‬
‫اليرس كما قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﮊ(‪ )3‬فهنا عرس بني‬
‫عرس يرسين يعين معىن اآلية ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ مع هذا‬ ‫ٌ‬ ‫يرسين ذللك لن يغلب‬
‫ً‬
‫العرس يرسا ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﮊ هذا يرسا آخر فعندنا يرسان وعرس واحد فاليرسان‬
‫املفتوحان أرحب وأوسع وأقوى من العرس الواحد يعين ال حتزن ىلع ما يصيبك من‬
‫ادلنيا واعلم أن الكرب يزول وأن العرس بإذن اهلل يتحول إىل يرس لك ذلك بتقوى‬
‫اهلل ومناجاته واالبتهال إيله بتفريج الكرب‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة آل عمران‪.200 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة األحقاف‪.35 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة الرشح‪.4-3 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪52‬‬

‫احلديث العشرون‬

‫َ َ َ َ َ ُ ُ َّ‬ ‫ْ َ ْ َ ِّ ْ‬
‫ابل ْدر ِّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل‬
‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ال‬‫ق‬ ‫‪:‬‬‫ال‬‫ق‬ ‫‪‬‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اري‬
‫األنص ِ‬ ‫ع ْن اب ْ ِن َم ْس ُعود عقبَة ب ْ ِن عمرو‬
‫(‪)1‬‬ ‫ُ َّ ْ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫َّ َّ َ ْ َ َ َّ ُ ْ َ َ‬
‫‪« ‬إن ِمما أدرك انلا ِمن الكمِ انلبو ِة األوىل‪ :‬إذا لم تست ِح فاصنع ما ِشئت» ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف هذا احلديث؛ بليان وجوب اتلحيل باحلياء‪.‬‬


‫ً‬
‫حياء من اهلل‪ ،‬أو‬ ‫ٌ‬
‫حياء ُممود‪ ،‬وهو ترك املعصية‬ ‫واحلياء ينقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫ً‬
‫حياء من اهلل‪ .‬يعين‪ :‬تؤدي الصالة وتستيح من اهلل؛‬ ‫من خلقه‪ ،‬أو فعل الواجب‬
‫ألنه خلقك ورزقك وفرج كروبك‪ ،‬فتستيح من اهلل وتصيل‪ ،‬فهو املستحق‬
‫ٌ‬
‫حياء ُممود‪.‬‬ ‫للشكر‪ ،‬هذا‬
‫ٌ‬
‫حياء مذموم‪ ،‬وهو‪ :‬أال تفعل ما أمرك اهلل به‪ ،‬أو تقع فيما‬ ‫والقسم اثلاين‪:‬‬
‫ٌ‬
‫حياء مذموم‪،‬‬ ‫ً‬
‫حياء‪ ،‬مثل شخص ال يصيل اجلمعة يقول‪ :‬أستيح‪ ،‬هذا‬ ‫نهاك اهلل عنه‬
‫أو يرتكب ما نىه اهلل ‪ ‬عنه‪ ،‬مثل‪ :‬امرأة ال حتتدب عن ابن عمها تقول‪:‬‬
‫ََ ُ‬
‫أستيح أن عيم يغضب لع‪ ،‬نقول‪ :‬هذا حياء مذموم‪ ،‬فاحلياء املمدوح‪ :‬أنك تدع‬
‫حياء؛ ذللك َم َّر انلِب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حياء‪ ،‬هذا ممدوح‪ ،‬أو تفعل الطااعت‬ ‫املعايص‬
‫‪ ‬برجلني من األنصار وأخ هل ينصحه عن احلياء‪ ،‬يقول هل‪ :‬ال‬
‫‪« :‬دعه فإن احلياء َل يأيت إَل خبري» ويف لفظ «احلياء َكه‬ ‫تستيح‪ .‬فقال انلِب‬
‫خري» ويف لفظ «احلياء خري َكه»‪.‬‬

‫َ َ ُ ُْ َ‬
‫اري رقم‪.]3483[ :‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابلخ ِ‬
‫‪53‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإذا رأيت رجال أو امرأة تستيح‪ ،‬إذا رأيت رجال يستيح من إظهار عورته‪،‬‬
‫أو امرأة تستيح من كشف وجهها‪ ،‬فهذا حياء ُممود‪ ،‬ويف احلديث‪« :‬إن مما أدرك‬
‫يأتيهم يشء من بقايا وحكم وويح‬ ‫انلاس من الكم انلبوة األوىل» يعين أن انلا‬
‫الرسل املتقدمني‪ِّ ،‬‬
‫فمما أدركوه «إذا لم تستيح فاصنع ما شئت»‪.‬‬

‫وهذا من باب الزهد واتلوبيخ‪ ،‬يعين‪ :‬إذا كنت ما تستيح افعل هذا اليشء‪،‬‬
‫يعين‪ :‬استيح وال تفعل هذا اليشء‪ ،‬يعين‪ :‬لو خرج رجل وهو يستمع املعازف‬
‫قال ‪« :‬إذا لم تستح فاصنع ما‬ ‫ويؤذي اخللق‪ ،‬نقول‪ :‬هذا ما يستيح؛ ذللك انلِب‬
‫شئت» لزوال احلياء منك‪.‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪54‬‬

‫احلديث احلادي والعشرون‬

‫َ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ْ َّ‬


‫اَّلل ‪ ‬قال‪« :‬قلت‪ :‬يَا َر ُسول‬
‫عن أ ِيب عمرو و ِقيل‪ :‬أ ِيب عمرة سفيان ب ِن عب ِد ِ‬
‫َ َّ ُ‬ ‫ْ ْ َ َ ًْ َ َ ْ َُ َ ْ ُ َ َ ً َ َْ َ َ ُ ْ َ أ‬ ‫َّ ُ ْ‬
‫ريك؛ قال‪ :‬قل‪ :‬آمنت بِاَّللِ ث َّم‬ ‫اإلسالمِ قوال ال أسأل عنه أحدا غ‬ ‫اَّلل! قل ِيل ِيف ِ‬‫ِ‬
‫أ َ أ‬
‫است ِقم»(‪.)1‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف هذا احلديث؛ بليان وجوب االستقامة ىلع ادلين‪ ،‬وهذا أصل‬
‫عظيم‪ ،‬اهلل ‪ ‬أمر مجيع املسلمني أن يدعو ربهم يف ايلوم سبع عرشة مرة‪ ،‬بما‬
‫يقتضيه هذا احلديث يف قوهلم ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ(‪ )2‬وذللك قال‪ :‬قل يل يف‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسالم قوال‪ ،‬سفيان بن عبداَّلل يقول‪ :‬قل يل يف اإلسالم قوال ال أسأل عنه أحدا‬
‫بعدك‪ ،‬يعين‪ :‬قل يل الكم يكفيين أسري عليه‪ ،‬عطين قاعدة‪.‬‬

‫قال‪« :‬قل آمنت باهلل» يعين‪ :‬ادخل يف اإلسالم‪.‬‬

‫تمسك برشع هذا ادلين واهلداية‪ ،‬إما أن تكون من‬ ‫«ثم استقم» يعين‪َّ :‬‬
‫ً‬
‫الرصاط املعوج إىل طريق السبيل‪ ،‬أو من اكن مهتديا يدعو ربه باثلبات عليه‪،‬‬
‫ً‬
‫فقوهل ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ من اكن مسلما يا رب ثبتين عليه‪.‬‬

‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]38[ :‬‬


‫(‪ )2‬سورة الفاحتة‪.6 :‬‬
‫‪55‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث الثاني والعشرون‬

‫َ َّ َ ُ ً َ َ َ َ ُ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َّ َ ْ َ ْ َّ ْ َ ْ‬
‫‪« :‬أن رجال سأل رسول‬ ‫اري‬ ‫اَّلل األنص ِ‬
‫اَّلل جابِ ِر ب ِن عب ِد ِ‬‫عن أ ِيب عب ِد ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ ْ‬ ‫اَّلل ‪َ ‬ف َق َال‪ :‬أَ َرأَي ْ‬
‫َّ‬
‫ات‪َ ،‬و ُصمت َر َمضان‪َ ،‬وأحللت احلَالل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كتُ َ‬
‫وب‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ا‬ ‫إذ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬
‫ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َّ َ َ َ َ َ أ‬ ‫ْ‬
‫ام‪َ ،‬ول ْم أ ِزد َىلع ذلِك شيئًا؛ أأدخل اجلَنة؟ قال‪ :‬نعم»(‪.)1‬‬ ‫َو َح َّرمت احلر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان مزنلة املقتصدين‪ ،‬فإن اخللق‬


‫ثالثة أقسام‪ ،‬األمة املحمدية ثالثة أقسام‪ :‬منهم مقتصد‪ ،‬وهو ما جاء يف هذا‬
‫احلديث‪ ،‬حرمت احلرام وحللت احلالل‪.‬‬

‫والقسم اثلاين‪ :‬الظالم نلفسه‪ ،‬يفعل السيئات وهو مسلم‪.‬‬

‫والقسم اثلالث‪ :‬يفعل الطااعت وجيتنب السيئات‪ ،‬ويزيد بفعل املستحبات‬


‫وترك املكروهات‪.‬‬

‫وهذه األقسام ذكرها اهلل ‪ ‬يف قوهل‪ :‬ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬


‫ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ(‪ )2‬بإذن اهلل قال أهل العلم هذه اآلية أرىج آية يف كتاب اهلل‬
‫يعين مجيع األمة املحمدية وإن اكنت مقرصة أو سابقة لكها موعودة باجلنة ذللك قال‬
‫اهلل ‪ ‬ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ‬

‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]15[ :‬‬


‫(‪ )2‬سورة فاطر‪.32 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪56‬‬

‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ(‪ )1‬حىت املقرص موعود‬


‫باجلنة‪ ،‬وهذا خاصة هلذه األمة‪ ،‬واألمم السابقة ليس هلا إما مقربون أو أصحاب يمني‪،‬‬
‫أما هذه األمة فزادت مقرب مقتصد ظالم نلفسه‪ ،‬صليت املكتوبات‪ ،‬فعل الفرائض‬
‫اقترص عليها‪ ،‬وصمت رمضان الفرض‪ ،‬وأحللت احلالل‪ ،‬ما وقعت يف معصية‪ ،‬حرمت‬
‫احلرام‪ ،‬ابتعدت عن املعايص‪ ،‬ولم أزد ىلع ذلك شيئا‪ ،‬ما زاد‪ ،‬هذا مقتصد‪ ،‬أأدخل‬
‫اجلنة؟ قال‪« :‬نعم» لآلية‪ ،‬وهذا حديث عظيم‪ ،‬فيه رجاء كبري هلذه األمة‪ ،‬ومع هذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلنسان ال يقترص ىلع هذه ادلرجة‪ ،‬وإنما يكون سابقا اعيلا يف مرتبة السابقني‪ ،‬اهلل‬
‫يقول ‪ :‬ﮋﯖ ﯗﯘﯙ ﯚﮊ(‪. )2‬‬

‫(‪ )1‬سورة فاطر‪.33-32 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة الواقعة‪.11-10 :‬‬
‫‪57‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث الثالث والعشرون‬

‫َ َ َ َ َ ُ ُ َّ‬ ‫َْ‬
‫األ ْش َعر ِّ‬ ‫احلَارث بْن َ‬ ‫ْ‬ ‫َع ْن أَيب َ‬
‫اَّلل ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ال‬‫ق‬ ‫‪:‬‬‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪‬‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫اع‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫َ أ َ أ ُ َّ َ أ َ ُ أ َ َ َ ُ أ َ َ َّ َ أ َ أ ُ َّ َ أ َ‬ ‫َّ ُ ُ َ أ ُ أ َ‬
‫ان‪ ،‬واحلمد َِّللِ تمَل ال ِمزيان‪ ،‬وسبحان اَّللِ واحلمد َِّللِ تمَل ِن‬ ‫اإليم ِ‬ ‫«الطهور شطر ِ‬
‫ْب ِض َياء‪ٌ،‬‬ ‫َ َّ َ ُ ُ ٌ َ َّ َ َ ُ ُ أ َ ٌ َ َّ‬
‫الص أ ُ‬ ‫َ أ َ أ َ ُ َ َ أ َ َّ َ ِ َ أ أ‬
‫َ‬
‫‪-‬أو‪ :‬تمَل‪ -‬ما بني السماء واألر ِض‪ ،‬والصالة نور‪ ،‬والصدقة برهان‪ ،‬و‬
‫ُ َ (‪)1‬‬ ‫َأ ُ ََ ٌ َأ َ ُ َُأ ُ َ َأ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫َ أ ُ أ ُ ُ َّ ٌ َ َ أ َ َ أ‬
‫اس يغدو‪ ،‬فبائ ِع نفسه فمعتِقها أو موبِقها» ‪.‬‬ ‫والقرآن حجة لك أو عليك‪ُ ،‬ك انل ِ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان أعمال يه من أعمال السابقني‬


‫إىل اهلل ‪ ‬؛ ذللك قال‪« :‬الطهور شطر اإليمان» واملقصود بالطهور‪ :‬هو الوضوء‬
‫شطر اإليمان؛ ألن الصالة يه نور املؤمن‪ ،‬فنصف هذا حىت تقبل هو الوضوء‪،‬‬
‫الوضوء‪ ،‬ومثل َّ‬
‫السحور‪.‬‬ ‫واملراد الطهور‪ :‬بالضم يعين‪ :‬املاء‪َّ ،‬‬
‫والطهور‪ :‬الفعل‪ ،‬مثل َ‬

‫«واحلمد هلل تمأل املزيان» تمأل املزيان وإن اكنت لكمة يسرية لكنها عظيمة‬
‫وأول لكمة‬ ‫(‪)2‬‬
‫عند اهلل‪ ،‬وأول آية يف كتاب اهلل ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮊ‬
‫يتلكم بها أهل اجلنة ﮋ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ(‪ )3‬ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫وملا فرغ اهلل من خلق الكون قال‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫(‪)4‬‬
‫ﮎﮏﮐ ﮊ‬

‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]223[ :‬‬


‫(‪ )2‬سورة الفاحتة‪.2 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة األعراف‪.43 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة فاطر‪.34 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪58‬‬

‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﮊ(‪ )1‬يعين‪ :‬يا رب مجيع املحامد لك‪ ،‬فلك‬


‫أمر أعطيتين إياه أو رأيته أنا أمحدك عليه‪.‬‬

‫واحلمد أخص من الشكر من جانب‪ ،‬والشكر أخص من جانب‪ ،‬الشكر‬


‫يكون يف مقابلة نعمة‪ ،‬أما احلمد حىت املصائب حتمد اهلل عليها‪ ،‬والشكر أوسع‬
‫من ناحية أنه باللسان واجلوارح والقلب‪ ،‬أما احلمد فقط باللسان والقلب‪ ،‬ما‬
‫يكون احلمد باجلوارح‪.‬‬

‫«وسبحان اهلل واحلمد هلل تمآلن أو تمأل ما بني السماء واألرض» لعظمتها‪،‬‬
‫يقول‪« :‬من قال سبحان اهلل العظيم وحبمده غرست‬ ‫لعظمة هذه اللكمة‪ ،‬وانلِب‬
‫هل خنلة يف اجلنة» وقال‪« :‬من قال سبحان اهلل وحبمده سبحان اهلل العظيم مئة مرة‬
‫حطت عنه خطاياه وإن اكنت مثل زبد ابلحر»‪.‬‬

‫«والصالة نور» يعين‪ :‬والصالة نور ىلع نور‪ ،‬نور يف القلب‪ ،‬ونور يف الوجه‪ ،‬اهلل‬
‫أكرب ذللك اذلي يصيل ترى انلور عليه‪ ،‬ويزيد هذا انلور يف صالة الليل ملن يقوم‬
‫الليل‪ ،‬يعين‪ :‬يظهر نور الوجه ملن يقوم الليل‪.‬‬

‫«والصدقة برهان» يعين‪ :‬ديلل ىلع اإليمان؛ ألن املنافق ال يظهر صدقة خمفية‬
‫لعدم إيمانه‪ ،‬وإنما يرايئ بأفعاهل‪ ،‬أما املتصدق اذلي خيّف صدقته هذا املؤمن فقط‪،‬‬
‫وإذا عظم اإلخالص فيها أظل اهلل ‪ ‬العبد حتت ظل عرشه‪« ،‬تصدق بصدقة‬
‫فأخفاها حىت ال تعلم شماهل ما تنفق يمينه»‪.‬‬

‫«والصرب ضياء» الصرب ضياء يعين‪ :‬اعقبته خري‪ ،‬وييضء للعبد بإذن اهلل ما‬
‫يريده‪ ،‬ويكّف يف الصرب أن اهلل مع الصابر‪ ،‬وإذا اكن اهلل معه فليبرش بكل خري‪،‬‬

‫(‪ )1‬سورة األنعام‪.1 :‬‬


‫‪59‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫ويلفرح بهذه املعية اخلاصة العظيمة‪ ،‬ويه أن اهلل معه ىلع صربه‪ ،‬ومن اكن اهلل‬
‫‪ ‬معه لم ينله أذى‪ ،‬ولم يصل إيله باتلطاول أحد‪ ،‬ولم يترضر من يشء‪ ،‬فاهلل‬
‫هو القوي املتني سبحانه‪.‬‬

‫‪« :‬إن اهلل يرفع بهذا‬


‫«والقرآن حدة لك أو عليك» مثل ما قال انلِب‬
‫ً‬
‫القرآن أقواما ويضع به آخرين» وقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮊ (‪ ،)1‬يعين بالقرآن يهدي به كثريا‪ ،‬كيف يضل به كثريا؟ يعين‪ :‬من سمعه‬
‫ولم يؤمن به وقع يف الضاللة‪ ،‬ويهدي به كثريا من عمل وتاله وانقاد هل هداه اهلل‪،‬‬
‫َ‬
‫وليسع العبد بأن يكون القرآن هو‬ ‫فالقرآن إما رفعة للشخص‪ ،‬وإما هالك عليه‪،‬‬
‫انلور اذلي هل ويف قلبه‪ ،‬وىلع جوارحه‪.‬‬

‫«ُك انلاس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» ‪:‬‬

‫هذا صنفا انلا ‪ :‬إما أن يعتق نفسه من انلار‪ ،‬وإما أن يقع فيها‪ ،‬كما قال‬
‫سبحانه‪ :‬ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮊ(‪ )2‬وهذه حال انلا ‪ ،‬قال سبحانه‪:‬‬
‫ﮋ ﮠ ﮡ ﮊ(‪ )3‬هداية وضاللة‪ ،‬وإذا اكن األمر كذلك يلدع اإلنسان ربه‬
‫َ َ‬ ‫ً‬
‫املصطفني األخيار‪.‬‬ ‫كثريا بأن جيعله من عباده‬

‫يغدو» يعين يف هذه احلياة‪.‬‬ ‫«لك انلا‬

‫«فبائع نفسه» إما هلل‪ ،‬أو للشيطان‪ ،‬فمعتقها بائعها هلل‪ ،‬فيعتقها «أو موبقها»‪:‬‬
‫بايعها لغري اهلل لدلنيا أو لغريها ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة ابلقرة‪.26 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة الشورى‪.7 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة ابلدل‪.10 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪60‬‬

‫احلديث الرابع والعشرون‬

‫َ ْ َ ِّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ْ َ َ ٍّ ْ َ‬


‫اري ‪ ‬عن انل ِِب ‪ِ ‬فيما ير ِوي ِه عن رب ِه تبارك وتعاىل‪ ،‬أنه‬ ‫عن أ ِيب ذر ال ِغف ِ‬
‫ََ ََ َ‬ ‫ْ َْ ُ َُ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ‬
‫قال‪" :‬يَا ِع َبا ِدي‪ :‬إين َح َّرمت الظل َم َىلع نف ِيس‪َ ،‬و َج َعلته بَينك ْم ُم َّر ًما؛ فال تظال ُموا‪.‬‬
‫ُ ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫استَ ْه ُ‬ ‫ُ ُ ْ َ ٌّ َّ َ ْ َ َ ْ َ ْ‬
‫وِن أه ِدك ْم‪ .‬يَا ِع َبا ِدي! لكك ْم‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫يَا ِعبَا ِدي! لككم ضال إال من هديته‪ ،‬ف‬
‫َّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ ْ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ٌ َّ َ ْ َ ْ َ ْ‬
‫وِن أ ْط ِعمك ْم‪ .‬يَا ِعبَا ِدي! لكك ْم َاعر إال َم ْن‬ ‫ِ ِ‬
‫استَ ْطع ُ‬
‫م‬ ‫ف‬ ‫ته‪،‬‬ ‫م‬ ‫جائِع إال من أطع‬
‫ََ‬ ‫َّ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ْ‬
‫ار‪َ ،‬وأنا‬ ‫ه‬ ‫ون باللَّيْل َو َّ‬
‫انل َ‬ ‫ئ‬ ‫ط‬ ‫خت‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫إن‬ ‫ي!‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ك ْم‪ .‬يَا عبَ‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫وِن‬ ‫ك ُ‬
‫س‬ ‫ت‬ ‫اس‬ ‫ف‬ ‫ته‪،‬‬‫و‬‫َك َس ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َّ ُ ْ ْ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ ْ ُ ُ َ َ‬
‫وِن أغ ِفر لكم‪ .‬يا ِعبا ِدي! إنكم لن تبلغوا رضي‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مجيعا؛ فاستغ ِفر ِ‬ ‫أغ ِفر اذلنوب ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ ْ َّ َّ َ ُ ْ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َفتَ ُرضوِن‪َ ،‬ولَ ْن َتبْلُ ُغوا َن ْفيع َفتَنْ َف ُ‬
‫آخ َرك ْم َوإِن َسك ْم‬ ‫وِن‪ .‬يا ِعبا ِدي! لو أن أولكم و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫ك يف ُملِك َشيْئًا‪ .‬ياَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ ِ ْ َ ُ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫احد ِمنكم‪ ،‬ما زاد ذل ِ ِ‬ ‫ب رجل َو ِ‬ ‫و ِجنكم اكنوا ىلع أتىق قل ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َّ َ َّ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َّ ُ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ب رجل‬ ‫آخركم وإِنسكم و ِجنكم اكنوا ىلع أفد ِر قل ِ‬ ‫ِعبا ِدي! لو أن أولكم و ِ‬
‫ك ْم َوآخ َر ُكمْ‬ ‫َ ْ َ َّ َ َّ َ ُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫احد ِمنك ْم‪َ ،‬ما نق َص ذلِك ِم ْن ُمل ِِك شيئًا‪ .‬يَا ِعبَا ِدي! لو أن أول‬ ‫َو ِ‬
‫ََ‬ ‫َ َ ْ َ ْ ُ َّ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫ك ْم قَ ُ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َ َّ ُ‬
‫احد َم ْسأتله‪َ ،‬ما‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫لك‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫وِن‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬ ‫اح‬
‫ِ‬ ‫اموا يف َص ِعيد َ‬
‫و‬ ‫ِ‬ ‫وإِنسكم و ِجن‬
‫َّ‬ ‫َّ َ َ َ ْ ُ ُ ْ ْ َ ُ َ ُ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫ابلح َر‪ .‬يَا ِعبَا ِدي! إن َما‬ ‫نق َص ذلِك ِم َّما ِعن ِدي إال كما ينقص ال ِمخيط إذا أد ِخل‬
‫اَّلل‪َ،‬‬ ‫َ َ ْ َ ُ ُ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ ُ َّ ُ َ ِّ ُ ْ َّ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ً َ ْ َ ْ َ ْ َّ‬
‫ِيه أعمالكم أح ِصيها لكم‪ ،‬ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خريا فليحمد‬
‫َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ ْ ُ‬
‫ومن إال نف َسه»(‪.)1‬‬ ‫ومن وجد غري ذلِك فال يل‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف هذا احلديث؛ بليان وجوب اتلعلق باهلل‪ ،‬وفقر العبيد إيله‪،‬‬
‫وغناه ‪ ‬اتلام عن مجيع خلقه‪ ،‬فقال‪« :‬يا عبادي إين حرمت الظلم ىلع نفيس‬

‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]2577[ :‬‬


‫‪61‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫ً‬
‫وجعلته بينكم ُمرما فال تظاملوا» وهو سبحانه احلكم العدل‪ ،‬كما قال عن‬
‫نفسه ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ(‪ )1‬وقال‪ :‬ﮋ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﮊ(‪ )2‬وقال‪ :‬ﮋ ﯰ‬
‫وقال‪ :‬ﮋ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫(‪)3‬‬
‫ﯱﯲ ﯳﯴﮊ‬
‫وقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬ ‫(‪)4‬‬
‫ﮏﮐﮑﮒﮓ ﮊ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ(‪ )5‬وقال‪ :‬ﮋ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﮊ(‪ )6‬وقال‪:‬‬
‫ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫ً‬
‫فهو سبحانه ما يظلم أحدا‪ ،‬إن عملت حسنة أعطاك إياها‪ ،‬وإن عملت‬
‫سيئة دون الرشك إن شاء جازاك اعقبك عليها‪ ،‬وإن شاء غفر لك‪ ،‬وهنا قال‪:‬‬
‫«حرمت الظلم ىلع نفيس» وهو سبحانه الكبري العظيم الغين الطيب ما يظلم‬
‫ً‬
‫أحدا‪ ،‬وليس هل حاجة إىل اخللق حىت يظلمهم‪ ،‬فهو يف غىن تام عن عبادتهم ﮋ ﭺ‬
‫قال‪« :‬وجعلته‬ ‫(‪)9‬‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ(‪ )8‬وقال‪ :‬ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮊ‬
‫بينكم ُمرما فال تظاملوا»‪.‬‬

‫قال ابن اجلوزي ‪ ‬وقد قضت سنة اهلل أن العبد ال يظلم إال من هو‬

‫(‪ )1‬سورة الكهف‪.49 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة ق‪.29 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة اغفر‪.31 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة الزلزلة‪.8-7 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة األنبياء‪.74 :‬‬
‫(‪ )6‬سورة مريم‪.64 :‬‬
‫(‪ )7‬سورة طه‪.52 :‬‬
‫(‪ )8‬سورة الزمر‪.7 :‬‬
‫(‪ )9‬سورة فاطر‪.15 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪62‬‬

‫دونه وإذا اكن الشخص يتسلط ىلع الضعيف فهو سبحانه قد وعد بنرصة ذلك‬
‫بل إن اهلل‬ ‫املظلوم قال ‪ ‬ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ‬
‫(‪)1‬‬

‫ً‬
‫‪ ‬املظلوم دعوته مستدابة وإن اكن اكفرا قال ‪ ‬يف ابلخاري‬
‫ومسلم واتق دعوة املظلوم فإنه ليس بينها وبني اهلل حداب قال ابن عقيل‬
‫‪ ‬ويستداب للمظلوم برسعة للحديث السابق بل لو لم يدع املظلوم ىلع‬
‫ظامله اهلل ‪ ‬ينترص هل وادليلل قصة أصحاب البستان يف سورة القلم ﮋ ﭣ‬
‫ﭤﭥﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯﭰﭱ ﭲﭳ‬
‫ﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺ ﭻﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ‬
‫يعين أنهم بيتوا يف الليل أن يأتوا صباحا إىل البستان ويأخذوا‬ ‫(‪)2‬‬
‫ﮅ ﮆ ﮇﮊ‬
‫ثمره يلحرموا الفقراء منه وأحرق بستان أوئلك اذلين قصدوا حرمان الفقراء من‬
‫ما‬ ‫حقهم هلذا الشخص يبتعد عن الظلم ألن عقوبته اعجلة كما قال انلِب‬
‫من ذنب أجدر أن يعدل هل العقوبة من ابليغ يعين الظلم وقطيعة الرحم واكن‬
‫لكما خيرج من املزنل يدعو بعدم الظلم امهلل إين أعوذ بك أن أضل أو‬ ‫انلِب‬
‫أضل أو أظلم أو أظلم أو أذل أو أذل أو أذل يا عبادي لككم ضال إال من هديته‬
‫فاستهدوِن أهدكم يعين لككم ُمتاجون إىل اهلداية فمن لم يهتد فهو ضال‬
‫لككم ضال إال من هديته كما قال سبحانه ووجدك ضاال فهدى يعين ووجدك‬
‫غري اعلم بالكتاب فهداك اهلل إيله وقلنا هذا يلوافق حديث لك مولود يودل ىلع‬
‫عليها فاستهدوِن أهدكم يعين‬ ‫الفطرة وقوهل سبحانه فطرت اهلل اليت فطر انلا‬
‫اطلبوا هداييت لِك أهديكم إيلها‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة الفرقان‪.19 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة القلم‪.25-19 :‬‬
‫‪63‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫«يا عبادي َككم جائع إَل من أطعمته‪ ،‬فاستطعموين أطعمكم»‬

‫يعين أنتم الفقراء لع‪« ،‬لككم جائع إال من أطعمته فاستطعموِن» اطلبوا‬
‫الرزق أطعمكم‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬اهلل تكفل بالرزق فهل يلزم أن ندعو اهلل؟‬

‫نقول‪ :‬نعم‪ ،‬اهلل تكفل بالرزق‪ ،‬لكن تدعو اهلل بيرسه وحالهل‪ ،‬وفتح أبوابه‪.‬‬

‫«يا عبادي َككم َعر إَل من كسوته فاستكسوين أكسكم»‬


‫يعين‪ :‬واملراد ُ‬
‫بالع ْري هو العري عن امللبس‪ ،‬يعين‪ :‬اطلبوا سرتي ورزيق‪،‬‬
‫فأنتم حباجيت‪.‬‬
‫ً‬
‫«يا عبادي إنكم ختطئون بالليل وانلهار وأنا أغفر اذلنوب مجيعا‬
‫فاستغفروين أغفر لكم»‬

‫يدل ىلع وجوب الرجوع إىل اهلل يف لك حني‪ ،‬وطلب املغفرة منه سبحانه‪.‬‬

‫«يا عبادي إنكم لن تبلغوا رضي فتُضوين ولن تبلغوا نفيع فتنفعوين»‬

‫ألنه هو القوي املتني‪ ،‬حىت لو اجتمعتم تلرضوِن لن تستطيعوا رضي‪ ،‬ولو‬


‫اجتمعتم ىلع نفيع فلن تستطيعوا نفيع‪ ،‬كما قال عن نفسه وهو الكبري املتعال‬
‫سبحانه‪ :‬ﮋ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮊ(‪ ، )1‬وقال‪ :‬ﮋ ﰊ ﰋ ﰌ‬
‫ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﮊ(‪.)2‬‬

‫«يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم َكنوا ىلع أتَق قلب‬
‫ً‬
‫رجل واحد منكم ما زاد ذلك يف مليك شيئا»‬

‫(‪ )1‬سورة فاطر‪.15 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة لقمان‪.28 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪64‬‬

‫يعين اهلل ‪ ‬غين عن عبادة اخللق‪ ،‬حىت غين عن املالئكة‪ ،‬إذا أمرك‬
‫بطاعة ال تظن أن اهلل ُمتاج إيلها‪ ،‬ال‪ ،‬أنت املحتاج إيله سبحانه‪ ،‬قال ‪: ‬‬
‫ﮋ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫فأنت اذلي حتتاج إيله؛ ألنه اذلي بيده اخلري والرش‪ ،‬وانلفع‬ ‫(‪)1‬‬
‫ﰆ ﰇﮊ‬
‫والرض‪ ،‬وأنت ليس بيدك يشء‪.‬‬

‫«يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم َكنوا ىلع أفجر قلب‬
‫ً‬
‫رجل واحد منكم ما نقص ذلك من مليك شيئا»‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ُمتاجا للخلق أصال‪ ،‬وليس ُمتاجا‬ ‫ألن فدوركم ال يرضِن؛ ألنه ليس‬
‫ً‬
‫للعرش‪ ،‬وليس ُمتاجا للمالئكة‪ ،‬وإنما خلق هذه األشياء من املالئكة‬
‫والسماوات واألرض؛ ليستعني بها العبد ىلع طاعة اهلل‪ ،‬قال ‪ : ‬ﮋ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﮊ(‪ )2‬يعين‪ :‬تلعبدوه‪ ،‬وإال فهو القائل‪ :‬ﮋ ﭺ ﭻ‬
‫ً‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ(‪ )3‬يعطيكم أجرا‬
‫عليه‪.‬‬

‫«يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا يف صعيد واحد‬


‫فسألوين فأعطيت ُك إنسان مسأتله ما نقص ذلك مما عندي إَل كما ينقص‬
‫املخيط إذا أدخل ابلحر» ‪.‬‬

‫يعين‪ :‬هذا يدل ىلع غىن اهلل ‪ ‬اتلام‪ ،‬وىلع رزقه الواسع‪ ،‬فلو مجيع‬

‫(‪ )1‬سورة احلدرات‪.17 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة اجلاثية‪.13 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة الزمر‪.7 :‬‬
‫‪65‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫اخلالئق من أوهلم إىل آخرهم قاموا يف صعيد واحد يعين‪ :‬ماكن واحد‪ ،‬ولك واحد‬
‫طلب سؤهل‪ ،‬اهلل يعطي اجلميع إذا شاء‪ ،‬وهذا العطاء ال ينقص من ملكه يشء؛ إال‬
‫كما ينقص املخيط إذا أدخل ابلحر‪ ،‬يعين‪ :‬اإلبرة لو وضعتها يف ابلحر ثم رفعت‬
‫اإلبرة هل ينقص يشء من ماء ابلحر مما علق باإلبرة ؟ ما ينقص‪ ،‬كذلك عطاء‬
‫اهلل ‪ ‬جلميع اخلالئق ال ينقص من رزقه يشء؛ ألن رزقه واسع سبحانه‪.‬‬

‫«يا عبادي إنما ِه أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها»‬

‫حيصيها نلا‪ ،‬وحيفظها نلا‪ ،‬ثم يوفيها‪.‬‬


‫ً‬
‫«فمن وجد خريا فليحمد اهلل ومن وجد غري ذلك فال يلومن إَل نفسه»‪.‬‬

‫فليثب املرء قبل أن يقع عليه يشء من ذلك ‪.‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪66‬‬

‫احلديث اخلامس والعشرون‬

‫ِب ‪ ‬ياَ‬ ‫َّ‬


‫لن ِّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ً َ َّ َ ً ْ َ ْ‬ ‫ٍّ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫اَّلل ‪ ‬قالوا ل ِ ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫اب رس ِ‬ ‫عن أ ِيب ذر ‪ ‬أيضا‪" ،‬أن ناسا ِمن أصح ِ‬
‫ون َك َما نَ ُصوم‪ُ،‬‬ ‫ُ َ َ َ َ ُ َ ِّ َ َ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ َّ َ َ َ َ ْ ُ‬
‫ور؛ يصلون كما نصيل‪ ،‬ويصوم‬ ‫ور بِاألج َ ِ‬
‫اَّلل ذهب أهل َ ادلث ِ‬ ‫رسول ِ‬
‫َ َّ ُ َ َّ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َّ ُ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َّ ُ َ ُ ُ‬
‫اَّلل لك ْم َما ت َّصدقون؟ إن‬ ‫ول أموال ِ ِهم‪ .‬قال‪ :‬أوليس قد جعل‬ ‫ويتصدقون ِبفض ِ‬
‫َ َ ً ُ ِّ َ ْ َ‬ ‫َ َ ً ُ ِّ َ ْ َ‬ ‫ُ ِّ َ ْ َ َ َ َ ً َ ُ ِّ َ ْ‬
‫رية َصدقة‪َ ،‬ولك حت ِميدة َصدقة‪َ ،‬ولك ته ِليلة‬ ‫كب َ‬
‫بِكل تس ِبيحة صدقة‪ ،‬ولك ت ِ‬
‫َ ُ ْ َ َ ٌَ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٌَ ََ ٌْ َ ْ ُْ َ َ َ ٌَ َ ُ ْ‬ ‫َ َ ًَ ََْ ٌ َ ْ‬
‫صدقة‪ ،‬وأمر بِمعروف صدقة‪ ،‬ونيه عن منكر صدقة‪ ،‬و ِيف بض ِع أح ِدكم صدقة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يها أَ ْج ٌر؟ قَ َال‪ :‬أَ َرأَ ْيتُ ْم ل َ ْو َو َض َعهاَ‬ ‫هل ف َ‬ ‫ون َ ُ‬‫َ ُ َ َ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ ُ َ َ ْ َ َ ُ َ َ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫اَّلل أيأ ِيت أحدنا شهوته ويك‬ ‫قالوا‪ :‬يا رسول ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َْ‬
‫هل أج ٌر (‪.)1‬‬ ‫ِيف َح َرام أكان َعلي ِه ِو ْز ٌر؟ فكذلِك إذا َوض َع َها ِيف احلَال ِل‪ ،‬اكن‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ال زال اإلمام انلووي ‪ ‬يذكر األحاديث اليت اشرتط أن يكون عليها‬
‫مدار ِّ‬
‫ادلين‪ ،‬وساق حديث أيب ذر هنا؛ بليان تنوع طرق اخلري‪ ،‬وأنها ليست‬
‫صدقات األغنياء‪ ،‬حيث‬ ‫مقصورة ىلع فئة معينة‪ ،‬فلما اشتىك الفقراء للنِب‬
‫أنهم ُحرموا من املال‪ ،‬فظنوا أنهم ُمرومون من أجر الصدقة‪ ،‬ادلثور‪ :‬أهل املال‬
‫ذهبوا باألجور لكونهم يتصدقون‪.‬‬

‫يصلون كما نصيل ويصومون كما نصوم‬

‫يعين هذه األعمال بدنية‪ ،‬نقوم بها كما يقوم األغنياء‪ ،‬ولكن سبقنا‬
‫األغنياء بابلذل‪.‬‬

‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]1006[ :‬‬


‫‪67‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫ويتصدقون بفضول أمواهلم‬

‫يعين‪ :‬وال نتصدق‪ ،‬فكأنهم ظنوا أنهم ُمرومون من األجر‪ ،‬وأن درجاتهم يف‬
‫اجلنة ليست بعايلة‪.‬‬

‫قال‪« :‬أوليس قد جعل اهلل لكم ما تصدقون؟»‬


‫ً‬ ‫َّ‬
‫يعين بني هلم انلِب ‪ ‬أن هناك أعماال كثواب الصدقة‪.‬‬

‫«إن بكل تسبيحة صدقة»‬

‫فالتسبيح صدقة‪ ،‬واتلحميد صدقة‪ ،‬واتلهليل صدقة‪ ،‬واتلكبري صدقة‪،‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫يتصدق بها املرء ىلع نفسه‪ ،‬فأحيانا تكون الصدقة للغري‪ ،‬وأحيانا ىلع انلفس‪.‬‬

‫«ولك تكبرية صدقة‪ ،‬ولك تهليلة صدقة‪ ،‬وأمر بمعروف صدقة‪ ،‬ونيه عن‬
‫منكر صدقة»‬

‫ﮋﯗ ﯘ‬ ‫ومثل ما قال ‪ :‬ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﮊ يعين عفو عن انلا‬


‫ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ(‪ )1‬األمر باملعروف وانليه عن املنكر صدقة‪ ،‬وهذا تتصدق‬
‫به ىلع نفسك وىلع غريك‪.‬‬

‫«ويف بضع أحدكم صدقة»‬

‫يعين‪ :‬إتيان الزوج زوجته فيه أجر‪ ،‬واملقصود بابلضع يعين‪ :‬الفرج‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬يا رسول اهلل أيأيت أحدنا شهوته ويكون ِل فيها أجر ؟‬

‫يعين‪ :‬أيأيت الرجل زوجته ويؤجر ىلع ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة ابلقرة‪.263 :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪68‬‬

‫فقال‪« :‬أرأيتم لو وضعها يف حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها يف‬
‫احلالل َكن ِل أجر» ‪.‬‬

‫يعين‪ :‬إن أىت امرأة ُمرمة عليه إثم‪ ،‬فإذا وضعها يف حالل يؤجر عليه‪ ،‬وهذا‬
‫ً‬
‫من فضل اهلل ‪ ‬وكرمه‪ ،‬حيث إن الرجل يفعل أمرا فيه منفعة‪ ،‬ويؤجر عليه‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وفيه أيضا حث ىلع اتلعفف من احلرام؛ ألن املرء يكسب فيه إثما‪ ،‬وعليه‬
‫ً‬
‫باحلالل يكسب فيه ثوابا ‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث السادس والعشرون‬

‫َ َْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ُ َّ‬ ‫َ ْ َ َََُْ‬


‫اَّلل ‪" ‬لك سالَم ِمن انلا ِ علي ِه‬ ‫عن أ ِيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ْ ُ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ٌ َ ُ ُ َّ َ‬ ‫َ َ َ ٌ ُ َّ‬
‫لك يَ ْوم َت ْطلُ ُ‬
‫الر ُجل ِيف دابَّ ِت ِه‬ ‫ني صدقة‪ ،‬وت ِعني‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫اث‬ ‫ني‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫د‬‫ِ‬ ‫ع‬‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬‫الش‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫صدقة‪،‬‬
‫ُ ِّ‬ ‫َ َ ْ ُ ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ ُ َ ُ َ َ ْ َ َ َ َ ُ َ َ َ ٌ َ ْ َ َ ُ َّ ُ َ َ ٌ‬‫َ‬
‫الطيِّبَة َصدقة‪َ ،‬وبِكل‬ ‫لكمة‬
‫فتح ِمله عليها أو ترفع هل عليها متاعه صدقة‪ ،‬وال ِ‬
‫َ ٌَ‬ ‫ُ ْ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ٌ ُ ُ ْ َ‬
‫األ َذى َع ْن َّ‬
‫يق َصدقة"(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬‫ر‬‫الط‬ ‫خطوة تم ِشيها إىل الصال ِة صدقة‪َ ،‬وت ِميط‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان أن لك عضو يف جسدك جيب فيه‬


‫الشكر‪.‬‬

‫«لك سالَم من انلا عليه صدقة» يعين‪ :‬السالَم مفصل لك عظم‪ ،‬ويف‬
‫ً‬
‫اإلنسان كما قال ‪ 360 ‬مفصال‪ ،‬ولك مفصل يف اإلنسان يتحرك‪،‬‬
‫عليه‬ ‫هذه نعمة جيب فيها الشكر لك يوم؛ ذللك قال‪« :‬لك سالَم من انلا‬
‫صدقة» يعين جيب أن تشكر اهلل ‪ ‬بالصدقة عن نعمة املفاصل اليت تتحرك‬
‫يف جسدك‪.‬‬

‫«ُك يوم تطلع فيه الشمس تعدل بني اَلثنني صدقة»‬

‫يعين من األعمال اليت تشكر ما أنعم اهلل به جسدك من انلعم اإلصالح بني‬
‫يف هذا احلديث من‬ ‫صدقة‪ ،‬وما ذكره انلِب‬ ‫انلا ‪ ،‬فإذا أصلح الشخص بني انلا‬
‫فيه صدقة‪ ،‬ذللك اهلل يقول‪ :‬ﮋﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫باب اتلمثيل ال احلرص‪ ،‬فاإلصالح بني انلا‬

‫َ َ ُ ُْ َ‬
‫اري رقم‪َ ،]2989[ :‬و ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]1009[ :‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابلخ ِ‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪70‬‬

‫ﭕﭖ ﭗﭘﭙﭚ ﭛ ﭜﭝﭞ ﭟﭠﭡ ﮊ(‪.)1‬‬

‫«وتعني الرجل يف دابته فتحمله عليها أو ترفع ِل عليها متاعه صدقة»‬

‫كذلك أنك تعني غريك بهذه املفاصل‪ ،‬هذه من شكر نعمة املفاصل‪.‬‬

‫«واللكمة الطيبة صدقة»‬

‫من باب شكر نعمة اللسان نعم‪.‬‬

‫«ولك خطوة تمشيها إىل الصالة صدقة»‬

‫هذه من باب شكر القدمني بما أنعم اهلل ‪ ‬عليك بهما نعم‪.‬‬

‫«وتميط األذى عن الطريق صدقة»‬

‫هذا من باب شكر ايلدين‪.‬‬

‫وبقية احلديث‪« :‬وجيزئ عن ذلك ركعتني من الضىح يركعهما العبد»‪ ،‬يعين‪:‬‬


‫إن مجيع األعضاء تستحق الشكر‪ ،‬ومن شكر ذلك‪ :‬صالة ركعتني يف الضىح‪،‬‬
‫تشكر اهلل ‪ ‬يف صباحك ىلع ما أنعم به عليك من اجلوارح‪ ،‬فإذا قيل كيف‬
‫جتزئ الصالة عن ذلك؟ نقول‪ :‬ألن الصالة لك مفصل يف جسدك يتحرك فيها‪،‬‬
‫فيتحرك جسدك يف الصالة يف لك عضو فيه يتحرك شكر للنعمة اليت أنعم اهلل‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ‬عليك يف هذا اجلسد واهلل يقول‪ :‬ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﮊ‬
‫وقال‪ :‬ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﮊ(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬سورة النساء‪.114 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة إبراهيم‪.34 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة انلحل‪.53 :‬‬
‫‪71‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث السابع والعشرون‬

‫َ َ ْ ُ ْ ُ ُْ ُ َ ْ ْ‬ ‫ان ‪َ ‬ع ْن َّ‬ ‫ْ َ َْ َ‬ ‫َع ْن َّ‬


‫اإلث ُم َما‬ ‫ِب ‪ ‬قال‪" :‬ال ِرب حسن اخلل ِق‪ ،‬و ِ‬ ‫انل ِّ‬
‫ِ‬ ‫ع‬‫م‬ ‫س‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫و‬‫انل َّ‬
‫َّ ُ (‪)1‬‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َح َ‬
‫اك ِيف َصد ِرك‪ ،‬وك ِرهت أن يط ِلع علي ِه انلا " ‪.‬‬
‫ْ َ َ َُ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ ُ َ َّ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ َْ‬
‫ت ت ْسأل ع ْن‬ ‫"جئ‬
‫ِ‬ ‫‪:‬‬‫ال‬ ‫ق‬‫ف‬ ‫‪‬‬ ‫اَّلل‬
‫وعن و ِابصة ب ِن معبد ‪ ‬قال‪ :‬أتيت رسول ِ‬
‫ْ َ ْ َ َ َّ ْ َ ْ َّ ْ ُ َ ْ َ َّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِّ ُ ْ‬
‫اط َمأن إيلْ ِه‬ ‫رب؟ قلت‪ :‬ن َع ْم‪ .‬فقال‪ :‬استفت قلبك‪ ،‬ال ِرب ما اطمأنت إيل ِه انلفس‪ ،‬و‬ ‫ال ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‪َ ،‬و ْاإل ْث ُم َما َح َ‬ ‫الْ َقلْ ُ‬
‫الص ْدر‪َ ،‬وإ ْن أ ْفتَاك َّ‬
‫انلا ُ َوأفتَ ْوك»(‪.)2‬‬ ‫انل ْفس َوتَ َر َّد َد يف َّ‬
‫اك يف َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان الرب واإلثم‪.‬‬

‫ما هو الرب؟ يعين مجاع اخلري‪ ،‬قال‪« :‬الرب حسن اخللق» يعين‪ :‬اذلي جيمع‬
‫اخلري‪ ،‬هو حسن اخللق‪ ،‬وحسن اخللق سواء مع ربك أو مع اخللق‪ ،‬مع اهلل ‪‬‬
‫بالفرح بامتثال أوامره‪ ،‬إذا أمرك بالصالة تقوم وأنت مرسور هلا؛ ألن اهلل أمرك‪،‬‬
‫وتتلو كتاب اهلل وأنت مرسور؛ ألن اهلل أمرك‪ ،‬فهذا من حسن اخللق مع اهلل‬
‫‪ ، ‬وحسن اخللق مع البرش‪ :‬بذل انلدى‪ ،‬وكف األذى‪ ،‬وطالقة الوجه‪ ،‬الرب‬
‫فحسن خلقك‪ ،‬وانلِب ‪ ‬يقول‪« :‬أنا‬ ‫ِّ‬ ‫حسن اخللق‪ ،‬إذا أردت اخلري‬
‫ضامن ببيت يف أىلع اجلنة ملن َح ُسن خلقه»‪.‬‬

‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]2553[ :‬‬


‫َ‬
‫ام ْ ْ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ٌ‬
‫يم [‪ ]246/2‬بِ ِإ ْسنَاد َح َسن‪.‬‬ ‫َ َّ‬
‫ادلار ِ ي‬
‫ني أمحد ب ِن حنبل رقم‪ ،]227/4[ :‬و ِ‬
‫يث َح َس ٌن‪َ ،‬ر َويْنَ ُاه يف ُم ْسنَ َدي َ َ‬
‫اإلم ِ‬
‫ِ‬ ‫(‪ )2‬ح ِد‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪72‬‬

‫«واإلثم ما حاك يف نفسك وكرهت أن يطلع انلاس عليه» ‪:‬‬

‫يعين اإلثم اذلي لم يتبني لك أمره ما هو ؟ ما حاك يف نفسك‪ ،‬تردد قد‬


‫يكون صحيح غري صحيح‪ ،‬فهذا دعه‪.‬‬

‫«وكرهت أن يطلع عليه انلا » يعين‪ :‬ختىش أن انلا إن عرفوا عنك ذلك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الفعل أن يكرهوك‪ ،‬فإذا اكن ذلك كذلك‪ ،‬فهذا إثم‪ ،‬فمثال‪ :‬لو أن شخصا اكتسب‬
‫ً‬
‫ماال من أمر مشتبه فيه‪ ،‬وأنت مرتدد حالل حرام‪ ،‬أخىش أنه حرام‪ ،‬هذا إثم دعه‬
‫عنك‪ ،‬وختىش أنك لو قلت للنا ‪ :‬مجعت املال من الكسب الفالين‪ ،‬ختىش أنهم‬
‫يقعون يف عرضك‪ ،‬فدع هذا الفعل‪ ،‬فهو من اإلثم ‪.‬‬

‫فقال‪« :‬جئت تسأل‬ ‫قال‪ :‬أتيت رسول اهلل‬ ‫وعن وابصة بن معبد‬
‫عن الْب واإلثم»‪.‬‬

‫أخربه بما يف‬ ‫نعم وهذا من أعالم انلبوة‪ ،‬فلما دخل وابصة ىلع انلِب‬
‫نفسه‪ ،‬بما أطلعه اهلل عليه فقال‪« :‬جئت تسأل عن الرب واإلثم»‪.‬‬

‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪« :‬استفت قلبك‪ ،‬الْب ما طمأنت إَله انلفس واطمأن إَله‬
‫القلب»‪.‬‬

‫استفت قلبك» يعين‪ :‬خاطب نفسك وقلبك‪ ،‬هل هذا صحيح أم غري‬
‫ِ‬ ‫«‬
‫صحيح‪ ،‬يعين‪ :‬وهذا هو فيما هو مشتبه عليك‪ ،‬واستفتاء القلب املقصود استفتاء‬
‫القلب سليم الفطرة‪ ،‬أما القلب امليلء باملعايص والشهوات ويفيت قلبه ال‪ ،‬يعين لو‬
‫قال شخص ذي معاص ملاذا فعلت هذا ؟ فقال‪ :‬استفتيت قلِب فقلت حالل‪،‬‬
‫فنقول ممن ال نستفيت قلب أصحاب املعايص‪ ،‬وإنما نستفيت أصحاب القلوب‬
‫انلرية‪ ،‬هل هذا صحيح أم غري صحيح‪ ،‬الرب ما اطمأنت إيله انلفس‪ ،‬واطمأن إيله‬
‫‪73‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫نفسك مطمئنة‪ ،‬واطمأن إيله‬ ‫القلب‪ ،‬اطمأن إيله انلفس فيما لو ظهر ذلك للنا‬
‫القلب يعين ال تتحرج من اإلثم فيه؛ ألنك عرفت بأنه حالل نعم‪.‬‬

‫«واإلثم ما حاك يف انلفس وتردد يف الصدر‪ ،‬وإن أفتاك انلاس وأفتوك»‬

‫«وتردد يف الصدر» يعين‪ :‬ما بني حله أو حرمته‪ ،‬فدعه‪.‬‬

‫وأفتوك» من باب املبالغة أفتوك بأنه حالل‪ ،‬وأكرثوا‬ ‫«وإن أفتاك انلا‬
‫عليك بالفتوى بأنه حالل‪ ،‬فدعه؛ ألنه مرتدد يف صدرك‪ ،‬ولم تطمنئ إيله نفسك‬
‫وال قلبك‪.‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪74‬‬

‫احلديث الثامن والعشرون‬

‫َ ً‬
‫اَّلل ‪َ ‬م ْو ِعظة‬
‫َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ‬
‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ظ‬‫ع‬ ‫"و‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬ ‫ق‬
‫ْ َ ََ‬
‫ة‬ ‫ي‬ ‫ار‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫اض‬ ‫َع ْن أَيب ََنيح الْع ْر َ‬
‫ب‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ ْ ْ َ ْ ُ ُ ُ َ َ َ َ ْ ْ َ ُ ُ ُ َ ُ َ َ َ ُ َ َّ َ َّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اَّلل! كأن َها َم ْو ِعظة‬ ‫و ِجلت ِمنها القلوب‪ ،‬وذرفت ِمنها العيون‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول ِ‬
‫كمْ‬ ‫َ‬
‫َّ َ َّ ْ َ َّ َ َ ْ َ َّ َ َ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َْ‬ ‫ُ َ ِّ َ َ ْ َ َ َ ُ‬
‫اَّلل‪ ،‬والسم ِع والطاع ِة وإِن تأمر علي‬ ‫وصيكم بِتقوى ِ‬ ‫مودع فأو ِصنا‪ ،‬قال‪ :‬أ ِ‬
‫َّ ْ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ ً َ ً َ َْ ُ‬ ‫ك ْم فَ َس َ َ‬
‫َ ْ ٌ َ َّ ُ َ ْ َ ْ ْ ُ‬
‫ريا‪ ،‬ف َعليك ْم ب ِ ُسن ِيت َو ُسن ِة اخلُلفا ِء‬ ‫ريى اخ ِتالفا ك ِث‬ ‫عبد‪ ،‬ف ِإنه من ي ِعش ِمن‬
‫َ َّ ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫اك ْم َو ُُمْ َدثَات األ ُ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫يني‪َ ،‬عضوا َعلَيْ َها ب َّ‬
‫انل َ‬ ‫ين ال ْ َم ْهد َ‬
‫الراش ِد َ‬
‫ور؛ ف ِإن لك‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫اج‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َ َ ٌَ‬ ‫ْ‬
‫بِد َعة ضاللة»(‪.)1‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وسنة‬ ‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان وجوب اتباع سنة انلِب‬
‫اخللفاء الراشدين‪.‬‬

‫وصف العرباض هذه الوصية بثالثة أمور بليغة‪ :‬والقلوب وجلت منها‬
‫وحتركت‪ ،‬والعني دمعت‪ ،‬وهكذا ينبيغ للواعظ أو ادلاعية أن خيتار من اللكمات‬
‫ما يوعظ القلب‪ ،‬وال أعظم من أن يكون القرآن هو الواعظ باالستدالل‬
‫(‪)2‬‬
‫قال ‪ : ‬ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﮊ‬ ‫بكتاب اهلل وسنة انلِب‬
‫ولكما قرب املرء من ألفاظ الكتاب والسنة لكما اكنت انلصيحة أبلغ‪ ،‬ولكما اكنت‬
‫األلفاظ إىل الصواب أقرب‪ ،‬ولكما ابتعد املرء عن انلورين لكما ختبط يف األلفاظ‪،‬‬

‫ََ َ َ ٌ‬
‫يث َح َس ٌن َصح ٌ‬
‫يح‪.‬‬ ‫لرت ِم ِذي رقم‪ ]266[ :‬وقال‪ :‬ح ِد‬ ‫(‪َ )1‬ر َو ُاه أَبُو َد ُ‬
‫او َد رقم‪َ ،]4607[ :‬وا َ ِّ ْ‬
‫ِ‬
‫(‪ )2‬سورة ق‪.45 :‬‬
‫‪75‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫فإذا أمكن املرء أن تكون ألفاظه بما جاءت به ألفاظ الكتاب والسنة‪ ،‬اكن بإذن‬
‫اهلل أوقع يف انلفو ‪.‬‬

‫فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل كأنها موعظة مودع فأوصنا!‬

‫ملا وعظهم املوعظة اليت بكى الصحابة منها قالوا‪ :‬أوصنا‪ ،‬خشوا أن يكون‬
‫هلم؛ ألنه أبكاهم فيها ‪ ،‬وهذا يدل‬ ‫هذه آخر موعظة من انلِب‬
‫من جوامع اللكم‪ ،‬بكلمات‬ ‫‪ ،‬وما أوتيه انلِب‬ ‫ىلع رقة قلوب الصحابة‬
‫وأرضاهم‪ ،‬تعلم كيف أن ادلين يهذب انلفو ‪،‬‬ ‫يسرية أبكى الصحابة‬
‫ويرقق القلوب‪ ،‬وإال فالعرب قلوبهم فيها اجلفاء‪ ،‬لكن ملا أىت القرآن َّيلنها ﮋ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ(‪ )1‬فاملتكرب ال يطأطئ‬
‫رأسه سوى ادلين والقرآن‪ ،‬والقلب يقسو لكما ابتعد عن ذكر اهلل‪ ،‬ذللك قال‬
‫سبحانه‪ :‬ﮋ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﮊ(‪ )2‬وهلذا جتد أكرث الفاحشني‬
‫ً‬
‫واملتفحشني يف األلفاظ أو يف األعمال هم أقل انلا ذكرا هلل‪ ،‬وهلذا جتد حفظة‬
‫ً‬
‫كتاب اهلل أو من يكرث من ذكر اهلل وقراءة القرآن العظيم هم أقل انلا الكما‪،‬‬
‫وأقلهم حركة‪ ،‬وأقلهم أذية لآلخرين‪ ،‬وأكرثهم ً‬
‫نفعا للنا ‪.‬‬

‫قال‪« :‬أوصيكم بتقوى اهلل والسمع والطاعة»‬

‫عليكم بفعل الطااعت واجتناب املعايص‪ ،‬وهذه يه وصية اهلل ‪‬‬


‫جلميع اخللق‪ ،‬قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ‬

‫(‪ )1‬سورة احلديد‪.16 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة الرعد‪. 28 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪76‬‬

‫ً‬
‫يعين أوصيناكم أنتم أيضا بماذا ؟ ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮊ (‪ )1‬ويه لكمة جامعة تشمل‬
‫مجيع أمور ادلين‪ ،‬يعين‪ :‬إذا قلت‪ :‬اتق اهلل‪ ،‬ابتعد عن لك معصية‪ ،‬وافعل لك طاعة‬
‫نعم‪.‬‬
‫َّ‬
‫«والسمع والطاعة» يعين‪ :‬والسمع والطاعة ملن واله اهلل ‪ ‬أمركم‪ ،‬وذلك‬
‫يف غري معصية‪ ،‬كما قال ‪ ‬يف صحيح مسلم‪« :‬أسمع هل وأطع وإن‬
‫جدل ظهرك وأخذ مالك‪ ،‬اسمع هل فما طلب منك يف أمور ادلنيا فأعطه‪ ،‬واصرب ىلع‬
‫َّ‬
‫ما تالقيه من أذى‪ ،‬ويف لفظ آخر‪« :‬وإن تأمر عليكم عبد حبيش كأن رأسه‬
‫زبيبتان» يعين‪ :‬اسمع هل وأطع حىت لو عبد‪.‬‬
‫ً‬
‫«وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم بعدي فسريى اختالفا‬
‫ً‬
‫كثريا»‬
‫ً‬
‫يعين من طال عمره منكم أيها الصحابة فسريى أمرا جديدا يظهر عليه‬
‫من املبتداعت‪ ،‬ليست مما نشأ عليها‪ ،‬وهذا من أعالم انلبوة‪ ،‬فظهر يف آخر عهد‬
‫الصحابة القدرية اذلين نفوا القدر‪ ،‬وظهروا اخلوارج اذلين قاتل بعضهم صحابة‬
‫‪ ،‬وهذا من أعالم انلبوة «فإنه من يعش منكم فسريى اختالفا‬ ‫رسول اهلل‬
‫كثريا» ويف احلديث اآلخر‪« :‬إنكم سرتون بعدي أثرة فاصربوا حىت تلقوِن ىلع‬
‫احلوض» فاإلنسان وإن كرثت حوهل الفنت واملحن يصرب ويرجوا ما عند اهلل ‪‬‬
‫من اثلواب‪.‬‬

‫«فعليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني عضوا عليها من‬


‫انلواجذ»‬

‫(‪ )1‬سورة النساء‪.131 :‬‬


‫‪77‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫يعين‪ :‬اذلي يعصم بإذن اهلل من املحن من انلوازل هو‪ :‬الكتاب والسنة‪،‬‬
‫العلم من سنة انلِب‬ ‫يكرث اإلنسان من تالوة القرآن‪ ،‬يكرث من تدار‬
‫‪ ‬ومن العلماء الراسخني بإذن اهلل‪ ،‬هذه من أسباب اثلبات مع‬
‫صحبة صاحلة‪.‬‬

‫«عليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين» تمسكوا بها وعضوا عليها‬


‫بانلواجذ‪ ،‬انلاجذ أشار الشيخ حفظه اهلل إيله هذا‪ ،‬وهو أقوى ما يف األسنان‪ ،‬كأن‬
‫يقول خذ السنة وعض عليها بفمك‪ ،‬بل بقوة؛ ئلال يفوتك منها يشء‪.‬‬

‫«وإياكم وحمدثات األمور فإن ُك بدعة ضاللة »‬

‫يعين احذروا أن حتدثوا يف دين اهلل شيئًا‪.‬‬

‫«فإن لك ُمدثة ضاللة» ويف لفظ‪« :‬فإن لك ُمدثة بدعة» عند أيب داوود‬
‫«ولك بدعة ضاللة» يعين‪ :‬إذا أحدثت ً‬
‫أمرا فهو مبتدع‪ ،‬وهذا املبتدع فيه ضاللة‬
‫وسوء‪ ،‬فابتعد عنه‪ ،‬ويكفيك ما يف رشع اهلل‪ :‬ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬سورة املائدة ‪.3 :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪78‬‬

‫احلديث التاسع والعشرون‬

‫ْ َّ َ‬ ‫ْ ُ‬
‫رب ِِن بِ َع َمل يُد ِخل ِين اجلَنة‬ ‫اَّلل! أَ ْخ ْ‬
‫َ َ ُ ْ َ َ ُ َ َّ‬ ‫َ ْ َُ ْ ََ‬
‫ِ‬ ‫عن معا ِذ ب ِن جبل ‪ ‬قال‪ :‬قلت يا رسول ِ‬
‫اَّللُ‬ ‫َ َّ ُ َ َ ٌ َ َ َ ْ َ َّ َ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َّ َ َ َ َ ْ َ َ ْ‬ ‫ََُ ْ‬
‫ار‪ ،‬قال‪« :‬لقد سألت عن ع ِظيم‪ ،‬وإِنه لي ِسري ىلع من يرسه‬ ‫ويبا ِعد ِين ِمن انل ِ‬
‫َ َ‬
‫وم َر َمضان‪،‬‬ ‫الز َاك َة‪َ ،‬وتَ ُص ُ‬ ‫الص َال َة‪َ ،‬وتُ ْؤ ي َّ‬ ‫يم َّ‬ ‫اَّلل َال ت ُ ْرش ْك ب ِه َشيْئًا‪َ ،‬وتُق ُ‬ ‫َعلَيْه‪َ :‬ت ْعبُ ُد َّ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الص َدقَ ُة ُت ْطف ُ‬ ‫الص ْو ُم ُج َّن ٌة‪َ ،‬و َّ‬ ‫ْ‬
‫ىلع أب ْ َواب اخل َ ْري؟ َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ َّ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َو َحتُ‬
‫ئ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫أ‬ ‫ال‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ابل‬ ‫ج‬
‫َّ ْ ُ َ َ‬ ‫ار‪َ ،‬و َص َال ُة َّ‬ ‫ئ ال ْ َم ُ‬ ‫اخلَطيئَ َة َك َما ُي ْطف ُ‬ ‫ْ‬
‫الر ُج ِل ِيف َج ْو ِف اللي ِل‪ ،‬ث َّم تال‪ :‬ﮋ ﮔ‬ ‫انل َ‬ ‫اء َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َّ َ َ َ َ ُ ْ‬ ‫ََ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮊ َح َّىت بَلغ ﮋ ﮬ ﮊ ‪ ،‬ثم قال‪ :‬أال أخ ِربك بِرأ ِ األم ِر‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ ْ ْ َ‬ ‫ُْ‬ ‫ََُْ َ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫اإلسال ُم‪َ ،‬وع ُمود ُه‬ ‫اَّلل‪ .‬قال‪ :‬رأ األم ِر ِ‬ ‫وعمو ِد ِه وذرو ِة سنا ِم ِه؟ قلت‪ :‬بىل يا رسول ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ َ ُ ِّ‬
‫ربك ِب َمال ِك ذل ِك لك ِه؟ فقلت‪ :‬بَىل يَا‬
‫َ‬ ‫اد‪ُ ،‬ث َّم قَ َال‪ :‬أَ َال أُ ْخ ُ‬ ‫ْ َ ُ‬
‫ه‬ ‫اجل‬
‫َّ َ ُ َ ُ ْ َ ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫الصالة‪ ،‬وذروة سن ِ ِ‬
‫ه‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ا‬
‫َ َ َ ُ َّ َ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ َّ َّ َ َّ َ ُ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َّ َ َ َ َ‬
‫اَّلل وإِنا لمؤاخذون‬ ‫اَّلل! فأخذ بِ ِلسانِ ِه وقال‪ :‬كف عليك هذا‪ .‬قلت‪ :‬يا ن ِِب ِ‬ ‫رسول ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََْ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ َ َْ‬ ‫َ َ َ َ َّ ُ‬
‫انلا َ َىلع ُو ُجو ِه ِه ْم ‪-‬أ ْو قال َىلع‬ ‫كب َّ‬ ‫كلتك أمك وهل ي‬ ‫بِما نتلكم بِ ِه؟ فقال‪ :‬ث ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬
‫اخ ِر ِه ْم‪ -‬إال َح َصائِ ُد أل ِسن ِت ِه ْم؟!»(‪.)1‬‬ ‫من ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان ما يه األعمال اليت تدخل اجلنة‪،‬‬


‫سأل انلِب ‪ ‬هذا‬ ‫وما يه األعمال اليت تدخل انلار ؟ ومعاذ‬
‫احلديث؛ يلكرث من األعمال الصاحلة‪ ،‬ويبتعد عن األعمال السيئة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬يا رسول اهلل! أخربِن بعمل يدخلين اجلنة ويباعدين عن انلار‪.‬‬

‫ََ َ َ ٌ‬
‫يث َح َس ٌن َصح ٌ‬ ‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ِّ ْ‬
‫يح‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الرت ِم ِذي رقم‪ ]2616[ :‬وقال‪ :‬ح ِد‬
‫‪79‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫ينشدون هذا ويطلبونه‪،‬‬ ‫فقال‪« :‬لقد سألت عن عظيم» ألن مجيع انلا‬
‫مجيع اخللق يريدون اجلنة‪ ،‬فسأل معاذ هذا السؤال اجلامع العظيم‪ ،‬كيف أفعل‬
‫حىت أدخل اجلنة؟ فقال‪ :‬تعبد اهلل‪.‬‬

‫قال‪« :‬لقد سألت عن عظيم وإنه ليسري ىلع من يْسه اهلل عليه» ‪:‬‬

‫سألت عن عمل تقوم به عظيم وشاق‪ ،‬لكن يسري ىلع من يرسه اهلل‪ ،‬واهلل‬
‫‪ ‬يقول عن الصالة‪ :‬ﮋ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﮊ(‪ )1‬يعين إال من أاعنه اهلل‬
‫ىلع ذلك فقال تعبد اهلل‪.‬‬
‫ً‬
‫«تعبد اهلل َل ترشك به شيئا» ‪:‬‬
‫َّ‬
‫يعين‪ :‬بني هل انلِب ‪ ‬أن اذلي يُدخل اجلنة‪ :‬اإلسالم واتلمسك‬
‫ً‬
‫به‪ ،‬فقال‪« :‬تعبد اهلل وال ترشك به شيئا وتقيم الصالة وتؤ ي الزاكة وتصوم رمضان‬
‫وحتج ابليت إن استطعت إيله سبيال» هذه أعمال اإلسالم‪ ،‬فمن فعلها والزتم بها‬
‫وابتعد عن املوبقات مع اإلتيان بأصول اإليمان يكون بإذن اهلل من عباده‬
‫املوحدين‪ ،‬ويدخل اجلنة بفضل اهلل‪.‬‬

‫«وتقيم الصالة» ‪:‬‬

‫واملقصود الصالة املفروضة‪.‬‬

‫«وتؤِت الزاكة» ‪:‬‬

‫أي املفروضة‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة ابلقرة ‪.45 :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪80‬‬

‫«وتصوم رمضان وَتج ابليت ثم قال أَل أدلك ىلع أبواب اخلري » ‪:‬‬

‫يعين زدين درجة أخرى من درجات اجلنة العليا فقال‪:‬‬

‫«الصوم جنة» ‪:‬‬

‫يعين إذا أردت أن تزدد بأعمال ترفعك يف ادلرجات‪ ،‬فالصوم جنة يعين‪:‬‬
‫الصوم من أسباب وقاية العذاب‪ ،‬واملقصود هنا‪ :‬صوم انلافلة؛ ألن صوم الفريضة‬
‫سبق‪« ،‬وتصوم رمضان» يعين‪ :‬اليت ذكرها يه انلوافل‪.‬‬

‫«والصدقة تطفئ اخلطيئة كما يطفئ املاء انلار » ‪:‬‬

‫ذكر الصوم والصدقة‪ ،‬وصالة الرجل يف جوف الليل يعين‪ :‬من أراد أن ترتفع‬
‫درجته بإذن اهلل يكرث من صيام انلافلة‪ ،‬ويلكرث من الصدقة؛ فإنها تطفئ‬
‫اخلطيئة‪ ،‬قال‪« :‬كما يطفئ املاء انلار» يعين‪ :‬لو اكنت نار مشتعلة وتطفئها باملاء‬
‫فكذلك الصدقة تمحق اذلنوب واخلطايا‪ ،‬واملقصود الصغائر ‪.‬‬

‫«وصالة الرجل يف جوف الليل» ‪:‬‬

‫‪ :‬ﮋﮔ‬ ‫أي تطفئ اخلطيئة كما يطفئ املاء انلار‪ ،‬وتال انلِب‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮊ حىت بلغ‪ :‬ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ(‪ )1‬انلِب ‪ ‬لم يكن يدع‬
‫قيام الليل ال يف سفر وال يف حرض‪ ،‬ال يف حال مرضه وال يف حال صحته‪ ،‬يف حال‬
‫مرضه يصيل وهو جالس‪ ،‬ويصيل يف السفر إن تيرس هل إىل القبلة‪ ،‬وإن لم يتيرس إىل‬
‫ً‬
‫غري القبلة‪ ،‬ويكرث ويطيل من الصالة فيها‪ ،‬والقيام والركوع حىت قرأ يوما‬

‫(‪ )1‬سورة السددة ‪.17-16 :‬‬


‫‪81‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫بابلقرة وآل عمران والنساء يف ركعة واحدة‪ ،‬قال جابر‪ :‬وركوعه قريبًا من ذلك‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثم سدوده قريبًا من ذلك‪ ،‬يعين‪ :‬يركع بمقدار ما يقرأ بابلقرة وآل عمران‬
‫صالته فقالت‪ :‬فال تسأل عن‬ ‫والنساء‪ ،‬والسدود كذلك‪ ،‬ووصفت اعئشة‬
‫طوهلن وحسنهن‪ ،‬هذا أمر آخر الطول طويلة‪ ،‬واكن يقوم من الليل حىت تتفطر‬
‫قدماه‪ ،‬ويف رواية‪ :‬تتشقق قدماه‪ ،‬ومعىن تتفطر‪ :‬تنشق وخيرج ادلم منها؛ ألن‬
‫اإلنسان إذا أطال القيام خيرج ادلم من أسفل قدميه‪ ،‬واهلل ‪ ‬أمره أن يقوم‬
‫نصف الليل‪ ،‬أو دونه‪ ،‬أو أكرث منه‪ ،‬يعين‪ :‬قرابة مخس أو أربع سااعت‪ ،‬وانلِب‬
‫يصيل الليل لك يوم‪ ،‬ليس فقط يف رمضان‪ ،‬بل لك يوم‪ ،‬هذه عبادته يف الليل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ ، ‬فينبيغ للمسلم أال يدع قيام الليل مطلقا‪ ،‬ولو شيئا يسريا من‬
‫وقته‪ ،‬ولو نصف ساعة‪ ،‬ولو ساعة يلكتب من عباده املوترين‪ ،‬واهلل ‪ ‬وتر‬
‫حيب الوتر‪ ،‬وإذا اكن يشق ىلع اإلنسان الصالة ركعات‪ ،‬يوتر لو بركعة‪ ،‬فأحب‬
‫األعمال إىل اهلل أدومها وإن قل‪ ،‬ويغتنم املسلم الساعة العظيمة اليت فيها نزول‬
‫الرب ‪ ‬يف آخر الليل‪ ،‬فيسأهل وهو القائل‪ :‬ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﮊ(‪ )1‬لك‬
‫ما تتمىن ادع به‪ ،‬فربك كريم يعطيك أكرث مما تسأل‪ ،‬لكن أنت اسأل ويعطيك‬
‫بإذن اهلل فوق ما تتمناه‪ ،‬واهلل يقول‪ :‬ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮊ (‪ )2‬فقط‬
‫اسأهل سبحانه‪.‬‬

‫ثم تال‪ :‬ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮊ حىت بلغ ﮋ ﮬ ﮊ ثم قال‪« :‬أَل‬


‫أخْبك برأس األمر وعموده وذروة سنامه» قلت‪ :‬بىل يا رسول اهلل ‪:‬‬

‫ادلين وأصل ادلين‪ ،‬فال يكون لليشء‬ ‫األمر» يعين‪ :‬رأ‬ ‫«أال أخربك برأ‬

‫(‪ )1‬سورة النساء‪.32 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة احلدر‪.21 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪82‬‬
‫ً‬
‫قيام بال رأ ‪ ،‬هذا ادلين هو اإلسالم بأراكنه‪ ،‬بشهادة أال هلإ إال اهلل وأن ُممدا‬
‫يسقط‪.‬‬ ‫لدلين‪ ،‬وإن لم يكن هل رأ‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬إذا لم يكن فيها كذلك فال رأ‬

‫«رأس األمر اإلسالم وعموده الصالة وذروة سنامه اجلهاد» ‪:‬‬

‫يعين‪ :‬أىلع ما يف هذا ادلين ويقويه هو اجلهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬واألمر باملعروف‬
‫وانليه عن املنكر جزء من ذلك‪ ،‬فاملدتمع يقوى بإذن اهلل بإقامة رشيعة األمر‬
‫باملعروف وانليه عن املنكر‪ ،‬ويصلح وتتزنل فيه اخلريات والرباكت بهذه الشعرية‪.‬‬

‫ثم قال‪« :‬أَل أخْبك بمالك ذلك َكه» ‪:‬‬

‫يعين‪ :‬أال أخربك بما جيمع ذلك لكه مع اإلتيان باإلسالم‪.‬‬


‫َّ‬
‫قلت‪ :‬بىل يا رسول اهلل! فأخذ بلسانه وقال‪« :‬كف عليك هذا»‪.‬‬

‫يعين‪ :‬ال تتلكم بما حيرم‪ ،‬وال تتلكم إال خبري‪ ،‬وانلِب ‪ ‬قال يف‬
‫الصحيح‪« :‬من يضمن يل ما بني حلييه وفخذيه» ويف لفظ‪« :‬رجليه» ويف لفظ‪« :‬ما‬
‫بني حلييه وقدميه» أضمن هل اجلنة‪ ،‬يعين‪ :‬اللسان والفرج؛ فإنها أكرث ما تدخل‬
‫انلار والعياذ باهلل‪ ،‬الفرج بإتيان املحرم‪ ،‬واللسان الوقيعة يف أعراض‬ ‫انلا‬
‫انلا ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬يا نيب اهلل! وإنا ملؤاخذون بما نتلكم به؟‬

‫ذنب يسري ال يؤدي إىل دخول انلار‬ ‫يعين‪ :‬اكن معاذ يظن أن الالكم يف انلا‬
‫واهلالك‪ ،‬فقال‪« :‬ثكلتك أمك يا معاذ» يعين‪ :‬هذا داعء لك يقصد ال يقصد به‬
‫ادلاعء يعين‪ :‬أصبحت أمك ثكىل ما عندها أحد‪.‬‬

‫فقال‪« :‬أثكلتك أمك‪ ،‬وهل يكب انلاس يف انلار ىلع وجوههم» أو قال‪:‬‬
‫‪83‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫«ىلع مناخرهم إَل حصائد ألسنتهم»‪.‬‬

‫يف انلار ىلع املناخر والوجوه هو ما حيصدونه من‬ ‫يعين‪ :‬اذلي يكب انلا‬
‫فيهم‪.‬‬ ‫ألسنتهم‪ ،‬بسبب الكم انلا‬

‫ويف مسند اإلمام أمحد قال ابن كثري وإسناد جيد يف اإلرساء‪ :‬قال «واطلعت‬
‫قوما هلم أظفار من حنا ‪ ،‬خيمشون وجوههم‪ .‬فقلت‪:‬‬ ‫ىلع أهل انلار فرأيت فيها ً‬

‫من هؤالء يا جربيل؟ قال‪ :‬هؤالء اذلين يقعون يف أعراض انلا » والعياذ باهلل‪.‬‬

‫ويف صحيح مسلم‪« :‬لك املسلم ىلع املسلم حرام دمه وماهل وعرضه» وأخرب‬
‫انلِب ‪ ‬يف احلديث الصحيح أن الرجل تؤخذ من حسناته فتعطى‬
‫ذلاك‪ ،‬فإذا فنيت حسناته أخذت من سيئات هذاك فأقيت عليه‪ ،‬والعياذ باهلل‪،‬‬
‫واملفلس يوم القيامة هو اذلي يأيت بصالة وصيام وصدقة‪ ،‬ويأيت وقد وقع يف عرض‬
‫هذا وتكلم يف هذا وشتم هذا‪ ،‬والعاقل اذلي حيفظ لسانه‪.‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪84‬‬

‫احلديث الثالثون‬

‫َّ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ين ُج ْرثُومِ بن نَاشب ‪َ ‬ع ْن َر ُ‬


‫ِّ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُْ َ‬
‫اَّلل ‪ ‬قال‪« :‬إن اَّلل‬‫ِ ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫عن أ ِيب ثعلبة اخل ِ‬
‫ش‬
‫َ‬
‫َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ ِّ ُ َ َ َ َّ ُ ُ ً َ َ َ أ َ ُ َ َ َ َّ َ أ َ َ َ َ‬
‫اء فال‬ ‫تعاىل فرض فرائ ِض فال تضيعوها‪ ،‬وحد حدودا فال تعتدوها‪ ،‬وحرم أشي‬
‫َ أ َ (‪)1‬‬ ‫َأَ ُ َ َ َ َ َ َ أ َ أ َ َ َ أًَ َ ُ أ َ أَ أ َ ََ َأ َ ُ‬
‫ان فال تبحثوا عنها» ‪.‬‬ ‫تنت ِهكوها‪ ،‬وسكت عن أشياء رْحة لكم غري ن ِسي ٍ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نعم ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان أقسام أحاكم اهلل يف الفرض‪.‬‬
‫ً‬
‫يروي عن انلِب ‪ ‬قال‪« :‬إن اهلل فرض أحاكما‬ ‫أبو ثعلبة‬
‫ً‬
‫فال تضيعوها وحد حدودا فال تعتدوها» كذلك نعم‪ ،‬وحرم أشياء فال تقربوها‪،‬‬
‫وسكت عن أشياء نعمة بكم غري نسيان‪ .‬هذه أربعة أحاكم يف األرض‪ ،‬فرض‬
‫فرائض ألزمكم بواجبات فال تضيعوها مثل‪ :‬الصلوات اخلمس‪ ،‬صيام رمضان‪.‬‬
‫ً‬
‫«وحد حدودا فال تعتدوها» ‪:‬‬

‫يعين‪ :‬رشع رشائع ال تتداوزوا عليها‪ ،‬مثل حد ابلكر مئة جدلة ال تزيد‬
‫عليه‪ ،‬ومثل قسمة الرتاكت‪ ،‬وأعطى اذلكر مثل حظ األنثيني‪ ،‬ال تساوى األنىث‬
‫يف حال‪ ،‬ويف حال اثللث‪ ،‬فال تغري ما حده اهلل‪.‬‬ ‫باذلكر‪ ،‬وأعطى األم السد‬

‫«وحرم أشياء فال تنتهكوها» ‪:‬‬


‫ً‬
‫أمورا ُمرمة فال تقعوا فيها‪ ،‬مثل‪ :‬الرسقة‪ ،‬ورشب اخلمر‪.‬‬ ‫بني‬

‫ين "يف سننه" [‪َ ،]184/4‬و َغ ْ ُ‬


‫ري ُه‪.‬‬ ‫ار ُق ْط ي‬ ‫َ ٌ‬
‫يث َح َس ٌن‪َ ،‬ر َو ُاه َّ‬
‫ادل َ‬ ‫(‪ )1‬ح ِد‬
‫ِ‬
‫‪85‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫«وسكت عن أشياء رْحة بكم غري نسيان فال تبحثوا عنها»‬

‫يعين مسكوت عنها يف رشع اهلل‪ ،‬فيستصحب احلكم األصيل وهو اإلباحة‪،‬‬
‫مثل‪ :‬لو نبات يف األرض ليس فيه مرضة سكت عنه الرشع باسمه‪ ،‬فاألصل فيه‬
‫احلل‪ ،‬اهلل يقول‪ :‬ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ(‪ )1‬فاألصل احلل إال ما أىت فيه‬
‫اتلحريم‪ ،‬فال تسأل عن يشء سكت اهلل ‪ ‬عنه حني نزول الويح‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة ابلقرة‪.57 :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪86‬‬

‫احلديث احلادي والثالثون‬

‫ِب ‪‬‬
‫َ َ َ َ َ ُ ٌ َ‬
‫إىل َّ‬
‫انل ِّ‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫اء‬ ‫ج‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬‫ق‬ ‫ي‬‫الساعد ي‬ ‫َس ْهل بْن َس ْعد َّ‬ ‫ا‬ ‫َع ْن أَيب الْ َع َّ‬
‫ب‬
‫ِ‬ ‫‪‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ُ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َُ‬
‫اَّلل! دل ِين ىلع عمل إذا ع ِملته أحب ِين اَّلل َوأحب ِين انلا ؛ فقال‪:‬‬ ‫فقال‪ :‬يا رسول ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫َّ ُ أ َ أ َ أ َ‬ ‫ُّ أ َ ُ ُّ‬ ‫أ َأ‬
‫اس ُيِبك انلَّاس»(‪.)1‬‬ ‫اِلنيا ُيِبك اَّلل‪َ ،‬وازهد فِيما عِند انلَّ ِ‬ ‫«ازهد ِيف‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث حديث سهل؛ بليان ما يه األسباب‬


‫اجلابلة ملحبة اهلل وُمبة انلا ‪ ،‬يعين‪ :‬كيف حيبين اهلل‪ ،‬وكيف حيبين انلا ‪.‬‬

‫فقال‪« :‬ازهد يف اِلنيا ُيبك اهلل»‬

‫يعين‪ :‬من األسباب اجلابلة ملحبة اهلل ‪ ‬الزهد يف ادلنيا‪ ،‬وعدم اتلعلق‬
‫بها‪ ،‬أو اتلطلع إىل زخرفها وزينتها‪ ،‬فإن هذا مما يؤثر ىلع القلب يف تأثريها باآلخرة‪،‬‬
‫وانلِب ‪ ‬نهاه اهلل ‪ ‬أن يتطلع إىل أمور ادلنيا؛ ئلال يركن إيلها‬
‫قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮊ(‪ )2‬أما أنت يا نبينا ال تتطلع ألمور ادلنيا‪ ،‬فلك اآلخرة‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال شيخ اإلسالم‪ :‬اتلطلع لدلنيا رسورا بها وبما فيها ُمرم‪ ،‬وأما انلظر فيها‬
‫من باب اتلفكر واتلدبر فهذا مرشوع‪ ،‬فإذا أمكن أن يمنع املرء نفسه من دخول‬
‫ادلنيا إىل قلبه‪ ،‬فهذا هو املطلوب‪ ،‬وإنما يسىع إىل اآلخرة يف قلبه‪ ،‬واملال يكون‬
‫بايلد وال يكون يف القلب‪.‬‬

‫ري ُه بأَ َسان َ‬


‫َ ُْ‬ ‫َ ُ ْ ُ َ َ ْ‬
‫يد َح َسنَة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬حديث حسن‪ ،‬ر َواه ابن ماجه رقم‪َ ،]4102[ :‬وغ ِ ِ‬
‫(‪ )2‬سورة طه‪.131 :‬‬
‫‪87‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫«وازهد فيما عند انلاس ُيبك انلاس»‬
‫ً‬
‫يعين‪ :‬ال تطلب من انلا شيئا حىت حيبوك‪ ،‬فإذا طلبت منهم‪ ،‬هذا من‬
‫أسباب عدم ُمبتهم لك‪ ،‬فإذا تعفف املرء‪ ،‬انلِب ‪ ‬يقول‪« :‬من‬
‫ً‬
‫يستعفف يعفه اهلل» يعين‪ :‬من ال يطلب انلا شيئا يغنه اهلل‪ ،‬ومن طلب من‬
‫ال يتوقف عن املسألة‪ ،‬والرشد يف ذلك كف ايلد عن طلب ما عند انلا ‪.‬‬ ‫انلا‬

‫نعم‪ ،‬ذللك من أسباب دخول من يدخل اجلنة بغري حساب عدم طلب يشء‬
‫من انلا ‪ ،‬كما قال ‪« : ‬هم اذلين ال يسرتقون وال يكتوون» هذا‬
‫مما يطلبونه من انلا ‪ ،‬يطلب من اآلخر أن يرقيه‪ ،‬ويطلب من اآلخر أن يعاجله‪،‬‬
‫لكما عز يف دينه ودنياه ‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬ولكما كف املرء عن انلا‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪88‬‬

‫احلديث الثاني والثالثون‬

‫َ َ َ‬ ‫َ َّ َ ُ َ َّ‬ ‫ْ‬
‫اخل ُ ْدر ي‬ ‫َ‬ ‫َع ْن أَيب َسعيد َس ْعد بْن َمالك ب ْ‬
‫اَّلل ‪ ‬قال‪َ« :‬ل‬
‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫‪‬‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ان‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ن‬
‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫رض َر َو ََل ِ َ‬
‫رض َ‬
‫ار»(‪. )1‬‬ ‫َ َ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬حديث أيب سعيد هذا؛ بليان أنه ال جيوز مضارة أحد‪،‬‬
‫يعين‪ :‬وجوب رفع الرضر‪ .‬وقوهل ‪َ« ‬ل رضر» أي‪ :‬أن الرضر منتف‬
‫ً‬
‫يف اإلسالم‪ ،‬فليس يف اإلسالم رضر‪ ،‬وإنما هو خري ُمض‪ ،‬وأيضا ما دام أن اإلسالم‬
‫ليس فيه رضر نهاك عن مضارة غريك‪ ،‬فقال‪« :‬وال رضار» يعين‪ :‬واحذر أن ترض‬
‫ً‬
‫غريك‪ ،‬فادلين اذلي أنت متمسك به ال رضر فيه‪ ،‬فهذب نفسك‪ ،‬وال ترض أحدا‪،‬‬
‫فهذا احلديث عظيم‪ ،‬وقاعدة كبرية يف املعامالت بني انلا ‪ ،‬ال رضر وال رضار‬
‫ً‬
‫يعين‪ :‬احذر لك ما فيه رضر ال تقرب منه‪ ،‬وإن رأيت رضرا فأزهل‪.‬‬

‫َ َ ُْ ُ‬ ‫ار ُق ْط ي‬ ‫اج ْه راجع رقم‪َ ،]2341[ :‬و َّ‬ ‫َ ٌ‬


‫ريه َماا ُم ْسانَ ًدا‪َ .‬و َر َو ُاه‬ ‫اين رقام‪ ،]228/4[ :‬وغ‬ ‫ِ‬
‫ادل َ‬ ‫يث َح َس ٌن‪َ ،‬ر َو ُاه ْاب ُن َم َ‬ ‫(‪ )1‬ح ِد‬
‫ََُ ُ ُ ٌ‬ ‫ُ ْ َ ً ََ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ َّ َ ْ َ ْ ْ َ ْ َ َ ْ َ‬ ‫ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِب ‪ ‬مرسال‪ ،‬فأسقط أبا س ِعيد‪ ،‬وهل طرق‬ ‫َمالِك [‪ِ ]746/2‬يف "الموط ِإ" عن عمرو بن حيَي عن أ ِبي ِه عن انل ِّ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬
‫يق ِّوي َبع ُض َها َبع ًضا‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث الثالث والثالثون‬

‫ُ َ أ ُأ‬ ‫َ َ َأ ُ أ َ‬ ‫َ َّ َ ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫اَّلل ‪ ‬قال‪« :‬لو يعطى انلَّاس بِدع َواهم‬ ‫أن رسول ِ‬ ‫ع ْن اب ْ ِن ع َّبا‬
‫َ أَ َ ََ َ أ‬ ‫َ أ َ َ َ ُ أ َ َّ أ ِّ َ َ َ َ أ ُ َّ‬ ‫َ ٌ َأَ َ‬ ‫َ َّ َ‬
‫ني ىلع من‬ ‫كن ابلَينة ىلع المد ِِع‪ ،‬واَل ِم‬ ‫قومٍ ودِماءهم‪ ،‬ل ِ‬ ‫َلدَع ِرجال أموال‬
‫أ َ َ (‪)1‬‬
‫َ‬
‫أنكر» ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان قاعدة عظيمة يف احلكم‪ ،‬ويه‬


‫ابلينة ىلع املديع وايلمني ىلع من أنكر‪ ،‬فليس لك من ادىع دعوى يصدق‬
‫ويعطى بدعواه‪ ،‬وإنما عليه ابلينة‪ ،‬وهذا أصل يف اتلقاِض بني انلا ‪ ،‬لك من‬
‫ادىع دعوى‪ ،‬أعطنا ابلينة‪ ،‬أعطنا يشء يثبت صحة ما تديع به‪ ،‬وإال فقولك أو‬
‫ُ ِّ‬
‫دعواك غري صحيحة‪ ،‬لو أعطي لك شخص بدعواه لقتل رجال‪ ،‬وسلبت أموال‪،‬‬
‫لكن ادلين عظيم يتثبت‪ ،‬اعطين ما يدل ىلع صدق دعواك‪.‬‬

‫«لكن ابلينة ىلع املدِع واَلمني ىلع من أنكر» ‪:‬‬

‫«ابلينة ىلع املديع» ليس عنده بينة‪« ،‬ايلمني ىلع من أنكر» اذلي ينكر‬
‫ً‬
‫حيلف ايلمني‪ ،‬فإذا لم حيلف يقىض عليه بانلكول‪ ،‬وأحيانا قد يكون املديع‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫عليه أحيانا ينقلب إىل ُمدع‪ ،‬فلو ادىع أنه سدد قرض‪ ،‬املديع هنا اآلن ادىع‬
‫بالسداد‪ ،‬نقول‪ :‬أثبت بينة السداد‪ ،‬ما عنده بينة‪ ،‬ينقلب املديع األصيل إىل مدىع‬
‫ً‬
‫عليه‪ ،‬حيلف أنه ما سدد هل شيئا‪ ،‬وهكذا‪ ،‬املقصود‪ :‬أن هذا حديث عظيم يف أصل‬

‫ني"‪.‬‬
‫َْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُُْ َ َ َ ََ ْ ُ ُ‬ ‫يث َح َس ٌن‪َ ،‬ر َو ُاه ْ َ‬
‫ابليْ َه ِ ي‬ ‫َ ٌ‬
‫يق يف"السنن" [‪ ،]252/10‬وغريه هكذا‪ ،‬وبعضه ِيف "الص ِحيح ِ‬ ‫(‪ )1‬ح ِد‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪90‬‬

‫بينة ىلع املديع يمني ىلع من أنكر‪.‬‬ ‫اتلقاِض بني انلا‬

‫بدعواهم‪ ،‬الدىع قوم دماء رجال‬ ‫واذلي يف الصحيحني ال يعطى انلا‬


‫وأمواهلم‪ ،‬ولكن ايلمني ىلع املدىع عليه‪ ،‬وليس فيه ابلينة ىلع املديع‪ ،‬واحلديث‬
‫يف ابلخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث الرابع والثالثون‬

‫أ ُ أ‬ ‫َ ُ ُ َ أ ََ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َ َّ‬ ‫ي‬ ‫ُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬


‫اَّلل ‪ ‬يقول‪« :‬من رأى مِنكم‬ ‫عن أ ِيب س ِعيد اخلد ِري ‪ ‬قال س ِمعت رسول ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ أ َأ َأ َ أ َ َ أ‬ ‫َ أ َأ َأ َ أ َ َ‬ ‫ُ أ َ ً َ أ ُ َ ِّ أ َ‬
‫ريهُ بِي ِده ِ‪ ،‬فإِن لم يست ِطع فبِلِسان ِ ِه‪ ،‬فإِن لم يست ِطع فبِقلب ِ ِه‪َ ،‬وذل ِك‬ ‫منكرا فليغ‬
‫َ أ َُ أ َ‬
‫ان»(‪. )1‬‬‫اإل ِ‬
‫يم‬ ‫أضعف ِ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث يف األربعني انلووية اليت اشرتط فيها أن‬
‫ادلين عليها؛ بليان درجات اإلنكار‪ ،‬ووجوب إنكار املنكر ىلع لك‬ ‫تكون مدار ِّ‬
‫ً‬
‫حال‪ ،‬بأموره اثلالث باتلدرج فيها‪ ،‬قال‪« :‬من رأى منكرا فليغريه بيده» يعين‪ :‬إذا‬
‫اكن يستطيع ذلك وهدم أهل احلسبة‪« ،‬فإن لم يستطع فبلسانه» يعين‪ :‬فإن لم‬
‫يستطع تغيري املنكر بيده‪ ،‬ولم يكن املنكر يف بيته‪ ،‬وهل قدرة ىلع تغيريه اكألب يف‬
‫ابليت‪ ،‬فلينكر بلسانه يعين‪ :‬مثل االبن ينكر ىلع وادله باللسان‪ ،‬ال جيوز هذا‬
‫ً‬
‫املنكر مثال‪ ،‬ما يستطيع الشخص ال بايلد وال باللسان‪.‬‬

‫املرتبة اثلاثلة‪ :‬بالقلب‪ ،‬واملراد بالقلب يعين‪ :‬عدم الرضا باملنكر وإنكاره‬
‫بالقلب‪ ،‬قال‪« :‬وذلك أضعف اإليمان» يعين‪ :‬عدم اإلنكار باللسان‪ ،‬وعدم‬
‫اإلنكار بايلد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫«من رأى منكم منكرا فليغريه بيده» يعين‪ :‬من باب اتلغليب‪ ،‬وإال أحيانا‬
‫قد يكون املنكر بالسماع‪.‬‬

‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]49[ :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪92‬‬

‫«فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اإليمان»‪:‬‬

‫وهذا من فضل اهلل ‪ ‬ىلع عباده‪ ،‬حيث لم يلزمهم بعبادة‪ ،‬قد ال‬
‫يقدرون عليها‪ ،‬فلو ألزم اجلميع بتغيري املنكر بايلد‪ ،‬قد ال حيصل هلم ذلك‪ ،‬ويشق‬
‫عليهم‪ ،‬وحيصل نزاع‪ ،‬فأعطاك اإلسالم هذا اتلدرج العظيم اذلي فيه صالح‬
‫املدتمع‪ ،‬وفيه صالح انلفس‪ ،‬وفيه السيع لرضا اهلل ‪ ‬بإنكار تلك املعصية ‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث اخلامس والثالثون‬

‫َ‬ ‫َ ََ َ ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ُ َّ‬ ‫َ ْ َ َََُْ‬


‫اَّلل ‪َ« ‬ل َتَاسدوا‪َ ،‬وَل تناجشوا‪َ ،‬وَل‬ ‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪:‬‬‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪‬‬ ‫ة‬ ‫عن أ ِيب هرير‬
‫َ َ َّ أ ً‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ أ َأ ُ ُ أ ََ َأ َأ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫تباغضوا‪َ ،‬وَل تداب ُروا‪َ ،‬وَل يبِع بعضكم ىلع بي ِع بع ٍض‪َ ،‬وكونوا عِباد اَّللِ إخ َوانا‪،‬‬
‫َ َ أ ُ ُ َ َ َ أ ُ ُ ُ َ َ َ أ ُ ُ َ َ َ أ ُ ُ َّ أ َ َ ُ َ‬ ‫أُ أ ُ َ ُ أُ أ‬
‫المسلِم أخو المسلِ ِم‪َ ،‬ل يظلِمه‪ ،‬وَل خيذِل‪ ،‬وَل يك ِذبه‪ ،‬وَل ُي ِقره‪ ،‬اتلقوى هاهنا‪،‬‬
‫أ َّ ِّ َ أ َ أ َ َ َ ُ أ ُ أ َ ُ ُّ‬ ‫أ‬ ‫َ أ‬ ‫إىل َص أدره ِ ثَ َال َث َم َّ‬
‫َُ ُ َ‬
‫ب ام ِر ٍئ مِن الرش أن ُي ِقر أخاه المسلِم‪ُ ،‬ك‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِب‬
‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫ات‬
‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫وي ِشري‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ٌ َُُ َ‬ ‫أ‬
‫ََ ُ أ‬ ‫أُ أ‬
‫المسلِ ِم ىلع المسلِ ِم ح َرام‪ :‬دمه َوماِلُ َوع أِرضه»(‪.)1‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان آداب واجبة بني املؤمنني‪،‬‬


‫وأسباب ُمبة املسلمني بعضهم بلعض‪.‬‬

‫هنا مجلة من أسباب تفرق املدتمع‪ ،‬فأوهلا‬ ‫«ال حتاسدوا» يذكر انلِب‬
‫قال‪« :‬ال حتاسدوا» احلسد ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ :-‬تمين زوال نعمة الغري‪ ،‬وال يتمناها‬
‫ً‬
‫نلفسه‪ ،‬أهم يشء أن تزول عنه‪ ،‬يعين‪ :‬مثل شخص اهلل أعطاه ماال‪ ،‬فيتمىن أن‬
‫ذلك املال يزول عنه؛ حىت وال يريد هذا املال نلفسه‪ ،‬املهم أن ذاك الرجل ال‬
‫ً‬
‫يكون غنيا‪ ،‬هذا احلسود ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬واحلسد هو من أسباب دخول انلار‪،‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وهو من اذلنوب األوىل اليت فعلت يف األرض‪ ،‬حيث قتل هابيل قابيل حسدا؛ ملا‬
‫اشتعلت انلار فيما أخرجه هلل‪ ،‬فاكن يف رشعهم‪ :‬أن الرجل خيرج صدقة ماهل فتأيت‬
‫نار إذا قبلت تلتهم صدقته‪ ،‬وإذا لم تلتهم صدقته معناه أن اهلل لم يتقبل منه ذلك‬

‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ُم ْس ِل ٌم رقم‪.]2564[ :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪94‬‬

‫العمل‪ ،‬فلما قبلت صدقة هابيل‪ ،‬أىت قابيل فقتل هابيل‪ ،‬فاكن جزاؤه جزاء من‬
‫يقتل يوم القيامة عليه؛ ألنه حسد أخاه‪ ،‬ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ِّ‬
‫أخس الطيور الغراب ومؤذ‪ ،‬وأمر انلِب‬ ‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ(‪ )1‬من‬
‫‪ ‬بقتله يف احلل واحلرم‪ ،‬فبعث اهلل أسوأ الطيور لرييه كيف يدفن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قبيحا‪ ،‬فأرسل إيلك ذلك الطري القبيح‪ ،‬واجلزاء من جنس‬ ‫أخاه؛ ألنك فعلت فعال‬
‫العمل‪ ،‬واذلي أخرج إبليس من اجلنة حسده بعد أن استكرب‪ ،‬قال‪ :‬ﮋﭚ ﭛ ﭜ ﮊ‬
‫(‪)2‬‬

‫حسد آدم‪ ،‬وجيب ىلع املسلم أن يزنه قلبه من احلسد‪ ،‬ومن أخص صفات الرسل‬
‫سالمة صدورهم‪ ،‬قال اهلل ‪ ‬عن إبراهيم ﮋ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﮊ(‪ )3‬يعين‬
‫سليم من الرشك وابلدع‪ ،‬ومن الغل فيما خيص املخلوقني‪ ،‬وانلِب ‪‬‬
‫ملا أراده اهلل ألمر عظيم ويه الرسالة َّ‬
‫شق اهلل ‪ ‬صدره مرتني‪ ،‬مرة وهو صغري‪،‬‬
‫ومعه طست من ذهب وماء زمزم فشق صدره‪ ،‬وأخرج منه‬ ‫فزنل جربيل‬
‫ُ‬
‫علقة سوداء مما يف قلب بين آدم من احلسد والغل‪ ،‬وعند اإلرساء كذلك‪ ،‬شق‬
‫صدره ألنه سيكرم ويكون يف ماكن عظيم ال يصل إيله حسود‪ ،‬وهلذا من أسباب‬
‫نرش ادلعوة يف هذه األمة ىلع يد انلِب ‪ ‬سالمة قلبه‪ ،‬رجل يؤذيه‬
‫يعفو عنه‪ ،‬يطلب منه مال يعطيه‪ ،‬ثم يطلب السؤال مال ويعطيه‪ ،‬يأيت قومه من‬
‫مكة إىل املدينة يلقاتلوه‪ ،‬وإذا تمكن من رقابهم يصفح عنهم ويعفو‪ ،‬يموت عدد‬
‫من أوالده ستة‪ ،‬ومع ذلك ما قال‪ :‬تشاءمت بسبب دعو ي لكم‪ ،‬يصرب‪ ،‬بل يتفاءل‬
‫ونصح انلا‬ ‫ويقول‪« :‬يعجبِن الفأل» اللكمة الصاحلة‪ ،‬فال يصلح تلعليم انلا‬

‫(‪ )1‬سورة املائدة‪.31 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة األعراف‪.12 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة الشعراء‪.89 :‬‬
‫‪95‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫حاسد؛ ألنه ال يلتيق اخلري والرش‪ ،‬ومن أعظم الرش احلسد ‪ -‬والعياذ‬ ‫وإرشاد انلا‬
‫قال‪« :‬واسلل سخيمة قليب» يعين‪ :‬ما فيه من غل‬ ‫باهلل ‪ ،-‬ومن داعء انلِب‬
‫أخرجه اهلل يقول‪ :‬ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﮊ(‪ )1‬القلب‬
‫امليلء باحلقد واحلسد والكذب هذا ال يفلح ال يف ادلنيا وال يف اآلخرة‪.‬‬

‫«وَل تناجشوا»‬

‫انلدش‪ :‬الزيادة يف السلعة وهو ال يريد رشائها ‪ .‬مثل‪ :‬يذهب عند بائع‬
‫وعنده من يريد الرشاء‪ ،‬فيقول الرجل‪ :‬هذه السلعة بكم؟ بمئة‪ .‬فيقول‪ :‬أنا أزيدها‬
‫بمئة وعرشين‪ ،‬بس يريد أن يريد أن يرفع السعر ىلع ذلك املشرتي؛ لِك ال‬
‫يشرتيها‪ ،‬وهو ال يريد الرشاء انلاجش‪.‬‬

‫«وَل تباغضوا »‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يعين يلحب بعضكم بعضا‪ ،‬ومن أسباب ُمبة العباد بعضهم بعضا إفشاء‬
‫‪« :‬أَل أدلكم ىلع َشء إذا فعلتموه َتاببتم‪ ،‬أفشوا‬ ‫السالم‪ ،‬مثل ما قال انلِب‬
‫السالم بينكم»‪.‬‬

‫«وَل تدابروا»‬

‫يعين ال تتهاجروا فيدبر بعضكم عن بعض‪ ،‬فيضع بعضكم دبره ىلع‬


‫اآلخر يويل عنه‪ ،‬فال يضع وجهه يف وجهه‪ ،‬وإنما يعرض أحدهما عن اآلخر‪،‬‬
‫واهلدر إما أن يكون دلنيا أو لدلين‪ ،‬إذا اكن لدلنيا ال جيوز أن يتهاجر أكرث من‬
‫يف الصحيح‪َ« :‬ل ُيل ملسلم أن يهجر أخاه فوق ثالث»‬ ‫ثالثة أيام‪ ،‬لقول انلِب‬
‫وإذا اكن اهلدر ألمر ديين ومصلحة‪ ،‬فيدوز اهلدر ملصلحة دينية‪ ،‬ال هلوى يلتوب‬

‫(‪ )1‬سورة الشعراء‪.89-88 :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪96‬‬

‫فاعل تلك املعصية‪.‬‬

‫«وَل يبع بعضكم ىلع بيع بعض»‬

‫يعين‪ :‬شخص يريد أن يبيع هذه السلعة‪ ،‬قال‪ :‬بكم قال بمئة‪ ،‬فيقول اآلخر‪:‬‬
‫تعال أنا عندي نفس السلعة أعطيك إياها خبمسني ريال‪ ،‬هذا من باب ابليع ىلع‬
‫بعض‪ ،‬وكذا العكس الرشاء ىلع الرشاء‪ ،‬فمثال الشخص يريد أن يشرتي السلعة‬
‫بمئة‪ ،‬ويريد هذا أن يأخذ هذه السلعة بمئة‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا أشرتي منك السلعة بمئة‬
‫وعرشين حىت ما يأخذها هذا ‪.‬‬

‫«وكونوا عباد اهلل إخوانا»‬

‫يعين‪ :‬هذه يه انلتيدة تلكونوا عباد اهلل إخوانا‪« ،‬ال حتاسدوا وال تناجشوا‬
‫وال تباغضوا وال تدابروا وال يبع بعضكم ىلع بيع بعض»‪.‬‬

‫«املسلم أخو املسلم»‬

‫هذه قاعدة عظيمة‪ :‬املسلم أخو املسلم‪.‬‬

‫«َل يظلمه»‬
‫ً‬
‫ال يقع يف ظلمه‪ ،‬ال جيوز للمسلم أن يظلم مسلما‪.‬‬

‫«وَل خيذِل»‬
‫َ‬
‫وال خيذهل إن احتاج إىل نرصته وهو قادر ىلع ذلك‪ ،‬مثال‪ :‬احتاج إىل دي ْن‬
‫ْ‬
‫وهو يف كربة‪ ،‬أ ِعنه وال تتخاذل عن إاعنته ‪.‬‬

‫«وَل يكذبه»‬
‫ً‬
‫ال يكذب عليه‪ ،‬فيدب أن يكون املسلم صادقا مع املسلم وغري املسلم‪،‬‬
‫‪97‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫ويف احلديث الصحيح انلِب ‪ ‬يقول‪« :‬الصدق منجاة والكذب مهواة»‬
‫وال ينديك إال الصدق‪ ،‬واهلل يقول‪ :‬ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﮊ(‪. )1‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ‪ :‬وال يعرف أليب بكر أنه كذب كذبة قط يف حياته‪،‬‬
‫ال يف جاهلية وال يف إسالم‪ ،‬ال سفر وال حرض‪ ،‬ال حرب وال يف سلم‪ ،‬وال سفر وال‬
‫ُ‬
‫حل‪ ،‬ذللك قال‪ :‬لقب بالصديق بإمجاع األمة ‪ ‬؛ ذللك املرء إذا اعتاد‬
‫ىلع الصدق يكون هو طبعه‪ ،‬وإذا اعتاد ىلع الكذب يكون هو كذلك‪ ،‬وأصعب‬
‫عبادة ىلع املسلمني ايلوم يه الصدق‪ ،‬وإذا أردت أن ترى صعوبة ذلك فاخترب نفسك‬
‫ثالثة أيام‪ ،‬هل تكذب أم ال؟ وإذا لم تكذب خالل ثالثة أيام دون ما سمعته من‬
‫ً‬
‫كذبات من انلا جتدها كثرية‪ ،‬فيه من أكرث السيئات وقواع بني انلا ايلوم‪.‬‬

‫قال ابن القيم ‪ : ‬وأصل اإليمان الصدق‪.‬‬

‫وقال ابن حزم‪ :‬وما فرق األمم والشعوب إال الكذب‪.‬‬

‫«وَل ُيقره»‬

‫يعين ما يزدريه وال يتكرب عليه‪ ،‬بل يتواضع هل‪ ،‬وانلِب ‪ ‬اكن‬
‫ً‬
‫متواضعا حىت مع الصغار‪ ،‬يأيت البن عبا وهو غالم فيقول هل‪« :‬احفظ اهلل‬
‫حيفظك» ويأيت لعيل وهو شاب فيقول هل‪« :‬يا لع قل امهلل اهدين وسددين» ويأيت‬
‫ملعاذ وهو شاب فيقول‪« :‬يا معاذ! واهلل إين ألحبك ال تدعن دبر لك صالة أن تقول‬
‫امهلل أعين ىلع ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» وقال‪« :‬يا أبا عمري ما فعل انلغري»‬
‫من باب اتللطف معه‪ ،‬فهو متواضع للدميع ‪. ‬‬

‫(‪ )1‬سورة اتلوبة‪.119 :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪98‬‬

‫قال ابن القيم ‪ : ‬وأصل األخالق املذمومة الكرب ودناءة انلفس‪.‬‬

‫«اتلقوى ههنا» ويشري إىل صدره ثالث مرات‪.‬‬

‫يعين ماكن اتلقوى وصالح انلفس هو القلب‪ ،‬والقلب هو املغذي‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫للدوارح‪ ،‬فإذا رأيت رجال صاحل ًا اعبدا منفقا‪ ،‬فاعلم أن قلبه فيه إيمان ىلع قدر‬
‫ً‬
‫ذلك‪ ،‬وإذا رأيت رجال ذا معاص كثرية فاعلم أن يف قلبه ضعف‪.‬‬

‫«ِبسب امرئ من الرش أن ُيقر أخاه املسلم»‬


‫ً‬
‫يعين يكفيك من الرش واذلم احتقار املسلم‪ ،‬يعين‪ :‬كىف به إثما‪ ،‬واإلسالم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كبريا‪ ،‬الكبري جيله ويعظم شأنه‪ ،‬والصغري يرفع من‬ ‫صغريا وال‬ ‫ال حيتقر أحدا ال‬
‫همته‪ ،‬والشاب يقويه‪ ،‬وبهذا انترش ادلين بني مجيع الطبقات‪ ،‬ملا لم يكن فيه‬
‫احتقار للدميع‪ ،‬خيرج انلِب ‪ ‬ىلع صحابته ويقول هلم‪« :‬ماذا‬
‫تفعلون؟» فيقولون هل‪ :‬نذكر اهلل‪ ،‬فيقول‪« :‬آهلل ما أقعدكم ىلع ذلك إيه» خيرج‬
‫عليهم وجيالسهم ويسأهلم ما اذلي حدث هلم‪ ،‬ويزور مرضاهم‪ .‬زار سعد بن معاذ‬
‫عظيما بكى ‪ ، ‬وزار الغالم‬ ‫ً‬ ‫وهو سيد عظيم يف قومه ملا رآه‬
‫الصغري‪ ،‬بل الاكفر ايلهودي وهو جار هل ملا مرض‪ ،‬وقال هل أسلم ‪. ‬‬

‫«ُك املسلم ىلع املسلم حرام دمه وماِل وعرضه»‬


‫َّ‬
‫يعين املسلم أمامك معظم‪ ،‬احذر أن تؤذيه بيشء‪ ،‬ال سفك دم‪ ،‬وال الوقوع‬
‫يف عرضه‪ ،‬وال أخذ يشء من ماهل‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث السادس والثالثون‬

‫ُ ًَ أ ُ‬ ‫َ َ َ أ َ َّ َ َ أ ُ أ‬ ‫َ‬
‫ِب ‪ ‬قال‪« :‬من نفس عن مؤم ٍِن ك أربة مِن ك َر ِب‬ ‫َع ْن أيب ُه َريْ َر َة ‪َ ‬ع ْن َّ‬
‫انل ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ َ َّ ُ‬ ‫ُّ أ َ َ َّ َ َّ ُ َ أ ُ ُ أ َ ً أ ُ َ َ أ أ َ َ َ َ أ َ َّ َ َ َ ُ أ‬
‫ْس‪ ،‬يْس اَّلل‬ ‫اِلنيا نفس اَّلل عنه كربة مِن كر ِب يو ِم ال ِقيامةِ‪ ،‬ومن يْس ىلع مع ِ ٍ‬
‫َ َّ ُ‬ ‫ُّ أ َ أ‬ ‫رت ُم أسلما َس َ َ ُ ُ‬ ‫خ َرة ِ‪َ ،‬و َم أن َس َ َ‬ ‫ُّ أ َ أ‬ ‫َ َأ‬
‫خ َرة ِ ‪َ ،‬واَّلل ِيف‬
‫رته اهلل ِيف اِلنيا َواْل ِ‬ ‫ِ‬ ‫علي ِه ِيف اِلنيا َواْل ِ‬
‫أ ً َ َّ َ‬ ‫َ َ أ َ َ َ َ ً َأَ ُ‬ ‫َأ َ‬ ‫َأ أَأ َ َ َ أَأُ‬
‫خي ِه‪ ،‬ومن سلك ط ِريقا يلت ِمس فِي ِه عِلما سهل‬ ‫عو ِن العب ِد ما َكن العبد ِيف عو ِن أ ِ‬
‫َّ َ أ ُ َ َ َ‬ ‫أ ُُ‬ ‫َأ‬ ‫َّ ُ َ ُ َ ً َ أ َ َّ َ َ أ َ َ َ َ أ ٌ‬
‫وت اَّللِ يتلون ك ِتاب‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ت‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫يف‬‫اَّلل ِل ب ِ ِه ط ِريقا إىل اجلنةِ‪ ،‬وما اجتمع قو ِ‬
‫م‬
‫َ َ أ َ ُ أ َّ َ َ َ أ َ َ أ أ َّ َ ُ َ َ َ أ ُ أ َّ أ َ ُ‬ ‫َّ َ َ َ َ َ ُ َ ُ‬
‫الرْحة‪،‬‬ ‫ارسونه فِيما بينهم؛ إَل نزلت علي ِهم السكِينة‪ ،‬وغ ِشيتهم‬ ‫اَّللِ‪ ،‬ويتد‬
‫َ َ ُُ َأ ُأ أ ََ ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َ ُ أ َّ ُ َ أ أ َ ُ َ َ أ َ أ‬
‫ْسع ب ِ ِه نسبه»(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫وذكرهم اَّلل فِيمن عِنده‪ ،‬ومن أب ِ‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫ط‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان من أصول تفريج الكرب عن‬


‫اآلخرين قال‪« :‬من فرج عن مسلم كربة من كرب ادلنيا فرج اهلل عنه كربة من‬
‫َّ‬
‫كرب يوم القيامة» دل هذا احلديث ىلع كرثة كروب اآلخرة‪ ،‬وأن تلك الكروب‬
‫تنفرج وتتيرس بقدر تفرجيك لكروب انلا ؛ هلذا إن سمعت برجل عنده كربة أو‬
‫ُمنة فقف معه تلفرج عنك بإذن اهلل كربة من كرب يوم القيامة‪ ،‬وموىس‬
‫ملا خدم املرأتني الضعيفتني‪ ،‬ورفع احلدر عن ابلرئ وسىق هلما‪ ،‬وجلس حتت ظل‬
‫شدرة وقال‪ :‬ﮋ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮊ(‪ )2‬فداءه خري كثري‪ ،‬فزتوج‬

‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ُم ْس ِل ٌم رقم‪ ]2699[ :‬بهذا اللفظ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سورة القصص‪.24 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪100‬‬

‫َّ ُ‬
‫يف ذلك ابلدل‪ ،‬وأبو املرأتني أمنه من عدم وصول أحد إيله‪ ،‬ﮋ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ(‪ )1‬وملا أراد اخلروج من هذا ابلدل لكمه اهلل‪ ،‬فتتابعت عليه‬
‫اخلريات بسبب فعل واحد يسري يف نظر انلا ‪ ،‬وهو اتلفريج وإاعنة يشء عن‬
‫اآلخرين برفع حدر ليسيق غنمهما من هذا املاء‪ ،‬فقد يكون العمل يف نظرك‬
‫يسري لكنه عند املكروب كبري‪ ،‬بل قد تظلم ادلنيا يف وجهه وال يفتحها غريك بإذن‬
‫اهلل‪ ،‬ومن أعرض عن أصحاب الكرب اهلل أعرض عنه‪.‬‬

‫«ومن يْس ىلع معْس يْس اهلل عليه يف اِلنيا واْلخرة»‬

‫هنا اتليسري يف ادلنيا واآلخرة‪ ،‬تفريج الكروب يف اآلخرة يعين‪ :‬من فرج عن‬
‫مسلم كربة فرج اهلل عنه كرب اآلخرة؛ ألنها أهم وأعظم اتليسري ال من يرس ىلع‬
‫ً‬
‫مسلم أمرا يرس اهلل عليه يف ادلنيا واآلخرة يعين‪ :‬جزاء معدل هل يف تيسري األمور‪،‬‬
‫وانلِب ‪ ‬يقول‪« :‬يْسوا وَل تعْسوا وبرشوا وَل تنفروا» ويف صحيح‬
‫قال‪َ« :‬ل تويك فيويك اهلل عليك وَل َتيص‬ ‫ابلخاري من حديث أم سلمة‬
‫فيحيص اهلل عليك» وانلِب ‪ ‬ما خري بني أمرين إال اختار أيرسهما‬
‫ما لم يكن ً‬
‫إثما‪ ،‬فإنه يكون أبعد انلا عنه‪ ،‬يعين‪ :‬لكما يستطيع املسلم أن‬
‫ييرس ىلع اآلخرين فليفعل‪ ،‬وبهذا أىت ادلين‪ ،‬وبهذا أمر سيد املرسلني‬
‫ً‬
‫‪ ‬قال‪« :‬امهلل من ويل من أمر املسلمني شيئا فرفق بهم فارفق به‪،‬‬
‫ومن شق عليهم فاشقق عليه» فالرفق يف مجيع الشؤون‪ ،‬الزوج مع أبنائه‪ ،‬الزوج‬
‫مع زوجته‪ ،‬املعلم مع تالميذه وهكذا ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة القصص‪.25 :‬‬


‫‪101‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫«ومن سرت مسلما سرته اهلل يف اِلنيا واْلخرة»‬
‫ً‬
‫مسلما جزاء ذلك معدل يف ادلنيا قبل اآلخرة‪ ،‬ومن‬ ‫كذلك السرت‪ ،‬من سرت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مسلما سرت اهلل عليه يف ادلنيا واآلخرة‪ ،‬والبرش ليس اكمال وإنما هو خطاء يف‬ ‫سرت‬
‫اذلنوب واخلطايا‪ ،‬وقد يطلع اهلل ‪ ‬اذلنوب ىلع اخللق‪ ،‬فيأيت من يسرتها فيسرت‬
‫اهلل ‪ ‬عليه‪ ،‬وقد خيّف اهلل ‪ ‬اذلنب ىلع العباد فيسرتها اهلل ‪ ‬عليه‪،‬‬
‫واملداهر باذلنب قل أن يتوب؛ ذللك قال ‪ ‬يف صحيح ابلخاري‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شخصا يرشب ادلخان‬ ‫ومسلم‪ُ« :‬ك أميت معاىف إَل املجاهرين» فإذا رأيت مثال‬
‫خيتّف عن انلا ‪ ،‬هذا للتوبة أقرب‪ ،‬يغلب عليه من يفعل ذلك اتلوبة‪ ،‬نعم كما‬
‫ً‬
‫مسلما سرته اهلل يف ادلنيا واآلخرة»‪ ،‬وقد يكون‬ ‫قال ‪« : ‬من سرت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حاال منك‪ ،‬فمن رأى من غريه ً‬
‫نقصا أو خلال أو عيبًا فال‬ ‫من وقع يف اذلنب أفضل‬
‫به‪ ،‬وإنما يسرت عليه‪.‬‬ ‫يتحدث به‪ ،‬وال خياطب انلا‬

‫«واهلل يف عون العبد ما َكن العبد يف عون أخيه»‬

‫يعين أن اإلاعنة لك متتابعة ما دمت تعني غريك‪ ،‬ومن أاعنه اهلل ‪‬‬
‫تيرست أموره‪.‬‬

‫«ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل اهلل ِل به طريقا إىل اجلنة»‬

‫أسهل طريق إىل اجلنة وأيرسه وأرفعه درجات هو طلب العلم وحلق اذلكر‬
‫ً‬
‫وجمالس أهل العلم‪ ،‬ذللك قال ‪« : ‬ومن سلك طريقا يلتمس فيه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫علما سهل اهلل هل به طريقا إىل اجلنة» يعين‪ :‬يكون طريقك إىل اجلنة سهل وميرس‬
‫بإذن اهلل‪.‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪102‬‬

‫«وما اجتمع قوم يف بيت من بيوت اهلل يتلون كتاب اهلل ويتدارسونه بينهم»‬

‫سواء اكن كتاب اهلل‪ ،‬أو ما أىت ما يدل عليه من العلم من السنة‪ ،‬أو ما‬
‫ً‬
‫مقصورا ىلع القرآن فحسب‪.‬‬ ‫يرشح الكتاب والسنة‪ ،‬فليس ذلك‬

‫«إَل نزلت عليهم السكينة»‬

‫يعين الطمأنينة‪.‬‬

‫«وغشيتهم الرْحة»‬

‫يعين كذلك الرمحة تغشاهم‪ ،‬وحتيط بهم‪ ،‬وتناهلم‪.‬‬

‫«وحفتهم املالئكة»‬

‫اهلل أكرب نعم‪ ،‬ويف لفظ «إن هلل مالئكة سيارين يطلبون حلق اذلكر فإذا‬
‫رأوا حلقة من اذلكر نادى بعضهم بعضا هلموا إىل بغيتكم فيأيت بعضهم إىل‬
‫بعض يستمعون فيها حىت يصلون إىل العنان»‪.‬‬

‫«وذكرهم اهلل فيمن عنده»‬

‫يعين‪ :‬يمدحهم اهلل ‪ ‬عند املالئكة املقربني‪ ،‬ومن أسباب تمحيص اذلنوب‬
‫ومغفرة اذلنوب وُمبة اهلل للعبد مالزمة احللق‪ ،‬ومالزمة ادلرو ‪ ،‬ومالزمة العلم‪ ،‬ولو‬
‫لم يأتك من ذلك إال أن اهلل يرىض عنك‪ ،‬ويمدحك عند مالئكته سبحانه‪.‬‬

‫«ومن بطأ به عمله لم يْسع به نسبه»‬

‫يعين من لم ينفعه عمله فلن ينفعه نسبه‪ ،‬فأبو هلب ما نفعه علمه‪ ،‬فلم‬
‫ينفعه نسبه‪ ،‬اهلل يقول‪ :‬ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ(‪ )1‬ما يف نسب‪،‬‬

‫(‪ )1‬سورة املؤمنون‪.101 :‬‬


‫‪103‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلساب ىلع العمل ال ىلع النسب‪ ،‬اهلل يقول‪ :‬ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ‬


‫(‪)1‬‬

‫بينهم يف ادلنيا‪ ،‬أما يف اآلخرة‬ ‫العمل‪ ،‬وليس النسب‪ ،‬وإنما النسب يلتعارف انلا‬
‫فاملزيان العمل‪ ،‬وانلِب ‪ ‬يقول‪« :‬إن اهلل َل ينظر إىل صوركم وَل إىل‬
‫أشاكلكم ولكن ينظر إىل قلوبكم»‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة الزلزلة‪.8 :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪104‬‬

‫احلديث السابع والثالثون‬

‫َ ْ َ ِّ َ َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ار َك َوت َعاىل‪،‬‬ ‫اَّلل ‪ ‬ف َ‬
‫يما يَ ْر ِوي ِه عن رب ِه تب‬ ‫ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫عن رس ِ‬ ‫ع ْن اب ْ ِن ع َّبا‬
‫َ َ ََأ َأَأَ‬ ‫ُ َّ َ َّ َ َ َ َ َ أ َ‬ ‫َ َّ ِّ َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ َ أ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ني ذل ِك‪ ،‬فمن ه َّم ِِبَسن ٍة فلم يعملها‬ ‫ات‪ ،‬ثم ب‬
‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ي‬ ‫الس‬‫و‬ ‫ات‬
‫قال‪« :‬إن اَّلل كتب احلس ِ‬
‫ن‬
‫َ َ َ َ َّ ُ أ َ ُ َ َ َ ً َ َ ً َ أ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ أ َ ُ َ أ َ َ َ َ‬
‫ات‬‫كتبها اَّلل عِنده حسنة َكمِلة‪ ،‬وإِن هم بِها فع ِملها كتبها اَّلل عِنده عرش حس ٍ‬
‫ن‬
‫َ َ َ أ َ َّ َ ِّ َ َ َ أ َ أ َ أ َ َ َ َ َ َّ ُ‬ ‫َ َ أ َ‬ ‫أ‬ ‫َ َأ َ‬
‫اف كثِري ٍة‪ ،‬وإِن هم بِسيئ ٍة فلم يعملها كتبها اَّلل‬ ‫إىل سب ِع ِمائ ِة ِضع ٍف إىل أضع ٍ‬
‫أ َ ُ َ َ َ ً َ َ ً َ أ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َ ِّ َ ً َ َ ً‬
‫حدة»(‪.)1‬‬ ‫عِنده حسنة َكمِلة‪ ،‬وإِن هم بِها فع ِملها كتبها اَّلل سيئة وا ِ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ال زال اإلمام انلووي ‪ ‬يذكر األحاديث اليت اشرتط فيها أن تكون‬
‫ً‬
‫أساسا يدور عليها هذا ادلين‪ ،‬وساق ‪ ‬حديث ابن عبا هذا؛ بليان‬
‫تفصيل كتابة احلسنات والسيئات‪ ،‬وهذا احلديث قديس يعين‪ :‬تكلم اهلل به‬
‫‪ ‬كما يليق جبالهل وعظمته‪ ،‬وهو ‪ ‬رواه عن ربه‪.‬‬
‫«إن اهلل كتب احلسنات والسيئات» يعين‪ :‬ي‬
‫فصل احلسنات والسيئات من‬
‫حيث املضاعفة وعدمها‪.‬‬
‫َّ‬
‫ثم بني ذلك‪:‬‬

‫«فمن هم ِبسنة فلم يعملها كتبها اهلل عنده حسنة َكملة»‬

‫هذا من فضل اهلل أن من يهم حبسنة لكن ال يعملها؛ لنسيان أو عدز فإنه‬

‫َ َ ُ ُْ َ‬
‫اري رقم‪َ ،]6491[ :‬و ُم ْس ِل ٌم رقم‪ ،]131[ :‬يف "صحيحيهما" بهذه احلروف‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابلخ ِ‬
‫‪105‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫يؤجر ىلع ذلك‪ ،‬وتكتب هل حسنة اكملة‪ ،‬يعين‪ :‬غري مضاعفة‪.‬‬

‫«وإن هم بها فعملها كتبها اهلل عنده عرش حسنات إىل سبعمائة ضعف إىل‬
‫أضعاف كثرية»‬
‫فإذا َّ‬
‫هم باحلسنة ثم زاد بالعمل‪ ،‬ضوعف ذلك إىل عرشة أضعاف إىل‬
‫سبعمائة ضعف إىل أضعاف كثرية‪ ،‬هذا من جانب اجلانب اآلخر‪ ،‬احلسنات‬
‫تتضاعف إما بكمال اإلخالص‪ ،‬وإما بنوع العمل‪ ،‬اكنلفقة يف سبيل اهلل‪ ،‬مثال‪:‬‬
‫إيلها‪ ،‬كما يف صحيح مسلم‪ :‬ملا أىت رجل بناقة خمطومة ليستعان‬ ‫إذا احتاج انلا‬
‫بها ىلع الغزو قال هل انلِب ‪« : ‬لك ماكنها سبعمائة ناقة خمطومة يوم‬
‫ً‬
‫القيامة» وتتضاعف احلسنات أيضا من ناحية العامل‪ ،‬فلما أنزل اهلل ‪: ‬‬
‫ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ(‪ )1‬قال‪ :‬نزلت ملا أىت األعرايب‪ ،‬وملا جاء رجل‬
‫من املهاجرين أنزل اهلل‪ :‬ﮋﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ‬
‫(‪)2‬‬

‫هذا من ناحية املضاعفة‪ ،‬وهناك أعمال ال تقترص ىلع سبعمائة ضعف‪ ،‬بل أمرها‬
‫«إال الصوم‬ ‫مفتوح للكريم سبحانه وهو الوهاب‪ ،‬وهو الصوم‪ ،‬كما قال انلِب‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫فإنه يل وأنا أجزي به» وهناك أيضا عبادة مضاعفتها ال حد هلا‪ ،‬ويه الصرب‪ ،‬قال‬
‫إذن عمل احلسنة إما أن‬ ‫(‪)3‬‬
‫سبحانه‪ :‬ﮋ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﮊ‬
‫يضاعف إىل سبعمائة ضعف‪ ،‬ومنها ما يزيد عن سبعمائة سبعمائة ضعف‪ ،‬ومنه‬
‫ي‬
‫ما ال حد هل يف املضاعفة‪ ،‬واهلل ذو الفضل العظيم‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة األنعام‪.160 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة النساء‪.40 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة الزمر‪.10 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪106‬‬

‫«وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها اهلل عنده حسنة َكملة»‬


‫ً‬
‫وهذا برشط‪ ،‬إذا اكن خوفا من اهلل؛ ذللك يف صحيح ابلخاري قال‪« :‬فرتكها‬
‫من حرايئ» يعين‪ :‬من أجيل‪ ،‬فإذا هم بسيئة ثم خاف من اهلل وتركها‪ ،‬تكتب هل‬
‫حسنة‪ ،‬وإن هم بسيئة فعملها كتبت هل سيئة اكملة من غري مضاعفة‪ ،‬والعمل‬
‫بالسيئات إما أن ترتك هلل‪ ،‬فهذا يثاب عليها الشخص حبسنة‪ ،‬وإما أن يرتكها‬
‫ً‬
‫نسيانا‪ ،‬فهذا ال هل وال عليه‪ .‬والقسم اثلالث‪ :‬أن يتعاجز ويتاكسل عن فعلها مع‬
‫إيله إن فعلها‪ ،‬فهذا تكتب‬ ‫رغبته يف الفعل‪ ،‬لكن يمنعه مانع‪ ،‬مثل رؤية انلا‬
‫‪« :‬إذا اتلىق املؤمنان بسيفيهما فالقاتل واملقتول يف انلار»‬ ‫هل سيئة‪ ،‬لقول انلِب‬
‫قالوا‪ :‬هذا القاتل فما بال املقتول؟ يعين‪ :‬املقتول ما عمل لكنه اعزم ىلع قتل أخيه‪.‬‬

‫«وإن هم بها فعملها كتبها اهلل سيئة واحدة»‬

‫والسيئات ال تضاعف‪ ،‬وهذا من فضل اهلل لكن عذابها قد يضاعف‪،‬‬


‫وعذاب السيئة املضاعف إما أن يكون من أجل رشف ابلقعة‪ ،‬مثل عصيان اهلل‬
‫ً‬
‫رشاع كأرض احلرمني‪ ،‬كما هو عند الكعبة‪ ،‬أو عند‬ ‫‪ ‬يف األماكن املعظمة‬
‫املسدد انلبوي‪ ،‬أو يف املساجد‪ ،‬هذه العمل فيها يضاعف العذاب فيها‪ ،‬وإما أن‬
‫يكون مضاعفة العذاب‪ ،‬نقول مضاعفة العذاب ال السيئات‪ ،‬السيئات ال‬
‫تضاعف‪ ،‬وإنما العذاب‪ ،‬قد تكون حبال األشخاص‪ ،‬فحال الفاضل من‬
‫األشخاص يضاعف‪ ،‬كما قال اهلل ‪ : ‬ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ(‪ )1‬وكما قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱﯲ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯻﯼ‬

‫(‪ )1‬سورة األحزاب‪.30 :‬‬


‫‪107‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫فمضاعف عليه العذاب يف احلياة وبعد املوت‪ ،‬فذنب الفاضل‬ ‫(‪)1‬‬


‫ﯽ ﮊ‬
‫والرجل الصالح يضاعف هل العذاب دون غريه؛ ألنه أعلم باهلل‪ ،‬وأبرص به سبحانه‪،‬‬
‫ومن اكن أعرف باهلل حسناته تضاعف‪ ،‬والعقوبات تضاعف كذلك‪ ،‬فإذا قيل هل‬
‫السيئة تضاعف؟ ال تضاعف‪ ،‬وادليلل قوهل ‪ : ‬ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫وهذه آية مكية‪ ،‬ونزلت يف مكة‪،‬‬ ‫ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮊ‬
‫(‪)2‬‬

‫ً‬
‫فدل ىلع أن السيئات ال تضاعف مطلقا وسواء يف مكة أو خارج مكة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة اإلرساء‪.75-74 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة األنعام‪.160 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪108‬‬

‫احلديث الثامن والثالثون‬

‫َّ َّ َ َ َ َ َ َ أ َ َ‬
‫اَّلل ت َعاىل قال‪« :‬من َعدى ِِل‬ ‫اَّلل ‪ ‬إن‬
‫َّ‬
‫ول‬ ‫َع ْن أَيب ُه َريْ َرة ‪ ‬قَ َال‪َ :‬ق َال َر ُ‬
‫س‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ أ َ َ َّ َ َّ َّ أ َ َ أ ُ ُ َ َ أ‬ ‫َ ًّ َ أ َ أ ُ أ َ أ َ َ َ َ َّ َ َ َّ َ أ‬
‫و َِلا فقد آذنته بِاحلر ِب‪ ،‬وما تقرب إِل عب ِدي بَِش ٍء أحب إِل مِما افرتضته علي ِه‪،‬‬
‫َ أ َ ُ َّ‬ ‫َ َّ ُ َّ ُ َ َ َ أ َ أ ُ ُ ُ أ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ‬ ‫ََ ََ ُ َأ‬
‫حبه‪ ،‬فإِذا أحببته كنت سمعه اذلِي‬ ‫وَل يزال عب ِدي يتقرب إِل بِانلواف ِِل حىت أ ِ‬
‫َ‬ ‫َأ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫أ ُ‬ ‫َ َ َّ َ أ ُ َ‬
‫ْص ب ِ ِه‪َ ،‬ويدهُ ال ِيت يب ِطش بِها‪َ ،‬و ِرجله ال ِيت يم َِش بِها‪،‬‬ ‫ْصهُ َّاذلِي ُي أب ِ ُ‬
‫ي َ أس َم ُع ب ِه‪َ ،‬و َب َ َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ أ ََ‬ ‫َ‬ ‫أ َ َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ أ َ‬
‫َول ِِئ سأل ِِن ألع ِطينه‪َ ،‬ول ِِئ استعاذ ِين ألعِيذنه»(‪.)1‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث يف بيان اتلحذير من أذية الصاحلني‪ ،‬فأذية‬


‫الصاحلني متوعد عليها‪ ،‬قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ(‪ )2‬وقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫وإذا زاد صالح‬ ‫(‪)3‬‬
‫ﮓ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮊ‬
‫الرجل تزيد نرصة اهلل ‪ ‬هل‪ ،‬فإذا زادت مرتبته إىل مرتبة الوالية‪ ،‬من اعداه أذن‬
‫اهلل ‪ ‬حبربه وعموم املؤمنني‪ ،‬قال اهلل ‪ ‬عنهم‪ :‬ﮋ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ولكما زاد الصالح زادت املدافعة‪ ،‬وإن قل قلت املدافعة وهكذا‪ ،‬وإذا‬ ‫(‪)4‬‬
‫ﰂﮊ‬
‫وصل الصالح إىل درجة الوالية أذن اهلل ‪ ‬حبرب ذلك الرجل‪ ،‬قال‪« :‬من اعدى‬
‫َ َ ُ ُْ َ‬
‫اري رقم‪.]6502[ :‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابلخ ِ‬
‫(‪ )2‬سورة الربوج‪.10 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة األحزاب‪.58 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة احلج‪.38 :‬‬
‫‪109‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫أين ُمارب هل‪ ،‬ومن حاربه اهلل‬ ‫يل ً‬
‫ويلا فقد آذنته باحلرب» يعين‪ :‬أعلمته ويلعلم انلا‬
‫هلك‪ ،‬والويل مثل ما قال اهلل ‪ ‬عنه يف تعريفه ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﮊ من هم؟ ﮋ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ(‪ )1‬فلك‬
‫مؤمن متق فهو ويل هلل ‪. ‬‬

‫«وما تقرب إِل عبدي بَشء أحب إِل مما افرتضت عليه»‬

‫يعين أحب يشء يتقرب العبد به إىل اهلل‪ ،‬يه‪ :‬الفرائض من أداء الصالة‬
‫املكتوبة‪ ،‬ومن إحسان توحيده‪ ،‬واحلفاظ عليه من القدح فيه‪ ،‬أو الزوال‪ ،‬وكذا‬
‫صوم الشهر رمضان‪ ،‬وكذا الزاكة واحلج‪ ،‬وهلذا الفرض أفضل من انلافلة‪ ،‬فعندنا‬
‫عمالن اثنان ال يفرق العمل فيهما إال بانلية‪ ،‬وبانلية يزيد األجر فيها‪ ،‬فعندنا‬
‫ركعتا الفدر السنة ركعتان‪ ،‬وصالة الفدر ركعتان‪ ،‬ثواب صالة الفدر أعظم‬
‫وأفضل؛ ألنها فريضة‪ ،‬وإن اكنت الك العبادتني ركعتان‪ ،‬لكن بانلية أن هذه‬
‫فرض يزيد اثلواب فيها‪ ،‬ذللك ما تقرب إيل عبدي أحب إيل مما افرتضته عليه‪،‬‬
‫يعين‪ :‬اهلل ‪ ‬حيب أن يتقرب إيله العبد بالفرائض بأدائها اكملة‪ ،‬كما أراد‬
‫سبحانه‪.‬‬

‫«وما يزال عبدي ويتقرب إِل بانلوافل حىت أحبه»‬

‫يعين‪ :‬من أسباب ُمبة اهلل اإلكثار من انلوافل‪ ،‬فإذا تقرب إيله العبد‬
‫بانلوافل أحبه اهلل ‪ ، ‬ولكما زادت انلوافل زادت املحبة ‪.‬‬

‫«فإذا أحببته كنت سمعه اذلي يسمع به»‬

‫«وبرصه اذلي يبرص به ويده اليت يبطش بها ورجله اليت يميش عليها» يعين‪:‬‬

‫(‪ )1‬سورة يونس‪.63 :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪110‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫ال يسمع إال حقا‪ ،‬وال يرى إال حقا‪ ،‬وال يعمل بيديه إال حقا‪ ،‬وال يميش برجليه إال‬
‫إىل حق‪ ،‬يعين‪ :‬أنه ُمفوظ حبفظ اهلل‪.‬‬
‫ً‬
‫«كنت سمعه اذلي يسمع به» فال يسمع باطال‪.‬‬

‫«وبْصه اذلي يبْص به»‬


‫ً‬
‫ُمرما‪.‬‬ ‫فال يرى‬

‫«ويده اليت يبطش بها»‬


‫فال يقرتف بها ً‬
‫إثما ‪.‬‬

‫«ورجله اليت يمَش عليها»‬

‫فال يميش إىل بهتان وزور‪.‬‬

‫«ولِئ سألِن ألعطينه»‪.‬‬

‫يعين‪ :‬هذا وعد من اهلل ‪ ‬بأن من أدى الفرائض وتقرب إيله من‬
‫انلوافل بأنه يكون جماب ادلعوة‪« ،‬ولنئ سألين ألعطينه ولنئ استعاذين ألعيذنه»‬
‫إذا سألين أعطيه‪ ،‬وإن استعاذين من رش أعيذه‪.‬‬

‫«ولِئ استعاذين ألعيذنه» ‪.‬‬


‫والالم هنا ِّ‬
‫موطئة للقسم مع اتلأكيد يعين‪ :‬واهلل إن سألين ألعطينه‪ ،‬وهذا‬
‫وعد اهلل ‪ ‬يلفرح به املؤمن‪ ،‬ويلكمل إيمانه؛ يلنال تلك املرتبة العظيمة‬
‫العايلة‪ ،‬بوعد اهلل هل بإعطائه ما يسأل‪.‬‬
‫‪111‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث التاسع والثالثون‬

‫َ أ ُ َّ‬ ‫َّ َّ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َّ َ ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫اوز ِِل عن أم ِيت‬ ‫اَّلل ‪ ‬قال‪« :‬إن اَّلل َت‬
‫أن رسول ِ‬ ‫ع ْن اب ْ ِن ع َّبا‬
‫أ َ َ َ ِّ أ َ َ َ أ ُ أ ُ َ َ أ‬
‫اخلطأ َوالنسيان َوما استك ِرهوا علي ِه»(‪. )1‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق ‪ ‬هذا احلديث بليان أن اخلطأ والنسيان واإلكراه ال يؤثم عليه‬


‫الشخص ذللك قال إن اهلل جتاوز يل عن أميت اخلطأ وملا نزلت ربنا ال تؤاخذنا إن‬
‫نسينا أو أخطأنا قال ‪ ‬كما يف صحيح مسلم قال قد فعلت أي ال أؤاخذكم‬
‫بما نسيتم أو أخطأتم فهنا قال إن اهلل جتاوز يل عن أميت اخلطأ يعين ما فعلته خطأ‬
‫فيعين‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ال تؤثم عليه واهلل ‪ ‬يقول‪ :‬ﮋ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮊ‬
‫يؤاخذكم عليه اخلطأ والنسيان يعين‪ :‬إذا ذهل الشخص عن أداء عبادة‪ ،‬أو فعل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ُمرما نسيانا بأن هذا ُمرم ال يؤثم عليه‪ ،‬مثل‪ :‬لو أن شخصا أكل أو رشب ناسيا‬
‫يف نهار رمضان ال يؤثم عليه‪ ،‬وصيامه صحيح‪ ،‬كما قال ‪« : ‬فليتم‬
‫صومه فإنما أطعمه اهلل وسقاه» وما استكرهوا عليه كذلك‪ ،‬إذا أكره الشخص ىلع‬
‫فعل ال يؤثم عليه‪ ،‬فإن أكره ىلع الكفر وقلبه ميلء باإليمان ال يؤثم عليه‪ ،‬حىت‬
‫ً‬
‫كفرا‪ ،‬كما قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫ولو اكن اذلنب‬

‫يق "السنن" [‪.]7‬‬ ‫اج ْه رقم‪َ ،]2045[ :‬و ْ َ‬


‫ابليْ َه ِ ي‬ ‫َ ٌ‬
‫يث َح َس ٌن‪َ ،‬ر َو ُاه ْاب ُن َم َ‬‫(‪ )1‬ح ِد‬
‫(‪ )2‬سورة األحزاب‪.5 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪112‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ﮉﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮊ‬
‫وإذا أكره الشخص ىلع الطالق مثال ال يقع هذا يف حقوق املخلوقني‪ ،‬وإذا أكره‬
‫الشخص ىلع فطر نهار رمضان ال يؤثم الشخص‪ ،‬ويصح صومه‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهذا من‬
‫ً‬
‫كرم اهلل ىلع عباده‪ ،‬واإلنسان ما سيم إنسانا إال لنسيانه‪ ،‬فاحلديث الصحيح‪:‬‬
‫«نيس آدم فنسيت ذريته من بعده» قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﮊ(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬سورة انلحل‪.106 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة طه‪.115 :‬‬
‫‪113‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث األربعون‬

‫ُّ أ َ‬ ‫ُ أ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫اِلنيا‬ ‫ك ِِب‪َ ،‬وقال‪« :‬كن ِيف‬ ‫ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ب‬ ‫‪‬‬ ‫اَّلل‬
‫قال‪ :‬أخذ رسول ِ‬ ‫ع ْن ابْن ع َم َر‬
‫َُ ُ َ َْ َ ْ َ ََ َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َّ َ ٌ َ أ َ ُ َ‬
‫ت فال تنتَ ِظ ْر‬ ‫يقول‪ :‬إذا أمسي‬ ‫يل»‪َ .‬واكن ْاب ُن ع َم َر‬
‫كأنك غ ِريب َأو َعبِر ِ ٍ‬
‫ب‬ ‫س‬
‫َّ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ ُ ْ‬
‫اء‪َ ،‬وخذ ِم ْن ِص َّح ِتك ل ِ َم َر ِضك‪َ ،‬و ِم ْن َحيَاتِك‬ ‫الصباح‪ ،‬وإِذا أصبحت فال تنت ِظر المس‬
‫ل ِ َم ْوتِك»(‪.)1‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ً‬
‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان أن ادلنيا ليست موطنا ألحد‪،‬‬
‫فحال املؤمن اليت جيب أن يكون عليها يف ادلنيا أحد حالني‪ :‬إما أن يأيت إىل‬
‫ً‬
‫ماكن هو غريب فيه يريد أن يسافر‪ ،‬فلو أن شخصا سافر إىل بدل لعالج يسري‪ ،‬أيام‬
‫ً‬
‫يسرية‪ ،‬فلو بىن فيها دارا الستنكر انلا فعله ذلك‪ ،‬ألنهم يقولون أنت أيام قالئل‬
‫ثم تعود‪ ،‬هذه احلال‪« ،‬كن يف ادلنيا كأنك غريب»‪ ،‬غريب يف بدل تشرتي حاجة‬
‫أو تعالج ثم تعود‪ ،‬فمن استقر وهو يريد حاجة فقط ساعة واحدة‪ ،‬فإذا أىت إىل تلك‬
‫عنه إنه جمنون‪ ،‬ألنه ليس من‬ ‫ابلالد وسىع إىل رشاء أرض ثم بناء بيت لقال انلا‬
‫فعل الغريب أن يبين وهو يريد العودة؛ ألن هذا فيه خسارة عليه‪.‬‬

‫احلال اثلانية‪« :‬أو اعبر سبيل» يعين‪ :‬يف الطريق مثال تريد اذلهاب من املدينة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبناء‬ ‫إىل مكة‪ ،‬ويف منتصف الطريق ملا أتيت تريد أن تصيل‪ ،‬أخذت أحدارا‬
‫ً‬
‫وبدأت تبين بيتا لك ملاذا؟ تقول‪ :‬أريد أن أسكن فيه‪ ،‬سيقول انلا أنت يف‬

‫َ َ ُ ُْ َ‬
‫اري رقم‪.]6416[ :‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابلخ ِ‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪114‬‬

‫ابن يف مقر إقامتك؟ وهذه وصية انلِب ‪‬‬


‫الطريق اعبر‪ ،‬ملاذا تبين؟ ِ‬
‫يقول‪« :‬كن يف ادلنيا كأنك غريب» تريد أن تعود إىل بدلك‪« ،‬أو اعبر سبيل» ما‬
‫تريد املكث يف هذا الطريق تسري‪ ،‬أي‪ :‬ال تعلق أطماعك وال أملك يف ادلنيا‪،‬‬
‫ويلكن أملك يف اآلخرة ‪.‬‬

‫يقول‪ :‬إذا أمسيت فال تنتظر الصباح‬ ‫واكن ابن عمر‬

‫يعين‪ :‬عد نفسك من أهل اآلخرة‪ ،‬وإذا أصبحت فال تنتظر املساء يعين‪ :‬عد‬
‫نفسك يف املساء أنك من أهل اآلخرة‪ ،‬وسيأيت ايلوم اذلي أنت فيه يف الصباح من أهل‬
‫ادلنيا‪ ،‬ويف املساء من أهل اآلخرة‪ ،‬أو يف املساء من أهل ادلنيا‪ ،‬ويف الصباح من أهل‬
‫اآلخرة‪ ،‬فليستعد املسلم للنقلة‪ ،‬ويلعلم أن هذه ادلنيا معرب فقط‪ ،‬معرب ما بني احلياة‬
‫األوىل ثم امليتة‪ ،‬ثم اآلن احلياة اثلانية‪ ،‬ثم امليتة ثم احلياة معرب فقط‪ ،‬طريق حرس ثم‬
‫ينتيه‪.‬‬

‫وإذا أصبحت فال تنتظر املساء وخذ من صحتك ملرضك‬

‫للعمل الصالح يعين‪ :‬اعمل يف حال الصحة قبل أن تمرض؛ ألن الصحة من‬
‫انلعم اليت تزول ال تدوم ‪.‬‬

‫ومن حياتك ملوتك‬

‫كذلك احلياة نعمة‪ ،‬لكن ال تدوم‪ ،‬وكذا الشباب نعمة‪ ،‬لكن ال يدوم‪،‬‬
‫وكذا املال نعمة‪ ،‬وقد ال يدوم‪ ،‬فيه من انلعم اليت تزول‪.‬‬
‫‪115‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث احلادي واألربعني‬

‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ َّ ُ َ ْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َّ َ ْ َّ‬
‫اَّلل بْن َع ْمرو بْن الْ َ‬
‫اَّلل عن ُه َما‪ ،‬قال‪ :‬قال‬ ‫اص ر ِِض‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ ِ‬ ‫عن أ ِيب ُممد عب َ ِد ِ ِ‬
‫َ ُ أ ُ َ ُ ُ أ َ َّ َ ُ َ َ َ ُ َ َ ً َ أ ُ‬ ‫َ ُ ُ َّ‬
‫جئت ب ِ ِه»(‪.)1‬‬‫اَّلل ‪َ« ‬ل يؤمِن أحدكم حىت يكون هواه تبعا ل ِما ِ‬ ‫رسول ِ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق هذا احلديث؛ بليان وجوب تقديم ُماب اهلل ىلع ما تهوى‪ ،‬يعين‪ :‬إذا‬
‫ً‬
‫كنت تهوى مثال انلوم‪ ،‬وال تريد أن تصيل‪ ،‬فلم تقدم ما أراده اهلل ىلع ما تهواه‪،‬‬
‫ومن آثر الصالة ىلع انلوم‪ ،‬واستيقظ من نومه وصىل‪ ،‬فهنا قد قدم ما حيبه اهلل ىلع‬
‫ً‬
‫ما يهواه‪ ،‬فمن لم يقدم ما أوجبه اهلل ىلع نفسه ىلع هواه لم يكن مؤمنا؛ ذللك قال‪:‬‬
‫تسري هواك ىلع رشع‬ ‫«َل يؤمن أحدكم حىت يكون هواه تبعا ً ملا جئت به» يعين ِّ‬

‫اهلل‪ ،‬ال العكس ‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ ٌ َ َ ٌ َ ٌ َََْ ُ‬
‫اب "احل ُ َّد ِة" بِ ِإ ْسنَاد َص ِحيح‪.‬‬‫َ‬
‫(‪ )1‬ح ِديث حسن ص ِحيح‪ ،‬رويناه ِيف ِكت ِ‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪116‬‬

‫احلديث الثاني واألربعون‬

‫َ ُ ُ َ َ َّ ُ َ َ َ‬
‫اَّلل ت َعاىل‪« :‬يا‬ ‫اَّلل ‪ ‬يقول‪ :‬قال‬
‫َ َ َ ْ َ ُ َ َّ‬
‫ول‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬‫َع ْن أَنَس بْن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َ أ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ أ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ََ َأ‬ ‫أ َ َ َ َّ َ َ َ َ أ‬
‫تِن غف أرت لك ىلع ما َكن مِنك َوَل أب ِاِل‪ ،‬يا اب َن‬ ‫تِن ورجو ِ‬ ‫ابن آدم! إِنك ما دعو ِ‬
‫َ َ ُ َ َ أ َ َ َّ َ أ‬ ‫َ َ َ أ َ َ َ أ ُ ُ ُ َ َ َ َّ َ ُ َّ أ‬
‫اس َت أغ َف أ‬
‫تِن غف أرت لك‪ ،‬يا اب َن آدم! إنك لو‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماءِ ثم‬
‫ُ َ َ َ أ َ ً (‪)1‬‬
‫َ‬
‫َ أً َ َأُ‬ ‫َ ُأ ُ‬ ‫َ َ َ ُ َّ َ‬ ‫أَأ‬ ‫أتَيأتِن ب ُق َ‬
‫رشك ِِب شيئا ألتيتك بِقرابِها مغ ِفرة» ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َل‬ ‫يتِن‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ا‬ ‫اي‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫ض‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫األ‬ ‫اب‬‫ر‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هذا احلديث ساقه املصنف؛ بليان وجوب سؤال اهلل املغفرة‪ ،‬وهذا هو‬
‫احلديث األخري اذلي وضعه انلووي يف كتابه األربعون يف مباين األحاكم وقواعد‬
‫ادلين‪.‬‬

‫«دعوتين» تدعو اهلل وترجوه بأن يغفر لك‪ ،‬يعين‪ :‬املطلوب أمران‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬ادلاعء‪ ،‬يعين‪ :‬يا رب اغفر يل‪.‬‬

‫األمر اثلاين‪ :‬ايلقني يف القلب بأن اهلل سيغفر لك اذلنب‪ ،‬أما أن تدعو اهلل‬
‫وأنت شاك يف عدم اإلجابة‪ ،‬فهنا ال تكون أهال لإلجابة‪ ،‬وإنما اإلجابة أن يكون‬
‫ً‬
‫ايلقني مقرتنا بادلاعء‪ ،‬يعين‪ :‬مثال شخص يدعو ربه بأن يشفيه اهلل‪ ،‬وموقن بأن‬
‫اهلل سيشفيه؛ ألن اهلل هو الشايف القدير‪ ،‬ويدعو الشخص بأن اهلل يغفر ذنبه‪،‬‬
‫وموقن أن اهلل سيغفره؛ ألنه هو الغفور الغفار سبحانه‪« ،‬رجوتين» رجوت إجابة‬
‫ادلاعء‪.‬‬

‫ََ َ َ ٌ‬
‫يث َح َس ٌن َصح ٌ‬ ‫(‪َ )1‬ر َو ُاه ِّ ْ‬
‫يح‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الرت ِم ِذي رقم‪ ،]3540[ :‬وقال‪ :‬ح ِد‬
‫‪117‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫«يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتِن غفرت لك»‬

‫«عنان السماء»‪ :‬يعين األىلع من السماء سواء السحاب أو ما فوق السحاب‪،‬‬


‫يعين‪ :‬حىت لو بلغت اذلنوب من الكرثة ما بلغت ودعوتين أغفر لك‪ ،‬فاهلل ‪‬‬
‫ً‬
‫ال يتعاظمه يشء‪ ،‬غفر لسحرة بين إرسائيل وهم آذوا نبيا وحتدوه‪ ،‬وكفروا باهلل‬
‫بسحرهم‪ ،‬وأقسموا بغري اهلل‪ ،‬ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ(‪ )1‬وملا آمنوا‬
‫كتبهم اهلل من عباده املؤمنني‪ ،‬وغفر هلم‪ ،‬وأثىن اهلل ‪ ‬ىلع أيب سفيان من محلة‬
‫الصحابة يف قوهل سبحانه‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫يف بدر وأحد واألحزاب‪،‬‬ ‫وهو ممن أىت يقاتل انلِب‬ ‫(‪)2‬‬
‫ﭗﭘﮊ‬
‫ُ‬
‫قاتل ضد املسلمني يف أحد‪ ،‬وقتل من قتل من أفاضل‬ ‫وخادل بن الويلد‬
‫الصحابة وملا أسلم َّ‬
‫حب اهلل عنه ذنوبه‪.‬‬
‫ً‬
‫«يا ابن آدم إنك لو أتيتِن بقراب األرض خطايا ثم لقيتِن َل ترشك ِب شيئا‬
‫ألتيتك بقرابها مغفرة»‬

‫«قراب األرض» ملء األرض من اذلنوب أو ما يقارب ملئها‪ ،‬ألتيتك بقرابها‬


‫مغفرة‪ ،‬ومغفرة اهلل ‪ ‬أوسع من ذنبك سبحانه ‪.‬‬

‫وهنا انتهت أحاديث اإلمام أيب زكريا انلووي ‪ ، ‬ثم اآلن يبدأ بإضافة‬
‫ً‬
‫احلافظ ابن رجب ملا أضافه واستدركه ىلع االثنني وأربعني حديثا من أحاديث انلووي‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة الشعراء‪.44 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة اتلوبة‪.100 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪118‬‬

‫زاد ابن رجب ‪:‬‬

‫احلديث الثالث واألربعون‬

‫َ َ َ أ ُ أَ َ َأ َ‬ ‫َ َ َ َ َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هلل ‪ ‬قال‪« :‬أحل ِقوا الف َرائ ِض بِأهلِها‪،‬‬
‫‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ا ِ‬ ‫ع ْن اب ْ ِن ع َّبا‬
‫َ َ (‪)1‬‬ ‫َ َ َأَ َ أَ َ ُ َ َأ َ َ ُ‬
‫فما أبقت الفرائ ِض ف َِلوىل رج ٍل ذك ٍر» ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان أصول قسمة الرتاكت‪ ،‬فعندنا أصحاب‬


‫فروض‪ ،‬وعندنا أصحاب عصبة‪ ،‬فهنا قال‪« :‬أحلقوا الفرائض بأهلها» يعين‪ :‬أحلقوا‬
‫واثلمن‬ ‫الفرائض بأصحاب الفرائض من انلصف والربع واثللث والسد‬
‫واثللثني‪ ،‬هذه الفرائض أحلقوها بأهلها من الورثة العرشة من الرجال‪ ،‬ومن‬
‫الوارثات السبع من النساء‪ ،‬فإذا بيق يشء من املال من أصحاب الفروض فيه‬
‫ألقرب اعصب من ابلنوة أبوة أخوة عمومة والء؛ ذللك قال‪« :‬أحلقوا الفرائض‬
‫بأهلها» أعطيتم أصحاب الفروض فرضهم‪ ،‬فإذا بيق يشء فما أبقت الرجل فألوىل‬
‫يعين‪ :‬فألقرب رجل ذكر؛ ألن مجيع العصبة لكهم ذكور سوى الوالء؛ ذلا قال الرحِب‬
‫وليس يف النساء َّ‬
‫طرا عصبة إال اليت منت بعتق رقبة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري رقم‪ ،]6732[ :‬ومسلم رقم‪.]1615[ :‬‬


‫‪119‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث الرابع واألربعون‬

‫َّ َ َ ُ ُ ُ َ ُ ُ أ َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َع ْن َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬


‫الرضاعة َتَ ِّرم ما َتَ ِّرم ال ِوَلدة»(‪.)1‬‬ ‫انل ِّ‬
‫ِب ‪ ‬قال‪« :‬‬ ‫ِ‬ ‫ع ْن َاعئِشة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان أن أحاكم الرضاعة هلا أحاكم النسب‬


‫ً‬
‫برشوطه‪ ،‬فيشرتط يف الرضاع أن يكون مخس رضعات فصاعدا‪ ،‬وأن تكون ما‬
‫دون احلولني‪ ،‬فإن توفر الرشطان فإن من رضع يكون كأنه منتسب لصاحب‬
‫ً‬
‫اللنب‪ ،‬يعين‪ :‬كأنه خرج من بطن زوجته تماما؛ ذللك حيرم من الرضاعة ما حيرم‬
‫ً‬
‫من الوالدة‪ ،‬ويف لفظ‪« :‬من النسب» يعين‪ :‬لو أن طفال رضع من زوجتك‪ ،‬هذا‬
‫ً‬
‫الطفل كأنه ودل لك‪ ،‬خرج من بطن زوجتك فيكون ُمرما بلناتك يف السفر وغريه‪،‬‬
‫وال يزوج‪ ،‬وهل مجيع أحاكم النسب سوى اإلرث‪ ،‬ما يرث ألن من رشوط اإلرث‬
‫النسب والرضاعة خيرج من النسب‪ ،‬وأما إخوة املرتضع ووادلا املرتضع فليس هلم‬
‫أحاكم املرتضع‪ ،‬فروعه هل أحاكم نفسه‪ ،‬يعين‪ :‬أوالد الطفل الصغري إذا كرب يقولون‬
‫هذه أم أيب من الرضاعة‪ ،‬فتكشف ألوالده وأوالد صاحب اللنب‪ ،‬ال حيلون إلخوة‬
‫املرتضع‪ ،‬فاللنب تنترش ُمرميته يف الطفل ويف فروعه ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري رقم‪ ،]2646[ :‬ومسلم رقم‪.]1444[ :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪120‬‬

‫احلديث اخلامس واألربعون‬

‫َ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ‬ ‫َ َّ ُ َ َ َ ُ َ َّ‬ ‫ْ َ ْ َّ‬ ‫َ ْ َ‬
‫اَّلل ‪ ‬اعم الفت ِح وهو بِمكة‬ ‫أنه س ِمع رسول ِ‬ ‫اَّلل‬
‫عن ج ِاب ِر ب ِن عب ِد ِ‬
‫َ أَأ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ ُ َ ُ َ َّ َ َ أ َ أ َ أ َ أ َ أ َ َ أ أ‬ ‫َُ ُ‬
‫ام‪ ،‬ف ِقيل‪ :‬يا َرسول‬‫ير واألصن ِ‬ ‫يقول‪« :‬إِن اَّلل ورسوِل حرم بيع اخلم ِر والميت ِة واخل ِ ِ‬
‫ِْن‬
‫َّ َ َ َ أ َ ُ ُ َ أ َ أ َ َ َّ َ ُ أ َ َ ُّ ُ ُ َ ُ أ َ ُ َ أ ُ ُ ُ َ َ أ َ أ ُ َ‬
‫اَّللِ أرأيت شحوم الميت ِة فإِنها يطىل بِها السفن‪ ،‬ويدهن بِها اجللود‪ ،‬ويستصبِح بِها‬
‫أ َ َ َ َ َ َ َّ ُ أ ُ َ َّ‬ ‫ُ َ َ َ َ ُ َ ٌ ُ َ َ ُ ُ َّ‬
‫انلَّاس؟ فقال‪َ :‬ل‪ ،‬ه َو ح َرام‪ ،‬ث َّم قال َرسول اَّللِ ‪ ‬عِند ذل ِك‪ :‬قاتل اَّلل اَلَهود‪ ،‬إِن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ ُ َ َ أ َ ُ ُ ُ َّ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ (‪)1‬‬ ‫َّ َ َ َ َ َ أ‬
‫اَّلل ح َّرم علي ِهم الشحوم‪ ،‬فأمجلوه‪ ،‬ثم باعوه‪ ،‬فأكلوا ثمنه» ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان أن اخلمر وإن تعددت أسماؤه‬


‫وأنواعه فهو ُمرم ىلع أي صفة اكن‪ ،‬انلِب ‪ ‬ذكر هذا احلديث يف‬
‫‪.‬‬ ‫فتح مكة‪ ،‬يعين‪ :‬يف أواخر رساتله‬

‫بيع اخلمر‪ :‬ىلع اختالف أنواعه وأسمائه ‪ .‬وامليتة‪ :‬امليتة ُمرمة سواء اكنت‬
‫مأكولة اللحم أم ال‪ ،‬ولم يستنث من امليتة إال جدلها؛ لقول انلِب ‪‬‬
‫«أيما إهاب دبغ فقد طهر» فلحمها حرام‪ ،‬شحمها ال يستصنع به‪ ،‬وال يطىل به‬
‫السفن‪ ،‬وال ينتفع به‪ ،‬واخلزنير واألصنام اخلزنير‪ ،‬كذلك ُمرم بيعه ورشاؤه وأكله‪،‬‬
‫كذلك األصنام ال جيوز رشاؤها وال بيعها‪ ،‬وال وضعها يف املنازل للزينة وال لغريها‪،‬‬
‫ألن اهلل أمر بكرسها‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري رقم‪ ،]2236[ :‬ومسلم رقم‪.]1581[ :‬‬


‫‪121‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫فقيل‪ :‬يا رسول اهلل! أرأيت شحوم امليتة‬

‫يعين إذا أذبناها أذيبت‪.‬‬

‫فإنه يطىل بها السفن ويدهن بها اجللود ويستصبح بها انلاس‬

‫يعين‪ :‬يتخذونها‬ ‫يدهن بها اجللود‪ ،‬يعين‪ :‬بعد ادلباغة‪ ،‬ويستصبح بها انلا‬
‫ً‬
‫وقودا إلضاءة مصابيحهم‪ ،‬هذا يف السابق لكن لك ذلك ُمرم‪.‬‬

‫قال‪َ« :‬ل هو حرام»‬


‫ُ‬
‫وإن غ ِّري إىل غري حقيقته فهو حرام ‪.‬‬

‫عند ذلك‪« :‬قاتل اهلل اَلهود ‪»..‬‬ ‫ثم قال رسول اهلل‬

‫يعين‪ :‬لعن اهلل ايلهود‪ ،‬وهكذا لك آية يف كتاب اهلل قتل يعين‪ :‬لعن‪ ،‬ﮋ ﯶ‬
‫ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﮊ(‪ )1‬يعين لعنهم اهلل كيف ينرصفون عن احلق إىل ابلاطل‪.‬‬

‫«إن اهلل حرم عليهم الشحوم فأمجلوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه»‬

‫«فأمجلوه» يعين‪ :‬أذابوه‪ ،‬يعين‪ :‬نىه حتريم الشحم عليهم‪ ،‬فأذابوه وباعوه‬
‫«فأكلوا ثمنه» يعين‪ :‬املصنف ساق هذا احلديث بليان حتريم احليل يف ادلين‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة املنافقون‪.4 :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪122‬‬

‫احلديث السادس واألربعون‬

‫َََُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َْْ‬ ‫َ ْ َ ََُْ َ ْ َ‬


‫عن أ ِيب بردة عن أ ِبي ِه عن أ ِيب موىس األشع ِري ‪ ‬أن انل ِِب ‪ ‬بعثه ِإىل‬
‫َ َ ْ ُْ ْ ُْ َ َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ َ ََُ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ َ‬
‫ابلتع وال ِمزر‪ ،‬ف ِقيل ِأل ِيب‬ ‫رشبة تصنع ِبها‪ ،‬فقال‪ :‬وما ِيه؟ قال‪ِ :‬‬ ‫ايلم ِن‪ ،‬فسأهل عن أ ِ‬
‫َ ٌ‬ ‫َ َ َ ُ ُّ ُ أ‬ ‫ُ ْ َ َ َ ْ ْ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ ْ ُ َ ُ َّ‬
‫ري‪ ،‬فقال‪ُ« :‬ك مسك ٍِر ح َرام»(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ع‬ ‫الش‬ ‫ابلتع؟ قال‪ :‬ن ِبيذ العس ِل‪ ،‬وال ِمزر ن ِبيذ‬
‫بردة‪ :‬ما ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هذا احلديث بليان حتريم اخلمر وإن تغري اسمه بأي صفة اكن‪ ،‬واألول يف‬
‫بيان حتريم اتلحايل ىلع ادلين‪ ،‬أرشبة اخلمر منه ما يتخذونه من العسل‪ ،‬ومنه ما‬
‫يتخذونه من الشعري‪ ،‬ومنه ما يتخذ من اتلمر‪.‬‬

‫فقال‪« :‬وما ِه؟» قال‪ :‬اتلبع واملزر‬

‫تفسري ابلتع واملزر‪.‬‬

‫فقيل ألِب بردة‪ :‬وما اتلبع؟ قال‪ :‬نبيذ العسل‬

‫نعم‪ ،‬ابلتع من العسل‪ ،‬واملزر من الشعري‪ ،‬ومنه ما يؤخذ من اتلمر‪ ،‬لك ما فيه‬
‫حالوة‪ ،‬يتخذ منه يف الغالب اخلمر ‪.‬‬

‫واملزر نبيذ الشعري فقال‪ُ« :‬ك مسكر حرام» [خرجه ابلخاري] ‪.‬‬

‫هذه قاعدة اعمة‪ :‬لك مسكر حرام‪ ،‬من أي نوع من أنواع انلباتات الشعري‬
‫أو القمح أو الرب أو اتلمر أو العسل‪ ،‬وهكذا عندنا مما يؤثر ىلع العقل منه ما يغطيه‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري رقم‪.]4343[ :‬‬


‫‪123‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫وهو املسكر‪ ،‬وهذا يوجب احلد‪ ،‬ومنه ما ال يغطيه وإنما ينشأ عنه يشء من الفتور‬
‫وطرد انلوم وشدة ايلقظة‪ ،‬هذه ال يقام عليها حد اخلمر‪ ،‬لكن يعزر من رشبها أو‬
‫ً‬
‫أكلها‪ ،‬وهو من أصناف املخدرات‪ ،‬فاحلشيش مثال ال خيدر اكملسكر وإنما ينبه‪،‬‬
‫فيوجب اتلعزير‪ ،‬وال جيوز رشبه‪ ،‬وبعض أهل العلم يرى إقامة حد املسكر ىلع من‬
‫رشب احلشيش‪ ،‬وإن لم تسكر العقل كشيخ اإلسالم ‪. ‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪124‬‬

‫احلديث السابع واألربعون‬

‫َُ ُ َ َََ َ‬ ‫َ ْ ْ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َّ‬


‫اَّلل ‪ ‬يقول‪« :‬ما مَل آد ِِم‬
‫عن ال ِمقدامِ ب ِن مع ِديك ِرب قال س ِمعت رسول ِ‬
‫أ َ َ ُ ُ َ ٌ ُ أ ُ أَُ َ أ َ َ َ ََ ََ َُُ ٌ‬ ‫َ أ‬ ‫َ ً َ ًّ أ َ أ‬
‫ب اب ِن آدم أكالت ي ِقم َن صلبه‪ ،‬فإِن َكن َل حمالة‪ ،‬فثلث‬ ‫ِوَعء رشا مِن بط ٍن‪ِِ ،‬بس ِ‬
‫ُُ ٌ َ‬ ‫ثل َ َ‬ ‫َُُ ٌ‬ ‫َ َ‬
‫ِرشاب ِ ِه‪َ ،‬وثلث ِنلَف ِس ِه»(‪.)1‬‬ ‫ل ِطعا ِم ِه‪ ،‬وثل‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث‪ ،‬بليان اتلقليل من الطعام والرشاب‪،‬‬


‫ً ً‬
‫واعء رشا من بطنه» واعء ابلطن‬ ‫وعدم الزيادة بما يرض‪ ،‬ذللك قال‪« :‬ما مأل آديم‬
‫ويفرسه قوهل ‪« : ‬املعدة بيت ادلاء» هذا الواعء األمراض واألسقام‬
‫هو مصدرها‪ ،‬ملا يزنل فيه من الطعام من كرثته أو نوعه‪.‬‬

‫«ِبسب ابن آدم أكالت يقمن صلبه»‬

‫«حبسب ابن آدم» يعين‪ :‬يكفيه يعين‪ :‬ال يكرث من األكل لقيمات يقمن‬
‫صلبه‪ ،‬وتزيل جوعه‪ ،‬وذللك قال سبحانه‪ :‬ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ(‪.)2‬‬

‫قال ابن كثري ‪ : ‬هذه اآلية نصف الطب‪ ،‬لك وارشب هذا الربع من‬
‫انلصف األول‪ ،‬وانلصف اثلاين وال ترسفوا‪ ،‬يعين‪ :‬لك من غري إكثار‪ ،‬وارشب من‬
‫غري إكثار‪ ،‬ذللك فرسها هنا ثلث لطعامك‪ ،‬وثلث لرشابك‪ ،‬وثلث نلفسك؛ ذللك‬

‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِّ ْ‬ ‫ْ ُ َ َ ْ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫َ ُ َ َُْ‬


‫اديث‬ ‫(‪ )1‬ر َواه أمحد رقم‪ ،]132/4[ :‬والرت ِم ِذي رقم‪ ،]2380[ :‬وابان ماجاه رقام‪َ ،]3349[ :‬وقاال الرت ِم ِ‬
‫اذي‪ :‬ح ِ‬
‫َح َس ٌن‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة األعراف‪.31 :‬‬
‫‪125‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫اهلل ‪ ‬أمر باألكل‪ ،‬ونىه عن اإلكثار فقال‪ :‬ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬


‫فاملطلوب‬ ‫(‪)2‬‬
‫وقال‪ :‬ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ‬ ‫(‪)1‬‬
‫ﮂﮃﮄ ﮊ‬
‫األكل مما رزقك اهلل‪ ،‬وهذا من تعظيم اهلل؛ ألن اهلل أباحها لك‪ ،‬األمر اثلاين ال‬
‫تكرث ئلال ترض جسدك‪ ،‬األمر اثلالث تشكر اهلل ‪ ‬ىلع تلك انلعمة‪ ،‬ذللك‬
‫يف صحيح مسلم قال ‪« : ‬إن اهلل حيب العبد يأكل األكلة فيحمده‬
‫عليه ويرشب الرشبة فيحمده عليها» ولو لم يأتك من األكل والرشب سوى أنه من‬
‫أسباب ُمبة اهلل لك‪ ،‬إن شكرته عليها لكىف به نعمة‪ ،‬يعين‪ :‬إذا أكلت قل احلمد‬
‫هلل‪ ،‬إذا رشبت فقل احلمد هلل ‪.‬‬

‫«فإن َكن َل حمالة فثلث لطعامه وثلث لرشابه وثلث نلفسه»‬


‫ً‬
‫يعين ال تأكل إال قليال‪ ،‬وإن أبيت إال تكرث األكل ال تزد عن ثلث ما يف‬
‫هذا اإلناء لألكل‪ ،‬وثلث للرشب‪ ،‬وثلث للنفس ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة ابلقرة‪.172 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة سبأ‪.15 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪126‬‬

‫احلديث الثامن واألربعون‬

‫َ َ‬ ‫َ َ َ أ َ ٌ َ أ ُ َّ‬ ‫انل َّ‬


‫َ‬
‫أ َّن َّ‬ ‫َ ْ َ ْ َّ ْ َ ْ‬
‫ِب ‪ ‬قال‪« :‬أربع من كن فِي ِه َكن‬ ‫ِ‬ ‫و‬‫ر‬ ‫م‬ ‫اَّلل ب ِن ع‬
‫عن عب ِد ِ‬
‫َ َّ َ َ َ َ َ أ‬ ‫َ أ َ ٌ أ ِّ َ‬ ‫َ َ أ‬ ‫ُ َ ً َ أ َ َ أ َ أ َ ٌ أ ُ َّ‬
‫اق حىت يدعها‪ :‬من‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫انل‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫ة‬ ‫ل‬‫ص‬ ‫خ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َك‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫مناف ِقا‪ ،‬وإِن َكنت خصلة مِنه‬
‫َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ (‪)1‬‬ ‫َ َ َ َ َ أ ََ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ َ‬
‫إِذا حدث كذب‪ ،‬وإِذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا خاصم فجر‪ ،‬وإِذا َعهد غدر» ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬للتحذير من خصال قبيحة يه من خصال املنافقني‪،‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫خالصا» والعياذ باهلل‪ ،‬ومن‬ ‫«أربع من كن فيه اكن منافقا» ويف لفظ‪« :‬اكن منافقا‬
‫اكنت فيه خصلة منهن اكن فيه خصلة من انلفاق حىت يدعها‪ ،‬وذهب بعض أهل‬
‫العلم أو أكرث أهل العلم بل بعضهم ساق اإلمجاع ىلع أن املراد بذلك‪ :‬أن من‬
‫اجتمعت فيه اخلصال األربع فقد مجع انلفاق العميل‪ ،‬يعين‪ :‬ليس الكفر األكرب‪.‬‬
‫وذهب ابن القيم ‪ ‬إىل أن من اجتمعت فيه هذه اخلصال األربع فإنه قد وقع‬
‫‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬يف انلفاق االعتقادي‪ ،‬وهو اخلروج من ادلين إن اجتمعت فيه‬
‫هذه األربع‪ ،‬وأصبحت من سديته وخالهل‪ ،‬واستدل بلفظة «ومن اكنت فيه خصلة‬
‫منهن اكنت فيه خصلة من نفاق حىت يدعها»‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫«أربع من كن فيه اكن منافقا»‪ :‬منافقا ىلع قول اجلمهور‪ ،‬اكن منافقا انلفاق‬
‫العميل‪ ،‬وانلفاق العميل ذنبه أعظم من الكبائر‪ ،‬ويف صحيح مسلم قال‪« :‬وإن صام»‬
‫يعين‪ :‬وهو منافق وإن صام وصىل وزعم أنه مسلم‪ ،‬إذا اجتمعت فيه تلك اخلصال‬

‫(‪ )1‬رواه ابلخاري رقم‪ ،]34[ :‬ومسلم رقم‪.]58[ :‬‬


‫‪127‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫فهو منافق‪.‬‬

‫«وإن َكنت خصلة منهن فيه َكنت فيه خصلة من انلفاق حىت يدعها»‬

‫واملقصود هنا احلكم بالوصف أو بالعمل ال باألعيان‪ ،‬يعين‪ :‬فمن رأيته‬


‫يكذب‪ ،‬ما تقول هل أنت منافق‪ ،‬قول هذه خصلة من انلفاق‪ ،‬ومن رأيته يفدر يف‬
‫اخلصومة‪ ،‬تقول هذه خصلة من نفاق فيك‪ ،‬هذه اليت فعلتها خصلة من نفاق وما‬
‫تقول هل أنت منافق‪.‬‬

‫«من إذا حدث كذب»‬

‫يعين الكذب من خصال املنافقني ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ ،-‬فعندهم الكذب األكرب‪:‬‬


‫ً‬
‫وهو إخفاء ما يف القلب يعين‪ :‬إخفاء الكفر‪ ،‬وعندهم الكذب باللسان أيضا‬
‫ً‬
‫بعدم الصدق يف احلديث‪ ،‬وانلِب ‪ ‬ملا سئل املؤمن يكون جبانا‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال املؤمن يكون كذابا؟ قال‪ :‬ال ‪.‬‬

‫«وإذا وعد أخلف»‬

‫يعين عدم اإليفاء بالوعد‪ ،‬ومن صفات أهل اجلنة إيفاؤهم بالوعد‪ :‬ﮋ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ(‪.)1‬‬

‫«وإذا خاصم فجر»‬

‫يعين إذا حصلت خصومة يزيد يف الالكم ويفدر‪ ،‬ويرفع الصوت‪ ،‬وخيرج ما‬
‫َُ‬
‫ال خي َّرج‪ ،‬هذه من صفات املنافقني ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬ومن صفات املؤمنني إذا‬
‫اعتدى عليه أحد أو خاصمه أحد حيلم عليه ما يفدر ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة املؤمنون‪.8 :‬‬


‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪128‬‬

‫«وإذا َعهد غدر »‬

‫يعين إذا أدى العهد ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬يغدر فيه‪ ،‬وانلِب ‪‬‬
‫يقول‪« :‬تنصب للك اغدر يوم القيامة عند استه لواء‪ ،‬يقال‪ :‬هذه غدرة فالن بن‬
‫فالن»‪ ،‬واحلديث يف صحيح ابلخاري‪.‬‬
‫‪129‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث التاسع واألربعون‬

‫َ َ َ أ َ َّ ُ أ َ َّ ُ َ َ َ َّ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫اب ‪ ‬عن انلِب ‪ ‬قال‪« :‬لو أنك ْأم ت َوَّكون ىلع اَّللِ حق‬ ‫ِ‬ ‫ط‬‫اخل َ َّ‬ ‫ع ْن ع َم َر ب ْ ِن‬
‫َ َ ُّ َ َ َ َ ُ أ َ َ َ أ َ ُ َّ أ َ َ أ ُ َ ً َ ُ َ ً‬
‫ري تغدو َِخاصا َوت ُروح بِطانا»(‪.)1‬‬ ‫توَّك ِ ِه لرزقكم كما يرزق الط‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان وجوب اتلولك ىلع اهلل ‪ ‬يف‬
‫َّ‬
‫مجيع األعمال‪ ،‬وهذا احلديث بني أن من ثمرات اتلولك‪ ،‬الرزق من غري حساب‪،‬‬
‫ومن حيث ال حيتسب؛ ذللك قال‪« :‬لو أنكم تولكون ىلع اهلل حق اتلولك لرزقكم‬
‫كما يرزق الطري»‪ ،‬الطري تطري من أكنانها يف الصباح وال تعلم أين تذهب‪ ،‬وغنما‬
‫تبحث عن الرزق فريزقها اهلل‪ ،‬فتذهب جائعة وتعود ويه قد مألت بطنها‪ ،‬فيه‬
‫متولكة ىلع اهلل‪ ،‬طارت تطلب الرزق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫«تغدو َخاصا وتروح بطانا»‬
‫ً‬
‫الغدو‪ :‬اذلهاب يف الصباح‪ ،‬مخاصا‪ :‬يعين بطنها ملتصق بظهرها من اجلوع‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تروح بطانا ترجع بطانا بطنها ممتلئ‪ ،‬فأصبح هلا بطنا ‪.‬‬

‫واتلولك ىلع اهلل ‪ ‬ييرس الرزق‪ ،‬ويكرثه؛ ذللك اهلل يقول‪ :‬ﮋ ﮚ ﮛ‬
‫(‪)2‬‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ‬

‫َْ‬ ‫ْ ُ َْ َ‬
‫ربى" ك َما ِيف "اتلحفاة‪ :‬رقام‪،]79/8[ :‬‬
‫َّ‬
‫الرت ِم ِذي رقم‪َ ،]2344[ :‬والن َس ِايئ ِيف "الك‬ ‫(‪َ )1‬ر َو ُاه أَ ْ َ‬
‫مح ُد رقم‪ 0 1[ :‬و‪َ ،]52‬و ِّ ْ‬
‫احلَاك ُم ‪َ ،418‬وقَ َال ِّ ْ‬
‫الرتمذي‪َ :‬ح َس ٌن َصح ٌ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ ُ‬ ‫َ ْ ُ َ َ ْ‬
‫يح‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫حه ْاب ُن ِح َّبان (‪ ،)730‬و‬ ‫اجه رقم‪ ،]4164[ :‬وصح‬ ‫وابن م‬
‫(‪ )2‬سورة الطالق‪.3-2 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪130‬‬

‫يعين‪ :‬اهلل اكفيه يف لك يشء‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬قد نرى أن اهلل يرزق الاكفر‪ ،‬وهو ال يتولك‬
‫عليه أكرث من رزق املؤمن املتولك؟ نقول‪ :‬نعم‪ ،‬هذا يوجد‪ ،‬ألن اهلل تكفل برزق‬
‫ً‬
‫اجلميع‪ ،‬لكن رزق املؤمن ميرس هل ومبارك هل فيه‪ ،‬فتدده يكسب ماال فيتصدق‬
‫منه آلخرته‪ ،‬ويتمتع به فيما أباحه اهلل هل‪ ،‬أما الاكفر فتدد أن كسبه للرزق فيه‬
‫مشقة وهم وغم‪ ،‬وإذا مجع املال ال ينتفع به‪ ،‬ال هو من ناحية مجعه لآلخرة‪ ،‬وقد ال‬
‫ينتفع به حىت أهل ادلنيا‪ ،‬وإنما يكزن املال حىت يموت‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫احلديث اخلمسون‬

‫ٌ َ َ َ َ َ ُ َ َّ‬ ‫َ‬
‫اَّلل إ َّن َ َ‬
‫رشائِ َع‬ ‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ا‬‫ي‬ ‫‪:‬‬‫ال‬‫ق‬ ‫ف‬ ‫رجل‬ ‫َّ‬
‫ِب‬ ‫اَّلل بْن ب ُ ْرس قَ َال‪« :‬أ َىت َّ‬
‫انل‬
‫َ ْ َ ْ َّ‬
‫عن عب ِد‬
‫ِ ِ‬ ‫‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ ُ َ ُ َ أ ً أ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ َ َ ْ َ َُ ْ ََْ َ ٌ َ‬
‫رثت َعلينا‪ ،‬فبَاب نتَ َم َّسك ِب ِه َجا ِم ٌع؟ قال‪َ :‬ل ي َزال ل ِسانك َرطبا مِن‬ ‫اإلسالمِ قد ك‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫أ‬
‫ذِك ِر اَّللِ ع َّز َوجل»(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ساق املصنف ‪ ‬هذا احلديث؛ بليان اإلكثار من ذكر اهلل‪ ،‬واهلل يقول‪:‬‬
‫ﮋ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﮊ(‪ )2‬وذكر اهلل ‪ ‬يزيل اهلم والغم‪،‬‬
‫وجيلب الرزق‪ ،‬ويفتح لك األبواب‪ ،‬ويرفعك عند اهلل ‪ ‬درجات‪ ،‬وييرس أمورك‪،‬‬
‫ً‬
‫ويبيض وجهك‪ ،‬ويرصف عنك لغو احلديث‪ ،‬وجيعل ألفاظك ألفاظا طيبة؛ ألنك‬
‫تتحدث بذكر اهلل سبحانه‪.‬‬

‫قال‪ :‬رشائع اإلسالم قد كرثت لع يعين‪ :‬كثرية ما رشعه اهلل ‪ ‬لكن بني‬
‫ً‬
‫يل بابا أسلكه‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪« :‬ال يزال لسانك رطبا من ذكر اهلل» يعين‪ :‬أكرث من ذكر اهلل‪ ،‬والرجل اذلي‬
‫ال يذكر اهلل لسانه يابس‪ ،‬ومن يَبَ َس لسانه جف قلبه ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬وقسا‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪َ« :‬ل يزال لسانك رطبا من ذكر اهلل ‪» ‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يعين ال يزال لسانك رطبا ما دمت حيا ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أمحد رقم‪ 188[ :‬و ‪.]190‬‬


‫(‪ )2‬سورة األنفال‪.45 :‬‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪132‬‬

‫ويكون بهذا قد أىت املصنفان باألحاديث اليت يدور عليه اغلب أحاكم هذا‬
‫ً‬
‫اِلين وِه َخسون حديثا‪.‬‬

‫واهلل أعلم وصىل اهلل ىلع حممد وىلع آِل وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫‪133‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬

‫‪o‬‬

‫الصفحة‬ ‫املوضـــــوع‬
‫‪3‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪7‬‬ ‫احلديث األول‬
‫‪9‬‬ ‫احلديث اثلاين‬
‫‪13‬‬ ‫احلديث اثلالث‬
‫‪14‬‬ ‫احلديث الرابع‬
‫‪18‬‬ ‫احلديث اخلامس‬
‫‪20‬‬ ‫احلديث الساد‬
‫‪23‬‬ ‫احلديث السابع‬
‫‪25‬‬ ‫احلديث اثلامن‬
‫‪27‬‬ ‫احلديث اتلاسع‬
‫‪29‬‬ ‫احلديث العارش‬
‫‪32‬‬ ‫احلديث احلادي عرش‬
‫‪33‬‬ ‫احلديث اثلاين عرش‬
‫‪34‬‬ ‫احلديث اثلالث عرش‬
‫‪35‬‬ ‫احلديث الرابع عرش‬
‫‪37‬‬ ‫احلديث اخلامس عرش‬
‫‪41‬‬ ‫عرش‬ ‫احلديث الساد‬
‫شرح األربعني النووية‬ ‫‪134‬‬

‫الصفحة‬ ‫املوضـــــوع‬
‫‪43‬‬ ‫احلديث السابع عرش‬
‫‪45‬‬ ‫احلديث اثلامن عرش‬
‫‪47‬‬ ‫احلديث اتلاسع عرش‬
‫‪52‬‬ ‫احلديث العرشون‬
‫‪54‬‬ ‫احلديث احلادي والعرشون‬
‫‪55‬‬ ‫احلديث اثلاين والعرشون‬
‫‪57‬‬ ‫احلديث اثلالث والعرشون‬
‫‪60‬‬ ‫احلديث الرابع والعرشون‬
‫‪66‬‬ ‫احلديث اخلامس والعرشون‬
‫‪69‬‬ ‫والعرشون‬ ‫احلديث الساد‬
‫‪71‬‬ ‫احلديث السابع والعرشون‬
‫‪74‬‬ ‫احلديث اثلامن والعرشون‬
‫‪78‬‬ ‫احلديث اتلاسع والعرشون‬
‫‪84‬‬ ‫احلديث اثلالثون‬
‫‪86‬‬ ‫احلديث احلادي واثلالثون‬
‫‪88‬‬ ‫احلديث اثلاين واثلالثون‬
‫‪89‬‬ ‫احلديث اثلالث واثلالثون‬
‫‪91‬‬ ‫احلديث الرابع واثلالثون‬
‫‪93‬‬ ‫احلديث اخلامس واثلالثون‬
‫‪99‬‬ ‫واثلالثون‬ ‫احلديث الساد‬
‫‪135‬‬ ‫شرح األربعني النووية‬
‫الصفحة‬ ‫املوضـــــوع‬
‫‪104‬‬ ‫احلديث السابع واثلالثون‬
‫‪108‬‬ ‫احلديث اثلامن واثلالثون‬
‫‪111‬‬ ‫احلديث اتلاسع واثلالثون‬
‫‪113‬‬ ‫احلديث األربعون‬
‫‪115‬‬ ‫احلديث احلادي واألربعني‬
‫‪116‬‬ ‫احلديث اثلاين واألربعون‬
‫‪118‬‬ ‫احلديث اثلالث واألربعون‬
‫‪119‬‬ ‫احلديث الرابع واألربعون‬
‫‪120‬‬ ‫احلديث اخلامس واألربعون‬
‫‪122‬‬ ‫واألربعون‬ ‫احلديث الساد‬
‫‪124‬‬ ‫احلديث السابع واألربعون‬
‫‪126‬‬ ‫احلديث اثلامن واألربعون‬
‫‪129‬‬ ‫احلديث اتلاسع واألربعون‬
‫‪131‬‬ ‫احلديث اخلمسون‬

You might also like