You are on page 1of 62

‫[توحيد برس ]‬

‫‪tawhed- Press‬‬
‫تقدم‬

‫حوار مع‬
‫حرم الشيخ عبد الكري الجاطي‬
‫العضو ف تنظيم قاعدة الهاد البارك‬
‫الخت الجاهدة‬
‫أم آدام فتيحة السن‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫المد ل الذي أنزل الكتاب والكمة هدى للناس ورحة ‪ ،‬وأنزل الديد فيه بأس شديد ومنافع‬
‫للناس ‪ ،‬ث الصلة والسلم على من أُمر بقتال الناس حت ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل ‪ ،‬اللهم‬
‫صلي على البعوث بي يدي الساعة بالسام ‪ ،‬وعلى آله وصحبه الجاهدين الكرام ‪ ..‬أما بعد ‪..‬‬

‫قامت إحدى الرائد الغربية بنشر ذكريات أرملة الشهيد كري الجاطي عضو تنظيم القاعدة ف جزيرة‬
‫العرب "نسبه و ال حسيبه" الذي استشهد هو و ابنه آدم ف مواجهات الريس‪ ,‬تت عنوان ذكريات‬
‫مغربية عاشت ف ضيافة طالبان والقاعدة تروي فيها ام آدم قصة التزامها مرورا بزواجها ث هجرتا رفقة‬
‫اسرتا الصغية ال أفغانستان ‪...‬ال ان وقعت هي و ابنها الياس أسيين ف قبضة الطواغيت العرب‬

‫‪1‬‬
‫لعنهم ال ‪ ...‬ف خضم هذه الحداث تكي ام آدم سية زوجها أبو الياس رحه ال منذ اول يوم عرفته‬
‫إل ان فرقتهما القدار بسبب وقوعها ف السر‪.......‬‬

‫وال تعال نسأل أن ينّ علينا وعليكم بالعفو والغفرة‪ ،‬والرّحة الرضوان‪.‬‬

‫* تنبيه ‪ :‬هذه الذكرات قامت بكتابتها صحافية مغربية أجرت حوارا مطول مع أم آدم لصتها على‬
‫شكل حلقات نشرت ف اعداد متفرقة لريدة الساء الغربية‪....‬‬

‫• السم‪ :‬فتيحة ممد طاهر حسن‬


‫• اللقب‪ :‬أم ءادم أرملة الجاهد عبد الكري الجاطي رحه ال عضو تنظيم القاعدة الذي قتل ف‬
‫السعودية‬
‫• السن‪ 46 :‬سنة‬
‫• الهنة‪ :‬امرأة عاشت وسط طالبان والقاعدة ونذرت نفسها لعاداة أمريكا‬
‫• النسية‪ :‬مغربية تتمن عودة طالبان للحكم لتعود إل المارة السلمية‪.‬‬

‫الجاب أحدث انقلبا ف حيات‬

‫كانت حية فتيحة كبية‪ ...‬فقد عاشت أوائل التسعينيات من القرن الاضي أزمة هوية قادتا إل البحث‬
‫عن ذات أخرى‪ ...‬عن نط آخر غي الذي هي عليه‪ ...‬صارت تبحث ف كل اتاه عن مرج لالة‬
‫اللل الوجدان الت غزتا‪.‬‬
‫مع اندلع حرب الليج‪ ،‬ازدادت معاناة فتيحة الداخلية وصارت تداوم على الصلة والدعاء من أجل‬
‫نصرة الغلوبي والستضعفي‪...‬‬
‫كان يوما استثنائيا‪ ...‬يوم ثامن يوليوز من سنة ‪ ...1991‬ففتيحة‪ ،‬الشابة التحررة الشديدة الناقة‬
‫ستتحول إل فتاة مجبة تداوم على الصلة وعلى قراءة القرآن والذهاب إل السجد خلل صلة‬
‫المعة‪ .‬تقول فتيحة الت تسللت إليها ابتسامة خافتة تنم عن ارتياح كبي وهي تتذكر أول يوم تضع فيه‬

‫‪2‬‬
‫الجاب «أردت أن أعيش كمسلمة حقيقية‪ ...‬وبقيت ف مد وجزر مع شيطان‪ ..‬فكرت ف عملي‪..‬‬
‫وف يوم من اليام التقيت مع صديقة ل ف السجد وكانت أول مرة تران فيها بالجاب فهنأتن‪ ،‬إل‬
‫أنن أخبتا بأنن أضعه من أجل صلة المعة فقط‪ ،‬ولا سألتن عن السبب أخبتا بأن طبيعة عملي ل‬
‫تسمح بأن أرتدي الجاب‪ ،‬فكان أن قالت «مت بدأت العمل ف هذه الوظيفة‪ ،‬فأجبت‪ :‬منذ سنة‬
‫تقريبا‪ ،‬فردت‪ :‬وقبلها‪ ،‬هل كنت تعيشي‪ ،‬فقلت نعم‪ .‬فقالت إذن ال يتولك برحته»‪.‬‬
‫ظلت فتيحة تفكر‪ ..‬وتعيد التفكي مرات كثية ف موضوع حاسم قد يكلفها عملها وعلقاتا وأشياء‬
‫أخرى‪ .‬عاشت تفاعلت داخلية حقيقية انتهت بارتدائها الجاب‪.‬‬
‫استيقظت فتيحة ذات صباح‪ ..‬وضعت المار على رأسها وارتدت جلبابا فضفاضا ث اتهت متأبطة‬
‫حقيبتها إل العمل‪ .‬تقول «كنت أحس بأنن متوجهة إل ساحة الرب‪ ..‬وهذا ما حصل بالفعل»‪.‬‬
‫دخلت إل مكتبها والعيون تتعقبها كالعادة‪ ...‬لكن مظهرها ف ذلك اليوم كان متلفا تاما عما اعتاده‬
‫الميع‪ ..‬فتيحة ترتدي الجاب‪ ..‬نعم إنا حقيقة‪ ...‬ل أحد كان يصدق‪.‬‬
‫أحست بارتباك بعض الشيء‪ ،‬لكن قرارها كان نائيا مهما كلف الثمن‪.‬‬
‫كانت مفاجأة مدير العهد كبية عندما رأى فتيحة لول مرة بالجاب‪ ...‬تبعثرت كلماته وهو‬
‫يستفسرها عما فعلته‪ ...‬ولاذا‪ ،‬فكان أن حاولت إقناعه بأن ذلك اختيار وحرية شخصية‪ ،‬لكن كل‬
‫مفاهيم الرية انتفت من ميلة الدير ف تلك اللحظة‪ ،‬حيث ظل يردد كلمة واحد ووحيدة‪« :‬لاذا‬
‫فعلت هذا؟ لاذا فعلت هذا؟‬
‫كانت فتيحة تتقاضى راتبا مترما يصل إل ‪ 13‬ألف درهم ف الشهر ‪ )1300‬دولر( مع إضافة‬
‫بدائل التنقل وتعويضات أخرى‪ ...‬كان راتبا مترما مقارنة مع الجور الت كانت سائدة‪ ،‬خاصة أن‬
‫الد الدن للجور ف الغرب ل يكن يتعدى ‪ 1500‬درهم ف الشهر‪ ،‬وراتب فتيحة كان ثروة‬
‫آنذاك‪ .‬دخلت فتيحة ف مفاوضات حبية مع إدارة العهد الذي كانت تشتغل به‪ ،‬حاولوا إقناعها بكل‬
‫الوسائل البية من أجل خلع الجاب‪ ..‬أغروها بزيادة كبية ف الجر وبترقية جديدة‪ ...‬وف ظل‬
‫تشبثها بوقفها ركنت إدارة العهد إل أسلوب التهديد والترهيب‪.‬‬
‫دخلت فتيحة ذات يوم إل مكتب الدير‪ .‬قدمت التحية فلم يرد‪ ،‬ث قال بنبة حادة «من الن فصاعدا‬
‫ل تعودي تنتمي إل هذه الدارة»‪ .‬أحست فتيحة بعرق بارد يتصبب من أعلى ظهرها‪ ...‬كانت تتوقع‬
‫ذلك‪ ،‬بل ل تكن تتوقع‪ ..‬الهم أنا أمام أمر حاصل‪ ...‬أمام قرار‪ ،‬ويا له من قرار‪ .‬طلبت الدارة من‬

‫‪3‬‬
‫فتيحة تقدي استقالتها‪ ،‬لكنها رفضت‪ ،‬وطالبت بميع مستحقاتا‪ ،‬فكان أن ت منعها من تطي عتبة‬
‫مكتبها‪ .‬تقول بأسى «قضيت مدة أسبوع وأنا أجلس على عتبة باب الؤسسة الت منعت من الدخول‬
‫إليها‪ ...‬نفس الؤسسة الت ساهت ف بنائها وف تهيزها وتزيينها‪ ..‬ل يعد ل الق ف الدخول إليها‪،‬‬
‫لكنن ف الوقت ذاته واصلت الضور حت ل يتهمونن بأنن غادرت النصب دون إخبارهم»‪.‬‬
‫تعاطف كثيا طلبة العهد مع فتيحة الت كانوا يكنون إليها احتراما كبيا‪ ،‬وف الوقت نفسه كانوا‬
‫يسألونا عن السباب الت جعلتها ترتدي الجاب دون سابق إنذار‪ .‬كري الجاطي كان أحد أبرز‬
‫التعاطفي مع فتيحة‪ ..‬ظل يواسيها باستمرار ويتعقب أخبارها ويستفسر عن سر ارتدائها للحجاب‪.‬‬
‫كان كري الجاطي الشاب الوسيم الثقف بالكاد يتحدث اللغة العربية‪ ،‬فقد كان مفرنسا بكم أن‬
‫والدته فرنسية‪ .‬مدته فتيحة بالقرآن لتبي اليات الت تفرض الجاب‪ ،‬لكنه ل يستطع فهمها‪ ،‬فكان أن‬
‫زودته بنسخة مترجة لعان القرآن إل اللغة الفرنسية الت يتقنها‪.‬‬
‫ظلت فتيحة تتردد كل صباح على العهد دون أن تستطيع الدخول‪ ،‬وذات مرة فوجئت برجال المن‬
‫يستدعونا إل كوميسارية العاريف‪ .‬كان ذلك أول تعامل لفتيحة مع رجال المن‪ ،‬حيث أمروها بعدم‬
‫القتراب من العهد‪ ،‬فلم تتثل لتتوصل باستدعاء ثان إل كوميسارية قريبة من شارع ممد الامس‪،‬‬
‫وهناك ت تديدها بسوء العواقب إن هي عادت مرة أخرى إل العهد‪.‬‬
‫بعد علمها بالوضوع‪ ،‬رجت والدة فتيحة ابنتها بأل تعود إل العهد خوفا من عواقب ذلك‪ .‬استجابت‬
‫فتيحة على مضض لرغبة والدتا‪ ،‬وأحجمت عن التردد على العهد واعتكفت بالبيت إل حي‪ .‬تقول‬
‫«حرمون من مورد رزقي‪ ..‬حاربون فيه‪ ،‬على الرغم من أنن ل أفعل شيئا قبيحا ول أضر أحدا‪ ،‬غي أن‬
‫ال من علي بالستر»‪.‬‬
‫خلل تلك الفترة عاشت فتيحة إحساسي‪ ،‬إحساس بالرارة لفقدانا لوظيفتها التميزة‪ ،‬وإحساس آخر‬
‫بالدخول ف حياة جديدة وهي ترتدي الجاب‪ .‬تقول «كنت متبجة‪ ،‬والتبج كان شيئا عاديا بالنسبة‬
‫ل‪ ،‬ول أكن أعلم بأنه كان حراما وأن ال فرض الجاب على الرأة السلمة‪ .‬وعندما ارتديت الجاب‬
‫كنت وأنا ذاهبة إل صلة المعة أحس وكأنن فراشة ف فصل الربيع‪ ..‬أحس ببور ل يوصف‪ ،‬فقد‬
‫كنت ألبس البيض‪ ،‬وعندما أزيل الجاب‪ ،‬أحس بأنن أنسلخ عن جلدي‪ ..‬وكان هذا الحساس‬
‫يراودن قبل أن أرتدي الجاب بصفة نائية‪ .‬اشتريت جلبابا عاديا وخارا للرأس وتوكلت على ال»‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫زيارة كري قلبت أحزان إل أفراح‬

‫كانت فتيحة ملصة ف عملها‪ ،‬لكن إخلصها ل يشفع لا ساعة السم‪ ،‬فالدير قبل النقاش ف أي شيء‬
‫باستثناء موضوع الجاب‪ ...‬فمرحلة التقرب من الدير انتهت وحلت ملها مرحلة أخرى جديدة‪...‬‬
‫إنا مرحلة الواجهة‪.‬‬
‫انتهت فتيحة مطرودة من عملها‪ ،‬ومكثت أياما بالبيت ترفض الروج‪ .‬تقول بنق «قال ل الكوميسر‬
‫إذا حضرت مرة أخرى إل العهد غادي نقبك»‪.‬‬
‫ل تكن فتيحة قد بدأت ف الضور إل اللسات الاصة بالوعظ والرشاد الدين‪ ...‬كانت فتاة مجبة‬
‫عادية جدا‪ ،‬لذلك ركنت إل هومها بعد فقدان العمل داخل بيت عائلتها الذي تفرغت فيه لداواة‬
‫جراحها‪ .‬ظلت فتيحة على هذا الال ليام وأسابيع إل أن حدثت الفاجأة‪.‬‬
‫ذات صباح سعت طرقات خفيفة على الباب فهمت بفتحه‪ ،‬فإذا با تطالع شابا وسيما حضر لزيارتا‬
‫بابتسامة عريضة مرسومة على وجهه‪ ...‬ف تلك اللحظة‪ ،‬تقول فتيحة ببور وبجة «انقلبت كل‬
‫الحزان إل فرح‪ ،‬فقد أحسست بأن الطلبة ل ينسون وهذا المر أثر ف كثيا»‪.‬‬
‫ل تكن العلقة بي فتيحة وكري تتجاوز حدود الدرسة‪ ،‬لكنه على الرغم من ذلك تضامن معها ف‬
‫منتها‪ ،‬على غرار طلبة آخرين‪ ...‬لكن تضامنه كان من نوع خاص‪ ،‬ذلك أن مؤازرة الطلبة الخرين‬
‫للموظفة السابقة توقفت مع بداية العطلة الصيفية‪ ،‬فيما استمر كري ف البحث عن جدديها باستمرار‪.‬‬
‫استقبلت فتيحة كري الجاطي ف بيتها‪ ...‬كان شابا يافعا ( ‪ 24‬سنة)‪ ،‬وتسرب إليه شيء من التدين‬
‫بعد أن تصفح نسخة ترجة معان القرآن الت أهدتا إليه‪.‬‬
‫جلس كري وسط عائلة فتيحة‪ ..‬ل يصدر عنه كلم كثي‪ ...‬ارتبك بعض الشيء‪ ،‬لكن مارج حروفه‬
‫كافحت كثيا من أجل إطلق سراح جلة وحيدة جامعة وشاملة «أريد أن تكون أم أولدي»‪.‬‬
‫أحست فتيحة‪ ،‬الت كانت تعيش مثقلة بم فقدان العمل‪ ،‬بأن الرض تتز من تت قدميها‪ ..‬آخر ما‬
‫كانت تتوقعه‪ ...‬كري الجاطي‪ ،‬الشاب الذي يصغرها بسبع سنوات يعرض نفسه عريسا لا‪ .‬كان أول‬
‫رد فعل صدر عن فتيحة هو أن نبهت كري إل فارق السن بينهما‪ ،‬حيث قالت «أتدري بكم أكبك»‪،‬‬
‫فرد عليها بسؤال آخر «كم كان فارق السن بي أمنا خدية رضي ال عنها والرسول الكري صلى ال‬
‫عليه وسلم؟»‪ ،‬فقالت «حوال ‪ 15‬سنة»‪ ،‬ساعتها علق قائل «أترين‪ ...‬ل تثلي حت النصف»‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫حضر كري الجاطي إل بيت فتيحة من دون أفراد عائلته‪ ...‬فالشاب الدلل الثري‪ ،‬خطا تلك الطوة‬
‫الصيية دون حت أن يستشي أهله‪ ...‬ربا لعلمه السبق بأنم سيفضون‪ ...‬لكنه على الرغم من كل‬
‫ذلك أقدم على الفعل‪.‬‬
‫عاشت فتيحة مشاريع زواج سابقة‪ ،‬لكن القدار كانت تضي ف اتاه بعيد عما أرادته الشابة الت‬
‫بلغت سن الثلثي دون أن تتزوج‪ .‬وكان عرض كري‪ ،‬الطالب الذي ليس له عمل ول دخل قار يتاج‬
‫إل تفكي‪ ،‬وأكثر من ذلك إل قرار حاسم‪ .‬تقول فتيحة «طلبت مهلة قصية للتفكي‪ ...‬على الرغم من‬
‫أن الفاجأة كانت جيلة وتركت صدى طيبا ف نفسي‪ ،‬إضافة إل أن أمي شجعتن كثيا‪ ،‬فقد كانت تبه‬
‫لسن خلقه وطيبته ووقوفه إل جانب ف منت»‪.‬‬
‫كان شرط فتيحة الوحيد هو أل تعلم عائلة كري بالوضوع إل أن يتم الزواج‪ ،‬ذلك أنا كانت متيقنة‬
‫من أن عائلته لن تقبل با زوجة لسليلها بكم فارق السن وبسبب الجاب‪ ،‬وخوفها من أن يفشل‬
‫الوضوع جعلها تثه على كتمانه عن أهله‪ ...‬قبل كري الشرط وتزوج فتيحة دون إخبار عائلته الت‬
‫تألت كثيا للمر‪.‬‬
‫ل تكن لكري الجاطي إمكانات مادية مهمة لعداد حفل زفاف فاخر‪ ،‬فقد اكتفى الثنان بوليمة‬
‫متواضعة حضرها الهل والحباب‪ ،‬إعلنا عن انطلق مرحلة جديدة ف حياة فتيحة ممد طاهر السن‬
‫وكري الجاطي‪ .‬تقول فتيحة «كانت لدي المكانيات الادية لقامة حفل زفاف فاخر‪ ،‬لكننا فضلنا‬
‫وليمة إسلمية متواضعة تأسيا بالرسول صلى ال عليه وسلم والصحابة رضوان ال عنهم»‪.‬‬
‫انتقل كري ليعيش مع فتيحة ف شقة متواضعة بي كوتيي الراقي‪ ...‬ودخل الثنان مرحلة جديدة‪،‬‬
‫اكتشفا فيها بعضهما البعض‪ ...‬اكتشفت فتيحة كري الشاب الرقيق الرهف الس‪ ...‬الشاب‬
‫الهذب‪ ...‬الطفل الكبي‪ ،‬هكذا تراه فتيحة‪ ..‬يب الطفال ويد متعة بالغة وهو يلعبهم‪ .‬وطوال الفترة‬
‫الت عاشاها رفقة بعضهما البعض أبان كري الجاطي عن روح السؤولية وعن معن اللتزام القيقي ف‬
‫العلقة الزوجية‪ ،‬بيث تقول فتيحة «خلفا للصورة الت حاولت وسائل العلم الدولية‪ ،‬مدعومة‬
‫بالستخبارات العالية‪ ،‬رسها لكري الجاطي على أنه إنسان فظ غليظ متعطش للدماء‪ ...‬كان شابا ف‬
‫غاية اللطف والنان‪ ،‬بيث ل يتخل عن ف أحلك الراحل الت عشناها‪ ،‬ول أحس يوما بأنه نظر إل‬
‫نظرة دونية‪ ..‬وقد خدمن وأنا على فراش الرض دون تأفف»‪.‬‬
‫ل يكن كري يعمل‪ ،‬وكذلك فتيحة‪ ،‬وكان الثنان يعيشان على مدخرات فتيحة الت جعتها خلل فترة‬

‫‪6‬‬
‫العمل‪ ،‬فضل عما كان يصل عليه كري من عائلته‪ .‬ومع توال اليام صار كري وفتيحة يفكران ف‬
‫مرج لضائقتهما الالية‪ ..‬والبحث عن مورد رزق رسي يعولن به نفسيهما‪.‬‬
‫ل يكن كري يبذ فكرة خروج فتيحة لسوق العمل من جديد‪ ،‬على الرغم من أنا اقترحت عليه ذلك‬
‫مرات عدة‪ ،‬وكان يبحث هو عن عمل بشكل دائم دون أن يستقر ف وظيفة بعينها‪.‬‬

‫مأساة مسلمي البوسنة والرسك هزت كيان الجاطي‬


‫ل يكن كري الجاطي‪ ،‬خلل الفترة الت ارتبط فيها بفتيحة ممد طاهر حسن‪ ،‬ينتمي إل أي تنظيم‬
‫إسلمي سواء داخل الغرب أو خارجه‪ ،‬كما أنه ظل ملتزما عاديا إل أن التحق بتنظيم القاعدة الذي‬
‫كان الطار الوحيد الذي التحق به سنة ‪ .2001‬وف الوقت نفسه كانت هي لتزال متحجبة أنيقة‬
‫تازج بي اللباب والمار التناسق ف الغرب وتلجأ إل اللباس العصري ف الارج‪ ،‬وأحيانا ف الداخل‬
‫أيضا‪ .‬بعد زواجهما بشهور‪ ،‬سافر الثنان إل الديار الفرنسية‪ .‬كان كري الجاطي يمل جوازا فرنسيا‪،‬‬
‫ف حي أن زوجته كانت معتادة على السفر إل الارج ما سهل عليهما الأمورية‪.‬‬
‫حل الزوجان بفرنسا أوائل سنة ‪ 1992‬للمرة الثانية‪ ،‬وتزامن ذلك مع انعقاد الؤتر السلمي‬
‫بإحدى الضواحي الباريسية‪ ،‬وبالضبط ف منطقة «لوبورجي»‪ .‬وقد كان الثنان فكرا قبل ذلك ف‬
‫الستقرار الرسي بفرنسا‪ ،‬لكنهما تراجعا عن هذا اليار‪ ،‬واحتفظا ببعض الزيارات الفيفة إل باريس‪.‬‬
‫تقول فتيحة‪« :‬ل تكن زيارتنا إل فرنسا بدف حضور الؤتر ولكنها تزامنت مع فترة انعقاده‪ ،‬حيث‬
‫حضرنا فعاليات مهرجان النشودة الفلسطينية مع فرقة اليموك وحضرنا أول التحضيات لنشاء أول‬
‫جامعة إسلمية ف فرنسا ف منطقة «لومورفون»‪ ...‬الهم أنا كانت تربة رائعة ومتعة بالنسبة إلينا‪..‬‬
‫كنت أعتقد بأن العربيات هن من يتحجب فقط‪ ،‬لكنن فوجئت بفرنسيات وألانيات وسويسريات‪..‬‬
‫ف هذا المر كثيا وساعدن على تثبيت حجاب‪ ...‬فقد كنا ف عال مصغر رائع‪،‬‬
‫مجبات أيضا‪ ،‬وقد أثر ّ‬
‫بل كان رائعا جدا»‪.‬‬
‫عاشت أرملة الجاطي تربة جديدة خلل ثلثة أيام الؤتر ضمن شهر كامل قضياه هناك‪ ،‬حيث‬
‫«اكتشفت معان جديدة ف اللتزام‪ ،‬تلت أساسا ف منع الختلط»‪ .‬تقول بتأثر‪« :‬عشنا تلك اليام‬
‫كما لو كنا ف الج‪ ،‬حيث كانت هناك مرات خاصة بالرجال‪ ،‬وأخرى خاصة بالنساء‪ ،‬وكنا ننام نن‬
‫النساء إل جانب بعضنا البعض كما هو الال ف الج‪ ،‬ولدينا حامات مشتركة‪ ،‬وكلها أمور أثارتن‬

‫‪7‬‬
‫وثبتتن على حجاب»‪ .‬وخلل الرحلة نفسها‪ ،‬اكتشفت زوجة الجاطي نشاط بعض المعيات اليية‬
‫الت لا علقة بالهاد ف أفغانستان وفلسطي ومعلومات جديدة عن منظمة حاس‪ ..‬ول تد بدا‪ ،‬خلل‬
‫تلك الرحلة من زيارة بعض السواق الت نظمت على هامش الؤتر والت تعرض فيها بعض الشرطة‬
‫والتسجيلت السلمية واللبسة‪...‬‬
‫رق قلب فتيحة‪ ،‬الداخلة الديدة إل عال التحجب‪ ،‬لكل ما رأته عيناها وكل ما سعته أذناها اللتان‬
‫ظلتا مرهفتي طوال أيام الؤتر‪ .‬تقول برقة‪« :‬اكتشفت عالية دين السلم الذي كنت أتيله ديننا‬
‫وحدنا»‪ .‬كانت مريات وتفاصيل هذه الحداث تر كالوميض أمام عيون الجاطي وزوجته‪...‬لكنها ل‬
‫تكن تر دون أن تترك وشا بارزا ف قلبيهما معا‪ ...‬وشا‪ ،‬بل وخزا حارقا ف معرفة الزيد عن سر‬
‫السكون الذي يلفح قلبيهما الطارقي رحاب عال جديد عما اعتاداه من ذي قبل‪.‬‬
‫ف خضم النبهار با اكتشفاه خلل أيام الؤتر‪ ،‬سيتسلل طيف خب جيل لسرة الجاطي الصغية‬
‫التشكلة حديثا‪ ...‬ففتيحة اكتشفت بعد نوبة عياء مفاجئة بأنا حامل بأول بذور أسرة الجاطي الت‬
‫أينعت بعد تسعة أشهر‪.‬‬
‫انتاب فتيحة بعض العياء من جراء الوحم‪..‬وعوض أن تلد للراحة سارت تتفاعل من دون تردد مع‬
‫مريات النتخابات الت جرت وقتها ف الزائر‪ ،‬خاصة بعد فوز جبهة النقاذ ف الدور الول وتعثر‬
‫وإجهاض السار الديقراطي بالبلد نتيجة مموعة من التغيات الارجية والداخلية‪ ،‬من جهة‪ ،‬وبدايات‬
‫الرب على البوسنة والرسك‪ ،‬من جهة‪ .‬ل تكن زوجة كري من ذوي الهتمامات السياسية من ذي‬
‫قبل بالطريقة نفسها وحت عندما ارتدت الجاب‪ ،‬فقد اعتقدت ف الوهلة الول أن المور ستقف عند‬
‫حدود الصلة وغطاء الرأس‪...‬لكن بثها وتنقيبها التواصلي قاداها إل أشياء أبعد وأعمق‪ ،‬بل وأخطر‬
‫ما رسته ميلتها الصغية ف لظة معينة سنة ‪ ،1991‬عندما قررت ارتداء الجاب‪.‬‬
‫عاد الزوجان من رحلتهما إل الديار الفرنسية‪ ،‬وكانت الرب بالبوسنة والرسك ف ذلك الوقت على‬
‫أشدها‪...‬كانت الوضاع بالبوسنة تغلي‪ ،‬وصارت حاسة الجاطي وزوجته بالقابل تتركز إل أعلى‬
‫درجات الغليان‪ ،‬فما تلقياه خلل أيام الؤتر كان ليزال ماثل ف ذهنيهما‪...‬قوي الضور‪...‬شديد‬
‫التأثي ف أعمق خبايا النفس‪ .‬الرب بالبوسنة على أشدها‪...‬فتيحة حامل بولودها البكر وتتاز مراحل‬
‫صعبة من الوحم‪...‬ودرجات الضغط علت لدى كري الذي تاهت عيناه بي جثث القتلى التناثرة‬
‫وشدت أذناه إل أصوات الصواريخ الت يطلقها الصرب على أرض البوسنة وأطفالا وشيوخها‪ ،‬وتفطر‬

‫‪8‬‬
‫قلبه لصوات النساء البوسنيات الصارخات بأنن حوامل من النود الصرب عن طريق الغتصاب‬
‫ويستفتي عن مصي ما ف بطونن‪...‬فكانت الثورة‪...‬الثورة الداخلية لكري الجاطي‪ ،‬الذي أعلن‬
‫لزوجته أنه سيشعل جسده شعة بدل أن يلعن الظلم‪.‬‬
‫مرت اليام كالوميض وزوجة كري الامل‪ ،‬صارت أما‪ ،‬مثلما صار هو أبا‪ .‬كان أول سليل الزوجي‬
‫طفل صغي التقط الشيء الكثي من وسامة والده‪..‬عمت الفرحة كل أرجاء البيت‪..‬ث سرعان ما توارت‬
‫الفرحة وارتكنت جانبا لتظهر السؤولية الت أصبحت لدى الثني اللذين خرج الصغي إلياس للحياة‬
‫ول أحد منهما يعمل‪....‬‬
‫فكر كري ف الشتغال‪ ،‬فذلك كان أمرا ضروريا‪..‬مدخرات زوجته ف طريقها إل النفاد ومتطلبات‬
‫الولود الديد ل تقبل التأجيل‪.‬‬
‫كانت فتيحة فكرت قبل ذلك ف الشتغال‪ ،‬حيث وضعت طلبا لدى شركة الطوط اللكية الغربية‬
‫الوية‪ ،‬غي أن عامل الجاب وقف حجر عثرة ف طريقها إل مكتب خاص هناك‪ ،‬على الرغم من أنه‬
‫كان ل يزال حجابا أنيقا‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تكنت من الصول على وظيفة بإحدى كبيات شركات‬
‫النسيج‪ ،‬غي أن الزوج التدين ل يقبل بأن تكون زوجته كاتبة خاصة للمدير‪ ...‬تتبع خطواته أينما حل‬
‫وارتل‪...‬على الرغم من أن الجر كان يتجاوز ما كانت تتقاضاه زوجته خلل فترة عملها بالعهد‬
‫الغرب لدارة العمال بوال ‪ 2000‬درهم‪ ..‬لكنه رفض المر‪ ،‬كما رفض أن يشتغل هو ف مكان‬
‫أو مكتب به اختلط‪.‬‬
‫دخل كري حياة تدين شديد ومضى فيها إل أبعد الدود‪ ،‬فقد كان يافظ على الصلوات ف وقتها‪،‬‬
‫والشيء نفسه بالنسبة للنوافل‪ ،‬كما كان يصوم كل يوم اثني وخيس ويقوم الليل ويرتل‬
‫القرآن‪...‬وتعلق زوجته قائلة‪«:‬إن ال يهدي من يشاء‪..‬فمنذ أول مرة قرأ فيها القرآن‪..‬هلت إشراقة‬
‫اليان على قلبه‪..‬فالقرآن دستور‪ ،‬واللتزام بالدين يعن اللتزام بالوامر والنواهي على حد سواء»‪.‬‬
‫هذه أسباب ف السماح لزوجي بالذهاب إل الوت ف البوسنة‬
‫تغيت مريات حياة السرة بعد ولدة إلياس‪ ،‬واضطر كري الجاطي للتفكي ف وسيلة لضمان عيش‬
‫أسرته‪ ،‬وكان أن استقر تفكيه على العمل ف ميدان التجارة ف فرنسا بكم النسية الفرنسية الت‬
‫يملها‪ ،‬انطلقا من فكرة شراء بعض النتجات الغربية التقليدية وإعادة بيعها هناك‪ .‬وبعد مضي شهرين‬
‫على ولدة إلياس‪ ،‬رحل كري تاركا وراءه زوجته وطفله الصغي‪ .‬ل يقض الزوج أكثر من بضعة أسابيع‬

‫‪9‬‬
‫بالديار الفرنسية حت عاد إل حضن أسرته‪ ...‬لكن العائد كان شخصا آخر ل تعتده زوجته‪ ،‬فقد رجع‬
‫مثقل بموم أخرى غي الت رحل من أجلها‪.‬‬
‫استحالت رقة كري العهودة إل حنق كتم زفرات أنفاسه بعد مطالعته للعديد من التسجيلت عن‬
‫الوضاع ف البوسنة والرسك‪ .‬شيئا فشيئا صارت ملمح حزن دفي تعلو وجهه باستمرار‪ ،‬وصار‬
‫يعيش غليانا داخليا مع الذات‪ ..‬ومع الصرب‪ ،‬الذين بدأ يفكر ف قتالم‪.‬‬
‫كان كري قد أطلق لية خفيفة‪ ،‬وتول بذلك من الشاب الوسيم ذي الشعر الكثيف التطاير إل رجل‬
‫ملتزم يسعى إل اكتساب الوقار من خلل ليته ولباسه‪.‬‬
‫تابعت فتيحة الشريط الذي حله زوجها معه من رحلته الخية إل فرنسا‪ .‬كانت تستحضر تفاصيل‬
‫اللحظات الت تابعت فيها فصول التقتيل والغتصاب والتجويع الت صورها الشريط‪ ،‬دون أن تنتبه إل‬
‫أخاديد الدموع النسابة من عينيها الحمرتي والجتمعة عند نقطة متوسطة على الذقن‪ ،‬لتنتهي متقاطرة‬
‫ومتسربة إل منديل أبيض اللون‪..‬‬
‫لقد انتهى عهد وبدأ آخر‪ ...‬ل يعد السلم هو الصلة والصوم والج‪ ...‬لقد صار له معن آخر عند‬
‫الزوجي الجاطي‪ ...‬صار المر بالعروف والنهي عن النكر‪ ...‬أكثر من ذلك‪ ،‬صار الهاد ف سبيل‬
‫ال‪ ،‬والذي سيخرج كري عن صمته العهود ليقر لزوجته بأنه سيحل للقتال ف البوسنة‪.‬‬
‫نزل الب كالصاعقة على قلب فتيحة‪ .‬كانت قد تأثرت كثيا بالشاهد الت تتبعتها على الشريط‪ ،‬وبا‬
‫رأته خلل أيام الؤتر السلمي الذي حضرته ف فرنسا‪ ،‬لكنها أيضا كانت أما لطفل ل يبلغ من العمر‬
‫سوى ثلثة أشهر‪ .‬صارت تتجاذبا مشاعر متلفة‪ ...‬تنهشها وتنغص عليها نومها وتكدر صفو صحوتا‪،‬‬
‫لكن الهاد فرض‪ ،‬تقول‪ .‬وتضيف لست أنا من يفرض ذلك ولكن ال تعال قال ف سورة البقرة من‬
‫كتابه العزيز قال‪« :‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم وعسى‬
‫أن تبوا شيئا وهو شر لكم وال يعلم وأنتم ل تعلمون»‪.‬‬
‫ل يناقش كري زوجته ف قراره‪ ...‬تقول بني‪ ،‬لنه قدر ردة فعلها كزوجة وكأم ول يفرض عليها شيئا‬
‫بالقوة‪ .‬فكري كان دائما‪ ،‬برأي زوجته‪ ،‬رجل الجاج والقارعة بالرأي‪.‬‬
‫استمرت زوجة الجاطي ف تطوير مداركها وفق السار الذي رسخت عليه أقدامها هي وزوجها‪،‬‬
‫وصارت متلهفة لتابعة تسجيلت الرب ف البوسنة‪ .‬وذات يوم تابعت شريطا لستغاثة مموعة من‬
‫النسوة البوسنيات اللوات تعرضن للغتصاب على يد النود الصرب‪ .‬كانت قد سعت قصتهن من قبل‬

‫‪10‬‬
‫من رواية لزوجها‪ ،‬لكنها ف تلك اللحظة كانت تسمع دون وسيط‪ .‬كان الشريط لسعد البيك‪ ،‬أحد‬
‫أبرز الشيوخ بالديار السعودية‪ .‬كان الشيخ ‪-‬تقول فتيحة‪ -‬يتكلم برقة عن رسالة وصلت إل مموعة‬
‫من العلماء الذين كانوا يتمعون آنذاك ف زاغريب‪ ،‬عاصمة كرواتيا‪ ،‬تصف معاناة تلك السيات‬
‫البوسنيات مع النود الصرب وحلهن منهم عن طريق الغتصاب‪ ...‬ويطلب فتوى من علماء الدين ف‬
‫الوضوع‪.‬‬
‫جلست زوجة الجاطي تقضم شفتيها وهي تستمع للشريط‪ ،‬الذي أكد على أن الهاد فرض عي‪.‬‬
‫وصارت تتساءل «كيف يكن لا أن تبخل على تلك النسوة وغيهن بزوجها‪ ...‬كيف لا أن تنسى ما‬
‫قاله الشريط عن أطفال رضع رماهم النود الصرب ف خلطات السنت‪ ...‬تيلت ابنها مكانم‪،‬‬
‫وتساءلت مرة أخرى كيف يكن لا أن ترم زوجها من الهاد ف سبيل ال من أجل كل هذه المور‪...‬‬
‫ومن أجل كل أولئك الشباب الذين قطعت أعضاؤهم التناسلية وصففت على أطباق‪ ...‬كل هذه‬
‫المور سعت عنها ورأتا ف أشرطة متعددة»‪.‬‬
‫توجهت فتيحة إل زوجها قائلة دون مواربة «اذهب للجهاد»‪ ،‬ل يناقشها بدوره ف السباب الت‬
‫جعلتها تغي موقفها‪ ،‬على الرغم من أنه فوجئ بالمر‪ ،‬لكنه كان ينتظر فقط تلك الملة الت ل تطل‬
‫عليه‪.‬‬
‫هيأ كري نفسه للسفر عب الب‪ ...‬أوصلته زوجته إل وكالة السفار وودعته غي منية النفس بعودته‪...‬‬
‫ووقفت تتعقبه يضي ويبتعد إل أن ذهب خياله مع الريح‪.‬‬
‫بكت فتيحة كثيا بعد الوداع‪ ،‬لكن كلم الشيخ كان يقتحم ذاكرتا ف كل لظة‪ ...‬كأنه يصرخ‬
‫ويقول لا أن تصمت‪ ..‬أن تصب‪ ...‬لنه الهاد‪.‬‬
‫عادت إل بيتها وضمت صغيها إل صدرها تبكي غياب الزوج‪ ،‬وحاولت التأقلم مع حياتا الديدة‬
‫بدونه‪.‬‬
‫كانت مطة البوسنة أول انطلقة حاسة ف رحلة كري الجاطي الهادية‪ .‬ل يكن مدربا ول معتادا على‬
‫ظروف الرب‪ ،‬لكنه رحل مستجيبا لنداء داخلي‪ ،‬تقول زوجته‪ ،‬بل لنداء ال‪.‬‬
‫ل يأخذ كري الجاطي معه أموال كثية خلل رحلته إل البوسنة‪ .‬وتقول زوجته‪« :‬كـان الذهاب إل‬
‫البوسنة يعن الطريق إل الوت‪ ،‬لذلك فزوجي ل يأخذ معه أموال كثية من أجل العيش‪ ...‬أخذ فقط‬
‫مبلغا زهيدا ل يتعـدى خسة آلف درهم‪ ...‬ل تكن لديه وجــهة مددة ول معارف يقصدهم‪...‬‬

‫‪11‬‬
‫كانت وجـــهته الوحيدة القتال والقتل ول شيء ثالثهما‪ ،‬لذلك أخذ معــه تذكرة الذهاب دون‬
‫الياب»‪.‬‬
‫بعد مرور أيام على رحيل كري‪ ،‬اكتشفت زوجته أنا حامل بولودها الثان‪ ..‬تسرت كثيا لغياب‬
‫زوجها عنها ف تلك الفترة‪ ..‬فترة المل‪ ،‬لكن حسرتا ل تدم طويل‪.‬‬
‫ذات يوم خرجت فتيحة‪ ،‬الت تقلبت ف عدة أعمال من أجل ضمان قوت يومها وابنها‪ ،‬لتعود فاتة‬
‫باب بيتها على مفاجأة كانت أعمق وأبلغ من أن تصدقها بسهولة‪ ...‬فكري الجاطي عاد إل كـنف‬
‫أسرته من رحلة الوت الت سافر إليها‪.‬‬

‫عاد ليأخذ زوجته إل أرض الهاد ف البوسنة‬


‫عاد كري الجاطي إل بيت عائلته بعد شهور معدودة من رحلته إل البوسنة ليجد زوجته حامل بولودها‬
‫الثان‪ .‬عاد متلفا تاما شكل ومضمونا‪ ..‬فقد أطلق شعره وليته الت كانت متناثرة على وجهه أكثر من‬
‫ذي قبل‪ ..‬يرتدي سروال من الين وسترة جلدية ويعلو ملمح وجهه سكون غريب رغم أنه عائد من‬
‫ساحة الرب‪ .‬وعلى الرغم من وقع الفاجأة الت كانت آخر ما يكن أن تتوقعه‪ ،‬تنفست فتيحة‬
‫الصعداء لعودة زوجها الذي كانت قد ودعته دون أمل ف عودته‪.‬‬
‫ل يكد الجاطي يرتاح من عناء السفر حت انصهر ف واحة البوح‪ ،‬إذ صار يرسم لزوجته تفاصيل ما‬
‫عاشه على أرض البوسنة‪ ...‬صار يكي لا عن واقع الياة بتلك القرى «البوسنية الميلة الساحرة‬
‫وسكانا البسطاء»‪ ...‬ويتحدث لا عن الدعم الذي يلقاه كل الحاربي القادمي من بلدان ومناطق‬
‫بعيدة لدعم الرب البوسنية‪.‬‬
‫انبهر كري بلمح الياة الغريبة عنه ف البوسنة‪ ،‬لكنه ل يستطع الصمود من دون زوجته وابنه‪ ،‬لذلك‬
‫قرر الرجوع لخذها معه‪ .‬ل يتمر اقتراح كري بذهن زوجته‪ ،‬الت كانت متعطشة ومتلهفة لتتبع خيوط‬
‫السرد عن أرض البوسنة الت كانت ل ترسم عنها ف ميلتها سوى ملمح الدمار والرب والقصف‪،‬‬
‫لكن زوجها حاول أن يفهمها أنه على الرغم من الرب والصار والقصف فإن هناك مناطق أخرى‬
‫يعيش فيها الناس بأمان‪...‬‬
‫حل كري الجاطي بالبوسنة دون تدريب سابق‪ ،‬وهذا المر حال دون انراطه ف بعض العمليات الت‬
‫شارك فيها جنود آخرون حلوا بالبوسنة لجل الغرض نفسه‪ ،‬لكن هؤلء كانت لم تارب سابقة‬

‫‪12‬‬
‫وتدريبات خاضوها بعسكرات أفغانستان وغيها‪ .‬واستفاد القاتلون الدد‪ ،‬وضمنهم كري الجاطي‪،‬‬
‫من معسكرات تدريب خاصة‪ .‬وكان تدريبا بسيطا‪ ،‬تقول فتيحة‪ ،‬لن الرب كانت آنذاك على أشدها‪،‬‬
‫ول يكن متاحا خوض تداريب كاملة ومتواصلة‪ .‬وتبعا لذلك تعلم كري حل سلح الكلشينكوف‬
‫واستعماله وبعض أدبيات الرب خلل الراحل الول من التدريب على أرض البوسنة‪ ،‬الت رحل إليها‬
‫مقاتل فوجد نفسه مبا على أن يتدرج ف مراحل متعددة من التدريب‪ .‬ل يلتق كري عناصر معروفة‬
‫مددة خلل رحلة البوسنة‪ ،‬لكنه تعرف إل مع العديد من القاتلي من الكويت والمارات وألانيا‬
‫وتونس وأفغانستان‪ ...‬ومن كل القطار الت تسللت إل بعض مواطنيها قناعات القتال‪.‬‬
‫تقول فتيحة «خلل الفترة الت انتقل فيها زوجي إل البوسنة ل يكن الهاد «حراما»‪ ،‬أو بالحرى ل‬
‫يكن ينظر إليه النظرة الالية‪ ،‬حيث كان ليزال شيوخ السعودية يثون على الهاد وكان الناس‬
‫يمعون التبعات من أجل ذلك‪ ،‬حت إن الشيخ أبن باز باع سيارته من أجل تهيز أحد القاتلي‪ ،‬وهو‬
‫أبو دجانة‪ ،‬من أجل القتال ف البوسنة‪ ،‬لكن المور ستنقلب بعد الرب المريكية على أفغانستان»‬
‫حيث سيصبح الهاد «حراما»‪.‬‬
‫اقتنعت فتيحة بضرورة مرافقة زوجها ف رحلته الهادية‪ ،‬وحاولت أن تساير اقتراحه على الرغم من‬
‫ظروف المل‪ ،‬حيث حصلت على تأشية من إيطاليا بعد رفض القنصلية اللانية منحها إياها‪ .‬فكرت‬
‫ف الرور إل البوسنة من إيطاليا بكم حدودها مع سلوفينيا وكرواتيا‪ .‬كان أمرا صعبا‪ ،‬تقول فتيحة‪.‬‬
‫وتضيف «فقد كنت على وشك الولدة وخشيت أن أعرقل مسار زوجي‪ ،‬كما أنن ل أتيل أنن سأضع‬
‫مولودي ف ساحة الرب»‪.‬‬
‫شد كري الجاطي الرحال من جديد إل أرض البوسنة‪ ..‬من دون زوجته الامل ومن دون ابنه‪ ،‬لكنه‬
‫عجز عن الدخول‪ ،‬ما اضطره إل البقاء ف الديار الفرنسية لدة شهرين‪ ،‬حيث كانت حدود البوسنة‬
‫مغلقة ول تكن هناك من إمكانية للدخول إل البوسنة بأمان‪.‬‬
‫ل يد كري‪ ،‬ف ظل استمرار إغلق الدود‪ ،‬بدا من العودة إل الغرب‪ ،‬حيث وجد زوجته ف الراحل‬
‫الخية من المل‪ ..‬وبالضبط قبيل مرحلة الولدة بقليل‪ .‬عاد متلفا أيضا‪ ...‬لكنه كان اختلفا مغايرا‬
‫تاما عما كان ف السابق‪ .‬عاد الجاطي عصب الزاج‪ ،‬حاد التوتر‪ ...‬أحست زوجته بأنه مرتبك ل يهدأ‬
‫له بال‪ ...‬كما أنه كان نادما أشد ما يكون الندم على عودته من البوسنة الت ل تعترضه صعوبات كثية‬
‫ف الدخول إليها ف الرة الول‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫اضطرت فتيحة للعمل‪ ،‬حيث انرطت رفقة إحدى صديقاتا ف مشروع بسيط للخياطة‪ ...‬انشغلت‬
‫بعض الشيء ف الشروع الذي كان أيضا وسيلة لعالة أسرتا بسبب انشغال كري بالقتال‪.‬‬
‫ذات صباح باكر خرج كري من بيته منكسر النفس مهزوز الاطر‪ ...‬نادما كعادته على عودته من‬
‫البوسنة الت ل يستطع إليها سبيل‪ ...‬خرج ول يعد‪ .‬ل تعتد فتيحة على غياب زوجها دون مبر‪ ،‬لكنه ف‬
‫تلك الرة اختار غيابا مفاجئا أرهق زوجته الت بثت عنه ف كل مكان‪ ..‬ف بيت عائلته‪ ...‬لدى بعض‬
‫معارفه‪ ...‬دون جدوى‪ .‬وأخبتا الادمة بأنه قبل رحيله طلب منها ترتيب بعض اللبس الصوفية ف‬
‫حقيبة صغية أخذها معه‪ ...‬استغربت فتيحة طلبه ملبس صوفية على الرغم من أن الفصل كان‬
‫حارا‪ ...‬ساعتها تسربت إليها فكرة إمكانية عودته إل البوسنة‪ ،‬لكنها ل تفهم السبب الكامن وراء‬
‫رحيله دون إخبارها‪ ،‬رغم أنه متيقن من أنا لن تنعه من الرحيل‪.‬‬
‫كان اختفاء كري غريبا‪ ..‬وصارت الشكوك تنهش دواخل زوجته الت قادتا رحلة البحث إل التفكي‬
‫ف أحسن التأويلت وأسوئها‪ ...‬ف إمكانية حلوله من جديد بأرض البوسنة‪ ...‬وأيضا ف إمكانية‬
‫اختطافه أو حبسه‪ ...‬حاولت البحث ف كل التاهات لكنها ل تستطع إبلغ الشرطة‪ ،‬على الرغم من‬
‫أن والديه فكرا ف ذلك‪ ،‬لكنها رفضت‪ ،‬بل رفضت بشدة‪.‬‬
‫بعد مدة قصية‪ ،‬وضعت زوجة الجاطي ابنها الثان‪ ،‬الذي أطلقت عليه اسم آدم ف غياب والده‪..‬‬
‫وخلل لظات الولدة العسية دعت ال كثيا أن يعود زوجها إليها سالا غانا‪ ...‬كانت آلم الخاض‬
‫متزجة لدى فتيحة بآلم غياب الزوج‪ ،‬لذلك كانت تتأل مرتي ‪.‬‬
‫كانت ولدة آدم ف يوم ‪ 29‬يوليوز ‪ ،1993‬وهو اليوم نفسه الذي سيغادر فيه كري الجاطي‬
‫السجن‬

‫‪ ..‬وصارت مغامرات «تورابورا» حلما يراود كري‬


‫كان الداعي لختفاء كري هو ما توقعته زوجته‪ ..‬العودة إل أرض البوسنة‪ ،‬إذ حاول الرور عب‬
‫سلوفينيا وكرواتيا‪ ،‬وتكن من الوصول إل مدينة موستار‪ ،‬الت يعيش فيها مسلمون وكاثوليك‪.‬‬
‫ل تبق لكري إل خطوات معدودة لتحقيق رغبة جامة ف الوصول إل أرض البوسنة‪ ...‬كاد يفرح‪،‬‬
‫صارت البتسامة تتسلل شيئا فشيئا إل وجهه الذي ظل عابسا طوال فترة عودته إل الغرب‪ ..‬وكادت‬
‫تتحول البتسامة الافتة إل فرحة حقيقية لول أن أوقفه النود الكروات على الرغم من شكله الورب‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫حيث كان يرتدي سروال جين وكان حليق الوجه وشكله ل يوحي بأنه مقاتل‪ ،‬بالضافة إل جوازه‬
‫الفرنسي‪ ..‬لكن كل هذه المور ل تشفع له‪ ...‬وقال له النود الكروات «إنك ماهد عرب»‪ .‬حاول‬
‫كري إقناعهم بالعكس‪ ،‬ونفى نفيا قاطعا أن يكون كذلك‪ ،‬وحاول التقدم غي أنم وجهوا أسلحتهم‬
‫صوبه وهددوه بالقتل إن حاول العبور‪.‬‬
‫اعتقل النود الكروات الجاطي ووضعوه ف السجن‪ ،‬وبقي هناك حوال شهر‪ .‬كان ف السجن‪ ،‬حسب‬
‫ما أسر به كري لزوجته‪ ،‬مسلمون كثر‪ ..‬رجال ونساء‪ ..‬أطفال وشيوخ‪ ...‬كان ف ما مضى يتابع بعض‬
‫مظاهر التعذيب عب تسجيلت صوتية‪-‬مرئية‪ ،‬لكنه ف تلك الرحلة كان يسمع أصوات التعذيب‬
‫وصراخا مدويا يترق أذنيه باستمرار‪ ...‬كان ‪-‬تقول زوجته‪ -‬يسمع صراخا وأنينا حقيقيي‪..‬‬
‫جنسية كري الفرنسية جعلت النود الكروات يضعونه ف سجن مع غي السلمي‪ ،‬حيث كانوا يراقبونه‬
‫بشدة‪ ...‬تقول فتيحة «كان يشى أن يعرفوا نيته‪ ،‬وقد حاول تفادي أكل الطعام الذي كانوا يقدمونه له‬
‫خوفا من أن يكون به لم خنير‪ ،‬وكان يكتفي بالبز وبعض المور البسيطة‪ ،‬إل أن وصل إل درجة‬
‫قاسية من الزال السدي وانفض معدل ضغطه»‪.‬‬
‫كان ضمن العتقلي رفقة كري خلل تلك الرحلة صحاف بريطان‪ ...‬وفور الفراج عن هذا الخي‬
‫طلب منه كري الذهاب إل السفارة الفرنسية وإعطاءهم اسه من أجل التدخل للفراج عنه‪ .‬وبالفعل‬
‫فعل الصحاف ما طلب منه كري وتدخلت السفارة الفرنسية ليتم إخلء سبيل الجاطي بعد فترة وجيزة‪،‬‬
‫بعد صدور حكم ف حقه ينعه من الدخول إل الراضي الكرواتية لدة خس سنوات‪.‬‬
‫عاد كري بعد إطلق سراحه إل فرنسا‪ ،‬ومنها إل الغرب‪ ...‬تنفست فتيحة الصعداء بعد رؤية زوجها‪،‬‬
‫الذي لحت فيه إحساسا مضاعفا بالسرة والرارة جراء الروج من البوسنة الت حاول العبور إليها‬
‫مرات عدة‪ ...‬أحس كري بأن الطريق إل البوسنة أغلقت ف وجهه نائيا‪ ،‬وهذا المر ‪-‬تقول زوجته‪-‬‬
‫ضاعف من آلمه‪ ،‬لكنه ل يقبل الوقوف عند هذا الد‪ ،‬ذلك أن قناعاته الهادية كانت أعمق وأبعد من‬
‫أن تعله يمد حلمه ف تقيقها بعد فشل ماولتي‪.‬‬
‫صار كري يفكر ف حل آخر‪ ،‬أو بالحرى عن وجهة أخرى‪ ،‬وقبلها عن تدريب متكامل يعزز مكانته ف‬
‫صفوف القاتلي‪ .‬حاول أن يزيح هم التدريب عنه حت ل يصطدم به خلل رحلة جهادية أخرى ف‬
‫إحدى جبهات القتال‪ ...‬ف تلك الثناء بدأ شعاع شس بلد تسودها الرب يسطع داخل قلبه‪...‬‬
‫وصارت مغارات جبال تورابورا (ف ذلك الوقت ل يكن أحد يتكلم عن تورابورا بل عن جبال‬

‫‪15‬‬
‫الندوكوش) تعضد حلمه ف أن تشتد شكيمته مثل أشد القاتلي‪ ...‬ساعتها انلى خيار اللتحاق‬
‫بصفوف القاتلي ف إمارة طالبان الهادية‪ .‬كانت أفغانستان تعيش ف تلك الونة حربا بي الحزاب‪،‬‬
‫والرب على أشدها بي ربان من جهة وحكمتيار من جهة أخرى‪ ..‬وف النوب أقيمت معسكرات‬
‫لتدريب القاتلي‪.‬‬
‫ف رمضان لسنة ‪ ،1994‬استقر قرار الجاطي على الرحيل إل ملكة طالبان لتلقي تدريب عسكري‬
‫هناك‪ ،‬ول تكن من وسيلة للوصول إل هناك سوى طريق السعودية‪ ،‬حيث فكر الجاطي ف أداء مناسك‬
‫العمرة ف الديار القدسة‪ ،‬الت كانت مطة انطلق للوصول إل أفغانستان‪ .‬كانت الوضاع ف السعودية‬
‫آنذاك لتزال مستقرة‪ ،‬حيث وجد العديد من الشخاص الذين كانوا يولون ويهزون الشباب من أجل‬
‫القتال ف البوسنة أو الشيشان أو أفغانستان‪ ...‬فهذه المور كانت شبه عادية ف السعودية‪.‬‬
‫صباح يوم عيد الفطر لسنة ‪ ،1994‬كانت انطلقة كري الجاطي إل باكستان‪ ،‬واستقر بدينة‬
‫بيشاور الدودية‪ ،‬الت كانت مركزا للمقاتلي العرب‪ .‬وصل كري الجاطي إل أفغانستان والتحق‬
‫بعسكر خلدان‪ ،‬وهو من أحسن العسكرات التدريبية ف أفغانستان‪ ،‬والت ترج منها أكثر مقاتلي‬
‫القاعدة‪ ،‬الت ل تكن قد تأسست بعد‪ .‬باشر الجاطي دورة تدريبية كاملة بعسكر خلدان لدة تزيد عن‬
‫ستة أشهر‪ ،‬وبعدها أصيب باللريا‪ ،‬وهي مرض قاتل شائع ف أفغانستان‪.‬‬
‫ذات ليلة دافئة من أواخر سنة ‪ ،1994‬كانت فتيحة تم بأداء صلة الفجر فإذا با تسمع طرقا‬
‫على باب شقتها‪ ...‬فتحت الباب فإذا با تد زوجها متصلبا أمام باب الشقة‪ .‬كان كري ف حالة‬
‫سيئة‪ ...‬هزل إل درجة كادت عظامه تنبي من جلده‪ ...‬وأطبق على صدره سعال كان ينقه‬
‫باستمرار‪.‬‬
‫ف تلك الفترة كانت فتيحة تشتغل بإحدى الدارس الرة مقابل ‪ 2500‬درهم ف الشهر‪.‬‬
‫خضع الجاطي لعدة فحوصات طبية‪ ،‬واكتشف الطباء أن عدد الكريات المراء ضئيل جدا بسمه‪،‬‬
‫ما استوجب نقله إل مصحة خاصة لجل حقنه بدم آخر‪ ...‬ورغم أنه قضى أياما ف العناية الركزة إل‬
‫أنه فضل بعد مغادرتا اللود إل الراحة ف بيته‪ ،‬رافضا الكوث ف مصحة الكيم‪.‬‬
‫صار كري يتماثل للشفاء شيئا فشيئا‪ ،‬وقد بث هذا المر بجة وسرورا وسط أسرته الت ل تعانق الفرحة‬
‫منذ مدة طويلة‪ ...‬كان الجاطي يتقوى ويتجاوز منة الرض فيما كانت زوجته تندثر‪...‬‬
‫كانت قدرات فتيحة الصحية تذوب بشكل تدريي دون أن تعرف السبب‪ ،‬وخضعت بدورها لعدة‬

‫‪16‬‬
‫فحوصات طبية‪ .‬ذات يوم جلست زوجة الجاطي تكوي اللبس فإذا بالاتف يرن‪ ،‬رفعت السماعة‬
‫لتجد طبيبتها العالة على الط‪ .‬أحست بأن الدنيا اهتزت من تت قدميها لتزعزع كل كيانا‪...‬‬
‫الكالة ف حد ذاتا جعلتها تنتظر خبا سيئا‪ ...‬تعطشت لسماع الب رغم أنه خالها شعور دفي بأنه نبأ‬
‫سيء‪ ..‬فكانت الصاعقة‪« ..‬أنت مصابة برض السرطان»‪ ،‬قالت الطبيبة ماطبة فتيحة باستياء عارم‪.‬‬
‫كانت صدمة قوية استوعبتها زوجة كري على مضض‪...‬‬

‫الطـريق إل أفـغانستـان تـمر عب وزان‬

‫للمت «أم آدم» جراحها بعدما اخترق داء السرطان جسدها‪ ...‬وصارت تعد الدقائق الخية من‬
‫حياتا‪ ...‬فقد ظنت أنا ستموت‪ .‬اتصل كري بزوجته عب الاتف وسألا عن نتائج التحاليل الطبية‪،‬‬
‫لكنها رفضت أن تبه بالمر عب الاتف‪ ..‬اقترحت عليه العودة بسرعة ليستمع مباشرة إل ما قالته لا‬
‫الطبيبة العالة‪.‬‬
‫تلقى كري الب بساسية مفرطة‪ ،‬والشيء نفسه بالنسبة لعائلة زوجته‪ ،‬الت طغى عليها برود ظاهري‬
‫غريب‪ ،‬فيما كانت دواخلها تذوب من فرط العاناة‪ ،‬لكنها ف الوقت ذاته ل تكن تقبل أن يبكي أحد‬
‫من العائلة أو العارف أمامها‪ ،‬تقول «فقد كنت أحتاج إل من يقوي عزيت ل إل من يبطن ويضاعف‬
‫معانات»‪.‬‬
‫كان آدم وإلياس ليزالن صغيين‪ ،‬واضطرت فتيحة إل إجراء عملية جراحية بستشفى ابن رشد‬
‫بالدار البيضاء‪ ،‬وقد كللت هذه العملية بالنجاح‪ ،‬ول يعد بالتال من الضروري إجراء أشعة كيماوية أو‬
‫غيها‪ ...‬وانتهت المور بأقل السائر‪ .‬تقول فتيحة الت اغرورقت عيناها بالدموع وهي تركز على‬
‫بعض التفاصيل‪« :‬تعايش زوجي مع ما أصابن بكل جوارحه وجلس قرب غرفة العمليات من الـثامنة‬
‫صباحا إل الساعة الثانية بعد الزوال ينتظر النتيجة‪ ...‬ول يسسن يوما بأنن مريضة بالسرطان‪ ،‬بل‬
‫بالعكس كان يعاملن معاملة خاصة‪ ،‬وكان يدمن ول يتخل عن»‪.‬‬
‫استقرت حالة «أم آدم» بعض الشيء وتنفست الصعداء بعدما اشتمت رائحة الوت قريبة من أنفها‪...‬‬
‫مرت الشهور وأحوال السرة هادئة‪ ،‬إل حدود سنة ‪ ،1996‬حيث سينل خب صاعقة آخر على‬
‫عائلة الجاطي‪ ...‬ففتيحة مصابة برض آخر هو داء السل الرئوي العدي‪ ،‬وتلك حكاية أخرى‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫كان لبد لفتيحة أن تبتعد عن زوجها وعائلتها بكم أنا مصابة برض معدي‪ ،‬ما اضطرها إل الكوث‬
‫لدة شهرين لدى بعض أفراد عائلتها بنطقة بنسليمان‪ .‬أصيبت بإرهاق وهزال شديدين‪ ...‬وصارت‬
‫حالتها تتحسن بعد فترة نقاهة طويلة ابتعدت فيها عن ابنيها وزوجها‪ ،‬ث عادت بعد أن استردت شيئا‬
‫من قوتا‪.‬‬
‫عادت «أم آدم» إل كنف أسرتا الصغية بعد نازلة الرض‪ ،‬وجلست تتفقد أحوالم ف هدوء تام‪.‬‬
‫وذات يوم رن هاتف البيت‪ ،‬رفعت السماعة فوجدت أحد أصدقاء زوجها يسأل عنه‪ .‬ل يكن كري ف‬
‫البيت‪ ،‬بل كان ف زيارة إل بيت والديه‪ ،‬لذلك طلبت فتيحة من التصل أن يبحث عنه هناك‪.‬‬
‫كان لصديق كري عرض سفر إل الوليات التحدة المريكية‪ ،‬تقول «أم آدم»‪ ،‬لكنه ل يكن معتادا على‬
‫السفر‪ ،‬لذلك طلب من كري مرافقته مقابل أن يدفع له ثن التذكرة ومصاريف السفر‪.‬‬
‫ل يد كري صعوبة ف إقناع زوجته بالسفر‪ ،‬فقد كانت معتادة على سفره وغيابه‪ .‬وف أوائل سنة‬
‫‪ ،1997‬رحل الجاطي وحل بنيوجرسي رفقة صديقه‪ ،‬اتصل بعائلته مرة واحدة ث انقطعت أخباره‪،‬‬
‫وحت صديقه نفسه صار يبحث عنه دون أن يعثر له على أثر‪ .‬عادت الشكوك تنهش قلب «أم آدم»‬
‫نتيجة غياب زوجها‪ ،‬الذي مرت فترة طويلة دون أن تسمع عنه خبا‪.‬وف غضون ذلك‪ ،‬تكنت فتيحة‬
‫من إياد عمل ف مال الرسم الذي تعاطت له خلل فترة النقاهة‪ ،‬وصارت لوحاتا مطلوبة من قبل‬
‫بعض الصديقات والعارف‪ .‬واستطاعت توفي متطلبات أسرتا الصغية ف ظل غياب الزوج‪ ،‬كما‬
‫تكنت من أداء مناسك الج لول مرة ف حياتا رفقة عمها‪.‬‬
‫عادت «أم آدم» من الديار القدسة‪ ،‬وبعدها بدة قصية عاد كري بطريقة مفاجئة كعادته‪ .‬فرح وارتياح‬
‫وغبطة‪ ...‬انتابت قلب فتيحة وصغييها لعودة الب‪ .‬وعلمت بأن زوجها ل يكث ف أمريكا طويل‪،‬‬
‫فقد رحل إل أفغانستان ف تربة هي الثانية من نوعها‪.‬‬
‫عاد الجاطي إل العسكر نفسه الذي تلقى فيه تدريبه العسكري‪ ..‬وجد مقاتلي ومدربي جددا غي‬
‫الذين التقاهم خلل رحلته الول هناك‪ ...‬كل شيء تغي‪ .‬لمت «أم آدم» زوجها كثيا على عودته‬
‫من هناك‪ ،‬لكنه أقنعها بأن حنينه إل أسرته هو ما جعله يعود إل الغرب‪ ،‬وأسر لا بأنه يريد أخذها‬
‫وأطفاله إل أفغانستان‪.‬‬
‫ل تكن الفكرة سهلة‪ ،‬وكانت أيضا تتطلب أموال كثية‪ ،‬الشيء الذي جعل الجاطي يقترح على زوجته‬
‫أن يعود إل العمل ف أمريكا‪ ،‬فالعمل ‪-‬تقول‪ -‬متوفر هناك‪ ،‬حيث عمل كري ف مزرة إسلمية بأجر‬

‫‪18‬‬
‫مترم‪.‬‬
‫ف سنة ‪ ،1998‬اقترح كري على والده إقامة مشروع مزرة إسلمية بالوليات التحدة المريكية‪،‬‬
‫فقبل والده بالفكرة‪ ،‬واقترح عليه مرافقته إل هناك لعاينة المور عن كثب‪ .‬وعند حلولما بأمريكا‬
‫اكتشف والد كري بأن إقامة مزرة هناك ل يتطلب أموال كثية‪ ،‬فاقتنع بالفكرة‪ ...‬وعاد الب فيما‬
‫بقي كري هناك‪ ،‬لكنه اختفى من جديد وانقطعت أخباره‪.‬‬
‫خنت فتيحة بعد اختفاء زوجها أن يكون قد عاد إل أفغانستان‪ ...‬مرت فترة قصية وعاد‪ ،‬لتصدق‬
‫تميناتا‪ ...‬فقد كان فعل ف أفغانستان‪.‬‬
‫«هذه آخر مرة أسافر فيها بدونك وبدون الولد»‪ ،‬قال كري ماطبا زوجته‪ ،‬فقد آل على نفسه أل‬
‫يغادر الغرب بدون أسرته‪ ،‬ما اضطره إل الكوث به على مضض منذ ‪ 1998‬إل غاية ‪.2001‬‬

‫اقترح الجاطي على زوجته أن ينتقل للعيش ف إحدى القرى البسيطة بنواحي وزان حت تعتاد على‬
‫الياة البسيطة بعيدا عن الياة السلسة الت كانت تعيشها ف الدينة‪ .‬صارت «أم آدم» تكنس وتطبخ‬
‫وتغسل اللبس‪ ..‬عاشت السرة ف بيت بسيط من طي بدون كهرباء ول ماء‪ .‬تقول «كانت تربة‬
‫مهمة أفادتن كثيا خلل معايشت لفترة الرب ف أفغانستان»‪.‬‬
‫ف تلك الفترة‪ ،‬اشتغل الجاطي ف مــجال التجارة‪ ،‬حيث كــان يـــتاجــر ف‬
‫بعـــض الـــواد الغذائيـــة‪ ،‬وأساسا الزيت والعسل‪ ،‬إذ ل يـــكن يقبل‬
‫«القـــيود» ف وظــيفة رســـمية والشتغال ف مكــان متلط‪.‬‬
‫ل يكن الجاطي ف حياته يقبل الختلط‪ ،‬تقول زوجته «كنت أستقبل صديقات بالبيت كما كان هو‬
‫يستقبل أصدقاءه‪ ،‬لكن دون أن أراهم ول هو يرى ضيفات‪ ،‬إل ف حالت خاصة جدا إذا استدعتها‬
‫الضرورة‪ ..‬وحت إن حصل ذلك‪ ،‬فإنه يكون من وراء حجاب»‪.‬‬

‫ظلت «أم آدم» تتمن السفر إل أفغانستان لسنوات‪ ،‬لكن أكب عائق واجهها هو والدتا الريضة‬
‫بالسرطان‪ ،‬فقد كانت تشى السفر وتركها وحيدة‪.‬‬
‫ظل عمل كري متقطعا‪ ،‬الشيء الذي جعل حاته تقترح عليهما السفر إل الارج والعمل هناك بكم‬
‫جنسيته الفرنسية‪ .‬رفضت فتيحة ف البداية‪ ،‬لكن والدتا أصرت على المر‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ل ينتظر الزوجان الجاطي طويل بعد إذن والدة فتيحة لما بالسفر حت أعدا العدة لذلك‪ ..‬ليس إل‬
‫أوربا الت اقترحتها الم من أجل العمل‪ ،‬ولكن إل أفغانستان‪ .‬ل تستطع زوجة الجاطي أن تفصح‬
‫لوالدتا عن وجهتها‪ ...‬فقد كان أمرا عسيا‪ ،‬فاكتفت بالقول «إننا ذاهبان لنعيش هناك»‪.‬‬
‫كان الوداع صعبا‪ ...‬أحست فتيحة بأنا لن ترى أمها مرة أخرى‪.‬‬
‫بدأت ترتيبات السفر ف يوليوز من سنة ‪ ،2001‬وغادر الزوجان رفقة ابنيهما آدم وإلياس أرض‬
‫الغرب ف ‪ 17‬يوليوز ‪ ،2001‬بعد حصولما على التأشيات‪.‬‬
‫كان الميع ير إل أفغانستان عب باكستان‪ ،‬خاصة أيام حرب الروس‪ ،‬وكري الجاطي نفسه كان يصل‪،‬‬
‫خلل رحلته الول إل أفغانستان من أجل التدريب‪ ،‬عب باكستان‪ .‬لكن طريق باكستان ل يعد آمنا‪،‬‬
‫فاضطرا إل الرور عب إيران‪ ،‬ما استوجب الصول على تأشية الدخول إل هذا البلد‪.‬‬
‫حصلت «أم آدم» على تأشية ولوج إيران ف ظرف ‪ 24‬ساعة‪ ،‬فيما تطلب حصول كري عليها وقتا‬
‫ل يقل على أسبوعي من أجل الصول على موافقة خاصة من طهران‪ .‬تقول «كان جواز سفر زوجي‬
‫الفرنسي يسهل حصوله على جيع التأشيات باستثناء تأشية إيران‪ ...‬ول يكن لدينا الصب الكاف‬
‫للنتظار إل حي حصوله على التأشية‪ ،‬فاخترنا العبور عب أوربا‪ ،‬وانطلقنا بالتال إل إسبانيا عله يصل‬
‫عليها هناك»‪.‬‬
‫انتاب فتيحة خوف كبي خلل مراحل السفر من أن يدث ما ينع وصولا إل أرض أفغانستان‪..‬‬
‫وصارت تدعو ال أن يعجل بوصولا إل هناك‪.‬‬
‫خرجت السرة من باب سبتة عب الب‪ ...‬كان العبور سهل‪ ،‬ما جعل الزوجي يشعران بنوع من‬
‫الرتياح‪ .‬وقضت السرة ليلتها ف الزيرة الضراء لن آخر باخرة كانت قد عبت الدود‪.‬‬
‫ف الصباح الباكر‪ ،‬ركبت السرة أول باخرة‪ ..‬انتاب آدم وإلياس فرح كبي لنما يغادران الغرب‬
‫لول مرة‪ .‬ظل الصغيان يتتبعان الدلفي وهي تداعب زرقة مياه البحر البيض التوسط بغبطة كبية‪،‬‬
‫فيما كان البوان يستنشقان طراوة الو علها تزيدها صبا حت الوصول إل مبتغياها‪.‬‬
‫كانت «أم آدم» تعب أوربا وقلبها يسبقها إل ملكة الهاد بأفغانستان‪ ...‬كان يطوي السافات‪ ..‬يتخطى‬
‫أوربا‪ ،‬ويترق الدروب‪ ،‬ويط خيالا الفرط وسط قرى ودور أفغانستان التناثرة بي البال‪ ...‬عاشت‬
‫حنينا مفرطا لرض أحبتها قبل أن تطأها قدماها‪.‬‬
‫وصلت السرة إل مدريد‪ ،‬وكان لكري موعد مع أحد الصدقاء الذي أخذه وأسرته إل بيته‪ .‬كان‬

‫‪20‬‬
‫صديق كري متزوجا بإسبانية مسلمة ومنقبة‪ .‬ومكثوا لديهم حوال عشرة أيام‪ ،‬ف انتظار حصول كري‬
‫على تأشية الرور إل إيران‪ ،‬غي أن هذا المر كان صعبا بإسبانيا أيضا إذ تطلب النتظار حوال‬
‫أسبوعي‪ ...‬تاما كما ت إخباره ف الغرب‪.‬‬
‫كان نشاط الخابرات السبانية ف تلك القبة مكثفا‪ ،‬حيث كثرت الداهات واعتقل الكثي من‬
‫الشخاص‪.‬‬
‫فكر كري ف الرور عب باكستان كما ف السابق‪ ،‬لكن المر كان مغامرة مفوفة بالخاطر‪ ...‬وفكر أيضا‬
‫ف العبور بأوراق مزورة‪ ،‬كما كان يفعل بعض القاتلي الشباب‪ ،‬لكنه ل يكن وحيدا‪ ،‬بل كانت معه‬
‫أسرته‪ ...‬الشيء الذي جعله يسقط هذه الفكرة من دائرة خياراته‪ ...‬وظل الرور عب إيران هو الل‬
‫النسب‪.‬‬
‫ذات صباح باكر رن الاتف‪ ..‬السفارة اليرانية بإسبانيا تطلب من كري الجاطي الضور من أجل‬
‫تسلم تأشيته‪ .‬كانت الفرحة أكب من أن ينتظر كري ثانية أخرى دون حجز أماكن بالطائرة الت ستقله‬
‫من مدريد إل طهران عب ميلنو اليطالية‪.‬‬
‫غادرت السرة مدريد صوب طهران‪ ،‬غي أن الطائرة تأخرت ما اضطر السرة إل قضاء الليلة ف‬
‫ميلنو إل اليوم الوال‪ .‬وخلل تلك الرحلة‪ ،‬ضاعت حقيبة أم ءادم‪ ،‬الت كانت با بعض الشياء‬
‫الاصة وبعض اللبسة الغربية الت أرادت الحتفاظ با‪.‬‬
‫ف اليوم الوال استقلت السرة الطائرة من ميلنو إل فرانكفورت‪ ...‬وكان التنقل من طائرة إل أخرى‬
‫يثي الصغيين آدم وإلياس اللذين ل يعتادا على السفر عب الطائرة‪ .‬وبقي الميع ف مطار فرانكفورت‬
‫لساعات إل أن حطت الطائرة الت ستقلهم إل طهران‪.‬‬
‫كانت الرحلة طويلة‪ ...‬حل الليل‪ ...‬وتسرب العياء إل الجاطي وزوجته وابنيه اللذين‪ ...‬صارت «أم‬
‫آدم» تتعقب بعيون متعبة خيوط النور النبعثة من شوارع طهران عب نافذة الطائرة‪ ...‬فطنت إل أنا‬
‫مدينة كبية‪ ،‬ول تستفق من عالها الكتشاف إل على صوت زوجها يبها بأن الطائرة حطت بطار‬
‫طهران الدول‪.‬‬
‫فجأة ستقف الم على مشهد استثنائي‪ ...‬كانت الطائرة تقل نساء أوربيات كثيات‪ ...‬وما إن وصلن‬
‫إل الطار حت فتحن حقائبهن الصغية من أجل إخراج خار لتغطية شعورهن‪ .‬استغربت زوجة الجاطي‬
‫كثيا للمر‪ .‬تقول «بدأت أفكر كيف استطاعت هذه الدولة أن تفرض على نسوة أوربيات أن يضعن‬

‫‪21‬‬
‫المار على رؤوسهن هناك»‪.‬‬
‫وفيما اضطرت النساء الوربيات إل وضع مناديل صغية على رؤوسهن‪ ،‬اضطرت زوجة الجاطي إل‬
‫خلع النقاب الذي ارتدته سنة ‪ 1994‬من أجل أن تر رحلتها عب أوربا بأمان‪ ،‬كما أن إيران دولة‬
‫شيعية‪ ،‬وأقليات بسيطة من السنيي هي من تضع نساؤها المار بالطريقة الت تضعه با «أم آدم»‪.‬‬
‫تقول «كان أمرا صعبا بالنسبة ل أن أخلع النقاب‪ ..‬لكن كان من الفروض أل نثي النتباه حت نصل‬
‫إل بر المان‪ ...‬وكنت أصب نفسي بأن الوصول إل أفغانستان سيقين شر خلع النقاب مرة أخرى‪،‬‬
‫كما اضطر زوجي بدوره إل حلق ليته حت نبدو أسرة عادية ونبعد عنا الشكوك»‪.‬‬

‫ل نستطع تغيي الغرب فهاجرنا إل أفغانستان‬

‫وصلت أسرة الجاطي إل هيات‪ ،‬وكانت مفاجأة أم آدم كبية وهي تعاين العمارات الشاهقة‬
‫والفيلت والطرقات والسيارات‪ ..‬فقد كانت ميلتها الصغية ترسم لا عالا خاصا بأفغانستان‪ ...‬عال‬
‫القرى والبدو وبيوت الطي الت رأتا ف الطريق‪ ،‬ول شيء غي ذلك‪.‬‬
‫تقول أم آدم «ل يادل اثنان ف أن الكثيين يلمون بالعيش ف أوربا‪ ،‬ونن مررنا بأوربا من أجل‬
‫الوصول إل أفغانستان على الرغم من أنا دولة بسيطة‪ ،‬فقد سعنا بأن هناك دولة تطبق شرع ال‪ ..‬دولة‬
‫الجاب فيها واجب‪ ...‬ونن ل نستطع تغيي الغرب لذلك هاجرنا إل أفغانستان‪ ،‬ومن حق كل إنسان‬
‫أن يهاجر إل بلد آخر بثا عن راحته وعن ظروف عيش أحسن‪ ،‬كل حسب أهدافه ف الياة‪...‬‬
‫وبالنسبة لنا كنا مستعدين للعيش ف قرية ف أفغانستان ولكن تت مظلة شريعة الرحن»‪.‬‬
‫وصلت السرة إل مدينة هيات الدودية‪ ،‬وبالضبط إل بيت وال هيات‪ ،‬لكن هذا الخي ل يكن‬
‫موجودا ما اضطر معاونيه إل الطلب من سائق الطاكسي أن ينقلهم إل فندق ماور إل حي حضور‬
‫الوال‪ .‬تقول فتيحة «كان فندقا جيل ونظيفا به حام ومسبح»‪.‬‬
‫صارت أم آدم بعد خلودها للراحة تطل على أفغانستان من النافذة‪ ...‬تتعقب الارة‪ ،‬وخصوصا النساء‬
‫اللوات يوحدهن التشادور والرجال باللباس الفغان‪ ...‬صارت تدعك عينيها لتتأكد من أن ما تراه‬
‫حقيقة وليس حلما جيل‪ ،‬تقول‪.‬‬
‫إل جانب الفندق كان هناك سوق شعب‪ ...‬خرج أبو إلياس رفقة ابنيه ف رحلة استكشافية للمدينة‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫وبعد فترة قصية عاد يمل أوراقا نقدية كثية‪ .‬ذهلت زوجته لا رأت النظر‪ .‬تقول «كانت أوراقا‬
‫نقدية زرقاء تشبه ‪ 200‬درهم مغربية‪ ..‬كانت أموال كثية‪ ..‬سبع رزم تقريبا‪ ،‬ولا سألته ضحك‬
‫ساخرا وأجابن بأن كل هذا الكم من النقود ل يتجاوز ‪ 200‬دولر‪ ،‬لن قيمة العملة الفغانية‬
‫متدنية جدا»‪.‬‬
‫كانت متطلبات الياة غي مكلفة بأفغانستان‪ ...‬الفندق بـ ‪ 10‬دولرات لليلة وعشاء فاخر بـ ‪2‬‬
‫دولر‪..‬‬
‫بقيت أسرة الجاطي ف هيات لدة ثلثة أيام ل تغادر خللا أم آدم الفندق لنا كانت قد أضاعت‬
‫حقيبتها ول تبق لديها ملبس كافية‪ .‬تقول «اشترى ل أبو إلياس التشادور‪ ،‬وهو اللباس الفغان‪ ...‬وف‬
‫هيات كانت النسوة يلبسن اللوان لكن ف كابل كل النساء يرتدين اللون الزرق»‪ .‬واشترى كري‬
‫الجاطي لباسا أفغانيا لنفسه ولبنيه‪ ،‬لنه من الضروري اللتزام بنوع واحد من اللباس هناك‪.‬‬
‫كان يفترض أن تستقل السرة طائرة من هيات باتاه كابل‪ ،‬لكن كري الجاطي كان له رأي آخر‪،‬‬
‫بيث فضل الرور عب قندهار من أجل السلم على الشيخ أسامة بن لدن وبعد ذلك متابعة السفر‪.‬‬
‫تقول أم آدم «كلنا حبذنا الفكرة وفرحنا لذلك»‪.‬‬
‫ف الصباح الباكر استقلت السرة سيارة أجرة‪ ..‬وبعد صلة العصر حطت أسرة الجاطي الرحال‬
‫بقندهار‪ .‬كانت ممل الطرقات غي معبدة والسور مهدمة جراء الغزو الروسي الذي كان على‬
‫أفغانستان‪ ..‬وعلى الرغم من كل ذلك فإن الفغان يسوقون بسرعة جنونية إل أن ترتطم رؤوس‬
‫الراكبي ف بعض الحيان بسقف السيارة‪ .‬توقف السائق لبعض الوقت من أجل تناول وجبة الفطور‪...‬‬
‫كان القهى عبارة عن فضاء واسع ليست به طاولت ول كراس‪ ..‬فقط كان هناك حصي على الرض‪.‬‬
‫بقيت أم آدم ف الطاكسي‪ ،‬حيث تناولت فطورها هناك‪ ،‬فيما نزل كري وولداه إل القهى‪.‬‬
‫وصلت السيارة إل قندهار‪ ..‬وظل كري يبحث عن فندق ليمكثوا به‪ .‬وقف أمام فندق صغي وسأل‬
‫شابا خرج منه أين يكنه أن يلتقي أسامة بن لدن‪ ،‬فأجابه بأنه ليس ف قندهار وإنا ف كابل‪.‬‬
‫كانت أول أسرة تعرفت عليها أسرة الجاطي ف أفغانستان أسرة ينية الصل‪ ،‬فقد استقبلت أسرة كري‬
‫من قبل هذه السرة‪ .‬كان الزوجان شابان يافعان‪ ..‬والزوجة حامل بولودها البكر‪ ..‬واستقبل أسرة‬
‫كري استقبال حارا كمقاتلي جدد التقوا ف عاصمة الهاد‪.‬‬
‫بعد مرور أيام تعرفت أم آدم على أسر أخرى وتوطدت علقتها بنسوة كثيات اقترحن عليها العيش ف‬

‫‪23‬‬
‫قندهار‪ ،‬لكن ردها كان بأنا ستسافر وزوجها وابناها إل كابل من أجل لقاء الشيخ أسامة بن لدن‪.‬‬
‫دام مقام أسرة الجاطي بقندهار حوال ثلثة أيام‪ ،‬وف صباح اليوم الرابع غادروا صوب كابل‪ .‬بعد‬
‫صلة العصر وصلت السرة إل هناك‪ ...‬كان السفر متعبا جدا‪...‬‬
‫بدت كابل مدينة جيلة‪ ...‬الو كان لطيفا ودافئا عكس قندهار الت كانت با حرارة مفرطة‪ .‬كانت‬
‫الحياء أنيقة ونظيفة‪ ،‬تقول أم آدم‪.‬‬
‫كان أول حي استقرت به السرة يمل اسم «وزير أكب خان»‪ ،‬وهو حي راق يشبه إل حد كبي حي‬
‫الوزير بالدار البيضاء‪ ،‬من حيث الطراز العماري للفيلت وشكل الزقة والدائق‪ ...‬ربطت أم آدم‬
‫علقات كثية مع اليان‪ .‬تقول «ف أفغانستان اليان أهل‪ ..‬بيث يكن لي جار أن يدخل بيت‬
‫جاره حت ف غيابه‪ ،‬وهم يعيشون كأنم عائلت‪ ...‬ليست هناك حواجز‪ ،‬فنحن نأكل متمعي والطفال‬
‫يلعبون بشكل جاعي»‪.‬‬
‫ف كابل كانت هناك مطاعم با أمكنة خاصة بالنساء‪ ،‬حيث يكنهن خلع النقاب‪ ،‬وهو أمر‪ ،‬تقول أم‬
‫آدم‪ ،‬نفتقده ف الغرب‪ ،‬وحت ف الخادع الاتفية هناك أيضا أمكنة خاصة بالنساء‪ ،‬وبالتال فإن الرأة‬
‫هناك غي ملزمة بالبقاء منقبة طوال الوقت‪ ،‬والشيء نفسه ف الستشفيات‪ ،‬حيث تلع الطبيبات‬
‫والمرضات نقابن بكم أن الكان التواجدات به ل يدخله الرجال‪.‬‬
‫كان من السهل جدا على أي كان أن يلتقي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لدن‪ .‬وتقول أم آدم «كل‬
‫ما كنا نعرفه عن بن لدن كان من خلل ما طالعناه عب الصحف والكتب وحربه ضد الروس ف أيام‬
‫الرب على أفغانستان‪ ،‬وأنه نذر حياته ف سبيل ال واستطاع أن يقول لمريكا ما ل تستطع قوله‬
‫حكومات لا دول وطائرات ودبابات‪.»...‬‬

‫التقيت خالد الشيخ ف قندهار‪ ..‬وبوش هو من استقطب كري لصفوف القاعدة‬

‫عادت أم آدم وولداها إل قندهار فيما رحل كري الجاطي إل كابل من أجل القتال‪ .‬وف قندهار‬
‫ستنفتح الزوجة الغربية على حياة أخرى جديدة‪ ...‬حياة وسط تنظيم مطلوب رأسه من طرف «أقوى»‬
‫دولة ف العال‪ ...‬تنظيم أعضاؤه متعددو النسيات‪ ..‬تقول‪« :‬ف قندهار عشنا ف حى القاعدة‪..‬‬
‫والقاعدة لا قدرة على استقبال الوافدين عليها وأبنائهم والتكفل بم دون معرفة أصولم‪ ..‬احتضنونا‬

‫‪24‬‬
‫بسهولة لدرجة ل يكن التصديق أن تنظيم القاعدة الذي يقوم بعمليات بتلك الدة والسرية يكن أن‬
‫يكون أفراده بذه الطيبة‪ ...‬نعم هكذا تعاملوا معنا‪ ...‬فنحن عندما خرجنا من أفغانستان خرجنا مع‬
‫القاعدة الت اهتمت بالنساء والطفال ف غياب الزواج‪ ...‬وكل الشباب الوافدين تلقنهم منذ الوهلة‬
‫الول لوصولم دروسا ف التفخيخ أو التفجي عب الاتف أو عب الريوت كنترول‪ ...‬إذ ليست لدى‬
‫القاعدة عقدة البايعة من أجل السكن أو التدريب‪ ...‬ولذلك فإن الشباب ينبهر بطريقة التعامل‬
‫والترحيب‪...‬‬
‫ونن عشنا فترة طويلة بدون أزواجنا هناك مع القاعدة‪ ..‬كانوا يتكفلون بأطفالنا‪ ..‬وكان هناك إخوة‬
‫مطلوبون دوليا يسهرون عليهم ويأخذونم للتنه»‪.‬‬
‫كان بعض أعضاء التنظيم يمعون الرسائل الرغوب إيصالا إل زعيم القاعدة أسامة بن لدن من طرف‬
‫الفغان وجيع العائلت العربية هناك‪ .‬ول تترد أم آدم ف خط رسالة سريعة وجهتها باسها‪ .‬وتقول «ف‬
‫هذه الرسالة عرفت بنفسي وأخبت الشيخ أسامة بأنن مغربية قدمت إل أفغانستان رفقة زوجي‬
‫وولديّ‪ ،‬وحددت له هوية زوجي‪ ...‬كما شكرته وهنأته ودعوت له بالتوفيق»‪.‬‬
‫عناصر القاعدة‪ ،‬تضيف السن‪« ،‬أناس يعيشون مثل غيهم‪ ...‬بينهم لمة قوية على الرغم من الرب‪،‬‬
‫وأغلبهم متزوجون‪ ،‬والقليل منهم فقط هم عزاب‪ ...‬يملون هم المة‪ ،‬وهمّ السلمي ف كل مكان»‪.‬‬
‫كان أبرز عناصر القاعدة الذين رأتم أم آدم ف أفغانستان ممد خالد الشيخ‪ ،‬الذي يعتب العقل الدبر‬
‫لضربات ‪ 11‬شتنب‪ ،‬وخاله رمزي يوسف هو الذي نفذ الضربة الول الت أوقعت جرحى دون أن‬
‫ينهار البن‪ ،‬وهو الن يقضي عقوبة سجن طويلة ف أمريكا‪.‬‬
‫بقيت فتيحة ف ضيافة تنظيم القاعدة إل أن غادرت أفغانستان ف ‪ 28‬نونب ‪ ...2001‬ل تقض‬
‫هناك إل أربعة أشهر فقط‪ ..‬أربعة أشهر بحطات وأحداث كثية و متسارعة واكتشافات أكثر‪ .‬تقول‬
‫«ل أحسها أربعة أشهر ولكنها كانت بالنسبة ل أربع سنوات‪ ..‬بل أكثر من ذلك»‪.‬‬
‫قبل سقوط كابل‪ ،‬تقول‪ ،‬حل شباب كثيون بأفغانستان من أجل إغاثة الرحى ودعم القاتلي‪ ..‬لكن‬
‫سقطت كابل وبعدها قندهار‪ ،‬معقل طالبان‪ .‬كان أبو إلياس يعمل ليل نار‪ ،‬مرابطا بطار قندهار ضمن‬
‫فرقة أبو مصطفى العراقي‪ ،‬وهي أول فرقة انضم إليها رسيا كري الجاطي‪ ...‬وأرّخت هذه الفترة بالتال‬
‫لنضمامه لتنظيم القاعدة‪ .‬تقول زوجته‪« :‬ل يكن زوجي يرغب ف النضمام إل أي تنظيم سواء القاعدة‬
‫أو غيه‪ ،‬لكن الرب هي من دفعه إل ذلك‪ ،‬إذ لول الرب لبقي مقاتل بدون انتماء‪ ،‬فمن استقطب‬

‫‪25‬‬
‫أبو إلياس إل القاعدة هو بوش‪ ..‬هي الرب على أفغانستان‪ ..‬فالقاعدة ل تفرض على أي كان أن‬
‫ينتمي إليها أو يبايعها بالقوة‪ ...‬فقد وجد نفسه وسطهم‪ ...‬ارتاح لم‪ ...‬وقرر النتماء إليهم‪ ،‬ول يبن‬
‫بالمر إل بعد مغادرتنا أفغانستان ووصولنا إل باكستان»‪.‬‬
‫بقيت السرة ف بيت كبي بقندهار‪ ...‬كان بثابة حصن به عائلت كثية تتكون من نساء وأطفال‪ ،‬أما‬
‫الرجال فكانوا ف الراسة‪ .‬وخلل فترات الستنفار كانت العائلت تعيش أوقات عصيبة‪ ،‬إذ تضطر‬
‫إل مغادرة مكان القامة صوب مكان آخر أو قرية قريبة كلما كان القصف شديدا على قندهار‪...‬‬
‫تقول أم آدم «عشنا القصف ودوي انفجارات الصواريخ والقنابل الت تمل بي ثناياها الوت والدمار‬
‫والريق‪ ...‬كان النوم منوعا فأزيز الطائرات كان أقوى من أن يعل جفوننا تلد للراحة‪ ..‬كنا ننتظر‬
‫الوت ف أية دقيقة وف أية ثانية‪ ...‬واكتفينا بالدعاء»‪.‬‬
‫رغم ظروف الرب‪ ،‬فوجئت أم آدم باستمرار العديد من النشطة ف أفغانستان‪ .‬فالفغان يرجون ف‬
‫الصباح لناز أشغالم ويذهبون للتسوق‪ ..‬كان أمرا غريبا بالنسبة لا‪ ،‬وعندما سألت عن المر ت‬
‫إخبارها بأنم اعتادوا على ظروف الرب بدءا بالروس وانتهاء بالمريكان‪.‬‬
‫حاولت زوجة الجاطي التعايش مع ظروف الرب وسط العائلت الت كانت معها‪ ...‬وطهت‬
‫الكسكس والصواريخ تغزو ساء قندهار‪ ...‬وعاشوا حياة خاصة على إيقاع القصف‪ ،‬الذي يزداد‬
‫قساوة كلما جن الليل‪.‬‬
‫تقلبت العائلت الرحّلة بي فيلت فخمة ف قندهار وبي بيوت من طي ف قرى ماورة بدون‬
‫مراحيض‪ ..‬تقول أم آدم «كنا إذا رغبنا ف قضاء حاجاتنا الطبيعية نذهب إل اللء بدون كشاف ول‬
‫مصابيح لنا تعطي إشارة للطائرات المريكية على أننا ف مكان معي‪ ...‬عشنا حياة صعبة لكننا‬
‫تقبلناها‪ ..‬وف فترة معينة عشنا ف فيل السفي الباكستان الذي غادر بعد أن سحبت العديد من الدول‬
‫اعترافها بكومة طالبان‪ ،‬وقد كانت فيل فخمة»‪.‬‬
‫استمر القصف على قندهار‪ ..‬وتلقت العائلت الرحلة خب مقتل أبو حفص الصري‪ ،‬زعيم الناح‬
‫العسكري لتنظيم القاعدة رفقة ‪ 20‬شابا آخرين ليلة رمضان‪ ...‬وهذا الب زاد من يقي العائلت بأن‬
‫القصف سيستمر كما كان له وقع خاص ف نفوس القاتلي‪...‬‬
‫عاشت أم آدم فترة بدون زوجها‪ ،‬وتقول «عاينت شابات صغيات من جنسيات متلفة فقدن أزواجهن‬
‫خلل الرب‪ ..‬كن يستقبلن الب شامات كالبال على الرغم من حداثة سنهن وبعدهن عن‬

‫‪26‬‬
‫أهاليهن‪ ...‬وأخريات فقدن أطفالن الصغار‪.»...‬‬
‫وف أواخر نونب من السنة نفسها‪ ،‬جاءت التعليمات بإخلء قندهار‪ ،‬وقد تزامنت تلك الفترة مع شهر‬
‫رمضان‪ .‬تقول زوجة الجاطي «عندما تلقيت الب عشت يوما من أتعس أيام حيات ‪ ..‬رفضت‬
‫النصياع للمر‪ ،‬وحاول زوجي وأحد الخوة إقناعي بأن أمريكا ستبيدنا بالقصف وأنه من البلدة أن‬
‫يبقى النسان تت مرمى الطائرات‪ ،‬وأخبان بأن الل ممد عمر ينتظر خروج الجاهدين العرب من‬
‫قندهار من أجل صعود طالبان إل البال‪ ..‬بكيت برقة لنه ل تكن لدي رغبة ف الغادرة‪ ...‬فأنا دخلت‬
‫أفغانستان حت ل أخرج منها مددا إل من أجل الج أو العمرة‪ ،‬لكن قدر ال وما شاء فعل‪ ...‬ومنذ أن‬
‫غادرنا قندهار ونن كاليتام على موائد اللئام‪.‬‬

‫قبل عودة الجاطي من معارك قندهار راجت أخبار عن قتله‬

‫بعد قندهار‪ ،‬رحلت أسرة الجاطي إل باكستان‪ ،‬ول يكن الروج من قندهار أمرا هينا لن الطريق‬
‫كانت ماصرة‪ .‬وقامت عناصر القاعدة بشر أزيد من ‪ 70‬عائلة عربية ف الشاحنات‪ ...‬كانت‬
‫الوامر صدرت بأن تغادر كل العائلت قندهار ف ليلة واحدة‪ .‬تقول أم آدم «كان خروجي من‬
‫أفغانستان على مضض‪ ..‬فأفغانستان ليست أجل ول أغن بلد ف العال‪ ،‬لكنن عشت با تت مظلة‬
‫شرع ال‪ ،‬وهذا ل يعن أنن أكفر الجتمعات السلمة لن الصل ف السلمي هو السلم‪ ،‬لكن‬
‫متمعاتنا ل تطبق شرع ال وتعيش ف حية مفرطة»‪.‬‬
‫كانت ليلة مقمرة‪ ،‬ورغم ذلك‪ ،‬تقول أم آدم «كانت أتعس ليلة ف حيات مثلما كان الدخول إل‬
‫أفغانستان أجل ليلة ف حيات‪ ..‬والروج من قندهار كان رهيبا جدا»‪ .‬كان العبور صعبا للغاية‪ ،‬إذ كان‬
‫مطار قندهار تت سيطرة القوات المريكية‪ ،‬وبالتال ل تكن الطريق آمنة‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‬
‫وصلت العائلت إل باكستان رغما عن الوليات التحدة المريكية الت تدعي مابراتا بأنا تعرف‬
‫دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء ف الليلة الظلماء»‪.‬‬
‫مرت العائلت بنسائها وأبنائها ف ليلة واحدة‪ ،‬فيما بقي الرجال لماية قندهار‪ .‬وأصبح العرب‬
‫مستهدفي‪ ،‬ما اضطرهم إل التظاهر بأنم أفغان فقراء عب ارتداء ألبسة رثة متسخة لدرء الشبهات‬
‫وعدم التلفظ بكلمة واحدة باللغة العربية‪ ،‬وإجبار الطفال الصغار على الشيء نفسه حت ل ينكشف‬

‫‪27‬‬
‫أمرهم‪ ...‬عاشت أم آدم ماضا عسيا‪ ...‬فقد كان الروج ف جنح الليل‪ ...‬وكانت قلوب العرب ف‬
‫حناجرهم خوفا من ذل السر‪ ...‬كان الوقت يتثاءب والعاناة تتضاعف‪ ...‬ولا بلغوا الدود‪ ،‬تقول أم‬
‫آدم «انصهر الميع ف دوامة من البكاء تسرا على مغادرة أفغانستان‪ ...‬فمنذ أن غادرناها ونن ف‬
‫الذل والطاردة»‪.‬‬
‫تسللت إل مسامع العائلت العربية فور دخولا إل باكستان ذبذبات موسيقية هندية منبعثة من بعيد‪،‬‬
‫وهذا المر كان منوعا ف أفغانستان من طرف حكومة طالبان‪ ..‬وكانت سيارات المن توب‬
‫الشوارع‪ ،‬وكان هذا المر باعثا على خوف العائلت العربية الرحلة‪...‬‬
‫وصلت العائلت إل مكان معي‪ ،‬وت استقبالا من طرف بعض العائلت الباكستانية‪ .‬كان استقبال‬
‫مترما‪ ،‬إذ وجدت العائلت طعاما جاهزا وأفرشة وأغطية ليواء العائلت العربية الرحلة من أفغانستان‬
‫بعد اندلع الرب‪ .‬وكانت بيوت بعض العائلت الباكستانية مفتوحة ف وجه العائلت الرحلة خلل‬
‫تلك الفترة‪ ...‬وبقي الميع مدة معينة ف قرى حدودية حت تؤمن الطريق ويف البحث عن بعض‬
‫العناصر‪.‬‬
‫كانت الوجهة الوالية مدينة كويتا الباكستانية‪ ...‬كانت انطلقة صعبة تزامنت مع وضع امرأتي‬
‫لولوديهما‪ ..‬صار الخاض ماضي‪ ،‬ليس فقط بالنسبة للمرأتي البليي‪ ،‬ولكن بالنسبة إل كل أفراد‬
‫العائلت القابعة هناك‪ ،‬إذ كان يلزمهم الرحيل ف تلك الليلة نفسها‪ ،‬وكان يب على الميع التحرك‬
‫بن فيهم الرأتان اللتان وضعتا صغييهما للتو وها ف حالة نفاس‪.‬‬
‫وسط أجواء يسودها الترقب والتوجس‪ ،‬رحلت العائلت العربية إل كويتا‪ ،‬ومنها إل كراتشي‬
‫الدودية مع جنوب أفغانستان‪ .‬كانت كراتشي مدينة كبية يفوق عدد سكانا ‪ 10‬مليي‪ .‬تقول أم‬
‫آدم «كنا نتنقل ف سيارات كثية‪ ،‬حيث نقف ف كل مرة عند نقطة معينة لننتقل من سيارة إل أخرى‪،‬‬
‫وذلك ف إطار الجراءات المنية‪ ،‬حيث ل يعلم أحد من السائقي إل أين سيأخذ زميله العائلت‪،‬‬
‫وظنت العائلت العربية أنه سيتم انتقالا على الطريقة نفسها‪ ،‬أي عن طريق السيارات‪ ،‬لكن الفاجأة‬
‫كانت كبية عندما ت نقلنا عب حافلت عادية با ركاب باكستانيون‪ ،‬وكان يلزمنا التزام الصمت‬
‫وعدم النطق بكلمة حت ل يُكتشف أمرنا عند نقاط التفتيش‪ ..‬والشيء نفسه بالنسبة للطفال‪ ..‬فقد‬
‫كان أمرا صعبا‪ ،‬بل صعبا للغاية»‪.‬‬
‫وصلت الافلة إل نقطة تفتيش‪ ،‬وكانت أم آدم تمل معها جواز سفرها وجواز زوجها أيضا‪ ،‬وإذا‬

‫‪28‬‬
‫اكتشف الفتشون أنا عربية فإن المر سيكون طامة كبى‪ .‬صعدت شرطيات متبجات إل الافلة من‬
‫أجل التفتيش‪ ...‬حاولت الفتشات الديث إل الركاب لكنهم ل ييبون‪ ...‬حاولن بكل اللغات‬
‫بالباشتو والوردو والفارسي‪ ،‬دون جدوى‪ .‬كانت اللسن ف تلك الثناء تلهج بالدعاء‪ ،‬تقول أم آدم‪.‬‬
‫ول تدأ النفوس إل بعد نزول الفتشات من الافلة‪.‬‬
‫كان الناخ باردا جدا ف كويتا‪ ،‬وتبعا لذلك كانت العائلت العربية ترتدي ثيابا صوفية دافئة‪ ،‬ومع‬
‫التوغل ف كراتشي صارت درجات الرارة تتصاعد‪ ...‬كانت مدينة كبية‪ .‬نزلت الوكب ليجد ف‬
‫استقباله سيارات خاصة نقلته إل فيلت خاصة با طعام وملبس وأفرشة‪ ...‬أحست العائلت الرحلة‬
‫ببعض الراحة وتسرب إليها شيء من السكون‪ .‬وتقول أم آدم «نن ل نكن نعرف تلك العائلت ول‬
‫أساء أفرادها‪ ،‬كما ل يعرفون هم أساءنا‪ ...‬ول نكن نعرف أيضا عناوين الحياء‪ ،‬وذلك حرصا على‬
‫سلمة الميع»‪.‬‬
‫كانت فترة القامة بباكستان عصيبة بعض الشيء‪ ..‬فقد كثرت الداهات واعتقل العديد من القاتلي‬
‫ورحلوا إل غوانتنامو‪ ،‬ضمنهم بن الشيخ الليب أمي معسكر خلدن وكذلك أبو زبيدة الفلسطين‪...‬‬
‫ومقاتلون آخرون غي معروفي‪ ،‬حيث إنم يعمدون إل تغيي أسائهم واستبدالا بأساء مستعارة درءا‬
‫للشبهات‪ ،‬وكان المر يطال الرجال والنساء معا‪ ،‬ففتيحة السن كان لقبها خلل رحلة أفغانستان هو‬
‫أم الدحداح‪.‬‬
‫دام مقام العائلت بباكستان حوال أربعة أشهر على مراحل‪ .‬فالرحلة الول‪ ،‬قضتها أم آدم رفقة‬
‫ولديها بدون زوجها‪ ،‬الذي بقي للقتال ف قندهار‪ ،‬ودامت مدة شهر كامل‪ .‬أما الرحلة الثانية فتميزت‬
‫بعودة أبو إلياس‪.‬‬
‫وقد ذاع خب قبل ذلك يفيد بأن كري الجاطي قتل‪ ،‬وتريث القاتلون ف إخبار زوجته بالمر بعض‬
‫الشيء‪ ،‬لكن تبي ف ما بعد أن الب كان مالفا للحقيقة‪.‬‬
‫اعتقال ف فنادق خس نوم‬

‫كانت أسرة كري الجاطي تعيش على نفقة تنظيم القاعدة ف قندهار خلل أيام الرب تارة‪ ،‬حيث ينح‬
‫الصروف والؤن لميع العائلت‪ ،‬تقول فتيحة‪ .‬كما ظلت القاعدة تتكفل بم بعد الترحيل إل‬
‫باكستان‪ ،‬وخلل هذه الفترة أيضا عاشت العائلت حياة مرفهة على نفقة القاعدة‪.‬عاد أبو إلياس إل‬

‫‪29‬‬
‫باكستان والتحق بأسرته هناك‪ ،‬لكن هذا المر كان له وقع خاص على زوجته الت تلقت الب بضيق‬
‫وحنق كبيين‪ .‬تقول «كون زوجي يرج من أفغانستان ويلحق ب ف باكستان فتلك مصيبة عظمى»‪.‬‬
‫كانت القوات المريكية ف تلك الفترة قد دخلت قندهار‪ ،‬تضيف «وهو ما جعلن أصاب بانتكاسة‬
‫حقيقية‪ ،‬فقندهار كانت آخر بقعة تكم بشرع ال‪ ...‬قد يتساءل البعض وماذا عن السعودية؟ لكن هذه‬
‫الخية ل يطبق فيها شرع ال إل على البنغاليي والباكستانيي‪ ..‬والبسطاء الذين يعملون هناك‪...‬‬
‫والال أن شرع ال يطبق على الغن والفقي‪ ..‬على المي والسي‪ ...‬والقوي والضعيف‪ .»...‬صارت‬
‫فتيحة السين تقلب أوراق الذاكرة بعيون باكية وهي تتحدث عن مغادرتا أفغانستان صوب‬
‫باكستان‪ ...‬تبحث عن خيوط لواصلة الكي بي ثنايا ميلة تعبة ومرهقة‪ ...‬لكن الدموع النسابة كانت‬
‫ف لظة ذروة أقوى من أن تترك مال لواصلة السرد التأن‪ ...‬صارت تبكي‪ ..‬تنتحب برقة بالغة‪..‬‬
‫وترسم رباطا وثيقا بي ما تسميه حياة العزة الت عاشتها ف حى طالبان وتنظيم القاعدة‪ ،‬وحياة الطاردة‬
‫والعاناة الت تكدر صفو أيامها الالية‪ ...‬وتدمي قلبها أكثر بسبب حالة طفلها الذي كان يافعا قبل أن‬
‫تتبعثر خيوط إدراكه على حي غرة‪ ...‬حاولت أن تد للكلم طريقا بي أني النحيب الارق‪ ،‬فصارت‬
‫مارج حروفها تقذف كلما‪ ...‬مقاطع غي مركبة وكأنا نوستاليا مسموعة‪ .‬تقول بأل «منذ أن غادرت‬
‫قندهار وأنا ف معاناة‪ ..‬عشت أياما سوداء‪ ..‬بكيت ف ذلك الوقت لكنن ل أكن أعرف ما ينتظرن‪..‬‬
‫فمنذ أن غادرت قندهار افتقدت المن والمان»‪ .‬تُمسك عن الكلم ف لظة عجز تام فاسحة الجال‬
‫لهات متتالية‪ ،‬ث استأنفت‪« :‬عشت الذل والوان‪ ..‬عشت التعذيب والقتل‪ ..‬حوربت ف أبسط‬
‫المور‪ ...‬ف أولدي‪ ...‬حت ف الواء الذي أستنشقه وف لقمة العيش‪ ..‬فكما كانت حرب الليج‬
‫مرحلة فاصلة بي حياة فتيحة التائهة وحياة فتيحة التحجبة اللتزمة‪ ،‬فإن سقوط قندهار كان فاصل بي‬
‫مرحلتي أساسيتي ف حيات»‪ .‬وأردفت قائلة «لكن قندهار لن تسقط‪ ..‬ستعود وستعود معها العزة‬
‫والكرامة‪ ..‬كان مناي أن أفديها بنفسي على أن تسقط ف يد المريكان‪ ...‬هم الن يريدوننا خانعي‬
‫مستسلمي‪ ،‬لكن أن لم ذلك‪ ..‬فلو كان الجاهدون الغاربة الذين حاربوا الستعمار الفرنسي ف زماننا‬
‫هذا لتموا بأنم إرهابيون‪ ..‬وأنا بلدي ليس الغرب وحده ولكن كل بلد تنطق فيه كلمة ل إله إل ال‬
‫ممد رسول ال‪ ...‬من الغرب إل جاكرتا‪ ...‬ومن أفغانستان إل السودان‪ ...‬وكم أكون سعيدة عندما‬
‫أتلقى خبا جيدا عن أحوال السلمي وتنفيذهم لبعض العمليات ضد العداء الحتلي‪ ،‬وف الوقت نفسه‬
‫أعيش أسوأ اللحظات كلما بلغن خب سيء عن أحوالم‪ ..‬ل يكنن أل أتفاعل مع إخوان السلمي‪،‬‬

‫‪30‬‬
‫فذلك أمر خارج عن طاقت ول يكنن أن أنزعه من قلب»‪.‬عاد أبو إلياس ملفا صدمة قوية بالنسبة‬
‫لزوجته الرحلة‪ ،‬فقد ظنت ف لظة شك أنه فر من ساحة العركة ليعود إليها وإل أبنائه‪ ،‬لكنه أفهمها‬
‫بأن المر يتعلق بأوامر تلقاها عندما كان ف خط النار المامي رفقة أعضاء الفرقة الت كان يشرف‬
‫عليها ضمن فرقة أبو مصطفى العراقي‪.‬كان خسة شباب من فرقة أبو إلياس مكلفي ف تلك الفترة‬
‫بالتسلل إل قرية كان با جنود أمريكان‪ ..‬كما كانت الرب على أشدها بعد معركة «غول أغا» الوال‬
‫للدارة المريكية‪ ،‬والذي صار ف ما بعد واليا لقندهار‪ .‬أسرّ أبو إلياس لزوجته بأن أوامر صدرت‬
‫وبثت من جهاز الخابرة «تالكي والكي» بضرورة النسحاب من مطار قندهار‪ ،‬وأن الوامر العسكرية‬
‫ل ترد‪.‬ت النسحاب تت جنح الليل‪ ..‬وف تلك الليلة قتل شباب كثيون‪ ،‬ضمنهم أبو مصطفى‬
‫العراقي قائد الفرقة الت انتمى إليها كري الجاطي‪ ،‬ف حادث اصطدام سيارتي‪ ...‬بعد ذلك‪ ،‬صعد أفراد‬
‫طالبان إل البال بعد أن أصدروا تعليماتم بضرورة إخلء كل القاتلي العرب لقندهار وأفغانستان‬
‫بصفة عامة تفاديا لرب إبادة متملة‪ ،‬ومن ث تولت الرب إل حرب عصابات انطلقا من‬
‫البال‪.‬بقيت عناصر قليلة من العرب ف أفغانستان‪ ،‬وعاد أبو إلياس إل باكستان‪ ،‬حيث عاش هناك ف‬
‫الظل رفقة أفراد أسرته‪ ...‬لكن المر ل يدم طويل‪ ،‬حيث صدرت أوامر أخرى بضرورة إخلء باكستان‬
‫هي الخرى لنا ل تعد مكانا آمنا لعائلت القاتلي العرب وأبنائهم‪.‬كانت الوجهة الثانية بعد باكستان‬
‫الت ل تعد مكانا آمنا هي إيران‪ ،‬الت مر منها الزوجان الجاطي ف طريقهما إل كابل‪ .‬استقلت‬
‫العائلت العربية الافلت ليل من أجل العودة إل مدينة كويتا الدودية‪ .‬وكان مقررا أن تقضي‬
‫العائلت ليلة واحدة ف كويتا ومن ث الدخول إل إيران‪ ،‬إل أن القام بذه الدينة الباكستانية الصغية‪،‬‬
‫خلفا لا كان مسطرا‪ ،‬دام أزيد من شهر‪ ،‬حيث اعترضت القاتلي وعائلتم مشاكل كثية ف إيران‪،‬‬
‫ذلك أن الخابرات اليرانية اعتقلت الكثي من النساء والطفال‪ ،‬تقول أم آدم‪« ،‬غي أن السلطات‬
‫اليرانية ل تعذب العتقلي‪ ،‬بل وضعتهم ف فنادق من خس نوم على حساب القاعدة‪ ...‬فقد كان‬
‫سجنا مرفها‪ ،‬فصل فيه الرجال عن النساء والطفال» مكثت العائلت العربية الرحلة مدة غي قصية‬
‫بكويتا ف انتظار الرور إل إيران‪ ،‬وف ناية الطاف استقر رأي السؤولي ف تنظيم القاعدة‪ ،‬تقول أم‬
‫آدم‪ ،‬على أن تعود بعض العائلت من كويتا إل كراتشي‪ ،‬لن الظروف ل تكن تسمح بالرور إل إيران‬
‫ف تلك الفترة العصيبة‪.‬عادت العائلت‪ ،‬طبقا للتعليمات الصادرة‪ ،‬إل كراتشي‪ ،‬وبقوا هناك حوال‬
‫شهر آخر‪ .‬وصارت كل عائلة تفكر ف وجهة أخرى مادام الوصول إل إيران صعبا‪ ،‬كما أن السؤولي‬

‫‪31‬‬
‫ف القاعدة صاروا يثون القاتلي على العودة إل بلدانم إل أن تدأ المور‪ ،‬غي أن العودة إل الغرب‬
‫كانت أمرا مستحيل وغي مقبول تاما‪ ،‬تقول أم آدم‪.‬‬
‫‪..................................................‬‬
‫‪..................................................‬‬

‫توقعت العتقال ف الدود الفغانية‪ ..‬وليس ف عيادة سعودية‬

‫وصلت فتيحة إل عيادة الطبيب رفقة الشخص الذي رافقها هو وزوجته‪ .‬ل تكن تعرف اسه القيقي‪،‬‬
‫كما ل يكن هو يعرف اسها واسم زوجها‪ .‬فالكل هناك ينادى بألقاب وأساء مستعارة‪ ،‬ذلك أن أفراد‬
‫تنظيم القاعدة يغيون أساءهم وألقابم باستمرار تسبا لي طارئ‪.‬دخلت أم آدم إل عيادة الطبيب‬
‫وخضعت للفحص‪ ...‬كانت تتبع نصائح الطبيب باهتمام بالغ‪ ،‬قبل أن يقطع عليها ابنها حبل التركيز‬
‫هامسا ف أذنا «أمي الخابرات‪ ...‬الخابرات»‪ .‬ظنت زوجة الجاطي أن ابنها يهذي من فرط ما عاشه‬
‫ف أفغانستان وباكستان ومن كثرة السفر والترحال‪ ...‬لكن الولد ل يكف عن الصراخ الذي اعتقدته‬
‫الم هذيانا عابرا‪ ...‬مابرات ف عيادة الطبيب‪ ،‬فعل هذا هراء‪ ،‬قالت ف نفسها‪ .‬لكن سرعان ما سيشد‬
‫انتباهها ركن من العيادة‪ ...‬انتباه منعها عن اللتفات بعنقها ف اتاه آخر من شدة الصدمة‪ ...‬رجال‬
‫بأقمصة بيضاء ولى طويلة يتوغلون باتاه الداخل‪ ...‬كان مشهدا رهيبا حقا‪ ...‬صارت تفك شفرات‬
‫صراخ ابنها ف تلك اللحظة‪ ..‬ل يعد مهما ذلك‪ ،‬فالهم ما هو الخرج‪ ...‬وعلى الرغم من كل ذلك ل‬
‫تعلم أنم هناك من أجلها‪ ...‬غادرت الكان ونزلت إل السيارة تنتظر قدوم الشخص الذي رافقها‬
‫وزوجته‪ ...‬ل تنتظر طويل حت اقترب منها أحدهم معرفا بنفسه بأنه ضابط من وزارة الداخلية‬
‫السعودية‪ .‬تقول فتيحة «ل تتسرب إل ذرة شك ف أنه يكن أن أعتقل من عيادة الطبيب‪ ...‬فلو‬
‫أحسست للحظة بأنم هناك من أجلي لكنت هربت ولا عدت إل السيارة أنتظر قدوم الخ العروف‬
‫بأب ريان خلف»‪.‬سأل الضابط السعودي أم آدم عن اسها‪ ،‬لكنها ل تب‪ ...‬أحست بأن الرض تيد‬
‫تت قدميها‪ ...‬كانت تنتظر العتقال ف الطار‪ ...‬ف أفغانستان‪ ..‬ف الدود‪ ،‬وليس ف عيادة الطبيب‪.‬‬
‫ث أُخذت أم آدم ومن معها ف سيارة الخابرات‪ ...‬وسرعان ما استسلمت السيارة القفلة بإحكام إل‬
‫سرعة الرياح‪ ...‬وصل العتقلون إل سجن الخابرات‪ ،‬العروف بسجن عليشة‪ ،‬ووضع كل عنصر من‬

‫‪32‬‬
‫العتقلي ف مكتب‪ ..‬الرجل وحده ف مكتب وزوجته ف مكتب آخر‪ ،‬وف الكتب الثالث أم آدم بينما‬
‫ابنها إلياس ف مكتب آخر‪ .‬تقول «كان الهم بالنسبة ل ف تلك الفترة هو زوجي وابن آدم وعدد من‬
‫الخوة الذين كانوا مستقرين ف مكان ما‪ ..‬خشيت أن يصلوا إليهم‪ ...‬فالسجن فتنة والسر‬
‫ذل»‪.‬حضر نوعان من الحققي للبحث مع أم آدم‪ ...‬أحدها بشوش طيب‪ ...‬والثان فظ غليظ‬
‫القلب‪ ..‬اختلطت الوراق لدى أم آدم واحتارت بي القرار بويتها القيقية والتشبث بأنا هي صاحبة‬
‫الواز الذي كانت تمله‪ ...‬وبي هذا وذاك كانت تفكر ف أنه يكنهم بنقرة واحدة على الاسوب أن‬
‫يكتشفوا أمرها‪ ...‬تقول «طلبت منهم أن يتركوا ل فرصة من أجل صلة الستخارة‪ ...‬فقد كنت‬
‫حائرة‪.»...‬تركز بث الحققي على سؤال واحد «مي اللي حجز لك؟»‪ ،‬كان هذا السؤال يصدر تارة‬
‫عن الحقق اللطيف‪ ..‬وتارة أخرى تتز أركان الغرفة على إيقاع صوت الحقق الخر الفظ وهو يسأل‬
‫السؤال نفسه‪ .‬ل تشأ أم آدم الكشف عن هوية الشخص الذي كان يجز لا لدى الطبيب‪ ..‬تقول «ل‬
‫أكن أعرف اسه القيقي‪ ،‬ث إنن ل أشأ أن أفصح عن اسه أو حت اللقب الذي كنت أعرفه»‪.‬ف ما بعد‬
‫اكتشفت أم آدم من خلل إعادة تركيب السئلة الوجهة لا أنا ل تكن هي الستهدفة ول حت زوجها‪،‬‬
‫بل شخص آخر يدعى خالد الهن الطلوب رقم ‪ 1‬ضمن قائمة الـ ‪ 19‬البحوث عنهم من طرف‬
‫المن السعودي‪ ،‬كما أنه كان على رأس لئحة الطلوبي لدى الخابرات المريكية لن صورته ظهرت‬
‫ف شريط من بي الشرطة الت ت استخراجها من تت النقاض ف قندهار خلل فترة الرب‪ ...‬وف‬
‫هذا الشريط ظهر خالد الهن الشاب ذو الثلثي سنة يمل سلح كلشينكوف ويقبله‪ ...‬كما ت‬
‫ضبط مكالة هاتفية بصوت خالد الهن‪ ،‬تفيد بأنه سيافق أم آدم عند الطبيب ف ساعة معينة من يوم‬
‫معي‪ ...‬لكن هذا الخي تلف عن الوعد ف ذلك اليوم‪.‬قررت أم آدم بعد أخذ ورد أن تب الحققي‬
‫بأنا ليست صاحبة الواز الذي تمله‪ ،‬وكشفت لم عن اسها القيقي‪ ..‬وحاولت كسب بعض الوقت‬
‫من أجل الكشف عن معلومات أخرى‪ .‬تقول «حاولت أن أخفي عنهم بعض العلومات‪ ..‬والشكلة أن‬
‫ابن كان برفقت‪ ،‬ولو ل يكن معي لكانت ل تصرفات ومواقف أخرى‪ ...‬لكنه كان الطعم الذي‬
‫اصطادون به»‪.‬استمر التحقيق ف ذلك اليوم إل غاية ساعة متأخرة من الليل‪ ..‬وكانت برفقة أم آدم‬
‫حارسة خاصة كانت ترتدي لباسا مشابا للباس أم آدم‪ ...‬ظلت أم آدم تتخيل الحتمال السوأ‪..‬‬
‫وصارت نفسية ابنها تتز مع طول ساعات التحقيق‪ ...‬أرهق الثنان‪ ..‬فتم اقتيادها إل غرفة الارسات‪.‬‬
‫تقول «كانت ظروف السجن ف تلك الرحلة مقبولة‪ ،‬حيث كانت هناك ثلجة وتلفزيون ودولب‪،‬‬

‫‪33‬‬
‫كما كان الكل فوق ما نتاجه»‪ .‬قضى إلياس الليلة رفقة والدته‪ ،‬وف اليوم الوال واصلوا التحقيق‪...‬‬
‫كان هم أم آدم ف ذلك الوقت أين يوجد ابنها وزوجها‪ ..‬وظلت تمل هذا الم لدة سنتي‪.‬ظل‬
‫التحقيق مركزا على معرفة الكثي من التفاصيل عن كري الجاطي وعن انتمائه للقاعدة‪ ،‬والرات الت‬
‫زار فيها أفغانستان والتدريب الذي تلقاه‪ ..‬ف البداية أنكرت أم آدم كل شيء‪ ،‬حيث قالت للمحققي‬
‫إن زوجها ل ينتمي إل القاعدة وإنه سافر إل أفغانستان مرة واحدة‪ ،‬كما أنكرت أن يكون قد تلقى أي‬
‫تدريب هناك‪ ...‬وبعد مرور أقل من أسبوع‪ ،‬أخب الحققون فتيحة الجاطي بأنم توجهوا إل البيت‬
‫الذي كانت تقيم فيه من أجل البحث عن زوجها‪ ،‬لكنهم ل يعثروا عليه‪ ،‬كما ل يعثروا على أي شخص‬
‫آخر‪ .‬تقول «ل يكن أن أصف لكم كم أراحن هذا الب‪ ،‬حيث سجدت ل شكرا»‪.‬ظل إلياس رفقة‬
‫والدته ف السجن طوال مدة العتقال‪ ...‬وف الرحلة الول تقول أم آدم «عاملونا بشكل جيد»‪ ،‬لكن‬
‫المور ستتغي ف الرحلة الثانية‪ ،‬والت كانت مرحلة حاسة‪ .‬وحاول الحققون أن يعرفوا تفاصيل كثية‬
‫عن كري الجاطي وعن خالد الهن‪...‬‬

‫كنت أسية فوق أرض الرسول لساب أمريكا‬

‫كان التحقيق ف سجون السعودية يستمر إل غاية ساعات متأخرة من الليل‪ ..‬حالة إلياس بدأت تسوء‬
‫شيئا فشيئا‪ .‬تقول أم آدم «كنا نسمع عن السجون ف السعودية وخاصة سجن الرويس بدة‪ ،‬حيث‬
‫قرأنا عنه الشيء الكثي عب شبكة النترنيت عندما كنا ف إسبانيا‪ ...‬لذلك كنا نتخيل السوأ»‪.‬أصيبت‬
‫فتيحة بالرهاق‪ ،‬إذ ل تكن تقوى‪ ،‬بكم مرض هشاشة العظام الذي كانت تعانيه‪ ،‬على اللوس مدة‬
‫طويلة‪ .‬وحاولت إقناع الحققي‪ ،‬الذين كانوا يدورون ف فلك واحد من السئلة الادفة إل البحث عن‬
‫تفاصيل عديدة تص زوجها وخالد الهن وبعض الساء الخرى الت عرضوها عليها‪ ،‬غي أنا ل تكن‬
‫تعرف كل العناصر الت التقتها من تنظيم القاعدة بأسائهم القيقية‪ ...‬حاولت إقناعهم بأنا ل تعد تقوى‬
‫على مواصلة التحقيق ف تلك الساعة التأخرة من الليل‪ ...‬وتبعا لذلك ت اقتيادها إل غرفة الارسات‬
‫حيث قضت الليلة هناك رفقة ابنها إلياس‪ .‬تقول «قضيت شر ليلة هناك‪ ،‬حيث بقيت بعباءت وبنقاب‪...‬‬
‫وسط خوف شديد»‪.‬ف تلك الفترة كانت معاملة الراس والحققي مع أم آدم لتزال مرنة‪ ،‬بيث‬
‫كانوا يضرون أكل كثيا‪ ..‬ول يبعدوا إلياس عنها‪.‬ف صباح اليوم الوال‪ ،‬استيقظت فتيحة وابنها على‬

‫‪34‬‬
‫أسئلة الحققي من جديد‪ ...‬كانت درجات الرارة قد بلغت أقصاها خلل تلك الفترة‪ ،‬ول تكن لديها‬
‫ملبس خفيفة لا ولبنها تلطف الرارة بالليل‪ ...‬تقول «كنت أسية فوق أرض الرسول لساب أعداء‬
‫ال»‪.‬صارت وتية التحقيق تتصاعد تارة وتتباطأ أخرى‪ ،‬بيث تستمر ساعات التحقيق إل أن يغزو‬
‫العياء جسد فتيحة وينهك قواها‪ ،‬وأحيانا أخرى يتركونا لالا لدة يومي أو ثلثة أيام تترقب‬
‫الديد‪ ..‬وصارت تاول ترتيب أفكارها وكلماتا واعترافاتا الت ستبوح با للمحققي‪ ...‬وبالوازاة مع‬
‫ذلك كانت صورة ابنها إلياس‪ ،‬الت بدأت تفت ألوانا‪ ،‬تنتصب صارخة أمامها‪ ،‬كما كانت صورة‬
‫الزوج كري الجاطي وآدم تكدر صفو بالا كلما قررت العتراف‪ ...‬فالعتراف بكل شيء كان يعن‬
‫بالنسبة لا ضرب كل سنوات الهاد ف أفغانستان وحلم استرجاع قندهار ف الصفر‪.‬كل ما كانت‬
‫تشاه ف تلك الفترة أن يعتقل ابنها وزوجها‪ ..‬فهذا المر جعلها تراوغ الحققي ف فترة معينة وتشح‬
‫ف تقدي العلومات الطلوبة إل أن تستقر على قرار‪ ،‬غي أن تأكيد الحققي أنم فتشوا بيتها دون أن‬
‫يعثروا على كري الجاطي وآدم هدأ روعها وأدخل شيئا من السكينة على قلبها الحتار‪ .‬تقول «عندما‬
‫تلقيت هذا الب صليت ركعتي وسجدت حدا ل الذي جنب زوجي وابن آدم شر وذل‬
‫السر»‪.‬توالت اليام دون أن تد أم آدم سبيل للحرية لا ولبنها‪ ...‬كان السجن تربة قاسية جديدة‬
‫بالنسبة لما‪ ،‬على الرغم من أنا تقلبت على أناط حياتية متلفة‪ ...‬على حياة الرفاهية والعز وحياة‬
‫التقشف والرمان‪ ..‬حياة الفيلت الفخمة‪ ..‬وحياة القرى العزولة‪ ...‬بل جربت النوم تت هدير‬
‫الطائرات والقصف التواصل تت ساء قندهار وكابل دون أن يتسرب إليها شيء من النفور‪ ،‬تقول‪،‬‬
‫لنا كانت مؤمنة با تفعل‪ ..‬لكن السر ذل‪ ،‬تضيف‪.‬حاولت زوجة كري الجاطي‪ ،‬عضو تنظيم القاعدة‬
‫البحوث عنه‪ ،‬التعايش مع نط حياة جديدة داخل سجن الرويس بالسعودية‪ ،‬فطول فترة التحقيق‬
‫وانقطاع الخبار عنها بصوص زوجها وابنها جعلها تس بأنا لن تغادر الكان قريبا فصارت بالتال‬
‫تاول التأقلم مع واقعها الديد‪ ...‬ل يكن المر سهل‪ ،‬لكنها حاولت خشية أن تنهار وتور قواها من‬
‫فرط التفكي ف ما تتعرض له‪ .‬ظل أبو ريان خلف وزوجته اللذان اعتقل رفقة أم آدم من مقر عيادة‬
‫طبيب العيون ها الخران ف السجن‪ ،‬لكن فتيحة ل تلتق بما أبدا‪ ،‬فقد ظلت رفقة ابنها ف زنزانة‬
‫معزولة لدة سنة كاملة من التحقيق‪.‬ارتاحت لطريقة تعامل الحققي والارسات‪ ،‬وظنت أن المور‬
‫ستستمر على نفس النوال‪ ،‬لكن سرعان ما ستبدأ مرحلة جديدة بواصفات أخرى بعيدة عما كان ف‬
‫السابق‪ .‬تقول «ف ما بعد فهمت أن لكل مرحلة مواصفاتا‪ ،‬وأن التحقيق معها مر بعدة مراحل‪ ،‬من‬

‫‪35‬‬
‫العادي إل الؤل القاتل»‪.‬على الرغم من أنه ل يكن السبب الكامن وراء اعتقال أم آدم‪ ،‬إل أن كري‬
‫الجاطي وسيته صارت مادة مغرية بالنسبة للمحققي الذين أرهقوا زوجته من أجل معرفة كل صغية‬
‫وكبية عنه‪ ،‬بل حت المور الت كانت تظنها زوجته تفاهات وتبوح با للمحققي‪ ،‬كانوا يعتبونا‬
‫مفاتيح لعدة ألغاز بالنسبة إليهم‪ ...‬لكنها تعبت كثيا ف التعرف على عدد من أعضاء تنظيم القاعدة من‬
‫الذين قدمت لا صورهم‪ ،‬بيث كانت تعرفهم بأساء وألقاب معينة‪ ،‬فيما كان الحققون يقدمونم لا‬
‫بأساء أخرى‪ .‬تقول أم آدم «كان القاتلون وعائلتم يضطرون إل تغيي أسائهم‪ ،‬فأنا مثل لو سأل عن‬
‫أحد ف السعودية تت اسم أم آدم لا عرفون لنن كنت ألقب هناك بأم أحد وف أفغانستان بأم‬
‫الدحداح‪ ،‬وهكذا‪ ...‬وتغيي اللقاب يكون خوفا من السر‪ ،‬فالذهاب إل أفغانستان كان أيام حرب‬
‫الروس مباحا‪ ،‬وكان الناس يقاتلون ف أفغانستان بشكل عادي‪ ،‬وكانت أمريكا توافق على المر‬
‫والشيء نفسه بالنسبة للسعودية وشيوخها الذين كانوا يضون على القتال هناك‪ ..‬ساعتها كان العدو‬
‫روسيا‪ ،‬لكن عندما صار العدو على نفس الرض وصار هو أمريكا‪ ،‬أصبح الهاد منوعا‪ ،‬بل إرهابا‪،‬‬
‫وصار الجاهدون إرهابيي والسفر إل أفغانستان جرية يأخذ أصحابا بالنواصي والقدام‪ ...‬الهم انقلب‬
‫كل شيء»‪.‬ظل الحققون يسايرون أم آدم لنتزاع الزيد من العلومات منها‪ .‬وتقول ف هذا الطار «ما‬
‫أبشع أن يكون النسان مبا على إفشاء أسرار غيه ف مكان تتكالب عليه فيه كل القوى الركزية‬
‫والدولية لساب جهة يعرفها الميع»‪.‬‬

‫عندما هددن السعوديون بإحالت على الحققي الغاربة‬

‫ل تعثر الخابرات السعودية على كري الجاطي‪ ،‬الذي صدرت بشأنه مذكرة بث دولية ووضع اسه‬
‫على قائمة الرهاب الدول رفقة عدد من عناصر تنظيم القاعدة‪ .‬كثرت أساء الطلوبي ف تلك الفترة‪..‬‬
‫ول تستطع زوجة كري أن تفيد الحققي وتساعدهم ف العثور عليه‪ ،‬لنا بكل بساطة ل تكن تعرف‬
‫مكان وجوده‪ ،‬تقول‪ .‬وتضيف «حدت ال كثيا لنن ل أكن أعرف مكان زوجي‪ ،‬لنه ل يستطيع‬
‫النسان أن يتكهن با سيفعل أو يقول تت الضغط»‪ .‬ومع توال اليام‪ ،‬تيقن الحققون أن أم آدم ل‬
‫تعرف فعل مكان وجود زوجها‪.‬كان عدد من عناصر تنظيم القاعدة الذين استقروا ف الرياض خلل‬
‫تلك الفترة قد توخوا حذرا شديدا‪ ،‬إذ صدرت تعليمات من التنظيم بالتزام البيوت والكف عن مارسة‬

‫‪36‬‬
‫مموعة من النشاطات تسبا لي طارئ‪ ،‬كما أن الملة المنية الدولية الت سادت ف تلك القبة‬
‫جعلت عناصر التنظيم تبتعد عن كل ما من شأنه أن يثي الشكوك‪ ..‬وبالتال عاشت أسرة الجاطي‬
‫خلل الفترة القصية الت أقاموا فيها بالديار السعودية ف الظل‪ ،‬حيث ل يفارق كري أسرته خلل تلك‬
‫الفترة‪ ..‬وعاش بدون نشاط ف انتظار التعليمات‪ ..‬تقول زوجته‪ .‬ذات صباح باكر‪ ،‬طلب الحققون من‬
‫فتيحة نزع النقاب لخذ صور لا لكنها رفضت ف البداية‪ ،‬لكنهم أرغموها على ذلك‪ .‬تقول برقة‬
‫«بكيت كثيا لنن أحسست بالهانة والذل وقلت لم إنن كنت أتوقع أي شيء إل أن ينع حجاب ف‬
‫أرض الرسول عليه الصلة والسلم‪ ..‬فقد كنت أعلم بأن تلك الصور لن يتفظوا با لنفسهم وإنا‬
‫ستبعث إل أمريكا وأوربا وإل الهات الربع بالعال‪ ..‬وبعد ذلك أخذت بصمات»‪.‬ث أخذت صور‬
‫لسليل كري الجاطي من كل التاهات والوانب كما أخذت بصماته‪ ..‬وعمره آنذاك ‪10‬‬
‫سنوات‪..‬بعد سلسلة من التحقيقات الت ل يرج خللا الحققون بعلومات كثية عما يريدون‪،‬‬
‫اضطروا إل الدخول ف مفاوضات ومساومات مع زوجة الجاطي‪ ..‬كان بعضها حبيا والخر يكتسي‬
‫طابع التهديد‪ .‬تقول أم آدم «كان بعضهم يقول ل أخبينا عن مكان زوجك ونن سنسأله بعض‬
‫السئلة البسيطة ث نطلق سراحه ونرحلكم إل أي مكان تريدون‪ ..‬وآخر يردد‪ :‬نن نتعامل معك‬
‫بالكتاب والسنة وليس خرابيط جنيف‪ ..‬إذن ساعدينا‪ ..‬فكنت دائما أرد بأنه ليس لدي ما أخبكم‬
‫به»‪.‬ف تلك الفترة‪ ،‬ت نقل أم آدم وابنها إلياس إل غرفة أخرى با مكيف‪ ..‬وأحضروا لعبا للياس‬
‫وثلجة وأكل كثيا وحلويات‪ ..‬تقول «عشنا ف سجن من خس نوم تقريبا ف تلك الفترة‪ ،‬لكن المر‬
‫سيتغي أيضا بعد أن اكتشفوا عنادي»‪.‬حاول الحققون أن يغروا أم آدم بالترحيل إل أي بلد تريد إن‬
‫هي دلتهم على مكان زوجها وبعض عناصر تنظيم القاعدة من البحوث عنهم‪ ..‬حاولوا بشت الطرق‬
‫البية‪ ،‬إذ ل يأخذوا منها إلياس وأحضروا كل متطلباتا ومتطلبات الصغي كخطوة من أجل أخذ عدد‬
‫من العلومات الت يرغبون ف الوصول إليها‪..‬وبعد أسابيع أخرجت أم أدم وابنها إلياس من زنزانتهما‬
‫بعد الظهر وت اقتيادها إل مكتب التحقيق‪ .‬رأت زوجة كري الحقق الشن‪ ،‬فمنذ مدة ل تره‪ ..‬ساعتها‬
‫أحست بأن اليوم سيكون صعبا وطويل للغاية‪ .‬انتظرت أن تسمع منه أي شيء‪ ..‬وصارت تفكر ف‬
‫أسوأ الحتمالت‪ ..‬كان أول سؤال نطق به «أين زوجك؟»‪ ،‬وكانت الجابة كالعادة «ل أعرف»‪ .‬ظل‬
‫الحقق الفظ يعيد السؤال نفسه بنبات متصاعدة دون أن يعي اهتماما كثيا لواب النفي الذي ظلت‬
‫تردده‪ ،‬فقد كان يعرفه مسبقا‪ ،‬كما كان قد هيأ اقتراحا قدمه لا بناء على الواب ذاته‪ .‬فالحقق طلب‬

‫‪37‬‬
‫من أم آدم أن تكتب رسالة سيتم نشرها على صدر الصفحات الول بعدد من الرائد السعودية تطلب‬
‫من خللا من زوجها أن يسلم نفسه‪ ..‬ل تفكر‪ ،‬بل ل تأخذ مهلة لتعد جوابا متكامل لترفض الطلب‪،‬‬
‫قائلة إن زوجها ليس مرما وبالتال فلن تطلب منه أن يسلم نفسه تت أي ضغط‪ ..‬ثار الحقق كإعصار‬
‫جارف ف وجه أم آدم‪ ..‬صار يصرخ ويهدد‪ ،‬ث قال «إذا ل تبينا أين هو زوجك أو تكتب الرسالة‬
‫فإننا سنعمل ف ظرف ‪ 72‬ساعة على التصال بالغاربة‪ ..‬وسترين أنم لن يتعاملوا معك بالشمة الت‬
‫نتعامل با معك نن»‪ .‬كان تديدا صريا‪ ،‬تقول أم آدم‪ ،‬لكنها على الرغم من كل ذلك ل ترضخ‪ ..‬ول‬
‫تفكر قط ف تغيي موقفها الرافض لكتابة الرسالة‪ ،‬إذ قالت «لن أفعل ما تريد‪ ..‬وافعل أنت ما بدا لك»‪.‬‬
‫من ضمن التهديدات الت تلقتها أم آدم من طرف الحققي السعوديي‪ ..‬ترحيلها إل الغرب‪ .‬تقول‬
‫«هددون ببلدي‪ ..‬فقد كانوا يعرفون طرق التحقيق الت يلجأ إليها الغاربة من أجل انتزاع‬
‫العترافات‪ ..‬وكم حز هذا المر ف نفسي»‪.‬ف ذلك اليوم‪ ،‬حضر مرض أسيوي لخذ عينات من دم أم‬
‫آدم وابنها إلياس‪ ..‬حضر المرض‪ ،‬الذي رافقه مققان‪ ..‬لحت زوجة الجاطي نظرات غريبة متبادلة بي‬
‫الحققي‪ ..‬وأثار هذا المر شكوكها إل درجة الرتباك‪ ..‬كانت إشاراتم تشي بأنم سيأخذون إلياس‬
‫بعيدا عنها‪ ،‬لكنها رفضت بشدة‪ ..‬وظلت مسكة بقوة بيد ابنها خوفا من أن يأخذوه‪ .‬أخرج المرض‬
‫شوكة وأخذ عينة دم من إبام إلياس والشيء نفسه بالنسبة لوالدته‪ .‬لكن ل يض كثي من الوقت لتتغي‬
‫الحوال‪ ..‬أحوال السجن عند أم آدم وابنها‪ ،‬حيث ستتغي معاملة الارسات ويتغي النظام ككل‪..‬‬
‫صار التهديد والوعيد بالسوأ عوض الجاراة واللي‪ ..‬كانت أم آدم تتوقع ذلك‪ ،‬لكنها ل تتخيل أنا‬
‫ستصل إل مراحل ستستنشق فيها رائحة الوت دون أن تلقاها‪.‬‬

‫ضربة الرياض جاءت انتقاما لسر فتيحة وابنها‬

‫عندما كانت فتيحة ف السجن‪ ..‬زار الحققون البيت الذي كانت تقطنه ف الرياض‪ ..‬طبعا كان هو‬
‫البيت الذي تكلفت القاعدة بإياره لما رفقة عدد من عناصر التنظيم الذين استقروا هناك ف تلك‬
‫الفترة‪ .‬حل الحققون بالبيت بثا عن كري الجاطي وبعض عناصر تنظيم القاعدة‪ ،‬لكنهم ل يدوهم ‪...‬‬
‫بثوا ف كل الركان لكن دون جدوى‪ ..‬وهناك عثروا على مموعة من الكتب والشرطة وأحضروا‬
‫بعضا منها وبعض التسجيلت الصوتية وكراسات الطفال وعرضوها على زوجة الجاطي الت انتقت‬

‫‪38‬‬
‫ما تعرفت عليه من ضمن ما عرضه الحققون عليها وأرجعت الباقي‪ ،‬كما أخذت كراسات طفليها‪..‬‬
‫وعندما دخل الحققون باحثي عما أخذته‪ ،‬وجدوا صورة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لدن ف كراسة‬
‫إلياس فحاولوا انتزاعها منه‪ ،‬قائلي إنه منوع دخولا إل ذلك الكان‪ .‬تدخلت والدته حاثة إياهم على‬
‫إرجاعها لكنهم رفضوا المر‪ .‬تقول «قلت لم كيف يعقل أن تدخل صور بوش يوميا إلينا عب‬
‫التلفزيون وصفحات الرائد وتنع عنا صورة الشيخ أسامة بن لدن‪ ...‬طبعا ل يستسيغوا قول لكن‬
‫ذلك ل يهم»‪.‬‬
‫كان عمر إلياس آنذاك ل يتجاوز عشر سنوات‪ ..‬وعندما رأى كراسات أخيه آدم أصيب بنوبة بكاء‬
‫حارق أرهقته وأرهقت والدته‪ ...‬عاد الثنان إل زنزانتها وصليا صلة العصر‪ ..‬كان إلياس يفظ ‪32‬‬
‫حزبا من القرآن‪ ،‬وعصر ذلك اليوم أجهشت إحدى الارسات بالبكاء بعدما تسلل إل مسامعها صوت‬
‫إلياس الاد وهو يؤدي الصلة بوالدته‪ .‬تقول والدته «صحيح أن أبنائي كانوا صغارا لكنهم كانوا‬
‫رجال‪ ،‬فأنا ل أربم على الغنج والدلل وأردتم رجال أشداء أقوياء‪ ،‬لذلك أخذتم إل مصانع الرجال‬
‫بأفغانستان‪ ،‬حيث عاشوا الرب والقصف وعاشوا الترحيل والصار وتعلموا كيف يكونون رجال‬
‫ساعة السم»‪ .‬صلى إلياس بوالدته وختم الصلة بدعاء طويل مؤثر‪ ..‬دعاء القنوت‪ ..‬صار يبكي فراق‬
‫أخيه ووالده‪ ،‬ويشكو إل ال أسره وأسر والدته‪ ..‬كان الدعاء يصدر عن إلياس بإيقاع واحد ونبة‬
‫واحدة أسالت دموع كل من حوله‪ ...‬صار صوت إلياس التقلب بي الدعاء والبكاء يفت شيئا فشيئا‬
‫إل أن صمت ف لظة دون أن تكف الدموع الارقة عن النسياب من عينيه اللتي احرتا من كثرة‬
‫البكاء‪ ..‬ث سرعان ما استسلم إل نوم هادئ بعدما أفرغ بعضا ما كان جاثا على نفسه منذ صباح يوم‬
‫العتقال بعيادة طبيب العيون‪.‬‬
‫قضى إلياس ووالدته الليلة ف الزنزانة كالعادة‪ ،‬وف الصباح الباكر فتحا جهاز التلفزيون لتتبع‬
‫الخبار‪ ...‬ساعتها شد انتباههما مشهد رهيب‪ ..‬فركت أم آدم عينيها لتتأكد من أن ما تراه حقيقة‪...‬‬
‫حي سكن بأكمله فجر بالرياض‪ ...‬لكن العلومات قليلة والفضول كثي‪ ...‬مكث الثنان أمام جهاز‬
‫التلفزيون متصلبي ف ذهول تام‪ ..‬ظل يترقبان الزيد من العلومات من الصباح وإل غاية الساء‪ ...‬فقد‬
‫قضيا اليوم كله ينتظران بعصبية قبل أن يعرفا أن المر يتعلق بثلثة انفجارات متتالية ف ثلثة مركبات‬
‫سكنية «المراء وإشبيلية وغرناطة» ف العاصمة السعودية الرياض‪ ...‬فهمت أم آدم أن المر يتعلق‬
‫بضربة كبية تلقتها الكومة السعودية‪ ،‬خاصة وأنا تزامنت مع زيارة كولن باول وزير الارجية‬

‫‪39‬‬
‫المريكي آنذاك‪ ،‬وظلت تتعقب التفاصيل‪ .‬تقول «فوجئت لدى تبن تنظيم القاعدة لضربة الرياض‪...‬‬
‫فما كنت أعرفه‪ ،‬بل متأكدة منه‪ ،‬أن تنظيم القاعدة كان ف فترة تنظيم الصفوف ول يكن يبمج آنذاك‬
‫للقيام بأية عملية‪ ...‬كما أن زوجي وبعض الخوة كانوا ف فترة انتظار وطلب منهم الختفاء لن‬
‫الظروف المنية كانت صعبة ف تلك الفترة‪ ...‬وفوجئت أكثر عندما علمت بأن خالد الهن كان من‬
‫بي منفذي العملية‪ ،‬لنن متأكدة من أنه ل يكن مبما للقيام بأية عملية ف ذلك الوقت‪ ،‬خصوصا وأن‬
‫زوجي طلب من ف ذلك الوقت التوسط له من أجل الزواج‪ ،‬لكن المر كان صعبا»‪.‬‬
‫سألت فتيحة زوجها عندما طلب منها البحث عن عروس لالد الهن عما إذا كان هذا الخي مبما‬
‫للقيام بأية عملية على الدى القريب أو التوسط حت ل تذهب جهود بثها عن زوجة له سدى‪ ...‬فأكد‬
‫لا أنه ليس لديه أي برنامج وأنه الن يعيش فراغا يريد مله بالزواج‪ ،‬خصوصا وأن جيع القاتلي تلقوا‬
‫تعليمات ف تلك الفترة بتوخي الذر والكوث ف بيوتم إل أن تدأ المور‪ ..‬لكنها طلبت منه التأكد‬
‫منه شخصيا‪ ،‬فكان الواب دائما هو النفي‪ ...‬فقد سأل كري الجاطي خالد الهن‪ ،‬بعد إلاح زوجته‪،‬‬
‫ما إن كان مقررا أن يقوم بأية عملية‪ ،‬فنفى نفيا قاطعا‪ ،‬وأعاد طلبه بأن تبحث له أم آدم عن عروس‪.‬‬
‫تقول أم آدم «كان خالد الهن هو الشخص القصود وأنا أسرت مكانه‪ ...‬فما كان إل أن نفذ أول‬
‫عملية ف الرياض انتقاما لسري وأسر ابن إلياس»‪ .‬هكذا فسرت زوجة كري الجاطي أحد أسباب‬
‫ضربة الرياض‪ ...‬فعندما اعتقلت من عيادة الطبيب ظن الحققون أن خالد الهن كان سيافقها ف‬
‫ذلك اليوم‪ ،‬لكنه تلف لسباب طارئة عن الوعد على غي العادة‪ ،‬كما أنه ل يلق عليها القبض إل وهي‬
‫تنتظر أبو ريان وزوجته ف السيارة‪...‬‬
‫كانت أسرة الجاطي تعيش رفقة خالد الهن ف بيت واحد‪ ..‬وكان الميع يتمع على طاولة أكل‬
‫واحدة‪ ..‬كما أنه كان يب ولدي الجاطي كثيا ويداوم على اصطحابما إل التنه ويشتري لما‬
‫اللويات والكتب واللعب‪ ...‬تقول زوجة كري «كنا أسرة واحدة وكنت أنا بثابة شقيقته الكبى الت‬
‫يهتم بشاكلها الصحية… واختطاف كان استفزازا بالنسبة له ولعدد من الخوة ف تنظيم القاعدة‪.‬‬
‫عموما فالستفزازات الت يتعرض لا القاتلون من اختطاف نسائهم وأبنائهم وتعذيبهم هم أيضا ف بعض‬
‫الحيان بأبشع الطرق‪ ،‬ل تزيد المور إل تعقيدا‪ ...‬وهذا ما حصل بالنسبة لالد الهن الذي ل‬
‫يستسغ أن أسجن بدل عنه‪ ،‬ول يكن بالتال مكنا بالنسبة له ولتنظيم القاعدة أن يلسوا مكتوف‬
‫اليدي‪ ..‬فضربة الرياض الول كانت أيضا انتقاما لختطاف واختطاف ابن»‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ف ضيافة الخابرات الغربية بالرياض‬
‫اهتزت فتيحة لا علمت بأن خالد الهن‪ ،‬الذي كانت تبحث له عن عروس بإلاح من زوجها‪ ،‬كان ف‬
‫مقدمة منفذي ضربة الرياض الول‪ ..‬فالعلقة بي هذا الخي وأسرة الجاطي كانت وطيدة‪ ...‬حيث‬
‫عاشوا جيعا ف بيت واحد وصارت بينهم ألفة وود كبي‪.‬‬
‫كان خالد الهن الذي قتل ف ضربة الرياض شابا وسيما‪ ،‬تقول أم آدم‪ ،‬ف الثلثينيات من العمر‪...‬‬
‫كان من أسرة ثرية بالدينة النورة‪ ...‬التحق بتنظيم القاعدة‪ .‬ل تعرف فتيحة معلومات كثية عن ماضي‬
‫خالد الهن‪ ،‬وكل ما عرفته عنه من خلل الفترة الت عاش معهم فيها أنه كان شابا طيبا‪ ،‬عزيز النفس‬
‫يب الطفال‪ ،‬وكان يتمن أن يوت شهيدا ف سبيل ال‪ ،‬على حد تعبيها‪.‬‬
‫كانت زوجة الجاطي قد قضت حوال شهر ف سجن الخابرات السعودية‪ ...‬وبعد ضربة الرياض‬
‫وتديد منفذيها‪ ،‬زادت وطأة التحقيق عليها من طرف عناصر المن لعرفة العديد من التفاصيل عن‬
‫خالد الهن‪ ،‬أحد أبرز منفذي ضربة الرياض‪ .‬تقول زوجة كري «أنا عشت وسط القاعدة وأعرف‬
‫كيف أن السئولي ف التنظيم حريصون على سلمة الجاهدين وعائلتم‪ ...‬فقد عشنا معهم ف‬
‫أفغانستان وف باكستان‪ ،‬وكانوا حريصي على سلمتنا حرص الم على رضيعها‪ ...‬ل يتخلوا عنا ساعة‬
‫الشدة وحاولوا ف عز الرب أو يوصلونا إل بر المان‪ ،‬وظلوا يتابعون أخبارنا ويتكفلون بنا ماديا‬
‫ومعنويا دون انقطاع‪ ...‬فكيف يكن لم تقبل اختطاف أنا وابن من قبل الخابرات السعودية‬
‫ويصمتون‪ ...‬طبعا كان لبد لم من التحرك ومن رد الصاع صاعي‪ ...‬وأحب أن أشي إل أنه كان من‬
‫التوقع أن تنفذ عدة ضربات ف السعودية من طرف تنظيم القاعدة وف عدد من الدول الخرى‪ ،‬لكن‬
‫ليس ف ذلك الوقت بالذات وليس من طرف خالد الهن‪ ...‬وبعضهم قال عقب أحداث الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬وضمنهم الخابرات الغربية‪ ،‬إن ضربات الغرب كانت من تدبي تنظيم القاعدة وكري الجاطي‬
‫نفسه‪ ،‬لكنن قلت لم بأن كري الجاطي بقي ف بلد الرمي ول يغادرها منذ أن تركته هناك‪ ،‬هذا من‬
‫جهة ومن جهة أخرى فإن ضربات الغرب ل علقة لا بضربات القاعدة لن ضربات هذه الخية‬
‫تكون متزامنة وأهدافها منتقاة ث إن القاعدة تتبن متلف العمليات الت تقوم با‪ ،‬والال أن ضربات‬
‫‪ 16‬ماي ل يتبنها أحد لد الن‪.»...‬‬
‫بعد ضربة الرياض الول تغيت المور رأسا على عقب‪ ...‬واستدعيت أم أدم للتحقيق لول مرة ف‬

‫‪41‬‬
‫مكان آخر غي سجن عليشة‪ ،‬بعد مرور أقل من شهر على ضربة الرياض‪ ..‬وضعوها وابنها ف سيارة‬
‫رباعية الدفع تمل علمة وزارة الداخلية‪ ...‬وصارت فتيحة تتطلع إل العال الارجي الذي افتقدته‬
‫لوال شهرين داخل السجن‪ ..‬كما ظل إلياس طوال الطريق يرمق بعيني زائغتي حياة الناس خارج‬
‫السجن بني وكأنه ل يعشها منذ أمد طويل‪ ...‬السافة كانت قصية جدا بالنسبة لما‪ .‬أحست أم آدم‬
‫أن السلطات السعودية تعيش حالة من الرعب والفزع بعد الضربة‪ ،‬حيث كانت التعزيزات المنية على‬
‫أشدها‪ ...‬وكانت كل أبواب وزارة الداخلية الت نقلت إليها موصدة‪ ...‬وبصعوبة بالغة تكنت السيارة‬
‫الت كانت تمل زوجة الجاطي وابنها من الدخول‪ ،‬على الرغم من أنا كانت تمل علمة وزارة‬
‫الداخلية‪.‬‬
‫اقتيدت أم آدم إل أحد الكاتب‪ ،‬وحضر أحد الحققي‪ ،‬الذي كان رجل كهل‪ ..‬قدم التحية بلطف‬
‫وأخبها بأنه يريد التحدث إليها ف موضوع خاص لكن شريطة أل يكون ذلك بضور ابنها إلياس‪.‬‬
‫رفضت رفضا قاطعا‪ ،‬لكنهم ظلوا متشبثي بطلبهم‪ ،‬لدرجة خيل لفتيحة أنم سيحملون إليها خب مقتل‬
‫زوجها ويريدون منها التعرف على جثمانه‪ ...‬وهو ما جعلها تفكر للحظة ف قبول طلبهم لكنها سرعان‬
‫ما تداركت الوقف وعضت على جواب الرفض القاطع كيفما كان السبب‪ ...‬دخل الحققون ف‬
‫مشاورات خاصة‪ ،‬وبعد ذلك أدخلوا فتيحة إل مكتب آخر كان به رجلن يتحدثان اللهجة الغربية‪،‬‬
‫ففهمت أنما مققان مغربيان‪ .‬سارت فتيحة باتاه الداخل وهي تسك بذر بيد ابنها إلياس‪ ...‬وقدم‬
‫أحد الحققي نفسه على أنه من السفارة الغربية بالرياض والخر مقق‪ ...‬فكانت هذه أول زيارة‬
‫للمخابرات الغربية لفتيحة السن بالسعودية‪ .‬أحست بدوار ف تلك اللحظة‪ ،‬فقد فهمت أن المور‬
‫ستتغي انطلقا من تلك اللحظة‪ ...‬كان هذا المر شديد الوطأة على نفسيتها لنا كانت ف قرارة‬
‫نفسها ترفض العودة إل الغرب‪ ...‬تقول «كنت أتن أل أعود إل الغرب‪ ،‬فحت عندما اندلعت الرب‬
‫ف أفغانستان رفضت العودة إليه لنن خرجت منه من أجل أل أعود إليه مطلقا‪ ...‬عشت ماصرة ف‬
‫باكستان وبنغلديش وعلى الرغم من ذلك ل أفكر يوما ف العودة إل الغرب‪ ،‬على خلف عدد من‬
‫القاتلي الذين فضلوا العودة إل بلدانم الصلية عندما اشتدت الرب بأفغانستان»‪ .‬تدث الحقق إل‬
‫فتيحة مطول‪ ،‬ونقل إليها خب مواصلة الخابرات الغربية التحقيق معها بدل عن الخابرات السعودية‪...‬‬
‫تقول‪« :‬قال ل الحقق الغرب إن زوجي كري الجاطي قام بأعمال غي جيدة ف الغرب‪ ،‬وإنم يعرفون‬
‫جيدا بل متيقنون بأنه ل علم ل با‪ ...‬وعلى الرغم من ذلك واصلوا احتجازي والتحقيق معي ف أشياء‬

‫‪42‬‬
‫ل علقة لا بالغرب‪ ،‬بل انصب التحقيق طوال فترة اعتقال كله على مرحلة أفغانستان والسعودية‬
‫وخاصة باكستان»‪...‬‬
‫بضور الحققي الغاربة بدأت أم آدم مرحلة جديدة‪ ...‬مرحلة جديدة ف مسية التحقيق‪ ،‬حيث ستصي‬
‫وجها لوجه مع الخابرات الغربية‪ ،‬الت سبق أن هددها با الحققون السعوديون ف وقت سابق‪...‬‬
‫وتلك حكاية أخرى‪.‬‬

‫أحسست وأنا ف الطائرة الت أقلتن إل الغرب أن السوأ هو القادم‬


‫كانت الزنزانة الت تعيش فيها فتيحة رفقة ابنها ف تلك الفترة مهزة بوال ‪ 16‬مصباحا من نوع‬
‫الصابيح البيضاء الطويلة تُشغل ليل نار‪ ..‬إضافة إل حرارة مفرطة تزيد من سخونة الزنزانة الوصدة‪.‬‬
‫طلبت من الارسات أن يوقفن تشغيلها خلل فترة الليل لن الطفل ل يكن أن ينام ف ظل هذه‬
‫الضاءة الفرطة‪ ،‬لكن دون جدوى‪ ...‬وذات ليلة قائظة‪ ،‬وبالضبط عند حدود الساعة الثانية عشرة‬
‫ليل‪ ،‬حضرت الارسات لخذ زوجة الجاطي وابنه لخذ صور فوتوغرافية ولخذ البصمات‪ ،‬ودام‬
‫ذلك عدة ساعات‪ ..‬وعند الساعة نفسها من ليلة اليوم الوال حضرن من جديد للغرض نفسه بدعوى‬
‫أن البصمات والصور ل تظهر بشكل جيد‪ ..‬وبقي من أجل إعادة أخذ الصور والبصمات إل غاية‬
‫الساعة الرابعة صباحا‪ ...‬وف الصباح سيتم إخبارها بأن الطبيب سيحضر لجراء بعض الفحوصات‪..‬‬
‫وكل هذه الشياء لرمانما من النوم ليل نار‪.‬‬
‫بقيت فتيحة وابنها ف هذا السجن مدة أسبوع‪ ..‬وكانا قد أصيبا بإرهاق كبي جراء ما تعرضا له‪ ...‬إل‬
‫أن صدر القرار‪.‬‬
‫ذات ليلة حضرت الارسات لخبار أم آدم بأن هناك مكالة هاتفية من أجلها‪ ..‬استغربت للمر‬
‫وتوجهت إل الكتب لعرفة اللغز‪ .‬رفعت السماعة لتجد صوتا يبها بأنم سيحضرون إليها بعض‬
‫الغراض الت ضاعت منها‪ ،‬وأنه عليها أل تنام إل أن يضروا‪ .‬ظلت أم آدم تترقب حضروهم‬
‫لساعات‪ ...‬وقبيل صلة الفجر حضر أحد ضباط الخابرات وأعطاها بعض أغراضها الت كانت قد‬
‫ضاعت منها‪ ..‬حلي وأسوار وأغراض أخرى‪.‬‬
‫عادت زوجة الجاطي إل زنزانتها ف الصباح حوال الساعة السابعة‪ ،‬ول يض على غفوتا سوى دقائق‪،‬‬
‫لتستيقظ وهي تتصبب عرقا‪ ..‬لقد أقفلوا الكيف تاما‪ ...‬طلبت من الارسات تشغيله‪ ،‬لكنهن تذرعن‬

‫‪43‬‬
‫بأنه معطل وأن كل الكيفات ف السجن معطلة‪ ...‬كادت تصاب بالنون من فرط الرارة‪ ...‬وصارت‬
‫تضرب الباب بيديها ورجليها‪ ...‬ل يتحمل إلياس الشهد فصار يبكي‪ ...‬وكلما أحست أن الوت‬
‫يتربص بما فتزيد وتية صراخها ويعلو صوتا أكثر فأكثر‪ ...‬وبعد مدة فتحوا الباب وأخرجوها‪ .‬ربا‬
‫يتساءل البعض‪ ،‬كل هذا من أجل مكيف‪ ،‬لن عندنا الكيف من الكماليات‪ ،‬لكن ف الرياض ف عز‬
‫الصيف ف زنزانة بدون نوافذ‪ ،‬يصبح الكيف من الضروريات‪ ،‬بل مصدر حياة أو موت! تقول‪« :‬ما إن‬
‫وطأنا المر حت لفحتنا برودة منعشة‪ ..‬فالمرات وجيع الغرف كانت مكيفة باستثناء زنزانت أنا‬
‫وابن‪ .»...‬انبطحت فتيحة أرضا هي وابنها يستقيان برودة من الرض والدران‪ ...‬وظل يفترشان‬
‫الرض إل أن أحسا بطى تقترب منهما فانتصبا واقفي بفة‪ ...‬رمقت الارسات يملن أكياسا‬
‫بلستيكية سوداء تمل أغراضهما‪ .‬تقول بنق «كانت القاعدة ف عز الرب تشتري لنا حقائب لنجمع‬
‫فيها أغراضنا وملبسنا وتعاملنا على أساس أننا بشر مترمون‪ ،‬وهم وضعوا ملبسنا ف أكياس‬
‫الزبال‪.»...‬‬
‫أخبت الارسات فتيحة وابنها بأنه سيتم نقلهما إل زنزانة أخرى‪ ،‬وإذا بم يضعونما ف السيارة‬
‫الصفحة نفسها‪ ،‬والت كان إلياس يطلق عليها اسم «السيارة القب»‪ ...‬استغرقت السيارة وقتا طويل‬
‫من السي دون أن تعرف أم آدم أين الوجهة‪ ...‬وفجأة توقفت السيارة وفتح الباب لتجد نفسها ف‬
‫الطار‪ ...‬إنه قرار الترحيل ينفذ‪.‬‬
‫كانت الخابرات السعودية قد سألتها ف وقت سابق عن رغبتها ف البقاء ف السعودية‪ ،‬فأجابت‬
‫بالتأكيد‪ ..‬لكنها تقول‪ ،‬ل تكن تدري أن أية رغبة تفصح عنها ينفذون عكسها ف إطار التعذيب‬
‫النفسي‪ ،‬لذلك قرروا ترحيلها إل الغرب‪ .‬عندما اكتشفت أنا ف الطار‪ ،‬توجهت زوجة الجاطي إل‬
‫مرافقيها قائلة «هل ستسفرونن بدون مرم؟»‪ ،‬لكن ل يكن أحد ييبها‪ ،‬تقول فتيحة «قلت ذلك لن‬
‫الحقق ما فتئ يؤنبن على خروجي مع أب ريان بدون مرم‪ ،‬وكنت أقول له أنا ل أكن لوحدي معه بل‬
‫كانت معه زوجته ومعي ابن الميز‪ ،‬وقد كنا ف الرياض ول نكن ف سفر‪ ،‬وقد خرجنا للضرورة‬
‫القصوى وهي العلج»‪.‬‬
‫دلفت زوجة الجاطي رفقة مدير السجن إل «قاعة الشرف»‪ ،‬الت يستقبل فيها عادة اللوك ورؤساء‬
‫الدول وضيوف الملكة الكبار‪ ...‬كانت قاعة فاخرة‪ ...‬وظلت أم آدم تنتظر هناك‪ ،‬وف لظة معينة‬
‫سألت مدير السجن «طائرة خاصة أم عادية؟»‪ ،‬فرد عليها مستهزئا «وماذا تريدين»‪ ،‬فقالت باستهزاء‬

‫‪44‬‬
‫ماثل «وال‪ ،‬بالنظر إل هذه القاعة الت أنا فيها الن فأظن أن طائرة خاصة ستكون أحسن»‪ ،‬فكان أن‬
‫قال وهو يبتعد عنها «سنرى»‪.‬‬
‫وضعت أم آدم ف السيارة نفسها‪« ...‬السيارة القب»‪ ...‬وبعد دقائق معدودة وجدت نفسها أمام مدرج‬
‫الطائرة‪ ...‬لتنتهي مرحلة الرياض‪ ...‬وينتهي حلم القامة على أرض الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬بعد‬
‫ثلثة أشهر من السجن على الرض نفسها‪.‬‬
‫كانت الطائرة الت أقلت زوجة عضو تنظيم القاعدة كري الجاطي إل الغرب طائرة صغية لكنها‬
‫فخمة‪ ،‬فهي اعتادت على السفر عب الطائرة لكنها ل تركب مثلها يوما‪ .‬جلست السجينة على أريكة‬
‫جلدية وثية‪ ...‬كانت الارسات السعوديات قد انسحب مباشرة بعد بلوغ أم آدم الطائرة‪ ،‬فيما بقي‬
‫معها ثلثة أفراد من عناصر الخابرات الغربية‪.‬‬
‫تسرب شعور غريب بالرهبة إل دواخل فتيحة وهي تفكر ف أمر سفرها عب طائرة خاصة رفقة عناصر‬
‫الخابرات إل الغرب‪ ...‬بلدها الصلي داخل ميلتها الت رفضت تقبل المر ولو من باب تصيل‬
‫حاصل‪ ...‬ظلت تتعقب عملية إقلع الطائرة بأعي دامعة‪ ...‬ف تلك اللحظة استحضرت طالبان‪ .‬تقول‬
‫«فكرت كيف أن طالبان الت تكم دولة فقية ل تلك بترول ول نووي ول أي شيء‪ ...‬رفضت رفضا‬
‫باتا مساومة أمريكا لا مقابل تسليمها الشيخ أسامة بن لدن والجاهدين العرب‪ ،‬وكيف أن الل ممد‬
‫عمر قال بكل ثقة ومسؤولية بأن ديننا وتقاليدنا ل تسمح لنا بأن نسلم ضيوفنا‪ ..‬على الرغم من‬
‫الغراءات الت تلتها تديدات‪ ..‬لكنهم تسكوا بنا إل آخر لظة حت وصلنا بر المان‪ ...‬أما السعودية‬
‫الدولة الغنية الت تدعي تطبيق شرع ال فسلمت ف ليل بيم امرأة ضعيفة مريضة وطفل يبلغ عشر‬
‫سنوات بدون أية ضمانات للمغرب»‪.‬‬
‫كان الحقق الغرب ياول طوال مدة الرحلة أن يقنع أم آدم بأن تقبل بالمر الواقع‪ ،‬وتقول كل ما لديها‬
‫للمحققي‪ .‬تقول «دار بيننا حوار مطول حول عدة أمور‪ ،‬وقلت له ودموعي تنهمر بصمت «إنن‬
‫اشتقت إل قندهار لنا دائما بالنسبة ل رمز للشهامة والعزة والكرامة»‪ .‬انتاب زوجة الجاطي شعور‬
‫غريب بأن ما ينتظرها أسوأ ما تعرضت إليه‪ ...‬فيما تسلل الفرح إل قلب الصغي إلياس الذي كان‬
‫يعتقد بأنه سيسافر إل أهله بالغرب‪...‬‬

‫الرمان من الواء أقسى أنواع التعذيب‪..‬‬

‫‪45‬‬
‫حضر وقت الطعام‪ ...‬ف الطائرة الت أقلت فتيحة من الرياض إل مكان مهول ف الغرب‪ ،‬فامتنعت‬
‫فتيحة عن الكل وطلبت حبات تر وماء‪ ،‬تقول «ل تكن ل شهية للكل بالضافة إل أنن كنت بصحبة‬
‫رجال‪ ..‬أما إلياس فقد أكل بشراهة‪ ...‬فقد كان الكل شهيا وفاخرا‪ ،‬لكنهم ل يضروا لنا السكاكي‬
‫والشوكات‪ ،‬ونن ل نرها منذ أن دخلنا السجن لنا كانت منوعة عنا»‪.‬‬
‫حطت الطائرة ف القاهرة كمحطة عبور وبعدها وصلت إل الغرب‪ .‬عندما حطت الطائرة بكان ما‪...‬‬
‫كان الليل قد أطلق أجنحته على السماء الت تلحفت بالسواد‪ ..‬كان مكانا مهول‪ ..‬ل يكن شبيها بكل‬
‫الطارات الت ارتادتا أم آدم من ذي قبل‪ ..‬فقط كان هناك مدرج واحد فقط‪ ،‬ول تر بناية مطار أو ما‬
‫شابه‪ .‬تقول «تقدم أحدهم وأمسك بذراع إلياس بفظاظة ورمى به داخل سيارة كانت بحاذاة الدرج»‪.‬‬
‫تيلت فتيحة السوأ‪ ..‬دلفت ف السيارة وجلست إل جانب ابنها‪. .‬كانت موسيقى غربية صاخبة‬
‫تصدر من داخل السيارة‪ ..‬كانت الوجوه غريبة‪ ..‬وحلكة الليل تزداد سوادا مع توال الساعات‪...‬‬
‫الكان غي معروف‪ .‬سارت السيارة وقتا قصيا لتتوقف فجأة‪ ،‬وينطق أحدهم «سحي لينا غادي نديرو‬
‫القانون»‪ ،‬ث أخرج عصابات سوداء ووضعوها على عين إلياس ووالدته‪ ...‬تقول‪« :‬هكذا استقبلتن‬
‫الخابرات الغربية على أرض الوطن‪ ...‬بعصابات سوداء على العي‪ .‬تيلوا معي طفل عمره ‪10‬‬
‫سنوات توضع على عينيه عصابة سوداء ف ليل أسود ومصي مهول‪ ،‬أي رعب سيتمكن منه‪ ،‬أي‬
‫إرهاب سيكتسح جوارحه‪ ،‬أهكذا يعامل أطفالنا ف دولة الق والقانون؟ ف دولة حقوق الطفل؟ هل‬
‫إرهاب أطفالنا يبيحه القانون والديقراطية؟»‪.‬‬
‫بعد وضع العصابات‪ ..‬ركنت أم آدم إل حواس أخرى‪ ،‬وخاصة السمع لعرفة بعض التفاصيل‪ ...‬وف‬
‫الطريق‪ ،‬أحست أنا ف بادية أو غابة لن أصوات الصرار كانت قوية‪ ...‬صار الوف يتضاعف‪ ..‬تقول‬
‫فتيحة «هنا يقف كل شيء ول يبقى غي اليط الذي يربطنا بال عز وجل‪ ..‬خيط الدعاء الذي يرج‬
‫من أعماق القلب يلهج به لسان العبد ف أحلك الواقف‪ ..‬أمن ييب الضطر إذا دعاه ويكشف‬
‫السوء»‪ ...‬وفجأة توقفت السيارة‪ ...‬ل تكن أرملة الجاطي تعرف أين تضع رجليها لنا كانت معصبة‬
‫العيني‪ ...‬نزلت من السيارة بصعوبة وأحست أن الكان به جيوش من البشر‪...‬أحست بم فقط لكنها‬
‫ل ترهم‪ ...‬وضع أحدهم يده على ذراعها‪ ،‬فصرخ أحدهم طالبا منه أن يبعد يده عنها‪ ،‬فكان أن طلب‬
‫منها أن تسك بيد ابنها وتتبع خطواته‪ ..‬كانت تغلي من شدة الوف وتوتر العصاب والرتباك‬

‫‪46‬‬
‫والتعب‪ ...‬ومن جهلها بالكان والصي والناس وكل شيء‪ ...‬تقول «ف أحلك اللحظات كنت ألأ إل‬
‫القارنة‪ ...‬مقارنة الوضع الال مع فترة العيش تت حكم طالبان»‪.‬‬
‫نزلت بعض الدرجات فتيحة وابنها الدرج ث سلكت مموعة من المرات التتالية تارة إل اليمي وتارة‬
‫إل الشمال‪ ،‬إل أن أوقفوها ف نقطة الوصول ونزعوا العصابات عن عينيها وعين ابنها إلياس‪.‬‬
‫فتحت زوجة الجاطي عينيها لتجد نفسها ف غرفة صغية با سرير كبي وآخر صغي‪ ...‬أقفلت الغرفة‬
‫بإحكام وبعد مدة قصية حضر أحد الراس حامل أكياسا با أكل‪ ...‬كان إلياس جائعا‪ ..‬فتح الكياس‬
‫فوجد سلطة وكفتة ورزا وياغورت‪ ..‬أكل إلياس فيما امتنعت والدته عن ذلك‪ .‬تقول أم آدم «أردت‬
‫أن أتوضأ وأصلي‪ ...‬فكانت الفاجأة أن الاء واللء ف الارج‪ ،‬وعلي أن أطرق الباب ف كل مرة‬
‫للمناداة على «الاج» لقول له إنن أريد الذهاب إل المام»‪ .‬وتضيف بنق «ما أثقل وما أصعب هذه‬
‫الملة»‪ .‬كان الراس ينعون إلياس من مرافقة والدته إل المام‪ ...‬وكان للحمام نوافذ طالعت عبها‬
‫أم آدم حديقة بالارج وبنايات شبيهة بدرسة‪ ...‬وكانت الذهاب إل المام فرصة لا لرؤية الشمس‬
‫والديقة‪ ،‬ذلك أن غرفتها كانت مظلمة ليل نار تتاج إل النارة من أجل قضاء أبسط المور‪ ..‬وهذا‬
‫المر ولد مشاكل بي إلياس ووالدته‪ ،‬بيث اختلفت أوقات نومهما‪ ،‬وكان عليها أن تتحمل النوم تت‬
‫الضوء لن إلياس يكون ف بعض الوقات يقرأ أحيانا بالليل ث ينام ف النهار‪ .‬ف تلك الفترة كان‬
‫الراس يقدمون أكل جيدا لما‪ ،‬لكن فتيحة ل تكن تقبل عليه كثيا‪ ،‬وتقول «كنت أكتفي بلقيمات‬
‫وأشرب جرعات معدودات من الاء حت أتفادى قدر المكان الذهاب إل الرحاض‪ ...‬فقد فرضت‬
‫على نفسي نظاما من التجويع والتعطيش بشكل إرادي قسري‪ ،‬لن أشد الوقات بالنسبة ل هو حي‬
‫أطرق الباب طالبة الذهاب إل الرحاض‪ ...‬وخاصة ف الليل‪ ،‬حت أصبت بزال شديد‪ ،‬لدرجة أن ابن‬
‫كان يبكي لال ويقول بقلق‪ :‬أمي كلي لنك ستموتي إن استمريت على هذه الال»‪.‬‬
‫ل تكن زوجة كري تعرف أساء الراس ول الحققي‪ ..‬فالكل ينادى عليه هناك باسم الاج‪ ،‬لذلك‬
‫اختارت هي وابنها أن يطلقا على كل واحد منهم لقبا خاصا‪ ..‬حيث كان هناك «الاج شرجم‬
‫مكوانسي»‪ ،‬أي النافذة الت ل يكن فتحها‪ ..‬وكان هذا الخي عندما طلبا منه فتح النافذة ليلة‬
‫وصولما قال‪« :‬الشرجم مكوانسي»‪ ،‬فصارت لقبا له عند إلياس ووالدته‪ ...‬وكان هناك آخرون‪ ،‬كل‬
‫حسب اختصاصاته‪ ..‬وصار اسم السجن كله «سجن الجاج»‪.‬‬
‫كانت موجة حرارة مفرطة قد اجتاحت العال بأسره خلل يوليوز وغشت من سنة ‪،2004‬‬

‫‪47‬‬
‫وخلفت موجة الرارة هذه مقتل عشرات اللف من الشخاص بدول كثية كفرنسا وإسبانيا‬
‫والبتغال وإيطاليا‪ ...‬وتزامنت هذه الفترة مع تواجد زوجة كري الجاطي وابنها ف السجن بنوافذ‬
‫مغلقة بدون مكيفات‪ ..‬تقول «من أنواع التعذيب السدي الت عشناها النع من الواء ف عز الصيف‪..‬‬
‫وهذا كان تعذيبا رهيبا حيث كنت أبكي من الل‪ ،‬وكنت أعيش نوبة عصبية وأصب الاء على رأسي‬
‫وجسدي‪ ...‬وتتسارع أنفاسي ويضيق صدري‪ ...‬وأتن أن تلفح وجهي نسمة هواء‪ ،‬فالنسان يصب‬
‫على الطعام وعلى الاء‪ ،‬لكن ل طاقة له على الرمان من الواء»‪.‬‬
‫ف عز العاناة‪ ،‬حاولت فتيحة أن تعيش على اللم عله يفف من وطأة السجن‪ ..‬كانت تلم أنما ف‬
‫بادية با حقول واسعة وأزهار متفتحة وبئر عميق تري به مياه عذبة‪ ...‬وها ينهلن منه إل أن تبتل‬
‫ثيابما‪ ...‬وتارة أخرى تلم بأنا وابنها يركضان فوق رمال بر فسيح يرتيان بي أمواجه ف لظة‬
‫عياء‪ ...‬ويغيبان ف أفقه البعيد‪...‬‬
‫ذات صباح استدعى الحقق زوجة الجاطي‪ ..‬كان الرجل نفسه الذي حضر معها ف الطائرة خلل‬
‫عملية الترحيل‪ .‬سألا بلطف «هل تبسل عليك أحد هنا؟»‪ ،‬فأجابته «ل أبدا»‪ ،‬فرد بدوء تام «ل يفعلوا‬
‫ذلك ليس لنم أناس طيبون ولكن لنم تلقوا تعليمات صارمة بأل يقتربوا منك»‪ ...‬كان تديدا‬
‫مبطنا‪ ،‬تقول زوجة كري‪.‬‬
‫ل تكن ف «سجن الجاج»‪ ،‬كما يلقبه إلياس‪ ،‬امرأة واحدة غي والدته‪ ...‬فكل العاملي هناك رجال‪..‬‬
‫الحققون والراس والسجناء أيضا‪ ...‬تقول فتيحة «كان المر شديد الوطأة على نفسي‪ ،‬ففي الدول‬
‫الغربية هناك سجون خاصة بالنساء‪ ،‬ولكن نكاية ف وف حجاب أسجن ف سجن رجال‪ ..‬كان هذا‬
‫الكان أشبه بثكنة عسكرية‪ ،‬فقد كنا نسمع أصوات التدريب خاصة ف الساء»‪.‬‬

‫أحضروا علبة مسحوق وقنينة شامبوان كبيتي فتيقنت أنن لن أغادر قريبا‬

‫«ما يز ف نفسي هو أن هذا الحتجاز القسري وأن هذا التعذيب السدي النفسي‪ ،‬وأن هذا التدمي‬
‫المنهج ل ولطفل عمره ‪ 10‬سنوات ت بأياد مغربية‪ ،‬ولكن بتعليمات أمريكية‪ ...‬بأيادي بن جلدت‬
‫وبرعاية الديقراطية المريكية‪ ..‬ديقراطية غوانتنامو وأبوغريب‪...‬‬
‫أن أُمنع وابن من الواء واللء والضياء‪ ..‬أن أهان ف وطن ل لرم اقترفته إل إنن أكره أمريكا‪ ،‬وهذا‬

‫‪48‬‬
‫من حقي‪ ..‬أحب وأكره كيفما أشاء‪ ،‬ليس لحد سلطان على قلب سوى ال عز وجل‪ ،‬ف ما افترضه‬
‫علينا من حب وموالة ف ال وبغض ومعاداة ف ال‪.‬‬
‫باسم أي قانون وأي حق وأي دستور وأية ديقراطية‪ ...‬يُختطف طفل عمره ‪ 10‬سنوات ويُحتجز‬
‫سنة كاملة ويُمنع من الساسيات؟ من الواء واللء والضياء‪ ...‬أن تُغتال طفولته وتوأد براءته إل أن‬
‫أصيب برض عقلي‪...‬‬
‫الصيبة إذا عمت هانت ولكنن أقول إنا هالت‪ ،‬ول أدري إن كان هذا اللفظ عربيا صحيحا‪ ،‬لكن‬
‫عندما نعلم أن دول أوروبية عريقة ف الديقراطية والرية فتحت على أراضيها بؤرا سوداء‪ ...‬سجونا‬
‫سرية لساب الخابرات المريكية‪ ،‬واستقبلت على مطاراتا طائرات ‪ C .i.a‬فالعتقل السري ف‬
‫تارة الذي احتجزنا فيه ‪ 9‬أشهر‪ ،‬ليس إل واحدا من هذه البؤر السوداء الت فتحتها أمريكا على‬
‫أرضنا لتعذيبنا ولتدمينا‪ ...‬وحسبنا ال ونعم الوكيل»‪.‬‬
‫كان أول طلب تقدمت به أم آدم إل الحققي هو تسليم ابنها إلياس إل عائلة والده‪ ،‬فكان الرد‬
‫بالوافقة‪ ،‬ووعدوها بأنه ف ظرف يومي على أبعد تقدير سيؤخذ إلياس إل بيت عائلة والده‪ ...‬وف‬
‫اليوم الوال طلبت أن توضع ف زنزانة با مرحاض تفاديا للحراج‪ ،‬فكان أن رد الحقق بأنم يفكرون‬
‫ف إطلق سراحها نائيا هي وابنها‪ ،‬شريطة التعاون معهم وإخبارهم بكل العلومات الت يريدون‪ ..‬كما‬
‫أخبها بأن التحقيق ف إطار التعاون لن يدوم أكثر من أسبوع‪ ،‬وبعدها سيتم إطلق سراحها هي وابنها‪،‬‬
‫فردت‪« :‬لن أتعاون معكم‪ ،‬وكل معلومة ستأخذونا من فتأكدوا أنن بُحت با فقط تت الضغط»‪.‬‬
‫عادت إل الزنزانة تتر آلمها وتأوي براحها إل جدران رطبة بسجن غي معروف اسه ول مكانه‪..‬‬
‫إلياس بدأ ينهار ويطلب من والدته الروج‪ ..‬فوعدته ببذل كل ما ف وسعها من أجل إخراجه هو على‬
‫القل‪.‬‬
‫صارت أم آدم تفكر ف عرض التعاون الذي اقترحه الحقق‪ ،‬والذي قال لا «اللي عطا ال عطاه‪ ...‬غي‬
‫عتارف باللي عندك»‪.‬‬
‫كان إلياس مايزال طفل‪ ،‬لكن والدته اعتادت استشارته والتفكي سوية ف كل اللول ودراستها معا‪...‬‬
‫اعتقد الثنان أن المور ستصي سهلة وفق السار البسيط الذي رساه وتيله‪ ...‬توجها إل الحقق‬
‫وقضيا زهاء ساعات من التحقيق وانطلقت الفاوضات‪ ،‬الت استقرت ف النهاية على نقل أم آدم وابنها‬
‫من الكان الذي كانا فيه إل مكان آخر‪ .‬وبالفعل‪ ،‬انتقلت زوجة كري وابنها إل نقطة مهولة أخرى‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫وف تلك الليلة تعرضت لوعكة صحية‪ ،‬حيث أحست بأل فظيع‪ ...‬صارت تصرخ ول يتم إحضار طبيب‬
‫ول إسعاف‪ ...‬وكانت قبلها قد أصيبت برض جلدي‪ ،‬حيث اكتسحت البثور ظهرها‪ ...‬ول يتم‬
‫إحضار طبيبة إل بعد أيام‪ ،‬والت أخبتا بأن هذه البثور سببها ليس تعفنيا‪ ،‬ولكنه مرتبط بالرهاق‬
‫النفسي‪.‬‬
‫بدأ مزاج إلياس يسوء شيئا فشيئا‪ ،‬بيث ل يعد يداوم على سرد الناشيد الدينية الت كان يهون با على‬
‫أمه كل مساء‪ ...‬وكانت أنشودة «أسي»‪ ،‬أحب الناشيد إل قلبه‪ ،‬حيث كان يرددها باستمرار‪...‬‬
‫كانت حنجرته تصدح «أسي ف غياهبهم‪ ..‬أسي ف سجونم حقي»‪ ...‬باكيا‪ ..‬كان تكرر الشهد باعثا‬
‫لحجامه عن البكاء‪ ...‬فطول مدة السجن بدون أمل ف الروج أفقده النشودة معناها بالنسبة إليه ‪،‬‬
‫وصار حصار السجن يعبث بيوط إدراكه الت كانت ف مرحلة التشكل والنمو‪ ،‬لكن أسوار السجن‬
‫حدت من آفاقها وكبحت انفتاحها‪ ،‬بل حدت حت من نوها نوا سليما كامل‪...‬‬
‫وضع الراس العصابات السوداء من جديد على أعي فتيحة وابنها ليل‪ ،‬وأمروها بالنناء حت ل‬
‫يراها أحد من زجاج النافذة‪ ...‬تقول «كان أمرا صعبا أن أقبل أن نن رؤوسنا‪ ..‬فنحن خرجنا من‬
‫الغرب أساسا حت ل نن رؤوسنا ونطأطئها لحد»‪ .‬وصلت السيارة إل مكان مهول‪ ..‬والكاية‬
‫نفسها تتكرر‪ ..‬مرات طويلة ومسالك تارة باتاه اليمي وتارة أخرى باتاه اليسار‪ ،‬إل أن يكاد الفرد‬
‫يصاب بدوار حاد‪ ،‬تقول فتيحة‪ ،‬لتجد نفسها ف غرفة أخرى‪ .‬كان السجن الثان ف فيل بي سكن‪،‬‬
‫حيث كانت زوجة كري تسمع أصوات الطفال بالارج‪ .‬تقول «صرنا نركز على حواس أخرى‪ ،‬ومن‬
‫خللا استطعنا أن نفهم أننا ف حي سكن وأن بالقرب منا يوجد بقال‪ ،‬حيث كنا نسمع صرير‬
‫السلسل الت يمع با قنينات الغاز‪ ،‬ونسمع أصوات الباعة التجولي ف الصباح»‪.‬‬
‫قضت فتيحة وإلياس ف تلك الفيل حوال أربعة أشهر‪ ..‬ف غرفة با شرفة مقفلة بإحكام‪ ..‬وكان بالغرفة‬
‫حام خاص ومرحاض به نافذة صغية‪ .‬تقول بأل «كان الرحاض هو الصدر الوحيد لستنشاق الواء‬
‫لدة أربعة أشهر‪ ...‬فقد كانت الصدر الوحيد للهواء دون غيها‪ ..‬كنت أنا وابن ننام على الرض حت‬
‫نس بشيء من البودة‪ ..‬سينا هذا السجن سجن طنجرة الضغط أو كوكوت مينوت»‪.‬‬
‫مكثت أم آدم ف هذا السجن لدة أربعة أشهر‪ ،‬ول تضع طوال هذه الدة للتحقيق إل مرة واحدة‪،‬‬
‫بعدها اختفى الحقق نائيا‪ ،‬تاركا إياها ف حية تامة‪ ...‬فقد حصلت على وعد بأنا ستغادر السجن بعد‬
‫أسبوع‪ ،‬لكن ذلك ل يصل‪ .‬تقول «طلبت شبوان ومسحوق غسيل اللبس‪ ،‬فأحضروا لنا علبة‬

‫‪50‬‬
‫مسحوق كبية وقنينة شبوان كبية أيضا»‪ .‬وتضيف‪« :‬أصبت بالنيار عندما رأيت العلبة والقنينة‬
‫فحجمهما كبي‪ ،‬ما جعلن أتيقن بأنن لن أغادر الكان قريبا»‪.‬‬
‫ل تتعرض فتيحة لتعذيب جسدي‪ ،‬كالضرب أو الصعق بالكهرباء‪ ...‬ولكن النع من الواء والضياء‬
‫واللء وقلة الكل والشرب‪ ،‬رغم توفرها‪ ،‬أنكا جسدها الذي عان من أمراض قاتلة (السرطان‬
‫والسل)‪ ،‬لكن التعذيب النفسي كان أشد وطأة عليها‪ ،‬تقول‪ .‬وتضيف «كان تعذيبا بعلمات الستفهام‪،‬‬
‫إذ ل أكن أعرف أين أنا ول ماذا يريدون من‪ ،‬وحت تمت ل أكن أعرفها ومت سيطلق سراحي»‪.‬‬
‫عاشت زوجة كري حية حقيقية بعد تنصل الحققي من الوفاء بالتزامهم بإطلق سراحها هي وابنها‪..‬‬
‫صارت حيتا تزداد كلما حاولت معرفة أشياء إضافية عن الزمان والكان‪ ...‬مكان العتقال ومدته‪..‬‬
‫طالت الدة‪ ..‬وبدأ الكلل يتسرب إل إلياس‪ ...‬كثرت تساؤلته ومتطلباته‪ ...‬وبدأت سلوكاته تتغي تاه‬
‫والدته الت كانت دائما أقرب الناس إليه‪ ..‬فكان أن كثفت والدته من طلبها بإخراجه وتسليمه إل‬
‫عائلة والده‪ .‬تقول «كنت أطالب بإطلق سراح إلياس لسببي‪ ،‬الول هو أن ابن طفل وتواجده ف‬
‫ذلك الكان ل مل له من العراب‪ ،‬والثان لنه أرهقن‪ ،‬ول يعد يستطيع العيش داخل السجن‪ ..‬إذ ل‬
‫تكن لنا فسحة ول نستفيد من فترة الستراحة ول أي شيء‪ ..‬والال أنه طفل اعتاد اللعب والركض‪..‬‬
‫ونن كنا ف عزلة تامة‪ ،‬وأصبح بالتال من الصعب أن أتعايش معه ف سجن انفرادي»‪.‬‬

‫كدت أجن عندما اكتشفت كاميا ف الزنزانة تتلصص عليّ‬

‫كانت زوجة الجاطي كلما رغبت ف تغيي ملبسها إل وصرفت ابنها إل الرحاض دفعا للحرج‪...‬‬
‫لكنها ستكتشف يوما ما ل تكن تنتظره‪ ...‬ستكتشف «كارثة‪ ...‬قنبلة‪ ،‬بل مصيبة»‪ ،‬تقول‪ ،‬وتضيف‬
‫«آخر شيء كنت أتوقعه هو أن أكون مراقبة داخل غرفت»‪.‬‬
‫اكتشفت فتيحة ذات يوم شيئا غريبا عالقا بأحد الدران‪ ..‬اقتربت منه ووضعت يدها لتنتزعه‪ ،‬فكانت‬
‫الفاجأة‪ ..‬إنا كاميا‪ ..‬رأتا بأم عينيها‪ ،‬بل لستها وأمسكتها بيدها بعد أن انتزعتها من الائط‪ ...‬كاد‬
‫النون يسيطر عليها‪ .‬تقول «كانوا يتفرجون علي‪ ...‬كيف أنام وكيف آكل وكيف أغي ملبسي‪..‬‬
‫كانت قمة النذالة والساسة أن يتم التجسس على امرأة مجبة ف غرفتها‪ ...‬صرت أصرخ وطلبت‬
‫حضور الحقق على وجه الستعجال»‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫حضر الحقق‪ ...‬ولست أم آدم نوعا من الرتباك ف عينيه وف أعي الراس‪ ..‬سألته «هل غرفت با‬
‫كاميا؟»‪ ،‬فأجاب «ل»‪ ،‬فردت «أنت متأكد؟»‪ ،‬فرد بدوره «نعم أنا متأكد»‪ ..‬أخرجت أم آدم جهاز‬
‫الكاميا الذي عثرت عليه وعرضته على الحقق الذي حاول التظاهر ببودة دم قائل‪« :‬آه‪ ..‬إنا ل‬
‫تعمل»‪ ،‬فردت مستنكرة «وما الذي سيمنعها من أن تشتغل؟»‪ .‬تقول باكية‪« :‬صرت أصرخ بأعلى‬
‫صوت وأدعو ال أن ينتقم منهم جيعا‪ ..‬ل ينعوا عن حجاب بصفة مباشرة لكنهم فعلوا ذلك بطريقة‬
‫غي مباشرة‪ ،‬وهذا المر كلما تذكرته إل وأكاد أصاب بالنون»‪.‬‬
‫ل تقو أم آدم على ذكر تفاصيل كثية تتعلق بذه النازلة الت عاشتها ف سجن مهول بعد ترحيلها إل‬
‫الغرب‪ ...‬فآثار الصدمة ما تزال بادية عليها رغم مرور بعض الوقت على الادث‪ ...‬حاولت‪ ..‬بل‬
‫حاولت مرارا لكنها وقفت عند التفاصيل الحدودة نفسها دون أن تد سبيل لواصلة البوح‪ ...‬تقول‬
‫برارة‪« :‬كنت أعلم أن التجسس ل يكن لساب الغاربة فحسب‪ ..‬وكانت هذه هي الطامة الكبى‪...‬‬
‫فأن تعرض صوري ف لظات خاصة وبدون حجاب على أنظار أجهزة استخباراتية عالية كان كارثة‬
‫بالنسبة ل‪.»...‬‬
‫قلبت فتيحة الغرفة رأسا على عقب‪ ،‬باحثة عما فيها من أجهزة تنصت‪ ...‬وجدت العديد من اليوط‬
‫والسلك المررة عب الدران‪ ...‬وصارت تشى الدران نفسها‪ ،‬ظنا منها أن با كاميات وأجهزة‬
‫تنصت‪ ...‬صارت تشى تغيي ملبسها‪ ،‬بل حت أن تزيل خارها‪ ،‬معتقدة أنم يرونا ويتجسسون‬
‫عليها‪ ...‬ل يستسغ إلياس المر أيضا‪ ،‬فثار الصغي باكيا على كشف عورة والدته دون أن يسمع صوته‬
‫أحد‪...‬‬
‫ف إحدى الليال صار إلياس يتكلم كلما غي مفهوم‪ ...‬يكي ويبستم تارة ويبكي أخرى‪ ..‬ف السابق‬
‫كانت اهتماماته تفوق سنه‪ ،‬كان يفظ القرآن ويطالع الكتب‪ ...‬لكن سرعان ما استحالت حيويته إل‬
‫ركود قاتل‪ ...‬بل عدوانا تاه الذات أحيانا‪ ..‬وأحيانا أخرى تاه الخر‪ ،‬الذي ل يكن سوى والدته‪...‬‬
‫ث انقلبت الياة فجأة إل جحيم ل يطاق‪ ...‬تقول «حاولت أن أنقذه طالبة إخراجه من السجن لكن‬
‫التسويف نال منه ومن‪ ...‬وما كان يز ف نفسي هو أنه ل تكن لدي مشاكل مع الغرب‪ ،‬وأن أمريكا‬
‫كانت تاربن بواسطة بن جلدت»‪.‬‬
‫انتهى التحقيق يومي قبل حلول شهر رمضان‪ ...‬كان رمضان صعبا ف السجن‪ ...‬وكانت درجات‬
‫الرارة تنخفض شيئا فشيئا‪ .‬تقول فتيحة‪« :‬ما أصعب أن يعيش النسان تت رحة تقلبات درجات‬

‫‪52‬‬
‫الرارة‪ ،‬فخارج السجن ل نكن نعي أي اهتمام لتغي حالة الطقس‪ ،‬حيث كلما أحسسنا بالبد إل‬
‫وارتدينا الزيد من اللبس‪ ،‬وكلما شعرنا بالرارة إل ولبسنا ملبس خفيفة وشربنا ماء كثيا وفتحنا‬
‫النوافذ!!‪ ..‬لكن ف السجن ل نكن نتحكم ل ف الاء ول ف اللبس‪ ،‬ول حت ف الواء»‪.‬‬
‫صارت درجات الرارة تنخفض‪ ..‬وصارت تنبعث من جدران الغرفة برودة شديدة‪ ،‬اضطرت معها أم‬
‫آدم إل تدوين سلسلة من الطلبات ضمنها ملبس شتوية على حسابا الاص‪ ،‬حيث كانت لديها بعض‬
‫الموال الت ضبطت معها ساعة الختطاف وت الحتفاظ با‪ ...‬لكن طلبها أخذ وقتا طويل‪ .‬وتقول‬
‫باكية‪« :‬بعد التعذيب بالرارة جاء التعذيب بالبد‪ ..‬فقد كانت أسناننا تصطك من شدة البد خاصة مع‬
‫الصيام»‪.‬‬
‫أحست فتيحة بآلم فظيعة ف الرأس‪ ،‬وصارت تصرخ بأعلى صوتا‪ ...‬وتبعا لذلك حضر مسؤولون ل‬
‫تعتد رؤيتهم‪ ،‬ووعدوها بإحضار طبيبة للفحص ف اليوم الوال وترحيلها إل مكان آخر‪ ...‬حضرت‬
‫الطبيبة ف الغد بعد العصر‪ ،‬وفحصت أم آدم وأعطتها أدوية ونصحتها بالراحة‪.‬‬
‫فجأة سيصدر قرار نقل آخر‪ ...‬إذ ت نقل زوجة الجاطي وابنها إل مكان آخر‪ ..‬الكاية نفسها‪..‬‬
‫عصابات سوداء وسيارة و‪ ...‬تقول‪« :‬أعتقد أننا رجعنا إل نقطة الصفر‪ ،‬فالسجن الذي ت نقلنا إليه ربا‬
‫كان هو نفسه السجن الذي وضعنا فيه لدى وصولنا إل الغرب (أي سجن الجاج)‪ ...‬طبعا ليست‬
‫نفس الغرف ولكنه نفس الحيط»‪.‬‬
‫أفرغ الراس جناحا بالدارة به غرفة وحام ومطبخ وبو لتستقر به زوجة عنصر تنظيم القاعدة كري‬
‫الجاطي وابنه إلياس‪ ...‬كان بالناح عشرون نافذة‪ .‬تقول «ف الصيف وضعونا ف زنزانة بدون نوافذ‪،‬‬
‫وف عز البد أجبونا على مقاومة تيار برد جارف‪ ،‬علما أن إلياس كان هو وشقيقه يعانيان من مرض‬
‫الساسية وأنا أعان من هشاشة العظام»‪ .‬وعندما وطأت قدما فتيحة باب الغرفة صارت تبحث عما إن‬
‫كانت هناك كاميا مثبتة بركن معي‪ ...‬صارت تبحث بنون‪ ،‬ث سألت أحد السئولي قائلة‪« :‬أعلم‬
‫أنكم رحلتمون إل هذا السجن لنن نزعت الكاميات الت كنتم تتجسسون با علي‪ ،‬فكان أن أقسم‬
‫السئول عن السجن (الاج ف‪ ) ...‬بأغلظ اليان وأن أبناءه حرام عليه إن حصل هذا المر مرة‬
‫أخرى»‪ .‬صار إلياس بعد حادث الكاميا يشك ف أن أي جدار يمل جهاز تنصت‪ ...‬لقد فقد ثقته ف‬
‫كل شيء‪ ...‬فبالنسبة إليه كل الدران لا عيون وآذان‪ ،‬وكل الناس مابرات‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫حاول إلياس النتحار ث حاول قتلي لقد أصيب بالنون نتيجة ظروف العتقال‬

‫تقول أم آدم‪ ،‬وهي ل تتجاوز بعد صدمة اكتشافها لكاميا التلصص عليها‪« :‬بعد اكتشاف لتلك الصيبة‬
‫صرت أدعو عليهم وأنا أبكي برقة سائلة الول عز وجل أن كل من كشف عورت واطلع عليها أن‬
‫يعمي بصره ويرس لسانه ويصم آذانه‪ ،‬وأن يسلط عليه السقام والورام‪ ،‬ويسجنه ف جلده حت‬
‫يتمن الوت ول يده»‪ ،‬وأضافت‪« :‬أل يل الرسول صلى ال عليه وسلم يهود بن قينقاع من الدينة‬
‫بسبب امرأة مسلمة واحدة كشفوا عورتا؟ وذكرت هذه القصة ف القرآن الكري ف سورة الشر‪،‬‬
‫والن تُكشف عورت على مدى شهور وأنا ل أدري‪ ،‬على يد بن جلدت لساب أعدائي‪ ،‬يلومون‬
‫طالبان وهي الت تفرض الجاب على السلمات فقط وتافظ على كرامتهن وكرامة غي السلمات‪،‬‬
‫وذلك بشهادة الصحافية البيطانية إيفون رايدل‪ ،‬الت اعتنقت السلم بعد أن ت أسرها من طرف‬
‫طالبان قبل الرب‪ ،‬وهي الن ترتدي الجاب ولا موقع على النترنيت‪.‬‬
‫حادث الكاميا دمرن أنا وإلياس إل درجة أنه ل يعد يطيق البقاء ف السجن‪ ...‬كل شيء انتهى‪ ...‬حب‬
‫القراءة وترتيل القرآن‪ ..‬ل تعد له رغبة ف أي شيء‪ ..‬صار كل ما يفعله هو الكل‪ ...‬الكل بشراهة‪.‬‬
‫حاولت والدته أن تداوم على شراء بعض اللويات وقطع الشوكولطا والعصي حت تلب رغباته خارج‬
‫إطار الوجبات الرسية‪ ...‬غي أن الدارة ستعمل على الضغط من جديد‪ ،‬وهذه الرة بواسطة الكل‪.‬‬
‫امتنعت إدارة السجن عن توفي مطالب زوجة الجاطي وابنها‪ ،‬حيث ل تعد هناك ل حلويات ول عصي‬
‫ول حت وجبات رئيسية منتظمة‪ .‬ول تعد تُقدم لما وجبة الفطار إل عند الساعة الادية عشرة صباحا‪،‬‬
‫وهم يعلمون أن فتيحة وابنها يتناولن الفطار مباشرة بعد صلة الصبح‪ ،‬والغذاء إل غاية الرابعة بعد‬
‫الزوال‪ ،‬والعشاء بي التاسعة والعاشرة ليل‪ ...‬تقول‪« :‬كان ابن يصرخ من شدة الوع لكنهم ل‬
‫يستجيبون‪ ...‬وعندما يضرون وجبة الفطار فإنا تكون وجبة هزيلة ل تغن ول تسمن من جوع‪...‬‬
‫والشكلة أنه كان لدي ابن صغي يريد أن يأكل ويلعب‪.»...‬‬
‫بدأت مشاكل الكل تتزايد‪ ...‬فغالبا يضرون أكل دسا باردا تمد مرقه إل أن صار كقطع الشمع‪..‬‬
‫وبالقابل صارت مشاكل إلياس تتزايد هي الخرى‪ ...‬فالطفل يريد أن يلعب ويأكل‪ ...‬صار نمه للكل‬
‫غريبا‪ .‬تقول والدته‪« :‬طبيعي أن يقبل على الكل بشراهة لنه ل يكن لديه شيء يفعله سوى الكل»‪...‬‬
‫صار وزنه يتزايد‪ ،‬بل يتضاعف على الرغم من أنه ل يزال ابن العشر سنوات‪ ...‬بدأت بوادر الرض‬

‫‪54‬‬
‫العقلي تظهر على إلياس‪ ،‬الذي فقد السيطرة على خيوط إدراكه‪ ...‬يهذي أحيانا‪ ..‬ويلعب أحيانا أخرى‬
‫بعنف طالبا من والدته أن تشاركه اللعب‪ ...‬تقول‪« :‬قاوم ابن على الرغم من أنه طفل‪ ،‬لكن ف وقت‬
‫معي أحسست بأن عقله بدأ يتعب‪ ...‬فعانيت بالتال مشاكل كثية معه ل ناية لا»‪.‬‬
‫انصبت كل الضغوط وكل أسئلة الحقق (أبو ز‪« )...‬الشاب الهذب جدا» على كل شيء إل الغرب!‬
‫وكان الحقق ينصح دائما فتيحة وابنها بالتعاون‪ ،‬قائل‪« :‬من الحسن أن تتعاون معي أنا حت ترجي‬
‫أنت وابنك بسلم‪ ،‬لنه ربا يأتوك بحقق آخر يتكرفس عليك‪ ..‬ما يشيش بالك بعيد‪ ..‬يتكرفس‬
‫عليك غي بالكلم»‪ ،‬تقول زوجة الجاطي‪« :‬الكل يعلم أن كلمة يتكرفس عليك كلمة تتمل أكثر من‬
‫معن‪ ...‬ل يكن أن أصف وقع هذه التهديدات على نفسي وأنا ل أعلم أين أنا ول أحد يعلم بكان إل‬
‫ال سبحانه وتعال‪ ،‬ث الديقراطية المريكية وأعوانا‪ .‬كان الحقق يقول ل ركزي على فترة باكستان‪،‬‬
‫وكان يسألن عن علقت بالد ممد الشيخ‪ ،‬وعلقة زوجي به و‪ ...‬الفيلت الت كنا فيها ومن كان‬
‫فيها‪ ،‬وشكلها وشكل الحياء الت كانت فيها هذه الفيلت‪ ...‬وهذه كلها معلومات ل تم المن‬
‫القومي الغرب ف شيء‪ ،‬ولكنها كانت ثينة للغاية بالنسبة للمن القومي للوليات التحدة المريكية الت‬
‫كانت تعذبنا وتدمرنا بالوكالة بواسطة أبناء جلدتنا‪ ...‬فالغاية تبر الوسيلة بل كل الوسائل‪ ..‬السيسة‬
‫منها والدنيئة‪ ،‬والنافية لبسط حقوق النسان‪ ...‬الهم هو الصول على أكب كم من العلومات‪..‬‬
‫وأدقها‪ ،‬ل يهم كيف يتم السطو على العلومات‪ ..‬الهم أن تبقى أمريكا على خاطرها وتعيش ف المن‬
‫والمان‪ ،‬ولنذهب نن وإنسانيتنا وكرامتنا و‪ ...‬إل الحيم»‪ .‬وتضيف فتيحة قائلة‪« :‬أشياء كثية ل‬
‫أكن أرغب ف العتراف با قلتها لم تت طائلة التهديد والضغط الرهيب‪ ...‬لكن بعض العلومات‬
‫كانت لديهم‪ ،‬وكان بالتال من الصعب أل أؤكدها لم‪ ...‬كما كنت أعلم من هو الشخص الذي‬
‫اعترف لم با‪ ...‬وهذا إن دل على شيء فإنا يدل على أن هناك رجال ل يصمدوا أمام التعذيب‪،‬‬
‫فبالحرى أنا الرأة الستضعفة الت سجنت رفقة ابنها ف ظروف غي عادية‪ ..‬وتت ضغوط ل إنسانية»‪.‬‬
‫اكتمل التحقيق الذي دام سبعة أشهر‪ ...‬وظلت زوجة الجاطي تنتظر قرار الفراج عنها‪ ،‬حسب ما‬
‫وعد به الحققون‪ ...‬صارت تسأل عن سبب إبقائها لديهم‪ ،‬فكان الرد دائما بأنم ينتظرون التعليمات‬
‫من السلطات العليا‪ ،‬فكانت تقول لم السلطات العليا هي جورج تينيت (رئيس الخابرات المريكية‬
‫السابق)‪...‬‬
‫صار إلياس مزعجا‪ ...‬بدأ يهلوس ويفقد القدرة على ضبط النفس‪ ...‬يثور أحيانا ويبكي أحيانا أخرى‪،‬‬

‫‪55‬‬
‫ما اضطر والدته إل طلب إحضار طبيب لعاينته من جهة‪ ،‬ولتجديد طلبها بإخراجه من السجن وتسليمه‬
‫إل عائلة والده‪..‬‬
‫ظلت فتيحة تصارع الرض الذي أل بابنها دون أن تد سبيل للتخفيف عنه‪...‬‬
‫حل عيد الفطر‪ ...‬واضطرت أم آدم إل طلب شراء حلويات وملبس ولعب‪ ،‬على نفقتها الاصة بناء‬
‫على ما كانت تتوفر عليه من أموال‪ ،‬لعاينة ابتسامة وفرحة العيد على وجه ابنها‪ ...‬كان قضاء العيد ف‬
‫السجن أمرا صعبا‪ ...‬وف سجن مهول بدون زيارة أمر أصعب‪ .‬تقول‪« :‬حاولت أن أخفف عن ابن‬
‫مرارة قضاء العيد داخل السجن‪ ...‬عيد بدون عائلة وبدون أصدقاء‪ ...‬بعيدا عن العال»‪.‬‬
‫اقترب عيد الضحى وما من خب عن السراح‪ ...‬التحقيق توقف وعلى الرغم من ذلك ل تصدر‬
‫التعليمات بإطلق سراحها‪ ...‬صارت حالة إلياس تسوء يوما بعد يوم‪ ...‬وقبيل عيد الضحى بدأت‬
‫نفسيته تتز أكثر فأكثر‪ ..‬فالطفل الضطرب كان يسمع رفقة والدته أصوات صراخ غريب‪ ...‬أصوات‬
‫الضرب بالسياط‪ ...‬وأصوات الديد‪ ...‬ظنت الم أن المر يتعلق بواجس ف البداية‪ ،‬لكن صدى‬
‫الصوات كان يعلو منذرا بأنه حقيقة وليس سرابا‪ ...‬كانت أصوات التعذيب ترهق إلياس ووالدته‪..‬‬
‫وكان صراخ الرجال يهز قلبه ويهيجه أكثر‪ ،‬إل أن يثور من شدة اللع‪ ...‬تقول والدته‪« :‬من الصعب‬
‫جدا أن يستمع النسان إل أصوات العذبي‪ ،‬لن ذلك يعله يتخيل أنه يكن أن يتعرض ف أية لظة‬
‫للشيء نفسه وير من اللد والصعق بالكهرباء‪ ...‬كانوا يرصون على أن نسمع تلك الصوات حت‬
‫يبقى وقعها رهيبا وميفا بالنسبة لنا خشية أن نعيشها نن أيضا‪ ،‬لن الوقوع ف الشر خي من انتظاره»‪.‬‬
‫ذات يوم حسم المر‪ ..‬فقد أصيب إلياس بالنون ول تعد له القدرة على التمييز‪ ...‬فصار يتعارك مع‬
‫والدته ويسبها ويضربا‪ ...‬ومرة حاول قتلها‪ ...‬طلبت الطبيب مرات عدة‪ ،‬لكن الدارة ل تستجب‪...‬‬
‫غزا التعب جسم أم آدم وتسلل إليها هزال شديد‪ ،‬وهو ما استدعى إحضار طبيبة لا على وجه‬
‫الستعجال‪ ،‬حيث أجرت العديد من التحاليل الولية‪ ،‬وبعدها جاؤوا يطلبون من إجراء تليل‬
‫البيوبسي‪ ،‬والكل يعلم أن هذا التحليل يرى عندما يشك الطباء ف مرض السرطان‪ .‬تقول «من أقسى‬
‫أناط التعذيب الذي تعرضت له هو أنم أوهون بأن مرض السرطان عاد إل جسمي ف ظروف‬
‫قاهرة‪ ..‬بعد حوال سنة من العتقال والسجن النفرادي ومرض إلياس وغياب كري وآدم‪ ...‬كانت‬
‫ضغوطات كثية تلك الت تعرضت لا»‪.‬‬
‫زاد الب من تأزم أوضاع فتيحة‪ ...‬طلبت رؤية التحليل الذي «يؤكد» إصابتها بالسرطان لتكون على‬

‫‪56‬‬
‫بينة وتقطع الشك باليقي‪ ،‬لكنهم كانوا ياطلون ف إحضاره‪ ،‬لتعيش دوامة من الشك والرتياب حول‬
‫حقيقة وضعها الصحي‪ .‬تقول «بكم تربت مع المراض كنت أفهم قراءة بعض الفحوصات خصوصا‬
‫تلك الت تؤكد الصابة بداء السرطان‪ ،‬لكنهم امتنعوا عن إحضارها ل‪ ...‬ضغطوا علي كثيا بذا‬
‫الب»‪.‬‬
‫انتاب زوجة الجاطي إحساس كبي بالسرة والظلم‪ ...‬وصارت تفكر ف ما يكن أن تتعرض له مددا‪..‬‬
‫كانت تسبح ف عال من التخمينات قبل أن تعود بيالا إل ميط الزنزانة عنوة‪ ..‬رأت إلياس يتوجه‬
‫صوبا بعيون ثاقبة‪ ..‬كانت حالته النفسية مرعبة‪ ...‬توجه إليها بعد أن أصابته نوبة جنون مفاجئة‪..‬‬
‫ماول قتلها‪ ...‬صارت تصرخ إل أن حضر الراس‪ ،‬ل تستطع فتيحة استيعاب هول الصدمة‪ ...‬وأحس‬
‫الراس والسئولون الذين حضروا للتو فعل بالطر‪ ...‬بقيت تبكي وتتلظى برقة وهي تواجَه بنون‬
‫ابنها‪ ،‬حت كاد النون أن يصيبها هي الخرى‪ ..‬كان إلياس قد حاول قبل ذلك النتحار‪ ،‬ولول العناية‬
‫اللية لكان مات منتحرا‪...‬‬
‫أفرح بروجي من العتقل السري بتمارة لن ابن ضاع من‬

‫ف اليوم الوال‪ ،‬حضر (الاج ف) مبا فتيحة بأن مسئول يريد رؤيتها‪ ...‬توجهت مرهقة إل الكتب‪،‬‬
‫حيث ينتظرها السئول‪ ...‬وحت داخل السجن‪ ،‬كانت توضع لا عصابات على العيني حت تتنقل من‬
‫مكان إل آخر‪ ...‬من زنزانتها إل مكتب السئول‪ ،‬متفادين أن تعرف أدق التفاصيل عن الكان الذي‬
‫توجد فيه‪ .‬دلفت إل مكتب السئول‪ ،‬الذي سألا عن حال إلياس وأحوالا معه‪ ،‬فأجابته بأنا حال سيئة‬
‫للغاية‪.‬‬
‫ل يدخل السئول‪ ،‬الذي ل تعرف عنه أم آدم شيئا سوى أنه مسئول بوزارة الداخلية‪ ،‬معها ف تقيق ول‬
‫حوار‪ ...‬جاء ليبلغها خبا واحدا‪ ..‬أو بالحرى أن يبشرها به‪ ،‬على حد تعبيه‪ ...‬كانت فتيحة قد‬
‫أمضت ليلة متعبة جراء النوبة الت أصابت إلياس‪ ،‬فكانت تلس على الكرسي متراخية غي آبة ما‬
‫حولا وبا يقولون‪ ...‬لكنها فجأة ستسمع خبا انتظرته حوال سنة‪« ..‬سيفرج عنكما ف ظرف ‪24‬‬
‫ساعة القبلة»‪ ،‬هكذا قال السئول‪.‬‬
‫ل تس أم آدم بالفرحة‪ ،‬تقول‪ ،‬لن الوان قد فات‪ ...‬وتضيف باكية‪« :‬ل يترك الب أثرا ف نفسي لن‬
‫ابن كان فقد عقله‪ ...‬فقد أوصلوه إل ما أرادوا‪ ..‬حيث تضاعف وزنه‪ ..‬وفقد إدراكه بعد تسعة أشهر‬

‫‪57‬‬
‫من الختطاف والعتقال ف سجن تارة السري»‪.‬‬
‫قبل مغادرتا الكتب‪ ،‬حذر السئول فتيحة من مغبة الكشف عن الهة الت كانت تتجزها أو الكان‬
‫الذي كانت فيه‪ ،‬أو حت القول إنا كانت منذ مدة ف الغرب‪ ،‬وقال بالرف‪« :‬ل أريد أن أسع بأنكما‬
‫قلتما لي أحد بأنكما مررتا من هنا‪ ...‬أنتما قادمان من السعودية‪ ...‬من الطار إل بيت العائلة‪ ...‬أليس‬
‫كذلك؟»‪ ..‬تدخلت فتيحة لتخبه بأنه من الصعب ضبط طفل صغي ف الالة الت هو عليها‪ ،‬لكنه‬
‫توجه إليه وطلب منه بلطف أل يلب الشاكل لمه وعائلته‪ ...‬كان تديدا مبطنا‪ ،‬تقول أم آدم‪.‬‬
‫مرت ‪ 24‬ساعة طويلة كأنا دهر‪ ..‬كانت عقارب الساعة تتثاءب بي الرقام‪ ...‬للمت فتيحة أشياءها‬
‫وصارت تنتظر الساعة‪ ...‬أذن الؤذن لصلة العصر‪ ..‬وحضر الراس لمل أغراض زوجة الجاطي‪...‬‬
‫كانت تستعد لداء الصلة لكن إلياس حاول منعها وهو يصرخ‪« :‬أمي ل تصلي»‪ ،‬كان يشى أن يتعثر‬
‫خروجهما‪ ...‬كبت وبدأت الصلة وصار ير ملبسها حاثا إياها على قطع الصلة‪ ...‬كان يشى أن‬
‫يتراجعوا عن قرارهم‪ ...‬أعطوها مبلغ ‪ 3000‬درهم وهاتفا ممول‪ ،‬وأمروها بالمضاء على وصل‬
‫استلم با تقدم‪ ،‬وإلياس يصرخ «أمي يلله نرجو!»‪.‬‬
‫خرج الثنان ووضعا ف سيارة وأعينهما معصبة‪ ...‬سارت السيارة لبعض الوقت ث سرعان ما توقفت‪..‬‬
‫ف تلك الثناء انتزع الراس العصابات عن أعي فتيحة وابنها إلياس‪...‬‬
‫فتحت زوجة الجاطي عينيها لترى لفتة طرقية كتب عليها «الصخيات»‪ ...‬كان الفصل ربيعيا‪...‬‬
‫والضرة سة غالبية القول الت مرت السيارة على جنباتا‪ ...‬أحست بشبه حرية‪ ..‬هي الن ف السيارة‬
‫بدون عصابات العي‪ ...‬صارت تطالع منظر القول الضراء عب زجاج النوافذ‪ ...‬إل أن وصلت‬
‫السيارة إل مدينة الدار البيضاء‪.‬‬
‫كان الحققون قد سألوا فتيحة عن الكان الذي تريد التوجه إليه‪ ،‬فأخبتم بأنا تريد الذهاب إل منل‬
‫عائلة زوجها‪ ...‬نزل الثنان من السيارة بعد وصولما إل الدار البيضاء‪ ،‬حيث أوقف لما الراس‬
‫سيارة أجرة أخذتما إل الحمدية‪.‬‬
‫ل يكن أحد من عائلة كري أو عائلة زوجته يعرف حقيقة مكانما‪ ...‬وبعد مدة علمت فتيحة أن إحدى‬
‫أخواتا تلقت خب اعتقالا وابنها من طرف الخابرات بالغرب‪ ...‬توجهت أخت فتيحة إل مام للبحث‬
‫ف الوضوع‪ ،‬وصارت تترف كتابة الرسائل إل اليئات القوقية وفعاليات الجتمع الدن‪ ...‬وانرطت‬
‫ف رحلة البحث عن أختها‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ف فترة غياب زوجة الجاطي‪ ،‬تلقت عائلتها اتصال من ابنها آدم‪ ،‬الذي كان يبحث عنها‪ ،‬فيما ل يتصل‬
‫كري‪ ...‬ولدى علمها بالب بعد خروجها من السجن طلبت أم آدم من كل أفراد عائلتها تغيي أرقامهم‬
‫الاتفية حت ل يكونوا طعما لصطياد كري وآدم‪ ،‬تقول‪.‬‬
‫قبيل صلة الغرب‪ ،‬وصلت فتيحة وابنها إلياس إل بيت أسرة الجاطي‪ ...‬كانت مفاجأة والد كري‬
‫كبية عند رؤيتهما‪ ...‬ل تفكر ف ما ستقوله له‪ ،‬لكنها أخبته بأنا قادمة للتو من الطار‪ .‬ل يقبل والد‬
‫كري بأن تقضي زوجة ابنه وحفيده الليلة ببيته‪ ،‬إذ رفض رفضا باتا المر‪ ،‬وأخذها إل بيت أحد أقارب‬
‫أم آدم بالحمدية‪ ...‬أوصلهما بالسيارة ليل وتركهما هناك‪...‬‬
‫عندما خرجت فتيحة من بيت والد كري لحت سيارة تتتبع آثارها‪ ..‬حاولت التملص منها لكن دون‬
‫جدوى‪ ...‬ساعتها فهمت أنا مراقبة من قبل الخابرات‪.‬‬
‫كان التعب قد تكن منهما‪ ...‬ولا وصل ووجها بأسئلة العائلة‪ ..‬غي أنه ل يكن لم آدم استعداد‬
‫للدخول ف دوامة الساءلة ول أي شيء‪ ...‬كانت تعبة وابنها كذلك‪ ..‬وليست لديها أدن فكرة عن‬
‫الستقبل‪ ...‬كل هها كان هو ابنها الريض وهاجس مرض السرطان الذي أوهوها به‪.‬‬
‫ظلت أم آدم لدى عائلتها الت استقبلتها ببور ف البداية‪ ،‬لكن المور ستتغي بعد اكتشافهم أنا‬
‫مراقبة‪ ..‬كانوا قد اقترحوا عليها العيش معهم لكن أمر الراقبة ضايقهم كثيا وجعلهم يتراجعون عن‬
‫العرض‪ ..‬واقترحوا عليها بأدب أن تعود للعيش ف شقتها بي كوتيي بالدار البيضاء الت لتزال مقفلة‪.‬‬
‫بدأت الضايقات‪ ..‬ونوبات إلياس صارت تتزايد‪ ،‬ما اضطر والدته إل أخذه إل طبيب نفسي كانت‬
‫تعرفه‪ ،‬لكن هذا الخي رفض معالته بعد معرفته قصته‪ ،‬وأخبها بأن الطباء سيفضون علجه إذا‬
‫علموا بقصته‪ .‬أجرت فتيحة تليلت طبية أكدت أنا سليمة من مرض السرطان‪ ،‬كما اضطرت إل‬
‫التقلب ف العديد من عيادات الطب النفسي بثا عن معال لبنها الذي صارت أزماته تتضاعف‪ ،‬إل أن‬
‫قبل أحد الطباء الكشف عليه بعد أن اكتشف أن حالته النفسية سيئة للغاية‪...‬‬

‫قصة أرملة الجاطي انتهت لتبدأ قصص أخرى ف أمكنة أخرى‬

‫على امتداد أربعي يوما‪ ،‬عادت فتيحة ممد طاهر حسن‪ ،‬أرملة عضو تنظيم القاعدة كري الجاطي‬
‫استشهد رفقة أصغر أبنائه ف معركة الرس بالسعودية قبل ثلث سنوات من الن‪ ،‬إل صفحات ذكرياتا‬

‫‪59‬‬
‫الت قرأتا بصوت مرتفع على مسامع القراء لترصد من خللا مسية حياة مليئة بالتناقضات الضاربة ف‬
‫جذور الغرابة‪ .‬عاشت أم آدم‪ ،‬كما يلو لا أن تلقب نفسها‪ ،‬مع «الساء» تربة أخرى‪ ،‬من بي تارب‬
‫كثية عاشتها على امتداد أزيد من أربعي سنة حيتها‪..‬إنا تربة الكي والسرد‪ ،‬فقد فتحت قلبها‬
‫لتحول مرى أحداث مفرطة ف الغرائبية عاشتها إل ذكريات تروى‪...‬بعضها غريب وآخر أليم وغيها‬
‫طريف‪ ،‬إل جانب تفاصيل أخرى تنبت ذكرها من فرط الندوب الت تركتها على قلبها والت ل تندمل‬
‫بعد‪.‬‬
‫روت أم آدم الكثي من الحداث النسابة ف فلك السرعة‪ ،‬لترسم مسار امرأة من زمن الرب‪ ...‬امرأة‬
‫تؤمن بفاهيم الهاد لنا جربته وفقدت من أجله أغلى ما تنسل منها‪.‬‬
‫فتيحة ممد طاهر حسن‪ ...‬هي امرأة مثية للجدل‪ ،‬امرأة تتزل خلف ذاكرة ملتحفة السواد أحداثا‬
‫أشد سوادا لنا بكل بساطة «العلبة السوداء» لكري الجاطي‪ ،‬عضو القاعدة‪ ،‬الذي سقط قتيل مطلع‬
‫أبريل من سنة ‪ ، 2005‬لتبدأ قصته مع انتهاء حياته‪...‬‬
‫إنا شهادة امرأة عاشت حياة بوجهي‪...‬بل عاشت أكثر من حياة‪...‬امرأة تقلبت على الحياء الشعبية‬
‫كما على الحياء الراقية‪ ...‬تطت رجلها أفخم الفيلت‪ ،‬كما وطئتا أشواك الواري الشعبية وأيضا‬
‫دور الصفيح‪ ،‬الت لفحت حرارتا جسدها الشامخ أيام الر‪...‬كان قدر فتيحة أن تلطم أمواج‬
‫الختلف منذ الراحل الول من حياتا الليئة بالتحديات‪..‬امتد هذا التلطم إل أن أوصلها إل دهاليز‬
‫القصر اللكي‪ ،‬حيث عاشت التكري ف العهد القدي وانقلبت حظوظها ف الدنيا إل أن عاشت التعذيب‬
‫والعتقال ف العهد الديد داخل وخارج السجون‪..‬‬
‫تفاعلت كل هذه الحداث وتسارعت مشكلة ومؤسسة لصلبة امرأة خارجة عن الألوف‪ ..‬امرأة‬
‫كانت ناية حياة زوجها السدية بداية حياة أخرى‪ ،‬له ولا‪ ،‬على صفحات الرائد والقنوات‬
‫الدولية‪...‬كل ذلك من أجل فك شفرات حياة امرأة خارجة عن الألوف‪...‬عاشت رفقة رجل ما زالت‬
‫حياته وماته يثيان أكثر من علمة استفهام‪...‬امرأة تقلبت على متلف أجهزة المن القومي‬
‫والستخبارات العالية من أجل الغرض نفسه‪...‬حيث مثلت هي نقطة انطلق أساسية ف الياة الثانية‬
‫لكري الجاطي‪ ،‬أحد أتباع أسامة بن لدن‪...‬حياة فقدت معها طعم الرية الكاملة‪...‬تعيش مطاردة‬
‫بشكل يومي من قبل رجال الخابرات المريكية من خلل الخابرات الغربية‪ ،‬الذين يتناوبون على تتبع‬
‫كل خطواتا صباح مساء‪..‬وأينما حلت وارتلت‪...‬تراهم يتعقبون خطواتا دون أن يعرفوا من تكون‬

‫‪60‬‬
‫وما إن كانت هي فعل فتيحة أرملة كري الجاطي‪...‬رغم أنم صاروا وحدة خاصة تشكلت من أجل‬
‫مراقبتها‪«...‬وحدة مراقبة أم آدم» على غرار «وحدة مراقبة بن لدن» بالوليات التحدة المريكية‪...‬‬
‫فتيحة كري الجاطي امرأة تكلمت من داخل الحداث لنا عاشتها‪...‬عاشت تت حكم إمارة‬
‫طالبان‪...‬عاشت الرب المريكية على أفغانستان ‪...‬عاشت القصف‪...‬عاشت الرب وعاشت مقتل‬
‫الزوج والبن دون أن تذرف دمعة ساخنة عليهما‪...‬‬
‫حكت بابتسامة تارة‪..‬وبرقة وعيون دامعة حد النيار مرات أخرى‪...‬اضطرت ف كثي من الوقات‬
‫إل الصمت لكبح جاح الوجع التوهج‪ ،‬ث سرعان ما واصلت راسة معال حياة أكثر من تنظيم‪...‬وأكثر‬
‫من زعيم‪ ..‬وأكثر من إنسانة‪ ،‬لنا بكل بساطة امرأة تمع أكثر من تثل واحد خلف عالها الليء‬
‫بالتفاعلت‪ ،‬ظاهرا وباطنا‪.‬‬
‫حكت كل شيء إل كل الذين تابعوا مسيتا عب صفحات الريدة‪...‬ث سرعان ما اختفت عن النظار‬
‫عائدة تنتظر تسلم جثمان الزوج والبن‪ ،‬اللذين ل ينع فقدانما من قلبها حبا خالدا لبلدة ماصرة‬
‫اسها قندهار‪.‬‬
‫فتيحة حسن امرأة تقلبت بي متلف الصور‪ ،‬بي نعيم العيش وقساوة الياة‪ ،‬بي التجول ف أكثر من‬
‫بلد ف العال‪ ،‬وبي السجن ف زنزانة ضيقة هي وابنها إلياس‪ ،‬فقدت الزوج والبن ومعها حرية الركة‪.‬‬
‫ف هذه اللقة الخية من قصتها الت تشبه مسلسل مشوقا‪ ..‬أصرت على تقدي الشكر والمتنان لكل‬
‫من سح لا برواية قصتها والوصول إل إشراك القراء ف معاناتا وراء القضبان‪ ...‬لكنها ف كل مراحل‬
‫الكي ل تتراجع عن قناعاتا‪ ،‬وإن كانت قناعات وصلت إل حد تأييد حركة طالبان وتنظيم القاعدة‬
‫ومعاداة أمريكا والغرب الت ترى فيه رأس حربة معاناة السلمي‪ ...‬إنا امرأة من طينة أخرى‪ ،‬قد‬
‫تتلف معها‪ ،‬وتتلف مع قناعاتا وقراءتا للدين والواقع ومنهجية التغيي‪ ،‬لكن ل تلك إل أن تترم‬
‫فيها إصرارها وتضحيتها من أجل ما تعتقد أنه الق والصواب‪ ...‬ول تلك إل أن تتعاطف مع معاناتا‬
‫ف السر والعتقال‪...‬‬
‫حكاية أرملة الجاطي‪ ،‬كتاب مفتوح للقراءة وإعادة قراءة مسارات أفراد تنظيم القاعدة‪ ،‬وكيف تول‬
‫شباب من طلبة وموظفي ومعطلي‪ ،‬أغنياء وفقراء‪ ،‬مهمشي وأبناء أعيان‪ ،‬إل جنود ف صفوف تنظيم‬
‫القاعدة الذي يــقوده الشــيخ أسامة بـن لدن من مكان ما ف هذا العال‪...‬‬

‫‪61‬‬
‫تت بمد ال‬
‫اعتن با أخوكم أبو بكر الغرب‬
‫مع تيات إخوانكم ف‪:‬‬
‫[توحيد برس]‬
‫‪tawhed- Press‬‬

‫‪62‬‬

You might also like