Professional Documents
Culture Documents
لقاء صحفي مع أم ادم / فتيحة الحسني زوجة المجاطي
لقاء صحفي مع أم ادم / فتيحة الحسني زوجة المجاطي
tawhed- Press
تقدم
حوار مع
حرم الشيخ عبد الكري الجاطي
العضو ف تنظيم قاعدة الهاد البارك
الخت الجاهدة
أم آدام فتيحة السن
مقدمة:
المد ل الذي أنزل الكتاب والكمة هدى للناس ورحة ،وأنزل الديد فيه بأس شديد ومنافع
للناس ،ث الصلة والسلم على من أُمر بقتال الناس حت ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل ،اللهم
صلي على البعوث بي يدي الساعة بالسام ،وعلى آله وصحبه الجاهدين الكرام ..أما بعد ..
قامت إحدى الرائد الغربية بنشر ذكريات أرملة الشهيد كري الجاطي عضو تنظيم القاعدة ف جزيرة
العرب "نسبه و ال حسيبه" الذي استشهد هو و ابنه آدم ف مواجهات الريس ,تت عنوان ذكريات
مغربية عاشت ف ضيافة طالبان والقاعدة تروي فيها ام آدم قصة التزامها مرورا بزواجها ث هجرتا رفقة
اسرتا الصغية ال أفغانستان ...ال ان وقعت هي و ابنها الياس أسيين ف قبضة الطواغيت العرب
1
لعنهم ال ...ف خضم هذه الحداث تكي ام آدم سية زوجها أبو الياس رحه ال منذ اول يوم عرفته
إل ان فرقتهما القدار بسبب وقوعها ف السر.......
وال تعال نسأل أن ينّ علينا وعليكم بالعفو والغفرة ،والرّحة الرضوان.
* تنبيه :هذه الذكرات قامت بكتابتها صحافية مغربية أجرت حوارا مطول مع أم آدم لصتها على
شكل حلقات نشرت ف اعداد متفرقة لريدة الساء الغربية....
كانت حية فتيحة كبية ...فقد عاشت أوائل التسعينيات من القرن الاضي أزمة هوية قادتا إل البحث
عن ذات أخرى ...عن نط آخر غي الذي هي عليه ...صارت تبحث ف كل اتاه عن مرج لالة
اللل الوجدان الت غزتا.
مع اندلع حرب الليج ،ازدادت معاناة فتيحة الداخلية وصارت تداوم على الصلة والدعاء من أجل
نصرة الغلوبي والستضعفي...
كان يوما استثنائيا ...يوم ثامن يوليوز من سنة ...1991ففتيحة ،الشابة التحررة الشديدة الناقة
ستتحول إل فتاة مجبة تداوم على الصلة وعلى قراءة القرآن والذهاب إل السجد خلل صلة
المعة .تقول فتيحة الت تسللت إليها ابتسامة خافتة تنم عن ارتياح كبي وهي تتذكر أول يوم تضع فيه
2
الجاب «أردت أن أعيش كمسلمة حقيقية ...وبقيت ف مد وجزر مع شيطان ..فكرت ف عملي..
وف يوم من اليام التقيت مع صديقة ل ف السجد وكانت أول مرة تران فيها بالجاب فهنأتن ،إل
أنن أخبتا بأنن أضعه من أجل صلة المعة فقط ،ولا سألتن عن السبب أخبتا بأن طبيعة عملي ل
تسمح بأن أرتدي الجاب ،فكان أن قالت «مت بدأت العمل ف هذه الوظيفة ،فأجبت :منذ سنة
تقريبا ،فردت :وقبلها ،هل كنت تعيشي ،فقلت نعم .فقالت إذن ال يتولك برحته».
ظلت فتيحة تفكر ..وتعيد التفكي مرات كثية ف موضوع حاسم قد يكلفها عملها وعلقاتا وأشياء
أخرى .عاشت تفاعلت داخلية حقيقية انتهت بارتدائها الجاب.
استيقظت فتيحة ذات صباح ..وضعت المار على رأسها وارتدت جلبابا فضفاضا ث اتهت متأبطة
حقيبتها إل العمل .تقول «كنت أحس بأنن متوجهة إل ساحة الرب ..وهذا ما حصل بالفعل».
دخلت إل مكتبها والعيون تتعقبها كالعادة ...لكن مظهرها ف ذلك اليوم كان متلفا تاما عما اعتاده
الميع ..فتيحة ترتدي الجاب ..نعم إنا حقيقة ...ل أحد كان يصدق.
أحست بارتباك بعض الشيء ،لكن قرارها كان نائيا مهما كلف الثمن.
كانت مفاجأة مدير العهد كبية عندما رأى فتيحة لول مرة بالجاب ...تبعثرت كلماته وهو
يستفسرها عما فعلته ...ولاذا ،فكان أن حاولت إقناعه بأن ذلك اختيار وحرية شخصية ،لكن كل
مفاهيم الرية انتفت من ميلة الدير ف تلك اللحظة ،حيث ظل يردد كلمة واحد ووحيدة« :لاذا
فعلت هذا؟ لاذا فعلت هذا؟
كانت فتيحة تتقاضى راتبا مترما يصل إل 13ألف درهم ف الشهر )1300دولر( مع إضافة
بدائل التنقل وتعويضات أخرى ...كان راتبا مترما مقارنة مع الجور الت كانت سائدة ،خاصة أن
الد الدن للجور ف الغرب ل يكن يتعدى 1500درهم ف الشهر ،وراتب فتيحة كان ثروة
آنذاك .دخلت فتيحة ف مفاوضات حبية مع إدارة العهد الذي كانت تشتغل به ،حاولوا إقناعها بكل
الوسائل البية من أجل خلع الجاب ..أغروها بزيادة كبية ف الجر وبترقية جديدة ...وف ظل
تشبثها بوقفها ركنت إدارة العهد إل أسلوب التهديد والترهيب.
دخلت فتيحة ذات يوم إل مكتب الدير .قدمت التحية فلم يرد ،ث قال بنبة حادة «من الن فصاعدا
ل تعودي تنتمي إل هذه الدارة» .أحست فتيحة بعرق بارد يتصبب من أعلى ظهرها ...كانت تتوقع
ذلك ،بل ل تكن تتوقع ..الهم أنا أمام أمر حاصل ...أمام قرار ،ويا له من قرار .طلبت الدارة من
3
فتيحة تقدي استقالتها ،لكنها رفضت ،وطالبت بميع مستحقاتا ،فكان أن ت منعها من تطي عتبة
مكتبها .تقول بأسى «قضيت مدة أسبوع وأنا أجلس على عتبة باب الؤسسة الت منعت من الدخول
إليها ...نفس الؤسسة الت ساهت ف بنائها وف تهيزها وتزيينها ..ل يعد ل الق ف الدخول إليها،
لكنن ف الوقت ذاته واصلت الضور حت ل يتهمونن بأنن غادرت النصب دون إخبارهم».
تعاطف كثيا طلبة العهد مع فتيحة الت كانوا يكنون إليها احتراما كبيا ،وف الوقت نفسه كانوا
يسألونا عن السباب الت جعلتها ترتدي الجاب دون سابق إنذار .كري الجاطي كان أحد أبرز
التعاطفي مع فتيحة ..ظل يواسيها باستمرار ويتعقب أخبارها ويستفسر عن سر ارتدائها للحجاب.
كان كري الجاطي الشاب الوسيم الثقف بالكاد يتحدث اللغة العربية ،فقد كان مفرنسا بكم أن
والدته فرنسية .مدته فتيحة بالقرآن لتبي اليات الت تفرض الجاب ،لكنه ل يستطع فهمها ،فكان أن
زودته بنسخة مترجة لعان القرآن إل اللغة الفرنسية الت يتقنها.
ظلت فتيحة تتردد كل صباح على العهد دون أن تستطيع الدخول ،وذات مرة فوجئت برجال المن
يستدعونا إل كوميسارية العاريف .كان ذلك أول تعامل لفتيحة مع رجال المن ،حيث أمروها بعدم
القتراب من العهد ،فلم تتثل لتتوصل باستدعاء ثان إل كوميسارية قريبة من شارع ممد الامس،
وهناك ت تديدها بسوء العواقب إن هي عادت مرة أخرى إل العهد.
بعد علمها بالوضوع ،رجت والدة فتيحة ابنتها بأل تعود إل العهد خوفا من عواقب ذلك .استجابت
فتيحة على مضض لرغبة والدتا ،وأحجمت عن التردد على العهد واعتكفت بالبيت إل حي .تقول
«حرمون من مورد رزقي ..حاربون فيه ،على الرغم من أنن ل أفعل شيئا قبيحا ول أضر أحدا ،غي أن
ال من علي بالستر».
خلل تلك الفترة عاشت فتيحة إحساسي ،إحساس بالرارة لفقدانا لوظيفتها التميزة ،وإحساس آخر
بالدخول ف حياة جديدة وهي ترتدي الجاب .تقول «كنت متبجة ،والتبج كان شيئا عاديا بالنسبة
ل ،ول أكن أعلم بأنه كان حراما وأن ال فرض الجاب على الرأة السلمة .وعندما ارتديت الجاب
كنت وأنا ذاهبة إل صلة المعة أحس وكأنن فراشة ف فصل الربيع ..أحس ببور ل يوصف ،فقد
كنت ألبس البيض ،وعندما أزيل الجاب ،أحس بأنن أنسلخ عن جلدي ..وكان هذا الحساس
يراودن قبل أن أرتدي الجاب بصفة نائية .اشتريت جلبابا عاديا وخارا للرأس وتوكلت على ال».
4
زيارة كري قلبت أحزان إل أفراح
كانت فتيحة ملصة ف عملها ،لكن إخلصها ل يشفع لا ساعة السم ،فالدير قبل النقاش ف أي شيء
باستثناء موضوع الجاب ...فمرحلة التقرب من الدير انتهت وحلت ملها مرحلة أخرى جديدة...
إنا مرحلة الواجهة.
انتهت فتيحة مطرودة من عملها ،ومكثت أياما بالبيت ترفض الروج .تقول بنق «قال ل الكوميسر
إذا حضرت مرة أخرى إل العهد غادي نقبك».
ل تكن فتيحة قد بدأت ف الضور إل اللسات الاصة بالوعظ والرشاد الدين ...كانت فتاة مجبة
عادية جدا ،لذلك ركنت إل هومها بعد فقدان العمل داخل بيت عائلتها الذي تفرغت فيه لداواة
جراحها .ظلت فتيحة على هذا الال ليام وأسابيع إل أن حدثت الفاجأة.
ذات صباح سعت طرقات خفيفة على الباب فهمت بفتحه ،فإذا با تطالع شابا وسيما حضر لزيارتا
بابتسامة عريضة مرسومة على وجهه ...ف تلك اللحظة ،تقول فتيحة ببور وبجة «انقلبت كل
الحزان إل فرح ،فقد أحسست بأن الطلبة ل ينسون وهذا المر أثر ف كثيا».
ل تكن العلقة بي فتيحة وكري تتجاوز حدود الدرسة ،لكنه على الرغم من ذلك تضامن معها ف
منتها ،على غرار طلبة آخرين ...لكن تضامنه كان من نوع خاص ،ذلك أن مؤازرة الطلبة الخرين
للموظفة السابقة توقفت مع بداية العطلة الصيفية ،فيما استمر كري ف البحث عن جدديها باستمرار.
استقبلت فتيحة كري الجاطي ف بيتها ...كان شابا يافعا ( 24سنة) ،وتسرب إليه شيء من التدين
بعد أن تصفح نسخة ترجة معان القرآن الت أهدتا إليه.
جلس كري وسط عائلة فتيحة ..ل يصدر عنه كلم كثي ...ارتبك بعض الشيء ،لكن مارج حروفه
كافحت كثيا من أجل إطلق سراح جلة وحيدة جامعة وشاملة «أريد أن تكون أم أولدي».
أحست فتيحة ،الت كانت تعيش مثقلة بم فقدان العمل ،بأن الرض تتز من تت قدميها ..آخر ما
كانت تتوقعه ...كري الجاطي ،الشاب الذي يصغرها بسبع سنوات يعرض نفسه عريسا لا .كان أول
رد فعل صدر عن فتيحة هو أن نبهت كري إل فارق السن بينهما ،حيث قالت «أتدري بكم أكبك»،
فرد عليها بسؤال آخر «كم كان فارق السن بي أمنا خدية رضي ال عنها والرسول الكري صلى ال
عليه وسلم؟» ،فقالت «حوال 15سنة» ،ساعتها علق قائل «أترين ...ل تثلي حت النصف».
5
حضر كري الجاطي إل بيت فتيحة من دون أفراد عائلته ...فالشاب الدلل الثري ،خطا تلك الطوة
الصيية دون حت أن يستشي أهله ...ربا لعلمه السبق بأنم سيفضون ...لكنه على الرغم من كل
ذلك أقدم على الفعل.
عاشت فتيحة مشاريع زواج سابقة ،لكن القدار كانت تضي ف اتاه بعيد عما أرادته الشابة الت
بلغت سن الثلثي دون أن تتزوج .وكان عرض كري ،الطالب الذي ليس له عمل ول دخل قار يتاج
إل تفكي ،وأكثر من ذلك إل قرار حاسم .تقول فتيحة «طلبت مهلة قصية للتفكي ...على الرغم من
أن الفاجأة كانت جيلة وتركت صدى طيبا ف نفسي ،إضافة إل أن أمي شجعتن كثيا ،فقد كانت تبه
لسن خلقه وطيبته ووقوفه إل جانب ف منت».
كان شرط فتيحة الوحيد هو أل تعلم عائلة كري بالوضوع إل أن يتم الزواج ،ذلك أنا كانت متيقنة
من أن عائلته لن تقبل با زوجة لسليلها بكم فارق السن وبسبب الجاب ،وخوفها من أن يفشل
الوضوع جعلها تثه على كتمانه عن أهله ...قبل كري الشرط وتزوج فتيحة دون إخبار عائلته الت
تألت كثيا للمر.
ل تكن لكري الجاطي إمكانات مادية مهمة لعداد حفل زفاف فاخر ،فقد اكتفى الثنان بوليمة
متواضعة حضرها الهل والحباب ،إعلنا عن انطلق مرحلة جديدة ف حياة فتيحة ممد طاهر السن
وكري الجاطي .تقول فتيحة «كانت لدي المكانيات الادية لقامة حفل زفاف فاخر ،لكننا فضلنا
وليمة إسلمية متواضعة تأسيا بالرسول صلى ال عليه وسلم والصحابة رضوان ال عنهم».
انتقل كري ليعيش مع فتيحة ف شقة متواضعة بي كوتيي الراقي ...ودخل الثنان مرحلة جديدة،
اكتشفا فيها بعضهما البعض ...اكتشفت فتيحة كري الشاب الرقيق الرهف الس ...الشاب
الهذب ...الطفل الكبي ،هكذا تراه فتيحة ..يب الطفال ويد متعة بالغة وهو يلعبهم .وطوال الفترة
الت عاشاها رفقة بعضهما البعض أبان كري الجاطي عن روح السؤولية وعن معن اللتزام القيقي ف
العلقة الزوجية ،بيث تقول فتيحة «خلفا للصورة الت حاولت وسائل العلم الدولية ،مدعومة
بالستخبارات العالية ،رسها لكري الجاطي على أنه إنسان فظ غليظ متعطش للدماء ...كان شابا ف
غاية اللطف والنان ،بيث ل يتخل عن ف أحلك الراحل الت عشناها ،ول أحس يوما بأنه نظر إل
نظرة دونية ..وقد خدمن وأنا على فراش الرض دون تأفف».
ل يكن كري يعمل ،وكذلك فتيحة ،وكان الثنان يعيشان على مدخرات فتيحة الت جعتها خلل فترة
6
العمل ،فضل عما كان يصل عليه كري من عائلته .ومع توال اليام صار كري وفتيحة يفكران ف
مرج لضائقتهما الالية ..والبحث عن مورد رزق رسي يعولن به نفسيهما.
ل يكن كري يبذ فكرة خروج فتيحة لسوق العمل من جديد ،على الرغم من أنا اقترحت عليه ذلك
مرات عدة ،وكان يبحث هو عن عمل بشكل دائم دون أن يستقر ف وظيفة بعينها.
7
وثبتتن على حجاب» .وخلل الرحلة نفسها ،اكتشفت زوجة الجاطي نشاط بعض المعيات اليية
الت لا علقة بالهاد ف أفغانستان وفلسطي ومعلومات جديدة عن منظمة حاس ..ول تد بدا ،خلل
تلك الرحلة من زيارة بعض السواق الت نظمت على هامش الؤتر والت تعرض فيها بعض الشرطة
والتسجيلت السلمية واللبسة...
رق قلب فتيحة ،الداخلة الديدة إل عال التحجب ،لكل ما رأته عيناها وكل ما سعته أذناها اللتان
ظلتا مرهفتي طوال أيام الؤتر .تقول برقة« :اكتشفت عالية دين السلم الذي كنت أتيله ديننا
وحدنا» .كانت مريات وتفاصيل هذه الحداث تر كالوميض أمام عيون الجاطي وزوجته...لكنها ل
تكن تر دون أن تترك وشا بارزا ف قلبيهما معا ...وشا ،بل وخزا حارقا ف معرفة الزيد عن سر
السكون الذي يلفح قلبيهما الطارقي رحاب عال جديد عما اعتاداه من ذي قبل.
ف خضم النبهار با اكتشفاه خلل أيام الؤتر ،سيتسلل طيف خب جيل لسرة الجاطي الصغية
التشكلة حديثا ...ففتيحة اكتشفت بعد نوبة عياء مفاجئة بأنا حامل بأول بذور أسرة الجاطي الت
أينعت بعد تسعة أشهر.
انتاب فتيحة بعض العياء من جراء الوحم..وعوض أن تلد للراحة سارت تتفاعل من دون تردد مع
مريات النتخابات الت جرت وقتها ف الزائر ،خاصة بعد فوز جبهة النقاذ ف الدور الول وتعثر
وإجهاض السار الديقراطي بالبلد نتيجة مموعة من التغيات الارجية والداخلية ،من جهة ،وبدايات
الرب على البوسنة والرسك ،من جهة .ل تكن زوجة كري من ذوي الهتمامات السياسية من ذي
قبل بالطريقة نفسها وحت عندما ارتدت الجاب ،فقد اعتقدت ف الوهلة الول أن المور ستقف عند
حدود الصلة وغطاء الرأس...لكن بثها وتنقيبها التواصلي قاداها إل أشياء أبعد وأعمق ،بل وأخطر
ما رسته ميلتها الصغية ف لظة معينة سنة ،1991عندما قررت ارتداء الجاب.
عاد الزوجان من رحلتهما إل الديار الفرنسية ،وكانت الرب بالبوسنة والرسك ف ذلك الوقت على
أشدها...كانت الوضاع بالبوسنة تغلي ،وصارت حاسة الجاطي وزوجته بالقابل تتركز إل أعلى
درجات الغليان ،فما تلقياه خلل أيام الؤتر كان ليزال ماثل ف ذهنيهما...قوي الضور...شديد
التأثي ف أعمق خبايا النفس .الرب بالبوسنة على أشدها...فتيحة حامل بولودها البكر وتتاز مراحل
صعبة من الوحم...ودرجات الضغط علت لدى كري الذي تاهت عيناه بي جثث القتلى التناثرة
وشدت أذناه إل أصوات الصواريخ الت يطلقها الصرب على أرض البوسنة وأطفالا وشيوخها ،وتفطر
8
قلبه لصوات النساء البوسنيات الصارخات بأنن حوامل من النود الصرب عن طريق الغتصاب
ويستفتي عن مصي ما ف بطونن...فكانت الثورة...الثورة الداخلية لكري الجاطي ،الذي أعلن
لزوجته أنه سيشعل جسده شعة بدل أن يلعن الظلم.
مرت اليام كالوميض وزوجة كري الامل ،صارت أما ،مثلما صار هو أبا .كان أول سليل الزوجي
طفل صغي التقط الشيء الكثي من وسامة والده..عمت الفرحة كل أرجاء البيت..ث سرعان ما توارت
الفرحة وارتكنت جانبا لتظهر السؤولية الت أصبحت لدى الثني اللذين خرج الصغي إلياس للحياة
ول أحد منهما يعمل....
فكر كري ف الشتغال ،فذلك كان أمرا ضروريا..مدخرات زوجته ف طريقها إل النفاد ومتطلبات
الولود الديد ل تقبل التأجيل.
كانت فتيحة فكرت قبل ذلك ف الشتغال ،حيث وضعت طلبا لدى شركة الطوط اللكية الغربية
الوية ،غي أن عامل الجاب وقف حجر عثرة ف طريقها إل مكتب خاص هناك ،على الرغم من أنه
كان ل يزال حجابا أنيقا .وبعد ذلك ،تكنت من الصول على وظيفة بإحدى كبيات شركات
النسيج ،غي أن الزوج التدين ل يقبل بأن تكون زوجته كاتبة خاصة للمدير ...تتبع خطواته أينما حل
وارتل...على الرغم من أن الجر كان يتجاوز ما كانت تتقاضاه زوجته خلل فترة عملها بالعهد
الغرب لدارة العمال بوال 2000درهم ..لكنه رفض المر ،كما رفض أن يشتغل هو ف مكان
أو مكتب به اختلط.
دخل كري حياة تدين شديد ومضى فيها إل أبعد الدود ،فقد كان يافظ على الصلوات ف وقتها،
والشيء نفسه بالنسبة للنوافل ،كما كان يصوم كل يوم اثني وخيس ويقوم الليل ويرتل
القرآن...وتعلق زوجته قائلة«:إن ال يهدي من يشاء..فمنذ أول مرة قرأ فيها القرآن..هلت إشراقة
اليان على قلبه..فالقرآن دستور ،واللتزام بالدين يعن اللتزام بالوامر والنواهي على حد سواء».
هذه أسباب ف السماح لزوجي بالذهاب إل الوت ف البوسنة
تغيت مريات حياة السرة بعد ولدة إلياس ،واضطر كري الجاطي للتفكي ف وسيلة لضمان عيش
أسرته ،وكان أن استقر تفكيه على العمل ف ميدان التجارة ف فرنسا بكم النسية الفرنسية الت
يملها ،انطلقا من فكرة شراء بعض النتجات الغربية التقليدية وإعادة بيعها هناك .وبعد مضي شهرين
على ولدة إلياس ،رحل كري تاركا وراءه زوجته وطفله الصغي .ل يقض الزوج أكثر من بضعة أسابيع
9
بالديار الفرنسية حت عاد إل حضن أسرته ...لكن العائد كان شخصا آخر ل تعتده زوجته ،فقد رجع
مثقل بموم أخرى غي الت رحل من أجلها.
استحالت رقة كري العهودة إل حنق كتم زفرات أنفاسه بعد مطالعته للعديد من التسجيلت عن
الوضاع ف البوسنة والرسك .شيئا فشيئا صارت ملمح حزن دفي تعلو وجهه باستمرار ،وصار
يعيش غليانا داخليا مع الذات ..ومع الصرب ،الذين بدأ يفكر ف قتالم.
كان كري قد أطلق لية خفيفة ،وتول بذلك من الشاب الوسيم ذي الشعر الكثيف التطاير إل رجل
ملتزم يسعى إل اكتساب الوقار من خلل ليته ولباسه.
تابعت فتيحة الشريط الذي حله زوجها معه من رحلته الخية إل فرنسا .كانت تستحضر تفاصيل
اللحظات الت تابعت فيها فصول التقتيل والغتصاب والتجويع الت صورها الشريط ،دون أن تنتبه إل
أخاديد الدموع النسابة من عينيها الحمرتي والجتمعة عند نقطة متوسطة على الذقن ،لتنتهي متقاطرة
ومتسربة إل منديل أبيض اللون..
لقد انتهى عهد وبدأ آخر ...ل يعد السلم هو الصلة والصوم والج ...لقد صار له معن آخر عند
الزوجي الجاطي ...صار المر بالعروف والنهي عن النكر ...أكثر من ذلك ،صار الهاد ف سبيل
ال ،والذي سيخرج كري عن صمته العهود ليقر لزوجته بأنه سيحل للقتال ف البوسنة.
نزل الب كالصاعقة على قلب فتيحة .كانت قد تأثرت كثيا بالشاهد الت تتبعتها على الشريط ،وبا
رأته خلل أيام الؤتر السلمي الذي حضرته ف فرنسا ،لكنها أيضا كانت أما لطفل ل يبلغ من العمر
سوى ثلثة أشهر .صارت تتجاذبا مشاعر متلفة ...تنهشها وتنغص عليها نومها وتكدر صفو صحوتا،
لكن الهاد فرض ،تقول .وتضيف لست أنا من يفرض ذلك ولكن ال تعال قال ف سورة البقرة من
كتابه العزيز قال« :كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم وعسى
أن تبوا شيئا وهو شر لكم وال يعلم وأنتم ل تعلمون».
ل يناقش كري زوجته ف قراره ...تقول بني ،لنه قدر ردة فعلها كزوجة وكأم ول يفرض عليها شيئا
بالقوة .فكري كان دائما ،برأي زوجته ،رجل الجاج والقارعة بالرأي.
استمرت زوجة الجاطي ف تطوير مداركها وفق السار الذي رسخت عليه أقدامها هي وزوجها،
وصارت متلهفة لتابعة تسجيلت الرب ف البوسنة .وذات يوم تابعت شريطا لستغاثة مموعة من
النسوة البوسنيات اللوات تعرضن للغتصاب على يد النود الصرب .كانت قد سعت قصتهن من قبل
10
من رواية لزوجها ،لكنها ف تلك اللحظة كانت تسمع دون وسيط .كان الشريط لسعد البيك ،أحد
أبرز الشيوخ بالديار السعودية .كان الشيخ -تقول فتيحة -يتكلم برقة عن رسالة وصلت إل مموعة
من العلماء الذين كانوا يتمعون آنذاك ف زاغريب ،عاصمة كرواتيا ،تصف معاناة تلك السيات
البوسنيات مع النود الصرب وحلهن منهم عن طريق الغتصاب ...ويطلب فتوى من علماء الدين ف
الوضوع.
جلست زوجة الجاطي تقضم شفتيها وهي تستمع للشريط ،الذي أكد على أن الهاد فرض عي.
وصارت تتساءل «كيف يكن لا أن تبخل على تلك النسوة وغيهن بزوجها ...كيف لا أن تنسى ما
قاله الشريط عن أطفال رضع رماهم النود الصرب ف خلطات السنت ...تيلت ابنها مكانم،
وتساءلت مرة أخرى كيف يكن لا أن ترم زوجها من الهاد ف سبيل ال من أجل كل هذه المور...
ومن أجل كل أولئك الشباب الذين قطعت أعضاؤهم التناسلية وصففت على أطباق ...كل هذه
المور سعت عنها ورأتا ف أشرطة متعددة».
توجهت فتيحة إل زوجها قائلة دون مواربة «اذهب للجهاد» ،ل يناقشها بدوره ف السباب الت
جعلتها تغي موقفها ،على الرغم من أنه فوجئ بالمر ،لكنه كان ينتظر فقط تلك الملة الت ل تطل
عليه.
هيأ كري نفسه للسفر عب الب ...أوصلته زوجته إل وكالة السفار وودعته غي منية النفس بعودته...
ووقفت تتعقبه يضي ويبتعد إل أن ذهب خياله مع الريح.
بكت فتيحة كثيا بعد الوداع ،لكن كلم الشيخ كان يقتحم ذاكرتا ف كل لظة ...كأنه يصرخ
ويقول لا أن تصمت ..أن تصب ...لنه الهاد.
عادت إل بيتها وضمت صغيها إل صدرها تبكي غياب الزوج ،وحاولت التأقلم مع حياتا الديدة
بدونه.
كانت مطة البوسنة أول انطلقة حاسة ف رحلة كري الجاطي الهادية .ل يكن مدربا ول معتادا على
ظروف الرب ،لكنه رحل مستجيبا لنداء داخلي ،تقول زوجته ،بل لنداء ال.
ل يأخذ كري الجاطي معه أموال كثية خلل رحلته إل البوسنة .وتقول زوجته« :كـان الذهاب إل
البوسنة يعن الطريق إل الوت ،لذلك فزوجي ل يأخذ معه أموال كثية من أجل العيش ...أخذ فقط
مبلغا زهيدا ل يتعـدى خسة آلف درهم ...ل تكن لديه وجــهة مددة ول معارف يقصدهم...
11
كانت وجـــهته الوحيدة القتال والقتل ول شيء ثالثهما ،لذلك أخذ معــه تذكرة الذهاب دون
الياب».
بعد مرور أيام على رحيل كري ،اكتشفت زوجته أنا حامل بولودها الثان ..تسرت كثيا لغياب
زوجها عنها ف تلك الفترة ..فترة المل ،لكن حسرتا ل تدم طويل.
ذات يوم خرجت فتيحة ،الت تقلبت ف عدة أعمال من أجل ضمان قوت يومها وابنها ،لتعود فاتة
باب بيتها على مفاجأة كانت أعمق وأبلغ من أن تصدقها بسهولة ...فكري الجاطي عاد إل كـنف
أسرته من رحلة الوت الت سافر إليها.
12
وتدريبات خاضوها بعسكرات أفغانستان وغيها .واستفاد القاتلون الدد ،وضمنهم كري الجاطي،
من معسكرات تدريب خاصة .وكان تدريبا بسيطا ،تقول فتيحة ،لن الرب كانت آنذاك على أشدها،
ول يكن متاحا خوض تداريب كاملة ومتواصلة .وتبعا لذلك تعلم كري حل سلح الكلشينكوف
واستعماله وبعض أدبيات الرب خلل الراحل الول من التدريب على أرض البوسنة ،الت رحل إليها
مقاتل فوجد نفسه مبا على أن يتدرج ف مراحل متعددة من التدريب .ل يلتق كري عناصر معروفة
مددة خلل رحلة البوسنة ،لكنه تعرف إل مع العديد من القاتلي من الكويت والمارات وألانيا
وتونس وأفغانستان ...ومن كل القطار الت تسللت إل بعض مواطنيها قناعات القتال.
تقول فتيحة «خلل الفترة الت انتقل فيها زوجي إل البوسنة ل يكن الهاد «حراما» ،أو بالحرى ل
يكن ينظر إليه النظرة الالية ،حيث كان ليزال شيوخ السعودية يثون على الهاد وكان الناس
يمعون التبعات من أجل ذلك ،حت إن الشيخ أبن باز باع سيارته من أجل تهيز أحد القاتلي ،وهو
أبو دجانة ،من أجل القتال ف البوسنة ،لكن المور ستنقلب بعد الرب المريكية على أفغانستان»
حيث سيصبح الهاد «حراما».
اقتنعت فتيحة بضرورة مرافقة زوجها ف رحلته الهادية ،وحاولت أن تساير اقتراحه على الرغم من
ظروف المل ،حيث حصلت على تأشية من إيطاليا بعد رفض القنصلية اللانية منحها إياها .فكرت
ف الرور إل البوسنة من إيطاليا بكم حدودها مع سلوفينيا وكرواتيا .كان أمرا صعبا ،تقول فتيحة.
وتضيف «فقد كنت على وشك الولدة وخشيت أن أعرقل مسار زوجي ،كما أنن ل أتيل أنن سأضع
مولودي ف ساحة الرب».
شد كري الجاطي الرحال من جديد إل أرض البوسنة ..من دون زوجته الامل ومن دون ابنه ،لكنه
عجز عن الدخول ،ما اضطره إل البقاء ف الديار الفرنسية لدة شهرين ،حيث كانت حدود البوسنة
مغلقة ول تكن هناك من إمكانية للدخول إل البوسنة بأمان.
ل يد كري ،ف ظل استمرار إغلق الدود ،بدا من العودة إل الغرب ،حيث وجد زوجته ف الراحل
الخية من المل ..وبالضبط قبيل مرحلة الولدة بقليل .عاد متلفا أيضا ...لكنه كان اختلفا مغايرا
تاما عما كان ف السابق .عاد الجاطي عصب الزاج ،حاد التوتر ...أحست زوجته بأنه مرتبك ل يهدأ
له بال ...كما أنه كان نادما أشد ما يكون الندم على عودته من البوسنة الت ل تعترضه صعوبات كثية
ف الدخول إليها ف الرة الول.
13
اضطرت فتيحة للعمل ،حيث انرطت رفقة إحدى صديقاتا ف مشروع بسيط للخياطة ...انشغلت
بعض الشيء ف الشروع الذي كان أيضا وسيلة لعالة أسرتا بسبب انشغال كري بالقتال.
ذات صباح باكر خرج كري من بيته منكسر النفس مهزوز الاطر ...نادما كعادته على عودته من
البوسنة الت ل يستطع إليها سبيل ...خرج ول يعد .ل تعتد فتيحة على غياب زوجها دون مبر ،لكنه ف
تلك الرة اختار غيابا مفاجئا أرهق زوجته الت بثت عنه ف كل مكان ..ف بيت عائلته ...لدى بعض
معارفه ...دون جدوى .وأخبتا الادمة بأنه قبل رحيله طلب منها ترتيب بعض اللبس الصوفية ف
حقيبة صغية أخذها معه ...استغربت فتيحة طلبه ملبس صوفية على الرغم من أن الفصل كان
حارا ...ساعتها تسربت إليها فكرة إمكانية عودته إل البوسنة ،لكنها ل تفهم السبب الكامن وراء
رحيله دون إخبارها ،رغم أنه متيقن من أنا لن تنعه من الرحيل.
كان اختفاء كري غريبا ..وصارت الشكوك تنهش دواخل زوجته الت قادتا رحلة البحث إل التفكي
ف أحسن التأويلت وأسوئها ...ف إمكانية حلوله من جديد بأرض البوسنة ...وأيضا ف إمكانية
اختطافه أو حبسه ...حاولت البحث ف كل التاهات لكنها ل تستطع إبلغ الشرطة ،على الرغم من
أن والديه فكرا ف ذلك ،لكنها رفضت ،بل رفضت بشدة.
بعد مدة قصية ،وضعت زوجة الجاطي ابنها الثان ،الذي أطلقت عليه اسم آدم ف غياب والده..
وخلل لظات الولدة العسية دعت ال كثيا أن يعود زوجها إليها سالا غانا ...كانت آلم الخاض
متزجة لدى فتيحة بآلم غياب الزوج ،لذلك كانت تتأل مرتي .
كانت ولدة آدم ف يوم 29يوليوز ،1993وهو اليوم نفسه الذي سيغادر فيه كري الجاطي
السجن
14
حيث كان يرتدي سروال جين وكان حليق الوجه وشكله ل يوحي بأنه مقاتل ،بالضافة إل جوازه
الفرنسي ..لكن كل هذه المور ل تشفع له ...وقال له النود الكروات «إنك ماهد عرب» .حاول
كري إقناعهم بالعكس ،ونفى نفيا قاطعا أن يكون كذلك ،وحاول التقدم غي أنم وجهوا أسلحتهم
صوبه وهددوه بالقتل إن حاول العبور.
اعتقل النود الكروات الجاطي ووضعوه ف السجن ،وبقي هناك حوال شهر .كان ف السجن ،حسب
ما أسر به كري لزوجته ،مسلمون كثر ..رجال ونساء ..أطفال وشيوخ ...كان ف ما مضى يتابع بعض
مظاهر التعذيب عب تسجيلت صوتية-مرئية ،لكنه ف تلك الرحلة كان يسمع أصوات التعذيب
وصراخا مدويا يترق أذنيه باستمرار ...كان -تقول زوجته -يسمع صراخا وأنينا حقيقيي..
جنسية كري الفرنسية جعلت النود الكروات يضعونه ف سجن مع غي السلمي ،حيث كانوا يراقبونه
بشدة ...تقول فتيحة «كان يشى أن يعرفوا نيته ،وقد حاول تفادي أكل الطعام الذي كانوا يقدمونه له
خوفا من أن يكون به لم خنير ،وكان يكتفي بالبز وبعض المور البسيطة ،إل أن وصل إل درجة
قاسية من الزال السدي وانفض معدل ضغطه».
كان ضمن العتقلي رفقة كري خلل تلك الرحلة صحاف بريطان ...وفور الفراج عن هذا الخي
طلب منه كري الذهاب إل السفارة الفرنسية وإعطاءهم اسه من أجل التدخل للفراج عنه .وبالفعل
فعل الصحاف ما طلب منه كري وتدخلت السفارة الفرنسية ليتم إخلء سبيل الجاطي بعد فترة وجيزة،
بعد صدور حكم ف حقه ينعه من الدخول إل الراضي الكرواتية لدة خس سنوات.
عاد كري بعد إطلق سراحه إل فرنسا ،ومنها إل الغرب ...تنفست فتيحة الصعداء بعد رؤية زوجها،
الذي لحت فيه إحساسا مضاعفا بالسرة والرارة جراء الروج من البوسنة الت حاول العبور إليها
مرات عدة ...أحس كري بأن الطريق إل البوسنة أغلقت ف وجهه نائيا ،وهذا المر -تقول زوجته-
ضاعف من آلمه ،لكنه ل يقبل الوقوف عند هذا الد ،ذلك أن قناعاته الهادية كانت أعمق وأبعد من
أن تعله يمد حلمه ف تقيقها بعد فشل ماولتي.
صار كري يفكر ف حل آخر ،أو بالحرى عن وجهة أخرى ،وقبلها عن تدريب متكامل يعزز مكانته ف
صفوف القاتلي .حاول أن يزيح هم التدريب عنه حت ل يصطدم به خلل رحلة جهادية أخرى ف
إحدى جبهات القتال ...ف تلك الثناء بدأ شعاع شس بلد تسودها الرب يسطع داخل قلبه...
وصارت مغارات جبال تورابورا (ف ذلك الوقت ل يكن أحد يتكلم عن تورابورا بل عن جبال
15
الندوكوش) تعضد حلمه ف أن تشتد شكيمته مثل أشد القاتلي ...ساعتها انلى خيار اللتحاق
بصفوف القاتلي ف إمارة طالبان الهادية .كانت أفغانستان تعيش ف تلك الونة حربا بي الحزاب،
والرب على أشدها بي ربان من جهة وحكمتيار من جهة أخرى ..وف النوب أقيمت معسكرات
لتدريب القاتلي.
ف رمضان لسنة ،1994استقر قرار الجاطي على الرحيل إل ملكة طالبان لتلقي تدريب عسكري
هناك ،ول تكن من وسيلة للوصول إل هناك سوى طريق السعودية ،حيث فكر الجاطي ف أداء مناسك
العمرة ف الديار القدسة ،الت كانت مطة انطلق للوصول إل أفغانستان .كانت الوضاع ف السعودية
آنذاك لتزال مستقرة ،حيث وجد العديد من الشخاص الذين كانوا يولون ويهزون الشباب من أجل
القتال ف البوسنة أو الشيشان أو أفغانستان ...فهذه المور كانت شبه عادية ف السعودية.
صباح يوم عيد الفطر لسنة ،1994كانت انطلقة كري الجاطي إل باكستان ،واستقر بدينة
بيشاور الدودية ،الت كانت مركزا للمقاتلي العرب .وصل كري الجاطي إل أفغانستان والتحق
بعسكر خلدان ،وهو من أحسن العسكرات التدريبية ف أفغانستان ،والت ترج منها أكثر مقاتلي
القاعدة ،الت ل تكن قد تأسست بعد .باشر الجاطي دورة تدريبية كاملة بعسكر خلدان لدة تزيد عن
ستة أشهر ،وبعدها أصيب باللريا ،وهي مرض قاتل شائع ف أفغانستان.
ذات ليلة دافئة من أواخر سنة ،1994كانت فتيحة تم بأداء صلة الفجر فإذا با تسمع طرقا
على باب شقتها ...فتحت الباب فإذا با تد زوجها متصلبا أمام باب الشقة .كان كري ف حالة
سيئة ...هزل إل درجة كادت عظامه تنبي من جلده ...وأطبق على صدره سعال كان ينقه
باستمرار.
ف تلك الفترة كانت فتيحة تشتغل بإحدى الدارس الرة مقابل 2500درهم ف الشهر.
خضع الجاطي لعدة فحوصات طبية ،واكتشف الطباء أن عدد الكريات المراء ضئيل جدا بسمه،
ما استوجب نقله إل مصحة خاصة لجل حقنه بدم آخر ...ورغم أنه قضى أياما ف العناية الركزة إل
أنه فضل بعد مغادرتا اللود إل الراحة ف بيته ،رافضا الكوث ف مصحة الكيم.
صار كري يتماثل للشفاء شيئا فشيئا ،وقد بث هذا المر بجة وسرورا وسط أسرته الت ل تعانق الفرحة
منذ مدة طويلة ...كان الجاطي يتقوى ويتجاوز منة الرض فيما كانت زوجته تندثر...
كانت قدرات فتيحة الصحية تذوب بشكل تدريي دون أن تعرف السبب ،وخضعت بدورها لعدة
16
فحوصات طبية .ذات يوم جلست زوجة الجاطي تكوي اللبس فإذا بالاتف يرن ،رفعت السماعة
لتجد طبيبتها العالة على الط .أحست بأن الدنيا اهتزت من تت قدميها لتزعزع كل كيانا...
الكالة ف حد ذاتا جعلتها تنتظر خبا سيئا ...تعطشت لسماع الب رغم أنه خالها شعور دفي بأنه نبأ
سيء ..فكانت الصاعقة« ..أنت مصابة برض السرطان» ،قالت الطبيبة ماطبة فتيحة باستياء عارم.
كانت صدمة قوية استوعبتها زوجة كري على مضض...
للمت «أم آدم» جراحها بعدما اخترق داء السرطان جسدها ...وصارت تعد الدقائق الخية من
حياتا ...فقد ظنت أنا ستموت .اتصل كري بزوجته عب الاتف وسألا عن نتائج التحاليل الطبية،
لكنها رفضت أن تبه بالمر عب الاتف ..اقترحت عليه العودة بسرعة ليستمع مباشرة إل ما قالته لا
الطبيبة العالة.
تلقى كري الب بساسية مفرطة ،والشيء نفسه بالنسبة لعائلة زوجته ،الت طغى عليها برود ظاهري
غريب ،فيما كانت دواخلها تذوب من فرط العاناة ،لكنها ف الوقت ذاته ل تكن تقبل أن يبكي أحد
من العائلة أو العارف أمامها ،تقول «فقد كنت أحتاج إل من يقوي عزيت ل إل من يبطن ويضاعف
معانات».
كان آدم وإلياس ليزالن صغيين ،واضطرت فتيحة إل إجراء عملية جراحية بستشفى ابن رشد
بالدار البيضاء ،وقد كللت هذه العملية بالنجاح ،ول يعد بالتال من الضروري إجراء أشعة كيماوية أو
غيها ...وانتهت المور بأقل السائر .تقول فتيحة الت اغرورقت عيناها بالدموع وهي تركز على
بعض التفاصيل« :تعايش زوجي مع ما أصابن بكل جوارحه وجلس قرب غرفة العمليات من الـثامنة
صباحا إل الساعة الثانية بعد الزوال ينتظر النتيجة ...ول يسسن يوما بأنن مريضة بالسرطان ،بل
بالعكس كان يعاملن معاملة خاصة ،وكان يدمن ول يتخل عن».
استقرت حالة «أم آدم» بعض الشيء وتنفست الصعداء بعدما اشتمت رائحة الوت قريبة من أنفها...
مرت الشهور وأحوال السرة هادئة ،إل حدود سنة ،1996حيث سينل خب صاعقة آخر على
عائلة الجاطي ...ففتيحة مصابة برض آخر هو داء السل الرئوي العدي ،وتلك حكاية أخرى.
17
كان لبد لفتيحة أن تبتعد عن زوجها وعائلتها بكم أنا مصابة برض معدي ،ما اضطرها إل الكوث
لدة شهرين لدى بعض أفراد عائلتها بنطقة بنسليمان .أصيبت بإرهاق وهزال شديدين ...وصارت
حالتها تتحسن بعد فترة نقاهة طويلة ابتعدت فيها عن ابنيها وزوجها ،ث عادت بعد أن استردت شيئا
من قوتا.
عادت «أم آدم» إل كنف أسرتا الصغية بعد نازلة الرض ،وجلست تتفقد أحوالم ف هدوء تام.
وذات يوم رن هاتف البيت ،رفعت السماعة فوجدت أحد أصدقاء زوجها يسأل عنه .ل يكن كري ف
البيت ،بل كان ف زيارة إل بيت والديه ،لذلك طلبت فتيحة من التصل أن يبحث عنه هناك.
كان لصديق كري عرض سفر إل الوليات التحدة المريكية ،تقول «أم آدم» ،لكنه ل يكن معتادا على
السفر ،لذلك طلب من كري مرافقته مقابل أن يدفع له ثن التذكرة ومصاريف السفر.
ل يد كري صعوبة ف إقناع زوجته بالسفر ،فقد كانت معتادة على سفره وغيابه .وف أوائل سنة
،1997رحل الجاطي وحل بنيوجرسي رفقة صديقه ،اتصل بعائلته مرة واحدة ث انقطعت أخباره،
وحت صديقه نفسه صار يبحث عنه دون أن يعثر له على أثر .عادت الشكوك تنهش قلب «أم آدم»
نتيجة غياب زوجها ،الذي مرت فترة طويلة دون أن تسمع عنه خبا.وف غضون ذلك ،تكنت فتيحة
من إياد عمل ف مال الرسم الذي تعاطت له خلل فترة النقاهة ،وصارت لوحاتا مطلوبة من قبل
بعض الصديقات والعارف .واستطاعت توفي متطلبات أسرتا الصغية ف ظل غياب الزوج ،كما
تكنت من أداء مناسك الج لول مرة ف حياتا رفقة عمها.
عادت «أم آدم» من الديار القدسة ،وبعدها بدة قصية عاد كري بطريقة مفاجئة كعادته .فرح وارتياح
وغبطة ...انتابت قلب فتيحة وصغييها لعودة الب .وعلمت بأن زوجها ل يكث ف أمريكا طويل،
فقد رحل إل أفغانستان ف تربة هي الثانية من نوعها.
عاد الجاطي إل العسكر نفسه الذي تلقى فيه تدريبه العسكري ..وجد مقاتلي ومدربي جددا غي
الذين التقاهم خلل رحلته الول هناك ...كل شيء تغي .لمت «أم آدم» زوجها كثيا على عودته
من هناك ،لكنه أقنعها بأن حنينه إل أسرته هو ما جعله يعود إل الغرب ،وأسر لا بأنه يريد أخذها
وأطفاله إل أفغانستان.
ل تكن الفكرة سهلة ،وكانت أيضا تتطلب أموال كثية ،الشيء الذي جعل الجاطي يقترح على زوجته
أن يعود إل العمل ف أمريكا ،فالعمل -تقول -متوفر هناك ،حيث عمل كري ف مزرة إسلمية بأجر
18
مترم.
ف سنة ،1998اقترح كري على والده إقامة مشروع مزرة إسلمية بالوليات التحدة المريكية،
فقبل والده بالفكرة ،واقترح عليه مرافقته إل هناك لعاينة المور عن كثب .وعند حلولما بأمريكا
اكتشف والد كري بأن إقامة مزرة هناك ل يتطلب أموال كثية ،فاقتنع بالفكرة ...وعاد الب فيما
بقي كري هناك ،لكنه اختفى من جديد وانقطعت أخباره.
خنت فتيحة بعد اختفاء زوجها أن يكون قد عاد إل أفغانستان ...مرت فترة قصية وعاد ،لتصدق
تميناتا ...فقد كان فعل ف أفغانستان.
«هذه آخر مرة أسافر فيها بدونك وبدون الولد» ،قال كري ماطبا زوجته ،فقد آل على نفسه أل
يغادر الغرب بدون أسرته ،ما اضطره إل الكوث به على مضض منذ 1998إل غاية .2001
اقترح الجاطي على زوجته أن ينتقل للعيش ف إحدى القرى البسيطة بنواحي وزان حت تعتاد على
الياة البسيطة بعيدا عن الياة السلسة الت كانت تعيشها ف الدينة .صارت «أم آدم» تكنس وتطبخ
وتغسل اللبس ..عاشت السرة ف بيت بسيط من طي بدون كهرباء ول ماء .تقول «كانت تربة
مهمة أفادتن كثيا خلل معايشت لفترة الرب ف أفغانستان».
ف تلك الفترة ،اشتغل الجاطي ف مــجال التجارة ،حيث كــان يـــتاجــر ف
بعـــض الـــواد الغذائيـــة ،وأساسا الزيت والعسل ،إذ ل يـــكن يقبل
«القـــيود» ف وظــيفة رســـمية والشتغال ف مكــان متلط.
ل يكن الجاطي ف حياته يقبل الختلط ،تقول زوجته «كنت أستقبل صديقات بالبيت كما كان هو
يستقبل أصدقاءه ،لكن دون أن أراهم ول هو يرى ضيفات ،إل ف حالت خاصة جدا إذا استدعتها
الضرورة ..وحت إن حصل ذلك ،فإنه يكون من وراء حجاب».
ظلت «أم آدم» تتمن السفر إل أفغانستان لسنوات ،لكن أكب عائق واجهها هو والدتا الريضة
بالسرطان ،فقد كانت تشى السفر وتركها وحيدة.
ظل عمل كري متقطعا ،الشيء الذي جعل حاته تقترح عليهما السفر إل الارج والعمل هناك بكم
جنسيته الفرنسية .رفضت فتيحة ف البداية ،لكن والدتا أصرت على المر.
19
ل ينتظر الزوجان الجاطي طويل بعد إذن والدة فتيحة لما بالسفر حت أعدا العدة لذلك ..ليس إل
أوربا الت اقترحتها الم من أجل العمل ،ولكن إل أفغانستان .ل تستطع زوجة الجاطي أن تفصح
لوالدتا عن وجهتها ...فقد كان أمرا عسيا ،فاكتفت بالقول «إننا ذاهبان لنعيش هناك».
كان الوداع صعبا ...أحست فتيحة بأنا لن ترى أمها مرة أخرى.
بدأت ترتيبات السفر ف يوليوز من سنة ،2001وغادر الزوجان رفقة ابنيهما آدم وإلياس أرض
الغرب ف 17يوليوز ،2001بعد حصولما على التأشيات.
كان الميع ير إل أفغانستان عب باكستان ،خاصة أيام حرب الروس ،وكري الجاطي نفسه كان يصل،
خلل رحلته الول إل أفغانستان من أجل التدريب ،عب باكستان .لكن طريق باكستان ل يعد آمنا،
فاضطرا إل الرور عب إيران ،ما استوجب الصول على تأشية الدخول إل هذا البلد.
حصلت «أم آدم» على تأشية ولوج إيران ف ظرف 24ساعة ،فيما تطلب حصول كري عليها وقتا
ل يقل على أسبوعي من أجل الصول على موافقة خاصة من طهران .تقول «كان جواز سفر زوجي
الفرنسي يسهل حصوله على جيع التأشيات باستثناء تأشية إيران ...ول يكن لدينا الصب الكاف
للنتظار إل حي حصوله على التأشية ،فاخترنا العبور عب أوربا ،وانطلقنا بالتال إل إسبانيا عله يصل
عليها هناك».
انتاب فتيحة خوف كبي خلل مراحل السفر من أن يدث ما ينع وصولا إل أرض أفغانستان..
وصارت تدعو ال أن يعجل بوصولا إل هناك.
خرجت السرة من باب سبتة عب الب ...كان العبور سهل ،ما جعل الزوجي يشعران بنوع من
الرتياح .وقضت السرة ليلتها ف الزيرة الضراء لن آخر باخرة كانت قد عبت الدود.
ف الصباح الباكر ،ركبت السرة أول باخرة ..انتاب آدم وإلياس فرح كبي لنما يغادران الغرب
لول مرة .ظل الصغيان يتتبعان الدلفي وهي تداعب زرقة مياه البحر البيض التوسط بغبطة كبية،
فيما كان البوان يستنشقان طراوة الو علها تزيدها صبا حت الوصول إل مبتغياها.
كانت «أم آدم» تعب أوربا وقلبها يسبقها إل ملكة الهاد بأفغانستان ...كان يطوي السافات ..يتخطى
أوربا ،ويترق الدروب ،ويط خيالا الفرط وسط قرى ودور أفغانستان التناثرة بي البال ...عاشت
حنينا مفرطا لرض أحبتها قبل أن تطأها قدماها.
وصلت السرة إل مدريد ،وكان لكري موعد مع أحد الصدقاء الذي أخذه وأسرته إل بيته .كان
20
صديق كري متزوجا بإسبانية مسلمة ومنقبة .ومكثوا لديهم حوال عشرة أيام ،ف انتظار حصول كري
على تأشية الرور إل إيران ،غي أن هذا المر كان صعبا بإسبانيا أيضا إذ تطلب النتظار حوال
أسبوعي ...تاما كما ت إخباره ف الغرب.
كان نشاط الخابرات السبانية ف تلك القبة مكثفا ،حيث كثرت الداهات واعتقل الكثي من
الشخاص.
فكر كري ف الرور عب باكستان كما ف السابق ،لكن المر كان مغامرة مفوفة بالخاطر ...وفكر أيضا
ف العبور بأوراق مزورة ،كما كان يفعل بعض القاتلي الشباب ،لكنه ل يكن وحيدا ،بل كانت معه
أسرته ...الشيء الذي جعله يسقط هذه الفكرة من دائرة خياراته ...وظل الرور عب إيران هو الل
النسب.
ذات صباح باكر رن الاتف ..السفارة اليرانية بإسبانيا تطلب من كري الجاطي الضور من أجل
تسلم تأشيته .كانت الفرحة أكب من أن ينتظر كري ثانية أخرى دون حجز أماكن بالطائرة الت ستقله
من مدريد إل طهران عب ميلنو اليطالية.
غادرت السرة مدريد صوب طهران ،غي أن الطائرة تأخرت ما اضطر السرة إل قضاء الليلة ف
ميلنو إل اليوم الوال .وخلل تلك الرحلة ،ضاعت حقيبة أم ءادم ،الت كانت با بعض الشياء
الاصة وبعض اللبسة الغربية الت أرادت الحتفاظ با.
ف اليوم الوال استقلت السرة الطائرة من ميلنو إل فرانكفورت ...وكان التنقل من طائرة إل أخرى
يثي الصغيين آدم وإلياس اللذين ل يعتادا على السفر عب الطائرة .وبقي الميع ف مطار فرانكفورت
لساعات إل أن حطت الطائرة الت ستقلهم إل طهران.
كانت الرحلة طويلة ...حل الليل ...وتسرب العياء إل الجاطي وزوجته وابنيه اللذين ...صارت «أم
آدم» تتعقب بعيون متعبة خيوط النور النبعثة من شوارع طهران عب نافذة الطائرة ...فطنت إل أنا
مدينة كبية ،ول تستفق من عالها الكتشاف إل على صوت زوجها يبها بأن الطائرة حطت بطار
طهران الدول.
فجأة ستقف الم على مشهد استثنائي ...كانت الطائرة تقل نساء أوربيات كثيات ...وما إن وصلن
إل الطار حت فتحن حقائبهن الصغية من أجل إخراج خار لتغطية شعورهن .استغربت زوجة الجاطي
كثيا للمر .تقول «بدأت أفكر كيف استطاعت هذه الدولة أن تفرض على نسوة أوربيات أن يضعن
21
المار على رؤوسهن هناك».
وفيما اضطرت النساء الوربيات إل وضع مناديل صغية على رؤوسهن ،اضطرت زوجة الجاطي إل
خلع النقاب الذي ارتدته سنة 1994من أجل أن تر رحلتها عب أوربا بأمان ،كما أن إيران دولة
شيعية ،وأقليات بسيطة من السنيي هي من تضع نساؤها المار بالطريقة الت تضعه با «أم آدم».
تقول «كان أمرا صعبا بالنسبة ل أن أخلع النقاب ..لكن كان من الفروض أل نثي النتباه حت نصل
إل بر المان ...وكنت أصب نفسي بأن الوصول إل أفغانستان سيقين شر خلع النقاب مرة أخرى،
كما اضطر زوجي بدوره إل حلق ليته حت نبدو أسرة عادية ونبعد عنا الشكوك».
وصلت أسرة الجاطي إل هيات ،وكانت مفاجأة أم آدم كبية وهي تعاين العمارات الشاهقة
والفيلت والطرقات والسيارات ..فقد كانت ميلتها الصغية ترسم لا عالا خاصا بأفغانستان ...عال
القرى والبدو وبيوت الطي الت رأتا ف الطريق ،ول شيء غي ذلك.
تقول أم آدم «ل يادل اثنان ف أن الكثيين يلمون بالعيش ف أوربا ،ونن مررنا بأوربا من أجل
الوصول إل أفغانستان على الرغم من أنا دولة بسيطة ،فقد سعنا بأن هناك دولة تطبق شرع ال ..دولة
الجاب فيها واجب ...ونن ل نستطع تغيي الغرب لذلك هاجرنا إل أفغانستان ،ومن حق كل إنسان
أن يهاجر إل بلد آخر بثا عن راحته وعن ظروف عيش أحسن ،كل حسب أهدافه ف الياة...
وبالنسبة لنا كنا مستعدين للعيش ف قرية ف أفغانستان ولكن تت مظلة شريعة الرحن».
وصلت السرة إل مدينة هيات الدودية ،وبالضبط إل بيت وال هيات ،لكن هذا الخي ل يكن
موجودا ما اضطر معاونيه إل الطلب من سائق الطاكسي أن ينقلهم إل فندق ماور إل حي حضور
الوال .تقول فتيحة «كان فندقا جيل ونظيفا به حام ومسبح».
صارت أم آدم بعد خلودها للراحة تطل على أفغانستان من النافذة ...تتعقب الارة ،وخصوصا النساء
اللوات يوحدهن التشادور والرجال باللباس الفغان ...صارت تدعك عينيها لتتأكد من أن ما تراه
حقيقة وليس حلما جيل ،تقول.
إل جانب الفندق كان هناك سوق شعب ...خرج أبو إلياس رفقة ابنيه ف رحلة استكشافية للمدينة،
22
وبعد فترة قصية عاد يمل أوراقا نقدية كثية .ذهلت زوجته لا رأت النظر .تقول «كانت أوراقا
نقدية زرقاء تشبه 200درهم مغربية ..كانت أموال كثية ..سبع رزم تقريبا ،ولا سألته ضحك
ساخرا وأجابن بأن كل هذا الكم من النقود ل يتجاوز 200دولر ،لن قيمة العملة الفغانية
متدنية جدا».
كانت متطلبات الياة غي مكلفة بأفغانستان ...الفندق بـ 10دولرات لليلة وعشاء فاخر بـ 2
دولر..
بقيت أسرة الجاطي ف هيات لدة ثلثة أيام ل تغادر خللا أم آدم الفندق لنا كانت قد أضاعت
حقيبتها ول تبق لديها ملبس كافية .تقول «اشترى ل أبو إلياس التشادور ،وهو اللباس الفغان ...وف
هيات كانت النسوة يلبسن اللوان لكن ف كابل كل النساء يرتدين اللون الزرق» .واشترى كري
الجاطي لباسا أفغانيا لنفسه ولبنيه ،لنه من الضروري اللتزام بنوع واحد من اللباس هناك.
كان يفترض أن تستقل السرة طائرة من هيات باتاه كابل ،لكن كري الجاطي كان له رأي آخر،
بيث فضل الرور عب قندهار من أجل السلم على الشيخ أسامة بن لدن وبعد ذلك متابعة السفر.
تقول أم آدم «كلنا حبذنا الفكرة وفرحنا لذلك».
ف الصباح الباكر استقلت السرة سيارة أجرة ..وبعد صلة العصر حطت أسرة الجاطي الرحال
بقندهار .كانت ممل الطرقات غي معبدة والسور مهدمة جراء الغزو الروسي الذي كان على
أفغانستان ..وعلى الرغم من كل ذلك فإن الفغان يسوقون بسرعة جنونية إل أن ترتطم رؤوس
الراكبي ف بعض الحيان بسقف السيارة .توقف السائق لبعض الوقت من أجل تناول وجبة الفطور...
كان القهى عبارة عن فضاء واسع ليست به طاولت ول كراس ..فقط كان هناك حصي على الرض.
بقيت أم آدم ف الطاكسي ،حيث تناولت فطورها هناك ،فيما نزل كري وولداه إل القهى.
وصلت السيارة إل قندهار ..وظل كري يبحث عن فندق ليمكثوا به .وقف أمام فندق صغي وسأل
شابا خرج منه أين يكنه أن يلتقي أسامة بن لدن ،فأجابه بأنه ليس ف قندهار وإنا ف كابل.
كانت أول أسرة تعرفت عليها أسرة الجاطي ف أفغانستان أسرة ينية الصل ،فقد استقبلت أسرة كري
من قبل هذه السرة .كان الزوجان شابان يافعان ..والزوجة حامل بولودها البكر ..واستقبل أسرة
كري استقبال حارا كمقاتلي جدد التقوا ف عاصمة الهاد.
بعد مرور أيام تعرفت أم آدم على أسر أخرى وتوطدت علقتها بنسوة كثيات اقترحن عليها العيش ف
23
قندهار ،لكن ردها كان بأنا ستسافر وزوجها وابناها إل كابل من أجل لقاء الشيخ أسامة بن لدن.
دام مقام أسرة الجاطي بقندهار حوال ثلثة أيام ،وف صباح اليوم الرابع غادروا صوب كابل .بعد
صلة العصر وصلت السرة إل هناك ...كان السفر متعبا جدا...
بدت كابل مدينة جيلة ...الو كان لطيفا ودافئا عكس قندهار الت كانت با حرارة مفرطة .كانت
الحياء أنيقة ونظيفة ،تقول أم آدم.
كان أول حي استقرت به السرة يمل اسم «وزير أكب خان» ،وهو حي راق يشبه إل حد كبي حي
الوزير بالدار البيضاء ،من حيث الطراز العماري للفيلت وشكل الزقة والدائق ...ربطت أم آدم
علقات كثية مع اليان .تقول «ف أفغانستان اليان أهل ..بيث يكن لي جار أن يدخل بيت
جاره حت ف غيابه ،وهم يعيشون كأنم عائلت ...ليست هناك حواجز ،فنحن نأكل متمعي والطفال
يلعبون بشكل جاعي».
ف كابل كانت هناك مطاعم با أمكنة خاصة بالنساء ،حيث يكنهن خلع النقاب ،وهو أمر ،تقول أم
آدم ،نفتقده ف الغرب ،وحت ف الخادع الاتفية هناك أيضا أمكنة خاصة بالنساء ،وبالتال فإن الرأة
هناك غي ملزمة بالبقاء منقبة طوال الوقت ،والشيء نفسه ف الستشفيات ،حيث تلع الطبيبات
والمرضات نقابن بكم أن الكان التواجدات به ل يدخله الرجال.
كان من السهل جدا على أي كان أن يلتقي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لدن .وتقول أم آدم «كل
ما كنا نعرفه عن بن لدن كان من خلل ما طالعناه عب الصحف والكتب وحربه ضد الروس ف أيام
الرب على أفغانستان ،وأنه نذر حياته ف سبيل ال واستطاع أن يقول لمريكا ما ل تستطع قوله
حكومات لا دول وطائرات ودبابات.»...
عادت أم آدم وولداها إل قندهار فيما رحل كري الجاطي إل كابل من أجل القتال .وف قندهار
ستنفتح الزوجة الغربية على حياة أخرى جديدة ...حياة وسط تنظيم مطلوب رأسه من طرف «أقوى»
دولة ف العال ...تنظيم أعضاؤه متعددو النسيات ..تقول« :ف قندهار عشنا ف حى القاعدة..
والقاعدة لا قدرة على استقبال الوافدين عليها وأبنائهم والتكفل بم دون معرفة أصولم ..احتضنونا
24
بسهولة لدرجة ل يكن التصديق أن تنظيم القاعدة الذي يقوم بعمليات بتلك الدة والسرية يكن أن
يكون أفراده بذه الطيبة ...نعم هكذا تعاملوا معنا ...فنحن عندما خرجنا من أفغانستان خرجنا مع
القاعدة الت اهتمت بالنساء والطفال ف غياب الزواج ...وكل الشباب الوافدين تلقنهم منذ الوهلة
الول لوصولم دروسا ف التفخيخ أو التفجي عب الاتف أو عب الريوت كنترول ...إذ ليست لدى
القاعدة عقدة البايعة من أجل السكن أو التدريب ...ولذلك فإن الشباب ينبهر بطريقة التعامل
والترحيب...
ونن عشنا فترة طويلة بدون أزواجنا هناك مع القاعدة ..كانوا يتكفلون بأطفالنا ..وكان هناك إخوة
مطلوبون دوليا يسهرون عليهم ويأخذونم للتنه».
كان بعض أعضاء التنظيم يمعون الرسائل الرغوب إيصالا إل زعيم القاعدة أسامة بن لدن من طرف
الفغان وجيع العائلت العربية هناك .ول تترد أم آدم ف خط رسالة سريعة وجهتها باسها .وتقول «ف
هذه الرسالة عرفت بنفسي وأخبت الشيخ أسامة بأنن مغربية قدمت إل أفغانستان رفقة زوجي
وولديّ ،وحددت له هوية زوجي ...كما شكرته وهنأته ودعوت له بالتوفيق».
عناصر القاعدة ،تضيف السن« ،أناس يعيشون مثل غيهم ...بينهم لمة قوية على الرغم من الرب،
وأغلبهم متزوجون ،والقليل منهم فقط هم عزاب ...يملون هم المة ،وهمّ السلمي ف كل مكان».
كان أبرز عناصر القاعدة الذين رأتم أم آدم ف أفغانستان ممد خالد الشيخ ،الذي يعتب العقل الدبر
لضربات 11شتنب ،وخاله رمزي يوسف هو الذي نفذ الضربة الول الت أوقعت جرحى دون أن
ينهار البن ،وهو الن يقضي عقوبة سجن طويلة ف أمريكا.
بقيت فتيحة ف ضيافة تنظيم القاعدة إل أن غادرت أفغانستان ف 28نونب ...2001ل تقض
هناك إل أربعة أشهر فقط ..أربعة أشهر بحطات وأحداث كثية و متسارعة واكتشافات أكثر .تقول
«ل أحسها أربعة أشهر ولكنها كانت بالنسبة ل أربع سنوات ..بل أكثر من ذلك».
قبل سقوط كابل ،تقول ،حل شباب كثيون بأفغانستان من أجل إغاثة الرحى ودعم القاتلي ..لكن
سقطت كابل وبعدها قندهار ،معقل طالبان .كان أبو إلياس يعمل ليل نار ،مرابطا بطار قندهار ضمن
فرقة أبو مصطفى العراقي ،وهي أول فرقة انضم إليها رسيا كري الجاطي ...وأرّخت هذه الفترة بالتال
لنضمامه لتنظيم القاعدة .تقول زوجته« :ل يكن زوجي يرغب ف النضمام إل أي تنظيم سواء القاعدة
أو غيه ،لكن الرب هي من دفعه إل ذلك ،إذ لول الرب لبقي مقاتل بدون انتماء ،فمن استقطب
25
أبو إلياس إل القاعدة هو بوش ..هي الرب على أفغانستان ..فالقاعدة ل تفرض على أي كان أن
ينتمي إليها أو يبايعها بالقوة ...فقد وجد نفسه وسطهم ...ارتاح لم ...وقرر النتماء إليهم ،ول يبن
بالمر إل بعد مغادرتنا أفغانستان ووصولنا إل باكستان».
بقيت السرة ف بيت كبي بقندهار ...كان بثابة حصن به عائلت كثية تتكون من نساء وأطفال ،أما
الرجال فكانوا ف الراسة .وخلل فترات الستنفار كانت العائلت تعيش أوقات عصيبة ،إذ تضطر
إل مغادرة مكان القامة صوب مكان آخر أو قرية قريبة كلما كان القصف شديدا على قندهار...
تقول أم آدم «عشنا القصف ودوي انفجارات الصواريخ والقنابل الت تمل بي ثناياها الوت والدمار
والريق ...كان النوم منوعا فأزيز الطائرات كان أقوى من أن يعل جفوننا تلد للراحة ..كنا ننتظر
الوت ف أية دقيقة وف أية ثانية ...واكتفينا بالدعاء».
رغم ظروف الرب ،فوجئت أم آدم باستمرار العديد من النشطة ف أفغانستان .فالفغان يرجون ف
الصباح لناز أشغالم ويذهبون للتسوق ..كان أمرا غريبا بالنسبة لا ،وعندما سألت عن المر ت
إخبارها بأنم اعتادوا على ظروف الرب بدءا بالروس وانتهاء بالمريكان.
حاولت زوجة الجاطي التعايش مع ظروف الرب وسط العائلت الت كانت معها ...وطهت
الكسكس والصواريخ تغزو ساء قندهار ...وعاشوا حياة خاصة على إيقاع القصف ،الذي يزداد
قساوة كلما جن الليل.
تقلبت العائلت الرحّلة بي فيلت فخمة ف قندهار وبي بيوت من طي ف قرى ماورة بدون
مراحيض ..تقول أم آدم «كنا إذا رغبنا ف قضاء حاجاتنا الطبيعية نذهب إل اللء بدون كشاف ول
مصابيح لنا تعطي إشارة للطائرات المريكية على أننا ف مكان معي ...عشنا حياة صعبة لكننا
تقبلناها ..وف فترة معينة عشنا ف فيل السفي الباكستان الذي غادر بعد أن سحبت العديد من الدول
اعترافها بكومة طالبان ،وقد كانت فيل فخمة».
استمر القصف على قندهار ..وتلقت العائلت الرحلة خب مقتل أبو حفص الصري ،زعيم الناح
العسكري لتنظيم القاعدة رفقة 20شابا آخرين ليلة رمضان ...وهذا الب زاد من يقي العائلت بأن
القصف سيستمر كما كان له وقع خاص ف نفوس القاتلي...
عاشت أم آدم فترة بدون زوجها ،وتقول «عاينت شابات صغيات من جنسيات متلفة فقدن أزواجهن
خلل الرب ..كن يستقبلن الب شامات كالبال على الرغم من حداثة سنهن وبعدهن عن
26
أهاليهن ...وأخريات فقدن أطفالن الصغار.»...
وف أواخر نونب من السنة نفسها ،جاءت التعليمات بإخلء قندهار ،وقد تزامنت تلك الفترة مع شهر
رمضان .تقول زوجة الجاطي «عندما تلقيت الب عشت يوما من أتعس أيام حيات ..رفضت
النصياع للمر ،وحاول زوجي وأحد الخوة إقناعي بأن أمريكا ستبيدنا بالقصف وأنه من البلدة أن
يبقى النسان تت مرمى الطائرات ،وأخبان بأن الل ممد عمر ينتظر خروج الجاهدين العرب من
قندهار من أجل صعود طالبان إل البال ..بكيت برقة لنه ل تكن لدي رغبة ف الغادرة ...فأنا دخلت
أفغانستان حت ل أخرج منها مددا إل من أجل الج أو العمرة ،لكن قدر ال وما شاء فعل ...ومنذ أن
غادرنا قندهار ونن كاليتام على موائد اللئام.
بعد قندهار ،رحلت أسرة الجاطي إل باكستان ،ول يكن الروج من قندهار أمرا هينا لن الطريق
كانت ماصرة .وقامت عناصر القاعدة بشر أزيد من 70عائلة عربية ف الشاحنات ...كانت
الوامر صدرت بأن تغادر كل العائلت قندهار ف ليلة واحدة .تقول أم آدم «كان خروجي من
أفغانستان على مضض ..فأفغانستان ليست أجل ول أغن بلد ف العال ،لكنن عشت با تت مظلة
شرع ال ،وهذا ل يعن أنن أكفر الجتمعات السلمة لن الصل ف السلمي هو السلم ،لكن
متمعاتنا ل تطبق شرع ال وتعيش ف حية مفرطة».
كانت ليلة مقمرة ،ورغم ذلك ،تقول أم آدم «كانت أتعس ليلة ف حيات مثلما كان الدخول إل
أفغانستان أجل ليلة ف حيات ..والروج من قندهار كان رهيبا جدا» .كان العبور صعبا للغاية ،إذ كان
مطار قندهار تت سيطرة القوات المريكية ،وبالتال ل تكن الطريق آمنة ،وعلى الرغم من ذلك
وصلت العائلت إل باكستان رغما عن الوليات التحدة المريكية الت تدعي مابراتا بأنا تعرف
دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء ف الليلة الظلماء».
مرت العائلت بنسائها وأبنائها ف ليلة واحدة ،فيما بقي الرجال لماية قندهار .وأصبح العرب
مستهدفي ،ما اضطرهم إل التظاهر بأنم أفغان فقراء عب ارتداء ألبسة رثة متسخة لدرء الشبهات
وعدم التلفظ بكلمة واحدة باللغة العربية ،وإجبار الطفال الصغار على الشيء نفسه حت ل ينكشف
27
أمرهم ...عاشت أم آدم ماضا عسيا ...فقد كان الروج ف جنح الليل ...وكانت قلوب العرب ف
حناجرهم خوفا من ذل السر ...كان الوقت يتثاءب والعاناة تتضاعف ...ولا بلغوا الدود ،تقول أم
آدم «انصهر الميع ف دوامة من البكاء تسرا على مغادرة أفغانستان ...فمنذ أن غادرناها ونن ف
الذل والطاردة».
تسللت إل مسامع العائلت العربية فور دخولا إل باكستان ذبذبات موسيقية هندية منبعثة من بعيد،
وهذا المر كان منوعا ف أفغانستان من طرف حكومة طالبان ..وكانت سيارات المن توب
الشوارع ،وكان هذا المر باعثا على خوف العائلت العربية الرحلة...
وصلت العائلت إل مكان معي ،وت استقبالا من طرف بعض العائلت الباكستانية .كان استقبال
مترما ،إذ وجدت العائلت طعاما جاهزا وأفرشة وأغطية ليواء العائلت العربية الرحلة من أفغانستان
بعد اندلع الرب .وكانت بيوت بعض العائلت الباكستانية مفتوحة ف وجه العائلت الرحلة خلل
تلك الفترة ...وبقي الميع مدة معينة ف قرى حدودية حت تؤمن الطريق ويف البحث عن بعض
العناصر.
كانت الوجهة الوالية مدينة كويتا الباكستانية ...كانت انطلقة صعبة تزامنت مع وضع امرأتي
لولوديهما ..صار الخاض ماضي ،ليس فقط بالنسبة للمرأتي البليي ،ولكن بالنسبة إل كل أفراد
العائلت القابعة هناك ،إذ كان يلزمهم الرحيل ف تلك الليلة نفسها ،وكان يب على الميع التحرك
بن فيهم الرأتان اللتان وضعتا صغييهما للتو وها ف حالة نفاس.
وسط أجواء يسودها الترقب والتوجس ،رحلت العائلت العربية إل كويتا ،ومنها إل كراتشي
الدودية مع جنوب أفغانستان .كانت كراتشي مدينة كبية يفوق عدد سكانا 10مليي .تقول أم
آدم «كنا نتنقل ف سيارات كثية ،حيث نقف ف كل مرة عند نقطة معينة لننتقل من سيارة إل أخرى،
وذلك ف إطار الجراءات المنية ،حيث ل يعلم أحد من السائقي إل أين سيأخذ زميله العائلت،
وظنت العائلت العربية أنه سيتم انتقالا على الطريقة نفسها ،أي عن طريق السيارات ،لكن الفاجأة
كانت كبية عندما ت نقلنا عب حافلت عادية با ركاب باكستانيون ،وكان يلزمنا التزام الصمت
وعدم النطق بكلمة حت ل يُكتشف أمرنا عند نقاط التفتيش ..والشيء نفسه بالنسبة للطفال ..فقد
كان أمرا صعبا ،بل صعبا للغاية».
وصلت الافلة إل نقطة تفتيش ،وكانت أم آدم تمل معها جواز سفرها وجواز زوجها أيضا ،وإذا
28
اكتشف الفتشون أنا عربية فإن المر سيكون طامة كبى .صعدت شرطيات متبجات إل الافلة من
أجل التفتيش ...حاولت الفتشات الديث إل الركاب لكنهم ل ييبون ...حاولن بكل اللغات
بالباشتو والوردو والفارسي ،دون جدوى .كانت اللسن ف تلك الثناء تلهج بالدعاء ،تقول أم آدم.
ول تدأ النفوس إل بعد نزول الفتشات من الافلة.
كان الناخ باردا جدا ف كويتا ،وتبعا لذلك كانت العائلت العربية ترتدي ثيابا صوفية دافئة ،ومع
التوغل ف كراتشي صارت درجات الرارة تتصاعد ...كانت مدينة كبية .نزلت الوكب ليجد ف
استقباله سيارات خاصة نقلته إل فيلت خاصة با طعام وملبس وأفرشة ...أحست العائلت الرحلة
ببعض الراحة وتسرب إليها شيء من السكون .وتقول أم آدم «نن ل نكن نعرف تلك العائلت ول
أساء أفرادها ،كما ل يعرفون هم أساءنا ...ول نكن نعرف أيضا عناوين الحياء ،وذلك حرصا على
سلمة الميع».
كانت فترة القامة بباكستان عصيبة بعض الشيء ..فقد كثرت الداهات واعتقل العديد من القاتلي
ورحلوا إل غوانتنامو ،ضمنهم بن الشيخ الليب أمي معسكر خلدن وكذلك أبو زبيدة الفلسطين...
ومقاتلون آخرون غي معروفي ،حيث إنم يعمدون إل تغيي أسائهم واستبدالا بأساء مستعارة درءا
للشبهات ،وكان المر يطال الرجال والنساء معا ،ففتيحة السن كان لقبها خلل رحلة أفغانستان هو
أم الدحداح.
دام مقام العائلت بباكستان حوال أربعة أشهر على مراحل .فالرحلة الول ،قضتها أم آدم رفقة
ولديها بدون زوجها ،الذي بقي للقتال ف قندهار ،ودامت مدة شهر كامل .أما الرحلة الثانية فتميزت
بعودة أبو إلياس.
وقد ذاع خب قبل ذلك يفيد بأن كري الجاطي قتل ،وتريث القاتلون ف إخبار زوجته بالمر بعض
الشيء ،لكن تبي ف ما بعد أن الب كان مالفا للحقيقة.
اعتقال ف فنادق خس نوم
كانت أسرة كري الجاطي تعيش على نفقة تنظيم القاعدة ف قندهار خلل أيام الرب تارة ،حيث ينح
الصروف والؤن لميع العائلت ،تقول فتيحة .كما ظلت القاعدة تتكفل بم بعد الترحيل إل
باكستان ،وخلل هذه الفترة أيضا عاشت العائلت حياة مرفهة على نفقة القاعدة.عاد أبو إلياس إل
29
باكستان والتحق بأسرته هناك ،لكن هذا المر كان له وقع خاص على زوجته الت تلقت الب بضيق
وحنق كبيين .تقول «كون زوجي يرج من أفغانستان ويلحق ب ف باكستان فتلك مصيبة عظمى».
كانت القوات المريكية ف تلك الفترة قد دخلت قندهار ،تضيف «وهو ما جعلن أصاب بانتكاسة
حقيقية ،فقندهار كانت آخر بقعة تكم بشرع ال ...قد يتساءل البعض وماذا عن السعودية؟ لكن هذه
الخية ل يطبق فيها شرع ال إل على البنغاليي والباكستانيي ..والبسطاء الذين يعملون هناك...
والال أن شرع ال يطبق على الغن والفقي ..على المي والسي ...والقوي والضعيف .»...صارت
فتيحة السين تقلب أوراق الذاكرة بعيون باكية وهي تتحدث عن مغادرتا أفغانستان صوب
باكستان ...تبحث عن خيوط لواصلة الكي بي ثنايا ميلة تعبة ومرهقة ...لكن الدموع النسابة كانت
ف لظة ذروة أقوى من أن تترك مال لواصلة السرد التأن ...صارت تبكي ..تنتحب برقة بالغة..
وترسم رباطا وثيقا بي ما تسميه حياة العزة الت عاشتها ف حى طالبان وتنظيم القاعدة ،وحياة الطاردة
والعاناة الت تكدر صفو أيامها الالية ...وتدمي قلبها أكثر بسبب حالة طفلها الذي كان يافعا قبل أن
تتبعثر خيوط إدراكه على حي غرة ...حاولت أن تد للكلم طريقا بي أني النحيب الارق ،فصارت
مارج حروفها تقذف كلما ...مقاطع غي مركبة وكأنا نوستاليا مسموعة .تقول بأل «منذ أن غادرت
قندهار وأنا ف معاناة ..عشت أياما سوداء ..بكيت ف ذلك الوقت لكنن ل أكن أعرف ما ينتظرن..
فمنذ أن غادرت قندهار افتقدت المن والمان» .تُمسك عن الكلم ف لظة عجز تام فاسحة الجال
لهات متتالية ،ث استأنفت« :عشت الذل والوان ..عشت التعذيب والقتل ..حوربت ف أبسط
المور ...ف أولدي ...حت ف الواء الذي أستنشقه وف لقمة العيش ..فكما كانت حرب الليج
مرحلة فاصلة بي حياة فتيحة التائهة وحياة فتيحة التحجبة اللتزمة ،فإن سقوط قندهار كان فاصل بي
مرحلتي أساسيتي ف حيات» .وأردفت قائلة «لكن قندهار لن تسقط ..ستعود وستعود معها العزة
والكرامة ..كان مناي أن أفديها بنفسي على أن تسقط ف يد المريكان ...هم الن يريدوننا خانعي
مستسلمي ،لكن أن لم ذلك ..فلو كان الجاهدون الغاربة الذين حاربوا الستعمار الفرنسي ف زماننا
هذا لتموا بأنم إرهابيون ..وأنا بلدي ليس الغرب وحده ولكن كل بلد تنطق فيه كلمة ل إله إل ال
ممد رسول ال ...من الغرب إل جاكرتا ...ومن أفغانستان إل السودان ...وكم أكون سعيدة عندما
أتلقى خبا جيدا عن أحوال السلمي وتنفيذهم لبعض العمليات ضد العداء الحتلي ،وف الوقت نفسه
أعيش أسوأ اللحظات كلما بلغن خب سيء عن أحوالم ..ل يكنن أل أتفاعل مع إخوان السلمي،
30
فذلك أمر خارج عن طاقت ول يكنن أن أنزعه من قلب».عاد أبو إلياس ملفا صدمة قوية بالنسبة
لزوجته الرحلة ،فقد ظنت ف لظة شك أنه فر من ساحة العركة ليعود إليها وإل أبنائه ،لكنه أفهمها
بأن المر يتعلق بأوامر تلقاها عندما كان ف خط النار المامي رفقة أعضاء الفرقة الت كان يشرف
عليها ضمن فرقة أبو مصطفى العراقي.كان خسة شباب من فرقة أبو إلياس مكلفي ف تلك الفترة
بالتسلل إل قرية كان با جنود أمريكان ..كما كانت الرب على أشدها بعد معركة «غول أغا» الوال
للدارة المريكية ،والذي صار ف ما بعد واليا لقندهار .أسرّ أبو إلياس لزوجته بأن أوامر صدرت
وبثت من جهاز الخابرة «تالكي والكي» بضرورة النسحاب من مطار قندهار ،وأن الوامر العسكرية
ل ترد.ت النسحاب تت جنح الليل ..وف تلك الليلة قتل شباب كثيون ،ضمنهم أبو مصطفى
العراقي قائد الفرقة الت انتمى إليها كري الجاطي ،ف حادث اصطدام سيارتي ...بعد ذلك ،صعد أفراد
طالبان إل البال بعد أن أصدروا تعليماتم بضرورة إخلء كل القاتلي العرب لقندهار وأفغانستان
بصفة عامة تفاديا لرب إبادة متملة ،ومن ث تولت الرب إل حرب عصابات انطلقا من
البال.بقيت عناصر قليلة من العرب ف أفغانستان ،وعاد أبو إلياس إل باكستان ،حيث عاش هناك ف
الظل رفقة أفراد أسرته ...لكن المر ل يدم طويل ،حيث صدرت أوامر أخرى بضرورة إخلء باكستان
هي الخرى لنا ل تعد مكانا آمنا لعائلت القاتلي العرب وأبنائهم.كانت الوجهة الثانية بعد باكستان
الت ل تعد مكانا آمنا هي إيران ،الت مر منها الزوجان الجاطي ف طريقهما إل كابل .استقلت
العائلت العربية الافلت ليل من أجل العودة إل مدينة كويتا الدودية .وكان مقررا أن تقضي
العائلت ليلة واحدة ف كويتا ومن ث الدخول إل إيران ،إل أن القام بذه الدينة الباكستانية الصغية،
خلفا لا كان مسطرا ،دام أزيد من شهر ،حيث اعترضت القاتلي وعائلتم مشاكل كثية ف إيران،
ذلك أن الخابرات اليرانية اعتقلت الكثي من النساء والطفال ،تقول أم آدم« ،غي أن السلطات
اليرانية ل تعذب العتقلي ،بل وضعتهم ف فنادق من خس نوم على حساب القاعدة ...فقد كان
سجنا مرفها ،فصل فيه الرجال عن النساء والطفال» مكثت العائلت العربية الرحلة مدة غي قصية
بكويتا ف انتظار الرور إل إيران ،وف ناية الطاف استقر رأي السؤولي ف تنظيم القاعدة ،تقول أم
آدم ،على أن تعود بعض العائلت من كويتا إل كراتشي ،لن الظروف ل تكن تسمح بالرور إل إيران
ف تلك الفترة العصيبة.عادت العائلت ،طبقا للتعليمات الصادرة ،إل كراتشي ،وبقوا هناك حوال
شهر آخر .وصارت كل عائلة تفكر ف وجهة أخرى مادام الوصول إل إيران صعبا ،كما أن السؤولي
31
ف القاعدة صاروا يثون القاتلي على العودة إل بلدانم إل أن تدأ المور ،غي أن العودة إل الغرب
كانت أمرا مستحيل وغي مقبول تاما ،تقول أم آدم.
..................................................
..................................................
وصلت فتيحة إل عيادة الطبيب رفقة الشخص الذي رافقها هو وزوجته .ل تكن تعرف اسه القيقي،
كما ل يكن هو يعرف اسها واسم زوجها .فالكل هناك ينادى بألقاب وأساء مستعارة ،ذلك أن أفراد
تنظيم القاعدة يغيون أساءهم وألقابم باستمرار تسبا لي طارئ.دخلت أم آدم إل عيادة الطبيب
وخضعت للفحص ...كانت تتبع نصائح الطبيب باهتمام بالغ ،قبل أن يقطع عليها ابنها حبل التركيز
هامسا ف أذنا «أمي الخابرات ...الخابرات» .ظنت زوجة الجاطي أن ابنها يهذي من فرط ما عاشه
ف أفغانستان وباكستان ومن كثرة السفر والترحال ...لكن الولد ل يكف عن الصراخ الذي اعتقدته
الم هذيانا عابرا ...مابرات ف عيادة الطبيب ،فعل هذا هراء ،قالت ف نفسها .لكن سرعان ما سيشد
انتباهها ركن من العيادة ...انتباه منعها عن اللتفات بعنقها ف اتاه آخر من شدة الصدمة ...رجال
بأقمصة بيضاء ولى طويلة يتوغلون باتاه الداخل ...كان مشهدا رهيبا حقا ...صارت تفك شفرات
صراخ ابنها ف تلك اللحظة ..ل يعد مهما ذلك ،فالهم ما هو الخرج ...وعلى الرغم من كل ذلك ل
تعلم أنم هناك من أجلها ...غادرت الكان ونزلت إل السيارة تنتظر قدوم الشخص الذي رافقها
وزوجته ...ل تنتظر طويل حت اقترب منها أحدهم معرفا بنفسه بأنه ضابط من وزارة الداخلية
السعودية .تقول فتيحة «ل تتسرب إل ذرة شك ف أنه يكن أن أعتقل من عيادة الطبيب ...فلو
أحسست للحظة بأنم هناك من أجلي لكنت هربت ولا عدت إل السيارة أنتظر قدوم الخ العروف
بأب ريان خلف».سأل الضابط السعودي أم آدم عن اسها ،لكنها ل تب ...أحست بأن الرض تيد
تت قدميها ...كانت تنتظر العتقال ف الطار ...ف أفغانستان ..ف الدود ،وليس ف عيادة الطبيب.
ث أُخذت أم آدم ومن معها ف سيارة الخابرات ...وسرعان ما استسلمت السيارة القفلة بإحكام إل
سرعة الرياح ...وصل العتقلون إل سجن الخابرات ،العروف بسجن عليشة ،ووضع كل عنصر من
32
العتقلي ف مكتب ..الرجل وحده ف مكتب وزوجته ف مكتب آخر ،وف الكتب الثالث أم آدم بينما
ابنها إلياس ف مكتب آخر .تقول «كان الهم بالنسبة ل ف تلك الفترة هو زوجي وابن آدم وعدد من
الخوة الذين كانوا مستقرين ف مكان ما ..خشيت أن يصلوا إليهم ...فالسجن فتنة والسر
ذل».حضر نوعان من الحققي للبحث مع أم آدم ...أحدها بشوش طيب ...والثان فظ غليظ
القلب ..اختلطت الوراق لدى أم آدم واحتارت بي القرار بويتها القيقية والتشبث بأنا هي صاحبة
الواز الذي كانت تمله ...وبي هذا وذاك كانت تفكر ف أنه يكنهم بنقرة واحدة على الاسوب أن
يكتشفوا أمرها ...تقول «طلبت منهم أن يتركوا ل فرصة من أجل صلة الستخارة ...فقد كنت
حائرة.»...تركز بث الحققي على سؤال واحد «مي اللي حجز لك؟» ،كان هذا السؤال يصدر تارة
عن الحقق اللطيف ..وتارة أخرى تتز أركان الغرفة على إيقاع صوت الحقق الخر الفظ وهو يسأل
السؤال نفسه .ل تشأ أم آدم الكشف عن هوية الشخص الذي كان يجز لا لدى الطبيب ..تقول «ل
أكن أعرف اسه القيقي ،ث إنن ل أشأ أن أفصح عن اسه أو حت اللقب الذي كنت أعرفه».ف ما بعد
اكتشفت أم آدم من خلل إعادة تركيب السئلة الوجهة لا أنا ل تكن هي الستهدفة ول حت زوجها،
بل شخص آخر يدعى خالد الهن الطلوب رقم 1ضمن قائمة الـ 19البحوث عنهم من طرف
المن السعودي ،كما أنه كان على رأس لئحة الطلوبي لدى الخابرات المريكية لن صورته ظهرت
ف شريط من بي الشرطة الت ت استخراجها من تت النقاض ف قندهار خلل فترة الرب ...وف
هذا الشريط ظهر خالد الهن الشاب ذو الثلثي سنة يمل سلح كلشينكوف ويقبله ...كما ت
ضبط مكالة هاتفية بصوت خالد الهن ،تفيد بأنه سيافق أم آدم عند الطبيب ف ساعة معينة من يوم
معي ...لكن هذا الخي تلف عن الوعد ف ذلك اليوم.قررت أم آدم بعد أخذ ورد أن تب الحققي
بأنا ليست صاحبة الواز الذي تمله ،وكشفت لم عن اسها القيقي ..وحاولت كسب بعض الوقت
من أجل الكشف عن معلومات أخرى .تقول «حاولت أن أخفي عنهم بعض العلومات ..والشكلة أن
ابن كان برفقت ،ولو ل يكن معي لكانت ل تصرفات ومواقف أخرى ...لكنه كان الطعم الذي
اصطادون به».استمر التحقيق ف ذلك اليوم إل غاية ساعة متأخرة من الليل ..وكانت برفقة أم آدم
حارسة خاصة كانت ترتدي لباسا مشابا للباس أم آدم ...ظلت أم آدم تتخيل الحتمال السوأ..
وصارت نفسية ابنها تتز مع طول ساعات التحقيق ...أرهق الثنان ..فتم اقتيادها إل غرفة الارسات.
تقول «كانت ظروف السجن ف تلك الرحلة مقبولة ،حيث كانت هناك ثلجة وتلفزيون ودولب،
33
كما كان الكل فوق ما نتاجه» .قضى إلياس الليلة رفقة والدته ،وف اليوم الوال واصلوا التحقيق...
كان هم أم آدم ف ذلك الوقت أين يوجد ابنها وزوجها ..وظلت تمل هذا الم لدة سنتي.ظل
التحقيق مركزا على معرفة الكثي من التفاصيل عن كري الجاطي وعن انتمائه للقاعدة ،والرات الت
زار فيها أفغانستان والتدريب الذي تلقاه ..ف البداية أنكرت أم آدم كل شيء ،حيث قالت للمحققي
إن زوجها ل ينتمي إل القاعدة وإنه سافر إل أفغانستان مرة واحدة ،كما أنكرت أن يكون قد تلقى أي
تدريب هناك ...وبعد مرور أقل من أسبوع ،أخب الحققون فتيحة الجاطي بأنم توجهوا إل البيت
الذي كانت تقيم فيه من أجل البحث عن زوجها ،لكنهم ل يعثروا عليه ،كما ل يعثروا على أي شخص
آخر .تقول «ل يكن أن أصف لكم كم أراحن هذا الب ،حيث سجدت ل شكرا».ظل إلياس رفقة
والدته ف السجن طوال مدة العتقال ...وف الرحلة الول تقول أم آدم «عاملونا بشكل جيد» ،لكن
المور ستتغي ف الرحلة الثانية ،والت كانت مرحلة حاسة .وحاول الحققون أن يعرفوا تفاصيل كثية
عن كري الجاطي وعن خالد الهن...
كان التحقيق ف سجون السعودية يستمر إل غاية ساعات متأخرة من الليل ..حالة إلياس بدأت تسوء
شيئا فشيئا .تقول أم آدم «كنا نسمع عن السجون ف السعودية وخاصة سجن الرويس بدة ،حيث
قرأنا عنه الشيء الكثي عب شبكة النترنيت عندما كنا ف إسبانيا ...لذلك كنا نتخيل السوأ».أصيبت
فتيحة بالرهاق ،إذ ل تكن تقوى ،بكم مرض هشاشة العظام الذي كانت تعانيه ،على اللوس مدة
طويلة .وحاولت إقناع الحققي ،الذين كانوا يدورون ف فلك واحد من السئلة الادفة إل البحث عن
تفاصيل عديدة تص زوجها وخالد الهن وبعض الساء الخرى الت عرضوها عليها ،غي أنا ل تكن
تعرف كل العناصر الت التقتها من تنظيم القاعدة بأسائهم القيقية ...حاولت إقناعهم بأنا ل تعد تقوى
على مواصلة التحقيق ف تلك الساعة التأخرة من الليل ...وتبعا لذلك ت اقتيادها إل غرفة الارسات
حيث قضت الليلة هناك رفقة ابنها إلياس .تقول «قضيت شر ليلة هناك ،حيث بقيت بعباءت وبنقاب...
وسط خوف شديد».ف تلك الفترة كانت معاملة الراس والحققي مع أم آدم لتزال مرنة ،بيث
كانوا يضرون أكل كثيا ..ول يبعدوا إلياس عنها.ف صباح اليوم الوال ،استيقظت فتيحة وابنها على
34
أسئلة الحققي من جديد ...كانت درجات الرارة قد بلغت أقصاها خلل تلك الفترة ،ول تكن لديها
ملبس خفيفة لا ولبنها تلطف الرارة بالليل ...تقول «كنت أسية فوق أرض الرسول لساب أعداء
ال».صارت وتية التحقيق تتصاعد تارة وتتباطأ أخرى ،بيث تستمر ساعات التحقيق إل أن يغزو
العياء جسد فتيحة وينهك قواها ،وأحيانا أخرى يتركونا لالا لدة يومي أو ثلثة أيام تترقب
الديد ..وصارت تاول ترتيب أفكارها وكلماتا واعترافاتا الت ستبوح با للمحققي ...وبالوازاة مع
ذلك كانت صورة ابنها إلياس ،الت بدأت تفت ألوانا ،تنتصب صارخة أمامها ،كما كانت صورة
الزوج كري الجاطي وآدم تكدر صفو بالا كلما قررت العتراف ...فالعتراف بكل شيء كان يعن
بالنسبة لا ضرب كل سنوات الهاد ف أفغانستان وحلم استرجاع قندهار ف الصفر.كل ما كانت
تشاه ف تلك الفترة أن يعتقل ابنها وزوجها ..فهذا المر جعلها تراوغ الحققي ف فترة معينة وتشح
ف تقدي العلومات الطلوبة إل أن تستقر على قرار ،غي أن تأكيد الحققي أنم فتشوا بيتها دون أن
يعثروا على كري الجاطي وآدم هدأ روعها وأدخل شيئا من السكينة على قلبها الحتار .تقول «عندما
تلقيت هذا الب صليت ركعتي وسجدت حدا ل الذي جنب زوجي وابن آدم شر وذل
السر».توالت اليام دون أن تد أم آدم سبيل للحرية لا ولبنها ...كان السجن تربة قاسية جديدة
بالنسبة لما ،على الرغم من أنا تقلبت على أناط حياتية متلفة ...على حياة الرفاهية والعز وحياة
التقشف والرمان ..حياة الفيلت الفخمة ..وحياة القرى العزولة ...بل جربت النوم تت هدير
الطائرات والقصف التواصل تت ساء قندهار وكابل دون أن يتسرب إليها شيء من النفور ،تقول،
لنا كانت مؤمنة با تفعل ..لكن السر ذل ،تضيف.حاولت زوجة كري الجاطي ،عضو تنظيم القاعدة
البحوث عنه ،التعايش مع نط حياة جديدة داخل سجن الرويس بالسعودية ،فطول فترة التحقيق
وانقطاع الخبار عنها بصوص زوجها وابنها جعلها تس بأنا لن تغادر الكان قريبا فصارت بالتال
تاول التأقلم مع واقعها الديد ...ل يكن المر سهل ،لكنها حاولت خشية أن تنهار وتور قواها من
فرط التفكي ف ما تتعرض له .ظل أبو ريان خلف وزوجته اللذان اعتقل رفقة أم آدم من مقر عيادة
طبيب العيون ها الخران ف السجن ،لكن فتيحة ل تلتق بما أبدا ،فقد ظلت رفقة ابنها ف زنزانة
معزولة لدة سنة كاملة من التحقيق.ارتاحت لطريقة تعامل الحققي والارسات ،وظنت أن المور
ستستمر على نفس النوال ،لكن سرعان ما ستبدأ مرحلة جديدة بواصفات أخرى بعيدة عما كان ف
السابق .تقول «ف ما بعد فهمت أن لكل مرحلة مواصفاتا ،وأن التحقيق معها مر بعدة مراحل ،من
35
العادي إل الؤل القاتل».على الرغم من أنه ل يكن السبب الكامن وراء اعتقال أم آدم ،إل أن كري
الجاطي وسيته صارت مادة مغرية بالنسبة للمحققي الذين أرهقوا زوجته من أجل معرفة كل صغية
وكبية عنه ،بل حت المور الت كانت تظنها زوجته تفاهات وتبوح با للمحققي ،كانوا يعتبونا
مفاتيح لعدة ألغاز بالنسبة إليهم ...لكنها تعبت كثيا ف التعرف على عدد من أعضاء تنظيم القاعدة من
الذين قدمت لا صورهم ،بيث كانت تعرفهم بأساء وألقاب معينة ،فيما كان الحققون يقدمونم لا
بأساء أخرى .تقول أم آدم «كان القاتلون وعائلتم يضطرون إل تغيي أسائهم ،فأنا مثل لو سأل عن
أحد ف السعودية تت اسم أم آدم لا عرفون لنن كنت ألقب هناك بأم أحد وف أفغانستان بأم
الدحداح ،وهكذا ...وتغيي اللقاب يكون خوفا من السر ،فالذهاب إل أفغانستان كان أيام حرب
الروس مباحا ،وكان الناس يقاتلون ف أفغانستان بشكل عادي ،وكانت أمريكا توافق على المر
والشيء نفسه بالنسبة للسعودية وشيوخها الذين كانوا يضون على القتال هناك ..ساعتها كان العدو
روسيا ،لكن عندما صار العدو على نفس الرض وصار هو أمريكا ،أصبح الهاد منوعا ،بل إرهابا،
وصار الجاهدون إرهابيي والسفر إل أفغانستان جرية يأخذ أصحابا بالنواصي والقدام ...الهم انقلب
كل شيء».ظل الحققون يسايرون أم آدم لنتزاع الزيد من العلومات منها .وتقول ف هذا الطار «ما
أبشع أن يكون النسان مبا على إفشاء أسرار غيه ف مكان تتكالب عليه فيه كل القوى الركزية
والدولية لساب جهة يعرفها الميع».
ل تعثر الخابرات السعودية على كري الجاطي ،الذي صدرت بشأنه مذكرة بث دولية ووضع اسه
على قائمة الرهاب الدول رفقة عدد من عناصر تنظيم القاعدة .كثرت أساء الطلوبي ف تلك الفترة..
ول تستطع زوجة كري أن تفيد الحققي وتساعدهم ف العثور عليه ،لنا بكل بساطة ل تكن تعرف
مكان وجوده ،تقول .وتضيف «حدت ال كثيا لنن ل أكن أعرف مكان زوجي ،لنه ل يستطيع
النسان أن يتكهن با سيفعل أو يقول تت الضغط» .ومع توال اليام ،تيقن الحققون أن أم آدم ل
تعرف فعل مكان وجود زوجها.كان عدد من عناصر تنظيم القاعدة الذين استقروا ف الرياض خلل
تلك الفترة قد توخوا حذرا شديدا ،إذ صدرت تعليمات من التنظيم بالتزام البيوت والكف عن مارسة
36
مموعة من النشاطات تسبا لي طارئ ،كما أن الملة المنية الدولية الت سادت ف تلك القبة
جعلت عناصر التنظيم تبتعد عن كل ما من شأنه أن يثي الشكوك ..وبالتال عاشت أسرة الجاطي
خلل الفترة القصية الت أقاموا فيها بالديار السعودية ف الظل ،حيث ل يفارق كري أسرته خلل تلك
الفترة ..وعاش بدون نشاط ف انتظار التعليمات ..تقول زوجته .ذات صباح باكر ،طلب الحققون من
فتيحة نزع النقاب لخذ صور لا لكنها رفضت ف البداية ،لكنهم أرغموها على ذلك .تقول برقة
«بكيت كثيا لنن أحسست بالهانة والذل وقلت لم إنن كنت أتوقع أي شيء إل أن ينع حجاب ف
أرض الرسول عليه الصلة والسلم ..فقد كنت أعلم بأن تلك الصور لن يتفظوا با لنفسهم وإنا
ستبعث إل أمريكا وأوربا وإل الهات الربع بالعال ..وبعد ذلك أخذت بصمات».ث أخذت صور
لسليل كري الجاطي من كل التاهات والوانب كما أخذت بصماته ..وعمره آنذاك 10
سنوات..بعد سلسلة من التحقيقات الت ل يرج خللا الحققون بعلومات كثية عما يريدون،
اضطروا إل الدخول ف مفاوضات ومساومات مع زوجة الجاطي ..كان بعضها حبيا والخر يكتسي
طابع التهديد .تقول أم آدم «كان بعضهم يقول ل أخبينا عن مكان زوجك ونن سنسأله بعض
السئلة البسيطة ث نطلق سراحه ونرحلكم إل أي مكان تريدون ..وآخر يردد :نن نتعامل معك
بالكتاب والسنة وليس خرابيط جنيف ..إذن ساعدينا ..فكنت دائما أرد بأنه ليس لدي ما أخبكم
به».ف تلك الفترة ،ت نقل أم آدم وابنها إلياس إل غرفة أخرى با مكيف ..وأحضروا لعبا للياس
وثلجة وأكل كثيا وحلويات ..تقول «عشنا ف سجن من خس نوم تقريبا ف تلك الفترة ،لكن المر
سيتغي أيضا بعد أن اكتشفوا عنادي».حاول الحققون أن يغروا أم آدم بالترحيل إل أي بلد تريد إن
هي دلتهم على مكان زوجها وبعض عناصر تنظيم القاعدة من البحوث عنهم ..حاولوا بشت الطرق
البية ،إذ ل يأخذوا منها إلياس وأحضروا كل متطلباتا ومتطلبات الصغي كخطوة من أجل أخذ عدد
من العلومات الت يرغبون ف الوصول إليها..وبعد أسابيع أخرجت أم أدم وابنها إلياس من زنزانتهما
بعد الظهر وت اقتيادها إل مكتب التحقيق .رأت زوجة كري الحقق الشن ،فمنذ مدة ل تره ..ساعتها
أحست بأن اليوم سيكون صعبا وطويل للغاية .انتظرت أن تسمع منه أي شيء ..وصارت تفكر ف
أسوأ الحتمالت ..كان أول سؤال نطق به «أين زوجك؟» ،وكانت الجابة كالعادة «ل أعرف» .ظل
الحقق الفظ يعيد السؤال نفسه بنبات متصاعدة دون أن يعي اهتماما كثيا لواب النفي الذي ظلت
تردده ،فقد كان يعرفه مسبقا ،كما كان قد هيأ اقتراحا قدمه لا بناء على الواب ذاته .فالحقق طلب
37
من أم آدم أن تكتب رسالة سيتم نشرها على صدر الصفحات الول بعدد من الرائد السعودية تطلب
من خللا من زوجها أن يسلم نفسه ..ل تفكر ،بل ل تأخذ مهلة لتعد جوابا متكامل لترفض الطلب،
قائلة إن زوجها ليس مرما وبالتال فلن تطلب منه أن يسلم نفسه تت أي ضغط ..ثار الحقق كإعصار
جارف ف وجه أم آدم ..صار يصرخ ويهدد ،ث قال «إذا ل تبينا أين هو زوجك أو تكتب الرسالة
فإننا سنعمل ف ظرف 72ساعة على التصال بالغاربة ..وسترين أنم لن يتعاملوا معك بالشمة الت
نتعامل با معك نن» .كان تديدا صريا ،تقول أم آدم ،لكنها على الرغم من كل ذلك ل ترضخ ..ول
تفكر قط ف تغيي موقفها الرافض لكتابة الرسالة ،إذ قالت «لن أفعل ما تريد ..وافعل أنت ما بدا لك».
من ضمن التهديدات الت تلقتها أم آدم من طرف الحققي السعوديي ..ترحيلها إل الغرب .تقول
«هددون ببلدي ..فقد كانوا يعرفون طرق التحقيق الت يلجأ إليها الغاربة من أجل انتزاع
العترافات ..وكم حز هذا المر ف نفسي».ف ذلك اليوم ،حضر مرض أسيوي لخذ عينات من دم أم
آدم وابنها إلياس ..حضر المرض ،الذي رافقه مققان ..لحت زوجة الجاطي نظرات غريبة متبادلة بي
الحققي ..وأثار هذا المر شكوكها إل درجة الرتباك ..كانت إشاراتم تشي بأنم سيأخذون إلياس
بعيدا عنها ،لكنها رفضت بشدة ..وظلت مسكة بقوة بيد ابنها خوفا من أن يأخذوه .أخرج المرض
شوكة وأخذ عينة دم من إبام إلياس والشيء نفسه بالنسبة لوالدته .لكن ل يض كثي من الوقت لتتغي
الحوال ..أحوال السجن عند أم آدم وابنها ،حيث ستتغي معاملة الارسات ويتغي النظام ككل..
صار التهديد والوعيد بالسوأ عوض الجاراة واللي ..كانت أم آدم تتوقع ذلك ،لكنها ل تتخيل أنا
ستصل إل مراحل ستستنشق فيها رائحة الوت دون أن تلقاها.
عندما كانت فتيحة ف السجن ..زار الحققون البيت الذي كانت تقطنه ف الرياض ..طبعا كان هو
البيت الذي تكلفت القاعدة بإياره لما رفقة عدد من عناصر التنظيم الذين استقروا هناك ف تلك
الفترة .حل الحققون بالبيت بثا عن كري الجاطي وبعض عناصر تنظيم القاعدة ،لكنهم ل يدوهم ...
بثوا ف كل الركان لكن دون جدوى ..وهناك عثروا على مموعة من الكتب والشرطة وأحضروا
بعضا منها وبعض التسجيلت الصوتية وكراسات الطفال وعرضوها على زوجة الجاطي الت انتقت
38
ما تعرفت عليه من ضمن ما عرضه الحققون عليها وأرجعت الباقي ،كما أخذت كراسات طفليها..
وعندما دخل الحققون باحثي عما أخذته ،وجدوا صورة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لدن ف كراسة
إلياس فحاولوا انتزاعها منه ،قائلي إنه منوع دخولا إل ذلك الكان .تدخلت والدته حاثة إياهم على
إرجاعها لكنهم رفضوا المر .تقول «قلت لم كيف يعقل أن تدخل صور بوش يوميا إلينا عب
التلفزيون وصفحات الرائد وتنع عنا صورة الشيخ أسامة بن لدن ...طبعا ل يستسيغوا قول لكن
ذلك ل يهم».
كان عمر إلياس آنذاك ل يتجاوز عشر سنوات ..وعندما رأى كراسات أخيه آدم أصيب بنوبة بكاء
حارق أرهقته وأرهقت والدته ...عاد الثنان إل زنزانتها وصليا صلة العصر ..كان إلياس يفظ 32
حزبا من القرآن ،وعصر ذلك اليوم أجهشت إحدى الارسات بالبكاء بعدما تسلل إل مسامعها صوت
إلياس الاد وهو يؤدي الصلة بوالدته .تقول والدته «صحيح أن أبنائي كانوا صغارا لكنهم كانوا
رجال ،فأنا ل أربم على الغنج والدلل وأردتم رجال أشداء أقوياء ،لذلك أخذتم إل مصانع الرجال
بأفغانستان ،حيث عاشوا الرب والقصف وعاشوا الترحيل والصار وتعلموا كيف يكونون رجال
ساعة السم» .صلى إلياس بوالدته وختم الصلة بدعاء طويل مؤثر ..دعاء القنوت ..صار يبكي فراق
أخيه ووالده ،ويشكو إل ال أسره وأسر والدته ..كان الدعاء يصدر عن إلياس بإيقاع واحد ونبة
واحدة أسالت دموع كل من حوله ...صار صوت إلياس التقلب بي الدعاء والبكاء يفت شيئا فشيئا
إل أن صمت ف لظة دون أن تكف الدموع الارقة عن النسياب من عينيه اللتي احرتا من كثرة
البكاء ..ث سرعان ما استسلم إل نوم هادئ بعدما أفرغ بعضا ما كان جاثا على نفسه منذ صباح يوم
العتقال بعيادة طبيب العيون.
قضى إلياس ووالدته الليلة ف الزنزانة كالعادة ،وف الصباح الباكر فتحا جهاز التلفزيون لتتبع
الخبار ...ساعتها شد انتباههما مشهد رهيب ..فركت أم آدم عينيها لتتأكد من أن ما تراه حقيقة...
حي سكن بأكمله فجر بالرياض ...لكن العلومات قليلة والفضول كثي ...مكث الثنان أمام جهاز
التلفزيون متصلبي ف ذهول تام ..ظل يترقبان الزيد من العلومات من الصباح وإل غاية الساء ...فقد
قضيا اليوم كله ينتظران بعصبية قبل أن يعرفا أن المر يتعلق بثلثة انفجارات متتالية ف ثلثة مركبات
سكنية «المراء وإشبيلية وغرناطة» ف العاصمة السعودية الرياض ...فهمت أم آدم أن المر يتعلق
بضربة كبية تلقتها الكومة السعودية ،خاصة وأنا تزامنت مع زيارة كولن باول وزير الارجية
39
المريكي آنذاك ،وظلت تتعقب التفاصيل .تقول «فوجئت لدى تبن تنظيم القاعدة لضربة الرياض...
فما كنت أعرفه ،بل متأكدة منه ،أن تنظيم القاعدة كان ف فترة تنظيم الصفوف ول يكن يبمج آنذاك
للقيام بأية عملية ...كما أن زوجي وبعض الخوة كانوا ف فترة انتظار وطلب منهم الختفاء لن
الظروف المنية كانت صعبة ف تلك الفترة ...وفوجئت أكثر عندما علمت بأن خالد الهن كان من
بي منفذي العملية ،لنن متأكدة من أنه ل يكن مبما للقيام بأية عملية ف ذلك الوقت ،خصوصا وأن
زوجي طلب من ف ذلك الوقت التوسط له من أجل الزواج ،لكن المر كان صعبا».
سألت فتيحة زوجها عندما طلب منها البحث عن عروس لالد الهن عما إذا كان هذا الخي مبما
للقيام بأية عملية على الدى القريب أو التوسط حت ل تذهب جهود بثها عن زوجة له سدى ...فأكد
لا أنه ليس لديه أي برنامج وأنه الن يعيش فراغا يريد مله بالزواج ،خصوصا وأن جيع القاتلي تلقوا
تعليمات ف تلك الفترة بتوخي الذر والكوث ف بيوتم إل أن تدأ المور ..لكنها طلبت منه التأكد
منه شخصيا ،فكان الواب دائما هو النفي ...فقد سأل كري الجاطي خالد الهن ،بعد إلاح زوجته،
ما إن كان مقررا أن يقوم بأية عملية ،فنفى نفيا قاطعا ،وأعاد طلبه بأن تبحث له أم آدم عن عروس.
تقول أم آدم «كان خالد الهن هو الشخص القصود وأنا أسرت مكانه ...فما كان إل أن نفذ أول
عملية ف الرياض انتقاما لسري وأسر ابن إلياس» .هكذا فسرت زوجة كري الجاطي أحد أسباب
ضربة الرياض ...فعندما اعتقلت من عيادة الطبيب ظن الحققون أن خالد الهن كان سيافقها ف
ذلك اليوم ،لكنه تلف لسباب طارئة عن الوعد على غي العادة ،كما أنه ل يلق عليها القبض إل وهي
تنتظر أبو ريان وزوجته ف السيارة...
كانت أسرة الجاطي تعيش رفقة خالد الهن ف بيت واحد ..وكان الميع يتمع على طاولة أكل
واحدة ..كما أنه كان يب ولدي الجاطي كثيا ويداوم على اصطحابما إل التنه ويشتري لما
اللويات والكتب واللعب ...تقول زوجة كري «كنا أسرة واحدة وكنت أنا بثابة شقيقته الكبى الت
يهتم بشاكلها الصحية… واختطاف كان استفزازا بالنسبة له ولعدد من الخوة ف تنظيم القاعدة.
عموما فالستفزازات الت يتعرض لا القاتلون من اختطاف نسائهم وأبنائهم وتعذيبهم هم أيضا ف بعض
الحيان بأبشع الطرق ،ل تزيد المور إل تعقيدا ...وهذا ما حصل بالنسبة لالد الهن الذي ل
يستسغ أن أسجن بدل عنه ،ول يكن بالتال مكنا بالنسبة له ولتنظيم القاعدة أن يلسوا مكتوف
اليدي ..فضربة الرياض الول كانت أيضا انتقاما لختطاف واختطاف ابن».
40
ف ضيافة الخابرات الغربية بالرياض
اهتزت فتيحة لا علمت بأن خالد الهن ،الذي كانت تبحث له عن عروس بإلاح من زوجها ،كان ف
مقدمة منفذي ضربة الرياض الول ..فالعلقة بي هذا الخي وأسرة الجاطي كانت وطيدة ...حيث
عاشوا جيعا ف بيت واحد وصارت بينهم ألفة وود كبي.
كان خالد الهن الذي قتل ف ضربة الرياض شابا وسيما ،تقول أم آدم ،ف الثلثينيات من العمر...
كان من أسرة ثرية بالدينة النورة ...التحق بتنظيم القاعدة .ل تعرف فتيحة معلومات كثية عن ماضي
خالد الهن ،وكل ما عرفته عنه من خلل الفترة الت عاش معهم فيها أنه كان شابا طيبا ،عزيز النفس
يب الطفال ،وكان يتمن أن يوت شهيدا ف سبيل ال ،على حد تعبيها.
كانت زوجة الجاطي قد قضت حوال شهر ف سجن الخابرات السعودية ...وبعد ضربة الرياض
وتديد منفذيها ،زادت وطأة التحقيق عليها من طرف عناصر المن لعرفة العديد من التفاصيل عن
خالد الهن ،أحد أبرز منفذي ضربة الرياض .تقول زوجة كري «أنا عشت وسط القاعدة وأعرف
كيف أن السئولي ف التنظيم حريصون على سلمة الجاهدين وعائلتم ...فقد عشنا معهم ف
أفغانستان وف باكستان ،وكانوا حريصي على سلمتنا حرص الم على رضيعها ...ل يتخلوا عنا ساعة
الشدة وحاولوا ف عز الرب أو يوصلونا إل بر المان ،وظلوا يتابعون أخبارنا ويتكفلون بنا ماديا
ومعنويا دون انقطاع ...فكيف يكن لم تقبل اختطاف أنا وابن من قبل الخابرات السعودية
ويصمتون ...طبعا كان لبد لم من التحرك ومن رد الصاع صاعي ...وأحب أن أشي إل أنه كان من
التوقع أن تنفذ عدة ضربات ف السعودية من طرف تنظيم القاعدة وف عدد من الدول الخرى ،لكن
ليس ف ذلك الوقت بالذات وليس من طرف خالد الهن ...وبعضهم قال عقب أحداث الدار
البيضاء ،وضمنهم الخابرات الغربية ،إن ضربات الغرب كانت من تدبي تنظيم القاعدة وكري الجاطي
نفسه ،لكنن قلت لم بأن كري الجاطي بقي ف بلد الرمي ول يغادرها منذ أن تركته هناك ،هذا من
جهة ومن جهة أخرى فإن ضربات الغرب ل علقة لا بضربات القاعدة لن ضربات هذه الخية
تكون متزامنة وأهدافها منتقاة ث إن القاعدة تتبن متلف العمليات الت تقوم با ،والال أن ضربات
16ماي ل يتبنها أحد لد الن.»...
بعد ضربة الرياض الول تغيت المور رأسا على عقب ...واستدعيت أم أدم للتحقيق لول مرة ف
41
مكان آخر غي سجن عليشة ،بعد مرور أقل من شهر على ضربة الرياض ..وضعوها وابنها ف سيارة
رباعية الدفع تمل علمة وزارة الداخلية ...وصارت فتيحة تتطلع إل العال الارجي الذي افتقدته
لوال شهرين داخل السجن ..كما ظل إلياس طوال الطريق يرمق بعيني زائغتي حياة الناس خارج
السجن بني وكأنه ل يعشها منذ أمد طويل ...السافة كانت قصية جدا بالنسبة لما .أحست أم آدم
أن السلطات السعودية تعيش حالة من الرعب والفزع بعد الضربة ،حيث كانت التعزيزات المنية على
أشدها ...وكانت كل أبواب وزارة الداخلية الت نقلت إليها موصدة ...وبصعوبة بالغة تكنت السيارة
الت كانت تمل زوجة الجاطي وابنها من الدخول ،على الرغم من أنا كانت تمل علمة وزارة
الداخلية.
اقتيدت أم آدم إل أحد الكاتب ،وحضر أحد الحققي ،الذي كان رجل كهل ..قدم التحية بلطف
وأخبها بأنه يريد التحدث إليها ف موضوع خاص لكن شريطة أل يكون ذلك بضور ابنها إلياس.
رفضت رفضا قاطعا ،لكنهم ظلوا متشبثي بطلبهم ،لدرجة خيل لفتيحة أنم سيحملون إليها خب مقتل
زوجها ويريدون منها التعرف على جثمانه ...وهو ما جعلها تفكر للحظة ف قبول طلبهم لكنها سرعان
ما تداركت الوقف وعضت على جواب الرفض القاطع كيفما كان السبب ...دخل الحققون ف
مشاورات خاصة ،وبعد ذلك أدخلوا فتيحة إل مكتب آخر كان به رجلن يتحدثان اللهجة الغربية،
ففهمت أنما مققان مغربيان .سارت فتيحة باتاه الداخل وهي تسك بذر بيد ابنها إلياس ...وقدم
أحد الحققي نفسه على أنه من السفارة الغربية بالرياض والخر مقق ...فكانت هذه أول زيارة
للمخابرات الغربية لفتيحة السن بالسعودية .أحست بدوار ف تلك اللحظة ،فقد فهمت أن المور
ستتغي انطلقا من تلك اللحظة ...كان هذا المر شديد الوطأة على نفسيتها لنا كانت ف قرارة
نفسها ترفض العودة إل الغرب ...تقول «كنت أتن أل أعود إل الغرب ،فحت عندما اندلعت الرب
ف أفغانستان رفضت العودة إليه لنن خرجت منه من أجل أل أعود إليه مطلقا ...عشت ماصرة ف
باكستان وبنغلديش وعلى الرغم من ذلك ل أفكر يوما ف العودة إل الغرب ،على خلف عدد من
القاتلي الذين فضلوا العودة إل بلدانم الصلية عندما اشتدت الرب بأفغانستان» .تدث الحقق إل
فتيحة مطول ،ونقل إليها خب مواصلة الخابرات الغربية التحقيق معها بدل عن الخابرات السعودية...
تقول« :قال ل الحقق الغرب إن زوجي كري الجاطي قام بأعمال غي جيدة ف الغرب ،وإنم يعرفون
جيدا بل متيقنون بأنه ل علم ل با ...وعلى الرغم من ذلك واصلوا احتجازي والتحقيق معي ف أشياء
42
ل علقة لا بالغرب ،بل انصب التحقيق طوال فترة اعتقال كله على مرحلة أفغانستان والسعودية
وخاصة باكستان»...
بضور الحققي الغاربة بدأت أم آدم مرحلة جديدة ...مرحلة جديدة ف مسية التحقيق ،حيث ستصي
وجها لوجه مع الخابرات الغربية ،الت سبق أن هددها با الحققون السعوديون ف وقت سابق...
وتلك حكاية أخرى.
43
بأنه معطل وأن كل الكيفات ف السجن معطلة ...كادت تصاب بالنون من فرط الرارة ...وصارت
تضرب الباب بيديها ورجليها ...ل يتحمل إلياس الشهد فصار يبكي ...وكلما أحست أن الوت
يتربص بما فتزيد وتية صراخها ويعلو صوتا أكثر فأكثر ...وبعد مدة فتحوا الباب وأخرجوها .ربا
يتساءل البعض ،كل هذا من أجل مكيف ،لن عندنا الكيف من الكماليات ،لكن ف الرياض ف عز
الصيف ف زنزانة بدون نوافذ ،يصبح الكيف من الضروريات ،بل مصدر حياة أو موت! تقول« :ما إن
وطأنا المر حت لفحتنا برودة منعشة ..فالمرات وجيع الغرف كانت مكيفة باستثناء زنزانت أنا
وابن .»...انبطحت فتيحة أرضا هي وابنها يستقيان برودة من الرض والدران ...وظل يفترشان
الرض إل أن أحسا بطى تقترب منهما فانتصبا واقفي بفة ...رمقت الارسات يملن أكياسا
بلستيكية سوداء تمل أغراضهما .تقول بنق «كانت القاعدة ف عز الرب تشتري لنا حقائب لنجمع
فيها أغراضنا وملبسنا وتعاملنا على أساس أننا بشر مترمون ،وهم وضعوا ملبسنا ف أكياس
الزبال.»...
أخبت الارسات فتيحة وابنها بأنه سيتم نقلهما إل زنزانة أخرى ،وإذا بم يضعونما ف السيارة
الصفحة نفسها ،والت كان إلياس يطلق عليها اسم «السيارة القب» ...استغرقت السيارة وقتا طويل
من السي دون أن تعرف أم آدم أين الوجهة ...وفجأة توقفت السيارة وفتح الباب لتجد نفسها ف
الطار ...إنه قرار الترحيل ينفذ.
كانت الخابرات السعودية قد سألتها ف وقت سابق عن رغبتها ف البقاء ف السعودية ،فأجابت
بالتأكيد ..لكنها تقول ،ل تكن تدري أن أية رغبة تفصح عنها ينفذون عكسها ف إطار التعذيب
النفسي ،لذلك قرروا ترحيلها إل الغرب .عندما اكتشفت أنا ف الطار ،توجهت زوجة الجاطي إل
مرافقيها قائلة «هل ستسفرونن بدون مرم؟» ،لكن ل يكن أحد ييبها ،تقول فتيحة «قلت ذلك لن
الحقق ما فتئ يؤنبن على خروجي مع أب ريان بدون مرم ،وكنت أقول له أنا ل أكن لوحدي معه بل
كانت معه زوجته ومعي ابن الميز ،وقد كنا ف الرياض ول نكن ف سفر ،وقد خرجنا للضرورة
القصوى وهي العلج».
دلفت زوجة الجاطي رفقة مدير السجن إل «قاعة الشرف» ،الت يستقبل فيها عادة اللوك ورؤساء
الدول وضيوف الملكة الكبار ...كانت قاعة فاخرة ...وظلت أم آدم تنتظر هناك ،وف لظة معينة
سألت مدير السجن «طائرة خاصة أم عادية؟» ،فرد عليها مستهزئا «وماذا تريدين» ،فقالت باستهزاء
44
ماثل «وال ،بالنظر إل هذه القاعة الت أنا فيها الن فأظن أن طائرة خاصة ستكون أحسن» ،فكان أن
قال وهو يبتعد عنها «سنرى».
وضعت أم آدم ف السيارة نفسها« ...السيارة القب» ...وبعد دقائق معدودة وجدت نفسها أمام مدرج
الطائرة ...لتنتهي مرحلة الرياض ...وينتهي حلم القامة على أرض الرسول عليه الصلة والسلم ،بعد
ثلثة أشهر من السجن على الرض نفسها.
كانت الطائرة الت أقلت زوجة عضو تنظيم القاعدة كري الجاطي إل الغرب طائرة صغية لكنها
فخمة ،فهي اعتادت على السفر عب الطائرة لكنها ل تركب مثلها يوما .جلست السجينة على أريكة
جلدية وثية ...كانت الارسات السعوديات قد انسحب مباشرة بعد بلوغ أم آدم الطائرة ،فيما بقي
معها ثلثة أفراد من عناصر الخابرات الغربية.
تسرب شعور غريب بالرهبة إل دواخل فتيحة وهي تفكر ف أمر سفرها عب طائرة خاصة رفقة عناصر
الخابرات إل الغرب ...بلدها الصلي داخل ميلتها الت رفضت تقبل المر ولو من باب تصيل
حاصل ...ظلت تتعقب عملية إقلع الطائرة بأعي دامعة ...ف تلك اللحظة استحضرت طالبان .تقول
«فكرت كيف أن طالبان الت تكم دولة فقية ل تلك بترول ول نووي ول أي شيء ...رفضت رفضا
باتا مساومة أمريكا لا مقابل تسليمها الشيخ أسامة بن لدن والجاهدين العرب ،وكيف أن الل ممد
عمر قال بكل ثقة ومسؤولية بأن ديننا وتقاليدنا ل تسمح لنا بأن نسلم ضيوفنا ..على الرغم من
الغراءات الت تلتها تديدات ..لكنهم تسكوا بنا إل آخر لظة حت وصلنا بر المان ...أما السعودية
الدولة الغنية الت تدعي تطبيق شرع ال فسلمت ف ليل بيم امرأة ضعيفة مريضة وطفل يبلغ عشر
سنوات بدون أية ضمانات للمغرب».
كان الحقق الغرب ياول طوال مدة الرحلة أن يقنع أم آدم بأن تقبل بالمر الواقع ،وتقول كل ما لديها
للمحققي .تقول «دار بيننا حوار مطول حول عدة أمور ،وقلت له ودموعي تنهمر بصمت «إنن
اشتقت إل قندهار لنا دائما بالنسبة ل رمز للشهامة والعزة والكرامة» .انتاب زوجة الجاطي شعور
غريب بأن ما ينتظرها أسوأ ما تعرضت إليه ...فيما تسلل الفرح إل قلب الصغي إلياس الذي كان
يعتقد بأنه سيسافر إل أهله بالغرب...
45
حضر وقت الطعام ...ف الطائرة الت أقلت فتيحة من الرياض إل مكان مهول ف الغرب ،فامتنعت
فتيحة عن الكل وطلبت حبات تر وماء ،تقول «ل تكن ل شهية للكل بالضافة إل أنن كنت بصحبة
رجال ..أما إلياس فقد أكل بشراهة ...فقد كان الكل شهيا وفاخرا ،لكنهم ل يضروا لنا السكاكي
والشوكات ،ونن ل نرها منذ أن دخلنا السجن لنا كانت منوعة عنا».
حطت الطائرة ف القاهرة كمحطة عبور وبعدها وصلت إل الغرب .عندما حطت الطائرة بكان ما...
كان الليل قد أطلق أجنحته على السماء الت تلحفت بالسواد ..كان مكانا مهول ..ل يكن شبيها بكل
الطارات الت ارتادتا أم آدم من ذي قبل ..فقط كان هناك مدرج واحد فقط ،ول تر بناية مطار أو ما
شابه .تقول «تقدم أحدهم وأمسك بذراع إلياس بفظاظة ورمى به داخل سيارة كانت بحاذاة الدرج».
تيلت فتيحة السوأ ..دلفت ف السيارة وجلست إل جانب ابنها. .كانت موسيقى غربية صاخبة
تصدر من داخل السيارة ..كانت الوجوه غريبة ..وحلكة الليل تزداد سوادا مع توال الساعات...
الكان غي معروف .سارت السيارة وقتا قصيا لتتوقف فجأة ،وينطق أحدهم «سحي لينا غادي نديرو
القانون» ،ث أخرج عصابات سوداء ووضعوها على عين إلياس ووالدته ...تقول« :هكذا استقبلتن
الخابرات الغربية على أرض الوطن ...بعصابات سوداء على العي .تيلوا معي طفل عمره 10
سنوات توضع على عينيه عصابة سوداء ف ليل أسود ومصي مهول ،أي رعب سيتمكن منه ،أي
إرهاب سيكتسح جوارحه ،أهكذا يعامل أطفالنا ف دولة الق والقانون؟ ف دولة حقوق الطفل؟ هل
إرهاب أطفالنا يبيحه القانون والديقراطية؟».
بعد وضع العصابات ..ركنت أم آدم إل حواس أخرى ،وخاصة السمع لعرفة بعض التفاصيل ...وف
الطريق ،أحست أنا ف بادية أو غابة لن أصوات الصرار كانت قوية ...صار الوف يتضاعف ..تقول
فتيحة «هنا يقف كل شيء ول يبقى غي اليط الذي يربطنا بال عز وجل ..خيط الدعاء الذي يرج
من أعماق القلب يلهج به لسان العبد ف أحلك الواقف ..أمن ييب الضطر إذا دعاه ويكشف
السوء» ...وفجأة توقفت السيارة ...ل تكن أرملة الجاطي تعرف أين تضع رجليها لنا كانت معصبة
العيني ...نزلت من السيارة بصعوبة وأحست أن الكان به جيوش من البشر...أحست بم فقط لكنها
ل ترهم ...وضع أحدهم يده على ذراعها ،فصرخ أحدهم طالبا منه أن يبعد يده عنها ،فكان أن طلب
منها أن تسك بيد ابنها وتتبع خطواته ..كانت تغلي من شدة الوف وتوتر العصاب والرتباك
46
والتعب ...ومن جهلها بالكان والصي والناس وكل شيء ...تقول «ف أحلك اللحظات كنت ألأ إل
القارنة ...مقارنة الوضع الال مع فترة العيش تت حكم طالبان».
نزلت بعض الدرجات فتيحة وابنها الدرج ث سلكت مموعة من المرات التتالية تارة إل اليمي وتارة
إل الشمال ،إل أن أوقفوها ف نقطة الوصول ونزعوا العصابات عن عينيها وعين ابنها إلياس.
فتحت زوجة الجاطي عينيها لتجد نفسها ف غرفة صغية با سرير كبي وآخر صغي ...أقفلت الغرفة
بإحكام وبعد مدة قصية حضر أحد الراس حامل أكياسا با أكل ...كان إلياس جائعا ..فتح الكياس
فوجد سلطة وكفتة ورزا وياغورت ..أكل إلياس فيما امتنعت والدته عن ذلك .تقول أم آدم «أردت
أن أتوضأ وأصلي ...فكانت الفاجأة أن الاء واللء ف الارج ،وعلي أن أطرق الباب ف كل مرة
للمناداة على «الاج» لقول له إنن أريد الذهاب إل المام» .وتضيف بنق «ما أثقل وما أصعب هذه
الملة» .كان الراس ينعون إلياس من مرافقة والدته إل المام ...وكان للحمام نوافذ طالعت عبها
أم آدم حديقة بالارج وبنايات شبيهة بدرسة ...وكانت الذهاب إل المام فرصة لا لرؤية الشمس
والديقة ،ذلك أن غرفتها كانت مظلمة ليل نار تتاج إل النارة من أجل قضاء أبسط المور ..وهذا
المر ولد مشاكل بي إلياس ووالدته ،بيث اختلفت أوقات نومهما ،وكان عليها أن تتحمل النوم تت
الضوء لن إلياس يكون ف بعض الوقات يقرأ أحيانا بالليل ث ينام ف النهار .ف تلك الفترة كان
الراس يقدمون أكل جيدا لما ،لكن فتيحة ل تكن تقبل عليه كثيا ،وتقول «كنت أكتفي بلقيمات
وأشرب جرعات معدودات من الاء حت أتفادى قدر المكان الذهاب إل الرحاض ...فقد فرضت
على نفسي نظاما من التجويع والتعطيش بشكل إرادي قسري ،لن أشد الوقات بالنسبة ل هو حي
أطرق الباب طالبة الذهاب إل الرحاض ...وخاصة ف الليل ،حت أصبت بزال شديد ،لدرجة أن ابن
كان يبكي لال ويقول بقلق :أمي كلي لنك ستموتي إن استمريت على هذه الال».
ل تكن زوجة كري تعرف أساء الراس ول الحققي ..فالكل ينادى عليه هناك باسم الاج ،لذلك
اختارت هي وابنها أن يطلقا على كل واحد منهم لقبا خاصا ..حيث كان هناك «الاج شرجم
مكوانسي» ،أي النافذة الت ل يكن فتحها ..وكان هذا الخي عندما طلبا منه فتح النافذة ليلة
وصولما قال« :الشرجم مكوانسي» ،فصارت لقبا له عند إلياس ووالدته ...وكان هناك آخرون ،كل
حسب اختصاصاته ..وصار اسم السجن كله «سجن الجاج».
كانت موجة حرارة مفرطة قد اجتاحت العال بأسره خلل يوليوز وغشت من سنة ،2004
47
وخلفت موجة الرارة هذه مقتل عشرات اللف من الشخاص بدول كثية كفرنسا وإسبانيا
والبتغال وإيطاليا ...وتزامنت هذه الفترة مع تواجد زوجة كري الجاطي وابنها ف السجن بنوافذ
مغلقة بدون مكيفات ..تقول «من أنواع التعذيب السدي الت عشناها النع من الواء ف عز الصيف..
وهذا كان تعذيبا رهيبا حيث كنت أبكي من الل ،وكنت أعيش نوبة عصبية وأصب الاء على رأسي
وجسدي ...وتتسارع أنفاسي ويضيق صدري ...وأتن أن تلفح وجهي نسمة هواء ،فالنسان يصب
على الطعام وعلى الاء ،لكن ل طاقة له على الرمان من الواء».
ف عز العاناة ،حاولت فتيحة أن تعيش على اللم عله يفف من وطأة السجن ..كانت تلم أنما ف
بادية با حقول واسعة وأزهار متفتحة وبئر عميق تري به مياه عذبة ...وها ينهلن منه إل أن تبتل
ثيابما ...وتارة أخرى تلم بأنا وابنها يركضان فوق رمال بر فسيح يرتيان بي أمواجه ف لظة
عياء ...ويغيبان ف أفقه البعيد...
ذات صباح استدعى الحقق زوجة الجاطي ..كان الرجل نفسه الذي حضر معها ف الطائرة خلل
عملية الترحيل .سألا بلطف «هل تبسل عليك أحد هنا؟» ،فأجابته «ل أبدا» ،فرد بدوء تام «ل يفعلوا
ذلك ليس لنم أناس طيبون ولكن لنم تلقوا تعليمات صارمة بأل يقتربوا منك» ...كان تديدا
مبطنا ،تقول زوجة كري.
ل تكن ف «سجن الجاج» ،كما يلقبه إلياس ،امرأة واحدة غي والدته ...فكل العاملي هناك رجال..
الحققون والراس والسجناء أيضا ...تقول فتيحة «كان المر شديد الوطأة على نفسي ،ففي الدول
الغربية هناك سجون خاصة بالنساء ،ولكن نكاية ف وف حجاب أسجن ف سجن رجال ..كان هذا
الكان أشبه بثكنة عسكرية ،فقد كنا نسمع أصوات التدريب خاصة ف الساء».
أحضروا علبة مسحوق وقنينة شامبوان كبيتي فتيقنت أنن لن أغادر قريبا
«ما يز ف نفسي هو أن هذا الحتجاز القسري وأن هذا التعذيب السدي النفسي ،وأن هذا التدمي
المنهج ل ولطفل عمره 10سنوات ت بأياد مغربية ،ولكن بتعليمات أمريكية ...بأيادي بن جلدت
وبرعاية الديقراطية المريكية ..ديقراطية غوانتنامو وأبوغريب...
أن أُمنع وابن من الواء واللء والضياء ..أن أهان ف وطن ل لرم اقترفته إل إنن أكره أمريكا ،وهذا
48
من حقي ..أحب وأكره كيفما أشاء ،ليس لحد سلطان على قلب سوى ال عز وجل ،ف ما افترضه
علينا من حب وموالة ف ال وبغض ومعاداة ف ال.
باسم أي قانون وأي حق وأي دستور وأية ديقراطية ...يُختطف طفل عمره 10سنوات ويُحتجز
سنة كاملة ويُمنع من الساسيات؟ من الواء واللء والضياء ...أن تُغتال طفولته وتوأد براءته إل أن
أصيب برض عقلي...
الصيبة إذا عمت هانت ولكنن أقول إنا هالت ،ول أدري إن كان هذا اللفظ عربيا صحيحا ،لكن
عندما نعلم أن دول أوروبية عريقة ف الديقراطية والرية فتحت على أراضيها بؤرا سوداء ...سجونا
سرية لساب الخابرات المريكية ،واستقبلت على مطاراتا طائرات C .i.aفالعتقل السري ف
تارة الذي احتجزنا فيه 9أشهر ،ليس إل واحدا من هذه البؤر السوداء الت فتحتها أمريكا على
أرضنا لتعذيبنا ولتدمينا ...وحسبنا ال ونعم الوكيل».
كان أول طلب تقدمت به أم آدم إل الحققي هو تسليم ابنها إلياس إل عائلة والده ،فكان الرد
بالوافقة ،ووعدوها بأنه ف ظرف يومي على أبعد تقدير سيؤخذ إلياس إل بيت عائلة والده ...وف
اليوم الوال طلبت أن توضع ف زنزانة با مرحاض تفاديا للحراج ،فكان أن رد الحقق بأنم يفكرون
ف إطلق سراحها نائيا هي وابنها ،شريطة التعاون معهم وإخبارهم بكل العلومات الت يريدون ..كما
أخبها بأن التحقيق ف إطار التعاون لن يدوم أكثر من أسبوع ،وبعدها سيتم إطلق سراحها هي وابنها،
فردت« :لن أتعاون معكم ،وكل معلومة ستأخذونا من فتأكدوا أنن بُحت با فقط تت الضغط».
عادت إل الزنزانة تتر آلمها وتأوي براحها إل جدران رطبة بسجن غي معروف اسه ول مكانه..
إلياس بدأ ينهار ويطلب من والدته الروج ..فوعدته ببذل كل ما ف وسعها من أجل إخراجه هو على
القل.
صارت أم آدم تفكر ف عرض التعاون الذي اقترحه الحقق ،والذي قال لا «اللي عطا ال عطاه ...غي
عتارف باللي عندك».
كان إلياس مايزال طفل ،لكن والدته اعتادت استشارته والتفكي سوية ف كل اللول ودراستها معا...
اعتقد الثنان أن المور ستصي سهلة وفق السار البسيط الذي رساه وتيله ...توجها إل الحقق
وقضيا زهاء ساعات من التحقيق وانطلقت الفاوضات ،الت استقرت ف النهاية على نقل أم آدم وابنها
من الكان الذي كانا فيه إل مكان آخر .وبالفعل ،انتقلت زوجة كري وابنها إل نقطة مهولة أخرى.
49
وف تلك الليلة تعرضت لوعكة صحية ،حيث أحست بأل فظيع ...صارت تصرخ ول يتم إحضار طبيب
ول إسعاف ...وكانت قبلها قد أصيبت برض جلدي ،حيث اكتسحت البثور ظهرها ...ول يتم
إحضار طبيبة إل بعد أيام ،والت أخبتا بأن هذه البثور سببها ليس تعفنيا ،ولكنه مرتبط بالرهاق
النفسي.
بدأ مزاج إلياس يسوء شيئا فشيئا ،بيث ل يعد يداوم على سرد الناشيد الدينية الت كان يهون با على
أمه كل مساء ...وكانت أنشودة «أسي» ،أحب الناشيد إل قلبه ،حيث كان يرددها باستمرار...
كانت حنجرته تصدح «أسي ف غياهبهم ..أسي ف سجونم حقي» ...باكيا ..كان تكرر الشهد باعثا
لحجامه عن البكاء ...فطول مدة السجن بدون أمل ف الروج أفقده النشودة معناها بالنسبة إليه ،
وصار حصار السجن يعبث بيوط إدراكه الت كانت ف مرحلة التشكل والنمو ،لكن أسوار السجن
حدت من آفاقها وكبحت انفتاحها ،بل حدت حت من نوها نوا سليما كامل...
وضع الراس العصابات السوداء من جديد على أعي فتيحة وابنها ليل ،وأمروها بالنناء حت ل
يراها أحد من زجاج النافذة ...تقول «كان أمرا صعبا أن أقبل أن نن رؤوسنا ..فنحن خرجنا من
الغرب أساسا حت ل نن رؤوسنا ونطأطئها لحد» .وصلت السيارة إل مكان مهول ..والكاية
نفسها تتكرر ..مرات طويلة ومسالك تارة باتاه اليمي وتارة أخرى باتاه اليسار ،إل أن يكاد الفرد
يصاب بدوار حاد ،تقول فتيحة ،لتجد نفسها ف غرفة أخرى .كان السجن الثان ف فيل بي سكن،
حيث كانت زوجة كري تسمع أصوات الطفال بالارج .تقول «صرنا نركز على حواس أخرى ،ومن
خللا استطعنا أن نفهم أننا ف حي سكن وأن بالقرب منا يوجد بقال ،حيث كنا نسمع صرير
السلسل الت يمع با قنينات الغاز ،ونسمع أصوات الباعة التجولي ف الصباح».
قضت فتيحة وإلياس ف تلك الفيل حوال أربعة أشهر ..ف غرفة با شرفة مقفلة بإحكام ..وكان بالغرفة
حام خاص ومرحاض به نافذة صغية .تقول بأل «كان الرحاض هو الصدر الوحيد لستنشاق الواء
لدة أربعة أشهر ...فقد كانت الصدر الوحيد للهواء دون غيها ..كنت أنا وابن ننام على الرض حت
نس بشيء من البودة ..سينا هذا السجن سجن طنجرة الضغط أو كوكوت مينوت».
مكثت أم آدم ف هذا السجن لدة أربعة أشهر ،ول تضع طوال هذه الدة للتحقيق إل مرة واحدة،
بعدها اختفى الحقق نائيا ،تاركا إياها ف حية تامة ...فقد حصلت على وعد بأنا ستغادر السجن بعد
أسبوع ،لكن ذلك ل يصل .تقول «طلبت شبوان ومسحوق غسيل اللبس ،فأحضروا لنا علبة
50
مسحوق كبية وقنينة شبوان كبية أيضا» .وتضيف« :أصبت بالنيار عندما رأيت العلبة والقنينة
فحجمهما كبي ،ما جعلن أتيقن بأنن لن أغادر الكان قريبا».
ل تتعرض فتيحة لتعذيب جسدي ،كالضرب أو الصعق بالكهرباء ...ولكن النع من الواء والضياء
واللء وقلة الكل والشرب ،رغم توفرها ،أنكا جسدها الذي عان من أمراض قاتلة (السرطان
والسل) ،لكن التعذيب النفسي كان أشد وطأة عليها ،تقول .وتضيف «كان تعذيبا بعلمات الستفهام،
إذ ل أكن أعرف أين أنا ول ماذا يريدون من ،وحت تمت ل أكن أعرفها ومت سيطلق سراحي».
عاشت زوجة كري حية حقيقية بعد تنصل الحققي من الوفاء بالتزامهم بإطلق سراحها هي وابنها..
صارت حيتا تزداد كلما حاولت معرفة أشياء إضافية عن الزمان والكان ...مكان العتقال ومدته..
طالت الدة ..وبدأ الكلل يتسرب إل إلياس ...كثرت تساؤلته ومتطلباته ...وبدأت سلوكاته تتغي تاه
والدته الت كانت دائما أقرب الناس إليه ..فكان أن كثفت والدته من طلبها بإخراجه وتسليمه إل
عائلة والده .تقول «كنت أطالب بإطلق سراح إلياس لسببي ،الول هو أن ابن طفل وتواجده ف
ذلك الكان ل مل له من العراب ،والثان لنه أرهقن ،ول يعد يستطيع العيش داخل السجن ..إذ ل
تكن لنا فسحة ول نستفيد من فترة الستراحة ول أي شيء ..والال أنه طفل اعتاد اللعب والركض..
ونن كنا ف عزلة تامة ،وأصبح بالتال من الصعب أن أتعايش معه ف سجن انفرادي».
كانت زوجة الجاطي كلما رغبت ف تغيي ملبسها إل وصرفت ابنها إل الرحاض دفعا للحرج...
لكنها ستكتشف يوما ما ل تكن تنتظره ...ستكتشف «كارثة ...قنبلة ،بل مصيبة» ،تقول ،وتضيف
«آخر شيء كنت أتوقعه هو أن أكون مراقبة داخل غرفت».
اكتشفت فتيحة ذات يوم شيئا غريبا عالقا بأحد الدران ..اقتربت منه ووضعت يدها لتنتزعه ،فكانت
الفاجأة ..إنا كاميا ..رأتا بأم عينيها ،بل لستها وأمسكتها بيدها بعد أن انتزعتها من الائط ...كاد
النون يسيطر عليها .تقول «كانوا يتفرجون علي ...كيف أنام وكيف آكل وكيف أغي ملبسي..
كانت قمة النذالة والساسة أن يتم التجسس على امرأة مجبة ف غرفتها ...صرت أصرخ وطلبت
حضور الحقق على وجه الستعجال».
51
حضر الحقق ...ولست أم آدم نوعا من الرتباك ف عينيه وف أعي الراس ..سألته «هل غرفت با
كاميا؟» ،فأجاب «ل» ،فردت «أنت متأكد؟» ،فرد بدوره «نعم أنا متأكد» ..أخرجت أم آدم جهاز
الكاميا الذي عثرت عليه وعرضته على الحقق الذي حاول التظاهر ببودة دم قائل« :آه ..إنا ل
تعمل» ،فردت مستنكرة «وما الذي سيمنعها من أن تشتغل؟» .تقول باكية« :صرت أصرخ بأعلى
صوت وأدعو ال أن ينتقم منهم جيعا ..ل ينعوا عن حجاب بصفة مباشرة لكنهم فعلوا ذلك بطريقة
غي مباشرة ،وهذا المر كلما تذكرته إل وأكاد أصاب بالنون».
ل تقو أم آدم على ذكر تفاصيل كثية تتعلق بذه النازلة الت عاشتها ف سجن مهول بعد ترحيلها إل
الغرب ...فآثار الصدمة ما تزال بادية عليها رغم مرور بعض الوقت على الادث ...حاولت ..بل
حاولت مرارا لكنها وقفت عند التفاصيل الحدودة نفسها دون أن تد سبيل لواصلة البوح ...تقول
برارة« :كنت أعلم أن التجسس ل يكن لساب الغاربة فحسب ..وكانت هذه هي الطامة الكبى...
فأن تعرض صوري ف لظات خاصة وبدون حجاب على أنظار أجهزة استخباراتية عالية كان كارثة
بالنسبة ل.»...
قلبت فتيحة الغرفة رأسا على عقب ،باحثة عما فيها من أجهزة تنصت ...وجدت العديد من اليوط
والسلك المررة عب الدران ...وصارت تشى الدران نفسها ،ظنا منها أن با كاميات وأجهزة
تنصت ...صارت تشى تغيي ملبسها ،بل حت أن تزيل خارها ،معتقدة أنم يرونا ويتجسسون
عليها ...ل يستسغ إلياس المر أيضا ،فثار الصغي باكيا على كشف عورة والدته دون أن يسمع صوته
أحد...
ف إحدى الليال صار إلياس يتكلم كلما غي مفهوم ...يكي ويبستم تارة ويبكي أخرى ..ف السابق
كانت اهتماماته تفوق سنه ،كان يفظ القرآن ويطالع الكتب ...لكن سرعان ما استحالت حيويته إل
ركود قاتل ...بل عدوانا تاه الذات أحيانا ..وأحيانا أخرى تاه الخر ،الذي ل يكن سوى والدته...
ث انقلبت الياة فجأة إل جحيم ل يطاق ...تقول «حاولت أن أنقذه طالبة إخراجه من السجن لكن
التسويف نال منه ومن ...وما كان يز ف نفسي هو أنه ل تكن لدي مشاكل مع الغرب ،وأن أمريكا
كانت تاربن بواسطة بن جلدت».
انتهى التحقيق يومي قبل حلول شهر رمضان ...كان رمضان صعبا ف السجن ...وكانت درجات
الرارة تنخفض شيئا فشيئا .تقول فتيحة« :ما أصعب أن يعيش النسان تت رحة تقلبات درجات
52
الرارة ،فخارج السجن ل نكن نعي أي اهتمام لتغي حالة الطقس ،حيث كلما أحسسنا بالبد إل
وارتدينا الزيد من اللبس ،وكلما شعرنا بالرارة إل ولبسنا ملبس خفيفة وشربنا ماء كثيا وفتحنا
النوافذ!! ..لكن ف السجن ل نكن نتحكم ل ف الاء ول ف اللبس ،ول حت ف الواء».
صارت درجات الرارة تنخفض ..وصارت تنبعث من جدران الغرفة برودة شديدة ،اضطرت معها أم
آدم إل تدوين سلسلة من الطلبات ضمنها ملبس شتوية على حسابا الاص ،حيث كانت لديها بعض
الموال الت ضبطت معها ساعة الختطاف وت الحتفاظ با ...لكن طلبها أخذ وقتا طويل .وتقول
باكية« :بعد التعذيب بالرارة جاء التعذيب بالبد ..فقد كانت أسناننا تصطك من شدة البد خاصة مع
الصيام».
أحست فتيحة بآلم فظيعة ف الرأس ،وصارت تصرخ بأعلى صوتا ...وتبعا لذلك حضر مسؤولون ل
تعتد رؤيتهم ،ووعدوها بإحضار طبيبة للفحص ف اليوم الوال وترحيلها إل مكان آخر ...حضرت
الطبيبة ف الغد بعد العصر ،وفحصت أم آدم وأعطتها أدوية ونصحتها بالراحة.
فجأة سيصدر قرار نقل آخر ...إذ ت نقل زوجة الجاطي وابنها إل مكان آخر ..الكاية نفسها..
عصابات سوداء وسيارة و ...تقول« :أعتقد أننا رجعنا إل نقطة الصفر ،فالسجن الذي ت نقلنا إليه ربا
كان هو نفسه السجن الذي وضعنا فيه لدى وصولنا إل الغرب (أي سجن الجاج) ...طبعا ليست
نفس الغرف ولكنه نفس الحيط».
أفرغ الراس جناحا بالدارة به غرفة وحام ومطبخ وبو لتستقر به زوجة عنصر تنظيم القاعدة كري
الجاطي وابنه إلياس ...كان بالناح عشرون نافذة .تقول «ف الصيف وضعونا ف زنزانة بدون نوافذ،
وف عز البد أجبونا على مقاومة تيار برد جارف ،علما أن إلياس كان هو وشقيقه يعانيان من مرض
الساسية وأنا أعان من هشاشة العظام» .وعندما وطأت قدما فتيحة باب الغرفة صارت تبحث عما إن
كانت هناك كاميا مثبتة بركن معي ...صارت تبحث بنون ،ث سألت أحد السئولي قائلة« :أعلم
أنكم رحلتمون إل هذا السجن لنن نزعت الكاميات الت كنتم تتجسسون با علي ،فكان أن أقسم
السئول عن السجن (الاج ف ) ...بأغلظ اليان وأن أبناءه حرام عليه إن حصل هذا المر مرة
أخرى» .صار إلياس بعد حادث الكاميا يشك ف أن أي جدار يمل جهاز تنصت ...لقد فقد ثقته ف
كل شيء ...فبالنسبة إليه كل الدران لا عيون وآذان ،وكل الناس مابرات.
53
حاول إلياس النتحار ث حاول قتلي لقد أصيب بالنون نتيجة ظروف العتقال
تقول أم آدم ،وهي ل تتجاوز بعد صدمة اكتشافها لكاميا التلصص عليها« :بعد اكتشاف لتلك الصيبة
صرت أدعو عليهم وأنا أبكي برقة سائلة الول عز وجل أن كل من كشف عورت واطلع عليها أن
يعمي بصره ويرس لسانه ويصم آذانه ،وأن يسلط عليه السقام والورام ،ويسجنه ف جلده حت
يتمن الوت ول يده» ،وأضافت« :أل يل الرسول صلى ال عليه وسلم يهود بن قينقاع من الدينة
بسبب امرأة مسلمة واحدة كشفوا عورتا؟ وذكرت هذه القصة ف القرآن الكري ف سورة الشر،
والن تُكشف عورت على مدى شهور وأنا ل أدري ،على يد بن جلدت لساب أعدائي ،يلومون
طالبان وهي الت تفرض الجاب على السلمات فقط وتافظ على كرامتهن وكرامة غي السلمات،
وذلك بشهادة الصحافية البيطانية إيفون رايدل ،الت اعتنقت السلم بعد أن ت أسرها من طرف
طالبان قبل الرب ،وهي الن ترتدي الجاب ولا موقع على النترنيت.
حادث الكاميا دمرن أنا وإلياس إل درجة أنه ل يعد يطيق البقاء ف السجن ...كل شيء انتهى ...حب
القراءة وترتيل القرآن ..ل تعد له رغبة ف أي شيء ..صار كل ما يفعله هو الكل ...الكل بشراهة.
حاولت والدته أن تداوم على شراء بعض اللويات وقطع الشوكولطا والعصي حت تلب رغباته خارج
إطار الوجبات الرسية ...غي أن الدارة ستعمل على الضغط من جديد ،وهذه الرة بواسطة الكل.
امتنعت إدارة السجن عن توفي مطالب زوجة الجاطي وابنها ،حيث ل تعد هناك ل حلويات ول عصي
ول حت وجبات رئيسية منتظمة .ول تعد تُقدم لما وجبة الفطار إل عند الساعة الادية عشرة صباحا،
وهم يعلمون أن فتيحة وابنها يتناولن الفطار مباشرة بعد صلة الصبح ،والغذاء إل غاية الرابعة بعد
الزوال ،والعشاء بي التاسعة والعاشرة ليل ...تقول« :كان ابن يصرخ من شدة الوع لكنهم ل
يستجيبون ...وعندما يضرون وجبة الفطار فإنا تكون وجبة هزيلة ل تغن ول تسمن من جوع...
والشكلة أنه كان لدي ابن صغي يريد أن يأكل ويلعب.»...
بدأت مشاكل الكل تتزايد ...فغالبا يضرون أكل دسا باردا تمد مرقه إل أن صار كقطع الشمع..
وبالقابل صارت مشاكل إلياس تتزايد هي الخرى ...فالطفل يريد أن يلعب ويأكل ...صار نمه للكل
غريبا .تقول والدته« :طبيعي أن يقبل على الكل بشراهة لنه ل يكن لديه شيء يفعله سوى الكل»...
صار وزنه يتزايد ،بل يتضاعف على الرغم من أنه ل يزال ابن العشر سنوات ...بدأت بوادر الرض
54
العقلي تظهر على إلياس ،الذي فقد السيطرة على خيوط إدراكه ...يهذي أحيانا ..ويلعب أحيانا أخرى
بعنف طالبا من والدته أن تشاركه اللعب ...تقول« :قاوم ابن على الرغم من أنه طفل ،لكن ف وقت
معي أحسست بأن عقله بدأ يتعب ...فعانيت بالتال مشاكل كثية معه ل ناية لا».
انصبت كل الضغوط وكل أسئلة الحقق (أبو ز« )...الشاب الهذب جدا» على كل شيء إل الغرب!
وكان الحقق ينصح دائما فتيحة وابنها بالتعاون ،قائل« :من الحسن أن تتعاون معي أنا حت ترجي
أنت وابنك بسلم ،لنه ربا يأتوك بحقق آخر يتكرفس عليك ..ما يشيش بالك بعيد ..يتكرفس
عليك غي بالكلم» ،تقول زوجة الجاطي« :الكل يعلم أن كلمة يتكرفس عليك كلمة تتمل أكثر من
معن ...ل يكن أن أصف وقع هذه التهديدات على نفسي وأنا ل أعلم أين أنا ول أحد يعلم بكان إل
ال سبحانه وتعال ،ث الديقراطية المريكية وأعوانا .كان الحقق يقول ل ركزي على فترة باكستان،
وكان يسألن عن علقت بالد ممد الشيخ ،وعلقة زوجي به و ...الفيلت الت كنا فيها ومن كان
فيها ،وشكلها وشكل الحياء الت كانت فيها هذه الفيلت ...وهذه كلها معلومات ل تم المن
القومي الغرب ف شيء ،ولكنها كانت ثينة للغاية بالنسبة للمن القومي للوليات التحدة المريكية الت
كانت تعذبنا وتدمرنا بالوكالة بواسطة أبناء جلدتنا ...فالغاية تبر الوسيلة بل كل الوسائل ..السيسة
منها والدنيئة ،والنافية لبسط حقوق النسان ...الهم هو الصول على أكب كم من العلومات..
وأدقها ،ل يهم كيف يتم السطو على العلومات ..الهم أن تبقى أمريكا على خاطرها وتعيش ف المن
والمان ،ولنذهب نن وإنسانيتنا وكرامتنا و ...إل الحيم» .وتضيف فتيحة قائلة« :أشياء كثية ل
أكن أرغب ف العتراف با قلتها لم تت طائلة التهديد والضغط الرهيب ...لكن بعض العلومات
كانت لديهم ،وكان بالتال من الصعب أل أؤكدها لم ...كما كنت أعلم من هو الشخص الذي
اعترف لم با ...وهذا إن دل على شيء فإنا يدل على أن هناك رجال ل يصمدوا أمام التعذيب،
فبالحرى أنا الرأة الستضعفة الت سجنت رفقة ابنها ف ظروف غي عادية ..وتت ضغوط ل إنسانية».
اكتمل التحقيق الذي دام سبعة أشهر ...وظلت زوجة الجاطي تنتظر قرار الفراج عنها ،حسب ما
وعد به الحققون ...صارت تسأل عن سبب إبقائها لديهم ،فكان الرد دائما بأنم ينتظرون التعليمات
من السلطات العليا ،فكانت تقول لم السلطات العليا هي جورج تينيت (رئيس الخابرات المريكية
السابق)...
صار إلياس مزعجا ...بدأ يهلوس ويفقد القدرة على ضبط النفس ...يثور أحيانا ويبكي أحيانا أخرى،
55
ما اضطر والدته إل طلب إحضار طبيب لعاينته من جهة ،ولتجديد طلبها بإخراجه من السجن وتسليمه
إل عائلة والده..
ظلت فتيحة تصارع الرض الذي أل بابنها دون أن تد سبيل للتخفيف عنه...
حل عيد الفطر ...واضطرت أم آدم إل طلب شراء حلويات وملبس ولعب ،على نفقتها الاصة بناء
على ما كانت تتوفر عليه من أموال ،لعاينة ابتسامة وفرحة العيد على وجه ابنها ...كان قضاء العيد ف
السجن أمرا صعبا ...وف سجن مهول بدون زيارة أمر أصعب .تقول« :حاولت أن أخفف عن ابن
مرارة قضاء العيد داخل السجن ...عيد بدون عائلة وبدون أصدقاء ...بعيدا عن العال».
اقترب عيد الضحى وما من خب عن السراح ...التحقيق توقف وعلى الرغم من ذلك ل تصدر
التعليمات بإطلق سراحها ...صارت حالة إلياس تسوء يوما بعد يوم ...وقبيل عيد الضحى بدأت
نفسيته تتز أكثر فأكثر ..فالطفل الضطرب كان يسمع رفقة والدته أصوات صراخ غريب ...أصوات
الضرب بالسياط ...وأصوات الديد ...ظنت الم أن المر يتعلق بواجس ف البداية ،لكن صدى
الصوات كان يعلو منذرا بأنه حقيقة وليس سرابا ...كانت أصوات التعذيب ترهق إلياس ووالدته..
وكان صراخ الرجال يهز قلبه ويهيجه أكثر ،إل أن يثور من شدة اللع ...تقول والدته« :من الصعب
جدا أن يستمع النسان إل أصوات العذبي ،لن ذلك يعله يتخيل أنه يكن أن يتعرض ف أية لظة
للشيء نفسه وير من اللد والصعق بالكهرباء ...كانوا يرصون على أن نسمع تلك الصوات حت
يبقى وقعها رهيبا وميفا بالنسبة لنا خشية أن نعيشها نن أيضا ،لن الوقوع ف الشر خي من انتظاره».
ذات يوم حسم المر ..فقد أصيب إلياس بالنون ول تعد له القدرة على التمييز ...فصار يتعارك مع
والدته ويسبها ويضربا ...ومرة حاول قتلها ...طلبت الطبيب مرات عدة ،لكن الدارة ل تستجب...
غزا التعب جسم أم آدم وتسلل إليها هزال شديد ،وهو ما استدعى إحضار طبيبة لا على وجه
الستعجال ،حيث أجرت العديد من التحاليل الولية ،وبعدها جاؤوا يطلبون من إجراء تليل
البيوبسي ،والكل يعلم أن هذا التحليل يرى عندما يشك الطباء ف مرض السرطان .تقول «من أقسى
أناط التعذيب الذي تعرضت له هو أنم أوهون بأن مرض السرطان عاد إل جسمي ف ظروف
قاهرة ..بعد حوال سنة من العتقال والسجن النفرادي ومرض إلياس وغياب كري وآدم ...كانت
ضغوطات كثية تلك الت تعرضت لا».
زاد الب من تأزم أوضاع فتيحة ...طلبت رؤية التحليل الذي «يؤكد» إصابتها بالسرطان لتكون على
56
بينة وتقطع الشك باليقي ،لكنهم كانوا ياطلون ف إحضاره ،لتعيش دوامة من الشك والرتياب حول
حقيقة وضعها الصحي .تقول «بكم تربت مع المراض كنت أفهم قراءة بعض الفحوصات خصوصا
تلك الت تؤكد الصابة بداء السرطان ،لكنهم امتنعوا عن إحضارها ل ...ضغطوا علي كثيا بذا
الب».
انتاب زوجة الجاطي إحساس كبي بالسرة والظلم ...وصارت تفكر ف ما يكن أن تتعرض له مددا..
كانت تسبح ف عال من التخمينات قبل أن تعود بيالا إل ميط الزنزانة عنوة ..رأت إلياس يتوجه
صوبا بعيون ثاقبة ..كانت حالته النفسية مرعبة ...توجه إليها بعد أن أصابته نوبة جنون مفاجئة..
ماول قتلها ...صارت تصرخ إل أن حضر الراس ،ل تستطع فتيحة استيعاب هول الصدمة ...وأحس
الراس والسئولون الذين حضروا للتو فعل بالطر ...بقيت تبكي وتتلظى برقة وهي تواجَه بنون
ابنها ،حت كاد النون أن يصيبها هي الخرى ..كان إلياس قد حاول قبل ذلك النتحار ،ولول العناية
اللية لكان مات منتحرا...
أفرح بروجي من العتقل السري بتمارة لن ابن ضاع من
ف اليوم الوال ،حضر (الاج ف) مبا فتيحة بأن مسئول يريد رؤيتها ...توجهت مرهقة إل الكتب،
حيث ينتظرها السئول ...وحت داخل السجن ،كانت توضع لا عصابات على العيني حت تتنقل من
مكان إل آخر ...من زنزانتها إل مكتب السئول ،متفادين أن تعرف أدق التفاصيل عن الكان الذي
توجد فيه .دلفت إل مكتب السئول ،الذي سألا عن حال إلياس وأحوالا معه ،فأجابته بأنا حال سيئة
للغاية.
ل يدخل السئول ،الذي ل تعرف عنه أم آدم شيئا سوى أنه مسئول بوزارة الداخلية ،معها ف تقيق ول
حوار ...جاء ليبلغها خبا واحدا ..أو بالحرى أن يبشرها به ،على حد تعبيه ...كانت فتيحة قد
أمضت ليلة متعبة جراء النوبة الت أصابت إلياس ،فكانت تلس على الكرسي متراخية غي آبة ما
حولا وبا يقولون ...لكنها فجأة ستسمع خبا انتظرته حوال سنة« ..سيفرج عنكما ف ظرف 24
ساعة القبلة» ،هكذا قال السئول.
ل تس أم آدم بالفرحة ،تقول ،لن الوان قد فات ...وتضيف باكية« :ل يترك الب أثرا ف نفسي لن
ابن كان فقد عقله ...فقد أوصلوه إل ما أرادوا ..حيث تضاعف وزنه ..وفقد إدراكه بعد تسعة أشهر
57
من الختطاف والعتقال ف سجن تارة السري».
قبل مغادرتا الكتب ،حذر السئول فتيحة من مغبة الكشف عن الهة الت كانت تتجزها أو الكان
الذي كانت فيه ،أو حت القول إنا كانت منذ مدة ف الغرب ،وقال بالرف« :ل أريد أن أسع بأنكما
قلتما لي أحد بأنكما مررتا من هنا ...أنتما قادمان من السعودية ...من الطار إل بيت العائلة ...أليس
كذلك؟» ..تدخلت فتيحة لتخبه بأنه من الصعب ضبط طفل صغي ف الالة الت هو عليها ،لكنه
توجه إليه وطلب منه بلطف أل يلب الشاكل لمه وعائلته ...كان تديدا مبطنا ،تقول أم آدم.
مرت 24ساعة طويلة كأنا دهر ..كانت عقارب الساعة تتثاءب بي الرقام ...للمت فتيحة أشياءها
وصارت تنتظر الساعة ...أذن الؤذن لصلة العصر ..وحضر الراس لمل أغراض زوجة الجاطي...
كانت تستعد لداء الصلة لكن إلياس حاول منعها وهو يصرخ« :أمي ل تصلي» ،كان يشى أن يتعثر
خروجهما ...كبت وبدأت الصلة وصار ير ملبسها حاثا إياها على قطع الصلة ...كان يشى أن
يتراجعوا عن قرارهم ...أعطوها مبلغ 3000درهم وهاتفا ممول ،وأمروها بالمضاء على وصل
استلم با تقدم ،وإلياس يصرخ «أمي يلله نرجو!».
خرج الثنان ووضعا ف سيارة وأعينهما معصبة ...سارت السيارة لبعض الوقت ث سرعان ما توقفت..
ف تلك الثناء انتزع الراس العصابات عن أعي فتيحة وابنها إلياس...
فتحت زوجة الجاطي عينيها لترى لفتة طرقية كتب عليها «الصخيات» ...كان الفصل ربيعيا...
والضرة سة غالبية القول الت مرت السيارة على جنباتا ...أحست بشبه حرية ..هي الن ف السيارة
بدون عصابات العي ...صارت تطالع منظر القول الضراء عب زجاج النوافذ ...إل أن وصلت
السيارة إل مدينة الدار البيضاء.
كان الحققون قد سألوا فتيحة عن الكان الذي تريد التوجه إليه ،فأخبتم بأنا تريد الذهاب إل منل
عائلة زوجها ...نزل الثنان من السيارة بعد وصولما إل الدار البيضاء ،حيث أوقف لما الراس
سيارة أجرة أخذتما إل الحمدية.
ل يكن أحد من عائلة كري أو عائلة زوجته يعرف حقيقة مكانما ...وبعد مدة علمت فتيحة أن إحدى
أخواتا تلقت خب اعتقالا وابنها من طرف الخابرات بالغرب ...توجهت أخت فتيحة إل مام للبحث
ف الوضوع ،وصارت تترف كتابة الرسائل إل اليئات القوقية وفعاليات الجتمع الدن ...وانرطت
ف رحلة البحث عن أختها.
58
ف فترة غياب زوجة الجاطي ،تلقت عائلتها اتصال من ابنها آدم ،الذي كان يبحث عنها ،فيما ل يتصل
كري ...ولدى علمها بالب بعد خروجها من السجن طلبت أم آدم من كل أفراد عائلتها تغيي أرقامهم
الاتفية حت ل يكونوا طعما لصطياد كري وآدم ،تقول.
قبيل صلة الغرب ،وصلت فتيحة وابنها إلياس إل بيت أسرة الجاطي ...كانت مفاجأة والد كري
كبية عند رؤيتهما ...ل تفكر ف ما ستقوله له ،لكنها أخبته بأنا قادمة للتو من الطار .ل يقبل والد
كري بأن تقضي زوجة ابنه وحفيده الليلة ببيته ،إذ رفض رفضا باتا المر ،وأخذها إل بيت أحد أقارب
أم آدم بالحمدية ...أوصلهما بالسيارة ليل وتركهما هناك...
عندما خرجت فتيحة من بيت والد كري لحت سيارة تتتبع آثارها ..حاولت التملص منها لكن دون
جدوى ...ساعتها فهمت أنا مراقبة من قبل الخابرات.
كان التعب قد تكن منهما ...ولا وصل ووجها بأسئلة العائلة ..غي أنه ل يكن لم آدم استعداد
للدخول ف دوامة الساءلة ول أي شيء ...كانت تعبة وابنها كذلك ..وليست لديها أدن فكرة عن
الستقبل ...كل هها كان هو ابنها الريض وهاجس مرض السرطان الذي أوهوها به.
ظلت أم آدم لدى عائلتها الت استقبلتها ببور ف البداية ،لكن المور ستتغي بعد اكتشافهم أنا
مراقبة ..كانوا قد اقترحوا عليها العيش معهم لكن أمر الراقبة ضايقهم كثيا وجعلهم يتراجعون عن
العرض ..واقترحوا عليها بأدب أن تعود للعيش ف شقتها بي كوتيي بالدار البيضاء الت لتزال مقفلة.
بدأت الضايقات ..ونوبات إلياس صارت تتزايد ،ما اضطر والدته إل أخذه إل طبيب نفسي كانت
تعرفه ،لكن هذا الخي رفض معالته بعد معرفته قصته ،وأخبها بأن الطباء سيفضون علجه إذا
علموا بقصته .أجرت فتيحة تليلت طبية أكدت أنا سليمة من مرض السرطان ،كما اضطرت إل
التقلب ف العديد من عيادات الطب النفسي بثا عن معال لبنها الذي صارت أزماته تتضاعف ،إل أن
قبل أحد الطباء الكشف عليه بعد أن اكتشف أن حالته النفسية سيئة للغاية...
على امتداد أربعي يوما ،عادت فتيحة ممد طاهر حسن ،أرملة عضو تنظيم القاعدة كري الجاطي
استشهد رفقة أصغر أبنائه ف معركة الرس بالسعودية قبل ثلث سنوات من الن ،إل صفحات ذكرياتا
59
الت قرأتا بصوت مرتفع على مسامع القراء لترصد من خللا مسية حياة مليئة بالتناقضات الضاربة ف
جذور الغرابة .عاشت أم آدم ،كما يلو لا أن تلقب نفسها ،مع «الساء» تربة أخرى ،من بي تارب
كثية عاشتها على امتداد أزيد من أربعي سنة حيتها..إنا تربة الكي والسرد ،فقد فتحت قلبها
لتحول مرى أحداث مفرطة ف الغرائبية عاشتها إل ذكريات تروى...بعضها غريب وآخر أليم وغيها
طريف ،إل جانب تفاصيل أخرى تنبت ذكرها من فرط الندوب الت تركتها على قلبها والت ل تندمل
بعد.
روت أم آدم الكثي من الحداث النسابة ف فلك السرعة ،لترسم مسار امرأة من زمن الرب ...امرأة
تؤمن بفاهيم الهاد لنا جربته وفقدت من أجله أغلى ما تنسل منها.
فتيحة ممد طاهر حسن ...هي امرأة مثية للجدل ،امرأة تتزل خلف ذاكرة ملتحفة السواد أحداثا
أشد سوادا لنا بكل بساطة «العلبة السوداء» لكري الجاطي ،عضو القاعدة ،الذي سقط قتيل مطلع
أبريل من سنة ، 2005لتبدأ قصته مع انتهاء حياته...
إنا شهادة امرأة عاشت حياة بوجهي...بل عاشت أكثر من حياة...امرأة تقلبت على الحياء الشعبية
كما على الحياء الراقية ...تطت رجلها أفخم الفيلت ،كما وطئتا أشواك الواري الشعبية وأيضا
دور الصفيح ،الت لفحت حرارتا جسدها الشامخ أيام الر...كان قدر فتيحة أن تلطم أمواج
الختلف منذ الراحل الول من حياتا الليئة بالتحديات..امتد هذا التلطم إل أن أوصلها إل دهاليز
القصر اللكي ،حيث عاشت التكري ف العهد القدي وانقلبت حظوظها ف الدنيا إل أن عاشت التعذيب
والعتقال ف العهد الديد داخل وخارج السجون..
تفاعلت كل هذه الحداث وتسارعت مشكلة ومؤسسة لصلبة امرأة خارجة عن الألوف ..امرأة
كانت ناية حياة زوجها السدية بداية حياة أخرى ،له ولا ،على صفحات الرائد والقنوات
الدولية...كل ذلك من أجل فك شفرات حياة امرأة خارجة عن الألوف...عاشت رفقة رجل ما زالت
حياته وماته يثيان أكثر من علمة استفهام...امرأة تقلبت على متلف أجهزة المن القومي
والستخبارات العالية من أجل الغرض نفسه...حيث مثلت هي نقطة انطلق أساسية ف الياة الثانية
لكري الجاطي ،أحد أتباع أسامة بن لدن...حياة فقدت معها طعم الرية الكاملة...تعيش مطاردة
بشكل يومي من قبل رجال الخابرات المريكية من خلل الخابرات الغربية ،الذين يتناوبون على تتبع
كل خطواتا صباح مساء..وأينما حلت وارتلت...تراهم يتعقبون خطواتا دون أن يعرفوا من تكون
60
وما إن كانت هي فعل فتيحة أرملة كري الجاطي...رغم أنم صاروا وحدة خاصة تشكلت من أجل
مراقبتها«...وحدة مراقبة أم آدم» على غرار «وحدة مراقبة بن لدن» بالوليات التحدة المريكية...
فتيحة كري الجاطي امرأة تكلمت من داخل الحداث لنا عاشتها...عاشت تت حكم إمارة
طالبان...عاشت الرب المريكية على أفغانستان ...عاشت القصف...عاشت الرب وعاشت مقتل
الزوج والبن دون أن تذرف دمعة ساخنة عليهما...
حكت بابتسامة تارة..وبرقة وعيون دامعة حد النيار مرات أخرى...اضطرت ف كثي من الوقات
إل الصمت لكبح جاح الوجع التوهج ،ث سرعان ما واصلت راسة معال حياة أكثر من تنظيم...وأكثر
من زعيم ..وأكثر من إنسانة ،لنا بكل بساطة امرأة تمع أكثر من تثل واحد خلف عالها الليء
بالتفاعلت ،ظاهرا وباطنا.
حكت كل شيء إل كل الذين تابعوا مسيتا عب صفحات الريدة...ث سرعان ما اختفت عن النظار
عائدة تنتظر تسلم جثمان الزوج والبن ،اللذين ل ينع فقدانما من قلبها حبا خالدا لبلدة ماصرة
اسها قندهار.
فتيحة حسن امرأة تقلبت بي متلف الصور ،بي نعيم العيش وقساوة الياة ،بي التجول ف أكثر من
بلد ف العال ،وبي السجن ف زنزانة ضيقة هي وابنها إلياس ،فقدت الزوج والبن ومعها حرية الركة.
ف هذه اللقة الخية من قصتها الت تشبه مسلسل مشوقا ..أصرت على تقدي الشكر والمتنان لكل
من سح لا برواية قصتها والوصول إل إشراك القراء ف معاناتا وراء القضبان ...لكنها ف كل مراحل
الكي ل تتراجع عن قناعاتا ،وإن كانت قناعات وصلت إل حد تأييد حركة طالبان وتنظيم القاعدة
ومعاداة أمريكا والغرب الت ترى فيه رأس حربة معاناة السلمي ...إنا امرأة من طينة أخرى ،قد
تتلف معها ،وتتلف مع قناعاتا وقراءتا للدين والواقع ومنهجية التغيي ،لكن ل تلك إل أن تترم
فيها إصرارها وتضحيتها من أجل ما تعتقد أنه الق والصواب ...ول تلك إل أن تتعاطف مع معاناتا
ف السر والعتقال...
حكاية أرملة الجاطي ،كتاب مفتوح للقراءة وإعادة قراءة مسارات أفراد تنظيم القاعدة ،وكيف تول
شباب من طلبة وموظفي ومعطلي ،أغنياء وفقراء ،مهمشي وأبناء أعيان ،إل جنود ف صفوف تنظيم
القاعدة الذي يــقوده الشــيخ أسامة بـن لدن من مكان ما ف هذا العال...
61
تت بمد ال
اعتن با أخوكم أبو بكر الغرب
مع تيات إخوانكم ف:
[توحيد برس]
tawhed- Press
62