Professional Documents
Culture Documents
182-175
فأما الحسن املدرك بحاسة البصر فإن البصر يدركه من إدراكه للمعاني الجزئية التي قد تبين كيفية إدراك
البصر لها .وذلك أن كل واحد من املعاني الجزئية التي تقدم بيانها يفعل نوعا من الحسن بانفراده ،وتفعل هذه املعاني
أنواعا من الحسن باقتران بعضها ببعض .والبصر إنما يدرك الحسن من صور املبصرات التي تدرك بحاسة البصر ،وصور
املبصرات مركبة من املعاني الجزئية التي تبين تفصيلها ،والبصر يدرك الصور من إدراكه لهذه املعاني ،فهو يدرك الحسن
من إدراكه لهذه املعاني.
وأنواع الحسن التي يدركها البصر من صور املبصرات كثيرة :فمنها ما تكون علته واحدة من املعاني الجزئية التي
في الصورة ،ومنها ما تكون علته عدة من املعاني الجزئية التي في الصورة ،ومنها ما تكون علته اقتران املعاني بعضها ببعض
ال املعاني أنفسها ،ومنها ما تكون علته مركبة من املعاني وتألفها .والبصر يدرك كل واحد من املعاني التي في كل واحدة من
الصور منفردا ،ويدركها مركبة ،ويدرك اقترانها وتألفها .فالبصر يدرك الحسن على وجوه مختلفة ،وجميع الوجوه التي منها
يدرك البصر الحسن ترجع إلى إدراك املعاني الجزئية.
فأما أن هذه املعاني الجزئية هي التي تفعل الحسن منفردة وأعني بقولي تفعل الحسن أي تؤثر في النفس
استحسان الصورة املستحسنة فإنه يظهر باليسير من التأمل .
وذلك أن الضوء يفعل الحسن .ولذلك تستحسن الشمس والقمر والكواكب .وليس في الشمس والقمر والكواكب
علة تستحسن من أجلها وتروق صورتها بسببها غير الضوء وإشراقه .فالضوء على انفراده يفعل الحسن.
واللون أيضا يفعل الحسن .وذلك أن كل واحد من ألالوان املشرقة كاألرجوانية والفرفيرية والزرعية والوردية
والصعوية وأشباهها تروق الناظر ويلتذ البصر بالنظر إليها .وكذلك تستحسن املصنعات من الثياب والفروش وآلاالت
وتستحسن ألازهار وألانوار والرياض .فاللون على انفراده يفعل الحسن .والبعد أيضا قد يفعل الحسن بطريق العرض .
وذلك أن الصور املستحسنة منها ما يكون فيها وشوم وغضون ومسام تشين الصورة وتشعث حسنها .فإذا بعدت عن البصر
فضل بعد خفيت تلك املعاني الدقيقة التي تشين تلك الصورة ،فيظهر عند خفاء تلك املعاني حسن الصورة .وكذلك أيضا
كثير من الصور املستحسنة قد تكون فيها معان لطيفة من أجلها كانت الصورة كالنقوش الدقيقة والتخطيط والترتيب .
وكثير من هذه املعاني قد تخفى عن البصر من كثير من ألابعاد املعتدلة ،فإذا قربت من البصر فضل قرب ظهرت تلك
املعاني اللطيفة للبصر ظهر حسن الصورة للبصر .فزيادة البعد ونقصان البعد قد يظهر الحسن .فالبعد على انفراده قد
يفعل الحسن.
والبعد أيضا قد يفعل الحسن بطريق العرض .وذلك أن الصور املستحسنة منها ما يكون فيها وشوم وغضون
ومسام تشين الصورة وتشعث حسنها .فإذا بعدت عن البصر فضل بعد خفيت تلك املعاني الدقيقة التي تشين تلك
الصورة ،فيظهر عند خفاء تلك املعاني حسن الصورة .وكذلك أيضا كثير من الصور املستحسنة قد تكون فيها معان
لطيفة من أجلها كانت الصورة حسنة كالنقوش الدقيقة والتخطيط والترتيب .وكثير من هذه املعاني قد تخفى عن البصر
من كثير من ألابعاد املعتدلة ،فإذا قربت من البصر فضل قرب ظهرت تلك املعاني اللطيفة للبصر وظهر حسن الصورة
للبصر .فزيادة البعد ونقصان البعد قد يظهر الحسن .فالبعد على انفراده قد يفعل الحسن.
والوضع قد يفعل الحسن ،وكثير من املعاني املستحسنة إنما تستحسن من أجل الترتيب والوضع فقط .وذلك
أن النقوش كلها إنما تستحسن من أجل الترتيب .والكتابة املستحسنة إنما تستحسن من أجل الترتيب .ألن حسن الخط
إنما هو من تقويم أشكال الحروف ومن تأليف بعضها ببعض .فإن لم يكن تأليف الحروف وترتيبها منتظما متناسبا فليس
يكون الخط حسنا وإن كانت أشكال حروفه على انفرادها صحيحة مقومة .وقد يستحسن الخط إذا كان تأليفه تأليفا
منتظما وإن لم تكن حروفه في غاية التقويم.
وكذلك كثير من صور املبصرات إنما تحسن وتروق من أجل تأليف أجزائها وترتيب بعضها عند بعض.
والتجسم يفعل الحسن ،ولذلك تستحسن ألاجسام الخصبة من أشخاص الناس وأشخاص كثير من الحيوان.
والشكل يفعل الحسن ،ولذلك يستحسن الهالل .والصور املستحسنة من الناس وأشخاص كثير من الحيوانات
والشجر والنبات إنما تستحسن من أجل أشكالها وأشكال أجزاء الصورة.
والعظم يفعل الحسن .ولذلك صار القمر أحسن من كل واحد من الكواكب وصارت الكواكب الكبار أحسن من
الكواكب الصغار.
والتفرق يفعل الحسن ،ولذلك صارت الكواكب املتفرقة أحسن من اللطخات وأحسن من املتفرقة .ولذلك أيضا
صارت املصابيح والشموع املتفرقة أحسن من النار املتصلة املجتمعة .ولذلك أيضا توجد ألانوار وألازهار املتفرقة في
الرياض أحسن من املتمتع منها واملتراص.
والاتصال يفعل الحسن ،ولذلك صارت الرياض املتصلة النبات املتكاثفة أحسن من املتقطع منها واملتفرق .وإن
كانت الرياض مستحسنة من أجل ألوانها فاملتصل منها أحسن .والحسن الزائد الذي في املتصل منها إنما يفعله الاتصال
فقط.
والعدد يفعل الحسن .ولذلك صارت املواضع الكثيرة الكواكب من السماء أحسن من املواضع القليلة الكواكب .
ولذلك أيضا تستحسن املصابيح والشموع إذا اجتمع منها عدد كثير في موضع واحد.
والحركة تفعل الحسن .ولذلك يستحسن الرقص وحركات الراقص وكثير من إلاشارات وحركات إلانسان في كالمه
وأفعاله.
والخشونة تفعل الحسن .ولذلك يستحسن الخشن من كثير من الثياب والفروش .ولذلك يحسن كثير من
الصياغات بأن تخشن وجوهها وتحرش.
والظل قد يظهر الحسن .وذلك ألن كثيرا من صور املبصرات قد يكون فيها وشوم وغضون ومسام لطيفة تشينها
وتكسف حسنها .فإذا كانت في ضوء الشمس وفي ألاضواء القوية ظهرت الوشوم واملسام التي فيها فتخفى محاسنها .وإذا
كانت في الظل وفي ألاضواء الضعيفة خفيت تلك الوشوم والغضون واملسام التي شانتها فتظهر محاسنها .وأيضا فإن
التقازيح التي تظهر في أرياش الحيوانات وفي النوع املسمى أباقلمون إنما تظهر في الظل وفي ألاضواء املنكسرة .وإذا كانت في
ضوء الشمس وفي ألاضواء القوية خفيت التقازيح واملحاسن التي تظهر فيها إذا كانت في الظل وفي ألاضواء املنكسرة.
والظلمة تظهر الحسن .وذلك أن الكواكب إنما تظهر في الظالم .وكذلك املصابيح والشموع والنيران إنما يظهر
حسنها في سواد الليل وفي املواضع املظلمة ،وليس يظهر حسنها في ضوء النهار وفي ألاضواء القوية .والكواكب في الليالي
املظلمة أحسن منها في الليالي املقمرة.
والتشابه يفعل الحسن .وذلك أن أعضاء الحيوان املتماثلة ليس تحسن إال إذا كانت متشابهة .فإن العينين إن
كانت مختلفتي الشكل وكانت إحداهما مستديرة وألاخرى مستطيلة كانت في غاية القبح .وكذلك إن كانت إحداهن أكبر من
ألاخرى .وكذلك الوجنتان إن كانت إحداهن جاحظة وألاخرى غائرة وكانت في غاية القبح .وكذلك الحاجبان إن كان أحدهما
غليظا وآلاخر دقيقا كانا في غاية القبح .وكذلك إن كان أحدهما طويال وآلاخر قصيرا كانا مستقبحين .فجميع أعضاء
الحيوانان متماثلة ليس تحسن إال إذا كانت متشابهة .وكذلك النقوش وحروف الكتابة ليس تحسن إال إذا كانت الحروف
املتماثلة منها وألاجزاء املتماثلة منها متشابهة.
والاختالف يفعل الحسن .وذلك أن أشكال أعضاء الحيوان مختلفة ألاجزاء ،وليس تحسن إال على ما هي عليه من
الاختالف .وذلك أن ألانف لو أنه متساوي الغلظ أوله مساوي الغلظ آلخره لكان في غاية القبح .وليس حسنه إال باختالف
طرفيه وانخراطه .وكذلك الحاجبان ليس حأجزائها .وكذلك النقوش وحروف الكتابة لو تساوت أجزاؤها في الغلظ ملا كانت
مستحسنة .وذلك أن أطراف الحروف وأواخر التعريقات إنما تحسن إذا كانت مستدقة وأدق من بقية الحروف .ولو
تساوت أواخر الحروف وأوساطها وأوائلها ووصولها وتعليقاتها ،وكانت جميعها في الغلظ على هيئة واحدة ،لكان الخط في
غاية القبح .فاالختالف قد يفعل الحسن في كثير من صور املبصرات.
فقد تبين مما ذكرناه آن كل واحد من املعاني الجزئية التي تدرك بحاسة البصر التي بينا تفصيلها قد تفعل الحسن
على انفراده .وإذا استقرئت وجد كل واحد من هذه املعاني قد تفعل الحسن في مواضع كثيرة.
وإنما ذكرنا ما ذكرناه على طريق املثال ،وليستدل بكل واحد من ألامثلة على نظائره ،وليتطرق به إلى استقراء
أمثاله من أراد البحث عن كيفية تأثيرات هذه املعاني في الصور املستحسنة .إال أنه ليس تفعل هذه املعاني الحسن في كل
املواضع وال يفعل الواحد من هذه املعاني الحسن في كل صورة يحصل فيها ذلك املعنى ،بل في بعض الصور دون بعضها .
ومثال ذلك العظم ليس يفعل الحسن في كل جسم مقتدر العظم.
وكذلك اللون :ليس كل لون يفعل الحسن ،وال اللون الواحد يفعل الحسن في كل جسم يحصل فيه ذلك اللون .
وكذلك الشكل :ليس كل شكل يفعل الحسن .وكل واحد من املعاني الجزئية التي ذكرناها تفعل الحسن بانفراده ،ولكن في
بعض املواضع دون بعضها وعلى بعض الصفات دون بعضها.
وأيضا فإن هذه املعاني قد تفعل الحسن باقتران بعضها ببعض .وذلك أن الخط الحسن هو الذي تكون أشكال
حروفه أشكاال مستحسنة وتأليف بعضها ببعض تأليفا مستحسنا ،وهو غاية حسن الخط .فإن الخط الذي يجتمع فيه
هذان املعنيان أحسن من الخط الذي يكون فيه أحد هذين املعنيين دون آلاخر .فغاية حسن الخط إنما يكون من اقتران
الشكل والوضع.
وكذلك ألالوان املشرقة الرائقة والنقوش إذا كانت مرتبة ترتيبا منتظما متشاكال كانت أحسن ألالوان والنقوش
التي ليس لها ترتيب منتظم.وكذلك صور أشخاص الناس والحيوانات قد يظهر فيها الحسن من اقتران املعاني الجزئية التي
فيها .وذلك أن كبر العينين الكبر املعتدل مع تلويز شكلها أحسن من العين التي لي لها إال الكبر فقط أو التلويز فقط .وكذلك
سهولة الخدين مع ورقة اللون أحسن من الخدين السهلين مع انكساف اللون وأحسن من الخدين الجاحظين وإن كانا
رقيقي اللون .وكذلك استدارة الوجه مع رقة اللون أحسن من صغر الفم مع غلظ الشفتين وأحسن من رقة الشفتين مع
سعة الفم .وهذا املعنى كثير التيقن.
وإذا استقرئت الصور املستحسنة في جميع املبصرات وجد اقتران املعاني الجزئية التي تكون في الصور تفعل فيها
أنواعا من الحسن ال يفعله الواحد من املعاني على انفراده .وأكثر الحسن الذي يدرك بحاسة البصر إنما سنهما إال إذا كان
طرفاهما أدق من بقيتهما .وكذلك جميع أعضاء الحيوان إذا تؤملت يوجد حسنها إنما هو اختالف أشكال أجزائها .وكذلك
النقوش وحروف الكتابة لو تساوت أجزاؤها في الغلظ ملا كانت مستحسنة .وذلك أن أطراف الحروف وأواخر التعريقات
إنما تحسن إذا كانت مستدقة وأدق من بقية الحروف .ولو تساوت أواخر الحروف وأوساطها وأوائلها ووصولها وتعليقاتها،
وكانت جميعها في الغلظ على هيئة واحدة ،لكان الخط في غاية القبح .فاالختالف قد يفعل الحسن في كثير من صور
املبصرات.
فقد تبين مما ذكرناه آن كل واحد من املعاني الجزئية التي تدرك بحاسة البصر التي بينا تفصيلها قد تفعل الحسن
على انفراده .وإذا استقرئت وجد كل واحد من هذه املعاني قد تفعل الحسن في مواضع كثيرة .وإنما ذكرنا ما ذكرناه على
طريق املثال ،وليستدل بكل واحد من ألامثلة على نظائره ،وليتطرق به إلى استقراء أمثاله من أراد البحث عن كيفية تأثيرات
هذه املعاني في الصور املستحسنة .إال أنه ليس تفعل هذه املعاني الحسن في كل املواضع وال يفعل الواحد من هذه املعاني
الحسن في كل صورة يحصل فيها ذلك املعنى ،بل في بعض الصور دون بعضها .ومثال ذلك العظم ليس يفعل الحسن في
كل جسم مقتدر العظم.
وكذلك اللون :ليس كل لون يفعل الحسن ،وال اللون الواحد يفعل الحسن في كل جسم يحصل فيه ذلك اللون .
وكذلك الشكل :ليس كل شكل يفعل الحسن .وكل واحد من املعاني الجزئية التي ذكرناها تفعل الحسن بانفراده ،ولكن في
بعض املواضع دون بعضها وعلى بعض الصفات دون بعضها.
وأيضا فإن هذه املعاني قد تفعل الحسن باقتران بعضها ببعض .وذلك أن الخط الحسن هو الذي تكون أشكال
حروفه أشكاال مستحسنة وتأليف بعضها ببعض تأليفا مستحسنا ،وهو غاية حسن الخط .فإن الخط الذي يجتمع فيه
هذان املعنيان أحسن من الخط الذي يكون فيه أحد هذين املعنيين دون آلاخر .فغاية حسن الخط إنما يكون من اقتران
الشكل والوضع.
وكذلك ألالوان املشرقة الرائقة والنقوش إذا كانت مرتبة ترتيبا منتظما متشاكال كانت أحسن ألالوان والنقوش
التي ليس لها ترتيب منتظم.وكذلك صور أشخاص الناس والحيوانات قد يظهر فيها الحسن من اقتران املعاني الجزئية التي
فيها .وذلك أن كبر العينين الكبر املعتدل مع تلويز شكلها أحسن من العين التي لي لها إال الكبر فقط أو التلويز فقط .وكذلك
سهولة الخدين مع ورقة اللون أحسن من الخدين السهلين مع انكساف اللون وأحسن من الخدين الجاحظين وإن كانا
رقيقي اللون .وكذلك استدارة الوجه مع رقة اللون أحسن من صغر الفم مع غلظ الشفتين وأحسن من رقة الشفتين مع
سعة الفم .وهذا املعنى كثير التيقن.
وإذا استقرئت الصور املستحسنة في جميع املبصرات وجد اقتران املعاني الجزئية التي تكون في الصور تفعل فيها
أنواعا من الحسن ال يفعله الواحد من املعاني على انفراده .وأكثر الحسن الذي يدرك بحاسة البصر إنما يتقوم من اقتران
هذه املعاني بعضها ببعض .فاملعاني الجزئية التي ذكرناها تفعل الحسن بانفرادها وتفعل الحسن باقتران بعضها ببعض.
وقد يتقوم الحسن من الحسن من معنى آخر غير كل واحد من املعنيين اللذين ذكرناهما ،وهو التناسب
وإلائتالف .وذلك أن الصور املركبة املتألفة من أعضاء مختلفة يحصل ألجزائها أشكال مختلفة وأعظام مختلفة وأوضاع
مختلفة واتصال وافتراق ،ويحصل في كل واحد منها عدة معان من املعاني الجزئية ،وليس جميعها يكون متناسبا ومتآلفا .
وذلك أنه ليس كل شكل يحسن مع كل شكل وال عظم يحسن مع كل عظم وال كل وضع يحسن مع كل وضع وال كل شكل
يحسن مع كل عظم وال كل عظم مع كل وضع ،بل كل واحد من املعاني الجزئية يتناسب بعض املعاني ويباين بعضها ،وكل
مقدار فهو يناسب بعض املقادير ويباين بعضها .ومثال ذلك قنو ألانف مع غؤور العينين غير مستحسن ،وكذلك كبر
العينين مع كبر ألانف املسرف الكبر غير مستحسن ،وكذلك نتوء الجبهة مع غؤور العينين غير مستحسن وتطامن الجبهة
مع جحوظ العينين غير مستحسن .فلكل عضو من ألاعضاء شكل وأشكال تحسن صورته ،ومع ذلك فكل شكل من أشكال
كل واحد من ألاعضاء إنما يناسب بعض ألاشكال التي لألعضاء الباقية دون بعضها ،وتحسن الصورة باجتماع ألاشكال
املناسبة ألعضاء الصورة.
وكذلك أعظام ألاعضاء وأوضاعها وترتيبها .فإن كبر العينين مع حسن شكلها ومع قنو ألانف وباالعتدال وبالعظم
املناسب لكبر العينين مستحسن .وكذلك تلويز العينين وحالوة شكلها وإن صغرتا مع دقة ألانف واعتدال شكله ومقداره
إذا اجتمعا في الوجه كان مستحسنا .وكذلك دقة الشفتين مع لطافة الفم مستحسن إذا كانت لطافة الفم مناسبة لدقة
الشفتين ،أعني أن ال تكون الشفتان في غاية الدقة والفم ليس في غاية الصغر ،بل يكون صغر الفم معتدال والشفتان
دقيقتين ومع ذلك مناسبة ملقدار الفم.
وكذلك سعة الوجه إذا كان مناسبا ملقادير أعضاء الوجه كان مستحسنا ،أعني أن ال يكون الوجه في غاية السعة
وأعضاء الوجه صغارا أعني غير مناسبة ملقدار جملة الوجه .فإن الوجه إذا كان واسعا مسرف السعة وكانت ألاعضاء التي
فيه صغارا غير مناسبة ملقداره كان الوجه غير مستحسن وإن كانت مقادير ألاعضاء متناسبة وأشكالها مستحسنة .وكذلك
إن كان الوجه صغيرا ضيقا وأعضاؤه كبارا غير مناسبة ملقداره كان الوجه مستقبحا .وإذا كانت ألاعضاء متناسبة ومناسبة
ملقدار سعة الوجه فإن الصورة تكون مستحسنة وإن لم يكن كل واحد من ألاعضاء على انفراده مستحسنا في شكله
ومقداره.
بل التناسب فقط قد يفعل الحسن إذا لم نكن ألاعضاء على انفرادها مستقبحة وإن لم تكن في غاية حسنها .
فإذا اجتمع في الصورة حسن أشكال كل واحد من أجزائها وحسن مقاديرها وحسن تأليفها وتناسب ألاعضاء في ألاشكال
وألاعظام وألاوضاع وجميع املعاني التي يقتضيها التناسب ،وكانت مع ذلك مناسبة لجملة شكل الوجه ومقداره ،فهو غاية
الحسن .والصورة التي يحصل فيها بعض هذه املعاني دون بعض يكون حسنها بحسب ما فيها من املعاني املستحسنة.
وكذلك الخط ليس يكون مستحسنا إال إذا كانت حروفه متناسبة في أشكالها ومقاديرها وترتيبها .وكذلك جميع
أنواع املبصرات التي يجتمع فيها أجزاء مختلفة .فإذا استقرئت الصور املستحسنة من جميع أنواع املبصرات وجد التناسب
يفعل فيها من الحسن ما ليس يفعله كل واحد من املعاني الجزئية على انفراده وما ليس تفعله املعاني الجزئية أيضا التي
تجتمع في الصورة باقتران بعضها ببعض .وإذا تؤملت املعاني املستحسنة التي تفعلها املعاني الجزئية باقتران بعضها ببعض
أيضا وجد الحسن الذي يظهر من اقترانها إنما يظهر لتناسب ما يحصل فيما بين تلك املعاني املقترنة وائتالفها.
ألنه ليس كلما اجتمع ذلك املعنيان أو تلك املعاني حدث ذلك الحسن ،بل في بعض الصور دون بعض ،وهو
لتناسب يؤلف بين املعنيين أو املعاني ا تمعة في الصورة .فالحسن إنما يكون من املعاني الجزئية ،وتمامه وكماله إنما هو
من التناسب والائتالف الذي يحدث بين املعاني الجزئية.
قد تبين من جميع ما ذكرناه أن املحاسن والصور املستحسنة التي تدرك بحاسة البصر إنما تكون من املعاني
الجزئية التي تدرك بحاسة البصر ومن اقتران بعضها ببعض ومن مناسبة بعضها لبعض .والبصر يدرك املعاني الجزئية
التي قدمنا ذكرها مفردة ومقترنة ،ويدرك الصور املتألفة منها .فإذا أدرك البصر مبصرا من املبصرات ،وكان في ذلك املبصر
معنى من املعاني الجزئية التي قدمنا ذكرها التي تفعل الحسن منفردا ،وتأمل البصر ذلك املعنى منفردا ،حصلت صورة
ذلك املعنى بعد التأمل عند الحاس وأدركت القوة املميزة حسن املبصر الذي فيه ذلك املعنى .ألن صورة كل مبصر من
املبصرات مركبة من عدة معان من املعاني التي قد قدمنا تفصيلها .فإذا أدرك البصر املبصر ولم يميز املعاني التي فيه،
وكان أحد املعاني التي في ذلك املبصر على الصفة التي تفعل الحسن في النفس ،فإن البصر عند تأمل ذلك املعنى يدرك
ذلك املعنى منفردا .فإذا كان ذلك املعنى منفردا حصل ذلك إلادراك عند الحاس .وإذا حصل إدراك صورة املعنى الذي
يفعل الحسن عند الحاس أدركت القوة املميزة الحسن الذي فيه ،فأدركت بذلك إلادراك حسن ذلك املبصر .وإذا أدرك
البصر مبصرا من املبصرات ،وكان في ذلك املبصر حسن مركب من معان مقترن بعضها بعض ومن معان مناسب بعضها
لبعض ،وتأمل البصر ذلك املبصر وميز املعاني التي فيه وأدرك املعاني التي فيه ،وأدرك املعاني التي تفعل الحسن باقتران
بعضها ببعض أو مناسبة بعضها لبعض ،وحصل ذلك إلادراك عند الحاس ،وقاست القوة املميزة تلك املعاني بعضها
ببعض ،أدركت حسن ذلك املبصر املركب من اقتران املعاني املتألفة التي فيه .فالبصر يدرك الحسن الذي في املبصرات
من قياس تلك املعاني بعضها ببعض على الصفة التي فصلناها.
إدراك القبح
فأما القبح فهو الصورة التي تخلو من كل واحد من املعاني املستحسنة .وذلك انه قد تقدم أن املعاني الجزئية قد
تفعل الحسن ولكن ليس تفعله في كل املواضع وال في كل الصور ،بل في بعض الصور دون بعض .وكذلك التناسب ليس
يكون في جميع الصور بل في بعض الصور دون بعض .فالصور التي ليس يفعل فيها ش يء من املعاني الجزئية شيئا من
الحسن على انفراد املعاني وال باقترانها وال يكون فيها ش يء من التناسب في أجزائها فليس فيها ش يء من الحسن .وإذا لم يكن
فيها ش يء من الحسن كانت مستقبحة .ألن قبح الصورة هو عدم الحسن فيها .وقد يجتمع في الصورة الواحدة معان
مستحسنة ومعان مستقبحة ،والبصر يدرك حسن الحسن منها وقبح القبيح إذا ميز املعاني التي فيها وتأملها .والقبح يدركه
البصر من الصور التي قد عدمت جميع املحاسن من عدمه الحسن عند إدراكها .وكذلك كل معنى مستقبح.