You are on page 1of 7

‫إدراك الحسن‬

‫من كتاب املناظر ألبي الحسن بن الهيثم‬

‫‪182-175‬‬

‫فأما الحسن املدرك بحاسة البصر فإن البصر يدركه من إدراكه للمعاني الجزئية التي قد تبين كيفية إدراك‬
‫البصر لها ‪.‬وذلك أن كل واحد من املعاني الجزئية التي تقدم بيانها يفعل نوعا من الحسن بانفراده‪ ،‬وتفعل هذه املعاني‬
‫أنواعا من الحسن باقتران بعضها ببعض ‪.‬والبصر إنما يدرك الحسن من صور املبصرات التي تدرك بحاسة البصر‪ ،‬وصور‬
‫املبصرات مركبة من املعاني الجزئية التي تبين تفصيلها‪ ،‬والبصر يدرك الصور من إدراكه لهذه املعاني‪ ،‬فهو يدرك الحسن‬
‫من إدراكه لهذه املعاني‪.‬‬

‫وأنواع الحسن التي يدركها البصر من صور املبصرات كثيرة ‪:‬فمنها ما تكون علته واحدة من املعاني الجزئية التي‬
‫في الصورة‪ ،‬ومنها ما تكون علته عدة من املعاني الجزئية التي في الصورة‪ ،‬ومنها ما تكون علته اقتران املعاني بعضها ببعض‬
‫ال املعاني أنفسها‪ ،‬ومنها ما تكون علته مركبة من املعاني وتألفها ‪.‬والبصر يدرك كل واحد من املعاني التي في كل واحدة من‬
‫الصور منفردا‪ ،‬ويدركها مركبة‪ ،‬ويدرك اقترانها وتألفها ‪.‬فالبصر يدرك الحسن على وجوه مختلفة‪ ،‬وجميع الوجوه التي منها‬
‫يدرك البصر الحسن ترجع إلى إدراك املعاني الجزئية‪.‬‬

‫فأما أن هذه املعاني الجزئية هي التي تفعل الحسن منفردة وأعني بقولي تفعل الحسن أي تؤثر في النفس‬
‫استحسان الصورة املستحسنة فإنه يظهر باليسير من التأمل ‪.‬‬

‫وذلك أن الضوء يفعل الحسن ‪.‬ولذلك تستحسن الشمس والقمر والكواكب ‪.‬وليس في الشمس والقمر والكواكب‬
‫علة تستحسن من أجلها وتروق صورتها بسببها غير الضوء وإشراقه ‪.‬فالضوء على انفراده يفعل الحسن‪.‬‬

‫واللون أيضا يفعل الحسن ‪.‬وذلك أن كل واحد من ألالوان املشرقة كاألرجوانية والفرفيرية والزرعية والوردية‬
‫والصعوية وأشباهها تروق الناظر ويلتذ البصر بالنظر إليها ‪.‬وكذلك تستحسن املصنعات من الثياب والفروش وآلاالت‬
‫وتستحسن ألازهار وألانوار والرياض ‪.‬فاللون على انفراده يفعل الحسن‪ .‬والبعد أيضا قد يفعل الحسن بطريق العرض ‪.‬‬
‫وذلك أن الصور املستحسنة منها ما يكون فيها وشوم وغضون ومسام تشين الصورة وتشعث حسنها ‪.‬فإذا بعدت عن البصر‬
‫فضل بعد خفيت تلك املعاني الدقيقة التي تشين تلك الصورة‪ ،‬فيظهر عند خفاء تلك املعاني حسن الصورة ‪.‬وكذلك أيضا‬
‫كثير من الصور املستحسنة قد تكون فيها معان لطيفة من أجلها كانت الصورة كالنقوش الدقيقة والتخطيط والترتيب ‪.‬‬
‫وكثير من هذه املعاني قد تخفى عن البصر من كثير من ألابعاد املعتدلة‪ ،‬فإذا قربت من البصر فضل قرب ظهرت تلك‬
‫املعاني اللطيفة للبصر ظهر حسن الصورة للبصر ‪.‬فزيادة البعد ونقصان البعد قد يظهر الحسن ‪.‬فالبعد على انفراده قد‬
‫يفعل الحسن‪.‬‬

‫والبعد أيضا قد يفعل الحسن بطريق العرض ‪.‬وذلك أن الصور املستحسنة منها ما يكون فيها وشوم وغضون‬
‫ومسام تشين الصورة وتشعث حسنها ‪.‬فإذا بعدت عن البصر فضل بعد خفيت تلك املعاني الدقيقة التي تشين تلك‬
‫الصورة‪ ،‬فيظهر عند خفاء تلك املعاني حسن الصورة ‪.‬وكذلك أيضا كثير من الصور املستحسنة قد تكون فيها معان‬
‫لطيفة من أجلها كانت الصورة حسنة كالنقوش الدقيقة والتخطيط والترتيب ‪.‬وكثير من هذه املعاني قد تخفى عن البصر‬
‫من كثير من ألابعاد املعتدلة‪ ،‬فإذا قربت من البصر فضل قرب ظهرت تلك املعاني اللطيفة للبصر وظهر حسن الصورة‬
‫للبصر ‪.‬فزيادة البعد ونقصان البعد قد يظهر الحسن ‪.‬فالبعد على انفراده قد يفعل الحسن‪.‬‬

‫والوضع قد يفعل الحسن‪ ،‬وكثير من املعاني املستحسنة إنما تستحسن من أجل الترتيب والوضع فقط‪ .‬وذلك‬
‫أن النقوش كلها إنما تستحسن من أجل الترتيب ‪.‬والكتابة املستحسنة إنما تستحسن من أجل الترتيب ‪.‬ألن حسن الخط‬
‫إنما هو من تقويم أشكال الحروف ومن تأليف بعضها ببعض ‪.‬فإن لم يكن تأليف الحروف وترتيبها منتظما متناسبا فليس‬
‫يكون الخط حسنا وإن كانت أشكال حروفه على انفرادها صحيحة مقومة ‪.‬وقد يستحسن الخط إذا كان تأليفه تأليفا‬
‫منتظما وإن لم تكن حروفه في غاية التقويم‪.‬‬

‫وكذلك كثير من صور املبصرات إنما تحسن وتروق من أجل تأليف أجزائها وترتيب بعضها عند بعض‪.‬‬

‫والتجسم يفعل الحسن‪ ،‬ولذلك تستحسن ألاجسام الخصبة من أشخاص الناس وأشخاص كثير من الحيوان‪.‬‬

‫والشكل يفعل الحسن‪ ،‬ولذلك يستحسن الهالل ‪.‬والصور املستحسنة من الناس وأشخاص كثير من الحيوانات‬
‫والشجر والنبات إنما تستحسن من أجل أشكالها وأشكال أجزاء الصورة‪.‬‬

‫والعظم يفعل الحسن ‪.‬ولذلك صار القمر أحسن من كل واحد من الكواكب وصارت الكواكب الكبار أحسن من‬
‫الكواكب الصغار‪.‬‬

‫والتفرق يفعل الحسن‪ ،‬ولذلك صارت الكواكب املتفرقة أحسن من اللطخات وأحسن من املتفرقة‪ .‬ولذلك أيضا‬
‫صارت املصابيح والشموع املتفرقة أحسن من النار املتصلة املجتمعة ‪.‬ولذلك أيضا توجد ألانوار وألازهار املتفرقة في‬
‫الرياض أحسن من املتمتع منها واملتراص‪.‬‬

‫والاتصال يفعل الحسن‪ ،‬ولذلك صارت الرياض املتصلة النبات املتكاثفة أحسن من املتقطع منها واملتفرق‪ .‬وإن‬
‫كانت الرياض مستحسنة من أجل ألوانها فاملتصل منها أحسن ‪.‬والحسن الزائد الذي في املتصل منها إنما يفعله الاتصال‬
‫فقط‪.‬‬

‫والعدد يفعل الحسن ‪.‬ولذلك صارت املواضع الكثيرة الكواكب من السماء أحسن من املواضع القليلة الكواكب ‪.‬‬
‫ولذلك أيضا تستحسن املصابيح والشموع إذا اجتمع منها عدد كثير في موضع واحد‪.‬‬

‫والحركة تفعل الحسن ‪.‬ولذلك يستحسن الرقص وحركات الراقص وكثير من إلاشارات وحركات إلانسان في كالمه‬
‫وأفعاله‪.‬‬

‫والسكون يفعل الحسن ‪.‬ولذلك يستحسن الوقار والسمت‪.‬‬

‫والخشونة تفعل الحسن ‪.‬ولذلك يستحسن الخشن من كثير من الثياب والفروش ‪.‬ولذلك يحسن كثير من‬
‫الصياغات بأن تخشن وجوهها وتحرش‪.‬‬

‫واملالسة تفعل الحسن ‪.‬ولذلك يستحسن الصقال في الثياب وآلاالت‪.‬‬

‫والشفيف يفعل الحسن ‪.‬ولذلك تستحسن الجواهر املشفة وألاواني املشفة‪.‬‬


‫والكثافة تفعل الحسن‪ ،‬ألن ألالوان وألاضواء وألاشكال والتخطيط وجميع املعاني املستحسنة التي تظهر في صور‬
‫املبصرات ليس يدركها البصر إال من أجل الكثافة‪.‬‬

‫والظل قد يظهر الحسن ‪.‬وذلك ألن كثيرا من صور املبصرات قد يكون فيها وشوم وغضون ومسام لطيفة تشينها‬
‫وتكسف حسنها ‪.‬فإذا كانت في ضوء الشمس وفي ألاضواء القوية ظهرت الوشوم واملسام التي فيها فتخفى محاسنها ‪.‬وإذا‬
‫كانت في الظل وفي ألاضواء الضعيفة خفيت تلك الوشوم والغضون واملسام التي شانتها فتظهر محاسنها ‪.‬وأيضا فإن‬
‫التقازيح التي تظهر في أرياش الحيوانات وفي النوع املسمى أباقلمون إنما تظهر في الظل وفي ألاضواء املنكسرة ‪.‬وإذا كانت في‬
‫ضوء الشمس وفي ألاضواء القوية خفيت التقازيح واملحاسن التي تظهر فيها إذا كانت في الظل وفي ألاضواء املنكسرة‪.‬‬

‫والظلمة تظهر الحسن ‪.‬وذلك أن الكواكب إنما تظهر في الظالم ‪.‬وكذلك املصابيح والشموع والنيران إنما يظهر‬
‫حسنها في سواد الليل وفي املواضع املظلمة‪ ،‬وليس يظهر حسنها في ضوء النهار وفي ألاضواء القوية‪ .‬والكواكب في الليالي‬
‫املظلمة أحسن منها في الليالي املقمرة‪.‬‬

‫والتشابه يفعل الحسن ‪.‬وذلك أن أعضاء الحيوان املتماثلة ليس تحسن إال إذا كانت متشابهة ‪.‬فإن العينين إن‬
‫كانت مختلفتي الشكل وكانت إحداهما مستديرة وألاخرى مستطيلة كانت في غاية القبح ‪.‬وكذلك إن كانت إحداهن أكبر من‬
‫ألاخرى ‪.‬وكذلك الوجنتان إن كانت إحداهن جاحظة وألاخرى غائرة وكانت في غاية القبح ‪.‬وكذلك الحاجبان إن كان أحدهما‬
‫غليظا وآلاخر دقيقا كانا في غاية القبح ‪.‬وكذلك إن كان أحدهما طويال وآلاخر قصيرا كانا مستقبحين ‪.‬فجميع أعضاء‬
‫الحيوانان متماثلة ليس تحسن إال إذا كانت متشابهة ‪.‬وكذلك النقوش وحروف الكتابة ليس تحسن إال إذا كانت الحروف‬
‫املتماثلة منها وألاجزاء املتماثلة منها متشابهة‪.‬‬

‫والاختالف يفعل الحسن ‪.‬وذلك أن أشكال أعضاء الحيوان مختلفة ألاجزاء‪ ،‬وليس تحسن إال على ما هي عليه من‬
‫الاختالف ‪.‬وذلك أن ألانف لو أنه متساوي الغلظ أوله مساوي الغلظ آلخره لكان في غاية القبح ‪.‬وليس حسنه إال باختالف‬
‫طرفيه وانخراطه ‪.‬وكذلك الحاجبان ليس حأجزائها ‪.‬وكذلك النقوش وحروف الكتابة لو تساوت أجزاؤها في الغلظ ملا كانت‬
‫مستحسنة ‪.‬وذلك أن أطراف الحروف وأواخر التعريقات إنما تحسن إذا كانت مستدقة وأدق من بقية الحروف ‪.‬ولو‬
‫تساوت أواخر الحروف وأوساطها وأوائلها ووصولها وتعليقاتها‪ ،‬وكانت جميعها في الغلظ على هيئة واحدة‪ ،‬لكان الخط في‬
‫غاية القبح ‪.‬فاالختالف قد يفعل الحسن في كثير من صور املبصرات‪.‬‬

‫فقد تبين مما ذكرناه آن كل واحد من املعاني الجزئية التي تدرك بحاسة البصر التي بينا تفصيلها قد تفعل الحسن‬
‫على انفراده ‪.‬وإذا استقرئت وجد كل واحد من هذه املعاني قد تفعل الحسن في مواضع كثيرة‪.‬‬

‫وإنما ذكرنا ما ذكرناه على طريق املثال‪ ،‬وليستدل بكل واحد من ألامثلة على نظائره‪ ،‬وليتطرق به إلى استقراء‬
‫أمثاله من أراد البحث عن كيفية تأثيرات هذه املعاني في الصور املستحسنة ‪.‬إال أنه ليس تفعل هذه املعاني الحسن في كل‬
‫املواضع وال يفعل الواحد من هذه املعاني الحسن في كل صورة يحصل فيها ذلك املعنى‪ ،‬بل في بعض الصور دون بعضها ‪.‬‬
‫ومثال ذلك العظم ليس يفعل الحسن في كل جسم مقتدر العظم‪.‬‬
‫وكذلك اللون ‪:‬ليس كل لون يفعل الحسن‪ ،‬وال اللون الواحد يفعل الحسن في كل جسم يحصل فيه ذلك اللون ‪.‬‬
‫وكذلك الشكل‪ :‬ليس كل شكل يفعل الحسن ‪.‬وكل واحد من املعاني الجزئية التي ذكرناها تفعل الحسن بانفراده‪ ،‬ولكن في‬
‫بعض املواضع دون بعضها وعلى بعض الصفات دون بعضها‪.‬‬

‫وأيضا فإن هذه املعاني قد تفعل الحسن باقتران بعضها ببعض ‪.‬وذلك أن الخط الحسن هو الذي تكون أشكال‬
‫حروفه أشكاال مستحسنة وتأليف بعضها ببعض تأليفا مستحسنا‪ ،‬وهو غاية حسن الخط ‪.‬فإن الخط الذي يجتمع فيه‬
‫هذان املعنيان أحسن من الخط الذي يكون فيه أحد هذين املعنيين دون آلاخر ‪.‬فغاية حسن الخط إنما يكون من اقتران‬
‫الشكل والوضع‪.‬‬

‫وكذلك ألالوان املشرقة الرائقة والنقوش إذا كانت مرتبة ترتيبا منتظما متشاكال كانت أحسن ألالوان والنقوش‬
‫التي ليس لها ترتيب منتظم‪.‬وكذلك صور أشخاص الناس والحيوانات قد يظهر فيها الحسن من اقتران املعاني الجزئية التي‬
‫فيها ‪.‬وذلك أن كبر العينين الكبر املعتدل مع تلويز شكلها أحسن من العين التي لي لها إال الكبر فقط أو التلويز فقط ‪.‬وكذلك‬
‫سهولة الخدين مع ورقة اللون أحسن من الخدين السهلين مع انكساف اللون وأحسن من الخدين الجاحظين وإن كانا‬
‫رقيقي اللون ‪.‬وكذلك استدارة الوجه مع رقة اللون أحسن من صغر الفم مع غلظ الشفتين وأحسن من رقة الشفتين مع‬
‫سعة الفم ‪.‬وهذا املعنى كثير التيقن‪.‬‬

‫وإذا استقرئت الصور املستحسنة في جميع املبصرات وجد اقتران املعاني الجزئية التي تكون في الصور تفعل فيها‬
‫أنواعا من الحسن ال يفعله الواحد من املعاني على انفراده ‪.‬وأكثر الحسن الذي يدرك بحاسة البصر إنما سنهما إال إذا كان‬
‫طرفاهما أدق من بقيتهما ‪.‬وكذلك جميع أعضاء الحيوان إذا تؤملت يوجد حسنها إنما هو اختالف أشكال أجزائها ‪.‬وكذلك‬
‫النقوش وحروف الكتابة لو تساوت أجزاؤها في الغلظ ملا كانت مستحسنة ‪.‬وذلك أن أطراف الحروف وأواخر التعريقات‬
‫إنما تحسن إذا كانت مستدقة وأدق من بقية الحروف ‪.‬ولو تساوت أواخر الحروف وأوساطها وأوائلها ووصولها وتعليقاتها‪،‬‬
‫وكانت جميعها في الغلظ على هيئة واحدة‪ ،‬لكان الخط في غاية القبح ‪.‬فاالختالف قد يفعل الحسن في كثير من صور‬
‫املبصرات‪.‬‬

‫فقد تبين مما ذكرناه آن كل واحد من املعاني الجزئية التي تدرك بحاسة البصر التي بينا تفصيلها قد تفعل الحسن‬
‫على انفراده ‪.‬وإذا استقرئت وجد كل واحد من هذه املعاني قد تفعل الحسن في مواضع كثيرة‪ .‬وإنما ذكرنا ما ذكرناه على‬
‫طريق املثال‪ ،‬وليستدل بكل واحد من ألامثلة على نظائره‪ ،‬وليتطرق به إلى استقراء أمثاله من أراد البحث عن كيفية تأثيرات‬
‫هذه املعاني في الصور املستحسنة ‪.‬إال أنه ليس تفعل هذه املعاني الحسن في كل املواضع وال يفعل الواحد من هذه املعاني‬
‫الحسن في كل صورة يحصل فيها ذلك املعنى‪ ،‬بل في بعض الصور دون بعضها ‪.‬ومثال ذلك العظم ليس يفعل الحسن في‬
‫كل جسم مقتدر العظم‪.‬‬

‫وكذلك اللون ‪:‬ليس كل لون يفعل الحسن‪ ،‬وال اللون الواحد يفعل الحسن في كل جسم يحصل فيه ذلك اللون ‪.‬‬
‫وكذلك الشكل‪ :‬ليس كل شكل يفعل الحسن ‪.‬وكل واحد من املعاني الجزئية التي ذكرناها تفعل الحسن بانفراده‪ ،‬ولكن في‬
‫بعض املواضع دون بعضها وعلى بعض الصفات دون بعضها‪.‬‬
‫وأيضا فإن هذه املعاني قد تفعل الحسن باقتران بعضها ببعض ‪.‬وذلك أن الخط الحسن هو الذي تكون أشكال‬
‫حروفه أشكاال مستحسنة وتأليف بعضها ببعض تأليفا مستحسنا‪ ،‬وهو غاية حسن الخط ‪.‬فإن الخط الذي يجتمع فيه‬
‫هذان املعنيان أحسن من الخط الذي يكون فيه أحد هذين املعنيين دون آلاخر ‪.‬فغاية حسن الخط إنما يكون من اقتران‬
‫الشكل والوضع‪.‬‬

‫وكذلك ألالوان املشرقة الرائقة والنقوش إذا كانت مرتبة ترتيبا منتظما متشاكال كانت أحسن ألالوان والنقوش‬
‫التي ليس لها ترتيب منتظم‪.‬وكذلك صور أشخاص الناس والحيوانات قد يظهر فيها الحسن من اقتران املعاني الجزئية التي‬
‫فيها ‪.‬وذلك أن كبر العينين الكبر املعتدل مع تلويز شكلها أحسن من العين التي لي لها إال الكبر فقط أو التلويز فقط ‪.‬وكذلك‬
‫سهولة الخدين مع ورقة اللون أحسن من الخدين السهلين مع انكساف اللون وأحسن من الخدين الجاحظين وإن كانا‬
‫رقيقي اللون ‪.‬وكذلك استدارة الوجه مع رقة اللون أحسن من صغر الفم مع غلظ الشفتين وأحسن من رقة الشفتين مع‬
‫سعة الفم ‪.‬وهذا املعنى كثير التيقن‪.‬‬

‫وإذا استقرئت الصور املستحسنة في جميع املبصرات وجد اقتران املعاني الجزئية التي تكون في الصور تفعل فيها‬
‫أنواعا من الحسن ال يفعله الواحد من املعاني على انفراده ‪.‬وأكثر الحسن الذي يدرك بحاسة البصر إنما يتقوم من اقتران‬
‫هذه املعاني بعضها ببعض ‪.‬فاملعاني الجزئية التي ذكرناها تفعل الحسن بانفرادها وتفعل الحسن باقتران بعضها ببعض‪.‬‬

‫وقد يتقوم الحسن من الحسن من معنى آخر غير كل واحد من املعنيين اللذين ذكرناهما‪ ،‬وهو التناسب‬
‫وإلائتالف ‪.‬وذلك أن الصور املركبة املتألفة من أعضاء مختلفة يحصل ألجزائها أشكال مختلفة وأعظام مختلفة وأوضاع‬
‫مختلفة واتصال وافتراق‪ ،‬ويحصل في كل واحد منها عدة معان من املعاني الجزئية‪ ،‬وليس جميعها يكون متناسبا ومتآلفا ‪.‬‬
‫وذلك أنه ليس كل شكل يحسن مع كل شكل وال عظم يحسن مع كل عظم وال كل وضع يحسن مع كل وضع وال كل شكل‬
‫يحسن مع كل عظم وال كل عظم مع كل وضع‪ ،‬بل كل واحد من املعاني الجزئية يتناسب بعض املعاني ويباين بعضها‪ ،‬وكل‬
‫مقدار فهو يناسب بعض املقادير ويباين بعضها ‪.‬ومثال ذلك قنو ألانف مع غؤور العينين غير مستحسن‪ ،‬وكذلك كبر‬
‫العينين مع كبر ألانف املسرف الكبر غير مستحسن‪ ،‬وكذلك نتوء الجبهة مع غؤور العينين غير مستحسن وتطامن الجبهة‬
‫مع جحوظ العينين غير مستحسن ‪.‬فلكل عضو من ألاعضاء شكل وأشكال تحسن صورته‪ ،‬ومع ذلك فكل شكل من أشكال‬
‫كل واحد من ألاعضاء إنما يناسب بعض ألاشكال التي لألعضاء الباقية دون بعضها‪ ،‬وتحسن الصورة باجتماع ألاشكال‬
‫املناسبة ألعضاء الصورة‪.‬‬

‫وكذلك أعظام ألاعضاء وأوضاعها وترتيبها ‪.‬فإن كبر العينين مع حسن شكلها ومع قنو ألانف وباالعتدال وبالعظم‬
‫املناسب لكبر العينين مستحسن ‪.‬وكذلك تلويز العينين وحالوة شكلها وإن صغرتا مع دقة ألانف واعتدال شكله ومقداره‬
‫إذا اجتمعا في الوجه كان مستحسنا ‪.‬وكذلك دقة الشفتين مع لطافة الفم مستحسن إذا كانت لطافة الفم مناسبة لدقة‬
‫الشفتين‪ ،‬أعني أن ال تكون الشفتان في غاية الدقة والفم ليس في غاية الصغر‪ ،‬بل يكون صغر الفم معتدال والشفتان‬
‫دقيقتين ومع ذلك مناسبة ملقدار الفم‪.‬‬

‫وكذلك سعة الوجه إذا كان مناسبا ملقادير أعضاء الوجه كان مستحسنا‪ ،‬أعني أن ال يكون الوجه في غاية السعة‬
‫وأعضاء الوجه صغارا أعني غير مناسبة ملقدار جملة الوجه ‪.‬فإن الوجه إذا كان واسعا مسرف السعة وكانت ألاعضاء التي‬
‫فيه صغارا غير مناسبة ملقداره كان الوجه غير مستحسن وإن كانت مقادير ألاعضاء متناسبة وأشكالها مستحسنة ‪.‬وكذلك‬
‫إن كان الوجه صغيرا ضيقا وأعضاؤه كبارا غير مناسبة ملقداره كان الوجه مستقبحا ‪.‬وإذا كانت ألاعضاء متناسبة ومناسبة‬
‫ملقدار سعة الوجه فإن الصورة تكون مستحسنة وإن لم يكن كل واحد من ألاعضاء على انفراده مستحسنا في شكله‬
‫ومقداره‪.‬‬

‫بل التناسب فقط قد يفعل الحسن إذا لم نكن ألاعضاء على انفرادها مستقبحة وإن لم تكن في غاية حسنها ‪.‬‬
‫فإذا اجتمع في الصورة حسن أشكال كل واحد من أجزائها وحسن مقاديرها وحسن تأليفها وتناسب ألاعضاء في ألاشكال‬
‫وألاعظام وألاوضاع وجميع املعاني التي يقتضيها التناسب‪ ،‬وكانت مع ذلك مناسبة لجملة شكل الوجه ومقداره‪ ،‬فهو غاية‬
‫الحسن ‪.‬والصورة التي يحصل فيها بعض هذه املعاني دون بعض يكون حسنها بحسب ما فيها من املعاني املستحسنة‪.‬‬

‫وكذلك الخط ليس يكون مستحسنا إال إذا كانت حروفه متناسبة في أشكالها ومقاديرها وترتيبها‪ .‬وكذلك جميع‬
‫أنواع املبصرات التي يجتمع فيها أجزاء مختلفة‪ .‬فإذا استقرئت الصور املستحسنة من جميع أنواع املبصرات وجد التناسب‬
‫يفعل فيها من الحسن ما ليس يفعله كل واحد من املعاني الجزئية على انفراده وما ليس تفعله املعاني الجزئية أيضا التي‬
‫تجتمع في الصورة باقتران بعضها ببعض ‪.‬وإذا تؤملت املعاني املستحسنة التي تفعلها املعاني الجزئية باقتران بعضها ببعض‬
‫أيضا وجد الحسن الذي يظهر من اقترانها إنما يظهر لتناسب ما يحصل فيما بين تلك املعاني املقترنة وائتالفها‪.‬‬

‫ألنه ليس كلما اجتمع ذلك املعنيان أو تلك املعاني حدث ذلك الحسن‪ ،‬بل في بعض الصور دون بعض‪ ،‬وهو‬
‫لتناسب يؤلف بين املعنيين أو املعاني ا تمعة في الصورة ‪.‬فالحسن إنما يكون من املعاني الجزئية‪ ،‬وتمامه وكماله إنما هو‬
‫من التناسب والائتالف الذي يحدث بين املعاني الجزئية‪.‬‬

‫قد تبين من جميع ما ذكرناه أن املحاسن والصور املستحسنة التي تدرك بحاسة البصر إنما تكون من املعاني‬
‫الجزئية التي تدرك بحاسة البصر ومن اقتران بعضها ببعض ومن مناسبة بعضها لبعض ‪.‬والبصر يدرك املعاني الجزئية‬
‫التي قدمنا ذكرها مفردة ومقترنة‪ ،‬ويدرك الصور املتألفة منها ‪.‬فإذا أدرك البصر مبصرا من املبصرات‪ ،‬وكان في ذلك املبصر‬
‫معنى من املعاني الجزئية التي قدمنا ذكرها التي تفعل الحسن منفردا‪ ،‬وتأمل البصر ذلك املعنى منفردا‪ ،‬حصلت صورة‬
‫ذلك املعنى بعد التأمل عند الحاس وأدركت القوة املميزة حسن املبصر الذي فيه ذلك املعنى ‪.‬ألن صورة كل مبصر من‬
‫املبصرات مركبة من عدة معان من املعاني التي قد قدمنا تفصيلها ‪.‬فإذا أدرك البصر املبصر ولم يميز املعاني التي فيه‪،‬‬
‫وكان أحد املعاني التي في ذلك املبصر على الصفة التي تفعل الحسن في النفس‪ ،‬فإن البصر عند تأمل ذلك املعنى يدرك‬
‫ذلك املعنى منفردا ‪.‬فإذا كان ذلك املعنى منفردا حصل ذلك إلادراك عند الحاس ‪.‬وإذا حصل إدراك صورة املعنى الذي‬
‫يفعل الحسن عند الحاس أدركت القوة املميزة الحسن الذي فيه‪ ،‬فأدركت بذلك إلادراك حسن ذلك املبصر ‪.‬وإذا أدرك‬
‫البصر مبصرا من املبصرات‪ ،‬وكان في ذلك املبصر حسن مركب من معان مقترن بعضها بعض ومن معان مناسب بعضها‬
‫لبعض‪ ،‬وتأمل البصر ذلك املبصر وميز املعاني التي فيه وأدرك املعاني التي فيه‪ ،‬وأدرك املعاني التي تفعل الحسن باقتران‬
‫بعضها ببعض أو مناسبة بعضها لبعض‪ ،‬وحصل ذلك إلادراك عند الحاس‪ ،‬وقاست القوة املميزة تلك املعاني بعضها‬
‫ببعض‪ ،‬أدركت حسن ذلك املبصر املركب من اقتران املعاني املتألفة التي فيه ‪.‬فالبصر يدرك الحسن الذي في املبصرات‬
‫من قياس تلك املعاني بعضها ببعض على الصفة التي فصلناها‪.‬‬
‫إدراك القبح‬

‫فأما القبح فهو الصورة التي تخلو من كل واحد من املعاني املستحسنة ‪.‬وذلك انه قد تقدم أن املعاني الجزئية قد‬
‫تفعل الحسن ولكن ليس تفعله في كل املواضع وال في كل الصور‪ ،‬بل في بعض الصور دون بعض‪ .‬وكذلك التناسب ليس‬
‫يكون في جميع الصور بل في بعض الصور دون بعض ‪.‬فالصور التي ليس يفعل فيها ش يء من املعاني الجزئية شيئا من‬
‫الحسن على انفراد املعاني وال باقترانها وال يكون فيها ش يء من التناسب في أجزائها فليس فيها ش يء من الحسن ‪.‬وإذا لم يكن‬
‫فيها ش يء من الحسن كانت مستقبحة ‪.‬ألن قبح الصورة هو عدم الحسن فيها ‪.‬وقد يجتمع في الصورة الواحدة معان‬
‫مستحسنة ومعان مستقبحة‪ ،‬والبصر يدرك حسن الحسن منها وقبح القبيح إذا ميز املعاني التي فيها وتأملها ‪.‬والقبح يدركه‬
‫البصر من الصور التي قد عدمت جميع املحاسن من عدمه الحسن عند إدراكها ‪.‬وكذلك كل معنى مستقبح‪.‬‬

You might also like