Professional Documents
Culture Documents
فتوح الغيب
أما بعد :فإن نعم ال علي كثيرة متواترة ،في آناء الليل وأطراف النهار
ل َ{ :وِإن والساعات واللحظات والخطرات وجميع الحالت ،كما قال عّز وج ّ
صوَها}.إبراهيم .34وقوله تعالى َ{ :وَما ِبُكم ّمن ّنْعَمٍة َفِم َ
ن ح ُ
ل َل ُت ْ
تا ّ
َتُعّدوْا ِنْعَم َ
ل}.النحل .53فل يدان لي ول جنان ول لسان في إحصائها وأعدادها ،فل ا ّ
يدركها التعداد ول تضبطها العقول والذهان ،ول يحصيها الجنان ول يعبرها
اللسان .فمن جملة ما مكن عن تعبيرها اللسان ،وأظهرها الكلم وكتبها البنان،
وفسرها البيان ،كلمات برزت وظهرت لي من فتوح الغيب فحلت في الجنان،
فأشغلت المكان فأنتجها وأبرزها صدق الحال ،فتولى إبرازها لطف المنان،
ب النام في قالب صواب المقال ،لمريدي الحق والطلب. ورحمة ر ّ
المقالة الولى
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ل بد لكل مؤمن في سائر أحواله من
ثلثة أشياء :أمر يمتثله ،ونهي يجتنبه ،وقدر يرضى به ،فأقل حالة المؤمن ل
يخلو فيها من أحد هذه الشياء الثلثة ،فينبغي له أن يلزم همها قلبه ،وليحدث
بها نفسه ،ويؤاخذ الجوارح بها في سائر أحواله.
المقالة الثانية
المقالة الثالثة
فـي البـتـلء
ل فيقـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :إذا ابتلي العبد ببلية تحرك أو ً
نفسه بنفسه ,فإن لم يتخلص منها استعان بالخلق كالسلطين وأرباب المناصب
وأرباب الدنيا وأصحاب الحوال وأهل الطب في المراض والوجاع ،فإن لم
يجد في ذلك خلصًا رجع إلى رّبه بالدعاء والتضرع والثناء .ما دام يجد بنفسه
نصرة لم يرجع إلى الخلق ،وما دام يجد به نصرة عند الخلق لم يرجع إلى
الخالق ,ثم إذا لم يجد عند الخلق نصرة استطرح بين يديه مديمًا للسؤال
والدعاء والتضرع والثناء والفتقار مع الخوف والرجاء ,ثم يعجزه الخالق عّز
ل عن الدعاء ,ولم يجبه حتى ينقطع عن جميع السباب ،فحينئذ ينفذ فيه وج ّ
القدر ويفعل فيه الفعل ،فيفنى العبد عن جميع السباب والحركات ،فيبقى روحًا
فقط ,فل يرى إل فعل الحق فيصير موقنًا موحدًا ضرورة يقطع أن ل فاعل في
الحقيقة إل ال ل محرك ول مسكن إل ال ول خير ول ضر ول نفع ول عطاء
ول منع ,ول فتح ول غلق ،ول موت ول حياة ،ول عّز ول ذل إل بيد ال
فيصير في القدر كالطفل الرضيع في يد الظئر والميت الغسيل في يد الغاسل
والكرة في صولجان الفارس ،يقلب ويغير ويبدل ,ويكون ول حراك به في
نفسه ول في غيره فهو غائب عن نفسه في فعل موله ,فل يرى غير موله
وفعله ,ول يسمع ول يعقل من غيره إن بصر وإن سمع وعلم ,فلكلمه سمع،
ولعلمه علم ،وبنعمته تنعم ،وبقربه تسعد ،وبتقريبه تزين وتشرف ,وبوعده
طاب وسكن ,به اطمأن ,وبحديثه أنس ,وعن غيره استوحش ونفر ,وإلى ذكره
ل وثق وعليه توكل ،وبنور معرفته اهتدى وتقمص التجأ وركن ,وبه عّز وج ّ
وتسربل ,وعلى غرائب علومه اطلع ،وعلى أسرار قدرته أشرف ،ومنه سمع
ووعي ,ثم على ذلك حمد وأثنى وشكر ودعا.
المقالة الرابعة
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :إذا مت عن الخلق قيل لك رحمك ال
وأماتك عن الهوى ،وإذا مت عن هواك قيل رحمك ال وأماتك عن إرادتك
ومناك ،وإذا مت عن الرادة قيل رحمك ال وأحياك حياة ل موت بعدها،
وتغنى غنى ل فقر بعده ،وتعطى عطاء ل منع بعده ,وتراح براحة ل شقاء
بعدها ،وتنعم بنعمة ل بؤس بعدها ،وتعلم علمًا ل جهل بعده ،وتؤمن أمنًا ل
خوف بعده ،وتسعد فل تشقى ,وتعز فل تذل ,وتقرب فل تبعد ,وترفع فل
توضع ,وتعظم فل تحقر ,وتطهر فل تدنس ,لتحقق فيك الماني ,وتصدق فيك
القاويل ,فتكون كبريتًا أحمر فل تكاد ترى ,وعزيزًا فل تماثل ,وفريدًا فل
تشارك ,ووحيدًا فل تجانس ,فردًا بفرد ووترًا بوتر ,وغيب الغيب ,وسر السر,
فحينئذ تكون وارث كل نبي وصديق ورسول .بك تختم الولية وإليك تصير
البدال وبك تنكشف الكروب ,وبك تسقى الغيوث ,وبك تنبت الزروع ,وبك
يدفع البلء والمحن عن الخاص والعام وأهل الثغور والراعي والرعايا,
والئمة والمة وسائر البرايا ,فتكون شحنة البلد والعباد ,فتنطلق إليك الرجل
بالسعي ,والرجال واليدي بالبذل والعطاء والخدمة بإذن خالق الشياء في
سائر الحوال ,واللسن بالذكر الطيب والحمد والثناء وجمع المجال ,ول
يختلف فيك اثنان من أهل اليمان ,يا خير من سكن البراري وجال بها {َذِل َ
ك
ظيِم}.الحديد .21
ضِل اْلَع ِ
ل ُذو اْلَف ْ
شاُء َوا ُّ
ل ُيْؤِتيِه َمن َي َ
ضُل ا ِّ
َف ْ
المقالة الخامسة
المقالة السادسة
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :افن عن الخلق بإذن ال تعالى ,عن
ن}.المائدة .23وعن
ل َفَتَوّكُلوْا ِإن ُكنُتم ّمْؤِمِني َ
عَلى ا ّ هواك بأمر ال تعالى {َو َ
إرادتك بفعل ال تعالى .وحينئذ تصلح أن تكون وعاء لعلم ال تعالى ,فعلمة
فنائك عن خلق ال تعالى انقطاعك عنهم وعن التردد إليهم واليأس مما في
أيديهم ،وعلمة فنائك عن هواك ترك التكسب والتعلق بالسبب في جلب النفع
والضرر ,فل تحرك ول تعتمد عليك ول لك ول تذب عنك ول تنتصر لنفسك،
ل إليه
ل فيتوله آخرًا ,كما كان موكو ً تكل ذلك كله إلى ال تعالى لنه توله او ً
ل في مهدك ,وعلمة فنائك في حال كونك مغيبًا في الرحم ،وكونك رضيعًا طف ً
عن إرادتك بفعل ال أنك ل تريد مرادًا قط ,ول يكون لك غرض ,ول يبقى لك
حاجة ول مرام ,فإنك ل تريد مع إرادة ال سواها ,بل يجري فعل ال فيك,
فتكون أنت عند إرادة ال وفعله ساكن الجوارح مطمئن الجنان منشرح الصدر
منور الوجه عامر البطن غنيًا عن الشياء بخالقها ,تقلبك يد القدرة ,ويدعوك
ل ,ويكسوك أنوارًا منه والحلل ,وينزلك من أولي ب اْلِمَل ْ
لسان الزل ,ويعلمك ر ّ
العلم الول ,فتكون منكسرًا أبدًا ,فل يثبت فيك شهوة وإرادة كالناء المنثلم
الذي ل يثبت فيه مائع وكدر ,فتنقى عن أخلق البشرية ,فلن يقبل باطنك شيئًا
ل ,فحينئذ يضاف إليك التكوين وخرق العادات ,فيرى غير إرادة ال عّز وج ّ
ذلك منك في ظاهر الفعل والحكم ,وهو فعل ال وإرادته حقًا في العالم ,فتدخل
حينئذ في زمرة المنكسرة قلوبهم الذين كسرت إرادتهم البشرية وأزيلت
شهواتهم الطبيعية فاستؤنفت لهم إرادة ربانية كما قال النبي صلى ال عليه
ي من دنياكم ثلث :الطيب ،والنساء ,وجعلت قرة عيني في وسلم ) :حبب إل ّ
الصلة( فأضيف ذلك بعد أن خرج منه وزال عنه تحقيقًا بما أشرنا ,وتقدم .قال
ال تعالى في حديثه القدسي " :أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" فإن ال
تعالى ل يكون عندك حتى تنكسر جملة هواك وإرادتك ,فإذا انكسرت ولم يثبت
فيك شيء ولم يصلح فيك شيء ,أنشأك ال فجعل فيك إرادة ,فتريد بتلك
ب تعالى بوجودك الرادة ,فإذا صرت في الرادة المنشأة فيك ،كسرها الر ّ
فيها ,فتكون منكسر القلب أبدًا ,فهو ل يزال يجدد فيك إرادة ثم يزيلها عند
وجودك فيها هكذا إلى أن يبلغ الكتاب أجله ,فيحصل اللقاء ,فهذا هو معنى
"عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" ومعنى قولنا عند وجودك فيها هو ركونك
وطمأنينتك إليها .قال ال تعالى في حديثه القدسي ,الذي يرويه صلى ال عليه
ي بالنوافل حتى أحبه ,فإذا أحببته كنت سمعه وسلم ) :ل يزال عبدي يتقرب إل ّ
الذي يسمع به ،وبصره الذي يبصر به ،ويده التي يبطش بها ،ورجله التي
يمشي بها( وفي لفظ آخر "فبي يسمع ،وبي يبطش وبي يعقل" .وهذا إنما
يكون في حالة الفناء ل غير ,فإذا فنيت عنك وعن الخلق ,والخلق إنما هو خير
وشر ,فلم ترج خيرهم ول تخاف شرهم بقي ال وحده كما كان ,ففي قدر ال
خير وشر ,فيؤمنك من شر القدر ويغرقك في بحار خيره ,فتكون وعاء كل
خير ,ومنبعًا لكل نعمة وسرور وحبور وضياء أمن وسكون ،فالفناء والمنى
والمبتغى والمنتهى حد ومرد ينتهي إليه مسير الولياء ,وهو الستقامة التي
طلبها من تقدم من الولياء والبدال أن يفنوا عن إرادتهم وتبدل بإرادة الحق
ل رضي ال ل ,فيريدون بإرادة الحق أبدًا إلى الوفاة ،فلهذا سموا أبدا ً
عّز وج ّ
عنهم ,فذنوب هؤلء السادة أن يشركوا إرادة الحق بإرادتهم على وجه السهو
والنسيان وغلبة الحال والدهشة ,فيدركهم ال تعالى برحمته بالتذكرة واليقظة,
فيرجعوا عن ذلك ويستغفروا ربهم ,إذ ل معصوم عن الرادة إل الملئكة,
عصموا عن الرادة ،والنبياء عصموا عن الهوى ,وبقية الخلق من النس
والجن المكلفين لم يعصموا منها غير أن الولياء بعضهم يحفظون عن الهوى,
والبدال عن الرادة ,ول يعصمون منهما على معنى يجوز في حقهم الميل
ل باليقظة برحمته.إليهما في الحيان ,ثم يتداركهم ال عّز وج ّ
المقالة السابعة
ليس الشرك عبادة الصنام فحسب ,بل هو متابعتك هواك ،وأن تختار مع ربك
ل غيره ،فإذا شيئًا سواه من الدنيا وما فيها والخرة وما فيها ,فما سواه عّز وج ّ
ل غيره ,فاحذر ول تركن ,وخف ول ركنت إلى غيره فقد أشركت به عّز وج ّ
ل ومقامًا ,ول تدع شيئًا تأمن ,وفتش فل تغفل فتطمئن ,ول تضف إلى نفسك حا ً
ل أو أقمت في مقام فل تختر شيئًا واحدًا من ذلك ,فإن من ذلك ,فإن أعطيت حا ً
ن}.الرحمن .29في تغيير وتبديل ,وإنه يحول بين المرء شْأ ٍ
ال {ُكّل َيْوٍم ُهَو ِفي َ
وقلبه ,فيزيلك عما أخبرت به ,ويغيرك عما تخيلت ثباته وبقاءه ,فتخجل عند
من أخبرته بذلك ،بل أحفظ ذلك فيك ول تعده إلى غيرك فإنه كلي الثبات
والبقاء ,فتعلم أنه موهبة وتسأل التوفيق للشكر واستر رؤيته وإن كان غير ذلك
سْ
خ ل َ{ :ما َنن َ كان فيه زيادة علم ومعرفة ونور وتيقظ وتأديب .قال ال عّز وج ّ
يٍءش ْ
ى ُكّل َ
عَل َ
ل َ
نا ّخْيٍر ّمْنَها َأْو ِمْثِلَها َأَلْم َتْعَلْم َأ ّ
ت ِب َ
سَها َنْأ ِ
ن آَيٍة َأْو ُنن ِ
ِم ْ
َقِديٌر}.البقرة .106فل تعجز ال في قدرته ،ول تتهمه في تقديره ول تدبيره ،ول
تشك في وعده ,فليكن لك في رسول ال صلى ال عليه وسلم أسوة حسنة,
نسخت اليات والسور النازلة عليه المعمولة بها المقروءة في المحاريب
المكتوبة في المصاحف ,ورفعت وبدلت وأثبت غيرها مكانها ,ونقل صلى ال
عليه وسلم إلى غيرها ,هذا في ظاهر الشرع ،وأما في الباطن والعلم والحال
ل فكان يقول ) :إنه ليغان على قلبي فأستغفر ال في فيما بينه وبين ال عّز وج ّ
كل يوم سبعين مرة( ويروى )مائة مرة( وكان صلى ال عليه وسلم ينقل من
حالة إلى أخرى ويسير به في منازل القرب وميادين الغيب ،ويغير عليه خلع
النوار ،فتبين الحالة الولى عند ثانيها ظلمة ونقصانًا وتقصيرًا في حفظ
الحدود ،فيلقن الستغفار لنه أحسن حال العبد ،والتوبة في سائر الحوال لن
فيها اعترافه بذنبه وقصوره ،وهما صفتا العبد في سائر الحوال ،فهما وراثة
من أبي البشر آدم عليه السلم إلى المصطفى صلى ال عليه وسلم حين اعترت
صفاء حاله ظلمة النسيان للعهد والميثاق ،وإرادة الخلود في دار السلم,
ومجاورة الحبيب الرحمن المنان ،ودخول الملئكة الكرام عليه بالتحية
والسلم ,فوجد هناك مشاركة إرادته لرادة الحق ,فانكسرت لذلك تلك الرادة,
وزالت تلك الحالة ,وانعزلت تلك الولية ,فانهبطت تلك المنزلة وأظلمت تلك
النوار وتكدر ذلك الصفاء ,ثم تنبه وذكر صفي الرحمن ،فعرف العتراف
سَنا َوِإن ّلْم َتْغِفْر َلَنا
ظَلْمَنا َأنُف َ
بالذنب والنسيان ,ولقن القرار فقال َ{ :رّبَنا َ
ن}.العراف .23فجاءت أنوار الهداية وعلوم التوبة سِري َ
خا ِ
ن اْل َ
ن ِم َ
حْمَنا َلَنُكوَن ّ
َوَتْر َ
ومعارفها ،والمصالح المدفونة فيها ما كان غائبًا من قبل ,فلم تظهر إل بها،
فبدلت تلك الرادة بغيرها والحالة الولى بأخرى ,وجاءته الولية الكبرى
ل ,والعقبى لهم والسكون في الدنيا ثم في العقبى ,فصارت الدنيا له ولذريته منز ً
ل ومرجعًا وخلدًا ,فلك برسول ال وحبيبه المصطفى وأبيه آدم صفي ال موئ ً
عليهم الصلة والسلم عنصر الحباب والخلء أسوة في العتراف بالقصور
والستغفار في الحوال كلها.
المقالة الثامنة
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :إذا كنت في حالة ل تختر غيرها
أعلى منها ول أدنى ،فإذا كنت على باب الملك ل تختر الدخول إلى الدار حتى
تدخل إليها جبرًا ل اختيارًا ,وأعني بالجبر أمرًا عنيفًا متأكدًا متكررًا ,ول تكف
بمجرد إذن بمجرد الدخول ,لجواز أن يكون ذلك منكرًا وخديعة من الملك ,لكن
ل من الملك, اصبر حتى تجبر على الدخول فتدخل الدار جبرًا محضًا وفض ً
فحينئذ ل يعاقب الملك على فعله ,إنما تتعرض العقوبة لك لشؤم تخيرك
وشرهك ،وقلة صبرك وسوء أدبك ,وترك الرضي بحالتك التي أقمت فيها ,فإذا
حصلت فكن مطرقًا غاضًا لبصرك متأدبًا ,محافظًا لما تؤمر به من الشغل
ل َ{ :وَل والخدمة فيها غير طالب للترقي إلى الذروة العليا .قال ال عّز وج ّ
حَياِة الّدنَيا ِلَنْفِتَنُهْم ِفيِه
ك ِإَلى َما َمّتْعَنا ِبِه َأْزَواجًا ّمْنُهْم َزْهرََة اْل َ
عْيَنْي َ
ن َ
َتُمّد ّ
ل لنبيه المختار صلى خْيٌر َوَأْبَقى}.طـه .131فهذا تأديب منه عّز وج ّ ك َ ق َرّب ََوِرْز ُ
خْيٌر
ك َ ق َرّب َ ال عليه وسلم في حفظ الحال والرضا بالعطاء بقوله َ{ :وِرْز ُ
َوَأْبَقى}.طـه .131أي ما أعطيتك من الخبر والنبوة والعلم والقناعة والصبر
وولية الدين ,والعروة فيه أولى مما أعطيت وأحرى ,فالخير كله في حفظ
الحال والرضا بها وترك اللتفات إلى ما سواها ,لنه ل يخلو إما أن يكون
قسمك أو قسم غيرك ,أو أنه ل قسم لحد بل أوجده ال فتنة ,فإن كان قسمك
وصل إليك شئت أم أبيت فل ينبغي أن يظهر منك سوء الدب والشره في
طلبه ,فإن ذلك غير محمود في قضية العلم والعقل ,وإن كان قسم غيرك فل
تتعب فيما لم تناوله ول يصل إليك أبدًا ,وإن كان ليس بقسم لحد بل هو فتنة
فكيف يرضى للعاقل ويستحسن أن يطلب لنفسه فتنة ويستجلبها لها ,فقد ثبت أن
الخير كله والسلمة في حفظ الحال ,فإذا رقيت إلى الغرفة ثم إلى السطح فكن
كما ذكرنا من الحفظ والطراق والدب ,بل يتضاعف ذلك منك ,لنك أقرب
إلى الملك وأدنى بالخطر ,فل تتمن النتقال منها إلى أعلى منها ول إلى أدنى,
وثباتها وبقائها ,ول تغير وصفها وأنت فيها ,ول يكون لك اختيار ألبته ,فإن
ذلك كفر في نعمة الحال والكفر يحل بصاحبه الهوان في الدنيا والخرة فاعمل
على ما ذكرناه أبدًا حتى ترقى إلى حالة تصير لك مقامًا تقام فيه فل تزال عنه،
فتعلم حينئذ أنه موهبة ظهر بيانها فتمسكه ول تزل ،فالحوال للولياء
والمقامات للبدال وال يتولى هداك.
المقالة التاسعة
أما مشاهدة الجمال :فهو التجلي للقلوب بالنوار والسرور واللطاف ,والكلم
اللذيذ والحديث النيس ,والبشارة بالمواهب الجسام والمنازل العالية ,والقرب
ل ,وجف به القلم من أقسامهم ل مما سيئول أمرهم إلى ال عّز وج ّ منه عّز وج ّ
ل منه ورحمة ,وإثباتًا منه لهم في الدنيا إلى بلوغ الجل في سابق الدهور فض ً
وهو الوقت المقدور ,لئل تفرط بهم المحبة من شدة الشوق إلى ال تعالى
فتنفطر مرائرهم ,فيهلكون ويضعفون عن القيام بالعبودية إلى أن يأتيهم اليقين
حِكيٌم
الذي هو الموت ،فيفعل ذلك بهم لطفًا منه ورحمة ومداراة لها {ِإّنُه َ
حيٌم}.التوبة .128+117النور .20الحشر .10
ف ّر ِ
عِليٌم}.النعام .139الحجر .25لطيف بهم {َرُؤو ٌ
َ
ولهذا روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه كان يقول لبلل المؤذن رضي
ال عنه )أرحنا بها يا بلل( أي بالقامة لندخل في الصلة لمشاهدة ما ذكرناه
من الحال ,ولهذا قال صلى ال عليه وسلم ) :وجعلت قرة عيني في الصلة(.
المقالة العاشرة
فـي الـنـفـس و أحــوالـهـا
ل ,يأمر عبده وينهاه,والقسم الثاني ما كان بأمر باطن ,وهو أمر الحق عّز وج ّ
وإنما يتحقق بهذا المر في المباح الذي ليس له حكم في الشرع على معنى
ليس من قبيل النهي ول من قبيل المر الواجب ,بل هو مهمل ترك العبد
يتصرف فيه باختياره فسمي مباحًا فل يحدث للعبد فيه شيئًا من عنده بل ينتظر
ل ,ما في الشرع المر فيه ,فإذا أمر امتثل فتصير حركاته وسكناته بال عّز وج ّ
حكمه فبالشرع ،وما ليس له حكم في الشرع فبالمر الباطن فحينئذ يصير محقًا
من أهل الحقيقة ,وما ليس فيه أمر باطن فهو مجرد الفعل حاله التسليم ,وإن
كنت في حالة حق الحق وهي حالة المحو والفناء وهي حالة البدال المنكسري
القلوب لجله الموحدين العارفين أرباب العلوم والعقل السادة المراء الشحن
خفراء الخلق خلفاء الرحمن وأخلئه وأعيانه وأحبائه عليهم السلم ,فإتباع
المر فيها بمخالفتك إياك بالتبري من الحول والقوة ,وأن ل يكون لك إرادة
وهمة في شيء البتة دنيا وعقبى ,فتكون عبد الَملك ل عبد اْلُمْلك وعبد المر ل
عبد الهوى كالطفل مع الظئر ,والميت الغسيل مع الغسل ,والمريض المقلوب
على جنبيه بين يدي الطبيب فيما سوى المر والنهي وال أعلم.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :إذا ألقيت عليك شهوة النكاح في حالة
ل ,إما الفقر وعجزت عن مؤنته فصبرت عنه منتظر الفرج من الباري عّز وج ّ
بزوالها وإقلعها عنك بقدرته التي ألقاها عليك وأوجدها فيك فيعينك أو
يصونك وحياتك عن حمل مؤنتها أيضًا أو بإيصالها إليك موهبة مهنئًا مكفيًا
ل صابرًا شاكرًا من غير ثقل في الدنيا ول تعب في العقبى ,وسماك ال عّز وج ّ
لصبرك عنها راضيًا بقسمته فزادك عصمة وقوة .فإن كان قسمًا لك ساقها إليك
مكفيًا مهنئًا فينقلب الصبر شكرًا ,وهو عّز وجلّ وعد الشاكرين بالزيادة في
عَذاِبي
ن َ
شَكْرُتْم َلِزيَدّنُكْم َوَلِئن َكَفْرُتْم ِإ ّ
ل َ{ :لِئن َ
العطاء قال ال عّز وج ّ
شِديٌد}.إبراهيم .7
َل َ
وإن لم تكن قسمًا لك فالغنى عنها بقلعها من القلب إن شاءت النفس أو أبت,
فلزم الصبر وخالف الهوى وعانق المر وارض بالقضاء ,وارج بذلك
جَرُهم ِبَغْيِر
ن َأ ْ
صاِبُرو َ
الفضل والعطاء ,وقد قال ال تعالى ِ{ :إّنَما ُيَوّفى ال ّ
ب}.الزمر .10
سا ٍ
ح َ
ِ
ل مالً
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :إذا أعطاك ال عّز وج ّ
فاشتغلت به عن طاعته حجبك به عنه دنيا وأخرى ,وربما سلبك إياه وغيرك
وأفقرك لشتغالك بالنعمة عن المنعم ,وإن اشتغلت بطاعته عن المال جعله
موهبة ولم ينقص منه حبة واحدة وكان المال خادمك وأنت خادم المولى,
ل وفي العقبى مكرمًا مطيبًا في جنة المأوى مع الصديقينفتعيش في الدنيا مدل ً
والشهداء والصالحين.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ل تختر جلب النعماء ول دفع
البلوى ،فالنعماء واصلة إليك إن كانت قسمك استجلبتها أو كرهتها ,والبلوى
حاّلٌة بك إن كانت قسمك مقضية عليك سواء كرهتها أو رفعتها بالدعاء أو
صبرت وتجلدت لرضى المولى ,بل سلم في الكل ,فيفعل الفعل فيك ،فإن كانت
النعماء فاشتغل بالشكر ,وإن كانت البلوى فاشتغل بالتصبر والصبر ,أو
الموافقة والتنعم بها أو العدم أو الفناء فيها على قدر ما تعطى من الحالت
وتنتقل فيها ,وما تسير في المنازل في طريق المولى الذي أمرت بطاعته
والموالة ,لتصل إلى الرفيق العلى ,فتقام حينئذ مقام من تقدم ومضى من
الصديقين والشهداء والصالحين ,لتعاين من سبقك إلى المليك ومنه دنا ,ووجد
عنده كل طريفة وسرورًا وأمنًا ,وكرامة ونعما.
دع البلية تزورك ,خل من سبيلها ,ول تقف ول تجزع من مجيئها وقربها,
فليس نارها أعظم من نار جهنم ولظى ,فقد ثبت في الخبر المروي عن خير
البرية ,وخير من حملته الرض وأظلته السماء محمد المصطفى صلى ال
عليه وسلم أنه قال ) :إن نار جهنم تقول للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك
لهبي( فهل كان نور المؤمن الذي أطفأ لهب النار في لظى إل الذي صحبه في
الدنيا الذي لن يمر من أطاعها وعصى ,فليطفئ هذا النور لهب البلوى ,ولتجد
برد صبرك وموافقتك للمولى وهيج ما حل بك من ذلك ومنك دنا ،فالبلية لم
تأتك لتهلكك ,لكنها تأتيك لتجربك وتحقق صحة إيمانك وتوثيق عروة يقينك
حّتى َنْعَلَم
ويبشرك باطنها من مولك بمباهاته بك ,قال ال تعالى َ{ :وَلَنْبُلَوّنُكْم َ
خَباَرُكْم}.محمد .31فإذا ثبت مع الحق إيمانك ن َوَنْبُلَو َأ ْ
صاِبِري َ
ن ِمنُكْم َوال ّ
جاِهِدي َ
اْلُم َ
ووافقته في فعله بيقينك كل ذلك بتوفيق منه ومنة ,فكن حينئذ أبدًا صابرًا موافقًا
سّلَمًا ل تحدث فيك ول في غيرك حادثة ما خرج عن المر والنهي ,فإذا كان ُم َ
ل فتسامع وتسارع وتحرك ول تسكن ول تسلم للقدر والفعل ,بل أمره عّز وج ّ
ابذل طوقك وجهودك لتؤدي المر ,فإن عجزت فدونك اللتجاء إلى مولك
ل ,فالتجئ إليه وتضرع واعتذر ,وفتش عن سبب عجزك عن أداء عّز وج ّ
أمره وصدك عن التشوق لطاعته لعل ذلك لشؤم دعائك وسوء أدبك في
طاعته ,ورعونتك واتكالك على حولك وقوتك ,وإعجابك بعلمك وشركك إياك
بنفسك وخلقه ,فصدك عن بابه ,وعزلك عن طاعته وخدمته ,وقطع عنك مدد
توفيقه ,وولى عنك وجهه الكريم ,ومقتك وقلك ,وشغلك ببلئك دنياك وهواك،
وإرادتك ومناك.
أما تعلم أن كل ذلك مشغول عن ذلك ,وقاطعك عن عين الذي خلقك ورباك،
وخّولك وأعطاك وأحياك.
احذر ل يلهيك عن مولك غير مولك ,وكل من سوى مولك غيره ,فل تؤثر
عليه غيره فإنه خلقك له ,فل تظلم نفسك فتشغل بغيره عن أمره فيدخلك النار
التي وقودها الناس والحجارة فتندم ,فل ينفعك الندم ,وتعتذر فل تعذر,
وتستعتب فل تعتب ,وتسترجع إلى الدنيا لتستدرك وتصلح فل ترجع.
ارحم نفسك وأشفق عليها ,واستعمل اللت والدوات التي أعطيتها في طاعة
مولك من الفعل واليمان والمعرفة والعلم.
اقنع من الدنيا والخرى بهذا المراد واكره فيهما هذا المكروه ,فكل ما يراد تبع
لهذا المراد ,وكل مكروه تبع لهذا المكروه.
إذا كنت مع أمره كانت الكوان في أمرك ,وإذا كرهت نهيه فرت منك المكاره
أين كنت وحللت.
ل في بعض كتبه ) :يا ابن آدم أنا ال ل إله إل أنا أقول للشيء قال ال عّز وج ّ
ل ) :يا دنيا
كن فيكون ،أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون( وقال عّز وج ّ
ل فكن كأنك من خدمني فاخدميه ومن خدمك فأتعبيه( فإذا جاء نهيه عّز وج ّ
مسترخي المفاصل ,مسكن الحواس ,مضيق الذرع ،متماوت الجسد ،زائل
الهوى ,منطمس الوسوم ،منمحي الرسوم ،منسي الثر ,مظلم القنا ,متهدم
البناء ،خاوي البيت ,ساقط العرش ,ل حس ول أثر ,فليكن سمعك كأنه أصم
وعلى ذلك مخلوق ،وبصرك كأنه معصب أو مرمود أو مطموس ,وشفتاك
ل ،وأسنانك كأن بهما كأن بهما قرحة وبثورًا ,ولسانك كأنه به خرسًا وكلو ً
ل وعن البطش قصورا ,ورجلك ضريانًا وألمًا ونشورا ,ويداك كأن بهما شل ً
كأن بهما رعدة وارتعاشًا وجروحًا ,وفرجك كأن به عنة وبغير ذلك الشأن
مشغول ,وبطنك كأن به امتلء وارتواء وعن الطعام غنى ,وعقلك كأنك
مجنون ومخبول ,وجسدك كأنك ميت وإلى القبر محمول ,فالتسامع والتسارع
في المر ,والتعاقد والتجاعد والتقاصر في النهي ,والتماوت والتعادم والتفاني
في القدر ,فاشرب هذه الشربة ,وتداو بهذا الدواء ,وتغذ بهذا الغذاء ،تنجح
وتشفى ,وتعافى من أمراض الذنوب وعلل الهواء ,بإذن ال تعالى إن شاء ال.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ل تدع حالة القوم يا صاحب الهوى
أنت تعبد الهوى وهم عبيد المولى ,أنت رغبتك في الدنيا ورغبة القوم في
ب الرض والسماء ,وأنت أنسك بالخلق العقبى ,أنت ترى الدنيا وهم يرون ر ّ
وأنس القوم بالحق ،أنت قلبك متعلق بمن في الرض وقلوب القوم بر ّ
ب
العرش ,أنت يصطادك من ترى وهم ل يرون من ترى بل يرون خالق الشياء
وما يرى ,فاز القوم به وحصلت لهم النجاة ,وبقيت أنت مرتهنًا بما تشتهي من
الدنيا وتهوى ،فنوا عن الخلق والهوى والرادة والمنى فوصلوا إلى الملك
ضُل
ك َف ْ
العلى ,فأوقفهم على غاية ما رام منهم من الطاعة والجد والثناء {َذِل َ
عِليٌم}.المائدة .54فلزموا ذلك وواظبوا بتوفيق
سٌع َ
ل َوا ِ
شاُء َوا ّ
ل ُيْؤِتيِه َمن َي َ
ا ّ
منه وتيسير بل عناء ,فصارت الطاعة لهم روحًا وغذاء ,وصارت الدنيا إذ
ذاك في حقهم نقمة وخزيًا ،فكأنها لهم جنة المأوى إذ ما يرون شيئًا من الشياء
حتى يروا قبله فعل الذي خلق وأنشأ فيهم ثبات الرض والسماء ,وقرار الموت
والحياء إذ جعلهم مليكهم أوتادًا للرض الذي دحى ,فكل كالجبل الذي رسى,
فتنح عن طريقهم ول تزاحم من لم يفده عن قصده الباء والبناء ،فهم خير من
خلق ربي وبث في الرض وذرأ ,فعليهم سلم ال وتحياته ما دامت الرض
والسماء.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ما حجبت عن فضل ال ونعمه إل
لتكالك على الخلق والسباب ,والصنائع والكتساب ,فالخلق حجابك عن
الكل بالسنة وهو المكسب ,فما دمت قائمًا مع الخلق راجيًا لعطاياهم وفضلهم
ل لهم مترددًا إلى أبوابهم فأنت مشرك بال خلقه ,فيعاقبك بحرمان الكل سائ ً
بالسنة الذي هو الكسب من حلل الدنيا ,ثم إذا تبت عن القيام مع الخلق
ل إياهم ورجعت إلى الكسب فتأكل بالكسب وتتوكل على وشركك برّبك عّز وج ّ
ل ,فأنت مشرك أيضًا ،إل أنه الكسب وتطمئن إليه وتنسى فضل الرب عّز وج ّ
ل ويحجبك عن فضله والبداءة شرك خفي أخفى من الول ,فيعاقبك ال عّز وج ّ
به ,فإذا تبت عن ذلك وأزلت الشرك عن الوسط ,ورفعت اتكالك عن الكسب
ل هو الرزاق ,وهو المسبب والمسهل والحول والقوة ,ورأيت ال عّز وج ّ
والمقوي على الكسب ,والموفق لكل خير والرزق بيده ,تارة يواصلك به
بطريق الخلق على وجه المسألة لهم في حالة البتلء أو الرياضة أو عند
ل ,وأخرى بطريق الكسب معاوضة وأخرى من فضله مبادأة سؤالك له عّز وج ّ
من غير أن ترى الواسطة والسبب ,فرجعت إليه واستطرحت بين يديه ,ورفع
الحجاب بينك وبين فضله ,وباداك وغذاك بفضله ,عند كل حاجة على قدر ما
يوافق حالك ,كفعل الطبيب الشفيق الرقيق الحبيب للمريض حماية منه عّز
ل ,وتنزيهًا لك عن الميل إلى من سواه ,يرضيك بفضله ,فإذًا ينقطع عن وج ّ
قلبك كل إرادة وكل شهوة ولذة ومطلوب ومحبوب ,فل يبقى في قلبك سوى
ل ,فإذا أراد أن يسوق إليك قسمك الذي لبّد من تناوله وليس هو إرادته عّز وج ّ
رزقًا لحد من خلقه سواك ,أوجد عندك شهوة ذلك القسم وساقه إليك ,فيواصلك
به عند الحاجة ,ثم يوفقك ويعرفك أنه منه وهو سائقه إليك ورازقه لك ,فتشكره
حينئٍذ وتعرف وتعلم ,فيزيدك خروجًا من الخلق وبعدًا من النام ,وأخليت
ل ,ثم إذا قوي علمك ويقينك ,وشرح صدرك ونور الباطن عما سواه عّز وج ّ
قلبك ,وزاد قربك من مولك ومكانتك لديه عنده ،وأهليتك لحفظ السرار
ل منه ومنة وهداية, ل لحرمتك فض ً علمت متى يأتيك قسمك كرامة لك وإجل ً
صَبُروا َوَكاُنوا ِبآَياِتَنا ن ِبَأْمرَِنا َلّما َجَعْلَنا ِمْنُهْم َأِئّمًة َيْهُدو َ
قال ال تعالى َ{ :و َ
سُبَلَنا َوِإ ّ
ن جاَهُدوا ِفيَنا َلَنْهِدَيّنُهْم ُن َ ن}.السجدة .24وقال ال تعالى َ{ :واّلِذي َ ُيوِقُنو َ
ل}.البقرة ل َوُيَعّلُمُكُم ا ّن}.العنكبوت .69وقال تعالى َ{ :واّتُقوْا ا ّ سِني َ
ح ِ
ل َلَمَع اْلُم ْ
ا َّ
.282ثم يرد عليك التكوين فتكون بالذن الصريح الذي هو ل غبار عليه
والدللت اللئحة كالشمس المنيرة ,وبكلمه اللذيذ الذي هو ألذ من كل لذيذ,
وإلهام صدق من غير تلبس مصفى من هواجس النفس ووساوس الشيطان
الرجيم.
قال ال تعال في بعض كتبه ) :يا ابن آدم أنا ال الذي ل إله إل أنا أقول للشيء
كن فيكون ,أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون( ,وقد فعل ذلك بكثير من
أنبيائه وأوليائه وخواصه من بني آدم.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :إذا وصلت إلى ال قربت بتقريبه
ل خروجك عن الخلق والهوى وتوفيقه ،ومعنى الوصول إلى ال عّز وج ّ
والرادة والمنى ,والثبوت مع فعله ومن غير أن يكون منك حركة فيك ول في
خلقه بك ،بل بحكمه وأمره وفعله ,فهي حالة الفناء يعبر عنها بالوصول،
ل ليس كالوصول إلى أحد من خلقه المعقول المعهود فالوصول إلى ال عّز وج ّ
ل الخالق أن يشبه صيُر}.الشورى .11ج ّ سِميُع الَب ِ
يٌء َوُهَو ال ّ
ش ْ
س َكِمْثِلِه َ
{َلْي َ
ل معروف عند أهل بمخلوقاته أو يقاس على مصنوعاته ,فالواصل إليه عّز وج ّ
ل لهم كل واحد على حدة ل يشاركه فيه غيره ,وله الوصول بتعريفه عّز وج ّ
ل مع كل واحد من رسله وأنبيائه وأوليائه سر من حيث هو ل يطلع عّز وج ّ
على ذلك أحد غيره ,حتى أنه قد يكون للمريد سر ل يطلع عليه شيخه ,وللشيخ
سر ل يطلع عليه مريده الذي قد دنا سيره إلى عتبة باب حالة شيخه ,فإذا بلغ
ل فيفطمه المريد حالة شيخه أفرد عن الشيخ وقطع عنه ،فيتوله الحق عّز وج ّ
عن الخلق جملة ,فيكون الشيخ كالضئر والداية ,ل رضاع بعد الحولين ,ول
خلق بعد زوال الهوى والرادة .الشيخ يحتاج إليه ما دام ثم هوى وإرادة
لكسرهما ,وأما بعد زوالهما فل ,لنه ل كدورة ول نقصان ,فإذا وصلت إلى
ل فل ترى لغيره ل على ما بينا فكن آمنًا أبدًا من سواه عّز وج ّ الحق عّز وج ّ
وجودًا البتة ,ل في الضر ول في النفع ,ول في العطاء ول في المنع ,ول في
ل {َأْهُل الّتْقَوى َوَأْهُل اْلَمْغِفَرِة}.المدثر .56
الخوف ول في الرجاء ,هو عّز وج ّ
ل بطاعته ,مباينًا عن جميع خلقه فكن أبدًا ناظرًا إلى فعله مترقبًا لمره .مشتغ ً
دنيا وأخرى.
ل تعلق قلبك بشيء منهم واجعل الخليقة أجمع كرجل َكّتَفُه سلطان عظيم ملكه
شديد أمره ,مهولة صولته وسطوته ,ثم جعل الغل في رقبته ورجليه ,ثم صلبه
على شجرة الرزة ،على شاطىء نهر عظيم موجه ,فسيح عرضه ,عميق
غوره ,شديد جريه ,ثم جلس السلطان على كرسيه ,عظيم قدره ,عال سماؤه,
ل من السهام والرماح والنبل بعيد مرامه ووصوله ,وترك إلى جنبه أحما ً
وأنواع السلح والقسى ومما ل يبلغ قدرها غيره ,فجعل يرمي إلى المصلوب
بما شاء من ذلك السلح ,فهل يحسن لمن يرى ذلك أن يترك النظر إلى
السلطان والخوف منه والرجاء له وينظر إلى المصلوب ويخاف منه ويرجوه,
أليس من فعل ذلك يسمى في قضية العقل عديم العقل والحس مجنونا .بهيمة
غير إنسان؟؟ نعوذ بال من العمى بعد البصيرة ,ومن القطيعة بعد الوصول,
ومن الصدود بعد الدنو والقرب ,ومن الضللة بعد الهداية ,ومن الكفر بعد
اليمان ,فالدنيا كالنهر العظيم الجاري الذي ذكرناه كل يوم في زيادة ماء وهي
شهوات بني آدم ولذاتهم فيها ,والدواهي التي تصيبهم منها ,وأما السهام وأنواع
السلح فالبليا التي يجري بها القدر إليهم ,فالغالب على بني آدم في الدنيا
البليا واللم والمحن ,وما يجدون من النعم واللذات فيها فمشوبة بالفات إذا
اعتبرها كل عاقل ل حياة له ول عيش ول راحة إل في الخرة إن كان مؤمنًا,
لن ذلك خصوصًا في حق المؤمن .قال النبي صلى ال عليه وسلم ) :ل عيش
إل عيش الخرة( وقال عليه الصلة والسلم ) :ل راحة للمؤمن دون لقاء
ربه( ذلك في حق المؤمنين .وقال صلى ال عليه وسلم ) :الدنيا سجن المؤمن
وجنة الكافر( .وقال عليه الصلة والسلم ) :التقي ملجم( فمع هذه الخبار
والعيان كيف يدعي طيب العيش في الدنيا .فالراحة كل الراحة في النقطاع
ل وموافقته ,والستطراح بين يديه ,فيكون العبد بذلك خارجًا إلى ال عّز وج ّ
ل ,وال أعلم.
عن الدنيا ،فحينئذ يكون الدلل رأفة ورحمة ولطفًا وفض ً
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :الوصية ل تشكون إلى أحد ما نزل
ل فيما فعلبك من خير كائنًا من كان صديقًا أو عدوًا ول تتهمن الرب عّز وج ّ
فيك وأنزل بك من البلء ,بل أظهر الخير والشكر ,فكذبك باظهارك للشكر من
غير نعمة عندك خير من صدقك في إخبارك جلية الحال بالشكوى ,من الذي
ل َلل؟؟ قال ال تعالى َ{ :وِإن َتُعّدوْا ِنْعَمَة ا ّ
خل من نعمة ال عّز وج ّ
صوَها}.النحل .18فكم من نعمة عندك وأنت ل تعرفها؟؟ ل تسكن إلى أحد من ح ُ
ُت ْ
الخلق ,ول تستأنس به ,ول تطلع أحدًا على ما أنت فيه ,بل يكون أنسك بال
ل ،وسكونك إليه وشكواك منه وإليه ل ترى ثانيًا ,فإنه ليس لحد ضر عّز وج ّ
ونفع ,ول جلب ول دفع ,ول عّز ول ذل ,ول رفع ول خفض ,ول فقر ول
ل وبيد ال عّز غنى ,ول تحريك ول تسكين ,الشياء كلها خلق ال عّز وج ّ
ل ،بأمره وإذنه جريناها ,وكل يجري لجل مسمى ,وكل شيء عنده بمقدار, وج ّ
ك الّ
سَ س ْل َ{ :وِإن َيْم َل مقدم لما أخر ,ول مؤخر لما قدم ,قال ال عّز وج ّ
شاُء
صيبُ ِبِه َمن َي َضِلِه ُي َ
ل َرآّد ِلَف ْ
خْيٍر َف َ
ك ِب َ
ف َلُه ِإّل ُهَو َوِإن ُيِرْد َ
ش َ ل َكا ِضّر َف َ
ِب ُ
ل وأنت حيُم}.يونس .107فإن شكوت منه عّز وج ّ عَباِدِه َوُهَو اْلَغُفوُر الّر ِ
ن ِِم ْ
معافى وعندك نعمة طالبًا الزيادة وتعاميًا عن ماله عندك من النعمة والعافية
استهزاًء بها ,غضب عليك وأزالهما عنك ,وحقق شكواك ,وضاعف بلواك،
وشدد عقوبتك ومقتك وقلك ,وأسقطك من عينه :احذر الشكوى جدًا ولو
قطعت وقرض لحمك بالمقاريض.
إّياك إّياك ثم إّياك ,ال ال ثم ال ,النجاة النجاة ,الحذر الحذر ,فإن أكثر ما ينزل
ل .كيف يشتكى منه عّز وج ّ
ل بابن آدم من أنواع البلء بشكواه من رّبه عّز وج ّ
وهو أرحم الراحمين ,وخير الحاكمين ,حكيم خبير ,رؤوف رحيم ,لطيف
بعباده ,وليس بظلم للعبيد ,كطبيب حكيم حبيب شفيق لطيف قريب هل تتهم
الوالدة الرحيمة ,قال النبي صلى ال عليه وسلم ) :ال أرحم بعبده من الوالدة
بولدها( .أحسن الدب يا مسكين ,تصّبر عند البلء إن ضعفت على الصبر ,ثم
اصبر إن ضعفت عن الرضا والموافقة ,ثم أرض ووافق إن وجدت ,ثن أفن إذا
فقدت ,أيها الكبريت الحمر أين أنت أين توجد وترى؟؟ أما تسمع إلى قوله عّز
خْيٌر
شْيئًا َوُهَو َ
سى َأن َتْكَرُهوْا َ ع َ
عَلْيُكُم اْلِقَتاُل َوُهَو ُكْرٌه ّلُكْم َو َ
ب َ
ل ُ{ :كِت َ وج ّ
ن}.البقرة .216ل يَْعَلُم َوَأنُتْم َل َتْعَلُمو َ
شّر ّلُكْم َوا ّشْيئًا َوُهَو َحّبوْا َ سى َأن ُت ِ ع َ
ّلُكْم َو َ
طوى عنك علم حقيقة الشياء وحجبك عنه ,فل تسيء الدب فتكره بك أو
تحب بك ,بل اتبع الشرع في جميع ما ينزل بك إن كنت في حالة التقوى التي
هي القدم الولى ,واتبع المر في حالة الولية وخمود وجود الهوى ول
تجاوزه وهي القدم الثانية ,وأرض بالفعل ووافق ,وافن في حالة البدلية
والغوثية والقطبية والصديقية ,وهي المنتهى ,تنح عن طريق القدر ,خل عن
سبيله ,رد نفسك وهواك ,كف لسانك عن الشكوى ,فإذا فعلت ذلك ,إن كان
خيرًا زادك المولى طيبة وسرورًا ولذة ,وإن كان شرًا حفظك في طاعته فيه,
وأزال عنك الملمة ,وأفقدك فيه حتى يتجاوز عنك ,ويرحل عند انقضاء أجله,
كما ينقضي الليل فيسفر عن النهار ,والبرد في الشتاء فيسفر عن الصيف ,ذلك
أنموذج عندك ,فاعتبر بهم ,ثم ذنوب وآثام وإجرام وتلويثات بأنواع المعاصي
والخطيئات ول يصلح لمجالسة الكريم إل الطاهر عن أنجاس الذنوب
والزلت ,ول يقبل على سدته إل طيبًا من درن الدعاوى والوهوسات ،كما ل
يصلح لمجالسة الملوك إل الطاهر من النجاس وأنواع النتن والوساخ،
فالبليا مكفرات مطهرات قال النبي صلى ال عليه وسلم ) :حمى يوم كفارة
سنة( صدق رسول ال صلى ال عليه وسلم.
المقالة التاسعة عشرة
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :إذا كنت ضعيف اليمان واليقين
ف بوعدك ,ول تخلف كيل يزول إيمانك ويذهب يقينك. ووعدت بوعد و ّ
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :دع ما يريبك إذا اجتمع مع مال
يريبك ,فخذ بالعزيمة الذي ل يشوبها ريب ول شك ,ودع ما يريبك ,فأما إذا
تجرد المريب المشوب الذي لم يصف عن حز القلب وحكه فتوقف فيه وانظر
المر فيه ,فإن أمرت بتناوله تناوله فدونك وإن أمرت بالكف عنه ومنعت
فكف ,فليكن ذلك عندك كأنه لم يكن ولم يوجد ,ارجع إلى الباب وابتغ عند رّبك
لل الرزق ,وإن ضعفت عن الصبر أو الموافقة أو الرضا أو الفنا فهو عّز وج ّ
ل يطعم الكفار
يحتاج أن يذكر فليس بغافل عنك وعن غيرك ,وهو عّز وج ّ
والمنافقين والمدبرين عنه فكيف ينساك؟؟ أيها المؤمن الموحد المقبل على
طاعته والقائم بأمره في آناء الليل وأطراف النهار.
) وجه آخر ( دع ما في أيدي الخلق فل تطلبه ول تعلق قلبك به ,ول ترجو
ل وهو ما ل يريبك ,وليكن لك الخلق ول تخافهم ,وخذ من فضل ال عّز وج ّ
مسؤول واحد ومرجو واحد ومخوف واحد وموجود واحد وهمة واحدة وهو
ل الذي نواصي الملوك بيده وقلوب الخلق بيده التي هي أمراء ربك عّز وج ّ
ل ,وهم وكلؤه وأمناؤه ,وحركة أيديهم الجساد ,وأموال الخلق له عّز وج ّ
ل وأمره وتحريكه ,وكفها عن عطائك ذلك ,قال ال بالعطاء لك بإذنه عّز وج ّ
ن َتْعُبُدو َ
ن ن اّلِذي َ
ضِلِه}.النساء .32وقال تعالى ِ{ :إ ّ ل ِمن َف ْ سَأُلوْا ا ّعز وجل َ{ :وا ْ
شُكُروا َلُهعُبُدوُه َوا ْ ق َوا ْ ل الّرْز َ عنَد ا ِّ
ن َلُكْم ِرْزقًا َفاْبَتُغوا ِ
ل َل َيْمِلُكو َن ا ِّ
ِمن ُدو ِ
عّني َفِإّني َقِري ٌ
ب عَباِدي َ ك ِ سَأَل َ
ن}.العنكبوت .17وقال سبحانه َ{ :وِإَذا َ جُعو َِإَلْيِه ُتْر َ
جبْسَت ِعوِني َأ ْ ن}.البقرة .186وقال تعالى { :اْد ُ عا ِ
ع ِإَذا َد َ
عَوَة الّدا ِ
ب َد ْجي ُُأ ِ
ن}.الذاريات .58 ق ُذو اْلُقّوِة اْلَمِتي ُ ل ُهَو الّرّزا ُن ا ََّلُكْم}.غافر .60وقال تعالى ِ{ :إ ّ
ب}.آل عمران .37 سا ٍ حَشاُء ِبَغْيِر ِ
ق َمن َي َ ل َيْرُز ُ
نا ّ وقال تعالى { :إ ّ
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :رأيت إبليس اللعين في المنام وأنا في
جمع كثير فهّممت بقتله ,فقال لي لعنه ال لم تقتلني وما ذنبي؟؟ إن جرى القدر
بالشر فل أقدر أغيره إلى خير وأنقله إليه ,وإن جرى بالخير فل أقدر أغيره
إلى شر وأنقله إليه ,فأي شيء بيدي؟؟ وكانت صورته على صورة الخناثي لين
الكلم مشوه الوجه طاقات شعر في ذقنه حقير الصورة دميم الخلقة ,ثم تبسم
في وجهي تبسم خجل ووجل وذلك في ليلة الحد ثاني عشر من ذي الحجة من
سنة ستة عشر وخمسمائة ,وال الهادي لكل خير.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ل يزال ال يبتلى عبده المؤمن على
قدر إيمانه ،فمن عظم إيمانه وكثر وتزايد عظم بلؤه ،الرسول بلؤه أعظم من
بلء النبي ،لن إيمانه أعظم ،والنبي بلؤه أعظم من بلء البدل وبلء البدل
أعظم من بلء الولي ،كل واحد على قدر إيمانه ويقينه .وأصل ذلك قول النبي
صلى ال عليه وسلم ) :إنا معشر النبياء أشد الناس بلء ثم المثل فالمثل(
فيديم ال تعالى البلء لهؤلء السادات الكرام حتى يكونوا أبدًا في الحضرة ول
يغفلوا عن اليقظة ،لنه يحبهم ،فهم أهل المحبة يحبون الحق ،والمحب أبدًا ل
يختار بعد محبوبه ،فالبلء خطاف لقلوبهم وقيد لنفوسهم ،يمنعهم عن الميل إلى
غير مطلوبهم والسكون والركون إلى غير خالقهم ،فإذا دام ذلك في حقهم ذابت
أهويتهم وانكسرت نفوسهم وتميز الحق من الباطل فتنزوي الشهوات
والرادات ،والميل إلى اللذات والراحات دنيا وأخرى بأجمعها إلى ما يلي
ل ،والرضا بقضائه ،والقناعة النفس ويصير السكون إلى وعد الحق عّز وج ّ
بعطائه ،والصبر على بلئه ،والمن من شر خلقه إلى ما يلي القلب ،فتقوى
شوكة القلب ،فتصير الولية على الجوارح إليه ،لن البلء يقوى القلب
واليقين ،ويحقق اليمان والصبر ،ويضعف النفس والهوى ،لنه كلما وصل
ل ،رضي اللم ووجد من المؤمن الصبر والرضا والتسليم لفعل الرب عّز وج ّ
الرب تعالى عنه وشكره ،فجاءه المدد والزيادة والتوفيق .قال ال تعالى َ{ :لِئن
شَكْرُتْم َلِزيَدّنُكْم}.إبراهيم .7وإذا تركت النفس بطلب شهوة من شهواتها ولذة من
َ
لذاتها من القلب فأجابها القلب إلى مطلوبها ذلك من غير أمر من ال تعالى
وإذن منه حصلت بذلك غفلة عن الحق تعالى وشرك ومعصية ،فعمهما ال
تعالى بالخذلن والبليا وتسليط الخلق،والوجاع والمراض واليذاء
والتشويش ،فينال كل واحد من القلب والنفس حظ وإن لم يجب القلب والنفس
ل بإلهام في حق الولياء،إلى مطلوبها حتى يأتيه الذن من قبل الحق عّز وج ّ
ووحي صريح في حق المرسلين والنبياء ،عليهم الصلة والسلم ،فعمل ذلك
عطاء ومنعًا ،وعمهما ال بالرحمة والبركة ،والعافية والرضا ،والنور
والمعرفة ،والقرب والغنى والسلمة من الفات ،والنصر على العداء فاعلم
ذلك وأحفظه وأحذر البلء جدًا في المسارعة إلى إجابة النفس والهوى ،بل
ل جلله ،فتسلم في الدنيا والعقبى إن شاء
توقف وترقب في ذلك إذن المولى ج ّ
ال تعالى.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :أرض بالدون وألزمه جدًا حتى يبلغ
الكتاب أجله فتنقل إلى العلى والنفس ،وبها تهنأ وفيه تبقى وتحفظ بل عناء
دنيا وأخرى ول تبعة ول عدوى ،ثم تترقى من ذلك إلى ما هو أقر عينًا منه
وأهنأ.
وأعلم أن القسم ل يفوتك بترك الطلب ،وما ليس بقسم ل تناله بحرصك في
الطلب والجد والجتهاد ،فاصبر وألزم الحال وأرض به ،ل تأخذ بك حتى
تؤمر ،ول تعطى بك حتى تؤمر ،ول تتحرك بك ول تسكن بك ،فتبتلى بك
وبمن هو شر منك من الخلق لنك بذلك تظلم والظالم ل يغفل عنه قال ال عّز
ن َبْعضًا}.النعام .129لنك في دار ملك عظيم ظاِلِمي َض ال ّ
ك ُنَوّلي َبْع َ ل َ{ :وَكَذِل َ وج ّ
أمره شديدة شوكته ،كثير جنده نافذة مشيئته قاهر حكمه باق ملكه دائم سلطانه
سَماَوا ِ
ت عْنُه ِمْثَقاُل َذّرٍة ِفي ال ّ
دقيق علمه بالغة حكمته عدل قضاؤه {َل َيْعُزبُ َ
ض}.سبأ .3ل يجاوزه ظلم ظالم فأنت أعظمهم ظلمًا وأكبرهم َوَل ِفي اَْلْر ِ
ل بهواك .قال ال جريمة ،لنك أشركت بتصرفك فيك وفى خلقه عّز وج ّ
ل َل نا ّ ظيٌم}.لقمان .13وقال تعالىِ{ :إ ّ عِظْلٌم َك َل ُ
شْر َ
ن ال ّل ِإ ّ
ك ِبا ِّ
شِر ْ تعالى َ{ :ل ُت ْ
شاُء}.النساء .116_48أتق الشرك جدًا ك ِلَمن َي َن َذِل َ
ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َشَر َ َيْغِفُر َأن ُي ْ
ول تقربه ،واجتنبه في حركاتك وسكناتك وليلك ونهارك ،في خلوتك وجلوتك.
وأحذر المعصية في الجملة في الجوارح والقلب واترك الثم ما ظهر منه وما
ل فيدركك ،ول تنازعه في قضائه فيقصمك، بطن .ل تهرب منه عّز وج ّ
وتتهمه في حكمه فيخذلك ،ول تغفل عنه فينبهك ويبتليك ،ول تحدث في داره
حادثة فيهلكك ،ول تقل في دينه بهواك فيرديك ويظلم قلبك ،ويسلب إيمانك
ومعرفتك ،ويسلط عليك شيطانك ونفسك وهواك وشهواتك وأهلك وجيرانك
وأصحابك وأخلءك وجميع خلقه حتى عقارب دارك وحياتها وجنها وبقية
هوامها فينغص عيشك في الدنيا ويطيل عذابك في العقبى.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ل تقولن يا فقير اليد ،يا مولى عنه
الدنيا وأبناؤها ،يا خامل الذكر بين ملوك الدنيا وأربابها ،يا جائع يا نايع يا
عريان الجسد يا ظمآن الكبد يا مشتتًا في كل زاوية من الرض من مسجد
وبقاع خراب ،ومردودًا من كل باب ،ومدفوعًا عن كل مراد ،ومنكسرًا
ومزدحمًا في قلبه كل حاجة مرام .إن ال تعالى أفقرني وذوى عنى الدنيا
وغرني ،وتركني وقلني وفرقني ولم يجمعني ،وأهانني ولم يعطني من الدنيا
كفاية ،وأخملني ولم يرفع ذكرى بين الخليقة وإخواني ،وأسبل على غيري
ي وعلى أهل دياري نعمة منه سابغة يتقلب فيها في ليله ونهاره ،وفضله عل ّ
وكلنا مسلمان مؤمنان ويجمعنا أبونا آدم وأمنا حواء عليهما السلم ،أما أنت
فقد فعل ال ذلك بك ،لن طينتك حرة وندى رحمة ال متدارك عليك من
الصبر والرضا واليقين والموافقة والعلم وأنوار اليمان والتوحيد متراكم
لديك ،فشجرة إيمانك وغرسها وبذرها ثابتة مكينة مورقة مثمرة متزايدة
متشعبة غضة مظللة متفرعة ،فهي كل يوم في زيادة ونمو ،فل حاجة بها إلى
ل من أمرك على ذلك، سباطة وعلف لتنمى بها وتربى ،وقد فرغ ال عّز وج ّ
وأعطاك في الخرة دار البقاء وخولك فيها ،وأجزل عطاءك في العقبى مما ل
ل َتْعَلُم
عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر .قال ال تعالىَ{ :ف َ
ن}.السجدة .17أي ماجَزاء ِبَما َكاُنوا َيْعَمُلو َ
ن َ
عُي ٍ
ي َلُهم ّمن ُقّرِة َأ ْ
خِف َ
س ّما ُأ ْ
َنْف ٌ
عملوا في الدنيا من أداء الوامر ،والصبر على ترك المناهى ،والتسليم
والتفويض إليه في المقدور ،والموافقة له في جميع المور .وأما الغير الذي
ل الدنيا وخوله ونعمه بها وأسبغ عليه فضله فعل به ذلك، أعطاه ال عّز وج ّ
لن محل إيمانه أرض سبخة وصخر ل يكاد يثبت فيها الماء وتنبت فيها
الشجار ،ويتربى فيها الزرع والثمار فصب عليها أنواع سباطه وغيرها مما
يربى به النبات والشجار ،وهى الدنيا وحطامها ليحفظ بها ما أنبت فيها من
شجرة اليمان وغرس العمال ،فلو قطع ذلك عنها لجف النبات والشجار،
وانقطعت الثمار ،فخربت الديار ،وهو عّز وجلّ مريد عمارتها ،فجشرة إيمان
الغنى ضعيفة المنبت وخال عما هو مشحون به منبت شجرة إيمانك يا فقير،
فقوتها وبقاؤها بما ترى عنده من الدنيا وأنواع النعيم ،فلو قطع ذلك عنه مع
ضعف الشجرة جفت ،فكان كفرًا وجحودًا وإلحاقًا بالمنافقين والمرتدين
ل إلى الغنى عساكر الصبر والرضا والكفار ،اللهّم إل أن يبعث ال عّز وج ّ
واليقين والتوفيق والعلم وأنواع المعارف فيقوى اليمان بها فحينئذ ل يبالى
بانقطاع الغنى والنعيم ،وال الهادي الموفق.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ل تكشف البرقع والقناع عن وجهك
حتى تخرج من الخلق وتوليهم ظهر قلبك في جميع الحوال ويزول هواك ،ثم
تزول إرادتك ومناك ،فتفنى عن الكوان دنيا وأخرى ،فتصير كإناء منثلم ل
ل وبحكمه ،إذا خرج ل فتمتلئ به عّز وج ّ
يبقى فيك غير إرادة ربك عّز وج ّ
الزور دخل النور ،فل يكون لغير ربك في قلبك مكان ول مدخل وجعلت بواب
قلبك ،وأعطيت سيف التوحيد والعظمة والجبروت ،فكل من رأيته دنا من
ساحة صدرك إلى باب قلبك ندرت رأسه من كاهله فل يكون لنفسك وهواك
وإرادتك ومناك في دنياك وأخراك عندك رأس امتثال ول كلمة مسموعة ،ل
ل ،والوقوف معه والرضا بقضائه أرى متبع إل إتباع أمر الرب عّز وج ّ
ل وأمره ل عبد وقدره ،بل الفناء في قضائه وقدره ،فتكون عبد الرب عّز وج ّ
الخلق وآرائهم ،فإذا استمر المر فيك كذلك ضربت حول قلبك سرادقات
الغيرة وخنادق العظمة وسلطان الجبروت ،وحف بجنود الحقيقة والتوحيد،
ل ،كيل يخلص الخلق إلى تطلب القلب ويقام دون ذلك حراس من الحق عّز وج ّ
من الشيطان والنفس والهوى ،والرادات والماني الباطلة ،والدعاوى الكاذبة
الناشئة من الطباع والنفس المرة بالسوء ،والضللت الناشئة من الهوى،
فحينئذ إن كان في القدر مجئ الخلق وتواترهم إليك وتتابعهم وتطابقهم عليك،
ليصيبوا من النوار اللئحة والعلمات المنيرة والحكم البالغة ،ويروا من
الكرامات الظاهرة وخوارق العادة المستمرة ،ويزدادوا بذلك من القربات
ل ،حفظت عنهم والطاعات والمجاهدات والمكايدات في عبادة ربهم عّز وج ّ
أجمعين وعن ميل النفس إلى هواها ،وعجبها ومباهاتها ،وتعاظمها بالتكبر بهم
وبقبولهم لك وإقبال وجوههم إليك ،وكذلك إن قدر مجئ زوجة حسناء جميلة
بكفايتها وسائر مؤنتها حفظت من شرها وحمل أثقالها وأتباعها وأهلها،
وصارت عندك موهبة مكفاة مهناة منقاة مصفاة من الغش والخبث والغل
والحقد والغضب والخيانة في الغيب ،فتكون لك مسخرة ،وهى وأهلها محمولة
عنك مؤنتها ،مدفوعة عنك أذيتها ،وإن قدر منها ولد كان صالحًا ذرية طيبة
ب َلَناجُه}.النبياء .90وقال تعالىَ{ :ه ْ حَنا َلُه َزْو َ صَل ْ
قرة عين .قال ال تعالى َ{ :وَأ ْ
ن ِإَمامًا}.الفرقان .74وقال جَعْلَنا ِلْلُمّتِقي َ
ن َوا ْ عُي ٍ
جَنا َوُذّرّياِتَنا ُقّرَة َأ ْ
ن َأْزَوا ِ ِم ْ
ضّيا}.مريم .6فتكون هذه الدعوات التي في هذه اليات ب َر ِ جَعْلُه َر ّ تعالىَ{ :وا ْ
ل بها مستجابة في حقك إن دعوت بها أو لم تدع ،إذ هي في محلها معمو ً
ل لهذه المنزلة، وأهلها ،وأولى من يعامل بهذه النعمة ويقابل بها من كان أه ً
وأقيم في هذا المقام وقدر له من الفضل والقرب هذا المقدار ،وكذلك إن قدر
مجئ شئ من الدنيا وإقبالها ل يضر إذ ذاك ،فما هو قسمك منها فلبّد من
ل ،وورود المر يتناوله وأنت ممتثل تناوله وتصفيته لك بفعل ال عّز وج ّ
للمر مثاب على تناوله ،كما تثاب على فعل صلوات الفرض وصيام الفرض،
وتؤمر فيما ليس بقسمك منها بصرفه إلى أربابه من الصحاب والجيران
والخوان المستحقين الفقراء منهم وأصحاب القسام على ما يقتضى الحال،
فالحوال تكشفها وتميزها ،ليس الخبر كالمعاينة .فحينئذ تكون من أمرك على
بيضاء نقية ل غبار عليها ول تلبيس ول تخليط ول شك ول ارتياب ،فالصبر
الصبر ،الرضا الرضا ،حفظ الحال حفظ الحال ،الخمول الخمول ،الخمود
الخمود ،السكوت السكوت ،الصموت الصموت ،الحذر الحذر ،النجا النجا،
الوحا الوحا ،ال ال ثم ال ،الطراق الطراق الغماض الغماض الحياء
الحياء إن يبلغ الكتاب أجله ،فيؤخذ بيدك فتقدم وينزع عنك ما عليك ثم تغوص
في بحار الفضائل والمنن والرحمة ثم تخرج منها فتخلع عليك النوار
والسرار والعلوم والغرائب المدنية ،ثم تقرب وتحدث فيه بإعلم وإلهام وتكلم
ن}.يوسف ن َأِمي ٌك اْلَيْوَم َلَدْيَنا ِمِكي ٌوتعطى وتغنى وتشجع وترفع ،وتخاطب بـ {ِإنّ َ
.54فحينئذ أعتبر حالة يوسف الصديق عليه السلم حين خوطب بهذا الخطاب
ل معبرًا بهذا على لسان ملك مصر وعظيمها وفرعونها ،كان لسان الملك قائ ً
ل على لسان المعرفة ،سلم إليه المالك الخطاب والمخاطب هو ال عّز وج ّ
الظاهر وهو ملك مصر ،وملك النفس وملك المعرفة والعلم والقربة
ل .قال تعالى في ملك الملك { : والخصوصية وعلو المنزلة عنده عّز وج ّ
ض}.يوسف .56أي في أرض مصر {َيَتَبّوُأ ِمْنَها ف ِفي اَلْر ِ س َ ك َمّكّنا ِلُيو َُوَكَذِل َ
ن}.يوسف .56قال سِني َ
ح ِجَر اْلُم ْ ضيُع َأ ْ شاء َوَل ُن ِ حَمِتَنا َمن ّن َ ب ِبَر ْصي ُ شاُء ُن ِ ث َي َ
حْي ُ َ
عَباِدَنان ِ شاء ِإّنُه ِم ْح َ سوَء َواْلَف ْ عْنُه ال ّ ف َ صِر َ ك ِلَن ْ تعالى في ملك النفسَ{ :كَذِل َ
عّلمَِني ن}.يوسف .24وقال تعالى في ملك المعرفة والعلمَ{ :ذِلُكَما ِمّما َ صي َ خَل ِ
اْلُم ْ
ن}.يوسف .37 خَرِة ُهْم َكاِفُرو َ ل َوُهم ِبال ِ ن ِبا ّ ت ِمّلَة َقْوٍم ّل ُيْؤِمُنو َ َرّبي ِإّني َتَرْك ُ
فإذا خوطبت بهذا الخطاب يا أيها الصديق الكبر ،أعطيت الحظ الوفر ،من
العلم العظم ،ومنحت وهنيت بالتوفيق والمنن والقدرة والولية العامة ،والمر
النافذ على النفس وغيرها من الشياء والتكوين ،بإذن إله الشياء في الدنيا قبل
الخرة .وأما في الخرى في دار السلم والجنة العليا ،فالنظر إلى وجه المولى
الكريم زيادة ومنة ،وهو المنى الذي ل غاية له ول منتهى ،وال الموفق لحقائق
ذلك ،إنه رؤوف رحيم.
المقالة السابعة والعشرون
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :أجعل الخير والشر ثمرتين من
غصنين من شجرة واحدة ،أحد الغصنين يثمر حلوا والخر مرًا ،فاترك البلد
والقاليم ونواحي الرض التي يحمل إليها هذه الثمار المأخوذة من هذه
الشجرة ،وابعد منها ومن أهلها واقترب من الشجرة وكن سائسها وخادمها
القائم عندها ،وأعرف الغصنين والثمرتين والجانبين ،فكن إلى جانب الغصن
المثمر حلوًا ،فحينئذ يكون غذاؤك وقوتك منها ،واجتنب أن تقدم إلى جانب
الغصن الخر فتأكل من ثمرته فتهلك من مرارتها ،فإذا دمت على هذا كنت
في دعة وأمن وراحة وسلمة من الفات كلها ،إذ الفات وأنواع البليا تتولد
من تلك الثمرة المرة ،وإذا غبت عن تلك الشجرة وهمت في الفاق وقدم بين
يديك من تلك الثمرتين وهى مخلطة غير متميزة الحلوة من المرة هنا فتناولت
منها ،فربما وقعت يدك على المرة فأدنيتها من فيك فأكلت منها جزءًا
ومضغته ،فسرت المرة إلى أعماق لهواتك وباطن حلقك وخياشيمك ،فعملت
فيك وسرت في عروقك وأجزاء جسدك فهلكت بها ،ولفظك الباقي من فيك
وغسل أثره ل ينفع ل ويدفع عنك ما قد سرى في جسدك ول ينفعك ،وإن أكلت
ابتداء من الثمرة الحلوة وسرت حلوتها في أجزاء جسدك وانتفعت بها
وسررت فل يكفيك ذلك ،فلبد تتناول غيرها ثانيًا ،فل تأمن أن تكون الثانية
من المرة فيحل بك ما ذكرته لك ،فل خير في البعد عن الشجرة والجهل
ل،
بثمرتها والسلمة في قربها والقيام معها ،فالخير والشر بفعل ال عّز وج ّ
خَلَقُكْم َوَما
ل َ
ل َ{ :وا ُّ
وال هو فاعلهما ومجريهما .قال ال عّز وج ّ
ن}.الصافات .96وقال النبي صلى ال عليه وسلم ) :ال خلق الجازر َتْعَمُلو َ
خُلواْ
ل وكسبهم .قال تعالى { :اْد ُ وجزوره( وأعمال العباد خلق ال عّز وج ّ
ن}.النحل .32سبحانه ما أكرمه وأرحمه أضاف العمل إليهم جّنَة ِبَما ُكنُتْم َتْعَمُلو َ
اْل َ
وأنهم استحقوا الدخول إلى الجنة بعملهم ،وهو بتوفيقه ورحمته لهم في الدنيا
والخرة.
قال صلى ال عليه وسلم ) :ل يدخل الجنة أحد بعمله ،فقيل له ول أنت يا
رسول ال؟ فقال :ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمته ،ووضع يده على رأسه(
مروي ذلك في حديث عائشة رضي ال عنها ،فإذا كنت طائعًا ل عّز وجلّ
ل لمره منتهيًا لنهيه مسلمًا له في قدره ،حماك عن شره وتفضل عليكممتث ً
بخيره وحماك عن السواء جميعها دينًا ودنيا .أما دنيا فقوله تعالىَ{ :كَذِلكَ
ن}.يوسف .24وأما دينًا صي َخَل ِ عَباِدَنا اْلُم ْ
ن ِ
شاء ِإّنُه ِم ْح َ
سوَء َواْلَف ْ
عْنُه ال ّ
ف َ صِر َ ِلَن ْ
شاِكرًال َ نا ّ شَكرُْتْم َوآَمنُتْم َوَكا َ ل ِبَعَذاِبُكْم ِإن َ
ل ّ{ :ما َيْفَعُل ا ّ
فقوله عّز وج ّ
عِليمًا} .النساء .147مؤمن شاكر ما يفعل البلء عنده وهو إلى العافية أقرب من َ
شَكْرُتْم ل َ{ :لِئن َ البلء ،لنه في حمل المزيد أيضًا لنه شاكر .قال ال عّز وج ّ
َلِزيَدّنُكْم}.إبراهيم .7فإيمانك يطفئ لهب النار في الخرة التي هي عقوبة كل
عاص ،فكيف ل يطفئ نار البليا في الدنيا؟؟ اللهّم إل أن يكون العبد من
المجذوبين المختارين للولية والصطفاء والجتباء ،فلبد من البلء ليصفى
به من خبث الهوى والميل إلى الطباع ،والركون إلى شهوات النفس ولذاتها،
والطمأنينة إلى الخلق والرضا بقربهم ،والسكون إليهم والثبوت معهم والفرح
بهم ،فيبتلى حتى يذوب جميع ذلك ،ويتنظف القلب بخروج الكل ،ويبقى توحيد
ل ومعرفته وموارد الغيب من أنواع السرار والعلوم وأنوار الرب عّز وج ّ
جٍل ّمن ل ِلَر ُجَعَل ا ُّ ل ّ{ :ما َ القرب ،لنه بيت ل يسعه اثنان ،قال ال عّز وج ّ
سُدوَها خُلوا َقْرَيًة َأْف َك ِإَذا َد َن اْلُمُلو َجْوِفِه}.الحزاب .4وقال تعالىِ{ :إ ّ ن ِفي َ َقْلَبْي ِ
عّزَة َأْهِلَها َأِذّلًة}.النمل .34فأخرجوا العزة عن طيب المنازل ونعيم جَعُلوا َأ ِ
َو َ
العيش ،وكانت الولية على القلب للشيطان والهوى والنفس والجوارح متحركة
بأمرهم من أنواع المعاصي والباطيل والترهات فزالت تلك الولية فسكنت
الجوارح وفرغت دار الملك التي هي القلب وتنظفت الساحة التي هي الصدر.
فأما القلب فصار مسكنًا للتوحيد والمعرفة والعلم .وأما الساحة فمهبط الموارد
والعجائب من الغيب ،كل ذلك نتيجة البليا وثمراتها ،قال النبي صلى ال عليه
وسلم ) :إنا معاشر النبياء أشد الناس بلء ثم المثل فالمثل( وقال صلى ال
عليه وسلم ) :أنا أعرفكم بال وأشدكم منه خوفًا( فكل من قرب من الملك اشتد
خطره وحذره ،لنه في مرأى من الملك ل يخفى عليه تصاريفه وحركاته .فإن
ل بأجمعهم كشخص واحد ل يخفى عليه منهم قلت :فالخليقة عند ال عّز وج ّ
شئ ،فأي فائدة لهذا الكلم؟
فنقول لك :لما علت منزلته وشرفت رتبته عظم خطره ،لنه وجب عليه شكر
ما أوله من جسيم نعمه وفضله فأدنى اللتفات عن خدمته تقصير في شكره
ت ِمنكُ ّ
ن ي َمن َيْأ ِ
ساء الّنِب ّ
ل َ{ :يا ِن َ
وذلك نقصان في طاعته .قال ال عّز وج ّ
ن}.الحزاب .30قال ذلك لهن لتمام نعمه ضْعَفْي ِ
ب ِ
ف َلَها اْلَعَذا ُ
ع ْ
ضا َشٍة ّمَبّيَنٍة ُي َ
ح َ
ِبَفا ِ
ل عليهن باتصالهن بالنبي صلى ال عليه وسلم فكيف من كان مواص ً
ل عّز وج ّ
س َكِمْثِلِه
ل وقربه ،تعالى ال علوًا كبيرًا عن التشبيه بخلقه {َلْي َ بال عّز وج ّ
صيُر}.الشورى .11وال الهادي. سِميُع الَب ِ
يٌء َوُهَو ال ّ ش ْ
َ
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :يـؤمن العبد بال ويسلم المور كلها
ل ،ويعتقد تسهيل الرزق منه وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه ،وما إليه عّز وج ّ
خَرجًاجَعل ّلُه َم ْ
ل َي ْ
ق ا َّ
ل {َوَمن َيّت ِ أخطأه لم يكن ليصبه ،ويؤمن بقوله عّز وج ّ
سُبُه}.الطلق .3–2 ح ْل َفُهَو َعَلى ا ِّ
ب َوَمن َيَتَوّكْل َ
س ُ
حَت ِ
ث َل َي ْ
حْي ُ
ن َ
* َوَيْرُزْقُه ِم ْ
ويقول ذلك ويؤمن به وهو في حال العافية والغنى ثم يبتليه ال عّز وج ّ
ل
بالبلء والفقر فيأخذ في السؤال والتضرع فل يكشفهما عنه فحينئذ يتحقق قوله
صلى ال عليه وسلم ) :كاد الفقر أن يكون كفرًا( فمن تلطف ال به كشف عنه
ما به فأدركه بالعافية والغنى ويوفقه للشكر والحمد والثناء ويديم له ذلك إلى
اللقاء .ومن يرد ال فتنته يديم بلءه وفتنته وفقره فيقطع عنه مدد إيمانه فيكفر
ل والشك في وعده فيموت كافرا بال عّز وج ّ
ل بالعتراض والتهمة له عّز وج ّ
جاحدًا لياته ومسخطًا على ربه ،وإليه أشار رسول ال صلى ال عليه وسلم
بقوله ) :أن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل جمع ال له بين فقر الدنيا وعذاب
الخرة( نعوذ بال من ذلك وهو الفقر المنسي الذي استعاذ منه النبي صلى ال
ل اصطفاءه واجتباءه عليه وسلم * والرجل الثاني هو الذي أراد ال عّز وج ّ
وجعله من خواصه وأحبائه وأخـلئه ووارث أنبيائه وسيد أوليائه ومن عظماء
عباده وعلمائهم وحكمائهم وشفعائهم وشيخهم ومتبوعهم ومعلمهم وهاديهم إلى
مولهم ومرشدهم إلى سبل الهدى واجتناب سبل الردى فأرسل إليه جبال
الصبر وبحار الرضا والموافقة والغنى في قضائه وفعله ثم يدركه بجزيل
العطاء ويدللـه في آناء الليل وأطراف النهار في الجلوة والخلوة في الظاهر
مرة والباطن أخرى بأنواع اللطف وفنون الجذبات فيتصل له ذلك إلى حين
اللقا وال الهادي.
المقالة الثلثون
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ما أكثر ما نقول :أي شئ أعمل؟؟
وما الحيلة؟؟ فيقال لك :قف مكانك ول تجاوز حدك حتى يأتيك الفرج ممن
صِبُروْا
ن آَمُنوْا ا ْ
ل َ{ :يا َأّيَها اّلِذي َ
أمرك بالقيام فيما أنت فيه .قال ال عّز وج ّ
ن}.آل عمران .200أمرك بالصبر يا حو َ ل َلَعّلُكْم ُتْفِل ُ
طوْا َواّتُقوْا ا ّ
صاِبُروْا َوَراِب َُو َ
مؤمن ثم بالمصابرة والمرابطة والمحافظة والملزمة له ثم حذرك تركه فقال :
{واتقوا ال} في ترك ذلك ،أي ل تتركوا الصبر فإن الخير والسلمة فيه،
وقال النبي صلى ال عليه وسلم ) :الصبر من اليمان كالرأس من الجسد(.
وقيل :كل شئ ثوابه بمقدار إل ثواب الصبر فإنه جزاف غير مقدر لقوله
ب}.الزمر .10فإذا اتقيت ال عّز سا ٍ ح َ
جَرُهم ِبَغْيِر ِ ن َأ ْ صاِبُرو َتعالى ِ{ :إّنَما ُيَوّفى ال ّ
ل حفظك للصبر ومحافظة الحدود وأنجز لك ما وعدك في كتابه وهو قوله وج ّ
ث َل
حْي ُن َخَرجًا * َوَيْرُزْقُه ِم ْ جَعل ّلُه َم ْ ل َي ْ
ق ا َّ
ل َ{ :وَمن َيّت ِ عّز وج ّ
ب}.الطلق .3–2وكنت بصبرك حتى يأتيك الفرج من المتوكلين وقد وعدك س ُحَت ِ
َي ْ
سُبُه}.الطلق .3وكنت ح ْل َفُهَو َ عَلى ا ِّل بالكفاية فقال َ{ :وَمن َيَتَوّكْل َ ال عّز وج ّ
ل َ{ :وَكَذِل َ
ك مع صبرك وتوكلك من المحسنين وقد وعدك بالجزاء فقال عّز وج ّ
ح ّ
ب ل ُي ِ
نا ّ ن}.القصص .14ويحبك ال مع ذلك لنه قال ِ{ :إ ّ سِني َ
ح ِ جِزي اْلُم ْ َن ْ
ن}.البقرة .195فالصبر رأس كل خير وسلمة دنيا وأخرى ،ومنه يترقى سِني َح ِ
اْلُم ْ
ل حالة المؤمن إلى حالة الرضى والموافقة ثم الفناء في أفعال ال عّز وج ّ
البدلية والغيبة ،فاحذر أن تتركه فيخذلك في الدنيا والخرة ويفوتك خيرهما
نعوذ بال من ذلك.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :إذا وجدت في قلبك بغض شخص أو
حبه فأعرض أعماله على الكتاب والسنة ,فإن كانت فيهما مبغوضة و أنت
ل ورسوله ،وإن كانت أعماله فيهما محبوبة تبغضه فأبشر بموافقتك ال عّز وج ّ
وأنت تبغضه فاعلم بأنك صاحب هوى ،تبغضه بهواك ظالمًا له ببغضك إياه،
ل من بغضك ل ولرسوله تخالف لهما فتب إلى ال عّز وج ّ ص ل عّز وج ّوعا ٍ
ل محبة ذلك الشخص وغيره من أحبائه وأوليائه وأصفيائه واسأله عّز وج ّ
ل .وكذلك أفعل فيمن تحبه يعني والصالحين من عباده ،لتكون موافقًا له عّز وج ّ
أعرض أعماله على الكتاب والسنة فإن كانت محبوبة فيهما فأحبه .وإن كانت
مبغوضة فابغضه .كيل تحبه بهواك وتبغضه بهواك وقد أمرت بمخالفة هواك
ل}.ص .26
سِبيِل ا ِّ
عن َ
ك َضّل َ
ل َ{ :وَل َتّتِبِع اْلَهَوى َفُي ِ
قال عّز وج ّ
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ما أكثر ما تقول كل من أحبه ل تدوم
محبتي إياه فيحال بيننا إما بالغيبة أو بالموت أو بالعداوة وأنواع المال بالتلف
والفوات من اليد ،فيقال لك :أما تعلم يا محبوب الحق المعنى المنظور إليه
ل غيور خلقك وتروم أن تكون لغيره ،أما المغار عليه ،ألم تعلم أن ال عّز وج ّ
خَلْق ُ
ت حّبوَنُه}.المائدة .54وقوله تعالى َ{ :وَما َ
حّبُهْم َوُي ِ
ل ُ{ :ي ِسمعت قوله عّز وج ّ
ن}.الذاريات .56أما سمعت قول الرسول صلى ال عليه س ِإّل ِلَيْعُبُدو ِ
ن َواِْلن َ
جّ
اْل ِ
وسلم ) :إذا أحب ال عبدا ابتله فإن صبر افتناه .قيل يا رسول ال و ما افتناه.
قال لم يذر له مال ول ولدا( .وذلك لنه إذا كان له مال وولد أحبهما فتنقص
ل وبين غيره وال تعالى ل يقبل وتجزي فتصير مشتركة بين ال عّز وج ّ
الشريك وهو غيور قاهر فوق كل شئ غالب لكل شئ فيهلك شريكه ويعدمه
حّبُهْم
ل ُ{ :ي ِ
ليخلص قلب عبده له من غير شريك فيتحقق حينئذ قوله عّز وج ّ
حّبوَنُه}.المائدة .54حتى إذا تنظف القلب من الشركاء والنداد من الهل َوُي ِ
والمال والولد واللذات والشهوات وطلب الوليات والرياسات والكرامات
والحالت والمنازل والمقامات والجنات والدرجات والقربات والزلفات فل
يبقى في القلب إرادة ول أمنية يصير كالناء المنثلم الذي ل يثبت فيه مائع لنه
ل كلما تجمعت فيه إرادة كسرها فعل ال وغيرته أنكسر لفعل ال عّز وج ّ
فضربت حوله سرادقات العظمة والجبروت والهيبة وأحضرت من دونها
خنادق الكبرياء والسطوة فلم يخلص إلى القلب إرادة شئ من الشياء
والكرامات والحكم والعلم والعبادات فإن جميع ذلك يكون خارج القلب فل
ل بل يكون جميع ذلك كرامة من ال لعبده ولطفا به ونعمة يغار ال عّز وج ّ
ورزقا ومنفعة للواردين عليه فيكرمون به ويرحمون ويحفظون لكرامته على
ل فيكون خفيرًا لهم وكنفا وحرزا وشفيعا دنيا وأخرى. ال عّز وج ّ
رجل :ل لسان له ول قلب وهو العاصي الغر الغبي ل يعبأ ال به ،ل خير فيه،
ل برحمته ،فيهديوهو وأمثاله حثالة ل وزن لهم إل أن يعمهم ال عّز وج ّ
ل .فأحذر أن تكونقلوبهم لليمان به ويحرك جوارحهم بالطاعة له عّز وج ّ
منهم ،ول تكترث بهم ول تقم فيهم فإنهم أهل العذاب والغضب والسخط سكان
ل منهم ،إل أن تكون من العلماء بال عّز وج ّ
ل النار وأهلها نعوذ بال عّز وج ّ
ومن معلمي الخير وهـداة الدين وقواده ودعاته ،فدونك فأتهم وادعهم إلى
ل ،وحذرهم معصيته ،فتكتب عند ال حينئذ جهبذا ،فتعطى طاعة ال عّز وج ّ
ثواب الرسل والنبياء ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لمير المؤمنين
علي بن أبي طالب رضي ال عنه ) :لن يهدى ال بهداك رجل خير لك مما
طلعت عليه الشمس(.
الرجل الثاني :رجل له لسان بل قلب فينطق بالحكمة ول يعمل بها ،يدعو
ل ،يستقبح عيب غيره ويدوم هو على مثله الناس إلى ال وهو يفر منه عّز وج ّ
ل بالعظائم من المعاصي ،إذافي نفسه ،يظهر للناس تنسكا ويبارز ال عّز وج ّ
خل كأنه ذئب عليه ثياب ،وهو الذي حذر منه النبي صلى ال عليه وسلم بقوله
) :أخوف ما أخاف على أمتي من منافق عليم اللسان( .وفي حديث آخر :
)أخوف ما أخاف على أمتي من علماء السوء( .نعوذ بال من هذا ،فابعد منه
وهرول ،لئل يختطفك بلذيذ لسانه فتحرقك نار معاصيه ،ويقتلك نتن باطنه
وقلبه.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ما أعظم تسخطك على رّبك و
ل بالظلم،
ل ،و اعتراضك عليه و انتسابك له عّز وج ّ
تهمتك له عّز وج ّ
واستبطائك في الرزق والغنى وكشف الكروب والبلوى ،أما تعلم أن لكل أجل
كتاب ،ولكل زيادة بلية وكربة غاية منتهى ونفاد ،ل يتقدم ذلك ول يتأخر،
أوقات البليا ل تقلب فتصير عوافى ووقت البؤس ل ينقلب نعيما ،وحالة الفقر
ل تستحيل غنى.
ل ،وتب أحسن الدب وألزم الصمت والصبر والرضا والموافقة لربك عّز وج ّ
عن تسخطك عليه وتهمتك له في فعله ،فليس هناك استيفاء وانتقام من غير
ذنب ،ول عرض على الطبع كما هو في حق العبيد بعضهم في بعض ،هو عّز
ل منفرد بالزل وسبق الشياء ،خلقها وخلق مصالحها ومفاسدها وعلم وج ّ
ل حكيم في فعله متقن في صنعه ل ابتداءها وانتهاءها وانقضاءها ،وهو عّز وج ّ
ل لعبًا ،ول تجوز عليه النقائص تناقض في فعله ،ل يفعل عبثًا ول يخلق باط ً
ول اللوم في أفعاله ،فانتظر الفرج حتى إن عجزت عن موافقته وعن الرضا
والغنى في فعله حتى يبلغ الكتاب أجله ،فتسفر الحالة عن ضدها بمرور الزمان
وانقضاء الجال ،كما ينقضي الشتاء فيسفر عن الصيف ،وينقضي الليل فيسفر
عن النهار ،فإذ طلبت نور ضوء النهار ونوره بين العشاءين لم تعطه ،بل
يزداد في ظلمة الليل حتى إذا بلغت الظلمة غايتها وطلع الفجر وجاء النهار
بضوئه طلبت ذلك وأردته وسكت عنه وكرهته ،فإن طلبت إعادة الليل حينئذ
لم تجب دعوتك ولم تعطه لنك طلبت الشئ في غير حينه ووقته فتبقى حسيرًا
ل ،فأرخ هذا كله وألزم الموافقة وحسن الظن بربك عّز منقطعًا متسخطًا خج ً
ل والصبر الجميل ،فما كان لك ل تسلبه ،وما ليس لك ل تعطاه .لعمري وج ّ
ل بالدعاء والتضرع وهما عبادة وطاعة إنك تدعو وتبتهل إلى ربك عّز وج ّ
ب َلُكْم}.غافر .60وقوله
ج ْ
سَت ِ
عوِني َأ ْل في قوله تعالى { :اْد ُل لمره عّز وج ّ امتثا ً
ضِلِه}.النساء .32وغير ذلك من اليات والخبار، ل ِمن َف ْ
سَأُلوْا ا ّ
تعالى َ{ :وا ْ
أنت تدعو وهو يستجيب لك عند حينه وأجله إذا أراد وكان لك في ذلك مصلحة
في دنياك وأخراك ويوافق في ذلك قضاءه وانتهاء أجله ،ل تتهمه في تأخير
الجابة ول تسأم من دعائه ،فإنك إن لم تربح لم تخسر ،وإن لم يجبك عاج ً
ل
ل ،فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى ال عليه و سلم : أثابك آج ً
)والعبد يرى في صحائفه حسنات يوم القيامة ل يعرفها فيقال له إنها بدل
سؤالك في الدنيا الذي لم يقدر قضاؤه فيها( أو كما ورد .ثم أقل أحوالك أنك
ل موحدًا له حيث تسأله ول تسأل أحدًا غيره ،ول تكون ذاكرًا لربك عّز وج ّ
تترك حاجتك لغيره تعالى ،فأنت بين الحالتين في زمانك كله ليلك ونهارك
وصحتك وسقمك وبؤسك ونعمائك وشدتك ورخائك ،وإما أن تمسك عن
ل ،كالميت بين يدي السؤال ،وترضى بالقضاء وتوافق وتسترسل لفعله عّز وج ّ
الغاسل ،والطفل الرضيع في يدي الظئر ،والكرة بين يدي الفارس يقلبها
بصولجانه ،فيقلبك القدر كيف يشاء ،إن كان النعماء فمنك الشكر والثناء ومنه
شَكْرُتْم َلِزيَدّنُكْم}.إبراهيم .7 ل المزيد في العطاء ،كما قال تعالى َ{ :لِئن َ عّز وج ّ
وإن كان البأساء فالصبر والموافقة منك بتوفيقه والتثبت والنصرة والصلة
ل َمَع نا ّ ل بفضله وكرمه ،كما قال عّز من قائلِ{ :إ ّ والرحمة منه عّز وج ّ
ن}.البقرة .153النفال .46بنصره وتثبيته ،وهو لعبده ناصر له على نفسه صاِبِري َ
ال ّ
م}.محمد صْرُكْم َوُيَثّبتْ َأْقَداَمُك ْ
لَ َين ُصُروا ا ّ وهواه وشيطانه .وقال تعالىِ{ :إن َتن ُ
.7إذا نصرت ال في مخالفة نفسك وهواك بترك العتراض عليه والسخط
بفعله فيك وكنت خصمًا ل على نفسك سيافًا عليها كلما تحركت بكفرها
وشركها حززت رأسها بصبرك وموافقتك لرّبك والطمأنينة إلى فعله ووعده
ل:ل لك معينا .وأما الصلة والرحمة ،فقوله عّز وج ّ والرضا بهما كان عّز وج ّ
جعو َ
ن ل َوِإّنـا ِإَلْيِه َرا ِصيَبٌة َقاُلوْا ِإّنا ِّصاَبْتُهم ّم ِ
ن ِإَذا َأ َ
ن * اّلِذي َ
صاِبِري َ
شِر ال ّ{َوَب ّ
ن}.البقرة -155 ك ُهُم اْلُمْهَتُدو َ حَمٌة َوُأوَلـِئ َ
ت ّمن ّرّبِهْم َوَر ْ صَلَوا ٌ
عَلْيِهْم َ
ك َ* ُأوَلـِئ َ
ل بالدعاء والتضرع إعظامًا .157والحالة الخرى أنك تبتهل إلى ربك عّز وج ّ
ل لمره ،وفيه وضع الشئ في موضعه ،لنه ندبك إلى سؤاله له وامتثا ً
ل منك إليه وموصلة ووسيلة لديه والرجوع إليه ،وجعل ذلك مستراحًا ورسو ً
بشرط ترك التهمة والسخط عليه عند تأخير الجابة إلى حينها ،اعتبر ما بين
الحالتين ول تكن ممن تجاوز عن حديهما ،فإنه ليس هناك حالة أخرى ،فاحذر
ل ول يبالى كما أهلك من أن تكون من الظالمين المعتدين فيهلكك عّز وج ّ
مضى من المم السالفة في الدنيا بتشديد بلئه وفى الخرة بأليم عذابه.
فـي الـــورع
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :عليك بالورع وإل فالهلك في زيقك
ملزم لك ل تنجو منه أبدا إل أن يتغمدك ال تعالى برحمته ،فقد ثبت في
الحديث المروى عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :إن ملك الدين
الورع ،وهلكه الطمع ،وإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ،كالراتع
إلى جنب الزرع يوشك أن يمد فاه إليه ل يكاد أن يسلم الزرع منه( وعن أبى
بكر الصديق رضي ال عنه أنه قال :كنا نترك سبعين بابًا من المباح مخافة
أن نقع في الجناح .وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه
قال :كنا نترك تسعة أعشار الحلل مخافة أن نقع في الحرام ،فعلوا ذلك
تورعًا في مقاربة الحرام أخذًا بقول النبي صلى ال عليه وسلم ) :لكل ملك
حمى( وإن حمى ال محارمه ،فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ،فمن
دخل حصن الملك فجاز الباب الول ثم الثاني والثالث حتى قرب من سدته
خير ممن وقف على الباب الول الذي يلي البر ،فإنه إن أغلق عنه غلق الباب
الثالث لم يضره وهو من وراء بابين من أبواب القصر ومن دونه حراس الملك
وجنده ،وأما إذا كان على الباب الول فأغلقوا عنه بقى في البر وحده فأخذته
الذئاب والعداء وكان من الهالكين ،فهكذا من سلك العزيمة ولزمها .إن سلب
عنه مدد التوفيق والرعاية وانقطعت عنه حصل في الرخص ولم يخرج عن
الشرع .فإذا أدركته المنية كان على العبادة والطاعة ويشهد له بخير العمل،
ومن وقف على الرخص ولم يتقدم إلى العزيمة إن سلب عنه التوفيق فقطعت
عنه أمداده فغلب الهوى عليه وشهوات النفس ،فتناول الحرام خرج من
ل الضالين عن سبل الشرع ،فصار في زمرة الشياطين أعداء ال عّز وج ّ
الهدى ،فإن أدركته المنية قبل التوبة كان من الهالكين إل أن يتغمده ال تعالى
برحمته وفضله ،فالخطر في القيام مع الرخص ،والسلمة كل السلمة مع
العزيمة ،وال الهادي إلى سواء الطريق.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :أجعل آخرتك رأس مالك ودنياك
ل في تحصيل آخرتك .ثم إن فضل من زمانك شئ ربحه ،وأصرف زمانك أو ً
اصرفه في دنياك وفى طلب معاشك ،ول تجعل دنياك رأس مالك وآخرتك
ربحه .ثم إن فضل من الزمان فضلة صرفتها في آخرتك تقتضى فيها
الصلوات تسبكها سبيكة واحدة ساقطة الركان ،مختلفة الواجبات من غير
ركوع وسجود وطمأنينة بين الركان ،أو يلحقك التعب والعياء فتنام عن
ل في النهار تابعًا لنفسك وهواك وشيطانك،
القضاء جملة ،جيفة في الليل بطا ً
وبائعًا آخرتك بدنياك عند النفس ومطيتها ،أمرت بركوبها وتهذيبها ورياضتها
والسلوك بها في سبيل السلمة وهى طرق الخرة وطاعة مولها عّز وج ّ
ل
فظلمتها بقوبلك منها وسلمت زمامها إليها وتبعتها في شهواتها ولذاتها
وموافقتها وشيطانها وهواها ففاتك خير الدنيا والخرة وخسرتهما فدخلت
القيامة أفلس الناس وأخسرهم دينًا ودنيا ،وما وصلت بمتابعتها إلى أكثر من
قسمك من دنياك ،ولو سلكت بها طريق الخرة وجعلتها رأس مالك ربحت
الدنيا والخرة ووصل إليك قسمك من الدنيا هنيئًا مرئيًا وأنت مصون مكرم،
كما قال النبي صلى ال عليه وسلم ) :إن ال يعطى الدنيا على نية الخرة ول
يعطى الخرة على نية الدنيا( وكيف ل يكون كذلك ونية الخرة هي طاعة ال
لن النية روح العبادات وذاتها.
وإذا أطعت ال بزهدك في الدنيا أو طلبك دار الخرة كنت من خواص ال عّز
ل وأهل طاعته ومحبته ،وحصلت لك الخرة وهى الجنة وجوار ال عّز وج ّ
ل وخدمتك الدنيا فيأتيك قسمك الذي قدر لك منها ،إذ الكل تبع لخالقها وج ّ
ل ،وإن اشتغلت بالدنيا وأعرضت عن الخرة غضب ومولها وهو ال عّز وج ّ
الرب عليك ففاتتك الخرة وتعاصت الدنيا عليك وتعسرت وأتعبتك في إيصال
ل عليك لنها مملوكته ،تهين من عصاه وتكرم قسمك إليك لغضب ال عّز وج ّ
من أطاعه فيتحقق حينئذ قوله صلى ال عليه وسلم ) :الدنيا والخرة ضرتان،
إن أرضيت إحداهما أسخطت عليك الخرى( .قال تعالى ِ{ :منُكم ّمن ُيِريُد
خَرَة}.آل عمران .152يعنى به أبناء الخرة ،فانظر من الّدْنَيا َوِمنُكم ّمن ُيِريُد ال ِ
أبناء أيهما أنت؟؟ ومن أي القبيلتين تحب أن تكون وأنت في الدنيا؟؟ ثم إذا
صرت إلى الخرة فالخلق فريقان فريق في طلب الدنيا وفريق في طلب
ق ِفيجّنِة َوَفِري ٌ
ق ِفي اْل َ
الخرة ،وهم أيضًا يوم القيامة فريقان {َفِري ٌ
سِعيِر}.الشورى .7فريق في الموقف قيام في طول الحساب {ِفي َيْوٍم َكا َ
ن ال ّ
سَنٍة}.المعارج .4مما تعدون كما قال تعالى ،وفريق في ظل ف َن َأْل َ
سي َ
خْم ِ
ِمْقَداُرُه َ
العرش كما أخبر النبي صلى ال عليه وسلم ) :إنكم تكونون يوم القيامة في ظل
العرش عاكفون على الموائد ،عليها أطايب الطعام والفواكه والشهد أبيض من
الثلج( .كما جاء في الحديث ) :وينظرون منازلهم في الجنة حتى إذا فرغ من
حساب الخلق دخلوا الجنة ،يهتدون إلى منازلهم كما يهتدي أحد الناس في الدنيا
إلى منزله( .فهل وصلوا إلى هذه إل بتركهم الدنيا واشتغالهم بطلب الخرة
والمولى .وهل وقعوا أولئك في الحساب وأنواع الشدائد والذل إل لشتغالهم
بالدنيا ورغبتهم فيها وزهدهم في الخرة وقلة المبالة بأمرها ونسيان يوم
القيامة وما سيصيرون إليه غدًا مما ذكر في الكتاب والسنة.
فانظر لنفسك نظر رحمة وشفقة ،واختر لها خير القبيلتين وأفردها عن أقران
السوء من شياطين النس والجن ،وأجعل الكتاب والسنة أمامك وأنظر فيهما
وأعمل بهما ،ول تغتر بالقال والقيل والهوس .قال ال تعالى َ{ :وَما آَتاُكُم
ل}.الحشر .7ول تخالفوه عْنُه َفانَتُهوا َواّتُقوا ا َّ خُذوُه َوَما َنَهاُكْم َ
سوُل َف ُ
الّر ُ
ل وعبادة كما قال عّز وج ّ
ل فتتركوا العمل بما جاء به وتخترعوا لنفسكم عم ً
م}.الحديد عَلْيِه ْ
عوَها َما َكَتْبَناَها َ في حق قوم ضلوا سواء السبيل {َوَرْهَباِنّيًة اْبَتدَ ُ
ل نبيه صلى ال عليه وسلم ونزهه عن الباطل ،. 27ثم إنه زكى هو عّز وج ّ
حيٌن ُهَو ِإّل َو ْن اْلَهَوى * ِإ ْ عِق َ ط ُل َ{ :وَما َين ِ والزور فقال عّز وج ّ
حى}.النجم .4–3أي ما آتاكم به فهو من عندي ل من هواه ونفسه فاتبعوه ،ثم ُيو َ
ل}.آل عمران .31فبين أن حِبْبُكُم ا ّل َفاّتِبُعوِني ُي ْنا ّ حّبو َقال تعالى ُ{ :قْل ِإن ُكنُتْم ُت ِ
ل ،فالنبي عليه الصلة والسلم قال ) :الكتساب ل وفع ً طريق المحبة إتباعه قو ً
سنتي ،والتوكل حالتي( أو كما قال ،فأنت بين سنته وحالته وإن ضعف إيمانك
فالتكسب الذي هو سنته وإن قوى إيمانك فحالته التي هي التوكل قال ال
ن}.المائدة .23وقال تعالى َ{ :وَمن ل َفَتَوّكُلوْا ِإن ُكنُتم ّمْؤِمِني َ
عَلى ا ّ تعالى َ{ :و َ
ن}.آل
ب اْلُمَتَوّكِلي َ
ح ّل ُي ِ
نا ّ سُبُه}.الطلق .3وقال تعالى ِ{ :إ ّ ح ْ ل َفُهَو َ
عَلى ا َِّيَتَوّكْل َ
عمران .159فقد أمرك بالتوكل ونبهك عليه كما أمر نبيه صلى ال عليه وسلم في
ل}.النساء .81النفال .61الحزاب .48+3فاتبع أوامر ال عّز وج ّ
ل عَلى ا ِّقوله َ{ :وَتَوّكْل َ
في سؤاله في أعمالك فهي مردودة عليك قال النبي صلى ال عليه وسلم ) :من
ل ليس عليه أمرنا فهو رد( هذا يعلم طلب الرزق والعمال والقوال، عمل عم ً
ليس لنا نبي غيره فنتبعه ول كتاب غير القرآن فنعمل به ،فيضلك هواك
ل}.ص .26 سِبيِل ا ِّعن َ ك َ ضّل َ
والشيطان .قال ال تعالى َ{ :وَل َتّتِبِع اْلَهَوى َفيُ ِ
فالسلمة مع الكتاب والسنة ،والهلك مع غيرهما ،وبهما يترقى العبد إلى حالة
الولية والبدلية والغوثية،وال أعلم.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :مالي أراك يا مؤمن حاسدًا لجارك
في مطعمه ومشربه وملبسه ومنكحه ومسكنه وتقلبه في غناه ونعم موله عّز
ل وقسمه الذي قسم له؟؟ أما تعلم أن هذا مما يضعف إيمانك ويسقطك من وج ّ
ل ويبغضك إليه؟؟ أما سمعت الحديث المروى على النبي عين مولك عّز وج ّ
صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :قال ال تعالى في بعض ما تكلم به :الحسود
عدو نعمتي( وما سمعت قول النبي صلى ال عليه وسلم ) :إن الحسد يأكل
الحسنات كما تأكل النار الحطب( ثم على أي شئ تحسده يا مسكين؟؟ أعلى
قسمه أم على قسمك؟؟ فإن حسدته على قسمه الذي قسمه ال له في قوله
حَياِة الّدْنَيا}.الزخرف .32فقد ظلمته، شَتُهْم ِفي اْل َ
سْمَنا َبْيَنُهم ّمِعي َ
ن َق َ
حُتعالى َ{ :ن ْ
رجل يتقلب في نعمة موله التي تفضل بها عليه وقدرها له ولم يجعل لحد
ل منك؟؟ وإن فيها حظًا ول نصيبًا ،فمن يكون أظلم وأبخل وأرعن وأنقص عق ً
حسدته على قسمك فقد جهلت غاية الجهل ،فإن قسمك ل يعطى غيرك ول
ي َوَما َأَنا
ل َ{ :ما ُيَبّدُل اْلَقْوُل َلَد ّينتقل منك إليه ،حاش ل .قال ال عّز وج ّ
ل ل يظلمك فيأخذ ما قسم وقدر لك فيعطى لٍم ّلْلَعِبيِد}.ق .29إن ال عّز وج ّ
ظِّب َ
غيرك ،فهذا جهل منك وظلم لخيك ،ثم حسدك للرض التي هي معدن الكنوز
والذخائر من أنواع الذهب والفضة والجواهر مما جمعته الملوك المتقدمة من
عاد وثمود وكسرى وقيصر أولى من حسدك لجارك المؤمن أو الفاجر ،فإن ما
في بيته ل يكون جزءًا من أجزاء ألف ألف جزء مما هناك ،فما حسدك لجارك
إل كمثل رجل رأى ملكًا مع سلطانه وجنوده وحشمه وملكه وعلى أراضى
واجباته خراجها وارتفاعها لديه وتنعمه بأنواع النعم واللذات والشهوات فلم
يحسده على ذلك ثم رأى كلبًا بريًا يخدم كلبًا من كلب ذلك الملك يقوم ويقعد
ويصيح فيعطى من مطبخ الملك بقايا الطعام ورداءته فيتقوت به فأخذ يحسده
ويعاديه ويتمنى موته وهلكه وكونه مكانه وأن يخلفه في ذلك خسة ودناءة ل
زهدًا ودينًا وقناعة ،فهل يكون في الزمان رجل أحمق منه وأرعن وأجهل؟
ثم لو علمت يا مسكين ما سيلقى جارك غدًا من طول الحساب يوم القيامة إن لم
يكن أطاع ال فيما حوله وأدى حقه فيها ،وامتثال أمره وانتهاء نهيه فيها،
واستعان بها على عبادته وطاعته ما يتمنى انه لم يعط من ذلك ذرة ول رأى
نعيمًا يومًا قط،أما سمعت ما قد ورد في الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم
أنه قال ) :ليتمنين أقوام يوم القيامة أن تقرض لحومهم بالمقاريض مما يرون
لصحاب البلء من الثواب( فيتمنى جارك غدًا مكانك في الدنيا لما يرى من
طول حسابه ومناقشته وقيامه خمسين ألف سنة في حر الشمس في القيامة،
لجل ما يمتنع به من النعيم في الدنيا وأنت في معزل عن ذلك في ظل العرش
ل شاربًا متنعما فرحًا مسرورًا مستريحًا ،لصبرك على شدائد الدنيا وضيقها آك ً
ل فيما دبر وقضى وآفاتها وبؤسها وفقرها ،ورضاك وموافقتك لربك عّز وج ّ
من فقرك وغناء غيرك ،وسقمك وعافية غيرك ،وشدتك ورخاء غيرك ،وذلك
وعز غيرك ،جعلنا ال وإياك ممن صبر عند البلء ،وشكر على النعماء،
وفوض المور إلى رب السماء.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :من عامل موله بالصدق والنصاح،
استوحش مما سواه في المساء والصباح.
يا قوم ل تدعوا ما ليس لكم ،ووحدوا ،ول تشركوا ،وال إن سهام القدر
ل ،من كان في ال تلفه فعلى ال خلفه.
تصيبكم خدشًا ل قتا ً
المقالة الربعون
إن نظر إلى ظاهره رأى ما يسوؤه ،وإن نظر إلى قلبه وباطنه رأى ما يحزنه،
وإن سأل ال تعالى كشف ما به من الضر لم ير إجابته ،وإن طلب وعدًا جمي ً
ل
لم يجده سريعًا وإن وعد بشئ لم يعثر على الوفاء به ،وإن رأى رؤيا لم يظفر
ل ،وإنبتعبيرها وتصديقها ،وإن رام الرجوع إلى الخلق لم يجد إلى ذلك سبي ً
ظهرت له في ذلك رخصة فعمل بها تسارعت العقوبات نحوه وتسلطت أيدي
الخلق على جسمه وأسنتهم على عرضه ،وإن طلب القالة مما قد أدخل فيه
من الحالة الولى قبل الجتباء لم يقل ،وإن طلب الرضا أو الطيبة والتنعم بما
به من البلء لم يعط فحينئذ يأخذ النفس في الذوبان والهوى في الزوال
والرادة والماني في الرحيل والكوان في التلشي ،فيدام له ذلك بل يزداد
تشديدًا وعصرًا وتأكيدًا ،حتى إذا فني العبد من الخلق النسانية والصفات
سٌلك َهَذا ُمْغَت َ
جِل َ
ض ِبِر ْ
البشرية وبقى روحًا فقط يسمع نداء في باطنه {اْرُك ْ
ب}.ص .42كما قيل لسيدنا أيوب عليه السلم ،فيمطر ال عّز وج ّ
ل شَرا ٌ
َباِرٌد َو َ
في قلبه بحار رحمته ورأفته ولطفه ومنته ،ويحييه بروحه ويطيبه بمعرفته
ودقائق علومه ،ويفتح عليه أبواب رحمته ونعمته ودلله ،وأطلق إليه اليدي
بالبذل والعطاء والخدمة في سائر الحوال واللسن بالحمد والثناء ،والذكر
الطيب في جميع المحال ،والرجل بالترحال ،وذلك له وسخر له الملوك
والرباب ،وأسبغ عليه نعمة ظاهرة وباطنة ،تربيته ظاهرة بخلقه ونعمه،
ويستأثره تربيته باطنة بلطفه وكرمه ،وأدام له ذلك إلى اللقاء ،ثم يدخله فيما ل
ل وعل َ{ :ف َ
ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر ،كما قال ج ّ
ن}.السجدة .17 جَزاء ِبَما َكاُنوا َيْعَمُلو َ
ن َ
عُي ٍ
ي َلُهم ّمن ُقّرِة َأ ْ
خِف َ
س ّما ُأ ْ
َتْعَلُم َنْف ٌ
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :النفس لها حالتان ل ثالث لهما :حالة
عافية ،وحالة بلء ،فإذا كانت في بلء فالجزع والشكوى والسخط والعتراض
والتهمة للحق جل وعل ل صبر ول رضى ول موافقة ،بل سوء الدب
والشرك بالحق والسباب والكفر ،وإذا كانت في عافية فالشره والبطر وإتباع
الشهوات واللذات ،كلما نالت شهوة طلبت أخرى ،واستحقرت ما عندها من
النعم من مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح ومسكون ومركوب ،فتخرج لكل
واحدة من هذه النعم عيوبًا ونقصًا ،وتطلب أعلى منها وأسنى مما لم يقسم لها،
وتعرض عما قسم لها ،فتوقع النسان في تعب طويل ،ول ترضى بما في يديها
وما قسم لها ،فيرتكب الغمرات ويخوض المهالك في تعب طويل ل غاية له
ول منتهى في الدنيا ،ثم في العقبى ،كما قيل :إن من أشد العقوبات طلب ما ل
يقسم .وإذا كانت في بلء ل تتمنى سوى انكشافها وتنسى كل نعيم وشهوة ولذة
ول تطلب شيئًا منها ،فإذا عوفيت منها رجعت إلى رعونتها وشرها وبطرها
وإعراضها عن طاعة ربها وانهماكها في معاصيه ،وتنسى ما كانت فيه من
أنواع البلء والضر وما حل بها من الويل ،فترد إلى أشد ما كانت عليه من
أنواع البلء والضر ،لما اجترحت وركبت من العظائم فطمًا لها وكفًا عن
المعاصى في المستقبل ،إذ ل تصلح لها العافية والنعمة بل حفظها في البلء
والبؤس ،فلو أحسنت الدب عند انكشاف البلية ولزمت الطاعة والشكر
والرضى بالمقسوم لكان خيرًا لها دنيا وأخرى ،وكانت تجد زيادة في النعيم
والعافية والرضى من ال عز وجل والطيبة والتوفيق ،فمن أراد السلمة في
الدنيا والخرى فعليه بالصبر والرضا ،وترك الشكوى إلى الخلق وإنزال
حوائجه بربه عز وجل ولزوم طاعته وانتظار الفرج منه و النقطاع إليه عز
وجل ،إذ هو خير من غيره ومن جميع خلقه ،حرمانه عطاء ،عقوبته نعماء،
بلؤه دواء ،وعده نفذ ،قوله فعل مشيئة حاله {ِإّنَما} وقوله وأمره َأْمُرُه {ِإَذا
ن}.يس .82كل أفعاله حسنة وحكمة ومصلحة، ن َفَيُكو ُ
ن َيُقوَل َلُه ُك ْ
شْيئًا َأ ْ
َأَراَد َ
غير أنه طوى على المصالح من عباده وتفرد به ،فالولى واللئق بحاله
والرضى والتسليم ،واشتغاله بالعبودية من أداء الوامر وانتهاء النواهي
والتسليم في القدر ،وترك الشتغال في الربوبية التي هي علة القدار
ومحاربتها ،والسكوت عن لم وكيف ومتى؟ والتهمة للحق عز وجل في جميع
حركاته وسكناته ،وتستند هذه الجملة إلى حديث بن عباس رضي ال عنهما،
وهو ما روى عن عطاء بن عباس رضي ال عنهما قال :بينما أنا رديف
رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ قال لي :يا غلم "أحفظ ال يحفظك ،أحفظ
ال تجده أمامك ،فإذا سألت فاسأل ال ،وإذا استعنت فاستعن بال ،جف القلم بما
هو كائن" فلو جهد العباد أن يضروك بشئ لم يقضه ال عليك لم يقدروا عليه
فإن استطعت أن تعامل الناس بالصدق واليقين فاعمل ،وإن لم تستطع فإن
الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا .وأعلم أن النصرة بالصبر والفرج مع
الكرب ،وإن مع العسر يسرًا ،فينبغي لكل مؤمن أن يجعل هذا الحديث مرآة
لقلبه وشعاره ودثاره وحديثه ،فيعمل به في جميع حركاته وسكناته حتى يسلم
ل.
في الدنيا والخرة ويجد العزة فيهما ،برحمة ال عّز وج ّ
قـال قـّدس ال ســّره :ما سأل الناس من سأل إل لجهله بال عّز وجلّ
وضعف إيمانه ومعرفته ويقينه وقلة صبره ،وما تعفف من تعفف عن ذلك إل
ل في
ل وقوة إيمانه ويقينه وتزايد معرفته بربه عّز وج ّ
لوفور علمه بال عّز وج ّ
ل.
كل يوم ولحظة وحياته منه عّز وج ّ
وأما إذا كان السؤال بأمر فذلك مما يزيده قربًا كالصلة والصيام وغيرهما من
ل للمر.الفرائض والنوافل ،لنه يكون في ذلك ممتث ً
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :إن الناس رجلن :منعم عليه،
ومبتلى بما قضى ربه عز وجل ،فالمنعم ل يخلو من المعصية والتكدر فيما
أنعم عليه ،فهو في أنعم ما يكون من ذلك إذ جاء القدر بما يكدره عليه من
أنواع البليا من المراض والوجاع والمصائب في النفس والمال والهل
والولد فيتعظ بذلك ،فكأنه لم ينعم عليه قط وينسى ذلك النعيم وحلوته وإن
كان الغنى قائمًا بالمال والجاه والعبيد والماء والمن من العداء فهو في حال
ل {َفّعاٌل ّلَما
النعماء كأن ل بلء في الوجود ،كل ذلك لجهله بموله عّز وج ّ
ُيِريُد}.هود .107البروج .16يبدل ،ويحلى ويمر ،ويغنى ويفقر ،ويرفع ويخفض،
ويعز ويذل ويحيى ويميت ،ويقدم ويؤخر .لما اطمأن إلى ما به من النعيم ،ولما
اغتر به ،ولما أيس من الفرج في حالة البلء ،وبجهله أيضًا بالدنيا اطمأن إليها
وطلب بها صفاء ل يشوبه كدر ،ونسى إنها دار بلء وتنغيص ،وتكاليف
وتكدير وأن أصلها بلء وطارفها نعماء فهي كشجرة الصبر أول ثمرتها مر
وآخرها شهد حلو ،ل يصل المرء إلى حلوتها حتى يتجرع مرارتها ،فلن يبلغ
إلى الشهد إل بالصبر على المر ،فمن صبر على بلئها حلى له نعيمها ،إنما
يعطى الجير أجره بعد عروق جبينه وتعب جسده وكرب روحه وضيق
صدره وذهاب قوته وإذلل نفسه وكسر هواه في خدمة مخلوق مثله ،فلما
تجرع هذه المرائر كلها أعقبت له طيب طعام وإدام وفاكهة ولباس وراحة
وسرور ولو أقل قليل ،فالدنيا أولها مرة كالصحفة العليا من عسل في ظرف
مشوبة بمرارة ،فل يصل الكل إلى قرار الظرف ويتناول الخالص منه إل بعد
تناول الصحفة العليا ،فإذا صبر العبد على أداء أوامر الرب عز وجل وانتهاء
نواهيه والتسليم والتفويض فيما يجرى به القدر ،وتجرع مرائر ذلك كله
وتحمل أثقاله ،وخالف هواه وترك مراده .أعقبه ال عز وجل بذلك طيب
العيش في آخر عمره والدلل والراحة والعزة ،ويتوله ويغذيه كما يغذى
الطفل الرضيع من غير تكلف منه وتحمل مؤنة وتبعة في الدنيا والخرى كما
يتلذذ آكل المر من الصحفة العليا من العسل يأكله من قرار الظرف ،فينبغي
للعبد المنعم عليه أن ل يأمن مكر ال عز وجل فيغتر بالنعمة ويقطع بدوامها،
ويغفل عن شكرها ويرخى قيدها بتركه لشكرها .قال النبي صلى ال عليه
وسلم ) :النعمة وحشية فقيدوها بالشكر( فشكر نعمة المال العتراف بها للمنعم
المتفضل وهو ال عز وجل والتحدث بها لنفسه في سائر الحوال ورؤية فضله
ومنته عز وجل وأن ل يتملك عليه ول يتجاوز حده فيه ،ول يترك أمره فيه ،ثم
بأداء حقوقه من الزكاة والكفارة والنذر والصدقة ،وإغاثة الملهوف ،وافتقاد
أرباب الحاجات وأهلها في الشدائد عند تقلب الحوال وتبدل الحسنات
بالسيئات ،أعنى ساعات النعيم والرخاء بالبأساء والضراء .وشكر نعمة العافية
في الجوارح والعضاء في الستعانة بها على الطاعات والكف عن المحارم
والسيئات والمعاصي والثام فذلك قيد النعم عن الرحلة والذهاب ،وسقى
شجرتها وتنمية أغصانها وأوراقها ،وتحسين ثمرتها ،وحلوة طعمها وسلمة
عاقبتها ،ولذة مضغها ،وسهولة بلها ،وتعقب عافيتها وريعها في الجسد ،ثم
ظهور بركتها على الجوارح من أنواع الطاعات والقربات والذكار ،ثم دخول
العبد بعد ذلك في الخرة في رحمة ال عز وجل .والخلود في الجنان مع –
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا – فإن لم يفعل
ذلك واغتر بما ظهر من زينة الدنيا وبما ذاق من لذتها ،واطمأن إلى بريق
سرابها وما لح من بريقها وما هب من نسيم أول نهار قيظها ،ونعمومة جلود
حياتها وعقاربها ،وغفل وعمى عن سمومها القاتلة المودعة في أعماقها،
ومكامنها ومصايدها المنصوبة لخذه وحبسه وهلكه ،فليهنأ للردى وليستبش
بالعطف والفقر العاجل،مع الذل والهوان في الدنيا والعذاب الجل في النار
ولظى.
وأما المبتلى .فتارة يبتلى عقوبة ومقابلة لجريمة ارتكبها ومعصية اقترفها
وأخرى يبتلى تكفيرًا وتحميصًا ،وأخرى يبتلى لرتفاع الدرجات وتبليغ
المنازل العاليات ليلحق بأولى العالم من أهل الحالت والمقامات ،مما سبقت
لهم عناية من رب الخليقة والبريات ،وسيرهم مولهم ميادين البليات على
مطايا الرفق واللطاف ،وروحهم بنسيم النظرات واللحظات في الحركات
والسكنات ،إذ لم يكن ابتلهم للهلك والهواء في الدركات ،ولكن اخبرهم
بها للصطفاء والجتباء واستخراج بها منهم حقيقة اليمان وصفاها وميزها
من الشرك والدعاوى والنفاق،ونحلهم بها أنواع العلوم والسرار والنوار،
فجعلهم من اخلص الخواص ،ائتمنهم على أسراره ،وارتضاهم لمجالسته .قال
النبي صلى ال عليه وسلم ) :الفقراء الصبر جلساء الرحمن يوم القيامة( دنيا
وأخرى ،في الدنيا بقلوبهم وفى الخرة بأجسادهم ،فكانت البليا مطهرة
لقلوبهم من دون الشرك ،والتعلق بالخلق والسباب والماني والرادات،
وذوابة لها وسباكة من الدعاوى والهوسات ،وطلب العواض بالطاعات من
الدرجات والمنازل العاليات في الخرة في الفردوس والجنات.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :في قوله النبي صلى ال عليه وسلم
عن ربى عز وجل ) :من شغله ذكرى عن مسئلتى أعطيته أفضل ما أعطى
السائلين( وذلك أن المؤمن إذا أراد ال عز وجل اصطفاءه واجتباءه ،سلك به
الحوال وامتحنه بأنواع المحن والبليا فيفقره بعد الغنى ويضطره إلى مسألة
الخلق في الرزق عند سد جهاته عليه ،ثم يصونه عن مسألتهم ويضطره إلى
الكسب ويسهله وييسره له فيأكل بالكسب الذي هو السنة ،ثم يعسره عليه
ويلهمه السؤال للخلق ،ويأمره به بأمر باطن يعلمه ويعرفه ويجعل عبادته فيه
ومعصيته في تركه ،ليزول بذلك هواه وتنكسي نفسه وهى حالة الرياضة
فيكون سؤاله على وجه الجبار ل على وجه الشرك بالجبار ،ثم يصونه عن
ذلك ويأمره بالفرض منهم أمرًا جزمًا ل يمكنه تركه كالسؤال من قبل ثم ينقله
من ذلك ويقطعه عن الخلق ومعاملتهم ،فيجعل رزقه في السؤال له عز وجل
فيسأله جميع ما يحتاج إليه فيعطيه عز وجل ول يقطعه إن سكت وأعرض عن
السؤال ،ثم ينقله من السؤال باللسان إلى السؤال القلب فيسأله بقلبه جميع ما
يحتاج فيعطيه حتى أنه لو سأله جملة ظاهرًا وباطنًا ،فيناديه بجميع ما يصلحه
ويقوم به أوده من المأكول والمشروب والملبوس وجميع مصالح البشر من
غير أن يكون هو فيها أو تخطر بباله .فيتوله عز وجل وهو قوله عز وجل {
ن}.العراف .196فيتحقق
حي َ
صاِل ِ
ب َوُهَو َيَتَوّلى ال ّل اّلِذي َنّزَل اْلِكَتا َ
يا ّ
ن َوِلّيـ َ
ِإ ّ
حينئذ قوله عز وجل )من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى
السائلين( وهى حالة الفناء التي هي غاية أحوال الولياء والبدال ثم قد يرد
إلى التكوين فيكون جميع ما يحتاج إليه بإذن ال وهو قوله جل وعل في بعض
كتب "يا ابن آدم أنا ال الذي ل غليه إل أنا أقول للشئ كن فيكون ،أطعني
أجعلك تقول للشئ كن فيكون".
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :سألني رجل شيخ في المنام فقال :
ل ؟؟ فقلت :لذلك ابتداء وانتهاء فابتداؤه
أي شئ يقرب العبد إلى ال عّز وج ّ
الورع وانتهاؤه الرضى والتسليم والتوكل.
عن أمير المؤمنين سيدنا على بن أبى طالب رضي ال عنه قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم ) :إن مثل مصلى النوافل قبل الفرائض مثل حبلى
حملت فلما دنا نفاسها أسقطت فل هي ذات حمل ول هي ذات ولدة( كذلك
المصلى ل يقبل ال له نافلة حتى يؤدى الفريضة .ومثل المصلى كمثل التاجر
ل يخلص له ربحه حتى يأخذ رأس ماله ،وكذلك المصلى بالنوافل ل تقبل له
نافلة حتى يؤدى الفريضة ،وكذلك من ترك السنة واشتغل بنافلة لم ترتب مع
الفرائض ولم ينص عليها ويؤكد أمرها فمن الفرائض ترك الحرام والشرك
بال عز وجل في خلقه ،والعتراض عليه في قدره وقضائه وإجابة الخلق
وطاعتهم ،والعراض عن أمر ال عز وجل وطاعته ،قال النبي صلى ال
عليه وسلم ) :ل طاعة لملخوق في معصية خالق(.
فـي ذم الــنـــوم
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :من اختار النوم على الذي هو سبب
اليقظة فقد اختار النقص والدنى واللحوق بالموت والغفلة عن جميع
المصالح ،لن النوم أخو الموت ولهذا ل يجوز النوم على ال لما انتفى عز
وجل عن النقائض أجمع ،وكذلك الملئكة لما قربوا منه عز وجل نفى النوم
عنهم ،وكذلك أهل الجنة لما كانوا في أرفع المواضع وأطهرها وأنفسها
وأكرمها نفى النوم عنهم لكونه نقصًا في حالتهم ،فالخير كل الخير في اليقظة،
والشر كل الشر في النوم والغفلة ،فمن أكل بهواه أكل كثيرًا فشرب كثيرًا فنام
ل من الحرام كان كمن ل وفاته خير كثير ،ومن أكل قلي ً
كثيرا فندم كثيرًا طوي ً
أكل كثيرًا من المباح بهواه ،لن الحرام يغطى اليمان فل صلة ول عبادة ول
ل في النشاط إخلص ،ومن أكل من الحلل كثيرًا بالمر كان كمن أكل منه قلي ً
في العبادة والقوة ،فالحلل نور في نور ،والحرام ظلمة في ظلمة ،ل خير فيه .
أكل الحلل بهواه بغير المر ،وأكل الحرام مستجلبان للنوم ،فل خير فيه.
المقالة الخمسون
فـي الـــزهــــــد
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :الـزاهـد يثاب بسبب القسام مرتين
ل ،فل يأخذها بهواه و موافقة النفس ،بل يأخذها بمجرد يثاب في تركها أو ً
عد من المحقين و أهل المر ،فإذا تحققت عداوته لنفسه و مخالفته لهواه ُ
الولية و أدخل في زمرة البدال و العارفين أمر حنيئذ بتناولها و التلبس بها،
إذ هي قسمة لبد له منها لم تخلق لغيره ،جف بها القلم و سبق بها العلم ،فإذا
امتثل المر فتناول أو أطلع بالعلم فتلبس بها بجريان القدر و الفعل فيه من
غيري أن يكون هو فيه ،ل هوى و ل إرادة و ل همة أثيب بذلك ثانيًا ،هو
ممتثل للمر بذلك أو موافق لفعل الحق عز و جل فيه.
فإن قال قائل :كيف أطلقت القول بالثواب لمن هو في المقام الخير الذي
ذكرته من أنه أدخل في زمرة البدال و العارفين المفعول فيهم ،الفانين عن
الخلق و النفس و الهوية و الرادات و الحظوظ و الماني و العواض على
ل من ال عز و جل و نعمة العمال الذين يرون جميع طاعاتهم و عباداتهم فض ً
و رحمة و توفيقا و تيسيرًا منه عز و جل ويعتقدون أنهم عبيد ال عز و جل ،
و العبد ل يستحق على موله حقًا ،إذ هو برمته مع حركاته و سكناته و أكسابه
ملك لموله ،فكيف يقال في حقه يثاب و هو ل يطلب ثوابًا و ل عوضًا على
ل ،بل يرى نفسه من البطالين و أفلس المفلسين من فعله و ل يرى له عم ً
العمال.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :من أراد الخرة فعليه بالزهد في
الدنيا ،و من أراد ال فعليه بالزهد في الخرة ،فيترك دنياه لخرته و آخرته
لربه ،فما دام في قلبه شهوة من شهوات الدنيا و لذة من لذاتها و طلب راحة
من راحتها من سائر الشياء من مأكول و مشروب و ملبوس و منكوح و
مسكون و مركوب ،و ولية ،و رياسة و طبقة في علم من فنون العلم من الفقه
فوق العبادات الخمس ،و رواية الحديث و قراءة القرآن بروايته ،و النحو و
اللغة و الفصاحة و البلغة ،و زوال الفقر و وجود الغنى و ذهاب البلية و
مجيء العافية ،و في الجملة انكشاف الضر و نجئ النفع فليس بزاهد حقًا لن
كل واحد من هذه الشياء فيه لذة النفس و موافقة الهوى و راحة الطبع و حب
له ،و كل ذلك من الدنيا و مما يحبب البقاء فيها و يحصل السكون و الطمأنينة
إليها ،فينبغي أن يجاهد في إخراج جميع ذلك عن القلب ،و يأخذ نفسه بإزالة
ذلك و قلعه و الرضا بالعدم و الفلس و الفقر الدائم ،فل يبقى من ذلك مقدار
مص نواة ليخلص زهده في الدنيا ،فإذا تم له ذلك زالت الغموم و الحزان من
القلب و الكرب عن الحشا ،و جاءت الراحات و الطيب و النس بال كما قال
عز و جل ) :الزهد في الدنيا يريح القلب و الجسد ( فما دام في قلبه شئ من
ذلك فالهموم و الخوف و الوجل قائم في القلب و الخذلن لزم له ،و الحجاب
عن ال عز و جل وعن قربه متكاثف متراكم فل ينكشف جميع ذلك إل بزوال
حب الدنيا على الكمال و قطع العلئق بأثرها ،ثم يزهد في الخرة ،فل يطلب
الدرجات و المنازل العاليات و الحور و الولدان و الدور و القصور و البساتين
و المراكب و الخيل و الحلي و المآكل و المشارب و غير ذلك مما أعده ال
تعالى لعباده المؤمنين ،فل يطلب على عمله جزاء أو أجرًا من ال عز و جل
ل منه و
البتة دنيا و ل أخرى ،فحنيئذ يجد ال عز و جل فيؤتيه حسابه تفض ً
رحمة ،فيقربه منه و يدنيه و يلطف به و يتعرف إليه بأنواع ألطافه و بره كما
هو دأبه عز و جل مع رسله و أنبيائه و أوليائه و خواصه و أحبابه أولى العلم
به عز و جل فيكون العبد كل يوم في مزيد أمره مدة حياته .ثم ينتقل إلى دار
الخرة إلى ما ل عين رأت و ل أذن سمعت و ل خطر على قلب بشر ،مما
تضيق عنه الفهام و تعجز عن و صفه العبارات ،و ال أعلم.
المقالة الخامسة والخمسون
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ترك الحظوظ ثلث مرات :الولى
يكون العبد مارًا في عشواه متخبطًا فيه متصرفًا بطبعه في جميع أحواله من
غير تعبد لربه و لزم في الشرع يرده و ل جده من جدود ينتهي إليه عن
حكمه ،فبينما هو على ذلك ينظر ال إليه يعنى يرحمه ،فيبعث ال إليه واعظًا
من خلقه من عباده الصالحين فينبهه ،و يثنيه بواعظ من نفسه ،فيتضافر
الواعظان على نفسه و طبعه ،فتعمل الموعظة عملها ،فتبين عندها عيب ما
هي فيه من ركوب مطية الطبع و المخافة فتميل إلى الشرع في جميع
تصرفاتها فيصير العبد مسلمًا قائمًا مع الشرع فانيًا عن الطبع ،فيترك حرام
الدنيا و شبهاتها و منن الخلق ،فيأخذ مباح الحق عز و جل و حلل الشرع في
مأكله و مشربه و ملبسه و منكحه و جميع ما لبد منه ،لتحتفظ البنية و يتقوى
على طاعة الرب عز و جل ،و ليستوفى قسمه المقسوم له الذي ل يتجاوزه و
ل سبيل إلى الخروج من الدنيا قبل تناوله و التلبس به و استيفائه فيسير على
مطية المباح و الحلل في الشرع في جميع أحواله تنتهي به هذه المطية إلى
عتبة الولية و الدخول في زمرة المحققين و الخواص أهل العزيمة مريدي
الحق ،فيأكل بالمر ،فحينئذ يسمع نداء من قبل الحق عز و جل من باطنه:
أترك نفسك و تعال ،أترك الحظوظ و الخلق إن أردت الخالق ،و أخلع نعليك،
و دنياك و آخرتك ،و تجرد عن الكوان و الموجودات و ما سيوجد و الماني
بأسرها ،و تعر عن الجميع وافن عن الكل و تطيب بالتوحيد و أترك الشرك و
صدق الرادة .ثم وطء البساط بالدب مطرقًا ،ل تنظر يمينًا إلى الخرة و ل
ل إلى الدنيا و ل إلى الخلق و ل إلى الحظوظ ،فإذا دخل في هذا المقام ،و شما ً
تحقق الوصول جاءت الخلعة من قبل الحق عز و جل ،و غشيته أنواع
المعارف و العلوم و أنواع الفضل ،فيقال له :تلبس بالنعم و الفضل و ل تسئ
الدب بالرد وترك التلبس ،لن رد نعم الملك افتئاتا على الملك و استخفافًا
بحضرته و حينئذ يتلبس بالفضل و القسمة بال من غير أن يكون هو فيه و من
قبل كأن يتلبس بهواه و نفسه فله أربع حالت في تناول الحظوظ و القسام:
الولى بالطبع هو الحرام .و الثانية بالشرع و هو المباح و الحلل .و الثالثة
بالمر و هي حالة الولية و ترك الهوى .و الرابعة بالفضل و هي حالة زوال
الرادة و حصول البدلية و كونه مرادًا قائمًا مع القدر الذي هو فعل الحق و
هي حالة العلم و التصاف بالصلح ،فل يسمى صالحًا على الحقيقة إل وصل
ب َوُهَو َيَتَوّلى
ل اّلِذي َنّزَل اْلِكَتا َ
يا ّ
ن َوِلّيـ َ
إلى هذا المقام ،و هو قوله تعالىِ{ :إ ّ
ن}.العراف .196فهو العبد الذي كفت يده عن جلب مصالحه و منافعه و حي َ
صاِل ِ
ال ّ
عن رد مضاره و مفاسده ،كالرضيع مع الظئر ،و الميت الغسيل مع الغاسل،
فتتولى يد القدر تربيته من غير أن يكون له اختيار و تدبير ،فان عن جميع ذلك
ل و ل مقامًا و ل إرادة ،بل القيام مع القدرة ،تارة يبسط و تارة يغنى ول حا ً
تارة يفقر ،و يختار و ل يتمنى زوال ذلك و تغيره ،بل الرضى الدائم و
الموافقة البدية ،فهو آخر ما تنتهي أحوال الولياء قدست أسرارهم.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :إذا فني العبد عن الخلق و الهوى و
النفس و الرادة و الماني دنيا و أخرى و لم يرد إل ال عز و جل و خرج
الكل عن قلبه وصل إلى الحق ،و اصطفاه و اجتباه ،و أحبه و حببه إلى خلقه،
و جعله يحبه و يحب قربه ،و يتنعم بفضله و يتقلب في نعمه و فتح عليه أبواب
رحمته ،و وعده أن ل يغلقها عنه أبدًا ،فيختار العبد حينئذ ال ،و يدبر بتدبيره
و يشاء بمشيئته ،و يرضى برضاه يمتثل أمره دون غيره ،و ل يرى لغيره عز
ل ،فحينئذ يجوز أن يعده ال بوعد ثم ل يظهر للعبد وفاء و جل وجودًا و ل فع ً
بذلك ،و ل يغير ما قد توهمه من ذلك ،لن الغيرية قد زالت بزوال الهوى و
الرادة فصار في فعل ال عز و جل و إرادته فيصير الوعد حينئذ في حقه مع
ال عز و جل كرجل عزم على فعل شئ في نفسه و نواه ثم صرفه إلى غيره
كالناسخ و المنسوخ فيما أوحى ال عز و جل إلى نبينا محمد صلى ال عليه
خْيٍر ّمْنَها َأْو ِمْثِلَها
سَها َنْأتِ ِب َ
ن آَيٍة َأْو ُنن ِخ ِم ْ
سْ وسلم قوله عز و جل َ{ :ما َنن َ
يٍء َقِديٌر}.البقرة .106لما كان النبي صلى ال عليه ش ْ
ى ُكّل َعَل َ
ل َنا ّ َأَلْم َتْعَلْم َأ ّ
وسلم منزوع الهوى و الرادة سوى المواضع التي ذكرها ال عز و جل في
عِزيٌز ل َ خَرَة َوا ّ ل ُيِريُد ال ِ ض الّدنَْيا َوا ّ عَر َ ن َ القرآن من السر يوم بدر {ُتِريُدو َ
ظيٌم}.النفال .68–67 عِ عَذابٌ َ خْذُتْم َ
سُكْم ِفيَما َأ َ
ق َلَم ّ
سَب َ
ل َ نا ّب ّم َحِكيٌم * ّلْوَل ِكَتا ٌ َ
كذا قالوا ،و غيره و هو مراد الحق عز و جل لم يترك على حالة واحدة بل
نقله إلى القدر إليه فصرفه في القدر و قلبه منها ،نبهه بقوله تعالىَ{ :أَلْم َتْعَلْم
يٍء َقِديٌر}.البقرة .106يعنى أنك في بحر القدر تقلبك أمواجه ش ْ
ى ُكّل َ عَل َ
ل َ نا ّ َأ ّ
تارة كذا و تارة كذا ،فمنتهى أمر الولي ابتداء أمر النبي ما بعد الولية و البدلية
إل النبوة ،و ال أعلم.
المقالة السابعة والخمسون
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :الحوال قبض كلها ،لنه يؤمر
الولي بحفظها وكل ما يؤمر بحظفه فهو قبض ،والقيام مع القدر بسط كله ،لنه
ليس هناك شئ يؤمر بحفظه سوى كونه موجودًا في القدر ،فعليه أن ل ينازع
في القدر بل يوافق ول ينازع في جميع ما يجرى عليه مما يحلو ويمر.
الحوال معدودة فأمر بحفظ حدوده ،والفضل الذي هو القدر غير محدود
فيحفظ.
وعلمة أن العبد دخل في مقام القدر والفعل والبسط أنه يؤمر بالسؤال في
الحظوظ بعد أن أمر بتركها والزهد فيها ،لنه لما خل باطنه من الحظوظ ولم
ل بوسط فأمر بالسؤال والتشهي وطلب الشياء التي يبق غير الرب عّز و ج ّ
هي قسمه ،ولبد من تناولها والتوصل إليه بسؤاله ،ليتحقق كرامته عند ال عّز
ل عليه بإجابته إلى ذلك ،والطلق ل ومنزلته ،وامتنان الحق عّز و ج ّوجّ
بالسؤال في عطاء الحظوظ من أكثر علمات البسط بعد القبض ،والخراج
من الحوال والمقامات والتكليف في حفظ الحدود.
فإن قيل :هذا يدل على زوال التكلف والقول بالزندقة والخروج من السلم،
ن}.الحجر .99قيل ل يدلك اْلَيِقي ُ
حّتى َيْأِتَي َك َ عُبْد َرّب َ
ل َ{ :وا ْ ورد قوله عّز و ج ّ
على ذلك ول يؤدى إليه بل ال أكرم و وليه أعز عليه من أن يدخله في مقام
النقص والقبيح في شرعه ودينه ،بل يعصمه من جميع ما ذكر ويصرفه عنه
ويحفظه وينبهه ويسدده لحفظ الحدود ،فتحصل العصمة وتتحفظ الحدود من
ل َ{ :كَذِل َ
ك تكليف منه ومشقة ،وهو عن ذلك في غيبة في القرب قال عّز و ج ّ
ن}.يوسف .24وقال عّز صي َ
خَل ِ
عَباِدَنا اْلُم ْ ن ِ شاء ِإّنُه ِم ْح َسوَء َواْلَف ْعْنُه ال ّ
ف َ صِر َ
ِلَن ْ
ن}.الحجر .42السراء .65وقال تعالىِ{ :إّل طا ٌ سْل َ
عَلْيِهْم ُك َ س َل َ
عَباِدي َلْي َن ِل ِ{ :إ ّ وجّ
ن}.الصافات .160+128+74+40يا مسكين هو محمول الرب وهو صي َ
خَل ِ
ل اْلُم ْ
عَباَد ا ِّ
ِ
مراده ،وهو يربيه في حجر قربه ولطفه ،أنى يصل الشيطان غليه وتتطرق
القبائح والمكاره في الشرع نحوه؟ أبعدت النجعة وأعظمت الفرية وقلت قو ً
ل
فظيعًا ،تبًا لهذه الهمم الخسيسة الدنية والعقول الناقصة البعيدة و الراء الفاسدة
المتخلخلة ،أعاذنا ال والخوان من الضللة المختلفة بقدرته الشاملة ورحمته
الواسعة ،وسترنا بأستاره التامة المانعة الحامية ،وربانا بنعمه السابغة وفضائله
الدائمة بمنه وكرمه تعالى شأنه.
المقالة الثامنة والخمسون
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ل تخلو حالتك إما أن تكون بلية
أونعمة .فإن كانت بلية فتطالب فيها بالصبر ،وهو الدنى ،والصبر وهو أعلى
منه .ثم الرضا والموافقة ،ثم الفناء ،وهو للبدال ،وإن كانت نعمة فتطالب فيها
بالشكر عليها .والشكر باللسان والقلب والجوارح.
ل نظر إلى الغلم الحمال للهدية إنما النظر إلى الستاذ المنفذ المنعم بها قال
حَياِة الّدْنَيا َوُهْم
ن اْل َ
ظاِهرًا ّم َ
ن َ
ال تعالى في حق من عدم هذا المنظر َ{ :يْعَلُمو َ
ن}.الروم .7فمن نظر إلى الظاهر والسبب ولم يجاوز علمه غاِفُلو َ
خَرِة ُهْم َ
لِنا ْ
عِ
َ
ل لنظره في ومعرفته فهو الجاهل الناقص قاصر العقل ،إنما سمى العاقل عاق ً
العواقب.
وأما الشكر بالقلب ،فبالعتقاد الدائم .والعقد الوثيق الشديد المتبرم .إن جميع ما
بك من النعم والمنافع واللذات في الظاهر والباطن في حركاتك وسكناتك من
ال عز وجل ل من غيره ،ويكون شكرك بلسانك معبرًا عما في قلبك .وقد قال
عَلْيُكْم
سَبَغ َ
ل}.النحل .53وقال تعالى َ{ :وَأ ْ نا ّعز وجل َ{ :وَما ِبُكم ّمن ّنْعَمٍة َفِم َ
ل َلطَنًةً}.لقمان .20وقال تعالىَ{ :وِإن َتُعّدوْا ِنْعَمَة ا ّ ظاِهَرًة َوَبا ِ
ِنَعَمُه َ
صوَها}.النحل .18فمع هذا ل يبقى لمؤمن منعم سوى ال تعالى. ح ُ ُت ْ
المقالة الستون
فـي الـتـوقـف عـنـد كـل شـئ حـتـى يـتـبـيـن لـه إبـاحـة فـعـلـه
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :كل مؤمن مكلف بالتوقف و التفتيش
عند حضور القسام عن التناول و الخذ ،حتى يشهد له الحكم بالجابة ،و العلم
بالقسمة ،و المؤمن فتاش و المنافق لقاف .و قال صلى ال عليه و سلم
) المؤمن وقاف ( و قال صلى ال عليه و سلم ) :دع ما يريبك إلى ما ل
يريبك ( فالمؤمن يقف عند كل قسم من مأكول و مشروب و ملبوس و منكوح
و سائر الشياء التي تفتح له فل يأخذ حتى يحكم له بجواز الخذ و التناول
كحكمه إذا كان في حالة التقوى .أو حتى يحكم له بذلك المر إذا كان في حالة
الولية .أو حتى يحكم العلم في حالة البدلية و الغوثية ،و الفعل الذي هو القدر
المحض و هي حالة الفناء ،ثم تأتيه حالة أخرى تتناول كل ما يأتيه و يفتح له
ما لم يعترض عليه الحكم والمر والعلم ،فإذا اعترض أحد هذه الشياء امتنع
من التناول ،فهي ضد الولى.
ففي الولى الغالب عليه التوقف و التثبت .و في الثانية الغالب عليه التناول و
الخذ و التلبس بالفتوح .ثم تأتى الحالة الثالثة.
فالتناول المحض و التلبس بما يفتح من النعم من غير اعتراض أحد الشياء
الثلثة و هي حقيقة الفناء ،فيكون المؤمن فيها محفوظًا من الفات وخرق
حدود الشرع مصانًا مصروفًا عنه السواء ،كما قال ال تعالى َ{ :كَذِل َ
ك
ن}.يوسف .24فيصير صي َ
خَل ِ
عَباِدَنا اْلُم ْ
ن ِ
شاء ِإّنُه ِم ْ
ح َ
سوَء َواْلَف ْ
عْنُه ال ّ
ف َ
صِر َ
ِلَن ْ
العبد مع الحفظ عن خرق الحدود كالمقرض إليه المأذون له و المطلق له في
الباحات الميسر له الخير ،ما يأتيه قسمه المصفى له من الفات و التبعات في
الدنيا و الخرة ،و الموافق لرادة الحق و رضاه و فعله و ل حالة فوقها و هي
الغاية ،و هي السادة الولياء الكبار الخلص أصحاب السرار ،الذين أشرفوا
على عتبة أحوال النبياء صلوات ال عليهم أجمعين.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ما أكثر ما يقول المؤمن قرب فلن
و بعدت ،وأعطى فلن و حرمت ،وأغنى فلن و أفقرت و وفى فلن و
أسقمت ،و عظم فلن و حقرت ،و حمد فلن و ذممت ،و صدق فلن و كذبت.
أما يعلم أنه الواحد .وأن الواحد يحب الوحدانية في المحبة ،و يحب الواحد في
محبته.
إذا قربك بطريق غيره نقصت محبتك له عز و جل و شعبت فربما دخلك الميل
إلى من ظهرت المواصلة و النعمة على يديه ،فتنقص محبة ال في قلبك ،و هو
عز و جل غيور ل يحب شريكه فكف أيدي الغير عنك بالمواصلة و لسانه عن
حمدك و ثنائك و رجليه عن السعي إليك كيل تشتغل به عنه ،أما سمعت قول
النبي صلى ال عليه و سلم ) :جبلت القلوب على حب من أحسن إليها ( فهو
عز و جل يكف الخلق عن الحسان إليك من كل وجه و سبب حتى توحده و
تحبه ،و تصير له من كل وجه بظاهرك و باطنك في حركاتك و سكناتك ،فل
ترى الخير إل منه و ل الشر إل منه عز و جل ،و تفنى عن الخلق و عن
النفس ،و عن الهوى و الرادة و المنى ،و عن جميع ما سوى المولى ،ثم
يطلق اليدي إليك بالبسط و البذل و العطاء ،و اللسن بالحمد و الثناء فيدلك
ابدًا في الدنيا ثم في العقبى ،فل تسئ الدب ،انظر إلى من ينظر إليك ،و اقبل
على من أقبل إليك ،و أحب من يحبك و استجب من يدعوك و أعط يدك من
يثبتك من سقطك و يخرجك من ظلمات جهلك ،و ينجيك من هلكك و يغسلك
من نجاسك ،و ينظفك من أوسخاك ،و يخلصك من جيفك و نتنك ،و من
أوهامك الردية ،و من نفسك المارة بالسوء و أقرانك الضلل المضلين
شياطنيك ،و أخلئك الجهال قطاع طريق الحق الحائلين بينك و بين كل نفيس
و ثمين و عزيز.
إلى متى المعاد ،إلى متى الحق ،إلى متى الهوى ،إلى متى الرعونة ،إلى متى
الدنيا ،إلى متى الخرة ،إلى متى سوى المولى؟ أين أنت من خالقك و الشياء،
و المكون الول الخر الظاهر الباطن ،و المرجع و المصدر إليه ،و له القلوب
و طمأنينة الرواح و محط الثقال و العطاء و المتنان ،عز شأنه.
المقالة الثالثة والستون
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :رأيت في المنام كأني أقول يا مشرك
بربه في باطنه بنفسه و في ظاهره بخلقه و في عمله بإرادته ،فقال رجل إلى
جنبي ما هذا الكلم ،فقلت هذا نوع من أنواع المعرفة.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ضاق أبى المر يومًا فتحرك في
النفس ،فقيل لي :ماذا تريد؟؟ فقلت :أريد موتًا ل حياة فيه و حياة ل موت
فيها؟؟ فقيل لي :ما الموت الذي ل حياة فيه و ما الحياة التي ل موت فيها؟؟
قلت:
ل بل وجودي فيه ،و و أما الحياة التي ل موت فيها :فحياتي بفعل ربى عّز و ج ّ
ل ،فـكـانـت هـذه الرادة أنـفـس إرادة
الموت في ذلك وجودي معه عّز و ج ّ
أردتـهـا مـنـذ عـقـلـت.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ما هذا التسخط على ربك عّز و جلّ
من تأخير إجابة الدعاء؟؟ تقول حرم على السؤال للخلق و أوجب على السؤال
و أنا أدعوه و هو ل يجبيبنى فيقال لك أحر أنت أم عبد فإن قلت أنا حر فأنت
كافر وغن قلت أنا عبد ل ،فيقال لك أمتهم أنت لوليك في تأخير إجابة دعائك و
شاك في حكمته و رحمته بك و بجميع خلقه وعلمه بأحوالهم أو غير متهم له
ل ؟؟ فإن كنت غير متهم له و مقر بحكمته و إرادته و مصلحته لك و عّز و ج ّ
ل ،لنه اختار لك الصلح و النعمة و دفع تأخير ذلك فعليك بالشكر له عّز و ج ّ
الفساد ،و إن كنت متهمًا له في ذلك فأنت كافر بتهمتك له ،لنك بذلك نسبت له
الظلم و هو ليس بظلم للعبيد ،ل يقبل الظلم و يستحيل عليه أن يظلم إذ هو
مالكك و مالك كل شئ فل يطلق عليه اسم الظالم ،و إنما الظالم من يتصرف
في ملك غيره بغير إذنه فانسد عليك سبيل التسخط عليه في فعله فيك بما
يخالف طبعك و شهوة نفسك و إن كان في الظاهر مفسدة لك.
فعليك بالشكر و الصبر و الموافقة ،و ترك السخط و التهمة و القيام مع رعونة
النفس و هواها الذي يضل عن سبيل ال.
ل ،ووعليك بدوام الدعاء و صدق اللتجاء ،و حسن الظن بربك عّز و ج ّ
انتظار الفرج منه ،و التصديق بوعده ،و الحياء منه ،و الموافقة لمره ،و حفظ
توحيده و المسارعة إلى أداء أوامره ،و التماوت عن نزول قدره بك و بفعله
فيك ،و إن كان لبد أن تتهم و تسئ الظن فنفسك المارة بالسوء العاصية لربها
ل أولى بهما ،و نسبتك الظلم إليها أحرى من مولك .فاحذر موافقتها و عّز و ج ّ
موالتها ،و الرضى بفعلها و كلمها في الحوال كلها ،لنها عدوة ال و
عدوتك ،و موالية لعدو ال و عدوك الشيطان الرجيم ،هي خليلته و جاسوسته
و مصافيته ،ال ال ثم ال ،الحذر الحذر النجا النجا ،أتهمها و أنسب الظلم إليها
م}.النساءشَكْرُتْم َوآَمنُت ْ
ل ِبَعَذاِبُكْم ِإن َ
ل ّ{ :ما َيْفَعُل ا ّ
و اقرأ عليها قوله عّز و ج ّ
سُهمْن الّناسَ َأنُف َ شْيئًا َوَلـِك ّ
س َظِلُم الّنا َ
ل َل َي ْ
نا ّ
ل ِ{ :إ ّ
.147وقوله عّز و ج ّ
ن}.يونس .44و غيرها من اليات و الخبار. ظِلُمو َ
َي ْ
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ل تقل ل أدعو ال ،فإن كان ما أسأله
مقسومًا فسيأتي إن سألته أو لم أسأله ،و إن كان غير مقسوم فل يعطيني
ل جميع ما تريد و تحتاج إليه من خير الدنيا و بسؤال ،بل اسأله عّز و ج ّ
الخرة ما لم يكن فيه محرم و مفسدة لن ال تعالى أمر بالسؤال له و حث
ل َ{ :وَل ب َلُكْم}.غافر .60و قال عّز و ج ّج ْ
سَت ِ
عوِني َأ ْعليه .قال تعالى { :اْد ُ
ضِلِه}.النساء .32
ل ِمن َف ْ
سَأُلوْا ا ّ
ض{} َوا ْ
عَلى َبْع ٍ
ضُكْم َل ِبِه َبْع َ
ضَل ا ّ
َتَتَمّنْوْا َما َف ّ
قال النبي صلى ال عليه وسلم ) :اسألوا ال و أنتم موقنون بالجابة ( و قال
صلى ال عليه وسلم ) :اسألوا ال ببطون أكفكم ( و غير ذلك من الخبار .و
ل تقل إني أسأله فل يعطيني فإذا ل أسأله ،بل دم على دعائه ،فإن كان ذلك
مقسومًا ساقه إليك بعد أن تسأله ،فيزيد ذلك إيمانًا و يقينًا و توحيدًا و ترك
ل، سؤال الخلق و الرجوع إليه في جميع أحوالك و إنزال حوائجك به عّز و ج ّ
ل بالقصص. و إن لم يكن مقسومًا لك أعطاك الغناء عنه و الرضا عنه عّز و ج ّ
فإن كان فقرًا أو مرضًا أرضاك بهما و إن كان دينًا قلب الدائن من سوء
المطالبة إلى الرفق و التأخير و التسهيل إلى حين ميسرتك أو إسقاطه عنك أو
ل مال ثوابًا جزي ً نقصه ،فإن لم يسقط و لم يترك منه في الدنيا أعطاك عّز و ج ّ
لم يعطك بسؤالك في الدنيا ،لنه كريم غنى رحيم ،فل يخيب سائله في الدنيا و
ل فقد جاء في الحديث: ل و إما آج ً الخرة فلبد من فائدة ،و نائلة إما عاج ً
) المؤمن يرى في صحيفته يوم القيامة حسنات لم يعملها و لم يدر بها فيقال له
أتعرفها ؟ فيقول ما أعرفها من أين لي هذه ؟ فيقال له إنها بدل مسألتك التي
ل يكون ذاكرًا ال و موحدًا سألتها في دار الدنيا ( و ذلك أنه بسؤال ال عّز و ج ّ
و واضع الشئ في موضعه ،و معطي الحق أهله ،و متبرئًا من حوله و قوته،
و تاركًا للتكبر و التعظيم و النفة ،و جميع ذلك أعمال صالحة ثوابها عند ال
ل.
عّز و ج ّ
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :كلما جاهدت نفسك و غلبتها و قتلتها
بسيف المخالفة أحياها ال ،و نازعتك و طلبت منك الشهوات و اللذات الجناح
منها و المباح ،لتعود إلى المجاهدة ليكتب لك ثوابًا دائمًا ،و هو معنى قول
النبي صلى ال عليه وسلم ) :رجعنا من الجهاد الصغر إلى الجهاد الكبر (
أراد مجاهدة النفس لدوامها و استمرارها على الشهوات و اللذات ،و إنهماكها
حّتى َيْأِتَي َ
ك ك َ
عُبْد َرّب َ
ل َ{ :وا ْ
في المعاصي ،و هو معنى قوله عّز و ج ّ
ل لنبيه صلى ال عليه وسلم بالعبادة و هي ن}.الحجر .99أمر ال عّز و ج ّ
اْلَيِقي ُ
مخالفة النفس ،لن العبادة كلها تأباها النفس و تريد ضدها إلى أن يأتيه اليقين
يعنى الموت.
فإن قيل :كيف تأبى نفس رسول ال صلى ال عليه وسلم العبادة و هو عليه
حٌ
ي ن ُهَو ِإّل َو ْ
ن اْلَهَوى * ِإ ْعِق َط ُوالصلة و السلم ل هوى له {َوَما َين ِ
ل خاطب نبيه صلى ال عليه وسلم ليتقرر حى}.النجم .4–3فيقال أنه عّز و ج ّ ُيو َ
به الشرع فيكون عامًا بين أمته إلى أن تقوم الساعة .ثم إن ال عّز و ج ّ
ل
أعطى نبيه عليه الصلة و السلم القوة على النفس و الهوى ،كيل يضراه و
يحوجاه إلى المجاهدة ،بخلف أمته ،فإذا دام المؤمن على هذه المجاهدة إلى أن
ل بسيف مسلول ملطخ بدم النفس و الهوى يأتيه الموت و يلحق بربه عّز و ج ّ
ف َمَقاَم َرّبِه
خا َ ن َ
ل َ{ :وَأّما َم ْ
أعطاه ما ضمن له من الجنة ،لقوله عّز و ج ّ
ي اْلَمْأَوى}.النتزعات .41–40فإذا أدخله جّنَة ِه َ
ن اْل َ
ن اْلَهَوى * َفِإ ّ
عِ
س َ
َوَنَهى الّنْف َ
الجنة و جعلها داره و مقره و مصيره ،أمن من التحويل عنها و النتقال إلى
غيرها و العودة إلى دار الدنيا جدد له كل يوم و كل ساعة من أنواع النعيم و
تغير عليه أنواع الحال و الحلى إلى ما ل نهاية و ل غاية و ل نفاد ،كما جدد
في الدنيا كل يوم و كل ساعة و لحظة مجاهدة النفس و الهوى.
و أما الكافر و المنافق و العاصي لما تركوا مجاهدة النفس و الهوى في الدنيا
و تابعوها ،و وافقوا الشيطان تمرجوا في أنواع المعاصي من الكفر و الشرك
و ما دونهما حتى أتاهم الموت من غير السلم و التوبة ،أدخلهم ال النار التي
ن}.آلت ِلْلَكاِفِري َ
عّد ْ
ل َ{ :واّتُقوْا الّناَر اّلِتي ُأ ِ
أعدت للكافرين في قوله عّز و ج ّ
عمران .131فإذا أدخلهم فيها و جعلها مقرهم و صيرهم ،فأحرقت جلودهم و
ج ْ
ت ضَل ُ{ :كّلَما َن ِ ل جلودًا و لحومًا كما قال عّز و ج ّ لحومهم جدد لهم عّز و ج ّ
ل بهم ذلك كما وافقوا غْيَرَها}.النساء .56يفعل عّز و ج ّ جُلودًا َ
جُلوُدُهْم َبّدْلَناُهْم ُ
ُ
ل ،فأهل النار تجدد لهم كل أنفسهم و أهواءهم في الدنيا في معاصيه عّز و ج ّ
وقت جلود و لحوم ليصال العذاب و اللم إليهم .و سبب ذلك مجاهدة النفس
و عدم موافقتها في دار الدنيا و هذا معنى قول النبي صلى ال عليه وسلم :
) الدنيا مزرعة الخرة (.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :إذا أجاب ال عبدًا ما سأله و أعطاه
ما طلبه لم تنخرم إرادته و ل ما جف به القلم و سبق به العلم ،لكنه يوافق
ل في وقته ،فتحصل الجابة و قضاء الحاجة في سؤاله مراد ربه عّز و ج ّ
الوقت المقدر الذي قدره له في السابقة لبلوغ القدر وقته كما قال أهل العلم قوله
ن}.الرحمن .29أي يسوق المقادير إلى المواقيت،شْأ ٍ
ل ُ{ :كّل َيْوٍم ُهَو ِفي َ
عّز و ج ّ
يعطى ال أحدًا شيئًا في الدنيا بمجرد دعائه ،و كذلك ل يصرف عنه شيئًا
بدعائه المجرد ،و الذي ورد في الحديث ) و ل يرد القضاء إل الدعاء ( قيل
إن المراد به ل يرد القضاء إل الدعاء الذي قضى أن يرد لقضائه ،و كذلك ل
ل ،لكنه يعطى العباديدخل أحد الجنة في الخرة بعمله ،بل برحمة ال عّز و ج ّ
في الجنة الدرجات على قدر أعمالهم.
و قد ورد في حديث عائشة رضي ال عنها ) أنها سألت النبي صلى ال عليه و
سلم هل يدخل أحد الجنة بعمله؟ فقال ل برحمة ال ،فقالت و ل أنت؟ فقال و ل
أنا إل أن يتغمدني ال برحمته و وضع يده على هامته ( و ذلك لن ال عّز و
ل ل يجب عليه لحد حق و ل يلزمه الوفاء بالعهد ،بل يفعل ما يريد يعذب جّ
من يشاء و يغفر لمن يشاء ،و يرحم من يشاء ،فعال لما يريد و ل يسال عما
يفعل و هم يسئلون ،يرزق من يشاء بغير حساب بفضل رحمته و منته ،و يمنع
من شاء بعدله ،و كيف ل يكون كذلك و الخلق من لدن العرش إلى الثرى التي
هي الرض السابعة السفلى ملكه و صنعه ،ل مالك لهم غيره و ل صانع لهم
لِ}.فاطر .3و قال تعالى َ{ :أِإَلٌه غْيُر ا ّ ق َ خاِل ٍن َ ل َ{ :هْل ِم ْ غيره ،قال عّز و ج ّ
سِمّيا}.مريم .65و قال ل}.النمل .64–63–62–61–60و قال تعالى َ{ :هْل َتْعَلُم َلُه َ ّمَع ا ِّ
شاء ك ِمّمن َت َ ع اْلُمْل َ
شاء َوَتنِز ُ ك َمن َت َ ك ُتْؤِتي اْلُمْل َ ك اْلُمْل ِ
تعالى ُ :قِل الّلُهّم َماِل َ
يٍء َقِديٌر * ُتوِل ُ
ج ش ْى ُكّل َ عَل َ
ك َ خْيُر ِإّن َك اْل َشاء ِبَيِد َ شاء َوُتِذّل َمن َت َ َوُتِعّز َمن َت َ
ج اَلَمّي َ
ت خِر ُ
ن اْلَمّيتِ َوُت ْي ِم َحّ ج اْل َخِر ُ ج الّنَهاَر ِفي الّلْيِل َوُت ْ الّلْيَل ِفي اْلّنَهاِر َوُتوِل ُ
ب}.آل عمران .27–26 سا ٍ ح َشاء ِبَغْيِر ِ ق َمن َت َ ي َوَتْرُز ُ
حّ ن اْل َ
ِم َ
فقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه :ل أبالى على أي حال أصبح،
على ما أكره أو على ما أحب ،لني ل أدرى الخير في أيهما .قال ذلك لحسن
ل ،و الطمأنينة على اختياره و قضائه .قال ال رضاه بتدبير ال عّز و ج ّ
خْيٌر
شْيئًا َوُهَو َ
سى َأن َتْكَرُهوْا َ ع َعَلْيُكُم اْلِقَتاُل َوُهَو ُكْرٌه ّلُكْم َو َ
ب َ
تعالى ُ{ :كِت َ
ن}.البقرة .216
ل يَْعَلُم َوَأنُتْم َل َتْعَلُمو َ
شّر ّلُكْم َوا ّشْيئًا َوُهَو َ حّبوْا َ سى َأن ُت ِع َ
ّلُكْم َو َ
كن على هذا الحال إلى أن يزول هواك و تنكسر نفسك فتكون ذليلة مغلوبة
تابعة ثم تزول إرادتك و أمانيك ،و تخرج الكوان من قلبك و ل يبقى في قلبك
شئ سوى ال تعالى ،فيمتلئ قلبك بحب ال تعالى ،و تصدق إرادتك في طلبه
ل فيرد إليك الرادة بأمره بطلب حظ من الحظوظ دنيوية و أخروية، عّز و ج ّ
ل لمره ،إن أعطاك شكرته و ل بذلك و تطلبه ممتث ً
فحينئذ تسأله عّز و ج ّ
تلبست به ،و إن منعك لم تتسخط عليه و لم تتغير عليه في باطنك و ل تتهمه
في ذلك ببخل ،لنك لم تكن طلبته بهواك و إرادتك ،لنك فارغ القلب عن ذلك
ل لمره بالسؤال و السلم.غير مريد له ،بل ممتث ً
المقالة السبعون
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :كيف يحسن منك العجب في أعمالك
و رؤية نفسك فيها و طلب العواض عليها ،و جميع ذلك بتوفيق ال تعالى و
عونه و قوته و إرادته و فضله ،و إن كان ترك معصيته فبعصمته و حفظه و
حميته.
أين أنت من الشكر على ذلك و العتراف بهذه النعم التي أولكها ،ما هذه
الرعونة و الجهل ،تعجب بشجاعة غيرك و سخائه و بذل ماله إذا لم تكن قات ً
ل
بعودك إل بعد معاونة شجاع ضرب في عدوك ثم تمنيت قتله ،لوله كنت
ل لبعض مالك إل بعد ضمان صادق كريم مصروعًا مكانه و بدله ،و ل باذ ً
أمين ضمن لك عوضه و خلفه ،لول قوله و طمعك فيما وعد لك و ضمن لك
ما بذلت حبة منه ،كيف تعجبك بمجرد فعلك.
أحسن حالك الشكر و الثناء على المعين و الحمد ل الدائم و إضافة ذلك إليه في
الحوال كلها إل الشر و المعاصي و اللوم ،فإنك تضيفها إلى نفسك و تنسبها
إلى الظلم و سوء الدب و تتهمها به ،فهي أحق بذلك لنها مأوى لكل شر و
أمارة بكل سوء و داهية وإن كان هو عّز و جلّ خالقك و خالق أفعالك مع
ل :تجئ كسبك ،أنت الكاسب و هو الخالق كما قال بعض العلماء بال عّز و ج ّ
و ل بد منك ،و قوله صلى ال عليه و سلم ) :اعملوا و قاربوا و سددوا فكل
ميسر لما خلق له (.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :ل يخلو إما أن تكون مريدًا أو مرادًا.
فإن كنت مريدًا فأنت محمل و حمال يحمل كل شديد و ثقيل ،لنك طالب و
الطالب مشقوق عليه حتى يصل إلى مطلوبه و يظفر بمحبوبه و يدرك مرامه،
و ل ينبغي لك أن تنفر من بلء ينزل بك في النفس و المال و الهل و الولد،
إلى أن يحط عنك العمال ،و يزال عنك الثقال ،و يرفع عنك اللم و يزال
عنك الذى و الذلل ،فتصان عن جميع الرذائل و الدران و الوساخ و
المهانات و الفتقار إلى الخليقة و البريات ،فتدخل في زمرة المحبوبين
المدللين المرادين.
ل في إنزال البلية بك أيضًا ،و لو إن كنت مرادًا فل تتهمن الحق عّز و ج ّ
ل ،لنه قد يبتليك ليبلغك مبلغ الرجل،
تشكن في منزلتك و قدرك عنده عّز و ج ّ
و يرفع منزلتك إلى منازل الولياء.
أتحب ما يحط منزلتك عن منازلهم و درجاتك عن درجاتهم و أن تكون خلعتك
للو أنوارك و نعيمك دون ما لهم ،فإن رضيت أنت بالدون فالحق عّز و ج ّ
ن}.البقرة .232+216آل
ل َيْعَلُم َوَأنُتْم َل َتْعَلُمو َ
يرضى لك بذلك .قال تعالى َ{ :وا ّ
عمران .66النور .19يختار لك العلى و السنى و الرفع و الصلح و أنت تأبى.
فإن قلت :كيف يصلح ابتلء المراد مع هذا النعيم و البيان مع أن البتلء إنما
هو للمحب ،و المدلل إنما هو المحبوب.
ل خلف أن النبي صلى ال عليه و سلم كان سيد المحبوبين أشد الناس بلء ،و
قد قال صلى ال عليه و سلم ) لقد خفت في ال ما ل يخافه أحد ،و لقد أوذيت
في ال لم يؤذه أحد ،و لقد أتى علي ثلثون يومًا و ليلة و ما لنا طعام إل شيء
يواريه إبط بلل ( و قد قال صلى ال عليه و سلم ) إنا معاشر النبياء أشد
الناس بلء ثم المثل فالمثل ( و قد قال صلى ال عليه و سلم ) أنا أعرفكم بال
و أشدكم منه خوفًا ( فكيف يبتلى المحبوب و يخوف المدلل المراد و لم يكن
ذلك إل بما أشرنا إليه من بلوغ المنازل العالية في الجنة لن المنازل في الجنة
ل تشيد و ل ترفع بالعمال في الدنيا.
الدنيا مزرعة الخرة ،و أعمال النبياء و الولياء بعد أداء الوامر و انتهاء
النواهي و الصبر و الرضا و الموافقة في حالة البلء يكشف عنهم البلء و
يواصلون بالنعيم و الفضل و الدلل و اللقاء أبد الباد ،و ال أعلم.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :الذين يدخلون السواق من أهل الدين
و النسك في خروجهم إلى أداء ما أمر ال تعالى من صلة الجمعة و الجماعة
و قضاء حوائج تسنح لهم على أضرب :
مــنــهــم من إذا دخل السوق و رأى فيه من أنواع الشهوات و اللذات تقيد بهما
و علقت بقلبه فتن ،و كان ذلك سبب هلكه و تركه دينه و نسكه و رجوعه إلى
ل برحمته و عصمته و
موافقة طبعه و إتباع هواه إل أن يتداركه عّز و ج ّ
إصباره إياه عنها فتسلم.
و مــنــهــم من إذا رأى ذلك كاد أن يهلك بها رجع إلى عقله و دينه و تصبر و
تجرع مرارة تركها ،فهو كالمجاهد ينصره ال تعالى على نفسه و طبعه و
هواه ،و يكتب له الثواب الجزيل في الخرة .كما جاء في بعض الخبار عن
النبي صلى ال عليه و سلم أنه قال ) :يكتب للمؤمنين بترك شهوة عند العجز
عنها أو عند المقدرة سبعون حسنة ( أو كما قال.
و مــنــهــم من يتناولها و يتلبس بها و يحصلها بفضل نعمة ال عّز و جلّ التي
ل عليها.
عنده من سعة الدنيا و المال ،و يشكر ال عّز و ج ّ
ل رحمة لهم ،فتشغله و مــنــهــم من إذا دخل السوق امتل قلبه بال عّز و ج ّ
الرحمة لهم عن النظر إلى ما لهم و بين أيديهم فهو في حين دخوله إلى حين
خروجه في الدعاء و الستغفار و الشفاعة لهله و الشفقة و الرحمة عليهم و
ل بما أولى الكافة من
لهم ،و عينه مغرورقة و لسانه في ثناء و حمد ل عّز و ج ّ
نعمه و فضله فهذا يسمى شحنة البلد و العباد ،و إن شئت سميته عارفًا و بد ً
ل
ل محبوبًا مرادًا و نائبًا في الرض على عباده ،و و زاهدًا و عالمًا غيبًا و بد ً
ل و مرشدًا فهذا هو الكبريتسفيرًا و جهبذًا و نفاذا و هاديًا و مهديًا و دا ً
الحمر و بيضة العقعق ،رضوان ال عليه و على كل مؤمن مريد ل وصل
إلى انتهاء المقام ،و ال الهادي.
قـال رضـي ال تـعـالى عـنـه و أرضـاه :أول ما ينظر العاقل في صفة نفسه و
تركيبه ثم في جميع المخلوقات و المبدعات فيستدل بذلك على خالقها و
بمدعها ،لن فيه دللة على الصانع و في القدرة المحكمة آية على الحكيم ،فإن
الشياء كلها موجودة به.
و حـقـيـقـة الـفـقـر أن ل تـفـتـقـر عـلـى مـن هـو مـثـلـك و حـقـيـقـة الـغـنـى أن
تستغني عـمـن هـو مـثـلـك.
و الـتـصـوف لـيـس أخـذ عـن الـقـيـل و الـقـال و لـكـن أخـذ عـن الـجـوع و
قـطـع الـمـألـوفـات و الـمـســتـحـســنـات ،و ل تبدءا الـفـقـيـر بـالـعـلـم و
إبـدائـه بـالـرفـق ،فـإن الـعـلـم يـوحـشــه و الـرفـق يـؤنـســه.
فـي الــوصـــيـــة
و الـصـولـة عـلـى من هو دونك ضعف ،و على من هو فوقك فخر ،و على
من هو مثلك سوء خلق.
يـا ولــي عـلـيـك بذكر ال في كل حال فإنه للخير جامع .و عليك بالعتصام
بحبل ال فإنه للمضار دافع .و عليك بالتأهب لتلقى موارد القضاء فإنه واقع.
و أعـلـم أنـك مـســئـول عن حركاتك و سكناتك ،فاشتغل بما هو أولى في
الوقت و إياك و فضول تصرفات الجوارح.
و عـلـيـك بـحـســن الـظـن في المسلمين و إصلح النية لهم ،و تسعى بينهم في
كل خير ،و أن ل تبيت و لحد في قلبك شر و ل شحناء و ل بغض ،و أن
ل.
تدعو لمن ظلمك ،و راقب ال عّز و ج ّ
و عـلـيـك بأكل الحلل ،و السؤال لهل العلم بال فيما ل تعلم ،و عليك بالحياء
من ال سبحانه و تعالى.
عُدّو ّلي
يا هذا :ما ثم إل خلق وخالق ،فإذا اخترت الخالق فقل لهم َ{ :فِإّنُهْم َ
ن}.الشعراء .77
ب اْلَعاَلِمي َ
ِإّل َر ّ
ثم قال رضي ال عنه و أرضاه :من ذاق عرف ،فقيل له :من غلبت عليه
مرارة صفرته كيف يجد حلوة الذوق؟؟ فقال :يتعمل في الشهوات من قبله
بقصد وتكلف.
يا هذا :المؤمن إذا عمل صالحًا انقلبت نفسه قلبًا وأدرك مدركات القلب ،ثم
انقلب قلبه سرًا ثم انقلب الفناء فصار وجودًا وبقاء.
يا هذا :الفناء إعدام الخلئق ،وانقلب طبعك عن طبع الملئكة ،ثم الفناء عن
طبع الملئكة ،ثم لحوقك بالمنهاج الول ،وحينئذ يسقيك رّبك ما يسقيك،
ويزرع فيك ما يزرع.
إن أردت هذا فعليك بالسلم ثم الستسلم ،ثم العلم بال ثم المعرفة ثم
الـوجود .وإذا كان وجودك له كان كلك له.
الزهد عمل ساعة ،و الورع عمل ساعتين ،و المعرفة عمل البد.
المقالة الثامنة والسبعون
) الـرابـعـة ( أن يجتنب أن يلعن شيئًا من الخلق ،أو يؤذى ذرة فما فوقها ،لنها
من أخلق البرار و الصديقين ،و له عاقبة حسنة في حفظ ال تعالى في الدنيا
مع ما يدخر له من الدرجات ،و يستنقذ من مصارع الهلك ،و يسلمه من
ل.
الخلق ،و يرزقه رحمة العباد ،و يقربه منه عّز و ج ّ
) الـســابـعـة ( أن يجتنب النظر إلى المعاصي و يكف عنها جوارحه ،فإن ذلك
من أسرع العمال ثوابًا في القلب و الجوارح في عاجل الدنيا ،مع ما يدخره
ال له من خير الخرة .نسأل ال أن يمن علينا أجمعين و يعلمنا بهذه الخصال،
و أن يخرج شهواتنا عن قلوبنا.
) الـتـاســعـة ( ينبغي له أن يقطع طعمه من الدميين ،و ل يطمع نفسه فيما في
أديهم ،فإنه العز الكبر ،و الغنى الخاص ،و الملك العظيم ،و الفخر الجليل ،و
اليقين الصافي ،و التوكل الشافي الصريح و هو باب من أبواب الثقة بال عّز و
ل ،و هو باب من أبواب الزهد ،و به ينال الورع و يكمل نسكه ،و هو من
جّ
ل.
علمات المنقطعين إلى ال عّز و ج ّ
) الـعـاشــرة ( التواضع لنه به يشيد محل العابد و تعلو منزلته ،و يستكمل
العز و الرفعة عند ال سبحانه و عند الخلق ،و يقدر على ما يريد من أمر الدنيا
و الخرة و هذه الخصلة أصل الخصال و كلها و فرعها و كمالها ،و بها يدرك
العبد منازل الصالحين الراضين من ال تعالى في السراء و الضراء و هي
كمال التقوى.
و الـتـواضـع :هو أن ل يلقى العبد أحدًا من الناس إل رأى له الفضل عليه ،و
يقول عسى أن يكون عند ال خيرًا مني و أرفع درجة ،فإن كان صغيرًا قال
هذا لم يعص ال تعالى و أنا قد عصيت فل شك أنه خير مني ،و إن كان كبيرًا
قال هذا عبد ال قبلي ،و إن كان عالمًا هذا أعطي ما لم أبلغ ،و نال ما لم أنل،
ل قال هذا عصى ال بجهل و علم ما جهلت ،و هو يعمل بعلمه و إن كان جاه ً
و أنا عصيته بعلم ،و ل أدرى بما يختم لي و بما يختم له ،و إن كان كافرًا قال
ل أدرى عسى أن يسلم فيختم له بخير العمل ،و عسى أن أكفر فيختم لي بسوء
العمل ،و هذا باب الشفقة و الوجل ،و أولى ما يصحب و آخر ما يبقى على
العباد ،فإذا كان العبد كذلك سلمه ال تعالى من الغوائل ،و بلغ به منازل
ل و كان من أصفياء الرحمن و أحبائه ،و كان من أعداء النصيحة ل عّز و ج ّ
إبليس عدو ال لعنه ال و هو باب الرحمة ومع ذلك يكون قطع باب الكبر و
جبال العجب ،و رفض درجة العلو في نفسه في الدين و الدنيا و الخرة ،و هو
مخ العبادة ،و غاية شرف الزاهدين ،و سيما الناسكين ،فل شئ منه فضل ،و
مع ذلك يقطع لسانه عن ذكر العالمين و ما ل يعنى ،فل يتم له عمل إل به ،و
يخرج الغل و الكبر و البغي من قلبه في جميع أحواله ،و كان لسانه في السر و
العلنية واحدًا ،و مشيئته في السر و العلنية واحدة ،و كلمه كذلك ،و الخلق
عنده في النصيحة واحد ،و ل يكون من الناصحين ،و هو يذكر أحدًا من خلق
ال بسوء أو يعيره بفعل ،أو يحب أن يذكره عنده واحدا بسوء .و هذه آفة
العابدين ،و عطب النساك ،و هلك الزاهدين إل من أعانه ال تعالى و حفظ
لسانه و قلبه برحمته و فضله و إحسانه.
انه رضي ال تعالى عنه و أرضاه لما مرض مرضه الذي مات فيه و قال له
ابنه عبد الوهاب قدس سره ،أوصني يا سيدي بما أعمل به بعدك فقال رضي
ل ،و ل تخف أحدًا سوى ال تعالى عنه و أرضاه :عليك بتقوى ال عّز و ج ّ
ل ،و ل تعتمد إلال ،و ل ترج أحدًا سوى ال ،وكل الحوائج إلى ال عّز و ج ّ
عليه ،و أطلبها جميعًا منه تعالى ،و ل تتكل على أحد غير ال سبحانه ،التوحيد
التوحيد جماع الكل.
لل
و قال رضي ال تعالى عنه و أرضاه :إذا صح القلب مع ال عّز و ج ّ
يخلو منه شئ و ل يخرج منه شئ.
و قال رضي ال تعالى عنه لولده :أبعدوا من حولي فإني معكم بالظاهر و
مع غيركم بالباطن.
و قال رضي ال تعالى عنه :قد حضر عندي غيركم فأوسعوا لهم و تأدبوا
معهم ،هاهنا رحمة عظيمة ،و ل تضيقوا عليهم المكان.
و كان رضي ال تعالى عنه يقول :عليكم السلم و رحمة ال و بركاته ،غفر
ال لي و لكم ،تاب ال على و عليكم ،بسم ال غير مودعين .قال ذلك يوماً و
ليلة.
و قال رضي ال تعالى عنه :ويلكم أن ل أبالى بشئ ،ل بملك و ل بملك
الموت ،منح لنا من يتولنا سواك ،و صاح صيحة عظيمة و ذلك في اليوم
الذي مات في عشيته رضي ال تعالى عنه.
و أخبر ولداه الشيخ عبد الرزاق و الشيخ موسى قدست أسرارهما أن حضرة
الغوث رضي ال تعالى عنه كان يرفع يديه و يمدها و يقول :و عليكم السلم
و رحمة ال و بركاته ،توبوا و أدخلوا في الصف إذا جئ إليكم.
و كان رضي ال تعالى عنه يقول :أوقفوا ،ثم أتاه الحق و سكرة الموت.
و قال رضي ال تعالى عنه :بيني و بينكم و بين الخلق كلهم بعد ما بين
السماء و الرض ،فل تقيسوني بأحد و ل تقيسونا على أحد ،ثم سأله ولده
الشيخ عبد العزيز قدس سره عن ألمه و حاله فقال رضي ال تعالى عنه :ل
ل.
يسألني أحد عن شئ ،أنا أتقلب في علم ال عّز و ج ّ
و قال رضي ال تعالى عنه و قد سأله ولده الشيخ عبد العزيز قدس سره أيضًا
عن مرضه ،فقال رضي ال تعالى عنه :إن مرضى ل يعلمه أحد و ل يعقله
أحد إنس و ل جن و ل ملك ،ما ينقص علم ال بحكم ال ،الحكم يتغير و العلم
سَأُل
عنَدُه ُأّم اْلِكَتابِ}.الرعد – .39و – {َل ُي ْ
ت َو ِ
شاُء َوُيْثِب ُ
ل َما َي َ
حو ا ّ ل يتغير {َيْم ُ
ن}.النبياء .23أخبار الصفات تمر كما جاءت. سَأُلو َ
عّما َيْفَعُل َوُهْم ُي ْ
َ
و سأله ولده الشيخ عبد الجبار قدس سره :ماذا يؤلمك في جسمك؟ فقال
رضي ال تعالى عنه :جميع أعضائي تؤلمني إل قلبي فما به ألم و هو مع ال
ل ،ثم أتاه الموت فكان رضي ال تعالى عنه يقول :استعنت بل إلـهعّز و ج ّ
إل ال سبحانه و تعالى ،و الحي الذي ل يخشى الموت ،سبحان من تعزز
بالقدرة و قهر عباده بالموت ،ل إلـه إل ال محمد رسول ال.
و أخبر ولده الشيخ موسى قدس سره أنه قال :لما قربت وفاة حضرة الشيخ
رضي ال تعالى عنه و أرضاه كان يقول :تعزز و لم يؤدها على الصحة
فمازال يكررها حتى إذا قال تعزز و مد بها صوته و شدها حتى صاح لسانه،
ثم قال ال ال ال ثم خفي صوته و لسانه ملتصق بسقف حلقه ،ثم خرجت
روحه الكريمة رضوان ال تعالى عليه.
و ال أعلم