You are on page 1of 81

‫السطورة‪ :‬التأويل الفلسفي‬

‫ل ُّبالقضايا ُّالتي ُّتتهَمم ُّالفلسفة‪،‬‬


‫لن ُّنعتني ُّهنا ُّإ ل‬
‫أعني ُّقضايا ُّالمعنى ُّوالحقيقةة‪ُّ ،‬وسنترك ُّجانبا‬
‫المناقشات ُّالممعاصرة ُّحول ُّالسطورةة ُّفي ُّعلم ُّالناسةة‬
‫وفي ُّتاريةخ ُّالدأيان ُّالممتقاترةن‪ُّ ،‬وسنترك ُّأيضا ُّالسئلة‬
‫المتعلقة ُّبالصةل‪ُّ ،‬والتطور‪ُّ ،‬والوظيفة ُّالجتماعيةة‪ُّ ً.‬ل‬
‫ضةع ُّالسطورةة ُّعلى ُّالطلري ة‬
‫ق ُّالتي‬ ‫يتعلق ُّالمر ُّإذن ُّبتو ض‬
‫من ُّالممفتتتر ة‬
‫ض ُّأن ُّيكون ُّالدأين ُّقدأ ُّقطعهَا ُّمنذ ُّأشكاله‬
‫الكثر ُّبدأائية ُّحتى ُّالدأياةن ُّالمتقدأمة‪ُّ ،‬ول ُّأتضن ُّتنتساءتل‬
‫كيف ُّتتموقع ُّالسطورة‪ُّ ،‬باعتبارها ُّحقيقة ُّاجتماعية‬
‫ثقافية‪ُّ ،‬ضمن ُّمجموع ُّالظواهر ُّالجتماعية‪ُّ ً.‬ولن‬
‫نتناول ُّأيضا ُّالحوار ُّالذي ُّفتحه ُّمؤسسو ُّالثنولوجيا‬
‫الدأينية ُّالخاص ُّبمعرفة ُّما ُّإذا ُّكانت ُّالسطورة ُّتمثل‬
‫مرحلة ُّقبل‪-‬منطقية ُّوما ُّإذا ُّكان ُّشكل ُّتفسير ُّالشياء‬

‫‪1‬‬
‫الذي ُّتعتمدأه ُّدأال ُّعلى ُّعقلية ُّبدأائية ُّمتمنعة ُّعن‬
‫منط ة‬
‫ق ُّالشعوب ُّالممتتح ض‬
‫ضرة‪ُّ ً.‬سمينظر ُّإلى ُّالسطورة‬
‫هنا ُّباعتبارها ُّشكل ُّخطاب ُّميتنممي ُّادأعاء ُّالمعنى‬
‫والحقيقةة‪ُّ ً.‬وللما ُّكانت ُّالفلسفة ُّهي ُّالميدأان ُّالخر‬
‫الذي ُّيطرح ُّفيه ُّسؤال ُّالمعنى ُّوالحقيقة ُّبشكل ُّجذري‬
‫كان ُّالسؤال ُّعن ُّادأعاء ُّالسطورة ُّهذا ُّفي ُّعلقته‬
‫بالخطاب ُّالفلسفي؟‬

‫إن ُّالواقعة ُّالولية ُّالتي ُّمنهَا ُّتنحدأر ُّكل‬


‫النقاشات ُّاللحقة ُّهي ُّألن ُّالسطورة ُّمهَيأة ُّلتقييمين‬
‫متقابلين‪ُّ ،‬وكأنما ُّللعقل ُّ"غرضان" ُّمتضادأان‬
‫يتواجهَان ُّدأاخلهَا‪ُّ ً.‬فالعقل ُّمن ُّناحية ُّيدأين ُّالسطورة‪،‬‬
‫يقصيهَا ُّويطاردأها؛ ُّوقدأ ُّبدأأ ُّأفلطون ُّالكتاب ُّالثاني‬
‫للجمهَورية ُّبوجوب ُّالختيار ُّبين ُّالميتوس ُّواللوغوس‪،‬‬
‫وذلك ُّقبل ُّأن ُّيبتكر ُّهو ُّنفسه ُّأساطير‪ُّ ،‬رغم ُّأن‬
‫ل ُّبأساطير ُّهوميروس ُّوهزيودأ‬
‫المر ُّلم ُّيكن ُّمتعلقا ُّإ ل‬

‫‪2‬‬
‫وبفن ُّالتراجيدأيا؛ ُّغير ُّأن ُّعدأاء ُّالفلسفةة ُّللسطورة‬
‫عدأاء ُّمبدأئي‪ُّ :‬إذ ُّالبحث ُّعن ُّالساس‪ُّ ،‬وعن ُّحكمة‬
‫الوجودأ‪ُّ ،‬يقصي ُّحكاية ُّالخبار‪ُّ ً.‬ينبغي ُّإذن ُّأخذ‬
‫الساطير ُّباعتبارها ُّمجازا‪ُّ ،‬أي ُّأخذها ُّباعتبارها ُّلغة‬
‫غير ُّمباشرة ُّتختفي ُّدأاخلهَا ُّحقائق ُّفيزيائية ُّوأخلقية‬
‫أصيلة؛ ُّوالمساك ُّبهَذه ُّالحقائق ُّمن ُّتحت ُّالكساء‬
‫السطوري ُّيجعل ُّهذا ُّالكساء‪ُّ ،‬وقدأ ُّانخرم‪ُّ ،‬غير ُّذي‬
‫جدأوى؛ ُّهكذا ُّصنع ُّالسفسطائيون ُّردأا ُّعلى ُّحماس‬
‫أفلطون ُّالشاب‪ُّ ً.‬‬

‫ض ُّالعقلنةي ُّللسطورةة‪ُّ ،‬وقدأ ُّظاهره‬


‫هذا ُّاللرف ة‬
‫المدأافعون ُّالمسيحيون ُّعن ُّالمسيحية ُّضدأ ُّالوثنيين‪،‬‬
‫قدأ ُّانقلب ُّعلى ُّالمسيحية ُّذاتهَا ُّبفعل ُّعقلنيي ُّالقرن‬
‫الثامن ُّعشر‪ُّ :‬فـ"الخرافات" ُّإلما ُّأن ُّتكون ُّصبيانيات‪،‬‬
‫إوالما ُّأنهَا‪ُّ ،‬على ُّالعكس ُّمن ُّذلك‪ُّ ،‬أمثولت ُّمحكمة‬
‫اخترعهَا ُّالقساوسة ُّلخدأاع ُّالشعب‪ُّ ً.‬إن ُّتأويلت ُّالقرن‬

‫‪3‬‬
‫التاسع ُّعشر ُّالوضعية ُّتندأرج ُّضمن ُّنفس ُّالتوجه‪،‬‬
‫باعتبار ُّأن ُّالعلم ُّالحدأيث ُّوريث ُّاللوغوس ُّاليوناني‪ً.‬‬
‫فالساطير ُّالتي ُّاكتشفهَا ُّعلم ُّالدأيان ُّالمقارن‪،‬‬
‫وخصوصا ُّفي ُّالمجالين ُّالكبيرين‪ُّ :‬المجال ُّالسامي‬
‫من ُّناحية ُّوالمجال ُّالري ُّواليراني ُّمن ُّناحية ُّأخرى‪،‬‬
‫والساطير ُّالحية ُّالتي ُّاكتشفتهَا ُّالثنولوجيا‬
‫كالساطير ُّالسترالية ُّوالبولونيزية ُّوالهَندأية‪ُّ ،‬تندأرج‬
‫كلهَا ُّتحت ُّالميتوس ُّالغريقي‪ُّ ،‬مثلما ُّأن ُّالعقل‬
‫الحدأيث ُّيندأرج ُّتحت ُّاللوغوس ُّالغريقي‪ُّ ً.‬لقدأ ُّاستعادأ‬
‫العقل ُّالعلمي ُّفي ُّمواجهَة ُّالساطير ُّغير ُّالكلسيكية‬
‫حكم ُّالفلسفة ُّالقدأيم ُّحول ُّهوميروس ُّوهزيودأ‪ً.‬‬

‫إن ُّالنقدأ ُّالحدأيث ُّسليل ُّماركس ُّونيتشة ُّوفرويدأ‪،‬‬


‫رغم ُّاختلف ُّاستدأللته ُّعن ُّتلك ُّالتي ُّكانت‬
‫للعقلنية ُّالكلسيكية‪ُّ ،‬يندأرج ُّضمن ُّامتدأادأ ُّتطهَير‬
‫العقل ُّللسطورة‪ُّ ً.‬‬

‫‪4‬‬
‫إلن ُّالمفارقة ُّفي ُّهذه ُّالمواجهَة ُّأنهَا ُّلم ُّتستطع‬
‫أبدأا ُّالقضاء ُّعلى ُّالخصم؛ ُّفأفلطون ُّنفسه ُّيكتب‬
‫‪1‬‬
‫الساطير؛ ُّوفلسفته ُّتصدأر ُّعن ُّالسطورة ُّالورفية‬
‫وبطريقة ُّما‪ُّ ،‬تعودأ ُّإليهَا؛ ُّشيء ُّما ُّيقول ُّلنا ُّإن‬
‫ية‪ُّ ،‬وانهَا ُّليست‬
‫السطورة ُّل ُّتستنزفهَا ُّوظيفتهَا ُّالتفسير إ‬
‫يقة ُّقبل‪-‬علمية ُّللبحث ُّفي ُّالسباب‪ُّ ،‬وان‬
‫إ‬ ‫فحسب ُّطر‬
‫الوظيفة ُّالتمثيلية ُّنفسهَا ُّلهَا ُّقيمة ُّأولية ُّاستكشافية‬
‫بخصوص ُّبعض ُّأبعادأ ُّالحقيقة ُّالتي ُّل ُّتتماثل‬
‫والحقيقة ُّالعلمية؛ ُّفمن ُّالواضح ُّأن ُّالسطورة ُّتعبر‬
‫عن ُّقوة ُّخيال ُّوعرض ُّلم ُّنقل ُّعنهَما ُّشيئا ُّبعدأ ُّلشدأة‬
‫ما ُّاقتصرنا ُّعلى ُّاعتبار ُّهذه ُّالقوة ُّ"سيدأة ُّالخطإ‬
‫والبهَتان"‪ُّ ً.‬لقدأ ُّتعامل ُّالفلسفة ُّالعظماء‪ُّ ،‬سواء ُّكانط‬
‫أو ُّشيلينغ ُّأو ُّهيجل ُّأو ُّبرجسون ُّأو ُّهايدأغر‪ُّ ،‬مع ُّقوة‬
‫الخيال ُّهذه‪ُّ ً.‬ومهَما ُّكانت ُّالجابة ُّالتي ُّيقدأمونهَا ُّعن‬

‫‪ 1‬نسبة إلى الشاعر والموسيقي الذي ذكرته السطورة اليونانية‬


‫)م(‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫التساؤل ُّحول ُّكون ُّنوع ُّالخيال ُّالنطولوجي ُّالذي‬
‫تتضمنه ُّالسطورة ُّهو ُّفي ُّالنهَاية ُّأقلل ُّدأرجة ُّمن‬
‫الحقيقة ُّالقائمة ُّعلى ُّالنظام ُّالمفاهيمي‪ُّ ،‬فإن ُّتفكيرهم‬
‫المشترك ُّيهَدأف ُّنحو ُّغرابة ُّمتعالية ُّليست ُّالسطورة‬
‫ل ُّانبثاقا ُّعنهَا‪ً.‬‬
‫إل‬

‫ليس ُّالرهان ُّتحدأيدأ ُّوضع ُّالسطورة ُّفحسب ُّبل‬


‫تحدأيدأ ُّوضع ُّالحقيقة ُّالتي ُّنقترح ُّأن ُّنقيس ُّالسطورة‬
‫بهَا؛ ُّفالسؤال ُّفي ُّالنهَاية ُّهو ُّمعرفة ُّهل ُّأن ُّالحقيقة‬
‫العلمية ُّهي ُّكل ُّالحقيقة‪ُّ ،‬أم ُّأن ُّالسطورة ُّتقول ُّشيئا‬
‫ل ُّيمكن ُّأن ُّيقال ُّبطريقة ُّأخرى؛ ُّولن ُّتكون ُّالسطورة‬
‫عندأئذ ُّمجازا ُّ‪ُّ allé-gorique‬بل ُّستكون‪ُّ ،‬حسب‬
‫عبارة ُّشيلينغ‪ُّ ُّ ،‬تعضينةييا ُّ"‪ُّ 2:"tauté-gorique‬أي ُّأن‬

‫‪ 2‬لم نجد ترجمة لعبارة شيلينغ هذه ولذلك سعينا إلى ترجمتها‬
‫بعبارة "ّعينيي"ّ‪ .‬وقد ذكر شيلينغ هذه العبارة‪ ،‬على ما وجدناه في‬
‫الموسوعة الفلسفيية العالميية‪ ،‬في مدخل إلى فلسفة الميثولوجيا في‬
‫مقابل التصيور المجازي‪ ،‬وذلك لضبط مفهوم تتحيدد فيه الظواهر‬
‫الساسيية للعنصر السطوري‪ ،‬بذاتها‪ ،‬وليس بريدها‪ ،‬على طريقة‬
‫المجاز‪ ،‬إلى ما هو أشمل منها‪ .‬ويميثل التأويل العينيي بديل عن‬

‫‪6‬‬
‫السطورة ُّتقول ُّالشيء ُّعينه ُّوليس ُّشيئا ُّآخر‪ً.‬‬
‫وهكذا‪ُّ ،‬وضمن ُّالنقاش ُّحول ُّالسطورة‪ُّ ،‬يبقى ُّالسؤال‬
‫نفسه ُّحول ُّالحقيقة ُّمعلقا‪ُّ ً.‬‬

‫إن ُّالتناقض ُّهو ُّالتي‪ُّ :‬فمن ُّجهَة ُّيتعارض‬


‫الميتوس ُّواللوغوس‪ُّ ،‬ومن ُّجهَة ُّأخرى ُّيتلقيان‪،‬‬
‫حسب ُّاليتيمولوجيا ُّالقدأيمة ُّالتي ُّتماثل ُّبين ُّالميتوس‬
‫والكلم‪ً.‬‬

‫‪ .1‬لغة السطورةة‬
‫التأويل المجازي للعالم السطوري‪ ،‬وهو ما يعني أنه تأويل ينظر‬
‫إلى الصور السطوريية باعتبارها إنتاجا ذاتيا للعقل والتي يجب‬
‫ص يعطيها معنى وشكل‪ .‬وما‬ ‫أن تتفههم بذاتها انطلقا من مبدإ خا ي‬
‫دفعنا إلى اختيار كلمة "ّعينيي"ّ لترجمة عبارة شيلينغ إرجاع هذه‬
‫العبارة المر إلى "ّالذات"ّ في كليتها‪ ،‬من ناحية )وهو ما يفهم من‬
‫السابقة ‪ (tauté‬وفي خصوصييتها‪ ،‬من ناحية أخرى )وهو ما يفهم‬
‫من تقابلها مع طريقة الفهم المجازي(‪ ،‬فعين الشيء ذاته بقطع‬
‫النظر عن علقاته وامتداداته‪) .‬م(‪.‬‬
‫‪JACOB, André, Encyclopédie Philosophique‬‬
‫‪Universelle, II, Les Notions Philosophiques,‬‬
‫‪P.U.F., p 2545.‬‬

‫‪7‬‬
‫إذا ُّكانت ُّالسطورتة ُّقبل ُّكل ُّشيء ُّشكل ُّمن‬
‫الخطاةب‪ُّ ،‬فالواجب ُّبادأئ ُّذي ُّبدأء ُّأن ُّتدأرج ُّفي ُّإطار‬
‫العلوم ُّالسيميولوجية‪ُّ ً.‬هذه ُّالعلوم‪ُّ ،‬والتي ُّتمثل‬
‫اللسنية ُّفيهَا ُّرأس ُّالحربة‪ُّ ،‬توفر ُّفعل ُّلكل ُّعلوم‬
‫النساةن ُّنماذج ُّذات ُّ ُّكفاءة ُّعالية‪ُّ ً.‬غير ُّأنه ُّيوجدأ‬
‫طريقتان ُّلوضع ُّالسطورة ُّفي ُّالخط ُّالمتواصل‬
‫لللسنية‪ُّ ،‬والطريقتان ُّتعيدأان‪ُّ ،‬بوجه ُّما‪ُّ ،‬وضمن‬
‫المستوى ُّالسيميولوجي‪ُّ ،‬التناقض ُّالذي ُّقلنا ُّمنذ ُّحين‬
‫إنه ُّيهَيمن ُّعلى ُّمجموع ُّالعلقات ُّبين ُّاللوغوس‬
‫والميتوس‪ُّ :‬هكذا ُّسنطبق ُّعلى ُّالسطورة‪ُّ ،‬تباعا‪،‬‬
‫النموذج ُّالبنيوي‪ُّ ،‬النابع ُّمن ُّالصوتمية ُّوالعلئمية‬
‫البنيوية ُّوالذي ُّسيؤدأي ُّإلى ُّالتشدأيدأ ُّعلى ُّنسيج‬
‫السطورة ُّالتركيبي‪ُّ ،‬ثم ُّأنموذج ُّسيرورة ُّالمجاز‪،‬‬
‫والذي ُّيقودأ ُّإلى ُّإبراز ُّاللعبة ُّالدأاخلية ُّللمحتويات‬
‫السيميائية ُّذاتهَا‪ُّ ً.‬سنحاول ُّجاهدأين ُّبيان ُّأن ُّهذين‬

‫‪8‬‬
‫النموذجين‪ُّ ،‬ل ُّيقصي ُّأحدأهما ُّالخر‪ُّ ،‬بل‬
‫يتكاملن؛ ُّوسنبين ُّطرق ُّالمرور ُّمن ُّأحدأهما ُّإلى‬
‫الخر‪ُّ ً.‬‬

‫* النموذج بنائي‬

‫بالنسبة ُّإلى ُّكلودأ ُّليفي ُّستروس‪ُّ ،‬أهم ُّممثلي‬


‫هذه ُّالمدأرسة ُّفي ُّفرنسا‪ُّ ،‬يجب ُّأن ُّننظر ُّإلى‬
‫الميثولوجيا ُّباعتبارها ُّ"ميثو‪ُّ -‬منطق"‪ُّ ،‬أي ُّباعتبارها‬
‫ل ُّإذا‬
‫سمع ُّإ ل‬
‫واضعة ُّنوع ُّمن ُّالمنطق ُّل ُّيمكن ُّأن ُّيم ض‬
‫لجأنا ُّإلى ُّالفتراضات ُّالرئيسية ُّللنموذج ُّالبنيوي‬
‫للغة‪ُّ ُّ ً.‬‬

‫وطبقةا ُّلهَذا ُّالنموذج‪ُّ ،‬الذي ُّوسعه ُّف‪ُّ ً.‬دأي‬


‫سوسير ُّ‪ُّ ،ُّ Fً.ُّ deُّ Saussure‬ول‪ُّ ً.‬ت‪ُّ ً.‬يلمسلف‬
‫‪ُّ Lً.ُّ Tً.ُّ Hjelmslev‬وبنيويو ُّمدأرسة ُّبراغ‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫والشكلنيون ُّالروس‪ُّ ،‬فإن ُّاللسنية ُّل ُّيجب ُّأن ُّتأخذ‬
‫بعين ُّالعتبار ُّأحدأاث ُّاللغة ُّبل ُّقواعدأها؛ ُّومع ُّذلك‪،‬‬
‫وضمن ُّهذا ُّالتقابل ُّبين ُّاللسان ُّوالكلم‪ُّ ،‬ل ُّتنتبه‬
‫ل ُّإلى ُّحالت ُّالنظام ُّفي ُّفترة‬
‫النظريمة ُّالبنيوية ُّإ ل‬
‫ل ُّإلى ُّتكوين ُّهذا‬
‫معينة‪ُّ ،‬بعبارة ُّأخرى ُّل ُّتنتبه ُّإ ل‬
‫النظام ُّالني ُّل ُّإلى ُّتغيراته ُّوتاريخه ُّوزمانيته ُّ)وهذه‬
‫الفضيلة ُّالممنوحة ُّإلى ُّالنظام ُّعلى ُّحساب ُّالتاريخ‬
‫ذات ُّأهمية ُّعظمى ُّبالنسبة ُّإلى ُّما ُّسيلي ُّمن ُّنقاش(؛‬
‫والتحليل ُّالبنيوي‪ُّ ،‬من ُّجهَة ُّثالثة‪ُّ ،‬ل ُّينتبه ُّفي ُّنظام‬
‫ل ُّإلى ُّعلقات ُّالتقابل ُّوالتوليف ُّبين‬
‫اللسان ُّإ ل‬
‫ل ُّإلى ُّ"الشكل" ُّسواء ُّكان‬
‫العناصر‪ُّ ،‬أي ُّل ُّينتبه ُّإ ل‬
‫دألليا ُّأو ُّصوتميا ُّل ُّإلى ُّ"الجوهر"‪)ُّ ،‬ولهَذا ُّالتوجه‬
‫الشكلني ُّللتفسير ُّثقل ُّكبير ُّفي ُّمسألة ُّالسطورة(؛‬
‫وأخيرا ُّمن ُّجهَة ُّرابعة‪ُّ ،‬يجب ُّأن ُّيؤخذ ُّالنظام ُّباعتباره‬

‫‪10‬‬
‫مجموعة ُّمغلقة ُّعلى ُّذاتهَا‪ُّ ،‬بغض ُّالنظر ُّعن‬
‫المرجع ُّالواقعي‪ُّ ،‬وعن ُّنفسية ُّالمتكلمين ُّواجتماعيتهَم‪ً.‬‬

‫كيف ُّنضع ُّالسطورة ُّفي ُّبادأيء ُّالمر ُّفي‬


‫علقتهَا ُّبالتقابل ُّلسان‪-‬كلم؟ ُّتأتي ُّالسطورة ُّللوهلة‬
‫الولى‪ُّ ،‬في ُّصف ُّالكلم ُّباعتبارها ُّنوعا ُّمن ُّالسردأ‬
‫تتلحق ُّأطواره ُّفي ُّزمن ُّغير ُّقابل ُّللنكوص؛ ُّولكنهَا‬
‫تأتي ُّفي ُّصف ُّاللسان ُّعبر ُّتنظيم ُّعناصره‪ُّ ،‬الذي‬
‫يصنع ُّنظاما ُّزمنيا ُّواقعا ُّضمن ُّزمن ُّالنظمة ُّالقابل‬
‫للنعكاس‪ُّ ُّ ً.‬إنهَا ُّمهَمة ُّتفسير ُّالعبور ُّمن ُّالسطورة‬
‫المحكية ُّفي ُّزمن ُّمتعاقب ُّإلى ُّالبنى ُّالثابتة ُّالتي ُّل‬
‫تحكم ُّالوحدأات ُّالمتعاقبة ُّلسردأ ُّأسطورة ُّفي ُّرواية‬
‫معينة ُّفحسب‪ُّ ،‬وانما ُّتحكم ُّكذلك ُّالمدأونة ُّالكاملة‬
‫إ‬
‫المكونة ُّمن ُّمجموع ُّروايات ُّالسطورة ُّذاتهَا‬
‫وتنويعاتهَا‪ُّ ً.‬‬

‫‪11‬‬
‫هذا ُّالختيار ُّالول ُّيرتكز ُّعلى ُّفرضية ُّأن‬
‫الللغة‪ُّ ،‬في ُّكل ُّمستوياتهَا‪ُّ ،‬متجانسة؛ ُّبعبارة ُّأخرى‪،‬‬
‫إن ُّنفس ُّقوانين ُّالتقابل ُّوالتوليف ُّتحكم ُّالوحدأات‬
‫الصغر ُّمن ُّالجملة ُّ)الصواتم ُّ‪،phonèmes‬‬
‫والصياغم ُّ‪ُّ ،morphèmes‬والمعانم‬
‫‪ُّ (sémantèmes‬والوحدأات ُّالكبر ُّمن ُّالجملة‬
‫والتي ُّسنسميهَا ُّفي ُّالطار ُّالخاص ُّبالسطورة‪،‬‬
‫المياثم ُّ‪)ُّ mythèmes‬وذلك ُّلتأكيدأ ُّتجانس ُّكل‬
‫الوحدأات ُّالمكونة ُّللغة(‪ً.‬‬

‫ما ُّهي ُّهذه ُّالمياثم؟ ُّإنهَا ُّأقصر ُّجمل ُّممكنة‪،‬‬


‫صة‬
‫أي ُّأنهَا ُّعلقات ُّإسنادأية؛ ُّوهكذا ُّفكل ُّق ل‬
‫مصنوعة ُّمن ُّسلسلة ُّمن ُّهذه ُّالجمل‪ُّ ً.‬ولظهَار ُّالبنية‬
‫الثابتة ُّالتي ُّتربط ُّبينهَا ُّ)ومن ُّثمة ُّلكي ُّنطبق ُّعلى‬
‫السطورة ُّثاني ُّالفرضيات ُّالمذكورة ُّأعله( ُّنصنع‬
‫قوالب ُّتمكن ُّمن ُّالقراءة‪ُّ ،‬على ُّطريقة ُّالتقسيم‬

‫‪12‬‬
‫الوركسترالي‪ُّ ،‬لجدأول ُّالمياثم ُّالمزدأوج ُّالمدأخل‪ُّ :‬فقراءة‬
‫الخانات ُّالعمودأية ُّتظهَر ُّ"مجموعات ُّالعلقات" ُّالتي‬
‫تضعهَا ُّالقراءة ُّالفقية ُّدأاخل ُّتنوع ُّالعلقات ُّالتوليفية‪ً.‬‬

‫وهكذا ُّوفي ُّإعادأة ُّبناء ُّأسطورة ُّأودأيب ُّتتوزع‬


‫المياثم ُّعلى ُّأربع ُّخانات ُّعمودأية‪ُّ :‬ففي ُّالولى‪،‬‬
‫نضع ُّالعلقات ُّالعائلية ُّالتي ُّيبالغ ُّفي ُّتقدأيرها ُّ)يتزوج‬
‫أودأيب ُّأمه‪ُّ ،‬وتدأفن ُّأنتجونة ُّبولينيس(؛ ُّوفي ُّاللثانية‪،‬‬
‫نضع ُّالعلقات ُّالعائلية ُّغير ُّالمحترمة ُّأو ُّالمضادأة‬
‫دأيب ُّيقتل ُّأباه‪ُّ ،‬وايتوكل ُّيقتل ُّبولينيس(؛ ُّوفي‬
‫إ‬ ‫للقيم ُّ)أو‬
‫الثالثة‪ُّ ،‬نضع ُّالمياثم ُّالتي ُّتنكر ُّانتساب ُّالرجل ُّإلى‬
‫الرض‪ُّ ،‬أصله ُّالول‪ُّ )ُّ ،‬جرائم ُّقتل ُّالوحوش(؛ ُّوفي‬
‫الرابعة ُّأخي ةرا‪ُّ ،‬نضع ُّالمياثم ُّالتي ُّتذكر ُّبأن ُّالنسان‬
‫‪3‬‬
‫منغرس ُّبشكل ُّما ُّكأنه ُّنبات ُّ)قدأم ُّأودأيب ُّالمنتفخة(‪ً.‬‬

‫‪ 3‬هامش‪ :‬يستعمل ريكور عبارة ‪ plante‬وهي عبارة تدل على‬


‫النبات وعلى باطن القدم في آن واحد‪) .‬م(‬

‫‪13‬‬
‫إذا ُّاعتبرنا ُّالن ُّالتوليف ُّالذي ُّيخرج ُّمن‬
‫صلت ُّالتقابل ُّبين ُّمجموعات ُّالعلقات‪ُّ ،‬ظهَر ُّبألن‬
‫الخانة ُّالعمودأية ُّالرابعة ُّتمثل ُّبالنسبة ُّإلى ُّالثالثة ُّما‬
‫تمثله ُّالثانية ُّبالنسبة ُّإلى ُّالولى‪ُّ ً.‬يعلن ُّهذا ُّالتوازمن‬
‫في ُّالنةتسةب ُّالقانوتن ُّالبنيوي ُّللسطورة ُّالمعنية؛ ُّوهكذا‬
‫ت ُّالفرضية ُّالثالثة ُّللتحليل ُّالبنيوي‪ُّ :‬إذ ُّأبعدأ‬
‫ضتي ض‬‫أمر ة‬
‫ض‬
‫"الجوهر" ُّلصالح ُّ"الشكل"؛ ُّتبدأو ُّالسطورة‪ُّ ،‬حقةا‪ُّ ،‬أدأاة‬
‫منطقلية ُّتقيم ُّوساطات ُّواتصالت ُّبين ُّتعابير‬
‫متناقضة؛ ُّوهذه ُّالوساطات ُّذاتهَا ُّتمثل ُّانقلبات‬
‫واستبدأالت‪ُّ ،‬تدأخل ُّضمن ُّمجموعات ُّاللتحويةل؛‬
‫ويمكن ُّالقول ُّإن ُّالسطورة‪ُّ ،‬في ُّوظيفتهَا ُّ ُّالمنطقلية ُّ)‬
‫ويمكن ُّمنذ ُّالن ُّالحدأيث ُّعن ُّ"فكر ُّأسطوري"( ُّ"يبدأأ‬
‫من ُّالوعي ُّببعض ُّالتقابلت ُّوينحو ُّنحو ُّوساطتهَا‬
‫المتنامية" ُّ)الناسة ُّالبنيوية(‪ُّ ً.‬‬

‫‪14‬‬
‫هذا ُّالبناء ُّالمنطقي ُّيتهَضيأ ُّلمعالجة ُّرياضية‬
‫بنفس ُّالقدأر ُّالذي ُّتخضع ُّفيه ُّمجموعة ُّالتحول‬
‫المعنية ُّلقانون ُّالمجموعة‪ُّ ً.‬يجب ُّأن ُّنخلص ُّإذن ُّإلى‬
‫"أن ُّموضوع ُّالسطورة ُّهو ُّتوفير ُّأنموذج ُّمنطقي‬
‫لحل ُّتناقض" ُّ)المرجع ُّنفسه(؛ ُّوهذا ُّالمنطق ُّل‬
‫يختلف ُّفي ُّالنهَاية ُّعن ُّمنطقنا‪ُّ ،‬إنه ُّيطبق ُّعلى‬
‫أشياء ُّأخرى ُّل ُّغير‪ُّ ً.‬ولقدأ ُّأرضيت ُّالفرضية ُّالرابعة‬
‫في ُّنفس ُّاللحظة ُّالتي ُّأرضيت ُّفيهَا ُّالفرضية ُّالثالثة؛‬
‫فنظام ُّالدألة ُّنظام ُّمغلق‪ُّ ،‬كل ُّالعلقات ُّفيه ُّعلقات‬
‫تبعية ُّدأاخلية؛ ُّوالشارة ُّإلى ُّمرجع‪ُّ ،‬أو ُّةإلى ُّمتكلةم‪ُّ ،‬ل‬
‫يؤثر ُّفي ُّفهَمه‪ُّ ً.‬ونحن ُّأمام ُّالمثال ُّالجليدأ ُّعلى ُّذلك‬
‫هنا‪ُّ :‬إن ُّالتحليل ُّالبنيوي ُّللسطورة م‬
‫ة ُّيضخرجنا ُّتماما ُّمن‬
‫النقاش ُّالكلسيكي ُّالخاص ُّبدأرجة ُّحقيقة ُّالسطورة‬
‫باعتبارها ُّتفسيرا ُّللواقع‪ُّ ً.‬وهذا ُّل ُّيعني ُّأن ُّعالم‬
‫الناسة ُّمنغلق ُّفي ُّبنية ُّهي ُّبنية ُّالسطورة؛ ُّولكنه‬

‫‪15‬‬
‫يعني ُّفقط ُّأن ُّما ُّنسميه ُّ"واقعا" ُّل ُّيظهَر ُّباعتباره‬
‫مرجعا ُّللسطورة‪ُّ ،‬أي ُّباعتباره ُّذاك ُّالذي ُّقالت ُّحوله‬
‫السطورة ُّشيئا؛ ُّوالواقع‪ُّ ،‬وبدأرجة ُّأولى‪ُّ ،‬الواقع‬
‫الجتماعي ُّمكضون ُّهو ُّنفسه ُّمن ُّسلسلة ُّمن ُّالبنى‬
‫الخرى‪ُّ :‬مثال ُّذلك‪ُّ ،‬بنى ُّالقرابة‪ُّ ،‬بنى ُّالجماعات‬
‫والطبقات ُّالجتماعية‪ُّ ،‬تصنيف ُّاللنباتات ُّوالحيوانات‬
‫والشياء‪ُّ ،‬والحدأاث‪ُّ ،‬والوظائف‪ُّ ً.‬ويمكن ُّأن ُّتظهَر‪،‬‬
‫من ُّبنية ُّإلى ُّأخرى‪ُّ ،‬علقات ُّتماثل ُّ‪-‬بمعنى ُّترتيب‬
‫متطابق ُّللعناصر‪ُّ ً.-‬ويمكن ُّلنظام ُّهذه ُّالبنى ُّالكامل‬
‫أن ُّيكمون‪ُّ ،‬في ُّالنهَاية‪ُّ ،‬الظاهرة ُّالجتماعية ُّالكلية‪ً.‬‬
‫وليس ُّمستحيل‪ُّ ،‬في ُّمرحلة ُّمتقدأمة ُّمن ُّتطور ُّالعلم‪،‬‬
‫أن ُّنتصور ُّأن ُّتماثلت ُّأخرى ُّقدأ ُّتظهَر ُّبين ُّالنظمة‬
‫التي ُّبينتهَا ُّالعلوم ُّالسيميولوجية ُّوالنظمة ُّالتي‬
‫ستكشف ُّعنهَا ُّالفيزيلوجيا ُّاللحائية ُّوعلم ُّالوراثة‪ً.‬‬
‫وسيكون ُّهذا ُّأبعدأ ُّآفاق ُّالتفسير ُّالبنيوي ُّللساطير‪ً.‬‬

‫‪16‬‬
‫هكذا ُّإذن ُّتجدأ ُّبعض ُّالخطوط ُّالهَامة ُّللـ"ميثو‪-‬‬
‫منطق" ُّتدأعيما ُّعلى ُّأساس ُّتفسير ُّبنيوي ُّمعمم‪ُّ :‬أول‬
‫انتساب ُّالسطورة‪ُّ ،‬باعتبارها ُّسردأا‪ُّ ،‬إلى ُّمجموعة‬
‫البنى ُّالسيميولوجية‪ُّ ،‬ثانيا‪ُّ ،‬الخاصية ُّالشكلية ُّلنظام‬
‫التقابلت ُّوالتوليفات ُّالذي ُّيهَيمن ُّعلى ُّمجموع‬
‫المجال ُّالسيميولوجي‪ُّ ،‬أخيرا‪ُّ ،‬ولعل ُّهذا ُّهو ُّالهم‪،‬‬
‫وظيفة ُّالنتظامات‪ُّ ،‬وهي ُّوظيفة ُّلشعورية ُّقطعا‪،‬‬
‫التي ُّتضمن ُّخاصية ُّالنظام ُّالمنطقية‪ُّ ً.‬واذا ُّأصررنا‬
‫إ‬
‫على ُّهذه ُّاللنقطة ُّالخيرة‪ُّ ،‬فل ُّبدأ ُّأن ُّنقول ُّإن‬
‫السطورة ُّليست ُّمقول ُّقول ُّالناس‪ُّ ،‬بل ُّهم ُّبالحرى‪،‬‬
‫بما ُّهم ُّمتكلمون‪ُّ ،‬يسكنون ُّفيهَا ُّوليس ُّلهَم ُّعليهَا ُّمن‬
‫ل ُّما ُّبدأا ُّمن ُّسلطان ُّكل ُّمتكلم ُّعلى ُّآثار‬
‫سلطان ُّإ ل‬
‫المعنى ُّفي ُّالنظمة ُّالسيميولوجية‪ُّ ً.‬‬

‫اء ُّهذا ُّالتفسير‪ُّ ،‬وصلبته‪ُّ ،‬واقناعه‪،‬‬


‫إ‬ ‫ورغم ُّإغر‬
‫فإن ُّما ُّيمكن ُّوضعه ُّموضع ُّسؤال ُّهو ُّادأعاؤه‬

‫‪17‬‬
‫استنزاف ُّذكاء ُّالساطير؛ ُّلقدأ ُّأبعدأنا ُّمن ُّحقل‬
‫اعتبارنا ُّادأعاء ُّالسطورة ُّقول ُّشيء ُّما‪ُّ ،‬وهو ُّشيء‬
‫قابل‪ُّ ،‬باعتباره ُّرؤية ُّللعالم‪ُّ ،‬أن ُّيكون ُّصحيحا ُّأو‬
‫خاطئا‪ُّ ً.‬فما ُّتقوله ُّالسطورة ُّحول ُّالكون ُّوأصل‬
‫النسان ُّوأصل ُّاللهَة‪ُّ ،‬ل ُّيعنينا ُّفي ُّشيء؛ ُّإن‬
‫السطورة ُّليست ُّللفهَم ُّبل ُّلفك ُّرموزها ُّ)نفهَم ُّمن ُّهذا‬
‫العملية ُّالتي ُّتعاكس ُّتلك ُّالتي ُّنقوم ُّبهَا ُّعندأما ُّنؤول‬
‫رسالة ُّما ُّانطلقا ُّمن ُّشفرة ُّمعلومة؛ ُّإننا ُّهنا ُّنستخرج‬
‫الشفرة ُّالمجهَولة ُّمن ُّالرسالة ُّالمعلومة(‪ً.‬‬

‫ولكن ُّهل ُّيمكن ُّأن ُّنحذف ُّقصدأ ُّالسطورة‬


‫وهو ُّطموحهَا ُّإلى ُّأن ُّتقول ُّشيئا ُّعن ُّالواقع‪ُّ ً.‬يمكن‬
‫أن ُّنجدأ ُّدأاخل ُّالتفسير ُّالبنيوي ُّذاته ُّأثرا‪ُّ ،‬كأنه ُّالجرح‪،‬‬
‫لوجهَة ُّالنظر ُّالتي ُّيحذفهَا‪ُّ ً.‬إنهَا ُّترتكز ُّفعل ُّعلى‬
‫أنموذج ُّجزئي ُّللغة‪ُّ ً.‬وإيميل ُّبنفينيست ُّ ُّ‪Emile‬‬
‫‪ُّ ُّ Benveniste‬يصلر ُّفي ُّكل ُّأعماله ُّعلى ُّضرورة‬

‫‪18‬‬
‫أن ُّتضبتنى ُّاللغة ُّعلى ُّنظامين ُّمن ُّالوحدأات ُّل ُّعلى‬
‫م‬
‫نظام ُّواحدأ‪ُّ ً.‬وهذه ُّالوحدأات ُّهي‪ُّ ،‬من ُّناحية‪ُّ ،‬وحدأات‬
‫اللسان‪ُّ ،‬بمعنى ُّالصواتم ُّ‪ُّ ُّ phonèmes‬والصياغم‬
‫‪ُّ )ُّ morphèmes‬أو ُّالمعانم ُّ‪(sémantèmes‬‬
‫وهي‪ُّ ،‬من ُّناحية ُّأخرى‪ُّ ،‬وحدأات ُّالخطاب ُّالتي ُّهي‬
‫الجمل؛ ُّوهذا ُّالصنف ُّالثاني ُّمن ُّالوحدأات ُّل ُّيمكن‬
‫ردأه ُّإلى ُّالصنف ُّاللول‪ُّ ً.‬حقا‪ُّ ،‬إن ُّوحدأات ُّاللسان‬
‫تنتمي ُّإلى ُّأنظمة ُّالمكان ُّالخالص‪ُّ ،‬في ُّحين ُّأن‬
‫الوحدأات ُّالثانية ُّهي ُّقاعدأة ُّالحدأاث ُّالواقعية ُّالتي‬
‫هي ُّملفوظات ُّالخطاب؛ ُّوتكلون ُّهذه ُّالملفوظات ُّ‪-‬‬
‫وبالعبارة ُّالنحوية ُّالجمل‪ُّ -‬النتاج ُّالحقيقي ُّللغة‬
‫باعتبارها ُّالستعمال ُّاللمتناهي ُّبوسائل ُّمتناهية؛‬
‫فبقدأر ُّما ُّكان ُّالنظام ُّإمكانا ُّبقدأر ُّما ُّكان ُّفعل‬
‫الخطاب ُّزمنيا ُّوراهنا‪ُّ ً.‬‬

‫‪19‬‬
‫تحقق ُّاللغة ُّبهَذه ُّالوحدأات ُّالتي ُّمن ُّالدأرجة‬
‫الثانية ُّتنويعا ُّفي ُّالعمليات‪ُّ ،‬وهي ُّعمليات ُّتكسر‬
‫التجانس ُّالذي ُّيفترضه ُّكل ُّتحليل ُّبنيوي ُّبين ُّتتابع‬
‫الملفوظ ُّذي ُّالحجم ُّالكبير ُّوهو ُّالجملة ُّوبين ُّالوحدأات‬
‫القل ُّحجما؛ ُّفالجملة ُّترتكز ُّعلى ُّعمليات ُّمنيعة‬
‫مثل ُّالمرجع ُّالمعرف ُّللشياء ُّالمفردأة‪ُّ ،‬والعلقة‬

‫السنادأية ُّالتي ُّتتلقى‪ُّ ،‬من ُّخللهَا‪ُّ ،‬الوقائع ُّالمحضدأتدأةم‬


‫صضن م‬
‫ف ُّضمن ُّطبقات‬ ‫خصائص ُّأو ُّسمات‪ُّ ،‬أو ُّت ت‬
‫وأنواع‪ُّ ً.‬إن ُّهذه ُّالوظيفة ُّالمضاعفة ُّللمرجع ُّالمحدأدأ‬
‫وللعلقة ُّالسنادأية ُّهي ُّالتي ُّتضمن ُّإرساء ُّاللغة ُّفي‬
‫الواقع‪ُّ ً.‬وعبر ُّهذه ُّالوظائف‪ُّ ،‬وهي ُّوظائف ُّخاصة‬
‫ن ُّالملفوظ ُّبما ُّهو ُّملفوظ‪ُّ ،‬تقول‬
‫بالجملة ُّوهي ُّتتكمو م‬
‫م‬
‫اللغة ُّشيئا ُّما ُّعن ُّشيء ُّما‪ُّ ،‬في ُّنفس ُّالوقت ُّالذي‬
‫ت ُّخطابب ُّقادأرة ُّعلى ُّأن ُّتشير ُّإلى‬
‫ث ُّفيه ُّذا ت‬
‫تمضحدأة م‬
‫نفسهَا ُّباعتبارها ُّالنا ُّدأاخل ُّالملفوظات ُّذاتهَا‪ً.‬‬

‫‪20‬‬
‫إن ُّإبعادأ ُّهذه ُّالخصائص ُّللغة ُّمن ُّالنموذج‬
‫البنيوي ُّله ُّآثار ُّهامة ُّعلى ُّتأويل ُّالساطير؛ ُّذلك ُّأن‬
‫المسار ُّالمجازي ُّ)انظر ُّأسفله(‪ُّ ،‬باعتباره ُّتحويل‬
‫للمعنى ُّالذي ُّيمثل ُّجذر ُّكل ُّلغة ُّغير ُّمباشرة‪ُّ ،‬ينتمي‬
‫إلى ُّنفس ُّمجموعة ُّالخصائص ُّالتي ُّينتمي ُّإليهَا‬
‫البدأاع‪ُّ ،‬والمرجع‪ُّ ،‬والسنادأ ُّوالرجاع ُّإلى ُّذات ُّفي‬
‫الخطاب ُّمن ُّخلل ُّتعيينهَا‪ُّ ً.‬إن ُّتحويل ُّالدأللة‪ُّ ،‬وهي‬
‫لب ُّالمجاز‪ُّ ،‬ليست ُّسمة ُّمن ُّسمات ُّالبنية ُّاللغوية‪،‬‬
‫ولكنهَا ُّسمة ُّمن ُّسمات ُّعملية ُّالخطاب‪ُّ ً.‬‬

‫يمكننا ُّأن ُّنتساءل ُّألم ُّيلجأ ُّالتفسير ُّالبنيوي‬


‫ضمنيا ُّإلى ُّمعنى ُّالعناصر ُّأو ُّالعلقات‪ُّ ً.‬لن ُّغير‬
‫ذلك ُّسيكون ُّغريبا‪ُّ ،‬بما ُّأن ُّالسطورة ُّخطاب ُّبمعنى‬
‫مجموعة ُّملفوظات‪ُّ ،‬أي ُّجمل؛ ُّفعل‪ُّ ،‬إنه ُّلمن‬
‫الضروري ُّأن ُّنفهَم ُّكل ُّعنصر ُّفي ُّالسطورة ُّباعتباره‬
‫جملة ُّحتى ُّنستطيع ُّدأمجه ُّفي ُّحزمة ُّمن ُّالعلقات‬

‫‪21‬‬
‫ن ُّالميثم‪ُّ ً.‬ثم ُّيجب ُّعلينا ُّبعدأ ُّذلك ُّأن ُّنفهَم‬
‫التي ُّتتكمو م‬
‫م‬
‫حمدأ ُّفي ُّكل ُّخانة ُّالميثم ُّفيجعله ُّحزمة ُّعلقات‪:‬‬
‫ما ُّيتو م‬
‫م‬
‫علقات ُّأسرية ُّتدأعو ُّإلى ُّالجلل ُّوأخرى ُّتدأعو ُّإلى‬
‫الذلل‪ُّ ،‬أصالة ُّالنسان ُّوعدأم ُّأصالته ُّالنسان؛‬
‫صعوبة ُّ" ُّالتي ُّمن ُّالمفترض ُّأن‬
‫أخي ةرا‪ُّ ،‬إن ُّ" ُّال ل‬
‫تعالجهَا ُّالسطورمة ُّباعتبارها ُّآلة ُّمنطقلية ُّهي ُّبدأورها‬
‫"معنى"؛ ُّإنه ُّتناقض ُّفي ُّمستو ة‬
‫ى ُّالعتقادأات‪:‬‬
‫العتقادأات ُّفي ُّالصالة ُّمع ُّالعتراف ُّبنشأة ُّالنسان‬
‫من ُّاتحاةدأ ُّاللرجةل ُّوالمرأة‪ُّ ،‬الخ‪ُّ ً.‬إن ُّالسؤال ُّالثاوي ُّفي‬
‫ة‪ُّ ،‬حتى ُّوان ُّصغناه ُّالصياغة ُّالتالية‪"ُّ :‬هل‬
‫إ‬ ‫السطور‬
‫ل ُّمن ُّالمثل ُّأم ُّمن ُّالخر؟"‪ُّ ،‬يبقى ُّسؤال‬
‫ ُّالمضث م‬
‫ولمدأ ة‬‫مي ت‬
‫يخص ُّأصل ُّالنسان‪ُّ ،‬سؤالا ُّله ُّمعنى ُّباعتباره ُّسؤال‬
‫وجودأ‪ُّ ،‬وليس ُّباعتباره ُّفرصة ُّللعبة ُّمنطقية ُّل ُّغير؛‬
‫ل ُّفإن ُّالتقابلت ُّالمقترحة ُّتفتقدأ ُّفي ُّحدأ ُّذاتهَا ُّكل‬
‫إوا ل‬
‫معنى‪ُّ ً.‬هل ُّكان ُّمن ُّالممكن ُّأن ُّنفهَم‪ُّ ،‬دأون ُّأن ُّنكون‬

‫‪22‬‬
‫دأاخل ُّمستوى ُّالمضامين ُّذاتهَا‪ُّ ،‬هذه ُّالعبارة‪"ُّ :‬إن‬
‫العتناء ُّالزائدأ ُّبالقرابة ُّالدأموية ُّيكمن ُّفي ُّتقييم ُّمدأونةيي‬
‫لهَذه ُّالقرابة‪ُّ ،‬مثلما ُّأن ُّمجهَودأ ُّالهَروب ُّمن ُّالصالة‬
‫يكمن ُّفي ُّاستحالة ُّالنجاح ُّفيهَا" ُّ؟ ُّلن ُّيكون ُّممكنا ُّأن‬
‫نجدأ ُّبنية ُّمضادأة ُّإذا ُّلم ُّتكن ُّللجمل ُّالولية‪ُّ ،‬وللجمل‬
‫التي ُّمن ُّدأرجة ُّثانية ُّوهي ُّمجموعات ُّالعلقات‪،‬‬
‫وللجملة ُّالحاوية ُّوالتي ُّتمثل ُّالقضية ُّوالمعضلة‪ُّ ،‬في‬
‫حدأ ُّذاتهَا‪ُّ ،‬دأللةٌ‪ُّ ،‬بمعنى ُّإذا ُّلم ُّتكن ُّتقول ُّشيئا ُّعن‬
‫شيء‪ُّ ً.‬ويمكننا ُّعندأئذ ُّأن ُّنتساءل ُّإن ُّلم ُّيكن ُّالتحليل‬
‫البنيوي ُّيقوم ُّعلى ُّوضع ُّالوظيفة ُّالدأللية ُّالخاصة‬
‫بالسطورة ُّباعتبارها ُّحكاية ُّالبدأايات ُّبين ُّقوسين‪ُّ ً.‬‬

‫هذا ُّالنقدأ ُّل ُّيعني ُّأن ُّالتحليل ُّالبنيوي ُّل ُّطائل‬


‫من ُّورائه‪ُّ ،‬بل ُّعلى ُّالعكس‪ُّ ،‬يمكننا ُّالتأكيدأ‪ُّ ،‬من‬
‫الن‪ُّ ،‬أنه ُّيمثل‪ُّ ،‬مرحلة ُّأساسية ُّلظهَار ُّما ُّسنسميه‬
‫بـعلم ُّالدأللة ُّالعميق ُّللسطورة‪ُّ ،‬هذا ُّالعلم ُّالذي ُّيفلت‬

‫‪23‬‬
‫من ُّقراءة ُّتبقى ُّعلى ُّسطح ُّالمعنى‪ُّ ً.‬فهَنالك ُّقصدأ‬
‫للمعنى ُّموجودأ ُّفي ُّمستوى ُّمغاير ُّمن ُّالعمق ُّل ُّيمكن‬
‫ل ُّعبر ُّلعبة ُّالتقابلت ُّبين ُّالعلقات ُّالسرية‬
‫إظهَاره ُّإ ل‬
‫الجليلة ُّوالعلقات ُّالسرية ُّالمحتقرة‪ُّ ،‬وبين ُّالقرار‬
‫بالصالة ُّونفيهَا‪ُّ ً.‬ألما ُّعلم ُّالدأللة ُّالعميق ُّهذا ُّفإنه‬
‫يمكن ُّأن ُّنعتقدأ ُّأنه ُّل ُّيختلف ُّجوهريا ُّعن ُّ"الفكار"‬
‫التي ُّيمكن ُّأن ُّنصوغهَا ُّفي ُّالمستوى ُّالواضح ُّمن‬

‫الوعي‪ُّ ً.‬فكما ُّأنه ُّل ُّوجودأ‪ُّ ،‬حسب ُّليفي ُّستروس‪ُّ ،‬إلل‬


‫ل ُّلعلم ُّدأللة ُّواحدأ‪،‬‬
‫لفكر ُّمنطقي ُّواحدأ‪ُّ ،‬فل ُّوجودأ ُّإ ل‬
‫هو ُّهنا ُّعلم ُّدأللة ُّالبدأاية‪ً.‬‬

‫* الأنموذج الستعاري‪:‬‬

‫يمكن ُّللنموذج ُّاللثاني ُّلللغةة ُّأتضن ُّيرتبط ُّبالول‪ً.‬‬


‫لقدأ ُّكنا ُّنقول ُّإن ُّالملفوظ‪ُّ ،‬بما ُّهو ُّفعل ُّخطابي‪ُّ ،‬هو‬
‫الذي ُّتيضحممل ُّالمعنى ُّوالمرجعية‪ُّ :‬ما ُّنمقولمه ُّوعلما ُّنمقولمه‪ً.‬‬
‫ويجب ُّالن ُّأن ُّنضع ُّالسياق ُّالستعاري ُّالذي ُّتستندأ‬

‫‪24‬‬
‫عليه ُّالسطورة ُّدأاخل ُّإطار ُّعلم ُّالدأللة ُّهذا‪ُّ ً.‬هذا‬
‫العلم ُّالذي ُّبيضنا ُّمنذ ُّحين ُّاستحالة ُّإخضاعه ُّلـ"علم‬
‫ض‬
‫المعنى" ُّ)هذا ُّالمصطلح ُّأمةختذ ُّمن ُّبينفينست ُّالذي‬
‫يربط ُّبعلم ُّالمعنى ُّ‪ُّ sémiotique‬كل ُّما ُّيخص‬
‫وحدأات ُّاللسان ُّوبعلم ُّالدأللة ُّ‪ُّ sémantique‬كل ُّما‬
‫يخص ُّوحدأات ُّالخطاب‪ُّ ،‬أي ُّالملفوظات(‪ً.‬‬

‫لتنضبن ُّبشكل ُّتدأريجي ُّهذا ُّالأنموذج ُّالجدأيدأ‪ُّ :‬قبل‬


‫الاستعارات ُّالتي ُّتنجدأها ُّفي ُّلغتنا ُّوالتي ُّهي ُّمن‬
‫مشمولت ُّالبلغة‪ُّ ،‬هناك ُّما ُّيسميه ُّرومان‬
‫جاكوبسون ُّبـ"المسار ُّالستعاري"‪ُّ ً.‬فنظرية ُّالمسار‬
‫الستعاري ُّتواصل ُّتمييزا ُّتبضيتنمه ُّسوسير ُّفي ُّإطار ُّآلية‬
‫اللسان‪ُّ ً.‬وتعني ُّهذه ُّاللية ُّفي ُّرأيه ُّنوعين ُّمن‬
‫التوليفات ُّبين ُّالدألة‪ُّ :‬النوع ُّالول ُّذو ُّخاصية ُّتركيبية‬
‫يرتكز ُّعلى ُّنظام ُّتتالي ُّالدأوال ُّضمن ُّسلسلة ُّواحدأة‬
‫من ُّالملفوظات‪ُّ ً.‬إنه ُّاتصال ُّبحسب ُّالحضور ُّ‪in‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ُّ ،praesentia‬والنوع ُّالثاني ُّذو ُّخاصية ُّاستبدأالية‬
‫يرتكز ُّعلى ُّعلقات ُّالتشابه ُّالمكونة ُّلدأائرة ُّالترابط‬
‫التي ُّأتضنهَتمل ُّمنهَا‪ُّ ً.‬حقةا‪ُّ ،‬إن ُّلي‪ُّ ،‬كلما ُّتقدأم ُّبي‬
‫الخطاب‪ُّ ،‬وفي ُّكل ُّلحظة‪ُّ ،‬الخياتر ُّبين ُّكل ُّالكلمات‬
‫التي ُّيمكن ُّأن ُّتحتلل ُّنفس ُّالمكان ُّمن ُّالخطاب‪،‬‬
‫والتي ُّتدأفع‪ُّ ،‬في ُّالمقابل‪ُّ ،‬كل ُّواحدأة ُّمنهَا ُّالخرى‬
‫عنه‪ُّ ً.‬إن ُّالعلقة ُّبين ُّالتعابير ُّهنا ُّليست ُّعلقة‬
‫بحسب ُّالحضور ُّ ُّ‪ُّ inُّ praesentia‬بل ُّهي ُّعلقة‬
‫بحسب ُّالغياب ُّ‪ُّ ً.inُّ absentia‬يدأفع ُّجاكوبسون ُّهذه‬
‫الثنائية ُّنحو ُّمعنى ُّجذري‪ُّ :‬إنه ُّيرى ُّفي ُّالنوع ُّالوةل‬
‫من ُّالتوليف ُّمبدأأ ُّكل ُّاللسلسل ُّالتركيبية ُّلللغةة‪ُّ ،‬وفي‬
‫اللثاني‪ُّ ،‬مبدأأ ُّكل ُّالسلاسل ُّالدأللية‪ُّ ُّ ً.‬والنوع ُّالول ُّمن‬

‫التوليف‪ُّ ،‬الذي ُّميتذمكمر ُّبالترابط ُّعبر ُّالتصال‪ُّ ،‬ميتقابةلمهم‬


‫في ُّالمستوى ُّالبلغي ُّسياق ُّالكناية‪ُّ ً.‬والسلسلة‬
‫الدأللية ُّالتي ُّترتكز ُّعلى ُّالتماثل ُّميتقابةلمتهَا ُّما ُّكانت‬

‫‪26‬‬
‫البلغة ُّالقدأيمة ُّتسميه ُّالستعارة‪ُّ ً.‬وهكذا ُّليست‬
‫ل ُّتعبيرات‪ُّ ،‬في ُّمستويات‬
‫الستعارات ُّفي ُّلغتنا ُّإ ل‬
‫أرقى ُّمن ُّالخطاب‪ُّ ،‬عن ُّمسار ُّمتضمن ُّفي ُّكل‬
‫العمليات ُّاللغوية ُّوهو ُّمسار ُّيمكن ُّتسميته ُّبالمسار‬
‫الستعاري‪ُّ ً.‬وبهَذا ُّالمعنى ُّليست ُّالستعارة ُّأم ار‬
‫استثنائيا‪ُّ ،‬إنهَا ُّمرتبطة ُّبعملية ُّأساسية ُّفي ُّاللغة‪ُّ ً.‬‬

‫الخطوة ُّاللثانية ُّنحو ُّالمشكل ُّالخاص‬


‫بالسطورة ُّيرتكز ُّعلى ُّإدأراج ُّظاهرة ُّأدأ ض‬
‫ق ُّهي ُّظاهرة‬
‫المعنى ُّالمتعدأدأ‪ُّ ،‬والتي ُّتسمى ُّعادأة ُّبتعدأدأ ُّالدأللة‪ً.‬‬
‫فعل ُّإن ُّكلمات ُّاللغة ُّالعامية ُّلهَا ُّأكثر ُّمن ُّمعنى‪ً.‬‬
‫ففي ُّمقابل ُّاللغات ُّالتقنية ُّالتي ُّترتكز ُّعلى ُّالمعنى‬
‫الواحدأ‪ُّ ،‬أي ُّوحدأة ُّمعنى ُّالكلمات‪ُّ ،‬وعلى ُّاستقللية‬
‫هذا ُّالمعنى ُّبالنظر ُّإلى ُّالسياق‪ُّ ،‬فإن ُّلكلمات ُّاللغة‬
‫العادأية ُّأكثر ُّمن ُّمعنى ُّوتجدأ ُّفي ُّالسياق ُّما ُّيحدأدأ ُّلهَا‬
‫تخوم ُّقيمتهَا ُّالدأللية ُّالراهنة‪ُّ ً.‬هذه ُّالخاصية ُّالمزدأوجة‬

‫‪27‬‬
‫ليست ُّ"عيبا" ُّفي ُّاللغة ُّالعادأية ُّأو ُّ"مرضا" ُّبل ُّهي‬
‫شرط ُّعملهَا‪ُّ ً.‬فعلى ُّاللغة ُّممتوضحتدأة ُّالمعنى ُّأن ُّتكون‬
‫لمتناهية ُّلكي ُّتقول ُّالتنويعات ُّاللمتناهية ُّلخبرتنا‪ً.‬‬
‫ومع ُّذلك ُّفقدأ ُّتكون ُّهذه ُّاللغة ُّلغة ُّخاصة‪ُّ ،‬بما ُّأن‬
‫كل ُّهذا ُّوذاك ُّملما ُّينبغي ُّتسميته ُّل ُّيمثل ُّخبرة‬
‫لنهَائية ُّفحسب ُّبل ُّتعدأدأا ُّغير ُّمضبوط ُّللخبرات‬
‫الفردأية ُّالخاصة‪ُّ ً.‬ولذلك ُّل ُّيمكن ُّللغة ُّممتوضحتدأة ُّالمعنى‬
‫أن ُّتكون ُّلغة ُّتواصل ُّبالنسبة ُّإلى ُّالخبرة ُّالنسانية‬
‫الجمالية‪ُّ ً.‬أخي ةرا‪ُّ ،‬إضن ُّلغة ُّممتوضحتدأة ُّالمعنى ُّبشكل ُّكامل‬
‫قدأ ُّتكون ُّلغة ُّظرفية ُّل ُّتعكس ُّالمسار ُّالتراكمي‬
‫الخاص ُّبثقافة ُّفعلية‪ُّ ً.‬إن ُّالكلمات ُّالقادأرة ُّعلى‬
‫اكتساب ُّمعاني ُّجدأيدأة ُّمن ُّخلل ُّالستعمال‪ُّ ،‬دأون‬
‫تضييع ُّمعانيهَا ُّالقدأيمة‪ُّ ،‬هي ُّوحدأها ُّالتي ُّتمثل ُّهذه‬
‫الخاصية ُّالتراكمية‪ُّ ،‬النية ُّوالزمانية‪ُّ ،‬التي ُّتميز ُّلغة‬
‫الثقافة‪ً.‬‬

‫‪28‬‬
‫كيف ُّيؤدأي ُّمشكل ُّالمعنى ُّالمتكاثر ُّهذا ُّإلى‬
‫تتتعمقةل ُّاللغة ُّالرمزية؟ ُّإن ُّتعدأدأ ُّالمعنى‪ُّ ،‬بالنظر ُّإلى ُّأن‬
‫كلماتنا ُّتحتمل ُّأكثر ُّمن ُّمعنى‪ُّ ،‬والى ُّأنهَا ُّحقائق‬
‫إ‬
‫تاريخية ُّوليست ُّمجردأ ُّاختلفات ُّراهنة ُّدأاخل ُّنظام‬
‫آني‪ُّ ،‬والى ُّأنهَا‪ُّ ،‬من ُّثضم‪ُّ ،‬قلب ُّالمسار ُّالتراكمي ُّعبر‬
‫إ‬
‫الزمن‪ُّ ،‬يمثل ُّأساس ُّالظاهرة ُّالخاصة ُّالتي ُّتقوم ُّعلى‬
‫نقل ُّالمعنى ُّوالتي ُّنسميهَا ُّ"الستعارة"‪ُّ ً.‬إن ُّالستعارة‬
‫ليست ُّمجردأ ُّمسلك ُّبلغي‪ُّ ،‬فهَنالك ُّ"استعارية"‬
‫أساسية ُّتدأفع ُّإلى ُّتشكيل ُّحقول ُّدأللية‪ً.‬‬

‫لقدأ ُّكان ُّأرسطو ُّفي ُّكتابه ُّالشعر ُّقدأ ُّاعتبر ُّأن‬


‫الستعارة ُّهي ُّذلك ُّالتجاوز ُّالخاص ُّبالمقولت ُّوالذي‬
‫يمثله ُّ"نقل ُّاسم ُّشيء ُّإلى ُّشيء ُّغيره‪ُّ ،‬وهو ُّإلما ُّنقل‬
‫من ُّالجنس ُّإلى ُّالنوع‪ُّ ،‬أو ُّمن ُّالنوع ُّإلى ُّالجنس ُّأو‬
‫من ُّالنوع ُّإلى ُّالنوع‪ُّ ،‬أو ُّمن ُّخلل ُّالقياس"‪ُّ ً.‬إن‬
‫الستعارة ُّتقتحم ُّتصدأعات ُّالتصنيفات‪ُّ ،‬وهكذا ُّنسمي‬

‫‪29‬‬
‫الشيخوخة ُّ"مساء ُّالحياة"‪ُّ ،‬والشباب ُّ"فجر ُّالعمر"‪ً.‬‬
‫والستعارة ُّل ُّتقتحم ُّحدأودأ ُّالجناس ُّوالنواع ُّفحسب‬
‫بل ُّإنهَا ُّتسبق ُّعملية ُّالتقطيع ُّباعتبارها ُّ"مقارنة‬
‫مجملة" ُّمثلما ُّلحظ ُّذلك ُّكوينتيليان ُّ‪ً.Quintilien‬‬
‫ثمة ُّما ُّيمكن ُّتسميته ُّبـ"التجريدأ ُّالستعاري" ُّالذي‬
‫يرسم ُّقبل ُّكل ُّمفهَمة ُّوتصنيف ُّمنطقي ُّحدأودأ ُّمحيط‬
‫دأللة ُّالكلمات‪ُّ ً.‬وهكذا ُّفإن ُّالستعارة ُّهي‪ُّ ،‬كما ُّرأى‬
‫ذلك ُّبدأقة ُّجاكبسون‪ُّ ،‬وقبل ُّأن ُّيكون ُّهنالك ُّمعنى‬
‫حقيقي ُّومعنى ُّمجازي‪ُّ ،‬المسار ُّالتكويني ُّللحقول‬
‫الدأللية ُّذاتهَا‪ً.‬إننا ُّإذ ُّنتحدأث‪ُّ ،‬في ُّالبلغة‪ُّ ،‬عن ُّنقل‬
‫معنى ُّمن ُّالحقيقي ُّإلى ُّالمجازي‪ُّ ،‬فإننا ُّنتحدأث ُّعن‬
‫معنى ُّفرعي‪ُّ ً.‬فالتمييز ُّبين ُّالحقيقي ُّوالمجازي ُّتمييز‬
‫ثانوي ُّبالنسبة ُّإلى ُّانتمائهَما ُّالمشترك ُّإلى ُّحقل ُّدأللي‬
‫واحدأ‪ً.‬‬

‫‪30‬‬
‫لنقم ُّبالخطوة ُّالموالية‪ُّ :‬كيف ُّنمر ُّمن ُّتعدأدأ‬
‫معاني ُّكلماتنا ُّإلى ُّالخاصية ُّالرمزية ُّلخطابنا‪ُّ ً.‬عندأما‬
‫أستخدأم ُّكلمة ُّلهَا ُّمعاني ُّعدأيدأة‪ُّ ،‬فأنا ُّل ُّأستعمل ُّكل‬
‫قدأرات ُّالكلمة‪ُّ ،‬بل ُّأختار ُّجزءا ُّفقط ُّمن ُّالمعنى‪ً.‬‬
‫ولكن ُّما ُّبقي ُّمن ُّالمعاني ُّلم ُّيختف‪ُّ ً.‬إنه‪ُّ ،‬إن ُّأمكننا‬
‫القول‪ُّ ،‬معوق ُّويحوم ُّحول ُّالكلمة‪ُّ ً.‬وهنا ُّنجدأ ُّإمكان‬
‫التلعب ُّبالكلمات‪ُّ ،‬وامكان ُّالشعر‪ُّ ،‬واللغة ُّالرمزية‪ً.‬‬
‫إ‬
‫وبالفعل‪ُّ ،‬فعوض ُّأن ُّل ُّنحتفظ ُّمن ُّالتساع ُّالدأللي‬
‫ل ُّبالبعدأ ُّالذي ُّيدأعمه‬
‫للكلمات ُّالتي ُّتكون ُّالجملة ُّإ ل‬
‫"موضوع ُّالخطاب"‪ُّ -‬وهو ُّما ُّيمكن ُّأن ُّنسميه ُّبقطبه‬
‫الدأللي ُّ‪ُّ -‬فإنه ُّيمكنني ُّأن ُّأستخرج ُّمن ُّالثراء ُّالدأللي‬
‫ي ُّتأثيرات ُّسياقية ُّمن ُّجنس ُّآخر‪ُّ ً.‬وهكذا‬
‫الذي ُّبين ُّيدأ ل‬
‫فإن ُّكل ُّأبعادأ ُّالمعنى ُّفي ُّاللغة ُّالشعرية‪ُّ ،‬تتشارك ُّفي‬
‫نوع ُّمن ُّتعلدأدأ ُّنغمات ُّدأللية‪ُّ ً.‬فبدأل ُّأن ُّيممحص‬
‫السياق ُّبعدأا ُّمعنويا ُّواحدأا‪ُّ ،‬فإنه ُّمكضون ُّبشكل ُّيجعل‬

‫‪31‬‬
‫تكاثر ُّمعنى ُّالكلمات ُّل ُّأمرا ُّمباحا ُّفحسب‪ُّ ،‬بل‬
‫مصانا ُّومنشودأا‪ً.‬‬

‫هنالك‪ُّ ،‬إذن‪ُّ ،‬ثلثة ُّأشياء ُّينبغي ُّتمييزها ُّفي‬


‫عمل ُّاللغة ُّالرمزية‪ُّ :‬المسار ُّالستعاري ُّالعام ُّللغة‪،‬‬
‫وظاهرة ُّالمعنى ُّالمتكاثر ُّأو ُّتعدأدأ ُّالدأللت‪ُّ ،‬ثم ُّالبنية‬
‫السياقية ُّالتي‪ُّ ،‬عوض ُّأن ُّتقدأم ُّنوعا ُّمن ُّتمحيص‬
‫المعاني‪ُّ ،‬تؤسس ُّتعلدأدأ ُّنغمات ُّفي ُّمستوى ُّالخطاب‬
‫ذاته‪ُّ ً.‬هكذا ُّتنشأ ُّاللغة ُّالشعرية ُّالتي ُّهي ُّالقدأر ُّعلى‬
‫ة‪ُّ ،‬وانما ُّل ُّنصل‬
‫قول ُّما ُّل ُّيمكن ُّالوصول ُّإليه ُّمباشر إ‬
‫ل ُّعبر ُّمنعطف ُّالدأللت ُّغير ُّالمباشرة‪ُّ ً.‬بقي‬
‫إليه ُّإ ل‬
‫أن ُّنبين ُّأن ُّالرمزية ُّالثاوية ُّفي ُّالسطورة ُّتستندأ ُّعلى‬
‫هذا ُّالنوع ُّمن ُّبناء ُّالمعاني ُّوهو ُّبناء ُّل ُّيمكن ُّأن‬
‫ل ُّنظرية ُّفي ُّاللغة ُّتعتبر ُّاللغة ُّخطابا ُّل‬
‫تعتني ُّبه ُّإ ل‬
‫مجردأ ُّنظام ُّعلمات‪ً.‬‬

‫‪32‬‬
‫يفترض ُّالتأويل ُّالستعاري ُّللسطورة ُّأننا ُّل‬
‫دأ‪ُّ ،‬وانما ُّنركز ُّعلى‬
‫نتوجه ُّمباشرة ُّإلى ُّشكل ُّالسر إ‬
‫التركيبة ُّالرمزية ُّللتعابير ُّالمؤسسة ُّللخطاب‬
‫السطوري‪ُّ ً.‬وهو ُّما ُّيقوم ُّبه ُّالتحليل ُّالبنيوي ُّعندأما‬
‫يقسم ُّالسطورة ُّإلى ُّمياثم‪ُّ ً.‬ولكن ُّالتحليل ُّالبنيوي‬
‫يفترض ُّمسبقا ُّأن ُّوحدأة ُّتركيب ُّميثم ُّهي ُّبدأورها‬
‫واقعة ُّبنيوية ُّوهو ُّما ُّيمكننا ُّالشك ُّفيه‪ُّ ً.‬فالمسار‬
‫الستعاري ُّكما ُّميضفهَتمم ُّمن ُّالمثال ُّالمقضدأم ُّأعله‪ُّ ،‬مورط‬
‫في ُّعملية ُّالتمييز ُّبين ُّحزم ُّالعلقات ُّالتي ُّيحيل‬
‫عليهَا ُّالتحليل ُّعبر ُّالمياثم‪ُّ ً.‬وبذلك ُّيمكن ُّالفتراض‬
‫أن ُّالجانب ُّالبنيوي ُّوالجانب ُّالستعاري ُّمتلصقان‬
‫بقوة ُّفي ُّالتعبير ُّالسطوري‪ُّ ،‬كما ُّهو ُّحال ُّمسار‬
‫الكناية ُّومسار ُّالستعارة ُّفي ُّكل ُّلغة‪ُّ ،‬حسب‬
‫جاكبسون‪ً.‬‬

‫‪33‬‬
‫وكما ُّأن ُّهذين ُّالمسارين ُّيمازج ُّكل ُّواحدأ‬
‫منهَما ُّالخر‪ُّ ،‬بنسب ُّمتفاوتة ُّبكل ُّخطاب‪ُّ ،‬بحيث‬
‫يسودأ ُّأحيانا ُّمسار ُّالكناية ُّوأحيانا ُّأخرى ُّمسار‬
‫الستعارة‪ُّ ،‬فإن ُّالعالم ُّالسطوري ُّيبدأو ُّقادأرا ُّكذلك‬
‫على ُّأن ُّيتوزع ُّعلى ُّقطبين ُّيتحدأدأان ُّإلما ُّبحسب ُّغلبة‬
‫العامل ُّالنحوي ُّأو ُّبحسب ُّغلبة ُّالعامل ُّالستعاري‪ً.‬‬
‫وليس ُّمن ُّالصدأفة ُّأن ُّتؤخذ ُّأمثلة ُّليفي ُّستروس ُّمن‬
‫الحقل ُّالجغرافي ُّالذي ُّاعتبره ُّعلماء ُّالناسة ُّفي‬
‫الجيل ُّالسابق ُّالحقل ُّالطوطمي‪ُّ ،‬وليس ُّمن ُّالحقول‬
‫السامية ُّأو ُّالهَيلينية ُّأو ُّالهَندأو‪-‬أوروبية‪ُّ ً.‬يبدأو ُّالحقل‬
‫الثقافي ُّالطوطمي ُّمخصوصا ُّبتكاثر ُّالتركيبات‬
‫المنطقية ُّذات ُّاللون ُّالتصنيفي‪ُّ ً.‬فالطوطميون‪ُّ ،‬كما‬
‫بين ُّذلك ُّليفي ُّستروس‪ُّ ،‬بارعون ُّفي ُّتمييز ُّالحجارة‪،‬‬
‫والنباتات ُّوالحيوانات ُّوتصنيفهَا‪ُّ ،‬وهم ُّبارعون ُّأيضا‬
‫في ُّمنظمبم ُّمعقدأة ُّللقرابة‪ُّ ،‬بل ُّإن ُّأنظمتهَم ُّالجتماعية‬

‫‪34‬‬
‫ترتكز ُّعلى ُّتصنيف ُّالمعاملت ُّوعلى ُّتحويلت‬
‫دأقيقة ُّتشترك ُّجميعهَا ُّفي ُّالخاصية ُّالتصنيفية ُّذاتهَا‬
‫التي ُّتقوم ُّعليهَا ُّالساطير ُّنفسهَا‪ُّ ً.‬والسؤال ُّالمطروح‬
‫ألم ُّتجدأ ُّالمقاربة ُّالبنيوية ُّفي ُّالحقل ُّالطوطمي‬
‫موضوعا ُّمناسبا‪ُّ ،‬نمطا ُّمن ُّالسطورة ُّتكون‬
‫التقابلت ُّوالترابطات ُّفيه ُّأقلل ُّأهمية ُّمن ُّالمضامين‪ً.‬‬
‫ولهَذا ُّالسبب ُّفإن ُّاللجوء ُّإلى ُّالمسار ُّالستعاري‪ُّ ،‬في‬
‫هذا ُّالمثال ُّالقميم‪ُّ ،‬يمكن ُّأن ُّيبقى ُّضمنيا ُّومندأمجا‬
‫بطريقة ُّما ُّدأاخل ُّالمسار ُّالنحوي‪ً.‬‬

‫وليس ُّالمر ُّكذلك ُّبالنسبة ُّإلى ُّالطرف ُّالخر‬


‫من ُّالمدأى ُّالسطوري‪ُّ :‬فالساطير ُّالساملية ُّوأساطير‬
‫ك‪ُّ ،‬مثل‬
‫ما ُّقبل ُّالعصر ُّالهَيليني ُّمستعدأة‪ُّ ،‬ل ُّش ل‬
‫غيرها‪ُّ ،‬لنفس ُّالمعالجة ُّالبنيوية‪ُّ ،‬ولكن ُّالصلة ُّفيهَا‬
‫بين ُّالمسار ُّالنحوي ُّوالمسار ُّالستعاري ُّتبدأو ُّمقلوبة‬
‫فعل‪ُّ ً.‬فالتنظيم ُّالنحوي ُّفيهَا ُّضعيف‪ُّ ،‬والتماسك ُّبين‬

‫‪35‬‬
‫التصنيفات ُّالطبيعية ُّوالجتماعية ُّأكثر ُّمرونة‪ُّ ً.‬وفي‬
‫المقابل ُّفإن ُّثراء ُّهذه ُّالساطير ُّالدأللي ُّيممكن ُّمن‬
‫ولدأات ُّجدأيدأة‪ُّ ،‬ومن ُّاستئناف ُّالتأويل ُّفي ُّسياقات‬
‫اجتماعية ُّمختلفة‪ُّ ً.‬وفي ُّنفس ُّالوقت ُّفإن ُّعلقة ُّهذه‬
‫الساطير ُّبالزمن ُّوالتاريخ ُّمتباينة‪ُّ ً.‬وهكذا ُّفللنظم‬
‫الطوطمية ُّتتتنامغٌم ُّآني ُّوهشاشة ُّزمانية؛ ُّفهَي ُّل ُّتقاوم‬
‫فعل ُّالزمن ُّالمدألمر‪ُّ ،‬فالحدأاث‪ُّ ،‬بالنسبة ُّإليهَا‪ُّ ،‬تهَدأيدأ‪،‬‬
‫ولذلك ُّتوفر ُّبصعوبة ُّأسس ُّتاريخ ُّقابل ُّلن ُّينظر‬
‫إليه ُّعلى ُّأنه ُّكذلك‪ُّ ً.‬ألما ُّعلقة ُّالتنظيم ُّالدأاخلي‬
‫بالزمن ُّفي ُّالطرف ُّالخر ُّمن ُّالمدأى ُّالسطوري‬
‫فمختلفة ُّتماما‪ُّ ً.‬فموضوع ُّالخروج ُّفي ُّالعهَدأ ُّالقدأيم‬
‫طاقتبة ُّرمزية ُّلمتناهية‪ُّ ً.‬ولذلك ُّكان ُّقابل ُّلن‬
‫غني ُّبة ت‬
‫يعادأ ُّفي ُّمستويات ُّمختلفة ُّمن ُّوجودأ ُّالشعب‪ُّ ،‬بل‬
‫وفي ُّمستويات ُّمختلفة ُّمن ُّالخطاب ُّكذلك‪ُّ ،‬بما ُّأنه‬
‫قادأر ُّعلى ُّأن ُّميتمثضتل ُّفي ُّنوع ُّمن ُّالسردأ ُّالتاريخي ُّأو‬

‫‪36‬‬
‫أن ُّميضحتتتفتل ُّبه ُّفي ُّنشيدأ‪ُّ ً.‬وصلة ُّموضوع ُّالخروج‬
‫بالنظمة ُّالتصنيفية ُّأقلل ُّمن ُّصلته ُّبتاريخ ُّمتؤموبل‪ُّ ،‬من‬
‫ناحية‪ُّ ،‬وبلهوت ُّالمستنةن ُّبالنسبة ُّإلى ُّشعب ُّإسرائيل‬
‫القدأيم‪ُّ ،‬من ُّناحية ُّأخرى‪ُّ ً.‬فالرموز ُّالمهَمة ُّالتي ُّتنتمي‬

‫إلى ُّنفس ُّالمرحلة ُّل ُّتستنةز م‬


‫ف ُّمعناها ُّفي ُّتوليفات‬
‫راهنة‪ُّ ،‬فمعناها ُّكامن ُّكمون ُّمعنى ُّحقبل ُّدأللي‬
‫ب ُّتحدأيةدأةه‪ُّ ً.‬إنه ُّفي ُّمحلل ُّمضدأتخبر‪ُّ ،‬مورٌدأ‬
‫متعدأدأٌة ُّجوان م‬
‫ميقتضدأمم ُّلستعمالت ُّل ُّتنقضي ُّجضدأمتهَا ُّضمن ُّإطار ُّبةنى‬
‫جدأيدأة‪ُّ ً.‬‬

‫ل ُّينبغي ُّرغم ُّذلك ُّأن ُّنوغل ُّفي ُّهذه ُّالمقابلة؛‬


‫فكما ُّأن ُّالمسار ُّالستعاري ُّومسار ُّالكناية ُّحاضران‬
‫في ُّكل ُّخطاب‪ُّ ،‬وان ُّبنسب ُّمتفاوتة‪ُّ ،‬فإن ُّالتفسير‬
‫إ‬
‫الذي ُّيعتمدأ ُّالبنية ُّوالتأويل ُّالرمزي‪ُّ ،‬يقبلن ُّالتشابك‬
‫بنسب ُّمتفاوتة ُّفي ُّكل ُّأسطورة‪ُّ ً.‬ولذلك ُّل ُّبلدأ ُّمن‬
‫العناية ُّعناية ُّكبيرة ُّبالطريقة ُّالتي ُّيحيل ُّمن ُّخللهَا‬

‫‪37‬‬
‫تفسير ُّعلى ُّآخر ُّوفق ُّضرورة ُّدأاخلية ُّخاصة‪ُّ ً.‬ولقدأ‬
‫بينا ُّذلك ُّأعله ُّمن ُّخلل ُّربط ُّالتأويل ُّالرمزي‬
‫ل ُّعبر ُّتحليل‬
‫بالدأللية ُّالعميقة ُّالتي ُّل ُّيمكن ُّإبرازها ُّإ ل‬
‫بنيوي ُّمسبق‪ً.‬‬

‫‪ .2‬قصد السطورة الدللي‪:‬‬

‫السطورة ُّباعتبارها ُّحكاية ُّالبدأايات‪ً.‬‬

‫إذا ُّكانت ُّالسطورة ُّخطابا ُّبمعنى ُّتسلسل‬


‫ملفوظات ُّأو ُّجمل ُّتحمل ُّمعنى ُّومرجعا‪ُّ ،‬فل ُّبدأ ُّمن‬
‫القرار ُّبأن ُّالسطورة ُّتقول ُّشيئا ُّعن ُّشيء‪ُّ ً.‬ومقول‬
‫القول ُّهذا ُّهو ُّالذي ُّينبغي ُّعزله ُّالن‪ُّ ً.‬وسنتبنى ُّهنا‬
‫فرضية ُّالعمل ُّالقائلة ُّبأن ُّالسطورة ُّهي ُّ"حكاية‬
‫البدأايات"‪ُّ ً.‬هذه ُّالخاصية ُّلم ُّيبرزها ُّالتحليل ُّالبنيوي‬
‫ي ُّوانما ُّهضيآَّ ُّلبروزها‪ُّ ً.‬وذلك ُّلن‬
‫ول ُّالتأويل ُّالستعار إ‬
‫اللول ُّغير ُّقادأر ُّعلى ُّالتمييز ُّبين ُّفولكلور ُّوأسطورة‪،‬‬

‫‪38‬‬
‫لن ُّهذا ُّالختلف ُّيتعلق ُّبالمضمون ُّنفسه ُّوليس‬
‫بالشكل‪ُّ ً.‬ألما ُّالمسار ُّالستعاري ُّفإنه ُّل ُّيحدأدأ‬
‫مضمون ُّالستعارة ُّوهو ُّبهَذا ُّالمعنى ُّيبقى ُّشكليا‬
‫جدأا‪ُّ ً.‬سنحتفظ ُّهنا‪ُّ ،‬مع ُّمارسيا ُّإليادأ ُّ‪Mircea‬‬
‫‪ُّ ،Eliade‬بكون ُّالسطورة‪ُّ ،‬بما ُّهي ُّتاريخ ُّالبدأايات‪،‬‬

‫لهَا ُّأساسا ُّوظيفة ُّتأسيسية؛ ُّإذ ُّل ُّتوجدأ ُّالسطورة ُّإلل‬


‫إذا ُّكان ُّالحدأث ُّالمؤسس ُّل ُّمكان ُّله ُّفي ُّالتاريخ‪،‬‬
‫إوانما ُّفي ُّزمن ُّقبل ُّالتاريخ ُّ ‪ُّ ً.inُّ illoُّ tempore‬إن‬
‫ما ُّيكلون ُّالسطورة ُّهو ُّبالذات ُّهذه ُّالصلة ُّالتي ُّبين‬
‫زمننا ُّوذلك ُّالزمن‪ُّ ،‬وليس ُّصنف ُّالشياء ُّالمعينة‬
‫سواء ُّكانت ُّهذه ُّالشياء ُّالواقتع ُّمكلضمه ُّ–التعالتتم‪ُّ -‬أو‬
‫قطعة ُّمنه‪ُّ ،‬قاعدأة ُّأخلقية‪ُّ ،‬أو ُّمؤسسة ُّسياسية‪ُّ ،‬أو‬
‫نوع ُّالوجودأ ُّالنساني ُّالذي ُّيقتضيه ُّهذا ُّالشرط ُّأو‬
‫ذاك‪ُّ ،‬بريئا ُّكان ُّهذا ُّالشرط ُّأو ُّساقطا‪ُّ ً.‬إن ُّالسطورة‬
‫تقول ُّدأائما ُّكيف ُّولدأ ُّشيء ُّما‪ً.‬‬

‫‪39‬‬
‫تترابط ُّفي ُّهذا ُّالتعريف ُّالمركزي ُّمجموعة ُّمن‬
‫ص ُّصلة ُّ"التمثيلت"‬
‫اللوازم‪ُّ ً.‬اللزمة ُّالولى ُّتخ ل‬
‫بالوظيفة ُّالتأسيسية؛ ُّفالوظيفة ُّثابتة ُّوالتمثيلت‬
‫متغيرة‪ُّ ً.‬ولذلك ُّكان ُّمن ُّالممكن ُّتحقيق ُّهذه ُّالوظيفة‬
‫التأسيسية ُّعبر ُّكائنات ُّخارقة ُّذات ُّطبائع ُّشدأيدأة‬
‫التباين‪ُّ :‬كاللهَة‪ُّ ،‬والرسل‪ُّ ،‬والبطال ُّالخ؛ ُّإن ُّلصور‬
‫هؤلء ُّفي ُّخطاطة ُّتاريخ ُّالبدأايات ُّوظيفةة ُّمن ُّدأرجة‬
‫ثانية ُّبالنسبة ُّإلى ُّالوظيفة ُّالتأسيسية؛ ُّإنهَم ُّالشخوص‬
‫الدأرامية ُّ ‪ُّ ً.dramatisُّ personae‬إنهَم ُّهامون‬
‫لفعالهَم ُّل ُّلعيانهَم‪ُّ ً.‬إن ُّتاريخ ُّالدأيان ُّالمقارن‬
‫سيوضجه ُّوجهَة ُّسيئة ُّإذا ُّاعتنى ُّبشكل ُّمباشر ُّبهَذه‬
‫"الصور"‪ُّ ،‬وبهَذه ُّ"التمثيلت"‪ُّ ،‬فعاملهَا ُّباعتبارها‬
‫أشكال ُّأنثروبومورفية ُّمحضة؛ ُّينبغي‪ُّ ،‬إذن‪ُّ ،‬اعتبار‬
‫هذه ُّالصور‪ُّ ،‬انطلقا ُّمن ُّحكاية ُّالبدأايات‪ُّ ،‬وجهَا ُّمن‬
‫وجوه ُّالوظيفة ُّالتأسيسية‪ً.‬‬

‫‪40‬‬
‫إن ُّما ُّأحدأث ُّاللتباس ُّهو ُّأن ُّهذه ُّالصور‬
‫قابلة ُّلن ُّتستقل ُّبذاتهَا‪ُّ ً.‬فنحن ُّنروي ُّتاريخ ُّاللهَة ُّفي‬
‫أساطير ُّمتمفصلة ُّ‪ُّ articulées‬فنروي ُّمتى ُّوكيف‬
‫خلقوا‪ُّ ،‬وتخلوا ُّعن ُّمخلوقهَم‪ُّ ،‬وانسحبوا؛ ُّونحن ُّنروي‬
‫كذلك ُّكيف ُّيتصارعون ُّفيما ُّبينهَم‪ُّ ،‬أو ُّمع ُّالوحوش‪،‬‬
‫أو ُّالكائنات ُّالخارقة‪ُّ ،‬أوالناس‪ُّ ً.‬والحق ُّأن ُّالمر ُّل‬
‫يخص ُّاللهَة ُّفقط‪ُّ ،‬فكل ُّالكائنات ُّالمقدأسة ُّبما ُّفي‬
‫ذلك ُّالجرام ُّأو ُّعناصر ُّكونية ُّأخرى ُّتستطيع ُّهي‬
‫أيضا ُّالستقلل ُّبذاتهَا ُّفي ُّعلقتهَا ُّبتاريخ ُّالبدأايات‪ً.‬‬
‫وهكذا ُّيقدأم ُّالكون ُّالسطوري ُّأشكال ُّفوق ُّطبيعية‬
‫متكاثرة‪ُّ :‬كائن ُّفوق ُّطبيعي‪ُّ ،‬نصف ُّإله‪ُّ ،‬ونصف‬
‫إنسان؛ ُّوبطل‪ُّ ،‬أمير ُّمتروك‪ُّ ،‬أنقذته ُّالمياه؛ ُّوأعمال‪،‬‬
‫وآلم‪ُّ ،‬واستغلل‪ُّ ،‬ومحن؛ ُّفالقصدأية ُّالسطورية‬
‫نفسهَا ُّيمكن ُّاستثمارها ُّضمن ُّتشكيلت ُّلما ُّهو ُّفوق‬
‫طبيعي ُّتتاخم ُّعلى ُّالتوالي ُّعلم ُّالعقيدأة‪ُّ ،‬وعلم ُّالفلك‪،‬‬

‫‪41‬‬
‫وعلم ُّالبراج‪ُّ ،‬والملحمة‪ُّ ً.‬يمكننا ُّأن ُّنتكلم ُّفي ُّهذا‬
‫الصدأدأ ُّعن ُّامتدأادأ ُّمجازي ُّأو ُّتمثيلي ُّللعالم‬
‫السطوري؛ ُّوعلى ُّهذه ُّالخاصية ُّسيستندأ ُّتقدأير‬
‫السطورة ُّالفلسفي ُّباعتبارها ُّ"تمثيل" ُّفي ُّالمثالية‬
‫اللمانية؛ ُّولكن ُّكان ُّلبلدأ ُّأن ُّنربط ُّمنذ ُّالبدأاية ُّالشكل‬
‫المسرحي ُّبالوظيفة ُّالتأسيسية؛ ُّإذ ُّأن ُّالسطورة ُّل‬
‫تفقدأ ُّتميزها ُّعن ُّبقية ُّ"النصوص" ُّالخاضعة ُّللتحليل‬
‫ل ُّعندأ ُّتضخيم ُّهذا ُّالرابط ُّأو ُّقطعه‪ً.‬‬
‫البنيوي ُّإ ل‬

‫اللزمة ُّالثانية ُّتهَلم ُّالوظيفة ُّالعملية ُّللسطورة؛‬


‫لقدأ ُّأكدأت ُّعدأة ُّمدأارس ُّأنثروبولوجية ُّعلى ُّالرابط‬
‫الدأقيق ُّبين ُّالسطورة ُّوالطقس‪ُّ ً.‬فالسطورة‪ُّ ،‬كما‬
‫قالوا‪ُّ ،‬ترسي ُّالطقس ُّعبر ُّتسمن ُّنماذج ُّللفعال؛ ُّوهكذا‬
‫وفي ُّالميدأان ُّالخاص ُّبالعهَدأ ُّالقدأيم‪ُّ ،‬بينوا ُّالعلقة ُّبين‬
‫حكاية ُّالخلق ُّالكبيرة ُّوطقس ُّالسنة ُّالجدأيدأة ُّالذي ُّتمضق تأمر‬
‫ك؛ ُّوما ُّسمته ُّالمدأرسة‬ ‫أثناءه ُّالسطورمة ُّوميضخلتمع ُّالتملة م‬

‫‪42‬‬
‫السكندأينافية‪ُّ ،‬بـ"إيدأيولوجيا ُّالملك" ُّيرتكز ُّعلى ُّهذا‬
‫التعاقب ُّبين ُّالسطورة ُّوالطقس ُّوالملكية‪ُّ ً.‬هذا ُّالرابط‬
‫ينبغي ُّالنظر ُّإليه ُّضمن ُّمبدأئه؛ ُّلقدأ ُّصار ُّلحكاية‬
‫الصول ُّقيمة ُّالنموذج ُّبالنسبة ُّإلى ُّالزمن ُّالحاضر‬
‫لن ُّالسطورة ُّتنشئ ُّالعلقة ُّبين ُّالزمن ُّالتاريخي‬
‫والزمن ُّالصلي‪ُّ :‬إذ ُّهكذا ُّنشأت ُّالمور ُّفي ُّالبدأاية‪،‬‬
‫ومازالت ُّاليوم ُّعلى ُّالنهَج ُّنفسه‪ُّ ً.‬إن ُّالسطورة‪ُّ ،‬من‬
‫خلل ُّقصدأها ُّالدأللي ُّالساسي‪ُّ ،‬تسمح ُّبأن ُّتعادأ ُّوأن‬
‫ث ُّفي ُّالطقس‪ُّ ً.‬وهذا ُّالرابط‪ُّ ،‬مثل ُّسابقه‪ُّ ،‬يتهَيأ‬
‫تمضبتع ت‬
‫لنتشار ُّعبر ُّأسلوب ُّمخصوص ُّسيجعل ُّمن‬
‫الشعائرية ُّمسارا ُّمستقل ُّبذاته‪ُّ ً.‬وعندأئذ ُّسيبدأو ُّالطقس‬
‫هو ُّالذي ُّيحتوي ُّالسطورة‪ُّ ،‬أو ُّعلى ُّالقلل ُّلن ُّتبدأو‬
‫السطورة ُّسوى ُّركيزة ُّالحكاية ُّالتي ُّتؤسس ُّالطقس‪ً.‬‬
‫ونستطيع ُّالقول ُّعندأئذ ُّإن ُّالسطورة ُّتنتمي ُّإلى‬
‫مجموع ُّالسباب ُّالموجدأة ُّللطقس‪ُّ ً.‬فإذا ُّكانت‬

‫‪43‬‬
‫ث ُّشعائريا ُّفإنه‬
‫السطورة ُّقادأرة‪ُّ ،‬حقا‪ُّ ،‬على ُّأن ُّتمضبتع ت‬
‫يمكن ُّأن ُّينظر ُّإليهَا ُّباعتبارها ُّأمرا ُّيسمح ُّبالقيام‬
‫بالطقس‪ُّ ،‬ومن ُّثم‪ُّ ،‬بإعادأة ُّالفعل ُّالمبدأع‪ُّ ً.‬نجدأ ُّهنا‬
‫تسلسل ُّذا ُّدأللة‪ُّ :‬ففي ُّالبدأاية ُّهنالك ُّالتاريخ‬
‫الساسي‪ُّ ،‬فالنموذج‪ُّ ،‬ثم ُّالتكرار ُّالشعائري‪ُّ ً.‬ولكن‬
‫الصلة ُّبين ُّالزمن ُّالصلي ُّوالزمن ُّالتاريخي ُّهي ُّالتي‬
‫تؤسس ُّهذا ُّالتسلسل‪ً.‬‬

‫اللزمة ُّالثالثة ُّتهَلم ُّالتطبيقات ُّالنفسية‬


‫للسطورة‪ُّ ،‬مثلما ُّاهتمت ُّاللزمة ُّالسابقة ُّبالتطبيقات‬
‫المؤسساتية‪ُّ ً.‬يمكن ُّفعل‪ُّ ،‬أن ُّننتبه ُّإلى ُّقيم ُّالمقدأس‬
‫العاطفية ُّمن ُّخلل ُّالوظيفة ُّالتأسيسية ُّلحكاية‬
‫البدأايات‪ُّ ً.‬فالصلة ُّبين ُّالزمن ُّالتاريخي ُّوالزمن‬
‫الصلي ُّتطور ُّمشاعر ُّمخصوصة‪ُّ ،‬هي ُّتلك ُّالتي‬
‫وصفهَا ُّرودأولف ُّأوتو ُّ‪ُّ Rudolfُّ OTTO‬في ُّكتابه‬
‫الشهَير ُّالمقدأس‪ُّ :‬لقدأ ُّوضع ُّأوتو ُّأصل ُّللمقدأس ُّهو‬

‫‪44‬‬
‫الشعور ُّالمزدأوج ُّبالخوف ُّوالحب ُّالذي ُّيباشر ُّبه‬
‫ظةم‪ُّ ً.‬توميضفهَتمم ُّهذا‬ ‫النسان ُّالبدأائي ُّبالممضدأةه ة‬
‫ش ُّالتضع ت‬
‫السلوب ُّالوجدأاني ُّالخاص ُّبالمقدأس ُّإذا ُّاعتبرنا ُّأن‬
‫النسان ُّينبعث ُّعبر ُّحكاية ُّالبدأايات‪ُّ ،‬من ُّالزمن‬
‫التاريخي ُّإلى ُّالزمن ُّالصلي‪ُّ ،‬وذلك‪ُّ ،‬وفي‪ُّ ،‬نفس‬
‫الوقت‪ُّ ،‬عبر ُّفعل ُّالحكاية ُّالذي ُّمن ُّخلله ُّيصبح‬
‫معاصرا ُّللصول‪ُّ ،‬وعبر ُّإعادأة ُّإحياء ُّمعنى ُّالحكاية‬
‫ضمن ُّالفعل ُّالطقسي‪ُّ ً.‬يمكننا ُّأن ُّنتكلم ُّعن ُّإعادأة‬
‫إحياء ُّوجدأانية ُّباعتبارها ُّمكملة ُّللعنصر ُّالتمثيلي‬
‫والعنصر ُّالنفعي ُّالموصوفين ُّأعله‪"ُّ ً.‬أن ُّنحيى‬
‫حسب" ُّأسطورة‪ُّ ،‬هو ُّأن ُّنك ض‬
‫ف ُّعن ُّالوجودأ ُّدأاخل‬
‫اليومي ُّفحسب؛ ُّفالنشادأ ُّوالطقس ُّيقدأحان ُّالستبطان‬
‫الوجدأاني ُّالذي ُّميتولممدأ ُّما ُّيمكن ُّتسميته ُّبالنواة‬
‫السطورية‪-‬الشعرية ُّللوجودأ ُّالنساني‪ً.‬‬

‫‪45‬‬
‫يوفر ُّتعريف ُّالسطورة‪ُّ ،‬من ُّخلل ُّهذه ُّاللوازم‬
‫الثلثة‪ُّ ،‬باعتبارها ُّحكاية ُّالبدأايات‪ُّ ،‬تمييزا ُّواضحا ُّبين‬
‫السطورة ُّوالمثولة‪ُّ ً.‬فالمثولة ُّل ُّتؤسس ُّشيئا ُّل‬
‫دأاخل ُّالحكاية ُّول ُّدأاخل ُّالفعل‪ُّ ،‬ول ُّدأاخل ُّالعمق‬
‫الوجدأاني‪ُّ ً.‬السطورة ُّفقط ُّهي ُّالتي ُّتفعل ُّذلك‪ً.‬‬

‫إن ُّتعريف ُّالسطورة ُّباعتبارها ُّحكاية ُّالبدأايات‬


‫تعريف ُّحصري ُّرغم ُّأشكال ُّالتوسع ُّالتي ُّذكرناها‪:‬‬
‫التوسع ُّالمجازي ُّأو ُّالتمثيلي‪ُّ ،‬والتوسع ُّالنفعي‪،‬‬
‫والتوسع ُّالنفعالي‪ُّ ً.‬وسنعمل ُّالن ُّعلى ُّتوضيح‬
‫خاصية ُّالنحصار ُّهذه ُّبمقارنة ُّالسطورة ُّبأشكال‬
‫أخرى ُّمن ُّالخطاب ُّتحقق ُّهي ُّأيضا ُّوظيفة ُّتأسيسية‪،‬‬
‫ولكن ُّبوسائل ُّمختلفة ُّعن ُّحكاية ُّالبدأايات‪ُّ ً.‬سنعتني‬
‫على ُّالتوالي ُّبالصلة ُّبين ُّالسطورة ُّو"حكاية‬
‫الخلص"‪ُّ ،‬ما ُّيعبر ُّعنه ُّاللمان ُّبـ‬

‫‪46‬‬
‫‪ُّ ،Heilgeschichte‬وبين ُّالسطورة ُّوالحكمة‪ُّ ،‬وبين‬
‫السطورة ُّوالحكاية ُّالخروية‪ً.‬‬

‫* السطورة وتاريخ الخلصا‪:‬‬

‫يرتكز ُّتاريخ ُّالخلص‪ُّ ،‬وهو ُّأنموذج ُّعن‬


‫الدأبيات ُّالعبرية ُّوخاصة ُّالكتب ُّالستة‬
‫‪ُّ ،L'Hexateuque‬على ُّمنظومة ُّسردأية ُّقريبة ُّمن‬
‫السطورة‪ُّ ،‬مع ُّالختلف ُّفي ُّالبنية ُّوالقصدأ‪ُّ ً.‬ففي‬
‫حين ُّتربط ُّالسطورة ُّالزمن ُّالتاريخي ُّبالزمن‬
‫الساسي‪ُّ ،‬يصل ُّتاريخ ُّالخلص ُّالعلن ُّعن‬
‫اليمان ُّبسردأ ُّوقائع ُّالنقاذ‪ُّ ً.‬وما ُّوردأ ُّفي ُّسفر ُّالتثنية‬
‫)‪ُّ (XXVI,ُّ 5-9‬مثال ُّقوي ُّعلى ُّذلك‪ُّ ً.‬إنه ُّقطعا ُّليس‬
‫حكاية ُّأسطورية ُّفي ُّالمعنى ُّالدأقيق ُّالذي ُّذكرناه ُّمنذ‬
‫ف" ُّيغطي ُّتاريخ ُّإسرائيل ُّمنذ‬
‫حين‪ُّ ،‬إنه ُّ"حكايٌة‪-‬اعت ار ٌ‬
‫الهَبوط ُّإلى ُّمصر ُّإلى ُّالممن ُّعليهَم ُّبالرض ُّمرو ار‬
‫بالحدأث ُّالمؤسس ُّوهو ُّالخروج‪ُّ ً.‬هذا ُّالمقطع ُّالكبير‪،‬‬

‫‪47‬‬
‫المنظم ُّحول ُّحدأث ُّمركزي‪ُّ ،‬والمحدأودأ ُّبحدأثين ُّظاهرةٌ‬
‫تزتمنةضيتمهَمتما‪ُّ ،‬يكمون ُّبنية ُّمتقمبلة ُّبالنسبة ُّإلى ُّحكايات‬
‫وأخبار ُّمن ُّأصول ُّمختلفة‪ُّ ،‬وجدأت ُّنفسهَا‪ُّ ،‬بشكل ُّما‪،‬‬
‫مدأسوسة‪ُّ ،‬في ُّفضاء ُّالحكاية ُّاللم‪ُّ ً.‬وهكذا ُّجاءت‬
‫قصة ُّالباء ُّالبطولية‪ُّ ،‬إضافة ُّإلى ُّوحي ُّالسم ُّفي‬
‫جبل ُّحوريب ُّ‪ُّ ،Horeb‬ووحي ُّوثائق ُّالتشريع ُّالكبرى‬
‫في ُّسينا‪ُّ ،‬والمسيرة ُّإلى ُّالصحراء‪ُّ ،‬لتحشر ُّفي ُّالبنية‬
‫الولى ُّالممتدأة ُّإلى ُّما ُّلنهَاية‪ُّ ً.‬ويمكننا ُّأن ُّنلحظ‬
‫مدأى ُّتنوع ُّالموادأ ُّغير ُّالسردأية‪ُّ :‬كالتجملي ُّاللهَي‬
‫والوثائق ُّالقانونية ُّالخ‪ُّ ً.‬لقدأ ُّانجذب ُّمحررو ُّالتراث‬
‫الياهوهي ُّ‪ُّ ُّ yahwiste‬واللوهيمي ُّ‪ُّ élohiste‬إلى‬
‫مدأار ُّجاذبية ُّالعتقادأ ُّالقدأيم ُّالذي ُّبدأأه ُّالسلف‬
‫الرامي‪ُّ ،‬بطل ُّالهَبوط ُّإلى ُّمصر‪ُّ ،‬فوسعوا ُّالخطاطة‬
‫السردأية ُّإلى ُّالخلف ُّبطريقة ُّتستوعب‪ُّ ،‬عبر ُّامتدأادأ‬

‫‪48‬‬
‫متكرر ُّللشكل ُّذاته‪ُّ ،‬إشارة ُّالجدأادأ‪ُّ ،‬ومجموع ُّقصص‬
‫الباء ُّالبطولية‪ُّ ،‬وأخيرا ُّأساطير ُّالصول‪ُّ ً.‬‬

‫إن ُّخطابا ُّيتميز ُّجنسه ُّتميزا ُّكبيرا ُّشأن‬


‫حكايات ُّالخلق‪ُّ ،‬الواردأة ُّمن ُّالعهَدأ ُّالثقافي ُّالكادأي‬
‫والسوميري ُّوالكنعاني‪ُّ ،‬استطاع ُّأن ُّيندأمج ُّفي ُّتاريخ‬
‫الخلص ُّبفضل ُّهذا ُّالتضخم ُّللخطاطة ُّالسردأية‪،‬‬
‫وللنصوص ُّالتي ُّأغنته‪ُّ ،‬وللجاذبية ُّالتي ُّسلطهَا ُّعلى‬
‫وثائق ُّأخرى‪ُّ ً.‬يمكن‪ُّ ،‬من ُّناحية‪ُّ ،‬أن ُّنتكلم ُّعن‬
‫تحويل ُّالسطورة ُّإلى ُّحدأث ُّتاريخي ُّفي ُّعلقته‬
‫بتاريخ ُّالخلص‪ُّ :‬فحدأث ُّالخلق ُّجاء ُّعلى ُّرأس‬
‫أحدأاث ُّالنقاذ ُّباعتباره ُّأول ُّحدأث ُّللخلص‪ُّ ً.‬ونحن‬
‫نفهَم ُّكيف ُّأصبح ُّهذا ُّممكنا‪ُّ :‬إن ُّقصص ُّالباء‬
‫البطولية‪ُّ ،‬كانت ُّتمتممكمن‪ُّ ،‬إذ ُّتصعدأ ُّنحو ُّجلدأ ُّألول‪ُّ ،‬من‬
‫التعامل ُّمع ُّأساطير ُّالخلق ُّباعتبارها ُّمقدأمة ُّلتاريخ‬
‫الشعوب ُّالتي ُّيصورها ُّالباء‪ُّ ،‬وهذا ُّالتاريخ ُّنفسه‪،‬‬

‫‪49‬‬
‫كان ُّيشغل ُّمحلل ُّالمقدأمة‪ُّ ،‬في ُّتلوة ُّنص ُّعقيدأة‬
‫الخروج‪ُّ ً.‬ويمكن ُّأن ُّنرى ُّالتحام ُّشكلضي ُّالخطاب ُّفي‬
‫مستوى ُّرسالة ُّإبراهيم ُّالتي ُّتغلق ُّتاريخ ُّالبدأايات‬
‫وتدأمشمن ُّتاريخ ُّالباء‪ً.‬‬

‫لكننا ُّنستطيع‪ُّ ،‬من ُّناحية ُّأخرى‪ُّ ،‬أن ُّنتحدأث‬


‫عن ُّأسطرة ُّتاريخ ُّالخلص ُّفي ُّارتباطه ُّبحكايات‬
‫الصل؛ ُّفكل ُّأسطورة ُّهي‪ُّ ،‬في ُّالمعنى ُّالصارم‬
‫للكلمة‪ُّ ،‬أسطورة ُّخلق‪ُّ :‬فقدأيما‪ُّ ،‬في ُّالزمنة ُّالولى‪،‬‬
‫خلق ُّال‪ُّ ،‬أو ُّخلقت ُّاللهَة؛ ُّفالصل ُّونشأة ُّالكون‬
‫متزامنان ُّإذن‪ُّ ً.‬ولكن ُّالسطورة ُّتتوقف ُّعن ُّكونهَا‬
‫نشكونية ُّ‪ُّ ،cosmogonique‬في ُّالمعنى ُّالدأقيق‬
‫للكلمة‪ُّ ،‬إذا ُّاعتبرنا ُّأفعال ُّالخلق ُّوالتأسيس‬
‫والمؤسسات‪ُّ ،‬وقدأ ُّجاءت ُّبعدأ ُّالخلق‪ُّ ،‬خلقا ُّمتواصل‪،‬‬
‫إن ُّحكاية ُّالنشأة ُّالنسانية ُّ‪l'anthropogonie‬‬
‫تواصل ُّالنشكونية ُّ‪ُّ cosmogonie‬المندأمجة ُّهي‬

‫‪50‬‬
‫ذاتهَا ُّفي ُّحكاية ُّالصول‪ُّ ً.‬وهذه ُّالنشكونية ُّتمتدأ‪،‬‬
‫بدأورها‪ُّ ،‬إلى ُّزمن ُّالهَدأم‪ُّ ،‬إلى ُّزمن ُّ"اللخلق" ُّالذي‬
‫دأشن ُّهو ُّأيضا ُّأمرا‪ُّ ،‬أل ُّوهو ُّوضع ُّالنسان ُّالحالي‬
‫]بما ُّهو[‪ُّ :‬شرير‪ُّ ،‬متألم‪ُّ ،‬فان؛ ُّومن ُّهنا ُّأساطير‬
‫الكارثة ُّالكونية‪ُّ ،‬والتغيرات ُّالعنيفة‪ُّ ،‬والسقطات؛ ُّومن‬
‫هنا ُّكذلك ُّازدأواج ُّالصل‪ُّ :‬إنسان ُّكامل ُّفي ُّالصل‪،‬‬
‫أو ُّالنسان ُّالحالي ُّالذي ُّظهَر ُّعن ُّالكارثة ُّالولى‪ُّ ً.‬‬

‫يخ ُّالخلص‪ُّ ،‬وان‬


‫إ‬ ‫إننا ُّنفهَم ُّكيف ُّاصطدأم ُّتار‬
‫كان ُّله ُّأصل ُّمستقل ُّمقارنة ُّبالبنية ُّالسطورية‪ُّ ،‬مع‬
‫السطورة ُّالتي ُّيحتويهَا‪ُّ ً.‬فالفعل ُّالمنقذ ُّيمكن ُّأن‬
‫يكوتن ُّخلقا ُّجدأيدأا‪ُّ ،‬بدأاية ُّمن ُّجدأيدأ‪ُّ ً.‬وأسطورة ُّالطوفان‬
‫في ُّهذا ُّالمجال ُّمثال ُّمفيدأ؛ ُّإنهَا ُّأسطورة ُّخلق‬
‫مرتبطة ُّبأسطورة ُّعجز‪ُّ ،‬بأسطورة ُّهدأم‪ُّ ً.‬وهكذا ُّفكل‬
‫حكاية ُّتجمدأبدأ ُّتغوص ُّفي ُّقوة ُّالسطورة ُّبفضل ُّهذا‬
‫التقارب ُّالعميق‪ُّ :‬فكل ُّشيء ُّيبدأأ ُّفي ُّهذا ُّالعالم ُّهو‬

‫‪51‬‬
‫بدأاية ُّعالم‪ُّ ً.‬إضننا ُّل ُّنفهَم ُّالخلق ُّإ ل‬
‫ل ُّعبر ُّإعادأة ُّالخلق‪،‬‬
‫ولكن ُّللخلق‪ُّ ،‬في ُّالمقابل‪ُّ ،‬هيبتة ُّذلك ُّالذي ُّبدأأ ُّذات‬
‫مرة‪ُّ ،‬في ُّالزمن ُّالول ُّ‪ُّ ً.ilُّ illoُّ tempore‬هذا‬
‫سيؤدأي ُّإلى ُّتحول ُّكل ُّالقوة ُّالمجازية ُّوالخيالية‪ُّ ،‬وكل‬
‫قوة ُّالنموذج ُّالول ُّللطقس‪ُّ ،‬وكل ُّالنفعال ُّالعميق‬
‫الخاص ُّبالمقدأس‪ُّ ،‬نحو ُّالخلق ُّالجدأيدأ‪ُّ ً.‬إن ُّأهم ُّمسألة‬
‫تطرح ُّعلى ُّنقدأ ُّالكتاب ُّالمقدأس ُّهي ُّفهَم ُّكيف‬
‫تحملت ُّالبنية ُّالخاصة ُّلتاريخ ُّالخلص ُّقوى‬
‫السطورة ُّ)قوى ُّتمثيلية‪ُّ ،‬واستبدأالية‪ُّ ،‬وانفعالية(‪ُّ ً.‬إن‬
‫تركيز ُّشعب ُّعبر ُّالفعل ُّالمنقذ ُّيصبح ُّإذن ُّالمفتاح‬
‫التاريخي ُّللخلق ُّقبل ُّالتاريخي‪ً.‬‬

‫* السطورة والحكاية الخروية‬


‫‪:Eschatologie‬‬

‫هنالك ُّحددأ ُّثان ُّلمجال ُّالسطورة ُّيحتاج ُّإلى‬


‫اكتشاف‪ُّ :‬إنه ُّالحدأ ُّالذي ُّيجمعه ُّبالحكاية ُّالخروية؛‬

‫‪52‬‬
‫هنا ُّأيضا ُّنحن ُّأمام ُّشكلين ُّمن ُّالخطاب ُّمتمايزين‪،‬‬
‫ي ُّسمات ُّمختلفة‪،‬‬
‫موجهَين ُّبقصدأين ُّدألليين ُّذتو ض‬
‫ولكنهَما ُّتتتمضكتنا ُّمن ُّالندأماج ُّبفضل ُّبعض‬
‫الضروريات ُّالدأاخلية ُّلمحتوياتهَما ُّملما ُّأعطى ُّما‬
‫يمكن ُّتسميته ُّبالساطير ُّالخروية‪ً.‬‬

‫من ُّحيث ُّالمبدأإ‪ُّ ،‬السطورة ُّوالحكاية ُّالخروية‬


‫بنيتان ُّمختلفتان‪ُّ ،‬وارتباط ُّالولى ُّبتاريخ ُّالخلص‬
‫والثانية ُّبالنبوة ُّيفهَمنا ُّذلك ُّبشكل ُّأفضل‪ُّ ً.‬ما ُّتشترك‬
‫فيه ُّالسطورة ُّمع ُّتاريخ ُّالخلص ُّهو ُّالتفاتهَما‬
‫المشترك ُّنحو ُّالماضي‪ُّ ،‬ولذلك ُّفهَما ُّيشتركان ُّفي‬
‫شكل ُّمخصوص ُّهو ُّالحكاية‪ُّ ً.‬ولقدأ ُّاستطاع ُّج‪ُّ ً.‬فون‬
‫رادأ ُّ‪ُّ Gً.ُّ vonُّ Rad‬أن ُّيعتبر ُّالمهَمة ُّالرئيسية‬
‫لتيولوجيا ُّالعهَدأ ُّالقدأيم ُّهي ُّالعتناء ُّبفهَم ُّهذه ُّالثنائية‬
‫المتمثلة ُّفي ُّخطابين ُّكبيرين ُّتتوزع ُّحولهَما ُّكل‬
‫أشكال ُّالخطاب ُّالخرى‪ُّ ً.‬‬

‫‪53‬‬
‫هنالك‪ُّ ،‬فعل‪ُّ ،‬طريقتان ُّمختلفتان ُّجدأا ُّلتشكيل‬
‫التراث‪ُّ :‬فنحن‪ُّ ،‬من ُّناحية‪ُّ ،‬نعيدأ ُّأفعال ُّتأسيسية‪ُّ ،‬ومن‬
‫ناحية ُّأخرى‪ُّ ،‬نعلن ُّعن ُّاقتصادأ ُّجدأيدأ ُّللتاريخ‪ُّ ً.‬فالنبوة‬
‫تفترض ُّزمن ُّالحكاية ُّولكن ُّلتقطع ُّمعه‪ُّ ً.‬إنهَا ُّتفترضه‬
‫على ُّأساس ُّأن ُّزمن ُّالنبوة ُّل ُّيمكن ُّأن ُّيكون ُّإلل‬
‫زمن ُّالمبادأرات ُّالمقدأسة‪ُّ ،‬زمن ُّتاريخ ُّمع ُّال‪ُّ ً.‬ولكن‬
‫ل ُّمن ُّحيث ُّأنهَا‬
‫النبوة ُّتقطع ُّمع ُّزمن ُّالحكاية‪ُّ ،‬أتضو ة‬
‫مشدأودأة ُّإلى ُّالتاريخ ُّالفعلي ُّوليس ُّإلى ُّتقاليدأ ُّمؤلفة‪:‬‬
‫إنهَا ُّتقول ُّالحدأث ُّالوشيك ُّ)التهَدأيدأ ُّالشوري ُّالذي‬
‫ ُّواشعيا ُّ‪،Isaïe‬‬
‫يبدأو ُّفي ُّأفق ُّرسالة ُّعاموس ُّ‪ Amos‬إ‬
‫وتهَدأيدأ ُّالشمال ُّالذي ُّيمثله ُّالبابليون ُّالجدأدأ ُّعندأ‬
‫إرمياء ُّ‪ُّ ،Jérémie‬وصعودأ ُّفارس ُّعلى ُّعهَدأ‬
‫سيروس ُّ‪ُّ Cyrus‬بالنسبة ُّإلى ُّإشعيا ُّالثاني(؛ ُّيطبق‬
‫الرسل ُّعلى ُّهذه ُّالحدأاث ُّوعلى ُّوقوعهَا ُّالوشيك‪،‬‬
‫مقولت ُّتاريخ ُّالخلص ُّفي ُّشكله ُّالرسمي‪ُّ ،‬وذلك‬

‫‪54‬‬
‫لكسر ُّهذا ُّالتاريخ ُّذاته‪ُّ ً.‬فالنبوة ُّتعمل ُّعلى ُّخرق‬
‫الحكاية‪ُّ :‬هنالك ُّتدأخل ُّجدأيدأ ُّوشيك ُّللرب ُّ‪Jahvé‬‬
‫سيحجب ُّالتدأخل ُّالقدأيم‪ُّ ً.‬إنه ُّإذن ُّإله ُّالفعال‬
‫المحررة‪ُّ ،‬ولكنه ُّبصدأدأ ُّإرساء ُّتاريخ ُّجدأيدأ؛ ُّهذا‬
‫ض ُّقياسا ُّعلى ُّشاكلة ُّخروج ُّجدأيدأ‪،‬‬
‫التاريخ ُّالذي ُّميضعتر م‬
‫وحلف ُّجدأيدأ‪ً.‬‬

‫هكذا‪ُّ ،‬وبضربة ُّواحدأة‪ُّ ،‬بدأا ُّكل ُّالماضي‬


‫"استعارةة"‪ُّ :‬فالرض ُّالموعودأة ُّتصبح ُّرمزا ُّلما ُّلم‬
‫نصضل ُّإليه‪ُّ ً.‬هنالك ُّنبرة ُّمستقبلية ُّتجدأيدأية ُّتفجر ُّكل‬
‫مقولت ُّالحكاية؛ ُّفالقطيعة ُّضرورية ُّفعل ُّلتأسيس‬
‫تاريخ ُّجدأيدأ‪ُّ ،‬وهي ُّقطيعة ُّممتمثضلتٌة ُّفي ُّالحساب ُّالذي‬
‫هو ُّعلمة ُّعلى ُّانهَيار ُّكل ُّأنواع ُّالمن؛ ُّإن ُّالنبوة‬
‫هي ُّألول ُّالتراث ُّالمكسور‪ُّ ،‬واستنفاذ ُّتاريخ ُّالذي‬
‫مضى ُّللخلص‪ُّ ،‬و"إبطال" ُّالحادأث؛ ُّوعلى ُّأساس‬
‫هذا ُّالنسخ ُّللماضي ُّأمضعلةتن ُّعن ُّإقحام ُّأفعال ُّجدأيدأة‬

‫‪55‬‬
‫خارج ُّعهَدأ ُّالخلص‪ُّ ،‬وهي ُّأفعال ُّتحريرية ُّتمضنتشمدأ‬
‫ضمن ُّالعتراف ُّالذي ُّيأتي ُّفي ُّشكل ُّروائي‪ُّ ً.‬هذه‬
‫هي ُّالنبوة‪ُّ ،‬الضدأ ُّبالنسبة ُّإلى ُّالحكاية‪ُّ ً.‬ورغم ُّذلك‬
‫فإن ُّعلى ُّالنبوة ُّأن ُّتعقدأ ُّحلفا ُّجدأيدأا ُّمع ُّالسطورة‬
‫وذلك ُّفي ُّشكل ُّهو ُّشكل ُّالحكاية ُّالخروية‪ً.‬‬

‫لقدأ ُّقلنا ُّسابقا ُّكيف ُّاندأمجت ُّالسطورة ُّوتاريخ‬


‫الخلص ُّليعطيا ُّفكرتين‪ُّ ،‬الولى ُّفكرة ُّالخلق ُّمفهَوما‬
‫باعتبارها ُّأول ُّفعل ُّتحريري‪ُّ ،‬والثانية ُّفكرة ُّالتحرير‬
‫مفهَوما ُّباعتباره ُّفعل ُّخالقا‪ُّ ً.‬إن ُّالحكاية ُّالخروية‪،‬‬
‫وخصوصا ُّفي ُّالدأب ُّالمتأخر ُّللسنن ُّالعبري‪،‬‬
‫تعرض ُّشكل ُّللنبوة ُّقادأرا ُّعلى ُّعقدأ ُّحلف ُّجدأيدأ ُّمع‬
‫السطورة‪ُّ ً.‬فالحكاية ُّالخروية ُّباعتبارها ُّتمثيل‬
‫للنهَايات ُّالخيرة‪ُّ ،‬نوع ُّمن ُّالنبوة‪ُّ ،‬ولكنهَا ُّخارج‬
‫التاريخ‪ُّ ،‬في ُّنهَاية ُّالتاريخ‪ُّ ً.‬وفي ُّحين ُّتنشلدأ ُّالنبوة ُّإلى‬
‫الحدأث ُّالوشيك ُّدأاخل ُّالتاريخ‪ُّ ،‬تعلن ُّالحكاية‬

‫‪56‬‬
‫الخروية ُّعن ُّخلق ُّجدأيدأ‪ُّ ،‬آت ُّمن ُّهناك‪ُّ ،‬وذلك‬
‫بمناسبة ُّكارثة ُّكونية‪ً.‬‬

‫ولئن ُّتمكنت ُّهذه ُّالبنية ُّالجدأيدأة ُّمن ُّأن ُّتصبح‬


‫هي ُّبدأورها ُّأسطورية ُّرغم ُّالتقابل ُّالبمين ُّبين ُّالوعدأ‬
‫بشيء ُّمخالف‪ُّ ،‬وتكرار ُّالشيء ُّنفسه‪ُّ ،‬فهَذا ُّأمر‬
‫نفهَمه ُّدأون ُّعناء‪ُّ ً.‬فإذا ُّأصررنا‪ُّ ،‬في ُّالمقابل‪ُّ ،‬على‬
‫جضدأة ُّالخلق ُّأكثر ُّمن ُّإص اررنا ُّعلى ُّقدأمه‪ُّ ،‬فإن‬
‫أسطورة ُّالصل ُّيمكن ُّأن ُّتصبح ُّل ُّأسطورة ُّالساس‬
‫الذي ُّمضى‪ُّ ،‬بل ُّأسطورة ُّكل ُّأساس ُّآت ُّفي‬
‫المستقبل؛ ُّفلقدأ ُّرأينا ُّأن ُّالسطورة ُّيمكنهَا ُّأن ُّتروي‬
‫نشأة ُّالشياء ُّالجدأيدأة‪ُّ ،‬وقبل ُّذلك ُّنشأة ُّالنسان‬
‫والنسان ُّالجدأيدأ‪ُّ ،‬في ُّعالم ُّموجودأ ُّها ُّهنا‪ُّ ً.‬وفي ُّهذا‬
‫الطار ُّفإن ُّالطقس ُّهو ُّبل ُّريب ُّعامل ُّيجعل‬
‫السطورة ُّمستقبليةة‪ُّ ً.‬إن ُّالتأمل ُّفي ُّالصل ُّيمكن ُّأن‬
‫يتحول ُّإلى ُّالمستقبل ُّبواسطة ُّالفعل ُّالنموذجي‬

‫‪57‬‬
‫للطقس ُّالذي ُّيرجع ُّالوضع ُّالصل ُّإلى ُّالوجودأ‬
‫الحاضر‪ُّ ً.‬وبهَذا ُّالمعنى ُّفإن ُّذاكرة ُّالخلق ُّهي ُّمن‬
‫الوهلة ُّالولى ُّوعدأ ُّبالمستقبل؛ ُّوالسطورة ُّمن ُّخلل‬
‫خاصيتهَا ُّالنموذجية‪ُّ ،‬مثال ُّعن ُّكل ُّفعل ُّخلق ُّوافدأ؛‬
‫فكل ُّولدأة ُّجدأيدأة ُّتلخص ُّالولدأة ُّالولى؛ ُّوكل‬
‫البدأايات ُّهي ُّبدأايات ُّمن ُّجدأيدأ‪ُّ ً.‬هكذا‪ُّ ،‬وفي ُّمهَرجان‬
‫السنة ُّالجدأيدأة ُّالكبير ُّفي ُّبابل‪ُّ ،‬كل ُّسنة ُّجدأيدأة ُّهي‬
‫شريك ُّفي ُّاليوم ُّالول‪ُّ ً.‬‬

‫وبهَذا ُّيمكننا ُّأن ُّنفهَم ُّتولدأ ُّالمعنى ُّبين ُّأسطورة‬


‫البدأاية ُّوأسطورة ُّالنهَاية ُّكما ُّيلي‪ُّ :‬كل ُّبدأايات‬
‫الماضي ُّهي ُّبدأرجات ُّمعينة‪ُّ ،‬أساطير ُّنهَاية ُّوذلك‬
‫حتى ُّتكون ُّأساطير ُّبدأايات ُّجدأيدأة؛ ُّهنالك ُّخلفنا‬
‫نهَايات ُّمتعدأدأة ُّللعالم‪ُّ ،‬وعودأات ُّكثيرة ُّللعماء‪،‬‬
‫وانبثاقات‪ُّ ً.‬بل ُّإننا ُّنجدأ‪ُّ ،‬في ُّحكايات ُّولدأة ُّاللهَة‬
‫وأنسابهَا‪ُّ ،‬نهَاية ُّبعض ُّاللهَة‪ُّ ،‬و"ميتات ُّاللهَة"؛‬

‫‪58‬‬
‫‪4‬‬
‫فخلع ُّمردأوخ ُّ‪ُّ Mardouk‬هو ُّنهَاية ُّاللهَة ُّالقدأيمة؛‬
‫وزيوس ُّ‪ُّ ُّ Zeus‬يعني ُّموت ُّكرونوس ‪Cronos‬؛‬
‫والتراجيدأيا ُّتروي ُّنهَاية ُّغضب ُّاليرينياس‬
‫‪ُّ Erinnyes‬وتقمدأتم ُّأبولو ُّ‪ُّ ،Apollon‬إله ُّالنور؛ ُّفكل‬
‫خلق ُّجدأيدأ ُّهو ُّنهَاية ُّخلق‪ُّ ،‬نهَاية ُّعمر ُّمن ُّأعمار‬
‫ق ُّآخر‪ً.‬‬
‫العالم؛ ُّوهكذا ُّفمن ُّالطوفان ُّنهَايمة ُّعالم ُّوانبثا م‬
‫إضافة ُّإلى ُّذلك ُّفأساطير ُّالنهَاية ُّتبقى ُّأساطير ُّمن‬
‫حيث ُّأنهَا ُّتنقل ُّإلى ُّالنهَاية ُّالقوة ُّالفتتاحية ُّالتي‬
‫للسطورة‪ً.‬‬

‫والحالة ُّالمعاكسة ُّبدأيهَية‪ُّ :‬فبما ُّأن ُّالحكاية‬


‫الخروية ُّتأخذ ُّنماذجهَا ُّمن ُّأساطير ُّالخلق‪ُّ ،‬فإنهَا‬
‫تفشل ُّفي ُّعرض ُّافتتاح ُّعهَدأ ُّجدأيدأ ُّبشكل ُّيختلف‬
‫عن ُّاستعادأة ُّالعهَدأ ُّالصلي‪ُّ ً.‬وفي ُّهذا ُّالمعنى‪،‬‬
‫يسمح ُّبالقول ُّإن ُّأساطير ُّالنهَاية ُّتبقى ُّأساطير ُّطالما‬

‫‪ 4‬إن تنصيب مردوخ هو الذي ميثل نهاية اللهة البابلية القديمة كما‬
‫تخبرنا بذلك الينوماإيليش )م(‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫أنهَا ُّظلت ُّأساطير ُّاستعادأة‪ُّ ً.‬ويمكننا ُّالتساؤل ُّعندأئذ‬
‫إن ُّكانت ُّالحكاية ُّالخروية‪ُّ ،‬حين ُّتشحن ُّبقوة‬
‫السطورة‪ُّ ،‬تفقدأ ُّشيئا ُّمن ُّقصدأية ُّمعناها‪ُّ ،‬هذا ُّالمعنى‬
‫الذي ُّيقابل ُّبشكل ُّجذري ُّالسطورة‪ُّ ً.‬إن ُّالتبشير‬
‫ب‪ُّ ،‬ليس ُّتك ار ار‬
‫بملكوت ُّالرب‪ُّ ،‬باعتباره ُّتنبؤا ُّبقدأوم ُّالر ل‬
‫للصول‪ُّ ،‬بل ُّهو ُّشيء ُّآخر ُّتماما؛ ُّوفي ُّهذا ُّالصدأدأ‬
‫صل ُّإلى ُّل م‬
‫ب ُّمعنى‬ ‫فمن ُّالشرعي ُّأن ُّنقول ُّإننا ُّل ُّنتو ض‬
‫ل ُّبواسطة ُّإلغاء ُّالثقل‬ ‫التبشير ُّبملكوت ُّالر م‬
‫ب ُّإ ل‬
‫السطوري‪ُّ ،‬في ُّالمعنى ُّالدأقيق ُّللكلمة‪ُّ ،‬أي ُّعبر‬
‫العودأة ُّإلى ُّلحظة ُّبدأاية ُّالنبوة ُّالتي ُّتضع ُّفاصل‪ُّ ،‬من‬
‫حساب ُّوموت‪ُّ ،‬بين ُّتكرار ُّالذات ُّوالوعدأ ُّبما ُّيخالفهَا‪ً.‬‬

‫* السطورة والحكمة‪:‬‬

‫ليس ُّمن ُّالمؤكدأ ُّأن ُّهذه ُّالصلة ُّالمضاعفة ُّبين‬


‫الفضاء ُّالسطوري ُّوفضاء ُّتاريخ ُّالخلص ُّمن‬
‫ناحية‪ُّ ،‬وبين ُّالفضاء ُّالسطوري ُّوفضاء ُّالنبوة‬

‫‪60‬‬
‫والحكاية ُّالخروية ُّمن ُّناحية ُّأخرى‪ُّ ،‬تستنزف‬
‫إمكانات ُّالتبادأل ُّبين ُّالسطورة ُّوأشكال ُّأخرى ُّمن‬
‫الخطاب‪ُّ ،‬تحمل ُّهي ُّأيضا ُّأنماطا ُّمختلفة ُّمن‬
‫التفكير‪ُّ ً.‬إن ُّحدأودأ ُّالسطورة ُّمع ُّالدأب ُّالحكمي‬
‫‪ُّ ،sapientiale‬أو‪ُّ ،‬باختصار‪ُّ ،‬مع ُّالحكمة‪ُّ ،‬تحتاج‬
‫إلى ُّفحص ُّبالعناية ُّذاتهَا ُّالتي ُّفحصنا ُّبهَا ُّالحضذين‬
‫السابقين‪ُّ ً.‬ورغم ُّأن ُّهذا ُّالدأب ُّفي ُّشكله ُّالمكتوب‬
‫يبدأو ُّمتأخرا ُّعن ُّتاريخ ُّالمسنةن ُّوعن ُّالنبوة‪ُّ ،‬فإن ُّله‬
‫فيما ُّيبدأو ُّوجودأا ُّخفيا ُّدأاخل ُّالسطورة ُّذاتهَا‪ُّ ً.‬إن‬
‫الحكمة‪ُّ ،‬قبل ُّأن ُّتوزع ُّنصائحهَا ُّعلى ُّالنسان‪ُّ ،‬تمثل‬
‫محاولة ُّلكتشاف ُّالعالم ُّحتى ُّتباشر ُّتنوعه ُّالشدأيدأ‬
‫وتتحكم ُّفيه‪ُّ ً.‬وبهَذا ُّالعتبار‪ُّ ،‬نتج ُّعن ُّعملية‬
‫الكتشاف ُّهذه ُّجملة ُّتصنيفات ُّالحيوانات‪،‬‬
‫والنباتات‪ُّ ،‬والحجارة‪ُّ ،‬إضافة ُّإلى ُّتصنيفات ُّالشعوب‬
‫والحوادأث‪ُّ ،‬وخصوصا ُّالتصنيفات ُّالثنائية ُّ)ذكر‪-‬‬

‫‪61‬‬
‫أنثى‪ُّ ،‬سماء ُّ– ُّأرض‪ُّ ،‬نور ُّ– ُّدأيجور‪ُّ ،‬كائن ُّحي ُّ–‬
‫كائن ُّجامدأ‪ُّ ،‬روح ُّ– ُّجسدأ‪ُّ ،‬أهلي ُّ– ُّوحشي‪ُّ ،‬طاهر ُّ–‬
‫مدأنس‪ُّ ،‬جنة ُّ– ُّصحراء‪ُّ ،‬شجرة ُّالحياة– ُّنبات ُّعقيم(؛‬
‫وبصفة ُّعامة ُّإن ُّكل ُّعمليات ُّتسمية ُّالشياء‬
‫المخلوقة ُّتعبر ُّعن ُّعلقة ُّالكون ُّبشكل ُّتفكيرنا‪ً.‬‬

‫هذا ُّالحلدأ ُّبين ُّالسطورة ُّوالحكمة ُّالمثللية‪ُّ ،‬شبيه‬


‫في ُّعدأم ُّيقينيته ُّبالسطورة‪ُّ ً.‬كما ُّبينهَا ُّالتحليل‬
‫البنيوي؛ ُّفهَي ُّتستندأ‪ُّ ،‬في ُّمستوى ُّفكري ُّلشعوري‪،‬‬
‫على ُّمنطق ُّفي ُّالتصنيف ُّشبيه ُّبهَذا ُّولكننا ُّيمكن ُّأن‬
‫نقول ُّإن ُّما ُّتفعله ُّالحكمة ُّبوعي ُّتفعله ُّالسطورة ُّبل‬
‫وعي‪ُّ ً.‬ونحن ُّل ُّنستطيع ُّاحتقار ُّهذا ُّالنشاط ُّالـحكمي‬
‫المثلي‪ُّ :‬إن ُّالوصفات ُّالطقوسية ُّذاتهَا ُّتستندأ ُّإلى‬
‫تصنيفات ُّمن ُّهذا ُّالنوع ُّوهي ُّتصنيفات ُّتطبع‬
‫الساس ُّالمشترك ُّللفكر ُّالدأيني ُّوالفكر ُّالعلمي؛‬
‫فالنسان‪ُّ ،‬من ُّخلل ُّإطلق ُّالسم‪ُّ ،‬يبحث ُّعن‬

‫‪62‬‬
‫دأللة‪ُّ ،‬عن ُّنظام؛ ُّومن ُّهذا ُّجهَة ُّالحكمية ُّالمثللية‪ُّ ،‬ل‬
‫تقف ُّالسطورة ُّمع ُّالمثولة ُّ‪ُّ ،fable‬ولكنهَا ُّترتبط‬
‫مباشرة ُّبالبنية ُّالتحتية ُّللتفكير‪ُّ ً.‬إن ُّنتائج ُّهذه ُّالدأرجة‬
‫الولى ُّمن ُّالحكمة ُّالمثللية ُّهامة‪ُّ :‬فمن ُّخلل‬
‫التصنيف ُّيتخذ ُّالفكر ُّموقفا ُّحيال ُّغموض ُّالواقع؛‬
‫إنه ُّيقطع ُّبين ُّالتشابه ُّوالختلف‪ُّ ،‬وبين ُّالقرابة‬
‫والتقابل‪ُّ ،‬وبين ُّالتواصل ُّوالقطيعة‪ُّ ،‬وبين ُّنعم ُّول‪ً.‬‬

‫ويمكن ُّلهَذه ُّالمسارات ُّالستكشافية ُّأن ُّتطبق‪،‬‬


‫على ُّأساس ُّمن ُّهذا ُّالتنظيم‪ُّ ،‬على ُّالنسان ُّذاته‪ُّ ،‬في‬
‫مواجهَة ُّالفوضى ُّالظاهرة ُّفي ُّالحياة ُّالنسانية؛‬
‫فيتلقى ُّالبحث ُّعن ُّالمعنى ُّهنا‪ُّ ،‬بعدأا ُّوجودأيا‪ُّ ،‬ولكن‬
‫دأون ُّتغيير ُّوجهَة ُّالبحث ُّبشكل ُّجذري‪ُّ ً.‬ول ُّتتخذ‬
‫ل ُّفي ُّحالة ُّظهَر ُّفيهَا ُّالعالم‬
‫الحكمة ُّمةدأى ُّأخلقيا ُّإ ل‬
‫باعتباره ُّمعنى ُّمهَتضدأةدأا‪ُّ :‬فأن ُّتعرف ُّالعالم‪ُّ ،‬هو ُّأن‬
‫تكون ُّقادأرا ُّعلى ُّأن ُّتعيش ُّفيه ُّوأنت ُّتواجه ُّالعبث‪ً.‬‬

‫‪63‬‬
‫وبهَذا ُّالمعنى ُّيمكننا ُّأن ُّنقول ُّإن ُّلساطير‬
‫الصل ُّنفةسهَا ُّبعدأا ُّحكميا‪ُّ ،‬إذ ُّألن ُّفهَم ُّكيف ُّبدأأت‬
‫الشياء‪ُّ ،‬يعني ُّمعرفة ُّما ُّتعنيه ُّالن ُّوأي ُّمستقبل‬
‫ستواصل ُّفتحه ُّأمام ُّالنسان‪ُّ ً.‬إن ُّأساطير ُّالسقوط‬
‫تبدأو ُّحقا ُّمحققة ُّوظيفة ُّاستعادأة ُّالمعنى ُّهذه‪ُّ ،‬وذلك‬
‫في ُّظروف ُّمن ُّالفوضى ُّواليأس؛ ُّفهَي ُّتعمل ُّعلى‬
‫تحقيق ُّنوع ُّمن ُّالتوافق ُّمع ُّالمناطق ُّالمظلمة ُّفي‬
‫التجربة ُّالنسانية؛ ُّوتمثل ُّواجهَة ُّالليل ُّالتي ُّينبغي‬
‫على ُّالنسان ُّأن ُّيعيش ُّمعهَا‪ُّ ً.‬ولكن ُّالحكمة ُّتضيف‬
‫دأائما ُّإلى ُّإنشادأ ُّالصل‪ُّ ،‬استرجاع ُّالمعنى ُّفي ُّوضع‬
‫ك‪ُّ ً.‬والحكمة ُّمتوةلمج ُّأيضا ُّفي‬
‫راهن ُّمليء ُّبالتهَدأيدأ ُّوالش ل‬
‫قلب ُّالسطورة ُّقوتة ُّالسؤال‪ُّ :‬لتم ُّلم ُّتكن ُّالحياة ُّتبترتكةة‬
‫فحسب ُّبل ُّكانت ُّلعنة ُّأيضا؟ ُّلتم ُّل ُّنجدأ ُّالجنة‪ُّ ،‬بل‬
‫الصحراء؟ ُّلتم ُّل ُّنجدأ ُّالمتعة ُّبل ُّالعمل؟ ُّلتم ُّل ُّتكون‬
‫الطبيعة ُّصدأيقة ُّبل ُّحيوانات ُّوحشية؟ ُّلتم ُّل ُّنجدأ‬

‫‪64‬‬
‫الحب ُّفحسب‪ُّ ،‬بل ُّنجدأ ُّمعه ُّآلم ُّالمخاض؟ ُّلتم ُّل‬
‫يكون ُّجمال ُّالجسدأ ُّالعاري‪ُّ ،‬بل ُّالحياء ُّوالطهَر؟ ُّلتم ُّل‬
‫تكون ُّقوانيمن ُّتعطي ُّالحياة‪ُّ ،‬بل ُّقوانين ُّتوللدأ ُّالنتهَاك؟‬
‫لتم ُّل ُّيكون ُّفرح ُّالحياة‪ُّ ،‬بل ُّالنتهَاء ُّإلى ُّالتراب؟ ُّإن‬
‫السطورة‪ُّ ،‬بإجابتهَا ُّعلى ُّهذه ُّالسئلة‪ُّ ،‬وبتقدأيمهَا‬
‫عالما ُّذا ُّدأللة ُّللتجربة ُّالنسانية‪ُّ ،‬متطمور ُّحكمة ُّمن‬
‫أجل ُّالحياة‪ً.‬‬

‫إذن ُّبإعادأة ُّبناء ُّتقابلت ُّالسطورة ُّوبقية‬


‫أشكال ُّالخطاب ُّوبوضع ُّتخطيط ُّإجمالي ُّللعبة‬
‫التبادألت ُّبين ُّكل ُّأشكال ُّالخطاب ُّهذه‪ُّ ،‬نستطيع ُّأن‬
‫نبرز ُّأفقا ُّلمعنى ُّتسعى ُّمن ُّخلله ُّالحكايات‬
‫والساطير ُّوالنبوات ُّوالحكمة ُّمعا ُّإلى ُّتأليف ُّلغة‬
‫كلية ُّقدأ ُّيتصالح ُّفيهَا ُّالصوت ُّوالشارة‪ُّ ،‬والنشادأ‬
‫والحركة ُّالطقسية‪ُّ ،‬ودأقة ُّالتمييزات ُّوعمق ُّالعاطفة‪،‬‬
‫والذاكرة ُّوالمل‪ُّ ً.‬إن ُّالسطورة‪ُّ ،‬بمتاخمتهَا ُّبقية‬

‫‪65‬‬
‫أشكال ُّالخطاب‪ُّ ،‬تحصل ُّعلى ُّدأللتهَا ُّالعميقة‪،‬‬
‫المتمثلة ُّفي‪ُّ ،‬حسب ُّعبارة ُّجان ُّبول ُّأودأي ُّ‪Jean-‬‬
‫‪)ُّ Paulُّ Audet‬الذي ُّعمل‪ُّ ،‬بجهَدأ‪ُّ ،‬على ُّإعادأة‬
‫الدأللة ُّللدأب ُّالحكمي(‪ُّ ،‬اقتراح ُّ"استبدأادأ ُّكلي" ُّبكامل‬
‫ميراث ُّطائفة ُّما‪ً.‬‬

‫‪ .3‬السطورة والفلسفة‪:‬‬

‫يمكن ُّالعودأة‪ُّ ،‬في ُّنهَايات ُّهذا ُّالبحث‪ُّ ،‬إلى‬


‫السؤال ُّالذي ُّطمةرتح ُّفي ُّالمقدأمة ُّوالخاص ُّبلقاء ُّرؤية‬
‫السطورة ُّللعالم ُّبما ُّتقتضيه ُّالفلسفة‪ُّ ً.‬سنكتفي ُّهنا‬
‫بالقضايا ُّالتي ُّتطرحهَا ُّالسطورة ُّفي ُّالفلسفة ُّالحدأيثة‬
‫والمعاصرة‪ُّ ،‬مع ُّالبقاء ُّرغم ُّذلك‪ُّ ،‬على ُّالتعارض‬
‫البدأئي ُّبين ُّالميتوس ُّواللوغوس ُّفي ُّالفلسفة ُّالغريقية‬
‫باعتبارها ُّخيطا ُّموصل‪ُّ ً.‬حقا ُّإن ُّالفلسفة ُّالحدأيثة‬
‫والمعاصرة ُّتعيدأ ُّابتكار ُّهذا ُّالتعارض ُّذاته ُّفي ُّأشكال‬
‫متعدأدأة‪ُّ ً.‬ومن ُّوسائل ُّبيان ُّهذا ُّالتعارض ُّهو ُّتأطيره‬

‫‪66‬‬
‫في ُّمستوى ُّالتمثيلت‪ُّ ،‬في ُّالمعنى ُّالذي ُّأعطيناه‬
‫عندأ ُّتقدأيم ُّاللزمة ُّالولى ُّلتعريف ُّالسطورة‬
‫باعتبارها ُّحكاية ُّالصول‪ُّ ً.‬فعل‪ُّ ،‬إن ُّالفلسفة ُّتلتقي‬
‫بالسطورة ُّوطموحهَا ُّالبستيمولوجي‪ُّ ،‬أول ُّباعتبارها‬
‫تمثيل‪ُّ ً.‬فتصبح ُّعندأئذ ُّقضية ُّميتوس‪-‬لوغوس ُّقضية‬
‫"تمثيل‪-‬مفهَوم"‪ُّ ً.‬فإذا ُّكانت ُّالفلسفة ُّهي ُّالتفكير‬
‫بالمفهَوم ُّفإن ُّالسؤال ُّهو ُّأن ُّنعرف ُّإن ُّكان ُّالتمثيل‬
‫الذي ُّتنقله ُّالسطورة ُّيمكن ُّأخذه ُّباعتباره ُّصورة ُّقبلية‬
‫للمفهَوم‪ُّ ً.‬هنالك ُّإجابتان ُّممكنتان‪ُّ :‬إلما ُّأن ُّالتمثيل‬
‫يمكن ُّإرجاعه ُّإلى ُّالمفهَوم ُّ)وحينئذ ُّلتم ُّكل ُّهذا‬
‫اللتفاف ُّالذي ُّأبرزت ُّنظريات ُّالمجاز ُّالقدأيمة‬
‫تفاهته؟(‪ُّ ،‬أو ُّعلى ُّالعكس ُّإذا ُّتمسكنا ُّبعدأم ُّإرجاع‬
‫التمثيل ُّإلى ُّالمفهَوم‪ُّ ،‬فماذا ُّعن ُّمهَمة ُّالعقلنية؟‪ً.‬‬

‫إن ُّإجابات ُّكانط ُّ‪ُّ Kant‬وهيغل ُّ‪ُّ Hegel‬عن‬


‫هذه ُّالمفارقة ُّمفيدأة ُّبشكل ُّقوي‪ُّ ً.‬فهَذان ُّالفيلسوفان‪،‬‬

‫‪67‬‬
‫وبطريقتين ُّمختلفتين‪ُّ ،‬يحاولن ُّالتمسك ُّبأولية ُّالمفهَوم‬
‫)بمعان ُّمختلفة ُّللكلمة‪ُّ ،‬والحق ُّيقال(‪ُّ ،‬مع ُّالمحافظة‬
‫على ُّأهمية ُّالتمثيل‪ُّ ً.‬والحلن ُّاللذان ُّاقترحاهما ُّيمكن‬
‫اعتبارهما ُّأنموذجين ُّفلسفيين ُّلم ُّميتتجاتوزا ُّبعمدأ‪ُّ ً.‬كل ُّما‬
‫سنثيره ُّمن ُّنقاشات ُّأخرى‪ُّ ،‬يفترض‪ُّ ،‬بطريقة ُّأو‬
‫بأخرى‪ُّ ،‬التنازع ُّالناشئ ُّمن ُّالتقابل ُّبين ُّكانط ُّوهيغل‪ً.‬‬

‫‪ ‬التأويل الكانطي للميثولوجيا‪:‬‬

‫ل ُّينبغي ُّأن ُّنبحث‪ُّ ،‬عن ُّإجابة ُّكانط ُّعن‬


‫سؤال ُّوضع ُّالتمثيل ُّفي ُّاقتصادأ ُّالفلسفة‪ُّ ُّ ،‬في ُّالدأين‬
‫في ُّحدأودأ ُّالعقل ُّالبسيط ُّفقط‪ُّ ً.‬إن ُّكامل ُّمشروع‬
‫فلسفة ُّالحدأودأ ُّهو ُّالذي ُّيعطي ُّمعناه ُّلهَذه ُّالجابة‬
‫الجزئية‪ُّ ً.‬إن ُّادأعاء ُّمعرفة ُّأشياء ُّمطلقة‪ُّ ،‬في ُّفلسفة‬
‫الحدأودأ‪ُّ ،‬خارج ُّدأائرة ُّالتجربة ُّالحسية ُّوالمعرفة ُّالعلمية‬
‫متهَم ُّبالوهم؛ ُّوبهَذا ُّالمعنى ُّيسقط ُّالعالم ُّالسطوري‬
‫تحت ُّنقدأ ُّكانط ُّلـ"الوهم ُّالمتعالي" ُّالذي ُّل ُّيشمل‬

‫‪68‬‬
‫الحجج ُّالكلسيكية ُّللميتافيزيقا ُّفحسب‪ُّ ،‬بل ُّكل‬
‫المواقف ُّالخاصة ُّبالخوارق ُّالتي ُّتروجهَا ُّثقافة‬
‫عظيمة‪ً.‬‬

‫ولكن ُّفلسفة ُّكانط ُّليست ُّمجردأ ُّفلسفة ُّوضعية‪ً.‬‬


‫صمر‬
‫فإذا ُّكان ُّهناك ُّوهم ُّمتعال‪ُّ ،‬فلن ُّالعقل ُّل ُّميضختت ت‬
‫في ُّالفاهمة ُّويفرض ُّما ُّل ُّيخضع ُّللشرط ُّعلى ُّرأس‬
‫السلسلة ُّالكاملة ُّمن ُّالشروط؛ ُّوما ُّل ُّيخضع ُّللشرط‬
‫هذا ُّيمكن ُّأن ُّيكون ُّ"مفكرا ُّفيه" ُّ‪ُّ ،pensé‬ل‬
‫"معروفا" ُّ"‪ُّ ً."connu‬هذا ُّالختلف ُّبين ُّفكر‬
‫وعرف‪ُّ ،‬ملحقا ُّبنقدأ ُّالوهم ُّالمتعالي‪ُّ ،‬يفتح ُّتأويل‬
‫ممكنا ُّلعالم ُّالساطير‪ُّ ً.‬فعل‪ُّ ،‬فإذا ُّأدأينت ُّالسطورة‬
‫باعتبارها ُّميتافيزيقا ُّضمنية‪ُّ ،‬فإنهَا ُّقابلة ُّلتلمقي ُّمعنى‬
‫من ُّخلل ُّصلتهَا ُّبما ُّل ُّيخضع ُّللشرط‪ُّ ً.‬ولكن ُّأي‬
‫معنى‪ً.‬؟ ُّبالنسبة ُّإلى ُّكانط ُّل ُّيمكن ُّأن ُّيكون ُّهذا‬
‫ل ُّمعنى ُّأخلقيا‪ُّ ً.‬إن ُّخرق ُّالحدأودأ ُّالوحيدأ‬
‫المعنى ُّإ ل‬

‫‪69‬‬
‫الذي ُّل ُّيؤدأي ُّإلى ُّالعودأة ُّإلى ُّ"الوهم" ُّالمتعالي ُّهو‬
‫موقف ُّحريتنا ُّفي ُّصلتهَا ُّبالخلق‪ً.‬‬

‫إنه ُّعلى ُّهذا ُّالساس ُّالعملي ُّفقط ُّيمكن ُّبسط‬


‫"مسلمات" ُّتخص ُّال ُّوالخلودأ ُّوالحرية‪ُّ ً.‬وعلى ُّخلفية‬
‫مسلمات ُّالعقل ُّالعملي ُّهذه ُّيمكن ُّللفلسفة ُّأن ُّتفهَم‬
‫"في ُّحدأودأ ُّالعقل ُّالبسيط" ُّشيئا ُّعن ُّالتمثيلت‬
‫الدأينية‪ُّ ً.‬وهذا ُّأمر ُّممكن ُّللفلسفة ُّبل ُّواجب ُّعليهَا‪ُّ ،‬ما‬
‫أن ُّتمتواةجته ُّمشكلة ُّالشلر‪ُّ ً.‬إن ُّإمكانية ُّالتغلب ُّعلى‬
‫الشر ُّهي ُّإمكانية ُّأن ُّتكون ُّالحرية ُّحقيقة ُّوليس‬
‫مجردأ ُّإلزام ُّأو ُّحلم‪ُّ ً.‬ومن ُّهنا ُّيصبح ُّارتكاز ُّالمل‬
‫العقلني ُّعلى ُّتمثيلت ُّتصمومر ُّانتصار ُّ"المبدأإ‬
‫الطميب" ُّعلى ُّ"الخبيث" ُّمقبول‪ُّ ً.‬فالفلسفة ُّل ُّتفهَم ُّما‬
‫يمكن ُّتسميته ُّبالرسوم ُّالبيانية ُّلـ"لنتصار ُّعلى ُّالشر"‬
‫أو ُّما ُّيسمى ُّبرموزه ُّل ُّفي ُّحدأودأها ُّفحسب ُّبل ُّفي‬

‫‪70‬‬
‫ل ُّباعتبارها ُّ"مجازات" ُّتدأعم ُّالمل‬
‫تخومهَا ُّكذلك‪ُّ ،‬إ ل‬
‫العقلني‪ُّ ً.‬‬

‫طبعا‪ُّ ،‬لم ُّيفكر ُّكانط ُّفي ُّالساطير‪ُّ ،‬بل ُّفي‬


‫المسيحية؛ ُّولكنه ُّل ُّمانع ُّأن ُّنوسع ُّتصور ُّكانط‬
‫لـ"رمزية"‪ُّ ،‬في ُّمستوى ُّالخيال‪ُّ ،‬وتصوره ُّلطلب ُّالمعنى‬
‫الذي ُّيصدأر ُّعن ُّالعقل ُّذاته‪ُّ ،‬نحو ُّمجمل ُّرؤية‬
‫العالم ُّالتي ُّعرضناها ُّسابقا‪ُّ ً.‬يمكن ُّأن ُّنجدأ‬
‫وخصوصا ُّفي ُّباريرغا ُّ ُّ‪ُّ Parerga‬الدأين ُّفي ُّحدأودأ‬
‫العقل ُّالبسيط ُّلب ُّالتأويل ُّالكانطي ُّللميثولوجيا‪ً.‬‬
‫فعل‪ُّ ،‬إن ُّكانط ُّيعني ُّبالـباريرغا ُّ‪ُّ ،‬التمثيلت ُّالتي ُّلم‬
‫تعدأ ُّفي ُّحدأودأ ُّالعقل ُّالبسيط ُّفحسب ُّبل ُّفي ُّتخومه‬
‫كذلك‪ُّ ً.‬وهكذا ُّفإن ُّفلسف ةة ُّللحدأودأ‪ُّ ،‬وهي ُّفي ُّنفس‬
‫الوقت‪ُّ ،‬فلسفٌة ُّعملية‪ُّ ،‬ل ُّتستطيع ُّمباشرة ُّحقيقة‬
‫ل ُّباعتبارها ُّمعرفة ُّللتخوم‪ً.‬‬
‫الكون ُّالسطوري ُّإ ل‬

‫‪71‬‬
‫ولكن ُّثمن ُّكل ُّهذا ُّباهض‪ُّ ،‬إن ُّالساطير‬
‫ل ُّعندأ ُّتجريدأها ُّمن ُّكل ُّمةدأى‬
‫ليست ُّقابلة ُّللفهَم ُّإ ل‬
‫تأملي ُّوعندأ ُّربطهَا ُّبالوظيفة ُّالعملية ُّللعقل‪ُّ ،‬أي‪ُّ ،‬في‬
‫النهَاية‪ُّ ،‬عندأ ُّربطهَا ُّبشروط ُّتحقق ُّالحرية ُّالنسانية‪ً.‬‬
‫وبهَذا ُّالمعنى ُّيمكن ُّالقول ُّإن ُّكانط ُّقدأ ُّفتح ُّالطريق‬
‫أمام ُّتأويل ُّوجودأي ُّللساطير‪ً.‬‬

‫‪ ‬هيغل والتمثيلتا الدينية‪:‬‬

‫يفتح ُّهيغل ُّإمكانية ُّأخرى‪ُّ ،‬فالتمثيلت ُّالدأينية‬

‫ليست‪ُّ ،‬بالنسبة ُّإليه‪ُّ ،‬ماوراء ُّ‪ُّ au-delà‬حاجز ُّتحضدأتدأهم‬


‫العقل ُّالذي ُّيراقب ُّذاته‪ُّ ً.‬إنهَا‪ُّ ،‬بالعكس‪ُّ ،‬أمام ُّ‪en‬‬
‫‪ُّ deçà‬اكتمال ُّللمعرفة‪ُّ ،‬دأاخل ُّوعي ُّالروح ُّالمطلق‬
‫بذاته‪ُّ ً.‬إن ُّالتمثيلت ُّالدأينية ُّليست‪ُّ ،‬إذن‪ُّ ،‬في ُّتخوم‬
‫الحلدأ؛ ُّإنهَا ُّتنتمي ُّإلى ُّالمرحلة ُّقبل ُّالخيرة ُّلمسار‬
‫ينتهَي ُّعندأ ُّالمعرفة ُّالمطلقة‪ُّ ً.‬بل ُّإن ُّالمر ُّأكثر ُّمن‬
‫هذا‪ُّ ،‬إذ ُّل ُّيمكن ُّأن ُّيكون ُّمحتوى ُّالدأين ُّومحتوى‬

‫‪72‬‬
‫الفلسفة ُّمختلفين‪ُّ ،‬لنه ُّل ُّيمكن ُّأن ُّيكون ُّهنالك‬
‫وعيان ُّذاتيان ُّللروح ُّالمطلق‪ُّ ً.‬إن ُّالدأين ُّوالفلسفة ُّل‬
‫يختلفان ُّفي ُّالمضمون ُّبل ُّفي ُّدأرجة ُّالمعرفة‪ُّ ً.‬فالدأين‬
‫يبقى ُّفي ُّمجال ُّالتمثيل؛ ُّألما ُّالفلسفة ُّفهَي ُّوحدأها‬
‫التي ُّتلج ُّمجال ُّالمفهَوم‪ُّ ً.‬وبهَذا ُّيكسر ُّهيغل ُّالطار‬
‫الضيق ُّللفلسفة ُّالعملية ُّالكانطية ُّويعيدأ ُّللكون‬
‫السطوري‪ُّ ،‬ضمنيا‪ُّ ،‬صلته ُّبالحقيقة ُّالتأملية‪ً.‬‬

‫ولكن ُّأي ُّصلة؟ ُّكيف ُّالخروج ُّمن ُّالتعارض‬


‫ائدأا‪ُّ ،‬والما ُّأن‬
‫إ‬ ‫المتمثل ُّفي ُّأن ُّالتمثيل ُّإلما ُّأن ُّيكون ُّز‬
‫يكون ُّضروريا؟‪ُّ ً.‬ما ُّيبقى ُّمن ُّعمل ُّهيغل ُّهو ُّتصلومر‬
‫تنظيم ُّهرمي ُّلعالم ُّالتمثيل ُّودأيناميكية ُّتحمل ُّالتمثيل‬
‫نحو ُّالمفهَوم ُّبفعل ُّحركة ُّقهَرية ُّلـ"اللغاء"‬
‫‪ُّ ً.Aufhebung‬وما ُّيقابل‪ُّ ،‬في ُّفلسفة ُّالدأين ُّعندأ‬
‫هيغل‪ُّ ،‬العالم ُّالسطوري ُّهو ُّالدأرجتان ُّالوليان ُّلما‬
‫يسميه ُّالدأين‪"ُّ :‬الدأين ُّالطبيعي"‪ُّ ،‬و"الدأين ُّالجمالي‪-‬‬

‫‪73‬‬
‫الخلقي"‪ُّ ً.‬وعالم ُّالتمثيل ُّفي ُّالسجلضضين ُّمبرر ُّتماما؛‬
‫ففي ُّالتمثيل ُّيتلضقى ُّالروح ُّالمطلق ُّحقيقة ُّجوهرية‪ُّ ،‬ل‬
‫ول ُّإلى ُّوعي ُّذاتي ُّوالى ُّمفهَوم‪ُّ ً.‬لكن‬
‫إ‬ ‫تنفك ُّعن ُّالتح ل‬
‫ل ُّبلدأ ُّمن ُّالرجوع ُّدأائما ُّإلى ُّنقطة ُّالنطلق ُّهذه‬
‫حيث ُّيكون ُّالروح ُّشيئا‪ُّ ،‬حجرا؛ ُّذلك ُّأننا ُّنتثبت‬
‫دأائما‪ُّ ،‬من ُّخلل ُّالتصوير ُّالحسي‪ُّ ،‬من ُّأن ُّالروح‬
‫ليس ُّبعيدأا ُّعنا‪ُّ ،‬وأضن ُّله ُّالقدأرة ُّعلى ُّالتعريف ُّبنفسه‪،‬‬
‫وأنه ُّعرف ُّبنفسه‪ُّ ً.‬ولكن‪ُّ ،‬وفي ُّنفس ُّالوقت‪ُّ ،‬فإن‬
‫مهَمة ُّبيان ُّأن ُّهذا ُّالغتراب ُّيحمل ُّفي ُّذاته ُّلزوم‬
‫تجاوزه ُّهي ُّمهَمة ُّالفلسفة‪ُّ ً.‬ويمكن ُّإرجاع ُّالقرار‬
‫القائل ُّ"لبدأ ُّمن ُّأن ُّيموت ُّالوثن ُّليولدأ ُّالرمز" ُّإلى‬
‫التأثير ُّهيغلي‪ُّ ً.‬فموت ُّالوثان ُّهو ُّالذي ُّيضع ُّفعل‬
‫علمات ُّارتقاء ُّالتمثيل ُّنحو ُّالمفهَوم‪ً.‬‬

‫هنالك‪ُّ ،‬أول‪ُّ ،‬موت ُّالتمثيلت ُّالطبيعية‪ُّ ،‬أي ُّما‬


‫يمكن ُّتسميته ُّاليوم‪ُّ ،‬مع ُّميرسيا ُّإليادأ‪ُّ ،‬بـ"الرموز‬

‫‪74‬‬
‫الكونية"‪ُّ ً.‬ورغم ُّذلك ُّفهَذه ُّالرموز ُّهي ُّالتي ُّتغذي‬
‫بقوتهَا ُّالدأفينة ُّفعل ُّالظهَار ُّحيال ُّالمطلق ُّكل‬
‫الرموز ُّالعليا ُّالتي ُّتتمركز ُّعلى ُّأساسهَا‪ُّ ً.‬إن ُّموت‬
‫الرموز ُّالطبيعية ُّقدأ ُّاكتمل ُّفي ُّالفن ُّالغريقي‬
‫والدأيانة ُّالغريقية؛ ُّوخلفا ُّللرموز ُّالكونية ُّوالحيوانية‪،‬‬
‫بل ُّخلفا ُّلرمزية ُّالهَرم ُّوالمسلة ُّالهَندأسية‬
‫‪ُّ ،obélisque‬فإن ُّالتمثال ُّالغريقي ُّذات؛ ُّعلى ُّأنه‬
‫يجب ُّالتجاه ُّنحو ُّموت ُّثان‪ُّ ،‬هو ُّموت ُّالصورة‬
‫الهَيلينية ُّذاتهَا‪ُّ ً.‬لقدأ ُّطمبةتع ُّموت ُّ"التمثال" ُّالغريقي‬
‫هذا ُّبميلدأ ُّالكوميدأيا‪ُّ ،‬وبجوانية ُّالذات ُّفي ُّالشخصية‬
‫القانونية ُّالرومانية‪ُّ ً.‬ولقدأ ُّرافقه ُّشعور ُّكبير ُّبالتعاسة‬
‫والفراغ‪ُّ ً.‬وفي ُّهذه ُّالمناسبة ُّأعلن ُّهيغل ُّالكلمة‬
‫المشهَورة ُّ"مات ُّالرب" ُّآخذا ُّإياها ُّمن ُّالنشيدأ ُّاللوثري‬
‫ليوم ُّالجمعة ُّالمقدأس‪ً.‬‬

‫‪75‬‬
‫وعلى ُّأساس ُّالموت ُّهذا ُّتنبثق ُّالظاهرة ُّالوحيدأة‬
‫التي ُّيقول ُّعنهَا ُّهيغل ُّإنهَا ُّ"تجلي" ُّالروح ُّبما ُّهو‬
‫هنا ُّ ‪ُّ ،étant-là‬أي ُّالتجسيدأ ُّالمسيحي‪ُّ ً.‬بيدأ ُّأن‬
‫سياق ُّالموت‪ُّ ،‬هنا ُّأيضا‪ُّ ،‬ينتمي‪ُّ ،‬ضرورة‪ُّ ،‬إلى‬
‫استئثار ُّالطائفة ُّبمعنى ُّهذا ُّالتجلي ُّالمطلق‪ُّ ً.‬فعل‪،‬‬
‫إن ُّسيادأة ُّالتمثيل ُّلم ُّيبطلهَا ُّالتجسيدأ؛ ُّلقدأ ُّأخذت ُّهذه‬
‫السيادأة‪ُّ ،‬فقط‪ُّ ،‬شكل ُّالحدأث ُّالجدأيدأ‪ُّ ،‬من ُّناحية‪،‬‬
‫وشكل ُّتأويل ُّالطائفة ُّله ُّمن ُّناحية ُّأخرى‪ُّ ً.‬ولهَذا‬
‫وجب ُّإعادأة ُّتأويل ُّكل ُّالمحتوى ُّالتأملي ُّللمسيحية‬
‫في ُّلغة ُّالمفهَوم‪ً.‬‬

‫سيبقى ُّالتساؤل ُّحول ُّإن ُّلم ُّيكن ُّهيغل‪ُّ ،‬في‬


‫الحقيقة‪ُّ ،‬قدأ ُّأذاب ُّالكون ُّالسطوري ُّللتمثيل ُّبوضعه‬
‫في ُّالمرحلة ُّقبل ُّالخيرة ُّلمسار ُّينتهَي ُّفي ُّالمعرفة‬
‫المطلقة‪ُّ ،‬مثلما ُّفعل ُّذلك ُّكانط ُّفي ُّفلسفة ُّللحدأودأ‬
‫تترك ُّخارج ُّحقلهَا ُّما ُّل ُّتستطيع ُّإدأخاله ُّفي ُّدأائرتهَا‪،‬‬

‫‪76‬‬
‫إوان ُّأخذت ُّعنهَا‪ُّ ،‬بشكل ُّما‪ُّ ،‬من ُّالخارج‪ُّ ،‬نظرة‬
‫حدأودأية؛ ُّسيبقى ُّهذا ُّالتساؤل ُّمحل ُّنقاش ُّلمدأة‬
‫طويلة‪ً.‬‬

‫يبدأو‪ُّ ،‬رغم ُّكل ُّذلك‪ُّ ،‬أن ُّهيغل ُّقدأ ُّوضع‪ُّ ،‬لعلم‬


‫أصول ُّالتفسير ُّ‪ُّ Herméneutique‬المعاصر‪،‬‬
‫جملة ُّمن ُّالقواعدأ ُّلو ُّيستطع ُّهذا ُّالعلم ُّتجاوزها‪ُّ ً.‬ألول‪:‬‬
‫للتمثيل ُّالسطوري ُّمعنى‪ُّ ،‬ويتمثل ُّهذا ُّالمعنى ُّفي‬
‫جعل ُّالمطلق ُّظاهرا ُّبيننا‪ُّ ً.‬ثانيا‪ُّ :‬هذا ُّالمعنى ُّيكمن‪،‬‬
‫أساسا‪ُّ ،‬في ُّالتمثيلت ُّالكثر ُّمادأية ُّالتي ُّتعطي‬
‫امتلء ُّجوهريا ُّلتعابير ُّالمطلق‪ُّ ً.‬ثالثا‪ُّ ،‬إن ُّالتمثيل‬
‫ليس ُّرسما ُّجامدأا‪ُّ ،‬بل ُّهو ُّحركية ُّفكبر ُّيسعى ُّإلى‬
‫إلغاء ُّذاته ُّفي ُّالمفهَوم؛ ُّوفي ُّهذا ُّالطار‪ُّ ،‬يمكن‬
‫القول ُّإن ُّهيغل ُّقدأ ُّأرسى ُّالمبدأأ ُّالقائل ُّبأن ُّالتأويل ُّل‬

‫يكون ُّخارج ُّالموضوع ُّالمؤضو ة إ‬


‫ل‪ُّ ،‬وانما ُّهو ُّما ُّتقتضيه‬
‫الرمزية ُّذاتهَا‪ُّ ،‬والتي ُّتباشر‪ُّ ،‬بطريقة ُّما‪ُّ ،‬تفسيرها‬

‫‪77‬‬
‫الذاتي؛ ُّفالتمثيل‪ُّ ،‬كما ُّيقول ُّلوثر ُّعن ُّالكتاب‬
‫المقدأس‪"ُّ ،‬يؤمول ُّنفسه"‪ُّ ً.‬رابعا‪ُّ ،‬يحتوي ُّفعل ُّالتأويل‬
‫هذا ُّعلى ُّمرحلة ُّفانية‪ُّ ،‬ول ُّينبغي ُّأن ُّيدأهشنا ُّهذا‪،‬‬
‫فلقدأ ُّقابلنا‪ُّ ،‬دأون ُّانقطاع‪ُّ ،‬موضوع ُّالموت ُّهذا‪ُّ ،‬موت‬
‫عالم ُّبما ُّهو ُّشرط ُّلكل ُّخلق ُّعهَدأ ُّجدأيدأ‪ُّ ً.‬وهذا‬
‫الموت ُّليس ُّهو ُّما ُّيقوله ُّالتمثيل ُّفحسب‪ُّ ،‬و‪-‬المثال‬
‫على ُّذلك ُّفي ُّرمزية ُّيوم ُّالحساب ُّوغضب ُّالرب‬
‫التي ُّتقلب ُّحكاية ُّالصول ُّإلى ُّنبوءة ُّنهَاية‪ُّ ،-‬بل‬
‫هذا ُّالموت ُّهو ُّما ُّيعمل ُّدأاخل ُّنسيج ُّالتمثيل ُّذاته‪:‬‬

‫إن ُّالرمز ُّهو ُّتمثيل ُّتممي ٌ‬


‫ت ُّباتجاه ُّالمفهَوم‪ُّ ً.‬أخيرا‪ُّ ،‬إن‬
‫ق ُّكل‬
‫الوجهَة ُّذات ُّالدأللة‪ُّ ،‬وسهَم ُّالمعنى ُّالذي ُّيش ل‬
‫هذه ُّالحركيات‪ُّ ،‬تهَدأف ُّإلى ُّانبثاق ُّرمزية ُّأنموذجية‬
‫ت‬
‫هي ُّالوعي ُّذاته ُّوقدأ ُّسكنه ُّالمطلق‪ُّ ً.‬هكذا ُّتبضرتر ض‬
‫الفلسفمة‪ُّ ،‬أو ُّإن ُّجاز ُّالقول ُّتولت ُّالفلسفة‪ُّ ،‬هذه‬
‫الخاصية ُّالتي ُّينتهَي ُّبهَا ُّهذا ُّالبحث ُّحول ُّقصدأ‬

‫‪78‬‬
‫السطورة ُّالدأللي‪ُّ ،‬وهذه ُّالخاصية ُّهي ُّأن ُّالسطورة‬
‫ل ُّفي ُّتعدأدأ ُّأصوات ُّكل ُّأشكال‬
‫ل ُّيكون ُّلهَا ُّمعنى ُّإ ل‬
‫الخطاب ُّفي ُّأفق ُّ"استبدأادأ ُّكلي"‪ً.‬‬

‫إن ُّالتراوح ُّبين ُّكانط ُّوهيغل ُّمحير؛ ُّفنحن ُّل‬


‫نستطيع ُّقطعا ُّأخذهما ُّمعا ُّواضافتهَما ُّإلى ُّبعضهَما؛‬
‫إ‬
‫ولكننا ُّنستطيع ُّعلى ُّالقل ُّالحلدأ ُّمن ُّتناقضهَما ُّعبر‬
‫نوع ُّمن ُّالتعدأيل ُّالمتبادأل‪ُّ ً.‬فمن ُّناحية‪ُّ ،‬يوشك ُّتقليص‬
‫كانط‪ُّ ،‬عالم ُّ"العقائدأ" ُّإلى ُّالممارسة ُّأن ُّيربط ُّمصيرها‬
‫بمذهب ُّأخلقي؛ ُّفل ُّبضدأ ُّإذن ُّمن ُّالتذكير‪ُّ ،‬مع ُّنيتشة‪،‬‬
‫بأن ُّ"رب ُّالخلق ُّفقط ُّهو ُّالذي ُّوقع ُّدأحضه"‪ُّ ً.‬ولكن‬
‫طموح ُّهيغل ُّإلى ُّالمعرفة ُّالمطلقة ُّل ُّتخلو ُّمن‬
‫شبهَة‪ُّ :‬فأين ُّيقف ُّالفيلسوف ُّفعل؟ ُّوهل ُّهو ُّخارج‬
‫لعبة ُّالتمثيل ُّكلهَا؟ ُّ‬

‫أليس ُّمن ُّالممكن ُّعندأئذ ُّإعادأة ُّاكتشاف ُّمعنى‬


‫للخلق ُّذاتهَا ُّينطلق ُّل ُّمن ُّفكرة ُّالواجب ُّوالضرورة‬

‫‪79‬‬
‫بقدأر ُّما ُّينطلق ُّمن ُّفكرة ُّالدأافع ُّالتي ُّتحث ُّالعبدأ ُّنحو‬
‫الحرية‪ُّ ً.‬فإذا ُّفهَمنا ُّالخلق ُّبهَذه ُّالكيفية‪ُّ ،‬باعتبارها‬
‫مجموع ُّشروط ُّتحقيق ُّالحرية‪ُّ ،‬فكل ُّفهَم ُّللذات‪ُّ ،‬إذن‪،‬‬
‫فهَم ُّأخلقي ُّويمكن ُّأن ُّنجزم ُّأن ُّالمعرفة ُّالرمزية ُّهي‬
‫المنعطف ُّالطويل ُّالذي ُّتكتشف‪ُّ ،‬من ُّخلله‪ُّ ،‬الذات‬
‫شروط ُّتتأتمسةستهَا ُّالخاص‪ُّ ً.‬أليست ُّوظيفة ُّالسطورة‬
‫الولى ُّهي ُّتأسيس ُّالزمن ُّالتاريخي؟‬

‫إن ُّكانط‪ُّ ،‬من ُّهذه ُّالوجهَة‪ُّ ،‬أكثر ُّغنى ُّملما‬


‫يبدأو ُّعليه ُّمن ُّالوهلة ُّالولى؛ ُّفالعالم ُّالسطوري ُّل‬

‫يممدأ ُّمن ُّإحساسنا ُّبالواجب ُّالذي ُّل ُّيمكن ُّأن ُّمنضي ت‬


‫ف‬
‫إليه ُّشيئا؛ ُّإنه ُّل ُّيجيب ُّعلى ُّالسؤال‪"ُّ :‬ماذا ُّعلضي ُّأن‬
‫أفعتل؟" ُّبل ُّعلى ُّالسؤال‪"ُّ :‬ماذا ُّيمكنني ُّأن ُّآمتل؟"‪،‬‬
‫وهو ُّسؤال ُّيتقيدأ ُّدأاخل ُّضرورة ُّإنهَاء ُّكل ُّموضوع‬
‫الرادأة‪ُّ ً.‬وفي ُّالمقابل‪ُّ ،‬أل ُّيمكننا ُّالقول ُّإن ُّكانط‬
‫يعمدأل ُّمن ُّهيغل؟ ُّإذ ُّالمعرفة ُّالمطلقة ُّليست ُّخارج‬

‫‪80‬‬
‫كل ُّمسار ُّالتمثيل؛ ُّإنهَا ُّدأاخله‪ُّ ،‬تسقيه ُّوتضمن ُّله‬
‫حركيته ُّوعمل ُّتدأميره ُّالذاتي‪ُّ ً.‬وبهَذا ُّالفهَم‪ُّ ،‬ل ُّيضاف‬
‫المفهَوم ُّإلى ُّالتمثيل‪ُّ ،‬إنه ُّنور ُّالتمثيل ُّالدأاخلي؛ ُّوهذه‬
‫ث ُّعن ُّذاتهَا ُّليست ُّشيئا ُّآخر ُّغير‬
‫الحقيقة ُّالتي ُّتتضبتح م‬
‫وعينا ُّبالمطلق ُّدأاخلنا‪ُّ ً.‬واذا ُّكان ُّالمر ُّكذلك‪ُّ ،‬فل‬
‫إ‬
‫مجال ُّللختيار ُّبين ُّالتأويل ُّالعملي ُّالخالص ُّللرمزية‬
‫السطورية ُّوبين ُّتأويلهَا ُّالتأملي‪ُّ :‬إن ُّالسطورة‪ُّ ،‬من‬
‫خلل ُّقصدأها ُّالدأللي‪ُّ ،‬تصلور ُّوحدأتهَما‪ُّ ً.‬ول ُّمجال‬
‫كذلك ُّللختيار ُّبين ُّالتمثيل ُّوالمفهَوم‪ُّ :‬فالتمثيل‬
‫السطوري‪ُّ ،‬من ُّخلل ُّقصدأه ُّالدأللي ُّدأائما‪ُّ ،‬يهَدأف‬
‫إلى ُّكلية ُّالمعنى ُّهذه‪ُّ ،‬التي ُّسضماها ُّهيغل ُّبحق‬
‫"مفهَوما"‪ُّ ،‬والتي ُّتسعف‪ُّ ،‬في ُّنفس ُّالوقت‪ُّ ،‬المفهَوم‬
‫بهَذا ُّالتبسيط ُّالذي ُّسلماه ُّكانط‪"ُّ :‬فنا ُّمخفيا ُّفي‬
‫أعماق ُّالطبيعة"‪ً.‬‬

‫‪81‬‬

You might also like