Professional Documents
Culture Documents
)*(
ساري حنفي
منذ استقللاها ،ححكُمت القأطار الاعربية بأشكُال مختلفة من الاسياسة والسالايب الاسياسية .فهناك تنووعّ في
الافضاءات الاسياسية ،بعضها تهيمن عليه حالت الاطوارئ والستثناء وتعودّدّية الافاعلين الاذين يتدّخلون
في الامجالت الاسياسية والامجالت الاعامة .وقأدّ شهدّ تشوكُل الادّولاة في هذه الامنطقة إنتاج أشكُال مختلفة
من الامواطنة وانعدّام الاجنسية وحالت الالجوء.
وتقترن حالت الافقر الامدّقأع بدّورات من قأمع الادّولاة ،وحالت الاصراعّ والاتشريدّ )كُما في الاعراق ،وجنوب
الاسودّان ،ودّارفور( ،وحالت الحتلل الاعسكُري )كُما في الراضي الافلسطينية وفي الاعراق( ،إوانتاج
فضاءات الستثناء )باب الاتوبانة في طرابلس ومخويمات الالجئين الافلسطينيين في لابنان ،إوامبابة في
الاقاهرة( ،إضافة إلاى حركُات الحتجاج والامقاومة الاعسكُرية الاعالامية والامحلية .ورغم الاتباينات الاواسعة
بين تلك الوضاعّ ،فإنها حتظُهر نقاطا مختلفة على خط بياني يوتسم بالنتقال من حكُم الاقانون إلاى "قأانون
الاحكُم" ،والنتقال من الانظُامٌ) (Regimeالاموححدّ إلاى ما يدّعوه ميشيل كُامو وجيل ماساردّييه ،1بـ
"النظُمة الاجزئية".
تطرح هذه الامقدّمة إطا ار لافهم إعادّة تشكُيل ) (Reconfigurationالافضاء الاسياسي -الجتماعي في
الاوطن الاعربي خلل الاسنوات الاخمس عشرة الامنصرمة ،وذلاك من خلل الاتفاعل بين الافاعلين في الادّول
والامجتمعات الامدّنية وحركُات الامعارضة الاقاعدّية .وينتج من فعل هؤلء الافاعلين على الاتوالاي حاكُمية
الادّولاة ) (Governmentalityوالاحكُم ) (Governanceوحركُات الحتجاج غير الامؤسساتية .وهي
تناقأش مدّى توفير الادّولاة لافرص الاتوظُيف والاسلع الاعامة والجتماعية ،والاتوججه الاثقافي لالمجتمع،
والدّوار الاتي حتترك لايقوم بها فاعلو الامجتمع الامدّني الخرون ،إما بصورة إرادّية أو قأسرية .حصلت
طنة .وقأدّ
إعادّة الاتشكُيل الامذكُورة ضمن سياق من الاتحول الاذي ط أر على سيادّة الادّولاة الاوطنية والاموا ط
طنة الامرنة والالمواطنة في الاوطن الاعربي.
اتخذ تحوول الامواطنة أشكُالا عدّيدّة بما في ذلاك نشوء الاموا ط
)*(
أستاذ مشارك في علم الجتماعّ في الاجامعة الميركُية في بيروت ،ورئيس تحرير إضافات :المجالة العربية لعلم الجاتماع.
1
Michel Camau and Gilles Massardier, eds., Démocraties et autoritarismes -
Fragmentation et hybridation des régimes (Paris: Karthala, 2009).
أولل :أشكال جاديدة من السيادة والمواطنة
-1السيادة
خلل الاعقودّ الاثلثة الخيرة ،كُتب الاعدّيدّ من الاباحثين حول تآكُل ،بل انهيار ،سيادّة الادّولاة الاقومية.
ل ،أو أنها في طور إعادّة الاتشكُيل؟ ثمة عاملن يؤثران على الاسيادّة:
ولاكُن ،هل تآكُلت تلك الاسيادّة فع ا
الول من دّاخل الادّولاة الاقومية ،والثاني من خارجها .من خارج الادّولاة الاقومية ،أدّت الاعولامة ونظُام
حقوق النسان الادّولاي والاقوانين النسانية الادّولاية إلاى تقويض أسس سيادّة الادّولاة .على سبيل الامثال ،ل
تستطيع النظُمة الاسياسية ،عموماا ،الاتذورعّ بالاسيادّة الاوطنية كُحجة لاممارسة الاقمع الادّاخلي على نطاق
واسع .لاكُن الامجتمع الادّولاي لام يتمكُن من فرض الادّمقرطة في الامنطقة الاعربية ،أحيان ا لن الادّمقرطة
حتعتبر مرادّفا لاعملية فرض سلطة بولايارشية ) (Polyarchicمعينة موالاية لالغرب ،وأحيانا أخرى بسبب
مقاومة النظُمة الاتسلطية .بالاتالاي ،لام تشهدّ النظُمة الاعربية أية تحولت دّيمقراطية جدّية.2
في الاماضي ،تموكُنت النظُمة من الاتكُويف بنجاح مع الاضغوط الاخارجية ،بل إنها دّحعمت حكُمها
الاتسلطي ،3لاكُن تدّخلت الادّول الامانحة أدّت إلاى خلق تووجهطيين :الاتووجه الول ،كُان بالانسبة إلاى
الراضي الافلسطينية ولابنان ،حيث الاحكُومة في كُل الابلدّين واهية من حيث الساس ،إذ أدّى تمكُين
الامجتمع الامدّني وتطوره إلاى تقويض أسسالادّولاة ،إوالاى إضعافها ،4بينما كُان الاتووجه الثانيبالانسبة
إلاى بقية الا أقأطارالاعربية ،إذ قأحوت الادّوحل الامانحة الامجتمطع الامدّني ،لاكُنها لام تتمكُن منإضعافالادّولاة.
أما مندّاخلالادّولاة ،فإن الاجماعاتالثنية في جميع أنحاء الاعالام تقوم بتقويض أسسسيادّة الادّولاة.
ونرىذلاك بوضوح في الاجزائر ،وفيالاعراق والاصومال والاسودّان .لاكُن بعض الافاعلين في الادّولاة
الاوكُيلة ) (Proxy-stateيتمتعون بإمكُانية حماية سيادّة الادّولاة وتحودّيها في الاوقأتنفسه .في لابنان
والراضي الافلسطينية ،كُان كُل منحزبال وحماس )لاغاية عام (2006يتصورفان كُدّولاة دّاخلدّولاة،
2
Florian Kohstall, "Reform Pirouettes: Foreign Democracy Promotion and the Politics
of Adjustment in Egypt," 2004, <http://library.fes.de/pdf-files/id/ipg/03898.pdf>.
الامصدّر نفسه ،و Michel Camau and Vincent Geisser, Le Syndrome autoritaire: Politique 3
).en Tunisie de Bourguiba à Ben Ali, académique (Paris: Presses des Sciences Po., 2003
4
Sara Ben Néfissa, "Introduction," in: Sara Ben Néfissa [et al.], NGOs and Governance
in the Arab World (Cairo: American University in Cairo Press, 2005).
2
ويضطلعان بدّور الاحكُومة في تأمين الابنى الاتحتية والاخدّمات الجتماعية )مدّارس ،إغاثة ،عيادّات ...
إلاخ(.
ورغم الاعاملطيين الامذكُورين ،وضمن سياق الاحركُية الامكُثفة والاتغويرات الامتشابكُة الاتي عوززتها كُلل من
الاعولامة والاحرب ،لام تفقدّ الادّولاة في الامنطقة الاعربية الاسيطرة .5بل إنها ،كُما تقول ساكُيا ساسن ،أعادّت
صياغة سيادّتها لامواجهة تحدّيات الاعولامة ،وهيتحدّيات مننوعّ حركُة الشخاص والارأسمال ،وتنامي
ل،ل يعني ضمن ا أنها
ظُماتالامتجاوزة لالقوميات .فسماح الادّولاة الاقومية بحركُة الارأسمال ،مث ا
عدّدّ الامن و
أصبحتأكُثر ضعفاا ،بل إن"وجودّ سلطة نهائية أو عليا أو أسمىتحكُم مجموعة منالشخاصأو
الشياء أو الماكُن" ،6يظُول أم ار مركُزيا منأجلفهمنا لالعلقأاتالامتحولاة بين الادّولاة والاسوق والامجتمع –
ظُيالامجال
وهيعلقأاتلام تنته ،بل جرتإعادّة صياغتها منقأبل الاتياراتالاتي ل تهدّأ منالاعولامة وتش و
الاسياسي .وعندّما تتوقأف الادّولاة عنكُونها الامزوودّ الارئيسلالخدّمات والاعمل ،كُما سنرى لحقاا ،لاتقوم
طيظُمات الادّولاية والاجمعيات الهلية الامحلية ،فإن الاسيادّة ل تغ و
بذلاك وكُالتالمم الامتحدّة والامن و
كُامل الادّولاة الاقومية ول جميع الاسكُان.
5
???????????????????
6
Saskia Sassen, Globalization and its Discontents (New York: New Press, 1999).
7
Aihwa Ong, Neoliberalism as Exception: Mutations in Citizenship and Sovereignty
(Durham; London: Duke University Press, 2006).
3
والمن" .8وينبغي أن نضيف إلاى هذا الاتأثير لالعولامة رغبةط الادّولاة في ممارسة حالاة الستثناء ،بهدّف
طنة قأوة
طنة .وتصبح علقأة الاموا ط
إيجادّ فئات مختلفة من الاسكُان تتوافق مع الاتدّرجات الامختلفة لالموا ط
إقأصائية تندّمج فيها السالايب والاصيرورات الاتي تؤممن بها الادّولاة شرعيتها في نظُر الاشعوب الاتي
طنة مركُز استراتيجيات الاشرعنة ،بما في ذلاك تشجكُل وتحجول الاهويات تحكُمها .كُما تصبح الاموا ط
والاجماعات الاسياسية ،وتوزيع إواعادّة توزيع الاحقوق والامسؤولايات والامواردّ ،والامفاوضات بشأن الاتمثيل
والامشاركُة.9
طنة الاعربية ،وأصبحت أحيانا مرنة .ويشير تعبير
وضمن هذا الاسياق ،ط أر تحوول كُبير على الاموا ط
طنة الامرنة إلاى السس الامنطقية الاثقافية لاتراكُم الارأسمال والاسفر والاترحيل الاتي تدّفع الفرادّ إلاى
الاموا ط
الستجابة بصورة مرنة وانتهازية لالظُروف الاسياسية والقأتصادّية الامتغيرة .10لاكُن الادّولاة ،في هذه
الثناء ،تسعى إلاى الاحفاظُ علىسيادّتها غيرالامرنة .وهكُذا ،تتكُوون الامواطنة الامرنة ضمن دّيناميات
الاتأدّيبوالاهروب) (Escapeالاتي تعوزز بعضها الابعض .ولاكُن،ما هونموذج الامرونة الاخاص
طنة في الاوطنالاعربي؟
بالاموا ط
ثمة عاملن يتمتعان بتأثير ل مفر منه على تشكُيل الامواطنة :الول ،هو الاتشوكُل الاتاريخي لالدّولاة ،بما
في ذلاك الستعمار والاتدّخلت الاخارجية الاحالاية ،والثاني ،هو وجودّ لجئين ومهاجرين في الامنطقة.
طنة ضمن الاشروط الادّقأيقة لامعناها
وفي حين اعتادّ الاعدّيدّ من الاباحثين على الاتعامل مع الاهوية/الاموا ط
الاقضائي -الاقانوني ،فإن من الاواجب اعتبار الامعايير الاصارمة لالستعمار والارأسمالاية والاثقافة
استراتيجيات تكُبح هذه الاهوية وتصوغها وتصنع الاذات الامرنة .ورغم أن تشكُيل الاهوية الاوطنية بدّأ خلل
الانضال ضدّ الاقوى الستعمارية ،فإن تبلور هذه الاهوية – الاذي حدّث ضمن سياق متعودّدّ الاطبقات من
الامكُان والازمان -حيعتبر ظُاهرة حدّيثة نسبياا .ونظُ ار إلاى الاغموض الانسبي الاذي يحيط بعملية الاتبلور
الامذكُور ،فقدّ أصبحت الادّولاة في الاوطن الاعربي دّولاة تصنع الامواطنة ) .(Etat nationalisantبعبارة
صنعت سورية ولابنان والردّن ..كُان على الادّولاة أن تصنع الاسوريين والالبنانيين
أخرى" ،بعدّ أن ح
والردّنيين .11(Kodmani, 1997: 217) "...
8
;Aihwa Ong, Flexible Citizenship: The Cultural Logic of Transnationality (Durham
London: Duke University Press, 1999), p. 215.
9
Myriam Catusse, "Bringing the State Back in? Une perspective régionale des Rôles de
)l’Etat dans les Transformations sociales," (Unpublished paper, 2008
10
Ong, Ibid., p. 19.
11
???????????????
4
تركُت صيرورة استيرادّ شكُل الادّولاة (Badi, 2000) 12تأثي ار كُبي ار في تشكُيل الاهوية .ففي حين يسعى
بعض قأوى الامجتمع الادّولاي لاتحقيق مصالاحه في عملية تحرير القأتصادّ والادّمقرطة ،فإنه غالابا ما يميل
إلاى تجاهل أهمية تكُوين المة ،رغم أنه يرعى حقوق القأليات كُوسيلة لاخلق الاتعودّدّية الاتي تعتبر مقدّمة
لالدّيمقراطية .ورغم أن الامجتمعات الاغربية تقحبلت نشوء هوية جماعية خلل مرحلة تطورها الاتاريخي ،إلاى
دّرجة شون الاحروب دّفاع ا عن تلك الاهويات الاقومية ،فإنها تمنع الاعرب من إيجادّ "نحن" القأومية .بدّل
ذلاك ،يجري تشجيع سياسة الاهوية ) ،(Identity Politicsالاتي تفرض على الاعرب النتساب إلاى
ل(.
ل( أو إلاى القأليات الثنية )كُما في الاجزائر ،مث ا
طوائفهم الادّينية )كُما في الاعراق ،مث ا
اتسم موقأف الادّولاة الاقومية الاعربية ،عموماا ،بالارجعية من خلل قأمع مرئية ) (Visibilityالقأليات أو
تبني تصور لانموذج بالاغ الاصرامة لالدّولاة الاقومية ،حيث حتمنح الاحقوق فقط لامن
حقوقأهم ،ومن خلل و
يعلنون الاولء الوحدّ لالدّولاة ،وحيث تتحودّدّ هوية الادّولاة بشعب ما أو بدّين ما .لاقدّ أثار شعا ار "إسرائيل
ل" مشكُلة تجولت في أن قأطاعات مهمة من الاشعب اكُتسبت ،عن طريق
هي دّولاة يهودّية" ،و"الردّن أو ا
الاهجرة )سواء أكُانت قأسرية أو اختيارية( ،جنسية جدّيدّة وولء جدّيدّا و"وطناا" جدّيدّاا .لاقدّ أصبح السلوب
الاذي حتعحرف به الادّولاة يشوكُل خلفية إقأصائية لاتلك الاقطاعات من الاشعب .وفي هذا الانموذج ،ل توجدّ
أيض ا حقوق لالمهاجرين/الالجئين .وهذا يقودّنا إلاى الاعامل الاثاني :تأثير الاهجرة.
تقع القأطار الاعربية في منطقة ل تهدّأ فيها الاصراعات ،وتشهدّ هذه القأطار تحركُات سكُانية ل تتوقأف
)ول سيما في الاسودّان وفلسطين ولابنان والاعراق والاصومال ولايبيا وممالاك الاخليج( .بالاتالاي ،تعتبر هذه
القأطار دّولا مضيفة ،ودّولا مستقببلة في الاوقأت نفسه .وفي حين اعتادّ الامهاجرون )سواء أكُانوا لجئين
أم ل( على تبوني استراتيجيات مرنة )وأحيانا استراتيجيات لالبقاء( في كُل من الادّول الامضيفة لاهم ومكُان
عودّتهم ،فإن القأطار الاعربية ل تسمهل هذه الامرونة .فالابيئات الاسياسية تتسم بالاعدّائية إزاء الاممارسات
الاعابرة لالقوميات الاتي يقوم بها الالجئون/الامهاجرون ،أو أنها على القأل ،ل تسوهل هذه الاممارسات.
ولاكُن هناك بعض الستثناءات :أولل ،تقوم دّول شمال أفريقيا بتطوير تشريعات تهدّف إلاى جذب
استثمارات وتحويلت الامهاجرين ،دّون أن تطلب منهم واجبات الاكُاملة لالمواطنة هذه الادّول .ثانيلا ،يبدّو
الستثناء أكُثر تاريخية ،حيث منحت بعض دّول الامشرق الاجنسية لالجئين الافلسطينيين على أساس
فردّي ،بما فيها لابنان )لافترة من الازمن( وبعض بلدّان الاخليج .كُان الردّن هو الادّولاة الاوحيدّة الاتي منحت
الاجنسية لالفلسطينيين بصفة جماعية .ولاكُن حتى الستثناءات الامذكُورة لاها حدّودّ ،ففي الردّن ،على
سبيل الامثال ،حيمنع منع ا بات ا رفع أي علم وطني في أية مسيرة ،عدّا الاعلم الردّني .وهذا يبوين السلوب
الاذي تم به انصهار بعض الافلسطينيين في الامجتمعات الامضيفة لاهم ،في حين ما يزال بعضهم يحتفظُ
12
??????????????
5
بشعور دّفين بازدّواج الاهوية ،وهناك نسبة أقأل تحمل إحساس ا بالاغربة .وتثير الاهويات الاوطنية الاتي
تروسخت حدّيثا الاعدّيدّ من السئلة الامعوقدّة الاتي تتناول تشكُيل الادّولاة وقأدّرة الاحكُام الاعرب على تحودّي
الانمط الاكُلسيكُي من الامواطنة والادّول الاقومية.
طحور الامفهوم الاكُلسيكُي لالدّولاة الاقومية حقوقأ ا لالمواطنين ،ولاكُن لايس حقوقأ ا لالنسان .وقأدّ أشارت حنة
أرندّت ) ،13(Arendt 1985علىنحو لفت،منذ مطلع خمسينياتالاقرن الاعشرين إلاى أنه ل مكُانلاحقوق
النسانخارج الادّولاة الاقومية .هناك حقوقلالمواطنين ،ل حقوقلالنسان .ولاكُيتتمتع بالاحقوق عليكأن
طنة ،كُما تقول أرندّت،ل حقلاهما في أنيكُون
تكُون مواطناا .فالالجئ والاشخص الامحروم منالاموا ط
لاهما حقوق،بل يعتمدّ وضعهما الاوجودّيوالامزايا الاتي يتمتعان بها علىأجهزة الاتأدّيبالاتابعة
لالشرطة ولاقواتالمن .هذاالاوضع ل يقتصر علىالامنطقة الاعربية ،فهناك أعدّادّ متزايدّة منالالجئين
يجري استثناؤهم منالاحماياتالاقانونية في الادّول الوروبية ،رغم أنهم ما يزالاون خاضعينلالسلطة
الابيروقأراطية في تلك الادّول .ول يتخلص الامهاجرون هناكمنهشاشة وضعهم حتىبعدّ حصولاهم على
الاجنسية .فأي سلوك جنائيأو مشبوه يعورضهم لاخطر سحب الاجنسية و/أو البعادّ.
يبدّو المر ،عموماا ،كُما لاو أن هناك دّيناميتين ناشطتين ل متزامنتين :الولى تسورعّ وجودّ فاعلين
عابرين لالقوميات في القأطار الاعربية ،والثانية ملتزمة ببرادّيغم الاهوية الحادّية ،وبزيادّة الاسيطرة على
حدّودّ الادّولاة الاقومية .الاتوتر الاناشئ بين الادّيناميتين الامذكُورتين جودّ طبيعي .لاقدّ كُان الاقرن الاعشرين هو
قأرن نشوء الاكُيانات الامتجاوزة لالقوميات إوامكُانية الامواطنة الامتعودّدّة ،لاكُنه كُان فوق كُل شيء ،الاقرن الاذي
نشأت فيه فكُرة الاتدّرجات الامتباينة لالمواطنة .14والاصيرورات الامذكُورة هيصيرورات مزدّوجة :فالادّولاة
تكُويف الامواطنة حسبفائدّة الامهاجرين/الارعايا بالانسبة إلاى الاطبقاتالاحاكُمة ،ويطور الامهاجرون
مفهوم ا مرن ا لالمواطنة يسمح بتراكُم الارأسمال والاسلطة .قأدّ تكُون الاتدّورجاتالامتباينة لالمواطنة أقألمن
الامواطنة ،وهذا يجعلها مختلفة تمام ا عنالاهوياتالامتعدّدّة الاثقافاتالاتي يجري تعزيزها في كُندّا
وأسترالايا )) ،15Kymlicka, 1995:174حيثتوجدّ مواطنة عامة مشتركُة ،ومن ثم حقوقمتباينة.
الافرق بين مفهوم ويل كُيمليكُا ) (Will Kymlickaومفهوم أيوا أونغ ) (Aihwa Ongلالمواطنة هو
أن هذه الخيرة قأدّ ألاغت الابعدّ الاقانوني لالمواطنة )"حزمة من الاحقوق – ظُرف قأانوني"( واستبدّل به
تعريف سوسيولاوجي نوع ا ما :الامواطنة هي "صيرورة اجتماعية من إنتاج لالقيم الامتعلقة بالاحرية
13
??????????????
14
Ong, Flexible Citizenship: The Cultural Logic of Transnationality.
15
???????????????
6
طنة الجتماعية يحمل معنى فقط باعتباره شكُلا
والستقللاية والمن" .والاواقأع أن هذا الانوعّ من الاموا ط
16
من أشكُال الامقاومة الاتي يطوورها الاناس في غياب بعض الاحقوق الجتماعية والامدّنية .ولاذا تعتبر
الامقاربة الامرتكُزة إلاى الاحقوق بالاغة الهمية لاحماية الامواطنة الجتماعية.
ضمن هذا الاسياق ستتم تحوولت الافضاء الاسياسي الجتماعي الاعربي.
16
Aihwa Ong, Buddha Is Hiding: Refugees, Citizenship, the New America, Public
Anthropology; 5 (California: University of California Press, 2003), p. xvii.
17
Michel Foucault, "Space, Knowledge and Power," in: Michel Foucault [et al.], Power:
Essential Works of Foucault 1954-1984 (New York: Penguin, 1994), pp. 349-364.
7
رسمية قأانونية ،وذلاك بمقتضى وجودّ حالاة الستثناء .18تاريخياا ،يمكُننا رؤية "دّولاة الابنى الامزدّوجة" في
الاثورة الافرنسية في الاقرن الاثامن عشر ،وفي الاحرب على الرهاب في الاعصر الاراهن.
بالاتالاي ،فإن ما أرمي إلايه هنا هو تحرير الاتحليل ،مؤقأتاا ،من عبء الاخطاب الامعياري ،والاقيام بتحليل
يأخذ باعتباره الاحاكُمية والاحكُم وحركُات الحتجاج الالمؤسساتية ،ل باعتبارها "ثقافة" أو "بنية" )
،(Structureبل باعتبارها أسالايب حكُم محسوبة مرنة يمكُن أن تتأثر بالاتاريخ والاثقافة والاعولامة
والامجتمع الادّولاي ،من خلل تدّخلت الامساعدّات وحقوق النسان والاتدّخلت النسانية .والاواقأع أن
الاحكُم لام يعدّ حيعتبر ابتكُا ار جاءت به الادّول الاقومية ،بل إنه يتأثر إلاى حودّ كُبير بالاقوى القأليمية والاعالامية.
ول تتوقأف الادّول الاقومية عن محاولاة فصل تقنية الاسلطة عن مصادّرها الصلية ،إواعادّة وضعها ضمن
سياق جدّيدّ مؤحلاف من مجموعات من الاعلقأات الامكُمونة والامشروطة على نحو متبادّل .لاكُنني أعترف
بأن علينا ،في نهاية الاتحليل ،أن نصف الانظُام بتعبير يتصل بالنماط الاخالاصة ،إوان بأسلوب أكُثر
تطو ار يرتكُز إلاى تصنيفات من نوعّ :نظُام دّيمقراطي ولاكُن قأمعي ،نظُام قأمعي ينطوي على بعض
الامفاهيم الادّيمقراطية ،نظُام عناية استبدّادّية ) ، (Authoritarian Welfareنظُام الستبدّادّية الاجدّبدّة،
نظُام حكُم القألية ) ،(Oligarchicنظُام حكُم بولايارشي ) ،(Polyarchicنظُام الاحزب الاواحدّ،
استبدّادّي ،شمولاي ،إوالاى ما هنالاك.
أ -البيوبوليتيك
18
Giorgio Agamben, State of Exception, translated by Kevin Attell (Chicago, IL: University
of Chicago Press, 2005).
8
رغم أن الانظُرية الاسياسية الاكُلسيكُية تعتبر مفاهيم الاسيادّة والاعقدّ والاحقوق والاواجبات هي ركُائز أي فهم
ممكُن لافكُرة الاحكُم ،قأام ميشيل فوكُو بهوز هذه الاركُائز بإدّخالاه مفهومي "الاتأدّيب" و"الاسيطرة" .ناقأش
ميشيل فوكُو الامقاربات الاتقليدّية لامسألاة الاسلطة ،الاتي كُانت ترتكُز حص ار على نماذج قأضائية )ما الاذي
يشرعن الاسلطة؟( أو نماذج مؤسساتية )ما هي الادّولاة؟( ،أو الاسلطة الاقضائية لالحاكُم حتعنى بممارسة
الاسلطة على الافردّ وعلى جسدّه )أسالايب الاحكُم( .وشودّدّ فوكُو على الاتحول من "دّولاة الرض" )
(Territorial Stateإلاى "دّولاة سكُانها" ) (State of its Populationوما نتج من ذلاك من تنامي
أهمية صحة المة وحياتها الابيولاوجية ،باعتبارهما من مشاغل الاسلطة الاسيادّية .19لاكُننا ل نستطيع،
اعتمادّا على تحليل فوكُو ،فهم أسالايب الاسياسة الاعربية بالاعودّة فقط إلاى الانظُام الاقانوني في القأطار
الاعربية الاذي حيبرز نوع ا من الانظُام الاسياسي ،بل ينبغي فحص ممارسات جهاز الاحكُم ،وكُيف تستغل
الابيروقأراطية أدّوات الاحاكُمية لاتقسيم الاسكُان إلاى فئات بهدّف إدّارتهم.
حتعنى الابيوبولايتيك بالاسكُان باعتبارهم مشكُلة سياسية وعلمية )إحصاءات ،علم الوبئة ...إلاخ( ،كُمسألاة
ص ممارسة الاحكُم .لاكُن الابيو-سلطة ) (Bio-powerل تعمل في الافردّ بشكُل استدّللاي )
بيولاوجية تخ و
،(A Posterioriكُموضوعّ تأدّيب في مختلف أشكُال إعادّة الاتأهيل والامأسسة ،بل هي تؤثر في
الاسكُان بطريقة وقأائية .ولنه ينبغي منع الحتجاج/العمال الجرامية ،يتعحين مراقأبة الاسكُان عن كُثب،
وقأدّ يعاطقأب بعضهم لسباب وقأائية .إن حالاة الاسلطة الاتنفيذية ،أو ضبط المن أو الامراقأبة أو الاتسجيل
هي الاتي تشكُل الاتجاوز الاذي هو واقأع الاقاعدّة .وهكُذا يتحول بعض الاسكُان والافئات في الاوطن الاعربي
إلاى مادّة موضوعية ) (Objective Matterتنبغي إدّارتها ،ولايس إلاى ذوات محتملة لافعل تاريخي أو
اجتماعي .لاكُن ذلاك ل يعني أن تلك الاذوات ل تستطيع النطلق ومقاومة هذه الاسيادّة ،بل يعني أن
الاحاكُم يسعى إلاى اختزال الامسارات الاذاتية لالفرادّ إلاى مجردّ أجسادّ.
واستنادّا إلاى تحليل فوكُو ،تسعى الاسلطة الاسيادّية عادّة إلاى الاتمييز بين من سيتوم قأبولاهم في "الاحياة
الاسياسية" وأولائك الاذين سيتم إقأصاءؤهم كُأصحاب "الاحياة الاعارية" ) (Bare Lifeالاصامتين )سكُان
أحياء الابؤس ،الالجئين ،الامحرومين من الاجنسية( .إنها عملية تصنيف الاناس والجسادّ من أجل
إدّارتهم ومراقأبتهم والاسيطرة عليهم .يجري اختزال بعضهم إلاى وضع "الاحياة الاعارية" الاذي يعني مجردّ
الاوجودّ الانباتي ) (Vegetativeلالجسدّ ،بمعزل عن الاخاصيات الامحمدّدّة والاصفات الجتماعية والاسياسية
19
Foucault, "Space, Knowledge and Power".
9
والاتاريخية الاتي تشوكُل الاذاتية الاشخصية .20لاكُن أصحاب "الاحياة الاعارية" يقاومون من خلل آلاية مختلفة
لالسلطة ،كُما سنرى لحقاا.
10
إواذا كُانت حالاة الستثناء هي العتباط ،الامؤسس بالاقانون والمر ) ،(Orderما هي إذا أشكُال )
(Repertoiresحالاة الستثناء الامنتشرة كُآلايات سلطة في الامنطقة الاعربية؟ هناك أربعة أشكُال:
) (1الشكل الول ،وهو الكُثر وضوحا وشيوعاا ،هو حالاة الاطوارئ .ففي دّول مثل سورية )انظُر :سيد
في هذا الكتاب( والردّن وتونس ومصر ،كُان قأانون الاطوارئ ،ولافترة طويلة ،بمثابة الاعقبة والاعائق في وجه
الادّول الامذكُورة .فمن خلل قأانون الاطوارئ حيعاطمل الاناس بطرق مختلفة حسب دّرجة ولئهم لالنخبة
الاحاكُمة.
) (2الشكل الثاني من حالاة الستثناء يتمثل في أل يعملق الاحاكُم فقط الالوائح والاقوانين ،بل أن يقوم
باستمرار بإيجادّ تصنيفات جدّيدّة ،بحيث حتعفى الاحكُومة من بعض اللاتزامات والاواجبات و/أو حتسبقط
بعض الاحقوق عن الافئات غير الامرغوب فيها .وترتكُز رؤية شميت لالسيادّة على الاممارسة الستراتيجية
والاظُرفية ) (Situationalلالسلطة ،بحيث تستجيب لالزمات والاتحدّيات من خلل استحضار استثناءات
الامعيارية الاسياسية ،فالاقانون بكُامله قأانون ظُرفي .24ففي مصر والردّن ،غالاب ا ما يعحدّل قأانون النتخابات
بعدّ كُل انتخابات،وذلاك لاقطع الاطريق أمام وصولقأوى سياسية واجتماعية معينة إلاى الاسلطة ،وتمكُين
قأوى أخرىمنالاوصول.
) (3الشكل الثالث من حالاة الستثناء يحدّث عندّما يصدّر قأانون ينطوي على قأاعدّة لاتعليقه دّون تحدّيدّ
الاسياق .إن تعليق الاقاعدّة ل يعني إلاغاءها ،فمنطقة اللاتباس الاتي يؤسس لاها لايست منفصلة عن الانظُام
الاقضائي )على القأل ،هذا هو المدّعاء(.
) (4الشكل الرابع والخير من حالاة الستثناء هو عندّما حيحكُم الامجتمع بواسطة الدّارة أكُثر مما حيحكُم
بواسطة الالوائح والاقوانين .وسوف نتناول هذه الافكُرة لادّى مناقأشة مستوى الاحاكُمية.
-2مستوى الحكم
في حين تؤكُدّ الابيوبولايتيك وحالاة الستثناء على الاقوة الاكُلية ) (Omnipresenceلاجهاز الامراقأبة
والاتحكُوم الاخاص بالادّولاة ،نجدّ أن مجال الاسياسي ينطوي على آلايات أخرى لالسلطة .يشير دّيساي
وآخرون ،25إلاى أنالادّكُتاتورياتل تستمر في الابقاء منخللالاقمع وحدّه .بل إنالاحكُم الادّكُتاتوري
غالاب ا ما حيعحرف بأنه "صفقة سلطوية" ) 26(Authoritarian Bargainيتخولى الامواطنون بموجبها
عن حقوقأهم الاسياسية لاقاء الاحصول على المان القأتصادّي .لاكُن الامواطنين ل يتخولون عن جميع
25
Raj M. Desai, Anders Olofsgård and Tarik M. Yousef, The Logic of Authoritarian
Bargains: A Test of a Structural Model, Brookings Global Economy and Development; 3
(Washington, DC: The Brookings Institution, 2007).
11
حقوقأهم الاسياسية ،وغالاب ا ما يضطر الانظُام إلاى الارضوخ في وجه بعض الاضغوط الادّاخلية والاخارجية.
ظُي الاسلطة" )F
وحيعتبر كُتاب كُامو وماساردّييه ،27علىجانبكُبير منالهمية لافهم ما حيطلقان عليه "تش و
(ragmentation of Powerوفهم حدّودّ تأثير مبدّأ النتخابات)الاتي يتحوكُم بها الاممثلون
الامنتطخبون( منحيثإمكُانية الاوصولإلاى الاحكُم وأشكُال عملية صنع الاقرار الاجماعية .هذا ،وينطوي الاحكُم
علىسلسلة منالاتسوياتالامحلية – "النظُمة الاجزئية" لالتنظُيم -الاتي تصنع الامنافسة وحق الاتصويت
جنب ا إلاى جنبمع عملية اتخاذ الاقرار الانخبوية .والادّيمقراطية لايست نظُام ا واحدّاا ،بل هيمجموعة من
ظُية منالاتفاوض وحول الاصراعّ بين الامجموعات الامعنوية .واعتبا ار من النظُمة الاجزئية تشمل مواقأع متش و
مطلع تسعينيات الاقرن الاعشرين ،لام تعدّ الابلدّان الاعربية ،الاتي تتبع سياسات الاتكُييفالاهيكُلي ،الاتي
نصح بها أو فرضها صندّوق الانقدّ الادّولاي ،تتمتع بحق احتكُارتأمين الاسلع الجتماعية،
واستطرادّا احتكُاراستخدّام الاعنفالاشرعي.
ويشير كُل من كُامو وماساردّييه ،28إلاى النماط الامتغيورة لنتاج وتوزيع الاسلع الاعامة )Public
) (Goodsأي ،الاسياسات ) ،((Policiesإوالاى تنويع الافاعلين ومواقأع صنع الاسياسات الاعامة ،إوالاى
تبوني لمركُزية الافعل الاعام وأقألمته ) ،(Regionalizationبحيث تتراوح ما بين الاق اررات الامحتخذة على
الامستوى الادّولاي ،وصولا إلاى الامستوى "الامكُرو -الامحلي" ) .(Micro-territoryوفي عصر الاعولامة
هذا ،تتساوق عملية إضفاء الاطابع الاشمولاي على نهج الادّيمقراطية الاتمثيلية مع تووجه عام ينحو باتجاه
تشظُية مناطق الامنافسة والاشرعنة .وبالانسبة إلاى الامؤلافطيين الامذكُوطريين ،فإن الادّيمقراطية الاتشاركُية،
ومشاركُة الامجتمع ،وتعبئة حركُات اجتماعية جدّيدّة ،وتحويل الارأسمال الاثقافي لالخبير )الامؤهلت
والامعارف الاعلمية( إلاى رؤوس أموال اجتماعية ورمزية )سلطة( ،كُل هذا من شأنه إعادّة تشكُيل
الافضاءات الاسياسية لالتقليل من أهمية انتخاب الاقادّة الاسياسيين.
ثمة نمطان من تحوول الفعال الاسياسية :الول ،تحوول السالايب الاسياسية ) ،(Politicsأي أن الاتنافس
على ممارسة الاسلطة أو الاتأثير فيها أدّى إلاى تطور في الفعال الاسياسية اتسم بنزعّ الامركُزية وبتعدّدّ
الامراكُز؛ الاتحول الثاني هو تحول الاسياسات )) (Policiesأسالايب إنتاج الاسلع الاعامة( ،أي تنووعّ
الافاعلين ،والاخبراء ،والاجمهور ،والافضاءات الاسياسية )الاشبكُات ،والاتحالافات(.
26يعمرف الامؤلافان الاصفقة بأنها لاعبة بسيطة متكُررة بين مواطن وحاكُم مستبدّ يواجه خطر الاعصيان الامسلح ،حيث يتم
تحدّيدّ الامزايا القأتصادّية والاحقوق الاسياسية بشكُل متزامن مع تكُالايف الافرصة الاتي يواجهها الانظُام لادّى تأمينه تلك الاسلع.
27
Camau and Massardier, eds., Démocraties et autoritarismes - Fragmentation et
hybridation des régimes.
28الامصدّر نفسه ،ص .8
12
جميع الاتحولت الامذكُورة مترابطة .أحياناا ،قأدّ تكُون الادّولاة هي الافاعل الابارز ،وخاصة عندّما تكُون دّولاة
ل( ،وبالاتالاي فهي دّولاة خدّمات اجتماعية من حيث
ريعية أو ذات حكُم وراثي )ملكُيات الاخليج ،مث ا
الساس .أحيانا أخرى ،وعندّما يكُون القأتصادّ متموضع ) (Embeddedضمن الابنية الجتماعية،29
وميدّان ا لالتنظُيم الاسياسي ،تؤدّي الانخب القأتصادّية دّو ار رئيس ا في الاسياسات وفي السالايب الاسياسية
)ثلثة أرباعّ أعضاء مجلس الاشعب الامصري هم رجال أعمال( .وهنا تصبح الامسؤولاية الجتماعية
لالشركُات كُلمة مفتاحية في خطاب الابنك الادّولاي والاحكُومة ،ويتدّخل رجال العمال في مجالت الابيئة
وحقوق النسان ،لاكُنهم أيضا يقودّمون الادّعم الامالاي لالمجموعات الاسياسية ،ولامجموعات الامقاومة
وحركُات الحتجاج .وتخلق النظُمة الاوراثية الاجدّيدّة ) (Neo-patrimonialشبكُات زبائنية )
(Clientelisticلالبقاء على علقأة وثيقة بين هؤلء الشخاص وحكُومتهم الامنتخبة وطاقأمهم
الابيروقأراطي .30ول يمكُن لحدّ أن يدّرك مدّى تفاعل الامجتمع ونظُام الاحكُم ) (Polityوالاسوق ،لاكُن
الزمة القأتصادّية الامالاية الاحالاية حتظُهر هذه الاعلقأة بشكُل خاص .الاتحوولن الامذكُوران يضيعان معالام
الاحودّ الافاصل بين النظُمة الاتسلطية والنظُمة الادّيمقراطية.
أصبح دّور الامنظُمات الادّولاية ،اعتبا ار من مرحلة ما بعدّ توافق واشنطنPost-Washington)،31
(Consensusفي مطلع تسعينيات الاقرن الاعشرين ،هو الاتأثير في السالايب الاسياسية عن طريق تنويع
الافضاءات الاسياسية .وقأدّ اعترف الابنك الادّولاي بأن الاتنسيق بين الاحكُومة والامجتمع والاسوق هو أمر
ظُماتالهلية
ضروري لاتمكُين عملية الاتقدّيم الاشامل لالسلع الاعامة .32هذا ،ويتوجه الاتمويل غالاب ا إلاى الامن و
29
Marc Granovetter, "Economic Action and Social Structure: The Problem of
Embeddedness," American Journal of Sociology, vol. 91, no. 3 (November 1985), pp.
481-510.
30
Joseph Bahout, Les Entrepreneurs syriens: Economie, affaires et politique, mémoire du
DEA en Sciences politiques (Paris: Institut d'Etudes Politique, 1992), et John Waterbury,
"Twilight of the State Bourgeoisie?," International Journal of Middle East Studies,
vol. 23, no. 1 (February 1991), pp. 1-17.
31تختلف مبادّئ ما بعدّ توافق واشنطن اختلفا جذريا عن مبادّئ توافق واشنطن .ففي حين جعلت هذه الخيرة الانمو
القأتصادّي الاهدّف الارئيس لالتنمية ،ابتعدّت مبادّئ الاتوافق الاجدّيدّة عن الامقاربة الانيولايبرالاية الاكُلسيكُية الاتي تشجع
الاسوق ،ووضعت الاتنمية الادّيمقراطية الامستدّامة في موقأع الامركُز من أجندّتها .تعترف مبادّئ ما بعدّ توافق واشنطن
بالانقائص الاتي يعانيها الاسوق ،وهي تساندّ شبكُات المان الجتماعي والارأسمال الجتماعي إوانشاء الامؤسسات لاموازنة
تأثيرات الانقائص الامذكُورة .لاكُن الاعدّيدّ من تلك الامراجعات تظُول أسيرة مجال برادّيغم لايبرالاية الاتحرير القأتصادّي )
،(Liberalizationوذلاك بالاقدّر الاذي تمثل فيه الامراجعات الامذكُورة أسالايب مختلفة لاتقدّيم نموذج يتكُون من دّور محدّودّ
لالدّولاة ومن توسيع السواق ،كُآلاية لاتوزيع الاسلع ولاتخصيصها.
32
Joseph E. Stiglitz, More Instruments and Broader Goals: Moving toward the Post-
Washington Consensus, WIDER Annual Lectures; 2 (Helsinki: World Institute for
13
الاتي تبدّو وكُأنها تكُسب مواقأع لاها على حساب الحزاب الاسياسية والتحادّات الامهنية والاحركُات
الجتماعية الاقاعدّية .ولاكُن ،هل يستتبع أوتوماتيكُيا أهلنة ) (NGO-izationالامجتمع الالتسييس أو
إضعاف الاتعبئة الاشعبية )(Demobilization؟ لايس بالاضرورة .فبعض الاجمعيات الهلية تتووجه
بصورة بناءة إلاى الاتعامل مع النتشار غير الامسبوق لالفاعلية ولالتنظُيم في أوساط الانساء والاشباب
والاناشطين في مجال حقوق النسان ،والامدّافعين عن الابيئة والاحركُات الثنية والاطائفية .فهذه الافاعليات
تشغل موقأع الاقلب في السالايب الاسياسية ،وفي عمليات صنع الاسياسة .ولاكُن ،وكُما يبوين آلن تورين،33
لام يعدّ الاصراعّ حيدّار يشكُل رئيس منخللصراعّ الاطبقاتفقط ،حيثيقف الاخصمان بوضوح ،كُلل
ظُماتالامجتمع الامدّني ،حتىعندّما تكُون هذه الامنظُماتكُياناتذات
في طرف،بل صار حيدّار أيضا عبرمن و
منحىينزعّ إلاى ميدّانالعمال) ،(Business-orientedوغير ملتزمة ،وغير ممثلة .وبما أنالامنظُمات
الامذكُورة تتبونى صوتالصلح ل صوت الاتدّمير ،فإنها تصبح محاو ار فاعلا مع الاحكُومة ومع
الامؤسساتالامتعدّدّة الطراف .الامجتمع الامدّني إذا لايس مناقأضاا ،بحكُم الاتعريف،لالدّولاة ،بل هومتعاون
معها ،كُما أشارأنطونيو غرامشي.34
دّخلت الادّول الانامية في شكُل حكُم متعدّدّ الامستويات أدّى إلاى تشكُيل نخبة جدّيدّة .ونشأ نوعان من
الانخب :النوع الول هو الاخبير الامحلي الامدّعوم بمعارف مشرعنة )تخصص ،دّرجة دّكُتوراه ...إلاخ(،
الاذي يشارك بفاعلية في صنع الاقرار من خلل الالجان ،وباعتباره من الاطبقة الاتكُنو-بيروقأراطية )
.(Techno-bureaucraticالنوع الثاني هو ما أدّعوه بـ "الاخبير الامعولام" ،35وهو الاخبير الاذيتموكُن
منالاوصولإلاى الامجال الادّولاي )مؤتمراتالمم الامتحدّة الاخاصة بالاقطاعات الامختلفة ،والاشبكُات الادّولاية،
إوالاى ما هنالاك( ،والاذي يتدّخل في الاحكُم منخللالامنظُماتالهلية والادّولاية .وتتم الستفادّة منالانوعين
الامذكُورين منالاخبراء في الاحملتالادّعائية الاتي تطلقها الاجمعياتالهلية ،الاتي تميل إلاى تخصيص
جهدّ ل بأس به لسلوبالقأناعّ الافكُري .فهم الاوسطاء والامترجمون ،حيثيفاوضون منخللخطابات
محلية ووطنية وعالامية .36
14
وفي حين ينمفذ الاخبير الاسياسات والسالايب الاتقنية ) ،37(Techo-politicsفإنه بذلاك يؤمن شرعية
جدّيدّة وينافس ممثلي الاشعب الامنتطخبين .ولاكُن ما هي مضامين هذه الامنافسة؟ إذا كُان الاقادّة الامنتطخبين
قأدّ وصلوا إلاى الاسلطة نتيجة انتخابات "مدّحبرة" في بعض الابلدّان الاعربية ،فإن هذه الاشرعية الاجدّيدّة يمكُن
أن تكُون خطوة باتجاه عملية "الادّمقرطة" ،لنها تسمح لالمجموعة الاموجودّة في الاسلطة أن تتسع ،وأن
تحول دّون حكُم القألية ) (Oligarchyأو الابولايارشية ) .(Polyarchyولاكُن ذلاك ينطوي على خطر
تسيير الاسياسة والسالايب الاسياسية من بقأطبل تووجهات الاهندّسة الجتماعية والاتقنيين ،كُما يظُهر من
دّراستي الاتي تعودّ إلاى الاتسعينيات الاتي تناولات فيها الامهندّسين في سورية ومصر ).38(Hanafi 1997
لاكُن هذا الاتووجه لايس بالاتووجه الاوحيدّ.
في الادّولاة الاتنموية ،في فترة ما قأبل الاتسعينيات – سواء أكُانت الادّولاة اشتراكُية أو دّولاة الابرجوازية
(Waterbury, 1991أو دّولاة الارأسمالاية – كُان الامهندّسون حيعتبرون الاخبراء الارئيسيين .39أما الايوم،
فقدّ أصبح الشخاصمنذويالختصاصاتالامختلفة )الامهندّسون دّائماا ،فضلا أيض ا علىالقأتصادّيين
وعلماء الجتماعّ والامحامين والطباء ،إوالاى ما هنالاك( هم الاخبراء الارئيسيون .لاكُنأهمية هؤلء
بالامقارنة بأهمية الشخاصالامنتطخبين تعتبر إشكُالاية .فزيادّة الامعارفالاتخصصية ل تؤدّي دّائما
إلاى وضع تحليل سياسي أفضل .فقدّ يضويع عمقوتقنية الاتحليل بعض الحيانامكُانياترؤية الاصورة
بسياقأها الاعام الاتاريجيوالاشامل .وحدّه الشرافالادّقأيق لاممثليين الامنتطخبين منشأنه منع تجاوزات حكُم
الاتكُنوقأراط ) .(Technocracyوغالاب ا ما يكُمن الاخطر في وجودّ توزيع لالدّوار بهدّف الاتلعب
بالاعامة ،كُما يكُشف الامثال الاتالاي.
صصة لاتدّاعيات الاحروب على لابنان شارك فيها مسؤولاون حكُوميون
خلل نقاش دّار في ورشة مخ و
ورؤساء جمعيات أهلية ومحامون ،قأدّم أحدّ خبراء الاقانون النساني الادّولاي مراجعة عامة لاتقرير سوري
كُان قأدّ طلب الامجلس الانيابي إعدّادّه بخصوص حرب عام 2006على لابنان ،وما إذا كُان يتوجب على
الاحكُومة الالبنانية مقاضاة إسرائيل بسبب الادّمار الاذي أحدّثته في الابنى الاتحتية ،وفي الامباني الاسكُنية في
لابنان .تكُمن الاغرابة هنا في طروحات الاخبير الامذكُور الاتي كُانت معارضة لالفكُرة ،لنها تستوجب اعترافا
ل" :أنا خبير محايدّ ،أتحدّثبإسرائيل من حيث الاواقأع .وعندّما انتقدّ بعض الاحاضرين موقأفه ،كُورر قأائ ا
باسم الاقانون" .ولام يفته أن يذمكُرنا بالاشرعية الاتي كُان يموثلها ،الاقائمة على أساس الاحيادّية والاقانون
37
Timothy Mitchell, Rule of Experts, Professor of Politics at New York University, is the
Author of Colonising Egypt (Berkeley, CA: California University Press, 1991).
38
???????????????????????
39
Elizabeth Longuenesse, Professions et sociétés au Proche-Orient: Déclin des élites,
crises des classes moyennes (Rennes: Press Université de Rennes, 2007).
15
ضهم بالطلعّ على الاتقرير ،تفادّى المر بقولاه" :عليكُم باعتباركُم مواطنين
والاعلم .وحين طالاب بع ح
طلب الاتقرير من ممثليكُم في الامجلس الانيابي" .شرح أحدّ الاحاضرين الاسبب الاحقيقي الاسياسي لاغياب
الاقضية – وهو أن حزب ال ل يريدّها ،لنها يمكُن أن ترتودّ على زعمائه الاذين قأدّ حيستدّطعيون لالمثول أمام
الامحكُمة ،إضافة إلاى أن الاحكُومة الالبنانية ل ترغب في إزعاج الاوليات الامتحدّة.
باختصار ،ل يوجدّ دّلايل على أن ازدّهار مؤسسات وفاعلي الامجتمع الامدّني بإمكُانه أن يؤدّي إلاى
دّمقرطة الامجتمع ،40كُما ل يوجدّ دّلايلعلىأنالاتحرر القأتصادّي) (Liberalismبإمكُانه أنيؤدّي إلاى
الاتحرر الاسياسي .41إننشوء هؤلء الاوسطاء الاجدّدّ ينموعّ فاعلي الاحكُم ،لاكُنه ل يؤدّي بالاضرورة إلاى
تقويض أسسهيمنة فاعلي حاكُمية الادّولاة .منهنا يأتي تحودّي الاوضع الاقائم منفاعلين أقألرسمية
بكُثير كُما سنرى في ما يلي.
40
Elizabeth Picard, La Politique dans le Monde Arabe, U collection (Paris: Armand
Colin, 2006).
41
Eberhard Kienle, A Grand Delusion: Democracy and Economic Reform in Egypt,
Library of Modern Middle East Studies (London: I.B. Tauris, 2001), and Myriam
Catusse, "Ordonner, classer, perser la societé: Les Pays arabes au prisme de l’économie
politique," dans: Picard, Ibid., pp. 215-238.
42
Picard, Ibid., p. 202.
43
Partha Chatterjee, The Politics of the Governed: Reflections on Popular Politics in
Most of the World, Hastings Schoff Lectures (Columbia: Columbia University Press,
16
بقوة إلاى الاتقليدّ الافلسفي لافوكُو في دّراسات الاحاكُمية لالقول إن هناك فجوة "بين الامتخحيل الاسياسي الاعالاي
الامقام لالسيادّة الاشعبية ،والاواقأع الدّاري الافعلي والايومي لالحاكُمية" .والاحركُات الامذكُورة قأدّ تكُون ظُاهرة
أحياناا ،وسرية أحيانا أخرى ،وهي تأخذ شكُل الامقاومة الاصامتة أو شكُل الامقاومة الايومية ،وتتجونب
الاسلطة ،وتتفادّى ممارسات الاقوة .كُما أنها مدّفوعة بإرادّة زعماء ووعاظُ طائفيين وعشائريين ومحليين
ودّينيين ،أكُثر مما هي مدّفوعة بإرادّة خبراء أو أفرادّ الانخبة الامعولامة .ويعمل الازعماء الامذكُورون
بمساعدّة الاخبراء ،لاكُنهم يسيطرون على فضاء حركُة الحتجاج .ومن الامهم أن نذكُر هنا أن الاشبكُات
الاعشائرية تستفيدّ أيضا من شرعية الاخبير .ففي الردّن ،تحرص الاعشائر على انتخاب مرشح متعلم قأبل
تسميته مرشحا رسميا لالعشيرة ،والاتي تستحوذ على فضاءات الحتجاج لايستا فقط الامجموعة والاعشيرة،
ولاكُن أيضا الفرادّ .فكُما يوضح سيدّ في هذا الاكُتاب ،فإنه أمام استباحة الستثناء للحييزّ العام ،وانعدام
إمكانات التداول العام والهادئ في رهانات وتحديات الشؤون العامة ،ل يجد الفرد أمامه إل ازدراء
كال ما يجلبه الستثناء ،والنفور من القوالب التي تفرضها مؤسساته الرسمية ،والكاتفاء بالعيش
كامواطن مخالف ،مع النكفاء على فضاءات اجتماعية خاصة وبديلة من شأنها أن تعيد بعض المعنى
لوجوده.
كُما تفتح وسائل العلم الاحدّيثة مسارات لالمحتوجين .فشبكُة النترنت والامدّوونات )أباظُة في هذا الاكُتاب(
والاقنوات الافضائية الاتي ل تخضع لالدّولاة الاتي يتكُاثر عدّدّها باطرادّ ،تساعدّ الافاعلين خارج الامؤسسات
على تحودّي سلطة الادّولاة وسيطرتها وتقنيات مراقأبتها .وسواء أكُانت الامجموعات اليرانية الامقوربة من
الصلحيين غير شرعية أم لام تكُن ،فإنها اتجهت إلاى شبكُة النترنت لاتنظُيم الحتجاجات ،ولالتعبير
عن عدّم رضاها بشأن نتائج انتخابات ،442009تلجأ تلك الامجموعات إلاى استخدّام مواقأع الاتشبيك
الامدّونات الاصغيرة )إضافة إلاى You Tube and
و الجتماعي ،مثل Facebookو ، Twitterموقأع
(Flickerلاضمان استم اررية نقل الخبار الامتعلقة بما يحدّث دّاخل إيران إلاى الاعالام ،وتولقي الخبار.
وقأدّ أصبحت وسائل العلم هذه تقنية بالاغة الهمية في مواجهة الاهيمنة العلمية الارسمية .ويصف
الاعدّيحدّ من الاباحثين أولائك الافاعلين خارج الامؤسسات بأنهم عناصر معارضة لالحدّاثة ومقابومة لالعقلنة
والاعولامة .لام يتمكُن هؤلء من تحليل دّينامية الاحركُات السلمية ،فقدّ كُانوا يروكُزون على السلم
باعتباره الاعامل الامحمدّدّ الاوحيدّ بالانسبة إلايهم ،وبالاتالاي فقدّ وقأعوا في شرك الانماذج الانمطية الاشائعة لادّى
دّراستهم لالسلمية الاسياسية .لاكُنهم في الاواقأع غالاب ا ما يكُونون في قألب الاعولامة ،ويحملون مشروع ا
لاتحدّيث الامجتمع ،قأدّ يتحالاف أحيانا مع الادّولاة ومع الامجتمع الامدّني ،وقأدّ يختلف أحيانا أخرى مع بعض
2006).
44هم الامؤيدّون لامير موسوي ،خصم الارئيس أحمدّي نجادّ في النتخابات الارئاسية ،الاذي اودّعى أنه هزم الارئيس بنسبة 63
.4من الصوات.
17
سياساتها .الاحدّودّ الافاصلة بين هذه الشكُال الاثلثة من الافعل الاسياسي يمكُن أن تتدّاخل بسهولاة لاتصبح
مبهمة ،أما تدّخل الادّولاة والامجتمع الادّولاي لالضغط على الامستوى الاثالاث وحظُره ،فهو يتكُورر كُثي ار
ويختلف من دّولاة إلاى أخرى.
ثالثلا :التقاطعات
ل تعترف الانظُرية الاسياسية الانقدّية ،على نحو كُاف ،بالاتقاطعات بين الامستويات الاثلثة لالسياسي:
الاحاكُمية ،والاحكُم ،وحركُات الحتجاج الالمؤسساتية .وتكُمن أهمية الامستويين الخيرين في مقاومتهما
لالبيوبولايتيك الاخاص بالادّولاة ،ولاحالاة الستثناء الاخاصة بالاسيادّة .وأنا ل أحاول ،في عرضي لالمستويات
الاثلثة من الاسياسة ،تبيان مزايا إحدّاث إصلح نيو-لايبرالاي تدّريجي ،أو محاولاة لالتخفيف من وطأة
الافقر ،من شأنهما دّعم وشرعنة الانظُام الاسائدّ بهدّف الاتنمية ،بل أحاول تسليط الاضوء على الامبادّرات
الاصغيرة/الامحلية/الاقطاعية الاتي تتوجه نحو الاتنمية الجتماعية والقأتصادّية .وأكُرر هنا ،على الامرء أل
يقنع بمجردّ منظُومة الغاثة والامساعدّات ،بل بمنظُومة حماية اجتماعية.
الانظُام الاذي يسمير الافاعلين الاسياسيين والجتماعيين والفعال الاسياسية والجتماعية ل يخلق لادّى
الاباحثين دّافعا موضوعيا يتووجه إلاى دّراسة جميع النماط واعتبارها على الاقدّر نفسه من الهمية ،بل
يوحي لاهم بأهمية مراقأبة جميع الامستويات بانتباه لاملحظُة كُيف يمكُن لافاعل ما أن يبرز ضمن إطار
زماني-مكُاني معوين .وبالمكُان إحدّاث الافعل الاسياسي بطرق متمممة لابعضها عندّ مستويين أو ثلثة
مستويات ،لاكُن هذا الافعل غالاب ا ما يتضمن فاعلا واحدّا من مستوى واحدّ يتحودّى فاعلين من مستويات
أخرى .كُما يمكُن لالطارين الالذين اقأترحتهما في هذه الادّراسة أن يشجعانا على تجاوز مفهومي أزمة
الانظُام والاتحول الادّيمقراطي والتجاه نحو الاقيام بدّراسات معومقة لالفاعلين في الاصراعّ ،ضمن إطار
زماني-مكُاني محدّدّ.
ظُمات الاشعبية ،وتعبئة الاطلب ،والازعماء الادّينيين،
لاقدّ أحدّث تدّخل الامجتمع الامدّني ،بما في ذلاك الامن و
تغييرات قأطاعية صغيرة كُمية )) (Quantitativeقأضية واحدّة من مشاكُل الاتنمية بدّل مشروعّ تحدّيثي
متكُامل( .ومن شأن هذه الاتغييرات أن تتحول عاجلا أم آجلا إلاى تغيير اجتماعي نوعي )
.(Qualitativeوقأدّ عجز بعض الاباحثين الاغربيين عن إدّراك أهمية الافاعلين الالمؤسساتيين ،إما
بسبب لمرئيتهم )) (Invisibilityفهم موجودّون غالاب ا في الطراف خارج الاعواصم والامدّن الاكُبرى( ،أو
18
لاكُون الاحركُات محصورة ضمن إطار الامفردّات السلمية ،وبالاتالاي فقدّ حوصمت بـ "الاحركُات الاكُريهة"،45
إلاى دّرجة اعتبارها خارج نطاق الامشروعّ الجتماعي.
تجري حالايا تحوولت اجتماعية وثقافية واقأتصادّية وسياسية هائلة في الاوطن الاعربي ،وهي تختلف من
قأطر إلاى آخر .في بعض الابلدّان ،تآكُلت شرعية الارئيس الاقمعي نتيجة حركُات الامعارضة )لامعرفة
الامزيدّ عوما يجري في مصر ،انظُر دّراسة أباظُة في هذا الاكُتاب( .في بلدّان أخرى ،لام يقتصر المر
على تشظُوي نظُام الاحكُم ،بل إن الادّولاة نفسها معورضة لاخطر النهيار )الراضي الافلسطينية ،الاعراق،
ظُمات الجتماعية الامدّنية الاموجودّة فيها،
الاصومال( .أخي ارا ،هناك أنظُمة أصبحت أكُثر قأمعية تجاه الامن و
وتجاه قأادّة الامعارضة.
وبالارغم من كُل ما قأيل ،فقدّ ل يكُون بإمكُان الاباحثين فهم تلك الاتحوولت الامتعودّدّة التجاهات دّون إجراء
دّراسات ميدّانية لالمستويات الاثلثة من الاسياسي .فقدّ أدّى الفتقار إلاى مثل هذه الادّراسات إلاى إطلق
تعميمات فضفاضة .46علىسبيل الامثال ،اعحتبرالاتنامي الاحثيثلاقطاعّ الاجمعياتالهلية في الاوطنالاعربي
إشارة وعاملا وشرطا لاعملية أحدّ أعراض )" (Symptomsيقظُة الامجتمع الامدّني" ،الاذياعحتبربدّوره
الادّمقرطة .وقأدّ طالاببعض الاباحثين ،أكُثر منمرة ،بأن يقوم الامجتمع الامدّني بإضعاف الادّولاة .ول
ظُماتالامجتمع الامدّني مكُمملة لالدّولاة ،وأن تتعاون مع مؤسساتالادّولاة في ما
يرى هؤلء إمكُانية أنتكُون من و
يتصل بتقدّيم الاخدّماتومشاريع الاتنمية وبرامج الاتوعية والاتأييدّ ،وأن تقوم هذه الاجمعياتفي الاوقأت
نفسه بطرح الابدّائل لابعض تووجهات الادّولاة ،بما في ذلاك إمكُانية أنتقوم بدّور وسيلة الامعارضة
ظُي الافضاء الاسياسي يتيح لامنظُمات الامجتمع الامدّني والافاعلين الالمؤسساتيين
لالنظُام .والاواقأع أنتش و
فرصة الالجوء إلاى أسالايببارعة لاتحودّي بعض سياسات الادّولاة وأسالايبها الاسياسية ،وفرصة الاتحول
إلاى وسائللالتغيير الجتماعي .وأعودّإلاى الاقول إنالادّراساتينبغي أنتشويئ منظُماتالامجتمع الامدّني أو
الادّولاة ،بل أنتلحظُ الاعلقأة الاجدّلاية بينهما .وتعمبر الاباحثة الافرنسية مريم كُاكُتوس عنهذه الافكُرة
بوضوح ،إذ تقول" :الادّولاة لايست أخ ا أكُبر ) (*)(Big Brotherكُلوي الاقدّرة يحكُم ذاتي ا في مواجهة
مجتمعه ،بل هي مؤسسة اجتماعية تاريخية ،تسميرها الامصالاح الجتماعية ،وتشارك بدّورها ،بوسائل قأدّ
45
Sidney Tarrow, Power in Movement: Social Movements and Contentious Politics,
Cambridge Studies in Comparative Politics, 2nd ed. (Cambridge, MA: Cambridge
University Press, 1998).
46
Amani Qandil, Civil Society in the Arab World: Private Voluntary Organizations
(Washington, DC: Civicus, 1995), and Ben Néfissa [et al.], NGOs and Governance in the
Arab World.
)*( ) (Big Brotherهو زعيم الاحزب الاحاكُم الامتسلط في ،Oceaniaفي رواية جورج أورويل ),(George Orwell
عام ] .1984الامترجم[.
19
تكُون قأسرية إلاى حودّ ما ،في تحقيق الامصالاح الجتماعية .ومن خلل الصلحات ،تتغوير الادّول كُما
يتغير تموثلها ) (Representationأيضاا".47
ولاكُن غالابا ما تكُون هناك مآزق عدّيدّة .فجمعيات الامجتمع الامدّني معورضة دّائما لاخطر الستغلل
والستيعاب من قأبل الادّولاة ،ول سيما عندّما ترغب الادّولاة في الاتنوكُر لامسؤولايتها الجتماعية في تأمين
الاسلع الاعامة .فجمعيات الامجتمع الامدّني لايس مطلوب ا منها ملء الاثغر الاتي تخلقها الانيولايبرالاية الاعالامية.
والادّولاة قأدّ تسمح بحدّوث بعض الاتغيير ،لاكُنها لادّى قأيامها بذلاك تترك الابنى الاعميقة دّون الامساس بها،
بل تتركُها خفية عن النظُار .يجب أن يكُون دّور جمعيات الامجتمع الامدّني استراتيجياا ،وعليها تطوير
بدّائل على جميع الامستويات ،وأل تتصرف لامجردّ سودّ حاجة معينة ،أو أن تكُون مجردّ مخومدّ لالصدّمات،
يدّفعنا إلاى الاتركُيز على العراض ،في حين تظُول السباب الاجذرية دّون معالاجة ،ما يحرف مسار الاقوة
الاتي نحتاج إلايها لانصل إلاى جوهر الامشكُلة .قأدّ يحدّث أحيان ا في الاوطن الاعربي أن ل يقتصر المر
ظُمات الامجتمع الامدّني من قأبل الادّولاة الاتي تسعى بنفسها إلاى هذه الاجمعيات ،بل إنها
على استغلل من و
تعوزز وجودّ مشاركُة "آمنة" معها والاتشاور معها ،ولاو بصورة زائفة ،كُنوعّ من سياسة الارضا عن الانفس،
وقأدّ تلجأ بعض الاحكُومات والاشركُات إلاى تأسيس جمعيات أهلية خاصة بها )جمعيات "أهلية" حكُومية )
(GONGOsوشركُات مدّنية ،على الاتوالاي( لالتأثير في مسار الاجدّال والافعل الاسياسي محلي ا وعالامياا.
ولادّى ممارسة جمعيات الامجتمع الامدّني لالسياسة الاناعمة ،عليها الاتزام جانب الاحذر لاكُي تحافظُ على
تركُيزها على الاسياق الابنيوي ،أي على منظُومات النتاج والاتوزيع غير الاعادّلاة الاتي حتبقي على الاتفاوت
الجتماعي .فتلك هي الاقضايا الامرهقة والكُثر إلاحاحاا.
ظُمات الامجتمع الامدّني إلاى الامحلية ،كُنوعّ من الادّفاعّ عن الانفس ،أو أنها تتحول إلاى
أحياناا ،قأدّ تنكُفئ من و
الاعالامية حص ار على حساب الامستوى الاقومي .وتحدّث بعض الرتباطات الاعالامية على حساب
الرتباطات الاقومية ،وهذا من شأنه إضعاف مسار إوامكُانية الاتغيير الجتماعي الاقومي .وعندّما يصبح
رؤساء الاجمعيات الهلية معولامين ) ،(Globalizedتنشأ خطورة كُبرى وهي انفصال تلك الاجمعيات
عن مجتمعها وعن جمهورها.
47
Myriam Catusse, “Bringing the State Back in?: Une perspective régionale des Rôles de
l’Etat dans les Transformations sociales," (Unpublished Paper), paper presented at:
Conférence “The Role of the State in Social Development", 2008.
20
هدّف هذا الاكُتاب هو الاتأسيس على الطروحة الاتي طوورناها حتى الن لالضافة إلايها ،لايس فقط بوضع
الامزيدّ من الانظُريات بشأنها ،بل بربطها أيضا بدّراسات حالت خاصة من أقأطار عربية مختلفة .في
الاحقيقة ،لاقدّ ندّرت الادّراسات الاعربية الاتي تناولات أشكُال الاحاكُمية ،وخاصة في ما يتعلق بكُيف ححكُم
الامواطن الاعربي ،لايس بالاقانون ،ولاكُن بحالاة الستثناءة ،وكايف يتعامل هذا الامواطن في ظيل أوضاع يبدو فيها
القانون الرسمي امتداداا لشرط الستثناء الواقعين فيه .إذاا ،هذا الاكُتاب لان يقدّم جردّا لاجميع أشكُال الاحكُم ،بل
يعالاج بعض الامواقأع الامهمة على نحو خاص.
ينقسم الاكُتاب إلاى قأسمين :يعالاج القسم الول بعض أشكُال الاحاكُمية في حالت محودّدّة .يقوم ألايساندّرو
بيتي ) ،(Alessandro Pettiومي الاجيوسي ،ونورهان أبو جدّي ،باستكُشاف الطر الامختلفة لاحالاة
الستثناء ،والابيوبولايتيك ،والقأصاء/الاضوم الاتي تمويز الاحالاة الستعمارية في فلسطين ،الاتي تفاقأمت من
خلل نظُم الاسلطة الاتي أسست مع عملية أوسلو .ويبوين ساري حنفي وتايلر لاونغ ) (Taylor Longكُيف
أن الالجئين هم أصحاب حياة عارية بامتياز ،حيث يعاملهم حكُام الابلدّان الاعربية الامضيفة باعتبارهم
أجسادّا ل تتمتع بأي وجودّ سياسي ،كُما تحوولات مخيماتهم إلاى فضاءات لالستثناء .وقأدّ تمت مناقأشة فكُرة
مفادّها أن الفتقار إلاى بنى شرعية لالحكُم في الامخويمات قأدّ حال دّون تحسين الوضاعّ الامعيشية والقأتصادّية –
الجتماعية لالسكُان ،وعحرض لالخطر أمن الافلسطينيين والالبنانيين على حدّ سواء .وتم بحث تاريخ شكُل حكُم الافلسطينيين
في لابنان ،إواخضاعّ الامخويمات لالجراءات المنية ،و’حالاة الستثناء‘ ،الاسائدّة دّاخل الامخيمات .وبالضافة إلاى ما تقدّم،
تم افتراض أنه ،وفي ظُل الاغياب الاكُامل لاحكُومة شرعية ،ساعدّ وجودّ الاحركُات السلمية واقأتصادّ الخلق على تأمين
مسار الاحياة الايومية في الامخويمات .ويركُز عبدّ الاحي الاسيدّ على الامجتمع الاسوري ،وكُيف فرض الانظُام
حالت الستثناء بأشكُال مختلفة.
ويتناول القسم الثاني من الاكُتاب كُيفية مقاومة أفرادّ الامجتمع الاعربي لاتقنيات سلطة الادّولاة )حالاة
الستثناء والابيوبولايتيك( عن طريق تنظُيم أنفسهم من خلل منظُمات الامجتمع الامدّني ،وعن طريق
حركُات الحتجاج الالمؤسساتية .يطرح حيدّر إبراهيم تساؤلت حول طبيعة الامجتمع الامدّني الاعربي
والاعلقأة بين الامجتمع الامدّني والامقاومة ،ويبوين عجز هذا الامجتمع الامدّني عن تحودّي هيمنة الاسلطة.
وتتابع منى أباظُة هذا الاتووجه لاحتظُهر غياب الافاعلين الاسياسيين الاتقليدّيين ،ولاتبوين أن حركُات الحتجاج
الخيرة الاتي حدّثت في مصر هي حركُات مستقلة في مواجهة الحزاب الاراسخة والامعارضة الاتقليدّية،
وتسهل الامدّوونات ووسائل العلم الاحدّيثة أنشطة الامنتدّيات الاشعبية .ثم يشرح محسن بوعزيزي الاشكُل
الاجدّيدّ لالحتجاج من خلل لمبالة الاشباب الاتونسي .وأخي ارا ،تدّرس ندّى غندّور دّيميري شكُلا آخر من
الامقاومة يتم عبر أفعال لعنفية .وهي تحاول عرض الاعلقأة الاموجودّة بين الامقاومة الالعنفية
والابيوبولايتيك ،وحجتها الارئيسة هي أن الامقاومة وآلايات الاسيطرة ’تواجه‘ بعضها بعض ا في الراضي
21
ويروكُز كُل من. ل بوصفه أسلوب ا قأائم ا بذاته، ولاذلاك ينبغي فهم الالعنف ضمن هذه الاعلقأة،الافلسطينية
في حين يحاول الخر، يحاول أحدّهما استيعاب هذه الاحياة:الابيوبولايتيك والالعنف على حياة الاسكُان
وتصبح الامقاومة الالعنفية نوعا من الاتعبئة، يعكُس أحدّهما صورة الخر، وبهذا الامعنى.تعزيزها
.الاموابزنة لالبيوبولايتيك
Hanafi, Sari (1997) La Syrie des ingénieurs. Perspective comparée avec l'Egypte,
Paris : Karthala.
22