You are on page 1of 73

‫المحاضرات المتبقية المتعلقة بجيوسياسية روسيا‬

‫المدرسة األوراسية الجديدة )اليمين الجديد) ‪New Right:‬‬

‫تتفرع المدرسة األوراسية الجديدة إلى العديد من التيارات‪ ،‬لكننا سنركز هنا على اليمين الجديد‬

‫بزعامة ألكسندر دوغين‪ Alexander Douguine‬باعتباره أكثر الشخصيات الجيوبوليتيكية‬

‫األول‬
‫بأنه العقل الجيوبوليتيكي ّ‬
‫الروسية المعاصرة شهرةً‪ ،‬وهو الذي وصفته أوساط عالمية كثيرة ّ‬

‫التوجهات اإلستراتيجية الكبرى لروسيا المعاصرة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الذي يقف وراء‬

‫يقسم أصحاب هذااالتجاه العالم إلى العديد من مناطق الحضارات‪،‬وتقوم أساساعلىالديانات‪.‬‬

‫أ‪-‬ألكسندردوغين( ‪Alexander Douguine )....._1962‬‬

‫لمحة عن حياته‬

‫ولد ألكسندر دوغين في موسكو في عائلة سوفيتية ملحدة كان والده ضابط في دائرة‬

‫االستخبارات العسكرية في هيئة األركان العامة الروسية‪.‬درس في معهد موسكو‬

‫للطيران‪ ،‬لكن لم يكمل دراسته ألسباب سياسية‪ .‬كان معارضا في الثمانينات للسلطة‬

‫السوفيتية و انخرط في تنظيمات ذات طابع قومي‪ ،‬ومعارضا أيضا للغرب المنحط‪،‬‬

‫وفي ‪ 1988‬أسس دار نشر "إيون"‪ ،‬ونشر كتاب "أس ار ار أوراسيا"‪ .‬إال أن انهيار االتحاد‬

‫غير موقفه من النظام ألسوفيتيي و الشيوعية بشكل جذري ‪ ،‬ووصفه‬


‫السوفيتي ّ‬

‫بانتصار البحر على حضارة اليابسة‪ .‬و عاد إلى الفلسفة البلشفية الوطنية و المذهب‬

‫األوراسي‪ .‬و في سنة ‪ 1992‬وأعاد نشر أفكار كارل هاوسهوفر ‪K.Haushofer‬‬

‫حول الدينامكية الجيوسياسية للقوى البحرية و الموازية ‪Dynamique‬‬


‫‪ Gèopolitique des Méridiens et parallèles‬في مجلة ‪ Elementy‬وهي‬

‫مجلة أوراسية كما كتب فيها مجموعة من المقاالت والتي شكلت األساس لكتابه أسس‬

‫الجيبولتيكا عام ‪ .1997‬ووقف دوغين مع االنتفاضة الشعبية في سنة‪ 1993‬ضد‬

‫نظام يلتسين‪ ،‬وكانت هزيمة البرلمان مأساة شخصية له‪ ،‬فتولى إنشاء الحزب البلشفي‬

‫القومي المعارض للرئيس يلتسين مع إدوارد ليمونوف‪ .‬و في ‪1998‬انسحب من حزب‬

‫ليمونوف ألسباب إيديولوجية وأصبح مستشار لمجلس الدوما الروسي ثم رئيس مركز‬

‫التجربة الجيوسياسية ومجلس األمن القومي وبدأ يلقي محاضرات جيوسياسية في‬

‫هيئة األركان العامة الروسية‪ .‬وبعد تولي بوتين الحكم انتقل من المعارضة الراديكالية‬

‫إلى معسكر المواالة‪.‬‬

‫أهم أفكاره‬

‫وظف دوغين الفكرة الجيبوليتيكية التقليدية لكل من هارولفورد ماكيندر ‪H.Mackinder‬‬

‫وكارل هوسهوفر ‪ K.Haushofer‬بأن هناك صراع جيوسياسي بين الحضارتين التي تعيش في‬

‫قلب العالم( ‪ )Heartland‬أوراسيا‪ ،‬وتلك التي تقطن األطراف(‪ )Rimland‬أوربا الغربية‪ ،‬والشرق‬

‫األوسط‪ ،‬وجزيرة العالم (‪) Island‬أمريكا‪ .‬ويدعي أن روسيا هي أم الحضارة ويقع على عاتقها‬

‫واجب حماية هذه الحضارة‪ ،‬وهناك استيالء مستمر من قبل" الريمالند "على" الهارتالند" ‪ ،‬ويستدل‬

‫على ذلك بتوسيع الحلف األطلسي‪ ،‬وزيادة نفوذ الواليات المتحدة األمريكية في العالم‪ .‬ويقترح‬

‫دوغين طريقا جديدا في جيوسياسية روسيا‪،‬حتى تصبح روسيا اإلمبراطورية األوراسية الجديدة‬

‫بمبادئ إمبراطورية وجيوسياسية وايديولوجية مهمة‪ ،‬وعدم النجاح في ذلك يعني ظهور بدائل جديدة‬
‫كالتغلغل الصيني في الشمال نحو كازاخستان وسيبريا الشرقية‪ ،‬واالنتشار األوربي في الدول الواقعة‬

‫غرب روسيا (أوكرانيا‪ ،‬روسيا البيضاء)‪ ،‬أو محاولة العالم اإلسالمي دمج أسيا الوسطى والمنطقة‬

‫المحيطة بنهر الفولغا واألورال‪ ،‬فضال عن بعض المناطق في جنوب روسيا‪ .1‬ويقوم المشروع‬

‫الجيوسياسي عند دوغين‪.2‬‬

‫داخليا‪:‬‬

‫‪ -‬ال ينبغي لإلمبراطورية القادمة أنتكون دولة "جهوية" (إعطاء صالحيات واسعة أو ما يشبه‬

‫ال حل لها‪.‬‬ ‫حكم ذاتي لألقاليم) ‪ ،‬وال" دولة أمة" لتجنب التناقضات الجيوسياسية واالجتماعية التي‬

‫‪ -‬ضرورة أن تقام اإلمبراطورية الجديدة دفعة واحدة كإمبراطورية ويجب أن ترسي المبادئ‬

‫اإلمبراطورية الكاملة األهلية والمتطورة في أساس مشروعها منذ اآلن‪.‬‬

‫‪ -‬تتحدد المالمح الجيوبوليتيكية واإليديولوجية لإلمبراطورية الروس الجديدة على أساس‬

‫التخلص من تلك اللحظات التي أدت من الناحية التاريخية إلى إفالس الصيغ اإلمبراطورية السابقة‬

‫لذلك يجب أن تكون ال مادية‪ ،‬ال إلحادية‪ ،‬ذات اقتصاد ال مركزي‪ ،‬وأن تكون متميزة ببنية إثنية دينية‬

‫تعددية مرنة‪ ،‬وأن يتم إضفاء المرونة على مشاركة الدولة في توجيه االقتصاد‪ ،‬وشحن المعادلة‬

‫الدينية‪-‬القيصرية بالمضمون المقدس الصافي وتحقيق ثورة أرثوذوكسية محافظة‪.‬‬

‫أما خارجيا‪:‬‬

‫‪ -‬أن تكون إستراتيجيا و جيوسياسيا أوسع نطاق من إتحاد الجمهوريات االشتراكية‬

‫السوفيتية‪ ،‬وأن تكون لديها حدود بحرية أو حلفاء يطلون على البحار‪.‬‬
‫‪ -‬أن تعمل للقضاء على الهيمنة األمريكية للعالم من خالل التحالف مع ثالث مناطق في‬

‫أوربا محور برلين موسكو باريس‪ ،‬وفي شرق أسيا محور طوكيو موسكو مما سيؤدي إلى الوصول‬

‫إلى البحار والمحيطات في الشمال والجنوب والشرق‪ ،‬لتصبح اإلمبراطورية الجيوبوليتيكية مكتفية‬

‫ذاتيا‪ ،‬و تأسيس تعددية المراكز باعتبارها النمط السائد للقوة‪.‬‬

‫‪ -‬تحسين والزيادة من قدراتها العسكرية النووية‪ ،‬والصورايخ العابرة للقارات و عدم الحد من‬

‫األسلحة التقليدية ألن تكتل الدول و الفضاءات الجغرافيا الكبرى حول روسيا كمنطقة محورية لن‬

‫يتم إال إذا كانت لديها قدرات نووية و إستراتيجية عالية‪.‬‬

‫لقد نظّر دوغين في كتابه " النظرية السياسية الرابعة " إليديولوجيا سياسية جديدة تماما داعيا‬

‫لالتحاد ضد الليبرالية الديمقراطية باعتبارها الحضارة الوحيدة التي لم تعد تحترم وبعيدة كل البعد‬

‫عن "التقاليد األصلية" التي هي مصدر جميع األديان‪ ،‬لذلك يجب محاربتها وتعزيز قيم الثقافية وا‬

‫لتقاليد الوطنية األرثوذكسية السالفية وحمايتها من العصرنة الغربية المنحطة‪ .3‬ويدعم أفكار‬

‫األوراسية المتطرفة الرافضة للحضارة الغربية مجموعة من المفكرين المعاصرين‪ 4‬نذكر من بينهم ‪:‬‬

‫ب‪ -‬ألكسندر برووكانوف ‪(…-1938)Alexander Prokhanov‬‬

‫يدعم أفكار دوغين‪ ،‬ويضيف أن التعاون مع الجنوب هو مفتاح من أجل تدعيم سلطتها‬

‫وزيادة نفوذها‪ ،‬لذلك يتعين على روسيا إقامة عالقات جيدة مع إيران‪ ،‬العراق‪ ،‬تركيا‪ ،‬و أن روسيا‬

‫الدولة الوحيدة التي بإمكانها توفي ار الستقرار في منطقة الجنوب‪.‬‬

‫جـ ‪ -‬ليونيدإفاشوف ‪)...- 1943( Léonid Ivashov‬‬


‫رئيس األكاديمية الروسية للمشاكل الجيوسياسية ويرى أن روسيا من خالل احتالل القارة‬

‫األوراسية تلعب دو ار جيوسياسي كبير ويمكن أن تؤثر على جميع العمليات العالمية‪ ،‬روسيا حسبه‬

‫هي جوهر أوراسيا وينبغي أن تسعى للتحالف مع الدول التي تتقاسم معها قيم الحضارة األوراسية‪،‬‬

‫والتي تريد إعادة موازنة التفرد األمريكي في العالم‪.‬‬

‫د‪ -‬فيكتورسوكولوف ‪(2006-1947) Victor Sokolov‬‬

‫يمكن أن تصبح روسيا بل أصبحت محور مناهض ألمريكا‪ ،‬وأخذت تحت جناحها القوى‬

‫الساخطة على الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬بسب ميل هذه األخيرة التدخل في الشؤون الداخلية‬

‫للدول‪ .‬فإلى جانب الحلفاء التقليدين لالتحاد السوفيتي مثل كوريا الشمالية‪ ،‬ليبيا‪ ،‬وكذلك التعاون‬

‫الضيق مع إيران‪ ،‬سوريا وفنزويال‪ ،‬البد من استغالل المواقف المعادية للواليات المتحدة األمريكية‬

‫في أمريكا الالتينية وتشكيل محو ار مضاد لها‪.‬‬

‫ه‪ -‬سرغيبريزكون ‪SergeyBrezkun‬‬

‫يدعم رئيس األكاديمية العسكرية الروسية فكرة إنشاء محوريين برلين‪-‬موسكو‪ ،‬وموسكو ‪-‬‬

‫طوكيو‪ ،‬حيث تصبح روسيا مظلة نووية لليابان وأوربا الموحدة بزعامة ألمانيا‪ ،‬مما سيؤدي إلى‬

‫موازنة الهيمنة األمريكية وامكانية إدراج الصين والعالم اإلسالمي وأمريكا الالتينية‪ .‬ويعتبر أن‬

‫حدود اإلتحاد السوفيتي هي الحدود الطبيعية لروسيا‪،‬و أن سيطرة روسيا على هذا الفضاء سيجعلها‬

‫قوة عالمية عظمى‪ ،‬باإلضافة إلى اعتمادها على مواردها الداخلية الطبيعية‪ ،‬االقتصادية‪،‬‬

‫والحضارية‪ ،‬التكنولوجية‪ ،‬البشرية‪.‬‬


‫وعلى العموم يمكن ربط هذه المدرسة بواحدة من مدارس السياسة الخارجية الروسية التي‬

‫حددها أندريه تسيغانكوف ‪ Tsygankov‬بالمدرسة التوسعية الثورية التي تنادي بعقيدة راديكالية في‬

‫السياسة الخارجية من أجل ضمان األمن والهيمنة ‪ ،‬ومن أهم خصائصها‪:5‬‬

‫• روسيا دولة أوراسية مناهضة ألمريكا (صورة ثقافية) ‪،‬‬

‫• واحدة من القوتين العظميين (الوضع الدولي) ‪،‬‬

‫• إمبراطورية تتوسع باستمرار (نوع الدولة) ‪،‬‬

‫• التوسع الجيوسياسي الدائم (طريقة الحفاظ على االستقرار الداخلي) ‪،‬‬

‫• أكثر بكثير من االتحاد السوفيتي السابق (الحدود الجيوسياسية)‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬المدرسة الشيوعية األوراسية ‪Neo-Soviet or communist‬‬

‫يمثل أصحاب هذه المدرسة دعاة النظرية السوفيتية الشيوعية الجديدة في روسيا‪ ،‬ويؤيدون‬

‫الفكر األوراسي‪ ،‬ويذ ّكرون باالحترام والفخر الذي كان يشعر به الروس في عهدا إلتحاد السوفيتي‪.‬‬

‫ويعد رئيس الحزب الشيوعي جينادي زيوغانوف ‪ Zuyganov Genadi‬من أشهر دعاة هذه‬

‫المدرسة‪،‬ويرى أن مستقبل روسيا فقط بعودتها إلى االتحاد السوفيتي‪ ،‬لتصبح قوة عظمى أوراسية‬

‫وعالمية‪ ،‬ولن يتأتى ذلك إال بتأميم االقتصاد والزيادة من القدرات النووية‪ ،‬والعودة لالشتراكية‪،‬‬

‫وبإعادة توحيد الشرق األوسط وموازنة الواليات المتحدة األمريكية‪ .‬و قد استخدم زيوغانوف‬

‫‪ Zuyganov‬مصطلح" الجيوبوليتيكا الجديدة ‪ La nouvelle géopolitique‬وهي نسخة ملّطفة‬

‫من نظرية دوغين‪ .‬يجب على روسيا محاربة العولمة والرأسمالية من أجل ضمان هيمنتها في‬
‫أوراسيا‪ ،‬والعودة إلى الشيوعية والقوة العسكرية‪ .‬والفكرة الخاصة بهذه المدرسة هو توحيد الشعوب‬

‫السالفية بشكل طوعي لتشكيل االتحاد األوراسي االشتراكي‪ .‬ويمكن مطابقة هذه المدرسة بالتيار‬

‫الواقعي الهجومي في السياسة الخارجية الروسية المنادي بالعودة إلى حدود االتحاد السوفيتي‪،‬‬

‫ومبدأ الردع كأفضل طريقة لموازنة الواليات المتحدة والغرب ‪.‬‬

‫ثالثا‪ - :‬المدرسة الديموقرطية الدوالتية ‪Democratic Statists‬‬

‫تمثل هذه المدرسة التيار األوراسي المرن والذي يدعو أنصاره إلى ضرورة إقامة دولة شبيهة‬

‫بالنمط الغربي اقتصاديا‪ ،‬واتباع أسلوبها الثقافي المتميز من خالل تطوير و الحفاظ على القيم‬

‫والمصالح الثقافية والسياسية الروسية‪ .‬ويدعم أصحاب هذا االتجاه التنمية االقتصادية في إطار‬

‫اقتصاد السوق‪ ،‬والتعاون مع الغرب والمنظمات الدولية‪ ،‬ومن أشهر مفكريه ديمتري ترنين ‪D.Trinin‬‬

‫ذو التوجه الليبرالي في كتابه " نهاية أوراسيا –روسيا بين الحدود الجيوبوليتيك والعولمة"‪ ،‬يرد فيه‬

‫الكاتب على ا لمشاريع الجيوبوليتيكية المحافظة‪ ،‬والحجة الرئيسية لديمتري هي أنه وبالنظر للقوة‬

‫المتنامية للصين في الجناح الشرقي لروسيا‪ ،‬وعدم االستقرار السياسي الذي أدى إلى هيمنة اإلسالم‬

‫السياسي في الجنوب‪ ،‬فإن مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي يكمن مع الغرب بل ومن الضروري أن‬

‫تتكامل مع االتحاد األوروبي وأن تبني تحالفا مع الواليات المتحدة‪.‬‬

‫ويمكن مقارنة هذه المدرسة الجيوسياسية بالمدرسة المؤسساتية الدوالتية المرتبطة بفكر‬

‫غورباتشوف والداعية إلى التعاون مع الغرب‪ ،‬واكتساب القيم الديمقراطية‪ ،‬وعلى روسيا أن تشارك‬

‫بنشاط في المنظمات السياسية واالقتصادية الدولية وأن تتبع مفهوم األمن المتبادل‪.‬‬

‫‪-3‬محددات السياسة الخارجية الروسية‬


‫تلعب مجموعة المحددات التاريخية ‪ ،‬و الجغرافية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والسياسية والعسكرية‪،‬‬

‫والخارجية دو ار بار از في صياغة األهداف الجيوسياسية لروسيا االتحادية ‪ ،‬ويمكن حصر أهمها‬

‫فيما يلي ‪:‬‬

‫‪-‬الثوابت التاريخية‬

‫تتسم روسيا اليوم بحدودها الحالية بأنها دولة فريدة من نوعها من الناحية التاريخية ‪ ،‬فقد تغيرت‬

‫حدودها بشكل كبير على مدار تاريخها‪ ،‬فمنذ نشأة إمارة "موسكفي" في القرن التاسع للميالد مرو ار‬

‫بتوسعات اإلمبراطورية القيصرية‪ ،‬وصوال إلى سنوات اإلتحاد السوفيتي‪ ،‬لقد عرفت مراحل من النمو‬

‫واالنكماش المتكرر مما خلق لها شعور دائم وغريزي بعدم األمان‪ .‬فغياب الحواجز الطبيعية من‬

‫جبال‪ ،‬و محيطات‪ ،‬و أنهار على طول حدودها ‪-‬باستثناء قسوة المناخ ‪ ،‬والغابات الكثيفة التي‬

‫شكلت عائقا في وجه الغزاة ‪-‬أدى إلى اعتبارها قلعة محاصرة‪.6‬‬

‫لقد خلق هذا الشعور بدوره لدى روسيا الرغبة في التوسع "اإلستباقي" للدفاع عن نفسها ضد‬

‫الغزو الذي استمر لمدة سبعة قرون بال انقطاع لغاية تكوين إمبراطورية مترامية األرجاء ذات مساحة‬

‫ضخمة‪ .‬شكل عدم قدرة الروس العيش في دولة صغيرة المساحة أحد الثوابت األساسية‪ ،‬التي عبرت‬

‫قرونا وأنظمة و ال تزال تؤثر على تحديد الفضاء الروسي من قبل النخبة السياسية والعسكرية‪ .‬فإلى‬

‫جانب ذلك‪ ،‬و بالعودة إلى مراحل تكوين اإلمبراطورية‪ ،‬تبرز خاصية أخرى متمثلة في العالقة‬

‫الوطيدة بين الكنيسة األرثوذكسية و السلطة السياسة في روسيا‪ ،‬والتي استمرت عبر العصور لتصبح‬

‫أهم دعائم الثقافة الروسية و المشروع األوراسي‪ ،‬ومصد ار لبناء الروايات الوطنية‪ .‬لقد عمل إيفان‬

‫األول منذ اختياره أمي ار من قبل خانات المغول عام ‪ ،1328‬على جعل موسكو العاصمة الروحية‬
‫لألرثوذكسية بإيوائه كبير أسقفها بعد ف ارره من كييف‪ ،‬و منحه قطعة أرض كبيرة للكنسية األرثوذكسية‬

‫الروسية‪ .‬و بعد استقالل موسكو عن سلطة القسطنطينية عام ‪ ،1448‬تم اإلعالن عن مشروع‬

‫سياسي طموح مفاده تحويل موسكو إلى روما الثالثة بعد سقوط القسطنطية عام ‪ ،1453‬و تنصيب‬

‫إيفان الرابع لنفسه أول قيصر لروسيا عام ‪ ،1547‬مقدسا بذلك األرض الروسية في األذهان بعد‬

‫إعالنه لفكرة "روسيا المقدسة "‪ ،‬و "روسيا األم" التي استخدمها القياصرة فيما بعد في جذب التأييد‬

‫الشعبي لهم‪ ،‬ولتوسعاتهم خارج األراضي الروسية‪ ،7‬وانعكس الوعي بأن لروسيا مصير نوعي في‬

‫الرغبة في الحصول على شكل من أشكال السلطة الدولية المجسدة من خالل توحيد المسيحيين‬

‫األرثوذكس السالف في العصر الحديث ‪ ،‬وفيما بعد من خالل اإليديولوجية الشيوعية التي جعلت‬

‫من موسكو" روما الرابعة"‪.8‬‬

‫استمر التوسع الروسي‪ ،‬الذي اتخذ في البداية طابعا أمنيا بإنشاء المناطق العازلة عند تكوين‬

‫الجزء األسيوي لإلمبراطورية قبل جزئها األوربي والشرق األوسطي‪ ،‬ليأخذ طابعا سياسيا استعماري‬

‫بعد وصول الروس إلى شواطئ المحيط الهادي قبل شواطئ بحر البلطيق في بداية القرن الثامن‬

‫عشر ‪ ،‬والبحر األسود في نهاية نفس القرن‪ .‬و بعد غزو كازاخستان وأسيا الوسطى في القرن التاسع‬

‫عشر تم االنتهاء من عملية بناء اإلمبراطورية‪ 9.‬و تغيرت األولويات خالل الفترة الثانية من التوسع‬

‫(في عهد القياصرة)‪ ،‬و برزت الحاجة الملحة للوصول للمياه الدافئة لمواجهة المشاكل االقتصادية‬

‫التي تعترض اإلمبراطورية داخليا‪ ،‬وتحولت هذه الحاجة إلى أسطورة استخدمتها روسيا كلما أرادت‬

‫توسيع ن فوذها جنوبا‪ ،‬خالل القرن التاسع عشر والعشرين‪ ،‬مما دفع ببعض المختصين إلى اعتبارها‬

‫بأنها وهم وأمل كاذب بدال من مشروع سياسي ملموس‪ .10‬كما ظهر خالل هذه المرحلة زيادة حدة‬
‫الصراع بين تياريين ثقافيين ‪ ،‬وبالتحديد أثناء القرن التاسع عشر‪ ،‬من جهة دعاة التغريب المدافعين‬

‫عن الثقافة الغربية‪ ،‬ودعاة الترويس المدافعين عن الثقافة األسيوية كما سبق اإلشارة إليه خالل‬

‫المحاضرات األولى‪ .‬بالرغم من أن هذا الصراع ال زم دوما التاريخ الروسي‪ ،‬الذي تأرجح بين هذين‬

‫التيارين‪ ،‬فالمؤرخون الروس يختلفون حتى حول أصل روسيا فهناك من يردها إلى قبائل الشمال‬

‫‪" peuple nordique‬فايكينج" الشرق‪ ،‬الذين اتبعوا في غزواتهم طريق البلطيق‪-‬البحر األسود‪،‬‬

‫وأسسوا بذلك أول دولة روسية انطالقا من مدينة نوفجورود وكييف عام ‪860‬م ‪ ،‬بينما يرجعها آخرون‬

‫إلى قبائل الهون التركية األسيوية التي هاجرت إلى أوربا‪.‬‬

‫إن الطبيعة االستعمارية لإلمبراطورية الروسية التي يعتبرها بعض المحللين الغربيين من أهم‬

‫سمات الثابتة لروسيا تاريخيا ‪ ،‬والتي كانت تتماشى في الواقع مع التوجهات االستعمارية السائدة‬

‫في القرن التاسع عشر‪ ،‬لذلك يعتبر هؤالء أن انهيار االتحاد السوفيتي هو أخر مرحلة للموجة‬

‫التحررية التي عرفها العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية‪ ،‬هذا ما يرفضه المختصون الروس و‬

‫يعتبرون أن اإلمبراطورية الروسية على خالف اإلمبراطوريات األوربية األخرى كانت إمبراطورية‬

‫قارية الحجم ‪ ،‬فروسيا لم تشارك على نطاق واسع في تقسيم إفريقيا‪ ،‬أو األمريكيتين أو الشرق األوسط‬

‫أو آسيا بل كانت تتمدد لضم األراضي المجاورة لها التي يتم النظر إليها في كثير من األحيان على‬

‫العالقة بين المركز(اإلمبراطورية ) والمحيط (‬ ‫أنها أراضي روسية‪ ، 11‬مما أثر على طبيعة‬

‫المستعمرات ) وحسب كورتونوف ‪ KortounovS.‬أحد المختصين الروس " لم تستفيد روسيا‬

‫بتحسين المستوى المعيشي لسكانها على حساب بقية الشعوب األخرى ‪ ،‬وال بتشكيل طبقة متوسطة‬

‫‪ ..‬وان الشعب الروسي لم يحض بمعاملة خاصة مقارنة بالشعوب التي يقال عنها مستعمرة و الدليل‬
‫عن ذلك عدد الضحايا الروس الذي استلزم لبناء اإلمبراطورية ‪ ...‬كما أن هذا االستعمار المزعوم‬

‫لم يستهدف الشعوب األقل تطو ار مثلما فعلته اإلمبراطوريات التقليدية األوربية "‪ ،‬وهذا ما يفسر‬

‫الرغبة الروسية في استعادة ما ضاع منها بعد ‪.1991‬‬

‫‪ -‬المحددات الطبيعية و االقتصادية‬

‫تزخر روسيا إلى جانب ضخامة اإلقليم الموروث تاريخيا بمجموعة هائلة من المؤهالت الطبيعية‬

‫واالقتصادية التي جعلتها توصف في السنوات األخيرة كقوة عظمى في هذا المجال‪.‬‬

‫‪-1‬الموقع الجغرافي‬

‫تعد روسيا أكبر دولة من حيث المساحة في العالم إذ تبلغ ‪ 17.075.400‬كم‪ ،2‬وهي تقريبا‬

‫ضعف مساحة كندا ثاني دولة تليها مباشرة‪ ،‬وبعدد سكان قدر في جانفي ‪ 2015‬ب‪ 146.5‬مليون‬

‫بعد ضم شبه جزيرة القرم مع بقاء أكثر من ‪ 50‬مليون يتحدثون اللغة الروسية خارج أراضيها‪ .‬يبلغ‬

‫طول البالد من الشمال إلى الجنوب أكثر من ‪ 4000‬كم‪ ،‬ومن الغرب إلى الشرق ‪ 10.000‬كم‪،‬‬

‫حيث تستغرق رحلة بالقطار من موسكو غربا إلى ميناء فالديفوستوك في الشرق سبعة أيام تمر‬

‫خاللها عبر ‪ 8‬حزم ساعية‪ .‬وتتطابق حدود روسيا االتحادية على امتداد كبير مع حدود االتحاد‬

‫السوفيتي‪ ،‬فيحدها من الشمال الغربي النرويج و فلنداه‪ ،‬ومن الغرب جمهوريات استونيا والتفيا‬

‫وبيال روسيا‪ ،‬وتحد جمهورية بولونيا مقاطعة كالينجراد ‪ .‬و تحدها من الجنوب الغربي جمهورية‬

‫أوكرانيا‪ ،‬وفي القوقاز تحدها جمهوريتا جورجيا وأذربيجان‪ ،‬وفي سيبريا تحدها جمهورية كازاخستان‪،‬‬

‫ومن تم نحو الشرق والجنوب الشرقي جمهورية الصين ومنغوليا‪ ،‬وفي الشرق يحدها الجزء األخير‬

‫من الحدود البرية لجمهورية كوريا‪ ،‬فضال عن أنها تجاور قارة أمريكا عبر مضيق بيرينج وأالسكا‬
‫وجزر الألليوشن‪ .12‬وتشكل كثلة قارية موحدة باستثناء كالينغراد التي تعد أبعد نقطة المعزولة عن‬

‫األراضي الروسية‪.‬‬

‫و يقع الجزء األكبر من األراضي فيما بين دائرتي عرض‪ 50‬و‪ 70‬شماال ‪ .‬وبالتالي ‪ 20‬من‬

‫األراضي الروسية يقع داخل الدائرة القطبية الشمالية‪ ،‬وهذا ما يسمح مقارنتها جغرافيا مع كندا وليس‬

‫الواليات المتحدة األمريكية وأوربا الغربية‪ .‬كم ايسمح التمعن في الخريطة الروسية معرفة أن موقعها‬

‫قاري بما ينطوي عليه من أسباب القوة والضعف‪ ،‬وصحيح كونه موقعا منيعا يتيح لها مزايا إستراتيجية‬

‫ال يستهان بها إال أنه ليس بالموقع الجغرافي المثالي من حيث السيطرة وبسط النفوذ ‪ ،‬فبالرغم من‬

‫احتفاظ روسيا بجميع الموانئ البحرية التي كانت لدى االتحاد السوفيتي غير أنه هناك صعوبة‬

‫للوصول إلى البحار والمحيطات مقارنة بالدول األوربية التي ال يكاد أي جزء منها يبعد ‪ 400‬ميل‬

‫كأقصى حد ‪ ،‬أما في روسيا فالمحيط المتجمد الشمالي بعيد عن‬ ‫بحري عن المراكز السكانية‬

‫المراكز السكانية وعدد قليل من المنافذ البحرية المتواجدة معظمها غير صالحة لالستعمال في فصل‬

‫الشتاء‪ ،‬ويقدر األخصائيون الروس أن ‪ 91‬بالمئة من اإلقليم الروسي و‪ 88‬من السكان متواجدون‬

‫في مناطق تبعد بأكثر من‪ 500‬كم عن بحر خالي من الجليد ألقل من شهر في السنة ‪ ،‬وأن ‪67‬‬

‫بالمائة من اإلقليم و‪ 40‬من السكان متواجدون على بعد ‪1000‬كم من البحر ‪.13‬‬

‫‪ -2‬المناخ‬

‫أدى الموقع الشمالي إلى اشتهار روسيا بشتاء طويل و قارص ‪ ،‬ساعد على صد األعداء(جيوش‬

‫نابليون في ‪ ،1812‬وهتلر في ‪ ،)1941‬أبرد منطقة تقع شمال شرق سيبيريا بمعدل يصل إلى ‪46‬‬

‫درجة تحت الصفر سنويا‪ .‬وتصل درجة الح اررة في مدينة في فيركواسانك ‪ 68 Verkhoisank‬درجة‬
‫تحت الصفر ‪ .‬تؤثر درجة الح اررة المنخفضة سلبا على المحاصيل الزراعية الضئيلة بسبب فترة‬

‫النمو القصيرة ‪ .‬لقد تضررت محاصيل القمح لعام ‪ 2011-2010‬وبلغت ما يقدر ب‪ 1.7‬م من‬

‫كما يؤثر المناخ سلبا على النقل عبر‬ ‫‪14‬‬


‫المبادالت العالمية مقابل ‪ 10.1‬م عام ‪.2012-2011‬‬

‫األنهار ‪ transport fluvial‬الذي يعد أقل تكلفة من النقل القاري بسبب تجمد األنهار لمدة تفوق‬

‫أربعة أشهر في السنة‪ ،‬فضال أن األنهار في روسيا تصب نحو الشمال والبحار المتجمدة فهي‬

‫ليست مفيدة لحاجات النقل القاري شرق ‪-‬غرب‪ .‬ويبقى باطن األرض السطح السفلي لألرض متجمد‬

‫في المناطق الجنوبية المحاذية للمناطق الشمالية وعلى عمق العديد من األمتار مما يؤدي إلى انزالق‬

‫التربة وصعوبة إقامة أي بناءات التي يجب أن تقام على ركائز متينة ‪.‬‬

‫أما في الجنوب فيشبه مناخ روسيا‪ ،‬مناخ صحاري آسيا الوسطى وتركيا ذات الصيف الجاف‪،‬‬

‫فهو أقل تأثر بالرطوبة القادمة من الغرب‪ ،‬وتبقى بالرغم من ذلك روسيا االستوائية ذات قدرات‬

‫زراعية عالية بسبب الفترة القصيرة من الجليد‪ ،‬مما يسمح للنباتات بالنمو‪ .‬كما تتميز التربة في‬

‫هذه المنطقة بالخصوبة العالية جدا غير أن نسبة التساقط تبقى محدودة ‪.‬‬

‫‪ -3‬التضاريس‬

‫أدى تقليص مساحة روسيا إلى فقدانها جزء من التنوع الطبيعي الذي كان يزخر به االتحاد‬

‫السوفيتي‪ ،‬فالمناطق االستوائية الجنوبية بتأثيراتها الجافة والرطبة‪ ،‬دول البلطيق ‪ ،‬قوس جبال‬

‫الكربات‪ ،‬شبه جزيرة القرم التي تم استعادتها‪ ،‬ممر القوقاز الجنوبي‪ .‬بالرغم من ذلك تمتلك روسيا‬

‫تضاريس متنوعة‪ ،‬قسَّم الجيولوجيون روسيا إلى خمسة أقاليم تضاريسية‪ ،‬و نجد من الغرب إلى‬

‫ازدحاما بالسكان‬
‫ً‬ ‫يكون الجزء األعظم من روسيا األوروبية وأكثر أجزائها‬
‫الشرق السهل األوروبي‪ّ :‬‬
‫على الرغم من افتقاره للموارد الطبيعية‪ ،‬فإن اإلقليم يحتوي على معظم الصناعات الروسية‪ .‬ويحيط‬

‫بالسهل من الجنوب ما بين البحر األسود وبحر قزوين سلسلة جبال الهيمااليا (جبال القوقاز)‪ ،‬حيث‬

‫يوجد جبل إلبروس‪ ،‬أعلى قمة في القارة األوروبية (‪5642‬م فوق سطح البحر)‪ .‬و جبال األورال‪:‬‬

‫تشكل الحدود التقليدية بين قارتي آسيا وأوروبا ومن ثم بين روسيا األوروبية وروسيا اآلسيوية‪ ،‬وهي‬

‫في الحقيقة مرتفعات يصل معدل ارتفاعها إلى ‪610‬م‪ ،‬وأجزاؤها الوسطى والجنوبية غنية بمعادن‬

‫ازدحاما بالسكان والصناعات المختلفة‪.‬‬


‫ً‬ ‫مثل الحديد والنحاس‪ ،‬جعلت الجزء األوسط منه أكثر مناطقها‬

‫عد من أبرز األقاليم المنبسطة السطح في العالم‪ ،‬ويغطي أكثر من ‪2,6‬‬


‫أما سهل سيبريا الغربية‪ُ :‬ي ّ‬

‫كبير بسبب ثروته من النفط والغاز الطبيعي‪ .‬ومن أهم مدنه أومسك‬
‫تطور ًا‬
‫ًا‬ ‫مليون كم‪ ²‬ويشهد اإلقليم‬

‫ونفوز يبيرس ك ما نجد هضبة سيبريا الوسطى‪ :‬وتنحدر نحو المحيط القطبي الشمالي‪ ،‬وترتفع كلما‬

‫جنوبا ويصل معدل ارتفاعها إلى ‪610‬م‪ ،‬وتخترق سطحها أنهار عميقة‪ ،‬نجد نهر الفولغا‬
‫ً‬ ‫اتجهنا‬

‫أطول انهار أوربا وأغررها بطول يبلغ ‪ 3685‬كم‪ ،‬وبحيرة بيكال أعمق بحيرة في العالم‪ ،‬يبلغ عمقها‬

‫‪ 1620‬م‪ ،‬وتشكل أكبر احتياطي من المياه العذبة ‪ .‬في حين أن مرتفعات سيبريا الشرقية‪ :‬معظمها‬

‫تتكون من جبال وهضاب مقفرة‪ .‬ويمنع المناخ القاسي الذي يسود المنطقة من استغالل الثروات‬

‫المعدنية التي يزخر بها اإلقليم ومن أهم مدنه‪ :‬فالديفوستك وخباروفسك‪.15‬‬

‫الموارد الطبيعية‬

‫يتميز االقتصاد الروسي بأهمية موارده الطبيعية خاصة الطاقوية‪ .‬فهويحتل المرتبة الثانية‬

‫عالميا في إنتاج البترول والغاز (‪ 10%‬من اإلنتاج العالمي للبترول و ‪ %30‬للغاز)‪ .‬وتحتكم‬

‫روسيا على أكبر احتياطي من الغاز في العالم قدر ب ‪ %32‬وثامن احتياطي من البترول ب‪42‬‬
‫‪%‬من المخزون العالمي ‪ .‬وهي السادسة من حيث انتاج الفحم‪ ،‬و ثالث أكبر منتج من الكهرباء‬

‫النووية وخامس من الكهرباء المائية‪ .16‬كانت روسيا أول بلد يطور الطاقة النووية المدنية‪ ،‬ويشيد‬

‫أول محطة للطاقة النووية في العالم‪ ،‬وهي حاليا رابع أكبر منتج للطاقة النووية عالميا‪ .‬كل ذلك‬

‫يجعلها تحتل المرتبة الثانية كأكبر منتج ‪ ،‬والثالثةكأكبر مستهالك‪ .‬ويضمن قطاع الطاقة ‪1/4‬الربع‬

‫من الناتج المحلي اإلجمالي لروسيا وثلث اإلنتاج الصناعي‪ ،‬وأكثر من نصف مداخيل الميزانية‬

‫الفيدرالية و‪% 45‬من العملة األجنبية ‪.17‬‬

‫تزخر روسيا إلى جانب موارد الطاقة بكميات هائلة من المعادن التي تستخدم في اإلنتاج‬

‫الصناعي‪ ،‬فتحتل الصدارة في إنتاج النيكل والبالديوم في العالم‪ ،‬بنسبة ‪ %20‬و‪ %75‬من اإلنتاج‬

‫العالمي على الترتيب‪ ،‬والمتواجد في سيبيريا الشرقية و في جزيرة "لوال" قرب مورمانسك‪ .‬وتصنف‬

‫كاربع منتج للبالتين‪ ،‬و من بين العشرة األوائل من منتجي النحاس في العالم‪ ،‬و تحتل المرتبة‬

‫الثانية عالميا في إنتاج الذهب ‪ ،‬و حققت أكبر احتياطي منه عام ‪ .2005‬أما فيما يخص الحديد‬

‫والصلب فحافظت روسيا على مرتبتها الخامسة كأكبر منتج في العالم و رابع مصد ار له عام ‪2016‬‬

‫حسب التقرير الذي أعده خبراء وكالة التصنيف العالمي "ريا ريتينغ" نقالً عن بيانات اتحاد "وولد‬

‫‪ .‬كما تحتكم روسيا‬ ‫‪18‬‬


‫ستريت" أي ما يقارب ‪ 105‬مليون طن سنويا و ‪ %17‬من اإلنتاج العالمي‬

‫على ربع احتياطي الخشب في العالم ‪.‬فهي أول دولة مصدرة له‪.‬‬

‫و يبقى االقتصاد الروسي ذا طابع ريعي بالرغم من كل هذه الثروات يتأثر بتدهور أسعار‬

‫النفط التي تعرف تذبذب مستمر‪ .‬فلقد أدى انخفاضها منذ ‪ ،2015‬إضافة إلى العقوبات االقتصادية‬

‫المفروضة من قبل الواليات المتحدة األمريكية وأوربا نتيجة األزمة األوكرانية‪ ،‬إلى انكماش االقتصاد‬
‫‪19‬‬
‫الروسي قدر ب‪% 3.7‬عام ‪ 2015‬حسب وكالة اإلحصاء الفيدرالي الروسي روستات‪.Rosstat‬‬

‫كما يعاني االقتصاد الروسي من ضعف االستثمارات األجنبية المباشرة وذلك بسبب غياب المحيط‬

‫المالئم‪ ،‬وتفشي الرشوة وغياب الشفافية‪ ،‬حيث احتلت روسيا المرتبة ‪ 136‬من بين ‪ 174‬دولة في‬

‫الترتيب الذي قامت به منظمة "ترانسبرانسي" الدولية ‪ ))Transparency international‬في‬

‫‪ .2015‬زيادة إلى عدم االستقرار التشريع القانوني حول الملكية الخاصة‪ ،‬وكذا تخلف البنية التحتية‬

‫المصرفية وتبعيتها للبنوك األجنبية الكبيرة‪ ،‬و التي تستند على كبريات الشركات الطاقوية وزيادة‬

‫ا لفجوة بين فئات المجتمع‪ ،‬وتدهور أحوال المعيشة الذي تولد عنه انخفاض مستمر في عدد السكان‬

‫‪20‬‬
‫بلغ ‪ 800.000‬شخص سنويا منذ ‪ 1990‬إلى غاية ‪.2008‬‬

‫وتختلف اآلراء حول قوة االقتصاد الروسي أو هشاشته‪ ،‬خاصة بعد العقوبات االقتصادية التي‬

‫تم اإلشارة إليها سابقا‪،‬و انهيار أ سعار البترول‪ .‬إال أن وكالة األنباء األمريكية بلو مبرغ اعتبرت أن‬

‫هذا االنهيار في األسعار كان ايجابيا على بعض القطاعات االقتصادية‪ ،‬حيث أن مساهمة القطاع‬

‫الزراعي في الناتج المحلي اإلجمالي ارتفع بنسبة ‪ %4.4‬منذ ‪ 2003‬في ‪ ،2016‬وأن نسبة التضخم‬

‫انخفضت إلى ‪ %7.3‬مقابل ‪ %16.9‬في مارس ‪ 2015‬وهذا يعد رقم قياسي خالل ‪13‬سنة األخيرة‪.‬‬

‫كما انتعشت بعض الصناعات خاصة الكيميائية والغذائية والسياحة الداخلية‪ .‬غير أن ذلك يبقى غير‬

‫كاف من أجل لعب دو ار الريادي الذي تطمح له روسيا على مستوى الدولي وعلى هذا األساس بدأ‬

‫نقاش يدور في الكرملين بين تيارين اقتصاديين حول النموذج االقتصادي‪ ،‬الذي يجب إتباعه أو‬

‫ابتكاره‪ ،‬خاصة بعد مالحظة الزيادة الكبيرة من تدخل الدولة في المجال االقتصادي لمساندة‬

‫القطاعات األكثر تضر ار من األزمة في انتظار ارتفاع أسعار البترول‪ .‬وهذا ما يعارضه التيار‬
‫الليبرالي بزعامة وزير المالية السابق الكسندر كودرين‪ ،Alexeï Koudrine‬في مواجهة التيار الثاني‬

‫المنادي بإحياء وبعث للسياسة االقتصادية‪.21‬‬

‫المحددات السياسية‬

‫ساهمت عناصر السياسة الداخلية بشكل بارز في صياغة التصورات الجيوسياسيىة في‬

‫الحقبة السوفيتية والمرحلة التي تلتها مباشرة بعد انهيار االتحاد السوفيتي‪ .‬فبدت السياسة الخارجية‬

‫الروسية بالنسبة للعديد من المحللين والمختصين غير منسجمة وفعالة في غياب إجماع حول‬

‫تصور متجانس للمصلحة الوطنية بسب الصراعات العديدة بين القوى الداخلية ذات المصالح‬

‫والرؤى المختلفة‪ ،‬فشكلت إذن السياسة الداخلية مصد ار للسلوك الدولي لروسيا‪ ،‬ومن جهة أخرى‬

‫معارضة له‪.22‬‬

‫بوصول فالديمير بوتين تراجع مدى تأثير السياسة الداخلية على السياسة الخارجية لروسيا‬

‫من خالل قيامه بعمليتين متوازيتين‪ :‬من جهة تقوية الدولة الروسية باستقالليتها تجاه بقية الفواعل‬

‫الداخلية األخرى‪ ،‬ومن جهة أخرى تركيز السلطة السياسية في يد الكرملين‪ .‬وقد نجح بوتين في‬

‫ذلك إلى حد ما مما دفع بالمختصين بالتعليق عن ذلك" أصبحت موسكو تسير شؤونها الخارجية‬

‫بأكثر مركزية‪ ،‬تنسيق‪ ،‬واحترافية من أي وقت مضى ‪...‬فالحكومة الروسية تتحدث بصوت واحد‬
‫‪ ،....‬والتناقضات المنطقية الظاهرة ‪ ...‬هي نتاج سياسة متعمدة وليس صراع وفوضى‬

‫‪.‬‬ ‫‪23‬‬
‫البيروقراطية "‬

‫كما يمكن تفسير هذا التراجع باإلجماع الذي حدث فترة حكم بوتين ومدفيدف ‪D.‬‬

‫‪Medvedev‬حول الهدف األسمى للسياسة الخارجية‪ ،‬و المتمثل في الحفاظ على مكانة روسيا‬

‫الدولية كقوى عظمى و الحفاظ أيضا على مناطق نفوذها السيما في دول االتحاد السوفيتي سابقا‪،‬‬

‫بعد اعتراف كامل النخبة في روسيا في السنوات األخيرة من حكم بوريس يلتسين أن االندماج مع‬

‫الغرب ومؤسساته مستحيل وغير مرغوب فيه في نفس الوقت على المدى القصير والمتوسط‪ .‬كما‬

‫يمكن إرجاعه إلى العقد االجتماعي الذي تم بين السلطة واألفراد والذي يعطي األولوية لحماية‬

‫الدولة من االنهيار وحالة الفوضى‪ ،‬وترى ليليا شيفتسوقا‪ " Lilia Shevtsova‬أن اإلجماع ناجم‬

‫عن عقد اجتماعي غير رسمي بين السلطة واألفراد مفاده لكم اختيار طرائق الحكم ولكن يجب‬

‫توفير لنا عيش كريم"‪.24‬‬

‫أوال ‪ -‬تعزيز سيطرة السلطة على المؤسسات السياسية للدولة‬

‫لم يتعرض الدستور الروسي إلى التعديالت منذ ‪ 1993‬بسبب احتكام خلفاء بوريس يلتسين‬

‫على األغلبية في الغرفتين‪ ،‬فالتعديل الوحيد يعود إلى ‪ 8‬ديسمبر ‪ 2008‬والذي يتعلق بمدة‬

‫العهدة الرئاسية والتي انتقلت من ‪4‬الى ‪ 6‬سنوات والعهدة البرلمانية التي تم تمديدها إلى من ‪ 4‬إلى‬

‫خمسة سنوات‪ .‬و ينص الدستور بأن روسيا تعد دولة فيدرالية ديمقراطية ذات نظام جمهوري‪ ،‬وفق‬

‫الدستور الروسي لعام ‪ 1993‬وتتكون من ‪ 89‬وحدة موزعة كاألتي‪ 21 :‬جمهورية‪ ،‬و‪6‬‬


‫مقاطعات‪ ،‬و‪ 49‬إقليما واثنتان من المدن الفيدرالية (هي موسكو‪ ،‬وسان بطرسبورغ) واقليم واحد‬

‫ذو حكم ذاتي (اإلقليم اليهودي)‪ ،‬وعشر مناطق ذات حكم ذاتي‪.‬‬

‫لروسيا عملة واحدة هي الروبل‪ ،‬وعاصمة واحدة هي موسكو‪ ،‬ولغة رسمية واحدة هي‬

‫الروسية وان كان من حق الجمهوريات المكونة لها أن تستخدم لغتها المحلية إلى جانب اللغة‬

‫الروسية وهي أيضا دولة علمانية حيث ال يوجد دين رسمي للدولة‪.‬‬

‫وتنفرد الحكومة المركزية في موسكو (الفدرالية) ببعض المهام نذكر منها – األمور الخاصة‬

‫بالتجارة الخارجية – رسم سياسة الخارجية للدولة وتوقيع المعاهدات وأمور الحرب والسلم‪– .‬‬

‫األمور الخاصة بالدفاع واألمن القومي واإلنتاج الحربي وبيع األسلحة والمعدات العسكرية‪– .‬‬

‫األمور المتعلقة بالدفاع عن حدود الدولة واقليمها البري‪ ،‬البحري والجوي‪ – .‬األمور الخاصة‬

‫بالطاقة النووية واألنشطة‪.‬‬

‫يقوم النظام السياسي الروسي على مبدأ فصل السلطات وفقاً للدستور الروسي الذي يؤكد‬

‫على أن يقوم رئيس الجمهورية بدور رئيس الدولة وسيتم انتخابه باالقتراع الشعبي المباشر ضمن‬

‫نظام التعددية الحزبية‪ ،‬ويتضمن سلطة تنفيذية يمثلها مجلس الوزراء‪ ،‬وسلطة تشريعية ممثلة‬

‫بالمجلس الفيدرالي الروسي الذي يتكون من‪ :‬المجلس الفدرالي‪ ،‬ومجلس الدوما‪ .‬إضافة إلى‬

‫هاتين السلطتين توجد السلطة القضائية التي تتمتع باالستقاللية عنهما‪.‬‬

‫تتمتع السلطة التنفيذية في روسيا بصالحيات واسعة حسب ما نص عليه دستور ‪1993‬‬

‫على حساب السلطة التشريعية فبإمكانها حل البرلمان في حالة رفضه ثالثة اقتراحات متتالية‬

‫للمرشح لمنصب الرئاسة من قبل رئيس الجمهورية‪ ،‬ويمكن البرلمان أن يصوت على عدم الثقة‬
‫تجاه الحكومة‪ ،‬ولكن في حالة تكرار هذا اإلجراء ثالث مرات في مدة ثالثة أشهر فيمكن الرئيس‬

‫حل البرلمان‪ ،‬ومن أجل تفادي اللجوء المفرط لحل البرلمان فإنه تم منع حل البرلمان في فترة ما‬

‫قبل وبعد االنتخابات التشريعية والرئاسية‪ ،‬وخالل السنة األولى من تأدية مهامه‪.‬‬

‫كما منح الدستور رئيس الدولة بالتدخل في جميع ميادين الحياة السياسية من خالل المراسيم‬

‫الرئاسية التي لها قوة القانون وبالتالي يمكن للسلطة التنفيذية التشريع دون مصادقة البرلمان‪.25‬‬

‫أما السلطة القضائية بعد نهاية العهدة األولى للرئيس يلتسين‪ ،‬تمت المصادقة على قانون‬

‫عقوبات جديد‪ ،‬لكن العدالة بقيت غير قادرة على معاقبة المجرمين الكبار‪ .‬فيما سبق كان‬

‫عجزها مبرر بغياب تشريع حول الجريمة المنظمة والذي يمنع بمتابعة المتورطين الحقيقيين‪.‬‬

‫فالمباالة النظام القضائي بمحاكمة االبتزاز اإلجرامي المرتكب من قبل الجنود الروس في الشيشان‬

‫يوضح خضوع السلطة القضائية لألولويات السياسية‪.‬‬

‫ونتيجة الضغوطات الدولية تم إدانة قائد روسي في قضية اغتصاب وقتل فتاة شيشانية كما يتضح‬

‫خضوع السلطة القضائية للسلطة التنفيذية في العديد من القضايا األخرى أشهرها قضية "يوكوس "‬

‫‪Ioukos‬التي أدت إلى إدانة "ميخائيل خودوكورفسكي‪ ،" Mikhaïl Khodokorvsky‬وقضية‬

‫فالونتين "دانيلوف " ‪ Valentin Danilov‬المتهم في قضية جوسسة بالرغم من عدم ثبوت األدلة‬

‫أثناء المحاكمة األولى إال أنه تمت إدانته ب‪ 14‬سنة حبس بعد إعادة محاكمته‪.26‬‬

‫‪ -1‬األحزاب السياسية‪ ،‬تصلب القواعد المتعلقة بالمنافسة االنتخابية‪ ،‬و تزايد قوة حزب‬

‫السلطة ‪:‬‬

‫أ‪-‬األحزاب السياسية‬
‫تعد التعددية الحزبية حقيقة أقرها الدستور الروسي غير أن العديد من المختصين يؤكدون‬

‫على أن الديمقراطية في روسيا موجهة‪ ،‬و وضع أساسها الرئيس الروسيالسابق بوريسيلتسين‪،‬‬

‫ورسخها فالديمير بوتين‪ .‬ويختلف هؤالء في تقيمهم لها فهناك من يرى أنها مرحلة انتقالية وتشكل‬

‫حلقة وسطى بين النموذج السوفيتي إلى المجتمع المدني‪ ،‬في حين يرها آخرون أنها تعني االنتقال‬

‫من الليبرالية إلى النظام الشمولي‪.27‬‬

‫لقد رفض فالديسالف سوركوف ‪ Vladislave Sourkov‬نائب رئيس اإلدارة الرئاسية هذا‬

‫المصطلح وفضل مكانه " الديمقراطية السيادية "التي تهدف إلى تقوية الدولة الروسية المهددة‬

‫بالتفكك واالنحالل الداخلي والتي تدافع عن استقالل ومصالح الدولة‪،‬وغير المفروضة من الخارج (‬

‫أيمن الغرب)‪ .28‬فالفواعل المؤسساتية والسياسية للديمقراطية موجودة في روسيا غير أنها التصل‬

‫إلى المنصة وتحضر كمتفرج للعبة السياسية الكبرى‪ ،‬وسنذكر هنا أهم األحزاب الممثلة في‬

‫البرلمان ويبلغ عددها أربعة أحزاب فيمايلي وأهم توجهاتها‪:‬‬

‫‪-‬حزب "روسيا الموحدة" ‪ :29‬تأسس حزب "روسيا الموحدة" في العام ‪ ،2001‬وهو مازال‬

‫منذ ذلك الوقت يحتل مركز الصدارة على الساحة السياسية الداخلية في روسيا وتأسس الحزب يوم‬

‫‪ 1‬ديسمبر العام ‪ 2001‬بتوحيد حركتي "الوحدة"الذي كان يتزعمها "سيرجي شويغو ‪" Sergueï‬‬

‫‪ ،Choïgou‬الذي يمثل الوجه اإلنساني لروسيا في النزاع الشيشاني و"الوطن‪ -‬روسيا كلها" بزعامة‬

‫رئيس بلدية موسكو "يوري لوجكوف‪" Iouri Loujkov‬و"يفغنيني بريماكوف ‪" Ievgueni‬‬

‫‪ Primakov‬رئيس الوزراء السابق‪ .‬فاز الحزب بأغلبية المقاعد في مجلس الدوما الروسي خالل‬
‫انتخابات األعوام ‪ 2003‬و‪ 2007‬و‪ .2011‬وفي العام ‪ ،2012‬خاض فالديمير بوتين االنتخابات‬

‫الرئاسية كمرشح عن حزب روسيا الموحدة وفاز بها وفي االنتخابات التشريعية ل‪ 2016‬عاد بقوة‬

‫وتحصل على نسبة‪ .‬ب ‪ 343‬مقعدا وبحلول فبراير ‪ ،2008‬بلغ عدد أعضاء الحزب مليون‬

‫و‪ 800‬ألف شخص‪ ،‬ولدى "روسيا الموحدة" فروع في كافة أقاليم روسيا‪ ،‬ومكاتب في جميع المدن‬

‫والبلدات تقريبا‪.‬‬

‫ولقد قاد الحزب عند بداية ظهوره زعيم الحزب الحالي– رئيس الوزراء الروسي دميتري‬

‫مدفيديف ‪ D. Medvedev‬ويصف حزب "روسيا الموحدة" نفسه بأنه حزب وسطي ذو توجهات‬

‫اجتماعية محافظة وفي برنامجه االنتخابي‪ ،‬يؤكد الحزب سعيه للعمل مع كل مواطن روسي من‬

‫أجل مصلحة الوطن والدفاع عن مصالح روسيا القومية وتحديثها كدولة‪ .‬وأن برنامجه يتطابق مع‬

‫النهج االستراتيجي الذي يمارسه الرئيس الروسي فالديمير بوتين‪ ،‬معيدا إلى األذهان أن الرئيس‬

‫اضطر إلخراج البالد من األزمة العميقة التي وقعت فيها بعد اإلصالحات الليبرالية في التسعينيات‬

‫من القرن الماضي وأزمة العام ‪ 1998‬االقتصادية‪ .‬ويقول الحزب إن هذا النهج يهدف إلى الحفاظ‬

‫على وحدة أراضي روسيا واستقاللها والى تطويرها لتصبح دولة عظمى ذات سيادة‪.‬‬

‫‪ -‬الحزب الشيوعي‪ (CPRF) :30‬قوة سياسية يسارية مسجلة لدى أجهزة السلطة في‬

‫روسيا‪ ،‬ويقدم نفسه قوة معارضة للسلطة‪ ،‬ووريثا للحزب الشيوعي السوفيتي‪ ،‬حيث‬

‫استطاع ولوج البرلمان الروسي واالحتفاظ بمراكز مرموقة فيه طيلة ستة أدوار تشريعية‬

‫منذ قيام روسيا االتحادية‪ .‬وفي انتخابات "الدوما" للدور التشريعي السادس والتي شهدتها‬
‫البالد شتاء ‪ ،2011‬حصد الحزب الشيوعي أصوات ‪ %20‬من الناخبين الروس‪،‬‬

‫ليشغل بذلك ‪ 92‬مقعدا نيابيا من أصل ‪ .450‬وتعد أعلى نسبة حققها منذ ‪ 1999‬أين‬

‫تحصل فيها على ‪ ،%24‬في حين حقق في االستحقاق األخير لسبتمبر ‪ 2016‬على‬

‫‪ %13.43‬أي ما يعادل ‪ 42‬مقعد محافظ على مرتبته كثاني قوة سياسية في روسيا‪.‬‬

‫ويضم الحزب الشيوعي الروسي الذي يقوده‪ .‬غينادي زيوغانوف ‪Guennadi‬‬

‫‪ Ziouganov‬منذ سنة ‪ 1993‬أكثر من ‪ 1,5‬مليون عضو في صفوفه‪ ،‬ويحظى بتمثيله‬

‫في أجهزة السلطة الفدرالية والمحلية في البالد‪.‬‬

‫وتتهم األحزاب الشيوعية األخرى زيوغانوف‪ G. Ziouganov‬بالتعاون مع الكرملين‪ .‬وهم‬

‫يقولون‪ ،‬أيضاً‪ ،‬إن برنامج الحزب الشيوعي لروسيا االتحادية قد عفا عنه الزمن لذلك لن يتمكن‬

‫من الوصول إلى السلطة‪ .‬وعموماً‪ ،‬تتألف األحزاب "الجديدة" من أعضاء سابقين في الحزب‬

‫الشيوعي لروسيا االتحادية الذين طالبوا باستقالة زيوغانوف‪ .‬ومن أجل احتواء الحزب الشيوعي‬

‫واضعافه تم إنشاء حزب روسيا العادلة في ‪ 28‬أكتوبر ‪ 2006‬باجتماع ثالثة أحزاب يسارية حزب‬

‫األمة‪ ،‬حزب المتقاعدين‪ ،‬الحـزب الروسي للحياة بقيــادة رئيس المجلس األعلـى للفيد ارل ـيـة سي ــرغي‬

‫ميرونوف ‪ SergueiiMironov‬و يوري موروزوف ‪ ، Yuri Morozov‬رئيس الحزب الشيوعي‬

‫الموحدة‪ .‬وهذه الحقيقة تعطي‬


‫للعدالة االجتماعية‪ ،‬كان عضواً في الحزب الحاكم‪ ،‬روسيا ّ‬

‫خصومه سبباً التهامه بارتباطه مع بوتين‪.31‬‬


‫‪-‬الحزب الديموقراطي الليبرالي‪ :‬تأسس الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي في الـ‪ 13‬من‬

‫ديسمبر ‪ 1989‬إبان االتحاد السوفيتي مستغال التعددية السياسية التي تمخضت في البالد عن‬

‫سياسة االنفتاح والتعددية‪ .‬أسس الحزب الوحيد المعارض للحزب الشيوعي السوفيتي آنذاك‬

‫"فالديمير جيرينوفسكي ‪" Vladimir Jirinovski‬الذي ال يزال يقوده حتى اليوم‪ ،‬ليتحول "الحزب‬

‫الليبرالي الديمقراطي السوفيتي" إلى قوة ديمقراطية معتدلة في روسيا‪ ،‬استطاعت خوض‬

‫االنتخابا ت البرلمانية الروسية والحصول على التمثيل النيابي في البالد خالل األدوار التشريعية‬

‫الستة التي شاهدتها روسيا منذ زوال االتحاد السوفيتي‪.‬‬

‫ورغم تسمية الحزب‪ ،‬ومناداته بالديمقراطية والليبرالية‪ ،‬يجمع الكثير من المراقبين على‬

‫انحرافه بعض الشيء عن نهجه المعلن‪ ،‬إذ يتمسك في مواجهة القضايا االجتماعية وتسويتها‬

‫بمبادئ التأميم والقومية‪ ،‬فيما يتبنى في خطواته العملية على الحلبة االقتصادية نظرية االقتصاد‬

‫المختلط‪ .‬كما يعكف الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي منذ تأسيسه على تقديم نفسه قوة سياسية‬

‫معارضة‪ ،‬استطاع زعيمها جيرينوفسكي ‪ V. Jirinovski‬شغل منصب نائب رئيس مجلس‬

‫"الدوما" في دوره التشريعي الثالث سنة ‪.322000‬‬

‫وفي انتخابات الدور التشريعي‪ 2011‬للـ"الدوما"‪ ،‬حصل على‪ %11,67‬واحتل الحزب المركز‬

‫الثالث ب‪ 56‬مقعدا تاركا أمامه حزب "روسيا الموحدة" الحاكم في المركز األول‪ ،‬والحزب‬

‫الشيوعي الروسي ثانيا ‪،‬كما احتل في االنتخابات التشريعية ‪ 2016‬المرتبة الثالثة ب‪ 39‬مقعدا‬

‫و‪. %13.24‬‬
‫‪-‬حزب روسيا العادلة‪ :‬عقد الحزب مؤتمره التأسيسي األول شتاء ‪ 2007‬في مدينة‬

‫بطرسبرغ عاصمة الشمال الروسي‪ ،‬لينضم إليه في مراحل الحقة نسق من القوى السياسية الوليدة‬

‫شاطرته نهجه وعشية االنتخابات البرلمانية الروسية في سبتمبر من العام ذاته‪ ،‬عقد الحزب مؤتمره‬

‫الثاني وأع لن في أعقابه عزمه على خوض انتخابات "الدوما" للدور التشريعي الخامس‪ ،‬استطاع‬

‫فيها الحصول على ‪% 7‬من أصوات الناخبين‪ ،‬مجتا از بذلك العتبة الدنيا لنيل التمثيل البرلماني‪،‬‬

‫ليصبح بذلك الحزب االشتراكي األول في "الدوما‪".‬‬

‫و أفلح الحزب في انتخابات الدور التشريعي السادس لمجلس "الدوما" خريف ‪،2011‬‬

‫"روسيا العادلة" مجددا في تخطي العتبة الدنيا لولوج البرلمان‪ ،‬حيث حصل على ‪ %13,24‬من‬

‫أصوات الناخبين ليشغل ‪ 64‬مقعدا نيابيا ويحتل المركز الثالث في "الدوما" تاركا المركزين األول‪،‬‬

‫لحزب "روسيا الموحدة" الحاكم‪ ،‬والثاني للحزب الشيوعي الروسي ‪ .33‬وفي االنتخابات البرلمانية‬

‫خريف سبتمبر ‪ 2016‬حصل الحزب على المركز الرابع ب‪ 32‬مقعد و ‪ %6.82‬من األصوات‪.‬‬

‫ومن بين المواقف التي تميز بها الحزب‪ ،‬دعمه المطلق لعودة شبه جزيرة القرم إلى قوام روسيا‬

‫االتحادية في مارس ‪ ،2014‬األمر الذي حمل االتحاد األوروبي‪ ،‬والواليات المتحدة وبلدانا أخرى‬

‫على إدراج زعيم الحزب سيرغي ميرونوف‪ Sergueï Mironov‬في قائمة العقوبات الغربية التي‬

‫تضم ثلّة من الشخصيات الرسمية والعامة الروسية‪.‬‬

‫كما أعلن الحزب ربيع ‪ 2014‬اعترافه بكل من جمهوريتي دونيتسك‪ ،‬ولوغانسك اللتين‬

‫استقلتا من جانب واحد بموجب استفتاء أجري ضمن حدودهما اإلدارية جنوب شرق أوكرانيا‪ ،‬كما‬
‫دعا أعضاء "روسيا العادلة" في الدائرة الفدرالية الجنوبية الروسية نظراءهم من دونيتسك ولوغاينسك‬

‫في أعقاب ذلك‪ ،‬إلى حضور مؤتمرهم العادي‪.‬‬

‫أسس هذا الحزب القومي المحافظ في عام ‪ ،2003‬وحمل‬ ‫‪34‬‬


‫‪-‬حزب "الوطن"‪( :‬رودينا)‬

‫في البداية اسم "اتحاد رودينا الشعبي الوطني"‪ ،‬علما بأن كلمة "رودينا" تعني "الوطن" باللغة‬

‫الروسية‪ .‬وتم حل الحزب في عام ‪ ،2006‬لكنه عاد إلى الساحة السياسية الروسية في عام‬

‫‪ ،2012‬وسجلته و ازرة العدل الروسية في ‪ 21‬ديسمبر من العام نفسه‪.‬منذ عام ‪ ،2012‬يترأس‬

‫‪Alexeï‬الذي كان نائبا في تشكيلة مجلس الدوما األخيرة‬ ‫ألكسي جورافلويف ‪Jouravlev‬‬

‫لهذا الحزب‪ .‬لكن مؤسس الحزب دميتري روغوزين‪ Rogozine Dmitri‬الذي يشغل في الوقت‬

‫الراهن منصب نائب رئيس الوزراء الروسي‪ ،‬مازال يعد الزعيم غير الرسمي لحزب "رودينا‪".‬‬

‫في بداية تاريخه‪ ،‬أعلن هذا الحزب أن توجهاته السياسية تتمثل في دعم مبادئ "القومية‬

‫المعتدلة"‪ ،‬والوطنية‪ ،‬باإلضافة إلى دعوته لتشديد الرقابة على الموارد الطبيعية‪ ،‬وزيادة نفوذ‬

‫الدولة في القطاع االقتصادي‪ ،‬وتوسيع النشاط السياسي الخارجي لروسيا‪ .‬وفي االنتخابات‬

‫البرلمانية عام ‪ ،2003‬نال الحزب ‪ %9‬من أصوات الناخبين‪ ،‬وحصل على ‪ 29‬مقعدا في‬

‫مجلس الدوما الذي يضم ‪ 450‬مقعدا‪ .‬وتحصل في االنتخابات البرلمانية ‪ 2016‬على مقعد واحد‪.‬‬

‫يظهر من خالل استعراض برامج األحزاب السياسية مهما كان انتماءها أنها تتقاسم مع‬

‫السلطة السياسية نظرتها إلى السياسة الخارجية ويظهر اإلجماع الذي سبق اإلشارة إليه‪ .‬كما يمكن‬
‫إرجاع هذا اإلجماع إلى ضعف المعارضة السياسية التي تم احتواءها من خالل العديد من‬

‫اإلجراءات والتي يمكن أن نذكر أهمها‪:‬‬

‫ب ‪ -‬تصلب القواعد المتعلقة بالمنافسة االنتخابية‬

‫لم يتغير التشريع المتعلق بانتخاب المجلس النيابي المتكون من‪450‬عضوا منذ ‪ 1993‬إلى‬

‫‪ .1999‬و يفترض أن نصف من المرشحين الحزبين والمستقلين يتم انتخابهم باالنتخاب الفردي‬

‫المباشر في الدوائر االنتخابية والنصف األخر عن طريق التمثيل النسبي (االنتخاب بالقائمة‬

‫الحزبية )فعلى األحزاب و الكتل الحزبية الحصول على ‪ %5‬من األصوات ليتم تمثيل الحزب في‬

‫البرلمان‪ .‬أما النسب الباقية التي تحصل عليها األحزاب الخاسرة فتوزع مقاعدها على األحزاب‬

‫الفائزة وفق النسبة المئوية التي يحصل عليها كل حزب‪.35‬‬

‫لقد انتقد هذا النظام االنتخابي ألنه ال يسمح بتشكيل األحزاب السياسية الكبرى على‬

‫المستوى الوطني‪ .‬فتم إدخال تعديالت مهمة منذ ماي ‪ 2005‬وتم تطبيقها في االنتخابات‬

‫التشريعية ‪ 2007‬و ‪ . 2011‬فالنمط االنتخابي المختلط عوض للنمط النسبي‪ .‬ومنح الحق في‬

‫تقديم قوائم المرش حين فقط لألحزاب السياسية وليس للتحالفات االنتخابية وتتم تحت لوائح حزبية‬

‫تخوض المعارك في كافة االنتخابات الرسمية وتم إلغاء االنتخابات بالقائمة الفردية التي تشجع‬

‫على االنتخابات المنفردة لشخصيات روسية مختلفة‪ .‬والحد الذي يجب الحصول عليه من قبل‬

‫‪.‬‬ ‫القوائم ليتم تمثيلها في الدوما انتقل من ‪ %5‬إلى ‪ %7‬من األصوات‬


‫‪36‬‬

‫كما أن إنشاء األحزاب السياسية أصبح أكثر صعوبة‪ .‬فمنذ ‪ 2001‬اشترط القانون أن يبلغ‬

‫عدد أعضاء الحزب السياسي على األقل ‪ 10000‬عضوا وأن تكون لديه في المقاطعات اإلقليمية‬
‫أكثر من ‪1000‬عضو على األقل في نصف مواضيع الفيدرالية (المناطق ) و‪ 50‬عضو قي بقية‬

‫مواضيع‪ .‬هذه الشروط تمت مضاعفتها خمسة مرات في عام ‪ 2004‬ليتم في ‪ 2009‬تخفيضها‬

‫حيث أصبح الحد األدنى من عدد أعضاء الحزب ‪ 40000‬عضو مقابل ‪ 50000‬في ‪.2004‬‬

‫لقد أدى هذا التغير إلى إضعاف األحزاب الليبرالية والديمقراطية كحزب لبلوكو ‪ Labloko‬واتحاد‬

‫القوى اليمينية )‪ (SPS‬اللذان حرما من التمثيل في الدوما بسبب النمط النسبي و نتج عن ذلك‬

‫في األخير إضعاف المنافسة الحزبية لصالح الحزب المهيمن حزب روسيا الموحدة‪.37‬‬

‫ونظ ار لالحتجاجات التي عرفتها روسيا خالل االنتخابات البرلمانية ‪ 2011‬وتراجع النتائج‬

‫المحصلة عليها من قبل الحزب الحاكم ‪ ،‬وفي ‪ 23‬مارس ‪ 2012‬عدل مجلس الدوما القانون‬

‫حول األحزاب السياسية بفتح اللعبة السياسية لتشكيالت سياسية جديدة والعودة إلى نظام االنتخابي‬

‫النسبي الذي يسمح بمشاركة أكبر عدد من األحزاب في مجلس الدوما‪ ،‬حيث يتم اختيار نصف‬

‫النواب (‪ 225‬شخصاً) وفق نظام القوائم الحزبية والنصف اآلخر وفق نظام مرشح واحد عن كل‬

‫دائرة‪ .‬والعودة إلى نسبة ‪ %5‬عوض ‪% 7‬من األصوات حتى يتمكن الحزب الحصول له على‬

‫تمثيل في البرلمان ‪.‬‬

‫كما شملت عملية االحتواء بالتيسير لألحزاب السياسية بالمشاركة في االستحقاقات بإلغاء‬

‫عملية جمع التواقيع لدى إجراء أية انتخابات‪ ،‬باستثناء االنتخابات الرئاسية التي تقضي بأن يجمع‬

‫الحزب غير البرلماني ‪ 100‬ألف توقيع تأييدا لمرشحه‪ .‬إضافة إلى تيسير الشروط الخاصة بتش‬

‫األحزاب السياسية وأنشطتها‪ .‬ويشترط بأن يبلغ تعداد أعضاء الحزب السياسي ما ال يقل عن‬

‫‪ 500‬عضو‪ .‬في حين أن القانون الذي كان سائد يقضي بأن ال يقل هذا العدد عن ‪ 40‬ألف‬
‫عضو‪ .‬و يلغي القانون الجديد الشروط الخاصة بالحد األدنى لعدد أعضاء الحزب في فروعه‬

‫اإلقليمية‪.38‬‬

‫ج)‪ -‬تزايد قوة حزب السلطة‪:‬‬

‫فاز حزب روسيا الموحدة منذ ‪ 2003‬إلى ‪ 2016‬في االنتخابات التشريعية والرئاسية كما سبق‬

‫االشارة إليه‪ .‬كما تم تحكم الحزب في المناطق عن طريق رؤوساء السلطات اإلقليمية‪ ،‬الذين‬

‫التحقوا في معظمهم بحزب الرئيس الذي أصبح المهيمن على الساحة السياسية وهذه الهيمنة‬

‫صاحبتها إضعاف للقوى المعارضة وانشاء بالمقابل أحزاب جديدة سياسية بمبادرة من الكرملين‬

‫مثل حزب رودينا )‪ (rodina‬ابتداء من ‪ 2006‬وحزب روسيا العادلة‪ .‬إن إنشاء هذه األحزاب‬

‫يستجيب بتأسيس معارضة معتدلة متصالحة مع النظام ‪.‬يتحكم الحزب الحاكم على جميع موارد‬

‫اإلدارة والتلفزيون العمومي‪ .‬كما هيمن الحزب من خالل انضمام المسؤولين السامين في الهيئة‬

‫التنفيذية (الحكومة و اإلدارة الرئاسية) بشكل مكثف في مديريات ومجالس اإلدارة المجموعات‬

‫الكبرى الروسية‪ .‬فاالستقاللية السياسية للمسيرين الصناعيين والماليين األوليجاركين تم القضاء‬

‫عليها ل تعويضها بشركات ضخمة ترتبط فيها المصالح السياسية واالقتصادية مراقبة من قبل‬

‫الدولة‪.39‬‬

‫‪ -2‬تأطير المجتمع المدني‬

‫لم يعر الرئيس يلتسين اهتمام للجمعيات ولم يتعاون معها في حين أبدى بوتين استعداده‬

‫بإقامة حوار مع الجمعيات عكس الرئيس يلتسين فتم تنظيم في ‪ 2001‬منتدى مدني جمع أكثر من‬

‫‪ 5000‬جمعية حضرت من كل أرجاء البالد‪ ،‬لكن بدون نتيجة‪.‬عرفت العالقات تدهو ار بين‬
‫السلطة والجمعيات خاصة تلك المدافعة على حقوق اإلنسان‪ .‬ففي حين اتسمت العهدة األولى‬

‫بحث الدولة الجمعيات على التعاون فإن العهدة الثانية اتصفت بإنذارها بالتعاون معها‪ .‬ويرجع‬

‫هذا التصلب في التخوف الذي خلفته "الثورات الملونة "وخاصة "الثورة البرتقالية "في أوكرانيا مما‬

‫دفع السلطات الروسية باتهام الجمعيات المستقلة المعادية للسلطة القائمة بأنها تخدم المصالح‬

‫الخارجية‪ .‬وقد أدى هذا إلى تبني نصوص مضيقة لتنظيم المظاهرات في األماكن العمومية وكذا‬

‫حول إنشاء ونشاط الجمعيات لقد تم تعديل القانون المنظم لها في ‪ 2005‬من أجل الحد من نشاط‬

‫المنظمات غير الحكومية الخارجية وزيادة السيطرة والرقابة المالية على الجمعيات الروسية‪.‬‬

‫في ‪ 7‬أفريل ‪ 2005‬تم إنشاء مؤسسة جديدة "الغرفة االجتماعية "وهي هيئة استشارية مكلفة‬

‫بتمثيل المجتمع المدني أمام السلطة الفيدرالية‪ ،‬حيث يقوم الرئيس الروسي بتعيين ‪ 42‬ممثل من‬

‫األشخاص الذين قدموا خدمات للدولة والمجتمع‪ ،‬و‪ 42‬ممثلين عن الجمعيات الفيدرالية‪ .‬ثم يقوم‬

‫‪ 84‬عضوا بتعيين ‪ 42‬عضوا ممثل عن الجمعيات اإلقليمية‪ .‬إن هده التركيبة تعبر عن اإلرادة‬

‫الرئاسية في تنظيم المجتمع المدني من فوق وذلك من أجل ضمان خضوعه للسلطة‪.40‬‬

‫بالرغم من هذه القوانين ظهرت عبر شبكة االنترنت منذ ‪ 2009-2008‬تمكنت من توصيل‬

‫صوتها وتجنيد فئات اجتماعية غير مهتمة بالسياسة من أشهرهم المحامي "نفالني" ‪Alexeï‬‬

‫‪ ،Navalny‬الذي تمكن عبر الموقع الذي أنشأه على األنترنت" روزبل‪" Rospil‬من السماح لألفراد‬

‫بمراقبة تهريب األموال العامة‪ ،‬كما قام في بداية ‪ 2011‬بمراقبة العملية االنتخابية في كامل‬

‫روسيا منددا بالتزوير‪ .‬وأمام هذه القناة الجديدة للمشاركة في الحياة السياسية ردت السلطة‬

‫السياسية بمجموعة من القوانين المقيدة للحريات بعد عودة بوتين إلى الرئاسة في ‪ ،2012‬منها منع‬
‫التمويل الخارجي عن المنظمات وقانون المظاهرات والتجمعات العامة وفرض الرقابة على‬

‫األنترنت‪ ،‬مما دفع الكاتبة الروسية ليليا شيفتسوفا ‪ ، shevtsova lilia‬والتي تعمل كخبيرة في‬

‫مركز "كارنيغي" األميركي لألبحاث في العاصمة الروسية موسكو التعليق عن المشهد الروسي‬

‫"‬ ‫‪41‬‬
‫"الخريف ينتظرنا‪.‬‬

‫ثانيا‪-‬إعادة مركزية السلطة‬

‫يتميز طبيعة النظام الفيدرالي الروسي بتعقيدات وتشوهات ناتجة بسبب عالقة المركز‬

‫باألطراف‪ ،‬أو باألحرى الكرملين باعتباره مركز السلطة والواليات والجمهوريات المنضوية تحت‬

‫لواء االتحاد الروسي‪ .‬حيث يعتقد بعض المختصين أن وجود جمهوريات قومية داخل روسيا‬

‫الفيدرالية معناه بناء دولة متعددة القوميات عوض كيان سياسي واحد يمتلك الحق بتقرير مصيرها‪.‬‬

‫لكن سماح الدستور لرئيس الجمهورية التدخل في جميع الميادين الحياة السياسية عن طريق‬

‫المراسيم الرئاسية‪ ،‬والتي لها قوة القانون أي ال تحتاج الق اررات الرئاسية المصادقة عليها من قبل‬

‫البرلمان عمل على إعادة مركزية السلطة‪.‬‬

‫اتسم نظام الحكم خالل فترة الرئيس يلتسين بضعف السلطة المركزية مقابل قوة المناطق‬

‫فتزايد استقالل الذاتي وذلك بالقيام بتصرفات مناقضة للدستور والقوانين الفدرالية وباالستيالء‬

‫المتزايد للسلطات اإلقليمية على األجهزة اإلقليمية للفيدرالية فظهر اإلقطاعية في الجمهوريات‬

‫وأطلق عليها "بالفيدرالية االنتقائية" ال متماثلة‪ ،‬مفضلة الجمهوريات وبعض المناطق على حساب‬

‫مناطق أخرى بالرغم من أن الدستور أقر بالمساواة بين جميع مواضيع الفيدرالية‪.‬‬

‫ومن أجل استعادة قوة السلطة المركزية اتخذ بوتين مجموعة من لإلجراءات من بينه‪42‬ا‪:‬‬
‫‪ -1‬إقامة مندوبين للسلطة الرئاسية‬

‫تم تعين ممثلين للرئيس في معظم مناطق الفيدرالية في عهد الرئيس يلتسين إلخباره بالوضع‬

‫في المناطق‪ ،‬مراقبة السلطات اإلقليمية والتنسيق بين عمل اإلدارة الفيدرالية وادارة المناطق‪ ،‬غير‬

‫أن هؤالء كانوا يخضعون ماديا لرؤساء األقاليم‪ .‬لكن سرعان ما تغير الوضع في ‪ 13‬ماي ‪2000‬‬

‫بعد إصدار مرسوم وضع هؤالء الوسطاء على رأس ثمانية المناطق الفيدرالية الكبرى‪ ،‬والتي تدعى‬

‫بالمقاطعات وعددها ثمانية بعد إنشاء مقاطعة شمال القوقاز في ‪ 2010‬و تشمل من ‪ 6‬إلى ‪18‬‬

‫وحدات من الفيدرالية وتخضع بعض من أجهزتها إلى الفيدرالية كاألجهزة القمعية أو أجهزة حفظ‬

‫األمن كو ازرة الدفاع‪ ،‬الداخلية‪ ،‬الجهاز الفيد ارلي لألمن‪ ،‬و ازرة العدل‪ .‬ويتم استعمال هذه األجهزة‬

‫من قبل هؤالء الممثلين للقيام بمهامهم‪ .‬تم تعيين الثمانية األعضاء في مجلس األمن الفيدرالي‬

‫ولديهم عالقة مباشرة مع الرئيس تبدو صالحيتهم محدودة بما أنهم يمارسون صالحيات في ثالثة‬

‫ميادين‪ :‬مراقبة التصرفات اإلقليمية‪ ،‬التنسيق بين أجهزة الفيدرالية في المناطق واختيار‬

‫المسؤولين‪.‬‬

‫لقد ساهم هؤالء في إحداث التماثل بين القانون الفيدرالي والتشريعات اإلقليمية‪ ،‬كما أدى نشاطهم‬

‫الحد من الخروق للدستور الفيدرالي عن طريق دساتير الجمهوريات و األنظمة القانونية الوحدات‬

‫اإلقليمية األخرى‪ .‬لقد سمحوا للفيدرالية بالسيطرة على أجهزتها اإلقليمية‪ .‬وفي األخير لقد أروا أن‬

‫مهمتهم في اختيار اإلطارات ازدادت أهميتها بعد تغير نمط تعين رؤساء التنفيذيون لألقاليم في‬

‫‪ 2004‬فأوكلت لهم مهمة اقتراح رؤساء التنفيذيين لألقاليم للرئيس بوتين‪.‬‬

‫‪-2‬تعديل مجلس الفيدرالية‬


‫إن دستور ‪ 1993‬يقر بأن مجلس الفيدرالية يشمل على ممثل عن الجهاز التمثيلي وممثل‬

‫عن الجهاز التنفيذي لوحدات الفيدرالية‪ .‬فحسب قانون ‪ 1995‬فالمسؤولين اإلقليمين يتحصلون‬

‫على مقعد في مجلس الفيدرالية‪ .‬لقد أعطى هذا القانون صالحيات كبيرة لهؤالء المسؤولين وذلك‬

‫بالسماح لهم في المصادقة على التشريع الفيدرالي ومن جهة أخرى منحهم الحصانة البرلمانية‪.‬‬

‫لكن تغيرت األوضاع منذ إصدار قانون عام ‪ ،2000‬فالمجلس األعلى للفيدرالية يشمل على ممثل‬

‫عن الجهاز التمثيلي منتخب أثناء فترته التشريعية‪ ،‬وممثل عن الجهاز التنفيذي معين من قبل‬

‫رئيس الجمهورية خالل فترة عهدته‪ .‬فقد تم طردهم من مجلس الفيدرالية الغرفة العليا لقد أدى هذا‬

‫اإلجراء إلى تغير في طبيعة تركيبة المجلس الفيدرالي فمن جمعية متكونة من مسؤولين إقليمين‬

‫ذوي سلطة كبيرة في أقاليمهم ومدافعين عن مصالحهم بقوة إلى جمعية خاضعة مسالمة تتكون من‬

‫المسكوفيين ليس لديهم عالقة مع كبيرة أماكن عملهم والمناطق التي يسيرونها‪.‬‬

‫ومن أجل تدارك ذلك فرض قانون ‪ 2009‬باقتراح من الرئيس من مدفيدف على كل مترشح‬

‫للمجلس األعلى أن يكون قد زوال وظيفة انتخابية في إطار المنطقة‪ ،‬التي يريد أن يمثلها دون‬

‫إرجاع للمسؤولين اإلقليمين عضويتهم في مجلس الفيدرالية‪ .‬التعويض الوحيد عن فقدان التأثير‬

‫هو إنشاء في بداية ‪ 2000‬جهازين مجلس الدولة الذي يشمل معظم المحافظين أو الوالة ومجلس‬

‫المشرعبين يشمل جميع رؤساء المجالس اإلقليمية‪ .‬وهذه األجهزة تبقى وظيفتها استشارية‪،‬‬

‫فمشاركتها في ممارسة السلطة المركزية محدودة ‪.‬‬

‫‪-3‬عمودية السلطة‬
‫منح القضاء للرئيس الروسي سلطة تنحية الرؤساء اإلقليمين في عام ‪ .2000‬وفي ‪2004‬‬

‫وفي ‪ 11‬ديسمبر تم وضع حد النتخاب الرؤساء اإلقليمين من قبل السكان أو مجالسهم التشريعية‬

‫وتم تعويضها بانتخابهم من قبل الجمعيات اإلقليمية وذلك بعد تعينهم من قبل رئيس الجمهورية‬

‫فهذا يعتبر إعادة النظر في إحدى أسس النظام الفيدرالي وهو مبد أ استقاللية الوحدات الفيدرالية‬

‫فخلع الوالة من قبل الرئيس قد تم تسهيله في حالة فقدان الثقة أو ال يقوم بواجباته كما يجب فكل من‬

‫بوتين ومدفديف استعمال سلطاتهما الواسعة المخولة لهما وخالل عهدة مدفيدف وقد شهدت حركة‬

‫واسعة في سلك الوالة المحافظين‪ .‬هذا التجديد في العاملين السياسيين قد مس المناطق العادية‬

‫والجمهوريات التي تكون روسيا‪.‬‬

‫ونظ ار لالنتقادات الغربية الشديدة حول تعديل القانون الفيدرالي وفي‪ 1‬جوان ‪ 2012‬دخل حيز‬

‫النفاد قانون يعيد انتخاب رؤساء إدارات المناطق والجمهوريات باالقتراع العام المباشر عوض تعينهم‬

‫من قبل رئيس الجمهورية‪ .‬يعد هذا تغي ار جذري اعتبره المختصين أنه يدخل في إطار إعطاء ضمانات‬

‫بوجود إرادة سياسية في روسيا لدمقرطة النظام السياسي وخاصة أن روسيا كانت تتأهب للدخول‬

‫إلى المنظمة العالمية للتجارة‪ ،‬ومن جهة أخرى استجابة للمطالب التي دخلت النظام السياسي نتيجة‬

‫‪.‬‬ ‫المظاهرات التي سيق اإلشارة اليها سابقا‬


‫‪43‬‬

‫‪- 4‬نهاية الفيدرالية االنتقائية‬

‫إن الدستور الروسي يؤكد على المساواة بين جميع مواضيع أو مناطق الفيدرالية وفي نفس‬

‫الوقت أعطت الجمهوريات امتيازات كحق أن تكون لها أكثر من لغة رسمية إلى جانب الروسية‪.‬‬

‫ففي عهد يلتسين كانت الجمهوريات تتمتع باستقاللية أكثر من تلك الممنوحة للوحدات اإلقليمية‬
‫األخرى‪ .‬فهي حرة في اختيار مؤسساتها لقد اختارت نظام رئاسي يشبه الموجود على المستوى‬

‫الفيدرالي بانتخاب رئيس ذا سلطات واسعة عن طريق االقتراع العام المباشر‪ .‬عكس المناطق العادية‬

‫تم تسيرها بقانون فيدرالي صارم و نص على انتخاب رئيسها التنفيذي من قبل رئيس روسيا‪ .‬فقانون‬

‫‪ 1995‬نص على انتخاب جميع الوالة المحافظين باالقتراع المباشر فهؤالء قد استفادوا مثلهم مثل‬

‫رؤساء الجمهوريات بالشرعية الشعبية‪ .‬بالرغم من ذلك لقد بقي االختالف في معاملة الجمهوريات‬

‫والمناطق طيلة عهدة يلتسين‪.‬‬

‫فإلى جانب هذا التماثل الفيدرالي أقام يلتسين فيدرالية تقوم على التعاقد أو التفاوض‪ .‬فمنذ‬

‫‪ 1994‬إلى غاية ‪ 1998‬أبرم يلتسين مع بعض الوحدات اتفاقيات ثنائية لتوزيع الصالحيات‪ .‬أدى‬

‫هذا التعاقد المغري مع تتارستان الجمهورية األكثر تمردا بعد الشيشان‪ ،‬إلى التنازل على سلطات‬

‫وامتيازات ذات طابع اقتصادي ومالي إلى أربعين من الوحدات (جمهوريات ومناطق) من الفيدرالية‬

‫فاالتفاق المبرم مع تثرستان من ح لهذه األخيرة وضع قانوني خاص خارقا بشكل واسع اإلجراءات‬

‫الدستورية‪.‬‬

‫فمنذ وصوله إلى السلطة أظهر بوتين معاداته للفيدرالية التميزية أو التفضيلية‪ .‬فقام بداية بحل‬

‫معظم االتفاقات الثنائية أو إسقاطها‪ ،‬بحكم اإلجراءات التشريعية الجديدة‪ ،‬وتمكن من إبرام اتفاق‬

‫جديد مع تتارستان في ‪ ،2007‬يتوافق في جميع بنوده مع الدستور الفيدرالي‪ .‬وحدد إلى أقصى حد‬

‫االمتيازات التي كانت تتمتع بها هذه الجمهورية كما تم معاملة بقية الجمهوريات من قبل التشريع‬

‫الفيدرالي بنفس طريقة معاملة الوحدات اإلقليمية األخرى مع االحتفاظ بالبعض من خصوصيتها‪.‬إن‬

‫القطيعة مع السياسة الفيدرالية االنتقائية لم تعني نهاية الحوار والمفاوضات والمساومات مع المسؤولين‬
‫اإلقليمين وهذا ما يفسر جزئيا الدعم لسياسة إعادة المركزية وتسوية األقاليم من قبل موسكو‪.‬وعموما‬

‫استعادة السلطة المركزية لقي قبوال من قبل أغلبية السكان بسب االستقرار و الرفاهية التي عرفتها‬

‫الطبقة الوسطى و قبول تحديد الحريات السياسية‪.‬‬

‫إلى جانب هذه الموارد السياسية التي اعتمدت عليها السلطة من أجل تجسيد تصوراتها‬

‫الجيوسياسية واستعادة مكانتها الدولية الضائعة‪ ،‬نجدها اعتمدت على دعم الكنسية األورثوذكسية‬

‫وذلك بإعادة تنشيط واحياء دورها في المجتمع وأصبحت من بين الفواعل التي تعمل على صناعة‬

‫القرار السياسي الخارجي واضفاء عليه الطابع األخالقي كما سنوضح ذلك الحقا‪ .‬كما اعتمد‬

‫الكرملين على شعبية التي يتمتع بها الرئيس بوتين باعتباره بطل شعبي ‪ ،‬بفضل سياسته‬

‫المعارضة للغرب‪ ،‬خاصة بعد ضمه لشبه جزيرة القرم ‪.‬‬

‫المحددات العسكرية‬
‫عرفت القوات العسكرية الروسية خالل خمسة عشرة سنة األخيرة التي تلت تفكك االتحاد‬

‫السوفيتي انسحاب من األراضي مهم‪ ،‬وتخفيض في عدد القوى العاملة لديها حيث بلغ عدد‬

‫الجيش ‪ 5.2‬مليون سنة ‪ 1989‬ليصل عددهم ‪ 1.5‬مليون سنة ‪ 1996‬مليون و ‪800.000‬‬

‫شخص فقط في ‪ .442016‬وفي معداتها الضخمة حيث انخفض عدد السفن إلى عشر المتاحة‬

‫عام ‪ ،1990‬وانخفضت المقاتالت بنسبة ‪ .45 %80‬بالرغم من التخفيض في ترسانتها النووية‬

‫اإلستراتيجية إال أن روسيا بقيت تحتل المرتبة الثانية بال منازع‪،‬غير أن شكل وكفاءة قواتها‬

‫األرضية‪ ،‬والجوية‪ ،‬والبحرية ال يسمح لها أن تقارن مع القوات األمريكية ‪ ،‬وهذا ما أدى إلى تراجع‬

‫ثقلها في األزمات الدولية‪.‬‬

‫تبنت روسيا من أجل إعادة التوازن االستراتيجي مع الغرب والواليات المتحدة عقائد عسكرية‬

‫جديدة‪ ،‬لالستجابة للمتطلبات األمنية والتهديدات واألخطار التي تحدق بها في كل مرحلة من‬

‫المراحل التي مرت بها‪ .‬ويقصد بالعقيدة العسكرية هي "بيان السياسة العامة للحكومة في مجال‬

‫الدفاع‪ ،‬يعلن للشعب والعالم‪ "،‬وله تأثير على تحديد طبيعة التهديدات التي تعترض أمن روسيا‬

‫والبعثات الدفاع التي تنجر عنه ‪ .46‬فمنذ ‪ 1992‬إلى غاية ‪ 2016‬طورت روسيا أربعة عقائد‬

‫عسكرية تم صياغتها وفق المتغيرات الداخلية والتطورات الجيوسياسية واإلستراتيجية المحيطة بها‪.‬‬

‫أهم ما جاء في الوثائق من الناحية السياسية هو امتالك روسيا رؤية واضحة للتهديدات‬

‫الفعلية والمحتملة ألمن الدولة ومصالحها‪ ،‬فحصرت التهديدات في حلف الناتو‪ ،‬لدرجة أنه‬

‫أصبحت تنظر إليه كعدو فعلي وليس كشريك مقلق كما كان في حقبة التسعينات من القرن‬

‫العشرين‪ .‬ويعود ذلك إلى وصول مرتكزاته العسكرية إلى الحدود الروسية مباشرة و تكتمل عملية‬
‫التطويق الجيوبوليتكية الشاملة لروسيا بعد أن نشر الحلف قواعده في الخليج وأفغانستان والعراق‬

‫وجمهوريات آسيا الوسطى‪ ،‬فضالً عن قواعده الموجودة في دول شرق أوروبا‪ ،‬وعندئذ ال يكون‬

‫لروسيا أي دور مجالها الحيوي القريب خاصة بعد قيام حلف الناتو بنشر الدرع الصاروخي في‬

‫بعض دول أوروبا الشرقية التي انضمت إليه‪ ،‬مثل نشر رادارات متطورة جداً مضادة للصواريخ في‬

‫تشيكيا‪ ،‬وبطاريات مضادة للصواريخ في بولندا واعتبرت روسيا ذلك تهديدا خطي اًر جداً ألمنها‬

‫القومي واخالال بالتوازن االستراتيجي النووي العالمي إذ ستؤدي إلى فقدان روسيا القدرة على‬

‫التسديد بالضربة النووية الثانية االنتقامية الثأرية‪،‬السيما إن مشروع هذا الدرع الصاروخي يتضمن‬

‫أيضا عسكرة الفضاء بعدد كبير من األقمار الصناعية القادرة على اكتشاف الصواريخ الروسية‬

‫سواء المنطلقة من الغواصات أو القواعد البرية المتحركة وتدميرها بدقة متناهية‪.‬‬

‫يعتقد العديد من المحللين أن األهداف والتهديدات المصرح بها فيالوثائق الرسمية كالعقيدة‬

‫العسكرية الروسية تعد غير فعلية أو أنها تمويهية وأنه إذا أردنا فعال معرفة السياسة الدفاعية ألية‬

‫دولة وأهدافها‪ ،‬البد من العودة إلى برامج التسلح والميزانية العسكرية المخصصة لها‪ ،‬و مالحظــة‬

‫الطريقــة التي يتم بها عصرنة المركب الصناعي العسكري أو القوات المسلحة‪ ،‬و باالضطالع‬

‫على البرامج واالستثمارات يمكن قراءة األولويات والمخاوف والتهديدات الفعلية للدولة‪ .47‬وفي نفــس‬

‫السيــاق تعتقد "ايزابيل فاكون" ‪Isabelle Facon‬أنه لسنوات عديدة اعتبر المسؤولون الروس‬

‫المدنيون والعسكريون منهم أن األخطار والتهديدات الداخلية أكثر إلحاحا بالنسبة ألمن الدولة و‬

‫بقائها من التهديدات الخارجية‪ ،‬وبنفس الطريقة ينظرون إلى المشاكل الناجمة عدم االستقرار‬

‫المحيط اإلقليمي لروسيا بأنها أكثر إثارة للقلق في الظرف الحالي من التهديدات والمخاطر‬
‫الناجمة من الغرب والحـلف األطلسي‪ ،‬كمــا اعتبروا كذلك أن اإلرهاب يعـد من المخاطر الداخليـة‬

‫المهددة ألمن روسيـا‪ .‬وعلى هذا األساس دعـا قائد األركان " الجنرال كفاشين " ‪Le général‬‬

‫‪ Kvachnine‬إلى إعادة توزيع الموارد الموجهة إلى القوات اإلستراتيجية نحو القوات التقليدية‬

‫‪.‬‬ ‫‪48‬‬
‫واعادة هيكلة القوات المسلحة لتمكينها من االستجابة لصراعين محليين في وقت واحد‬

‫ميزانية الدفاع‬

‫لقد شرعت روسيا انطالقا من ‪ 2008‬بإصالحات عميقة من أجل رفع كفاءة الجيش‬

‫واحترافيته بعد الحرب في جورجيا‪ ،‬بالرغم من نجاحها في إخماد فتيل النزاع ودحضه‪ ،‬إال أن‬

‫الحرب دلت على الحدود الهيكلية التنظيمية و البشرية التي تعاني منها القوات المسلحة الروسية‬

‫والتي تضعف من مكانتها الدولية‪ .‬فخصصت روسيا في عام ‪ 2010‬ميزانية قدرت ب ‪1953‬‬

‫مليار روبل أي ما يقدر ب‪ 44‬مليار يورو وبنسبة ‪ %12.5‬من ميزانية الدولة‪ ،‬و‪ %2.84‬من‬

‫الناتج القومي الخام‪ .‬وفي أيام قبل االنتخابات الرئاسية لعام ‪ 2012‬صرح الوزير األول بوتين‬

‫عن مشروع لعصرنة الجيش يبلغ‪ 500‬مليار يورو خالل العشر سنوات القادمة فميزانية الدفاع‬

‫المصرحة لعام ‪2013‬بلغت ‪ 2346‬مليار روبل أي ما يقارب من ‪ 59‬مليار يورو‪ ،‬أي بزيادة‬

‫‪ %25.8‬مقارنة بسنة ‪ ،2012‬وبـ ‪ %18.2‬سنة ‪ ،2014‬وبـ ‪ %3.4‬سنة ‪ .2015‬كما بلغت‬

‫ميزانية الدفاع في برنامج التسلح لعام ‪ 2020‬المتبنى في عام ‪ 2011‬نسبة‪ %2.8‬من الناتج‬

‫القومي الخام سنويا‪ ،‬لكن بالنسبة للعديد من المختصين فان النسبة الحقيقية تقترب من ‪4.5‬‬

‫‪%‬الناتج القومي الخام نظ ار ألبعاد برنامج التسلح ‪.‬‬

‫الترسانة النووية‬
‫تعتمد روسيا على ترسانتها النووية التي تريد من خاللها المشاركة في تسيير القضايا‬

‫المتعلقة باألمن الدولي على قدم المساواة مع الواليات المتحدة األمريكية و تحقيق التفوق على‬

‫الصين (اإلنذار المسبق‪ ،‬الدفاع الفضاء الجوي ‪ .) ...‬وهذا ما تم التأكيد عليه في العقيدة‬

‫العسكرية المتبناة في (‪ ،)2015-2017( ،)2015 -2010‬وكذلك بالعودة إلى برنامج التسلح‬

‫ل(‪ .)2000-2020‬و بدا للعديد من المالحظين أن إبرام روسيا اتفاقية جديدة للحد من انتشار‬

‫األسلحة النووية مع الواليات المتحدة األمريكية في أبريل‪ 2010‬والمسماة بمعاهدة "البداية الجديدة"‪،‬‬

‫و التي دخلت حيز التنفيذ في فبراير ‪ ،2011‬يتناقض مع المبادئ التي وردت في العقيدة‬

‫العسكرية‪.‬غير أن األعداد التي تمتلكها روسيا ال تتناقض مع مضمون االتفاقية‪ ،‬فلديها ‪1500‬‬

‫رأسا نوويا استراتيجيا محملة على صواريخ باليستكية عابرة للقارات وغواصات وقاذفات ثقيلة‪،‬‬

‫ويعتقد أيضا أن لدى روسيا ‪ 2000‬رأسنووية تكتيكيا والتي تعرف برؤؤس مسرح العمليات أو‬

‫الرؤوس الميدانية ‪.49‬‬

‫فلقد ضاعفت روسيا مجهودها من أجل زيادة وعصرنه صواريخها اإلستراتيجية التي انتقلت‬

‫نسبة الزيادة فيها من ‪13‬الى ‪ %25‬في مابين ‪ ،2012-2008‬فتم إدخال نظام راداري صاروخي‬

‫متطور جداً أطلقت عليه روسيا أسم أس أس ‪12‬م‪ 2‬وهو نظام دفاعي قالت عنه أنه قادر على‬

‫تدمير مفردات الدرع الصاروخي األميركي بدقة كبيرة‪ .‬إضافة إلى ذلك تم تطوير هذه الصواريخ‬

‫والتزود بعشرة أنظمة إضافية لصواريخ هجومية جديدة من نوع توبول أس –أس‪ 27‬أو أم أر أس‬

‫‪/24-‬يارس (‪ )ou Topol-MRS-24 Yars 27- Topolss‬العابرة للقارات والتي تحمل رؤوسا‬

‫نووية عديدة‪.‬وفي ‪ 2014‬صرح الجنرال سرغاي كاراكايف ‪ Sergueï Karakaev‬رئيس قوات‬


‫الصواريخ اإلستراتيجية لروسيا أنه تم إعادة بناء مجمع السكك الحديدية برغوزين ‪Bargouzine‬‬

‫وكشف عن االنتهاء من تصميم القطار النووي بإمكانه أن يحمل إلي غاية ستة صواريخ نووية عابرة‬

‫للقارات‪ .‬وسيدخل حيز التنفيذ أكثر من ‪ 400‬صاروخ عابر للقارات و‪ 8‬غواصات إستراتيجية من‬

‫صنف بوري ‪،Boreii‬التي يفترض أن تكون جاهزة للخدمة في ‪ .2020‬تمتلك روسيا ‪ 6‬غواصات‬

‫مجهزة بصواريخ يمكنها أن تصل إلى الواليات المتحدة األمريكية بينما تمتلك هذه األخيرة ‪18‬غواصة‬

‫من هذا النوع وسيتم تسليح هذه الغواصات بصواريخ جديدة أطلق عليها اسم "بوالفا " ‪le SLBM‬‬

‫‪ ، Boulava‬وسيتم االعتماد في ذلك على "غلوناس" ‪ ،GLONAS‬وهو نظام المالحة العالمي‬

‫‪50‬‬
‫باألقمار الصناعية‪ ،‬يستخدم أربعة وعشرين قم ار صناعيا‪،‬وتم استعادة الخدمة الكاملة له في ‪2010‬‬

‫‪.‬‬

‫وسائل الحرب اإللكترونية‬

‫بدلت روسيا مجهودا في السنوات األخيـرة لتطويـر وسائل الحرب االلكترونية التي بإمكانها أن‬

‫تعـوض األسلحة النـووية في القيام بعملية الردع التي تعتمد عليها روسيا لتشغل المكانة الدولية التي‬

‫تطمح إليها‪ .‬يفترض في هذه الوسائل أن تكون جـد متطورة حتى تتمكن من أن تقـوم بالتشويش على‬

‫أنظمة الرادارات واالتصاالت للخصم‪ .‬ومن جهة أخرى وبالمـوازاة عملت روسيـا لتقليص من عدم‬

‫التكافؤ في هذا المجال مع الغرب أوال والصين في مرتبة ثانية وذلك بتقوية الدفاع المضاد للطيران‬

‫باإلنتاج المتسارع للصواريخ المضادة للطيران من طراز أس ‪ )S300( 300‬ولكن أيضا أس‬

‫‪ ،)S400(400‬وهـي نسخة مطـورة للصواريخ أس ‪ ،)S300( 300‬تختلف من حيث اعتماد أنظمـة‬

‫حديثــة قادرة على إحـباط ‪ 80‬هدفا والسيطرة على ما يصل إلى ‪ 160‬صاروخ في حدود ‪.2015‬‬
‫كما أن لديها قدرة إضافية مضادة للصواريخ‪ .‬وهو نظام مضاد الطائرات من الجيل الرابع‪ .‬ومن‬

‫خصائصه األخرى هوامتالك حماية ممتازة ضد وسائل الحرب االلكترونية المضادة‪ .‬وتحض وسائل‬

‫اإلنترنت مكانة هامة في قائمة اإلج ارءات التي يمكنها أن تعوض جزئيا التفوق التكنولوجي لقوات‬

‫الخصم‪ .‬فتم تزويد األسطول البحري في البحر األسود بكاسحة األلغام "األدميرال زاخاريين" ‪Amiral‬‬

‫‪ ، Zacharien‬فهي مجهزة بتقنية جديدة تنتمي إلى الجيل الخامس من تقنيات البحث عن األلغام‬

‫التي لم يسبق لها مثيل في سالح البحرية الروسية‪.51‬‬

‫األسلحة التقليدية‬

‫شملت عملية التطوير االهتمام بالقوات التقليدية التي عرفت تأخ ار كبير‪،‬فتم إدخال أجيال جديدة‬

‫من الدبابات والمدرعات الصغيرة الحجم والسريعة ومزودة بأسلحة متقدمة تقنياً وقادرة على الوصول‬

‫إلى مناطق األزمات مثل دبابات تي (‪ )94/92/90‬ومدرعة بي أم بي‪ ،)BMB 3( 3‬وطائرات‬

‫حديثة مثل سوخوي ‪ ،)SU35(35‬و ميغ ‪ ،)MIG25(25‬إضافة لطائرة ميغ ‪)MIG29( 29‬ذات‬

‫المناورات الرائعة في الجو‪ .‬وذكرت وسائل اإلعالم الروسية في منتصف جوان ‪ 2016‬عن تحليق‬

‫المقاتالت األولى من طراز تي ‪)T50( 50‬وهي طائرات سوخوي من الجيل الخامس يمكن أن‬

‫تدخل الخدمة مع القوات الجوية الروسية في عام ‪ 2017‬وبعبارة أخرى‪ ،‬خالل حوالي سنة‪ .‬و‬

‫يفترض أنه شــرع في تصنيع ‪ 6‬حامالت طائ ـرات ابتداء من ‪ ،2012‬حيث تمتلك روسيا حاملة‬

‫طائرات واحدة تعرف باسم "األدميرال كوزنيتسوف " ‪ ،Amiral Kouznetsov‬وستزود حامالت‬

‫الطائرات هذه بطائ ـرات تو ‪– 22-‬أم – ‪ ،)Tu-22M3( 3‬التي تحمل صواريخ مخصصة لتدمير‬

‫السفن العسكرية‪ ،‬وتملك روسيا أكثر من ‪ 230‬طائرة من هذا الطراز‪ ،‬والطائرات بدون طيار‪ ،‬و‬
‫طائرات الهليكوبتر‪ .‬بالرغم من التطور الملحوظ في اإلمكانيات التابعة للقوات الجوية الروسية والتي‬

‫أبهرت الجميع خالل الحرب في سوريا حيث اتسمت بعدد (الخرجات) العمليات العديدة والضربات‬

‫الدقيقة مقارنة بالطيران األمريكي والفرنسي إال أنه يبقى عدد المقاتالت الروسية ال يتجاوز‪ 800‬طائرة‬

‫مقارنة ب‪ 2000‬طائرة محاربة بالنسبة للواليات المتحدة األمريكية مع العلم أن عددها كان ‪5000‬‬

‫طائرة في عهد االتحاد السوفيتي‪ .‬إلى جانب الزيادة المعتبرة في عدد الطائرات والمروحيات تعد‬

‫القوات المحمولة جوا ضرورية للعمليات العسكرية داخل اإلقليم الروسي أو خارجه وهي تقع في قلب‬

‫مشروع قوات التدخل السريع لو ازرة الدفــاع‪ .‬وتم تدعيمها ب‪35000‬رجل أن يتم مضاعفتها في‬

‫تأخر فيما يخص القوات البحرية والقوات‬


‫ا‬ ‫‪52.2020‬بالرغم من هذه المجهودات عرف برنامج التسلح‬

‫البرية‪ ،‬ففي سوريا تم استخدم المدخرات الدقيقة بكميات شحيحة‪.‬‬

‫القدرات البشرية‬

‫أولت روسيا العناية بالقدرات البشرية حرصا منها على امتالك جيش أكثر حماسة وقدرة على‬

‫استخدام األسلحة المتطورة جدا‪ ،‬فلقد غيرت من أساليب التوظيف حيث تم التخلي عن التجنيد‬

‫اإلجباري لسنتين وتعويضه بسنة واحدة وذلك رغبة في تحقيق احترافية الجيش‪ ،‬فالهدف هو الوصول‬

‫إلى مليون رجل‪ .‬لقد تراجع عدد المجندين لصالح المحترفين خالل ‪ 2015‬فتم االنتقال من ‪35200‬‬

‫عسكري متعاقد سنة ‪ 2015‬إلى ‪ 38400‬عام ‪ 2016‬حسب و ازرة الدفاع ‪ .‬وفي السياق ذاته نجد‬

‫أن بعض الوحدات أصبحت محترفة كلية كالوحدات الخاصة التي تحتل الصدارة وتعد القوة الضارية‬
‫للجيش الروسي‪ ،‬كما أن الوحدات األخرى قيد االحتراف وتتراوح نسبة احترافيتها مابين ‪ 70‬إلى ‪80‬‬

‫‪.53%‬‬

‫وتعطى األولوية عند تعين المتعاقدين (االحترافيين) بتحويلهمإلىالقوات الخاصةالروسية‬

‫والقوات المحمولة جوا‪ ،‬ومشاة البحرية‪ ،‬التي تعد‬ ‫‪54‬‬


‫"‪ ،"SPETSNAZ‬والتي يبلغ عددها ‪،60.000‬‬

‫العمود الفقري للقوات التدخل السريع‪ ،‬التي هي بصدد البناء‪ .‬عكس ما كان سائدا اهتم جيش روسيا‬

‫بالتدريب لرفع مستوى التحضير للمعارك ومن كفاءته القتالية فلقد بلغت عدد التدريبات حوالي‬

‫‪ 3000‬تدريب فقط خالل عام ‪ ،2014‬اتخذ ‪ 30‬منها الشكل الثنائي أو المتعدد األطراف‪ ،‬بمتوسط‬

‫تدريبان استراتيجيان في السنة‪ .‬لقد صرح وزير الدفاع "سرغاي شوق"‪ Serguei Choiigou‬خالل‬

‫االجتماع السنوي مع كبار المسؤولين العسكريين في نهاية ‪ " 2015‬إنه يتم إجراء تفتيش مفاجئ‬

‫لمجمل القوات بمعدل ‪ 5‬مرات سنويا‪ ،‬وكنتيجة لذلك فان القادة والمستخدمين في جميع المناطق‬

‫العسكرية و جميع أنواع القوات قادريين على االنتشار على مسافات طويلة ‪ .‬كانت بداية التدريبات‬

‫بمناورات أسطول الشمال في بحر بارنتس وأسطول بحر البلطيق عام ‪ 2005‬والتي كانت األولى‬

‫من نوعها منذ أكثر من ‪ 20‬عاماً ‪ .‬ويمكن إرجاع هذا النشاط في الجيش والتحسن إلى إعادة‬

‫االعتبار إلى المهنة العسكرية منذ تنصيب سرقاي شواقو ‪ Sergueï Choïgou‬على رأس و ازرة‬

‫الدفاع‪ ،‬حيث ارتفع الدخل الشهري للمالزم من‪ 170‬دوالر (‪12000‬روبل ) إلى ‪ 720‬دوالر‬

‫(‪50000‬روبل)‪ ،‬وكذا الزيادة في مرتبات المتعاقدين و تحسين ظروف السكن للعسكريين‪ .55‬لقد‬

‫أدت هذه التدابير كلها إلى رفع معنويات الضباط واسترجاع الثقة في السلطة السياسية‪ ،‬خاصة بعد‬

‫سلسلة الترقيات التي أجراها وزير الدفاع إلى مراتب جد حساسة كرئيس األركان بالنسبة للضباط‬
‫ذوي التجربة في المعارك‪ ،‬مما أدى في نهاية المطاف إلى الزيادة في احترافية الوحدات ومنه تحسين‬

‫صورة الجيش لدى الرأي العام‪.‬‬

‫الدعاية العسكرية‬

‫جندت روسيا من أجل تحسين مردودية الجيش ورفع معنوياته جميع الوسائل المتاحة والممكنة‪،‬‬

‫من أهمها وسائل اإلعالم كما اتضح ذلك خالل األزمتين األوكرانية والسورية فقامت القنوات‬

‫الوطنية التابعة في مجملها للدولة باستدعاء المحللين والمختصين لشرح التهديدات التي تشكلها‬

‫األزمتين على األمن الروسي وضرورة التدخل‪ ،‬كما لجأت إلى الكنيسة األرثودكسية التي زكت الحرب‬

‫في سوريا واعتبرتها بالمقدسة ونفس الموقف اتخذه المفتي الكبير لروسيا "تالقات تاجودين"‬

‫‪ . TalgatTadjouddine56‬وشرعت روسيا منذ ‪ 2005‬للدعاية لقواتها المسلحة بتحسين صورتها‬

‫لدى الرأي العام من خالل إنشاء قناة تابعة لو ازرة الدفاع ‪ "Zvezda‬تقوم ببث البرامج الوطنية‪ .‬كما‬

‫استخدمت أيضا مواقع االنترنيت خاصة التابعة لو ازرة الدفاع التي تنشر صورة ايجابية عن الجيش‬

‫من خالل الرسوم المتحركة واأللعاب الموجهة لألطفال ‪.‬‬

‫إن االهتمام على نحو خاص بتطوير الصناعات العسكرية ليس فقط لالرتقاء بالقدرات العسكرية‬

‫لروسيا والسماح لها بلعب دور الدولة العظمى على الساحة الدولية ‪،‬ولكن أيضا للزيادة من قدرتها‬

‫التنافسية في سوق السالح حيث تعد تجارة األسلحة من أهم الموارد لالقتصاد الروسي‪ .‬فداخليا بلغت‬

‫حصة التجهيزات الجديدة واألسلحة المعاصرة المقتناة ما يقارب ‪ %47‬أي نسبة ‪ %17‬أكثر من‬

‫األرقام المتوقعة حسب الوزير األول "مدفيديف" ‪ ، M.Medvedev‬و تجاوزت الصناعة العسكرية‬

‫الروسية الحدود الداخلية‪ ،‬فلقد تم تحقيق رقم قياسي من الطلبات الخارجية‪ ،‬التي ارتفعت سنة ‪2015‬‬
‫إلى ‪ 56‬مليار دوالر أي ما يعادل ‪ 49‬مليار يورو‪ .‬في حين بلغت مدا خيل الصادرات من المنتجات‬

‫العسكرية ‪ 14‬مليار دوالر أي ما يعادل ‪ 12.3‬مليار يوروفي سنة ‪.572014‬‬

‫وحسب الجريدة اليومية االقتصادية كومورسانت ‪ ،Kommersant‬أنفقت روسيا ‪ 30‬مليار‬

‫روبل أي ‪ 396‬مليون يوروفي الحملة العسكرية ضد سوريا‪ ،‬غير أن هذه التكاليف كانت مقررة سابقا‬

‫في الميزانية وكان من المفروض أن توجه للتمارين والتدريبات العسكرية‪ .‬فحسب دائما نفس الجريدة‬

‫فان موسكو تتوقع عودة اقتصادية مرتبطة بالطلب المتزايد على األسلحة والعتاد العسكري المستعمل‬

‫خالل العملية في سوريا من قبل الزبائن األجانب وو ازرة الدفاع الروسي فوفقا للخبراء‪ ،‬فإن المبلغ‬

‫اإلجمالي من العقود المحتملة يصل من‪ 6‬إلى ‪ 7‬مليارات دوالر (‪ 5.4‬إلى ‪ 6.3‬مليار يورو)‪.58‬‬

‫احتجزت الجزائر ‪ 12‬طائرة مقاتلة سو‪)S-34( 34-‬في ديسمبر ‪ ، 2015‬فحسب األرقام‬

‫األولية فان سعر العقد يتراوح ما بين ‪ 500‬إلى ‪ 600‬مليون دوالر حوالي (‪ 448‬مليون يورو كما‬

‫من المتوقع أن تشتري أيضا حوالي ‪ 12‬طائرة أخرى‪ .‬كما تنوي كل من أند ونسيا‪ ،‬الفيتنام و‬

‫الباكستان شراء طائرات من نوع سو‪ 35 -‬أس (‪ .)Su-35S‬فإن اإلجمالي الكلي للعقود سيرتفع‬

‫الى حوالي ‪ 2.5‬مليار دوالر أي حوالي ‪2.2‬مليار يورو‪ .‬كما أشارت الجريدة إلى األهمية التي‬

‫أولتها مصر إلى المروحيات ‪ 52‬من طراز التمساح (‪ )Ka-52 Alligator‬لقد أمضت مصر عقدا‬

‫بقيمة ‪ 46‬مليار دوالر من المفروض أن تسلم في ‪.2017‬‬

‫المحددات الخارجية‬
‫ظهرت الواليات المتحدة األمريكية بعد انهيار االتحاد السوفيتي كالقوة العظمى الوحيدة في‬

‫العالم نظ ار لتفوقها االقتصادي بإنتاجها ‪% 25‬من الثروة العالمية و ‪% 15‬من التبادالت التجارية‬

‫العالمية‪ ،‬ونموذجها الثقافي األكثر تأثي ار في العالم فشركاتها تعرف نجاحا عالميا مثل شركة " أبل"‬

‫‪ ،‬ميركروسوفت‪ ،‬كوكا كوال‪ ،‬وتمثل األفالم األمريكية ‪ 75%‬من حصة األسواق في القاعات‬

‫األوربية‪ ،‬وتعد أكبر قوة تكنولوجيا أكثر من ‪ %3‬من الناتج المحلي اإلجمالي أعلى من أوربا‬

‫مجتمعة‪ ،‬وتشارك بنسبة ‪ %30‬من ميزانية الحلف األطلسي‪ ،‬وتضع جميع إمكانياتها العسكرية‬

‫تحت تصرف المنظمة‪.‬‬

‫ففي التسعينات حددت الواليات المتحدة األمريكية دورها الجديد في العالم بالحفاظ على‬

‫السالم واالستقرار في العالم‪ ،‬والعمل على نشر الديمقراطية واقتصاد السوق باستخدام القوة إذا‬

‫اقتضى األمر ذلك‪ ،‬وبحلول ‪ 2001‬أصبحت السياسة األمريكية تستهدف حماية الواليات المتحدة‬

‫من أي هجوم إرهابي‪ ،‬وذلك بمحاربة الدول المارقة والديكتاتوريات التي تمتلك أسلحة دمــار شامل‪،‬‬

‫أو أنها تأوي إرهابيين من بين هذه الدول نجــد كــوريا الشمالية‪ ،‬العراق‪ ،‬إيران‪ ،‬أفغانستان‪ .‬لقد‬

‫شنت الواليات المتحدة حمالت دون أخد بعين االعتبار انتقادات الدول األخرى‪ ،‬مثل اجتياح‬

‫العراق في ‪ 2003‬فبعض الدول األعضاء في مجلس األمن قررت استخدام حق الفيتو إال أن‬

‫الواليات المتحدة األمريكية تدخلت دون الحصول على موافقة مجلس األمن‪.‬‬

‫لقد عوضت النظرة األمريكية للعالم القائمة على األحادية القطبية‪ ،‬نظرة تنادي بالتعددية من‬

‫قبل بعض الدول األوربية والقوى الصاعدة التي تحاول أن تفرض نفسها على المستوى‬

‫الدبلوماسي‪ ،‬واالقتصادي وحتى العسكري من أجل التصدي وموازنة الهيمنة األمريكية‪.‬‬


‫ساعدت اإلخفاقات األمريكية على المستوى الدولي كمؤتمر البيئة العالمي بكيوتو في‬

‫‪ ،1992‬وفشل واشنطن من تشكيل ائتالفا من الدول الغنية مؤيدا لموقفها المحافظ من قضايا‬

‫البيئة‪ ،‬و فشلها في منع انتشار األ سلحة النووية (الهند وباكستان)‪ ،‬حرب الخليج الثانية والثالثة‬

‫والحرب في أفغانستان‪ ،‬ما جعل المختصين يعتبرون التفوق األمريكي هو واقع ووهم معا‪ .‬كما‬

‫أن انتهاء الحرب الباردة أدى إلى اهتزاز النفوذ السياسي على الصعيد الدولي للواليات المتحدة‬

‫وخاصة تجاه حلفائها من أوربا واليابان‪ ،‬الذي تمثل في خوفهم من القوة السوفيتية السابقة التي‬

‫انهارت‪ ،‬فتصدع االئتالف السياسي األمريكي مع كل من أوربا واليابان‪ ،‬وأصبحت الواليات‬

‫المتحدة ال تستطيع تمويل عجز ميزانيتها المزمن عن طريق شراء األوربيين و اليابانيين أذونات‬

‫الخزانة األمريكية‪ ،‬وال تستطيع أن تقوم بتداخالت عسكرية على نطاق واسع بدون مساهماتهم‬

‫المالية‪ ،‬أو تلجأ إلى المواجهة الناعمة أو الحرب بالنيابة‪ ،‬وذلك باستخــدام أطراف أخرى للقتال بدال‬

‫عنهم بشكل مباشر‪ ،‬مثل الدول والمرتزقة وغيرها وقد يكون لألطراف الوكيلة أهدافها الخاصة‬

‫فتنحرف عن وظائف األطراف التي وظفته‪59‬ا‪.‬‬

‫وعلى المستوى االقتصادي أظهرت األزمة المالية االقتصادية ‪ 1999-1997‬أن الواليات المتحدة‬

‫األمريكية‪ ،‬والمؤسسات التي تتحكم فيها غير قادرة في التحكم في تحرير االقتصاد المالي الدولي‪،‬‬

‫الذي فرضته على العديد من الدول‪ ،‬فبادرت الصين بسياسة مسؤولة إلعادة االستقرار إلى الشرق‬

‫األقصى بعد األزمة األسيوية‪ ،‬كما أثرت األزمة على روسيا بالتخلي عن المشروع النيو ليبرالي‬

‫واستبداله بمشروع صناعي وطني‪.‬‬


‫كما عاودت أزمة منطقة اليورو إلى إبراز ضعف االستثمار‪ ،‬وتحلل البنية التحتية وتعاظم الدين‬

‫الداخلي األمريكي‪ ،‬حتى باتت الواليات المتحدة األمريكية أكبر دولة مدينة في العالم‪ .‬وأقدمت‬

‫علي طبع دوالرات ورقية ليس لها رصيد‪ ،‬وفي ضوء األزمة المالية منذ عام ‪ 2008‬بدأت تظهر‬

‫عوامل الضعف والتخلف في مجاالت مهمة داخل الواليات المتحدة األمريكية مما جعلها تتراجع‬

‫اقتصاديا أمام الصين‪ ،‬وتطفو المشاكل االجتماعية كقضية التمييز العنصري ضد السود في عدد‬

‫من الواليات األمريكية‪ ،‬إلى جانب فشلها في إدارة الملف السوري‪ ،‬وتعثر حملتها ضد داعش‪،‬‬

‫وتراجع الثقة والمصداقية في الرئيس أوباما بعد عجزه عن إدخال كثير مما أعلنه حيز التنفيذ‪،‬‬

‫يتزامن هذا مع تصاعد األزمات في االتحاد األوربي‪ ،‬واتجاه بريطانيا لالنسحاب من االتحاد‪.‬‬

‫إن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين شهد بدء حقبة جديدة في العالقات الدولية‪ ،‬تتضمن‬

‫يجيا إلى نظام دولي متعدد القوى حيث تتراجع الهيمنة األمريكية‪ ،‬وتلعب روسيا والصين‬
‫تحوًال تدر ً‬

‫‪ .‬وخالل الثلث األخير من‬ ‫‪60‬‬


‫وفاعال في الشئون الدولية واإلقليمية‬
‫ً‬ ‫مهما‬
‫دور ً‬
‫وعدد آخر من الدول ًا‬

‫سنة ‪ 2013‬أكد زبيغنيو بريجنسكي ‪Brzezinski Z.‬مستشار األمن القومي األمريكي السابق أن‬

‫مفهوم الهيمنة العالمية فقد بريقه وأن حقبة سلطة أمريكا على العالم قد انتهت محذ ار من مواصلة‬

‫السياسات السابقة يهدد األمن الدولي‪.‬‬


‫وقدم وزير الخارجية األمريكي األسبق هنري كيسنغر‪ H.Kissinger‬في كتابه الجديد "النظام‬

‫العالمي" الصادر سنة ‪ 2014‬تأمالته وقراءته لمسار تاريخ النظام العالمي‪ ،‬وما سيؤول إليه‬

‫الوضع في ظل تنامي الفوضى وانعدام االستقرار وتداخل العالقات الدولية‪ .‬ويتحدث كيسنغر عن‬

‫وضع عالمي جديد سيظهر نتيجة انهيار بعض الدول التي لم تعد قادرة على فرض هيبتها على‬

‫أراضيها وظهور قوى جديدة في مكان سلطتها ومناطق سيادتها‪.61‬‬

‫كما اعتبر برتران بادي‪BertandBadie‬المتخصص في العالقات الدولية أن العالم يتجه‬

‫إلى‬

‫اال قطبية باعتبار أن القطبية ظهرت مع الحرب الباردة‪ ،‬و تعنى قدرة الواليات المتحدة واالتحاد‬

‫السوفيتي آنذاك استقطاب وجذب أكبر عدد من الدول إلى تكتلها‪ ،‬الدول كانت بحاجة لحماية من‬

‫قبل الدولة المهيمنة غير أن قبول االتحاد السوفيتي الخروج من اللعبة أدى إلى ظهور عالم ال‬

‫قطبي فالقدرة على الجذب غير موجودة فالعالم تسيطر عليه مجموعة من الدول الغنية‬

‫األوليجاركية‪ ، (G8) ((G20‬والعالقات بينها تقوم ال على التنافس ألن العولمة ال تسمح بذلك وال‬

‫على التعاون ألن المصالح الوطنية بين الدول مختلفة‪ ،‬بل على التوائم ‪ connivence‬غير أن‬

‫دبلوماسية التوائم هذه لم تتمكن من استثبات األمن واالستقرار بل أدت إلى زيادة وتأجج النزاعات‬

‫بفعل العولمة التي أخذت الطابع المحلي االجتماعي مستخلفة للصراعات مابين الدول بسبب‬

‫الشعور باإلقصاء مما أدى في نهاية المطاف إلى تحجيم دور الواليات المتحدة األمريكية التي لم‬

‫تعد قادرة على أداء دور القطب المهيمن‪ .62‬وعموما يكن حصر مجموعة من المتغيرات الدولية في‬

‫بروز تكتالت دولية جديدة‬


‫أدى التراجع األمريكي في الهيمنة على العالم إلى قيام مجموعة من الدول بمبادرات من‬

‫أجل مواجهة األحادية القطبية والسعي إلى إقامة عالم متعدد األقطاب بطرق وقد اتخذت الشكل‬

‫الدبلوماسي من خالل تحالفات وتكتالت إقليمية ودولية ذات طابع اقتصادي‪ ،‬سياسي وأمني ومن‬

‫أهمها‪:‬‬

‫‪- 1‬ظهور مجموعة البركس ‪BRICS :‬‬

‫شهد العقدين الماضي ين نمو قوى دولية صاعدة خارج أوربا والواليات المتحدة مثل الصين‪،‬‬

‫الب ارزيل‪ ،‬الهند‪ ،‬إفريقيا الجنوبية روسيا التي أجرت تعديالت على نظامها االقتصادي وحققت نسب‬

‫نمو عالية "بريكس" هي مجموعة الدول التي اتفقت فيما بينها على إنشاء كيان اقتصادي "مضاد"‬

‫للكيانات االقتصادية الغربية المتمثلة في "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي"‪ ،‬وتضم نظاماً‬

‫ائتمانياً بنكياً عالمياً جديداً يقضي على سياسة "القطب الواحد" التي تقودها الواليات المتحدة‬

‫األمريكية للسيطرة على مقدرات العالم واستغالله اقتصادياً‪ ،‬عبر توجيه السياسات االقتصادية‪،‬‬

‫وفرض قيود تتحكم في الدول النامية والعالم الثالث من خالل صندوق النقد والبنك الدوليين‪.‬‬

‫وقد عقد زعماء الدول أول قمة لهم قي جوان ‪ 2009‬في مدينة‬

‫يكاتيرينبرغ‪Ekaterinburg‬الروسية و في ‪ 2013‬شكل الناتج المحلي للدول الخمس أكثر من ربع‬

‫الناتج المحلي اإلجمالي العالمي و‪ 40.2‬من حجم إنتاج مصادر الطاقة العالمي‪ ،‬و‪ 16.1‬من‬

‫حجم التبادل التجاري العالمي‪ ،‬وفي ‪ 7‬جويلية ‪ 2015‬بدأ عمل بنك التنمية الخاص بمجموعة‬
‫"بريكس" بلغ رأسماله ‪100‬مليار دوالر ومن المنتظرأن يبلغ رأسمال الصندوق االحتياطي النقدي‬

‫لمجموعة "بريكس" ‪100‬مليار دوالر أخرى‪ .‬وتهدف المجموعة إلى‪:63‬‬

‫أ‪ -‬وضع شروط ائتمانية أكثر تيسي اًر على بلدان العالم الثالث والدول النامية‪.‬‬

‫ب‪ -‬تدويل العمالت المحلية واجراء تجارة بينية بعيدة عن الدوالر األمريكي فيما بينها ‪.‬‬

‫ت‪ -‬إمكانية توفير قروض آجلة وميسرة لبلدان العالم الثالث والدول النامية ‪.‬‬

‫ث‪ -‬تقديم تسهيالت ائتمانية أفضل من تلك المفروضة من قبل البنك وصندوق النقد الدوليين‪.‬‬

‫ج‪ -‬تسريع التكامل االقتصادي بين الدول الخمس المنضوية في عضوية المجموعة‪.‬‬

‫ح‪ -‬تحقيق معدالت نمو أسرع للبلدان الخمسة‪.‬‬

‫والى جانب األهداف االقتصادية‪ ،‬تهدف المجموعة إلى التأثير على السياسة الدولية باتخاذ‬

‫مواقف خاصة بها أهمها‪:‬‬

‫‪ 1.‬رفض التدخل العسكري الخارجي في النزاع السوري‪ ،‬و ضرورة حله بالطرق السلمية‬

‫‪ 2.‬رفض التدخل العسكري في األزمة اإليرانية ‪.‬‬

‫‪ 3.‬نظرة واحدة تجاه ملفات الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪.‬‬

‫‪ 4.‬رفض العقوبات الغربية المفروضة على روسيا واعتبارها غير مشروعة وعدم التعامل معها ‪.‬‬

‫‪ 5.‬رؤية موحدة حول التعامل مع قضايا الفقر والفساد والتحريات في بلدان العالم الثالث والنامية‪.‬‬

‫‪ 6.‬رؤية موحدة حول ضرورة خلق عالم متعدد األقطاب ‪.‬‬

‫‪ 7.‬مساع يقودها الرئيس بوتين إلنشاء إستراتيجية تنموية طويلة األمد بين البلدان الخمس‪.‬‬

‫‪ 8.‬معارضة بناء المستوطنات اإلسرائيلية واعتباره مخالفاً للقانون الدولي ‪.‬‬


‫‪ 9.‬رفض التجسس اإللكتروني الذي تقوده الواليات المتحدة واعتباره نوعاً من اإلرهاب‪.‬‬

‫‪ 10.‬تسعى دول "بريكس" إلى إنشاء كابل إنترنت خاص بها لتفادي عمليات التجسس األمريكية ‪.‬‬

‫‪ 11.‬السعي لخفض التعامالت بالدوالر األمريكي بين الدول الخمس بعضها بعض ‪.‬‬

‫‪ 12.‬مساع يقودها الرئيس بوتين إلنشاء اتحاد للطاقة بين الدول الخمس ‪.‬‬

‫‪ 13.‬رغبة في تحقيق اندماج بين سوق االتحاد األوراسي وأسواق أمريكا الالتينية ‪.‬‬

‫‪ 14.‬مساع مشتركة بين الدول الخمس للتصدي لألمراض المعدية‪ ،‬خاصة في إفريقيا‪.‬‬

‫إن هذه المجموعة القائمة على "رأسمالية الدولة " قربت الدول األعضاء‪ ،‬بالرغم من‬

‫االختالف فيما بينها‪ ،‬وساهمت في دعم مبدأ التعددية القطبية‪ ،‬وسمحت لروسيا بتقوية مكانتها‬

‫الدولية والدبلوماسية وخاصة في حوارها مع الواليات المتحدة األمريكية و أوربا‪.‬‬

‫‪ -2‬منظمة شانغهاى للتعاون ‪:‬‬

‫تعد المنظمة من أهم إفرازات النظام الدولي الذي ظهر فيما بعد الحرب الباردة لمواجهة‬

‫التفرد األمريكي في الق اررات الدولية ففي البداية ولدت نواة المنظمة عام ‪ ،1996‬بهدف تعزيز الثقة‬

‫واالستقرار في المناطق الحدودية بين الصين وروسيا وعدد من جمهوريات االتحاد السوفييتي‬

‫السابق‪ ،‬لتكبر وتنمو حتى أصبحت ما يعرف اليوم باسم منظمة شنغهاي‪.‬بالنسبة لروسيا يعد‬

‫االتفاق المبرم مع الصين حول الحدود في ‪ 2008‬النجاح الدبلوماسي األساسي خالل العهدتين‬

‫األوليتين من رئاسته كما تم اإلشارة إليه سابقا‪.64‬‬

‫وتضم المنظمة ‪ 6‬دول دائمة العضوية هي روسيا‪ ،‬الصين‪ ،‬طاجيكستان‪ ،‬قيرغيزستان‪،‬‬

‫كازاخستان وأوزبكستان‪ ،‬و‪ 5‬دول تملك صفة مراقب وتحضر االجتماعات السنوية وهي‪ :‬الهند‪،‬‬
‫إيران‪ ،‬منغوليا‪ ،‬باكستان وأفغانستان‪ ،‬كما أن سريالنكا وبيالروسيا وتركيا تعتبر شركاء في الحوار‪،‬‬

‫وطالبت مصر وسوريا باالنضمام إليها‪.‬‬

‫من بين أهداف المنظمة تعزيز سياسية الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين أعضائها دعم‬

‫التعاون في المجاالت السياسية والتجارية واالقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية وكذلك النقل‬

‫والتعليم والطاقة والسياحة وحماية البيئة‪ ،‬الضمان المشترك لألمن واالستقرار في المنطقة‪ ،‬العمل‬

‫على إقامة عالقات دولية في إطار نظام دولي عادل‪.65‬‬

‫ويعتبر العديد من المحللين أن المنظمة عبارة عن تحالف عسكري جديد يهدف إلى مواجهة‬

‫حلف الناتو‪ ،‬واعادة التوازن في العالقات الدولية‪.‬‬

‫‪- 3‬االتحاد األوراسي الجمركي ‪:‬‬

‫يعتبر مشروع التكامل األوراسي الذي تم اإلشارة إليه أعاله في السنوات األخيرة‪ ،‬من أهم‬

‫األولويات على أجندة السياسة الخارجية الروسية‪ .‬ينبغي أن يفهم هذا المشروع أنه ال يشمل فقط‬

‫طموح روسيا في أن تمارس المزيد من النفوذ السياسي واالقتصادي في الفضاء ما بعد االتحاد‬

‫السوفيتي‪ .‬بل على أساس أنه يدخل في إطار إستراتيجية تنموية بعيدة المدى حسب ما تعتقد‬

‫الطبقة الحاكمة الروسية‪.‬تهدف اإلستراتيجية الروسية على إيجاد مكان لها ولحلفائها في بيئة دولية‬

‫معقدة يسودها التنافس في عام متعدد األقطاب‪.‬‬

‫تأسس االتحاد في ‪ 1‬جانفي ‪ 2010‬بين بالروسيا‪ ،‬قازاخستان‪ ،‬وروسيا‪ .‬كخطوة أولى نحو‬

‫تشكيل تحالف اقتصادي على خطى االتحاد تخطط الدول األعضاء إلى االستمرار في التكامل‬

‫االقتصادي وإلزالة جميع الحدود الجمركية بين بعضها البعض بعد يوليو ‪ .2011‬في ‪ 19‬نوفمبر‬
‫‪ ، 2011‬قامت الدول األعضاء بتأسيس مفوضية مشتركة لتعزيز الروابط االقتصادية‪ ،‬التخطيط‬

‫لتأسيس االتحاد األوراسي بحلول ‪.2015‬‬

‫منذ ‪ 1‬جانفي ‪ ، 2012‬الدول الثالثة األعضاء أصبح لهم فضاء اقتصادي منفرد يطلق‬

‫عليه الفضاء االقتصادي المشترك لتعزيز المزيد من التكامل االقتصادي‪ ،‬المفوضية االقتصادية‬

‫األوراسية هي وكالة تنظيمية لالتحاد الجمركي ولتجمع االقتصادي األوراسي‪.‬‬

‫إن المشروع األوراسي يعد استجابة لضغوطات خارجية وليست داخلية لألسباب التالية‪:66‬‬

‫أوال‪ :‬بالعودة إلى التجارب التكاملية في المنطقة األوراسية التي تهدف إلى دمج الفضاء‬

‫السوفيتي نجدها في بعض األحيان معقدة‪،‬وفاشلة لصعوبة الربط بين الداوفع السياسية واألسس‬

‫االقتصادية‪ .‬إن الفكرة الروسية بإعادة دمج دول االتحاد السوفيتي سابقا تعتبر فكرة قديمة مرت‬

‫على سلسلة من التحوالت على مدي ‪ 15‬سنة الماضية‪ .‬فمن إنشاء منظمة شنغاي)‪ ، (OCS‬إلى‬

‫معاهدة األمن الجماعي )‪ (OTSC‬التي دخلت حيز النفاد في ‪18‬سبتمبر ‪ 2003‬بين ستة دول‬

‫من أعضاء االتحاد السوفيتي سابقا ليصبح عددها ‪ 11‬دولة هدفها التعاون العسكري واألمني بين‬

‫الدول األعضاء‪ ،‬إلى االتحاد الجمركي)‪. (EEU‬‬

‫ثانيا‪ :‬وينظر إلى إمكانات التنمية االقتصادية في روسيا على المدى الطويل من قبل خبراء‬

‫بوصفها مرتبطة بقدرات دول االتحاد السوفيتي سابقا على إنشاء سوق مشتركة‪ ،‬لتصبح حلقة‬

‫وصل فعالة في سلسلة من التعاون تمتد من الشرق (الهند والصين) إلى أوروبا‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العديد من الدول بعد انهيار االتحاد السوفيتي نجدها ال تقع تحت مجال نفوذ‬

‫روسيا‪،‬وانما تخضع إلستراتيجيات دول أخرى بعض جمهوريات آسيا الوسطى وجنوب القوقاز التي‬

‫تواجه بالفعل نفسه التحديات ‪ -‬الداخلية‪ ،‬الخارجية والسياسية واالقتصادية‪.‬‬

‫بالرغم من هذه الصعوبات تهدف روسيا إلى تجاوز هذه العقبات من خالل المشروع‬

‫األوارسي تخوفا من أن تقوم الواليات المتحدة األمريكية والدول الغربية بجر الدول التي تنتمي إلى‬

‫مجال نفوذها إلى تجمعات أخرى مثل ما حدث مع أوكرانيا األمر الذي تعتبره روسيا مرفوضا‪،‬‬

‫وعلى هذا األساس تسعى موسكو جاهدة إلى جعل آفاق التكامل األوراسي جذابة من الناحية‬

‫االقتصادية لجيرانها‪ .‬وقد استخدمت هذه األساليب من قبل موسكو في الماضي إلنجاح االتحاد‬

‫الجمركي‪ ،‬منذ عام ‪ .2012‬وقد كتبت أحد الصحف الكازاخستانية‪ " ،‬ريسبوبليكا " ‪KZ‬‬

‫‪Respublica KZ‬تضطر روسيا إلى إنشاء هياكل التكامل ليس على أساس المساواة بين‬

‫أعضائه‪ ،‬ولكن على أساس التنازالت التي ال تنتهي"‪.67‬‬

‫فروسيا تعطي بالفعل كازاخستان وروسيا البيضاء المزيد من المال‪ ،‬على شكل رسوم‪ ،‬وفي‬

‫شهر مايو من عام ‪ ،2014‬تم اتخاذ قرار استثمار ‪ 1.5‬مليار دوالر أمريكي في مشاريع البنية‬

‫التحتية في قيرغيزستان ببساطة للسماح لها أن تصبح عضوا فعليا في االتحاد ويقدر الخبراء أن‬

‫الميزانية الروسية سوف تفقد نحو ‪ 1.5‬مليار دوالر أمريكي كل عام لصالح الدول األعضاء في‬

‫االتحاد الجمركي في الفترة مابين عام ‪ 2015‬وعام ‪ .2017‬وتبقى أوكرانيا تشكل أكبر عقبة اليوم‬

‫لالتحاد األوراسي باعتبارها من أهم حلقات االتحاد التي اليمكن االستغناء عنها‪.‬‬

‫االستراتيجية الروسية في الجوار القريب‬


‫األزمة األكرانية‬

‫تسعى روسيا منذ وصول الرئيس " فالديمير بوتين"‪ ،‬إلى فك الحصار ومواجهة سياسة االحتواء‬

‫الذي تحاول الواليات المتحدة األمريكية والدول الغربية فرضها عليها في أوراسيا ‪.‬‬

‫ويشكل الفضاء السوفيتي‪ ،‬في هذا السياق المجال األنسب واألمثل وحتى المنطقي لها لبسط نفوذها‪،‬‬

‫وفرض سيطرتها عليه‪.‬وتعد أوكرانيا أهم حلقاته على اإلطالق فهي دولة محورية في أوراسيا نظ ار‬

‫لتاريخها المميز‪ ،‬وموقعها االستراتيجي‪ ،‬والمؤهالت االقتصادية والعسكرية التي تحوزها‪ .‬كما تعتبر‬

‫أوكرانيا العمق االستراتيجي وحجر الزاوية لألمن القومي الروسي‪ ،‬فهي الجدار األخير الذي يحمي‬

‫روسيا من توسع وتمدد حلف الناتو شرقا‪ .‬إضافة إلى األهمية التي تكتسيها شبه جزيرة القرم بالنسبة‬

‫لروسيا فهي مكان تواجد أسطول البحر األسود الروسي‪ ،‬ونقطة عبوره إلى المياه الدافئة ‪.‬‬

‫أدى التنافس االستراتيجي بين روسيا الغرب في أوكرانيا إلى انقسامها إلى قسمين قسم غربي يدين‬

‫بالوالء إلى أمريكا و أوروبا و قسم شرقي يدين بالوالء إلى روسيا‪ ،‬و بين محاولة أمريكا حصر‬

‫الروس في حدوهم الجغرافية‪ ،‬و رغبة الروس في منعهم واكتساب المكانة الدولية‪ ،‬انفجر النزاع داخل‬

‫أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم منذ ربيع ‪ 2014‬و هو مستمر إلى يومنا هذا‪،‬و تعد روسيا من أهم‬

‫أطرافه‪.‬‬

‫فقد‬ ‫ويمكن إرجاع األزمة إلى اندالع الثورة البرتقالية في ‪ 2004‬ومثلها في جورجيا وقرغيزيا‪،‬‬

‫اعتبرتها روسيا منذ البداية محاولة أمريكية لتغيير النظم الموالية والصديقة لروسيا في منطقة أوراسيا‬

‫عموما‪ ،‬وقد ترسخت هذه المعتقدات لدى صانع القرار الروسي بعد اقتراح‬
‫ً‬ ‫والبلقان وشرق أوروبا‬

‫مشروع الشراكة الشرقية األوروبية ‪ ،2009‬من قبل مجموعة "ألفسغراد" وهي بولندا والمجر‪ ،‬والتشيك‬
‫وسلوفينيا‪ ،‬والسويد والذي كان موجه نحو الدول الطامحة للتعامل مع أوروبا‪ ،‬لكنها تلقى معارضة‬

‫روسيا‪ ،‬وهي جورجيا وأرمينيا وأذربيجان في القفقاس‪ ،‬وبيالروسيا ومولدافيا‪ ،‬وأكرانيا شرق أوروبا‪،‬‬

‫ويعبر هذا المشروع عن نية أوروبا في تطوير سياسة الجوار األوروبية‪ ،‬من أجل تطوير البعد الشرقي‬

‫‪1‬‬
‫للسياسة الخارجية األوروبية ‪ ،‬التي تنوي في المستقبل تحقيق مشروع أوروبا العظمى ‪.‬‬

‫كما يدخل في إطار رغبة االتحاد األوربي الحد من تبعيته لروسيا في مجال الطاقة وحيث‬

‫تسمح الشراكة تعزيز مشروعات نقل النفط والغاز القادمة من آسيا الوسطى عبر أذربيجان ثم عبر‬

‫جورجيا ثم مباشرةً إلى بقية دول شرق أوروبا السابقة بما يتيح عملياً إبعاد تركيا وروسيا عن القيام‬

‫بدور الممر الرئيسي إلمدادات النفط والغاز من آسيا الوسطى‪.‬‬

‫لمواجهة هذه المساعي‪ ،‬قامت روسيا منذ ‪ 2003‬بتنويع صادراتها من الغاز إلى أوربا متجاوزة‬

‫أوكرانيا بإنشاء خطوط أنابيب جديدة مثل الخط الذي يمر عبر تركيا وبحر القزوين ‪Nord‬‬

‫‪Stream‬الذي تم تدشينه في عام ‪ ،2011‬وفي ‪ 1994‬الخط الذي يمر عبر بيالروسيا إلى بولونيا‪،‬‬

‫بالرغم من ذلك بقي ‪ %49‬من الغاز الروسي يمر عبر األراضي األوكرانية و تستورد‬ ‫وألمانيا‪.‬‬

‫أوكرانيا ما يقارب ‪ % 60‬منه ا تحتاجه لصناعاتها المعدنية والكيميائية التي تشكل مداخليها ‪%42‬‬

‫من الناتج المحلي اإلجمالي في حين يشكل مرور أنابيب الغاز ‪ %2‬من الناتج المحلي اإلجمالي‬

‫‪.2‬‬

‫(‪ )1‬محمد ا ألمين مقراوي الوغليسي ‪ "،‬األزمة األوكرانية جذورها ‪ ..‬خلفياتها ومستقبلها‪..‬بين يدي األزمة‪ ..‬اإلسالم والعالقات الدولية‪ "،‬مجلة البيان‪18 ،‬‬
‫‪ ،http://www.albayan.co.uk/rsc/print.aspx?id=3403‬تم التصفح في ‪.2015/3/2016/11/5‬‬
‫‪Maroun Khater ," La Crise Russo-Ukrainienne, " Les Perspectives Geostrategiques D’un Nœud De Tension,‬‬
‫)‪(2‬‬

‫‪Chronique, " FGM (2014) , P.5 , https://fgm.usj.edu.lb/pdf/a214.pdf, vu le 5/11/2016.‬‬


‫عملت روسيا على استعمال ورقة الغاز للضغط على أوكرانيا‪ ،‬فتأزمت األوضاع بين الطرفين‬

‫في ‪ 2006‬و ‪ 2009‬على التوالي‪ ،‬حيث طالبت أوكرانيا خالل األزمة األولى برفع الرسوم المترتبة‬

‫على روسيا لقاء ترانزيت غازها عبر أوكرانيا إلى أوروبا‪ ،‬مع إبقاء موسكو رسوم الغاز على ما هي‬

‫عليه‪ .‬تطور األمر إلى موافقة موسكو على مطلب كييف شرط تحولها إلى سداد مستحقاتها وفق‬

‫األسعار األوروبية الخالف أفضى إلى قطع موسكو إمدادات الغاز عن أوكرانيا مطلع ‪،2006‬‬

‫حينها ذاقت أوروبا م اررة فقدانها للغاز مع احتفالها بالعام الجديد عادت الخالفات بين موسكو وكييف‬

‫عام ‪ ،2008‬حيث كادت تبلغ ديون "نفطوغاز" األوكرانية المستحقة لـ"غازبروم" الروسية ثالثة‬

‫مليارات دوالر‪ .‬ما حمل عمالق الغاز الروسي على قطع إمداداته عن أوكرانيا مطلع ‪ 2009‬مطالبا‬

‫تقلصت على إثرها تباعا اإلمدادات إلى أوروبا‪ ،‬فيما تكبدت "غازبروم"‬ ‫روسيا بدفع مستحقاتها‪.‬‬

‫وبقيت الخالفات حول قضية الغاز إلى يومنا هذا‬ ‫خسائر فاقت المليار دوالر جراء تعنت كييف‪.‬‬

‫‪.3‬‬

‫وبعد وصول فيكتور ياكونوفيتش إلى السلطة في ‪ 2010‬كانت كيف تعاني من أزمة مالية‬

‫خانقة‪ ،‬ديون الغاز والرشوة وغيرها من المشاكل إثر األزمة االقتصادية‪ .2009‬فحاولت موسكو‬

‫تحضر نفسها‬
‫ّ‬ ‫استرجاع نفوذها ولكن نجاحها في ذلك كان محدودا ففي ‪ 2013‬وبينما كانت أوكرانيا‬

‫لتوقيع اتفاقية صداقة وتجارة حرة مع االتحاد األوروبي‪ ،‬استخدمت روسيا سلسلة من التكتيكات‬

‫العسكرية القوية‪ ،‬واإلغراءات بهدف إبعاد كييف عن تطوير عالقات أكثر قربا من بروكسل من‬

‫أهمها تقديم مساعدة مالية تقدر ب‪ 15‬مليار دوالر وتخفيض أسعار الغاز بالثلث‪ ،‬وتوقيف بعض‬

‫(‪ )1‬روسيا اليوم ‪ " ،RT‬لمحة تاريخية عن حروب الغاز بين روسيا و أوكرانيا " (‪،)2016/6/16‬‬
‫‪ https://arabic.rt.com/news/715769-%D8%AD%D8%B1%D‬تم التصفح في ‪.2016/11/5‬‬
‫الصادرات على الحدود‪ ،‬فالنت أوكرانيا في نوفمبر ‪ 2013‬للضغط روسيا وتخلت عن خططها‬

‫لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة الشاملة مع االتحاد األوروبي‪ ،‬مما أدت إلى أكبر موجة احتجاجات‬

‫رافضة المشروع لروسي منذ الثورة البرتقالية أجبر ت الرئيس فيكتور يانوكوفيتش على المغادرة عام‬

‫‪.2014‬‬

‫وفي ‪ 22‬فيفري انتقل الحكم إلى الموالين للغرب‪ ،‬فأرسلت موسكو قوة عسكرية محدودة إلى‬

‫شبه جزيرة القرم مدعومة من مليشيات محلية فتم عزل القوات األوكرانية وحصارها في ‪ 27‬فيفري‬

‫‪ .2014‬وفي ‪ 16‬مارس ‪ 2014‬نظمت روسيا استفتاء في القرم لالنفصال عن أوكرانيا واالنضمام‬

‫لروسيا االتحادية‪ ،‬جاءت نتيجة االستفتاء لصالح االنضمام لروسيا بنسبة ‪ .%95‬لم تعترف أوكرانيا‬

‫والغرب بذلك حتى اآلن‪ ،‬كما أن روسيا دعمت حركات التمرد في المناطق الشرقية ألوكرانيا حيث‬

‫أعلن إقليم الدونباس‪ ،‬وكركيف‪ ،‬و لوهانسك ‪ (Kharkiv Louhansk et Donetsk‬بانفصالهم‬

‫عن أوكرانيا مع العلم أن األقاليم الثالثة ذات أهمية بالنسبة لالقتصاد األوكراني فهي تشكل‪ 3/1‬من‬

‫اجمالي مداخيل الصادرات‪ ،‬و‪ 4/1‬من الناتج المحلي اإلجمالي ‪.4‬مما خلف صراع مسلح بين‬

‫القوات األوكرانية واالنفصالية ال يزال قائما إلى يومنا هذا‪ ،‬بالرغم من إبرام االنفصاليين المدعومين‬

‫من موسكو‪ ،‬والحكومة األوكرانية التفاقية (مينسك‪ )1‬و(مينسك‪ )2‬التي أقرت بوقف إطالق‬

‫النار شرقي أوكرانيا‪ ،‬واقامة منطقة عازلة‪ ،‬وسحب األسلحة الثقيلة‪ ،‬ووضع دستور أوكراني جديد يقر‬

‫المركزية‪. 5‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Khater,op.cit., p.‬‬
‫(‪ )5‬موسوعة الجزيرة‪ " ،‬اتفاقية مينسك ‪ ،http://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2015/3/4/%D8% ، )2015/3/5( " 2‬تم التصفح‬
‫في ‪.2016/11/5‬‬
‫وفي شهر جويلية‪ 2014‬فرضت على روسيا عقوبات بأسلوب منسق بواسطة االتحاد‬

‫األوروبي والواليات المتحدة األمريكية وكندا وحلفاء وشركاء آخرين‪ .‬فطردت روسيا من مجموعة‬

‫ٍ‬
‫بدرجة أكبر في سبتمبر ‪ 2014‬فقد تم مد فترة العقوبات المفروضة‬ ‫الثمانية تم دعم هذه العقوبات‬

‫من االتحاد األوروبي‪ ،‬التي كان من المقرر أن تنتهي في يوليو ‪ ،2015‬حتى يناير ‪ .2016‬كما‬

‫أن العقوبات األمريكية والكندية غير محددة األجل‪.‬‬

‫توجد ثالثة أنواع من العقوبات االقتصادية‪ ،‬النوع األول يقيد الوصول إلى األسواق والخدمات‬

‫المالية الغربية بالنسبة للمؤسسات الروسية الحكومية‪ ،‬محددة في قطاعات الصرافة والطاقة والدفاع‪.‬‬

‫حظر على الصادرات إلى روسيا من أجهزة معينة عالية التقنية للتنقيب عن‬
‫ًا‬ ‫ويفرض النوع الثاني‬

‫حظر على الصادرات إلى روسيا من بضائع عسكرية‬


‫ًا‬ ‫النفط وانتاجه‪ .‬أما النوع الثالث فيفرض‬

‫وبضائع ثنائية االستخدام معينة إضافة إلى العقوبات على األشخاص ذوي نفوذ مقربين من الرئيس‬

‫الروسي فالديمير بوتين‪ ،‬بعضهم من أغنى رجال األعمال في روسيا ومسؤولين في الدولة‪.6‬وفي‬

‫المقابل فرضت روسيا من جهتها في شهر أوت ‪ 2014‬حض ار على المنتجات الغربية ما زاد األمر‬

‫تعقيد وصعوبة بالنسبة لروسيا مع العلم أن معظم الواردات الغذائية يتم استيرادها من الدول الغربية‪.‬‬

‫قائما‪.‬‬
‫وما يزال هذا الحظر ً‬

‫لقد أدت العقوبات إلى انخفاض سريع وواضح في أسعار النفط والتي بدأت في األشهر من‬

‫عام ‪ .2014‬وتؤكد االحصائيات دخول روسيا مرحلة الركود االقتصادي‪ ،‬مع نمو إجمالي الناتج‬

‫(‪ )6‬إدوارد هنتر كريستي‪ " ،‬العقوبات بعد شبه جزيرة القرم‪ :‬هل نجحت؟‪ "،‬مجلة الناتو (‪، )2015‬‬
‫‪http://www.nato.int/docu/review/2015/Russia/sanctions-after-crimea-have-they-worked/AR/index.htm‬‬
‫تم التصفح في ‪.2016/11/7‬‬
‫مقارنة بالربع األول من عام ‪2014‬‬ ‫المحلي بنسبة ‪ %2.2-‬في الربع األول من عام ‪،2015‬‬

‫فإن التأثير المزدوج لهذه العقوبات واالنخفاض في أسعار النفط أدى إلى وجود‬ ‫عالوةً على هذا‪،‬‬

‫ضغط ملحوظ نتج عنه انخفاض قيمة الروبل الروسي وزيادة نسبة هروب رأس المال في الوقت‬

‫وأدت العقوبات المفروضة على الوصول إلى موارد التمويل إلى إجبار الحكومة الروسية‬ ‫نفسه‪،‬‬

‫على استخدام جزء من احتياطي العمالت األجنبية لها لدعم الكيانات المتضررة من العقوبات‪ .‬وقد‬

‫قيدت هذه التطورات حرية حركة البنك المركزي الروسي‪ ،‬الذي توقف بصورة مفاجئة عن الدفاع‬

‫عن قيمة الروبل الروسي ورفع معدالت الفائدة في ديسمبر ‪ .72014‬بالرغم من ذلك اليزال النواع‬

‫مستمر وحققت روسيا العديد من المكاسب الجيوسياسية من خالل إداراتها لألزمة‬

‫‪ -‬التوقيع على اتفاقية ميسنك الثانية و رغم الشكوك التي خيمت على نجاحها إال أنها استطاعت‬

‫أن تحقق السالم و لو بشكل نسبي في أوكرانيا‪ ،‬رغم استمرار بعض المناوشات في شرق‬

‫أوكرانيا‪.‬‬

‫‪ -‬التدخل العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم بعد أن صوت البرلمان اإلقليمي لشبه الجزيرة‬

‫لصالح قرار االنضمام لالتحاد السوفياتي‪.‬‬

‫‪ -‬تحجيب السياسة األوكرانية و تفكيك التكامل الجغرافي‪.‬‬

‫‪ -‬استخدمت روسيا الوسائل غير عسكرية في حربها الهجينة مثل وسائل اإلعالم‪ ،‬التي وظفتها‬

‫للزيادة من االستياء العام من الغرب‪.‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬


‫‪ -‬قامت روسيا بضغوطات اقتصادية على أوكرانيا فنقلت النزاع مع أوكرانيا إلى مضيق كيرتش‬

‫نوفمبر ‪ ،2018‬الذي يربط البحر األسود ببحر األزوف‪ ،‬قامت باعتقال عدد من البحارة‬

‫األوكرانيين و إغالق المضيق ما نص السفن األوكرانية من العبور‪.‬‬

‫االستراتيجية الروسية في الجوار البعيد‬

‫التدخل العسكري في سوريا‬

‫قررت موسكو انتهاج سياسة ناشطة إيجابية في سوريا ألن الموقف من األزمة السورية يتيح‬

‫فرصا أكبر ومجاالت أوسع لحركة خارجية روسية ال تتيحها قضية أخرى‪ .‬فلقد سمحت األزمة لروسيا‬

‫أداء دور المدافع عن مبدأ السيادة الوطنية‪ ،‬وعن ميثاق وقواعد القانون الدولي‪ ،‬وبناء ائتالف يضم‬

‫قوى ودوال ترفض نهج التدخل األمريكي األحادي فدعمت الصين والهند والب ارزيل وجنوب إفريقيا‬

‫وايران والعراق وبع ض األقطار العربية والحركات السياسية مثل حزب اهلل‪ ،‬الموقف الروسي من‬

‫يؤدي‬
‫األزمة في سوريا‪ .‬ويرتبط هذا الدور ارتباطا وثيقا بمصالحها الوطنية‪ .‬فموسكو تخشى أن ّ‬
‫تدخالت أجنبية‬
‫السماح للواليات المتحدة باستخدام القوة ساعة تشاء ومن دون أي قيود خارجية‪ ،‬إلى ّ‬
‫على مقربة من الحدود الروسية‪ ،‬أو حتى داخل تلك الحدود‪ ،‬والسيما في شمال القوقاز‪ .‬كما اعتبرت‬

‫المؤيدة للغرب‪ ،‬يمهّدون الطريق‬


‫ّ‬ ‫روسيا أن الدول الغربية‪ ،‬والنخب الليبرالية في الدول العربية‬

‫للمتطرفين الدينيين أو حلفاء تنظيم القاعدة‪ .‬وكانت اإلشارات إلى الربيع العربي والديمق ارطية في هذا‬
‫ّ‬
‫مجرد "حديث أطفال"‪ .‬ولهذا رأى صناع‬
‫السياق‪ ،‬بالنسبة إلى وزير الخارجية "سيرغي الفروف" أنها ّ‬
‫القرار في روسيا أن األزمة السورية إستراتيجية أمريكية غربية هدفها إضعاف روسيا‪ ،‬من خالل‬

‫تصدير اإلسالموية و الجهادية إلى الشيشان وشمال القوقاز‪ ،‬ووسط أسيا‪ ،‬وقد عبر الناطق باسم‬
‫و ازرة الخارجية الروسية "إن مصير الوضع في سوريا سيرسم طبيعة النظام الدولي الجديد"‪ .‬وأن‬

‫‪.‬‬ ‫‪68‬‬
‫التغيير في هذا البلد هو تغيي ار للخريطة الجيوسياسية وليس تغي ار للنظام‬

‫عموما يعود التدخل العسكري الروسي في سوريا العتبارات جيوسياسية شاملة‪ ،‬يندرج الدور‬

‫الروسي في سياقها إلعادة رسم خارطة تقاسم النفوذ في منطقة الشرق األوسط‪ ،‬ومن خالل مجموعة‬

‫عمليات إعادة تمحور دولية واقليمية ويمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫وذلك بتأمين المناطق التي‬ ‫‪ -)1‬ضمان قدر من التواجد العسكري في المنطقة وما حولها‪،‬‬

‫يطلق عليها" سوريا المفيدة " والتي يسيطر عليها النظام السوري بمحاذاة الساحل‪ ،‬والتي تتركز بها‬

‫أغلب المؤسسات الحكومية‪ ،‬والمناطق الصناعية‪ ،‬والمرافئ من أبرزها تأهيل ميناء طرطوس ليكون‬

‫قاعدة عسكرية روسية تنفيذا لالتفاق الموقع بين الدولتين منذ عام ‪ ،8002‬وصفقات الغاز والنفط‬

‫المبرمة بين الحكومة السورية وشركات النفط الروسية‪ ،‬وكذلك صفقات السالح والنووي‪ ،‬إضافة إلى‬

‫مساعدة النظام في تأسيس مطار عسكري بالقرب من مطار الالذقية المدني‪ ،‬وبدء العمل في إقامة‬

‫قاعدة عسكرية روسية في مطار حميميم على بعد ‪ 22‬كيلومت ار جنوب مدينة الالذقية‪ ،‬باإلضافة‬

‫إلى ذلك تخشى روسيا أن تكون حصيلة مكاسبها في الوضع الجديد ال تتناسب وجهودها طوال‬

‫السنوات الماضية في دعم وتسليح النظام السوري‪ ،‬وحمايته من كافة أشكال اإلدانة القانونية‬

‫والسياسية في مجلس األمن عبر استخدامها للفيتو تجاه أي قرار ضده‪.‬‬

‫‪ -)2‬تعتبر روسيا التدخل في سوريا هو و رسالة إلى كل من تسول له نفسه االقتراب من‬

‫مناطق نفوذ موسكو‪ ،‬حيث عمدت موسكو إلى استعراض ترسانتها الصاروخية‪ ،‬واستخدام أحدث‬

‫وسربت وسائل إعالمها مقاطع فيديو توثق لحظة إطالق صواريخ "كروز" من بحر‬
‫ط ارزات األسلحة‪َّ ،‬‬

‫قزوين‪ .‬كما استخدمت غواصاتها إلطالق صواريخ مجنحة رغم أن محاربة المعارضة المسلحة أو‬

‫حتى "تنظيم الدولة" ال تحتاج إلى هذه األنواع من األسلحة‪ ،‬وقد أشار الرئيس الروسي بوتين في‬

‫مؤتمره الصحفي السنوي في ‪ 17‬ديسمبر‪ ،2015‬إلى " أن العمليات في سوريا تعد تدريبات عسكرية‬
‫ذات كلفة رخيصة في ظروف حرب حقيقية"‪ .69‬كما تعد زيادة أيضا من التواجد الروسي في األسواق‬

‫العربية والشرق األوسطية في مجال تجارة األسلحة‪ ،‬النووي‪ ،‬البترول والغاز‪ ،‬المواد الغذائية وغيرها‬

‫التجارة ‪.‬‬

‫‪ -)3‬محاولة لتخفيف الضغوط التي تمارسها عليها الواليات المتحدة في مناطق الجوار‬

‫الجغرافي الروسي المباشر‪ ،‬وذلك عبر ضغط روسي مقابل في مناطق تمثل أهمية إستراتيجية‬

‫لإلدارة األمريكية السيما في منطقة الشرق األوسط‪ ،‬بما يمكنها من فتح حوار مباشر تجاه جميع‬

‫القضايا عبر التفاوض والمقايضة‪ ،‬بحيث تضمن طبقا لذلك حماية مصالحها وتواجدها في منطقة‬

‫شرق المتوسط والمشرق العربي‪ ،‬وحاليا تطبق روسيا هذا التصور في سوريا‪ ،‬حيث أطلقت موسكو‬

‫دعوة للحوار مع واشنطن بشأن الصراع في سوريا في منتصف سبتمبر‪.2016‬‬

‫‪-)4‬رفع ال دعم للرئيس بوتين داخليا‪ ،‬حيث أن العقوبات االقتصادية المفروضة على روسيا‬

‫بعد ضمها لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا‪ ،‬وتدني أسعار النفط دفع الماليين من المواطنين الروس‬

‫للدخول في الطبقة الفقيرة‪ ،‬وأن العمليات في سوريا تشغل الناس عن األوضاع الداخلية وترفع االعتزاز‬

‫بالوطنية‪.‬‬

‫‪ -)5‬مساندة األنظمة والقوى الصديقة في المنطقة وبناء معها تحالفات جيوسياسية دائمة‪ ،‬فلقد‬

‫كانت الجهود الروسية الصينية لعرقلة الواليات المتحدة في سوريا منذ نحو‪ 6‬سنوات تهدف إلى حماية‬

‫المصالح‪ ،‬والحفاظ على الذات ومنع امتداد الصراع إلى إيران ثم إلى جنوب روسيا وفي نهاية‬

‫المطاف إلى غرب الصين‪ .‬غير أنه بعد االتفاق اإليراني النووي‪ ،‬برزت مخاوف روسيا من استبعادها‬

‫عند إعادة رسم الخريطة اإلستراتيجية‪.‬‬

‫كما تتعلق الشكوك الروسية فيما يخص عالقاتها مع إيران حول اختالف جدول أعمال هذه‬

‫األخيرة اإلقليمي الذي يتمحور حول الشيعة والسنة والتنافس اإليراني‪-‬السعودي ‪.70‬‬
‫‪ -)6‬الرغبة في جذب االستثمارات إلى روسيا‪ ،‬وخاصة من الدول الغنية في الخليج العربي‪.‬‬

‫ودعم أسعار الطاقة من خالل تنسيق السياسات مع الدول المنتجة للنفط والغاز الرئيسي في المنطقة‪.‬‬

‫أدى التدخل الروسي في سوريا إلى زيادة مستوى االتصال من أي وقت مضى مع دول الخليج‬

‫وباألخص السعودية‪ ،‬وقد أثبتت الطرفين على درجة من البراغماتية عند التعامل بالرغم من الخالفات‬

‫بينهما‪ ،‬مثل دعم حكومة عبد الفتاح السيسي في مصر والرغبة في رؤية أسعار النفط تستقر وتتحرك‬

‫صعودا‪ .‬بالنسبة للسعوديين‪ ،‬االتصال مع روسيا هو جزء من تنويع العام للسياسة الخارجية بعيدا‬

‫عن االعتماد المفرط على الواليات المتحدة خاصة بعد االتفاق النووي مع إيران التي تعد العقبة‬

‫األساسية في العالقة بينها وبين روسيا ‪.‬‬

‫‪ -)7‬توطيد العالقات الروسية التركية‪ ،‬بعد أن شهد التأثير التركي في الملف السوري تراجعا‬

‫كبيرا‪ ،‬ليس فقط بسبب التدخل العسكري الروسي وحالة الالمباالة عند الناتو والواليات المتحدة‪،‬‬

‫وخشية أنقرة من التورط في حرب مع موسكو‪ ،‬بل أيضا بسبب السياسات األميركية وضلوع واشنطن‬

‫في خلق فيدرالية كردية في شمال سوريا على الحدود مع تركيا‪ .‬وعدم تسليمها فتح اهلل غولن المتهم‬

‫في عملية االنقالب ضد الرئيس أردوغان‪ ،‬ورفض االتحاد األوروبي تحرير في از "شينغن"‪ ،‬وتجميد‬

‫ملف العضوية وملف الالجئين‪ ،‬والموقف السلبي لحلف الناتو من االنقالب الفاشل‪ ،‬وعدم التزامه‬

‫بالدفاع عن تركيا في األزمة السابقة مع روسيا‪ ،‬وسحبه لبطاريات صواريخ باتريوت من األراضي‬

‫التركية‪ ،‬وغيرها من األسباب‪ ،‬وقد أعاد هذا التوتر إحياء الرغبة التركية في تعديد محاور سياستها‬

‫‪.‬‬ ‫الخارجية وتنويعها واخراجها من حصرية المحور الغربي‬


‫‪71‬‬

‫أدت التطورات المذكورة إلى تسهيل الدور الروسي في سوريا‪ ،‬وظهرت النتائج فورية‪ ،‬حيث‬

‫تخلت المعارضة عن حمص وسط سوريا بعد هدنة في ديسمبر ‪ ،2015‬كما عملت موسكو وأنقرة‬

‫في ديسمبر ‪ 2016‬للتوصل إلى هدنة شاملة في سوريا‪ .‬وفي يناير ‪ ،2017‬اجتمعت روسيا وتركيا‬
‫وايران في أستانة لعقد مباحثات قادت إلى وقف محدود إلطالق النار‪ ،‬واقامة مناطق وقف التصعيد‬

‫بشهر مايو في جنوب ووسط وشمال سوريا‪.‬‬

‫وشكل تحرير مدينة تدمر وسط سوريا في مايو ‪ 2017‬بغطاء جوي روسي‪ ،‬انتصا ار جديدا‬

‫لموسكو‪ ،‬ثم تبعه إعالن الرئيس دونالد ترامب عن إنهاء دعم الواليات المتحدة للمعارضة في يوليو‬

‫وانسحاب القوات األمريكية في ديسمبر ‪.2018‬‬

‫خاتمة‬

‫ساهمت األوراسية الجديدة في بناء مسارات السياسة الخارجية الروسية‪ ،‬منذ تولي بوتين للسلطة‬

‫في روسيا‪ ،‬فالديناميكية الديبلوماسية لروسيا في جوارها القريب أو البعيد ال يمكن فهمها وتفسيرها‬

‫فقط بمصالح وطنية ذات أهداف قصيرة المدى ‪ ،‬ولكن أيضا بنظرة إيديولوجية تحاول أن تفرض‬

‫نفسها كبديل للنظرية الغربية في العالقات الدولية‪ ،‬والتي تعد من القضايا األكثر إلحاحا في السياسة‬

‫الخارجية والتي أطلق عليها ألكسندر دوغين النظرية السياسة الرابعة‪.‬‬

‫إن هذه الدينامكية الجديدة التي حولت السياسة الخارجية الروسية من مجرد استجابة وردود‬

‫أفعال إلى سياسة استباقية مبادرة ( إقامة تحالف أوراسي يتكون من دول االتحاد السوفييتي في‬

‫مواجهة االتحاد األوروبي ‪ ،‬كسر الطوق الذي يحاول الغرب ضربه حول روسيا‪ ،‬حتى إذا أدى إلى‬
‫العمل العسكري‪ ،‬كما في جورجيا أوكرانيا‪ ،‬مواجهة الغرب خارج أوراسيا‪ ،‬مثل الشرق األقصى‬

‫واألوسط لزعزعة الهيمنة الغربية على النظام الدولي‪ .)،‬وتعتمد روسيا لتحقيق ذلك على مجموعة من‬

‫المحددات أهمها الرصيد التاريخي المتراكم عبر العصور وليس ضليع االتحاد السوفيتي فقط‪ ،‬القدرات‬

‫االقتصادية الضخمة واعادة االعتبار لصناعة الطاقة كأحد ركائز المشروع األوراسي‪ ،‬وعصرنة القوة‬

‫العسكرية‪ ،‬تعزيز سيطرة السلطة على المؤسسات السياسية للدولة و إعادة التسيير المركزي لألقاليم‬

‫والجمهوريات في ظل تراجع الهيمنة األمريكية والسعي إلى إقامة عالم متعدد األقطاب تسوده تكتالت‬

‫دولية جديدة مما قد يخلق فرصا جديدة للدول العربية يمكن استغاللها‪.‬‬

‫قائمة الهوامش ‪:‬‬


1
) Clapsa Dmitri, "Geo-Political Thinking in Russia and New Foreign Policy Concept",
POLPSStudent (Fabruary,2006),www.personal.ceu.hu/students/05/Dmitri.../geo
politics_russia.rtf, Vu.Le 10/5/2018.

2018/5/15 ‫ تم التصفح في‬،‫ نواقيس‬،" ‫ "نحو إمبراطورية أوراسية جديدة‬،‫)ألكسندر دوغين‬2


https://nawaqees.com/%D8%A7%D9%84%D8%A.
3
) Mitrofanova, Op.Cit. pp. 183.
4
) Dmitri, Op.Cit.
5
) Ibid.
6
) George Friedman,"The Geopolitics of Russia: Permanent Struggle" , Stratford Global
Intelligence APRIL 15, 2012, https://worldview.stratfor.com/article/geopolitics-
russia-permanent-struggle, vu le 15l10l2018 .
7
) Pascal marchand, Atlas Géopolitique de la Russie Le Grand Retour sur la Scène
international( Paris : Editions Autrement, 2015), pp.14,15.
8
) Delanoë, Op.cit., pp.23-35.
9
) Romer , Op.cit., p.9.
10
)Lock.cit.
‫ "السياسة الخارجية الروسية في السياقين التاريخي‬،‫ وآخرون‬،‫ كريستوفر إيس تشيفيس‬،‫) أولجا أوليكير‬11
،)2015( RAND ‫" مؤسسة‬،‫والحالي‬
https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/perspectives/PE100/PE144/RAND_
.2018/5/15 ‫ تم التصفح في‬، PE144z1.arabic.pdf
‫ المتغيرات الداخلية والخارجية في روسيا االتحادية وتأثيرها على سياستها تجاه‬،‫) لمى مضي اإلمارة‬12
‫مركز اإلمارات للدراسات والبحوث‬:‫ اإلمارات العربية المتحدة‬،2003-1190 ‫منطقة الخليج العربي في الفترة‬
.16 .‫ ص‬،)200 ‫ الطبعة األولى‬، ‫االستراتيجية‬
13
) Marchand, Op.cit., p.21.
14
) Ibid.,p.38.
،" ‫ "روسيا‬، ‫) ويكيبيديا الموسوعة الحرة‬15
.2018/5/20 ‫ تم التصفح في‬،https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B1%D9%88%D8
16
)Advantour, " Les Ressources Naturelles ,l’ Economie de la Russie ,le Potentiel en
Ressources Naturelles de la Russie",
http://www.advantour.com/fr/russia/economy/natural-resources.html, vu le
10/8/2016
17
) Nina Bachkatov," L’Energie Diplomate. Enjeux Et Effets De La Diplomatie
Energétique De La Fédération De Russie, "Reflexion ( 17/12/2009) ,
http://reflexions.ulg.ac.be/cms/c_339268/fr/lenergie-diplomate, vu Le 16/8/2016.
،)12/04/2016 (" ،‫"روسيا خامس منتج للحديد والصلب ورابع مصدر له في العالم‬،RT ‫) روسيا‬18
،https://www.google.dz/?gws_rd=cr,ssl&ei=112VVs-rH4WSsAH58IOICw
.2016/08/28 ‫تم التصفح في‬
19
)Thomas Delage," Entretien avec Aurélie Bros le 28 Juin2018 , Ressources
Énergétiques : Le Trésor de la Russie ?, "Revue Diplomatie les Grands Dossiers, n°
40(Aout-Septembre2017), p.29.
20
) Cyrille Bret, Michael Begorre –Bret," la Russie a-t-elle les Moyens Economiques
de ses Ambitions Géopolitiques ?, "Revue Géopolitique (janvier 2016),
http://www.diploweb.com/La-Russie-a-t-elle-les-moyens.html, vu le 20/08/2016.
21
) DomitillaSagramoso, " l’Economie Russe Sous Vladimir Poutine,", Revue Politique
Etrangère, vol.69, n° 61 (2004),pp.123.135.
Marcin Kaczmarski, "Domestic Power Relations and Russia’s Foreign Policy ,"
22

University of Warsaw,
https://www2.gwu.edu/~ieresgwu/assets/docs/demokratizatsiya%20archive/GWASH
U_DEMO_22_3/E0361765L61G4886/E0361765L61G4886.pdf, vu le 15/102016.
23
Ibid., p.386.
24
Karine Bechet-Golovko, "Le mythe du pluralisme politique en Russie :Le mythe du
renforcement du multipartisme en Russie"Revue Est europa (2011),
http://russiepolitics.blogspot.com/p/le-mythe-du-pluralisme-politique-en.htm, vu
le 30/102016.

25
Karine Gatelier," Partage du pouvoir : l’appareil d’Etat en Russie,
"Irénées.net,Grenoble( octobre 2005) http://www.irenees.net/bdf_fiche-
experience-188_fr.html vu le 30/10/2016 , Vu le 30/10/2016
26
Lock .cit.
،) 2012/3/15 ( 45 ‫"مجلة الديمقراطية العدد‬،‫ بوتينيعودإلىالكرملين‬.. ‫" روسيا‬، ‫هانى شادى‬27
.2016/10/30 ‫ تم التصفح في‬، http://democracy.ahram.org.eg/News/102

Jean –Robert Raviot ,"Poutine Acte II ,"Revue Questions International ,


28

n°57(septembre-octobre 2012),p.19.

https://arabic.rt.com/news/840078-،)2016/9/8( " ‫ " حزب روسيا الموحدة‬،RT‫روسيا اليوم‬29


.2016/10/30‫ تم التصفح في‬، %D

،)2016/9/5(" ‫ " الحزب الشيوعي الروسي‬، ‫ويكيبديا‬30


‫تم التصفح في‬، ‫الروسي‬-‫الشيوعي‬-‫الحزب‬-https://arabic.rt.com/news/839624
.2016/10/30

31
Bechet-Golovko,op.cit.
،)2016/9/5( RT‫" روسيا اليوم‬، ‫ " الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي‬،‫صفوان أبو حال‬32
. 2016/10/30 ‫ تم التصفح في‬، https://arabic.rt.com/news/839586-

https://arabic.rt.com/news/839625- ،)2016/9/5( " ‫ "حزب روسيا العادلة‬، RT ‫روسيا اليوم‬33


.2016/9/3 ‫ تم التصفج في‬،%D8%AD%D8%B2%

‫ تم‬، https://arabic.rt.com/news/839378- ،) 2016/9/3 ( " ‫" حزب رودينا‬، RT ‫روسيا اليوم‬34


.2016/10/30 ‫التصفح في‬

.77‫ ص‬، ‫" مرجع سابق‬،.. ‫" المتغيرات الداخلية‬، ‫اإلمارة‬35


36
Anne Gazier ," un Système institutionnel et Politique en Evolution," Revue Questions
International, n°57(Septembre 2012) ,p. 28 .

37
Ibid ., p.29.
38
Gazier , op.cit ., p p.29,30.
39
Raviot , op.cit .,pp.18 ,19.
40
Gazier , op.cit ., p p.29,30.
،)2016/9/18( ‫" الجزيرة‬، 2016 ‫" روسيا ما بعد انتخابات الدوما‬، ‫عامر راشد‬41
‫ تم‬،http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2016/9/18/%D8%B1%D9
.2016/10/25 ‫التصفح في‬
42
Gazier , op.cit .,pp.31-35.
43
Raviot , op.cit,p.22.
44
) Pascal Marchand ," Armee Russe Une Renaissance Toute Relative, " Causeur .fr
(11 janvier 2016), www.causeur.fr, vu le 20 juin2016.
‫مركز‬: ‫ السياسة الروسية تجاه الشرق األوسط في القرن الحادي والعشرين (القاهرة‬،‫) نورهان الشيخ‬45
.26.‫ ص‬،)2010، ‫الدراسات األوربية‬
46
) Isabelle Facon ," Une Nouvelle Doctrine Militaire Pour Une Nouvelle Russie,"
Revue Internationale Et Stratégique, n°68(4/2007), pp. 143-151
47
) Philippe Migault , "la Stratégie Militaire de la Russie ," Conférence au Cercle
Pouchkine " 11fevrier 2016(,
https://www.youtube.com/watch?v=D10OR1ZXBbM vu le 15juin2016
48
) Facon, Une Nouvelle… op.cit. , p.745.
49
) Radio France internationale( RFI), "La Russie Raffermit SaNouvelle Doctrine
Militaire ," http://www.rfi.fr/europe/20141226-russie-nouvelle-doctrine-militaire-
poutine-defense-armee-otan-raffermie-diplomatie ,vu Le 5/07/2016.
50
) wikipedia ," GLONASS ," https://fr.wikipedia.org/wiki/GLONASS, vu le 30juin
2016.
51
) Isabelle Facon , "Que vaut l’armée russe ?," Revue politique étrangère, N°1 ,
(Printemps 2016) , P.152.
52
) Migault," la srategie.. ," op.cit .
53
) Facon , "Que ..., " op.cit., p.158.
54
) Migault," la srategie.. ," op.cit
55
) Facon , "Que ..., " op.cit., p.159.
56
) AFP ," Ukraine Puis La Syrie : La Russie ' Une Guerre Médiatique a L' Autre , " LA
CROIX , http://www.la-croix.com/Monde/L-Ukrain
57
) SPUTNIK,"Malgré les sanctions, l'industrie militaire russe bat des
records,"(19l4l2016),https://fr.sputniknews.com/defense/201604191024369031-
industrie-militaire-sanctions-developpement/vu le6l7l2016.
58
) SPUTNIK," La Demande De Matériel Militaire Russe En Hausse " ( 28/3/2016),
https://fr.sputniknews.com/defense/20160328102373677/, vu le 6/7/2016.
،‫" الشرق األوسط في متاهات الحرب الباردة النزاعات بالوكالة أداة جديدة لتمزيق وحدة الدول‬، ‫عمر نجيب‬59
)2014‫ديسمبر‬ 11 ‫الخميس‬ ( ‫شبكةالبصرة‬
‫ تم التصفح في‬،http://www.albasrah.net/ar_articles_2014/1214/najib_111214.hmtl
.2016/10/30
‫" المركز العربي للدراسات والبحوث‬،‫بدور روسي مؤثر‬ ْ ‫ نظام عالمي جديد‬:‫" البحث عن المكانة‬،‫ نورهان الشيخ‬60
.2016/10/30 ‫ تم التصفح قي‬،http://www.acrseg.org/36504 ،)2015/‫يناير‬/05 ‫(اإلثنين‬

.‫ مرجع سابق‬،‫ نجيب‬61


62
BertandBadie, "Quel Système International ?," Relations Internationales,
Notice1,http://archives.cerium.ca/IMG/pdf/J_2_Badi.pdf,vu le1/112016
"‫ أسئلة‬10 ‫تعرف عليه في‬... ‫يقوده بوتين لكبح نفوذ أميركا‬... ‫ عمالق جديد‬: ‫" بريكس‬، ‫سبوتنيك عربي‬63
،)2015/7/27(
https://arabic.sputniknews.com/news/201507221015046605.2016/10/30 ‫تم الصفح في‬
64
Gomart, op.cit. P.50.
،)2015/7/9( RT" ،‫ " هيكلية منظمة شنغهاي و أهدافه‬،‫روسيا اليوم‬65
https://arabic.rt.com/news/788160-
.2016/11/3 ‫ تم التصفح في‬، %D9%87%D9%8A%D9%83%D9%84%D9%8A%D8%

66
Denis Alexeev , "Russian Politics in Times of Change: Internal and External
Factors of Transformation ,"Connections,vol.14, N°1, (Winter2014), pp.113-117.
67
Ibid.,p.116.
‫زيدان ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪.304.‬‬ ‫‪68‬‬

‫اسامر إلياس‪ " ،‬التدخل العسكري في روسيا األهداف المعلنة والنتائج الممكنة ‪ " ،‬الجزيرة (‪، )2016/1/6‬‬ ‫‪69‬‬

‫‪ ،http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2016/1/5/%D8%A7‬تم التصفح في ‪.2016/12/25‬‬


‫راغدة درغام ‪ "،‬مصالح روسيا والمشروع اإليراني في سورية‪ "،‬جريدة الحياة (الجمعة ‪ 6‬جانفي ‪، )2016‬‬ ‫‪70‬‬

‫‪ ،http://www.alhayat.com/Opinion/Raghida-Dergham/19451570/%D9%85%‬تم التصفح في ‪.2016/12/25‬‬


‫عامر راشد ‪ "،‬العالقات الروسية التركية‪ ..‬خصومة على أرضية المصالح ‪ "،‬السورية ‪ .‬نت (‪8‬جويلية ‪،)2016‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪ ،https://www.alsouria.net/content/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D‬تم التصفح في ‪.2016/12/30‬‬

You might also like