Professional Documents
Culture Documents
مكانة أوكرانيا في الفكر الجيوبوليتيكي الروسي
مكانة أوكرانيا في الفكر الجيوبوليتيكي الروسي
تاريخ النشر2022/12/29 : تاريخ القبول للنشر2022/12/29 : تاريخ االستالم2022/09/27 :
-----------------------
ملخص :تهدف هذه الورقة البحثية إلى معالجة دوافع االهتمام الروس ي بأوكرانيا من خالل دراسة خطوات
روسيا التوسعية لتعظيم مكاسبها الجيوسياسية ،فقد حدث تغيير ملحوظ على سياستها الخارجية تجاه جوارها
اإلقليمي ،أين برز بشكل واضح مسعاها الستعادة نفوذها في الدول السوفياتية السابقة على غرار أوكرانيا التي أبانت عن
طموحها الغربي ونيتها لالنضمام إلى حلف الشمال األطلس ي .وهو ما يشير إلى رغبتها في تعزيز تواجدها وحضورها في
مختلف املجاالت الحيوية القريبة والبعيدة بناء على توظيف الجيوبوليتيك إلعادة رسم مجالها الحيوي وفق ما يتضمنه
مشروع األوراسية الجديدة .وتأسيسا على ذلك تروم الدراسة ملعرفة األهمية الجيوسياسية ألوكرانيا في الفكر
الجيوبوليتيكي الروس ي باالستناد على تاريخ العالقات بين البلدين وطابع الصراع األطلس ي األوراس ي على أوكرانيا.
الكلمات املفتاحية :أوكرانيا -روسيا -الجيبوليتيك -حلف الشمال االطلس ي -الغرب.
Abstract:
This paper aims to address the motivations of Russia's interest in Ukraine by examining
Russia's expansionist steps to maximize its geopolitical gains. Where has there been a marked
change in its foreign policy towards its regional neighbourhood. Where were their efforts to
regain influence in former Soviet states, such as Ukraine, which had demonstrated its western
ambition and determination to join NATO. This indicates its desire to strengthen its presence
and presence in various vital fields near and far on the basis of employing geopolitics to
redraw its vital field according to what is included in the new Eurasian project. Accordingly,
the study aims to know the geopolitical importance of Ukraine in Russian geopolitical thought
based on the history of relations between the two countries and the nature of the Atlantic-
Eurasian conflict over Ukraine.
key words: Ukraine - Russia - Geopolitics - NATO – The Western.
77 جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 :
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
.1مقدمة:
يلعب الجيوبوليتيك دورا هاما في تعظيم املكاسب الجيوسياسية للدولة ،فجغرافية األرض والسكان لطاملا أثرت في
السياسات الخارجية للدول خالل الحربين العامليتين األولى والثانية بدافع التوسع والسيطرة على املجاالت الحيوية أين
اعتبرت الجغرافية املحدد الرئيس ي لسلوك الدول .بيد أن نهاية الحرب العاملية الثانية ودخول العالم مرحلة الحرب
الباردة تمخض عنه تراجع الفكر الجيوبوليتيكي ،حيث أصبح جوهر الصراع بين االتحاد السوفياتي والواليات املتحدة
األمريكية قائما على التوسع األيديولوجي وسعي كل قطب الحتواء اآلخر.
وفي الوقت الذي انهار فيه االتحاد السوفياتي وبرزت الواليات املتحدة األمريكية كقطب وحيد على الساحة
الدولية ،وتمددها في املجال الحيوي الروس ي باستمالة الدول السوفياتية السابقة لالنضمام إلى حلف الناتو ،واكتفاء
الرئيس الروس ي بوريس يلتسين Boris Nikolaevič Elʹcinبترتيب الداخل الروس ي باالنفتاح على الرأسمالية وتبني
سياسات اقتصادية ليبرالية ،نجح الغرب في الترويج لنهاية التاريخ وانتصار اللبرالية كنموذج اقتصادي وسياس ي
واجتماعي.
وعلى خالف ذلك نجح فالديمير بوتين Vladimir Putinعند توليه السلطة سنة 1999في رد االعتبار لروسيا
االتحادية من خالل فرض حضورها من جديد في جوارها السوفياتي السابق وفي مجاالت حيوية أخرى تمتد إلى آسيا
وأفريقيا ،وهو األمر الذي أعاد إحياء الفكر الجيوبوليتيكي من جديد نتيجة سعي روسيا بوتين إلى توظيف األبعاد
الجغرافية ،والتاريخية ،والديمغرافية (القومية الروسية) لرسم املجال الحيوي الروس ي وتقويض النظام اإلقليمي
األوروبي وحتى النظام الدولي بمنح روسيا االتحادية املكانة التي تستحقها على حد تعبيره.
فزيادة على املوقع الجيوسياس ي الذي تتمتع به روسيا باعتبارها إحدى القوى األوراسية هي تطمح أيضا لتوسيع
نفوذها في جوارها اإلقليمي ،حيث يحتل األخير األولوية في أجندة سياستها الخارجية السيما في ظل تمدد حلف الناتو
شرقا وسعيه إلى اجتذاب أوكرانيا التي أبانت هي األخرى عن طموحها الغربي وهو األمر الذي ترفضه روسيا برئاسة بوتين.
هذا الرئيس الذي أبان عن أهمية الجيوبوليتيك في عالم ما بعد الحرب الباردة عبر تدخالته العسكرية بدءا بجورجيا عام
2008واالعتراف بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا ،مرورا بضم جزيرة القرم عام ،2014وتأجيج الحركات االنفصالية في إقليم
دونباس ،والتدخل العسكري في سوريا خريف عام ،2015ودعم خليفة حفتر عسكريا في ليبيا أواخر سنة ،2019وصوال
إلى غزو أوكرانيا شهر فبراير .2022
ومما ال شك فيه أن قرار الغزو الذي اتخذه الرئيس بوتين قد خرج عن مجال الحسابات العقالنية ودخل مجال
اللعبة الصفرية ،نظرا ملراهنات القيادة الروسية على إعادة أوكرانيا إلى املجال الحيوي الروس ي سواء بإسقاط حكومة
كييف أو ببسط السيطرة على املناطق األوكرانية الشرقية والجنوبية .فبعد ضم روسيا لجزيرة القرم عام 2014جاء
الدور على إقليم دونباس نظرا لغالبية سكانه ذوي األصول الروسية ،إلى جانب تمتع اإلقليم أيضا بموقع جيوسياس ي مهم
كونه يعد مركز الصناعة األوكرانية الحتوائه على أكبر مصانع الفحم.
وتأسيسا على ذلك تهدف الدراسة إلى التعرف على أهمية أوكرانيا في الجيوبوليتيك الروس ي ،من خالل الوقوف
على جغرافيتها وتاريخ العالقات التي جمعتها بروسيا منذ القرون الوسطى وإلى غاية تولي بوتين الحكم ،مع اإلشارة إلى
محورية أوكرانيا في مشروع روسيا األوراس ي الجديد ومساعيها بعد تبني خيار الغزو كخطوة تمخضت عن تعنت الغرب
وإصراره على دعم أوكرانيا سياسيا وعسكريا.
وبناء على ما تقدم تعالج هذه الدراسة إشكالية مفادها:
-ملاذا تهتم روسيا االتحادية بإبقاء أوكرانيا في مدارها األوراس ي؟
ولإلجابة على هذه اإلشكالية تم تبني الفرضية التالية:
جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 : 78
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
-يرتبط االهتمام الروس ي بأوكرانيا بعوامل تاريخية وجيوسياسية فرضت على الرئيس بوتين تفعيل القوة العسكرية
لتأمين مجال روسيا الحيوي من خطر التمدد الغربي.
وفيما يخص املقاربة املنهجية والنظرية سيتم االستعانة منهجيا بـ "منهج دراسة الحالة" لفهم موقع أوكرانيا في
الجيوبوليتيك الروس ي ،ومكانتها الحيوية ضمن مشروع روسيا املتعلق باألوراسية الجديدة .أما نظريا فسيتم توظيف
"نظرية الجيوبوليتيك" بغية تفسير دوافع روسيا لبسط نفوذها وسيطرتها على أوكرانيا وتعظيم مكاسبها الجيوسياسية
وتأمين مجالها الحيوي من االختراقات الغربية ،ويضاف إلى ذلك أيضا االستعانة بـ "نظرية الدور" قصد تفسير مالمح
الدور الروس ي الجديد برئاسة فالديمير بوتين السيما في الفضاء األوراس ي.
وفي إطار اإلجابة على اإلشكالية املطروحة والتأكد من الفرضية املعتمدة تم تقسيم الدراسة إلى خمس محاور
رئيسية تتناول :جغرافية الدولة األوكرانية ،وكرونولوجيا العالقات الروسية األوكرانية ،ومكانة أوكرانيا في املجال الحيوي
الروس ي وموقعها ضمن منظور األوراسية الجديدة ،إلى جانب التطرق أيضا ألهداف روسيا من غزو أوكرانيا .
املصدرhttps://arabic.cnn.com/world/article/2022/02/25/6-maps-russian-ukranian-attacks- :
infographic
لقد تم االعالن رسميا عن استقالل أوكرانيا عام 1991لتشكل بذلك دولة وطنية تسعى للتخلص من التبعية
السوفياتية على مختلف املستويات الفكرية ،والسياسية ،واالقتصادية .على هذا النحو أصبحت أوكرانيا ثاني دولة شرق
79 جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 :
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
أوروبية من الناحية الديمغرافية أين يبلغ عدد سكانها 41.6مليون نسمة باستثناء أكثر من 2مليون نسمة يعيشون في
جزيرة القرم ولديهم انتماء روس ي .وينقسم سكان أوكرانيا إلى عرقيات متعددة منها %78أوكران ،و %17روس ،و%0.5
تتار القرم .أما من الناحية االقتصادية فتتمثل أهم صادرات أوكرانيا في :الحبوب ،والحديد والصلب ،والدهون،
والزيوت ،إلى جانب أيضا املعدات الكهربائية وقطع الغيار واآلالت الصناعية ). (Welt, October 2021, p 1
وفيما يخص مجال الصناعات الدفاعية فتجدر اإلشارة إلى أن أوكرانيا قد ورثت عن االتحاد السوفياتي حوالي
1810مؤسسة صناعية عسكرية وما يقارب 7200نظام مدفعي ،لذلك لم يجد القادة األوكرانيين أي صعوبة في الدخول
إلى عالم تجارة األسلحة من خالل إشراك حوالي 113شركة أوكرانية في التجارة على غرار مؤسسة ""Spetstechnoexport
ومؤسسة " "Ukroboronserviceوغيرها ،،،أين تمكنت أوكرانيا إلى غاية سنة 2014من تصدير الطائرات وتقديم
خدمات إصالحها وتحديثها ،لتحتل بذلك املرتبة الرابعة عامليا في ميدان الصادرات العسكرية .بيد أنه سرعان ما تغير
الوضع بسبب الغزو الروس ي لجزيرة القرم وحاجة أوكرانيا إلى موارد مجمعها الصناعي الدفاعي؛ وتتمثل أهم منتجات هذا
األخير في الصواريخ املضادة للدبابات كـ " "Corsairو" ."Stugna-Pومن بين أهم الدول املستوردة للمنتجات الدفاعية
العسكرية األوكرانية نجد الصين بنسبة %36وروسيا بـ %20وتايالند بـ %17حسب تقرير معهد SIPRIلعام .2021أما
بالنسبة ألكبر الشركات األوكرانية املصدرة للمعدات العسكرية فنجد شركة " "Motor Sichالتي تقدر إراداتها السنوية بـ
137مليون دوالر أمريكي ).(Fedir & others, 2021, pp 146- 158
وفي هذا السياق يمكن القول بأن هنالك سعي حثيث لصناعة العتاد العسكري األوكراني وفق معايير حلف الناتو
من حيث التصميم وكأحد أسس التقارب مع الغرب .ولكن املثير لالنتباه هو أن أوكرانيا من بين الدول الرائدة في مجال
الصناعات الدفاعية العسكرية غير أنها لم تتمكن من صد روسيا عن ضم جزيرة القرم وبسط النفوذ على إقليم
دونباس ،وهو ما يشير إلى غياب الخبرة والفعالية في امليدان رغم صمود الجيش األوكراني في وجه القوات الروسية مؤخرا.
وبالعودة إلى أصل تسمية أوكرانيا فقد وردت لها عدة دالالت أبرزها داللة "التخوم" أو "الحدود الفاصلة" على
اعتبار أن األراض ي األوكرانية كانت وال تزال حدا جغرافيا فاصال بين روسيا وأوروبا الغربية ،ومنفذا جنوبيا للبحار الدافئة
ومعبرا لغرب أوروبا وكل قارات العالم عبر موانئها الواقعة في البحر األسود وبحر أزوف .وعليه أسهم هذا املوقع الحيوي
الذي يربط بين شرق أوروبا وغربها في منح أوكرانيا ثروة طبيعية هائلة بفضل خصوبة أراضيها؛ فهي تتوفر على السهوب
والهضاب والجبال أبرزها جبال الكاربات الواقعة في الجهة الغربية ،إلى جانب األنهار على غرار الدنيبر ،وسيفيريسكي
دونتيس ،دنيستر ،وبوغ الجنوبي .أما بالنسبة إلى التوزيع اإلداري فتتشكل أوكرانيا من 24أوبالست (محافظة) منقسمة
إلى 490رايون (مقاطعة من املستوى الثاني) (الخيري .)https://www.iasj.net ،ومن حيث اللغة فيظهر جليا الحضور
الروس ي في أوكرانيا حيث يستعمل األوكرانيون اللغة الروسية بشكل كبير جدا في األقاليم الشرقية ،كما يفضل %35من
سكان أقاليم الوسط استخدامها ،في حين أن األقاليم الغربية ترتبط لغويا ببولندا ولكن هذا ال يلغي استخدام %12من
سكانها للغة الروسية ،لذا فإن سبع أقاليم أوكرانية من أصل تسعة يتحدث قاطنوها اللغة الروسية في حياتهم اليومية
(بن قيطة ،2018 ،ص .)197
وفي هذه النقطة تحديدا يمكن القول بأن الجغرافيا أوقعت أوكرانيا في منطقة فاصلة بين شرق أوروبا وغربها،
وهو األمر الذي انعكس على نسيجها االجتماعي والثقافي من حيث طبيعة الوالء واالرتباط ،فعوض أن تصبح أوكرانيا
جسر الهوة الثقافي والحضاري واالقتصادي بين أوروبا الشرقية والغربية بحكم تعدد أقلياتها ولغاتها ،تحولت إلى ساحة
للصراع والتجاذب الروس ي األطلس ي باعتبارها نقطة االرتكاز للسيطرة على املجاالت الحيوية القريبة والبعيدة.
جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 : 80
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
إن العالقات الروسية األوكرانية تشهد توترات متتالية منذ إعالن استقالل أوكرانيا عن روسيا االتحادية عام
،1991فعلى الرغم من اعتراف موسكو بسيادة الدولة األوكرانية وتعهدها باحترام حدودها الجغرافية مقابل تخلي
أوكرانيا عن ترسانتها النووية املوروثة عن االتحاد السوفياتي ،إال أن التوازنات الجيوسياسية في أوروبا الشرقية وامتداد
حلف الناتو في املجال الحيوي الروس ي بضم العديد من الجمهوريات السوفاتية السابقة ،عزز مخاوف روسيا التي لم يعد
يفصل بينها وبين الناتو سوى أراض ي روسيا البيضاء وأوكرانيا؛ مما دفع الكرملين إلى مواجهة مساعي الغرب الرامية لعزل
روسيا بتبني سياسة هجومية قائمة على توظيف القوة القسرية من خالل عملياتها العسكرية في جورجيا وجزيرة القرم
وغزو أوكرانيا بأكملها مؤخرا.
وبالحديث عن تاريخ العالقات الروسية األوكرانية تشير العديد من األدبيات التاريخية إلى رمزية مدينة كييف
األوكرانية لدى القادة الروس على مر التاريخ ،فاألخيرة تعد في نظرهم أم املدن الروسية ومركزا للحضارة األرثوذكسية
الشرقية؛ ألن السالف الشرقيين هم أول من أسسوا لنهضة أوكرانيا ،حيث أصبحت هذه الدولة املعروفة باسم روس
كييف مركز القرون الوسطى للسالف الشرقيين ،وهو األمر الذي مكن روسيا من بسط سيطرتها على أجزاء كبيرة من
أوكرانيا في القرن التاسع عشر .وإضافة إلى الجانب الحضاري واالستعماري الذي يربط أوكرانيا بروسيا هنالك جانب آخر
اع ُت ِب َر ْت أوكرانيا مجاال حيويا
مرتبط بالديانة فكالهما ُيتبعان للكنيسة األرثوذوكسية الشرقية .وفي هذا اإلطار لطاملا ْ
للصراع بين الغربية املسيحية الكاثولوكية واألرثوذكسية الروسية مما انعكس على التركيبة الديمغرافية ألوكرانيا،
َ َّ
فغالبية سكان الجزء الغربي هم كاثوليك في حين أن الجزء الجنوبي والشرقي ُمشك ٌل من العنصر الروس ي األرثوذكس ي
(محمد علي ،2017 ،ص .)152
وفيما يخص طبيعة العالقات البينية في الفترة التي أعقبت نهاية الثورة البلشفية ( )1921 –1918فإنه قد تم
اإلعالن عن قيام جمهوريات جديدة إلى جانب روسيا االتحادية وهي بالروسيا وأوكرانيا وشرق القوقاز ،أين تم منحها
دستورا مماثال لدستور روسيا االتحادية ،ليتم فيما بعد تأسيس جمهوريات االتحاد السوفياتي األخرى عام 1922بغرض
مجابهة تحديات الحرب العاملية األولى (محمد علي ،2017 ،ص .)153وبالرغم من تبعية جمهورياته إلدارة موسكو
املركزية إال أن النخب الوطنية األوكرانية كانت لها دعوات مطالبة باالستقالل ،مقابل إصرار روسيا على قمع أي فكرة
تنادي بالقومية األوكرانية إلى غاية انهيار االتحاد السوفياتي وعجز موسكو عن التمسك بأوكرانيا (القرني ،2022 ،ص
.)14ويعود سلوك النخب الوطنية األوكرانية املعادي لروسيا االتحادية إلى تشبعها بالتقاليد والتوجهات السياسية
البولندية ذات االرتباط بالقيم الغربية واملبادئ الديمقراطية .لهذا الغرض اعتبرت االتحاد السوفياتي كيانا استعماريا
يعمل على طمس كل ما له عالقة بالثقافة والوجود األوكراني نظرا لتاريخ إمبراطورية روسيا القيصرية ومعاداتها للحركة
القومية األوكرانية ،وهو األمر الذي دفع بها إلى معارضة السياسة السوفياتية املمنهجة والهادفة لغرس وترسيخ الثقافة
الروسية في املدن األوكرانية.
وفي سياق التوقيع على معاهدة تشكيل كومنولث الدول املستقلة في الثامن من شهر ديسمبر 1991اتضحت
بوادر االختالف والتنافس بين الطرفين ،فقد نظرت أوكرانيا للكومنولث كمجموعة تشاركية تلغي تدخل موسكو في
شؤونها الداخلية ،بينما اعتبرته روسيا أداة ووسيلة للحفاظ على أكبر قدر من التكامل بين دول ما بعد االتحاد السوفياتي
من جهة ،ومن جهة أخرى محطة تحضيرية إلمكانية اندماجها في كيان موحد من جديد .فمن الواضح أن نيل أوكرانيا
لالستقالل ترتب عنه تقسيم نخبها السياسية إلى تشكيالت متباينة سواء من حيث توجهها السياس ي أو االقتصادي ،نظرا
للروابط الجامعة بين النخب الناشئة األوكرانية وحكومة روسيا االتحادية ،أين كان من الصعب جدا على حكومة كييف
تبني سياسة منفصلة عن موسكو مثلما أرادت النخب األوكرانية اليمينية ذات التوجهات االستقاللية واملندفعة نحو
الغرب .وعلى هذا األساس كانت بداية العالقات الثنائية صعبة جدا خاصة وأن روسيا االتحادية عاشت حالة من
81 جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 :
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
الصدمة جراء فقدانها لعديد األراض ي التي اعتبرت تاريخيا جزءا منها؛ لذلك واصلت التهديد بمراجعة الحدود وتعزيز
فكرة التقسيم الحتمي ألوكرانيا إلى جزء غربي وآخر شرقي ،وأبطأت االعتراف بها كجمهورية مستقلة إلى غاية عام 1997
).(Olszafski, pp 33- 50
وفي سياق متصل ورثت أوكرانيا عن االتحاد السوفياتي جميع قواعد أسطول البحر األسود تقريبا إضافة إلى
مجموع القاذفات االستراتيجية والصواريخ املسلحة بأكثر من 1700رأس نووي ،ومحطتي اإلنذار املبكر بالهجوم النووي
في جزيرة القرم وميناء سفاستوبول وهما أهم النقاط االستراتيجية بالنسبة لروسيا فبدونهما يفقد نظام الدفاع املضاد
للصواريخ الرؤية في الجنوب الغربي من أوكرانيا .لذا توصل الطرفان إلى عقد اتفاق يقض ي بتأجير ميناء سيفاستوبول إلى
روسيا االتحادية وتخلي أوكرانيا عن ترسانتها النووية .ولكن في مقابل ذلك اعترضت أوكرانيا على االنضمام إلى معاهدتي
األمن الجماعي لدول الرابطة املستقلة ،والدفاع الجماعي عن الحدود؛ كما رفضت بشدة فكرة تحول الرابطة إلى هيكل
بقيادة مركزية .ومنذ عام 1994سعت إلى التخلي عن التعاون متعدد األطراف وفضلت التعاون الثنائي وهو األمر الذي
أدى إلى انهيار رابطة الدول املستقلة .فسياسة أول رئيس ألوكرانيا ليونيد كوتيشما Leonid Koutchmaكانت براغماتية
جدا سواء مع الغرب أو روسيا رغم عدم تمكنها من حل املشاكل الرئيسية للبالد ،بيد أنها نجحت في كسب االعتراف
بأوكرانيا كعضو متساوي الحقوق في املجتمع الدولي ).(Olszafski, pp 33-50
وعقب تولي الرئيس فالديمير بوتين مقاليد الحكم في روسيا حرص على ضمان سيطرة البيروقراطية الشيوعية
على العملية السياسية في أوكرانيا ،وهذا ما تجسد من خالل الدعم الروس ي للمرشح فيكتور يانكوفيتش Viktor
Yanukovichفي الرئاسيات األوكرانية لعام 2004والتي فاز بها في الدور الثاني املنعقد يوم 21نوفمبر ،2004غير أن
نشوب ما يصطلح عليه بالثورة البرتقالية حال دون ذلك نتيجة االحتجاجات الرافضة واملعارضة لحكم يانكوفيتش الذي
اتهم بتزوير االنتخابات ،ليتم بعدها إعادة التصويت وتمر االنتخابات إلى الدور الثالث في 26ديسمبر 2004ويفوز بها
فيكتور يوشينكو Viktor Iouchtchenkoالذي لطاملا َع َّب َر عن نظرته االصالحية وتوجهه الغربي في اآلن ذاته من خالل تكرار
طموح أوكرانيا لالنضمام إلى االتحاد األوروبي وحلف الناتو ). (Woehrel, 2005, pp 1-3.
َ
وبعد خمس سنوات كاملة على الثورة البرتقالية ُب ِعث النظام األوليغارش ي في أوكرانيا من جديد عقب نجاح الثورة
املضادة التي دعمتها روسيا .ففي الوقت الذي انشغل فيه االتحاد األوروبي والواليات املتحدة األمريكية باألزمة االقتصادية
عام 2008تمكنت روسيا من تحقيق استقرار نسبي على املستوى السياس ي واالقتصادي ونجحت في إعاقة حكم يوشينكو
واالنقالب على دستور الثورة البرتقالية مستخدمة الغاز كورقة ضغط على أوكرانيا .أين بذل النظام الروس ي جهدا كبيرا
لتوتير الوضع الداخلي األوكراني السيما في املناطق الشرقية ،إلى جانب استغالل تدهور القدرة املعيشية للمواطن
األوكراني وارتفاع األسعار مما أدى إلى صعود يانكوفيتش مرة أخرى إلى الحكم عقب انتخابات ،2010وهو األمر الذي
تمخض عنه توقيع العديد من االتفاقيات البينية في مجال الطاقة ،وتطوير العالقات الثنائية االقتصادية والثقافية،
وتمديد عقد اتفاقية األسطول الروس ي في البحر األسود بميناء سيفاستوبول ،مقابل تخفيض سعر الغاز الطبيعي املوجه
لتزويد أوكرانيا (عمرو.)https://www.albayan.co.uk ،
بيد أن حكم يانكوفيتش لم يستمر طويال فسرعان ما عادت االحتجاجات الشعبية املعارضة له بسبب رفضه
التوقيع على اتفاقية االرتباط مع االتحاد األوروبي املندرجة ضمن برنامج الشراكة الشرقية الخاصة به .وبفعل تصعيد
األحداث وبلوغها درجة العنف تم اإلطاحة بالرئيس يانكوفيتش واإلعالن عن حكومة انتقالية مشكلة من ائتالف سياس ي
مؤيد للغرب برئاسة ألكسندر تورتشينوف ( Oleksandr Tourtchynovكوفمان و آخرون ،2017 ،ص )1إلى غاية عقد
انتخابات رئاسية جديدة شهر ماي 2014والتي فاز بها بيترو بوروشينكو Petro Porochenkoاملعروف بخطاباته املتشددة
جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 : 82
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
واملعادية لروسيا .وعليه فإن رحيل الرئيس املدعوم من الكرملين أفض ى إلى إعالن الرئيس بوتين عن تحرك القوات
الروسية لضم جزيرة القرم وهو ما تحقق فعال شهر فبراير ( 2014القرني ،2022 ،ص ص .)18 ،17
هذه الخطوة تندرج ضمن مساعي روسيا الحتواء أوكرانيا بتوظيف القوة العسكرية نتيجة فشل الكرملين في
إبقاءها ضمن املدار السياس ي الروس ي ،السيما في ظل طموح أوكرانيا املتنامي لتعزيز تقاربها مع الغرب وطلب نيل
العضوية في االتحاد األوروبي وحلف الناتو ،وهو األمر الذي ترفضه روسيا باعتباره اختراق ملجالها الحيوي واستهداف
ألمنها القومي .وتأسيسا على ذلك تتمتع أوكرانيا بأهمية جيو أمنية بالغة منذ فترة االتحاد السوفياتي وإلى غاية اليوم،
نظرا لرغبتها في السيطرة على البحر األسود الذي يضمن وصولها إلى املياه الدافئة .وتبعا لذلك تحرص روسيا على منع
الغرب من تطويقها انطالقا من إبقاء تواجدها العسكري في ميناء سيفاستوبول الواقع في شبه جزيرة القرم املطلة على
البحر األسود .خاصة بعد انضمام اثنين من الدول املطلة عليه إلى حلف الناتو وهما رومانيا وبلغاريا .ويضاف إلى ذلك
أيضا تركيا التي تسيطر على مضيقي الدردنيل والبوسفور -أهم منافذ البحر األسود -وفق معاهدة مونترو الدولية .1936
فتركيا ال يمكنها الحياد عن التزاماتها التاريخية تجاه الحلف مهما وصلت العالقات التركية الروسية إلى درجة عالية من
التوافق والشراكة االستراتيجية .لذا استوجب على الكرملين تغليب الخيار العسكري وضم جزيرة القرم إلى أراضيها
الحتواء كافة املشاريع الرامية لعزل روسيا وتحجيم أدوارها في مختلف املجاالت الحيوية.
83 جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 :
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
بأن الجيوبوليتيك يحتل موقعا هاما في العقل االستراتيجي للرئيس بوتين لذلك وضع خططا استراتيجية تتضمن مرحلتين،
األولى :حماية روسيا وتأمين الداخل من خالل تعظيم املوارد الطاقوية وضمان سيطرة الدولة على تشغيل االقتصاد،
وأيضا ضمان استمرار املناطق الفاصلة والحاجزة بينها وبين الغرب .والثانية :مد النفوذ الروس ي في اتجاهات أبعد من
الحدود السوفياتية السابقة بما يضمن استدامة روسيا كقطب دولي منافس للواليات املتحدة األمريكية (الباز،2022 ،
.)https://trendsresearch.org
وعليه يهدف بوتين إلى بناء العديد من الخيارات االستراتيجية على املستويين االقتصادي والسياس ي ،من خالل
استغالل الغاز الطبيعي كورقة ضغط على أوروبا بغرض تشتيت املوقف الغربي بشأن أوكرانيا ووأد أي مشروع يسعى
الحتواء روسيا ،هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى إعادة رسم املجال الحيوي الروس ي في الفضاء األوراس ي خاصة وأن
الجغرافيا تلعب دورا موازيا للقوة العسكرية مادامت روسيا تتقارب مع دول أوروبا الشرقية والبلطيق والقوقاز من حيث
الثقافة ،واللغة ،والعنصر الديمغرافي.
كما أن رسالة بوتين إلى العالم أجمع سنة 1999والتي جاءت بعنوان "روسيا على عتبة األلفية الجديدة" أصبحت
تعرف لدى املختصين في الشأن الروس ي ب ـ "رسالة األلفية"ُ ،ترجمت واقعيا عقب التدخل العسكري الروس ي في جورجيا
عام 2008بحجة الدفاع عن أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وهما جمهوريتان سعتا إلى االنفصال بدعم روس ي .ليواليه ضم
جزيرة القرم شهر فبراير 2014ودعم االنفصاليين شرق أوكرانيا ،في تحذير من روسيا لالتحاد األوروبي وحلف الناتو على
حد سواء للكف عن التوسع في مجالها الحيوي السيما أوكرانيا وجورجيا ومولدوفيا .فحتى التدخل العسكري الروس ي في
سوريا شهر سبتمبر 2015كان بغرض التواجد في سواحل البحر األبيض املتوسط بهدف الربط بين القاعدتين
العسكريتين في ميناءي طرطوس وسيفاستوبول مقر تواجد األسطول الروس ي على البحر األسود .وبعد غياب أي رد غربي
حاسم على التحركات العسكرية الروسية طالب الرئيس بوتين البيت األبيض بتقديم تعهدات وضمانات بعدم توسع
حلف الناتو على حدود روسيا ،وكانت هذه كخطوة دبلوماسية أولى قبل حشد القوات الروسية على الحدود األوكرانية
واالعتراف بانفصال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في 21فبراير ،2022ليتم بعدها شن حرب فعلية على أوكرانيا بدأت
بدعم لوجستي للحركات االنفصالية في إقليم دونباس الواقع شرق أوكرانيا ،لتصل فيما بعد إلى تمدد الجيش الروس ي في
الداخل األوكراني وبلوغه العاصمة كييف (بشارة ،2022 ،ص .)1
وتأسيسا على ذلك فإن محور اهتمام روسيا ال يتعلق بالجمهوريتين املستقلتين في إقليم دونباس بقدر ما هو
مرتبط بدحض أي احتمال النضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ،وبالتالي االعتراف بهما ليس إال جزء من صراع روسيا مع
الغرب ،ويدخل ضمن البحث عن ترتيبات أمنية جديدة في أوروبا يعترف فيها بمكانة روسيا العظمى وبمجالها الحيوي من
جهة .ومن جهة أخرى هو ضمان لعدم اختراق الحلف األطلس ي للمجال الحيوي الروس ي سواء من خالل تعهد أمريكي
بذلك أو عبر الجهود الروسية العسكرية الرامية لضمان أمن روسيا القومي (بشارة ،2022 ،ص ص .)6 ،5فوحدة صنع
القرار الروس ي تدرك جيدا أن توسع حلف الناتو شرقا يجعل روسيا غير قادرة على مواجهة التهديدات البرية والبحرية
والجوية ،لذلك اتجهت مراكز الفكر االستراتيجية الروسية إلى إعادة قراءة نظرية هالفورد ماكيندر Halford John
"Mackinderمن يسيطر على أوروبا الشرقية يسيطر على قلب العالم ومن يسيطر على قلب العالم يسيطر على جزيرة
العالم ،ومن يسيطر على جزيرة العالم يحكم العالم" ،وبالتالي بوتين يعلم جيدا أن أوكرانيا هي قلب أوروبا الشرقية،
وضم الغرب لها يعني تحجيم نفوذ روسيا واإلخالل بمكانتها العاملية (القرني ،2022 ،ص .)19
ومن هذا املنطلق يطمح الرئيس بوتين إلى تحقيق السيطرة الكاملة على إقليم دونباس ومن ثم التقدم نحو مدينة
أوديسا البحرية لوضع موطئ قدم في كافة سواحل البحر األسود .وهو ما سيجعل أوكرانيا دولة حبيسة ومغلقة بحريا
وسيسهم بشكل أو بآخر في فرض توازنات جديدة على مستوى أوروبا الشرقية تجبر الغرب على التعايش مع الوضع
جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 : 84
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
الجديد .خاصة وإن نجحت روسيا في تخطي العقوبات املفروضة عليها وثبوت فعالية ورقة الغاز التي توظفها روسيا
للضغط على دول االتحاد األوروبي قصد مراجعة مواقفها الداعمة لحكومة فولديمير زيلينيسكي .Volodymyr Zelensky
.5أوكرانيا من منظوراألوراسية الجديدة
يتضمن مشروع األوراسية الجديدة في مخيلة الرئيس بوتين أهدافا تكاملية تسعى إلى إعادة إحياء االتحاد
السوفياتي من جديد ولكن بنسخة منقحة تضم جمهوريات االتحاد السوفياتي السابقة وتصل بين أوروبا وآسيا معا .أين
يعمل بوتين على بناء الشراكات االقتصادية ونسج خيوط التقارب مع الدول املناوئة للغرب في أوروبا وآسيا وحتى أفريقيا،
إلى جانب أيضا توسيع مجال روسيا الحيوي بضم األقاليم ذات الحيوية الجيوسياسية .لذا فإن الصراع الدائر بين
الغرب وروسيا حول أوكرانيا ال يرتبط بمساحة جغرافية أو منطقة فاصلة بقدر ما هو مرتبط بصراع حضاري بين
األطلسية واألوراسية.
إن إعالن الرئيس فالديمير بوتين في الفاتح من تشرين األول عام 2000أن روسيا االتحادية هي دولة أوراسية،
يوحي إلى البرنامج السياس ي واالقتصادي والثقافي واالجتماعي ملوسكو؛ فإلى جانب االهتمام بالدائرة األوروبية واملجال
الحيوي املمتد إلى أوروبا الشرقية تهتم القيادة العسكرية الروسية أيضا ببناء عقيدتها الجديدة وفق التوجه األوراس ي
الذي أصبح مشروعا في حد ذاته (قلعجية ،2016 ،ص .)187فعلى مر السنوات الثالثين املاضية مر التفكير االستراتيجي
الروس ي ببعض التطورات املهمة ألسباب مختلفة أهمها الضعف السياس ي واالقتصادي ،ومراقبة االستراتيجيات
األمريكية وتحليل الحرب الباردة مع األخذ بعين االعتبار سياق العوملة ،أين تم إعادة النظر في املفاهيم واألدوات من قبل
االستراتيجيين الروس حتى تتمكن روسيا من العودة إلى الساحة الدولية وتوسيع نفوذها باستخدام اآلليات غير
العسكرية (كاملعلومات ،االقتصاد ،الوسائل الدبلوماسية والسياسية ،والثقافية ،والسيبيرانية) واآلليات العسكرية غير
املباشرة من خالل توظيف الشركات العسكرية الخاصة (فاغنر) واستعراض القوة والردع الهجومي). (Minic, 2022, p 7
بناء على نظريات ألكسندر دوغين Alexandre Douguine وقد ظهرت اإلشارات األولى لألوراسية الجديدة ً
الجيوسياسية في النصف األول من التسعينات عندما كان قائدا مشاركا في تأسيس الحزب الوطني البلشفي ) (NBPرفقة
الكاتب الروس ي إدوارد ليمونوف Edouard Lemonovعام ،1993أين أعلن دوغين من خالل حزبه أنه ال يعتبر الحدود
الحالية لروسيا أو دول ما بعد االتحاد السوفياتي ثابتة أو غير متنازع عليها ،كما أنه استنكر جميع االتفاقيات التي حلت
االتحاد السوفياتي وأسست كومنولث الدول املستقلة عام ،1991مطالبا بإعادة النظر في حدود روسيا وضم دول ما بعد
االتحاد السوفياتي ).(Shekhovtsov, https://dl1.cuni.czf, pp 185- 204
نظرة ألكسندر دوغين هاته تختصر طموح روسيا للسيطرة على كافة مناطق النفوذ السوفياتي سابقا ،لذلك
ُيعتبر دوغين العقل املدبر لتحركات روسيا العسكرية في جورجيا ،وشبه جزيرة القرم ،وسوريا ،وأخيرا غزو أوكرانيا ،كونه
يشغل منصب مستشار رئيس مجلس الدوما الروس ي ويتبنى سياسة خارجية جديدة تسعى إلعادة بناء االتحاد
السوفياتي ،ولكن هذه املرة ليس ضمن الفضاء التاريخي السابق وإنما باحتواء الفضاء األوراس ي بأكمله ،فالجغرافيا تلعب
دورا موازيا للقوة العسكرية الروسية حسب دوغين وحتى الرئيس بوتين.
وعلى هذا األساس يعتبر دوغين أوكرانيا كدولة "ليس لها أي معنى جيوسياس ي" ،فهي حسبه ال تملك أي رسالة
ثقافية خاصة ذات أهمية عاملية ،أو أي تفرد جغرافي ،أو استثنائية عرقية .فسيادة أوكرانيا تعد ظاهرة سلبية للجغرافيا
السياسية الروسية ألنها كدولة مستقلة طامحة للتقارب مع الغرب تشكل تهديدا كبيرا لروسيا .لذلك يجب تقسيمها إلى
عدة مناطق تتوافق مع مجموعة الحقائق الجيوسياسية والعرقية والثقافية التي تتمتع بها ،مقترحا في هذا السياق تفتيتها
إلى أربع مناطق ثقافية وهي :أوكرانيا الغربية ،روسيا الصغرى ،أوكرانيا الوسطى ،وأخيرا شبه جزيرة القرم التي ضمتها
روسيا عام .2014حيث تتكون أوكرانيا الغربية حسب دوغين من فولينيا ،غالسيا ،وترانسكارباثيا وهي غريبة على الثقافة
85 جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 :
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
الروسية ،في حين روسيا الصغرى التي ترتبط مع روسيا االتحادية من حيث الثقافة والدين واللغة تشكل منطقة
جيوسياسية مستقلة تتمتع بحكم ذاتي يدين بوالئه ملوسكو .وبدورها أوكرانيا الوسطى يهيمن عليها عرقيا القليل من
االثنيات الناطقة باللغة الروسية وهو ما يشير ضمنيا إلى أن أوكرانيا الوسطى وروسيا الصغرى تنتمي بالكامل إلى قلب
أوراسيا .وبالتالي حان الوقت ألن تبدأ موسكو في تمهيد الطريق لفضاء رابطة الدول املستقلة من أجل تأسيس مبنى
إمبراطوري جديد ،فروسيا ال يمكنها االعتماد على املواقف الفرنسية واألملانية الرافضة لعضوية أوكرانيا في حلف الناتو
واالتحاد األوروبي فقط ،وإنما يستلزم عليها توسيع نفوذها في فضاء ما بعد االتحاد السوفياتي سواء بالتغلغل الثقافي أو
توظيف الجماعات الدينية أو ضمان التواجد العسكري فبناء إمبراطورية قوية يتطلب تحمل التكاليف (Shekhovtsov,
) .pp 185- 204وتأسيسا على ذلك أيد ألكسندر دوغين وغيره من املفكرين الروس التحركات العسكرية الروسية في
أوكرانيا من خالل املطالبة بأخذ شرقها وجنوبها ،أين يعتبر ما يقارب %65من سكان روسيا جزيرة القرم وشرق أوكرانيا
أراض روسية ومن حقهم استخدام القوة القسرية الستعادتها (خشيب ،2018 ،ص .)118
وفي هذا اإلطار نشر دوغين نهاية شهر ديسمبر 2021مقالة موسومة بـ" :أوكرانيا في اللعبة الكبرى" والتي عرض
من خاللها االرتباط التاريخي والجغرافي والثقافي واللغوي بين البلدين ،مؤكدا على أن التقسيم الذي حدث في فترة االتحاد
السوفياتي هو مجرد تقسيم إداري وفقط .لذا فإن تطور مجريات االنفصال والتباعد بين سياسات البلدين كان بفعل
االمالءات الغربية .وعلى هذا النحو تنبأ دوغين في نهاية املقال باثنين من السيناريوهات في حال استمرار طلب أوكرانيا
لالنضمام إلى حلف األطلس ي وهما :السيناريو األول يتضمن تقسيم أوكرانيا إلى الضفة اليمنى الغربية ونوفوروسيا مع
وضع خاص لكييف .والسيناريو الثاني يتنبأ بحدوث صراع روس ي غربي مسلح يمكن أن يؤدي إلى حرب كونية (الحوسني،
.)https://nbdelemirate.ae
وقصارى القول هو أن إعادة أوكرانيا إلى الدائرة األروراسية تعد مسألة وجود ال حدود بالنسبة لروسيا برئاسة
فالديمير بوتين الذي يتفق مع املفكر ألكسندر دوغين فيما يخص مشروع األوراسية الجديدة القائم على توظيف التاريخ،
والجغرافيا ،والدين ،واللغة لضمان تبعية الدول السوفياتية السابقة .فخطابات بوتين ذات املرجعية التاريخية تنم بأن
هنالك أهدافا روسية أخرى بعد أوكرانيا ترمي إلعادة رسم املجال الحيوي وضمان األمن القومي الروس ي .وبالتالي دحض
طموح التوسع الغربي في أوروبا الشرقية ومساعي حلف الناتو الستدراج الدول السوفياتية السابقة لالحتماء تحت
مظلته.
جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 : 86
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
الغزو الذي اتخذه بوتين .أين أعلنت كال من بريطانيا والواليات املتحدة األمريكية ودول االتحاد األوروبي حزمة من
العقوبات املالية واالقتصادية على روسيا ،إضافة إلى حضر شامل لحركة الطيران املدني الروس ي ،ومنع روسيا من تبديل
الروبل إلى العمالت الدولية األخرى على غرار الدوالر األمريكي ،واليورو ،والجنيه االسترليني ،والين الياباني .وفي هذا الصدد
ال بد من اإلشارة إلى أن خطوة الحرب على أوكرانيا بدأ التحضير لها عقب نشر القوات الروسية على الحدود شهر تشرين
الثاني عام ،2021نتيجة تخوف موسكو من ارتداد كييف عن التزاماتها املنصوص عليها في اتفاقية مينسك ،2015فيما
يخص حل الصراع الدائر في إقليم دونباس منذ عام ( 2014مركز الجزيرة للدراسات ،2022 ،ص )1
ففي الوقت الذي خشيت الحكومة األوكرانية تطبيق اتفاقية مينسك التي تعبر عن نجاح استراتيجي روس ي يجبر
كييف على االعتراف بالحكم الذاتي للمنطقتين االنفصاليتين لوغانسك ودونيتسك ،ذهبت موسكو إلى فرض منظورها
االستراتيجي بتفعيل املقاربة العسكرية واالعتراف باستقالل الجمهوريتين تحت ذريعة خرق أوكرانيا لبنود االتفاقية.
وتتمثل دوافع الغزو الروس ي ألوكرانيا في مجموعة من النقاط أبرزها (مكي،2022 ،
:)https://studies.aljazeera.net
• محاولة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.
• النوايا األمريكية إلقامة القواعد العسكرية في أوكرانيا.
• نشر صواريخ أمريكية قصيرة ومتوسطة املدى بإمكانها إصابة جميع أراض ي الجزء األوروبي من روسيا حتى جبال
األورال.
• سعي الحكومة األوكرانية للحصول على أسلحة نووية وبالتالي االستفادة من خبرتها عندما كانت جزءا من االتحاد
السوفياتي.
• عداء الحكومة األوكرانية ملوسكو.
• اجتثاث النازية من أوكرانيا.
• ممارسة حكومة كييف التمييز العنصري تجاه السكان ذوي األصول الروسية.
بناء على هذه العناصر يتضح بأن روسيا لجأت إلى قرار الغزو إلجبار حكومة كييف على قبول شروطها ،ألنها لن ً
تسمح بامتالك أوكرانيا للسالح النووي أو بانضمامها إلى حلف الشمال األطلس ي ما دام ليس هنالك أي ضمان أمني من
الواليات املتحدة األمريكية .تبعا لذلك أقدم الرئيس بوتين على غزو أوكرانيا مستندا حسبه على األخطاء التاريخية التي
أودت إلى تشكيل الدولة األوكرانية والتنازل عن جزيرة القرم ،وكذا تنامي النزعة العدائية األوكرانية تجاه روسيا
االتحادية ،ومساعي الغرب لتطويقها وتحجيم أدوارها السيما بعد ثبوت عودة روسيا من جديد إلى الساحة الدولية عبر
البوابة السورية ،والتي أكدت هي األخرى على أن روسيا مفاوض ناجح وحليف إقليمي ودولي يمكن الوثوق به.
وقد تبلور خيار الغزو الروس ي ألوكرانيا عبر مجموعة من الخطوات يمكن عرضها في اآلتي( :مركز الجزيرة
للدراسات)2022 ،
الخطوة األولى :مطالبة روسيا الغرب بالتعهد املكتوب واإللزامي بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ال في الحاضر وال
في املستقبل ،مع سحب جميع منظومات الصواريخ املضادة من أراض ي رومانيا وبلغاريا ،وهو ما قوبل بالرفض األمريكي
على لسان وزير الخارجية أنتوني بلنكن Antony Blinkenفي الثامن والعشرين من شهر يناير .2022
الخطوة الثانية :تصعيد روسيا لتحركاتها العسكرية املناورة على الحدود بالتشارك مع الجيش البيالروس ي.
الخطوة الثالثة :في الثاني من شهر فبراير 2022تم عقد جلسة مباحثات روسية صينية في بيكين انتهت بالتوقيع على
بيان تعاون يميل إلى التحالف بين الطرفين.
87 جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 :
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
الخطوة الرابعة :وهي الحاسمة أين تم تمرير مشروع االعتراف باستقالل جمهوريتي دونيتسك وولوغانسك االنفصاليتين
الواقعتين شرق أوكرانيا ،وهذا القرار جاء كغطاء سياس ي لتسويغ فكرة الحرب تحت ذريعة تعرض املناطق االنفصالية إلى
القصف األوكراني ،ليخرج بوتين في صباح اليوم الرابع والعشرين من شهر فبراير معلنا دواعي الغزو وإن لم يستعمل هذه
الكلمة ومفضال وصف عملية عسكرية خاصة.
ونتيجة لهذه الخطوة فرض الغرب مجموعة من العقوبات على البنك املركزي الروس ي وصندوق الثروة السيادي.
إضافة إلى إزالة بعض البنوك الروسية من نظام سويفت للتحويالت املالية العاملية ،وتجميد أصول الرئيس فالديمير
بوتين ،ووزير خارجيته ،ورئيس الجهاز االستخباراتي (وكالة األناضول .)https://www.aa.com.tr،2022 ،وفي مقابل
ذلك اتخذت روسيا بدورها مجموعة من الخطوات لتفادي انهيار االقتصاد الروس ي أهمها :رفع سعر الفائدة الرئيس ي
ألكثر من الضعف ملواجهة انخفاض سعر الروبل الذي تراجعت قيمته مقارنة بالدوالر األمريكي بنسبة ،%30وحضر
الشركات الروسية من دفع األموال للمساهمين األجانب ،ومنع املستثمرين األجانب الذين يمتلكون األسهم والسندات
الروسية من بيعها .زيادة على تحويل أموال رجال األعمال الروس إلى عمالت مشفرة "بيتكوين" لاللتفاف على العقوبات
الغربية ،دون نسيان استخدام ورقة الغاز الروس ي للضغط على أوروبا ووقف شركة غاز بروم تعامالتها مع الشركات
األوروبية بالدوالر األمريكي وتغييرها للروبل قصد إنعاش االقتصاد الروس ي.
وتماشيا مع ما تم ذكره سابقا ،إذا نجحت موسكو في السيطرة على أوكرانيا بسكانها وثرواتها وموقعها االسترانيجي
فإنها ستستعيد نفوذها في مجالها الحيوي .وبالتالي ستتمكن من بناء إمبراطورية قوية تمتد من أوروبا إلى آسيا ،وهو ما
سيخلف تأثيرات جيوسياسية كبيرة على أوروبا الشرقية والوسطى في اآلن ذاته (قلعجية ،2016 ،ص .)186
ويالحظ من خالل القراءة األولية للغزو الروس ي ألوكرانيا أنه من الصعب جدا تحديد مآالت الوضع ألن األحداث
متسارعة وشهدت مفاجئة بصمود الجيش النظامي األوكراني ،ولكن هذا ال يمنع من تقديم مجموعة من السيناريوهات
التي قد تؤول إليها الحرب الروسية األوكرانية وهي كالتالي:
السيناريو األول :تقسيم أوكرانيا إلى دويالت صغي رة أحدها أوكرانيا الغربية التي تشكل دولة ذات سيادة مرتبطة بالغرب
ثقافيا واقتصاديا ،ودولة واقعة في الجنوب الشرقي موالية لروسيا ثقافيا ولغويا وتدخل ضمن مجالها الحيوي ،خاصة
عقب زيارة وزير الدفاع الروس ي لجنوده والتي تؤكد على استحالة تنازل روسيا عن إقليم دونباس.
السيناريو الثاني :نجاح بوتين في كتابة تاريخ جديد لروسيا عبر االستيالء على أوكرانيا ،رغم بعض االخفاقات الروسية
العسكرية املبدئية العائدة لعدم توظيف بوتين كافة قدرات جيشه العسكرية .وحال تمكنه من تحقيق ذلك فإن
االستراتيجية الروسية الجديدة ستكون قد نجحت في فك ارتباط دول البلطيق بحلف الشمال األطلس ي الذي سيظهر في
موقف العاجز عن حمايتهم ،وهو ما سيؤدي إلى تضاؤل فرص الغرب في التغلغل ضمن مجال روسيا الحيوي.
السيناريو الثالث :إن استمرار الغرب في دعم أوكرانيا قد يطيل أمد الحرب السيما في ظل صمود الجيش األوكراني
وتصريح الرئيس زيلينسكي بعدم التخلي عن شبر واحد من أراض ي أوكرانيا الجنوبية وأيضا تصريحات األمين العام لحلف
الناتو الذي وعد بعدم التخلي عن دعم أوكرانيا .هذه املواقف قد تأخذ منحا تصعيديا نحو تبادل الهجومات العسكرية
بين القوات الروسية وقوات حلف الناتو بقيادة بريطانيا والواليات املتحدة األمريكية .فالغرب يسعى حاليا إلى استنزاف
القوة العسكرية الروسية من خالل إدامة مدتها وحشد قواته للدخول في حرب مباشرة مع روسيا.
وبتحليل هذه السيناريوهات يمكن القول بأن روسيا قد استفادت من ارتفاع أسعار الطاقة وباتت تصدر كميات
أقل إلى أوروبا وبسعر باهض ،مقابل تصدير الفائض إلى الصين والهند اللتان استفادتا من أسعار الطاقة الروسية
املنخفضة .فاالتحاد األوروبي قد سقط في فخ الواليات املتحدة األمريكية نظرا لعدم إمكانياته التخلي عن الطاقة
الروسية بين لحظة وضحاها .أما فيما يخص الجانب العسكري فإن بريطانيا وفرنسا هما الوحيدتان اللتان تمتلكان في
جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 : 88
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
أوروبا سالح الردع النووي ،وبريطانيا ليست دولة منضوية في إطار االتحاد األوروبي فهل ستتولى خوض حرب هي في غنى
عنها؟ في حين أن فرنسا هي األخرى تفضل الحلول الدبلوماسية وهو ما يظهر من خالل تصريحات رئيسها املتواصلة .أما
أملانيا فبدورها تدرك صعوبة خروج روسيا مغلوبة من أوكرانيا لذلك وزير ماليتها تحدث عن األزمة التي تنتظر بالده على
املستوى الطاقوي والغذائي ،مما ينبئ بتدهور الوضع االجتماعي في البالد نظرا الرتفاع معدالت التضخم .وبالتالي الواقعية
السياسية تفرض إعادة مراجعة السياسات األوروبية األخيرة واالعتراف بالترتيبات األمنية الجديدة في مجال روسيا
الحيوي وصعوبة عزلها عن العالم .ومنه نستنتج بأن إمكانية تحقق السيناريو األول واردة بقوة.
.7الخاتمة:
في ختام هذه الدراسة نستنتج بأن روسيا االتحادية برئاسة فالديمير بوتين أعادت توظيف املقاربة الجيوبوليتيكية
في سياستها الخارجية وهو ما يتضح جليا من خالل سعيها لوضع موطئ قدم لها في مختلف املجاالت الحيوية املجاورة
والبعيدة ،نظرا لتمدد حلف الناتو في محيطها اإلقليمي وبلوغه الحدود الروسية باستمالته أوكرانيا الجارة املعادية
لسياسة روسيا التدخلية في شؤون الدول السوفياتية السابقة .أين أبانت هي األخرى عن هدفها املشروع في نيل العضوية
األوروبية واألطلسية باعتبارها دولة مستقلة كاملة السيادة ،إال أن روسيا االتحادية تعارض مساعي تغريب ولبرلة أوكرانيا
بحكم التاريخ املشترك بين البلدين منذ عهد روسيا القيصرية ،فهي تتخوف من مساس الغرب بأمنها القومي سواء على
املستوى العسكري أو على املستوى الحضاري بتوسيع العقيدة األطلسية على حساب العقيدة األوراسية في جوارها
القريب.
واستخالصا ملا سبق يمكن القول بأن الرئيس بوتين نجح في جعل روسيا االتحادية قوة جيوبوليتيكية في شرق
أوروبا رغم جملة العقوبات األوروبية واألمريكية املفروضة عليها .فقد تمكنت من ضم جزيرة القرم واالعتراف بجمهوريتي
دونيتسك ولوغانسك بذريعة حماية األقليات الناطقة باللغة الروسية ،وهذا بهدف تعزيز نفوذها العسكري في إقليم
دونباس .ولكن املسعى الرئيس ي ينطوي إلى أبعد من ذلك ليشمل األهمية الجيوسياسية لهذه املناطق سواء ما يتعلق
بالوصول إلى املياه الدافئة ،أو ما يرتبط بدحض كافة املشاريع الرامية لتطويق وتحجيم أدوار روسيا ومنعها من الوصول
إلى البحر األسود وعزلها سياسيا واقتصاديا.
وعليه يمكن عرض نتائج الدراسة في النقاط التالية:
• إن وقوع أوكرانيا في املنطقة الفاصلة بين شرق أوروبا وغربها جعلها محل تجاذبات أوراسية -أطلسية مما أثر على أمنها
واستقرارها.
• إن الطبيعة الصراعية املميزة للعالقات الروسية األوكرانية تمتد إلى أبعاد تاريخية مرتبطة برمزية الدولة األوكرانية
وعاصمتها كييف في التاريخ الروس ي ،وأيضا سعي القادة الروس إلى التقليل من شأن أوكرانيا كدولة مستقلة ذات سيادة
يحق لها اختيار نموذجها السياس ي واالقتصادي بعيدا عن حكومة موسكو.
• تحتل أوكرانيا أهمية جيوسياسية وجيوأمنية بالغة في الفكر الجيوبوليتيكي الروس ي ،وهو ما يعكس حرص موسكو
املتزايد على عدم انضمام أوكرانيا للمظلة األمنية األطلسية.
• تحظى أوكرانيا باهتمام غير مسبوق من قبل الرئيس الروس ي فالديمير بوتين باعتبار أن مسألة إعادتها للدائرة
األوراسية مسألة وجود وإثبات للذات.
• إن غزو روسيا ألوكرانيا يتضمن رسالة لكل الدول الواقعة في الجوار الروس ي املنضوية والساعية لالنضمام إلى حلف
الناتو ،فحواها عجز األخير عن حماية أعضائه الشرقيين في ظل وجود روسيا العائدة إلى الساحة الدولية.
89 جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 :
د /حفيظة طالب مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي
.8قائمة املراجع:
1.8املراجع العربية:
أحمد الباز 13( .أبريل .)2022 ,تأثير األزمة األوكرانية على مستقبل السياسة الروسية في الشرق األوسط .ترندز -
للبحوث واالستشارات .تم االسترداد من https://trendsresearch.org/ar/insight/the-impact-of-the-
/ukrainian-crisis-on-the-future-of-russian-policy-in-the-middle-east
احمد بن ضيف هللا القرني 15( .يوليو .)2022 ,أوكرانيا في الجيوبوليتيك الروس ي .املعهد الدولي للدراسات -
اإليرانية.
أحمد عمرو( .بال تاريخ) .الثورة األوكرانية ..التجربة والدالالت .مجلة البيان .تم االسترداد من -
https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=3559
آمنة محمد علي .)2017( .أزمة القرم وتداعياتها على العالقات الروسية -األوكرانية .دراسات دولية(.)68 -
جالل خشيب .)2018( .الجيوبوليتيكا الروسية الحديثة واملعاصرة بين النظرية والتطبيق .مجلة رؤية تركية، -
.)7(2
عزمي بشارة 27( .فبراير .)2022 ,روسيا وأوكرانيا وحلف الناتو :تأمالت في االصرار العجيب على عدم تجنب -
املسار املؤدي إلى الحرب .املركز العربي لالبحاث ودراسات السياسات.
فاتن الحوسني( .بال تاريخ) .ألكسندر دوغين ..ملهم بوتين ومحرك غزو أوكرانيا .تم االسترداد من -
https://nbdelemirate.ae/130831.html
كوفمان مايكل ،و آخرون( .بال تاريخ) .عبر من عمليات روسيا في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا .مؤسسة راند -
تم االسترداد من -
https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/research_reports/RR1400/RR1498/RAND_RR1
498z1.arabic.pdf
لقاء مكي 27( .فبراير .)2022 ,غزو أوكرانيا :صراع دولي على النفوذ واملستقبل .مركز الجزيرة للدراسات ،تم -
االسترداد من. https://studies.aljazeera.net/ar/article/5301 :
مركز الجزيرة للدراسات 28( .فبراير .)2022 ,نهاية حقبة ما بعد الحرب الباردة :مغامرة روسيا في أوكرانيا تعيد -
تشكيل النظام العاملي برمته.
وسيم خليل قلعجية .)2016( .روسيا األوراسية زمن الرئيس فالديمير بوتين .بيروت :الدار العربية للعلوم -
ناشررون .
وكالة األناضول( .بال تاريخ) .تم االسترداد من -
https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/
%D9%85%D9%84%D8%AE%D8%B5-
%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-
%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D9%81%D8%B1%D8%B6%D8%AA-
%-%D8%B9%D9%84%D9%89
جملة السياسة العاملية ،اجمللد ( ،)6العدد ( ،)2السنة ( ،( 2022ص ص91-77 : 90
حفيظة طالب/د مكانة أوكرانيا يف الفكر اجليوبوليتيكي الروسي