You are on page 1of 4

‫الفصل‪ :‬الرابع‬

‫وحدة‪ :‬تاريخ الشرق األقصى‬


‫األستاذ‪ :‬دمحم منقاشي‬

‫المحاضرة رقم‪5 :‬‬

‫السنة الجامعية‬

‫‪2222-2222‬‬
‫السنة الجامعية‪2222-2222 :‬‬ ‫جامعة ابن طفيل‬
‫وحدة تاريخ الشرق ألاقص ى‬ ‫كلية العلوم إلانسانية والاجتماعية‬
‫ألاستاذ‪ :‬دمحم منقاش ي‬ ‫شعبة التاريخ والحضارة‬
‫املحاضرة رقم‪5 :‬‬ ‫الفصل الرابع‬

‫حققت الياابن خالل القرن ‪61‬م نقلة نوعية مكنتها من االنتقال من الفيودالية والعصور الوسطى إىل العصور‬
‫احلديثة‪ ،‬وتتمثل ىذه النقلة يف إجراء مسح عام لألراضي اليت مل تقم بو دول أورواب إال يف القرن ‪61‬م‪ .‬ال ديكن فصل‬
‫فًتة النصف الثاين من القرن ‪61‬م عن احلقبة اليت اخًتان الًتكيز عليها‪ ،‬وإمنا جرى إحلاقها ابلتطورات الكربى اليت‬
‫عرفها اتريخ الياابن من ابب احلفاظ على السريورة التارخيية العامة‪.‬‬

‫إن دراسة تطور اجملتمع الياابين ومؤسساتو السياسية خالل عصر توكوغاوا أي منذ بداية القرن ‪61‬م إىل منتصف‬
‫القرن ‪61‬م ‪ ،‬توضح أن الفاعل الرئيسي ىو األمن واالستقرار االجتماعي والسياسي‪ ،‬الذي كان مبثابة حجر الزاوية‬
‫لكل ما حققو الياابن من منجزات وتطورات يف عصر توكوغاوا‪ .‬كيف حتقق ىذا األمن واالستقرار؟‬

‫إن حتقيق االستقرار يف رلتمع ع اش حراب أىلية دامت قرابة قرن من الزمن‪ ،‬كان يبدو أمرا شبو مستحيل يف بداية‬
‫القرن ‪61‬م‪ ،‬يف وقت مل تكن القوة العسكرية وحدىا كافية لردع الساموراي وإبعادىم عن حرفة احلرب اليت تربوا عليها‪،‬‬
‫فكانت أساس وجودىم و بقائهم‪ .‬ولتحقيق ىذا االستقرار‪ ،‬كان من الضروري إعادة النظر يف النظام السياسي القائم‪،‬‬
‫و التفكري يف أساليب جديدة تنقل اجملتمع من ثقافة احلرب إىل ثقافة السلم‪ ،‬وىو الشيء الذي بدأه تويوتومي‬
‫ىيدي‪ -‬يوشي (‪.) 6311 – 6351‬‬

‫شكلت تعاليم كونفوشيوس أيضا مرجعية لتحقيق االستقرار االجتماعي والسياسي‪ ،‬فبتفعيلها على مستوايت‬
‫األ سرة والعالقات االجتماعية‪ ،‬والبنية السياسية‪ ،‬وتكريسها يف مناى التعليم‪ ،‬واختاهىا فلسفة وإيديولوجيا للحكم‪،‬‬
‫استطاعوا ضمان والء اجلميع ذلم‪ ،‬و صرف الساموراي عن اإلعداد للحرب‪ .‬غري أن ىذه ادلرجعية مل حتقق األىداف‬
‫ادلتوخاة منها دون مواكبتها إبجراءات وقوانني صارمة تضبط اجملتمع‪ ،‬و ترسم لكل فئة أىدافها بدقة‪ ،‬وحتدد لكل فرد‬
‫مكانتو اليت جيب أن يعيها و يتصرف حبسب موقعها من الًتاتب االجتماعي‪ ،‬فجاءت النتيجة متمثلة يف رلتمع‬
‫منضبط أشد ما يكون االنضباط‪ .‬وكان ىذا االنضباط من أىم عناصر استمرار توكوغاوا‪ ،‬و سببا من أسباب قوة‬

‫‪1‬‬
‫الن ظام السياسي و االجتماعي الذي أقامتو‪ ،‬بل ديكن أن نعتربه سببا من أسباب جناح إصالحات ادليجي‪ ،‬حيث كان‬
‫من السهل على زعماء اإلصالح أن يتعاملوا مع رلتمع منضبط خاضع و ملتزم ابلقوانني‪.‬‬

‫وىو مؤسس أسرة توكوغاوا‪ ،‬و أحد زعماء‬ ‫مل يكن متعذرا على توكوغاوا إايسو (‪،)6161 – 6351‬‬
‫التوحيد‪ ،‬القضاء على الدادييو‪ ،‬وأتسيس حكم مركزي بعد انتصاره يف معركة سيكي – غاىارا ( ‪ ،) 6111‬غري أنو‬
‫أحجم عن هلك‪ ،‬و ارأتى أن من ادلفيد احلفاظ على اإلطار العام حلكم الباكوفو‪ ،‬و ىو ادلصطلح الذي يعرف حبكم‬
‫الشوجون منذ أواخر القرن ‪61‬م‪ ،‬و تكييف إفرازات احلرب األىلية ضمن عالقة مستحدثة بني الشوجون والدادييو‪.‬‬

‫كان إايسو معجبا مبؤسسي الدول الصينية‪ ،‬خاصة مؤسس دولة اتنغ (‪ ،)111 – 161‬وكان مستشاره ىياشي‬
‫رزان (منظر حكم أسرة توكوغاوا‪ ،‬وأشهر معلمي الكونفوشيوسية اجلديدة يف عصره) يضع إايسو يف مرتبة ال تقل‬
‫أمهية عن مرتبة أابطرة الصني‪ ،‬ولذلك كان ممكنا أن حيذو إايسو حذو من أعجب هبم‪ ،‬ويقيم حكما مركزاي يلغي فيو‬
‫حىت ادلؤسسة اإلمرباطورية‪ ،‬إال أن مسار الياابن التارخيي و إكراىات اجملال منعاه من اإلقدام على مغامرة يعرف مسبقا‬
‫أن مآذلا الفشل‪ .‬و قد حاول قبلو أابطرة الياابن يف عصري انرا (‪ )111 – 161‬وىييان ( ‪ )6611 – 115‬إقامة‬
‫حكم مركزي على غرار الصني‪ ،‬إال أهنم مل يسريوا بو بعيدا‪ ،‬حيث تعذر عليهم رعاية جيش نظامي‪ ،‬و إحكام السيطرة‬
‫على أرض جبلية وعرة‪ .‬كما حاول الساموراي يف هناية القرن ‪61‬م إقامة نظام عسكري قوي‪ ،‬غري أن احملاولة انتهت‬
‫إىل حرب أىلية بعد أن عجز حكم أسرة الساموراي الثانية عن إحكام السيطرة على األقاليم اليت استقل هبا احلكام‬
‫العسكريون‪ ،‬وغريىم من هوي النفوه‪.‬‬

‫شكل ىذا النظام الذي أطلق عليو ادلؤرخون الياابنيون اسم ابكوىان جتربة منفردة‪ ،‬فهو جيمع بني معظم‬
‫خصائص النظام ادلركزي‪ :‬السيطرة على اجملال‪ ،‬التحكم يف العالقات اخلارجية‪ ،‬مراقبة التجارة مع الدول األجنبية‪،‬‬
‫ضبط حركة ادلواصالت‪ ،‬وضع الطرق حتت مراقبة اإلدارة ادلركزية‪ ،‬إصدار قوانني ديتثل ذلا اجلميع‪ ،‬التحكيم وفض‬
‫النزاعات‪ ،‬مراقبة الطوائف الدينية وغريىا و استقالل هايت هي خصوصيات فيودالية واضحة‪.‬‬

‫إنو نظام خيتلف عن أنظمة احلكم ادلركزي‪ ،‬فالشوجون مل يعتمدوا على اجلباية ادلباشرة اليت تتطلب جيشا وجهازا‬
‫إداراي مكلفا‪ ،‬إه اعتربوا أنفسهم رلرد رؤساء لواحدة من أسر الدادييو اليت ذلا مداخيل حتصل عليها من األراضي التابعة‬
‫ذلا بشكل مباشر‪ ،‬كما أهنم مل يرعوا جيشا نظاميا‪ ،‬و يف ادلقابل رتبوا الستنفار قوات الدادييو عند احلاجة‪ .‬ىذه‬

‫‪2‬‬
‫اخلصوصيات اليت دتيز هبا نظام الباكوىان تستعصي دراستها وحتليلها ابالعتماد على معايري التاريخ األورويب‪ ،‬و من‬
‫ىنا جاءت حرية ادلؤرخني األوروبيني الذين يسعون إىل دراسة ىذه الفًتة من اتريخ الياابن‪ ،‬وإخضاعها دلعايري التاريخ‬
‫األورويب‪ .‬واحلقيقة أنو جيب وضع التجربة الياابنية يف إطارىا التارخيي اخلاص‪ ،‬و حتليلها من خالل ادلفاىيم اليت طورىا‬
‫ادلؤرخون الياابنيون أنفسهم‪.‬‬

‫وضع ادلؤرخون الغربيون النظام السياسي واالجتماعي لعصر توكوغاوا ضمن تصنيفات مل خترج عن نطاق التصور‬
‫األورويب للتاريخ‪ ،‬و أطلقوا على ىذا العصر نعت‪ :‬الفيودالية املتأخرة أو الفيودالية املتمركزة‪.‬‬

‫إن تشابو مقدمات النسق الفيودايل يف كل من أورواب والياابن‪ ،‬و اختالف النتائ يف كل منهما يدفعنا إىل القول‬
‫أبن قراءة اتريخ الياابن من منظور أورويب‪ ،‬و إخضاعها دلعايري التاريخ الغريب أمر غري صائب‪ .‬فالتجربة الياابنية تبقى‬
‫منفردة يف خصوصياهتا‪ ،‬و جيب النظر إليها بعني خالية من األحكام ادلسبقة واأل مناط اجلاىزة ‪.‬‬

‫قد يكون من السهل دراسة التجربة الياابنية أمرا نظراي‪ ،‬إال أنو البد من االلتفات إىل خصوصية ىذه التجربة‪.‬‬
‫رغم هتميشها ظلت ادلؤسسة اإلمرباطورية ذلا اعتبار خاص حاضرة يف ادلراسالت الرمسية و غري الرمسية‪ ،‬اليت حتمل‬
‫التأريخ بعهود األابطرة‪ ،‬مما يعين أن اإلمرباطور ىو صاحب الكلمة العليا‪ ،‬وىو أمر يشبو إىل حد ما اخلطبة ابسم‬
‫السلطان أو اخلليفة على منابر صالة اجلمعة‪ ،‬واليت يذكر اإلمام فيها أبمري ادلؤمنني أو اخلليفة أو السلطان‪.‬‬

‫مل تكن العزلة‪ ،‬وعالقة الياابن ابلدول الغربية و جباراهتا يف آسيا إال زلفزا ذلذا البلد للوقوف يف وجو التدخل‬
‫الغريب‪ ،‬الذي وظف التبشري و التجارة ابتداء من القرن ‪61‬م‪ ،‬و كان زلتمال أن ينتهي األمر إىل إخضاع الياابن‬
‫للحكم األجنيب‪ ،‬أو اقتطاع جزء منو‪ ،‬إال أن الياابن عاش خالل م رحلة العزلة يف انسجام مع زليطو األسيوي‪.‬‬

‫‪3‬‬

You might also like