You are on page 1of 4

‫الفصل‪ :‬الرابع‬

‫وحدة‪ :‬تاريخ الشرق األقصى‬


‫األستاذ‪ :‬دمحم منقاشي‬

‫المحاضرة رقم‪6 :‬‬

‫السنة الجامعية‬

‫‪2222-2222‬‬
‫السنة الجامعية‪2222-2222 :‬‬ ‫جامعة ابن طفيل‬
‫وحدة تاريخ الشرق ألاقص ى‬ ‫كلية العلوم إلانسانية والاجتماعية‬
‫ألاستاذ‪ :‬دمحم منقاش ي‬ ‫شعبة التاريخ والحضارة‬
‫املحاضرة رقم‪6 :‬‬ ‫الفصل الرابع‬

‫إن القضية ادلركزية ادلرتبطة إبشكالية حتديث الياابن يف القرن ‪91‬م‪ ،‬مرتبطة ابلتطورات اليت عرفها اجملتمع الياابين‪،‬‬
‫ففئة التجار استطاعت مراكمة ثروات ىائلة جعلتها يف وضعية ال تقل أمهية عن وضع الربجوازية يف أورواب‪ ،‬وقام عدد‬
‫من األسر التجارية‪ ،‬اليت اغتنت يف عصر توكوغاوا‪ ،‬بدور فعال يف التوجو الرأمسايل بعد إصالحات ادليجي‪ .‬كما طورت‬
‫ىذه األسر عددا من ادلمارسات وادلهارات اليت لعبت دورا مهما يف تطور النظام الرأمسايل يف الياابن‪ ،‬كتسيري‬
‫ادلؤسسات التجارية ذات الفروع واالختصاصات ادلتعددة‪ ،‬وتيسري القروض على حنو يشبو النظام البنكي األورويب‪،‬‬
‫كما عرف عصر توكوغاوا حركات اجتماعية متثلت يف انتفاضة الفالحني يف هناية عصر توكوغاوا‪ ،‬واليت يعتربىا دعاة‬
‫وأنصار ادلذىب ادلاركسي تعبريا عن الصراع الطبقي‪ ،‬و عامال أساسيا و ممهدا إلصالحات ادليجي‪.‬‬

‫جتدر اإلشارة إىل استمرار القيم االجتماعية اليت سادت خالل عصر توكوغاوا حىت العصر الراىن كقيمة الًتاتب‪،‬‬
‫واليت ما تزال تتحكم يف العالقات االجتماعية‪ ،‬ويف ادلقاوالت والشركات الصناعية و غريىا‪ .‬ىناك أيضا‪ ،‬ابإلضافة إىل‬
‫قيمة الًتاتب جند قيمة أخرى‪ ،‬تتمثل يف عالقة التبعية اليت تشكل اليوم عنصرا إجيابيا يف جناح الشركات الياابنية‪،‬‬
‫فصاحب الشركة يعترب العمال أت باعا لو أو أبناءه ابلتبين يوفر ذلم العمل مدى احلياة‪ ،‬ويسهر على مصاحلهم مقابل‬
‫إخالصهم ووالئهم لو‪.‬‬

‫بوادر التحديث‬

‫حققت الياابن منجزات‪ ،‬خصوصا يف عصر توكوغاوا‪ ،‬وضعت الياابن يف مسار التحديث بعيدا عن التأثري‬
‫األورويب‪ ،‬كما برزت فكرة اإلصالح بعد أن طال التدخل اإلمرباييل دول الشرق األقصى‪ ،‬خصوصا بعد حرب‬
‫األفيون ‪ ،‬و قد عرفت الياابن خالل ىذه الفًتة تطورا ملحوظا مشل قطاعات عدة ‪ ،‬كقطاع االقتصاد والتعليم والثقافة‬
‫و ادلواصالت وغري ذلك مما ديس حياة اإلنسان اليومية‪ ،‬و ىو تطور ديكن أن نقارنو مبا كان حيصل يف أورواب منذ قيام‬
‫عصر النهضة‪ ،‬على الرغم من التزام الياابن بسياسة العزلة اليت حالت دون اتصال الياابنيني ابلغربيني‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الواقع أن استمرار نظام ابكوىان‪ ،‬والذي كان حيمل يف رلملو طابع احلكم االستبدادي‪ ،‬وبعضا من مالمح النظام‬
‫الفيودايل‪ ،‬مل دي نع ىذه الطفرة اليت يستعصي فهمها‪ ،‬و اليت ليس ذلا تفسري واحد ديكن أن نقف عنده‪ ،‬بل ىناك‬
‫تضافر عدة عوامل‪ ،‬فسياسة العزلة مثال‪ ،‬شكلت سببا يف النمو االقتصادي يف الياابن‪ ،‬واألمن واالستقرار االجتماعي‬
‫كان سببا يف التمدن والعمران وحتسني طرق ادلواصالت‪ ،‬و تكريس مبادئ كونفوشيوس كان سببا يف نشر التعليم‪،‬‬
‫وانتشار التعليم كان سببا يف ازدىار دور النشر و الثقافة الشعبية من مسرح و أدب إىل غري ذلك‪.‬‬

‫عرفت الياابن خالل عصر توكوغاوا منوا يف القطاعات االقتصادية احليوية‪ ،‬خاصة قطاع الزراعة‪ ،‬والذي ظل ادلؤشر‬
‫الرئيسي وعماد االقتصاد الياابين قبل إصالحات ادليجي‪ ،‬ابإلضافة إىل تضاعف إنتاج األرز مرتني و نصف خالل‬
‫عصر توكوغاوا‪ ،‬وقطاع التعدين الذي عرف طفرة خالل القرنني ‪91‬م و ‪91‬م شكل العمود الفقري يف التبادل‬
‫التجاري مع اخلارج‪ ،‬كما أمكن رصده يف حجم التجارة الداخلية‪ ،‬و انتشار النقد يف مبادالت السلع‪ ،‬وظهور فئة من‬
‫التجار راكمت ثروات ىائلة‪ .‬وعموما‪ ،‬فإن االقتصاد الياابين خالل عصر توكوغاوا مر مبرحلة منو سريع دامت من‬
‫مطلع القرن ‪91‬م حىت منتصف القرن ‪91‬م مث مر بفًتة ركود استمرت إىل العقود األوىل من القرن ‪91‬م‪.‬‬

‫الواقع أن ىذا النمو الذي عرفتو الياابن مل يبدأ مع عصر توكوغاوا‪ ،‬بل توجد مؤشرات تبني أن االنطالقة‬
‫االقتصادية بدأت مع الفًتة األخرية من احلرب األىلية‪ ،‬وخالل فًتة التوحيد يف النصف الثاين من القرن ‪91‬م‪.‬‬
‫فاإلطار السياسي الذي جنم عن احلرب األىلية نتج عنو ظهور شبو دويالت صغرية تتنافس يف ما بينها‪ ،‬و ظهور‬
‫رغبات توسعية لدى القائمني على تلك الدويالت (الدادييو) للوصول إىل سدة احلكم على الصعيد ادلركزي‪.‬‬

‫ازدادت حدة ىذا التنافس بني الدويالت يف النصف الثاين من القرن ‪91‬م (وىي فًتة التوحيد)‪ ،‬وتطور النشاط‬
‫التجاري مع اخلارج‪ ،‬كما ازدىرت مشاريع الري‪ ،‬اليت سامهت بشكل كبري يف زايدة ادلساحة ادلزروعة‪ ،‬وزايدة مماثلة يف‬
‫إنتاج األرز‪ .‬ودييل بعض ادلختصني إىل االعتقاد أبن ىذه ادلرحلة تشكل بداية ثورة زراعية يف الياابن‪ ،‬كما أن إقبال‬
‫الدادييو وزعماء التوحيد على بناء القالع وإحداث مراكز حضرية جديدة‪ ،‬كان سببا يف حركة اقتصادية ورواج جتاري‪،‬‬
‫و ازدىر عدد من احلرف ادلرتبطة ابلبناء‪ ،‬اليت تطورت معها تقنيات مت استغالذلا يف مشاريع الري على وجو اخلصوص‪.‬‬

‫يذىب الباحثون يف الدراسات التارخيية حول االقتصاد الياابين إىل القول أبن الياابن عرفت حتوال اقتصاداي يف‬
‫هناية القرن ‪91‬م ‪ ،‬وقطيعة مع اقتصاد العصور الوسطى الياابنية‪ .‬انعكس النمو االقتصادي وزايدة إنتاج األرز على‬

‫‪2‬‬
‫النمو الدديغرايف‪ .‬فخالل عصر توكوغاوا‪ ،‬انتقل عدد سكان الياابن من ‪ 91‬مليون نسمة يف مطلع القرن ‪91‬م‪ ،‬إىل‬
‫حوايل ‪ 21‬مليون نسمة يف منتصف القرن ‪91‬م ‪ .‬وحظي تزايد سكان الياابن‪ ،‬بوترية متسارعة خالل عصر توكوغاوا‪،‬‬
‫ابىتمام مؤرخي ىذا العصر‪ ،‬ذلك أن تلك الزايدة مثلت طفرة دديغرافية غري مسبوقة يف اتريخ الياابن‪ ،‬واعتربىا‬
‫الباحثون مؤشرا إجيابيا يف طريق عملية التحديث‪.‬‬

‫الشك أن زايدة السكان بوثرية متسارعة أاثرت قلق الباحثني منذ أواخر القرن ‪91‬م‪ ،‬أي منذ أن نشر مالتوس‬
‫‪ Malthus‬حتذيرا سنة ‪9111‬م بشأن األخطار النامجة عن عدم التناسب احملتمل بني السكان و ادلوارد‬
‫االقتصادية‪ ،‬و ىو أمر يصدق على بعض الدول النامية اليوم‪ ،‬غري أن آراء معظم الباحثني تتفق على أن الزايدة‬
‫الدديغرافية تكون عامال مساعدا على النمو االقتصادي إن ظلت يف حدود معقولة‪ .‬فأورواب مثال عرفت خالل عصر‬
‫الثورة الصناعية طفرة دديغرافية مل تشكل عائقا أمام تطورىا االقتصادي‪ .‬وأبرز منوذج يف ىذا الباب‪ ،‬ىو الزايدة‬
‫الدديغرافية اليت عرفها سكان بريطانيا يف القرنني ‪91‬م و ‪91‬م‪ ،‬و اليت جاءت مواكبة ومساندة للثورة الصناعية‪ ،‬واألمر‬
‫ذاتو يصدق على الياابن الذي مل يعرف ثورة صناعية‪ ،‬غري أنو عرف منوا يف رلال اإلنتاج الزراعي‪ ،‬و بذلك كانت‬
‫طفرتو الدديغرافية انعكاسا لنموه االقتصادي‪ .‬وعلى أي حال‪ ،‬فإن تعداد سكان الياابن مل يصل إىل احلد الذي تنطبق‬
‫عليو نظرية مالتوس‪ ،‬وإن كان بعض ادلفكرين الياابنيني‪ ،‬ادلتأثرين ابلفكر ادلاركسي يف العقود األوىل من القرن ‪12‬م‪،‬‬
‫والذين درسوا أوضاع الفالحني ادلزرية يف أواخر عصر توكوغاوا‪ ،‬ذىبوا إىل القول أبن الياابن وقعت يف نفس الورطة‬
‫اليت تنبأ هبا مالتوس‪.‬‬

‫عموما‪ ،‬إن ادلعطيات الدديغرافية‪ ،‬إجيابيةً كانت أو سلبيةً‪ ،‬تعتربر مرآ ًة ينعكس عليها مستوى العيش‪ ،‬والوضع‬
‫الصحي للسكان‪ ،‬وآاثر اجملاعات واألوبئة‪ ،‬وغري ذلك مما ديكن قراءتو يف اإلحصاءات الدديغرافية إن ىي توافرت‪.‬‬

‫‪3‬‬

You might also like