You are on page 1of 42

‫تحالف العلماء والدولة‪:‬‬

‫عقبة أمام الديمقراطية‬


‫والتنمية في العالم اإلسالمي‬

‫أحمد ت‪ .‬كورو‬
‫المحتويات‬

‫الملخص التنفيذي‬
‫المقدمة‬
‫الجزء األول‪ :‬األصول التاريخية‬
‫الجزء الثاني‪ :‬األنظمة المعاصرة‬
‫الخاتمة‬
‫نبذة عن المؤلف‬

‫ترجمة حبيبة حسن ‪.‬نُشر في ‪ 25‬يوليو ‪2022‬‬


‫الملخص التنفيذي‬
‫التقدم في الدول الخمسين ذات األغلبية المسلمة في‬
‫َ‬ ‫تعرق ُل العقبات الهيكلية ذات الجذور التاريخية الممتدة‬
‫العالم‪ .‬تظهر هذه البلدان حاصلة على معدالت أقل من المتوسط العالمي في المعايير الرئيسة المستخدمة‬
‫لقياس الديمقراطية والتنمية االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬مثل معدالت اإللمام بالقراءة والكتابة ومتوسط العمر‬
‫المتوقع‪ .‬ويُشار عادة إلى اإلسالم واالستعمار الغربي أنهما أسباب هذه المشكالت‪ ،‬ولكن مثل هذه التفسيرات‬
‫تخلط األمور وتعمل على نشر اإلسالموفوبيا ومعاداة الغرب واإللقاء باللوم في االتجاه الخاطئ‪.‬‬

‫يقترح هذا التقرير تفسيرا بديال وهو أن السبب الرئيس للسلطوية والتأخر في العديد من البلدان ذات األغلبية‬
‫المسلمة هو التحالف بين علماء الدين وسلطات الدولة‪ .‬شهدت الفترة بين القرنين الثامن والحادي عشر‬
‫عرفت بالعصر الذهبي لإلسالم حين كانت طبقتا العلماء والتجار هي المحرك الذي دفع التقدم العلمي‬ ‫حقبة ُ‬
‫واالقتصادي لألمام‪ .‬لكن في منتصف القرن الحادي عشر بدأ تحالف علماء الدين مع الدولة يترسخ‪ ،‬وقام‬
‫قرون من الركود الفكري‬ ‫ٍ‬ ‫هذا التحالف تدريجيًا بتهميش العلماء والتجار المستقلين‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫واالقتصادي في العالم اإلسالمي‪.‬‬

‫كل من عالقات الدين‬


‫ونحن هنا نقدم رؤية جديدة لمستقبل العالم اإلسالمي ونوصي بإصالحات جذرية في ٍ‬
‫بالدولة واالقتصاد قائمة على إعادة تقييم هذا التاريخ‪.‬‬

‫صحيح أن الحكام اإلصالحيين والعلمانيين في القرن التاسع عشر والعشرين أضعفوا تحالفاتهم مع علماء‬
‫بدال من أن يشجعوا ظهور طبقات فكرية واقتصادية ديناميكية لملء فراغ السلطة الذي نتج‬‫الدين؛ إال أنهم ً‬
‫عن ذلك؛ مدد هؤالء الحكام دور البيروقراطيين من العسكريين والمدنيين الذين اعتنقوا أيديولوجيات‬
‫سلطوية وفرضوا سيطرة الدولة على االقتصاد‪.‬‬
‫منذ سبعينيات القرن الماضي شهدت العديد من الدول اإلسالمية الرئيسية مثل‪ :‬إيران ومصر وباكستان‬
‫األسلمة‪ ،‬مما أعاد إحياء التحالفات مع العلماء وأعطى صفةً دستوريةً للشريع ِة‪ .‬وفي أعقاب أزمة النفط‬
‫النفط‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫"دوال ريعية"؛ تستخدم ري َع‬ ‫عام ‪ 1973‬أصبحت العديد من الدول اإلسالمية‪ ،‬وال سيما في الخليج‪،‬‬
‫لتموي ِل تحالف العلماء والدولة في الداخل وأجندات اإلسالميين في الخارج‪.‬‬

‫تقع اليوم معظم الدول اإلسالمية تحت تأثير تحالفات علماء الدين مع الدولة واالقتصادات الريعية‪ .‬ومن‬
‫الضروري تفكيك تلك التحالفات وإعادة هيكلة االقتصادات من أجل تحسين قدرة هذه البلدان على تحقيق‬
‫الديمقراطية والتنمية‪.‬‬

‫يقدم هذا التقرير أرب َع توصيا ٍ‬


‫ت رئيسية لواضعي السياسات والمحللين الذين يرغبون في تعزيز الديمقراطية‬
‫والتنمية في البلدان اإلسالمية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬من الضروري االعتراف بالمشكلة المتمثلة في السلطوية والتأخر الذي ابتليت به معظم البلدان‬ ‫ً‬
‫اإلسالمية‪ .‬فلم يعد من المجدي إنكارها وتبريرها بالنسبية الثقافية أو غيرها من الخطابات واألعذار‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬من الضروري الكف عن إلقاء اللوم على اإلسالم أو االستعمار الغربي‪ ،‬فاتهام اإلسالم كعائق للتنمية‬
‫ال أساس له من الصحة‪ ،‬وقد كان اإلسالم متوافقًا تما ًما مع التقدم في تاريخه المبكر واستمر العالم اإلسالمي‬
‫في تقديم مفكرين المعين حتى في فترات الحقة ‪.‬عالوة على ذلك فإن العالم اإلسالمي المعاصر ليس كتلة‬
‫واحدة من البلدان السلطوية والمتأخرة‪ ،‬فهو يضم بعض األنظمة الديمقراطية التي تحقق قدرا من التنمية‪.‬‬
‫ضارا بال شك بالبلدان اإلسالمية إال أنه ليس بادئ مشكالتها‪ .‬فاإللقاء بالالئمة‬
‫ً‬ ‫وبينما كان االستعمار الغربي‬
‫على اإلمبريالية الغربية وحدها يغض الطرف عن المشكالت الداخلية للبلدان اإلسالمية‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬من الضروري أن نفهم كيف قام تحالف العلماء والدولة بتهميش المثقفين ورواد األعمال‬
‫االقتصاديين في العالم اإلسالمي‪ .‬وهذا ال يعني الدعوة إلى اضطهاد العلماء والسعي وراء حالة من‬
‫الفوضوية في نظام الدولة‪ .‬بل هي دعوة إلنشاء أنظمة منفتحة تعتمد على الجدارة والتنافسية حيث تكون‬
‫الطبقات السياسية والدينية والفكرية واالقتصادية قادرة على العمل بشكل مستقل وال تهيمن أي منها على‬
‫األخرى‪ .‬يتطلب هذا اإلصال ُح إطالقَ الحرية للفكر وإلغا َء أحكام الردةِ وازدراء األديان وحمايةً أكبر‬
‫ضا مأسسة الفصل بين الدين‬ ‫للملكيات الخاصة عن طريق منع استيالء الدولة عليها‪ .‬يقتضي اإلصالح أي ً‬
‫والدولة‪.‬‬

‫واإلسالم بطبيعته ال يعارض ذلك؛ فقد كان هناك مستوى معين من الفصل بين السلطة الدينية والسياسية‬
‫في التاريخ اإلسالمي المبكر‪.‬‬

‫النفط تحالفات العلماء والدولة على مدى العقود‬


‫ِ‬ ‫مو َل ري ُع‬
‫وتتعلق التوصية الرابعة واألخيرة باالقتصاد‪َّ :‬‬
‫الخمسة الماضية‪ .‬وقد يفقد هذا الريع مكانته بنضوب االحتياطيات منه أو ارتفاع االستهالك المحلي أو‬
‫ابتكار تقنيات الطاقة البديلة أو اجتماع هذه العوامل م ًعا‪ .‬وستحتاج حينها العديدُ من البلدان اإلسالمية إلى‬
‫إعادة الهيكلة واالبتكارات االقتصادية لالستعداد لتحديات عصر ما بعد النفط‪ .‬وتحتاج هذه البلدان لبناء‬
‫أنظمة إنتاجية تشجع على ريادة األعمال للحفاظ على االستقرار واالزدهار على المدى الطويل‪ .‬يتطلب‬
‫هذا أن يتوقف تحالف العلماء والدولة عن السيطرة على الحياة االجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫الفرص للبلدان‬
‫ِ‬ ‫سيخلق هذا االنتقال نحو أنظمة اجتماعية واقتصادية وفكرية أكثر انفتا ًحا؛ العديدَ من‬
‫اإلسالمية ونظيراتها الغربية‪ ،‬من حيث االستثمار واإلنتاج‪.‬‬

‫وصحيح أنه في أعقاب المشاركات العسكرية والسياسية الفاشلة لبعض الدول الغربية في العالم اإلسالمي‬
‫عا جديدًا من الشراكة‬
‫مالت هذه الدول إلى سياسة فك االرتباط في معظم أجزاء العالم اإلسالمي؛ إال أن نو ً‬
‫الحديثة بين الدول اإلسالمية والغربية قد يساعد في عمليات اإلصالح باالتجاه نحو الديمقراطية والتنمية‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك ربما توفر هذه اإلصالحات قواعد فكرية واجتماعية واقتصادية أقوى ألي مشاركة‬
‫جديدة بين الجهتين‪.‬‬
‫المقدمة‬
‫في ‪ 6‬يناير ‪ 2020‬افتتح جهاز المخابرات الوطني التركي ‪ -‬الذي يجمع معلومات استخبارية عن المواطنين‬
‫األتراك واألجانب ‪ -‬مقره الجديد‪ ،‬تال رئيس الشؤون الدينية التركية (ديانت) ‪ -‬وهي المؤسسة التي تسيطر‬
‫رئيس الشؤون‬
‫ِ‬ ‫على المساجد وتدفع رواتب األئمة ‪ -‬دعا ًء مدته خمس دقائق مباركةً لالفتتاح‪ .‬يتناقض ضم‬
‫الدينية (ديانت) ودعائه إلى هذا المستوى الرفيع داخل بروتوكول الدولة مع صورةِ تركيا التي تعود إلى‬
‫قرن من الزمان باعتبارها الدولة األكثر علمانية في العالم اإلسالمي‪ ،‬على غرار النموذج العلماني الحازم‬
‫الفرنسي‪ .‬صعد الرئيس رجب طيب أردوغان وعشرات من كبار السياسيين اآلخرين وكبار قضاة المحاكم‬
‫ب أمام الجمهور‪،‬‬
‫العليا باإلضافة إلى قادة الجيش والبحرية والقوات الجوية إلى المنصة للوقوف جنبًا إلى جن ٍ‬
‫ورفعوا أيديهم ليقولوا معًا "آمين"‪ .‬أشار الدعاء إلى هللا بأسماء محددة منها السميع العليم الخبير؛ بما يلمح‬
‫ضمنًا إلى أن جمع المعلومات االستخباراتية هو عمل صالح‪ .1‬سلط هذا االحتفا ُل الضو َء على تحالفٍ طويل‬
‫األمد في العالم اإلسالمي‪ ،‬وهو العالقة بين العلماء والدولة‪.‬‬

‫تركيا واحدة من ‪ 50‬دول ٍة ذات أغلبية مسلمة وتشكل هذه الدول ربع مجموع دول العالم‪ .2‬تسجل البلدان‬
‫اإلسالمية مستويات أقل من المتوسط العالمي وفقًا للمعايير الرئيسية المستخدمة لتقييم درجات الديمقراطية‬
‫والتنمية االجتماعية واالقتصادية في بلد ما‪ .‬وعلى الرغم من أن ‪ 60‬بالمائة من مجموع دول العالم‬
‫ديمقراطيات انتخابية‪ ،‬إال أننا نجد ‪ 14‬في المائة فقط من الدول اإلسالمية تدخل تحت هذا التصنيف‪ 3.‬ونجد‬
‫متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي اإلجمالي للدول اإلسالمية ‪ -‬على الرغم من عائداتها النفطية الكبيرة‬
‫دوالر أمريكي‪ .‬بينما المتوسط العالمي ‪ 13,200‬دوالر‪ .‬كما أن متوسط العمر المتوقع في‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -‬هو ‪9,100‬‬
‫الدول اإلسالمية هو ‪ 66‬عا ًما‪ ،‬بينما يبلغ المتوسط العالمي ‪ 69‬عا ًما‪ .‬كما أن الدول اإلسالمية لديها متوسط‬
‫معدل وفيات األطفال (‪ )%49‬أعلى من المتوسط العالمي (‪ 5.)%34‬وبينما يبلغ متوسط معدل اإللمام‬
‫بالقراءة والكتابة في جميع أنحاء العالم ‪ 84‬في المائة‪ ،‬بمتوسط ‪ 7‬سنوات ونصف من التعليم المدرسي‪،‬‬
‫يبلغ متوسط معدل اإللمام بالقراءة والكتابة في البلدان اإلسالمية ‪ 73‬في المائة بمتوسط ‪ 5.8‬سنوات من‬
‫‪6‬‬
‫الدراسة‪.‬‬

‫ما هو أصل هذه السلطوية والتأخر المنتشرين في العالم اإلسالمي؟ عادة ما يشار إلى تفسيرين شهيرين‬
‫لكنهما معيبان‪.‬‬

‫ب رئيسية‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ثالث عيو ٍ‬ ‫األول يشير إلى اإلسالم ويصف الدين بأنه هو العائق أمام التقدم‪ ،‬وهذه الحجة لها‬
‫أوال‪ :‬كان التقدم العلمي واالقتصادي الذي حققته البلدان اإلسالمية متفوقًا على ما حققته دول أوروبا‬
‫ً‬
‫الغربية من القرن الثامن إلى القرن الثاني عشر‪ ،‬مما يثبت أن اإلسالم والتقدم تعايشا لعدة قرون‪ .‬ثانيًا‪:‬‬
‫حتى بعد القرن الثاني عشر‪ ،‬استمرت المجتمعات اإلسالمية في إنتاج علماء بارزين‪ ،‬مثل ابن خلدون‪،‬‬
‫ودعم المدن المزدهرة‪ ،‬مثل اسطنبول‪ ،‬على الرغم من المعاناة من ركو ٍد نسبي بشكل عام مقارنة بالقرون‬
‫وأخيرا‪ :‬هناك تباين داخل العالم اإلسالمي من حيث درجات الديمقراطية والتنمية اليوم؛ فال‬
‫ً‬ ‫السابقة‪.‬‬
‫يمكن تعريفه على أنه منطقة تعاني من السلطوية والتأخر بكاملها‪.‬‬

‫ضا لثالثة أسباب رئيسية‪ .‬السبب‬


‫يشير التفسير الثاني إلى االستعمار الغربي‪ ،‬لكن هذه الحجة مضللة أي ً‬
‫األول هو الترتيب الزمني‪ :‬فقد بدأ الركود العلمي واالقتصادي في العالم اإلسالمي قبل وقت طويل من بدء‬
‫االستعمار الغربي واسع النطاق في القرن الثامن عشر‪ .‬وبالمقارنة فإن العديد من الدول غير المسلمة في‬
‫فترة ما بعد االستعمار في آسيا وأمريكا الالتينية قد حققت التنمية والديمقراطية أو أحدهما بصورة لم تحققها‬
‫الدول اإلسالمية‪ ،‬مما يشير إلى أن الفشل في تحقيق إنجاز على هذه الجبهات بسبب الماضي االستعماري‬
‫وأخيرا‪ :‬التركيز على االستعمار الغربي كسبب رئيسي للتخلف يمنع الدول اإلسالمية من‬ ‫ً‬ ‫أمرا حتميًا‪.‬‬
‫ليس ً‬
‫معالجة مشاكلها األيديولوجية والمؤسسية‪.‬‬

‫التركيز على االستعمار الغربي كسبب رئيسي للتخلف يمنع الدول اإلسالمية من‬
‫معالجة مشاكلها األيديولوجية والمؤسسية‬
‫ومنذ القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا قام هذان التفسيران مقام الوقود الذي يغذي ً‬
‫كال من العلمانية المعادية‬
‫ضا آثار سيئة في‬ ‫ضا المشاعر المعادية للغرب في البلدان اإلسالمية‪ .‬كان لهذه التفسيرات أي ً‬
‫لإلسالم وأي ً‬
‫الدول الغربية‪ ،‬إما بتشجيع اإلسالموفوبيا أو تشجيع احتمالية أن يوصف أي تحليل نقدي للمجتمعات المسلمة‬
‫"باالستشراقي" ‪ -‬أي تحيزه االستعماري ضد األشخاص أو الشعوب غير الغربية‪.‬‬

‫تفسيرا ً‬
‫بديال الستمرار انتشار السلطوية والتأخر في العالم اإلسالمي‪ ،‬بنا ًء على العالقات‬ ‫ً‬ ‫يقدم هذا التقرير‬
‫المتغيرة بين الطبقات الدينية والسياسية والفكرية واالقتصادية‪ .‬ويجادل بأن التحالف بين علماء الدين‬
‫والطبقة الحاكمة قد قام بتهميش المفكرين والمثقفين والتجار في هذه البلدان‪ ،‬وينبغي أن يتحمل هذا التحالف‬
‫مسؤولية الركود العلمي واالجتماعي واالقتصادي‪ ،‬وأيضا السلطوية التي تشهدها اليوم معظم البلدان ذات‬
‫‪7‬‬
‫األغلبية المسلمة‪.‬‬

‫يتتبع التقرير األصول التاريخية لتحالف العلماء والدولة‪ ،‬ويفحص األنظمة السياسية واالقتصادية الحالية‬
‫في العالم اإلسالمي ‪ -‬ال سيما تحليل تأثير "الريعية" أو السعي وراء إيرادات المصادر غير اإلنتاجية ‪-‬‬
‫وأخيرا يقدم توصيات للتعامل‬
‫ً‬ ‫ويصنف ‪ 50‬دولة إسالمية وفقًا لقوة تحالفات العلماء والدولة فيها وأثرها‪.‬‬
‫مع هذه التحالفات اإلشكالية في المستقبل‪.‬‬

‫يتناول الجزء األول األصول التاريخية لتحالف العلماء والدولة في مراحل رئيسية‪ .‬يتعلق األول بالسيادة‬
‫المبكرة للطبقات العلمية والتجارية ثم التهميش الالحق لها‪ ،‬تلك الطبقات التي كانت محركات التقدم العلمي‬
‫واالقتصادي بين القرنين الثامن والحادي عشر‪ .‬خالل تلك الفترة كانت هناك درجة معينة من الفصل بين‬
‫السلطات الدينية والسياسية‪ .‬ومع ذلك ففي منتصف القرن الحادي عشر‪ ،‬بدأ تحالف العلماء والدولة في‬
‫الترسخ مؤسسيًا وبدأ التهميش تدريجيًا للعلماء والتجار المستقلين‪ ،‬مما أدى إلى قرون من الركود الفكري‬
‫واالقتصادي في العالم اإلسالمي‪.‬‬

‫ثم يتابع هذا القسم التاريخي دراسة الحكام اإلصالحيين في القرن التاسع عشر الذين أضعفوا تحالفهم مع‬
‫العلماء‪ ،‬وبناة الدولة في أوائل القرن العشرين في العالم اإلسالمي ومعظمهم من العلمانيين‪ .‬كان لدى هؤالء‬
‫الحكام اإلصالحيين وبناة الدولة مشكلة مشتركة؛ فتوجهات وسياسات كال المجموعتين تمركزت حول‬
‫بدال من تشجيع ظهور طبقات فكرية واقتصادية ديناميكية‪ ،‬فقاموا بتوسيع دور البيروقراطيين‬ ‫الدولة ً‬
‫العسكريين والمدنيين‪ ،‬واعتنقوا أيديولوجيات السلطوية األوروبية وفرضوا سيطرة الدولة على االقتصاد‪.‬‬

‫ينتهي الجزء األول بالتركيز على الجوانب االجتماعية والسياسية والقانونية لألسلمة التي أثرت على معظم‬
‫البلدان اإلسالمية في العقود األربعة الماضية‪ .‬ويبحث في كيفية نجاح ثالث جهات فاعلة رئيسية‪ :‬العلماء‬
‫عا اجتماعيًا وسياسيًا‬
‫والسياسيون اإلسالميون وشيوخ الصوفية‪ ،‬في الترويج لألسلمة بصفتها مشرو ً‬
‫وتشريعيًا‪.‬‬

‫ينظر الجزء الثاني من التقرير في األنظمة السياسية واالقتصادية في العالم اإلسالمي‪ .‬يشرح كيف أعاق‬
‫ريع النفط ‪ -‬أي اإليرادات من موارد النفط والغاز الطبيعي ‪ -‬التحول الديمقراطي و َخلَق ً‬
‫دوال ريعية‪ .‬ال‬
‫تحتاج الدول الريعية إلى ضرائب الناس‪ ،‬بل توزع عائدات النفط على الناس وتديم العالقات السلطوية بين‬
‫الدولة والمجتمع‪.‬‬

‫يشير هذا الجزء إلى الجمع بين تحالف العلماء مع الدولة واألنظمة الريعية بصفتهما السببين الرئيسيين‬
‫للسلطوية والتأخر في البلدان اإلسالمية‪ .‬وتعرف أحكام الردة بصفتها أداة هذا التحالف لمعاقبة من يعبر‬
‫ضا وسيلة هذا التحالف‬‫عن اآلراء المخالفة‪ .‬كما يشدد على أن مصادرة الدولة للممتلكات الخاصة هي أي ً‬
‫لفرض سيطرته على االقتصاد‪ ،‬أي البحث عن الريع من خالل مصادرة أصول يمتلكها المواطنون‪.‬‬

‫وينتهي الجزء الثاني بتصنيف ‪ 50‬دولة إسالمية إلى ثالث مجموعات‪ .‬تتألف المجموعة األولى من البلدان‬
‫التي تشهد أقوى تحالفات العلماء والدولة‪ ،‬كما يتضح من دساتيرهم التي تستند إلى الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫سا إلى عائداتها النفطية‪.‬‬
‫وأكثر االقتصادات الريعية اعتمادًا على الريع قيا ً‬
‫أما بلدان المجموعة الثانية فهي تواجه درجة أقل فيما يخص ا‬
‫كال من قوة تحالف العلماء والدولة والريعية‬
‫تأثرا بتحالف العلماء والدولة (معظم هذه‬
‫مقارنة بالمجموعة األولى‪ .‬تشمل المجموعة الثالثة البلدان األقل ً‬
‫البلدان لديها دساتير علمانية) والريعية (معظمها تفتقر إلى النفط)‪.‬‬

‫وينتهي التقرير بتوصيات من أجل تحقيق الديمقراطية وتشجيع التنمية في العالم اإلسالمي‪ ،‬ويؤكد على‬
‫ضرورة ترك تحالفات العلماء والدولة واالقتصادات الريعية إلى أنظمة أكثر انفتا ًحا تقوم على الجدارة‬
‫سا لعالقة جديدة بين الدول اإلسالمية والغربية‪.‬‬
‫ضا أسا ً‬
‫واإلنتاجية التي قد تصبح أي ً‬
‫الجزء األول‪ :‬األصول التاريخية‬

‫التراجع الكبير من التقدم إلى الركود‬

‫كانت المجتمعات اإلسالمية بين القرنين الثامن والحادي عشر مزدهرة بطبقات فكرية واقتصادية ديناميكية‬
‫نموا زراعيًا ملحو ً‬
‫ظا‬ ‫سهلت تشييد عصرهم الذهبي الفلسفي والتجاري‪ 8.‬أثناء هذه الفترة شهد المسلمون ً‬
‫وزرعوا محاصيل جديدة مختلفة وانتشر الكثير منها إلى أوروبا وجاءت أسماؤها اإلنجليزية (الخرشوف‬
‫والقطن والليمون والبرتقال والسبانخ) في األصل من العربية‪ 9.‬وقد أكد العلماء أن الرأسمالية الحديثة تدين‬
‫بالكثير لالبتكارات المالية التي توصل إليها المسلمين األوائل مثل الشيك والكمبيالة‪ 10‬على حد تعبير فرناند‬
‫بروديل‪" :‬أي شيء قامت باستيراده الرأسمالية الغربية قد أتى بال شك من اإلسالم"‪ 11.‬كما قام المسلمون‬
‫بتعليم األوروبيين الغربيين كيفية إنتاج الورق‪ .‬وقام علماء مسلمون في بغداد وعدة مدن أخرى‪ ،‬مثل ابن‬
‫سينا ‪ -‬الذي غالبًا ما يُنظر إليه على أنه أبو الطب الحديث المبكر ‪ -‬بتقديم مساهمات علمية رائدة في‬
‫‪12‬‬
‫الرياضيات والبصريات والطب‪.‬‬

‫كانت السمة الرئيسية للعصر الذهبي لإلسالم هي درجة معينة من الفصل بين العلماء ‪ -‬الذين يمثلون‬
‫المعارف والعلوم واألحكام اإلسالمية ‪ -‬والحكام السياسيين‪ .‬بدأ هذا االنفصال بتأسيس الدولة األموية (‪-661‬‬
‫‪ )750‬عندما صعد مؤسسو الدولة األموية إلى الحكم بقتل بعض آل النبي ومنهم سبطه الحسين‪ .‬دفع ذلك‬
‫عددًا من علماء السنة وكل علماء الشيعة للنظر إلى الحكام األمويين وخلفائهم بصفتهم مستبدين ومطعون‬
‫في أخالقهم بشكل عام‪ ،‬وبالتالي رفض معظم العلماء من حيث المبدأ إقامة عالقات وثيقة مع الطبقة الحاكمة‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الوقت وحتى منتصف القرن الحادي عشر كانت الغالبية العظمى من العلماء وأسرهم يعملون‬
‫في وظائف غير حكومية وخاصة في التجارة‪ 13.‬أولئك الذين شغلوا مناصب القضاة على سبيل المثال كانوا‬
‫أقلية بين العلماء‪ 14.‬هذا الواقع التاريخي يدحض الكليشيه الحديث القائل بأن اإلسالم يرفض بطبيعته فصل‬
‫‪15‬‬
‫الدين عن الدولة‪.‬‬

‫كان الحال يشبه ما حدث في شمال إيطاليا خالل قرون عصر النهضة الالحقة‪ ،‬فرعى التجار الفنون وطلب‬
‫العلم في التاريخ اإلسالمي المبكر‪ 16.‬وحصل الفالسفة الذين درسوا علوم اليونان القديمة وبالد فارس والهند‬
‫وغيرها على رعاية كبيرة من الطبقة الحاكمة‪ ،‬ولكن على عكس الرعاية السياسية للعلماء بعد القرن الحادي‬
‫عشر‪ ،‬فإن الرعاية السياسية للفالسفة قبل القرن الحادي عشر لم تخنق اإلبداع الفكري ألن الفالسفة لم‬
‫يدافعوا عن "مذهب سائد" ولم يدينوا الجماعات المعارضة باعتبارها "مرتدة" ولم يمنحوا شرعية دينية‬
‫للحكام‪ .‬كان التعقيد الذي اتسم به عمل هؤالء الفالسفة يعني أن تأثيرهم على الجماهير كان محدودًا في‬
‫أمرا في غاية الصعوبة‪.‬‬
‫النهاية مما جعل التأثير السياسي القوي ً‬

‫نظرا لبعد علماء الدين عن الطبقة الحاكمة‬


‫ومن ثم كانت المجتمعات اإلسالمية المبكرة متنوعة دينيًا وفلسفيًا ً‬
‫وتعقيد وجهات نظر الفالسفة الذي جعلها محدودة األثر‪ .‬ساهم المسلمون ‪ -‬الذين ينتمون إلى مذاهب فقهية‬
‫وكالمية مختلفة ‪ -‬وكذلك المسيحيون واليهود والال أدريين وغيرهم في التنمية االقتصادية والعلمية خالل‬
‫تلك الفترة‪ ،‬فالتسامح النسبي واالنفتاح من عالمات العصر؛ ومن ثم سمحت المستشفيات والمؤسسات‬
‫‪17‬‬
‫األخرى المختلفة التي يديرها المسلمون لغير المسلمين باالزدهار المهني‪.‬‬

‫كان التسامح النسبي واالنفتاح من عالمات العصر‪.‬‬


‫وخالل الفترة الزمنية نفسها‪ ،‬كان للمجتمعات المسيحية الغربية خصائص مناقضة تقريبًا؛ فكان هناك‬
‫تحالف قوي بين الكنيسة الكاثوليكية والحكم الملكي‪ ،‬في حين أن طبقات الفالسفة والتجار كانت إما غير‬
‫موجودة أو ضعيفة جدًا‪ .‬وكانت البلدان المسيحية الغربية مرتعًا لهيمنة المذهب الديني السائد والتعصب‬
‫مقارنة بنظيراتها المسلمة‪ .‬وترتبط هذه الجوانب ألوروبا الغربية ارتبا ً‬
‫طا وثيقًا بتخلفها العلمي واالجتماعي‬
‫واالقتصادي في الفترة بين القرنين الثامن والحادي عشر‪ .‬لم يكن ألوروبا الغربية فيلسوف مثل ابن سينا‬
‫‪18‬‬
‫وال مدينة مثل بغداد وال عملة ذهبية خاصة بها‪.‬‬

‫بعد منتصف القرن الحادي عشر بدأ الحظ ينعكس تدريجيًا مع تحول العالقات الطبقية في كال المنطقتين‪.‬‬
‫شهدت أوروبا الغربية إضفاء الطابع المؤسسي على الفصل بين الكنيسة والدولة‪ ،‬وافتتاح الجامعات وظهور‬
‫"المدن ‪ -‬الدول" التجارية‪ ،‬مما أدى إلى ظهور طبقات فكرية واقتصادية ديناميكية‪ .‬كان التقدم التدريجي‬
‫عا بما تعلموه واكتسبوه من المسلمين‪ ،‬بما في ذلك إنتاج المحاصيل واألدوات‬ ‫لألوروبيين الغربيين مدفو ً‬
‫‪19‬‬
‫المصرفية والورق والفلسفة والعلوم‪.‬‬

‫تحوال عكسيًا‪ ،‬فمنذ منتصف القرن الحادي عشر بدأ تحالف العلماء‬ ‫ً‬ ‫في غضون ذلك‪ ،‬شهد العالم اإلسالمي‬
‫‪20‬‬
‫والدولة في الظهور فيما يعرف اليوم بآسيا الوسطى وإيران والعراق‪ .‬كان هذا التحول متعدد المستويات‪:‬‬
‫من الناحية االقتصادية‪ :‬كان هناك تحو ٌل من االقتصاد النقدي إلى النظام شبه اإلقطاعي‪ ،‬حيث وزع الحكام‬
‫بدال من دفع رواتبهم نقدًا‪ .‬وكان التغيير الهيكلي يحدث في األوساط‬ ‫عائدات األراضي على المسؤولين ً‬
‫ضا؛ ففي أوائل القرن الحادي عشر‪ ،‬أعلن الخليفة العباسي القادر باهلل عقيدة لتوحيد السنة الذين‬ ‫الدينية أي ً‬
‫تشكلوا حديثًا ضد الشيعة اإلسماعيليين والمعتزلة (فرقة كالمية تميل للنزعة العقالنية) والمسلمين غير‬
‫المتدينين‪ 21.‬ومن الناحية السياسية‪ :‬أسس السالجقة (‪ )1194-1040‬دولتهم مع التركيز على الفتوحات‬
‫‪22‬‬
‫العسكرية بالتحالف مع الخليفة العباسي وعلماء السنة‪.‬‬

‫تهميش نسبي ٍ ألصحاب األراضي‬‫ٍ‬ ‫أدى تزايد عسكرة الدولة وتوسيع سيطرة الدولة على االقتصاد إلى‬
‫الخاصة والتجار‪ .‬ومن ثم أدى ذلك إلى إضعاف التمويل التجاري لطبقة العلماء‪ ،‬حيث لم يعد بإمكان الطبقة‬
‫التجارية توفير رعاية كبيرة للعلماء‪ .‬سد الوزير السلجوقي الشهير نظام الملك هذه الفجوة من خالل إنشاء‬
‫سلسلة من المدارس (الكليات اإلسالمية) سميت النظامية‪ ،‬التي جاء تمويلها من األوقاف بدوافع سياسية‪.‬‬
‫احتكارا للتعليم اإلسالمي السني‪ .‬ومال العلماء من خريجي المدارس‬
‫ً‬ ‫وبالتدريج أسس نظام المدرسة هذا‬
‫‪23‬‬
‫النظامية إلى التحالف مع الطبقة الحاكمة‪ .‬كان أشهر من خرجته هذه المدارس الغزالي‪ ،‬العالم العبقري‬
‫الذي كتب كتبًا تهاجم الشيعة اإلسماعيلية والفالسفة‪ ،‬وهما هدفان رئيسان لهجوم تحالف العلماء والدولة‬
‫الناشئ والمرتكز على المذهب السني السائد‪ .‬وعلى الرغم من أن حياة الغزالي لم تخ ُل من تناقضات فيما‬
‫يتعلق بعالقاته مع الحكام‪ ،‬إال أن كتبه نُظر لها دائ ًما على أنها ضرورية لإلطار النظري الرئيسي لتحالف‬
‫‪24‬‬
‫العلماء والدولة‪.‬‬
‫امتد تحالف العلماء والدولة ‪ -‬الذي عززته مدارسه الدينية ونظام اإلقطاع ‪ -‬إلى سوريا وفلسطين ومصر‬
‫تحت حكم األيوبيين ثم المماليك في الفترة من القرن الثاني عشر إلى الرابع عشر‪ 25.‬خالل هذه الفترة‬
‫عززت الغزوات الصليبية والمغولية بشكل غير مقصود تحالف دولة العلماء ألن الجماهير المسلمة لجأت‬
‫إلى أبطال عسكريين مثل صالح الدين‪ ،‬الذي هزم الصليبيين في القدس وأسس الدولة األيوبية‪ ،‬لمواجهة‬
‫الغزاة ومذابحهم‪ .‬وفي وقت الحق حل المماليك محل األيوبيين وأوقفوا المغول قبل وصولهم للقدس‬
‫واكتسبوا تقدير الجماهير المسلمة‪.‬‬

‫ثم أنشأ الحكام المسلمون على مدى القرون الثالثة التالية‪ ،‬ثالث دول قوية‪ :‬العثمانية ذات األغلبية السنية‪،‬‬
‫والصفوية ذات األغلبية الشيعية والمغولية ذات األغلبية الهندوسية‪ 26.‬يبرهن قيام هذه الدول على أنه رغم‬
‫القرون المستمرة من الغزوات الصليبية والمغولية‪ ،‬استمرت القوة العسكرية والجيوسياسية اإلسالمية‪،‬‬
‫ولكن ال يسعنا قول الشيء نفسه عن اإلنتاجية العلمية أو الديناميكية االقتصادية في هذه الدول اإلسالمية‬
‫التاريخية‪ .‬ويُعزى االنخفاض في هذين المجالين في الغالب إلى هيمنة تحالف العلماء والدولة وتهميشه‬
‫للطبقات الفكرية واالقتصادية‪.‬‬
‫في القرنين الخامس عشر والسادس عشر شهدت أوروبا الغربية ثورات تنموية متعددة من خالل استخدام‬
‫ثالث أدوات رئيسية في المقام األول وهي المطبعة والبوصلة البحرية والبارود‪ .‬ومع ذلك لم تستخدم هذه‬
‫الدول اإلسالمية سوى البارود فقط بشكل فعال من بين هذه األدوات بسبب تركيزها على الجانب العسكري‪،‬‬
‫في حين استغرق األمر ثالثة قرون حتى تبنت تكنولوجيا الطباعة‪ ،‬ألن الدول اإلسالمية لم يكن لديها طبقة‬
‫فكرية تقدر األهمية العلمية للمطبعة‪ ،‬وال طبقة من التجار لفهم الفرص المالية للرأسمالية المطبعية‪ .‬ولم ير‬
‫القادة العسكريون في الدول اإلسالمية الثالث قيمة المطبعة بل اعتبرها العلماء تهديدًا الحتكارهم للتعليم‪.‬‬

‫وكانت النتيجة ظهور فجوة في معدالت اإللمام بالقراءة والكتابة بين أوروبا الغربية والعالم اإلسالمي‪.‬‬
‫وبينما شهدت الفترة بين القرنين الثامن والثاني عشر أكبر المكتبات في المجتمعات اإلسالمية بمئات اآلالف‬
‫من الكتب‪ ،‬لم يكن لدى أكبر المكتبات في أوروبا الغربية سوى ما يقل عن ألف كتاب‪ .‬إال أنه مع ظهور‬
‫ثورة الطباعة‪ ،‬انعكست حال المنطقتين‪ ،‬فسرعان ما تبنت المجتمعات األوروبية هذه التكنولوجيا بينما‬
‫فشلت المجتمعات اإلسالمية في القيام بذلك‪ .‬فقامت مطابع العثمانيين على مدار القرن الثامن عشر بأكمله‬
‫‪27‬‬
‫على سبيل المثال بطباعة حوالي ‪ 50‬ألف نسخة من الكتب‪ ،‬بينما طبعت المطابع األوروبية مليار نسخة‪.‬‬
‫ومن الواضح أنه بحلول الوقت الذي بدأ فيه االستعمار األوروبي الواسع لألراضي اإلسالمية في القرن‬
‫‪28‬‬
‫الثامن عشر كان الركود العلمي واالقتصادي في العالم اإلسالمي يسيطر على المشهد‪.‬‬

‫في القرن التاسع عشر حاول بعض الحكام المسلمين اإلصالحيين الثأر من كل من االستعمار األوروبي‬
‫وتحالف العلماء والدولة‪ ،‬مما أدى إلى خنق التقدم العلمي واالقتصادي لفترة طويلة‪ .‬ويبحث القسم التالي‬
‫في هذه المحاوالت‪.‬‬

‫القرن التاسع عشر‪ :‬تحالف العلماء والدولة في أزمة‬

‫في أوائل القرن التاسع عشر ح َّل الحك ُم االستعماري البريطاني الدولة المغوليةَ‪ ،‬بينما استُبدلت الدولة‬
‫الصفوية بساللة القاجار الضعيفة الال مركزية‪ ،‬والتي كانت منفتحة على التأثيرات االستعمارية لبريطانيا‬
‫وروسيا‪ .‬وظلت الدولة العثمانية القوة اإلسالمية الرئيسية الوحيدة في حين واجهت معظم األراضي‬
‫اإلسالمية االستعمار على يد القوى األوروبية‪.‬‬

‫كان السلطان العثماني سليم الثالث ‪ -‬الذي حكم من ‪ 1789‬إلى ‪ - 1807‬مدر ًكا لضرورة إصالح المؤسسات‬
‫لمواكبة المستويات األوروبية للتنمية العسكرية واالقتصادية‪ .‬ومع ذلك عارض اإلنكشاريون الذين هم قواته‬
‫عزل سليم الثالث ثم اُغتيل‪ .‬وانتظر‬ ‫العسكرية النخبوية اإلصالح العسكري لدرجة أنهم ثاروا عليه‪ ،‬و ُ‬
‫السلطان الجديد‪ ،‬محمود الثاني (حكم من ‪ 1808‬إلى ‪ )1839‬أن تتاح الظروف المالئمة قبل تنفيذ اإلصالح‪،‬‬
‫وفي عام ‪ 1826‬أمر وحدات أخرى من الجيش بمهاجمة ثكنات اإلنكشارية بالمدافع وقتل اآلالف منهم‪ ،‬ثم‬
‫قام بإلغاء مؤسسة اإلنكشارية تما ًما‪ .‬ونتيجة لذلك فإن العلماء "الذين عارضوا السالطين المصلحين بشكل‬
‫‪29‬‬
‫فعال من خالل تحالفهم مع اإلنكشارية قد فقدوا ذراعهم القوية اآلن"‪.‬‬

‫ومن خالل إلغاء اإلنكشارية وتهميش العلماء اكتسب محمود وبيروقراطيو بالطه السيطرة التي يحتاجون‬
‫إليها لتحديث الدولة العثمانية‪ .‬ففتحوا كليات عسكرية على النمط الغربي ومن ثم كسروا الروابط التقليدية‬
‫بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة الدينية بشكل فعال‪ 30.‬وفي عام ‪ 1839‬أصدر السلطان العثماني‬
‫ت الذي كفل حماية "حياة جميع رعايا الدولة العثمانية وشرفهم‬ ‫والبيروقراطيون فرمانَ التنظيما ِ‬
‫وممتلكاتهم"‪ 31.‬أطلق هذا المرسوم سلسلة من سياسات التصحيح عرفت بالتنظيمات‪ .‬وفي عام ‪ 1844‬ألغى‬
‫تغيير قانوني عقوبة اإلعدام لمن تخلوا عن معتقداتهم اإلسالمية‪ .‬وفي عام ‪ 1856‬وعد فرمان اإلصالحات‬
‫‪32‬‬
‫بالمساواة الكاملة والحرية الدينية للرعايا غير المسلمين‪.‬‬

‫خالل عملية اإلصالح هذه تولى البيروقراطيون بعض المناصب العامة التي كان يشغلها العلماء سابقًا‪.‬‬
‫وعكست التطورات في قطاع التعليم بشكل واضح خفض منزلة الطبقة الدينية‪ ،‬فاعتُبرت المدارس الدينية‬
‫بالية من الناحية التعليمية ومحدودة جدًا بسبب اختصاصها في العلوم الشرعية فقط‪ ،‬إلى الحد الذي اضطر‬
‫اإلصالحيين العثمانيين إلى إنشاء كليات ومدارس جديدة تما ًما على أساس النماذج الغربية لتعليم الطالب‬
‫الممارسة العسكرية والحكم والدبلوماسية والطب والهندسة‪ .‬وصحيح أن العلماء كانوا ال يزالون مسؤولين‬
‫عن المدارس الدينية وبعض الكتاتيب في األحياء السكنية‪ ،‬لكنهم فقدوا احتكارهم للتعليم‪ .‬ومع ظهور المحاكم‬
‫ضا‪.‬‬
‫والقوانين التجارية على النمط الغربي‪ ،‬ضاقت الوظائف القضائية والتشريعية على العلماء أي ً‬
‫في هذه األثناء واصلت مصر إصالحاتها الخاصة على النمط الغربي‪ .‬كان محمد علي باشا ضاب ً‬
‫طا عثمانيًا‬
‫من أصل ألباني أُرسل إلى مصر بعد وقت قصير من غزو نابليون عام ‪ .1798‬ثم أصبح حاك ًما لمصر بعد‬
‫بضع سنوات في عام ‪ .1805‬في عام ‪ 1811‬دعا محمد علي قادة المماليك لالحتفال في قلعته في القاهرة‬
‫ثم قتلهم‪ ،‬وأرسل قواته في أنحاء مصر للقضاء على ما تبقى من القوات المملوكية‪ .‬ومن ثم أنهى حكم‬
‫المماليك الذي استمر لقرون‪ .‬كما قوض محمد علي سلطة العلماء من خالل مصادرة أصول معينة‬
‫للمؤسسات الدينية التي كانت تقدم التمويل للمدارس الدينية بما في ذلك األزهر مركز التعليم السني الشهير‪.‬‬
‫وبعد قضاء محمد علي على أصحاب السلطة القدامى‪ ،‬سعى في تغريب الجيش والبيروقراطية والضرائب‬
‫والطب والتعليم‪ .‬فأرسل البعثات الطالبية إلى دول أوروبا الغربية من أجل التعليم‪ 33.‬في البداية كان محمد‬
‫علي مواليًا للسلطان العثماني‪ ،‬وبأمر منه دمر جيش محمد علي الدولة الوهابية السعودية األولى في شبه‬
‫الجزيرة العربية عام ‪ .1818‬لكنه انقلب الحقًا على السلطان وهزم الجيش العثماني وأسس أسرة حاكمة‬
‫شبه مستقلة في مصر استمرت حتى عام ‪.1953‬‬
‫أدت إصالحات الدولة العثمانية ومحمد علي إلى ظهور طبقة من المثقفين المتعلمين على النمط الغربي في‬
‫كل من الدولة العثمانية ومصر‪ .‬وقد سعى هؤالء المثقفون وتحديدًا "العثمانيون الشباب"‪ ،‬إلى إقامة ملكية‬
‫دستورية‪ ،‬فاعتلى عبد الحميد الثاني العرش (‪ )1909-1876‬بدعمهم مقابل وعود سياسية‪ .‬وبالفعل شكل‬
‫ضا أول برلمان متعدد األديان حقًا لدولة كبرى‪ .‬ولكن‬
‫عبد الحميد أول برلمان عثماني كما وعد‪ ،‬فأصبح أي ً‬
‫بعد عام ونصف فقط من حكمه حل عبد الحميد البرلمان وحكم البالد بصفته الحاكم المطلق ألكثر من ثالثة‬
‫‪34‬‬
‫عقود‪.‬‬

‫باختصار‪ ،‬شهدت بعض الدول اإلسالمية في القرن التاسع عشر إصالحات التغريب بقيادة الدولة وأنتجت‬
‫بعض المثقفين‪ ،‬وضعف التحالف التقليدي للعلماء مع الدولة بشكل كبير‪ .‬حققت اإلصالحات بعض التقدم‬
‫في الدولة العثمانية ومصر من حيث تحديث الجيش ونظام الضرائب والظروف الطبية والتعليم‪ .‬لكن فشلت‬
‫هذه الجهود اإلصالحية خالل القرن التاسع عشر في نهاية المطاف في مساعدة المسلمين على "اللحاق‬
‫بالغرب" في التنمية السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫فشلت هذه الجهود اإلصالحية خالل القرن التاسع عشر في نهاية المطاف في‬
‫مساعدة المسلمين على "اللحاق بالغرب" من حيث التنمية السياسية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬
‫ويمكن ذكر ثالثة أسباب رئيسية لفشل إصالحات القرن التاسع عشر‪ً .‬‬
‫أوال‪ :‬على الرغم من تهميش العلماء‬
‫إلى حد كبير وظهور طبقة فكرية مستقلة؛ غالبًا ما استمرت المشكالت الطبقية في العالم اإلسالمي كما‬
‫هي‪ .‬مأل الحكام وبيروقراطيُّوهم الفراغ الذي تركه العلماء‪ .‬كان السلطان العثماني محمود الثاني ومحمد‬
‫علي في مصر ومعظم خلفائهم حكا ًما مستبدين رفضوا تقاسم السلطة مع مؤسسات أو طبقات أخرى‪ ،‬بينما‬
‫كانوا يسعون وراء اإلصالحات من األعلى إلى األسفل‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬سيطر هؤالء الحكام المسلمون اإلصالحيون على االقتصاد دون تشجيع كافٍ لتراكم رأس المال‬
‫الخاص أو صعود برجوازية محلية‪ .‬في الدولة العثمانية على سبيل المثال‪ ،‬أعطت بعض اإلصالحات‬
‫‪36‬‬
‫القانونية وعودًا لحماية الملكية الخاصة‪ 35‬ولكن في الممارسة العملية استمر انتهاك الدولة لحقوق الملكية‪.‬‬
‫وصحيح أنه ازدهرت طبقة برجوازية‪ ،‬لكنها كانت تقريبًا نتاج دعم القوى األوروبية للتجار غير المسلمين‪.‬‬
‫أدى ذلك إلى انعدام ثقة عميق بين الطبقة الحاكمة العثمانية والتجار غير المسلمين وقد كان كثير منهم من‬
‫مزدوجي الجنسية للدولة العثمانية وإحدى الدول األوروبية‪.‬‬

‫وأخيرا‪ :‬واجهت جهود التغريب مقاومة سياسية ودينية‪ .‬فكانت المقاومة السياسية للتغريب في الدولة‬
‫ً‬ ‫ثالثًا‬
‫العثمانية أقوى في ظل حكم عبد الحميد الذي اتبع سياسة "التحديث اإلسالمي"‪ .‬من ناحية قام عبد الحميد‬
‫بحل البرلمان وهاجم العديد من المثقفين ووظف العلماء وشيوخ الصوفية في المناصب السياسية المحلية‬ ‫ِ‬
‫والدولية‪ ،‬ومن ناحية أخرى فتح العديد من المدارس ذات النمط الغربي وأنشأ خطوط السكك الحديدية‪.‬‬
‫وجاءت المقاومة الدينية الرئيسية ضد اإلصالح من العلماء‪ 37.‬ألنه في أواخر العهد العثماني كان العلماء‬
‫ال يزالون جز ًءا من الحكومة ولديهم حق النقض في بعض القضايا‪ ،‬مثل نشر إحدى الترجمات التركية‬
‫‪38‬‬
‫للقرآن‪.‬‬
‫أوائل القرن العشرين‪ :‬بناة الدولة العلمانيون‬

‫عززت تداعيات الحرب العالمية األولى االستعمار البريطاني والفرنسي في الشرق األوسط‪ .‬وبعد انهيار‬
‫الدولة العثمانية برزت تركيا كأول جمهورية علمانية بمجتمع ذي أغلبية مسلمة‪ .‬اعتقد مؤسسو تركيا‪ ،‬أي‬
‫عرف فيما بعد بأتاتورك (حكم من ‪ 1923‬إلى ‪ – )1938‬ومواليه ‪ -‬الذي‬ ‫مصطفى كمال باشا – والذي ُ‬
‫سموا فيما بعد الكماليين ‪ -‬أن إصالحات التغريب العثماني فشلت بسبب تعايش المدارس والقوانين والمحاكم‬
‫العلمانية ونظيرتها اإلسالمية معًا‪ .‬فرأوا أنه يجب على الجمهورية الجديدة القضاء على هذه االزدواجية‪.‬‬

‫أغلق قانون توحيد التعليم الذي أقره البرلمان التركي عام ‪1924‬حوالي ‪ 479‬مدرسة دينية وأنشأ نظا ًما‬
‫مدرسيًا علمانيًا موحدًا‪ .‬تزايد إقصاء الكماليين للتعليم اإلسالمي من خالل إلغاء التعليم الديني من المناهج‬
‫المدرسية في عام ‪ ،1927‬ومحو دورات اللغات العربية والفارسية في عام ‪ ،1929‬وإغالق جميع المدارس‬
‫مؤخرا في عام ‪ 1930‬وأُغلق قسم الالهوت الوحيد في دار الفنون‬ ‫ً‬ ‫الثانوية اإلسالمية الحديثة التي افتتحت‬
‫(جامعة اسطنبول اآلن) عام ‪ .1933‬من ذلك الوقت حتى عام ‪ 1949‬أصبح أي شكل من أشكال التعليم‬
‫اإلسالمي تقريبًا غير قانوني‪ .‬في هذه األثناء أصبح النظام القانوني بأكمله علمانيًا وأُلغي دور العلماء في‬
‫‪39‬‬
‫صياغة القانون وداخل المحاكم‪.‬‬

‫في ‪ 3‬مارس ‪ 1924‬أنشأ البرلمان التركي رئاسة الشؤون الدينية "ديانت" التابعة لمكتب رئيس الوزراء‬
‫ضا الخالفة‪ .‬ثم صدر بعد عام‬‫لتحل محل وزارة الشؤون الدينية القديمة‪ .‬وفي نفس اليوم ألغى البرلمان أي ً‬
‫قانون جديد أغلق أضرحة األولياء وأغلق جميع الزوايا الصوفية‪ .‬جعل هذا القانون جميع المنظمات‬
‫والمناصب الدينية اإلسالمية غير قانونية‪ ،‬باستثناء المساجد التي تسيطر عليها "ديانت" واألئمة الذين‬
‫أصبحوا موظفين مدنيين‪ .‬و ُحظرت النسخة العربية من األذان واستبدلت بنسخة تركية في عام ‪.1933‬‬
‫دورا حازما ً في‬
‫باختصار‪ ،‬تبنى الكماليون نظام علماني حازم "على النمط الفرنسي"‪ ،‬حيث تلعب الدولة ً‬
‫استبعاد الدين من المجال العام‪ .‬كان هذا مختلفًا تما ًما عن العلمانية السلبية "على النمط األمريكي" التي‬
‫‪40‬‬
‫دورا حياديًا وتسمح بظهور الدين في الحياة العامة‪.‬‬
‫تتطلب من الدولة أن تلعب ً‬

‫ألهمت إصالحات العلمنة الكمالية العديد من بناة الدولة في العالم اإلسالمي‪ ،‬بما في ذلك شاه إيران رضا‬
‫بهلوي (حكم ‪ )1941-1925‬والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة (حكم ‪ .)1987-1956‬أجبر الشاه الرجال‬
‫عل ى ارتداء القبعات الغربية مثلما فعل أتاتورك بل تجاوز أتاتورك من خالل فرض حظر واسع النطاق‬
‫ضا شاه أفغانستان أمان هللا (حكم ‪ )1929-1919‬ورئيس إندونيسيا سوكارنو‬ ‫على حجاب النساء‪ 41.‬ويعد أي ً‬
‫‪42‬‬
‫(حكم ‪ )1967-1945‬من بناة الدولة الذين تأثروا بمساعي أتاتورك نحو سياسات التحديث‪.‬‬

‫بغض النظر عن دور أتاتورك‪ ،‬من الواضح أن االتجاه اإلصالحي العلماني قد ترسخ بين قادة البلدان‬
‫اإلسالمية الناشئة حديثًا بين عشرينيات وسبعينيات القرن الماضي‪ ،‬بما في ذلك مؤسس دولة باكستان محمد‬
‫علي جناح (حكم ‪ )1948-1947‬والرئيس المصري جمال عبد الناصر (‪ )1970-1956‬وأنظمة البعث‬
‫في العراق (‪ )2003-1968‬وسوريا (‪ 1963‬وحتى اآلن)‪ .‬كانت القومية واالشتراكية خاصة في الدول‬
‫العربية من المكونات المهمة لهذا التيار العلماني‪.‬‬

‫كانت المملكة العربية السعودية‪ ،‬التي قامت عام ‪ 1932‬على أساس التحالف بين علماء الوهابية والسلطة‬
‫سا خالل هذه الفترة العلمانية‪ .‬وكان التأثير السعودي على الدول اإلسالمية‬
‫الملكية السعودية استثنا ًء رئي ً‬
‫األخرى هامشيًا؛ فقد تضاءلت جاذبيتها األيديولوجية أمام الناصرية في العالم العربي‪ ،‬وكانت قوتها‬
‫العسكرية أضعف من جيرانها مثل تركيا وإيران‪ .‬لم تكن المملكة العربية السعودية قد بدأت في جني كمية‬
‫كافية من عائدات النفط لتوسيع نفوذها اإلقليمي حتى أزمة النفط عام ‪.1973‬‬

‫باختصار‪ ،‬قام التيار العلماني الذي كان سائدًا بين عشرينيات وسبعينات القرن الماضي بتهميش علماء‬
‫الدين في العديد من البلدان اإلسالمية‪ .‬ولكن إذا كان هذا هو الحال‪ ،‬فلماذا إذن استمرت مشكالت السلطوية‬
‫والتأخر في البلدان التي لم يعد فيها تحالف العلماء والدولة؟ إجابة هذا السؤال تتكون من شقين‪.‬‬

‫قام التيار العلماني السائد بين عشرينيات وسبعينيات والتأخر بتهميشعلماء‬


‫الدين في العديد من البلدان اإلسالمية لكن استمرت مشكالت السلطوية والتأخر‬
‫في التفاقم‪.‬‬
‫أوال‪ :‬كان معظم القادة العلمانيين في القرن العشرين في العالم اإلسالمي من ضباط الجيش‪ .‬وبحكم طبيعة‬ ‫ً‬
‫تدريبهم وتكوينهم االجتماعي؛ فمن غير المرجح أن يقدروا حقًا أهمية المثقفين ورواد األعمال االقتصاديين‬
‫في تنمية بلدانهم‪ .‬عالوة على ذلك كان هؤالء القادة العلمانيون عمو ًما تحت تأثير األيديولوجيات االشتراكية‬
‫والفاشية التي شكلت مشاريعهم الحداثية‪ ،‬وقد فرضوا وجهات نظر أيديولوجية على المجتمع وفرضوا‬
‫سيطرة الدولة على االقتصاد‪ .‬ومن ثم رأى هؤالء القادة أن المثقفين والطبقة االقتصادية المستقلة عوائق‬
‫كثيرا عن تحالفات العلماء والدولة القديمة‬
‫لسياساتهم المتمركزة حول الدولة‪ .‬ولم تختلف أنظمتهم العلمانية ً‬
‫من حيث كونها مناهضة للفكر ومعادية للبرجوازية‪.‬‬

‫عا مختلفة من التحالفات بين العلماء والدولة‪ .‬كانت هذه‬


‫ثانيًا‪ :‬أنتجت معظم األنظمة العلمانية في النهاية أنوا ً‬
‫التحوالت مدفوعة أحيانًا من أعلى إلى أسفل‪ ،‬حيث كان المستبدون يهدفون إلى استخدام اإلسالم إلضفاء‬
‫الشرعية على أنظمتهم وإثبات أنهم مسلمون مثل المعارضة اإلسالمية‪ .‬أو من القاعدة إلى القمة بنا ًء على‬
‫شعبية العلماء واإلسالميين‪ ،‬أو من كليهما‪.‬‬

‫في تركيا أنشأ الكماليون "ديانت" إلبقاء اإلسالم تحت سيطرة الدولة‪ ،‬ومن ثم لم تستهدف العلمانية الكمالية‬
‫ً‬
‫فصال حقيقيًا بين الدين والدولة‪ .‬بعد عام ‪ 1950‬انتقلت تركيا إلى الديمقراطية التعددية‪ ،‬على الرغم‬ ‫الحازمة‬
‫من حدوث انقالبات عسكرية في كل عقد تقريبًا منذ ذلك الحين‪ .‬واستخدم السياسيون المحافظون‬
‫واإلسالميون الخطاب اإلسالمي لتوسيع جمهورهم وتعبئته في النصف الثاني من القرن العشرين‪ .‬وبعد‬
‫انقالب ‪ ،1980‬حتى الجنراالت العسكريون دعموا مستوى معينًا من التعليم اإلسالمي الحتواء "التهديد‬
‫الشيوعي"‪ .‬ونتيجة لهذه العملية أصبحت "ديانت" ‪ -‬التي تسيطر على أكثر من ‪ 80‬ألف مسجد ‪ -‬العبًا‬
‫مركزيًا في الحياة االجتماعية السياسية التركية تدريجيًا‪.‬‬

‫كما واجهت مصر عملية أسلمة تدريجية‪ .‬كان ناصر مثل نظرائه األتراك‪ ،‬يهدف إلى وضع المؤسسات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وال سيما األزهر‪ ،‬تحت سيطرة الدولة إداريًا وماليًا‪ .‬استمر الرؤساء الالحقون ‪ -‬أنور السادات‬
‫وحسني مبارك ‪ -‬في توسيع اإلشراف الحكومي على المؤسسات اإلسالمية‪ .‬فزادت نسبة المساجد التي‬
‫تسيطر عليها الدولة من أقل من الخمس في عام ‪ 1962‬إلى أكثر من ثالثة أخماس في عام ‪ ،1994‬في حين‬
‫ضا من أقل من ‪ 20‬ألف إلى حوالي ‪ 70‬ألف مسجد‪ 43.‬وأنشئ مجلس‬ ‫ارتفع إجمالي عدد المساجد أي ً‬
‫بيروقراطي للبت في مواضيع خطب الجمعة التي سيتم تناولها في هذه المساجد التي تسيطر عليها الدولة‪.‬‬
‫فضال عن "هيمنتهم على األزهر من خالل‬ ‫ً‬ ‫استفاد الرؤساء الثالثة من سيطرة الدولة على المساجد‪،‬‬
‫استصدار فتاوى تضفي الشرعية على سياساتهم"‪ 44.‬على الرغم من أن الرؤساء المصريين استخدموا‬
‫المؤسسات اإلسالمية ألغراضهم السياسية الخاصة‪ ،‬إال أن المؤسسات نفسها استفادت من هذه العالقة ألنها‬
‫وسعت تأثيرها االجتماعي والسياسي والقانوني في مصر‪ 45.‬في الواقع كانت العالقة بين الطبقة السياسية‬
‫والطبقة الدينية عمو ًما تغذيها المنفعة المتبادلة‪ ،‬كما سيكشف القسم التالي بمزيد من التفصيل‪.‬‬

‫أواخر القرن العشرين‪ :‬أسلمة اجتماعية وسياسية وقانونية‬

‫شهدت معظم الدول اإلسالمية في العقود األربعة الماضية أسلمة اجتماعية وسياسية انعكست في حكوماتها‬
‫ومعارضتها وخطابها العام‪ ،‬وأسلمة قانونية كما يتضح في دساتيرها وغيرها من القوانين والمحاكم‪ .‬كان‬
‫هذا التحول جز ًءا من اتجاه عالمي؛ حيث كان صعود الحركات الدينية واض ًحا في العديد من البلدان في‬
‫جميع أنحاء العالم‪ ،‬بتشجيع من مجموعات مختلفة بما في ذلك اإلنجيليين في الواليات المتحدة والسياسيين‬
‫المتدينين في إسرائيل والسياسيين الهندوس القوميين في الهند‪.‬‬

‫في البلدان اإلسالمية‪ :‬كانت السياسات التي اتسمت بالقمع السياسي وانعدام الفاعلية االجتماعية واالقتصادية‬
‫سا في هذا التحول‪ .‬استخدمت ثالث مجموعات من الفاعلين‬ ‫التي فرضتها األنظمة العلمانية سببًا رئي ً‬
‫اإلسالميين إخفاقات العلمانيين السياسية للترويج ألجنداتهم في األسلمة‪ .‬إحدى هذه المجموعات هي العلماء‪،‬‬
‫الذين درسوا العلوم الشرعية من الفقه والحديث والتفسير وغيرها في المدارس الدينية أو شبيهاتها األحدث‪.‬‬
‫وتتكون المجموعة الثانية من اإلسالميين الذين انخرطوا في السياسة االنتخابية أو غير ذلك من األنشطة‬
‫السياسة من خالل األحزاب والحركات‪ .‬أما المجموعة الثالثة هم شيوخ الصوفية وهم زعماء روحيين‬
‫واجتماعيين للطرق الصوفية‪ .‬قد تنتمي بعض الشخصيات إلى أكثر من مجموعة مما يعكس الحدود غير‬
‫الواضحة بين هذه المجموعات‪ .‬فالزعيم اإليراني روح هللا الخميني‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬يجمع بين كونه‬
‫ضا إلى اإلسالم‬
‫عال ًما شيعيًا وسياسيًا إسالميًا‪ ،‬والعالم السني المصري يوسف القرضاوي ينتمي أي ً‬
‫‪46‬‬
‫السياسي‪.‬‬

‫استخدمت هذه المجموعات الثالث مواردها من المساجد والمدارس الدينية واألحزاب اإلسالمية وزوايا‬
‫ضا المفاهيم الغربية فيما يتعلق بالعقالنية‬
‫شيوخ الصوفية لتحدي‪ ،‬ليس الدولة العلمانية فحسب‪ ،‬ولكن أي ً‬
‫والمساواة بين الجنسين والديمقراطية الليبرالية‪ .‬عززت هذه المجموعات الثالث التعليم التقليدي وعارضت‬
‫المساواة بين الجنسين ودعمت أحكام الردة وازدراء األديان‪ .‬كما أن الدعوة إلدخال الشريعة اإلسالمية في‬
‫األنظمة القانونية في بلدانهم تمثل أجندة مشتركة‪ .‬وكانت هذه الجماعات بحاجة إلى سلطة الدولة لمتابعة‬
‫تنفيذ هذه األجندة ‪.‬ومن ثم فقد دعموا النسخ الحديثة لتحالف العلماء والدولة من خالل استخدام نفس تفسيرات‬
‫اإلسالم التي ظهرت في فترة ما بعد القرن الحادي عشر‪.‬‬

‫تجسد ك ٌّل من تحالف العلماء والدولة واألسلمة األشد راديكالية في إيران ما بعد ثورة ‪ 47.1979‬قبل الثورة‪،‬‬
‫كان الخميني (‪ )1989-1979‬قد أوضح رؤيته إليران في نظريته عن "والية الفقيه"‪ ،‬التي بموجبها ال‬
‫ضا على السلطة التنفيذية‪ .‬ومن ثم‬‫يتمتع العلماء بالسلطة التشريعية والقضائية فحسب‪ ،‬بل يسيطرون أي ً‬
‫أصبحت إيران استثنا ًء؛ حيث نما تحالف العلماء والدولة ليصبح نظا ًما شبه ثيوقراطي يكون فيه العلماء هم‬
‫‪48‬‬
‫القوة المطلقة‪.‬‬
‫وفقًا للخميني‪ :‬منح هللا العلماء ‪ -‬وال سيما الفقهاء ‪ -‬سلطة تطبيق الشريعة‪ .‬اقتصر الحكم ببساطة كما فهمه‬
‫الخميني على تطبيق الشريعة ال سيما في القانون الجنائي‪ .‬ومن وجهة نظره يرى أن الوسيط البشري ليس‬
‫له أي سلطة في وضع القانون‪ .‬جادل الخميني بأنه حتى لو كان النبي محمد أو اإلمام علي على قيد الحياة‬
‫في العصر الحديث فلن يكون لهما وساطة وتدخل في قوانين الشريعة أكثر من أي فقيه عادي في الحكم‪.‬‬
‫وشرح تأكيده هذا بمثال‪" :‬حاليا عقوبة الزاني مائة جلدة‪ ،‬هل إذا كان النبي هو الذي يطبق هذه العقوبة‬
‫ستصبح مائة وخمسين ومع اإلمام علي مائة ومع الفقيه خمسين؟"‪ 49‬ولكنه بعد أن أصبح المرشد األعلى‬
‫إليران ناقض وجهة نظره السابقة من خالل التأكيد على أن احتياجات جمهورية إيران اإلسالمية يجب أن‬
‫‪50‬‬
‫يكون لها األولوية المطلقة‪ ،‬حتى لو كان هذا يعني إلغاء "الصالة والصوم والحج"‪.‬‬

‫ضا‪ ،‬ففي ذلك العام اتخذ الجنرال ضياء الحق (‪-1978‬‬ ‫كان عام ‪ 1979‬نقطة تحول بالنسبة لباكستان أي ً‬
‫‪ ،)1988‬الذي وصل إلى السلطة بانقالب عسكري‪ ،‬خطوات مهمة نحو إصدار حزمة من القوانين الجنائية‬
‫اإلسالمية وأسلمة نظام التعليم واالقتصاد‪ 51.‬ويعكس تحالف ضياء قصير األمد مع الجماعة اإلسالمية تقليدًا‬
‫له جذور تاريخية عميقة‪ .‬وقد جسد التحالف "الصيغة الكالسيكية لنظام الحكم اإلسالمي؛ وهي مسلم صالح‬
‫‪52‬‬
‫وتقي ملتزم بتطبيق الشريعة بالتشاور مع العلماء والجماعة اإلسالمية"‪.‬‬

‫قام ضياء الحق بتمكين العلماء من خالل إنشاء محكمة الشريعة االتحادية التي تتمتع بصالحية مراجعة‬
‫التشريعات الباكستانية وتحديد مدى توافقها مع الشريعة‪ .‬لكن ليس مستغربا أنه لم يسمح لهذه المحكمة‬
‫باتخاذ خطوات تقدمية؛ ففي عام ‪ 1981‬عندما أعلنت المحكمة أن الرجم ليس من اإلسالم في قضية الزنا‪،‬‬
‫قام ضياء بتعبئة المحكمة بقضاة جدد لنقض هذا القرار‪ 53.‬ومنذ عهد ضياء حتى وقتنا الحاضر دعا بعض‬
‫الفاعلين اإلسالميين في باكستان الستمرار السلطوية وقيدوا الحرية الدينية للمسلمين من غير السنة‬
‫‪54‬‬
‫واألقليات غير المسلمة وكذلك أيدوا الحد من حقوق المرأة‪.‬‬

‫ضا‪ .‬فقد ساهم بعض الفاعلين اإلسالميين الذين‬


‫لكن بالطبع ليس كل الفاعلين اإلسالميين يشبهون بعضهم بع ً‬
‫لم يركزوا اهتمامهم على إقامة دولة قائمة على الشريعة في إشاعة الديمقراطية في بلدانهم‪ .‬واألمثلة على‬
‫ذلك تشمل بعض العلماء في إندونيسيا والعديد من الجماعات الصوفية في السنغال وبعض اإلسالميين في‬
‫تونس‪55.‬يعكس تحليل الجزء الثاني هذا االختالف بين البلدان اإلسالمية المعاصرة‪.‬‬

‫شرح الجزء األول من هذا التقرير األصول التاريخية لتحالف العلماء والدولة وأشار إلى أن هذا التحالف‬
‫قد تأسس بعد منتصف القرن الحادي عشر‪ ،‬ولم يكن مبنيًا على نصوص اإلسالم المقدسة وال على التاريخ‬
‫بدال من ذلك كان هناك مستوى معين من الفصل بين العلماء والحكام بين القرن الثامن‬ ‫اإلسالمي المبكر‪ً .‬‬
‫ت مدهشة من التطور الفلسفي‬ ‫ومنتصف القرن الحادي عشر‪ ،‬حيث حققت شعوب البلدان اإلسالمية مستويا ٍ‬
‫واالقتصادي‪ .‬يعطي هذا السياق التاريخي األمل في المستقبل‪ ،‬فهو يظهر أن اإلصالح وحل تحالف العلماء‬
‫والدولة وفصل الدين عن الدولة أمر ممكن في العالم اإلسالمي‪ ،‬عالوة على ذلك فإن اإلسالم ال يرفض‬
‫مثل هذا اإلصالح‪.‬‬

‫وقد شرحت كيف قام تحالف العلماء والدولة بتهميش طبقات الفالسفة والتجار‪ ،‬مما أدى إلى الركود الفكري‬
‫واالقتصادي في العالم اإلسالمي بين القرنين الثاني عشر والثامن عشر‪ .‬في القرن التاسع عشر وأوائل‬
‫القرن العشرين حاول الحكام اإلصالحيون وبناة الدولة العلمانيون القيام بإصالحات التحديث من خالل‬
‫تهميش العلماء‪ ،‬ولكن غالبًا ما فشلت محاوالت اإلصالح هذه ألن هؤالء الحكام وبناة الدولة كانوا‬
‫متمركزين حول الدولة‪ ،‬ولم يقدروا بشكل كافٍ أهمية المثقفين أو رواد األعمال االقتصاديين‪.‬‬
‫في أواخر القرن العشرين استخدم العلماء واإلسالميون وشيوخ الصوفية إخفاقات سياسات األنظمة العلمانية‬
‫للترويج ألجنداتهم الخاصة لألسلمة االجتماعية والسياسية والقانونية‪ .‬وكما يوضح الجزء التالي‪ ،‬تُظهر‬
‫دساتير الدول اإلسالمية المعاصرة وأنظمتها السياسية اليوم تباينًا؛ نتيجة اإلرث المختلط لفترة العلمنة‬
‫القديمة وعملية األسلمة الجديدة‪.‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬األنظمة المعاصرة‬

‫أسباب السلطوية والتأخر‬

‫السلطوية والتأخر االجتماعي واالقتصادي مشكلتان مختلفتان ولكنهما مترابطتان‪ .‬ويشكل االثنان معًا في‬
‫العديد من البلدان حلقة مفرغة‪ ،‬على الرغم من أنه في بعض الحاالت االستثنائية ‪ -‬كما هو الحال في الصين‬
‫‪ -‬تتعايش السلطوية مع التنمية‪ ،‬إال أنه من السابق ألوانه معرفة ما إذا كان هذا التعايش سوف يمتد أمده أم‬
‫‪56‬‬
‫ال‪.‬‬

‫تحالف العلماء والدولة‬


‫َ‬ ‫وتُعد ك ٌّل من السلطوية والتأخر مشكلة معقدة لها أسباب متعددة‪ .‬يضع هذا التقرير‬
‫سببًا رئيسيًا لكليهما في العالم اإلسالمي‪ ،‬إال أنه ال ينفي هذا التعقيد؛ ففي واقع األمر هذا التحالف نفسه‬
‫متطور للغاية بحيث أن له أبعادًا أيديولوجية ومؤسسية واقتصادية‪.‬‬

‫من الناحية األيديولوجية‪ :‬أعاق تحالف العلماء والدولة ظهور المعارضة الدينية والسياسية في عدد من‬
‫البلدان‪ .‬وتستند األفكار الدينية التي دعا لها هذا التحالف إلى المنهج الفقهي لإلمام الشافعي (‪.)820-767‬‬
‫نظرا للتأكيد على إجماع العلماء‬
‫تعطي هذه المنهجية األولوية للقرآن والحديث وإجماع العلماء والقياس‪ً .‬‬
‫باعتباره أحد المصادر األربعة للمعرفة اإلسالمية‪ ،‬فمن الصعب للغاية تحدي احتكار العلماء لتفسير‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫أعاق تحالف العلماء والدولة ظهور المعارضة الدينية والسياسية في العديد من‬
‫البلدان‪.‬‬
‫كما أنه من الصعب تحدي األفكار السياسية التي يروج لها تحالف العلماء والدولة ألنها قُدمت للجماهير‬
‫بصفتها أحكام اإلسالم المقدسة‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬فسر العديد من العلماء عبارة القرآن عن السلطة "أُو ِلي‬
‫أاأل َ أم ِر" (النساء ‪ )59‬كما لو كانت تطلب من المسلمين طاعة العلماء والحكام (على الرغم من أن اآلية لم‬
‫تذكر العلماء وال الحكام)‪ .‬ومن ثم روج العلماء وشركاؤهم السياسيون‪ ،‬من خالل ادعاء المكانة المقدسة‪،‬‬
‫آلراء سياسية غير ليبرالية حول العالقات بين الجنسين والمواطنة والسلطة‪.‬‬

‫كما وظف تحالف العلماء والدولة المؤسسات الضخمة‪ ،‬مثل المدارس الدينية وغيرها من المؤسسات‬
‫التعليمية بما في ذلك األزهر في مصر‪ ،‬والهيئات الحكومية التي تسيطر على المساجد ومنها "ديانت"‬
‫التركية لخدمة أهدافه‪ .‬هذه المؤسسات لها تكاليف باهظة ومن ثم فهي تحتاج دع ًما ماليًا‪ .‬منذ سبعينيات‬
‫القرن الماضي مول ريع النفط تحالف العلماء والدولة ومؤسساته في العديد من البلدان‪ .‬سيتناول القسم‬
‫التالي بالتفصيل العالقة بين ريع النفط وتحالف العلماء والدولة والسلطوية في العالم اإلسالمي‪.‬‬
‫االقتصادات الريعية‬

‫ً‬
‫تمويال خارجيًا ألن العلماء وحكام الدولة ال يمثلون طبقة منتجة اقتصاديًا‪.‬‬ ‫يتطلب تحالف العلماء والدولة‬
‫وكما ذكرنا أعاله في العرض التاريخي‪ ،‬استخدم التحالف اإليرادات الزراعية من خالل نظام اإلقطاع‪،‬‬
‫فعلى مدى نصف القرن الماضي كان ريع النفط هو المصدر الرئيسي إليرادات التحالف‪.‬‬

‫إن النفط والموارد الطبيعية األخرى التي تقوم بدور مصادر الريع هي هدايا من الطبيعة؛ وال تتطلب إنتا ًجا‬
‫عرف الدولة بأنها "ريعية" إذا كان ريع النفط أو الموارد األخرى يشكل أكثر من ‪ 40‬في‬ ‫كثيف العمالة‪ .‬وت ُ َّ‬
‫‪57‬‬
‫المائة من إيراداتها‪.‬‬

‫على مدى نصف القرن الماضي‪ ،‬كان ريع النفط هو المصدر الرئيسي إليرادات‬
‫التحالف‪.‬‬
‫ال يعتمد حكام الدول الريعية على الضرائب كمورد مالي؛ لذلك ال يمكن للناس استخدام الضرائب كوسيلة‬
‫كبيرا جدًا من‬
‫ً‬ ‫ضغط لمحاسبة الحكام‪ .‬في نظام االستخالص غير الريعي‪ ،‬يشكل دافعو الضرائب عددًا‬
‫المواطنين الذين باستطاعتهم الحركة نسبيًا من حيث رأسمالهم وإنتاجهم أي أنهم باستطاعتهم مغادرة البلد‬
‫حاملين معهم رؤوس أموالهم إذا فقدت الحكومة شرعيتها‪ .‬وفي حالة فقدان الحكومة غير الريعية شرعيتها‪،‬‬
‫يصبح عسيًرا عليها مراقبة دافعي الضرائب وإكراههم على المكوث في البلد إذا قرروا مغادرتها‪ .‬وإذا‬
‫طالب المواطنون بالمشاركة السياسية‪ ،‬فباستطاعتهم استخدام الضرائب كوسيلة ضغط؛ فهم يستطيعون‬
‫قول "ال ضرائب بدون تمثيل"‪ .‬بيد أن إنتاج النفط ثابتٌ جغرافيًا ويسيطر عليه عدد قليل من النخب‪ .‬وعوائده‬
‫أسهل بكثير على الحكومة من حيث رصده واستخراجه‪ ،‬على عكس الدخل المتأتي من أنواع اإلنتاج‬
‫األخرى‪ .‬وعالوة على ذلك توزع الدول الريعية عائدات النفط على الناس في شكل أموال ووظائف وخدمات‬
‫اجتماعية‪ ،‬وتجعل الناس يعتمدون على المخصصات الحكومية‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد من الصعب النظر إلى العالقة بين الدولة والمجتمع في الدولة الريعية على أنها عالقة‬
‫ديمقراطية ألنها قائمة على فكرة "عقد اجتماعي" ما‪ .‬فالعالقة بين الدولة والمجتمع في سياق الدولة الريعية‬
‫بدال من االتفاق المتبادل حول واجبات كل طرف‪ .‬تخلق‬ ‫ترتكز على التفوق السياسي واالقتصادي للدولة ً‬
‫ً‬
‫فضال عن تعزيز التبعية في‬ ‫االقتصادات الريعية عالقة الراعي والعميل (الزبونية) بين الحكام والشعب‪،‬‬
‫ً‬
‫مستحيال بدون أحزاب سياسية‬ ‫المجتمع السياسي واالقتصادي والمدني‪ .‬ومن ثم يصبح تأسيس الديمقراطية‬
‫‪58‬‬
‫مستقلة وال طبقة ريادة أعمال اقتصادية وال جمعيات مدنية‪.‬‬

‫من أصل ‪ 28‬دولة ريعية في العالم توجد ‪ 20‬دولة منها ذات أغلبية مسلمة‪ 59.‬هناك ثالثة أسباب لهذه النسبة‬
‫‪60‬‬ ‫العالية‪ً .‬‬
‫أوال‪ :‬يوجد حوالي ‪ 60‬في المائة من احتياطيات النفط في العالم في دول ذات أغلبية مسلمة‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬تأثير النفط على األنظمة السياسية ليس مطلقًا‪ ،‬بل نسبي إلى حجم اقتصاد البلد‪ .‬وكما ذكرت أعاله‬
‫ورثت البلدان اإلسالمية المعاصرة إرثًا من التأخر االقتصادي له جذور تاريخية تعود إلى قرون‪ ،‬ولهذا‬
‫السبب هيمنت عوائد النفط بسهولة على العديد من البلدان اإلسالمية وجعلت دولها ريعية‪ .‬وبعبارة أخرى‬
‫لو كانت االقتصادات اإلسالمية أكبر‪ ،‬لما هيمن عليها ريع النفط تلك الهيمنة الساحقة‪.‬‬
‫وأخيرا فإن الحكام السلطويين في البلدان اإلسالمية هم عمو ًما من الباحثين عن الريع‪ .‬وفي بعض الحاالت‬
‫ً‬
‫وحتى لو كانت البالد فقيرة من النفط‪ ،‬يسعى الحكام إلى الحصول على مصادر أخرى للريع من خالل بيع‬
‫األراضي أو فرض رسوم قناة أو المطالبة بمساعدات دولية على أساس األهمية الجيوسياسية لبلدانهم‪.‬‬

‫وتقترن مشكلة الحكام الذين يسعون للحصول على الريع من النفط والمصادر األخرى في كثير من البلدان‬
‫اإلسالمية بعدم حماية الممتلكات الخاصة بالقدر الكافي‪ .‬وفي بعض الحاالت تنظر الدول إلى مصادرة‬
‫أصول المواطنين على أنه مصدر للدخل‪ .‬وفي الدول اإلسالمية الكبرى مثل المملكة العربية السعودية‬
‫ومصر وتركيا لطالما رأى الحكام أن االستيالء على الممتلكات الخاصة وسيلة لزيادة اإليرادات الحكومية‬
‫ومعاقبة المعارضين السياسيين‪.‬‬

‫في يناير ‪ 2018‬أعلنت الحكومة السعودية أنها صادرت أكثر من ‪ 100‬مليار دوالر من خالل تسويات‬
‫مالية مع عشرات من رجال األعمال والمسؤولين الذين اعتقلوا خالل حملة قمعية على الفساد‪ 61.‬وفي‬
‫سبتمبر ‪ 2018‬أعلنت الحكومة المصرية مصادرة أصول يملكها مؤيدو اإلخوان المسلمين تبلغ قيمتها ‪3.4‬‬
‫مليار دوالر‪ 62.‬وفي سبتمبر ‪ 2020‬قدر تقرير أن الحكومة التركية صادرت ‪ 32‬مليار دوالر في‬
‫‪64‬‬
‫العقارات‪ 63.‬من المؤسسات واألفراد التابعين لحركة غولن‪.‬‬

‫وتبين هذه األمثلة مدى هشاشة حماية الملكية الخاصة وتسييسها في بعض البلدان اإلسالمية‪ .‬بدون هذه‬
‫‪6‬‬
‫الحماية يستحيل ظهور رواد أعمال اقتصاديين مستقلين عن الحكومة‪ .‬كما يؤكد باحثو المؤسسية الحديثة‬
‫أنه ليس من المرجح أن تظهر ابتكارات منهجية أو يحدث تطور اقتصادي طويل األمد بدون حماية الملكية‬
‫الخاصة‪ .‬ويُعد الجمع بين عدم حماية الممتلكات الخاصة بالقدر الكافي من جهة واالعتماد على الريع من‬
‫جهة إشكالية للتنمية االقتصادية على وجه الخصوص‪.‬‬

‫تعد الريعية باإلضافة إلى استيالء الدولة على الممتلكات الخاصة‪ ،‬من سمات السلطوية في العالم اإلسالمي‪.‬‬
‫وتُظهر معظم الدول السلطوية في المنطقة درجات عالية من التحالف بين العلماء والدولة كما هو مبين في‬
‫دساتيرها القائمة على الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫الدساتير المستندة إلى الشريعة‬

‫الدستور المستند إلى الشريعة يدل على إضفاء الطابع المؤسسي العميق على التحالف بين العلماء والدولة‪.‬‬
‫فهو يمنح العلماء ‪ -‬الذين يحددون ما هي الشريعة ‪ -‬سلطات تشريعية وقضائية‪ .‬والتخصيص الدستوري‬
‫للوضع القانوني للشريعة يعني تعريف القانون‪ ،‬جزئيًا على األقل‪ ،‬بأنه شيء يجب أن يصوغه العلماء‪.‬‬

‫هذا النظام يكاد يكون عكس المفهوم الديمقراطي القائم على سن القوانين على يد البرلمانيين عبر النظر في‬
‫الظروف المتغيرة والرأي العام‪ .‬إن صياغة العلماء ألحكام الشريعة اإلسالمية تستبعد مشاركة الشعب في‬
‫العملية القانونية‪ ،‬ومن ثم يتعارض بطبيعته مع العمليات والمثل الديمقراطية‪ .‬وإلى جانب هذا التحفظ‬
‫النظري‪ ،‬تدل تجربة العقود القليلة الماضية على أن توسيع الدور القانوني للعلماء يصاحبه درجات أعلى‬
‫من السلطوية عدد كبير من البلدان اإلسالمية‪.‬‬
‫مصدرا‬
‫ً‬ ‫فقد تم إصدار أحكام جديدة لمعاقبة الردة وازدراء األديان في عدد من البلدان التي أصبحت الشريعة‬
‫ضا األصوات الدينية‬‫للتشريع فيها‪ .‬وال تقيد هذه القوانين الحرية الدينية وحرية التعبير فحسب‪ ،‬بل تعاقب أي ً‬
‫‪66‬‬
‫والسياسية المعارضة‪.‬‬

‫وعبر خمسين دولة إسالمية في العالم‪ ،‬هناك تباين واضح فيما يتعلق بدور الشريعة في أنظمتها القانونية‪،‬‬
‫فنجد أن بعضها لديه دساتير قائمة على الشريعة‪ ،‬بينما تمتلك بعضها دساتير علمانية أو مختلطة‪ .‬وبالمثل‬
‫تُظهر الدول اإلسالمية تباينًا فيما يتعلق بأنظمتها االقتصادية‪ ،‬فتعتمد بعضها على الريع وأخرى ليست‬
‫كذلك‪ .‬سيتناول القسم التالي هذه االختالفات بالدرس والتحليل‪.‬‬

‫التباين الدستوري واالقتصادي في العالم اإلسالمي‬

‫أدوارا مختلفة في دساتير الخمسين دولة ذات األغلبية المسلمة‪ .‬يقسم الجدول ‪ 1‬هذا‬ ‫ً‬ ‫أُعطيت الشريعة‬
‫مصدرا‬
‫ً‬ ‫االختالف الدستوري إلى ثالث فئات‪ )1 :‬الدساتير المستندة إلى الشريعة (باستخدام الشريعة‬
‫للتشريع أو المصدر الوحيد له‪ ،‬أو دساتير تتطلب أن تكون القوانين متوافقة مع الشريعة)‪ )2 ،‬الدساتير‬
‫المختلطة (ترسيخ اإلسالم دينًا رسميًا للدولة دون اإلشارة إلى الشريعة)‪ )3 ،‬الدساتير العلمانية (صراحة‬
‫أو ضمنًا تعريف الدولة أو الجمهورية على أنها علمانية)‪.‬‬

‫ضا األنظمة االقتصادية في ‪ 50‬دولة إسالمية إذا كانت ريعية أم غير ريعية‪ .‬كما‬‫كما يصنف الجدول أي ً‬
‫يحدد الجدول إذا ما كانت هذه البلدان ديمقراطية أو سلطوية‪ .‬سوف تشرح األقسام الفرعية التالية مجموعات‬
‫البلدان الثالث الواردة في الجدول ‪ 1‬وتحللها من خالل التركيز على بعض الحاالت التمثيلية‪.‬‬

‫المجموعة األولى‪ :‬دساتير مستندة إلى الشريعة واقتصاديات ريعية‬

‫من بين ‪ 50‬دولة إسالمية يوجد ‪ 18‬دولة لديها دساتير مستندة إلى الشريعة‪ :‬أفغانستان واإلمارات العربية‬
‫المتحدة وإيران وباكستان والبحرين وبروناي وجزر المالديف وسلطنة عمان وسوريا والصومال والعراق‬
‫وقطر والكويت وليبيا ومصر والمملكة العربية السعودية وموريتانيا واليمن‪ .‬توجد في هذه البلدان الثمانية‬
‫عشر محاكم الشريعة التي تملك سلطة قضائية فيما يتعلق بمسائل قانون األسرة بما في ذلك الزواج والطالق‬
‫ضا مع مسائل القانون الجنائي في العديد من هذه البلدان‪ .‬كل هذه‬ ‫والميراث‪ .‬وتتعامل محاكم الشريعة أي ً‬
‫‪67‬‬
‫الدول لديها أحكام تعاقب على الردة ووازدراء األديان‪ ،‬وقد تصل العقوبة في بعض الحاالت لإلعدام‪.‬‬
‫ويعد ثلثي هذه البلدان تقريبًا دول ريعية‪.‬‬
‫في هذه المجموعة سننظر في حالتين على وجه التحديد‪ :‬أفغانستان الفقيرة من النفط والمملكة العربية‬
‫السعودية الغنية بالنفط‪ .‬بعد الغزو السوفيتي عام ‪ 1979‬عانت أفغانستان من حرب أهلية ونظام طالبان ثم‬
‫صا من الشرق‬ ‫الغزو األمريكي في عام ‪ .2001‬جلبت هذه الظروف معها الجهاديين إلى أفغانستان خصو ً‬
‫فضال عن أنها عرقلت أي احتمالية لقيام ديمقراطية أو حدوث تنمية‪ 68.‬في ظل نظام طالبان لم‬‫ً‬ ‫األوسط‬
‫ضا‪ .‬ثم انتهى نظام‬
‫يهيمن العلماء على السلطة التشريعية والقضائية فحسب‪ ،‬بل على السلطة التنفيذية أي ً‬
‫صدق عليه عام ‪ - 2004‬أبقى على جوانب معينة‬ ‫طالبان بعد الغزو األمريكي لكن الدستور الجديد ‪ -‬الذي ُ‬
‫من النظام اإلسالمي‪ 69.‬بعد بدء عملية انسحاب القوات األمريكية وحلف شمال األطلسي عام ‪ 2021‬استولت‬
‫طالبان على السلطة مرة أخرى في أفغانستان‪.‬‬
‫تمتلك المملكة العربية السعودية أطول تاريخ في النظام القانوني المستند إلى الشريعة‪ .‬فعلى الرغم من‬
‫انتقاداتهم للعلماء التقليديين أسس الوهابيون طبقة العلماء الخاصة بهم‪ 70.‬كما أعادوا إحياء المفهوم‬
‫الكالسيكي للتحالف بين العلماء والسلطة الملكية‪ .‬حاليًا يواجه العلماء الذين ينتقدون الدولة السعودية أحكا ًما‬
‫بالسجن وحتى اإلعدام‪ 71.‬منذ سبعينيات القرن الماضي استخدمت السعودية ريع النفط ليس لتمويل تحالف‬
‫‪72‬‬
‫ضا لنشر األفكار السلفية عالميًا‪.‬‬
‫العلماء والدولة فحسب ولكن أي ً‬

‫باختصار‪ ،‬تجمع البلدان في هذه المجموعة إلى حد كبير بين الدساتير القائمة على الشريعة واألنظمة‬
‫الريعية‪ ،‬وهما يرتبطان بشكل مشترك بالسلطوية‪.‬‬

‫المجموعة الثانية‪ :‬دساتير مختلطة واقتصادات ريعية وغير ريعية‬

‫هناك عشر دول إسالمية في المجموعة الثانية لديها دساتير "مختلطة" تعترف باإلسالم دينًا رسميًا للدولة‬
‫دون اإلشارة إلى الشريعة كمصدر للتشريع‪ .‬هذه البالد هي‪ :‬األردن وبنغالديش وتونس والجزائر وجزر‬
‫القمر وجيبوتي والسودان وغامبيا وماليزيا والمغرب‪ .‬في هذه البلدان تُستخدم الشريعة فيما يتعلق بقانون‬
‫األسرة وتفسر بدرجات متفاوتة من الشدة على عكس البلدان في المجموعة األولى‪ .‬جميع البلدان في‬
‫المجموعة الثانية لديها أحكام كفر‪ ،‬لكن نصفها فقط لديها أحكام الردة وال تنص أي من هذه القوانين على‬
‫عقوبة اإلعدام‪.‬‬
‫سنتناول ثالث دول من هذه المجموعة بالتفصيل‪ :‬سننظر في حالة السودان (الحالة الوحيدة التي انتقلت‬
‫مؤخرا من المجموعة األولى إلى المجموعة الثانية) وجارتان من شمال إفريقيا‪ ،‬أي الجزائر (وهي دولة‬
‫ً‬
‫مؤخرا‬
‫ً‬ ‫ريعية ويسيطر عليها الحكم االستبدادي القوي) وتونس (وهي ليست دولة ريعية وأصبحت‬
‫الديمقراطية العربية الوحيدة)‪.‬‬

‫كان السودان دولة ريعية‪ .‬في عام ‪ 1989‬وصل عمر البشير إلى السلطة عن طريق انقالب عسكري وأسس‬
‫تغييرا دستوريًا يجعل الشريعة‬
‫ً‬ ‫تحالفًا مع حسن الترابي‪ ،‬وهو سياسي إسالمي مشهور‪ .‬أجرى البشير‬
‫البشير الترابي وعزز‬
‫ُ‬ ‫مصدرا للتشريع‪ ،‬باإلضافة إلى تطبيق الشريعة حتى في القانون الجنائي‪ .‬ثم سجن‬ ‫ً‬
‫حكمه الشخصي‪ .‬في عام ‪ 2019‬عقب االحتجاجات الشعبية أطاح الجيش بالبشير ولم يعد اإلعالن‬
‫الدستوري للحكومة االنتقالية يشير إلى الشريعة‪ .‬كما ألغت الحكومة القانون الذي يحظر الردة‪ ،‬والذي كان‬
‫‪73‬‬
‫يقضي بعقوبة اإلعدام‪.‬‬

‫كانت الريعية والسلطوية من الخصائص الثابتة للدولة الجزائرية‪ .‬تخضع المساجد الجزائرية البالغ عددها‬
‫‪ 17‬ألف مسجد لسيطرة الدولة‪ .‬يعمل أئمة المساجد ومعلمو القرآن والخطباء والقائمون على المؤسسات‬
‫الدينية كلهم بصفتهم موظفين حكوميين‪ .‬هذه ليست مجرد سيطرة دولة من جانب واحد‪ ،‬بل يحصل العلماء‬
‫في المقابل على التمويل والشرعية والمكانة (كما هو الحال مع المفتي العام) والمنظمات الرسمية (مثل‬
‫المجلس اإلسالمي األعلى)‪ .‬ويطبق العلماء بالشراكة مع الدولة الشريعة في حالة قانون األسرة على سبيل‬
‫‪74‬‬
‫المثال‪.‬‬

‫أما تونس فلم تكن أبدًا دولة ريعية‪ .‬وهي الديمقراطية الوحيدة في هذه المجموعة‪ .‬يتمثل أحد األبعاد الرئيسية‬
‫إلرساء الديمقراطية الناجحة نسبيًا في تونس في توازن القوى بين األحزاب السياسية اإلسالمية والعلمانية‪.‬‬
‫لم يقترح الحزب اإلسالمي الرئيسي في تونس ‪ -‬النهضة ‪ -‬تضمين الشريعة في دستور ما بعد الثورة‪ ،‬وذلك‬
‫عكس ما فعله اإلخوان المسلمون في مصر‪ 75.‬في وقت كتابة هذا التقرير أصبح مستقبل الديمقراطية‬
‫الوحيدة التي أنتجها الربيع العربي (‪ )2012-2010‬غير مؤكد ألن الرئيس التونسي أقال رئيس الوزراء‬
‫وجمد البرلمان‪ ،‬واتهمه حزب النهضة بالقيام بانقالب‪.‬‬

‫المجموعة الثالثة‪ :‬دساتير علمانية واقتصادات غير ريعية‬

‫المجموعة الثالثة تتكون من ‪ 22‬دولة إسالمية ذات دساتير علمانية‪ .‬من بين هذه البلدان هناك ‪ 13‬دولة لديها‬
‫دساتير تشير إلى الدولة (أو الجمهورية) على أنها "علمانية"‪ :‬أذربيجان وبوركينا فاسو وتركمانستان‬
‫وتركيا وتشاد والسنغال وطاجيكستان وغينيا وغينيا بيساو وقيرغيزستان وكازاخستان وكوسوفو ومالي‪.‬‬
‫أما دساتير الدول التسع المتبقية إريتريا وألبانيا وإندونيسيا وأوزبكستان والبوسنة والهرسك وسيراليون‬
‫ضا ال تعترف باإلسالم بصفته الدين‬
‫ولبنان والنيجر ونيجيريا‪ ،‬فال تستخدم مصطلح "علماني" لكنها أي ً‬
‫‪76‬‬
‫الرسمي‪ .‬ومن ثم فهم يعرفون دولهم ضمنيًا على أنها علمانية‪.‬‬
‫في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أظهرت بوركينا فاسو وسيراليون وخاصة السنغال مزي ًجا من علمانية‬
‫الدولة وغياب أحكام الردة وازدراء األديان واالقتصادات غير الريعية‪ ،‬ونجحوا في الوصول إلى‬
‫ديمقراطية انتخابية رغم الظروف االقتصادية الصعبة لمنطقتهم‪ 77.‬وفي البلقان تقدم لنا ألبانيا وكوسوفو‬
‫وإنجازا مشابهين إلنجاز دول أفريقيا جنوب الصحراء على الرغم من عدم االستقرار السياسي‬ ‫ً‬ ‫مزي ًجا‬
‫‪78‬‬
‫والعسكري في منطقتهم‪.‬‬

‫تعد إندونيسيا أكبر بلد مسلم من حيث تعداد السكان‪ ،‬وقد كانت دولة ريعية في أواخر القرن العشرين‪ ،‬ثم‬
‫مستوردًا صافيًا للنفط‪ .‬وهي ديمقراطية انتخابية وإن كان بها بعض السمات المتناقضة؛‬‫ِ‬ ‫أصبحت اليوم‬
‫فدستورها الفيدرالي علماني‪ ،‬باستثناء مقاطعة واحدة تطبق الشريعة في قضايا معينة من القانون الجنائي‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫شهرا بتهمة التجديف‪.‬‬
‫سجن بعد ذلك لمدة ‪ً 20‬‬ ‫وكان حاكم عاصمتها وأكبر مدنها‪ ،‬جاكرتا‪ ،‬مسيحيًا إال أنه ُ‬

‫ضا‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬توجد أمثلة كثيرة على الشراكة‬‫وتعد العالقات بين العلماء والدولة في إندونيسيا معقدة أي ً‬
‫بين علماء معينين والدولة عبر التاريخ وحتى وقتنا الحاضر‪ .‬لكن من ناحية أخرى كان العلماء في إندونيسيا‬
‫عا من العلماء في دول الشرق األوسط‪ 80.‬على سبيل المثال تضم أكبر جماعتين‬ ‫أكثر ال مركزية وتنو ً‬
‫إسالميتين في إندونيسيا – جمعية نهضة العلماء والجمعية المحمدية ‪ -‬عشرات الماليين من األعضاء‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫حافظت هاتان المجموعتان على استقالليتهما التنظيمية على الرغم من وجود بعض التفاعالت مع الدولة‪.‬‬

‫من بين جمهوريات ما بعد االتحاد السوفياتي الست ذات األغلبية المسلمة‪ ،‬تعد أذربيجان وكازاخستان‬
‫دوال ريعية‪ ،‬في حين تعد قيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان ً‬
‫دوال غير ريعية‪ .‬ورغم أن‬ ‫وتركمانستان ً‬
‫هذه الدول تتبع أنظمة علمانية حازمة‪ ،‬مع استثناء محتمل لقيرغيزستان؛ إال أنها ال تمارس حقًا الفصل بين‬
‫الدين والدولة وال تحافظ بشكل كافٍ على الحرية الدينية‪ .‬بل فرضت سيطرة الدولة الشديدة على المؤسسات‬
‫‪82‬‬
‫الدينية‪ ،‬عن طريق توظيف العلماء بصفتهم موظفين حكوميين بشكل عام‪.‬‬

‫أما تركيا فلديها أطول تاريخ في الديمقراطية متعددة األحزاب في العالم اإلسالمي‪ .‬ولكن منذ عام ‪2017‬‬
‫صنف فريدوم هاوس ‪ Freedom House‬تركيا باستمرار على أنها دولة سلطوية‪ 83.‬وعلى الرغم من أن‬
‫دستورا علمانيًا؛ إال أنه يحكمها اآلن نظام أردوغان اإلسالمي الشعبوي‪ 84.‬وتنسق‬
‫ً‬ ‫دستور تركيا ال يزال‬
‫ديانت ‪ -‬التي تمثل التحالف بين العلماء وأردوغان ‪ -‬خطب الجمعة في المساجد وغيرها من األنشطة الدينية‬
‫لخدمة النظام‪ 85.‬وصحيح أن تركيا دولة فقيرة من النفط ومن ثم فهي غير ريعية؛ إال أن أردوغان يسعى‬
‫مؤخرا عدة مرات اكتشافات للغاز الطبيعي في تركيا‪ 86.‬كما أنه سعى أي ً‬
‫ضا‬ ‫ً‬ ‫وراء الريعية ولذلك فقد أعلن‬
‫إلى ريع غير نفطي من خالل تحويل األراضي العامة إلى مشاريع بناء‪ .‬أدى رد الفعل الشعبي على مشاريع‬
‫أردوغان‪ ،‬التي تسعى إلى تحويل المساحات الخضراء في إسطنبول إلى مراكز تجارية ومساكن‪ ،‬إلى‬
‫اندالع احتجاجات منتزه غيزي في صيف ‪ .2013‬ويقوم أردوغان اآلن ببناء قناة موازية للبوسفور بهدف‬
‫تحصيل رسوم القناة وبيع األراضي على جانبيها‪.‬‬

‫وبشكل عام تُظهر العديد من البلدان اإلسالمية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والبلقان وجنوب شرق‬
‫آسيا أنه كلما ضعفت قوة تحالف العلماء وانخفض االعتماد على الريعية‪ ،‬ارتفعت احتمالية التحول‬
‫الديمقراطي‪ .‬لكن جمهوريات ما بعد االتحاد السوفيتي في آسيا الوسطى والقوقاز تكشف أن العلمانية ليست‬
‫كافية إلرساء الديمقراطية‪ .‬بل من المرجح أن يكون نظام هذه الدول علماني حازم يهدف إلى السيطرة على‬
‫مؤخرا الحالة األخيرة التي‬
‫ً‬ ‫دوال سلطوية خاصة إذا كانت اقتصاداتها ريعية‪ .‬شهدت‬ ‫األديان‪ ،‬وأن تكون ً‬
‫نظرنا فيها‪ ،‬تركيا‪ ،‬انهيار الديمقراطية والذي تزامن مع صعود االتجاه اإلسالمي الشعبوي والريعية‪ .‬ويبدو‬
‫أن إعادة إرساء الديمقراطية في تركيا في المستقبل مرتبطة بهبوط االتجاه اإلسالمي الشعبوي والريعية‪.‬‬

‫يشير تحليل المجموعات الثالث من البلدان إلى أن تحالف العلماء والدولة هو األكثر مؤسسية في البلدان‬
‫مصدرا للتشريع‪ .‬ويقوم العلماء بدور تشريعي وقضائي رسمي‬ ‫ً‬ ‫التي تشير دساتيرها إلى الشريعة بصفتها‬
‫في هذه الحاالت‪ .‬في العديد من البلدان اإلسالمية يقترن هذا التحالف ذو الطابع المؤسسي القوي بين العلماء‬
‫والدولة باالقتصادات الريعية‪ .‬وقد جعل هذا من أنظمتهم السلطوية كيانات قوية جدًا‪.‬‬

‫في المستقبل قد تؤدي عوامل مختلفة (نفاد احتياطات النفط وزيادة االستهالك المحلي وابتكار تقنيات الطاقة‬
‫انخفاض حا ٍد في ريع النفط‪ .‬وقد يفقد تحالف العلماء والدولة في هذا السيناريو دعامته التمويلية‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الجديدة) إلى‬
‫هذا ال يعني أن هذا التحالف سيتم حله تلقائيًا‪ ،‬ألن تفكيكه يتطلب ً‬
‫عمال متأنيًا من األفراد اإلصالحيين‪ .‬ولكنه‬
‫يعني أن البلدان اإلسالمية التي تحكمها تحالفات العلماء والدولة ال يمكنها االحتفاظ بالوضع الراهن‪ ،‬وقد‬
‫تجبرهم التغيرات االقتصادية على إعادة هيكلة اقتصاداتهم وإعادة النظر في العالقات بين الدين والدولة‪،‬‬
‫وهذا ما سأناقشه في توصيات القسم التالي‪.‬‬
‫جدول (‪ :)1‬العالم اإلسالمي‪ :‬الدستور واالقتصاد والنظام السياسي‬

‫ديمقراطي أم سلطوي‬ ‫االقتصاد‪:‬‬ ‫الدستور‪:‬‬

‫ريعي أم غير ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة أم‬ ‫الدول‬

‫علماني أم مختلط‬

‫المجموعة األولى‪ :‬دساتير مستندة إلى الشريعة واقتصادات ريعية‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫أفغانستان‬ ‫‪1‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫اإلمارات العربية المتحدة‬ ‫‪2‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫إيران‬ ‫‪3‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫باكستان‬ ‫‪4‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫البحرين‬ ‫‪5‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫بروناي‬ ‫‪6‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫جزر المالديف‬ ‫‪7‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫سلطنة عمان‬ ‫‪8‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫سوريا‬ ‫‪9‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫الصومال‬ ‫‪10‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫العراق‬ ‫‪11‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫قطر‬ ‫‪12‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫الكويت‬ ‫‪13‬‬


‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫ليبيا‬ ‫‪14‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫مصر‬ ‫‪15‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫المملكة العربية السعودية‬ ‫‪16‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫موريتانيا‬ ‫‪17‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مستند إلى الشريعة‬ ‫اليمن‬ ‫‪18‬‬

‫المجموعة الثانية‪ :‬دساتير مختلطة واقتصادات ريعية وغير ريعية‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مختلط‬ ‫األردن‬ ‫‪1‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مختلط‬ ‫بنغالديش‬ ‫‪2‬‬

‫ديمقراطي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مختلط‬ ‫تونس‬ ‫‪3‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مختلط‬ ‫الجزائر‬ ‫‪4‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مختلط‬ ‫جزر القمر‬ ‫‪5‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مختلط‬ ‫جيبوتي‬ ‫‪6‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مختلط‬ ‫السودان‬ ‫‪7‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مختلط‬ ‫غامبيا‬ ‫‪8‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫مختلط*‬ ‫ماليزيا‬ ‫‪9‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫مختلط‬ ‫المغرب‬ ‫‪10‬‬

‫المجموعة الثالثة‪ :‬دساتير علمانية واقتصادات غير ريعية‬


‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫علماني‬ ‫أذربيجان‬ ‫‪1‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫إريتريا‬ ‫‪2‬‬

‫ديمقراطي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علمانية‬ ‫ألبانيا‬ ‫‪3‬‬

‫ديمقراطي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني *‬ ‫اندونيسيا‬ ‫‪4‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫أوزبكستان‬ ‫‪5‬‬

‫ديمقراطي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫بوركينا فاسو‬ ‫‪6‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫علماني‬ ‫البوسنة والهرسك‬ ‫‪7‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫علماني‬ ‫تركمانستان‬ ‫‪8‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫تركيا‬ ‫‪9‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫علماني‬ ‫تشاد‬ ‫‪10‬‬

‫ديمقراطي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫السنغال‬ ‫‪11‬‬

‫ديمقراطي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫سيرا ليون‬ ‫‪12‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫طاجيكستان‬ ‫‪13‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫غينيا‬ ‫‪14‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫غينيا بيساو‬ ‫‪15‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫قيرغيزستان‬ ‫‪16‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫علماني‬ ‫كازاخستان‬ ‫‪17‬‬

‫ديمقراطي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫كوسوفو‬ ‫‪18‬‬


‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫لبنان‬ ‫‪19‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫مالي‬ ‫‪21‬‬

‫سلطوي‬ ‫غير ريعي‬ ‫علماني‬ ‫النيجر‬ ‫‪21‬‬

‫سلطوي‬ ‫ريعي‬ ‫علماني *‬ ‫نيجيريا‬ ‫‪22‬‬

‫*نظام فيدرالي حيث تطبق بعض المقاطعات الشريعة في القانون الجنائي‪ .‬ويشير البنط العريض إلى الديموقراطيات االنتخابية‪.‬‬

‫المصادر‪ :‬أحمد ت‪ .‬كورو‪ ،‬اإلسالم والسلطوية والتأخر (ص‪ ،)52-37‬دساتير البلدان المسلمة‪International Monetary Fund, “Country Information: Article IV Staff ،‬‬
‫‪Reports”, 2007–2011, www.imf.org/external/country/index.htm; Freedom House, “List of Electoral Democracies”, 2020,‬‬
‫‪https://freedomhouse.org/report/freedom-world/2020/leaderless-struggle- democracy.‬‬
‫الخاتمة‬
‫إن العوائق الهيكلية التي أعاقت التقدم في العالم اإلسالمي‪ ،‬وعلى وجه الخصوص تحالف العلماء والدولة‬
‫ضا‬
‫ونظامه الريعي‪ ،‬لها جذور تاريخية عميقة‪ .‬إال أن هذا التقرير يكشف أن التاريخ اإلسالمي يتضمن أي ً‬
‫تجارب نموذجية قد تلهم إصالح العالقات بين الدولة والدين والقيام بتقويمات اقتصادية في المستقبل‪.‬‬

‫تاريخيا‪ ،‬ارتبطت اإلخفاقات الشاملة للحكام اإلصالحيين والعلمانيين في القرن التاسع عشر وأوائل القرن‬
‫العشرين بمركزية الدولة‪ .‬يحتاج العالم اإلسالمي اليوم إلى إصالحات من شأنها أن تشجع ظهور طبقات‬
‫ديناميكية من المثقفين ورواد األعمال االقتصاديين الذين يمكنهم تحقيق التوازن بين قوة العلماء وسلطات‬
‫الدولة‪.‬‬

‫ما هي الخطوات الالزمة إلعمال مثل هذه اإلصالحات الهيكلية؟ يقترح هذا التقرير أربع توصيات رئيسية‬
‫لهذه الخطوات مقدمة ألولئك الذين يهتمون بتعزيز الديمقراطية والتنمية في العالم اإلسالمي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬من المهم أن نعترف بمشكلتي السلطوية والتأخر في العالم اإلسالمي‪ .‬ألنه من غير المجدي إنكارها‬‫ً‬
‫باستخدام خطابات ما بعد الحداثة أو النسبية الثقافية أو غيرها كذريعة وطرح أسئلة مثل "كيف نعرف أن‬
‫الديمقراطية جيدة؟" أو "أليست التنمية مفهو ًما غربيًا؟" كما أن تصنيف أولئك الذين يسعون إلى تحليل هذه‬
‫ضا‪.‬‬
‫المشكالت بأنهم "مستشرقون" ليس ذو نفع أي ً‬

‫ثانيًا‪ :‬من الضروري تجنب لوم اإلسالم أو االستعمار الغربي وإال سنقع في مخاطرة المساهمة في‬
‫المشكالت القائمة بالفعل كاإلسالموفوبيا في الغرب ومعاداة الغرب في العالم اإلسالمي‪ .‬كان اإلسالم متوافقًا‬
‫تما ًما مع التقدم في تاريخه المبكر‪ ،‬واستمر العالم اإلسالمي في تقديم العلماء النابغين حتى في فترات الحقة‪.‬‬
‫عا واختالفًا‬
‫كذلك فإن العالم اإلسالمي ليس كتلة واحدة تتسم بالسلطوية والتأخر؛ بل تُظهر دوله الخمسين تنو ً‬
‫اليوم‪ .‬وصحيح أن االستعمار الغربي أضر بالدول اإلسالمية‪ ،‬لكنه لم يبدأ مشكالت هذه البلدان‪ .‬يجب على‬
‫المجتمعات اإلسالمية أن تنظر إلى داخلها وأن تركز على حل مشكالتها ً‬
‫بدال من االستمرار في إلقاء اللوم‬
‫على االستعمار الغربي‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬من المهم أن ندرك مدى الضرر الذي أحدثه تحالف العلماء والدولة‪ ،‬ال سيما قيامه بتهميش المثقفين‬
‫ورواد األعمال االقتصاديين في العالم اإلسالمي‪ .‬هذه التوصية ال تعني هجو ًما على العلماء وال دعوة إلى‬
‫فوضى في نظام الدولة؛ بل تطلب من الدول اإلسالمية تأسيس أنظمة منفتحة قائمة على الجدارة والتنافسية‪.‬‬
‫ضا توسيع نطاق حرية الفكر من خالل إلغاء أحكام الردة وازدراء األديان‬ ‫يتطلب هذا النوع من اإلصالح أي ً‬
‫وحماية أكبر للممتلكات الخاصة من خالل منع استيالء الدولة عليها‪ .‬كما ينبغي للبلدان اإلسالمية أن تؤسس‬
‫لفصل حقيقي بين الدين والدولة للحفاظ على المواطنة العالمية والمشاركة السياسية‪ 87.‬إن اإلسالم بطبيعته‬
‫كل من اإلسالميين وكارهي اإلسالم‪ .‬فالتحليل‬ ‫ال يعارض مثل هذا الفصل‪ ،‬على الرغم من ادعاءات ٍ‬
‫التاريخي يُظهر أنه كان هناك مستوى معين من الفصل بين السلطات الدينية والسياسية في العالم اإلسالمي‬
‫حتى منتصف القرن الحادي عشر‪.‬‬
‫تتعلق التوصية الرابعة واألخيرة باإلصالح االقتصادي‪ .‬غذى ريع النفط تحالفات العلماء والدولة‬
‫والسلطوية في العديد من البلدان اإلسالمية‪ .‬وقد ينخفض في المستقبل القريب هذا الريع نتيجة الستنفاد‬
‫احتياطيات النفط وزيادة االستهالك المحلي وابتكار تقنيات الطاقة الجديدة‪ .‬لذا ستحتاج البلدان اإلسالمية‬
‫إلى إعادة هيكلة اقتصادية قائمة على أنظمة إنتاجية تشجع ريادة األعمال للتكيف مع ظروف ما بعد‬
‫النفط‪ .‬سيتطلب مثل هذا اإلصالح حلول اجتماعية واقتصادية مبتكرة‪ ،‬ومن ثم سينهي سيطرة تحالف العلماء‬
‫والدولة على الحياة االجتماعية والسياسية‪.‬‬

‫ضا لتحسين عالقاتها‬‫هذه التوصيات مهمة ليس إلصالح السياسة الداخلية للدول اإلسالمية فحسب ولكن أي ً‬
‫مع الغرب‪ .‬بعد فشل المشاركات العسكرية والسياسية التي انخرطت فيها بعض الدول الغربية في العالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬يتجه بعض صانعي السياسة الغربيين اآلن إلى دعم فك االرتباط عن العالم اإلسالمي‪ 88.‬لكن‬
‫هناك خطر متزايد للتأثير السلبي الصيني في المنطقة‪ ،‬وال يسعنا تناول هذه النقطة بالتفصيل هنا‪ً 89.‬‬
‫بدال‬
‫من ذلك قد تساعد شراكة يعاد تحديد مالمحها من جديد بين الدول اإلسالمية والغربية في عمليات اإلصالح‬
‫والتحول الديمقراطي وتحقيق التنمية‪ .‬وقد تزيد مثل هذه اإلصالحات في البلدان اإلسالمية عملية تفاعلها‬
‫مع الدول الغربية بأبعاد فكرية واجتماعية اقتصادية أوسع‪.‬‬
‫نبذة عن المؤلف‬
‫الدكتور أحمد ت‪ .‬كورو هو بروفيسور العلوم السياسية في جامعة سان دييغو في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬وحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة واشنطن‪ .‬شغل منصب باحث ما بعد الدكتوراه في‬
‫جامعة كولومبيا‪.‬‬

‫ألف كورو كتابا ً حصد به جوائز أكاديمية مهمة‪ ،‬وهو «العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين‪ :‬الواليات‬
‫المتحدة وفرنسا وتركيا» الصادر عن جامعة كامبريدج في ‪ 2009‬وترجم إلى العربية ونشرته الشبكة‬
‫العربية لألبحاث والنشر في ‪ .2012‬كما نشر له أيضا ً في ‪ 2019‬كتاب «اإلسالم والسلطوية والتأخر‪:‬‬
‫مقارنة تاريخية وعالمية» الحائز على جائزة قسم التاريخ والسياسة الدولية من الجمعية األمريكية للعلوم‬
‫السياسية ونشرت الشبكة العربية نسخته العربية في ‪( 2021‬ترجمة حبيبة حسن)‪.‬‬

‫تُرجمت أعماله إلى العربية والبوسنية والصينية والفرنسية واأللمانية واإلندونيسية والماليزية والفارسية‬
‫والتركية‪.‬‬
‫الهوامش‬

‫من اآلن فصاعدًا‪ ،‬سأطلق عليها "البلدان اإلسالمية‬

‫) أيضًا تباي ًنا طويل‬ ‫‪-‬‬ ‫يعكس تحليل نتائج مؤسسة فريدوم هاوس الديمقراطية في السنوات السابقة (‬
‫األمد بين البلدان اإلسالمية وبقية العالم‬

‫نظرا ألن معدالتها قيمة متطرفة‬


‫استثنيت قطر من هذا الحساب ً‬

‫أحمد ت‪ .‬كورو‪ ،‬اإلسالم والسلطوية والتأخر‪ :‬مقارنة عالمية وتاريخية‪ ،‬ترجمة حبيبة حسن‪ ،‬الشبكة‬
‫العربية لألبحاث والنشر‬
‫‐‬

‫) فترة قصيرة استثنائية من العالقات الوثيقة بين علماء المعتزلة‪ ،‬وهم فرقة كالمية‬ ‫‪-‬‬ ‫كانت المحنة (‬
‫كانت هذه فترة اضطهاد للحنابلة وبعض العلماء من غير المعتزلة تغلب عليهم النزعة العقلية‪ ،‬والخلفاء العباسيين‪.‬‬
‫فقد أدت تلك وتعد هذه الفترة التي امتدت لخمسة عشر عا ًما استثنا ًء يثبت القاعدة في "العصر الذهبي" لإلسالم‪.‬‬
‫المحاولة لصوغ دين رسمي عقالني إلى نتائج عكسية وأدت إلى إضعاف المعتزلة‬

‫هذا المقال ترجم جزئيا للعربية‬


‫‪،‬‬ ‫مارس‬ ‫في موقع ذات مصر ونشر بتاريخ‬

‫‪-‬‬ ‫كورو‪ ،‬اإلسالم والسلطوية والتأخر‪ ،‬ص‪.‬‬

‫ص المصدر نفسة‬ ‫‪-‬‬


‫‪-‬‬

‫‪-‬‬ ‫كورو‪ ،‬اإلسالم والسلطوية والتأخر‪ ،‬ص‪.‬‬

‫̧‬ ‫̇‬ ‫̇‬


‫̈ ̧‬

‫بدالً من كلمة "الحرية" في عبارة لوك ("الحياة‪ ،‬الحرية‪ ،‬المِ لك [الملكية]”) ‪ ،‬استخدم الفرمان كلمة‬
‫"الشرف"‬
‫وعد "فرمان التنظيمات" بإلغاء المصادرة‬ ‫ال يجوز حرمان الورثة األبرياء لمجرم من حقوقهم في‬
‫الميراث بسبب مصادرة ممتلكات هذا المجرم"‬

‫في مصر‪ ،‬رفض كبار العلماء اقتراح محمد عبده بإصالح األزهر واتهم شيخ األزهر محمد عبده بالرغبة في أن‬
‫يهدم معالم التعليم الديني في األزهر‪ ،‬ويحول هذا المسجد العظيم الى مدرسة فلسفة وآداب تحارب الدين وتطفئ‬
‫نوره في هذا البلد وغيره من البالد االسالمية ويضيف الشيخ ما سوى ذلك من أمور الدنيا وعلوم العصر فال‬
‫عالقة لألزهر به وال ينبغي له‬

‫وبالمثل‪ ،‬قاوم العلماء في آسيا‬


‫الوسطى وفي غيرها من أراض المسلمين الخاضعة للحكم الروسي المشروع اإلصالحي لحركة الجديدين‬
‫‪-‬‬ ‫كورو‪ ،‬اإلسالم والسلطوية والتأخر‪ ،‬ص‪.‬‬

‫‪،‬أحمد ت كورو العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين الواليات المتحدة‪ ،‬فرنسا‪ ،‬تركيا‪ ،‬ترجمة ندى السيد‬
‫‪ ،‬الفصل السابع‬ ‫الشبكة العربية لألبحاث والنشر‬

‫المصدر نفسه‬

‫كان سوكارنو متأثرا بأتاتورك أكثر من أي مصلح آخر خصوصا فيما يتعلق بقضية عالقة الدولة بالدين‪.‬‬

‫المصدر نفسه‬

‫‪ ،‬أضيفت اإلشارة إلى الشريعة بأنها مصدرا للتشريع إلى الدستور المصري‪ .‬وفي وقت‬ ‫في عهد السادات‪ ،‬في‬
‫‪ ،‬تمت مراجعة تلك المادة الدستورية ليُشار إلى الشريعة بأنها المصدر الرئيسي للتشريع‪.‬‬ ‫الحق‪ ،‬أي عام‬

‫بالرغم من أن الصورة السائدة عن اإلسالميين هي أنهم دائما ما يعارضون العلماء‪ ،‬وهي صورة مغلوطة‪ ،‬منحت جماعة‬
‫‪ ،‬كبار علماء األزهر سلطة استشارية في األمور‬ ‫اإلخوان المسلمين المصرية‪ ،‬التي قادت صياغة دستور جديد في نوفمبر‬
‫المتعلقة بالشريعة في المسودة الجديدة المادة‬
‫فيما يتعلق بانتقادات بعض العلماء اإليرانيين لـ "وصاية الفقيه" انظر‬

‫‪.‬‬
‫تتسم األولى بحضور تختلف السلطوية في البلدان ذات األغلبية المسلمة عن السلطوية في شرق آسيا‪.‬‬
‫تحالف العلماء والدولة والريعية والتوسع العسكري واالستثمارات المنخفضة في التعليم وعدم كفاءة‬
‫الحكومة‪ ،‬في حين أن األخيرة ليس لديها رجال دين يعيقون التقدم وتعتمد على اإلنتاجية الموجهة للتصدير‬
‫والتوسع االقتصادي واالستثمار العالي في التعليم وكفاءة الحكومة‬
‫‪-‬‬ ‫كورو‪ ،‬اإلسالم والسلطوية والتأخر‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫كورو‪ ،‬اإلسالم والسلطوية والتأخر‪ ،‬ص‪.‬‬

‫من مؤيدي اإلخوان المسلمين أو المتعاطفين معهم‪،‬‬ ‫صادرت الحكومة المصرية "أصوال تخص‬
‫موقعًا إلكترونيًا‬ ‫مستشفى و‬ ‫مدارس و‬ ‫منظمة غير حكومية و‬ ‫شركة و‬ ‫باإلضافة إلى‬
‫وقناة تلفزيونية لها صالت مزعومة" باإلخوان‬

‫تضمنت هذه الممتلكات مصرفا ً وعشرات الجامعات ومئات المدارس ووسائل اإلعالم المختلفة وعدة مستشفيات‪،‬‬
‫فضالً عن الممتلكات الخاصة لألفراد‪.‬‬

‫لالطالع على تحالف أردوغان األولي مع جماعة فتح هللا غولن ثم الصراع الالحق معهم واضطهادهم حاليا‪،‬‬
‫انظر‬

‫لإلطالع على مقارنة بين جماعة فتح هللا غولن واإلخوان المسلمين انظر‪ :‬أحمد ت‪ .‬كورو‪ ،‬من‬
‫‪.‬‬ ‫السلطة إلى االضطهاد‪ ،‬اإلخوان في مصر وأنصار غولن في تركيا‪ ،‬مجلة أواصر‪ ،‬أغسطس‬

‫مايو‬ ‫أحمد ت‪ .‬كورو‪ ،‬القرآن ال يدعو لعقاب مدنسي المقدسات بل السلطان‪ ،‬قنطرة‪،‬‬
‫انظر لالطالع على حالة أخرى من السيطرة البيروقراطية على اإلسالم في شمال إفريقيا‪ ،‬وهي المغرب‬

‫بعد الثورة‪ ،‬أصبحت ‪ .‬خالل العصر العلماني السلطوي‪ ،‬انتقدت حركة النهضة سيطرة الحكومة على المساجد‬
‫النهضة هي الحزب القيادي‪ .‬في غضون ذلك‪ ،‬فقدت الدولة التونسية السيطرة على العديد من المساجد التونسية‬
‫أدى التطرف السلفي ورد الفعل العلماني تجاهه ‪.‬البالغ عددها ‪ 5000‬مسجد ووقع المئات منها تحت النفوذ السلفي‬
‫إلى تغيير حزب النهضة لموقفه وبسط سيطرة الحكومة على المساجد‬

‫تعد األنظمة القانونية ألربع حاالت من بين هذه البلدان التسعة (ألبانيا والبوسنة والهرسك والنيجر وأوزبكستان)‬
‫وفي حالة واحدة وهي سيراليون‪ ،‬يعد قانون األسرة اإلسالمي قانو ًنا عرفيًا ويخضع الختصاص علمانية تما ًما‬
‫أما في الحالتين في حالتين وهما إريتريا ولبنان توجد محاكم شرعية لقضايا قانون األسرة المحاكم المحلية‬
‫المتبقيتين‪ ،‬إندونيسيا وخاصة نيجيريا‪ ،‬تستند النظم القانونية لبعض المقاطعات‪ ،‬بما في ذلك قانون األسرة والقانون‬
‫الجنائي‪ ،‬إلى الشريعة اإلسالمية‬
‫‪ ،‬قاد األمين العام لنهضة العلماء يحيى خليل ستاقوف إصال ًحا داخل الحركة تحت عنوان‬ ‫منذ عام‬
‫"اإلسالم اإلنساني"‪ ،‬والذي يهدف إلى تعزيز المواطنة العالمية في إندونيسيا من خالل انتقاد جهود اإلسالميين‬
‫وأسست هذه الحركة‪ ،‬لتصنيف المواطنين غير المسلمين على أنهم "كفار" وفرض الشريعة وبناء خالفة دولية‬
‫في أنشطتها العالمية‪ ،‬شراكة مع التحالف اإلنجيلي العالمي‬

‫ويعد أحمد شافعي معارف‪ ،‬الذي كان زعيمها عززت الجمعية المحمدية بشكل عام االعتدال في إندونيسيا‬
‫‪ ،‬مفكرا بارزا‬ ‫إلى‬ ‫انظر صفحة الويب الخاصة بمعهده‪ .‬من‬

‫انسحبت إدارة أردوغان من "اتفاقية اسطنبول" التي تحمي المرأة من العنف المنزلي‪ ،‬مما يعد دليال حديثا‬
‫يهدف هذا االنسحاب إلى االستجابة إلى المطالب األبوية للمحافظين على توجهها اإلسالمي الشعبوي‬
‫اإلسالميين‪.‬‬

‫دعم العديد من العلمانيين القوميين المتطرفين أيضًا نظام أردوغان وأحد أسباب هذا الدعم هو تالقيهم في‬
‫مواقفهم العدائية ضد النشطاء األكراد أما السبب اآلخر هو معاداتهم المشتركة للغرب ودعم العلمانيون‬
‫القوميون المتطرفون بشكل خاص عالقات نظام أردوغان العميقة مع روسيا والصين‬
‫مؤخرا إلى مستوى التطهير العرقي والديني من خالل وضع أكثر من مليون مسلم‬
‫ً‬ ‫وصلت السلطوية الصينية‬
‫من األويغور في معسكرات االعتقال‪.‬‬
FOLLOW US

GENERAL ENQUIRIES

You might also like