You are on page 1of 16

‫الفهرس ‪100-91‬‬ ‫ص‪1‬‬

‫الليبرالية الجديدة والعولمة والثقافة‬

‫تحليل الخطاب التاريخي للنأا على الخآر‬

‫محمد المذكوري المعطاوي‬

‫الليبرالية والتأسيس للمفاهيم اليديولوجية ‪1-‬‬

‫تعرف الليبرالية بأنأها أيديولوجية الحرية )حسب تعريف ريفيرو كارو( وبعبارة أخآرى‪ :‬يعتبر النأسان الليبرالي من الناحية النظرية‪ ،‬هو كل‬
‫من وضع الحرية فوق أي اعتبار آخآر‪ .‬إل أنأه من نأاحية الممارسة الجتماعية والسياسية‪ ،‬فالليبرالي يحتاج دائما إلى شيء ما لكي يتحرر‬
‫منه‪ ،‬أي أنأه بحاجة للتمرد – من اجل التحرر‪ -‬من أي ممارسات قسرية قد تكون سياسية أو اجتماعية أو أخآلقية أو دينية‪ .‬ال أن هذا التمرد‬
‫من أجل الحرية ليس تمردا مبنيا على الفوضى ول ينتمي إلى الفكار المطروحة من قبل الفكر الفوضوي‪ .‬فالليبراليون ينطلقون من سيادة‬
‫القانأون‪ ،‬وهم يقولون‪":‬نأحن أحرار إذا خآضعنا جميعا بالتساوي لقوانأين متفق عليها"‪ ،‬وعليه‪ :‬فهم يعتقدون أن انأعدام القانأون سيؤدي إلى‬
‫‪.‬الظلم‪ ،‬وبالتالي إلى سيادة قانأون الغاب و منطقه‪ :‬البقاء للقوى‬

‫وقد اكتسبت الليبرالية في العالم الغربي منذ القرن التاسع عشر طابعا جمهوريا من الناحية السياسية‪ ،‬فالنظام الملكي المطلق في الكثير من‬
‫المملكات الغربية كان فوق القوانأين‪ ،‬انأطلقا من أن البشر ليسوا متساوين أمام القانأون‪ .‬و كانأت الوليات المتحدة المريكية الستثناء الوحيد‬
‫في هذا القرن بنظامها الجمهوري ذي السجل التاريخي الخاص فيما يتعلق بالحريات الفردية والدينية والعرقية‪ ،‬ولكنها في نأهاية المر كانأت‬
‫و كأنأها ملكية بالفعل‪ ،‬فالجمهوريون المريكيون في الكثير من تصرفاتهم يجسدون المبادئ المحافظة‪ ،‬ونأفس المر يقال في الحماية التي تميز‬
‫النأظمة الملكية الوروبية‪ ،‬فالوليات المتحدة على الرغم من هامش الحرية المعقول تعتبر إحدى النأظمة الجمهورية القليلة التي ل توجد فيها‬
‫أحزاب شيوعية‪ ،‬بل إن الشيوعيين كأفراد تعرضوا في هذا البلد لملحقات مستمرة خآلل فترة التحركات الجتماعية من أجل الحريات‬
‫والستقلل الفردي والجماعي‪ ،‬ول نأنسى أنأه في هذه الفترة بالذات كانأت توضع العراقيل”الديمقراطية”في الوليات المتحدة أمام مطالب‬
‫‪.‬الحق في الخآتلف وتحريم وتجريم العتداء على الفراد‬

‫وخآلل الفترة مابين ‪ 1952- 1890‬حاول سبعة رؤساء أمريكيين حمل الكونأغرس على منع عمليات العتداء الجسدي والقتل التي كانأت‬
‫تستخدم كوسائل للعقاب خآارج الطر القانأونأية‪ ،‬خآاصة للزنأوج في جنوب البلد‪ ،‬واستجابة لهذه المطالب تدارس الكونأجرس عشرات‬
‫القتراحات القانأونأية‪ ،‬ثلثا منها تمت الموافقة عليها في البرلمان خآلل الفترة ما بين ‪ 1920‬و ‪ 1940‬ولكنها لم تلبث أن أأسقطت عند‬
‫عرضها على مجلس الشيوخ نأظرا للعراقيل التي أوضعت من قبل العضاء الممثلين للوليات الجنوبية‪ ،‬المر الذي استدعى أن يقوم مجلس‬
‫‪.‬الشيوخ بتقديم اعتذاره عن هذا الفشل )كالبو ‪(2005‬‬

‫في هذه الطار ل بد من القول بان الليبرالية لم تصل إلى كل الدول بنفس الطريقة‪ ،‬ولم تستثمر فيها على نأفس المنوال كما أنأها لم تصل إلى‬
‫المواطنين بنفس درجة التأثير‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬اسأتخدم لفظ ليبرالي لول مرة في أسبانأيا في مطلع القرن التاسع عشر في محاولةة للترغيب‬
‫في الملكية الدستورية التي كانأت تعتمد على دستور مماثل للدستور النأجليزي‪ ،‬أي أن سلطة التحكم بالفراد كانأت تمثل وقتها نأسقا قديما أما‬
‫‪.‬الجديد أنأذاك فكان احترام الحريات الفردية أو ما يسمى بالحقوق النأسانأية)ريفيرو كارو(‬

‫أما الليبرالية القتصادية فهي مشروطة بعدم وضع الدولة للعراقيل أو التقنينات على النأتاج والتوزيع والستهلك بالنسبة لي نأوع من أنأواع‬
‫السلع أو الخدمات‪ .‬فمحاربة التمرد على أي شكل من أشكال العراقيل القتصادية يمثل إذن أهم ميزة فكرية "أيديولوجية" لليبرالية القتصادية‬
‫ونأضالها‪ ،‬وهذا "النضال" يتضح بجلء ليس فقط من خآلل الخطاب الفكري بل أيضا من خآلل إبراز الحاجة للمطالبة بتحرر الفراد‪،‬‬
‫والمطالبة بالدفاع عن المبادرة الذاتية أو الجماعية باسم المنافسة‪ ،‬وهنا يفرض نأفسه هدف آخآر من أهداف المطالبة بالحرية‪ ،‬ويتمثل في‬
‫تحرير مصادر الثروة والسواق والتخلي عن المؤسسات القتصادية للدولة سواء كانأت عمومية أو شبه عمومية والدفع بها الى الخصخصة‬
‫بحجة أن القتصاد يجب أن ينطلق بذاته وليس من خآلل التخطيط‪ ،‬وقد واجهت هذه المطالب الليبرالية المجحفة صعوبات كثيرة خآلل نأهاية‬
‫القرن التاسع عشر نأتيجة لنأتشار اليديولوجيات الماركسية‪ ،‬كما أن تأسيس التحاد السوفياتي شكل عقبة رئيسية في وجه الليبرالية طيلة‬
‫القرن العشرين تقريبا‪ ،‬بسبب ما كان يمثله هذا النظام من فكر مضاد لليبرالية ساعد في المرحلة الولى على التأكيد على دور الفرد في‬
‫مواجهة رأس المال‪ .‬وعليه‪ ،‬وعلى الرغم من القدرة الدعائية والطروحات الفكرية الغربية فقد ظهرت في أوروبا مجموعة من الفكار‬
‫)واستقرت فيها بعد ذلك( تدعو إلى نأوع من التدخآل الحكومي للتحكم بعوامل القتصاد‪ ،‬وتعززت الحاجة الى التخطيط أمل في خآدمة ما‬
‫طبقت في التحاد السوفيتي‪،‬‬ ‫يسمى بالستقرار أو الرخآاء الجتماعي‪ .‬وكانأت هذه التدخآلت والتخطيطات تشبه في بعض جوانأبها تلك التي أ‬
‫ك بفضل تحرك الحركات الجتماعية والنقابات باعتبارها جزءا من القوى‬ ‫ال أنأها تخضع الى أشكال من الضبط والتقييم والمتابعة‪ ،‬وقد تم ذل ك‬
‫‪.‬المتفاعلة داخآل المجتمع‪ .‬وهكذا ادخآلت بعض النأماط الجتماعية الى النأظمة الليبرالية‬

‫الليبرالية واخآتلف المفاهيم اللغوية ‪1.1‬‬

‫إنأه من الهمية بمكان ]بالنسبة لي على القل[ إيضاح أن الليبرالية ل أتفهم بنفس الطريقة في كل مكان وزمان‪ ،‬ول تترتب عن فمها نأفس‬
‫النتائج‪ .‬فكلمة الليبرالية تكتسب ليس فقط معناها بل أيضا مغزاها الحقيقي عندما أتقرن وتقابل بمضادها الفكري والظرفي‪ ،‬فليس من الممكن‬
‫فهم أبعاد الليبرالية إل في إطار اجتماعي وسياسي محدد‪ ،‬حيث تظهر كردة فعل على ظروف يرغب المجتمع في التخلص أو التحرر منها‪.‬‬
‫وعليه فان الظرف المحدد هو الذي يبين النكد الجدلي والمقابل الذي من خآلله تفهم هذه الكلمة‪ ،‬فكلمة الليبرالية على النطاق السياسي تتأثر‬
‫طبقا لما ذكره جوزيفا اريغي في مقال نأشر في صحيفة المونأدو بتاريخ ‪ 3‬أغطسطس ‪ 2005‬تحت عنوان "نأواقص القومية" حيث قال‪" :‬نأحن‬
‫نأعلم بأن التضخم المالي يؤدي إلى انأتقاص قيمة العملة‪ ،‬فقد يظن أحدهم بأنأه يملك مبلغا ما‪ ،‬كبيرا أو صغيرا أو متوسطا من المال‪ ،‬ولكن‬
‫الواقع هو أن التضخم قد ابتلع جزءاا من قيمة هذا المبلغ‪ .‬فالتضخم ل يقتصر على امتصاص جزء من قيمة المبالغ المالية‪ ،‬بل ان هذه الظاهرة‬
‫تمتد إلى جوانأب أخآرى هامة من الحياة‪ ،‬كاللغة على سبيل المثال‪ .‬وإذا كان من المؤكد أن كل أشكال التعامل اللغوي تعانأي من نأسبة عالية من‬
‫التضخم فان لغة التعامل السياسي هي الكثر عرضة لهذه الظاهرة"‪ .‬وعليه فان التضخم اللغوي يفقد المصطلحات دللتها الصلية الدقيقة‬
‫وتصبح مطاطة‪ ،‬فأين كلمة الدمقراطية من حكم الشعب نأفسه بنفسه! فهذه الكلمة تستعمل في مشارق الرض و مغاربها والكل يفهمها على‬
‫‪.‬هواه‬
‫الصطلح الليبرالي كمعارضة دللية ‪1.2‬‬

‫ان الليبرالي )أو التحرري( في أسبانأيا مثل ليس هو الليبرالي في إيطاليا‪ ،‬وهذا أيضا ليس هو نأفسه في إنأجلترا‪ ،‬فعلى الرغم من أنأهم كلهم‬
‫ليبراليون فأنأنا نأجد أن لكل منهم نأظرته الخاصة لليبرالية و اشكالتها حسب الظروف المحيطة به‪ ،‬وحسب "المشاكل" التي يريد التحرر منها‪،‬‬
‫وعليه فان كلمة الليبرالية هي من أقل الكلمات دقة وتحديدا‪ ،‬وأكثرها مرونأة واتساعاا‪ ،‬سواء في المصطلحات السياسية أو في المصطلحات‬
‫القتصادية‪ ،‬لنأها ل أتعبر في مضمونأها اللغوي ال عن فلسفة سياسية مطاطة أساسها قاعدة الحرية الفردية‪ ،‬لهذا فهي تتحمل سلسلة من‬
‫المفاهيم الفكرية لعدد من الحزاب السياسية المختلفة في العالم الغربي في نأفس الوقت الذي تحتمل فيه أسسا وآليات للممارسات القتصادية قد‬
‫‪.‬تكون مختلفة في بعض جوانأبها )بخارانأو(‬

‫ومع ذلك‪ ،‬وعلى الرغم من أن كلمة الليبرالية تمثل مفهوما فلسفيا وأيديولوجيا "فكريا" قابل للتطبيق في ظروف مختلفة )كما سنشاهد في‬
‫الفقرة التالية(‪ ،‬نأجد هناك مغزى ثابتا لليبرالية يتمثل في كل ما يرمز الى التحرر و حرية مواجهة الظرف القائم‪ ،‬الذي يعتبر في غالب‬
‫الحيان ظرفا تقليديا ومققيدا )بكسر الياء(‪ ،‬ويجب أن ل نأنسى بان مبدأ الليبرالية اقترن منذ البداية بمفهومه القتصادي وراح يكتسب أبعده‬
‫الحقيقي منذ القرن الثامن عشر بفضل مساهمات العديد من المفكرين القتصاديين إلى أن اكتسب البعد الحقيقي"الحالي" من خآلل صياغات‬
‫‪.‬آدم سميث‬

‫أما من نأاحية قيم الخير والشر والفعال الحسنة أو الخبيثة فالفرد هو مصدر معايرها‪ ،‬أي أن الفرد الليبرالي هو مصدر القيم الخآلقية‬
‫الذاتية‪ ،‬أما عملية المتاجرة والمعاملت بين الفراد فتتضمن الكثير من العوامل الكفيلة ليس فقط بتحقيق سعادة المجموعة بل و أيضا بتحقيق‬
‫الحرية‪ ،‬والسوق هي النظام التلقائي لتوزيع الثروة والتبادل بين المم‪ ،‬وهو لن تحقق فقط تراكم الثروة بواسطة التوزيع الدولي للعمل بل ان‬
‫السوق تساهم في الحد من التوترات السياسية والحروب‪ ،‬وأخآيرا فان السياسات العامة للدول يجب أن تقتصر على تحقيق بعض الهداف‬
‫والمحافظة على أمور محدودة قد تعتبر مدعاة للقلق الجماعي‪ ،‬كالحرية والمن والعدل‪ ..‬الخ )بيخارانأو(‪ .‬وهذا هو الدور الذي تريده الليبرالية‬
‫‪.‬للدولة‪ ،‬أي أن تتكفل بحماية حرية الفراد وحراسة المن وتحقيق العدل‬

‫من خآلل هذا التعريف الذي ينطلق من تركيبات لغوية ظاهرها إيجابي‪ ،‬يمكننا إعادة تركيب كل المفاهيم اليديولوجية"الفكرية" لليبرالية‪،‬‬
‫‪:‬والتي يمكن تحديدها في ثلثة مستويات‬

‫المستوى القتصادي‪ :‬رفض أي تدخآل من قبل الدولة ورفض تخطيطاتها المقترحة‪ ،‬وقبول اقتصاد تحكمه قيم منبثقة عن حرية التملك ‪1-‬‬
‫والدارة واستخدام رؤوس الموال‪ .‬اما على المستوى الدولي فان هذا التحرر يجب أن يعزز بمفهوم المن الدولي والعمل على تحقيقه "خآدمة‬
‫للقتصاد العالمي"‪ .‬فالتبادل بين البلدان والمم يشكل بالنسبة للبرالية ضمانأة للثروة من خآلل توزيع العمل‪ ،‬كما أنأه يدفع باتجاه التواصل بين‬
‫البلدان بما يترتب على ذلك القلل من مصادر التوتر والحروب‪ .‬ال انأه ما دام أن الدولة مرغمة على حماية حرية الفراد وحراسة امنهم‬
‫‪.‬فانأها يجب ان تحقق ذلك ولو خآارج حدودها‪ ،‬حيثما تواجد مواطنوها ورؤوس أموالهم‬

‫‪.‬المستوى السياسي‪ :‬وهو أنأه يقع على الدولة واجب القيام بدور المنظم والمشرف والضامن للمن والعدل ومفهوم الحرية ذاته ‪2-‬‬
‫المستوى الخآلقي‪ :‬ان الفرد يمكنه ان يعارض أخآلقيات موروثة ومستفحلة ومفروضة فرضا عاما من أجل "تحرير نأفسه"‪ .‬وبوسعه ان ‪3-‬‬
‫شاء أن يستحدثا له قيما ذاتية وخآاصة دون الرجوع الى موروثه الخآلقي‪ ،‬وعلى هذا الساس فالليبرالية يمكنها أن تتعارض مع كل الشكال‬
‫‪"".‬التقليدية" والمناهل الخآلقية المنتشرة في المجتمع أو السائدة في "المؤسسات الدينية التقليدية‬

‫وكل هذه المجالت التي تحتمل النأتقاد في جوانأب معينة تعتبر في نأهاية المر ‪-‬وبالتحديد في المستوين الول والثانأي‪ -‬ضمانأات لحرية تمنع‪-‬‬
‫على المستوى النظري‪ -‬التعرض للفراد‪ ،‬كما أنأها تضمن أيضا مجال أوسعا للجدل الفكري‪ .‬ويتضح ذلك أكثر إذا ما استعرضنا المقولة‬
‫الشهيرة عن القيصر والرب‪ ،‬المتحكدان و المرتبطان في حياة الفرد خآلل مرحلة ما قبل الليبرالية وحتى في ظل بعض أوساط الليبرالية ذاتها‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة‪ ،‬فإن تثبيت وتعزيز الحقوق النأسانأية‪ ،‬ليس باعتبارها تنازلت بل باعتبارها حقوقا طبيعية ذاتية ومضمونأة‪ ،‬تمثل نأتيجة يعود‬
‫الفضل فيها إلى حد كبير لليبرالية‪ .‬وبناء على ذلك كله فان تعبير الليبرالية بما أضيف عليه من مفاهيم جديد )الليبرالية الجديدة( لم يعد مجرد‬
‫مفهوم عقائدي‪ ،‬بل بات يمثل مبدأ فلسفيا–ثقافيا تترتب عليه أبعاد جديدة تمس حياة الفراد والمجتمعات‪ .‬ومن بين الصداء التي تترتب على‬
‫ذلك نأذكر على سبيل المثال‪ :‬ان المعايير التي تتعلق بتشكيل هويتي النأا والخآر وتحديد مفهومي المركز والهامش‪ ،‬وما يترتب عن كل‬
‫‪:‬التعابير والصياغات المستحدثة عند الليبراليين الجدد‪ ،‬وخآاصة ما يتعلق بالنقاط التالية‬

‫عدم ثبوت القيم الخآلقية‪ :‬نأظرا لن الليبرالية تجعل الفرد هو مصدر القيم الخآلقية و تبرز الصلة بين هذه القيم والمصالح الشخصية ‪1-‬‬
‫المرتبطة بالحيز الزمني تصبح القيم غير مستقرة وعرضة للستبدال كلما دعت الضرورة الى ذلك‪ .‬وعليه فان المبدأ الخآلقي مرتبط بزمان‬
‫ومكان معينين‪ ،‬وهذا المبدأ يتغير بتغير هذه العوامل الظرفية‪ .‬من هنا يتولد الجدل مثل حول مسألة التحكم في الجينات الوراثية ومسـألة‬
‫‪".‬الموت الرحيم" )مساعدة المريض الميؤوس من حياته على الموت(‬

‫ان تحرير رأس المال يؤدي إلى اخآتزال مفهوم الفراد في أبعد واحد يتمثل في النأدفاع اللمحدود للفرد نأحو حرية الستهلك كيفما كان ‪2-‬‬
‫نأوعه‪ .‬فالتحرير المفرط لرأس المال يستحوذ على شخصية الفرد ليصبح امتدادا فعليا لهذا الرأس المال‪ .‬وعليه‪ ،‬فان القيمة القتصادية‬
‫لمؤسسة مالية مثل تقاس بعدة معايير من بينها عدد الزبائن‪ ،‬أي عدد الفراد المستهلكين‪ .‬كما أن إضفاء صفة الفردية والنسبية على القيم‬
‫والمبادئ الخآلقية يجعل الوضع القتصادي للفرد وقدرته الشرائية من بين أهم وأكثر القيم اعتبارا وتقديرا من الناحية الجتماعية‪ .‬وبذلك‬
‫فان الفراد والمجتمعات ل تضع "حواجز" أخآلقية عدا تلك التي تضعها الدولة التي تمارس دور الحكم القانأونأي‪ ،‬من هنا يتحول العمل إلى‬
‫قيمة معنوية وعدم توفر العمل )البطالة( يصبح أمرا سلبيا‪ ،‬فالعاطل عن العمل منبوذ والتبعية للمصارف والبناك تؤدي إلى تمكين رأس‬
‫المال من السيطرة على الفرد وامتصاصه خآلل جزء كبير من حياته العملية‪ ،‬أما الشق الثانأي من هذه الحياة غير العملية )التقاعد( فيمر مر‬
‫الكرام دون أي تقدير من قبل المجتمع الليبرالي‪ .‬فكل الدعايات والنداءات الستهلكية تنصب على شريحة الشباب والكهول الذين هم في سن‬
‫النأتاج والستهلك‪ .‬وهذا و ان كان منطقيا من وجة نأظر البيع و الشراء ال ان دلته الرمزية تجعل الفرد خآارج المجتمع‪ ،‬ويصبح المعوقون‬
‫والمسنون خآارج نأطاق النظام الساري‪ ،‬أي على هامش الواقع الجتماعي فيعيشون على الصدقات التي يقدمها لهم هذا النظام‪ .‬كما أن أثر‬
‫تحرير رؤوس الموال على المستوى الدولي يتعدى مجرد الترويج "لعلقات جيدة بين الدول" و"الحد من أجواء التوتر السياسي والحروب"‬
‫ليصل إلى مصادر الثروة‪ ،‬سواء كانأت هذه المصادر طبيعية كمصادر الطاقة مثل أو بشرية متمثلة في السواق التي تستوعب السلع ورؤوس‬
‫الموال‪ ،‬فالحروب والتدخآلت في شؤون "البلدان الصغيرة" يمكن أن يحدثا على اعتبارها امتداد لليبرالية القتصادية‪ .‬لحظوا ان مصطلح‬
‫"البلدان الصغيرة" ل يقاس بعدد سكانأها ول بمساحتها ول حتى بثرواتها الطبيعية او عراقتها التاريخية‪ ،‬فمصر مثل والسعودية والعراق‬
‫دول صغيرة جدا بمعايير الليبرالية الجديدة‪ ،‬وطبقا لهذه المعايير ايضا فالدول الكبيرة مسئولة عن ضمان المن ومطالبة بخوض الحروب من‬
‫‪.‬أجل ضمان حرية رأس المال وحمايته اينما كان‬

‫على اعتبار أن الدولة مؤسسة خآالية من القيم الخآلقية الذاتية فهي تضمن قيم الخآرين )باعتبارها قيما فردية( وتتجنب مهمة التهذيب‪3- ،‬‬
‫ليقتصر دورها من الناحية النظرية على ترتيب القيم المتفق عليها ضمنا بين الجميع‪ ،‬أما "الصدقات" والتضحيات بدون مقابل هي قيم خآاصة‬
‫بمرحلة ما قبل الليبرالية‪ .‬ومع ذلك فالدولة تعمل على إنأشاء وتشجيع مؤسسات وجمعيات شبه حكومية أو غير حكومية لكي تقوم بمهمة‬
‫الترويج لقيم غير مشتركة انأطلقا من قناعاتها العامة‪ ،‬وهذا هو بالذات الدور الذي تضطلع به المنظمات غير الحكومية بالضافة الى مساعدة‬
‫‪.‬المتواجدين على هامش المجتمع الستهلكي‬

‫وللوهلة الولى يبدو كل ذلك إيجابيا من الناحية النظرية ولكن المر يختلف عند التطبيق والتفعيل‪ ،‬ف"المكانأيات المادية المتاحة ليست‬
‫كافية" لتشمل كل المجموعات المحتاجة التي تعيش تحت مظلة النظام مما يؤدي إلى تساقط الكثير من الفراد إلى دائرة الفقر والعوز‬
‫والتسول‪ ،‬وهذا ما يعرف بالهامشية او "التهميش" أي التموقع على هامش نأظام اجتماعي قائم على المنافسة القتصادية وما يترتب عليها من‬
‫‪.‬قيم‬

‫إل أن مفهوم الليبرالية كما أتضح أعله‪ ،‬باعتبارها أيديولوجية "فكرية" أو"منهجا فكريا يدافع عن سلسلة من القيم الخاصة كحقوق الفرد‪ ،‬قد‬
‫‪،‬بدأ يتحول باتجاه الزج بالدولة للقيام بدور المشرف على الحد من الفروق الجتماعية‬

‫ففي المجال السياسي تعمل الدولة على ضمان مشاعر الراحة في هذا النظام لغلبية شرائح المجتمع وضمان الستقرار والتوازن الجتماعي‬
‫المنبثق عن التطور القتصادي وتفعيل عوامل الثروة‪ ،‬وفي نأفس الوقت مواجهة وتجنيب الغرب عواقب الظاهرة التي شكلت ميزة العالم‬
‫‪.‬خآلل القرن العشرين‪ ،‬ونأعني بذلك اليديولوجية ذات النهج اليساري سواء كان هذا النهج اشتراكيا او شيوعيا‬

‫ومن الناحية الجتماعية تقوم الدولة بنشر مشاعر الزدهار الشامل بين مختلف شرائح المجتمع من خآلل الدفع وتفعيل الطاقة الشرائية‬
‫للسكان‪ ،‬مما يساعد على توسيع وتعزيز نأطاق السوق الداخآلية‪ ،‬وهو المر الذي يزيد من حيوية رأس المال وينمي الثروة‪ .‬وكل ذلك تحت‬
‫‪.‬تسمية لغوية )تعرف بالثورة الكينسية( والتي تنص في بعض أبعادها على نأشر حالة الشعور بالزدهار‬

‫الليبرالية الجديدة كتركيب مفهومي أيديولوجي ‪2-‬‬

‫ان مفهوم "كينسي" للقتصاد لم يزدهر إل في عقد الستينات‪ ،‬ولم يفرز مفهوما جديدا لليبرالية إل في عهد مارغريت ثاتشر ورونأالد ريغان‪:‬‬
‫وهو مصطلح "الليبرالية الجديدة" )حسب المفكر ريفيرا( الذي يقول بأن النظام الشتراكي أخآذ يتلشى ببطء لينتقل مركز الثقل فيه إلى‬
‫‪.‬الصراع الثقافي وينحصر فيه‬

‫ويمكن القول من الناحية النظرية بأن الزمة القتصادية كانأت السبب في تغير توجهات السياسات القتصادية‪ .‬ومع ذلك فل بد من التعمق في‬
‫دراسة تأثير الغرب على إضعاف التحاد السوفييتي‪ ،‬وعدم توفر مؤشرات ملموسة على الجدوى الحقيقية لهذا النظام القتصادي )أعني‬
‫النظامين معا(‪ .‬فريغان الذي يعتبره البعض رائد عهد الليبرالية الجديدة كان يقول بأن الدولة ليست الحل بل هي المشكلة‪ .‬ومنذ ذلك الحين‪،‬‬
‫والمحللون ل يركزون جهدهم على التحليل وتصحيح الفجوات التي يعانأي منها القتصاد فقط بل انأصب تحليلهم أيضا على طريقة الحد من‬
‫الدور المنوط بالدولة‪ .‬وظهرت مفاهيم واصطلحات جديدة مرافقة للخطاب النيوليبرالي و مؤسسة له ليست اقل تأثيرا في الطروحات‬
‫اليديولوجية_القتصادية "كاحتواء النفقات العامة"‪ ،‬و"إضعاف النمو"‪ ،‬و"حوافز التعاقد"‪ ..‬ونأتيجة لهذا الطرح الليبرالي الجديد تصبح‬
‫الدولة مجرد إداري سيئ يواصل عمله دون احراز فوائد ملموسة‪ .‬وعليه‪ ،‬فان كل ما ل يعود بالفائدة المحسوبة والملموسة ل بد من الحد منه‪.‬‬
‫وقد أتدرج إجراءات الحد من نأفقات التعليم وتقليص عدد الشهادات الجامعية ضمن هذه الطارات الفكرية‪ .‬وهو ما يناقش الن على صعيد‬
‫‪.‬المجموعة الوربية مثلا )تفعيل اتفاق بولونأيا حول التعليم(‬
‫من حيث عوامل القناع العام بهذه الليبرالية الجديدة فقد تم اللجوء إلى استعادة بعض مفاهيم الليبرالية التقليدية مثل أهمية الفرد والحد من دور‬
‫وتدخآل مؤسسة الدولة والسوق الحرة‪ .‬وانأطلقا من النظرة الجديدة لهمية الفرد ابتدعت مفاهيم لغوية مسايرة مثل الفردية كآلية عمل‪ ،‬وهذا‬
‫يعني بأنأه يجب على الدولة أن تمتنع عن أي تدخآل في شؤون الفراد لن كل فرد يعرف ما يريده وهو حر في تصرفه‪ ،‬وسوف يبحث‬
‫‪.‬بأسلوبه الخاص عن وسيلة من الوسائل لتحقيق مآربه‬

‫أما من حيث التخطيط وتوزيع الدوار فالمفهوم الذي اسأتخدم من قبل الليبرالية الجديدة يتمثل في أن السوق نأد للدولة‪ ،‬فالسوق ‪-‬بالنسبة لبعض‬
‫أدبيات الليبرالية الجديدة‪ -‬تتميز بكفاءة أكبر على توزيع الدوار‪ ،‬مقارنأة بمحدودية قدرة الدولة على التدخآل والتأثير‪ ،‬وبهذا المنظار تحل‬
‫‪:‬السوق محل الدولة وتقوم مقامها‪ ،‬وقد استخدم الخطاب الليبرالي الجديد التعبيرات التالية‬

‫‪.‬التبادل الطوعي للسلع والخدمات ‪1-‬‬

‫‪.‬الثروة المحدودة ‪2-‬‬

‫‪.‬زيادة مرونأة السوق ‪3-‬‬

‫‪.‬المنافسة الحرة ‪4-‬‬

‫الصرف الحر ‪5-‬‬

‫‪.‬المجال الشامل ‪6-‬‬

‫مرونأة سعر الصرف ‪7-‬‬

‫‪.‬إعادة التوازنأات التجارية ‪8-‬‬

‫‪.‬الفتتاحية وتحرير أسعار الصرف ‪9-‬‬


‫‪.‬الخصخصة ‪10-‬‬

‫‪.‬السوق الحرة ‪11-‬‬

‫تعديل السعار ‪12-‬‬

‫‪.‬سوق العمالة ‪13-‬‬

‫‪.‬وكل هذه العبارات تحتوي ظاهرا أو ضمنا على كلمة حرية او معناها‬

‫أثر الليبرالية الجديدة في تحديد مفاهيم جديدة للواقع ‪3-‬‬

‫من بين مظاهر الفكر الليبرالي الجديد وتأثيره على الفراد ظهور مواطن انأعزالي يتميز بدرجة عالية من البراغماتية)اوالذاتية(‪ ،‬وينطلق‬
‫‪.‬سياسيا من وحي التسرع ومحاولة ابتلع الخآر"ماديا ا واجتماعياا" ونألحظ أثر ذلك في غالبية الحروب الحالية‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬فالليبرالية الجديدة تؤسس لمفهوم جديد حول الواقع الجتماعي وتبعاته القتصادية‪ ،‬وكذلك حول النظريات القتصادية‬
‫وتبعاتها الجتماعية‪ ،‬بما في ذلك تووسع هكوة الخلل الداخآلي التي أتلقي بآثارها على حياة سكان هذه البلدان‪ .‬كما تعمق بعض أشكال الخآتلل‬
‫الجتماعي القائم أصل فيها‪ ،‬وأتحدثا صوراا جديدة اخآرى غير مألوفة من صور الفوارق الجتماعية‪ .‬ومع ذلك فإن هذ الخلل يتوازن الى حةد‬
‫ما بسبب النأتماء إلى عالم شمولي‪ ،‬وبسبب المؤثرات الدولية على جميع القطار‪ ،‬حيث يقع التحول فيه من الفقر إلى الغني في جانأب منه‪ ،‬و‬
‫من الفقر إلى الغنى في الجانأب الخآر‪ .‬فمواطنوا الغرب باتوا يعيشون في ظل النظام الليبرالي الجديد في وضع ويتمتع سكان المناطق القريبة‬
‫‪.‬من المركز بحياة أفضل من سكان المناطق الواقعة على الهامش‬

‫و تستغل الليبرالية الجديدة هذه الحالة‪ ،‬من وحي الصياغة اليديولوجية _"الفكرية"‪ ،‬من أجل توظيف الثروة المادية والسواق الخارجية‬
‫‪.‬لصالح سكان المركز‪ ،‬وبهذه الطريق فالثروة تخضع لقوة الجاذبية المركزية‪ ،‬بدلا من الطرد المركزي‬

‫بناء الليبرالية الجديدة من مفهوم تخلف الطرف الخآر ‪3.1.1‬‬


‫في"العالم الشمولي" وفي ظل العولمة يبدو الفقير المتخلف بموجب الخطاب النظري لليبرالية الجديدة وكأنأه المسؤول الوحيد عن تخلفه‪،‬‬
‫وتعزو هذه النظرية أسباب التخلف إلى أمور ملزمة ذاتية‪ ،‬وفي هذه الحالة تطلق العنان لبعض التعبيرات اللغوية المركبة‪ ،‬ومنها على سبيل‬
‫‪:‬المثال‬

‫‪.‬النمو السكانأي المتسارع ‪-‬‬

‫‪.‬التخلف في طبيعة التفكير)كالقول بأن الثقافة هي سبب التخلف( ‪-‬‬

‫‪.‬الفتقار أو انأعدام روح المبادرة ‪-‬‬

‫‪.‬الظروف الطبيعية غير المواتية ‪-‬‬

‫الفتقار للطاقة البشرية المأهلة لتغيير الظروف المحيطة ‪-‬‬

‫‪.‬نأدرة رؤوس الموال الوطنية ‪-‬‬

‫‪.‬العراقيل التي تضعها الدولة ‪-‬‬

‫وكما هو طبيعي بالنسبة "للمتخلفين" فإن مبدأ "التطور" يجب أن يلقى التشجيع من قبل الفكر الشمولي بواسطة دعم التنمية‪ ،‬ويشمل هذا‬
‫‪:‬الدعم‬

‫‪-‬‬ ‫المشاركة في رسم السياسات التي تضعها الدولة‪ ،‬سواء منها السياسات الجتماعية أو السياسات القتصادية الداخآلية )تدخآل‬
‫‪".‬الدول الكبرى" و مؤسساتها في سياسات "الدول الصغرى"(‬

‫‪-‬‬ ‫‪".‬التدخآل في القتصاد الوطني "للدول الصغرى" من أجل "تطويره‬

‫‪-‬‬ ‫‪.‬تقديم مساعدات محددة على شكل قروض محدودة الفائدة لدول العالم الثالث‬
‫‪-‬‬ ‫‪".‬تدخآل القوى "الكبرى" لقناع الدول الصغرى على "التفتح‬

‫‪-‬‬ ‫‪.‬فتح" التشريعات الوطنية أمام إمكانأيات تدخآل العولمة )الشمولية("‬

‫‪-‬‬ ‫‪.‬خآصخصة ثروات الدول‬

‫وفي كل الحالت أتعزى المسؤولية عن التخلف إلى الطرف المتخلف ذاته ول يتحملها الطرف المتكلم إطلقاا‪ ،‬انأطلقا من أن القوي هو الخآذ‬
‫بزمام الكلم دائما وأن الضعيف هو الصامت الصاغي‪ ،‬و يطرح هذا المتكلم نأفسه كطرف شهم ومنجد‪ ،‬همه الوحيد هو محاولة انأقاذ اللخآر‬
‫و"تحريره" من التخلف وذلك من خآلل تقديم الدعم بواسطة "برامج مساعدة التنمية"‪ ،‬ويمرر ذلك بواسطة الخطابات التي أشرنأا إليها في‬
‫‪.‬الفقرة السابقة‬

‫أما المساعدات التي تقدم للطرف المعوولم بفتح اللم فعلى الرغم من أهميتها الظاهرة فهي ليست ال أمرا تجميليا ظاهريا‪ .‬فخلل القمة الخآيرة‬
‫لدول مجموعة الدول الثمانأية العظمى‪ ،‬المنعقدة في يوليو ‪ ،2005‬قامت وسائل العلم "الكبرى" )وحتى الصغرى طبعا( بالتحدثا عن‬
‫شطب ديون القارة الفريقية‪ ،‬ولكن بالمقابل ظهرت بعض الفروق في مواقف كل دولة من الدول عند تحديد أولوياتها في القضايا المعروضة‬
‫‪.‬في جدول أعمال مجموعة الثمانأية‪ ،‬ويتضح ذلك عند مراجعة نأتائج القمة المتباينة‬

‫ومن المنصف القول بأن المغزى من مضاعفة المساعدة الشحيحة لفريقيا قد اتضح كما اتضحت النية من شطب ديون ثمانأي عشرة دولة من‬
‫الدول الفقيرة‪ ،‬ولكن إجمالي ديون القارة لم يتأثر بتاتا ول زالت تشكل العبء الكبر على القارة المجووعة‪ ،‬أكثر من المراض الفتاكة التي‬
‫‪.‬كان يجب ان تكون على قائمة الولويات‪ ،‬كاليدز والموت الجماعي للطفال‬

‫وعلى سبيل المثال فقد صدرت هذه التأكيدات عن عناصر بارزة في اللجنة التنفيذية للحزب الشتراكي والحكومة السبانأية مثل‪ ،‬على الرغم‬
‫من أنأها لم ينتقد أطروحات مجموعة الثمانأي‪ ،‬إل أن تأكيدات هذه العناصر أتعتبر دليل واضحا على عدم وجود آراء موحدة داخآل التحاد‬
‫‪.‬الوروبي وعلى أولوية اقتصاد وأمن النأا‪ ،‬كما حاولنا تبيانأه سابقا‬

‫إذا فليس بالمكان مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين طالما ظكلت أوربا عاجزة عن التحدثا بصوت واحد‪ ،‬والتصرف بموقف موحد "‬
‫‪".‬لسبب بسيط‪ ،‬وهو أن كل هذه التحديات تعتبر شاملة‬

‫إن أصحاب هذا الطرح ل يحثون فقط على التوحد القتصادي بين الوروبيين بل يطرحون الحاجة لوحدة سياسية أيضا لمواجهة التحديات‬
‫‪.‬الشاملة التي تبدو في أفق العالم الجديد‬
‫على أن المسافة بين بلد وأخآر قد ل تتجاوز بعض الدقائق وحتى الثوانأي‪ ،‬فما الذي يبرر القول بأن مشاكلها مختلفة؟ وبعض الجوانأب تبدو "‬
‫بديهية مثل‪ :‬جودة المواد الغذائية‪ ،‬التعليم‪ ،‬الثقافة‪ ،‬التقاليد والديان‪ ،‬النظرة إلى الحياة‪ ،‬الطموحات‪ ،‬المفاهيم والقناعات‪ ،‬القدرة على تحأين‬
‫‪." http://www.ivsol.com/artis/moda_odio.htm‬الفرص‪،‬بالضافة إلى مستويات الثقة بالذات وبالمجتمع‪ ...‬الخ‬

‫هذه الخلصات وجدنأاها في مقال نأشر تحت عنوان "لماذا النفور من العولمة" والذي يضع كاتبه‪ ،‬فرانأز ج‪ .‬فورتونأا‪ ،‬جملة من السس‬
‫والعناصر التي تشكل جمعيها في رأيه ‪-‬باستثناء جودة المواد الغذائية‪ -‬جزءا من تعريف الثقافة‪ ،‬وهذا يعني انأه إذا كانأت الثقافة عامل للتقدم‬
‫‪:‬فمن الممكن أن تكون أيضا عامل مضادا له‪ ،‬أي سببا في الفقر والتخلف‪ ،‬والنتيجة المترتبة على هذا الطرح هي‬

‫نأحن أغنياء لن ثقافتنا تدفع وتشجع على ذلك‪ ،‬وهم فقراء‪ ،‬لن ثقافتهم ل تسمح لهم بالتقدم‪ ،‬وعليه‪ :‬فإذا كان الزدهار مرهونأا بالثقافة‪“ ،‬‬
‫‪”.‬فالتخلف نأتيجة لها أيضا‬

‫أي أن الثقافة تحدد فرص التنمية أو التخلف‪ ،‬فإذا ما أخآذنأا بهذا التحليل فل مجال للهروب من هذا المصير‪ ،‬والمحصلة النهائية التي تترتب‬
‫‪!!.‬عن ذلك هي بكل وضوح‪ :‬إن الدول النامية ل مفر لها من العولمة‬

‫‪:‬فكلمة الليبرالية في الطار السياسي تتأثر بما يسميه خآوسيبا أريغا "القومية" في المقال السابق الذكر‪ .‬ويبين ذلك قائل‬

‫إن دولة القانأون تعني وضع كل المصالح‪ ،‬وكل العراق‪ ،‬وكل المعتقدات‪ ،‬تحت سلطان القانأون الذي يطبق على الجميع‪ ،‬بدون مراعاة "‬
‫لمصلحة أو هوية أو معتقد‪ ...‬إن هذا النأصياع للقانأون يعني فردية أو ذاتيةو المصالح والجناس والمعتقدات‪ .‬ويترتب على ذلك الحد من كل‬
‫هذه المواصفات على نأحو يجعل الحيز العام للديموقراطية يبرز جليا‪ ،‬عندما تتخلى المصالح والهوية الذاتية والمعتقدات عن احتكارها‪،‬‬
‫‪".‬وتعترف بأنأها ليست الوحيدة المخولة بالدفاع عن الحيز العام أو المصلحة العامة‬

‫ومع ذلك فليس كل ما يلمع ذهبا‪ ،‬فالنتائج التي تتمخض عن الليبرالية الجديدة وأصدائها على العولمة تتعدى حدود القتصاد والسياسة‪ .‬فمن‬
‫عولمة القتصاد وفتح أسواق الخآر‪ ،‬إلى عولمة ثقافة معينة‪ ،‬هي ثقافة النأا‪ ،‬وبسطها على الخآر‪ ،‬لنأها الوحيدة الكفيلة بالمبادرة والتقدم‬
‫‪.‬والزدهار والحرية‬

‫وهنا لبد من خآلصة تربط بين الليبرالية القتصادية والسياسية والعولمة‪ ،‬وتوضح هذه الفكار الثلثة مرتبطة ومنفصلة‪ ،‬وانأعكاساتها في‬
‫‪.‬السياسة الدولية اليوم‬

‫العولمة وثقافة الخآر والترجمة ‪4-‬‬


‫من بين المطالب التي تطالب بها الحركات الثقافية والجتماعية المضادة للعولمة نأجد المطالبة بالحفاظ على الهوية‪ ،‬و تعتبر الهوية في هذه‬
‫الحالة أحد العوامل المستخدمة لتبرير أنأشاطتها وتحركاتها وما تقوم به من أجل احترام الخصوصية‪ ،‬أي المحافظة على العناصر الذاتية‬
‫المميزة لية هوية‪ ،‬و كل ذلك ضمن الطار للكولوجيا‪ .‬ومن هذا المنطلق وجب القول بأن الخصوصية أو "البيئة الذاتية" هي النقيض‬
‫الفكري والجدلي للعولمة‪ ،‬ونأشير في هذا الصدد أيضا إلى رأي جون دانأييل‪ ،‬مدير تحرير نأوفيل أبسيرفاتور‪ ،‬نأظرا لهميته التوضيحية حيث‬
‫‪:‬يقول‬

‫بعد كارثة الثلثاء الماضي )‪ 11‬سبتمبر( سوف نأشعر بأنأنا أيتام‪ .‬فالمشاعر المضادة لمريكا سوف تتبدد ويصبح الجدل حول هذا ‪"...‬‬
‫الموضوع بدون معنى‪ .‬وقد يأتي اليوم الذي يتشوق فيه عدد كبير من المشاركين في مظاهرات )البندقية( المضادة للعولمة‪ ،‬لدور يقومون به‬
‫‪.‬مضاةه لدور المؤسسات الدولية”‪) ...‬الفوضى( نأشر في صحيفة الباييس بتاريخ ‪14/11/2001‬‬

‫أما بشأن العلقة بين العولمة والكولوجيا )البيئية( والهوية‪ ،‬فهناك أزمة ترجمة‪ .‬فالعولمة تستدعي إزالة الحدود التي تفصل بين الثقافات‬
‫الخصوصية ومن بينها أنأظمة التعليم مثل‪ ،‬أما البيئية من جهتها فتطالب بالنقد والمحافظة على الهوية والخآتلف‪ ،‬وبالتالي فهي تركزعلى‬
‫‪.‬الفردية والذاتية والحق في هذا الخآتلف‪ ،‬أما الطريقة الوحيدة للتعبير عن الذاتية والخصوصية فيجب أن تمر عبر الترجمة‬

‫من هذا المنطلق نأدرك أن التعلم ومعرفة الخآر ليسا من أهداف المعولم بكسر اللم بل من واجبات المعولم بفتحها‪ ،‬فالذي عليه أن يتعلم هو‬
‫الخآر وليس النأا‪ .‬وبالتالي فالموضوع مجرد تحديد هوية المتسلط‪ ،‬فالمسيطر هو الطرف الغير مضطر إلى تقديم اي نأوع من أنأواع‬
‫"التنازلت" للطرف الخآر‪ ،‬بل هو من يفرض ذلك على الخآرين‪ .‬والسلطة بهذا المغزى تعني تفضيل الخارج على الداخآل‪ ،‬وهي إمكانأية‬
‫التكلم بدل من الستماع‪ ،‬وبعبارة أخآرى‪ :‬هي بمثابة منح المسيطر الصلحية التامة على أن يقول‪ :‬ل أريد ان أتعلم و ل أن أعلم عنك شيئا‪.‬‬
‫)غوميس‪(48 ،1979 :‬‬

‫وأما الثقافات القابلة أصل للترجمة فهي أتوضع في خآانأة الخصوصية التامة وأتخفى من المشهد العام تحت دريعة محاولة وضع أسس "التفكير‬
‫)الجماعي اعتبارا من الفرد وبناء عليه"(ماتي‪66 ،1993 :‬‬

‫وإحدى الستراتيجيات الخطابية لهذه الظاهرة هي إعادة تعريف بعض المفاهيم الرئيسية‪ ،‬فكلمة حضارة مثل )أومدنأية( أصبحت تشير إلى‬
‫حضارة بعينها دون غيرها‪ ،‬أما بقية الحضارات الخآرى فقد اكتسبت لغويا مفهوم "ثقافات"‪ ،‬وعليه‪ ،‬فإن أنأواعا ا عديدة من الخطابات تشهد‬
‫الخلط بين الحضارة )المدنأية( والثقافة‪ ،‬بحيث أيفهم من الولى بأنأها حضارة عالمية ومعوقلمة‪ ،‬أما الثقافة فتعني مرحلة ما قبل الحضارة وما‬
‫أما الحضارة )المدنأية( فمصدرها اللغوي ‪ agricultura‬كما يوحي اسمها اللتيني هي أقرب إلى الزراعة ‪ ((cultura‬قبل المدنأية‪ .‬إن الثقافة‬
‫وترمز إلى نأمط حياة المدينة‪ .‬وهكذا فالثقافة بدوية أما الحضارة فهي مدنأية‪ .‬ونألحظ هذا الطرح في عدد كبير من المقالت ‪civitas‬هو‬
‫‪.‬المتخصصة‬

‫في حوض البحر البيض المتوسط تكم النأتقال من الثقافة إلى الحضارة‪ ،‬وذلك عبر شقين رئيسيين‪ ،‬يكونأان مرتكزا للهوية المتوسطية‪" :‬‬
‫الحضارة )المدنأية( اليونأانأية الرومانأية‪ ،‬والثقافة السامية‪) ".‬راثيونأيرو‪(24 ،1991:‬‬
‫فالثقافة السامية في الجنوب ‪-‬بناء على وجهة النظر هذه ‪ -‬لها علقة بالرعي والزراعة و هي مقابلة للحضارة المدنأية في الشمال‪ ،‬أي أن‬
‫الثقافة لها علقة ضمنية بالتراب أما الحضارة )المدنأية( فتتم في بيئة تتسم بالعلقة الديناميكية ما بين البشر‪ ،‬وتكون مرتبطة بالتغيرات‬
‫المتواصلة داخآل المدن )المدنأية(‪ .‬فالثقافة تقع إذا في نأطاق تخصص الجغرافية الطبيعية التي تعني بالجماد‪ ،‬أما الحضارة فتتصف بالمدنأية‬
‫)الحضرية( لذا فعلقتها متصلة بالجغرافيا النأسانأية التي تدرس ضمن إخآتصاصها كل ما له علقة بالنأسان )المتحرك( وبيئته‪ ،‬ونأتيجة‬
‫لذلك‪ ،‬فمن البديهي أن تكون الحضارة بموجب نأموها المتمدن مثالا للثقافة وليس العكس‪ ،‬ومن البديهى أيضا أن تغزو المدنأية البادية‬
‫‪.‬لتحضرها وليس العكس‬

‫وإذا ما استمررنأا في تحليل البعاد اللغوية للخطابات التي نأتلقاها وما يترتب عليها نأجد أن إحدى الظواهر المتحركة المعدودة ‪-‬وربما‬
‫الخآطر‪ -‬التي تسير بالتجاه المعاكس هي الهجرة من البادية إلى المدينة‪ ،‬أي من الثقافة إلى الحضارة )المدنأية(‪ ،‬وهذا يفسر سكر مشاعر القلق‬
‫العلمي والسياسي حيال ظاهرة الهجرة لنأها تطبع المدينة )الحضارة( بطابع البداوة‪ .‬واستكمالا للفتراض السابق‪ ،‬فالهجرة يترتب عليها‬
‫تحويل المدينة إلى ريف‪ ،‬ويترتب على ذلك أيضا إضفاء ظاهرة الثقافة على الحضارة‪ ،‬وهو أمر غير مرغوب فيه إطلقا لنأه تراجعي‪ .‬وإذا‬
‫ما أمعنا في هذا التحليل لمحاولة استنباط نأتائج أعمق لهذه الظاهرة وحصرنأا الثقافة في الجنوب والحضارة في الشمال‪ ،‬نأكتشف كيف "إن‬
‫وجود ما بين ‪ 4‬و ‪ 5‬مليون مسلم في الجانأب الشمالي من المتوسط يزيد المور تعقيدا‪) ".‬راثيونأيرو‪(28 ،1991:‬‬

‫وهذه الزمة نأاجمة عن كون العولمة )كتعبير لفظي( تفتقر لمعنى واضح وشفاف‪ ،‬فالعولمة باعتبارها مشروعا فكريا واقتصاديا و سياسيا ذا‬
‫اتجاه واحد تسعى إلى إلغاء حدود معترف بها ورسم حدود بديلة على أنأقاضها‪ .‬إذ كانأت الحدود العالمية الراهنة تعتبر "حدودا مصطنعة"‬
‫‪".‬لنأها أرسمت كما يقول برونأيس فالو و هي بتعبير فوشيي )‪" (15 ،1991‬من وضع السياسيين والعسكر‬

‫فالحدود التي تسعى العولمة لرسائها هي اقل عقلنأية عند محاولة استيعابها انأطلقا من القواعد التقليدية لمفهوم الحدود‪ .‬صحيح بأن الحدود‬
‫ل زالت تشير إلى خآطوط أرسمت على ورق لحتواء مساحات محددة‪ ،‬إل أن هذه المساحات الن لم تعد تدل على أمكنة معينة وملموسة‪ ،‬فقد‬
‫أأدخآلت على هذا المفهوم قياسات أخآرى تختلف عن المقاسات التقليدية وتتضارب معها أحيانأا‪ .‬ففي الماضي كانأت المساحة تمثل مجال‬
‫جغرافيا فقط‪ ،‬أما الن فالمجال ليس له مقاس محدد‪ ،‬بل يعتبر بعدا اقتصاديا ونأفوذا سياسيا‪ .‬ومن هنا تظهر الزمة‪ ،‬ففي نأسق العولمة يصعب‬
‫تفهم أو استيعاب مفهوم المساحة والحدود بمعزل عن الظرف أو عامل الزمن‪ ،‬فمثل قد تتصل بشخص ما هاتفيا وتبادره بالسؤال )الذي يتردد‬
‫دائما(‪ :‬أين أنأت؟ هذا السؤال لم يكن واردا قبل سنوات قليلة فقط لنأنا كنا نأعرف مكان تواجد المخاطب‪ ،‬وقد نأسأله أيضا‪ :‬كم الساعة عندك؟‬
‫وهذا من بين أدلة انأصهار الزمن والمكان في ظل العولمة‪ .‬ففي الماضي القريب كان المتكلم والمخاطب متواجدان في مكان محدد ومعلوم‪،‬‬
‫أما الن فلم يعد ذلك ممكنا بالضرورة‪ .‬وعليه فالمسافة أصبحت متغيرة ومتفاوتة‪ ،‬والسبب يعود جزئيا إلى العولمة والتكنولوجيا الجديدة‪.‬‬
‫فالعولمة المطروحة الن تسعى من نأاحية إلى تحرير التبادل التجاري من العراقيل الدارية والجمركية )لن العراقيل الطبيعية لم تعد‬
‫مشكلة(‪ ،‬ولكنها بالمقابل تمنع الفراد )الفقراء( من التنقل من مكان إلى آخآر‪ ،‬وبعبارة أخآرى تسعى إلى عولمة صادرات دعاة هذه العولمة‪،‬‬
‫وأقلمة صادرات الطرف المعوالم )المفروضة عليه العولمة(‪ .‬وإقناع الخآر بهذا الطرح العولمي ليس ال مجره خآطاب إنأشائي يتكلف به‬
‫‪.‬صناع العبارات اللغوية الرنأانأة والمستساغة عند التلقي مآزرين في ذلك بتجار العلم‬

‫العولمة والدين ‪5-‬‬

‫مع صدور مقال هنتينغتون حول الصراع بين الحضارات بدأت مرحلة ترقب لستيعاب هذا "المفهوم الجديد" تميزت –من بين ما تميزت به‪-‬‬
‫في أن الطرف الخآر استعاد لغويا هويته الحضارية‪ ،‬ولو أن ذلك أدى إلى اقتران حضارة هذا الخآر بحقل واسع من التعابير اللغوية‬
‫‪:‬المتمحورة مجازا حول الحرب‪ ،‬كما أشارت إلى ذلك صحيفة أ‪ .‬ب‪.‬س في دراسة لتقديم المقال المذكور الى قرائها السبان‬
‫اعتبارا من الن فصاعدا فإن مسرح المعركة هو الحضارات بمفهومها غير المدنأي و ستكتسب فيه الثقافة والدين دورا أكبر من دور العقيدة "‬
‫اليديولوجية‪ ،‬ما الذي نأعنيه عندما نأتحدثا عن الحضارة ؟ نأعني بذلك أن الحضارة هي هوية ثقافية‪ .‬فالشعوب والقاليم والمجموعات‬
‫‪.‬العرقية‪ ،‬والقوميات والمجموعات الدينية‪ ،‬لكل منها ثقافة مختلفة‪ ،‬حسب مستويات التنوع الثقافي")أ‪ .‬ب‪.‬س ‪ /‬المحلق الثقافي ‪(18‬‬

‫‪.‬فالحضارة إذن هي ثقافة شاملة‪ ،‬تتسع لمظاهر محددة وتنحصر في مجموعات أو مناطق معينة‬

‫أما فيما يتعلق بالثقافة فهي أيضا خآاضعة لعادة التعريف‪ .‬فالثقافة "ليست مجرد نأتيجة‪ ،‬أو اثر لتنمي المعارف النأسانأية والرتقاء بها إلى‬
‫أعلى مستوى من خآلل التمرس في توظيف القدرات الفكرية للنأسان" كما أنأها "ليست فقط سلسلة من أساليب الحياة والتقاليد والمعارف‪ ،‬أو‬
‫‪"،‬بلوغ مستوى من التطور الفني والعلمي والصناعي في مرحلة من المراحل الجتماعية‬

‫إن الثقافة ليست كل ذلك فحسب بل إنأها في الكثير من الحيان توازي أو تحل محل الدين في خآطاب النأا على الخآر‪ ،‬إلى درجة أنأه تستبدل‬
‫كلمة الدين بالثقافة في الخطابين الصحفي والسياسي‪ ،‬وهذا التماثل بين الدين والثقافة يدخآل في صلب الضرورات والمتطلبات اللغوية لنظام‬
‫‪.‬العولمة‬

‫فلغة النفاق أصبحت اليوم اللغة الشائعة والخالية من المضمون والتي تستخدم في السياسة‪ ...‬لخوض حرب ضروس ضد التعصب "‬
‫‪.‬والصولية" )ترياس‪(32 ،1919 :‬‬

‫ولكن المصلحة تستدعى الستعارة والمجاز‪ ،‬فاللغة المستخدمة من قبل السياسيين والمنظرين المشار إليهم‪ ،‬تشكل وسيلة تشتمل على سلسلة‬
‫‪.‬من الستراتيجيات الخطابية‪ ،‬من اجل خآلق أو تعزيز وجود الهوية الذاتية‬

‫فالتعبيرات اللسانأية )الكلمية( هي الوحيدة القادرة على إضفاء قيمة مطلقة أو نأسبية على أية ظاهرة ملزمة لطبيعة النأسان بما في ذلك‬
‫تغير مضمون الشياء‪ .‬لكن هذه القدرة على تبديل معنى الشياء والنظر إليها مرتبطة أو مرهونأة بقوى أخآرى تتجاوز الستعمال اللغوي‬
‫‪.‬ف"من يستطيع تغيير معنى اللفاظ اللغوية‪ ،‬هو صاحب الكلمة العليا أو السلطة" )مونأيوثا الونأصو‪(17 ،2002 :‬‬

‫فالحضارات والثقافات إذا ‪-‬على الرغم مما أكده بعض المفكرين الذين أشرنأا إليهم‪ -‬خآاضعة للتبدل والتغيير والترجمة أما الديان فل تكتسب‬
‫أي معنى إل لمن يؤمن بها‪ ،‬فالخآر دائما هو المخطئ وهو الضال‪ ،‬وهنا تكمن إشكالية العلقة بين العولمة والدين‪" ،‬فالديان تعني الكثير‬
‫بالنسبة للشعوب‪ ،‬بما فيها بعض الشعوب الوروبية‪ ،‬التي تعتبرها عنصرا أساسيا للهوية" )كما يؤكد أحد أستاذة القانأون الدستوري( ومن‬
‫أجل التغلب على هذه المعضلة فمن الضروري اعتبار الدين شأنأا نأسبيا وليس مطلقا‪ ،‬وهذا ما تسعى إليه العولمة‪ ،‬وهو إعادة تقنين مفهوم‬
‫الدين ضمن الطار الثقافي مما يعني أن الدين ثقافة‪ .‬ونأذكر بأن وزيرة الشؤون الجتماعية السبانأية وقعت في نأوفمبر ‪ 1994‬اتفاقا مع ‪17‬‬
‫ممثل عن كافة إدارات الحكم الذاتي في أسبانأيا يقضي ضمان الحماية للعلمات المميزة للقليات العرقية‪ ،‬والصورة التي تقدمها وسائل‬
‫‪.‬العلم لهذه القليات‪).‬بانأيون ‪(77 ،2002‬‬
‫وهذا البيان يدل على صعوبة الشكالية الدينية عندما تنتقل "البادية" إلى "الحاضرة"‪ ،‬وما يترتب على ذلك من سواد مشاعر الريبة والحذر‬
‫والحكام السلبية المسبقة حيال المجموعات أو الفراد بسبب انأتمائها لعرق أو دين مختلف‪ ،‬كما يؤكد البيان المذكور على الدور المؤثر‬
‫لوسائل العلم في صياغة الرأي العام للمجتمع‪ ،‬وما يمكن أن تلعبه هذه الوسائل في تربية وتهذيب القيم السائدة‪) .‬صحيفة الباييس‬
‫‪(5/11/1994.‬‬

‫وفيما يخص عبارة "عدم التجانأس الثقافي" على المستوى الخارجي –بين الدول‪ -‬وما يترتب عليها داخآليا مع وجود مهاجرين من الدول‬
‫‪.‬السلمية‪ ،‬فإنأها تعبر عن المشكل الكبير الذي يمثله الدين بالنسبة للعولمة‬

‫والن‪ ،‬وبعد هذا كله‪ ،‬فإن بقية شعوب العالم تنتهج سياسة أحادية الجانأب‪ ،‬وليس بالضرورة أن تكون عسكرية أو اقتصادية أو علمية‪ ،‬بل ‪"...‬‬
‫غالبا ما تكون دينية وثقافية وأيديولوجية‪ ،‬ومن المؤكد بأن هذه السياسة سياسة عدوانأية وانأتقامية‪ .‬وأنأها سياسة الثأر التي تتغذى من مشاعر‬
‫النأتقام والحقد الثقافي وتغذيها‪ .‬وكما افترض هانأتينتغون في نأظرية الصراع بين الحضارات فالقرن الواحد والعشرون الذي يعانأي من تمزق‬
‫بسبب الصراع بين ثقافات متعايشة مع أنأها غير متجانأسةلن تهتدي إلى طريق السلم‪) ".‬انأريكي كالبو خآيل‪ :‬نأحو الصراع بين الحضارات ‪/‬‬
‫الباييس ‪(.2002 /9 /12‬‬

‫يجب أن ل نأنسى هنا‪ ،‬بأنأه سواء في هذه الحالة أو في غيرها‪ .‬فإن العولمة تتطلب بالضرورة عملية امتصاص منسق ليس من خآلل النأخراط‬
‫البيئي والطوعي‪ ،‬بل إن الجوانأب التي ل تقبل النأصهار )من أجل العولمة( يجري مسخها لغويا وإلغائها فعليا‪ ،‬فكل من يقاوم الذوبان‬
‫‪.‬يتعرض للدانأة أول والقصاء ثانأيا‪ .‬وخآلصة ذلك هي أن العملية تتمثل في محاولة ابتلع ثقافي‬

‫ويحدد بارسون أربع أنأظمة فرعية في المجتمع ويعطي لكل منها دورا )مهمة( أساسية‪ .‬فمهمة السعي لتحقيق الهداف الجماعية تقع على "‬
‫كاهل النظام الفرعي السياسي بالدرجة الولى‪ .‬ومهمة التأقلم او التكيف تقع على كاهل القتصاد‪ ،‬ومهمة البقاء على التقاليد المتبعة هي من‬
‫دور العائلة‪ ،‬أما مهمة النأخراط فهي من مسؤولية الثقافة كأحد النأظمة الفرعية ونأعني بالثقافة هنا كل ما ينبثق عنها من تعليم ودين ووسائل‬
‫إعلم‪) ".‬غوميس‪(45 ،1979 :‬‬

‫و نألحظ أنأه عندما يتعلق المر بتطبيق هذه النأظمة الفرعية الربعة على الطرف الخآر )المختلف المر( يكون مختلفا عما إذا كان التطبيق‬
‫‪.‬على الذات الجماعية )النحن(‬

‫إن الصعوبات التي تجدها العولمة في الحد من حركة الفراد والهجرة‪ ،‬بالضافة لعامل الدين تجعل من الصعب استيعاب اعتبار العولمة‬
‫نأظام قيم عالمي‪ .‬فالواجهات التشاركية والتعاونأية النظرية الضمنية في هذه الطروحات تخفي حقيقة تقديم العولمة كعملية الهدف منها إعادة‬
‫ترتيب أوضاع العالم بعد مرحلة الستعمار من حيث السواق والثروات العالمية‪ .‬وبذلك أهملت الثقافة وتحول الخطاب الصوري الى وسيلة‬
‫أخآرى من وسائل التصال العلمي بكل ما يترتب عن دور وسائل العلم من مميزات ومساوئ‪ .‬وبتعبير آخآر بدل من الترجمة التحليلية‬
‫‪.‬والمتعمقة للخآر يتم التركيزعلى الصورة الظاهري لتسييد تصور نأمطي موحد ل غرض منه سوى ترتيب عملية القصاء الحضاري‬
‫المراجع‬:

1- BEJARANO, J.-A.: “¿QUÉ ES NEOLIBERALISMO? Su significado en la historia de las ideas y en la


economía”; http://www.banrep.gov.co/blaavirtual/credencial/9102.htm, 07/06/2005

2-EL-MADKOURI, M. (2003): “Globalización, Cultura del Otro y traducción (Aspectos de la traducción del
árabe al español)”, en Revista de Retórica y Teoría de la Comunicación.. Año III, nº 5. Diciembre 2.003,
Pp. 69-77

EL-MADKOURI, M. (2005): “La traducción del Otro en la prensa española”, en Carrió Pastor, M.-L.
(Editora): Perspectivas Interdisciplinares de la Lingüística Aplicada (Tomo II), 2005. Valencia: Universidad
Politécnica de Valencia.

3-FORTUNY, F. J.: “¿Por qué la globalifobia?” http://www.ivsol.com/artis/moda_odio.html

4-GARCÍA PÉREZ, R. (2004): “La Unión Europea y su entorno próximo: ampliación, fronteras exteriores y
política de vecindad”, en Da Silva Estanqueiro Rocha, A. Europa, cidadania e Multiculturalismo.
Universidade do Minho:Centro de Estudos Humanísticos.

5-GRAY, J. (1994). Liberalismo. Madrid: Alianza

6-JARDIN, A. (1985). Historia del liberalismo político. De la crisis del absolutismo a la Constitución de
1875. México: Fondo de Cultura Económica.

7-LÓPEZ GARRIDO, D., SARTORIUS, N. y CARNERO, C. : “Nuestro talón de Aquiles “, EL PAÍS, 25.7.2005

8-MANUEL CALVO, J. (14.6.2005): “El Senado de EE UU pide perdón a los negros víctimas de
linchamientos”, EL PAÍS.
8-MONTES, P. (1996). El desorden neoliberal. Madrid: Trotta.

9-RIVERO CARO, A. “¿Qué es el neoliberalismo?”; http://www.neoliberalismo.com/Archivo-01/ques.htm,


07/06/2005

You might also like