Professional Documents
Culture Documents
تعرف الليبرالية بأنأها أيديولوجية الحرية )حسب تعريف ريفيرو كارو( وبعبارة أخآرى :يعتبر النأسان الليبرالي من الناحية النظرية ،هو كل
من وضع الحرية فوق أي اعتبار آخآر .إل أنأه من نأاحية الممارسة الجتماعية والسياسية ،فالليبرالي يحتاج دائما إلى شيء ما لكي يتحرر
منه ،أي أنأه بحاجة للتمرد – من اجل التحرر -من أي ممارسات قسرية قد تكون سياسية أو اجتماعية أو أخآلقية أو دينية .ال أن هذا التمرد
من أجل الحرية ليس تمردا مبنيا على الفوضى ول ينتمي إلى الفكار المطروحة من قبل الفكر الفوضوي .فالليبراليون ينطلقون من سيادة
القانأون ،وهم يقولون":نأحن أحرار إذا خآضعنا جميعا بالتساوي لقوانأين متفق عليها" ،وعليه :فهم يعتقدون أن انأعدام القانأون سيؤدي إلى
.الظلم ،وبالتالي إلى سيادة قانأون الغاب و منطقه :البقاء للقوى
وقد اكتسبت الليبرالية في العالم الغربي منذ القرن التاسع عشر طابعا جمهوريا من الناحية السياسية ،فالنظام الملكي المطلق في الكثير من
المملكات الغربية كان فوق القوانأين ،انأطلقا من أن البشر ليسوا متساوين أمام القانأون .و كانأت الوليات المتحدة المريكية الستثناء الوحيد
في هذا القرن بنظامها الجمهوري ذي السجل التاريخي الخاص فيما يتعلق بالحريات الفردية والدينية والعرقية ،ولكنها في نأهاية المر كانأت
و كأنأها ملكية بالفعل ،فالجمهوريون المريكيون في الكثير من تصرفاتهم يجسدون المبادئ المحافظة ،ونأفس المر يقال في الحماية التي تميز
النأظمة الملكية الوروبية ،فالوليات المتحدة على الرغم من هامش الحرية المعقول تعتبر إحدى النأظمة الجمهورية القليلة التي ل توجد فيها
أحزاب شيوعية ،بل إن الشيوعيين كأفراد تعرضوا في هذا البلد لملحقات مستمرة خآلل فترة التحركات الجتماعية من أجل الحريات
والستقلل الفردي والجماعي ،ول نأنسى أنأه في هذه الفترة بالذات كانأت توضع العراقيل”الديمقراطية”في الوليات المتحدة أمام مطالب
.الحق في الخآتلف وتحريم وتجريم العتداء على الفراد
وخآلل الفترة مابين 1952- 1890حاول سبعة رؤساء أمريكيين حمل الكونأغرس على منع عمليات العتداء الجسدي والقتل التي كانأت
تستخدم كوسائل للعقاب خآارج الطر القانأونأية ،خآاصة للزنأوج في جنوب البلد ،واستجابة لهذه المطالب تدارس الكونأجرس عشرات
القتراحات القانأونأية ،ثلثا منها تمت الموافقة عليها في البرلمان خآلل الفترة ما بين 1920و 1940ولكنها لم تلبث أن أأسقطت عند
عرضها على مجلس الشيوخ نأظرا للعراقيل التي أوضعت من قبل العضاء الممثلين للوليات الجنوبية ،المر الذي استدعى أن يقوم مجلس
.الشيوخ بتقديم اعتذاره عن هذا الفشل )كالبو (2005
في هذه الطار ل بد من القول بان الليبرالية لم تصل إلى كل الدول بنفس الطريقة ،ولم تستثمر فيها على نأفس المنوال كما أنأها لم تصل إلى
المواطنين بنفس درجة التأثير .فعلى سبيل المثال ،اسأتخدم لفظ ليبرالي لول مرة في أسبانأيا في مطلع القرن التاسع عشر في محاولةة للترغيب
في الملكية الدستورية التي كانأت تعتمد على دستور مماثل للدستور النأجليزي ،أي أن سلطة التحكم بالفراد كانأت تمثل وقتها نأسقا قديما أما
.الجديد أنأذاك فكان احترام الحريات الفردية أو ما يسمى بالحقوق النأسانأية)ريفيرو كارو(
أما الليبرالية القتصادية فهي مشروطة بعدم وضع الدولة للعراقيل أو التقنينات على النأتاج والتوزيع والستهلك بالنسبة لي نأوع من أنأواع
السلع أو الخدمات .فمحاربة التمرد على أي شكل من أشكال العراقيل القتصادية يمثل إذن أهم ميزة فكرية "أيديولوجية" لليبرالية القتصادية
ونأضالها ،وهذا "النضال" يتضح بجلء ليس فقط من خآلل الخطاب الفكري بل أيضا من خآلل إبراز الحاجة للمطالبة بتحرر الفراد،
والمطالبة بالدفاع عن المبادرة الذاتية أو الجماعية باسم المنافسة ،وهنا يفرض نأفسه هدف آخآر من أهداف المطالبة بالحرية ،ويتمثل في
تحرير مصادر الثروة والسواق والتخلي عن المؤسسات القتصادية للدولة سواء كانأت عمومية أو شبه عمومية والدفع بها الى الخصخصة
بحجة أن القتصاد يجب أن ينطلق بذاته وليس من خآلل التخطيط ،وقد واجهت هذه المطالب الليبرالية المجحفة صعوبات كثيرة خآلل نأهاية
القرن التاسع عشر نأتيجة لنأتشار اليديولوجيات الماركسية ،كما أن تأسيس التحاد السوفياتي شكل عقبة رئيسية في وجه الليبرالية طيلة
القرن العشرين تقريبا ،بسبب ما كان يمثله هذا النظام من فكر مضاد لليبرالية ساعد في المرحلة الولى على التأكيد على دور الفرد في
مواجهة رأس المال .وعليه ،وعلى الرغم من القدرة الدعائية والطروحات الفكرية الغربية فقد ظهرت في أوروبا مجموعة من الفكار
)واستقرت فيها بعد ذلك( تدعو إلى نأوع من التدخآل الحكومي للتحكم بعوامل القتصاد ،وتعززت الحاجة الى التخطيط أمل في خآدمة ما
طبقت في التحاد السوفيتي، يسمى بالستقرار أو الرخآاء الجتماعي .وكانأت هذه التدخآلت والتخطيطات تشبه في بعض جوانأبها تلك التي أ
ك بفضل تحرك الحركات الجتماعية والنقابات باعتبارها جزءا من القوى ال أنأها تخضع الى أشكال من الضبط والتقييم والمتابعة ،وقد تم ذل ك
.المتفاعلة داخآل المجتمع .وهكذا ادخآلت بعض النأماط الجتماعية الى النأظمة الليبرالية
إنأه من الهمية بمكان ]بالنسبة لي على القل[ إيضاح أن الليبرالية ل أتفهم بنفس الطريقة في كل مكان وزمان ،ول تترتب عن فمها نأفس
النتائج .فكلمة الليبرالية تكتسب ليس فقط معناها بل أيضا مغزاها الحقيقي عندما أتقرن وتقابل بمضادها الفكري والظرفي ،فليس من الممكن
فهم أبعاد الليبرالية إل في إطار اجتماعي وسياسي محدد ،حيث تظهر كردة فعل على ظروف يرغب المجتمع في التخلص أو التحرر منها.
وعليه فان الظرف المحدد هو الذي يبين النكد الجدلي والمقابل الذي من خآلله تفهم هذه الكلمة ،فكلمة الليبرالية على النطاق السياسي تتأثر
طبقا لما ذكره جوزيفا اريغي في مقال نأشر في صحيفة المونأدو بتاريخ 3أغطسطس 2005تحت عنوان "نأواقص القومية" حيث قال" :نأحن
نأعلم بأن التضخم المالي يؤدي إلى انأتقاص قيمة العملة ،فقد يظن أحدهم بأنأه يملك مبلغا ما ،كبيرا أو صغيرا أو متوسطا من المال ،ولكن
الواقع هو أن التضخم قد ابتلع جزءاا من قيمة هذا المبلغ .فالتضخم ل يقتصر على امتصاص جزء من قيمة المبالغ المالية ،بل ان هذه الظاهرة
تمتد إلى جوانأب أخآرى هامة من الحياة ،كاللغة على سبيل المثال .وإذا كان من المؤكد أن كل أشكال التعامل اللغوي تعانأي من نأسبة عالية من
التضخم فان لغة التعامل السياسي هي الكثر عرضة لهذه الظاهرة" .وعليه فان التضخم اللغوي يفقد المصطلحات دللتها الصلية الدقيقة
وتصبح مطاطة ،فأين كلمة الدمقراطية من حكم الشعب نأفسه بنفسه! فهذه الكلمة تستعمل في مشارق الرض و مغاربها والكل يفهمها على
.هواه
الصطلح الليبرالي كمعارضة دللية 1.2
ان الليبرالي )أو التحرري( في أسبانأيا مثل ليس هو الليبرالي في إيطاليا ،وهذا أيضا ليس هو نأفسه في إنأجلترا ،فعلى الرغم من أنأهم كلهم
ليبراليون فأنأنا نأجد أن لكل منهم نأظرته الخاصة لليبرالية و اشكالتها حسب الظروف المحيطة به ،وحسب "المشاكل" التي يريد التحرر منها،
وعليه فان كلمة الليبرالية هي من أقل الكلمات دقة وتحديدا ،وأكثرها مرونأة واتساعاا ،سواء في المصطلحات السياسية أو في المصطلحات
القتصادية ،لنأها ل أتعبر في مضمونأها اللغوي ال عن فلسفة سياسية مطاطة أساسها قاعدة الحرية الفردية ،لهذا فهي تتحمل سلسلة من
المفاهيم الفكرية لعدد من الحزاب السياسية المختلفة في العالم الغربي في نأفس الوقت الذي تحتمل فيه أسسا وآليات للممارسات القتصادية قد
.تكون مختلفة في بعض جوانأبها )بخارانأو(
ومع ذلك ،وعلى الرغم من أن كلمة الليبرالية تمثل مفهوما فلسفيا وأيديولوجيا "فكريا" قابل للتطبيق في ظروف مختلفة )كما سنشاهد في
الفقرة التالية( ،نأجد هناك مغزى ثابتا لليبرالية يتمثل في كل ما يرمز الى التحرر و حرية مواجهة الظرف القائم ،الذي يعتبر في غالب
الحيان ظرفا تقليديا ومققيدا )بكسر الياء( ،ويجب أن ل نأنسى بان مبدأ الليبرالية اقترن منذ البداية بمفهومه القتصادي وراح يكتسب أبعده
الحقيقي منذ القرن الثامن عشر بفضل مساهمات العديد من المفكرين القتصاديين إلى أن اكتسب البعد الحقيقي"الحالي" من خآلل صياغات
.آدم سميث
أما من نأاحية قيم الخير والشر والفعال الحسنة أو الخبيثة فالفرد هو مصدر معايرها ،أي أن الفرد الليبرالي هو مصدر القيم الخآلقية
الذاتية ،أما عملية المتاجرة والمعاملت بين الفراد فتتضمن الكثير من العوامل الكفيلة ليس فقط بتحقيق سعادة المجموعة بل و أيضا بتحقيق
الحرية ،والسوق هي النظام التلقائي لتوزيع الثروة والتبادل بين المم ،وهو لن تحقق فقط تراكم الثروة بواسطة التوزيع الدولي للعمل بل ان
السوق تساهم في الحد من التوترات السياسية والحروب ،وأخآيرا فان السياسات العامة للدول يجب أن تقتصر على تحقيق بعض الهداف
والمحافظة على أمور محدودة قد تعتبر مدعاة للقلق الجماعي ،كالحرية والمن والعدل ..الخ )بيخارانأو( .وهذا هو الدور الذي تريده الليبرالية
.للدولة ،أي أن تتكفل بحماية حرية الفراد وحراسة المن وتحقيق العدل
من خآلل هذا التعريف الذي ينطلق من تركيبات لغوية ظاهرها إيجابي ،يمكننا إعادة تركيب كل المفاهيم اليديولوجية"الفكرية" لليبرالية،
:والتي يمكن تحديدها في ثلثة مستويات
المستوى القتصادي :رفض أي تدخآل من قبل الدولة ورفض تخطيطاتها المقترحة ،وقبول اقتصاد تحكمه قيم منبثقة عن حرية التملك 1-
والدارة واستخدام رؤوس الموال .اما على المستوى الدولي فان هذا التحرر يجب أن يعزز بمفهوم المن الدولي والعمل على تحقيقه "خآدمة
للقتصاد العالمي" .فالتبادل بين البلدان والمم يشكل بالنسبة للبرالية ضمانأة للثروة من خآلل توزيع العمل ،كما أنأه يدفع باتجاه التواصل بين
البلدان بما يترتب على ذلك القلل من مصادر التوتر والحروب .ال انأه ما دام أن الدولة مرغمة على حماية حرية الفراد وحراسة امنهم
.فانأها يجب ان تحقق ذلك ولو خآارج حدودها ،حيثما تواجد مواطنوها ورؤوس أموالهم
.المستوى السياسي :وهو أنأه يقع على الدولة واجب القيام بدور المنظم والمشرف والضامن للمن والعدل ومفهوم الحرية ذاته 2-
المستوى الخآلقي :ان الفرد يمكنه ان يعارض أخآلقيات موروثة ومستفحلة ومفروضة فرضا عاما من أجل "تحرير نأفسه" .وبوسعه ان 3-
شاء أن يستحدثا له قيما ذاتية وخآاصة دون الرجوع الى موروثه الخآلقي ،وعلى هذا الساس فالليبرالية يمكنها أن تتعارض مع كل الشكال
"".التقليدية" والمناهل الخآلقية المنتشرة في المجتمع أو السائدة في "المؤسسات الدينية التقليدية
وكل هذه المجالت التي تحتمل النأتقاد في جوانأب معينة تعتبر في نأهاية المر -وبالتحديد في المستوين الول والثانأي -ضمانأات لحرية تمنع-
على المستوى النظري -التعرض للفراد ،كما أنأها تضمن أيضا مجال أوسعا للجدل الفكري .ويتضح ذلك أكثر إذا ما استعرضنا المقولة
الشهيرة عن القيصر والرب ،المتحكدان و المرتبطان في حياة الفرد خآلل مرحلة ما قبل الليبرالية وحتى في ظل بعض أوساط الليبرالية ذاتها.
وفي هذه الحالة ،فإن تثبيت وتعزيز الحقوق النأسانأية ،ليس باعتبارها تنازلت بل باعتبارها حقوقا طبيعية ذاتية ومضمونأة ،تمثل نأتيجة يعود
الفضل فيها إلى حد كبير لليبرالية .وبناء على ذلك كله فان تعبير الليبرالية بما أضيف عليه من مفاهيم جديد )الليبرالية الجديدة( لم يعد مجرد
مفهوم عقائدي ،بل بات يمثل مبدأ فلسفيا–ثقافيا تترتب عليه أبعاد جديدة تمس حياة الفراد والمجتمعات .ومن بين الصداء التي تترتب على
ذلك نأذكر على سبيل المثال :ان المعايير التي تتعلق بتشكيل هويتي النأا والخآر وتحديد مفهومي المركز والهامش ،وما يترتب عن كل
:التعابير والصياغات المستحدثة عند الليبراليين الجدد ،وخآاصة ما يتعلق بالنقاط التالية
عدم ثبوت القيم الخآلقية :نأظرا لن الليبرالية تجعل الفرد هو مصدر القيم الخآلقية و تبرز الصلة بين هذه القيم والمصالح الشخصية 1-
المرتبطة بالحيز الزمني تصبح القيم غير مستقرة وعرضة للستبدال كلما دعت الضرورة الى ذلك .وعليه فان المبدأ الخآلقي مرتبط بزمان
ومكان معينين ،وهذا المبدأ يتغير بتغير هذه العوامل الظرفية .من هنا يتولد الجدل مثل حول مسألة التحكم في الجينات الوراثية ومسـألة
".الموت الرحيم" )مساعدة المريض الميؤوس من حياته على الموت(
ان تحرير رأس المال يؤدي إلى اخآتزال مفهوم الفراد في أبعد واحد يتمثل في النأدفاع اللمحدود للفرد نأحو حرية الستهلك كيفما كان 2-
نأوعه .فالتحرير المفرط لرأس المال يستحوذ على شخصية الفرد ليصبح امتدادا فعليا لهذا الرأس المال .وعليه ،فان القيمة القتصادية
لمؤسسة مالية مثل تقاس بعدة معايير من بينها عدد الزبائن ،أي عدد الفراد المستهلكين .كما أن إضفاء صفة الفردية والنسبية على القيم
والمبادئ الخآلقية يجعل الوضع القتصادي للفرد وقدرته الشرائية من بين أهم وأكثر القيم اعتبارا وتقديرا من الناحية الجتماعية .وبذلك
فان الفراد والمجتمعات ل تضع "حواجز" أخآلقية عدا تلك التي تضعها الدولة التي تمارس دور الحكم القانأونأي ،من هنا يتحول العمل إلى
قيمة معنوية وعدم توفر العمل )البطالة( يصبح أمرا سلبيا ،فالعاطل عن العمل منبوذ والتبعية للمصارف والبناك تؤدي إلى تمكين رأس
المال من السيطرة على الفرد وامتصاصه خآلل جزء كبير من حياته العملية ،أما الشق الثانأي من هذه الحياة غير العملية )التقاعد( فيمر مر
الكرام دون أي تقدير من قبل المجتمع الليبرالي .فكل الدعايات والنداءات الستهلكية تنصب على شريحة الشباب والكهول الذين هم في سن
النأتاج والستهلك .وهذا و ان كان منطقيا من وجة نأظر البيع و الشراء ال ان دلته الرمزية تجعل الفرد خآارج المجتمع ،ويصبح المعوقون
والمسنون خآارج نأطاق النظام الساري ،أي على هامش الواقع الجتماعي فيعيشون على الصدقات التي يقدمها لهم هذا النظام .كما أن أثر
تحرير رؤوس الموال على المستوى الدولي يتعدى مجرد الترويج "لعلقات جيدة بين الدول" و"الحد من أجواء التوتر السياسي والحروب"
ليصل إلى مصادر الثروة ،سواء كانأت هذه المصادر طبيعية كمصادر الطاقة مثل أو بشرية متمثلة في السواق التي تستوعب السلع ورؤوس
الموال ،فالحروب والتدخآلت في شؤون "البلدان الصغيرة" يمكن أن يحدثا على اعتبارها امتداد لليبرالية القتصادية .لحظوا ان مصطلح
"البلدان الصغيرة" ل يقاس بعدد سكانأها ول بمساحتها ول حتى بثرواتها الطبيعية او عراقتها التاريخية ،فمصر مثل والسعودية والعراق
دول صغيرة جدا بمعايير الليبرالية الجديدة ،وطبقا لهذه المعايير ايضا فالدول الكبيرة مسئولة عن ضمان المن ومطالبة بخوض الحروب من
.أجل ضمان حرية رأس المال وحمايته اينما كان
على اعتبار أن الدولة مؤسسة خآالية من القيم الخآلقية الذاتية فهي تضمن قيم الخآرين )باعتبارها قيما فردية( وتتجنب مهمة التهذيب3- ،
ليقتصر دورها من الناحية النظرية على ترتيب القيم المتفق عليها ضمنا بين الجميع ،أما "الصدقات" والتضحيات بدون مقابل هي قيم خآاصة
بمرحلة ما قبل الليبرالية .ومع ذلك فالدولة تعمل على إنأشاء وتشجيع مؤسسات وجمعيات شبه حكومية أو غير حكومية لكي تقوم بمهمة
الترويج لقيم غير مشتركة انأطلقا من قناعاتها العامة ،وهذا هو بالذات الدور الذي تضطلع به المنظمات غير الحكومية بالضافة الى مساعدة
.المتواجدين على هامش المجتمع الستهلكي
وللوهلة الولى يبدو كل ذلك إيجابيا من الناحية النظرية ولكن المر يختلف عند التطبيق والتفعيل ،ف"المكانأيات المادية المتاحة ليست
كافية" لتشمل كل المجموعات المحتاجة التي تعيش تحت مظلة النظام مما يؤدي إلى تساقط الكثير من الفراد إلى دائرة الفقر والعوز
والتسول ،وهذا ما يعرف بالهامشية او "التهميش" أي التموقع على هامش نأظام اجتماعي قائم على المنافسة القتصادية وما يترتب عليها من
.قيم
إل أن مفهوم الليبرالية كما أتضح أعله ،باعتبارها أيديولوجية "فكرية" أو"منهجا فكريا يدافع عن سلسلة من القيم الخاصة كحقوق الفرد ،قد
،بدأ يتحول باتجاه الزج بالدولة للقيام بدور المشرف على الحد من الفروق الجتماعية
ففي المجال السياسي تعمل الدولة على ضمان مشاعر الراحة في هذا النظام لغلبية شرائح المجتمع وضمان الستقرار والتوازن الجتماعي
المنبثق عن التطور القتصادي وتفعيل عوامل الثروة ،وفي نأفس الوقت مواجهة وتجنيب الغرب عواقب الظاهرة التي شكلت ميزة العالم
.خآلل القرن العشرين ،ونأعني بذلك اليديولوجية ذات النهج اليساري سواء كان هذا النهج اشتراكيا او شيوعيا
ومن الناحية الجتماعية تقوم الدولة بنشر مشاعر الزدهار الشامل بين مختلف شرائح المجتمع من خآلل الدفع وتفعيل الطاقة الشرائية
للسكان ،مما يساعد على توسيع وتعزيز نأطاق السوق الداخآلية ،وهو المر الذي يزيد من حيوية رأس المال وينمي الثروة .وكل ذلك تحت
.تسمية لغوية )تعرف بالثورة الكينسية( والتي تنص في بعض أبعادها على نأشر حالة الشعور بالزدهار
ان مفهوم "كينسي" للقتصاد لم يزدهر إل في عقد الستينات ،ولم يفرز مفهوما جديدا لليبرالية إل في عهد مارغريت ثاتشر ورونأالد ريغان:
وهو مصطلح "الليبرالية الجديدة" )حسب المفكر ريفيرا( الذي يقول بأن النظام الشتراكي أخآذ يتلشى ببطء لينتقل مركز الثقل فيه إلى
.الصراع الثقافي وينحصر فيه
ويمكن القول من الناحية النظرية بأن الزمة القتصادية كانأت السبب في تغير توجهات السياسات القتصادية .ومع ذلك فل بد من التعمق في
دراسة تأثير الغرب على إضعاف التحاد السوفييتي ،وعدم توفر مؤشرات ملموسة على الجدوى الحقيقية لهذا النظام القتصادي )أعني
النظامين معا( .فريغان الذي يعتبره البعض رائد عهد الليبرالية الجديدة كان يقول بأن الدولة ليست الحل بل هي المشكلة .ومنذ ذلك الحين،
والمحللون ل يركزون جهدهم على التحليل وتصحيح الفجوات التي يعانأي منها القتصاد فقط بل انأصب تحليلهم أيضا على طريقة الحد من
الدور المنوط بالدولة .وظهرت مفاهيم واصطلحات جديدة مرافقة للخطاب النيوليبرالي و مؤسسة له ليست اقل تأثيرا في الطروحات
اليديولوجية_القتصادية "كاحتواء النفقات العامة" ،و"إضعاف النمو" ،و"حوافز التعاقد" ..ونأتيجة لهذا الطرح الليبرالي الجديد تصبح
الدولة مجرد إداري سيئ يواصل عمله دون احراز فوائد ملموسة .وعليه ،فان كل ما ل يعود بالفائدة المحسوبة والملموسة ل بد من الحد منه.
وقد أتدرج إجراءات الحد من نأفقات التعليم وتقليص عدد الشهادات الجامعية ضمن هذه الطارات الفكرية .وهو ما يناقش الن على صعيد
.المجموعة الوربية مثلا )تفعيل اتفاق بولونأيا حول التعليم(
من حيث عوامل القناع العام بهذه الليبرالية الجديدة فقد تم اللجوء إلى استعادة بعض مفاهيم الليبرالية التقليدية مثل أهمية الفرد والحد من دور
وتدخآل مؤسسة الدولة والسوق الحرة .وانأطلقا من النظرة الجديدة لهمية الفرد ابتدعت مفاهيم لغوية مسايرة مثل الفردية كآلية عمل ،وهذا
يعني بأنأه يجب على الدولة أن تمتنع عن أي تدخآل في شؤون الفراد لن كل فرد يعرف ما يريده وهو حر في تصرفه ،وسوف يبحث
.بأسلوبه الخاص عن وسيلة من الوسائل لتحقيق مآربه
أما من حيث التخطيط وتوزيع الدوار فالمفهوم الذي اسأتخدم من قبل الليبرالية الجديدة يتمثل في أن السوق نأد للدولة ،فالسوق -بالنسبة لبعض
أدبيات الليبرالية الجديدة -تتميز بكفاءة أكبر على توزيع الدوار ،مقارنأة بمحدودية قدرة الدولة على التدخآل والتأثير ،وبهذا المنظار تحل
:السوق محل الدولة وتقوم مقامها ،وقد استخدم الخطاب الليبرالي الجديد التعبيرات التالية
.وكل هذه العبارات تحتوي ظاهرا أو ضمنا على كلمة حرية او معناها
من بين مظاهر الفكر الليبرالي الجديد وتأثيره على الفراد ظهور مواطن انأعزالي يتميز بدرجة عالية من البراغماتية)اوالذاتية( ،وينطلق
.سياسيا من وحي التسرع ومحاولة ابتلع الخآر"ماديا ا واجتماعياا" ونألحظ أثر ذلك في غالبية الحروب الحالية
وبناء على ذلك ،فالليبرالية الجديدة تؤسس لمفهوم جديد حول الواقع الجتماعي وتبعاته القتصادية ،وكذلك حول النظريات القتصادية
وتبعاتها الجتماعية ،بما في ذلك تووسع هكوة الخلل الداخآلي التي أتلقي بآثارها على حياة سكان هذه البلدان .كما تعمق بعض أشكال الخآتلل
الجتماعي القائم أصل فيها ،وأتحدثا صوراا جديدة اخآرى غير مألوفة من صور الفوارق الجتماعية .ومع ذلك فإن هذ الخلل يتوازن الى حةد
ما بسبب النأتماء إلى عالم شمولي ،وبسبب المؤثرات الدولية على جميع القطار ،حيث يقع التحول فيه من الفقر إلى الغني في جانأب منه ،و
من الفقر إلى الغنى في الجانأب الخآر .فمواطنوا الغرب باتوا يعيشون في ظل النظام الليبرالي الجديد في وضع ويتمتع سكان المناطق القريبة
.من المركز بحياة أفضل من سكان المناطق الواقعة على الهامش
و تستغل الليبرالية الجديدة هذه الحالة ،من وحي الصياغة اليديولوجية _"الفكرية" ،من أجل توظيف الثروة المادية والسواق الخارجية
.لصالح سكان المركز ،وبهذه الطريق فالثروة تخضع لقوة الجاذبية المركزية ،بدلا من الطرد المركزي
وكما هو طبيعي بالنسبة "للمتخلفين" فإن مبدأ "التطور" يجب أن يلقى التشجيع من قبل الفكر الشمولي بواسطة دعم التنمية ،ويشمل هذا
:الدعم
- المشاركة في رسم السياسات التي تضعها الدولة ،سواء منها السياسات الجتماعية أو السياسات القتصادية الداخآلية )تدخآل
".الدول الكبرى" و مؤسساتها في سياسات "الدول الصغرى"(
- .تقديم مساعدات محددة على شكل قروض محدودة الفائدة لدول العالم الثالث
- ".تدخآل القوى "الكبرى" لقناع الدول الصغرى على "التفتح
وفي كل الحالت أتعزى المسؤولية عن التخلف إلى الطرف المتخلف ذاته ول يتحملها الطرف المتكلم إطلقاا ،انأطلقا من أن القوي هو الخآذ
بزمام الكلم دائما وأن الضعيف هو الصامت الصاغي ،و يطرح هذا المتكلم نأفسه كطرف شهم ومنجد ،همه الوحيد هو محاولة انأقاذ اللخآر
و"تحريره" من التخلف وذلك من خآلل تقديم الدعم بواسطة "برامج مساعدة التنمية" ،ويمرر ذلك بواسطة الخطابات التي أشرنأا إليها في
.الفقرة السابقة
أما المساعدات التي تقدم للطرف المعوولم بفتح اللم فعلى الرغم من أهميتها الظاهرة فهي ليست ال أمرا تجميليا ظاهريا .فخلل القمة الخآيرة
لدول مجموعة الدول الثمانأية العظمى ،المنعقدة في يوليو ،2005قامت وسائل العلم "الكبرى" )وحتى الصغرى طبعا( بالتحدثا عن
شطب ديون القارة الفريقية ،ولكن بالمقابل ظهرت بعض الفروق في مواقف كل دولة من الدول عند تحديد أولوياتها في القضايا المعروضة
.في جدول أعمال مجموعة الثمانأية ،ويتضح ذلك عند مراجعة نأتائج القمة المتباينة
ومن المنصف القول بأن المغزى من مضاعفة المساعدة الشحيحة لفريقيا قد اتضح كما اتضحت النية من شطب ديون ثمانأي عشرة دولة من
الدول الفقيرة ،ولكن إجمالي ديون القارة لم يتأثر بتاتا ول زالت تشكل العبء الكبر على القارة المجووعة ،أكثر من المراض الفتاكة التي
.كان يجب ان تكون على قائمة الولويات ،كاليدز والموت الجماعي للطفال
وعلى سبيل المثال فقد صدرت هذه التأكيدات عن عناصر بارزة في اللجنة التنفيذية للحزب الشتراكي والحكومة السبانأية مثل ،على الرغم
من أنأها لم ينتقد أطروحات مجموعة الثمانأي ،إل أن تأكيدات هذه العناصر أتعتبر دليل واضحا على عدم وجود آراء موحدة داخآل التحاد
.الوروبي وعلى أولوية اقتصاد وأمن النأا ،كما حاولنا تبيانأه سابقا
إذا فليس بالمكان مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين طالما ظكلت أوربا عاجزة عن التحدثا بصوت واحد ،والتصرف بموقف موحد "
".لسبب بسيط ،وهو أن كل هذه التحديات تعتبر شاملة
إن أصحاب هذا الطرح ل يحثون فقط على التوحد القتصادي بين الوروبيين بل يطرحون الحاجة لوحدة سياسية أيضا لمواجهة التحديات
.الشاملة التي تبدو في أفق العالم الجديد
على أن المسافة بين بلد وأخآر قد ل تتجاوز بعض الدقائق وحتى الثوانأي ،فما الذي يبرر القول بأن مشاكلها مختلفة؟ وبعض الجوانأب تبدو "
بديهية مثل :جودة المواد الغذائية ،التعليم ،الثقافة ،التقاليد والديان ،النظرة إلى الحياة ،الطموحات ،المفاهيم والقناعات ،القدرة على تحأين
." http://www.ivsol.com/artis/moda_odio.htmالفرص،بالضافة إلى مستويات الثقة بالذات وبالمجتمع ...الخ
هذه الخلصات وجدنأاها في مقال نأشر تحت عنوان "لماذا النفور من العولمة" والذي يضع كاتبه ،فرانأز ج .فورتونأا ،جملة من السس
والعناصر التي تشكل جمعيها في رأيه -باستثناء جودة المواد الغذائية -جزءا من تعريف الثقافة ،وهذا يعني انأه إذا كانأت الثقافة عامل للتقدم
:فمن الممكن أن تكون أيضا عامل مضادا له ،أي سببا في الفقر والتخلف ،والنتيجة المترتبة على هذا الطرح هي
نأحن أغنياء لن ثقافتنا تدفع وتشجع على ذلك ،وهم فقراء ،لن ثقافتهم ل تسمح لهم بالتقدم ،وعليه :فإذا كان الزدهار مرهونأا بالثقافة“ ،
”.فالتخلف نأتيجة لها أيضا
أي أن الثقافة تحدد فرص التنمية أو التخلف ،فإذا ما أخآذنأا بهذا التحليل فل مجال للهروب من هذا المصير ،والمحصلة النهائية التي تترتب
!!.عن ذلك هي بكل وضوح :إن الدول النامية ل مفر لها من العولمة
:فكلمة الليبرالية في الطار السياسي تتأثر بما يسميه خآوسيبا أريغا "القومية" في المقال السابق الذكر .ويبين ذلك قائل
إن دولة القانأون تعني وضع كل المصالح ،وكل العراق ،وكل المعتقدات ،تحت سلطان القانأون الذي يطبق على الجميع ،بدون مراعاة "
لمصلحة أو هوية أو معتقد ...إن هذا النأصياع للقانأون يعني فردية أو ذاتيةو المصالح والجناس والمعتقدات .ويترتب على ذلك الحد من كل
هذه المواصفات على نأحو يجعل الحيز العام للديموقراطية يبرز جليا ،عندما تتخلى المصالح والهوية الذاتية والمعتقدات عن احتكارها،
".وتعترف بأنأها ليست الوحيدة المخولة بالدفاع عن الحيز العام أو المصلحة العامة
ومع ذلك فليس كل ما يلمع ذهبا ،فالنتائج التي تتمخض عن الليبرالية الجديدة وأصدائها على العولمة تتعدى حدود القتصاد والسياسة .فمن
عولمة القتصاد وفتح أسواق الخآر ،إلى عولمة ثقافة معينة ،هي ثقافة النأا ،وبسطها على الخآر ،لنأها الوحيدة الكفيلة بالمبادرة والتقدم
.والزدهار والحرية
وهنا لبد من خآلصة تربط بين الليبرالية القتصادية والسياسية والعولمة ،وتوضح هذه الفكار الثلثة مرتبطة ومنفصلة ،وانأعكاساتها في
.السياسة الدولية اليوم
بعد كارثة الثلثاء الماضي ) 11سبتمبر( سوف نأشعر بأنأنا أيتام .فالمشاعر المضادة لمريكا سوف تتبدد ويصبح الجدل حول هذا "...
الموضوع بدون معنى .وقد يأتي اليوم الذي يتشوق فيه عدد كبير من المشاركين في مظاهرات )البندقية( المضادة للعولمة ،لدور يقومون به
.مضاةه لدور المؤسسات الدولية”) ...الفوضى( نأشر في صحيفة الباييس بتاريخ 14/11/2001
أما بشأن العلقة بين العولمة والكولوجيا )البيئية( والهوية ،فهناك أزمة ترجمة .فالعولمة تستدعي إزالة الحدود التي تفصل بين الثقافات
الخصوصية ومن بينها أنأظمة التعليم مثل ،أما البيئية من جهتها فتطالب بالنقد والمحافظة على الهوية والخآتلف ،وبالتالي فهي تركزعلى
.الفردية والذاتية والحق في هذا الخآتلف ،أما الطريقة الوحيدة للتعبير عن الذاتية والخصوصية فيجب أن تمر عبر الترجمة
من هذا المنطلق نأدرك أن التعلم ومعرفة الخآر ليسا من أهداف المعولم بكسر اللم بل من واجبات المعولم بفتحها ،فالذي عليه أن يتعلم هو
الخآر وليس النأا .وبالتالي فالموضوع مجرد تحديد هوية المتسلط ،فالمسيطر هو الطرف الغير مضطر إلى تقديم اي نأوع من أنأواع
"التنازلت" للطرف الخآر ،بل هو من يفرض ذلك على الخآرين .والسلطة بهذا المغزى تعني تفضيل الخارج على الداخآل ،وهي إمكانأية
التكلم بدل من الستماع ،وبعبارة أخآرى :هي بمثابة منح المسيطر الصلحية التامة على أن يقول :ل أريد ان أتعلم و ل أن أعلم عنك شيئا.
)غوميس(48 ،1979 :
وأما الثقافات القابلة أصل للترجمة فهي أتوضع في خآانأة الخصوصية التامة وأتخفى من المشهد العام تحت دريعة محاولة وضع أسس "التفكير
)الجماعي اعتبارا من الفرد وبناء عليه"(ماتي66 ،1993 :
وإحدى الستراتيجيات الخطابية لهذه الظاهرة هي إعادة تعريف بعض المفاهيم الرئيسية ،فكلمة حضارة مثل )أومدنأية( أصبحت تشير إلى
حضارة بعينها دون غيرها ،أما بقية الحضارات الخآرى فقد اكتسبت لغويا مفهوم "ثقافات" ،وعليه ،فإن أنأواعا ا عديدة من الخطابات تشهد
الخلط بين الحضارة )المدنأية( والثقافة ،بحيث أيفهم من الولى بأنأها حضارة عالمية ومعوقلمة ،أما الثقافة فتعني مرحلة ما قبل الحضارة وما
أما الحضارة )المدنأية( فمصدرها اللغوي agriculturaكما يوحي اسمها اللتيني هي أقرب إلى الزراعة ((culturaقبل المدنأية .إن الثقافة
وترمز إلى نأمط حياة المدينة .وهكذا فالثقافة بدوية أما الحضارة فهي مدنأية .ونألحظ هذا الطرح في عدد كبير من المقالت civitasهو
.المتخصصة
في حوض البحر البيض المتوسط تكم النأتقال من الثقافة إلى الحضارة ،وذلك عبر شقين رئيسيين ،يكونأان مرتكزا للهوية المتوسطية" :
الحضارة )المدنأية( اليونأانأية الرومانأية ،والثقافة السامية) ".راثيونأيرو(24 ،1991:
فالثقافة السامية في الجنوب -بناء على وجهة النظر هذه -لها علقة بالرعي والزراعة و هي مقابلة للحضارة المدنأية في الشمال ،أي أن
الثقافة لها علقة ضمنية بالتراب أما الحضارة )المدنأية( فتتم في بيئة تتسم بالعلقة الديناميكية ما بين البشر ،وتكون مرتبطة بالتغيرات
المتواصلة داخآل المدن )المدنأية( .فالثقافة تقع إذا في نأطاق تخصص الجغرافية الطبيعية التي تعني بالجماد ،أما الحضارة فتتصف بالمدنأية
)الحضرية( لذا فعلقتها متصلة بالجغرافيا النأسانأية التي تدرس ضمن إخآتصاصها كل ما له علقة بالنأسان )المتحرك( وبيئته ،ونأتيجة
لذلك ،فمن البديهي أن تكون الحضارة بموجب نأموها المتمدن مثالا للثقافة وليس العكس ،ومن البديهى أيضا أن تغزو المدنأية البادية
.لتحضرها وليس العكس
وإذا ما استمررنأا في تحليل البعاد اللغوية للخطابات التي نأتلقاها وما يترتب عليها نأجد أن إحدى الظواهر المتحركة المعدودة -وربما
الخآطر -التي تسير بالتجاه المعاكس هي الهجرة من البادية إلى المدينة ،أي من الثقافة إلى الحضارة )المدنأية( ،وهذا يفسر سكر مشاعر القلق
العلمي والسياسي حيال ظاهرة الهجرة لنأها تطبع المدينة )الحضارة( بطابع البداوة .واستكمالا للفتراض السابق ،فالهجرة يترتب عليها
تحويل المدينة إلى ريف ،ويترتب على ذلك أيضا إضفاء ظاهرة الثقافة على الحضارة ،وهو أمر غير مرغوب فيه إطلقا لنأه تراجعي .وإذا
ما أمعنا في هذا التحليل لمحاولة استنباط نأتائج أعمق لهذه الظاهرة وحصرنأا الثقافة في الجنوب والحضارة في الشمال ،نأكتشف كيف "إن
وجود ما بين 4و 5مليون مسلم في الجانأب الشمالي من المتوسط يزيد المور تعقيدا) ".راثيونأيرو(28 ،1991:
وهذه الزمة نأاجمة عن كون العولمة )كتعبير لفظي( تفتقر لمعنى واضح وشفاف ،فالعولمة باعتبارها مشروعا فكريا واقتصاديا و سياسيا ذا
اتجاه واحد تسعى إلى إلغاء حدود معترف بها ورسم حدود بديلة على أنأقاضها .إذ كانأت الحدود العالمية الراهنة تعتبر "حدودا مصطنعة"
".لنأها أرسمت كما يقول برونأيس فالو و هي بتعبير فوشيي )" (15 ،1991من وضع السياسيين والعسكر
فالحدود التي تسعى العولمة لرسائها هي اقل عقلنأية عند محاولة استيعابها انأطلقا من القواعد التقليدية لمفهوم الحدود .صحيح بأن الحدود
ل زالت تشير إلى خآطوط أرسمت على ورق لحتواء مساحات محددة ،إل أن هذه المساحات الن لم تعد تدل على أمكنة معينة وملموسة ،فقد
أأدخآلت على هذا المفهوم قياسات أخآرى تختلف عن المقاسات التقليدية وتتضارب معها أحيانأا .ففي الماضي كانأت المساحة تمثل مجال
جغرافيا فقط ،أما الن فالمجال ليس له مقاس محدد ،بل يعتبر بعدا اقتصاديا ونأفوذا سياسيا .ومن هنا تظهر الزمة ،ففي نأسق العولمة يصعب
تفهم أو استيعاب مفهوم المساحة والحدود بمعزل عن الظرف أو عامل الزمن ،فمثل قد تتصل بشخص ما هاتفيا وتبادره بالسؤال )الذي يتردد
دائما( :أين أنأت؟ هذا السؤال لم يكن واردا قبل سنوات قليلة فقط لنأنا كنا نأعرف مكان تواجد المخاطب ،وقد نأسأله أيضا :كم الساعة عندك؟
وهذا من بين أدلة انأصهار الزمن والمكان في ظل العولمة .ففي الماضي القريب كان المتكلم والمخاطب متواجدان في مكان محدد ومعلوم،
أما الن فلم يعد ذلك ممكنا بالضرورة .وعليه فالمسافة أصبحت متغيرة ومتفاوتة ،والسبب يعود جزئيا إلى العولمة والتكنولوجيا الجديدة.
فالعولمة المطروحة الن تسعى من نأاحية إلى تحرير التبادل التجاري من العراقيل الدارية والجمركية )لن العراقيل الطبيعية لم تعد
مشكلة( ،ولكنها بالمقابل تمنع الفراد )الفقراء( من التنقل من مكان إلى آخآر ،وبعبارة أخآرى تسعى إلى عولمة صادرات دعاة هذه العولمة،
وأقلمة صادرات الطرف المعوالم )المفروضة عليه العولمة( .وإقناع الخآر بهذا الطرح العولمي ليس ال مجره خآطاب إنأشائي يتكلف به
.صناع العبارات اللغوية الرنأانأة والمستساغة عند التلقي مآزرين في ذلك بتجار العلم
مع صدور مقال هنتينغتون حول الصراع بين الحضارات بدأت مرحلة ترقب لستيعاب هذا "المفهوم الجديد" تميزت –من بين ما تميزت به-
في أن الطرف الخآر استعاد لغويا هويته الحضارية ،ولو أن ذلك أدى إلى اقتران حضارة هذا الخآر بحقل واسع من التعابير اللغوية
:المتمحورة مجازا حول الحرب ،كما أشارت إلى ذلك صحيفة أ .ب.س في دراسة لتقديم المقال المذكور الى قرائها السبان
اعتبارا من الن فصاعدا فإن مسرح المعركة هو الحضارات بمفهومها غير المدنأي و ستكتسب فيه الثقافة والدين دورا أكبر من دور العقيدة "
اليديولوجية ،ما الذي نأعنيه عندما نأتحدثا عن الحضارة ؟ نأعني بذلك أن الحضارة هي هوية ثقافية .فالشعوب والقاليم والمجموعات
.العرقية ،والقوميات والمجموعات الدينية ،لكل منها ثقافة مختلفة ،حسب مستويات التنوع الثقافي")أ .ب.س /المحلق الثقافي (18
.فالحضارة إذن هي ثقافة شاملة ،تتسع لمظاهر محددة وتنحصر في مجموعات أو مناطق معينة
أما فيما يتعلق بالثقافة فهي أيضا خآاضعة لعادة التعريف .فالثقافة "ليست مجرد نأتيجة ،أو اثر لتنمي المعارف النأسانأية والرتقاء بها إلى
أعلى مستوى من خآلل التمرس في توظيف القدرات الفكرية للنأسان" كما أنأها "ليست فقط سلسلة من أساليب الحياة والتقاليد والمعارف ،أو
"،بلوغ مستوى من التطور الفني والعلمي والصناعي في مرحلة من المراحل الجتماعية
إن الثقافة ليست كل ذلك فحسب بل إنأها في الكثير من الحيان توازي أو تحل محل الدين في خآطاب النأا على الخآر ،إلى درجة أنأه تستبدل
كلمة الدين بالثقافة في الخطابين الصحفي والسياسي ،وهذا التماثل بين الدين والثقافة يدخآل في صلب الضرورات والمتطلبات اللغوية لنظام
.العولمة
فلغة النفاق أصبحت اليوم اللغة الشائعة والخالية من المضمون والتي تستخدم في السياسة ...لخوض حرب ضروس ضد التعصب "
.والصولية" )ترياس(32 ،1919 :
ولكن المصلحة تستدعى الستعارة والمجاز ،فاللغة المستخدمة من قبل السياسيين والمنظرين المشار إليهم ،تشكل وسيلة تشتمل على سلسلة
.من الستراتيجيات الخطابية ،من اجل خآلق أو تعزيز وجود الهوية الذاتية
فالتعبيرات اللسانأية )الكلمية( هي الوحيدة القادرة على إضفاء قيمة مطلقة أو نأسبية على أية ظاهرة ملزمة لطبيعة النأسان بما في ذلك
تغير مضمون الشياء .لكن هذه القدرة على تبديل معنى الشياء والنظر إليها مرتبطة أو مرهونأة بقوى أخآرى تتجاوز الستعمال اللغوي
.ف"من يستطيع تغيير معنى اللفاظ اللغوية ،هو صاحب الكلمة العليا أو السلطة" )مونأيوثا الونأصو(17 ،2002 :
فالحضارات والثقافات إذا -على الرغم مما أكده بعض المفكرين الذين أشرنأا إليهم -خآاضعة للتبدل والتغيير والترجمة أما الديان فل تكتسب
أي معنى إل لمن يؤمن بها ،فالخآر دائما هو المخطئ وهو الضال ،وهنا تكمن إشكالية العلقة بين العولمة والدين" ،فالديان تعني الكثير
بالنسبة للشعوب ،بما فيها بعض الشعوب الوروبية ،التي تعتبرها عنصرا أساسيا للهوية" )كما يؤكد أحد أستاذة القانأون الدستوري( ومن
أجل التغلب على هذه المعضلة فمن الضروري اعتبار الدين شأنأا نأسبيا وليس مطلقا ،وهذا ما تسعى إليه العولمة ،وهو إعادة تقنين مفهوم
الدين ضمن الطار الثقافي مما يعني أن الدين ثقافة .ونأذكر بأن وزيرة الشؤون الجتماعية السبانأية وقعت في نأوفمبر 1994اتفاقا مع 17
ممثل عن كافة إدارات الحكم الذاتي في أسبانأيا يقضي ضمان الحماية للعلمات المميزة للقليات العرقية ،والصورة التي تقدمها وسائل
.العلم لهذه القليات).بانأيون (77 ،2002
وهذا البيان يدل على صعوبة الشكالية الدينية عندما تنتقل "البادية" إلى "الحاضرة" ،وما يترتب على ذلك من سواد مشاعر الريبة والحذر
والحكام السلبية المسبقة حيال المجموعات أو الفراد بسبب انأتمائها لعرق أو دين مختلف ،كما يؤكد البيان المذكور على الدور المؤثر
لوسائل العلم في صياغة الرأي العام للمجتمع ،وما يمكن أن تلعبه هذه الوسائل في تربية وتهذيب القيم السائدة) .صحيفة الباييس
(5/11/1994.
وفيما يخص عبارة "عدم التجانأس الثقافي" على المستوى الخارجي –بين الدول -وما يترتب عليها داخآليا مع وجود مهاجرين من الدول
.السلمية ،فإنأها تعبر عن المشكل الكبير الذي يمثله الدين بالنسبة للعولمة
والن ،وبعد هذا كله ،فإن بقية شعوب العالم تنتهج سياسة أحادية الجانأب ،وليس بالضرورة أن تكون عسكرية أو اقتصادية أو علمية ،بل "...
غالبا ما تكون دينية وثقافية وأيديولوجية ،ومن المؤكد بأن هذه السياسة سياسة عدوانأية وانأتقامية .وأنأها سياسة الثأر التي تتغذى من مشاعر
النأتقام والحقد الثقافي وتغذيها .وكما افترض هانأتينتغون في نأظرية الصراع بين الحضارات فالقرن الواحد والعشرون الذي يعانأي من تمزق
بسبب الصراع بين ثقافات متعايشة مع أنأها غير متجانأسةلن تهتدي إلى طريق السلم) ".انأريكي كالبو خآيل :نأحو الصراع بين الحضارات /
الباييس (.2002 /9 /12
يجب أن ل نأنسى هنا ،بأنأه سواء في هذه الحالة أو في غيرها .فإن العولمة تتطلب بالضرورة عملية امتصاص منسق ليس من خآلل النأخراط
البيئي والطوعي ،بل إن الجوانأب التي ل تقبل النأصهار )من أجل العولمة( يجري مسخها لغويا وإلغائها فعليا ،فكل من يقاوم الذوبان
.يتعرض للدانأة أول والقصاء ثانأيا .وخآلصة ذلك هي أن العملية تتمثل في محاولة ابتلع ثقافي
ويحدد بارسون أربع أنأظمة فرعية في المجتمع ويعطي لكل منها دورا )مهمة( أساسية .فمهمة السعي لتحقيق الهداف الجماعية تقع على "
كاهل النظام الفرعي السياسي بالدرجة الولى .ومهمة التأقلم او التكيف تقع على كاهل القتصاد ،ومهمة البقاء على التقاليد المتبعة هي من
دور العائلة ،أما مهمة النأخراط فهي من مسؤولية الثقافة كأحد النأظمة الفرعية ونأعني بالثقافة هنا كل ما ينبثق عنها من تعليم ودين ووسائل
إعلم) ".غوميس(45 ،1979 :
و نألحظ أنأه عندما يتعلق المر بتطبيق هذه النأظمة الفرعية الربعة على الطرف الخآر )المختلف المر( يكون مختلفا عما إذا كان التطبيق
.على الذات الجماعية )النحن(
إن الصعوبات التي تجدها العولمة في الحد من حركة الفراد والهجرة ،بالضافة لعامل الدين تجعل من الصعب استيعاب اعتبار العولمة
نأظام قيم عالمي .فالواجهات التشاركية والتعاونأية النظرية الضمنية في هذه الطروحات تخفي حقيقة تقديم العولمة كعملية الهدف منها إعادة
ترتيب أوضاع العالم بعد مرحلة الستعمار من حيث السواق والثروات العالمية .وبذلك أهملت الثقافة وتحول الخطاب الصوري الى وسيلة
أخآرى من وسائل التصال العلمي بكل ما يترتب عن دور وسائل العلم من مميزات ومساوئ .وبتعبير آخآر بدل من الترجمة التحليلية
.والمتعمقة للخآر يتم التركيزعلى الصورة الظاهري لتسييد تصور نأمطي موحد ل غرض منه سوى ترتيب عملية القصاء الحضاري
المراجع:
2-EL-MADKOURI, M. (2003): “Globalización, Cultura del Otro y traducción (Aspectos de la traducción del
árabe al español)”, en Revista de Retórica y Teoría de la Comunicación.. Año III, nº 5. Diciembre 2.003,
Pp. 69-77
EL-MADKOURI, M. (2005): “La traducción del Otro en la prensa española”, en Carrió Pastor, M.-L.
(Editora): Perspectivas Interdisciplinares de la Lingüística Aplicada (Tomo II), 2005. Valencia: Universidad
Politécnica de Valencia.
4-GARCÍA PÉREZ, R. (2004): “La Unión Europea y su entorno próximo: ampliación, fronteras exteriores y
política de vecindad”, en Da Silva Estanqueiro Rocha, A. Europa, cidadania e Multiculturalismo.
Universidade do Minho:Centro de Estudos Humanísticos.
6-JARDIN, A. (1985). Historia del liberalismo político. De la crisis del absolutismo a la Constitución de
1875. México: Fondo de Cultura Económica.
7-LÓPEZ GARRIDO, D., SARTORIUS, N. y CARNERO, C. : “Nuestro talón de Aquiles “, EL PAÍS, 25.7.2005
8-MANUEL CALVO, J. (14.6.2005): “El Senado de EE UU pide perdón a los negros víctimas de
linchamientos”, EL PAÍS.
8-MONTES, P. (1996). El desorden neoliberal. Madrid: Trotta.