Professional Documents
Culture Documents
والغريب أن هذا الشعار لقد أصبح يتردد كثيرا في الساحات السياسية العربية,
عرف بـ "ثورات الربيع العربي" في عام .1122ففي كل المناسبات, وخصوصا منذ انطالق ما ُ
السياسية والدينية واالجتماعية ،وفي أغلب المظاهرات والتجمعات السياسية ,ومن أغلب
السياسيين بمختلف توجهاتهم ومعتقداتها ،بل يمكن القول حتى في نقاشات الكثير من المواطنين
العاديين ,أصبحت المطالبة بالدولة المدنية هدف من األهداف األساسية ,سوا كان هؤالء يعوا
معنى ومضمون هذا الشعار أو يجهلوه! وعليه دعونا نحاول فهم ماذا تقصد هذه النُخب
والجماهير بشعار -الدولة المدنية؟ وما هي أهم مكونات هذا الشعار ومبادئه األساسية؟ وهل فعال
هناك اتفاق أو إجماع بين هذه النُخب والجماهير على تعريف هذا الشعار؟ وما هو المصطلح
ال ُمضاد له؟
في هذه العجالة يمكن تعريف الدولة على أنها كل المؤسسات السياسية والقانونية ال ُمنبثقة
عن إرادة شعب (أو شعوب) يعيش على قطعة جغرافية معينة ذات حدود معترف بها ولها حكومة
مستقلة ذات سيادة كاملة ,بمعني آخر وباختصار شديد :الدولة = أرض +شعب (أو شعوب) +
حكومة +سيادة(" ,للمزيد راجع :بالروين .)1111 ,أما ُمصطلح "المدنية ",فلغة يعني كل ما
نسب إلى المدينة ،بمعني كل ما يُنسب إلى المدينة هو «مدني» .وطالما أن مصطلح «الدولة
المدنية» هو مصطلح حديث نسبياً ،فيجب أال نحكم عليه بنا ًء على معناه وداللته اللغوية ,بل يجب
محاولة فهمه وفقا ً لمعناه وداللته التي قصدها الذين يرفعون هذا الشعار .ولعله من المناسب هنا
التأكيد على بعض الحقائق قبل التطرق إلى تعريفات بعض النخب لهذا الشعار كاآلتي:
(أ) إن هذا المصطلح حديث من وجهة النظر العلمية والفكرية .وفي هذا الشأن يقول األستاذ
محـمد كامل محـمد ,باحث بمركز الحضارة للعلوم السياسية .." ,بالرجوع إلى قواميس المفاهيم
والمصطلحات السياسية يتبين أنه ال توجد في اللغة اإلنجليزية أو الفرنسية ما يسمى بالدولة
المدنية ،لكن هناك الدولة الحديثة والدولة العلمانية ،كما أن الفكر السياسي الغربي ال يعرف هذا
المفهوم( ",للمزيد راجع :كمال دمحم.)1122 ,
(ب) إن هذا المصطلح هو مجرد شعار محلي ,أي انه مجرد مصطلح عربي (لم يتم تطبيقه على
أرض الواقع حتى اآلن) أكثر من أي شيء آخر .وفي هذا الصدد يقول األستاذ والباحث
السوري عبد الكريم الجباع بأن "مصطلح الدولة المدنية هو محلي وليس سياسي أو معنوي وال
ينتمي إلى مجال العلوم السياسية أو الفلسفة السياسية" (للمزيد راجع :الجباع.)1122 ,
وكنتيجة لحداثة هذا المصطلح وطبيعة تركيبته ,لم يتم حتى اآلن االتفاق بين النخب
السياسية والفكرية على تعريف واحد يمكن اإلجماع عليه للدولة المدنية ,ويتحدد بذلك مفهومها
ومحتواها ومرجعيتها ومتطلباتها .ولتوضيح ما اقصده في هذا الشأن ,يمكن اإلشارة إلى نماذج
من تعريفات لهذا المصطلح ,والتي تم طرحها منذ عام 1122وحتى اآلن:
.1تُعرف األستاذة ياسمين أبو الحجاج عبد الراضي ,الباحثة بالمركز الديمقراطي العربي ,في
مقال لها عام 1126بعنوان "تحليل مفهوم الدولة المدنية ",الدولة المدنية بأنها "الدولة التي تطبق
العدالة والمساواة واحترام القوانين والديمقراطية والسلم االجتماعي واحترام حرية األديان وفصل
الدين عن السياسة( .",للمزيد راجع :عبد الراضي.)1122 ,
.2أما األستاذ محمـد المعالج ,رئيس اتحاد الناشرين التونسيين ,في مقال له عام 1121بعنوان
"عن الدولة المدنية" يُعرف الدولة المدنية على أنها "تمثل إرادة الشعب وعلوية القانون الذي
يستمد قوته من علوية الدستور بما هو أعلى سلطة في الدولة ...كما تعترف بمبدأ التعددية وتقبل
االختالف الذي ال يفسد في نهاية المطاف للود قضية .إضافة إلى ذلك ،فإن نظامها ديمقراطي
يقوم فيما يقوم على نبذ االستبداد وتكريس نظام التداول السلمي على السلطة" (للمزيد راجع:
المعالج.)1121 ,
.3أما األستاذ أحمد برقاوي ,مدير الشؤون األكاديمية في مركز الشرق للبحوث ,وبروفيسور
ورئيس قسم الفلسفة في جامعة دمشق ,في مقال له عام 1122بعنوان "في الدولة المدنية ",يُعرف
الدولة المدنية على أنها "تلك الدولة التي تنشأ وفق معايير المواطنة المعاصرة بوصفها ثمرة عقد
وطني واجتماعي تم بناؤه بشكل حر ,باإلضافة إلى معايير المحافظة على الحق الطبيعي والحق
االجتماعي لألفراد (",للمزيد راجع :برقاوي.)1122 ,
.4أما األستاذ عريب الرنتاوي ,مدير عام مركز القدس للدراسات اإلستراتيجية والسياسية
باألردن ,في مقال له عام 1122بعنوان "علمانية الدولة شرط مدنيتها ",يُعرف الدولة المدنية
سا
على أنها "مرادف للدولة العلمانية ،أي الدولة المنفصلة عن الدين ،والتي ال يشكل الدين أسا ً
لها ،وتُقصي الدين عن السياسة والتشريع والحياة العامة"( للمزيد راجع :الزنتاوي.)1122 ,
.5أما الشيخ الدكتور غازي التوبة ,عضو رابطة العلماء السوريين ,في مقال له عام 1121
بعنوان "ما هي الدولة المدنية؟" يقول " ..كثر الحديث عن "الدولة المدنية" ،فبعض الكتاب اعتبر
أن "الدولة المدنية" تقابل "الدولة العسكرية" ،لكن الحقيقة أن هذا المصطلح أوروبي وجاء في
مقابل "الدولة الكنسية" ،وهو قد جاء نتيجة تطورات غربية في القرون الوسطى في مجال
االجتماع واالقتصاد والسياسة ...أوروبا في العصور الوسطى كانت تحكمها الكنيسة ،وكان أبرز
مفهومين تقوم عليهما المسيحية هما :المقدس والمدنس ،فالمقدس هو هللا واآلخرة والروح،
والمدنس هو اإلنسان والدنيا والجسد والمرأة (",للمزيد راجع :التوبة.)1121 ,
.6في موقع تورس(,تونس برس) موقع تونسي يقدم خدمة فريدة لألخبار ,مقال بعنوان "مفهوم
الدولة المدنية والعلمانية؟ والفرق بينها؟" عام 1121عرف الدولة المدنية على أنها " ...قيام دولة
يكون الحكم فيها للشعب بطريقة ديمقراطية ،ويكون أبناء الشعب فيها متساوين في الحقوق ،وال
يكون فيها الحكم لرجال الدين أو للعسكر ..وعدم ممارسة الدولة ومؤسساتها أي تمييز بين
المواطنين بسبب االختالف في الدين أو الجنس أو الخلفية االجتماعية والجغرافية ...بمعني
مؤسسات الدولة يديرها مدنيون منتخبون يخضعون للمساءلة والمحاسبة ،وال تدار الدولة بواسطة
عسكريين أو رجال دين"( للمزيد راجع :تورس.)1121 ,
.7في خطاب للملك عبد هللا ,ملك األردن ,عام ,1121يقول فيه عن الدولة المدنية " ...يجب عدم
تأسيس هذه الدولة بمزج الدين بالسياسة ،وعدم وقوفها ضد الدين أو رفضه ،وبالبرغم من أن
الدين يبقى عامالً مهما ً فيها إال أنها ترفض استخدامه لتحقيق األهداف السياسية" (للمزيد راجع:
جوردن تايمز.)1121 ,
.8أما األستاذ محـمد المرباطي ,نائب القنصل العام لمملكة البحرين بجدة ,في مقال له عام 1121
بعنوان " هل نعي ما نقول دولة مدنية ..مرجعيتها..؟" يُعرف الدولة المدنية على أنها "مصطلح
غربي ,يحكمها مدنيين ال مكان فيها لرجال الدين أو العسكريين ،وتقوم على منظومة القوانين
والنظم العلمانية" (للمزيد راجع :المرباطي.)1121 ,
.9أما الدكتور إبراهيم الحيدري ,عالم اجتماع عراقي ,في مقال لها عام 1121بعنوان "الدولة
المدنية والدولة الدينية ",يُعرف الدولة المدنية على أنها "دولة القانون والمجتمع المدني ،وهي
الدولة الحديثة التي تقوم على أساس مفهوم المواطنة .ففي ظل دولة القانون والمجتمع المدني ال
يكون هناك تمييز أو إقصاء ألي فرد .ألنها تقوم على مفهوم المواطنة واحترام حقوق اإلنسان
وعلى التعدد والتنوع واالختالف ،فال تفرق بين المواطنين وال تسمح ألي سلطة بالتدخل في
شؤونهم (".للمزيد راجع :الحيدري.)1121 ,
.11أما األستاذ فرج فوده ,كاتب ومفكر مصري ,في مقال لبوابة الفجر عام 1121بعنوان "فرج
فودة ..شهيد الكلمة ,يُعرف الدولة المدنية الحديثة على "أن أسسها هي العلمانية ,والمواطنة,
وااللتزام بميثاق حقوق اإلنسان ,وتحقيق العدل ,وأن تكون المصلحة العامة والخاصة هي أساس
التشريع (",للمزيد راجع :بوابة الفجر.)1121 ,
.11أما الدكتور أنور مغيث ،رئيس المركز القومي للترجمة ،وعضو الحزب المصري
الديمقراطي؛ في مقال له عام 1121بعنوان " ال يمكن انتزاع حريات األفراد وإدعاء الدولة
تطبيق الديمقراطية ",يُعرف الدولة المدنية على "إن شرط الدولة المدنية هو الوصول بالممارسة
السياسية والفكرية إلى ما وصلت إليه العلمانية ،وهى فصل الدين عن الدولة ("،للمزيد راجع:
مغيث.)1121 ,
.12أما األستاذ سعيد بن سعيد العلوي ,كاتب وأكاديمي مغربي وأستاذ الفلسفة بجامعة دمحم
الخامس ,في مقال له عام 1122بعنوان "اإلسالم السياسي والدولة المدنية ",يقول " ...اإلسالم ال
يتعارض مع الدولة المدنية ،من حيث هي دولة المؤسسات واستقالل السلطات عن بعضها
البعض ،ودولة القانون والمساواة بين المواطنين أمامه ،واإلسالم يقبل دولة المواطنة والمواطنين
األحرار الذين هم أمام القانون سواسية(",للمزيد راجع :العلوي.)1122 ,
.13أما الدكتور ياسين سعيد نعمان األمين العام للحزب االشتراكي اليمني والقيادي البارز ,في
مقابلة صحفية مع قناة الميادين له عام ,1121قال عن الدولة المدنية "أنها ببساطة دولة المواطنة
المتساوية وليس دولة القبيلة أو العسكر أو االيدولوجيا( ",للمزيد راجع :العديني.)1121 ,
.14أما الدكتور جاسر عودة ,باحث مصري ومفكر أسالمي ,في مقال له ,عام , 1122بعنوان
"مقاصد الشريعة والدولة المدنية :تصور توافقي ",يصف الدولة المدنية كاآلتي .." :ينبغي أن
نفرق في تعريف الدولة المدنية بين المبادئ القيمية التي يتفق عليها الجميع ،وبين األيديولوجيات
السياسية المختلفة التي ينبغي أن تكون كلها فاعلة ومسهمة في تيارات الدولة المدنية المنشودة
دون أن يحتكر أي منها تعريف الدولة نفسها ...أما المبادئ المتفق عليها فأولها أن يحكم المدنيون
تلك الدولة ال أن يرتبط نظام الحكم بالمؤسسة العسكرية ...،وثاني هذه المبادئ ضمان حريات
وحقوق المواطنين وتساويهم أمام القانون مهما كان دينهم وجنسهم وفكرهم ،وهذا يتطلب دعم
مبدأ سيادة القانون واستهدافه لتحقيق العدالة واستقالله الحقيقي عن السلطات األخر في الدولة،
واحترام الدستور للقيم التي قام عليها المجتمع وبالتحديد لـ مبادئ الشريعة اإلسالمية إذا كانت
الغالبية من المسلمين ،وهذا بالطبع مع كفالة حرية المعتقد لكل أصحاب األديان من المواطنين"..
(للمزيد راجع :عودة.)1122 ,
.15أما محـمد عبد الرحمن ,أحد قيادات الحزب الشيوعي في السودان ,في مقال له يوم 11
ابريل 2018بعنوان "من هم المدنيون حقا؟ ",يقول أن "هناك ما يشبه اإلجماع على أن في
الدولة المدنية عدة مبادئ ينبغي توافرها ،فإذا نقص احدها ال تتحقق شروط هذه الدولة .ومن هذه
المبادئ )2( :أنها دولة تقوم على نظام مدني من التسامح والسالم وقبول اآلخر والمساواة في
الحقوق والواجبات )1( ,..وهي في الوقت نفسه تقوم على مبدأ المواطنة في بنائها ،وتضمن
حقوق الجميع )2( ,..تقر الدولة المدنية وتؤمن التعدد الفكري والسياسي والعقائدي ،وتضمن
خيارات الناس وحرياتهم )6( ,دولة مؤسسات وقانون ،يخضع الكل فيها لدستور واحد)5( ,
الفصل بين صالحيات السلطات الثالث وعدم تداخلها ،وفصل المؤسسات الدينية والعشائرية عن
المؤسسات السياسية ،وتخضع المؤسسة العسكرية فيها للسلطة المدنية المنتخبة ،وال قوة خارج
منظومة الدولة ،التي هي من يحتكر السالح )6( ,تقوم على منظومة ديمقراطية متكاملة، ... ،
تؤمن التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات تتسم بقدر كبير من الشفافية والمصداقية )7( ،وال
معنى للدولة المدنية من دون قدر معقول من العدالة االجتماعية ،بما يضمن الحياة الحرة الكريمة
لجميع المواطنين( .",للمزيد راجع :عبد الرحمن.)1121 ,
بعد هذا العرض المختصر لمجرد عينة من التعريفات لمصطلح الدولة المدنية ,والتي تمثل
مجموعة من النُخب المختلفة في الوطن العربي! يتضح أنه ال يوجد إجماع على معني هذا
المصطلح! وأن أكثر المعايير تداوالً في هذه التعريفات لتحديد معني الدولة المدنية هي :العلمانية,
والمواطنة ,والديمقراطية .ويبقي السؤال :ما هو الصواب ,والذي يمكن اعتباره التعريف المناسب
والحقيقي لمصطلح الدولة المدنية؟ وعلى أي أساس يمكن اختيار هذا التعريف؟ بمعني آخر ,ما
هي الدولة المدنية التي تتحدث عنها هذه النخب؟ وما هو التعريف الجامع الذي يمكن أن يتفق
عليها الجميع؟
وطالما أن األشياء -في أغلب األحيان -تُعرف بأضدادها ,بمعني طالما إن الكثير من المفاهيم
يتم تعريفها بالنظر والتحليل لنقائضها ,وبمعني آخر طالما أنه ال يمكن تحديد ومعرفة مصطلح
معين بدون معرفة نقيضه ,فعليه يمكن القول إن تحديد مصطلح الدولة المدنية يمكن فهمه أكثر
بمعرفة الصفات األخر للدولة مثل" :العلمانية" و"الليبرالية" و"الدينية" و"اإلسالمية"
و"العسكرية" و"الحديثة" و"الديمقراطية" وغيرها .وفيما يلي تعريفات ُمختصرة لهذا الصفات
وال ُمصطلحات لعلها تقربنا وتسهل لنا معنى الدولة المدنية:
هناك شبه إجماع بين أغلب النخب السياسية والفكرية على أن فكرة الدولة العلمانية
( )The Secular Stateهي النموذج المقابل للدولة الدينية بالمفهوم الكنسي الذي ساد في
العصور الوسطى والتي تعني تحديدا ً فصل الدين عن الدولة .والسؤال هنا :ما الفرق بين هذه
الدولة العلمانية والدولة المدنية؟ ولماذا تخلي العلمانيون ,بجميع توجهاتهم الفكرية وااليديولوجية,
أخيرا ً عن هذا المصطلح ,ولماذا تم تبني مصطلح الدولة المدنية بدال من ذلك؟
وفي هذا الصدد يقول الدكتور أنور مغيث ,رئيس المركز القومي للترجمة ،وعضو
الحزب المصري الديمقراطي " ..في الحقيقة ال يوجد أي فرق بين الدولة العلمانية والدولة
المدنية ".أما لماذا يميل العلمانيون هذه األيام إلى استخدام مصطلح الدولة المدنية بدالُ من
مصطلح الدولة العلمانية؟ ..فيُجيب على هذا السؤال بالقول ، .." :بدأ العديد من العلمانيين
باستخدام مصطلح الدولة المدنية بدالً من الدولة العلمانية للحصول على المزيد من الدعم في
مجتمع ذي أغلبية دينية (إسالمية) .. ,ويوضح كيف استخدم الساسة في مصر هذا المصطلح
لسببين :األول ،بسبب حملة التشويه ضد مفهوم العلمانية من قبل اإلسالميين .والثاني ،ألن
مصطلح الدولة المدنية ،في السياق المصري ،واسع جدا بحيث يمكن التالعب به( ",للمزيد
راجع :مغيث.)1122 ,
أما األستاذة هبة عصام القرار ،العضو المؤسس للحزب االشتراكي الديمقراطي
المصري ،توضح فهمها لـ "الدولة المدنية" واألسباب الكامنة وراء تجنب استخدام مصطلح
"علماني" على النحو التالي" :الدولة المدنية هي نفسها الدولة العلمانية ولكن ينبغي للمرء أن يأخذ
بعين االعتبار طبيعة المجتمع (الطبيعة الدينية للمجتمع) وكيف يفهم المجتمع هذا المصطلح...
باستبدال الحزب مصطلح "الدولة العلمانية" بـ "الدولة المدنية ،يمكن للمرء أن يقلل من التنديد
الذي قد يأتي من المجتمع أو المعارضين .عالوة على ذلك ،يمكن للمرء أن يعالج ويقوم بتبسيط
المصطلح إلى الناس دون مواجهة مشكلة رفضه لمجرد كون المرء علمانيا ً(".للمزيد راجع:
كاتبة.)1126 ,
من هذا ,ووفقا لهذا الفهم ,يمكن استخالص إن شعار الدولة المدنية ,عند العلمانيون هو مصطلح
سا في تكوينها,
ُمرادف للدولة العلمانية ،أي الدولة المنفصلة عن الدين ،والتي ال يشكل الدين أسا ً
وبذلك يجب إقصاء الدين عن السياسة والتشريع وكل مناحي الحياة العامة.
والخالصة ,وهنا يمكن التذكير بالتاريخ ,إن كل الدول العربية مند استقاللها في نهاية أربعينيات
القرن الماضي وحتى اآلن ,كانت (ومازالت) تحت حكم التيارات العلمانية سواء كانت هذه
التيارات ،اشتراكية أو قومية أو بعثية أو شيوعية أو ليبرالية أو قبلية أو عائلية.
وإذا كان هذا هو تعريف الليبرالية ,فما هي عالقتها بشعار الدولة المدنية؟! أم أنهما
وجهان لعملة واحدة؟ وإذا كان كذلك ,فما الذي دفع بالليبراليون للتخلي عن المطالبة بالدولة
الليبرالية واستبداله بشعار الدولة المدنية؟! ..لألسف "المدنيون الجدد" لم يحددوا هذه العالقة
بعد!
يُعرف البعض الدولة العسكرية ( )The Military Stateعلى أنها تعني سيطرة
المؤسسة العسكرية (الجيش) على مقاليد الحكم في الدولة ،بحيث تكون الكلمة األولى واألخيرة
للرجل العسكري أو لمجموعة الرجال العسكريين الذين يقودون هذه المؤسسة العسكرية .ففي هذه
الدولة ال مكان تداول السلطة,وال اختيار الشعب لقيادته السياسية من خالل انتخابات حرة ونزيهة,
وال يحق للشعب أن يقرر مصيره بإرادته ،والسلطة الوحيدة بيد قادة العسكر الذين يملكون وحدهم
القوة.
من هذا الفهم لمعني الدولة العسكرية ينتشر هذه األيام بين ُجل النخب السياسية شعار" :ال
...للعسكرة ",بمعني هناك شبة أجماع بين النُخب خصوصا العربية على التخلص من عسكرة
الحياة المدنية تحت أي شعار ومهما كان السبب .ولعل السبب األساسي وراء هذا الرفض هو أن
العسكر قد قاموا ما بين 2461إلى 2441بأكثر من 11انقالب في أكثر من 21دول عربية,
ولألسف لم يستطيعوا خالل هذه الفترة النجاح في أي دولة من هذه الدول! وبعد هذا الفشل الذريع
هاهم اليوم يحاولون في بعض الدول التسلل والسيطرة على مفاصل الدولة ومؤسسات المجتمع
المدني في الزي المدني وبقوة السالح.
وإذا كان هذا هو تعريف الدولة العسكرية ,فما هي عالقتها بشعار الدولة المدنية؟!..
والحقيقة هنا إن ُجل "المدنيين الجدد" قد حددوا هذه العالقة وذلك برفضهم لكل أنواع العسكرة
للحياة المدنية والمطالبة برجوع العسكريون لثكناتهم ال ُمخصصة لهم في الدولة وعدم تدخلهم في
السياسة .بمعني آخر أن الدولة العسكرية ال يمكن أن تكون دولة مدنية بأي حال من األحوال.
وإذا اتفقنا على أن هذا هو تعريف الدولة الدينية الصحيح ,فيمك القول أن الدولة الدينية ال
عالقة لها بمصطلح الدولة المدنية ..والحقيقة هنا أن "المدنيين الجدد" بمختلف توجهاتهم
يرفضون مفهوم الدولة الدينية ,بمعني آخر أن الدولة الدينية ال يمكن أن تكون دولة مدنية بأي
حال من األحوال.
الغريب أنه عند الحديث عن مفهوم الدولة اإلسالمية ( )The Islamic Stateيتبادر عند
البعض ,عن قصد أو غير قصد ,أنها تعني الدولة الدينية! ولكن الحقيقة أن الدولة اإلسالمية ليست
دولة دينية .فالدولة اإلسالمية ال تقوم على فكرة حكم رجال الكهنوت وال حكم رجال الدين.
فرجال الدين يعتبروا بالدرجة األولي مواطنون كغيرهم من المواطنين اآلخرين لهم نفس الحقوق
وعليهم نفس الواجبات ,وما يُميزهم عن غيرهم هو تخصصهم في مجاالت الشريعة المختلفة,
واجتهاداتهم غير ال ُملزمة في آليات اتخاذ القرارات في الدولة.
والحقيقة أن مصطلح الدولة المدنية قد تم تداوله في الفكر اإلسالمي ألول مرة من قبل
اإلمام ال ُمصلح محـمد عبده ( )2411 - 2164الذي أصر على أنه ال توجد سلطة دينية في
اإلسالم ،مشددًا على مدنية الدولة اإلسالمية مقابل كونها دولة ثيوقراطية" (للمزيد راجع :كمال
محـمد.)1122 ,
وطالما أن الدولة المدنية ال تشترط "مرجعية ",وليس لها مرجعية واحدة محددة و ُمتفق
عليها من الجميع ,عليه يمكن القول أن الدولة المدنية ال تتعارض مع فكرة الدولة اإلسالمية التي
يكون مصدر قوانينها والنظام القائم فيها مستمدا ً من فهم الشريعة اإلسالمية ,وطالما كانت
تشريعات هذه الدولة تصدر وفق القنوات الديمقراطية التي يعتمدها الشعب وفق أرادته الحرة ,وال
يتعارض مع كل ما هو معلوم من الدين بالضرورة .والمقصود بحكم معلوم من الدين بالضرورة:
ما كان ظاهرا ً متواترا ً من أحكام الدين معلوما ً عند الخاص والعام ،مما أجمع عليه علماء األمة
إجماعا ً قطعيا ً.
الدولة الحديثة ( )The Modern Stateهي دولة غير تقليدية .والدولة التقليدي تعني
المتمسكة بالقيم القديمة ,والمحكومة باألعراف والتقاليد السائدة في المجتمع .بمعني هي الدولة
التي تقوم محاكاة نصوص وأعراف قديمة واالحتذاء بها وممارستها بدون أي تفكير أو ابتكار .أما
الدولة الحديثة فهي التي تقوم على مجموعة من السمات والقيم والتي لعل أهمها )2( :أنها دولة
تقوم على قواعد دستورية (مكتوبة أو غير مكتوبة) ,وليس مجرد األعراف والتقاليد كما هو
الحال في الدولة التقليدية )2( .أنها دولة ال تقوم على "نظرية الحق اإللهي ",وإنما تقوم على
"حق الشعب في اختيار من يحكمه )3( ".أنها دولة مواطنين ,وليست دولة رعاية كما هو الحال
في الدولة التقليدية ,بمعني في الدولة الحديثة يتحول الفرد إلى مواطن ويبقي والءه للدولة وليس
للعائلة أو القبيلة أو الجهة أو العشيرة )4( .دولة ُمتمدنة ,بمعني جل سكانها يسكنون المدن)5( .
تقوم على االنتشار الواسع لوسائل االتصال االجتماعى الحديثة في كل أرجاء الدولة )6( .تقوم
على المؤسسات المعاصرة مثل المؤسسات السياسية كالبرلمان والحكومة واألحزاب ,.وليس
مؤسسات التقليدية كالقبيلة والعشيرة والجهة )7( .أنها دولة صناعية وتعطي األولوية للصناعة
سلم األولويات )8( .أن مفهوم الدولة الحديثة يجب أن يرتبط دائما بمفهومعلى الفالحة في ُ
العقالنية والمعرفة والعلم.
الخاتمة
بعد هذا العرض ال ُمختصر يبقى السؤال الذي سألناه في بداية هذا المقال وهو":ما هو
المقصود بمصطلح "الدولة المدنية؟" قائما ً دون إجابة واضحة ومحددة! وتتوقف أجابته على
خلفية النخب ,االيديولوجية والفكرية ,التي تتبناه وتُطالب به!!
عليه ,وباختصار شديد ,يمكن القول أنه لقد ظهر هذا المصطلح من دون أن يكون له
مضمون حقيقي ومتعارف عليه ,ومن دون كينونة واضحة المعالم ,وبالتالي فهو .مصطلح ُمركب
وغامض مما دفع بكل شخص يبحث عن دور أو مكان في المعترك السياسي هذه األيام أن يصف
نفسه بمثل هذا التوصيف .وفي هذا الصدد لعلى أجد نفسي ُمتفق مع األستاذ سليم البطاينه في
القول بان " مفهوم الدولة المدنية يتفوق على غيره من المفاهيم باإلشكاليات العديدة التي يطرحها
فهو مفهوم يتلبسه غموض كثيف يجعل من محاوالت اإلمساك به أمرا ً صعبا ً مهما كانت إدارة
التحليل المستخدمة (",للمزيد راجع :البطاينه.)1121 ,
والغريب أن بعض النخب تنادي بـ "المدنية" وتعتقد أنها الوحيدة التي تمثلها .واألكثر من
ذلك تطلب من اآلخرين أن يثبتوا لها أنهم فعالً مدنيون وديمقراطيون!!! وعندما يقبل اآلخر بنفس
األسس والمبادئ التي تنادي بها هذه النخب ويدعوها للمشاركة في منافسة ديمقراطية حضارية
واحترموا إرادة الشعب ترفض هذه النخب ذلك!
ومما تقدم يمكن القول أن مصطلح "الدولة المدنية ",بالرغم من أنه ُمنتشر وتنادي به كل
النخب الناشطة في الساحات السياسية ,إال أنه ال يزال ُمجرد "شعار" أكثر منه "مشروع" سياسي
ُمحدد المعالم والقيم ,وليس لهذا الشعار مرجعية واحدة ومتفق عليها من الجميع .وعليه البد من
تحديد ما يعنيه هذا مصطلح الذي أردنا له النجاح والقبول من كل األطراف .ولعله من المناسب
أن أختم هذا المقال بالتأكد على أن هناك مجموعة من المبادئ والمنطلقات التي يجب االلتزام بها
والعمل على تطبيقها إذا أردنا فعال تحويل هذا الشعار إلى واقع ملموس ,ولعل من أهم هذه القيم
اآلتي )2(" :تحقيق وممارسة مبدأ حق االختيار للجميع )1( ,إقامة الدولة الدستورية ,على أساس
إرادة الشعب وعلوية القانون الذي يستمد قوته من علوية الدستور )2(.اإليمان بعدم وجود
تعارض بين اإلسالم والدولة ,بمعني إن الدولة المدنية التي نسعى لها يجب ال تعادي اإلسالم بل
تعترف به وت ُؤطره وتحميه في إطار القوانين الجاري العمل بها ,وبمعني أخر يجب رفع شعار
"سمو الشريعة وحكم وسيادة القانون )6( ".خلق وتشجيع المنافسة الحرة ,وممارسة التعددية
السياسية )1( ,بناء مؤسسات عصرية وقوية والمحافظة عليها )1( ,تجريد السياسة من العسكر
وإنهاء تدخل العسكر فى السياسة .بمعني أن الدولة المدنية ال يمكن أن تكون دولة عسكرية أو
بوليسية ،الن الدولة البوليسية ال تعرف بالحق في المساواة ومن ثم ال تعترف بدولة للمواطنة,
و( )2السعي إلى إنهاء أو على األقل الحد من تأثير التدخل الخارجي( ",للمزيد راجع :بالروين,
.)1114
وفي الختام علينا أن نُدرك بأننا جميعا مع مصطلح الدولة المدنية إذا كانت تعني أنها دولة
ضد العسكر ..وضد االستبداد ..وضد التمييز بكل أشكاله ...ومن جهة آخري أنها دولة الحق ..
العدالة ..والنهضة والحضارة والتطور ..والمؤسسات الحضارية والمتطورة ...أدعو هللا أال
يتحول مصطلح " -المدنية" من هذا الوعاء الفارغ ِمن مضمونه ،والشعار األجوف ..إلى
مشروع عملي حقيقي يقبله الجميع.
وأخير ...ال تنسوا يا أحباب أن هذا مجرد رأي للتذكير أعتقد إنه صواب ,فمن أتي برأي أحسن
منه أخذناه ,ومن أتي برأي ُمختلف عنه احترمناه ..أدعو هللا أن أكون بذلك قد ساهمت في خدمة
شعبي وإصالح وطني ..
وهللا المســـتعـان.
محـمد عبد الرحمن بالروين
11يناير 1124
berween@hotmail.com
المراجع:
محمـد بالروين" ,من مفهوم الدولة ".نشر هذا المقال في العديد من المواقع الليبية علي النت في 11
نوفمبر ,1111منها موقع ليبيا وطننا ,أنظر الرابط:
http://www.libya-watanona.com/adab/mberween/mb25118a.htm
غازي التوبة ,أكاديمي وكاتب فلسطيني" ,ما هي الدولة المدنية؟" موقع الجزيرة,
https://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2012/8/12/
تورس " , 1121 – 12 – 11 ,مفهوم الدولة المدنية و العلمانية؟ والفرق بينها؟" نشرة في الفجر نيوز
https://www.turess.com/alfajrnews/103614
ياسمين ابوالحجاج عبدالراضى ,1126-2-26 ,تحليل مفهوم الدولة المدنية ,المركز الديمقراطي العربي
https://democraticac.de/?p=47666
دمحم المرباطي ,هل نعي ما نقول دولة مدنية .مرجعيتها..؟ ( ",)6-6االيام ,العدد 1121 -1-21 , 1611
http://www.alayam.com/Article/courts-article/80602-4-4.html
د.أنور مغيث ,الدولة المدنية والدولة العلمانية ..هل هناك فرق؟ 11أبريل .1122
https://www.youm7.com/story/2011/4/2282/396736
سليم البطاينه ,نائب اردني" ,اإلشكالية في مفهوم الدولة المدنية 12 ",أكتوبر .1121
https://www.raialyoum.com/index.php
خلفان البدواوي" ,العالم العربي وتحديات الدولة المدنية ",صحيفة العرب ,السبت 11/12/1126
https://alarab.co.uk/
الدكتور إبراهيم الحيدري" ,الدولة المدنية والدولة الدينية ",في موقع الحوار المتمدن 12 ,سبتمبر
http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=485561&r=0 ,1121
أنور مغيث "ال يمكن انتزاع حريات االفراد وإدعاء الدولة تطبق الديمقراطية ,1121 -11- 11 ",موقع
اليوم السابع https://www.youm7.com/story/2016/2/28/2606664
سعيد بن سعيد العلوي ,اإلسالم السياسي والدولة المدنية ,1122 -14- 12 ,الشرق االوسط ,العدد
,22411
http://archive.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=638276&issueno=119
65#.XDU-FWlS_IU
دمحم صادق العديني ,مقابلة صحفية مع الدكتور ياسين سعيد نعمان األمين العام للحزب االشتراكي اليمني,
علي قناة المياديين 12 ,يوليو,1121 ،
http://yemenat.net/2012/07/92903/
.1122 ,2 " مارس. تصور توافقي: "مقاصد الشريعة والدولة المدنية,الدكتور جاسر عودة
1http://www.jasserauda.net/portal/
جريدة طريق, موقع الحزب الشيوعي,1121 ابريل11 ", "من هم المدنيون حقا؟,محـمد عبد الرحمن
1 الشعب ص
https://sudancp.com/index.php
من رؤ متنوعة إلى إطار: "الدولة المدنية, باحث بمركز الحضارة للعلوم السياسية,دمحم كمال دمحم
.1122 ابريل12 , في موقع مركز الحضارة للدراسات والبحوث,)مشترك (على ضوء الثورة المصرية
http://www.hadaracenter.com/index.php?option=com_content&view=article&id=116
المتطلبات السياسية للديمقراطية في العالم اإلسالمي" موقع ليبيا: "أسلمة الديمقراطية,محـمد بالروين
.
.1114 يوليو16 ,وطننا
http://www.libya-watanona.com/adab/mberween/mb04079a.htm
. 1122 مايو11 السبت1122 العدد- " االيام,فهد المضحكي " مفهوم الدولة والدولة الحديثة
https://www.alayam.com/Article/courts-article/84562/