You are on page 1of 12

‫الدولة المدنية‪ :‬شـعار أم مشـروع‬

‫د‪ .‬محمـد بالروين‬


‫يسود الساحة السياسية هذه األيام شعارات " ُمركبة" عديدة‪ ,‬ترددها كل النُخب بغض‬
‫النظر عن خلفياتها االيدولوجية والفكرية! وترفعها وتنادي بها ُجل الكيانات المجتمعية واألحزاب‬
‫والتيارات والتكتالت السياسية! هذه الشعارات تشترك جميعها في مصطلح واحد هو "المدنية!"‬
‫ولعل من أهم هذه الشعارات المتداولة هذه األيام هي‪" :‬المجتمع المدني‪ ",‬و"التيار المدني‪",‬‬
‫و"التكتل المدني‪ ",‬و"التجمع المدني‪ ",‬و"الدولة المدنية‪ ".‬في هذا المقال ال ُمختصر سيقتصر‬
‫حديثي حول شعار واحد هو مصطلح "الدولة المدنية‪".‬‬

‫والغريب أن هذا الشعار لقد أصبح يتردد كثيرا في الساحات السياسية العربية‪,‬‬
‫عرف بـ "ثورات الربيع العربي" في عام ‪ .1122‬ففي كل المناسبات‪,‬‬ ‫وخصوصا منذ انطالق ما ُ‬
‫السياسية والدينية واالجتماعية‪ ،‬وفي أغلب المظاهرات والتجمعات السياسية‪ ,‬ومن أغلب‬
‫السياسيين بمختلف توجهاتهم ومعتقداتها‪ ،‬بل يمكن القول حتى في نقاشات الكثير من المواطنين‬
‫العاديين‪ ,‬أصبحت المطالبة بالدولة المدنية هدف من األهداف األساسية‪ ,‬سوا كان هؤالء يعوا‬
‫معنى ومضمون هذا الشعار أو يجهلوه! وعليه دعونا نحاول فهم ماذا تقصد هذه النُخب‬
‫والجماهير بشعار ‪ -‬الدولة المدنية؟ وما هي أهم مكونات هذا الشعار ومبادئه األساسية؟ وهل فعال‬
‫هناك اتفاق أو إجماع بين هذه النُخب والجماهير على تعريف هذا الشعار؟ وما هو المصطلح‬
‫ال ُمضاد له؟‬

‫ماهية الدولة المدنية؟‬


‫في الحقيقة إن شعار "الدولة المدنية‪ ",‬هو شعار " ُمركب‪ ",‬يتكون من مصطلحين‪ :‬األول‬
‫هو "الدولة‪ ",‬والثاني هو "المدنية‪ ".‬والحقيقة أيضا أن مفهوم الدولة ‪ --‬كما هو معروف اليوم –‬
‫هو مفهوم جديد نسبيا‪ .‬وإن الكثير من علماء السياسة واالجتماع (وخصوصا في الغرب) يُرجع‬
‫عرفت في التاريخ األوروبي بحرب الثالثين عام (‪– 2121‬‬ ‫هذا المفهوم إلى نهاية الحرب التي ُ‬
‫‪ .)2161‬تلك الحرب التي كانت بين الكاثوليك والبروتوستنت فيما يعرف اآلن بالمانيا‪ .‬هذه‬
‫عرف باتفاقية "سالم‬ ‫الحرب التي كانت اأخر حرب دينية في أوروبا وكان من أهم نتائجها عقد ما ُ‬
‫وستفيليا‪...‬‬

‫في هذه العجالة يمكن تعريف الدولة على أنها كل المؤسسات السياسية والقانونية ال ُمنبثقة‬
‫عن إرادة شعب (أو شعوب) يعيش على قطعة جغرافية معينة ذات حدود معترف بها ولها حكومة‬
‫مستقلة ذات سيادة كاملة‪ ,‬بمعني آخر وباختصار شديد‪ :‬الدولة = أرض ‪ +‬شعب (أو شعوب) ‪+‬‬
‫حكومة ‪ +‬سيادة‪(" ,‬للمزيد راجع‪ :‬بالروين‪ .)1111 ,‬أما ُمصطلح "المدنية‪ ",‬فلغة يعني كل ما‬
‫نسب إلى المدينة‪ ،‬بمعني كل ما يُنسب إلى المدينة هو «مدني»‪ .‬وطالما أن مصطلح «الدولة‬
‫المدنية» هو مصطلح حديث نسبياً‪ ،‬فيجب أال نحكم عليه بنا ًء على معناه وداللته اللغوية‪ ,‬بل يجب‬
‫محاولة فهمه وفقا ً لمعناه وداللته التي قصدها الذين يرفعون هذا الشعار‪ .‬ولعله من المناسب هنا‬
‫التأكيد على بعض الحقائق قبل التطرق إلى تعريفات بعض النخب لهذا الشعار كاآلتي‪:‬‬

‫(أ) إن هذا المصطلح حديث من وجهة النظر العلمية والفكرية‪ .‬وفي هذا الشأن يقول األستاذ‬
‫محـمد كامل محـمد‪ ,‬باحث بمركز الحضارة للعلوم السياسية‪ .." ,‬بالرجوع إلى قواميس المفاهيم‬
‫والمصطلحات السياسية يتبين أنه ال توجد في اللغة اإلنجليزية أو الفرنسية ما يسمى بالدولة‬
‫المدنية‪ ،‬لكن هناك الدولة الحديثة والدولة العلمانية‪ ،‬كما أن الفكر السياسي الغربي ال يعرف هذا‬
‫المفهوم‪( ",‬للمزيد راجع‪ :‬كمال دمحم‪.)1122 ,‬‬

‫(ب) إن هذا المصطلح هو مجرد شعار محلي‪ ,‬أي انه مجرد مصطلح عربي (لم يتم تطبيقه على‬
‫أرض الواقع حتى اآلن) أكثر من أي شيء آخر‪ .‬وفي هذا الصدد يقول األستاذ والباحث‬
‫السوري عبد الكريم الجباع بأن "مصطلح الدولة المدنية هو محلي وليس سياسي أو معنوي وال‬
‫ينتمي إلى مجال العلوم السياسية أو الفلسفة السياسية" (للمزيد راجع‪ :‬الجباع‪.)1122 ,‬‬

‫وكنتيجة لحداثة هذا المصطلح وطبيعة تركيبته‪ ,‬لم يتم حتى اآلن االتفاق بين النخب‬
‫السياسية والفكرية على تعريف واحد يمكن اإلجماع عليه للدولة المدنية‪ ,‬ويتحدد بذلك مفهومها‬
‫ومحتواها ومرجعيتها ومتطلباتها‪ .‬ولتوضيح ما اقصده في هذا الشأن‪ ,‬يمكن اإلشارة إلى نماذج‬
‫من تعريفات لهذا المصطلح‪ ,‬والتي تم طرحها منذ عام ‪ 1122‬وحتى اآلن‪:‬‬

‫‪ .1‬تُعرف األستاذة ياسمين أبو الحجاج عبد الراضي‪ ,‬الباحثة بالمركز الديمقراطي العربي‪ ,‬في‬
‫مقال لها عام ‪ 1126‬بعنوان "تحليل مفهوم الدولة المدنية‪ ",‬الدولة المدنية بأنها "الدولة التي تطبق‬
‫العدالة والمساواة واحترام القوانين والديمقراطية والسلم االجتماعي واحترام حرية األديان وفصل‬
‫الدين عن السياسة‪( .",‬للمزيد راجع‪ :‬عبد الراضي‪.)1122 ,‬‬

‫‪ .2‬أما األستاذ محمـد المعالج‪ ,‬رئيس اتحاد الناشرين التونسيين‪ ,‬في مقال له عام ‪ 1121‬بعنوان‬
‫"عن الدولة المدنية" يُعرف الدولة المدنية على أنها "تمثل إرادة الشعب وعلوية القانون الذي‬
‫يستمد قوته من علوية الدستور بما هو أعلى سلطة في الدولة‪ ...‬كما تعترف بمبدأ التعددية وتقبل‬
‫االختالف الذي ال يفسد في نهاية المطاف للود قضية‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن نظامها ديمقراطي‬
‫يقوم فيما يقوم على نبذ االستبداد وتكريس نظام التداول السلمي على السلطة" (للمزيد راجع‪:‬‬
‫المعالج‪.)1121 ,‬‬

‫‪ .3‬أما األستاذ أحمد برقاوي‪ ,‬مدير الشؤون األكاديمية في مركز الشرق للبحوث‪ ,‬وبروفيسور‬
‫ورئيس قسم الفلسفة في جامعة دمشق‪ ,‬في مقال له عام ‪ 1122‬بعنوان "في الدولة المدنية‪ ",‬يُعرف‬
‫الدولة المدنية على أنها "تلك الدولة التي تنشأ وفق معايير المواطنة المعاصرة بوصفها ثمرة عقد‬
‫وطني واجتماعي تم بناؤه بشكل حر‪ ,‬باإلضافة إلى معايير المحافظة على الحق الطبيعي والحق‬
‫االجتماعي لألفراد‪ (",‬للمزيد راجع‪ :‬برقاوي‪.)1122 ,‬‬

‫‪ .4‬أما األستاذ عريب الرنتاوي‪ ,‬مدير عام مركز القدس للدراسات اإلستراتيجية والسياسية‬
‫باألردن‪ ,‬في مقال له عام ‪ 1122‬بعنوان "علمانية الدولة شرط مدنيتها‪ ",‬يُعرف الدولة المدنية‬
‫سا‬
‫على أنها "مرادف للدولة العلمانية‪ ،‬أي الدولة المنفصلة عن الدين‪ ،‬والتي ال يشكل الدين أسا ً‬
‫لها‪ ،‬وتُقصي الدين عن السياسة والتشريع والحياة العامة"( للمزيد راجع‪ :‬الزنتاوي‪.)1122 ,‬‬

‫‪ .5‬أما الشيخ الدكتور غازي التوبة‪ ,‬عضو رابطة العلماء السوريين‪ ,‬في مقال له عام ‪1121‬‬
‫بعنوان "ما هي الدولة المدنية؟" يقول "‪ ..‬كثر الحديث عن "الدولة المدنية"‪ ،‬فبعض الكتاب اعتبر‬
‫أن "الدولة المدنية" تقابل "الدولة العسكرية"‪ ،‬لكن الحقيقة أن هذا المصطلح أوروبي وجاء في‬
‫مقابل "الدولة الكنسية"‪ ،‬وهو قد جاء نتيجة تطورات غربية في القرون الوسطى في مجال‬
‫االجتماع واالقتصاد والسياسة‪ ...‬أوروبا في العصور الوسطى كانت تحكمها الكنيسة‪ ،‬وكان أبرز‬
‫مفهومين تقوم عليهما المسيحية هما‪ :‬المقدس والمدنس‪ ،‬فالمقدس هو هللا واآلخرة والروح‪،‬‬
‫والمدنس هو اإلنسان والدنيا والجسد والمرأة‪ (",‬للمزيد راجع‪ :‬التوبة‪.)1121 ,‬‬

‫‪ .6‬في موقع تورس‪(,‬تونس برس) موقع تونسي يقدم خدمة فريدة لألخبار‪ ,‬مقال بعنوان "مفهوم‬
‫الدولة المدنية والعلمانية؟ والفرق بينها؟" عام ‪ 1121‬عرف الدولة المدنية على أنها "‪ ...‬قيام دولة‬
‫يكون الحكم فيها للشعب بطريقة ديمقراطية‪ ،‬ويكون أبناء الشعب فيها متساوين في الحقوق‪ ،‬وال‬
‫يكون فيها الحكم لرجال الدين أو للعسكر‪ ..‬وعدم ممارسة الدولة ومؤسساتها أي تمييز بين‬
‫المواطنين بسبب االختالف في الدين أو الجنس أو الخلفية االجتماعية والجغرافية‪ ...‬بمعني‬
‫مؤسسات الدولة يديرها مدنيون منتخبون يخضعون للمساءلة والمحاسبة‪ ،‬وال تدار الدولة بواسطة‬
‫عسكريين أو رجال دين"( للمزيد راجع‪ :‬تورس‪.)1121 ,‬‬

‫‪ .7‬في خطاب للملك عبد هللا‪ ,‬ملك األردن‪ ,‬عام ‪ ,1121‬يقول فيه عن الدولة المدنية "‪ ...‬يجب عدم‬
‫تأسيس هذه الدولة بمزج الدين بالسياسة‪ ،‬وعدم وقوفها ضد الدين أو رفضه‪ ،‬وبالبرغم من أن‬
‫الدين يبقى عامالً مهما ً فيها إال أنها ترفض استخدامه لتحقيق األهداف السياسية" (للمزيد راجع‪:‬‬
‫جوردن تايمز‪.)1121 ,‬‬

‫‪ .8‬أما األستاذ محـمد المرباطي‪ ,‬نائب القنصل العام لمملكة البحرين بجدة‪ ,‬في مقال له عام ‪1121‬‬
‫بعنوان " هل نعي ما نقول دولة مدنية‪ ..‬مرجعيتها‪..‬؟" يُعرف الدولة المدنية على أنها "مصطلح‬
‫غربي‪ ,‬يحكمها مدنيين ال مكان فيها لرجال الدين أو العسكريين‪ ،‬وتقوم على منظومة القوانين‬
‫والنظم العلمانية" (للمزيد راجع‪ :‬المرباطي‪.)1121 ,‬‬

‫‪ .9‬أما الدكتور إبراهيم الحيدري‪ ,‬عالم اجتماع عراقي‪ ,‬في مقال لها عام ‪ 1121‬بعنوان "الدولة‬
‫المدنية والدولة الدينية‪ ",‬يُعرف الدولة المدنية على أنها "دولة القانون والمجتمع المدني‪ ،‬وهي‬
‫الدولة الحديثة التي تقوم على أساس مفهوم المواطنة‪ .‬ففي ظل دولة القانون والمجتمع المدني ال‬
‫يكون هناك تمييز أو إقصاء ألي فرد‪ .‬ألنها تقوم على مفهوم المواطنة واحترام حقوق اإلنسان‬
‫وعلى التعدد والتنوع واالختالف‪ ،‬فال تفرق بين المواطنين وال تسمح ألي سلطة بالتدخل في‬
‫شؤونهم‪ (".‬للمزيد راجع‪ :‬الحيدري‪.)1121 ,‬‬

‫‪ .11‬أما األستاذ فرج فوده‪ ,‬كاتب ومفكر مصري‪ ,‬في مقال لبوابة الفجر عام ‪ 1121‬بعنوان "فرج‬
‫فودة‪ ..‬شهيد الكلمة‪ ,‬يُعرف الدولة المدنية الحديثة على "أن أسسها هي العلمانية‪ ,‬والمواطنة‪,‬‬
‫وااللتزام بميثاق حقوق اإلنسان‪ ,‬وتحقيق العدل‪ ,‬وأن تكون المصلحة العامة والخاصة هي أساس‬
‫التشريع‪ (",‬للمزيد راجع‪ :‬بوابة الفجر‪.)1121 ,‬‬

‫‪ .11‬أما الدكتور أنور مغيث‪ ،‬رئيس المركز القومي للترجمة‪ ،‬وعضو الحزب المصري‬
‫الديمقراطي؛ في مقال له عام ‪ 1121‬بعنوان " ال يمكن انتزاع حريات األفراد وإدعاء الدولة‬
‫تطبيق الديمقراطية‪ ",‬يُعرف الدولة المدنية على "إن شرط الدولة المدنية هو الوصول بالممارسة‬
‫السياسية والفكرية إلى ما وصلت إليه العلمانية‪ ،‬وهى فصل الدين عن الدولة‪ ("،‬للمزيد راجع‪:‬‬
‫مغيث‪.)1121 ,‬‬

‫‪ .12‬أما األستاذ سعيد بن سعيد العلوي‪ ,‬كاتب وأكاديمي مغربي وأستاذ الفلسفة بجامعة دمحم‬
‫الخامس‪ ,‬في مقال له عام ‪ 1122‬بعنوان "اإلسالم السياسي والدولة المدنية‪ ",‬يقول "‪ ...‬اإلسالم ال‬
‫يتعارض مع الدولة المدنية‪ ،‬من حيث هي دولة المؤسسات واستقالل السلطات عن بعضها‬
‫البعض‪ ،‬ودولة القانون والمساواة بين المواطنين أمامه‪ ،‬واإلسالم يقبل دولة المواطنة والمواطنين‬
‫األحرار الذين هم أمام القانون سواسية‪(",‬للمزيد راجع‪ :‬العلوي‪.)1122 ,‬‬

‫‪ .13‬أما الدكتور ياسين سعيد نعمان األمين العام للحزب االشتراكي اليمني والقيادي البارز‪ ,‬في‬
‫مقابلة صحفية مع قناة الميادين له عام ‪ ,1121‬قال عن الدولة المدنية "أنها ببساطة دولة المواطنة‬
‫المتساوية وليس دولة القبيلة أو العسكر أو االيدولوجيا‪( ",‬للمزيد راجع‪ :‬العديني‪.)1121 ,‬‬

‫‪ .14‬أما الدكتور جاسر عودة‪ ,‬باحث مصري ومفكر أسالمي‪ ,‬في مقال له‪ ,‬عام ‪ , 1122‬بعنوان‬
‫"مقاصد الشريعة والدولة المدنية‪ :‬تصور توافقي‪ ",‬يصف الدولة المدنية كاآلتي‪ .." :‬ينبغي أن‬
‫نفرق في تعريف الدولة المدنية بين المبادئ القيمية التي يتفق عليها الجميع‪ ،‬وبين األيديولوجيات‬
‫السياسية المختلفة التي ينبغي أن تكون كلها فاعلة ومسهمة في تيارات الدولة المدنية المنشودة‬
‫دون أن يحتكر أي منها تعريف الدولة نفسها‪ ...‬أما المبادئ المتفق عليها فأولها أن يحكم المدنيون‬
‫تلك الدولة ال أن يرتبط نظام الحكم بالمؤسسة العسكرية‪ ...،‬وثاني هذه المبادئ ضمان حريات‬
‫وحقوق المواطنين وتساويهم أمام القانون مهما كان دينهم وجنسهم وفكرهم‪ ،‬وهذا يتطلب دعم‬
‫مبدأ سيادة القانون واستهدافه لتحقيق العدالة واستقالله الحقيقي عن السلطات األخر في الدولة‪،‬‬
‫واحترام الدستور للقيم التي قام عليها المجتمع وبالتحديد لـ مبادئ الشريعة اإلسالمية إذا كانت‬
‫الغالبية من المسلمين‪ ،‬وهذا بالطبع مع كفالة حرية المعتقد لكل أصحاب األديان من المواطنين‪"..‬‬
‫(للمزيد راجع‪ :‬عودة‪.)1122 ,‬‬

‫‪ .15‬أما محـمد عبد الرحمن‪ ,‬أحد قيادات الحزب الشيوعي في السودان‪ ,‬في مقال له يوم ‪11‬‬
‫ابريل ‪ 2018‬بعنوان "من هم المدنيون حقا؟‪ ",‬يقول أن "هناك ما يشبه اإلجماع على أن في‬
‫الدولة المدنية عدة مبادئ ينبغي توافرها‪ ،‬فإذا نقص احدها ال تتحقق شروط هذه الدولة‪ .‬ومن هذه‬
‫المبادئ‪ )2( :‬أنها دولة تقوم على نظام مدني من التسامح والسالم وقبول اآلخر والمساواة في‬
‫الحقوق والواجبات‪ )1( ,..‬وهي في الوقت نفسه تقوم على مبدأ المواطنة في بنائها ‪ ،‬وتضمن‬
‫حقوق الجميع‪ )2( ,..‬تقر الدولة المدنية وتؤمن التعدد الفكري والسياسي والعقائدي‪ ،‬وتضمن‬
‫خيارات الناس وحرياتهم‪ )6( ,‬دولة مؤسسات وقانون‪ ،‬يخضع الكل فيها لدستور واحد‪)5( ,‬‬
‫الفصل بين صالحيات السلطات الثالث وعدم تداخلها‪ ،‬وفصل المؤسسات الدينية والعشائرية عن‬
‫المؤسسات السياسية‪ ،‬وتخضع المؤسسة العسكرية فيها للسلطة المدنية المنتخبة‪ ،‬وال قوة خارج‬
‫منظومة الدولة‪ ،‬التي هي من يحتكر السالح‪ )6( ,‬تقوم على منظومة ديمقراطية متكاملة‪، ... ،‬‬
‫تؤمن التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات تتسم بقدر كبير من الشفافية والمصداقية‪ )7( ،‬وال‬
‫معنى للدولة المدنية من دون قدر معقول من العدالة االجتماعية‪ ،‬بما يضمن الحياة الحرة الكريمة‬
‫لجميع المواطنين‪( .",‬للمزيد راجع‪ :‬عبد الرحمن‪.)1121 ,‬‬

‫بعد هذا العرض المختصر لمجرد عينة من التعريفات لمصطلح الدولة المدنية‪ ,‬والتي تمثل‬
‫مجموعة من النُخب المختلفة في الوطن العربي! يتضح أنه ال يوجد إجماع على معني هذا‬
‫المصطلح! وأن أكثر المعايير تداوالً في هذه التعريفات لتحديد معني الدولة المدنية هي‪ :‬العلمانية‪,‬‬
‫والمواطنة‪ ,‬والديمقراطية‪ .‬ويبقي السؤال‪ :‬ما هو الصواب‪ ,‬والذي يمكن اعتباره التعريف المناسب‬
‫والحقيقي لمصطلح الدولة المدنية؟ وعلى أي أساس يمكن اختيار هذا التعريف؟ بمعني آخر‪ ,‬ما‬
‫هي الدولة المدنية التي تتحدث عنها هذه النخب؟ وما هو التعريف الجامع الذي يمكن أن يتفق‬
‫عليها الجميع؟‬

‫وطالما أن األشياء ‪ -‬في أغلب األحيان ‪ -‬تُعرف بأضدادها‪ ,‬بمعني طالما إن الكثير من المفاهيم‬
‫يتم تعريفها بالنظر والتحليل لنقائضها‪ ,‬وبمعني آخر طالما أنه ال يمكن تحديد ومعرفة مصطلح‬
‫معين بدون معرفة نقيضه‪ ,‬فعليه يمكن القول إن تحديد مصطلح الدولة المدنية يمكن فهمه أكثر‬
‫بمعرفة الصفات األخر للدولة مثل‪" :‬العلمانية" و"الليبرالية" و"الدينية" و"اإلسالمية"‬
‫و"العسكرية" و"الحديثة" و"الديمقراطية" وغيرها‪ .‬وفيما يلي تعريفات ُمختصرة لهذا الصفات‬
‫وال ُمصطلحات لعلها تقربنا وتسهل لنا معنى الدولة المدنية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الدولة المدنية والدولة العلمانية‬

‫هناك شبه إجماع بين أغلب النخب السياسية والفكرية على أن فكرة الدولة العلمانية‬
‫(‪ )The Secular State‬هي النموذج المقابل للدولة الدينية بالمفهوم الكنسي الذي ساد في‬
‫العصور الوسطى والتي تعني تحديدا ً فصل الدين عن الدولة‪ .‬والسؤال هنا‪ :‬ما الفرق بين هذه‬
‫الدولة العلمانية والدولة المدنية؟ ولماذا تخلي العلمانيون‪ ,‬بجميع توجهاتهم الفكرية وااليديولوجية‪,‬‬
‫أخيرا ً عن هذا المصطلح‪ ,‬ولماذا تم تبني مصطلح الدولة المدنية بدال من ذلك؟‬

‫وفي هذا الصدد يقول الدكتور أنور مغيث‪ ,‬رئيس المركز القومي للترجمة‪ ،‬وعضو‬
‫الحزب المصري الديمقراطي "‪ ..‬في الحقيقة ال يوجد أي فرق بين الدولة العلمانية والدولة‬
‫المدنية‪ ".‬أما لماذا يميل العلمانيون هذه األيام إلى استخدام مصطلح الدولة المدنية بدالُ من‬
‫مصطلح الدولة العلمانية؟‪ ..‬فيُجيب على هذا السؤال بالقول‪ ، .." :‬بدأ العديد من العلمانيين‬
‫باستخدام مصطلح الدولة المدنية بدالً من الدولة العلمانية للحصول على المزيد من الدعم في‬
‫مجتمع ذي أغلبية دينية (إسالمية)‪ .. ,‬ويوضح كيف استخدم الساسة في مصر هذا المصطلح‬
‫لسببين‪ :‬األول ‪ ،‬بسبب حملة التشويه ضد مفهوم العلمانية من قبل اإلسالميين‪ .‬والثاني‪ ،‬ألن‬
‫مصطلح الدولة المدنية‪ ،‬في السياق المصري‪ ،‬واسع جدا بحيث يمكن التالعب به‪( ",‬للمزيد‬
‫راجع‪ :‬مغيث‪.)1122 ,‬‬
‫أما األستاذة هبة عصام القرار‪ ،‬العضو المؤسس للحزب االشتراكي الديمقراطي‬
‫المصري‪ ،‬توضح فهمها لـ "الدولة المدنية" واألسباب الكامنة وراء تجنب استخدام مصطلح‬
‫"علماني" على النحو التالي‪" :‬الدولة المدنية هي نفسها الدولة العلمانية ولكن ينبغي للمرء أن يأخذ‬
‫بعين االعتبار طبيعة المجتمع (الطبيعة الدينية للمجتمع) وكيف يفهم المجتمع هذا المصطلح‪...‬‬
‫باستبدال الحزب مصطلح "الدولة العلمانية" بـ "الدولة المدنية‪ ،‬يمكن للمرء أن يقلل من التنديد‬
‫الذي قد يأتي من المجتمع أو المعارضين‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬يمكن للمرء أن يعالج ويقوم بتبسيط‬
‫المصطلح إلى الناس دون مواجهة مشكلة رفضه لمجرد كون المرء علمانيا ً‪(".‬للمزيد راجع‪:‬‬
‫كاتبة‪.)1126 ,‬‬

‫من هذا‪ ,‬ووفقا لهذا الفهم‪ ,‬يمكن استخالص إن شعار الدولة المدنية‪ ,‬عند العلمانيون هو مصطلح‬
‫سا في تكوينها‪,‬‬
‫ُمرادف للدولة العلمانية‪ ،‬أي الدولة المنفصلة عن الدين‪ ،‬والتي ال يشكل الدين أسا ً‬
‫وبذلك يجب إقصاء الدين عن السياسة والتشريع وكل مناحي الحياة العامة‪.‬‬

‫والخالصة‪ ,‬وهنا يمكن التذكير بالتاريخ‪ ,‬إن كل الدول العربية مند استقاللها في نهاية أربعينيات‬
‫القرن الماضي وحتى اآلن‪ ,‬كانت (ومازالت) تحت حكم التيارات العلمانية سواء كانت هذه‬
‫التيارات‪ ،‬اشتراكية أو قومية أو بعثية أو شيوعية أو ليبرالية أو قبلية أو عائلية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الدولة المدنية والدولة الليبرالية‬


‫مفهوم الدولة الليبرالية يقوم باألساس على فكرة الحرية الفردية‪ ،‬وعدم تدخل الدولة في‬
‫األنشطة االقتصادية‪ ,‬وترك السوق يُدير نفسه بنفسه‪ ,‬بمعني أن النظام االقتصادي األمثل هو نظام‬
‫السوق الحرة ومنع الدولة عن التدخل في الحياة االقتصادية‪ .‬وبمعني آخر يمكن القول أن‬
‫الليبراليون ينادون بأفكار تدعو إلى حرية التعبير‪ ،‬وحرية الدين‪ ،‬وحرية االقتصاد‪ ,‬والحفاظ على‬
‫الحقوق المدنية‪ ،‬والمساواة بين الجميع في الدولة‪ .‬ومن هذا يمكن استخالص أن الليبرالية ال تهتم‬
‫كثيرا بشكل الدولة‪ ,‬وال بأي نوع من أنواع نظام الحكم!‬

‫وإذا كان هذا هو تعريف الليبرالية‪ ,‬فما هي عالقتها بشعار الدولة المدنية؟! أم أنهما‬
‫وجهان لعملة واحدة؟ وإذا كان كذلك‪ ,‬فما الذي دفع بالليبراليون للتخلي عن المطالبة بالدولة‬
‫الليبرالية واستبداله بشعار الدولة المدنية؟! ‪ ..‬لألسف "المدنيون الجدد" لم يحددوا هذه العالقة‬
‫بعد!‬

‫ثالثا‪ :‬الدولة المدنية والدولة العسكرية‬

‫يُعرف البعض الدولة العسكرية (‪ )The Military State‬على أنها تعني سيطرة‬
‫المؤسسة العسكرية (الجيش) على مقاليد الحكم في الدولة‪ ،‬بحيث تكون الكلمة األولى واألخيرة‬
‫للرجل العسكري أو لمجموعة الرجال العسكريين الذين يقودون هذه المؤسسة العسكرية‪ .‬ففي هذه‬
‫الدولة ال مكان تداول السلطة‪,‬وال اختيار الشعب لقيادته السياسية من خالل انتخابات حرة ونزيهة‪,‬‬
‫وال يحق للشعب أن يقرر مصيره بإرادته‪ ،‬والسلطة الوحيدة بيد قادة العسكر الذين يملكون وحدهم‬
‫القوة‪.‬‬
‫من هذا الفهم لمعني الدولة العسكرية ينتشر هذه األيام بين ُجل النخب السياسية شعار‪" :‬ال‬
‫‪ ...‬للعسكرة‪ ",‬بمعني هناك شبة أجماع بين النُخب خصوصا العربية على التخلص من عسكرة‬
‫الحياة المدنية تحت أي شعار ومهما كان السبب‪ .‬ولعل السبب األساسي وراء هذا الرفض هو أن‬
‫العسكر قد قاموا ما بين ‪ 2461‬إلى ‪ 2441‬بأكثر من ‪ 11‬انقالب في أكثر من ‪ 21‬دول عربية‪,‬‬
‫ولألسف لم يستطيعوا خالل هذه الفترة النجاح في أي دولة من هذه الدول! وبعد هذا الفشل الذريع‬
‫هاهم اليوم يحاولون في بعض الدول التسلل والسيطرة على مفاصل الدولة ومؤسسات المجتمع‬
‫المدني في الزي المدني وبقوة السالح‪.‬‬

‫وإذا كان هذا هو تعريف الدولة العسكرية‪ ,‬فما هي عالقتها بشعار الدولة المدنية؟!‪..‬‬
‫والحقيقة هنا إن ُجل "المدنيين الجدد" قد حددوا هذه العالقة وذلك برفضهم لكل أنواع العسكرة‬
‫للحياة المدنية والمطالبة برجوع العسكريون لثكناتهم ال ُمخصصة لهم في الدولة وعدم تدخلهم في‬
‫السياسة‪ .‬بمعني آخر أن الدولة العسكرية ال يمكن أن تكون دولة مدنية بأي حال من األحوال‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الدولة المدنية والدولة الدينية‬

‫الدولة الدينية أو الثيوقراطية (‪ – )The Religious or Theocracy State‬كما‬


‫يُسميها البعض ‪ -‬هي التي يكون فيها الحاكم هو ظل هللا على األرض‪ ,‬وأن السلطة والحاكمية بيد‬
‫هلل وحده‪ .‬وبمعني هي الدولة التي يكون فيها الحاكم األعلى هو اإلله وسلطات رجال الدين هم من‬
‫يمثله على األرض وما على الشعب إال أتباع األوامر اإللهية‪ .‬ولعل خير مثال على ذلك هو حكم‬
‫الكنيسة الذي كان سائدا ً في أوروبا في القرون الوسطى‪ ،‬حيث سيطرت الكنيسة على كل جوانب‬
‫الحياة في الدولة وهيمنت على كل شؤون المجتمع‪ ،‬وفرضت الوصاية على عقول الناس‬
‫عرف في‬ ‫وتصرفاتهم وحرياتهم‪ .‬بمعني آخر إن الحكام في الدولة الدينية يحكمون وفقا ً – لما ُ‬
‫السياسة ‪ -‬بنظرية "الحق اإللهي‪ "،‬والتي يترتب عليها أن يكون الحاكم في منزلة عالية ال يرقى‬
‫إليها أحد من أفراد الشعب في الدولة‪ ،‬وأنه ال يجب على أبناء الشعب االعتراض على قرارات‬
‫الحاكم وأقواله أو أفعاله‪.‬‬

‫وإذا اتفقنا على أن هذا هو تعريف الدولة الدينية الصحيح‪ ,‬فيمك القول أن الدولة الدينية ال‬
‫عالقة لها بمصطلح الدولة المدنية ‪ ..‬والحقيقة هنا أن "المدنيين الجدد" بمختلف توجهاتهم‬
‫يرفضون مفهوم الدولة الدينية‪ ,‬بمعني آخر أن الدولة الدينية ال يمكن أن تكون دولة مدنية بأي‬
‫حال من األحوال‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬الدولة المدنية والدولة اإلسالمية‬

‫الغريب أنه عند الحديث عن مفهوم الدولة اإلسالمية (‪ )The Islamic State‬يتبادر عند‬
‫البعض‪ ,‬عن قصد أو غير قصد‪ ,‬أنها تعني الدولة الدينية! ولكن الحقيقة أن الدولة اإلسالمية ليست‬
‫دولة دينية‪ .‬فالدولة اإلسالمية ال تقوم على فكرة حكم رجال الكهنوت وال حكم رجال الدين‪.‬‬
‫فرجال الدين يعتبروا بالدرجة األولي مواطنون كغيرهم من المواطنين اآلخرين لهم نفس الحقوق‬
‫وعليهم نفس الواجبات‪ ,‬وما يُميزهم عن غيرهم هو تخصصهم في مجاالت الشريعة المختلفة‪,‬‬
‫واجتهاداتهم غير ال ُملزمة في آليات اتخاذ القرارات في الدولة‪.‬‬
‫والحقيقة أن مصطلح الدولة المدنية قد تم تداوله في الفكر اإلسالمي ألول مرة من قبل‬
‫اإلمام ال ُمصلح محـمد عبده (‪ )2411 - 2164‬الذي أصر على أنه ال توجد سلطة دينية في‬
‫اإلسالم‪ ،‬مشددًا على مدنية الدولة اإلسالمية مقابل كونها دولة ثيوقراطية" (للمزيد راجع‪ :‬كمال‬
‫محـمد‪.)1122 ,‬‬

‫وطالما أن الدولة المدنية ال تشترط "مرجعية‪ ",‬وليس لها مرجعية واحدة محددة و ُمتفق‬
‫عليها من الجميع‪ ,‬عليه يمكن القول أن الدولة المدنية ال تتعارض مع فكرة الدولة اإلسالمية التي‬
‫يكون مصدر قوانينها والنظام القائم فيها مستمدا ً من فهم الشريعة اإلسالمية‪ ,‬وطالما كانت‬
‫تشريعات هذه الدولة تصدر وفق القنوات الديمقراطية التي يعتمدها الشعب وفق أرادته الحرة‪ ,‬وال‬
‫يتعارض مع كل ما هو معلوم من الدين بالضرورة‪ .‬والمقصود بحكم معلوم من الدين بالضرورة‪:‬‬
‫ما كان ظاهرا ً متواترا ً من أحكام الدين معلوما ً عند الخاص والعام‪ ،‬مما أجمع عليه علماء األمة‬
‫إجماعا ً قطعيا ً‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬الدولة المدنية والدولة الحديثة‬

‫الدولة الحديثة (‪ )The Modern State‬هي دولة غير تقليدية‪ .‬والدولة التقليدي تعني‬
‫المتمسكة بالقيم القديمة‪ ,‬والمحكومة باألعراف والتقاليد السائدة في المجتمع‪ .‬بمعني هي الدولة‬
‫التي تقوم محاكاة نصوص وأعراف قديمة واالحتذاء بها وممارستها بدون أي تفكير أو ابتكار‪ .‬أما‬
‫الدولة الحديثة فهي التي تقوم على مجموعة من السمات والقيم والتي لعل أهمها‪ )2( :‬أنها دولة‬
‫تقوم على قواعد دستورية (مكتوبة أو غير مكتوبة)‪ ,‬وليس مجرد األعراف والتقاليد كما هو‬
‫الحال في الدولة التقليدية‪ )2( .‬أنها دولة ال تقوم على "نظرية الحق اإللهي‪ ",‬وإنما تقوم على‬
‫"حق الشعب في اختيار من يحكمه‪ )3( ".‬أنها دولة مواطنين‪ ,‬وليست دولة رعاية كما هو الحال‬
‫في الدولة التقليدية‪ ,‬بمعني في الدولة الحديثة يتحول الفرد إلى مواطن ويبقي والءه للدولة وليس‬
‫للعائلة أو القبيلة أو الجهة أو العشيرة‪ )4( .‬دولة ُمتمدنة‪ ,‬بمعني جل سكانها يسكنون المدن‪)5( .‬‬
‫تقوم على االنتشار الواسع لوسائل االتصال االجتماعى الحديثة في كل أرجاء الدولة‪ )6( .‬تقوم‬
‫على المؤسسات المعاصرة مثل المؤسسات السياسية كالبرلمان والحكومة واألحزاب‪ ,.‬وليس‬
‫مؤسسات التقليدية كالقبيلة والعشيرة والجهة‪ )7( .‬أنها دولة صناعية وتعطي األولوية للصناعة‬
‫سلم األولويات‪ )8( .‬أن مفهوم الدولة الحديثة يجب أن يرتبط دائما بمفهوم‬‫على الفالحة في ُ‬
‫العقالنية والمعرفة والعلم‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬الدولة المدنية و الدولة الديمقراطية‬

‫الدولة الديمقراطية (‪ )The Democratic State‬تعني ممارسة الشعب لحقه في الحكم‬


‫والسيادة عبر انتخاب من يمثله في مؤسسات الدولة بكل حرية ونزاهة‪ .‬ويعرف البعض الدولة‬
‫الديمقراطية على أنها‪ ..." :‬مؤسسات الدولة يديرها مدنيون منتخبون يخضعون للمساءلة‬
‫والمحاسبة‪ ،‬وال تدار الدولة بواسطة عسكريين أو رجال دين‪ .‬واستبعاد رجال الدين ال يعني‬
‫استبعاد المتدينين‪ ،‬ولكن المقصود أال تجتمع السلطتان السياسية والدينية في قبضة رجل واحد‬
‫حتى ال يتحول إلى شخص فوق القانون وفوق المحاسبة"( للمزيد راجع‪ :‬نورس‪.)1121 ,‬‬
‫كما ذهب الباحث العراقي الماركسي صباح جاسم جبر إلى التأكيد على أن عملية‬
‫توصيف أية دولة بأنها دولة مدنية ديمقراطية البد من توفر شروط ومعايير معينة منها‪ .." :‬مبدأ‬
‫السيادة الشعبية‪ ،‬ومبدأ الحريات المدنية‪ ،‬وحق الجماهير في االختيار والتعبير والتظاهر‪ ،‬واألخذ‬
‫برأي األغلبية مع احترام رأي األقلية‪ ،‬ووجود معارضة تتمتع بالحرية السياسية ووجود وسائل‬
‫الضغط الجماهيري والرقابة على من بأيديهم صناعة القرار‪ ...‬وينبغي أن تقوم على مبدأ فصل‬
‫السلطات واالنتقال بالفرد ــ المجتمع في مفهوم الرعية إلى مفهوم المواطنة كون أن الديمقراطية‬
‫الحديثة مبنية على منطق اإلنسان الذي يحاور ويصوت ويناقش‪ ("،‬للمزيد راجع‪ :‬المضحكي‪,‬‬
‫‪ .)1122‬بمعني يمكن القول أن الدولة المدنية تؤمن بالديمقراطية طريقا للحكم وتثق بمواطنيها‬
‫وقدرتهم في ممارستها‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫بعد هذا العرض ال ُمختصر يبقى السؤال الذي سألناه في بداية هذا المقال وهو‪":‬ما هو‬
‫المقصود بمصطلح "الدولة المدنية؟" قائما ً دون إجابة واضحة ومحددة! وتتوقف أجابته على‬
‫خلفية النخب‪ ,‬االيديولوجية والفكرية‪ ,‬التي تتبناه وتُطالب به!!‬

‫عليه‪ ,‬وباختصار شديد‪ ,‬يمكن القول أنه لقد ظهر هذا المصطلح من دون أن يكون له‬
‫مضمون حقيقي ومتعارف عليه‪ ,‬ومن دون كينونة واضحة المعالم‪ ,‬وبالتالي فهو‪ .‬مصطلح ُمركب‬
‫وغامض مما دفع بكل شخص يبحث عن دور أو مكان في المعترك السياسي هذه األيام أن يصف‬
‫نفسه بمثل هذا التوصيف‪ .‬وفي هذا الصدد لعلى أجد نفسي ُمتفق مع األستاذ سليم البطاينه في‬
‫القول بان " مفهوم الدولة المدنية يتفوق على غيره من المفاهيم باإلشكاليات العديدة التي يطرحها‬
‫فهو مفهوم يتلبسه غموض كثيف يجعل من محاوالت اإلمساك به أمرا ً صعبا ً مهما كانت إدارة‬
‫التحليل المستخدمة‪ (",‬للمزيد راجع‪ :‬البطاينه‪.)1121 ,‬‬

‫والغريب أن بعض النخب تنادي بـ "المدنية" وتعتقد أنها الوحيدة التي تمثلها‪ .‬واألكثر من‬
‫ذلك تطلب من اآلخرين أن يثبتوا لها أنهم فعالً مدنيون وديمقراطيون!!! وعندما يقبل اآلخر بنفس‬
‫األسس والمبادئ التي تنادي بها هذه النخب ويدعوها للمشاركة في منافسة ديمقراطية حضارية‬
‫واحترموا إرادة الشعب ترفض هذه النخب ذلك!‬

‫ومما تقدم يمكن القول أن مصطلح "الدولة المدنية‪ ",‬بالرغم من أنه ُمنتشر وتنادي به كل‬
‫النخب الناشطة في الساحات السياسية‪ ,‬إال أنه ال يزال ُمجرد "شعار" أكثر منه "مشروع" سياسي‬
‫ُمحدد المعالم والقيم‪ ,‬وليس لهذا الشعار مرجعية واحدة ومتفق عليها من الجميع‪ .‬وعليه البد من‬
‫تحديد ما يعنيه هذا مصطلح الذي أردنا له النجاح والقبول من كل األطراف‪ .‬ولعله من المناسب‬
‫أن أختم هذا المقال بالتأكد على أن هناك مجموعة من المبادئ والمنطلقات التي يجب االلتزام بها‬
‫والعمل على تطبيقها إذا أردنا فعال تحويل هذا الشعار إلى واقع ملموس‪ ,‬ولعل من أهم هذه القيم‬
‫اآلتي‪ )2(" :‬تحقيق وممارسة مبدأ حق االختيار للجميع‪ )1( ,‬إقامة الدولة الدستورية‪ ,‬على أساس‬
‫إرادة الشعب وعلوية القانون الذي يستمد قوته من علوية الدستور‪ )2(.‬اإليمان بعدم وجود‬
‫تعارض بين اإلسالم والدولة‪ ,‬بمعني إن الدولة المدنية التي نسعى لها يجب ال تعادي اإلسالم بل‬
‫تعترف به وت ُؤطره وتحميه في إطار القوانين الجاري العمل بها‪ ,‬وبمعني أخر يجب رفع شعار‬
‫"سمو الشريعة وحكم وسيادة القانون‪ )6( ".‬خلق وتشجيع المنافسة الحرة‪ ,‬وممارسة التعددية‬
‫السياسية‪ )1( ,‬بناء مؤسسات عصرية وقوية والمحافظة عليها‪ )1( ,‬تجريد السياسة من العسكر‬
‫وإنهاء تدخل العسكر فى السياسة‪ .‬بمعني أن الدولة المدنية ال يمكن أن تكون دولة عسكرية أو‬
‫بوليسية‪ ،‬الن الدولة البوليسية ال تعرف بالحق في المساواة ومن ثم ال تعترف بدولة للمواطنة‪,‬‬
‫و(‪ )2‬السعي إلى إنهاء أو على األقل الحد من تأثير التدخل الخارجي‪( ",‬للمزيد راجع‪ :‬بالروين‪,‬‬
‫‪.)1114‬‬

‫وفي الختام علينا أن نُدرك بأننا جميعا مع مصطلح الدولة المدنية إذا كانت تعني أنها دولة‬
‫ضد العسكر ‪ ..‬وضد االستبداد ‪ ..‬وضد التمييز بكل أشكاله‪ ...‬ومن جهة آخري أنها دولة الحق ‪..‬‬
‫العدالة ‪ ..‬والنهضة والحضارة والتطور‪ ..‬والمؤسسات الحضارية والمتطورة ‪ ...‬أدعو هللا أال‬
‫يتحول مصطلح ‪" -‬المدنية" من هذا الوعاء الفارغ ِمن مضمونه‪ ،‬والشعار األجوف ‪ ..‬إلى‬
‫مشروع عملي حقيقي يقبله الجميع‪.‬‬

‫وأخير ‪ ...‬ال تنسوا يا أحباب أن هذا مجرد رأي للتذكير أعتقد إنه صواب‪ ,‬فمن أتي برأي أحسن‬
‫منه أخذناه ‪ ,‬ومن أتي برأي ُمختلف عنه احترمناه ‪ ..‬أدعو هللا أن أكون بذلك قد ساهمت في خدمة‬
‫شعبي وإصالح وطني ‪..‬‬

‫وهللا المســـتعـان‪.‬‬
‫محـمد عبد الرحمن بالروين‬
‫‪ 11‬يناير ‪1124‬‬
‫‪berween@hotmail.com‬‬

‫المراجع‪:‬‬
‫محمـد بالروين‪" ,‬من مفهوم الدولة‪ ".‬نشر هذا المقال في العديد من المواقع الليبية علي النت في ‪11‬‬
‫نوفمبر ‪ ,1111‬منها موقع ليبيا وطننا‪ ,‬أنظر الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.libya-watanona.com/adab/mberween/mb25118a.htm‬‬

‫غازي التوبة‪ ,‬أكاديمي وكاتب فلسطيني‪" ,‬ما هي الدولة المدنية؟" موقع الجزيرة‪,‬‬
‫‪https://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2012/8/12/‬‬

‫جوردن تايمز‪ .‬من خطاب الملك عبد هللا في‪jordantimes.com,8/11/2016 .‬‬

‫تورس ‪" , 1121 – 12 – 11 ,‬مفهوم الدولة المدنية و العلمانية؟ والفرق بينها؟" نشرة في الفجر نيوز‬
‫‪https://www.turess.com/alfajrnews/103614‬‬
‫ياسمين ابوالحجاج عبدالراضى‪ ,1126-2-26 ,‬تحليل مفهوم الدولة المدنية‪ ,‬المركز الديمقراطي العربي‬
‫‪https://democraticac.de/?p=47666‬‬

‫دمحم المرباطي‪ ,‬هل نعي ما نقول دولة مدنية‪ .‬مرجعيتها‪..‬؟ (‪ ",)6-6‬االيام‪ ,‬العدد ‪1121 -1-21 , 1611‬‬
‫‪http://www.alayam.com/Article/courts-article/80602-4-4.html‬‬

‫د‪.‬أنور مغيث‪ ,‬الدولة المدنية والدولة العلمانية‪ ..‬هل هناك فرق؟ ‪ 11‬أبريل ‪.1122‬‬
‫‪https://www.youm7.com/story/2011/4/2282/396736‬‬

‫محمـد المعالج‪" ,‬عن الدولة المدنية‪ 11 ",‬اكتوبر ‪,1121‬‬


‫‪https://www.sasapost.com/opinion/the-civil-state/‬‬

‫سليم البطاينه‪ ,‬نائب اردني‪" ,‬اإلشكالية في مفهوم الدولة المدنية‪ 12 ",‬أكتوبر ‪.1121‬‬
‫‪https://www.raialyoum.com/index.php‬‬

‫خلفان البدواوي‪" ,‬العالم العربي وتحديات الدولة المدنية‪ ",‬صحيفة العرب‪ ,‬السبت ‪11/12/1126‬‬
‫‪https://alarab.co.uk/‬‬

‫أحمد برقاوي‪" ,‬في الدولة المدنية‪ 16 ",‬مارس ‪.1122‬‬


‫‪https://www.albayan.ae/opinions/articles/2017-03-04-1.2875549‬‬

‫عريب الرنتاوي‪" ,‬علمانية الدولة شرط مدنيتها‪ 11 ",‬اكتوبر ‪.1122‬‬


‫‪https://www.alhurra.com/a/democracy-election-secularism-autocrat-civil-‬‬
‫‪society/395191.html‬‬

‫الدكتور إبراهيم الحيدري‪" ,‬الدولة المدنية والدولة الدينية‪ ",‬في موقع الحوار المتمدن‪ 12 ,‬سبتمبر‬
‫‪http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=485561&r=0 ,1121‬‬

‫أنور مغيث "ال يمكن انتزاع حريات االفراد وإدعاء الدولة تطبق الديمقراطية‪ ,1121 -11- 11 ",‬موقع‬
‫اليوم السابع ‪https://www.youm7.com/story/2016/2/28/2606664‬‬

‫سعيد بن سعيد العلوي‪ ,‬اإلسالم السياسي والدولة المدنية‪ ,1122 -14- 12 ,‬الشرق االوسط‪ ,‬العدد‬
‫‪,22411‬‬
‫‪http://archive.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=638276&issueno=119‬‬
‫‪65#.XDU-FWlS_IU‬‬

‫دمحم صادق العديني‪ ,‬مقابلة صحفية مع الدكتور ياسين سعيد نعمان األمين العام للحزب االشتراكي اليمني‪,‬‬
‫علي قناة المياديين‪ 12 ,‬يوليو‪,1121 ،‬‬
‫‪http://yemenat.net/2012/07/92903/‬‬
.1122 ,2 ‫" مارس‬.‫ تصور توافقي‬:‫ "مقاصد الشريعة والدولة المدنية‬,‫الدكتور جاسر عودة‬
1http://www.jasserauda.net/portal/

‫ جريدة طريق‬,‫ موقع الحزب الشيوعي‬,1121 ‫ ابريل‬11 ",‫ "من هم المدنيون حقا؟‬,‫محـمد عبد الرحمن‬
1 ‫الشعب ص‬
https://sudancp.com/index.php

‫ من رؤ متنوعة إلى إطار‬:‫ "الدولة المدنية‬,‫ باحث بمركز الحضارة للعلوم السياسية‬,‫دمحم كمال دمحم‬
.1122 ‫ ابريل‬12 ,‫ في موقع مركز الحضارة للدراسات والبحوث‬,)‫مشترك (على ضوء الثورة المصرية‬
http://www.hadaracenter.com/index.php?option=com_content&view=article&id=116

‫ المتطلبات السياسية للديمقراطية في العالم اإلسالمي" موقع ليبيا‬:‫ "أسلمة الديمقراطية‬,‫محـمد بالروين‬
.
.1114 ‫ يوليو‬16 ,‫وطننا‬
http://www.libya-watanona.com/adab/mberween/mb04079a.htm

. 1122 ‫ مايو‬11 ‫ السبت‬1122 ‫ العدد‬- ‫" االيام‬,‫فهد المضحكي " مفهوم الدولة والدولة الحديثة‬
https://www.alayam.com/Article/courts-article/84562/

- , ʻA d -K r m 2011: A -dawla al-m d n y t f q f kr w t ss s


(The ‘C v St te’ s n Inte ectu F r c t on nd Po t c Decept on), n:
(06.12.2013) ,Kurdish Contemporary Studies Center
http://tkcsc.com/ara/modules/publisher/item.php?com_mode=nest&com_order=0&ite
mid=22

‫ عامر كاتبه‬Amer Katbeh, The C v St te (d w m d n y ): A New Political


Term?, IFAIR, 24. February 2014
http://ifair.eu/the-civil-state-dawla-madaniya-a-new-political-term/

al-S d Y s n 2010: M sr d w m d n y ḥ d th (Egypt Is C v Modern


State). An Interview with al-S d Y s n, http://www.masress.com/elakhbar/2862

You might also like