You are on page 1of 38

‫جامعة القاضي عياض‬

‫كلية العلوم القانونية‬


‫واالقتصادية واالجتماعية‬
‫مراكش‬

‫شعبة القانون العام‬


‫بحث إجازة‬

‫موضوع البحث‪:‬‬

‫دور المجتمع المدني في المشاركة‬


‫السياسية وتدبير الشأن المحلي‬

‫تحت إشراف الدكتور‪:‬‬ ‫من إعداد الطالب‪:‬‬

‫‪ -‬البشير المتاقي‬ ‫‪ -‬الركراكي لخفشون‬

‫السنة الجامعية‪2020 / 2019 :‬‬


‫إلى أعز وأغلى شخصين في حياتي داموا تاج على‬
‫رأسي أبي و أمي حفظهما‬

‫هللا‬
‫وأطال في عمرهما وقدرني على رد أفضالهما‪.‬‬

‫وإلى األصدقاء وكل من قدم لي العون والمساعدة‬


‫في إنجاز هذا العمل‪.‬‬

‫‪-2-‬‬
‫الحمد هلل والشكر هلل وكفى‪،‬‬
‫والصالة والسالم على المصطفى‬
‫أتقدم بخالص شكري‪ ،‬وفائق‬
‫عبارات تقديري ألستاذي‬
‫الفاضل‬
‫الدكتور "البشير المتاقي"‬
‫الذي تفضل باإلشراف على‬
‫بحتي والذي وجهني بالنصائح‬
‫القيمة وتشجيعي على مواصلة‬
‫ً‬
‫هذا البحث وإتمامه‪ ،‬فشكرا‬
‫لك أستاذي الكريم وأدامك هللا‬
‫تعالى شمعة تضيء درب طلبة‬
‫العلم‪.‬‬

‫‪-3-‬‬
‫التقـديــم‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫في خضم التحوالت السياسية واالجتماعية التي شهدها المغرب‪ ،‬تم إقرار دستور جديد‬
‫أقر العديد من المكتسبات الديمقراطية التي تكرس دولة القانون والمؤسسات‪ :‬كما اعترف‬
‫بالمجتمع المدني‪ ،‬كفاعل في مسار التنمية‪ ،‬بل وكشريك أساسي لمؤسسات الدولة في اقتراح‬
‫التشريعات‪ ،‬وإعادة المشاريع وكدا تفعيلها وتقييمها‪.‬‬

‫لقد اعتبر دستور ‪ ،2011‬ومند تصديره الديمقراطية التشاركية‪ ،‬من أهم أركان‬
‫الدولة‪،‬حيث تواصل المملكة المغربية مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات الدولة الحديثة؛ مرتكزاتها‬
‫المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة‪ ،‬وإرساء مجتمع متضامن وفي الفصل األول منه‪ ،‬جعلها‬
‫أي الديمقراطية التشاركية إحدى أسس النظام الدستوري للمملكة‪ ،‬والذي تقوم على أساس فصل‬
‫السلط وتوازنها وتعاونها‪ ،‬والديمقراطية المواطنة التشاركية‪ ،‬وعلى مبادئ الحكامة الجيدة‬
‫وربط المسؤولية بالمحاسبة‪ ،‬وفي محاولة لتفسير هذه المبادئ‪ ،‬حيث الفقرة الثانية من الفصل‬
‫السادس تحمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي‬
‫لحرية المواطنات والمواطنين‪ ،‬والمساواة بينهم‪ ،‬ومن مشاركتهم في الحياة السياسية‬
‫واالقتصادية والثقافية واالجتماعية‪ ،‬وهذا ما يعكس وضوح رغبة المشرع الدستوري في‬
‫تجاوز احتكار الدولة والدور الفاعل والوحيد في رسم السياسات العمومية‪ ،‬وذلك باعتماد‬
‫مقاربة ت شاركية غايتها االستماع ألصوات المواطنات والمواطنين واالنفتاح على كافة فعاليات‬
‫المجتمع المدني‪.1‬‬

‫فإلى أي حد نجحت الديمقراطية التشاركية كآلية دستورية وكتمرين ديمقراطي في‬


‫ضمان انخراط الفاعل المدني على المستوى المركز والمحيط في إعداد وتقييم السياسات‬
‫العمومية؟ وما هي معيقات التنزيل الواقعي لمبدأ المشاركة؟ وكيف السبل لتجاوزها؟‬
‫‪ -‬موضـوع البحـث وأهميتـه‪:‬‬
‫تتجلى أهمية هذا البحث في كون المجتمع المدني أصبح ومند سنوات‪ ،‬مقرونا‬
‫بالديمقراطية‪ ،‬والعكس صحيح كذلك؛ فال يمكن ألحدهما أن يتحقق ويتطور في غياب األخر‪.‬‬

‫وللمقاربة هذا البحث ثم االعتماد على منهجين أساسيين وهما‪:‬‬

‫‪ ‬المنهج التاريخي‪ :‬ذلك إلظهار اإلطار التاريخي لمفهوم المجتمع المدني ومدى‬
‫تطوره‪.‬‬

‫‪ 1‬رضوان زهرو "الدولة‪ ،‬المجتمع المدني ودينامية التحول الديمقراطي‪ ،‬مجلة مسالك‪ ،‬عدد‪ 56،2019/55‬ص‪.14/12‬‬

‫‪-4-‬‬
‫‪ ‬المنهج التحليلي‪ :‬وتم االعتماد على هذا المنهج لتحليل مقتضيات دستور عام‬
‫‪ 2011‬للوقوف على فاعليه ونجاعة المجتمع المدني ومدى قدرته على تحقيق‬
‫التنمية‪.‬‬

‫‪ -‬تقسيمـات البحـث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬اإلطار العام لمفهوم المجتمع المدني‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬دور المجتمع المدني في المشاركة السياسية‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المجتمع المدني بين آليات التدبير وإكراهات الواقع‪.‬‬

‫‪-5-‬‬
‫‪‬المبحث ‪ :I‬اإلطار العام لمفهوم المجتمع المدني في‬
‫الفكر السياسي الغربي‬

‫شكل موضوع المجتمع المدني واإلشكاليات المرتبطة به موضوعا مهما للنقاشات بين‬
‫المفكرين والكتاب لعصور طويلة‪ ،‬كون المجتمع المدني أخد حيزا كبيرا في أدبيات الفكر‬
‫السياسي‪ ،‬باعتباره يشكل عامال ضروريا ً من عوامل استقرار المجتمعات‪ ،‬واالنتقال إلى حالة‬
‫الدولة المدينة‪ ،‬وفي الوقت ذاته العمل على تلبية االحتياجات العصرية للمواطنين‪ ،‬وعلى‬
‫جعلهم يشعرون بمقومات شخصيتهم‪ ،‬بوصفهم أفراد لهم حقوق وحريات‪ ،‬وعليم واجبات‪،‬‬
‫حيث يشير مفهوم المجتمع المدني الكثير من النقاشات والجدل لتأصيل المفهوم‪ ،‬لذلك يجب‬
‫القول أن تعريف المفاهيم أمر في غاية األهمية في أي مجال علمي والحقيقة أن أغلب المفاهيم‬
‫وخاصة االجتماعية تتداخل في معناها‪.2‬‬

‫بناءا على ذلك سنتناول في هذا المبحث مفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي من‬
‫خالل مطلبين أساسيين هما‪:‬‬
‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬مفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي الغربي‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬تمظهرات مفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي العربي‪.‬‬

‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬مفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي الغربي‪:‬‬


‫ظهر مصطلح "المجتمع المدني" مع التطور السياسي والفكري الذي عاشه الغرب‪،‬‬
‫وقد واجه التحرير االبستومولوجي للمجتمع المدني صعوبات نظرا لتباين سماته وتنوع‬
‫مؤسساته واختالف أهدافه‪ ،‬وقد انقسمت تعريفاته في الفكر الغربي إلى اتجاهين ينظر أولهما‬
‫إلى المجتمع المدني كقطاع ذي بنية مؤسسية ووظائف عملية محددة سلفا بينما يعتبر ثانيهما‬
‫مجاال عاما وسيطا بين السلطة السياسية وهياكل اإلنتاج االقتصادي‪ ،‬إال أن االتجاه األول واجه‬
‫عدة انتقادات‪ ،‬من بينها إغفال األصول الحضارية للمجتمع المدني كنموذج للمؤسسات‬
‫المجتمعية‪ ،‬وكذا مركزية النموذج الغربي المعاصر‪.3‬‬

‫مجلة تكريت للعلوم اإلنسانية العدد (‪ )7‬صفحة ‪.529-528‬‬ ‫‪2‬‬

‫ريهام أحمد خفاجي" مؤسسات المجتمع المدني الغربية قراءة في األدوار المحلية " والدولية" مركز نماء للبحوث و الدراسات وتجارب ‪.09‬ص‪.28‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-6-‬‬
‫‪ ‬الفقرة األولى‪ :‬المجتمع المدني في الفكر السياسي اليوناني‬
‫والمسيحي‪:‬‬
‫اتجهت بعض اآلراء للقول أن الفالسفة اليونان هم السابقون إلى بلورة مفهوم أولي ‪-‬‬
‫بدائي للمجتمع المدني– من خالل استخدامه السياسي واالجتماعي في إطار التنظيم العام للمدن‬
‫اليونانية القديمة؛ فأفالطون في كتابه "الجمهورية" طرح أفكار جد متقدمة حول الدولة المدنية؛‬
‫كما رسم صورة للمجتمع المدني كمجتمع عاقل داخل دولته المثالية‪ ،‬إال أن تلميذه أرسطو‬
‫اعتبر المجتمع المدني كمجموعة سياسية تخضع للقوانين‪ ،‬أي أنه لم يكن يميز بين الدولة‬
‫والمجتمع المدني في فلسفة أرسطو‪ ،‬هو تجمع سياسي أعضاؤه هم المواطنون الدين يعترفون‬
‫بقوانين الدولة ويتصرفون وفقا لها‪.4‬‬

‫‪ ‬الفقرة الثانية‪ :‬المجتمع المدني عند فالسفة العقد االجتماعي‪:‬‬


‫يسود اإلجماع بين مختلف الباحثين في مجال الفكر السياسي على أن التجربة بين‬
‫مختلف الباحثين في مجال الفكر السياسي على أن التجربة التاريخية التي مرت بها المجتمعات‬
‫األوربية في القرنين ‪17‬و ‪ 18‬خاصة في فرنسا وانجلترا‪ ،‬هي بمثابة اإلطار العام الذي‬
‫احتضن ظهور فرضية المجتمع المدني مرادف لمفهوم المجتمع السياسي‪ ،‬ومن أهم الفالسفة‬
‫المنظرين لهذه األطروحة‪ ،‬هناك طوماس هوبز الذي اعتبر المجتمع المدني ذلك المجتمع القائم‬
‫على التعاقد وعلى أساس سلطة الدولة وتحديدا على ما يسميه هوبز "سلطة صاحب السيادة"‬
‫وفكرته الرئيسية هي أن العيش في مجتمع ال يتم إال بدولة‪.5‬‬

‫أما جون لوك فقد اعتبر من أكثر مفكري مدرسة العقد االجتماعي اهتماما بمفهوم‬
‫المجتمع المدني‪ ،‬فوصفه بالمجتمع المدني الذي يداخله األفراد طوعية لضمان حقوقهم‬
‫المتساوية التي تمتعوا بها في ظل القانون الطبيعي‪،‬ولكن غياب السلطة القادرة على ضبط‬
‫المجتمع الطبيعي‪ ،‬جعل هؤالء األفراد يتفقون على تكوين مجتمع مدني ضامن لهذه الحقوق‬
‫ورفض فكرة الحكم الملكي المطلق‪ ،‬وهو يعتقد بأنه كلما ازدادت الدولة قوة‪ ،‬ضعف المجتمع‬
‫المدني‪ ،‬وأسس نظريته على حق الملكية الفردية‪ ،‬فوجود الملكية الفردية شرط أساسي لبناء‬
‫المجتمع المدني‪ ،6‬لكن فكرة جون جاك روسو فتتلخص في أن العقد االجتماعي يجب أن يقوم‬
‫بانتزاع اإلنسان من الحالة الطبيعية‪ ،‬ويرتقي به إلى حالة التكامل اإلنساني‪ ،‬وتتلخص نظريته‬
‫عن المجتمع المدني‪ ،‬في هجومه على المصلحة الذاتية والحساب العقالني للمنفعة‪ ،‬حيث اعتبر‬
‫روسو المجتمع المدني مجتمع صاحب سيادة‪ ،‬باستطاعته صياغة إدارة عامة‪ ،‬يتماهى فيها‬

‫‪ 4‬ستيفت ديليو "التفكير السياسي والنظرية السياسية والمجتمع المدني"‪ ،‬ترجمة ربيع وهبة‪ ،‬مراجعة عالء أبو زيد‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬المشروع‬
‫القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة العدد‪ 467‬السنة ‪ ،2003‬ص ‪.41‬‬
‫‪ 5‬سعيد بن سعيد العلوي وأخرون‪ "،‬المجتمع المدني في الوطن العربي"‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت السنة ‪ ،1992‬ص‪.64‬‬
‫‪ 6‬عبد الجبار حيضر عباس‪" ،‬المجتمع المدني‪ ،‬المفهوم والظهور العالمي"‪.‬‬

‫‪-7-‬‬
‫الحاكم والمحكومين‪ ،‬فنشأة وظهور المجتمع المدني هي سابقة على ظهور الدولة‪ ،‬وأن هذه‬
‫األخيرة تستمد مشروعيتها من إرادة أفراد المجتمع الذي تشكل قبل وجودها‪.7‬‬

‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬تمظهرات مفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي العربي‬


‫إذا اتفقنا على أن المسيرة الحالية للمجتمع المدني بدأت بالتصدي لشمولية الدولة في‬
‫أوروبا الشرقية وانتهت إلى إيجاد توازن في معادلة المواطن المجتمع الدولة‪ ،8‬فتحرير‬
‫المجتمع من سلطة الحاكم واالستنجاد بالديمقراطية‪ ،‬شكال بدرة نشوء المجتمع المدني؛ هذا ما‬
‫خلص إليه التونسي الطاهر لبيب‪ ،‬حيث اعتبر أن مفهوم المجتمع المدني عند العرب بال‬
‫تاريخ‪ ،‬وأن األنظمة السياسية العربية لم تخضع إلى مطالب المجتمع المدني من أجل االعتراف‬
‫بالحقوق المدنية والسياسية‪ ،‬بل إتخدت ذالك بناء ضغوط خارجية‪ ،9‬فالظروف المكانية‬
‫والزمنية لنشأة المجتمع المدني في البيئة العربية‪ ،‬اختلفت جملة وتفصيال‪ ،‬عن ما عرفه‬
‫العرب‪ ،‬فلم تكن الكنيسة مهيمنة‪ ،‬ولم تكن الطبقات االجتماعية متبلورة‪ ،10‬ولم تتفجر الثورة‬
‫الصناعية والثورة الفرنسية وغيرها من الثورات في العالم العربي‪ ،‬لتدمج أهل الريف بالمدن‬
‫ولتعمل على خلق الطبقات االجتماعية‪ ،‬فقد انقسم المجتمع العربي إلى بدو وحضر‪ ،‬والفارق‬
‫بين االثنين هو سيادة العالقات اإلرثية في المجتمع البدوي على عكس المجتمع الحضري‪.11‬‬

‫‪ ‬الفقرة األولى‪:‬ظهور المفهوم في العالم العربي‪.‬‬


‫هناك من يرى بأن مؤسسات المجتمع المدني كانت حاضرة في الوطن العربي مند‬
‫ظهور الدولة اإلسالمية‪ ،‬ويذهب الداعمون لهذا القول إلى اإلشارة إلى أن المؤسسات التي‬
‫عرفتها الدولة اإلسالمية‪ ،‬كالدواوين وغيرها‪ ،‬هي شكل من أشكال المجتمع المدني‪ ،‬إال أن حقيقة‬
‫األمر تؤكد على أن مؤسسات المجتمع المدني بدأت في الظهور في العالم العربي في أواخر‬
‫القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشريين‪ ،‬حيت تشكل النقابات العمالية والمهنية‪ ،‬وكذلك‬
‫الجمعيات التعاونية واألحزاب السياسية وغيرها من المنظمات التي تشكل مؤسسات المجتمع‬
‫المدني‪.12‬‬

‫‪ 7‬صالح ياسر "المجتمع المدني والديمقراطية‪،‬بعض إشكاليات المجتمع المدني والمجتمع السياسي والديمقراطي" مطبعة الرواد للطباعة والنشر بغداد‬
‫العراق السنة ‪ 2005‬ص ‪.79‬‬
‫‪ 8‬كلود مايز عطية" يبين المجتمع المدني والمجتمع األهلي" منشورات زين الحقوقية‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬ط‪ 2012 .1‬ص‪.52‬‬
‫‪ 9‬بون اهرتبرغ "المجتمع المدني‪ :‬التاريخ النقدي للفكرة" ترجمة علي حاكم صالح‪ ،‬حسين ناظم‪ ،‬مراجعة فالح عبد الجبار ترييف المدن‪ ،‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية بيروت ‪ 2002‬ص‪.94‬‬
‫‪ 10‬علي الدين هالل ونيغين مستعد" النظم السياسية العربية‪ :‬قضايا االستمرار والتغيير"‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت الطبعة األولى‪ ،‬السنة‬
‫‪ 2000‬ص‪.178‬‬
‫‪ 11‬أما ني قنديل المجتمع المدني في مصر" مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬السنة‪,2001‬ص‪.263‬‬
‫‪ 12‬شهيدة البازـ المنظمات األهليةـ صفحة ‪.34‬‬

‫‪-8-‬‬
‫‪ ‬الفقرة الثانية‪ :‬مفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي المغربي‬

‫تعود اإلرهاصات األولى للتجربة المغربية في مجال المجتمع المدني‪ ،‬إلى بداية‬
‫الممارسة الجمعوية‪ ،‬أي في عهد الحماية‪ ،‬إال أن الصراع السياسي بين الملكية وباقي الفاعلين‬
‫السياسيين‪ ،‬حسم في السنوات األولى لالستقالل‪ ،‬لغير صالح الحركة الوطنية‪ ،‬حيث يمكن‬
‫اعتبار المجتمع المدني من بين المفاهيم المتداولة بإفراط في السنوات األخيرة بالمغرب‪ ،‬ويكاد‬
‫يمثل احد أهم المصطلحات في المعجم السياسي المغربي المعاصر‪ ،‬من حيث كثافة االستعمال‪،‬‬
‫إلى جانب مفاهيم أخرى‪ ،‬كدولة الحق والقانون‪،‬الديمقراطية‪،‬حقوق اإلنسان المواطنة المناصفة‪،‬‬
‫إن المجتمع المدني هو مجتمع مدين للسلطة في كل شيء‪ ،‬وذلك ألنها منحته مقومات وجوده‪،‬‬
‫فالدساتير والحريات ممنوحة والتناوب ممنوح والسلطة ال تستمر مشروعيتها من المجتمع؛‬
‫فاهم مستوى من مستويات المشروعية في النظام السياسي المغربي هو مستوى المشروعية‬
‫الدينية؛ وهو ما يتم التعبير عنه بإمارة المؤمنين التي تعتبر أسمى من حقل الدولة الحديثة؛‬
‫فالحديث عن المجتمع المدني يقضي االنتقال من مجتمع الرعاية إلى مجتمع المواطنين‪،13‬‬
‫وبالتالي وجب توفير بعض الشروط لالعتراف بوجود مجتمع مدني‪:‬‬
‫‪ ‬االعتراف بالفرد كوجود مستقل‪.‬‬
‫‪ ‬االعتراف بالفرد كمواطن له حقوق وعليه واجبات‪.‬‬
‫‪ ‬االعتراف بسيادة الشعب‪ ،‬حيت يقع التشديد على كون الشعب هو مصدر كل‬
‫سلطة‪ ،‬وان ال إرادة تعلو إرادته‪.‬‬

‫المبحث ‪ :II‬دور المجتمع المدني في المشاركة السياسية‪.‬‬


‫منحت الوثيقة الدستورية لسنة ‪ 2011‬كما هو معلوم‪ ،‬أدوار جديدة لمؤسسات المجتمع‬
‫المدني‪ ،‬وذلك بنقل دورها من الطابع االستشاري الثانوي إلى الطابع ألتشاركي‪ ،‬في صناعة‬
‫القرار العمومي‪ ،‬ومنها بمجموعة من اآلليات القانونية في إطار الديمقراطية التشاركية‬
‫والحكامة الجيدة التي تحت دسترة هيئاتها في باب خاص‪.‬‬

‫‪ 13‬محمد ضريف" الحقل السياسي المغربي‪ :‬األسئلة الحاضرة واألجوبة الغائبة" المجلة المغربية لعلم االجتماع السياسي‪ ،‬الطبعة األولى الدار البيضاء‪،‬‬
‫السنة ‪ ،1998‬ص‪.42‬‬

‫‪-9-‬‬
‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬اشتراك المجتمع المدني في تدبير الشأن العام‪:‬‬
‫لقد نصت الفقرة الثانية من الفصل ‪ 12‬من الدستور على مايلي‪ << :‬تساهم الجمعيات‬
‫المهنية بقضايا الشأن العام‪ ،‬والمنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية في‬
‫إعداد القرارات والمشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا في تفعيلها‬
‫وتقييمها وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة‪ ،‬طبق شروط وكيفيات‬
‫يحددها القانون‪>>.‬‬

‫‪ ‬الفقرة األولى‪ :‬سبل التفاعل المدني مع المؤسسات العمومية‬


‫والمنتخبة‪:‬‬
‫أكد دستور ‪ 2011‬في ديباجته على مواصلة المملكة المغربية مسيرة توطيد وتقوية‬
‫مؤسسات الدولة الحديثة‪ ،‬مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة وإرساء مجتمع‬
‫متضامن‪ ،14‬وفي محاولة لتفسير هذه المبادئ والمرتكزات‪ ،‬حثت الفقرة الثانية من الفصل‬
‫السادس‪ ،‬تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي‬
‫لحريات المواطنين والمواطنات والمساواة بينهم‪ ،‬ومن مشاركتهم في الحياة االقتصادية‬
‫والثقافية واالجتماعية‪.‬‬

‫يتضح عبر كثير من المقتضيات الدستورية‪ ،‬أن المشاركة أصبحت من المرتكزات‬


‫األساسية التي يقوم عليها النظام الدستوري المغربي‪ ،‬وذلك من خالل منع دور متميز لمنظمات‬
‫المجتمع المدني إلى جانب المؤسسات العمومية‪ ،‬في صناعة السياسات العمومية‪ ،‬وهذا يظهر‬
‫الرغبة في مؤسسة أدوار المنظمات المدنية في مجال صناعة القرار‪ ،‬بعد أن كانت أدوارها‬
‫نتا جا لما أفرزته الممارسة‪ ،‬وفي غياب شبه كلي ألي إطار قانوني يحدد ضدها‪ ،‬باستثناء‪ ،‬ما‬
‫كان واردا في الميثاق الجماعي الذي نعتبره بمثابة اللبنة األساسية في تكريس الديمقراطية‬
‫التشاركية وتأطيرها قانونيا‪ ،‬وذلك من خالل تضمنه لبعض اآلليات التشاركية التي تفتح المجال‬
‫لمساهمة منظمات المجتمع المدني في تدبير الشأن العام على المستوى المحلي‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫بعض البرامج التنموية‪ 15‬التي تضمنت أشكاال مختلفة لمشاركة المجتمع المدني في الصيرورة‬
‫القرارية‪.16‬‬

‫‪14‬حسن بوزبدي " دور المجتمع المدني في دستور ‪ " 2011‬ضمن المجتمع الدني المغربي‪ ،‬مجلة الفرقان‪ :‬العدد ‪ 2014 ،74‬صفحة ‪.34‬‬
‫‪ 15‬حيت كانت المادة ‪ 14‬من الميثاق الجماعي ‪ ،87.00‬كما وقع تعديله سنة ‪ 2008‬تنص على أنه" يحدث لدى المجلس الجماعي لجنة المساواة وتكافؤ‬
‫الفرص‪ ،‬تتكون من شخصيات تنتمي لجمعيات محلية وفعاليات من المجتمع المدني‪ ،‬يقترحها رئيس المجلس الجماعي‪.‬‬
‫‪ 16‬راجع في ذالك شعبان عبد الحسين‪ " ،‬المجتمع المدني الوجه األخر للسياسة‪ ،‬دار ورد عمان ط‪ 2008 ،1‬ص ‪ 34‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪- 10 -‬‬
‫‪ ‬الفقرة الثانية‪ :‬اآلليات التشاركية المؤسسة لمساهمة المجتمع‬
‫المدني‪:‬‬
‫إن الهدف الذي يؤسس له الدستور الحالي يتجاوز منطق اإلنصات والحوار‪ ،‬إلى‬
‫المشاركة الفعلية في عملية إعداد واتخاذ القرارات العمومية‪ ،‬وأخذ الحلول المقترحة من طرف‬
‫هيئات المجتمع المدني بعين االعتبار‪ ،‬لذ لم يمكن االنطالق من بعض اآلليات التشاورية‬
‫باعتبارها مدخال أساسي للمشاركة الفعلية في صناعة القرار‪ ،‬ويمكن اعتبار أحداث الجنة‬
‫الوطنية للحوار حول األدوار الدستورية للمجتمع المدني‪ ،‬مرحلة مهمة وأولية إليجاد الحلول‬
‫المقبولة والمتوافق عليها لمجموعة من القضايا المتعلقة بالمجتمع المدني كتمرين على تنزيل‬
‫فصول الدستور بخصوص المشاركة‪.‬‬

‫ورغم أن مخرجات هذا الحوار الوطني لم تفرز أي قانون بخصوص آليات المشاركة‬
‫المدنية في صناعة القرار العمومي‪ ،‬كما أن توصياتها كانت عامة وغير واضحة‪ ،‬إال أن‬
‫المسار الذي سلكه هذا الحوار يمكن اعتباره بمثابة نموذج للعملية التشاركية وآلياتها‪ ،‬في ظل‬
‫شح الكتابات الفكرية واألكاديمية في هذا المجال‪ ،‬ومن بين الممارسات التي تم اعتمادها في‬
‫مشاركة المجتمع المدني‪ ،‬هو فتح المجال أمامه لتقديم مقترحاته بخصوص األدوار المفترضة‬
‫للعمل الجمعوي ببالدنا‪ ،‬لكونه يشكل سياسة عمومية في مجال العمل المدني‪ ،‬تنزيال لمقتضيات‬
‫الدستور‪.‬‬

‫‪ ‬الفقرة الثالثة‪ :‬إحداث هيئات للتشاور العمومي‪:‬‬


‫ينص الفصل ‪ 13‬من دستور ‪ 2011‬على أن " تعمل السلطات العمومية على إحداث‬
‫هيئات للتشاور قصد اشتراك مختلف الفاعلين االجتماعيين في إعداد السياسات العمومية‬
‫وتفعيلها وتنفيذها وتقيمها"؛ وهو إجراء دستوري يرمي إلى فتح النقاش العمومي مابين‬
‫السياسات والبرامج المراد تنزيلها‪ .‬في هذا الصدد‪ ،‬سنتطرق آلليات المؤسساسية لتشاور‬
‫العمومي وكذا هيئات التشاور العمومي على المستوى الوطني والمحلي‪.‬‬

‫‪ ‬أوال‪ :‬اآلليات المؤسساتية للتشاور العمومي‬

‫أبرز النقاش الذي أجري خالل الحوار الوطني حول المجتمع المدني واألدوار‬
‫الدستورية الجديدة‪ ،‬وأهمية التشاور العمومي بوصفه اآللية الفضلى لتفعيل المقاربة التشاركية‬
‫وتعزيز انخراط المواطنين في الشأن العام والمساهمة في دورة السياسات العمومية؛ لذلك‬
‫وجب تأطيره بنص قانوني يتيح خلق فضاءات حقيقية للتواصل والحوار والشراكة بين‬
‫المواطنين ومؤسسات الدولة والجماعات الترابية وكذا تنفيد االلتزام بالتعددية وعدم التمييز في‬
‫واقع وتفعيل السياسات العمومية‪ ،‬كما ينبغي أن يستند هذا النص القانوني على تعريف للتشاور‬
‫العمومي يسمح بتنظيم مجمل اآلليات واألنشطة التداولية والتواصلية والتفاوضية‪ ،‬تسعى من‬

‫‪- 11 -‬‬
‫خاللها السلطات العمومية إلى اإلنصات والتواصل وتبادل المعلومات مع المواطنين‪ ،‬وذلك‬
‫بغاية الوقوف على آرائهم وتطلعاتهم وحاجاتهم بخصوص مشروع أو مخطط أو سياسة‬
‫عمومية خالل جميع المراحل التي تمر منها‪.17‬‬

‫‪ ‬ثانيا‪ :‬هيئات التشاور العمومي‪ ،‬الوطني والترابي‬

‫بالموازاة مع أهمية الدور الذي خصه المشرع الدستوري للمجتمع المدني في الوثيقة‬
‫الدستورية لسنة ‪ ،2011‬وتحديدا في مجال السياسات العمومية والمساهمة في مختلف مراحلها‪،‬‬
‫وقصد تمكينه وتكريس هذه األدوار الدستورية في إطار الديمقراطية التشاركية التي أصبحت‬
‫من مرتكزات النظام الدستوري للمملكة فقد نص ‪ -‬وألول مرة – على إحداث هيئات للتشاور‬
‫قصد إشراك مختلف الفاعلين االجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها‬
‫وتقييمها‪ ،18‬وهي مجموعة من المؤسسات واللجان والهيئات العمومية الدائمة أو المؤقتة‪،‬‬
‫القطاعية األف قية التي تحدثها السلطات العمومية قصد تدبير مختلف عمليات التشاور ألجل‬
‫التواصل والتفاعل مع المواطنين‪ ،‬وطنيا أو جهويا أو محليا‪ ،‬واستطالع آرائهم بخصوص‬
‫مشروع أو مخططا أو سياسة عمومية خالل مراحل اإلعداد والتنفيذ والتقييم‪.19‬‬

‫‪ -1‬هيئات التشاور العمومي على المستوى الوطني‪.‬‬

‫تحدث هذه الهيئات في شكل لجان أو مجالس أو أي نسبة مؤسساتية أخرى من‬ ‫‪-‬‬
‫طرف السلطات العمومية المركزية‪ ،‬لتدبير التشاور العمومي حول السياسات‬
‫والقرارات والبرامج والمخططات والتشريعات ذات الطبيعة العمومية‬
‫واإلستراتيجية والهيكلية أو المتعلقة بحقوق وحريات المواطنين والمواطنات‪.‬‬
‫تجمع هيئات التشاور العمومي الوطنية بين فاعلين عموميين يمثلون الدولة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وفاعلين خواص يمثلون المواطنات والمواطنين‪ ،‬ومنظمات المجتمع المدني‬
‫والقطاع الخاص‪ ،‬وكذا الفاعلين المعنيين بالمشروع أو السياسة العمومية‪....‬‬
‫يراعى في إحداث هيئات التشاور العمومي المركزية‪ ،‬مقاربة النوع‬ ‫‪-‬‬
‫االجتماعي‪ ،‬وتمثلية متوازية لمختلف الفعاليات المدنية المعنية‪ ،‬وكذا التخصص‬
‫القطاعي‪ ،‬وجودة القوة االقتراحية‪.‬‬
‫تتوفر هيئات التشاور الوطنية وجوبا‪ ،‬على مقر خاص داخل المؤسسات‬ ‫‪-‬‬
‫العمومية المعنية بعملية التشاور وعلى موارد بشرية كافية ومتخصصة‪.‬‬
‫تعمل السلطات الحكومية على تمكين هيئات التشاور من المعلومات والوثائق‬ ‫‪-‬‬
‫الالزمة لالضطالع بمهامها‪.‬‬
‫الحوار الوطني حول المجتمع المدني واألدوار الدستورية الجديدة‪ ،‬التقرير التركيبي الصادر سنة ‪ ،2014‬ص ‪.24‬‬ ‫‪17‬‬

‫الفصل ‪ 13‬من الدستور المغربي لسنة ‪.2011‬‬ ‫‪18‬‬

‫مخرجات الحوار الوطني حول المجتمع المدني واألدوار الدستورية الجديدة المتعلق بأحكام الدستورية‪.49 ،‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫‪ -‬تشتغل هيئات التشاور وفق قواعد وشروط مسطرية يحددها نص تنظيمي يأخذ‬
‫بعين االعتبار خصوصية المجال والقطاع المعني‪ ،‬وكدا طبيعة األهداف‬
‫والنتائج المنتظرة من عملية التشاور‪.‬‬
‫‪ -‬وتجدر اإلشارة إلى أن الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعالقات‬
‫مع البرلمان والمجتمع المدني‪ ،‬قد سلكت هذا النهج التشاوري عندما أحدثت‬
‫للجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني واألدوار الدستورية‬
‫الجديدة‪ ،‬وذلك بفرض فتح حوار بناء‪ ،‬وإقامة جسور التواصل وتقريب وجهات‬
‫النظر المتباينة بين مختلف فعاليات المجتمع المدني‪ ،‬وفي هذا السياق وبغرض‬
‫تعزيز النقاش واستقصاء أراء المجتمع المدني بغية وضع تصور شامل‬
‫وواضح حول األدوار الدستورية للتنظيمات المدنية‪ ،‬عقدت للجنة سلسلة من‬
‫اللقاءات التشاورية مع الجمعيات في مختلف جهات المملكة ومع مغاربة العالم؛‬
‫وقامت بتنظيم مجموعة من الندوات العلمية والموضوعاتية وجلسات إنصات‪،‬‬
‫أطرها مغاربة وأجانب‪ ،‬وتلقي مذكرات تفصيلية من عدد كبير من الفعاليات‬
‫المدنية‪ ،‬كما عقدت مجموعة من اللقاءات مع مجموعة من المؤسسات الوطنية‬
‫والقطاعات الحكومية المعنية والمنظمات الدولية المهنية لتوسيع مجاالت‬
‫المشاركة المدنية وتنظيمها وتأهيلها‪ ،20‬والغاية من هذه المنهجية التشاركية‬
‫والتشاورية هو توسيع وتعميق النقاش حول أهمية العمل المدني والخروج‬
‫بتوصيات ومقترحات حول تفعيل األدوار الدستورية بما ينسجم وواقع المجتمع‬
‫المغربي‪.‬‬

‫‪ -2‬هيئات التشاور العمومي على المستوى المحلي‪:‬‬

‫على غرار ما هو معمول به في الكثير من التجارب الدولية في مجال الديمقراطية‬


‫التشاركية على المستوى المحلي‪ ،‬كما هو الشأن في التجربة الفرنسية التي تستعمل مصطلح‬
‫الديمقراطية الجوارية‪ ،‬أصدرت سنة ‪ 2002‬قانون ديمقراطية القرب ‪la démocratie de‬‬
‫‪ ، 21 proximité‬والذي بعد جعل من الديمقراطية التشاركية ذات بعد محلي‪.‬‬

‫بالعودة إلى السياق المغربي كما أشرفنا سابقا فإن الفصل ‪ 13‬من الدستور الذي يؤكد‬
‫على إحداث هيئات للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين االجتماعيين في مسار السياسة‬
‫العامة‪ ،‬ال ينبغي قراءته بشكل منعزل عن باقي فصول الدستور‪ ،‬ويمكن في هذا الخصوص‪،‬‬
‫ربطه بالفصل ‪ 139‬الذي ينص على وضع آليات تشاركية للحوار والتشاور على المستوى‬
‫الجهوي والمحلي‪ ،‬بغية تسهيل مساهمة المواطنين والمواطنات والمنظمات المدنية في إعداد‬

‫الحوار الوطن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪20‬‬


‫‪21‬‬
‫‪Steve JOAB, "institutionnaliser l’évaluation des politiques publiques " Edition PIE. Bruxelles 1ere édition.‬‬
‫‪2005.p16.‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫برامج التنمية وتتبعها‪ ،‬المدني واألدوار الدستورية‪ ،‬هذه الهيئات الجهوية والمحلية‪ 22‬وهي‬
‫عبارة عن‪:‬‬

‫‪ -‬بنيات تنظيمية وإدارية تحدثها المندوبيات الوزارية والمؤسسات العمومية والجماعات‬


‫الترابية‪ ،‬حسب خصوصياتها المحلية ومواردها البشرية واإلدارية‪.‬‬
‫‪ -‬تتكلف بتنظيم وتأطير وتدبير عمليات التشاور مع المواطنين والمواطنات والفاعلين‬
‫االجتماعيين‪ ،‬وبمشاركة الجمعيات‪ ،‬في مسلسل القرارات والسياسات والميزانيات‬
‫العمومية‪ ( .‬تعميم المعلومات \ اإلنصات واالستماع للعموم \ تلقي المالحظات‬
‫والمقترحات جلسات التشاور \ جلسات المساءلة االجتماعية‪.)...‬‬
‫‪ -‬تعمل مجالس الجماعات الترابية والمصالح الخارجية للدولة وكل المؤسسات العمومية‬
‫التي تمارس وظائفها على المستوى الجهوي أو اإلقليمي أو الجماعي‪ ،‬على إشراك‬
‫المواطنين والجمعيات والفاعلين االجتماعيين واالقتصاديين في إعداد وتنفيذ البرامج‬
‫التي تدخل في نطاق اختصاصاتها وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ +‬تقوم مجالس الجماعات الترابية والسلطات العمومية المحلية المذكورة‪ ،‬بمبادرة منها‪،‬‬
‫بتوجيه دعوة عمومية‪ ،‬يتم نشرها على كل الفاعلين المهنيين بالمشروع أو برامج موضوع‬
‫التشاور‪ ،‬وتكون الدعوة في شكل إعالن يتم تعميمه بكل الطرق المتاحة وعلى أوسع‬
‫نطاق‪ ،‬على كل المعنيين وذوي الحقوق‪ ،‬بدون تمييز وعلى أساس الشفافية وتكافؤ‬
‫الفرص‪. ...‬‬

‫وفي هذا الخصوص‪ ،‬نستحضر النهج الذي سلكه المشرع المغربي عند إقراره القانونين‬
‫التنظيميين المتعلقين بالجماعات والعماالت واألقاليم‪.23‬‬

‫تفعيال للفصل ‪ 139‬من الدستور‪ ،‬حيث أكد على إحداث هيئة استشارية بشراكة مع‬
‫فعاليات المجتمع المدني‪ ،‬تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ‬
‫الفرص ومقاربة النوع‪ ،‬في حين أكد القانون التنظيمي المتعلق بالجهات‪ 24‬على إحداث ثالث‬
‫هيئات إستشارية تختص األولى بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ‬
‫الفرص ومقاربة النوع‪ ،‬والثانية بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بالشباب واهتماماتهم كما‬
‫تختص الثالثة بالقضايا الجهوية ذات الطابع االقتصادي‪.‬‬

‫تكمن أهمية هذه الهيئات التشاورية في كونهم تضع – من بين مكوناتها – فعاليات‬
‫المجتمع المدني‪ ،‬والتي تعتبر اهتمامات المواطنين‪ ،‬وتنقلها إلى أصحاب القرار غير أن السؤال‬
‫الذي يطرح بخصوص هذه الهيئات التشاورية‪ ،‬يتعلق بمدى الحيز المتاح لها لتقديم أرائها‬
‫بخصوص القضايا التي تهم المواطنين على المستوى المحلي؟ خاصة وأن المشرع قد ربط‬
‫‪ 22‬مخرجات الحوار الوطني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ 23‬أنظر المواد‪ 120 :‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 113.14‬المتعلق بالجماعات ‪ 111‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 112.14‬المتعلق بالعمالت واألقاليم‪.‬‬
‫‪ 24‬المادة ‪ 117‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 111-14‬المتعلق بالجهات‪.‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫ممارسة مهامها وكيفية تسييرها بالنظام الداخلي للمجلس الذي تكون له كامل الحرية في تقييدها‬
‫أكثر مما هي مقيدة بالنص القانوني أو توسيع صالحياتها‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬فإن المشرع المغربي حسب ما فعل في القانون التنظيمي المتعلق‬
‫بالجهات بالتنصيص على إحداث ثالث هيئات إستشارية تختلف مجاالت تداخلها بين مقاربة‬
‫النوع واهتمامات الشباب والشؤون االقتصادية على المستوى المحلي‪ ،‬على األقل فإنه يوسع‬
‫من مجاالت تدخل المجتمع المدني في صناعة القرار على المستوى الجهوي‪ ،‬بالرغم من أن‬
‫رايه استشاريا وليس تقريريا‪ ،‬ويبقى مرتبطا بطلب المجلس‪.‬‬

‫يتضح مما سبق أن ثمة إرهاصات الحديث عن ديمقراطية تشاركية مؤطرة‬


‫بنصوص قانونية ومحاطة بضوابط مؤسساتية تجعلها تشتغل في إطار مسيج ومقنن‪ ،‬وغير أن‬
‫عدم استكمال الصرح القانوني‪ ،‬وكذا االفتقار إلى تجربة عملية‪ ،‬وتراكم كمي في الموضوع‬
‫يجعلنا نتحفظ عن تقييم التجربة‪ ،‬سواء باإليجاب أم باالنتقاد‪.‬‬

‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬دسترة األدوار الجديدة للمجتمع المدني‬


‫مع هبوب رياح التغيير‪ ،‬وإعالن الملك في خطاب التاسع من مارس عن فتح ورش‬
‫إلصالح الدستور‪ ،‬الذي أكد على ضرورة اعتماد منهجية اإلصغاء والتشاور مع جميع الهيئات‬
‫والفعاليات المؤهلة في مجاالت حقوق اإلنسان وتخليق الحياة العامة‪ ،‬لعب المجتمع المدني‬
‫المغربي دورا هاما في ا لتفاعل مع ورش اإلصالح حيث قدمت العديد من الهيئات الحقوقية‬
‫والنسائية والتنموية أكثر من ‪ 200‬مذكرة ومقترح أمام لجنة تعديل الدستور مطالبة بالتنصيص‬
‫على المجتمع المدني ودسترة مجالس استشارية منها المجلس االستشاري للشباب والعمل‬
‫الجمعوي‪.25‬‬
‫ويعتمد دستور ‪ ،2011‬دعامة رئيسة لتأصيل الدستوري للديمقراطية التشاركية في‬
‫المغرب‪ ،‬حيث ضمنت العديد من المقتضيات كحق المواطنين في المشاركة في اتخاذ القرار‪،‬‬
‫وعليه جعل التصدير الذي يعد جزء ال يتجزأ من الدستور " المشاركة " المرتكز األول لبناء‬
‫الديمقراطية‪ ،‬وقد عزز ذلك بشكل مباشر في الفصل األول بالتنصيص على الديمقراطية‬
‫المواطنة التشاركية‪ ،‬وجعلها أحد المقومات واألسس التي ينهض عليها النظام الدستوري‬
‫للمملكة باإلضافة إلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة‪.‬‬
‫لقد نصت الوثيقة الدستورية على الدور الفعال الذي يلعبه المجتمع المدني في إطار‬
‫الديمقراطية التشاركية وأكدت على حقه في تقديم العرائض والملتمسات‪ ،‬والمساهمة في بلورة‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬وفي مايلي نستحضر هذه األدوار من خالل مستويين‪.‬‬

‫‪ 25‬كريمة غانم السياسات العمومية المتعلقة بالشباب دراسة حالة‪ ،‬بحث لنيل دبلوم ا لدراسات العليا للجامعة‪ ،‬جامعة محمد الخامس السويسي كلية‬
‫العلوم القانونية االقتصاد واالجتماعية السويسي‪ ،‬سنة ‪ 2013/2012‬ص ‪.134‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫‪ ‬الفقرة األولى‪ :‬على المستوى الوطني‬
‫نص الباب األول الذي يحمل اسم األحكام العامة في فقرة األولى على أن نظام الحكم‬
‫بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية‪.‬‬
‫يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوزيعها وتعاونها‪،‬‬
‫والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬وربط المسؤولية بالمحاسبة‪،‬‬
‫إن النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس الديمقراطية المواطنة والتشاركية‪ ،‬وهو ما‬
‫يوضح بشكل جلي توسيع قاعدة االنخراط في األوراش الديمقراطية الحديثة الذي ينخرط فيه‬
‫المغرب من أجل توفير شروط التنمية‪ ،‬بما يخدم مصالح وانتصارات المواطنين‪ ،‬كما ينص‬
‫نفس الفصل على مبادرات الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة كمرتكزات إلعادة ثقة‬
‫المغاربة في مؤسساتهم وفي الحياة السياسية و االهتمام بالشأن العام‪.26‬‬
‫كما وضع الفصل ‪ 12‬اإلطار العام لتأسيس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الغير‬
‫الحكومية‪ ،‬حيث يعد اإلقرار بمبدأ الحرية كقاعدة للممارسة في نطاق احترام الدستور‬
‫والقانون‪ ،‬ثم ضمان وحماية هذه الجمعيات بمقرر قضائي كوسيلة وحيدة أو توقيفها من طرف‬
‫السلطات العمومية‪ ،‬وقد نصت الفقرة الثانية من هذا الفصل على مساهمة جمعيات المجتمع‬
‫المدني وخصوصا منها المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات الغير الحكومية في إعداد‬
‫قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا في تفعيلها وتقييمها وذلك‬
‫في إطار الديمقراطية التشاركية‪.‬‬
‫لقد دستر هذا الفصل األول مرة مفهوم المجتمع المدني وأعطى مضمونا الختيار‬
‫الوثيقة الدستورية الديمقراطية التشاركية‪ ،‬كإحدى مقومات النظام المغربي‪ ،‬وجعل من‬
‫الجمعيات والمنظمات الغير الحكومية شريكا خالل كل مرحلة دورة السياسات العمومية‪ ،‬من‬
‫الصياغة إلى اإلعداد مرورا بالتنفيذ تم التقييم‪ ،‬ومن جهة أخرى يوسع مجال هذه الديمقراطية‬
‫التشاركية لكي ال تقتصر فقط على المؤسسات المنتخبة بل ليشمل كذلك السلطات العمومية‪.27‬‬
‫وعمل الدستور المغربي أيضا على ضمان أوسع لمشاركة المغاربة المقيمين بالخارج‬
‫في المؤسسات االستشارية وهيئات الحكامة الجيدة‪ ،‬بموجب الفصل ‪ ،18‬وتوسيع هذه‬
‫المشاركة‪ ،‬جاء نتيجة مطالب طلما رفعتها جمعيات المغاربة المقيمين بالخارج‪ ،‬بحقوق مواطنة‬
‫كاملة في مستوى ما يساهمون به في تقديم اقتصاد البالد‪.28‬‬

‫‪ 26‬كريم لحرش الدستور الجديد للمملكة المغربية شرح وتحليل ‪ ،‬سلسلة العمل التشريعي واالجتهادات القضائية العدد ‪ 3‬ص‪.16‬‬
‫‪ 27‬طارق الثالثي‪ ،‬ال مجتمع المدني ودوره في تعزيز المشاركة السياسية في دستور ‪ ،2011‬لنيل دبلوم الماجستير في القانون العام‪ ،‬جامعة الحسن‬
‫الثاني كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬المحمدية ‪ 2013/2012‬ص‪75-74‬‬
‫‪28‬‬
‫‪MOHAMMD BEN JALLOUN état, démocratisations et société civil au Maroc, in le système politique et la‬‬
‫‪problématique de la reforme constitutionnelle au Maroc. RMSPS. n3. top presse. Rabat juillet 2012. p :103‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫‪ ‬الفقرة الثانية‪ :‬على المستوى الجهوي والترابي‬
‫فقد نص الفصل ‪ 136‬على أن التنظيم الترابي من شأن تأمين مشاركة السكان المعنيين‬
‫في تدبير شؤونهم والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة‪ ،‬وفي نفس‬
‫االتجاه كلف الفصل ‪ 139‬مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية بوضع آليات‬
‫تشاركية للحوار والتشاور‪ ،‬ومن أجل تسيير مساهمة المواطنين والجمعيات في إعداد برامج‬
‫التنمية وتتبعها وتقديم العرائض‪ ،‬والهدف منها مطالبة المجالس بإدراج نقطة تدخل في‬
‫اختصاصه ضمن جدول أعماله‪ ،‬على أن يحدد القانون التنظيمي شروط تقديم العرائض من‬
‫قبل المواطنين والمواطنات والجمعيات‪.29‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى على أن الشراكة تعد أحد اآلليات الضرورية لتفعيل االستثمار‬
‫وذلك بين جميع الفاعلين من جماعات ترابية ومؤسسات عمومية ونسيج جمعوي وقطاع‬
‫خاص‪ ،‬لذلك فإن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية سوف تحدث مجموعة من اآلليات‬
‫الجديدة المنسجمة مع الدستور وهكذا من أجل تيسير عمل ففعاليات المجتمع المدني في إعداد‬
‫وتتبع برامج التنمية على المستوى الترابي عملت القوانين التنظيمية على إحداث آليات‬
‫تشاورية كأداة للعمل التشاركي بين مختلف مكونات المجتمع المدني‪ ،‬إضافة إلى ذلك تم‬
‫التنصيص على آلية جديدة والمتمثلة في تقديم العرائض لمجالس الجماعات الترابية سواء منها‬
‫الجهات‪ 30‬أو الجماعات‪ 31‬أو العماالت واألقاليم‪ ،32‬وذلك من أجل إدراجها في جدول أعمالها‪.‬‬

‫‪ 29‬الفصل ‪ 146‬من دستور ‪.2011‬‬


‫‪ 30‬المواد (‪ )122 -116‬من الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.83‬الصادر في ‪ 20‬رمضان ‪ 7 ،1436‬يوليوز ‪ 2015‬بتنفيذ القانون التنظيمي رقم ‪111 -4‬‬
‫المتعلق بالجهات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6380‬بتاريخ‪ 6‬شوال ‪ 1436‬ه ‪ 23 ،‬يوليوز ‪ 2015‬ص‪.6624 – 6585 :‬‬
‫‪ 31‬المواد (‪ ) 125 – 119‬من الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.86‬الصادر في ‪ 20‬رمضان ‪ 7 ،1436‬يوليوز ‪ 2015‬بتنفيذ القانون التنظيمي رقم ‪– 13‬‬
‫‪ 111‬المتعلق بالجماعات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6380‬بتاريخ ‪ 6‬شوال ‪ 7 ،1436‬يوليوز‪ 2015‬ص ‪.6659 – 6625‬‬
‫‪ 32‬المواد (‪ ) 110 -116‬من الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.85‬الصادر في ‪ 20‬رمضان ‪ 7 ، 1436‬يوليوز ‪ 2015‬بتنفيذ القانون التنظيمي رقم ‪111.12‬‬
‫المتعلق بالعماالت واألقاليم‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6380‬بتاريخ ‪ 6‬شوال ‪ 23 ،1436‬يوليوز ‪ 2015‬ص ‪.67085 -6660‬‬

‫‪- 17 -‬‬
‫‪ ‬المبحث ‪ :III‬المجتمع المدني بين آليات تدبير وإكراهات‬
‫الواقع‪.‬‬
‫تعتبر الديمقراطية التشاركية من اآلليات الهامة والجديدة التي يتم من خاللها ضمان‬
‫مشاركة المواطنين والمواطنات والهيئات المدنية‪ ،‬في اتخاذ القرارات العمومية التنموية‪،‬‬
‫االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية‪ ،...‬وتتبعها وتنفيذها وتقييمها‪ ،‬وهي شكل من أشكال‬
‫الرقابة الشعبية والمجتمعية على صانعي القرار العمومي‪ ،‬ومدخال أساسيا لتحقيق الحكامة في‬
‫تدبير الشأن العام‪ ،‬وتساهم في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة‪.‬‬
‫وقد نص الدستور الجديد لسنة ‪ 2011‬في العديد من فصوله واألول مرة في تاريخ‬
‫التعديالت الدستورية بالمغرب‪ ،‬على مبدأ الديمقراطية التشاركية وحق المواطنين والجمعيات‬
‫في التشاركية في وضع السياسات العمومية سواء على المستوى الوطني أو المحلي الترابي‪،‬‬
‫وذلك من خالل الفصول التالية ‪ 139 -15 -14 –13 – 12 -1‬أحال إلى السلطات الحكومية‬
‫العمومية المعنية إلصدار القوانين التنظيمية المحددة لشروط وكيفيات ممارسة هذه الحقوق‪.‬‬
‫وتنزيال لفصول الدستور أعاله وخاصة الفصل ‪ 139‬المتعلق بمشاركة المواطنين‬
‫والمواطنات والجمعيات في تدبير الشأن العام المحلي‪ ،‬انطالقا من مبدأ الديمقراطية التشاركية‪،‬‬
‫تم بمناسبة تعديل القوانين التنظيمية لكل من الجماعات والجهات والعماالت واألقاليم‬
‫بالتنصيص على مواد قانونية تؤطر أنواع وكيفية وشروط هذه المشاركة‪.‬‬
‫فعلى مستوى الجماعات حدد القانون التنظيمي الجديد رقم ‪ 14-113‬من خالل ثالث‬
‫مواد‪ ،‬آليات ممارسة حق مشاركة المواطنين والمواطنات والجمعيات في تدبير الشأن العام‬
‫المحلي وهي‪ :‬عقد لقاءات للتشاور والحوار ( المادة ‪ )119‬وإحداث هيئة استشارية للمساواة‬
‫وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع ( المادة ‪ )120‬تقديم العرائض لإلدراج نقطة جدول أعمال‬
‫المجالس (المادة ‪.)121‬‬

‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬آليات المشاركة المواطنة في تدبير الشأن العام‬


‫المحلي بالجماعات‪.‬‬
‫في جميع المحطات التاريخية للمغرب ما بعد االستقالل بالخصوص‪ ،‬وجد المجتمع‬
‫المدني نفسه في قلب الحركية المجتمعية‪ ،‬وكان حاضرا في صورة جمعيات ثقافية ورياضية‪،‬‬
‫وشبابية‪ ،‬وحقوقية أندية سينمائية وحركات كشفية‪ ،‬ومنظمات نسائية‪ ،‬وجمعيات تطوعية تعمل‬
‫في مختلف مناحي الحياة االجتماعية والتنمية والتنشئة وقضايا التعاون والتضامن والرعاية‬
‫الصحية واألسرة واالجتماعية‪.‬‬
‫وقد كان له سياق دور ريادي في ترسيخ المنتج المدنية و<<الوطنية>> المثلى‪ ،‬وفي‬
‫الدفاع عن حقوق المواطنات والمواطنين‪ ،‬وفي تقوية شروط نجاح االنتقال الديمقراطي‪ ،‬لذلك‪،‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫كانت تطورات النص القانوني مرتبطة بشكل كبير بحيوية المجتمع المدني‪ ،‬وقوته االقتراحية‪،‬‬
‫ونباهته المتيقظة‪ ،‬ونضج مرافعاته حول الحرية والحق في المشاركة المدنية‪ ،‬وفي تثمين‬
‫أدواره في الوساطة االجتماعية وفي ديمقراطية القرب‪.‬‬

‫‪ ‬الفقرة األولى‪ :‬عقد لقاءات للتشاور والحوار‪.‬‬


‫تنص المادة ‪ 119‬من القانون التنظيمي بالجماعات‪ ،‬على أن تحدث مجالس الجماعات‬
‫آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجماعات في إعداد‬
‫برامج العمل وتتبعها‪ ،‬في ما أحالت على النظام الداخلي للجماعات لتحديد كيفية تطبيق هده‬
‫المادة ولهذا الغرض عملت وزارة الداخلية على إعداد نموذج للنظام الداخلي وعممته على‬
‫الجماعات للعمل به مع تعديالت ممكنة لبعض المواد وأهم ما تضمنه حول صيغ تطبيق المادة‬
‫‪ 119‬وأعاله ما يلي‪:‬‬
‫يمكن لرئيس المجلس الجماعي بتعاون مع أعضاء المكتب‪ ،‬عقد لقاءات عمومية‬ ‫‪-‬‬
‫(مرتين أو ‪ )...‬مع المواطنات والمواطنين والفاعلين االقتصاديين واالجتماعيين‬
‫وجمعيات المجتمع المدني لدراسة مواضيع عامة تدخل في اختصاصات الجماعة‬
‫واالطالع على أرائهم بشأنها وكذا إلخبار المواطنات والمواطنين والمعنيين بالبرامج‬
‫التنموية المنجزة أو الموجودة في طور اإلنجاز‬
‫يحدد رئيس مجلس مكان وتاريخ وساعة انعقاد هذه اللقاءات‪ ،‬ويوجه الدعوة إلى‬ ‫‪-‬‬
‫األطراف المعنية وتعليق مؤكد هذه اللقاء بمقر الجماعة ‪ 3‬أيام على األقل قبل انعقاده‪.‬‬
‫يمكن لرئيس المجلس عرض تقارير اللقاءات والجلسات على مكتب المجالس للنظر في‬ ‫‪-‬‬
‫إمكانية إدراجها في جدول أعمال الدورة الموالية للمجالس الجماعة للتداول بشأنها‪.‬‬
‫ال يمكن أن تكتسي للقاءات والمجالس المشار إليها في المواد أعاله طابعا سياسيا أو‬ ‫‪-‬‬
‫انتخابيا‪ ،‬أو أن تكون بطلب من حزب أو نقابة‪ .‬كما أن هذه اللقاءات مجرد أعمال‬
‫تحضيرية ال يمكن الطعن في محاضرها‪.‬‬

‫‪ ‬الفقرة الثانية‪ :‬إحداث هيئة استشارية للمساواة وتكافؤ الفرص‬


‫ومقاربة النوع‪:‬‬
‫كما نصت المادة ‪ 120‬من القانون التنظيمي للجماعات أيضا على إحداث لدى مجلس‬
‫الجماعة‪ ،‬هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تسمى‪ " :‬هيئة المساواة وتكافؤ‬
‫الفرص‪ ،‬ومقاربة النوع" فيما أحالت على النظام الداخلي للجماعات لتحديد كيفية تطبيق هذه‬
‫المادة‪.‬‬
‫وحسب النظام الداخلي للمجالس الجماعية فإن الهيئة تختص بدراسة القضايا‬
‫والمشاريع المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع االجتماعي ونقوم بتجميع‬

‫‪- 19 -‬‬
‫المعطيات التي لها صلة بهذه الميادين من أجل دراسة وإعداد توصيات بشأن إدماج مقاربة‬
‫النوع االجتماعي في برامج الجماعة وتبدي الهيأة رأيها‪ ،‬بطلب من المجلس أو رئيسه‪.‬‬
‫وتحدد المواد من ‪ 62‬إلى ‪ 81‬من النظام الداخلي للمجالس الجماعية مهام ومعايير‬
‫تشكيل الهيئة وكيفية اشتغالها كما يلي‪:‬‬
‫تتكون هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع من شخصيات تنتمي إلى‬ ‫‪-‬‬
‫جمعيات محلية وفعاليات من المجتمع المدني يقترحهم رئيس المجالس‬
‫الجماعية‪ ،‬ويحدد أعضاء ( الهيئة ) الهيئة باعتبار أهمية النسيج الجمعوي‬
‫والفاعلين المحليين بالتشاور معهم‪.‬‬
‫يأخذ بعين االعتبار في تشكيل الهيئة المعايير التالية‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬مقاربة النوع االجتماعي حيث يتم تخصيص نسبة ‪ 30%‬للنساء من‬
‫مجموع أعضاء الهيئة للسعي نحو تحقيق مبدأ المناصفة‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد نسبة لكل فئة من الفئات المستهدفة ( أشخاص من ذوي احتياجات‬
‫خاصة‪ ،‬أطفال‪ ،‬مسنون‪). ...‬‬
‫‪ ‬المكانة والسمعة داخل المجتمع المحلي‪.‬‬
‫‪ ‬التجربة في ميدان التنمية البشرية‪.‬‬
‫‪ ‬الخبرة في مجال النوع االجتماعي‬
‫‪ ‬التنوع المهني‪.‬‬
‫‪ ‬االرتباط بالجماعة‪.‬‬
‫يجوز لرئيس الهيئة أن يأذن لبعض األشخاص دوي االختصاص لحضور‬ ‫‪-‬‬
‫أشغالها إذا كان من شأن ذلك أن يفيد الهيئة في إتحاد قرار المناسب‬
‫بخصوص الموضوع المعروض عليها‪ ،‬ويمكن للهيئة تكوين مجموعات عمل‬
‫تهتم بقضايا معينة في مجال اختصاصاتها‪.‬‬
‫إن نشاط الهيئة عمل تحضيري داخلي ال يجوز نشره وال إبالغه إلى العموم‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويمكن للهيئة أن تقدم لمجلس الجماعة توصيات وملتمسات‪ ،‬ويقوم رئيس‬
‫المجلس الجماعي بصفة دورية بإخبار أعضاء الهيئة مآل توصياتها‬
‫وملتمساتها واقتراحاتها‪.‬‬

‫‪- 20 -‬‬
‫‪ ‬الفقرة الثالثة‪ :‬تقديم العرائض إلدراج نقطها في جدول أعمال‬
‫المجالس‪:‬‬
‫حدد القانون التنظيمي للجماعات من المادة ‪ 121‬إلى ‪ 125‬شروط تقديم العرائض من‬
‫قبل المواطنين والمواطنات والجمعيات‪ ،‬يكون الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل‬
‫في صالحياته ضمن جدول أعماله‪ ،‬كما حدد كيفية إبداعها لدى المجالس‪ ،‬في ما أحال إلى‬
‫إصدار نص تنظيمي لتحديد شكل العريضة والوسائل المنشئة التي سيتم إرفاقها بالعريضة‬
‫حسب الحالة‪.‬‬
‫العريضة حسب مدلول القانون التنظيمي هو كل محرر يطالب بموجب المواطنات‬
‫والمواطنين الشروط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكونوا من ساكنة الجماعة المعنية أو يمارسوا بها نشاطا اقتصاديا أو تجاريا‬
‫أو مهنيا‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكونوا مسجلين في اللوائح االنتخابية العامة‪.‬‬
‫‪ -‬أن تكون لهم مصلحة مباشرة مشتركة في تقديم العريضة‪.‬‬
‫‪ -‬أن عدد الموقعين عن ‪ 100‬مواطن أو مواطنة بالنسبة للجماعات التي يقل‬
‫عدد سكانها ‪ 350000‬نسمة‪ ،‬و ‪ 200‬مواطن ومواطنة بالنسبة لغيرها من‬
‫الجماعات ذات نظام المقاطعات‪.‬‬
‫‪ ‬شروط تقديم العريضة من طرف الجمعيات‪:‬‬
‫‪ ‬أن تكون الجمعية قانونية ونشيطة لمدة تزيد عن ثالثة سنوات‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون مقرها أو احد فروعها داخل تراب الجماعة‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون نشاطها مرتبط بموضوع العريضة‪.‬‬
‫تودع العريضة لدى رئيس مجلس الجماعة مرفقة بالوثائق المثبت للشروط‬
‫المنصوص عليها مقابل وصل يسلم فورا‪ ،‬وتحال العريضة من قبل رئيس المجلس إلى مكتب‬
‫المجلس الذي يتحقق من استيفائها للشروط‪.‬‬
‫‪ -‬وفي حالة قبول للعريضة تسجل في جدول أعمال المجلس في الدورة العادية‬
‫الموالية وتحال إلى اللجنة أو اللجان الدائمة المختصة لدراستها قبل عرضها‬
‫عن المجلس للتداول في شأنها ويخير رئيس المجلس الوكيل أو الممثل القانوني‬
‫للجمعية حسب الحالة بقبول العريضة‪.‬‬
‫‪ -‬أما في حالة عدم قبول العريضة من قبل مكتب المجلس يتعين على رئيس‬
‫المجلس تبليغ الوكيل أو الممثل القانوني للجمعية حسب الحالة بقرار الرفض‬
‫معلال داخل أجل ثالثة أشهر ابتداء من تاريخ توصله بالعريضة‪.‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬معوقات المجتمع المدني وأسس تفعيله‪:‬‬
‫إن محدودية فعالية المجتمع المدني المغربي يحيلنا إلى طرح عدة تساؤالت تتمحور‬
‫كلها حول الموانع والعراقيل التي يرى أغلب الباحثين أنها جاءت كنتيجة حتمية لتظافر‬
‫مجموعة من العوامل الداخلية‪ ،‬وأخرى خارجية متعلقة بالبيئة التي يتحرك فيها‪.‬‬

‫‪ ‬الفقرة األولى‪ :‬اإلكراهات القانونية والمالية‪:‬‬


‫إذا كانت الجمعيات المشكلة قانونيا بالمغرب تتوفر على صفة الشخصية القانونية‬
‫االعتبارية‪ ،‬فإن هذه الشخصية تبقى جد محدودة بفعل غياب اجتهاد تشريعي بدعم الجمعيات‬
‫بالمقتضيات الضرورية لمفهوم العصر للجمعية‪ ،‬فبالعودة إلى الظهير الشريف رقم ‪1.58.376‬‬
‫الصادر في ‪ 15‬نوفمبر ‪ ،1958‬والذي يضبط حق تأسيس الجمعيات‪ ،‬والذي عدل وتمم‬
‫بالقانون الجديد رقم ‪ 75.00‬يتضح بجالء الرقابة التي تمارسها الدولة على الجمعيات‪ ،‬انطالقا‬
‫من إجراءات التأسيس مرورا بالتمويل التي تم تقنينه ليضع اإلعالنات العمومية ( تتفاوت من‬
‫جمعية ألخرى ) وواجبات انخراط أعضائها وواجبات اشتراك األعضاء السنوية والمساعدات‬
‫التي يمكن لجهات أجنبية أو منظمات دولية تقديمها كدعم لهذه الجمعيات‪ 33‬لهذا نجد أن‬
‫الجمعيات المستقلة عن السلطة تفتقد عموما إلى الموارد الضرورية من أجل تمويل مصاريف‬
‫تسييرها ونشاطاتها‪ ،‬فهي ال تعتمد إال على مساهمات أعضائها‪ ،‬أما من جلة العراقيل اإلدارية‬
‫التي تواجهها الجمعيات المغربية‪ ،‬رفض طلب عدد منها في حملتها المنظمة بغية اإلتراف لها‬
‫بطبيعة " جمعية ذات نفع عام "‪ ،‬وهو الذي يؤهل الجمعية لتلقي الهبات إن هذه الوضعية‬
‫تستفيد منها‪ ،‬على العكس مما سبق‪ ،‬جمعيات عديدة جهوية أو وطنية تم إنشائها بمبادرة من‬
‫السلطة‪ 34‬ضف إلى ذلك استعمال السلطة لما يسمى" بالتصريح المسبق" لعرقلة إنشاء أية‬
‫جمعية ترتاب منها‪ ،‬فبموجب تعديلي ‪ 1973‬و ‪ ،2002‬أصبح بموجبه ال يسمح ألية جمعية أن‬
‫ترى النور من دون أن تضع ترشيدها لنيل االعتراف القانوني وبدون أن تتلقى الموافقة‬
‫الصريحة من السلطات ( وفقا للمادة األولى والثانية)من قانون الجمعيات لسنتي ‪1973‬و‪2002‬‬
‫على التوالي والتين تنصان صراحة على أنه " يجب أن تقديم كل جمعية تصريحا إلى مقر‬
‫السلطة اإلدارية المحلية الكائن به مقر الجمعية مباشرة أو بواسطة عون قضائي يسلم عنه‬
‫وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال وتوجه السلطة المحلية المذكورة إلى النيابة العامة‬
‫بالمحكمة االبتدائية المختصة نسخة من التصريح المذكور إلى النيابة العامة بالمحكمة االبتدائية‬
‫المختصة نسخة من التصريح المذكور‪ 35‬لما يوضح ذلك الشكل رقم‪.01:‬‬

‫‪ 33‬هند عروب‪ ،‬المجتمع المدني المغربي‪ :‬فعالية أم أوهام الفعالية في المغرب في مفترق الطرق‪ ،‬توفيق بوعشرين (المحرر)‪ ،‬الرباط‪ :‬دفاتر وجهة‬
‫نظر‪ 2005 2004 :‬ص ‪.170.17‬‬
‫‪ 34‬عبد العزيز بناني‪ ،‬الحركة المغربية لحقوق اإلنسان‪ ،‬ورقة مقدمة إلى الندوة التي نظمت حول‪ ،‬وعي المجتمع بذاته عن المجتمع المدني في المغرب‬
‫العربي ( الدار البيضاء دار توبقال للنشر‪ ،‬ط‪ )1998 1‬الصفحة ‪.197‬‬
‫‪ 35‬المملكة المغربية القانون رقم ‪ 75.00‬المتعلق بتنظيم حق تأسيس الجمعيات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪.01.02.206‬‬

‫‪- 22 -‬‬
‫الحالة‪2 :‬‬ ‫الحالة‪1:‬‬
‫عدم تسليم الوصل‪ +‬استيفاء اإلجراءات =يمكن‬ ‫تسليم الوصل النهائي في ظرف‬
‫للجمعية ممارسة نشاطها وفق األهداف المسطرة في‬ ‫‪ 60‬يوم‪.‬‬
‫قوانينها‪.‬‬

‫تسليم السلطة المحلية نسخة من التصريح والوثائق المرفقة إلى األمانة العامة للحكومة‪.‬‬
‫تسليم السلطة المحلية إلى النيابة العامة بالمحكمة االبتدائية نسخة من التصريح والوثائق‬
‫المرفقة إلبداء رأيها في الطلب عند االقتضاء‪.‬‬

‫وصل مؤقت مختوم‬

‫ملحوظة‪ :‬تم إعداد هذه‬ ‫التصريح لدى مقر السلطة اإلدارية المحلية‪.‬‬
‫الخطاطة بناء على مقتضيات‬
‫يتم التصريح مباشرة من طرف أحد أعضاء أو عون قضائي‪.‬‬
‫القانون ‪ 75.00‬المتعلقة‬
‫بتأسيس الجمعيات‪.‬‬

‫المصدر‪ :‬ندير المومني‪ "،‬تقديم وطني لمشاركة المواطنين والمجتمع المدني في‬
‫إصالح القطاع العام في المغرب " كلية العلوم القانونية واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬الرباط‪ ،‬ص‬
‫‪.57‬‬
‫وهو اإلجراء الذي لم يكن موجود مع ظهير ‪ ،1958‬والذي كان يميز بين نوعين من‬
‫الجمعيات ( جمعيات األشخاص) التي تؤسس وبكل حرية دون سابق إذن والجمعيات المتمتعة‬
‫بالشخصية المعنوية‪ ،‬والتي تخضع إلى تقديم صريح‪.‬‬
‫وهكذا يمكن القول بأن التعديالت التي جاءت متممة للظهير المنظم للحريات العامة‬
‫الصادر في نوفمبر ‪ 1958‬ونقصد بذلك ( قانون ‪ 1973‬و‪ ،) 2002‬وملت معها مند البداية في‬
‫تقييد الحريات العامة‪ ،‬مما انعكس سلبا على دينامكية المجتمع المدني المغربي وفاعليته‪.‬‬

‫‪- 23 -‬‬
‫‪ ‬الفقرة الثانية‪ :‬التركيبة الهجينة لمنظماته‪:‬‬
‫باإلضافة إلى عائق النخبوية الذي ساهم في توسيع الفجوة ما بين منظمات المجتمع‬
‫المدني المغربي والمجتمع ككل‪ ،‬تعيش هذه المنظمات أيضا حالة " تمازج حاد " بين مجتمع‬
‫محلي ذي بنية وراثية ومجتمع مدني ناشئ‪ ،‬بين مجتمع القبيلة واألسرة ومجتمع النقابة‬
‫والعصبة والجمعية‪ .36‬فالفاعلين داخل المجتمع المدني المغربي متراكبون داخل سلطة الدولة‪،‬‬
‫سلطة األحزاب السياسية وسلطة النقابات‪ ،‬وهو ما يمنع كل حياد واستقالل ويعيد‪ -‬وهذا هو‬
‫األخطر – توجيه نشاطهم ويحصر أعمالهم‪ 37‬ويعجل نخبة تقطع في كثير من األحيان مع ثقافة‬
‫النقد والمساءلة وترتكن بالمقابل لنزعة التبرير والتواطؤ‪ ،‬وهو ما ينتج ويبعد إنتاج نخبة مدينة‬
‫غير فاعلة ال تجيد إال الترديد الصدوي لمل يخطط ويقرر في مربع السلطة في غالب‬
‫األحيان‪.38‬‬
‫فتصور مجتمع مدني مستقل يقتضي االعتراف بالمصالح االجتماعية المختلفة‬
‫والمتشبعة‪ ،‬ويتطلب إعادة بناء العقل السياسي القائم على التنافس بين مختلف القوى الموجودة‪،‬‬
‫كما يستوجب حضور القواعد التي يحترمها الجميع‪ ،‬فالمجتمع المدني قبل كل شيء يتأسس‬
‫انطالقا من انتصار القانون على الديانات كما يقول ( جون لوك)‪ .‬هذه العراقيل والمعيقات‬
‫السابقة والتي هي أعطاب قصوى يعتل بها المجتمع المدني المغربي‪ ،‬تجعل من نخبه في‬
‫الكثير من الحاالت مجرد كائنات صدوية تعيد إنتاج ما يريد صناع القرار الفاعلين فعله في‬
‫النسق المجتمعي‪ ،‬وهي بالضبط المسؤولية إلى حين بعيد عن استمرارية فرضية هذا المجتمع‬
‫بما تعنيه من جنينية المفهوم وتشوهات الفعل وعجزه عن االضطالع باألدوار الريادية‬
‫المنتظرة منه كفعاليات ومؤسسات أوجدت أساسا لحماية الفرد من شطط السلطة‪.‬‬

‫‪ 36‬عبد اإلله بلقزيز‪ < ،‬المجتمع المدني إدارة االنتهاض وكوابح الدولة > مجلة آفاق‪ ،‬ع‪ ،)1991( 4-3 ،‬ص ‪.191 -188‬‬
‫‪ 37‬عائشة بلعربي‪ " ،‬الحركة الجمعوية النسائية بالمغرب‪ :‬تأكيد مواطنة النساء" ورقة مقدمة إلى الندوة التي نظمت حول‪ ،‬وعن المجتمع بذاته عن‬
‫المجتمع المدني في المغرب العربي ( الدار البيضاء‪ :‬دار توبقال للنشر ‪ ،‬ط ‪ )1998 .1‬ص ‪.132‬‬
‫‪ 38‬عبد الرحيم العطري‪ " :‬صناعة النخبة بالمغرب ‪ :‬المخزن والمال والنسب والمقدس طرق الوصول إلى القمة مجلة دفاتر وجهة نظر‪ ،‬ع ‪ ( 9‬الرباط‬
‫‪ :‬مطبعة النجاح الجديدة ط‪ )2006 1.،‬ص ‪.136‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫‪ ‬الفقرة الثالثة‪ :‬أسس تفعيل المجتمع المدني‪:‬‬
‫إن اضطالع منظمات المجتمع المدني باألدوار واألوضاع التي ذكرناها سابقا‪ ،‬يبقى‬
‫رهين توفر جملة من الشروط والوسائل وفي ضوء ذلك ذهبنا لتحديد ثالث وسائل رئيسة لنمو‬
‫المجتمع المدني أو لتدعيم نجاعته وفعاليته‪.‬‬
‫‪ ‬أوال‪ -‬اإلطار القانوني والسياسي‪.‬‬
‫يتضمن اإلطار القانوني والسياسي مبادئ وقواعد قانونية وسياسية‪ ،‬تسمح بتفعيل‬
‫المجتمع المدني وإعطائه الضمانات الالزمة لحركته ونشاطه وهي كما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬وجود دستور مستفتى عليه شعبيا‪ ،‬يقر التعددية الحزبية وحرية تكوين الهيئات‬
‫والمنظمات السياسية والنقابية واالجتماعية والثقافية =‪ ،‬ويحمي الديمقراطية والحريات وحقوق‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يضمن نظام الحكم الدستوري الفصل بين السلطات‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن توجد وتحترم القواعد القانونية التي تنظم وتحكم تكوين مؤسسات المجتمع‬
‫المدني‪.‬‬
‫د‪ -‬احترام النظام القضائي واستقالله لحماية الشريعة الدستورية والحريات‬
‫الديمقراطية‪.‬‬
‫ه‪ -‬أن تحول القوانين دون انتهاك الحريات‪ ،‬أو حل السلطة التشريعية أو تجميد‬
‫الدستور‪ ،‬أو إعالن حالة الطوارئ والقوانين االستثنائية أو التهديد بها‪.39‬‬
‫و‪ -‬المشاركة الشعبية في صناعة القرارات على المستويات المختلفة بما يتطلب ذلك‬
‫من الالمركزية‪ ،‬ومن توزيع المهام والصالحيات‪ ،‬إذا ثم التسليم بضرورة وبوجود كل هذه‬
‫المبادئ والقواعد القانونية والسياسية فإن أنسب وسيلة لهذا الغرض هو تحقيق الديمقراطية‬
‫وتكريس مبادئها‪ ،‬ل لوصول إلى المجتمع الديمقراطي‪ ،‬هذا األخير الذي ال يقوم على وجود دولة‬
‫قانونية وديمقراطية فحسب‪ ،‬ولكنه يتجاوز ذلك نحو توطين مبادئ الديمقراطية في ممارسات‬
‫الفرد والجماعة معا لتصبح بذلك ممارسة يومية تعمق في داخله تقاليدها‪.40‬‬

‫‪ ‬ثانيا‪ -‬اإلطار االقتصادي واالجتماعي‪.‬‬


‫ويقصد به تحقيق درجة معقولة من التطور االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬كأساس ال بد منه‬
‫لتوليد المجتمع المدني فحتى اآلن‪ ،‬ينسب المجتمع المدني إلى بلدان الرأسمالية الغربية المصنعة‬
‫بشكل متقدم صناعيا‪ ،‬وبناءا عليه ليس من الصعب على المراقب السياسي أن يالحظ بأن النظم‬
‫الديمقراطية المتعارف عليها قد نشأت في تلك األقطار التي نجحت قبل غيرها في السيطرة‬

‫أحمد شكر الصبحي‪" ،‬مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي" ( بيروت‪ :‬دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط ‪ 2‬ص ‪.)218‬‬ ‫‪39‬‬
‫‪40‬‬
‫‪Jhan keam , democracy and civil society )London New York: verso : 1988( p 101.‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫على العملية الحضارية النسقية والعلمية واإلنتاجية ( الحداثة )‪ ،‬بالمقابل تعيش األمم المتحدة‬
‫والشعوب األخرى – من بينها المغرب األقصى – التي أنفقت في السيطرة على هذه الحداثة‬
‫بشكل دائم‪ ،‬ومن أكثر من قرن‪ ،‬وفي ظل سلطة مطلقة وتعسفية‪ ،41‬فمسار الخصوصية الذي‬
‫اخدت به لم يتم لصالح المجتمع المدني‪ ،‬بل تحولت هذه العملية إلى خدمة قوى أخرى عبر‬
‫عنها عادل غنيم‪ ،‬مثيرا إلى أن ما حدث في البلدان العربية إبان سياسة االنفتاح وإعطاء‬
‫المبادرة للقطاع الخاص كان في حقيقته تحوال في وظيفة الدولة اقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬فبعد أن‬
‫كانت الدولة هي األداة اإلستراتيجية لتعبئة الفائض االقتصادي وعنصر أساسي في عملية‬
‫اإلنتاج االجتماعي‪ ،‬وفي توسعه المطرد‪ ،‬أي في عملية التنمية االقتصادية واالجتماعية‬
‫المستقلة‪ ،‬أصبحت الدولة أداة رأس المال الدولي والمحلي في استنزاف الفائض االقتصادي‬
‫وتبديده‪ ،‬بل وفي نهب أصول المجتمع اإلنتاجية ذاتها وتبديدها‪42‬؛ وتبعا لهذا التحليل‪ ،‬فإن فهم‬
‫اإلشكال المشوهة للمجتمع المدني يكون من خالل النظر إلى األمر في سياقه الصحيح وهو‬
‫المبدأ المدخل أو المرتكز االقتصادي االجتماعي‪ ،‬بمعنى‪ ،‬أن التطور االقتصادي واالجتماعي‪،‬‬
‫بمعنى‪ ،‬أن التطور االقتصادي واالجتماعي المحتجز ال يمكن أن يوله ديمقراطية محتجزة النمو‬
‫ومن ثم مجتمعنا مدنيا محتجز االكتمال‪ ،‬أما نهاية هذه اإلحتجازات‪ ،‬في أشكال دكتاتورية‬
‫منمقة‪ ،‬وعليه فالمطلوب هو االستناد إلى نظام اقتصادي يرتكز على دور أكبر للقطاع الخاص‬
‫الوطني والمبادرات الفردية‪ ،‬ويسمح لألفراد بإشباع حاجياتهم األساسية بعيدا عن الدولة‪ ،‬التي‬
‫يجب أن يقتصر تدخلها في المجال االقتصادي على وضع بعض القواعد التنظيمية لألنشطة‬
‫الخاصة‪ ،‬والقيام ببعض المشروعات التي يعجز القطاع الخاص عن أدائها‪ ،‬ذلك ألن تدخل‬
‫الدولة في مختلف أوجه النشاط االقتصادي واالجتماعي يقلص من إمكانية تبلور المجتمع‬
‫المدني المستقل عن الدولة‪.43‬‬
‫‪ ‬ثالثا‪ -‬اإلطار الثقافي‪:‬‬
‫من الواضح أن المجتمع المدني ال ينشط فقط لوجود هياكل تنظيمية تستقل رسميا عن‬
‫السلطات العامة‪ ،‬فال قيمة لهذه الهياكل في حد ذاتها‪ ،‬ما لم تعززها بل تسبقها ثقافة مواكبة‬
‫تشدد على ضرورة تقييد السلطات العامة بحدود معينة في تعاملها مع المواطنين فرادى كانوا‬
‫أو جماعات واحترامها حق هؤالء المواطنين في التنظيم واالجتماع والتفكير والتعبير‪ ،‬وأن ال‬
‫يقتصر األمر على مجرد المعرفة بمثل هذه الحقوق‪ ،‬وإنما تقترن المعرفة بالتمسك بقيم أخالقية‬
‫وبأنماط من السلوك منسقة معا‪ ،‬وتشير بعض الكتابات إلى كل هذه العناصر تحت اسم الثقافة‬
‫المدنية‪ ،44‬بمعنى أخر ال يمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تكون فاعلة من دون إطار ثقافي‬
‫يساعد في ترسيخ قيم الممارسة الديمقراطية ومبادئها‪ ،‬لهذا فإن تفعيل المجتمع المدني العربي‬
‫– والمغربي على وجه الخصوص‪ -‬يحتاج مسبقا إلى تأصيل المفاهيم والمبادئ المدنية في حياة‬

‫‪ 41‬أحمد شكري صبحي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.229‬‬


‫‪ 42‬ثناء فؤاد عبد هللا‪ ،‬الدولة والقوة االجتماعية في الوطن العربي‪ ،‬عالقة التفاعل والصراع‪( ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ )2001 -1‬ص ‪.296‬‬
‫‪ 43‬خير الدين عبادي‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ 44‬مصطفى كامل السيد " مؤسسات المجتمع المدني على المستوى القومي"‪ ،‬ورقة مقدمة إلى المجتمع المدني في الوطن العربي‪ ،‬ودوره في تحقيق‬
‫الديمقراطية‪ ( ،‬بيروت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط ‪ ) 1992 .2‬ص ‪.658‬‬

‫‪- 26 -‬‬
‫الناس‪ ،‬ليس في الفكر وحده‪ ،‬بل أيضا في التنشئة والممارسة‪ ،‬وهذا يستدعي إحداث تغيير عمل‬
‫في العادات العقلية والروحية‪ ،‬حيث يخرج الناس من األطر الطائفية اإلثنية إلى منازل‬
‫المجتمع‪ ،‬حيث المجال مفتوح على التفاعل والتكامل هما الشرطين الضروريين لتوليد‬
‫اإلحساس العلمي بقيمة األخر‪ ،‬عندها تصبح القناعة حقا بضرورة العمل الجماعي والتوجه‬
‫نحو الممارسة المدنية‪.45‬‬
‫وبناءا على ما سبق‪ ،‬يمكن القول بأنه ال يمكن لمؤسسات المجتمع المدني بوصفها‬
‫أبرز أدوات العمل السياسي أن تكون فعالة في سياق العملية الديمقراطية ومبادئها‪ ،‬فالعقبة‬
‫األساسية التي تعترض تطور قوى المجتمع المدني ومؤسساته في بلدان المغرب العربي‬
‫(والمغرب األقصى) أحدهما‪ ،‬ليست سوى شيوع ثقافة الخضوع والتبعية وهيمنتها على مجمل‬
‫عالقات الحكم والسلطة‪.46‬‬
‫وعلى العموم تعتبر األطر السابقة بمثابة ركائز أساسية يمكن أن تساهم بشكل متفاوت‬
‫في تفعيل المجتمع المدني المغربي‪ ،‬بشكل يسمح له أن يضطلع باألدوار الجديدة المندرجة‬
‫ضمن سياق الديمقراطية التشاركية الذي نص عليها الدستور الجديد ( دستور ‪.) 2011‬‬

‫علي عمران‪ ،‬في أزمة الحراك المدني الديمقراطي مجلة تحوالت‪ ،‬ع ‪ ( 10‬شتاء ‪ ،)2006‬ص ‪.5‬‬ ‫‪45‬‬

‫أحمد شكري الصبحي مرجع سابق‪ ،‬صفحة ‪.227‬‬ ‫‪46‬‬

‫‪- 27 -‬‬
‫‪ ‬المطلب الثالث‪ :‬رؤية مستقبلية لمكانة المجتمع المدني‬
‫بالمغرب‪:‬‬
‫وفي ضوء ما هو شائع أن الدراسات التي ال تنفتح على المستقبل هي دراسات‬
‫مبتورة‪ ،‬لهذا جاء هذا المطلب إلعطاء قراءة مستقبلية لمكانة المجتمع المدني بالمعرب عبر‬
‫ثالث فقرات‪.47‬‬

‫‪ ‬الفقرة األولى‪ :‬استمرارية هيمنة النظام السياسي على المجتمع‬


‫المدني‪.‬‬
‫يتمثل هذا السيناريو األول في السكون واستمرار الوضع الراهن المتأزم اقتصاديا‬
‫وسياسيا‪ ،‬مع نزعة لتسلط والهيمنة والقمع على حساب بناء الدولة والمجتمع وبالتالي فهو من‬
‫السيناريوهات السلبية التي تتمثل في بقاء التوجهات االقتصادية والسياسية نفسها األمر الذي‬
‫يفترض بقاء النظام السياسي نفسه والطبقة السياسية الحاكمة التي تفتقد الشرعية في عيون‬
‫األغلبة الساخطة من المجتمع ويتبلور هذا السيناريو عبر عدة مظاهر أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬رفض النظام السياسي المغربي‪ ،‬أو عدم استطاعته القيام بعملية ( إصالح‬
‫جدرية ) في المستقبل‪ ،‬وهذا معناه التوجه نحو العنف في العالقات االجتماعية‬
‫البارزة التي تعاني منها األنظمة العربية‪ -‬التي من بينها النظام السياسي‬
‫المغري – بدال من أن يقابلها هذا األخير بالتدعيم الموضوعي لمصادر‬
‫الشرعية ومكوناتها‪ ،‬وتفعيل المجتمع المدني‪ ،‬عهد تقليص الحريات األساسية‬
‫ومصادرة دور المجتمع المدني‪ ،‬فضال عن محاولته لفرض نفسه كمركز وحيد‬
‫للشرعية إلى جانب كونه مصدرا وحيد للقوة‪.48‬‬
‫‪ -‬تميز مؤسسة الدولة بالتنظيم والمركزية في التوجيه واإلدارة – بالمغرب‬
‫االقصى – يغذي ذلك تجدرها التاريخي ألدولتي السلطاني النزعة‪ ،‬مما يجعل‬
‫منها حاملة لدولته المجتمع‪ ،‬ويجعل إمكانية استمرارية هيمنة النظام على‬
‫المجتمع المدني‪ ،‬فالقوة والتيار السياسي واالجتماعي بالمغرب كغيره من بلدان‬
‫المغرب العربي‪ ،‬لم تتبلور بالشكل الذي يمكنها من منافسة أنظمتها السياسية‪،‬‬
‫مع استمرار تحكم العاهات القديمة كالطائفية والقبيلة والنظام العصبوي‪ ،‬ما‬
‫يرهن فاعليتها إلى وقت الحق من منها يأتي افتراض أن النظام السياسي‬
‫المغربي سوف يحتفظ بالسلطة العليا‪ ،‬وبناءا على هذه الرؤية‪ ،‬فإنه ليس من‬
‫المنتظر أن يحدث تحول ديمقراطي جدري حتى خالل العقد المقبل‪.49‬‬

‫‪47‬‬
‫‪Augustus Richard Norton, << the future of civil in the Middle East >> middle east journal, vol, 47 no. 2(spring‬‬
‫‪1993). p, 214.‬‬
‫أحمد شكري الصبحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.170‬‬ ‫‪48‬‬

‫ثناء فؤاد عبد هللا مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.170‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪- 28 -‬‬
‫‪ -‬شيوع الالمباالة السياسية وبروز ظاهرة االغتراب السياسي على المستوى‬
‫المجتمعي والفردي‪ ،‬وكذا تفاقم حالة الفقر واألمية واتساعها لتحتضن المزيد‬
‫من المجموعات السكانية‪ ،‬ويتجسد هذا االغتراب في استجابة سلوكية‪ ،‬تكون‬
‫في صورتين‪:‬‬
‫* التبلد السياسي‪ ،‬وعدم الرغبة في المشاركة السياسية والعزوف عن اإلدالء‬
‫بالصوت االنتخابي‪ ،‬وشيوع روح عدم االنتماء‪ ،‬أما الصورة الثانية لالستجابة‬
‫السلوكية الناجمة عن الشعور باالغتراب السياسي فهي العنف‪ ،‬وبخاصة بين‬
‫أبناء الطبقات الدنيا في المجتمع‪ ،‬ومع ازدياد هذا الشعور نتيجة الحرمان‬
‫االجتماعي‪ ،‬تصبح هذه المشاعر مصدر تهديد خطير ال للنظام السياسي وحده‬
‫بل المجتمع بأسره‪.50‬‬

‫‪ ‬الفقرة الثانية‪ :‬دور محدود للمجتمع المدني في ظل انفتاح جزئي‬


‫للنظام السياسي المغربي‪.‬‬
‫أما السيناريو الثاني‪ ،‬فهو بناء المجتمع المدني وتدعيمه طبقا لعملية إصالحية تدريجية‬
‫يغلب عليها الطابع السلمي أحيانا‪ ،‬والضغوط والمواجهة العنيفة أحيانا أخرى إليجاد صيغة‬
‫توفيقية بين السلطة السياسية والمعارضة‪ ،‬وهذا إدراكا منهما لعدم إمكانية نفي أحدهما لألخر‬
‫أو إقصائه‪ ،‬وإزاء هذا اإلدراك وجب ابتكار أسلوب توفيقي بينهما قائم على الحوار المبني على‬
‫درجة من التفاهم وتقسيم المسؤوليات‪ ( ،‬كما حدث من تجربة التناوب التوافق سنة ‪،)1998‬‬
‫ويتضمن هذا التصور عدة مظاهر أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬ممارسة الضغوط على النظام القائم إلدخال بعض اإلصالحات التي من شأنها‬
‫إحياء المجتمع المدني وتنشيطه‪ ،‬أي إقامة نوع من التوازن بين الدولة‬
‫والمجتمع‪ ،‬بحيث تتحدد واجبات كالهما وحقوقهما‪.‬‬
‫‪ -‬إدراك النخب الحاكمة حقيقة المأزق الذي يواجهه النظام السياسي المغربي‪،‬‬
‫هذا األخير الذي بات من مصلحته من باب االستمرار والحفاظ على الذات أن‬
‫يوجد األطر السياسية واالقتصادية واالجتماعي والتي تمثل مجاال مالئما‬
‫لتدعيم المجتمع المدني وتنميته‪ ،‬وأن يلتحم بالمجتمع على أسس جديدة‪.51‬‬
‫‪ -‬التقلص التدريجي لسيطرة الدولة بفعل آليات النظام الدولي السياسي‬
‫واالقتصادي والتقنية والمعلوإتصالية بحث يصبح قسم منها بمثابة سلطات‬

‫‪ 50‬ثناء فؤاد عبد هللا نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.920‬‬


‫‪ 51‬حسين توفيق ابراهيم‪ " ،‬بناء المجتمع المدني‪ :‬المؤشرات الكمية والكيفية‪ ،‬ورقة قدمت إلى‪ :،‬المجتمع المدني في الوطن العربي ودوره في تحقيق‬
‫الديمقراطية ( بيروت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،)1992 ،‬ص ‪.713‬‬

‫‪- 29 -‬‬
‫محلية في نظام كوني‪ ،‬ومع هذا أفال تزال الدولة تحتفظ بدور مركزي يؤمن‬
‫لها السيطرة على مجتمعها‪.52‬‬
‫إن تكاثر منظمات المجتمع المدني وفعالياتها سيشعر أعدادا متزايدة من أفراد‬ ‫‪-‬‬
‫المجتمع المغربي‪ ،‬بأن هناك بديال وظيفيا للتكوينات اإلرثية من أن يؤدي‬
‫تدريجيا إلى تقوية الوالء لألولى‪ ،‬وإضعاف الوالء للثانية‪ ،‬كما أنه قد يدفع‬
‫التكوينات االجتماعية – االقتصادية األخرى لإلسراع بتنظيم نفسها في شكل‬
‫أحزاب أو نقابات أو روابط‪ 53‬ويمكن تلمس التطور األفقي للممارسة‬
‫االجتماعية فيما بدأ يدب في الحركة االجتماعية ( النقابية مثال ) من استمرارية‬
‫وحيوية وما بدأ ينكشف في سياق ذلك من صيرورة االستقالل هذه الحركة عن‬
‫الدولة بعد طول احتواء وكبح‪ ،‬باإلضافة للظهور الحثيث لديناميات جديدة –‬
‫غير حزبية بالضرورة – في تشكل المجتمع المدني‪ ،‬وبالخاصة منها تلك التي‬
‫يمكن اعتبارها ديناميات ثقافية أو حقوقية‪ ،54‬وكنتائج لما ذكرناه سيترتب ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫أن هذا النوع من اإلصالحات المحدودة والمقننة‪ ،‬ال يسهل عملية تأكيد الدور‬ ‫‪-‬‬
‫الفعال للمجتمع المدني‪ ،‬ففي الغالب يتسم موفق الدولة إزاء مؤسسات المجتمع‬
‫المدني إما بالتردد وإما بعدم الثقة‪ ،‬فالدولة تسمح قانونا بالمجتمعات‬
‫والتنظيمات المدنية ربما اعترافا منها بقيمة إحياء هذه المؤسسات‪ ،‬ولكنها في‬
‫الوقت نفسه تضع من القيود القانونية واإلدارية‪ ،‬ما يجعل لها اليد الطويلة في‬
‫مراقبة هذه الجمعيات والمؤسسات أو حلها‪ ،‬أو تحديد مجال حريتها مما يترتب‬
‫عليه وجود مجتمع مدني ممنوح من المؤسسات العليا (أي الدولة)‪.55‬‬
‫السماح بمشاركة سياسية مقيدة لقوى المجتمع المدني‪ ،‬ربما يمكنها من التعبير‬ ‫‪-‬‬
‫عن مصالحها‪ ،‬كما يمكنها من التعبير عن سخطها بوسائل مؤسسية أكثر‬
‫جدوى وفاعلية‪ ،‬وما دام ذلك مستمرا‪ ،‬فإن التكوينات االجتماعية المنظمة نفسها‬
‫ستكون مثلها مثل الدولة‪ ،‬بمثابة كابح لجماح بعض قوى التطرف فالدولة‬
‫ومنظمات المجتمع المدني ستكون لها مصلحة مشتركة في حماية االستقرار‬
‫الداخلي‪.56‬‬
‫فعملية التغيير االجتماعية وما يترتب عليها من ظهور قوى اقتصادية‬ ‫‪-‬‬
‫واجتماعية جديدة‪ ،‬تطرح مطالب جديدة ( سياسية اقتصادية اجتماعية ) لم تكن‬
‫مطروحة من قبل وتتطلب وجود أطر مؤسسية فاعلة تقوم باستيعاب هذه‬
‫‪52‬‬
‫‪Samuel Huntington, after twenty years, the future of third wave, journal of democracy, vol, 08, n04,( Décombre‬‬
‫‪1997). pp. 01-07.‬‬
‫‪ 53‬سعد الدين ابراهيم " وآخرون" مستقبل المجتمع والدولة في الوطن ال عربي‪ ،‬سلسلة دراسات الوطن العربي‪ ،‬سلسلة دراسات الوطن العربي ط ‪2‬‬
‫عمان منتدى الفكر العربي‪ ،‬ص ‪.392‬‬
‫‪ 54‬أحمد شكري الصبحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫‪ 55‬ثناء فؤاد عبد هللا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 284‬‬
‫‪ 56‬حسنين توفيق ابراهيم‪ ،‬ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية‪ ،‬سلسلة أطروحات الدكتوراه‪ ( 17 ،‬بيروت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫‪ ،)1992‬ص ‪.283-282‬‬

‫‪- 30 -‬‬
‫المطالب وتجمعها وتوصيلها‪ ،‬وكذا تمتعها بالمرونة والقدرة على التكيف من‬
‫شأنه أن يمكن النظام السياسي من إدارة عملية التغيير بفعالية كبيرة بعيدا كل‬
‫البعد عن استعمال كل إشكال العنف‪.‬‬

‫‪ ‬الفقرة الثالثة‪ :‬التوازن بين المجتمع المدني والنظام السياسي‪.‬‬


‫هذا السيناريو الثالث‪ ،‬هو األكثر تفاؤال واألشد صعوبة في تحقيقه‪ ،‬ألنه يقوم على‬
‫إحداث التحوالت المطلوبة لبناء المجتمع المدني استنادا إلى عملية تغيير ثوري جذري تهدم‬
‫أسس المجتمع القائم‪ ،‬وتبقى مجتمعا جديدا‪ ،‬انه يرفض القطيعة مع المنطق السياسي‬
‫واالقتصادي السائد حتى اآلن ويتطلب إدخال اصالحات عميقة على بنية الدولة من خالل‬
‫قاعدتها االجتماعية والذي من شأنه اكتساب النخبة السياسية الحاكمة شرعية أكثر هذه الرؤية‬
‫تتضمن مظاهر أساسية لعل أهمها‪:‬‬
‫اتسام العملية السياسية بالطابع الديمقراطي‪ ،‬بما يسمح بتداول السلطة‪ ،‬أو تكون‬ ‫‪-‬‬
‫الدولة قانونية ودولة مؤسسات‪ ،‬ذلك من خالل عمل الدولة في ظل نظام دقيق‬
‫من القوانين‪ ،‬بعبارة أخرى تكون العالقة سليمة بين المجتمع المدني والنظام‬
‫‪57‬‬
‫السياسي إذا انتظمت العملية السياسية وفق المبادئ التالية‪:‬‬
‫أن تكون الدولة بمثابة اإلطار السياسي والقانوني للمجتمع المدني‪ ،‬حيث يلعب‬ ‫‪‬‬
‫هذا األخير دورا مهما في تشكيلهما‪.‬‬
‫أن تكون الدولة مؤسسة محايدة إزاء مختلف قوى المجتمع المدني وتكويناته‬ ‫‪‬‬
‫وأن تضع اإلطار لإلدارة وحل الصراعات‪ ،‬وأن ال تكون أداة في يد فئة‬
‫معينة‪ ،‬وإنما تكون تعبيرا عن مختلف قوى المجتمع المدني وفئاته مما يساعدها‬
‫على تعميق شرعيتها وتجديرها في المجتمع‪.‬‬
‫أن تمارس قوى المجتمع المدني ومؤسساته التأثير الفعال في السياسات‬ ‫‪‬‬
‫والقرارات التي تتخذها الدولة من خالل عدد من المسالك واألدوات بصورة‬
‫سليمة وغير سليمة‪ ،‬كالمجالس النيابية وجماعات الضغط وأعمال االحتجاج‬
‫الجماعي من مظاهرات وإضرابات واعتصامات‪. ...58‬‬

‫وكنتائج منتظر للمظاهر السابقة سيفرز لنا هذا السيناريو عدة نتائج أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬قيام عالقة سوية بين الدولة والمجمع تنطوي على قدر كبير من المشاركة‬
‫السياسية للمواطنين وتنظيماتهم غير الحكومية في اتخاذ القرارات‪ ،‬يقدر ما‬
‫تكون الدولة تعبيرا أمنيا عن مجتمعها تزداد المشاركة السلمية المنتظمة ألفراد‬

‫‪57‬‬
‫حسنين توفيق ابراهيم مرجع سابق ص ‪.700‬‬
‫‪ 58‬سعد الدين ابراهيم‪ ،‬مجتمع المدني والتحول الديمقراطي في الوطن العربي ( القاهرة مركز التنمية السياسية والدولية‪ )1991 ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫المجتمع في الشؤون العامة سواء بصفتهم الفردية أو الجماعية عبر المؤسسات‬
‫الطوعية‪.‬‬
‫سيكون طابع التكاملية الوظيفية إحدى النتائج المدنية‪ ،‬إذ تتولى مؤسسات‬ ‫‪-‬‬
‫المجتمع المدني عملية التعبير عن مصالح المجتمع المتنوعة وتقديمها إلى‬
‫المؤسسات الحكومية التي تتولى بدورها عملية تحويلها وإنتاجها بصيغة‬
‫قرارات وسياسات عامة‪.‬‬
‫تمتع المجتمع بهامش واسع من االستقرار السياسي واالجتماعي‪ ،59‬وإلكمال‬ ‫‪-‬‬
‫التصور عن مستقبل العالقة بين المجتمع المدني والنظام السياسي نشير إلى ما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫إن األزمة التي يعيشها المجتمع العربي‪ -‬والمجتمع المغربي على وجه‬ ‫‪-‬‬
‫الخصوص‪ -‬اليوم تتركز كليا على الدولة‪ ،‬ويفترض هذا المبحث في الدولة‬
‫وفهم مشكالتها‪ ،‬يشكالن المدخل الرئيس لتحليل األزمة الشاملة التي يعيشها‬
‫المجتمع المغربي‪.‬‬
‫إن المجتمع المدني مرتبط في المغرب وغيره من البلدان العربية‪ ،‬ارتباطا‬ ‫‪-‬‬
‫وثيقا بالنسبة للدولة‪ ،‬وال يكون من المبالغة في شيء إن قلنا أنه من صنع‬
‫الدولة الحديثة‪.‬‬
‫إن النظام السياسي والمجتمع المدني ليس أمرين مستقلين أحدهما عن األخر‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ولكنهما مرتبطان كليا‪ ،‬فلكل نظام سياسي المجتمع المدني الذي يتماشى معه‪،‬‬
‫بل إن المجتمع المدني هو جزء من السياسة بمعناها الواسع العميق‪ ،‬أي أن‬
‫أصول المجتمع المدني هي في المجتمع السياسي‪ ،60‬لهذا نجد الصعوبة في فهم‬
‫الحد الفاصل بين المجتمع المدني والسياسي من دون فهم طبيعة السلطة‪،‬‬
‫فحدود المجتمع المدني تختلف مع تغير النظم االجتماعية وما كان يعتبر في‬
‫حقبة ما من شؤون المجتمع المدني يمكن أن يصبح من شؤون المجتمع‬
‫السياسي‪ ،‬والعكس صحيح كما يقول عبد هللا العروي في سياق تناوله لمفهوم‬
‫الدولة‪.‬‬
‫وبناء على مختلف السيناريوهات السابقة فإن السيناريوا الذي يظهر بأنه األقرب‬
‫للحدوث في المملكة المغربية هو الشافي‪ ،‬والمتمثل في انفتاح الدولة جزئيا على المجتمع‬
‫المدني وتدعيمه تدريجيا إليجاد صيغة توفيقية بين السلطة السياسية والمعارضة‪ ،‬والذي يمكن‬
‫اعتباره بمثابة امتداد لما حدث سنة ‪ ،1998‬أيان عاش المغرب تجربة حكومة التناوب التوافقي‬
‫بقيادة المعارضة‪ ،‬رغم أن البعض من الباحثين يرى فيها " منحة ملكية " وأنها جاءت بهدف‬
‫ضمان االستمرارية واالستقرار للعرش الملكي‪ ،‬ولعل ما يعزز اختيار هذا السيناريو‬

‫‪ 59‬سعد الدين ابراهيم " آخرون " ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪ 60‬برهان غليون‪ " :‬بناء المجتمع المدني في الوطن العربي‪ :‬دور العوامل الداخلية والخارجية‪ " ،‬ورقة قدمت إلى‪ :‬المجتمع المدني في الوطن العربي‬
‫ودوره في تحقيق الديمقراطية‪ ،‬بيروت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ )1992 ،‬ص ‪.737‬‬

‫‪- 32 -‬‬
‫اإلصالحات األخيرة التي قام بها الملك محمد السادس ( دستور ‪ ،)2011‬والتي أعطت مكانة‬
‫وهامش واسع من الحرية للعمل الجمعوي يبقى رهان تحقيقها متعلق بممارستها ميدانيا وهو‬
‫الشيء الذي أظهره االستطالع الوطني الذي أنجزه من طرف فريق من الباحثين في العلوم‬
‫االجتماعية في إطار التقرير الوطني لتقييم خمسون سنة من التنمية البشرية‪ ،‬والذي شمل عينة‬
‫من ‪ 1000‬شخص حدد باستعمال الحصص مفارقة تتمثل في نسب االنخراط المحدود في‬
‫تنظيمات المجتمع المدني ‪ 7%‬بالنسبة للجمعيات‪ ،‬و ‪ 2%‬بالنسبة للنقابات)‪ ،‬مقابل رغبة‬
‫متزايدة لالنخراط مستقبال في الجمعيات ( مابين ‪ %32‬و ‪ %41‬تعاونيات)‪ ،‬تعاونيات‬
‫(‪ ،)%36‬النقابات (‪ ،)12%‬من جهة أخرى وفي نفس السياق أفضى استطالع أخر قامت به‬
‫جريدة ‪ l’eonomiste‬خالل شهر أكتوبر ونوفمبر سنة ‪ 2005‬والذي شمل حوالي ‪ 776‬شابا‬
‫( من ‪ 16‬سنة إلى ‪ 29‬سنة ) في العالمين القروي والحضري‪ ،‬وبالرغم من أن االستمارة لم‬
‫تتضمن سؤاال يتعلق باالنتصارات فقد أوضحت نتائج االستطالع أن ‪ %5‬يزاولون نشاطا‬
‫جمعويا خالل أوقات الفراغ‪ ،‬وهو ما يمكن فهمه بوصفه توسعا ألفق االنتظارات من المجتمع‬
‫المدني وتتمين متزايد ألدواره‪.‬‬

‫‪- 33 -‬‬
‫خـاتــمـــة‪:‬‬
‫انطالقا من مبدأ الديمقراطية‪ ،‬كرس‬
‫الدستور المغربي األدوار المحورية التي‬
‫يلعبها المجتمع المدني‪ ،‬ومختلف‬
‫هيئاته‪ ،61‬بغية تحقيق العدالة‬
‫المجالية على مستوى المحلي أو‬
‫الترابي‪ ،‬انسجاما مع مقتضيات دستور‬
‫‪ 2011‬وتماشيا مع إستراتيجية النموذج‬
‫التنموي الجديد التي ينهجها المغرب‪.‬‬

‫كما يعد المجتمع المدني ومختلف‬


‫تنظيماته فاعل رئيسي في إدارة األزمات‬
‫على المستوى الوطني‪ ،‬ففي عز أزمة‬
‫"كورونا" كحادث طارئ عالمي أوضحت بجالء‬
‫العالقة التفاعلية بين المجتمع المدني‬
‫والدولة وأبرزت دوره في تحقيق األمن‬
‫واالستقرار االجتماعي ومدى مساندته وقت‬
‫الضعف واألزمات‪ ،‬ومن هنا تتضح العالقة‬
‫الجدلية بين الدولة والمجتمع المدني‬
‫ومدى تأثير أحدهما المباشر على األخر‪.‬‬

‫كلمة عامل الرحامنة خالل اليوم الدراسي " دور المجتمع المدني في التنمية المحلية"‪.‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪- 34 -‬‬
‫الئــحة المراجــع المعــتمـدة‪:‬‬

‫‪ ‬أوال‪ :‬مراجع باللغة العربية‪.‬‬

‫‪-‬أ‪ -‬الكتــب‪:‬‬
‫‪ ‬الدستور المغربي‪ ،‬صادر بتاريخ ‪ 29‬يوليوز ‪.2011‬‬

‫عبد العزيز بناني‪ ،‬الحركة المغربية ( حقوق اإلنسان‪ ،‬المجتمع المدني بذاته‬ ‫‪‬‬
‫عن المجتمع المدني في المغرب العربي ( الدار البيضاء دار توبقال للنشر‬
‫ط‪.)1998 1،‬‬
‫صالح ياسر "المجتمع المدني والديمقراطية‪ ،‬وبعض إشكاليات المجتمع‬ ‫‪‬‬
‫المدني والمجتمع السياسي والديمقراطي" مطبعة الرواد للطباعة والنشر‬
‫بغداد العراق السنة‪.2005‬‬
‫كلود مايز عطية " بين المجتمع المدني والمجتمع األهلي" من منشورات‬ ‫‪‬‬
‫زين الحقوقية بيروت لبنان الطبعة األولى؛ ‪.2015‬‬
‫علي الدين ونيفين مستعد " النظم السياسية العربية‪ :‬قضايا االستمرار‬ ‫‪‬‬
‫والتغيير"‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت الطبعة األولى‪ ،‬السنة‬
‫‪.2000‬‬
‫كريم لحرش الدستور الجديد للمملكة المغربية شرح وتحليل سلسلة العمل‬ ‫‪‬‬
‫التشريعي واالجتهادات القضائية العدد ‪.3‬‬
‫هند عروب المجتمع المدني المغربي فعالية أم أوهام الفعالية في المغرب في‬ ‫‪‬‬
‫مفترق الطرق‪ ،‬توفيق بوعشرين (المغرب)‪ ،‬الرباط؛ دفاتر وجهة نظر؛‬
‫‪.2005 -2004‬‬
‫أحمد شكر الصبحي " مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي" (بيروت‬ ‫‪‬‬
‫دراسة الوحدة العربية‪ ،‬ط ‪)2‬‬
‫ثناء فؤاد عبد هللا‪ ،‬الدولة والقوة االجتماعية في الوطن العربي‪ ،‬عالقة التفاعل‬ ‫‪‬‬
‫والصراع ( بيروت ط‪) 2001-1‬‬
‫سعد الدين إبراهيم " وآخرون " مستقبل المجتمع والدولة في الوطن العربي‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫سلسلة دراسات الوطن العربي الطبعة الثانية‪ ،‬عمان منتدى الفكر العربي‪.‬‬

‫‪- 35 -‬‬
‫‪-‬ب‪ -‬المجالت ‪:‬‬
‫عبد اإلله بلقزيز<< المجتمع المدني إدارة اإلنتهاض وكوابح الدولة >> مجلة‬ ‫‪‬‬
‫آفاق عدد ‪.)1991(4-3‬‬
‫عبد الرحيم العطري‪ ":‬صناعة النخبة بالمغرب" المخزن والمال والنسب‬ ‫‪‬‬
‫والمقدس طرق الوصول إلى القمة مجلة دفاتر وجهة نظر عدد ‪ ( 9‬الرباط‬
‫مطبعة النجاح الجديدة ط‪)2006 1‬‬
‫علي عمران‪ ،‬في ازمة الحراك المدني الديمقراطية مجلة تحوالت العدد ‪10‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪.)2006‬‬
‫رضوان زهرو‪ ،‬الدولة المجتمع المدني ودينامية التحول الديمقراطي مجلة‬ ‫‪‬‬
‫مسالك العدد ‪.2019 ،56/55‬‬
‫وجيع عفد وعلي‪ ،‬مفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي المعاصر‪ ،‬مجلة‬ ‫‪‬‬
‫تكريت للعلوم اإلنسانية‪ ،‬العدد ‪.7‬‬
‫أحمد أعراب –محمود بوزيد‪ ،‬المجتمع المدني قراءة في آليات المشاركة‬ ‫‪‬‬
‫وصياغة القرارات‪ ،‬مجلة مسالك العدد ‪.2019 56/55‬‬
‫حكيمة ماهر ‪ " 2019‬المجتمع المدني بالمغرب‪ :‬بين نصوص الدستور‬ ‫‪‬‬
‫وإكراهات الواقع)"‪ ،‬مجلة القانون واألعمال العدد ‪.22‬‬
‫موازي بالل‪ " ،‬دور المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي بالمملكة‬ ‫‪‬‬
‫المغربية" مجلة الباحث للدراسات األكاديمية‪ ،‬العدد ‪ 2‬يوليوز ‪.2014‬‬

‫‪-‬ج‪ -‬التقارير والوثائق‪:‬‬


‫‪ ‬الحوار الوطني حول المجتمع المدني واألدوار الدستورية الجديدة‪ ،‬التقرير‬
‫التركيبي الصادر سنة‪.2014‬‬
‫‪ ‬منهج جامعي ‪ ، 2013‬المجتمع المدني في العالم العربي التطور‪ ،‬اإلطار‬
‫القانوني واألدوار‪.‬‬

‫‪- 36 -‬‬
‫‪ -‬د‪ -‬األطروحات والرسائل الجامعية‪:‬‬
‫أماني قنديل المجتمع المدني في مصر " مركز البحوث والدراسات السياسية‬ ‫‪‬‬
‫بكلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬السنة ‪.2001‬‬
‫كريمة غانم السياسات العمومية المتعلقة بالشباب‪ ،‬دراسة حالة‪ ،‬بحث لنيل‬ ‫‪‬‬
‫دبلوم الدراسات العليا الجامعية‪ ،‬جامعة محمد الخامس السويسي كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية السويسي‪ ،‬سنة ‪.2014 /2013‬‬
‫طارق الثالثي تي المجتمع المدني ودوره في تعزيز المشاركة السياسية في‬ ‫‪‬‬
‫دستور ‪ ، 2011‬لنيل دبلوم الماجستير في القانون العام‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬المحمدية ‪.2013/2012‬‬
‫حسنين توفيق إبراهيم‪ ،‬ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية‪ ،‬سلسة‬ ‫‪‬‬
‫أطروحات الدكتورة ( بيروت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.)1992 ،‬‬
‫‪ -‬ه – الندوات‪:‬‬
‫‪ ‬كلمة عامل الرحامنة ( عزيز بوينيان )ـثناء اليوم الدراسي" دور المجاتمع‬
‫المدني في التنمية المحلية"‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬مراجع بالغات أجنبية‪.‬‬
‫‪ Steve Joab, “instutonnaliser l’evaluation des politiques‬‬
‫‪publique’’edition pie bruxelles 1ere édition.‬‬
‫‪ mouhaemd ben jalloun etat, démocratisations et société‬‬
‫‪civil au Maroc, in système politique et la problématique de‬‬
‫‪la reforme constitutionnelle au Maroc. RMSPS. n 3 top‬‬
‫‪presse. rabat juillet 2012.‬‬
‫‪ John Keam, democracy and civil society (London new York:‬‬
‫‪verso:1988).‬‬
‫‪ Augustus richard norton, << the future of civil in the‬‬
‫‪middle east >> middle east journal, vo, 47 no,2 ( spring‬‬
‫‪1993).‬‬
‫‪ Samuel Huntington, after twenty years, the future of third‬‬
‫‪wave journal of demorcacy, vol,08, no 4 (December 1997).‬‬
‫‪ ‬ثالثا‪ :‬مواقع الكترونية‪.‬‬
‫‪ ‬المواقع االلكتروني التبريس‬

‫‪- 37 -‬‬
‫فهرس المحتويات‬
‫التقـديــم‪4......................................................................................................‬‬
‫المبحث ‪ :I‬اإلطار العام لمفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي الغربي‪6......................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي الغربي‪6.................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المجتمع المدني في الفكر السياسي اليوناني والمسيحي‪7............................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬المجتمع المدني عند فالسفة العقد االجتماعي‪7.........................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تمظهرات مفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي العربي‪8....................‬‬
‫الفقرة األولى‪:‬ظهور المفهوم في العالم العربي‪8........................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي المغربي‪9..................................‬‬
‫المبحث ‪ :II‬دور المجتمع المدني في المشاركة السياسية‪9............................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬اشتراك المجتمع المدني في تدبير الشأن العام‪10...................................:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬سبل التفاعل المدني مع المؤسسات العمومية والمنتخبة‪10.........................:‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬اآلليات التشاركية المؤسسة لمساهمة المجتمع المدني‪11............................:‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬إحداث هيئات للتشاور العمومي‪11......................................................:‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬دسترة األدوار الجديدة للمجتمع المدني‪15.............................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬على المستوى الوطني‪16..................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬على المستوى الجهوي والترابي ‪17......................................................‬‬
‫المبحث ‪ :III‬المجتمع المدني بين آليات تدبير وإكراهات الواقع‪18...................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬آليات المشاركة المواطنة في تدبير الشأن العام المحلي بالجماعات‪18............‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬عقد لقاءات للتشاور والحوار‪19........................................................ .‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬إحداث هيئة استشارية للمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع‪19..................:‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬تقديم العرائض إلدراج نقطها في جدول أعمال المجالس‪21.........................:‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬معوقات المجتمع المدني وأسس تفعيله‪22............................................:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬اإلكراهات القانونية والمالية‪22..........................................................:‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التركيبة الهجينة لمنظماته‪24..............................................................:‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬أسس تفعيل المجتمع المدني‪25............................................................:‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬رؤية مستقبلية لمكانة المجتمع المدني بالمغرب‪28................................. :‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬استمرارية هيمنة النظام السياسي على المجتمع المدني‪28............................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬دور محدود للمجتمع المدني في ظل انفتاح جزئي للنظام السياسي المغربي‪29 ....‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬التوازن بين المجتمع المدني والنظام السياسي‪31........................................‬‬
‫خـاتــمـــة‪34....................................................................................................‬‬
‫الئحة المراجــع المعتمدة ‪35................................................................................‬‬
‫فهرس المحتويات ‪38...........................................................................................‬‬

‫‪- 38 -‬‬

You might also like