You are on page 1of 12

‫“من‪ ‬الديمقراطية التمثيلية‪ ..

‬إلى الديمقراطية التشاركية”‬


‫عبدالسالم لعريفي‬
‫تقديم‬
‫عرف اإلنسان أشكاال مختلفة من الديمقراطيات‪ ،‬جاءت نتيجة ظروف ومتطلبات فرضت اختيارها‪ ،‬فبعد أن طبقت‬
‫الديمقراطية المباشرة في العهد اليوناني‪ ،‬حيث كان الشعب يشارك في تسيير شؤون دولته بصورة مباشرة‪ ،‬هو الذي يصدر‬
‫القرارات ويحكم‪ ،‬ثم الديمقراطية شبه المباشرة‪ ،‬ساهمت عوامل عديدة‪ ،‬من أهمها تزايد عدد السكان في تبني الديمقراطية‬
‫النيابية أو التمثيلية‪ H،‬التي تكفل للشعب اختيار نواب عنه‪ ،‬يتمتعون بالصالحية والكفاءة‪ ،‬يمارسون السلطة باسمه وبالنيابة‬
‫عنه خالل فترة زمنية محددة‪.‬‬

‫ورغم مزايا التمثيل النيابي‪ ،‬إال أن التجربة الميدانية‪ H‬في العصر الراهن‪ ،‬أثبتت إخفاقه وعجزه في تحقيق أهدافه‪ ،‬لبناء نظام‬
‫حكم تتاح فيه الفرصة لكل الفاعلين‪ ،‬للمشاركة في اتخاذ القرارات التنموية المتعلقة بهم‪ ،‬مما دفع أغلب الدول الى تبني‬
‫نموذج ديمقراطي منفتح‪ ،‬يساهم في إشراك مختلف الفاعلين من مواطنين ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص‪ ،‬في‬
‫إدارة وتسيير شؤونهم‪ ،‬خاصة على المستوى المحلي‪.‬‬

‫وضمن هذا السياق‪ ،‬خصوصا أمام تنامي أزمة الديمقراطية التمثيلية‪ H،‬برزت الضرورة في إبداع نماذج جديدة لتدبير‬
‫الشؤون العامة والمحلية وتبني مقاربات جديدة لألوضاع االجتماعية‪ ،‬منذ الثمانينات‪ ،‬حيث بدأت التفاعالت والنقاشات حول‬
‫هذا الموضوع من أمريكا الالتينية مرورا بأروبا‪ ،‬ثم انتقلت بعد ذلك لشمال إفريقيا من خالل لقاء “دكار” سنة ‪.1998‬‬

‫في نفس السياق‪ ،‬عرف الواقع المغربي منذ سنة ‪ ،2011‬رجة المست مختلف المؤسسات الفاعلة في دينامية الحقل السياسي‪،‬‬
‫أحدثت تغييرات في واقع المؤسسات الدستورية والسياسية‪ ،‬خاصة بعد ثورات الدول العربية‪ ،‬أثرت بشكل مباشر على‬
‫توجهاته السياساية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬والبيئية‪ ،..‬كان من أبرزها دسترة المجتمع المدني‪.‬‬

‫وذلك من خالل تبني مقاربة‪ ،‬تراهن على مساهمة تنظيمات المجتمع المدني عبر القيام بدوره‪ ،‬في تمثيل شرائح واسعة من‬
‫المواطنين‪ ،‬وطرح انشغاالته‪ ،‬والمساهمة في سن القوانين المؤطرة لحياته‪ ،‬ورسم السياسات العامة‪ ،‬والعمل على إرساء‬
‫مبادئ الشفافية والمساءلة والرقابة‪ ،‬وفقا لمقتضيات “الديمقراطية التشاركية”‪ ،‬التي تعتبر من أهم المحاور التي جاء بها‬
‫دستور ‪.2011‬‬

‫ولتجسيد هذا المقترب الذي جاء به الدستور‪ ،‬باعتباره آلية مثلى‪ ،‬لتفعيل مساهمة المواطنين في مسلسل صنع القرار‬
‫العمومي‪ ،‬وذلك على نحو يعزز الثقة والتعاون بين الدولة ومختلف مؤسساتها من جهة‪ ،‬والمواطنات والمواطنين من جهة‬
‫ثانية‪ ،‬إليجاد الحلول المناسبة للمشاكل المطروحة‪ ،‬على مستوى مختلف القطاعات العمومية‪ ،‬تصورا‪ ،‬تدبيرا‪ H،‬تقييما وتدقيقا‪،‬‬
‫أطلقت الحكومة سنة ‪ ،2013‬الحوار الوطني حول المجتمع المدني‪ ،‬بهدف تقوية أدواره‪ ،‬كفاعل أساسي في البناء‬
‫الديمقراطي والتنموي‪ ،‬ومساهم في صناعة وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية‪ .‬وذلك انسجاما مع الوثيقة الدستورية والخطب‬
‫الملكية ذات الصلة‪.‬‬

‫وفي نفس اإلطار‪ ،‬تم تنزيل اآلليات الدستورية‪ ،‬التي تسمح للمواطنين والمجتمع المدني‪ ،‬بالمشاركة في تدبير ومراقبة‬
‫وتقويم السياسات العمومية‪ ،‬من خالل مصادقة البرلمان على القوانين التنظيمية‪ H،‬المتعلقة بممارسة هذا الحق ومراسيمه‬
‫التطبيقية‪ ،‬سواء على المستوى الوطني أو المحلي‪ ،‬ويتعلق األمر بالقوانين المتعلقة بممارسة الحق في تقديم العرائض إلى‬
‫السلطات العمومية‪ ،‬والحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع‪ ،‬وكذا القوانين التنظيمية‪ H‬المتعلقة بالجماعات الترابية‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬في ضل تصاعد االهتمام عالميا بموضوع الديمقراطية التشاركية‪ ،‬الناتج عن تنامي الوعي بضرورة إرساء ثقافة حسن‬
‫صياغة السياسات العمومية‪ H،‬ومتابعة تفعليها عبر إشراك المواطنين والمجتمع المدني‪ ،‬وترجمة المشرع المغربي بدوره هذا‬
‫االهتمام‪ ،‬من خالل تبني هذه اآلليات الجديدة‪ ،‬تبرز مجموعة من التساؤالت‪ ،‬يمكن تجميعها في إشكالية أساسية مرتبطة‬
‫بمدى مساهمة المجتمع المدني من خالل هذه اآلليات الدستورية‪ ،‬في تحسين صياغة القرارات العمومية وإرساء الحكامة في‬
‫تدبيرها‪ ،‬من أجل تعزيز مسلسل الدمقرطة وتحقيق التنمية‪ H‬الشاملة ؟!‬

‫من أجل مالمسة هذا الموضوع واإلحاطة ببعض جوانبه األساسية‪ ،‬سنحاول أن نعتمد‪ H‬على بعض الخطب المكلية ‪ ‬في‬
‫تأسيسها لمفهوم الديمقراطية التشاركية (أوال)‪ ،‬والمقتضيات المرتبطة بها المتضمنة في دستور ‪( 2011‬ثانيا)‪ ،‬وفي القوانين‬
‫التنظيمية (ثالثا)‪ ،‬وأخيرا االشكاالت المرتبطة بإعمالها وسبل تطويرها (رابعا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الديمقراطية التشاركية في الخطب الملكية‬


‫منذ اعتالء الملك محمد السادس العرش‪ ،‬نادى بالديمقراطية التشاركية‪ ،‬من خالل اعتماد مقاربة جديدة تعتمد على مفهوم‬
‫جديد للسلطة‪ ،‬الذي أسس له من خالل خطاب ‪ 12‬أكتوبر ‪“ ،1999‬نريد أن نعرض في هذه المناسبة لمفهوم جديد للسلطة‬
‫وما يرتبط بها‪ ،‬مبني على رعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية والحريات الفردية والمحافظة على السلم االجتماعي‪،‬‬
‫وهي مسؤولية ال يمكن النهوض بها داخل المكاتب اإلدارية التي يجب أن تكون مفتوحة في وجه المواطنين‪ ،‬ولكن تتطلب‬
‫احتكاكا مباشرا بهم‪ ،‬ومالمسة ميدانية‪ H‬لمشاكلهم في عين المكان‪ ،‬وإشراكهم في إيجاد الحلول المناسبة والمالئمة”‪H.‬‬

‫وفي خطاب ثورة الملك والشعب المؤرخ في ‪ 20‬غشت سنة ‪ ،2002‬الذي جاءت فيه العديد‪ H‬من التوجهات لإلدارة‬
‫واألحزاب‪ ،‬وكافة الفاعلين السياسيين والمدنيين‪ H‬والمواطن قصد المشاركة المكثفة والواعية في االنتخابات‪ ،‬تم ذكر أول مرة‬
‫عبارة أو مصطلح “ديمقراطية القرب”‪ ،‬حيث جاء فيه‪:‬‬

‫“كما أن االستحقاقات القادمة المعززة بالمدونة الجماعية الجديدة ستشكل تجربة إلظهار مدى إفراز نخبة تجعل من‬
‫الجماعات المحلية فاعال اقتصاديا‪ ،‬وقاعدة متينة لديمقراطية القرب‪ ،‬وتدبير الحاجات اليومية للمواطنين”‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وفي افتتاح الدورة األولى للسنة التشريعية الثانية للبرلمان سنة ‪ ،2003‬تم إعادة مفهوم الديمقراطية التشاركية بشكل صريح‪،‬‬
‫حيث جاء في الخطاب ما يلي‪:‬‬

‫“وكيفما كان تركيب المجالس المنتخبة‪ ،‬فإننا لم نكف عن طرح السؤال الجوهري‪ :‬هل يعد االنتخاب غاية في حد ذاته‪،‬‬
‫ونهاية المطاف؟ كال‪ ،‬فإن احترام اإلرادة الشعبية يقتضي نبذ عقلية ديمقراطية المقاعد‪ ،‬وااللتزام بفضيلة ديمقراطية التنمية‪.‬‬
‫وفي أفق استخالص كل العبر‪ ،‬من انتخابات المجالس التمثيلية‪ H‬واستيفاء شروط عقلنتها‪ ،‬فإننا نكتفي اليوم بوقفة خاصة عند‬
‫تجديد‪ H‬انتخاب الجماعات المحلية‪ ،‬التي تجسد ديمقراطية القرب والمشاركة‪ ،‬القاعدة الصلبة لمجلس المستشارين‪ ،‬وإننا‬
‫لننتظر من الجماعات المحلية طي صفحة المنافسة االنتخابية العابرة‪ ،‬وفتح األوراش الحيوية للعمل الجماعي‪ ،‬دون استسالم‬
‫لصعوبة التحديات‪ ،‬بوضع مخططات للتنمية المحلية‪ ،‬إلنجاز أسبقيات السكن الالئق‪ ،‬واالستثمار المنشود‪ ،‬والتشغيل المنتج‪H،‬‬
‫والتعليم النافع‪ ،‬وتوفير العيش الكريم‪ ،‬وهذه هي محفزات المواطنين‪ ،‬الذين يجب إشراكهم الفعلي والمتواصل‪ ،‬في تحقيق‬
‫المشاريع التنموية‪ ،‬المستجيبة النشغاالتهم الحقيقية‪ .‬وتلكم سبيلكم إلعادة االعتبار للديمقراطية المحلية بما هي تواصل دائم‬
‫مع المواطنين‪ ،‬وليست مجرد لحظة انتخابية موسمية”‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫كما أن خطاب ‪ 18‬ماي ‪ ،2005‬المتعلق بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬والذي أسس لمرحلة مهمة في إقرار الديمقراطية‬
‫التشاركية‪ ،‬من خالل التأسيس لها عبر مقاربتي المشاركة والمندمجة‪ ،‬وفي هذا الصدد سنعرض بعض الفقرات التي تدل‬
‫على تبني الديمقراطية التشاركية‪:‬‬

‫“وتندرج هذه المبادرة ضمن رؤية شمولية‪ ،‬تشكل قوام مشروعنا المجتمعي‪ ،‬المرتكز على مبادئ الديمقراطية السياسية‪،‬‬
‫والفعالية االقتصادية والتماسك االجتماعي‪ ،‬والعمل االجتهاد‪ ،‬وتمكين كل مواطن من االستثمار األمثل لمؤهالته وقدراته”‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫“تنطلق هذه المبادرة من العبر المستخلصة من تجاربنا السابقة‪ ،‬ومن النماذج الموفقة لبعض البلدان في مجال محاربة الفقر‬
‫واإلقصاء‪ ،‬التي تدل على أن رفع هذا التحدي رهين بالتحديد المضبوط لألهداف‪ ،‬وبالتعبئة الشاملة لبلوغها‪ .‬كما تدلنا تلك‬
‫التجارب على محدودية جدوى المقاربات غير المندمجة ذات الطابع القطاعي االنفرادي‪ .‬إنها تجارب تؤكد على العكس من‬
‫ذلك‪ ،‬مدى نجاعة األساليب التي تستهدف التحديد الدقيق للمناطق والفئات األكثر خصاصة‪ ،‬وأهمية مساهمة السكان‪،‬‬
‫ونجاعة المقاربات التعاقدية والتشاركية ودينامية النسيج الجمعوي المحلي لضمان االنخراط الفاعل في مشاريع التنمية عن‬
‫قرب واستمرارها‪ ،‬باعتبارها مكسبا لهم”‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أما في خطاب عيد العرش بتاريخ ‪ 30‬يوليوز ‪ ،2009‬فقد ربط رئيس الدولة الديمقراطية بالشق السياسي من خالل‪“ :‬وذلك‬
‫بترسيخ دولة الحق والقانون‪ ،‬وديمقراطية المشاركة‪ ،‬وانتهاج الحكامة الجيدة‪ ،‬وسياسية القرب‪ ،‬وكذا بإنصاف المرأة‬
‫والفئات والجهات المحرومة”‪.‬‬

‫وخطاب العرش بتاريخ ‪ 07‬يوليوز ‪ ،2010‬يجمع من خالله الملك محمد السادس خالصة سنوات حكمه السابقة‪ ،‬حيث تظهر‬
‫الديمقراطية كإحدى الدعامات األساسية في منهجية حكمه ومما جاء فيه‪:‬‬

‫“أقدمنا‪ ،‬منذ تولينا أمانة قيادتك‪ H،‬على انتهاج تحول نوعي في مسارنا التنموي‪ ،‬باعتماد اختيارات صائبة وناجعة تقوم على‬
‫دعائم أساسية‪:‬‬
‫أوالها‪ :‬قيام الدولة‪ ،‬تحت قيادتنا‪ ،‬بدورها االستراتيجي في تحديد االختيارات األساسية‪ ،‬والنهوض باألوراش الكبرى‬
‫والتحفيز والتنظيم وتشجيع المبادرة الحرة واالنفتاح االقتصادي المضبوط‪.‬‬

‫أما الدعامة الثانية‪ :‬فهي توطيد الصرح الديمقراطي‪ ،‬إذ ما فتئنا نعمل على ترسيخ دولة القانون‪ ،‬واعتماد إصالحات حقوقية‬
‫ومؤسسية عميقة‪ ،‬وتوسيع فضاء الحريات‪ ،‬والممارسة السياسية الناجعة‪ ،‬القائمة على القرب والمشاركة‪ ،..‬والدعامة الثالثة‪،‬‬
‫قائمة على جعل المواطن في صلب عملية التنمية”‪.‬‬

‫نستنتج من كل هذا‪ ،‬أن الديمقراطية التشاركية وجدت لها مكانة في العديد‪ H‬من الخطب الملكية منذ اعتالء الملك محمد‬
‫السادس العرش‪ ،‬قبل أن يتم التنصيص عليها في دستور ‪ ،2011‬كتحصيل حاصل‪ .‬كما نالحظ أن رئيس الدولة في عدد من‬
‫المحطات‪ ،‬كان وال زال يعتمد‪ H‬الديمقراطية التشاركية كثقافة مترسخة في ممارسته‪ ،‬وهذا يبدوا واضحا من خالل حرصه‬
‫وإشرافه في عدد من المحطات‪ ،‬على تشكيل عدد من اللجان الوطنية تكون مهمتها أساسا فتح نقاشات موسعة إلعداد‬
‫تصورات معينة حول قضايا ذات أولوية وأهمية‪ ،‬ونذكر هنا على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬اللجنة االستشارية للجهوية‪،‬‬
‫واللجنة المتعلقة بمراجعة الدستور‪ ،‬واللجنة المتعقلة بإعداد تصور حول النموذج التنموي…‬

‫ثانيا‪ :‬الديمقراطية التشاركية من خالل دستور ‪2011‬‬


‫لم يعد تدبير الشؤون العامة والمحلية حكرا على المؤسسات السياسية والمنتخبة‪ ،‬فبمقتضى الوثيقة الدستورية لسنة ‪،2011‬‬
‫من خالل عدد كبير من المقتضيات‪ ،‬بات كذلك من حق المواطنين‪ ،‬وجمعيات المجتمع المدني‪ ،‬المشاركة في إعداد‬
‫القرارات العمومية وتفعيلها وتقييمها‪ ،‬حيث جاء في ديباجته‪“ :‬إن المملكة المغربية‪ ،‬وفاء الختيارها الذي ال رجعة فيه في‬
‫بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون‪ ،‬تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة‪ ،‬مرتكزاتها المشاركة‬
‫والتعددية‪ H‬والحكامة الجيدة‪ ،‬وإرساء دعائم مجتمع متضامن”‪.‬‬

‫كما كرس الدستور مجموعة من المرتكزات واآلليات لتثبيت دولة الحق والقانون‪ ،‬على أساس المشاركة والتعددية‪H،‬‬
‫والحكامة الجيدة‪ ،‬والديمقراطية التشاركية‪ ،‬والتشاور بين السلطات العمومية والمواطنين‪ .‬وهكذا‪ ،‬فقد نص الدستور في فصله‬
‫األول على أن‪“ ،‬يقوم النظام الدستوري للمملكة‪ ،‬على أساس فصل السلط‪ ،‬وتوازنها وتعاونها‪ ،‬والديمقراطية المواطنة‬
‫والتشاركية‪ ،‬وعلى مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬وربط المسؤولية بالمحاسبة”‪.‬‬

‫كما نص الدستور في فصله السادس على أن “تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع‬
‫الفعلي لحرية المواطنين والمواطنات‪ ،‬والمساواة بينهم‪ ،‬ومن مشاركتهم في الحياة السياسية واالقتصادية والثقافية‬
‫واالجتماعية”‪.‬‬

‫ومن المظاهر المؤسساتية للديمقراطية التشاركية تنصيص الفصل ‪ 12‬من الدستور على ما يلي‪“ :‬تساهم الجمعيات المهتمة‬
‫بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية‪ ،‬في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد القرارات والمشاريع لدى‬
‫المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية‪ H،‬وكذا في تفعيلها وتقييمها‪ .‬وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة‪،‬‬
‫طبق شروط وكيفيات يحددها القانون”‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫كما أعطت الوثيقة الدستورية‪ ،‬طبقا للفصول ‪ 14‬و‪ ،15‬الحق للمواطنين والمواطنات‪ ،‬في تقديم اقتراحات في مجال‬
‫التشريع‪ ،‬وفق شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي‪ ،‬كما من حقهم كذلك‪ ،‬تقديم عرائض إلى السلطات العمومية ضمن‬
‫شروط يحددها قانون تنظيمي‪.‬‬

‫كما تعمل السلطات العمومية حسب الفصل ‪ 18‬من الدستور على ضمان‪ ‬أوسع مشاركة ممكنة‪ H‬للمغاربة المقيمين في‬
‫الخارج‪ ،‬في المؤسسات االستشارية‪ ،‬وهيئات الحكامة الجيدة‪.‬‬

‫ومن أهم الفصول التي كرست الديمقراطية التشاركية‪ ،‬بكل تجلياتها الفصل ‪ ،19‬الذي يدعوا إلى المساواة بين الرجل‬
‫والمرأة‪ ،‬حقوقيا ومدنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا‪.‬‬

‫وعلى مستوى فئة الشباب‪ ،‬فمن الواجب على السلطات العمومية طبقا للفصل ‪ 33‬اتخاذ التدابير المالئمة‪ H،‬لتحقيق مساهمتهم‬
‫في توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية‪ H،‬ومساعدتهم على االندماج في الحياة النشيطة والجمعوية وتيسير ولوجهم‬
‫للثقافة والرياضة والعلم والترفيه‪.‬‬

‫كما حرص المشرع الدستوري‪ ،‬على الربط بين الحكامة الترابية وآليات التشاور العمومي‪ ،‬ومشاركة المواطنين والفاعلين‬
‫المدنيين‪ H‬في إعداد وتنفيذ وتقييم المشاريع العمومية‪ ،‬التي تشرف الجماعات الترابية‪ ،‬والمصالح الخارجية للدولة‪ ،‬على‬
‫إدارتها جهويا ومحليا‪ .‬فقد نص الفصل ‪ 136‬من الدستور على أن التنظيم الجهوي والترابي للمملكة‪ ،‬يرتكز على مبادئ‬
‫التدبير الحر‪ ،‬وعلى التعاون والتضامن‪ ،‬ويؤمن مشاركة السكان المعنيين‪ H‬في تدبير شؤونهم‪ ،‬والرفع من مساهمتهم في‬
‫التنمية البشرية المندمجة والمستدامة‪.‬‬

‫بينما يشير الفصل‪ 139‬إلى أن مجالس الجهات‪ ،‬والجماعات الترابية األخرى تضع آليات تشاركية للحوار والتشاور‪ ،‬لتيسير‬
‫مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها‪.‬‬

‫كما تضمن الدستور مجموعة من المؤسسات والهيئات‪ ،‬التي تمثل الديمقراطية التشاركية من خالل الفصول من ‪ 161‬إلى‬
‫‪ ،170‬والتي من المفروض عليها دستوريا تقديم تقارير أعمالها مرة واحدة في السنة‪ ،‬على األقل‪ ،‬الذي يكون موضوع‬
‫مناقشة من قبل البرلمان‪ ،‬وهذه المؤسسات تهتم بمواضيع وقضايا متنوعة ال يمكن تحقيقها إال بإعمال آليات الديمقراطية‬
‫التشاركية‪.‬‬

‫عموما‪ ،‬يمكن القول‪ ،‬أن دستور ‪ ،2011‬وضع تصورا جديدا‪ ،‬من خالل هذه المقتضيات التي تالئم التوجهات العصرية‬
‫للدول الديمقراطية‪ ،‬وأسس بذلك دعائم قوية للديمقراطية التشاركية‪ ،‬بما يضمن إشراك واسع للمواطنات والمواطنين في‬
‫تدبير قضايا الشأن العام‪ ،‬بما فيها ضمان الحقوق المتعلقة في المواكبة والرقابة والتدبير‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الديمقراطية التشاركية في إطار القوانين التنظيمية‬


‫أ) القانون التنظيمي رقم ‪ 64.14‬المتعلق بالحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع‬
‫جاء هذا القانون التنظيمي‪ ،‬تطبيقا ألحكام الفصل ‪ 14‬من الدستور‪ ،‬ليحدد شروط وكيفيات ممارسة المواطنات والمواطنين‬
‫الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع‪ .‬وحسب المادة الثانية منه‪ ،‬يقصد “بالملتمس” في مجال التشريع‪ ،‬كل مبادرة‬
‫يتقدم بها مواطنات ومواطنون‪ ،‬بهدف المساهمة في المبادرة التشريعية‪.‬‬

‫وبخصوص شروط تقديم هذه الملتمسات‪ ،‬فقد ألزم القانون التنظيمي أن يكون الملتمس مندرجا ضمن الميادين التي يختص‬
‫القانون بالتشريع فيها طبقا ألحكام الدستور‪.‬‬

‫كما اعتبرت المادة الرابعة‪ ،‬أن الملتمس غير مقبوال إذا كان يتضمن اقتراحات أو توصيات‪ ،‬تمس بالثوابت الجامعة لألمة‪،‬‬
‫والمتعلقة أساسا‪ ،‬بالدين اإلسالمي أو بالوحدة الوطنية أو بالنظام الملكي أو باالختيار الديمقراطي أو بالمكتسبات في مجال‬
‫الحريات والحقوق‪.‬‬

‫ويشترط لقبول الملتمس‪ ،‬أن يكون الهدف منه تحقيق مصلحة عامة‪ ،‬وتحريره بكيفية واضحة في شكل اقتراحات أو‬
‫توصيات‪ ،‬ويكون مرفقا بمذكرة مفصلة تبين األسباب الداعية إلى تقديمه واألهداف المتوخاة منه‪ ،‬وملخصا لالختيارات التي‬
‫يتضمنها‪ ،‬وأن يكون مشفوعا بالئحة دعم الملتمس الموقعة على األقل من قبل ‪ 25000‬من مدعمي الملتمس‪ ،‬ويتم إرفاقها‬
‫بنسخ من بطائقهم الوطنية للتعريف‪.‬‬

‫أما بخصوص‪  ‬الكيفية التي تقدم بها الملتمسات‪ ،‬فأعطت الحق المادة الثامنة‪ ،‬لوكيل لجنة تقديم الملتمس‪ ،‬أن يودع الملتمس‬
‫مقابل وصل يسلم له فورا‪ ،‬أو أن يبعث به إلى مكتب مجلس النواب عن طريق البريد ااٍل لكتروني‪ .‬غير أن الملتمسات التي‬
‫تتضمن‪ ،‬اقتراحات أو توصيات تهم‪ ،‬بشكل أساسي‪ ،‬الجماعات الترابية أو التنمية الجهوية أو القضايا االجتماعية‪ ،‬ينبغي‬
‫إيداعها أو إرسالها من قبل وكيل لجنة تقديم الملتمس‪ ،‬إلى مكتب مجلس المستشارين‪.‬‬

‫كما يقوم مكتب المجلس المعني بالتحقق من كون الملتمس المودع لديه مستوف للشروط المنصوص عليها قانونا‪ .‬ثم يبت فيه‬
‫داخل ستين (‪ )60‬يوما ابتداء من تاريخ التوصل‪.‬‬

‫ويبلغ رئيس المجلس المعني‪ ،‬كتابة وكيل لجنة تقديم الملتمس بقرار قبول الملتمس أو رفضه داخل أجل أقصاه خمسة عشر (‬
‫‪ )15‬يوما من تاريخ البث فيه‪.‬‬

‫ويتعين أن يكون عدم قبول الملتمس معلال‪ ،‬وال يقبل الطعن في قرار رفض الملتمس‪.‬‬

‫كما أعطت الحق المادة ‪ 11‬من القانون التنظيمي رقم ‪ ،64.14‬للجنة تقديم الملتمس أن تسحب ملتمسها في أي وقت‪ .‬ما لم‬
‫ينتبه‪ H‬عضو أو أكثر من أعضاء اللجنة البرلمانية المختصة‪.‬‬

‫وتوزع نسخة من الملتمس المقبول‪ ،‬على جميع أعضاء المجلس المعني‪ ،‬ويحال الى‪   ‬اللجنة البرلمانية المختصة‪ ،‬حسب‬
‫موضوع الملتمس‪ ،‬لدراسته ومناقشته‪ .‬كما يمكن لكل عضو أو أكثر من أعضاء اللجنة البرلمانية المعنية تبنى الملتمس‬
‫المحال إليها‪ .‬واعتماده أساسا لتقديم مقترح قانون‪ ،‬طبقا للمسطرة التشريعية المنصوص عليها في النظام الداخلي للمجلس‬
‫المعني‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة في األخير إلى أن المادة ‪ 13‬من القانون التنظيمي‪ ،‬منعت استعمال المعطيات ذات الطابع الشخصي المتعلقة‬
‫بأصحاب الملتمس ومدعميه‪ H،‬ألغراض غير تلك التي جمعت من أجلها‪.‬‬

‫ب) القانون التنظيمي رقم ‪ 44.14‬المتعلق بممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية‬

‫هذا القانون التنظيمي جاء تنزيال ألحكام الفصل ‪ 15‬من الدستور‪ ،‬وبمقضاه يتم تحديد شروط وكيفيات ممارسة المواطنات‬
‫والمواطنين‪ ،‬الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية‪.‬‬

‫ويقصد بالعريضة حسب المادة الثانية من هذا القانون التنظيمي‪ ،‬كل طلب مكتوب يتضمن مطالب أو مقترحات أو توصيات‪،‬‬
‫يوجهه مواطنات ومواطنون مقيمون بالمغرب أو خارجه إلى السلطات العمومية المعنية‪ H،‬من أجل اتخاذ التدابير التي تراها‬
‫مناسبة له في إطار القانون‪.‬‬

‫كما يقصد بالسلطات العمومية‪ ،‬الجهة التي تقدم لها العريضة‪ ،‬وتم تحديدها في رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو‬
‫المستشارين‪.‬‬

‫أما عن أصحاب العريضة‪ ،‬فهم الذين اتخذوا المبادرة إلعداد العريضة‪ ،‬يجب‪  ‬أن يكونوا متمتعين بحقوقهم المدنية‪ H‬والسياسية‬
‫ومقيدين في اللوائح االنتخابية العامة‪.‬‬

‫وبخصوص شروط تقديم العريضة‪ ،‬فقد حدد القانون التنظيمي‪ ،‬لقبولها أن يكون الهدف منها تحقيق مصلحة عامة‪ ،‬وأن‬
‫تكون المطالب أو المقترحات أو التوصيات التي تتضمنها مشروعة‪ ،‬وتحرر بكيفية واضحة‪ ،‬وأن تكون مرفقة بمذكرة‬
‫مفصلة تبين‪ H‬األسباب الداعية إلى تقديمها واألهداف المتوخاة منها‪ ،‬ويجب أن تكون مرفقة بالئحة دعم العريضة المحددة في‬
‫‪ 5000‬توقيع‪.‬‬

‫وتعتبر العرائض غير مقبولة‪ ،‬إذا كانت تتضمن مطالب أو مقترحات أو توصيات‪ ،‬تمس بالثوابت الجامعة لألمة‪ ،‬والتي‬
‫تتعلق أساسا بالدين اإلسالمي أو الوحدة الوطنية أو بالنظام الملكي‪ ،‬أو باالختيار الديمقراطي‪ ،‬أو بالمكتسبات في مجال‬
‫الحريات والحقوق األساسية‪.‬‬

‫وكذلك األمر‪ ،‬بالنسبة للقضايا التي تتعلق باألمن الداخلي أو بالدفاع الوطني أو باألمن الخارجي للدولة‪ .‬أو يكون موضوع‬
‫العريضة قضايا معروضة أمام القضاء أو صدر حكم في شأنها‪ .‬نفس الشيء ينطبق على الوقائع التي تكون موضوع تقص‬
‫من قبل اللجان النيابية لتقصي الحقائق‪.‬‬

‫كما تعتبر العرائض غير مقبولة‪ ،‬إذا كانت تخل بمبدأ‪ H‬استمرارية المرافق العمومية ومبدأ المساواة أمام المواطنين في الولوج‬
‫إليها‪ .‬أو العرائض التي تكسي طابعا نقابيا أو حزبيا ضيقا أو تلك التي تكتسي طابعا تمييزيا‪ ،‬والتي تتضمن قذفا أو تشهيرا‬
‫أو تضليال أو إساءة للمؤسسات واألشخاص‪.‬‬
‫وإذا تبين‪ H،‬بعد دراسة العريضة‪ ،‬أن موضوعها يكون النظر فيه من اختصاص مؤسسات دستورية أخرى‪ ،‬ألزم القانون‬
‫التنظيمي‪ ،‬الجهة المسؤولة التي تقدم إليها العريضة أن تحيلها على المؤسسة الدستورية المعنية باالختصاص‪ ،‬ويخبر بذلك‬
‫وكيل لجنة تقديم العريضة‪ ،‬داخل أجل عشرة أيام ابتداء من تاريخ اإلحالة‪.‬‬

‫أما عن كيفيات تقديم العرائض والبت فيها‪ ،‬وحسب المادة ‪ 7‬من نفس القانون التنظيمي‪ ،‬يمكن لوكيل لجنة تقديم العريضة أن‬
‫يودع العريضة مقابل وصل يسلم له فورا‪ ،‬أو أن يبعث بها إلى السلطات العمومية المعنية عن طريق البريد اإللكتروني‪،‬‬
‫ويمكن له أن يودعها أيضا لدى السلطة اإلدارية المحلية التي يقيم في دائرة نفوذها الترابي‪ ،‬مقابل وصل يسلم له فورا‪،‬‬
‫بحيث تحيلها السلطة اإلدارية داخل أجل ال يتعدى ‪ 15‬يوما من تاريخ إيداع العريضة‪ ،‬على السلطة العمومية المعنية‪.‬‬

‫وبخصوص العرائض المقدمة إلى رئيس الحكومة‪ ،‬فيحيل هذا األخير العريضة المودعة لديه إلى “لجنة العرائض” داخل‬
‫أجل ال يتعدى ‪ 15‬يوما‪ ،‬ويناط بهذه اللجنة‪ ،‬التحقق من استيفائها للشروط القانونية‪ ،‬وإبداء الرأي واقتراح اإلجراءات التي‬
‫تراها مناسبة في شأن العرائض المقبولة‪ .‬وتوجه رأيها واقتراحاتها إلى رئيس الحكومة داخل أجل ال يتعدى ‪ 30‬يوما ابتداء‬
‫من تاريخ إحالة العريضة إليها‪.‬‬

‫ويخبر رئيس الحكومة‪ ،‬بقرار معلل وكيل لجنة تقديم العريضة بعدم قبول العريضة‪ ،‬بعد توصله أن العريضة غير مستوفية‬
‫الشروط القانونية‪ ،‬وذلك في أجل ال يتعدى ثالثين يوما ابتداء من توصله برأي لجنة العرائض‪.‬‬

‫كما يبت رئيس الحكومة‪ ،‬في موضوع العريضة‪ ،‬بعد‪ H‬توصله برأي واقتراحات لجنة العرائض‪ .‬ويخبر وكيل لجنة تقديم‬
‫العرائض كتابة بمآل موضوع العريضة ومختلف اإلجراءات والتدابير التي ستخصص لها‪.‬‬

‫وبخصوص العرائض المقدمة إلى رئيس أحد مجلسي البرلمان‪ ،‬وبعد توصل أحدهم بالعريضة‪ ،‬يحيلها إلى لجنة العرائض‬
‫داخل أجل ال يتعدى ‪ 15‬يوما من تاريخ توصله بها‪ .‬وهذه اللجنة تحدث لدى مكتب كل مجلس ومهمتها‪ ،‬التحقق من استيفاء‬
‫العريضة الشروط القانونية‪ ،‬وتبدي رأيها واقتراحاتها في شأن العريضة المقبولة‪ ،‬وتوجه ذلك إلى مكتب المجلس المعني‬
‫داخل أجل ال يتعدى ‪ 30‬يوما ابتداء من تاريخ إحالة العريضة إليها‪.‬‬

‫وإذا تبين للجنة العرائض‪ ،‬أن العريضة غير مستوفية الشروط القانونية‪ ،‬تخبر المجلس المعني بذلك خالل أجل ال يتعدى ‪30‬‬
‫يوم‪ .‬ويخبر بذلك رئيس المجلس المعني بقرار معلل وكيل تقديم العريضة بعدم قبولها داخل أجل ال يتعدى ‪ 30‬يوما من‬
‫تاريخ توصل مكتب المجلس برأي لجنة العرائض‪.‬‬

‫ويبت مكتب المجلس المعني في موضوع العريضة بعد توصله برأي واقتراحات لجنة العرائض‪ ،‬ويخبر رئيس المجلس‬
‫بذلك وكيل لجنة تقديم العريضة كتابة حول إجراءات مآل موضوع العريضة‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة في األخير أن المادة ‪ 16‬من نفس القانون التنظيمي‪ ،‬منعت استعمال المعطيات ذات الطابع الشخصي‬
‫المتعلقة بأصحاب العريضة ومدعميها ألغراض غير تلك التي جمعت من أجلها‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫ج) القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية‬

‫تطبيقا ألحكام الفصل ‪ 139‬من الدستور‪ ،‬الذي أعطى الحق للمواطنين والجمعيات أن يقدموا عرائض إلى مجالس الجماعات‬
‫الترابية يكون الهدف منها إدارج نقطة تدخل في‪  ‬صالحياتها ضمن جدول أعمالها‪ ،‬وإحداث آليات تشاركية للحوار‬
‫والتشاور‪ .‬وهذا ما تم تنزيله في إطار القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -1‬القانون التنظيمي رقم ‪ 111.14‬المتعلق بالجهات‪:‬‬

‫حسب المادة ‪ 117‬من هذا القانون التنظيمي‪ ،‬إن المجالس الجهوية ملزمة باحداث ‪ 3‬هيئات استشارية‪ ،‬هيئة متعلقة أساسا‬
‫بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع‪ ،‬وهيئة استشارية مختصة بدراسة قضايا الشباب‪ ،‬وهيئة تهتم بدراسة‬
‫القضايا الجهوية ذات الطابع االقتصادي‪.‬‬

‫وبخصوص النقطة المتعلقة بتقديم العرائض‪ ،‬فالمادة ‪ 120‬من نفس القانون التنظيمي‪ ،‬حددت شروط تقديم العرائض‪ ،‬حيث‬
‫يجب أن يكونوا مقدموها من ساكنة الجهة أو يمارسون أنشطتهم المهنية أو التجارية بها‪ ،‬وتكون لهم مصلحة مشتركة في‬
‫تقديمها‪ ،‬وتم تحديد عدد التوقيعات بناء على عدد سكان الجهة‪ ،‬فهناك ‪ 300‬توقيع بالنسبة للجهات التي يبلغ عدد سكانها أقل‬
‫من مليون نسمة‪ ،‬و‪ 400‬بالنسبة للجهات التي يتراوح عدد سكانها بين مليون وثالثة ماليين نسمة‪ ،‬وأخيرا ‪ 500‬توقيع‬
‫بالنسبة للجهات التي يتجاوز عدد سكانها ثالثة ماليين نسمة‪ .‬كما يتعين‪ H‬على الموقعين أن يكونوا موزعين بحسب مقرات‬
‫إقامتهم الفعلية على عماالت وأقاليم الجهة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬القانون التنظيمي رقم ‪ 112.14‬المتعلق بالعماالت واألقاليم‪:‬‬

‫حسب المادة ‪ 111‬من هذا القانون التنظيمي‪ ،‬إن مجلس العمالة أو اإلقليم ملزم بإحداث هيئة واحدة بشراكة مع المجتمع‬
‫المدني تختص بدراسة القضايا اإلقليمية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع‪.‬‬

‫وعن شروط تقديم العرائض لمجلس العمالة أو اإلقليم‪ ،‬فالمادة ‪ 114‬من نفس القانون التنظيمي‪ ،‬اشترطت أن يكونوا مقدموها‬
‫من ساكنة العمالة أو اإلقليم المعني أو يمارسوا به أنشطتهم التجارية أو المهنية‪ ،‬وأن تتوفر فيهم شروط التسجيل في اللوائح‬
‫االنتخابية‪ ،‬وأن تجمعهم مصلحة مشتركة في تقديمها‪ ،‬وأال يقل عدد الموقعين عليها عن ‪ 300‬مواطن ومواطنة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -3‬القانون التنظيمي رقم ‪ 113.14‬المتعلق بالجماعات‪:‬‬


‫حسب المادة ‪ 120‬من هذا القانون التنظيمي‪ ،‬إن مجلس الجماعة ملزم بإحداث هيئة استشارية واحدة بشراكة مع فعاليات‬
‫المجتمع المدني وتسمى”هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع”‪.‬‬

‫أما بخصوص شروط تقديم العرائض لمجلس الجماعة‪ ،‬فالمادة ‪ 123‬من نفس القانون التنظيمي‪ ،‬اشترطت أن يكونوا‬
‫مقدموها من ساكنة الجماعة المعنية أو يمارسوا بها أنشطتهم التجارية أو المهنية‪ H،‬وأن تتوفر فيهم شروط التسجيل في‬
‫اللوائح االنتخابية‪ ،‬وأن تجمعهم مصلحة مشتركة في تقديمها‪ ،‬وأال يقل عدد الموقعين عليها عن ‪ 100‬مواطن ومواطنة فيما‬
‫يخص الجماعات التي يقل سكانها عن ‪ 35000‬نسمة‪ ،‬و ‪ 200‬توقيع بالنسبة لغيرها من الجماعات‪ .‬غير أنه ال يجب أن يقل‬
‫عدد التوقيعات عن ‪ 400‬بالنسبة للجماعات ذات نظام المقاطعات‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬إشكاالت التنزيل وسبل التطوير‬


‫رغم التطور الحاصل على مستوى النص الدستوري والقانوني‪ ،‬في مجال الديمقراطية التشاركية‪ ،‬من خالل األدوار التي‬
‫منحت للمجتمع المدني بالمغرب‪ ،‬وسعيه المتواصل إلى مأسسة الفعل التشاركي وتطويره‪ ،‬إال أن هناك مجموعة من‬
‫االختالالت التي تقف حجرة عثرة في وجه التفعيل األمثل لمبادئ الديمقراطية التشاركية‪ ،‬وتعيق تفعيل هذا المجال على‬
‫النحو المطلوب‪ ،‬وتحول دون قيامه بأدواره الدستورية والقانونية في إنتاج وتقييم السياسات العمومية‪ H،‬وال أدل على هذا‬
‫سوى حصيلة عمل الديمقراطية التشاركية لحدود اللحظة‪ ،‬سواء على المستوى الوطني أو تلك المرتبطة بالمستويات‬
‫المحلية‪ ،‬فاألرقام تبقى هزيلة مقارنة مع حجم اآلمال والتوقعات في هذا المجال‪ ،‬خصوصا بعد‪ H‬أربع سنوات من التفعيل‪،‬‬
‫فرغم تجاوز عدد الجمعيات حسب أرقام الوزارة المكلفة بالعالقات مع البرلمان والمجتمع المدني ‪ 150‬ألف جمعية‪،‬‬
‫فمجموع العرائض المقدمة على المستوى الوطني حسب البوابة االلكترونية الوطنية للمشاركة المواطنة تبقى جد ضعيفة ال‬
‫تتجاوز أربع أو خمس عرائض‪ ،‬وفي مجال الملتمسات حدث وال حرج‪ .‬أما على المستوى المحلي فالحصيلة تبقى ضعيفة‬
‫في حدود‪ 100  ‬عريضة‪ ،‬بالرغم من أن عدد‪ H‬الجماعات الترابية ‪ 1500‬جماعة ترابية‪.‬‬

‫وتعود هذه االرتباكات في جزء كبير منها‪ ،‬إلى اآلليات نفسها المتعلقة بتفعيل الديمراقطية التشاركية‪ ،‬من خالل الشروط التي‬
‫حددتها القوانين التنظيمية‪ H‬الخاصة بممارسة هذه الحقوق‪ ،‬خصوصا تلك المتعلقة بالتسجيل في اللوائح االنتخابية العامة‪ ،‬مع‬
‫العلم أن الدستور لم يشترط هذا‪ ،‬وتحديدها السلطات العمومية باعتبارها الجهة المقدمة إليها العرائض في رئيس الحكومة‬
‫ورؤساء مجلسي النواب والمستشارين‪ ،‬ناهيك عن العدد المطلوب في الئحة دعم العريضة والملتمس الذي يبقى مرتفعا‪،‬‬
‫خصوصا مع المرحلة التأسيسية‪ ،‬وعموما األمر يتعلق بصعوبة في الشروط واإلجراءات وكيفيات ممارسة هذه الحقوق‪.‬‬

‫كما أن هناك إكراهات ومعيقات مرتبطة أساسا بالمتدخلين في هذا المجال‪ ،‬والمتعلقة على وجه الخصوص بالنسيج‬
‫الجمعوي‪ ،‬بحيث تعرقل عمل عدد من جمعيات المجتمع المدني‪ ،‬جملة من المعيقات واإلشكاالت‪ ،‬التي تحول دون قيامها‬
‫بمهامها‪ ،‬خصوصا في مجال تفعيل مبادئ الديمقراطية التشاركية‪ ،‬ومن أبرز هذه اإلشكاالت‪ ،‬مشكل عدم اإلستقاللية التامة‬
‫عن الفاعلين اآلخرين‪ ،‬من دولة وأحزاب ونقابات‪ ،‬وإشكالية الدعم العمومي المقدم واإلنصاف وتكافؤ الفرص بين مختلف‬
‫أصناف الجمعيات‪ ،‬وإشكالية ضعف تعميم العمل التأطيري والتكويني على كافة الجمعيات الذي تقوم به الدولة ومختلف‬
‫الفاعلين اآلخرين‪ ،‬خصوصا في جانب القيم التدبيرية الجديدة وفي مجال الديمقراطية التشاركية‪..‬‬

‫وفي سبيل تجاوز هذه اإلشكاالت واالختالالت‪ ،‬يقتضي األمر‪  ‬دعم وتقوية آليتي العرائض والملتمسات‪ ،‬من خالل إعطاء‬
‫الحق لمجموع المواطنات والمواطنين في ممارسة هذه الحقوق‪ ،‬كما جاء في الفصلين ‪14‬و‪ 15‬من الدستور‪ ،‬من دون شرط‬
‫التقييد في اللوائح االنتخابية‪ ،‬والتوضيح الصريح لمفهوم المصلحة العامة كشرط لقبول الملتمسات والعرائض‪  ،‬وتقديم الدعم‬
‫التقني والمادي واالستشارة القانونية ألصحابها‪ ،‬والتوسيع من مفهوم السلطات العمومية في إطار القانون التنظيمي المتعلق‬
‫بالعرائض‪ ،‬وإعطاء الحق لمقدمي العرائض والملتمسات من اللجوء الى التظلم أو مؤسسة الوسيط أو المجلس الوطني‬
‫لحقوق اإلنسان أو القضاء المختص‪ ،‬في حالة عدم قبول العريضة‪ .‬هذا إضافة للتفكير‪  ‬في كل االجراءات واآلليات التي‬
‫يمكن من خاللها البحث في سبل تقوية وتطوير دعم قدرات الجمعيات بكل الوسائل المتاحة‪ ،‬وتوفير الدعم المالي والتقني‬
‫لكل الجمعيات على قدم المساواة‪ ،‬واالبتعاد‪ H‬عن كل الحسابات كيفما كان نوعها وطبيعتها‪ ،‬للتفعيل األمثل لهذه الحقوق التي‬
‫جاء بها الدستور وتطبيقها تطبيقا سليما‪ ،‬بما يضمن قيم المواطنة الكاملة والحكامة الجيدة والشفافية‪ ،‬ويحقق التنمية العادلة‬
‫والشاملة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫على سبيل الختم‪ ،‬يمكن التأكيد على‪  ‬أن دور المواطن لم يعد مقتصرا فقط‪ ،‬على اإلدالء بصوته مع كل محطة انتخابية‬
‫الختيار ممثليه في المؤسسات المنتخبة على المستويين الوطني والمحلي‪ ،‬بل أصبحت له أدوارا أخرى بموجب دستور‬
‫‪ ،2011‬تضمن استمراريته في اتخاذ القرارات والسياسات العمومية بشكل دائم ومستمر‪ ،‬وهذا ما من شأنه تفعيل وتكريس‬
‫مبدأ السيادة الشعبية‪ ،‬من خالل الديمقراطية التشاركية باعتبارها مدخال حقيقيا من بين أهم المداخل الفعالة لتحقيق المشاركة‬
‫المدنية المواطنة‪ ،‬كما أن هذه األخيرة‪ ،‬تعتبر المدخل األساسي لضمان االنخراط اإليجابي للمواطنين في تدبير الشأن العام‪،‬‬
‫وتشكل آلية هامة لتقييم السياسات العمومية على المستويين الوطني والمحلي‪.‬‬

‫والتجارب المتقدمة في المجال‪ ،‬أثبتت أن إعمال مبادئ‪  ‬الديمقراطية التشاركية‪ ،‬بالشكل الجيد‪ ،‬يساهم في الحد من احتكار‬
‫السلطة من قبل أقلية منتخبة في المجتمع‪ ،‬وهو ما من شأنه توسيع قاعدة النخب االجتماعية والمدنية وتيسير مساهمتهم في‬
‫تدبير الشأن العام‪ ،‬وترسيخ قيم الحكامة الجيدة‪  ‬والشفافية‪ ،‬والمساهمة في تفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة وتحقيق التنمية‬
‫الشاملة والعادلة‪.‬‬

‫*باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة‬


‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫– الدستور المغربي لسنة ‪ ،2011‬الصادر األمر بتنفيذه ظهير شريف رقم ‪ 1.11.91‬صادر في ‪ 27‬من شعبان ‪1432‬ه‪،‬‬
‫الموافق ل ‪ 29‬يوليوز ‪ ،2011‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5964‬مكرر‪ 28 ،‬شعبان ‪1432‬ه‪ 30 ،‬يوليوز ‪.2011‬‬
‫– القانون التنظيمي رقم ‪ 64.14‬المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع‪،‬‬
‫والصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم ‪ 1.16.108‬بتاريخ ‪ 23‬شوال ‪ 1437‬الموافق ل ‪ 28‬يوليو ‪ ،2016‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪.6492‬‬

‫– القانون التنظيمي رقم ‪ 44.14‬المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية‪H،‬‬
‫الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم ‪ 1.16.107‬بتاريخ ‪ 23‬من شوال ‪ 28 ،1437‬يوليو ‪ ،2016‬الجريدة الرسمية عدد ‪.6492‬‬

‫– القانون التنظيمي رقم ‪ 111.14‬المتعلق بالجهات‪.‬‬

‫– القانون التنظيمي رقم ‪ 112.14‬المتعلق بالعماالت واألقاليم‪.‬‬

‫القانون التنظيمي رقم ‪ 113.14‬المتعلق بالجماعات‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫– الخطاب الملكي الذي وجهه الملك محمد السادس إلى المسؤولين عن الجهات والعماالت واألقاليم‪ ،‬من رجال اإلدارة‬
‫وممثلي المواطنين يوم الثالثاء ‪ 12‬أكتوبر ‪ 1999‬بالقصر الملكي بالدار البيضاء‪.‬‬

‫– خطاب العرش بتاريخ األحد ‪ 30‬يوليوز ‪2000‬‬

‫– الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة األولى من السنة الثانية للوالية التشريعية السابعة بتاريخ ‪ 10‬أكتوبر ‪.2003‬‬

‫– الخطاب الملكي حول المبادرة الوطنية للتنمية‪ H‬البشرية ‪ 18‬ماي ‪.2005‬‬

‫– خطاب العرش بتاريخ ‪ 30‬يوليوز ‪.2009‬‬

‫– التقرير التركيبي للحوار الوطني حول المجتمع المدني واألدوار الدستورية الجديدة‪ ،‬أبريل ‪.2014‬‬

You might also like