Professional Documents
Culture Documents
ويعرف ريموند كارفيليد الدولة بأنها "مجتمع من األفراد يقيمون بشكل مستمر في إقليم
ما و مستقلين في قو انينهم عن أي تدخل أو تسلط خارجي ،ولهم حكومة منظمة تشرع و تطبق
قوانينها على جميع األفراد المقيمين داخل حدودها " ،وتختلف وظيفة الدولة و مدى تدخلها في
النوا ي االقتصادية واالجتماعية ،باختالف المذاهب السياسية التي تعتنقها كل دولة.
المذهب الفردي أو الحر :ويقوم هذا النظام على أساس أن الفرد هو غاية التنظيم
اإلجتماعي ،وأن الدولة وجدت من أجل الحفاظ على الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها األفراد
،ولهذا ومنذ أواخر القرن 6.إستقر الفقه على أن وظائف الدولة األساسية تتمثل في الوظيفة
التشريعية والتنفيذية و القضائية ثم وظيفة الدفاع الخارجي و وظيفة األمن الداخلي.
إنطالقا من هذه المهام كانت الدولة تسمى بالدولة "الحارسة" ،معنى هذا أنه اليحق لها
التدخل في الميادين الثقافية ،اإلقتصادية و اإلجتماعية ،التي تترك للمبدأ المشهور ":دعه
يعمل دعه يمر" .466غير أنه نتيجة للتطور في املجتمع الرأسمالي السيما قيام الحرب العالمية
الثانية و إزدياد نفقات الدولة وظهوراألزمات اإلقتصادية بصفة دورية ،كل ذلك أدى إلى إنتشار
أفكار المذهب اإلشتراكي و هو ما اضطرالدولة الرأسمالية إلى التدخل في الميادين اإلقتصادية
و اإلجتماعية والثقافية لكنه تدخل لتكملة النشاط الفردي و ليس بهدف القضاء عليه.
المذهب اإلشتراكي أو الماركس ي :467و يرى أنصار هذا المذهب أن سعادة الفرد تتحقق
من خالل تدخل الدولة التي تتولى تحقيق العدالة و المساواة بين األفراد في املجتمع وتقض ي على
الطبقية ،وتدخل الدولة يشمل جميع الميادين ،و تسمى هنا بالدولة "المتدخلة" لها وظيفة
أساسية هي تحقيق العدالة و المساواة بين األفراد.
المذهب االجتماعي :وتسمى الدولة هنا بالدولة "الراعية " ،وقد كان تقنين أول نظام
تأمين اجتماعي تحت رعاية "أوتو فون بسمارك" ،الذي شغل منصب رئيس وزراء بروسيا بين
6.17و، 6.90مثابة عالمة فارقة على ظهور الدولة اإلجتماعية األلمانية .يبين تاريخ الدولة
اإلجتماعية على مدى قرن من الزمن أن النموذج اإلجتماعي األلماني يتميز باإلستمرارية وبقي
التأمين اإلجتماعي ،باعتباره الجوهر المؤسس لنموذج بسمارك ،غير متأثر إلى حد كبير بتغير
النظم السياسية.
وبعد الحرب العالمية الثانية ،بدأ التوسع الهائل في مفهوم الدولة اإلجتماعية ،والذي
استمر حتى السبعينيات من القرن الماض ي .التوسع في الخدمات الصحية ومجموعة واسعة
من الخدمات اإلجتماعية ،كما هو الحال في مجال التعليم والسكن والعائلة واألطفال والشباب
466مبدأ "دعه يعمل دعه يمر" هو مبدأ اقتصادي يرنو إلى دعوة الحكومة بعدم التدخل في التجارة وهو مبدأ رأسمالي ومن أحد ركائز
الرأسمالية (الالمركزية) أي عدم تدخل الدولة في الشأن االقتصادي.
وهذا المبدأ هو شعار أطلقه الفيسلوف االسكتلندي "آدم سميث" والذي يدعو فيه إلى تقليص صالحيات تدخل الدولة في الشأن االقتصادي
وتضييقها بهدف التسريع في دفع عجلة التنمية وتحرير التعامالت االقتصادي على نطاق واسع ولكي تُصبح األسواق أكثر حركة وحيوية
وحرية.
467الماركسية فلسفة اجتماعية وسياسية واقتصادية سميت باسم كارل ماركس ،تقوم على دراسة تأثير الرأسمالية على العمل واإلنتاجية
والتنمية االقتصادية وتدافع عن ثورة عمالية لقلب الرأس مالية لصالح الشيوعية ،حيث تفترض الماركسية أن الصراع بين الطبقات
االجتماعية وتحديدا ً بين البرجوازية أو الرأسماليين والبروليتاريا أو العمال هو الذي يقوم بتحدد العالقات االقتصادية في االقتصاد
الرأسمالي.
والعمل اإلجتماعي والرعاية للمرض ى والمواصالت ،أدى إلى تغير نوعي على هيكلية الدولة
اإلجتماعية ومن ثم بدأ يظهرمفهوم دولة "الرفاه".468
إن فكرة العدالة اإلجتماعية 469التي أسست عليها نظرية الدولة اإلجتماعية تعتبر هي
الطريقة المثلى للوصول لدولة الرفاه التي يصبو إليها الجميع،وقد أصبح الخطاب اليوم في
المغرب مركزا على "الدولة اإلجتماعية" ،فمنذ إعتالء جاللة الملك محمد السادس
العرش،عرف المغرب رؤية إستشر افية تخص سلسلة متر ابطة من األوراش التنموية المتعددة
في مختلف املجاالت ،وتشكل هندسة إجتماعية تضامنية شاملة الرؤى تتوخى في جوهرها جعل
المواطن ضمن األولوية الكبرى في مسلسل اإلصالح .كما أن جاللة الملك رسخ مبادئ التضامن
و التكافل و التآزراإلجتماعي باملجتمع ،برؤية تضامنية للمجال اإلجتماعي حيث اعتمدت أحدث
النظم واألساليب التدبيرية وذلك من خالل وضع أهداف واضحة تتسم باإلنسجام والفعالية
والنجاعة والمالئمة مع القدرة على التأثيرو تحديد دقيق للمؤشرات ،كل ذلك وفق آلية الحكامة
املجالية .وتوج هذا التوجه باقتراح من جاللة الملك محمد السادس ،بإعداد نموذج تنموي
جديد يكون دعامة مستجدة ومواكبة لتطوربنيات الدولة و طموحها في ترسيخ تنمية مستدامة
واسعة النقاط.
هذا المصطلح أيضا تضمنه الفصل األول من دستور" 7066نظام الحكم بالمغرب نظام
ملكية…واجتماعية" وهو ما إنتهت إليه لجنة النموذج التنموي في تقريرها.وهنا يطرح اإلشكال
الذي ينطلق منه مقالنا وهو إلى أي حد يمكن إعتبارالمغرب دولة إجتماعية ؟
ماهي اآلليات التي اعتمدها المغرب سواء القانونية أو المؤسساتية لبناء الدولة
اإلجتماعية ؟
468شكلت فترة أواخر الستينيات من القرن الماضي توسع في الخدمات االجتماعية في الدولة واتضحت معالم دولة الرفاه في هذه الحقبة.
469
OECD, Social justice in the OECD , How do the member states compare , Sustainable Governance
Indicators 2011, p 11.
إن الوقوف عند تجربة المغرب في الميدان اإلجتماعي ،يقتض ي جرد أهم المؤسسات
والبرامج اإلجتماعية التي انخرط فيها بعد اإلستقالل (أوال)،وذلك بهدف الخروج بخالصات حول
مقاربة المغرب للمسألة اإلجتماعية ،وتلمس حدود انخراطه في صياغة سياسة إجتماعية
حقيقية تخضع للشروط الموضوعية لبناء دولة إجتماعية ،وسؤال مدى إستفادة المملكة من
األزمات وتحويلها إلى فرص للنهوض بالشأن اإلجتماعي على وجه الخصوص (ثانيا).
إن الحديث عن المسألة االجتماعية بالمغرب مرتبط أساسا بسياقات مجتمعية محددة
ومراحل تاريخية مفصلية ،من المهم جدا استحضارها لفهم طبيعة هذه المسألة وتناقضاتها
املختلفة ،فمنذ استقالل المغرب سنة 6901كان الهاجس اإلجتماعي حاضرا لدى الفاعل
الرسمي باختالف رهاناته السياسية واألمنية ،رغم محدودية موارد الدولة وارتفاع النفقات
العمومية وضعف تنافسية اإلقتصاد الوطني ،فخالل مرحلة ما بعد اإلستقالل مباشرة إلى
حدود سنة 69.0كانت هناك محاوالت “لهيكلة الحقل االجتماعي“ ومأسسته ،من خالل
مؤسسات عمومية كالتعاون الوطني سنة 470 690.واإلنعاش الوطني سنة 6916وإحداث
وعدد من برامج التغذية والماء الصالح للشرب والكهرباء بالعالم المقاصة471 صندوق
القروي وبرنامج األولويات اإلجتماعية ..إال أن هذه البرامج والمؤسسات كانت مرتبطة أساسا
بتقديم الدعم المباشر للفئات األكثر فقرا وهشاشة من أجل استقرار املجتمع وتوفير شروط
استمراريته نظرا للتحديا ت السياسية التي تواجه الدولة في هذه المرحلة من جهة ،ومن أجل
الضبط اإلجتماعي وحضورالهاجس األمني من جهة ثانية.
470أحدث التعاون الوطني في البداية على شكل مؤسسة خصوصية ذات طابع اجتماعي ،معترف لها بالمنفعة العامة بموجب الظهير
تحول إلى مؤسسة عمومية تتمتّع بالشخصية المدنية
الشريف رقم 4.48.011بتاريخ 62رمضان 4282الموافق ل 68أبريل ،4148ثم ّ
واالستقالل المالي ،بواسطة المرسوم رقم 6.84.264بتاريخ 46محرم 4216الموافق ل 61فبراير .4186وهو اليوم موضوع تحت
الوصاية اإلدارية لوزارة األسرة والتضامن والمساواة والتنمية االجتماعية.
471صندوق المقاصة المغربي ،Caisse de Compensationهي مؤسسة حكومية مغربية (صندوق الدعم االجتماعي) ذات صفة
معنوية واستقاللية مالية ،وظيفتها األساسية دعم أثمان المواد األولية المسوقة في المغرب ،وخصوصا والغازية والسكر...
كل هذه األحداث أدت الى ما سمي ببرنامج التقويم الهيكلي سنة 47269.7نتيجة فرض
توجهات إقتصادية واجتماعية على المغرب ،نظرا لعجز الحكومة عن تسديد ديونها لصندوق
النقد الدولي ،هذه التوجهات يمكن اختصارها في ثالث أمورأساسية:
التقويم الهيكلي سيؤدي فيما بعد الى إشكاالت حقيقية داخل املجتمع وصفها الراحل
الحسن الثاني بالسكتة القلبية التي أوشكت على الوقوع…473
إال أن الوضع لم يستمر على ما هو عليه ،نظرا لعدة أسباب ،منها ما هو داخلي كبداية
تشكل ما يسمى “بالعهد الجديد“ وظهور مستويات جديدة للتعامل مع المسألة اإلجتماعية،
ومنها ما هو خارجي يرتبط أساسا بمحطتين مهمتين؛ األولى تقرير برنامج األمم المتحدة اإلنمائي
لسنة 474 6990والحديث عن مؤشرات و أبعاد جديدة للتنمية ،واملحطة الثانية ترتبط بمؤتمر
كوبنهاكن سنة 6990الذي تمخضت عنه أهداف األلفية والمغرب من بين الدول الملزمة بهذه
األهداف..
هذا السياق الداخلي والخارجي تمخضت عنه سياسة إجتماعية بمؤسسات وبرامج
جديدة ،كتأسيس وكالة التنمية اإلجتماعية بتاريخ 1أكتوبر ، 475 6999بتوصية من البنك
472خضع المغرب لتطبيق سياسة التقويم الهيكلي بصفة رسمية من 4112إلى 4112و ذلك بعد أن عانى مشاكل مالية كبرى تمثلت
أساسا في نسبة عجز الميزانية التي بلغت حوالي 46في المائة سنة 4112كما أن الدين العمومي كان قد وصل 16في المائة سنة 4112
،كما أن االحتياطي من العملة الصعبة لم يكن يتجاوز يومين سنة 4112و التضخم كان في حدود 40في المائة.
473خالد وخشي ،التنمية اإلجتماعية بالمغرب...أي حظور لمفهوم الدولة الراعية ،مقال منشور بمجلة "العمق المغربي" ،على الموقع
اإللكتروني:
.www.al3omk.com
474برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ( )United Nations Development Programmeواختصارا ً ( )UNDPهي شبكة تطوير
عالمية تابعة لألمم المتحدة ,وهي منظمة تدعم التغيير وربط الدول بالمعرفة والخبرة والموارد لمساعدة األشخاص لبناء حياة أفضل .وهي
تعمل في 488دولة وتساعدهم في تطوير حلولهم لمواجهة تحديات التنمية المحلية والعالمية .كما تعمل على تطوير القدرات المحلية التي
تعتمد على موظفي برنامج األمم المتحدة اإلنمائي وشريحة واسعة من الشركاء.
475وكالة التنمية االجتماعية هي مؤسسة عمومية تتمتع باالستقالل المالي والشخصية المعنوية ،تخضع لوصاية وزارة التضامن والمرأة
واألسرة والتنمية االجتماعية ،من مهامها محاربة الفقر والهشاشة في المغرب ،وكذا تنمية البنيات التحتية في إطار تنمية وتطوير سلسلة
إنتاجية معينة (النحل؛ الحليب؛ المواشي؛ حرفة أو صناعة تقليدية أو مهنة بيئية؛ نشاط اجتماعي محلي له مردودية ثقافية ،مالية ،تربوية
أو اجتماعية مفيدة للمنطقة) من اإلنتاج إلى التسويق .المستفيدون من خدمات وكالة التنمية االجتماعية • :التعاونيات؛ •الجمعيات المحلية؛
• الجماعات المحلية (مجالس الجماعية ،مجالس األقاليم والعماالت ومجالس الجهات) في إطار برامج واتفاقيات شراكة لفائدة الساكنة
المحلية لهذه الوحدات الترابية؛ •هيئات ومؤسسات عمومية :غرف مهنية؛ مؤسسات تعنى بالتنمية االجتماعية أو يتقاطع نشاطها مع ميدان
أو مجال اجتماعية يجب النهوض والرقي به للزيادة الفائدة ( من أجل توسيع الفئة المستفيدة أو تثمين المجال المستهدف وتطويره لتسويقه
إما داخليا أو دوليا إن أمكن) مثال {برنامج أركان} .تحديد العمليات المزمع تنفيذها ،وإبرام االتفاقيات مع مختلف الشركاء المحليين ودوليين
في إطار التنمية المحيلة (اإلدماج االجتماعي األنشطة المدرة لدخل بالنسبة للفئات االجتماعية الهشة والمنعدمة الدخل؛ تقوية قدرات جميع
الفاعلين في تنمية االجتماعية؛ وتقييم تأثير مختلف المشاريع .التعاون مع الشركاء وإبرام اتفاقيات شراكة مع:
الدولي ،كمؤسسة عمومية تعنى بتنزيل السياسات الحكومية في املجال اإلجتماعي ،مهمة الوكالة
هي محاربة الفقر والهشاشة من خالل دعم الفاعلين املحليين بشكل مباشر أو عبر الجمعيات
والتعاونيات والجماعات الترابية ..من خالل إطار ومحاور إستراتيجية وخلق التقائية تدخالت
الفاعلين على المستوى الترابي ،ما يميزهذه المؤسسة هو توفيرآليات إلشتغال الفاعل املحلي
من أجل تنشيط وتنمية املجال وتعبئة الموارد وكذا تفعيل دور الوساطة بين الفاعلين
ومؤسسات الدولة ..كما تم اإلعالن عن مبادرات في املجال الحقوقي كتأسيس هيئة اإلنصاف
والمصالحة لجبر ضرر المتضررين من اإلنتهاكات الجسيمة لحقوق االنسان ..خالل هذه
المرحلة كذلك تم تأسيس الوكالة الوطنية للتشغيل والكفاءات 476تحت وصاية وزارة التشغيل
تعنى بمو اكبة وتوجيه الشباب لالندماج في سوق الشغل وكذلك إحداث مؤسسة محمد
الخامس للتضامن ،477كما تم اإلعالن عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في 6.ماي
،4787000كمشروع وطني الغاية منه محاربة الفوارق اإلجتماعية ودعم الفئات الفقيرة والهشة
من خالل برامج ومحاورإستراتيجية..
كما أنه و منذ إعتالء الملك محمد السادس العرش في 10يوليو ،6999تم إطالق العديد
من المشاريع التأسيسية للرؤية اإلجتماعية المتعمدة والتي تقوم على:
إدارات عمومية مركزية (وزارات مندوبيات سامية ،قطاعات إدارية)؛ إدارات أال تركيز ( عماالت ،مندوبيات وتمثيليات اإلدارات
المركزية على مستوى الجهات والعماالت والمقاطعات)؛
الجماعات المحلية؛ المؤسسات العمومية؛ الجمعيات والتعاونيات المحلية؛ القطاع الخاص .بغرض إنجاز برامج أو مشاريع التنمية
االجتماعية ،لفائدة الساكنة المستهدفة من طرف وكالة التنمية االجتماعية {الفقيرة والهشة} .في إطار إنجاز مخططات وكالة التنمية
االجتماعية لبرامجها فهي تقوم دائما باللجوء إلى شركاء متخصصين إلنجاز أنشطة التكوين والدعم التقني ،كالمنظمات غير الحكومية
الخبيرة في الميدان التنمية المحلية ،ومكاتب الدراسات والجامعات ومؤسسات التكوين ،والمنظمات الدولية هاته األخيرة إما تكون مانحة
أو مانحة ومكلفة بإنجاز برنامج تنموي على الصعيد الوطني أو المحلي.
476الوكالة الوطنية إلنعاش التشغيل والكفاءات (وتسمى إختصارا ً باسم أنابيك) هي مؤسسة عمومية في المغرب ،وتخضع لوصاية الدولة
طبقا للنصوص الجاري بها العمل ،كما تخضع الوكالة كذلك لمراقبة الدولة المالية المطبقة على المؤسسات العمومية بموجب النصوص
التنظيمية الجاري بها العمل .وتتوفر الوكالة على فروع لها في مختف المدن المغربية.
477مؤسسة محمد الخامس للتضامن هي مؤسسة تضامنية اجتماعية وطنية مغربية ذات منفعة عمومية واستقالل مالي .أُسست بمرسوم
صدر يوم 64ربيع األول 4160الموافق 4يوليو 4111في عهد الملك الراحل الحسن الثاني ،ويرأسها الملك محمد السادس وتتشكل من
مجلس إداري مع متصرف منسق إضافة إلى الشركاء والمساعدين االجتماعيين ومجموعة من األطر ورؤساء المشاريع .سميت على اسم
الملك الراحل محمد الخامس وأسست كجهاز وطني ،كما تسعى إلى التخفيف من معاناة الطبقة المعوزة وذوي االحتياجات الخاصة وضحايا
الكوارث الطبيعية ودعم تدريس األطفال ومحو األمية وتوفير األدوية ودعم الجمعيات الناشطة واستقبال المغاربة المقيمين في الخارج
وحماية البيئة .على المستوى المحل ي والدولي ،كما أنها مؤسسة ذات استقاللية مالية .يتكون دخل المؤسسة من جمع التبرعات النقدية
والعينية وفوائد األرصدة المجمدة لدى البنوك ومساهمات شركاء المؤسسة.
478المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،هي مشروع تنموي انطلق رسميا ً بعد الخطاب الملكي في 41ماي ،6004ويستهدف تحسين األوضاع
االقتصادية واالجتماعية للفئات الفقيرة ..وجعل المواطن المغربي أساس الرهان التنموي ،وذلك عبر تبني منهج تنظيمي خاص قوامه
االندماج والمشاركة.
تهدف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،إلى محاربة الفقر والهشاشة واإلقصاء االجتماعي ،ومساهمة المواطنين المعنيين في تشخيص
حاجياتهم ومطالبهم وتحقيقها ،إضافة إلى الحكامة الجيدة مع إشراك كل الفاعلين في التنمية وفي اتخاذ القرار.
• نهج للحكم يضع اإلنسان في صميم جميع السياسات ،تم اإلعالن عنه بواسطة “دعوة
67أكتوبر ”6999حول “المفهوم الجديد للسلطة” ،و الذي مهد الطريق نحو إصالحات جديدة
متعددة األبعاد.
•إطالق عملية التقييم بأثر رجعي بعد الخطاب الملكي في 70أغسطس 7001لعملية
التنمية البشرية منذ استقالل البالد ،من أجل تطوير رؤية التنمية البشرية للسنوات العشرين
القادمة ،حيث أفض ى التقييم إلى تقرير بعنوان “ 00سنة من التنمية البشرية في المغرب و
وجهات نظرلعام ، ”7070والذي شكل “التنمية البشرية” منه المفهوم الموحد.
في ضوء نقاط الضعف الهيكلية الخطيرة ،والمتميزة بالفقر وعدم اإلستقرار والتهميش
اإلجتماعي التي كشف عنها التقريرالمذكورأعاله ،تم إطالق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،
وهي استراتيجية إنمائية شاملة تضم جميع الحقوق األساسية (االقتصادية واالجتماعية
والثقافية والمدنية والسياسية) و تضع اإلنسان في صميم اهتماماتها ،وقد خصص لتنفيذها
موارد مالية كبيرة.479
يكرس كذلك دستور 7066بوضوح أسس الدولة اإلجتماعية ،حيث أن العقد اإلجتماعي
الذي أقرته الوثيقة الدستورية ،قائم على تعزيز الحقوق و الحريات و إحداث المؤسسات،
للتمكين من تحقيق المساواة و العدالة اإلجتماعية .
باإلضافة إلى ذلك ،تم تنفيذ العديد من السياسات العامة التي تهدف إلى تحسين الحياة
اإلجتماعية واإل قتصادية ،و الحد من التفاوتات اإلجتماعية و اإلقليمية طوال الفترة -6999
.7069
لقد مرت المراحل األولى من جائحة كورونا في محاولة للخروج من الحجر الصحي
ومحاولة إخراج البالد من األزمة.
479طه السعدوني ،محاوالت بناء الدولة اإلجتماعية في المغرب...النظرية و الممارسة مقال منشور على موقع كازابالنكا اآلن على
الرابط التالي:
www.Casablancaalaan.ma
وهي استراتيجية أعطت األولوية لصحة المواطن على حساب اإلقتصاد،وهو خيارا أعتبر
صائبا في منطلقاته ،وحظي بإجماع وتفهم الجميع ،لكن عادت األولويات االقتصادية
واالجتماعية إلى الواجهة فيما بعد بحدة وبإصرار.
فبعد التأكد من أن األزمة حادة وشاملة على المستوى اإلقتصادي ،وأن انعكاساتها على
الصعيد االجتماعي قاسية ،خصوصا في هذه الظرفية الخاصة ،تركزالثقل وتوجه اإلهتمام نحو
الدولة ومؤسساتها ،إلنقاذ كل ما يمكن إنقاذه :إنقاذ المقاوالت من اإلفالس و إنقاذ المواطنين
من شبح البطالة وقلة ذات اليد ،وحماية العمال من التسريح من العمل ومساعدة الفئات
الهشة. 480
و معلوم أن أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد -كوفيد -69ساهمت بشكل أو بآخرإلى
إعادة األدوار التقليدية للدولة المغربية ،وعلى وجه الخصوص في املجالين اإلقتصادي
واإلجتماعي ،وذلك على ضوء توجهات العاهل المغربي الملك محمد السادس والذي كان سباقا
في إحداث "صندوق جائحة فيروس كورونا" 481لمواجهة هذه الجائحة ،أو من خالل إتخاذ جملة
من اإلجراءات والقرارات من طرف لجنة اليقظة اإلقتصادية 482بخصوص التداعيات واآلثار
الصحية واإلقتصادية واإلجتماعية في خضم إقرار الحجر الصحي وفرض حالة الطوارئ
الصحية بالمغرب .
وبخصوص أدوار الدولة اإلجتماعية في خضم الجائحة فقد اتخذت لجنة اليقظة
االقتصادية مجموعة من اإلجراءات ذات الطابع اإلجتماعي نذكرمنها التالي:
إستفادة جميع المأجورين المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان اإلجتماعي في
فبراير ،7070المتوقفون عن العمل من طرف مقاولة في وضعية صعبة ،من تعويض
480رضوان سند ،تأثيرات كورونا على السياسات العمومية بالمغرب ،مقال منشور بمجلة العمق المغربي ،على الموقع اإللكتروني :
www.al3omk.com
481أحدث هذا الصندوق بموجب المرسوم رقم 6.60.621الذي تم نشره بالجريدة الرسمية ليوم الثالثاء في 66رجب
48( 4114مارس ،)6060بعد المصادقة عليه من لدن مجلس استثنائي للحكومة بتاريخ 42مارس .6060كما تم إخبار
اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان بإحداث هذا الصندوق ،وهما لجنة المالية والتنمية االقتصادية بمجلس النواب ،ولجنة
المالية والتخطيط والتنمية االقتصادية بمجلس المستشارين ،طبقا للمقتضيات القانونية.
482يتمثل الهدف من إحداث هذه اللجنة في رصد و تتبع االنعكاسات اإلقتصادية لألزمة الوبائية على اإلقتصاد الوطني ،ومواكبة
النشاطات األكثر عرضة للصدمات الناجمة عن هذه األزمة.
شهري ثابت وصافي قدره 7000درهم ،باإلضافة إلى التعويضات العائلية وتلك المتعلقة
بالتأمين اإلجباري عن المرض) . (AMO
تمكين هؤالء األجراء ً
أيضا من اإلستفادة من تأجيل سداد القروض البنكية (قروض
اإلستهالك وقروض السكن) إلى غاية 10يونيو .4837070
تنفيذا للتعليمات السامية للملك محمد السادس ،تم إحداث صندوق خاص لتدبير
ومواجهة وباء فيروس كورونا ،وذلك من أجل التكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل البنيات
الصحية ،والحد من أثارهذا الوباء على اإلقتصاد الوطني.
في هذا اإلطار ،وبعد مشاورات وإجتماعات متواصلة ،قررت لجنة اليقظة اإلقتصادية
منح تعويض شهري جزافي قدره 7000درهم ،باإلضافة إلى اإلستفادة من خدمات التغطية
الصحية اإلجبارية والتعويضات العائلية ،لفائدة األجراء والمستخدمين بموجب عقود اإلندماج
والبحارة الصيادين المتوقفين مؤقتا عن العمل المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان
االجتماعي برسم شهر فبراير ،7070والمنتمين للمقاوالت المنخرطة في الصندوق الوطني
للضمان االجتماعي التي تواجه صعوبات.
تدابير لجنة اليقظة اإلقتصادية بشأن عملية الدعم المؤقت لألسر العاملة في القطاع
غيرالمهيكل المتضررة من فيروس كورونا المؤرخة في 79مارس :7070
كما ركزت لجنة اليقظة اإلقتصادية في اجتماعها ليوم االثنين 71مارس 7070على تدابير
دعم القطاع غيرالمهيكل المتأثرمباشرة بالحجرالصحي.
المرحلة األولى :تهم األسر التي تستفيد من خدمة راميد وتعمل في القطاع غير المهيكل
وأصبحت ال تتوفرعلى مدخول يومي إثر الحجر الصحي .هذه األسر يمكنها االستفادة من
مساعدة مالية تمكنها من المعيش والتي تم منحها من موارد صندوق محاربة جائحة كورونا
الذي أنشأ تبعا لتعليمات صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره الله.
ثالثا 6700 :درهم لألسرة التي يتعدى عدد أفرادها أربعة أشخاص.
المرحلة الثانية :بالنسبة لألسر التي ال تستفيد من خدمة راميد والتي تعمل في القطاع
غير المهيكل والتي توقفت عن العمل بسبب الحجر الصحي ،تم منحها نفس المبالغ المذكورة
سابقا.485
لقد مكنت المقاربة المتعددة األبعاد ،لمواجهة تفش ي فيروس كورونا (كوفيد،)69-
بفضل الرؤية المتبصرة لجاللة الملك ،من تقليص االنعكاسات اإلقتصادية واإلجتماعية
للجائحة ،وهكذا جاء إطالق الصندوق الخاص بتدبيرجائحة كوفيد 69-الذي تم إحداثه تنفيذا
للتعليمات المولوية السامية ،كإجراء فعال للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل اآلليات
والوسائل الصحية ،والمساهمة في تعزيزاالقتصاد الوطني من خالل دعم القطاعات األكثرتأثرا
بتداعيات فيروس كورونا والحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات اإلجتماعية
لهذه الجائحة.
وضمن اإلستراتيجية التي تمت بلورتها لمواجهة هذا الوباء ،إتخذت الدولة التدابير
الضرورية للحفاظ على الصحة العامة للمواطنات والمواطنين ودعم وتعزيزالبعدين اإلجتماعي
واإلقتصادي ،في كل المراحل التي مرت منها عملية محاربة هذا الوباء.
فالحديث عن هذا األمريجرنا إلى مالمسة كيفية التعامل مع أزمة “كورونا” بالمغرب ،إذ
بالرغم من بعض اإلجراء ات اإليجابية ،والقرارات التي اتخذتها الدولة في األشهراألولى بعد ظهور
الوباء؛ و التي كان من أهمها إنشاء صندوق تدبير جائحة كورونا ،غير أنه بعد رفع الحجر تم
التعامل مع الجائحة بشكل ارتجالي تجسد أساسا في تبني قرارات كان لها أثر سلبي على كيفية
الحد من انتشار وباء كورونا ،باإلضافة إلى ضعف البنيات الصحية والتي أبانت عن عجز
ملحوظ ومحدودية قدرتها اإلستيعابية على استقبال المصابين بالوباء.486
485تدابير لجنة اليقظة االقتصادية بشأن عملية الدعم المؤقت لألسر العاملة في القطاع غير المهيكل المتضررة من فيروس كورونا
المؤرخة في 61مارس .6060
486حس ن الزواوي ،جائحة كورونا وضعف بنيات الدولة اإلجتماعية بالمغرب ،مقال منشور بمجلة "مجلة "61على الموقع اإللكتروني:
www.majala24.ma
كما أن هذه الظروف الصعبة التي أفرزتها الجائحة ،مست في العمق مفهوم الدولة
وأدورها واألحزاب السياسية والمنظمات النقابية واملجتمع المدني والقطاع الخاص
ومسؤوليتهم وموقعهم من الدولة…كما عرت هشاشة السياسات اإلجتماعية المتبعة منذ سنين
في مجاالت الصحة والتعليم والسكن و أنظمة الحماية اإلجتماعية.
ففي املجال الصحي ،تبين أنه ال البنية التحتية و ال المعدات و ال الموارد البشرية في
مستوى التحديات ،و أن من بين القضايا التي يتعين علينا مواجهتها ،ذلك العجزالهيكلي الهائل
الذي ليس سوى نتيجة لخيارات سياسية غير متناسقة،كما عرت هذه الجائحة حجم ضعف
خدمات منظومتنا التعليمية الوطنية وبشدة ،حيث ثبت أن النظام التعليمي غير قادر على
التحرك بالسرعة والجودة المطلوبتين ،من نظام التعلم الحضوري إلى التعليم عن بعد ،الذي
فرضه الحجرالصحي.
إ ن هذه الجائحة دفعت وستدفع فئات عريضة إلى حافة الفقر والبطالة واإلفالس ومن
ثم فإن من تداعياتها المرتقبة ،مخاطر تهدد السلم واألمن االجتماعين ،مع ما يمكن أن يترتب
على ذلك من مخاطرسياسية وتهديدات لإلستقرارالسياس ي واإلجتماعي.487
يبدو أن جائحة كورونا باتت مدخال أساسيا إلعادة قراءة المسار اإلصال ي بالمغرب
ومستقبل الديمقراطية والتنمية به ،فقد فتحت هذه الجائحة الباب على مصراعيه أمام سياق
اجتماعي وسياس ي متسم بالتعقيد والشك وزيادة مستوى التشاؤم بسبب نوعية املخاطر التي
أصبحت الدول مطالبة بالتعامل معها ليس فقط في إطارها البيولوجي ولكن من خالل مواجهة
آثارها السالفة الذكر .كما أن مستقبل الدولة أصبح هو اآلخر رهينا بهذا األمر الذي ال يمكن
التغلب عليه إال من خالل وضع قواعد سياسية جديدة تقدم حلوال جذرية لألزمة ،وفق منطق
يؤمن بضرورة تبني استراتيجيات سياسية إصالحية ترد اإلعتبارلمفاهيم العدالة اإلجتماعية و
الديمقراطية .فنحن اليوم لسنا فقط في مواجهة وباء كورونا ولكننا أيضا أمام أزمة الدولة
اإلجتماعية وأزمة السياسة التي ساهمت مخرجاتها في تأخراملجتمع ،فأصبح هو اآلخرموضوعا
ملجموعة من التحوالت السلبية التي مست بنياته االجتماعية بصورة متسارعة.488
487طه السعدوني ،مغرب ما بعد كورونا ...نحو التأسيس للدولة اإلجتماعية ،مقال منشور بمجلة كازابالنكااآلن ،على الموقع اإللكتروني:
www.casablancaalaan.ma
488حسن الزواوي ،جائحة كورونا وضعف بنيات الدولة اإلجتماعية بالمغرب ،مقال منشور بمجلة "مجلة "61على الموقع اإللكتروني:
www.majala24.ma
تطبق األنظمة في املجتمعات من خالل القانون ،الذي يهدف إلى حماية األفراد و يتولى
عدة. مستويات على االجتماعي والتحديث
التغيير مهمة
كما يتفاعل القانون كقاعدة أساسية مع المؤسسات اإلجتماعية الرئيسية بطريقة تتمثل
باإلرتباط المباشر بينه وبين التغيير االجتماعي ،بتوفير البيئة المناسبة للقيام باألنشطة
االقتصادية ،واالجتماعية ،والثقافية ،والبيئية املختلفة ،والتي تعتبر درجات على سلم نهضة
املجتمعات ،وإرتقائها .وفيما يلي أهم المقتضيات القانونية و اإلجراءات التي تعتمد عليها الدولة
المغربية إلرساء الدولة االجتماعية.
من المقومات األساسية في دولة القانون ،وجود دستور ،فبناءا عليه تبنى الدولة
العصرية المتوازنة ،فكما يقول ميشال مياي أستاذ القانون العام بجامعة مونبلييه في كتابه
"دولة القانون"" ،الدستور هو خالصة إلتباث حقوق المواطنين وطرق ممارسة السلطة
بواسطتهم أو بواسطة ممثليهم" ،إن الدستور يمثل إذن القانون األسمى في تنظيم املجتمع،
محددا بذلك أسس الدولة وحدودها.
والشك أن دستور المملكة المغربية لسنة 489 7066جاء نتيجة مخاض عسير من
التفاعل ،والحراك الشعبي ،والموجات الثورية التي ضربت أكثر من بلد عربي ،والتي أرخت
بظاللها على الو اقع السياس ي و اإلجتماعي المغربي .هذا األخير الذي صادق عليه المغاربة
وراهنو عليه من أجل تحقيق آمالهم وطموحاتهم وحال لمشاكلهم ،واعتبره البعض ثورة نوعية في
مجال ترسيخ الحقوق والحريات ،وميثاقا لحماية حقوق اإلنسان والنهوض بها وتعزيزالمواطنة،
والذي تضمن أكثرمن 10فصال مرتبطا بحقوق اإلنسان وحمايتها.
وقد أسس المغرب لهذا التوجه من خالل التنصيص على مرجعيته التأسيسية في
منطوق الدستورالمغربي لسنة ،7066حيث تم اإلعالن من خالل ديباجته عن مواصلة المملكة
المغربية إقامة مؤسسات دولة حديثة ،مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة،
وإرساء دعائم مجتمع متضامن ،يتمتع فيه الجميع باألمن والحرية والكرامة والمساواة ،وتكافؤ
الفرص ،والعدالة االجتماعية ،ومقومات العيش الكريم ،في نطاق التالزم بين حقوق وواجبات
489ظهير شريف رقم 4.44.14صادر في 68من شعبان 61( 4126يوليو )6044بتنفيذ نص الدستور.
المواطنة.كما نص الفصل األول منه على كون "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية،
ديمقراطية برلمانية واجتماعية".
إن دستور 7066جاء بعقد اجتماعي جديد يربط الدولة باملجتمع ،حيث يوضح كيف
يمكن للدولة انطالقا من هذا العقد االجتماعي ،أن تفي بالتزاماتها اإلجتماعية تجاه الشعب.
كما أن العقد االجتماعي ،الذي ّ
أقرته الوثيقة الدستورية ،قائم على تعزيز الحقوق
والحريات وإحداث المؤسسات ،للتمكين من تحقيق المساواة والعدالة اإلجتماعية،كما أنه
أعطى أيضا مكانة خاصة لألسرة المغربية وعززمن دورالمؤسسات القائمة.
وقد أدرك المغرب أنه بالنظر للمشاكل االجتماعية السابقة ،البد من التأسيس لدولة
اجتماعية بالنص الدستوري ،لكي تقوم هاته األخيرة بجميع التزاماتها إزاء المواطنين ،هذا األمر
ً
لم يبقى اختياريا ،بل بات ُملزما للدولة المغربية ،لكي تقوم بواجباتها االجتماعية تجاه الشعب.
إن هذا الميثاق االجتماعي تترتب عنه أهداف أساسية ،تتعلق بتحقيق الحماية
االجتماعية للمواطنين من جهة ،وتقديم الخدمات العمومية الضرورية من جهة ثانية ،مع ما
يتطلبه ذلك من رصد ميزانيات كافية لتحقيق هاته األهداف و المرامي.490
يكرس كذلك دستور يوليوز 7066بوضوح أسس الدولة اإلجتماعية حيث تنص الفقرة
األولى من ديباجة الدستورعلى ما يلي:
" ً
ووفاء لخيارها الذي ال رجعة فيه لبناء دولة ديمقراطية تحكمها سيادة القانون ،فإن
المملكة المغربية تواصل بحزم عملية توطيد وتقوية مؤسسات الدولة الحديثة ،على أساس
ً
متحدا حيث يتمتع الجميع ً
مجتمعا مبادئ المشاركة والتعددية والحكم الرشيد ،إنها تطور
باألمن والحرية وتكافؤ الفرص واحترام كرامتهم والعدالة االجتماعية ،في إطارمبدأ اإلرتباط بين
حقوق وواجبات المواطنة".
كما جاء بالئحة حصرية للحقوق والحريات في بابه الثاني ،إلى جانب مجموعة من الحقوق
الموزعة على بعض األبواب األخرى .
490بسيمة الحقاوي ،ندوة ضمن فعاليات الملتقى الوطني الـ 44لشبيبة العدالة والتنمية حول موضوع“ :الجواب االجتماعي في دستور
..6044أسئلة العدالة والكرامة والتنمية ،ليوم السبت ( 68يوليوز )6041بالقنيطرة ،مداخلة تحت عنوان وضع معايير و أسس الدولة
اإلجتماعية .
أيضا يؤكد الفصل 16من الدستور على أن الثالثي "(الدولة والمؤسسات العمومية
والجماعات الترابية) ،يعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة ،لتيسير أسباب استفادة
المواطنات والمواطنين ،على قدم المساواة ،من الحق في:
–السكن الالئق؛
– الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل ،أو في
التشغيل الذاتي؛
–التنمية المستدامة".
الفصل واضح وصريح ويحمل الدولة ومعها المؤسسات العمومية والمنتخبين مسؤولية
العمل على توفير الحق في الصحة والتعليم والتكوين المنهي والسكن والشغل والوظيفة
العمومية.
ُيحدث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي ،من أجل تحقيق هذه األهداف".
يليه الفصل 17الذي يؤكد على أن السلطات العمومية تقوم بوضع وتفعيل سياسات
موجهة إلى األشخاص والفئات من ذوي االحتياجات الخاصة .ولهذا الغرض ،تسهر خصوصا
على ما يلي:
-إعادة تأهيل األشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية ،أو حسية حركية ،أو عقلية،
وإدماجهم في الحياة االجتماعية والمدنية ،وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها
للجميع".
لقد حاول دستور 7066ترسيخ دولة الحق والمؤسسات ،وتوسيع مجال الحريات الفردية
والجماعية ،وضمان ممارستها ،وتعزيز منظومة حقوق اإلنسان ،بكل أبعادها السياسية
واالقتصادية واالجتماعية والتنموية ،والثقافية والبيئية.
فدولة الحق و القانون ترى نفسها تعبيرا عن المواطن وتجسيدا مؤسسيا ضامنا
لحقوقه ،و الفرد في هذا المنظور هو المواطن الذي يهب الدولة مشروعيتها عبر اآلليات
الديمقراطية ،والدولة هي مجموع المؤسسات الممثلة والضامنة للحق العام وللحقوق
الفردية ،ومن هنا اقتران الدولة الحديثة بالديمقراطية ،إذ ال يمكن أن تقوم دولة القانون إال في
إطارديمقراطي ،بل لعل دولة القانون هي من مقتضيات الديمقراطية الفعلية ومستلزماتها.491
491عثمان الزياني ،رهانات اإلصالح الدستوري في المغرب :مقاربة على ضوء الخطاب الملكي المؤرخ في 1مارس ،6044منشورات
مجلة الحقوق المغربية ،مطبعة دار أبي رقراق للطباعة والنشر،الرباط ،سنة ،6044ص .64
هموما كانت في الماض ي عبارة عن طموحات ،وتمت اليوم دسترتها من أجل تكريسها ،وإغناء
و إثراء مضمونها ،والتنويه بأهميتها.492
أحدث الملك محمد السادس ،في 69نونبر ،7069اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي،493
وهي لجنة ضمت إلى جانب الرئيس 10 ،عضوا يتوفرون على مهارات أكاديمية ومهنية وعلى دراية
باملجتمع الم غربي وبالقضايا السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية ،حيث
أسندت إلى هذه اللجنة مهمة ذات طابع استشاري تتمثل في تشخيص وضعية التنمية بالمملكة
بموضوعية ،وفي رسم معالم نموذج تنموي جديد بغية الدفع بالمغرب للتوجه بكل ثقة نحو
المستقبل ،وقد اعتمدت هذه اللجنة في إعداد تقريرها 494على تفكيراستراتيجي يركزعلى إيجاد
الحلول ملجموعة من االشكاليات التي يثيرها النموذج التنموي السابق ،عجزعن مواكبة
التطورات التي يعرفها املجتمع المغربي ،وبالتالي تغييروثيرة التنمية ،كما اهتمت اللجنة في إعداد
تقريرها على تفكير ذي طبيعة شمولية ومندمجة مع المبادئ والقيم التي كرسها دستور ،7066
باإلضافة إلى اقتراح نموذج تنموي يضع المواطن في صلب أولوياته ومنسجما مع و اقع البالد
ومتطابق مع خصوصياتها ،وقد تم االعتماد على مقاربة تشاركية معتمدة على اإلنصات
والمشاورة.
وبعد االنتهاء من إعداد التقريرقدم رئيس اللجنة شكيب بنموس ى يوم 70ماي 7076أمام
الملك بالقصر الملكي بفاس التقرير العام ،تقريرا جاء ثمرة اشتغال منذ تعيين اللجنة يوم 67
دجنبر ،7069بعد أن عقدت .0جلسة اشتغال 661ورشة عمل 10 ،زيارة ميدانية ،كما
استقبلت اللجنة 1100اقتراحا مكتوبا ،إضافة إلى 9.69متفاعل مع اللجنة ،مشروع وضعت
عليه الكثيرمن الرهانات ،و اقتض ى التفاعل مع جائحة كورونا التي قلبت الموازين.
وقد قامت اللجنة بتحليل دقيق للنموذج التنموي السابق خلص إلى أن العديد من
اإلصالحات المعلن عنها من أعلى مستوى في الدولة ،مثل التحول االقتصادي والتربية والتكوين
492يونس مليح ،مسار بناء المؤسسات الدستورية بالمغرب –الحصيلة و الرهنات -مقال منشور بمجلة القانون و األعمال ،جامعة
الحسن األول ،مختبر البحث القانون و األعمال.
493تم إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي يوم 46ديسمبر ،6041وتكتسي هذه اللجنة طابعا استشاريا ،وترتكز مهامها ،التي
تنحصر في أفق زمني محدد ،على رسم مالمح نموذج تنموي متجدد وفق مقاربة تشاركية وشاملة .
494يقدم التقرير العام النتائج األساسية وتوصيات اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي .يحمل التقرير عنوان "النموذج التنموي الجديد ،تحرير
الطاقات وبناء الثقة لتسريع المسيرة نحو التقدم واالزدهار من أجل الجميع.
يتمحور التقرير حول ثالث أقسام :يتناول األول منها مغرب اليوم وعالم المستقبل ،ويعرض الثاني النموذج الجديد المقترح من طرف
اللجنة ،في حين يقترح القسم الثالث دعامات التغيير للوصول إلى النموذج المنشود.
والصحة والحماية االجتماعية ،تعاني من بطء في التنزيل ،وهو ما يثير تساؤالت المواطنين،
ويساهم في إضعاف منسوب الثقة...
وقد رصدت اللجنة أربعة عوائق في النموذج التنموي السابق ،تتمثل في غياب االنسجام
بين الرؤية التنموية والسياسات العمومية المعلن عنها ،وبطء التحول الهيكلي لالقتصاد جراء
التكلفة المرتفعة لعوامل اإلنتاج التي تعيق تنافسية المقاوالت .ويشير العائق الثالث إلى
محدودية قدرات القطاع العام في صياغة وبلورة خدمات عمومية سهلة الولوج وذات جودة،
إضافة إلى عائق رابع يتجلى في الشعوربضعف الحماية القضائية..
يشير التقرير العام للنموذج التنموي الجديد إلى أن المملكة تزخر بإمكانيات تنموية
مهمة ،من الموقع الجيواستراتيجي وتاريخه العريق ورأسماله الالمادي وطاقات نسائه ورجاله،
وهو ما يؤهله إلى االرتقاء إلى مصاف الدول الرائدة.495
انطالقا من هذه المؤهالت ،يسعى النموذج التنموي الجديد إلى االنتقال إلى مغرب
مزدهر ،مغرب الكفاءات ،مغرب اإلدماج والتضامن ،مغرب االستدامة والجرأة؛ وهو ما
يستوجب تعبئة كل إمكانيات البالد عبر وضع العنصر البشري في صلب أولويات السياسات
العمومية..
وتقترح اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أن تتم ترجمة هذا الطموح إلى أهداف تنموية
محددة وفي المتناول قصد االرتقاء بالمملكة ،لتتبوأ مكانتها ضمن الثلث األول من ترتيب الدول
في مجاالت عديدة في أفق ،7010من خالل مضاعفة الناتج الداخلي الخام حسب الفرد ،وضمان
امتالك 90في المائة من التالميذ للتعلمات األساسية..
كما تتضمن األهداف أيضا الرفع من معدل التأطير الطبي للمالءمة مع معايير منظمة
الصحة العالمية ،وتقليص نسبة الشغل في القطاع غير المهيكل إلى 70في المائة ،ورفع نسبة
مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 70في المائة مقابل 77في المائة ،والوصول إلى نسبة رضا
المواطنين على اإلدارة والخدمات العمومية تزيد عن .0في المائة.496
495تم إرفاق التقرير العام للجنة ،بثالث مالحق هي بمثابة عناصر تكميلية لفهم النموذج الجديد للتنمية وطريقة إنجازه من خالل:
ملخص جلسات اإلنصات والمساهمات التي أغنت البناء المشترك للجنة الخاصة بالنموذج التنموي .يقدم هذا الملخص تفاصيل
عن المقاربة التشاركية المعت َمدة في إعداد النموذج التنموي الجديد كما يستعرض التفاعالت الغنية مع المواطنين والمؤسسات؛
مجموع المذكرات الموضوعاتية ،مشاريع ورهانات المستقبل المنبثقة عن النموذج الجديد للتنمية ،ومحاوره االستراتيجية
للتحول وكذا دعامات التغيير؛
الئحة جلسات االستماع ،المساهمات ،األنشطة وكذا بيبليوغرافيا ،حيث ساهمت هذه العناصر مجتمعة في إغناء أشغال اللجنة
الخاصة بالنموذج التنموي.
496يونس الصالحي ،قراءة في تقرير النموذج التنموي ،مقال منشور بالمجلة االلكترونية أنفاس بريس ،على الموقع التالي:
www.anfaspress.com.
لقد سطر النموذج التنموي الجديد ،من أجل تحقيق الطموحات واألهداف األساسية
التي ينشدها،أربعة محاور استراتيجية للتحول ،أولها يرتبط بتطويراالقتصاد وجعله يتميز
بتعدد األنشطة وبالتنافسية واالبتكاروالمرونة ،وقادر على خلق مناصب شغل ذات جودة،
وضمان إدماج الساكنة النشيطة ،خصوصا الشباب والنساء ،في سوق الشغل .وثانيها يركزعلى
تعزيزالرأسمال البشري ،وجعله أقوى وأحسن استعدادا للمستقبل ،ويتطلب إنجازإصالحات
أساسية ،ضرورية وعاجلة لكل من أنظمة الصحة والتربية والتعليم العالي والتكوين المهنين.
أما املحور الثالث المتمثل في إالدماج ،فيهدف إلى مساهمة كل المواطنات والمواطنين في
الدينامية الوطنية للتنمية ،من خالل المشاركة والولوج المتكافئ إلى الفرص االقتصادية ،ومن
خالل الحماية االجتماعية ،ومن خالل االنفتاح على الغير وتقبل التنوع الذي يميز املجتمع
المغربي .ويتعلق املحور االستراتيجي الرابع باملجاالت الترابية وتعزيز مكانتها في صلب العملية
التنموية .وهو األمرالذي من شأنه أن يمثل ر افعة أساسية تضمن الولوج العادل إلى الخدمات
العمومية وإطارا سليما وجيدا للعيش.497
في هذا السياق الذي يروم إحداث تحول استراتيجي عبراملحاورالمشار إليها أعاله ،تطلع
النموذج التنموي الجديد إلى تحقيق تعميم التغطية االجتماعية 498التي أوص ى بها جاللة الملك
في خطاب العرش بتاريخ 79يوليوز ، 7070هذه التطلعات ترتكز على منظومة للحماية
االجتماعية فعالة ومستدامة ومتطورة كفيلة بتقديم خدمات مبتكرة وناجعة وذات أثرملموس
على المواطنين.
وألجل إرساء هذه المنظومة اقترحت اللجنة مجموعة من التوجهات ،استهلتها بضرورة
تحديد رؤية ،واضحة ومندمجة ومتناسقة وعلى األمد البعيد ،خاصة بالحماية االجتماعية،
ترتكز على عقد اجتماعي مجدد يكرس كليا مبدأ التضامن االجتماعي كما هو منصوص عليه في
الدستور .ويقترح أن يتمحور تصميم منظومة الحماية االجتماعية بمختلف جوانبها حول
مستويين اثنين:
-قاعدة أساسية شاملة تضمن الحقوق االجتماعية األساسية خاصة منها التغطية
الصحية األساسية والتعويضات العائلية وتمول بواسطة التضامن والمساهمات.
497التقريرالعام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي ،النموذج التنموي الجديد تحريرالطاقات واستعادة الثقة لتسريع و تيرة التقدم وتحقيق
الرفاه للجميع ،أبريل، 6064ص.41 :
498أعلنت وزارة االقتصاد والمالية وإصالح اإلدارة عن تفاصيل مشروع تعميم التغطية االجتماعية على المواطنين ،الذي ينسجم تماما
مع التوجيهات الملكية السامية التي تضمنها خطاب العرش في 61يوليوز ،6060وكذا خطاب افتتاح الدورة األولى من السنة التشريعية
الخامسة من الوالية التشريعية العاشرة ( 1أكتوبر .)6060
هذه الرؤية الجديدة للحماية االجتماعية ينبغي أن تترجم على المستوى المؤسساتي
بتنظيم جديد كفيل بتحسين حكامة منظومة الحماية االجتماعية ،وينبغي أن تتم قيادة الرؤية
من طرف رئاسة الحكومة عبراللجنة الوزارية المشتركة المكلفة بالحماية االجتماعية.
في هذا إالطار ،وحسب النموذج التنموي الجديد يجب االتجاه نحو تقارب الصناديق
المتعلقة بالتأمين االجتماعي بشكل يفض ي في النهاية إلى صندوق موحد خاص بالتغطية
الصحية األساسية وصندوق موحد خاص بالتقاعد .وينبغي فيما يخص شبكات األمان
االجتماعي والبرامج االجتماعية ،اعتماد آلية للقيادة والتنسيق بين مختلف القطاعات
والوكاالت والمبادرات والصناديق المعنية بالمساعدة والعمل االجتماعيين،بهدف تحديد
ميادين اشتغالهم واالستغالل المشترك لبعض الموارد وتنسيق تدخالتهم في إطار الرؤية
الجديدة ،إال أن هذا التمركز لن يجدي نفعا ما لم يتم بالموازاة مع إعمال آالليات الديمقراطية
لفرزالمؤسسات ،وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة في تدبيرهذه المؤسسات.
إلى جانب ذلك ،يرى النموذج التنموي الجديد ضرورة توسيع قاعدة الحماية االجتماعية
لتشمل أكبرعدد ممكن من السكان دون إقصاء أي شخص،ويجب اإلسراع بدمج كل الفئات التي
تتوفرفيها شروط االستحقاق ،والتسريع بإدماج القطاع غير المهيكل الصغير والفنانين والتجار
والفالحين الصغار لإلستفادة من التغطية الصحية والتعويضات العائلية .وكذلك بالنسبة
لشبكات األمان االجتماعي والبرامج االجتماعية ،فيتطلب األمر تحسين عمليات استهداف
السكان المستفيدين وتعويض منطق المقاصة بمنطق التحويالت المالية املحددة الهدف.
ومن التوجهات التي سطرها النموذج التنموي الجديد في هذا الباب ،وجوب الحرص على
جودة الخدمات والحصول على حد أقص ى من أثر التدخالت ذات الطابع االجتماعي ،وجعل
المستفيد في صميم السياسات االجتماعية .وكذلك تشجيع مشاركة القطاعين الخاص
والجمعوي في إطار تركيبات مبتكرة.
وأكد النموذج التنموي الجديد أيضا على ضرورة تحسين النجاعة والديمومة المالية
للمنظومة ،بالنسبة لشبكات األمان االجتماعي والبرامج االجتماعية ،حيث تم اقتراح تعزيز
مواردها بواسطة تشجيع القطاع الخيري ،من خالل إطارتنظيمي واضح ومحفز وآليات مبتكرة
ويبقى السؤال المطروح ،هل تتوفر النخب السياسية واملجتمع المدني وغيرها من
المؤسسات المعنية بهذا الورش اإلصال ي الكبير ،القدرة على تنزيل مضامين هذا التقرير على
أرض الو اقع؟
إذا كان الحق في الحماية االجتماعية 500يفترض أن يتأسس على تعاقد اجتماعي بين أفراد
املجتمع ،ارتكازا على مبادىء التضامن والتعاون والتآزروالتعاضد ،لضمان التماسك االجتماعي
الكفيل بصيانة كرامة المواطن ،فإن إعمال هذا الحق يقع على عاتق الدولة ،مادامت هذه
األخيرة قد صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية،501
وبصفة خاصة مواده 9و 60و 66و ،67إذ تنص المادة التاسعة على ما يلي(:تقرالدول األطراف
في هذا العهد بحق كل شخص في الضمان االجتماعي ،بما في ذلك التأمينات االجتماعية) .وهذا
ما يجعلنا نتسائل عن كيفية إعمال هذا الحق خصوصا بعد المصادقة على القانون-اإلطاررقم
09.76المتعلق بالحماية االجتماعية .502ذلك أن منظومة الحماية االجتماعية هي مكون من
مكونات السياسات العمومية للدولة والرامية إلى إعمال حق أساس ي من حقوق اإلنسان ،وهو
الحق في الحماية االجتماعية باعتباره الضامن األساس ي لتحقيق التماسك االجتماعي والدفع
بعجلة التنمية البشرية ،والمنصوص عليه في الفصل 16من الدستور.
لكن قبل ذلك البد من اإلشارة إلى أن المملكة المغربية ،ومنذ نهاية األلفية الثانية،
أحدثت عدة مؤسسات ،من قبيل مؤسسة محمد الخامس للتضامن التي يرأسها الملك محمد
السادس التي أحدثت سنة ( ، )6999وأطلقت مجموعة من البرامج االجتماعية على رأسها
499معاذ صويلح ،الحماية اإلجتماعية على ضوء النموذج التنموي الجديد ،مقال منشور بالكتاب الجماعي ،الحماية اإلجتماعية و
النموذج التنموي الجديد ،إصدارات المركز المغربي لألبحاث و تحليل السياسات اإلصدار األول دجنبر ،6066ص .442
500يقصد بالحماية االجتماعية ،جميع آليات االحتياط الجماعي التي تمكن األفراد أو األسر من مجابهة اآلثار المالية المترتبة عن المخاطر
االجتماعية .وترتكز على آليتين هما “التأمين االجتماعي” و”المساعدة االجتماعية”.تعريف صادر عن وزارة التضامن و اإلدماج
اإلجتماعي و األسرة.
501العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية هي معاهدة متعددة األطراف اعتمدتها الجمعية العامة لألمم المتحدة في
42ديسمبر 4122ودخلت حيز النفاذ من 2يناير . 4182تلزم أطرافها العمل من أجل منح الحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية،
بما في ذلك حقوق العمال والحق في الصحة وحق التعلم والحق في مستوى معيشي الئق .اعتبارا من عام 6044فقد صدق على العهد
421طرف .خمس دول أخرى بما في ذلك الواليات المتحدة وقعت ولكن لم تصدق بعد على العهد.
502القانون اإلطار رقم 01.64المتعلق بالحماية االجتماعية الصادر بتنفيذه الظهير شريف رقم 4.64.20الصادر في 1شعبان 4116
( 62مارس ،)6064الجريدة الرسمية عدد 66-2184شعبان 4(4116أبريل .)6064
وبرنامج دعم تمدرس األطفال كبرنامج تيسير ومليون محفظة ،كما أحدث أيضا صندوق دعم
التماسك االجتماعي لتشجيع تمدرس األطفال ذوي اإلعاقة...508وغيرها من البرامج اإلجتماعية.
ورغم كل هذه البرامج ،فقد ظل الحق في الحماية االجتماعية بالمغرب -كحق من حقوق
اإلنسان األساسية -تعتريه الكثير من النقائص ،أوردها بتفصيل تقرير املجلس االقتصادي
واالجتماعي والبيئي ،المعنون بالحماية االجتماعية بالمغرب :و اقع الحال ،الحصيلة وسبل
تعزيزأنظمة الضمان والمساعدة االجتماعية.509
فقد أبرز هذا التقرير بأن منظومة الحماية االجتماعية بالمغرب ،رغم كونها منظومة
ح ديثة ،مثقلة بتراكمات الماض ي ،حيث تضم تشكيلة واسعة من األنظمة غير المترابطة
واملجزأة والممولة أساسا من مداخيل الشغل لفائدة فئة من أجراء القطاع الخاص وموظفي
وأعوان الدولة والجماعات الترابية ،بينما تظل غالبية السكان النشيطين دون حماية
اجتماعية ( 10في المئة من السكان النشيطين محرومون من الحماية االجتماعية) ،وما يزيد
األمرتعقيدا االنتشارالواسع للقطاع غيرالمنظم.
وقد أبانت أزمة" كوفيد "69عن «مجموعة من االختالالت ومظاهرالعجز» كما جاء على
لسان الملك محمد السادس في خطابه االفتتا ي للدورة التشريعية 9اكتوبر.7070
503المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،هي مشروع تنموي انطلق رسميا ً بعد الخطاب الملكي في 41ماي ،6004ويستهدف تحسين األوضاع
االقتصادية واالجتماعية للفئات الفقيرة ..وجعل المواطن المغربي أساس الرهان التنموي ،وذلك عبر تبني منهج تنظيمي خاص قوامه
االندماج والمشاركة.
اختصارا باسم راميد : RAMEDهو نظام رعاية صحية أطلقته المملكة المغربية رسميًا سنة 6046 ً 504نظام ال ُمساعدة الطبيَّة ويُعرف
ق تجريبي في 6001لمساعدة ال ُمواطنين في َمجال الصحة. بعد إطال ٍ
وفي أغسطس ، 6060أعلن محمد بنشعبون وزير المالية واالقتصاد ،نهاية نظام المساعدة الطبية ،وتعويضه بنظام التغطية الصحية
اإلجبارية ( ،)AMOمؤكدًا أن تعميم التغطية الصحية سيتم في سنتين لجميع المغاربة بنفس المستوى والمعايير.
" 505نظام المساعدة الطبية "راميد"" .www.maroc.ma .البوابة الوطنية 44 .فبراير .6042مؤرشف من األصل في -08-6060
.24
506يهدف برنامج تقليص الفوارق المجالية واالجتماعية في العالم القروي الذي تم إطالقه من طرف صاحب الجاللة نصره الله في ،6044
إلى تقليص الفوارق المجالية فيما يخص البنيات التحتية لفك العزلة والولوج إلى الخدمات األساسية (الطرق والمسالك والمنشآت الفنية
والتعليم والصحة والماء الصالح للشرب والكهرباء) بهدف تحسين الظروف المعيشية للساكنة في المجاالت المستهدفة وتمكينهم من
االستفادة من اإلمكانات والثروات الطبيعية واالقتصادية لهذه المناطق.
507المرسوم رقم 6.41.814الصادر بتاريخ 01ديسمبر ، 6041والمتعلق بتحديد شروط ومعايير اإلستفادة من الدعم المباشر للنساء
األرامل في وضعية هشة ،الحاضنات ألطفالهن اليتلمى،والمنشور بالجريدة الرسمية تحت عدد 2241بتاريخ 41ديسمبر .6041
508نفيذا ألحكام المادة 41من قانون المالية ،6046والمادة 64من قانون المالية 6042والمادة 42مكرر من السنة المالية ،6041تم
إحداث “صندوق دعم التماسك االجتماعي” ،والذي أصبح اسمه ،وفق المادة 44من قانون المالية لسنة ،6064إلى “صندوق دعم الحماية
االجتماعية والتماسك االجتماعي”..
509تقرير صادر عن المجلس االقتصادي و االجتماعي و البيئي في سنة ،6041الحماية االجتماعية في المغرب واقع الحال ،الحصيلة
وسبل تعزيز أنظمة الضمان و المساعدة االجتماعية ،اإلحالة الذاتية رقم .6041/21
وبناء على ما سبق ،فان أسباب نزول القانون -اإلطار رقم 09.76المتعلق بالحماية
االجتماعية تتمثل أساسا في تجاوزهذه النقائص ،عبراستكمال بناء منظومة قوية توفرالحماية
االجتماعية لفئات واسعة ،وتكون قادرة على الحد من املخاطر االقتصادية واالجتماعية،
السيما لدى الفئات األكثرهشاشة ،من قبيل تلك التي ترتبت عن تداعيات جائحة " كوفيد ."69
ووفقا للخطاب الملكي المذكورأعاله ،فان المرتكزات األساسية المتوخاة من منظومة الحماية
االجتماعية تهم أربعة محاور أساسية هي ،توسيع التغطية الصحية اإلجبارية ،تعميم
التعويضات العائلية ،توسيع قاعدة االنخراط في أنظمة التقاعد وتعميم التعويضات عن
فقدان الشغل بالنسبة لألشخاص الذين يتوفرون على شغل قار .واستنادا على ما جاء في
ديباجة هذا القانون -اإلطار ،فان األهداف المراد بلوغها من وراء تفعيل هذا القانون ،الذي
اعتبر أولوية وطنية ،تتمثل في التقليص من الفقر ،محاربة الهشاشة ،دعم القدرة الشرائية
لألسر ،تحقيق العدالة االجتماعية والنهوض بالرأسمال البشري.510
وجاء قانون 09.76الستكمال بناء منظومة الحماية االجتماعية ،من خالل مجموعة من
األهداف والمرتكزات المتمثلة في:511
توسيع التغطية الصحية اإلجبارية ،بحلول نهاية سنة ،7077بحيث سيتمكن 77مليون
مستفيد إضافي من االستفادة من التأمين اإلجباري عن المرض الذي يغطي تكاليف
العالج و األدوية واالستشفاء.
تعميم التعويضات العائلية التي سيستفيد منها حوالي سبعة ماليين طفل في سن
التمدرس.
توسيع قاعدة االنخراط في أنظمة التقاعد ،من خالل دمج حوالي خمسة ماليين شخص
من الساكنة النشيطة التي ال تتوفرعلى أي تغطية متعلقة بالتقاعد.
تعميم التعويض عن فقدان الشغل لفائدة األشخاص الذين يتوفرون على شغل قار.
كما ستعمل الدولة من أجل تعميم الحماية االجتماعية على اإلصالح التدريجي لنظام
المقاصة وتف عيل السجل االجتماعي الموحد ،وإصالح المنظومة الوطنية وتأهيلها ،وتنسيق
510عبدالله اكال ،إشكالية تكريس الحق في الحماية االجتماعية بالمغرب ماذا بعد القانون-اإلطار رقم 01.64؟ مقال منشور
بالموقع اإللكتروني ألتبريس على الرابط التالي:
www.altpresse.com
511ورش إصالح نظام الحماية االجتماعية بالمغرب ،منشور في موقع هسبريس في 41فيراير ، 6064على الرابط
التالي https://www-hespress-com.cdn.ampproject.org/v/s/www.hespress.com
عمل كافة المتدخلين المعنيين بتعميم الحماية االجتماعية .وسيتم تنزيل هذا اإلصالح داخل
أجل خمس سنوات ،حيث تعميم التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض خالل سنتي 7076و
،7077وتعميم التعويضات العائلية خالل سنتي 7071و ،7077ويوسع االنخراط في أنظمة
التقاعد وتعمم االستفادة من التعويض عن فقدان الشغل في سنة .7070
ولقد تم توقيع ثالث اتفاقيات إطار تهم التعميم اإلجباري األساس ي عن المرض الخاص
بفئة المهنيين والعمال المستقلين واألشخاص غيراألجراء الذين يزاولون نشاط خاص ،وتتعلق
هذه االتفاقيات ب:
اإلتفاقية اإلطار األولى تتعلق بالتأمين اإلجباري األساس ي عن المرض لفائدة التجار
والحرفيين والمهنيين ومقدمي الخدمات المستقلة الخاضعين لنظام المساهمة
المهنية الموحدة أو لنظام المقاول الذاتي أو لنظام املحاسبة ،ويضم ما يفوق .00
منخرط.
االتفاقية اإلطار الثانية تخص التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض لفائدة الحرفيين
ومنهي الصناعة التقليدية الذين يصل عددهم إلى حوالي000.000منخرط.
أما االتفاقية اإلطار الثالثة تتعلق بالتأمين اإلجباري األساس ي عن المرض لفائدة
الفالحين و الذين يصل عددهم حوالي 100.000مليون منخرط.512
وبخصوص الجدولة الزمنية لتعميم الحماية اإلجتماعية فإن القانون اإلطاريتميز ببعد
أولوي واضح بالتنصيص على تنفيذه تدريجيا ضمن أجندة زمنية تمتد طيلة خمس سنوات في
أفق ،7070بحيث ُمنحت األسبقية لتعميم نظام التأمين اإلجباري عن المرض ليشمل 77مليون
مستفيدا إضافيا على فترات متعاقبة ،حيث تم -بموجب قانون المالية لسنة -7076إدماج
الفئات الخاضعة للمساهمة المهنية الموحدة ) (CPUوالبالغ عددهم .00ألف تاجر وصانع،
على أن يتم دمج 6.7مليون من الفالحين و 000ألف صانع تقليدي و 770ألفا من حرفيي النقل
512المناظرة الوطنية األولى للحماية االجتماعية ،تحت شعار ”جميعا من أجل منظومة مندمجة و مستدامة للحماية االجتماعية”،
المجراة بقصر المؤتمر الدولي محمد السادس بالصخيرات يومي 46و 42نونبر .6041
و .0ألفا من أصحاب المهن الحرة ،على أن يتم في سنة 7077اإلدماج الكلي للفئات المعوزة
المستفيدة من نظام المساعدة الطبية البالغ عددهم 66مليونا.513
وفيما يتعلق بتعميم نظام التعويضات العائلية تم تخصيص 67.0مليار درهم لتغطية
املخاطرالمرتبطة بالطفولة في أفق ،7077أما الحزام الثالث للحماية فيشمل توسيع االستفادة
من الحق في التقاعد ليشمل العمال المهنيين وأصحاب المهن الحرة وفق مقاربة جديدة يراهن
عليها في إدماج خمسة ماليين من الساكنة النشيطة في منظومة التقاعد في أفق .7070وضمن
نفس األفق يندرج تعميم االستفادة من التعويض عن فقدان الشغل بالنسبة لكل شخص يتوفر
على عمل قار ،في أفق تجاوز الوضعية السابقة ،حيث انحصر عدد المستفيدين من نظام
التعويض عن فقدان الشغل في .7ألفا خالل الفترة .514 7070-7061
أما عن طرق تمويل نظام الحماية اإلجتماعية ،فالتكلفة السنوية لتعميم االستفادة من
أنظمة الحماية االجتماعية تصل إلى 06مليار درهم ،موزعة بين 7.مليار درهم تتأتى من آلية
االشتراك وذلك بالنسبة لألشخاص الذين تتوفرلديهم القدرة على المساهمة في تمويل التغطية
االجتماعية .بينما 71مليار درهم سوف يتم تحصلها في إطار آلية التضامن ،وذلك بالنسبة
لألشخاص الذين تتوفرلديهم القدرة على المساهمة في التمويل.
ومنه فإن هذه المساهمات تبقى غيركافية لتمويل نظام الحماية االجتماعية ،إذ شهدت
بداية هذا النظام دعم مالي من طرف البنك الدولي بمبلغ 700مليون دوالر ،515لذلك فإن
التمويل عن طريق الميزانية العامة ،عن طريق إحداث موارد مالية جديدة (الضرائب) يمثل
الر افعة المناسبة لتمويل المساعدة االجتماعية التي تبقى في نهاية المطاف من مسؤولية
الدولة .ومن المؤكد أن العبء الضريبي اإلضافي الذي تتطلبه هذه الغاية يبقى رهينا بحالة
التوازنات الماكرو اقتصادية ،لكنه في نفس الوقت مرتبط بالخيارات السياسية للدولة
ولتصورها لنموذجها التنموي.516
وبالرغم من كل ما قيل أعاله ،فان هناك تحديات ستواجه الدولة في تعميمها وتوسيعها
للحماية االجتماعية ،فمن جهة هناك مشاكل كثيرة تعيشها مؤسسات الحماية االجتماعية
القائمة وبصفة خاصة تلك المكلفة بمجال التقاعد ،فمختلف التوجهات اإلصالحية للحكومة
513تقرير لجنة القطاعات االجتماعية بمجلس النواب مشروع القانون اإلطار رقم 01.64المتعلق بالحماية االجتماعية ،الدورة
االستثنائية برسم السنة التشريعية الخامسة من الوالية التشريعية العاشرة ،6064ص .48
514تعزيز الحماية االجتماعية ودعم الفئات الهشة ،إنجازات العمل الحكومي ،6064-6048رئيس الحكومة ،6064 ،ص .44
515مشروع الحماية االجتماعية لالستجابة الطارئة لمواجهة جائحة فيروس كورونا في المغرب ،البنك الدولي ،6060 ،ص .8-2
516ازويني جميلة ،الحماية االجتماعية في اطار القانون رقم .01.64من مجلة القانون واالعمال الدولية
بخصوص هذه المؤسسات بعيدة كل البعد عن تجويد وظيفة هذه المؤسسات .ومن جهة
ثانية ،هناك مجاالت ال تغطيها أية حماية اجتماعية وذلك من قبيل إعانة البطالة وإعانة ذوي
اإلعاقات ...وهذا في حد ذاته يطرح إشكالية كبرى تتعلق بحق أساس ي من حقوق اإلنسان الذي
يفترض فيه أن يكون مضمونا لكل المواطنين والمواطنات بدون تمييز .ومن جهة ثالثة ،وعلى
الرغم من تنصيص هذا القانون -اإلطار على إحداث حساب خصوص ي لغرض ضمان بعض
أوجه الحماية االجتماعية للفئات المعوزة ،فان هناك تخوف من عدم التزام الحكومة بضخ
الموارد المالية المنصوص عليها في هذا القانون -اإلطار ،خاصة ونحن نعلم كيف تماطلت
الحكومات السابقة عن الوفاء بالتزاماتها بخصوص الصندوق المغربي للتقاعد.517
تنفيذا للتوجيهات الملكية ،يولي مشروع قانون المالية لسنة 7071عناية خاصة لترسيخ
ركائزالدولة االجتماعية ،السيما من خالل مواصلة تنزيل ورش تعميم الحماية االجتماعية وتعزيز
دورالدولة في تقليص الفوارق االجتماعية.
ويقوم مشروع قانون مالية 518 7071على اعتماد األولويات األربع التالية :
وفي مايلي المراحل المقبلة لتنزيل إصالح الحماية اإلجتماعية التي جاءت بها المذكرة
التقديمية 520لمشروع قانون المالية برسم سنة :7071
-تتميم الترسانة القانونية الضرورية للتنزيل الفعال لتعميم التأمين اإلجباري عن
المرض.
-اتخاذ التدابير الالزمة لتسريع تحصيل مساهمات مختلف فئات المهنيين و العمال
المستقلين و األشخاص غيراألجراء.
-وضع إطارقانوني يمكن من التفعيل األمثل للتعويضات العائلية ،ومن أجل ذلك يجب
مباشرة مجموعة من اإلصالحات الهيكيلية بالموازاة مع هذا التعميم من بينها :
تسريع تنزيل السجل اإلجتماعي الموحد من أجل إستهداف أكثر فعالية لألسر
المعوزة .
-بلورة تصور لتحديد إطار للحكامة و تدبير باقي مكونات اإلصالح ( التعويضات العائلية و
التقاعد و التعويض عن فقدان الشغل ) من أجل ضمان التدبيراألمثل لهذه األنظمة.
وحسب ماجاء في تصريح لوزيرة اإلقتصاد و المالية السيدة نادية فتاح العلوي،521فإن
تنزيل مشروع تعميم الحماية اإلجتماعية سيكلف خزينة الدولة 0600مليارسنتيم سنويا،حيث
يتوزع هذا الغالف المالي على الشكل التالي:
1000 مليار سنتيم :التعويض عن فقدان الشغل .كما سوف يعتمد هذا التمويل على
آليتين:
521لقاء صحفي خصص لتقديم مشروع قانون المالية لسنة ،6062الثالثاء 64أكتوبر ،6066الرباط.
إن مضامين قانون المالية لسنة 7071تحمل إشارات قوية حول عزيمة الحكومة في
مواصلة تنزيل ورش الحماية االجتماعية كإجراء لحماية الفئات الهشة والمعوزة ،من خالل
تعميم التأمين اإلجباري على المرض لفائدة 77مليون مغربي و إستفادة حوالي .ماليين طفل و
1ماليين أسرة لها أطفال في سن قبل التمدرس من تعويضات عائلية تقدر ب 100درهم عن كل
طفل .كما أن التعليم و الصحة يحظون بأهمية بالغة حيث أنه سوف تصل ميزانية هذين
القطاعين ألكثرمن 9.ملياردرهم-،و من جهة أخرى -سيتم الدعم المباشرمن أجل اقتناء سكن
رئيس ي خصوصا ذوي الدخل املحدود و الطبقة المتوسطة ،باالضافة إلى مواصلة السنة الثانية
من برنامج اوراش و فرصة بغالف مالي يقدر ب 1.0مليار درهم ,وكذا الرفع من مخصصات
صندوق المقاصة لتصل إلى 71ملياردرهم.
و في حين اعتبر البعض أن المشروع "لم يكن في مستوى التحديات ،و أن خطابات جاللة
الملك لم تجد طريقها إلى التنفيذ بالسرعة المطلوبة ،خاصة ما يتعلق باالستثمار والماء
واملخزون االستراتيجي للمواد الغذائية والطاقية والصيدلية والحماية االجتماعية كما أن
مشروع قانون المالية لم يستطع اإلجابة على سؤال تمويل الحماية االجتماعية بكل
التفاصيل.522"...
اعتبر البعض األخر على أن مشروع قانون المالية "يأتي في ظروف دولية ووطنية الكل
يعرف نها تتسم بتحديات كبرى -الحرب الروسية األوكرانية ،-ورغم ذلك أتى بإجابات حقيقية
النتظارات المواطنين.
و أنه ألول مرة تمت الزيادة في ميزانيات قطاعي الصحة والتعليم ،بقيمة 600ملياردرهم،
وإجراءات ضريبية إلنصاف شرائح من املجتمع ،وهذا "مؤشر على تدعيم ركائز الدولة
االجتماعية".523
وبالتالي فإنه يمكننا إعتبار مشروع قانون المالية الجديد لسنة 7071ذي بعد إجتماعي
بإمتياز،لكونه أعطى أولوية كبرى لتنزيل مشروع ورش الحماية اإلجتماعية،بإعتباره دعامة
522عبد الله بوانو ،رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية ،جلسة عمومية اليوم الخميس 40نونبر ،6060للدراسة والتصويت على
الجزء األول من مشروع قانون مالية .6062
523جمال الديواني ،البرلماني عن حزب االستقالل ،جلسة عمومية اليوم الخميس 40نونبر ،6060للدراسة والتصويت على الجزء
األول من مشروع قانون مالية .6062
أساسية للرقي بالمستوى اإلجتماعي للمواطن -،من جهة أخرى-فإن الحكومة مطالبة بتعبئة
شاملة لجميع الموارد البشرية و المالية لتسهيل اإلجراءات و تسريع وثيرة تنفيذ هذا الورش،
والسيما أنه يشكل بادرة قوية تهدف إلى تحسين ظروف عيش فئات عريضة من املجتمع.
خاتمة:
أحرزالمغرب ،خالل العقدين الماضيين ،تقدما كبيرا على مستوى األوراش اإلقتصادية
الكبرى للبالد ،في املجال السياس ي ومجال الحقوق و الحريات ،وقد تعزز هذا التقدم بدستور
، 7066الذي شكل نقطة تحول حاسمة في التاريخ السياس ي للمغرب .لقد نص هذا الدستورعلى
عقد اجتماعي جديد ،وجاء بفكرة الحكامة الجيدة ،وحث على الجهوية المتقدمة ،وعلى توزيع
جديد للسلط ،وتكريس حقوق اإلنسان،كما أن إعادة النظر في النموذج التنموي يعتبر بمثابة
اإلعالن عن الطموح واإلرادة لإلستثمار في الرأسمال البشري .غير أن هذا الزخم لم يترجم بما
فيه الكفاية لتحقيق الحاجيات اإلجتماعية لغالبية المواطنين.
ذلك أن نموذج التنمية البشرية المستدامة الذي يجب أن تتبناه كل أمة يهدف إلى
الخروج من دائرة الفقر والهشاشة ،وضمان صحة جيدة للسكان ،والحفاظ على هذه األرض
لألجيال القادمة ،وبناء مجتمعات تنعم باألمن والسلم ومفتوحة للجميع ،حتى يتمكن كل مواطن
من العيش بكرامة.524
وكما تشهد على ذلك التقارير الوطنية والدولية ،فإن أوجه العجز الواضحة في مجال
التنمية البشرية ،تولد حلقات مفرغة تتجلى في اقتصاد متقلب حسب الظروف الدولية و
الداخلية ،يبقى غيرقادرعلى تحقيق تنمية كافية ومستدامة.
ورغم أن تقريرالمندوبية السامية للتخطيط حول مؤشرات التنمية البشرية لسنة 7070
يشير إلى أن الجهود التي بذلها المغرب منذ سنة 7000وال سيما المبادرة الوطنية للتنمية
البشرية التي أطلقها ملك البالد سنة 7000واإلصالحات التي قام بها في مجاالت االقتصاد
والصحة والتعليم والحكامة ،أدت إلى تحسن مستمرلمؤشرالتنمية البشرية وجميع مكوناته.525
ورغم أن التقرير سجل ارتفاعا لمؤشر التنمية البشرية بالمغرب من 0,70.سنة 6990
إلى 0,1.1سنة 706.أي بتحسن إجمالي بنسبة 47,7بالمئة .ونتيجة لذلك ،تم تصنيف المغرب
524
Nations Unies : Objectifs de dèveloppement durable.17 objectifs pour transformer le monde
.un.org/sustainable development /fr/objectifs-de-developpement-durable/.
525المندوبية السامية للتخطيط ،تقرير حول مؤشرات التنمية البشرية بالمغرب لسنة .6060
في سنة 706.في المرتبة 676من بين 6.9دولة ومنطقة ،ضمن فئة البلدان ذات التنمية
البشرية المتوسطة ،والتي يبلغ متوسط مؤشرها .0,117
فإن جل االقتصاديين يجزمون أنه من دون تحقيق معدل نمو اقتصادي ال يقل عن 0,0
أو 1بالمئة سنويا ،يبقى الحديث عن الحد من معضالت البطالة والفقروالهشاشة ،مجرد كالم
استهالكي /سياس ي.526
إن أكبرتحد اليوم هو ضرورة تركيزالدولة على املجال اإلجتماعي للحفاظ على اإلستقرار
األمني و السياس ي ،للقول بأن المغرب دولة إجتماعية ترقى إلى مصاف الدول التي قطعت
أشواطا في املجال اإلجتماعي بل وتجاوزته لتصبح دول رفاه .
ونعتقد من خالل المقترحات أسفله أن المغرب قادرعلى بلوغ النتائج المتوخاة وفي زمن
قياس ي ،نذكرها تباعا:
الحاجة إلى نمط جديد للتنمية يقوم على أهداف تلبي احتياجات المواطنين أال
وهو التنمية المستدامة بأبعادها االقتصادية واالجتماعية والبيئية مجتمعة ،والحد من
التباينات األساسية ،بين األغنياء والفقراء ،وبين رأس المال والعمال....
توفير ضمان اجتماعي جيد التصميم ،يضمن توسيع نطاق مظلة التأمينات
االجتماعية القائمة على االشتراكات وإعانات البطالة ،وإرساء أرضية حماية اجتماعية ألكثر
الناس حاجة ال تقف عند الوصول إلى الحد األدنى من الحقوق االقتصادية واالجتماعية ،بل
وأن تسعى باستمرارإلى تمكينها لألفراد.
السعي و تظافر الجهود لتحقيق تكافؤ الفرص ،الذي يعتبر من أهم مقومات
العدالة االجتماعية ،ويعني تكافؤالفرص أن يمتلك الجميع الحق في الحصول على الفرصة دون
ً
تمييزعلى أساس الفئة أو الطبقة ،وعادة ما تكون الحكومات المسؤول األول عن تحقيق تكافؤ
ً
الفرص ،لكن الجهات غيرالحكومية والخاصة لها دورأيضا في عدالة الفرص.
526يهـدف تقريـر مـؤشرات التنميـة البشريـة بالمغـرب إلى اإلحاطـة باألبعــاد التاليــة 4 :دراســة تطــور مــؤشر التنميــة البشريــة/
6التطــرق إلى الجوانــب الرئيســية للتنميــة البشريــة 2/تســليط الضــوء عــلى المخاطــر المحتملــة لفقــدان التقــدم المحــرز بســبب
كوفيــد 1 /41تشــخيص وضعيــة مـؤشرات التنميـة البشريـة 4 /تحديـد بعـض اآلليـات لتعزيـز التنميـة البشريـة بالمغرب.
على ذوي القرارالسياس ي ببلدنا ،أن يأخذوا على محمل الجد ما أكدته مختلف
التقييمات الدولية و الوطنية ،و التعامل بروح وطنية مسؤولة و أخالقية ،على مستوى تنزيل
الرؤى التوجهات الملكية في مجال الحماية االجتماعية ألن مدى العناية بالحماية االجتماعية
هو مقياس لمدى تقدم املجتمع ونهضته ومؤشرتماسك مكوناته وترابطها.
تفعيل مبدأ ربط المسؤولية باملحاسبة على أرض الو اقع ،لكي اليبقى حبيس
الوثيقة الدستورية ألننا نكون واهمين إذا اعتقدنا أن اإلصالح يتحقق بمجرد تعديل نص
دستوري أو تكريس مبدأ معين .وهذا لن يتأتى إال عن طريق وضع السياسات العمومية تحت
املجهر ،عن طريق الرقابة و المواكبة و التقييم.
ونختم بحكمة الخبير الدولي في علم اإلدارة بيرتر دركار " ليست هناك دول متخلفة و إنما
هناك دول تعاني من نقص في التدبير".
الئحة المراجع:
OECD, Social justice in the OECD , How do the member states compare ,
Sustainable Governance Indicators 2011
خالد وخش ي ،التنمية اإلجتماعية بالمغرب...أي حظور لمفهوم الدولة الراعية ،مقال
منشوربمجلة "العمق المغربي" ،على الموقع اإللكتروني.www.al3omk.com :
رضوان سند ،تأثيرات كورونا على السياسات العمومية بالمغرب ،مقال منشور بمجلة
العمق المغربي ،على الموقع اإللكتروني .www.al3omk.com :
حسن الزواوي ،جائحة كورونا وضعف بنيات الدولة اإلجتماعية بالمغرب ،مقال منشور
بمجلة "مجلة "77على الموقع اإللكتروني.www.majala24.ma :
طه السعدوني ،مغرب ما بعد كورونا ...نحو التأسيس للدولة اإلجتماعية ،مقال منشور
بمجلة كازابالنكااآلن ،على الموقع اإللكتروني.www.casablancaalaan.ma :
بسيمة الحقاوي ،ندوة ضمن فعاليات الملتقى الوطني الـ 60لشبيبة العدالة والتنمية
حول موضوع“ :الجواب االجتماعي في دستور .7066أسئلة العدالة والكرامة والتنمية ،ليوم
السبت ( 7.يوليوز )7069بالقنيطرة ،مداخلة تحت عنوان وضع معايير وأسس الدولة
اإلجتماعية.
عثمان الزياني ،رهانات اإلصالح الدستوري في المغرب :مقاربة على ضوء الخطاب الملكي
المؤرخ في 9مارس ،7066منشورات مجلة الحقوق المغربية ،مطبعة دار أبي رقراق للطباعة
والنشر ،الرباط ،سنة .7066