You are on page 1of 12

‫العدد العاشر‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫(الحكم الراشد في الجزائر)‬

‫د‪ /‬طايبي أمال‪ ،‬جامعة الجزائر ‪2‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫لقد تعاظم االهتمام بالحكم الراشد أو ما يصطلح عليـه الـبعض بالحوكمـة‪ ،‬فـي العديـد مـن االقتصاديات املتقدمة‪ ،‬والناشئة‬
‫خالل العقود القليلة املاضـية وخاصـة فـي أعقـاب االنهيـارات االقتصادية‪ ،‬واألزمات املالية التي شهدها عدد من دول شرق آسيا ‪،‬‬
‫وأمريكا الالتينية وروسيا فـي عقد التسعينات من القرن العشرين وكذلك ما شهده االقتـصاد األمريكـي مـؤخرا مـن تـداعيات االنهيارات‬
‫املالية لعدد من أقطاب الشركات والبورصات العاملية (وول ستريت مثال )‪.‬‬
‫ونظرا للتزايد املستمر الذي يكتسبه االهتمام بهذا املفهوم‪ ،‬فقد حرص عدد من املؤسسات الدولية على تناول هذا املفهوم بالتحليل‬
‫والدراسة‪ ،‬وعلى رأس هذه املؤسسات كل من صـندوق النقـد الـدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون االقتصادي والتنمية التـي‬
‫أصـدرت عـام ‪ 1999‬مبـادئ حوكمـة الشركات‪ ،‬حيث تطرق العديد من االقتصاديين واملحللين والخبراء إلى أهمية ومدى تـأثير مفهـوم‬
‫الحكم الراشد فى العديد من النواحي االقتصادية والقانونية واالجتماعية الهادفة إلى صـالح األفـراد واملؤسسات واملجتمعات ككل‬
‫بما يعمل على سالمة االقتصاديات وتحقيق التنمية الشاملة في كل من الدول املتقدمة والناشئة على حد السواء‪.‬‬
‫سيتم تناول املوضوع بالتطرق إلى بعدي الحكم الراشد الكلي والجزئي فيما يتعلـق بنـشأة هـذا املصطلح ومفهومه وأهميته في‬
‫الواقع املعاصر ‪ ،‬من هنا يمكن أن نتساءل عن ماهية الحكم الراشـد وخاصة في املؤسسة االقتصادية وعن أهميته وعن أسباب‬
‫ظهور االهتمام بهذا املصطلح حديثا ؟‬
‫كما يعتبر م وضوع الحكم الراشد من بين أهم املواضيع التي تلقى اهتمام الباحثين فـي امليـادين الـسياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬لذلك اعتبرته املنظمات الدولية وعلى رأسها هيئة األمم املتحدة في عام ‪ 1986‬حقا مكرسا لدى الشعوب كغيره من‬
‫الحقوق األخرى‪ ،‬ومنه تسعى الكثير من الدول النامية اللحاق بالـدول املتطورة والتي بلغت قياسات كبيرة من التقدم ‪ .‬فبعد أن كان‬
‫الحديث عن التنمية االقتصادية الشاملة أصبح الكالم اآلن عن التنمية البشرية ومقاييسها ثم التنمية اإلدارية وأبعادها‪ ،‬ولم‬
‫يتوقف األمر إلى هذا الحد بـل أن التنمية أصبح لها عالقة بالحكم الراشد أو الحوكمة وبالتالي في رأي هذا االتجاه ال تستقيم تنمية‬
‫حقيقية شاملة ومتوازنة في دولة من الدول بدون تحقيق األسس واملبادئ التي يرتكز عليها الحكم الراشد ‪.‬‬
‫كلمات مفتاحية‪( :‬الحكم الراشد ‪ ،‬الجزائر)‬
‫و الجزائر في هذا الشأن تسير نحو استكمال مـشاريع التنمية بكل أبعادها االقتصادية والسياسية واالجتماعية‪ .‬وإذا سلمنا‬
‫بهذا الطرح وجب طرح سؤال مركزي ورئيس ي في هذا اإلطار‪:‬‬
‫‪ -‬إلى أي مدى ساهمت املشاريع التنموية التي أطلقتها السلطات في بعث التنمية والوصول إلى حكـم راشد ؟ ويندرج ضمن هذا السؤال‬
‫أسئلة فرعية منها ‪-‬هل أن آليات وأسس الحكم الراشد محققة في الجزائر؟‬
‫ما هو الواقع املعيش ي لدى غالبية أفراد املجتمع بعد االنطالق في املشاريع التنموية ؟‬
‫مفهوم الحكم الراشد‪:‬‬
‫تتشكل كلمة الحكم الراشد من شطرين ‪ ،‬حكم و راشد الحكم ‪ :‬يعني مفهوم الحكم ممارسة السلطة السياسية و إدارتها‬
‫لشؤون املجتمع بما فيهـا الجوانـب االقتصادية و االجتماعية و إدارة املوارد الطبيعية و البشرية ‪ ،‬و هو بذلك يعني مفهوما أوسـع مـن‬
‫مفهوم الحكومة ‪ ،‬ألنه يتضمن عمل أجهزة الدولة الرسمي ـ ـة واملؤسسات غيـر ا لرسـمية كمنظمـات املجتمع املدني والقطــاع الخاص‬
‫تتحدد معالم هذا املفهوم ابتداء من إدارة و ممارسة السلطات السياسية و االقتصادي ــة و االجتماعية على املستوى املركزي و‬
‫الالمركزي ‪ ،‬وصوال إلى اآللي ـ ـ ــات و املؤسسات التي تشترك بصفة مباشرة أو غير مباشرة في صنع القرارات ‪ .‬يعرف الحكم الراشد‬
‫انطالقا من عدة اعتبارات و رؤى تختلف من باحث أو مفكر إلى آخـر أو من مؤسسة إلى أخرى‪ ،‬و هذا حسب التوجهات و االهتمامات‬

‫‪229‬‬
‫العدد العاشر‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫لكل منها ‪ ،‬فقد عرفه البنك العاملي سنة ‪"1997‬على أنه الطريقة الخاصة بإدارة و ممارسة السلطة السياسية و االقتصادية و‬
‫اإلدارية قصـد تسيير أحسن للشؤون العمومية "و أخذ بهذه الفكرة أيضا صندوق النقد الدولي ‪ ،‬و عرفه خبـراؤه على أنه اإلطار‬
‫الجديد لدور الدولة الذي تعرض ألزمة مفاهيم ‪ ،‬حيث أنحصر في البداية في دور الدولة الحارسة التي تقتصر مهامها على املحافظـة‬
‫علـى النظام العام ‪ ،‬ثم تحولت مهامها إلى طابع الدولة املتدخلة في القطاع االقتصادي و عليه تجسـد دور الدولة املتدخلة في‬
‫االقتصاد‬
‫تعرفه األمم املتحدة " ‪ " Governance Good‬بأنه ممارسة السلطة إلدارة شؤون املجتمع باتجاه تطويري و تنموي و تقدمي ‪ ،‬أي‬
‫أنه هو الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة و إطـارات إدارية ملتزمة بتطوير موارد املجتمع و بتقدم املواطنين و بتحسين‬
‫نوعية حياتهم و رفاهيتهم ‪ ،‬وذلك برضاهم مـن خـالل دعمهم و مشاركتهم فالحكم الراشد هو ذلك الحكم الذي يستطيع ضمان‬
‫حاجات املجتمع في الوقـت الـراهن و حاجات األجيال القادمة و هذا بمعنى استدامة املواد و الحفاظ عليها و عدم اإلفراط في‬
‫االستهالك ‪ ،‬و يكون ذلك عن طريق األخذ بضروريات التنمية االقتصادية املتوازنة لفائدة كل السكان لتساهم في بسط االستقرار‬
‫داخل الدولة‬
‫يعتبر مصطلح الحكم الراشد في األدبيات السابقة مفهوما حديثا إذا ما قورن ببعض املـصطلحات فنجده في اللغة الفرنسية‬
‫مرادف ملصطلح الحوكمة فبدايات هذا املفهوم جاءت إبان القرن الثالث عـشر وانتشر كمفهوم قانوني عام ‪ 1978‬لم يستعمل بعد‬
‫ذلك على نطاق واسع معبرا عن تكاليف التسيير ‪.‬‬
‫وفي بداية الثمانينات استخدم من طرف املنظمات املالية الدولية وخاصة من قبل البنك الدولي‪ ،‬إال أن األستاذين "جيمس مارش "‬
‫و "جوهان أولسن " استخدما هذا املصطلح في ميدان العلوم السياسية وهـذا عندما نشرا كتابا يحمل عنـ ــوان " إعادة اكتشاف‬
‫الهيئات " الذي نشر عام ‪ 1989‬في الو ‪.‬م‪ .‬أ وتساءال مـن خالله الباحثان عن كيفية تحديث املنظمات وتكييف اإلستراتيجية الجديدة‬
‫طبقا لتوازن القوى الحاصل في تلك الفترة وربط ذلك كله برشادة الحكم ‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الحين أصبح لهذا املفهوم دور كبير خاصة في التصنيفات املمنوحة لكافـة الـدول فـي تحقيقها آلليات الحكم الراشد ومن‬
‫ثم أصبح له معايير تقيم على أساسها الدول وخاصة لدى صندوق النقد الدولي الذي يركز عليه كثيرا حتى في ربط مساعداته للدول‬
‫النامية بتحقيق شروط الحكم الراشد ‪.‬‬
‫حدد هذا املصطلح في أشغال امللتقى الوطني حول التنمية املحلية والحكم الراشد بجامعة معسكر يومي ‪ 27-26‬أفريل‪2005‬‬
‫فيقصد بالحاكمية أو الحوكمة إذن أسلوب وطريقة الحذكم الجيدة‪ ،‬كما يعني أيـضا التـسيير الجيـد لشؤون منظمة ما قد تكون‬
‫دولة أو هيئة وطنية أو عاملية‪ ،‬ليكون الهدف من وراء ذلك تحقيـق الفعاليـة والنجاعة ‪.‬‬
‫وقد عرف البنك العاملي سنة ‪ 1992‬الحكم الراشد بأنه الطريقة املثلى الت ــي يمارس بهـا الـسلطة ألجل تسيير املوارد االقتصادية‬
‫واالجتماعية لدولة من الدول ومنه يمكن القول أن الحكم الراشـد طبقـا لهذه الهيئة ربطت مفهوم الحكم الراشد بعناصر أخرى‬
‫محققة لنجاحه ومنها ‪:‬‬
‫ـ االستقرارالسياس ي للدولـة وحماية وترقية حقوق اإلنسان وتكريس سيادة القانون ‪ .‬ومن جهة أخرى ‪ ،‬ما هي العالقة بين مفهوم‬
‫الحكم الراشد والتنمية؟‬
‫إن اإلجابة على هـذا الـسؤال يقودنا إلى سؤال آخر وهو ما مدى توفير آليات الحكم الراشد في دولة من الدول لكي يمكن الحكـم‬
‫لهـا أوعليها في توفير تنمية مستديمة‪ ،‬لذلك فمن منظورنا أن الحكم الراشد يسير جنبا إلى جنب مـع مفهـوم التنمية والتي تعني‬
‫باألساس توسيع خيارات الناس نحو تحقيق مطامحهم ومداركهم ولذلك ال تستقيم تنمية شاملة ومستديمة بدون توفير األسس‬
‫واملبادئ التي يرتكز عليها مفهوم الحكم الراشد‬
‫ـ آليات الحكم الراشد ‪:‬لقد أسست املنظمات العاملية النشطة في مجال تقييـ ـ ــم الدول على أساس قوتها من ضعفها‪ ،‬ومـن بين أهم‬
‫اآلليات التي تعتمدها في هذا الشأن ما يلي ‪:‬‬
‫ـ املشاركة‪ :‬وتعني حق الرجل واملرأة معا في إبداء الرأي في املجـالس املنتخبـة محليـا ووطنيـا‪ ،‬ويتطلب عنصر املشاركة توفر حرية‬

‫‪230‬‬
‫العدد العاشر‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫تشكيل الجمعيات واألحزاب والحريات العامة واالنتخاب‪ ،‬والهـدف من كل هذا هو السماح للمواطنين بالتعبير عن أرائهم‬
‫واهتماماتهم لترسيخ الشرعية‬
‫ـ حكم القانون ‪ :‬ويعني سيادة القانون كأداة لتوجيه سلوك األفراد نحو الحياة السياسية بهدف منع تعارض مهام املسؤولين فيما‬
‫بينهم وبين املواطنين من جهة أخرى ووضوح القوانين وانسجامها في التطبيق وأكثر من ذلك فهو يعني استقالل الهيئة القضائية عن‬
‫الهيئتين التنفيذية والتشريعية ‪ ،‬ومن جراء ذلك عند تحقيق هذه اآللية تؤمن هذه القواعد وبالتالي يرتقي درجة املواطنـة إلـى مفهـوم‬
‫املـساواة بـين املواطنين ‪.‬‬
‫ـ الشفافية‪ :‬وتعني فسح املجال أما املواطنين بال تعرف على املعلومات الضرورية التي تهـم شـؤون حياته‪ ،‬مثل حق املواطن في اإلعالم‬
‫ومشاركة املواطنين ومساهمتهم في رقابة املجالس الشعبية والوطنية واملحلية في اإلطالع على محاضر الجلسات التي تعقد دوريا في‬
‫مجالسهم‪ ،‬والهدف من وراء ذلـك هـو العمل على مشاركة املواطنين في إبداء اآلراء على املهام‬
‫ـ املحاسبة‪ :‬تتطلب املحاسبة أو املساءلة القدرة على محاسبة املسؤولين عن إداراتهم للموارد العامـة وعن املهام املوكلة إليهم وعن‬
‫النتائج املتوصل إليها ضمن مسارهم الوظيفي وعن املسؤوليات واملهام امللقاة على عاتقهم‪ ،‬والهدف من املساءلة هو محاسبة‬
‫املسؤولين عن األموال العمومية زيادة على حماية األموال العمومية من العبث الذي قد يطال هذه األموال وبالتالي الحد من‬
‫االنتهاكات التي قد تحدث مـن حين آلخر لبعض املسؤولين نتيجة تصرفهم بطرق غير شرعية وهذا مصداقا ملقولـة ‪ :‬مـن أيـن لـك‬
‫هــذا ؟‬
‫ظهور مفهوم الحكم الراشد‪:‬‬
‫هناك عدة أسباب أدت إلى بروز هذا املفهوم سواء من الناحية الفكرية أو العملية فما هواال انعكاس لتطورات و تغيرات‬
‫حديثة‪.‬تجلت في التغيير الذي حصل في طبيعة دور الحكومة من جانب و التطورات املنهجية و األكاديمية من جانب آخر حيث‬
‫طرح هذا املفهوم في صياغات‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬واجتماعية وسياسية‪ ،‬و ثقافية و تأثر بمعطيات داخلية و دولية‪ ،‬حيث يمكن بهذا‬
‫الصدد اإلشارة إلى ‪:‬‬
‫ـ العوملة كمسار وما تضمنته من عمليات تتعلق أساسا‬
‫ـ عوملة القيم الديمقراطية و حقوق اإلنسان‬
‫ـ تزايد دور املنضمات الغير حكومية على مستوى الدولي و الوطني‬
‫ـ عوملة أليات وأفكار اقتصادية السوق مما أدى إلى تزايد دور القطاع لخاص‬
‫ـ انتشار التحوالت على املستوى العالي‪.‬‬
‫ـ زيادة معدالت التشابه بين الجماعات و املؤسسات أو املجتمعات‪.‬‬
‫ـ شيوع ظاهرة الفساد عامليا وهذا ما أدى إلى ضرورة التفكير في انتهاج آليات تجعل من األنظمة أكثر شفافية قصد القضاء على‬
‫هذه الظاهرة‬
‫ـ أدى إلى ظرورة إشراك القطاع الخاص و املجتمع املدني في عمليات التنمية‪.‬‬
‫إن هده التطورات أدت إلى تغير الدور التقليدي للدولة كفاعل رئيس ي وذلك بفعل تزايد أهمية البيئة الدولية أي أن خيارات‬
‫العامل الخارجي وسياسته هي التي تشكل بمجملها أولويات وقضايا السياسة العامة في مختلف الحكومات‪.‬‬
‫إظافة إلى وجود أسباب أخرىادت إلى ظهور هذا املفهوم كظهور مفاهيم جديدة للتنمية خاصة في فترة التسعينيات حيث وجد تيار‬
‫شبه عاملي يدعو إلى نوع جديد من اللبرالية املحدثة‪.‬يستند على الحرية الفردية و الخيار الشخص ي في العمل في السوق وهي بذلك‬
‫تحارب سلطة الحكومة املقيدة للفرد وكذا األفكار و املبادئ املتعلقة بنظام الحرب الواحد وتقدم مجموعة من النظم و املبادئ‬
‫الغربية على أنها عاملية‪.‬‬
‫و هذا ما اتخذ ته مؤسسات النظام االقتصادي الدولي الجديد وهذا مآله إعطاء شرعية ألعمال القطاع الخاص وقد تضمن‬
‫نموذج التنمية اللبيرالية الجديدة مفردات جديدة كالتنمية املستدامة الشفافية ‪ ،‬الرقابة الذاتية ‪ ،‬املساءلة‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫العدد العاشر‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫ـ تأكيد العديد من الدراسات على أهمية إرساء الديمقراطية و الحرية ‪ ،‬حقوق اإلنسان في عملية تحقيق التنمية اإلقتصادية و‬
‫التأكيد على مفهوم جديد يتمثل في التنمية اإلنسانية حيث يشير إلى عملية توسيع الخيارات و الفرص مع التأكيد على املفهوم‬
‫الواسع للحرية وحقوق اإلنسان و اكتساب املعرفة‪.‬‬
‫خصائص الحكم الراشد ‪:‬‬
‫راشد‬ ‫حكم‬ ‫فهناك‬ ‫أشكاله‬ ‫تعدد‬ ‫إلى‬ ‫الراشد‬ ‫الحكم‬ ‫مفهوم‬ ‫يرجع‬
‫أفضل من آخر في تحقيق النتائج ‪ ،‬وهذا ما يعبر عنه في كون الحكم الراشد ال يحمل معيارا أتوماتيكيا واحدا ‪ ،‬وعلى هذا األساس‬
‫يتم التمييز بين حكم راشد سيئ وحكم راشد جيد وعليه يمكن القول أنه التسيير الجيد للموارد في املجتمع سواءا كانت املالية أو‬
‫البشرية أو املادية فهي حركة تشاركيه إذ تسمح بالتسيير الدقيق لألمالك العامة ‪ ،‬وخلق الثروة ‪ ،‬وال يتم تطبيقه في الدولة فقط ‪،‬‬
‫وإنما على املجتمع ككل و مختلف الفاعلين االجتماعيين ‪ ،‬وهو ال يرتبط فقط بمشاكل الفساد و االنحراف ‪ ،‬وإنما يمتد إلى جميع‬
‫التربية ‪ ،‬التكوين ‪ ،‬الهياكل ‪ ،‬التنظيم ‪. ......‬إلخ ‪.‬‬ ‫مظاهر الحياة االجتماعية ‪ ،‬و السلوكيات‬
‫هناك العديد من اإلشكاليات التي صاحبت املفهوم الراشد تتعلق أساسا باالختالف و عدم االتفاق حول الخصائص ( األبعاد ‪،‬‬
‫في ‪:‬‬ ‫تتمثل‬ ‫األساسية‬ ‫فاملظاهر‬ ‫)‬ ‫املبادئ‬ ‫‪،‬‬ ‫األسس‬ ‫‪،‬‬ ‫املميزات‬
‫ـ إدراك مشروعية السلطة‪ .‬ـ موقع املواطنين من مركز اهتمامات صناع القرار‪ .‬ـ مشروع مجتمع يرتكز على مشاركة املواطنين‪ .‬ـ‬
‫مالئمة اإلدارة العامة مع احتياجات املواطنين‬
‫التالية‪:‬‬ ‫العناصر‬ ‫في‬ ‫الراشد‬ ‫الحكم‬ ‫يتمثل‬ ‫الغربية‬ ‫للثقافة‬ ‫بالنسبة‬
‫ـ الشرعية املؤسساتية‪ .‬ـ االنتخابات الديمقراطية‪ .‬ـ احترام حقوق اإلنسان‪ .‬ـ االنفتاح السياس ي‪.‬‬
‫الشفافية‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫املشاركة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫املساواة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫القوانين‪.‬‬ ‫استقاللية‬ ‫ـ‬
‫ورغم القيمة التي تشكلها هذه الخصائص‪ ،‬إال أن محاوالت تطبيقها تعرف الكثير من الجدل ذلك أن بعض الخصائص تتعارض مع‬
‫أخرى ‪ ،‬أو أن االهتمام املفرط مليزة معينة يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة‪ ،‬فمثال املشاركة الشعبية قد تكون أمرا جيدا نظريا‪ ،‬لكن على‬
‫مستوى املمارسة فإن اإلفراط في السماح بها قد يؤدي إلى إعداد سياسات عامة أو اتخاذ قرارات من أفراد ليست لديهم املعرفة‬
‫الكافية‪ ،‬كما أن الصحافة املستقلة تكون غير مسؤولة ال تبدي أي اهتمام لألهداف العامة‬
‫ومن هذا املنطق فإن مظاهر الحكم الراشد تختلف باختالف أهداف وقيم املجتمعات ففي بعض املجتمعات الغربية يتم التركيز‬
‫على الكفاءة وفي آخر يتم التركيز على االنسجام و اإلجماع ‪ .‬وفي ثقافات أخرى فإن األولوية تعطي للحقوق الفردية و البعض اآلخر‬
‫يعطي األولوية لتطبيق القانون في حين يركز البعض اآلخر على التقاليد و العشائر في صنع القرار ‪ ،‬وفي بعض املجتمعات ينحصر‬
‫الهدف األول في تحقيق النمو االقتصادي في حين تعطي مجتمعات أخرى األهمية الكبرى للثراء و التنوع الثقافي ‪.‬‬
‫إن تعدد وتنوع اإلقترابات التي تستخدمها املجتمعات ملواجهة تحدياتها يؤدي إلى االختالف في الدراجات و الخطوط املتبعة لتحقيق‬
‫التنمية ‪ ،‬وهذا ما يقود إلى التساؤل حول تحديد مضامين الحكم الراشد ‪ ،‬و إلى الجدل حول القيم و املعايير الثقافية و حول النتائج‬
‫االجتماعية املرغوبة و هذا يمتد بدوره إلى الجدل و التساؤل عن دور الحكومة عن عالقة الحكومة مع املواطنين ‪ ،‬وعن العالقة بين‬
‫املؤسسات الرسمية ( تشريعية ‪ ،‬تنفيذية ‪ ،‬قضائية ) و كذلك عن أدوار مختلف القطاعات و منه نخلص إلى أن الحديث عن‬
‫الحكم الراشد يعني اآلخذ بعين االعتبار التاريخ القيم ‪ ،‬التقاليد ‪ ،‬الثقافات املختلفة للمجتمعات ‪ .‬وهذا ما يدعم القول بأنها ليست‬
‫مرتبطة بمعيار أتوماتيكي بمعنى هناك اختالف في التطبيق و الخصائص باختالف املجتمعات فضال عن أن هناك سياسات للحكم‬
‫الراشد أفضل من اآلخر ‪.‬‬
‫مكونات الحكم الراشد‬
‫مفهوم الحكم الراشد يستعمل كحكم قيمي على ممارسات السلطة السياسية إلدارة شؤون املجتمع باتجاه تطويري ‪ ،‬إن إدارة‬
‫شؤون املجتمع تتضمن ثالثة أبعاد مترابطة وهي ‪:‬‬
‫ـ البعد السياس ي املتعلق بطبيعة السلطة السياسية و شرعية تمثيلها و البعد التقني املتعلق باإلدارة وكفاءاتها و فعاليتها ‪ ،‬و البعد‬

‫‪232‬‬
‫العدد العاشر‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫االقتصادي و االجتماعي املتعلق بطبيعة بنية املجتمع املدني و مدى حيويته و استقالليته عن الدولة من جهة ‪ ،‬وطبيعة السياسات‬
‫العامة في املجالين االقتصادي و االجتماعي وتأثيرهما على املواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة ‪ ،‬و تتفاعل األبعاد الثالثة مع‬
‫بعضها في إنتاج الحكم الراشد‪.‬‬
‫في هذا اإلطار تظهر مختلف التفاعالت ومختلف العناصر األساسية التي يتوقف عليها التوازن والتفاعل ‪.‬‬
‫ـ الحكومة‬
‫في الدولة التي تتواجد فيها عملية انتخابية تكون الحكومة منتخبة ووظائف الدولة متعددة الجوانب فهي تركز على إطار التفاعل‬
‫االجتماعي الذي يحدد املواطنة تمتلك سلطة املراقبة وممارسة القوة و لديها مسؤولية الخدمة العامة تعمل على خلق بيئة‬
‫مساعدة وهذه الوظائف تعني ‪:‬‬
‫ـ اتحاد إطار قانوني وتشريعي مستقر وثابت فعال وعادل لألنشطة العامة و الخاصة‪.‬‬
‫ـ تعزيز االستقرار واملساواة في السوق ‪.‬‬
‫ـ االهتمام بتقديم السلع ‪.‬‬
‫ـ تزويد الخدمات العامة بفعالية ومسؤولية‬
‫وعلى إثر هذه الوظائف تواجه الحكومة العديد من التحديات ‪ ،‬ذالك أن الحكم الراشد يهتم باهتمامات األفراد األكثر فقرا وهذا‬
‫عن طريق العمل على تزويد فرص إظهار و تحقيق وإدامة نوع الحياة الذي يريدون تحقيقه ‪.‬‬
‫أن املؤسسات الحكومية تستط يع أن تمكن الناس الذين تقوم بخدمتهم و ذلك بتزويدهم بالفرص املتساوية و تدعيم االندماج‬
‫االجتماعي و االقتصادي والسياس ي و فتح املجال للحصول على املوارد لكن ال تستطيع الدولة تمكين الناس إال بتوفير جهاز‬
‫تشريعي و عمليات انتخابية وأنظمة قضائية و قانونية تعمل بشكل جيد فضرورة وجود برملان ينتخب أعضاءه بحرية وعدالة تمثل‬
‫فيه مختلف األحزاب و مختلف املناطق من شأنه أن يسمح بزيادة املشاركة الشعبية و مساءلة الحكومة ‪ ،‬فوجود الثقة تؤدي إلى‬
‫زيادة الشرعية السياسية فاألنضمة القانونية و القضائية الفعالة بدورها تعمل على حماية دولة القانون و حقوق الجميع ‪.‬‬
‫أن الحكومة سواء في الدول املتقدمة أو النامية عليها اعادة تعريف لدورها سواء في النشاط االجتماعي أواإلقتصادي ‪ ،‬بتقليص‬
‫هذا الدوروإعادة توجيهه و تهيئته ذلك ألنها تواجه العديد من الضغوطات إلحداث تغيرات تأتي من املصادر التالية‬
‫ـ القطاع الخاص ييحتاج إلى بيئة مساعدة للسوق الحرة‬
‫ـ املواطنون يريدون زيادة املساءلة ‪،‬و االستجابية في طرق الحكومة و املزيد من الالمركزية‬
‫ـ إن القوى الكبرى تفرض ضغوطا اقتصادية و اجتماعية تحد من هوية وطبيعة الدولة‪.‬‬
‫ـ القطاع الخاص ‪:‬‬
‫يشمل القطاع الخاص املشاريع الخاصة للتصنيع و التجارة واملصارف ‪ ،‬وكذلك القطاع الغير املؤطر في السوق ‪ ،‬إن الدولة لها قوة‬
‫كبيرة في تحقيق التنمية‪ ،‬لكنها ليست الوحيدة في هذا املجال فالتنمية البشرية املستدامة تتوقف على خلق فرص للعمل و التي من‬
‫شأنها تحسين مستويات املعيشة ‪ ،‬ومن هذا املنطلق أدركت العديد من الدول أن القطاع الخاص يمثل املصدر األول لتوفير فرص‬
‫العمل والتخفيف من البطالة ‪ ،‬فالعوملة اإلقتصادية غيرت الطرق التي من خاللها تشتغل املنظمات الصناعية و على هذا األساس‬
‫اتخذت العديد من الدول إستراتيجيات اقتصادية تتعلق خاصة بخوصصة املؤسسات العامة وفتح املجال ملنظمات القطاع‬
‫الخاص في العديد من امليادين ‪ ،‬إذا أصبح هذا األخير الفاعل األساس ي في العديد من الدول في الحياة اإلقتصادية‪.‬‬
‫فالحكومة يمكن أن تشجع تنمية القطاع الخاص في إطار ما يسمى بالحكمانية االقتصادية‪ ،‬بحيث تعمل على جعل هذا القطاع‬
‫مستداما بواسطة اآلليات التالية ‪:‬‬
‫ـ خلق بيئة اقتصادية كلية مستقرة‪.‬‬
‫ـ إيجاد سوق تنافسية‪.‬‬
‫ـ التأكيد على حصول املعوزين على القروض‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫العدد العاشر‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫ـ تعزيز املؤسسات لخلق فرص عمل‪.‬‬


‫ـ جلب واستقطاب االستثمارات و املساعدة على نقل املعرفة التكنولوجية‪.‬‬
‫ـ تقوية دولة القانون‪.‬‬
‫ـ تقديم الحوافز‪.‬‬
‫ـ حماية البيئة و املوارد الطبيعية‬
‫ـ املجتمع املدني ‪:‬‬
‫أصبح مفهوم املجتمع املدني مالزما للدولة العصرية‪ ،‬بحيث حل محل مصطلح املجتمع الفاضل في الفلسفة السياسية ‪ ،‬و بالتالي‬
‫لم نعد نتحدث عن عالق ـ ــات مباشرة بين املواطن و الدولة وإنما عن عالقات غير مباشرة تتوسطها مؤسسات وتنظيمات املجتمع‬
‫املدني من أحزاب و جمعيات و هيئات و نقابات و غيرها و لتحديد مفهوم املجتمع املدني يجب التركيز على أربعة عناصر تتمثل في ‪:‬‬
‫ـ فكرة التطوعية‪.‬‬
‫ـ فكرة املؤسسية‪.‬‬
‫ـ فكرة االستقاللية‪.‬‬
‫ـ االرتباط بمنظومة من املفاهيم (حقوق اإلنسان ‪ ،‬املواطنة ‪ ،‬املشاركة السياسية الشرعية )‬
‫ـ تعد املنظمات الغير حكومية من املؤسسات التي لها دور متزايد وبارز في املجتمع املدني ‪ ،‬من خالل حرية التحرك االجتماعي لألفراد‬
‫و الجماعات وحرية التعبير عن التطلعات الفكرية ‪ ،‬و املشاركة االجتماعية و السياسية ‪ ،‬حري ـ ـ ــة املبادرة ‪ ،‬و املساهمة في تنمية‬
‫املجتمع ‪ ،‬ولذلك فهي تأمن بيئة مساعدة و منظمة للعمل اإلنساني غير الربحي ‪ ،‬يعمل فيها الناس باختيارهم الخاص‪.‬‬
‫أن التغير الحاصل في مفاهيم التنمية خالل العقود األخيرة‪ ،‬حيث يعد التركيز على الدخل و مؤشرات تقنية و كمية فحسب‪ ،‬بل‬
‫امتد ليشمل مؤشرات كيفية كحرية اإلنسان‪ ،‬املشاركة السياسية‪ ،‬نوعية الحياة‪ ،‬فظال عن الجوانب الثقافية كل هذا أدى إلى‬
‫التغير في األدوار بحيث لم تعد التنمية مسؤولية الحكومة وحدها بل التركيز على نقل العديد من األدوار للقطاع التطوعي‬
‫(مؤسسة املجتمع املدني ) على مختلف األصعدة االقتصادية‪ ،‬و االجتماعية‪ ،‬حيث أصبح يمثل شريكا فاعال للقطاع الحكومي في‬
‫تقديم العديد من الخدمات‪.‬‬
‫الحكم الراشد بالتحول الديمقراطي‬
‫من الثابت أن هناك عالقة وطيدة بين الحكم الراشد و الديمقراطية يبقى اآلن تحديد طبيعة هذه العالقة‪ ،‬هل هي تكاملية أم‬
‫ترابطية‪ ،‬آم تباينية ؟‬
‫إذا كان الحكم الراشد هو ‪ :‬األسلوب الذي تشخص الحكومات و املواطنون بواسطته القيم و االحتياجات ‪ ،‬و حل تلك املشاكل‬
‫بالتسيير الفعال معا وذلك بتطبيق و إدارة املوارد املتوفرة بكل شفافية و تحمل كل طرف مسؤولياته كاملة من أجل الحصول‬
‫على نتائج متوقعة و مقبولة ‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار كل الخصوصيات املمكنة و أن هذا األسلوب يفرض إقامة جو يعلو فيه‬
‫القانون و تحترم فيه حقوق اإلنسان ‪ ،‬مع إمكانية مراقبة مؤسساته ‪.‬‬
‫إن الحكم الراشد من هذا املنطلق يشترط إقامة حكومة ذات مشروعية تسعى من أجل تقوية مبدأ الفصل بين السلطات (التباين‬
‫السلطوي ) لتفعيل ميكانيزمات مراقبة املؤسسات وتطوير وتعزيز استقاللية السلطة القضائية لتمكينها من تطبيق القوانين ‪ ،‬غير‬
‫أن تجسيد هذا املبدأ يتطلب إدخال إصالحات مؤسساتية و تربوية لتعزيز القدرة التسييرية و التخطيطية للسلطة التنفيذية و‬
‫كذا دينامكية املجتمع املدني واحترام حق املعارضة األقلية داخل البرملان و خارجه ‪.‬‬
‫إن فعالية القرارات ونجاعة السياسات و البرامج تتوقف على مدى املشاركة الفعلية للمواطنين في عملية التنمية ورصد وإعداد‬
‫سياساتها ‪ ،‬غير أن تحقيق هذه املشاركة يتطلب من السلطة العمومية وكذا جميع الفاعلين في مجاالت التنمية أن تأخذ بعين‬
‫االعتبار كل الجوانب و العوامل الداخلية التي تساعد على تجسيد الحكم الراشد ‪ ،‬وذلك بتدعيم و تعزيز روح املبادرة وتفعيل‬
‫الشفافية و تجسيد مبدأ املحاسبية أي تقديم املسؤولين حصيلة أعمالهم للمواطنين و التي تحدد من خالل طبيعة العالقة بين‬

‫‪234‬‬
‫العدد العاشر‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫الحاكم و املحكوم ‪ ،‬و بالتالي تحديد درجة االستقرار و األمن الظروريين لتجسيد الحكم الراشد كما أن الحكم الراشد يفترض‬
‫العمل على وجود صحافة حرة و مسؤولة ‪.‬‬
‫انطالقا من هذه الشروط األساسية إلقامة الحكم الراشد ‪ ،‬نالحظ أن هذه األخيرة تفترض أن رسم السياسات العامة و خاصة‬
‫تحديد األولويات في السياسات العامة وخاصة تحديد األولويات في السياسات االجتماعية و اإلقتصادية قائم على أساس اإلجماع‬
‫داخل املجتمع واتخاذ القرارات و توزيع املوارد لتحقيق التنمية ‪ ،‬كما نالحظ أن دور املجتمع املدني و تطوير قنواته و هياكله التعبيرية‬
‫‪ ،‬يعتبر عامال أساسيا في إقامة الحكم الراشد وذلك من خالل مشاركة سياسية فعالة على جميع األصعدة ابتداء من تحديد‬
‫األولويات ‪ ،‬وتوفير املعلومات ووضع السياس ي و بالتالي تنفيذها ‪ ،‬مما يضفي طابع املشروعية على هذه السياسات وهذا يعني أن‬
‫الحكومات ليست الفاعل الوحيدة في مجال احتكار القوى املشروعة و إنما هناك هيأت أخرى تساهم في حفظ األمن و السلم‬
‫االجتماعية‪.‬‬ ‫و‬ ‫اإلقتصادية‬ ‫السياسات‬ ‫وضع‬ ‫في‬ ‫تشارك‬ ‫و‬ ‫العام‪،‬‬ ‫وألنظام‬
‫و على الرغم من أن الحكم الراشد ال يتمتع بتعريف إجماعي داخل االتجاهين السياس ي و االقتصادي و مابينهما و تباين وجهات‬
‫النظر حول محتواه و مفهومه بين الدول الصاعدة و الدول املتقدمة نتيجة اختالف ظروف بروز املفهوم تاريخيا فيها‪ ،‬إال أن العناصر‬
‫التي يحتويها توحي من الناحية النظرية إلى أن هناك عالقة تكاملية بينه وبين الديمقراطية ‪ ،‬بحيث يعتبر شرط أساسيا وعامال محركا‬
‫أما من الناحية العملية فهذه العالقة ليست فقط تكاملية وترابطية و إنما إجرائية كذلك فلكي يكون الحكم الراشد مقبوال إنسانيا‬
‫و اجتماعيا عليه أن يرسم لنفسه كهدف أساس ي تقوية التنمية الديمقراطية ‪ ،‬كونه ال يستطيع أن يتجسد في جو تخلو فيه املبادئ‬
‫الديمقراطية وفي املقابل فإن احترام املبادئ الديمقراطية يعتبر شرطا أساسيا لتطبيق الرشاد ة ذلك لتخفيف العبء السياس ي و‬
‫االجتماعي الناتج عنها خاصة في جانبها االقتصادي ومن هنا تكون املشروعية الديمقراطية املمنوحة للحاكم أو القيادة و مشاركة‬
‫املواطنين في عملية اتخاذ القرارات هي التي تؤسس الفعالية التي تعتبر من العناصر الهامة للحكم الراشد و لسياس ـ ـ ـة و إستراتيجيات‬
‫التنمية أي أن هناك عالقة ديناميكية بين الحكم الراش ــد و الديمقراطية و التنمية االجتماعية و اإلقتصادية‪ ،‬فال يمكن إقامة نظام‬
‫ديمقراطي مستقل دون تحقيق التنمية االجتماعية و اإلقتصادية القائمة على تساوي الحظوظ و التوزيع العادل للموارد املتوفرة‬
‫غير انه ال يتحقق ذلك إال من خالل حكم رشيد قائم على مشاركة املواطنين في تسيير املوارد بكل شفافية‪ ،‬و تفعيل و دينامية‬
‫‪.‬‬ ‫اإلنسان‬ ‫حقوق‬ ‫احترام‬ ‫و‬ ‫القانون‬ ‫علو‬ ‫و‬ ‫املدني‬ ‫املجتمع‬
‫نستنتج مما سبق أنه ال يمكن الفصل بين الديمقراطية و الرشادة سواء في جانبها االقتصادي أو في جانبها السياس ي وعلى الرغم من‬
‫أن مفهوم الرشادة ال يحتوي على تعريف إجماعي من طرف الفاعلين معه ‪ ،‬إال أن ما يمكن مالحظته هو أن الديمقراطية و الرشادة‬
‫متكاملة بعضها مع بعض ‪ ،‬و مترابطة فيما بينها بحيث ال نستطيع الحديث عن الرشادة في نظام غير ديمقراط ــي ‪ ،‬ال تحترم فيه‬
‫املبادئ األساسية للديمقراطية و ال توجد فيه صحافة حرة و مسؤولة لتفعيل التسيير الجيد و النزيه للشؤون العامة ‪ ،‬و بدون‬
‫مشاركة فعالة و قوية للمجتمع املدن ـ ـ ـ ــي (املسؤولي ــة و دور املجتمـ ــع املدن ـ ــي ) و تحترم فيه حق ــوق اإلنسان (دولة الحق و القانون )‬
‫و في الجانب الثقافي و اإليديولوجي الفكري ‪ ،‬نالحظ كذلك أن الحكم الراشد و الديمقراطية كلتاهما نتاج غربي‬
‫– أي نتاج الفكر الرأسمالي الليبرالي فالرشادة سواء أكانت استجابة ألزمة الدولة الرعية عند الغرب أو أنها ظهرت كحل لفشل‬
‫الدولة التنموية عند الدول الصاعدة لربط اإلصالحات املؤسساتية و برامج التنمية مع برامج إعادة الهيكلة التي تقدمت بها‬
‫املؤسسات املالية الدولية إنها في الحالتين نتاج( رأسمالي – غربي)‪.‬‬
‫إذا كانت أنماط و أساليب تطبيق الديمقراطية تختلف من دولة ألخرى‪ ،‬ومن مجتمع ألخر نتيجة االختالفات الثقافية و الظروف‬
‫االجتماعية و اإلقتصادية للدول وبالتالي ضرورة تكييفها مع البيئة االجتماعية و الثقافية فإن الرشادة تحتاج هي األخرى إلى‬
‫تكييفها مع بيئة كل دولة‪.‬كما أن لكل دولة الجانب الذي تنظر منه للرشادة بحيث هناك من يراها من جانب النظام املركزي ‪،‬‬
‫إصالح السلطة التشريعية و التنفيذية فعالية تسيير املوارد االجتماعية و اإلقتصادية وإصالح املنظومة التربوية و القضائية‬
‫‪...........‬إلخ‪.‬‬
‫إن ترويج الرشادة برز مع نهاية الحرب الباردة و ظهور العوملة ‪ ،‬مما يؤكد من جهة على قوة العالقة بين الرشادة و الديمقراطية‬

‫‪235‬‬
‫العدد العاشر‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫فالديمقراطية و الرشادة وجهان لعملة واحدة ‪.‬‬


‫فالعالقة هي عالقة قيمية‪ ،‬معيارية‪ ،‬مكانية وزمنية‪.‬‬
‫ـ قيمية ‪ :‬يعتبر الحكم الراشد نتاج الديمقراطية الليبرالية وهذا يعني محاولة هذه األخيرة سد الثغرات و الفراغات التي بدأت تلوح‬
‫في األفق عندما حاولت مجتمعات غير املجتمعات التي نشأت فيها الديمقراطية تطبيقها و محاولة األولى احتواء الثانية و إخضاعها‬
‫ملنطقها و نمطها أي محاولة التكييف ‪.‬‬
‫ـ معيارية ‪ :‬إذا كانت الديمقراطية تظهر كالنظام األقل ضررا مقارنة باألنظمة الغربية األخرى فإن الحكم الراشد (الذي قد سبق‬
‫وإن قلنا أنه تاج الديمقراطية ) هو اآلخر ذو صفة معيارية ‪ ،‬بحيث أن إشكالية ترشيد الحكم قد عرفتها كل املجتمعات عبر‬
‫تطورها التاريخي و حاولت اإلجابة عليها لكن الجانب املعياري يكمن في تحديد نمط معين للحكم الراشد ‪ ،‬و ذلك بتحديد مجموعة‬
‫من العناص ــر و الشروط التي يتحدد من خاللها هذا املفهوم ‪.‬‬
‫ـ مكانية ‪ :‬ليس من الصعب أن تكون املجتمعات الغربية ذات التوجه الليبرالــي ( أوروبا الغربية ‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية و كندا)‬
‫وعلى رأسها املؤسسات الدولية و الوكاالت التعاونية الثنائية و متعدد األطراف البادئة في ترويج للحكم الراشد الذي يعتبر نتاجا‬
‫للفكر الديمقراطي الغربي‬
‫ـ زمنية ‪ :‬إن للحكم الراشد عالقة زمنية مع ظاهرة التحول الديمقراطي الت ــي برزت بقوة بعد نهاية الحرب الباردة و بروز التحديات‬
‫(السياسية ‪ ،‬اإلقتصادي ــة االجتماعية و الثقافية ‪ ،‬التكنولوجية ) التي أتت بها ظاهرة العوملـ ــة و التي على املجتمعات املتقدمة و‬
‫الصاعدة أن تواجهها هذا من جهة ‪ ،‬ومن جهة أخرى فشل البرامج و السياسات التنموية التي تقدمت بها مؤسسات "بروتن وودز‬
‫"و التي أصبحت ال تنظر إلى عملية التنمية و تسييرها كمجرد نقص في املوارد املادي ــة ( املالية على األخص ) و إنما التركيز على‬
‫املزاوجة و التوفيق بين الجانب السياس ي و الجانب االقتصادي في عملية التنمية ‪ ،‬فوجدت هذه املؤسسات في الحكم الراشد‬
‫بطانتها ملا يحتوي هذ ا املفهوم من أبعاد مختلفة سياسية ‪ ،‬اقتصادية اجتماعية و ثقافية ‪.........‬ألخ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬الديمقراطية ‪:‬‬
‫لم تعد الديمقراطية تنحصر في مفهوم نظام الحكم ‪ ،‬ذلك ألنها أصبحت أسلوبا للممارسة السياسية والحركة االجتماعية‬
‫واالقتصادية ‪ ،‬حتى أنها أصبحت نمط سلوك حياتي وصفة للعالقات بين األفراد و املجموعات وأقترن األسلوب الديمقراطي بالعمل‬
‫السياس ي والعالقات بين القوى ‪ .‬فالديمقراطية ال تتكون من مجموعة واحدة وفريـدة مـن املؤسسـات ‪ ،‬إذ تتوقـف أشـكال‬
‫الديمقراطية على الظروف االجتماعية و االقتصادية التي تتميز بها كل دولة ‪ ،‬باإلضافة إلـى تجـذر مفهوم الدولة و بنيتها و املمارسات‬
‫السياسية فيها ‪ ،‬فالصفة املميزة للديمقراطية واألساسية فيها ‪ ،‬هي مسؤولية الحكام عن أفعالهم أمام املواطنين الذين يمارسون‬
‫دورهم بطريقة غير مباشرة عن طريـق اختيار ممثليهم ‪ ،‬ويعرف جوزيف شوم بيتر ‪ Schumpeter Joseph‬الديمقراطية "بأنها ذلـك‬
‫الترتيب املنظم الذي يهدف إلى الوصول إلى القرارات السياسية والذي يمكن لألفـراد مـن خاللـه اكتساب السلطة للحصول على‬
‫األصوات عن طريق التنافس" و يعتبرها البعض أنها مجموعة مـن األنماط التي تحدد طرق الوصول إلى املناصب العامة الرئيسية و‬
‫من هـذه األنمـاط صـفات املشاركين ‪ ،‬املستبعدين من حق الوصول إلى تلك املناصب و كذا اإلستراتيجية التي قد يتبعونهـا للوصول‬
‫إليها‪ ،‬باإلضافة إلى صنع القرارات التي يجب االلتزام بها على املستوى العام ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬االنظمة االنتخابية‬
‫إن الديمقراطيات الليبرالية التي اعتبرت األنموذج الناجح تشترك مميزاتهـا فـي أن السلطة السياسية فيها ترتكز على نظرية السيادة‬
‫الشعبية ‪ ،‬حيث يـتم اختيـار الحكـام عـن طريـق االنتخابات الحرة أي أنها انتخابات حقيقية يكون االختيار فيها ممكنا بين عدة‬
‫مرشـحين و ليسـت انتخابات إستفتائية لصالح مرشح واحد ‪ .‬بينما تكون الحكومة قائمة استنادا إلى التعددية السياسية و الفصل‬
‫بين السلطات وخـالل هـذا النظام يتم تقيد صالحيات الحكم وتحديدها و تمكين املحكومين من التمتع بالحريات العامة ‪ ،‬كحرية‬
‫الرأي وحرية الصحافة ‪ ،‬وحرية التجمع و إنشاء الجمعيات و الحرية الدينية إلى أنه ليس بالضرورة أن يأتي التحول إلى الديمقراطية‬
‫بالنمو و الرفاه االقتصادي أو السـالم االجتماعي والفاعلية اإلدارية واالنسجام السياس ي أو نهاية أيديولوجيا ونهاية التاريخ ‪،‬ألن‬

‫‪236‬‬
‫العدد العاشر‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫الكثير مـن األحداث تجعل من اليسير ترسيخ التوجه الديمقراطي عن طريق بروز املؤسسات السياسـية ‪ ،‬التـي تدخل في املنافسة‬
‫بالطرق السلمية كي تصل إلى الحكم وتؤثر في السياسة العامة وتتمكن من مواجهة الصراعات االقتصادية واالجتماعي عن طريق‬
‫سياسات نظامية وتتمكن بذلك من تمثيـل الـدوائر االنتخابية وتلزمها بالعمل الجماعي ‪ ،‬غير أن الدول النامية قد تعجز عـن تجسـيد‬
‫اإلجـراءات املذكورة وال تستطيع الوصول إلى األنموذج الديمقراطي فتسود األنظمة التسلطية ‪ ،‬تقوم الديمقراطية على عناصر‬
‫عديدة ومتكاملة تهدف إلى الحد من أطماع السلطة السياسية فـي االستحواذ على القوة املفرطة حفاظا على حريات املواطنين ‪ ،‬و‬
‫تفتح أمامهم أبواب التمثيل الشعبي من خالل االنتخابات التي تسمح لهم بتعيين الحكام وترسيخ مبدأ التداول على السلطة وفي هذا‬
‫الشأن قال مونتسكيو " ‪ " " Montesquieu‬السلطة تحد السلطة " أي مجمل القواعد القانونية تقيد الحكام في مختلف‬
‫الدرجات وتوفر للمواطنين وسائل االعتراض على األعمال غير الشرعية ‪ ،‬أما والترليبمان ‪ Lippman Walter‬فيق ــول " الشعب يجب‬
‫أن ال ينال من التقديس أكثر ممـا القاه امللوك من قبله ‪ ،‬فشأنه كشأن كل األمراء و الحكام و امللـوك ‪ ،‬يفسـده امللـق و الزلفـى و‬
‫يخدعه القول بأن أصوات الخلق أقالم الحق " ‪ ،‬إنه يحث من خالل هذه املقولـة علـى النظـرة السليمة الواضحة إلى الشعب صاحب‬
‫السيادة ‪ ،‬فهو يرى أن العالقة بين كتلة الشعب و الحكومة قـد أصابها في هذا القرن ‪ ،‬ش يء من الخلط في اختصاصات كل منهما ‪،‬‬
‫األمر الذي أضعفهما عن أداء وظيفتهما فالشعب يحصل على السلطة لكن ال يستطيع ممارستها ‪ ،‬والحكومات املنتخبـة قـد تفقـد‬
‫السلطات وتعمل على استعادتها الركائز التي تقوم عليها الديمقراطية‪:‬‬
‫ـ التمثيل الشعبي واالنتخاب ‪ :‬يعتبر االنتخاب القاعدة األساسية التي يقوم عليها األنموذج الديمقراطي فهو طريقة مثلى الختيار‬
‫الحكام‬
‫ـ النواب واملسؤولية ‪ :‬يتحمل النواب في الديمقراطية الحديثة مجمل األعمال السياسية و يتم اختيارهم من قبل الشعب بعد‬
‫ترشحهم في دوائر انتخابية‬
‫ـ البرملان ‪ :‬يعتبر البرملان مؤسسة سياسية مشكل من مجلس أوعدة مجالس و غرف يتمتع بسلطات تقديرية ‪ ،‬ولكي يحصل عليها‬
‫البد أن يملك صالحيات موسعة مقابل صالحيات الحكومة الفصل بين السلطات ‪ :‬يعد هذا املبدأ من أهم املبادئ التي تقوم عليها‬
‫الديمقراطية حيث يعتبـر الكاتب اإلنجليزي جون لوك ‪ Locke John‬من خالل " مؤلفه بحث في حكومة املدينـة ‪ " 690‬و‬
‫مونتسيكيو ‪ " Montesquieu‬في مؤلفه روح القوانين ‪ " 1748‬مؤسس ي هذا املبدأ الذي يعتبر مختلف األجهـزة الحكوميـةمستقلة‬
‫الواحدة عن األخرى و تمارس وظائفها بصفة منفصلة عن بعضها البعض ‪.‬‬
‫ـ شروط تحقيق الحكم الديمقراطي ‪ :‬في الواقع العملي وخارج النطاق النظري للديمقراطية فإنها تحتاج إلى وجود شـروط عمليـة‬
‫تساعدها على التجسيد والتحقيق عمليا وهي ‪:‬‬
‫ـ احترام حقوق اإلنسان ‪ :‬تضمن هذه الحقوق اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان الذي أقرتـه األمم املتحدة ‪ ،‬وتحتوي على الحقوق‬
‫االجتماعية كحق العمل والتعليم والصحة والرعاية االجتماعية ‪ ،‬لكن العبرة في تجسيد هذه الحقوق و ممارستها بحرية كاملة على‬
‫أرض الواقع تؤدي إلى املشـاركة في صنع القرارات و املساواة بين املواطنين في الحقوق والواجبات دون تميز عرقي أو عقائـدي أو فكري‬
‫أو جنس ي ‪.‬‬
‫ـ التعددية السياسية ‪ :‬لقـد أصبحت املجتمعات الحديثـة تتميز بالتعقيد و تشـابك العالقـات االجتماعية ‪ ،‬في ظل ظروف الحياة‬
‫الصعبة و تقارب األفكار و تأثر املجتمعات يبعضها الـبعض ‪ ،‬على املستوى املحلي أو اإلقليمي أو العاملي و عليه أصبح التوجه الوحيد‬
‫في الرأي داخل املجتمـع ال يخدم مصلحة جميع فئاته ولم يعد من الصواب اعتماد تصور أوحد يحمل الصـواب و الحقي قـة املطلقة‬
‫من صنع تيار واحد ‪ ،‬فسيطرة الرأي الواحد تؤدي غالبا إلى التسلط وقتل املبادرة الحرة واإلبداع ‪ ،‬لذا فإن تعـدد واخـتالف االتجاهـات‬
‫والتصورات يتطلب توفير الجو املالئم لتفاعل هذه املكونات إلى تؤدي إلى ضمان الوصول إلى الصواب و لو نسبيا ‪.‬‬
‫ـ التداول على السلطة ‪ :‬يمكن اعتبار أنه ال جود ملعنى التعددية دون وجود مبدأ التـداول على السلطة وفق آليات تسيير شؤون‬
‫املجتمع ‪ ،‬تجعل مـن التيار الـذي يحوز األغلبية قادرا على تنفيذ برنامجه الذي حظي بتأييد وموافقة األغلبية فاستمرار السلطة‬
‫دون تغيير و في أيـدي جهة واحدة يؤدي إلى تفاقم الفساد والتسلط ‪ ،‬فالديمقراطية تتطلب توفير آليات التداول السلمي على السلطة‬

‫‪237‬‬
‫العدد العاشر‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫بعد استعراض مفهوم الديمقراطية واآلليات واملعايير و كذا العناصر والشروط املؤدية إلى نجاحها وتهيئة الظروف املالئمة لنموها‬
‫وترسخها ‪ ،‬كان القصد من وراء ذلك هـو إعطـاء صـورة توضحيه لهـذا املفهوم ومن ثم معرفة عالقته بالحكم الراشد كأحد أهم‬
‫مقوماته للوصول إلى بناء نظام سياس ي واجتماعـ ـ ــي و اقتصادي سليم مثلما تطمح وتتوق إليه كافة الشعوب ‪.‬‬
‫ـ الحقوق األساسية‪ :‬وتتعلق بمدى تمكين املواطنين من املشاركة الحرة في اختيار الحكام و املساهمة في القرارات السياسية‪.‬‬
‫ـ الحقوق املدنية ‪ :‬تتجسد في الحريات املدنية التي توفر للمواطنين إمكانية التعبير بحرية عن أفكارهم بعيدا عن أراء الدولة‬
‫ـ الضوابط املؤسساتية‪ :‬تتمثل في حماية الحقوق وتطبيق القـوانين بالصـرامة الالزمـة وضـبط صالحيات املسئولين وفقا للقوانين‬
‫الصادرة عن الدولة ‪ ،‬فالحكم الراشد هو الذي يحقق أو يؤدي إلى تحقيق الحكم الـديمقراطي الـذي يسـتند علـى املشاركة واملحاسبة‬
‫والرقابة ‪ ،‬فا لديمقراطية هي املؤشر الرئيس ي من وجهة النظر السياسـية علـى وجود الحكم الراشد وفي هذا الشأن البد أن تقوم على‬
‫ـ الحرية في إنشاء وتشكيل املنظمات والجمعيات واألحزاب و االنضمام إليها‬
‫ـ ضمان حرية التعبير لكافة املواطنين ودون استثنا‬
‫ـ الحق في التصويت واملشاركة في االنتخابات والحق في الترشح‬
‫ـ فتح املناصب العامة أمام املواطنين وفق قدرات ومؤهالت محددة ودون تميز‬
‫ـ ضمان حرية االنتخابات وشفافيتها ‪ .‬إضافة إلى ذلك البد من استقاللية اإلدارة عن نفوذ الساسة وجعلها في خدمة الصالح العام‬
‫وإبعاد هيمنة الدولة على املجتمع املدني حيث أن السيطرة عليه تؤدي إلى غياب مكون رئيس ي في التـأثير في السياسات العامة ‪ ،‬كما‬
‫ال تنجح السياسات االقتصادية واالجتماعية إذا كانت في غياب املشاركة و املحاسبة و الشفافية ‪ ،‬وال ينتج عنها الرفع من مستوى‬
‫معيشة املواطنين غير القادرين على تصـحيح هذه السياسات ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الالمركزية اإلدارية و الحكم الرشيد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن نمط التنظيم اإلداري التقليدي أو البدائي املتداول السيما قبل القرن العشرين هو املركزية اإلدارية والتي تعني تركيز جميع‬ ‫ّ‬
‫الوظائف اإلدارية في يد الحاكم أو في يد السلطة املركزية التي لها الحق وحدها في إصدار القرارات على كامل تراب البالد واإلشراف‬
‫على جميع املرافق العامة الوطنية منها أو املحلية وتسخير املصالح اإلدارية لخدمة الحاكم وبطانته ‪.‬‬
‫ومواكبة للتطور السريع والنقلة النوعية التي عرفتها عالقة املواطن باإلدارة أصبح اليوم من املستحيل على الدولة الحديثة‬
‫اطية أن تقوم بتسيير جميع شؤونها من املركز بالعاصمة ‪ ،‬لذلك فإن املركزية اإلدارية عرفت تراجعا متواصال وواجهت‬ ‫والديمقر ّ‬
‫صعوبات حقيقية ومعقدة بالتوازي مع تنامي حاجيات املواطن وتأكد االستجابة لرغباته وتشريكه في كيفية إسداء الخدمات وتقريبها‬
‫منه في أقصر اآلجال وبأقل التكاليف وبأبسط املسالك وذلك في نطاق إعادة توزيع األدوار بين املركز والجهة أو اإلقليم وفق تنظيم‬
‫ساسيين لدفع العمل اإلنمائي محليا وجهويا ومظهران‬ ‫افدين األ ّ‬‫إداري يعتمد أساسا على الالمحورية والالمركزية باعتبارهما الر ْ‬
‫ظل مركزية إدارية مفرطة انعكست سلبا على املناخ السياس ي‪.‬‬ ‫للديمقراطية املحلية بل ومطلبا جماهيريا في ّ‬
‫والالمركزية اإلدارية هي تنظيم إداري يتمتع بمقتضاه املرفق العمومي أو املقاطعة الترابية بالشخصية القانونية ويمارس‬
‫ّ‬
‫تم سحبها من السلطة املركزّية لفائدة هذه السلطة املستقلة وذات االختصاصات املحددة سوى كان هذا‬ ‫اختصاصات ذاتية ّ‬
‫االختصاص إقليمي أو ترابي‪.‬‬
‫فهو أسلوب من أساليب التنظيم اإلداري يتم بمقتضاه توزيع الوظيفة اإلدارية بين اإلدارة املركزية بالعاصمة والتي تصبح بذلك‬
‫مجرد سلطة إشراف وبين جماعات محلية أو مؤسسات عمومية مستقلة عنها إداريا وليس سياسيا إذ يتعين الفصل بين الالمركزية‬ ‫ّ‬
‫السياسية والالمركزية اإلدارية‪.‬‬

‫فالالمركزية السياسية هي نظام سياس ي يتم بمقتضاه توزيع الوظيفة السياسية بين الدولة االتحادية من ناحية والواليات أو‬
‫ّ‬
‫األقاليم من ناحية أخرى و تضبط هذه العالقة بمقتض ى الدستور خالفا لالمركزية اإلدارية التي تضبطها قوانين إدارية باعتبارها‬
‫ظاهرة إدارية عامة تتعلق فقط بكيفية أداء الوظائف اإلدارية في الدولة و ال شأن لها بنظام الحكم السياس ي في البالد و ال تتمتع‬

‫‪238‬‬
‫العدد العاشر‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫باختصاص سياس ي ويوجد صنفان من هذا التنظيم الالمركزية اإلدارية الترابية والالمركزية اإلدارية الفنية‪.‬‬
‫وخالصة القول أن التطورات التي يشهدها العالم في خضم العوملة وإعادة ترتيب األدوار على املستوى الوطني جعل اإلدارة املركزية‬
‫تراجع مهامها التي أصبحت تتركز على املهام األساسية املتعلقة بالسيادة والتشريع و العالقات الخارجية و الدفاع وأصبحت‬
‫الالمحورية بعد أن كانت أداة فنية إدارية فحسب أداة محلية و جهوية في خدمة الالمركزية تتكامل معها أحيانا و تلعب دور املنسق‬
‫ّ‬
‫أو املشرف أحيانا أخرى ‪ ،‬خاصة بعد تخلي املركز عن عديد القطاعات والتفويت فيها للخواص باملوازاة مع تخليه عن بعض‬
‫الصالحيات للجهات أو لألقاليم وتنامي رغبة املواطن في تسيير مصالحه بنفسه مما أفقد املركز والزعامات هيبتها وسلطانها‪.‬‬
‫نظام الحكم الدستوري والحقوق القانونية‬
‫ّ‬ ‫يعد النظام الدستوري الجزائري ّ‬
‫فإنه بموجب املادة ‪ 188‬من دستور ‪ 2016‬فإن دفع األفراد بعدم دستورية القوانين يجب إثارته‬
‫أمام املحكمة العليا أو مجلس الدولة سواء في الدعاوى العادية أو الدعاوى اإلدارية وذلك عندما َّيدعي الفرد أن الحكم التشريعي‬
‫املشرع الدستوري ألول مرة للفرد أو للمتقاض ي الدفع‬ ‫ّ‬ ‫أي النص القانوني الذي يتوقف عليه مآل النزاع غير دستوري وبذلك سمح‬
‫مقررا فقط وبصفة حصرية لكل من رئيس الجمهورية ‪ ،‬رئيس مجلس األمة‪ ،‬ورئيس املجلس الشعبي‬ ‫بعد الدستورية بعدما كان ذلك ّ‬
‫الدستوري‪.‬‬ ‫املجلس‬ ‫إخطار‬ ‫حق‬ ‫يملكون‬ ‫والذين‬ ‫الوطني‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شروط قبول دعوى الدفع بعدم الدستورية يطلق مصطلح “الدفع” عموما على جميع وسائل الدفاع التي يجوز للخصم أن يستعين‬
‫موجهة إلى الخصومة أم بعض‬ ‫بها ّردا على دعوى خصمه بقصد تفادي الحكم لخصمه بما َّيدعيه‪ ،‬سواء أكانت هذه الوسائل ّ‬
‫موجهة إلى أصل الحق املدعى به أو إلى سلطة الخصم في استعمال دعواه منكرا إياه‪.‬‬ ‫إجراءاتها‪ ،‬أم ّ‬
‫أن اإلشكال الذي يطرح بالنسبة للدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من املحكمة العليا فيما إذا كان موضوعيا أو شكليا‬ ‫غير َّ‬
‫كونه وسيلة من وسائل الدفاع الذي يسعى أحد الخصوم بموجبه لالعتراض على قانون ما يراد تطبيقه بواسطة إحدى الجهات‬
‫للدستور‪.‬‬ ‫مخالفته‬ ‫بسبب‬ ‫القضائية‬
‫ّ‬
‫وهنا يمكن القول أن هذا اإلشكال اختلفت حوله الكثير من األنظمة الدستورية املقارنة‪ ،‬ففي النظام الدستوري املصري مثال يعتبر‬
‫الدفع موضوعيا وال يجوز إثارته أول مرة أمام محكمة النقض أو املحكمة اإلدارية العليا لتعلقه بالنظام العام‪.‬‬
‫أما بالنسبة للوضع في الجزائر‪ ،‬فإنه بتدقيق املصطلحات الواردة في نص املادة ‪ 188‬من التعديل الدستوري لعام ‪ ،2016‬نجد أنها‬
‫أن ّ‬
‫املؤسس‬ ‫تضمنت عبارة الدفع واملألوف أن الدفوع تقدم في كافة مراحل التقاض ي من بداية الدعوى إلى نهايتها مع اإلشارة ّ‬
‫ي ّ‬
‫يؤكد ّ‬
‫أن الدفع بعدم الدستورية يجب أن يكون بإحالة من املحكمة العليا أو مجلس الدولة ‪ ،‬وذلك عندما‬ ‫الدستوري الجزائر‬
‫ّيدعي أحد األطراف في املحاكمة أمام أية جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق والحريات‬
‫التي يضمنها الدستور‪.‬‬
‫غير ّأنه يجب التأكيد على مسألة جوهرية وهي أن الدفع بعدم الدستورية في الواقع ال يعد ال من قبيل الدفوع الشكلية أو املوضوعية‬
‫ّ‬
‫‪ ،‬وإنما يعتبر دفعا ذو طبيعة خاصة لكونه يتوخى في مضمونه وهدفه مقابلة النصوص التشريعية املطعون فيها بأحكام الدستور‬
‫وترجيحها لها على ما خالفها من قوانين أو تشريعات‪.‬‬
‫أن القاعدة املعمول بها في اإلجراءات ا ّملتبعة أمام مختلف الجهات القضائية أنه حيث ال مصلحة فال دعوى ‪(pas d’intérêt‬‬ ‫كما ّ‬
‫)‪pas d’action‬لكون املصلحة مناط الدعوى ‪ ،‬وهذا ما ينطبق كذلك على الدعوى الدستورية بما أنها وسيلة لتحقيق الحماية‬
‫القضائية للحقوق والحريات التي يكفلها الدستور حينما يتم انتهاكها من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية‪ ،‬وباعتبارها أيضا‬
‫وسيلة لحماية الشرعية الدستورية‪.‬‬
‫يكون الدفع بعدم دستورية القوانين مقبوال إذا كان يهدف إلى تحقيق مصلحة مشروعة‪ ،‬وليس الهدف منه املماطلة أو تعطيل‬
‫تطبيق القوانين‪ ،‬ويجب أن يكون هذا الدفع متعلقا بموضوع الدعوى ومؤثرا فيها‪ ،‬لكن ال يمكن للمحكمة أن تلغي قانونا بحجة أنه‬
‫غير دستوري‪ ،‬وإنما تحيله فقط إلى املجلس الدستوري الذي يقرر بدوره دستورية هذا القانون من عدمها‪.‬‬
‫بناء على ذلك‪ ،‬فإذا تعارضت القوانين أو التشريعات مع أحكام الدستور؛ ّ‬
‫فإنه يشملها الحكم بعدم الدستورية الذي ُيصدره املجلس‬

‫‪239‬‬
‫العدد العاشر‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫الدستوري في صورة رأي أو قرار‪ ،‬حيث تفقد النصوص القانونية أثرها إذا ارتأى املجلس الدستوري عدم دستوريتها‪ ،‬ابتداء من يوم‬
‫صدور قراره‪ ،‬وهذا طبقا ألحكام املادة ‪ 191‬من الدستور‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن آراء وقرارات املجلس الدستوري نهائية وملزمة لجميع‬
‫السلطات العمومية والسلطات اإلدارية والقضائية‪.‬‬
‫ــــــــ ـ ــ ــ ــ ــ ـ ــ ــ ــ ــ ــ ـ ــ ــ ــ ــ ـــ ـ‬
‫املراجع‬
‫ـ أحمد ‪ ,‬أحمد إبراھیم ‪ 1423 ( .‬ھ ـ‪ 2003 /‬م ) ‪ .‬اإلدارة املدرسة في مطلع القرن الحادي والعشرین ( ط‪ ( . 1‬القاھرة ‪ :‬دار الفكر العربي‬
‫‪.‬‬
‫ـ الشلعوط ‪ ,‬فریز محمود أحمد ‪ 1423 ( .‬ھ ـ ‪ 2002 /‬م ) ‪ .‬نظریات في اإلدارة التربویة ‪ .‬الریاض ‪ :‬مكتبة الرشد للنشر والتوزیع ‪.‬‬
‫ـ مجبر ‪ ,‬مھدي بن إبراھیم بن محمد ‪ 1415 ( .‬ھ ـ ‪ 1994 /‬م ) ‪ .‬األمانة في األداء اإلداري ط‪ ( . 1‬جدة ‪ :‬مكتبة الخدمات الحدیثة ) ‪.‬‬
‫ـ موس ى ‪ ,‬صافي إمام ‪ 1405 ( .‬ھ ـ ‪ 1985 /‬م ) ‪ .‬استراتیجیة اإلصالح اإلداري وإعادة التنظیم في نطاق الفكر والنظریات ط‪ ( . 1‬الریاض‬
‫‪ :‬دار العلوم للطباعة والنشر ) ‪.‬‬
‫ـ النمر ‪ ,‬سعود بن محمد خاشقجي ‪ ,‬ھاني یوسف محمود ‪ ,‬محمد فتحي و حمزاوي ‪ ,‬محمد سید( ‪ . 1417‬ھـ ‪ 1997 /‬م ) ‪ .‬اإلدارة‬
‫العامة ‪ :‬األسس والوظائف ( ط ‪ , ( 4‬الریاض‬
‫‪http://www.developmentgateway.com.‬‬
‫‪http://www.transparency.org‬‬

‫‪240‬‬

You might also like