Professional Documents
Culture Documents
ملخص:
لقد تعاظم االهتمام بالحكم الراشد أو ما يصطلح عليـه الـبعض بالحوكمـة ،فـي العديـد مـن االقتصاديات املتقدمة ،والناشئة
خالل العقود القليلة املاضـية وخاصـة فـي أعقـاب االنهيـارات االقتصادية ،واألزمات املالية التي شهدها عدد من دول شرق آسيا ،
وأمريكا الالتينية وروسيا فـي عقد التسعينات من القرن العشرين وكذلك ما شهده االقتـصاد األمريكـي مـؤخرا مـن تـداعيات االنهيارات
املالية لعدد من أقطاب الشركات والبورصات العاملية (وول ستريت مثال ).
ونظرا للتزايد املستمر الذي يكتسبه االهتمام بهذا املفهوم ،فقد حرص عدد من املؤسسات الدولية على تناول هذا املفهوم بالتحليل
والدراسة ،وعلى رأس هذه املؤسسات كل من صـندوق النقـد الـدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون االقتصادي والتنمية التـي
أصـدرت عـام 1999مبـادئ حوكمـة الشركات ،حيث تطرق العديد من االقتصاديين واملحللين والخبراء إلى أهمية ومدى تـأثير مفهـوم
الحكم الراشد فى العديد من النواحي االقتصادية والقانونية واالجتماعية الهادفة إلى صـالح األفـراد واملؤسسات واملجتمعات ككل
بما يعمل على سالمة االقتصاديات وتحقيق التنمية الشاملة في كل من الدول املتقدمة والناشئة على حد السواء.
سيتم تناول املوضوع بالتطرق إلى بعدي الحكم الراشد الكلي والجزئي فيما يتعلـق بنـشأة هـذا املصطلح ومفهومه وأهميته في
الواقع املعاصر ،من هنا يمكن أن نتساءل عن ماهية الحكم الراشـد وخاصة في املؤسسة االقتصادية وعن أهميته وعن أسباب
ظهور االهتمام بهذا املصطلح حديثا ؟
كما يعتبر م وضوع الحكم الراشد من بين أهم املواضيع التي تلقى اهتمام الباحثين فـي امليـادين الـسياسية واالقتصادية
واالجتماعية ،لذلك اعتبرته املنظمات الدولية وعلى رأسها هيئة األمم املتحدة في عام 1986حقا مكرسا لدى الشعوب كغيره من
الحقوق األخرى ،ومنه تسعى الكثير من الدول النامية اللحاق بالـدول املتطورة والتي بلغت قياسات كبيرة من التقدم .فبعد أن كان
الحديث عن التنمية االقتصادية الشاملة أصبح الكالم اآلن عن التنمية البشرية ومقاييسها ثم التنمية اإلدارية وأبعادها ،ولم
يتوقف األمر إلى هذا الحد بـل أن التنمية أصبح لها عالقة بالحكم الراشد أو الحوكمة وبالتالي في رأي هذا االتجاه ال تستقيم تنمية
حقيقية شاملة ومتوازنة في دولة من الدول بدون تحقيق األسس واملبادئ التي يرتكز عليها الحكم الراشد .
كلمات مفتاحية( :الحكم الراشد ،الجزائر)
و الجزائر في هذا الشأن تسير نحو استكمال مـشاريع التنمية بكل أبعادها االقتصادية والسياسية واالجتماعية .وإذا سلمنا
بهذا الطرح وجب طرح سؤال مركزي ورئيس ي في هذا اإلطار:
-إلى أي مدى ساهمت املشاريع التنموية التي أطلقتها السلطات في بعث التنمية والوصول إلى حكـم راشد ؟ ويندرج ضمن هذا السؤال
أسئلة فرعية منها -هل أن آليات وأسس الحكم الراشد محققة في الجزائر؟
ما هو الواقع املعيش ي لدى غالبية أفراد املجتمع بعد االنطالق في املشاريع التنموية ؟
مفهوم الحكم الراشد:
تتشكل كلمة الحكم الراشد من شطرين ،حكم و راشد الحكم :يعني مفهوم الحكم ممارسة السلطة السياسية و إدارتها
لشؤون املجتمع بما فيهـا الجوانـب االقتصادية و االجتماعية و إدارة املوارد الطبيعية و البشرية ،و هو بذلك يعني مفهوما أوسـع مـن
مفهوم الحكومة ،ألنه يتضمن عمل أجهزة الدولة الرسمي ـ ـة واملؤسسات غيـر ا لرسـمية كمنظمـات املجتمع املدني والقطــاع الخاص
تتحدد معالم هذا املفهوم ابتداء من إدارة و ممارسة السلطات السياسية و االقتصادي ــة و االجتماعية على املستوى املركزي و
الالمركزي ،وصوال إلى اآللي ـ ـ ــات و املؤسسات التي تشترك بصفة مباشرة أو غير مباشرة في صنع القرارات .يعرف الحكم الراشد
انطالقا من عدة اعتبارات و رؤى تختلف من باحث أو مفكر إلى آخـر أو من مؤسسة إلى أخرى ،و هذا حسب التوجهات و االهتمامات
229
العدد العاشر مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية
لكل منها ،فقد عرفه البنك العاملي سنة "1997على أنه الطريقة الخاصة بإدارة و ممارسة السلطة السياسية و االقتصادية و
اإلدارية قصـد تسيير أحسن للشؤون العمومية "و أخذ بهذه الفكرة أيضا صندوق النقد الدولي ،و عرفه خبـراؤه على أنه اإلطار
الجديد لدور الدولة الذي تعرض ألزمة مفاهيم ،حيث أنحصر في البداية في دور الدولة الحارسة التي تقتصر مهامها على املحافظـة
علـى النظام العام ،ثم تحولت مهامها إلى طابع الدولة املتدخلة في القطاع االقتصادي و عليه تجسـد دور الدولة املتدخلة في
االقتصاد
تعرفه األمم املتحدة " " Governance Goodبأنه ممارسة السلطة إلدارة شؤون املجتمع باتجاه تطويري و تنموي و تقدمي ،أي
أنه هو الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة و إطـارات إدارية ملتزمة بتطوير موارد املجتمع و بتقدم املواطنين و بتحسين
نوعية حياتهم و رفاهيتهم ،وذلك برضاهم مـن خـالل دعمهم و مشاركتهم فالحكم الراشد هو ذلك الحكم الذي يستطيع ضمان
حاجات املجتمع في الوقـت الـراهن و حاجات األجيال القادمة و هذا بمعنى استدامة املواد و الحفاظ عليها و عدم اإلفراط في
االستهالك ،و يكون ذلك عن طريق األخذ بضروريات التنمية االقتصادية املتوازنة لفائدة كل السكان لتساهم في بسط االستقرار
داخل الدولة
يعتبر مصطلح الحكم الراشد في األدبيات السابقة مفهوما حديثا إذا ما قورن ببعض املـصطلحات فنجده في اللغة الفرنسية
مرادف ملصطلح الحوكمة فبدايات هذا املفهوم جاءت إبان القرن الثالث عـشر وانتشر كمفهوم قانوني عام 1978لم يستعمل بعد
ذلك على نطاق واسع معبرا عن تكاليف التسيير .
وفي بداية الثمانينات استخدم من طرف املنظمات املالية الدولية وخاصة من قبل البنك الدولي ،إال أن األستاذين "جيمس مارش "
و "جوهان أولسن " استخدما هذا املصطلح في ميدان العلوم السياسية وهـذا عندما نشرا كتابا يحمل عنـ ــوان " إعادة اكتشاف
الهيئات " الذي نشر عام 1989في الو .م .أ وتساءال مـن خالله الباحثان عن كيفية تحديث املنظمات وتكييف اإلستراتيجية الجديدة
طبقا لتوازن القوى الحاصل في تلك الفترة وربط ذلك كله برشادة الحكم .
ومنذ ذلك الحين أصبح لهذا املفهوم دور كبير خاصة في التصنيفات املمنوحة لكافـة الـدول فـي تحقيقها آلليات الحكم الراشد ومن
ثم أصبح له معايير تقيم على أساسها الدول وخاصة لدى صندوق النقد الدولي الذي يركز عليه كثيرا حتى في ربط مساعداته للدول
النامية بتحقيق شروط الحكم الراشد .
حدد هذا املصطلح في أشغال امللتقى الوطني حول التنمية املحلية والحكم الراشد بجامعة معسكر يومي 27-26أفريل2005
فيقصد بالحاكمية أو الحوكمة إذن أسلوب وطريقة الحذكم الجيدة ،كما يعني أيـضا التـسيير الجيـد لشؤون منظمة ما قد تكون
دولة أو هيئة وطنية أو عاملية ،ليكون الهدف من وراء ذلك تحقيـق الفعاليـة والنجاعة .
وقد عرف البنك العاملي سنة 1992الحكم الراشد بأنه الطريقة املثلى الت ــي يمارس بهـا الـسلطة ألجل تسيير املوارد االقتصادية
واالجتماعية لدولة من الدول ومنه يمكن القول أن الحكم الراشـد طبقـا لهذه الهيئة ربطت مفهوم الحكم الراشد بعناصر أخرى
محققة لنجاحه ومنها :
ـ االستقرارالسياس ي للدولـة وحماية وترقية حقوق اإلنسان وتكريس سيادة القانون .ومن جهة أخرى ،ما هي العالقة بين مفهوم
الحكم الراشد والتنمية؟
إن اإلجابة على هـذا الـسؤال يقودنا إلى سؤال آخر وهو ما مدى توفير آليات الحكم الراشد في دولة من الدول لكي يمكن الحكـم
لهـا أوعليها في توفير تنمية مستديمة ،لذلك فمن منظورنا أن الحكم الراشد يسير جنبا إلى جنب مـع مفهـوم التنمية والتي تعني
باألساس توسيع خيارات الناس نحو تحقيق مطامحهم ومداركهم ولذلك ال تستقيم تنمية شاملة ومستديمة بدون توفير األسس
واملبادئ التي يرتكز عليها مفهوم الحكم الراشد
ـ آليات الحكم الراشد :لقد أسست املنظمات العاملية النشطة في مجال تقييـ ـ ــم الدول على أساس قوتها من ضعفها ،ومـن بين أهم
اآلليات التي تعتمدها في هذا الشأن ما يلي :
ـ املشاركة :وتعني حق الرجل واملرأة معا في إبداء الرأي في املجـالس املنتخبـة محليـا ووطنيـا ،ويتطلب عنصر املشاركة توفر حرية
230
العدد العاشر مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية
تشكيل الجمعيات واألحزاب والحريات العامة واالنتخاب ،والهـدف من كل هذا هو السماح للمواطنين بالتعبير عن أرائهم
واهتماماتهم لترسيخ الشرعية
ـ حكم القانون :ويعني سيادة القانون كأداة لتوجيه سلوك األفراد نحو الحياة السياسية بهدف منع تعارض مهام املسؤولين فيما
بينهم وبين املواطنين من جهة أخرى ووضوح القوانين وانسجامها في التطبيق وأكثر من ذلك فهو يعني استقالل الهيئة القضائية عن
الهيئتين التنفيذية والتشريعية ،ومن جراء ذلك عند تحقيق هذه اآللية تؤمن هذه القواعد وبالتالي يرتقي درجة املواطنـة إلـى مفهـوم
املـساواة بـين املواطنين .
ـ الشفافية :وتعني فسح املجال أما املواطنين بال تعرف على املعلومات الضرورية التي تهـم شـؤون حياته ،مثل حق املواطن في اإلعالم
ومشاركة املواطنين ومساهمتهم في رقابة املجالس الشعبية والوطنية واملحلية في اإلطالع على محاضر الجلسات التي تعقد دوريا في
مجالسهم ،والهدف من وراء ذلـك هـو العمل على مشاركة املواطنين في إبداء اآلراء على املهام
ـ املحاسبة :تتطلب املحاسبة أو املساءلة القدرة على محاسبة املسؤولين عن إداراتهم للموارد العامـة وعن املهام املوكلة إليهم وعن
النتائج املتوصل إليها ضمن مسارهم الوظيفي وعن املسؤوليات واملهام امللقاة على عاتقهم ،والهدف من املساءلة هو محاسبة
املسؤولين عن األموال العمومية زيادة على حماية األموال العمومية من العبث الذي قد يطال هذه األموال وبالتالي الحد من
االنتهاكات التي قد تحدث مـن حين آلخر لبعض املسؤولين نتيجة تصرفهم بطرق غير شرعية وهذا مصداقا ملقولـة :مـن أيـن لـك
هــذا ؟
ظهور مفهوم الحكم الراشد:
هناك عدة أسباب أدت إلى بروز هذا املفهوم سواء من الناحية الفكرية أو العملية فما هواال انعكاس لتطورات و تغيرات
حديثة.تجلت في التغيير الذي حصل في طبيعة دور الحكومة من جانب و التطورات املنهجية و األكاديمية من جانب آخر حيث
طرح هذا املفهوم في صياغات ،اقتصادية ،واجتماعية وسياسية ،و ثقافية و تأثر بمعطيات داخلية و دولية ،حيث يمكن بهذا
الصدد اإلشارة إلى :
ـ العوملة كمسار وما تضمنته من عمليات تتعلق أساسا
ـ عوملة القيم الديمقراطية و حقوق اإلنسان
ـ تزايد دور املنضمات الغير حكومية على مستوى الدولي و الوطني
ـ عوملة أليات وأفكار اقتصادية السوق مما أدى إلى تزايد دور القطاع لخاص
ـ انتشار التحوالت على املستوى العالي.
ـ زيادة معدالت التشابه بين الجماعات و املؤسسات أو املجتمعات.
ـ شيوع ظاهرة الفساد عامليا وهذا ما أدى إلى ضرورة التفكير في انتهاج آليات تجعل من األنظمة أكثر شفافية قصد القضاء على
هذه الظاهرة
ـ أدى إلى ظرورة إشراك القطاع الخاص و املجتمع املدني في عمليات التنمية.
إن هده التطورات أدت إلى تغير الدور التقليدي للدولة كفاعل رئيس ي وذلك بفعل تزايد أهمية البيئة الدولية أي أن خيارات
العامل الخارجي وسياسته هي التي تشكل بمجملها أولويات وقضايا السياسة العامة في مختلف الحكومات.
إظافة إلى وجود أسباب أخرىادت إلى ظهور هذا املفهوم كظهور مفاهيم جديدة للتنمية خاصة في فترة التسعينيات حيث وجد تيار
شبه عاملي يدعو إلى نوع جديد من اللبرالية املحدثة.يستند على الحرية الفردية و الخيار الشخص ي في العمل في السوق وهي بذلك
تحارب سلطة الحكومة املقيدة للفرد وكذا األفكار و املبادئ املتعلقة بنظام الحرب الواحد وتقدم مجموعة من النظم و املبادئ
الغربية على أنها عاملية.
و هذا ما اتخذ ته مؤسسات النظام االقتصادي الدولي الجديد وهذا مآله إعطاء شرعية ألعمال القطاع الخاص وقد تضمن
نموذج التنمية اللبيرالية الجديدة مفردات جديدة كالتنمية املستدامة الشفافية ،الرقابة الذاتية ،املساءلة.
231
العدد العاشر مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية
ـ تأكيد العديد من الدراسات على أهمية إرساء الديمقراطية و الحرية ،حقوق اإلنسان في عملية تحقيق التنمية اإلقتصادية و
التأكيد على مفهوم جديد يتمثل في التنمية اإلنسانية حيث يشير إلى عملية توسيع الخيارات و الفرص مع التأكيد على املفهوم
الواسع للحرية وحقوق اإلنسان و اكتساب املعرفة.
خصائص الحكم الراشد :
راشد حكم فهناك أشكاله تعدد إلى الراشد الحكم مفهوم يرجع
أفضل من آخر في تحقيق النتائج ،وهذا ما يعبر عنه في كون الحكم الراشد ال يحمل معيارا أتوماتيكيا واحدا ،وعلى هذا األساس
يتم التمييز بين حكم راشد سيئ وحكم راشد جيد وعليه يمكن القول أنه التسيير الجيد للموارد في املجتمع سواءا كانت املالية أو
البشرية أو املادية فهي حركة تشاركيه إذ تسمح بالتسيير الدقيق لألمالك العامة ،وخلق الثروة ،وال يتم تطبيقه في الدولة فقط ،
وإنما على املجتمع ككل و مختلف الفاعلين االجتماعيين ،وهو ال يرتبط فقط بمشاكل الفساد و االنحراف ،وإنما يمتد إلى جميع
التربية ،التكوين ،الهياكل ،التنظيم . ......إلخ . مظاهر الحياة االجتماعية ،و السلوكيات
هناك العديد من اإلشكاليات التي صاحبت املفهوم الراشد تتعلق أساسا باالختالف و عدم االتفاق حول الخصائص ( األبعاد ،
في : تتمثل األساسية فاملظاهر ) املبادئ ، األسس ، املميزات
ـ إدراك مشروعية السلطة .ـ موقع املواطنين من مركز اهتمامات صناع القرار .ـ مشروع مجتمع يرتكز على مشاركة املواطنين .ـ
مالئمة اإلدارة العامة مع احتياجات املواطنين
التالية: العناصر في الراشد الحكم يتمثل الغربية للثقافة بالنسبة
ـ الشرعية املؤسساتية .ـ االنتخابات الديمقراطية .ـ احترام حقوق اإلنسان .ـ االنفتاح السياس ي.
الشفافية. ـ املشاركة. ـ املساواة. ـ القوانين. استقاللية ـ
ورغم القيمة التي تشكلها هذه الخصائص ،إال أن محاوالت تطبيقها تعرف الكثير من الجدل ذلك أن بعض الخصائص تتعارض مع
أخرى ،أو أن االهتمام املفرط مليزة معينة يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة ،فمثال املشاركة الشعبية قد تكون أمرا جيدا نظريا ،لكن على
مستوى املمارسة فإن اإلفراط في السماح بها قد يؤدي إلى إعداد سياسات عامة أو اتخاذ قرارات من أفراد ليست لديهم املعرفة
الكافية ،كما أن الصحافة املستقلة تكون غير مسؤولة ال تبدي أي اهتمام لألهداف العامة
ومن هذا املنطق فإن مظاهر الحكم الراشد تختلف باختالف أهداف وقيم املجتمعات ففي بعض املجتمعات الغربية يتم التركيز
على الكفاءة وفي آخر يتم التركيز على االنسجام و اإلجماع .وفي ثقافات أخرى فإن األولوية تعطي للحقوق الفردية و البعض اآلخر
يعطي األولوية لتطبيق القانون في حين يركز البعض اآلخر على التقاليد و العشائر في صنع القرار ،وفي بعض املجتمعات ينحصر
الهدف األول في تحقيق النمو االقتصادي في حين تعطي مجتمعات أخرى األهمية الكبرى للثراء و التنوع الثقافي .
إن تعدد وتنوع اإلقترابات التي تستخدمها املجتمعات ملواجهة تحدياتها يؤدي إلى االختالف في الدراجات و الخطوط املتبعة لتحقيق
التنمية ،وهذا ما يقود إلى التساؤل حول تحديد مضامين الحكم الراشد ،و إلى الجدل حول القيم و املعايير الثقافية و حول النتائج
االجتماعية املرغوبة و هذا يمتد بدوره إلى الجدل و التساؤل عن دور الحكومة عن عالقة الحكومة مع املواطنين ،وعن العالقة بين
املؤسسات الرسمية ( تشريعية ،تنفيذية ،قضائية ) و كذلك عن أدوار مختلف القطاعات و منه نخلص إلى أن الحديث عن
الحكم الراشد يعني اآلخذ بعين االعتبار التاريخ القيم ،التقاليد ،الثقافات املختلفة للمجتمعات .وهذا ما يدعم القول بأنها ليست
مرتبطة بمعيار أتوماتيكي بمعنى هناك اختالف في التطبيق و الخصائص باختالف املجتمعات فضال عن أن هناك سياسات للحكم
الراشد أفضل من اآلخر .
مكونات الحكم الراشد
مفهوم الحكم الراشد يستعمل كحكم قيمي على ممارسات السلطة السياسية إلدارة شؤون املجتمع باتجاه تطويري ،إن إدارة
شؤون املجتمع تتضمن ثالثة أبعاد مترابطة وهي :
ـ البعد السياس ي املتعلق بطبيعة السلطة السياسية و شرعية تمثيلها و البعد التقني املتعلق باإلدارة وكفاءاتها و فعاليتها ،و البعد
232
العدد العاشر مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية
االقتصادي و االجتماعي املتعلق بطبيعة بنية املجتمع املدني و مدى حيويته و استقالليته عن الدولة من جهة ،وطبيعة السياسات
العامة في املجالين االقتصادي و االجتماعي وتأثيرهما على املواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة ،و تتفاعل األبعاد الثالثة مع
بعضها في إنتاج الحكم الراشد.
في هذا اإلطار تظهر مختلف التفاعالت ومختلف العناصر األساسية التي يتوقف عليها التوازن والتفاعل .
ـ الحكومة
في الدولة التي تتواجد فيها عملية انتخابية تكون الحكومة منتخبة ووظائف الدولة متعددة الجوانب فهي تركز على إطار التفاعل
االجتماعي الذي يحدد املواطنة تمتلك سلطة املراقبة وممارسة القوة و لديها مسؤولية الخدمة العامة تعمل على خلق بيئة
مساعدة وهذه الوظائف تعني :
ـ اتحاد إطار قانوني وتشريعي مستقر وثابت فعال وعادل لألنشطة العامة و الخاصة.
ـ تعزيز االستقرار واملساواة في السوق .
ـ االهتمام بتقديم السلع .
ـ تزويد الخدمات العامة بفعالية ومسؤولية
وعلى إثر هذه الوظائف تواجه الحكومة العديد من التحديات ،ذالك أن الحكم الراشد يهتم باهتمامات األفراد األكثر فقرا وهذا
عن طريق العمل على تزويد فرص إظهار و تحقيق وإدامة نوع الحياة الذي يريدون تحقيقه .
أن املؤسسات الحكومية تستط يع أن تمكن الناس الذين تقوم بخدمتهم و ذلك بتزويدهم بالفرص املتساوية و تدعيم االندماج
االجتماعي و االقتصادي والسياس ي و فتح املجال للحصول على املوارد لكن ال تستطيع الدولة تمكين الناس إال بتوفير جهاز
تشريعي و عمليات انتخابية وأنظمة قضائية و قانونية تعمل بشكل جيد فضرورة وجود برملان ينتخب أعضاءه بحرية وعدالة تمثل
فيه مختلف األحزاب و مختلف املناطق من شأنه أن يسمح بزيادة املشاركة الشعبية و مساءلة الحكومة ،فوجود الثقة تؤدي إلى
زيادة الشرعية السياسية فاألنضمة القانونية و القضائية الفعالة بدورها تعمل على حماية دولة القانون و حقوق الجميع .
أن الحكومة سواء في الدول املتقدمة أو النامية عليها اعادة تعريف لدورها سواء في النشاط االجتماعي أواإلقتصادي ،بتقليص
هذا الدوروإعادة توجيهه و تهيئته ذلك ألنها تواجه العديد من الضغوطات إلحداث تغيرات تأتي من املصادر التالية
ـ القطاع الخاص ييحتاج إلى بيئة مساعدة للسوق الحرة
ـ املواطنون يريدون زيادة املساءلة ،و االستجابية في طرق الحكومة و املزيد من الالمركزية
ـ إن القوى الكبرى تفرض ضغوطا اقتصادية و اجتماعية تحد من هوية وطبيعة الدولة.
ـ القطاع الخاص :
يشمل القطاع الخاص املشاريع الخاصة للتصنيع و التجارة واملصارف ،وكذلك القطاع الغير املؤطر في السوق ،إن الدولة لها قوة
كبيرة في تحقيق التنمية ،لكنها ليست الوحيدة في هذا املجال فالتنمية البشرية املستدامة تتوقف على خلق فرص للعمل و التي من
شأنها تحسين مستويات املعيشة ،ومن هذا املنطلق أدركت العديد من الدول أن القطاع الخاص يمثل املصدر األول لتوفير فرص
العمل والتخفيف من البطالة ،فالعوملة اإلقتصادية غيرت الطرق التي من خاللها تشتغل املنظمات الصناعية و على هذا األساس
اتخذت العديد من الدول إستراتيجيات اقتصادية تتعلق خاصة بخوصصة املؤسسات العامة وفتح املجال ملنظمات القطاع
الخاص في العديد من امليادين ،إذا أصبح هذا األخير الفاعل األساس ي في العديد من الدول في الحياة اإلقتصادية.
فالحكومة يمكن أن تشجع تنمية القطاع الخاص في إطار ما يسمى بالحكمانية االقتصادية ،بحيث تعمل على جعل هذا القطاع
مستداما بواسطة اآلليات التالية :
ـ خلق بيئة اقتصادية كلية مستقرة.
ـ إيجاد سوق تنافسية.
ـ التأكيد على حصول املعوزين على القروض.
233
العدد العاشر مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية
234
العدد العاشر مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية
الحاكم و املحكوم ،و بالتالي تحديد درجة االستقرار و األمن الظروريين لتجسيد الحكم الراشد كما أن الحكم الراشد يفترض
العمل على وجود صحافة حرة و مسؤولة .
انطالقا من هذه الشروط األساسية إلقامة الحكم الراشد ،نالحظ أن هذه األخيرة تفترض أن رسم السياسات العامة و خاصة
تحديد األولويات في السياسات العامة وخاصة تحديد األولويات في السياسات االجتماعية و اإلقتصادية قائم على أساس اإلجماع
داخل املجتمع واتخاذ القرارات و توزيع املوارد لتحقيق التنمية ،كما نالحظ أن دور املجتمع املدني و تطوير قنواته و هياكله التعبيرية
،يعتبر عامال أساسيا في إقامة الحكم الراشد وذلك من خالل مشاركة سياسية فعالة على جميع األصعدة ابتداء من تحديد
األولويات ،وتوفير املعلومات ووضع السياس ي و بالتالي تنفيذها ،مما يضفي طابع املشروعية على هذه السياسات وهذا يعني أن
الحكومات ليست الفاعل الوحيدة في مجال احتكار القوى املشروعة و إنما هناك هيأت أخرى تساهم في حفظ األمن و السلم
االجتماعية. و اإلقتصادية السياسات وضع في تشارك و العام، وألنظام
و على الرغم من أن الحكم الراشد ال يتمتع بتعريف إجماعي داخل االتجاهين السياس ي و االقتصادي و مابينهما و تباين وجهات
النظر حول محتواه و مفهومه بين الدول الصاعدة و الدول املتقدمة نتيجة اختالف ظروف بروز املفهوم تاريخيا فيها ،إال أن العناصر
التي يحتويها توحي من الناحية النظرية إلى أن هناك عالقة تكاملية بينه وبين الديمقراطية ،بحيث يعتبر شرط أساسيا وعامال محركا
أما من الناحية العملية فهذه العالقة ليست فقط تكاملية وترابطية و إنما إجرائية كذلك فلكي يكون الحكم الراشد مقبوال إنسانيا
و اجتماعيا عليه أن يرسم لنفسه كهدف أساس ي تقوية التنمية الديمقراطية ،كونه ال يستطيع أن يتجسد في جو تخلو فيه املبادئ
الديمقراطية وفي املقابل فإن احترام املبادئ الديمقراطية يعتبر شرطا أساسيا لتطبيق الرشاد ة ذلك لتخفيف العبء السياس ي و
االجتماعي الناتج عنها خاصة في جانبها االقتصادي ومن هنا تكون املشروعية الديمقراطية املمنوحة للحاكم أو القيادة و مشاركة
املواطنين في عملية اتخاذ القرارات هي التي تؤسس الفعالية التي تعتبر من العناصر الهامة للحكم الراشد و لسياس ـ ـ ـة و إستراتيجيات
التنمية أي أن هناك عالقة ديناميكية بين الحكم الراش ــد و الديمقراطية و التنمية االجتماعية و اإلقتصادية ،فال يمكن إقامة نظام
ديمقراطي مستقل دون تحقيق التنمية االجتماعية و اإلقتصادية القائمة على تساوي الحظوظ و التوزيع العادل للموارد املتوفرة
غير انه ال يتحقق ذلك إال من خالل حكم رشيد قائم على مشاركة املواطنين في تسيير املوارد بكل شفافية ،و تفعيل و دينامية
. اإلنسان حقوق احترام و القانون علو و املدني املجتمع
نستنتج مما سبق أنه ال يمكن الفصل بين الديمقراطية و الرشادة سواء في جانبها االقتصادي أو في جانبها السياس ي وعلى الرغم من
أن مفهوم الرشادة ال يحتوي على تعريف إجماعي من طرف الفاعلين معه ،إال أن ما يمكن مالحظته هو أن الديمقراطية و الرشادة
متكاملة بعضها مع بعض ،و مترابطة فيما بينها بحيث ال نستطيع الحديث عن الرشادة في نظام غير ديمقراط ــي ،ال تحترم فيه
املبادئ األساسية للديمقراطية و ال توجد فيه صحافة حرة و مسؤولة لتفعيل التسيير الجيد و النزيه للشؤون العامة ،و بدون
مشاركة فعالة و قوية للمجتمع املدن ـ ـ ـ ــي (املسؤولي ــة و دور املجتمـ ــع املدن ـ ــي ) و تحترم فيه حق ــوق اإلنسان (دولة الحق و القانون )
و في الجانب الثقافي و اإليديولوجي الفكري ،نالحظ كذلك أن الحكم الراشد و الديمقراطية كلتاهما نتاج غربي
– أي نتاج الفكر الرأسمالي الليبرالي فالرشادة سواء أكانت استجابة ألزمة الدولة الرعية عند الغرب أو أنها ظهرت كحل لفشل
الدولة التنموية عند الدول الصاعدة لربط اإلصالحات املؤسساتية و برامج التنمية مع برامج إعادة الهيكلة التي تقدمت بها
املؤسسات املالية الدولية إنها في الحالتين نتاج( رأسمالي – غربي).
إذا كانت أنماط و أساليب تطبيق الديمقراطية تختلف من دولة ألخرى ،ومن مجتمع ألخر نتيجة االختالفات الثقافية و الظروف
االجتماعية و اإلقتصادية للدول وبالتالي ضرورة تكييفها مع البيئة االجتماعية و الثقافية فإن الرشادة تحتاج هي األخرى إلى
تكييفها مع بيئة كل دولة.كما أن لكل دولة الجانب الذي تنظر منه للرشادة بحيث هناك من يراها من جانب النظام املركزي ،
إصالح السلطة التشريعية و التنفيذية فعالية تسيير املوارد االجتماعية و اإلقتصادية وإصالح املنظومة التربوية و القضائية
...........إلخ.
إن ترويج الرشادة برز مع نهاية الحرب الباردة و ظهور العوملة ،مما يؤكد من جهة على قوة العالقة بين الرشادة و الديمقراطية
235
العدد العاشر مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية
236
العدد العاشر مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية
الكثير مـن األحداث تجعل من اليسير ترسيخ التوجه الديمقراطي عن طريق بروز املؤسسات السياسـية ،التـي تدخل في املنافسة
بالطرق السلمية كي تصل إلى الحكم وتؤثر في السياسة العامة وتتمكن من مواجهة الصراعات االقتصادية واالجتماعي عن طريق
سياسات نظامية وتتمكن بذلك من تمثيـل الـدوائر االنتخابية وتلزمها بالعمل الجماعي ،غير أن الدول النامية قد تعجز عـن تجسـيد
اإلجـراءات املذكورة وال تستطيع الوصول إلى األنموذج الديمقراطي فتسود األنظمة التسلطية ،تقوم الديمقراطية على عناصر
عديدة ومتكاملة تهدف إلى الحد من أطماع السلطة السياسية فـي االستحواذ على القوة املفرطة حفاظا على حريات املواطنين ،و
تفتح أمامهم أبواب التمثيل الشعبي من خالل االنتخابات التي تسمح لهم بتعيين الحكام وترسيخ مبدأ التداول على السلطة وفي هذا
الشأن قال مونتسكيو " " " Montesquieuالسلطة تحد السلطة " أي مجمل القواعد القانونية تقيد الحكام في مختلف
الدرجات وتوفر للمواطنين وسائل االعتراض على األعمال غير الشرعية ،أما والترليبمان Lippman Walterفيق ــول " الشعب يجب
أن ال ينال من التقديس أكثر ممـا القاه امللوك من قبله ،فشأنه كشأن كل األمراء و الحكام و امللـوك ،يفسـده امللـق و الزلفـى و
يخدعه القول بأن أصوات الخلق أقالم الحق " ،إنه يحث من خالل هذه املقولـة علـى النظـرة السليمة الواضحة إلى الشعب صاحب
السيادة ،فهو يرى أن العالقة بين كتلة الشعب و الحكومة قـد أصابها في هذا القرن ،ش يء من الخلط في اختصاصات كل منهما ،
األمر الذي أضعفهما عن أداء وظيفتهما فالشعب يحصل على السلطة لكن ال يستطيع ممارستها ،والحكومات املنتخبـة قـد تفقـد
السلطات وتعمل على استعادتها الركائز التي تقوم عليها الديمقراطية:
ـ التمثيل الشعبي واالنتخاب :يعتبر االنتخاب القاعدة األساسية التي يقوم عليها األنموذج الديمقراطي فهو طريقة مثلى الختيار
الحكام
ـ النواب واملسؤولية :يتحمل النواب في الديمقراطية الحديثة مجمل األعمال السياسية و يتم اختيارهم من قبل الشعب بعد
ترشحهم في دوائر انتخابية
ـ البرملان :يعتبر البرملان مؤسسة سياسية مشكل من مجلس أوعدة مجالس و غرف يتمتع بسلطات تقديرية ،ولكي يحصل عليها
البد أن يملك صالحيات موسعة مقابل صالحيات الحكومة الفصل بين السلطات :يعد هذا املبدأ من أهم املبادئ التي تقوم عليها
الديمقراطية حيث يعتبـر الكاتب اإلنجليزي جون لوك Locke Johnمن خالل " مؤلفه بحث في حكومة املدينـة " 690و
مونتسيكيو " Montesquieuفي مؤلفه روح القوانين " 1748مؤسس ي هذا املبدأ الذي يعتبر مختلف األجهـزة الحكوميـةمستقلة
الواحدة عن األخرى و تمارس وظائفها بصفة منفصلة عن بعضها البعض .
ـ شروط تحقيق الحكم الديمقراطي :في الواقع العملي وخارج النطاق النظري للديمقراطية فإنها تحتاج إلى وجود شـروط عمليـة
تساعدها على التجسيد والتحقيق عمليا وهي :
ـ احترام حقوق اإلنسان :تضمن هذه الحقوق اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان الذي أقرتـه األمم املتحدة ،وتحتوي على الحقوق
االجتماعية كحق العمل والتعليم والصحة والرعاية االجتماعية ،لكن العبرة في تجسيد هذه الحقوق و ممارستها بحرية كاملة على
أرض الواقع تؤدي إلى املشـاركة في صنع القرارات و املساواة بين املواطنين في الحقوق والواجبات دون تميز عرقي أو عقائـدي أو فكري
أو جنس ي .
ـ التعددية السياسية :لقـد أصبحت املجتمعات الحديثـة تتميز بالتعقيد و تشـابك العالقـات االجتماعية ،في ظل ظروف الحياة
الصعبة و تقارب األفكار و تأثر املجتمعات يبعضها الـبعض ،على املستوى املحلي أو اإلقليمي أو العاملي و عليه أصبح التوجه الوحيد
في الرأي داخل املجتمـع ال يخدم مصلحة جميع فئاته ولم يعد من الصواب اعتماد تصور أوحد يحمل الصـواب و الحقي قـة املطلقة
من صنع تيار واحد ،فسيطرة الرأي الواحد تؤدي غالبا إلى التسلط وقتل املبادرة الحرة واإلبداع ،لذا فإن تعـدد واخـتالف االتجاهـات
والتصورات يتطلب توفير الجو املالئم لتفاعل هذه املكونات إلى تؤدي إلى ضمان الوصول إلى الصواب و لو نسبيا .
ـ التداول على السلطة :يمكن اعتبار أنه ال جود ملعنى التعددية دون وجود مبدأ التـداول على السلطة وفق آليات تسيير شؤون
املجتمع ،تجعل مـن التيار الـذي يحوز األغلبية قادرا على تنفيذ برنامجه الذي حظي بتأييد وموافقة األغلبية فاستمرار السلطة
دون تغيير و في أيـدي جهة واحدة يؤدي إلى تفاقم الفساد والتسلط ،فالديمقراطية تتطلب توفير آليات التداول السلمي على السلطة
237
العدد العاشر مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية
بعد استعراض مفهوم الديمقراطية واآلليات واملعايير و كذا العناصر والشروط املؤدية إلى نجاحها وتهيئة الظروف املالئمة لنموها
وترسخها ،كان القصد من وراء ذلك هـو إعطـاء صـورة توضحيه لهـذا املفهوم ومن ثم معرفة عالقته بالحكم الراشد كأحد أهم
مقوماته للوصول إلى بناء نظام سياس ي واجتماعـ ـ ــي و اقتصادي سليم مثلما تطمح وتتوق إليه كافة الشعوب .
ـ الحقوق األساسية :وتتعلق بمدى تمكين املواطنين من املشاركة الحرة في اختيار الحكام و املساهمة في القرارات السياسية.
ـ الحقوق املدنية :تتجسد في الحريات املدنية التي توفر للمواطنين إمكانية التعبير بحرية عن أفكارهم بعيدا عن أراء الدولة
ـ الضوابط املؤسساتية :تتمثل في حماية الحقوق وتطبيق القـوانين بالصـرامة الالزمـة وضـبط صالحيات املسئولين وفقا للقوانين
الصادرة عن الدولة ،فالحكم الراشد هو الذي يحقق أو يؤدي إلى تحقيق الحكم الـديمقراطي الـذي يسـتند علـى املشاركة واملحاسبة
والرقابة ،فا لديمقراطية هي املؤشر الرئيس ي من وجهة النظر السياسـية علـى وجود الحكم الراشد وفي هذا الشأن البد أن تقوم على
ـ الحرية في إنشاء وتشكيل املنظمات والجمعيات واألحزاب و االنضمام إليها
ـ ضمان حرية التعبير لكافة املواطنين ودون استثنا
ـ الحق في التصويت واملشاركة في االنتخابات والحق في الترشح
ـ فتح املناصب العامة أمام املواطنين وفق قدرات ومؤهالت محددة ودون تميز
ـ ضمان حرية االنتخابات وشفافيتها .إضافة إلى ذلك البد من استقاللية اإلدارة عن نفوذ الساسة وجعلها في خدمة الصالح العام
وإبعاد هيمنة الدولة على املجتمع املدني حيث أن السيطرة عليه تؤدي إلى غياب مكون رئيس ي في التـأثير في السياسات العامة ،كما
ال تنجح السياسات االقتصادية واالجتماعية إذا كانت في غياب املشاركة و املحاسبة و الشفافية ،وال ينتج عنها الرفع من مستوى
معيشة املواطنين غير القادرين على تصـحيح هذه السياسات .
ثالثا :الالمركزية اإلدارية و الحكم الرشيد
ّ ّ
إن نمط التنظيم اإلداري التقليدي أو البدائي املتداول السيما قبل القرن العشرين هو املركزية اإلدارية والتي تعني تركيز جميع ّ
الوظائف اإلدارية في يد الحاكم أو في يد السلطة املركزية التي لها الحق وحدها في إصدار القرارات على كامل تراب البالد واإلشراف
على جميع املرافق العامة الوطنية منها أو املحلية وتسخير املصالح اإلدارية لخدمة الحاكم وبطانته .
ومواكبة للتطور السريع والنقلة النوعية التي عرفتها عالقة املواطن باإلدارة أصبح اليوم من املستحيل على الدولة الحديثة
اطية أن تقوم بتسيير جميع شؤونها من املركز بالعاصمة ،لذلك فإن املركزية اإلدارية عرفت تراجعا متواصال وواجهت والديمقر ّ
صعوبات حقيقية ومعقدة بالتوازي مع تنامي حاجيات املواطن وتأكد االستجابة لرغباته وتشريكه في كيفية إسداء الخدمات وتقريبها
منه في أقصر اآلجال وبأقل التكاليف وبأبسط املسالك وذلك في نطاق إعادة توزيع األدوار بين املركز والجهة أو اإلقليم وفق تنظيم
ساسيين لدفع العمل اإلنمائي محليا وجهويا ومظهران افدين األ ّإداري يعتمد أساسا على الالمحورية والالمركزية باعتبارهما الر ْ
ظل مركزية إدارية مفرطة انعكست سلبا على املناخ السياس ي. للديمقراطية املحلية بل ومطلبا جماهيريا في ّ
والالمركزية اإلدارية هي تنظيم إداري يتمتع بمقتضاه املرفق العمومي أو املقاطعة الترابية بالشخصية القانونية ويمارس
ّ
تم سحبها من السلطة املركزّية لفائدة هذه السلطة املستقلة وذات االختصاصات املحددة سوى كان هذا اختصاصات ذاتية ّ
االختصاص إقليمي أو ترابي.
فهو أسلوب من أساليب التنظيم اإلداري يتم بمقتضاه توزيع الوظيفة اإلدارية بين اإلدارة املركزية بالعاصمة والتي تصبح بذلك
مجرد سلطة إشراف وبين جماعات محلية أو مؤسسات عمومية مستقلة عنها إداريا وليس سياسيا إذ يتعين الفصل بين الالمركزية ّ
السياسية والالمركزية اإلدارية.
فالالمركزية السياسية هي نظام سياس ي يتم بمقتضاه توزيع الوظيفة السياسية بين الدولة االتحادية من ناحية والواليات أو
ّ
األقاليم من ناحية أخرى و تضبط هذه العالقة بمقتض ى الدستور خالفا لالمركزية اإلدارية التي تضبطها قوانين إدارية باعتبارها
ظاهرة إدارية عامة تتعلق فقط بكيفية أداء الوظائف اإلدارية في الدولة و ال شأن لها بنظام الحكم السياس ي في البالد و ال تتمتع
238
العدد العاشر مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية
باختصاص سياس ي ويوجد صنفان من هذا التنظيم الالمركزية اإلدارية الترابية والالمركزية اإلدارية الفنية.
وخالصة القول أن التطورات التي يشهدها العالم في خضم العوملة وإعادة ترتيب األدوار على املستوى الوطني جعل اإلدارة املركزية
تراجع مهامها التي أصبحت تتركز على املهام األساسية املتعلقة بالسيادة والتشريع و العالقات الخارجية و الدفاع وأصبحت
الالمحورية بعد أن كانت أداة فنية إدارية فحسب أداة محلية و جهوية في خدمة الالمركزية تتكامل معها أحيانا و تلعب دور املنسق
ّ
أو املشرف أحيانا أخرى ،خاصة بعد تخلي املركز عن عديد القطاعات والتفويت فيها للخواص باملوازاة مع تخليه عن بعض
الصالحيات للجهات أو لألقاليم وتنامي رغبة املواطن في تسيير مصالحه بنفسه مما أفقد املركز والزعامات هيبتها وسلطانها.
نظام الحكم الدستوري والحقوق القانونية
ّ يعد النظام الدستوري الجزائري ّ
فإنه بموجب املادة 188من دستور 2016فإن دفع األفراد بعدم دستورية القوانين يجب إثارته
أمام املحكمة العليا أو مجلس الدولة سواء في الدعاوى العادية أو الدعاوى اإلدارية وذلك عندما َّيدعي الفرد أن الحكم التشريعي
املشرع الدستوري ألول مرة للفرد أو للمتقاض ي الدفع ّ أي النص القانوني الذي يتوقف عليه مآل النزاع غير دستوري وبذلك سمح
مقررا فقط وبصفة حصرية لكل من رئيس الجمهورية ،رئيس مجلس األمة ،ورئيس املجلس الشعبي بعد الدستورية بعدما كان ذلك ّ
الدستوري. املجلس إخطار حق يملكون والذين الوطني،
ّ ّ ّ
شروط قبول دعوى الدفع بعدم الدستورية يطلق مصطلح “الدفع” عموما على جميع وسائل الدفاع التي يجوز للخصم أن يستعين
موجهة إلى الخصومة أم بعض بها ّردا على دعوى خصمه بقصد تفادي الحكم لخصمه بما َّيدعيه ،سواء أكانت هذه الوسائل ّ
موجهة إلى أصل الحق املدعى به أو إلى سلطة الخصم في استعمال دعواه منكرا إياه. إجراءاتها ،أم ّ
أن اإلشكال الذي يطرح بالنسبة للدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من املحكمة العليا فيما إذا كان موضوعيا أو شكليا غير َّ
كونه وسيلة من وسائل الدفاع الذي يسعى أحد الخصوم بموجبه لالعتراض على قانون ما يراد تطبيقه بواسطة إحدى الجهات
للدستور. مخالفته بسبب القضائية
ّ
وهنا يمكن القول أن هذا اإلشكال اختلفت حوله الكثير من األنظمة الدستورية املقارنة ،ففي النظام الدستوري املصري مثال يعتبر
الدفع موضوعيا وال يجوز إثارته أول مرة أمام محكمة النقض أو املحكمة اإلدارية العليا لتعلقه بالنظام العام.
أما بالنسبة للوضع في الجزائر ،فإنه بتدقيق املصطلحات الواردة في نص املادة 188من التعديل الدستوري لعام ،2016نجد أنها
أن ّ
املؤسس تضمنت عبارة الدفع واملألوف أن الدفوع تقدم في كافة مراحل التقاض ي من بداية الدعوى إلى نهايتها مع اإلشارة ّ
ي ّ
يؤكد ّ
أن الدفع بعدم الدستورية يجب أن يكون بإحالة من املحكمة العليا أو مجلس الدولة ،وذلك عندما الدستوري الجزائر
ّيدعي أحد األطراف في املحاكمة أمام أية جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق والحريات
التي يضمنها الدستور.
غير ّأنه يجب التأكيد على مسألة جوهرية وهي أن الدفع بعدم الدستورية في الواقع ال يعد ال من قبيل الدفوع الشكلية أو املوضوعية
ّ
،وإنما يعتبر دفعا ذو طبيعة خاصة لكونه يتوخى في مضمونه وهدفه مقابلة النصوص التشريعية املطعون فيها بأحكام الدستور
وترجيحها لها على ما خالفها من قوانين أو تشريعات.
أن القاعدة املعمول بها في اإلجراءات ا ّملتبعة أمام مختلف الجهات القضائية أنه حيث ال مصلحة فال دعوى (pas d’intérêt كما ّ
)pas d’actionلكون املصلحة مناط الدعوى ،وهذا ما ينطبق كذلك على الدعوى الدستورية بما أنها وسيلة لتحقيق الحماية
القضائية للحقوق والحريات التي يكفلها الدستور حينما يتم انتهاكها من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية ،وباعتبارها أيضا
وسيلة لحماية الشرعية الدستورية.
يكون الدفع بعدم دستورية القوانين مقبوال إذا كان يهدف إلى تحقيق مصلحة مشروعة ،وليس الهدف منه املماطلة أو تعطيل
تطبيق القوانين ،ويجب أن يكون هذا الدفع متعلقا بموضوع الدعوى ومؤثرا فيها ،لكن ال يمكن للمحكمة أن تلغي قانونا بحجة أنه
غير دستوري ،وإنما تحيله فقط إلى املجلس الدستوري الذي يقرر بدوره دستورية هذا القانون من عدمها.
بناء على ذلك ،فإذا تعارضت القوانين أو التشريعات مع أحكام الدستور؛ ّ
فإنه يشملها الحكم بعدم الدستورية الذي ُيصدره املجلس
239
العدد العاشر مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية
الدستوري في صورة رأي أو قرار ،حيث تفقد النصوص القانونية أثرها إذا ارتأى املجلس الدستوري عدم دستوريتها ،ابتداء من يوم
صدور قراره ،وهذا طبقا ألحكام املادة 191من الدستور ،مع اإلشارة إلى أن آراء وقرارات املجلس الدستوري نهائية وملزمة لجميع
السلطات العمومية والسلطات اإلدارية والقضائية.
ــــــــ ـ ــ ــ ــ ــ ـ ــ ــ ــ ــ ــ ـ ــ ــ ــ ــ ـــ ـ
املراجع
ـ أحمد ,أحمد إبراھیم 1423 ( .ھ ـ 2003 /م ) .اإلدارة املدرسة في مطلع القرن الحادي والعشرین ( ط ( . 1القاھرة :دار الفكر العربي
.
ـ الشلعوط ,فریز محمود أحمد 1423 ( .ھ ـ 2002 /م ) .نظریات في اإلدارة التربویة .الریاض :مكتبة الرشد للنشر والتوزیع .
ـ مجبر ,مھدي بن إبراھیم بن محمد 1415 ( .ھ ـ 1994 /م ) .األمانة في األداء اإلداري ط ( . 1جدة :مكتبة الخدمات الحدیثة ) .
ـ موس ى ,صافي إمام 1405 ( .ھ ـ 1985 /م ) .استراتیجیة اإلصالح اإلداري وإعادة التنظیم في نطاق الفكر والنظریات ط ( . 1الریاض
:دار العلوم للطباعة والنشر ) .
ـ النمر ,سعود بن محمد خاشقجي ,ھاني یوسف محمود ,محمد فتحي و حمزاوي ,محمد سید( . 1417ھـ 1997 /م ) .اإلدارة
العامة :األسس والوظائف ( ط , ( 4الریاض
http://www.developmentgateway.com.
http://www.transparency.org
240