You are on page 1of 30

‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol.

3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫الحكامة االمنية‬
‫دالالت مفهوم "االمن" و دالالت توظيف" الحكامة" أية عالقة ؟‬
‫فراج عادل‬
‫‪Adil.faraj@gmail.com‬‬

‫الحكامة تتصل بآليات صناعة القرار وتدبير الشأن العام‪ ،1‬من خالل رؤية استراتيجية تقع بلورتها ويجري‬
‫تجسيدها عمليا‪ ،‬اعتمادا على مق اربة تشاركية بجانب التوفر على نظام توقعي للتعاطي مع مختلف أنواع‬
‫ومستويات المخاطر‪ ،‬حسب معايير تشكل المنظومة المجتمعية فهي قيم متكاملة تؤطر العمل‪ ،‬وتقود صوب‬
‫تحقيق التنمية المنشودة‪ ،‬كربط المسؤولية بالمحاسبة‪ ،‬الشف افية والفعالية في األداء‪ ،‬تدعيم عدم التمركز‬
‫اإلداري على صعيد اإلدارة الترابية للدولة‪ ،‬توطيد الالمركزية الترابية والمرفقية‪.2‬‬
‫والحكامة تسمية متداولة بصيغ أخرى‪ :‬الحكم الراشد‪ ،‬الحوكمة ‪ ،‬القيادية‪ ،3‬ف ال لبس في اللفظ كما يق ال‬
‫مادامت العبرة بالمدلول‪ ،‬كما نجد من يصر على استعمال المصطلح وفق مرجعيته اللغوية األصلية‬
‫"‪"Gouvernace /Governance‬‬
‫وتؤكد دراسة االشتق اق اللغوي لمصطلح الحكامة في ضوء عدد من القواميس أن هذه الكلمة دخيلة‬
‫على اللغة العربية‪ ،‬فهي ترجمة حرفية للكلمة الفرنسية "‪ ،"Gouvernance‬ألن العديد من المف اهيم قد ال‬
‫تكون لها ترجمة حرفية‪ ،‬تعكس المعنى ذاته أو الدالالت نفسها التي تعكسها اللغة اإلنجليزية أو الفرنسية‪ ،‬ويعد‬
‫مفهوم الحكامة نموذجا جديدا آخرا من هذه النماذج‪.‬‬
‫وأصل كلمة الحكامة يوناني‪ ،‬حيث كانت تعني أسلوب إدارة وتوجيه السفينة‪ ،‬ثم انتق لت إلى اللغة‬
‫الالتينية لتستعمل في اللغة الفرنسية القديمة من أجل الداللة على فن أو طريقة الحكم "كمرادف للحكومة"‪ ،‬كما‬
‫ستنتق ل لالستعمال في اللغة اإلنجليزية خالل القرن ‪ 41‬بتسمية " ‪ "Governance.‬وبعد ذلك اختفى اللفظ في‬
‫اللغة الفرنسية باعتباره شريكا للنظام القديم‪ ،‬بيد أنه ظل حيا في اللغة اإلنجليزية يستعمله النبالء ورجال السياسة‬
‫والحكام‪ ،‬ثم تناوله فيما بعد الكتاب والباحثون‪.‬‬
‫وعلى إثر تطور تاريخي طويل‪ ،‬شهد مفهوم الحكامة تطورا مف اهيمي ارتبط بسياق بروزه وتداوله‬
‫وبدوافع استعماله‪ ،4‬ففي القرن ‪ 41‬اقتحم المفهوم عالم االقتصاد خاصة في أواخر القرن ‪ 41‬مع ظهور المق اولة‬

‫‪1‬صالح سامل‪ ،‬زرنوقة وعبد العزيز شادي‪" :‬جتدد القيادة والتمنية يف الوطن العريب"‪ ،‬مركز دراسات وحبوث ادلول النامية‪ ،‬القاهرة‪،1002 ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪2‬سلوى شعراوي وأخرون‪ " :‬اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع"‪ ،‬مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر‪ ،‬مطبعة القاهرة‪ ،‬طبعة ‪ ،1002‬ص‪.12‬‬
‫‪3‬مفاهمي وس ياس يات احلومكة ىف الدبيات العربية والغربية‪ ،‬دراسة أجريت ابلتعاون بني مركز احلومكة التابع للمعهد القويم ل إالدارة بوزارة التمنية الإدارية وبرانمج ادلميقراطية وحقوق الإنسان بلكية‬
‫الاقتصاد والعلوم الس ياس ية جبامعة القاهرة‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.73-72 ،77-77 ،33-33‬‬
‫‪4‬محمد حراكت ‪":‬اإصالح املوازنة واحلاكمة املالية يف املغرب العريب" تأليف جامعي‪ /‬النارش‪ :‬املركز ادلويل لدلراسات الاسرتاتيجية‪ ،‬الرابط ‪،1007‬ص‪.7‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫الصناعية وتطورها في كل من الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا‪ ،‬عندما كانت الحكامة تدل على طريقة‬
‫تسيير ومراقبة المق اولة‪ ،‬لتتم بعد ذلك ترجمة عبارة "‪ "Corporat Governance‬باللغة االنجليزية إلى‬
‫عبارة"‪ " Gouvernance d’entreprise‬باللغة الفرنسية ‪.‬‬
‫لكن ينبغي االنتباه إلى كون كلمة الحكامة في اللغة اإلنجليزية مختلفة عن كلمة الحكومة‬
‫"‪ ،"Gouvernement‬ف إذا كانت هذه األخيرة سلطة عمومية على رأسها جهاز حكومي يحتكر القرار‪ ،‬ف إن‬
‫الحكامة نظام يتشكل من مؤسسات وقواعد وعالق ات وسلوكيات‪ ،‬وهو مختلف عن نظام حكومة الدولة‪.5‬‬
‫إن اقتران الحكامة بالمق اولة كان وراءه دافع البحث عن الترتيبات التي تتيح التدبير األمثل للتنسيق‬
‫بين بنيات المق اولة وشركائها والف اعلين في محيطها‪ ،‬أما الهدف فكان هو الحف اظ على التوازنات داخل هذا‬
‫الكيان االقتصادي الذي أصبح يضطلع ببعض الوظائف بدال عن الدولة‪ ،‬وقد كان االنشغال األكبر آنذاك هو‬
‫تنمية الرأسمال المادي عبر تطوير المق اولة الكبرى‪.6‬‬
‫وفي سياق اندالع الحرب العالمية الثانية زادت اهتمامات أعمال ودراسات االقتصاديين األمريكيين‬
‫بحكامة المق اولة‪ ،‬وعلى وجه الخصوص الباحث األمريكي "‪. "Ronald Coase‬كما حظيت حكامة المق اولة‬
‫باهتمام البنك الدولي‪ ،‬وهنا يشير البعض إلى ظهور المفهوم في أدبيات هذه المؤسسة المالية الدولية أثناء‬
‫سنوات الخمسينات من القرن الماضي‪.‬‬
‫لكن مدلول الحكامة في بريطانيا وفرنسا‪ ،‬سيأخذ في سنوات السبعينات والثمانينات منحا آخرا يقترب‬
‫من داللته في اللغة الفرنسية القديمة تماشيا في تلك الفترة مع إثارة مسألة تجويد تدبير القطاع العام‪.‬‬
‫وخالل الثمانينات سيبرز من جديد مفهوم الحكامة بقوة في أدبيات البنك الدولي الذي أقحمه في‬
‫المجال السياسي‪ ،‬بعدما أثبتت تجارب التنمية في العديد من دول إفريقيا والعالم العربي أن فشل سياسات‬
‫التنمية مرتبط بسالمة طرق ممارسة السلطة ونزاهتها‪ ،‬والعتبارات تتعلق باستقرار مبدأ السيادة لكل دولة‪ ،‬كانت‬
‫المنظمات والمؤسسات الدولية تواجه صعوبة في التوفيق بين احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية‬
‫للدول والحاجة إلى لفت االنتباه إلى أهمية شرعية ونجاعة أسلوب نظام الحكم‪ ،‬لذا كان سك لفظ جديد منفذا‬
‫لتجاوز هذا العائق‪.7‬‬
‫ومن هنا جاءت مالحظة البنك الدولي في سنة ‪ 4111‬بكون أزمة إفريقيا هي أزمة الحكم الصالح‬
‫"‪. "Governance of crise‬وكانت هذه الخاصية ميزة أكثر منها عيبا‪ ،‬ألن المنظمات الدولية استطاعت‬
‫االختف اء وراء االختالالت لطرح قضايا حقوق اإلنسان والفساد والديمقراطية والمشاركة‪.‬‬
‫كما تعمقت الدراسات واألبحاث حول أشكال التدبير التي تعتمد على نظريات تحليل السياسات‬
‫والتخطيط االستراتيجي وإدارة األعمال كمؤشر لإلصالح والفعالية والمردودية‪ ،‬استنادا على ميكانيزمات التعاقد‬

‫‪5‬احلكومة املنفتحة‪ :‬مفهوم جديد حنو احلمك الرش يد‪،‬القاهرة‪ :‬مركز املعلومات ودمع اختاذ القرار‪ ،‬سلسةل تقارير معلوماتية‪ ،‬الس نة اخلامسة‪ ،‬العدد (‪ ،)35‬أغسطس ‪ ،)1022‬ص ‪.7‬‬
‫‪6‬محمد غريب‪" :‬مفهوم احلمك الصاحل بني مثالية اخلطاب ادلويل وإاكراهات ادلوةل يف اجلنوب"‪ ،‬منشورات اجملةل املغربية للتدقيق والتمنية‪ ،‬سلسةل التدبري الاسرتاتيجي العدد اخلامس‪ ،1002 ،‬ص‪. 22‬‬
‫‪7‬عيل سد جاري‪ ":‬تصورات من أجل مرشوع حدايث لتحديث الإدارة ابملغرب ‪ :‬تأهيل الإدارة للعوملة "‪،‬منشورات البحث يف اجملال والرتاب ‪ ،1000،‬ص ‪.7‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫وآليات السوق‪ ،‬وذلك بعدما كان هناك فصل بين القطاعين العام والخاص بين الدولة أو الجهاز العمومي وباقي‬
‫الف اعلين من حيث طريقة التدخالت وميادينها وحدودها وآف اق كل قطاع‪.8‬‬
‫وال مراء كمحصلة طبيعية أن تجدد تداول مفهوم الحكامة‪ ،‬تزامن مع التغيير الذي مس طبيعة دور‬
‫الدولة‪ ،‬ف النظرة التق ليدية إليها كف اعل رئيسي في اختيار وحسم القرارات قد تغيرت بحكم تزايد أهمية العامل‬
‫الخارجي‪ ،9‬كما اتضح في ظل العولمة عدم قدرتها على مق اومة الضغوط الدولية‪ ،‬عالوة على بروز متدخلين‬
‫آخرين لهم تأثير ودور مهم في رسم السياسات العامة‪ ،‬ويتعلق األمر بفعاليات مختلفة االهتمامات واالنشغاالت‬
‫الحيوية‪ ،‬والتي يمكن تصنيفها ضمن خانة مكونات المجتمع المدني والقطاع الخاص‪ ،10‬وبدورها اإلكراهات‬
‫الداخلية المعيقة لتحقيق التنمية الشاملة والمستديمة‪ ،‬عجلت باكتساح المفهوم لجل مجاالت تدبير الشأن العام‬
‫قطاعيا وترابيا‪ ،‬ف أصبحنا بصدد حكامة أمنية‪ ،‬حكامة صحية‪ ،‬حكامة برلمانية‪ ،‬حكامة جهوية‪ ،‬حكامة محلية‪…11‬‬
‫وبإيجاز يمكن القول‪ ،‬إن مفهوم الحكامة شهد تحركات في الجغرافية والتاريخ‪ ،‬وفي كل مرة كان‬
‫يكتسي حلة مغايرة‪ ،‬ففي أوربا حيث أصوله يونانية ارتبط بممارسة السلطة والفكر السياسي‪ ،‬وفي الواليات‬
‫المتحدة األمريكية ارتبط بالتدبير واالقتصاد‪ ،‬أما في النق لة األخيرة ف إن مفهوم الحكامة تبلور وتعمم في شكل‬
‫معايير دولية لتحقيق االندماج العالمي ومجابهة التحديات المشتركة بين عالم متقدم وآخر يعيش على الهامش‪.12‬‬
‫فمادا نقصد بالحكامة األمنية؟‬
‫لقد عرف ‪ Barry Buzan‬األمن بأنه "العمل على التحرر من التهديد"‪ ،‬وفي سياق النظام الدولي‬
‫فهو "قدرة المجتمعات والدول على الحف اظ على كيانها المستق ل‪ ،‬وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير‪ 13‬التي‬
‫تعتبرها معادية" كما أن األمن يمكن فقط أن يكون نسبياً وال يمكن أن يكون مطلق اً‪ ،‬وقد ميز ‪Barry‬‬
‫‪ Buzan‬خمس أبعاد أساسية لألمن‪:‬‬
‫‪ ‬األمن العسكري‪ :‬ويخص المستويين المتف اعلين للهجوم المسلح والقدرات الدف اعية‪ ،‬وكذلك‬
‫مدركات الدول لنوايا بعضها‪.‬‬
‫‪ ‬األمن السياسي‪ :‬ويعني االستقرار التنظيمي للدول‪ ،‬ونظم الحكومات واأليديولوجيات التي‬
‫تستمد منها شرعيتها‪.‬‬
‫‪ ‬األمن االقتصادي‪ :‬ويخص الموارد المالية واألسواق الضرورية للحف اظ بشكل دائم على‬
‫مستويات مقبولة من الرف اهة وقوة الدولة‪.‬‬
‫‪ ‬األمن االجتماعي‪ :‬ويخص قدرة المجتمعات على إعادة انتاج أنماط خصوصيتها في اللغة والثق افة‬
‫والهوية الوطنية والدينية والعادات والتق اليد في إطار شروط مقبولة لتطورها‪.‬‬

‫‪8‬سلوى شعراوي وأخرون‪ " :‬اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع"‪ ،‬مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر‪ ،‬مطبعة القاهرة‪ ،‬طبعة ‪ ،1002‬ص‪.2،‬‬
‫‪9‬محمد غريب‪" :‬مفهوم احلمك الصاحل بني مثالية اخلطاب ادلويل وإاكراهات ادلوةل يف اجلنوب"‪ ،‬منشورات اجملةل املغربية للتدقيق والتمنية‪ ،‬سلسةل التدبري الاسرتاتيجي العدد اخلامس‪ ،1002 ،‬ص‪.22‬‬
‫‪10‬رش يد لبكر‪ ":‬اعداد الرتاب الوطين ورهان التمنية اجلهوية"‪ ،‬منشورات عاكظ‪ ،‬الرابط‪ .1001 ،‬ص‪.21‬‬
‫‪11‬محمد قامس‪ ":‬الإصالح الإداري بني النظرية والتطبيق"‪ ،‬دار وائل للنرش‪ ،‬عامن‪ ،1022 ،‬ص‪.23‬‬
‫‪12‬صالح سامل‪ ":‬جتدد القيادة والتمنية يف الوطن العريب"‪ ،‬مركز دراسات وحبوث ادلول النامية‪ ،‬القاهرة‪ ،1002 ،‬ص‪.12‬‬
‫‪13‬جامل خلوق‪ ":‬الخالقيات و رجل السلطة ‪ :‬مقاربة يف البعاد الخالقية ملامرسة همام السلطة ابملغرب" الرشكة املغربية لتوزيع الكتاب‪ ،‬ادلار البياا‪ 1023 ،،‬ص‪.203‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫‪ ‬األمن البييي‪ :‬ويتعلق بالمحافظة على المحيط الحيوي المحلي أو الكوني كعامل أساسي تتوقف‬
‫عليه كل األنشطة اإلنسانية‪.‬‬
‫لكن الفرنسي ‪ Dario Battistella‬يرى في تعريف بوزان تبسيطاً لمعنى تعريف ‪Arnold‬‬
‫‪ Wolfers‬لعام ‪ ،4191‬الذي نال نوعاً من اإلجماع بين الدارسين‪ ،‬وهو يرى أن "األمن موضوعياً يرتبط بغياب‬
‫التهديدات ضد القيم المركزية وبمعنى ذاتي‪ ،‬فهو غياب الخوف من أن تكون تلك القيم محور هجوم" و‬
‫تتمثل ب " بق اء الدولة‪ ،‬االستق الل الوطني‪ ،‬الوحدة الترابية‪ ،‬الرف اهة االقتصادي‪ ،‬الهوية الثق افية‪ ،‬الحريات‬
‫األساسية"‪.‬‬
‫اما المقصود بالحكامة األمنية في هذا المق ام‪ ،‬فهي الحكامة األمنية الجيدة‪ ،‬التي تحول المرفق من أداة‬
‫هيمنة ‪ ،‬إلى مؤسسة في خدمة الجميع باسم الق انون وتأسيسا على الشرعية‪ ،‬كما تعرف الحكامة االمنية بأنها ذلك‬
‫المسلسل الديمقراطي في اتخاذ القرار و التنسيق و المساءلة الجماعية ‪،‬و الذي يتم إقراره من قبل الشرطة‬
‫والمؤسسات السياسية و المجتمع المدني بهدف تدبير فعال لألمن‪.14‬‬
‫يتبين إدن أن الحكامة األمنية ال تكتمل إال بتكامل عمل الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص‬
‫والمجتمع المدني وتكريس ثق افة الحكامة بالمشاركة والمحاسبة‪ ،‬فبفضل الديمقراطية التي تعمل بالمساءلة‬
‫السياسية واإلدارية للمسؤولين عن سوء تأديتهم لوظائفهم وإدارتهم للموارد العامة وحماية الشأن العام من‬
‫التعسف واستغالل السياسيين لمواقعهم وحماية الملك الخاص من االعتداء لضمان حياة كريمة لإلنسان والمواطن‬
‫والجماعات داخل الدولة يتم ضمان استمرارية دولة الحق والق انون‪.‬‬
‫وبخالف العديد من الدول العربية التي لم تطرح فيها إشكالية الحكامة األمنية‪ 15‬إال بعيد حراك الربيع‬
‫العربي‪ ،‬كمصر وتونس وليبيا وغيرها‪ ،‬عملت المملكة المغربية في استراتيجياتها على تنزيل نموذج يحتذى به‬
‫بعيدا عن أي توترات سياسية أو أمنية ‪ ،‬وقد تم التأسيس لهذا النموذج مند‬ ‫‪16‬‬
‫في مجال الحكامة األمنية‬
‫الخطاب الملكي السامي الذي الق اه جاللة الملك محمد السادس بالدار البيضاء بتاريخ ‪ 41‬أكتوبر ‪ 4111‬أمام‬
‫مسؤولي الواليات والعماالت واألق اليم حول اعتماد مفهوم جديد للسلطة حيث ق ال جاللته ‪ " :‬ونريد في هذه‬
‫المناسبة أن نعرض لمفهوم جديد للسلطة وما يرتبط بها ‪ ،‬مبني على رعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية‬
‫والحريات الفردية والجماعية وعلى السهر على األمن واالستقرار وتدبير الشأن المحلي والمحافظة على السلم‬
‫االجتماعي وهي مسؤولية ال يمكن النهوض بها داخل المكاتب اإلدارية التي يجب أن تكون مفتوحة في وجه‬
‫المواطنين ولكن تتطلب احتكاك مباشرا بهم ومالمسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان وإشراكهم في إيجاد‬
‫الحلول المناسبة والمالئمة "‪.17‬‬

‫‪14‬دانيال اكومفان ‪":‬اخلرافات واحلقائق املرتبطة ابإدارة احلمك والفساد" مضن املشاريع ادلولية ملاكحفة الفساد وادلعوة ل إالصالح الس يايس والاقتصادي يف القطار العربية املنظمة العربية ملاكحفة الفساد‬
‫‪، 1005‬ص‪. 23.‬‬
‫‪15‬حسن الطوالبة‪" :‬نظام المن امجلاعي بني النظرية والتطبيق" ‪،‬عامل الكتب ‪.‬احلديث ‪،‬اربد‪،1003 ،‬ص‪.13‬‬
‫‪16‬عيل عباس مراد ‪ ":‬مشالكت المن القويم" ‪،‬العدد ‪، 20‬مركز المارات لدلراسات والبحوث الاسرتاتيجية‪ .‬ص‪.21‬‬
‫‪17‬عبد العزيز أرشيق ‪ ":‬احلاكمة اجليدة – ادلولية – الوطنية وامجلاعية ومتطلبات الإدارة املواطنة "‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬ادلار البياا‪ ،،‬الطبعة الوىل ‪ 1002‬ص‪. 2‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫تلته مبادرات أخرى كانت بمثابة إشارة قوية على أنه ال محيد على تطبيق حكامة أمنية واعدة‬
‫بالمغرب أساسها التأطير الق انوني والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق اإلنسان ‪ ،‬ولعل أهم هذه المبادرات‬
‫التي نادى بها كذلك جاللته كانت بمناسبة الذكرى ‪ 94‬لإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة ‪ 1222‬حيث جاء‬
‫فيها ‪ " :‬ما فتينا ندعو منذ تولينا عرش أسالفنا المنعمين بالتزامنا باحترام حقوق اإلنسان وضمان الحريات الفردية‬
‫والجماعية في إطار دولة الحق والق انون‪ ،‬ومالبتنا أن دعونا الى مفهوم جديد للسلطة تكون في خدمة المواطن‬
‫قريبة من همومه وحاجياته في عالقة ال تربطها الرغبة أو الرهبة ولكن االحترام المتبادل والمتكامل بين الحاكمين‬
‫والمحكومين "‪.‬‬
‫هذا وقد تلت هاتين المحطتين محطة ثالثة تتعلق بهيية اإلنصاف والمصالحة التي دعت في توصياتها‬
‫الى ضرورة تبني حكامة امنية رشيدة كفيلة بإعطاء ضمانات إيجابية لألفراد ضدا عن التجاوزات التي عرفتها‬
‫المرحلة سابق ا‪.‬‬
‫ومن تم أصبحت الحكامة األمنية تشكل رهانا حقيقيا لدى الدولة المغربية حيث أصبحت تتعاطى معها‬
‫في إطار مبادئ كونية وق انونية تسعى من خاللها الى تعزيز وتحصين المسار الديمقراطي للمملكة التي رتبت‬
‫أولوياته في حماية حقوق اإلنسان واحترامها من خالل ضمانات دولة مغربية جعلت شعارها الحق والق انون وااللتزام‬
‫بمفهوم جديد للسلطة كفيل باحتضان مبادئ حكامة أمنية جيدة‪.‬‬
‫ومن بين العوامل التي مهدت لفتح نق اش عمومي غير مسبوق حول الحكامة األمنية بالمغرب في اآلونة‬
‫ورغبة الدولة األكيدة في التطور والنماء وتجاوز‬ ‫‪18‬‬
‫األخيرة ‪ ،‬هو انفتاح المغرب على محيطه الدولي واإلق ليمي‬
‫مخلف ات الماضي ‪ ،‬وكذا االجماع الوطني واقتناع جميع الف اعلين وإيمانهم بأن " األمن " أصبح حق ا من حقوق‬
‫اإلنسان األساسية‪ ،‬ومن المحددات االساسية في مجال التنمية اإلنسانية الشاملة ‪ ،‬خاصة و أن النظريات االقتصادية‬
‫المعاصرة جد مقتنعة بالعالقة الجدلية بين األمن والتنمية ‪ ،‬إذ ال يمكن تصور تحقيق أية تنمية بال أمن وال أمن‬
‫بدون تنمية ‪ ،‬ولهذا السبب بالذات أصبح الشأن األمني في صلب االنشغاالت االجتماعية خاصة مع تطور حقوق‬
‫اإلنسان التي جعلت من الفرد محور اهتماماتها‪.19‬‬
‫الفقرة االولى ‪:‬ماهية الحكامة االمنية‬

‫مما ال شك فيه‪ ،‬أن مكونات وهياكل ومهام وكذلك أهداف االجهزة األمنية‪ ،‬قد تختلف بحسب تصورنا‬
‫وإدراكنا لمفهوم "األمن ذاته"‪ ،‬فهو كمفهوم يصعب تحديده‪ ،‬وإعطاء معنى محدد وشامل له‪ ،‬ولو من الناحية‬
‫النظرية‪ ،‬وهذا راجع إلى تعدد استعماالت هذه العبارة وما أصبحت تحمله من معان في قطاعات متباينة‪ ،‬إذ إن‬
‫الحديث عن األمن قد ينتق ل بنا من أمن المجتمع أو الدولة إلى أمن األشخاص أو األمن الفردي‪ ،‬ومن األمن‬
‫الخارجي والدف اع الخارجي إلى األمن الداخلي‪ ،‬ومن األمن الغذائي أو الصحي أو البييي إلى األمن الحضاري أو‬
‫الثق افي أو اإلعالمي ‪..‬‬

‫‪18‬منري شفيق ‪":‬النظام ادلويل اجلديد وخيار املواهجة "‪،‬النارش للطباعة والنرش والتوزيع‪2225 ،‬ص‪.71‬‬
‫‪19‬حسن طارق‪ ":‬هيئات احلاكمة يف ادلس تور‪ ،‬الس ياق‪ -‬البنيات‪ -‬الوظائف"‪ ،‬اجملةل املغربية ل إالدارة احمللية والتمنية‪ ،‬سلسةل مؤلفات وأعامل جامعية‪ ،1025 ،‬العدد‪. 2‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫وبصفة عامة‪ ،‬يبقى اإلنسان من إشباع حاجاته الغريزية التأمين على حياته ومعيشته‪ ،‬ثم يسعى الى البحث‬
‫عن حاجيات أسرته ‪،‬وعليه ف إن أمن الفرد‪ ،‬هو أساس أمن أسرته‪ ،‬التي هي النواة األساسية ألمن المجتمع‪ ،‬وبالتالي‬
‫أمن الدولة‪.‬‬
‫فتحقيق أمن "االستقرار" رهين بتحقيق أمن تراتبية طبق ات المجتمع‪ ،‬وقد ظهر مفهوم األمن الوطني‪،‬‬
‫الذي يطلق عليه‪ ،‬حاليا تسمية األمن القومي "كفكر"‪ ،‬مع معاهدة "وستف اليا"‪ ،‬التي وضعت حدا لحرب استمرت‬
‫زهاء ثالثين سنة بين الدول الموالية للكنيسة والمدافعة عن بق اء الدول تحت لوائما ‪ ،‬والدول التي تنادي‬
‫بالحرية الدينية واالستق الل عن نفوذ الكنيسة‪.‬‬
‫كما ورد مصطلح األمن القومي في فرنسا أواخر عهد الملك لويس الرابع عشر الذي حكم من ‪- 4149‬‬
‫‪ ، 4411‬واستهدف‪ ،‬في أبسط معانيه‪" ،‬منع الجار من أن يكون قويا جدا"‪ ،‬ليس فقط التق اء شره‪ ،‬فحسب وإنما‬
‫صيانة للنفس وصيانة للجيران األخرين‪ ،‬كما أن إمبراطورة روسيا "كاثرين الثانية" وضعت مبدأ عدم قبول دولة‬
‫قوية على حدود روسيا الجنوبية‪ ،‬وال يزال المبدأ أحد عناصر اإلدراك المباشر لألمن القومي الروسي حتى الوقت‬
‫الحاضر‪.‬‬
‫أما مفهوم األمن كمصطلح سياسي له تنظيمه المؤسساتي‪ ،‬فقد ارتبط ظهوره بصدور ق انون األمن‬
‫األمريكي لعام ‪ ،4111‬ومنذ ذلك التاريخ بدأ تداول المصطلح في أدبيات مختلف األمم‪.‬‬
‫ويقول األكاديمي األمريكي "باري بوزان " المهتم بشؤون األمن األمريكي يبقى هذا المفهوم عصيا‬
‫على الصياغة الدقيقة‪ ،‬بحيث يكتنفه الغموض لدى تعريفه‪ ،‬لكنه يبقى بالغ الداللة‪ ،‬ألن غياب التحديد الدقيق‪،‬‬
‫يوفر لنخبة السياسية والعسكرية هامشا واسعا للتنظير اإلستراتيجي والستخدام القوة‪ .‬ويعرف األمن بأنه "العمل‬
‫على التحرر من التهديد‪ ،‬وفي سياق النظام الدولي فهي قدرة الدولة والمجتمعات على الحف اظ على كيانها‬
‫المستق ل وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية‪ ،‬أما األمن القومي فهو قدرة الدولة على‬
‫الحف اظ على هويتها المستق لة ووحدتها الوظيفية‪.‬‬
‫و ينظر إلى االمن كمفهوم استراتيجي في العالق ات الدولية على "أن ال أحد آمن بالكامل‪ ،‬وال يمكنه أن‬
‫يكون كذلك‪ ،‬ف الحوادث ممكنة والموارد قد تصبح شحيحة‪ ،‬وقد يفقد الناس عملهم وتبدأ الحروب"‪ .‬واألكيد‬
‫هو الحاجة إلى اإلحساس باألمن باعتباره قيمة إنسانية أساسية‪ ،‬وشرطا مسبق ا لنتمكن من العيش بشكل محترم‪.‬‬
‫في حين تعرف دائرة المعارف البريطانية‪ ،‬األمن القومي بأنه حماية األمن من خطر القهر‪ ،‬على يد قوة‬
‫أجنبية‪ ،‬وتعرفه دائرة معارف العلوم االجتماعية بأنه "قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديدات‬
‫الخارجية"‪.‬‬
‫أما تعريف أرنولد ولفيرز ‪ Wolfers‬فيقول بأن "األمن الوطني يعني حماية القيم‪ ،‬التي سبق‬
‫اكتسابها‪ ،‬وهو يزيد وينقص حسب قدرة الدولة على ردع هجوم‪ ،‬أو التغلب عليه"‪ ،‬غير أن المفهوم الجوهري‬
‫لألمن يضل دائما هو عدم الخوف واإلحساس بالطمأنينة واالستقرار‪ ،‬أما المفهوم الشكلي لألمن فيضل يرتبط ‪،‬‬
‫ببعض العناصر المتغيرة‪ ،‬موضوع اختالف أو اتف اق‪ ،‬وفق ا للمتغيرات االجتماعية ‪،‬االقتصادية والسياسية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫في حين يرى لورنس کروز ‪ Lorenz Cruz‬أن األمن هو "غياب التهديد بالحرمان الشديد من‬
‫الرف اهية االقتصادية ‪ .‬أما تعريف مركز الدراسات االستراتيجية للقوات المسلحة المصرية‪ ،‬فيعرفه بأنه عملية‬
‫"محلية مركبة‪ ،‬تحدد قدرة الدولة على تنمية إمكانياتها وحماية قدراتها على كافة المستويات‪ ،‬وفي شتى‬
‫المجاالت‪ ،‬من األخطار الداخلية والخارجية‪ ،‬من خالل كافة الوسائل المتاحة‪ ،‬والسياسات الموضوعة بهدف تطوير‬
‫نواحي القوة‪ ،‬وتطويق جوانب الضعف في الكيان السياسي واالجتماعي للدولة‪ ،‬في إطار ف لسفة قومية شاملة‪،‬‬
‫تأخذ في اعتبارها كل المتغيرات الداخلية واإلق ليمية والدولية‪.‬‬
‫نستشف مما سبق أن ايجاد تعريف جامع مانع للحكامة االمنية‪ 20‬يقتضي اوال تحديد مفهوم االمن بشكل‬
‫دقيق ومحاولة فهم المق اربات االمنية السائدة‪ ،‬حتى يتسنى لنا تحديد مفهوم الحكامة في عالقتها بالشأن االمني‬
‫بشكل موضوعي ‪.‬‬

‫اوال ‪ :‬دالالت مفهوم االمن‬


‫قبل الدخول في التعريف ات اللغوية واإلجرائية لمفه وم األم ن ‪ ،‬يجب أن نعل م أن األم ن ه و اح د‬
‫الحاج ات األساسية لإلن سان والت ي ال ي ستطيع الع يش بدونها‪ ،‬فهي ال تق ل أهمية عن الطعام والشراب بل قد‬
‫تتفوق عليهما ف ي كثي ر م ن األحيان ألن اإلن سان ال يهن ئ بلقم ة الع يش دون أن تت وفر ل ه أج واء أالم ان‬
‫والطمأنينة لتناوله ا ‪ ،‬وق د وج د اإلن سان نف سه من ذ البوم األول لحيات ه بأن ه بحاج ه إل ى األم ن واألم ان وذل ك ألن‬
‫حيات ه كان ت وم ا ت زال حاف ل ة بالتحديات المختلف ة التي تهدد كيانه ووجوده ‪ .‬وهو كذلك على مستوى األم م‬
‫وال شعوب كم ا ه و حال ه عل ى م ستوى الف رد‪ ،‬فه و م سألة هام ة ورئيسية ف ي حي اة ال دول وال شعوب واألف راد‬
‫والمؤس سات عل ى ح د سواء‪ ،‬ولما كان هو نقيض الخوف كان لزاماً على كافه األط راف والجه ات العم ل واتباع‬
‫كاف ة ال سبل للمحافظ ة علي ه لم ا ل ه م ن أهمية ق صوى ف ي الحف اظ عل ى مق درات األم م وال شعوب ف ي جمي ع‬
‫مج االت حياته ا ال سياسية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬والثق افية‪،‬‬
‫ف انع دام األم ن يعن ي فن اء األم ة ومكت سباتها وبالتالي القضاء على كيانها واختف اءها من ق ائمة‬
‫الوج ود ب سبب م ا س وف ي صيبها من فوضى تؤدي إلى التفكك واالنهيار ثم الفناء‪.‬‬
‫وال ب د لك ل أم ة م ن األم م أو مجتم ع م ن المجتمع ات أن يواجه األخط ار‪ ،‬وه ذه االخيرة تتف اوت‬
‫وتتب اين ف ي أنواعه ا وأه دافها وح دتها‪ .‬ل ذا احت ل مفه وم األم ن األولوية األول ى ف ي سياسات ال دول‬
‫ومن أجل تحقق ذلك‬ ‫‪21‬‬
‫ي ووس ائل متع ددة للمحافظ ة على استراتيجياتها‪.‬‬
‫وتفكيره ا واحت ل موق ع ال صدارة ف ً‬
‫ار‪ ،‬داخلية نابعة من الدول ة ذاته ا أوقد‬
‫اتبع ت األم م س بال و وسائل على مقدار ونوع م ا يته ددها م ن أخط ً‬
‫تكون مخاطر خارجية دولية واسعة النطاق بعيدة المدى ‪.‬‬
‫ي مصدر الفع ل أم ن أمن ا‬
‫أم ا تعريف "األم ن" م ن الناحية اللغوية ‪ ،‬فه و نق يض "الخ وف" وه ي تعن ً‬
‫وأمان ا وأمن ة ‪:‬أي "السالمة"‪ ،‬وكلمه "األمن " لغة النفس وسكون الق لب وزوال الخوف ‪ ،‬ويق ال ‪ :‬أمن من الشر أي‬

‫‪20‬رضوان اجملديق‪ " :‬احلاكمة اجليدة ابملغرب "‪ ،‬طوب بريس‪ ،‬الرابط‪ ،‬الطبعة الوىل‪ ،1023 ،‬ص ‪.252‬‬
‫‪21‬سلوى شعراوي وأخرون‪ " :‬اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع"‪ ،‬مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر‪ ،‬مطبعة القاهرة‪ ،‬طبعة ‪ ،1002‬ص‪32‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫سلم من ه ‪،‬وك ذلك يق ال ‪ ،‬أم ن ف الن عل ى ك ذا أي وث ق ب ه وجعل ه أمين ا علي ه ‪،‬وه ي هن ا تعن ي االطمينان بان‬
‫الشيء في حرز وحماية من الخطر ‪.‬‬
‫وق د وردت كلم ه األم ن ف ي مواض ع كثي رة ف ي الق ران الكريم ‪ ،‬أبرزه ا قول ه تع الى ‪":‬ال ذي‬
‫أطعمه م م ن ج وع وآم نهم م ن خ وف "‪ ،22‬وكذلك قوله تعالى "ادخلوها بسالم آمنين" ‪23‬أم ا المعن ى االص طالحي‬
‫لألم ن فه و‪ :‬ذل ك الظ رف ال ضروري لنم و الحي اة االجتماعية وازدهاره ا وه و ال شرط األساس ي لنج اح أي وج ه م ن‬
‫أوج ه الن شاط الب شري ‪ ،‬ب ل أن ه م ن ال زم الضروريات لحف ظ كي ان الدولة وتأكيد استق اللها‪.24‬‬
‫وقد عرفت دائرة المعارف البريطانية األمن بأنه‪ ":‬حماي ة األم ة م ن خط ر القه ر على يد قوة أجنبية ‪".‬‬
‫أما "هنري كيسنجر" فقد عرفة بأنه "أي تصرف ات يسعى المجتم ع ع ن طريقه ا إل ى حف ظ حق ه ف ي البق اء" ‪.‬و‬
‫أعتبر "ماكنم ار" وه و اب رز م ن نظ ر لمفه وم "األم ن " وربط ه م ع التنمية بعالق ة ترابطية ع ضوية حي ث ق ال‪ ":‬إن‬
‫األم ن يعن ي التط ور والتنمية س واء منه ا االقتصادية االجتماعية او ال سياسية ف ي ظ ل حماي ة م ضمونة"‪ ،‬وأضاف‬
‫‪":‬إن األم ن الحقيقي للدول ة ينب ع م ن معرفته ا العميق ة للم صادر الت ي ته دد مختل ف ق دراتها ومواجهته ا إلعط اء‬
‫ولع ل ه ذا‬ ‫‪25‬‬
‫الفرص ة لتنمية تل ك الق درات تنمية حقيقية في كافة المجاالت سواء في الحاضر او المستقبل‬
‫التعريف يك ون أكث ر ص الحية لمفه وم "األم ن ال وطني – الق ومي" للدول ة ‪ ،26‬وق د ق سم بع ض الباحثين مفهوم‬
‫األم ن إل ى نوعان أو شكلين هم ا‪: 27‬‬
‫‪ -‬األم ن ال سلبي ‪ :‬وال ذي يعن ي قي ام اإلن سان باتق اء ال شر‪ ،‬وه و ام ن اإلن سان الن اتج م ن الخ وف‬
‫م ن الع دوان والظل م والفق ر والجه ل والم رض‪..،‬‬
‫‪ -‬أم ا الجان ب األخ ر فه و األم ن اإليجابي ‪ :‬وال ذي يتمث ل ف ي س عي الم رء الم ستمر والمتواص ل‬
‫للح صول عل ى حقوق ه وتحسين أحوال ه وتأمين م ستقبله‪.‬‬
‫عل ى أن الشكلين مت صالن ات صاال وثيق ا ‪ ،‬فهم ا وجه ان لعمل ه واح دة‪ ،‬وغايتهما واح دة وه ي الع يش‬
‫بسعادة وامن وسالم‪ ،‬ويقسم األمن من وجهه نظر موضوعية إلى قسمين هما ‪:‬‬
‫‪ -‬األمن العام "الشامل" ‪:‬ويشمل كاف ه ف روع ومن احي الحي اة مث ل األم ن االقت صادي ‪،‬االجتماعي‬
‫‪،‬السياسي ‪،‬الثق افي ‪،‬اإلعالمي والعسكري‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪ -‬األم ن الخ اص ‪ :‬وه و المعن ي بعل وم األم ن ‪ ،‬وي شمل ام ن األف راد وام ن المعلومات وامن‬
‫المكان وامن المؤتمرات ‪...‬الخ ‪. 28‬‬
‫أما من الناحية الجغرافية ف أن األمن يقسم إلى األقسام التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬األمن القومي الوطني‪ :‬هو المعني بالدرجة األولى بأمن الدولة‪.‬‬
‫‪22‬قريش ‪٤‬‬
‫‪23‬احلجر ‪"٤٤‬‬
‫‪24‬عبد الباري درة‪ ":‬الساس يات يف الإدارة املعارصة"‪ ،‬دار وائل للنرش‪ ،‬الردن الطبعة الثانية‪،2012 ،‬ص‪.21‬‬
‫‪25‬رضوان اجملديق‪ ":‬احلاكمة اجليدة ابملغرب"‪ ،‬طوب بريس‪ ،‬الرابط‪ ،‬الطبعة الوىل‪ 2013،‬ص‪. 23‬‬
‫‪26‬فايز محمد ادلويري‪ " :‬المن الوطين "‪ ،‬دار وائل للنرش‪ ،‬الطبعة ‪ ،1023‬ص‪. 53‬‬
‫‪27‬فايز محمد ادلويري‪ ":‬المن الوطين"‪ ،‬دار وائل للنرش‪ ،‬الطبعة‪ ، 2013 .‬ص‪. 17‬‬
‫‪28‬سلوى شعراوي وأخرون‪ " :‬اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع"‪ ،‬مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر‪ ،‬مطبعة القاهرة‪ ،‬طبعة ‪ ،1002‬ص‪،22‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫‪ -‬األمن اإلق ليمي‪ :‬وهو األمن المشترك لمجموعة من الدول‪.‬‬


‫‪ -‬األم ن ال دولي ‪ :‬وه و أم ن الع الم كل ه ‪ ،‬وأص بح الي وم يع رف ب األمن اإلن ساني المشترك الذي‬
‫يتحدث باسم اإلنسانية جمعاء‪ .‬وال شك أن األم ن ه و طمأنينة اإلن سان عل ى ك ل م ا يمل ك م ن نف س‬
‫وم ال ومت اع وع رض ‪ ،‬وانتف اء الخ وف واألم ن واألم ان ب سبب ت وفر مقوم ات وأس باب وظ روف‬
‫ت ساعد عل ى ذل ك " ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مسار تطور مفهوم االمن الوطني‬
‫أم ا فيم ا يتعل ق بم صطلح "األم ن ال وطني "‪ ،‬فكلم ة "وطن ي" ه ي ص فة لألم ن‪ ،‬وذل ك لك ي يتح دد‬
‫ان ‪ ،‬اإلن سان ومق ره"‪ ،‬وي صبح البق اء ف ي المك ان ه و‬
‫بال شكل المطل وب التط رق إلي ه‪ .‬وال وطن لغ ة ه و "مك ً‬
‫اس تيطان ل ه‪ ،‬واتخ اذه موطن ا ‪ ،‬وب ذلك يك ون مفه وم "األم ن ال وطني" لغوي اً‪ :‬س المة المك ان‪ ،‬أي أن ه‬
‫المك ان‪29‬الذي ي ستقر في ه جم ع م ن الن اس‪ ،‬ف ي س الم م ن دون خ وف‪ ،‬وبه ذا ي صبح مفه وم األمن الوطني‬
‫معناه هو "كل ما يبعد األخطار عن مكان وسبل العيش ‪".‬ولعل من المناسب هنا أن نتطرق إلى ما قد يسببه‬
‫فقدان هذا العن صر م ن أثار سلبية على الفرد والمجتمع ت ؤدي إل ى دم اره وهالك ه وضياعه‪ ،‬ف الخوف ي ؤدي‬
‫إلى نتيجتين يجب االنتباة لهما وهما‪: 30‬‬
‫لبي بأخذ وال بعطي ‪ ،‬ليس له دور أو‬
‫أ ‪ :‬االنط واء واالنع زال ع ن المجتم ع يح ول اإلن سان إل ى مخل وق س ّ‬
‫إسهام في رقي وتقدم بالده ال يأبه لمشاكل أمت ه ال يكت رث بم ا يح صل له ا ‪ ،‬مم ا يحول ه الى عبء ول يس عون ا‬
‫نافع ا خادما لها يسهم في رفعتها وتقدمها ‪ .‬إن ش عور اإلن سان ب الخوف يدفع ه إل ى اس تخدام الق وة وال سعي‬
‫المتالكه ا حماي ة لم صالحة أو طمعا بغيره من الدول وبما تملكه من الخيرات وقد شهدت البشرية كما هائال م ن‬
‫الح روب ي دل عل ى إن سمة الصراع كانت هي المميز الرئيسي لحياة الدول وال شعوب حي ث يق در ع دد الح روب‬
‫والنزاع ات الت ي وقعت منذ ظهور الحضارات البشرية بً‪ 41922‬حرب ا كبي رة وص غيرة ‪،‬هل ك فيه ا‪ 49.1‬ملي ار‬
‫إن سان ‪ ،‬ول م ت نعم البشرية به دوء طيل ة تاريخه ا الطوي ل س وى ب ‪ 414‬س نة فق ط‪ .‬يق در ع دد ال ذين هلك وا ف ي‬
‫الق رون الماضية وفق ما يلي ‪1.1:‬مليون إنسان في القرن السابع عشر‪1,9،‬مليون إنسان في القرن الثامن عشر ‪.‬‬
‫‪ 9 ,9‬مليون إنسان في القرن التاسع عشر ‪.‬‬
‫ب‪ :‬اله روب والهج رة م ن ال وطن‪ ،‬وه ذا يعن ي حرم ان األم ة وال وطن م ن جه د وفكر وعمل ونشاط‬
‫الفرد الذي قد يساهم في رفعة شأن ب الده وتق دمها ‪ ،‬و يتح ول إلى عنصر نافع لبلد أخر قد ال تربطه به صلة‬
‫عرقيه ‪ ،‬ديني ة ‪ ،‬قومية ‪،‬أو حت ى ثق افية‪.31‬‬
‫اما المعن ى اللغ وي لم صطلح "األم ن ال وطني" ‪ ،‬يقودن ا إل ى غي ر بعي د م ن توض يح معن ى م صطلح‬
‫"األم ن الق ومي" ‪ ،‬فكم ا ه و أم ن اإلن سان الف رد ض روري لبق ائ ه واس تمراره وتط وره وتقدم ه فه و ك ذلك‬
‫أس اس التنمي ة والتق دم والرق ي لل دول والمجتمعات‪ . 32‬إن مصطلح "األمن الوطني" هو مصطلح سياس ي ح ديث‬

‫‪29‬حـسن عبـد هللا العايـد ‪":‬دور الثقافـة فـي التمنيـة والمـن مـا بعـد العوملـة" ‪،‬مـؤمتر التمنيـة والمـن فـي الوطن العريب ‪،‬أاكدميية انيف العربية للعلوم المنية ‪،‬الرايض ‪ ،1002‬ص‪.37‬‬
‫‪30‬صاحل بن سعد املربع‪ " :‬القيادة الاسرتاتيجية ودورها يف تطوير الثقافة التنظميية ابلهجزة المنية" ‪ ،‬جامعة انيف العربية للعلوم المنية‪ ،‬الرايض‪ ،‬الطبعة الوىل‪،2012،‬ص‪.72‬‬
‫‪31‬عيل عباس مراد‪" :‬مشالكت المن القويم" ‪،‬العدد ‪، 20‬مركز المارات لدلراسات والبحوث الاسرتاتيجية‪،‬ص‪. 13‬‬
‫‪ 32‬عطا زهرة‪ " :‬يف المن القويم" ‪ ،‬ص‪. 27‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫ن سبيا حي ث ظه ر مع بداية والدة الدول ة القومية ف ي أوروب ا أي بع د معاه دة وس تف اليا ‪،‬الت ي بموجبه ا تغي ر‬
‫ش كل النظ ام ال دولي وب داية حقب ة جدي دة م ن حي اة الع الم ‪.‬‬
‫بعض الدول‪ ،‬يتماث ل ل ديها المفه وم اللغ وي للفظ ي "وطن ي"‪ ،‬و"ق ومي"‪ ،‬فتطل ق اس م األم ن الق ومي‪،‬‬
‫عل ى أمن الدولة‪ ،‬وأمن مجموعة دول كذلك‪ ،‬من دون تفرقة‪ .‬ف ال يعن ي ل ديها األم ن الق ومي أي م دلول عل ى‬
‫ي تخ ص "ب األمن ال وطني" مفهومه ا ألم ن‬
‫قومية ب ذاتها‪ .‬ببنما تف ضل دول أخ رى الف صل ب ين التسميتين‪ ،‬فه ّ‬
‫نف سها ٕ "الدول ة" واجراءاته ا للحف اظ عل ى كيانه ا وم صالحها‪ ،33‬ف ي ح دود م ا ت سمح ب ه ق دراتها‪ .‬بينم ا تعن ي‬
‫"ب األمن القومي" أمن مجموعة من الدول‪ ،‬ذات مصلحة مشتركة‪ ،‬وما تنفذه من معاهدات وتنظيمات لوق اي ة‬
‫م صالحها المشتركة‪ ،‬حماية لها ض د الغي ر‪ .‬وف ي ك ال المفهومين‪ ،‬ف إن مراع اة المتغيرات الخارجية الدولية‬
‫واإلق ليمية تكون محل االعتبار‪.‬‬
‫وي ضيف بع ض الدارسين تحل يال جوهري ا‪ ،‬للتفري ق ب ين األم ن ال وطني‪ .‬واألم ن الق ومي‪ ،‬فيعن ي األول‬
‫األم ن ال وطني‪ ،‬ف ي مفهوم ه دول ة واح دة‪ ،‬بينم ا يعن ي المفه وم الث اني األم ن الق ومي لع دة دول م شتركة ف ي‬
‫صفة أو مصلحة ‪.34‬‬
‫بظه ور فك ر التن وير وبداي ة النه ضة العلمي ة وال صناعية ف ي أوروب ا ‪ ،‬و الظ روف ال سياسية واألمنية‬
‫الت ي عاش تها أوروب ا تف سر لن ا س بب ظه ور ه ذا الم صطلح ‪،‬وك ذلك ف ان رغب ة ك ل دول ة ف ي الحف اظ عل ى‬
‫جغرافيته ا وس كانها ومق دراتها الوطنية وخوفه ا الكبي ر م ن جيرانها ه و م ا ع زز مفه وم األم ن ال قومي وزداد‬
‫تطورا وانتعاشا ‪.‬أما االستخدام الرسمي لمصطلح األمن الوطني فكان في نهاية الحرب العالمية الثانية ع ام‪4111‬‬
‫‪ ،‬عن دما أن شأ األمريكيون هيي ة رس مية‪ ،‬س ميت "مجل س األم ن الوطني األمريكي" وال ذي اس ند ل ه بح ث كاف ة‬
‫األم ور واألح داث‪ ،‬الت ي تم س كي ان األمة األمريكية‪ ،‬وتهدد أمنها ‪.‬‬
‫أم ا األم ن ال وطني م ن حي ث التعريف فق د تع ددت وتنوع ت التعريف ات الت ي قدمت فيه وذلك‬
‫باختالف الباحث من حيث الثق افة والبيية والزاوية الت ي نظ ر منه ا له ذا المفه وم وك ذلك م ن حي ث الخلفية‬
‫األكاديمية والخب رة العملي ة ‪،‬حي ث نج د تعريف األش خاص ال ذين عمل وا ويعمل وا ف ي مج ال األم ن وم ا يتبع ه‬
‫م ن مواف ق يختلف ع ن تعريف الباح ث األكاديمي ال ذي ل يس ل ه عالق ة عملية ب األمن ‪،‬ولك ن يب دو أن القواس م‬
‫الم شتركة أيضا تجم ع الجميع وتجب رهم عل ى االلتق اء عن د نقط ة واحدة ف ي أفك ارهم وت صوراتهم لتعريف "األم ن‬
‫ال وطني" كمفه وم ‪ ،35‬وال ش ك أن ه ذا دليل صحة واثراء للفكر يؤدي بالق ارئ إل ى غنى فك ري وذهن ي‬
‫ويث ري معلومات ه بكم كبير من األفكار المعرفية والتصورات الذهنية حول الموضوع‪.‬‬
‫فنظ رة المدرس ة الغربية لألم ن ال وطني تختل ف وب ال ش ك ع ن نظ رة المدرس ة الشرقية الت ي ك ان‬
‫يتبناه ا االتح اد السوفياتي ال سابق وال دول الت ي كان ت ت سير ف ي ف ل ك المنظوم ة الشيوعية‪ ،‬وك ذلك ف ان‬
‫التعريف ات والدراس ات الخاص ة به ذا المفه وم في مناطق العالم الثالث ‪36‬لها أسس وقواعد تنطلق منها ‪،‬ولعل‬

‫‪33‬محمد حراكت‪ " :‬الاقتصاد الس يايس واحلاكمة الشامةل" ‪ ،‬مطبعة املعارف اجلديدة‪ ،‬طبعة‪ 2010،‬ص‪. 13‬‬
‫‪34‬سعيد جفري‪ "،‬احلاكمة وأخواهتا مقاربة يف املفهوم ورهان الطموح املغريب"‪،‬الرشكة املغربية لتوزيع الكتاب‪ ،‬ادلار البياا‪ ،،‬الطبعة الوىل‪، 2010،‬ص‪. 21‬‬
‫‪35‬يف هذا املعىن‪ ،‬راجع محمد عزت جحازي ‪ ،‬الابط الاجامتعي ‪ ...‬السس اليت يقوم علهيا والدوات اليت يعمل من خاللها‪ ،‬جمةل المن العام املرصية ‪ ،‬العدد‪ ، 6‬ص‪. 34‬‬
‫‪36‬رش يد السعيد وكرمي حلرش‪ ":‬احلاكمة اجليدة ابملغرب ومتطلبات التمنية البرشية املس تدامة"‪ ،‬مطبعة كوب بريس الرابط‪ ،‬الطبعة الوىل‪، 2009،‬ص‪. 21‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫ذلك يرج ع إل ى الق يم العليا الت ي ي ؤمن به ا المجتم ع والت ي ي سعى وبك ل م ا أوت ي م ن طاق ه للمحافظ ة عليها ‪،‬‬
‫ولكن يبدو أن تعريف ات "األمن القومي" تسير وفق اتجاهان وذل ك ح سب ما يقول الخبراء االستراتيجيين وهما‪:‬‬
‫‪-4‬االتجاة التق ليدي ‪:‬‬

‫ال ذي ي رى أن األم ن الق ومي ه و ق درة الدول ة عل ى دح ر أي هج وم ع سكري عليها وبالتالي ف ان‬
‫األمن العسكري هو ك ل ش يء بالن سبة لمفه وم األم ن الق ومي للدول ة وهن ا ي سيطر المفه وم الع سكري لألم ن‬
‫ع ادة عل ى سياسات الدول ‪،‬وه ذا االتجاه يق دم األم ن ال وطني عل ى أس اس ان ه القيم ة األعل ى واألس مى في‬
‫الدولة ‪ ،‬وه و م ا أس ماه "ادم س ميث "مأزق االختيار بين الرخاء والدف اع ‪،‬وبالتالي وبناءا على هذا التعريف ف ان‬
‫العالق ات الدولية كانت تسير وفق األسس التي ترى أنها عالق ات مبنية على الق وة العسكرية وان النظ ام ال دولي‬
‫ق ائم عل ى ه ذا األس اس ‪،‬ل ذلك ف ان عل ى ك ل دول ة أن تبن ي اس تراتيجيه‪ 37‬أمنه ا ال وطني عل ى أس اس ع سكري‬
‫‪،‬وهذه ه ي فك رة النظري ة الواقعي ة في العالق ات الدولية‪.‬‬

‫‪ -1‬االتجاه االقتصادي‪:‬‬

‫يع رف األم ن ال قومي عل ى أن ه ‪ ":‬غي اب التهديد بالحرم ان ال شديد م ن الرف اهي ة االقتصادية " ‪ ،‬وم ن‬
‫ض من التعريف ات الت ي ت صب ف ي ه ذا االتج اه أيضا ‪ ":‬الت ي ت رى أن األم ن الق ومي ه و الق درة عل ى ص ياغة وح دة‬
‫أالم ة ووحدة أراضيها والحف اظ على عالق اتها االقتصادية م ع دول الع الم ب شروط معقول ة "ان ه ذا التعري ف‬
‫ج سد ويؤك د عل ى ارتب اط األم ن القومي لل دول بالتنمية االقتصادية ووس ائل تحقيقها " ‪ ،‬وه ذا االتج اه خلقت ه‬
‫الظ روف واألزم ات االقتصادية الت ي عان ت منه ا البشرية ف ي فت رة م ن الفت رات كأزم ة ال نفط ع ام ‪ 4111‬مم ا‬
‫دف ع ال دول إل ى اعتب ار أن ت وفر الم واد األولية والم وارد الالزم ة ل صناعتها ورف اهية ش عبها ه و أس اس األم ن‬
‫فيه ا ‪،‬وه ذا االتجاه س اهم ف ي قي ام ال دول الكب رى والعظم ى بالبح ث ع ن الوس ائل الت ي ت وفر األم ن االقت صادي‬
‫لمواطنيها حت ى ول و ك ان ذل ك ب اللجوء إل ى الق وة ‪ ،‬ولع ل الظ روف الت ي عاش ها الع الم ف ي العق د األخير م ن‬
‫الق رن العشرين ت صدق ه ذا ال زعم ‪،‬حي ث ب ذلت الوالي ات المتح دة أق صى م ا‪38‬تملك من طاق ات وقدرات في‬
‫سبيل حصولها على موطئ قدم ف ي من ابع ال نفط ف ي الخليج العربي وما يجاوره من مناطق لها أهميتها االقتصادية‬
‫على المدى البعيد‪.‬‬

‫‪ -1‬االتجاه الشمولي المعاصر‪:‬‬

‫وه و ال ذي فرض ته معطي ات الواق ع ال دولي المع اش باإلضافة إل ى التغيرات الت ي أص ابت النظ ام‬
‫الع المي وتغي ر ش كله م ن ثن ائي القطبية إل ى آح ادي القطبية ته يمن في ه ق وة واح دة عل ى ك ل مجري ات األم ور‬
‫‪،‬وق د ك ان النهيار االتح اد ال سوفياتي اكب ر األث ر ف ي تغي ر مفه وم األم ن الق ومي أو ال وطني خاص ة إذا م ا‬

‫‪37‬سلوى شعراوي وأخرون‪ " :‬اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع"‪ ،‬مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر‪ ،‬مطبعة القاهرة‪ ،‬طبعة ‪ ،1002‬ص‪. 32‬‬
‫‪38‬علــي المنريي ‪":‬المـــن واخملـــابرات " ‪ ،‬الـــدار الــسودانية للكتـــب ‪،‬اخلرطــوم ‪،‬ط‪،2222 ، 2‬ص‪. 23‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫علمن ا أن األس باب الرئيسية الت ي أدت إل ى انهيار االتح اد ال سوفياتي ل م تك ن عسكرية أو سياس ية فح سب ‪ ،‬ب ل‬
‫إن األس باب االجتماعية واالقتصادية لعب ت الدور األكبر في هذا االنهيار ‪،‬مم ا جع ل األفك ار واألنظ ار تتج ه ف ي‬
‫ه ذا المج ال نحو أن واع جدي دة م ن األم ن ال تق ل أهمية ع ن األم ن الع سكري ال ذي يعتم د عل ى اآلل ة العسكرية‬
‫فق ط ‪،‬مث ل ‪:‬األم ن االجتم اعي واألم ن االقت صادي واألم ن الثق افي ‪،‬واألمن البييي‪...‬الخ ‪.‬وكذلك ف ان هذا‬
‫االتجاه مت أثر أيضا بالتغيرات الت ي ح دثت ف ي الع الم وظه ور مفهوم العولمة ‪ ،‬وتوسع مفهوم السوق وبدء‬
‫الحديث عن األمن اإلن ساني الع المي الجماعي والذي يعتبر أن العالم يشترك مع بعضه البعض في بناء مجتمعي‬
‫واح د‪. 39‬‬

‫مم ا جع ل مه ددات األم ن عالمية وتتطل ب حل وال عالمية م شتركة وبالت الي نق ل المفه وم م ن معن اه‬
‫الضيق إل ى مفه وم أكث ر ات ساعا ‪،‬حي ث ت م وض ع األم ن الع سكري ض من إط ار مجتمع ي ي شمل الجوان ب‬
‫االجتماعية ‪،‬اقتصاديه‪ ،‬سياس ية ‪،‬ثق افي ة وبييي ة ‪....‬ال خ ‪ ،‬وه ذا م ا قدم ه "ماكنم ارا" ال ذي اعتب ر أن مفه وم األم ن‬
‫تختص ب ه جمي ع أجه زة الدول ة ب دون اس تثناء وت شترك في ه بك ل طاق اته ا وامكاناته ا ويشمل ميادين مختلفة‪،‬‬
‫‪40‬‬
‫وي رى خب راء األم ن الق ومي المتخص صون أن األم ن أص بح وف ق ه ذه االتجاهات يشير إلى بعدين هما ‪:‬‬

‫ارتباط األمن القومي بالتنمية ‪،‬وهو ما أك د علي ه كثي ر م ن الباحثين أمث ال ماكنمار وجبرائيل‬ ‫‪-‬‬
‫الموند ‪ :‬حي ث ي ربط ماكنم ار ب ين األم ن والتنمية ب شكل ق وي فيق ول‪ ":‬إن األم ن الق ومي ه و‬
‫التنمي ة وب دون التنمي ة ال يمك ن أن يوج د أم ن‪،41‬وأن ال دول الت ي ال تنم و بالفع ل ال يمك ن أن‬
‫تظ ل آمن ه" وأن األم ن والتنمية وجه ان لعمل ة واحدة‪ ".‬وهذا ما أكد عليه بعض الباحتين‬
‫المعاصرين أمث ال جبرائي ل المون د ‪،‬حي ث يق ول " أن األم ن ل يس فق ط المع دات العسكرية وال‬
‫الن شاط الع سكري وال القوة العسكرية وان ك ان األم ن ي شملها جميعا إال أن األم ن ه و التنمي ة‪،‬‬
‫وب دون ٕ التنمية وخصوصا في الدول النامية ال يمكن أن يكون هن اك أم ن واس تقرار على‬
‫اإلطالق‪.42‬‬
‫‪ -‬ارتب اط األم ن الق ومي باستراتيجية األم ن الت ي ت ضعها الدول ة لحماي ة نف سها والت ي تتعل ق بق درة‬
‫الدول ة العسكرية والمادي ة م ن اج ل حماي ة قيمه ا الذاتية م ن التهديدات أي ا ك ان م صدرها‪،‬‬
‫ولعل ه م ن ب اب التن وع المعرف ي أن ن ذكر هن ا جمل ه من التعريف ات التي تناولت "األمن القومي "‬
‫والتي من خالله ا ن رى م ا ه ي الزاوية التي ينظر كل باحث من خاللها إلى هذا المفهوم‪.‬‬

‫‪39‬يزيد صايغ ‪ ":‬معاالت الاصالح ‪ :‬ضبط الامن يف املراحل الانتقالية يف ادلول العربية" ‪ ،‬مركز اكرنيجي للرشق الاوسط ‪ 30 ،‬مارس‪ ، 2016‬ص‪. 13‬‬
‫‪40‬عبد الوهاب محمد اجلبـوري‪ ":‬حول مفهوم المن القويم العرايق ومركزاتـه الاسرتاتيجية" ‪،‬صـحيفة دنيـا الوطن الالكرتونية ‪،‬ص‪.13‬‬
‫‪41‬يزيد صايغ‪ ":‬اصالح دوةل الامن العربية" ‪ ،‬مركز اكرنيجي للرشق الاوسط ‪ 30 ،‬مارس‪، 20‬ص‪. 32‬‬
‫‪42‬معر عاشور ‪ ":‬امتام املهمة ‪ :‬اصالح قطاع الامن بعد الربيع العريب" ‪ 28 ،‬ماي‪.1020‬ص‪. 23‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫عرفه ما كنمار بأن ه ‪ ":‬ه و م ا تق وم ب ه الدول ة أو مجموع ة ال دول الت ي ي ضمها نظ ام جم اعي واح د م ن‬
‫إج راءات ف ي ح دود طاقته ا للحف اظ عل ى كيانه ا وم صالحها ف ي الحاض ر والم ستقبل م ع مراع اة المتغيرات المحلي ة‬
‫والدولية ‪ ،‬وي ضيف إل ى ذل ك قول ه ‪ ":‬إن األم ن ل يس المع دات العسكرية التي ‪43‬يت ضمنها ول يس الق وة‬
‫العسكرية وان ك ان يحتويه ا وه و ل يس النشاط العسكري وان كان يشمله" ‪.‬‬

‫أم ا دائ رة المع ارف البريطانية فق د ق دمت تعريف ا لألم ن الق ومي ج اء في ه "األمن القومي يعني حماية‬
‫األمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية ‪" .‬‬

‫ويع رف هن ري كي سنجر األم ن الق ومي بأن ه " ت صرف ات ي سعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في‬
‫البق اء ‪" .‬أن األم ن ه و مق درة الدول ة عل ى حماي ة قيمه ا الداخلية م ن التهدي دات الخارجية ‪ ،‬إن ه اإلج راءات‬
‫الت ي تتخ ذها الدول ة للحف اظ عل ى كيانه ا وم صالحها ف ي الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الدولية‪.‬‬

‫وي رى آخ رون إن األم ن ال وطني ‪:‬ه و إن يك ون القط ر ض من ح دوده بعيدا ع ن أي تهدي د يع رض وج وده‬
‫للخط ر ب صورة مباش رة أو غي ر مباش رة ‪،‬ويرى بعض الباحثين أن األمن الوطني قد يتحقق في الحاالت التالية‪:‬‬

‫أوال ‪:‬غياب التهديد‬

‫ثانيا ‪:‬امتالك القوة الكفيلة لمواجهه التهديد‬

‫ثالثا‪ :‬االبتعاد بالبالد عن أثار الخطر حال وقوعه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬اتساع وظائف دائرة الحكامة االمنية‬


‫حدد دستور ‪ ،441244‬في الباب الثاني عشر مبادئ للحكامة الجيدة وهيياتها من خالل الفصول ‪491‬‬
‫إلى ‪ .414‬وينقسم الى شقين يتعلق األول بمبادئ عامة والثاني بتحديد المؤسسات والهييات العاملة على تفعيل‬
‫هذه المبادئ‪ .‬ان المبادئ العامة يتم التمييز فيها بين مبادئ تنظيمية ومبادئ سلوكية وأخرى محاسبية‪ .‬وفي‬
‫إطار تحديد وتقنين هذه المبادئ العامة يؤكد الفصل ‪ 157‬ان ميثاق ا للمرافق العامة سيحدد قواعد الحكامة‬
‫الجيدة المتعلقة بتسيير اإلدارات العمومية والجماعات الترابية واألجهزة العمومية‪ .‬اما فيما يخص المبادئ‬
‫التنظيمية والتي تهتم بتنظيم المرافق العمومية ينص الفصل ‪491‬على انها تنظم على أساس المساواة بين‬
‫المواطنات والمواطنين في الولوج اليها واالنصاف في تغطية التراب الوطني واالستمرارية في أداء الخدمات‪.‬‬
‫كما يؤكد الفصل ‪ 159‬ان الهييات المكلفة بالحكامة الجيدة تكون مستق لة وتستفيد من دعم أجهزة الدولة‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالمبادئ السلوكية والتي تهتم بتقنين ممارسة المسؤولية وأسس العالقة مع المرتفقين يؤكد الفصل‬
‫‪ 154‬ان المرافق العمومية تخضع لمعايير الجودة والشف افية وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديموقراطية‪.‬‬
‫وينص الفصل ‪ 155‬من الدستور على ان أعوان المرافق العمومية يمارسون وظائفهم وفق ا لمبادئ احترام‬

‫‪ 43‬للمزيد من التفصيل حول هذا املوضوع ميكن الرجوع اإىل ‪ :‬امحد العمرات ‪،‬المن والتمنية ‪،‬عامن ‪2 ( ) ،٣٠٠٢.‬ندا‪ ،‬الرشيقي ‪،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪) ٢. ) ٩٢١‬جابرئيل املوند‪( ،‬الس ياسات‬
‫املقارنة يف وقتنا احلارض)‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪٣٢. ٤٤‬‬
‫‪ 44‬ادلس تور املغريب ‪ 1022‬جريدة رمسية عدد ‪ 3252‬مكرر الصادر يف ‪ 17‬شوال ‪ 30 - 2231‬يوليوز ‪1022‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫الق انون والحياد والشف افية والنزاهة والمصلحة العامة‪ .‬وفي عالقتها بمرتفقيها يؤكد الفصل ‪ 156‬ان المرافق‬
‫العمومية تتلقى مالحظات مرتفقيها واقتراحاتهم وتظلماتهم وتؤمن تتبعها‪ .‬وفيما يخص المبادئ المحاسبية يؤكد‬
‫الفصل ‪154‬على ان المرافق العمومية تخضع للمحاسبة والمسؤولية والفصل ‪494‬على انها تقدم الحساب عن‬
‫تدبيرها لألموال العمومية طبق ا للقوانين الجاري بها العمل وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم‪ .‬كما ينص‬
‫الفصل ‪158‬على ان كل شخص يمارس مسؤولية عمومية منتخبا او معينا يجب ان يقدم تصريحا كتابيا بالممتلكات‬
‫واألصول في حيازته بمجرد تسلمه لمهامه وخالل ممارستها وعند انتهائها‪ .‬وفي أطار المحاسبية ينص الفصل‬
‫‪160‬على ان المؤسسات والهييات المشار اليها في الفصول ‪ 161‬الى ‪ 170‬من الدستور والتي تعمل في مجال‬
‫والحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديموقراطية التشاركية تقدم تقريرا عن‬
‫اعمالها مرة واحدة في السنة على األق ل والتي تكون موضع مناقشة من قبل البرلمان‪.‬‬

‫اوال‪ :‬الحكامة االمنية ترسيخ لثق افة اإلدارة الديموقراطية‬


‫يرتكز موضوع الحكامة‪ ,‬في منطوقها كما في ف لسفتها‪ ,‬على ثالثة تحديدات مركزية تضبط لها المحتوى‬
‫والمضمون وترسم لها الفضاء واألبعاد‪:45‬‬
‫فهي تتوخى‪ ،‬بداية مق اربة التطورات والتحوالت التي تطال المنظمات العمومية المشاع أنها تمر بمرحلة‬
‫أزمة في المشروعية ‪،‬وتطال أيضا ولربما بالقدر ذاته‪ ،‬المنظمات الخاصة المهووسة دائما بقضايا التنظيم الداخلي‬
‫اليومي كما االستراتيجي والخاضعة باستمرار لسلطان التسيير والتدبير وما سواهما‪.46‬‬
‫من هنا موضوع الحكامة إنما يعتمد داخل المنظمات كما داخل المجموعات فهي في صلب النظام العام‪،‬‬
‫ليس فقط لكونها معرضة في فردانيتها أو في اجتماعها لتحديات عالم معقد ومضطرب أيما يكن التعقيد‬
‫واالضطراب‪ ،‬ولكن أيضا ألنها تتطلع في معظمها إلى صياغة نمط في الحكم تتقوض بداخله الحدود الف اصلة بين‬
‫الفضاءات وأوالها الفضاء المميز بين القطاعين العام والخاص‪.47‬‬
‫وهي تطمح‪ ،‬ثانية ‪ ،‬إلى ترجمة أشكال التنظيم الجديدة المحلي منها كما الدوالتي كما الدولي كما‬
‫الكوني سواء بسواء‪...‬إما في أفق البحث عن ترابطات بين مختلف المستويات المجالية الق ائمة أو بجهة خلق‬
‫تراتبية جديدة بين شتى ضروب التق اطع الناظمة لطبيعة الصراعات والمصالح المستق لة في ظل العولمة وانفتاح‬
‫المجاالت‪.‬‬
‫وهي تتغيأ ‪ ،‬فضال عن كل هذا وذاك ‪،‬إق امة منظومة وصفية وتحليلية في أفق تأطير مف اهيمي ما‬
‫يكون من شأنها البناء " لوصف ات" ق ابلة للتطبيق بهذه الجهة من العالم أو تلك‪...‬من قبيل مفهوم "الحكامة‬
‫الجيدة" التي وضعتها المؤسسات المالية الدولية وال تتوانى في الدفع بها والدف اع عنها في الزمن كما في‬
‫المكان‪.‬‬

‫‪45‬عبد العزيز أرشيق ‪":‬احلاكمة اجليدة – ادلولية – الوطنية وامجلاعية ومتطلبات الإدارة املواطنة " مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬ادلار البياا‪ ،،‬الطبعة الوىل ‪ 1002‬ص ‪. 125‬‬
‫‪46‬عيل سد جاري‪ ":‬تصورات من أجل مرشوع حدايث لتحديث الإدارة ابملغرب‪ :‬تأهيل الإدارة للعوملة «منشورات البحث يف اجملال والرتاب ‪ 1000‬ص ‪. 7‬‬
‫‪ 47‬محمد موين ‪،‬عامد أبراكن‪ ":‬متطلبات احلاكمة يف التمنية الرتابية ابملغرب" مدن الحباث يف الاقتصاد والتدبري العدد الرابع اجلز‪ ،‬الول ش تنرب‪،1023،‬ص‪. 27‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫بالتالي‪ ,‬ف"مفهوم" الحكامة شأنه في ذلك شأن باقي مف اهيم السيسيولوجيا واالقتصاد وعلوم السياسة‬
‫وغيرها‪ ،‬إنما يصبو لبلوغ مرتبة "األداة العلمية" التي يكون بمقدورها ضبط وتفسير التوجهات الكبرى التي‬
‫تحكم تطورات وتحوالت المنظمات كما المجموعات كما نظم الحكم‪.48‬‬
‫الحكامة تبقى‪ ،‬على الرغم من هذا التحديد أو ذاك‪ ،‬من هذا التطلع أو ذاك‪ ،‬تبقى مصطلحا ال خلفية‬
‫مف اهيمية كبرى لديه تذكر‪ ,‬ليس فقط ألنها لم تخضع بعد لعملية تنظير مجردة أو لكونها تحيل على تخصصات‬
‫مختلفة‪ ،‬متباينة المشارب واألدوات‪ ،‬ولكن أيضا ألن فضاءها إنما هو مكمن تمطيط وتمديد يبدأ بالفرد في‬
‫محليته الضيقة وال ينتهي إال في أحضان العالم الواقعي وربما الفضاء االفتراضي مرورا بما سواهما من مستويات‬
‫وسيطة‪.‬‬
‫ولما كانت كذلك وأكثر‪ ،‬ف إن مدلولها العام الرائج على األق ل إنما يتغيأ األخذ بعين االعتبار وترجمة‬
‫واقع تهميش وتمييع دور الدولة وانفجار مد الشبكات بكل أشكالها وانتق ال الحدود بين العام والخاص والبحث‬
‫عن أنماط تنسيق جديدة يكون بمقدورها تمكين العمل العمومي من التكريس" والتجدير في الزمن‬
‫والمكان‪.49‬‬
‫إنها تتطلع إلى التذكير ب"حقيقة" التحوالت التي تطال االقتصاد والمؤسسات والبنى االجتماعية‬
‫والمصالح الق ائمة‪...‬وما سواها مجتمعة‪.‬‬
‫بناءا على ذلك‪ ،‬ف إن إشكال أطروحة الحكامة إنما هو كامن في فشل سبل العمل والتنسيق التي كانت‬
‫الدولة ق ائمة عليها إلى حين عهد قريب‪ ،‬مستبعدة في ذلك "مجهودات" القطاع الخاص ومساهمات مكونات‬
‫ا لمجتمع المدني وطموح األفراد والجماعات في شتى أشكال تكتالتهم المحلية أو الجهوية أو ذات الخلفيات‬
‫المختلفة األخرى‪.‬‬
‫يبدو األمر من هنا أن الحكامة‪ ،‬بتركيزها على ذات المستويات‪ ،‬إنما تساءل الديموقراطية الق ائمة‬
‫ببعديها السائدين التمثيلي منه كما التشاركي سواء بسواء‪.‬‬
‫ال تكتفي المؤسسات المالية واالقتصادية الدولية ‪،‬بالمطالبة بالتسيير الجيد والتدبير السليم للشؤون‬
‫العامة والذي يترجمه مصطلح "الحكامة الجيدة" بامتياز‪ ،‬بل وتذهب إلى مستوى إلحاحها على ضرورة تعضيد‬
‫ذلك ب"جرعات" من الديموقراطية واحترام حقوق اإلنسان تترجم بمقتضاها قيم المواطنة و"اإلحساس بالمسؤولية"‬
‫ومساهمة الغالبية في التدبير إذا لم يكن الملك العام فعلى األق ل ما يعنيه الشأن العام بالجملة قبل التفصيل‪.‬‬
‫ال تنزع الحكامة من خالل هذا إضافة "جرعات جديدة " إلى معطى الديموقراطية الق ائم "إشراك‬
‫الجمعيات‪ ,‬إقحام دور المنظمات الف اعلة داخل المدن وبهوامشها‪ ،‬اإلنصات لمطالب التكتالت الحضرية منها كما‬

‫‪48‬محمد غريب ‪" :‬مفهوم احلمك الصاحل بني مثالية اخلطاب ادلويل وإاكراهات ادلوةل يف اجلنوب"‪ ،‬منشورات اجملةل املغربية للتدقيق والتمنية‪ ،‬سلسةل التدبري الاسرتاتيجي العدد اخلامس‪،1002 ،‬‬
‫ص‪.22:‬‬
‫‪49‬عبد العزيز أرشيق‪ :‬احلاكمة اجليدة (ادلولية‪ ،‬الوطنية وامجلاعية) ومتطلبات الإدارة املواطنة‪ ،‬الطبعة الوىل‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬ادلار البياا‪ ،1002 ،‬ص‪20 :‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫البدوية وما سوى ذلك"‪ ،‬بل وتتطلع أيضا ظاهريا على األق ل إلى خلق فضاءات عمومية وبناء مجاالت للحوار‬
‫والمساهمة يكون للرأي والرأي المخالف له حضور مماثل دونما حجر على رأي هذه الجهة أو تجاهل لتوجه تلك‪.50‬‬
‫بالتالي‪ ،‬فبقدر ما تدفع الحكامة بضرورة تسيد قيم التسيير الجيد والتدبير الرشيد للموارد واإلمكانات‬
‫المتاحة اقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬ف إنها تدفع أيضا وبالقدر ذاته إلى إلزامية مصاحبة ذلك سياسيا ومؤسساتيا‪ 51،‬بنظم‬
‫في الحكم ال ترتكن إلى تمثيلية الجسد االنتخابي حتى بأسمى صوره وأشكاله‪،‬بل وتذهب لحد جعله في ق لب‬
‫صناعة القرار إذا لم يكن بالتمثيل الشاسع والواسع‪ ،‬فعلى األق ل بالتشاور المكثف الذي يضمن التشاركية وال‬
‫يقتصر على مستوى االنتداب غير مضمون النتائج والتبعات‪.52‬‬
‫واآلية من ذلك إنما ضمان شكل من الديموقراطية تشاركي مق ابل الديموقراطية التمثيلية‬
‫السائد‪...‬الذي يلغي البعد التشاركي ويقصيه إلى حد بعيد حتى بوجود نصوص في الالتمركز والالمركزية قوية‬
‫وجريية كما بفرنسا أو بألمانيا أو بغيرهما‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس‪ ،‬ف الحكامة إنما تضع الديموقراطية التمثيلية "البرلمانية عموما" في محك من أمرها‬
‫ليس فقط باعتبارها إياها مركزة آلليات اتخاذ القرار وال لكونها تحتكر "لدرجة االستصدار" سلطة الوالية على‬
‫الشأن العام ‪،‬ولكن أيضا كونها تحجر على قضايا الشأن المحلي والجهوي التي غالبا ما يكون أمر البث فيها من‬
‫صالحيات مجالس منتخبة‪ ،‬تعمل بمبدأ القرب وال حساب لها تقدمه إال لهذا التجمع السكاني الضيق أو ذاك دونما‬
‫حاجة من لدنها أو إكراه إلى وصاية من المركز أو ضرورة ق انونية لطلب استشارته أو االحتماء المسطري بما قد‬
‫يصدر عنه‪.‬‬
‫قد ال يكون القصد من لدن دعاة الحكامة تقويض مرتكزات الديموقراطية التمثيلية ‪،‬سيما بالدول التي‬
‫لم يتسن لذات المرتكزات أن تتقوى لكنها تقصد حتما تعضيدها بهذه الدول كما بالدول الديموقراطية‬
‫بأشكال جديدة من الديموقراطية تدمج رأي ومطلب المحلي الضيق وال تستبعد آراء ومطالب الكوني‬
‫الشاسع‪...‬المدافع "في إطار التعاون الالممركز تحديدا" على خلق سبل في التضامن بين األفراد والجماعات‪ ،‬بين‬
‫القرى والمدن‪ ،‬بين الجهات والمجموعات بين تجاذب المصالح والمنافع بين هذه المنطقة من العالم وتلك حتى‬
‫وإن كانت مستويات نموها مختلفة لدرجة التباين المطلق‪.53‬‬
‫من هنا فمبدأ الحكامة الرائج منذ مدة ال يتغيأ فقط زرع بذور الشف افية والعدالة وسيادة مبادئ‬
‫الق انون في تدبير قضايا الشأن العام‪ ،54‬بل وأيضا وبموازاة مع ذلك‪ ،‬التأكيد على تجاوز ثنائية الدولة‬
‫والجماعات المحلية ليطال مختلف أطراف المعادلة الحضري منها كما القروي‪ ،‬ذي النزعة الفيوية الضيقة كما‬

‫‪50‬‬‫‪Riadh ZGHAL, " Du gouvernement à la gouvernance : nouveaux défis lancés à l’Etat" in revue marocaine d’audit et de développement, n° 19,‬‬
‫‪décembre 2004. Ouvrages : Pierre TEISSERENC, les politiques de développement local, collection collectivités territoriales, ECONOMICA,‬‬
‫‪édition, 2000‬‬

‫‪51‬محمد زين ادلين ‪":‬احلاكمة ‪ :‬مقاربة إابس متولوجية يف املفهوم والس ياق"‪ ،‬مضن جمةل مساكل‪ ،‬العدد ‪ ،07‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬ادلار البياا‪،1007 ،،‬ص‪35‬‬
‫‪52‬احلكومة املنفتحة ‪ :‬مفهوم جديد حنو احلمك الرش يد؛ القاهرة‪ :‬مركز املعلومات ودمع اختاذ القرار‪ ،‬سلسةل تقارير معلوماتية‪ ،‬الس نة اخلامسة‪ ،‬العدد (‪ ،)35‬أغسطس ‪ ،)1022‬ص‪.2‬‬
‫‪53‬موازنة املواطن‪ :‬تدعمي املشاركة اجملمتعية يف صنع املوازنة العامة لدلوةل‪ ،‬دراسة أجريت ابلتعاون بني مركز احلومكة التابع للمعهد القوىم ل إالدارة بوزارة ومركز ادلراسات الس ياس ية والاسرتاتيجية‬
‫ابلهرام‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪13-12‬‬
‫‪54‬جامل محمد سلمي‪ ":‬معاةل الاختيار‪ :‬الذامذ الربعة لدلوةل احلديثة"‪ ،‬جمةل الس ياسة ادلولية‪ ،‬ملحق اجتاهات نظرية يف لحليل الس ياسة ادلولية‪ ،‬العدد ‪ ،272‬يوليو ‪ ،1021‬ص‪-10‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫ذي التطلع المحلي األوسع‪ ،‬المدافع عن المجموعات الهشة اقتصاديا واجتماعيا كما المطالب بصيانة الطبيعة‬
‫والبيية وهكذا‪.‬‬
‫بالتالي‪ ,‬فنحن بهذه النقطة‪ ،‬لن نكون فقط إزاء إغناء عابر لمبادئ الديموقراطية التمثيلية التي‬
‫تعارفت عليها المجموعات من قبل كما في الوقت الراهن‪ ،‬بل وأيضا إزاء تجاوز بنيوي للمرتكزات الشكلية التي‬
‫بنيت عليها لعقود طويلة خلت‪...‬أي إزاء تطعيم ذات المرتكزات وتحصينها بما استجد من أشكال الحكم‬
‫والتدبير العام‪.‬‬
‫يبدو إذن‪ ،‬على األق ل بناء على ما سبق‪ ،‬أن الحكامة في صيغها المختلفة‪ ،‬الحضري‪/‬البدوي منها كما‬
‫الدوالتي ‪،‬الترابي منها كما المركزي‪ ،‬إنما هي تحد للديموقراطية في شكلها التمثيلي البرلماني‬
‫والممركز‪...‬ودفعا بتمثالت في الديموقراطية جديدة قوامها األساس المساهمة والتشاركية في صياغة القرار كما‬
‫في تنفيذه بأرض الواقع‪.55‬‬
‫قد ال يبدو األمر بهذه الشاكلة المثالية والطموحة يقول البعض‪ ،‬ليس فقط باالحتكام إلى مجريات ذات‬
‫الواقع‪ ،‬ولكن أيضا احتكاما إلى محدودية التصور في حد ذاته‪.‬‬
‫ف الحكامة صنيعة نيو ليبيرالية خالصة صممت شكلها ومضمونها المؤسسات المالية واالقتصادية العالمية‬
‫لغايات ال تتطلع من خاللها تجديد " قواعد اللعبة" بين الدولة وما سواها من مستويات دنيا أو عليا‪ ،‬بل وبغرض‬
‫تحجيم دور األولى وتقويضه لف ائدة هذه األخيرة العتبارات قد يكون " هوس" التسيير الجيد والحكم الرشيد آخر‬
‫المفكر فيه إذا لم يكن حقيقة المستبعد بالجملة والتفصيل‪.56‬‬
‫والحكامة لالعتبار أعاله ولغيره ال تبدو تجاوزا للديموقراطية التمثيلية ‪،‬او طعنا في مقوماتها‪ ،‬بل هي‬
‫تبدو وكأنها "إنق اذا" لشرعيتها المتآكلة ودف اعا عما تبقى لف اعليها من مشروعية تراجعت في ظل العولمة جراء‬
‫طغيان المالي على االقتصادي‪ ،‬وعلى السياسي‪ ,‬أي غير المنتخب على الذي في عهدته التزام انتخابي محليا‬
‫كان أم وطنيا أم إق ليميا أم ما سواه من التزامات‪.‬‬
‫يبدو األمر بهذا الجانب إذن وكأن الديموقراطية هي آخر المفكر فيه من لدن الحكامة‪ ,‬بل قد ال‬
‫تعدو أن تكون مكونا من مكوناتها لدرجة تبدو معها الحكامة هي األصل والديموقراطية هي الفرع‪...‬أي أن‬
‫الحكامة "الجيدة" تحديدا هي التي تقود‪ ،‬في نهاية المطاف إلى "الديموقراطية‪ -‬الحق" وليس العكس‪.‬‬
‫قد ال تكون العبرة بمن أتى األول وال بمن أسس لآلخر‪ ،‬لكنها تتأتى بالتأكيد من أربع مف ارق ات تبدو‬
‫الحكامة في خضمها على المحك أكثر من الديموقراطية في شكليها الواردين التمثيلي منه كما التشاركي سواء‬
‫بسواء‪:‬‬

‫‪55‬انهد عز ادلين‪ ":‬التحليل الس يايس ومقرتابت دراسة التحول‪ :‬من ادلوةل املتدخةل اإىل المتكني املتبادل"‪ ،‬لكية الاقتصاد والعلوم الس ياس ية‪ :‬جمةل الهناة‪ ،‬أبريل ‪ 1002‬ص‪.22‬‬
‫‪56‬مفاهمي وس ياس يات احلومكة يف الدبيات العربية والغربية‪ ،‬دراسة أجريت ابلتعاون بني مركز احلومكة التابع للمعهد القوىم ل إالدارة بوزارة التمنية الإدارية وبرانمج ادلميقراطية وحقوق الإنسان بلكية‬
‫الاقتصاد والعلوم الس ياس ية جبامعة القاهرة‪ ،‬ص ‪.32-32‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫ف الحكامة تحيل على مستويات مختلفة وعلى ف اعلين كثر تربطهم عالئق متواترة ومعقدة ليس من‬ ‫‪-‬‬
‫الهين استجالء مف اصلها وال التثبت من طبيعتها‪.57‬‬
‫إذا كان األمر كذلك وهو كذلك فيما نعتقد جازمين‪ ,‬فما السبيل لبناء شرعية مستويات متباينة‬
‫ومعقدة وذات جغرافية متحركة زمنا وفي المكان‪ ،‬في المظهر كما في الجوهر؟‬
‫ثم إنه لما كانت الحكامة تقويضا للحدود وتمييعا للمساف ات في ميادين العمل االقتصادي‬ ‫‪-‬‬
‫واالجتماعي والسياسي وغيرها‪...‬فكيف للمرء والحالة هاته أن يحدد المسؤوليات ويرسم فضاءات‬
‫الفعل ويكون بمستطاعه‪ ،‬فوق كل هذا وذاك‪ ،‬تعيين مكامن القصور والخلل؟‬
‫ولما كانت الحكامة عملية تف اعلية بين المستويات المشاركة والعمل الجماعي الواسع‪...‬فكيف‬ ‫‪-‬‬
‫التأكد بهذه الحالة مما هو صنيعة هذا المستوى أو ذاك سيما في ظل تراجع شرعيات هؤالء وتآكل‬
‫مشروعية أوليك؟‬
‫ثم إن الحكامة تفترض ف اعلين "مستق لين" إزاء الدولة أو الجهة أو ما سواهما‪ ،‬كيف بهذه الحالة‬ ‫‪-‬‬
‫االتكال على هؤالء في غياب مسؤولية جماعية تكون مكمن الديموقراطية ومصدرها؟‬
‫لعل الحاصل من هذه المف ارق ات إنما االعتق اد بأن الذي هو في المحك اليوم ليس الديموقراطية‪ ,‬بل "‬
‫منظومة" الحكامة بكل تلوينها وأشكالها‪...‬والسر في ذلك ال يكمن في كون الحكامة دخيلة على الديموقراطية‪،‬‬
‫محاولة " لتجديدها من الداخل"‪ ،‬ولكن ألن الذين يدفعون بها "الحكامة أعني فكرا وممارسة‪...‬إنما هم آخر من‬
‫يفكر فيها أو يعتمد القرارات اليومية منها كما االستراتيجية على خلفية من قيمها‪. 58‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحكامة االمنية ترسيخ لثق افة اإلدارة المواطنة‬
‫يعتبر مفهوم المواطنة فكرة اجتماعيّة وق انونيّة وسياسيّة ساهمت في تطور المجتمع اإلنساني بشكل‬
‫كبير بجانب الرقي بالدّولة إلى المساواة والعدل؛ عن طريق تعزيزها لدور كل من الدّيمقراطية والشّف افيّة في‬
‫بناء وتطور الدولة وذلك بإشراك المواطنين في الحكم وضمان حقوقهم وواجباتهم‪.‬‬
‫أن ممارسة حقوق المواطنة تبق عملية غير مكتملة األركان ومحفوفة بمخاطرة التراجع عنها واالعتداء‬
‫إال َّ‬
‫عليها دون رسوخ ثق افة المواطنة في الوعي االجتماعي العام‪59‬؛ فعملية بناء هذا الوعي العام يتطلب هو اآلخر‬
‫بناء قواعد حكامة ق انونية تضمن حقوق المواطنة السياسية والق انونية إلى جانب نشر ثق افة المواطنة‬
‫والديمقراطية‪ ،‬فضالً عن وجود آلية لرصد أي انتهاكات لحقوق المواطنة وتعبية الرأي العام للتصدي لها‪.60‬‬

‫فما هي المواطنة وحقوقها وكيف تطورت عبر الزمن؟‬

‫‪57‬معر دغوغي‪ ":‬تكريس احلاكمة اجليدة ابلإدارة العمومية"‪ ،‬جريدة دنيا الوطن الالكرتونية ‪ ،‬اترخي النرش ‪03،07،1027‬‬
‫‪58‬محمد بوكطب‪ ":‬احلاكمة‪ :‬املبادئ و السس" جمةل املنارة لدلراسات القانونية والإدارية‪ ،‬عدد ‪ 23‬س نة ‪ ،1025‬ص‪.210 ،‬‬
‫‪59 Riadh ZGHAL, " Du gouvernement à la gouvernance : nouveaux défis lancés à l’Etat" in revue marocaine d’audit et de développement, n° 19,‬‬

‫‪décembre 2004. Ouvrages : Pierre TEISSERENC, les politiques de développement local, collection collectivités territoriales, ECONOMICA,‬‬
‫‪édition, 2000‬‬
‫‪60 Abdelkader DJEFLAT, "Gouvernance et coopération décentralisée : quelles perspectives pour l’économie de la connaissance ? ", in revue‬‬

‫‪marocaine d’audit et de développement, n° 19, décembre 2004.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫ف المواطنة بشكل عام أنَّها المكان الذي يستقر فيه الفرد بشكل ثابت داخل الدّولة أو يحمل‬ ‫تُ َع َّر ْ‬
‫جنسيتها ويكون مشاركاً في الحكم ويخضع للقوانين الصادرة عنها‪ ،‬ويتمتع بشكل متساوي دون أي نوع من‬
‫التّمييز ‪ -‬كاللون أو اللغة ‪ -‬مع بقيّة المواطنين بمجموعة من الحقوق‪ ،‬ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه‬
‫الدولة الّتي ينتمي إليها‪ ،‬بما تُشعره باالنتماء إليها‪ .‬ويترتب على المواطنة الدّيمقراطيّة أنواع رئيسيّة من الحقوق‬
‫والسياسيّة واالجتماعيّة واالقتصاديّة‬
‫والحريات الّتي يجب أن يتمتّع بها جميع المواطنين كالحقوق المدنيّة ّ‬
‫والثق افيّة ‪61‬الخ…‬
‫عرف دائرة المعارف البريطانية المواطنة بأنَّها‪" :‬العالقة بين فرد ودولة كما يحددها ق انون تلك‬
‫كما تُ ِّ‬
‫الدولة‪ ،‬وبما تتضمنه تلك العالقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة"‪ .‬وتؤكد دائرة المعارف البريطانية‬
‫بأن المواطنة على وجه العموم تسبغ على المواطن حقوق اً سياسية‪ ،‬مثل حق االنتخاب وتولي‬
‫مفهومها للمواطنة‪َّ ” ،‬‬
‫المناصب العامة‪“.‬‬
‫أن المواطنة هي عضوية كاملة في دولة أو في بعض وحدات الحكم‪،‬‬
‫وتذكر موسوعة الكتاب الدولي َّ‬
‫أن‬
‫بحيث ال تُميز بين المواطن والجنسية مثلها مثل دائرة المعارف البريطانية المشار إليها سابق اً‪ .‬وتؤكد َّ‬
‫المواطنين لديهم بعض الحقوق‪ ،‬مثل حق التصويت وحق تولي المناصب العامة‪ ،‬وكذلك عليهم بعض الواجبات‪،‬‬
‫مثل واجب دفع الضرائب والدف اع عن بلدهم‪.‬‬
‫ويتضح من هذه التعاريف أنَّهُ في الدول الديمقراطية يتمتع كل من يحمل جنسية الدولة من البالغين‬
‫الراشدين بحقوق المواطنة فيها‪ .‬وهذا الوضع ليس نفسه في الدول غير الديمقراطية إذ تكون الجنسية مجرد‬
‫تابعة‪ ،‬ال تتوافر لمن يحملها بالضرورة حقوق المواطن السياسية‪ ،‬هذا إن توافرت هذه الحقوق أصالً ألحد غير‬
‫الحكام وربما للحاكم الفرد المطلق وحده‪.‬‬
‫والمواطنة مأخوذة في العربية من الوطن‪ ،‬أي المنزل الذي تقيم به‪ ،‬وهو موطن اإلنسان ومحله‪ ،‬ويُق ال‬
‫ن البلد‪ :‬أي اتخذه وطناً‪ ،‬وجمع الوطن أوطان‪ :‬منزل إق امة اإلنسان‪ ،‬ولد فيه أم لم يولد‪.‬‬
‫َوطَ َ‬
‫أما في االصطالح‪ ،‬ف الوطنية تأتي بمعنى حب الوطن‪ ،‬في إشارة واضحة إلى مشاعر الحب واالرتباط‬
‫بالوطن وما ينبثق عنها من استجابات عاطفية‪ ،‬أما المواطنة فهي صفة المواطن والتي تحدد حقوقه وواجباته‬
‫الوطنية ويعرف الفرد حقوقه ويؤدي واجباته عن طريق التربية الوطنية‪ ،62‬وتتميز المواطنة بنوع خاص من والء‬
‫المواطن لوطنه وخدمته في أوق ات السلم والحرب والتعاون مع المواطنين اآلخرين عن طريق العمل المؤسساتي‬
‫والفردي الرسمي والتطوعي في تحقيق األهداف التي يصبو لها الجميع وتوحد من أجلها الجهود وترسم الخطط‬
‫وتوضع الموازنات‪.‬‬

‫وتدل المواطنة في الق انون الدولي على الجنسية‪ ،‬ويذهب هيد ‪ C. C. Hyde‬إلى أن التمييز بين‬
‫المواطنة والجنسية وليد الق انون الوطني‪ ،‬ف المواطنة تشير إلى الحقوق التي ترى الدولة أنَّهُ من المناسب منحها‬
‫لبعض األفراد الذين هم أيضاً من أهاليها‪.‬‬

‫‪61‬حسان أيو‪ ":‬مفهوم املواطنة"‪ ،‬احلوار املمتدّن‪ ،‬العدد ‪1005 ،2272‬‬


‫‪62‬مسعود موىس الرييض‪":‬أثر العوملة يف املواطنة"‪ّ ،‬‬
‫اجملةل العربيّة للعلوم ا ّلس ياس يّة‪ .‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬العدد ‪،1007، 22،‬ص‪.13‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫يتضح من العرض السابق أن مبدأ المواطنة كما استقر في الفكر السياسي المعاصر هو مفهوم شامل له‬
‫عدَّة أبعاد متنوعة‪ ،‬منها ما هو مادي ق انوني‪ ،‬ومنها ما هو ثق افي سلوكي‪ ،‬ومنها أيضاً ما هو وسيلة أو هو غاية‬
‫يمكن بلوغها تدريجياً‪ ،‬ولذلك إن نوعيَّة المواطنة في دولة ما تتأثر بعدة عوامل منها الق انون الوطني والنضج‬
‫السياسي والرقي الحضاري والحكامة الجيدة ‪ .‬وبعق ائد المجتمعات وبقيم الحضارات‪ ،‬ومن هنا يصعب وجود‬
‫تعريف جامع وثابت لمبدأ المواطنة‪.‬‬
‫مر مفهوم المواطنة الذي تمت صياغته وممارسته بشكله ومضمونه الحالي باختالف التسميات‬ ‫فقد َّ‬
‫والمناهج وطبيعة النّظام السياسي بمحطات تاريخية على مر العصور حتى استقر لما استقر عليه اآلن‪.‬‬
‫فقد أسهمت الحضارات القديمة والشرائع واألديان‪ ،‬وما انبثق عنها من أيديولوجيات سياسية في وضع‬
‫أسس للحرية والمساواة تجاوزت إرادة الحكام ف اتحة بذلك آف اق اً رحبة لسعي اإلنسان لتأكيد فطرته وإثبات ذاته‬
‫وحقه بالمشاركة الفعَّالة في اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات‪ ،‬األمر الذي فتح المجال للفكر السياسي اإلغريقي‬
‫ومن بعده الروماني ليضع كل منها أسس مفهومة للمواطنة والحكم الجمهوري وقد أكدَّ كل من الفكر السياسي‬
‫اإلغريقي والروماني في بعض مراحلهما على ضرورة المنافسة من أجل تَقًلُّ ْد المناصب العليا وأهمية إرساء أُسس‬
‫مناقشة السياسة العامة باعتبار ذلك شيياً مطلوباً في حد ذاته‪.‬‬
‫ولعلَّ أقرب معنى لمفهوم المواطنة المعاصرة في التّاريخ القديم هو ما توصلت إليه "دولة المدينة" عند‬
‫اإلغريق‪ ،‬والتي شكلت الممارسة الديمقراطيّة ألثينا نموذجاً له‪ .‬وعلى الرغم من قصور هذا المفهوم من حيث‬
‫إال انه قد نجح‬ ‫‪63‬‬
‫الفيات التي يمثلها وعدم تغطيته لبعض النواحي التي يتضمنها المفهوم المعاصر للمواطنة‬
‫بتحقيق المساواة على ق اعدة المواطنة بين األفراد المتساوين وذلك من خالل إقرار حقهم في المشاركة السياسية‬
‫الفعَّالة وصوالً إلى تداول السلطة ووظائفها العامة سعياً لتحقيق اإلنصاف والعدل والمساواة الّتي تعبّر عن الفطرة‬
‫اإلنسانيّة‪.64‬‬
‫أن حقوق المواطن هي للرومان وحدهم‪ ،‬في حين كانوا يروا أن األجنبي عنهم ليس‬
‫أمَّا الرومان فقد رأوا َّ‬
‫أن الرومان ما لبثوا أن غيروا نظرتهم هذه إلى األجانب‪ ،‬فسمحوا‬
‫له أن يتمتع بالحقوق إال في بلده األصلي‪ ،‬غير َّ‬
‫لألجنبي أن يقيم في روما إذ احتمى مؤقتاً بأحد الرومان أو خضع له بصورة دائمة كنزيل لديه بصورة فردية أو‬
‫جماعية‪ ،‬فقد أبرمت روما مع المدن معاهدات تقضي بحماية رعايا كل مدينة إذا جاءوا إلى المدينة األخرى‪.‬‬
‫السياسي في العصور الوسطى ولم يعد االهتمام به‬
‫أن مفهوم المواطنة تراجع في الفكر ّ‬
‫ورغم التطور إال َّ‬
‫حتى حلول القرن الثّالث عشر‪ ،‬حتى تم صياغة مبادئه واستنباط مؤسساته وتطوير آلياته التي ساهمت بتأسيس‬
‫وتنمية نظم حكم قومية مقيدة للسلطة من خالل حركات اإلصالح‪ .‬حيث تبلورت فكرة المواطنة بشكل جلي بعد‬
‫معاهدة وستف اليا ‪4411‬م‪ ،‬الّتي أتت كتطبيق عملي لفكر العقد االجتماعي الذي نظم العالقة بين الحاكم‬
‫والمحكومين من خالل العقد المؤسس للجماعة السّياسيّة‪.65‬‬

‫‪63‬عيل خليفة الكواري‪( ،‬مفهوم املواطنة يف ادلّ وةل ادلّ ميقراطية)‪1000 ،‬‬
‫الس ياس يّة‪( .‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية)‪ ،‬العدد ‪.1007، 22،‬‬ ‫‪64‬مسعود موىس الرييض‪( ،‬أثر العوملة يف املواطنة)‪ّ ،‬‬
‫اجملةل العربيّة للعلوم ّ‬

‫‪65‬عيل خليفة الكواري ‪":‬مفهوم املواطنة يف ادلّ وةل ادلّ ميقراطية"‪ 1000 ،‬ص‪.13‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫وتعد الثورة الفرنسية نقطة تحول‪ ،‬عَرِ َ‬


‫ف مفهوم المواطنة معها تطوراً هاماً في تدشين أولى الخطوات‬
‫لتثبيت الحقوق المدنية االجتماعية للمواطن اإلنسان‪ ،‬حيث جاءت تلك النق لة النوعية نتيجة للصراع الضاري بين‬
‫الملكية المطلقة وقوانينها اإلقطاعية وبين البرجوازية المكافحة في سبيل نشر عالق ات اإلنتاج الرأسمالية وسوقها‬
‫الوطنية الموحدة‪ ،‬وما يشترطه من تحرير القوى المنتجة المكبلة بملكية األرض وموروثها اإلقطاعي‪ ،‬ف أصبح مفهوم‬
‫المواطنة يشمل الحقوق المدنية والسياسية‪ ،‬والحقوق االقتصادية واالجتماعية والثق افية‪ ،‬مع إقرار مبدأ المساواة‬
‫كرس الثورة الفرنسية رؤيتها للعالم الجديد بإعالن‬
‫أمام الق انون‪ ،‬وعدم إقصاء األق ليات أو أي فية في المجتمع‪ .‬لتُ ِّ‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬والدف اع عنه بعد إغناءها بروح المواطنة‪.‬‬
‫السياسيّة الّتي أرست‬
‫مرت بها التّغيرات ّ‬
‫تحوالت كبرى متداخلة ومتكاملة َّ‬
‫وبذلك يمكننا رصد ثالثة ّ‬
‫السياسيّة‪،‬‬
‫مبادئ المواطنة في الدّولة القوميّة الدّيمقراطيّة المعاصرة‪ ،‬وهي تكوين الدّولة القوميّة‪ ،‬والمشاركة ّ‬
‫وإرساء حكم الق انون وإق امة دولة المؤسسات‪ .‬وبهذه التحوالت التي تمت عبر سبعة قرون‪ ،‬تم إرساء مبدأ‬
‫المواطنة مع تشكل الدولة القومية األوروبيّة الحديثة‪ ،‬التي أعطت لنفسها السيادة المطلقة داخل حدودها من‬
‫أجل منع استبداد الدّولة‪ ،‬نشأت فكرة المواطن الذي يمتلك الحقوق غير الق ابلة لألخذ واالعتداء والتي أكد‬
‫عليها اإلعالن الفرنسي لحقوق اإلنسان ‪ 4111‬واإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ‪.4111‬‬
‫ف المواطنة ليست وضعية جاهزة يمكن تجليها بصورة آلية عندما تتحقق الرغبة في ذلك‪ ،‬وإنما هي‬
‫سيرورة تاريخية مؤسساتية‪ ،‬وديناميكية مستمرة‪ ،‬وسلوك يكتسب عندما تتهيأ له الظروف المالئمة‪ ،‬وهي ممارسة‬
‫في ظل مجموعة من المبادئ والقواعد‪ ،‬وفي إطار مؤسسات وآليات تضمن ترجمة مفهوم المواطنة على أرض‬
‫الواقع؛ وإذا كان من الطبيعي أن تختلف نسبياً هذه المتطلبات من دولة إلى أُخرى‪ ،‬ومن زمن إلى آخر بسبب‬
‫اختالف الثق اف ات والحضارات‪ ،‬والعق ائد والقيم‪ ،‬ومستوى النضج السياسي‪ ،‬ف أنه ال بد من توفر مجموعة من‬
‫المقومات األساسية المشتركة ووجود حد أدنى من الشروط التي يتجلى من خاللها مفهوم المواطنة في الحياة‬
‫اليومية للمواطنين‪ ،‬وفي عالق اتهم بغيرهم‪ ،‬وبمحيطهم السياسي واالقتصادي واالجتماعي والثق افي‪ .‬ومن أهم‬
‫المقومات والشروط التي ال مجال للحديث عن المواطنة في غيابها‪:‬‬

‫أ‪ .‬المساواة والعدالة‪ :‬ف إذا كان التساكن والتعايش والشراكة والتعاون من العناصر األساسية‬
‫التي يفترض توفرها بين المشتركين في االنتماء لنفس الوطن‪ ،‬ف أنها تهتز وتختل في حالة‬
‫عدم احترام مبدأ المساواة‪ ،‬مما يؤدي إلى تهديد االستقرار‪ ،‬ف ال تتحقق المواطنة إال بتساوي‬
‫جميع المواطنين في الحقوق والواجبات وتتاح أمام الجميع نفس الفرص‪ ،‬دون أي تمييز على‬
‫أساس الجنس أو اللّون أو األصل العرقي أو المعتقد الدّيني أو القناعات الفكريّة أو االنتماء‬
‫والنّشاط الفكري‪.‬‬
‫الرابطة التي تجمع المواطن بوطنه ال خضوع فيها إال لسيادة الق انون‬
‫ب‪ .‬الوالء واالنتماء‪ :‬ويعني ّ‬
‫ويتجلّى االرتباط الوجداني بأنّه معني بخدمة الوطن والعمل على تنميته‪ ،‬وعالقتهم بمؤسسات‬
‫الدّولة والوالء للوطن واعتبار المصالح العليا للوطن فوق كلّ اعتبار‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫وال تتبلور في الواقع صفة المواطن كفرد له حقوق وعليه واجبات‪ ،‬بمجرد توفر ترسانة من القوانين‬
‫والمؤسسات‪ ،‬التي تتيح للمواطن التمتع بحقوقه والدف اع عنها في مواجهة أي انتهاك واستردادها إذا سلبت‬
‫منه‪ ،‬وإنما كذلك بتشبع المواطن بقيم وثق افة الق انون ووجود حكامة امنية تضمن وتسهر على تنفيد الق انون‪،‬‬
‫واالحتكام إلى مقتضياته وبالتالي هي الوسيلة الوحيدة للتمتع بالحقوق وحمايتها من الخرق‪ ،‬وبالتالي ال مجال‬
‫الستعمال العالق ات الخاصة مع ذوي النفوذ‪ ،‬أو االحتماء بمركز الفرد في القبيلة أو العشيرة‪ ،‬وهي ظواهر ما زالت‬
‫حاضرة في الكثير من العق ليات والسلوكيات داخل مجتمعاتنا‪.‬‬
‫والوالء للوطن ال ينحصر في المواطنين المقيمين داخل حدود التراب الوطني‪ ،‬وإنما يبقى في وجدان‬
‫وضمير وسلوك المواطنين الذين تضطرهم الظروف لإلق امة في الخارج‪ ،‬ألن مغادرة الوطن ألي سبب من‬
‫األسباب‪ ،‬ال تعني التحلل من االلتزامات والمسؤوليات التي تفرضها المواطنة‪ ،‬وتبقى لصيقة بالمواطن تجاه وطنه‬
‫األصلي‪ ،‬حتى ولو اكتسب الجنسية في دولة أُخرى‪.‬‬
‫ت‪ .‬المشاركة والمسؤوليّة‪ :‬المشاركة في الحياة العامة تعني إمكانية ولوج الجميع للمجاالت‬
‫السياسية ‪،‬االقتصادية ‪،‬االجتماعية والثق افية وأنَّها متاحة أمام الجميع دون أي تمييز‪ ،‬بدءاً من‬
‫استف ادة األطف ال من الحق في التعليم والتكوين والتربية على المواطنة وحقوق اإلنسان‪،66‬‬
‫واستف ادة عموم المواطنات والمواطنين من الخدمات العامة‪ ،‬ومروراً بحرية المبادرة‬
‫االقتصادية‪ ،‬وحرية األبداع الفكري والفني‪ ،‬وحرية النشاط الثق افي واالجتماعي‪ ،‬وانتهاء بحق‬
‫المشاركة في تدبير الشأن العام بشكل مباشر كتولي المناصب العامة وولوج مواقع القرار‪ ،‬أو‬
‫بكيفية غير مباشرة كاالنخراط بحرية في األحزاب السياسية‪ ،‬وإبداء الرأي حول السياسات‬
‫المتبعة‪ ،‬والمشاركة في انتخاب أعضاء المؤسسات التمثيلية على المستوى المحلي والوطني‬
‫والمهني‪.‬‬

‫فعندما تتاح الفرص المتكافية للمشاركة أمام كل الكف اءات والطاق ات يكون المجال مفتوحاً للتنافس‬
‫النوعي الذي يضمن فعالية النخب السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثق افية‪ ،‬ويضفي الحيوية على المشهد‬
‫الوطني‪ ،‬مما يساهم في خلق واقع ينشد التطور المتواصل واالرتق اء المستمر‪.67‬‬
‫والمشاركة بالمفهوم الواسع المبين أعاله‪ ،‬تعني توفر فرص االنخراط التلق ائي في مختلف مجاالت الحياة‬
‫العا مة وحقولها‪ ،‬وال يأتي نمو استعداد المواطنين والمواطنات للمشاركة في الحياة العامة إال في ظل حرية الفكر‬
‫والتعبير‪ ،‬وحرية االنتماء والنشاط السياسي والنق ابي والجمعي ‪ ،‬وفي إطار الديمقراطية التي يكون فيها الشعب‬
‫هو صاحب السيادة ومصدراً لجميع السلطات‪.68‬‬
‫ولذلك فهي تختلف عن اإلشراك الذي ينطوي على مفهوم المنح من سلطة عليا تحكم بأمرها‪ ،‬لرعايا‬
‫تابعين خاضعين لنفوذها‪ ،‬ألن اإلشراك بهذا المعنى يتناقض مع مفهوم المواطنة ويتعارض مع مقوماتها‪.69‬‬

‫‪66‬عيل خليفة الكواري ‪":‬مفهوم املواطنة يف ادلّ وةل ادلّ ميقراطية"‪،1000 ،‬ص‪.32‬‬
‫آ‬ ‫جمل‬
‫‪67‬اثئر رحمي اكظم ‪ ":‬العوملة واملواطنة والهوية"‪ ،‬حبث يف تأثري العوملة عىل الانامت‪ ،‬الوطين واحمليل يف ا متعات‪ ،‬جمةل القادس ية يف الداب والعلوم الرتبوية‪ ،‬العدد ‪ ،2‬اجملدل ‪ ،7‬س نة ‪،1002‬ص‪.32‬‬
‫‪68‬محمد عبد هللا اخلوادلة ‪":‬ا ّلرتبية الوطنيّة‪ :‬املواطنة و الانامت‪ ،"،‬دار اخلليج‪، 1002 ،‬ص‪. 20‬‬
‫‪69‬عيل خليفة الكواري ‪":‬مفهوم املواطنة يف ادلّ وةل ادلّ ميقراطية"‪، 1000 ،‬ص‪.22‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫لعلَّ التجارب التاريخية أفرزت ٍ‬


‫معان مختلفة للمواطنة فكراً وممارسةً تف اوتت قرباً وبعداً من المفهوم‬
‫المعاصر للمواطنة حسب آراء المؤرخين‪ .‬وحتى في التاريخ المعاصر تنوعت في إفرازها لمفهوم المواطنة بحسب‬
‫التيارات الفكرية السياسية واالجتماعية التي ال يمكن قراءتها وفهمها ونقدها بمعزل عن الظروف المحيطة بها أو‬
‫بعيداً عن الزمان والمكان بكل أبعادها االقتصادية والسياسية واالجتماعية واأليديولوجية والتربوية‪ ،‬ومن ثم ال‬
‫يمكن التأصيل السليم لمفهوم المواطنة باعتباره نتاجاً لفكر واحد مبسط وإنما باعتبار أنَّه نشأ ونما في ظل محاضن‬
‫فكرية متعددة تنوعت نظرياتها وعق ائدها بل وظروف تشكلها على المستوى المحلي والقومي والدولي‪ .‬وألن‬
‫قضية المواطنة محوراً رئيساً في النظرية والممارسة الديمقراطية الحديثة ‪ ،‬ف إن تحديد أبعادها وكيفية ممارستها‬
‫ينبع من الطريقة التي يمنح بها هذا النظام أو ذاك حقوق المواطنة للجميع ومدى وعي المواطنين وحرصهم على‬
‫أداء هذه الحقوق والواجبات‪.70‬‬

‫أن المواطنة وعلى الرغم من تأثرها بالتطورات السياسية وبتعدد الثق اف ات المجتمعية واأليديولوجية‪،‬‬
‫إال َّ‬
‫تبق بمفهومها إطاراً يستوعب الجميع‪ ،‬فهو يحافظ على حقوق األق لية واألكثرية في نطاق مفهوم المواطنة الجامعة‪،‬‬
‫َ‬
‫الصبغات الدّينيّة أو المذهبيّة أو القبليّة أو العرقيّة أو‬
‫والمواطنة هي المساواة بين المواطنين بصرف النّظر عن ّ‬
‫الجنسيّة‪ .‬فكل مواطن له جميع الحقوق وعليه جميع الواجبات‪ ،‬والمواطنة الحقيقية ال تتجاهل حق ائق التركيبة‬
‫والسياسيّة في الوطن وال تحدث تغييراً في نسب مكوناتها‪ ،‬وال تمارس تزييفًا للواقع‪ ،‬وإنما‬
‫الثّق افيّة واالجتماعيّة ّ‬
‫تتعامل مع هذا الواقع من منطلق حق ائقه الثّابتة‪ ،‬حيث توفر البيية الصحيحة والخصبة لتكوين ثق افة الوطن التي‬
‫الصالح“ هي أصدق‬
‫الصالح خير من الفرد ّ‬
‫تتشكل من تف اعل ثق اف ات أبناء الوطن‪ ،‬ولعلَّ مقولة أرسطو "المواطن ّ‬
‫تعبير عن أهمية دور المواطنة في بناء المجتمعات والدول‪.71‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الحكامة االمنية محاول لتخليق لإلدارة االمنية‬

‫كثيرا ما يرتبط مصطلح الحكامة باإلدارة‪ ،‬ف الحكامة الجيدة هي اإلدارة الجيدة‪ .‬كما أن المؤسسات‬
‫الدولية "صندوق النقد الدولي‪ ،‬البنك العالمي…" كثيرا ما تستعمل مبدأ الحكامة الجيدة من أجل تحديد‬
‫مميزات ومرتكزات «اإلدارة العمومية الجيدة" أو "المرفق العمومي الجيد"‪.‬هذا األخير الذي يمكن للدول‬
‫النامية أو السائرة في طريق النمو تبني سماته اإليجابية للقيام بإصالحات هيكلية وبنيوية مرتبطة بالسياسات‬
‫العمومية االجتماعية‪.72‬إنه على ضوء آليات االستعمال ‪،‬تبرز العالقة الوطيدة التي يمكن أن تنشأ بين الحكامة‬
‫اإلدارية والتنمية البشرية‪ .73‬فهذا النمط من الحكامة ‪،‬يتبلور كجزء أساسي ويتجلى كمكون رئيسي من‬
‫استراتيجيات التنمية الحديثة وخططها االستشرافية وأبعادها المتعددة ‪:‬‬

‫‪70‬اثئر رحمي اكظم‪ ":‬العوملة واملواطنة والهوية"‪ ،‬حبث يف تأثري العوملة عىل الانامت‪ ،‬الوطين واحمليل يف اجملمتعات‪ ،‬جمةل القادس ية يف الداب والعلوم الرتبوية‪ ،‬العدد ‪ ،2‬اجملدل ‪ ،7‬س نة ‪.1002‬‬
‫‪71‬محمد عبد هللا اخلوادلة‪ ،‬ا ّلرتبية الوطنيّة‪ :‬املواطنة و الانامت‪ ،،‬دار اخلليج‪1002 ،‬‬
‫‪72‬جامل خلوق‪ ":‬الخالقيات و رجل السلطة‪ :‬مقاربة يف البعاد الخالقية ملامرسة همام السلطة ابملغرب" الرشكة املغربية لتوزيع الكتاب‪ ،‬ادلار البياا‪ 1023 ،،‬ص‪. 37‬‬
‫‪73‬عبد العزيز أرشيق ‪ ":‬احلاكمة اجليدة – ادلولية – الوطنية وامجلاعية ومتطلبات الإدارة املواطنة " مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬ادلار البياا‪ ،،‬الطبعة الوىل ‪ 1002‬ص ‪.125‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫االقتصادية ‪،‬الثق افية ‪،‬االجتماعية ‪،‬العلمية واإلدارية ‪،‬حيث تشكل هذه االستراتيجيات والخطط واألبعاد‬
‫بتنوعها وتشعبها كال متكامال‪ ،‬تتداخل عناصره وتترابط محاوره وتتشابك مكوناته في عالق ات تتبادل االنسجام‬
‫والتوازن والمواءمة والتناسق‪.‬‬
‫وفق هذا المنظور الشمولي‪ ،‬حرصت مجمل سياسات اإلصالح اإلداري‪ ،‬التي عرفتها العديد من دول‬
‫المعمور‪ ،‬على تبني أسس ومقومات الحكامة الجيدة‪ ،‬وذلك اقتناعا منها باألهمية المتزايدة التي أضحت تمثلها‬
‫اإلدارة العمومية في الوقت الراهن‪ ،‬وكذا نظرا للتحديات الجديدة التي أصبحت تجابهها في إطار سياق ات‬
‫التيار الجارف للعولمة‪ .‬الشيء الذي حتم على اإلدارات العمومية المعاصرة‪ ،74‬األخذ بالتوجه المتمثل في التواصل‬
‫بتقنيات متطورة للتدبير والتنظيم‪ ،‬والمتسم بالضرورة بالعمل العميق على تمتين أداء اإلدارة من أجل مواكبة‬
‫العولمة والشمولية والتنافسية‪.75‬‬
‫وهي المواكبة التي تعد بالنسبة للمغرب‪ ،‬بمثابة منطلق ف لسفة اإلصالح اإلداري‪ ،‬والتي ينبغي أن ينظر‬
‫إليها في إطار كلي‪ .‬فنظرا الرتباط إصالح اإلدارة بإصالح الدولة‪ ،‬في ظل ما يسمى بالتحديث اإلداري‪ ،‬لم يعد‬
‫من الممكن الحديث عن إصالح اإلدارة‪ ،‬في غياب إصالح شامل‪ /‬يستوعب الدولة نفسها‪.76‬هاته األخيرة‪ ،‬ولتوطيد‬
‫أركان صرحها التنموي ‪،‬عليها أن تبحث عن العالجات الضرورية لمختلف االختالالت المرتبطة بأنماط حكاماتها‬
‫المتعددة‪ ،‬بما فيها نمط الحكامة األمنية ‪ ،‬والمرتكز على جملة من المبادئ التي يمكن أن تعزز غاياته الوظيفية‬
‫وتقوي أدواره الطالئعية ‪،‬وعلى رأسها مبدأ تخليق المرفق العمومي‪ .‬فماهي أبرز مؤشرات هذا المبدأ في السياق‬
‫المغربي ؟ وما هي أهم آليات تكريسه؟‬
‫يظل أكبر رهان ينطوي عليه كل إصالح مؤسساتي عميق‪ ،‬هو رهان التخليق وإشاعة ثق افة الفضيلة في‬
‫تدبير الشأن العام على مختلف المستويات‪ .‬ف لقد أصبحت الرؤية أو المق اربة الجديدة في ميدان التدبير االمني‬
‫في معظم دول العالم تولي أهمية قصوى للقيم الرفيعة والمبادئ المثلى ‪،‬وعلى رأسها الشف افية ‪.‬كما أن ضرورة‬
‫اشتغال أو سير إدارة معينة ‪،‬حسب مبادئ دولة الحق والق انون ‪،‬تعتبر شرط أوليا ورهانا أساسيا للفعالية‬
‫والكف اية والمسؤولية والجودة‪.‬‬
‫إن منطلق الحكامة األمنية ‪،‬يظل في األساس منطلق ا أخالقيا ‪،‬يتسم إجماال بغياب مظاهر الغش والرشوة‬
‫‪،‬وكل تجليات الفساد‪ ،77‬خاصة إذا أخذنا بعين االعتبار المعطى الذي يؤكد على أن من أبرز مؤشرات أزمة‬
‫اإلدارة المعاصرة هو االتصاف بالضعف البين على مستوى أخالقيات المرفق العمومي ‪،‬وما يرتبط بذلك من فشل‬

‫‪74‬ينص الفصل‪ 35‬عىل ما ييل ‪":‬يعاقب القانون عىل اخملالفات املتعلقة حبالت تنازع املصاحل‪ ،‬وعىل اس تغالل الترسيبات اخملةل ابلتنافس الزنيه‪ ،‬ولك خمالفة ذات طابع مايل ‪.‬عىل السلطات العمومية‬
‫الوقاية‪ ،‬طبقا للقانون‪ ،‬من لك أشاكل الاحنراف املرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية‪ ،‬وابس تعامل الموال املوجودة لحت ترصفها‪ ،‬وابإبرام الصفقات العمومية وتدبريها‪ ،‬والزجر عن هذه‬
‫الاحنرافات‪ .‬يعاقب القانون عىل الشطط يف اس تغالل مواقع النفوذ والامتياز‪ ،‬ووضعيات الاحتاكر والهمينة‪ ،‬وابيق املامرسات اخملالفة ملبادئ املنافسة احلرة واملرشوعة يف العالقات الاقتصادية‬
‫‪.‬لحدث هيئة وطنية للزناهة والوقاية من الرشوة وحماربهتا «‪،‬كام جا‪ ،‬يف الفصل ‪257‬من ادلس تور ما ييل‪ ":‬تتوىل الهيئة الوطنية للزناهة والوقاية من الرشوة وحماربهتا‪ ،‬احملدثة مبوجب الفصل ‪، 35‬عىل‬
‫اخلصوص‪ ،‬همام املبادرة والتنس يق وا إلرشاف وضامن تتبع تنفيذ س ياسات حماربة الفساد‪ ،‬وتلقي ونرش املعلومات يف هذا اجملال‪ ،‬واملسامهة يف ختليق احلياة العامة‪ ،‬وترس يخ مبادئ احلاكمة اجليدة‪،‬‬
‫وثقافة املرفق العام‪ ،‬وقمي املواطنة املسؤوةل"‬
‫‪75‬عيل سد جاري‪ ":‬تصورات من أجل مرشوع حدايث لتحديث الإدارة ابملغرب ‪ :‬تأهيل الإدارة للعوملة" منشورات البحث يف اجملال والرتاب‪ ،1000 ،‬ص‪. 7‬‬
‫‪76‬عبد احلافظ أدمينو‪ ":‬نظام البريوقراطية الإدارية ابملغرب" أطروحة لنيل ادلكتوراه يف القانون العام‪ ،‬جامعة محمد اخلامس‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرابط‪ ،‬الس نة اجلامعة ‪ 1001/1002‬ص‪. 327‬‬
‫‪77 Emmanuel Okomba « la gouvernance. Une affaire de société: Analyse mythivmét rique de la performance » L’ Harmattan 2010 P 31‬‬

‫‪42‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫ذريع ‪،‬كثيرا ما تم رصده بخصوص البنيات اإلدارية التق ليدية ‪،‬بمختلف األمراض التي خلفتها ‪،‬وعلى رأسها‬
‫انعدام الشف افية‪.78‬‬
‫كل ما سبق ذكره من تمظهرات التدبير السيء لإلدارة ‪،‬ما فتئ يتجسد بشكل جلي في تاريخ اإلدارة‬
‫المغربية ‪،‬التي أصبحت في الوقت الحالي ملزمة بتطوير آليات عملها‪ ،‬وعلى وجه الخصوص تصويب أوجه الخلل‬
‫التي تشوب عالقتها بالمرتفقين والمتعاملين معها‪ .‬وذلك بالنظر لجملة من الرهانات المطروحة والتحديات‬
‫المتسارعة‪ ،‬التي أضحى يعيش على إيق اعها العالم ‪،‬والتي تفرض على المغرب صياغة ميثاق أخالقي يضم في طياته‬
‫كل ما من شأنه بناء صرح إدارة "شف افة"‪ .‬وهو المطمح الذي ما فتئ يترسخ أكثر مع انبثاق حركات التغيير في‬
‫إطار ما سمي بالربيع العربي‪.‬‬
‫تلك الحركات التي رفعت شعارات عديدة من قبيل محاربة الفساد بشتى تجلياته ‪،‬ومنها الفساد اإلداري‬
‫الذي ظل عائق ا أمام مسارات اإلصالح في دول العالم الثالث عموما‪ ،‬ودول العالم العربي خصوصا ‪،‬ومنها المغرب‬
‫الذي جعل من تخليق المرفق العمومي ضرورة ملحة وذات أهمية قصوى ‪،‬تمليها العواقب الوخيمة لمظاهر الفساد‬
‫على األداء الحكومي وعرق لته لسير التنمية الشاملة‪،‬‬
‫كما تفرضه إكراهات الظرفية المتسمة بالتطور المتالحق على المستوى العالمي وضغوط المؤسسات‬
‫السياسية والمالية الدولية ‪،‬التي أصبحت تنصب على التحلي باألخالق مقياسا يتم االحتكام إليه في الكثير من‬
‫القرارات‪،79‬ومنها القرارات المرتبطة بمنح المساعدات المدعمة لمشاريع و برامج التنمية‪ .‬إن تنمية ثق افة أخالقية‬
‫سليمة ‪،‬ترتكز على القيم والمبادئ المثلى ‪،‬ال يمكن أن تتم إال من خالل دعم مختلف المبادرات التخليقية‬
‫الهادفة إلى تأسيس قيم جديدة في تدبير الشأن االمني وتهذيب الحياة اإلدارية ‪،‬عبر قيم النزاهة والشف افية‬
‫واالستق امة‪.‬‬
‫من خالل مق اربة شمولية‪ ،‬مع مراعاة مجموعة من الشروط الموضوعية المتعلقة بتداعيات هذه المسألة على‬
‫مستوى التنظيم اإلداري والبنيات التشريعية ‪،‬مما يجعل الطروحات العالجية غير متعالية على حيثيات الواقع‬
‫‪،‬ويمنحها بالتالي الق ابلية العملية للتطبيق‪.80‬‬
‫إن البعد التخليقي لإلدارة المغربية عرف اإلرهاص األول مع تشكيل حكومة التناوب سنة ‪ ،4111‬والتي‬
‫عملت على تبني الورش الكبير للتأهيل العام لإلدارة المغربية‪ ،‬حتى تتمكن من أن تلعب دور المحرك الدينامي‬
‫للدفع بعجلة التنمية المنشودة وتثمين كل الطاق ات من أجل بناء إدارة الغد‪ ،‬وهو ما ترسخ أيضا من خالل تبني‬
‫إحدى أهم آليات تخليق المرفق العمومي وهي آلية ميثاق حسن التدبير‪ .‬وقد حددت وزارة الوظيفة العمومية‬
‫واإلصالح اإلداري‪-‬إبان فترة حكومة التناوب التوافقي‪-‬هذا الميثاق عبر مجموعة من القيم الواجب احترامها في‬

‫‪78‬محمد الهيين‪ ":‬دور هيئاتنا الوطنية يف ضامن حاكمة اإدارية واقتصادية فعاةل" ‪،‬حبث مقدم اإىل امللتقى ادلويل حول الإبداع والتغيري التنظميي يف املنظامت احلديثة‪ ،‬دراسة ولحليل جتارب وطنية‬
‫ودولية‪ ،‬املقام يف جامعة سعد حلب البليدة ‪ 22-27‬ماي ‪ .1003‬أنظر الرابط التايل‪:iefpedia.Com. /arab/ ?p 27 369‬‬
‫‪79‬دمع الخالقيات ابملرفق العمويم‪ ،‬مطبوع صادر عن وزارة الوظيفة العمومية والإصالح الإداري‪ ،‬يونيو ‪ ،1000‬ص‪2 :‬‬
‫‪80‬عرض الس يد وزير الوظيفة العمومية والإصالح الإداري أمام جلنة العدل والترشيع وحقوق الإنسان مبجلس املستشارين حول مرشوع مزيانية الوزارة برمس الس نة املالية ‪1000/2222‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫التدبير العمومي‪ ،‬تماشيا مع مبدأ التخليق ‪،‬الذي يجب أن يقود سير المرفق العمومي وهي ‪:‬النزاهة ‪،‬التجرد‬
‫‪،‬االستق امة ‪،‬المسؤولية ‪،‬االنفتاح ‪،‬الشف افية ‪،‬الشرف وااللتزام‪.81‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬تجسدت الجهود الحكومية في هذا المجال‪ ،‬في تبني العديد من المبادرات ذات‬
‫الطابع الوق ائي‪ ،‬والتي توخت أساسا إرساء نظام من اآلليات الق انونية الضرورية للتصدي لكل أشكال السلوكيات‬
‫السلبية‪ ،‬التي يمكن أن تسود في مرافق الدولة المختلفة‪ .‬وعلى رأس هذه اآلليات نجد "ميثاق حسن سلوك‬
‫الموظف" ‪،‬الذي شكل لبنة من لبنات اإلصالح اإلداري الفعال ‪ ،‬يتوق إلى تعميق األبعاد الشمولية التكاملية لهذا‬
‫اإلصالح ‪،‬ومنها خلق سمات من التناغم والتداخل بين مختلف مكوناته ومنها مقتضيات الوظيفة العمومية ومبادئ‬
‫وأهداف ميثاق حسن التدبير‪.‬‬
‫إن تبني مثل هذه الخطوات اإليجابية في مسار اإلصالح اإلداري كان والزال من بين التزامات المغرب‬
‫المستمرة‪ ،‬جهويا ودوليا ‪،‬وهو ما أكدته مثال ‪،‬توصيات المنتدى اإلفريقي السابع حول تحديث المرافق العمومية‬
‫ومؤسسات الدولة‪،82‬والتي ألحت على ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬تعزيز آليات الوق اية من الفساد ‪،‬بالتأكيد على نزاهة الموظفين العموميين ‪،‬من خالل تفعيل الميثاق‬
‫االفريقي للوظيفة العمومية ‪،‬وإقرار مدونات سلوك الموظفين ‪،‬ومكافحة تضارب المصالح‪ ،‬وإجبارية‬
‫التصريح بالممتلكات‪.‬‬
‫‪ -‬تعزيز سيادة الق انون‪ ،‬مع التركيز بشكل خاص على مبدأ المساءلة ومكافحة اإلف الت من العق اب‪،‬‬
‫عن طريق سن قوانين واضحة ونظم قضائية فعالة‪.‬‬
‫‪ -‬تحسين الشف افية ومكافحة جميع أشكال السلوك الرامية لمنع أو تغيير نوعية مجاالت المرافق الحيوية‬
‫والخدمات المتصلة مباشرة باالحتياجات األساسية للمواطنين كالماء والصحة والتعليم والكهرباء‪.‬‬
‫تحقيق األهداف اإلنمائية لأللفية‪،83‬وفق ما التزم به ق ادة العالم ‪،‬بما فيهم الق ادة األف ارقة في إعالن‬
‫األلفية من خالل صياغة وتنفيذ برامج إصالحية في مجال مكافحة الفساد لتحقيق األهداف ذات‬
‫األولوية بالنسبة لكل دولة ‪،‬مع االستف ادة من المبادئ التوجيهية المنظمة في إطار تسريع التقدم‬
‫نحو تحقيق األهداف اإلنمائية لأللفية‪.‬‬
‫‪ -‬تحفيز القدرات الضرورية لصياغة وانجاز مشاريع محددة ‪،‬لتعزيز الحكامة الجيدة ومكافحة الفساد‬
‫في الدول االفريقية‪.84‬‬

‫‪81‬‬ ‫‪« La réforme administrative au Maroc. Vision stratégique : plan d’action »Publication du ministère de la fonction publique et de la réforme‬‬
‫‪administrative 2001. p51‬‬
‫‪82‬وهو املنتدى اذلي انعقد مبدينة الرابط يويم ‪17‬و‪17‬يونيو ‪ 1022‬حول موضوع "ماكحفة وتعزيز احلاكمة اجليدة بغية احلد من الفقر ولحقيق التمنية الشامةل واملس تدامة ابإفريقيا" ‪.‬وقد اندر هذا‬
‫املنتدى يف اإطار التحاري لتنظمي ادلورة الرابعة ملؤمتر ادلول الطراف يف اتفاقية ال مم املتحدة ملاكحفة الفساد مبدينة مراكش ‪،‬خالل الفرتة املمتدة من ‪ 12‬اإىل ‪ 17‬أكتوبر‬
‫‪83‬يف ش تنرب ‪،1000‬اجمتع قادة العامل يف مقر ال مم املتحدة يف نيويورك لعامتد اإعالن ال مم املتحدة لللفية‪ ،‬اذلي الزتمت مبوجبه دوهلم ‪،‬برشاكة عاملية جديدة للحد من الفقر املدقع ‪،‬واذلي وضع سلسةل‬
‫من الهداف‪ ،‬واليت مت لحديد فرتة زمنية لتحقيقها تنهتيي الس نة ‪ ،1023‬واليت أصبحت معروفة ابمس الهداف الإمنائية لللفية ويه ‪ :‬أول‪ :‬استئصال الفقر املدقع واجلوع ‪،‬اثنيا‪ :‬لحقيق التعلمي الابتدايئ‬
‫للجميع ‪،‬اثلثا‪ :‬الهنوض ابملساواة بني اجلنسني ومتكني املرأة ‪ ،‬رابعا‪ :‬احلد من وفيات الطفال ‪،‬خامسا ‪ :‬لحسني الصحة ‪ ،‬سادسا ‪ :‬ماكحفة فريوس نقص املناعة البرشية الايدز واملالراي وغريها من‬
‫المراض‪ .‬سابعا‪ :‬كفاةل الاس تدامة البيئية‪ ،‬اثمنا اإقامة رشاكة عاملية للتمنية‪.‬‬
‫‪84‬أنظر موقع وزارة لحديث القطاعات‪http://xn--mgbag6dsci.www.mmsp.gov.ma/‬‬

‫‪44‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫لقد شكلت هذه التوصيات ‪،‬آليات ناجعة وفعالة في سبيل تخليق المرفق العمومي ‪،‬وهي تتداخل كليتها‬
‫من أجل تكريس أسس الحكامة اإلدارية الجيدة‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫ق ائمه المراجع والمصادر‬


‫صالح سالم‪ ،‬زرنوقة وعبد العزيز شادي‪" :‬تجدد القيادة والتنمية في الوطن العربي"‪ ،‬مركز دراسات وبحوث الدول النامية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪.1002‬‬
‫‪ -‬سلوى شعراوي وأخرون‪ " :‬اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع"‪ ،‬مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر‪ ،‬مطبعة القاهرة‪ ،‬طبعة‬
‫‪.1002‬‬
‫‪ -‬محمد غريب‪" :‬مفهوم احلمك الصاحل بني مثالية اخلطاب ادلويل وإاكراهات ادلوةل يف اجلنوب"‪ ،‬منشورات اجملةل املغربية للتدقيق والتمنية‪ ،‬سلسةل‬
‫التدبري الاسرتاتيجي العدد اخلامس‪.1002 ،‬‬
‫‪ -‬رش يد لبكر‪ ":‬اعداد الرتاب الوطين ورهان التمنية اجلهوية"‪ ،‬منشورات عاكظ‪ ،‬الرابط‪. .1001 ،‬‬
‫‪ -‬محمد قامس‪ ":‬الإصالح الإداري بني النظرية والتطبيق"‪ ،‬دار وائل للنرش‪ ،‬عامن‪.1022 ،‬‬
‫‪ -‬صالح سامل‪ ":‬جتدد القيادة والتمنية يف الوطن العريب"‪ ،‬مركز دراسات وحبوث ادلول النامية‪ ،‬القاهرة‪.1002 ،‬‬
‫‪ -‬جامل خلوق‪ ":‬الخالقيات و رجل السلطة ‪ :‬مقاربة يف البعاد الخالقية ملامرسة همام السلطة ابملغرب" الرشكة املغربية لتوزيع الكتاب‪ ،‬ادلار‬
‫البياا‪.1023 ،،‬‬
‫‪ -‬دانيال اكومفان ‪":‬اخلرافات واحلقائق املرتبطة ابإدارة احلمك والفساد" مضن املشاريع ادلولية ملاكحفة الفساد وادلعوة ل إالصالح الس يايس‬
‫والاقتصادي يف القطار العربية املنظمة العربية ملاكحفة الفساد ‪.1005‬‬
‫‪ -‬حسن الطوالبة‪" :‬نظام المن امجلاعي بني النظرية والتطبيق" ‪،‬عامل الكتب ‪.‬احلديث ‪،‬اربد‪.1003 ،‬‬
‫‪ -‬عيل عباس مراد ‪ ":‬مشالكت المن القويم" ‪،‬العدد ‪، 20‬مركز المارات لدلراسات والبحوث الاسرتاتيجية‪. .‬‬
‫‪ -‬عبد العزيز أرشيق ‪ ":‬احلاكمة اجليدة – ادلولية – الوطنية وامجلاعية ومتطلبات الإدارة املواطنة "‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬ادلار البياا‪،،‬‬
‫الطبعة الوىل ‪. 1002‬‬
‫‪ -‬منري شفيق ‪":‬النظام ادلويل اجلديد وخيار املواهجة "‪،‬النارش للطباعة والنرش والتوزيع‪.2225 ،‬‬
‫‪ -‬حسن طارق‪ ":‬هيئات احلاكمة يف ادلس تور‪ ،‬الس ياق‪ -‬البنيات‪ -‬الوظائف"‪ ،‬اجملةل املغربية ل إالدارة احمللية والتمنية‪ ،‬سلسةل مؤلفات وأعامل‬
‫جامعية‪ ،1025 ،‬العدد‪. 2‬‬
‫‪ -‬رضوان اجملديق‪ " :‬احلاكمة اجليدة ابملغرب "‪ ،‬طوب بريس‪ ،‬الرابط‪ ،‬الطبعة الوىل‪.1023 ،‬‬
‫‪ -‬سلوى شعراوي وأخرون‪ " :‬اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع"‪ ،‬مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر‪ ،‬مطبعة القاهرة‪ ،‬طبعة‬
‫‪ ،1002‬ص‪32‬‬
‫‪ -‬قريش‬
‫‪ -‬احلجر‬
‫‪ -‬عبد الباري درة‪ ":‬الساس يات يف الإدارة املعارصة"‪ ،‬دار وائل للنرش‪ ،‬الردن الطبعة الثانية‪. 2012،‬‬
‫‪ -‬رضوان اجملديق‪ ":‬احلاكمة اجليدة ابملغرب"‪ ،‬طوب بريس‪ ،‬الرابط‪ ،‬الطبعة الوىل‪. 2013،‬‬
‫فايز محمد ادلويري‪ ":‬المن الوطين"‪ ،‬دار وائل للنرش‪ ،‬الطبعة‪.2013 .‬‬ ‫‪-‬‬
‫سلوى شعراوي وأخرون‪ " :‬اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع"‪ ،‬مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر‪ ،‬مطبعة القاهرة‪ ،‬طبعة‬ ‫‪-‬‬
‫‪.1002‬‬
‫حـسن عبـد هللا العايـد ‪":‬دور الثقافـة فـي التمنيـة والمـن مـا بعـد العوملـة" ‪،‬مـؤمتر التمنيـة والمـن فـي الوطن العريب ‪،‬أاكدميية انيف العربية‬ ‫‪-‬‬
‫للعلوم المنية ‪،‬الرايض ‪.1002‬‬
‫صاحل بن سعد املربع‪ " :‬القيادة الاسرتاتيجية ودورها يف تطوير الثقافة التنظميية ابلهجزة المنية" ‪ ،‬جامعة انيف العربية للعلوم المنية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫الرايض‪ ،‬الطبعة الوىل‪.2012،‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫‪ -‬عيل عباس مراد‪" :‬مشالكت المن القويم" ‪،‬العدد ‪، 20‬مركز المارات لدلراسات والبحوث الاسرتاتيجية‪.‬‬
‫‪ -‬محمد حراكت‪ " :‬الاقتصاد الس يايس واحلاكمة الشامةل" ‪ ،‬مطبعة املعارف اجلديدة‪ ،‬طبعة‪. 2010،‬‬
‫‪ -‬سعيد جفري‪ "،‬احلاكمة وأخواهتا مقاربة يف املفهوم ورهان الطموح املغريب"‪،‬الرشكة املغربية لتوزيع الكتاب‪ ،‬ادلار البياا‪ ،،‬الطبعة الوىل‪،‬‬
‫‪.2010‬‬
‫‪ -‬محمد عزت جحازي‪ ":‬الابط الاجامتعي ‪ ...‬السس اليت يقوم علهيا والدوات اليت يعمل من خاللها"‪ ،‬جمةل المن العام املرصية ‪ ،‬العدد‪. 6‬‬
‫‪ -‬رش يد السعيد وكرمي حلرش‪ ":‬احلاكمة اجليدة ابملغرب ومتطلبات التمنية البرشية املس تدامة"‪ ،‬مطبعة كوب بريس الرابط‪ ،‬الطبعة الوىل‪.2009،‬‬
‫‪ -‬علــي المنريي ‪":‬المـــن واخملـــابرات " ‪ ،‬الـــدار الــسودانية للكتـــب ‪،‬اخلرطــوم ‪،‬ط‪. 2222 ، 2‬‬
‫‪ -‬يزيد صايغ ‪ ":‬معاالت الاصالح ‪ :‬ضبط الامن يف املراحل الانتقالية يف ادلول العربية" ‪ ،‬مركز اكرنيجي للرشق الاوسط ‪ 30 ،‬مارس‬
‫‪.2016‬‬
‫‪ -‬عبد الوهاب محمد اجلبـوري‪ ":‬حول مفهوم المن القويم العرايق ومركزاتـه الاسرتاتيجية" ‪،‬صـحيفة دنيـا الوطن الالكرتونية‪.‬‬
‫‪ -‬معر عاشور ‪ ":‬امتام املهمة ‪ :‬اصالح قطاع الامن بعد الربيع العريب" ‪ 28 ،‬ماي‪.1020‬‬
‫‪ -‬ادلس تور املغريب ‪ 1022‬جريدة رمسية عدد ‪ 3252‬مكرر الصادر يف ‪ 17‬شوال ‪ 30 - 2231‬يوليوز ‪1022‬‬
‫‪ -‬عبد العزيز أرشيق ‪":‬احلاكمة اجليدة – ادلولية – الوطنية وامجلاعية ومتطلبات الإدارة املواطنة " مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬ادلار البياا‪ ،،‬الطبعة‬
‫الوىل ‪. 1002‬‬
‫عيل سد جاري‪ ":‬تصورات من أجل مرشوع حدايث لتحديث الإدارة ابملغرب‪ :‬تأهيل الإدارة للعوملة" ‪ ،‬منشورات البحث يف اجملال والرتاب‬ ‫‪-‬‬
‫‪. 1000‬‬
‫محمد موين ‪،‬عامد أبراكن‪ ":‬متطلبات احلاكمة يف التمنية الرتابية ابملغرب" مدن الحباث يف الاقتصاد والتدبري العدد الرابع اجلز‪ ،‬الول‬ ‫‪-‬‬
‫ش تنرب‪.1023،‬‬
‫محمد غريب ‪" :‬مفهوم احلمك الصاحل بني مثالية اخلطاب ادلويل وإاكراهات ادلوةل يف اجلنوب"‪ ،‬منشورات اجملةل املغربية للتدقيق والتمنية‪ ،‬سلسةل‬ ‫‪-‬‬
‫التدبري الاسرتاتيجي العدد اخلامس‪.1002 ،‬‬
‫محمد زين ادلين ‪":‬احلاكمة ‪ :‬مقاربة إابس متولوجية يف املفهوم والس ياق"‪ ،‬مضن جمةل مساكل‪ ،‬العدد ‪ ،07‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬ادلار البياا‪،،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪.1007‬‬
‫‪ -‬جامل محمد سلمي‪ ":‬معاةل الاختيار‪ :‬الذامذ الربعة لدلوةل احلديثة"‪ ،‬جمةل الس ياسة ادلولية‪ ،‬ملحق اجتاهات نظرية يف لحليل الس ياسة ادلولية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،272‬يوليو ‪.1021‬‬
‫‪ -‬انهد عز ادلين‪ ":‬التحليل الس يايس ومقرتابت دراسة التحول‪ :‬من ادلوةل املتدخةل اإىل المتكني املتبادل"‪ ،‬لكية الاقتصاد والعلوم الس ياس ية‪ :‬جمةل‬
‫الهناة‪ ،‬أبريل ‪. 1002‬‬
‫‪ -‬معر دغوغي‪ ":‬تكريس احلاكمة اجليدة ابلإدارة العمومية"‪ ،‬جريدة دنيا الوطن الالكرتونية ‪ ،‬اترخي النرش ‪03،07،1027‬‬
‫‪ -‬محمد بوكطب‪ ":‬احلاكمة‪ :‬املبادئ و السس" جمةل املنارة لدلراسات القانونية والإدارية‪ ،‬عدد ‪ 23‬س نة ‪،1025‬‬
‫‪ -‬حسان أيو‪ ":‬مفهوم املواطنة"‪ ،‬احلوار املمتدّ ن‪ ،‬العدد ‪1005 ،2272‬‬
‫الس ياس ّية‪ .‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬العدد ‪.،1007، 22،‬‬ ‫‪ -‬مسعود موىس الرييض‪":‬أثر العوملة يف املواطنة"‪ّ ،‬‬
‫اجملةل العرب ّية للعلوم ّ‬
‫‪ -‬عيل خليفة الكواري‪":‬مفهوم املواطنة يف ادلّ وةل ادلّ ميقراطية"‪1000 ،‬‬
‫الس ياس ّية‪ .‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬العدد ‪.1007، 22،‬‬ ‫‪ -‬مسعود موىس الرييض‪":‬أثر العوملة يف املواطنة"‪ّ ،‬‬
‫اجملةل العرب ّية للعلوم ّ‬
‫‪ -‬عيل خليفة الكواري ‪":‬مفهوم املواطنة يف ادلّ وةل ادلّ ميقراطية"‪. 1000 ،‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020‬‬

‫‪ -‬اثئر رحمي اكظم ‪ ":‬العوملة واملواطنة والهوية"‪ ،‬حبث يف تأثري العوملة عىل الانامت‪ ،‬الوطين واحمليل يف اجملمتعات‪ ،‬جمةل القادس ية يف الآداب والعلوم‬
‫الرتبوية‪ ،‬العدد ‪ ،2‬اجملدل ‪ ،7‬س نة ‪.،1002‬‬
‫‪ -‬محمد عبد هللا اخلوادلة ّ‬
‫‪":‬الرتبية الوطن ّية‪ :‬املواطنة و الانامت‪ ،"،‬دار اخلليج‪. 1002 ،‬‬
‫‪ -‬جامل خلوق‪ ":‬الخالقيات و رجل السلطة‪ :‬مقاربة يف البعاد الخالقية ملامرسة همام السلطة ابملغرب" الرشكة املغربية لتوزيع الكتاب‪ ،‬ادلار‬
‫البياا‪. 1023 ،،‬‬
‫‪ -‬عبد احلافظ أدمينو‪ ":‬نظام البريوقراطية الإدارية ابملغرب" أطروحة لنيل ادلكتوراه يف القانون العام‪ ،‬جامعة محمد اخلامس‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرابط‪،‬‬
‫الس نة اجلامعة ‪. 1001/1002‬‬
‫‪ -‬محمد الهيين‪ ":‬دور هيئاتنا الوطنية يف ضامن حاكمة اإدارية واقتصادية فعاةل" ‪،‬حبث مقدم اإىل امللتقى ادلويل حول الإبداع والتغيري التنظميي يف‬
‫املنظامت احلديثة‪ ،‬دراسة ولحليل جتارب وطنية ودولية‪ ،‬املقام يف جامعة سعد حلب البليدة ‪ 22-27‬ماي ‪ .1003‬أنظر الرابط‬
‫التايل ‪:iefpedia.Com. /arab/ ?p‬‬
‫‪ -‬هايل عبد املوىل طشطوش ‪ ":‬المن الوطين وعنارص قوة ادلوةل يف ظل النظام العاملي اجلديد"‬

‫‪48‬‬

You might also like