Professional Documents
Culture Documents
الحكامة االمنية
دالالت مفهوم "االمن" و دالالت توظيف" الحكامة" أية عالقة ؟
فراج عادل
Adil.faraj@gmail.com
الحكامة تتصل بآليات صناعة القرار وتدبير الشأن العام ،1من خالل رؤية استراتيجية تقع بلورتها ويجري
تجسيدها عمليا ،اعتمادا على مق اربة تشاركية بجانب التوفر على نظام توقعي للتعاطي مع مختلف أنواع
ومستويات المخاطر ،حسب معايير تشكل المنظومة المجتمعية فهي قيم متكاملة تؤطر العمل ،وتقود صوب
تحقيق التنمية المنشودة ،كربط المسؤولية بالمحاسبة ،الشف افية والفعالية في األداء ،تدعيم عدم التمركز
اإلداري على صعيد اإلدارة الترابية للدولة ،توطيد الالمركزية الترابية والمرفقية.2
والحكامة تسمية متداولة بصيغ أخرى :الحكم الراشد ،الحوكمة ،القيادية ،3ف ال لبس في اللفظ كما يق ال
مادامت العبرة بالمدلول ،كما نجد من يصر على استعمال المصطلح وفق مرجعيته اللغوية األصلية
""Gouvernace /Governance
وتؤكد دراسة االشتق اق اللغوي لمصطلح الحكامة في ضوء عدد من القواميس أن هذه الكلمة دخيلة
على اللغة العربية ،فهي ترجمة حرفية للكلمة الفرنسية " ،"Gouvernanceألن العديد من المف اهيم قد ال
تكون لها ترجمة حرفية ،تعكس المعنى ذاته أو الدالالت نفسها التي تعكسها اللغة اإلنجليزية أو الفرنسية ،ويعد
مفهوم الحكامة نموذجا جديدا آخرا من هذه النماذج.
وأصل كلمة الحكامة يوناني ،حيث كانت تعني أسلوب إدارة وتوجيه السفينة ،ثم انتق لت إلى اللغة
الالتينية لتستعمل في اللغة الفرنسية القديمة من أجل الداللة على فن أو طريقة الحكم "كمرادف للحكومة" ،كما
ستنتق ل لالستعمال في اللغة اإلنجليزية خالل القرن 41بتسمية " "Governance.وبعد ذلك اختفى اللفظ في
اللغة الفرنسية باعتباره شريكا للنظام القديم ،بيد أنه ظل حيا في اللغة اإلنجليزية يستعمله النبالء ورجال السياسة
والحكام ،ثم تناوله فيما بعد الكتاب والباحثون.
وعلى إثر تطور تاريخي طويل ،شهد مفهوم الحكامة تطورا مف اهيمي ارتبط بسياق بروزه وتداوله
وبدوافع استعماله ،4ففي القرن 41اقتحم المفهوم عالم االقتصاد خاصة في أواخر القرن 41مع ظهور المق اولة
1صالح سامل ،زرنوقة وعبد العزيز شادي" :جتدد القيادة والتمنية يف الوطن العريب" ،مركز دراسات وحبوث ادلول النامية ،القاهرة،1002 ،ص .12
2سلوى شعراوي وأخرون " :اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع" ،مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر ،مطبعة القاهرة ،طبعة ،1002ص.12
3مفاهمي وس ياس يات احلومكة ىف الدبيات العربية والغربية ،دراسة أجريت ابلتعاون بني مركز احلومكة التابع للمعهد القويم ل إالدارة بوزارة التمنية الإدارية وبرانمج ادلميقراطية وحقوق الإنسان بلكية
الاقتصاد والعلوم الس ياس ية جبامعة القاهرة( ،د.ت) ،ص.73-72 ،77-77 ،33-33
4محمد حراكت ":اإصالح املوازنة واحلاكمة املالية يف املغرب العريب" تأليف جامعي /النارش :املركز ادلويل لدلراسات الاسرتاتيجية ،الرابط ،1007ص.7
19
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
الصناعية وتطورها في كل من الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا ،عندما كانت الحكامة تدل على طريقة
تسيير ومراقبة المق اولة ،لتتم بعد ذلك ترجمة عبارة " "Corporat Governanceباللغة االنجليزية إلى
عبارة" " Gouvernance d’entrepriseباللغة الفرنسية .
لكن ينبغي االنتباه إلى كون كلمة الحكامة في اللغة اإلنجليزية مختلفة عن كلمة الحكومة
" ،"Gouvernementف إذا كانت هذه األخيرة سلطة عمومية على رأسها جهاز حكومي يحتكر القرار ،ف إن
الحكامة نظام يتشكل من مؤسسات وقواعد وعالق ات وسلوكيات ،وهو مختلف عن نظام حكومة الدولة.5
إن اقتران الحكامة بالمق اولة كان وراءه دافع البحث عن الترتيبات التي تتيح التدبير األمثل للتنسيق
بين بنيات المق اولة وشركائها والف اعلين في محيطها ،أما الهدف فكان هو الحف اظ على التوازنات داخل هذا
الكيان االقتصادي الذي أصبح يضطلع ببعض الوظائف بدال عن الدولة ،وقد كان االنشغال األكبر آنذاك هو
تنمية الرأسمال المادي عبر تطوير المق اولة الكبرى.6
وفي سياق اندالع الحرب العالمية الثانية زادت اهتمامات أعمال ودراسات االقتصاديين األمريكيين
بحكامة المق اولة ،وعلى وجه الخصوص الباحث األمريكي ". "Ronald Coaseكما حظيت حكامة المق اولة
باهتمام البنك الدولي ،وهنا يشير البعض إلى ظهور المفهوم في أدبيات هذه المؤسسة المالية الدولية أثناء
سنوات الخمسينات من القرن الماضي.
لكن مدلول الحكامة في بريطانيا وفرنسا ،سيأخذ في سنوات السبعينات والثمانينات منحا آخرا يقترب
من داللته في اللغة الفرنسية القديمة تماشيا في تلك الفترة مع إثارة مسألة تجويد تدبير القطاع العام.
وخالل الثمانينات سيبرز من جديد مفهوم الحكامة بقوة في أدبيات البنك الدولي الذي أقحمه في
المجال السياسي ،بعدما أثبتت تجارب التنمية في العديد من دول إفريقيا والعالم العربي أن فشل سياسات
التنمية مرتبط بسالمة طرق ممارسة السلطة ونزاهتها ،والعتبارات تتعلق باستقرار مبدأ السيادة لكل دولة ،كانت
المنظمات والمؤسسات الدولية تواجه صعوبة في التوفيق بين احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية
للدول والحاجة إلى لفت االنتباه إلى أهمية شرعية ونجاعة أسلوب نظام الحكم ،لذا كان سك لفظ جديد منفذا
لتجاوز هذا العائق.7
ومن هنا جاءت مالحظة البنك الدولي في سنة 4111بكون أزمة إفريقيا هي أزمة الحكم الصالح
". "Governance of criseوكانت هذه الخاصية ميزة أكثر منها عيبا ،ألن المنظمات الدولية استطاعت
االختف اء وراء االختالالت لطرح قضايا حقوق اإلنسان والفساد والديمقراطية والمشاركة.
كما تعمقت الدراسات واألبحاث حول أشكال التدبير التي تعتمد على نظريات تحليل السياسات
والتخطيط االستراتيجي وإدارة األعمال كمؤشر لإلصالح والفعالية والمردودية ،استنادا على ميكانيزمات التعاقد
5احلكومة املنفتحة :مفهوم جديد حنو احلمك الرش يد،القاهرة :مركز املعلومات ودمع اختاذ القرار ،سلسةل تقارير معلوماتية ،الس نة اخلامسة ،العدد ( ،)35أغسطس ،)1022ص .7
6محمد غريب" :مفهوم احلمك الصاحل بني مثالية اخلطاب ادلويل وإاكراهات ادلوةل يف اجلنوب" ،منشورات اجملةل املغربية للتدقيق والتمنية ،سلسةل التدبري الاسرتاتيجي العدد اخلامس ،1002 ،ص. 22
7عيل سد جاري ":تصورات من أجل مرشوع حدايث لتحديث الإدارة ابملغرب :تأهيل الإدارة للعوملة "،منشورات البحث يف اجملال والرتاب ،1000،ص .7
20
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
وآليات السوق ،وذلك بعدما كان هناك فصل بين القطاعين العام والخاص بين الدولة أو الجهاز العمومي وباقي
الف اعلين من حيث طريقة التدخالت وميادينها وحدودها وآف اق كل قطاع.8
وال مراء كمحصلة طبيعية أن تجدد تداول مفهوم الحكامة ،تزامن مع التغيير الذي مس طبيعة دور
الدولة ،ف النظرة التق ليدية إليها كف اعل رئيسي في اختيار وحسم القرارات قد تغيرت بحكم تزايد أهمية العامل
الخارجي ،9كما اتضح في ظل العولمة عدم قدرتها على مق اومة الضغوط الدولية ،عالوة على بروز متدخلين
آخرين لهم تأثير ودور مهم في رسم السياسات العامة ،ويتعلق األمر بفعاليات مختلفة االهتمامات واالنشغاالت
الحيوية ،والتي يمكن تصنيفها ضمن خانة مكونات المجتمع المدني والقطاع الخاص ،10وبدورها اإلكراهات
الداخلية المعيقة لتحقيق التنمية الشاملة والمستديمة ،عجلت باكتساح المفهوم لجل مجاالت تدبير الشأن العام
قطاعيا وترابيا ،ف أصبحنا بصدد حكامة أمنية ،حكامة صحية ،حكامة برلمانية ،حكامة جهوية ،حكامة محلية…11
وبإيجاز يمكن القول ،إن مفهوم الحكامة شهد تحركات في الجغرافية والتاريخ ،وفي كل مرة كان
يكتسي حلة مغايرة ،ففي أوربا حيث أصوله يونانية ارتبط بممارسة السلطة والفكر السياسي ،وفي الواليات
المتحدة األمريكية ارتبط بالتدبير واالقتصاد ،أما في النق لة األخيرة ف إن مفهوم الحكامة تبلور وتعمم في شكل
معايير دولية لتحقيق االندماج العالمي ومجابهة التحديات المشتركة بين عالم متقدم وآخر يعيش على الهامش.12
فمادا نقصد بالحكامة األمنية؟
لقد عرف Barry Buzanاألمن بأنه "العمل على التحرر من التهديد" ،وفي سياق النظام الدولي
فهو "قدرة المجتمعات والدول على الحف اظ على كيانها المستق ل ،وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير 13التي
تعتبرها معادية" كما أن األمن يمكن فقط أن يكون نسبياً وال يمكن أن يكون مطلق اً ،وقد ميز Barry
Buzanخمس أبعاد أساسية لألمن:
األمن العسكري :ويخص المستويين المتف اعلين للهجوم المسلح والقدرات الدف اعية ،وكذلك
مدركات الدول لنوايا بعضها.
األمن السياسي :ويعني االستقرار التنظيمي للدول ،ونظم الحكومات واأليديولوجيات التي
تستمد منها شرعيتها.
األمن االقتصادي :ويخص الموارد المالية واألسواق الضرورية للحف اظ بشكل دائم على
مستويات مقبولة من الرف اهة وقوة الدولة.
األمن االجتماعي :ويخص قدرة المجتمعات على إعادة انتاج أنماط خصوصيتها في اللغة والثق افة
والهوية الوطنية والدينية والعادات والتق اليد في إطار شروط مقبولة لتطورها.
8سلوى شعراوي وأخرون " :اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع" ،مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر ،مطبعة القاهرة ،طبعة ،1002ص.2،
9محمد غريب" :مفهوم احلمك الصاحل بني مثالية اخلطاب ادلويل وإاكراهات ادلوةل يف اجلنوب" ،منشورات اجملةل املغربية للتدقيق والتمنية ،سلسةل التدبري الاسرتاتيجي العدد اخلامس ،1002 ،ص.22
10رش يد لبكر ":اعداد الرتاب الوطين ورهان التمنية اجلهوية" ،منشورات عاكظ ،الرابط .1001 ،ص.21
11محمد قامس ":الإصالح الإداري بني النظرية والتطبيق" ،دار وائل للنرش ،عامن ،1022 ،ص.23
12صالح سامل ":جتدد القيادة والتمنية يف الوطن العريب" ،مركز دراسات وحبوث ادلول النامية ،القاهرة ،1002 ،ص.12
13جامل خلوق ":الخالقيات و رجل السلطة :مقاربة يف البعاد الخالقية ملامرسة همام السلطة ابملغرب" الرشكة املغربية لتوزيع الكتاب ،ادلار البياا 1023 ،،ص.203
21
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
األمن البييي :ويتعلق بالمحافظة على المحيط الحيوي المحلي أو الكوني كعامل أساسي تتوقف
عليه كل األنشطة اإلنسانية.
لكن الفرنسي Dario Battistellaيرى في تعريف بوزان تبسيطاً لمعنى تعريف Arnold
Wolfersلعام ،4191الذي نال نوعاً من اإلجماع بين الدارسين ،وهو يرى أن "األمن موضوعياً يرتبط بغياب
التهديدات ضد القيم المركزية وبمعنى ذاتي ،فهو غياب الخوف من أن تكون تلك القيم محور هجوم" و
تتمثل ب " بق اء الدولة ،االستق الل الوطني ،الوحدة الترابية ،الرف اهة االقتصادي ،الهوية الثق افية ،الحريات
األساسية".
اما المقصود بالحكامة األمنية في هذا المق ام ،فهي الحكامة األمنية الجيدة ،التي تحول المرفق من أداة
هيمنة ،إلى مؤسسة في خدمة الجميع باسم الق انون وتأسيسا على الشرعية ،كما تعرف الحكامة االمنية بأنها ذلك
المسلسل الديمقراطي في اتخاذ القرار و التنسيق و المساءلة الجماعية ،و الذي يتم إقراره من قبل الشرطة
والمؤسسات السياسية و المجتمع المدني بهدف تدبير فعال لألمن.14
يتبين إدن أن الحكامة األمنية ال تكتمل إال بتكامل عمل الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص
والمجتمع المدني وتكريس ثق افة الحكامة بالمشاركة والمحاسبة ،فبفضل الديمقراطية التي تعمل بالمساءلة
السياسية واإلدارية للمسؤولين عن سوء تأديتهم لوظائفهم وإدارتهم للموارد العامة وحماية الشأن العام من
التعسف واستغالل السياسيين لمواقعهم وحماية الملك الخاص من االعتداء لضمان حياة كريمة لإلنسان والمواطن
والجماعات داخل الدولة يتم ضمان استمرارية دولة الحق والق انون.
وبخالف العديد من الدول العربية التي لم تطرح فيها إشكالية الحكامة األمنية 15إال بعيد حراك الربيع
العربي ،كمصر وتونس وليبيا وغيرها ،عملت المملكة المغربية في استراتيجياتها على تنزيل نموذج يحتذى به
بعيدا عن أي توترات سياسية أو أمنية ،وقد تم التأسيس لهذا النموذج مند 16
في مجال الحكامة األمنية
الخطاب الملكي السامي الذي الق اه جاللة الملك محمد السادس بالدار البيضاء بتاريخ 41أكتوبر 4111أمام
مسؤولي الواليات والعماالت واألق اليم حول اعتماد مفهوم جديد للسلطة حيث ق ال جاللته " :ونريد في هذه
المناسبة أن نعرض لمفهوم جديد للسلطة وما يرتبط بها ،مبني على رعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية
والحريات الفردية والجماعية وعلى السهر على األمن واالستقرار وتدبير الشأن المحلي والمحافظة على السلم
االجتماعي وهي مسؤولية ال يمكن النهوض بها داخل المكاتب اإلدارية التي يجب أن تكون مفتوحة في وجه
المواطنين ولكن تتطلب احتكاك مباشرا بهم ومالمسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان وإشراكهم في إيجاد
الحلول المناسبة والمالئمة ".17
14دانيال اكومفان ":اخلرافات واحلقائق املرتبطة ابإدارة احلمك والفساد" مضن املشاريع ادلولية ملاكحفة الفساد وادلعوة ل إالصالح الس يايس والاقتصادي يف القطار العربية املنظمة العربية ملاكحفة الفساد
، 1005ص. 23.
15حسن الطوالبة" :نظام المن امجلاعي بني النظرية والتطبيق" ،عامل الكتب .احلديث ،اربد،1003 ،ص.13
16عيل عباس مراد ":مشالكت المن القويم" ،العدد ، 20مركز المارات لدلراسات والبحوث الاسرتاتيجية .ص.21
17عبد العزيز أرشيق ":احلاكمة اجليدة – ادلولية – الوطنية وامجلاعية ومتطلبات الإدارة املواطنة " ،مطبعة النجاح اجلديدة ،ادلار البياا ،،الطبعة الوىل 1002ص. 2
22
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
تلته مبادرات أخرى كانت بمثابة إشارة قوية على أنه ال محيد على تطبيق حكامة أمنية واعدة
بالمغرب أساسها التأطير الق انوني والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق اإلنسان ،ولعل أهم هذه المبادرات
التي نادى بها كذلك جاللته كانت بمناسبة الذكرى 94لإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة 1222حيث جاء
فيها " :ما فتينا ندعو منذ تولينا عرش أسالفنا المنعمين بالتزامنا باحترام حقوق اإلنسان وضمان الحريات الفردية
والجماعية في إطار دولة الحق والق انون ،ومالبتنا أن دعونا الى مفهوم جديد للسلطة تكون في خدمة المواطن
قريبة من همومه وحاجياته في عالقة ال تربطها الرغبة أو الرهبة ولكن االحترام المتبادل والمتكامل بين الحاكمين
والمحكومين ".
هذا وقد تلت هاتين المحطتين محطة ثالثة تتعلق بهيية اإلنصاف والمصالحة التي دعت في توصياتها
الى ضرورة تبني حكامة امنية رشيدة كفيلة بإعطاء ضمانات إيجابية لألفراد ضدا عن التجاوزات التي عرفتها
المرحلة سابق ا.
ومن تم أصبحت الحكامة األمنية تشكل رهانا حقيقيا لدى الدولة المغربية حيث أصبحت تتعاطى معها
في إطار مبادئ كونية وق انونية تسعى من خاللها الى تعزيز وتحصين المسار الديمقراطي للمملكة التي رتبت
أولوياته في حماية حقوق اإلنسان واحترامها من خالل ضمانات دولة مغربية جعلت شعارها الحق والق انون وااللتزام
بمفهوم جديد للسلطة كفيل باحتضان مبادئ حكامة أمنية جيدة.
ومن بين العوامل التي مهدت لفتح نق اش عمومي غير مسبوق حول الحكامة األمنية بالمغرب في اآلونة
ورغبة الدولة األكيدة في التطور والنماء وتجاوز 18
األخيرة ،هو انفتاح المغرب على محيطه الدولي واإلق ليمي
مخلف ات الماضي ،وكذا االجماع الوطني واقتناع جميع الف اعلين وإيمانهم بأن " األمن " أصبح حق ا من حقوق
اإلنسان األساسية ،ومن المحددات االساسية في مجال التنمية اإلنسانية الشاملة ،خاصة و أن النظريات االقتصادية
المعاصرة جد مقتنعة بالعالقة الجدلية بين األمن والتنمية ،إذ ال يمكن تصور تحقيق أية تنمية بال أمن وال أمن
بدون تنمية ،ولهذا السبب بالذات أصبح الشأن األمني في صلب االنشغاالت االجتماعية خاصة مع تطور حقوق
اإلنسان التي جعلت من الفرد محور اهتماماتها.19
الفقرة االولى :ماهية الحكامة االمنية
مما ال شك فيه ،أن مكونات وهياكل ومهام وكذلك أهداف االجهزة األمنية ،قد تختلف بحسب تصورنا
وإدراكنا لمفهوم "األمن ذاته" ،فهو كمفهوم يصعب تحديده ،وإعطاء معنى محدد وشامل له ،ولو من الناحية
النظرية ،وهذا راجع إلى تعدد استعماالت هذه العبارة وما أصبحت تحمله من معان في قطاعات متباينة ،إذ إن
الحديث عن األمن قد ينتق ل بنا من أمن المجتمع أو الدولة إلى أمن األشخاص أو األمن الفردي ،ومن األمن
الخارجي والدف اع الخارجي إلى األمن الداخلي ،ومن األمن الغذائي أو الصحي أو البييي إلى األمن الحضاري أو
الثق افي أو اإلعالمي ..
18منري شفيق ":النظام ادلويل اجلديد وخيار املواهجة "،النارش للطباعة والنرش والتوزيع2225 ،ص.71
19حسن طارق ":هيئات احلاكمة يف ادلس تور ،الس ياق -البنيات -الوظائف" ،اجملةل املغربية ل إالدارة احمللية والتمنية ،سلسةل مؤلفات وأعامل جامعية ،1025 ،العدد. 2
23
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
وبصفة عامة ،يبقى اإلنسان من إشباع حاجاته الغريزية التأمين على حياته ومعيشته ،ثم يسعى الى البحث
عن حاجيات أسرته ،وعليه ف إن أمن الفرد ،هو أساس أمن أسرته ،التي هي النواة األساسية ألمن المجتمع ،وبالتالي
أمن الدولة.
فتحقيق أمن "االستقرار" رهين بتحقيق أمن تراتبية طبق ات المجتمع ،وقد ظهر مفهوم األمن الوطني،
الذي يطلق عليه ،حاليا تسمية األمن القومي "كفكر" ،مع معاهدة "وستف اليا" ،التي وضعت حدا لحرب استمرت
زهاء ثالثين سنة بين الدول الموالية للكنيسة والمدافعة عن بق اء الدول تحت لوائما ،والدول التي تنادي
بالحرية الدينية واالستق الل عن نفوذ الكنيسة.
كما ورد مصطلح األمن القومي في فرنسا أواخر عهد الملك لويس الرابع عشر الذي حكم من - 4149
، 4411واستهدف ،في أبسط معانيه" ،منع الجار من أن يكون قويا جدا" ،ليس فقط التق اء شره ،فحسب وإنما
صيانة للنفس وصيانة للجيران األخرين ،كما أن إمبراطورة روسيا "كاثرين الثانية" وضعت مبدأ عدم قبول دولة
قوية على حدود روسيا الجنوبية ،وال يزال المبدأ أحد عناصر اإلدراك المباشر لألمن القومي الروسي حتى الوقت
الحاضر.
أما مفهوم األمن كمصطلح سياسي له تنظيمه المؤسساتي ،فقد ارتبط ظهوره بصدور ق انون األمن
األمريكي لعام ،4111ومنذ ذلك التاريخ بدأ تداول المصطلح في أدبيات مختلف األمم.
ويقول األكاديمي األمريكي "باري بوزان " المهتم بشؤون األمن األمريكي يبقى هذا المفهوم عصيا
على الصياغة الدقيقة ،بحيث يكتنفه الغموض لدى تعريفه ،لكنه يبقى بالغ الداللة ،ألن غياب التحديد الدقيق،
يوفر لنخبة السياسية والعسكرية هامشا واسعا للتنظير اإلستراتيجي والستخدام القوة .ويعرف األمن بأنه "العمل
على التحرر من التهديد ،وفي سياق النظام الدولي فهي قدرة الدولة والمجتمعات على الحف اظ على كيانها
المستق ل وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية ،أما األمن القومي فهو قدرة الدولة على
الحف اظ على هويتها المستق لة ووحدتها الوظيفية.
و ينظر إلى االمن كمفهوم استراتيجي في العالق ات الدولية على "أن ال أحد آمن بالكامل ،وال يمكنه أن
يكون كذلك ،ف الحوادث ممكنة والموارد قد تصبح شحيحة ،وقد يفقد الناس عملهم وتبدأ الحروب" .واألكيد
هو الحاجة إلى اإلحساس باألمن باعتباره قيمة إنسانية أساسية ،وشرطا مسبق ا لنتمكن من العيش بشكل محترم.
في حين تعرف دائرة المعارف البريطانية ،األمن القومي بأنه حماية األمن من خطر القهر ،على يد قوة
أجنبية ،وتعرفه دائرة معارف العلوم االجتماعية بأنه "قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديدات
الخارجية".
أما تعريف أرنولد ولفيرز Wolfersفيقول بأن "األمن الوطني يعني حماية القيم ،التي سبق
اكتسابها ،وهو يزيد وينقص حسب قدرة الدولة على ردع هجوم ،أو التغلب عليه" ،غير أن المفهوم الجوهري
لألمن يضل دائما هو عدم الخوف واإلحساس بالطمأنينة واالستقرار ،أما المفهوم الشكلي لألمن فيضل يرتبط ،
ببعض العناصر المتغيرة ،موضوع اختالف أو اتف اق ،وفق ا للمتغيرات االجتماعية ،االقتصادية والسياسية.
24
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
في حين يرى لورنس کروز Lorenz Cruzأن األمن هو "غياب التهديد بالحرمان الشديد من
الرف اهية االقتصادية .أما تعريف مركز الدراسات االستراتيجية للقوات المسلحة المصرية ،فيعرفه بأنه عملية
"محلية مركبة ،تحدد قدرة الدولة على تنمية إمكانياتها وحماية قدراتها على كافة المستويات ،وفي شتى
المجاالت ،من األخطار الداخلية والخارجية ،من خالل كافة الوسائل المتاحة ،والسياسات الموضوعة بهدف تطوير
نواحي القوة ،وتطويق جوانب الضعف في الكيان السياسي واالجتماعي للدولة ،في إطار ف لسفة قومية شاملة،
تأخذ في اعتبارها كل المتغيرات الداخلية واإلق ليمية والدولية.
نستشف مما سبق أن ايجاد تعريف جامع مانع للحكامة االمنية 20يقتضي اوال تحديد مفهوم االمن بشكل
دقيق ومحاولة فهم المق اربات االمنية السائدة ،حتى يتسنى لنا تحديد مفهوم الحكامة في عالقتها بالشأن االمني
بشكل موضوعي .
20رضوان اجملديق " :احلاكمة اجليدة ابملغرب " ،طوب بريس ،الرابط ،الطبعة الوىل ،1023 ،ص .252
21سلوى شعراوي وأخرون " :اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع" ،مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر ،مطبعة القاهرة ،طبعة ،1002ص32
25
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
سلم من ه ،وك ذلك يق ال ،أم ن ف الن عل ى ك ذا أي وث ق ب ه وجعل ه أمين ا علي ه ،وه ي هن ا تعن ي االطمينان بان
الشيء في حرز وحماية من الخطر .
وق د وردت كلم ه األم ن ف ي مواض ع كثي رة ف ي الق ران الكريم ،أبرزه ا قول ه تع الى ":ال ذي
أطعمه م م ن ج وع وآم نهم م ن خ وف " ،22وكذلك قوله تعالى "ادخلوها بسالم آمنين" 23أم ا المعن ى االص طالحي
لألم ن فه و :ذل ك الظ رف ال ضروري لنم و الحي اة االجتماعية وازدهاره ا وه و ال شرط األساس ي لنج اح أي وج ه م ن
أوج ه الن شاط الب شري ،ب ل أن ه م ن ال زم الضروريات لحف ظ كي ان الدولة وتأكيد استق اللها.24
وقد عرفت دائرة المعارف البريطانية األمن بأنه ":حماي ة األم ة م ن خط ر القه ر على يد قوة أجنبية ".
أما "هنري كيسنجر" فقد عرفة بأنه "أي تصرف ات يسعى المجتم ع ع ن طريقه ا إل ى حف ظ حق ه ف ي البق اء" .و
أعتبر "ماكنم ار" وه و اب رز م ن نظ ر لمفه وم "األم ن " وربط ه م ع التنمية بعالق ة ترابطية ع ضوية حي ث ق ال ":إن
األم ن يعن ي التط ور والتنمية س واء منه ا االقتصادية االجتماعية او ال سياسية ف ي ظ ل حماي ة م ضمونة" ،وأضاف
":إن األم ن الحقيقي للدول ة ينب ع م ن معرفته ا العميق ة للم صادر الت ي ته دد مختل ف ق دراتها ومواجهته ا إلعط اء
ولع ل ه ذا 25
الفرص ة لتنمية تل ك الق درات تنمية حقيقية في كافة المجاالت سواء في الحاضر او المستقبل
التعريف يك ون أكث ر ص الحية لمفه وم "األم ن ال وطني – الق ومي" للدول ة ،26وق د ق سم بع ض الباحثين مفهوم
األم ن إل ى نوعان أو شكلين هم ا: 27
-األم ن ال سلبي :وال ذي يعن ي قي ام اإلن سان باتق اء ال شر ،وه و ام ن اإلن سان الن اتج م ن الخ وف
م ن الع دوان والظل م والفق ر والجه ل والم رض..،
-أم ا الجان ب األخ ر فه و األم ن اإليجابي :وال ذي يتمث ل ف ي س عي الم رء الم ستمر والمتواص ل
للح صول عل ى حقوق ه وتحسين أحوال ه وتأمين م ستقبله.
عل ى أن الشكلين مت صالن ات صاال وثيق ا ،فهم ا وجه ان لعمل ه واح دة ،وغايتهما واح دة وه ي الع يش
بسعادة وامن وسالم ،ويقسم األمن من وجهه نظر موضوعية إلى قسمين هما :
-األمن العام "الشامل" :ويشمل كاف ه ف روع ومن احي الحي اة مث ل األم ن االقت صادي ،االجتماعي
،السياسي ،الثق افي ،اإلعالمي والعسكري...الخ.
-األم ن الخ اص :وه و المعن ي بعل وم األم ن ،وي شمل ام ن األف راد وام ن المعلومات وامن
المكان وامن المؤتمرات ...الخ . 28
أما من الناحية الجغرافية ف أن األمن يقسم إلى األقسام التالية :
-األمن القومي الوطني :هو المعني بالدرجة األولى بأمن الدولة.
22قريش ٤
23احلجر "٤٤
24عبد الباري درة ":الساس يات يف الإدارة املعارصة" ،دار وائل للنرش ،الردن الطبعة الثانية،2012 ،ص.21
25رضوان اجملديق ":احلاكمة اجليدة ابملغرب" ،طوب بريس ،الرابط ،الطبعة الوىل 2013،ص. 23
26فايز محمد ادلويري " :المن الوطين " ،دار وائل للنرش ،الطبعة ،1023ص. 53
27فايز محمد ادلويري ":المن الوطين" ،دار وائل للنرش ،الطبعة ، 2013 .ص. 17
28سلوى شعراوي وأخرون " :اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع" ،مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر ،مطبعة القاهرة ،طبعة ،1002ص،22
26
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
29حـسن عبـد هللا العايـد ":دور الثقافـة فـي التمنيـة والمـن مـا بعـد العوملـة" ،مـؤمتر التمنيـة والمـن فـي الوطن العريب ،أاكدميية انيف العربية للعلوم المنية ،الرايض ،1002ص.37
30صاحل بن سعد املربع " :القيادة الاسرتاتيجية ودورها يف تطوير الثقافة التنظميية ابلهجزة المنية" ،جامعة انيف العربية للعلوم المنية ،الرايض ،الطبعة الوىل،2012،ص.72
31عيل عباس مراد" :مشالكت المن القويم" ،العدد ، 20مركز المارات لدلراسات والبحوث الاسرتاتيجية،ص. 13
32عطا زهرة " :يف المن القويم" ،ص. 27
27
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
ن سبيا حي ث ظه ر مع بداية والدة الدول ة القومية ف ي أوروب ا أي بع د معاه دة وس تف اليا ،الت ي بموجبه ا تغي ر
ش كل النظ ام ال دولي وب داية حقب ة جدي دة م ن حي اة الع الم .
بعض الدول ،يتماث ل ل ديها المفه وم اللغ وي للفظ ي "وطن ي" ،و"ق ومي" ،فتطل ق اس م األم ن الق ومي،
عل ى أمن الدولة ،وأمن مجموعة دول كذلك ،من دون تفرقة .ف ال يعن ي ل ديها األم ن الق ومي أي م دلول عل ى
ي تخ ص "ب األمن ال وطني" مفهومه ا ألم ن
قومية ب ذاتها .ببنما تف ضل دول أخ رى الف صل ب ين التسميتين ،فه ّ
نف سها ٕ "الدول ة" واجراءاته ا للحف اظ عل ى كيانه ا وم صالحها ،33ف ي ح دود م ا ت سمح ب ه ق دراتها .بينم ا تعن ي
"ب األمن القومي" أمن مجموعة من الدول ،ذات مصلحة مشتركة ،وما تنفذه من معاهدات وتنظيمات لوق اي ة
م صالحها المشتركة ،حماية لها ض د الغي ر .وف ي ك ال المفهومين ،ف إن مراع اة المتغيرات الخارجية الدولية
واإلق ليمية تكون محل االعتبار.
وي ضيف بع ض الدارسين تحل يال جوهري ا ،للتفري ق ب ين األم ن ال وطني .واألم ن الق ومي ،فيعن ي األول
األم ن ال وطني ،ف ي مفهوم ه دول ة واح دة ،بينم ا يعن ي المفه وم الث اني األم ن الق ومي لع دة دول م شتركة ف ي
صفة أو مصلحة .34
بظه ور فك ر التن وير وبداي ة النه ضة العلمي ة وال صناعية ف ي أوروب ا ،و الظ روف ال سياسية واألمنية
الت ي عاش تها أوروب ا تف سر لن ا س بب ظه ور ه ذا الم صطلح ،وك ذلك ف ان رغب ة ك ل دول ة ف ي الحف اظ عل ى
جغرافيته ا وس كانها ومق دراتها الوطنية وخوفه ا الكبي ر م ن جيرانها ه و م ا ع زز مفه وم األم ن ال قومي وزداد
تطورا وانتعاشا .أما االستخدام الرسمي لمصطلح األمن الوطني فكان في نهاية الحرب العالمية الثانية ع ام4111
،عن دما أن شأ األمريكيون هيي ة رس مية ،س ميت "مجل س األم ن الوطني األمريكي" وال ذي اس ند ل ه بح ث كاف ة
األم ور واألح داث ،الت ي تم س كي ان األمة األمريكية ،وتهدد أمنها .
أم ا األم ن ال وطني م ن حي ث التعريف فق د تع ددت وتنوع ت التعريف ات الت ي قدمت فيه وذلك
باختالف الباحث من حيث الثق افة والبيية والزاوية الت ي نظ ر منه ا له ذا المفه وم وك ذلك م ن حي ث الخلفية
األكاديمية والخب رة العملي ة ،حي ث نج د تعريف األش خاص ال ذين عمل وا ويعمل وا ف ي مج ال األم ن وم ا يتبع ه
م ن مواف ق يختلف ع ن تعريف الباح ث األكاديمي ال ذي ل يس ل ه عالق ة عملية ب األمن ،ولك ن يب دو أن القواس م
الم شتركة أيضا تجم ع الجميع وتجب رهم عل ى االلتق اء عن د نقط ة واحدة ف ي أفك ارهم وت صوراتهم لتعريف "األم ن
ال وطني" كمفه وم ،35وال ش ك أن ه ذا دليل صحة واثراء للفكر يؤدي بالق ارئ إل ى غنى فك ري وذهن ي
ويث ري معلومات ه بكم كبير من األفكار المعرفية والتصورات الذهنية حول الموضوع.
فنظ رة المدرس ة الغربية لألم ن ال وطني تختل ف وب ال ش ك ع ن نظ رة المدرس ة الشرقية الت ي ك ان
يتبناه ا االتح اد السوفياتي ال سابق وال دول الت ي كان ت ت سير ف ي ف ل ك المنظوم ة الشيوعية ،وك ذلك ف ان
التعريف ات والدراس ات الخاص ة به ذا المفه وم في مناطق العالم الثالث 36لها أسس وقواعد تنطلق منها ،ولعل
33محمد حراكت " :الاقتصاد الس يايس واحلاكمة الشامةل" ،مطبعة املعارف اجلديدة ،طبعة 2010،ص. 13
34سعيد جفري "،احلاكمة وأخواهتا مقاربة يف املفهوم ورهان الطموح املغريب"،الرشكة املغربية لتوزيع الكتاب ،ادلار البياا ،،الطبعة الوىل، 2010،ص. 21
35يف هذا املعىن ،راجع محمد عزت جحازي ،الابط الاجامتعي ...السس اليت يقوم علهيا والدوات اليت يعمل من خاللها ،جمةل المن العام املرصية ،العدد ، 6ص. 34
36رش يد السعيد وكرمي حلرش ":احلاكمة اجليدة ابملغرب ومتطلبات التمنية البرشية املس تدامة" ،مطبعة كوب بريس الرابط ،الطبعة الوىل، 2009،ص. 21
28
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
ذلك يرج ع إل ى الق يم العليا الت ي ي ؤمن به ا المجتم ع والت ي ي سعى وبك ل م ا أوت ي م ن طاق ه للمحافظ ة عليها ،
ولكن يبدو أن تعريف ات "األمن القومي" تسير وفق اتجاهان وذل ك ح سب ما يقول الخبراء االستراتيجيين وهما:
-4االتجاة التق ليدي :
ال ذي ي رى أن األم ن الق ومي ه و ق درة الدول ة عل ى دح ر أي هج وم ع سكري عليها وبالتالي ف ان
األمن العسكري هو ك ل ش يء بالن سبة لمفه وم األم ن الق ومي للدول ة وهن ا ي سيطر المفه وم الع سكري لألم ن
ع ادة عل ى سياسات الدول ،وه ذا االتجاه يق دم األم ن ال وطني عل ى أس اس ان ه القيم ة األعل ى واألس مى في
الدولة ،وه و م ا أس ماه "ادم س ميث "مأزق االختيار بين الرخاء والدف اع ،وبالتالي وبناءا على هذا التعريف ف ان
العالق ات الدولية كانت تسير وفق األسس التي ترى أنها عالق ات مبنية على الق وة العسكرية وان النظ ام ال دولي
ق ائم عل ى ه ذا األس اس ،ل ذلك ف ان عل ى ك ل دول ة أن تبن ي اس تراتيجيه 37أمنه ا ال وطني عل ى أس اس ع سكري
،وهذه ه ي فك رة النظري ة الواقعي ة في العالق ات الدولية.
-1االتجاه االقتصادي:
يع رف األم ن ال قومي عل ى أن ه ":غي اب التهديد بالحرم ان ال شديد م ن الرف اهي ة االقتصادية " ،وم ن
ض من التعريف ات الت ي ت صب ف ي ه ذا االتج اه أيضا ":الت ي ت رى أن األم ن الق ومي ه و الق درة عل ى ص ياغة وح دة
أالم ة ووحدة أراضيها والحف اظ على عالق اتها االقتصادية م ع دول الع الم ب شروط معقول ة "ان ه ذا التعري ف
ج سد ويؤك د عل ى ارتب اط األم ن القومي لل دول بالتنمية االقتصادية ووس ائل تحقيقها " ،وه ذا االتج اه خلقت ه
الظ روف واألزم ات االقتصادية الت ي عان ت منه ا البشرية ف ي فت رة م ن الفت رات كأزم ة ال نفط ع ام 4111مم ا
دف ع ال دول إل ى اعتب ار أن ت وفر الم واد األولية والم وارد الالزم ة ل صناعتها ورف اهية ش عبها ه و أس اس األم ن
فيه ا ،وه ذا االتجاه س اهم ف ي قي ام ال دول الكب رى والعظم ى بالبح ث ع ن الوس ائل الت ي ت وفر األم ن االقت صادي
لمواطنيها حت ى ول و ك ان ذل ك ب اللجوء إل ى الق وة ،ولع ل الظ روف الت ي عاش ها الع الم ف ي العق د األخير م ن
الق رن العشرين ت صدق ه ذا ال زعم ،حي ث ب ذلت الوالي ات المتح دة أق صى م ا38تملك من طاق ات وقدرات في
سبيل حصولها على موطئ قدم ف ي من ابع ال نفط ف ي الخليج العربي وما يجاوره من مناطق لها أهميتها االقتصادية
على المدى البعيد.
وه و ال ذي فرض ته معطي ات الواق ع ال دولي المع اش باإلضافة إل ى التغيرات الت ي أص ابت النظ ام
الع المي وتغي ر ش كله م ن ثن ائي القطبية إل ى آح ادي القطبية ته يمن في ه ق وة واح دة عل ى ك ل مجري ات األم ور
،وق د ك ان النهيار االتح اد ال سوفياتي اكب ر األث ر ف ي تغي ر مفه وم األم ن الق ومي أو ال وطني خاص ة إذا م ا
37سلوى شعراوي وأخرون " :اإدارة شؤون ادلوةل واجملمتع" ،مركز دراسات واستامثرات الإدارة العامة جامعة الازهر ،مطبعة القاهرة ،طبعة ،1002ص. 32
38علــي المنريي ":المـــن واخملـــابرات " ،الـــدار الــسودانية للكتـــب ،اخلرطــوم ،ط،2222 ، 2ص. 23
29
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
علمن ا أن األس باب الرئيسية الت ي أدت إل ى انهيار االتح اد ال سوفياتي ل م تك ن عسكرية أو سياس ية فح سب ،ب ل
إن األس باب االجتماعية واالقتصادية لعب ت الدور األكبر في هذا االنهيار ،مم ا جع ل األفك ار واألنظ ار تتج ه ف ي
ه ذا المج ال نحو أن واع جدي دة م ن األم ن ال تق ل أهمية ع ن األم ن الع سكري ال ذي يعتم د عل ى اآلل ة العسكرية
فق ط ،مث ل :األم ن االجتم اعي واألم ن االقت صادي واألم ن الثق افي ،واألمن البييي...الخ .وكذلك ف ان هذا
االتجاه مت أثر أيضا بالتغيرات الت ي ح دثت ف ي الع الم وظه ور مفهوم العولمة ،وتوسع مفهوم السوق وبدء
الحديث عن األمن اإلن ساني الع المي الجماعي والذي يعتبر أن العالم يشترك مع بعضه البعض في بناء مجتمعي
واح د. 39
مم ا جع ل مه ددات األم ن عالمية وتتطل ب حل وال عالمية م شتركة وبالت الي نق ل المفه وم م ن معن اه
الضيق إل ى مفه وم أكث ر ات ساعا ،حي ث ت م وض ع األم ن الع سكري ض من إط ار مجتمع ي ي شمل الجوان ب
االجتماعية ،اقتصاديه ،سياس ية ،ثق افي ة وبييي ة ....ال خ ،وه ذا م ا قدم ه "ماكنم ارا" ال ذي اعتب ر أن مفه وم األم ن
تختص ب ه جمي ع أجه زة الدول ة ب دون اس تثناء وت شترك في ه بك ل طاق اته ا وامكاناته ا ويشمل ميادين مختلفة،
40
وي رى خب راء األم ن الق ومي المتخص صون أن األم ن أص بح وف ق ه ذه االتجاهات يشير إلى بعدين هما :
ارتباط األمن القومي بالتنمية ،وهو ما أك د علي ه كثي ر م ن الباحثين أمث ال ماكنمار وجبرائيل -
الموند :حي ث ي ربط ماكنم ار ب ين األم ن والتنمية ب شكل ق وي فيق ول ":إن األم ن الق ومي ه و
التنمي ة وب دون التنمي ة ال يمك ن أن يوج د أم ن،41وأن ال دول الت ي ال تنم و بالفع ل ال يمك ن أن
تظ ل آمن ه" وأن األم ن والتنمية وجه ان لعمل ة واحدة ".وهذا ما أكد عليه بعض الباحتين
المعاصرين أمث ال جبرائي ل المون د ،حي ث يق ول " أن األم ن ل يس فق ط المع دات العسكرية وال
الن شاط الع سكري وال القوة العسكرية وان ك ان األم ن ي شملها جميعا إال أن األم ن ه و التنمي ة،
وب دون ٕ التنمية وخصوصا في الدول النامية ال يمكن أن يكون هن اك أم ن واس تقرار على
اإلطالق.42
-ارتب اط األم ن الق ومي باستراتيجية األم ن الت ي ت ضعها الدول ة لحماي ة نف سها والت ي تتعل ق بق درة
الدول ة العسكرية والمادي ة م ن اج ل حماي ة قيمه ا الذاتية م ن التهديدات أي ا ك ان م صدرها،
ولعل ه م ن ب اب التن وع المعرف ي أن ن ذكر هن ا جمل ه من التعريف ات التي تناولت "األمن القومي "
والتي من خالله ا ن رى م ا ه ي الزاوية التي ينظر كل باحث من خاللها إلى هذا المفهوم.
39يزيد صايغ ":معاالت الاصالح :ضبط الامن يف املراحل الانتقالية يف ادلول العربية" ،مركز اكرنيجي للرشق الاوسط 30 ،مارس ، 2016ص. 13
40عبد الوهاب محمد اجلبـوري ":حول مفهوم المن القويم العرايق ومركزاتـه الاسرتاتيجية" ،صـحيفة دنيـا الوطن الالكرتونية ،ص.13
41يزيد صايغ ":اصالح دوةل الامن العربية" ،مركز اكرنيجي للرشق الاوسط 30 ،مارس، 20ص. 32
42معر عاشور ":امتام املهمة :اصالح قطاع الامن بعد الربيع العريب" 28 ،ماي.1020ص. 23
30
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
عرفه ما كنمار بأن ه ":ه و م ا تق وم ب ه الدول ة أو مجموع ة ال دول الت ي ي ضمها نظ ام جم اعي واح د م ن
إج راءات ف ي ح دود طاقته ا للحف اظ عل ى كيانه ا وم صالحها ف ي الحاض ر والم ستقبل م ع مراع اة المتغيرات المحلي ة
والدولية ،وي ضيف إل ى ذل ك قول ه ":إن األم ن ل يس المع دات العسكرية التي 43يت ضمنها ول يس الق وة
العسكرية وان ك ان يحتويه ا وه و ل يس النشاط العسكري وان كان يشمله" .
أم ا دائ رة المع ارف البريطانية فق د ق دمت تعريف ا لألم ن الق ومي ج اء في ه "األمن القومي يعني حماية
األمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية " .
ويع رف هن ري كي سنجر األم ن الق ومي بأن ه " ت صرف ات ي سعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في
البق اء " .أن األم ن ه و مق درة الدول ة عل ى حماي ة قيمه ا الداخلية م ن التهدي دات الخارجية ،إن ه اإلج راءات
الت ي تتخ ذها الدول ة للحف اظ عل ى كيانه ا وم صالحها ف ي الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الدولية.
وي رى آخ رون إن األم ن ال وطني :ه و إن يك ون القط ر ض من ح دوده بعيدا ع ن أي تهدي د يع رض وج وده
للخط ر ب صورة مباش رة أو غي ر مباش رة ،ويرى بعض الباحثين أن األمن الوطني قد يتحقق في الحاالت التالية:
43للمزيد من التفصيل حول هذا املوضوع ميكن الرجوع اإىل :امحد العمرات ،المن والتمنية ،عامن 2 ( ) ،٣٠٠٢.ندا ،الرشيقي ،مصدر سابق ،ص ) ٢. ) ٩٢١جابرئيل املوند( ،الس ياسات
املقارنة يف وقتنا احلارض) ،مصدر سابق ،ص٣٢. ٤٤
44ادلس تور املغريب 1022جريدة رمسية عدد 3252مكرر الصادر يف 17شوال 30 - 2231يوليوز 1022
31
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
الق انون والحياد والشف افية والنزاهة والمصلحة العامة .وفي عالقتها بمرتفقيها يؤكد الفصل 156ان المرافق
العمومية تتلقى مالحظات مرتفقيها واقتراحاتهم وتظلماتهم وتؤمن تتبعها .وفيما يخص المبادئ المحاسبية يؤكد
الفصل 154على ان المرافق العمومية تخضع للمحاسبة والمسؤولية والفصل 494على انها تقدم الحساب عن
تدبيرها لألموال العمومية طبق ا للقوانين الجاري بها العمل وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم .كما ينص
الفصل 158على ان كل شخص يمارس مسؤولية عمومية منتخبا او معينا يجب ان يقدم تصريحا كتابيا بالممتلكات
واألصول في حيازته بمجرد تسلمه لمهامه وخالل ممارستها وعند انتهائها .وفي أطار المحاسبية ينص الفصل
160على ان المؤسسات والهييات المشار اليها في الفصول 161الى 170من الدستور والتي تعمل في مجال
والحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديموقراطية التشاركية تقدم تقريرا عن
اعمالها مرة واحدة في السنة على األق ل والتي تكون موضع مناقشة من قبل البرلمان.
45عبد العزيز أرشيق ":احلاكمة اجليدة – ادلولية – الوطنية وامجلاعية ومتطلبات الإدارة املواطنة " مطبعة النجاح اجلديدة ،ادلار البياا ،،الطبعة الوىل 1002ص . 125
46عيل سد جاري ":تصورات من أجل مرشوع حدايث لتحديث الإدارة ابملغرب :تأهيل الإدارة للعوملة «منشورات البحث يف اجملال والرتاب 1000ص . 7
47محمد موين ،عامد أبراكن ":متطلبات احلاكمة يف التمنية الرتابية ابملغرب" مدن الحباث يف الاقتصاد والتدبري العدد الرابع اجلز ،الول ش تنرب،1023،ص. 27
32
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
بالتالي ,ف"مفهوم" الحكامة شأنه في ذلك شأن باقي مف اهيم السيسيولوجيا واالقتصاد وعلوم السياسة
وغيرها ،إنما يصبو لبلوغ مرتبة "األداة العلمية" التي يكون بمقدورها ضبط وتفسير التوجهات الكبرى التي
تحكم تطورات وتحوالت المنظمات كما المجموعات كما نظم الحكم.48
الحكامة تبقى ،على الرغم من هذا التحديد أو ذاك ،من هذا التطلع أو ذاك ،تبقى مصطلحا ال خلفية
مف اهيمية كبرى لديه تذكر ,ليس فقط ألنها لم تخضع بعد لعملية تنظير مجردة أو لكونها تحيل على تخصصات
مختلفة ،متباينة المشارب واألدوات ،ولكن أيضا ألن فضاءها إنما هو مكمن تمطيط وتمديد يبدأ بالفرد في
محليته الضيقة وال ينتهي إال في أحضان العالم الواقعي وربما الفضاء االفتراضي مرورا بما سواهما من مستويات
وسيطة.
ولما كانت كذلك وأكثر ،ف إن مدلولها العام الرائج على األق ل إنما يتغيأ األخذ بعين االعتبار وترجمة
واقع تهميش وتمييع دور الدولة وانفجار مد الشبكات بكل أشكالها وانتق ال الحدود بين العام والخاص والبحث
عن أنماط تنسيق جديدة يكون بمقدورها تمكين العمل العمومي من التكريس" والتجدير في الزمن
والمكان.49
إنها تتطلع إلى التذكير ب"حقيقة" التحوالت التي تطال االقتصاد والمؤسسات والبنى االجتماعية
والمصالح الق ائمة...وما سواها مجتمعة.
بناءا على ذلك ،ف إن إشكال أطروحة الحكامة إنما هو كامن في فشل سبل العمل والتنسيق التي كانت
الدولة ق ائمة عليها إلى حين عهد قريب ،مستبعدة في ذلك "مجهودات" القطاع الخاص ومساهمات مكونات
ا لمجتمع المدني وطموح األفراد والجماعات في شتى أشكال تكتالتهم المحلية أو الجهوية أو ذات الخلفيات
المختلفة األخرى.
يبدو األمر من هنا أن الحكامة ،بتركيزها على ذات المستويات ،إنما تساءل الديموقراطية الق ائمة
ببعديها السائدين التمثيلي منه كما التشاركي سواء بسواء.
ال تكتفي المؤسسات المالية واالقتصادية الدولية ،بالمطالبة بالتسيير الجيد والتدبير السليم للشؤون
العامة والذي يترجمه مصطلح "الحكامة الجيدة" بامتياز ،بل وتذهب إلى مستوى إلحاحها على ضرورة تعضيد
ذلك ب"جرعات" من الديموقراطية واحترام حقوق اإلنسان تترجم بمقتضاها قيم المواطنة و"اإلحساس بالمسؤولية"
ومساهمة الغالبية في التدبير إذا لم يكن الملك العام فعلى األق ل ما يعنيه الشأن العام بالجملة قبل التفصيل.
ال تنزع الحكامة من خالل هذا إضافة "جرعات جديدة " إلى معطى الديموقراطية الق ائم "إشراك
الجمعيات ,إقحام دور المنظمات الف اعلة داخل المدن وبهوامشها ،اإلنصات لمطالب التكتالت الحضرية منها كما
48محمد غريب " :مفهوم احلمك الصاحل بني مثالية اخلطاب ادلويل وإاكراهات ادلوةل يف اجلنوب" ،منشورات اجملةل املغربية للتدقيق والتمنية ،سلسةل التدبري الاسرتاتيجي العدد اخلامس،1002 ،
ص.22:
49عبد العزيز أرشيق :احلاكمة اجليدة (ادلولية ،الوطنية وامجلاعية) ومتطلبات الإدارة املواطنة ،الطبعة الوىل ،مطبعة النجاح اجلديدة ،ادلار البياا ،1002 ،ص20 :
33
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
البدوية وما سوى ذلك" ،بل وتتطلع أيضا ظاهريا على األق ل إلى خلق فضاءات عمومية وبناء مجاالت للحوار
والمساهمة يكون للرأي والرأي المخالف له حضور مماثل دونما حجر على رأي هذه الجهة أو تجاهل لتوجه تلك.50
بالتالي ،فبقدر ما تدفع الحكامة بضرورة تسيد قيم التسيير الجيد والتدبير الرشيد للموارد واإلمكانات
المتاحة اقتصاديا واجتماعيا ،ف إنها تدفع أيضا وبالقدر ذاته إلى إلزامية مصاحبة ذلك سياسيا ومؤسساتيا 51،بنظم
في الحكم ال ترتكن إلى تمثيلية الجسد االنتخابي حتى بأسمى صوره وأشكاله،بل وتذهب لحد جعله في ق لب
صناعة القرار إذا لم يكن بالتمثيل الشاسع والواسع ،فعلى األق ل بالتشاور المكثف الذي يضمن التشاركية وال
يقتصر على مستوى االنتداب غير مضمون النتائج والتبعات.52
واآلية من ذلك إنما ضمان شكل من الديموقراطية تشاركي مق ابل الديموقراطية التمثيلية
السائد...الذي يلغي البعد التشاركي ويقصيه إلى حد بعيد حتى بوجود نصوص في الالتمركز والالمركزية قوية
وجريية كما بفرنسا أو بألمانيا أو بغيرهما.
وعلى هذا األساس ،ف الحكامة إنما تضع الديموقراطية التمثيلية "البرلمانية عموما" في محك من أمرها
ليس فقط باعتبارها إياها مركزة آلليات اتخاذ القرار وال لكونها تحتكر "لدرجة االستصدار" سلطة الوالية على
الشأن العام ،ولكن أيضا كونها تحجر على قضايا الشأن المحلي والجهوي التي غالبا ما يكون أمر البث فيها من
صالحيات مجالس منتخبة ،تعمل بمبدأ القرب وال حساب لها تقدمه إال لهذا التجمع السكاني الضيق أو ذاك دونما
حاجة من لدنها أو إكراه إلى وصاية من المركز أو ضرورة ق انونية لطلب استشارته أو االحتماء المسطري بما قد
يصدر عنه.
قد ال يكون القصد من لدن دعاة الحكامة تقويض مرتكزات الديموقراطية التمثيلية ،سيما بالدول التي
لم يتسن لذات المرتكزات أن تتقوى لكنها تقصد حتما تعضيدها بهذه الدول كما بالدول الديموقراطية
بأشكال جديدة من الديموقراطية تدمج رأي ومطلب المحلي الضيق وال تستبعد آراء ومطالب الكوني
الشاسع...المدافع "في إطار التعاون الالممركز تحديدا" على خلق سبل في التضامن بين األفراد والجماعات ،بين
القرى والمدن ،بين الجهات والمجموعات بين تجاذب المصالح والمنافع بين هذه المنطقة من العالم وتلك حتى
وإن كانت مستويات نموها مختلفة لدرجة التباين المطلق.53
من هنا فمبدأ الحكامة الرائج منذ مدة ال يتغيأ فقط زرع بذور الشف افية والعدالة وسيادة مبادئ
الق انون في تدبير قضايا الشأن العام ،54بل وأيضا وبموازاة مع ذلك ،التأكيد على تجاوز ثنائية الدولة
والجماعات المحلية ليطال مختلف أطراف المعادلة الحضري منها كما القروي ،ذي النزعة الفيوية الضيقة كما
50Riadh ZGHAL, " Du gouvernement à la gouvernance : nouveaux défis lancés à l’Etat" in revue marocaine d’audit et de développement, n° 19,
décembre 2004. Ouvrages : Pierre TEISSERENC, les politiques de développement local, collection collectivités territoriales, ECONOMICA,
édition, 2000
51محمد زين ادلين ":احلاكمة :مقاربة إابس متولوجية يف املفهوم والس ياق" ،مضن جمةل مساكل ،العدد ،07مطبعة النجاح اجلديدة ،ادلار البياا،1007 ،،ص35
52احلكومة املنفتحة :مفهوم جديد حنو احلمك الرش يد؛ القاهرة :مركز املعلومات ودمع اختاذ القرار ،سلسةل تقارير معلوماتية ،الس نة اخلامسة ،العدد ( ،)35أغسطس ،)1022ص.2
53موازنة املواطن :تدعمي املشاركة اجملمتعية يف صنع املوازنة العامة لدلوةل ،دراسة أجريت ابلتعاون بني مركز احلومكة التابع للمعهد القوىم ل إالدارة بوزارة ومركز ادلراسات الس ياس ية والاسرتاتيجية
ابلهرام( ،د.ت) ،ص13-12
54جامل محمد سلمي ":معاةل الاختيار :الذامذ الربعة لدلوةل احلديثة" ،جمةل الس ياسة ادلولية ،ملحق اجتاهات نظرية يف لحليل الس ياسة ادلولية ،العدد ،272يوليو ،1021ص-10
34
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
ذي التطلع المحلي األوسع ،المدافع عن المجموعات الهشة اقتصاديا واجتماعيا كما المطالب بصيانة الطبيعة
والبيية وهكذا.
بالتالي ,فنحن بهذه النقطة ،لن نكون فقط إزاء إغناء عابر لمبادئ الديموقراطية التمثيلية التي
تعارفت عليها المجموعات من قبل كما في الوقت الراهن ،بل وأيضا إزاء تجاوز بنيوي للمرتكزات الشكلية التي
بنيت عليها لعقود طويلة خلت...أي إزاء تطعيم ذات المرتكزات وتحصينها بما استجد من أشكال الحكم
والتدبير العام.
يبدو إذن ،على األق ل بناء على ما سبق ،أن الحكامة في صيغها المختلفة ،الحضري/البدوي منها كما
الدوالتي ،الترابي منها كما المركزي ،إنما هي تحد للديموقراطية في شكلها التمثيلي البرلماني
والممركز...ودفعا بتمثالت في الديموقراطية جديدة قوامها األساس المساهمة والتشاركية في صياغة القرار كما
في تنفيذه بأرض الواقع.55
قد ال يبدو األمر بهذه الشاكلة المثالية والطموحة يقول البعض ،ليس فقط باالحتكام إلى مجريات ذات
الواقع ،ولكن أيضا احتكاما إلى محدودية التصور في حد ذاته.
ف الحكامة صنيعة نيو ليبيرالية خالصة صممت شكلها ومضمونها المؤسسات المالية واالقتصادية العالمية
لغايات ال تتطلع من خاللها تجديد " قواعد اللعبة" بين الدولة وما سواها من مستويات دنيا أو عليا ،بل وبغرض
تحجيم دور األولى وتقويضه لف ائدة هذه األخيرة العتبارات قد يكون " هوس" التسيير الجيد والحكم الرشيد آخر
المفكر فيه إذا لم يكن حقيقة المستبعد بالجملة والتفصيل.56
والحكامة لالعتبار أعاله ولغيره ال تبدو تجاوزا للديموقراطية التمثيلية ،او طعنا في مقوماتها ،بل هي
تبدو وكأنها "إنق اذا" لشرعيتها المتآكلة ودف اعا عما تبقى لف اعليها من مشروعية تراجعت في ظل العولمة جراء
طغيان المالي على االقتصادي ،وعلى السياسي ,أي غير المنتخب على الذي في عهدته التزام انتخابي محليا
كان أم وطنيا أم إق ليميا أم ما سواه من التزامات.
يبدو األمر بهذا الجانب إذن وكأن الديموقراطية هي آخر المفكر فيه من لدن الحكامة ,بل قد ال
تعدو أن تكون مكونا من مكوناتها لدرجة تبدو معها الحكامة هي األصل والديموقراطية هي الفرع...أي أن
الحكامة "الجيدة" تحديدا هي التي تقود ،في نهاية المطاف إلى "الديموقراطية -الحق" وليس العكس.
قد ال تكون العبرة بمن أتى األول وال بمن أسس لآلخر ،لكنها تتأتى بالتأكيد من أربع مف ارق ات تبدو
الحكامة في خضمها على المحك أكثر من الديموقراطية في شكليها الواردين التمثيلي منه كما التشاركي سواء
بسواء:
55انهد عز ادلين ":التحليل الس يايس ومقرتابت دراسة التحول :من ادلوةل املتدخةل اإىل المتكني املتبادل" ،لكية الاقتصاد والعلوم الس ياس ية :جمةل الهناة ،أبريل 1002ص.22
56مفاهمي وس ياس يات احلومكة يف الدبيات العربية والغربية ،دراسة أجريت ابلتعاون بني مركز احلومكة التابع للمعهد القوىم ل إالدارة بوزارة التمنية الإدارية وبرانمج ادلميقراطية وحقوق الإنسان بلكية
الاقتصاد والعلوم الس ياس ية جبامعة القاهرة ،ص .32-32
35
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
ف الحكامة تحيل على مستويات مختلفة وعلى ف اعلين كثر تربطهم عالئق متواترة ومعقدة ليس من -
الهين استجالء مف اصلها وال التثبت من طبيعتها.57
إذا كان األمر كذلك وهو كذلك فيما نعتقد جازمين ,فما السبيل لبناء شرعية مستويات متباينة
ومعقدة وذات جغرافية متحركة زمنا وفي المكان ،في المظهر كما في الجوهر؟
ثم إنه لما كانت الحكامة تقويضا للحدود وتمييعا للمساف ات في ميادين العمل االقتصادي -
واالجتماعي والسياسي وغيرها...فكيف للمرء والحالة هاته أن يحدد المسؤوليات ويرسم فضاءات
الفعل ويكون بمستطاعه ،فوق كل هذا وذاك ،تعيين مكامن القصور والخلل؟
ولما كانت الحكامة عملية تف اعلية بين المستويات المشاركة والعمل الجماعي الواسع...فكيف -
التأكد بهذه الحالة مما هو صنيعة هذا المستوى أو ذاك سيما في ظل تراجع شرعيات هؤالء وتآكل
مشروعية أوليك؟
ثم إن الحكامة تفترض ف اعلين "مستق لين" إزاء الدولة أو الجهة أو ما سواهما ،كيف بهذه الحالة -
االتكال على هؤالء في غياب مسؤولية جماعية تكون مكمن الديموقراطية ومصدرها؟
لعل الحاصل من هذه المف ارق ات إنما االعتق اد بأن الذي هو في المحك اليوم ليس الديموقراطية ,بل "
منظومة" الحكامة بكل تلوينها وأشكالها...والسر في ذلك ال يكمن في كون الحكامة دخيلة على الديموقراطية،
محاولة " لتجديدها من الداخل" ،ولكن ألن الذين يدفعون بها "الحكامة أعني فكرا وممارسة...إنما هم آخر من
يفكر فيها أو يعتمد القرارات اليومية منها كما االستراتيجية على خلفية من قيمها. 58
ثانيا :الحكامة االمنية ترسيخ لثق افة اإلدارة المواطنة
يعتبر مفهوم المواطنة فكرة اجتماعيّة وق انونيّة وسياسيّة ساهمت في تطور المجتمع اإلنساني بشكل
كبير بجانب الرقي بالدّولة إلى المساواة والعدل؛ عن طريق تعزيزها لدور كل من الدّيمقراطية والشّف افيّة في
بناء وتطور الدولة وذلك بإشراك المواطنين في الحكم وضمان حقوقهم وواجباتهم.
أن ممارسة حقوق المواطنة تبق عملية غير مكتملة األركان ومحفوفة بمخاطرة التراجع عنها واالعتداء
إال َّ
عليها دون رسوخ ثق افة المواطنة في الوعي االجتماعي العام59؛ فعملية بناء هذا الوعي العام يتطلب هو اآلخر
بناء قواعد حكامة ق انونية تضمن حقوق المواطنة السياسية والق انونية إلى جانب نشر ثق افة المواطنة
والديمقراطية ،فضالً عن وجود آلية لرصد أي انتهاكات لحقوق المواطنة وتعبية الرأي العام للتصدي لها.60
57معر دغوغي ":تكريس احلاكمة اجليدة ابلإدارة العمومية" ،جريدة دنيا الوطن الالكرتونية ،اترخي النرش 03،07،1027
58محمد بوكطب ":احلاكمة :املبادئ و السس" جمةل املنارة لدلراسات القانونية والإدارية ،عدد 23س نة ،1025ص.210 ،
59 Riadh ZGHAL, " Du gouvernement à la gouvernance : nouveaux défis lancés à l’Etat" in revue marocaine d’audit et de développement, n° 19,
décembre 2004. Ouvrages : Pierre TEISSERENC, les politiques de développement local, collection collectivités territoriales, ECONOMICA,
édition, 2000
60 Abdelkader DJEFLAT, "Gouvernance et coopération décentralisée : quelles perspectives pour l’économie de la connaissance ? ", in revue
36
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
ف المواطنة بشكل عام أنَّها المكان الذي يستقر فيه الفرد بشكل ثابت داخل الدّولة أو يحمل تُ َع َّر ْ
جنسيتها ويكون مشاركاً في الحكم ويخضع للقوانين الصادرة عنها ،ويتمتع بشكل متساوي دون أي نوع من
التّمييز -كاللون أو اللغة -مع بقيّة المواطنين بمجموعة من الحقوق ،ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه
الدولة الّتي ينتمي إليها ،بما تُشعره باالنتماء إليها .ويترتب على المواطنة الدّيمقراطيّة أنواع رئيسيّة من الحقوق
والسياسيّة واالجتماعيّة واالقتصاديّة
والحريات الّتي يجب أن يتمتّع بها جميع المواطنين كالحقوق المدنيّة ّ
والثق افيّة 61الخ…
عرف دائرة المعارف البريطانية المواطنة بأنَّها" :العالقة بين فرد ودولة كما يحددها ق انون تلك
كما تُ ِّ
الدولة ،وبما تتضمنه تلك العالقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة" .وتؤكد دائرة المعارف البريطانية
بأن المواطنة على وجه العموم تسبغ على المواطن حقوق اً سياسية ،مثل حق االنتخاب وتولي
مفهومها للمواطنةَّ ” ،
المناصب العامة“.
أن المواطنة هي عضوية كاملة في دولة أو في بعض وحدات الحكم،
وتذكر موسوعة الكتاب الدولي َّ
أن
بحيث ال تُميز بين المواطن والجنسية مثلها مثل دائرة المعارف البريطانية المشار إليها سابق اً .وتؤكد َّ
المواطنين لديهم بعض الحقوق ،مثل حق التصويت وحق تولي المناصب العامة ،وكذلك عليهم بعض الواجبات،
مثل واجب دفع الضرائب والدف اع عن بلدهم.
ويتضح من هذه التعاريف أنَّهُ في الدول الديمقراطية يتمتع كل من يحمل جنسية الدولة من البالغين
الراشدين بحقوق المواطنة فيها .وهذا الوضع ليس نفسه في الدول غير الديمقراطية إذ تكون الجنسية مجرد
تابعة ،ال تتوافر لمن يحملها بالضرورة حقوق المواطن السياسية ،هذا إن توافرت هذه الحقوق أصالً ألحد غير
الحكام وربما للحاكم الفرد المطلق وحده.
والمواطنة مأخوذة في العربية من الوطن ،أي المنزل الذي تقيم به ،وهو موطن اإلنسان ومحله ،ويُق ال
ن البلد :أي اتخذه وطناً ،وجمع الوطن أوطان :منزل إق امة اإلنسان ،ولد فيه أم لم يولد.
َوطَ َ
أما في االصطالح ،ف الوطنية تأتي بمعنى حب الوطن ،في إشارة واضحة إلى مشاعر الحب واالرتباط
بالوطن وما ينبثق عنها من استجابات عاطفية ،أما المواطنة فهي صفة المواطن والتي تحدد حقوقه وواجباته
الوطنية ويعرف الفرد حقوقه ويؤدي واجباته عن طريق التربية الوطنية ،62وتتميز المواطنة بنوع خاص من والء
المواطن لوطنه وخدمته في أوق ات السلم والحرب والتعاون مع المواطنين اآلخرين عن طريق العمل المؤسساتي
والفردي الرسمي والتطوعي في تحقيق األهداف التي يصبو لها الجميع وتوحد من أجلها الجهود وترسم الخطط
وتوضع الموازنات.
وتدل المواطنة في الق انون الدولي على الجنسية ،ويذهب هيد C. C. Hydeإلى أن التمييز بين
المواطنة والجنسية وليد الق انون الوطني ،ف المواطنة تشير إلى الحقوق التي ترى الدولة أنَّهُ من المناسب منحها
لبعض األفراد الذين هم أيضاً من أهاليها.
37
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
يتضح من العرض السابق أن مبدأ المواطنة كما استقر في الفكر السياسي المعاصر هو مفهوم شامل له
عدَّة أبعاد متنوعة ،منها ما هو مادي ق انوني ،ومنها ما هو ثق افي سلوكي ،ومنها أيضاً ما هو وسيلة أو هو غاية
يمكن بلوغها تدريجياً ،ولذلك إن نوعيَّة المواطنة في دولة ما تتأثر بعدة عوامل منها الق انون الوطني والنضج
السياسي والرقي الحضاري والحكامة الجيدة .وبعق ائد المجتمعات وبقيم الحضارات ،ومن هنا يصعب وجود
تعريف جامع وثابت لمبدأ المواطنة.
مر مفهوم المواطنة الذي تمت صياغته وممارسته بشكله ومضمونه الحالي باختالف التسميات فقد َّ
والمناهج وطبيعة النّظام السياسي بمحطات تاريخية على مر العصور حتى استقر لما استقر عليه اآلن.
فقد أسهمت الحضارات القديمة والشرائع واألديان ،وما انبثق عنها من أيديولوجيات سياسية في وضع
أسس للحرية والمساواة تجاوزت إرادة الحكام ف اتحة بذلك آف اق اً رحبة لسعي اإلنسان لتأكيد فطرته وإثبات ذاته
وحقه بالمشاركة الفعَّالة في اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات ،األمر الذي فتح المجال للفكر السياسي اإلغريقي
ومن بعده الروماني ليضع كل منها أسس مفهومة للمواطنة والحكم الجمهوري وقد أكدَّ كل من الفكر السياسي
اإلغريقي والروماني في بعض مراحلهما على ضرورة المنافسة من أجل تَقًلُّ ْد المناصب العليا وأهمية إرساء أُسس
مناقشة السياسة العامة باعتبار ذلك شيياً مطلوباً في حد ذاته.
ولعلَّ أقرب معنى لمفهوم المواطنة المعاصرة في التّاريخ القديم هو ما توصلت إليه "دولة المدينة" عند
اإلغريق ،والتي شكلت الممارسة الديمقراطيّة ألثينا نموذجاً له .وعلى الرغم من قصور هذا المفهوم من حيث
إال انه قد نجح 63
الفيات التي يمثلها وعدم تغطيته لبعض النواحي التي يتضمنها المفهوم المعاصر للمواطنة
بتحقيق المساواة على ق اعدة المواطنة بين األفراد المتساوين وذلك من خالل إقرار حقهم في المشاركة السياسية
الفعَّالة وصوالً إلى تداول السلطة ووظائفها العامة سعياً لتحقيق اإلنصاف والعدل والمساواة الّتي تعبّر عن الفطرة
اإلنسانيّة.64
أن حقوق المواطن هي للرومان وحدهم ،في حين كانوا يروا أن األجنبي عنهم ليس
أمَّا الرومان فقد رأوا َّ
أن الرومان ما لبثوا أن غيروا نظرتهم هذه إلى األجانب ،فسمحوا
له أن يتمتع بالحقوق إال في بلده األصلي ،غير َّ
لألجنبي أن يقيم في روما إذ احتمى مؤقتاً بأحد الرومان أو خضع له بصورة دائمة كنزيل لديه بصورة فردية أو
جماعية ،فقد أبرمت روما مع المدن معاهدات تقضي بحماية رعايا كل مدينة إذا جاءوا إلى المدينة األخرى.
السياسي في العصور الوسطى ولم يعد االهتمام به
أن مفهوم المواطنة تراجع في الفكر ّ
ورغم التطور إال َّ
حتى حلول القرن الثّالث عشر ،حتى تم صياغة مبادئه واستنباط مؤسساته وتطوير آلياته التي ساهمت بتأسيس
وتنمية نظم حكم قومية مقيدة للسلطة من خالل حركات اإلصالح .حيث تبلورت فكرة المواطنة بشكل جلي بعد
معاهدة وستف اليا 4411م ،الّتي أتت كتطبيق عملي لفكر العقد االجتماعي الذي نظم العالقة بين الحاكم
والمحكومين من خالل العقد المؤسس للجماعة السّياسيّة.65
63عيل خليفة الكواري( ،مفهوم املواطنة يف ادلّ وةل ادلّ ميقراطية)1000 ،
الس ياس يّة( .بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية) ،العدد .1007، 22، 64مسعود موىس الرييض( ،أثر العوملة يف املواطنة)ّ ،
اجملةل العربيّة للعلوم ّ
65عيل خليفة الكواري ":مفهوم املواطنة يف ادلّ وةل ادلّ ميقراطية" 1000 ،ص.13
38
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
أ .المساواة والعدالة :ف إذا كان التساكن والتعايش والشراكة والتعاون من العناصر األساسية
التي يفترض توفرها بين المشتركين في االنتماء لنفس الوطن ،ف أنها تهتز وتختل في حالة
عدم احترام مبدأ المساواة ،مما يؤدي إلى تهديد االستقرار ،ف ال تتحقق المواطنة إال بتساوي
جميع المواطنين في الحقوق والواجبات وتتاح أمام الجميع نفس الفرص ،دون أي تمييز على
أساس الجنس أو اللّون أو األصل العرقي أو المعتقد الدّيني أو القناعات الفكريّة أو االنتماء
والنّشاط الفكري.
الرابطة التي تجمع المواطن بوطنه ال خضوع فيها إال لسيادة الق انون
ب .الوالء واالنتماء :ويعني ّ
ويتجلّى االرتباط الوجداني بأنّه معني بخدمة الوطن والعمل على تنميته ،وعالقتهم بمؤسسات
الدّولة والوالء للوطن واعتبار المصالح العليا للوطن فوق كلّ اعتبار.
39
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
وال تتبلور في الواقع صفة المواطن كفرد له حقوق وعليه واجبات ،بمجرد توفر ترسانة من القوانين
والمؤسسات ،التي تتيح للمواطن التمتع بحقوقه والدف اع عنها في مواجهة أي انتهاك واستردادها إذا سلبت
منه ،وإنما كذلك بتشبع المواطن بقيم وثق افة الق انون ووجود حكامة امنية تضمن وتسهر على تنفيد الق انون،
واالحتكام إلى مقتضياته وبالتالي هي الوسيلة الوحيدة للتمتع بالحقوق وحمايتها من الخرق ،وبالتالي ال مجال
الستعمال العالق ات الخاصة مع ذوي النفوذ ،أو االحتماء بمركز الفرد في القبيلة أو العشيرة ،وهي ظواهر ما زالت
حاضرة في الكثير من العق ليات والسلوكيات داخل مجتمعاتنا.
والوالء للوطن ال ينحصر في المواطنين المقيمين داخل حدود التراب الوطني ،وإنما يبقى في وجدان
وضمير وسلوك المواطنين الذين تضطرهم الظروف لإلق امة في الخارج ،ألن مغادرة الوطن ألي سبب من
األسباب ،ال تعني التحلل من االلتزامات والمسؤوليات التي تفرضها المواطنة ،وتبقى لصيقة بالمواطن تجاه وطنه
األصلي ،حتى ولو اكتسب الجنسية في دولة أُخرى.
ت .المشاركة والمسؤوليّة :المشاركة في الحياة العامة تعني إمكانية ولوج الجميع للمجاالت
السياسية ،االقتصادية ،االجتماعية والثق افية وأنَّها متاحة أمام الجميع دون أي تمييز ،بدءاً من
استف ادة األطف ال من الحق في التعليم والتكوين والتربية على المواطنة وحقوق اإلنسان،66
واستف ادة عموم المواطنات والمواطنين من الخدمات العامة ،ومروراً بحرية المبادرة
االقتصادية ،وحرية األبداع الفكري والفني ،وحرية النشاط الثق افي واالجتماعي ،وانتهاء بحق
المشاركة في تدبير الشأن العام بشكل مباشر كتولي المناصب العامة وولوج مواقع القرار ،أو
بكيفية غير مباشرة كاالنخراط بحرية في األحزاب السياسية ،وإبداء الرأي حول السياسات
المتبعة ،والمشاركة في انتخاب أعضاء المؤسسات التمثيلية على المستوى المحلي والوطني
والمهني.
فعندما تتاح الفرص المتكافية للمشاركة أمام كل الكف اءات والطاق ات يكون المجال مفتوحاً للتنافس
النوعي الذي يضمن فعالية النخب السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثق افية ،ويضفي الحيوية على المشهد
الوطني ،مما يساهم في خلق واقع ينشد التطور المتواصل واالرتق اء المستمر.67
والمشاركة بالمفهوم الواسع المبين أعاله ،تعني توفر فرص االنخراط التلق ائي في مختلف مجاالت الحياة
العا مة وحقولها ،وال يأتي نمو استعداد المواطنين والمواطنات للمشاركة في الحياة العامة إال في ظل حرية الفكر
والتعبير ،وحرية االنتماء والنشاط السياسي والنق ابي والجمعي ،وفي إطار الديمقراطية التي يكون فيها الشعب
هو صاحب السيادة ومصدراً لجميع السلطات.68
ولذلك فهي تختلف عن اإلشراك الذي ينطوي على مفهوم المنح من سلطة عليا تحكم بأمرها ،لرعايا
تابعين خاضعين لنفوذها ،ألن اإلشراك بهذا المعنى يتناقض مع مفهوم المواطنة ويتعارض مع مقوماتها.69
66عيل خليفة الكواري ":مفهوم املواطنة يف ادلّ وةل ادلّ ميقراطية"،1000 ،ص.32
آ جمل
67اثئر رحمي اكظم ":العوملة واملواطنة والهوية" ،حبث يف تأثري العوملة عىل الانامت ،الوطين واحمليل يف ا متعات ،جمةل القادس ية يف الداب والعلوم الرتبوية ،العدد ،2اجملدل ،7س نة ،1002ص.32
68محمد عبد هللا اخلوادلة ":ا ّلرتبية الوطنيّة :املواطنة و الانامت ،"،دار اخلليج، 1002 ،ص. 20
69عيل خليفة الكواري ":مفهوم املواطنة يف ادلّ وةل ادلّ ميقراطية"، 1000 ،ص.22
40
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
أن المواطنة وعلى الرغم من تأثرها بالتطورات السياسية وبتعدد الثق اف ات المجتمعية واأليديولوجية،
إال َّ
تبق بمفهومها إطاراً يستوعب الجميع ،فهو يحافظ على حقوق األق لية واألكثرية في نطاق مفهوم المواطنة الجامعة،
َ
الصبغات الدّينيّة أو المذهبيّة أو القبليّة أو العرقيّة أو
والمواطنة هي المساواة بين المواطنين بصرف النّظر عن ّ
الجنسيّة .فكل مواطن له جميع الحقوق وعليه جميع الواجبات ،والمواطنة الحقيقية ال تتجاهل حق ائق التركيبة
والسياسيّة في الوطن وال تحدث تغييراً في نسب مكوناتها ،وال تمارس تزييفًا للواقع ،وإنما
الثّق افيّة واالجتماعيّة ّ
تتعامل مع هذا الواقع من منطلق حق ائقه الثّابتة ،حيث توفر البيية الصحيحة والخصبة لتكوين ثق افة الوطن التي
الصالح“ هي أصدق
الصالح خير من الفرد ّ
تتشكل من تف اعل ثق اف ات أبناء الوطن ،ولعلَّ مقولة أرسطو "المواطن ّ
تعبير عن أهمية دور المواطنة في بناء المجتمعات والدول.71
كثيرا ما يرتبط مصطلح الحكامة باإلدارة ،ف الحكامة الجيدة هي اإلدارة الجيدة .كما أن المؤسسات
الدولية "صندوق النقد الدولي ،البنك العالمي…" كثيرا ما تستعمل مبدأ الحكامة الجيدة من أجل تحديد
مميزات ومرتكزات «اإلدارة العمومية الجيدة" أو "المرفق العمومي الجيد".هذا األخير الذي يمكن للدول
النامية أو السائرة في طريق النمو تبني سماته اإليجابية للقيام بإصالحات هيكلية وبنيوية مرتبطة بالسياسات
العمومية االجتماعية.72إنه على ضوء آليات االستعمال ،تبرز العالقة الوطيدة التي يمكن أن تنشأ بين الحكامة
اإلدارية والتنمية البشرية .73فهذا النمط من الحكامة ،يتبلور كجزء أساسي ويتجلى كمكون رئيسي من
استراتيجيات التنمية الحديثة وخططها االستشرافية وأبعادها المتعددة :
70اثئر رحمي اكظم ":العوملة واملواطنة والهوية" ،حبث يف تأثري العوملة عىل الانامت ،الوطين واحمليل يف اجملمتعات ،جمةل القادس ية يف الداب والعلوم الرتبوية ،العدد ،2اجملدل ،7س نة .1002
71محمد عبد هللا اخلوادلة ،ا ّلرتبية الوطنيّة :املواطنة و الانامت ،،دار اخلليج1002 ،
72جامل خلوق ":الخالقيات و رجل السلطة :مقاربة يف البعاد الخالقية ملامرسة همام السلطة ابملغرب" الرشكة املغربية لتوزيع الكتاب ،ادلار البياا 1023 ،،ص. 37
73عبد العزيز أرشيق ":احلاكمة اجليدة – ادلولية – الوطنية وامجلاعية ومتطلبات الإدارة املواطنة " مطبعة النجاح اجلديدة ،ادلار البياا ،،الطبعة الوىل 1002ص .125
41
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
االقتصادية ،الثق افية ،االجتماعية ،العلمية واإلدارية ،حيث تشكل هذه االستراتيجيات والخطط واألبعاد
بتنوعها وتشعبها كال متكامال ،تتداخل عناصره وتترابط محاوره وتتشابك مكوناته في عالق ات تتبادل االنسجام
والتوازن والمواءمة والتناسق.
وفق هذا المنظور الشمولي ،حرصت مجمل سياسات اإلصالح اإلداري ،التي عرفتها العديد من دول
المعمور ،على تبني أسس ومقومات الحكامة الجيدة ،وذلك اقتناعا منها باألهمية المتزايدة التي أضحت تمثلها
اإلدارة العمومية في الوقت الراهن ،وكذا نظرا للتحديات الجديدة التي أصبحت تجابهها في إطار سياق ات
التيار الجارف للعولمة .الشيء الذي حتم على اإلدارات العمومية المعاصرة ،74األخذ بالتوجه المتمثل في التواصل
بتقنيات متطورة للتدبير والتنظيم ،والمتسم بالضرورة بالعمل العميق على تمتين أداء اإلدارة من أجل مواكبة
العولمة والشمولية والتنافسية.75
وهي المواكبة التي تعد بالنسبة للمغرب ،بمثابة منطلق ف لسفة اإلصالح اإلداري ،والتي ينبغي أن ينظر
إليها في إطار كلي .فنظرا الرتباط إصالح اإلدارة بإصالح الدولة ،في ظل ما يسمى بالتحديث اإلداري ،لم يعد
من الممكن الحديث عن إصالح اإلدارة ،في غياب إصالح شامل /يستوعب الدولة نفسها.76هاته األخيرة ،ولتوطيد
أركان صرحها التنموي ،عليها أن تبحث عن العالجات الضرورية لمختلف االختالالت المرتبطة بأنماط حكاماتها
المتعددة ،بما فيها نمط الحكامة األمنية ،والمرتكز على جملة من المبادئ التي يمكن أن تعزز غاياته الوظيفية
وتقوي أدواره الطالئعية ،وعلى رأسها مبدأ تخليق المرفق العمومي .فماهي أبرز مؤشرات هذا المبدأ في السياق
المغربي ؟ وما هي أهم آليات تكريسه؟
يظل أكبر رهان ينطوي عليه كل إصالح مؤسساتي عميق ،هو رهان التخليق وإشاعة ثق افة الفضيلة في
تدبير الشأن العام على مختلف المستويات .ف لقد أصبحت الرؤية أو المق اربة الجديدة في ميدان التدبير االمني
في معظم دول العالم تولي أهمية قصوى للقيم الرفيعة والمبادئ المثلى ،وعلى رأسها الشف افية .كما أن ضرورة
اشتغال أو سير إدارة معينة ،حسب مبادئ دولة الحق والق انون ،تعتبر شرط أوليا ورهانا أساسيا للفعالية
والكف اية والمسؤولية والجودة.
إن منطلق الحكامة األمنية ،يظل في األساس منطلق ا أخالقيا ،يتسم إجماال بغياب مظاهر الغش والرشوة
،وكل تجليات الفساد ،77خاصة إذا أخذنا بعين االعتبار المعطى الذي يؤكد على أن من أبرز مؤشرات أزمة
اإلدارة المعاصرة هو االتصاف بالضعف البين على مستوى أخالقيات المرفق العمومي ،وما يرتبط بذلك من فشل
74ينص الفصل 35عىل ما ييل ":يعاقب القانون عىل اخملالفات املتعلقة حبالت تنازع املصاحل ،وعىل اس تغالل الترسيبات اخملةل ابلتنافس الزنيه ،ولك خمالفة ذات طابع مايل .عىل السلطات العمومية
الوقاية ،طبقا للقانون ،من لك أشاكل الاحنراف املرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية ،وابس تعامل الموال املوجودة لحت ترصفها ،وابإبرام الصفقات العمومية وتدبريها ،والزجر عن هذه
الاحنرافات .يعاقب القانون عىل الشطط يف اس تغالل مواقع النفوذ والامتياز ،ووضعيات الاحتاكر والهمينة ،وابيق املامرسات اخملالفة ملبادئ املنافسة احلرة واملرشوعة يف العالقات الاقتصادية
.لحدث هيئة وطنية للزناهة والوقاية من الرشوة وحماربهتا «،كام جا ،يف الفصل 257من ادلس تور ما ييل ":تتوىل الهيئة الوطنية للزناهة والوقاية من الرشوة وحماربهتا ،احملدثة مبوجب الفصل ، 35عىل
اخلصوص ،همام املبادرة والتنس يق وا إلرشاف وضامن تتبع تنفيذ س ياسات حماربة الفساد ،وتلقي ونرش املعلومات يف هذا اجملال ،واملسامهة يف ختليق احلياة العامة ،وترس يخ مبادئ احلاكمة اجليدة،
وثقافة املرفق العام ،وقمي املواطنة املسؤوةل"
75عيل سد جاري ":تصورات من أجل مرشوع حدايث لتحديث الإدارة ابملغرب :تأهيل الإدارة للعوملة" منشورات البحث يف اجملال والرتاب ،1000 ،ص. 7
76عبد احلافظ أدمينو ":نظام البريوقراطية الإدارية ابملغرب" أطروحة لنيل ادلكتوراه يف القانون العام ،جامعة محمد اخلامس ،أكدال ،الرابط ،الس نة اجلامعة 1001/1002ص. 327
77 Emmanuel Okomba « la gouvernance. Une affaire de société: Analyse mythivmét rique de la performance » L’ Harmattan 2010 P 31
42
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
ذريع ،كثيرا ما تم رصده بخصوص البنيات اإلدارية التق ليدية ،بمختلف األمراض التي خلفتها ،وعلى رأسها
انعدام الشف افية.78
كل ما سبق ذكره من تمظهرات التدبير السيء لإلدارة ،ما فتئ يتجسد بشكل جلي في تاريخ اإلدارة
المغربية ،التي أصبحت في الوقت الحالي ملزمة بتطوير آليات عملها ،وعلى وجه الخصوص تصويب أوجه الخلل
التي تشوب عالقتها بالمرتفقين والمتعاملين معها .وذلك بالنظر لجملة من الرهانات المطروحة والتحديات
المتسارعة ،التي أضحى يعيش على إيق اعها العالم ،والتي تفرض على المغرب صياغة ميثاق أخالقي يضم في طياته
كل ما من شأنه بناء صرح إدارة "شف افة" .وهو المطمح الذي ما فتئ يترسخ أكثر مع انبثاق حركات التغيير في
إطار ما سمي بالربيع العربي.
تلك الحركات التي رفعت شعارات عديدة من قبيل محاربة الفساد بشتى تجلياته ،ومنها الفساد اإلداري
الذي ظل عائق ا أمام مسارات اإلصالح في دول العالم الثالث عموما ،ودول العالم العربي خصوصا ،ومنها المغرب
الذي جعل من تخليق المرفق العمومي ضرورة ملحة وذات أهمية قصوى ،تمليها العواقب الوخيمة لمظاهر الفساد
على األداء الحكومي وعرق لته لسير التنمية الشاملة،
كما تفرضه إكراهات الظرفية المتسمة بالتطور المتالحق على المستوى العالمي وضغوط المؤسسات
السياسية والمالية الدولية ،التي أصبحت تنصب على التحلي باألخالق مقياسا يتم االحتكام إليه في الكثير من
القرارات،79ومنها القرارات المرتبطة بمنح المساعدات المدعمة لمشاريع و برامج التنمية .إن تنمية ثق افة أخالقية
سليمة ،ترتكز على القيم والمبادئ المثلى ،ال يمكن أن تتم إال من خالل دعم مختلف المبادرات التخليقية
الهادفة إلى تأسيس قيم جديدة في تدبير الشأن االمني وتهذيب الحياة اإلدارية ،عبر قيم النزاهة والشف افية
واالستق امة.
من خالل مق اربة شمولية ،مع مراعاة مجموعة من الشروط الموضوعية المتعلقة بتداعيات هذه المسألة على
مستوى التنظيم اإلداري والبنيات التشريعية ،مما يجعل الطروحات العالجية غير متعالية على حيثيات الواقع
،ويمنحها بالتالي الق ابلية العملية للتطبيق.80
إن البعد التخليقي لإلدارة المغربية عرف اإلرهاص األول مع تشكيل حكومة التناوب سنة ،4111والتي
عملت على تبني الورش الكبير للتأهيل العام لإلدارة المغربية ،حتى تتمكن من أن تلعب دور المحرك الدينامي
للدفع بعجلة التنمية المنشودة وتثمين كل الطاق ات من أجل بناء إدارة الغد ،وهو ما ترسخ أيضا من خالل تبني
إحدى أهم آليات تخليق المرفق العمومي وهي آلية ميثاق حسن التدبير .وقد حددت وزارة الوظيفة العمومية
واإلصالح اإلداري-إبان فترة حكومة التناوب التوافقي-هذا الميثاق عبر مجموعة من القيم الواجب احترامها في
78محمد الهيين ":دور هيئاتنا الوطنية يف ضامن حاكمة اإدارية واقتصادية فعاةل" ،حبث مقدم اإىل امللتقى ادلويل حول الإبداع والتغيري التنظميي يف املنظامت احلديثة ،دراسة ولحليل جتارب وطنية
ودولية ،املقام يف جامعة سعد حلب البليدة 22-27ماي .1003أنظر الرابط التايل:iefpedia.Com. /arab/ ?p 27 369
79دمع الخالقيات ابملرفق العمويم ،مطبوع صادر عن وزارة الوظيفة العمومية والإصالح الإداري ،يونيو ،1000ص2 :
80عرض الس يد وزير الوظيفة العمومية والإصالح الإداري أمام جلنة العدل والترشيع وحقوق الإنسان مبجلس املستشارين حول مرشوع مزيانية الوزارة برمس الس نة املالية 1000/2222
43
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
التدبير العمومي ،تماشيا مع مبدأ التخليق ،الذي يجب أن يقود سير المرفق العمومي وهي :النزاهة ،التجرد
،االستق امة ،المسؤولية ،االنفتاح ،الشف افية ،الشرف وااللتزام.81
من جهة أخرى ،تجسدت الجهود الحكومية في هذا المجال ،في تبني العديد من المبادرات ذات
الطابع الوق ائي ،والتي توخت أساسا إرساء نظام من اآلليات الق انونية الضرورية للتصدي لكل أشكال السلوكيات
السلبية ،التي يمكن أن تسود في مرافق الدولة المختلفة .وعلى رأس هذه اآلليات نجد "ميثاق حسن سلوك
الموظف" ،الذي شكل لبنة من لبنات اإلصالح اإلداري الفعال ،يتوق إلى تعميق األبعاد الشمولية التكاملية لهذا
اإلصالح ،ومنها خلق سمات من التناغم والتداخل بين مختلف مكوناته ومنها مقتضيات الوظيفة العمومية ومبادئ
وأهداف ميثاق حسن التدبير.
إن تبني مثل هذه الخطوات اإليجابية في مسار اإلصالح اإلداري كان والزال من بين التزامات المغرب
المستمرة ،جهويا ودوليا ،وهو ما أكدته مثال ،توصيات المنتدى اإلفريقي السابع حول تحديث المرافق العمومية
ومؤسسات الدولة،82والتي ألحت على ما يلي :
-تعزيز آليات الوق اية من الفساد ،بالتأكيد على نزاهة الموظفين العموميين ،من خالل تفعيل الميثاق
االفريقي للوظيفة العمومية ،وإقرار مدونات سلوك الموظفين ،ومكافحة تضارب المصالح ،وإجبارية
التصريح بالممتلكات.
-تعزيز سيادة الق انون ،مع التركيز بشكل خاص على مبدأ المساءلة ومكافحة اإلف الت من العق اب،
عن طريق سن قوانين واضحة ونظم قضائية فعالة.
-تحسين الشف افية ومكافحة جميع أشكال السلوك الرامية لمنع أو تغيير نوعية مجاالت المرافق الحيوية
والخدمات المتصلة مباشرة باالحتياجات األساسية للمواطنين كالماء والصحة والتعليم والكهرباء.
تحقيق األهداف اإلنمائية لأللفية،83وفق ما التزم به ق ادة العالم ،بما فيهم الق ادة األف ارقة في إعالن
األلفية من خالل صياغة وتنفيذ برامج إصالحية في مجال مكافحة الفساد لتحقيق األهداف ذات
األولوية بالنسبة لكل دولة ،مع االستف ادة من المبادئ التوجيهية المنظمة في إطار تسريع التقدم
نحو تحقيق األهداف اإلنمائية لأللفية.
-تحفيز القدرات الضرورية لصياغة وانجاز مشاريع محددة ،لتعزيز الحكامة الجيدة ومكافحة الفساد
في الدول االفريقية.84
81 « La réforme administrative au Maroc. Vision stratégique : plan d’action »Publication du ministère de la fonction publique et de la réforme
administrative 2001. p51
82وهو املنتدى اذلي انعقد مبدينة الرابط يويم 17و17يونيو 1022حول موضوع "ماكحفة وتعزيز احلاكمة اجليدة بغية احلد من الفقر ولحقيق التمنية الشامةل واملس تدامة ابإفريقيا" .وقد اندر هذا
املنتدى يف اإطار التحاري لتنظمي ادلورة الرابعة ملؤمتر ادلول الطراف يف اتفاقية ال مم املتحدة ملاكحفة الفساد مبدينة مراكش ،خالل الفرتة املمتدة من 12اإىل 17أكتوبر
83يف ش تنرب ،1000اجمتع قادة العامل يف مقر ال مم املتحدة يف نيويورك لعامتد اإعالن ال مم املتحدة لللفية ،اذلي الزتمت مبوجبه دوهلم ،برشاكة عاملية جديدة للحد من الفقر املدقع ،واذلي وضع سلسةل
من الهداف ،واليت مت لحديد فرتة زمنية لتحقيقها تنهتيي الس نة ،1023واليت أصبحت معروفة ابمس الهداف الإمنائية لللفية ويه :أول :استئصال الفقر املدقع واجلوع ،اثنيا :لحقيق التعلمي الابتدايئ
للجميع ،اثلثا :الهنوض ابملساواة بني اجلنسني ومتكني املرأة ،رابعا :احلد من وفيات الطفال ،خامسا :لحسني الصحة ،سادسا :ماكحفة فريوس نقص املناعة البرشية الايدز واملالراي وغريها من
المراض .سابعا :كفاةل الاس تدامة البيئية ،اثمنا اإقامة رشاكة عاملية للتمنية.
84أنظر موقع وزارة لحديث القطاعاتhttp://xn--mgbag6dsci.www.mmsp.gov.ma/
44
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
لقد شكلت هذه التوصيات ،آليات ناجعة وفعالة في سبيل تخليق المرفق العمومي ،وهي تتداخل كليتها
من أجل تكريس أسس الحكامة اإلدارية الجيدة.
45
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
46
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
-عيل عباس مراد" :مشالكت المن القويم" ،العدد ، 20مركز المارات لدلراسات والبحوث الاسرتاتيجية.
-محمد حراكت " :الاقتصاد الس يايس واحلاكمة الشامةل" ،مطبعة املعارف اجلديدة ،طبعة. 2010،
-سعيد جفري "،احلاكمة وأخواهتا مقاربة يف املفهوم ورهان الطموح املغريب"،الرشكة املغربية لتوزيع الكتاب ،ادلار البياا ،،الطبعة الوىل،
.2010
-محمد عزت جحازي ":الابط الاجامتعي ...السس اليت يقوم علهيا والدوات اليت يعمل من خاللها" ،جمةل المن العام املرصية ،العدد. 6
-رش يد السعيد وكرمي حلرش ":احلاكمة اجليدة ابملغرب ومتطلبات التمنية البرشية املس تدامة" ،مطبعة كوب بريس الرابط ،الطبعة الوىل.2009،
-علــي المنريي ":المـــن واخملـــابرات " ،الـــدار الــسودانية للكتـــب ،اخلرطــوم ،ط. 2222 ، 2
-يزيد صايغ ":معاالت الاصالح :ضبط الامن يف املراحل الانتقالية يف ادلول العربية" ،مركز اكرنيجي للرشق الاوسط 30 ،مارس
.2016
-عبد الوهاب محمد اجلبـوري ":حول مفهوم المن القويم العرايق ومركزاتـه الاسرتاتيجية" ،صـحيفة دنيـا الوطن الالكرتونية.
-معر عاشور ":امتام املهمة :اصالح قطاع الامن بعد الربيع العريب" 28 ،ماي.1020
-ادلس تور املغريب 1022جريدة رمسية عدد 3252مكرر الصادر يف 17شوال 30 - 2231يوليوز 1022
-عبد العزيز أرشيق ":احلاكمة اجليدة – ادلولية – الوطنية وامجلاعية ومتطلبات الإدارة املواطنة " مطبعة النجاح اجلديدة ،ادلار البياا ،،الطبعة
الوىل . 1002
عيل سد جاري ":تصورات من أجل مرشوع حدايث لتحديث الإدارة ابملغرب :تأهيل الإدارة للعوملة" ،منشورات البحث يف اجملال والرتاب -
. 1000
محمد موين ،عامد أبراكن ":متطلبات احلاكمة يف التمنية الرتابية ابملغرب" مدن الحباث يف الاقتصاد والتدبري العدد الرابع اجلز ،الول -
ش تنرب.1023،
محمد غريب " :مفهوم احلمك الصاحل بني مثالية اخلطاب ادلويل وإاكراهات ادلوةل يف اجلنوب" ،منشورات اجملةل املغربية للتدقيق والتمنية ،سلسةل -
التدبري الاسرتاتيجي العدد اخلامس.1002 ،
محمد زين ادلين ":احلاكمة :مقاربة إابس متولوجية يف املفهوم والس ياق" ،مضن جمةل مساكل ،العدد ،07مطبعة النجاح اجلديدة ،ادلار البياا،، -
.1007
-جامل محمد سلمي ":معاةل الاختيار :الذامذ الربعة لدلوةل احلديثة" ،جمةل الس ياسة ادلولية ،ملحق اجتاهات نظرية يف لحليل الس ياسة ادلولية،
العدد ،272يوليو .1021
-انهد عز ادلين ":التحليل الس يايس ومقرتابت دراسة التحول :من ادلوةل املتدخةل اإىل المتكني املتبادل" ،لكية الاقتصاد والعلوم الس ياس ية :جمةل
الهناة ،أبريل . 1002
-معر دغوغي ":تكريس احلاكمة اجليدة ابلإدارة العمومية" ،جريدة دنيا الوطن الالكرتونية ،اترخي النرش 03،07،1027
-محمد بوكطب ":احلاكمة :املبادئ و السس" جمةل املنارة لدلراسات القانونية والإدارية ،عدد 23س نة ،1025
-حسان أيو ":مفهوم املواطنة" ،احلوار املمتدّ ن ،العدد 1005 ،2272
الس ياس ّية .بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية ،العدد .،1007، 22، -مسعود موىس الرييض":أثر العوملة يف املواطنة"ّ ،
اجملةل العرب ّية للعلوم ّ
-عيل خليفة الكواري":مفهوم املواطنة يف ادلّ وةل ادلّ ميقراطية"1000 ،
الس ياس ّية .بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية ،العدد .1007، 22، -مسعود موىس الرييض":أثر العوملة يف املواطنة"ّ ،
اجملةل العرب ّية للعلوم ّ
-عيل خليفة الكواري ":مفهوم املواطنة يف ادلّ وةل ادلّ ميقراطية". 1000 ،
47
ISSN 2605-6496. Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence, Vol. 3, No°1, pp 19-48 Aug 2020
-اثئر رحمي اكظم ":العوملة واملواطنة والهوية" ،حبث يف تأثري العوملة عىل الانامت ،الوطين واحمليل يف اجملمتعات ،جمةل القادس ية يف الآداب والعلوم
الرتبوية ،العدد ،2اجملدل ،7س نة .،1002
-محمد عبد هللا اخلوادلة ّ
":الرتبية الوطن ّية :املواطنة و الانامت ،"،دار اخلليج. 1002 ،
-جامل خلوق ":الخالقيات و رجل السلطة :مقاربة يف البعاد الخالقية ملامرسة همام السلطة ابملغرب" الرشكة املغربية لتوزيع الكتاب ،ادلار
البياا. 1023 ،،
-عبد احلافظ أدمينو ":نظام البريوقراطية الإدارية ابملغرب" أطروحة لنيل ادلكتوراه يف القانون العام ،جامعة محمد اخلامس ،أكدال ،الرابط،
الس نة اجلامعة . 1001/1002
-محمد الهيين ":دور هيئاتنا الوطنية يف ضامن حاكمة اإدارية واقتصادية فعاةل" ،حبث مقدم اإىل امللتقى ادلويل حول الإبداع والتغيري التنظميي يف
املنظامت احلديثة ،دراسة ولحليل جتارب وطنية ودولية ،املقام يف جامعة سعد حلب البليدة 22-27ماي .1003أنظر الرابط
التايل :iefpedia.Com. /arab/ ?p
-هايل عبد املوىل طشطوش ":المن الوطين وعنارص قوة ادلوةل يف ظل النظام العاملي اجلديد"
48