You are on page 1of 11

‫األستاذة‪ :‬م ّماد‬ ‫محاضرات تاريخ العالقات الدولية‬

‫محاضرات تاريخ العالقات الدولية‬

‫مماد‬
‫األستاذة‪ّ :‬‬

‫المقياس‪ :‬تاريخ العالقات الدولية‬

‫المستوى‪ :‬السنة الثانية‬

‫تفيد دراسة تاريخ االح داث بشكل عام في تمكين الب احث من فهم الماضي واستشراف‬
‫المس تقبل‪ ،‬وذل ك من خالل دراس ة الظ واهر واألح داث التاريخي ة وتفس يرها ب الرجوع إلى أص لها‪،‬‬
‫والكشف عن التغيرات التي طرأت عليها في مختلف المراحل الزمانية‪ ،‬وهذا ما يساعد في األخ ير على‬
‫تحليل وتفسير األحداث الراهنة والتنبؤ بمساراتها ومآالتها المستقبلية‪.‬‬

‫وتبعا لما سبق‪ ،‬فإن تاريخ العالقات الدولية الذي يشكل إلى جانب مادة" نظرية العالقات‬
‫الدولية" النواة الحقيقية لعلم العالقات الدولية‪ ،‬يهتم في مادة بحثه األساسية بالبحث في تطور العالقات‬
‫الدولي ة من حيث ديناميكيته ا التاريخي ة وذل ك من خالل الترك يز على دراس ة عوام ل وظ روف ظه ور‬
‫وتط ور العالق ات السياس ية والدبلوماس ية والتف اعالت العس كرية والسياس ية واالقتص ادية بين ال دول‬
‫ومختل ف الأط راف الفاعل ة في الس احة الدولي ة (حرك ات أو منظم ات) في مختل ف المراح ل أو الحقب‬
‫التاريخية‪ .‬ولقد تزامن ظهور هذا التخصص العلمي مع تزايد دور وأهمية العالقات السياسية الخارجية‬
‫بين الدول والشعوب ومختلف القوى والفواعل االجتماعية والسياسية واالقتصادية المؤثرة في العالقات‬
‫الدولية‪ ،‬ولهذا نجد هناك ارتباط وثيق بين دراسة تاريخ العالقات الدولية ودراسة دبلوماسية وسياسة‬
‫خارجية الدول‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫األستاذة‪ :‬م ّماد‬ ‫محاضرات تاريخ العالقات الدولية‬

‫‪ .‬إط ار مف اهيمي‪ :‬تحدي د تع اريف مجموع ة من المف اهيم المفتاحي ة في المقي اس‪ ،‬ومن أب رز ه ذه‬

‫المفاهيم‪ ،‬نذكر ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬تعريف العالقات الدولية‪:‬‬

‫تتعدد تعاريف مفهوم العالقات الدولية‪ ،‬نذكر من بينها‪ :‬تعريف "مارسيل ميرل‪ ":‬هي كل‬
‫التدفقات التي تتم عبر الحدود أو تتطلع نحو عبورها"‪ ،‬ويعرفها" كوينس" بأنها‪ ":‬عالقات شاملة تشمل‬
‫مختلف الجماعات في العالقات الدولية سواء كانت عالقات رسمية أو غير رسمية"‪.‬‬

‫ونظ را لك ون أن العالق ات الدولي ة لم تع د مقتص رة فق ط على العالق ات بين ال دول بس بب‬


‫ظه ور فواعل من طبيع ة أخ رى ت ؤثر في العالق ات الدولي ة‪ ،‬يمكن تعريفه ا بأنه ا‪ ":‬كاف ة التف اعالت‬
‫والروابط المتبادلة سواء كانت سياسية أو غير سياسية بين الكيانات المختلفة في إطار المجتمع الدولي"‪.‬‬

‫‪ .2‬تعريف مفهوم النظام الدولي‪ :‬يشير مفهوم النظام " ‪ "System‬في أدبيات العالقات الدولية إلى‬
‫‪ ":‬مجموع ة من األج زاء المتفاعل ة"‪ ،‬ويع رف " جوزي ف فرانك ل" النظ ام ال دولي بأن ه‪ ":‬مجموع ة من‬
‫الوحدات السياسية المستقلة التي تتفاعل فيما بينها بشيء من االنتظام"‪ ،‬ويعرفه" هولستي" بأنه‪ ":‬تجمع‬
‫يضم هويات سياسية مستقلة تتفاعل بين بعضها البعض وفقا لعمليات منتظمة"‪ ،‬أما " ستانلي هوفمان"‬
‫ف يرى ب أن النظ ام ال دولي ه و" عب ارة عن نم ط للعالق ات بين الوح دات األساس ية في السياس ة الدولي ة"‪.‬‬
‫ويعرف " محمد طه بدوي" النسق الدولي بأنه‪ ":‬مجموعة من عدد من الوحدات السياسية بقوى متدرجة‪،‬‬
‫بحيث يقود عالقات القوى فيما بينها عدد صغير من القوى القطبية الكبرى"‪.‬‬

‫ويجب اإلشارة إلى أن وحدات النظام الدولي ال تشير فقط إلى " الدولة"‪ ،‬وإ نما هناك فواعل‬
‫وأطراف وقوى من طبيعة غير دوالتية( ليست دوال) أصبح لها تأثير كبير في تفاعالت النظام الدولي‪،‬‬
‫وله ذا فهي تع د من أهم أط راف وفواعل أو مكون ات النظ ام ال دولي كالش ركات متع ددة الجنس يات‪،‬‬
‫والمنظمات غير الحكومية‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪ .3‬تعري ف مفه وم السياس ة الخارجي ة‪ :‬تتع دد تع اريف السياس ة الخارجي ة وتختل ف‪ ،‬يعرفه ا "‬
‫مرس يل م يرل" بأنه ا‪ ":‬ذلك الجزء من النش اط الحكومي الموجه نحو الخارج لمعالج ة مش اكل ما وراء‬
‫الح دود"‪ ،‬وبن اء على ه ذا‪ ،‬فهي تتك ون من ق رارات حكومي ة تتخ ذ من ط رف ص ناع الق رار‪ ،‬ومن‬

‫‪2‬‬
‫األستاذة‪ :‬م ّماد‬ ‫محاضرات تاريخ العالقات الدولية‬

‫مجموع ة من األفع ال ال تي تع الج مش اكل خارجي ة‪ ،‬وته دف ك ل من الق رارات واألفع ال إلى تحقي ق‬
‫مجموعة من األهداف‪.‬‬

‫‪.4‬تعريف مفهوم السياسة الدولية‪ :‬يعرفها " جوزيف فرانكل" بأنها‪ ":‬مجموع السياسات الخارجية‬
‫للدول في تفاعالتهم المتبادلة‪ ،‬باإلضافة إلى تفاعالتهم مع المنظومة الدولية والجماعات االجتماعية من‬
‫غ ير ال دول‪ ،‬وه ذا يع ني أن التفاع ل السياس ي يش مل جمي ع وح دات المجتمع ال دولي وليس فق ط ال دول‪،‬‬

‫ومحصلة هذا التفاعل هو السياسة الدولية"‪.‬‬

‫‪.5‬تعري ف الفاع ل أو الالعب ال دولي‪ :‬يش ير تعري ف العالق ات الدولي ة إلى وج ود مجموع ة من‬
‫األطراف أو الوحدات أو الفواعل" الدولية" التي تتم بينها جملة من التفاعالت‪ ،‬وإ ن كلمة " دولية" هنا ال‬
‫تش ير فق ط إلى الف اعلين ال دوليين من الطبيع ة الدوالتي ة أي" دول" باعتب ار ه ذه األخ يرة ك انت تمث ل‬
‫"الص ورة النمطي ة والكالس يكية" للف اعلين ال دوليين من ذ معاه دة وس تفاليا‪ ،‬وإ نم ا تش ير أيض ا إلى أن واع‬
‫أخرى من الفواعل الدولية من طبيع ة " غير دوالتي ة" (فوق أو دون دوالتي ة) تلعب دورا على المسرح‬
‫الدولي‪ ،‬ولها تأثير في العالقات الدولية‪.‬‬

‫وتبع ا لم ا تق دم‪ ،‬ف إن مفه وم الالعب أو "الفاع ل"‪ ‬في العالق ات الدولي ة كم ا عرف ه" مارس يل‬
‫م يرل" يش ير إلى ك ل‪" :‬س لطة أو جه از أو جماع ة أو ح تى ش خص ق ادر على أن يلعب دورا في الحق ل‬
‫االجتماعي أي على المسرح الدولي‪ ،‬وفي هذه الحالة قد يتطلب لعب هذا الدور اتخاذ قرارما‪ ،‬أو القيام‬
‫بفع ل م ا‪ ،‬أو ح تى ببس اطة مج رد ممارس ة الت أثير في القابض ين على س لطة الق رار أو الممس كين بزم ام‬
‫القوة المادية‪ ،‬ويقوم الفاعل بدوره في العالقات الدولية من خالل السياسة الخارجية"‪ ،‬وهذا ما يضفي‬
‫صفة التنوع والتعدد على العبي العالقات الدولية‪.‬‬

‫يس تنتج من تع اريف" الفاع ل ال دولي"‪ ،‬أن الفك رة الجوهري ة ال تي تتمح ور عليه ا هي" فك رة‬
‫الت أثير" ال ذي يعت بر العام ل المح دد للحكم على أي وح دة م ا بأنه ا" فاع ل"‪ ،‬وله ذا ف إن الفواعل الدولي ة‬
‫تختل ف درج ة تأثيره ا في التف اعالت الدولي ة بين‪ ":‬فاع ل" في نس ق معين‪ ،‬وه و ذل ك الفاع ل أو الق وة‬
‫القادرة على االشتراك في عالقات القوة داخل النسق الدولي‪ ،‬مما يجعله طرفا فيها‪ ،‬و" الفاعل الرئيس"‬
‫الذي يشير إلى القوة القادرة على المشاركة في تقرير صورة النسق الدولي كله‪.‬‬

‫مصطلح "فاعل" هو ترجمة عربية للكلمة االنجليزية" ‪" actor‬‬ ‫‪‬‬

‫‪3‬‬
‫األستاذة‪ :‬م ّماد‬ ‫محاضرات تاريخ العالقات الدولية‬

‫وتصنف" الفواعل الدولية" في الغالب األعم إلى‪:‬‬

‫‪ .‬فواعل دوالتية أي "دول"‬

‫‪ .‬فواعل فوق دوالتية " ف وق الدولة"‪ :‬وهي تش ير إلى مجم وع الفواعل ال تي تأخ ذ س مة الهي أة الجامع ة‬
‫لعدد من الدول‪ ،‬وتشمل‪ :‬المنظمات الدولية‪.‬‬

‫‪ .‬فواعل تحت أو دون الدولة ‪ ،‬وهي فواعل غير حكومية تعمل وتنشط داخل الدولة التي تنتمي إليها ‪،‬‬
‫وهي ليست عابرة للحدود لكنها تؤثر في اتخاذ القرار الدولي وصناعة السياسة العالمية‪ ،‬ومن أمثلتها‪:‬‬
‫األحزاب‪ ،‬ميليشيات‪ ،‬طوائف‪ ،‬قبائل‪ ،‬شركات‪ ،‬جمعيات‪ ،‬وسائل إعالم‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ .‬فواعل عابرة للدولة‪ :‬وهي جماعات وأطراف حكومية وغير حكومية‪ ،‬وغالبا ما تكون فواعل دون‬
‫دوالتية ولكن تأثيرها يكون عابر للدولة‪ ،‬وذلك من خالل اتصالها وتأثيره ا في فواعل دوالتي ة "دول"‪،‬‬
‫أو في فواعل فوق دوالتية كالمنظمات الدولية‪.‬‬

‫‪ .‬الهدف من دراسة تاريخ العالقات الدولية عبر العصور‪ :‬القديمة‪ ،‬الوسطى‪ ،‬الحديث ة‬
‫والمعاصرة‪.‬‬

‫إن أهم ما نركز عليه في مقياس" تاريخ العالقات الدولية" كما أسلفنا الذكر هو تتبع تطور‬
‫العالق ات الولي ة ع بر مختل ف العص ور والمراح ل التاريخي ة‪ ،‬وإ ن اله دف من ه ذه العملي ة البحثي ة ليس‬
‫مج رد الس رد الت اريخي لألح داث " الدولي ة"‪ ،‬وإ نم ا الكش ف عن التح والت والتط ورات ال تي عرفته ا‬
‫‪ .1‬طبيعة الفاعلين الذين يقومون بها أي تحديد طبيعة فواعلها وأطرافها‬ ‫العالقات الدولية من حيث‪:‬‬
‫عبر مختلف العصور والحقب التاريخية‪.‬‬

‫‪ .2‬تطور مجاالتها ومواضيع اهتمامها وقضاياها‪.‬‬

‫‪ .3‬أنم اط وأش كال تف اعالت العالق ات الدولي ة ع بر العص ور‪ :‬عالق ات س لمية‪،‬‬
‫صراعية‪ ،‬تعاونية ‪.‬‬

‫‪ .4‬تطور مفاهيمها المفتاحية‪ ،‬ودراسة تطور المناهج والنظريات المعتمدة في تحليلها‬


‫وتفسيرها‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫األستاذة‪ :‬م ّماد‬ ‫محاضرات تاريخ العالقات الدولية‬

‫‪ .‬المحور األول‪ :‬العالقات الدولية خالل العصور القديمة والوسطى‬

‫يرجع الكثير من باحثي العالقات الدولية في العالم الغربي تاريخ ظهور ونشأة العالقات‬
‫الدولية إلى انعقاد مؤتمر "وستفاليا" عام ‪ 1648‬لكون أن هذه المعاهدة أسست لما يعرف بنظام الدول‬
‫القومي ة الحديث ة‪ ،‬غ ير أن الدراس ات التاريخي ة تثبت ب أن ت اريخ العالق ات بين الش عوب واألمم يع ود إلى‬
‫ت اريخ وج ود البش ر على وج ه األرض أي من ذ أن خل ق اإلنس ان‪ ،‬غ ير أن طبيع ة ه ذه العالق ات‬
‫ومظاهرها اتخذت الشكل التقليدي البسيط تماشيا مع نمط الحياة االجتماعية واالقتصادية والسياسية التي‬
‫عاشها االنسان البدائي‪ ،‬وعاشتها التجمعات البشرية في صورها التقليدية( قبل ظهور الجماعة الدولية‬
‫بمفهومه ا وش كلها الح ديث) في العص ور القديم ة( العش ائر‪ ،‬القبائ ل‪ ،‬الممالي ك‪ ،‬االمبراطوري ات‪،‬‬
‫اإلمارات)‪ ،‬وهذا ما يظهر جليا في العالقات التي نشأت بين األمم والشعوب في العالم القديم كعالقات‬
‫مص ر الفرعوني ة م ع غيره ا من الش عوب ‪ ،‬وعالق ات اآلش وريين الخارجي ة‪ ،‬والب ابليين والفينيق يين‬
‫والف رس‪ ،‬وعالق ات اإلغري ق حيث ك انت تربط المدن اليوناني ة في ه ذا العص ر عالق ات اتس مت بتب ادل‬
‫البعثات الدبلوماسية وتوقيع معاهدات السلم والحرب‪ ،‬في حين اتسمت عالقات الرومانيين بغيرهم من‬
‫األجانب في العهد الروماني بالحروب والعداء واإلخضاع والسيطرة بالقوة‪.‬‬

‫وبع د س قوط اإلمبراطوري ة الروماني ة الغربي ة س نة ‪476‬م‪ ،‬ع رفت العالق ات بين األمم‬
‫والشعوب في العالم الغربي – األوروبي‪ -‬تحوالت بارزة بعد دخول هذا األخير في مرحلة" العصور‬
‫الوس طى"‪ ، ‬حيث س يطرت س لطة الكنيس ة على مقالي د الس لطتين الروحي ة والزماني ة‪ ،‬وس اد نظ ام‬
‫اإلقطاع‪ ،‬وهذا ما جعل الكنيسة تتولى مهمة إدارة العالقات بين المماليك واإلمارات الغربية المسيحية‬
‫لتحقي ق م ا يس مى بالس الم المس يحي‪ ،‬غ ير أن الح روب الديني ة الطاحن ة ال تي عرفه ا الع الم الغ ربي‪-‬‬
‫المس يحي‪ -‬خالل ه ذه الحقب ة أدت إلى اإلطاح ة بس لطة الكنيس ة الروحي ة والزمني ة‪ ،‬وكرس ت س لطة‬
‫الملوك واألباطرة السياسية‪ ،‬كما أدخلت العالم الغربي في مرحلة تاريخية جيدة مهدت لظهور ما يسمى‬
‫ب" الدولة القومية الحديثة" ‪.‬‬

‫أم ا عن طبيع ة ه ذه العالق ات في الع الم الش رقي بع د ظه ور اإلس الم وانتش ار الرس الة‬
‫المحمدية‪ ،‬فكانت مبنية على األسس والقيم التي جاء اإلسالم يدعو إليها كالتعاون والتسامح واالحترام‬

‫تبدأ مرحلة العصور الوسطى التي عرفها العالم الغربي األوروبي منذ سقوط االمبراطورية الرومانية إلى غاية فتح‬ ‫‪‬‬

‫القسطنطينية على يد" محمد الفاتح"‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫األستاذة‪ :‬م ّماد‬ ‫محاضرات تاريخ العالقات الدولية‬

‫المتب ادل وع دم االعت داء ونب ذ العن ف والق وة‪ ،‬وله ذا مض ت الدول ة اإلس المية في تنظيم العالق ات بين‬
‫ربوعه ا وأجزائه ا داخ ل م ا يع رف ب" دار اإلس الم" على أس اس القيم والمب ادئ المش ار إليه ا س لفا‪،‬‬
‫ودخلت أيض ا في عالق ات تجاري ة وسياس ية‪ ،‬وأب رمت المعاه دات واالتفاقي ات م ع الش عوب واألمم غ ير‬
‫اإلسالمية في إطار ما يعرف ب"دار الحرب" بناءا على قاعدة" السلم ما لم يطرأ ما يوجب الحرب"‪.‬‬

‫ويمكن الق ول أن ت اريخ العالق ات الدولي ة ع رف تط ورا مهم ا بع د ظه ور اإلس الم وقي ام‬
‫الدول ة اإلس المية التي أس س له ا الرس ول الكريم‪ ،‬وق ام على ت دبير ش ؤونها من بع ده الخلف اء الراش دين‪،‬‬
‫بحيث عرفت العالقات الدولية تطورات ملحوظة خاصة في العصر العباسي الذي اتسمت فيه عالقات‬
‫الدول ة العباس ية الخارجي ة باعتم اد أس لوب" الدبلوماس ية" لتوثي ق العالق ات التجاري ة والثقافي ة س واء م ع‬
‫الربوع اإلسالمية أو غير اإلسالمية‪ ،‬كما استخدمت الدبلوماسية أيضا كوسيلة لضمان التوازن الدولي‬
‫آنذاك عبر قيام وتبادل السفارات بين " بغداد" و" بيزنطة"‪ ،‬وبين" قرطبة" و" القسطنطينية"‪.‬‬

‫‪ .‬المحور الثاني‪ :‬العالقات الدولية خالل العصر الحديث‬

‫بدأت معالم العصر الحديث تلوح في أفق القارة األوروبية مع نهاية القرن الخامس عشرة‬
‫وبداي ة الق رن الس ادس عش رة‪ ،‬ولق د ت زامن ه ذا م ع انهي ار نظ ام اإلقط اع واق تراب نهاي ة العص ور‬
‫الوس طى‪ ،‬وظه ور م ا يس مى ب" الدول ة القومي ة الحديث ة" في أوروب ا الغربي ة كش كل ح ديث لتنظيم‬
‫المجتمع ات السياس ية بع د انهي ار الكيان ات اإلقطاعي ة والنظ ام اإلم براطوري عقب ح روب دامي ة ديني ة‬
‫وعرقي ة وسياس ية وقومي ة عرفته ا الق ارة األوروبي ة‪ ،‬وال تي انتهت بانعق اد معاه دة ص لح" وس تفاليا" ع ام‬
‫‪ ،1648‬ولق د أح دثت ه ذه المعاه دة وأح داث دولي ة ك برى أخ رى عرفته ا الق ارة األوروبي ة خالل ه ذا‬
‫العص ر ال ذي امت د ح تى أواخ ر الق رن الث امن عش رة ت أثيرا عميق ا في النظ ام ال دولي "األوروبي" ‪ ،‬وفي‬
‫العالقات الدولية " األوروبية" بشكل عام‪ ،‬وهذا ما سيتم التطرق إليه من خالل العناصر التالية‪:‬‬

‫العالقات الدولية منذ معاهدة " وستفاليا" إلى معاهدة" فيينا" ‪:1815‬‬ ‫‪.1‬‬

‫ش هدت أوروب ا في النص ف األول عش رة ان دالع ح رب الثالثين عام ا ال تي دامت من‪:‬‬


‫‪ 1618‬إلى ‪1648‬م‪ ،‬وهي عب ارة عن ح روب ديني ة ألن س ببها الظ اهر ك ان ديني ا(ص راع دي ني بين‬
‫الكاثولي ك والبروتس تانت)‪ ،‬غ ير أن الغاي ات واأله داف الخفي ة من وراء نش وب ه ذه الح رب تن وعت‬
‫وتعددت بين مصالح سياسية واقتصادية تبعا لتنوع دوافع ومصالح المشاركين فيها‪ .‬ولقد عرفت أوروبا‬

‫‪6‬‬
‫األستاذة‪ :‬م ّماد‬ ‫محاضرات تاريخ العالقات الدولية‬

‫ه ذه الح روب ال تي انتش رت بص ورة تدريجي ة فيه ا بع د فش ل الق ادة األوروب يين في إيج اد ح ل ج ذري‬
‫للمشاكل الدينية التي اندلعت في أوروبا بعد ظهور حركة اإلصالح الديني في النصف األول من القرن‬
‫السادس عشرة‪ ،‬هذا ما جعل المجتمعات األوروبية تعيش ولمدة طويلة من الزمن حالة من ألالستقرار‬
‫واالنقسامات الداخلي ة أدت في األخير إلى اندالع حروب الثالثين عاما التي اندلعت معاركها في بداية‬
‫األمر في أوروبا الوسطى(ألمانيا حاليا) التي كانت تابعة لإلمبراطورية الرومانية المقدسة‪ ،‬لتمتد في ما‬
‫بع د إلى أراض ي الق وى األوروبي ة المش اركة في ه ذه الح روب وال تي ك انت له ا أطم اع سياس ية‬
‫كاألراض ي الفرنس ية‪ ،‬واألراض ي المنخفض ة وش مال إيطالي ا وكاتالوني ا وغيره ا‪ ،‬ومن أب رز الق وى‬
‫األوروبية التي شاركت في هذه الحروب أيضا كل من الدانمارك والسويد وإ سبانيا‪.‬‬

‫وفي ع ام ‪ ،1648‬ج اءت معاه دة " ويس تفاليا"‪ ‬لتض ع ح دا لنهاي ة ه ذه الح روب‪ ،‬وتؤس س‬
‫لعالقات أوروبية جديدة ‪ ،‬هذا ما جعلها تعد البداية األولى لنشوء " القانون الدولي"‪.‬‬

‫أ‪ .‬معاهدة وستفاليا عام ‪1648‬م‪:‬‬

‫تعتبر معاهدة سالم" ويستفاليا" المنعقدة عام ‪ 1648‬من أهم االتفاقيات الدولية في التاريخ‬
‫الحديث ألنها أرست القواعد المؤسسة للعالقات الدولية المعاصرة‪ ،‬ويظهر هذا من خالل النتائج واآلثار‬
‫ال تي ت رتبت عنه ا على مس توى بني ة ونم ط تف اعالت المجتمع ال دولي أو النظ ام ال دولي" األوروبي"‪ ،‬أو‬
‫على مستوى العالقات الدولية " األوروبية"‪.‬‬

‫ويمكن إجمال أهم هذه النتائج واآلثار في ما يلي‪:‬‬

‫‪ .‬إنه اء الح روب الديني ة أو ح روب الثالثين عام ا ال تي عرفته ا الق ارة األوروبي ة‪ ،‬م ع اإلش ارة إلى أن‬
‫معاهدة ويستفاليا لم تنجح في تحقيق السلم الدائم بين الدول األوروبية‪.‬‬

‫‪ .‬والدة الدول ة القومي ة في أوروب ا بع د انهي ار نظ ام اإلمبراطوري ات ال ذي ك ان س ائدا‪ ،‬ولق د ك ان أول‬


‫ظه ور له ذا الش كل الجدي د من التنظيم السياس ي في غ رب أوروب ا‪ ،‬حيث نش أت ه ذه الكيان ات في ب ادئ‬
‫األمر في الجزر البريطانية‪ ،‬فرنسا‪ ،‬إسبانيا‪ ،‬السويد واألراضي المنخفضة‪ ،‬وأخيرا في إيطاليا وألمانيا‪،‬‬
‫لتنتشر مع حلول النصف الثاني من القرن التاسع عشرة في بقية أرجاء القارة األوروبية ‪ .‬ولقد تكونت‬
‫الدول ة القومي ة في أوروب ا من ان دماج ع دة وح دات سياس ية في دول ة واح دة تض م قومي ة واح دة أو ع دة‬
‫‪‬‬

‫‪7‬‬
‫األستاذة‪ :‬م ّماد‬ ‫محاضرات تاريخ العالقات الدولية‬

‫قومي ات متعايش ة م ع بعض ها البعض‪ ،‬وباكتم ال تش كل أغلب الكيان ات األوروبي ة في ش كل" الدول ة‬
‫القومي ة"‪ ،‬تش كل ما يس مى ب" النظ ام ال دولي األوروبي‪ ،‬بحيث تعد الدول ة القومي ة هي الفاع ل والالعب‬
‫الرئيسي والوحيد فيه‪.‬‬

‫‪ .‬ترس يخ معاه دة" وس تفاليا" مب دأ" س يادة الدول ة"‪ ،‬كم ا أرس ت أيض ا األرك ان األساس ية ال تي تق وم عليه ا‬
‫الدول ة القومي ة الحديث ة في أوروب ا‪ ،‬والمتمثل ة في‪ :‬وج ود جماع ة من الن اس" ش عب" تقيم بص ورة دائم ة‬
‫فوق إقليم جغرافي محدد‪ ،‬ويخضعون لسلطة سياسية تتمتع بخاصية السيادة والتي تعني أن هذه السلطة‬
‫هي س لطة أص يلة وس امية ودائم ة وموح دة‪ ،‬وللدول ة س يادة داخلي ة على س كانها‪ ،‬وله ا س يادة أيض ا في‬
‫تدبير شؤونها الخارجية‪ ،‬مع تمتعها بالمساواة مع الدول األخرى في الحقوق وااللتزامات الدولية‪.‬‬

‫‪ .‬تحرير الدولة القومية الحديثة من هيمنة السيادة والسلطة البابوية" أي سلطة بابا الكنيسة المسيحية"‪،‬‬
‫وتكريس مبدأ الحريات الدينية‪.‬‬

‫‪ .‬مه دت األرض ية أم ام والدة م ا يس مى بدبلوماس ية الم ؤتمرات من خالل اجتم اع ق ادة ال دول لعق د‬
‫الم ؤتمرات الدولي ة لمعالج ة القض ايا وح ل المش اكل واألزم ات ألن ص لح " وس تفاليا" ك ان نتيج ة أول‬
‫اجتماع عقد بين الملوك واألمراء األوروبيين في هيئة مؤتمر‪.‬‬

‫‪ .‬التأسيس العتماد نظام البعثات الدبلوماسية الدائمة بدال من المؤقتة‪.‬‬

‫‪ .‬وض ع مب ادئ هام ة تنظم العالق ات بين ال دول األوروبي ة‪ ،‬بحيث ح ددت الح دود السياس ية لك ل دول ة‪،‬‬
‫وأق رت مب دأ س يادتها على إقليمه ا‪ ،‬وفي المقاب ل‪ ،‬أق رت مب دأ ع دم الت دخل في الش ؤون الداخلي ة لل دول‪،‬‬
‫فض ال عن اعتماده ا مب دأ المس اواة بين ال دول بغض النظ ر عن طبيع ة نظمه ا الداخلي ة ملكي ة ك انت أو‬
‫جمهورية‪ ،‬وطبيعة مذاهبها الدينية كاثوليكية أو بروتستانتية ‪.‬‬

‫‪ .‬أق رت معاه دة "ويس تفاليا" أيض ا فك رة ت وازن الق وى بين دول أوروب ا كوس يلة لحف ظ األمن والس الم‬
‫الدوليين‪ ،‬وذلك من خالل اتحاد الدول األوروبية لردع أي دولة تسعى إلى التوسع على حساب الدول‬
‫األخرى‪.‬‬

‫‪ .‬سمات العالقات الدولية خالل حقبة العصر الحديث‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫األستاذة‪ :‬م ّماد‬ ‫محاضرات تاريخ العالقات الدولية‬

‫من أهم السمات والخصائص التي اتسمت بها العالقات الدولية والنظام الدولي خالل‬
‫الفترة الممتدة من انعقاد "مؤتمر وستفاليا" إلى بدايات اندالع الحرب العالمية األولى ما يلي‪:‬‬

‫‪ .‬اعتب ار الدول ة القومي ة الفاع ل والالعب الرئيس ي والوحي د في النظ ام ال دولي ال ذي ك ان نظام ا دولي ا‬
‫أوروبي ا بامتي از ألن أغلب التف اعالت والعالق ات الدولي ة في النظ ام ال دولي خالل ه ذه الف ترة ك انت‬
‫تفاعالت وعالقات تحدث في القارة األوروبية‪ ،‬كما أن الالعبين الرئيسيين في هذا النظام كانوا عبارة‬
‫عن مجموعة من القوى " الدول" األوروبية‪.‬‬

‫‪.‬العالقات الدولية خالل هذه الفترة كانت تتم على المستوى الرسمي بين الحكومات‪.‬‬

‫‪ .‬خضعت العالقات الدولية في تنظيمها خالل هذه الحقبة ل" مبدأ السيادة القومية"‪ ،‬ومبدأ" عدم التدخل‬
‫في الشؤون الداخلية للدول األخرى"‪ ،‬ومبدأ" الوالء القومي للدولة القومية" ‪.‬‬

‫‪ .‬محدودي ة ت أثير ال دول على بعض ها البعض‪ ،‬ويك ون ه ذا الت أثير ع بر اس تخدام وس ائل الض غط‬
‫الدبلوماسية والعسكرية‪.‬‬

‫‪ .‬نم ط أو ش كل العالق ات الدولي ة ك ان يأخ ذ ش كلين‪ :‬إم ا عالق ات س لمية‪ ،‬أو عالق ات ص راعية ‪ ،‬أي أن‬
‫العالقات بين الدول كانت إما عالقات دبلوماسية أو عالقات عداء أو حرب‪ ،‬باإلضافة إلى أن مجاالت‬
‫ه ذه العالق ات لم تكن متنوع ة ومتش ابكة‪ ،‬تمس مج االت سياس ية‪ ،‬اقتص ادية‪ ،‬ثقافي ة‪...‬إلخ كم ا هي علي ه‬
‫اليوم‪.‬‬

‫‪ .‬غياب وجود مؤسسات دولية توكل إليها مهمة حل النزاعات والصراعات الدولية‬

‫‪ .‬اتسام النظام الدولي األوروبي بعد معاهدة وستفاليا بسيادة مبدأ أو نظام توازن القوى كأداة ووسيلة‬
‫إلق رار األمن والس لم ال دوليين‪ ،‬ولق د ك انت ال دول األوروبي ة تحاف ظ على ه ذا النظ ام من خالل عق د‬
‫مجموعة من المؤتمرات الدولية هدفها تنظيم العالقات بين الدول األوروبية وحفظ األمن والسلم‪ ،‬وغالبا‬
‫ما يطلق على هذه الحقبة الزمنية التي عرفت فيها أوروبا انعقاد مجموعة من المؤتمرات الدولية منذ‬
‫انعق اد مؤتمر وس تفاليا إلى غاي ة ان دالع الحرب العالمي ة األولى بعصر" الم ؤتمرات الدولي ة"‪ ،‬ولع ل من‬
‫أهم ه ذه الم ؤتمرات ن ذكر‪ :‬معاه دة" أوت رخت" ع ام ‪ ،1713‬م ؤتمر فيين ا والحل ف المق دس ع ام ‪،1815‬‬
‫م ؤتمر إكس الش ابل ع ام ‪ ،1818‬م ؤتمر ب اريس ع ام ‪ ،1856‬م ؤتمر ب رلين ع ام ‪ ،1884‬وم ؤتمرات‬

‫‪9‬‬
‫األستاذة‪ :‬م ّماد‬ ‫محاضرات تاريخ العالقات الدولية‬

‫الهاي للسالم ‪1907-1899‬م‪ ،‬غير أن نظام" توازن القوى األوروبي" لم يكتب له االستمرار والصمود‬
‫طويال أم ام الص راعات التي عرفته ا ال دول األوروبي ة وال تي بلغت ذروتها م ع مطل ع القرن العشرين‪،‬‬
‫لينهار هذا النظام عام ‪ 1914‬تاريخ اندالع الحرب العالمية األولى‪.‬‬

‫‪ .‬مؤتمر فيينا عام ‪:1815‬‬

‫س عى مهندس وا ه ذا الم ؤتمر وعلى رأس هم" المستش ار النمس اوي مي ترنيخ" إلى تحقي ق‬
‫مجموعة من األهداف أهمها‪:‬‬

‫‪ .‬القض اء على الطم وح الفرنس ي بزعام ة" ن ابوليون" ال ذي ك ان يس عى إلى بس ط الهيمن ة الفرنس ية على‬
‫القارة األوروبية‪ ،‬واإلطاحة أو اإلخالل بنظام توازن القوى الذي كان سائدا في أوروبا آنذاك‪.‬‬

‫‪ .‬تحقيق نوعا من التوازن النسبي بين الدول األوروبية الكبرى عبر إيجاد نظام أوروبي جديد قائم على‬
‫النفوذ الجماعي للقوى الكبرى في تلك الحقبة‪.‬‬

‫‪ .‬القض اء على التي ارات الفكري ة الحرة وقمع الحرك ات الثوري ة في بعض ال دول األوروبي ة التي ك انت‬
‫نتاج انتشار مبادئ الثورة الفرنسية التحررية‪.‬‬

‫‪ .‬إيجاد نظام أوروبي قائم على أساس" الوفاق" يعتمد على آلية المؤتمرات الدولية التي تعقد بين القوى‬
‫الكبرى لحل المشاكل الدولية‪.‬‬

‫‪ .‬إقرار مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها‪.‬‬

‫ولقد تب ع انعق اد مؤتمر" فيين ا" انعق اد مجموع ة من الم ؤتمرات التي ك ان له ا األثر الكبير‬
‫هي األخ رى في تط وير العالق ات الدولي ة كم ؤتمر" إكس الش ابل" ع ام ‪ 1818‬للم راتب الدبلوماس ية‪،‬‬
‫م ؤتمر ب اريس ع ام ‪ 1856‬للتنظيم الق انوني للمض ائق التركي ة‪ ،‬وم ؤتمر" ب رلين" ع ام ‪ 1884‬ال ذي ك ان‬
‫من مقرراته إقرار مبدأ االنتداب االستعماري‪ ،‬ومؤتمرات الهاي للسالم ‪ 1907-1899‬التي كان من‬
‫مقرراتها أيضا‪ :‬بحث مسائل التعاون الدولي‪ ،‬ومناقشة فكرة تطوير وتدوين القانون الدولي‪ ،‬والبحث في‬
‫اآلليات السلمية لفض النزاعات الدولية‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫األستاذة‪ :‬م ّماد‬ ‫محاضرات تاريخ العالقات الدولية‬

‫‪11‬‬

You might also like