You are on page 1of 4

‫المحور الثاني‪ :‬بيئة النظام السياسي‬

‫إن للعوامل الجغرافية والطبيعية واالقتصادية والسكانية واالجتماعية والثقافية والتاريخية تأثير‬
‫كبير على أداء الدولة لوظائفها داخليا وخارجيا‪ ،‬كونها تعتبر عوامل قوة أو ضعف لها‪ .‬فقد تكون في‬
‫حالة توفرها عناصر جذب وقوة للدولة‪ ،‬وتمكنها من أدائها لوظائفها بصورة أمنة ودائمة‪ ،‬كما قد تشكل‬
‫عناصر ضعف وال استقرار لها‪ ،‬وتعيق قدرتها على أداء وظائفها‪ ،‬وممارستها لمختلف أوجه نشاطها‬
‫السياسي‪.‬‬
‫النظام السياسي يتكون وينمو ويتطور في بيئة اجتماعية محددة‪ ،‬تقدم له قدرات وعوامل وموارد‬
‫جديدة يضعها في خدمة سياساته ومشروعاته الكبرى أحيانا‪ ،‬وتحد من حرية حركته بما تفرضه عليه من‬
‫قيود وضوابط أحيانا أخر وفق قدرته على استغاللها بصورة عقالنية‪.‬‬
‫‪-1‬المقدرات الجغرافية والسكانية‬
‫‪ .1.1‬المقدرات الجغرافية‪ :‬كالموقع الجغرافي وأهميته اال ستراتيجية وما يرتبط به من مشكالت‬
‫الحدود‪ ،‬مساحة الدولة ووضعها بين جيرانها‪ ،‬درجة تنوع تضاريسها ومناخها‪ ،‬امتالكها لواجهات بحرية‪،‬‬
‫ودرجة انكشافها‪ ،‬وذلك لما لها من تأثير في ضمان االستقرار السياسي للدولة‪ .‬فيشير مفهوم أرض أو‬
‫إقليم الدولة إلى الح يز أو االمتداد المساحي للدولة‪ ،‬إضافة للمميزات والخصائص الطبيعية التي تميز‬
‫هذا االمتداد‪ ،‬وتتضمن هذه المالمح‪ :‬موقع وشكل الدولة وحجمها‪ ،‬المناخ‪ ،‬التضاريس‪ ،‬النبات الطبيعي‬
‫والموارد الطبيعية‪ ،‬سواء تع لق األمر بالموارد المائية أو الزراعية أو المعدنية والطاقوية‪ ،‬ألن هذه‬
‫العناصر جميعا تحدد طبيعة النشاط االقتصادي الذي يمارسه السكان‪.‬‬
‫تكمن أهمية دراسة الموقع الجغرافي ألي دولة في إبراز القيمة الفعلية لهذا الموقع ألهميته في‬
‫تحديد شخصية الدولة وتوجيه سياستها الخارجية باتجاهات معينة‪ ،‬باإلضافة إلى دوره في تحديد‬
‫مصالحها الحيوية وتحديد دورها في الوسط الدولي‪ ،‬كما يؤثر الموقع الجغرافي للدولة في ق ارراتها‬
‫السياسية واالقتصادية والعسكرية‪ ،‬وفي حجم قوتها‪ ،‬إذ يعتبر بالنسبة لبعض الدول بمثابة المورد الوحيد‬
‫لبقائها‪ ،‬في حين يكون في بعض حاالت دول أخرى نقمة عليها خاصة إذا كانت دوال حبيسة أو واقعة‬
‫بين دول متصارعة‪ ،‬أو تملك حدودا برية مع دول أخرى تعرف نوعا من الال استقرار والال أمن‪ ،‬مع‬
‫اإلشارة إلى أن القيمة السياسية واال ستراتيجية للموقع متغيرة وليست ثابتة بثبوته‪.‬‬
‫يؤثر الشكل الجغرافي للدولة من حيث ترابطه أو تجزئه طبيعيا في أداء الدولة لوظيفة تحقيق‬
‫التماسك الداخلي بين أجزائها‪ ،‬كما يحدد طبيعة الوظائف التي يجب على الدولة القيام بها كأولويات‪،‬‬
‫بحيث كلما كان الشكل الطبيعي لجسم الدولة عبارة عن أجزاء غير مرتبطة جغرافيا بسبب وجود معوقات‬
‫طبيعية كالحواجز الطبيعية الجبلية أو المناخ القاسي أو الطبيعة الصحراوية‪ ،‬أو وجود جزر أو شبه‬
‫جزر‪ ،‬زادت صعوبات الدولة أمام أدائها لوظيفة تحقيق التماسك والوحدة الداخلية بين أجزائها‪ ،‬وفي‬

‫‪1‬‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬يفرض عليها تطوير وظائف أخرى كتطوير النقل‪ ،‬وتشجيع حركة اتصال وانتقال األفراد‬
‫واألموال والسلع‪ ،‬وتوفير الخدمات العمومية‪ ،‬واالهتمام بالتنمية المحلية الداخلية لهذه األجزاء أو األقاليم‪.‬‬
‫‪.1.2‬المقدرات السكانية‪ :‬قد تكون المقدرات أو المقومات أو العوامل السكانية كذلك عوامل قوة‬
‫للدولة أو عوامل ضعف لها‪ ،‬لذا يتم دراسة السكان كما ونوعا‪ ،‬مع تبيان أثر هذه األخيرة في قوة أو‬
‫ضعف الدولة داخليا وخارجيا‪ ،‬وتشمل الدراسة الكمية للسكان دراسة السكان من حيث‪ :‬العدد‪ ،‬النمو أو‬
‫الزيادة السكانية‪ ،‬الكثافة السكانية‪ ،‬التوزيع السكاني‪ ،‬الفئات العمرية‪ ،‬الفئات الجنسية‪ ،‬نسبة األمية‬
‫وغيرها‪ .‬أما الدراسة النوعية للسكان‪ ،‬فتتضمن دراسة السكان من حيث‪ :‬التركيب القومي أو االثنوجرافي‬
‫والذي يشمل دراسة االنتماءات العرقية والدينية والمذهبية واللغوية للسكان‪ ،‬فضال عن دراسة السكان من‬
‫حيث طبيعة نشاطاتهم االقتصادية التي يمارسونها‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن دراسة هذه العناصر تكون‬
‫مصحوبة بإبراز أثر هذه المتغيرات جميعها في قوة أو ضعف الدولة‪ ،‬وإبراز أثرها أيضا في سياستيها‬
‫الداخلية والخارجية‪.‬‬
‫‪-2‬الهيكل االقتصادي واالجتماعي‬
‫‪ .1.2‬الهيكل االقتصادي‪ :‬وتشمل هذه األخيرة كل ما تملكه الدولة من موارد أو ما يمكنها‬
‫الحصول عليه سواء كانت موارد طبيعية زراعية‪ ،‬معدنية أو طاقوية أو موارد بشرية‪ ،‬فضال عما يمكن‬
‫أن تنتجه الدولة اقتصاديا من صناعات‪ ،‬وتطور تكنولوجي‪ ،‬ألن المقدرة الصناعية للدولة تعد أحد أهم‬
‫العوامل المؤثرة في قوتها السياسية واالقتصادية‪ ،‬كما أن طبيعة اقتصاد الدولة‪ ،‬ودرجة تطوره أو تخلفه‬
‫يؤثر بدوره في عالقاتها الخارجية‪ ،‬وفي درجة قوتها أو ضعفها‪ .‬وتدرس الجغرافية االقتصادية أيضا‪:‬‬
‫الناتج المحلي اإلجمالي للدولة المعنية بالدراسة‪ ،‬صادرات وواردات الدولة‪ ،‬فجوة الموارد‪ ،‬دراسة ميزان‬
‫المدفوعات‪ ،‬الميزان التجاري‪ ،‬ودراسة ميزان السلع والخدمات والدخل‪.‬‬
‫إن للموارد االقتصادي أهمية كبيرة للدولة وشرعيتها‪ ،‬فكلما استطاع النظام السياسي توفير األطر‬
‫القانونية والتنظيمية الضرورية لتوظيف الموارد االقتصادية الموجودة وأح سن توزيع العائد والثروات على‬
‫الفئات المختلفة في المجتمع زاد النظام من مساندة المواطنين له وكرس دعمهم له واستم ارريته‪.‬‬
‫‪ .2.2‬الهيكل االجتماعي‪:‬‬
‫تعتمد الدول على توفير وضمان تماسك نسيجها االجتماعي تفاديا لعوامل الال استقرار الداخلية‪،‬‬
‫وذلك ألن العديد من الد ول تتوفر على خليط عرقي أو ديني أو اثني أو طائفي متنوع مما ينذر بإمكانية‬
‫حدوث صدامات داخلية بين مختلف االقليات إن هي مارست وانتهجت سياسة تمييزية‪ ،‬سواء كانت‬
‫سياسة الالعدالة االجتماعية أو السياسية‪.‬‬
‫تعاني بعض األقليات في بعض الدول كالصين والهند وتركيا من سياسة اقصائية من طرف‬
‫األنظمة السياسية الحاكمة وتجاهل مطالبها الثقافية واالنفصالية‪ ،‬وهو ما يدفعها إلى ممارسة العصيان‬
‫المدني وحتى حمل السالح للمطالبة بحقوقهم السياسية واالجتماعية‪ ،‬األمر الذي يهدد استقرارها وأمنها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -3‬الميراث التاريخي والثقافي‬
‫تعد الدول التي عاشت ظاهرة االستعمار دوال مختلفة عن الدول التي لم تشهد استعما ار من قبل‬
‫أو ما يطلق عليها بتسمية دول العالم الثالث أو الدول المتخلفة لما سببه االستعمار لها من تخلف وتبعية‬
‫اقتصادية حتى وهي مستقلة‪ ،‬لذا غالبا ما تتناول الدراسات العلمية دور االستعمار فيما تعيشه هذه الدول‬
‫من وضعية سياسية واقتصادية واجتماعية‪ ،‬كما نجد معظمها تابع ثقافيا لمستعمره‪ .‬فالتاريخ يؤثر في‬
‫الحاضر‪ ،‬دون أن ننسى ذكر حركات التحرر الوطني والتي ما تزال تذكر شعوبها بتاريخها وبالمستعمر‪،‬‬
‫وبما تم دفعه من ثمن للتحرر منه‪.‬‬
‫يعد الدين‪ ،‬اللغة‪ِ ،‬‬
‫العرق‪ ،‬الثقافة‪ ،‬عناصر مكونه لهوية المجتمعات وموروثها الثقافي‪ ،‬ولها تأثير‬
‫واضح وكبير على النظام السياسي الذي عليه احترام خصوصيات شعبه وإال انقلب عليه وطالب‬
‫بالتغيير‪.‬‬
‫‪ -4‬الثقافة السياسية‬
‫يقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف واآلراء واال تجاهات السائدة نحو شؤون السياسة‬
‫والحكم‪ ،‬الدولة والسلطة‪ ،‬الوالء واالنتماء‪ ،‬الشرعية والمشاركة‪ ،‬منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة‬
‫للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للنظام السياسي‪.‬‬
‫تتمحور الثقافة السياسية حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة األمد بخصوص الظواهر السياسية‪،‬‬
‫وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه السياسية إلى أفراد شعبه‪ ،‬ويشكل األفراد مجموعة من‬
‫القناعات بخصوص أدوار النظام السياسي بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية‪ ،‬وحقوقهم وواجباتهم‬
‫نحو ذلك النظام السياسي‪ ،‬كما تعرف الثقافة السياسية بأنها "مجموعة من االتجاهات والمعتقدات والتي‬
‫تعطي نظاما ومعنى للعملية السياسية وتقدم قواعد مستقرة تحكم تصرفات أعضاء التنظيم السياسي‪".‬‬
‫تعتبر الثقافة السياسية جزء من الثقافة العامة للمجتمع‪ ،‬وهي بذلك تؤثر في الثقافة العامة وتتأثر‬
‫بها‪ ،‬فالثقافة السياسية تجد مصادرها في الميراث التاريخي للمجتمع وفى األوضاع السياسية واالقتصادية‬
‫واإليديولوجية السائدة في المجتمع‪.‬‬
‫ال تعرف الثقافة السياسية في أي مجتمع كان ثباتا مطلقا‪ ،‬ولكنها تتعرض للتغيير ويحدث هذا‬
‫التغيير استجابة للتحوالت التي تط أر على المجتمع سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية‪ ،‬مع‬
‫سعيها الدائم للتكيف مع تلك األوضاع الجديدة‪.‬‬
‫يمكن تحديد عناصر مفهوم الثقافة السياسية كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تمثل الثقافة السياسية مجموعة القيم واالتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية ألفراد المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬الثقافة السياسية ثقافة فرعية‪ ،‬فهي جزء من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر فيه وتتأثر به‪ ،‬ولكن ال‬
‫يمكنها أن تخرج عن اإلطار العام لثقافة المجتمع‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫• تتميز الثقافة السياسية بالثبات النسبي‪ ،‬فهي متغيرة وال تعرف الثبات المطلق‪ ،‬ويتوقف حجم‬
‫ومدى التغير على عدة عوامل منها ‪ :‬مدى ومعدل التغير في البنية االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪،‬‬
‫ودرجة اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغير الثقافي‪ ،‬وحجم االهتمام الذى توليه وتخصصه الدولة‬
‫إلحداث هذا التغيير في ثقافة المجتمع‪ ،‬ومدى رسوخ هذه القيم في نفوس األفراد‪.‬‬
‫• تختلف الثقافة السياسية بين مجتمع وآخر كما تختلف من فرد آلخر داخل المجتمع‪ ،‬والذي‬
‫تفرضه عدة عوامل كاألصل والنسب والقبيلة والعشيرة ومحل اإلقامة والمهنة والمستوى االقتصادي‬
‫والحالة التعليمية‪.‬‬
‫يحتاج النظام السياسي الى وجود ثقافة سياسية تغذيه وتحافظ عليه‪ ،‬كونها تساهم في المجتمع‬
‫إلى حد كبير في تحديد شكل نظام الحكم‪ ،‬سلوكيات وتوجهات القادة والنخب السياسية‪ ،‬درجة المشاركة‬
‫السياسية‪ ،‬فاعل ية األحزاب السياسية‪ ،‬توجهات الرأي العام ودعم المجتمع المدني‪.‬‬
‫تؤثر بذلك الثقافة السياسية على عالقة الفرد بالعملية السياسية‪ ،‬فبعض المجتمعات تتميز بقوة‬
‫الشعور بالوالء الوطني وحس المواطنة‪ ،‬وبالتالي يشارك الفرد فيها بصورة منظمة ومستمرة في الحياة‬
‫العامة‪ ،‬ويسهم طواعية في النهوض بالمجتمع الذي ينتمي إليه‪ ،‬على عكس بعض المجتمعات األخرى‬
‫التي يظهر فيها الفرد غير مباليا بالعمل السياسي ويسود لديه الشعور بعدم جدوى مشاركته في العملية‬
‫السياسية لغياب الديمقراطية الفعلية‪ ،‬ويفقد ثقته بالسلطة والنخب السياسية وهوما يهدد استقرار الدولة‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like