You are on page 1of 242

‫جامعة سطيف ‪2‬‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬


‫قسم الحقوق‬

‫التنوع الثقافي من‬


‫منظور األمن‬
‫المجتمعي‬

‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام‬


‫تخصص‪ :‬حقوق اإلنسان واألمن اإلنساني‬

‫إشراف الدكتور‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬


‫مويسي بلعيد‬ ‫منيــغر سناء‬

‫أمام لجنة المناقشة‬


‫رئيسا‬ ‫جامعة الجزائر ‪3‬‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬برقوق أمحند‬
‫مشرفا ومقررا‬ ‫جامعة سطيف ‪2‬‬ ‫أستاذ محاضر أ‬ ‫د‪ /‬مويسي بلعيد‬
‫جامعة سطيف ‪ 2‬عضوا مناقشا‬ ‫أستاذ محاضر أ‬ ‫د‪ /‬زواوي موسى‬

‫السنة الجامعية‪0214 - 0213 :‬‬


‫ وبين الحاجة إلى بناء‬،‫ أو اإلثنية‬،‫ الدينية‬،‫يقدم البعد المجتمعي لألمن اإلنساني والذي يعنى أساسا بخلق توازن فعلي بين الخصوصية اللغوية‬
‫ ويظهر ذلك من خالل النقاط‬.‫ تصورا بديال وإطارا جديدا لفهم ودراسة التنوع الثقافي‬،‫منطق اإلندماج الوطني للمواطنين في مجتمع تعددي وعادل‬
:‫التالية‬
‫ من خالل‬،‫ إطار األمن المجتمعي يولي أهمية بالغة لجوانب جديدة من التهديدات التي تستهدف اإلضرار بالجانب القيمي والهوياتي لإلنسان‬-
.‫ وخصوصا الحرمان من التمتع بالحق في التنوع الثقافي‬،‫تسليط الضوء على المظالم الثقافية والحرمان الثقافي‬
‫ دون إهمال أي متغير يكون له صلة باإلنتهاكات التي تطال الهويات من قبيل‬،‫ هذا اإلطار يهتم بالبحث في جميع أسباب ومصادر التهديد‬-
‫ والتي أصبح ينظر إليها بأنها‬،‫ الكراهية والشبهة العامة بالثقافات‬،‫ اإلذالل الجماعي‬،‫ غبن الهويات‬،‫ اإلستيعاب والدمج القسري‬،‫اإلستبعاد الثقافي‬
.‫عوامل حاسمة في انتشار العنف والصراعات واإلرهاب والفقر المدقع‬
‫ وصون‬،‫ بداية من تقوية البعد الثقافي لحقوق اإلنسان‬،‫ يركز األمن المجتمعي على ضرورة تكريس شروط األمن الثقافي للناس أفراد وجماعات‬-
‫ مرورا‬،‫ وتمكينها من حقها في الهوية الثقافية‬،‫الكرام ة الثقافية من خالل ضمان استمرار التمتع الفعلي بالحقوق الجماعية وباألخص حقوق األقليات‬
‫بتعزيز الحكم في سبيل قلب األوضاع المكرسة لعدم المساواة في المكانة الثقافة وتعزيز التعايش والسلم الديمقراطي داخل المجتمعات المتنوعة‬
.‫ثقافيا‬

Résumé:
La dimension sociétale de la sécurité humaine, qui vise essentiellement à la création d'un équilibre
réel entre la particularité linguistique, religieuse, ou ethnique, d’un part, et la nécessité de
construire une logique d’intégration nationale des citoyens dans le cadre d'une société pluraliste et
juste, d’autre part, présente une conception alternative et un cadre nouveau pour la compréhension
et l’étude de la diversité culturelle. Cela peut apparaitre à travers les points suivants :
- le cadre de sécurité sociétale donne une importance primordiale aux nouveaux aspects des
menaces visant à nuire à l’aspect identitaire et des valeurs de l’être humain, en mettant en griefs les
injustices culturelles, et notamment les privations de la jouissance du droit à la diversité culturelle.
- ledit cadre s’intéresse à la recherche de toutes les causes et sources de menaces sans occulter
aucune variable ayant trait aux violations des identités, à l’instar de l’exclusion culturelle,
l’assimilation et l’intégration coercitive, l’obstruction identitaire, l’humiliation collective, la haine
et la suspicion publique des cultures qui sont devenues comme étant des facteurs déterminants dans
la propagation de la violence, des conflits, du terrorisme et de l’extrême pauvreté…
- la sécurité sociétale se focalise sur la nécessité de consacrer les conditions de la sécurité culturelle
des personnes, soient elles individus ou groupes, en commençant par le renforcement et
consolidation de la dimension culturelle des droits de l’homme, et la préservation de la dignité
culturelle en assurant la poursuite de la jouissance effective des droits collectifs, et en particulier, les
droits des minorités, et de leur permettre d’accéder à leur droit à l’identité culturelle, en passant
par la promotion de la bonne gouvernance afin de renverser les situations consacrées de l'inégalité
dans la position culturelle et de veiller à la promotion de la coexistence et de la paix démocratique
au sein des communauté culturellement diverses.
‫مـقـدمة‬

‫منذ نهاية الحرب الباردة‪ ،‬شهد النظام الدولي تحوالت دراماتيكية بعيدا عن تركيز الدولة التقليدي‬
‫المنصب على األمن الوطني‪ ،‬في اتجاه إعادة تصور واضح لإلحتياجات األمنية من وجهة نظر الناس‬
‫أنفسهم؛ وذلك بعد أن وضعت النهج والسياسات التقليدية في العالقات الدولية‪ ،‬الدولة ومصالحها في‬
‫مركز اإلهتمام والقلق‪ ،‬وجعلت من مصالح وتظلمات والخبرات الجماعية لألفراد مندرجة دوما في إطار‬
‫وحدة تحليلية أكبر وهي الدولة‪.‬‬
‫وقد كان الدافع لهذا الوعي الجديد هو اإلدراك المتزايد للطبيعة المغايرة لتحديات األمن في القرن‬
‫الواحد والعشرين‪ ،‬وهي التحديات التي حملت معها تهديدات أمنية معقدة ومتشابكة‪ ،‬كشفت بعمق عن عدم‬
‫مالءمة اإلقتراب التقليدي لألمن في تحديد السبل المالئمة لمواجهة تحديات تلك األنماط من مصادر‬
‫التهديد‪ ،‬القديمة والجديدة على حد السواء؛ من الفقر المزمن والمستدام إلى اإلتجار بالبشر والجريمة‬
‫المنظم ة‪ ،‬تغير المناخ واألوبئة الصحية‪ ،‬اإلرهاب الدولي‪ ،‬اإلنكماش اإلقتصادي والمالي المفاجئ‪،‬‬
‫انتهاكات حقوق اإلنسان‪ ،‬والعنف اإلثني والصراعات الداخلية‪...‬‬
‫وبالتالي فقد فرضت هذه التحديات المتشابكة الحاجة إلى ضرورة النظر في معالجة اإلحتياجات‬
‫األمنية للناس أفرادا وجماعات‪ ،‬من خالل عدسة أوسع‪ ،‬هي عدسة األمن اإلنساني التي استطاعت نقل‬
‫التركيز بعيدا عن الدولة‪ ،‬بجعل األفراد الوحدة األساسية للتحليل‪ ،‬الذي من المفروض أن يعيش في ظل‬
‫ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية‪ ،‬تسعى إلى ضمان القيمتين التوأم المتمثلتين في التحرر من الخوف‬
‫والتحرر من الحاجة‪.‬‬
‫وهو ما يعني إعادة توجيه التركيز التحليلي بعيدا عن المصلحة العليا للدولة نحو كرامة اإلنسان‪،‬‬
‫باإلعتماد على العمليات المؤسسية وأيضا اإلستجابة بفعالية من أجل تحقيق نتائج ملموسة تحسن من‬
‫نوعية حياة الناس على صعيد المستويات الشخصية واالجتماعية والسياسية والبيئية والصحية واإلقتصادية‬
‫والمجتمعية‪ ،‬والتي بدورها تشكل معا محتوى األبعاد السبعة لألمن اإلنساني‪.‬‬
‫هذا األخير في بعده المجتمعي‪ ،‬استطاع أن يسلط الضوء على المظالم الثقافية التي تواجهها‬
‫جماعات ثقافية وأقليات عديدة في مناطق مختلفة من العالم‪ ،‬بعد أن اكتسبت هذه المظالم اهتماما متزايدا‬
‫بها من قبل الدارسين لمجال األمن‪ ،‬في أعقاب نهاية الحرب الباردة وما شهدته من صراعات عنيفة داخل‬
‫الدول‪.‬‬
‫األمر الذي دفع في اتجاه إعادة تقييم دراسات األمن وطرح المناقشات بشأن توسيع وتعميق هذا‬
‫المفهوم‪ ،‬من منطلق أن الواقع أثبت أن المجتمع أصبح يشكل في حد ذاته موضوعا مرجعيا لألمن‪ ،‬وأن‬
‫األمن المجتمعي قد أصبح هو اآلخر بعدا هاما من أبعاد األمن‪ ،‬ال يمكن تجاوزه بأي حال من األحوال‪،‬‬
‫وهو الذي يعتبر فيه المس بسالمة التنوع الثقافي أهم التهديدات الماسة به‪ ،‬خاصة مع ما نشهده اليوم من‬

‫‪2‬‬
‫مـقـدمة‬

‫محاوالت متكررة إلذابة الفوارق والخصوصيات الثقافية‪ ،‬وكذا تنميط الناس بشكل ال يحترم أشكالهم‬
‫الثقافية‪ ،‬وهو وضع خطير يمكن التنبؤ بعواقبه من خالل الشواهد واألحداث المعاصرة بمختلف مستوياتها‪.‬‬
‫في ظل هذا الوضع‪ ،‬سيشكل بدون شك العمل من أجل الحرية الثقافية تحديا صعبا وهائال‪ ،‬لكنه‬
‫غير مستحيل خصوصا في عالم اليوم الذي تتزايد فيه عمليات إحالل الديمقراطية‪ ،‬وانتشار الشبكات‬
‫الكونية‪ ،‬وتزايد قدرة الناس على إثبات وجودهم عبر اإلحتجاج على اإلنصهار بدون خيار‪.‬‬
‫وهي جميعها عوامل قادرة على الدفع أكثر فأكثر نحو رفض القبول بالسياسات التي تمنع الحريات‬
‫ال ثقافية‪ ،‬ودفع راسمي السياسات إلى مجابهة التحدي الماثل أمامهم والمتمثل في توسيع إطار الخيارات‪،‬‬
‫بحيث ال يحتاج الناس إلى التنكر لهوياتهم الثقافية كي يتاح لهم الوصول إلى مجموعة الفرص اإلجتماعية‬
‫واإلقتصادية والسياسية من قبيل؛ التوظيف‪ ،‬واإلسكان‪ ،‬والرعاية الصحية‪ ،‬والصوت السياسي‪ ،‬وفرص‬
‫أخرى ذات أهمية قصوى لرفاه اإلنسان وأمنه‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬تكتسي دراسة التنوع الثقافي من منظور األمن المجتمعي أهمية كبيرة‪ ،‬كون هذا‬
‫الموضوع يذهب بعيدا ما وراء البعد النظري المجرد‪ ،‬ليس فقط لوجود عدد قليل هذه األيام من الدول التي‬
‫يتوحد مواطنوها حول اللغة والتقاليد والتاريخ والدين وأساليب الحياة‪ .‬ولكن ما يلفت النظر حقيقة هو أنه‬
‫منذ نهاية الحرب الباردة‪ ،‬أصبح التعايش متعدد الثقافات مصد ار رئيسيا للعنف والصراع السياسي حول‬
‫العالم‪.‬‬
‫فمنذ عام ‪ 0991‬ارتفعت مسألة حقوق األقليات في المجتمعات المتنوعة ثقافيا إلى أعلى جدول‬
‫األعمال السياسي للمرة األولى منذ عام ‪ ،0991‬حيث اكتسبت القضية أهمية والحاحا جديدا‪ ،‬مع تصاعد‬
‫الصراع العرقي في أعقاب انهيار الدكتاتوريات الشيوعية في أوربا الشرقية‪.‬‬
‫كما يبقى اليوم وضع األقليات الثقافية قضية سياسية مركزية في أجزاء كثيرة من العالم‪ ،‬أين ال تزال‬
‫األقليات واألغلبيات في جميع أنحاء العالم تقريبا‪ ،‬تصطدم بشأن قضايا مثل الحقوق اللغوية‪ ،‬والحريات‬
‫الدينية‪ ،‬ومناهج التعليم‪ ،‬والمطالبات المتعلقة باألراضي‪ ،‬الحكم الذاتي اإلقليمي والرموز الوطنية‪ ،‬األمر‬
‫الذي كان له أثر جلي على مستوى اإلستقرار والتجانس المجتمعي داخل هذه الدول‪.‬‬
‫والواقع أن التاريخ الحديث حافل بالعديد من األمثلة ذو نوعية عالية من الصراعات التي هي قابلة‬
‫لإلشتعال في أي لحظة‪ .‬إضافة إلى وجود دالئل جديدة تشير إلى أن الميل إلى استحقاق الحقوق القانونية‬
‫لجماعات معينة على أساس الخصوصيات الثقافية هو في تزايد مستمر‪ ،‬خصوصا إلى جانب التطور‬
‫المستمر للقانون الدولي لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬تهدف دراستنا لموضوع "التنوع الثقافي من منظور األمن المجتمعي" إلى محاولة‬
‫الوصول إلى فهم دقيق لمفهوم األمن المجتمعي (الفصل األول)‪ ،‬ومحاولة تحديد مدى تأثير التنوع الثقافي‬
‫في تحقيق المستويات المطلوبة لإلستقرار واألمن المجتمعي داخل المجتمعات المتنوعة ثقافيا‪ ،‬إلى جانب‬
‫إبراز واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي (الفصل الثاني) جنبا إلى جنب مع تسليط الضوء‬

‫‪3‬‬
‫مـقـدمة‬

‫على التحديات التي ال تزال قائمة أمام بناء أسس متينة لحماية حقوق اإلنسان في المجتمعات المتنوعة‬
‫ثقافيا وبيان عدم قابليتها للتجزئة وكالنية الحقوق السياسية واإلجتماعية واإلقتصادية والثقافية‪ ،‬فضال عن‬
‫تأكيد التسامح والتكامل في المجتمع؛ خاصة في ظل ضبابية الرؤية المتعلقة بوجود فئات ضعيفة بحاجة‬
‫للكشف عنها‪ ،‬تحديدها‪ ،‬إثارة الوعي بها‪ ،‬وبذل جهود خاصة لتمكينها من حاجاتها‪ ،‬كما هو الحال مع‬
‫األقليات الظاهرة‪ ،‬المجموعات الصغيرة عدديا‪ ،‬األقليات غير المرئية كالالجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين‬
‫من مختلف الخلفيات‪ ،‬وعلى نحو متزايد األهمية األقليات اللغوية‪...‬‬
‫من خالل هذا الفصل نهدف أيضا إلى التركيز على أنماط معقدة من طبيعة التحديات الحاصلة‬
‫في المجتمعات المتنوعة الهويات واإلثنيات‪ ،‬التي تتفاعل داخلها أنماط معقدة من قضايا التعليم والثقافة‬
‫والدين‪ ،‬وقضايا الهوية واإلحتياجات البشرية‪ ،‬وقضايا الحكم الديمقراطي والصراع واإلندماج والتكامل‪ ،‬وهي‬
‫جميعها مترافقة مع اإلشكاالت المتداولة مع مفهوم التنوع الثقافي في السياسة والقانون‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك تهدف هذه الدراسة إلى البحث (الفصل الثالث) عن حلول لإلشكاالت المطروحة‬
‫والبحث عن المخارج واإلستجابات واإلستراتيجيات الالزم تصميمها وتنفيذها من أجل اإلستجابة لمقتضيات‬
‫اإلنتماء الهوياتي من جهة واألمن المجتمعي من جهة أخرى‪ ،‬وفي هذه النقطة بالذات فاألبحاث والدراسات‬
‫قليلة جدا‪ ،‬باستثناء تلك المعنية بخصوصية بلد ما‪ ،‬أو مجتمع ما‪ .‬لذلك ال تزعم هذه الدراسة النجاح بقدر‬
‫ما تدعي أنها تضيف لمسة ما وتقدم رؤية ما‪ ،‬في محاولة إلظهار الطروحات والمعالجات الجديدة لقضايا‬
‫التنوع الثقافي واألمن المجتمعي في الدول المتنوعة ثقافيا‪.‬‬
‫وسنعتمد في دراسة هذا الموضوع على منهج عبر تخصصي؛ كون موضوع "التنوع الثقافي من‬
‫منظور األمن المجتمعي" يتقاطعه أكثر من حقل معرفي‪ ،‬ما يستدعي وجوبا حقوال معرفية متجاورة‬
‫ومتكاملة‪ ،‬من قبيل علم القانون‪ ،‬السياسة‪ ،‬علم اإلجتماع السياسي‪ ،‬علم إجتماع المعرفة والسيسيولوجيا‬
‫التاريخية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مـقـدمة‬

‫واإلشكالية التي تفرض نفسها مع هذه التحديات التي يشهدها واقع التنوع الثقافي والتي تمس‬
‫مباشرة بالجانب القيمي لإلنسان‪ ،‬تتمحور في اآلتي‪:‬‬
‫هل يشكل التنوع الثقافي عائقا أمام تحقيق األمن المجتمعي‪ ،‬أم هو داعما له؟‬
‫والعتبارات تحليلية‪ ،‬تم تفكيك اإلشكالية السابقة إلى مجموعة من التساؤالت الفرعية‪:‬‬
‫‪ -‬ما المنظور الذي يحمله األمن المجتمعي باعتباره بعدا أساسيا لألمن اإلنساني؟‬
‫‪ -‬ما هو واقع التنوع الثقافي‪ ،‬ومدى تأثيره على تحقيق شروط األمن المجتمعي؟‬
‫‪ -‬كيف السبيل إلى وضع إستراتيجيات إلدارة التنوع الثقافي وخلق بيئة تضمن مساهمة سياسات‬
‫الدولة في التصدي لمسببات الال أمن المجتمعي؟‬

‫اإلطار المفاهيمي‪:‬‬
‫يتناول هذا الموضوع مفهومين أساسيين هما ‪":‬التنوع الثقافي" و"األمن المجتمعي"‪ ،‬وبجانبهما‬
‫يظهر مفهوم "األمن اإلنساني" الذي يبرز كمفهوم جوهري في هذه الدراسة‪ ،‬والذي يصعب تفعيل‬
‫المتغيرات األساسية في البحث من دونه‪ .‬لهذا سنحاول من خالل هذا العنصر توضيح هذه المفاهيم‪ ،‬حتى‬
‫نتمكن من استخدامها ووضعها في السياق الصحيح في هذه األطروحة‪ ،‬ويظهر هذا من خالل ما يلي ‪:‬‬

‫‪ - I‬التنوع الثقافي ‪:‬‬


‫بعكس اإلختالفات الناجمة عن الخيارات الفردية‪ ،‬تحمل اإلختالفات الثقافية قد ار من السلطة‪ ،‬وتتم‬
‫ـسدها في نظام المــعنى واألهـمية المــشتركة والم ــتوارثة تاريخيا في ثقافة‬
‫عملية تأطيــرها وهيكلتها بفــعل تجـ ّ‬
‫من الثقافات‪ ،‬لهذا سنستخدم تعبير"التنوع" لإلشارة إلى اإلختالفات المستمدة من بنية الثقافة أي‬
‫اإلختالفات المتجذرة ثقافيا‪.1‬‬
‫ضمن هذا اإلطار‪ ،‬سيكون من المهم محاولة وضع تصور يؤدي إلى تقديم فهم أساسي لمفهوم التنوع‬
‫الثقافي‪ ،‬ثم تمييزه عن مفهوم التعددية الثقافية‪.‬‬
‫يحمل مفهوم التنوع الثقافي فكرة التعايش بين أكثر من مظهر ثقافي داخل نفس الوسط‬
‫المجتمعي‪ ،‬وعندما يكون لدى المجتمعات وجود لتعبيرات ثقافية متنوعة‪ ،‬فإن ذلك ينعكس في ظهور‬
‫ديناميات مجتمعية مختلفة بين تلك الكيانات الثقافية‪ .‬وفي معظم الحاالت هذه العالقات تعكس ديناميات‬
‫بين األكثرية واألقلية‪.‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬فإن مفهوم التنوع الثقافي قد أصبح يحمل "قيمة مجتمعية"‪ ،‬وهي قيمة توجيهية من شأنها أن‬
‫توفر نوعا من خارطة الطريق للتنظيم االجتماعي والثقافي والمؤسسي لمجتمعاتنا المعاصرة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫باريخ بيخو‪« :‬إعادة النظر في التعددية الثقافية التنوع الثقافي والنظرية السياسية»‪ ،‬دمشق‪ :‬الهيئة العامة السورية للكتاب‪،‬‬
‫‪ ،7002‬ص ‪.70‬‬
‫‪5‬‬
‫مـقـدمة‬

‫هذا الفهم القيمي للتنوع الثقافي كقيمة مجتمعية قد تم التأكيد عليه من طرف منظمة اليونسكو في‬
‫أكثر من مناسبة ‪ ... ":‬وجهة النظر األكثر إيجابية للتنوع الثقافي‪ ،‬هو أنه ال ينبغي ببساطة تجاهله‪ ،‬ولكن‬
‫االعتراف الكامل به ودمجه في خطة اللعبة الديمقراطية‪ ،"...‬وهو ما يشكل تأكيدا من قبلها على أهمية‬
‫التنوع الثقافي في إطار النظام الديمقراطي‪.‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬سيكون من الممكن استخدام التنوع الثقافي كأداة قيمية إلعادة التنظيم اإلجتماعي‬
‫والسياسي والمؤسسي للمجتمع‪ ،‬وقد يتم ذلك من خالل اإلدراج في النظم االجتماعية والسياسية لوجهات‬
‫النظر الثقافية المختلفة‪ ،‬والتفاهمات التي تكون موجودة بالفعل في المجتمع‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فإن التنوع الثقافي كقيمة يحمل بالضرورة اتصاال وثيقا مع المبادئ والحقوق التي هي‬
‫جزء من النظام القانوني في مجتمع معين‪ ،‬وبالتالي فإنه سيجلب في تفسير منطوق تلك الحقوق والمبادئ‬
‫وجهات النظر الثقافية والمجتمعية الموجودة‪ ،‬على اختالفها‪.‬‬
‫من هنا ‪ ،‬سيكون من المهم أن نأخذ بعين اإلعتبار أن مفهوم التنوع الثقافي ال يمكن أن يشير فقط إلى‬
‫عدة مظاهر ومفاهيم الثقافة التي توجد في جميع المجتمعات تقريبا (الجانب الواقعي)‪ ،‬ولكن أيضا كقيمة‬
‫مجتمعية التي يمكنها أن تعمل ال كأداة سياسية توفر الشرعية لجماعات ثقافية في نضالها من أجل نيل‬
‫إعتراف إيجابي لوجودها في المجتمعات التي يعيشون فيها‪ ،‬ولكن أيضا كأداة لتفسير (أو ربما إعادة‬
‫تفسير) المبادئ والحقوق القانونية األساسية في المجتمعات المتنوعة ثقافيا‪.1‬‬
‫أما مفهوم التعددية الثقافية فرغم كونه معنيا بالتعامل مع الجماعات المتمايزة ثقافيا إال أنه ال يعني تعدد‬
‫المكونات الثقافية للمجتمع‪ ،‬بل هو يشتمل على قبول ورضا كافة تلك المكونات بواقعها المجتمعي المتعدد‬
‫واإلعتراف به رسميا‪ ،‬وبناء على ذلك اإلعتراف يتم إقرار آليات معينة في كيفية التعامل مع هذا التنوع‬
‫الثقافي‪ .‬وفي ظل توافر مثل هذا اإلعتراف وتلك اآلليات‪ ،‬يمكن وصف المجتمع بأنه تعددي يتبنى‬
‫التعددية نهجا للتعايش والتسامح ما بين مكوناته الثقافية‪.2‬‬

‫‪ - II‬األمن اإلنساني‪:‬‬
‫الدراسات األمنية في عالم ما بعد الحرب الباردة‪،‬‬
‫يش ّكل مفهوم األمن اإلنساني طرحا جديدا في ّ‬
‫استطاع أن يجسد نموذجا جديدا لألمن قائما على الربط المتكامل بين حقوق اإلنسان وحاجاته األساسية‬
‫من جهة‪ ،‬ومسائل اإلستقرار‪ ،‬العدالة‪ ،‬التنمية والتمكين من جهة أخرى‪ .‬وقد ظهر التعبير الحقيقي لهذا‬
‫المفهوم من خالل برنامج األمم المتحدة للتنمية في تقريره الصادر عام ‪ 0999‬الذي كتب من طرف‬

‫‪1‬‬
‫‪Alejandro Fuentes: «cultural diversity and indigenous peoples' land claim, Argumentative dynamic and‬‬
‫‪jurisprudential approach in the Americas», tesis di dottorato, universita degli studi di Trento, anno‬‬
‫‪accademico 2010-2011, pp 113-116.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p 125.‬‬
‫‪6‬‬
‫مـقـدمة‬

‫الباكستاني محبوب الحق والهندي أمارتيا سين‪ ،‬حيث قدماه في قالب يجمع بين متغيري التحرر من‬
‫الخوف والتحرر من الحاجة‪.1‬‬
‫يقصد بالتحرر من الخوف درء شروط القهر‪ ،‬القمع‪ ،‬الخوف‪ ،‬وكل الشروط الموضوعية التي‬
‫تجعل حياة اإل نسان مليئة بالمخاطر والتهديدات‪ ،‬سواء كانت من طبيعة سياسية أو اجتماعية أو قانونية‬
‫‪2‬‬
‫أو مادية أو ثقافية‪.‬‬
‫أما التحرر من الحاجة فهو يعنى أساسا بخلق شروط كرامة اإلنسان من خالل توفير فرص التعليم‪،‬‬
‫العمل‪ ،‬التمكين من حرية المعتقد وحرية التعبير‪ ،‬المساواة الثقافية الفكرية واللغوية‪ ،‬وكذلك توفير كل‬
‫الشروط التي تمكن اإلنسان من حياة الرفاه واإلستقرار‪.3‬‬
‫ومنذ إصدار برنامج األمم المتحدة اإلنمائي لتقرير التنمية اإلنسانية سنة ‪ 0999‬حول أبعاد جديدة‬
‫لألمن اإلنساني‪ ،‬وقع بدل جهود كبيرة من أجل صقل المفهوم الحقيقي لألمن اإلنساني من خالل البحث‬
‫واجتماعات أصحاب الخبرة حتى يقع وضع األمن اإلنساني في صلب جدول عمل السياسة على‬
‫الصعيدين القومي واإلقليمي واألهم من كل ذلك‪ ،‬من أجل الشروع في عمل فعلي مبتكر في الميدان قصد‬
‫اإلستجابة لحاجيات وهـموم معظم المجتمعات الـمهمشة‪.‬‬
‫وقد شهدت مسيرة هذا المفهوم حدثان هامان تمثال في إنشاء شبكة األمن اإلنساني سنة ‪ 0999‬والـمتكونة‬
‫من ‪ 01‬بلدا من جميع مناطق العالم تقوم بتنظيم ملتقيات و ازرية سنوية‪ ،‬وكذلك إصدار تقرير سنة ‪1112‬‬
‫للجنة األمن اإلنساني "األمن اإلنساني اآلن‪ :‬توفير الحماية والتمكين لألفراد ومجتمعاتهم" والذي نادى‬
‫بإتـخاذ تدابير شاملة وعالمية للرقي باألمن اإلنساني‪ .‬وقد ارتبطت الحاجة إلى هذا النموذج الجديد لألمن‬
‫وفق هذا التقرير بمجموعتين من الديناميات‪:‬‬
‫‪-‬األولى‪ ،‬مجيء األمن اإلنساني كاستجابة للحاجة الملحة في الرد على تعقد وتشابك التهديدات‬
‫األمنية التي كشفت عن عمق وخطورة مصادر تهديد أمن األفراد‪ ،‬وعدم مالءمة اإلقتراب التقليدي لألمن‬
‫في تـحديد السبل المالئمة لمواجهة تـحديات تلك األنـماط من مصادر التهديد القديـمة والجديدة على حد‬
‫السواء‪ ،‬من الفقر الـمزمن والـمستدام إلى العنف اإلثني والصراعات الداخلية‪ ،‬اإلتـجار بالبشر والجريـمة‬
‫الـمنظمة‪ ،‬تغير المناخ واألوبئة الصحية‪ ،‬اإلرهاب الدولي‪ ،‬اإلنكماش اإلقتصادي والـمـالي الـمفاجئ‪،‬‬
‫إنتهاكات حقوق اإلنسان‪ ...‬وهي تهديدات تـميل بطبيعتها ألن تكون ذو أبعاد عابرة للحدود ومتجاوزة‬
‫للمفاهيم التقليدية لألمن التي تركز فقط على العدوان العسكري الخارجي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Moufida Gouda and John Crowley: «Rethinking human security», United Kingdom: Wiley- Blackwell, 2008,‬‬
‫‪pp 09-10.‬‬
‫‪United Nations Development Programme: "Report on human rights and human development ", New York:‬‬
‫‪2‬‬

‫‪UNDP, 2000, p35‬‬


‫‪3‬‬
‫‪Chadwick F. Alger: «The future of the united nations system: potential for the twenty-first century», New‬‬
‫‪York: United Nations University Press, 1998, p 188.‬‬
‫‪7‬‬
‫مـقـدمة‬

‫‪ -‬والثانيــة‪ ،‬األمن اإلنساني مطلوب كنهج شامل يستخدم مـجموعة واسعة من الفرص الـجديدة‬
‫للتعامل م ــع التهديدات بطريقة متكاملة واستباقية (وقائية)‪ ،‬ألن تـهديدات األمن اإلنساني ال يـمكن‬
‫معالجـتها من خالل اآلليــات التقليدية وحدها‪ ،‬بل تتـطلب توافقــا جديــدا في اآلراء التي تربط وتصل بين‬
‫التنمية وحقوق اإلنسان واألمن‪.1‬‬
‫وعلى الرغم من كون األمن اإلنساني يش ّكل وفق هذا المنظور تجاو از نظريا لمضامين األمن‬
‫التقليدية‪ ،‬التي تتخذ من الدولة موضوعا مرجعيا وحيدا لها‪ ،‬ليصبح اإلنسان (الفرد) هو الموضوع المرجعي‬
‫نقدي للطروحات األمنية التقليدية‪ ،‬ال يلغي‬
‫ّ‬ ‫األساسي لألمن‪ ،‬فإن الحديث عن األمن اإلنساني كتصور‬
‫بتاتا فكرة أمن الدولة أو يعوضها‪ ،‬كما ال يعني القطيعة المطلقة مع األمن الوطني‪ ،‬وانما يحول نقطة‬
‫التركيز من الدولة إلى اإلنسان‪ ،‬نافيا بذلك الفكرة التي كانت قائمة لفترة طويلة‪ ،‬والتي مفادها أن أمن‬
‫الدولة يوجب بالضرورة أمن الفرد ويحتويه‪.‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬نجده يبقي على دورها كمسؤول أول عن تأمين وحماية األفراد داخلها‪ ،‬جنبا إلى جنب‬
‫مع محاولته الدفع في اتـجاه إعادة هيكلة سياساتـها األمنية‪ ،‬وتوجيـهها إلى اإلنسان كمركز‪ ،‬سواء من حيث‬
‫الـمنطلق أو مــن حيث الهدف‪ .‬بعبارات أخرى‪ ،‬حتى مع اإلقرار بأن األمن اإلنساني في أوله وآخره يجب‬
‫أن يقوم على التعاون مع الدولة وعبرها وليـس بالتناقض معها‪ ،‬فإنه يجب جعل منطق أمن اإلنسان جزءا‬
‫أساسيا من محتوى األمن الشامل‪ ،‬الذي يستهدف أمن خاص باإلنسان كوحدة مركزي ــة؛ أي أمنه ككيـان‬
‫مادي ومعنوي في إطار مـجموعته‪ ،‬ومـجتمعه‪ ،‬ودولتـه‪ ،‬واقليـمه‪ ،‬وفي النظام الدولي‪ ،‬والعالمي وحتى‬
‫الكوني‪.‬‬

‫‪ « 1‬تقرير األمين العام‪ ،‬متابعة قرار الجمعية العامة ‪ 192/46‬المتعلق باألمن البشري »‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة السادسة والستون‪،‬‬
‫البندان ‪ 41‬و‪5 ،442‬أفريل ‪ ،7047‬ص ‪.00‬‬
‫‪8‬‬
‫مـقـدمة‬

‫خـطــــــة البحـــث‬
‫بالنظر إلى الطبيعة المعقدة للموضوع‪ ،‬وتوافقا مع اإلشكالية المطروحة‪ ،‬ارتأينا تقسيم البحث إلى‬
‫ثالث فصول‪ ،‬كالتالي‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األمن المجتمعي‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫يشكل األمن المجتمعي بعدا أساسيا من أبعاد األمن اإلنساني‪ ،‬يعنى أساسا بخلق توازن فعلي بين‬
‫الخصوصية الدينية أو اللغوية أو اإلثنية‪ ،‬وبين ضرورة بناء منطق اإلندماج القومي للمواطنين في بناء‬
‫مجتمع تعددي وعادل‪.‬‬
‫بمعنى آخر‪ ،‬هو مفهوم يعنى بقدرة المجتمعات على إعادة إنتاج أنماط خصوصياتها في اللغة‪،‬‬
‫الدين‪ ،‬األعراف والتقاليد‪ ،‬في إطار شروط مقبولة لتطورها‪ ،‬وكذا التهديدات واإلنكشافات التي تؤثر في‬
‫أنماط هوية المجتمعات وثقافاتها‪ ،‬في ظل مجتمع تعددي وعادل‪ ،‬دون اإلخالل بالتوازنات التي تحكم‬
‫منطق اإلندماج القومي للمواطنين داخل دولهم؛ الستحالة تحقق أي منهما دون اآلخر‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬ال يتصور تحقيق اإلندماج القومي لألفراد والجماعات داخل الدولة‪ ،‬دون احترام هذه‬
‫األخيرة للخصوصيات الثقافية لجميع مكوناتها‪ ،‬واحترام حاجة األفراد والجماعات للتعبير عن اختالفهم‬
‫وذاتيتهم المتفردة‪ .‬ويستحيل تحقيق ذلك إال مرو ار باإلعتراف بالحق في التنوع الثقافي أو الحق في‬
‫اإلختالف‪ ،‬وتوفير كل الشروط الالزمة لتفعيله وتجسيده عمليا وواقعيا‪.‬‬
‫في مقابل ذلك‪ ،‬ال معنى لوجود تعددية ثقافية غير متوازنة‪ ،‬وتمتع مطلق وغير مضبوط بالحق‬
‫في اإلختالف‪ ،‬الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تغييب منطق اإلندماج القومي‪ ،‬الجامع لكل وحدات‬
‫الدولة ومكوناتها الثقافية‪ ،‬وبالتالي إضعاف هذه األخيرة وتعريضها لخطر التفكك والزوال؛ ألن الدولة تظل‬
‫الفاعل األساسي األول المسؤول عن توفير حاجيات األمن لألفراد والجماعات‪ ،‬وفي غياب هذا الكيان ال‬
‫وجود للمجتمع وال لألمن المجتمعي‪.‬‬
‫من خالل هذا الفصل سنحاول تقديم فهم أساسي لألمن المجتمعي‪ ،‬من خالل التطرق لمقتربات‬
‫التحليل األساسية في تحديد هذا المفهوم‪ ،‬و تبيان اإلستراتيجيات التي يرتكز عليها في تحقيق أهدافه‪،‬‬
‫والتي سيتم أيضا تحديدها بدقة ووضوح في هذا الفصل‪ ،‬مرو ار في األخير على الشروط الواجب توافرها أو‬
‫اآلليات واألدوات الالزمة لتفعيله على أرض الواقع‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫المبحث األول‪ :‬محددات األمن المجتمعي‬


‫حدد؛ كونه يعد من أكثر جوانب وأبعاد األمن غموضا وتشعبا‬
‫لم ُيحظ األمن الـمجتمعي بتعريف مـ ّ‬
‫وتعقيدا؛ إلى جانب وجود اختالف كبير حوله في أوساط منظري العالقات الدولية والمنظمات الدولية‪،‬‬
‫التي أعطته تعاريف متفاوتة على نطاق واسع‪ ،‬األمر الذي حال دون وجود اتفاق عام بينهم حول معناه‪.‬‬
‫إلى جانب ذلك استخدم العديد من الـمفكرين بدال من مصطلح "األمن المجتمعي" مصطلحي "أمن‬
‫المجتمع" و"أمن الهوية" بشكل متبادل‪.‬‬
‫من خالل هذا المبحث‪ ،‬سوف نشير إلى ثالث مقتربات تحليل رئيسية اعتمدت في تحديد هذا‬
‫المفهوم‪ ،‬وهي المقتربات التي جـمعتها نوعية الشواغل نفسها‪ ،‬وقادتـها منطلقات تعود جـميعها إلى حقيقة‬
‫واحدة؛ وهي أن البشر جمعوا أو متجمعون في مجموعات مختلفة ومتنوعة‪ ،‬تتمايز عن بعضها البعض‬
‫بأمس الحاجة أكثر من أي وقت‬ ‫اإلثنية‪ ...‬والتي هي‬ ‫القومية‪،‬‬ ‫الدين‪ِ ،‬‬
‫العرق‪،‬‬ ‫بمقومات هوياتية؛ كاللُّغة‪ِّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مضى إلى حـماية وجودها‪ ،‬كينونتها وهويتها‪ .1‬لكن بالرغم من ذلك سوف نلمـس وجود منطـق يقف وراء‬
‫اختالفـها‪ ،‬وهذا ما سوف نسعى لتب ـيانه من خالل الـمطالب التالية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مقتربات التحليل الرئيسية في تحديد مفهوم األمن المجتمعي‬


‫سنحاول التطرق من خالل هذا المطلب إلى ثالث مقتربات تحليل أساسية عنيت بدراسة هذا المفهوم‪:‬‬
‫وهي مقترب التحليل الكلي الذي بلوره المفكر الشهير باري بوزان (‪ ،)Baryy Buzan‬مقترب التحليل‬
‫المتوسط الذي طورته مدرسة كوبنهاجن‪ ،‬ومقترب التحليل الجزئي الذي يتضمن رؤية منظمة األمم المتحدة‬
‫والهيئات التابعة لها لهذا المفهوم المستمد بنظرهم من مفهوم أوسع هو األمن اإلنساني‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مقترب التحليل الكلي‬


‫ِّ‬
‫المفكر البريطاني ال ّشهير باري بوزان توسيع جدول األعمال األمني‬ ‫ستم ُّد هذا النهج من محاولة‬
‫ُي َ‬
‫‪2‬‬
‫فإن مـفهوم األمن قد اُستخدم عن طريــق الخطــأ في "الدراسات اإلستراتيجية"‪ ،‬التي‬
‫التقليدي ‪ .‬وحسبه‪ّ ،‬‬
‫يهيمن عليها "المنظور قصير المدى" واألهداف السياسية‪ ،‬بشكل أضفـى عليـه مظهر من "اإلتساق الغير‬
‫ُمستحق"‪ ،‬وأخفـى وراءه مـشكل التـناقـضات التي تـشـهدها الع ـديد مـن ال ـدول على مـسـتوى بـيـئـاتـها الداخـلـية‪.‬‬
‫كما َّ‬
‫أن اإلسـتـخـدام المــعطى لألمــن في الدراسات اإلستراتيجية‪ ،‬قد ش ّكل في أحسـن األحـ ـوال أداة خطي ـرة‬
‫ي قد يزيد من‬ ‫إلضـفاء الشـرعيـَّة على بعض السياسات‪ ،‬وفي أسوأ األحوال يجعلنا أمام مفهوم معيار ّ‬
‫المعضالت األمنية القائمة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Carla Andrea: «Community security: Letters from bosnia- Atheoretical analysis and its application to the‬‬
‫‪case of bosnia- Herzegovina», Peace conflict and development: An interdisciplinary journal, vol-07-July 2005,‬‬
‫‪p223.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p 225.‬‬
‫‪12‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫أن الحفاظ على مفهوم األمن بمعناه التقليدي يعتــبر تجاهالً‬ ‫من الجهة الـمقابلة‪ ،‬يرى بوزان ّ‬
‫جاوز للتّغـيـر الرئيسي الـمتمثل في تـ ازيـد اإلعـتماد الـمتبـادل‬
‫للتطورات الراهنة في واقع العالقات الدوليـة‪ ،‬وت ـ ًا‬
‫تصورها لظروفها األمنية‪ .‬فبنظره‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والت ـرابط بيـن الدول‪ ،‬الذي أضحى فيه يؤثر على سلوكها وعلى كيفية‬
‫قد شهدت سنوات ‪ 0791-0791‬أدلّة واضحة على هذا اإلتـجاه الـمتسارع نـحو اإلعتماد الـمتبادل في ما‬
‫متجليةً في بــروز وبشكل سريع لفوضى‪ :‬األزمات المالية الدولية‪ ،‬ظهور الحروب األهلية‬
‫ّ‬ ‫بين الدول‪،‬‬
‫أن األمن لـم‬
‫والصراعات العرقية‪ ،‬الهجرة الدولية‪ ،‬األخطار البيئية ‪ ...‬وبـهذا فرضت هذه الظواهر حقيقةَ ّ‬
‫يعد اختصاصه الوحيد الـمسائل العسكرية فقط‪ ،‬بل يـجب أن يـجد له تطبيق على مرجعيات أخرى؛ مادام‬ ‫ُ‬
‫أن الدولة لم تعد الـموضوع الـمرجعي الـمطلق لألمن؛ وال الـمصدر الرئيسي للتهديد‪.1‬‬
‫تقسيما قطاعيًّا للمسائل األمـنية في كتاب ـه الشهير"الناس الدول‬
‫ً‬ ‫مـن هذا الـمنطلق‪ ،‬أجرى بـوزان‬
‫وع َّد بذلك أول من أدخل مفهوم األمن الـمجتمعي في الدراسات األمنية‪ ،‬عندما استخدم هذا‬ ‫والخوف"‪ُ ،‬‬
‫المصطلح ألول مرة في عام ‪ ،0770‬باعتباره واحدا من القطاعات الخمس ألمن الدولة في مقاربته‬
‫مكونة من خمسة أبعاد‪ ،‬وهو يعنى بنظره بقدرة الـمجتمعات على إعادة إنتاج أنـماط‬ ‫التوسيعية الـ ّ‬
‫ّ‬
‫خصوصياتـها في اللغة‪ ،‬الثقافة‪ ،‬الهوية الوطنية والدينية‪ ،‬الـعادات والتـقاليد‪ ،‬في إطـار شـروط مـقـبولة‬
‫لـتطورها‪ ،‬وكذا الـته ـديدات واإلنـكشافات التي ت ـؤثِّر في أن ـماط هوي ـة الـمجتمعات وثقافاتـها‪.2‬‬
‫وبالرغم من أن توسيع األجندات األمنية كانت محاولة شجاعة منه لخلق دراسات أمنية أكثر‬
‫تطورا‪ ،‬إال أنه ظل يعاني من نقاط الضعف ذاتها التي ميزت دراسات األمن التقليدية‪ ،‬والمتمثلة أساسا في‬
‫ّ‬
‫مصر على النهج الدوالتي لألمن؛ من خالل زعمه أن جـمــيع قطاعات األم ـن هي‬ ‫ًّا‬ ‫"الدوالتية"؛ إذ بقي‬
‫أدوات ألمن الدول ـة‪ ،‬وقد أبـان وجهــة نظره في ذلك بتأكيده على ك ـون األمن الـمجتمعي ج ـزء مهم وال يـتجـ أز‬
‫الدولـة‪ ،‬وأن الـحد من التـناقضات بين أمن الدولة وأمن المـجتمع هو شرط مسبق لنجاح السياسة‬
‫من أمن ّ‬
‫األمنية الوطنية ‪ . 3‬هذه الرؤية الدولتية هي التي أدت إلى فشل ـه باإلعتـراف بـحقيقـة أن التّهديدات ال‬
‫لال أمن بالنسبة لـمواطنيها‪.4‬‬
‫تس ـتهدف دوما الدول‪ ،‬بل إن الدول ذاتــها أصبحـت تـشكل عوامل ّ‬
‫بذلك‪ ،‬ظل مجتمع بوزان متناسبا مع مفهوم الدولة‪ -‬القومية ومرجعيتها الجغرافية المتمثلة في‬
‫حدود الدولة‪ ،5‬ووفي ـا كذلك العتبارها "الوحدة القياسية" لألمـن؛ ليـس فقط لكونـها أكبـر مـصدر للسلطة‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Shena Salim: «L’orientalisme latent de l’école de copenhague la sécurité sociétale appliquée au cas‬‬
‫‪français», Op Cit, p 15-17.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Bill Mcsweny:« Security identity and interests: A sociology of international relations», Uunited Kingdom:‬‬
‫‪Cambridge University Press, first published 1999, p 80.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Shena Salim: «L’orientalisme latent de l’école de copenhague la sécurité sociétale appliquée au cas‬‬
‫‪français», Op Cit, p 20 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Jakob Gustavsson: « Securitization of immigration and asylum: A critical look at security structure in‬‬
‫‪Europe», Belgic: University of Lund, 2006,, pp 6-7.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Carla Andrea: Op Cit, p226.‬‬
‫‪13‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫وأنـها وحدها القادرة على العـمل في سياق دولـي‪ ،‬ولكن أيضا ألن ديناميات األمن ذو طبي ـعة عالئ ـقية؛‬
‫كونـها متأتيـة مـن اإلعت ـماد الـمتبادل بين الدول‪.1‬‬
‫لكن وحتى مع اعتـ ارفـه بوجـود تـهـديدات مـجتمعية على الـمــستوى دون الوطني‪ ،‬إال أنـه بقـي مص ار على‬
‫أنـها ال يمكن أن تحسب كقضايا أمن قومي‪ ،‬وبالتالي فاألمن المـجتمعي في نظره ما هو إال مـجرد القطاع‬
‫الذي يـمكن أن تتهدد فيه الدول فيما يتعلق بوحدتـها وهويتها الجماعية‪.2‬‬
‫ويوضح بوزان تصوره هذا بالكلمات التالية‪" :‬انعدام الل أمن الداخلي قد يهيمن على جدول أعمال األمن‬
‫الوطني‪ ،‬لكن التهديدات الخارجية سوف تكون دائما عنص ار أساسيا في مشكلة األمن الوطني"‪ ،‬وقد‬
‫وافقه في ذلك وييفر)‪ )Ole Waever‬في نموذجه "الساعة الرملية"‪ ،‬الذي وضع فيه الدولة واألمن‬
‫الوطني في قلب المركز المفاهيمي لألمن‪.3‬‬

‫شكل رقم ‪ :10‬نموذج " الساعة الرملية" لألمن‬

‫الدولة‬
‫الدينامية الدولية‬

‫التركيز المفاهيمي‪ :‬سيادة‬


‫ديناميات‬ ‫الدولة‬
‫المستوى الوطني‬

‫ديناميات المستوى الفردي‬

‫المصدر‪( Columba Peoples: Nick Vaughan- Williams:« Critical security studies: An :‬‬
‫)‪introduction», Abingdon England: Routledge, First published, 2010, p 82.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Shena Salim : «L’orientalisme latent de l’école de copenhague la sécurité sociétale appliquée au cas‬‬
‫‪français», Op Cit, p18.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Carla Andrea: Op Cit, p226.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Shena Salim: «L’orientalisme latent de l’école de copenhague la sécurité sociétale appliquée au cas‬‬
‫‪français», Op Cit, p 18.‬‬

‫‪14‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مقترب التحليل المتوسط‬


‫لسد الفجوة بين تغير مالمح التهديدات‬
‫في خضم ظهور خطابات لألمن تحمل رؤى جديدة ّ‬
‫واإلتساق الغير ُمب ّـرر الذي ظلت تسير عليه الدراسات األمنية‪ 1،‬كانت مدرسة كوبنهاجن هي السباقة إلى‬
‫اتـخاذ الـخطوة األولى في اإلدالء بالتمييز بين الدولة والمجتمع‪ ،‬بـحجة أن الدراسات األمنية بـحاجة إلى‬
‫إعتماد فهم لـ "ازدواجية" األمن؛ باعتباره ينطوي على مزيج من أمن الدولة الـمتــعلق بالسيادة؛ وأمن‬
‫الـمجتمع الـمرتبط أساسا بالحفاظ على الهوية‪ .2‬هذا اإلرتقاء بالـمجتمع إلى مستوى كائن مستقل لألمن‪ ،‬هو‬
‫ما شكل تحوال كبي ار في التفكير الذي كان يركز طوال الوقت على أمن الدولة وكيفية بلوغه‪.3‬‬
‫تبعا لما تقدم‪ ،‬أمكن القول أن اإلنطالقة الفعلية للتمكين لألمن الـمجتمعي كانت مع مدرسة‬
‫كوبنهاجن‪ ،‬التي قامت بطرحه عام ‪ 0771‬مع اإلفراج عن كتاب "الهوية‪ ،‬الهجرة جدول أعمال األمن‬
‫الجديد في أوربا"‪ ،‬وأيضـا تطويره؛ خاصة عبر أعمال وييفر التي شكلت قطيـعة مع التحليالت المركزية‪-‬‬
‫الدولتية لبوزان‪ 4‬؛ أين استعان وييفر وآخرون بالبعد المجتمعي الذي كان تابعا للدولة في كتاب "الناس‪،‬‬
‫الدول والخوف" كأحد قطاعات أمـن الدولـة‪ ،‬وأعطــوه وضعـا جديـدا ك ـ ـ "كائن لألمن" في حـ ّد ذات ـه‪ ،‬لوجـوده‬
‫بشكل مستقل عن الدولـة وبقائـها‪ ،‬بالرغم من احتمال تعرضه للتهديد في الحالة الثانية‪.‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬يعتقد وييفر أنه يمكن إستيقاء مفهوم األمن المجتمعي بالتمييز بينه وبين األمن السياسي‪،‬‬
‫هذا األخير نجده يعنى باإلستقرار التنظيمي للدول‪ ،‬نظم الحكومات واإليديولوجيات التي تستمد منها‬
‫شرعيتها‪ ،‬في حين يعنى األمن المجتمعي بالحفاظ على الهوية واإلنسجام المجتمعي‪ ،‬ويمكن أن تشكل‬
‫الدولة فيه وسيلة لحفظ قيم المجتمع‪ ،‬ثقافته‪ ،‬لغته وهويته‪ ،‬كما أن بقاؤه ال يعتمد على السيادة أو السالمة‬
‫اإلقليمية للدولة‪ ،‬بل بقاؤه هي مسألة هوية‪ ،‬هاته األخيرة تمثل القيمة التي يجب أن تتم حمايتها‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Seongjin kim:« Concept of societal security and migration issues in central Asia and Russia», Camming‬‬
‫‪working papers, No.02, Center of far eastern studies, University of Toyama, 2008, p 05.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Keith Krause and Michael C. Williams: «Broadening the agenda of security studies: Politics and methods»,‬‬
‫‪Genève mershon international studies review, Vol.40,No.02, Oct, 1996, p 243.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bill Mcsweny: Op Cit, p70 .‬‬
‫إلياس أبو جودة‪« :‬األمن البشري وسيادة الدول»‪ ،‬لبنان‪ :‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪،8119 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ص‪.89‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Barbara Delcourt :« Theories de la securite», Annee academique 2007-2008, p 65.‬‬

‫‪15‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫شكل رقم ‪ :10‬نموذج "الساعة الرملية لألمن" المعدل‬

‫المجتمع‬ ‫الدولة‬
‫الدينامية الدولية‬

‫ديناميات‬
‫التركيز المفاهيمي‪:‬‬
‫التركيز‬
‫المستوى الجماعي‬
‫المفاهيمي‪:‬‬ ‫سيادة الدولة‬
‫الـ ــهويـ ـ ــة‬

‫ديناميات المستوى‬
‫الفردي‬

‫المصدر‪)Columba people: Nick Vaughan- Williams: Op Cit, p82. ( :‬‬

‫لكن بادئ ذي بدء‪ ،‬تتوجـب اإلشارة إلى أن مفهوم األمن الـمجتمعي قد َش ّكل بصياغته الـم ــقدمة‬
‫من طرف مدرسة كوبنهاجن‪ ،‬إستجابة لتلك األحداث في أوربا في بداية سنوات التسعينات؛ منها عودة‬
‫النزعة القومية (اإلثنية) في أوربا الوسطى والشرقية‪ ،‬ومشكل تزايد التكامل داخل الغرب‪.‬‬
‫أساسا في‬
‫ً‬ ‫تجسد التحدي الرئيسي بالنسبــة لمدرسة كوبنهاجن‬
‫في مثل تلك الظـروف التي شهدتها أوربا‪ّ ،‬‬
‫بنـاء مفهوم يقــوم بدمـج القضـايا الـجديـدة الناشئة بعـد الـحرب الباردة في نظرية العالقات الدولية‪ ،‬بـمعنى‬
‫بنـاء مفهوم تكون فيه قضايا مثل‪ :‬النزعة القومية‪ ،‬الهجرة والصراع اإلثني‪ ،‬له ــا إمكانية أو يمكن معالـجتها‬
‫‪1‬‬
‫بشكل كامل في إطار الدراسات األمنية‪.‬‬
‫نتيجة لهذه المعطيات ش ّكلت أوربا والتكامل األوروبـي األرضيـة التج ـريــبية لـمدرسة كوبنـهاجن‪،‬‬
‫ضمــن كتابــهم "الهويــة‪ ،‬الهج ـرة واألجن ــدة الـجديــدة في أوربـا"‪ ،‬الذي طرحــت مـن خالل ــه موضوعـات بـحـثيـة‬
‫جديـدة عــن مـجـال الدراسات األمنية‪ ، 2‬في الوقت الذي بدا فيه أنـه ال الغـزو األجنـبي و ال الحروب‬
‫الداخليـة هـي مـا تـهـدد أوربـا‪ ،‬وانمــا أصبحت المخـاوف تتأتى من ظواهر الت اربـط اإلقتصـادي وتداخل‬
‫المجتمعات التي أصبحت تحدد نقــاط الضعف الـجديدة والتهديدات الـمشتقة منها‪ ،‬خصوصا وأن‬

‫‪1‬‬
‫‪Paul Roe: « Ethnic violence and the societal security dilemma», Oxon; England and Newyork: Routledge,‬‬
‫‪First published, 2005, p 48.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Shena Salim: «L’orientalisme latent de l’école de copenhague la sécurité sociétale appliquée au cas‬‬
‫‪français», Op Cit, p29 .‬‬
‫‪16‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الخصوصيات الثقافية التي لطالما دافعت عنها الدول باتت تعـاني م ـن ضغ ـط الـمعايرة أو التجانس‬
‫الـمطلوب بشـدة مـن أجل سـوق م ـشتركة‪ .‬واألخطـر من ذلك أن األمـر لـم يعــد ي ـقت ـصـر فقط على الهويـات‬
‫الـجـديدة التي ســوف تـظـهر وتـدخـل في ن ـزاع مــع الهويـات القـديـمـة‪ ،‬ولكن اإلط ـار نفـسه أي ـن يـتم ب ـن ـاء‬
‫الـهويات‪ -‬الدولة‪/‬األمة‪ -‬سوف يشهد ه ـو اآلخر تغيـّ ار أيضا‪.‬‬
‫هذا وقد وقفت أحـداث عـدة وراء إث ـارة ان ـتباه باحثـي مدرسـة كوبنهـاجن لـمثل هــذه التـهديدات مـن ضمنها‬
‫تصـريـحات بعـض الشخصيات السياسية حول الهـجـرة؛ العنــف الـمتعـلـق برهـاب األجانـب ضــد مناطــق‬
‫الـمهاجريــن؛ التشـديــد فـي حـق اللجوء‪...‬‬
‫وتعاطيا منها مع هذه المـتغيرات اقتـرحت مـدرسة كـوبنهاجن د ارسـة "أجنـدات الل أمن المـجتمعي"‬
‫فـي أوربــا‪ ،‬التي تنطوي على دمج الهوية والـهجرة في دراسة وادراك التهديدات الوجودية الجديدة‪ ،‬وهي‬
‫التهديدات التي لم تكن مـن قبل موضع إندماج حقيقي في السياسات فوق وطنيـة؛ نظـ ار لكون سياسات‬
‫الهجرة والسياسات الثقـافية كانـت ما تزال بعيدة عن سياسات التكامل‪ ،‬بـخالف السياسات النقدية وادارة‬
‫الـحدود اللتان كانتا تنتميان لإلتـحاد‪ .‬ما سـيجعل اإلدارة السليمة لهذه التحديات األمنية الجديدة‪ ،‬تلعب دو ار‬
‫رئيسيا بالنسبـة لمستقبـل البناء األوروبي‪ ،‬خاصة وأن إعادة تشكيل العالقات بيـن الدولة‪ ،‬الـمجتمـع‪،‬‬
‫واإلقتـصاد وفقـا لـمدرسـة كـوبنهاجن‪ ،‬سيجلب تـصـو ار مـختلفا للتهديدات الجديدة‪ ،‬التي من الـمهم جدا‬
‫‪1‬‬
‫تحديدها في الوقت الحاضر‪ ،‬من أجل إدارتها على نحو أفضل مستقبال‪.‬‬
‫وفق هذا المسار‪ ،‬تشكل المجموعات المجتمعية التي ينظر إليها على أنها توفر البيئة والموارد‬
‫التي يتطور ويزدهر من خاللها البشر‪ ،‬الـموضوع الـمرجعي لألمن الـمجتمعي‪ ،‬مع تـميز المجتمع عن‬
‫الفئات اإلجتماعية األخرى بكونه "على درجة عالية من الـجمود اإلجتماعي واإلستمرارية في كثير من‬
‫األحيان عبر أجيال متتابعة‪ ،‬مع بنية تـحتية قوية للمعايير والقيم والمؤسسات"‪ ،‬لذلك نـجد هوية‬
‫الـمجموعات الـمجتمعية قوية بـما فيه الكفاية لتتنافس مع الدولة كمصدر للتنظيم السياسي‪.2‬‬
‫على هذا النحو أيضا‪ ،‬تـرم ـي مساعي وييفر إلى التمييز بين "الـمجتمع" و"الـمجموعة اإلجتماعية"‪،‬‬
‫فب ـنظره لي ــس كــل أن ـواع الـمجموعة اإلجتماعية تتـوافق م ـع الـمجتمع‪ ،‬وبالت ـالي فاألمـن الـمجتمعي ه ـو‬
‫بالضرورة م ـعني بأمـن الـمجتمع ككل بدال م ـن أم ـن الفئات؛ ُم ّبرر ذلك‪ ،‬أن ـه في شروط الجماعية تبـقى‬
‫ه ـناك أن ـواع مـمـيـزة م ـن السلوك ال يـمكن اختزالها إلى مستوى الفرد‪ ،‬وكما هو الحال مع أمن الدولة يـجب‬
‫أن يتناول األمن الـمجتمعي أمن الـمجتمعات التي لها وجود أكثر من غيرها‪ ،‬لذا فالكائن هنا يـختلف عن‬
‫مـجموع األفراد المكونين له‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Shena Salim: «L’orientalisme latent de l’école de copenhague la sécurité sociétale appliquée au cas‬‬
‫‪français», Op Cit, p 31.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Carla Andrea: Op Cit, p 226.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Paul Roe: Op Cit, p 44 .‬‬
‫‪17‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫وبالتالي حاول وييفر في هذا السياق تقديم تعريف للمجتمع يكون أقل ميوعة وسالسة؛ لـما اعتبره‬
‫"تجميع للمؤسسات جنبا إلى جنب مع الشعور بالهوية المشتركة"‪ ،‬فمفتاح الـمـجتمع بنظـره ه ـو الـهوية‬
‫حدد أف ـراد معي ـنين كأع ـضاء في مـجم ـوعة اجتماعية‪،‬‬
‫باعتبارها مـجمـوع األف ـكار والـمـمارسات التي تـ ّ‬
‫بـم ـعنى أن الـمجتمع يت ـركز أساسا ح ـول الهوية وحول التصور الذاتي للمجموعات واألفراد‪ ،‬الذين يعتبرون‬
‫أنفسهم كأعضاء في مـجتمع أو وحدة واحدة‪ . 1‬وبالرغم م ـن أن الـمجتمع ال يكون متجانسا ومتناغما‬
‫بالضرورة؛ نظ ار إلشتماله على عدة مـجموعات إجتماعية‪ ،‬إال أنـه يتشكل كك ّل ال يـمكن اختزاله إلى‬
‫مـجموع أج ـزائه‪ ،‬ويع ـود السبب في ذلك إلى شـع ـور التّحديد الـهوي ـاتي (التـشارك في الهـوية) بيـن أعضائه‪،‬‬
‫والذي يـم ّكن الـمجتمع من الدفاع عن نفسه ضد التهديدات الـخارجية‪.‬‬
‫هذا التص ـور يـج ـعل م ـن الـمـجتمع بني ـة اجتماعية مؤل ـفة من مـمارسات ومؤسسات تـملك وعي ـا جـماعيا‪،‬‬
‫ي ـسمح بتشكيل وحدة على نطاق واسع لألفراد الـمنفصلين‪ .2‬وعليه فالقيمة التي يتم حـمايتها أو ضمانـها‬
‫تحت عنوان "األمن الـمجتمعي" هي "الهوية المجتمعية" مثلما أكد عليه وييفر حينما اعتبر"الوحدات‬
‫الرئيسية للتحليل بالنسبة لألمن المجتمعي هي الهويات الدينية‪ ،‬والهويات اإلثنو‪-‬قومية ذات األهمية‬
‫السياسية"؛ لكن يشترط في الـمجموعة كي تعت ـبر كائ ـنا مرج ـعيا لألمن‪ ،‬أن تكون ذو داللة كبي ـرة مـن‬
‫الناح ـية السياسية‪ ،3‬وتكون ق ـادرة على التنافس مع الدول ـة كمبدأ تنظيم سياسي‪ ،‬وأيضا إنـتـاج ن ـفسها بشكل‬
‫مست ـقل عنها‪.4‬‬
‫من هنا يتضح أنه من دون العالقات الدينية و اإلثنو‪ -‬قومية سيصعب على الـمجتمع أن يصبح‬
‫مرج ـ عا لألمن وفقا لوييفر؛ ففهمه لألمن المجتمعي قد عمل على حساب أمن األفراد مثلما يظهر ذلك جليا‬
‫في مجالي الهجرة واللجوء؛ حيث أن غياب األمن بالنسبة للمهاجرين أو الالجئين نتيجة للتمييز الذي‬
‫يكونون عرضة له على سبيل المثال‪ ،‬ال يـجعل من هذه الفئة أو هؤالء األفراد يشكلون مرجعا في دراسات‬
‫األمن في نظره‪ ،‬ألنه أكثر اهتماما بالكيفية التي يصبح معها هؤالء األفراد يشكلون تهديدا لهويات‬
‫الـمجتمعات األوروبية‪ .‬وهو بتصوره هذا يذهب عكس اإلتجاه الذي تسلكه الدراسات األمنية النقدية التي‬
‫تتعامل مع أمن اإلنسان الفرد أيا كان عرقه؛ قوميته؛ نوعه أو خلفيته‪ ،‬باعتباره مرجـعا لألمن في نـهاية‬
‫المطاف‪ ،‬لذلك يشكل المهاجرون الذين يعانون م ـن الـخ ـطابات والممارسات التمي ـي ـزية ض ـدهم‪ ،‬الـمرجع‬
‫األم ـثل لألم ـن بن ـظــر الدراسات األمنية النقـدية‪ ،‬وباحثـي األم ـن اإلنس ـاني على وج ـه التحديد‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Bill Mcsweeny: Op Cit, pp 69-70 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Shena Salim: «L’orientalisme latent de l’école de copenhague la sécurité sociétale appliquée au cas‬‬
‫‪français», Op Cit, p53 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Jakob Gustavsson: Op Cit, p07 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Anne Stavrianakis:« A late of two ethnicities? An analysis of approaches to ethnic conflit: The case of‬‬
‫‪Kosovo», Global politics network, 2002, p 07.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Jakob Gustavsson: Op Cit, p 08.‬‬
‫‪18‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫عرف األمن الـمجتمعي ب ـ ـ "قدرة الـمجتمع على اإلستمرار في‬


‫إذن مع هذه البناءات األساسية ُي َّ‬
‫طابــعه األساسي في ظل الظروف الـمتغيــرة والتهديدات الـمحتملة أو الفـعلية‪ ،‬فهو يتعامل مـع‬
‫اإلستــدامة في ظل ظــروف مــقبولة للتطور لألطر التقليدية للغة‪ ،‬الثقافة‪ ،‬الـجمعيات‪ ،‬الدين‪ ،‬الهــوية‬
‫واألعـراف الوطنية (‪ ،)...‬وينشغل بالحاالت أين المجتمعات ترى أنـها مهددة من حيث الهوية"‪.1‬‬
‫وبعبارات أخرى‪ ،‬يشير هذا الـمفهوم إلى ظروف إعادة إنتاج مـجتمع مـحدد من جانب هوياتي‪ ،‬أين يشكل‬
‫إعادة إنتاج السمات الهوياتية كاللغة‪ ،‬الدين‪ ...‬شرطا أساسيا لبقائه‪ ،‬كما أن ثباتـها واستم ارريتها هو أساس‬
‫تصورة‬
‫هددة أو ُم َ‬
‫السمات ُم ّ‬
‫مـجتمع آمن‪ ،‬ما ي ــعني أن حالة الالّ أمن الـمجتمعي تتشكل عندمـا تـكون هـذه ّ‬
‫على هذا النحو‪.‬‬
‫معا؛‬
‫هذا الفهم يسم ـح حس ـب مدرس ـة كوبنهاجن بالـمطالبة بالـحفاظ على تص ـور م ـرن للمجت ـمع والـهوية ً‬
‫ألنه في غياب ذلك سيصبح كل تغييـر يـمس هوية الـمجتمع "مشكلة أمن مجتمعي"‪ ،‬ما سيؤدي في نـهاية‬
‫الـمطاف إلى تـجميد الهويات وتثبيتها‪.2‬‬
‫مما سبق ذكره‪ ،‬ومن منطلق أن األمن المجتمعي متعلق أساسا بالـمخاوف إزاء التهديدات التي قد‬
‫تتعرض لـها الـهوية الـمجتمعية‪ ،‬وهو مفهوم يتجه نـحو تـمكيننا م ـن تـحدي ـد هذه التهديدات سواء كان ـت‬
‫حقيقية أو م ـتصورة‪ ،‬فإن األخطار التي تتهدد أمن الـمـجتمع‪ ،‬يـمكن أن تحدث لـما تشعر الـمجتمعات‬
‫كـ ـ ـ "نحن" أن م ـا يـجري حاليا يضـع هوي ـتهم في خط ـر (سواء كانت تـلك قـضـية م ـوضوعية أم ال)‪ ،‬وت ـلك‬
‫الوسائل التي يـمكن أن ته ـدد الهوية الـمجتمعية قد تتراوح مـن قمع التـعبـير عنها إلى التدخل في قــدرة‬
‫الـمجتمع على إنتــاج نفســه؛ ويش ـمل ذلك حظر استخدام اللغة‪ ،‬األسـمـاء‪ ،‬اللباس‪ ،‬أو إغالق أماكن العبادة‬
‫والتعليم‪ ،‬وصوال إلى إبعاد أو قتل أفراد من الـمجتمع‪ .‬أما التهديدات الـموجهة إلى إنتاج وتكاثر الـمجتمع‬
‫فهي تتخـذ شكل التطبيـق الـمستدام للتــدابير القــمعــية التي تتخذ ضد التعبير عن الـهوية؛ كما في حال‬
‫حظر عمل الـمؤسسات التي تنتج اللغة والثقافة‪ ،‬بشكل يتسبب في عرقلة انتقال الهوية بفعالية من الـجيل‬
‫إلى الـجيل الذي يليه‪.3‬‬
‫حدد بوزان في كتاباته الـمبكرة اثنـين من التهديدات الرئيسبة لألمـن الـمجتمعي‬
‫في هذا السياق ّ‬
‫ممثلة أساسا في‪ :‬الـهجرة والصدام بيـن الـهويات الـحضارية الـمتنافسة؛ األولى تـهدد األمن الـمجتمعي عن‬
‫طريق إحداثها تغيير مباشر في التكوين اإلثني والثقافي والديني واللغوي للسكان‪ ،‬أما الصدام بين الهويات‬

‫‪1‬‬
‫‪Shena Salim: «L'école de Copenhague en relations internationales et la notion de sécurité sociétal une‬‬
‫‪théorie a la manière d Huntington».‬‬
‫‪http ://www.reseau-terra.eu/article750.html‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Shena Salim: «L’orientalisme latent de l’école de copenhague la sécurité sociétale appliquée au cas‬‬
‫‪français», Op Cit, pp 38-39.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Paul Roe: Op Cit, p48.‬‬
‫‪19‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الحضارية المتنافسة فهو مفهوم يشير أساسا إلى الـحاجة للدفاع عن الـمجتمع وحـمايته من تأثير الثقافات‬
‫التنافسية الـمغرية‪.1‬‬
‫لكن في مرحلة الحقة‪ ،‬اتفق بوزان مع وييفر على أن الـمجتمعات التي تشتمل على مـجموعات قومية‪،‬‬
‫إثنية‪ ،‬دينية‪ ،‬أو مـجموعات أخرى يـحتمل أن تكون قائمة على أساس الـجنسية أو الـجنس أو الطبقة‪ ،‬قد‬
‫تشهد بناء تـهديدات من مـجموعة متنوعة من الـمصادر‪ ،‬بـما في ذلك الـمطالبة بـهوية أخرى‪ ،‬أو الـمطالبة‬
‫بالـهوية من الدولة‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬وحسب رواد مدرسة كوبنهاجن والـمتعاونون معهم‪ ،‬تكون الـمجتمعات في مواجهة أربع ـة‬
‫أن ـواع م ـتمايـزة من التهديد وهي‪ :‬الـمنافسة األفقية‪ ،‬الـمنافسة العمودية‪ ،‬الهجرة وتـهجير السكان‪.‬‬
‫المنافسة األفقية‪:‬‬
‫يقصد بها التحول في هوية الـمجتمع بسبب التأثير الثقافي واللغوي الطاغي للثقافة الـمجاورة‪ ،‬أو‬
‫النفوذ الثقافي واللغوي الـمهيمن من الثقافة الـمجاورة‪ ،‬والذي يتسبب في تغيير أساليب عيش الـمجتمع‪.‬‬
‫مثال على ذلك‪ ،‬الـجهات الفاعلة في كيبك والسكان األصليين الكنديي ـن قد شيدوا وفي أوق ـات مـخت ـلفة‬
‫ط ـوال تاريـخهم الـمجتمع الكندي اإلنجليزي كـتهديد لـهم‪ ،‬ومن هذا الـمنظور كال الثقافتين ينتابـهما الـخوف‬
‫حدد هويتهم‪.2‬‬
‫من تآكل الجوانب اللغوية والدينية التي تُ ّ‬
‫المنافسة العمودية‪:‬‬
‫تشير المنافسة العمودية إلى تلك الحاالت التي تكون فيها الـمجموعات مدفوعة إما بسبب اإلندماج‬
‫أو التفكك‪ ،‬نحو هويات أوسع أو أضيق‪ ،‬بمعنى أنها تحدث من اإلندماج في تعريف ثقافي أوسع‪ ،‬أو‬
‫التفكك إلى وحدات ثقافية أصغـر‪ ،‬ويمكن رؤية هذه العملية في التوسع الحالي لإلتحاد األوروبي مع عدد‬
‫مـن المجتمعات التي أعربت ع ـن تخوفها من اإلندماج في هوية أوروبية أكبر‪ ،‬وقد استجابت بعض هذه‬
‫الـمجتمعات لذلك م ـن خالل رفـض اعتماد الع ـملة األوروبية الـموحدة‪ ،‬والتنازل عن السلطة للمؤسسات‬
‫السياسية األوروبية المستحدثة‪.‬‬
‫الهجرة‪:‬‬
‫وهي التي أحيطت بأكبر قدر من اإلهتمام من طرف منظري مدرسة كوبنهاجن‪ ،‬ويتهدد معها‬
‫األمن الـمجتمعي نتيجة تسببها في حدوث تـحول كبير في التركيبة األساسية للمجتمع؛ فالتدف ـق الواسـع‬
‫النط ـاق للمهاجري ـن م ـن خلفيات اجتماعية مـختلفة‪ ،‬قـد يؤدي إلى أن تصبح ثقافة ه ـؤالء الـمهاجرين هي‬
‫ص ِّورت األعداد الكبي ـرة للمهاجرين اإلسبانيـين في‬
‫الـمهيمنة في نـهاية الـمطاف‪ .‬مثال على ذلك‪ ،‬ق ـد ُ‬

‫‪1‬‬
‫‪Carla Andrea: Op Cit, p 225.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Scott Watson: «Societal security: Applying the concept to the process of Kurdish identity construction»,‬‬
‫‪University of British Colombia, p08.‬‬
‫‪http://www.cpsa-acsp.ca/papers-2005/watson.pdf‬‬
‫‪20‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الواليات الـجنوبية للواليات الـمتحدة األمريكية من ط ـرف البعض‪ ،‬بأنـها ت ـؤدي إلى تآكل الثقافة األمريكية‬
‫وقيم ـها السياسية‪.‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬الح ـظ بوزان أن تهجير السكان قد تشكل مصدر آخر لالّ أمن بالنسبة للمجتمعات سواء‬
‫لتسببه في نشوء صراعات أو حصول تطهير إثني‪ ،‬أو إلحداثه انـخفاض في النمو الطبيعي للسكان‪.1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬مقترب التحليل الجزئي‬


‫يهتم هذا النهج بالكيفية التي تنظر بـها منظمة األمم المتحدة والهيئات التابعة لها لـمفهوم األمن‬
‫الـمجتمعي‪ .‬هذا األخير اعتبر مفهوما مستمدا من مفهوم األمن اإلنساني وف ـق ما جاء بـه تقرير التنمية‬
‫اإلنسانية لبرنامج األمم المتحدة اإلنـمائي لسنة ‪ ،20778‬الذي تش ـير كثي ـر من أدب ـيات األمـن اإلنس ـاني‬
‫إلى كون ـه أول م ـن حـمل الـميالد الرسـمي لـهذا الـمفهوم في السياسة العالـمية‪ ،‬حيـث اعتبـر امتدادا لنموذج‬
‫التنمية اإلنسانية في الـمسائل األم ـني ـة؛ إلهتمامه باإلنشغاالت الشرعية للناس العاديين الذين يتوقون لألمن‬
‫في حياتهم اليومية؛ وتركيزه على األمن بالتنمية اإلنسانية الـمستدامة؛ وباحترام حقوق اإلنسان وسيادة‬
‫القانون؛ العدالة اإلجتماعية والـحكم الراشد‪.3‬‬
‫وتكمن الـمساهـمة الب ـارزة لألمن اإلنساني في الدراس ـات األمـني ـة‪ ،‬في اعتبار األف ـراد ب ـدل الدولة‬
‫الـموضوع الـ مرجعي لألمن‪ ،‬وال يعني ذلك إلغاء اإلهتمام بأمن الدولة التي ال تزال تلعب دو ار مهما في‬
‫تأمين أفرادها‪ ،‬وانـما تصبح وفق هذه النظرة الـمجتمعات الـمحلية واألمم وهويات أخرى م ـوضوعا لألمن‪،‬‬
‫ما دامت في النهاي ـة تصب في خدم ـة الناس‪ .‬بـمعـنى أن مفهوم األمن اإلنساني يركز على األفراد‬
‫والشعوب‪ ،‬وبدرجة أكب ـر على القيم والغاي ـات مثل الكرامة والـمساواة والتضامن والتسامح‪.‬‬
‫مع ذلك فإن طموح هذا التصور لـم يتجه فقط نـحو وض ـع الفـرد على درجـة أسب ـق مـن الدول ـة ضم ـن سلم‬
‫األول ـوي ـات في مـواجهة الت ـهديدات ووضع البرامج‪ ،‬لكنه يغيـر كليًّا النظرة إلى الفرد الذي طالـما اعتبر‬
‫ومكون متناهي الصغر ضمن وحدتـها الـمتكاملة‪ ،‬أين ال يمثل وجوده سوى ضرورة واقعية‬‫ّ‬ ‫جزءا من الدولة‪،‬‬
‫لـممارسة الحكم‪ ،‬كما ال يعتبر فاعال كامل الـهوية في العالقات الدولية‪.‬‬
‫وفي هذا اإلتجاه‪ ،‬يــؤكد جراهام وبوكو أن ـه ب ـدال م ـن اهت ـمام األم ـن باألفراد بصفتـهم م ـواطنـين‪ ،‬فإن م ـقاربة‬
‫األم ـن اإلنساني تنظر إليهم على أنـهم أشخاص‪ ،‬ما يعني أن الفرد أص ـبح ضم ـن م ـفهوم األمن اإلنساني‬
‫كالًّ متكامال وهويــة مـستقلة‪ ،‬وهو الفاعل الوحيد الذي يــؤخذ في الـحسبان؛ طالـما أن أمــنه هو الــغاية‬
‫النهائــية التي تُ َّ‬
‫سخر كل األدوات والفواعل األخرى لتحقيقها‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Scott Watson: Op Cit, p 09.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Carla Andrea: Op Cit, p 223.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Barbara Von Tigerstrom: « Human security and international law prospects and problems», Oxford and‬‬
‫‪Portland Oregon, 2007, p 07.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪S.Tadjbakhsh: A M. Chenoy: « Human security concepts and implications»,, USA and Canada: Routledge ,‬‬
‫‪2007, p13.‬‬
‫‪21‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫طور البرنامج اإلنـمائي مقاربته الـمركزة على أمن األفراد باعتماده على سبع مكونات م ـترابطة‬
‫ولقد ّ‬
‫تشكل كلها مـحتوى األمن اإلنساني‪ ،‬والتي تتمثل في‪ :‬األمن اإلقتصادي‪ ،‬الغذائي‪ ،‬الصحي‪ ،‬البيئي‪،‬‬
‫الشخصي‪ ،‬السياسي والـمجتمعي‪.‬‬
‫وضمن هذه السياق يشير مفهوم األمن الـمجتمعي أساسا إلى نوعية حياة األفراد‪ ،‬ووجودهم كأعضاء*‬
‫ضمن مـجموعات‪ :‬األسرة؛ الـمجتمع؛ جـماعة إثنية أو دينية أو لغوية؛ والتي عادة م ـا تشكل م ـصدر أمـن‬
‫ألعضـائها‪ ،‬لكنها في ب ـعض األحي ـان ت ـكون سب ـبا في التهديد الذي يتعرضون ل ـه‪ ،‬فقد وجد أن بعض‬
‫الـمجتمعات التقليدية الـمحلية ال تزال تزاول مـمارسات غير عادلة في حق بعض أعضائها كالرق‪ ،‬التمييز‬
‫واستعباد المرأة‪...‬‬
‫لكن يظ ـل التهـديد األخطر لألم ـن الـمجتمعي ه ـو م ـا تقوم ب ـه بع ـض الـمجتمعات التق ـليدية م ـن م ـهاجـمة‬
‫بعضها البعض في إطار سعيها للتنافس على الفرص الـمحدودة‪ ،‬السيما في ظل وجود صعوبات‬
‫اقتصادية التي قد تدفع في اتجاه اتخاذ هذه الـمنافسة طابعا خطي ار وعنيفا‪ ،‬يؤدي في نهاية المطاف إلى‬
‫وق ـوع صدامات إثنية يصبح فيها األفراد هم الهدف األول والرئيسي للعنف الطائفي‪.1‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬أجرى مركز البحوث بشأن عدم الـمساواة واألمـن اإلنس ـاني واإلثنية في جامـعة‬
‫أكسفورد‪ ،‬بـحوثا م ـفصلة من الناحية الكمية والنوعية في مـجال النزاع وعدم الـمساواة األفقية (عدم المساواة‬
‫بين الجماعات اإلثنية أو الدينية أو اللغوية) في ثـمانية بلدان في ثالث مناطق مختلفة من العالم‪ ،‬وبـحوثا‬
‫إحصائية مكتبية في ‪ 55‬بلدا‪ .‬وخلص هذا الـمركز إلى أن الـخمسة في الـمائة من البلدان التي تتصدر‬
‫القائمة التي تـعـاني مـن أكبــر قـدر من التفاوتـات اإلجتــماعية واإلقت ـصادية‪ ،‬ي ـتضاعف خطر النزاع فيها‬
‫ثالث مرات مقارنة بالبلدان المتوسطة‪ ،‬وتزداد مخاطر النزاع مرة أخرى إذا تم الجمع بين التفاوتات‬
‫اإلجتماعية واإلقتصادية مع عدم المساواة في المكانة الثقافية‪ ،‬مما يضيف عامل خطر آخر‪.2‬‬
‫إذن هذه الفكرة حول األمن المجتمعي محورها "اإلنسان"‪ ،‬تماما مـثل األمن اإلنساني؛ طالما أن‬
‫الفرد هو الكائن الـمرجعي الوحيد الذي ينبغي حـماية أمنه‪ .‬ومن هذا المنطلق يشدد النهج الـجزئي على‬
‫أهمية حماية حقوق اإلنسان وكفالة الحريات الفردية في ضمان تحقيق األمن الـمجتمعي‪ ،‬من خالل إعطاء‬
‫كل فرد في أي مـجتمع كان إمكانية تحسين قدرته أو قدرتها‪ ،‬وتحسين نوعية حياته أو حياتها‪.‬‬
‫إلى جانب ذلك‪ ،‬يولي هذا النهج إهتماما خاصا بمفهوم "المواطنة"؛ فوجود الجنسية واإلعتراف بها‬
‫لـمواطني البلد يشكل عنص ار أساسيا لألمن اإلنساني‪ ،‬بسبب تـمكينها الـمواطنين من التمتع بالفوائد التي‬

‫* تسعى أغلبية أفراد الـجنس ال بشري إلى األمن اإلنساني كجزء من جـماعة سواء كانت أسرة‪ ،‬قرية‪ ،‬أو طائفة معرفة بـمعايير الدين أو‬
‫اإلثنية أو الـجندر أو الطبقة‪ ،‬وفي الغالب يتم السعي إليه من خالل توليفة من هذه الـجماعات‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Carla Andrea: Op Cit, pp 223.‬‬
‫« تقرير الخبيرة المستقلة المعنية بقضاي ا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان‪ ،‬المدنية والسياسية‬ ‫‪2‬‬

‫واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في التنمية »‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة السادسة عشرة‪،‬‬
‫البند ‪ 01 ،1‬ديسمبر ‪ ،8101‬ص ص ‪.05-08‬‬
‫‪22‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫تقدمها الدول المسؤولة‪ ،‬خاصة وأن الـعديـد مـن الحكومات التي تعتـبر وجود تـجمعات مـختـلفة داخل‬
‫أراضيـها يـشكل تـهديدا لسيادتـها‪ ،‬استقاللها وحتى استقرارها‪ ،‬ترفض منح الـجنسية ألفراد هذه الـمجموعات‬
‫الـمتميزة‪ ،‬بشكل يـحرمهم مـن الـمشاركة في الـحياة اإلقتصادية واإلجتماعية والسياسية للمجتمع األوسع‪ ،‬م ـا‬
‫يـؤدي لت ـزايـد أشـكال اإلستبعاد واإلضطهاد المترافقة مع حرمان شديد من أدنى شروط العيش الكريـم‪ ،‬وهو‬
‫األمر الذي يثير احتماالت أكبر للصراع ويشكل دافعا قويا لـموجات الهجرة‪.‬‬
‫مـن هـذا الـمنطلق‪ ،‬يشـدد هـذا النـهج على أن تـجاوز هـذه الـمشكالت ال يـتم إال عبـر تـمكين الناس مـن‬
‫زيـادة تأثيرهم وفعاليتهم في قضايا الـمواطنة‪ ،‬وتوسيع نطاق الـحماية التي تسمح لألفراد بتحصيل حقوقهم‬
‫والتمتع بـها‪.1‬‬
‫وسيتم األخذ في مجمل الدراسة بمفهوم األمن المجتمعي ضمن هذا السياق‪ ،‬أي باعتباره بعدا‬
‫أساسيا من أبعاد األمن اإلنساني‪ ،‬دون إهمال بعض األفكار التي أتى بها المقتربين األول والثاني‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Carla Andrea: Op Cit, pp 223-225.‬‬

‫‪23‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إستراتيجيات األمن المجتمعي‬


‫برز م ـفهوم األمن اإلنساني كإطار حيـوي وعـملي للتصدي إلنتهاكات حقوق اإلنسان بطريـقة‬
‫متسـقة‪ ،‬شاملة واستباقـية؛ مـن خالل زيـادة فرص التـعاون والشـراكة بيـن حكومات ال ـدول‪ ،‬والـمنظمات‬
‫الدول ـية اإلقليمية‪ ،‬الـمجتمع الـمدني والجهات الفاعلة على مستوى المجتمعات الـمحلية‪.‬‬
‫وتكمن قوة تطبيقه أساسا في كونه يشكل إطار سياساتي ثنائي‪ ،‬يعتمد على ركيزتين أساسيتين معززتين‬
‫لبعضهما البعض هما‪ :‬الحماية والتمكين‪ .‬كما يوفر تطبيقه بهذه الصيغة نـهجا شامال يـجمع بين معايير‬
‫وعمليات ومـؤسسات تنـدرج مـن القمة إلى القاعدة؛ تشمل إنشاء آليات لإلنذار الـمبكر وأدوات للحوكمة‬
‫الرشيدة والـحماية اإلجتماعية‪ ،‬إلى جانب تركيـز يتـدرج مـن القـاعدة إلى القـمة تـدعم ف ـيه العمليات القائمة‬
‫على الـمشاركة‪ ،‬الدور الـهام الذي ي ـجـب أن يـضطلع بـه األفراد والجماعات ب ـوصفهم جهات ف ـاعلة أساسية‬
‫في تعريف حياتـهم واعمال حقوقهم األساسية‪.1‬‬

‫شكل رقم ‪ :10‬حماية الناس من التهديدات المتنوعة وتمكينهم من معالجة التهديدات بأنفسهم‬

‫الحمــايـــــــــة‬
‫نهج من أعلى إلى أسفل‬
‫الصراعات واإلرهاب‬
‫الفقـــــــر‬
‫التحرر‬ ‫نقص التغذية‬
‫الكوارث الطبيعية والتدهور البيئي‬ ‫السلطة المركزية ‪/‬‬
‫التحرر‬ ‫مـن‬
‫الحاجة‬
‫األوبئة الصحية‬ ‫مـن‬ ‫السلطات المحلية‬ ‫سوء الخدمات االجتماعية‬
‫الخوف‬

‫األزمات اإلقتصادية‬
‫الناس‪ /‬المجتمعات‬ ‫تخلف البنية التحتية األساسية‬

‫التمـكيـــــــــــن‬
‫نهج من أسفل إلى أعلى‬

‫المصدر‪(Japan International Cooperation Agency, " JICAS' Human security approach :‬‬
‫)‪features and case studies ", Japan, 2010, p 02.‬‬

‫واألمن الـمجتمعـي كغيره من أبعاد األمن اإلنساني األخرى ال يـحيد عن نـهج هذا األخير‪ ،‬وانـما‬
‫يسير وفق منطقـه الـمتخـذ مـن استراتيجيتي الـحماية والتمكين لبنتيـن أساسيتين ألي إطار لسياس ـة األمن‬
‫اإلنسـاني‪ ،‬ومنطـل ـقا مـحوريا نحو تـمكين األفراد والـمجتمعات من حياة آمنة وكريـمة‪.‬‬

‫‪ « 1‬تقرير األمين العام‪ ،‬متابعة قرار الجمعية العامة ‪ 090/46‬المتعلق باألمن البشري »‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪24‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الفرع األول‪ :‬إستراتيجية حمائية للجماعات المهمشة والمستضعفة ثقافيا‬


‫ُعِّرفت الحماية من قبل لـجنة األمن اإلنساني في تقريرها لعام ‪ 8111‬باعتبارها "استراتيجيات‪،‬‬
‫ش َّكلة من قبل الدول‪ ،‬الوكاالت الدولية‪ ،‬المنظمات الدولية غير الحكومية والقطاع الخاص‪ ،‬لوقاية‬
‫ُم َ‬
‫ـمؤسسات الواجب إنشاؤها‬
‫الناس من التهديدات"‪ .‬وهي بالتالي تشير إلى مـجموع القواعد‪ ،‬العمليات وال ّ‬
‫على الصعيدين الوطني والدولي لحماية الناس من التهديدات الـخطيرة والـمتفشية‪.1‬‬
‫هذه الحماية‪ ،‬تنطوي على نـهج تنازلي يعترف بتعرض الناس لتـهديدات خارجة عن إرادتـهم‪ ،‬على غرار‬
‫العنف والصراعات‪ ،‬اإلنتهاكات الـخطيرة لـحقوق اإلنسان اإلقصاء والتهميش الثقافيين ‪ ...‬والتي تؤدي‬
‫جميعها إلى خلق أوجه عدة من انعدام األمن يتطلب التصدي لها اتــباع ط ارئـق منـهجية وليست تلفيقية‪،‬‬
‫شاملـة وليست مـجـزأة‪ ،‬ووقائية وليست من قبـيل رد الفعل‪ ،2‬تـتحمل فيـها الدولة المسؤولية األساسية لتنفيذ‬
‫مثل هذه البنية الواقية‪ ،‬بالتعاون مع المنظمات الدولية واإلقليمية‪ ،‬المجتمع المدني والجهات الفاعلة غير‬
‫الحكومية والقطاع الخاص‪ ،‬والتي تلعب جميعها أدوا ار مـحورية ومتكاملة في درء األخطار والتهديدات عن‬
‫الناس أفرادا وجماعات‪.3‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬تظهر الدولة هنا كأهم فاعل في تنفيذ هذه اإلستراتيجية؛ كونها الـمسؤول األول عن تحقيق‬
‫الحماية لمواطنيها‪ ،‬ما يفرض بالتالي مسؤولية مؤسساتها وهياكل حكمها في إرساء أسس هذه الحماية‬
‫لألفراد والجماعات داخلها‪.4‬‬
‫ـعبر عنه مــن خالل هندســة‬
‫من هذا الـمنظور‪ ،‬فإن ربط حقوق اإلنسان ال ُـممثّلة بأساس معياري ُم ـ ّ‬
‫قانونية قويـة‪ ،‬واألمن اإلنساني الذي يتجاوز مـجرد كونه فكرة توجيهية‪ ،‬ليعبِّر أكثر عن مفهوم تـحويلي‬
‫قادر على الدفع قدما في اتـجاه ترجـمة هذا اإلطار الـمعياري القانوني‪ ،‬مـن شـأنه أن يرفـع من إمكانية بــناء‬
‫سياسات عامــة ذات نــهج قائـم على حقوق اإلنسان‪ ،‬والتي تشمل جوانب الوقاية واإلنتباه للمخاطر وحاالت‬
‫الضعف‪ ،‬مــع اإلصرار على الـحقوق الـمدنية والسياسية؛ ألنـها ذات قيمة قصوى ليس فقط بالنسبة لقيمتها‬
‫الـجوهرية؛ ولكن أيضا لقيمتها اإلستراتيجية كوسيلة الكتساب وحـماية الـحقوق األخرى‪.‬‬
‫كل هــذا ي جعــل خطابات األمـن اإلنساني وحقــوق اإلنسان تــولي الكثيـر مـن اإلهتمام لدور‬
‫منظمات الـمجتمع الـمدني‪ ،‬التي يـمكنها أن تستخدم الـحقـوق الـمـدنية والسياسيـة كأدوات است ارتـيجية‬
‫الستحـقاق والـحصول على الـحقـوق اإلقتـصادية واإلجتـماعية والثــقافية‪ ،‬والضغــط مـن أجــل عمليات التـنمـية‬

‫‪1‬‬
‫‪The United Nations Trust fund of human Security: « Human security in theory and practice: Application of‬‬
‫‪the human security concept and the United Nations Trust fund for human security», Op Cit, p 08 .‬‬
‫‪ 2‬لجنة أمن اإلنسان‪ « :‬تقرير أمن اإلنسان اآلن‪ :‬حماية الناس وتمكينهم »‪ ،‬نيويورك‪ ،8111 ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪3‬‬
‫‪The United Nations Trust fund of human Security: « Human security in theory and practice: Application of‬‬
‫‪the human security concept and the United Nations Trust fund for human security», Op Cit, p 08 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Kevin M. Cahill, M. D: «Human security for all», New York: Fordham university press, 2004, p 10.‬‬

‫‪25‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫التي تركـز على األفـراد وليــس على الدول أو الـمجموعات الفـرعية للدولة والـمدعومـة مـن قبـلها‪ ،‬وكذلك دفع‬
‫الدول لضمان أمنهم الشخصي‪ ،‬الـمادي‪ ،‬الجسدي‪ ،‬والمعنوي الذي يحتاجونه‪.1‬‬
‫عنصر فاعال فيما يتعلق بتحقيق األمن وفق منظوره الـمجتمعي‪ ،‬فإن‬
‫ا‬ ‫وحتى وان ش ّكلت الدولة‬
‫فعاليتها تقوى أكثر إن طالت حركية التعاون مـختلف الفواعل تـحت الوطنية‪ ،‬والتي يبرز في مقدمتها‬
‫الـمجتمع الـمدني كأهم فاعل مـحلي قادر على إحداث التغيـير اإلجتماعي‪ ،‬السـياسي والثقافي القائم على‬
‫الـمبادرة‪ ،‬قبـول الحوار‪ ،‬وادارة اإلختالفات ضمن أطر ديـمقراطية وشفافة؛ من خالل تجاوزه "الدور‬
‫اإللـحاقي" المعتاد ليلعب "دو ار توازنـيا" جديدا قائما على المبادرة بتحقيق التوازن المجتمعي‪ ،‬وتالفي‬
‫المشكالت قبل حدوثها‪.2‬‬
‫كما يـمكن لـمؤسسات حقوق اإلنسان الوطنية التي تـمتثل للمبادئ الـمتعلقة بـحالة الـمؤسسات‬
‫الوطنية لتعزيز حقوق اإلنسان وحـمايتها (مبادئ باريس)‪ ،‬أن تضطلع أيضا بدور بناء في التشجيع على‬
‫التقييم اإليـجابي للتنوع الثـقـافي‪ ،‬إما من خالل ضـمها لمفوضين معنييـن بإلقاء الضوء ومناقشة القضـايـا‬
‫المتعلقة باألقـليات‪ ،‬أو اتجاهها نحو إنشاء مــؤسـسات مـنفـصـلـة متخصصة في دراسة ومعالجة مثل هذه‬
‫القضايا‪.3‬‬
‫وضمن هذا اإلطار دائما تتجلى منظمة األمم المتحدة كأهم منظمة نشطة في مجال تحقيق‬
‫استراتيجية الحماية على الصعيد الدولي؛ المتالكها ِسجِّالًّ قويا في مـجال اإلهتمام بالحماية من التهديدات‬
‫عامة وحـقوق األقليات خاصة؛ أين تُوفِّر أغـلب المنظمات والوكاالت‬
‫والتحديات التي تواجه حقوق اإلنسان ّ‬
‫والصناديق والبرامج التابـعـة لـمنظومة األمـم الـمتحدة‪ ،‬كتيبات وأدلة إرشادية ومواد تدريبية‪ ،‬في إطار‬
‫جهودها المتواصلة من أجل توفير إرشادات أساسـية وأدوات عمليـة للــدول وجـميع الـهيئات الفاعـلة‬
‫األخرى‪ ،‬بغ ـية إشـراكها في وضـع ترتيــبات وفـتح قنوات لـتسـهيـل وتع ـزيز م ــشاركة الفئات المهمشة ثقافيا‬
‫هجا‬
‫من شاكلة األقليات والسكان األصليين‪ ...‬في حياة ـمجتمعاتها بـجميع جوانبها‪ ،‬حيث تعرض فيها نـُ ً‬
‫تـتناول كيفية اإلستفادة من الـمعايير الدولية واإلقليمية الـمتاحـة مـن أجل إش ـراك األقـليـات في عمليات‬
‫بـرمـجـة التـنـميـة‪ ،‬وفي التـأثير على اإلخـتـيارات السياساتية‪ ،‬وأيــضا زيــادة فرصها في الـمشاركة والتمثيل‬
‫الـهادفين‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪E. Dorothy Estrada- Tank: «Human security and human rights under international law: Crossroads and‬‬
‫‪possibilities», European University Institute, 28 sep-2010, pp 25-26.‬‬
‫طلعت مصطفى السروجي‪« :‬السياسة اإلجتماعية في إطار المتغيرات العالمية الجديدة»‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العربي‪ ،8118 ،‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.071 -078‬‬
‫‪3‬‬
‫« تقرير ا لخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان‪ ،‬المدنية والسياسية‬
‫واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في التنمية »‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.09‬‬
‫« تقرير مفوضية األمم المتحدة السامية لحقوق اإلنسان‪ ،‬تجميع للكتيبات واألدلة اإلرشادية والمواد التدريبية وغيرها من األدوات‬ ‫‪4‬‬

‫الصادرة عن األمم المتحدة بشأن قضايا األقليات »‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة السادسة عشرة‪ ،‬البندان ‪ 8‬و ‪،1‬‬
‫‪ 81‬ديسمبر ‪ ،8101‬ص ‪.01‬‬
‫‪26‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫أما على المستوى اإلقليمي فقد دعت منظمة الوحـدة اإلفريـقية عام ‪ 0778‬إلى حـماية الـهوية‬
‫اإلثنية والثقافية واللغوية والدينية لـجميع أفراد شعوبـها‪ ،‬بـما في ذلك األقليات القومية‪ ،‬مع تـهيـئة جميع‬
‫الظروف المناسبة لتعزيـزها‪ .‬وفي األمريكيتيـن‪ ،‬شدد الـميثاق الديـمقراطي للبلدان األمريكية‪ ،‬على أن‬
‫القضاء على التمييز واحتـرام التنوع الثقافي‪ ،‬سيدفع قدما نحو تعزيز الديمقراطية ومشاركة الـمواطنين‪ ،‬ما‬
‫السالم واإلستقرار والتنمية‪.1‬‬
‫يجعلهما عامالن ضروريان لضمان ّ‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إستراتيجية تمكينية للجماعات المهمشة والمستضعفة ثقافيا‬


‫من بين الشروط اإلجتماعية الضرورية إلحالل حقوق اإلنسان‪ ،‬نشوء الـمجتمع الحديث وقيام‬
‫ضرب جديد من الشرعية يدعى بالشرعية الـموضوعية أو المؤسسية‪ ،‬إلى جانب تحول الفرد م ـن مجرد‬
‫كونـه رق ـما مجهوال في المعادلة اإلجتماعية‪ ،‬إلى كونه مواطنا ذا حقـوق (صاحب حق) ومشاركا فاعال في‬
‫الـمجال السياسي‪.2‬‬
‫هاته النزع ـة اإلنسانية بالنسبة لـمنظومة حقوق اإلنسان في مـدلولـها الفلسفي‪ ،‬هي ن ـزعـة ترتكز على‬
‫تطوي ـر تصـور جديد لإلنسان قوامه أنه كائن واع‪ ،‬حر‪ ،‬مري ـد‪ ،‬فاعل ومسؤول؛ بـمعنى أنـها تؤسس‬
‫لإلنتقال من م ـعاملة الــفرد كمجرد إنـسان مرعـي أو مـوضـوع للسلطة‪ ،‬إلى كونـه مـواطـنا تـشريـعـيا س ـواء‬
‫وتؤس ـس لتصـور اإلنسان كفاعل‬
‫ِّ‬ ‫ت ـعلق األمـر بالذات الفردي ـة أو الذات الـجماعية‪ .‬وبالتالي فهي تتضم ـن‬
‫قانوني وسياسي‪ ،‬ذا حقوق ثـابـتـة يـكفـل ل ـه القانون أساليب الدفاع عنها وحمايتها‪ ،‬وهو ما أصبح يندرج‬
‫اليوم ضمن المسلمات الضمنية األساسية في كل نظام حديث وديـمقراطي‪.3‬‬
‫من هنا تنطلق استراتيجية التمكين التي ينبني عليها منظور األمن المجتمعي‪ ،‬أي من الفكرة التي‬
‫مفادها مركزية اإلنسان كفاعل مـواطني في بن ـاء فـلسفـة ديناميكيـة للحقوق‪ ،‬فصاحـب الـحق سـواء كان‬
‫أف ـراد أو جـماعات يـجب أن يكون في مركز السياسات والبرامج‪ ،‬ليـس فقط كشخص أو ف ـئة م ـستهدفة‪،‬‬
‫وانـما كصاحب حـق ف ـعلي وش ـريـك ضـروري في وضعها وتنفيذها‪ ،‬مـما يتطلب التمكين القائـم على توسيع‬
‫قدرات مـختلف الفواعل في المجتمع‪ ،‬س ـواء كانوا أفراد أو جـماعات‪ ،‬ومساعدتـهم على تطوير مـختلف‬
‫جوانب حياتـهم‪ 4‬بناء على التوعية والتعليم وتقوية الـمهارات‪ ،‬الـم ِ‬
‫ساعدة ليس في تطوير مـختلف جوانب‬ ‫ُ‬
‫الحياة فقط‪ ،‬وانـما أيضا الـمكسبة ألدوات توجيهها والتأثير فيها‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫« تقرير الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان‪ ،‬المدنية والسياسية‬
‫واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في التنمية »‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫‪ 2‬محمد سبيال‪« :‬األسس الفكرية لثقافة حقوق اإلنسان»‪ ،‬المغرب‪ :‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،8101 ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪3‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫‪4‬‬
‫سامح فوزي‪« :‬الحوكمة»‪ ،‬سلسلة مفاهيم‪ ،‬العدد ‪ ،01‬أكتوبر ‪ ،8115‬ص ‪.09‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Deep Narayan: «Empowement and poverty reduction», Washington: The World Bank, 2002, p 14.‬‬

‫‪27‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫وفق هذا الـمنطلق‪ ،‬يـجب أن تأخذ السياسات األمنية في الـحسبان اإلحتياجات األساسية التي يتم‬
‫تـحديدها مـن قبل الناس الـمتضررين من غياب األمن‪ ،‬ليس لكونها مسأل ـة أخ ـالقية ف ـقط ب ـل ألنـها م ـسألة‬
‫ف ـعالية أيضا؛ فاإلتصاالت‪ ،‬الت ـشاور‪ ،‬الـحـوار‪ ،‬الـمشاركـة والتـشارك هي أدوات ال غ ـنى عـنها لكسب‬
‫الع ـقول‪ ،‬اكت ـساب الـمعرف ـة والتفاهم‪ ،‬وارساء أسس متينة لبناء المؤسسات المناسبة والتغلب على‬
‫اإلنقسامات والفجوات داخل الـمجتمعات‪ ،‬لذلك يجب أن يشكل األفـراد والـمجموعات عناص ـر أساسي ـة‬
‫وفاعـلة في الـمقاربة األمنية اإلنسانية‪.1‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬تضـع استراتيجية التمكين ضم ـن أولوياتها شـمول المستبعدين؛ ألنه يرتكز أساسا على‬
‫وجود الثقة الكافية لدى أكبر مـجموعة مـمكنة من األفراد في مستقبلها‪ ،‬الثقة الكاملة في أنها تستطيع أن‬
‫تفكر فعـال في الي ـوم التالي‪ ،‬األسبوع الـمقبل والسنة القادمة‪ ...‬ما ُي ِّ‬
‫ؤكد أن حـماية األفراد وتـمكينهم هي في‬
‫واقع األمر مسألة مرتبطة بإتاحة إمكانات حقيقية وملموسة لألفراد‪ ،‬تـمنحهم لبنات البقاء على قيد الحياة‬
‫‪2‬‬
‫اء‬
‫والعيش الكريم ‪ ،‬وهو ما يستوجب بالضرورة إزالة كافة العقبات التي تقف عائقا أمام عملية التمكيـن سـو ً‬
‫كانت ق ـانونية‪ ،‬سيـاسية‪ ،‬اجتماعـية‪ ،‬أو حتى تلـك الـمتعلقة بالع ـادات والت ـقاليد واألعراف الـمتبع ـة‪ ،‬أو غي ـرها‬
‫م ـن السلوكيات النمطية التي تض ـع الفـئات الـمهمش ـة أو األقـل حظـا في مـراتـب أدنى‪.‬‬
‫لكن مـع ضـرورة تـبـني سيـاسات‪ ،‬إجراءات‪ ،‬تشريعات‪ ،‬واقامة هياكل ومؤسسات تقضي على‬
‫مظاهر اإلقصاء‪ ،‬التهميش‪ ،‬اإلستبعاد والتمييز‪ ،‬وتتولى عملية التمكين‪ 3‬التي ال ي ـقتص ـر هدف ـها على‬
‫تطوي ـر قدرات األفراد والـجماعات الضعيفة والمهمشة ثقافيا م ـن اتـخـاذ ق ـ اررات م ـستنيرة في مـواجهة‬
‫الـمواقف الصـعبة‪ ،‬وانـما السماح لهم أيضا بإيـجاد طرق المشاركة في إيجاد حلول لضمان األمن اإلنساني‬
‫لـهم ولآلخرين‪ ،‬فالناس الممكنون يستطيعوا على أقل تقدير الـمطالبة باحترام كرامتهم عند انتهاكها‪ ،‬وتـعب ـئة‬
‫ق ـواهم دفاعا عن أمنهم وأمن اآلخرين‪.4‬‬
‫والطريقة األكثر أهـمية من حيث الجوهر التي يحدث بها التمكين في هذا الصدد هي األخـذ‬
‫بمفهوم الحـقوق نفسه‪ ،‬فمتى أخذ بـهذا المفهوم في سياق رسم السياسات‪ ،‬ال يصبح األساس الـمنطقي للحد‬
‫ستمدا فقط مـن حقيقة أن النـاس الذين يعي ـشون في حـالة الالّ أمن لديهم‬ ‫من الالّ أمن المجتمعي ُم ًّ‬
‫احتياجات فـقط‪ ،‬بل أيـضا من حقيـقة أنـهم يـمتلكون حقوق ـا ُمـ َمثَّـلة في استحقـاقات ُم ـرت ـبة إللتـزامات‬
‫قان ـونية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Marry Kaldor: " Human security in complex operations ", Journal of the center for complex operations‬‬
‫‪diplomacy • defence • development PRISM, Washington: National defense university press, Vol.2, No.2,‬‬
‫‪03/2011, p 06.‬‬
‫‪ 2‬خديجة عرفة‪« :‬األمن اإلنساني المفهوم والتطبيق في الواقع العربي والدولي»‪ ،‬الرياض‪ :‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،8117 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪3‬‬
‫أماني مسعود‪« :‬التمكين»‪ ،‬سلسلة مفاهيم‪ ،‬العدد ‪ ، 88‬أكتوبر ‪ ،8111‬ص ‪.15‬‬
‫‪4‬‬
‫لجنة أمن اإلنسان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬

‫‪28‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫بهذه الكيفية ي ـضيـف الـمنظـور المتـعلق بـحق ـوق اإلنسان المشروعية إلى الطلب المتعلق بتمكين‬
‫حد من اإلنتهاكات التي تطالـهم الغايـة الرئ ـيسية مـن‬
‫األقليات والفئات المهمشة ثقافيا من حقوقهم‪ ،‬وجعل الـ ّ‬
‫وس ــع أيـضا مـن نط ــاق استراتيجيات التمكيـن من‬‫عملـية رسم السياسات والب ـرامج الدولـية والوطنية‪ ،‬كـما ُي ِّ‬
‫خالل تأكيده على تـرابط الـحقوق‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬وبالرغم من أن الالّ أمن الـمجتمعي قد يبدو من الوهلة األولى أنـه يتعلق في الـمقام األول‬
‫بالـحقوق والـحريات الثـقافية‪ ،‬فإن إطـار حقوق اإلنـسان يسلط الضـوء على كـون التمتع بـهذه الـحقوق‪ ،‬قد‬
‫يعتمد بـصورة حاسـمة على التمتع بالـحقوق الـمدنية والسياسية‪.‬‬
‫يبدد سوء الفهم المتمثّل في أن الـحقوق‬ ‫وبالتالي فإن النهج الـمرتكز على حقوق اإلنسان‪ ،‬من شأنه أن ّ‬
‫والـحريات المدنية والسياسية‪ ،‬هي كماليات ال تنطبق إالّ على المجـتمعات التي تـنـعم بالوفـرة نسبـ ّياً‪ ،‬وأن‬
‫الـحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثـقافـية هي مـجـرد تـطلّـعات ولـيسـت إلـتزامات واج ـبة‪.‬‬
‫من هنا يـمكن لـمعظم السمات الب ـارزة للنهج القائم على ح ـقوق اإلنسان‪ ،‬أن تس ـهم في ع ـملية‬
‫تـمكين ه ـذه الف ـئات الـمستهدف ـة بطري ـقة أو بأخرى‪ ،‬وتـشمل هذه السمات م ـبدأ عالـمية حقوق اإلنسان‬
‫وت ـراب ـط الـحقوق‪ ،‬والـمب ـدآن التوأمان الـمساواة وعدم التمييز‪ ،‬ومـبدأ صـنع الق اررات القائم على الـمشاركة‪،‬‬
‫ومفهوم الـمساءلة‪.1‬‬
‫هـذا وي ـساعد اإلعتـراف بـمبدأي الـمساواة وعدم التميي ز‪ 2‬على تسليط األضواء على أن ق ـد ار كب ـي ار مـ ـن‬
‫انتهاكات الـحقوق الثقافية تنشأ عن مـمارسات تـمييزية ومستتـرة على السواء‪ ،‬ما يدفع لإلنتقال نـحو‬
‫إستراتيجيات أوسع نطاقا‪ ،‬ت تناول المؤسسات اإلجتماعية والثقافية والسياسية والقانونية التي تدعم هياكل‬
‫التمييز ضد فئات محددة من األفراد والـجماعات‪ ،‬كما يتطلب تـخصيص الـمزيد مـن الـموارد لمجاالت‬
‫النشاط التي تنطوي على أكب ـر إمكانات يـمكن أن تستفي ـد مـنها هاته ال ـفئات‪.‬‬

‫مفوضية األمم المتحدة السامية لحقوق اإلنسان‪ « ،‬المبادئ العامة والمبادئ التوجيهية لنهج يرتكز على حقوق اإلنسان يتبع في‬ ‫‪1‬‬

‫استراتيجيات الحد من الفقر »‪ ،‬منظمة األمم المتحدة‪ ،8108 ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪2‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬يـميز الفقه القانوني بين التمايز (التفاضل‪ ،‬المفاضلة)‪ ،‬التفرقة والتمييز على النحو اآلتي‪:‬‬
‫التمايز‪ :‬هو اإلختالف في المعاملة الذي هو قانوني ومبني على معايير موضوعية ومعقولة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التفرقة‪ :‬هو مصطلح محايد يستخدم عندما ال يتم حتى اللحظة تحديد ما إذا كان اإلختالف في المعاملة قانوني أم غير‬ ‫‪-‬‬
‫قانوني‪.‬‬
‫التمييز‪ :‬هو اإلختالف في المعاملة الذي هو تعسفي وغير قانوني‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪Yvonne Donders: «Do cultural diversity and human rights make a good mach?», International Social‬‬
‫‪Science Journal, 61(199), 01.2010, pp 16-17.‬‬

‫‪29‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫في حــيـن ي ـعـ ـزز مفه ـوم الـمساءل ـة مـحاسبة واض ـعي السياسات‪ ،‬وغيـرهم مـمن يكون ألعمالـهم تأثي ـر مباشر‬
‫أو غير مباشر على إعمال ح ـقوق الناس‪ ،‬طالما أن الـحقوق ت ـنطوي على واج ـبات‪ ،‬وهذه األخيرة تتطلب‬
‫بدورها الـمساءلة‪ ،‬ولكن يصعب إتاحة ذلك‪ ،‬دون أن يكون الوصول إلى جـميع آليات الـمساءلة ميسـورا‪،‬‬
‫كم ـا ل ـن تتحق ـق اإلفادة من وراء هذا الـمفهوم في غياب الشفافية والفعالية عن هذه اآلليات‪.‬‬
‫في األخير‪ ،‬نـخلص إلى أن نـهج التمكين الـمرتكز على حقوق اإلنسان‪ ،‬يـمكنه أن يدفـع ق ـدما‬
‫بالـهدف الـمتمثل في تـحقيق التمكين للفئات الضعيفة والمستبعدة ثقافيا‪ ،‬بـمجموعة مت ـنوعة مـن الطرق‪:‬‬
‫الحث على اعتماد استراتيجيات ترتكز على حقوق اإلنسان وتوسيعها‪ ،‬لتشمل هياكل التمييز التي‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫تولّد الال أمن الـمجتمعي وتديـمه؛‬
‫وحاسما في‬
‫ً‬ ‫مفيدا‬
‫دور ً‬‫تؤدي ًا‬
‫حث على توسيع نطاق الحقوق الـمدنية والسياسية‪ ،‬التي يمكن أن ّ‬
‫‪ -‬ال ّ‬
‫النهوض بالحقوق الثقافية؛‬
‫‪ -‬التأكيد على أن الحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪ ،‬هي حقوق إنسانية دولية ملزمة وليست‬
‫مـجرد تطلعات برامج؛‬
‫المهمشة ثقافيا واألقليات إشت ار ًكا ذا معنى في عملية‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬إضفاء الـمشروعية على طلب إشتراك الفئات‬
‫صنع القرار‪ ،‬وهو ما يبني قدرتهم على الحصول على الفهم والسيطرة اإلجتماعية‪ ،‬اإلقتصادية‪،‬‬
‫السياسية من أجل توسيع اختياراتـهم بطريقة توجه األمور لمصلحتهم وتحسن حياتهم؛‬
‫‪ -‬إنشاء وتعزيز المؤسسات التي يـمكن عن طريقها مساءلة واضعي السياسات عن أعمالهم‪،‬‬
‫وتكريس الضغط الشعبي عليهم في اتجاه تحقيق اإلصالح؛‬
‫ما يمكن قوله في األخير‪ ،‬أنه باستطاعة منظور األمن المجتمعي أن يستمد الكثير من قوته من‬
‫إطار سياسته المزدوجة القائـمة على ركيزتي "الـحماية والتمكيـن"‪ ،‬واللّـتان تتـدعمان بصورة مشتركة في‬
‫سـبيل تـحقيق هدفـه المتمثل في حماية التعبير عن الهوية الثقافية والتمكين من ممارسة التنوع الثقافي‪،‬‬
‫بحيث ال يـمكن تجسيد ًّأيا منهما بمعزل عن اآلخر‪.‬‬
‫وهو ما يعني أن تفعيل هذا اإلطار يتوقف على األخذ بنهج هجين يـضم اإلستراتيجيتين معا وفي نفس‬
‫الوقت‪ ،‬بـحيث يجمع من أعلى إلى أسفل قواعد وعمليات ومؤسسات‪ ،‬بـما في ذلك إقامـة حكم القانون‪،‬‬
‫الحكم الراشد‪ ،‬المساءلة وأدوات الـحماية اإلجتماعية‪ ،‬مع التركيز من أسفل إلى أعلى على العمليات‬
‫الديـمقراطية‪ ،‬الـمدعمة للدور الهام الذي يـجب أن يضطلع به األفراد والجماعات‪ ،‬كفاعلين في تحديد وتنفيذ‬
‫حرياتهم األساسية‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪The United Nations Trust fund of human security: « Human security in theory and practice: Application of‬‬
‫‪the human security concept and the United Nations Trust fund for human security», Op Cit, p 01 .‬‬

‫‪30‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫ويضمـن تفعيل هذا اإلطار استـدامة البرامـج والسياسات؛ على اعـتـبار أن استراتيجيتي الـحماية والتمكيـن‬
‫تـعمل بطـرائـق منهج ـية ووقـائـية مع نظـرة مستقبلية لإلستقرار على الـمدى الطويل‪ ،‬بما يعزز قدرة الناس‬
‫على التصرف نيابة عن أنفسهم ويـقوي من مرونة األفراد والـمجتمعات نـحو ظروف الالّ أمن‪.1‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬صلة األمن المجتمعي باألبعاد األخرى لألمن اإلنساني‬


‫مس القضايا األمنية في فكر الدراسات األمنية إلى المفكر البريطاني‬
‫ينسب أول تقسيم قطاعي ّ‬
‫باري بوزان‪ ،‬الذي ميز في كتابه الشهيـر "الناس‪ ،‬الدول والـخوف" بين خـمسة قطاعات أساسية لألمن‪:‬‬
‫شدد فيه على كون هذه القطاعات ال‬
‫القطاع العسكري؛ السياسي؛ اإلقتصادي؛ الـمجتمعي والبيئي‪ .‬وقد ّ‬
‫تعمل بـ معزل عن بعضها البعض‪ ،‬لوجود تداخل وتأثير متبادل فيما بينها‪ ،‬إذ وبالرغم من أن كل واحد‬
‫منها يشكل نقطة مـ حورية في قضية األمن‪ ،‬نظ ار الختالف الموضوع المرجعي المعرض للتهديد باختالف‬
‫القطاع أو المجال المدروس‪ ،‬إال أنها تظل مرتبطة ببعضها البعض في نسيج متين‪.2‬‬
‫من جهته‪ ،‬سار تقرير التنمية اإلنسانية لعام ‪ 0778‬في اإلتـجاه نفسه لـما ف ّكك األمن اإلنساني‬
‫إلى سبعـة أب ـعاد شاملة لكافة التهديدات األمنية‪ ،‬منطلقا في ذلك من مـتغيري "التحرر من الـخوف"‬
‫و"التحرر من الـحاجة"‪ ،3‬موضحا أن كل واحد منها يد ّل على منطق معين ونوع مـحدد من التفاعل بين‬
‫الوحدات التي تستخدم كأدوات تحليل رئيسية‪ ،‬لذا يتصل البعد السياسي بعالقات السلطة‪ ،‬اإلقتصادي‬
‫بالعالقات اإلقتصادية‪ ،‬البيئي بالعالقة بين اإلنسان والبيئة‪ ،‬والمجتمعي بالعالقات بين المجموعات‬
‫االجتماعية‪.4‬‬
‫ويبدو أن هذا الفصل قد تم ألجل أغراض تحليلية فقط‪ ،‬ألن التقرير في مـجمله قد أقر بوجود صلة‬
‫وتداخل كبيرين بـين هـذه األبعاد‪ ،‬مثلما ي ـؤيده الواقع؛ فلو عـدنا بالنظر إلى واقـع الـحياة لوجدنا أن أغـلب‬
‫القضايا أو المسائل األمنية تنطوي على مزيج من عدة أبعاد أمنية‪ ،‬ال يمكن ألي منها منفردة أن تعبر‬
‫بشكل كاف عن المسألة األمنية‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪The United Nations Trust fund of human security: « Human security in theory and practice: Application of‬‬
‫‪the human security concept and the United Nations Trust fund for human security», Op Cit, p 01 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Shena Salim: «L’orientalisme latent de l’école de copenhague la sécurité sociétale appliquée au cas‬‬
‫‪français», Op Cit, p 17 .‬‬
‫‪ 3‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪ « :‬تقرير أبعاد جديدة لألمن اإلنساني »‪ ،‬نيويورك‪ ،0778 ،‬ص ص ‪. 81-88‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Branka Panic: «Societal security: Security and identity», In «Carl Schmitt and Copenhagen school‬‬
‫‪security studies», Journal of the Belgrade school of security studies, Year 4, No.13, April-June, 2009, p31 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ibid.‬‬

‫‪31‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫ولع ّل مرد التشابك الوطيد بين جميع هذه األبعاد‪ ،‬هو اإلرتباط الوثيق الذي يجمع الـحقوق المدنية‬
‫والسياسية بالـحقوق اإلجتماعية واإلقتصادية والثقافية‪ ،‬بشكل ُيولِّد بينها عالقة تبادلية نف ـعية ‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫للحد الذي‬
‫عرف من خالل التفاعالت الشاملة لـمجموع الـحقوق األخرى‪ ،‬في ظـل كيان قانـوني‬ ‫حق ُي ّ‬
‫ي ـصبح م ـعها كل ّ‬
‫مـتناسق‪ ،‬م ـتكامل وغير قابـل للفصل‪2‬؛ نـظ ار لكون جـمـيع حـقوق اإلنـسان سـواء كانت مـدنـية‪ ،‬سـياسـية‪،‬‬
‫اقـتـصاديـة‪ ،‬اجـتمـاعـية‪ ،‬ثـقافـيـة‪ ،‬هي حقوق أصلـيـة منبعها كرامـة اإلنسان‪ ،‬ومـن ثـم فهي تقف جميعا على‬
‫‪3‬‬
‫أي‬
‫أمر شـبه مستحيل ‪ ،‬وبالتالي فإن ّ‬
‫نـفـس الـمكانة كحـقوق‪ ،‬مـا يـجـعل من تدري ـجها على سلم هـرمـي ا‬
‫أي تـهديد يكون عرضة له‪ ،‬سيكون من الـمرجح‬
‫قصـور قـد يطـال شـروط تـحـقيق بـعد مـن األبـعاد‪ ،‬أو ّ‬
‫انتقاله بسهولة إلى باقي األبعاد األخرى‪.‬‬
‫لهذا سنحاول من خالل هذا المطلب اإلضاءة على مكامن الترابط الموجود بين منظور األمن المجتمعي‬
‫وباقي األبعاد األخرى لألمن اإلنساني والممثلة أساسا في‪ :‬األمن السياسي؛ الشخصي؛ واإلقتصادي؛‬
‫وأيضا تبيان مدى التأثير المتبادل الذي يجمع بينهم‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬صلة األمن المجتمعي باألمن السياسي‬


‫على اعتبار أن األمن السياسي بما يعنيه من وجود نظام سياسي قائم على بناء ديـمقراطي‬
‫مشاركاتي‪ ،‬ملغي لكافة شروط التعسف‪ ،‬القهر‪ ،‬الخوف‪ ،‬القمع والتسلط‪ ،‬بـما يضمن اإلحترام الكلي لحاجة‬
‫المواطنين لتمكينهم من جـميع حقوقهم اإلنسانية األساسي ة‪ ، 4‬هو مرتبط أساسا بأداء هياكل الدولة‬
‫السياسية‪ ،‬فإنه يشكل بـحق الـمدخل األساسي للتأثير اإليـجابي أو السلبي على باقي األبعاد األخرى لألمن‬
‫اإلنساني‪ ،‬وفي مقدمتها األمن الـمـجتمعي؛ فالـدولة ومـن خالل تـحكمها في أداء هياكلها السياسية‪ ،‬يـمكنها‬
‫أن تؤثـر بسهولة على أداء وعمل باقـي هياكلها األخرى‪.5‬‬
‫من هـنا‪ ،‬نـجد أن األمن الـمجتمعي وكغيـره من األبعاد األمنية األخرى‪ ،‬ولو أنه من ِّ‬
‫أشدها ارتباطا‬
‫باألمن السياسي‪ ،‬يستند في أساسه (جوهره) إلى وجود أمن سياسي فعال قادر على اإلستجابة لـمطالب‬
‫المواطنين‪ ،‬بجعله من حقوق الـمواطنة أساسا عمليا لبناء دولة منطقية تقوم على حقوق اإلنسان‪ ،‬الـمشاركة‬

‫جاك دونللي‪ :‬ترجمة‪ ،‬مبارك علي عثمان‪« :‬حقوق اإلنسان العالمية بين النظرية والتطبيق»‪ ،‬المكتبة األكاديمية‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،0779‬ص ‪.50‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Jean. P Pace: « Le développement de droit onusien des droits de l’homme et ses mécanismes de contrôle‬‬
‫‪et de surveillance», Revue international des sciences sociales, No. 158, Dec.1998, p571.‬‬
‫محمد يوسف علوان‪ :‬محمد خليل الموسى‪« :‬القانون الدولي لحقوق اإلنسان؛ المصادر ووسائل الرقابة»‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬عمان‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬اإلصدار األول‪ ،8115 ،‬ص ‪.008‬‬
‫‪ 4‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪ « :‬تقرير أبعاد جديدة لألمن اإلنساني »‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Barry Buzan: Ole Waever:Jaap de Wilde: «Security: A new framework for analysis», London: Lynne Renner‬‬
‫‪publisher, 1998, p 141.‬‬
‫‪32‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫السياسية‪ ،‬التـعددية‪ ،‬التداول والـمحاسبة الديـمقراطية التي تستوجب توافر آليات وميكانيزمات تضمن مراقبة‬
‫ومـحاسبة صانعي القرار على كافة المستويات‪.1‬‬
‫هذا ويصعب تصور وجود أمن سياسي وبالنتيجة استحالة بلوغ أمن مجتمعي مستقر في ظل‬
‫غياب منظومة سياسية إجتماعية تكون شرعية‪ ،‬ومـمثلة لكافة أطياف الـمجتمع بـمشاربه العرقية‪ ،‬اإلثنية‪،‬‬
‫اللغوية والدينية‪ ...‬وتحتكم في تنظيمها لعالقة الدولة بمواطنيها إلى مبدأ المساواة في الفرص بين الجميع‪،‬‬
‫ماسة بنظام حياته م‪ ، 2‬بـما يضمن نشوء عالقة صحية تربـط‬ ‫ومشاركتهم الـحرة في صنع الق اررات الـ ّ‬
‫المحكومين بالـحكام‪ ،‬يـكون عمـادها التفاعل اإلي ـجابي‪ ،‬الـمتبادل والبـناء‪ ،‬كنقط ـة انطـالق مـحـوريـة نـحـو‬
‫تـحقيـق الصالـح الع ـام الذي تتحقق في إطاره مصالـح األفراد والـجماعات بشكل أعم و أشـمل‪.3‬‬
‫خاصـة في ظـل رف ـض الـع ـديـد مـ ـن ال ـدول‪ ،‬إلص ـرار وتـ ـمس ـك ال ـط ـوائـ ـف والـمجاميع الصغي ـرة على‬
‫حقوقها الـمشروعة‪ ،‬في التمثيل والـمشاركة في مؤسسات الدولة وتـقاسم السلطة‪ ،‬وهو ما يعـد عامـال مهما‬
‫في إذكاء الصراعات والتوتـرات في الـمجتمعات المتنوعة ثقافيا‪.4‬‬
‫على خالف ذلك‪ ،‬فإن توافـر شروط تحقيق األمن السياسي من شأنه أن ِّ‬
‫يشكل قاعـدة صلبة‬
‫لإلنطالق نـحو بناء شروط تحقيق منظور األمن الـمجتمعي‪ ،‬على اعتباره يوفر لألفراد والـجماعات األدوات‬
‫الضرورية التي تُـ ِّ‬
‫مكنهم من السعي بـخطى ثابتة وواثقة نحو بلوغ التمكين واإلنتفاع من منافع اإلنتماء‬
‫بدءا باستغالل مساحة الـحرية الـمكفولة في إطار نظام ديمقراطي حقيقي‪ ،‬مرو ار بتوظيف جـميع‬
‫الثقافي‪ً ،‬‬
‫الفواعل الناشطة في الـمجتمع‪ ،‬ووصوال إلى استغالل هياكل العدالة القائمة على الشفافية من أجل تـحقيق‬
‫متطلبات الـهوية الثقافية‪ ،‬ومواجهة كافة أشكـال اإلضطهاد‪ ،‬اإلقصاء‪ ،‬اإلستبعاد‪ ،‬السيطرة واإلحتواء‪ ،‬والتي‬
‫عادة ما تـمارسها الدول للتضييق على مـجال الحرية الثقافية‪ ،‬أو التي ترمي من خاللـها لطمس الهوية‬
‫الثقافية‪.‬‬
‫وبالنتيجة فتـح الباب واسع ـا أمام اإلحترام الحقيقي للتنوع الثقافي بجميع أشكاله‪ ،‬وهو ما تقتضيه التعددية‬
‫الدعامة األساسية لتعزيز التنوع الثقافي واألمن الـمجتمعي‬
‫الديـمقراطية الحقّة التي تشكل بجميع مقوماتـها ّ‬
‫السواء‪.5‬‬
‫على حد ّ‬

‫‪ 1‬لجنة أمن اإلنسان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬


‫‪2‬‬
‫عبد الوهاب الكيالي‪ « :‬موسوعة السياسة »‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مارس‬
‫‪ ،0771‬ص ‪.950‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد الرزاق مقري‪« :‬الحكم الصالح وآليات مكافحة الفساد»‪ ،‬مجلة البصيرة ‪ ،‬العدد العاشر‪ ،8118 ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪4‬‬
‫« إدارة التنوع في المجتمعات التعددية »‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪www.asharqalarabi.org.uk/markaz/t-02052012.doc‬‬
‫‪ « 5‬التقرير النهائي للمؤتمر الحكومي للسياسات الثقافية من أجل التنمية »‪ :‬السويد‪ 11 ،‬مارس‪ 18 -‬أفريل ‪.0779‬‬

‫‪33‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫لذلك‪ ،‬فأي حديث عن اإلختـالف يـتوجب أن يتجه بنا مباشرة إلى عمـق الديـمقراطية؛ كون النظام‬
‫الديـمقراطي يسلم باإلختالف ويشرع له‪ ،‬ينظمه ويبني عليه‪ ،‬وبالتالي فهو يسلم بالتعددية بصورها‬
‫الـمختلفة‪ ،‬أين تنبني عليها وفاقات عامة وتوازنات متجددة‪ ،‬وآليات للمشاركة وتداول للسلطة والـمنافع‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬يتوجب على الدولة الديـمقراطية الـحقة‪ ،‬أن تعيد النظر في أجندتـها‪ ،‬وبرامـجها الـهادفة لتلبية‬
‫وهيكلية الحكم‪ ،‬من‬
‫ّ‬ ‫واستيعاب احتياجات ومطالب المجاميع اإلثنية المختلفة‪ ،‬في ترتيبات تقاسم السلطة‬
‫خالل تجاوز أنموذج الهيمنة المركزية في إدارة التنوع الثقافي‪.1‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬فإن احترام التنوع واالختالف الـمبني على أسس التعايش في ظل مبادئ الحوار‪،‬‬
‫التسامح واحترام اآلخر‪ ،‬م ـن شأن ـه أن ُيع ـ ِّمق أس ـس الديـمقراطية في البـل ـدان الـمتـنوعة ثـقافـيا‪ ،‬ألن‬
‫اإلخـتـالف والتـن ـوع في الـمـفـهـوم الديـمقراطي ليس تفتيتا وال تـجزئة‪ ،‬بل هو بديل عن كل استبداد مغلّف‬
‫بغالف "الوحدة" أين تكون هذه األخيرة مجرد تغطية لإلنفراد بالسلطة‪.2‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فالـحق في اإلختالف الذي يوزع القوى إلى جبهات سياسية متقاطبة‪ ،‬ويأخذ خياراتـها‬
‫أحيانا إلى حدود التعارض التام برنامـجيا‪ ،‬يتوقف عند عتبة ال يبرحها أو يتخطاها‪ ،‬وهي التسليم بالنظام‬
‫الديـمقراطي كنقطة إجماع ال يـمكن اإلنقسام عليها واال تعرض النظام السياسي العام للتهديد‪.‬‬
‫وكما تعترف الديـمقراطية بالـحق في اإلختالف وحرية الرأي والـمنافسة‪ ،‬فإنـها تفرض على الـجميع‬
‫التمسك بـمبادئ وقواعد غير قابلة لإلنتهاك‪ ،‬كالدستور والحرية والنظام الـمدني‪...‬ألنـها عنوان اإلجـماع‬
‫السياسي الذي من دونه ال وجود للسياسة‪ ،‬أو في غيابه تتحول السياسة إلى منافسة تتوسل بالعنف وقواعد‬
‫اإلقصاء واإلنكار‪ ،3‬ما يعني أن وجود سلبيات ومزالق للتعددية على مستوى التعبير المؤسسي الديمقراطي‪،‬‬
‫صحح بالديمقراطية وليس بإلغائها‪.4‬‬
‫ال يمحي إيماننا العميق بكون عيوب الديمقراطية تُ ّ‬

‫‪1‬‬
‫«إدارة التنوع في المجتمعات التعددية»‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪www.asharqalarabi.org.uk/markaz/t-02052012.doc‬‬
‫‪ 2‬علي أومليل‪ « :‬في شرعية اإلختلف»‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،0771 ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪ 3‬عبد اإلله بلقيز‪« :‬الدولة والمجتمع جدليات التوحيد واإلنقسام في اإلجتماع العربي المعاصر»‪ ،‬لبنان‪ :‬الشبكة العربية لألبـحاث‬
‫والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،8119 ،‬ص ص ‪.089-089‬‬
‫‪4‬‬
‫علي أومليل‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.01‬‬

‫‪34‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الفرع الثاني‪ :‬صلة األمن المجتمعي باألمن الشخصي‬


‫يظهر األمن الشخصي كأهم بعد ضامن للحماية المادية للفرد؛ الرتباطه الوطيد بأحد أهم الحقوق‬
‫اإلنسانية وهو "الحق في الحياة"‪ ،‬مثلما تم التنصيص عليه في اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة‬
‫‪ ، 0789‬والمادة ‪ 17‬من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة ‪.0711‬‬
‫وال يتسنى فهم الـمعنى الكامل لألمن الشخصي إالّ مـن خالل اإلدراك الصحيح لـحـرمـة حـياة‬
‫اإلنسان‪ًّ ،‬أيـا كان جنسه‪ ،‬دينه‪ ،‬لونه‪ ،‬جنسيته‪ ،‬عرقه أو إثنيتة‪ ،‬وضع ـه اإلجتماعي أو اإلقتصادي‪ ...‬ألنه‬
‫مـحور النقاش الرئيسي والهدف المنشود لألمن اإلنساني من جهة أولى‪ ،1‬وأيضا ُلوجوب استحقاق الكرامة‬
‫اإلنسانية في جميع الظروف من جهة ثانية‪.‬‬
‫من هذا المنطلق‪ ،‬يمكن تعريف األمن الشخصي بأنه حالة من التمكين الحقيقي لـجميع األفراد من‬
‫الـمحافظة على حياتـهم في ظل بيئة خالية من جـميع أشكال العنف‪ ،‬سواء كان جـماعي (موجه من قبل‬
‫وجه من ذات اإلنسان نفسها)‪.2‬‬ ‫األفراد الجماعات الدولة) أو ذاتي ( ُم َّ‬
‫من خالل هذا التعريف‪ ،‬يظهر أن الـ ُم ِّ‬
‫هدد المباشر والرئيسي لألمن الشخصي يتجسد في م ـا يسمى‬
‫ب ـ ـ "العنف"‪ ،‬الذي يقصد به حسب منظمة الصحة العالـمية "اإلستعمال الـمتعمد للقوة الفيزيائية (الـمادية) أو‬
‫القدرة‪ ،‬س ـواء بالتهديد أو اإلستعمال الـمادي الـحقيقي ضد الذات‪ ،‬أو ضد شخص آخر‪ ،‬أو ضد مـجموعة‬
‫أو مـجتمع‪ ،‬بـحيث يؤدي إلى حدوث (أو احتمال حدوث) إصابة أو موت أو إصابة نفسية أو سوء النـماء‬
‫أو الـحرمـان"‪ ،‬ودائ ـما مـا يشكل العنف جزءا كبي ار من معاناة الناس‪ ،‬إذ يفقد أكثر من مليون شخص‬
‫حياتـهم كل عام بسببه‪ ،‬كمـا يعاني عدد أكبر من ذلك بكثير من إصابات مـميتـة نتيجة له‪ ،‬سواء كان عنفا‬
‫وجهًا للذات أو عنف بين األشخاص أو عنف جـماعي‪. 3‬‬
‫ُم َّ‬
‫فـي هذا الصدد تكشف بيانات منظمة الصحة العالمية أن حوالي ‪ 0,1‬مليون شخص قد ماتوا سنة‬
‫‪ 8111‬نتيجة للعنف الموجه للذات والعنف بين األشخاص أو العنف الـجماعي‪ ،‬والغالبية العظمى من هذه‬
‫الوفيات قد وقعت في الدول ذات الـمدخول ما بين الـمنخفض إلى الـمتوسط‪ ،‬في حين يقع أقل من ‪٪01‬‬
‫من الوفيات المرتبطة بالعنف في الدول ذات الـمدخول الـمرتفع‪ ،‬وفي سنة ‪ 8111‬دائما بلغ معدل وفيات‬
‫العنف في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط ‪ 18,0‬لكل ‪ 011111‬من السكان‪ ،‬وهو رقم يتجاوز‬
‫ضعف المعدل المسجل بالدول المرتفعة الدخل والبالغ ‪ 08,8‬لكل ‪ 011111‬شخص‪.4‬‬
‫أمــا بالنسبة إلجمالي الوفيات المرتبطة بالعنف المبلغ عنها في سنة ‪ 8115‬فقد بلغت نسبة الوفيات في‬
‫البلدان ذات الدخل المنخفض ‪ ،٪ 85‬وفي البلدان ذات الدخل المتوسط ‪ ، ٪ 19‬في حين أن أقل من‬

‫‪1‬‬
‫ماجدة عدلي‪« :‬الحق في السلمة الجسدية»‪ ،‬القاهرة ‪ :‬مركز القاهرة لدراسة حقوق اإلنسان‪ ،8119 ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪2‬‬
‫إسماعيل الشطي‪« :‬الفساد والحكم الصالح في البلد العربية»‪ ،‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،8118 ،‬ص ‪.011‬‬
‫‪ 3‬منظمة الصحة العالمية‪ « :‬التقرير العالمي حول العنف والصحة »‪ ،‬جنيف‪ ،8118 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪4‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.00-01‬‬
‫‪35‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫‪ ٪ 01‬من كل الوفيات الـمرتبطة بالعنف تقع في البلدان ذات الدخل المرتفع‪ .‬وقد لوحظ بأن الوفيات‬
‫الناجـمة عن العنف الـجماعي على وجه الخصوص‪ ،‬تكون متركزة في البلدان ذات الدخل الـمنخفض؛‬
‫حيث استأثرت هذه األخيرة في سنة ‪ 8115‬بنحو ‪ ٪ 99‬من كل الوفيات الناتـجة عن العنف الـجماعي في‬
‫‪1‬‬
‫تلك السنة‪.‬‬
‫هذا وتقف عوامل عديدة ومتنوعة وراء خل ـق الظروف الـمساعدة على نشـأة العـنف داخل‬
‫الـمجتمعات‪ ،‬من بينها‪ :‬التغيرات الديـمغرافية السريعة والـمصاحبة ألزمات اقتصادية واتّساع للتفاوت‬
‫اإلجتماعي واإلقتصادي‪ ،‬فقدان التعامل الديـمقراطي‪ ،‬عدم اإلستقرار السياسي‪ ،‬اإلختالف الشديد في البيئة‬
‫اإلثنية بين الـمجموعة الـحاكمة والمجموع العام للسكان‪ ...‬وهي جـميعا تلعب دو ار في بروز حركيات أو‬
‫مشعرات تضع الدول تـحت خطر اإلنـهيار والصراعات الداخلية‪ ،‬مثلما يوضحه الجدول التالي أدناه‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫إليزابيث سكونز‪ « :‬تحليل المخاطر على حياة البشر »‪ ،‬الكتاب السنوي "سيبري"؛ التسلح ونزع السالح واألمن الدولي‪ ،‬لبنان‪ :‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،8119 ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪2‬‬
‫منظمة الصحة العالمية‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.881‬‬

‫‪36‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫جدول رقم ‪ :10‬مشعرات تضع الدول تحت خطر اإلنهيار والصراعات‬

‫العـلمـــات‬ ‫المشــعرات‬

‫• اتساع التفاوت اإلجتماعي واإلقتصادي‪ -‬خاصة فيما بين المجموعات‬


‫التــفاوت‬
‫أكثر من أن تكون ضمن تلك المجموعات ‪.‬‬
‫• المعدالت العالية من معدالت وفيات الرضع ‪.‬‬
‫• تغيرات البنية السكانية بما فيها حركات الالجئين على نطاق واسع ‪.‬‬
‫• اتساع الكثافات السكانية العالية ‪.‬‬
‫• المستويات العالية من البطالة خاصة بين األعداد الكبيرة من الشباب‪.‬‬ ‫التغيرات السريعة في الخصائص الديمغرافية‬
‫• عدم كفاية الطعام والماء المـأمون ‪.‬‬
‫• النزاعات على المقاطعات أو الموارد البيئية التي تطالب بها المجموعات‬
‫اإلثنية المختلفة ‪.‬‬
‫• إنتهاكـات حقوق اإلنسان ‪.‬‬
‫• السلوك اإلجرامي الذي تمارسه الدولة‪.‬‬ ‫فقدان التعام ــل الديمقراطي‬
‫• الحكومـات الفاسدة‪.‬‬
‫• الثغرات السريعة في األنظمة ‪.‬‬ ‫عــدم اإلستقرار السياسي‬
‫• ممارسة القوة السياسية واإلقتصادية وتطبيقها بشكل مختلف بحسب الهوية‬
‫البيئة اإلثنية للمجموعة الحاكمة التي تختلف‬
‫اإلثنية أو الدينية ‪.‬‬
‫بشدة عن المجموع السكاني العـام‬
‫• احتـقار وانتهاك قدسية الرموز اإلثنية أو الدينية ‪.‬‬
‫• تدن مهم في مدى وفعالية الشبكات المصممة للسالمة اإلجتماعية لتأمين‬
‫تدني مستوى الخدمات العمومية‬
‫أدنى حد ممكن من الخدمات وفق المعايير الدوليـة ‪.‬‬
‫• تطور إقتصادي متفاوت ‪.‬‬
‫• التفاوت الكبير في المكاسب أو الخسارة بين الفئات السكانية المختلفة أو‬
‫بين المناطق الجغرافية مما يؤدي إلى تغييرات إقتصادية كبيرة ‪.‬‬ ‫هـبوط إقتصادي شديد‬
‫• اإلنتقال اإلقتصادي الجماعي الهائل أو الخسارة الكبيرة خالل فترة‬
‫قصيرة ‪.‬‬
‫• استمرار دورات من العنف بين الفئات المتنافسة‪.‬‬ ‫دورات من اإلنتقام بالعنف‬

‫المصدر‪( :‬إليزابيث سكونز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪).197‬‬

‫‪37‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫لكن ما سنحاول تبيانه والتركيز عليه هنا‪ ،‬هو كيفية تأثير قضايا األمن الـمجتمعي على األمن‬
‫أن اإلخفاق في تكريس شروط األمن الـمجتمعي‪ ،‬قد يؤدي إلى تطور التهديدات‬ ‫خاصة و ّ‬
‫ّ‬ ‫الشخصي لألفراد‪،‬‬
‫الناشئة على مستوى هذا البعد إلى درجات خطيرة قد تطال في أحيان كثيرة السالمة الـمادية لألفراد‪ .‬وذلك‬
‫من خالل البحث في الع ـنف الناتـج عن الـمعضلة األمنية الـمجتمعية‪ ،‬والتي ِّ‬
‫تشكل مـدخال أساسيا للـعديد‬
‫مـن الـمواجهات العـنيـفة والقائمة على أسس عرقية أو إثنية‪ ،‬وكذلك العنف الـمـوجه مـن الدولة لألفراد والذي‬
‫يـكون لـه حوامل مـتعلـقة بـقضـايا األمن الـمجتمعي‪.‬‬
‫‪ -0‬العنف الموجه من الدولة إلى األفراد‬
‫تستمد قضايا األمن الـمجتمعي أهـميتها من حقيقة أن الوحدات المجتمعية واألمم ال تكون متطابقة‬
‫في كثير من األحيان‪ ،‬كما أن حدود الدول واألمم ليست متماهية بالضرورة‪ ،‬ما ي ـثي ـر احتماالت عدة لوقوع‬
‫صدامات عنيفة؛ فـع ـندما ت ـقف الدولة عاجزة عن تمثيل مصالـح كل فصائلها الـمجتمعية سيكون عليها أن‬
‫تواجه الـجماعات المستبعدة التي ترى في ذلك تهديدا لـهويتها‪ ،‬خاصة إذا ما اعتبرت أن مطالب هذه‬
‫الـجماعات الـمستبعدة بزيادة أمنها المجتمعي‪ ،‬سببا النعدام األمن بالنسبة إليها‪.‬‬
‫وبالتالي تظهر بوضوح التهديدات الماسة بالسالمة المادية لألفراد‪ ،‬عندما تكون هناك مجموعات‬
‫تتميز بالخصوصية أو اإلنفصالية عن هوية الدولة‪ ،‬ويكون هناك محاولة من هذه األخيرة لتوسيع دوائر‬
‫هويتها لتشمل تلك المجموعات‪ ،1‬فتبدأ بالمحصلة "المنافسة الرأسية" من قبل الدولة‪ ،‬التي تلجأ إلى تبني‬
‫استراتيجيات قائمة على سياسة الصهر واإلدماج‪ ،‬والتي عادة ما تكون مصحوبة بمخاطر وتكلفة بشرية‬
‫باهضة‪.‬‬
‫خاصة و ّأنه في أسوأ الحاالت ّأدت مـحاوالت إنشاء دولة "نقية" عرقيا أو دينيا من خالل عملية الصهر‬
‫القسري إلى وقوع اعتداءات إبادية فظيعة‪ .‬وفي الغالب ما يشكل هذا جزءا مألوفا من المشهد السياسي‬
‫للكثير من الدول‪ ،2‬خاصة منها الدول الفاشلة والضعيفة المفتقدة للكفاءة‪ ،‬والتي تنتشر فيها مختلف أنواع‬
‫الجرائم التي تتضرر من آثارها الدول الـمجاورة‪.‬‬
‫وقد خلصت لـجنة كارنيجي لـمنع النزاعات المسلحة‪ ،‬إلى أن الـمـحاوالت الكـثيـرة التي بذلت في‬
‫القرن العشرين لقمـع اإلختالفات اإلثنية أو الثقافية أو الدينية قــد أدت إلى سـفك العــديد مـن الدمــاء‪ ،‬في‬
‫الوقت الذي ساعد فيه اس ـتيعاب الت ـنوع داخل األشكال الدسـتوري ـة الـمناس ـبة‪ ،‬على الـحيلــولة دون وقــوع‬
‫الـمزيــد مــن الن ـ ازعـات والضحايا‪.‬‬
‫كما خلصت البحوث التي أجراها مكت ـب م ـنع األزمات والت ـعافي م ـنها التابع لبرنامج األمم الـمتحدة‬
‫اإلنـمائي‪ ،‬إلى وجود عالقة طردية بيـن احتمال ح ـدوث الن ـزاع ـات وع ـدم الـمساواة بـيـن الفـئات‪ ،‬في حـيـن‬

‫‪1‬‬
‫‪Barry Buzan: Ole Waever and Jaap de Wilde: Op Cit, p110.‬‬
‫‪ 2‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬نيويورك‪ ،8118 ،‬ص ‪.89‬‬

‫‪38‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫رص ـد مـ ـشـ ـروع األقـليات الـمـعرضـة للخط ـر في جامـعـة مـيـريـالند‪ ،‬مجموعة م ـؤش ـرات للتم ـييز السياسي‬
‫واإلقصاء الثقافي واإلقتصادي واإلضطهاد في ‪ 891‬أقلية في جـميع أنـحاء العالـم‪ ،‬ووجد ارتباطا كبيـار بيـن‬
‫التعرض للحرمان من الحقوق وحدوث الن ـزاع‪ ،‬كما خـلصــت دراس ـات عـدي ـدة إلى وجـود عالقة بيـن‬
‫ـحدد ذو ارتــباط بإهـانــة هــويــة‬
‫التحوالت السياسية وتصاعد حاالت النـزاعات‪ ،‬أو وج ـود س ـب ـب رم ـزي م ّ‬
‫مـجتمـع مـحلي ما؛ م ـثل حـرمـان األقليات م ـن اس ـتخدام لغتهم األم‪.1‬‬
‫‪ -0‬العنف الناتج عن المعضلة األمنية المجتمعية‬
‫يستمد الخطر الرئيسي لألمن المجتمعي من ما يعرف بـ ـ "معضلة األمن المجتمـعي"‪ ،‬والتي تتجسد‬
‫في واقع مفاده أن "أمن مجموعة واحدة هو فترة انعدام أمن اآلخرين"‪ ،‬وبالتالي فكل فري ـق ي ـع ـتقد أن‬
‫رفاهيته م ـش ـروطة بوجـود عـيوب في الـمجتمعات األخرى‪ .‬والعكس بالعكس‪ ،‬فإن رفاه الفـئات األخرى يـمـثل‬
‫مسـاوىء للمجـمـوعـة نفسها‪ .2‬وال يقتصر الوضع على ما هو عليه‪ ،‬بل تؤمن كل مـجموعة بتفوق ثقافتها‬
‫بناء على هذا اإلعتقاد بفرض إيديولوجيتها على المجموعات‬
‫وقيمها وترفض اآلخرين كافة‪ ،‬كما تعمل ً‬
‫األخرى‪ ،‬وقد تلجأ من أجل تـحقيق ذلك إلى استعمال العنف المادي المنبه للعديد من الصراعات ‪.3‬‬
‫بسبب هذه الـمعضلة األمنية الـمجتمعية‪ ،‬وجد أن الصراعات التي تنشأ من قضايا األمن‬
‫المجتمعي يـ مكن أن تتخذ أشكاال عنيفة على نحو استثنائي‪ ،‬فعلى أرض الواقع يمكن أن تتكثف هذه‬
‫للحد الذي يصبح معه الـهدف من الصراع هو القضاء على الوجود المجتمعي للطرف‬
‫الـمعضلة األمنية ّ‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫وقد لوحظ هذا األمر فعليا في العديد مـن الصراعات الطائفية؛ التي كثي ار مـا تجلّت مظاهرها في مـمارسات‬
‫التطهير العرقي واإلبادة الـجماعية‪ ،‬اللّتـان تستهدفان بشكل رئيسي است ـبعـاد مـجموعة عـرقيـة من م ـنطقة‬
‫مـحددة بـجميع الوسائل الـمتاحة‪ ،‬وفي مقدمتها‪ :‬القتل‪ ،‬التشريد‪ ،‬الترهيب‪ ،‬تـهجير السكان‪ ...‬وفي جميع هذه‬
‫الحاالت يـختفي تـماما التمييز بيـن الـمقاتليـن وغي ـرهم م ـن الـمدنييـن العـ ـزل‪ ،‬اللّذي ـن يت ـعرضون للقتل‬
‫والتصفية على أس ـاس انتماءاتـهم اإلجتماعية والـهوياتية‪.‬‬
‫واألخطر مـن ذلك يصبح األطفال والنسـاء والشباب هم األهداف الـمفضلة لـهذا النوع م ـن العنف‪،‬‬
‫باعتبارهم يـُمثِّلون بذور استمرار األجيال والـمجتمعات‪ ،‬وهو ما يؤكد بأن الفرد هو الـمحاصر األساسي‬
‫آثار ع ـميقة تمس سالمتة وأمنه بالدرجة األولى‪.4‬‬ ‫بـ ِّ‬
‫مهددات األمن الـمجتمعي‪ ،‬التي دائما ما تترك ا‬

‫« تقرير الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان‪ ،‬المدنية والسياسية‬ ‫‪1‬‬

‫واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في التنمية »‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.01-05‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Paul Roe: Op Cit, p54.‬‬
‫‪ 3‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪ « :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع »‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.95‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Paul Roe: Op Cit, p54.‬‬

‫‪39‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫من هنا‪ ،‬يمكن القول أن حـماية األفراد من مـختلف صور العنف الـمادي الناتج عن مهددات‬
‫األمن الـمجتمعي تتوقف فعليا على تـحقيق هذا األخير‪ ،‬من خالل منح مساحة أكبر لصوت الهويات‬
‫الثقافية‪ ،‬وايـجاد حلول للتعايش السلمي وقبول اإلخـتالف في ظ ـل ب ـيئة ديـمقراطية ُمـشـ ِّددة على أه ـمية‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬ث ـقافـة الـحـوار‪ ،‬مرك ـزية السالم‪ ،‬وحقوق المواطنة‪ ،1‬أين يتاح في ظلّها الحفاظ على ذاتية‬
‫الجماعات وهويتها‪ ،‬في مواجهة كل مـحاوالت اإلحتواء والهيمنة على الشخصية من الخارج أو من طرف‬
‫مجموعات أخرى‪.2‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬صلة األمن المجتمعي باألمن اإلقتصادي‬


‫ُي ِّ‬
‫شكل األمن اإلقتصادي بع ـدا أساسيا وضروريـا لتحقيـق األمـن اإلنساني بـمفهومه الشامل‬
‫والـمتكامل‪ ،‬كمـا يعتبر شرطا أساسيا للتحرر من الحاجة التي تشكل إلى جانب التحرر من الخوف عماد‬
‫اسا على البعد اإلنساني‪ ،‬بيد أن تحقيقه يتطلب أكثر من مجرد تأمين دخل‬
‫أس ً‬
‫األمن بمنظوره الجديد القائم َ‬
‫ثابت للفرد؛ سواء عن طريق عمل منتج ومدفوع األجر‪ ،‬أو عبر شبكة عامة وآمنة‪.3‬‬
‫وفي الحقيقة تمتد المعاناة اإلقتصادية لتطال جوانب متعلقة بـحياة األفراد اإلجتماعية‪ ،‬الصحية‪،‬‬
‫السياسية وحتى المجتمعية؛ إذ تحجم الفئات المهمشة ماديا واجتماعيا والتي تعيش دون التمتع بـحرية‬
‫العمل واإلختيار والـمفتقرة إلى المأوى والغذاء والتعليم والرعاية الصحية‪ ،‬عن خوض غمار معترك الحياة‬
‫السياسية‪ ،‬إما إلحساسهم العميق وايمانهم بأنهم ال يملكون القدرة في التأثير على الق اررات الهامة التي تؤثر‬
‫في حياتهم‪ ،‬أو ألن هذه الفئات ال تجد غالبا الوقت الالزم للنشاط السياسي والمشاركة في تنظيمات‬
‫المجتمع المدني‪ ،‬بل تقضي وقتها إلشباع حاجاتها األساسية‪ ،‬فتحرم تبعا لذلك من مباشرة وممارسة‬
‫حقوقه ا المدنية والسياسية بشكل منتظم وفعال‪ ،‬ولهذا يعتبر انعدام المشاركة في صنع الق اررات في الحياة‬
‫المدنية والسياسية واإلجتماعية أحد المظاهر الخفية لالّ أمن اإلقتصادي‪.4‬‬
‫زيادة على ذلك‪ ،‬يـجتاح الناس الغير آمنون اقتصاديا وخاصة الفقراء منهم‪ ،‬حالة من الـخوف‬
‫الـمستمر م ـن المستقبل على ضوء فقدانهم األمل في الحياة‪ ،‬بحكم معاناتهم الـمتعلقة بالسكن وسوء‬
‫األمية وأيضا النعدام ثقتهم بأنفسهم‪ ،‬مـما يترتب عنه نتائـج خطيرة‬
‫ّ‬ ‫الخدمات الصحية والتعليمية وتفشي‬
‫على الـمستوى الـمجتمعي؛ كانتشار اإلسـاءة واإلحبـاط والـخيـبـة وروح اإلحتقار نتيـجة لإلحسـاس العميق‬
‫بالظ ـلم والتـهـميش واإلقـصاء‪ ،‬األم ـر الذي ي ـولـد ضغوطات على مـستـوى العالقات اإلنسانية داخل الـمجتمع‬

‫‪1‬‬
‫‪» Security, identity and terrorism«,‬‬
‫‪http://www.OFes_press.De/pdf/Hague/Hoogensen_security20%and20%terrorism.pdf .‬‬
‫‪ 2‬محمد موسى أحمد‪« :‬اإلعلم واألمن الشامل»‪ ،‬مجلة األمن والحياة‪ ،‬العدد ‪ ،877‬أفريل ‪ ،8119‬ص ‪. 88‬‬
‫‪ 3‬برنامج األمم المتحدة اإلنـمائي والصندوق العربي لإلنـماء اإلقتصادي واإلجتماعي‪« :‬تقرير تحديات أمن اإلنسان في البلدان‬
‫العربية»‪ ،‬نيويورك‪ ،8117 ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪4‬‬
‫البنك الدولي‪ « :‬تقرير التنمية في العالم‪ ،‬شن الهجوم على الفقر »‪ ،‬لعام ‪ ،8110-8111‬واشنطن‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪40‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الواحد‪ ،‬قد تص ـل إلى حـد التسـبـب في فـقـدان الفقراء ألصولهم اإلجتماعية والسياسية‪ ،‬ما ق ـد يشكل دافـعا‬
‫خطي ار لـهم للدخول في دوامـة من الص ـراع اإلجتماعي والع ـنف‪ ،‬في سبيل بـحثهم عن سبل العيش وعن‬
‫الـموارد والفرص‪.1‬‬
‫وكمـثال على ذلك األزمة الغذائية التي ضربـت إفريقيا عام ‪ ،8119‬التي كان لها تأثيـ ار كبيـ ار على‬
‫فـئات السكان الضعيفة والـمستضعفة‪ ،‬وخاصـة تـلك التي كانت تـعاني مـن ويـالت الف ـقر‪ ،‬حيث اجـتاحت‬
‫مظ ـاهرات عارمـة العديد من دول القارة‪ ،‬مـن بينها‪ :‬بنين‪ ،‬بوركينافاسو‪ ،‬الكاميرون‪ ،‬ساحل العاج‪ ،‬جمهورية‬
‫غينيا‪ ،‬مالي‪ ،‬موزنبيق‪ ،‬السنغال‪ ،‬الصومال وزمبابوي‪ ،‬على خلفية تدهـور األحوال اإلجتماعية واإلقـتصادية‬
‫واإلرتفاع الشديد في تكاليف الـعـيش‪.‬‬
‫وقـد صاحب بع ـض هذه المظاهرات موجات عنف قوية‪ ،‬تسببت في إتالف وتخريب العديد من الممتلكات‬
‫العامة والخاصة‪ ،‬إلى جانب وفـاة أعداد كبيرة مـن الناس‪ ،‬الذيـن كانوا يطالبون بـحقهم في مستـوى معيشي‬
‫الئـق‪ ،‬يـحفظ لهم كرامتهم وحقوقهم األساسية وعلى رأسهم "حقهم في الطعام"‪ ،‬وذلك نتيجة للجوء السلطات‬
‫داخل هذه الدول إلى استعمال القوة الـمفرطة أثناء قمعها لـهذه التظاهرات‪.‬‬
‫وفي الكاميرون على وجه التحديد‪ ،‬توفي ما يزيد عن ‪ 011‬شخص على يد السلطات في الدولة‪ ،‬أثناء‬
‫قمعها وتفرقتها لمظاهرات عنيفة جابت العديد من الـمدن الكاميرونية احتجاجا على ارتفاع تكاليف المعيشة‬
‫وانخفاض معدل األجور‪.2‬‬
‫في هـذا الخصوص‪ ،‬يشيـر أغلـب الباحثيـن إلى أن أعمال اإلرهـاب والعنف والشغ ـب التي تـجتاح‬
‫العديد م ـن المجتمعات اليوم‪ ،‬ترجع مقوماتها وجذورها األساسية بالدرجة األولى إلى عوامل إقتصادية على‬
‫اختالف أنواعها‪ :‬كالفقر‪ ،‬الحرمان‪ ،‬البطالة‪ ،‬ارتفاع األسعار‪ ،‬وغالء المعيـشة المصاحب النخفاض‬
‫األجور‪.‬‬
‫وتدفع هذه العوامل بالفقراء والمحتاجين الـمتنصلين مـن قيمهـم األخالقية والدينية‪ ،‬والـمفتقرين للتـنش ـئة‬
‫اإلجتماعية الـحصينة‪ ،‬إلى ارتكاب أعمال الع ـنف والـممارسات اإلرهابية‪ ،‬واثارة الـحروب والنزاعات‬
‫الداخلية‪ ،‬تنفي ـسا منهم عن غضبهم وسخطهم على الـمجتمع الذي يرون فيه الـمسؤول األول عن معاناتـهم‪،‬‬
‫األمر الذي يشكل خط ار على الـمجتمع والدولة معا‪ ،‬وتعكي ار في الوقت ذاته ألمن األفراد وسالمتهم‬
‫الشخصية وكذلك أمنهم المجتمعي‪.3‬‬
‫أ ّمـا إذا مـا ترافق الالّ أمـن اإلقتصادي مـع حالة من الالّمساواة الـبارزة بيـن الـمجاميع والطوائف‬
‫سيشكل بال شك عامال مـحوريا في زعزعة استقرار العالقات اإلجتماعية‪ ،‬واذكاء التوترات‬ ‫ِّ‬ ‫واألقاليم‪ ،‬فإنه‬

‫‪1‬‬
‫البنك الدولي‪ « :‬تقرير التنمية في العالم‪ ،‬شن الهجوم على الفقر »‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫منظمة العفو الدولية‪ « :‬تقرير حول حالة حقوق اإلنسان في العالم »‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،8117 ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫إحسان مـحمد الـحسن‪« :‬علم اجتماع العنف واإلجرام‪ ،‬دراسة تحليلية في اإلرهاب والعنف السياسي واإلجتماعي»‪ ،‬دار وائل للنشر‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،8119 ،‬ص ص ‪.881-807‬‬
‫‪41‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫السياسية واإلثنية‪ ،‬خاصة إذا م ـا صاحب الالمـساواة القائمة على أسـس عرقيـة‪ ،‬إث ـنية أو إقليمية‪ ،‬صو ار‬
‫متسارعة من أشكال التمييز الـمجحف‪ ،‬الذي يـترافـق هـو اآلخـر مـع النـظـر إلى هـذه الـوضعـية بأنـها تعب ـير‬
‫عن احتكار للموارد والفرص ضمن المجتمع الواحد‪ ،‬وتعبير حقيقي وواضح عن سيطرة مـجموعة مـجتمعية‬
‫معينة على القدرات السياسية والعسكرية واإلقتصادية‪ ،‬على حساب باقي المجموعات الـمجتمعية المستسلمة‬
‫األخرى‪ ،‬األمر الذي سيؤدي إلى زيادة التذمر والالّ إستقرار بيـن هؤالء الذين يشعـرون بالتمييز والغبـن‬
‫ضمن الهيكل االقتصادي‪.‬‬
‫وهو ما ي ـؤدي ب ـدوره إلى تعميق الهوية والتضامن العرقيين‪ ،‬وكذا إن ـتاج ب ـيـئة خصبة لنمـو أشكال مـختلفة‬
‫من اإلنـحراف والتطرف واإلرهاب والع ـنف والتمرد والـمعارضة الجامـحة‪ ،‬التي قد ال تستهدف األمن‬
‫الشخصي والـمجتمعي لألفراد فقط‪ ،‬بل وحتى أمن الدولة واألمن اإلقليمي في نهاية المطاف‪.1‬‬
‫هذا التحليل ّأيدته الـمقاربة اإلقتصادية لتفسير النزاعات‪ ،‬التي تـمكنت من طرح فهم مشترك بين‬
‫اإلقتصاديين والسياسيين لتفسير النزاعات والـحروب الداخلية؛ إذ أرجعتها إلى الحرمان النسبي والظلم‬
‫المنتجين للعنف الداخلي المتصاعد والقابل لإلنتشار على المستويات اإلقليمية‪.‬‬
‫و إذا كان من الصعب تـحريك الـمجموعات الـمختلفة للقيام بأفـعال عنف ضد "اآلخر"‪ ،‬انطالقا من انعدام‬
‫الثقة الـمتبادلة التي يشكل اإلختلف الهـوياتي جوهرها‪ ،‬فإن توظيـف التفاوتات السياسية واإلقتصادية وفق ـا‬
‫للمنظور الماركسي‪ ،‬يـجعل من تـحريك الـمجموعات اإلثنية أم ار مـمكن الوقوع‪ ،‬في ظل توافر آليات‬
‫ومؤسسات تلهمهم وتشحنهم للقتال‪.2‬‬
‫وقد استعمل تصور الـحرمان النسبي ألول مـرة من طرف "تيد روبرت جير" (‪،)Ted Robert Gurr‬‬
‫الذي اعتبر التفاوت الـمطبق عبـر خطوط التجمعات اإلثنية والتقسيم اإلجتماعي‪ ،‬والشعور بالحرمان‬
‫النسبي مقارنة بالوضعية العامة السائدة‪ ،‬سبيال لتحريك كثير من الـحروب الداخلية في الوقت الراهن‪.3‬‬
‫أما في األدبيات الحاضرة حـول هـذا الـموضوع‪ ،‬فقد استعمل "فرانسيس ستيوارت" ( ‪Frances‬‬
‫‪ )Stewart‬تعبير "الل توازن األفقي"‪ ،‬ليصف به نشوء وضع متميز لمجموعة معينة من الناحية‬
‫اإلقتصادية‪ ،‬ووجود خلل في التوازن اإلقتصادي بينها وبين الـمجموعات األطراف الغير مستفيدة‪ ،‬ما يـدفع‬
‫هذه األخيرة إلى اتباع أساليب أخرى للتعبير عن التهميش الدفين الذي يطالها‪.4‬‬
‫من جهته يشير "تاج الدين مرشد" إلى العنف الذي ينشأ في شكل استقطاب إقتصادي (عدم التوازن في‬
‫الدخل) بتعبير "العنف الدوري"‪ ،‬والذي يقود بنظره إلى اإلستقطاب اإلثني الذي يشكل أخطر الن ـزاعات‬

‫‪ 1‬منظمة الصحة العالمية‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.881-885‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Susan E. Rice and Other: « Poverty and civil war: what policymakers need to know », The Brookings‬‬
‫‪institution, December 2006, p09.‬‬
‫‪http://www.brookings.edu/~/media/research/files/papers/2006/12/19globaleconomics%20rice/poverty_civilwar‬‬
‫‪pdf‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Syed Mansoob Murshed: « The conflict-growth nexus and the poverty of nations », Economic social affairs,‬‬
‫‪DESA working paper, No.43, June 2007, p 06.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Susan E. Rice and Other: Op Cit, p 09.‬‬
‫‪42‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫عند الـمزج بيـن الهوية واإلستقطاب اإلقتصادي‪ ،‬واستنتج من هذا الـمنظور أن اإلستقطاب اإلثني يقود‬
‫دوما لل ـنزاع‪ ،‬أما التعدد اإلثني فال يقود بالضرورة لتصاعد مظاهر التمرد والعصيان الداخلي‪.1‬‬
‫من هنا تتضح أهـمية العوامل اإلقتصادية* في تحقيق ودعم اإلستقرار الـمجتمعي أو هدمه‪،‬‬
‫خاصة وأن تحليل التوترات والصراعات اإلثنية ال يـمكن فصلها عن مسائل التوزيع واإلشتراك العادل‬
‫للموارد أو الثروات بين المجاميع الـمختلفة داخل الـمجتمع الـمتنوع ثقافيا‪.‬‬
‫هذه الحقيقة تبرهن عليها ج ّل عمليات الـمسح التي طالت الـمشكالت‪ ،‬التوترات والصراعات اإلثنية‬
‫الدمـوية‪ ،‬فالتوتـر والص ـراع اإلثنـي في ماليـزيا بـيـن الـماالوييـن والصينييـن في الستينـات‪ ،‬وكذلـك الصراع‬
‫الـ متأجج بين السنهاليين والتاميل في سريالنكا‪ ،‬والتوتر بين السكان األصليين والطائفة الهندية في‬
‫فيجي‪ ...‬جـميعها قضايا تؤشـر حقيقة مفـادها أن القضية ال يـمكن عـزوها ببساطـة إلى عامـل الهـوية‬
‫العـرقية‪ -‬اإلثنيـة‪ ،‬وانـما هي أكثر ارتباطـا بـمسائل أخرى كاإلقصاء والتمييز والتهميش في األطر‬
‫اإلجتماعية‪ -‬الثقافية‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Syed Mansoob Murshed: Op Cit, p06.‬‬
‫* إن العنف المجتمعي بين المسلمين والهندوس في الهند على سبيل المثال‪ ،‬يحدث م ار ار وتك ار ار بسبب المصالح اإلقتصادية‬
‫المتضاربة‪ ،‬ومسائل أخرى تتعلق بتقاسم الموارد والثروات‪ ،‬ولكنها تعبر عن نفسها بممارسات تتعلق بالشعائر الدينية لكل ديانة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫« إدارة التنوع في المجتمعات التعددية »‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪www.asharqalarabi.org.uk/markaz/t-02052012.doc‬‬

‫‪43‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أهداف األمن المجتمعي‬


‫شكل األمن اإلنساني أحد الـمداخل الـجديدة لدراسة حقوق اإلنسان؛ ليس فقط باعتبارها أطـر‬ ‫ُي ِّ‬
‫م ـعيارية أو قيمية أو ق ـواعد قانون ـية ترتكز باألساس على تـحديد مـجموعة واسعة من الـحقوق السياسية‪،‬‬
‫اإلقتصادية‪ ،‬اإلجتماعية والثقافية ال ـالزم تـوافـرها لألفراد كافـة بغـض النظر عـن النــوع‪ ،‬الـدين‪ ،‬الـجنـس‪،‬‬
‫اإلنتمــاء السياسـي واعتــبارات الـمواطنة‪ ...1‬والمـتخذة في أغلـب األحيان شكل مطالبات قانونية تنم عـن‬
‫ضرورة سـن تشريعات‪ ،‬وابرام اتفاقيات دولية أو إقليمية‪ ،‬كفيلة بوضع التزامات مـحددة اتـجاه حقوق‬
‫بعينها‪ ،2‬ولكن باعتبارها أساسا تعبي ار فعليا عن مستوى تحقيق اإلنسان لذاته الثقافية القيمية (الخاصة)‪،‬‬
‫وعن مستوى إشباعه لحاجاته اإلجتماعية واإلقتصادية الـمرتبطة ببقائه وعيشه‪.‬‬
‫من هذا الـمنطلق‪ ،‬جاء بروز مفهوم األمن اإلنساني في مـجال الدراسات األكاديـمية في فترة ما‬
‫بعد الحرب الباردة‪ ،‬استجابة للحاجة الـملحة في تـجاوز التركيز على األطر القانونية كأساس للتعامل مع‬
‫مشكالت غياب أمن األفراد‪ ،‬فبالرغم من وجود مـجموعة كبيرة من األطر القانونية الـمنظمة إللتزامات‬
‫الدول اتجاه قضايا حقوق األفراد‪ ،‬إال أنـها تبقى غيـر كافية وفاقدة للفعالية‪ ،‬بسبب وجود ميل للدول نـحو‬
‫التركيز على اإلعتبارات السياسيـة دون اإلنسانية‪.‬‬
‫هذا ما يجعل التعامل األنسب مع حاالت غياب األمن اإلنساني يكمن في اإلصلح الـمؤسسي‪ ،‬من خالل‬
‫إصالح الـمؤسسات التقليدية الـمعنية بتحقيق األمن‪ ،‬لتصبح مـهيأة للتعامل مع مشكالت ومصادر تـهديد‬
‫أمـن األفراد‪ ،‬وأيضا إنشاء مؤسسات جديدة كفيلة بـهذا األمر‪ ،‬جنبا إلى جنب مع البحث عن خلق آليات‬
‫مستحدثة‪ ،‬تضمن تنفيذ ما هو منصوص عليه من التزامات قانونية متعلقة بـحقوق األفراد األساسية‪.‬‬
‫هنا يكمن جوهر مفهوم األمن اإلنساني‪ 3‬الذي يتعامل مع حقوق اإلنسان باعتبارها إطار حركي‬
‫وم َّ‬
‫حدد لمستويات التفاعالت اإلنسانية‪ ،‬سـواء داخل المجتمع‪ ،‬بيـن األفـراد أنفسهم‪،‬‬ ‫موجه للسياسات العامة‪ُ ،‬‬
‫أو مـع النظام السياسي‪ ،‬بيـن الدول أو فيما يـخص اإلنسانية جـمعاء‪ ،‬فحقوق اإلنسان من منظور األمن‬
‫اإلنساني‪ ،‬وان كانت تركز حقيقة على الفرد‪ ،‬إال أنها ال تنظر إليه كمركز بـمعنى هدف وغاية فقط‪ ،‬بل‬
‫كصاحب حق وشريك فعلي وفاعل أساسي اتجاه النظم السياسية واإلقتصادية اإلجتماعية والثقافية‬
‫والبيئية‪.4‬‬

‫‪ 1‬خديجة عرفة‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬


‫‪2‬‬
‫جهاد المـحيسن‪« :‬عندما يصبح مفهوم األمن اإلنساني بديل عن حقوق اإلنسان»‪.‬‬
‫‪http://www.aleqt.com/2010/12/17/article_479747.html‬‬
‫‪3‬‬
‫نور الدين دخان‪« :‬األمن اإلنساني؛ دراسة في المفهوم»‪ ،‬مجلة دراسات إستراتيجية ‪ ،‬الجزائر‪ :‬مركز البصيرة للبحوث واإلستثمارات‬
‫والخدمات التعلمية‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ديسمبر ‪ ،8117‬ص ‪.08‬‬
‫‪ 4‬محند برقوق‪« :‬مفاهيم في السياسة المقارنة الجديدة»‪.‬‬
‫‪http://www.politics-ar.com/ar/‬‬
‫‪44‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫وعلى األغلب نجد أن األهداف التي يتطلع لتحقيقها منظور األمن المجتمعي‪ ،‬قد تكون في أكثرها هي‬
‫نفسها الـمراد بلوغها من قبل مفهوم األمن اإلنساني؛ ألن كالهـما يهدف إلى احترام وحـماية الـحقوق‬
‫والـحريات األساسية‪ ،‬تعزيز الـحكم‪ ،‬تمكين المواطنين من اإلنتفاع بحقوقهم وتوسيع نطاقها على األقل في‬
‫حدودها الدنيا‪ ،‬وحتى وان كان منظور األمن المجتمعي يولي اهتماما خاصا باألطر الـمتعلقة بالقضايا‬
‫الـمجتمعية والهوياتية‪ ،‬إال أنه ال يهمل بتاتـا الصلة التبادلية بين جميع األبعاد السبعة لألمن اإلنساني‪.‬‬

‫المستَضعفة ثقافيا‬
‫المهمشة و ُ‬
‫َّ‬ ‫المطلب األول‪ :‬تحقيق متطلبات الهوية للفئات‬
‫أهم ما يميز نهج األمن اإلنساني عن غيره من النهج التقليدية المتمركزة حول الدولة‪ ،‬هو‬
‫إن ّ‬
‫الـمكانة المحورية التي تتخذها حقوق اإلنسان فيه‪ ،‬فضرورة اإلحترام الفعلي لـحقوق اإلنسان وحرياته‬
‫األساسية الـمشكلة من طرف الـمجموعة الدولية تتموضع في قلب هذا المفهوم‪ ،‬ما يجعل من حمايتها‬
‫هدفا أساسيا للمؤسسات الدولية المعاصرة وعلى رأسها منظمة األمم المتحدة‪.‬‬
‫وال يقتصر عمل نـهج األمن اإلنساني على تقويـة حقوق اإلنسان بقضائه فقط على الـخـالف في‬
‫األول ـوية بـيـن جيلي الحقوق؛ بوضعه جملة من الحقوق األساسية الواجب احترامها من طرف الجميع‪ ،‬بل‬
‫بحده كذلك من تـمادي الدول في عدم احترامها لها‪ ،‬منك ار عليها تطاولها وتـهميشها لحقوق اإلنسان تحت‬
‫ّ‬
‫شعارات األمن القومي‪ ،‬وواضعا إياها في األولوية مقارنة باعتبارات السيادة والسياسة‪.‬‬
‫وعلى اعتبار أن األمن الـمجتمعي هو من أكثر أبعاد األمن اإلنساني حـماية للميزات الذاتية‬
‫لألفراد والجماعات‪ ،‬التي تظهر من خالل اللغة‪ ،‬الدين‪ ،‬اإلثنية‪ ...‬فإن تركيزه الشديد ينصب أساسا على‬
‫التقوية الذاتية لـهوية الـجماعات والـحفاظ على تنوعها وتـميزها عبر الزمان والمكان‪ .1‬من خالل عنايته‬
‫بضرورة حماية حقوق هذه الجماعات‪ ،‬والتي في الغالب ما تتمثل في حقوق األقليات التي تظهر في‬
‫األخير كلغة أساسية لألمن الثقافي‪.2‬‬
‫على هذا األساس يمكن القول أن األمن الـثقافي يش ّكل حالة من ضمان استمرار التمتع الفعلي بالـحقوق‬
‫الـجماعية وباألخص حقوق األقليات‪ ،‬ما يجعل المواد القانونية الضامنة الستمرار اإلعتراف بهذه الحقوق‬
‫هي ذاتها التي تضمن لنا اإلعتراف باألمن الـثقافي وتظهر المادة ‪ 89‬من الـميثاق الدولي للحقوق الـمدنية‬
‫والسياسية لسنة ‪ 0711‬والتي تضمن لألشخاص الـمنتمين لألقليات العرقية أو الدينية مـمارسة الحقوق‬
‫الخاصة بـهم‪ ،‬أنها أفضل ضمانة قانونية لإلعتراف باألمن الـثقافي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Barry Buzan: Ole Waever :Jaap de Wilde: Op Cit, p 119.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Paul Roe: «Securitization and minority rights: Condition of desecuritization», Security dialogue, Volume‬‬
‫‪35, Number 03, September 2004, p 290.‬‬

‫‪45‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫شكل رقم ‪ :04‬مقارنة بين األمن الثقافي وهرمية تحقيق الذات‬

‫احتياجيات‬ ‫األمن‬
‫تحقيق الذات‬ ‫الثقافي‬
‫احتياجيات التقدير‬
‫تظهر اإلحتياجات‬
‫األعلى كاستيفاء‬
‫السالمة‬
‫احتياجيات الحب‬
‫للإلحتياجات األقل‬ ‫الثقافية‬
‫احتياجيات السالمة‬
‫الوعي‬
‫الثقافي‬
‫االحتياجيات الفسيولوجية‬

‫المصدر‪Juli Coffin: «Rising to challenge in aboriginal health by creating cultural ( :‬‬


‫‪security»,Aaboriginal islander health worker journal, May-June, Vol 31, November 3, 2007,‬‬
‫‪)p 22.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬يمكن تعريف األمن الثقافي‪ ،‬في سياق موضوعنا‪ ،‬بأنه حالة انتفاء الممارسات والسياسات‬
‫والتفاعالت التي تقف عائقا أمام تلبية اإلحتياجات الثقافية على نحو كاف‪ ،‬وأمام تنمية وتعزيز الوعي‬
‫الثقافي للجماعات الثقافية وسالمتهم الثقافية أيضا‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Bagher Saroukhani: Afsar afshari Naderi: «The study of social –cultural security in Tehran-Iran »,‬‬
‫‪International Journal of business and social science, Vol. 4, Number 02, februry 2013, p 189.‬‬

‫‪46‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الفرع األول‪ :‬تقوية البعد الثقافي لحقوق اإلنسان وحماية الكرامة الثقافية‬
‫صنف الـحقوق الثقافية "كفئة متخلفة" من حقوق اإلنسان‪ ،‬وقد تـم اختيار هذا التعبير‬
‫غالبا ما تُ ّ‬
‫كعنوان للندوة التي نظمتها جامعـة فريبورج ‪ 0‬عام ‪ ،0770‬ثم اتـسع قبوله بعد ذلك؛ حيث بقيت أقل تط ـو ار‬
‫م ـقارنة بفـئات حقوق اإلنسان األخرى‪ :‬الـمدنية‪ ،‬السياسية‪ ،‬اإلقتصادية‪ ،‬واإلجتماعية‪ ،‬سواء ما تعلق منها‬
‫بـمجالها الفكري وفحواها القانوني‪ ،‬أو قابليتها للتطبيق ما يـجعلها بـحاجة للكثير من الشرح‪ ،‬التصنيف‬
‫والتعزيز‪.‬‬
‫والحقيقة أن وضعها هذا هو أكثر ارتباطا بواقع إهمال هذه الحقوق وجعلها دون مستوى التقدير‪،‬‬
‫ُّسهُ من تلقيها اهتماما أقل بكثير‬
‫وأيضا معاملتها "كاألقارب الفقراء" لـحقوق اإلنسان‪ ،‬وهو ما يـمكن تَ َحس ُ‬
‫ماما‪ ،‬وهو ما لوحظ ليس على مستوى‬ ‫مـما تتلق ـ ــاه الحق ـوق اإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬بل غالبا ما تُغفل تـ ً‬
‫النصوص القانونية فقط‪ ،‬بل حتى على مستوى الـممارسات الـحكومية‪ ،‬لذا فمن الصعب أن يـجد الـمرء‬
‫بابا يتعامل بشمول مع الـحقوق‬
‫قانونا حكوميا‪ -‬عند حصره للحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية‪ -‬يتضمن ً‬
‫الثقافية‪.1‬‬
‫وربما تعود أسباب التحفظ هذه إلى تشتُّت ُّ‬
‫وتبدد الحقوق الثقافية ضمن عديد الوثائق‪ ،‬سواء دولية‬
‫أو محلية‪ ،‬مـما اعتمدته األمم الـمتحدة و الوكاالت الـمتخصصة‪ ،‬وهذا في غياب أي مـعاهـدة أو إع ـالن‬
‫مـقنـن ي ـفتح الطري ـق لـحوارات وتـجمعات م ـتنوعة‪ ،‬أو قد تـعـود ب ـنسبة كبي ـرة إلى مـخاوف وشكوك الدول و‬
‫الحكومات من أن التسليم واإلعتراف بالحق للهويات الثقافية المختلفة‪ ،‬وخاصة حق تـحقيق الـهوية‬
‫للمجموعات الـمعرضة لإلنتقاص والهجوم من شاكلة األقليات وأبناء السكان األصليين‪ ،‬قد يشجـع الـميل‬
‫إلى اإلنشقاق كما قـد يعـرض الوحـدة السياسيـة والسيادية للدول للخطر‪.2‬‬
‫أو يعود التحفظ لكونها حقوق أكثر عينية وتختص دائما بشعب محدد‪ ،‬يكاد يكون أقلية‪ ،‬من هنا‬
‫كانت المطالبة بها محفوفة بمخاطر عظيمة من نوع تلك التي تتهدد كل النزعات التخصصية*‪ ،‬وهذا‬
‫الرأي ليس جديدا‪ ،‬إذ سبق أن قيل مثل ذلك أيضا‪ ،‬في صدد اإلعتراف بالحقوق اإلجتماعية‪.3‬‬
‫لـهذه االعتبارات األخيرة ُج ّمد تقديم الحقوق الثقافية في ميثاق األمم المتحدة أثناء مؤتـمر سان‬
‫وغِّيبت الـحقوق الثقافية لألشخاص الـمنتمين لألقليات‪ ،‬التي لـم يأتي ذكرها في اإلعالن‬ ‫فرانسيسكو‪ُ ،‬‬

‫‪ 1‬جانوس سيمونيدس‪« :‬الحقوق الثقافية نوعية مهملة من حقوق اإلنسان»‪ ،‬المجلة العربية لحقوق اإلنسان ‪ ،‬العدد ‪ ،9‬ديسمبر‬
‫‪ ،8111‬ص ‪.001‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.005-008‬‬
‫هي نزعة تهدف إلى اإلحتفاظ بالعادات والتقاليد واللغة والحريات الخاصة ضمن الدولة‪.‬‬ ‫*‬
‫‪ 3‬آالن تورين‪ :‬ترجمة‪ ،‬جورج سليمان‪ «:‬براديغما جديدة لفهم عالم اليوم»‪ ،‬لبنان‪ :‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬أبريل‬
‫‪ ،8100‬ص ‪.851‬‬

‫‪47‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫العالـمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬وانـما اكتفي فقط باإلشارة إليها في البند ‪ 89‬من اإلتـفاقيـ ــة الدولية للحقوق المدنية‬
‫والسياسية‪.1‬‬
‫لكن خبرة الستينات أوضحت أن التسليم بالحقوق الثقافية لألفراد الـمنتمين لألقليات لم يكن باألمر الخطير‪،‬‬
‫حد ذاته مصد ار للصراع والنزاع‪ ،‬بل على العكس من ذلك تماما‪ ،‬فقد شكل عامال هاما‬ ‫كما لم يكن في ّ‬
‫للسالم واإلستقرار‪ ،‬في الوقت الذي كان فيه إلنكار ورفض الـحماية للحقوق الثقافيـة لألقليات‪ ،‬بالـغ األثر‬
‫في نشوب صراعات هويات ــية داخـلية عديدة‪ ،‬خاصـة في أوروبا‪.‬‬
‫وهو ما أكد عليه المتفاوضون خالل الـمؤتمر العالمي بشأن السياسات الثقافية "مكسيكو سيتي ‪،"0798‬‬
‫الذين الحظوا بأن إقرار الـهوية الثقافية قـد صار مـطلبا دائما لكل من األفراد والـجماعات‪ ،‬وهو إن د ّل على‬
‫شيء فهو يد ّل على تنامي مـعرفة البشر لـهويتهم الثقافية‪ ،2‬وعلى التعددية الـمتفرعة منها‪ ،‬وأيـضا تنامي‬
‫مـعرفتـهم لـحقهم في أن يكون ـوا مـختـلفيـن‪ ،‬لـذلك ق ـرر "إعـلن مكسـيكو سيـتي" للسياسات الثقافيـة بأن‬
‫إث ـبات الـهويـة الثـقافـية سيشكل عامـال مساعدا في تـحري ـر الناس‪ ،‬مـن خالل مـنحهم سـبل وامكانات تـحقيق‬
‫ذواتـهم؛ عن طري ـ ــق تشجيع كل الناس وكل مـجمـوعـة للبحث عـن غـذائـها في الـماضي‪ ،‬وبالتـرحيب‬
‫بالعـطاء الـوارد إليها مـن الـخارج والـمتوافـق مع خصائـصها الذاتية‪ ،‬وذلك لإلستمرار في عملية الخلق‬
‫واإلبداع الخاصة بها‪.‬‬
‫ومع نهاية القرن العشرين‪ ،‬حازت الحقوق الثقافية التي صاغها اإلعالن العالـمي لحقوق اإلنسان‬
‫والناشئة عن اإلتفاقيات الدولية ووثائق حقوق اإلنسان األخرى على أهمية جديدة؛ فهي اليوم "حقوق‬
‫مانحة للسلطة" وبدون التسليم بها ومالحظتها وتطبيق حق الـهوية الثقافية والتعليم والـمعلومات‪ ،‬لن تكون‬
‫هناك ضمانات لعـ ـزة اإلنسان وكرامته‪ ،‬ولن تطبق حقوق اإلنسان األخرى بالكامل‪.‬‬
‫كما أنه بدون التسليم بالحقوق الثقافية وبالتنوع الثقافي‪ ،‬سيصعب عمل الـمـجتمعات الديـمقراطية‬
‫بكاملها بطريقة صحيحة‪ ، 3‬فأي إنتهاكات تطال الـحقوق الثقافية التي هي عبـارة عن حقوق‪ ،‬حريات‪،‬‬
‫ومسؤوليات للشخص بـمفرده أو باإلشتراك مع اآلخرين‪ ،‬الختيار والتعبير عن هويته والـحصول على‬
‫المرجعيات التي تشكل الموارد الثقافية الالزمة لتحديد هويته‪ ،‬سيشكل نفيا لقدرات المرء على العيش بحرية‬
‫في عملية مستمرة مدى الحياة من تعريف الذات‪ ،‬وعائقا أمام احترام جـميع الحقوق اإلنسانية األخرى‪،‬‬
‫ألنـها تقوض مباشرة سالمة الشخص في الـمجال األساسي لوجوده وهو الهوية‪.‬‬

‫‪ 1‬جانوس سيمونيدس‪« :‬الحقوق الثقافية نوعية مهملة من حقوق اإلنسان»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.005-008‬‬
‫‪2‬‬
‫لقد توسع تعريف الثقافة بصورة كبيرة منذ الـمؤتـمر العالـمي بشأن السياسات الثقافية؛ ليستوعب "كافة الخصائص والسمات الروحية‬
‫والـمادية والفكرية والعاطفية التي يتسم بـها مـجتمع أو مـجموعة إجتماعية‪ ،‬والتي ال تقتصر على الفنون واآلداب‪ ،‬وانـما تشمل أيضا‬
‫طرائق الـحياة‪ ،‬والـحـقوق األساسية لإلنسان‪ ،‬ونظم القيم‪ ،‬والتقاليد والـمعتقدات"‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪UNESCO World Report: «Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», United Nations‬‬
‫‪Educational l, Scientific and Cultural Organization, 2008, p 01.‬‬
‫‪ 3‬جانوس سيمونيدس‪« :‬الحقوق الثقافية نوعية مهملة من حقوق اإلنسان»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.001‬‬

‫‪48‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫لذلك فإن استجالء طبيعة وعواقب انتهاكها في إطار منظومة حقوق اإلنسان سيشكل أفضل السبل لـمنع‪:‬‬
‫‪ -‬استخدام الحقوق الثقافية لصالح النسبية الثقافية‪ ،‬وهو ما يتعارض مع عالمية حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام الحقوق الثقافية ذريعة لوضع مجتمعات أو شعوب بأكملها ضد بعضها البعض‪.‬‬
‫وهو ما تـم التأكيد عليه بالفعل في اإلعالن العالـمي لـمنظمة اليونسكو حول التنوع الثقافي‪ ،‬الذي‬
‫ربط بين التنوع والحقوق الثقافية وجعل من "مبدأ الحماية المتبادلة" بينهما ضروريا إلعاقة اإلنـجرافات‬
‫النسبية واإلستبعاد الذاتي للمجتمعات‪ ،‬الذي أصبح ينظر إليه والى غبن الهويـات‪ ،‬اإلذالل الجماعي‬
‫والشبهة العامة بالثقـافات‪ ،‬بأنـها عوامل حاسـمة في انتشار العنف والصراعات واإلرهاب والفقر الـمدقع‪.‬‬
‫كما أصبح من األهمية بمكان معالجة هذه اإلنتهاكات التي تـمس الهويات والتي محصلتها‬
‫اإلذالل‪ ،‬اإلختزال‪ ،‬عدم الفهم المتبادل والكراهية‪ ،‬خصوصا وأن حقوق اإلنسان الثقافية هي في أفضل‬
‫وضع اليوم‪ ،‬لحقوق اإلنسان العالمية والتنوع على حد السواء‪ ،‬فبعد أن كان ينظر للثقافة بأنها تشكل عقبة‬
‫في سبيل التقدم والعالـمية‪ ،‬أصبح المجتمع الدولي يدرك جيدا بأن التنوع الثقافي يشكل مصد ار ال يقدر‬
‫بثمن من أجل‪:1‬‬
‫‪ -‬التنفيذ الفعال والشامل لجميع حقوق اإلنسان؛ فتعزيز الحقوق الثقافية ضمن منظومة حقوق‬
‫اإلنسان يوفر كل من زيادة مستوى الحماية لحقوق األفراد وحرياتهم‪ ،‬فضال عن تهيئة الظروف الالزمة‬
‫للحفاظ على رأس المال الذي يمثل التنوع الثقافي كتراث مشترك للبشرية‪.‬‬
‫‪ -‬احترام الهويات والحقوق الثقافية المعرضة للخطر بسبب التجانس المرتبط بالعولمة‪.‬‬
‫‪ -‬منع نشوب الصراعات واستعادة بناء السالم‪.‬‬
‫‪ -‬تمكين الفواعل المعنية من التنمية العادلة والمستدامة‪.‬‬
‫وعليـه فإن منطلق منظور األمن الـمجتمعي في استهدافه تقوية البعد الثقافي لـحقوق اإلنسـان‪،‬‬
‫يتمـثل في ضــرورة استحقاق الكرامة لكل إنسان‪ ،‬خاصة الكرامة الثقافية المؤسسة لألمن الثقافي التي‬
‫توجب النظر للتنوع والـحقوق الثقافية على اعتبارهـما ضروريـان لضمان األمـن اإلنساني‪ ،‬جـنـبا إلى جـنـب‬
‫مـع الفهم العـمـيـق لـتـرابـط حـقـوق اإلنـسان وعـدم قابـلـيـتها للتجزئة‪.2‬‬
‫ـاء‪ ،‬تـُم ّكن الناس في‬
‫ـداء‪ ،‬وقانونـية أساسية إنته ـ ً‬
‫فحقوق اإلنسان التي هي عـبارة عـن ضمانات أخـالقية إبت ً‬
‫‪3‬‬
‫ات عقل وذوات حـ ّس‪ ،‬تـجعل لإلنسان‬ ‫جـمـ ــيع البـلدان والثقافات من العيش الكريـم ‪ ،‬باعتبارهم كائ ـنات ذو ُ‬

‫‪1‬‬
‫‪« The situation of cultural rights proposed political argument », Synthesis documents DS2, Observatory of‬‬
‫‪diversity and cultural rights, pp 01-03.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, pp 02- 03.‬‬
‫‪ 3‬تتوا فر قيم المساواة والكرامة لـجميع أفراد الجنس البشري ‪،‬كغيرها من الـمبادئ األساسية التي تشكل ما ندعوه اليوم بـحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫والتي تتوافر في مـختلف الثقافات واألديان والفلسفات التقليدية‪ .‬وتعود فكرة القواعد الـمشتركة لكافة الناس إلى عدة قرون سابقة‪،‬‬
‫فاألعراف ال تنكر الـحق األساسي للبشر في الرفاه واإلزدهار اللذان يتطلبان احترام أكثر اإلحتياجات أهمية‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫إستنادا للكرامة‬
‫ً‬ ‫جدير بأن يتمتع بـحياة كريمة وحقوقا شرعية يكفلها القانون‪،‬‬
‫ًا‬ ‫صيره‬
‫وظائف أخالقية تُ ّ‬
‫اإلنسانية الـمتأصلة في جوهر كل شخص‪ ،‬والتي من خاللها يشعر كل فرد بصورة غريـزيـة بـحقيقته‬
‫وقـوتـه‪ ،‬ومن منطلقها أيضا تتطلب عدم معاملة اإلنسان كشيء أو وسيلة‪ ،‬وانـما اإلعتراف به كصاحب‬
‫حق‪.1‬‬
‫هاته الفكرة‪ ،‬أي وجود حقوق للفرد البد أن تنطوي بصورة مباشرة أو غير مباشرة على مطالبة ما‬
‫من جانب أي شخص بالنسبة آلخرين‪ ،‬سواء كانوا أفرادا أو جـماعات أو مجتمعات أو دوال‪ ،‬ومن الـممكن‬
‫أن تتخذ هذه الـمطالبات أشكاال عدة على النحو الذي حلّله منظِّرون قانونيون‪ ،‬بدءا من جون أوستين‬
‫وجيريم ــي بنثام وصوال إلى هـ ـ ـ‪ .‬ل‪ .‬هارت وستيغ كانغر‪ ،‬وبالتالي تأخذ بعض الحقوق شكل حصانة من‬
‫خصها أنصار الحرية باهتمام كبير‪ ،‬في حين تأتي حقوق أخرى في‬ ‫التدخل من جانب آخرين‪ ،‬وهي التي ّ‬
‫شكل مطالبة بتقديم اإلهتمام والمساعدة من قبل اآلخرين نِ ْش ً‬
‫دانا للتّ ُّ‬
‫مكن من اإلتيان بأشياء معينة؛ وقد مال‬
‫أنصار الضمان االجتماعي إلى التأكيد عليها‪.‬‬
‫وبالرغم من تباين هذين النوعين من الحقوق إالّ أنه تجمعهما خاصية مشتركة‪ ،‬وهي أنهما يرتِّبان‬
‫بعض استحقاقات الحصول على الـمساعدة من اآلخرين‪ ،‬دفاعا عن حريات الـمرء الجوهرية‪ ،‬والمطالبة‬
‫الـمتعلقة بتلقي العون قد تنطوي على طلب الـمساندة اإليـجابية والتيسير‪ ،‬أو قد ال تتخذ سوى شكل سلبي‬
‫متمثل في الـحصول على تأكيد بعدم حدوث أية إعاقة من جانب اآلخرين‪.2‬‬
‫وجميع هذه المطالبات تهدف إلى تأمين حريات الشخص المعني‪ -‬فيما يتعلق بالقيام بشيء ما أو بأن‬
‫تكون لـه كينونة معيـنة‪ -‬على نـحو أو آخـر‪ ،‬وبـهذه الطريقة فإن حقوق اإلنسان تـضرب بـجذورها أيضا في‬
‫نـهاية األمر في أهـمية الـحريات لـحياة البشر‪.3‬‬
‫هاته األخيرة كانت منطلق خورخين هابرماس في تقديمه لصياغتة المقنعة التي تدعم التعبير عن‬
‫العالقة بين ال ـحرية والثقافة‪ ،‬والتي مفادها أن الـحقوق الثقافية تبرر انطالقا من "ضمان مساواة الحريات‬
‫األخلقية بالنسبة للجميع"‪ ،‬وهي حـريـة تـقـوم عـلى اخـتـيار كـل شـخـص أهـداف ـه عـن طـواعـيـة‪ ،‬كـما‬
‫يـتـطـلـب التـمـتـع ب ـها مـنح الـفـرد إمكانات فـس ـيحة مـن التوجهات األخالقية‪ ،‬التي تـمكـنه من اخـتـيار أهـداف‬
‫ذات مـصداقية‪ ،‬والوصول إلى غايات مـحددة‪.‬‬

‫لكن البعض ينازع في الـمعنى الفعلي لـهذه اإلحتياجات في الـممارسة‪ ،‬وتبقى حقوق اإلنسان بالرغم من ذلك طريقة لتأسيس الحد األدنى‬
‫لفهم الـمقصود برفاه اإلنسان‪ ،‬وبالتالي وضع الـحد الذي يـجب أن ال يتخطاه الـخالف‪.‬‬
‫انظر‪ ،‬منظمة األمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة‪« :‬حقوق اإلنسان أسئلة واجابات»‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،8117 ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪ 1‬فولز صالح‪« :‬مبدأ احترام الكرامة اإلنسانية في مجال األخلقيات الحيوية‪ ،‬دراسة قانونية مقارنة»‪ ،‬مجلة جامعة دمشق للعلوم‬
‫اإلقتصادية والقانونية‪ ،‬المجلد ‪ ،89‬العدد األول‪ ،8100 ،‬ص ‪.858‬‬
‫‪ 2‬عطوي عبد اهلل‪ « :‬السكان والتنمية البشرية »‪ ،‬لبنان‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،8118 ،‬ص ‪.195‬‬
‫‪3‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.171‬‬

‫‪50‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫في هذا الـمعنى‪ ،‬ال يمكن للفرد التمتع بالمساواة في الحرية األخالقية بصورة فعلية‪ ،‬دون أن‬
‫يستسلم في إطار اختيار أولوياته لـقـوة تـوجه الـقـيم التي اخـتزلـها‪ ،‬وتبعا لذلك‪ ،‬ترتبط قيمة استعمال الـمساواة‬
‫في الـحرية األخالقية ارتباطا وثيقا بضمان وصول األفراد إلى األصول الثقافية التي ينهلون منها‪ ،‬والتي‬
‫تـ ِّ‬
‫مكنهم من إنتاج وابتكار القيم الضرورية لعيش حياتـهم‪ .‬هذا هو التبرير الـمنهجي الذي أعطاه هابرماس‬
‫للحقوق الثقافية‪ ،‬التي هي بنظره شرعية ألنـها تعتبر أدوات للحرية‪.‬‬
‫شخصا إالّ بالنظر إلى كونه عضـو إجتماعي داخل مـجموعة ثقافي ـة‪ ،‬ألن‬
‫ً‬ ‫وبالنسبة لـه‪ ،‬ال يصبح الفرد‬
‫فردانيـته مستمدة أيضا من األشكال اإلجتماعية التي تكتسي طابعا هاما‪ ،‬وهو ما تجسده التبعية الدائمة‬
‫للفرد بالعالقات واإلتصاالت الداخلية بين األشخاص‪ ،‬وبشبكات اإلعتراف الـمتبادل وبالتقاليد‪ ،‬وهو ما‬
‫يفسر بنظره لما ال يـمكن للفرد تطوير ومراجعة أو الحفاظ على ذلك انطالقا من مبادرة شخصية‪ ،‬وانـما يتم‬
‫ذلك في سياق اجتماعي بالضرورة‪.1‬‬
‫ـس بالـحريــة والكرامـة‬
‫هــذه الفكرة تنحو نـحو جعل عدم اإلعتراف باإلختالف الثقـافي يوازي الـمـ ّ‬
‫اإلنسانية‪ ، 2‬طالما أن كرامة الفرد ال يمكن وال ينبغي لها أن تنقسم إلى مـجالين*‪ ،‬أي مـجال الحقوق‬
‫المدنية والسياسية من ناحية‪ ،‬ومـجال الـحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية مــن ناحية أخــرى‪،‬‬
‫وبالـخـصوص عندما يستحيل إدراك الغاية القصوى لضمان إحترام كرامة الفرد دون تمتعه بجميع حقوقه‬
‫الفردية والجماعية‪.‬‬
‫وعليه فإن إعمال الحق في اإلختالف ضمن منظور األمن المجتمعي يتطلّب إطا ار وادراكـًا‬
‫جديدين للحقوق‪ ،3‬يستند فيه النهج الحقوقي إلى خلفية ثقافية سياسية حديثة‪ ،‬قوامها اإلنتقال من اعتبار‬
‫الـحقوق مجرد هبات أخالقية جوهرها الشفقة والرحمـة واإلحسان‪ ،‬إلى اعتبارها منظومة قانونية سياسية‬
‫رسخها القوانين‪ ،‬وتمكن منها السياسيات والبرامج‪.‬‬‫تُ ّ‬
‫بـمعنى اإلعتقاد بأن كل فرد‪ًّ ،‬أيــا كان‪ ،‬يتمتع بـحقوقه باعتباره إنسانا‪ ،‬وكل حق يتبعه إلت ـزام من جانب‬
‫الـحكومة باحترامه وحـمايتـه وتعزي ـزه وتلبيت ه‪ ، 4‬ويتم إعمال الـحق في اإلختالف عندما يتمتع األفراد‬

‫‪ 1‬باتريك سافيدان‪ :‬ترجمة‪ ،‬المصطفى الحسوني‪ « :‬الدولة والتعدد الثقافي »‪ ،‬المغرب‪ :‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪،8100 ،‬‬
‫ص ص ‪.91-17‬‬
‫‪2‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫* ال يـميز اإلعالن العالـمي لحقوق اإلنسان بين الحقوق الـمدنية والسياسية واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪ ،‬على أساس أهـميتها وال‬
‫يصنفها بترتيب هرمي‪ ،‬ولكن بالـممارسة وعبر عقود عدة‪ ،‬جرى فرض اعتبار الـحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية على أنـها‬
‫تطلعات أكثر منها التزامات قانونية على الدولة‪ ،‬بعكس الـحقوق الـمدنية والسياسية التي نالت اعتبارات األولوية‪ .‬ولقد عززت التقسيمات‬
‫اإليديولوجية في الـحرب الباردة هذه اإلزدواجية في الـمعايير‪ ،‬التي تـجلت بتبني عهدين دوليين منفصلين‪ ،‬أحدهما يـختص بالـحقوق‬
‫المدنية والسياسية‪ ،‬واآلخر بالحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫« إرساء نهج حقوقي »‪ :‬جامعة منيوستا‪ ،‬مكتبة حقوق اإلنسان‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪http://www1.umn.edu/humanrts/arab/circleofrights.html‬‬
‫‪ 4‬محمد سبيال‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪51‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫مأمونا‪ ،‬ألن حقوق الشخص كإنسان ال‬ ‫ً‬ ‫بالـحريات الـمشمولة بذلك الـحق‪ ،‬وعندما يكون تـمتُّعهم بالـحق‬
‫اإليجابية لكي يحيا‬
‫ّ‬ ‫توفير غير مشروط لك ّل الظّروف‬
‫ا‬ ‫تعمل إالّ إذا كانت هناك ترتيبات إجتماعية تكفل‬
‫اإلنسان حياة كريـمة‪ ،‬وتكفي لحمايته من التهديدات المعتادة لتمتعه بالحريات الثقافية التي تشملها تلك‬
‫الحقوق‪.1‬‬
‫هذا ما ُي ِّ‬
‫شدد عليه منظور األمن المـجتمعي‪ ،‬الذي يؤكد على وجوب أخذ الحقوق الثقافية مكانـها‬
‫الـمـحوري على صعيد العمل الـحقوقي‪ ،‬وعلى صعيد السعي إلقامة نـظم وطنية أكـثر عدال‪ ،‬تعكس رؤية‬
‫تراعي التجليات الكثيرة والـمتنوعة للثقافة‪ ،‬إلى جانب فهم ترابط حقوق اإلنسان* األخرى مع الـحقوق‬
‫الثقافية‪ ،‬خاصة وأن هذه األخيرة قد حظيت بأقل قدر من الفهم والتبلور من بين جـميع الـحقوق التي‬
‫يكفلها القانون الدولي‪ ،2‬وهو ما يرجع جزئيا إلى إرتباطها الوثيق بالقيم التي تتخلل الـجوانب الـمادية وغير‬
‫الـمادية للثقافة‪ ،‬أي بـما نؤمن بأنه مهم أو غير مهم في حياتنا‪ ،‬جيد أو غير جيد‪.3‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تمكين األقليات والسكان األصليين من حقهم في الهوية الثقافية‬


‫ك في أن بناء نظام شامل لحقوق اإلنسان تحت مظلة األمم الـمتحدة‪ ،‬يظل أحد اإلنـجازات‬ ‫الش ّ‬
‫األخالقية الضخمة التي شهدها القرن العشرين؛ لتمكنه من مـحاربة التعصب والتمييز الذي سم ـّم العالقات‬
‫العرقية في جـميـع أنحـاء العالم‪ ،‬لكـن استبداله حقوق األقليات بحقـوق اإلنسان العالـمـية فيما بعـد الـحـرب‬
‫العالمـية الثانية‪ ،‬لـم يكن نتيجة لـمثالية أخالقية صرفة‪ ،‬أو رغبة جادة في العثور على وسائل بديلة لـحماية‬
‫األقليات‪ ،‬بقدر ما كان يـحمل في جوانبه رغبة قوية في السيطرة عليها واضعاف قدرتـها على تـحدي سلطة‬
‫الدولة‪ ،‬على الصعيدين المحـلي والدولي‪ ،‬من خالل تقويض األساس الـمؤسساتي الداخلي الذي عزز‬
‫وجودها تاريخيا كمجتمعات مترابطة ومنظمة‪ ،‬وبالـمحصلة إنكار حقها بأي موقف دولي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عطوي عبد اهلل‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.911‬‬
‫* لقد أكد البيان الصادر في طهران في عام ‪( 0719‬الـمؤتمر الدولي لحقوق اإلنسان) على عدم قابلية حقوق اإلنسان والحريات‬
‫األساسية ل لتجزئة‪ ،‬وأتاحت المتغيرات السياسية الكبيرة عقب نـهاية الـحرب الباردة الطريق أمام تعزيز وحـماية كل حقوق اإلنسان دوليا‬
‫بنفس القوة على قدم الـمساواة‪ ،‬كما أكد إعالن وبرنامج عمل فيينا ‪ 0771‬الذي تبناه الـمؤتمر العالـمي لـحقوق اإلنسان‪ ،‬والذي استعاد‬
‫مضمون اإلعالن العالـمي بشأن ترابط حقوق اإلنسان وعدم قابليتها للتجزئة واإلعتماد الـمتبادل فيما بينها‪ .‬ووفقا لهذا المبدأ تكون جميع‬
‫حقوق اإلنسان متساوية ومترابطة ببعضها البعض وضرورية للتنمية الكاملة لإلنسان وتحقيق الرفاه له‪ ،‬ولدا فإنه من غير الممكن أن‬
‫يكون هناك تطبيق فاعل للحقوق المدنية والسياسية مع غياب اإلحترام للحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫وقد أعاد البيان الـختامي للقمة العالمية في العام ‪ 8115‬التأكيد على ترابط وتكامل حقوق اإلنسان‪ ،‬واعتمادها الـمتبادل على بعضها‬
‫البعض‪ ،‬وعدم قابليتها للتجزئة والتراتب‪ ،‬مشددا على أن كافة حقوق اإلنسان يجب أن تلقى معاملة عادلة‪ ،‬وعلى قدم المساواة‪ ،‬وأيضا‬
‫بنفس القدر من األهمية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫« الحقوق الثقافية‪ ،‬مكتبة حقوق اإلنسان »‪ :‬جامعة منيوستا‪ ،‬مكتبة حقوق اإلنسان‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪http://www1.umn.edu/humanrts/arab/circleofrights.html‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪.15‬‬

‫‪52‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫لـهذه اإلعتبارت‪ ،‬لـم يتمكن مـنظور حقوق اإلنسان مـن م ـنح األقـلـيات م ـا يـحتاجون إليه للمحافطة‬
‫على خصوصياتهم‪ ،‬كأن يكون لهم الحق في استخدام لغتهم في المؤسسات العامة (الـمدارس‪ ،‬والمحاكم‪،‬‬
‫ووسائل اإلعالم العامة‪ ،)...‬أو أن يـمارسـوا شكال مـن أشكال اإلستقـالل الذاتي الـمـحلـي أو اإلقليمـي‪،‬‬
‫والتي م ـن دونـهـا ستـقـف الثقـافات اإلقليمـية والـمـجتمعات القديـمة‪ ،‬عاجزة عن مقاومة عمليات بنـاء الدولة‪-‬‬
‫األمـة وسياسات اإلستيـعاب المتصلة بها‪ ،‬والتي تـقـع في صل ـب أولوياتـها إخـضاع احتياجات األقـليات‬
‫للمصلـحة الكبـرى‪ ،‬الـمتـمثلة في تـحقيق األمـن للدولـة الـوطنـية واإلسـتقـرار لـمؤسساتـها‪ ،‬حتى لو كان ذلك‬
‫على حساب ط ـمس ثقافات األقلية وف ـرض اإلنسجام غصبا على جـميع السكان‪.1‬‬
‫نتيجة لذلك‪ ،‬لـم ترد إشارات إلى حقوق األقليات ال في ميثاق األمم الـمتحدة‪ ،‬وال في اإلعالن‬
‫العالـمي لـحقوق اإلنسان في عام ‪ ، 0789‬وتكرر هـذا الصمت في الـمواث ـيق الدولية اإلقليمية لـحقوق‬
‫اإلنسان سواء في أوروبا (اإلتفاقية األوربية لـحقوق اإلنسان ‪ )0751‬أو أمريكا (اإلعالن األمريكي لـحقوق‬
‫اإلنسان وواجباته ‪ ،0789‬أو اإلتفاقية األمريكية لـحقوق اإلنسان ‪ ،)0717‬أو في إفريقيا (الـميثاق اإلفريقي‬
‫لـحقوق االنسان ‪.)0790‬‬
‫لكن الـمواقف بدأت بالتـغـير إبتداء من ثـمانينات وتسـعينات القرن الـماضي‪ ،‬وهي الفترة التي‬
‫شهدت ظه ـو ار تدريـجيا لـمطالب تعزيز الديـمقراطية وترشيد الحكم وبرو از أوليا لخطابات األمن اإلنساني؛‬
‫حيث تعالى توجه واضح نـحو منهج تقبل اإلختالف‪ ،‬الذي لـم يكن مقصو ار على السكان األصلييـن الذين‬
‫طالما حظيوا بوضع متميز باستمرار داخل القانون الدولي‪ ،‬بل امـتـد ليحدث تطـو ار مـهما على خـط آخر‬
‫يركـز على األقليات بـصفة عـامة‪.2‬‬
‫وبالتماشي مع ذلك اتفقت جـميع الدول األعـضاء في األمم الـمتحدة عـام ‪ 0778‬وهو تاريـخ ص ـدور إعالن‬
‫حقوق األشخاص الـمنتميـن إلى أق ـليات قـومية أو إثنية والى أقليات دينية ولـغوية‪ ،‬على أن حقوق األقليات‬
‫ت ـستدعي اهتماما خاصا من قبل هيئة األمم الـمتحدة‪ ،‬التي يتوجب عليها أداء دور هام فيما يتعلق بحماية‬
‫األقليات‪ ،‬مستلهمة في ذلك أحكام المادة ‪ 89‬من العهد الدولي الخاص بالـحقوق الـمدنية والسياسية‪ ،3‬م ـا‬
‫غير القواعد األساسية للتعامل مع كل الجماعات الثقافية‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬تـمحورت النقطة الـمرجعية لـهذا التغي ـر الع ـام‪ ،‬في أحد شـروط الع ـهد ال ـدولي للحقوق‬
‫السياسية والـمدنية الذي أعلنته األمم المتحدة عام ‪ ،0711‬حيث يرد في البند رقم ‪" : 89‬في الدول التي‬
‫توجد فيها أقليات عرقية‪ ،‬أو دينية أو لغوية‪ ،‬فإن األشخاص الذين ينتمون إلى مثل هذه األقليات‪ ،‬ال‬

‫‪ 1‬ويل كميلكا‪ :‬ترجمة‪ ،‬إمام عبد الفتاح إمام‪ « :‬أوديسا التعددية الثقافية‪ ،‬سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع »‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫الكويت‪ :‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،8100 ،‬ص ص ‪.51-87‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪3‬‬
‫« تقرير الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان‪ ،‬المدنية والسياسية‬
‫واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.09-01‬‬
‫‪53‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫ينكر حقهم في اإلجتماع مع األعضاء اآلخرين في جماعتهم‪ ،‬واإلستمتاع بثقافتهم الخاصة‪ ،‬وممارسة‬
‫طقوس دينهم الخاص‪ ،‬أو استخدام لغتهم الخاصة"‪.‬‬
‫والواقع أنـه لـم يكن ُي َراد من وراء هذا البند أثناء فـت ـرة إعداده‪ ،‬تقديـم أي حقوق خاصـة لألقليات‪ ،‬لذلك ف ـقد‬
‫تـم فهـمه على كونـه يوجـه فـقط دعـوة ع ـامـة للدول‪ ،‬م ـن أجل العمـل على ضمـان حصـول أعضـاء‬
‫جـمـاعات األقليات على الـحريات الـمدنية نفسها التي يـملكها غيرهم من الـمواطنين‪ ،‬السـيما حـري ـة الكالم‪،‬‬
‫حري ـة اإلج ـتماع‪ ،‬وح ـري ـة الضمير‪.‬‬
‫لكن الوضع لـم ي ـبق على حاله‪ ،‬فابتداء من فترة التسعينات وما شهدته من بداية تـغيـر الـمواقف‬
‫اتجاه حقوق األقليات‪ ،‬أعيد بالتدريج تفسير الـمادة رقم ‪ 89‬لتشمل ليس فقط الـحقوق السلبية وانـما الحقوق‬
‫اإليـجابية أيضا‪ ،‬ويرجع الفضل في ذلك إلى بعض فقهاء القانون في لـجنة حقوق اإلنسان التابعة لألمم‬
‫الـمتحدة‪ ،‬الذين أصروا عنـد شرحهم العـام للمادة ‪ 89‬والـمحـرر في عام ‪ 0778‬على كونـها ال توجـب فقـط‬
‫عـدم التـفـرقة في حـمـاية الـحـريات الـمدنية‪ ،‬بل تـتطلب أيضا تـبني "تدابـير إيجابية"‪ ،‬تـستهدف بصفة‬
‫خاصة حاجات وتطلعات الـجماعات الثقافية‪ ،‬من أجل تـمكينهم وتـهيئتهم لـممارسة حقهم في التمت ـع‬
‫بثقافتهم بصورة ف ـعلية‪.‬‬
‫وقد أعادت الـجمعية العامة لألمـم الـمتحدة التأكيد على هذا الـمعنى في ديباجة اإلعالن الذي تبـنـته‬
‫بـخصوص حـقـوق األشخاص الـمنتمين ألقليات قومية‪ ،‬عرقية أو دينية أو لغوية لعام ‪.10778‬‬
‫كما ازداد التعبير عن هذا الحق تبلو ار ولو بصورة ضمنية من خالل عمل وجهود المنظمات‬
‫الدولية؛ التي أكدت على أن التكيف مع التنوع الثقافي هو في الواقع شرط مسبق للمحافظة على نظام‬
‫دولي ش ـ رعي‪ ،‬وأن جميع أهداف وقيم المـجتمع الدولي سواء أكانت حقوق اإلنسان‪ ،‬السالم واألمن‪،‬‬
‫الديـمقراطية والتنمية‪ ،‬تـع ـتمد في نـهايـة المطاف على اإلعتراف بـحقوق األقليات وحقوق السكان األصليين‪،‬‬
‫لذلك ف ـقد عمدت بـشكل حثيث إلى تـمهيد الطريق لصياغة معايي ـر ومقاييس تستهدف مساندة التنوع‬
‫الثقافي‪ ،‬بشكل يـ ِّ‬
‫مكن من توسيع الحرية اإلنسانية‪ ،‬وتقوية الحقوق اإلنسانية وتقليل الهيراركية العرقية‬
‫والعنصرية‪ ،‬وأيضا تعميق الديـمقراطية‪.‬‬
‫وهو ما ذه ـبت إليه فـعـال منظمة األمـن والتعـاون في أوروبا في ‪ ،0777‬لـما اع ـتبرت حقوق‬
‫األقليات شـرط مـسب ـق للسالم واألمـن واإلستقرار الدائـمين على هـذه القارة؛ لكن مع تأكيدها على ض ـرورة‬
‫اإلل ـتزام بتطبي ـق إعـالن األمم ال ـمتحدة لـحقوق األقليات واإلتـفاقـية اإلطاريــة تطبيقا كامـال‪ ،‬كما شددت‬
‫أيضا على أهـمـية حقوق األقليات في الدفع في اتـجاه بلوغ وتـحقيق الديمقراطية الـحقة؛ حينما اعتبرت‬
‫المشاركة الفعالة لألقليات القومية في الحياة العامة‪ ،‬عامال جوهـريا للسـالم والديـمقراطية في الـمجتمعات‬

‫‪1‬ويل كميلكا‪ :‬ترجمة‪ ،‬إمام عبد الفتاح إمام‪ « :‬أوديسا التعددية الثقافية‪ ،‬سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع »‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.55-58‬‬
‫‪54‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الـمتنوعـة ثقافيا‪ ،‬وأن التـجـربـة في أوربا وفي كل مـكان آخر قـد بـيـنـت بوضوح أن الـحكومات غالبا ما‬
‫تحتاج إلى إرساء تنظيمات محددة لألقليات القومية لكي تساند هذه المشاركة‪.1‬‬
‫ش ـع ـور مـماثل وجـد اتـجاه الـدور الذي يـمكن أن تـمارسـه حـقـوق األق ـليات في تـقلـيل الصراعات‪،‬‬
‫ُعـّبـِر عنه على الـمستوى العالـمي مـن خالل ه ـيئة األمـم الـمتحدة‪ ،‬بواسـطـة ت ـقاري ـرها الت ـقي ـيمية والتأسيـسية‬
‫الصادرة عن برنامـجها اإلنـمائي‪،‬منها تقرير التنمية البشرية لعام ‪ 8111‬الذي نقتبس منه الـمقتطفات‬
‫التالية‪:‬‬
‫" تتكرر معظم الصراعات في البلدان الفقيرة‪ ،‬السيما في تلك البلدان التي تحكم حكما سيئا والتي‬
‫يوجد فيها تفاوت صارخ بين الجماعات العرقية أو الدينية‪ ،‬وأفضل طريقة لمنع هذه الصراعات هي‬
‫تعزيز تنمية اقتصادية متوازنة وسليمة‪ ،‬باإلضافة إلى حقوق اإلنسان وحقوق األقليات والتنظيمات‬
‫السياسية التي تمثل فيها كل الجماعات على قدم المساواة"‪.‬‬
‫"غالبا ما انتهت الجهود الخاصة باستيعاب السكان األصليين بأن زادت فقرهم وحرمانهم‪ ،‬أما حماية‬
‫اللغات الخاصة وثقافتهم فقد كانت ذات اهتمام مركزي"‪.‬‬
‫"حينما تقترن حالة الفقر بتصدع ديني أو عرقي جاد‪ ،‬فالحل واضح وان صعب تنفيذه عمليا‪ ،‬دعم‬
‫حقوق اإلنسان وحماية حقوق األقليات والتأسيس لنظم سياسية تكون فيها كل الجماعات ممثلة"‪ ،2‬ما‬
‫ي ـفيد بـشكل صـريـح على حـيويـة حـقـوق األقليات والسكان األصليين إلنجاز أهداف التنمية وتقليل الفقر‪.‬‬
‫م ـن جهتها‪ ،‬أكـدت منظمة الثـقافـة والتـربـية والتـعلـيم "اليونسكو"‪ ،‬مـن خالل اإلعـالن العالمي حـول‬
‫الت ـنوع الثـقافي الذي أصدرته في ‪ 8110‬على أهـمية حقوق األقليات وتمثيلها لجانب أساسي من حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬حينما اعتبرت الدفاع عن التـنوع الثقافي بـمثابـة قضـية أخالقـية واجـبـة ال تنفصل عـن الدفـاع عن‬
‫الكرامـة اإلنـسانية؛ التي تستوجب إلتزاما عميقا بحقوق اإلنسان والحريات األساسية‪ ،‬السيما الحقوق التي‬
‫تخص األقليات والسكان األصليين‪ ،‬م ّشددة على كون الحقوق الثقافية هي جزء متكامل من حقوق اإلنسان‬
‫العالمية والغير قابلة للتجزئة‪.3‬‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬يشير الفري ـق العامـل الـمعني باألقليات في تعليقه على إعالن األمم الـمتحدة‬
‫بشأن حقوق األشخاص الـمنتميـن إلى أقليات قومـية أو إث ـنية و إلى أق ـليات ديـنـية ولـغـويـة (‪ ،)8115‬إلى‬
‫أربـع ش ـروط أس ـاسـية‪ ،‬يجب أن تكون منطلقا نحو تحقيق الحماية لألقليات‪ ،‬نوجزها في اآلتي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ويل كميلكا‪ :‬ترجمة‪ ،‬إمام عبد الفتاح إمام‪ « :‬أوديسا التعددية الثقافية‪ ،‬سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع »‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪. 15-18‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 85‬‬
‫‪3‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.19-11‬‬

‫‪55‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫‪ -0‬حماية وجود المجموعات المعنية‬


‫ويشمل ذلك حماية وجودها المادي؛ الذي يتضمن بالضرورة ضمان استمرار وجودها في األقاليم‬
‫التي تعيش فيها‪ ،‬ودوام وصولـها إلى الـموارد الـمادية الضرورية الستـدامة هذا الوجود‪ ،‬جنبا إلى جنب‪ ،‬مع‬
‫احت ـرام وجودها الـمعنوي الذي يعـد أم ـ ار جوهريا بالنسبة لهويتها‪ ،‬وهو ما يتطلب احترام تـراثها الديني‬
‫والثقافي والعمل على حـمايته أيضا‪ ،‬ويشمل ذلك الـمباني والمواقع مثل المكتبات والكنائس والمساجد‬
‫والمعابد‪...‬‬
‫مثل هذه الحماية‪ ،‬تتطلّب من الدولة اتخاذ إجراءات وتدابير إيجابية من أجل إعمال حقوق األقليات‪ ،‬حتى‬
‫تتمكن هذه األخيـرة فرادى أو جـماعات من التمتع بثقافتها‪ ،‬و الجهر بدينها‪ ،‬واستخدام لغتها وأيضا‬
‫الـمشاركة بفعالية في الحياة العامة‪.‬‬
‫‪ -0‬عدم استبعادها‬
‫يـجب أالّ يـخضع األشخاص الـمنتمون إلى أقليات للتمييز بـسبـب مـمارساتـهم‪ ،‬س ـواء فـرادى أو‬
‫جـ ماعات‪ ،‬كما يجب معالجة حالة تعرضهم للحرمان بأي شكل من األشكال بسبب اختيارهم عدم اإلنتماء‬
‫وجه إلى كل من الدولة ووكاالت األقلية الـمعنية؛ إذ ال يـجـوز ألي دولة‬
‫إلى أقلية معينة‪ ،‬وهذا الحكم ُم ّ‬
‫فـرض هـوية إثنية بعينها على أي شخص‪ ،‬عن طريـق فـرض جـزاءات سلبية على مـن ال يـريد أن يـكون‬
‫عرضوا للحرمان أشخاصا قـد‬
‫فـردا من تلك الـمجموعة‪ ،‬كما ال يـجـوز لألشخاص الـمنتميـن لألقليات أن ُيـ ِّ‬
‫يـعتبـرون جـزءا م ـن مـجموعـتهم ب ـناء على معايي ـر موضوعية‪ ،‬لكنهم ال يريدون اإلنتماء إليها ألسباب‬
‫ذاتية‪.1‬‬
‫‪ -0‬حظر ممارسة التمييز ضدها‬
‫الدول مـلزمة عموما بـموجب القانون الدولي‪ ،‬بضمان تـمكين جـميع أفراد الـمجتمع من مـمارسة ما‬
‫لهم من حقوق اإلنسان‪ ،‬ويـحظر "مبدأ عدم التمييز" أي تفرقة أو إقصاء أو تقييد أو تفضيل‪ ،‬يستهدف أو‬
‫يستتبع تعطيل أو عرقلة اإلعتراف لـجميع األشخاص على قدم الـمساواة‪ ،‬بـجميع الـحقوق والحريات أو‬
‫التمتع بها أو مـمارستها‪.‬‬
‫هذا التمييز الذي يـحظره القانون الدولي لـحقوق اإلنسان‪ ،‬ال يشترط فيه إثبات نية التمييز بشكليه الـمباشر‬
‫وغيـر المباشر‪ ،‬فالمبدأ يسري على التمييز في التشريعات والسياسات أثناء إعدادها‪ ،‬كما يسري عليها في‬
‫مرحلة تطبيقها‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم إرغامها على التماهي مع األغلبية‬
‫ال يقتضي عدم فرض استيعاب األقلية ضمن األغلبية إبداء التسامح إزاء التنوع وتعدد الهويات‬
‫فحسب‪ ،‬وانـما يقتضي كذلك حـماية ذلك التنوع والتعدد واحترامهما‪ .‬وأهم ما في حقوق األقليات ضمان‬

‫‪«1‬ت قرير مفوضية األمم المتحدة السامية لحقوق اإلنسان‪ ،‬تجميع للكتيبات واألدلة اإلرشادية والمواد التدريبية وغيرها من األدوات‬
‫الصادرة عن األمم المتحدة بشان قضايا األقليات»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.18-18‬‬
‫‪56‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫احترام هوياتها الـمميزة لها‪ ،‬وفي الوقت نفسه ضمان أال تكون أي معاملة مـختلفة لمجموعات أو أشخاص‬
‫ينتمون إلى مجموعات غطاء لممارسات وسياسات تمييزية‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعزيز الحكم والسلم داخل المجتمعات المتنوعة ثقافيا‬


‫على الرغم من تصوير التنوع الثقافي في أحيان كثيرة على أنه يشكل تـحديا خطي ار للتماسك‬
‫فعالة للحوار واإلثراء الـمتبادل عند التزامه بالمبادئ‬
‫اإلجتماعي‪ ،‬فإنه وبخالف ذلك يمثل أداة تـمكينية ّ‬
‫مصدر لإلبداع اإلقتصادي واإلجتماعي والسياسي‬ ‫ا‬ ‫الموجبة لحماية وتعزيز حقوق اإلنسان‪ ،‬ما يجعله‬
‫والثقافي‪.‬‬
‫ولما كانت حقوق اإلنسان الـمعترف بـها عالـميا ينبغي ضمانـها لكل فرد‪ ،‬فإن مـمارستها الفعلية‬
‫ّ‬
‫يـمكن أن تتعزز من خالل اإلعتراف بالتنوع الثقافي الذي يمكن أن يعزز أيضا التماسك اإلجتماعي؛ ألن‬
‫اإلعتراف بقيمة كل ثقافة من حيث تـميزها الخالق وأصالتها يمنح جميع األفراد إحساسا بالعزة‪ ،‬الذي له‬
‫دور فاعل في عملية تمكينهم‪ ،‬وهذه العزة المستعادة أمر أساسي للتماسك اإلجتماعي الذي تتوحد في‬
‫إطاره اإلختالفات بدال من أن تؤدي إلى الفرقة واإلنقسام‪.‬‬
‫بـهذه الطريقة تصاغ صالت التضامن بين األفراد‪ ،‬بـحيث تسمو على التنافس األناني على الـموارد‬
‫والسلطة‪ ،‬ولذا يمكن أن يدفع منظور األمن الـمجتمعي الذي يؤكد على ضرورة اإلعتراف بالتنوع الثقافي‪،‬‬
‫وتشجيع السياسات التي تفضي إلى الحفاظ عليه وتعزيزه‪ ،‬في اتـجاه إيجاد وسائل لتجديد طرائق الحكم‬
‫الديـمقراطي‪ ،‬بـحيث تتمكن من خاللها الـجماعات الـمحرومة والـمعدومة من األقليات والسكان األصلييـن‬
‫والـمهاجرين من استعادة ثقتهم في نظمهم‪ ،‬حين يرون بأن وجودهم ومساهـمتهم تلقى اعترافا وتقدي ار وأنـها‬
‫تحدث فارقا‪.‬‬
‫وبالتالي فإن تـجديد طرائق الـحكم الديـمقراطي في اتـجاه أشكال للحكم وطرائق لصنع القرار تأخذ‬
‫في الـحسبان تكوين المجتمعات المعاصرة المتنوعة الثقافات‪ ،‬وما تتسم به من تنوع واسع من حيث‬
‫المعتقدات وأساليب الحياة‪ ،‬بما يحقق حوكمة تكون أكثر شموال‪ ،‬تستطيع إدارة التنوع الثقافي بـمنظور‬
‫األمن المجتمعي أن تـحول تـحديا مـجتمعيا إلى مصدر قوة للديمقراطية‪ ،‬وأن تساهم بذلك في إيجاد ثقافة‬
‫حقوق اإلنسان والسالم‪ ،‬التي تظل أهداف رئيسية لألمن المجتمعي واإلنساني على حد السواء‪.2‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعزيز الحكم في سبيل قلب األوضاع المكرسة لعدم المساواة في المكانة الثقافية‬

‫‪«11‬تقرير مفوضية األمم المتحدة السامية لحقوق اإلنسان‪ ،‬تجميع للكتيبات واألدلة اإلرشادية والمواد التدريبية وغيرها من األدوات‬
‫الصادرة عن األمم المتحدة بشان قضايا األقليات»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،15‬ص ص ‪.08-00‬‬
‫* لقد أصبحت اللغة عامال فاعال بصورة متزايدة في رسم حدود المجتمعات السياسية في البلدان المتعددة اللغات مثل بلجيكا واسبانيا‬
‫وسويس ار وكندا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪UNESCO World Report: « Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», Op Cit, p 222, p242.‬‬

‫‪57‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫يسعى األمن الـمجتمعي إلى قـلب األوضاع التي تكرس عدم المساواة في المكانة الثقافية‪ ،‬وعدم‬
‫حظو الـهويات الـفرعـية وحـقوق الـجماعات األقـل مــنزلــة باإلحتـرام الواجـب‪ ،‬وأن ال تـشـمل مـؤسسات الـحكم‬
‫الـجميع بالـقدر الكافي‪ ،‬أو يـنحو تـخصيص م ـوارد الـمجـتمع إلى مـحاباة الزم ـرة الـمسيطرة على حساب‬
‫غيـرها بناء على فوارق ثقافية؛ مـن خـالل تـشجـيعـه الـحل القائم على اإللـتـزام بالـمبادئ الـموجبة لـحماية‬
‫وتـع ـزيز حقوق اإلنسان‪ ،‬بـما فــيها حــقوق األقليات والفـئات الضعيفة‪.‬‬
‫جنبا إلى جنب يركز هذا المفهوم على بناء القدرة على الـحكم الرشيد واصالح النظم الـمحلية‪،‬‬
‫والدفـع في اتـجاه إعادة هيكلة سياساتـها وتوجيه أهـدافها إلى اإلنسان؛ مـن خالل تعمـيق الديمقراطية‪،‬‬
‫وتعزيز دور الـمواطنة الدافـعة في اتـجاه ترسيخ اإلنـتماء الوطني‪ ،‬والـتي تـستوجب إحـداث وتطـبيق ترتيبات‬
‫مـؤســسية وسياسية تكون فيها كافة الـجماعات مـمثلة داخل الدولة‪ ،‬بشكل يـخلق قـناعة لـدى كل الـجماعات‬
‫بـأن الدولة ملك للجميع‪ ،‬وي ـعــزز الثقة في السلطة الحاكمة‪.1‬‬
‫أهـميـة هذا الـمسعى يمكن تلمسه في حـياة األفـراد والـجماعات على حد السواء‪ ،‬خاصة في وقـتـنا‬
‫الـحالي الذي ت ـعاني فـيه األنظـمة السـياسية في غالبـية دول العالم الـمعاصر من "فجـوة شرعنـة"‪ ،‬وظـاهـرة‬
‫أزمـوية تـتمثـل في ف ـقدان الثــقة بالـمؤسـسات والنخب السياسية واإلجراءات الع ـقالنـية التي تـشكـل أسـاس‬
‫السلطة السـياسية الـمشـروعـة٭‪ ،2‬إلى جانب غـياب عنصـري الكفاءة والـفاعلية في إدارة ش ـؤون الـمجتمع‬
‫وتـحـقيق أهـدافه‪ ،‬بالرغم مـن دورهـما الـمحوري كـعـنصرين مـحددي ـن لـمستوى اإلستقرار السياسي والـمجتمعي‬
‫داخل أي دولة‪.3‬‬
‫وغالـبا مـا ترتـبط "فجوة الشـرعـنة" بـمشكلة الديـمقراطية والـم ـشاركة السياسية‪ ،‬وعـدم ق ـدرة النـظم على‬
‫اس ـتـيعاب التحـوالت اإلجتماعية النـوعية‪ ،‬مـما يـقود إلى اهـتـزاز شرعي ـتها في أذهان مـواطنيها‪ ،4‬وشـعورهم‬
‫بالالّ أمن وغياب اإلستقرار‪ ،‬وبالتالي ابتعادهم عن المشاركة في الق اررات التي تشكل حياتـهم‪ ،‬ما يؤدي في‬

‫‪ « 1‬تقرير الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان‪ ،‬المدنية والسياسية‬
‫واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية »‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد ناصوري‪« :‬النظام السياسي وجدلية الشرعية والمشروعية»‪ ،‬مجلة جامعة دمشق للعلوم اإلقتصادية والقانونية ‪ ،‬عدد ‪،18‬‬
‫مجلد ‪ ،8119 ،88‬ص‪.185‬‬
‫٭ السلطة السياسية المشروعة ال تعني الدولة فقط‪ ،‬بل يمكن أن تكون حكومة محلية أو إقليمية أو ترتيبات سياسية دولية مثل‬
‫المحميات أو اإلدارات اإلنتقالية ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬أحمد ناصوري‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪4‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.911‬‬

‫‪58‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫األخيـر إلى تقليص مـختلف العمليات السياسية واإلجتماعية‪ ،‬الـموسعة من فرص الـحصول على الحقوق‬
‫األساسية والـحريات الـمدنية للجميع‪.1‬‬
‫من هذا الـمنطلق‪ ،‬يـحتاج األمن الـمجتمعي لوجود نظم سياسية بشخوصها‪ ،‬أفكارها‪ ،‬ومؤسساتـها‪،‬‬
‫تكون متمـتـعة بالشرعـية في صورها‪ 2‬الـمجتمعية‪ ،‬أو القانونية‪ ،‬أو اإلنـجازية‪ ،‬أو كلها مـعا‪ ،‬وقـادرة على‬
‫‪3‬‬
‫كسب ثـقـة النـاس‪ ،‬مـن خـالل خلقـها مـساحة للعـملية السياسـية السلمية‪ ،‬وتـجـسيدها لإلرادة اإلجتماعـية‬
‫الـموصلة إلى حــالة م ــن التمكيـن الكلي للحقوق اإلنسانية‪ ،‬في بيـئــة آمـنـة وداعـمة للحـياة الكريـمة‪ ،‬ألن‬
‫فشــل الـدول غال ـبا مـا يشكل سـبـبا رئيســيا لنشـوء الصراعات وتكريـس اإلنتهاكات التي تطـال حـقوق‬
‫اإلنـسان‪ ،‬وهو م ـا يـوجـب وضـع أسـباب ف ـشلها بعـين اإلعتبار لدى إعادة بناء السلطة السياسية‬
‫الـمشروعة‪.4‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فحاجة األمـن الـمجتمعي لوجود دولـة فاعـلة ودولـة ديـمقراطية‪ ،‬هـو في نـفـس الوقـت شـرط مـسبـق‬
‫لتـعزيـز شـرعيـتها‪ ،‬وعامل مهم في تـعزيـز وحـماية رفاه شعبها مـن جهـة‪ ،‬وضمان اسـتقرارها مـن جهـة ثانـية‪،‬‬
‫طالـما أن أمــن الدولة في عالـم ما بعد الحرب الباردة لم يعد غاية في حد ذاته‪ ،‬بقدر ما أصبح وسيلة‬
‫لضمان األمن للشعوب‪.5‬‬
‫ولعـل التحدي األصعب الذي يـجب مواجهته لبلوغ منظور األمـن الـمـجتمعي غايته‪ ،‬هو التحـرر‬
‫مـن وهم سائـد ل ـدى النخب السياسية خاصة في دول العالم الثالث‪ ،‬مفاده أن منعرج التحول الديـمقراطي‬
‫يتلخص فقط في آليات إنـتخابـية شفافة ونزيهة‪ ،‬والتي مـن شأنـها حسم معضـلة الشرعية السياسية وتأميـن‬
‫اإلنتقال السليم مـن الـحالـة اإلستبدادية الشمولية‪ ،‬مـغـفلين حـقيقة أن الـماكينة اإلنـتخابية ما هي في الواقع‬
‫سـوى آلـية تنظيمية إجرائـية للحقل السياسي في تـنوعه واخـتالفه‪ ،‬وال يـمكنها قـطـعا تعـويض البـناء‬

‫‪1‬‬
‫عبد الوهاب األمين‪ « :‬التنمية اإلقتصادية المشكلت والسياسات المقترحة مع إشارة إلى البلدان العربية »‪ ،‬جدة‪ :‬دار حافظ للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،8111 ،‬ص ‪.810‬‬
‫‪2‬‬
‫تستمد الدولة قدرتـها على اإلستمرار واإلستقرار والفاعلية من الشرعيات الثالث‪:‬‬
‫‪ -‬الشرعية الدستورية القانونية‪ :‬تقوم على توافق الدولة وسلطتها السياسية مع التشريعات الـمعلنة والـمقبولة اجتماعيا من جهة‪،‬‬
‫والتزامها بـها من جهة ثانية‪.‬‬
‫‪ -‬الشرعية الـمجتمعية التمثيلية‪ :‬تقوم على تـجسيد الدولة وسلطتها السياسية إلرادة الـمجتمع وتعبيرها عن قيمه ومصالـحه‬
‫وأهدافه‪.‬‬
‫‪ -‬الشرعية اإلنـجازية‪ :‬تقوم على حـماية الدولة وسلطتها السياسية لقيم الـمجتمع وضمان مصالـحه وتـحقيق أهدافه الراهنة‬
‫والـمستقبلية‪.‬‬
‫لإلطالع أكثر‪ ،‬انظر‪ :‬علي عباس مراد‪« :‬ديمقراطية عصر العولمة»‪ ،‬لبنان‪ :‬مـجد الـمؤسسة الجـامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،8119 ،‬ص ص ‪.95-98‬‬
‫‪3‬‬
‫علي عباس مراد‪« :‬المجتمع المدني والديمقراطية »‪ ،‬لبنان‪ :‬مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،8117 ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Mary Kaldor: Op Cit, p 08.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Fredrick Mutesa: Wilma Nchito: «Human security and poverty reduction in Zambia», Pretoria, South‬‬
‫‪Africa: Institute for security studies, 2005, p 09.‬‬
‫‪http://www.iss.co.za/uploads/MANYCHAP1.PDF‬‬
‫‪59‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الـمؤسسي الذي يـسـند النسـيج اإلجت ـماعي ويـوطده‪ ،‬لذلك فـإن غياب بلــورة حقيقية للنظـم المؤسسيـة‬
‫الـمالئمة‪ ،‬سيجـعل مـن اللـحظة اإلنتخابـية عامل تـفجيـر للُّحمة اإلجتماعية بـدال من أن تـكون ضمـانة للسلم‬
‫األهلي‪ ،‬وهو مـا يـوجب بالضرورة إحداث تـغييـر في الـهندسة السـياسية القائـمة‪ ،‬حتى تـتماشى مـع‬
‫مـتطلبات ومطالب الـمجتمع الـمتنوع ثقافيا‪.1‬‬
‫من هذا المنظور‪ ،‬يـحتل مفهوم المواطنة الذي هو ركيزة المنظومة الديـمقراطية‪ ،‬مكانة مـحورية في‬
‫الحـوار الـمفتوح حـول شكل النـظم السياسية الـمنشودة‪ ،‬والـمعـروف أن مـفهوم الـمواطنة قد ارت ـبط في بـدايات‬
‫نـشأتـه بـمقولة الس ـيادة بداللتها الـحديثة المرتبطة بعالقات الذات الفردية الـحرة بالكل اإلجتماعي‪ ،‬لذا فهو‬
‫يجسد كيانا سياسيا مستقال يتمخض له الـوالء ويـتجدد لـه اإلنتماء عبـر عملـية الـمشاركة السـياسية الـمنظـمة‬
‫(مقاربة روسو)‪ .‬وبالتالي فإن الـفكرة الديـمقراطية التـقليدية ال تـخرج عن هذا األفق‪ ،‬الذي يـحصر الـمواطنة‬
‫في حدود الدولة الوطنية الـمركزية‪ ،‬ذات السيادة المطلقة في مـجالـها اإلقليمي ونسيجها القومي‪.‬‬
‫لكن مـا نشهده ارهـنا هـو بلـورة مفاهيم جـديدة للمـواطنة‪ ،‬أهـمها مـفهوم "الـمواطنة الدستورية‪ "2‬الذي‬
‫بـلـوره الفيلسوف األلـماني "هابرماس"‪ ،‬والذي يـناسب البـناءات اإلقـليمية التي تـتـجاوز الـمـحددات القوم ـية‬
‫الـمحلية‪ ،‬وم ـفهـوم "المواطنة المتنوعة ثقافيا" الـذي صاغه الفيلسوف الكندي "ويل كيملكا"‪ ،‬والذي يـالئم‬
‫الـمجتمعات ذات النسيج اإلثـنـي والديـنـي الـمـتـنوع‪ ،‬أيـن يطـرح فيها مـوضـوع األقليـات تـحديات بالنسبة للسلم‬
‫األهـلي والـوحدة الوطنية‪.‬‬
‫مـن هنا تتجلى أهمية وضـرورة اعتماد مقاربات جـديدة للمواطنة في اإلتـجاهين الـمذكورين‪ ،‬مع‬
‫وجوب التفكير في الـهياكل واألطر الـمؤسسية الضامنة والـحاضنة للتنوع الثقافي‪ ،‬والـحامية لـحقوق‬
‫األقـلـيات وكرامتهم‪ ،‬بـما يعـزز الشعور باإلنتماء للوطن‪ ،‬ويسند الـحكم في الـمجتمعات الـمتنوعة ثقافيا‪،3‬‬
‫خاصة وأن الشعور باإلنتماء إلى وطن والى شعب أو أمة يقوى كلما اقتـرن معنـى الوطن ومعنـى األمة‬
‫لدى الناس بالشعور بأن كرامتهم اإلنسانية تتحقق في ذلك اإلنتماء ومن خالله‪.‬‬

‫‪ 1‬ولد أباه‪ « :‬المواطنة والهوية في مسار التغيير العربي »‪.‬‬


‫‪http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=61713‬‬
‫‪ 2‬يعني بها هابرماس انسجام أفراد المجتمع السياسي مع المبادئ القانونية دات األهداف الكونية ويتعلق األمر بمبادئ العدالة‬
‫والديمقراطية والمساواة في المواطنة وحقوق اإلنسان‪ ...‬التي هي مبادئ مؤسسة لدولة القانون الديمقراطية الحديثة‪ .‬وليس للمواطنة‬
‫الدستورية شروطا قومية بالضرورة‪ ،‬وانما تتحدد وفق مبادئ معيارية وأخالقية شاملة‪ ،‬ال يمكن أن تختزل في نص دستوري لدولة‬
‫معينة‪ ،‬واذ ا كانت الثقافة القومية ضرورية للهوية القومية الضيقة‪ ،‬فإنها غير ضرورية للمواطنة الدستورية التي تحتاج فقط لثقافة‬
‫سياسية ليبرالية ومدنية ال يمكن أن تحتكرها ثقافة خصوصية معينة‪.‬‬
‫انظر‪ ،‬حسن مصدق‪« :‬يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت النظرية النقدية التواصلية»‪ ،‬بيروت‪ :‬المركز الثقافي‪ ،8115 ،‬ص‬
‫‪ ،090‬ص ‪.805‬‬
‫‪3‬ولد أباه‪ « :‬المواطنة والهوية في مسار التغيير العربي »‪.‬‬
‫‪http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=61713‬‬

‫‪60‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫وال ينبغي أن يؤخذ مفهوم الكرامة هنا بـمعناه األخالقي الدارج حصرا‪ ،‬بل ينبغي فهمه في مدلوله‬
‫حد السواء‪.‬‬
‫اإلجتماعي بوصفه مرادفا لـمعنى الشعور بإشباع الـحاجات اإلنسانية؛ الـمادية والـمعنوية على ّ‬
‫فالناس يتمسكون بأوطانـهم حينما َي ِق ّر في نفوسهم أنـهم يعيشون فيها بكرامة‪« :‬يـجدون العمل الشريف‪،‬‬
‫ويوفرون لقمة عيشهم‪ ،‬ويفيئون إلى مساكن تليق بـهم‪ ،‬ويرسلون أبناءهم إلى الـمدارس‪ ،‬ويـجدون العالج‬
‫ف الوطن عن أن يكون مـجرد‬ ‫وتتوافر لـهم فرصة تنمية مداخيلهم وترقية وسائل حياتـهم‪ .‬وعندها فقط َي ُك ُّ‬
‫جغـ ارفـيا‪ ،‬ليصبح الرحم والـحضن بالنسبة إليهم‪ ،‬فينمو بذلك شعور جميل بالعصبية اإليـجابية لـهذا‬
‫الحضن‪ ،‬الذي يمنح لوجودهم اإلنساني معنى‪ ،‬ويحملهم على الشعور بأنهم جزء من جـماعة يشرفهم‬
‫اإلنتماء إليها»‪.‬‬
‫ويـخطىء هنا من يعتقد بأن الوحدة الكيانية يصعب تحقيقها إال حينما يـحصل وعي فكري بها‬
‫وبغاياتها السامية‪ ،‬ألن الـمسألة ليست مسألة فكر أو ثقافة أو حتى أديولوجيا‪ ،‬إال لدى نسبة قـليلة من‬
‫لسـواد األعظم منه فمعياره‬
‫الـمجتمع تـنحصر في النخبة التي تـتوسل في أحكامها بـمقاييس نظرية‪ ،‬أمـا ا ّ‬
‫األول للحكم عـلى األشـياء – ومـنها قـضايا الس ـياسـة وأهدافـها العلـيا‪ -‬هو الـمصلحـة‪ ،‬بـل والـمصلحة‬
‫بـمعناها الـمادي العياني‪ ،‬وبالتالي ال يتصور أن يسعى أحد وراء تحقيق هدف التوحيد الوطني‪ ،‬ما لم تتبين‬
‫مصلحة واضحة من ورائه‪ ،‬أو فائدة مادية منه‪ ،‬والتي تتبين مما يتحقق من إنجازات ملموسة على مستوى‬
‫جبهات اإلقتصاد واإلجتماع والحقوق السياسية والثقافية‪.1‬‬
‫انطالقا من ذلك نستطيع القول أنه كلما أمكن التقدم في تـحسين شروط الحياة وخلق فرص العمل‬
‫وتعظيم المصالح اإلقتصادية‪ ،‬أمكن التقدم أكثر على طريق تسريع وتائر اإلندماج اإلجتماعي‪ ،‬وعلى‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬كلما تعرضت مناطق أو جـماعات اجتماعية للحيف والتهميش‪ ،‬مقارنة بمناطق أخرى أو‬
‫جـماعات أخرى مـحظوظة أو ذات امتياز‪ ،‬تعثرت عملية اإلندماج بسبب انكفاء من أصابـهم الحيف‪ ،‬جراء‬
‫غياب أي مصلحة تبرر لـهم اإلندماج في الكيان‪.‬‬
‫وليس من باب الـمصادفة أن تبدأ الكثير من دعوات اإلنفصال التي تبدأ بدايات متواضعة متمثلة‬
‫في المطالبة المشروعة برفع الغبن‪ ،‬المشاركة بـنصيب في السلطة‪ ،‬واإلعتراف بالحقوق الثقافية للجماعات‬
‫الفرعية‪ ،‬لتتصاعد تدريجيا بسبب تعنت الدولة إلى أن تبلغ حدود المطالبة باإلنفصال أو الفدرلة أو‬
‫‪2‬‬
‫الـحديث عن الجماعات الكبرى بوصفها جماعات غازية‪...‬‬
‫ما يعني أنه في نمط من اإلستعمال السياسي السيء‪ ،‬قد ينقلب مشروع التوحيد من مطلب‬
‫جـماعي أو مجتمعي إلى موضوع منازعة اجتماعية وسياسية‪ ،‬فيفقد بذلك شرعيته لدى قسم من المجتمع‬
‫ؤسس‬
‫وتفقد معه الدولة أيضا امتياز التسليم الجماعي بدور لها‪ ،‬لم يكن ينازعه فيه أحد‪ .‬ويقع ذلك عندما تُ ّ‬
‫فكرة التوحيد (اإلجتماعي والسياسي) على تدميـر الـخصوصيات ومـحـوها‪ ،‬أو على مـمارسـة عمـلية الدمج‬

‫‪1‬عبد اإلله بلقيز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.089-081‬‬


‫‪2‬‬
‫مرجع نفسه‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫واإللـحاق القسرييـن للجماعات الـمختلفة داخل الـجـماعة الوطنية‪ ،‬أو على مقـتضى تسلطي يهدر الـحريات‬
‫والـحقوق السياسية ويأخذ الـمجتمع إلى التوحيد الوطني من طريق إعدام السياسة‪...1‬في حين قلما تتردد‬
‫الناس في أمره إن سيق في سياق مشروع تنموي‪ -‬ديـمقراطي‪ ،‬يجيب عن حاجاتـها ويشعرها بأنـها مشاركة‬
‫في صنعه بإرادتـها الـحرة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تعزيز السلم والتعايش الديمقراطي داخل المجتمعات المتنوعة ثقافيا‬
‫يستدعي األمن المـجتمعي النجاح في مـزاوجة الوحدة والتنوع على الـمستويات السياسية‬
‫السلم الديـمـقراطي الـمطلوبيـن بـشدة‬
‫واإلقتصادية واإلجتماعية والثـقافـية‪ ،‬بـما يـخدم التكامل اإلجـتماعي و ِّ‬
‫لـبلـوغ أشكال جـديـدة للتضامن والـتعايـش اإلجتماعيين‪ ،‬ويحقق المسعى النهائي لألمن المجتمعي المتمثل‬
‫في تـحرير الناس مـن التهديدات الـهوياتية‪ ،‬حتى يكون بـمقدورهم العيش في بيئة آم ـنة وعادلة تـحترم‬
‫تنوعهم واختالفهم‪.‬‬
‫ويتطلب التكامل اإلجتماعي وفق ما جاء به مؤتـمر القمة العالـمي للتنمية اإلجتماعية‪ ،‬توافر‬
‫مـجموعة مـن المـحددات منها‪ :‬احترام التنوع‪ ،‬عدم التمييز‪ ،‬التسامح‪ ،‬التعددية‪ ،‬تكافؤ الفرص‪ ،‬التضامن‪،‬‬
‫األمن ومشاركة جـميع الناس‪ .‬لكن يبقى ترجـمة هذه القيم والـمبادئ إلى أوضاع حياتية ملـموسة ومعاشة‪،‬‬
‫أم ـر حساس جدا‪ ،‬وغــاية في الصعوبة والدقة‪ ،‬خاصة وأن الطـبيعة التعددية لـمعظم الـمجتمعات قد أسفرت‬
‫في عديد الحاالت عن خلق مشاكل لـمختلف الفئات في تـحقيق الوئام والتعاون وصونـهما‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن تحقيـق التكامل اإلجتماعي مـن حيث الوحدة والتـنـوع‪ ،‬يتطـلب على الـمستوى العملي وجـود‬
‫مـهارات وأوضاع خاصة كزيادة الوعي والتسامح لدى الغيـر‪ ،‬القدرة على التفاوض بشأن أوجه التباين‬
‫واإلختالف‪ ،‬إنـشـ اء مؤسسات إلقامة التوازن بين التكامل والتنوع‪ ،‬ووجود طائفة من الفرص العملية أمام‬
‫الفئات المستقطبة و المهمشة وغيرها من الفئات األخرى للمشاركة التامة في حياة مجتمعاتها المحلية‪،‬‬
‫وبلدانها على الصعد اإلجتماعية واالقتصادية والثقافية والسياسية‪.‬‬
‫أما في حاالت ما بعد الصراع‪ ،‬فيتطلب التكامل اإلجتماعي إحداث خطوات إضافية ومدروسة بدقة‪،‬‬
‫تقوم بصفة خاصة على‪:‬‬
‫‪ -‬العمل على إلتئـام العالقات الفردية والـجماعية داخل الـمجتمع الواحد لتحقيق هدف المصالـحة‪ ،‬من‬
‫خالل وضـ ع سلم لألولويات‪ ،‬يتضمـن اإلهتمام بـمسائل األذى النـفسي‪ ،‬وعالج مشاعـر الكراهـية‪ ،‬والـحـقد‪،‬‬
‫والتـغـ لب على تركـات الماضي‪ ،‬والـمساعدة على اإلعراب عـن الشعور بالنـدم والتشجيع على الصفح‪ ،‬مع‬
‫التسليم بالعالقات القائـمة في الـحاضر وتكوين رؤية مشتركة للمستقبل‪ ،‬مـما قد يساعد في نـهاية الـمطاف‬
‫على إعادة بناء إجتماعي عميق في مـجتمعات ما بعد الصراع‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد اإلله بلقيز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.007-001‬‬


‫‪62‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫‪ -‬وضع مشاريع وبرامج عملية تـجمع الفئات الـمستقطبة معا وتدمج الـمهمش منها‪ ،‬مـما يساعد في‬
‫معالـجة التفاوتات األفقية والعمودية‪ ،‬التي كثي ار ما تـهدد األمن الـمجتمعي وتشكل أساسا للصراع العنيف‪.‬‬
‫‪ -‬تعزيز الحوار اإلجتماعي‪ ،‬من خالل تنمية القدرات والـمؤسسات في مـجال احتواء الصراع على‬
‫مستوى المجتمع المدني بأكمله‪ ،‬واقامة أجهزة إداريـة قادرة على تـنظيم الـمصالح الـمتنافسة‪ ،‬والفصل بين‬
‫عملية اتـخاذ القرار والضغوط السياسية للجهات الفاعلة المستنفدة‪ ،‬واضفاء اإلنسجام على المصالـح‬
‫المـحلية والوطنية‪.1‬‬
‫‪ -‬ضمان مـشروعـية مؤسـسات الـحكم الرئيـسـية‪ ،‬بمعنى توافر خدمـة مدنـية مـحايدة وكـفؤة وخالــية م ـن‬
‫الفساد ومستجـيـبة الحتياجات جـميع الـمواطنين‪ ،‬وقوة للشرطة تلتزم بالـمعايير الدولية لـحقوق اإلنسان‬
‫وجـهاز عـسكري مساءل أمام السلطة الـمدنية‪ ،‬وجهاز قضائي متمرس يعمل بـمنأى عن أي نفوذ‪.2‬‬
‫وقد دشنت العديد من الدول التي شهدت حالة من الصراع مشوار الـمصالحة‪ ،‬من بينها دولة‬
‫غواتيماال التي عرفت حربا أهلية لمدة تقارب ‪ 11‬عاما‪ ،‬لكنها بدأت عملية المصالحة بإجرائها حوار وطني‬
‫شارك فيه ما يزيد عن ‪ 011‬منظمة‪ ،‬تعلمت من خالله التخاطب بشأن قضايا كانت في السابق يكتنفها‬
‫الكتمان‪ ،‬وأعقب هذا الـحوار جهود لتحديد احتياجات الضحايا‪ ،‬وتهيئة األوضاع التي تسمح لـهم بالصفح‬
‫عن الذين اعتدوا عليهم‪ ،‬وفي مرحلة الحقة أضفي على هذه الترتيبات طابع مؤسسي اتخذ شكل لجنة‬
‫للتحقيق في انتهاكات حقوق اإلنسان‪.3‬‬
‫بالمحصلة‪ ،‬فإن اإلنتعاش بعد الـحروب والصراعات العنيفة‪ ،‬ال بد من أن يستتبعه تـحـول جذري‬
‫داخل الدولة‪ ،‬إذ ال مجال لتكرر حالة ما قبل الصراع العتبارين إثنين؛ أولهما تغير العالقات اإلجتماعية‬
‫بصورة ال رجعة فيها بعد النزاع‪ ،‬وثانيهما هو الـحاجة الـملحة إلى تفادي تنمية األسباب الجذرية للنزاع‪،‬‬
‫بـما في ذلك تـحديد أسباب عدم التكامل اإلجتماعي‪ ،‬خاصة وأن المجتمعات التي هي بصدد الـخروج من‬
‫دوامة اإلضطرابات الشديدة‪ ،‬لها احتياجات خاصة تـختلف عن نوعية احتياجات المجتمع المستقر‪.‬‬
‫لذلك فهي تتطلب عادة إعادة ترتيب لألولويات العادية‪ ،‬والـحاق أولويات جديـدة تكـون مـقبولة مـن الناحيـة‬
‫السياسيـة‪ ،‬ومالئـمة في الوقت ذاته لواقـع التنـوع الثـقافي؛ كإصالح قـطاع األمــن‪ ،‬إقامــة حكم القانون‪،‬‬
‫العدالة اإلجتماعية وحقوق اإلنسان‪ ،‬أو حتى اتـخاذ تدابير جديدة إلقتسام السلطة‪.‬‬

‫‪ 1‬تقرير األمين العام‪ « ،‬تعزيز التكامل اإلجتماعي في حاالت ما بعد الصراع »‪ ،‬اللجنة التحضيرية للدورة اإلستثنائية للجمعية العامة‬
‫المعنونة "مؤتمر القمة العالمي للتنمية اإلجتماعية وما بعده‪ :‬تحقيق التنمية اإلجتماعية للجميع في عالم معولم"‪ ،‬الدورة الثانية ‪-1‬‬
‫‪ 08‬أبريل ‪ ،8111‬الجمعية العامة‪ ،8111 ،‬ص ‪ ،02‬ص ‪.08‬‬
‫‪2‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪63‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫ويتوقف كل ذلك على طبيعة األضرار التي لحقت بها والحالة النفسية والمادية لسكانـها‪ ،‬وقدرة مؤسساتها‬
‫ومصداقية حكوماتـها ودور الجهات الفاعلة الدولية فيها ومواردها التي تساهم بها‪.1‬‬
‫وهناك ضرورة ألن تلعب الحكومة بالتعاون مع المجتمع المدني‪ ،‬دو ار أساسيا في تحقيق التكامل‬
‫وتكريسه‪ ،‬على اعتبار أنه سياسة من سياسات الحكومة‪ ،‬ال أن ينظر إليه باعتباره من النواتج الفرعية‬
‫لغيره من األنشطة‪ ،‬لكن قد يصعب أداء هذا الدور عندما تنهار الـحكومة أو يـكون لـها يـد بالصراع‪ ،‬ما‬
‫يجعل من استعادة الـحكم الرشيد شـرطا البـد مــنه لتحقيق التكامل اإلجتماعي‪ ،‬بـما في ذلـك استعـادة‬
‫العناصـر التقليدية؛ من قبيـل سيادة القانــون؛ األمــن؛ حقــوق اإلنسان؛ الشفافيــة والشــرعـية‪.‬‬
‫إلى جانــب ذلك‪ ،‬يجب إضفـاء الطابـع الـمؤسسي على التكامل اإلجتماعي‪ ،‬والـذي يستلــزم‬
‫سياسات ومـمارسات في الحكم تتـسم بالشمول‪ ،‬و هنا نجد أن األطـر الالزمة لتحقيـق الشمول‪ ،‬تفوق في‬
‫أهـميتها المحاوالت التي تبذلـها الحكومات الستنساخ نـموذج معين أو آخر من نـماذج الحكم‪.2‬‬
‫خاصة وأن النتائج اإليجابية في مزاوجة الوحدة والتنوع ال تقتصر على مجرد منع نشوب النزاعات فقط‪،‬‬
‫بل تتجاوزه إلى تـحقيق شروط السلم الديمقراطي‪ ،‬وبلوغ حالة من السلم األهلي بين جـميع الـمكونات الثقافية‬
‫للدولة كأفراد وجـماعات‪ ،‬وال بد أن تتشكل هذه الـحالة كنـتاج لوجود ثقافة وآليات ديـمقراطية تكرس‬
‫اإلختالف والتعددية‪ ،‬وتؤسـس لدولة الـحوار والـمشاركة ال اإلمالء واإلقصاء‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن الـمجتمعات تزدهـر عندما تكون أصوات الـجميع مسموعة‪ ،‬وتـؤخد كل اآلراء بـعيـن‬
‫اإلعتبار‪ ،‬وتتاح فرصة المشاركة لجـميع الـمواطنين‪ ،‬وعندما توظف المواهب الموجودة لدى الطوائف كافة‬
‫في اإلسهام في الـمؤسسات السياسـية‪ ،‬لـذا يـنبغي أن تـنظر الـدول في تـهـيـئة الظروف التي تـتيح م ـشاركة‬
‫األقليات بـفعالية‪ ،‬باعـتبار ذلـك جان ـبا ال ينفصل عن الـحوكمة الرشيدة‪ ،‬وأولوية رئيسية في جهود تلك‬
‫الدول لتحقيق المساواة وعدم التمييز‪.3‬‬
‫وقد استخدم مفهوم "السلم الديمقراطي" الذي تعود جذوره ألفكار مفكري القرن الخامس عشر‬
‫وطروحات الـمفكر األلـماني إيـمانويل كانط في القرن التاسع عشر‪ ،‬للترويج للقيم الليبرالية وفق منطق‬
‫مفاده أن السلم العالـمي يـستـدعي الديـمقراطية‪ ،‬والديـمقراطيات ال تـتحارب فيما بينها‪ ،‬لقيامها على العقالنية‬
‫والـحوار واإلجـماع لـذا فـهي تغلب الوسائل الديبلوماسية على الحلول العسكرية‪ .‬لكن إلقاء نظرة على‬
‫التحليل الـموضوعي للسياسة العالـمية‪ ،‬يرينا بأن أغلب الـحروب والـحمالت العسكرية والعدائية في العالم‬
‫وقفت وراءها أنظمة ديـمقراطية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫تقرير األمين العام‪ « ،‬تعزيز التكامل اإلجتماعي في حاالت ما بعد الصراع »‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.15-18‬‬
‫‪2‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪ « 3‬تقرير الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان‪ ،‬المدنية والسياسية‬
‫واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في التنمية »‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.01‬‬

‫‪64‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫لكن بـمعنـى الـهـندسـة السياسـية‪ ،‬يـقتـضـي بلوغ السلم اإلجتماعي بـأشـكاله السـياسية‪ ،‬الثـقافـية‪،‬‬
‫اإلجـتماعـية‪ ،‬واإلقتصادية‪ ،‬توافر مـجموعة مبادئ رئيسية نذكر منها‪:1‬‬
‫‪ -0‬ضرورة تطوير وتكريس ثقافة ديمقراطية تؤسس لإلختالف‪ ،‬التعددية والحوار وتبني عليها‪.‬‬
‫‪ -8‬ضرورة تفعيل شروط الـمشاركة السياسية‪ ،‬لخلق حركية حوار دائم قادرة على احتواء األزمات قبل‬
‫تـحولها لشروخات سياسية وصدامات اجتماعية عنيفة‪ ،‬وذلك يتطلب جعل المشاركة السياسية حركية بناءة‬
‫في عمليات التجديد المؤسساتي‪ ،‬التداول السياسي والرقابة على السلطة التشريعية‪.‬‬
‫‪ -1‬تمكين القضاء المستقل من فرض قواعد دولة الحق والقانون كشرط أساسي لتمكين اإلنسان‪-‬‬
‫المواطن من حقوقه‪ ،‬ودرء الفساد ومعاقبة التعسف‪.‬‬
‫‪ -8‬ضرورة جعل العدالة التوزيعية الـمعيار األساسي الـمحدد لسلوك الدولة لـمنع التهميش‪ ،‬اإلحباط‪،‬‬
‫التطرف والعنف‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬شروط تفعيل األمن المجتمعي وتحقيق أهدافه‬


‫إ ن األمن الـمجتمعي بـمفهومه التكاملي الشمولي‪ ،‬ال يـمكن تـحقيقه إال مـن خالل فتح المجال‬
‫لديمقراطية أكثر تشاركية‪ ،‬تـجمع بين التكامل والتفاعل بين الحقوق والسياسات‪ ،‬ألن التصور الـموسع‬
‫لألمن الـ مجتمعي قائم قبل كل شيء على مـجموعة من الشروط البنائية األساسية‪ ،‬التي تساهم في استقرار‬
‫الـمجتمعات‪ ،‬الـحكومات والدول بصفة عامـة‪ ،‬كونـها نقطة اإلرتكاز الرئيسية في بناء األمن المجتمعي‬
‫واإلنساني عامـة‪ .‬وتتمثل هذه الشروط في اإلعتراف بالكرامة اإلنسانية والـجوهرية لـجميع البشر‪ ،‬واحتـرام‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬انتــشار سيادة القانون وعدالــته‪ ،‬استـتـباب النظام والديـمقراطية الـحقة‪ .‬هاته األخيرة تعد‬
‫العمود الرئيسي في بناء األمن المجتمعي وتفعيل استراتيجياته وتحقيق أهدافه‪ ،‬على اعتبار أن الـمواطنة‬
‫الكاملة الغيـر المنقوصة هي الجوهر الحقيقي لألمن الـمجتمعي الضامن للتنوع الثقافي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الديمقراطية الـمشاركاتية كنموذج حكم‬


‫يستلزم األمن الـمجتمعي إلى جانب وجود دولـة فاعلة قادرة على خلـق الظروف السياسية الـمالئمة‬
‫إلحداث اإلصالح الضروري المطلوب منها‪ ،‬وجود وتوافر حيز ديـمقراطي يستطيع الناس التعبير فيـه عن‬
‫مطالبهم‪ ،‬ويـملكون في إطاره القدرة على العمل جـماعيا‪ ،‬والـمكافحة من أجل توزيع السلطة يكون أكثر‬

‫‪1‬‬
‫محند برقوق‪« :‬مفاهيم في السياسة المقارنة الجديدة»‪.‬‬
‫‪http://www.politics-ar.com/ar/‬‬

‫‪65‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫عدال‪ ،‬والعمل أيضا من أجل إقامـة عدالة توزيعـية بيـن أفـراد الشعب الواحد‪ ،‬وعندما تـتوافر هذه البيئة فقط‬
‫يـمكن أن يؤمن الناس بقدرتهم على إحداث التغيير المرجو‪.1‬‬
‫والحقيقة أن مـطـلب تـحـقـيق الدولة الديـمـقراطية الـقويـة والـمـستقرة‪ ،‬لـم يـعـد مـحل خالف على‬
‫الصعـيد النظري‪ ،‬فحتى القوى العقائدية التي كانت ترفـضـه أصـبحت تـنادي ب ـه‪ ،‬وهو اآلن مطلـوب على‬
‫عبـر عـنـه خـطاب األمم الـمتحدة لأللفية الثالثة‪ ،‬ومطلوب على الصعيد اإلفـريقي‬
‫الصعيد الدولي‪ ،‬مثلما ّ‬
‫كما جاء في بـرنامج النـيباد‪ ،‬ومطلوب أيضا على الصعيد العربي كما جاء في تقرير منظمة األمم المتحدة‬
‫حول التنمية البشرية في العالـم العربي لعام ‪ ، 8118‬وهو أيضا مطلب الفكر اإلسالمي الـمستنير‪2‬؛ كونـها‬
‫م َّ‬
‫ركب مأمـون إلى بـناء األوطـان وقـيام األمم‪ ،‬وبـها يـتحـقق الـوجه السياسي لإلندماج اإلجتماعي الذي ال‬ ‫ُ‬
‫يتم تـوحيد وطنـي بدونه؛ خاصة و أنـها تـوفـر سبـيال آمـنا نـحو نـمو الوعي الجمعي بفائدة المواطنة في‬
‫حفظ الحقوق العامة وصونها‪.3‬‬
‫دق‪ ،‬يتوقف نـجاح استراتيجيتـي األمن المجتمعي وتـحقيق أهدافها‪ ،‬على اتباع نظام حكم‬
‫بعبارات أ ّ‬
‫ديـمقراطي مـشاركاتـي مـؤسـسي وعملي‪ ،‬يعـطي معنـى لـحقـوق اإلنسان وحـرياتـه األساسـية‪ ،‬وقـادر على‬
‫إنـتاج اإلطـار السـياسي األمثل لتجسيد هذه الـحقوق على أرض الواقع‪ ،‬وأيضا إدراج شـرائح واسعة مـن‬
‫الـناس في العـملـية السـياسـ ية‪ ،‬بناء على توافر قنوات شرعية تـمكنهم من التأثير في عملية اتخاذ القرار‬
‫السياسي وفقا لـما يـخدم مصالحهم‪.4‬‬
‫هذا الشكل الـجديد من الديـمقراطية قد برز في إطار البحث عن الحكم الراشد كحل لـمعالجة أزمة‬
‫الديـمق ارطية التمثيلية‪ ،‬التي لـم تُغيَّب بالـمطلق كون الديـمقراطية الـمشاركاتية لـم تستهدف الحلول محلها‬
‫وانـما التعايش معها بغية منح نفس جديد للحياة الديـمقراطية وتعميقها أكثر‪.5‬‬
‫ويندرج ضمن الـمتطلبات األساسية للديمقراطية المشاركاتية‪ ،‬تفعيل الـمشاركة السياسية كحق سياسي‬
‫مـحوري هادف للوصول إلى حـد أقـصى مـن الشفافية والعـقالنية السياسية‪ ،‬وتـحقيق العدالة والـمسؤولية‬
‫بالـجزاء‪ ،‬ما يفرض ضـرورة تكريـس مـحوريـة الـمواطن في العمـلية السـياسية‪ ،‬وجعـل حقـوق اإلنـسان بـمـثابـة‬

‫‪ « 1‬إدارة الحكم لخدمة التنمية البشرية المستدامة‪ ،‬وثيقة للسياسات العامة لبرنامج األمم المتحدة اإلنمائي »‪ ،‬برنامج األمم المتحدة‬
‫اإلنمائي‪ ،‬يناير ‪ ،0779‬ص ‪.19‬‬
‫‪2‬‬
‫« تحصين السلم ببناء الدولة القادرة والعادلة وخلق التوازن الداخلي بإدارة التنوع والتباين الديمغرافي والعقائدي »‪ ،‬ندوة علمية‪،‬‬
‫ص ‪.1‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد اإلله بلقيز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.895‬‬
‫‪4‬‬
‫عبد الحليم الزيات‪ « :‬التنمية السياسية‪ :‬دراسة في اإلجتماع السياسي »‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار المعارف‪ ،0791 ،‬ص‬
‫‪.011‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Chaire de recherché du canada en mondialisation: « Citoyenneté et démocratie », Document de travail de la‬‬
‫‪chaire MCD, Numéro 02, 2004, p 16.‬‬

‫‪66‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الـخارطة القـيمـية الـموجهة لتفاعالت الدولة والـمـجتمع‪.1‬‬


‫لكن تجسيد ذلك على أرض الواقع يوجب على الشعوب إثبات نفسها على الصعيد الديـمقراطي‪،‬‬
‫وانتزاع الـمكانة التي تستحقها بصفتها صاحبة القرار في كل ما يتعلق بـحاضرها ومستقبلها‪ ،‬خاصة في‬
‫ظل عالـم اليوم الذي يشهد تـحوال مستم ار نـحو حقبة اإلدارة الـمحلية‪ ،‬نتيجة الشمولية التي باتت أكثر‬
‫ترسخا ويصعب السيطرة عليها‪.‬‬
‫وهو ما أك ـد عليه إعالن فيينا لعام ‪ 0771‬الذي اعتبر الديمقراطية حقا من حقوق الشعـوب‪ ،‬وشرط‬
‫جوهري ال غنى عنه لنيل الحقوق اإلنسانية‪ ،‬هذا الـحق هو الذي يشكل عمـ ـ ـاد األمـ ـن الـمجتـمعي‪ ،‬األمن‬
‫الثقافي واألم ـ ـن اإلنسـ ـاني علـى ح ـد الس ـواء‪ ،‬ألن ـه يض ـع الـمواطنين وحقـوقهـم ف ـي صلب العمليات الوطنية‬
‫بـمختلف توجهاتها‪ ،‬ويـجعل من الـمواطن المحور األساسي لألمن عامة‪.2‬‬
‫هذا وتسمح مأسسة المشاركة بتنظيم الـممارسات التشاركية‪ ،‬وضمان مبدأ مساواة الـمواطنين أمام‬
‫القانون بشكل أفضل‪ ،‬وذلك من خالل مكافحة دوائر القرار الـمقتصرة على العالقات الشخصية‪ ،‬ما يقطع‬
‫الطريق أمام الفساد والـمحسوبية‪.3‬‬
‫وال تقتصر فوائد الـمشاركة الديـمقراطية في الحكم على األنظمة السياسية العامة فقط‪ ،‬ولكنها تَ ُع ّم أيضا‬
‫مـختلف قطاعات ومستويات صنع السياسة‪ ،‬فعلى سبيل الـمثال‪ ،‬كلما اتسع نظام الـمشاركة العامة في‬
‫صنع الق اررات حول كيفية وأماكن إنفاق الـموارد القليلة الـمتاحة للخدمات الصحية والتعليمية‪ ،‬أدى هذا‬
‫اإلنفاق إلى تحسين المستوى الصحي والتعليمي لعدد أكبر من الناس‪ ،‬خاصة منهم الفئات المحرومة‬
‫والمهمشة‪.‬‬
‫وحين يتم التشاور مع عدد كبير من األطراف صاحبة الـمصلحة‪ ،‬والسماح لـها بإجراء حوارات‬
‫عامة أكثر استنارة وأشد قوة‪ ،‬وتكون لدى األفراد حرية الـمشاركة والتعبير عن أنفسهم‪ ،‬ولدى الـمنظمات‬
‫حرية التعبئة واإلحتجاج‪ ،‬وتكون وسائل اإلعالم حرة فيما تكتبه وتنشره‪ ...‬تكون الحكومة أكثر احتماال‬
‫للمساءلة‪ ،‬وأكثر ميال إلى احترام القانون ووضع الشعب بكافة أطيافه موضع اإلعتبار‪.4‬‬
‫لذلك تعتبـر أوجه القصور في الديـمقراطية ونقاط الضعـف في الـمؤسسات‪ ،‬مـن التحديات الرئيسية‬
‫التي تـواجـه اإلعمال الفعال لـحقوق اإلنسان‪ ،‬ما يوجب التركيز على تعزيز اإلطار القانوني الـمتصل‬
‫بـحماية حقوق اإلنسان (اإلصالح الـمؤسسي والقانوني)‪ ،‬وبناء القدرات‪ ،‬وتـمكين قطاعات الـمجتمع‬

‫‪ 1‬محند برقوق‪« :‬مفاهيم في السياسة المقارنة الجديدة»‪.‬‬


‫‪http://www.politics-ar.com/ar/‬‬
‫‪2‬‬
‫‪«Democracy, National security and foreign policy».‬‬
‫‪http://www.ndu.edu/inss/symposia/Pacific2005/widjojo.pdf‬‬
‫‪" 3‬تقرير بحث عن الديمقراطية التشاركية في التنظيم المدني"‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪www.transparency-lebanon.org/reports/majallta1ar.pdf‬‬
‫‪ 4‬محمد درويش‪« :‬مرتكزات الحكم الديمقراطي وقواعد الحكم الراشد»‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،8101 ،‬ص‬
‫‪.071‬‬
‫‪67‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الضعيفة والـمحرومة‪ ،‬والقيام بزيادة الوعي لدى جـميع األطراف والفاعلين‪ ،‬ويعتبر التثقيف في مـجال‬
‫حقـوق اإلنسان‪ 1‬والتربية عليها‪ ،‬مـن وسـائل زيادة حساسية الـمجتمعات بشـكل عام تـجاه قـضايا حقوق‬
‫اإلنـسان‪ ،‬وأيـضا سـبيال أسـاسيا في إيـجاد بـيئة مساعـدة على تـفعيل حقـوق اإلنـسان وضمان منع‬
‫انتهاكها‪.2‬‬
‫وبـهدف تفعيل سبل الـمشاركة في عملية صنع القرار‪ ،‬يـجدر بداية تنظيم برمـجية تسمى"الطريقة‬
‫التنازلية‪/‬الطريقة التصاعدية"‪ ،‬بشكل يـخلق تفاعال مستم ار بين الشعب وصانعي القرار‪ ،‬ويفسح الـمجال‬
‫أمـ ـام تنوع وسـ ـائل التعبير من خـ ـالل مـنح األفضـلية لإلنـصات‪ ،‬والـحـ ـوار‪ ،‬والنـقاش‪ ،‬وتـشـجيع تـب ـادل اآلراء‬
‫الـمدعمة بالـحجج واإلقـتـراحات الـمحفزة‪ ،‬ما يساعد في تـحديد الـمصلحة العامة بشكل أفضل‪.3‬‬
‫معنى ذلك‪ ،‬أنه يصعب تـجسيد ذلك دون وجود مـجتمع مدني* فاعل ونشط‪ ،‬ألن الـمشاركة‬
‫السياسية هي في حقيقة األمر تشكل البعد السياسي لوجود الـمجتمع المدني‪ ،4‬الذي يستحيل في غيابه‬
‫تفعيل وتعزيز الديمقراطية المشاركاتية الـهادفة إلى إشراك كافة أطياف الـمجتمع في التعبير الديـمقراطي‬
‫عن حاجاتـهم األساسية‪ ،‬تطلعاتـهم وكينونتهم السياسية‪.5‬‬
‫من هنا‪ ،‬يظهر دور الـمجتمع الـمدني في مجال دعم الديـمقراطية الـمشاركاتية‪ ،‬كونه أهم القنوات المتاحة‬
‫أمام الناس للتعبير عن وجودهم والـمشاركة في بناء السياسات العامة‪ ،‬تقييمها وتعديلها‪ ،‬بـما يـخدم‬
‫مصالحهم ويـحقق إنعاشا لحقوقهم وحرياتهم‪.6‬‬
‫لكن الـحكم الراشد هو الذي يؤدي إلى تـحقيق الحكم الديـمقراطي الـمستند على الـمشاركة والـمحاسبة‬
‫والرقابة‪ ،‬وتبقى الديـمقراطية هي الـمؤشر الرئيسي من وجهة النظر السياسية على وجوده‪ . 7‬ما يـحيلنا‬
‫مباشرة إلى التطرق لـمفهوم الحكم الراشد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد درويش‪« :‬مرتكزات الحكم الديمقراطي وقواعد الحكم الراشد»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.897‬‬
‫‪2‬‬
‫منظمة األمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة‪« :‬حقوق اإلنسان أسئلة واجابات»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪« 3‬تقرير بحث عن الديمقراطية التشاركية في التنظيم المدني»‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪www.transparency-lebanon.org/reports/majallta1ar.pdf‬‬
‫* يـمكن تعريف الـمجتمع الـمدني بأنه الـمؤسسات واآلليات اإلجتماعية الـمستقلة وجوديا ووظيفيا عن مؤسسات السلطة السياسية‪،‬‬
‫وآلياتـها لـحماية مصالـح أعضائها وتـحقيق أهدافهم خارج نطاق هذه السلطة وفي مواجهتها‪.‬‬
‫انظر‪ ،‬علي عباس مراد‪« :‬ديمقراطية عصر العولمة»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪4‬‬
‫علي عباس مراد‪« :‬المجتمع المدني والديمقراطية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Laurent Peche: Op Cit, pp 15-16.‬‬
‫‪ 6‬صالح ياسر‪« :‬دور منظمات المجتمع المدني في التحول نحو الديمقراطية في العراق»‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=254993‬‬
‫‪7‬‬
‫غربي محمد‪« :‬الديمقراطية والحكم الراشد رهانات المشاركة السياسية وتحقيق التنمية»‪ ،‬دفاتر السياسة والقانون‪ ،‬أفريل ‪،8100‬‬
‫ص ‪.199‬‬
‫‪68‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الـحكم الراشد كنموذج تسيير‬


‫لـم يكن لـمصطلح الـحكم الراشد منذ عشريتيـن من الزمن‪ ،‬أي مدلول أصيل على الصعيد العالـمي‪،‬‬
‫لِ َدى فـقد شكل اإلهتمام الـمتزايد الذي حظي بـه‪ ،‬واإلستخدام الـمكثف لـه في نـهاية التسعينات من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬أمـ ار مفاجـئا للعـديد مـن الـمتتبعيـن‪ ،‬خاصة اإلقتصادييـن منهم‪.‬‬
‫فبينما ارت ـبطـ هذا الـمفهوم في ب ـدايات ظـهـوره بالـمجال اإلقـتصادي‪ ،‬وبـتـطـلعات الـتنمـية ومكافحة‬
‫الفساد‪ ،‬وتـرشـيد إدارة الشـأن الـعام في البـلدان التي اضـطـرت للجوء إلى المؤسسات المالية الدولية إلخراج‬
‫اقتصاداتـها من اإلختناق‪ ، 1‬نـجده أصبح بعد نـهايـة الحـرب ال ـباردة معـيا ار أسـاسـيا لـتصنـيف األنـظمة‬
‫السـياسية‪ ،‬وشـرطا ال بـد منه لدفـع عـجـلة التـنمـية في دول العالم الثالث‪ ،‬ومقياسا لـمدى نجاعة الحكم‬
‫المحقق للديـمقراطية وحقوق اإلنـسان والتـنمية اإلنسانية المستدامة في الدول المتقدمة‪.‬‬
‫ويـعـود السبب في ذلـك‪ ،‬إلى ت ـنامي فكـر جـديـد مـنذ التسعينات‪ ،‬مـفاده إدراك العـالقـة واإلرتـباط‬
‫الـموجودين بيـن حقلي السياسة والتنمية باعتبارهـما نشاطين غير متناقضين‪ ،‬عكس ما كان يعتقد لسنوات‬
‫عديدة مضت‪ ،‬أين كان ينظر للتنمية كمتغير مستقل بذاته عن مـجال السياسة‪ .‬لكن حاليا صار األمر‬
‫مـختلفا‪ ،‬نتيجة تزايد اهتمام علماء السياسة بدراسة الدمقرطة وانتقال الـحكم‪ ،‬وأصبحت بذلك مفاهيم‬
‫الـحريات وحقوق اإلنسان مـصـدر اتـهامات مـتبادلة بين الدول‪ ،‬واألكثر من ذلك‪ ،‬أصبحت مساعدات‬
‫التنمية مشروطة بـمدى التعهد باحترام تلك الـمفاهيم والمبادئ وتـحسين تطبيقها‪.2‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬يـمكن القول أن فترة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات‪ ،‬هي الفترة التي طرح فيها مفهوم‬
‫"الحكم الراشد" من قبل الـمؤسسات الـمالية الدولية وهيئات التعاون الدولي‪ ،‬بعد أن تـم جلبه من طرف البنك‬
‫الدولي الذي استغله في تشخـيص األزم ـة اإلقتصادية في إفـريـقـيا في ‪ 0797‬في تقريره حول "إفريقيا‬
‫السمات العامة للحكم السيء في دول‬
‫تضمن ِّ‬
‫ّ‬ ‫جنوب الصحراء من األزمة إلى النمو المستدام"‪ ،‬والذي‬
‫المنطقة‪.3‬‬
‫ومنذئذ اكتسب الحكم الراشد صدى واسعا وجدال كبي ار‪ ،‬سواء على الصعيد األكاديـمي أو على مستوى‬
‫مختلف الـمؤسسات الدولية الـمهتمة بالتنمية‪ ،‬أيـن قُ َّدمـت العـديـد من التـفسيرات لـظهوره وانـتشاره‪ ،‬وطُ ِرحت‬
‫الكثـيـر من اإلجتهادات حول داللته‪ ،‬وجرى اإلتفاق على استحالة تحقيق التنمية في ظل غياب هذا النمط‬
‫من الحكم‪ ،‬وعلى ضرورة عـناية الدول الناميـة بالـحكم الراشد في تطبيق سياساتـها التنموية‪ ،‬كما عـاد‬

‫‪1‬‬
‫‪Kouider Boutaleb: « Démocratie, État de droit et bonne gouvernance en Afrique : le cas de l'Algérie»,‬‬
‫‪in proceeding of collègue « développement durable leçons et perspectives » atelier démocratie, État de droit et‬‬
‫‪bonne gouvernance, Ouagadougou, 31 mai-1juin 2004, p 19.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Goran Hyden: « African Politic in comparative perspective », Cambridge: University Press, pp 9-10.‬‬
‫‪http://assets.cambridge.org/97805218/56164/frontmatter/9780521856164_frontmatter.pdf‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Jen Fabre: Meisel & Ould Aoudia: « Conception de la gouvernance : Regards croisés de la Banque‬‬
‫‪mondiale », de la commission européenne et du PNUD, P 17.‬‬
‫‪69‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫احترام حقـوق اإلنسان مـعيا ار غير قابل للتنازل‪ ،‬إلى جانب الشفافية والمساءلة ودعم حكم القانون لتحقيق‬
‫الرشادة من أجل التنمية‪.1‬‬
‫وفق هذا الطرح يتجسد مفهوم الـحكم الراشد في جوانب التسيير من جهة‪ ،‬واصالح الدول من جهة‬
‫ثانية‪ ،‬وهي األطروحة التي تبناها البنك الدولي في بدايات ظهور هذا الـمفهوم ‪ ،0779-0771‬لكن هذا‬
‫وجـه (النيوليبرالي)‪ ،‬وانـما من حيث إضافـة متغـيرات أخرى‬
‫التصور شهد تـطـو ار ملموسا ليـس مـن حيث التـ ّ‬
‫الهـتمامات الـحكم الـراشد ضمـن استراتيجية البنك الدولي‪ ،‬خـصـوصا مع بدايـة القرن الواحـد والعـشرين‪،‬‬
‫بع ـدما تبيـن أن السياسات والبـرامج التنموية التي طبقت في الدول ال ِ‬
‫ـمد َينة ال يـمكنها أن تعطي النتائج‬
‫الـمتوقعة منها‪ ،‬إذا لـم يتم األخذ بعين اإلعتبار الجوانب السياسية‪ 2‬جنبا إلى جنب مع اإلصالحات‬
‫اإلقتصادية واإلدارية‪.‬‬
‫وهو ما ظهر في تقرير التنمية في العالم لسنتي ‪ 8111 -0777‬بعنوان "الدخول في القرن‬
‫الواحد والعشرين"‪ ،‬الذي أعـاد اإلعتـبار لـمحددين أساسيين لـمفهوم الـحكم ذكرهـما تقرير البنك سنة ‪0778‬‬
‫حول "الحكم والتنمية"‪ ،‬واللّذان تـم اعتبارهـما خارج اهتمامات البنك الدولي آنذاك‪ ،‬وهـما‪:‬‬
‫‪ -‬شكل النظام السياسي؛‬
‫‪ -‬قدرة الحكومة على تصور وصياغة وتنفيذ السياسات والقيام بوظائفها؛‬
‫وفي ذلك تأكيد على ضرورة اإلنفتاح على الـمعطى السياسي‪ ،‬وهو مـا تـجلى بشكل واضح في الفصل‬
‫الـخامس مـن هذا التقرير الذي أتى تـحت عنوان "اللمركزية‪ :‬إعادة التفكير في الـحكومة"؛ والذي حـمل‬
‫توجها واضحا نـحو ربط الالمركزية بنظام سياسي قائم على مبادئ التعددية الليبرالية والمشاركة‬
‫الديمقراطية‪.3‬‬
‫وما يفيد باهتمام البنك الدولي بالعالقة بين الـمشاركة والـحكم الراشد‪ ،‬هو تركيزه على أسلوبين لتفعيل‬
‫الـمطالب والـمساءلة‪ ،‬يتعلق األول بالالمركزية في القطاع العام‪ ،‬أما الثاني فيرتبط بتمكين الجماعة القائم‬
‫على التنظيم بواسطة تدعيم المشاركة الشعبية في الحكم‪.4‬‬
‫في اإلتجاه نفسه‪ ،‬سارت تصورات اإلتـحاد األوروبي وبـرنامج األمم الـمتحدة اإلنـمائي حول الـحكم‬
‫الراشد؛ حينما لـم يعتبراه مـجرد وسيلـة لتحقيق الفعالية والتسـيير النـزي ـه للشؤون العـامة وفـقط‪ ،‬وانـما جعاله‬
‫أيضا وسيلـة إلقامة الدولة الحقوقية التي تحترم فيها حقوق اإلنسان والمبادئ الديـمقراطية‪ .‬وبالتالي كالهـما‬

‫‪1‬‬
‫‪Pierre Lemieux, Atelier thématique « Démocratie, état de droit et bonne gouvernance », p56.‬‬
‫‪http://www.francophonie-durable.org/documents/colloque-ouaga-rapport-a5.pdf‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Angel Saldomando:« les non-dits de la bonne gouvernance : pour un débat politique sur la pauvrete et la‬‬
‫‪gouvernance», Edition Karthala, 2001, p 104-105.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bonnie Campbell: « Gouvernance: Un concept apolitique? », Séminaire HCCI « le développement‬‬
‫‪pour un débat politique », Bourdau (France), 2000, p 25.‬‬
‫‪http://www.ieim.uqam.ca/IMG/pdf/Campbell-Gouvernance-concept-apolitique.pdf‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ronald W. Johnson: Henry P. Minis, Jr: « Toward Democratic Decentralization: Approaches to promoting‬‬
‫‪Good Governance », p 08.‬‬
‫‪https://www.rti.org/pubs/Toward_demo_decen.pdf‬‬
‫‪70‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫اعتمدا مقاربة سياسية للحكم‪ ،‬يشترط فيها الـحكم الديمق ارطي واحترام حقوق اإلنسان‪ ،‬من أجل بناء حكم‬
‫ـمأسسة والقائم على الديمقراطية الليبرالية‪.1‬‬
‫قائم على درجـة عاليـة من ال َ‬
‫وفي وثـيقة صـدرت في عام ‪ 0779‬بـعــنوان " الـحكم من أجل التنمية البشرية المستدامة" تـم‬
‫تـعـريـف الـحكم الراشد مـن طـرف بـرنامج األمـم الـمتحدة اإلنـمائي عـلى كـونه‪ " :‬العمليات والـهياكل التي‬
‫تقود العالقات السياسية والسوسيو‪ -‬اقتصادية بشفافية ومسؤولية"‪ .2‬وفيها تم تحديد تسع خصائص للحكم‬
‫الراشد ممثلة في‪:3‬‬
‫‪ -0‬المشاركة‪ :‬يجب أن يكون لـجميع أفراد المجتمع دون تمييز‪ ،‬رأي في صنع القرار واتخاذه‪ ،‬سواء‬
‫بطريقة مباشرة أو من خالل مؤسسات الوساطة الـمشروعة‪.‬‬
‫‪ -8‬حكم القانون‪ :‬ينبغي لمؤسسات القانون أن تكون عادلة‪ ،‬وتولي اهتماما خاصا لقوانين حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -1‬الشفافية‪ :‬وتبنى على حريـة تدفـق الـمعلومات وسهولـة تبادلـها لكافة الـمؤسسات وجـمـيع األطـراف‬
‫الـمعنية‪ ،‬وتتضمن كذلك وضوح التشريعات القانونية واإلجراءات اإلدارية بـما يسهل على المواطنين فهمها‬
‫والتعامل معها‪ ،‬ويشترط لذلك توافر آليات الرقابة السياسية والمؤسساتية والمدنية القادرة على فرض‬
‫الشفافية والجزاء‪.‬‬
‫‪ -8‬اإلستجابية‪ :‬بمعنى وضع خطط بعيدة المدى لتطوير العمل المجتمعي من جهة وأفراده من جهة‬
‫أخرى خدمة لمطالبهم‪ ،‬وحتى يتم تحقيق النتائج اإليجابية في رسم الخطط ضمن إطار الحكم الراشد‪،‬‬
‫يجب األخد بعين اإلعتبار المتغيرات الداخلية والخارجية ودراسة المخاطر ومحاولة وضع الحلول‪.‬‬
‫‪ -5‬اتجاه اإلجماع‪ :‬يسعى الحكم الراشد لتسوية الخالفات في المصالح‪ ،‬لتحقيق اإلجـماع حول الـمصالح‬
‫الـجيدة التي تخدم الجماعة‪ ،‬وبالتالي توفير اإلجراءات والسياسات الممكنة لتحقيق ذلك‪ ،‬ما يتطلب وضوح‬
‫مفاهيم الخدمة العامة والصالح العام في الخطاب السياسي الرسـمي والعام‪.‬‬
‫‪ -1‬العدالة‪ :‬في التوزيع المادي والقيمي‪ ،‬بحيث يكون لـجميع أفراد الـمجتمع نساء وأطفاال رجاال وشيوخا‪،‬‬
‫القدرة على تـحسين أوضاعهم اإلجتماعية‪ ،‬والتطلع دائما لتحسين أوضاع الفئات الـمحرومة والـمهمشة‪،‬‬
‫وضمان أمنهم والعمل على توفير احتياجاتـهم األساسية‪.‬‬
‫‪ -9‬الفعالية والكفاءة‪ :‬يجب إدارة المؤسسات العامـة ومـؤسسات المجتمع المدني بفعـالية وكفاءة‪ ،‬بشكل‬
‫تضمن فيه استـمـ ارريـة تـحقيق التقدم واإلزدهار والتطـلـع دائما لتعـزيـز مـفهوم التنميـة اإلنسانية الـمستدامة‪،‬‬
‫مع اإللتزام بتوظيف الموارد بالصورة السليمة والواضحة لكل أفراد الـمجتمع‪.‬‬
‫‪ -9‬المساءلة‪ :‬بمعنى أن يكون جميع المسؤولين والحكام ومتخذي القرار في الدولة أو القطاع الخاص أو‬
‫مؤسسات الـمجتمع الـمدني‪ ،‬خاضعين لـمبدأ الـمحاسبة أمام الرأي العام ومؤسساته دون استثناء‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Goran Hyden: « African Politic in comparative perspective », Op Cit, pp 9-10.‬‬
‫‪http://assets.cambridge.org/97805218/56164/frontmatter/9780521856164_frontmatter.pdf‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Sam Agere: «Promoting good governance: Principles, Practrices and perspectives »,Commonwealth‬‬
‫‪Secretariat, 2000, p 07.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid, p 08.‬‬
‫‪71‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫‪ -7‬الرؤية اإلستراتيجية‪ :‬ينبغي أن يكون لدى القادة والشعب آفاقا واسعة وبعيدة الـمدى لتحقيق الحكم‬
‫عما يريـدونـه مـن تـلك التـنمـية‪ ،‬مع فـهم‬
‫الراشد والتنمية اإلنسانية‪ ،‬وأن يـكون لديهم شع ـور مشتـرك ّ‬
‫التعقيدات التاريـخيـة واإلجتماعية والثقافيـة التي تـتأسس عليها تلك اآلفاق‪.‬‬
‫مـما سبق‪ ،‬يـمكن تـحديد الـحكم الراشد في أحد مراتب تعريفه‪ ،‬بأنه أسلوب حكم يعكس مناخا مـجتمعيا‬
‫يسوده التفاعل بيـن جـميع مكوناته‪ ،‬بـما يتماشى مع القيم الـمعيارية للديـمقراطية والعـدالة اإلجتماعية‪ ،‬أو‬
‫هو أسلوب حكم يعبر عن حسن اإلدارة وجديـة الـحكم في التعامل مع الـمجتمع وأفـراده؛ في ظـل توافـر‬
‫ثـقافة الـحوار ووجود آليـات وأدوات فعـالة للرقـابـة والـمحاسبة‪ ،‬ما يـجعـلـه مـرادفا أي ـضا لتـأسيـس الكرامـة‬
‫وصـيانة الـحقوق وكفالـة الـحاجات اإلنسـانيـة؛ لكونـه حكم الـمؤسـسات وحكم القوانيـن الضامـنـة لـحقوق‬
‫اإلنسان وح ـقوق األجـيال القادمة‪.1‬‬
‫ولقد أوضحت القرارات الدولية للجنـة حقوق اإلنسان خالل السنوات األخيـرة‪ ،‬أن نظاما للحكم يتسم‬
‫بالشفافية والـمساءلـة‪ ،‬الـمشاركة وسيادة القانون‪ ،‬وأيضا نظـام قضائي مستقل ونزيـه‪ ،‬باستطاعته اإلستجابة‬
‫لتطلعات مـواطنـيـه وحاجاتـهم‪ ،‬وبالـخصوص أفـراد الفـئات الضعـيفة والـمهمشة‪ ،‬هو في الـواقع أساس الـحكم‬
‫الراشد الذي يعتبـر شرط ال غنى عنه ألجل ضمان اإلعمال الكامل لحقوق اإلنسان‪ ،2‬خاصة وأن مـراعاة‬
‫حقـوق اإلنسان المدنية والسياسية واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية أصبح يعد بمثابة اإلمتحان الحقيقي‬
‫لنزاهة الحكم في أية دولة من الدول‪.‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬يـمكن للحكم الراشد أن يلعب دو ار حاسـما في تدعيم األمن الـمجتمعي؛ خاصة وأن‬
‫تنفيذ الحقوق الثقافية يتطلب إطا ار ديمقراطيا‪ 3‬تبنى فيه سياسات تشاركية شاملة لكافة الـمواطنين؛ عبر‬
‫مختلف التنظيمات واألحزاب وفعاليات المجتمع المدني؛ على أساس من المساواة وعدم التمييـز؛ وتـتخذ في‬
‫إطـاره سياسات تـمنح لثقافة الـمجموعات الـمهمشة والـمقصاة صـيغ اإلعتـراف واإلتساع والـمساندة؛ بشكل‬
‫كمل‬ ‫‪4‬‬ ‫ي ِّ‬
‫ـمكن أف ـرادها مــن رؤية ثقافتهم في رموز الدولة ومؤسساتـها ‪ ،‬ال يـوفره إال نسـق الـحكم الراشد الـ ُم ِّ‬

‫‪ 1‬سعد محمود الكواز‪ « :‬تطور مفهوم الحكم الراشد »‪.‬‬


‫‪http://www.alnda.com/vb/showthread.php?t=1409‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Résolution de la commission des droits de l'homme :« Le rôle d'une bonne gouvernance dans la promotion‬‬
‫‪et la protection des droits de l'homme », 2005.‬‬
‫‪ap.ohchr.org/documents/F/CHR/resolutions/E-CN_4-RES-2005-68.doc‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Julie Ringelheim :«Diversité Culturelle et droits de l’homme : la protection des minorités par la‬‬
‫‪Convention européenne des Droits de l’homme», Collection du Centre des droits de l'homme de l'Université‬‬
‫‪catholique de Louvain, Bruylan ,1112 , p 401.‬‬
‫‪ 4‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬

‫‪72‬‬
‫األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل األول‬

‫للديمقراطية المشاركاتية لبناء نظام الرشادة السياسة‪.1‬‬


‫غير أن لـجنة حقوق اإلنسان والـمفوضية السامية لـحقوق اإلنسان‪ ،‬تؤكدان في مـجال العالقة بين الـحكم‬
‫الراشد وحقوق اإلنسان‪ ،‬غياب اإلهـتمام المطلوب بـقضايا التـنوع الثـقافي‪ ،‬فهـناك ثـمة تـجاوز للتصـديـق‬
‫على مـعاهـدات حقوق اإلنسان وادماج هذه الـحقوق بشكل فـعال في السياسات‪ ،‬ما يوجب الـدعم أكثـر‬
‫‪2‬‬
‫للحكم الـراشد مـن أجل ترقية حقوق اإلنسان وخاصة منها الحقوق الثقافية‪.‬‬
‫في ختام هذا الفصل نخلص إلى أن منظور األمن المجتمعي يعنى أساسا بأمن المجتمع الذي‬
‫مفتاحه "الهوية"‪ ،‬باعتبارها مجموع األفكار والممارسات التي تحدد أفرادا معينين كأعضاء في مجموعة‬
‫إجتماعية‪.‬‬
‫بمعنى أن المجتمع يتركز أساسا حول الهوية‪ ،‬وحول التصور الذاتي للمجموعات واألفراد الذين يعتبرون‬
‫انفسهم كأعضاء في مجتمع‪ ،‬أو وحدة واحدة‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن مفهوم األمن المجتمعي يشير إلى قدرة المجتمع على اإلستمرار في طابعه‬
‫األساسي‪ ،‬في ظل الظروف المتغيرة والتهديدات المحتملة أو الفعلية‪ ،‬كونه يتعامل مع اإلستدامة في ظل‬
‫ظروف مقبولة للتطور لألطر التقليدية للغة‪ ،‬والثقافة‪ ،‬والدين وينشغل بالحاالت أين المجتمعات ترى أنها‬
‫مهددة من حيث الهوية‪.‬‬
‫وباستطاعة األمن المجتمعي أن يستمد الكثير من قوته من إطار سياسته المزدوجة القائمة على ركيزتي‬
‫الحماية والتمكين‪ ،‬واللتان تتدعمان بصورة مشتركة في سبيل تحقيق هدفه المتمثل في حماية التعبير عن‬
‫الهوية الثقافية‪ ،‬والتمكين المستدام من ممارسة التنوع الثقافي والحفاظ عليه‪.‬‬
‫وهو منظور يعمل بطرائق منهجية ووقائية‪ ،‬مع نظرة مستقبيلة لإلستقرار على المدى الطويل‪ ،‬مما يقوي‬
‫من مرونة األفراد والمجتمعات نحو ظروف الالأمن‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الجودة السياسية هي عملية التطوير واإلرتقاء باألداء السياسي وذ لك من خالل التعاطي اإليجابي والمتقن مع سلسلة التحوالت السياسية الوطنية‬
‫والدولية‪ ،‬من أجل وعي سياسي ألداء ميداني‪ ،‬كما أن الجودة السياسية تؤدي إلى اإلحترافية وترقية التنافسية السياسية‪ ،‬وتعني الرشد السياسي‬
‫والجودة في الخطاب والتواصل وتقديم األفضل من قبل النظام السياسي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬أبو جرة سلطاني‪ « :‬الجودة السياسية مصداقية إصلح ومصالحة»‪ ،‬الدورة الربيعية األولى للتكوين السياسي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬أفريل ‪،8115‬‬
‫ص ‪.11‬‬
‫‪2‬‬
‫‪OHCHR : UNPD: «Séminaire sur les pratiques de bonne gouvernance pour la promotion des droits de‬‬
‫‪l'homme», Seoul 15-16 Septembre 2004.‬‬
‫‪73‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫كان للتغيـر في الـموضوع الـمرجعي األول لألمن من الدولة إلى البشـر‪ ،‬انعكاسات عديدة متضمنة‬
‫على مستوى كل من الفهم لـمصادر تـهديده‪ ،‬وكذا مسألة توضيح اإلستراتيجيات لزيادة مستوياته‪ .‬كما أدى‬
‫التحول في التركيز من انشغاالت واحتياجات ومصالـح الدول‪ ،‬إلى حقوق وانشغاالت وحاجات الناس أو‬
‫الـمواطنين‪ ،‬إلى فتح الـمجال واسعا أمام التفحص النقدي لعالقات الدولة‪ -‬الـمجتمع‪ ،‬وبروز تساؤالت‬
‫‪1‬‬
‫مرتبطة بقدرة الدولة‪ ،‬شرعيتها‪ ،‬ورشادتـها‪.‬‬
‫بالتوازي مع ذلك‪ ،‬تعمـق اإلعـتقاد بأن جانـب كبيـر من مسببات الال أمن‪ ،‬مـرده الـمباشر هو بنى‬
‫السلطة القائمة التي تـحدد من يـخول له التمتع باألمن مـمن ال يـملك ذلك‪ ، 2‬في ظل ازداد القلق من‬
‫عالقات الدولة‪ -‬المجتمع الضعيفة‪ ،‬التي أصبحت تعني في كثير من األحيان أن الدولة تشكل معوقا‬
‫ومصدر تـهديد لألفراد‪ ،‬عوضا من أن تكون عامال مساعدا في تـحقيق حاجيات األمن اإلنساني وباألخص‬
‫األمن المجتمعي لجميع رعاياها‪ ،‬وينشأ ذلك غالبا في حاالت العجز الديمقراطي‪ ،‬أو في حاالت وجود‬
‫صدام بين مصالح من يحكم ومصالح الـمواطنين‪ ،‬أو في حاالت سياسات بناء األمة‪.‬‬
‫في كل هذه الحاالت‪ ،‬تنتج تحديات خطيرة تمس أمن اإلنسان على مستويات عدة‪ ،‬لكن ما‬
‫يستهدف اإلضرار بالتنوع الثقافي والجانب القيمي لإلنسان وبالتالي الحرمان من األمن الثقافي هو‬
‫سياسات بناء األمة‪ ،‬التي تفضي بصورة جوهرية إلى استم اررية شعور الجماعات الثقافية المهمشة‬
‫بالتهديد‪ ،‬والخشية من تالشي خصوصياتها الثقافية‪ ،‬خاصة مع وجود سبل عدة تعمل فيها الدولة على‬
‫تجريد هذه الجماعات المضطهدة من قوتها‪ ،‬على نحو منظم‪ ،‬ودون انتهاك مباشر لحقوق الفرد المدنية‬
‫والسياسية‪ ،‬وهي تتجلى أساسا في سياسات الهجرة والتوطين‪ ،‬سياسة التالعب برسم حدود وسلطات‬
‫الوحدات الفرعية والداخلية‪ ،‬وسياسة اللغة الرسمية‪ ...‬والتي تشكل معا العنصر المشترك في كافة عمليات‬
‫بناء األمة‪.‬‬
‫والحقيقة أن عملية بناء األمة ضمن نطاق الدول الديمقراطية‪ ،‬يمكنها أن تعمل على تحطيم‬
‫األقليات وحرمانها من أمنها الثقافي حتى إذا تمت العملية نفسها بموجب دستور ديمقراطي ليبرالي‪ .‬هذه‬
‫الحقيقة تساعدنا في تفسير سبب استمرار بقاء النزعة القومية لألقلية‪ ،‬قوة فعالة ضمن نطاق هذه‬
‫الديمقراطيات‪ ،‬وسبب تحفيز هذه الجماعات على تعبئة موروثها الثقافي‪ ،‬وزيادة فاعليتها السياسية ضد‬
‫عمليات بناء األمة‪ ،‬بشروعها في عملية مضادة لألخيرة‪ ،‬ابتغاء الحفاظ على خصوصيتها الثقافية‪ ،‬وحقها‬
‫في اإلختالف‪ ،‬وتساعدنا كذلك في تفسير سبب استمرار اإلنفصال قضية حية في الكثير من األقاليم حول‬
‫العالم‪.‬‬

‫‪ 1‬كارولين توماس‪ :‬ترجمة‪ ،‬محمد الصديق بوحريص‪« :‬الحوكمة العالمية‪ ،‬التنمية واألمن اإلنساني»‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪http://www.politics-ar.com/ar/index.xphp/permalink/3093.html‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ ،70‬ص ‪.70‬‬
‫‪75‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫ذلك كله ال يغطي على بروز وتنامي جملة من التهديدات الجديدة‪ ،‬التي أضحت هي األخرى‬
‫تمس بأمن الفرد وتهدد حياته وبقاءه ورفاهه وضمان حاجاته األساسية‪ ،‬وهي التي درج على تسميتها‬
‫بـ ـ"التهديدات الالتماثلية"؛ لحملها طبيعة مغايرة للتهديدات التقليدية المتعارف عليها‪ ،‬والتي هي في أصلها‬
‫تهديدات عسكرية أو صلبة‪ ،‬مردها المباشر الدولة؛ وهنا ال تشكل الدولة طرفا مباش ار في نشوء التهديدات‬
‫الالتماثلية؛ لكونها ذو طبيعة غير عسكرية أو صلبة؛ مردها األساسي جملة من المتغيرات والحركيات‬
‫األزموية المتعددة المصادر‪ ،‬منها‪ :‬اإلقتصادية‪ ،‬اإلجتماعية‪ ،‬التنموية‪ ،‬البيئية والهوياتية‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬نـحن أمام شبكة معقدة من التهديدات الـمتداخلة والشديدة التفاعل فيما بينها‪ ،‬والتي تعبر‬
‫حقيقة عن تواجد أعمق لالّ أمن المجتمعي‪ ،‬لذلك سوف نتبع في تحديدنا ألهم التهديدات التي تعيق مسار‬
‫التمتع بالحق في التنوع الثقافي‪ ،‬وتجسيده على أرض الواقع‪ ،‬على هذا التقسيم أو التمييز الثنائي بين جملة‬
‫التحديات أو التهديدات الموجهة للتنوع الثقافي‪ ،‬من خالل الفصل بين التحديات التي تتسبب فيها الدولة‬
‫باعتبارها الفاعل الرئيسي في ضمان األمن أو إهداره من جهة‪ ،‬وهو ما سنعالجه في المبحث األول‪،‬‬
‫والتحديات الناتجة عن جملة الحركيات األزموية التي تظهر عادة في شكل مستتر وخفي‪ ،‬لكن لها تأثير‬
‫محسوس في نهاية المطاف على التنوع الثقافي واألمن المجتمعي لألفراد والجماعات على حد السواء‪،‬‬
‫والتي سوف نقوم بمعالجها في المبحث الثاني من هذا الفصل‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫المبحث األول‪ :‬سياسات بناء الدولة‪-‬األمة وخلق شروط الالّ أمن المجتمعي‬
‫في عديد الحاالت‪ ،‬وباختالف الزمان والمكان‪ ،‬وقفت الدولة وراء خنق وكبت الحق الطبيعي في‬
‫اإلختالف والتنوع الثقافيين‪ ،‬اللذين يعتبران أم ار فطريا في الحياة اإلنسانية منذ نشوء البسيطة‪ ،‬مشكلة بذلك‬
‫المسبب األول والرئيسي وراء حاالت الال أمن المجتمعي‪ ،‬التي يعيشها ماليين الناس في وقتنا الحاضر‪،‬‬
‫على اختالف مشاربهم وانتماءاتهم الدينية واللغوية واإلثنية في كافة أنحاء العالم‪.‬‬
‫وعوضا أن تكون الغاية من وجود الدولة هو تحقيق إنسانية اإلنسان‪ ،‬ككائن فردي وجماعي على‬
‫السواء‪ ،‬باتت ال أهمية تذكر لكيان اإلنسان والجماعة أمام الوالء لهذا النظام السياسي وأهدافه‪ .‬بالرغم من‬
‫أن الغاية األولى واألخيرة لوجود الدولة‪ ،‬هو باألساس خلق جميع الظروف الموصلة إلى تمكين األفراد‬
‫والجماعات من بلوغ الحد األقصى‪ ،‬أو على األقل الحد األدنى من إشباع حاجاتهم السياسية‪ ،‬اإلقتصادية‪،‬‬
‫اإلجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫على خطى هذا الطريق سارت العديد من الدول اليوم؛ حيث انكبت هذه األخيرة على تجسيد‬
‫سياسات بناء الدولة‪-‬األمة‪ ،‬القائمة على عمليات إستيعابية وادماجية بالدرجة األولى؛ وهي عبارة عن‬
‫عمليات ثقافية تعنى بتكوين ثقافة موحدة‪ ،‬وأنظمة تعليم ومناهج وأساليب تربوية موحدة‪ ،...‬أين تشكل فيها‬
‫عناصر اإلستبعاد الثقافي التفاضلي القائم على إنكار التنوع الثقافي الموجود داخل التركيبة البشرية للدولة‬
‫من منطلقات إثنية‪ ،‬دينية أو لغوية جزًء أساسيا منها‪ ،‬والتي ينتج عنها غالبا حاالت من الغبن اإلجتماعي‪،‬‬
‫التمييز والتفرقة بين المواطنين‪ ،‬اإلحساس باإلغتراب‪ ،‬تهميش الفئات الضعيفة وضياع مصالحها السياسية‬
‫واإلقتصادية واإلجتماعية‪ .‬وهي جميعها قضايا خطيرة تتناقض مع الكرامة التي تمنحها حقوق المواطنة‬
‫والديمقراطية‪ ،‬وتؤدي مباشرة إلى اهتزاز معايير األمن المجتمعي بالدرجة األولى‪.1‬‬
‫واألخطر من ذلك هو أن محاوالت اإلستيعاب واإلحتواء بطريقة الدمج القسري والقهري سواء من‬
‫خالل محاولة محو الخصوصيات الثقافية‪ ،‬أو إقحام سياسات جبرية تفرض نمطا من التجهيل وضرب‬
‫الهوية اللغوية والدينية للجماعات الثقافية‪ ،‬قد تتطور غالبا لتصل لحد استخدام القوة والقمع لضرب‬
‫حركاتها وأنشطتها‪ ،‬أو تفتيت وجودها وخلق الصراعات بينها‪ ،‬األمر الذي يحولهم أداة طيعة بيد الحكام‬
‫وأصحاب القوة والسلطة‪ .‬وقد تصل أحيانا هذه المحاوالت إلى حد خلق هواجس وأوهام ملفقة باتهامات‬
‫عدم الوالء للدولة الوطنية‪ ،‬كذريعة لممارسة التمييز ضدهم وسلب كافة حقوقهم‪ ،‬إنسانيتهم وأمنهم‪.‬‬
‫من خالل هذا المبحث سنحاول اإلضاءة على أهم التحديات التي تفرضها سياسات بناء الدولة‪-‬‬
‫األمة بالنسبة لألفراد والجماعات على حد السواء‪ ،‬والتي ال ينحصر نطاقها في مجال الحرية الثقافية فقط‪،‬‬
‫بل تمتد لتطال أ يضا مجمل الحقوق والحريات السياسية والمدنية واإلقتصادية واإلجتماعية التي تتكتل‬
‫جميعها لتخلق شروط الال أمن المجتمعي‪.‬‬

‫‪ 1‬عصمت عدلي‪« :‬علم اإلجتماع األمني‪ :‬األمن والمجتمع»‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،0772 ،‬ص ‪.251‬‬
‫‪77‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫على هذا األساس سيتم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نتناول في األول قضية اإلستبعاد الثقافي‬
‫التفاضلي‪ ،‬ثم نتطرق في الثاني لإلستبعاد المادي القسري لآلخر الثقافي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلستبعاد الثقافي التفاضلي وانكار خيار اإلنسان‬


‫رغم استحالة فصل الثقافة عن أي مـجتمع؛ إذ ال حياة لـمجتمع بال ثقافة أو ثقافة دون مـجتمع‬
‫ؤر وتوجهات مـختلفة؛ ففي الوقت الذي يشيـر فيه تعبيـر الـمجتمع عموما إلى‬
‫يـحتضنها‪ ،‬إال أن لكليهما بـ ا‬
‫مـجموعة من البـشر وبنية العالقات السائدة بينهم‪ ،‬يستخدم تعبير "الثقافة" لإلشارة إلى مـحتوى تلك‬
‫العالقات و مبادئ تنظيمها وشرعنتها‪1‬؛ بـمعنى منظومة معتقدات ومـمارسات لـمجموعة من الناس تتفهم‬
‫وتبني وتنظم من خاللـها حياتـها الفردية والجماعية‪ .‬وال يتم ذلك بطريقة اعتباطية أو وظيفية‪ ،‬ألن أسلوب‬
‫تنظيمهم للحياة اإلنسانية يكون متجذ ار في طريقة معينة للفهم والتجريد والتصور الفكري لدى حاملي هذه‬
‫الثقافة‪.‬‬
‫وألن الثقافة بـمفهومها العام تـحيط بكل جوانب الحياة اإلنسانية تقريبا‪ ،‬فقد الحظ الباحثين تبديها‬
‫على مستويات عدة‪ :‬لغوية‪ ،‬دينية‪ ،‬قومية‪ ،‬عرقية‪ ،‬قبلية واثنية‪ .2‬وبالتالي فأي مساس أو حرمان من التمتع‬
‫بـهذه الـمحددات األساسية‪ ،‬بناء على منطلقات تفاضلية‪ ،‬إقصائية وتـمييزيـة‪ ،‬سيشكل لنا مـا يـمكن تسميته‬
‫بـ ـ ـ "اإلستبعاد الثقافي التفاضلي"‪ ،‬الذي يشكل بـحق أهم عائق وأكبر تـحدي أمام اإلعتراف بالتنوع الثقافي‬
‫واحترامه‪ ،‬والذي يعتبر األساس والـمنطلق نـحو تكريس شروط األمن المجتمعي داخل الدول الـمتنوعة‬
‫ثقافيا‪.‬‬
‫وللوهلة األولى يبدو أن اإلستبعاد الثقافي التفاضلي يقع بطريقتين متمايزتيـن‪ ،‬هما‪ :‬اإلستبعاد من‬
‫طريقة العيش؛ واإلستبعاد من المشاركة‪ .‬لكن التفحص في أسبابهما‪ ،‬حركياتهما ونتائجهما‪ ،‬يجعلنا ندرك‬
‫تماما أنهما متداخلتين في الكثير من الجوانب‪ ،‬وهو ما يبينه الشكل التالي أدناه‪.‬‬

‫‪ 1‬باريخ بيخو‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.062‬‬


‫‪2‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.050-056‬‬

‫‪78‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫شكل رقم ‪ :-50‬التمييز والمضرة الالحقان بالمجموعات المعرفة ثقافيا قد يكونان ثقافيين وسياسيين واقتصاديين‬

‫المصدر‪( :‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪«:‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪).10‬‬

‫الفرع األول‪ :‬اإلستبعاد من طريقة العيش وانكار الهوية الثقافية‬


‫يرتبط اإلستبعاد من طريقة العيش ارتباطا وثيقا بإنكار التنوع الثقافي‪ ،‬المتغلغل في التركيبة‬
‫المجتمعية داخل أي دولة‪ ،‬لذا يـمكن تعريفه بأنه حالة من الـحرمان تعيشها ثقافة مـجموعة ما سواء كانت‬
‫إثنية‪ ،‬لغوية‪ ،‬ساللية أو دينية‪ ،‬ما يحول دون اإلعتراف بـها واحترامها‪.‬‬
‫وتتأتى أكثر أشكال هذا اإلستبعاد تطرفا من قبل سياسات الدولة‪ ،‬التي تستهدف قمع أو منع‬
‫استخدام لغات أو شعائر دينية أو أعراف هامة أخرى‪ ،‬من خالل سن قوانيـن رسمية للغة يفرض فيها‬
‫استخدام لغة قومية مـحددة في دوائر الحكم اإلداري‪ ،‬والـمحاكم‪ ،‬والـخدمات العامة‪ ،‬والتعليم‪ ،‬أو حتى فرض‬
‫قيود على الـحريات الدينية‪ ، 1‬أو تبني سياسات تستهدف الرفع من شأن رموز الدولة‪ ،‬الـممجدة لتاريخ‬
‫الـجماعات الـمهيمنة وثقافاتـها‪ ،‬من خالل األعياد الوطنية‪ ،‬واطالق األسـماء على الشوارع والـمباني‪ ،‬مقابل‬
‫تـجاهل تام لتاريخ الـمجموعات األخرى وثقافاتـها‪.‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬تقدر اإلحصائيات أن نـحو ما يقارب ‪ 099‬مليون نسمة؛ أي بتقدير شخص واحد‬
‫من بيـن سبعة في العالم‪ ،‬يعانون من التمييز الـموجه ضدهم‪ ،‬أو يعيشون مـحرومين بسبب هوياتـهم‪ ،‬كما‬
‫يقدر أن حوالي ‪ 815‬مليون من هؤالء ينتمون إلى مـجموعات تتعرض لإلستبعاد من طريقة العيش‪ ،‬بما‬
‫الدين واللغة واإلحتفاالت والمظهر الخارجي‪.2‬‬
‫في ذلك القيود على ّ‬

‫‪1‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.12-17‬‬
‫‪79‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫أوال‪ :‬إنكار التنوع الديني والحق في الهوية الدينية‬


‫يؤدي وجود أكثر من دين واحد بين أعضاء الجماعة الواحدة‪ ،‬مع انتماء األغلبية إلى دين معين‪،‬‬
‫إلى ظهور أقلية أو أقليات دينية‪ ،‬دون أن يترتب عن مثل هذا اإلختالف صراع في كل األحوال؛ ذلك أن‬
‫وجود األقليات الدينية إنـما يعد ظاهرة طبيعية واعتيادية في معظم الـمجتمعات البشرية‪ ،‬نتيجة لوجود عدد‬
‫من األديان السماوية مثل‪ :‬اليهودية والمسيحية واإلسالم‪ ،‬وعدد ال يحصى من األديان الوضعية‬
‫كالهندوسية والبوذية والديانات السابقة عليها‪.‬‬
‫ويـمكن القول أن تصنيف األقليات وفق معيار الدين‪ ،‬لم يعد أم ار مألوفا في كثير من المجتمعات‬
‫الغربية‪ ،‬وان تضمنت مثل هذه المجتمعات عدة جماعات دينية؛ ال سيما وأن عامل اإلنتماء الديني سواء‬
‫إلى دين األغلبية أو األقلية‪ ،‬ال يمكن أن يكون وراثيا في كل األحوال‪ ،‬وانما قد يكون مثل هذا اإلنتماء‬
‫مكتسبا وبشكل طوعي حتى وان كانت الحالة األولى هي السائدة بحكم اإلنتماء إلى أسرة معينة‪.1‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬فقد وقفت دوافع عديدة وراء وقوع انتهاكات لحرية الدين أو الـمعتقد الـخاصة باألشخاص‬
‫الـمنتمين إلى أقليات دينية على اختالف مناطق العالـم؛ أين يـحدث ذلك باسم ادعاءات الـحقيقة الدينية أو‬
‫األيديولوجية‪ ،‬أو بدافع تعزيـز التماسك الوطني‪ ،‬أو بـحجة الدفاع عن النظام والقانون‪ ،‬أو حتى باإلقتـران‬
‫مع أجندات مكافحة اإلرهاب‪...‬‬
‫هذا وتشكل الدول الـمسبب الرئيسي لـوقوع هذه اإلنتهاكات جنبا إلى جنب مع الـجهات الفاعلة من‬
‫غير الدول‪ ،‬إال أن الـحاالت األكثر شيوعا هي التي يـتسبب فيها الطرفان معا؛ ففي حيـن يتزايد احتمال‬
‫ارتكاب الدول لـهذه اإلنتهاكات عندما تتداخل أجندة مـحكمة للقانون والنظام‪ ،‬مع الدعوات السياسية‬
‫الـمرتبطة بالـهوية الوطنية‪ ،‬لتنتج في األخير سياسات تقييدية تستهدف عادة أعضاء الـجماعات الدينة أو‬
‫العقائدية التي تـميل أو يقال أنـها تـميل إلى تـجنب رقابة الدولة‪ ،‬والتي ينظر إليها في الوقت ذاته على أنـها‬
‫ال تتناسب مع واقع التركيبة التاريـخية والثقافية للبلد‪.‬‬
‫نـجد أن اإلنتهاكات المنسوبة للجهات الفاعلة من غير الدول كثي ار ما تـحدث في ظل وجود فراغ قانوني‬
‫في مـجال حـماية حقوق اإلنسان‪ ،‬أو في مناخ سياسي يسوده اإلفالت من العقاب‪ ،‬مـما يشير في النهاية‬
‫إلى ضلوع مباشر أو غير مباشر للدولة‪.2‬‬

‫‪ 1‬عبد السالم ابراهيم بغدادي‪« :‬الوحدة الوطنية ومشكلة األقليات في إفريقيا»‪ ،‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪ ،0777‬ص ص ‪.205-200‬‬
‫‪« 2‬تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد هاينر بيليفيت‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان المدنية والسياسية‬
‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان الجمعية العامة‪ ،‬الدورة الثانية والعشرون‪ ،‬البند ‪،1‬‬
‫ديسمبر ‪ ،0720‬ص ص ‪.20-21‬‬
‫‪80‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫في هذا السياق‪ ،‬كشفت مـجموعة بيانات األقليات الـمعرضة للخطر‪ ،‬أن نحو ‪ 980‬مليون نسمة‬
‫من أصل ‪ 815‬مليونا ينتمون إلى مـجموعات تتعرض لنمط من اإلستبعاد الثقافـي؛ مـحرومـون أو يـعانون‬
‫التمييز ضدهم بالـمقارنة مع آخرين في الدولة‪ ،‬نتيجة تـمسكهم بـممارسة معتقداتـهم‪.1‬‬
‫األمر ذاته أشار له "التقرير العالمي لحرية الدين والمعتقدات" الذي اعتبر اإلضطهاد الديني لـمعتقدات‬
‫األقلية‪ ،‬والتغيير القسري للديانة‪ ،‬واإلساءة إلى دور العبادة والتمييز‪ ،‬والتعذيب والقتل على أسس دينية‪،‬‬
‫بمثابة المخالفات الرئيسية لحقوق اإلنسان في جميع أنحاء العالم‪ ،‬بغض النظر عن مستوى التنمية‬
‫واإلدراك لفكرة الدولة‪-‬األمة‪ ،‬واإلطار العام لحقوق المواطنة‪.‬‬
‫في ضوء هذا اإلعتبار‪ ،‬وباستثناء الـحاالت في آسيا وافريقيا وأمريكا الالتينية‪ ،‬التي تـعد البـؤر‬
‫الرئيسية لـمخالفات حقوق اإلنسان‪ ،‬وخصوصا حقوق األقليات اإلثنية والدينية‪ ،‬فإن سجل العالـم الـمتقدم‬
‫ليس أفضل حاال؛ حيث قضايا التمييز اإلثني في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والواليات المتحدة‬
‫األمريكية ال زالت معروفة لدى الكثيرين‪ ،‬بالرغم من منع القانون لجميع أشكال التمييز اإلثني والديني‪.2‬‬
‫وفيما يلي إيجاز لبعض من اإلنتهاكات العديدة لمطلب الحرية الدينية‪ ،‬الذي يحتل موقعا مركزيا بين‬
‫المطالب الكثيرة الالّ مـحققة التي تنادي بـها الـحركات السياسية الراهنة‪.3‬‬
‫‪ - 1‬القيود البيروقراطية واألديان‬
‫تواجه األقليات الدينية في كثير من األحيان شروطا بيروقراطية غيـر متناسبة‪ ،‬تفرض أعباء‬
‫تـمـييزية وقيودا غير مبـررة في حقها؛ ففي عديد البلدان تضطر طوائف األقليات للتسجيل دوريا كل عام‬
‫اإلعترف بـها من قبل اإلدارة‪ ،‬رغم الشكاوى المستمرة من طرف أعضاء الجماعات الـمتضررة‬
‫ا‬ ‫حتى يتم‬
‫والتي تحمل استياءهم من ازدياد تكلفة إجراءات التسجيل‪ ،4‬وطول المدة التي تستغرقها‪.‬‬
‫يـحدث هذا في الوقت الذي يـمكن أن يؤدي فيه عدم التسجيل أو إعادة التسجيل دوريا‪ ،‬إلى هـشاشة‬
‫تعرض الطوائف الدينية لعدم األمان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا‪.‬‬
‫قانونية قد ّ‬

‫‪1‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪2‬‬
‫«إدارة التنوع في المجتمعات التعددية»‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪www.asharqalarabi.org.uk/markaz/t-02052012.doc‬‬
‫‪3‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 10‬‬
‫‪ 4‬ففي أنغوال على سبيل المثال‪ ،‬يوجد عدد من الجماعات المسيحية والجالية المسلمة لم يعترف بـها قانونا‪ ،‬رغم تقديمها طلبات عدة‬
‫للتسجيل لدى السلطات المحلية‪ ،‬كما أفيد بأن أقليات دينية أخرى ال حظّ لـها في اإلعتراف‪ .‬فطبقا لـمقتضيات التسجيل‪ ،‬يـجب أن تضم‬
‫الـجماعة الدينية ما ال يقل عن ‪ 277777‬عضو للتأهل للتسجيل؛ ويجب أن يكون األعضاء بالغين ومقيمين في األراضي الوطنية؛‬
‫ويجب أيضا أن يعترف كاتب عدل بتواقيعهم؛ ويجب أن يكونوا قادمين مما ال يقل عن ثلثي مقاطعات أنغوال‪.‬‬
‫انظر‪« :‬تقرير المقرر الخاص المعني باألشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره األجانب وما يتصل بدلك من تعصب‪،‬‬
‫السيد غيتو مويغاي‪ ،‬عن مظاهر تشويه صورة األديان‪ ،‬وبخاصة اآلثار الخطيرة المستمرة لكره اإلسالم على تمتع أتباعه بجميع‬
‫الحقوق»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة الخامسة عشرة‪ ،‬البند ‪ 20 ،9‬جويلية ‪ ،0727‬ص ‪.70‬‬

‫‪81‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬تـتخلل في غالب األحيان طـلبات الـحصول على رخـص بـناء أماكن العـبادة (الكنائـس‪،‬‬
‫كنس‪ ،‬والمعابد‪ )...‬إجراءات معقدة للغاية‪ ،‬قد تستغرق اإلستجابة لـها في‬
‫والـمساجد‪ ،‬وقـاعـات الصالة‪ ،‬وال ُ‬
‫بعض الحاالت عقودا من الزمن‪.1‬‬
‫‪ - 2‬عدم احترام اإلستقاللية الداخلية‬
‫تعمل بعض الدول على التدخل عمدا ودون وجه حق في الشؤون الداخلية للطوائف الدينية‪،‬‬
‫بغرض إحكام السيطرة عليها سياسـيا مـن خالل اتــباع أسالـيب مـخـتلفة؛ قد تشمل تعييـن الـحكومة لـقيادات‬
‫الطوائـف الدينية بـطرق تـتعارض مع فـهم الـمـجموعة الـمعنية لذاتـها‪ ،‬رغم ما يشكله ذلك من انـتهاك‬
‫إلستقالليتها‪ ،‬ويسببه من تسميم للعالقة التي تجمع بين مـختلف مـجموعاتـها الفرعية‪ ،‬وهو ما يؤدي في‬
‫بعض الحاالت إلى حدوث انقسامات داخلية في الطائفة نفسها‪ ،‬بشكل يعرض نـمائها ككل للخطر في‬
‫األجل الطويل‪.‬‬
‫واألخطر من ذلك هو لجوء بعض الدول إلى زرع موظفيـن حكوميين في الـمؤسسات الدينية‪ ،‬بـما في ذلك‬
‫األديرة‪ ،‬من أجل الـمضي قدما في إحكام سيطرتـها على الـحياة الدينية‪ ،‬وهو األمر الذي تم التأكيد عليه‬
‫في الكثير من التقارير التي أعدت من قبل بعض أفراد األقليات‪ ،‬والتي رفعت إلى المقررين الخاصين‬
‫بحرية الدين‪.‬‬
‫‪ -3‬الحرمان من وضع قانوني مالئم‬
‫تطمح أغـلب الطوائف الديـنية للحصول على مركز شخـصية قانونـية جـماعـية يـمكنها من مباشرة‬
‫الـمهام التي تـخصها؛ كفتح الحسابات البنكيـة‪ ،‬شراء العقارات‪ ،‬بـناء دور العـبادة‪ ،‬توظيف الـمهنييـن (بـما‬
‫في ذلك رجال الدين الـمتفرغون)‪ ،‬إنشـاء الـمدارس المذهبية‪ ،‬وادارة وسائط اإلعـالم الـخاصة بها‪.‬‬
‫رغم ذلك ترفض العديد من الدول تــيسير إجراءات الـحصول على مركز قانوني مـالئم للجماعات‬
‫الدينية بـموجب قـانون تكويــن الـجمعيات؛ أين تتخلل شروط اإلعتراف في غالب األحيان إجراءات طويلة‬
‫تؤدي عمدا أو عن غير عمد إلى تثبيط هـمة بعض األقليات‪،‬‬
‫ومعقدة للغاية‪ ،‬ما يتسبب في خلق ظروف ّ‬
‫أو حتى تقييد حراكها المطلبي‪.‬‬
‫وفي بعض الـحاالت‪ ،‬تُـحرم الـمنظمات الدينية من مركزها أو تتعرض للشطب من السجالت القائمة بطرق‬
‫تعسفية‪ ،‬مـما يفقدها حقـوقا وامتيازات أساسية تحظى بـها الـمنظمات الدينية الـمسجلة‪ ،‬وفي هذه الـحالة قد‬
‫تستدعي إجراءات إعادة التسجيل مقاييس وشروط عديدة؛ كتأمين عدد معيـن من األتباع كحد أدنى‪ ،‬أو‬

‫‪« 1‬تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين هاينر بيليفيت‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان المدنية والسياسية واالجتماعية‬
‫والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة الثانية والعشرون‪ ،‬البند ‪ ،1‬ديسمبر ‪،0720‬‬
‫ص ص ‪.25-20‬‬

‫‪82‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫أن يكون للـمنظمة الدينية وجود سابق لعدد م ـحدد من السنوات في بلد معين‪ ،‬وهي جميعا إجراءات تقصي‬
‫من حيث الـمبدأ الجماعات الصغيرة العدد أو الحديثة العهد‪.‬‬
‫كما قد تلجأ اإلدارة وبشكل تعسفي أيضا‪ ،‬إلى إطالق أوصاف سلبية مثل "جـماعة دينية منشقة"‪،‬‬
‫لصد بعض الـجماعات عن الـحصول على مركز الشخصية القانونية‪ ،‬ما يـجعلها‬ ‫ّ‬ ‫أو "جـماعة مارقة"‪،‬‬
‫ويعرض أيضا آفاق بقائها‬‫تعيش أوضاعا تتفاقم فيها حالة من انعدام األمن القانوني والضعف الهيكلي‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫في األجل الطويل لخطر فعلي‪.‬‬
‫بالدين‪ ،‬رغم أن احترام حرية الدين أو الـمعتقد‬
‫كل هذه العراقيل تتيح للدول مـمارسة التحكم الشديد ّ‬
‫بوصفه حقًا من حقوق اإلنسان‪ ،‬يـمارسه الفرد وحده أو مع أفراد آخرين‪ ،‬ال يـجب أن يتوقف على إجراءات‬
‫التسجيل اإلداري؛ كون تـمتـعـه بـوضع حـق مـن حـقوق اإلنسان يظل أمـار سابـقا ألي إجراء من إجراءات‬
‫موافقة الدولة‪ ،‬ومستقل عنها أيضا‪.‬‬
‫ومن ثـم‪ ،‬يفترض بالدول العمل على توفير خيارات مناسبة للطوائف الدينية أو العقائدية‪ ،‬كي‬
‫تساعدها في الـحصول على وضع الشخصية القانونية‪ ،‬الذي تـحتاجه لإلضطالع بوظائفها الـمـجتمعية‬
‫ذات الصلة بالتمتع الكامل بـحرية الدين أو المعتقد‪ .‬ومن الـضروري أيضا في هذا السياق أن تكون‬
‫إجراءات التسجيل الالزمة للحصول على وضع الشخصية القانونية سريعة‪ ،‬شفافة‪ ،‬عادلة‪ ،‬شاملة‪ ،‬وغير‬
‫تـمييزية‪ ،‬خدمة لحق اإلنسان في حرية الدين أو المعتقد‪.‬‬
‫أما في حالة ما إذا قضت الدول بـمنح مركز "وضع محدد" لبعض الطوائف الدينية والعقائدية‪،‬‬
‫حتى تتيح لـها الـحصول على مـزايا مالية‪ ،‬أو مـزايا أخرى خاصة‪ ،‬فيجـب عليها التأكد بدايـة من أن هذا‬
‫الوضع الـمحدد ال يشكل تـميي از بـحكم القانون‪ ،‬أو بـحكم الواقع ضد أتباع الديانات أو المعتقدات األخرى‪.‬‬
‫كما ينبغي أال يستخدم ذلك الوضع كأداة ألغراض سـياسات الـهوية الوطنية‪ ،‬لـما ينـتج عـنه مـن تأثيـرات‬
‫‪2‬‬
‫سلبـية على حالـة األفراد الـمنتميـن لألقليات الدينية‪.‬‬
‫‪ - 4‬ترسيخ القوالب النمطية المسبقة علنا‬
‫تعمل العديد من الحكومات وموظفيها العموميين على ترسيخ أحكام وقوالب نـمطية مسبقة عن‬
‫األقليات‪ ،‬بغية استغاللها لتحقيق مآرب سياسية؛ منها تعزيز التجانس الوطني‪ ،‬أو البحث عن كبش فداء‬
‫لتحميله مسؤولية اإلخفاقات السياسية‪ ،‬عوضا من توجيه جهودها نـحو مكافحة مثل هذه األحكام المقيتة‪.‬‬

‫‪« 1‬تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين هاينر بيليفيت‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان المدنية والسياسية واالجتماعية‬
‫والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬الدورة الثانية والعشرون‪ ،‬البند ‪ ،1‬ديسمبر ‪ ،0720‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.26-25‬‬
‫‪« 2‬تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد هاينر بيالفلدت‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان‪ ،‬المدنية والسياسية‬
‫واإلجتماعية والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة التاسعة عشرة‪ ،‬البند ‪،1‬‬
‫ديسمبر ‪ ،0722‬ص ‪.70‬‬
‫‪83‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬تصور األقليات على أنـها تقوض النسيج األخالقي للمجتمع؛ فعلى سبيل‬
‫الـمثال‪ُ ،‬حـملت األقليات التي تـميل إلى رفض الـخدمة العسكرية ألسباب وجدانية‪ ،‬مسؤولية الـهزائم‬
‫العسكرية والصدمات الوطنية األخرى‪ .‬والغريب أيضا أن البارانويا السياسية التي يـجري تأجيجها تستهدف‬
‫في غالب األحيان أقليات ديـنيـة‪ ،‬توصم من جانب السياسيين ومقدمي البرامج اإلذاعية على أنـها من‬
‫"الطابور الخامس"‪ ،‬ويتهم أفرادها بالعمل لـمصلحة قوى أجنبية معادية‪ ،‬وبشكل يعرض مصلحة البالد‬
‫للخطر‪.‬‬
‫وبالرغم من تسبب هذه القوالب النمطية السلبية واألحكام الـمسبقة‪ ،‬في تسميم العالقات بين مختلف‬
‫كثير من األحكام المسبقة التي‬
‫ا‬ ‫الطوائف‪ ،‬واضعاف حالة األشخاص الـمنتمين إلى أقليات دينية‪ ،‬إال أن‬
‫تنطوي على وصم تظل موجودة في الكتب الـمدرسية والـمواد التعليمية الـخاصة باألطفال‪ ،‬الذين يسهل‬
‫نظر لصغر سنهم‪.1‬‬
‫التأثير عليهم بالدعاية المعادية لألقليات ا‬
‫‪ - 0‬وضع عقبات أمام ممارسة الطقوس واإلحتفاالت الدينية‬
‫يعتبر العديد من األفراد أن أداء الطقوس الدينية هو جزء أساسي من هويتهم الدينية‪ ،‬لذلك نجدهم‬
‫يتأثرون تأث ار بالغا عندما يالقون صعوبات في القيام بـها؛ كأن تواجههم عقبات إدارية عند قيامهم بتنظيم‬
‫الـمواكب أو اإلحتفاالت الدينية عالنية‪.‬‬
‫طبق ‪ -‬دون وجـه حـق ‪ -‬سياسات تقـيـيدية في هذا السـياق‪،‬‬ ‫هذا وال تزال عديد الـحكومات ت ّ‬
‫متحججة بمصالح غير مـحددة تدخل في إطار ما تسميه "النظام العام"‪ ،‬وهو ما ال يتفق مع الـمعايير‬
‫الواردة في الـمادة ‪ 15‬من العهد الدولي‪.‬‬
‫ويـحصل أيضا أن تعوق جهات فاعلة من غير الدول تلك اإلحتفاالت أو التجمعات العامة‪ ،‬على مرأى‬
‫من الشرطة ودون أدنى تدخل من قبلها‪ ،‬مـما يترك انطباعا بأن السلطات الحكومية ال تأبه أو باألحرى‬
‫توافق بشكل ضمني على ممارسة مثل هذه األعمال‪ .‬وكمثال على ذلك أيضا‪ ،‬تدنيس المقابر واإلستهداف‬
‫العلني للجنائز وتعطيلها‪ ،‬بشكل يحرم األشخاص المنتمون ألقليات دينية من دفن موتاهم بسكينة وكرامة‪.2‬‬
‫وكذلك المنع من إقامة دور العبادة واإلجتماعات ومن نشر كتبهم وثقافاتهم وابرازها في وسائل‬
‫اإلعالم‪ ،‬ومن تعليم أبنائهم المعارف الدينية الخاصة بهم‪ ،‬وكذلك من بناء مدارسهم الدينية‪ .‬وقد كانت‬
‫أكثر هذه الممارسات سببا للحجز واإلعتقال لفترات طويلة‪.‬‬

‫‪« 1‬تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين هاينر بيليفيت‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان المدنية والسياسية واالجتماعية‬
‫والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬الدورة الثانية والعشرون‪ ،‬البند ‪ ،1‬ديسمبر ‪ ،0720‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.29-20‬‬
‫‪« 2‬تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين هاينر بيليفيت‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان المدنية والسياسية واالجتماعية‬
‫والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬الدورة الثانية والعشرون‪ ،‬البند ‪ ،1‬ديسمبر ‪ ،0720‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.07-29‬‬

‫‪84‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫ثانيا‪ :‬إنكار التنوع اللغوي والحق في الهوية اللغوية‬


‫المؤسسة للهويات القومية‬
‫ّ‬ ‫تحتل اللغة‪ 1‬مكانة مهمة إن لم نقل األساسية من بين كل العناصر‬
‫واإلثنية واإلجتماعية‪ ،‬ففي كل لحظة من تاريخ شعب ما أو أمة ما أو دولة ما‪ ،‬لم تستبعد مسألة اللغة قط‬
‫حد يضعها في صميم قلب البنى الهوياتية؛ طالـما أنـها تمثل موج از للشعور‬ ‫من النقاشات المحورية إلى ّ‬
‫بانتماء واحد‪ ،‬للمشاركة في ذكريات واحدة‪ ،‬وتراث ثقافي واحد‪.2‬‬
‫في هذا المعنى‪ ،‬ال تصبح اللغة مـجرد ناقل للثقافة المادية والقيمية فقط‪ ،‬بل تتعدى ذلك لتشكل‬
‫جزءا من ماهيتها؛ كونـها ليست مـجرد قناة عبور تـمر من خاللـها قيم وثقافة وحضارة المجتمعات‪ ،‬بل هي‬
‫أساس ذلك كلّه‪ ،‬وغيابـها عن كل ذلك يفقد حضارة الـمجتمعات مكانتها‪ ،‬وحتى حضورها الثقافي‬
‫والتاريـخي‪.‬‬
‫من هذا المنطلق‪َ ،‬ع ّد البعض اللغة من أهم الظواهر في حياة الـمجتمعات؛ نتيجة توليها إنـجاز‬
‫عدة ومتنوعة‪ ،‬أهـمها قدرتها على خلق "وحدة التخاطب والضمير الـجمعي"‪ ،‬على اعتبارها وسيلة‬ ‫وظائف ّ‬
‫التعبير اإلجتماعي وشبكة االتصال الكبرى داخل أي مجتمع‪ ،‬إذ يصعب اإلتصال والتواصل بين أعضاء‬
‫تلمسه لدى‬
‫الجماعة الواحدة‪ ،‬إال حينما ينشأ هؤالء األفراد على تقاسم لغة واحدة مشتركة‪ ،‬وهذا ما يـمكن ّ‬
‫كل الـمجتمعات اإلنسانية اليوم‪.‬‬
‫من خالل هذه األهـمية التي تـحظى بـها اللغة في حياة الـجماعة‪ ،‬ارتأى الكثيرون بأنـها ليست‬
‫أيضا‪ ،‬ومن بينهم "إميل دوركايـم" (‪ ،)Emile Durkheim‬وسنده‬ ‫ضرورية للكالم فحسب‪ ،‬وانـما للوجود ً‬
‫في ذلك أن " اللـغـة تكون موجودة قبل أن يولد الفرد في الـمجتمع الذي يتكلم بـها‪ ،‬كما أنـها تظل موجودة‬
‫بعد أن يـ موت ذلك الفرد‪ ،‬بينما يتعين عليه هو أن يتعلمها كما تعلمتها من قبل األجيال السابقة‪ ،‬وكما‬
‫ستتعلمها األجيال الالحقة‪ .‬فهي حقيقة اجتماعية‪ ،‬أو هي شيء قائم بذاته‪ ،‬وال يـمكن فهمه إال في عالقته‬
‫بالـحقائق األخرى التي هي من نفس النوع‪ ،‬أي كجزء من نسق اجتماعي وفي حدود وألفاظ وظائفها في‬
‫الـمحافظة على ذلك النسق"‪.3‬‬

‫‪ " 1‬اللغة هي نسق أو نمط عرفي أو تـحكيمي‪ ،‬لرموز أو إشارات يمكن بواسطتها للمخلوقات البشرية كأفراد وكشركاء معا في طابع‬
‫ثقافي محدود‪ ،‬أن يتفاهموا وأن يتصلوا ببعضهم البعض في كل ألوان النشاط الذي يـمارسونه"‪ ،‬وتتألف ّأية لغة عادة من "بنى تنفرد بـها‬
‫وتميزها عن سواها‪ ،‬وتفرض هذه البنى على الـمرء هياكل فكرية تتيح له تحليل ما يـحيط به وفق الخطوط التي ترسمها له لغته‪ ،‬فهو‬
‫يـحتفظ بظاهرة قد تتغاضى عنها لغة ما‪ ،‬أو يهمل ظاهرة أخرى قد توليها لغة ما أهـمية كبرى‪ .‬وبالتالي فإن اللغة هي نظام وابداع في‬
‫وقت واحد‪ ،‬بمعنى أنها بنية تعلو على اإلستخدام الفردي من ناحية‪ ،‬ومجال متحرك للفعالية الفردية من ناحية أخرى"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد السالم ابراهيم بغدادي‪« :‬الوحدة الوطنية ومشكلة األقليات في إفريقيا»‪ ،‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،0777 ،‬ص ‪.225‬‬
‫‪2‬‬
‫حامد أبو هدرة‪« :‬اللغة القومية والهوية»‪ ،‬مجلة الجامعة المغاربية‪ ،‬العدد الثامن‪ ،‬السنة الرابعة‪ ،0779 ،‬ص ‪.266‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد السالم ابراهيم بغدادي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.225-220‬‬

‫‪85‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫هذه الـمنزلة التي احتلتها اللغة في حياة الفرد والـجماعة على حد السواء‪ ،‬جعلها تتخذ مكانـة مهمة‬
‫في النظام السياسي* أيضا‪ ،‬لكن كإحدى أدوات الـهيمنة والسيادة‪ ، 1‬وهو ما عكسته سياسات التجانس‬
‫اللغوي التي اقترنت في العادة بإنشاء الدول القومية عقب اإلستعمار‪ ،‬وفي فترة أقرب بانهيار اإلتحاد‬
‫السوفياتي والدول التابعة له‪.‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬اتـجهت الدول األمـمية نـحو تعريف مركز اللغات التي يـجري التحدث بـها في أقاليمها‪،‬‬
‫وتقرير الـمجاالت التي تستخدم فيها‪ ،‬ووفقا لذلك حظيت اللغة الرسـمية باإلستعمال العام في النظام‬
‫التعليمي‪ ،‬ووسائط اإلعالم العامة‪ ،‬والـمحاكم‪ ،‬واإلدارة العامة‪ ،‬في حين انـحصر استخدام اللغات الـمحلية‬
‫(قد تعمد بعض الدول إلى تسمـية عـددا مـن اللـغات الـوطـنية في دسـتورها إلى جـانــب الـلغـة الرسـمية) في‬
‫ندر اتساع استخدامها إلى الـمجاالت العامة‪ ،‬وهو ما يزيد من التهميش اإلجتماعي‬
‫الـمجال الـخاص‪ ،‬أيـن يـَ ُ‬
‫والسياسي للمتحدثين بـها‪.2‬‬
‫هذا الوضع الذي يعاني منه على وجه الـخصوص السكان األصليون وأفراد الـمهاجرين‪ ،‬قد أدى إلى تقييد‬
‫مقدرتـهم على استخدام لغتهم األم ‪ -‬مع قدرتـهم الـمحدودة على تكلم اللغة السائدة أو اللغة القومية الرسـمية‬
‫‪ -‬إلى إقصائهم عن التعليم والـحياة السياسية‪ ،‬والـحصول على العدالة واإلستفادة من الـمنافع اإلقتصادية‬
‫واإلجتماعية‪ ،‬التي يتوقف التمتع بـها على مدى انصهارهم في الثقافة الـمهيمنة‪.3‬‬
‫ومن المؤشرات الواضحة على اإلنصهار الناجم عن الضغوط التي تفرضها سياسات التجانس‬
‫اللغوي‪ ،‬بفعل نزوع الدولة نـحو الدمج واإلستيعاب القسري للتباينات الثقافية‪ ،‬ما تشهده لغات العالـم من‬
‫تقهقر مـخيف وموت متسارع بـمعدالت عالية جدا‪ ،‬وهو األمر الذي نبه له اللغويون عندما رجحوا اختفاء‬
‫نسبة كبيرة من لغات العالـم أثناء القرن الواحد والعشرين‪ ،‬قد تبلغ نصف ما هو موجود حاليا؛ بـحيث سوف‬
‫لن يـحظى سوى ‪ 19‬بالـمئة منها بمستقبل آمن‪ .4‬انظر الخريطة التالية أدناه‪.‬‬

‫* لقد أصبحت اللغة عامال فاعال بصورة متزايدة في رسم حدود المجتمعات السياسية في البلدان المتعددة اللغات مثل‪ :‬بلجيكا واسبانيا‬
‫وسويس ار وكندا‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫محمد عاشور مهدي‪« :‬التعددية اإلثنية‪ :‬إدارة الصراعات واستراتيجيات التسوية»‪ ،‬عمان‪ :‬المركز العلمي للدراسات السياسية‪،‬‬
‫‪ ،0770‬ص ‪.70‬‬
‫‪2‬‬
‫‪UNESCO World Report: « Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», Op Cit, p 70.‬‬
‫‪ 3‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪4‬‬
‫حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.270‬‬
‫‪86‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫خريطة رقم ‪ :10‬مؤشر التنوع اللغوي‪.‬‬

‫المصدر‪( :‬منظمة األمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة‪" ،‬تقرير حول اإلستثمار في التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪).02‬‬

‫وبالرغم من أن العدد الدقيق للغات الـمنطوقة في عالـم اليوم هو مـحل جدال ونقاش مستمر‪ ،‬إال أن قوائم‬
‫جرد مثل إثنولوغ (‪ )Ethnologue‬ولنغواسفير(‪ )Linguasphere‬قدرت هذا الـمجموع بـحوالي ‪ 0999‬إلى‬
‫‪ 5999‬لغة‪ ،‬نصف هذه اللغات يتحدثها أقل من ‪ 19999‬شخص‪ ،‬وقد ُرّجح اختفاء لغة واحدة من بين‬
‫هذه اللغات كل أسبوعين‪ ،‬أين ستواجه مجموعات اللغات الصغيرة عدديا أو الضعيفة اقتصاديا‪ ،‬مستقبال‬
‫كئيبا بصورة خاصة؛ فكثي ار ما تكون اللغات الواقعة تـحت الضغط‪ ،‬هي اللغات التي يتحول عنها متحدثوها‬
‫إلى لغة مهيمنة‪ ،‬استجابة لضغوط سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية‪ ،‬ولـخطورة الوضع واثارة‬
‫اإلحساس بأهـميته‪ ،‬شبه اللغويون إخفاق اللغة في اإلنتقال من جيل إلى آخر‪ ،‬بإخفاق أحد األنواع في‬
‫التكاثر‪.1‬‬
‫باإلتساق مع ذلك‪ ،‬تشير الباحثة توف سكوتناب كنغاس (‪ )Tove Skutnabb-Kangas‬وهي‬
‫من أنصار الـحقوق اللغوية* لألقليات‪" ،‬أن معظم الـجماعات اللغوية خالل الـمئة سنة الـمنصرمة أصبحت‬
‫ضحية اإلبادة اللغوية‪ ،‬التي أهلكت من اللغات ما يفوق معدل إهالكها للبشر‪ .‬ويرجع السبب في ذلك إلى‬

‫‪1‬‬
‫‪UNESCO World Report: « Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», Op Cit, p 69.‬‬
‫‪87‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫الرغبة في القضاء على أية منافسة مـحتملة على النفوذ السياسي واإلقتصادي‪ ،‬حتى يتم بذلك التخلص من‬
‫أية مطالب محتملة بـحق إنشاء دولة‪ -‬أمة من قبل السكان األصلييـن واألقليات"‪.‬‬
‫في ضوء هذه الـمعطيات‪ ،‬يـمكن فهم حجم الضغوطات الكبيرة التي تواجهها هذه الـجماعات‪ ،‬والتي تقودها‬
‫إلى فقدان ارتباطها اللغوي بثقافاتـها الموروثة‪ ،1‬أو التنازل عنها مكرهة؛ وهو األمر الذي يمكن تشبيهه‬
‫ببداية "اإلنتحار الثقافي"‪ ،‬على اعتبار أن اللغة تشكل األساس الثقافي ألي جماعة‪.2‬‬
‫وقد لوحظ بأن هذه الضغوط تـصل ذروتـها أين يبلغ التنوع اللغوي أقصاه‪ ،‬ففي إفريقيا جنوب‬
‫الصحراء مثال‪ ،‬التي تتواجد بها أكـثر مـن ‪ 0899‬لغـة‪ ،‬تبقى مقدرة أناس كثيرين على استخدام لغتهم في‬
‫التعليم والـمعامالت مع الدولة مـحدودة بشكل كبير‪ .‬وفي أكثر من ‪ 99‬بلدا في الـمنطقة ‪ -‬بتعداد سكاني‬
‫يبلغ حوالي ‪ 815‬مليون نسمة أي ما يعادل ‪ ٪59‬من مـجموع سكان الـمنطقة‪ -‬تـختلف اللغة الرسـمية عن‬
‫اللغة األكثر شيوعا بين الناس‪.3‬‬
‫وفي ما يلي عرض لبعض من مظاهر إنكار التنوع اللغوي األكثر شيوعا على المستوى العملي؛‬
‫‪ - 1‬فرض قيود على استخدام لغات األقليات الثقافية في الحياة العامة‬
‫في بعض السياقات الوطنية‪ ،‬تفرض عديد الحكومات قيودا لـحظر استخدام لغات األقليات في‬
‫الـمجاالت العامة‪ ،‬بـما في ذلك الـحياة السياسية كالحمالت االنتخابية وأنشطة المجتمع المدني‪ ،‬وفي مثل‬
‫هذه الظروف تكون األقليات الثقافية المهمشة عرضة للمالحقة القضائية‪ ،‬في حال إصرارها على استخدام‬
‫لغتها عالنية‪ ،‬وتجاوز الحظر المفروض عليها‪.‬‬

‫* إن حقوق األفراد في استخدام وتعلم ونقل لغاتـهم في الـحياة العامة والخاصة دون تـمييز‪ ،‬هي حقوق راسخة تـماما في القانون الدولي‬
‫لـحقوق اإلنسان‪ ،‬وينظر إليها بوصفها ذات بعد جـماعي‪ .‬فالمادة ‪ 70‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق الـمدنية والسياسية‪ ،‬تطالب‬
‫الدول بكفالة احترام حقوق اإلنسان لـجميع األفراد الـموجودين داخل أراضيها والـخاضعين لواليتها دون تـمييز من أي نوع‪ ،‬بـما في ذلك‬
‫التمييز القائم على أساس اللغة‪.‬‬
‫أما الـمادة ‪ 29‬منه فتضمن حرية التعبير والـحق في نقل أو تلقي الـمعلومات واألفكار بـجميع أنواعها بالوسيلة أو اللغة التي يـختارها‬
‫الـمرء‪.‬‬
‫في حين جاء في نص المادة ‪ " : 00‬ال يـجوز‪ ،‬في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية‪ ،‬أن يـحرم األشخاص‬
‫الـمنتسبون إلى األقليات الـمذكورة من حق التمتع بثقافتهم الـخاصة والـمجاهرة بدينهم واقامة شعائره أو استخدام لغتهم‪ ،‬باالشتراك مع‬
‫األعضاء اآلخرين في جـماعتهم"‪ .‬وتقتضي اتفاقية حقوق الطفل‪ ،‬بموجب المادة ‪ 17‬أن يكون لألطفال الـمنتمين إلى األقليات الحق في‬
‫استخدام لغتهم الخاصة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية‪.‬‬
‫‪1‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.270‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Josef Tubiana: «The linguistic approach to self-determination», In: I.M. lewris, ed, nationalism and self-‬‬
‫‪determination in the horn of Africa, London: Ithaca press, 1983, p27.‬‬
‫‪ 3‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪88‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫وفي بلدان أخرى ينظر الستخدام لغات األقليات بأنه تـهديد لسالمة الدولة أو وحدتـها‪ ،‬ومـحاولة من قبلها‬
‫لتعزيز مطالبها اإلقليمية أو اإلنفصالية‪ ،‬لذا يـجب تقييدها ومنعها بشكل صارم منذ البداية‪ ،‬وهو ما ينعكس‬
‫سلبا على اإلعمال الكامل لـحقوقها‪ ،‬خاصة ما تعلق منها بلغتها‪.1‬‬
‫ويـشار هنا‪ ،‬إلى أن التميـيز واإلضطهاد غـالـبا ما يـبـدأ عـنـد اللحظة التي تـؤكد فيها األقليات على‬
‫حقوقها في الـهوية واللغة‪ ،‬وهو ما يشكل مصد ار خطيـ ار لنـشـوء التوترات ونشوب النزاعات داخل الدول‪،‬‬
‫والتي إن لـم يتم معالـجتها على نـحو مناسب وفي مراحل مبكرة‪ ،‬فإنـها ستؤدي إلى إطالة أمد النزاعات‪،‬‬
‫وتعميق اإلنقسامات بين المجموعات اللغوية‪.‬‬
‫لذلك يـجب أن تنطلق الـمعالـجة من الـخطوات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬احترام مبادئ حقوق األقليات الـمتمثلة في عدم التمييز‪ ،‬الـمساواة‪ ،‬المشاركة والتشاور‪ ،‬بما في ذلك‬
‫ما يتعلق باللغة‪ ،‬خاصة وأنـها تعتبر وسيلة أساسية لمنع نشوء التوترات‪ ،‬وعنصر أساسي للحكم الرشيد؛‬
‫‪ -‬أخد قضايا ومنظورات واهتمامات األقليات بعين اإلعتبار‪ ،‬ومعالـجة احتياجاتـها الـمعالجة المناسبة؛‬
‫‪ -‬فتح الـمجال أمام األقليات للعب دور فعال وكامل فيما يـخص الق اررات التي تـمسها؛ خاصة ما‬
‫تعلق منها برسم السياسة اللغوية وطريقة مـم ـ ـارستها عـ ـلى الصعيـ ـد الوط ـني في الـمناطق التـي توج ـد بـه ـا‬
‫األقليات؛ فمن األهـمية بـمكان أن تؤدي جميع فئات الـمجتمع‪ ،‬دو ار كامال في الـمناقشات والـمفاوضات‬
‫وعمليات اتـخاذ الق اررات‪2‬؛‬
‫‪ -2‬فرض قيود على استخدام لغات األقليات الثقافية في مجال التعليم‬
‫تعتبر القيود الـمفروضة على لغات األقليات في مـجال التعليم من بين أكثر القيود مساسا بالحرية‬
‫الثقافية؛ إذ بإمكانـها أن تشكل انتهاكا لإللتزام القاضي بـحماية هوية األقليات‪ ،‬وسببا مباش ار في تقييد‬
‫حراكها اإلجتماعي واإلقتصادي‪ ،‬وحرمانـها من حقوق أساسية عدة‪ ،‬على رأسها الـحق في التعليم والعمل‪.‬‬
‫وهنا يتبادر للذهن التساؤلين التالييـن‪ :‬لـما تتبنى معظم حكومات الدول الديـمقراطية لغة األكثرية‬
‫بوصفها اللغة الرسـمية للدولة‪ ،‬بـحيث يغدو على الـجميع تعلمها؛ الشتراط الطالقة في استخدامها واتقانـها‬
‫ضمن متطلبات العمل في الـمؤسسات الـحكومية‪ ،‬أو حين التعامل معها‪ ، 3‬فما يكون مصير الذين ال‬
‫يتقنون اللغة الرسـمية؟‬
‫وحيثما تكون لغات الدولة الرسمية هي اللغات الوحيدة الـمستخدمة في الـمدارس‪ ،‬فماذا يتوقع من أطفال‬
‫األقليات الذين ال يتقنون في حاالت كثيرة لغة الدولة بالقدر الذي يتقنون به لغتهم األم؟‬

‫‪« 1‬تقرير الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات ريتا إسحاق‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان المدنية والسياسية‬
‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة الثانية والعشرون‪ ،‬البند‬
‫الثالث‪ 12 ،‬ديسمبر ‪ ،0720‬ص ص ‪.20-26‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪3‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪89‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫اإلجابة على ذلك متضمنة في اإلحصائيات التي تشير إلى أنه والى غاية عام ‪ ،0990‬أحصي‬
‫ما يقارب نـحو ‪ 58‬مليون طفل ‪ 88-‬بالـمئة منهم من الفتيات‪ -‬غير ملتحقيـن بالـمدارس؛ غالبيتهم ينتمون‬
‫إلى األقليات الثقافية والسكان األصليين والبدو الرحل‪ ،‬في حين وجد أن ‪ 550‬مليون من مجموع عدد‬
‫البالغين في جـميع أنـحاء العالم‪ ،‬أي ما نسبته ‪ 10‬بالمئة‪ ،‬يفتقرون إلى مهارات القراءة والكتابة األساسية‪،‬‬
‫منهم نـحو الثلثين من النساء‪ ،‬وهي نسبة ظلت دون تغييـر تقريبا منذ مطلع التسعينات‪ ،‬رغم الـجهود‬
‫الحثيثة للمجتمع الدولي‪.1‬‬
‫وعلى الرغم من جهود اليونسكو في هذا الصدد‪ ،‬ال يزال التعليم أحادي اللغة هو النموذج الغالب‬
‫في العديد من البلدان‪ ،‬التي تحدد لغة فقط لإلستخدام في مدارسها‪ ،‬مما يؤدي إلى إقصاء الكثير من‬
‫األطفال من التعليم‪ ،‬ويسهم في زيادة نسبة الرسوب و‪/‬أو ارتفاع معدالت التسرب من المدارس‪.‬‬
‫وفي الواقع أنه عندما يستخدم بلد متعدد اللغات لغة أساسية واحدة فقط في الـمدارس العامة‪،‬‬
‫وكذلك في إدارة الخدمات واألنشطة الـحكومية‪ ،‬فإن من يستفيد منها هم فقط أولئك الذين يستخدمون اللغة‬
‫الـمختارة باعتبارها اللغة األساسية‪ ،‬أما الذين تقل أو تنعدم لديهم القدرة على استخدام تلك اللغة فيعانون‬
‫من الحرمان والتهميش في مجال التعليم‪ ،‬ومن عدم اإلستفادة من استخدام لغتهم األساسية في التعلم‬
‫والتماهي معها‪ ،‬ويسري هذا األمر حتى في حالة المجتمعات التي تعتمد فيها لغتان رسميتان‪.2‬‬

‫شكل رقم ‪ :06‬افتقار الكثيرين إلى منافذ التعليم اإلبتدائي باللغة األم‬

‫المصدر‪( :‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪).10‬‬

‫‪1‬‬
‫‪UNESCO World Report: « Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», Op Cit, p 195.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p 190.‬‬
‫‪90‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫‪ -3‬تغييب لغات األقليات الثقافية في اإلدارة العامة والمجاالت القضائية‬


‫إن إتاحة اإلمكانية لألقليات للمشاركة في الـمؤسسات والـهيئات اإلدارية بلغات األقليات‪ ،‬من شأنه‬
‫أن يؤثر إيجابا في مقدرتـها على التعبير عن آرائها والـمشاركة في العمليات التشاورية‪ ،‬والتأثير في‬
‫السياسات الوطنية التي تـمسها وتـمس المناطق التي تعيش فيها‪ .‬في حين تحد العراقيل اللغوية التي تطال‬
‫األقليات في بعض األماكن من إمكانية تفاعلها مع السلطات‪ ،‬وبالتالي حرمانها من حقها في الـمشاركة‬
‫‪1‬‬
‫الكاملة في الـحياة العامة‪ ،‬على النحو الـمنصوص عليه في اإلعالن الـمتعلق باألقليات لعام ‪.1000‬‬
‫وعادة ما تلجأ بعض الدول إلى تحديد نسب مئوية مـحددة للسكان‪ ،‬تتيح لألقليات في حالة‬
‫تجاوزها استخدام لغاتـها في التفاعالت الرسـمية مع الـمسؤولين الـحكوميين والـهيئات الـحكومية‪ ،‬إضافة‬
‫لحصولها على مستحقات أخرى تتعلق باللغة‪.‬‬
‫بيد أن تحديد تلك النسب يجب أن يتم بطرق غير تقييدية‪ ،‬ويفضل توخي الـمرونة عند اختيار النهج‬
‫الـمناسبة وعند اتباعها أيضا؛ فحيثما يتواجد تركز كبير لفئات األقليات السكانية‪ ،‬يكون من المناسب جدا‬
‫ضمان إتاحة الفرصة أمامها الستخدام لغاتـها في التواصل مع الـهيئات اإلدارية والسلطات‪ ،‬دون إهمال‬
‫احتياجات الجماعات اللغوية األصغر أو المشتّتة التي قد تواجه تحديات فريدة من نوعها‪.2‬‬
‫وقد يحجم العديد من األشخاص المنتمون إلى األقليات اللغوية عن المشاركة في الهيئات اإلدارية‬
‫أو في أجهزة الشرطة أو في الهيئة القضائية نتيجة لعدم إتقانهم للغة؛ إذ تشكو األقليات من حرمانها من‬
‫فرصة اإلستعانة بمترجم تحريري أو فوري مجاني‪ ،‬عندما يتعذر عليها فهم لغة الهيئة القضائية أو‬
‫المحكمة أو التحدث بها‪ ،‬وهو أمر تتجلى نتائجه في عدم القدرة على اإلبالغ عن حاالت التمييز أو‬
‫الـجرائم أو اإلمتناع عن اإلبالغ عنها‪ .‬وحتى األشخاص الذين يتقنون اللغة القومية قد يشعرون بأنـهم‬
‫قادرون بشكل أكبر على معالـجة القضايا اإلدارية الـمعقَّدة‪ ،‬والمشاركة في الهيئات القانونية والمحاكم‬
‫بلغتهم األم‪.‬‬
‫‪ - 4‬تغييب استخدام لغات األقليات في األسماء وأسماء األماكن والالفتات العامة‬
‫يمكن للدول أن تقرر حيثما تشكل األقليات شريـحة كبيرة من السكان‪ ،‬أو أغلبية عددية في منطقة‬
‫ما‪ ،‬وتكون على صالت طويلة وراسخة مع تلك الـمنطقة‪ ،‬أن تضع الفتات عامة وأسـماء شوارع بلغات‬

‫‪« 1‬تقرير الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات ريتا إسحاق‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان المدنية والسياسية‬
‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.07‬‬
‫‪« 2‬تقرير الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات ريتا إسحاق‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان المدنية والسياسية‬
‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.02-07‬‬
‫‪91‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫األقليات‪ ،‬وذلك بالتشاور مع الـمجتمعات الـمحلية‪ ،‬وهو ما يـمكن اعتباره اعترافا علنيا* هاما بتقاليد لغات‬
‫الجماعة اللغوية التي تلتمس التشجيع على اإلعتراف العلني بلغتها والتعبير عنها على الـمأل‪.1‬‬
‫وفي أوروبا تنص اإلتفاقية اإلطارية لحماية األقليات الوطنية صراحة على أن تسعى الدول‬
‫جاهدة‪ ،‬مع مراعاة ظروفها المحددة‪ ،‬إلى "عرض األسماء المحلية التقليدية وأسماء الشوارع واإلشارات‬
‫المخصصة للجمهور‪ ،‬بلغات األقليات أيضا عندما يكون الطلب كافيا على هذه اإلشارات "‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األخرى‬
‫أما في الصين فتستخدم اإلشارات الثنائية في المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي‪ ،‬بما في ذلك‬
‫شيجيانغ والتيبت‪ ،‬حيث تحمل اللغتان اليغور واللغة التيبتية الصفة الرسمية إلى جانب اللغة الصينية‪.‬‬
‫وبالتالي يـحق لألقليات تسمية أطفالها بلغاتـها‪ ،‬وينبغي عدم فرض قيود ليس لـها ما يبررها على هذا الـحق‬
‫أو على اإلعتراف الرسمي بأسماء األقليات في سجل الوالدات‪ ،‬أو غير ذلك من الوثائق الرسـمـية؛ ألن‬
‫ذلك يشكل انتهاكا لحقوق األقليات في التمتع بلغتها وثقافتها وهويتها‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬إنكار العادات والتقاليد وحرمان الناس من العيش وفقا لقناعاتهم‬


‫أيضا ألشكال‬
‫باإلضافة إلى مشاكل التمييز الـمباشر والعلني‪ ،‬قد يتعرض أفراد الجماعات الثقافية ً‬
‫خفية من التمييز‪ ،‬يدعى بالتمييز الهيكلي أو غير المباشر‪ .‬فالقواعد الـمحايدة في ظاهرها‪ ،‬على سبيل‬
‫المثال‪ ،‬والـمتعلقة باللباس في المدارس أو المؤسسات العامة األخرى‪ ،‬أو نمط المعيشة والممارسات‬
‫الثقافية‪ ،‬يمكن رغم عدم استهدافها لطائفة محددة علنا‪ ،‬أن تكون بمثابة تمييز ضد األشخاص المنتمين‬
‫دينيا باحترام قواعد محددة في اللباس‪.‬‬
‫إلى أقلية دينية تشعر بأنها ملزمة ً‬
‫وقد تـحدث مشاكل مشابهة فيما يتعلق بالقواعد الغذائية‪ ،‬والعطالت الرسمية‪ ،‬وقوانين العمل‪ ،‬ومعايير‬
‫الصحة العامة‪ ،‬وغيرها من المسائل‪.‬‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬قد تكون فئات واسعة من الناس غير مدركة تماما للتداعيات السلبية‪ ،‬الممكن أن‬
‫تتسبب بـها قواعد تبدو للوهلة األولى مـحايدة‪ ،‬على حقوق األشخاص الـمنتمين إلى أقليات دينية‪ .‬ولتجنب‬
‫أو تصحيح النتائج التمييزية‪ ،‬ينبغي أن تتشاور الدول مع مـمثلي األقليات الدينية قبل سَّن تشريعات يمكنها‬

‫* تحظى به األقليات التي تتمتع بشكل معين من أشكال الحكم الذاتي اإلقليمي أو السياسي‪ ،‬بيد أن هذا اإلعتراف العلني ال يـمنح‬
‫األقليات كبيرة ومركزة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫للغات األقليات في بعض البلدان حتى ولو كانت جـماعات‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬ينبغي أن تُتخذ ق اررات استخدام الالفتات العامة بلغات األقليات أو عدم استخدامها بالتشاور مع األقليات‪ ،‬ولعل خير‬
‫وسيلة التخاذ هذه الق اررات هو التفاوض بشأنـها على مستوى البلديات أو المستوى الـمحلي‪ ،‬ويضمن اتّباع نـهج لغوي مزدوج إزاء‬
‫الالفتات العامة‪ ،‬حقوق األفراد اآلخرين في الـمجتمع الـمحلي الذين ال ينتمون إلى األقلية اللغوية‪.‬‬
‫‪UNESCO World Report: «Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», Op Cit, p 22.‬‬ ‫انظر‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Ibid, p 21-22.‬‬
‫‪92‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫أن تمس بقناعاتـهم ومـمارساتهم الدينية أو العقائدية‪ ،‬وينبغي للدول أن تضع وتعزز سياسات "اإلدماج‬
‫العقالني" ألفراد األقليات‪ ،‬لتمكينهم من العيش وفقًا لقناعاتهم‪.1‬‬
‫وبالتالي تتجلى هنا أهمية أسلوب الدولة في اإلعتراف بتاريخ الـمجموعات الثقافية المختلفة ضمن‬
‫حدودها‪ ،‬واحترام هذا التاريخ‪ ،‬وليس من السهل جمع بيانات عن هذا الموضوع‪ ،‬وبخاصة على مستوى‬
‫اإلقليم أو الـمدينة‪ .‬لكن يبقى أحد أهم سبل تقييم مدى اإلعتراف بفئات متباينة و القبول بـها‪ ،‬هو كيفية‬
‫الدين‪ ،‬العائدين إلى المجموعات‬
‫احتفاء الـمناسبات و األعياد الوطنية باللحظات البارزة في التاريخ أو ّ‬
‫الثقافية في الدولة‪ ،‬أو أسلوب تسمية الشوارع‪.2‬‬
‫وفي حقيقة األمر‪ ،‬فإن الدولة في موقع يـجعلها تفرض و تـحافظ على قيم األكثرية‪ ،‬فيما يتعلق‬
‫باللغة‪ ،‬والثقافة‪ ،‬وأسلوب الـحياة‪ ،‬والـمناسبات العامة‪ ،‬وفي استعمال الشعارات والرموز‪ ،‬أين تعتبر امتدادا‬
‫لنشاطات وفعاليات البناء الوطني "الدولة المحايدة"‪ .‬إذ في مثل هذه الـمسائل‪ ،‬يحصل الـمحتوى الثقافي‬
‫لألكثرية ببساطة على موافقة الدولة كرموز وشعارات للثقافة الوطنية‪ ،‬ولهذا فإن الـجدل المطروح هنا هو‬
‫استم اررية تشجيع قيم األكثرية عمليا‪ ،‬بالرغم من وقوف الدولة فرضيا وراء جـميع أنواع العضوية اإلثنية‬
‫والثقافية للمجاميع‪.3‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التمييز الهيكلي واإلستبعاد من المشاركة الفعالة في الحياة العامة‬


‫يتأتى النوع الثاني من اإلستبعاد الثقافي التفاضلي‪ ،‬في شكل اإلستبعاد من المشاركة بأشكاله‬
‫اإلجتماعية والسياسية واإلقتصادية‪ ،‬ونـجده يتعلق في غالب األحيان بما يسمى بالتمييز الهيكلي أو‬
‫الخفي‪.‬‬
‫ومع أن مفاهيم اإللغاء واإلقصاء أو التهميش هي دائما مـخالفة لطبيعة الـحياة‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫كل إلغاء لآلخر سواء دينيا أو سياسيا أو اجتماعيا‪ ،‬هو مسلك مـجاف لطبيعة الـحياة‪ ،4‬وبالرغم من كثرة‬
‫النصوص القانونية التي تدعو إلى عدم التمييز والمساواة في موضوعات سياسات وبرامج الدولة‪ ،‬فإن ثمة‬
‫فجوة ال زالت موجودة بين الطرح القانوني والـممارسات الفعلية‪ ،‬حتى في تلك الدول التي تدعي بأنـها من‬
‫أفضل الـمدافعين عن حقوق الفرد في تشريعاتـها الـخاصة بـحقوق الـمواطنة‪.‬‬

‫‪« 1‬تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين هاينر بيليفيت‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان‪ ،‬المدنية والسياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬الدورة الثانية والعشرون‪ ،‬البند ‪ ،1‬ديسمبر ‪ ،0720‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪2‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪3‬‬
‫«إدارة التنوع في المجتمعات التعددية»‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪www.asharqalarabi.org.uk/markaz/t-02052012.doc‬‬
‫‪ 4‬عبد اهلل سعيد آل عبود القحطاني‪« :‬قيم المواطنة لدى الشباب واسهامها في تعزيز األمن الوقائي»‪ ،‬أطروحة مقدمة استكماال‬
‫لمتطلبات الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم القانونية‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،0727 ،‬ص ‪.276‬‬
‫‪93‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫في هذا السياق‪ ،‬أشار تقرير التنمية البشرية لعام ‪ 0999‬حول حقوق اإلنسان والتنمية البشرية‪،‬‬
‫إلى مالحظة خطيرة حول حاالت اإلقصاء واإلستبعاد لألقليات‪ ،‬التي هي في أمس الحاجة إلى حـمايتها‬
‫من تـهديدات الق اررات التي تتخذها األكثرية‪ ،‬والتي تتضمن اإلقصاء من الـمشاركة في صنع القرار‪،‬‬
‫وتـجاوز حكم القانون‪ ،‬والتعسف في فرض الـممارسات اإلجتماعية لألكثرية‪ ،‬وعدم التسامح الديني‪ ،‬والفقر‬
‫كنتيجة لرغبة األكثرية في مراعاة مصالـحها اإلقتصادية على حساب األقليات‪ ،‬من خالل مـمارسات‬
‫تستهدف إبعادها عن الـمناطق الغنية بالموارد‪ .‬وفي ما يلي بعض النماذج القليلة‪ ،‬التي تضع عالمات‬
‫استفهام حول فاعلية الـمواطنة العامة‪ ،‬كقاعدة لإلدعاء بالـحقوق والعدالة‪.1‬‬

‫أوال‪ :‬اإلستبعاد اإلجتماعي واإلقتصادي وأثره على إعمال الحق في الهوية الثقافية‬
‫يعد اإلستبعاد اإلقتصادي واإلجتماعي أحد أسباب ومظاهر ونتائج التمييز في حق األشخاص‬ ‫ّ‬
‫الـمنتمين إلى أقليات ثقافية‪ ،‬فقد أقصي على مدى التاريخ العديد منهم من الـمشاركة الكاملة والفعالة في‬
‫الحياة اإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬سواء في العالم المتقدم أو العالم النامي‪.2‬‬
‫والحقيقة أنه يندر توزع مستويات التنمية البشرية بصورة عادلة في أي بلد من البلدان؛ لكن ما‬
‫يثير اللبس هنا هو وقوع العبء األكبر من ذلك على مـجموعات دينية وعرقية ولغوية معينة؛ مثلما تفيد به‬
‫مجموعة بيانات األقليات المعرضة للخطر‪ ،‬التي تقدر بأن حوالي ‪ 589‬مليون نسمة في العالم ينتمون إلى‬
‫مجموعات تتعرض للتمييز أو التأذي اإلقتصادي اإلجتماعي بسبب هوياتهم الثقافية‪ .‬كما أن مـجموعات‬
‫كثيرة تعاني كال النوعين من التمييز‪ ،‬ويتأتى ذلك بالنسبة إلى حوالي ‪ 09‬مليونا من هؤالء نتيجة سياسات‬
‫تمييز حكومـية مـباشرة‪ ،‬لكن األسباب األعم هي الممارسات التمـييزية اإلجتماعية أو اإلهـمال الذي يترك‬
‫دون عالج‪.3‬‬
‫كما وال شك أن حدة التمييز واتساعه الذي يظهر من خالل الال تكافؤ في الفرص والتمييز في جميع‬
‫المجاالت الثقاف ية واإلجتماعية واإلقتصادية‪ ،‬وأيضا توزيع الخيرات والثروات اإلجتماعية العامة‪ ،‬ليس‬
‫متشابها بين مختلف المجموعات‪ ،‬وأن لهذا األمر بالطبع أسبابه التاريخية والجغرافية واإلجتماعية‪.4‬‬

‫‪« 1‬إدارة التنوع في المجتمعات التعددية»‪ ،‬ص ص ‪.76-75‬‬


‫‪www.asharqalarabi.org.uk/markaz/t-02052012.doc‬‬
‫‪« 2‬مذكرة مقدمة من األمانة‪ ،‬مشروع توصيات بشأن األقليات والمشاركة الفعالة في الحياة اإلقتصادية»‪ ،‬الـمحفل المعني بقضايا‬
‫األقليات‪ ،‬مـجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة ‪ 70 ،71‬أكتوبر ‪ ،0727‬ص ‪.71‬‬
‫‪ 3‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.15‬‬
‫‪ 4‬يوسف عزيزي‪« :‬التمييز ضد األقليات في إيران»‪ ،‬مجلة موارد‪ ،‬بيروت‪ :‬برنامج الشرق األوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو‬
‫الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،29‬شتاء ‪ ،0720‬ص ‪.69‬‬
‫‪94‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫شكل رقم ‪ :50‬المسببات المختلفة لإلستبعادين السياسي واإلقتصادي‬

‫المصدر‪( :‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪).10‬‬

‫وطالـما أن الـمشاركة الكاملة والفـعالة في الـحياة اإلقتصادية واإلجتماعية تـعني فيما مـعناه‪ ،‬التمتع‬
‫الكامل بـجميع الحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية المنصوص عليها في الصكوك الدولية لـحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫بـما فيها الصكوك الدوليـة الـمتصلة بـحقوق العمل‪ ،‬فإن اإلعتـراف بأهـمية الـحق في التعليم‪ ،‬والـحق في‬
‫الصحة‪ ،‬والـحق في التمتع بـمستوى معيشي مناسب‪ ،‬باعتبارها عناصر أساسية الزمة لضمان حق‬
‫األقليات في المشاركة اإلقتصادية الفعالة‪ ،‬يدفعنا للتركيز على ثالث مسائل تبرز فيها قضايا اإلستبعاد‬
‫اإلقتصادي واإلجتماعي على أساس ثقافي‪ ،1‬والتي تؤثر جميعها على مستوى اإلستقرار المجتمعي‪.‬‬
‫‪ - 1‬اإلستبعاد من الحق في العمل* بناء على اعتبارات ثقافية‬
‫الدين أو اللغة أو اإلسم أو‬
‫كثي ار ما يتعرض أفراد األقليات للتمييز على أساس منطلقات اللون أو ّ‬
‫حتى مـح ّل اإلقامة‪ ،‬لدى سعيهم للحصول على وظيفة في مـجال العمل في القطاعين العام والخاص‪ ،‬كما‬
‫يفتقرون في كثير من األحيان إلى التمثيل في نقابات العمال‪ ،‬ويشكلون هدفا للتمييز الـمهني‪ ،‬بل إنـهم قد‬
‫يعانون من أشكال متعددة من التمييز‪ ،‬بما في ذلك في القطاع غير الرسمي واقتصاد الكفاف‪.2‬‬

‫‪« 1‬مذكرة الخبيرة المستقلة المعنية ب قضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬األقليات والمشاركة الفعالة في الحياة اإلقتصادية»‪ ،‬المحفل‬
‫المعني بقضايا األقليات‪ ،‬مـجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة ‪ 27 ،71‬أوت ‪ ،0727‬ص ‪.75‬‬
‫* يشكل الحق في العمل حقا أساسيا معترفا به في العديد من الصكوك القانونية الدولية‪ ،‬فهو يسهم في بقاء اإلنسان وبقاء أسرته‪ ،‬كما‬
‫يسهم في حال اختيار العمل وقبوله بـحرية‪ ،‬في نـمو اإلنسان واإلعتراف به داخل الـمـجتمع بـما يـمهد السبيل لتنمية الشخصية لدى‬
‫األشخاص الـمنتمين إلى أقليات وتوسيع نطاق إدماجهم اإلجتماعي واإلقتصادي‪.‬‬
‫انظر‪« :‬مذكرة الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬األقليات والمشاركة الفعالة في الحياة اإلقتصادية»‪ ،‬مـجلس‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة ‪ 27 ،71‬أوت ‪ ،0727‬ص ص ‪.76-75‬‬
‫‪2‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪95‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫هذا ما تؤكده مـجموعة بيانات األقليات الـمعرضة للخطر‪ ،‬التي تقدر أن أكثر من ‪ 999‬مليون‬
‫شخص ينتمون إلى مـجموعات تـخضع لقيود تـحول دون وصولـها لمناصب أعلى بالـمقارنة مع آخرين في‬
‫الدولة بسبب هوياتـها‪ ،‬وأن ما يقارب ‪ 999‬مليون شخص ينتمون إلى مجموعات تواجه قيودا في الحصول‬
‫على وظائف حكومية‪.‬‬
‫هذه اإلحصاءات المخيفة تعكس حقيقة مؤسفة تشهدها هذه الـمعمورة؛ وهي بالرغم من التنوع‬
‫الكبير الذي تشهده دول اليوم‪ ،‬وضمها لهويات ثقافية مـختلفة تعيش مع بعضها البعض‪ ،‬إال أن ذلك غالبا‬
‫ما يحدث في عوالـم مـخـتلفة؛ فما يـزال الـمواطنون السـود في جـنوب إفريـقـيا يكسبون نـحو خـمـس دخل‬
‫البيض‪ ،‬كما ي ـعتقد الروما في تشيكيا وهنغاريا وسلوفاكيا أن انتماءهم اإلثني هو السبب الرئيسي في عدم‬
‫تـمكنهم من العثور على وظائف عمل‪ ،‬وفي ساوباولو بالب ارزيل‪ ،‬يتقاضى الرجال والنساء السود نصف‬
‫الرواتب التي يتقاضاها البيض‪ ،‬في حين تشهد غواتيماال تداخالت واضحة بين مجموعات السكان‬
‫األصليين واإلستبعاد االجتماعي‪ ،‬وتوجد هذه األنماط ذاتها في قطاعي الصحة والتعليم حيث األعمار‬
‫المتوقعة للسكان األصليين أدنى دائما من أعمار غير األصليين‪.1‬‬
‫كما تقدر منظمة العمل الدولية عدد األشخاص من السكان األصليين المنتشرين اليوم في العالم‬
‫بحوالي ‪ 959‬مليون شخص‪ ،‬وهم يـمثلون أكثر من ‪ 8999‬شعب مـميز موزعيـن في أكثر من ‪ 59‬بلدا‪.‬‬
‫وبالرغم من أن الشعوب األصلية تشكل ‪ 8‬في الـمئة فقط من سكان العالـم‪ ،‬فهي تشكل ‪ 18‬في الـمئة من‬
‫أكثر األشخاص فق ار في العالم‪ ،‬العتمادها نسبيا على أنواع العمل الهش وغير المنظم‪.2‬‬
‫‪ -2‬اإلستبعاد من الحق في الضمان اإلجتماعي بناء على اعتبارات ثقافية‬
‫لقد تـم التأكيد بقوة في الصكوك الدولية لـحقوق اإلنسان على الـحق في الضمان اإلجتماعي‪ ،‬كونه‬
‫بالغ األهمية لضمان صون الكرامة اإلنسانية‪ ،‬وللحد من الفقر والتخفيف من وطأته‪ ،‬وأيضا لـمنع اإلستبداد‬
‫وتعزيز اإلدماج اإلجتماعي‪ ،‬خاصة وأن إنكار أو انعدام فرص الحصول على ضمان إجتماعي مالئم‪،‬‬
‫يؤدي ال محالة إلى تقويض إعمال العديد من الحقوق االقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫تأسيسا على ذلك‪ ،‬فإن ضمان توافر مستوى معيـن من الـحماية لألقليات يتيح لـها مـمارسة حقها‬
‫اإلنساني في الضمان اإلجتماعي‪ ،‬سيشكل تـحديا آخر ينبغي التصدي له في الـجهود الرامية إلى تـحسين‬
‫الـمشاركة الفعالة لألقليات في الحياة اإلقتصادية وتـمتعها الكامل بالحقوق األخرى اإلقتصادية واإلجتماعية‬
‫والثقافية‪.‬‬

‫‪ 1‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.16-15‬‬
‫‪2‬‬
‫«التقرير العالمي األول بموجب متابعة إعالن منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق األساسية في العمل المساواة في‬
‫العمل‪ :‬التحدي المستمر»‪ ،‬جنيف‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،0722 ،‬ص ص ‪.12-17‬‬
‫‪96‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫ونظر ألن األشخاص الـمنتمين إلى أقليات غالبا ما يكونون من بين الـمجموعات واألفراد الذين قد‬
‫ا‬
‫يواجهون مصاعب أكبر في ممارسة حقهم في الضمان اإلجتماعي‪ ،‬فمن الضروري توجيه اهتمام خاص‬
‫إلى قضايا األقليات واحترام مبادئ عدم التمييز والمساواة والشفافية والمساءلة‪ ،‬في وضع ومراجعة وتنفيذ‬
‫استراتيجيات وخطط العمل الوطنية المستدامة المتعلقة بالضمان اإلجتماعي‪.1‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬التمييز القائم على الجنسية هو جانب واحد من جوانب التمييز المتعدد‪ ،‬الذي‬
‫غالبا ما يعاني منه العمال المهاجرون‪ ،‬والواقع أنه من الصعب في ظروف عديدة تحديد ما إذا كان‬
‫التمييز في الـمعاملة التي يلقاها العامل الـمهاجر‪ ،‬يستند حص ار إلى جنسيته أو الوضع الـمتصور لـجنسيته‪،‬‬
‫أو إلى العرق أو اإلنتماء اإلثني أو الدين أو غير ذلك من األسباب المرئية‪ ،‬أو يكون راجعا لمجموعة‬
‫من هذه العوامل‪.‬‬
‫وتتضمن الصكوك الدولية واإلقليمية المعنية بحقوق اإلنسان بنودا غير حصرية لمكافحة التمييز‪،‬‬
‫يمكن توسيع نطاقها لتجريم التمييز غير المبرر بين األشخاص استنادا إلى الجنسية‪ .‬وعلى سبيل المثال‪،‬‬
‫فسرت المحكمة األوروربية لـحقوق اإلنسان لعام ‪ ،1089‬على أنـها تـحظر التمييز القائم على الـجنسية‪ ،‬في‬
‫حين أنـها ال تشير صراحة إلى الـجنسية كسبب للتمييز‪ .‬وأصدرت المحكمة قرار يقضي بأن حرمان‬
‫المهاجرين من إعانات الضمان اإلجتماعي‪ ،‬لمجرد أنـهم يحملون جنسية أجنبية‪ ،‬هو أمر غير قانوني‬
‫وأضافت أنه ينبغي تقديم أسباب وجيهة جدا قبل أن تعتبر المحكمة أن وجود اختالف في المعاملة يستند‬
‫حصريا إلى الجنسية يتالءم مع اإلتفاقية‪.2‬‬
‫‪ - 3‬غياب التشاور والمشاركة في رسم السياسات العامة‬
‫النعدام التشاور والـمشاركة على نـحو كامل وفعال‪ ،‬عواقب وخيمة على قدرة األقليات على‬
‫الـمشاركة الكاملة في الحياة اإلقتصادية داخل مجتمعاتها‪ ،‬األمر الذي يتسبب في استمرار استبعادها‬
‫وتهميشها على جميع األصعدة‪ .‬وفي العادة ال يكون لألقليات صوت في الـهيئات الحكومية الـمسؤولة عن‬
‫السياسات العامة‪ ،‬سواء ما تعلق منها بالحياة اإلقتصادية أو التنمية أو الميزانية الوطنية‪ ،‬مما يؤدي‬
‫بالنتيجة إلى إهمال قضاياها و عدم مراعاة أوضاعها‪.3‬‬
‫ففي مشكل الفقر مثال‪ ،‬الذي يشكل جزء ال يتج أز من حلقة التهميش واإلستبعاد اإلجتماعي‬
‫والتمييز‪ ،‬التي تضر بالعديد من الناس في شتى مناطق العالم؛ يلحظ ارتفاع معدالت الفقر عن متوسطها‬

‫‪1‬‬
‫«مذكرة الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬األقليات والمشاركة الفعالة في الحياة اإلقتصادية»‪ ،‬مـرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ص ‪.70-76‬‬
‫‪ « 2‬التقرير العالمي األول بموجب متابعة إعالن منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق األساسية في العمل‪ ،‬المساواة في‬
‫العمل‪ :‬التحدي المستمر»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.10-11‬‬
‫‪3‬‬
‫«مذكرة الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬األقليات والمشاركة الفعالة في الحياة اإلقتصادية»‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪97‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫وبلوغها مستويات غير متناسبة‪ ،‬في أوساط جـماعات األقليات والسكان األصليين على وجه الـخصوص‪،‬‬
‫وهي الفئات التي ظلت لفترات طويلة مستهدفة بالتمييز والعنف واإلقصاء‪.‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬أثبتت الدراسات بما فيها تلك التي أجرتـها الخبيرة الـمستقلة المعنية بقضايا‬
‫األقليات‪ ،‬أن األقليات والسكان األصليون ال يستفيدون في أحيان كثيرة من اإلستراتيجيات الوطنية‪ ،‬الرامية‬
‫إلى تـحقيق األهداف اإلنمائية لأللفية‪ ،‬لعدم أخذها أوضاعها الفريدة وآثار التمييز ضدها بعين اإلعتبار‪.‬‬
‫ومن ثـم‪ ،‬ينبغي لـجميع أصحاب المصلحة‪ ،‬عند وضع البرامج الرامية إلى تـحقيق األهداف‬
‫اإلنمائية لأللفية‪ ،‬وضمان اإلستفادة بشكل منصف من اإللتزامات الوطنية والدولية الـمتعلقة بـها‪ ،‬أن‬
‫يواجهوا تـحديا إضافيا يتمثل في ضمان أن تراعي هذه البرامج قضايا األقليات والسكان األصليين‪ ،‬وأن‬
‫توضع وتنفذ بالتعاون الوثيق معهم‪ ،‬بـما فيها تـحقيق مستوى تـمثيل كاف لـهم في هيئات الـمجتمع الـمسؤولة‬
‫لقررات‪.1‬‬
‫عن رسم السياسات ووضع ا ا‬

‫ثانيا‪ :‬اإلستبعاد السياسي وأثره على إعمال الحق في الهوية الثقافية‬


‫يعد الحق في الـمشاركة السياسية الفعالة حق أساسي من حقوق اإلنسان‪ ،‬وأساس مـحوري إلعمال‬
‫جـميع حقوق اإلنسان للنساء والرجال الـمنتمين إلى أقليات إثنية‪ ،‬قومية‪ ،‬دينية ولغوية‪ ،‬مثلما أكدت عليه‬
‫العديد من الصكوك القانونية الدولية الرئيسية؛ فبالمشاركة الفعالة يعبر الشخص عن هويته ويحميها‪ ،‬وبه‬
‫تكفل األقلية بقاءها وكرامتها‪ ،‬وعليه ينبني المجتمع العادل الذي ال يقصي أحدا من أفراده‪.2‬‬
‫والـمشاركة السياسية كقيمة عليا للحياة الديـمقراطية في أي مـجتمع‪ ،‬من جهة‪ ،‬وكتجسيد عملي‬
‫للمواطنة من جهة أخرى‪ ،‬إنـما تتوقف إلى حد كبير على ظروف الواقع الـمجتمعي‪ ،‬وعلى مدى قدرة البناء‬
‫السياسي ( الدولة بـمؤسساتـها وكيانات الـمجتمع الـمدني) على اإلستجابة للبناء اإلجتماعي‪ ،‬والذي كلما‬
‫كان متسقا معه كلما ارتبط ذلك بدرجة أكبر من اإلستقرار السياسي الـمحفز على المشاركة‪.3‬‬
‫لذلك‪ ،‬تعتبر إشاعة الـمشاركة الحقيقية والفاعلة‪ ،‬أداة من أدوات اإلدارة الصالـحة والناجحة للدولة‬
‫والنظام السياسي‪ ،‬ومن مستلزمات الـمقاربة اإلدارية التحتية التي تعتمدها عملية البناء الديـمقراطي‪ ،‬الذي‬
‫يؤمن باإلنسان كقيمة ودور ورسالة‪ ،‬ويؤمن باألمة كوجود حقيقي أصيل ال يمكن القفز على إرادتها‬
‫وسيادتها‪.‬‬

‫‪« 1‬مذكرة الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬األقليات والمشاركة الفعالة في الحياة اإلقتصادية»‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪2‬‬
‫« وثيقة معلومات أساسية من الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬األقليات والمشاركة السياسية الفعالة»‪،‬‬
‫المحفل المعني بقضايا األقليات‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة ‪ 70 ،70‬أكتوبر ‪ ،0779‬ص ‪.71‬‬
‫‪3‬‬
‫«الفئات المهمشة والمشاركة السياسية»‪ ،‬المركز الوطني للحقوق اإلنسانية‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫‪http://www.id3m.com/D3M/AllAboutNews/Documents.pdf‬‬
‫‪98‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫كما تعتبر من أهم استحقاقات الـمواطنة وفروضها العملية‪ ،‬وبانتفائها ال يكون للمواطنة أي معنى‪ ،‬وال‬
‫تعدو أن تكون السلطة عندها سوى قوة استعباد لرعاياها‪ .‬فال معنى للمواطنة دون أن يتمتع الـمواطن‬
‫بـحقين رئيسيين هـما‪ :‬الـمشاركة في الـحكم‪ ،‬والتمتع بحياة كريمة في حدها األدنى‪.‬‬
‫من هنا جاء التالزم بين الديـمقراطية والـمواطنية‪ ،‬وتتحقق الـمشاركة السياسية فضال عن التعبير‬
‫عن الرأي واإلنـخراط في العمل السياسي العام؛ بالـمشاركة في اختيار الـحكام والـممثلين عبر انتخابات‬
‫دورية حرة عامة ونزيهة‪.1‬‬
‫لكن بالرغم من أن حدود الـمشاركة السياسية تبدو جلية وواضحة في الدكتاتوريات أو دول الحزب‬
‫الواحد‪ ،‬إال أن مظاهر اإلجحاف في المشاركة السياسية قد تكون واسعة اإلنتشار أيضا حتى في‬
‫الديمقراطيات الراسخة؛ أين يمكن التالعب بالعمليات السياسية أو تقييدها بطرق عديدة لوضع عقبات أمام‬
‫جماعات عرقية ولغوية ودينية معينة‪.‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬تقدر مـجموعة بيانات األقليات المعرضة للخطر أن نحو ‪ 089‬مليون نسمة‬
‫ينتمون إلى مجموعات ال تـحظى بـحقوق متساوية لتنظيم أنفسها‪ ،‬كما أن قرابة ‪ 059‬مليون ينتمون إلى‬
‫مـجموعات ال تتمتع بالـمساواة في حرية التعبير‪ ،‬وأن نحو ‪ 59‬مليونا ينتمون إلى مـجموعات مـحرومة من‬
‫حقوق انتخاب متساوية‪.‬‬
‫كما أن ما يزيد عن ‪ 599‬مليون نسمة ينتمون إلى أكثر من ‪ 099‬مجموعة معرفة ثقافيا‪ ،‬تواجه العسر أو‬
‫التمييز السياسي على أسس هوياتية سواء كانت إثنية‪ ،‬لغوية أو دينية‪.2‬‬
‫‪ - 1‬شروط المواطنة والحرمان من الجنسية‬
‫يشكل الـحرمان من الـجنسية أكثر السبل الـمباشرة الستبعاد جـماعة من الناس عن مـجرى العملية‬
‫السياسية‪ ،‬ففي ميانـمار حرم حوالي ‪ 089‬ألف شخص من مسلمي روهينغيا من الجنسية الـميانـمارية‬
‫بـموجب قانون الجنسية لعام ‪ ،1050‬وهم الذين كانوا قد فروا في وقت سابق من البالد بسبب اإلضطهاد‪،3‬‬
‫ما تسبب في الحد من ممارستهم الكاملة لحقوقهم المدنية والثقافية واإلقتصادية والسياسية واإلجتماعية‪،‬‬
‫وأفضى إلى ممارسات تمييزية شتى‪.‬‬
‫وبرغم تنوع أسباب انعدام الجنسية‪ ،‬إال أن أكثرها شيوعا يتصل بسياسات اإلقصاء كالتشريعات‬
‫التمييزية التي تستهدف فئات معينة كأقلية دينية أو إثنية‪ ،‬أو التهجير القسري الذي يؤدي إلى إبعاد‬
‫مجموعات مستهدفة واسقاط الجنسية عنها‪ .‬وتقدر اإلحصاءات الرسمية عدد عديمي الجنسية بأكثر من‬

‫‪ 1‬أسعد طارش عبد الرضا‪« :‬المواطنة والمشاركة السياسية في العراق الجديد»‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=25413‬‬
‫‪ 2‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.15-10‬‬
‫‪3‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.10‬‬
‫‪99‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫‪ 0,0‬مليون نسمة‪ ،‬في أكثر من ‪ 08‬بلدا‪ ،‬بينما تقدر مفوضية األمم المتحدة لشؤون الالجئين عددهم‬
‫بحوالي ‪ 18‬مليون نسمة‪.‬‬
‫وال يحرم انعدام الجنسية اإلنسان فقط من بطاقة تعريف أو هوية‪ ،‬بل يتعداه إلى ما يشبه انعدام‬
‫وجود للشخصية القانونية‪ .‬وفي محصلة ذلك‪ ،‬يعيش عديمو الجنسية على هامش الكرامة اإلنسانية‪،‬‬
‫ضحية حلقة مفرغة من التمييز والصعوبات التي تحول بينهم وبين المطالبة بالحقوق‪ ،‬كما التماس العدالة‬
‫واإلنصاف‪ ،‬بما يشكل استثناء لهم من التمتع بحقوقهم اإلنسانية‪.1‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ال يتطلب النظر في مجمل أسباب انعدام الجنسية أو في استمرار انعدامها بحثا معمقا كي‬
‫نخلص إلى نتيجة مفادها أن استمرار تفشي هذه ما هو إال سوى نتاج تراكمي النتهاك منهجي لحقوق‬
‫اإلنسان يقع بحق إحدى الفئات المستضعفة‪ ،‬وال يدل الفارق بين األرقام الرسمية لعديمي الجنسية‬
‫والتقديرات الواقعية ألعدادهم سوى إلى قدر التهميش واإلستبعاد الذي تعاني منه هذه الفئات‪ ،‬والذي يصل‬
‫في كثير من األحوال إلى شبه انعدام الوجود‪.‬‬
‫هذا ويتحول اإلنتهاك الـمعمم لـحقوق اإلنسان في البلدان العربية‪ ،‬إلى إنتهاك أبشع‪ ،‬حيـن‬
‫يتضاعف بالتقاطع مع خصوصيات ثقافية‪ ،‬دينية أو عرقية‪ .‬ففي مناطق النزاعات الـمزمنة في الع ارق‬
‫والسودان عانت الـجماعات الفرعية من اضطهاد سافر أو مبطن‪ ،‬ويشمل هذا الصنف من القهر الـمزدوج‬
‫للجماعات ال ـفرعية في بعـض البلدان العربية الـخليجية عـدة فئات؛ يـأتي في مقدمتهم "البتـون"‬
‫والـمتجـنسون‪.‬‬
‫وينظر للفئة األولى كأجانب‪ ،‬في حين تعامل الفئة الثانية كمواطنين من الدرجة الثانية ال يـحق‬
‫لهم الترشح في الـهيئات التمثيلية أو التصويت في اإلنتخابات‪ .‬كما تتكرر الظاهرة نفسها مع فئة "أصحاب‬
‫البطاقات" في الـمناطق الـحدودية في السعودية‪ ،‬واألكراد المحرومين من الجنسية إثر تعداد ‪ 1000‬في‬
‫سوريا‪ ،‬و"األخدام" في اليمن‪.2‬‬
‫من هنا‪ ،‬نلحظ أنه وعلى الرغم من أهـمية الجنسية وتأثيرها البالغ في حياة اإلنسان‪ ،‬فإن عديد‬
‫الدول وعلى رأسها بعض الدول العربية تحرم بعض مواطنيها من الجنسية‪ ،‬ألسباب متعددة تـختلف من‬
‫دولة ألخرى‪ ،‬لكن أبرز الدوافع للحرمان منها هي دوافع سياسية أو ثقافية بحتة؛ كما في حال األكراد في‬
‫سوريا‪ ،‬ووضع البدون في الكويت الذين ينظر إليهم بأنهم ليسوا جزء من المجتمع‪.‬‬
‫وفي حاالت كثيرة يتم ذلك الحرمان التعسفي من الجنسية تـحت غطاء قانوني‪ ،‬وهو األمر الذي‬
‫ال يمكن تبريره على اإلطالق‪ ،‬ألن القانون الدولي واإلتفاقيات الدولية وحدت أسس اكتساب الجنسية‪،‬‬

‫‪ 1‬مازن جابر‪« :‬عديمو الجنسية‪ :‬كرامة مهدورة»‪ ،‬مجلة موارد‪ ،‬بيروت‪ :‬برنامج الشرق األوسط وشمال إفريقيا‪ ،‬العدد ‪ ،29‬شتاء‬
‫‪ ،0720‬ص ص ‪.06 -00‬‬
‫‪ 2‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.27-79‬‬

‫‪100‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫بـحيث يتقدم الحق اإلنساني على المعايير األخرى التي أخذت بها قوانين الجنسية لهذه الدول‪ ،‬إذ تظل‬
‫معايير احترام حقوق اإلنسان هي األهم فالدولة عندما تحرم إنسانا من جنسيته فكأنما تحرمه من جميع‬
‫حقوقه‪.‬‬
‫ومن المجاالت البارزة التي يواجه فيها غير الـمواطنين صعوبات ويشعرون فيها بتأثير الـحرمان‬
‫التعسفي من الـجنسية‪ ،‬هو مجال تمتع األقليات بحقوقها‪ ،‬على الرغم من أنه ال ينبغي أن يحول عدم حمل‬
‫الـجنسية دون تـمتع األقليات بالـحقوق الـمكفولة لها بـموجب القانون الدولي‪.‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬أفادت الـخبيرة الـمستقلة المعنية بقضايا األقليات‪ ،‬بأن بعض الدول تقصر بشكل‬
‫صريح تـمتع بـحقوق األقليات على الـمواطنيـن‪ ،‬ويواجه األشخاص الـمحرومون تعسفا من جنسيتهم تحديات‬
‫إضافية تتعلق بإعمال الحق في حماية هويتهم الثقافية الجماعية وتعزيزها‪ ،‬ويشمل ذلك اإلعتراف بلغات‬
‫األقليات واستعمالها أو حرية ممارسة شعائرها الدينية‪ ،1‬تهميشهم واقصائهم من العمليات السياسية‪.‬‬
‫وبينما ال يزال هناك من يقبل بأن تفرض الدولة بعض القيود على غير المواطنين‪ ،‬فيما يتعلق‬
‫بالحق في التصويت وفي الترشح‪ ،‬فإن هذه القيود ينبغي أن ال تطبق على نطاق أوسع مما هو ضروري‪،‬‬
‫في ظل لجوء الدول إلى الحرمان من المواطنة كوسيلة إلقصاء األقليات من التمتع بحقوقها‪.‬‬
‫كما ينبغي للدول أن تنظر في إمكانية السماح لغير المواطنين المنتمين إلى أقليات بالتصويت‬
‫والترشح في اإلنتخابات المحلية وشغل مناصب في مجالس إدارة هيئات الحكم الذاتي‪ ،‬مع الحرص على‬
‫أن يكون الحصول على المواطنة محكوما بقواعد غير تـمييزية‪ ،‬وهناك أمثلة إيجابية من هذا القبيل في‬
‫عدد من الدول‪.2‬‬
‫‪ - 2‬فرض نمط إنتخابي مؤثر سلبا على تمثيل األقليات‬
‫تعمد بعض الدول لوضع عراقيل متعددة أمام أفراد األقليات لـمنعها من الترشح لإلستحقاقات‬
‫اإلنتخابية الـمحلية ‪ ،‬تارة بالتحجج بعدم إتقانهم للغة الرسمية أو أن إتقانهم لها غير كاف‪ ،‬وتارة أخرى بربط‬
‫المشاركة السياسية حص ار بالـهوية اإلثنية؛ وذلك باشتراط عضوية الـمرشحين لإلنتخابات من جـماعات‬
‫إثنية معينة‪ ،‬وعدم السماح للناخبيـن المنتمين إلى جـماعات إثنية محددة إال بالتصويت على مرشحون‬
‫ينتمون إلى مـجموعاتـهم‪.‬‬
‫وعادة ما ال تستطيع األقليات تحديد نتيجة الق اررات في الديـمقراطيات التي تعتمد نظام األغلبية‪،‬‬
‫لـميلها للحصول على أقل عدد من األصوات‪ ،‬أو عدم قدرتـها على الحصول على تـمثيل يتناسب مع‬
‫أعدادها‪ ،‬أو بسبب تـحديد سقف انتخابي عال جد‪ ،‬أو بسبب تخطيط ورسم حدود الدوائر اإلنتخابية على‬

‫‪« 1‬تقرير األمين العام‪ ،‬حقوق اإلنسان والحرمان التعسفي من الجنسية‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان»‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة التاسعة‬
‫عشرة‪ ،‬البندان ‪ 70‬و ‪ 71‬من جدول األعمال‪ 29 ،‬ديسمبر ‪ ،0722‬ص ‪.29‬‬
‫‪2‬‬
‫« وثيقة معلومات أساسية من الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬بشأن األقليات والمشاركة السياسية‬
‫الفعالة»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪101‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫نحو ما يؤدي إلى توجيه توزيع األصوات ومن ثم إحداث أثر تمييزي على مجموعة بعينها أو يسفر عن‬
‫نتائج في صالح الجهة المخططة‪ ،‬ما يؤثر سلبا في قدرة هذه الجماعات على ضمان تـمثيلها السياسي‪،‬‬
‫وبالتالي حرمانـها من وسيلة فعالة إلسـماع صوتـها في الحياة العامة والسياسية داخل الدولة‪.1‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬يؤدي تـخطيط حدود الدوائر اإلنتخابية وتقسيم عدد المقاعد على نـحو ما‪ ،‬إلى توجيه‬
‫توزيع األصوات أو حتى سرقتها‪ ،‬ومن ثـم إحداث أثر تمييزي على مجموعة بعينها‪ ،‬أو يسفر عن نتائج‬
‫في صالح الجهة الـمخططة‪ ،‬مما يؤدي إلى استبعاد مزيد من المجتمعات من التمثيل الديمقراطي‪.2‬‬
‫ومثال ذلك‪ ،‬ما تعانيه الطائفة األيزيدية في العراق بموجب قانون اإلنتخابات لمجالس المحافظات‬
‫واألقضية والنواحي المعدل في ‪ ،0910‬والذي يتضمن منح األيزيديين أربعة مقاعد كوتا لهم في مجلس‬
‫محافظة نينوي‪ ،‬حيث يتمركز أغلب األيزيديين‪ ،‬األمر الذي اعتبروه إجحافا في حقهم‪ ،‬كون العدد ال‬
‫يتناسب والثقل السكاني لهم أين يبلغ عددهم حوالي ‪ 099‬ألف نسمة‪ ،‬وكانوا قد حصلوا في اإلنتخابات‬
‫السابقة على إقرار هذا التعديل على ثماني مقاعد في محافظة نينوي‪ ،‬مما يعني عمليا سرقة أصواتهم‬
‫عالنية‪.3‬‬
‫‪ - 3‬وضع عراقيل أمام حرية التجمع وتكوين الجمعيات‬
‫يشكل ضمان المشاركة السياسية حجر الزاوية في كل مجتمع ديمقراطي‪ ،‬واإلستمرار في رفض‬
‫تسجيل الجمعيات أو عدم تحمل الحماية الضرورية لألحزاب السياسية‪ ،‬يشكل ضربة في قلب القيم‬
‫الديمقراطية‪ ،‬وفي نفس الوقت يشكل انتهاكا للحق في تقرير المصير‪ ،‬وفي التحديد الهوياتي ألعضاء‬
‫األقليات‪.4‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن تدخل الدولة في تكوين الجمعيات واألحزاب يعادل إلغاء وجود الهوية الفعلية لألقليات‪،‬‬
‫وبالنتيجة حرمان األقليات وكياناتها الجماعية من الوصول إلى المجال المشترك العام‪.‬‬
‫وفي عدد من القضايا‪ ،‬نظرت المحكمة األوروربية في أوضاع منعت فيها الدول أشخاصا ينتمون‬
‫إلى أقليات من إنشاء جـمعيات للدفاع عن الـمصالـح الثقافية والسياسية لـمجموعاتـهم‪ ،‬ورأت الـمحكمة أن‬
‫هذا التدخل يشكل انتهاكا للمادة ‪ 11‬من اإلتفافية األوروربية التي تـحمي حرية التجمع وحرية تكوين‬
‫الـجمعيات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Constantin Sokoloff: «Denial of citizenship: A challenge to human security», Advisory board on human‬‬
‫‪security, February, 2005, pp 28-29.‬‬
‫‪2‬‬
‫«وثيقة معلومات أساسية من الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬بشأن األقليات والمشاركة السياسية‬
‫الفعالة»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.20-70‬‬
‫‪3‬‬
‫غسان سالم‪« :‬األيزيديون في العراق‪ :‬كوتا تسرق أصواتهم وقوانين تنتهك حقوقهم»‪ ،‬مجلة موارد‪ ،‬بيروت‪ :‬برنامج الشرق األوسط‬
‫وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،29‬شتاء ‪ ،0720‬ص ‪.06‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Nikolas Kyriakou: «Minority protection in public life: the case of Greece», pp 09-10.‬‬
‫‪102‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫من جهة ثانية‪ ،‬يمكن أن تقيد الشروط الـمتعلقة بتسجيل األحزاب السياسية على نـحو غير معقول‬
‫وغير متناسب قدرة األشخاص الـمنتمين إلى أقليات على مـمارسة حريتهم في اإلجتماع وتكوين جـمعيات‪.1‬‬
‫وهذا يخالف المقاربة المؤسسية للديمقراطية التي تعني بالضرورة أن ما من جماعة في المجتمع المدني‪-‬‬
‫بما في ذلك الجماعات الدينية‪ -‬ممنوعة سلفا من إنشاء أحزاب سياسية‪ ،‬ويجب أن ال تفرض القيود على‬
‫األحزاب السياسية إال بعد أن يصدر منها ما يشكل انتهاكا للمبادئ الديمقراطية‪ ،‬أما تقرير ما إذا كان‬
‫الحزب قد انتهك هذه المبادئ فيجب أن ال يعود تقديره إلى األحزاب الممثلة في الحكومة بل إلى المحاكم‬
‫نفسها‪.2‬‬
‫‪ - 4‬وجود أحزاب سياسية مناوئة لقضايا األقليات وعضويتها‬
‫غالبا ما ال تعي األحزاب السياسية التنوع السائد في الـمجتمع أو الـمجتمعات الـمحلية التي تـمثلها‬
‫فتنأى عن اتباع خطوات ملموسة تسلم بأهمية التـجسيد الفعلي لهذا التنوع على أرض الواقع‪ ،‬كأن تضع‬
‫استراتيجيات ترم إلى زيادة مستوى مشاركة األقليات‪ ،‬والحرص على تمثيلها في صفوفها تمثيال متوازنا‪.3‬‬
‫‪ - 0‬وجود وسائط إعالم مناوئة النشغاالت األقليات ومشاركتها‬
‫يتوقف تفعيل استراتيجيات األمن المجتمعي إلى حد كبير على تحمل المسؤولية اإلجتماعية‬
‫المشتركة‪ ،‬بشكل متكامل من جانب الدولة‪ ،‬المجتمع المدني‪ ،‬وسائل اإلعالم باعتبارها فواعل أساسية في‬
‫بناء األمن اإلنساني عامة‪ ،‬واألمن المجتمعي خاصة‪ .4‬ففي حاالت كثيرة يشكل المجتمع المدني ووسائل‬
‫اإلعالم أدوات مهمة إلحداث تغييرات اجتماعية وسياسية‪ ،‬تخدم قضايا الفئات المهمشة والمستبعدة‬
‫وبخاصة األقليات‪ ،‬بإثارة قضاياهم والدفاع عنهم وتعريفهم بحقوقهم القانونية وضمان أفضل تنفيذ لها‪.5‬‬
‫لكن‪ ،‬في حاالت أخرى‪ ،‬تحيد الفئات الفاعلة في القطاع الخاص منه والعام عن المسار الذي‬
‫يجب أن تتبعه‪ ،‬وتتجه لتكريس مفاهيم خاطئة وترويج صور نمطية عن األقليات‪ ،‬خاصة الدينية منها‪،‬‬
‫فيصبح بالتالي اإلعالم العبا رئيسيا في "الملف الديني الثقافي"‪ ،‬ليس فقط بتشكيله لبوصلة الرأي العام‬

‫‪« 1‬وثيقة معلومات أساسية من الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬بشأن األقليات والمشاركة السياسية‬
‫الفعالة»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،79‬ص ‪.20‬‬
‫‪2‬‬
‫ألفرد ستيبان‪« :‬الدين والديمقراطية‪ :‬التسامح المتبادل»‪ ،‬سلسلة أوراق ديمقراطية "التعايش في ظل اإلختالف"‪،‬مركز العراق‬
‫لمعلومات الديمقراطية‪ ،‬العدد ‪ ،70‬يونيو‪/‬حزيران ‪ ،0775‬ص ‪.07‬‬
‫‪3‬‬
‫«توصيات الدورة الرابعة للمنتدى المعني بقضايا األقليات‪ ،‬ضمان حقوق نساء وفتيات األقليات»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية‬
‫العامة‪ ،‬الدورة التاسعة عشرة‪ ،‬البند ‪ 71 ،75‬جانفي ‪ ،0720‬ص ‪.20‬‬
‫‪4‬‬
‫علي عبد الرزاق جلبي‪« :‬العنف والجريمة المنظمة‪ :‬دراسات في المشكالت اإلجتماعية»‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬
‫‪ ،0770‬ص ‪.005‬‬
‫‪5‬‬
‫هشام عبد اهلل‪« :‬إدماج النوع اإلجتماعي في التنمية من خالل المساواة في الحقوق والموارد والرأي»‪ ،‬تقرير البنك الدولي عن‬
‫بحوث السياسات‪ ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،0770 ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪103‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫نحو هذا الملف‪ ،‬ولكن أيضا في إدارة الملف والشد والجذب بين األطراف المختلفة‪ ،‬ال سيما أن‬
‫الموضوعات التي تخص هذا الشأن تلقى إقباال كبي ار من جانب جمهور المستهلكين‪.‬‬
‫في هذا الخصوص‪ ،‬تكشف الممارسة عن أن تغطية وسائل اإلعالم للشأن الثقافي تتسم بعدد من‬
‫السمات البارزة‪ ،‬منها استخدام لغة غير منضبطة مهنيا‪ ،‬واستدعاء الروايات المغلوطة لتشكيل الرأي العام‬
‫حول التوترات الحاصلة‪ ،‬ليس باعتبارها تعبي ار عن مسعى الـمواطنين إلكمال حصولـهم على جـميع‬
‫حقوقهم‪ ،‬ولكن لتمديد واقع سياسي معين أو ربط هذه التوترات بتفاعالت دولية‪ ،‬ورغم أن غالبية الدول‬
‫تعرف ظاهرة اإلعالم التعددي‪ ،‬إال أنه يمارس عمله في سياق غير تعددي‪ ،‬سياسيا وثقافيا‪.1‬‬
‫من هنا‪ ،‬فإن هذا النمط من التغطية اإلعالمية يـمثل "خطورة"‪ ،‬نظ ار لـما يتركه في نفوس القراء‬
‫من رواسب طائفية تظل كامنة في العقل الجمعي للمواطنين‪ ،‬في انتظار لحظة اشتعال تخرجها من طور‬
‫الكمون إلى حالة الفعل الغريزي العنيف المنفلت الذي قد يصعب السيطرة عليه‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫سامح فوزي‪ :‬سمير مرقص‪« :‬إدارة التعددية الدينية‪ ،‬األقباط في مصر نموذجا»‪ ،‬مبادرة اإلصالح العربي‪ ،‬يونيو‪-‬حزيران‪،0720 ،‬‬
‫ص ‪.21‬‬
‫‪2‬‬
‫كاظم شبيب‪« :‬المسألة الطائفية‪ ،‬تعدد الهويات في الدولة الواحدة»‪ ،‬بيروت‪ :‬دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،0722‬ص ص ‪.270-276‬‬
‫‪104‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اإلستبعاد المادي القسري لآلخر الثقافي‬


‫قد تتبع الدول والحكومات بعض السياسات الخطيرة في سبيل إزالة المشاكل والخالفات اإلثنية‪،‬‬
‫منها تصلب نهجها األمني عند التعامل مع المجموعات الثقافية داخلها‪ ،‬خاصة فئات األقليات‬
‫والمهاجرين‪ ،‬واألخطر من ذلك هو لجوؤها إلى سياسة اإلبادة الجماعية بأنواعها‪ :‬الجسدية أو البايلوجية أو‬
‫الثقافية‪ ،‬أو ممارسة سياسة التطهير اإلثني (التهجير والنقل اإلجباري)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تصلب نهج األمن المقترن مع أجندات مكافحة اإلرهاب‬


‫إن احتمال تعرض أشخاص بانتظام وعلى نـحو ينم عن التمييز‪ ،‬للتوقيف والتفتيش أو اإلستجواب‬
‫أو التثبت من الوثائق أو إلقاء القبض‪ ،‬مثال في سياق الـهجرة أو الـمراقبة األمنية‪ ،‬لـمجرد انتمائهم الديني‬
‫أو اإلثني الـمفترض‪ ،‬هو أمر مثير للقلق من منظور حقوق اإلنسان‪ ،‬ال سيما ما يتعلق بـمبدأ عدم التمييز‬
‫غيـر القابل للتقييد والـحق في الخصوصية والـحق في حرية التنقل والـحق في الحرية الشخصية‪.‬‬
‫وبالرغم من أن الدول تكون ملزمة باتخاذ تدابير فعالة في إطار سياساتها لمكافحة اإلرهاب‬
‫والتصدي له‪ ،‬وكثي ار ما تلجأ في هذا الصدد إلى أسلوب "التنميط" الذي يظل وسيلة من وسائل إنفاذ‬
‫القوانين المسموح بـها مبدئيا‪ ،1‬إال أنها كثي ار ما ترمي بقبضتها الـحديدية التي تطال الـحريات العامة واألمن‬
‫الشخصي لألفراد‪ ،‬على أيدي أجهزتـها األمنية‪ ،‬تـحت شعار السالم الـمدني واألمن الوطني‪ ،‬متعمدة النزول‬
‫بـهذا األخيـر إلى مستوى األمن الصلب‪ ،‬األمر الذي يقلل من مصداقية هذه األخيـرة‪ ،‬ومن شرعية‬
‫إجراءاتـها‪ 2‬وأهدافها‪.‬‬
‫هذا وقد ازدادت ظهور حاالت التنميط في جـميع أنـحاء العالم ازديادا خطي ار‪ ،‬في أعقاب الـهجمات‬
‫اإلرهابية التي طالت الواليات الـمتحدة األمريكية في ‪ 11‬سبتمبر من عام ‪ 0991‬؛ إذ والى جانب لون‬
‫الدين إلى أسس التنميط اإلثني‪ ،‬أين يجري رجال الشرطة في حاالت عديدة‬
‫البشرة أضيفت الرموز الدينية و ّ‬
‫عمليات قبض‪ ،‬حجز واستجواب دون أسباب وجيهة في حق أشخاص مشتبهين في كونـهم إرهابييـن‪،3‬‬
‫حد التعذيب الشديد والقتل بـحجة الديمقراطية‪ ،‬يساعدهم‬
‫وأيضا ممارسة إجراءات أخرى ضدهم قد تصل ّ‬

‫‪« 1‬تقرير المقرر الخاص المعني باألشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره األجانب وما يتصل بذلك من تعصب‪ ،‬السيد‬
‫غيتو مويغاي‪ ،‬عن مظاهر تشويه صورة األديان‪ ،‬وبخاصة اآلثار الخطيرة المستمرة لكره اإلسالم على تمتع أتباعه بجميع‬
‫الحقوق»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة الخامسة عشرة‪ ،‬البند ‪ 20 ،79‬جويلية ‪ ،0727‬ص ‪.20‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول تعميق الديمقراطية في عالم مفتت»‪ ،‬نيويورك‪ ،0770 ،‬ص ‪.06‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫«تقرير فريق الخبراء العامل المعني بالسكان المنحدرين من أصل إفريقي عن أعمال دورته السادسة»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫الجمعية العامة‪ ،‬الدورة الرابعة‪ ،‬البند ‪ 79 ،70‬مارس ‪ ،0770‬ص ‪.75‬‬
‫‪105‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫في اتباع هذا النهج األنظمة القضائية الجائرة والمتحيزة‪ ،‬التي ال تؤدي أدوارها العقابية كاملة تجاه أفراد‬
‫أجهزة األمن‪.1‬‬
‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬أفيد بأن الكنديين من أصل إفريقي‪ ،‬والـمسلمين العرب‪ ،‬واألمريكيين الالتنيين‬
‫يشعرون بأنـهم يتعرضون لـمراقبة غير مبررة من قبل أجهزة الشرطة‪ ،‬كما أن عالقاتـهم بـها سلبية‪ ،‬وهي‬
‫أمور يرون أنـها تتسق مع مـمارسات التنميط اإلثني‪.‬‬
‫في نفس اإلطار‪ ،‬نظمت جماعات عدة من المجتمع المدني في كندا حركات احتجاجية على السلطات‬
‫الـمخولة ألجهزة الشرطة بـمقتضى قانون الهجرة وحـماية الالجئين لعام ‪ ،0991‬والتي تستعمل حسبها‬
‫بشكل عشوائي واستهدافي للعرب والمسلمين‪ ،‬األمر الذي ترتب عنه تبعات تمييزية معززة للقوالب النمطية‬
‫اتجاههم‪.‬‬
‫في السياق نفسه‪ ،‬أفادت دراسة إستقصائية أجراها اإلتحاد األوروبي عام ‪ 0990‬حول قضايا‬
‫األقليات والتمييز‪ ،‬عن وجود معدالت مرتفعة جدا من التنميط اإلثني المفترض (أكثر من ‪ 09‬في المئة)‪،‬‬
‫تتجلى في شكل عمليات توقيف واستجواب ضد أفراد األقليات من قبل أجهزة الشرطة واألمن‪ .‬وقد جاء‬
‫تقسيم النتائج حسب مجموعات محددة في الدول األعضاء بالتوزيع اآلتي‪ 90 :‬في الـمائة بالنسبة إلى‬
‫الروما في اليونان‪ 91 ،‬في الـمائة بالنسبة ألهل شـمال إفريقيا في إسبانيا‪ 02 ،‬في المائة بالنسبة ألفارقة‬
‫جنوب الصحراء في فرنسا‪ 02 ،‬في المائة بالنسبة للروما في هنغاريا‪ 01 ،‬في المائة بالنسبة ألهل شمال‬
‫إفريقيا في إيطاليا‪.2‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬يكون األشخاص الـمنتمون إلى أقليات دينية هم األكثر عرضة من غيرهم لـمخاطر‬
‫التجريـم‪ ،‬خاصة في ظل اإلستهداف الواضح لبعض أحكام القوانين الجنائية المحلية‪ ،‬ألفراد األقليات أو‬
‫األشخاص الـمنحرفين بشكل آخر عن التقاليد الدينية أو العقائدية السائدة في البلد‪ .‬كما قد تساق بحق‬
‫األشخاص الـمنتمون اتهامات "التجديف" عند إع اربـهم عن قناعاتـهم الدينية أو العقائدية‪ ،‬والتي يحكم على‬
‫المتهمين بها في بعض البلدان بعقوبات شديدة قد تصل حد اإلعدام‪.‬‬
‫أما في حاالت أخرى‪ ،‬يشرع في مالحقات جنائية قد توصل إلى عقوبة الحبس لفترات طويلة لمجرد‬
‫امتالك بعض األدبيات الدينية‪ ،‬أو يحاكم أفراد األقليات لـمجرد قيامهم بأنشطة اتصال ال تنطوي على‬
‫إكراه‪ ،‬بسبب تصنيفها سلبيا في خانة "التبشير" من قبل بعض الحكومات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول تعميق الديمقراطية في عالم مفتت»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪« 2‬تقرير المقرر الخاص المعني باألشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره األجانب وما يتصل بدلك من تعصب‪ ،‬السيد‬
‫غيتو مويغاي‪ ،‬عن مظاهر تشويه صورة األديان‪ ،‬وبخاصة اآلثار الخطيرة المستمرة لكره اإلسالم على تمتع أتباعه بجميع‬
‫الحقوق»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪106‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫وعادة ما يكون للتهديدات بعقوبات جنائية آثار ترهي ـبـية بعيدة الـمدى في حق أفـراد األقليات الدينية‪ ،‬الذين‬
‫قد يقرر الكثير منهم إخفاء قناعاتهم أو اإلمتناع عن ممارسة دينهم أو عقيدتهم‪ ،1‬وهو ما يشكل قرينة‬
‫واضحة عن حرمانهم الشديد من ممارسة تنوعهم الثقافي وبالنتيجة حرمانهم من أمنهم المجتمعي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬ممارسات التطهير اإلثني‬


‫رغم أن نقاط الضعف التي تواجهها العديد من الجماعات الثقافية على الصعد الداخلية‪ ،‬غالبا ما‬
‫ال يكون سببها العدوان المسلح‪ ،‬بل العمليات الديمغرافية و‪/‬أو الوسائل القانونية السياسية التي تهدف إلى‬
‫حرمان المجتمعات من المعتقدات والممارسات الحيوية الضرورية للحفاظ على تنوعها الثقافي واإلحساس‬
‫بأمنها المجتمعي‪ ،‬مثلما أشرنا إليه سابقا‪ ،‬إال أن التطهير اإلثني ال يزال يـحتل موقعا مهما في أجندة‬
‫الدول اإلستبدادية‪ ،‬وما يحدث في ميانمار إال شواهد على ذلك‪.‬‬
‫وباعتباره عملية إلحداث التجانس المجتمعي‪ ،‬يتخذ التطهير اإلثني الذي يتشكل في كثير من األحيان‬
‫العتبارات ديمغرافية‪ ،‬أشكاال عديدة؛ كاإلبادة الجماعية‪ ،‬الطرد القسري أو التهجير‪ ...‬ضمن المجاالت أين‬
‫المجموعة السائدة هي بالفعل تشكل أغلبية ساحقة‪.2‬‬

‫أوال‪ :‬اإلبادة الجماعية‬


‫هو مصطلح جاءت نشأته لتحدد شكال من أشكال التعامل الموصوف بالقوة والوحشية‬
‫والال إنسانية في وسط األقليات واإلثنيات‪ ،‬وهو أسلوب يتسم بكثير من العنف والدموية‪.‬‬
‫وكان رافييل ليمكن (‪ )Rafael Lemkin‬هو أول من استعمل هذا المصطلح في دراسة له سنة ‪1022‬‬
‫المتعلقة باحتالل أوربا من قبل دول المحور والتي تضمنها كتابه "دور المحور في أوربا المحتلة" تعريفا‬
‫لجريمة اإلبادة الجماعية في عام ‪ 1022‬في كتابه "دور المحور في أوروبا المحتلة"‪.‬‬
‫وتعرف اإلبادة الجماعية على أنها "سعي إلبادة شعب بسبب جنسيته أو عرقه أو انتمائه اإلثني‬
‫أو دينه"‪ ،‬وهي "اإلفناء المنظم لمجموعة قومية أو عرقية"‪ .‬ورغم أن ميثاق نورمبرغ لعام ‪ 1028‬لم يعرف‬
‫اإلبادة الجماعية باعتبارها جريمة‪ ،‬لكنها وردت في الئحة اإلتهام والخطب اإلفتتاحية باعتبارها جريمة ضد‬
‫اإلنسانية في محاكمة كبار مسؤولي النظام النازي أمام محكمة نورمبرغ العسكرية الدولية‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫«تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد‪ ،‬هاينر بيليفيلت»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة الثانية‬
‫والعشرون‪ ،‬البند ‪ 00 ،71‬ديسمبر ‪ ،0720‬ص ص ‪.01-00‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Paul Roe, Op Cit, p58.‬‬
‫‪« 3‬المالحقة القضائية لمرتكبي جرائم اإلبادة الجماعية»‪ ،‬المحكمة الجنائية الدولية‪ :‬صحيفة الوقائع‪ ،0777 ،‬ص ص ‪.70-72‬‬
‫‪http://www.amnesty.org/sites/impact.amnesty.org/files/080922-court-in-session-en.jpg‬‬
‫‪107‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫تحدث هذه الجرائم عندما يتجاوز تعامل األغلبية مع أقلياتها األساليب السابقة‪ ،‬التي تهدف إلى‬
‫منعها من استخدام لغتها‪ ،‬أو ممارسة شعائرها الدينية‪ ،‬أو القيام بأنشطتها الثقافية الخاصة بها‪ ،‬نظ ار‬
‫التساع هوة اإلختالفات بينهما‪ ،‬مما يدفع األولى إلى محاولة تدمير الوجود المادي للثانية في لعبة صفرية‬
‫ال تنتهي إال بالقضاء على إحدى الجماعتين‪ ،‬أو إضعافها إلى الحد الذي يسهل إخضاعها وتذويبها‪.‬‬
‫وتعتبر الواليات المتحدة من الدول الرائدة في اإلبادة الجماعية‪ ،‬بقضائها على أكثر من ثلثي‬
‫الهنود خالل مراحل تشكلها‪ ،1‬ومثال على ذلك أيضا‪ ،‬تعامل األنظمة العربية عموما مع مطالب أقلياتها‪،‬‬
‫والذي يتسم عموما بأشكال غاية في التنوع جمعت إلى جانب القسوة والحزم‪ ،‬أساليب التذويب والدمج‬
‫اإلجباري‪ ،‬ومنها‪ :‬القمع الداخلي على أيدي األنظمة التسلطية بمختلف درجاتها؛ نظام البعث العراقي ضد‬
‫الشيعة األكراد‪ ،‬نظام البعث السوري ضد السنة والدروز‪ ،‬النظام العسكري المصري ضد الشيعة واألكراد‪،‬‬
‫النظام الديني السوداني ضد المسيحيين والوثنيين في الجنوب‪ ،‬نظام آل خليفة في البحرين ضد الشيعة‪،‬‬
‫والنظام السعودي ضد الشيعة واإلسماعليين‪...2‬‬
‫كل هذا يوجب اإلقرار بعدم واقعية وحتى مشروعية إقامة دولة نقية عرقيا ودينيا ومذهبيا ولغويا‬
‫وثقافيا‪ ،‬ألن ذلك غير ممكن من دون عمليات اإلضطهاد‪ ،‬والتمييز والتطهير العرقي‪ ،‬التي تتنافى مع‬
‫المبادئ األخالقية العالمية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التهجير القسري والتوطين اإلجباري‬


‫في أحيان كثيرة‪ ،‬تلجأ جماعات األغلبية إلى عملية نقل أو تبادل للسكان بين األقاليم‪ ،‬داخل‬
‫الدولة الواحدة‪ ،‬أو فيما بين الدول‪ ،‬بهدف التقليل من شدة الخالفات بين األقليات‪ ،‬ومنع تفجر الصراعات‬
‫بينها‪.‬‬
‫لكن عملية نقل السكان ال تتم دوما في إطار سلمي توافقي ومنظم‪ ،‬يسمح بإضافة بعض‬
‫التحسينات على أوضاع األقليات‪ ،‬سواء من الناحية السياسية أو اإلقتصادية‪ ،‬مثلما وقع بين اليونان‬
‫وتركيا في عشرينات القرن الماضي‪ .‬حيث يمكن أن تتخذ هذه العمليات شكال عنيفا وعدوانيا؛ كأن توجه‬
‫األغلبية أم ار مباش ار وصريحا إلى أقلية ما بضرورة مغادرة البالد أو اإلقليم‪ ،‬إلى إقليم آخر أو دولة أخرى‪.‬‬
‫أو أن تتخذ أسلوبا غير مباشر للتهجير أو نقل السكان‪ ،‬من خالل التضييق الممنهج على أفراد جماعة‬
‫ما‪ ،‬بالشكل الذي يدفعهم في األخير إلى الهجرة وترك الديار‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Peterson William: «A general typology of migration», American social review, 1958, pp 261-263.‬‬
‫‪« 2‬التعايش في ظل اإلختالف»‪ ،‬سلسلة أوراق ديمقراطية‪ ،‬العراق‪ :‬مركز العراق لمعلومات الديمقراطية‪ ،‬العدد ‪ ،70‬حزيران ‪،0775‬‬
‫ص ‪.70‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Peterson William: OP Cit, pp 261-263.‬‬
‫‪108‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫وقد لجأت بعض األنظمة العربية إلى اتباع أساليب تغيير التركيبة السكانية لزعزعة نفوذ اإلثنيات‬
‫األخرى؛ منها نظام صدام حسين الذي قام بتغيير حدود بعض المناطق والمحافظات‪ ،‬ونقل السكان من‬
‫منطقة ألخرى بهدف إضعاف األكراد؛ كما قام النظام البحريني باستقدام أعداد كبيرة من السنة من الخارج‬
‫وتجنيسهم على حساب الشيعة؛ وكذلك فعلت السعودية عبر نقل أعداد من سكان جنوب البالد السنة‬
‫(نجران وعسير)‪ ،‬وأعادت توطينهم في المنطقة الشرقية إلنهاء سيطرة األكثرية الشيعية‪.1‬‬
‫بموجب سياسة التوطين قامت الحكومات القومية غالبا بتشجيع مواطنيها في أحد أجزاء الدولة او‬
‫المهاجرين الجدد‪ ،‬على اإلنتقال إلى جزء آخر من إقليم الدولة عينه‪ ،‬الذي يعد من الناحية التاريخية وطنا‬
‫ألقلية قوية أخرى‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فإن انتهاج هذه السياسة بصورة واسعة النطاق قد تم عادة بشكل مدروس لتكون سالحا‬
‫بيد األكثرية ضد األقلية القومية‪ ،‬بغية الوصول إلى الموارد الطبيعية إلقليمهم أوال‪ ،‬ومن أجل إضعافهم‬
‫سياسيا ثانيا‪ ،‬وذلك عبر تحويلهم إلى مجرد أقلية داخل نطاق إقليمهم التاريخي نفسه‪ .‬ومثال ذلك‪ ،‬قيام‬
‫الحكومة األمريكية باللجوء إلى هذه السياسة في جنوب غربي الواليات المتحدة‪ ،‬بغية إضعاف السكان‬
‫األصليين‪ ،‬الذين كانوا أصال يعيشون في تلك المنطقة‪ ،‬حين ألحقت بالواليات المتحدة في عام ‪.1525‬‬
‫هذا ما يعني أن هذه السياسة تركز اهتمامها على إضعاف الثقل الديمغرافي للمكونات المتباينة‬
‫ثقافيا عن األكثرية المهيمنة على مركز الدولة‪ ،‬ألن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى إضعاف ثقلهم السياسي‬
‫من خالل زيادة النسبة السكانية لذوي الثقافة المهيمنة‪ ،‬في المناطق التي تتوطنها تلك المكونات الثقافية‬
‫تاريخيا‪ ،‬بالشكل الذي يؤدي إلى استيعابها على المدى البعيد وفقا لمرامي هذه السياسة‪.‬‬
‫وفي نطاق هذه السياسة دائما قد تلجأ الدولة إلى رسم الحدود الداخلية على النحو الذي يفضي‬
‫إلى إضعاف األقليات القومية‪ ،‬بحيث أن إقليم أقلية ما يقسم إلى وحدات حتى يغدو قيام تلك األقلية بأي‬
‫عمل سياسي موحد من قبيل األمور المستحيلة‪ .‬ومثال ذلك قيام الحكومة الفرنسية بعد اندالع الثورة‬
‫الفرنسية عام ‪ 1505‬بتقسيم إقليم الدولة إداريا إلى ‪ 59‬وحدة إدارية‪ ،‬وقد أريد بذلك تحديدا تقسيم األقاليم‬
‫التاريخية للباسكيين والبريتون واألقليات األخرى‪.2‬‬

‫‪« 1‬التعايش في ظل اإلختالف»‪ ،‬سلسلة أوراق ديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪ 2‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.00-06‬‬
‫‪109‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التهديدات الالّ تماثلية للتنوع الثقافي وخلق شروط‬


‫الالّ أمن المجتمعي‬
‫تتعدد المصادر الملغية لشروط تحقيق األمن واإلستقرار المجتمعي على أرض الواقع‪ ،‬وهي‬
‫جميعها تمس بسالمة التنوع الثقافي واستم ارريته بالنسبة لألقليات والشعوب األصلية‪ ،‬باعتبارها الفئات‬
‫الضعيفة األكثر عرضة للضغوط الماسة بهويتها الثقافية‪ .‬ومن بين هذه المصادر تتراءى لنا التهديدات‬
‫الال متماثلة‪ ،‬التي تلحق أض ار ار غير مباشرة وخفية على سالمة التنوع الثقافي والتجانس المجتمعي‪.‬‬
‫بناء على ذلك‪ ،‬ومحاولة منا لرصد عدد أكبر من هذه التهديدات الال متماثلة‪ ،‬على اختالف‬
‫أنواعها‪ ،‬سنخص بالدراسة في هذا المبحث كل من تهديد األزمات الثقافية أو ما يسمى بأزمات اإلنتماء‬
‫والهوية؛ والتي تتجلى مظاهرها في انتشار موجات التطرف والتعصب‪ ،‬وتصاعد مد التوترات اإلثنية‬
‫والدينية؛ وكذا تهديد الحركيات اإلقتصادية اإلجتماعية والبيئية للتنوع الثقافي‪ ،‬الممثلة أساسا في التنمية‬
‫غير اإلنسانية التي تضعف بشكل خاص الهوية الثقافية للسكان األصليين‪ ،‬وعامل الفقر الذي أضحى مع‬
‫تفشيه الرهيب في كافة أصقاع العالم‪ ،‬مهددا رئيسيا لكافة الجوانب الحياتية للناس‪ ،‬بما فيها الجانب الذاتي‬
‫الهوياتي لألفراد والجماعات‪ ،‬إلى جانب خطر تغير المناخ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تهديد األزمات الثقافية (أزمات اإلنتماء والهوية) للتنوع الثقافي‬
‫يعتبر الجانب الثقافي من حياة اإلنسان بشكل خاص وحياة الشعوب بشكل عام‪ ،‬من أهم‬
‫التحديات التي تعترض حقوق اإلنسان األمنية‪ ،‬طالما أن ثقافة الفرد هي هويته‪ ،‬وهي الوسيلة التي يواجه‬
‫بها كل المتغيرات الخارجية‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن تدهور هذه الهوية وتالشيها وتصدعها هو أكبر خطر يهدد األمن واإلستقرار‬
‫المجتمعي‪ ،‬ويعرض استقرار الدولة لإلنهيار والتالشي‪ .1‬ولعل غياب الحرية والديمقراطية الثقافية هو أهم‬
‫عامل يقف وراء انبعاث أزمات الهوية بالشكل العنيف الذي أصبحنا نلحظه اليوم‪ ،‬متجلية أساسا في‬
‫انتشار ممارسات التنميط اإلثني‪ ،‬وتعالي موجات التعصب المتطرف وكراهية األجانب‪ ،‬مرو ار بالحركات‬
‫اإلكراهية الساعية للهيمنة الثقافية‪ ،‬ووصوال إلى النزاعات اإلثنية والدينية العنيفة‪.‬‬

‫‪ 1‬هايل عبد المولى طشطوش‪« :‬حقوق اإلنسان بين الفكر اإلسالمي والتشريع الوضعي»‪ ،‬األردن‪ :‬دار الكندي للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪ ،0770‬ص ‪.00‬‬

‫‪110‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫الفرع األول‪ :‬التمييز المجتمعي‬


‫في حاالت كثيرة تجد المجموعات الثقافية نفسها في مواجهة أشكال مغايرة للتمييز‪ ،‬ال تكون نتاج‬
‫سياسات حكومية مباشرة‪ ،‬كما ال سند واضح لها من القانون‪ ،‬لكنها تعبير اختيارات األفراد في مناخ متأثر‬
‫كثي ار بدعاوى التطرف وكراهية األجانب التي تشكل األسباب الكامنة وراء محو قيم اإلختالف‪ ،‬وتقليص‬
‫مساحة التسامح‪ 1،‬وتغييب اإلستقرار والتجانس المجتمعي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التنميط اإلثني واألحكام المسبقة‬


‫يشير مفهوم القولبة أو التنميط إلى عملية سيكولوجية إجتماعية يتم فيها تكوين صور وانطباعات‬
‫سلبية عن جماعة معينة من قبل أفراد جماعة أخرى‪ ،‬ثم تعزى تلك الصور واإلنطباعات الذهنية إلى‬
‫الجماعة األولى باعتبارها صفات أصيلة فيها وتشمل أعضاء الجماعة ككل‪ ،‬دون األخذ بالحسبان وجود‬
‫اإلختالفات الفردية فيما بينهم‪ .‬وتعرف تلك اإلنطباعات السلبية بتسمية الصور النمطية وغالبا ما تحدث‬
‫هذه العملية في سياق تعامل الجماعات اإلجتماعية وتفاعلها مع بعضها البعض بصورة مباشرة‪.2‬‬
‫وتنتهك مـمارسات التنميط اإلثني الصادرة عن فواعل متعددة داخل الدولة مثل‪ :‬األفراد‪ ،‬األحزاب‬
‫السياسية‪ ،‬وسائل اإلعالم‪ ،‬والتي هي مؤشر على حجم العنصرية والتمييز العنصري وكره األجانب وما‬
‫تعصب‪ ،‬الضمانات األساسية لحقوق اإلنسان؛ من قبيل مبدأ المساواة أمام القانون‪ ،‬وكذا‬ ‫ّ‬ ‫يتصل بذلك من‬
‫معايير القانون الدولي الرامية إلى القضاء على العنصرية والتمييز العنصري‪.‬‬
‫وقد قدمت السيدة "ليلى زروقي" مقررة الفريق العامل الـمعني باإلحتجاز التعسفي‪ ،‬تعريفا للتنميط‬
‫اإلثني مفاده أنه "انتهاك للحق في عدم التمييز"‪ ،‬وأوضحت في هذا الشأن بأن المشكلة األساسية المتعلقة‬
‫بالتنميط اإلثني‪ ،‬تكمن في غياب تعريف مانع وجامع له يكون مقبوال على نطاق واسع‪ ،‬في مقابل تعدد‬
‫صعب من إثبات وقوعه‪.‬‬‫شديد للتعاريف الـمعطاة له‪ ،‬م ّـما ي ّ‬
‫في هذا الخصوص‪ ،‬تشير السيدة ليلى زروقي إلى وجود تعريفين مـتباينيـن للتنميط اإلثنـي؛ األول‬
‫ضيـق ومقيد‪ ،‬يـحصره في النشاط الـممارس من قـبل موظفي إنفاذ القانون باإلستناد إلى اإلثنية حصرا‪ ،‬أما‬
‫الثاني فهو أوسع نطاقا من سابقه؛ إذ يراعي جـميع األسس الممكنة للتمييز إلى جانب اإلثنية والموجهة‬
‫من قبل فواعل متعددة‪.3‬‬
‫وفي كثير من األحيان‪ ،‬تصور مجموعات األقليات على أنها مجموعات "خطيرة"‪ ،‬تـهدد التماسك‬
‫اإلجتماعي لألمة بسبب ما ينسب إليها من آثار "معدية و غامضة"‪ .‬وقد تتطور مثل تلك اإلدعاءات‬

‫‪1‬‬
‫سامح فوزي‪ :‬سمير مرقص‪« :‬إدارة التعددية الدينية‪ ،‬األقباط في مصر نموذجا»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪2‬‬
‫حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.007‬‬
‫‪« 3‬تقرير فريق الخبراء العامل المعني بالسكان المنحدرين من أصل إفريقي عن أعمال دورته السادسة»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪،71‬‬
‫ص ‪.70‬‬
‫‪111‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫لتصبح نظريات تآمرية كاملة العناصر من صـنع مـجموعات متنافسة من قبيل وسائل اإلعالم‪ ،‬أحزاب‬
‫سياسية‪ ،‬أو حتى سلطات الدولة ذاتـها‪ ،‬يتعرض بسببها أعضاء األقليات الدينية أو العقائدية لكثير من‬
‫اإلحتقار العلني‪ ،‬استنادا إلى شائعات تدعي تجردهم من أي قيم أخالقية‪.‬‬
‫هذا الـجمع بالذات بين النظريات التآمرية الـمشوهة للصورة واإلحتقار العلني‪ ،‬هو الذي يولد العنف‬
‫عادة‪ ،‬سواء كان عنفا موجها ضد أعضاء األقليات‪ ،‬أو عنفا بيـن الطوائف الـمختلفـة‪ ،1‬ألن هذه القوالب‬
‫النمطية ال تسهم إطالقا في خلق بيئة مواتية إلقامة حوار بناء وسلمي بين مختلف الـمجموعات‪ ،‬بل بسبب‬
‫طبيعتها اإلستف اززية‪ ،‬والصورة المشوهة التي تنقلها‪ ،‬تشكل تحريضا على التمييز والعداء والعنف‪.2‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فالتنميط اإلثني الذي يشكل إعتداء بشعا على كرامة اإلنسان‪ ،‬يترك آالما نفسية‬
‫وعاطفية عميقة على ضحاياه؛ إذ يتركهم غاضبين‪ ،‬محبطين ومهانين‪ ،‬كما يقلل من شعور المستهدفين به‬
‫بروح المواطنة‪ ،‬ويؤدي إلى تالشي ثقتهم بوكاالت إنفاذ القانون؛ كما أن التنميط اإلثنـي الذي يوصم‬
‫مجتمعات كاملة بأنـها مجتمعات مشبوهة‪ ،‬أو يتجاوز ذلك إلى حد تـجريم مـجتمعات بأكملها‪ ،‬يدفعهم في‬
‫اتـ جاه توسيع شعورهم باإلستبعاد والرفض الـموجه ضدهم‪ ،‬ويعمق من درجة اغت اربـهم عن مـجتمعهم‬
‫األوسع‪ 3‬وبالتالي انعدام أمنهم الثقافي والمجتمعي‪.‬‬
‫وعلى وجه التحديد‪ ،‬تؤثر قولبة الشعوب األصلية من جانب الفئات الـمسيطرة في الـمجتمع‪،‬‬
‫والسيما وسائط اإلعالم‪ ،‬تأثي ار كبي ار على الشعوب األصلـية‪ ،‬الذين كثيـ ار ما يوصفون ب ـ"الغرابة"‪" ،‬التخلف"‬
‫أو "البدائية"‪ ،‬وبالـخصوص عندما تتعرض هويتهم للطعن من جانب غيرهم من األشخاص‪ ،‬حينما‬
‫يستخدمون أدوات التكنولوجيا‪ ،‬أو في إطار عيشهم ضمن مناطق حضرية‪ .‬ويمكن أن تتحول هذه القوالب‬
‫على أرض الواقع إلى تنبؤات من تلقاء نفسها‪ ،‬ألن أفراد الشعوب األصلية كثي ار ما يـختزلون القوالب‬
‫السلبية في نفوسهم‪ ،‬وبناء على التصورات السائدة في مجتمعهم األوسع‪ ،‬يضعون هويتهم موضع الشك‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن شخصا أو جماعة ما ستعاني ضر ار حقيقا وتشويها خطي ار إذا ما كون الناس أو‬
‫المجتمع المحيط بهم صورة مختزلة أو مهينة أو مزدرية عنهم ونقلها إليهم في الوقت ذاته‪ .‬وتبعا لذلك‪،‬‬
‫فمن الممكن أن يتسبب عدم اإلعتراف أو سوء اإلعتراف في أذى نفسي فيتخذ شكال من أشكال‬

‫‪1‬‬
‫«تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد‪ ،‬السيد هاينر بيالفلدت»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة‬
‫السادسة عشرة‪ ،‬البند ‪ 25 ،71‬ديسمبر ‪ ،0727‬ص ‪.21‬‬
‫‪2‬‬
‫«تقرير المقرر الخاص المعني باالشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره األجانب وما يتصل بدلك من تعصب‪ ،‬السيد‬
‫غيتو مويغاي‪ ،‬عن مظاهر تشويه صورة األديان‪ ،‬وبخاصة اآلثار الخطيرة المستمرة لكره اإلسالم على تمتع أتباعه بجميع‬
‫الحقوق»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪3‬‬
‫« تقرير فريق الخبراء العامل المعني بالسكان المنحدرين من أصل إفريقي عن أعمال دورته السادسة»‪ ،‬مـرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬

‫‪112‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫اإلضطهاد‪ ،‬وذلك يجعل المرء حبيس نمط زائف ومشوه ومختزل عن الذات‪ ،‬ومثال ذلك‪ ،‬حالة السود‬
‫والسكان األصليين في الواليات المتحدة‪.‬‬
‫استنادا إلى ذلك فإن سوء اإلعتراف ال ينطوي على اإلفتقار إلى اإلحترام المطلوب فحسب‪ ،‬بل‬
‫من الممكن أيضا أن يتسبب في إحداث جرح‪ ،‬بحيث يجعل من ضحاياه أسرى كراهية شديدة للذات‪،‬‬
‫فاإلعتراف المطلوب ليس مجرد مجاملة ندين بها إلى هذه الجماعة أو تلك‪ ،‬بل هي حاجة إنسانية‬
‫ضرورية الستم اررية الوجود‪.‬‬
‫بناء على هذا المنظور‪ ،‬فإن "تايلور" (‪ )Charles Taylor‬يتفق مع "برلين" (‪ )Berlin‬على‬
‫فكرة أن اإلكراه واإلضطهاد يتسبب في أذى نفسي وجرح لدى االقليات بحكم ما ينطوي عليه اإلكراه من‬
‫إذالل جماعي‪ ،‬ولكن الذي يتميز به تايلور هو تأكيده كيفية تبلور الهوية ذاتها بفعل سوء اإلعتراف بها‪،‬‬
‫بالشكل الذي يجعل من معاناة األقلية جزء ال يمكن فصله عن هويتها‪.1‬‬
‫هاته الظاهرة تعرف باسم "التطعيم اإلجتماعي"؛ التي تـتبلور عندما تطعم محددات هوية الشعوب‬
‫األصلية بقوالب سلبية‪ ،‬يتلقونـها من مـحيطهم المباشر‪ ،‬خاصة من قبل أجهزة التلفزيون ووسائط التواصل‬
‫اإلجتماعي‪ .‬وهو بـما يـحمله من تدني لمستوى التوقعات يلحق أث ار سلبيا على كيفية تصور شباب الشعوب‬
‫األصلية ألنفسهم‪ ،‬ال سيما عندما تفرض عليهم هذه القوالب من رموز السلطة كالمدرسين مثال‪.‬‬
‫بهذه الكيفية‪ ،‬يـمكن القول أن من بين أخطر التهديدات التي تواجه الجماعات الثقافية وتـمس‬
‫بأمنها الـمجتمعي‪ ،‬هو خطاب الكراهية والعنصرية والتمييز ضدها‪ ،‬الذي له تأثير مباشر وسلبـي على‬
‫عملية بناء هويتهم‪ ،‬خاصة وأن تلقيهم المتزايد للعنصرية وخطاب الكراهية في وسائط التواصل‬
‫اإلجتماعي‪ ،‬يـجعلهم أكثر عرضة إلى السطوة أو الـمضايقة المعنوية والجسدية في محيطهم المباشر‪،‬‬
‫والتي غالبا ما ينظر إليها الساسة وصانعو السياسات على أنـها حوداث متفرقة أو مـجرد حوادث عرضية‪،‬‬
‫بهدف التقليل من خطورتـها‪ ،‬وبالتالي التغاضي عن معالجتها‪.2‬‬
‫في األخير نؤكد أن تقديم المعالجة المناسبة للقوالب النمطية واألفكار المسبقة‪ ،‬التي تـمثل‬
‫األسباب الـجذرية الكامنة وراء مشاعر الـخوف واإلستياء والكراهية‪ ،‬هي الخطوة األولى لـمنع وقوع أعمال‬
‫العنف‪ ،‬وانتهاكات حقوق اإلنسان الـمصاحبة لـها‪ ،‬طالـما أنه ال يـمكن إدراك التنوع الفعلي فيما بين أبناء‬

‫‪ 1‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.279‬‬


‫‪« 2‬تقرير اجتماع فريق الخبراء الدولي‪ ،‬شباب الشعوب األصلية‪ :‬الهوية والتحديات واألمل؛ المواد ‪ 01‬و‪ 01‬و‪ 10‬و‪ 12‬من إعالن‬
‫األمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب األصلية»‪ ،‬المنتدى المعني بقضايا الشعوب األصلية‪ ،‬المجلس اإلقتصادي واإلجتماعي‪ ،‬الدورة‬
‫‪ ،20‬البند ‪ 20 ،71‬مارس ‪ ،0721‬ص ‪.79‬‬

‫‪113‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫البشر‪ ،‬الذين هم أصحاب الـحقوق في سياق حقوق اإلنسان‪ ،‬إال من خالل تـجاوز مفاهيم التجانس‬
‫واعتبار أوجه اإلختالف "شيئا طبيعيا" في الـمجتمعات التعددية العصرية‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬خطاب التعصب المتطرف وكراهية األجانب‬


‫كثي ار ما يأخذ التهديد المتصور مكانه في "قلوب وعقول" أعضاء المجموعات الثقافية‪ ،‬ما يمكننا‬
‫من توصيف تهديدات الهوية المجتمعية هنا كوجود نفسي وعملي‪ ،‬أين تتبدى في شكل سياسات ضارة‬
‫ملموسة مثل التشريعات التي تنطوي على تمييز ضد األقليات ( هذا يشكل تهديدا عمليا)‪ ،‬أو قد تظهر‬
‫من خالل الوسائل البالغية وحدها‪ ،‬بواسطة خطاب الكراهية أو "العنف التعبيري"‪ ،‬الذي يشكل تهديدا‬
‫نفسيا محضا‪ ،‬وفي هذه الحالة نكون أمام فواعل "آمنة وجوديا" و"غير آمنة إدراكيا" في الوقت ذاته‪.2‬‬
‫لكن العنف التعبيري الذي يحمله خطاب التعصب وكراهية األجانب‪ ،‬قد يتطور ويتصاعد في‬
‫أحيان كثيرة إلى أعمال عنف عشوائية‪ ،‬مثلما وقع في الواليات المتحدة حين دفعت حركة "الهوية‬
‫المسيحية" في الواليات المتحدة إلى عمليات إطالق نار‪ ،‬وجرائم عرقية ارتكبها أعضاء "األمم اآلرية" عام‬
‫‪.1005‬‬
‫كما قد تلجأ الحركات الساعية إلى الهيمنة الثقافية والتي هي بطبيعتها استبعادية‪ ،‬إلى فرض‬
‫إديولوجيتها على اآلخرين وتبني الدعم لها بزرع اإلحساس بالخوف من أن قيمها وهويتها الخاصة معرضة‬
‫للخطر‪ ،‬لذا فهي تتصف بأنها أعلوية النزعة‪ ،‬وغالبا ما تكون ضارية‪ ،‬وتعتنق إديولوجية تنعت الهويات‬
‫األخرى بالشيطانية‪ ،‬لتوجد المبررات لخلق موطن "نقي" مقدس ومتجانس‪ ،‬معتبرة كل من ال ينتمي إلى‬
‫الجماعة األساسية بأنه أدنى منزلة‪ ،‬وغير مرغوب فيه‪ ،‬وغير جدير باإلحترام‪.‬‬
‫وقد كشفت دراسة عن األحزاب اليمينية في أوربا عن خصائص مشابهة لما أتى ذكره سابقا؛ فهي‬
‫تؤجج رهاب األجانب‪ ،‬األمر الذي يفضي إلى مطالبات بإنشاء مجتمعات ثقافية أحادية واستبعاد "الدخالء"‬
‫من سياسات الرفاه‪ ،‬وتشكيل دولة قوية تستطيع حماية األمة من "قوى الشر" على حد تعبيرهم‪ ،‬كما‬
‫تحرض هذه الحركات الساعية إلى الهيمنة الثقافية أفراد مجتمعها بالسخرية من األفكار المنشقة وقمعها‬
‫واإلرتياب في نزاهتها ووالئها‪.‬‬
‫وليس كل الحركات الساعية إلى الهيمنة الثقافية عنيفة بشكل علني‪ ،‬فالتهديدات والمضايقات‬
‫والسياسات اإلنتخابية‪ ،‬هي وسائل شائعة أيضا‪ ،‬كما أن المنظمة نفسها قد تستخدم مجموعة من‬
‫اإلستراتيجيات‪ ،‬مثل الدعاية‪ ،‬والسياسات اإلنتخابية واستجداء الدعم الخارجي‪ ،‬والمطالبات القسرية بالدعم‬

‫‪1‬‬
‫« تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد‪ ،‬السيد هاينر بيالفلدت»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة‬
‫السادسة عشرة‪ ،‬البند ‪ 25 ،71‬ديسمبر ‪ ،0727‬ص ‪ ،21‬ص ‪.25‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Paul Roe, Op Cit, pp 61-62.‬‬
‫‪114‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫المحلي‪ ،‬وحمالت المغاورة أو اإلرهاب‪ ،‬وال تشكل السياسات اإلنتخابية بديال لإلكراه على الدوام ألن‬
‫أحزاب كثيرة تغرس الشعور بالخوف وانعدام األمن لكسب األصوات ولتهديد أعضاء الجماعات األخرى‪.‬‬
‫وفي حين أن العنف ليس خاصية عامة للحركات اإلكراهية‪ ،‬إال أنه شائع‪ ،‬حيث تنشر‬
‫األديولوجيات اإلكراهية روح التعصب والعنصرية التي يمكن أن تدفع إلى أعمال عنف عشوائية‪ ،1‬تشمل‬
‫حاالت تعذيب‪ ،‬وسوء معاملة‪ ،‬واختطاف واختفاء قسري‪ ،‬وفظاعات أخرى‪ .‬ويمكن لهذه األعمال أن تحدث‬
‫دون تخطيط أو أن تكون بإيعاز من قادة سياسيين‪ ،‬يستغلون القوالب النمطية واألحكام المسبقة والبارانويا‬
‫القائمة‪ ،‬ويـمضون في ترسيخها لتحقيق مكاسب سياسية‪.‬‬
‫في األخير‪ ،‬نخلص إلى أنه إذا كنا نرغب في التعامل مع حقوق اإلنسان وكرامة األشخاص‪،‬‬
‫ينبغي التركيز على التصورات؛ ألن التصورات السلبية من قبل شخص واحد قد تقوض كرامة شخص‬
‫آخر‪ ،‬لهذا فالبعد النفسي يشكل في كثير من األحيان جانبا هاما في حماية حقوق اإلنسان واحترام التنوع‬
‫الثقافي‪ .2‬وبالتالي‪ ،‬ال يكفي الحديث عن حقوق اإلنسان في المجال القانوني فقط‪ ،‬ولكن علينا العمل على‬
‫خلق الثقة بين المواطنين إذا كنا نريد تحقيق احترام حقوق اإلنسان للجميع وحسب الجميع‪.3‬‬
‫وهنا ينبغي أن يتضمن الرد اإلستراتيجي للرد على خطاب التعصب والكراهية‪ ،‬جهودا للتثقيف‬
‫بشأن اإلختالفات الثقافية‪ ،‬وتعزيز التنوع‪ ،‬وتمكين األقليات وسماع صوتها‪ .‬ومن األمثلة على ذلك دعم‬
‫وسائل اإلعالم المجتمعية وتمثيلها في وسائط اإلعالم الرئيسية‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يجب تطبيق "مبادئ‬
‫كادمن" بشأن حرية التعبير والمساواة‪ ،‬التي توصي بإطار سياسات عامة للتعددية والمساواة‪ ،‬كتوزيع‬
‫الموارد بطريقة عادلة‪ ،‬بما في ذلك ترددات البث اإلذاعي‪ ،‬بين الخدمة العامة ووسائط اإلعالم التجارية‬
‫والمجتمعية‪ ،‬بحيث تمثل مجتمعة المجموعة الكاملة من الثقافات والطوائف واآلراء في المجتمع‪.4‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التوترات اإلثنية والدينية‬


‫إن اتساع نطاق الصراعات الداخلية العنيفة وكثافتها‪ ،‬التي عرفها ما يقرب من ثلث بلدان العالم‬
‫كافة في السنوات العشر األخيرة‪ ،‬وهي تكاد تكون جميعا حروبا أهلية‪ ،‬تفيد عن تحول عميق ونوعي في‬
‫طبيعة الحرب وسيرها‪ ،‬والتي تطبعها سمة رئيسية تتمثل في تصوير "العدو" وكأنه "إبليس"‪ ،‬تبعا لإلنتماء‬
‫الديني واإلثني والعرقي واإلقليمي‪ ،‬وتنظيم حمالت البغضاء الكريهة‪.‬‬

‫‪ 1‬األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.06-05‬‬
‫‪2‬‬
‫‪»Human security in culturally diverse societies: Challenges and perspectives», The Hague, 12-13‬‬
‫‪November 2008, p 121.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid, p 123.‬‬
‫‪« 4‬تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد‪ ،‬هاينر بيالفلدت»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة‬
‫التاسعة عشرة‪ ،‬البند ‪ 00 ،71‬ديسمبر ‪ ،0722‬ص ‪.79‬‬

‫‪115‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫في مثل هذه الظروف‪ ،‬تضرب عرض الحائط كل ما عينته الصكوك الدولية من حدود تقليدية‬
‫لدى خوض الحروب‪ ،‬كما تنحى جانبا كل المحرمات ونظم القيم المحلية‪ ،‬فيغدو المدنيون هم الهدف‬
‫الرئيسي للعنف‪ ،‬ويتعرضون بذلك لخطر اإلصابات الجسدية والموت‪ ،‬فضال عن المعاناة النفسية الـمزمنة‬
‫ودمار الحياة األسرية والمجتمعية المحلية وسبل الرزق‪.‬‬
‫والتركة التي تخلفها هذه التوترات باهضة جدا تشمل انهيار المجتمع وغياب القانون‪ ،‬انتشار‬
‫األسلحة الصغيرة وتورط فئات متحاربة متعددة‪ ،‬والتي غالبا ما تكون شبه مستقلة‪ ،‬إلى جانب تفشي‬
‫الجريمة والفساد اللذان يضربان بجذورهما بكل سهولة في حاالت النزاع اإلجتماعي الطويل األمد‪ ،‬مـما‬
‫يتيح الفرصة لقادة الفصائل المتحاربة بالسيطرة على اإلقتصاديات المحلية والوطنية‪ ،‬وكثي ار ما تؤازرهم في‬
‫ذلك شبكات اإلجرام الدولية‪ ،‬كما يؤدي تزايد الجريمة والفساد وتجذرهما‪ ،‬والمصحوبين بانتشار الفوضى‬
‫اإلجتماعية وانهيار المؤسسات‪ ،‬إلى جعل االنتعاش في فترة ما بعد الصراع أم ار ينطوي على تـحد‬
‫خاص‪.1‬‬
‫ويمكن لإلجهاد النفسي الناجم عن الصدمات أن يفتك باألطفال والبالغين من الرجال والنساء‪،‬‬
‫ويؤدي إلى انعزالهم والقضاء على إيمانهم بأنفسهم والمستقبل الذي يأملونه‪ ،‬ويقوض ثقتهم في اآلخرين‬
‫وايمانهم بالمجتمع‪ ،‬وأيضا يهدم قدرتهم على التواصل مع اآلخرين‪.‬‬
‫كما يمكن أن يقع األقليات والسكان األصليين في خضم الصراع بوصفهم فئات تقوم على أساس‬
‫هوية خاصة‪ ،‬تعرف بأنـها من "اآلخرين" بسبب العنصر أو العرق أو الدين‪ ،‬أو اللغة‪ ...‬وبينما تعتز‬
‫الفئات ذات الهوية الخاصة عادة بسماتها الـمتميزة‪ ،‬فإن هذه السمات نفسها كثي ار ما تتعرض من جانب‬
‫الفئات السائدة للتنميط واإلقالل من شأنها تمهيدا لتهميش هذه الفئات واستغاللها‪ .‬وينشأ اإلستقطاب ال‬
‫محالة عندما تأخذ هذه الفئات في مقاومة هذه الـمعاملة‪ ،‬وعندما تنمو تطلعاتها دون توافر الفرص للوفاء‬
‫بها‪ ،‬وهنا تلجأ الفئات المستقطبة لتسوية ما بينها من اختالفات إلى وسائل متنوعة‪ ،‬منها التظافر أو‬
‫اإلقناع أو المناورة أو القهر أو العنف‪.2‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬نشير إلى أن عدم اشتراك الفئات المحرومة والضعيفة عادة‪ ،‬على غرار‬
‫المهاجرين‪ ،‬في هوية جماعية محكمة مقارنة بالفئات القائمة على أساس الهوية الخاصة المذكورة أعاله‪،‬‬
‫هو أمر يرجع جزئيا إلى تخلل هذه الفئات لجميع الفئات األخرى‪ .‬وبسبب أوضاع الحرمان التي تعيش‬
‫فيها عادة وسط المجتمعات‪ ،‬وفيما عدا بعض اإلستثناءات‪ ،‬تكون الفئات الضعيفة والمحرومة أميل إلى‬
‫الوقوع ضحية للعنف وليس إلى ارتكابه‪.‬‬

‫‪« 1‬تقرير األمين العام‪ ،‬تعزيز التكامل اإلجتماعي في حاالت ما بعد الصراع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.71-70‬‬
‫‪2‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪116‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫والجدير بالذكر هنا‪ ،‬أنه رغم تصنيف هذه الفئات على أنها من الفئات الضعيفة‪ ،‬فإن الكثير من‬
‫أفرادها ال يعانون من ضعف متأصل‪ ،‬بل تضعفهم البيئة التي ال تتناسب مع احتياجاتهم وتطلعاتهم أو‬
‫تتنافر معها‪ ،‬وهو األمر الذي يزيده الصراع تفاقما‪.1‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬يمكن للمخاوف األمنية لهوية المجموعة أن تتصاعد إلى نقطة العنف اإلثني‪ ،‬إذا لم يتم‬
‫معالجة المظالم والتصدي لها بشكل كاف من خالل الوسائل القانونية و‪/‬أو السياسية القائمة‪ ،‬أو استحداث‬
‫وسائل جديدة في حال قصور ما هو موجود عن معالجة الوضع القائم‪.2‬‬
‫قبل ذلك‪ ،‬ينشأ التحديد الذاتي نتيجة حدوث إضعاف للهوية المجتمعية‪ ،‬فحسب وايفر "جرح‬
‫الكبرياء واإلذالل يمكن أن يسهما بشكل كبير في صعود القومية"‪ ،‬والتي كثي ار ما تتخذ شكل إعادة بناء‬
‫واقع‪ ،‬تاريخ قيم وتقاليد الماضي‪ ،‬متجهة نحو إعادة بناء الهوية المجتمعية‪ .‬فطالما أن هويتنا الحالية‬
‫أصبحت جد ضعيفة‪ ،‬فإننا نحتاج لتغييرها وجعل أنفسنا اقوى مرة أخرى‪ ،‬وقد يتطلب ذلك اللجوء إلى‬
‫وسائل عنيفة في ظل استنفاذ وسائل التأثير القانونية والسياسية‪ ،‬أو في حالة عدم وجود هذه الوسائل‬
‫أصال‪.3‬‬
‫والحقيقة أن الصراع ال يكون دوما منطويا على العنف‪ ،‬وال هو يشكل دوما مشكلة‪ ،‬ألنه أمر‬
‫يـحدث عادة باستمرار في المجتمعات وذلك تعبي ار عن التنوع والتغيير‪ ،‬ويمكن حتى أن يكون عامال‬
‫مفضيا إلى النمو حينما تكون الفئات المتصارعة تتمتع بالقدرات أو المهارات الحياتية في مجال احتواء‬
‫الصراع وتحويل مجراه‪ ،‬ومقارنة بالجهود المبذولة لتنمية مهارات العمل‪ ،‬أهملت نسبيا هذه المهارات‬
‫الحياتية على الرغم من ضرورة وجود هاتين الفئتين كلتيهما‪ .‬وحينما تكون المهارات الحياتية ضعيفة‪،‬‬
‫وحيثما توجد عوامل أخرى مثل الظلم والالمساواة والتطلعات واآلمال التي لم تتحقق‪ ،‬يمكن للصراعات أن‬
‫تصبح عنيفة ويطول أمدها‪.4‬‬
‫في مثل هذه األوضاع المكرسه للقهر واإلضطهاد والتمييز‪ ،‬ستكون تبعات التوترات اإلثنية‬
‫والدينية أشد وطأة وخطورة على الـمجتمع أمنيا وسياسيا واقتصاديا من أي قضية أخرى؛ ألنـها تشكل أحد‬
‫مقومات األمن الوطني ألي دولة‪ ،‬كما تـمثل تـحديا لشرعيتها‪ ،‬ومـما الشك فيه أن اعتماد الحل األمني‬
‫كاستراتيجية وحيدة لعالج أحداث الفتنة الطائفية‪ ،‬قد أدى إلى مزيد من التعقيدات واإلشكاليات أكثر مما‬
‫أسهم في حلها حال جذريا وشامال‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫«تقرير األمين العام‪ ،‬تعزيز التكامل اإلجتماعي في حاالت ما بعد الصراع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Paul Roe, Op Cit, pp 73-74.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid, p 61, p72.‬‬
‫‪« 4‬تقرير األمين العام‪ ،‬تعزيز التكامل اإلجتماعي في حاالت ما بعد الصراع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬

‫‪117‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫كما أن تقديـم الـمسكنات اإلعالمية واألمنية بديال عن الـحلول اإلستراتيجية الـحاسـمة‪ ،‬قد قاد هو‬
‫اآلخر إلى مزيد من الـمشاحنات اإلثنية والدينية‪ ،‬لدرجة أن بعض الـمشاكل ذات الطبيعة اإلجتماعية‬
‫سرعان ما تتحول إلى حوادث دينية عنيفة‪ ،‬لمجرد أن أحد طرفيها مسلم واآلخر مسيحي على سبيل‬
‫المثال‪ ،‬مما أدى في األخير إلى فقدان ثقة المواطن العادي في مثل هذه الحلول الجزئية والسطحية‬
‫والترقيعية‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬تشكل الخطابات الدينية واإلعالمية والسياسية المـجاالت األساسية األكثر احتضانا‬
‫لعوامل اإلشعال اإلثني والطائفي‪ ،‬ويؤدي غياب النقد الحقيقي لها إلى حدوث تأثيرات كبيرة على الجمهور‬
‫العام في الـمجتمع‪ ،‬والـمشكلة األساسية هنا ليست فقط في إظهار أوجه القصور في هذه الـخطابات‪ ،‬ولكن‬
‫أيضا في وضع اآلليات التي تكفل تطويرها‪ ،‬وتالفي أوجه النقص فيها‪.‬‬
‫لكن بالرغم من تناول الباحثين على وجه العموم لهذه الخطابات برؤية نقدية‪ ،‬إال أنهم يتناسون‬
‫تبيان ما يحدث فيها من مراجعات‪ ،‬وما ينتظرها من تطوير‪ ،‬وهو ما يجعل األمر برمته يدور في دائرة‬
‫مفرغة‪ .‬لذلك وحتى يمكن تجنب العمومية في تناول مثل هذه القضايا يتعين بداية إجراء دراسات ذات‬
‫طبيعة "تشريـحية" للخطابات الدينية واإلعالمية والسياسية‪ ،‬حتى نتبين في مرحلة الحقة ما ينقصها على‬
‫وجه التحديد للتعامل الجدي معها‪.1‬‬
‫ذلك كله‪ ،‬يستدعي التفكير في هندسات سياسية وقانونية معمقة للتعامل مع هذه اإلختالالت‪ ،‬مع‬
‫األخذ بعين اإلعتبار اختالف درجة حضورها وتأثيرها من سياق جغرافي آلخر‪ ،‬ومن مستوى اجتماعي‬
‫آلخر‪.2‬‬
‫لكن األخطر من ذلك‪ ،‬هو أن موجات التطرف التي شهدت انتشا ار واسعا في أجزاء كبيرة من‬
‫أنحاء العالم‪ ،‬قد باتت جزءا أساسيا ومستت ار من آليات الهيمنة الرأسمالية‪ ،‬التي تدفع صوب تشجيع‬
‫الثقافات الداخلية المحلية المعارضة والعنيفة خاصة منها الحركات الدينية المتطرف ة‪ ، 3‬مستغلة بذلك‬
‫األزمات السياسية‪-‬الثقافية الداخلية في العديد من بلدان العالم‪.4‬‬
‫في األخير نخلص إلى أن التوترات اإلثنية والدينية‪ ،‬قد تشكل أكبر عائق يحول دون الوصول إلى‬
‫تحقيق اإلستقرار واألمن المجتمعي‪ ،‬والذي يستحيل تجسيده عمليا دون عالج ألوجه التفرقة وظواهر‬
‫األصولية‪ ،‬المقدسة للفوارق والمعمقة لها باسم الخالفات الثقافية‪ ،‬مخالفة بذلك الرسالة التي جاء بها‬
‫اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬التي مفادها ضرورة أن يعترف المواطن ال بالغيرية وحسب‪ ،‬بل وأيضا‬

‫‪« 1‬تقرير األمين العام‪ ،‬تعزيز التكامل اإلجتماعي في حاالت ما بعد الصراع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪2‬‬
‫سامح فوزي‪ :‬سمير مرقص‪« :‬إدارة التعددية الدينية‪ ،‬األقباط في مصر نموذجا»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.09‬‬
‫‪3‬‬
‫أحمد مجدي حجازي‪« :‬الثقافة العربية في زمن العولمة»‪ ،‬مصر‪ :‬دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،0772-0777 ،‬ص ‪.09‬‬
‫‪4‬‬
‫سمير أمين‪« :‬الرأسمالية في عصر العولمة‪ ،‬إدارة المجتمع المعاصر»‪ ،‬لبنان‪ :‬الشركة العالمية للكتاب‪ ،‬الطبعة األولى‪،0770 ،‬‬
‫ص ‪ ،200‬ص ‪.290‬‬
‫‪118‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫بتعدد ذاتيات الغير في كنف مجتمعات تحترم التعددية‪ ،‬التنوع الثقافي‪ ،‬كما تحترم حقوق األقليات بمختلف‬
‫أشكالها وتمنحها فرصة لتقرير مصيرها والمشاركة المتساوية للجميع‪ ،1‬بما يحقق الجودة في الحياة الثقافية‬
‫والتي ال تتحقق في ظل التمييز الديني والطبقي والثقافي‪ ،‬الراجع للرفض المستمر لمقوالت التعدد واحترام‬
‫حق اإلختالف‪ ،‬والنزوع السائد في المجاالت السياسية واإلجتماعية والثقافية من إقصاء لآلخر‪ ،‬ومقاومته‬
‫وتهميشه وقمعه والغائه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تهديد األزمات اإلقتصادية واإلجتماعية والبيئية للتنوع الثقافي‬


‫بعد التطرق لتهديد األزمات الثقافية للتنوع الثقافي‪ ،‬سنرصد هنا جانب مغاير للتهديدات الماسة‬
‫بسالمة التنوع الثقافي واستم ارريته بالنسبة لألفراد والجماعات‪ ،‬وهو الجانب المتعلق بالحركيات اإلقتصادية‬
‫اإلجتماعية والبيئية للتنوع الثقافي‪ ،‬الممثلة أساسا في التنمية غير اإلنسانية التي تضعف بشكل خاص‬
‫الهوية الثقافية للسكان األصليين‪ ،‬وعامل الفقر الذي أضحى مع تفشيه الرهيب في كافة أصقاع العالم‪،‬‬
‫مهددا رئيسيا لكافة الجوانب الحياتية للناس‪ ،‬بما فيها الجانب الذاتي الهوياتي لألفراد والجماعات‪ ،‬إلى‬
‫جانب خطر تغير المناخ‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تهديد الحركيات اإلقتصادية واإلجتماعية وأثرها على التنوع الثقافي‬
‫تنعكس جل األوضاع اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية بتدني مؤشراتها ومستوياتها بالنسبة‬
‫لقطاعات عديدة من شعوب دول العالم‪ ،‬على معدالت النمو السياسي‪ ،‬اإلجتماعي والثقافي لديها‪.‬‬
‫وجميعها بواع ث فعلية النتشار ثقافة العنف بين الطوائف والمجموعات المختلفة‪ ،‬األمر الذي ينعكس سلبا‬
‫على بيئتهم الداخلية‪ ،2‬ويؤثر مباشرة على حق المواطنين في أمنهم المجتمعي الذي يبقى في جانب كبير‬
‫منه رهينا لألمن المعيشي والحياتي‪ 3‬المرتبط بفكرة تحقيق جودة الحياة لإلنسان‪ ،‬الذي يعني ضمنا توفير‬
‫الجودة من خالل سد الثغرات والقضاء على النقائص وأوجه الحرمان والتمييز‪ ،‬التي تزيد من إضعاف‬
‫الجماعات الثقافية المهمشة‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫كويشيرو ماتسو ار‪« :‬ثروة العالم الثقافية هي تنوعه في الحوار»‪.‬‬
‫‪www.un.org/arabic/documents/.../A_55_PV.60.pdf‬‬
‫‪ 2‬مختار شعيب‪« :‬اإلرهاب صناعة عالمية»‪ ،‬مصر‪ :‬نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،0770 ،‬ص ‪.261‬‬
‫‪3‬‬
‫عصمت عدلي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪4‬‬
‫أبو الحسن عبد الموجود إبراهيم‪« :‬التنمية وحقوق اإلنسان نظرة اجتماعية»‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬المكتب الجامعي الحديث‪،0776 ،‬‬
‫ص ‪.070‬‬
‫‪119‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫أوال‪ :‬التنمية غير اإلنسانية كخطر يهدد ثقافات الشعوب األصلية‬


‫تكتسي األرض أهمية بالغة لهوية الشعوب األصلية في سياق إدراكهم لمكانتهم في المجتمع؛ ففي‬
‫الوقت الذي تنطوي فيه الـهوية على عنصر فردي للغاية‪ ،‬نـجد أن هوية الشعوب األصلية تقتـرن أيضا‬
‫باألرض‪ ،‬واللغة‪ ،‬وسبل الـمعيشة التقليدية‪ ،‬والطقوس‪ ،‬والـحرف اليدوية‪ ،‬وأفراد األسرة‪ ،‬واألصدقاء والـمجتمع‬
‫ككل‪ .‬وتنتقل هذه الـهوية من خالل الروابط األسرية؛ أي بنقل تاريخ األرض ونقل المعارف‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬يـمكن القول أن األرض بنظر الشعوب األصلية ليست سلعة‪ ،‬بقدر ما هي مصدر‬
‫أساسي للحياة يعكس هويتهم وثقافتهم ونظرتهم إلى العالم وطقوسهم‪ ،‬وهو ما اعترف به إعالن األمم‬
‫المتحدة بشأن حقوق الشعوب األصلية حين أكد على العالقة الروحية التي تربط هذه األخيرة بأراضيها‪،‬‬
‫وحث على ضرورة حماية تلك العالقة أيضا‪ ،‬خاصة وأن فقدان الشعوب األصلية لسبل عيشها التقليدية‬
‫على أراضيها‪ ،‬يـمكن أن يؤثر سلبا على الصحة العقلية ألفرادها‪ ،‬مـما يقودهم في أحيان كثيرة إلى بوتقة‬
‫اإلنتحار أو التعرض ألشكال من األمراض العقلية التي تلحق أضرار خطيرة بأمنهم الصحي‪.1‬‬
‫بالرغم من ذلك‪ ،‬ال تزال عمليات نزع ملكية األراضي مستمرة لـحد اليوم‪ ،‬لغياب األطر القانونية‬
‫التي تعترف بأراضي وأقاليم الشعوب األصلية وتحميها بالقدر الكافي‪ ،‬على الرغم من تأثيرها الـحاد على‬
‫حياة الشع وب األصلية وتهديدها لبقاء ثقافاتـها؛ فعدم اإلعتراف على النحو المالئم بحق الشعوب األصلية‬
‫في ملكية أراضيها‪ ،‬قد زاد من خطر إلغاء سندات ملكية األراضي بهدف إنشاء المتنزهات الوطنية‬
‫والـمناطق المحمية‪ ،‬أو بغرض استغاللـها في استنزاف الموارد الطبيعية لتحقيق المشاريع التنموية‪ ،‬أو زيادة‬
‫التحضر الذي يطرح تـحديات إضافية ألفراد الشعوب األصلية‪ ،‬مـما يصعب عليها الـحفاظ على الصالت‬
‫التي تربطها بـمجتمعاتـها الـمحلية ولغاتها وثقافاتها‪ ، 2‬وهو ما يقود في األخير الهتزاز معايير األمن‬
‫المجتمعي‪.‬‬

‫‪« 1‬تقرير اجتماع فريق الخبراء الدولي‪ ،‬شباب الشعوب األصلية‪ :‬الهوية والتحديات واألمل؛ المواد ‪ 01‬و‪ 01‬و‪ 10‬و‪ 12‬من إعالن‬
‫األمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب األصلية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.70-75‬‬
‫‪« 2‬تقرير اجتماع فريق الخبراء الدولي‪ ،‬شباب الشعوب األصلية‪ :‬الهوية والتحديات واألمل؛ المواد ‪ 01‬و‪ 01‬و‪ 10‬و‪ 12‬من إعالن‬
‫األمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب األصلية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.70-75‬‬

‫‪120‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫خريطة رقم ‪ :52‬عمليات استخراج المعادن وأعمال البنية التحتية‪ ،‬في بلدان نامية‪ ،‬التي تجرى‬
‫في مناطق السكان األصليين (أمريكا الالتينية ‪)2553‬‬

‫المصدر‪( :‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪«:‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪).90‬‬

‫خريطة رقم ‪ :53‬عمليات استخراج المعادن وأعمال البنية التحتية التي تجرى في مناطق السكان‬
‫األصليين (جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ ‪)2553‬‬

‫المصدر‪( :‬األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪).90 ،‬‬

‫‪121‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫في هذا الصدد‪ ،‬أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش (‪ )Human Rights Watch‬بمعنى (منظمة‬
‫مراقبة حقوق اإلنسان) في تقرير أصدرته بعنوان "ننتظر الموت هنا‪ :‬التهجير القسري وبرنامج تعمير‬
‫القرى"‪ ،‬إلى أن الحكومة اإلثيوبية تقوم بموجب هذا البرنامج بالتهجير القسري لنحو ‪ 59‬ألف شخص من‬
‫السكان األصليين من منطقة غرب غامبيال‪ ،‬إلى قرى جديدة يعوزها الطعام واألراضي الزراعية والرعاية‬
‫الصحية ومرافق التعليم‪ ،‬بغية إفساح المجال أمام اإلستثمار الزراعي التجاري‪ ،‬في غياب عملية قانونية‬
‫سليمة‪ ،‬ما يعرض حقوق السكان األصليين المكفولة لهم بموجب القانون الدولي للخطر‪.1‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬كان لتنمية أراضي الشعوب األصلية وأقاليمها ومواردها‪ ،‬من جانب سكان ال‬
‫ينتمون إلى الشعب األصلي‪ ،‬تأثير بالغ الضرر في كثير من الـحاالت على ثقافات هذه الشعوب‪ ،‬شمل‬
‫تدمير األماكن والفضاءات التي تـمارس فيها ثقافاتـها‪ ،‬وتالشي هياكل السلطة التقليدية من جراء زيادة‬
‫العمليات اإلستخراجية‪ ،‬التي أدت إلى حدوث تدهور كبير في التماسك اإلجتماعي لـمجتمعاتـهم التقليدية؛‬
‫أين غالبا ما يتخذ أفراد المجتمع الـمحلي مواقف متعارضة إزاء الـمنافع التي يتوقع جنيها من استخراج‬
‫الموارد‪ ،‬فتنشأ ن ازعات تتحول في أحيان كثيرة إلى موجات عنف‪.‬‬
‫هذا وقد لوحظ أن النزاع اإلجتماعي ينتشر بصفة خاصة عندما تنقل المنافع اإلقتصادية إلى‬
‫األفراد مباشرة‪ ،‬أو عندما تتاح فرص عمل محدودة‪ ،‬وقد أبلغت التقارير التي قدمتها الشعوب األصلية‬
‫والمنظمات غير الحكومية أيضا على تصاعد العنف من جانب قوات األمن الحكومية والخاصة‪ ،‬نتيجة‬
‫للعمليات اإلستخراجية في أراضي الشعوب األصلية‪ ،‬وال سيما ضد قادة السكان األصليين‪.‬‬
‫وعالوة عن ذ لك‪ ،‬أبلغ عن انتشار قمع حقوق اإلنسان في الحاالت التي تعرب فيها مجتمعات بأكملها عن‬
‫معارضة العمليات اإلستخراجية‪ ،‬وفي هذا الصدد تفيد التقارير بأن عدم اإلستقرار السياسي‪ ،‬واإلضطرابات‬
‫العنيفة‪ ،‬وظهور الجماعات المتطرفة في أقاليم السكان األصليين‪ ،‬هي أمور تنتج عن وجود الصناعات‬
‫اإلستخراجية في أراضيهم‪.2‬‬
‫كل تلك التأثيرات السلبية للتنمية الغير إنسانية على ثقافات الشعوب األصلية‪ ،‬أكدت عليها اتفاقية‬
‫منظمة العمل الدولية رقم ‪ 100‬التي تشير إلى أن الشعوب األصلية "تتمتع بـحق تقرير أولوياتـها الـخاصة‬
‫في عملية التنمية ألنـها تؤثر على حياتـها‪ ،‬ومعتقداتـها ونظمها ورفاهها الروحي‪ ،‬وعلى األراضي التي‬
‫تشغلها أو تنتفع منها بطريقة أخرى‪ ،‬وبـحق التحكم قدر الـمستطاع في تنميتها اإلقتصادية واإلجتماعية‬
‫والثقافية"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫«إثيوبيا‪ :‬التهجير القسري يؤدي للجوع والمتاعب»‪.‬‬
‫‪http://www.hrw.org/ar/news/2012/01/16-1‬‬
‫‪2‬‬
‫«تقرير المقرر الخاص المعني بحقوق الشعوب األصلية‪ ،‬جيمس أنايا»‪ ،‬مـجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة الثامنة‬
‫عشرة‪ ،‬البند ‪ 22 ،71‬جويلية ‪ ،0722‬ص ص ‪.20-21‬‬
‫‪122‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫كما أكدت اللجنة الـمعنية بحقوق اإلنسان أن "التنمية اإلقتصادية يـجب أال تقوض الـحقوق التي‬
‫يـحميها الـحق في الثقافة "‪ . 1‬ولعل التنمية اإلنسانية المستدامة المتمحورة حول اإلنسان‪ ،‬والتي تفترض‬
‫مسبقا مشاركة أفراد مـمكنين ومجتمعات مـحلية ممكنة‪ ،‬والتي تعبر عن أنماطهم الثقافية وأوجه تضامنهم‪،‬‬
‫هي القادرة على إعادة اإلحساس بالعزة لألفراد والمجتمعات المحلية‪ ،‬وبخاصة الشعوب األصلية وغيرها‬
‫من الجماعات الـمهمشة‪ ،‬استنادا إلى تعبيراتهم وقيمهم ومنظوراتـهم الثقافية‪.‬‬
‫وهذا بدوره يساهم في بناء القدرات الـموجهة نـحو السعي التوافقي إلى الرفاه والبحث عن مسارات بديلة‬
‫للتنمية‪ ،‬التي يـمكن عندها أن تنتقل الـهوية من الوضع الدفاعي‪ ،‬إلى شكل من التمكين يفضي إلى تـحقيق‬
‫أهداف محددة ومستدامة‪ ،‬وبهذا المعنى يصبح معنى "التنمية مع الهوية" هو "التنمية مع الكرامة"‪.2‬‬

‫ثانيا‪ :‬الفقر وتأثيره على التنوع الثقافي‬


‫تعاني جـماعات األقليات في شتى مناطق العالـم من ارتفاع معدالت الفقر عن متوسطها وبلوغها‬
‫مستويات غير متناسبة في أوساطها‪ .‬ويشكل الفقر جزء ال يتج أز من حلقة التهميش‪ ،‬واإلستبعاد‬
‫اإلجتماعي‪ ،‬والتمييز التي تضر بالسكان من األقليات‪ ،‬وهو أحد أسباب ومظاهر ونتائج مـجموعة واسعة‬
‫من انتهاكات الحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪ .‬ويلحظ أن الفئات األكثر فق ار في أية منطقة في‬
‫العالـم تقريبا‪ ،‬هي أقليات ظلت لفترات طويلة مستهدفة بالتمييز واإلقصاء والعنف‪ ،‬والتي جعلتها بصورة‬
‫عامة أقل قدرة على الـمشاركة الفعالة في صنع الق اررات السياسية‪ ،‬أو الوصول إلى آليات العدالة حين‬
‫انتهاك حقوقها‪.3‬‬
‫ومنذ انعقاد مؤتمر فيينا العالمي المعني بحقوق اإلنسان ‪ ،1009‬أصبح من المعترف به أن الفقر‬
‫هو حرمان من الحقوق األساسية لإلنسان وانتهاك لكرامته على حد السواء‪ ،‬وقد ورد في تعريف تقدمت به‬
‫لجنة األمم المتحدة المعنية بالحقوق اإلجتماعية واإلقتصادية والثقافية ‪ 0991‬بأن "الفقر حالة بشرية تتسم‬
‫بحرمان مستدام أو مزمن مما يلزم من موارد وقدرات واختيارات وأمن وقوة‪ ،‬للتمتع بمستوى معيشي الئق‪،‬‬
‫وبالحقوق المدنية والثقافية والسياسية واإلجتماعية األخرى"‪.‬‬
‫هذا الفهم للفقر باعتباره حرمانا من الحقوق اإلنسانية األساسية يسير في خطى مفكرين مؤثرين‬
‫أمثال أمارتيا سين وتوماس بوج‪ ،‬وينبع من مبادرات دولية للتأمل واجراء البحوث والمشاورات والحوار مثل‬
‫مبادرات اليونسكو‪ .‬مع ذلك‪ ،‬وعلى الرغم من إقرار الجمعية العامة ووكاالت األمم المتحدة المتخصصة‬

‫‪« 1‬دور اللغات والثقافة في تعزيز وحماية حقوق وهوية الشعوب األصلية‪ ،‬دراسة أعدتها آلية الخبراء المعنية بحقوق الشعوب‬
‫األصلية»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬البند ‪ 26 ،75‬أوت ‪ ،0720‬ص ص ‪.00 -02‬‬
‫‪2‬‬
‫‪UNESCO World Report: «Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», Op Cit, p209.‬‬
‫‪« 3‬مذكرة الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات‪ ،‬غاي ماكدوغال بشأن األقليات والمشاركة الفعالة في الحياة اإلقتصادية»‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪123‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫(مثل منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بالحق في الصحة‪ ،‬ومنظمة األغذية والزراعة فيما يتعلق بالحق‬
‫في الغذاء واليونسكو فيما يتعلق بالحق في التعليم)‪ ،‬لهذا الموقف فإنه ال يزال قابعا عند حدود البيانات‬
‫السياسية الواجب تفعيلها على جميع المستويات استنادا إلى عدم قابلية حقوق اإلنسان للتجزئة‪.1‬‬
‫وكما يقول "أمارتيا سين" (‪" ،)Amartya Sen‬سيكون من الخطأ اعتبار الفقر مجرد مسألة‬
‫اإلفتقار إلى الموارد المادية‪ ،‬وستترتب عواقب كارثية في هذه الحالة‪ .‬ففي نهاية المطاف‪ ،‬ما يحرم منه‬
‫ا لفقراء هو تحقيق إنسانيتهم ألنهم يحرمون من حرية أن يحققوا ذواتهم كبشر وكمواطنين؛ ويحال دون‬
‫حصولهم على الخيارات المتاحة لغيرهم ودون ممارستهم لحريتهم في اإلختيار"‪.‬‬
‫هاته األخيرة‪ ،‬مثلها مثل أي شكل من أشكال الحرية ال تكون فعلية إال عندما نكون قادرين على‬
‫كفالة الشروط الضرورية الالزمة لممارستها الفعلية‪ ،‬فمن منظور التنوع الثقافي يمكن تعزيز استراتيجيات‬
‫الحد من الفقر المستندة إلى حقوق اإلنسان‪ ،‬عند التشديد على إعطاء صوت للجماعات المهمشة‪،‬‬
‫وتمكينها بذلك من المساهمة في تحديد المخرج الخاص بها من الفقر‪ ،‬وتحديد مسارات التنمية الخاصة‬
‫بها‪ ،‬والشيء الذي يفتقر إليه في أغلب األحيان‪ ،‬هو وسائل المبادرة على إيجاد حلول عملية ناجحة‪ ،‬وعدم‬
‫السقوط في فخ الدوائر المغلقة‪.2‬‬
‫على صعيد آخر‪ ،‬فاقمت األزمات الـمالية واإلقتصادية الـحالية‪ ،‬وما خلفته من ارتفاع مـحسوس‬
‫مد األحزاب والـحركات والـجماعات السياسية الـمتطرفة‪ ،‬التي استغلت‬
‫لـمعدالت الفقر والبطالة‪ ،‬في تصاعد ّ‬
‫سياق األزمات كي تفاقم من الـمسائل الـمتعلقة بالـهوية؛ من خالل التحريض على التمييز ضد جـماعات‬
‫معينة وكرهها‪ ،‬أو بواسطة إحياء القوالب النمطية السلبية البالية‪ ،‬والتحيز العنصري ضد أف ارد األقليات‪.‬‬
‫هذا الـخوف واإلستياء نتيجة الـمشاكل اإلقتصادية واإلجتماعية؛ مثل اإلفقار‪ ،‬والبطالة‪ ،‬وتـخفيض‬
‫ميزانية اإلستحقاقات اإلجتماعية‪ ،‬قد بات يتجلى في أحـيان كـثيرة في شـاكلة التصويت لصالـح أحـزاب‬
‫سياسية مـتطرفة‪ ،‬بـما فيها األحزاب ذات البرامج العنصرية الـمحرضة على كره األجانب‪ ،‬وهو ما مكن‬
‫فعال أحزاب اليمين المتطرف التي لم تكن مـمثلة في البرلمانات الوطنية‪ ،‬من كسب مقاعد في إطار‬
‫سياسات التقشف‪ ،‬والتدابير المتخذة للتصدي لألزمة اإلقتصادية على الصعد الوطنية‪.‬‬
‫وفي عدد من البلدان‪ ،‬غدت األحزاب السياسية الـمتطرفة بـمثابة القوة السياسية الثالثة‪ ،‬بارتفاع‬
‫نسبة تـمثيلها على مستوى البرلـمانات الوطنية‪ ،‬ما مكنها من زيادة تأثيرها في الساحة السياسية وداخل‬
‫األجهزة التشريعية الوطنية على السواء‪ ،‬ومربط القلق هنا هو أن الـجماعات الـمستضعفة صارت في هذا‬
‫السياق مستهدفة وموصومة للغاية‪ ،‬مثلما تشير إليه التقارير الواردة إلى المقرر الخاص المعني باألشكال‬
‫المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره األجانب وما يتصل بدلك من تعصب‪ ،‬والتي تفيد بزيادة‬
‫جنوح الزعماء السياسيين إلى الدفاع عن برامـجهم من منطلقات إثنية‪ ،‬واصمين السكان اآلخرين‬

‫‪1‬‬
‫‪UNESCO World Report: « Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», Op Cit, p196.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p 198.‬‬
‫‪124‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫ومؤاخذينهم بأي مشاكل تواجهها بلدانـهم‪ ،‬بالرغم من أن ذلك يـمثل تـهديدا خطي ار للديـمقراطية والوفاق‬
‫الـمجتمعي‪.‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬يبدو جليا أن األحزاب السياسية الـمتطرفة‪ ،‬قد ألقت عبء اآلثار السلبية لألزمات‬
‫اإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬على كاهل األقليات واألجانب الـمهاجرين؛ بـمن فيهم المهاجرون غير الشرعيون‬
‫والالجئون ملتمسو اللجوء‪ ،‬متهمة إياهم بتهديد مستوى معيشة عامة السكان‪ ،‬ومـحملة إياهم مسؤولية‬
‫ارتفاع معدالت البطالة ومديونية الدولة‪.1‬‬
‫لكن األخطر من ذلك‪ ،‬هو اتـجاه عديد األحزاب السياسية التقليدية‪ ،‬نـحو مسايرة جدل األحزاب‬
‫السياسية الـمتطرفة‪ ،‬واتـخاذها من الـجماعات الـمستضعفة كبش فداء‪ ،‬بدل استخدامها الـحجج الـمنطقية‬
‫والـموضوعية للتصدي للحلول التبسيطية جدا‪ ،‬التي كثي ار ما تطرحها األحزاب السياسية الـمتطرفة‪ ،‬لتسوية‬
‫الـمشاكل السياسية والـمجتمعية واإلقتصادية الناجـمة عن مثل هذه األزمات‪.‬‬
‫ويمكن اإلشارة هنا إلى الـموقف الملتبس أحيانا‪ ،‬الذي اتخذته األحزاب السياسية التقليدية نـحو‬
‫األحزاب السياسية المتطرفة‪ ،‬بـما في ذلك عدم التنديد بخطاباتها والذي يرسل إشارة خاطئة مفادها قبول‬
‫الترويج ألفكارها‪ ،‬أو تشكيل التحالفات معها واثارة األفكار الشعبوية أثناء سير الـحمالت اإلنتخابية؛ أين ال‬
‫تزال بعض األحزاب السياسية‪ ،‬والزعماء السياسيين التقليديين‪ ،‬يؤيدون جدلية "النزعة القومية" التي تـجهر‬
‫أحيانا بعنصريتها وكرهها لألجانب‪ ،‬بغرض تجنب فقدان أصوات بعض الناخبين‪.‬‬
‫وأفيد على سبيل الـمثال‪ ،‬بأن بعض األحزاب السياسية التقليدية‪ ،‬على غرار األحزاب السياسية‬
‫المتطرفة‪ ،‬استندت في حـمالتـها اإلنتخابية مرار وتكرار إلى جدل الـهوية الوطنية‪ ،‬والخطر الذي يمثله‬
‫األجانب والمهاجرون‪ ،‬بـمن فيهم المهاجرون غير الشرعيون‪ ،‬على اإلقتصاد والعمالة واألمن والهوية‬
‫الوطنية‪.2‬‬
‫في ختام هذه النقطة‪ ،‬نخلص إلى أنه من منظور األمن المجتمعي يجب أن يستند القضاء على‬
‫الفقر إلى الحريات وحقوق اإلنسان األساسية باعتبارها محركات للتغيير اإلجتماعي‪ ،‬بما في ذلك ما يتعلق‬
‫بالمؤسسات التي لها دور سببي في توليد الفقر واستم ارره‪ ،‬كما يجب أن يولي اهتماما بالغا لكون الفقر‬
‫حالة ال تتعلق فقط بالحرمان من الحصول على الخدمات اإلجتماعية األساسية (اإللتحاق بالمدارس‪،‬‬
‫الحصول على رعاية طبية‪ ،‬اإلستفادة من مرافق اإلسكان‪ ،‬وممارسة الحقوق المدنية والسياسية‪ ،)...‬بل له‬
‫أبعاد ثقافية ال يؤبه بها في كثير من األحيان‪ ،‬ما يفرض إعادة دراسة تعريف الفقر في حد ذاته‪ ،‬بهدف‬

‫‪« 1‬تقرير المقرر الخاص المعني باألشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره األجانب وما يتصل بذلك من تعصب موتوما‬
‫روتيري»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة العشرون‪ ،‬البند ‪ 09 ،79‬ماي ‪ ،0720‬ص ص ‪.70-71‬‬
‫‪2‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.75-70‬‬
‫‪125‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫تنقيح استراتيجيات القضاء عليه التي وضعت في خمسينات القرن العشرين‪ ،‬فضال عن تأمين مشاركة‬
‫أفضل للمعنيين باألمر‪.‬‬
‫ومن الممكن أن يؤدي التنوع الثقافي دو ار هاما في التصدي لهذه التحديات‪ ،‬وفي تيسير تنفيذ‬
‫سياسات من أجل القضاء على الفقر وفقا إلرادة المجتمعات المحلية‪ ،‬خاصة وأن معنى الفقر يتباين بتباين‬
‫المنظورات الثقافية التي يعاني المرء في إطارها من الفقر‪ ،‬طالما أن الثقافة تشكل الكيفية التي يفهم بها‬
‫الناس الفقر ويعيشونه؛ وبذلك يتعذر الدفاع عن المفهوم الغربي لماهية الفقر‪ ،‬في ظل ثقافة تعطي قيمة‬
‫للتجرد من السلع المادية‪ ،‬بدال من أن تعطي قيمة للثروة النقدية‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تهديد األ زمات البيئية‬


‫لقد أدى تشكل شبكة رهيبة من المشاكل البيئية التي تهدد استقرار المجتمعات البشرية‪ ،‬إن لم يكن‬
‫وجودها نفسه‪ ،‬إلى انتشار الوعي بضرروة اإللتفات إلى أوجه الترابط بين التنوع البيولوجي والتنوع الثقافي‪،‬‬
‫واإلعتراف بها أيضا؛ فمع أن اإلثنين تطو ار بصورة مختلفة عن بعضهما البعض‪ ،‬إال أنهما يتقابالن في‬
‫أوجه عدة‪ :‬كالتنوع اللغوي‪ ،‬والثقافة المادية‪ ،‬والمعرفة والتكنولوجيا‪ ،‬وطرائق عيش الكفاف‪ ،‬والعالقات‬
‫اإلقتصادية والعالقات اإلجتماعية‪ ،‬ونظم المعتقدات‪.‬‬
‫ونظ ار ألن أشكال التعبير والممارسات الثقافية عادة ما تأتي مقترنة بشروط بيئية‪ ،‬فإن أثر‬
‫التغيرات البيئية ال بد وأن يحمل معه نتائج خطيرة‪ ،‬تتضمن عمليات نزوح السكان الواسعة النطاق والتي‬
‫تشكل تهديدا خطي ار الستم اررية الثقافات والتنوع الثقافي في حد ذاته‪.‬‬
‫هذا وتشتد حدة اآلثار الواقعة على نقل الثقافات في المناطق الريفية‪ ،‬وفي أوساط األقليات‬
‫المرتهنة بمناطق معينة‪ ،‬والمعرضة بشدة لألخطار الناتجة عن المشاكل البيئية‪ ،‬في ظل محدودية‬
‫اإلستجابة التقنية والعلمية المحضة للمستلزمات اإليكولوجية‪.2‬‬

‫أوال‪ :‬خطر تغير المناخ وتأثيره على التنوع الثقافي واستمراره‬


‫إن مسألة الال أمن الثقافي وخاصة فيما يتعلق بربطه بمسألة تغير المناخ هي قضية لم تثار‬
‫حولها الكثير من الدراسات‪ ،‬فهناك أبحاث قليلة نسبيا تستكشف تغير المناخ كقضية أمنية عند وصف‬
‫التهديدات لألمن اإلنساني‪ ،‬وبشكل عام‪ ،‬فإن معظم نماذج تغير المناخ تتوقع زيادة الظواهر المتطرفة‬
‫المرتبطة مع زيادة عدم انتظام وانخفاض القدرة على التنبؤ بأنماط الطقس‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪UNESCO World Report: « Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», Op Cit, pp 196-197.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p208.‬‬

‫‪126‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫في هذا الصدد يقدم نوري وسينسي (‪ )Nori - Sensi‬وصفا لبعض اآلثار الشاملة لتغير المناخ‪:‬‬
‫‪ -‬تغير أنماط هطول األمطار‪ ،‬مع زيادة التباين المتوقع وانخفاض توازنات المياه‪.‬‬
‫‪ -‬تحوالت التنوع البيولوجي‪.‬‬
‫‪ -‬التغيرات في أنماط الرياح‪.‬‬
‫‪ -‬المزيد من الفياضانات وموجات الجفاف المتكررة‪.‬‬
‫‪ -‬التغيرات في التذبذبات من األحداث المتكررة مثل النينيو وموجات الح اررة واألعاصير‬
‫اإلستوائية‪.‬‬
‫‪ -‬زيادة خطر األمراض المعدية المنقولة بالنواقل (المالريا وحمى الضنك) واألمراض‬
‫التي تنقلها المياه باعتبارها نتيجة النخفاض نوعية المياه‪.‬‬
‫‪ -‬ارتفاع مستويات المحيطات‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سوء التغذية‪.‬‬
‫كل هذه اآلثار الشاملة لتغير المناخ توحي بأن هذا األخير قد يصبح واحدا من أكبر التحديات‬
‫التي تواجهها البشرية في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬السيما بالنسبة إلى المجتمعات المحلية الضعيفة‬
‫المعرضة أصال لضغوطات هائلة‪ ،‬والتي ستلحق التأثيرات التراكمية لتغير الـمناخ على إمدادات المياه‪،‬‬
‫وأنماط األمراض‪ ،‬والنظم الزراعية‪ ،‬وقابلية المستوطنات الساحلية للسكنى‪ ،‬تأثيرات مدمرة بالنسبة لها‪.‬‬
‫ولما كانت التعبيرات والـممارسات الثقافية تنشأ في غالب األحيان استجابة لألحوال البيئية‪ ،‬فإن‬
‫احتمال حدوث اضطرابات بيئية واسعة النطاق قد يـمثل تـحديا ثقافيا كبي ار‪ .‬خاصة بالنسبة للشعوب‬
‫األصلية؛ ألن األخطار الحادة التي تبدأ فجأة كالزالزل‪ ،‬التسونامي‪ ،‬أو الفياضانات‪ ...‬يـمكن أن يكون لـها‬
‫تأثيرات كبيرة على تنوعها الثقافي‪ ،‬طالما أن إضرارها بالمراكز الثقافية واآلثار األساسية كالمعابد‪،‬‬
‫المتاحف والمدارس‪ ...‬ال ُيحدث فقط انقطاعا مؤقتا في انتقال التقاليد والمعتقدات‪ ،‬بل قد يؤدي إلى حدوث‬
‫انقطاع في ثقافات بأكملها‪.2‬‬
‫هذا وقد باتت سبل العيش هي األخرى معرضة للخطر في األجليـن الـمتوسط والطويل؛ بفعل تزايد‬
‫حدوث الكوارث الضخمة (العواصف واألعاصير والزوابع والعواصف اإلستوائية‪ )...‬التي تسفر عن سلسلة‬
‫خطير‬
‫ا‬ ‫تأثير‬
‫ا‬ ‫من األخطار البيئية الثانوية (مثل اإلنـهيارات األرضية والفياضانات)‪ ،‬التي تحمل بدورها‬
‫ومتالحقا على جـميع جوانب الحياة‪ ،‬بما فيها الصحة العامة وتنوع الممارسات الثقافية‪ ،‬وبخاصة في حالة‬
‫األخطار الواسعة النطاق التي تبدأ ببطء‪ ،‬مثل أزمة الـمياه وتغيـر المناخ اللّ َذين بات يعترف بـهما كمصدر‬
‫مـحتمل للنزاع وعدم اإلستقرار اإلجتماعيين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪David R. Forest:« Climate change and the threat to cultural security», Northern Arizona University, United‬‬
‫‪States, 2011, p05.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪UNESCO World Report: « Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», Op Cit, pp 206-207.‬‬
‫‪127‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫على مستوى آخر‪ ،‬قد تؤدي العواقب البيئية لتغير المناخ‪ ،‬من بين أمور أخرى‪ ،‬إلى نزوح السكان‬
‫ضرر شديدة باإلستم اررية والتنوع الثقافيين؛ خاصة وأن‬
‫على نطاق واسع األمر الذي من شأنه إلـحاق أ ا‬
‫ثقافة أفراد الشعوب األصلية تظل مرتبطة بالـمكان إلى حد كبير للغاية‪ ،‬فمنازلهم تصنع من مواد طبيعية‬
‫متوافرة مـحليا‪ ،‬وينطبق الشيء نفسه على قدر كبير من ثقافاتهم المادية‪ ،‬كما ترتبط أيضا بالمكان‬
‫قصصهم وأساطيرهم والصور الموجودة في لغاتهم‪.‬‬
‫بناء على ذلك‪ ،‬يمكن أن يشكل النزوح الجبري أم ار مدم ار من الناحية الثقافية‪ ،‬إلى جانب طرحه‬
‫تحديات جديدة فيما يتعلق بالعيش معا‪ ،‬في ظل اإلختالط الجديد بين جماعات مختلفة من السكان‪.‬‬
‫بهذه الطرق‪ ،‬يمكن أن يؤثر تغير الـمناخ تأثي ار خطي ار على نقل وتداول التراث الثقافي بين‬
‫األجيال‪ ،‬السيما في المناطق الريفية في أوساط جماعات األقليات المعرضة أصال لضغوط نتيجة العولمة‬
‫اإلقتصادية‪ ،‬والزحف الحضري‪ ،‬وسنوات من التجاهل‪ ،‬أو حتى العداء من جانب أولئك الذين يتولون زمام‬
‫الحكم والسياسات الثقافية‪.1‬‬
‫في األخير يمكن القول أن للتنوع الثقافي دور هام ( وان كان ال يعطى حق قدره في أحيان كثيرة)‬
‫يجب أن يؤديه في معالـجة التحديات اإليكولوجية وفي كفالة اإلستدامة البيئية‪ ،‬وذلك فيما يتعلق بقضايا‬
‫تتراوح من تآكل التنوع البيولوجي إلى تغير المناخ‪ .‬وثمة إدراك متزايد الرتباط الـممارسات الثقافية ارتباطا‬
‫وثيقا بالسالمة البيئية‪ ،‬وذلك ألن تطور أي ثقافة ينشأ من التفاعل المستمر بين البيئة واحتياجات اإلنسان‪.‬‬
‫وتماما مثلما يمكن أن تتأثر الهوية الثقافية واإلستقرار المجتمعي تأث ار قويا باألحوال البيئية‪ ،‬فإن‬
‫العوامل الثقافية يمكن أن تؤثر في سلوكيات المستهلكين‪ ،‬وقيمهم الـمتعلقة باإلشراف البيئي‪ .‬وبـهذا‬
‫الـمعنى‪ ،‬تشكل الثقافة والتنوع الثقافي مـحركين أساسيين للتغير البيئي‪.2‬‬
‫هذا التصور عبرت عنه الشعوب األصلية في العديد من ملتقياتـها عبر أنـحاء العالم‪ ،‬حين أبدت‬
‫قلقها من إقصائها من المشاركة في السياسات الوطنية وفي إعداد البرامج والمشاريع الـمتعلقة بتغير‬
‫الـمناخ‪ ،‬وأبرزت انزعاجها من سريان المسلسل الدولي في إطار اإلتفاقية اإلطارية بشأن التغيرات‬
‫الـمناخية‪ ،‬بدون فتح الـمجال لمساهمتها في بلورة المشهد الدولي بشأن القضايا المطروحة للنقاش‪.‬‬
‫طبقا لهذا الـمقتضى من الالزم من وجهة نظر أخالقية‪ ،‬حماية أجيال الشعوب األصلية الحاضرة‬
‫والـمقبلة‪ ،‬واشراكها في كل السياسات المرتبطة بتغير الـمناخ‪ ،‬وكل المشاريع والبرامج والتدابير الـمتخذة‬
‫لحماية النظام المناخي من التغيير الناجم عن األنشطة البشرية‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪UNESCO World Report: « Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», Op Cit, pp 206-207.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p 206.‬‬
‫‪ « 3‬ورقة أولية بشأن مدى تقييد السياسات والمشاريع المتعلقة بتغير المناخ بالمعايير الواردة في إعالن األمم المتحدة بشأن حقوق‬
‫الشعوب األصلية وآلية الخبراء المعنية بحقوق الشعوب األصلية التابعة لمجلس حقوق اإلنسان»‪ ،‬المنتدى الدائم المعني بقضايا‬
‫الشعوب األصلية‪ ،‬المجلس اإلقتصادي واإلجتماعي‪ ،‬الدورة الثامنة‪ 29 ،‬فيفري ‪ ،0779‬ص ص ‪.71-70‬‬
‫‪128‬‬
‫واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬ ‫الـفـصل الثاني‬

‫والواقع أن احترام حقوق الشعوب عند وضع السياسات والبرامج والمشاريع المتعلقة بتغير المناخ‪،‬‬
‫هو جزء من احترام حقها في تقرير مصيرها‪ ،‬الذي بـمقتضاه تقرر هذه الشعوب بكل حرية وضعها‬
‫السياسي وتسعى بـحرية لتحقيق تنميتها اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪ ،‬ولقد أظهرت التقارير الواردة من‬
‫الشعوب األصلية في منتدى األمم الـمتحدة للشعوب األصلية‪ ،‬في دورة مـخصصة عنيت باألراضي‬
‫والـموارد‪ ،‬أن ما تعاني منه الشعوب األصلية يرجع بالدرجة األولى إلى حرمانها من أراضيها ومواردها‬
‫ومنافع بيئتها الطبيعية‪ ،‬كما تشير التقارير المتعلقة بتغير المناخ إلى أن استمرار حرمان الشعوب األصلية‬
‫من حقوقها في األراضي والموارد‪ ،‬هو ما يجعلها أكثر عرضة لسلبيات ومخاطر تغير المناخ‪.1‬‬
‫في ختام هذا الفصل‪ ،‬نخلص إلى أن واقع التنوع الثقافي له تأثير مباشر على األمن المجتمعي‪،‬‬
‫خاصة ما تعلق منه بوجود الحرمان من اإلنتفاع بفضائل العضوية الثقافية بالنسبة للفئات الثقافية المهمشة‬
‫والمستضعفة؛ من قبيل األقليات والسكان األصليين وجماعات المهاجرين‪...‬‬
‫هذا الحرمان والظلم الثقافي الناتج عن عدم اإلعتراف بأهمية موروثهم الثقافي‪ ،‬وشرعية مطالبهم‬
‫بحماية ثقافتهم من خطر الزوال والتالشي‪ ،‬وكذا حرمانهم من المحافظة على خصوصياتهم وتناقلها عبر‬
‫األجيال‪ ،‬في ظل ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية غير عادلة وغير منصفة؛ خاصة في ظل سيطرة‬
‫األكثرية الثقافية على مؤسسات الدولة ومحاولتها الرامية لبناء دولة أحادية األمة والثقافة‪ ،‬يؤدي في نهاية‬
‫المطاف إلى استحالة تحقق شروط األمن المجتمعي لألفراد والجماعات‪.‬‬
‫كما أن تحقق هذا األخير يتطلب من الدول اإلنتباه إلى التهديدات والمخاطر الناتجة عن تهديد‬
‫األزمات الثقافية؛ من شاكلة التنميط اإلثني والتوترات الدينية واإلثنية‪ ،‬وأيضا تهديد األزمات اإلقتصادية‬
‫واإلجتماعية والبيئية للتنوع الثقافي‪ ،‬ومعالجتها المعالجة المناسبة القائمة بطرائق منهجية ووقائية مع نظرة‬
‫مستقبلية لإلستقرار على المدى الطويل مما يقوي من مرونة األفراد والمجتمعات نحو ظروف الال أمن‪.‬‬

‫‪ 1‬ورقة أولية بشأن مدى تقييد السياسات والمشاريع المتعلقة بتغير المناخ بالمعايير الواردة في إعالن األمم المتحدة بشأن حقوق‬
‫الشعوب األصلية وآلية الخبراء المعنية بحقوق الشعوب األصلية التابعة لمجلس حقوق اإلنسان»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬

‫‪129‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫إن التضاريس المعيارية الدولية المتغيرة التي أعرب عنها في عدد كبير من الصكوك الدولية‬
‫المعتمدة‪ ،‬خالل فترة ما بعد الحرب الباردة والتي تتضمن اإلعتراف والتعبير عن حقوق األقليات بما في‬
‫ذلك الشعوب األصلية‪ ،‬هذه القواعد تملي على الدول أن تتبنى عملية بناء الدولة المتعددة الثقافات‪ 1‬التي‬
‫تنطوي على الترتيبات والسياسات المؤسسية التي توفر مساحة كافية للتعبير العام‪ ،‬وتأكيد المساواة في‬
‫المكانة الثقافية بين مختلف الجماعات‪ ،2‬كما تدافع عن التعددية الثقافية والحقوق الجماعية بالسماح لكل‬
‫مجموعة فرعية وطنية بحماية هويتها باعتبارها جماعة متميزة‪.3‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن القضايا ذات الصلة بفهم وادارة التنوع الثقافي يجب أن تكون في الجزء العلوي من‬
‫جدول األعمال السياسي‪ ،‬والموضوع الرئيسي للخطاب العام والرؤية السياسية داخل الدول؛ حيث إدارة‬
‫التنوع الثقافي‪ ،‬قضايا اإلندماج والتكامل لم تعد فقط كلمات سياسية‪ ،‬بل كذلك سياسات رسمية في بعض‬
‫البلدان‪ ،‬مثل كندا‪ ،‬أستراليا‪ ،‬المملكة المتحدة‪ ،‬واإلتحاد األوروبي‪.‬‬
‫من هنا سنعالج من خالل هذا الفصل الطرق التي يمكن من خاللها للدولة أن تصمم أو تعيد‬
‫تصميم استجابات تتماشى مع مقتضيات اإلنتماء الهوياتي من جهة واألمن المجتمعي جهة أخرى‪ .‬هذا‬
‫األخير ال يتحقق إال في ظل نظام ديمقراطي تعددي منفتح وحديث‪ ،‬الذي باستطاعته إنشاء الظروف‬
‫الهيكلية العادلة التي من شأنها تعزيز وتنمية القدرات المختلفة لألفراد والجماعات‪ ،‬دون تمييز أو إقصاء‬
‫بناء على أسس وخلفيات ثقافية‪ ،‬وذلك من خالل نظام دائم للسياسات والبرامج والحقوق‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬سنقوم بتقسيم هذا الفصل إلى مبحثي أساسيين‪ :‬نتناول من خالل المبحث األول البناء‬
‫الديمقراطي التعددي المحقق لشروط األمن المجتمعي‪ ،‬أما المبحث الثاني فنخصصه لدراسة السياسات‬
‫التجاوبية التي يمكن أن تتبناها الدولة المتعددة الثقافات كاستجابة للحاجة إلى التمكين واإلنتفاع من الحق‬
‫في التنوع الثقافي‪ ،‬بغية تكريس األمن المجتمعي فعليا على أرض الواقع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪S . James Anaya : «International human rights and indigenous people : The more toward the‬‬
‫‪multicultural state» , Arizona journal of international and comparative law, Vol 21, No.01, 2004, pp 14-15.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Albin Rabushka: Kenneth A. Shepsle: «Politics in plural societies a theory of democratic instability»,‬‬
‫‪Charles E. Merril publishing company, United states of America, 2008, p 23.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Christian joppke: Steven lukes:« multicultural questions», oxford university press, 1999, p 26.‬‬

‫‪131‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المبحث األول‪ :‬تكريس البناء الديمقراطي التعددي المحقق لشروط‬


‫األمن المجتمعي‬
‫في عالم من عدم المساواة النظامية والمؤسسية وأنماط الهيمنة واإلستيعاب التاريخي‪ ،‬تبرز الحاجة‬
‫إلى إحداث تغيير في مجموع المعايير‪ ،‬التي تتخذها السياسة كقاعدة عامة للتعاطي مع التنوع الثقافي‬
‫داخل الدول‪.‬‬
‫هذا التغيير يبدأ من نفي مقولة "الحياد الثقافي" الذي ظل أسطورة جميع البلدان التي لديها تنوع‬
‫ثقافي مجتمعي‪ ،‬والتي تجعل األقليات الثقافية في وضع عدم المساواة في الحقوق‪ ،‬اإلنتماء‪ ،‬والمشاركة في‬
‫المجال العام مقارنة مع األغلبية‪ .‬وصوال إلى تبني التعددية الثقافية التي تتطلب من الدول وضع سياسات‬
‫وقوانين تسمح بإشراك األقليات في المجتمعات المتنوعة على جميع األصعدة‪ ،‬السياسية‪ ،‬اإلجتماعية‪،‬‬
‫اإلقت صادية والثقافية‪ ،‬وأيضا اتخاذ إجراءات فعالة للتمكين الحقيقي من حفظ ثقافات ولغات األقليات ضد‬
‫ممارسات وقوانين األغلبية‪ ،‬على اعتبار أن حماية "العضوية الثقافية" هي جزء ال يتج أز من الحرية‬
‫الفردية واحترام الذات‪ ،‬وهي األساس الفعلي لتحقيق األمن المجتمعي وبلو التجانس اإلجتماعي بين جميع‬
‫مكونات الدولة‪.‬‬
‫هاته األهمية التي يجب أن تمنح لإلنتماء والعضوية الثقافيتين‪ ،‬قد أشار إليها عدد من الباحثين‬
‫ضمنيا عندما تحدثوا عن وقوع تحول في المبدأ الرئيسي المنظم للعضوية في أنظمة الحكم المعاصرة‪،‬‬
‫والمتمثل في اإلنتقال من "منطق المواطن" إلى "منطق الشخص"‪.1‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه هنا‪ ،‬هو‪ :‬ما هي األسس التي يجب توافرها‪ ،‬من أجل بناء ديمقراطيات متعددة‬
‫الثقافات‪ ،‬تسلم بأهمية التنوع واإلنتماء الثقافيين‪ ،‬وتحقق شروط األمن المجتمعي؟‬
‫سنحاول معالجة التساؤل المطروح من خالل تقسيم هذا المبحث إلى أربع مطالب أساسية‪ :‬المطلب األول؛‬
‫الذي يعنى بالجانب المعياري لهذا البناء؛ والمطلب الثاني؛ فنتناول فيه توافر الجوانب الثقافية والفكرية‬
‫لتكريس المواطنية الغير إقصائية؛ أما المطلب الثالث؛ فنخصصه لتوافير شروط اإلندماج الديمقراطي‬
‫العادل للجماعات الثقافية داخل الدولة‪ ،‬أما المطلب األخير؛ فنخصصه للدور الذي يمكن أن تلعبه‬
‫اآلليات الدولية في الدفع نحو تكريس أسس البناء الديمقراطي التعددي داخل الدول المتنوعة ثقافيا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ireve bloemraad :Anna korteweg gokce yurdakul : «Citizenship and immigration; Multiculturalism,‬‬
‫‪Assimilation and challenges to the nation-state», The annual review of sociology, April 03, 2008, p 160, p 165.‬‬
‫‪132‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المطلب األول‪ :‬تأمين اإلطار المعياري لتضمين وتجسيد الحق في التنوع الثقافي‬
‫إن الركيزة األساسية التي ال يمكن أن يشيد في غيابها الحكم الديمقراطي متعدد الثقافات‪ ،‬هي‬
‫وجود أرضية قانونية معيارية داخل الدول المتنوعة الهويات‪ ،‬تكون قادرة على التوفيق بين ضرورة الوحدة‬
‫والتجانس الوطني وواقع التنوع الثقافي‪ ،‬والتحديد األمثل لوضع األقليات ودور التنوع في الدولة والمجتمع‪.‬‬
‫كما يكون ه دفها التحقيق الفعلي لفكرة المجتمع الديمقراطي التعددي‪ ،‬الذي يتمتع فيه كافة الناس بحقوقهم‬
‫الفردية والجماعية في ظل ظروف وشروط انتفاع متساوية‪ ،‬بما يضمن احترام "كرامة اإلنتماء الثقافي"‪.‬‬
‫لكن الخطوة األولى في تحقيق ذلك‪ ،‬تبدأ من التمكن من وضع دستور ديمقراطي توافقي يشمل‬
‫كافة األطياف المكونة للدولة؛ طالما أن تحقيق ذلك يحمل داللة وأهمية كبيرة في تعزيز الوحدة أو‬
‫الخالف؛ فالتحصين الدستوري للحقوق والنصوص المتعلقة بها تحظى بأهمية خاصة لدى الناس‪ ،‬كونها‬
‫تمس مباشرة شعورهم باألمن واإلنتماء والحماية والرضى‪ ،‬أو شعورهم بالقهر والظلم والال أمن‪ ،‬ما يجعل‬
‫النصوص الخاصة بحقوق األقليات على وجه التحديد تشكل مصد ار للفخر والوحدة الوطنية‪ ،‬أو مصد ار‬
‫للشقاق والخالف داخل الدولة‪.1‬‬
‫لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو‪ :‬هل التوزيع المتجانس للحقوق (تعيين نفس الحقوق لجميع‬
‫المواطنين) هو كاف لضمان األشكال المشروعة للتنوع الثقافي في مجتمع ديمقراطي؟‬

‫الفرع األول‪ :‬اإلعتراف الدستوري التوافقي بالحق في التنوع الثقافي واألهمية المتساوية للثقافات‬
‫تعد الهوية واحدة من القضايا المعقدة بالنسبة للصياغة الدستورية؛ خاصة وأن الدستور‬
‫الديمقراطي يتطلب أن يجد فيه الناس أنفسهم ممثلين كأفراد وجماعات وشعوب‪ ،‬وأن يشعروا من خالل‬
‫المواد التي أمامهم أنهم يتمتعون بالمساواة‪ ،‬وال يخضعون لإلقصاء والتمييز بسبب العرق أو اللغة أو الدين‬
‫أو أي سبب آخر‪ ،‬في نفس الوقت الذي يتم فيه الحفاظ على الوحدة الوطنية‪.2‬‬
‫والواقع أن وضع الدساتير لم يعد حقا مطلقا للحكام‪ ،‬أو عمال تختص به البرلمانات‪ ،‬أو فقهاء‬
‫القانون الدستوري‪ ،‬أو الدولة‪ ،‬بل أصبحت مشاركة القوى المجتمعية المختلفة في وضع الدستور‪ ،‬واقعا‬
‫حتمه التوسع في مفهوم ومضمون الحقوق الديمقراطية للشعب‪ ،‬وحقا دوليا أقره القانون الدولي‪ ،‬وحقا‬
‫أخالقيا على كل من المواطنين والمسؤولين في الدولة‪.‬‬
‫لكن هذا ما صعب أيضا من صياغة الدساتير المعاصرة وجعلها وثائق جد معقدة‪ ،‬إذ غالبا ما‬
‫تكون نتيجة عمليات تشاركية‪ ،‬تضم مجتمعات عرقية واثنية وجماعات دينية وسكان أصليين إلى غير ذلك‬

‫‪1‬‬
‫جورج أندرسون‪ :‬ترجمة‪ ،‬مها تكال‪« :‬مقدمة عن الفدرالية»‪ ،‬كندا‪ :‬منتدى األنظمة الفدرالية‪ ،7002 ،‬ص ص ‪.00-00‬‬
‫‪ 2‬حسن بلقاسم‪« :‬المعايير الدولية للدستور الديمقراطي»‪ ،‬ورقة مقدمة بالمؤتمر الوطني لجمعية هيئات المحامين ‪ 72-72-72‬ماي‬
‫‪ ،7022‬أغادير‪-‬الرباط‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫من طوائف المجتمع‪ .‬وهذه العمليات تنطوي على مجموعة كبيرة من القضايا المتعلقة بالسياسات‪ ،‬لذا فمن‬
‫المحتمل أن تثار قضايا خالفية بشأنها ما قد يؤدي عدم حلها إلى تعثر عملية وضع الدستور‪.‬‬
‫وهنا عادة ما تكون القضايا الخالفية مصد ار للتوتر‪ ،‬أو حتى الصراع بين الناس واألطراف‬
‫المتفاوضة‪ ،‬خاصة القضايا الشائكة التي تنطوي على خالفات حول وضع األقليات ودور التنوع في الدولة‬
‫والمجتمع‪.‬‬
‫فمثال كانت القضية الخالفية الهامة في إسبانيا عند وضع الدستور بعد حكم فرانكو‪ ،‬تتعلق بشكل الدولة؛‬
‫هل تكون دولة مركزية تحكم شعبا واحدا‪ ،‬أو دولة ذات أقاليم مستقلة على أساس التنوع العرقي‪ ،‬وقد‬
‫واجهت عملية وض ع الدستور في العديد من الدول قضايا خالفية مشابهة‪ ،‬مثل بوليفيا‪ ،‬فيجي‪ ،‬العراق‪،‬‬
‫نيبال‪ ،‬بابوا غينيا الجديدة‪...1‬‬
‫لكن يمكن حل بعض القضايا الخالفية باإلعتراف الرسمي أو الضمني بها‪ ،‬فالجماعات التي‬
‫عانت من التهميش والقمع غالبا ما تحتاج إلى اإلعتراف بما عانته في الماضي‪ ،‬وبوضعها في ظل النظام‬
‫السياسي الجديد‪ .‬وقد يحتاج األمر إلى إجراء مفاوضات بارعة تراعى فيها حساسية القضايا المطروحة‬
‫حتى يمكن الوصول إلى حل متوازن‪.‬‬
‫في حين يمكن حل قضايا هامة أخرى من خالل اإلستفتاء‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬تم حل إحدى‬
‫القضايا الخالفية الصعبة الخاصة بمقاطعة بيرن في سويسرا‪ ،‬بشأن السماح للسكان الناطقين باللغة‬
‫الفرنسية بأن يكون لهم مقاطعة خاصة بهم من خالل سلسلة من اإلستفتاءات‪ ،‬مما أسفر عن إنشاء‬
‫مقاطعة لهؤالء السكان باسم مقاطعة ‪ . Jura‬كما وافقت المحكمة العليا الكندية بإجراء استفتاء كوسيلة‬
‫للبت في قضية انفصال مقاطعة كيبك عن كندا‪.2‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬نشير إلى أن العديد من المتخصصين في القانون الدستوري يشددون على أهمية‬
‫الحوار في عملية اإلعتراف الدستوري‪ ،‬معتبرين أن من الخصائص الرئيسية الدستورية الجديدة هي زيادة‬
‫اإلعتراف واحترام التنوع‪ ،‬والطلب المتزايد على المشورة الشعبية والمساءلة‪.3‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬يشير البروفيسور ياش جاي عن أن إعداد الدساتير المعاصرة وكتابتها تختلف‬
‫عن عملية كتابة الدساتير في الماضي‪ ،‬ذلك أن أهداف الدساتير التي تكتب اليوم أوسع بكثير من‬
‫مثيالتها في السابق‪ ،‬حيث أصبحت الدساتير المعاصرة تغطي مواضيع أوسع وأكبر بكثير من الدساتير‬

‫‪ 1‬ياسمين فاروق أبو العينين‪ :‬نادية عبد العظيم‪« :‬المشاركة وبناء التوافق المجتمعي في عملية وضع الدستور‪ ،‬دروس مستفادة من‬
‫التجارب الدولية»‪ ،‬مصر‪ :‬مركز العقد اإلجتماعي‪ ،7022 ،‬ص ‪ ،02‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ ،23‬ص ‪.32‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Colleen sheppared: «Constitutional regognition of diversity in Canada», Vermont law review, Vol.30, No‬‬
‫‪463, 2006, p 486.‬‬

‫‪134‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫السابقة‪ .‬إذ بات مطلوبا منها أن‪:‬‬


‫‪ -‬تضع حدا لبعض الصراعات الداخلية‪.‬‬
‫‪ -‬تقضي على التمييز بين الفئات المختلفة داخل المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬تزيد من شعور التالحم والتضامن بين شعب البلد الواحد بحيث تخلق معنى جديد‬
‫للمواطنة التي ال تهمش أي دين‪ ،‬أو عرق‪ ،‬أو أي جماعة على أي أساس كان‪،‬‬
‫فدساتير اليوم تهدف إلى خلق إحساس جماعي ومشترك بالهوية‪.‬‬
‫‪ -‬إضافة بعد إنساني للدولة‪ ،‬وجعلها أكثر عرضة للمساءلة وتحمل المسؤولية أمام‬
‫الشعب‪.1‬‬
‫مما سبق ذكره‪ ،‬بات يتوجب على الدول بذل جهود حثيثة من أجل ميالد موجة جديدة من‬
‫الدساتير‪ ،‬بناء على ممارسة الشعوب لحقها في تقرير مصيرها‪ ،‬من خالل مطالبتها الملحة بممارسة‬
‫السلطة التأسيسية‪ ،‬ووضع دساتير صالحة لأللفية الثالثة تتماشى مع المعايير الدولية للدستور الديمقراطي‪،‬‬
‫والتي نستقرؤها من مجمل اإلعالنات والمواثيق الدولية المعنية بحقوق اإلنسان‪.2‬‬
‫هذا التوجه يفرضه الواقع الذي بتنا نعيشه حاضرا‪ ،‬والذي يبدو فيه أن مجموعات اليوم والى جانب‬
‫صبرها بغضب على ما يعتبرونه مظاهر بقيت عالقة من الهرمية القديمة‪ ،‬باتت تمتلك شعو ار قويا بضرورة‬
‫استحقاق المساواة‪ ،‬ليس بوصفها صدقة أو معروفا من قبل الساسة أو الحكام‪ ،‬وانما بوصفها حقا أساسيا‬
‫من حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫هذا األمر لم يكن موجودا في فترات سابقة مثلما تبرزه السجالت التاريخية‪ ،‬التي تبين أن األقليات‬
‫في الماضي عادة ما كانت تبرر مطالبها في الحصول على امتيازات‪ ،‬بالخدمات والوالءات التي قدمتها‬
‫في الماضي‪ ،‬مستهدفة بذلك استجداء عطف الحكام وكرمهم‪ ،‬بدال من تأسيس مطالبها على حقوق‬
‫اإلنسان‪.3‬‬
‫من هنا تأتي محاوالت المهمشين ثقافيا استغالل هذا التغير الحاصل والمتمثل في "وعي الناس‬
‫بالحقوق"‪ ،‬من أجل المطالبة بقلب األوضاع التي طالما عانت منها األقليات‪ ،‬والمتمثلة في الخضوع‬
‫لإلستيعاب أو اإلستبعاد اللذان طالما انعكسا في مجموعة واسعة من السياسات والمؤسسات؛ بدءا من‬
‫مدارس ورموز الدولة؛ وصوال إلى السياسات المتعلقة باللغة؛ والهجرة؛ اإلعالم؛ المواطنة؛ تقسيم السلطات؛‬
‫طبيعة النظم اإلنتخابية‪.4‬‬

‫‪ 1‬ياسمين فاروق أبو العينين‪ :‬نادية عبد العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،23‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 2‬حسن بلقاسم‪« :‬المعايير الدولية للدستور الديمقراطي»‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Stephen Tierney:« Accommodating cultural diversity», England: Ashgate publishing limited, 2007, pp 25-26.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid, p 26.‬‬

‫‪135‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وبالتالي‪ ،‬فإن الخطوة األولى للتغيير يجب أن تنطلق من الدستور نفسه‪ ،‬من أجل تحقيق الحماية‬
‫الدستورية لمبدأ "تساوي جميع الثقافات في الكرامة وفي الجدارة باإلحترام"‪.‬‬
‫وهنا يفترض بالدساتير الديمقراطية أن تبرز في مقدمتها وبشكل واضح ما يفيد تكريسها لهذا‬
‫المبدأ‪ ،‬كما يجب أن تتضمن في فصول واضحة وليس في الديباجة فقط الحماية الواضحة والصريحة‬
‫للحقوق والحريات الثقافية‪ ،‬وخصوصا منها اإللتزام بالقيم العليا المشتركة التي تجعل هدفا لها التحقيق‬
‫الفعلي لمجتمع ديمقراطي تعددي‪ ،‬يتمتع فيه كافة الناس بحقوقهم الفردية والجماعية في ظل شروط انتفاع‬
‫متساوية‪ ،‬بما يضمن احترام كرامة اإلنسان وكرامة الشعوب‪ ،‬ويحقق الوحدة في التنوع‪.1‬‬
‫ومن بين الدساتير التي نجحت في مزاوجة الوحدة والتنوع‪ ،‬نجد الدستور الفدرالي السويسري الذي‬
‫يعترف ب ـ ‪ 03‬لغات وطنية (المادة ‪ ،)03‬إلى جانب دستور إسبانيا الذي خصص المادة ‪ 02‬للغة الرسمية‬
‫وباقي اللغات الرسمية تبعا لوضعية الحكم الذاتي‪ ،‬ودستور بلجيكا الذي ينص في المادة ‪ 03‬منه على‬
‫مصطلح الجهات أو األقاليم اللغوية وقد حددها بـ أربع جهات‪.‬‬
‫أما دستور جنوب إفريقيا فقد نص على ‪ 22‬لغة رسمية في المادة ‪ 02‬منه‪ ،‬والتي جاء فيها أيضا إلزام‬
‫الدولة باتخاذ إجراءات عملية وايجابية للرفع من وضعية اللغات التي عانت من الضعف التاريخي‪،‬‬
‫وتطوير استعمالها أيضا‪ ،‬كما منحت الخيار للحكومة الوطنية والحكومات المركزية على استعمال أية لغة‬
‫أصلية‪ ،‬لكن بشرط أن تأخذ بعين اإلعتبار اإلتساع‪ ،‬اإلستعمال‪ ،‬والظروف الجهوية والتوازن بين‬
‫الحاجيات واألفضليات الخاصة بالسكان عامة أو في اإلقليم المعني‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬يلزم الدستور الحكومة الوطنية والحكومات المحلية أن تطور استعمال اللغات الرسمية‬
‫بواسطة التشريع‪ ،‬أو بإجراءات أخرى‪ ،‬مع شرط تمتعها بالمساواة في التقدير ومعاملتها بإنصاف‪.2‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تعديل األطر القانونية المحلية في اتجاه حماية الحق في التنوع الثقافي‬
‫إن تطوير نظام قانوني مالئم وبناء‪ ،‬الحتواء مطالب األقليات اإلثنية والدينية والعرقية والثقافية‬
‫واللغوية في األنظمة الوطنية والدولية‪ ،‬هو أمر ال غنى عنه اليوم‪ ،‬في ظل ما نشهده من تزايد شديد‬
‫للتوتر بين األغلبية ومجموعات األقلية في جميع أنحاء العالم‪ ،‬والناتج أساسا عن استبعاد مجموعات‬
‫األقلية بحكم القانون والواقع على حد السواء‪ ،‬من مراكز القوى وعمليات اتخاذ الق اررات الهامة التي تحدد‬
‫بشكل مباشر مصائرهم‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Sasa Zagorc: «The constitutional framework for regulation of the position of the Roma community in the‬‬
‫‪republique of Slovenia», Journal of ethnic studies, Slovinian research Agency, 2007, pp 257-259.‬‬
‫‪ 2‬حسن بلقاسم‪« :‬المعايير الدولية للدستور الديمقراطي»‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Yousef T. Jabareen :« Toword participatory equality : Protecting minority rights under international‬‬
‫‪law», ISR. L. REV, Vol. 41, No. 03, p 636, p 636-637.‬‬

‫‪136‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫لكن‪ ،‬تتطلب عملية الصياغة التشريعية الناجحة‪ ،‬تسهيل المناقشة العامة القادرة على التغلب على‬
‫فوارق السلطة بين جماعات األغلبية واألقلية‪ ،‬خاصة وأن الحالة اإلجتماعية والسياسية والمعيارية في‬
‫العديد من الدول المتنوعة ثقافيا‪ ،‬تديم ثغرات السلطة بين األغلبية واألقلية‪.‬‬
‫وعدم تحييد هذه الثغرات في مراحل صياغة النظام القانوني يعني إلغاء األساس ألية محاولة للتوصل إلى‬
‫توافق حقيقي يعكس كل من مواقف األغلبية واألقلية‪ ،‬ما سيجعل من وضع إطار قانوني منشأ في إطار‬
‫عدم التوازن بين األغلبية واألكثرية*‪ ،‬هو في أحسن األحوال إطا ار قانونيا شبه ديمقراطي‪ ،‬ومفتقر لموافقة‬
‫نسبة كبيرة من مواطني الدولة‪.‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬توصل الخطاب الدولي المعاصر في ضوء هذه الحقائق والتطلعات‪ ،‬إلى توافق‬
‫في اآلراء بأن األقليات تستلزم حماية قانونية خاصة تجنبها اإلضطهاد والقهر واإلستبعاد‪ ،‬فضال عن‬
‫إجراءات إيجابية خاصة تسمح لها كأفراد ومجموعات بمقاومة ضغوط إذابة هويتهم الفريدة‪ ،‬وتحقيق أكبر‬
‫قدر من المساواة التشاركية‪ ،1‬بما يحقق لها نفس فرص العيش مع أعضاء األغلبية‪.2‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن تحقيق شروط األمن المجتمعي يتطلب من النظام القانوني أن يولي عناية خاصة‬
‫لحماية جماعات األقليات المتميزة‪ ،‬التي هي في أشد الحاجة إلى تأمين وضعها القانوني‪ ،‬وافراد حماية‬
‫خاصة لها حتى يتمكن أعضاؤها من التمتع بنفس الحقوق التي تحظى بها األغلبية‪.3‬‬
‫وهنا يجب التأكيد على أن الضغوط الثقافية من قبل الغالبية والموجهة نحو األقلية تحدث بشكل‬
‫طبيعي في أي مجتمع‪ ،4‬وقد ال تمتلك الدولة سلطة تحييد هذه الضغوط تماما‪ ،‬لكنها يمكن أن تعتمد على‬
‫القانون لتحقيق الحماية المعيارية األمثل لألقلية‪ ،‬والحد بشكل كبير من الضغوط التي تمارس عليها‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬وما لم يتم تطهير القانون من جميع أشكال التحيز لصالح األغلبية‪ ،‬فلن تكون هناك فرصة‬
‫لتحقيق قدر كبير من المساواة بين المجموعتين في أي مجتمع‪.5‬‬
‫والواقع أن اثنين من أكثر التجارب الناجحة والمتقدمة في اعتراف الدول الرسمي بالحقوق‬
‫الجماعية‪ ،‬يمكن العثور عليها في تطوير الحق في الحكم الذاتي‪ ،‬والحق في األرض والموارد الطبيعية في‬

‫*إن مفهومي األكثرية واألقلية ال ينطويان فعليا على أية قيمة عددية‪ ،‬بل إنـهما يشيران إلى ذلك التفاوت الكبير في حيازة السلطة‬
‫السياسية والـمكانة ما بين جماعتين أو أكثر داخل دولة ما‪.‬‬
‫انظر‪ :‬دوني كوش‪ :‬ترجمة‪ ،‬قاسم المقداد‪« :‬مفهوم الثقافة في العلوم اإلجتماعية»‪ ،‬دمشق‪ :‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪،7007 ،‬‬
‫ص ص ‪.202-200‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Yousef T. Jabareen, Op Cit, p 644.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Intergovernmental Conference on cultural politices for development: «Action plan on cultural policies for‬‬
‫‪development», Sweden: Stockholm, 02 April 1998, P 04.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Yousef T. Jabareen, Op Cit, pp 637-643.‬‬
‫‪ 4‬موريس فالمان‪ :‬ترجمة‪ ،‬تمام الساحلي‪« :‬الليبرالية المعاصرة»‪ ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪ ،7007‬ص ‪.27‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Yousef T. Jabareen, Op Cit, pp 637-643.‬‬

‫‪137‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫بلدان أمريكا الالتينية‪ .‬فوفقا للكتابات الموجودة‪ ،‬يشكل الحق في تقرير المصير أحد أهم مطلب للشعوب‬
‫األصلية؛ كونه يمثل مبدءا مؤسِّسا للحقوق الجماعية التي تؤدي إلى إعمال الحقوق األخرى‪.‬‬
‫‪ )Rodolfo‬وهو خبير مكسيكي بقضايا‬ ‫(‪Stavenhagen‬‬ ‫في هذا اإلطار‪ ،‬يشير رودولفو ستافنهاغن‬
‫الشعوب األصلية‪ ،‬والمقرر الخاص األسبق لألمم المتحدة إلى أن " تحول الدول خالل الفترة اإلنتقالية‬
‫لعملية الديمقراطية في أمريكا الالتينية‪ ،‬قد ألهمت الشعوب األصلية المشاركة في هياكل صنع القرار داخل‬
‫الدولة على المستوى المحلي‪ ،‬واعطائهم فرصة إلجراء تغييرات على المؤسسات الحكومية اإلقليمية‪ ،‬وخلق‬
‫فرص جديدة بين المجتمعات األصلية للوصول إلى الرقابة واستخدام الموارد من أجل التنمية"‪.‬‬
‫ومن وجهة النظر القانونية تناولت كولومبيا والمكسيك ونيكاراغوا مسائل الحكم الذاتي للسكان األصليين‪،‬‬
‫بما في ذلك الحق في الحكم الذاتي في دساتيرها‪ ،‬هذا األخير الذي يرتبط بالحق في األرض كأداة للتمكين‬
‫والتنمية‪ ،‬كما يعترف بأن أحد الجوانب الرئيسية للحكم الذاتي هو اإلعتراف بنظم العدالة المحلية وآليات‬
‫تسوية المنازعات‪.‬‬
‫كما قامت دول أمريكا الالتينية ومنذ أوائل ‪ 2220‬بدمج حقوق محددة لمجتمعات السكان األصليين في‬
‫تشريعاتها‪ ،‬والتي مهدت الطريق إلعتراف قانوني أكبر بأنظمة عدالة السكان األصليين‪ .‬وعادة ما ينطوي‬
‫الحق في الوالية األصلية على ما يلي‪:1‬‬
‫‪ -‬الحق الجماعي للسكان األصليين في خلق وتطبيق القواعد واللوائح الخاصة بهم‪.‬‬
‫‪ -‬اعتراف الدولة بالنظم المعيارية الداخلية‪.‬‬
‫‪ -‬امتالك السلطات المحلية لقوة حل الصراعات الداخلية‪.‬‬
‫‪ -‬احترام الدولة لق اررات السكان األصليين‪.‬‬
‫في سياق آخر‪ ،‬ال توجد في العديد من الدول صكوك ملزمة تحمي حقوق السكان األصليين في‬
‫إنفاذ الحق في ملكية األرض وفي حل النزاعات المرتبطة بها‪ ،‬وقد قضت بهذا الخصوص محكمة البلدان‬
‫األمريكية ق اررات رئيسية فيما يتعلق بتطوير نطاق ومضمون هذه الحقوق‪ ،‬في ضوء اتفاقية منظمة العمل‬
‫الدولية ‪ ،222‬واستنادا إلى اإللتزامات العامة باحترام وضمان الممارسة الحرة والكاملة للحقوق المعترف‬
‫بها في اإلتفاقية األمريكية لحقوق اإلنسان‪ ،‬قضت بأنه يتعين على الدول اعتماد تدابير وقائية خاصة‬
‫لضمان حقوق الشعوب األصلية‪ ،‬مستبعدة تحقق ذلك دون اعتماد إصالحات األطر القانونية الداخلية‬
‫للدول‪.2‬‬
‫في األخير‪ ،‬يمكن القول أن القوانين الوطنية يجب أن تتوافق مع اإللتزامات الدولية لحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬ويجب أن تكون غير تمييزية إال للضرورة القصوى فقط‪ ،‬ولغرض ضمان اإلعتراف الواجب‬
‫واحترام حقوق وحريات اآلخرين‪ ،‬وتحقيق المقتضيات العادلة واألشد ضرورة لمجتمع ديمقراطي‪ ،‬خاصة‬

‫‪1‬‬
‫‪«Promoting idegenous and ehtnic minority rights in latin America», ELLA evidence and lessons from latin‬‬
‫‪America, pp 05-08.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p 08.‬‬
‫‪138‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وأنه لم يعد ينظر إلى القانون من خالل عدسة حقوق اإلنسان في مطلع القرن الواحد والعشرين باعتباره‬
‫حاميا للوضع الراهن‪ ،‬وانما كوسيلة لتمكين الضعفاء والمحرومين من الحد من اإلنتهاكات التي تطالهم‪،‬‬
‫وكوسيلة لتوفير الوصول إلى ضروريات الحياة‪.1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اإلعتراف بالحقوق الجماعية كشرط للتكريس القانوني الفعلي للحق في التنوع الثقافي‬
‫بصرف النظر عن الوضع الوجودي للهويات الثقافية‪ ،‬يـمكن التمييز بين ثالث أشكال من الـحقوق‬
‫الـجماعية التي يجب تضمينها في األطر والنظم القانونية الدولية والمحلية‪ ،‬من أجل التكريس القانوني‬
‫الحقيقي للحق في التنوع الثقافي بالنسبة ألفراد وجماعات األقليات‪ ،‬وهي‪ :‬حقوق اإلستقالل الذاتي‪ ،‬حقوق‬
‫التعددية اإلثنية‪ ،‬حقوق التمثيل السياسي الـخاص‪ ،‬والتي تعتبر جميعها حقوق مشروعة من حيث أنها‬
‫تعالج حالة عدم المساواة في توزيع "فضائل العضوية الثقافية" التي يجب أن تكون محمية ألعضاء‬
‫األغلبية واألقلية على حد السواء‪.2‬‬
‫والـهدف من هذه الحقوق هو حـماية جـماعات األقليات من القوى اإلقتصادية واإلجتماعية‬
‫والسياسية للمجتمع األوسع‪ ،‬على افتراض أن أي إطار سياسي يحمل – صراحة أو ضمنا‪ -‬هوية ثقافية‬
‫وجماعية مميزة‪.‬‬
‫وأهمية اإلعتراف بالحقوق الثقافية الجماعية وتجسيدها على أرض الواقع‪ ،‬هو نابع أساسا من‬
‫أهمية تحقيق العدالة الثقافية داخل الدول والمجتمعات المتنوعة ثقافيا‪ ،‬والتي ال يمكن أن يتحقق إال في‬
‫ظلها " التكامل مابين إنصاف شتى الجماعات اإلثنية الثقافية عن طريق حقوق األقلية‪ ،‬وحماية الحقوق‬
‫الفردية‪ ،‬ضمن المجتمع السياسي لكل من األكثرية واألقلية عن طريق حقوق اإلنسان التقليدية"‪.‬‬
‫اتساقا مع ذلك‪ ،‬تغدو العدالة* هي المعنية بمعالجة مشاكل اإلنسجام اإلجتماعي الناجمة عن‬
‫توتر العالقات اإلجتماعية‪ ،‬وتباين انتماءات األفراد الثقافية‪ ،‬وتناقض مصالحهم واهتماماتهم‪ .‬فنظ ار إلى‬
‫أن هذه المشاكل طبيعية في األصل‪ ،‬وتشكل عنص ار راسخا في الحياة اإلجتماعية في الدول المتنوعة‬
‫ثقافيا‪ ،‬فإن دور العدالة فيها يتجسد في تقليص آثار هذه المشاكل‪ ،‬ومنعها من التفاقم‪ ،‬حتى ال تهدد وجود‬
‫المجتمع بأسره‪ ،‬ويتم ذلك استنادا إلى احترام الفرد‪ ،‬من حيث كونه غاية ال وسيلة‪ ،‬ومن ثم اإلعتراف‬

‫‪1‬‬
‫‪Siegfried wissner: «The cultural rights of indigenous peoples: Achievements and continuing challenges»,‬‬
‫‪The European journal of international law, Vol.22, No 01, 2011, pp 124-126.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Leighton McDonald : «Regrouping in defense of minority rights: Kymlika's multicultural citizenship»,‬‬
‫‪Osgood hall law journal, Vol 34, No.02, Australia, 1997, P 304.‬‬
‫*تعرف بأنها إسم لفئة معينة من القواعد األخالقية التي تتعلق بجوهر السعادة اإلنسانية‪ ،‬وهي أساسية أكثر تقريبا من أية قواعد أخرى‬
‫مرشدة في الحياة‪ ،‬وهي من ثم ذات طابع إلزامي مطلق أكثر من أية قواعد أخرى‪.‬‬
‫انظر ‪:‬جون ستيوارت مل‪ :‬ترجمة‪ ،‬إمام عبد الفتاح إمام وميشيل متياس‪« :‬أسس الليبرالية السياسية»‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولي‪،‬‬
‫‪ ،2222‬ص ‪.22‬‬
‫‪139‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫بحقوقه الفردية والجماعية معا‪ ،1‬هاته األخيرة تؤكد على قيمة وحيوية ثقافات األقليات والسكان األصليين‬
‫بالنسبة لوجودهم واستقرارهم‪.2‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن الحد من حقوق اإلنسان اإليجابية لتقتصر فقط على الحريات واإلستحقاقات الفردية‬
‫فقط‪ ،‬هي متناقضة مع الطبيعة البشرية المقيمة تجريبيا‪ ،‬وذلك يتعارض مع الهدف المتأصل في أي نظام‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬المتمثل في تعزيز التنمية الكاملة إلمكانات الكائن البشري‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالمراسي الفلسفية لحقوق اإلنسان نجد أن نظام إيمانويل كانط ( ‪Immanuel‬‬
‫‪ )kant‬الذي يدور حول مسلمة حرمة كرامة اإلنسان‪ ،‬ال يعني قط حصرها في المعنى الفردي؛ حيث وجد‬
‫‪ Neil Maccormik‬أن " مثالية كانط حول حقوق األشخاص‪...‬تعني واجب على كل واحد منا أن يحترم‬
‫ذلك الذي يشكل في اآلخرين جزءا من إحساسهم بهويتهم الخاصة"‪ ،‬وتتشكل تلك الهوية من خالل‬
‫المشاركة فيما يسمى " الجماعات الثقافية" التي تحتاج إلى حماية مؤسسية مالئمة‪.3‬‬
‫وفي ما يلي عرض ألهم الحقوق الجماعية‪ ،‬التي يجب تضمينها في األطر والنظم القانونية‬
‫الدولية والمحلية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬حقوق اإلستقالل الذاتي‬


‫تستهدف هذه الحقوق تأمين قدر كبير من اإلستقاللية لبعض الجماعات الثقافية‪ ،‬بما فيها فتح سبل‬
‫التنمية الكاملة والحرة لثقافاتـهم‪ ،‬وتـمكين أفرادها من تـحقيق مصالحهم الفضلى‪.‬‬
‫وتكتسب هذه الـحقوق صفتها هنا كانعكاس لـمطالب األقلية القومية‪ ،‬وبالتحديد مطلب اإلستقالل الذاتي‪،‬‬
‫لذلك نـجدها تتخذ شكل تفويض السلطة السياسية إلى وحدات فرعية‪ ،‬يهيمن عليها فعليا أعضاء األقليات‬
‫القومية‪ ،‬بـحيث تتطابق تلك الوحدات الفرعية‪ ،‬مع الـموطن أو اإلقليم التاريـخي لكل أقلية منها على حدى‪.‬‬
‫هذا الـمش هد عادة ما نلحظه في معظم الدول الـمتعددة القوميات‪ ،‬أين تـميل أقلياتـها القومية‪ ،‬إلى الـمطالبة‬
‫بنوع من اإلستقالل السياسي أو السلطان اإلقليمي‪ ،‬لكي تضمن بذلك إمكانية التطور الكامل والحر‬
‫لثقافاتها ومصالح المنتمين إليها‪.‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬يوضح تعليق الفريق العامل الـمعني باألقليات‪ ،‬على إعالن األمم الـمتحدة بشأن‬
‫حقوق األشخاص الـمنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية والى أقليات دينية ولغوية‪ ،‬إلى أن ترتيبات اإلستقالل‬
‫الذاتي في الـمسائل الدينية أو اللغوية‪ ،‬أو الـمسائل الثقافية بصورة أشـمل‪ ،‬قد تكون في بعض الـحاالت‬

‫‪1‬‬
‫‪Randy E. Barnett:« The Structure of liberty justice and the rule of law», Oxford: Oxford University Press,‬‬
‫‪2 ed, 2004, p 61.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Alexandra xanthaki: «Collective rights: The case of indigenous people», Amicus Curia, Issue 25, March‬‬
‫‪2000, p 07.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Siegfried wissner: Op Cit, pp 124-126.‬‬
‫‪140‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫أفضل طريقة ألداء واجبات الدولة‪ ،‬في مـجال حـماية هوية أقلياتـها وضمان مشاركتها الفعالة‪ ،‬حتى لو‬
‫كان اإلعالن ال ينص حقيقة على حقوق الـمجموعات في تقرير المصير‪.1‬‬
‫كما يعتبر من األهداف الرئيسية لإلعالن الذي اعتمدته الجمعية العامة لألمم المتحدة‪ ،‬بشأن‬
‫حقوق الشعوب األصلية (‪ ، )7002‬هو اإلشارة بشكل واضح للمجتمع الدولي‪ ،‬بأن الحكم الذاتي الداخلي‬
‫ينبغي اإلعتراف به كحق من حقوق السكان األصليين الجماعية؛ لضرورته في ممارسة الحق في تقرير‬
‫المصير‪.2‬‬
‫وتبعا لذلك‪ُ ،‬يعتقد بأن الفدرالية يمكنها أن توفر لألقلية القومية استقالال ذاتيا موسعا‪ ،‬بـحيث‬
‫تضمن لها حيازة القدرة على اتـخاذ الق اررات في مـجاالت معينة‪ ،‬دون أن تتمكن األكثرية من أن تـحقق‬
‫لنفسها الغلبة عدديا في اإلقليم الذي تتمركز فيه تلك األقلية‪ .‬وحتى إذا لـم تستطع األقلية القومية أن تشكل‬
‫أكثرية عددية في منطقة ما‪ ،‬فإنه بإمكانها تـحقيق اإلستقالل الذاتي‪ ،‬من خالل خلق مؤسسات سياسية‬
‫ضمن نطاق الواليات ( مثل المحميات الـهندية في الواليات الـمتحدة وكندا ) ‪ ،‬أو حتى خارج إطار النظام‬
‫الفدرالي ( مثل حالة بورتوريكو في الواليات المتحدة)‪.3‬‬

‫ثانيا‪ :‬حقوق التعددية اإلثنية‬


‫تعرف هذه الـحقوق بتسمية أخرى هي "التشريعات الـجماعية الـخاصة"‪ ،‬ويقصد بـها تلك الـحقوق‬
‫أو التشريعات التي من شأنـها "مساعدة الجماعات اإلثنية واألقليات الدينية في التعبير عن خصوصياتها‬
‫الثقافية واإلعتزاز بـها‪ ،‬حتى ال تعيق األخيرة نـجاحها في الـمؤسسات اإلقتصادية والسياسية للمجتمع‬
‫السائد"‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪ ،‬التمويل الـحكومي للممارسات واألنشطة الثقافية‪ ،‬كتقديـم الدعم الـمالي للفنون واآلداب‬
‫والـمتاحف والمهرجانات‪ ،‬والتعليم بلغة المهاجرين في المدارس الحكومية‪ ،‬وكذلك استثناء الـجماعات اإلثنية‬
‫والدينية من القوانين التي تلحق بـها الحرمان نتيجة مـمارساتها الدينية‪ ،‬ومثال ذلك العطل الرسمية‪ ،‬وطريقة‬
‫ذبح األنعام‪.4‬‬

‫‪ 1‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.720-723‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Austin Badger: «Collective V. individual human rights in membership governance for indigenous‬‬
‫‪people», American university International law review, volume 26, 2011, p494.‬‬

‫‪ 3‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.720-723‬‬


‫‪4‬‬
‫‪Heinz kleger: pawel karobwski: «the theory of multiculturalism and cultural diversity in Cambodia»,‬‬
‫‪universitat patsdan, august 2004, p22.‬‬
‫‪141‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ثالثا‪ :‬حقوق التمثيل السياسي الخاص‬


‫في الوقت الذي َترَّكز فيه اإلهتمام التقليدي لألقليات القومية والـجماعات اإلثنية‪ ،‬على اإلستقالل‬
‫الذاتي وحقوق التعددية اإلثنية على التوالي‪ ،‬بدأنا نشهد حاليا اهتماما متزايدا من قبل هذين النوعين من‬
‫األقليات‪ ،‬فضال على الـجماعات اإلجتماعية غير اإلثنية‪ ،‬بـحقوق التمثيل السياسي الـخاص‪.‬‬
‫والسبب الكامن وراء هذا اإلهتمام وفقا لـمنظور كيملكا‪ ،‬هو كون العملية السياسية في العديد من‬
‫الديـمقراطيات الغربية ما تزال لـحد اآلن عملية "غير تـمثيلية"‪ ،‬أي غير مـمثلة للطابع الـعام للمجتمع‪ ،‬بكل‬
‫عناصره ومكوناته الفردية والـجماعية‪ ،‬مما يؤثر على استق ارره وتجانسه‪.‬‬
‫ولكي تكون العملية السياسية أكثر تـمثيال‪ ،‬ال بد من إعادة بنائها بـجعل األحزاب السياسية أكثر سعة‬
‫وشـموال‪ ،‬من خالل التقليل من القيود التي تـمنع األقليات اإلثنية من أن يصبحوا مرشحي أحزاب أو قادة‬
‫أحزاب‪ ،‬وكذلك عن طريق تبني شكل معيـن من التمثيل النسبي‪ ،‬بـحيث يتم بـموجبه حجز عدد معين من‬
‫الـمقاعد النيابية‪ ،‬لصالـح الـجماعات الـمحرومة والـمهمشة‪.1‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن فكرة التمثيل السياسي الخاص تنطوي على فكرة وجوب أن تحفظ نسبة مالئمة من‬
‫المقاعد في الهيئات الحكومية ألفراد الفئات المحرومة أو المهمشة‪ ،‬وعادة ما يجري تبرير مثل هذه الحقوق‬
‫كرد على مساوئ النظام في العملية السياسية التي ال تسمح بتمثيل مناسب آلراء ومصالح المجموعات‪.‬‬
‫ورغم أن هذه الحقوق تهدف للتعويض عن العيوب‪ ،‬إال أنه ينظر إليها في العادة على أنها إجراء مؤقت‪،‬‬
‫كون إزالة العيوب يلغي الحاجة إلى تلك الحقوق‪.2‬‬
‫لكن هذه الـحقوق الـجماعية ليست من قبيل اإلستثناءات الظرفية من منظور ويل كيملكا على األقل‬
‫وعديد المفكرين أيضا‪ ،‬وانـما هي منافع أصلية‪ ،‬يتمتع بـها الفرد بـحكم انتمائه الثقافي الذي يعد خاصية‬
‫ثابتة في حياة الفرد نفسه داخل الـمجتمع‪.‬‬
‫وبـما أن صفة اإللزام في الـحقوق والـحريات متولدة عن فكرة تـحقيق مصلحة الفرد وخيره‪ ،‬ونظ ار‬
‫إلى أن من مصلحة الفرد والـجماعة معا الـمحافظة على استم اررية اإلنتماء الثقافي‪ ،‬بـحكم رسوخه وأهـميته‬
‫بالنسبة إليهما‪ ،‬فإن الـحقوق الـجماعية تغدو من قبيل الـمنافع الـخاصة‪ ،‬ذات الصفة الدائمة والـملزمة‪ ،‬ما‬
‫دامت تصب في تـحقيق مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة التي ينتمي إليها‪.‬‬
‫بعبارات أخرى‪ ،‬ال يمكن اعتبار هذه الحقوق من قبيل اإلجراءات المؤقتة‪ ،‬أو أنها مجرد معالجة‬
‫لنوع من اإلضطهاد الذي واجهته األقليات اإلثنية والقومية‪ ،‬ما يجعلها عرضة للزوال مستقبال‪ ،‬لذلك فإن‬
‫هذه الحقوق أساسية ودائمة‪ ،‬طالما أن التباينات الثقافية التي تحميها هذه الحقوق‪ ،‬ليست أصال من قبيل‬
‫األمور القابلة للزوال‪.3‬‬

‫‪ 1‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.722-722‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Heinz kleger: pawel karobwski: Op Cit, p22.‬‬
‫‪ 3‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.722‬‬
‫‪142‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المطلب الثاني‪ :‬توافر األسس الثقافية والفكرية لتكريس المواطنة‬


‫إن إشكالية المواطنة أنها ليست مجرد حقوق وواجبات‪ ،‬وانما هي كذلك ثقافة وسلوك وقيم‬
‫مجتمعية‪ ،‬وجملة من اآلليات لضبط العالقات الواجب اكتسابها والتمرس على أدائها‪ ،‬لمعرفة كيفية انتزاع‬
‫الحقوق وممارستها‪ ،‬والقيام بالواجب وضرورة أدائه على أحسن وجه‪.‬‬
‫هذا ما يفيد بأن اإلهتمام بالمواطنة ليس غاية في ذاته‪ ،‬وانما المسعى منه هو تحقق مواطنة‬
‫بخصائص ومواصفات معينة قادرة على المساهمة في إنجاز اإلنتقال الديمقراطي المنشود‪ ،‬وذلك لن‬
‫يتحقق من دون المواطنة الواعية القادرة على انتزاع حقوق المواطن كاملة‪ ،‬والمواطنة المسؤولة التي تدفع‬
‫الفرد للقيام بواجبه خدمة للصالح العام‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن المواطنة الواعية هي التي تدفع إلى التعايش واإلنسجام واإلندماج بين مختلف‬
‫مكونات المجتمع والدولة‪ ،‬وأن ذلك ال يلغي اإلختالف والتنوع والتعدد الثقافي في المجتمع الواحد‪ ،‬وأن‬
‫الطريق إلى ذلك ينبغي أن يتم عبر الحوار في جو من الحرية والمشاركة والتسامح وضمان سيادة قيم‬
‫المساواة والعدل واإلنصاف‪.‬‬
‫وهو ما ال يتم إال عبر إصالح شامل يستهدف كافة المؤسسات بغية تجديدها وعقلنتها‪،‬‬
‫المصاحب بترسيخ ثقافة المواطنة التي تتالزم فيها حقوق اإلنسان بواجباته وبأجهزة حمايتها من التجاوزات‬
‫المنافية للقانون‪ ،‬وبغرس قيم المواطنة في األجيال الصاعدة وتعميق الحس المدني لديها وتربيتها على‬
‫ضرورة القيام بالواجب تجاه المجتمع والدولة‪ ،‬وتنمية الشعور باإلنتماء للوطن واإلعتزاز به‪ ،‬وأن الوالء‬
‫ينبغي أن يكون للدولة وليس للقبيلة أو الطائفة‪ ،‬وأهمية التمسك بالنظام واحترام القانون‪.‬‬
‫هاته القيم هي وحدها التي تؤسس لممارسة ديمقراطية صحيحة‪ ،‬وتحقق دولة الحق والقانون التي‬
‫هي الدولة الديمقراطية بامتياز‪ .1‬لكن تحقيق هذا ال يتم إال بإشتراك منظمات المجتمع المدني ووسائل‬
‫اإلعالم في هذه العمليات إشتراكا فاعال‪ ،‬ومستمرا‪ ،‬باعتبارها فواعل أساسية في البناء اإلجتماعي واحداث‬
‫التغيير المطلوب‪.‬‬

‫‪ 1‬ديدي ولد السالك‪« :‬تكريس قيم المواطنة مدخل لترسيخ الممارسة الديمقراطية»‪ ،‬في «المواطنة في المغرب العربي»‪ ،‬ورقة بحثية‪،‬‬
‫مجموعة الخبراء المغاربيين؛ مركز الدراسات المتوسطية والدولية‪ ،‬عدد ‪ ،02‬نوفمبر ‪ ،7027‬ص ‪.00‬‬

‫‪143‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الفرع األول‪ :‬األسس الثقافية والفكرية لتكريس المواطنة‬


‫يعتبر مفهوم المواطنة من المفاهيم النظرية لشروط التغيير‪ ،‬كما يشكل األرضية العملية ألهم‬
‫مقومات البناء الديمقراطي‪ .‬والمواطنة هي الحماية الحقيقية لمكونات المجتمع اإلثنية والدينية واللغوية‪.‬‬
‫كما أن المواطنة تعني الديمقراطية وهي عبارة عن مجموعة من القيم والمبادئ كالعدالة والمساواة والتسامح‬
‫والتفاهم بين أبناء الوطن الواحد‪ ،‬كما أنها وسيلة تطوير الحس الوطني والقدرات والمهارات التي تؤثر في‬
‫مواجهة معوقات البناء الديمقراطي التعددي للمجتمع‪.‬‬
‫ويرجع بروز مفهوم المواطنة إلى عدة عوامل‪ ،‬أبرزها األزمة التي تعرضت لها فكرة الدولة الوطنية‬
‫والتي شكلت ركيزة الفكر الليبرالي لفترة طويلة؛ وذلك نتيجة عدة تحوالت شهدها نهاية القرن العشرين‪،‬‬
‫أبرزها تزايد المشكالت العرقية والدينية في أقطار كثيرة من العالم‪ ،‬وتفجر العنف واإلبادة الدموية‪ ،‬ليس‬
‫فقط في بلدان لم تنتشر فيها عقيدة الحداثة كبلدان العالم الثالث‪ ،‬بل أيضا في قلب العالم الغربي‪.‬‬
‫واذا كانت الديمقراطية تعني في أبسط معانيها حكم الشعب للشعب بواسطة الشعب ؛ فإن‬
‫المواطنة تعني تمكين أفراد هذا الشعب من حقوقهم واالستبطان في نفوسهم أهمية اإلدراك بواجباتهم تجاه‬
‫مجتمعهم بشكل يجعل من العالقة بين مفهومي الديمقراطية والمواطنة عالقة جدلية يصعب معها تصور‬
‫إحداهما في غياب األخرى‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن المواطنة كمرجعية دستورية وسياسية ال تلغي عملية التدافع والتنافس في الفضائين‬
‫اإل جتماعي والسياسي‪ ،‬بل تضبطها بضوابط اإلحساس العارم اتجاه الوطن ووحدته القائمة على احترام‬
‫التنوع وليس على نفيه‪ ،‬والساعية بوسائل قانونية وسلمية لإلستفادة من هذا التنوع بغية تمتين قاعدة الوحدة‬
‫الوطنية‪ ،‬بحيث يشعر الجميع بأن مستقبلهم مرهون بها‪ ،‬فهي ال تشكل نفيا لخصوصياتهم‪ ،‬وانما مجاال‬
‫حيويا للتعبير عنها بوسائل منسجمة ‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬فإن مجتمع المواطنة هو تلك الدولة المدنية التي تجسد إرادة المواطنين جميعا‪ ،‬بحيث ال‬
‫تميز بين المواطنين لدواعي ومبررات غير قانونية وال إنسانية؛ فهي دولة جامعة وحاضنة لكل المواطنين‬
‫تدافع عنهم‪ ،‬وتعمل على توفير ضرورات معيشتهم وحياتهم‪.1‬‬
‫وعلى الصعيد الواقعي ال يمكن لمفهوم المواطنة أن يكتمل إال بنشوء الدولة اإلنسانية؛ تلك الدولة‬
‫التي تمارس الحياد االيجابي تجاه قناعات ومعتقدات وايدلوجيات مواطنيها؛ بحيث ال تحشر نفسها في‬
‫قلب هذا الخضم بقدر ما تتحول إلى صمام أمان يؤطر ويضمن لمواطنيها جميع حقوقهم؛ فال تمارس‬
‫اإلقصاء أو التهميش أو التمييز تجاه مواطن بسبب معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية؛ كما أنها ال‬
‫تمنح الحظوة لمواطن بفضل معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية‪.‬‬

‫‪ 1‬مروة كريدية‪« :‬المواطنية في مجتمع متعدد»‪ ،‬ص ص ‪.20-02‬‬


‫‪http://arabsi.org/attachments/article/1302/%.pdf‬‬
‫‪144‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫أوال‪ :‬اإلنفتاح إزاء الخصوصيات الثقافية‬


‫إن معالجة مفهوم المواطنية في مجتمع يشهد تنوعا ثقافيا يعد من أعقد األمور‪ ،‬خاصة إذا ما تم‬
‫شرعنة قيام الدولة الطائفية بوصفها حتمية اجتماعية أو تعبي ار عن خصوصية محلية‪ ،‬ال يمكن التجاوز‬
‫عنها من دون ارتكاب مخاطر السير في اتجاه تقسيم غير عادل للسلطة وللثروة المرتبطة بها‪.‬‬
‫وكثي ار ما يدور التساؤل حول التناقض بين ثقافة المواطنية ووجود تنوع ثقافي واسع داخل الدولة‪،‬‬
‫لكن في واقع األمر ال يوجد أي تناقض بين المواطنية والتنوع الثقافي‪ ،‬شرط توسيع المجال العام والقضايا‬
‫المشتركة وتوحيد الهم واألهداف الوطنية‪ ،‬وتحييد الخصوصيات وعدم تسليط الضوء السلبي على‬
‫اإلختالفات الثقافية‪ ،‬ألن تعدد الثقافات يثري التجربة اإلنسانية‪ ،‬فالمواطنية طرح يحتوي جميع التنوعات‬
‫ويتجاوزها في آن واحد من خالل توسيع مجال المشترك العام بين أبناء البلد الواحد‪.‬‬
‫ترتكز ثقافة المواطنية على مرتكز أساسي مفاده أنه ال يوجد فضاء ثقافي منزه يمكن من خالله‬
‫إطالق الحكم على اآلخرين‪ ،‬وال يجوز الحكم على ثقافة ما أو فئة ما‪ ،‬لذلك فإن ثقافة المواطنية تقف‬
‫موقف انفتاح إزاء الخصوصيات الثقافية جميعها وتحترمها‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فاألخالق التي تؤسس لمواطنية حقة هي التي تستنكر كل موقف رافض للحوار‬
‫والمناقشة سواء أكان رفض الحوار ذو منشأ سياسي أم حزبي أم عقائدي‪ .‬فالحياة المشتركة تبنى عن‬
‫طريق توسيع القضايا المشتركة العامة‪ ،‬والفهم المشترك المبني على اإلحترام المطلق لكافة التنوعات‬
‫اإلثنية والدينية للجماعات واألفراد والتي تجمع فيما بينها الحياة المشتركة على األرض نفسها‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬فإن فلسفة المواطنية تفترض ذهنية منفتحة بعيدة عن التصورات النمطية واألحكام‬
‫المسبقة عبر اعتماد رؤية ترتكز على نسبية الموضوعية والحقائق‪ ،‬فال يوجد شيء مطلق من شأنه أن‬
‫يستبعد اآلخر ويقصيه‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن كل محاولة الختزال المواطن اإلنسان بدينه أو انتمائه أو مذهبه أو إلى‬
‫تقليصه في بنى شكالنية‪ ،‬أيا كانت‪ ،‬تتناقض مع مفهوم المواطنية‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬تطوير وتكريس ثقافة سياسية‪-‬ديمقراطية‬


‫يجب تطوير وتعزيز الثقافة السياسية والديمقراطية اإلجتماعية‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بالحوار‬
‫الديمقراطي والممارسات الديمقراطية‪ ، 2‬وبالتالي فال بد من توافر إرادة شعبية نحو التحول الديمقراطي‬
‫وتغيير الثقافة السياسية‪ ،‬لتكون أكثر حساسية نحو الشعور والتصرف بأساليب تتصف باإلخالص اتجاه‬
‫اإلحتياجات الثقافية والهويات المختلفة‪ .‬وما لم يحدث ذلك فإن التغيير الحقيقي لن يتحقق‪ ،‬وستنتج‬
‫مضاعفات خطيرة مثلما يحدث اآلن في أقاليم العديد من الدول كالسودان ودارفور‪.‬‬

‫‪ 1‬مروة كريدية‪« :‬المواطنية في مجتمع متعدد»‪ ،‬ص ص ‪.20-02‬‬


‫‪http://arabsi.org/attachments/article/1302/%.pdf‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mitja Žagar : «diversity management-evolution of concepts», Journal of ethnic studies, Slovenian, No.52,‬‬
‫‪2007, p 27.‬‬
‫‪145‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وبالتالي‪ ،‬يجب تواجد إرادة سياسية راغبة في التصدي بنجاح للتحدي المتمثل في كيفية بناء‬
‫مجتمعات اندماجية ومتنوعة ثقافيا‪ ،‬على اعتبار أن السماح للناس بالتعبير الثقافي تعبي ار كامال غاية‬
‫تنموية هامة بحد ذاتها‪ ،‬فالتنمية اإلنسانية مبنية في المقام األول وقبل كل شيء على السماح للناس بأن‬
‫يعيشوا نوع الحياة الذي يختارونه‪ ،‬وعلى تزويدهم باألدوات المناسبة والفرص المواتية لتحقيق تلك‬
‫الخيارات‪ ،‬ال باعتبارها مسألة ثقافية وتنموية فقط‪ ،‬ولكن باعتبارها مسألة سياسية أيضا‪.‬‬
‫وما لم يتمكن المهمشون وهم في أغلب األحيان من مجموعات عرقية أو ثقافية أو دينية من التأثير‬
‫بالمشاركة في العمل السياسي‪ ،‬على المستويين المحلي والقومي‪ ،‬من المستبعد أن يجد هؤالء المهمشون‬
‫اإلمكانية للحصول على الوظائف والمدارس والمستشفيات والعدالة واألمن والخدمات والحقوق األساسية‬
‫األخرى‪ ،‬وما لم يحدث ذلك فال يمكن الحديث حول اإلندماج الوطني المرتجى وبالنتيجة ال يمكن الحديث‬
‫حول استقرار سياسي ومجتمعي وال أمن مجتمعي‪.1‬‬

‫ثالثا‪ :‬تعليم المواطنة والتسامح كآلية لتوليد الهوية المشتركة‬


‫لن تستقيم ممارسة المواطنة وتوطن قيمها في الثقافة السياسية بمجرد إقرارها في نصوص‬
‫الدساتير‪ ،‬حتى وان حظيت صياغتها بالحوار والتوافق الوطنيينن؛ فبقدر ما يلعب القانون أدوا ار مفصلية‬
‫في التنظيم والضبط وفرض حكم المؤسسات‪ ،‬يحتاج بالقدر نفسه إلى روح اإلرادة العامة التي تحول‬
‫قواعده ومبادئه إلى قيم جماعية منبثة في العقول والنفوس‪ .‬لذلك‪ ،‬تحتاج المواطنة‪ ،‬بهذا المعنى إلى تربية‬
‫والى مراس دؤوب واختبار منتظم لقيمها‪.‬‬
‫ومع تزايد مظاهر عدم التسامح‪ ،‬وأعمال العنف‪ ،‬واإلرهاب‪ ،‬وكراهية األجانب‪ ،‬والنزاعات القومية‬
‫العدوانية والعنصرية‪ ،‬واإلستبعاد والتهميش‪ ،‬والتمييز ضد األقليات الوطنية واإلثنية والدينية واللغوية‪،‬‬
‫والالجئين‪ ،‬والعمال المهاجرين‪ ،‬والمهاجرين‪ ،‬والفئات الضعيفة في المجتمعات‪ ،‬وتزايد أعمال العنف‬
‫والترهيب التي ترتكب ضد أشخاص يمارسون حقهم في حرية الرأي والتعبير‪ ،‬وهي أعمال تهدد كلها‬
‫عمليات توطيد دعائم السالم والديمقراطية على الصعيدين الوطني والدولي‪ ،‬وتشكل كلها عقبات في طريق‬
‫التنمية‪ ،‬زاد اإلهتمام والتركيز على دور التربية على المواطنة والتسامح في تكريس الحقوق والحريات داخل‬
‫الدول المجتمعات خاصة منها المتنوعة ثقافيا‪.2‬‬

‫‪ 1‬جمعه كنده كومى د‪« :‬حتمية االعتراف بالتعددية الثقافية وتوطين الديمقراطية الستقرار السودان»‪.‬‬
‫‪http://www.altaghyeer.info/ar/2013/articles_opeds/47‬‬
‫‪2‬‬
‫امحمد مالكي‪« :‬اإلندماج اإلجتماعي وبناء مجتمع المواطنة في المغرب الكبير»‪ ،‬المؤتمر السنوي الثاني للعلوم اإلجتماعية‬
‫واإلنسانية ‪ 22-20‬مارس ‪ ،7022‬قطر‪ :‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،7022 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪146‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫هذا األخير‪ ،‬ال يعني التنازل أو التساهل بل هو قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق‬
‫اآلخرين في التمتع بحقوق اإلنسان وحرياته األساسية المعترف بها عالميا‪ ،‬وهو ممارسة ينبغي أن يأخذ‬
‫بها األفراد والجماعات والدول‪.‬‬
‫وبالتالي فالتسامح هو مسؤولية تشكل عماد حقوق اإلنسان والتعددية الثقافية والديمقراطية وحكم‬
‫القانون‪ ،‬وهو ينطوي على نبذ الدوغماتية واإلستبدادية‪ ،‬ويثبت المعايير التي تنص عليها الصكوك الدولية‬
‫الخاصة بحقوق اإلنسان‪.1‬‬
‫وانطالقا من دور التربية المساعدة لألفراد والجماعات في اإلرتقاء نحو األفضل في مختلف‬
‫مجاالت العيش المشترك‪ ،‬كان "مبدأ تعلم العيش المشترك" من أولويات منظمة األمم المتحدة منذ بداية‬
‫نشأتها في العام ‪ ،2230‬كما تشير معظم المواثيق الدولية واإلقليمية المتعلقة بالديمقراطية والحريات‬
‫اإلنسانية وحقوق اإلنسان‪ ،‬إلى ضرورة نشر مبادئ العيش المشترك في مناهج التعليم على مختلف‬
‫المستويات التعليمية‪.‬‬
‫وأبلغ مثال على ذلك‪ ،‬التقرير الذي وضعته لجنة اليونسكو الدولية الخاصة بالتربية للقرن الحادي‬
‫والعشرين‪ ،‬والذي صدر في ‪ 2220‬بعنوان "التربية‪ ،‬ذلك الكنز المكنون" وذلك برئاسة السيد جاك دولر‬
‫حيث جاء في التقرير ما يلي‪:‬‬
‫"في مواجهة التحديات المتعددة التي تلوح في األفق وينذر بها المستقبل‪ ،‬ترى البشرية في التربية‬
‫رصيدا ال غنى عنه في محاولتها لتحقيق مثل السالم والحرية والعدالة اإلجتماعية‪ .‬وتحرص اللجنة على‬
‫أن تؤكد إيمانها بالدور اإلنساني الذي تضطلع به التربية في التنمية المستمرة للفرد والمجتمعات‪ ،‬ال‬
‫بوصفها عالجا خارقا أو وصفة سحرية تفتح الباب إلى عالم يمكن تحقيق جميع المثل فيه‪ ،‬وانما باعتبارها‬
‫سبيال أساسيا من بين سبل أخرى‪ ،‬لخدمة تنمية انسانية أكثر انسجاما وعمقا‪ ،‬تساعد على حسر نطاق‬
‫الفقر واإلستبعاد والجهل وقمع الحروب"‪ .‬كما ركز التقرير على أن غياب المشاركة الفاعلة من قبل‬
‫المجتمع التربوي كان أحد أسباب فشل خطط تربوية في كثير من البلدان‪.2‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬من نافل القول أن إعاقة ترسيخ الحقوق والحريات وتوطينها في الممارسة‪ ،‬تتعلق أيضا‬
‫بنوعية البرامج واإلستراتيجيات المعتمدة للتحسيس بهذه الحقوق والتربية على قيمها‪ .‬فهكذا‪ ،‬خلص معدو‬
‫تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام ‪ ،7003‬إلى أن حجم حضور "الحرية" ومستوياته في الكتاب‬
‫المدرسي فقير‪ ،‬ليس بالنسبة للمفهوم فقط‪ ،‬بل أيضا بالنسبة لما يترتب على ذلك من فقر في القيم‬
‫المتصلة بحقوق اإلنسان ككل‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫اليونسكو‪« :‬إعالن مبادئ بشأن التسامح»‪ ،2220 ،‬ص ص ‪.02-07‬‬
‫‪www1.umn.edu/humanrts/arab/tolerance.html‬‬
‫‪2‬‬
‫صالح صوباني وآخرون‪« :‬قيم التسامح في المناهج المدرسية العربية»‪ ،‬فلسطين‪ :‬مركز رام اهلل لدراسات حقوق اإلنسان‪،7027 ،‬‬
‫ص ‪.22‬‬
‫‪3‬‬
‫امحمد مالكي‪« :‬اإلندماج اإلجتماعي وبناء مجتمع المواطنة في المغرب الكبير»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪147‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ومن بين أهم النتائج التي يمكن أن يحققها التعليم في مجال التربية على المواطنية والتسامح‪،‬‬
‫نذكر‪:‬‬
‫‪ -‬تعليم الناس الحقوق والحريات التي يتشاركون فيها‪.‬‬
‫‪ -‬اعتماد أساليب منهجية وعقالنية لتعليم التسامح؛ تتناول أسباب الالتسامح الثقافية واإلجتماعية‬
‫واإلقتصادية والسياسية والدينية‪ ،‬والجذور الرئيسية للعنف واإلستبعاد‪.‬‬
‫‪ -‬التعليم في مجال التسامح يستهدف مقاومة تأثير العوامل المؤدية للخوف من اآلخر واستبعاده‪،‬‬
‫ومساعدة النشء على تنمية قدراتهم على استقالل الرأي‪ ،‬والتفكير النقدي‪ ،‬والتفكير األخالقي‪.‬‬
‫‪ -‬يولي التعليم عناية خاصة لتحسين إعداد المعلمين‪ ،‬والمناهج المدرسية‪ ،‬ومضامين الكتب‬
‫المدرسية‪ ،‬والدروس وغيرها من المواد التعليمية‪ ،‬بما فيها التكنولوجيات التعليمية الجديدة‪.‬‬
‫‪ -‬يستهدف التعليم في مجال التسامح إنشاء مواطنين يقظين مسؤولين ومنفتحين على اآلخرين‪،‬‬
‫يقدرون الحرية حق قدرها‪ ،‬ويحترمون الكرامة اإلنسانية والفروق بين البشر‪ ،‬وقادرين على درء‬
‫النزاعات وحلها بوسائل سلمية وغير عنيفة‪.1‬‬
‫في األخير نشير إلى أنه إذا كانت التربية على حقوق اإلنسان قد شكلت انتقاال نوعيا في تعامل‬
‫المدرسة مع الثقافة الحقوقية‪ ،‬فإن هذه األلفية ستعرف تحوال آخر ببروز مفهوم التربية على المواطنة؛ مما‬
‫يمكن عده مؤش ار على اإلنتقال من مرحلة المفاهيم العامة إلى مرحلة المفاهيم ذات الصلة المباشرة‬
‫بالمجـتمع‪ ،‬مادام الحديـث عن المواطـنة هـو حديـث عـن مـعادلة الحقوق والواجـبات في صـورتها‬
‫التطبيقيـة‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫اليونسكو‪« :‬إعالن مبادئ بشأن التسامح»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.03-02‬‬
‫‪2‬‬
‫صالح صوباني وآخرون‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪148‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الفرع الثاني‪ :‬دور وسائل اإلعالم ومنظمات المجتمع المدني في تكريس المواطنة‬
‫تلعب وسائل اإلعالم ومنظمات المجتمع المدني دو ار رئيسيا وفاعال في تشكيل سياق التحول‬
‫الديمقراطي‪ ،‬واإلصالح السياسي في المجتمعات المتنوعة‪ ،‬وكذا دور وظيفي في بناء المجتمعات وتحقيق‬
‫التنمية اإلنسانية وترسيخ فكرة المواطنة الضامنة لمبدأ التساوي في توفير شروط اإلنتفاع بالحق في التنوع‬
‫الثقافي‪ ،‬ومن ثم دعم اإلستقرار السياسي والتجانس المجتمعي داخلها‪.‬‬

‫أوال‪ :‬دور منظمات المجتمع المدني‬


‫تعتبر منظمات المجتمع المدني أحد الفواعل األساسية في البناء والتغيير اإلجتماعيين وفي ضمان إعمال‬
‫الحقوق المقررة في اإلتفاقيات والمواثيق العالمية (وفق المنظور البنيوي)‪ ،1‬حيث يتجاوز هذا األخير الدور‬
‫الرعائي‪-‬الخدمي‪ -‬إلى الدور التنموي‪ ،‬بمعنى العمل على تغيير الواقع هيكليا وتعظيم القدرات‪ ،‬والدفاع‬
‫عن حقوق اإلنسان‪ ،‬وتمكين القوى االجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير‪ ،‬مما يعطيها الشرعية‪ ،‬ويضع‬
‫تطويرها في إطار تطوير البنى اإلجتماعية للمجتمع األوسع‪.‬‬
‫يعني هذا‪ ،‬أن دور منظمات المجتمع المدني هو دور تنموي‪ ،‬يرتبط بالتمكين وتعظيم القدرات‪،‬‬
‫فهو آلية فعالة في رقابة الحكومة ومنع العنف وحماية الحقوق وترقيتها‪ ،‬باعتماد المشاركة الواسعة للناس‬
‫في الحياة السياسية وترسيخ فكرة المواطنة ومن ثم دعم اإلستقرار السياسي والمجتمعي‪.2‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬يرى هاتنغنون أن تحقيق اإلستقرار السياسي واإلجتماعي يقترن بإيجاد مؤسسات‬
‫تنظم المشاركة السياسية‪ ،‬وتمنع انتشار العنف والفساد‪ ،‬بتوسيع المساهمة الشعبية في وضع السياسات‬
‫العامة‪ ،‬وفي اختيار األشخاص للمناصب الرسمية‪ ،‬وتوفير آليات المشاركة للنظام السياسي‪ ،‬والقدرة على‬
‫معالجة األزمات واإلنقسامات والتوترات في المجتمع‪ ،‬واالستجابة للمطالب الشعبية عبر الديمقراطية‪،‬‬
‫وعدالة توزيع المهمات لضمان المساواة‪.3‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن تحقيق اإلستقرار المجتمعي يقترن بإيجاد مؤسسات سياسية وغير سياسية قادرة على‬
‫تأطير األفراد والجماعات وتنظيمهم‪ ،‬وتمنع انتشار الفساد والعنف بتوسيع دائرة مشاركة هؤالء األفراد‬
‫والجماعات في اتخاذ الق اررات التي تقرر مستقبلهم‪ ،‬وفي وضع السياسات والمشاريع اإلجتماعية‬

‫‪ 1‬عبد الحليم الزيات‪« :‬التنمية السياسية؛ دراسة في اإلجتماع السياسي»‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬البنية واألهداف‪ ،‬مصر‪ :‬دار المعرفة‬
‫الجامعية‪ ،7007 ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪ 2‬أحمد شكر الصبيحي‪« :‬مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي»‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬سلسلة أكروحات الدكتوراه (‪ ،)22‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،‬أكتوبر ‪ ،7000‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪149‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫واإلقتصادية المناسبة‪ ،1‬وقدرة هذه المؤسسات على معالجة األزمات واإلنقسامات والتوترات في المجتمع‪،‬‬
‫واعتماد الديمقراطية في اإلستجابة لمتطلبات وطموحات الناس‪ ،‬وضمان المساواة والعدالة في التوزيع‪،‬‬
‫وكذلك تدعيم التسامح والتعددية داخل المجتمع‪.2‬‬
‫وتشمل المؤسسات المعنية‪ ،‬الجمعيات والنقابات واألحزاب السياسية المعارضة والغير متواجدة في السلطة‪،‬‬
‫واألندية واإلتحاديات والتعاونيات‪ ،‬ومراكز البحث والجامعات وكل ماهو غير حكومي‪ ،‬وما هو غير عائلي‬
‫أو إرثي والتي يولد فيها الفرد أو يرثها وتكون عضويته فيها إجبارية كالقبيلة والعشيرة‪.‬‬
‫من جهة أخرى تعمل منظمات المجتمع المدني على مساعدة المهاجرين الجدد‪ ،‬وتوفير الخدمات‬
‫المهنية لهم‪ ،‬وكذلك تسهيل التعليم بالنسبة لهم‪ ،‬كما تقدم هذه المنظمات روابط هامة بين المهاجرين‬
‫والتيار الرئيسي للمجتمع من خالل منحهم الشعور بالتمكين‪ .‬وكذا منح صوت لشواغل المهاجرين والفئات‬
‫الضعيفة في المجتمع‪.‬‬
‫كما يمكن لجمعيات المهاجرين على سبيل المثال أن تصبح عناصر فاعلة وحاسمة في تعزيز‬
‫شكل المواطنة الديمقراطية‪ ،‬بنقاشاتها حول دور حقوق المجموعة كمكمل ضروري للحقوق والحريات‬
‫الفردية في الدول الديمقراطية‪.3‬‬

‫ثانيا‪ :‬دور وسائل اإلعالم‬


‫لقد أكدت المفوضية السامية لحقوق اإلنسان في ملتقى سيول ‪ 7003‬أن الدولة ليست هي القوة‬
‫الفاعلة الوحيدة في مجال حماية وترقية حقوق اإلنسان‪ ،‬فهناك أنواع جديدة من المؤسسات الوطنية التي‬
‫تلعب دو ار هاما في تعزيز الوعي بالمعايير الدولية الخاصة بحقوق اإلنسان وضمان تنفيذها‪ ،‬وهي تعزز‬
‫كذلك التصديق على الصكوك الدولية الخاصة بحقوق اإلنسان‪ ،‬والمشاركة في صياغة التشريعات وفقا‬
‫لها‪ ،‬ومراقبة تنفيذ القوانين والمعايير على الصعيد الوطني‪.4‬‬
‫ومن أهم وأبرز األدوار الفاعلة للمجتمع المدني في مجال حماية وترقية حقوق اإلنسان‪ ،‬أن يكون‬
‫ألجهزة اإلعالم دور وظيفي في بناء المجتمعات وتحقيق التنمية اإلنسانية‪ ،‬وكذلك دور مشخص لتوضيح‬
‫الحقائق واتاحة الفضاء المالئم الستنباط الحقائق المتعلقة بالق اررات التي تتخذها القيادات‪ ،‬والتي تمس‬
‫حياة الناس والمجتمع‪.5‬‬

‫‪ 1‬أحمد إبراهيم مالوي‪« :‬أهمية منظمات المجتمع المدني في التنمية»‪ ،‬مجلة جامعة دمشق للعلوم اإلقتصادية والقانونية ‪ ،‬المجلد ‪،73‬‬
‫العدد الثاني‪ ،7002 ،‬ص ‪.720‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.722‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Oliver Schmidtke, Op Cit, pp 24-25.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪OHCHR :UNDP, «Séminaire sur les pratique de bonne gouvernance pour la promotion des droits de‬‬
‫‪l' homme», Séoul 15-16 septembre 2004 .‬‬
‫‪ 5‬سعد الدين ابراهيم‪« :‬دور وسائل اإلعالم العربية في دعم ثقافة المجتمع المدني»‪ ،‬حلقات نقاشية‪ ،‬مركز ابن خلدون للدراسات‬
‫اإلنمائية‪ ،‬دار األمين للنشر والتوزيع‪ ،‬سبتمبر ‪ ،2222‬ص ص ‪.27-22‬‬
‫‪150‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وال تقتصر مهمة اإلعالميين ومؤسساتهم على حماية البناء الديمقراطي والمشاركة بفعالية في‬
‫صو الحقائق للناخبين‪ ،‬وانما أيضا متابعة المنتخبين وجعلهم دائما عرضة للقيود أمام ناخبيهم‪ ،‬معتمدين‬
‫على الحقيقة وعرضها بموضوعية وحيادية‪ ،‬وال يمكن لغير وسائل اإلعالم القيام بهذه المهمة من خالل‬
‫تفعيل الرقابة والضغط‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬يرتبط اإلعالم بحقوق االنسان ارتباطا وثيقا‪ ،‬كونه يمثل المدخل لنشر ثقافة حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬فيما تمثل الحريات اإلعالمية حقا إنسانيا أصيال‪ ،‬تعمل من أجله منظمات وحركات حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬وكافة القطاعات والمؤسسات المعنية والمستفيدة في المجتمع‪.1‬‬
‫تبعا لذلك يمكن القول أن وسائل اإلعالم تلعب دو ار رئيسا وفاعال في تشكيل سياق التحول‬
‫الديمقراطي واإلصالح السياسي في المجتمعات المتنوعة ثقافيا‪ ،‬حيث تعكس طبيعة العالقة بين الدولة‬
‫والمجتمع‪ ،‬وبين النخبة والجماهير‪ .‬ويتوقف إسهام ودور وسائل اإلعالم في عملية اإلصالح السياسي‬
‫والديمقراطي على شكل ووظيفة تلك الوسائل في المجتمع وحجم الحريات الممنوحة‪ ،‬وتعدد اآلراء‬
‫واالتجاهات داخل هذه المؤسسات‪ ،‬إلى جانب طبيعة العوامل الثقافية واإلجتماعية والسياسية المتأصلة في‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فطبيعة ودور وسائل اإلعالم في تدعيم الديمقراطية‪ ،‬وتعزيز قيم المشاركة السياسيةوالتعددية‬
‫وصنع القرار السياسي‪ ،‬يرتبط بفلسفة النظام السياسي الذي تعمل في ظله‪ ،‬ودرجة الحرية التي تتمتع بها‬
‫داخل البناء االجتماعي‪.2‬‬
‫فوسائل اإلعالم الحرة تلعب ثالثة أدوار جوهرية في تعزيز البناء الديمقراطي التعددي؛ أوال باعتبارها محفل‬
‫وطني يمنح صوتا لقطاعات المجتمع المختلفة‪ ،‬ويتيح النقاش من زاوية جميع وجهات النظر‪ ،‬وثانيا‬
‫كعنصر تعبئة ييسر المشاركة المدنية بين جميع قطاعات المجتمع‪ ،‬وثاثا يعزز قنوات المشاركة العامة‬
‫كما يعمل كرقيب يكبح تجاوزات السلطة ويزيد من شفافية الحكومة‪ ،‬ويخضع المسؤولين العاميين للمساءلة‬
‫عن أفعالهم أمام محكمة الرأي العام‪.3‬‬
‫في األخير‪ ،‬نخلص إلى أن منظمات المجتمع المدني ووسائل اإلعالم تساهم فعال في تحقيق‬
‫اإلندماج اإلجتماعي‪ ،‬عن طريق تقاسم المعرفة في تحقيقها‪ ،‬كما تساعد المجتمع على أن يظل موحدا‪،‬‬
‫من خالل إيجادها ونشرها لثقافة عامة مشتركة تشمل كافة أعضاء المجتمع‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫عدنان الصباح‪« :‬اإلعالم‪ :‬دور المنظمات غير الحكومية في تطبيق وحماية حقوق اإلنسان»‪.‬‬
‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=28123‬‬
‫‪ 2‬عيسى عبد الباقي‪« :‬وسائل اإلعالم والتحول الديمقراطي في الدول العربية إشكالية الدور‪..‬وآليات التعزيز»‪.‬‬
‫‪http://www.accronline.com/article_detail.aspx?id=4318‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Richard Gunther: Anthony Mughan: « Democracy and the Media» , Cambridge: Cambridge university press ,‬‬
‫‪2000 , p 447‬‬
‫‪151‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫في هذه الحالة‪ ،‬كلما شعر أعضاء المجتمع بهذا المشترك الثقافي‪ ،‬زاد توحدهم وزادت قدرتهم على‬
‫اتخاذ الق اررات التي تحقق المصلحة العامة‪ ،‬فالمساهمة في تحقيق الوحدة اإلجتماعية والترابط تعد من‬
‫الوظائف الرئيسة لإلعالم كما حدد‪ Lasswell 1‬؛ حيث يرى أن من الوظائف المهمة لإلتصال هو‬
‫تحقيق الترابط في المجتمع تجاه البيئة األساسية وقضاياها‪ ،‬وتفسير ما يجري من أحداث وما يبرز من‬
‫قضايا بما يساعد على توجيه السلوك‪ ، 2‬حيث لالتصال دور في تشكيل الرأي العام الذي به تتمكن‬
‫الحكومات في المجتمعات الديمقراطية من أداء مهامها‪.3‬‬
‫ويرى ‪ Milton‬أن وسائل اإلعالم الحرة والمستقلة خاصة الصحافة يمكن أن تلعب دو ار حيويا في‬
‫عملية التحول الديمقراطي‪ ،‬من خالل مشاركتها في تدعيم الحق في حرية التعبير والتفكير واالعتقاد‪،‬‬
‫وتدعيم استجابة الحكومة لمتطلبات واحتياجات الجماهير‪ ،‬فضال عن تعدد وتنوع منابر التعبير السياسي‬
‫لجميع الجماعات واالتجاهات السياسية‪ ،‬وكذا ممارسة وظائفها الرقابية على الحكومة ومتابعة أساليب‬
‫السيطرة والتحكم‪ ،‬خاصة بالسلطة الجائرة التي تسيء للمواطنين؛ وذلك من خالل المراقبة والفضح لكل‬
‫أنشطة وممارسات الحكومة والنظام السياسي ككل وانتقادها‪ ،‬وعدم إطالق يدها في الق اررات والسياسات‬
‫التي تتخذها‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Harlod Lasswell : «The Structure and Function of Communication in Society:Process and Effects of Mass‬‬
‫‪Communication», In Wilbur Schramm and Donald f. Roberts ,(eds) ,Urbana University of Illinois Press ,1977,‬‬
‫‪p 99.‬‬
‫‪ 2‬عيسى عبد الباقي‪« :‬وسائل اإلعالم والتحول الديمقراطي في الدول العربية إشكالية الدور‪..‬وآليات التعزيز»‪.‬‬
‫‪http://www.accronline.com/article_detail.aspx?id=4318‬‬
‫‪3‬‬
‫‪A, Milton: «Bound but Gagged: Media Reform in Democratic Transition », Comparative Political Studies ,‬‬
‫‪vol . 34 , No. 5, 2001, p527.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Donohue: George: Philip Tichenor and Clarice Olien: « A Guard dog Perspective on The Role of Media » ,‬‬
‫‪Journal of Communication , vol . 45 , No . 2 , 1995 , p115 , p132.‬‬

‫‪152‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تحقيق شروط اإلندماج الديمقراطي العادل للجماعات الثقافية المهمشة‬
‫إن تعريف اإلندماج الذي نعتمده في هذه الدراسة‪ ،‬هو مجرد واحد من عدة تعريفات لإلندماج التي‬
‫يمكن العثور عليها في األدب وعديد الوثائق القانونية والسياسية الدولية والوطنية‪ ،‬ومن بين هذه التعاريف‬
‫العديدة‪ ،‬نود أن نخص بالذكر تلك التي كانت مؤثرة جدا في تطوير مفهوم وسياسات التكامل في جميع‬
‫أنحاء العالم‪ ،‬وهو التعريف الذي قدمه المجلس اإلقتصادي واإلجتماعي الندماج المهاجرين عام ‪،2207‬‬
‫بوصفه عبارة عن تكامل‪ ،‬باعتباره "عملية تدريجية التي يصبح من خاللها السكان الجدد مشاركين‬
‫نشطين في المجاالت اإلقتصادية والشؤون اإلجتماعية والمدنية والثقافية والروحية للوطن الجديد‪ ،‬بل‬
‫هو عملية دينام يكية التي تثري القيم من خالل التعارف واإلقامة والتفاهم‪ ،‬وهو عملية يجد فيها كل من‬
‫المهاجرين وأبناء وطنهم فرصة تقديم مساهمات متميزة خاصة بهم"‪.‬‬
‫هذا التعريف يوضح جيدا الهدف المركزي لإلندماج‪ ،‬الذي يحل محل مفاهيم التفرقة ونماذج‬
‫وسياسات وممارسات العزل واإلستيعاب‪ ،‬في مختلف البيئات والعصور التاريخية‪ .‬فهذا المفهوم الحديث‬
‫ونماذجه قد وضعت مؤخ ار بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وخاصة منذ ‪ 2220‬و‪ ،2220‬بهدف توفير‬
‫األساس والظروف واإلطار للتعايش الطوعي وعلى قدم المساواة في بيئة تعددية‪.1‬‬
‫أما (‪ )Mitja Žagar‬فيعرف التكامل واإلندماج اإلجتماعي بوصفه "نموذج شامل للجميع‪ ،‬الذي‬
‫يعالج احتياجات ومصالـح األشخاص الـمنتمين إلى أقليات إثنية أو غيرها‪ ،‬بشكل فردي أو جـماعي"‪.‬‬
‫من خالل هذا المطلب سنحاول اإلشارة إلى أهم شروط اإلندماج الديمقراطي العادل‪ ،‬من خالل‬
‫التأكيد على ضرورة قيام اإلندماج على عناصر تمكين الجماعات الثقافية المهمشة (الفرع األول)‪ ،‬وأيضا‬
‫وجوب استهدافه جذب األقلية الثقافية باتجاه اإلدماج المؤسساتي (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬إندماج ديمقراطي قائم على عناصر تمكين الجماعات الثقافية المهمشة‬
‫يجب أن تكون مفاهيم الهوية الوطنية والتكامل و اإلندماج متسامحين وتعدديين بطبعهما؛ ألن‬
‫مفهوم اإلندماج الذي ينصب تركيزه على أهمية حقوق األقليات‪ ،‬يحتوي على عناصر تمكين الجماعات‬
‫الثقافية من المشاركة في المجتمع على قدم المساواة‪ ،‬مع الحفاظ على هويتها اإلثنية المتميزة‪.‬‬
‫هذا ما يخلص إليه نيكوليتش الذي يعتقد بأن "اإلندماج الناجح يتطلب وجود استعداد من األغلبية‬
‫واألقلية على حد السواء‪ ،‬وبالتالي فهو نهج ذو اتجاهين‪ ،‬تحتاج فيه األغلبية إلى أن تفهم أن اإلندماج‬
‫الناجح لألقلية هو في صالح المجتمع ككل‪ ،‬كونه يتيح سبل التنمية اإلجتماعية واإلقتصادية الشاملة‬
‫على نحو أفضل‪ ،‬في موازاة ذلك من المهم لجماعة األقلية أن تكون طرفا في بناء طريقها الخاص‬
‫للتمكين"‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Mitja Žagar: «Diversity management and integration: From ideas to concepts», European yearbook of‬‬
‫‪minority Issues, Vol 06, 2006, p 713.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p713 .‬‬
‫‪153‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫إذن‪ ،‬يمكن القول أن اإلندماج والتكامل اإلجتماعي هو عملية مستمرة من اإلدراج الطوعي‪ ،‬وعلى‬
‫قدم المساواة لجميع األفراد‪ ،‬وخاصة أولئك المهمشون مثل‪ :‬المهاجرين واألشخاص المنتمون إلى أقليات‬
‫إثنية أو غيرها من المجموعات اإلجتماعية التي تعاني الحرمان‪ .1‬وأسس هذه العملية التدريجية والمستمرة‬
‫هو حقوق اإلنسان ومبادئ الديمقراطية‪ ،‬التضامن‪ ،‬المساواة والعدالة‪ ،‬وسيادة القانون‪ ،‬كما أن الهدف‬
‫الرئيسي لها هو إدماج جميع األفراد خصوصا المهاجرين واألشخاص المنتمون إلى أقليات‪ ،‬في مجتمع‬
‫ديمقراطي يعترف بوجود جميع التنوعات ويدفع باإلحترام الكافي لهم‪.‬‬
‫لكن اإلعتراف بوضعها المختلف ومصالحها الخاصة‪ ،‬يتطلب أن ال تقتصر عملية التكامل على‬
‫ضمان اإلدراج على قدم المساواة في العمليات والعالقات اإلجتماعية‪ ،‬ولكن أيضا إنشاء مركزها‬
‫المتساوي‪ .‬وهو ما يتطلب أن ترتكز سياسات اإلندماج والتكامل على الفرد‪ ،‬وكذلك الجماعة‪ ،‬ويوجب‬
‫أيضا منع ومكافحة كل أشكال التمييز والتحيز واإلستبعاد اإلجتماعي والعزلة والتهميش لألفراد ومجموعات‬
‫األقليات باعتبارها مجتمعات متميزة‪ ،‬على حد السواء‪ ،‬وانفاذ القوانين المناهضة للتمييز‪ ،‬واجراء بعض‬
‫التعديالت في مؤسسات الثقافة السائدة بشكل يجعلها أكثر مالءمة لإلختالفات الثقافية الموجودة‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن عملية اإلندماج يجب أن توضح‪ ،‬تحدد‪ ،‬تطور‪ ،‬وتعزز التدابير والبرامج‬
‫واألنشطة والسياسات النشطة التي تسهل اإلندماج والتكامل على قدم المساواة ودون الضغوط اإلستيعابية‪،‬‬
‫وحتى تقوم على حقوق اإلنسان ينبغي أن تستند سياسات التكامل و اإلندماج على أعلى معايير حقوق‬
‫اإلنسان والحريات األساسية‪ ،‬بما في ذلك معايير حماية حقوق األقليات الفردية والجماعية‪ ،‬ومفاهيم‬
‫التعددية الثقافية‪.‬‬
‫من هنا فإن السياسات الديمقراطية الناجحة تتطلب بشكل عام‪ ،‬وسياسات التكامل الناجحة بشكل‬
‫خاص في المجتمعات المتنوعة‪ ،‬تتطلب دو ار فعاال من قبل الدولة التي ينبغي‪ -‬مع أخذ اإلحتماالت‬
‫والموارد والقدرات الموجودة بعين اإلعتبار‪ -‬أن تضمن وتعزز وتطور من الظروف المالئمة لإلندماج‬
‫الطوعي والشمولي‪ ،‬الكامل وعلى قدم المساواة لألفراد والمجتمعات المتميزة في جميع مجاالت الحياة‪ ،‬بما‬
‫يحقق أمنها المجتمعي وبشكل أعم أمنها اإلنساني‪.‬‬
‫ما يعني أن سياسات اإلندماج ينبغي أن تكون عمليات ديمقراطية مستمرة‪ ،‬تتطلب المشاركة‬
‫الدائمة والنشطة على قدم المساواة في جميع المجاالت‪ ،‬بما في ذلك المهاجرون واألشخاص المنتمون إلى‬
‫أقليات‪ ،‬في جميع المراحل‪ .‬و لكي تكون فعالة ومتكاملة تحتاج هذه السياسات إلى التطوير المستمر ما‬
‫يتطلب تحديثها وتنقيحها بناء على عملية التقييم‪ ،‬مع مراعاة التطورات والظروف والمصالح المتغيرة في‬
‫مجتمع معين‪ .‬ومن وجهة نظر (‪ )Mitja Žagar‬فإن سياسات التكامل واإلندماج الناجحة هي مكونات‬
‫وشروط رئيسية مسبقة إلدارة التنوع الثقافي في المجتمعات المتنوعة المعاصرة‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Mitja Žagar, Op Cit, pp 313-314.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p316.‬‬
‫‪154‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫في هذا السياق يمكن وصف إدارة التنوع باعتباره مجموعة من اإلستراتيجيات والسياسات والمفاهيم‬
‫والمناهج والبرامج والتدابير واألنشطة التي ينبغي لها أن تكفل المساواة‪ ،‬تكافؤ اإلمكانات‪ ،‬المشاركة‬
‫واإلندماج في جميع مجاالت الحياة االجتماعية واالقتصادية والسياسية (الحياة العامة والخاصة) لجميع‬
‫األفراد والجماعات داخل المجتمع‪ .‬وخاصة بالنسبة للمهاجرين واألشخاص المنتمون إلى أقليات واألفراد‬
‫المهمشون‪ ...‬وينبغي أن يتم ذلك بطريقة تمكن من الحفاظ على التعايش‪ ،‬وتطوير الخصائص الخاصة‬
‫للثقافات والهويات‪ ،‬ولكن أيضا تفاعلها وتعاونها‪ ،‬وتطويرها‪.‬‬

‫شكل رقم ‪ :80‬نمط التنوع الثقافي (كيملكا ‪)2882‬‬

‫التنوع الثقافي‬
‫(األكثر شيوعا)‬

‫صيغة اإلندماج‬

‫إلزامي (تلقائي)‬
‫احتياطي طوعي‬

‫المجموعات اإلثنية‬ ‫األقليات القومية‬

‫الحق في أن يصبح مواطن‬ ‫المشاركة في عملية تشكيل الدولة‬

‫مجموعات‬ ‫الغرباء‬ ‫األمم الفرعية‬ ‫الشعوب‬


‫المهاجرين‬ ‫للدولة‬ ‫األصلية‬

‫المصدر‪Heinz Kleger : Pawel Karolewski : «The theory of multiculturalism and cultural ( :‬‬
‫‪)diversity in cambodia», University patsdam ,Aaugust 2004 , p 16 .‬‬

‫‪155‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وبالتالي‪ ،‬ينبغي وضع التدابير والبرامج واألنشطة وتنفيذها من أجل منع اإلقصاء اإلجتماعي‬
‫والقوالب النمطية السلبية والتمييز والعنصرية وكراهية األجانب والظواهر السلبية من ناحية‪ ،‬ومن ناحية‬
‫أخرى تحفيز وتشجيع التسامح والتعاون على قدم المساواة‪ ،‬التعليم ما بين الثقافات ومعرفة أفضل للتنوعات‬
‫واإلندماج الطوعي على أساس اإلحترام واإلعتراف بالتنوع الثقافي‪.1‬‬
‫في األخير نخلص إلى أن إدارة التنوع الثقافي على أساس اإلعتراف واإلحترام يشكل أداة مفيدة‬
‫إلنشاء وتعزيز وتقوية التماسك اإلجتماعي في المجتمعات المتنوعة ثقافيا‪ ،‬في هذا السياق يجب أن توفر‬
‫إدارة التنوع التعبير الديمقراطي والمصالحة والتنسيق بين مصالح الجميع وصياغة المصالح المشتركة من‬
‫طرف الجميع‪ ،‬والتي هي جميعها أسس التماسك الداخلي الطويل األجل ووجود اإلستقرار وتنمية‬
‫المجتمعات المتنوعة‪.‬‬
‫واذا لم يكن هناك وجود لهذه المصالح المشتركة فسيقع عجز في التماسك اإلجتماعي قد يؤدي إلى‬
‫تصعيد التوترات واألزمات والصراعات وخاصة في الحاالت التي تشعر فيها بعض المجتمعات واألفراد‬
‫باإلستغالل والتمييز ضدهم‪ .‬وهو ما يتطلب استراتيجيات وقائية وتدابير وآليات تنجح في منع تصاعده‪،‬‬
‫مع اإلنتباه إلى إعادة بناء وتطوير اإلقتصاد والبنية التحتية واعادة تأهيل الشبكات والعالقات المدمرة‬
‫وتعزيز حقوق اإلنسان‪ ،‬والتحول الديمقراطي واستعادة الثقة وخلق الظروف المالئمة للتعايش المجتمعي‬
‫وصياغة مصالح مشتركة‪.2‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬جذب األقلية الثقافية باتجاه اإلندماج المؤسساتي‬


‫إن النجاح في تحقيق شروط اإلندماج الديمقراطي العادل للجماعات الثقافية داخل الدولة المتنوعة‬
‫الثقافات يتطلب منها النجاح أيضا في خلق هوية سياسية جامعة‪ ،‬والتي تتطلب بدورها التمكن من جذب‬
‫األقليات الثقافية التي تعاني الحرمان والظلم والتهميش باتجاه اإلندماج المؤسساتي‪.‬‬
‫هذا األخير يعمل وبمرور الزمن على توليد الشعور باإلنسجام أوالتطابق النفسي بين األقليات‬
‫والثقافة السائدة في المجتمع‪ ،‬حيث تعمل المؤسسات العامة على جمع المنتمين إلى شتى الجماعات‬
‫اإلثنية‪ ،‬فتكون ذوات امتدادات متشعبة‪ ،‬شاملة المجالين الشخصي والسياسي ألعضائها‪.‬‬
‫وعلى الصعيد الشخصي‪ ،‬نجد أن هذه المؤسسات تعنى بتالقي الناس مع أعضاء الجماعات اإلثنية‬
‫األخرى‪ ،‬فيعززون بذلك من عالقاتهم اإلثنية المتبادلة التي ترتبط على نحو وثيق الصلة بحياة هذه‬
‫الجماعات في وطنها الجديد‪ .‬أما على الصعيد السياسي‪ ،‬فتعنى تلك المؤسسات بتعليم الناس كيفية‬
‫التعامل والتفاوض في ما بينهم رغم اختالفهم الثقافي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Mitja Žagar: Op Cit, pp 320-323.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, pp 320-323.‬‬
‫‪156‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ما يمكن إيراده هنا هو أن الثقافات التي غالبا ما تتواجه وتحتك بعضها ببعض بشكل مستمر في‬
‫المجتمع المتنوع الثقافات‪ ،‬سواء أكان ذلك على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي أم في المجالين العام‬
‫منهما أو الخاص‪ ،‬ستميل بمرور الوقت إلى صو ثقافة ذات مكونات جديدة‪.‬‬

‫شكل رقم ‪ :80‬نموذجان ضمنيان للمجتمعات المتعددة‬

‫بوتقة اإلنصهار‬ ‫التعددية الثقافية‬


‫التيار الرئيس‬ ‫المجتمع األوسع‬
‫للمجتمع‬

‫مجموعات اإلقليات‬ ‫المجموعات‬


‫اإلثنوثقافية‬

‫المصدر‪John W . Berry :« Integration and multiculturalism : Ways towards social ( :‬‬


‫‪)solidarity» , Papers on social representations, Volume 20, 2011 , p 24.‬‬

‫هذه الثقافة الجديدة ال تجسد مجرد قاسم مشترك بين تلك الثقافات التقليدية القائمة‪ ،‬كما أنها ليست‬
‫مجرد مجموعة من المعتقدات والممارسات المنتقاة بصورة عشوائية‪ ،‬بل هي ثقافة متميزة‪ ،‬وذات تكوين‬
‫مستقل بذاته ومتحرر من مصادر تكوينها الى حد ما‪ ،‬فما إن تتطور حتى تشكل األساس الذي تستند إليه‬
‫مكوناتها في تفاعلها مع بعضها البعض‪ ،‬فتساعد بذلك في خلق حياة أخالقية مشتركة‪ ،‬تعمل على تكوين‬
‫بنية من المبادئ المشتركة‪ ،‬تنتهي ربما‪ ،‬إلى تشكيل السياسات والخطاب السياسي‪.1‬‬
‫معنى ذلك‪ ،‬أن "اإلندماج المؤسساتي‪ ،‬وبتأثير عامل الزمن‪ ،‬سيفضي إلى بلورة مزاج عام بين‬
‫الجماعات الثقافية التي تعيش على رقعة جغرافية معينة‪ ،‬بحيث يتحول هذا المزاج العام بمرور الزمن من‬
‫كونه مجموعة من الخصائص التي تتقاسمها هذه الجماعات وما تعلق منها بعادات المأكل والملبس‬
‫والمسكن‪ ،‬إلى ثقافة مشتركة تتعايش بموجبها الجماعات الثقافية‪ ،‬فيتكون لدى أعضائها حس اإلنتماء إلى‬
‫وطن مشترك ومؤسسات سياسية مشتركة"‪.‬‬
‫في ضوء ذلك‪ ،‬يغدو باإلمكان جعل التنوع الثقافي سبيال إلى الوحدة واإلنسجام بين المكونات‬
‫اإلجتماعية‪ ،‬وذلك من خالل تعزيزه مؤسساتيا‪ ،‬واشعار األقلية باألمان‪ ،‬وتوفير سبل اإلندماج السلمي في‬
‫المجتمع‪ ،‬فتكون تلك الثقافة المشتركة بمثابة حلقة الوصل بين ثقافة األقلية وثقافة األكثرية المهيمنة‪ .‬ومع‬

‫‪1‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.727-722‬‬


‫‪157‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ازدياد نطاق تلك الثقافة المشتركة ورسوخها بتأثير عامل الزمن‪ ،‬ستختفي تدريجيا وضعية األكثرية‪-‬‬
‫األقلية‪ ،‬لنكون أمام واقع قائم على أساس الهوية المشتركة‪ ،‬التي تعبر عن جميع مكوناتها‪ ،‬دون فقدان‬
‫األخيرة خصوصياتها الثقافية‪.1‬‬

‫شكل رقم ‪ :08‬استراتيجيات المجموعات اإلثنوثقافية والمجتمع األوسع‬

‫القضية ‪ :10‬صيانة تراث الثقافة والهوية‬

‫القضية ‪:10‬‬
‫العالقة بين‬
‫المجموعة‬

‫التكامل‬ ‫االستيعاب‬ ‫بوتقة‬


‫التعددية الثقافية‬
‫اإلنصهار‬
‫التهميش‬ ‫الفصل‬ ‫اإلقصاء‬
‫الفصل‬

‫استراتيجيات الجماعات اإلثنوثقافية‬ ‫استراتيجيات المجتمع األوسع‬

‫المصدر‪)John W . Berry: Op Cit, p 25 ( :‬‬

‫بعبارات أخرى‪ ،‬وفي ما يتعلق بالجماعات اإلثنية‪ ،‬يغدو اإلندماج متمثال في ذلك النطاق الذي‬
‫يمكن فيه للمهاجرين ومن ينحدر من نسلهم أن يندمجوا في الثقافة المجتمعية السائدة‪ ،‬بحيث تعبر األخيرة‬
‫عن فرصهم واختياراتهم في الحياة بحكم كونها وثيقة الصلة بالمشاركة في المؤسسات المجتمعية‪ ،‬التي‬
‫تستند بدورها إلى لغة مشتركة تتميز بها الثقافة المجتمعية السائدة دون غيرها‪.‬‬
‫أما بخصوص األقليات القومية‪ ،‬فمن المهم مالحظة أنه ال ينبغي قيام الحكومات بتشجيع ثقافة‬
‫مجتمعية واحدة؛ إذ بإمكانها القيام بتشجيع فكرة اإلحتفاظ بثقافتين مجتمعيتين أو أكثر داخل الدولة‬
‫الواحدة‪.2‬‬
‫أما بالنسبة للـجماعات الـمهاجرة التي لم تـجد ُب ًّدا سوى اإلندماج في ثقافة األكثرية الـمهيمنة‪ ،‬إما‬
‫بــحكم كونـها ثقافة جذابة ومالئمة بالنسبة إليها‪ ،‬أو ألنـها في غالبها تكون صغيرة الـحجم ومشتتة داخل‬
‫إقليم الدولة‪ ،‬ما يـجعل أملها في بعث ثقافاتـها الـمجتمعية األصلية داخل وطنها الـجديد أم ار شبه مستحيل‪.‬‬

‫‪1‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.727-722‬‬


‫‪2‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.702‬‬
‫‪158‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وبالرغم من تقبل معظم أفرادها‪ ،‬لفكرة توقف فرص حياتـهم وحياة أبنائهم‪ ،‬على اإلنـخراط في‬
‫مؤسسات الثقافة السائدة والعاملة بلغة األكثرية‪ ،‬إال أنـها في الوقت نفسه لـم تتخل عن هوياتـها األصلية‪،‬‬
‫ما أدى إلى بروز اتـجاه جديد ومتنام في التعامل مع مثل هذه الـجماعات‪ ،‬منذ سبعينات القرن الـماضي‪،‬‬
‫وهو إتـجاه قائم على فكرة مفادها أن نـموذج اإلستيعاب القسري هو نـموذج غير واقعي وغير عادل؛ فعدم‬
‫إيالئه اإلهتمام لـمقدار الضغوط التي تـمارسها الدولة‪ -‬األمة في سبيل تـحقيق هدف اإلستيعاب‪ ،‬جعله‬
‫غير واقعي‪ ،‬خاصة وأن المهاجرين لن يتخلوا أصال عن هوياتـهم الـمميزة‪.1‬‬
‫كما جعله أيضا أم ار غير ضروري‪ ،‬مثلما يؤكد عليه الواقع العملي الذي يفيد بأن الـمهاجرين الذين‬
‫يتسمون بقوة شعورهم بالـهوية والكرامة اإلثنية‪ ،‬قد ال يكونون مواطنين مـخلصين وأفرادا منتجيـن‪.2‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬فإن الضغوط الـممارسة في سبيل استيعابـهم تعد في الـحقيقة ظلما بعينه‪ ،‬ما‬
‫يـجعل من اإلندماج عملية اضطهادية‪ ،‬خاصة وأن عدم قدرة الـمهاجرين على انتهاج مشروع بناء أمة‬
‫خاص بـهم‪ ،‬هو ما يدفعهم في الواقع نـحو اإلندماج جهد إمكانـهم‪ .‬لذا يغدو من اإلنصاف أن تقوم الدولة‬
‫بالتقليل من أعباء وشروط اإلندماج الـمفروضة عليهم‪ ،‬من قبيل إتقان اللغة الرسمية‪ ،‬ومدة اإلستقرار‬
‫والتوطن في إقليم الدولة وغيرها‪.‬‬
‫وبغية تحقيق ذلك‪ ،‬يؤكد كيملكا على ضرورة تبني اثني عشر شكال من أشكال سياسة التعددية‬
‫الثقافية تجاه الـمهاجرين‪ ،3‬وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪ -2‬اعتماد سياسة التفضيل اإليـجابي‪ ،‬الـهادفة إلى زيادة تـمثيل الـجماعات الـمهاجرة في معظم‬
‫الـمؤسسات التعليمية واإلقتصادية؛‬
‫‪ -7‬حجز عدد معين من الـمقاعد لصالـح الـجماعات الـمهاجرة‪ ،‬في الـهيئات التشريعية والـهيئات‬
‫اإلستشارية الحكومية؛‬
‫‪ -2‬مراجعة وتنقيح مناهج التدريس‪ ،‬من أجل منح اعتراف أكبـر باإلسهامات التاريـخية والثقافية‬
‫للجماعات الـمهاجرة؛‬
‫‪ -3‬مراجعة برامج العمل والتوظيف‪ ،‬وجعلها مرنة حتى تتالءم مع العطل الدينية للمهاجرين؛‬
‫‪ -0‬مراجعة قوانين الـملبس لكي تنسجم مع الـمعتقدات الدينية للمهاجرين؛‬
‫‪ -2‬تبني برامج تعليمية مناهضة للعنصرية؛‬
‫‪ -2‬انتهاج قوانين صارمة في الـمدارس وأماكن العمل تكون ذات صلة بـمنع استخدام العبارات‬
‫العنصرية؛‬

‫‪1‬‬
‫‪Marjorie Stone: Helene distemper: John foot: M. Sharon Jeannotte:« Immigrants and cultural citizenship:‬‬
‫‪Rights, Responsibilities and indicator», Atlantic Metropolis Centre, Working paper Series, No.06, 2007.‬‬
‫‪ 2‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.722‬‬
‫‪ 3‬ويل كيملكا‪ :‬ترجمة‪ :‬إمام عبد الفتاح إمام‪« :‬أوديسا التعددية الثقافية‪ :‬سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع»‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫‪159‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ -2‬إلزام العاملين في الدوائر الرسـمية بالدخول في دورات تدريبية بخصوص تنوع العادات‬
‫والتقاليد والثقافات‪ ،‬كي يتمكن العاملون وخصوصا في مـجالي الشرطة وخدمات الـرعاية‬
‫الصحية‪ ،‬من فهم وتبين طبيعة حاجات الـمهاجرين والـخالفات الـموجودة بين العائالت الـمهاجرة؛‬
‫‪ -2‬انتهاج ارشادات رسـمية للحد من وجود الصور النمطية في وسائل اإلعالم؛‬
‫‪ -20‬قيام الـحكومة بتمويل الـمهرجانات اإلثنية الثقافية وبرامج الدراسات اإلثنية؛‬
‫‪ -22‬استخدام اللغة األم حين تقديم الخدمات العامة للمهاجرين البالغين‪ ،‬بدال من مطالبتهم بتعلم‬
‫اللغة الرسـمية باعتباره شرطا مسبقا للحصول على هذه الخدمات؛‬
‫‪ -27‬توفير برامج تعليمية ثنائية اللغة ألطفال الـمهاجرين‪ ،‬بـحيث يتم تعليمهم في السنوات األولى‬
‫من الدراسة وفقا للغتهم األصلية ولو بشكل جزئي‪ ،‬ليكون ذلك بمثابة مرحلة انتقالية إلى الدراسة‬
‫الثانوية وما بعدها‪ ،‬حين يتم فيها استخدام اللغة الرسـمية بشكل مقصود؛‬
‫مـما سبق ذكره‪ ،‬يتجلى لنا أن سياسة التعددية الثقافية تـجاه الـمهاجرين تستهدف باألساس تحقيق‬
‫اإلندماج‪ ،‬ولكن عبر سبيل التكيف مع التنوع الثقافي الـموجود‪ ،‬ال استيعابـه قسرا‪ ،‬وذلك من خالل تـمكين‬
‫الـمهاجرين من التأقلم التدريـجي مع بيئة الوطن الـجديد‪ ،‬ثـم دفعهم للمشاركة في مؤسساته السياسية‬
‫والتعليمية‪ ،‬التي بدورها تأخذ بعين اإلعتبار تباين الـمهاجرين ثقافيا‪ ،‬وتتكيف معهم على هذا األساس‪.1‬‬
‫وهنا يمكن أن نلحظ أن سياسة التعددية الثقافية تلك هي في واقع األمر سياسة "تجميعية أو‬
‫مختلطة"؛ وهي تتسم بهذا الوصف من زاويتين أساسيتين‪:‬‬
‫‪ -0‬عدم استهدافها فصل األقلية عن الـمجتمع األكبر‪ ،‬وانـما دفعها نـحو الـمشاركة في مؤسساته‪،‬‬
‫بشكل يؤدي إلى التجميع والتوحيد بين األقلية واألكثرية‪ ،‬أي تـحقيق "الوحدة في التنوع"‪.‬‬
‫‪ -2‬عملها على تعزيز التعددية داخل نطاق الـجماعات الـمهاجرة نفسها؛ فحين تقوم الدول‬
‫بتعزيز اإلندماج في الـمجتمع المدني‪ ،‬وتشجع الناس على التفاعل بطريقة ال تـمييزية مع‬
‫أعضاء الـجماعات اإلثنية األخرى‪ ،‬فإنـها بذلك ال تـحمي الـجماعات الـمهاجرة وحسب‪ ،‬بل‬
‫تقوم أيضا بتعزيز نطاق قدرة األخيرة في الـمحافظة على خصوصياتـها الثقافية؛ فعدم انتهاج‬
‫التمييز العرقي في المجتمع الـمدني يلقي بداللته عن أن الـحدود الثقافية بين الجماعات متجهة‬
‫صوب اإلضمحالل‪ ،‬بـحيث أن أعضاء جـماعة إثنية سوف يتجمعون ويتصرفون بصورة ودية‬
‫مع أعضاء الـجماعات األخرى‪ ،‬ويتبنون هويات ومـمارسات ثقافية جديدة‪.2‬‬

‫‪ 1‬ويل كيملكا‪ :‬ترجمة‪ :‬إمام عبد الفتاح إمام‪« :‬أوديسا التعددية الثقافية‪ :‬سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع»‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.722‬‬
‫‪ 2‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.722‬‬
‫‪160‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫في هذا السياق‪ ،‬تبين خبرة ثالثين عاما في مـمارسة سياسة التعددية الثقافية‪ ،‬أن الـمهاجرين‬
‫يندمـجون بسرعة أكبر في الدول التي تنتهج هذه السياسة رسـميا‪ ،‬مثل كندا وأستراليا‪ ،‬مقارنة بالدول التي‬
‫ال تعتمدها‪ ،‬مثل الواليات الـمتحدة وفرنسا‪.‬‬
‫كما لوحظ في هذا الشأن أن الـمهاجرين ال يندمـجون مؤسساتيا فحسب‪ ،‬بل يغدون أيضا مشاركين‬
‫فاعلين في العملية السياسية‪ ،‬كما يظهرون التزاما كبي ار بـحماية استقرار مؤسسات الثقافة السائدة‪ ،‬فضال‬
‫على التمسك بالقيم الديمقراطية‪.1‬‬
‫إلى جانب ذلك‪ ،‬فإن أيا من تلك اآلليات ال تمنح الجماعات المهاجرة سلطة تقييد حرية أعضائها‬
‫وحقوقهم‪ ،‬وبالتالي فهي تعمل على زيادة انـخراط الـمهاجرين في مؤسسات الثقافة المهيمنة (مثل سياسة‬
‫التفضيل اإليجابي)‪ ،‬والـحد من التصرفات القائمة على التمييز العرقي أو التعصب‪ 2‬داخل المؤسسات‬
‫(مثل قوانين منع المضايقة العرقية‪ ،‬وارشادات وسائل اإلعالم)‪ ،‬فضال على إسهام سياسة التعددية الثقافية‬
‫في زيادة الوعي داخل المؤسسات الرسمية بأهمية التباينات الثقافية (مثل تدريسها لعناصر الشرطة‬
‫وموظفي الرعاية الصحية)‪.‬‬
‫ومن ثم يتركز واجب هذه السياسة على تنظيم العالقات بين الـجماعات اإلجتماعية‪ ،‬بـحيث تنظم الكيفية‬
‫التي ينبغ ي أن تعامل األكثرية الـمهيمنة بـها األقلية‪ ،‬لتهدف من وراء ذلك إلى تحقيق اإلنصاف ما بين‬
‫الجماعات‪.3‬‬
‫كما يضاف إلى ذلك كله‪ ،‬أن سياسة التعددية الثقافية تجاه المهاجرين هي في حقيقة األمر تعبيـر‬
‫عن مطالب الـمهاجرين أنفسهم‪ ،‬بتعديل شروط اندماجهم ال معارضة اإلندماج في حد ذاتـه؛ وهنا تتجسد‬
‫مطالبهم بإحداث التغيير الـمؤسساتي من داخل مؤسسات الدولة؛ كالـمدارس والـمحاكم وقوى الشرطة‬
‫ووكاالت الرعاية اإلجتماعية‪ ،‬وذلك بأن تتيح مجاال أرحب للتعبير عن الخصوصيات اإلثنية الثقافية‪،‬‬
‫بالشكل الذي يولد الشعور لدى الـمهاجرين بأنـهم في موطنهم‪ ،‬وهو ما يدفعهم إلى الـمشاركة الفاعلة في‬
‫مؤسسات الثقافة السائدة‪ ،4‬ويحقق أمنهم المجتمعي‪.‬‬

‫‪ 1‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.272‬‬


‫‪2‬‬
‫‪John A . Perry and Erna K. Perry: «Contemporary society: An introduction to social science», 11 ed,‬‬
‫‪Boston, MA: Pearson education INC, 2006, pp 190-192.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Kymlika: «Nation- building and minority rights: Comparing west and east», Journal of ethnic and‬‬
‫‪migration studies, vol 26, No.2, April 2000, p192.‬‬
‫‪ 4‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.285‬‬
‫‪161‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫مخطط رقم ‪ :11‬عملية التكامل ونموذج من سياسة التكامل‬

‫عملية التكامل (‪)I‬‬ ‫سياسة التكامل (‪)IP‬‬

‫مبادئ ‪ I‬و‪IP‬‬ ‫أهداف ‪ I‬و‪IP‬‬

‫اإلطار‬ ‫اإلطار‬ ‫المجموعات‬ ‫القضايا والمجاالت‬


‫القانوني‬ ‫المؤسسي‬ ‫المستهدفة‬ ‫الرئيسية لـ ‪ I‬و‪IP‬‬

‫برنامج التدابير واألنشطة‬


‫السياسات‬ ‫السياسات‬
‫العامة‬ ‫الخاصة‬

‫تطبيق‬

‫رصد وتقييم‬
‫ميكانيزمات‬
‫وإجراءات‬
‫تطوير‪ ،‬تحسين‪،‬‬
‫تغيير وفعالية‬
‫أفضل لـ ‪ I‬و‪IP‬‬

‫المصدر‪)Mitja Žagar: Op Cit, p 324.( :‬‬

‫‪162‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫مخطط رقم ‪: 10‬القضايا الرئيسية للتكامل‬


‫وسياسات التكامل‬

‫المجاالت والقضايا‬
‫الرئيسية للتكامل‬
‫وسياسات التكامل‬

‫الدعم والمساعدة‬ ‫الرعاية الصحية‬ ‫التعليم‬ ‫الثقافة‬ ‫إدارة التنوع‪ ،‬منع‬


‫األولية الفورية‬ ‫والضمان‬ ‫وإدارة وحل‬
‫للمهاجرين وقت‬ ‫اإلجتماعي‬ ‫األزمات‬
‫وصولهم‬ ‫والصراعات (بما‬
‫في ذلك التدابير‬
‫واآلليات‬
‫واإلجراءات‬
‫والمؤسسات)‬
‫اإلدماج‬ ‫اإلسكان‬ ‫المشاركة‬
‫اإلقتصادي‬ ‫السياسية‬
‫والمشاركة في‬
‫جميع المجاالت‬
‫األخرى‬

‫المصدر‪)Mitja Žagar, Op Cit, p 324( :‬‬

‫‪163‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المطلب الرابع‪ :‬اآلليات الدولية واإلقليمية المساعدة على الدفع نحو البناء الديمقراطي التعددي‬
‫إن اآللية المطلوبة كأساس لرعاية وصون حقوق اإلنسان عامة‪ ،‬و حماية الحق في التنوع الثقافي‬
‫والدفع نحو تحقيق األمن الثقافي‪ ،‬هي منظمة األمم المتحدة التي تقوم على ضرورة بناء السالم العالمي‪،‬‬
‫عبر عمليات شاملة تتصدى بالدرجة األولى لإلنتهاكات التي تتسبب في نشر القلق والخوف وتهدد األمن‬
‫والسالم على الصعيدين العالمي واإلقليمي‪.1‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فهي تخص هذه الحقوق بمكانة مركزية ضمن عمل المنظمة وتفرض إلتزامات على‬
‫جميع الدول األعضاء بها‪ ،‬وهي ال تختص بحماية هذه الحقوق في الوقت الحاضر فقط‪ ،‬وانما تستوجب‬
‫رعايتها حماية لألجيال القادمة أيضا‪.‬‬
‫وقد سعت األمم المتحدة الى استحداث وانشاء آليات تتصدى من خاللها النتهاكات حقوق اإلنسان‪ ،‬والتي‬
‫اعتبرنا أنها نفس آليات حماية الحق في التنوع الثقافي‪ ،‬وهي عبارة عن مؤسسات أنشأتها عن طريق‬
‫ق اررات داخلية صادرة عن أجهزتها وهي تابعة لها‪ ،‬باإلضافة الى العديد من الهيئات االتفاقية التي أنشأت‬
‫استنادا إلى اتفاقيات حقوق اإلنسان‪ ،‬بمقتضى إرادة الدول األطراف فيها‪ ،‬وهي تعنى فقط برصد ورقابة‬
‫وتنفيذ اإلتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان‪.2‬‬
‫وهنا تبدو كل من هيئات ولجان األمم المتحدة ووكاالتها المتخصصة كأهم اآلليات التي تؤثر بوسائلها‬
‫على كيفية قيام الحكومات بصياغة وتنفيذ القواعد المحددة لوسائل الحماية السياسية اإلقتصادية‬
‫اإلجتماعية والقانونية للحقوق‪ ،‬واتاحة الفرص‪ ،‬والتي تقع على عاتقها إمكانية تقديم الدعم القوي والمستديم‬
‫لفكرة اعتماد الحق في التنوع الثقافي وحتى الحق في األمن الثقافي مستقبال‪ ،‬وتحقيق األمن اإلنساني‪.3‬‬
‫وقد شهد القانون الدولي في العقود الثالثة الماضية تطو ار ايجابيا فيما يتعلق بحقوق األقليات‪،‬‬
‫حيث غطت العديد من المعاهدات واالتفاقيات الدولية ميدان عدم التمييز تغطية جيدة‪ .‬وحظيت "الحقوق‬
‫الخاصة" باهتمام كبير‪ ،‬وخصوصا بعد إبرام "إعالن حقوق االشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية‬
‫أو أقليات دينية أو لغوية" الذي اعتمدته الجمعية العامة لألمم المتحدة في دورتها ‪ 32‬برقم ‪ 220‬في ‪22‬‬
‫ديسمبر ‪ .2227‬وتجلى األمر على نحو أفضل بإنشاء الفريق العامل المعني باألقليات عام ‪،2220‬‬
‫وذلك اعتمادا على ضرورة إيالء اإلهتمام الواجب للحقوق الثقافية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫هيثم مناع‪« ،‬اإلمعان في حقوق اإلنسان»‪ ،‬موسوعة عالمية مختصرة‪ ،‬لبنان‪ :‬األهالي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،7000‬ص ‪.222‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد يوسف علوان‪ :‬محمد خليل موسى‪« :‬القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ ،‬المصادر والوسائل»‪ ، ،‬الجزء األول‪ ،‬عمان‪ :‬دار‬
‫الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬اإلصدار األول‪ ،7000 ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬اإلصدار الثاني‪ ،7002 ،‬ص ‪.732‬‬
‫‪3‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير لجنة التمكين القانوني للفقراء القانون في خدمة الجميع»‪ ،‬نييورك‪ ،7002 ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪164‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ومع أن تعريف األقلية ليس محل إجماع‪ ،‬بل يثير الكثير من اإللتباس والجدل‪ ،‬إال ان التوصيف الوارد‬
‫في اإلعالن‪ ،‬أو مقاربته بخصوص األقليات أو الجماعات القومية واإلثنية والدينية يكاد يكون األقرب إلى‬
‫تحديد مفهوم األقلية‪.1‬‬
‫وتلزم المادة ‪ 72‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الدول بحماية الحق في الثقافة‪ ،‬وال‬
‫يعفى ذلك دولة من الدول من اإللتزام بهذه الحقوق اعترافها او عدم اعترافها رسميا بوجود أقلية من‬
‫األقليات‪.2‬‬
‫من هنا‪ ،‬سنعمد إلى تقسيم هذا المطلب إلى فرعين أساسين؛ نتناول في األول الدور الذي يمكن‬
‫أن تلعبه اآلليات الدولية في الدفع باتجاه تجسيد البناء الديمقراطي التعددي على أرض الواقع‪ ،‬في حين‬
‫سنخص الفرع الثاني للبحث في الدور الذي يمكن أن تؤديه اآلليات اإلقليمية في هذا الصدد‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬اآلليات الدولية المساعدة على الدفع نحو البناء الديمقراطي التعددي‬
‫تختص كل دولة داخل اقليمها مبدئيا بتطبيق الصكوك الدولية لحقوق اإلنسان في إطار ممارستها‬
‫لسيادتها؛ أي أنها هي التي تمتلك الصالحية لتحديد نوع سلوكها إزاء مواطنيها واألشخاص الموجودين‬
‫على اقليمها‪ .‬غير ان هذا السلوك اصببح يخضع حاليا لرقابة دولية؛ بهدف رصد مدى تطبيق االلتزامات‬
‫التي تعهدت بها الدولة المعنية‪ ،‬ولتجنيبها الوقوع في خروقات لحقوق اإلنسان قد تعرض أمنها المجتمعي‬
‫للخطر‪.‬‬
‫ومن المؤكد أنه ال يكفي الحديث عن توفير حماية لحقوق اإلنسان بإبرام اتفاقيات أو إصدار ق اررات‬
‫فحسب‪ ،‬وانما ال بد من إرساء أجهزة وآليات تتولى وظيفة التحقق من مراعاتها؛ وال تكفي صياغة مجموعة‬
‫من المبادئ والقواعد القانونية إن لم تصاحبها إجراءات لضمان تنفيذها‪ .‬وعلى الصعيد العالمي أدت‬
‫منظمة األمم المتحدة‪ ،‬منذ تأسيسها العام ‪ ،2230‬دو ار أساسيا وفعاال في ميدان النهوض بحقوق اإلنسان‬
‫وحمايتها‪ ،‬ووضعت من أجل ذلك معايير وأحدثت أجهزة وآليات‪.3‬‬
‫ولتعزيز هذه الحماية على الصعيد اإلقليمي؛ قام عدد من المنظمات الدولية اإلقليمية بدور مكمل‪ ،‬وأحيانا‬
‫بدور فعال لضمان احترام حقوق اإلنسان‪ ،‬إذ وفرت هذه األخيرة اإلطار المناسب واألقرب إلرساء أنظمة‬
‫إقليمية لحماية حقوق اإلنسان‪ .4‬وهكذا في إطار منظمة مجلس أوروبا تم إقرار االتفاقية األوروبية لحقوق‬
‫اإلنسان لسنة ‪ 2200‬والميثاق االجتماعي األوروبي لسنة ‪ ،2222‬وفي إطار منظمة الدول األمريكية‬

‫‪1‬‬
‫ممدوح سالم‪« :‬الحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية في العالم العربي»‪ ،‬أعمال الندوة العربية حول تفعيل العهد الدولي للحقوق‬
‫اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪ ،‬الدار البيضاء‪ 22-22 ،‬يوليو‪/‬تموز ‪ ،‬المنظمة العربية لحقوق اإلنسان‪ ،7002 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪2‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪3‬‬
‫أحمد أبو الوفا‪« :‬الحماية الدولية لحقوق اإلنسان»‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،7000 ،‬ص ص ‪.227-222‬‬
‫‪4‬‬
‫أحمد الرشيدي‪ «:‬حقوق اإلنسان»‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،7000 ،‬ص ‪.270‬‬
‫‪165‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫اعتمدت اإلتفاقية األمريكية لحقوق اإلنسان لسنة ‪ ،2222‬أما في إطار اإلتحاد اإلفريقي (منظمة الوحدة‬
‫اإلفريقية) فقد أقر الميثاق اإلفريقي لحقوق اإلنسان والشعوب لسنة ‪.12222‬‬

‫أوال‪ :‬مجلس حقوق اإلنسان‬


‫يعتبر مجلس حقوق اإلنسان الذي أنشأ بموجب قرار الجمعية العامة ‪ ،702/20‬المؤرخ في ‪ 20‬مارس‬
‫‪ ، 7002‬هيئة حكومية دولية رئيسية في األمم المتحدة‪ ،‬الموكل إليها حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬وهو هيئة‬
‫فرعية تابعة للجمعية العامة‪ ،‬خالفا لمركز لجنة حقوق اإلنسان سابقا‪ ،‬التي كانت تابعة للمجلس‬
‫اإلقتصادي واإلجتماعي‪.‬‬
‫ويجتمع هذا المجلس في ثالث دورات سنويا على األقل‪ ،‬فهو المسؤول عن تعزيز اإلحترام العالمي لحقوق‬
‫اإلنسان والحريات األساسية‪ .2‬كما أنه يمارس كافة اختصاصات لجنة حقوق اإلنسان وآلياتها ووظائفها‬
‫ومسؤولياتها وملزم بمراجعتها من أجل تحسينها وترشيدها‪ ،‬مما يعني أن المجلس يعتمد بدوره على آلية‬
‫التقارير والشكاوى والبالغات المعمول بها سابقا من قبل لجنة حقوق اإلنسان‪ ،‬إال أنه يزيد عليها في‬
‫استحداثه آلية جديدة تتمثل في "اإلستعراض الدوري الشامل "‪ 3‬؛ حيث يستعرض بشكل دوري وشامل‬
‫وموثق مدى وفاء كل الدول االعضاء بالتزاماتها وتعهداتها في مجال حقوق االنسان على نحو من‬
‫المساواة والعدالة‪.4‬‬
‫بالنسبة آللية التقارير التي تقدم للمجلس اإلقتصادي واإلجتماعي‪ ،‬فهي تشكل وسيلة ضغط‬
‫سياسية مؤثرة؛ للعبها دور في إبراز العيوب القانونية على مستوى النظم المحلية الوطنية‪ ،‬وأيضا الحتوائها‬
‫على نظام إشرافي تكون مهمته السهر على متابعة تطبيق اتفاقيات حقوق اإلنسان‪ ،‬وبذلك فهي كثي ار ما‬
‫تدفع الدول إلى استحداث السياسات العامة وجعلها متوافقة مع أهداف منظمة األمم المتحدة‪ ،‬وبالتالي‬
‫يمكنها أن تساهم في إعمال الحق في التنوع الثقافي الذي يعد شرطا لتحقيق األمن المجتمعي‪ ،‬خاصة وأن‬
‫التقارير الشاملة التي يتم إعدادها لتقييم مدى تمتع األفراد بحقوقهم اإلنسانية وجرد الصعوبات التي تواجه‬
‫عملية تنفيذ كل حق من هذه الحقوق ومحاولة معالجتها‪ ،‬يوفر أساسا متينا تستند عليه الدول في رسم‬
‫سيسات في صالح حقوق اإلنسان بما فيها الحقوق الثقافية‪ ،‬واعادة تعديل التشريعات ذات الصلة‪ ،‬بشكل‬
‫يرتقي بهذه الحقوق إلى مستوى التنفيذ‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد األزعر‪« :‬حقوق اإلنسان بين النظامين العربي واإلفريقي»‪ ،‬شؤون عربية‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2220‬ص ‪.02‬‬
‫‪2‬‬
‫«مجلس حقوق اإلنسان»‪ ،‬الفصل الرابع‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫كلود زانغي‪ :‬محمد بجاوي‪« :‬الحماية الدولية لحقوق اإلنسان»‪ ،‬لبنان‪ :‬مكتبة لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،7002 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪4‬‬
‫مازن ليلو راضي‪ :‬حيدر أدهم عبد الهادي‪« :‬المدخل لدراسة حقوق اإلنسان»‪ ،‬األردن‪ :‬دار قنديل‪ ،7002 ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪5‬‬
‫عبد الرحيم محمد الكاشف‪« :‬الرقابة الدولية على تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية»‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫‪ ،7002‬ص ‪.700‬‬
‫‪166‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫أما بالنسبة لآللية المستحدثة من قبل مجلس حقوق اإلنسان والمتجسدة في آلية اإلستعراض‬
‫الدوري الشامل‪ ،‬فتتمثل مهمتها في متابعة استعراض أوضاع حقوق اإلنسان في كل دولة عضو في األمم‬
‫المتحدة‪ ،‬بشكل دوري محدد ب ـ أربع سنوات‪ ،‬الهدف منها كشف الحقائق المتعلقة بانتهاكات حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬باإلضافة إلى بيان سبل تأهيل الضحايا من أجل تقوية القانون ونظم العدالة الوطنية‪ ،‬عن طريق‬
‫إصدار توصيات مقدمة من طرف كل لجان األمم المتحدة المنشأة بموجب اإلتفاقيات‪ ،‬مع مساهمة‬
‫المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية لحقوق اإلنسان وأصحاب المصلحة‪.1‬‬
‫كما تستهدف أيضا تقديم المساعدة في إعادة صياغة القوانين في اتجاه التكريس الحقيقي لإلمتثال لتلك‬
‫اإللتزامات‪ ،‬وتوفير التدريب لمسؤولي الحكومة وغيرهم من أجل تنفيذ اإللتزامات‪ ،‬والمساعدة على إجراء‬
‫تقديرات لتكلفة اإلحتياجات‪ ،‬والمساعدة في التقدم بطلبات للحصول على مساعدة دولية‪.‬‬
‫كما استحدثت والية الفريق العامل المعني باألقليات الذي قامت بإنشائه اللجنة الفرعية لتعزيز‬
‫وحماية حقوق اإلنسان عام ‪ ، 2220‬لدراسة طرق ووسائل تعزيز وحماية حقوق األشخاص المنتمين إلى‬
‫أقليات على النحو المبين في إعالن األمم المتحدة الخاص بحقوق االشخاص المنتمين إلى أقليات قومية‬
‫أو إثنية والى أقليات دينية ولغوية ‪ . 2227‬ومن بين المهام الرئيسية المنوطة به نذكر‪:2‬‬
‫‪ -‬استعراض تعزيز إعالن األقليات وتحقيقه عمليا‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة الحلول الممكنة للمشاكل المتصلة باألقليات‪ ،‬بما في ذلك تعزيز التفاهم المتبادل‬
‫فيما بين األقليات وبين األقليات والحكومات‪ ،‬دور المؤسسات الوطنية لحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫دور وسائل اإلعالم في حماية األقليات‪ ،‬فوائد اإلستقالل الذاتي والترتيبات التكاملية‬
‫لتشجيع زيادة احترام حقوق األقليات‪.‬‬
‫‪ -‬التوصية بمزيد من التدابير‪ ،‬حسب اإلقتضاء‪ ،‬لتعزيز وحماية حقوق األشخاص المنتمين‬
‫إلى أقليات‪.‬‬
‫‪ -‬تعميق الوعي بمختلف وجهات النظر المتعلقة بقضايا األقليات‪ ،‬وزيادة التفاهم والتسامح‬
‫المتبادلين فيما بين األقليات وبين األقليات والحكومات‪.‬‬
‫‪ -‬يتيح الفريق العامل منتدى لتشجيع الحلول السلمية والبناءة للمشكالت المتعلقة باألقليات‪،‬‬
‫وتطبيق المبادئ الواردة في إعالن األقليات ومعناها ونطاقها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫«حقائق أساسية عن اإلستعراض الدوري الشامل»‪.‬‬
‫‪http://www.ohchr.org/AR/HRBodies/UPR/Pages/BasicFacts.aspx‬‬
‫‪« 2‬دليل األمم المتحدة بشأن األقليات»‪ ،‬الكتيب رقم ‪ ،07‬ص ص ‪.02-07‬‬
‫‪www.ohchr.org/Documents/Publications/GuideMinoritiesar.pdf‬‬
‫‪167‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ثانيا‪ :‬لجنة األمن اإلنساني‬


‫أنشأت لجنة األمن اإلنساني استجابة لنداء األمين العام لألمم المتحدة‪ ،‬الذي أصدره في مؤتمر قمة األلفية‬
‫في سبتمبر ‪ ،7000‬بعد اقتراحها من قبل الحكومة اليابانية‪ ،‬وفي ظل هذا المؤتمر تم الدعوة إلى ضرورة‬
‫التحرر من الخوف والتحرر من الحاجة‪ ،‬وقد تم اإلعالن عن هذه اللجنة رسميا في يناير ‪ 7002‬لتبدأ‬
‫اللجنة مهامها في مجال األمن اإلنساني‪.1‬‬
‫ومن أهداف اللجنة الرئيسية نذكر‪:2‬‬
‫‪ -‬تطوير أمن اإلنسان كأداة عملية لصياغة السياسات وتنفيذها‪ ،‬واعتماد استراتيجيات محددة‬
‫للتصدي للتهديدات العامة الموجهة ألمن اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬توفير الحماية الفعالة في األوضاع الحرجة كالصراعات‪ ،‬وخاصة من خالل توفير اإلحتياجات‬
‫األمنية للمواطنين‪ ،‬الضحايا والالجئين واألشخاص المشردين داخليا‪.‬‬
‫‪ -‬التركيز على الجوانب اإلنمائية‪ :‬كأوجه انعدام األمن المرتبط بالتفاوت بين الجنسين‪ ،‬الصحة‪،‬‬
‫التعليم‪ ،‬والفقر‪.‬‬
‫‪ -‬تركيزها على الترتيبات المؤسسية للحد من أوجه الال أمن‪.‬‬
‫وفي الجانب الذي يتعلق بأسلوب عمل اللجنة‪ ،‬فإن هذه األخيرة تعمل بالتوازي والتكامل مع الحكومات‪،‬‬
‫المنظمات اإلقليمية والدولية‪ ،‬والمجتمع المدني من خالل عقد اجتماعات عامة ترتبط بأنشطة التوعية في‬
‫مجال حقوق اإلنسان‪ ،‬باإلضافة إلى عقدها العديد من الجلسات التي ضمت جميع األعضاء‪ ،‬والتي كان‬
‫محور النقاش فيها أمن اإلنسان‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬حقوق اإلنسان التي تؤكد على اعتبارها اإلطار المعياري‬
‫المرجعي والمفاهيمي الواجب تطبيقه على تشكيل مفهوم األمن اإلنساني ووضعه موضع التطبيق‪.3‬‬

‫ثالثا‪ :‬الوكاالت الدولية المتخصصة‬


‫ال تكتمل آليات حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬بالحديث عن دور األمم المتحدة في هذا المجال فقط‪،‬‬
‫على النحو الذي عرضناه سابقا‪ ،‬فهي "ليست المنظمة الدولية الوحيدة التي أصدرت أو يسرت إصدار‬
‫معايير لحقوق اإلنسان على مستوى العالم"‪ .4‬فالوكاالت الدولية المتخصصة‪ ،‬تلعب أيضا دو ار هاما في‬
‫تأطير حقوق اإلنسان وايجاد آليات لحمايتها‪.‬‬

‫‪ 1‬لجنة أمن اإلنسان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬


‫‪2‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.202-203‬‬
‫‪ 4‬كلود زانغي‪ :‬محمد بجاوي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪168‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫والوكاالت المتخصصة هي " منظمات دولية عالمية‪ ،‬لها صالحيات محددة في مجاالت معينة‪،‬‬
‫وهي متصلة باألمم المتحدة"‪ .1‬أما من حيث مركزها القانوني‪ ،‬تعتبر وكاالت مستقلة عن األمم المتحدة‪،‬‬
‫ولها شخصيتها المستقلة وادارتها الخاصة‪ ،‬كما أنه لكل واحد من هذه الوكاالت عضويتها وميزاتها‬
‫وجهازها الخاص‪.2‬‬
‫ومن أهم الحقوق التي تدافع عنها الوكاالت الدولية‪ ،‬الحق في العمل والصحة والثقافة والتعليم‬
‫والتربية‪ ،‬ومن هذا المنطلق يطلق عليها الوكاالت ذات الموضوع الواحد‪ ،‬حيث تختص بالدفاع والحماية‬
‫عن حق محدد من حقوق اإلنسان المتسعة والمتشعبة‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بعالقتها مع األمم المتحدة‪ ،‬تربطها عالقة تنسيق ال عالقة تبعية؛ فهي ليست أجهزة‬
‫تابعة لألمم المتحدة أو فروعا ثانوية لها‪ ،‬وانما هي منظمات دولية مستقلة ويتم تنظيم عالقتها مع األمم‬
‫المتحدة عن طريق المجلس اإلقتصادي واإلجتماعي‪ ،‬حيث يتولى مهمة التنسيق ما بين الوكاالت وبين‬
‫األمم المتحدة‪.‬‬
‫وقد تشكل الوكاالت الدولية التابعة لمنظمة األمم المتحدة آلية فعالة‪ ،‬وربما األكثر احتكاكا‬
‫بشواغل األمن الثقافي‪ ،‬مما قد يجعلها المرشح الثالث بعد المجلس واللجنة‪ ،‬إلمكانية إدراج جوانب الحق‬
‫في التنوع الثقافي ضمن جدول أعمالها؛ كونها تتحمل جانب كبير من المسؤولية في مجال احترام حقوق‬
‫اإلنسان وحرياته األساسية‪ ،‬من خالل الرقابة‪ 3‬على مدى احترام كل دولة من الدول األطراف في اتفاقيات‬
‫حقوق اإلنسان اللتزاماتها‪ ،‬خاصة وأنها أنشأت بموجب اتفاق بين الحكومات بهدف تحسين التعاون الدولي‬
‫ومراعاة مصالح الدول المشتركة جميعها‪.4‬‬
‫كما تقوم الوكاالت بتحويل للتقارير الوطنية التي تعدها حكومات الدول األطراف بموجب التزامها‬
‫بالعهد الدولي الخاص بالحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬إلى المجلس اإلقتصادي واإلجتماعي‪ ،‬ليقوم‬
‫بدوره الرقابي فيما يخص بتقييم ما يتم تحقيقه في مجال حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وبإمكان هذه الوكاالت تقديم توصيات محددة من طرف أجهزة ذات خبرة‪ ،‬حتى أنها اعتبرت أكثر‬
‫تفوقا من لجنة حقوق اإلنسان سابقا‪ ،‬نظ ار لكونها تشرع القواعد التي تسترشد بها الدول للوصول إلى‬
‫تحسين الحقوق وتنفيذ اإللتزامات‪.5‬‬

‫‪ 1‬وهيبة لو صادق‪« :‬آليات مراقبة حقوق اإلنسان»‪ ،‬المدرسة العليا للقضاء‪ ،‬مذكرة تخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،7002‬ص ‪.22‬‬
‫‪2‬‬
‫غازي صباريني‪« :‬الوجيز في مبادئ القانون الدولي العام»‪ ،‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،7002 ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪ 3‬أبو الخير أحمد عطية عمر‪« :‬الضمانات القانونية الدولية والوطنية لحماية حقوق اإلنسان»‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،7003 ،‬ص ‪.222‬‬
‫مسعد عبد الرحمان زيدان‪« :‬تدخل األمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي»‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب القانونية‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،7002‬ص ‪.020‬‬
‫‪ 5‬أبو الخير أحمد عطية عمر‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪169‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ -0‬منظمة العمل الدولية‬


‫تأسست منظمة العمل الدولية عام ‪ 2222‬بموجب معاهدة فرساي‪ ،‬وكانت العنصر الوحيد المتبقي‬
‫من عناصر عصبة األمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وأصبحت فيما بعد الوكالة المتخصصة‬
‫األولى في منظومة األمم المتحدة علم ‪ .2230‬وهي المنظمة الوحيدة التي ال تستحوذ فيها الحكومات‬
‫بجميع األصوات ( لضمها هيكل ثالثي يجمع بين الحكومات‪ ،‬أرباب العمل‪ ،‬والعمال) ‪.1‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬تقوم منظمة العمل الدولية على إشراك الحكومات والعمال وأصحاب العمل على‬
‫تقديم اقتراحات لوضع حد أدنى من مستويات العمل الدولية وفي إعداد اتفاقيات دولية خاصة بأجور‬
‫العمال‪ ،‬منع التمييز في أماكن العمل‪ ،‬تحديد ساعات العمل‪ ...‬وغيرها من الحقوق األساسية المقررة‬
‫للعمال‪.‬‬
‫كما أنها تعمل على مراقبة مدى التزام الدول األعضاء فيها بالمعايير الخاصة بالعمل‪ ،‬من خالل‬
‫التقارير السنوية الواجب تقديمها للمنظمة من قبل الدول األعضاء فيها‪ ،‬وعن طريق آليات الشكاوى التي‬
‫يمكن من خاللها للعمال وأصحاب العمل بتقديم تظلماتهم أمامها‪.‬‬
‫وتسعى هذه المنظمة إلى الدفع في اتجاه البناء الديمقراطي التعددي المكرس والحامي للحق في‬
‫التنوع الثقافي على المستوى الداخلي للدول‪ ،‬من خالل استعمال مجموعة من األدوات المتوافرة لديها‬
‫لحماية األقليات؛ بالرغم من عدم وجود اتفاقية واحدة أو برنامج واحد لألقليات في المنظمة‪.‬‬
‫وبالتالي فهي تستخدم معايير منظمة العمل الدولية ذات الصلة بحماية األقليات‪ ،‬التي يتم تنفيذها عن‬
‫طريق المساعدة الفنية والتعاون‪ ،‬ومن خالل العمل مع المنظمات الدولية األخرى‪ ،‬ومن بينها إلزام الدول‬
‫على منع التمييز على أسس إثنية‪ ،‬دينية أو لغوية في شروط العمل والتوظيف‪ ،‬وأيضا إلزامها بتقديم‬
‫تقاريرها عن حالة التشريع الوطني بخصوص هذه النقطة‪.2‬‬
‫وبالرغم من أن المنظمة تركز في معظم الحاالت على عالم العمل وظروفه إال أنها تدرس أيضا‬
‫قضايا متعلقة بالعمال المهاجرين والشعوب األصلية والقبلية‪ ،‬هاته األخيرة ظلت لعقود محل اهتمام منظمة‬
‫العمل الدولية‪ ،‬حيث كانت المنظمة مسؤولة عن اإلتفاقيتين الدوليتين الوحيدتين المتصلتين اتصاال مباش ار‬
‫بهذه الشعوب‪ ،‬وهما اتفاقية الشعوب األصلية والقبلية لعام ‪( 2222‬رقم ‪ )222‬التي حلت أساسا محل‬
‫اإلتفاقية األخرى وهي اتفاقية عام ‪ 2202‬رقم (‪ ،)202‬وبذلك فإن الكثير من العمل اإلشرافي الذي‬
‫تضطلع به المنظمة في صدد هاتين اإلتفاقيتين يتصل بآثار التمييز العنصري أو الحرمان من نفس فرص‬

‫‪« 1‬دليل األمم المتحدة بشأن األقليات»‪ ،‬الكتيب رقم ‪ ،02‬ص ‪.02‬‬
‫‪www.ohchr.org/Documents/Publications/GuideMinoritiesar.pdf‬‬
‫‪ 2‬أبو الخير أحمد عطية عمر‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.222-227‬‬
‫‪170‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫التنمية المتاحة لبقية السكان‪ ،‬مستهدفة دفع الدول نحو كفالة تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في كافة‬
‫‪1‬‬
‫مناحي الحياة‪ ،‬مع عدم التضحية بقدرة هذه الشعوب على اإلحتفاظ بأساليب حياتها وثقافاتها‪...‬‬
‫إذن‪ ،‬يمكن لمنظمة العمل الدولية أن تشكل آلية فعالة للدفع في اتجاه تشييد البناء الديمقراطي‬
‫التعددي الحامي للتنوع الثقافي والهويات الثقافية‪ ،‬من خالل تحقيق شروط التوظيف والعمل العادل‪ ،‬وكذا‬
‫تحقيق شروط األمن الثقافي في أوساط العمال وحمايتهم من اإلستغالل والعنف الناجم عن التمييز‬
‫اإلض طهاد والغبن الواقع عليهم‪ ،‬إذ يمكنها أن تشكل قناة للتعبير عن مصالحهم في حماية حقوقهم‬
‫القانونية‪ ،‬المتعلقة بالتوظيف وتحسين األدا ء‪ . 2‬إضافة للعبها دو ار كبي ار في توسيع رقعة النصوص‬
‫التأسيسية واإلتفاقيات الدولية فيما يخص الحقوق اإلجتماعية واإلقتصادية والثقافية‪.3‬‬
‫إضافة لذلك‪ ،‬تعمل منظمة العمل الدولية في تعاون وثيق مع الهيئات التعاهدية باألمم المتحدة‪،‬‬
‫لدراسة الحاالت الوطنية التي تمس حقوق األقليات‪ ،‬مقدمة بذلك معرفتها المتخصصة ونتائج إشرافها‬
‫التفصيلي إلى عمل تلك الهيئات‪ ،‬وذلك في موضوعات تشمل األقليات والسكان األصليين واألشكال‬
‫المعاصرة للرق‪ .‬كما تتعاون مع برنامج األمم المتحدة اإلنمائي والبنك الدولي وبنوك التنمية اإلقليمية‬
‫والمنظمات الدولية األخرى‪.4‬‬

‫‪ -2‬منظمة األمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)‬


‫تندرج منظمة األمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ضمن الوكاالت المتخصصة التابعة‬
‫لألمم المتحدة‪ ،‬وقد أنشأت عام ‪ 2232‬وتضم ‪ 222‬من الدول األعضاء‪ .‬تركز برامجها الرئيسية على‬
‫األقليات واحترام حقوقهم المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية‬
‫والثقافية (‪ )2222‬واعالن األمم المتحدة الخاص بحقوق األشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية‬
‫والى أقليات دينية ولغوية (‪ )2227‬وغيرهما من الصكوك الدولية‪.‬‬
‫إضافة لذلك‪ ،‬تضطلع اليونسكو بعدد من األنشطة التي تتصدى لقضايا األقليات في برامجها في مجال‬
‫التربية والعلم والثقافة واإلتصال واإلعالم‪ .‬وبالتالي فقد جاء تشكيلها منسجما مع توجهات ميثاق األمم‬
‫المتحدة‪ ،‬الذي أكد على دور األمم المتحدة في مجال "تشجيع التعاون الدولي في مجاالت الثقافة‬
‫والتربية"‪.5‬‬

‫‪« 1‬دليل األمم المتحدة بشأن األقليات»‪ ،‬الكتيب رقم ‪ ،20‬ص ص ‪.02-07‬‬
‫‪www.ohchr.org/Documents/Publications/GuideMinoritiesar.pdf‬‬
‫‪ 2‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير لجنة التمكين القانوني للفقراء القانون في خدمة الجميع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .2‬انظر‬
‫الملحق رقم(‪.)7‬‬
‫‪ 3‬ممدوح سالم‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪« 4‬دليل األمم المتحدة بشأن األقليات»‪ ،‬الكتيب رقم ‪ ،20‬ص ‪.00‬‬
‫‪www.ohchr.org/Documents/Publications/GuideMinoritiesar.pdf‬‬
‫‪ 5‬آيت عبد المالك نادية‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪171‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وتهدف منظمة اليونسكو وفقا للمادة ‪ 7/2‬من ميثاقها التأسيسي إلى "المساهمة في السالم واألمن‬
‫عن طريق تعزيز التعاون بين الدول من خالل التربية والعلوم للوصول إلى احترام عالمي أكبر للعدالة‬
‫وقواعد القانون وحقوق اإلنسان والحريات األساسية التي تؤكدها شعوب العالم بدون تمييز على العرق أو‬
‫الجنس أو اللغة أو الدين‪ ،‬بموجب ميثاق األمم المتحدة‪."1‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬تعمل اليونسكو على إيجاد الشروط المالئمة إلطالق حوار بين الحضارات‬
‫والثقافات والشعوب على أساس احترام القيم المشتركة‪ ،‬فمن خالل هذا الحوار يمكن للعالم أن يتوصل إلى‬
‫وضع رؤى شاملة للتنمية المستدامة تضمن التقيد بحقوق اإلنسان‪ ،‬واإلحترام المتبادل‪ ،‬والتخفيف من حدة‬
‫الفقر‪ ،‬وكلها قضايا تقع في صميم رسالة اليونسكو وأنشطتها‪.‬‬
‫إلى جانب ذلك‪ ،‬أسهمت اليونسكو في إطار نشاطاتها بتطوير أحكام القانون الدولي لحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬في مجاالت محددة من الحقوق‪ ،‬وتحديدا الحق في التربية والتعليم والثقافة‪ ،‬وذلك عبر إصدارها‬
‫لعدد من الصكوك الدولية الرامية إلى إعمال حقوق اإلنسان‪ .2‬من هذا المنطلق تعتبر من أبرز منظمات‬
‫األمم المتحدة التي تلعب دو ار نشطا في تعزيز حماية حقوق اإلنسان وحمايتها‪ ،‬وبخاصة الحقوق التي‬
‫تشملها مجاالت التربية والعلم والثقافة واإلتصال‪3‬؛ حيث قامت منذ تأسيسها بإصدار حوالي ستين اتفاقية‬
‫واعالن وتوصية‪.4‬‬
‫ومن الجدير ذكره‪ ،‬أن غالبية آليات الوكاالت المتخصصة تحددها اإلتفاقيات‪ ،‬فيما آليات عمل‬
‫اليونسكو لم توضع وفقا التفاقية محددة‪ ،‬ولكنه بني على سلطة في النظام األساسي‪ .5‬فدستور اليونسكو ال‬
‫ال ينص على أية إجراءات بخصوص التظلم أو الشكوى ولعالج هذا النقص والقصور قامت المنظمة‬
‫بإنشاء لجنة توفيق ومساعي حميدة بموجب اإلتفاق المقر في العام ‪ .2227‬هذا عدا عن استحداث نظام‬
‫خاص للشكاوى‪ ،‬وذلك بموجب قرار صادر عن المجلس التنفيذي للمنظمة‪ .‬وبات من حق األفراد‬
‫والجماعات والمنظمات غير الحكومية‪ ،‬تقديم الشكاوى إلى اليونسكو‪ ،‬بخصوص أية انتهاكات للحقوق‬
‫اإلنسانية المحمية‪.6‬‬

‫‪ 1‬هوفنز كالوس‪« :‬كيف ترفع الشكاوى ضد انتهاكات حقوق اإلنسان»‪ ،‬دليل األفراد والمنظمات غير الحكومية‪ ،‬عمان‪ :‬مكتب‬
‫اليونسكو‪ ،7003 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 2‬عبد الكريم علوان‪« :‬المنظمات الدولية»‪ ،‬عمان‪ :‬مكتبة الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،2222 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 3‬نظام عساف‪« :‬مدخل إلى حقوق اإلنسان في الوثائق الدولية واإلقليمية واألردنية»‪ ،‬عمان‪ :‬المكتبة الوطنية‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،2222‬ص ‪.20‬‬
‫‪ 4‬هوفنز كالوس‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 5‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 6‬هاني سليمان الطعيمات‪« :‬حقوق اإلنسان وحرياته األساسية»‪ ،‬عمان‪ :‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،7002 ،‬ص‬
‫‪.302‬‬
‫‪172‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ومن بين أهم البرامج التي تقودها منظمة اليونسكو‪ ،‬برنامج إدارة التحوالت اإلجتماعية (موست)؛‬
‫وهو برنامج بحثي من تصميم وانشاء وادارة قطاع العلوم اإلجتماعية التابع لليونسكو‪ ،‬الذي يعنى بالترويج‬
‫للبحوث المقارنة في مجال العلوم اإلجتماعية‪ .‬وهو يدعم أساسا البحوث المستقلة الواسعة النطاق والطويلة‬
‫األجل ويقوم بنقل اإلستنتاجات والبيانات ذات الصلة إلى صانعي القرار‪.‬‬
‫بهذا‪ ،‬يدخل التنوع اإلثني والثقافي ضمن موضوعات موست البحثية ذات األولوية‪ ،‬التي تركز‬
‫على أنماط معقدة من طبيعة التغير الحاصل في المجتمعات المتنوعة الهويات واإلثنيات‪ ،‬التي تتفاعل‬
‫داخلها أنماط معقدة من قضايا التعليم والثقافة والدين‪ ،‬وقضايا الهوية واإلحتياجات البشرية‪ ،‬وقضايا الحكم‬
‫الديمقراطي والصراع واإلتساق‪.‬‬
‫هذه القضايا تتطلب بحثا جامعا للتخصصات‪ ،‬وفي إطار مقارن وحساس ثقافيا‪ ،‬يمكنه أن يوفر‬
‫معلومات مفيدة من أجل إدارة المجتمعات المتنوعة الثقافات واإلثنيات‪ ،‬إدارة سليمة وديمقراطية‪ .‬وينبغي أن‬
‫يساعد هذا البحث في رسم سياسات تسهم في تحقيق المساواة في حقوق المواطنة بين المجموعات اإلثنية‪،‬‬
‫وتجنب النزاعات اإلثنية وتسويتها‪.‬‬
‫وقد تم تنفيذ العديد من المشروعات أو يجري تنفيذها في آسيا والمحيط الهادئ وافريقيا ووسط آسيا ووسط‬
‫وشرق أوروبا‪ ،‬وهي تعالج من بين جملة أمور‪ ،‬الجوانب اإلجتماعية والسياسية للهجرة الدولية والتنوع‬
‫اإلثني الثقافي المتنامي‪.‬‬
‫كما تستهدف برامج المنظمة التعريف بأداء الحكم الديمقراطي في دولة إثنية ولغوية متنوعة‬
‫الثقافات ‪ ،‬ومثال على ذلك ما قامت به اليونسكو بناء على طلب حكومة قيرغيستان المتعلق بإنشاء‬
‫مشروع للتدريب على الديمقراطية للتعريف بأداء الحكم الديمقراطي وذلك لمجموعة منتقاة من األفراد تشمل‬
‫صانعي السياسات والمشرعين والقانونيين وممثلي المنظمات العامة والمنظمات غير الحكومية‪ .‬هذا‬
‫المشروع يتوخى تحقيق تعاون وثيق بين سويس ار وقيرغيستان‪ ،‬من أجل المضي قدما في عملية تطبيق‬
‫الديمقراطية في هذه األخيرة‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المنظمات الدولية غير الحكومية‬


‫تعــرف المنظمــات الدوليــة غيــر الحكوميــة بكونهــا تنظيمــات أو جمعيــات أو اتحــادات عبــر قوميــة‪،‬‬
‫يتعــدى نش ــاطها نط ــاق الدول ــة الواح ــدة‪ ،‬و رغ ــم غي ــاب اإلجمــاع ح ــول تعريفه ــا‪ ،‬فإنه ــا أض ــحت حقيق ــة ف ــي‬
‫المجتمــع الــدولي و تشــكل قــوة خاصــة لهــا دورهــا و تأثيرهــا علــى الحيــاة الدوليــة‪ ،‬و تختلــف هــذه المنظمــات‬
‫الدولية غير الحكومية بحسب نشاط كل منظمة منها‪.‬‬

‫‪« 1‬دليل األمم المتحدة بشأن األقليات»‪ ،‬الكتيب رقم ‪ ،22‬ص ص ‪.03-02‬‬
‫‪www.ohchr.org/Documents/Publications/GuideMinoritiesar.pdf‬‬
‫‪173‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫إذن‪ ،‬باإلض ــافة إل ــى المنظم ــات الدولي ــة المعني ــة بحق ــوق اإلنس ــان‪ ،‬تع ــد المنظم ــات الدولي ــة غي ــر‬
‫الحكومية‪ ،‬إحدى الجهات الدولية الفاعلة التي تساهم في تعزيز وتدعيم وحماية حقوق اإلنسان‪ ،‬والحق فـي‬
‫التنــوع الثقــافي بشــكل غيــر مباشــر‪ ،‬مــن خــالل توســيع نطــاق المشــاركة فــي الحيــاة العامــة‪ ،‬والقضــاء علــى‬
‫العنف أو التخفيف منه‪ ،‬والتصدي لمختلف انتهاكات حقوق اإلنسان‪ ،‬فضال عن إحداث تغيير في األفكـار‬
‫والممارســات لمســؤولي الحكومــات‪ ،‬وتشــجيع التغييـرات فــي التشـريعات والممارســات المحليــة خاصــة بالنســبة‬
‫للدول النامية‪.1‬‬
‫ولتحقيق أهدافها‪ ،‬تستخدم المنظمات الدولية غير الحكومية أساليب متعددة مثل التأثير على الرأي‬
‫العــام‪ ،‬ونشــر اإلنتهاكــات‪ ،‬والتنديــد بمواقــف الحكومــات‪ ،‬وايفــاد الم ـراقبين‪ ،‬ومســاعدة األف ـراد الــذين تتعــرض‬
‫حقـوقهم لإلنتهاكــات‪ ،‬ورفـع الكثيــر مـن هــذه اإلنتهاكــات إلـى هيئــات الحمايـة الدوليــة لحقـوق اإلنســان‪ ،‬وذلــك‬
‫بحق الطعن (الشكوى) المعترف لها بها بموجب اإلتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان‪.2‬‬
‫هـذه األدوار التــي تقــوم بهــا المنظمــات الدوليــة غيــر الحكوميــة‪ ،‬تــدفع بهــا حاليــا إلــى تحـوالت كبيـرة‪،‬‬
‫ذات أبعاد عالمية جعلت منها إحدى القوى المؤثرة على المستوى الدولي‪ ،‬فـي اتجـاه ترسـيخ وعولمـة قضـايا‬
‫حقوق اإلنسان‪.3‬‬
‫وقد اعترف مؤتمر فيينا العالمي لحقوق اإلنسان عام ‪ ،2222‬بالدور الهام لهذه المنظمات في‬
‫تعزيز أنشطة حقوق اإلنسان والقضايا اإلنسانية عامة‪ ،‬على المستوى الوطني‪ ،‬اإلقليمي‪ ،‬العالمي‪ ،‬حيث‬
‫شدد على ضرورة التعاون بين مختلف الحكومات في العالم‪.4‬‬
‫كما ازداد دور هذه المنظمات أكثر في المجال الدولي‪ ،‬كونها ترتبط أشد اإلرتباط بالمشاكل‬
‫العالمية؛ إذ نجحت في بلورة الخطاب اإلنساني المتعلق بحقوق اإلنسان‪ ،‬وقدرتها على تخطي سلطة‬
‫الدولة على إقليمها‪ ،‬في حاالت الكوارث الطبيعية‪ ،‬التمرد والعصيان المدني‪ ،‬الحروب األهلية‪ ،‬من خالل‬
‫إعدادها لتقارير حول أوضاع حقوق اإلنسان والحريات العامة في دول العالم‪ ،‬وتقديم معونات من جانب‬
‫آخر‪ ،‬مما يؤدي إلى إحداث تغيير على مستوى مواقف وسلوك الدول أو تحسينها في مجال حقوق‬
‫اإلنسان‪.5‬‬
‫إضافة لذلك‪ ،‬يمكن للمنظمات غير حكومية أن تشجع على إحداث التغييرات في التشريعات‬
‫والممارسات المحلية للنظم والحكومات‪ ،‬من خالل طرح أفكارها حول تفسير اإلتفاقيات المبرمة وتعميق‬

‫‪1‬‬
‫‪Moustafa kharoufi: Op Cit, p 61.‬‬
‫‪ 2‬هاني سليمان الطعيمات‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.302‬‬
‫‪ 3‬عمار جفال‪ «:‬قوى ومؤسسات العولمة‪ :‬التجليات واإلستجابة العربية»‪ ،‬المجلة الجزائرية للعلوم السياسية‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬العدد‬
‫األول‪ ،7002 ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪ 4‬سهيل حسن الفتالوي‪« :‬حقوق اإلنسان»‪ ،‬موسوعة القانون الدولي‪ ،‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬اإلصدار‬
‫األول‪ ،7002 ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪ 5‬سهيل حسن الفتالوي‪ :‬مرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪174‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الوعي العام بالتزامات الحكومات بموجب اإلتفاقيات المصادق عليها‪ .‬كما يمكنها زيادة الوعي العام‪ ،‬عن‬
‫طريق ترجمة ونشر نصوص اإلتفاقيات والوثائق ذات الصلة بها؛ كتقارير الدول أو التعاليق التي تبديها‬
‫المنظمات غير الحكومية وآراء اللجنة اإلستشارية واإلستنتاجات والتوصيات المقدمة من طرفها‪ .‬وعن‬
‫طريق زيادة الوعي العام‪ ،‬تستطيع المنظمات غير الحكومية تهيئة مناخ قد يدفع بالدولة إلى اتخاذ‬
‫الخطوات المطلوبة لإلمتثال لإللتزامات التي أخذتها على عاتقها‪.‬‬
‫وفي حالة ما إذا لم تكن الدولة طرفا في اإلتفاقية بعد‪ ،‬يمكن تركيز الدعاية والضغوط على الدفع‬
‫في اتجاه التصديق على اإلتفاقية‪.1‬‬

‫أوال‪ :‬منظمة العفو الدولية‬


‫منظمة العفو الدولية هي حركة عالمية تقوم بحمالت من أجل حقوق اإلنسان‪ ،‬تدخل نشاطاتها في إطار‬
‫محاربة انتهاكات هذه الحقوق‪ ،‬تعتمد على البحث الدقيق‪ ،‬و ترتكز على القانون الدولي‪.‬‬
‫تتحدد أهداف منظمة العفو الدولية من خالل المادة األولى من قانونها األساسي‪ ،‬و التي جاءت بعنوان "‬
‫الهدف و الصالحيات"‪ ،‬و مما جاء في الفقرة األولى من هذه المادة ‪ " :‬إن هدف منظمة العفو الدولية هو‬
‫المساهمة في مراعاة حقوق اإلنسان في شتى أرجاء العالم‪ ،‬و هي الحقوق المنصوص عليها في اإلعالن‬
‫العالمي لحقوق اإلنسان " و تنقسم هذه األهداف إلى صالحيات تعتمدها المنظمة في نشاطاتها ‪:‬‬
‫‪ -2‬تعزيز الوعي و التمسك باإلعالن العامي لحقوق اإلنسـان‪ ،‬و غيـره مـن قـوانين حقـوق اإلنسـان‬
‫المعترف بها دوليا‪ ،‬و تأكيد جميع حقوق اإلنسان و حرياته و عدم قابليتها للتجزيء‪ ،‬و لهذا فمنظمة العفو‬
‫الدولية ال تتدخل في النزاعات السياسـية‪ .‬و حتـى تضـمن المصـداقية فهـي ال تنحـاز ألي طـرف و ال تميـل‬
‫ألي اتجاه سياسـي‪ ،‬عرقـي أو دينـي‪ .‬فعملهـا يجـب أن يكـون متوازنـا بـين اإليـديولوجيات‪ ،‬و االتجاهـات فـي‬
‫العالم‪ ،‬فمنظمة العفو الدولية ال تدعم و ال تحارب أي حكومة و ال أي نظام سياسي‪.‬‬
‫‪ -7‬معارضة االنتهاكات الخطيرة لحقوق اإلنسان (حق اإلنسان في اعتناق معتقداته و التعبير‬
‫عنها‪ ،‬و عدم تعرضه للتمييز) و ترى منظمة العفو الدولية أن الجميع باستطاعته أن يلعب دو ار في حماية‬
‫حقوق الكل دون اعتبار لالنتماءات و القناعات و ال حتى المكان‪ .‬فالدفاع عن حقوق اإلنسان يعني‬
‫العالم أجمع‪ ،‬دون النظر إلى االختالفات‪ ،‬الجنسيات‪ ،‬األعراق‪ ،‬فاإليديولوجيات و الحدود الوطنية و‬
‫التشريعات الجنائية المحلية ليست حواجز للدفاع عن أي كان‪.‬‬

‫‪« 1‬دليل األمم المتحدة بشأن األقليات»‪ ،‬الكتيب رقم ‪ ،02‬ص ‪.02‬‬
‫‪www.ohchr.org/Documents/Publications/GuideMinoritiesar.pdf‬‬
‫‪175‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ثانيا‪ :‬الفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان‬


‫تعتبر الفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان واحدة من أقدم المنظمـات الدوليـة القائمـة للـدفاع عـن حقـوق‬
‫اإلنسـان‪ ،‬حيـث تعـود أصـولها إلـى قضـية " دريفـوس " ( ‪ ،)Dreyfus‬و التـي هـي قضـية سياسـية تجسسـية‬
‫فرنسية بدأت سنة ‪.2223‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أن مبــادئ و أهــداف عمــل‬ ‫جــاء فــي المــادة (‪ )0‬مــن القــانون األساســي للفيدراليــة الدوليــة لحقــوق اإلنســان‬
‫الفدرالية يحددها الميثاق التأسيسي المشترك لرابطات حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫يحــدد ميثــاق الفيدراليــة التأسيســي الموضــوع ســنة ‪ ،2207‬مرجعيــة الفيدراليــة الدوليــة لحقــوق اإلنســان‪ ،‬حيــث‬
‫يشترط صراحة على كل رابطة تريد االنضمام للفيدرالية الدولية‪ ،‬االعتراف بالمبادئ المعلنـة فـي اإلعالنـات‬
‫الفرنسـية لحقــوق اإلنســان لســنتي ‪ 2222‬و ‪ ،2222‬و كــذا اإلعـالن العــالمي لحقــوق اإلنســان الصــادر عــن‬
‫منظمة األمم المتحدة ‪ ،2232‬و السهر على تكريس تطبيق حقوق اإلنسان في بلدانها‪.‬‬
‫إن الفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان معتمدة ضـمن المنظمـات غيـر الحكوميـة‪ ،‬فهـي تتمتـع بالوضـع‬
‫اإلستشاري لدى المجلس اإلقتصادي و اإلجتمـاعي لمنظمـة األمـم المتحـدة‪ ،‬ضـمن منظمـات الصـنف (‪،)II‬‬
‫و تتمتــع بــنفس الوضــع علــى مســتوى منظمــة األمــم المتحــدة للتربيــة و الثقافــة و العلــوم‪ ،‬و ذلــك منــذ ســنة‬
‫‪ ،2220‬و كذلك لدى المجلس األوربي و اللجنة اإلفريقية لحقوق اإلنسان و الشعوب‪.‬‬
‫و ه ــي بمثاب ــة جه ــاز الـ ـربط ب ــين الرابط ــات الوطني ــة‪ ،‬و ه ــي المخول ــة فق ــط للتعبي ــر عنه ــا ل ــدى المنظم ــات‬
‫الحكومية حسب الميثاق التأسيسي للفدرالية‪.‬‬
‫وتهــتم الفدرالي ــة الدوليــة لحق ــوق اإلنس ــان بالمشــاكل السياس ــية‪ ،‬فــي الح ــاالت الت ــي تتعــرض المب ــادئ الت ــي‬
‫تناضــل مــن أجلهــا إلــى االنتهــاك‪ ،‬بــل إنهــا تتحــرك بفعاليــة مــن أجــل إلغــاء القـوانين الجــائرة‪ ،‬و محاولــة منــع‬
‫إقامة أنظمة دكتاتورية‪.‬‬
‫و في غالب الظروف فهـي تناضـل ضـد التعسـف‪ ،‬و التعصـب و ضـد الالتسـامح مهمـا كـان مصـدره‪،‬‬
‫و ض ــد ك ــل أش ــكال التميي ــز ال ــديني أو العرق ــي‪ ،‬و ت ــدخلت لص ــالح األقلي ــات الت ــي كان ــت عرض ــة للتميي ــز‬
‫العنصري (جنوب إفريقيا)‪.‬‬
‫كما تتدخل لدى السلطات العمومية لبلدانها للحصول على ضمانات احترام المبادئ الديمقراطية‪ ،‬تصـحيح‬
‫األخطاء‪ ،‬تقـويم أعمـال التعسـف‪ ،‬إقامـة نـدوات‪ ،‬اجتماعـات عموميـة‪ ،‬توزيـع منشـورات دوريـة و إعالنـات و‬
‫تدخالت إذاعية و غيرها‪ .‬إضافة للقيام بأنشطة عمومية من أجل الحصول على تحسينات في التشريعات‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫أو في تطبيقات القوانين‪ ،‬لصالح األفراد و الجماعات‪.‬‬
‫أم ــا عل ــى الص ــعيد ال ــدولي فتت ــدخل الفدرالي ــة الدولي ــة لحق ــوق اإلنس ــان كغيره ــا م ــن المنظم ــات غي ــر‬
‫الحكوميــة فــي القضــايا الدوليــة المتعلق ـة بحقــوق اإلنســان بصــفتها ممثلــة فــي جلســات لجنــة األمــم المتحــدة‬

‫‪« 1‬النظام األساسي للفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان»‪ ،‬المادة رقم ‪.02‬‬
‫‪176‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫لحقــوق اإلنســان (ســابقا)‪ ،‬و توجــه م ارســالت مكتوبــة و شــفهية فــي كــل م ـرة تحــدث فيهــا انتهاكــات خطي ـرة‬
‫لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫و تضــع الفدراليــة كــل مــا تملكــه مــن معلومــات أمــام مختلــف فــرق عمــل األمــم المتحــدة‪ ،‬و قــد قــدمت تقــارير‬
‫التحقيقات و المالحظات القانونية أمام مجلس أوربا فيما يتعلق بالبلدان العضوة فيه‪.‬‬
‫تســمح بعثــات الفدراليــة الدوليــة بجمــع معلومــات موثقــة (موضــوعية) مــن طــرف مالحظــين غيــر‬
‫متحيزين‪ .‬وهذه المعلومات تمثل أدلة قطعيـة فـي حـاالت انتهـاك حقـوق اإلنسـان فـي بلـد مـا دون أن تـتمكن‬
‫الدولة من إنكارها‪.‬‬
‫ف ــي األخي ــر‪ ،‬نخل ــص إل ــى أن اإلس ــتجابة الفعال ــة لمص ــادر انع ــدام األم ــن‪ ،‬تتطل ــب م ــن المنظم ــات‬
‫الدوليــة غيــر الحكوميــة تطــوير عالقــات‪ ،‬قــدرات‪ ،‬وأدوار مختلفــة لحمايــة األف ـراد والجماعــات مــن مصــادر‬
‫انعدام األمن‪.‬‬
‫فحماية ومساعدة المتضررين من األزمات وحاالت انعدام األمن هو مركزي في األجندة اإلنسانية‪،‬‬
‫وهــذا يعنــي أنــه باإلضــافة إلــى أنشــطة المســاعدة التــي يمكــن أن يكــون لهــا أثــر إيجــابي علــى حمايــة النــاس‪،‬‬
‫ينبغي على المنظمات غير الحكومية المشاركة أيضا في أنشطة الحماية المختلفة التي تهـدف إلـى تشـجيع‬
‫الجهات المسؤولة عن اإللتزام بمسؤولياتها‪ ،‬ويتم ذلك حسب (‪ )Ann Marie Clark‬من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬التمثيل الممأسس أي الوضع اإلستشاري لها لدى المنظمات والمؤتمرات الدولية الحكومية‪ ،1‬فقـد‬
‫نصـت المــادة ‪ 22‬مـن ميثــاق األمـم المتحــدة "علـى أن للمجلــس اإلقتصـادي واإلجتمــاعي أن يجـري ترتيبــات‬
‫المناســبة للتشــاور مــع الهيئــات غيــر الحكوميــة التــي تعنــى بالمســائل الداخلــة فــي اخنصاصــه‪ ،‬إذا رأى ذلــك‬
‫مالئما مع هيئات أهلية‪ ،‬وبعد التشاور مع أعضاء األمم المتحدة‪ 2‬في هذا الشأن"‪.‬‬
‫‪ -‬الضــغط‪ ،‬والــذي يعــد الوســيلة التــي تتــيح للمنظمــات غيــر الحكوميــة التــأثير علــى عمليــة وضــع‬
‫المعايير‪ ،‬وصياغة اإلتفاقيات والمعاهدات الدولية التي من شأنها حماية أمن األفراد وسالمتهم‪.‬‬
‫‪ -‬المساعدة على صياغة وتنفيذ ومراقبة سياسات الدول والمنظمات الدولية‪.‬‬
‫‪ )Susanne‬مس ــتويات الحماي ــة الت ــي‬ ‫وف ــي ه ــذا اإلط ــار ح ــددت س ــوزان جاس ــبرس (‪Jaspars‬‬
‫تعتمــدها المنظمــات غيــر الحكوميــة فــي دفــع الــدول لإللت ـزام بمســؤوليتها‪ ،‬كالتــالي‪ :‬المطالب ـة‪ ،‬بنــاء القــدرات‪،‬‬
‫أنشطة الدعم أو المساعدة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ann Marie : Kathryn Hochstetler: «The sovereign limits of global civil society: A comparison of NGO‬‬
‫‪participation in UN world conferences on the environment, Human rights, And women», USA: the johns‬‬
‫‪Hopkins university press, 1998, p 04.‬‬
‫‪ 2‬هاني سليمان الطعيمات‪« :‬حقوق اإلنسان وحرياته األساسية»‪ ،‬األردن‪ :‬دار الشروق للنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،6112 ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪177‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اآلليات اإلقليمية المساعدة على الدفع في اتجاه البناء الديمقراطي التعددي‬
‫إن اإللتزام القانوني بحماية حقوق اإلنسان عامة بما فيها الحقوق الثقافية‪ ،‬ال يطال فقط الدول‬
‫وحدها‪ ،‬وانما يخص أيضا المنظمات اإلقليمية‪ ،‬وفقا لما جاء في ميثاق األمم المتحدة (المادة ‪.)02-07‬‬
‫وابتداء من اعتماد اإلتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان سنة ‪ ،2200‬تواصل اإلتجاه نحو صياغة‬
‫معايير إقليمية باعتماد اإلتفاقية األمريكية لحقوق اإلنسان عام ‪ ،2222‬وتالها في وقت الحق الميثاق‬
‫اإلفريقي لحقوق اإلنسان والشعوب الذي اعتمد عام ‪ .2222‬وصيغت معاهدات إقليمية شتى الغرض منها‬
‫إضفاء المزيد من الفعالية على حماية الحقوق المدنية والسياسية‪ ،‬فضال عن الحقوق اإلقتصادية‬
‫واإلجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫وتجد المنظمات اإلقليمية مبرر وجودها من مجموعة القواسم المشتركة السياسية واإلقتصادية‬
‫والثقافية والنفسية للدول المشكلة لها‪ ،‬والى جوار اإلهتمامات المتعددة لهذه المنظمات حظيت حقوق‬
‫اإلنسان باهتمام كبير على المستوى اإلقليم ي‪ ، 1‬وكانت اإلنطالقة األولى لهذا االهتمام من القارة‬
‫األوروبية‪ ،‬وكان مجلس أوربا هو الرائد والطليعي في هذا المجال‪ ،‬وسرعان ما انتشر هذا اإلهتمام للقارة‬
‫األمريكية واإلفريقية‪.‬‬
‫وقد لعبت االتفاقيات اإلقليمية لحقوق اإلنسان دو ار هاما في حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬ال يقل عن‬
‫الدور الذي لعبته اإلتفاقيات الدولية‪ ،‬بل إنها سبقتها بما اعتمدته من آليات فعالة تسهر على حسن تطبيق‬
‫نصوصها‪ ،‬وتضمن حماية فعالة لحقوق اإلنسان‪ .2‬ويرى أحد الباحثين أن بعض اتجاهات التشريع الدولي‬
‫اإلقليمي كانت األسبق تاريخيا واألكثر شموال وضمانا لحقوق اإلنسان‪.3‬‬
‫ويقتضي الحديث في هذا الموضوع اإلشارة إلى بعض نظم حماية حقوق اإلنسان المتوافرة على المستوى‬
‫اإلقليمي؛ منها‪ :‬المحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان‪ ،‬المحكمة األمريكية لحقوق اإلنسان‪ ،‬والمحكمة‬
‫اإلفريقية لحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪ 1‬ياسر حسن كلزي‪« :‬حقوق اإلنسان في مواجهة سلطة الضبط الجنائي "دراسة مقارنة»"‪ ،‬الرياض‪ :‬جامعة نايف للعلوم األمنية‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،7002 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 2‬محمد أمين الميداني‪« :‬دراسات في الحماية اإلقليمية لحقوق اإلنسان»‪ ،‬اليمن‪ :‬مركز المعلومات والتأهيل لحقوق اإلنسان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،7002 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 3‬عبد العزيز محمد سرحان‪ «:‬مقدمة لدراسات ضمانات حقوق اإلنسان‪ ،‬دراسة مقارنة في القانون الدولي والشريعة اإلسالمية»‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬جامعة عين الشمس‪ ،2222 ،‬ص ‪.00‬‬

‫‪178‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫أوال‪ :‬المحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان‬


‫يعتبر النظام األوروبي لحماية حقوق اإلنسان من األنظمة اإلقليمية األكثر تطو ار‪1‬؛ كونه يعتمد‬
‫على عدة اتفاقيات ومواثيق تؤكد حقوق اإلنسان وحرياته األساسية‪ .‬كما أنه يعترف لكل من الدولة والفرد‬
‫بالحق في اللجوء إلى المحكمة للرقابة على احترام تلك الحقوق وعدم انتهاكها‪ .‬وتتولى الرقابة على احترام‬
‫الحقوق ثالث هيئات‪ ،‬تتمثل في اللجنة األوروبية لحقوق اإلنسان ولجنة وزراء مجلس أوربا والمحكمة‬
‫األوروبية لحقوق اإلنسان‪.2‬‬
‫غير أنه منذ دخول البروتوكول رقم ‪ 22‬الملحق باإلتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان حيز التنفيذ‬
‫في ‪ 02‬نوفمبر ‪ ، 2222‬لم يعد هذا النظام القائم على ثالثة أجهزة للرقابة ساري المفعول‪ ،‬وأصبح النظام‬
‫األوروبي يقوم على جهاز واحد‪ ،‬أخذ إسم المحكمة الجديدة‪.3‬‬
‫وبموجب هذا البروتوكول أيضا‪ ،‬منحت المنظمات غير الحكومية حق اللجوء مباشرة إلى‬
‫المحكمة‪ ،‬وفقا للمادة ‪ 23‬من البروتوكول المعدل" يمكن ألي شخص طبيعي‪ ،‬أو ألية منظمة غير‬
‫حكومية‪ ،‬أو مجموعة من األشخاص‪ ،‬تقديم التماس أوعريضة بشأن أي انتهاك قد تقترفه دولة طرف في‬
‫اإلتفاقية ألحد أحكامها أو أكثر"‪.4‬‬
‫ولقد تمكنت المحكمة األوروبية من ترقية القيم الضرورية في مجتمع ديمقراطي‪ ،‬ومنحت لها مكانة‬
‫معتبرة في النظام العام األوروبي‪ ،‬كما أكدت على القيمة األساسية لمبدأ احترام الكرامة اإلنسانية‪ ،‬وكذلك‬
‫أهمية مبدأ سيادة القانون‪ ،‬ومبدأ التعددية‪ ،‬ومبدأ عدم التمييز‪ ،‬كما أكدت على أولوية الحق في الحياة‪،‬‬
‫والتي تشكل جميعها الركائز األساسية للنظام العام األوروبي في ميدان حقوق اإلنسان‪.5‬‬
‫وقد أكدت المحكمة األوروبية على أن حرية التفكير والضمير والدين لها بعد ديني بما يعترف‬
‫لصالح الذين لديهم إيمان ديني ولغيرهم الذين ال يؤمنون‪ .‬فهي ترجمة للتعددية الالئقة في المجتمع‬
‫الديمقراطي‪ .‬كما يحق في نظر المحكمة األوروبية‪ ،‬إقامة تحديدات على حرية الدين في مجتمع ديمقراطي‬
‫تتواجد فيه تيارات دينية مختلفة‪ ،‬ذلك من أجل التوفيق بين مصالح المجموعات الدينية المختلفة وضمان‬
‫احت ارم قناعة كل واحد‪ ،‬وعلى أساس ذلك للدولة سلطة قمع السلوك‪ ،‬كمنع انتشار أفكار تتعارض مع‬
‫احترام حرية الفكر والضمير والدين للغير‪.6‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Rusen Ergec: « Protection europeenne et international des droits de l' homme», Bruylant bruxelles, 2004, p‬‬
‫‪107.‬‬
‫‪ 2‬عبد الواحد محمد الفار‪ «:‬قانون حقوق اإلنسان في الفكر الوضعي والشريعة اإلسالمية»‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪،2222 ،‬‬
‫ص ‪.330‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Rusen Ergec: Op Cit, p 126.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Mutoy Mubiala:« Le systeme regional africain de protection des droits de l' homme», Belgique:‬‬
‫‪etablissements Emile Bruylant, 2005, p 26.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Frédéric Sudre et Autres: «Droit international et europeenne des droits de l' homme», France : presses‬‬
‫‪universitaires de france , 1997, p11 .‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Rusen Ergec, Op Cit, pp 206-207.‬‬
‫‪179‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وقد أصدرت المحكمة أكثر من ‪ 27،000‬حكما على مدى نصف القرن الماضي‪ ،‬وفي أكثر من‬
‫‪ 20‬في المائة من أحكامها ‪ ،‬قضت المحكمة بأن االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان قد انتهكت وجاء‬
‫وروسيا‪.‬‬ ‫فرنسا‬ ‫تركيا‪،‬‬ ‫إيطاليا‪،‬‬ ‫دول‪:‬‬ ‫أربع‬ ‫بحق‬ ‫األحكام‬ ‫هذه‬ ‫نصف‬ ‫من‬ ‫أكثر‬
‫وباعتبار أن أحكام المحكمة ملزمة للدول المعنية‪ ،‬فإن تنفيذ األحكام الصادرة عنها قد أدى إلى إحداث‬
‫تغييرات في القانون والممارسة في العديد من المجاالت‪ ،‬ليس فقط في الدول المعنية ولكن في دول أخرى‬
‫في أوروبا‪ ،‬كما أثرت أحكامها بالقوانين والممارسة في مناطق أخرى من العالم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المحكمة األمريكية لحقوق اإلنسان‬


‫على غرار التنظيم الدولي العالمي واألوربي‪ ،‬يعد النظام الدولي األمريكي لحماية حقوق اإلنسان‬
‫ظاهرة من ظواهر الحرب العالمية الثانية‪ ،‬بالرغم من اهتمام الدول األمريكية ببعض المسائل التي تدخل‬
‫ضمن الحقوق الدولية لإلنسان‪ ،‬قبل الحرب العالمية الثانية؛ مثل حماية األقليات وحقوق العمال وظروف‬
‫العمل‪ .‬بل يرجع اهتمام الدول األمريكية بضرورة حماية حقوق إلنسان إلى بداية سنة ‪ 2272‬لما دعا‬
‫المفكر األمريكي الالتيني "سيمون بولي فار" (‪ )Simon Boliver‬إلى اتحاد كونفدرالي للدول األمريكية‬
‫التي تشترك في التراث الالتيني‪.‬‬
‫والمحكمة األمريكية لحقوق اإلنسان هي جهاز قضائي مستقل أنشأ استنادا إلى اإلتفاقية األمريكية لحقوق‬
‫اإلنسان سنة ‪ ،2222‬ينظر في القضايا المعروضة عليه إما بأحكام قضائية أو آراء استشارية‪ ،‬ويحق لكل‬
‫دولة طرف أن تطلب رأيا استشاريا بشأن اإلتفاقية األمريكية لحقوق اإلنسان‪ ،‬سواء كانت طرفا أو ال‪ ،‬أو‬
‫أي اتفاقية أخرى تتعلق بحقوق اإلنسان في الدول األمريكية‪.1‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬فإن المحكمة ال تملك من الوسائل ما يمكنها من التنفيذ الجبري لهذه األحكام‪ ،‬إال أنها‬
‫بمقدورها فقط رفع تقاريرها بشأن امتناع دولة ما عن اإلمتثال لق ارراتها إلى الجمعية العامة لمنظمة الدول‬
‫األمريكية متبوعة بتوصياتها‪ ،‬بشأن ما يجب اتخاذه من إجراءات‪ .2‬لكن تظل محكمة البلدان األمريكية‬
‫هي هيئة حقوق اإلنسان الوحيدة في العالم التي أصدرت أحكام ملزمة قانونا حول استخراج الموارد‬
‫الطبيعية في أراضي الشعوب األصلية‪ .‬كما أصدرت تدابير مؤقتة وأحكام متعلقة بحقوق السكان‬
‫األصليين‪ ،‬على الرغم من أن المحكمة لم تقدم تعريفا نهائيا وشامال للشعوب األصلية‪.3‬‬
‫وفي عام ‪ 7002‬أصدرت المحكمة أول حكم لها بشأن حقوق الشعوب األصلية في األرض اتجاه‬
‫دولة نيكاراغوا والذي أكد فيه ألول مرة من قبل محكمة دولية لحقوق اإلنسان‪ ،‬على حق الشعوب األصلية‬
‫في الملكية الجماعية‪ ،‬موسعة بذلك من نطاق المادة ‪ 72‬من اإلتفاقية األمريكية‪ ،‬مبررها في ذلك أن‬

‫‪ 1‬محمد خليل الموسى‪« :‬الوظيفة القضائية للمنظمات الدولية»‪ ،‬األردن‪ :‬دار وائل‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،6117 ،‬ص ‪.136‬‬
‫‪ 2‬محمد يوسف علوان‪ :‬محمد خليل موسى‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Thomas M. Antkowiak: «Rights, Resources and rhetoric: Indigenous peoples and the inter- American‬‬
‫‪court», U.PA.J.INT' IL, Vol.35.01, 2013, p 120.‬‬
‫‪180‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫معاهدات حقوق اإلنسان هي أدوات حية يجب أن تتكيف مع تطور العصر‪ ،‬كما استشهدت أيضا بالمادة‬
‫‪ 72‬من اإلتفاقية كون قانون نيكاراغوا الداخلي بما في ذلك دستورها يعترف بالملكية الجماعية‪.1‬‬
‫وفي جوان ‪ 7027‬أصدرت محكمة البلدان األمريكية أهم قرار بشأن الصناعات اإلستخراجية‬
‫والشعوب األصلية في حكمها في قضية شعب كيشوا في ساراياكو (األمازون اإلكوادوري)‪ ،‬التي تابعها‬
‫المتضررون منذ عام ‪ 7002‬ضد الدولة اإلكوادورية وكانت الدولة تسمح لشركات النفط األجنبية‬
‫باإلنقضاض على األراضي التقليدية العائدة للمجتمع دون تشاور مسبق‪.2‬‬
‫وقد اعتبرت المحكمة باإلجماع حكومة اإلكوادور مذنبة بانتهاك حق شعب كيشوا في التشاور المسبق‪ ،‬و‬
‫حقوقه في الملكية الجماعية و الهوية الثقافية‪ ،‬وكذلك حقهم في الحياة و السالمة البدنية‪ ،‬فضال عن حقهم‬
‫في المحاكمة العادلة و الحماية القضائية‪.‬‬
‫كما تبنت المحكمة مفهوما واسعا للحق في الحياة في سوابقها القضائية‪ ،‬كإطار عمل لمجموعة‬
‫من القواعد األساسية المتعلقة بالسكان األصليين‪ ،‬التكامل الثقافي‪ ،‬عدم التمييز‪ ،‬الحكم الذاتي‪ ...‬وغالبا ما‬
‫تترجم المحكمة الحق في الحياة ب ـ "الحق في الحياة الكريمة"‪ ،‬وهو حق متعدد األبعاد‪ ،‬صعد في فقه‬
‫المحكمة وقد استخدمته بالفعل المحكمة كوسيلة لحماية مختلف حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وقد سعى تقييم المحكمة إلى إثبات "الحق في التشاور" ليس فقط كقاعدة محمية في اإلتفاقية األمريكية‪،‬‬
‫ولكن أيضا باعتباره "مبدأ عام للقانون الدولي"‪ .3‬وبالتالي‪ ،‬فقد ارتأت المحكمة بأنه يتوجب على إكوادور‬
‫اتخاذ تدابير لوقف التعدي‪ ،‬و التشاور مع شعب كيشوا‪ ،‬مع دفع تعويضات كبيرة‪.4‬‬

‫ثالثا‪ :‬المحكمة اإلفريقية لحقوق اإلنسان‬


‫شكل اعتماد الميثاق اإلفريقي لحقوق اإلنسان والشعوب في عام ‪ ،2222‬بداية لعهد جديد في ميدان‬
‫حقوق اإلنسان في إفريقيا‪ ،‬وقد بدأ نفاذه في ‪ 72‬أكتوبر عام ‪ 2222‬وحتى تاريخ ‪ 72‬أفريل ‪ 7007‬بلغ‬
‫عدد الدول األطراف فيه ‪ 02‬بلدا‪.‬‬
‫وبالرغم من أن الميثاق اإلفريقي يستلهم أحكامه إلى حد بعيد من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫والعهديين الدوليين الخاصين بحقوق اإلنسان‪ ،‬واتفاقات حقوق اإلنسان اإلقليمية‪ ،‬إال أنه يتسم بدرجة عالية‬
‫من الخصوصية الراجعة بوجه خاص إلى المفهوم اإلفريقي لعبارة "حق" والمكانة التي يوليها للمسؤوليات‬
‫التي يتحملها األفراد‪ ،‬تجاه بعض المجموعات وغيرها من األفراد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Thomas M. Antkowiak: Op Cit, pp 139-143.‬‬
‫‪ «2‬إكوادور حكم تاريخي لمحكمة البلدان األمريكية لحقوق اإلنسان لصالح شعب كيشوا في ساراياكو»‪.‬‬
‫‪http://www.frontlinedefenders.org/ar/node/19901‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Thomas M. Antkowiak: Op Cit, p 121, p 157.‬‬
‫‪ «4‬إكوادور حكم تاريخي لمحكمة البلدان األمريكية لحقوق اإلنسان لصالح شعب كيشوا في ساراياكو»‪.‬‬
‫‪http://www.frontlinedefenders.org/ar/node/19901‬‬

‫‪181‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫كما يضمن الميثاق اإلفريقي لحقوق اإلنسان والشعوب‪ ،‬نصوصا محددة من حيث كونه ال يحمي حقوق‬
‫األفراد فقط‪ ،‬بل وأيضا حقوق الشعوب‪ ،‬ما يعني أنه يتضمن كال الحقوق الفردية والجماعية على حد‬
‫السواء‪.‬‬
‫وتختص اللجنة اإلفريقية لحقوق اإلنسان والشعوب بوجه خاص بما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تعزيز حقوق اإلنسان عن طريق جمع الوثائق واإلضطالع بدراسات ونشر المعلومات‬
‫والتقدم بتوصيات وصياغة قواعد ومبادئ التعاون مع سائر المؤسسات؛‬
‫‪ -‬تأمين حماية حقوق اإلنسان والشعوب من خالل؛ الرسائل المتبادلة بين الدول؛ الرسائل‬
‫الواردة من جهات غير الدول األطراف؛ التقارير الدورية الواردة من الدول األطراف‪.‬‬
‫ويمكن أن تشكل المحكمة آلية من آليات ضمان الحكم الديمقراطي التعددي في إفريقيا‪ ،‬كونها تركز على‬
‫مشاغل وهموم المواطن اإلفريقي‪ ،‬وتسعى إليجاد حلول للمشاكل التي تواجهه خاصة في ظل المشاكل‬
‫المتصلة بإدارة التنوع الثقافي والذي تعاني منه العديد من الدول‪ ،‬بما يحدث فيها من صراعات وحروب‬
‫داخلية بين الجماعات‪.‬‬
‫وفي إطار نشاطاتها‪ ،‬أصدرت المحكمة اإلفريقية لحقوق اإلنسان والشعوب ق ار ار سنة ‪ ،7027‬يقضي بمنع‬
‫الحكومة الكينية من طرد مجتمعات (‪ )ogiek‬من منازل أجدادهم في غابة ماو تحت ستار حماية البيئة‪،‬‬
‫وطالبتها بإيقاف اإلنتهاكات الجسيمة والواسعة النطاق لهذه األراضي التي تعتبر أكثر عرضة للخطر من‬
‫قطع االشجار على نطاق واسع‪ ،‬بدال من الممارسات المستدامة والتقليدية الخاصة بهم‪.‬‬
‫واعتبرت المحكمة في قرارها أن اإلجراءات الحالية للحكومة تنتهك حق (‪ )ogiek‬في التمتع بقيمهم‬
‫الثقافية والتقليدية‪ ،‬وحقهم في الملكية‪ ،‬فضال عن حقهم في التنمية اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪ ،‬وهي‬
‫كلها مجسدة في الميثاق اإلفريقي لحقوق اإلنسان والشعوب‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪« African court issues historic ruling protecting rights of Kenya's ogiek community».‬‬
‫‪www.nieuwsbank.nl/en/2013/03/21/R010.htm‬‬

‫‪182‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تصميم وتنفيذ سياسات تجاوبية لضمان التمكين واإلنتفاع‬


‫من الحق في التنوع الثقافي‬
‫إن سياسات التمييز واإلقصاء والفصل‪ ،‬فضال عن سياسات اإلستيعاب القسري‪ ،‬قد أصبحت‬
‫خيارات ينظر إليها اليوم بأنها غير مقبولة وفقا للمعايير الديمقراطية ومعايير حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن النجاح في بناء مجتمعات إندماجية وتعددية تنعم باإلستقرار والتجانس المجتمعي‪،‬‬
‫ليس مجرد مسألة تغييرات تشريعية ولو أنها ضرورية‪ ،‬كما أنها لن تتحقق أيضا بتغيير الثقافة السياسية‬
‫لوحدها‪ ،‬من خالل دفع صناع القرار إلى التفكير والشعور والتصرف بأساليب تتمتع باإلخالص‬
‫الحتياجات اآلخرين وطموحاتهم‪ ،‬وانما تتطلب التجسيد الحقيقي لسياسات متعددة الثقافات تعترف صراحة‬
‫باإلختالفات وتمقت قمع الحرية الثقافية والتمييز على أساس الهويات الثقافية‪ ،‬اإلثنية والدينية واللغوية‪.‬‬
‫وفي استطاعة الدول صو سياسات اإلعتراف الثقافي بأساليب ال تتعارض مع أهداف التنمية‬
‫واستراتيجياتها األخرى؛ مثل تثبيت الديمقراطية‪ ،‬وبناء دولة قادرة‪ ،‬وتشجيع إيجاد فرص أكثر عدالة في‬
‫المجاالت اإلجتماعية واإلقتصادية‪ .‬ولتحقيق ذلك يتعين على الدول أن تعترف في دساتيرها وقوانينها‬
‫ومؤسساتها باإلختالفات الثقافية؛ كما تحتاج إلى وضع سياسات تضمن لمصالح فئات معينة‪ -‬سواء كانت‬
‫أقليات أو أغلبيات مهمشة تاريخيا‪ -‬بأال تغفل أو تضرب بها األغلبية‪ ،‬أو مجموعات مهيمنة أخرى عرض‬
‫الحائط‪.1‬‬
‫بناء على ذلك‪ ،‬سنعمد في تقسيم هذا المبحث إلى أربع مطالب؛ سنتناول في األول السياسات‬
‫الضامنة للمشاركة السياسية الفعالة‪ ،‬وفي الثاني الترتيبات السياسية الخاصة بالدين واألع ارف‪ ،‬أما‬
‫المطلب الثالث فنوليه لدراسة السياسات الخاصة بالتمكين من استخدام لغات متعددة‪ ،‬والمطلب األخير‬
‫للسياسات التعويضية عن اإلستبعاد اإلجتماعي واإلقتصادي‪ ،‬وهي جميعها تصب في خانة إدارة التنوع‬
‫الثقافي بشكل يخدم األمن واإلستقرار المجتمعي‪.‬‬

‫‪ 1‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،32‬ص ‪.02‬‬

‫‪183‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المطلب األول‪ :‬سياسات ضامنة للمشاركة السياسية الفعالة‬


‫إن عدم التمييز في حق المشاركة السياسية هو أمر ضروري لحماية مصالح جميع األقليات‪ ،‬لذا‬
‫يجب اتخاذ التدابير الالزمة لضمان المشاركة الفعالة من قبل األقليات في العمليات التداولية وصنع القرار‬
‫في الدولة الديمقراطية‪ ،‬وأيضا الحاجة إلى اتخاذ تدابير خاصة‪ ،‬بما في ذلك عند الضرورة إدخال أنظمة‬
‫الحكم الذاتي لحماية وتعزيز ثقافة األقليات‪ ،‬مع إيالء اهتمام خاص لألحكام الواردة في توصيات "لوند"‬
‫الخاصة بالمشاركة الفعالة لألقليات القومية في الحياة العامة‪.1‬‬
‫والواقع أن من شأن التحرك نحو الديمقراطية أن يلعب دو ار مساعدا في معالجة حاالت الحرمان‬
‫واإلستبعاد والتهميش التاريخي‪ ،‬الذي ظلت تعاني منه أقليات كثيرة في أنحاء العالم‪ ،‬والتي يكون سببها‬
‫المباشر هو فقدان الديمقراطية أو إنكار الحقوق السياسية‪ .‬لكنها تظل غير كافية في حاالت أخرى‪ ،‬أين‬
‫يعترف ألفراد هذه المجموعات بحقوق سياسية متساوية‪ ،‬في ظل نظام ديمقراطي يجعلهم ممثلين بأقل مما‬
‫يستحقون‪ ،‬أو خاسرين في عمليات التصويت بشكل دائم‪ .‬األمر الذي يجعلهم ينظرون إلى الحكومة‬
‫المركزية كجسم غريب عنهم‪ ،‬أو أداة قمعية مسلطة عليهم‪ .‬وهنا ال عجب في أن تقاوم أقليات عديدة هذا‬
‫الجسم الغريب أو الحكم القمعي‪ ،‬في سبيل كسب المزيد من القوة السياسية‪.‬‬
‫على ضوء ذلك‪ ،‬تدعو الحاجة في أحيان كثيرة إلى خلق ديمقراطيات متعددة الثقافات‪ ،‬توفر آليات‬
‫فعالة إلشتراك مجموعات مختلفة ثقافيا في السلطة‪ ،‬أين تكتسي هذه الترتيبات أهمية قصوى في ما يتعلق‬
‫بضمان حقوق مجموعات ثقافية متنوعة‪ ،‬ومنع أي انتهاكات لهذه الحقوق بفرض إرادة األغلبية‪ ،‬أو من‬
‫خالل الهيمنة السياسية للنخبة الحاكمة‪.‬‬
‫وسنتناول هنا صنفين من الترتيبات الديمقراطية‪ ،‬التي تستطيع من خاللها مجموعات أو أقليات‬
‫ثقافية متباينة‪ ،‬من المشاركة في السلطة ضمن إطار الممارسات السياسية ومؤسسات الدولة‪.‬‬
‫يتمثل الصنف األول في اقتسام السلطة إقليميا من خالل الفدرالية وأشكالها المتعددة‪ ،‬والتي تتالءم بشكل‬
‫خاص مع حالة األقليات المتمركزة جغرافيا‪ ،‬والتي لها تقاليد في الحكم الذاتي ترفض التخلي عنها‪.‬‬
‫أما الصنف الثاني من الترتيبات‪ ،‬فينطوي على المشاركة في السلطة عبر تحالفات توافقية‪ ،‬تستخدم سلسلة‬
‫من األدوات لضمان مشاركة مجموعات متنوعة الثقافات‪ ،‬تتميز بأنها غير متمركزة إقليميا‪ ،‬وغير مطالبة‬
‫باإلستقالل الداخلي وال بالحكم الذاتي‪.‬‬
‫لكن بالرغم من انتشار كال الصنفين الفدرالي والتوافقي في العديد من دول العالم‪ ،‬مع وجود أمثلة‬
‫كثيرة عن نجاح كل منهماـ إال أنه يجدر بنا اإلشارة إلى أن أيا من هذين النموذجين ليس حال سحريا لكل‬

‫‪1‬‬
‫‪Steven Wheatley:« Non-discrimination and equality in the right of political participation for minorities»,‬‬
‫‪«Journal on ethno politics and minority issues in Europe», UK :University of Liverpool, Issue 03.2002, p 01.‬‬
‫‪184‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الحاالت؛ لذا سنركز من خالل هذا المطلب على نوع خاص من الترتيبات الفدرالية‪ ،‬وبعض اآلليات‬
‫المعينة للتآلف‪ ،‬التي تصلح تماما لفتح الطريق أمام المشاركة السياسية لمجموعات ثقافية متباينة‪.1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المشاركة الفعالة في السلطة من خالل ترتيبات فدرالية؛ الفدرالية الال متماثلة‬
‫تعرف الفدرالية وفقا لتعبير الري دايموند )‪ (Larry Diamond‬بأنها "تنظيم سياسي تتوزع فيه‬
‫أنشطة الحكومة بين حكومة مركزية وحكومات محلية‪ ،‬بالشكل الذي يتيح لكل نـمط من هذه الحكومات‬
‫القيام بأنشطة تتخذ على أساسها ق اررات نـهائية"‪.2‬‬
‫بعبارات أخرى‪ ،‬تعبر الفدرالية عن نظام حكومي متعدد المستويات يـجمع بين الحكم المشترك‬
‫والحكم الذاتي لألقاليم المكونة للدولة‪ ،‬استنادا إلى القيمة والمصداقية المفترضة في الجمع بين الوحدة‬
‫والتعددية‪ ،‬وبناء على الهدف المتمثل في استيعاب الهويات المميزة‪ ،‬عبر الحفاظ عليها وتعزيزها داخل‬
‫اتحاد سياسي أكبر حجما‪.‬‬
‫وفي سياق تبيان أهمية األخذ بالفدرالية‪ ،‬يرى كيملكا أنه في حال استمرار سعي الدولة إلى بلو‬
‫وضع دولة‪-‬أمة‪ ،‬ستجد األقليات القومية في نهاية المطاف نفسها أمام خياران‪" :‬إما تقسيم هذه الدولة‬
‫المتعددة القوميات‪ ،‬حتى تستطيع كل جماعة قومية من تشكيل دولة‪-‬أمة خاصة بـها‪ ،‬وذلك عبر‬
‫االنفصال واعادة رسم الحدود‪ ،‬واما العمل على تمكين الجماعة القومية األكبر حجما أو األكثر قوة في‬
‫كل دولة متعددة القوميات من اإلستمرار في نزعتها القومية‪ ،‬بغية تحطيم كافة الهويات القومية األخرى"‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬العمل بالخيار األول يعد أم ار غير واقعي في عالم مكون من أمم كثيرة جدا‪ ،‬بحيث يفوق‬
‫ذلك إمكانية تشكيل دولة خاصة بكل أمة‪ .‬إلى جانب أن تبنيه ُيرتِّب نتائج مأساوية‪ ،‬نظ ار الى تداخل‬
‫الكثير من األمم ببعضها البعض داخل اإلقليم نفسه‪ .‬أما الخيار الثاني‪ ،‬فيعد خيا ار جائ ار شكال ومضمونا‪،‬‬
‫كونه يتناقض مع فكرة أن الهويات القومية تستحق اإلحترام واإلعتراف‪.‬‬
‫في ضوء ذلك‪ ،‬تبرز الحاجة الماسة إلى إعمال الفكر في سبيل تكيف الدولة مع طموح ورغبة‬
‫األقليات القومية في نيل اإلستقالل الذاتي من جهة‪ ،‬والحفاظ على استم ارريتها من جهة أخرى‪.3‬‬
‫وهنا تطرح "الفدرالية الال تماثلية" كشكل لنظام الحكم الذي يوفر من خالل مؤسساته الديمقراطية‬
‫والتمثيلية‪ ،‬وسائل عملية للتعامل مع النزاعات في المجتمعات المتنوعة ثقافيا‪ ،‬ويمكن الناس من العيش‬
‫معا مع اإلحتفاظ بتنوعهم واختالفهم‪.4‬‬

‫‪ 1‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.02‬‬
‫‪ 2‬الري دايموند‪ :‬ترجمة‪ ،‬فوزية ناجي جاسم الدفاعي‪« :‬الديمقراطية‪ :‬تطويرها وسبل تعزيزها»‪ ،‬بغداد‪ :‬دار المأمون للترجمة والنشر‪،‬‬
‫‪ ،7000‬ص ‪.27‬‬
‫‪ 3‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.722‬‬
‫‪ 4‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.02‬‬
‫‪185‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ويعد تالرتون أول من تناول هذا الموضوع في دراسته المنشورة عام ‪ 2220‬بعنوان "التماثل‬
‫والالتماثل باعتبارهما من عناصر الفدرالية"؛ إذ ينشأ هذا النظام في نظره بفعل التفاوت بين وحداته‬
‫الفرعية في الظروف الثقافية واإلقتصادية والديمغرافية‪ ،‬وبالشكل الذي يقود إلى تفاوتها في السلطة والنفوذ‪،‬‬
‫سواء من حيث عالقاتها بعضها ببعض‪ ،‬أو من حيث عالقاتها بالسلطة الفدرالية‪.1‬‬
‫من ثم‪ ،‬فإن تبني هذه الفدرالية يعد في حقيقة األمر شكال من أشكال سياسة التعددية الثقافية‪،2‬‬
‫وهي تستهدف التكيف مع المطالب السياسية لفئات متنوعة ثقافيا عبر اإلعتراف الصريح بالتعددية‬
‫الفئوية‪ ،‬ومعاملة مناطق معينة بشكل مختلف عن مناطق أخرى فيما يتعلق بقضايا محددة‪.‬‬
‫بمعنى أن السلطات الممنوحة للوحدات الثقافية ال تكون متطابقة في ظل "األنظمة الفدرالية‬
‫الالمتماثلة"؛ حيث تتمتع بعض األقاليم بمجاالت حكم ذاتي مختلفة عن باقي األقاليم األخرى‪.‬‬
‫ولذلك تستطيع الدول الفدرالية التكيف مع بعض الوحدات الثانوية‪ ،‬عبر اإلعتراف بخصوصيات معينة‬
‫في كياناتها السياسية واإلدارية واالقتصادية والثقافية والتعليمية واللغوية؛ كما فعلت ماليزيا عندما انضمت‬
‫واليتا صباح وس ارواك إلى اإلتحاد الفدرالي في عام ‪.31327‬‬
‫ومثل هذا النوع من عدم التماثل الدستوري يكون عادة محدودا؛ ألن عدم وجود تماثل كبير يطرح تحديات‬
‫في إدارة النظام الفدرالي‪ ،‬كما أنه قد يوجد أشكال أكثر براغماتية لالتماثلية‪.4‬‬
‫هذ ا الشكل من الفدرالية يضيف قد ار واسعا من المرونة في اإلستجابة للمطالب الثقافية‪ ،‬ويفسح‬
‫حي از للتنوع؛ كما يسمح لوحداته الفرعية بالتعايش سياسيا مع السلطة المركزية‪ ،‬بشكل يسهم في تخفيض‬
‫احتمال نشوب صراعات عنيفة والمطالبة باإلنفصال‪.‬‬
‫في مقابل ذلك فشلت فدراليات عديدة‪ ،‬وانهارت في أنحاء كثيرة من العالم ترتيبات فدرالية غير‬
‫ديمقراطية‪ ،‬حاولت خلق مناطق فرعية صافية اإلثنية أو أحادية القومية‪ .‬وتشكل يوغسالفيا المثال األبرز‬

‫‪ 1‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.200‬‬


‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.722‬‬
‫‪ 3‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 02‬‬
‫يطلق مصطلح الالتماثل على العديد من عناصر اإلختالف بين الوحدات المكونة لإلتحادات الفدرالية؛ مثل عدم تماثل الوزن‬ ‫‪4‬‬

‫السياسي‪ ،‬أو عدم تماثل الحقوق لمجموعة أو لغة ما‪ ،‬أو عدم التماثل في المكانة‪ ،‬أو وجود سلطات غير متماثلة‪.‬‬
‫ومن بين األمثلة على التوزيع غير المتماثل للسلطات في األنظمة الفدرالية‪ ،‬نجد مثال كندا أين تتمتع كيبك عمليا بترتيبات غير محددة‬
‫دستوريا مع الحكومة الفدرالية‪ ،‬ما يمنحها سلطات مختلفة عن تلك التي تحصل عليها المقاطعات األخرى‪.‬‬
‫كما تمنح ماليزيا وهي من الفدراليات األكثر حداثة‪ ،‬واليات البورنيو سلطات خاصة على القوانين المتعلقة بالسكان األصليين‪ ،‬ووسائل‬
‫اإلتصاالت‪ ،‬ومصائد األسماك‪ ،‬والغابات‪ ،‬والهجرة‪.‬‬
‫إضافة لذلك‪ ،‬توجد ترتيبات دستورية ال متماثلة في كل من بلجيكا‪ ،‬جزر القمر‪ ،‬البوسنة والهرسك‪...‬‬
‫لإلطالع أكثر انظر‪ :‬جورج أندرسون‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪. 70-73‬‬
‫‪186‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫على ذلك‪ ،‬حيث جمعت كياناتها باإلكراه‪ ،‬وحكمتهم سلطة ذات محاصات سياسية واقتصادية مجحفة جدا‪،‬‬
‫فتعززت بذلك الدعوات اإلنفصالية وانتهى بها األمر إلى التفتت السياسي‪.1‬‬
‫وبحسب أري كيملكا‪ ،‬فإن األنظمة الفدرالية تتوزع على صنفين رئيسيين‪:‬‬
‫يتجسد الصنف األول في ما يسمى بـ "الفدرالية اإلقليمية"؛ وهي اآللية التي تحتكر بواسطتها قومية واحدة‬
‫رخصة تقسيم السلطة ونشرها داخل إقليم الدولة‪ ،‬دون إعطاء أي اعتبار للتنوع الثقافي الموجود‪.‬‬
‫أما الصنف الثاني فيتمثل في "الفدرالية المتعددة القوميات"‪ ،‬وهي اآللية الوحيدة التي بإمكانها االعتراف‬
‫بمطالب األقليات المتمركزة إقليميا في االستقالل الذاتي؛ حينما تقوم برسم حدود الوحدات الفرعية على‬
‫النحو الذي تشكل األقلية القومية أكثرية في إحدى تلك الوحدات الفرعية‪.‬‬
‫وبالتالي تستطيع أن توفر هذه الفدرالية استقالال ذاتيا موسعا لألقلية القومية‪ ،‬وتضمن لها القدرة على‬
‫صنع الق اررات دون أن تتمكن األكثرية المهيمنة من تحقيق الغلبة العددية‪.2‬‬
‫بناء على ذلك‪ ،‬يوزع كيملكا الوحدات الفرعية للفدرالية المتعددة القوميات على ثالثة أصناف‬
‫رئيسية وهي‪:‬‬
‫‪ -0‬الوحدات ذات األساس القومي‪:‬‬
‫وهي الوحدات الفرعية التي تجسد رغبة األقليات القومية في المحافظة على ذواتها باعتبارها مجتمعات‬
‫متميزة ثقافيا‪ ،‬ومتمتعة باإلستقالل الذاتي سياسيا‪.3‬‬
‫ولكن مهما تكن الطريقة التي ترسم بها الحدود الداخلية للدولة‪ ،‬فسوف يبقى هناك أعضاء من األقلية‬
‫القومية يعيشون خارج نطاق وحدتهم الفرعية هذه (ذات األساس القومي)‪ ،‬وهو ما يقتضي إيجاد آلية أخرى‬
‫غير إقليمية لحماية هذه األقليات‪ ،‬بحيث ينتفع بها أعضاؤها أينما حلوا داخل نطاق الدولة‪.‬‬
‫وتتمثل هذ ه اآللية في اإلعتراف بحقوقهم الثقافية واللغوية غير اإلقليمية‪ ،‬أي اإلعتراف بها خارج نطاق‬
‫وحداتهم ذات األساس القومي‪ ،‬واال فإن أعضاء األقلية ممن يعيشون خارج وحدتهم الفرعية تلك سيواجهون‬
‫إما التهميش واما اإلستيعاب القسري‪.4‬‬

‫‪ 1‬جيدور حاج بشير‪« :‬إدراة التنوع اإلثني والتعدد اللغوي في بلجيكا»‪ ،‬دفاتر السياسة والقانون‪ ،‬ورقلة‪ ،‬فيفيري ‪ ،7022‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 2‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Judith large: Timothy D. Sisk :« Democracy conflict and human security pursuing peace in the 21 st‬‬
‫‪century», Human Program of the Department of foreign affairs and international trade, Canada, 2006, p p 115-‬‬
‫‪116.‬‬
‫‪ 4‬ويل كيملكا‪ :‬ترجمة‪ :‬إمام عبد الفتاح إمام‪« :‬أوديسا التعددية الثقافية‪ :‬سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع»‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬

‫‪187‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ -2‬الوحدات ذات األساس اإلقليمي‪:‬‬


‫وهي الوحدات األخرى التي تتكون منها الدولة‪ ،‬وتـمثل جـماعة قومية واحدة‪ ،‬بـحيث يتم فيها نشر وتوزيع‬
‫السلطات استنادا إلى األساس اإلقليمي‪.‬‬

‫‪ -3‬الوحدات العاملة خارج النظام الفدرالي‪:‬‬


‫وهي وحدات فرعية ذات أساس قومي لكنها تعمل خارج نطاق النظام الفدرالي؛ فنظ ار إلى استحالة أن‬
‫تشكل أقلية صغيرة الحجم األكثرية في إحدى الوحدات الفرعية التي تهيمن عليها قومية أخرى‪ ،‬فإن بمقدور‬
‫هذه األقليات القومية الصغيرة الحجم أن تنال اإلستقالل الذاتي‪ ،‬وذلك فقط عبر منحها مكانة سياسية‬
‫خاصة ليست بفدرالية أو شبه فدرالية‪ ،‬بـحيث تتخذ صيغة "الكومنولث"‪ ،‬أو "الفدراسية" أو المحميات كي‬
‫تكون بذلك غير خاضعة لهيمنة أية وحدة فرعية‪ ،‬ومرتبطة مباشرة بمركز النظام الفدرالي‪.1‬‬
‫في األخير يمكن القول أن التحركات والنضاالت من أجل نيل اإلعتراف الثقافي‪ ،‬والتي دخلت‬
‫مجال النقاش اليوم؛ كاإلجتماعات التي عقدها مؤخ ار منتدى األمم المتحدة الدائم لقضايا الشعوب‬
‫األصلية‪ ،‬تعكس في حقيقة األمر وعيا سياسيا أكبر بالحرية الثقافية‪ ،‬إذ لم يعد في وسع الدول تحمل وزر‬
‫تجاهل هذه المطالب وقمعها‪ ،‬وما انتشار مبادرات مبتكرة لمنح اإلستقالل المحلي والحكم الذاتي‪ ،‬مثل‬
‫المبادرة التي أطلقها مجلس التعاون بشأن قضايا شعب صامي‪ ،‬الذي اشتركت في إقامته فنلندا والنرويج‬
‫والسويد‪ ،‬إال خير دليل على ذلك‪.2‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المشاركة الفعالة في السلطة عبر الترتيبات التوافقية‬


‫تقوم الديمقراطية التوافقية على قبول التنوع الثقافي مع ضمان الحقوق والحريات والهويات والفرص‬
‫بالنسبة لكل الجماعات‪ ،‬هذا فضال عن خلق المؤسسات السياسية واإلجتماعية القادرة على توفير مزايا‬
‫المساواة للجماعات الثقافية دون الحاجة لإلستيعاب القسري‪.3‬‬
‫والمقصود بتقاسم السلطة هنا هو المشاركة في السلطة؛ أي صيغة حكم تقوم على ائتالف حاكم‬
‫ذي قاعدة عريضة تحتوي داخلها الجماعات الثقافية‪ ،‬بحيث يحظى كل طرف بجانب أو نصيب من‬
‫المشاركة في الحكم‪ ،‬على النحو الذي يخفف من مخاوف األقليات اإلثنية في المجتمعات المتنوعة ثقافيا‬
‫من خطر اإلستبعاد الدائم من الحكم‪ ،‬في حالة التطبيق الحرفي لنظام حكم األغلبية‪.‬‬

‫‪ 1‬حسام الدين علي مجيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬


‫‪ 2‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪ 3‬أبو العينين محمود‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪188‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫شكل رقم ‪ :11‬الديمقراطية التوافقية‬


‫تأييد أكبر من‬ ‫التضمين البرلماني‬ ‫التضمين البرلماني‬ ‫نسبية األصوات ‪:‬‬
‫األقليات اإلثنية‬ ‫ألحزاب األقليات‬ ‫لألحزاب الصغرى‬ ‫المقاعد‬
‫للنظام السياسي‬ ‫اإلثنية‬

‫المصدر‪( :‬فاطمة بدروني‪« :‬التحول الديمقراطي والهندسة اإلنتخابية في المجتمعات متعدد ثنائيات»‪ ،‬دفاتر السياسة‬
‫والقانون‪ ،‬عدد خاص أفريل‪ ،‬جامعة ورقلة‪ ،6111 ،‬ص ‪).783‬‬

‫وباعتبار أن الدولة هي اإلطار السياسي الذي يستطيع اإلنسان من خالله تنظيم حياته وشؤونه‪،‬‬
‫فيلزم أن تأتي الحلول من الدولة‪.1‬‬
‫وهنا تأتي الديمقراطية التوافقية من بين تلك الحلول والتي تستند على حد تعبير "نيفين مسعد" إلى‬
‫مجموعة من المبادئ وهي‪:‬‬
‫‪ -‬التوزيع النسبي للموارد السياسية واالقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬اعتماد نظام لالنتخابات يقوم على القائمة النسبية‪.‬‬
‫‪ -‬تشكيل حكومة ائتالفية‪ ،‬تتمتع فيها الجماعات المختلفة بحق "الفيتو" أو اإلعتراض على‬
‫الق ار ارت الماسة بها‪ ،‬مع الحرية الواسعة لتلك الجماعات في المجالين الثقافي والتعليمي‪.‬‬
‫‪ -‬استقالل كل قطاع في إدارة شؤونه الداخلية‪.2‬‬
‫هذا وتحقق كل خاصية من الخصائص السابقة ميزة ما‪ ،‬فالمهمة الرئيسية لإلئتالف هي تشكيل إجماع‬
‫يضمن حماية المصالح الدنيا لكل عضو في اإلئتالف‪ ،‬وتضمن النسبية تمثيل كل المجموعات في‬
‫الحكومة وفقا لوزنها العددي في المجتمع‪ ،‬كما أن وجود درجة عالية من اإلستقالل الذاتي لكل قطاع كي‬
‫يدير شؤونه الداخلية‪ ،‬يضمن أن يتم التعامل مع القضايا الثقافية أو الدينية محليا‪ .‬وبالتالي إمكانية فصلها‬
‫عن مسائل السياسة القومية األكثر إثارة للصراعات‪.3‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن مساعي بناء التوافق والنهوض بمفهوم الديمقراطية التوافقية‪ ،‬قد جاء تلبية‬
‫لحاجات المجتمعات غير المتجانسة من الناحية القومية‪ ،‬وبعبارات أخرى قد جاءت نتيجة لحاجة عملية‬
‫في مجتمعات أوروبية منقسمة‪ ،‬مثل بلجيكا‪ ،‬وهولندا وسويس ار والنمسا‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد الحافظ أحمد‪« :‬الدولة والجماعات العرقية»‪ ،‬دراسة مقارنة للسياسة الروسية تجاه الشيشان وتتارستان (‪ ،)7000-2222‬القاهرة‪:‬‬
‫مركز الدراسات السياسية واإلستراتيجية‪ ،7000 ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 2‬نيفين مسعد‪« :‬النزاعات الدينية والمذهبية والعرقية(اإلثنية) في الوطن العربي»‪ ،‬مجلة المستقبل‪ ،‬العدد ‪ ،72‬القاهرة‪ ،‬نوفمبر‬
‫‪ ،7002‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 3‬عبد الحافظ أحمد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪189‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وقد كانت معظم الدول التي استقلت حديثا بأمس الحاجة إلى هذا النمط من الديمقراطية‪ ،‬كونها ورثت‬
‫انقسامات مجتمعية هائلة بسبب اإلستعمار‪ ،‬وبفعل عوامل تاريخية قديمة‪ ،‬نذكر على سبيل المثال‪ :‬لبنان‪،‬‬
‫العراق‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬اندونيسا‪ ،‬بوراندي‪ ،‬نيجيريا‪ ،‬غويانا‪ ،‬وترينيداد‪.1‬‬
‫ويطبق أسلوب التحالفات التوافقية مبدأ النسبية في أربعة مجاالت أساسية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬من خالل المشاركة في السلطة التنفيذية‪،‬‬
‫ثانيا‪ :‬من خالل التمثيل النسبي في النظم اإلنتخابية؛‬
‫ثالثا‪ :‬من خالل توفير السبل لإلستقاللية الثقافية؛‬
‫رابعا‪ :‬من خالل إجراءات وقائية بشكل حقوق نقض (فيتو) متبادلة؛‬
‫وفي إمكان هذه األدوات أن تساعد على منع قطاع في المجتمع من فرض وجهات نظره على قطاع‬
‫آخر‪ .‬كما يمكن لها في صيغها األكثر فعالية‪ ،‬أن تساهم في تمثيل التركيبة الثقافية التعددية لمجتمع ما‬
‫في مؤسسات دولته‪.‬‬
‫وسنركز هنا على آليتين للتوافقية؛ هما المشاركة في السلطة التنفيذية‪ ،‬والتمثيل النسبي‪ ،‬اللذان‬
‫تحوالن دون هيمنة مجموعة األغلبية‪.‬‬
‫ورغم إثارة اإلجراءات التي تعطي األقليات امتيازات في العمليات اإلنتخابية‪ ،‬أسئلة حول مبدأ‬
‫المساواة في المعاملة‪ ،‬من وجهة النظر الدستورية‪ ،‬إال أن األقليات الصغيرة والمبعثرة ال تحظى حقيقة بأي‬
‫فرصة للحصول على تمثيل برلماني من دون مساعدة؛ وبالتالي يمكن للمشاركة السلطة التنفيذية أن تحمي‬
‫مصالحها‪.2‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬غالبا ما تجد األقليات نفسها خاسرة بشكل دائم أمام األغلبية الميكانيكية‪ ،‬حتى لو كانت‬
‫ممثلة في عمليات صنع القرار‪ ،‬مما يحرمها من ضمان حقها في التنوع الثقافي‪ . 3‬وبالتالي تتطلب‬
‫الديمقراطية كما يعبر عنها اإلعالن العالمي لإلتحاد البرلماني الدولي حول المالحظات الديمقراطية‪ ،‬وجود‬
‫برلمان تكون فيه جميع مكونات المجتمع ممثلة‪ ،‬مع امتالكه الصالحيات والوسائل الالزمة للتعبير عن‬
‫إراد ة الشعب ؛من خالل التشريع واإلشراف على عمل الحكومة؛ ووضع حد للهيمنة التاريخية لبعض‬
‫الجماعات‪ ،‬التي طالما صعبت على الفئات المحرومة المشاركة الفعالة في العملية السياسية‪.‬‬

‫‪ 1‬ظاهر حسين‪« :‬معجم المصطلحات السياسية والدولية»‪ ،‬بيروت‪ :‬مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،7022 ،‬‬
‫ص ‪.222‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.02‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Steven wheatley:« Deliberative democracy and minorities», European Journal of International Law, Vol.14,‬‬
‫‪No.3, 2003, p 509.‬‬

‫‪190‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وهنا يتوجب على الدولة اتخاذ التدابير الالزمة لتسهيل وزيادة تمثيل هذه األقليات في البرلمان‪،‬‬
‫من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬حجز حصص في القوائم اإلنتخابية‪.‬‬
‫‪ -‬تخفيض النصاب القانوني لتسجيل األحزاب‪.‬‬
‫‪ -‬تمويل متميز ألحزاب األقلية‪.‬‬
‫‪ -‬تخصيص مقاعد لممثلي األقليات‪.1‬‬
‫بالتالي‪ ،‬من المهم أن تجد الدول طرقا للتأقلم مع تنوعها الديني واإلثني واللغوي‪ ،...‬وهنا يبرز‬
‫الرأي القائل بأن القواعد اإلنتخابية يمكن أن تكون أدوات ل ـ "الهندسة المؤسساتية" في المجتمعات‬
‫المتنوعة ثقافيا لضمان العدالة في التعامل مع الجماعات المختلفة من ناحية‪ ،‬ولتخفيض احتماالت تفجر‬
‫الصراعات اإلثنية وترقية الديمقراطية وتعزيزها من ناحية أخرى‪.2‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬تستخدم بليز‪ ،‬وغوايانا‪ ،‬وسورينام‪ ،‬وترنيداد‪-‬توباغو‪ ،‬من زمن طويل آليات‬
‫المشاركة في السلطة للتعامل مع اإلنقسامات العنصرية والعرقية‪ ،‬محققة نسبا متفاوتة من النجاح‪ ،‬تتضمن‬
‫هذه اآلليات عاملي اإلستقاللية (حكم ذاتي لكل جماعة) واإلندماجية (حكم مشترك لكل الجماعات)‪.‬‬
‫لكن من الضروري التزام الحذر للتأكد من عدم تعطيل قدرات أقلية ما على الفوز بعدد مناسب من‬
‫المقاعد؛ كما في حالة إيرلندا الشمالية‪ ،‬فخالل فترة الحكم المحلي بين عامي ‪ 1361‬و‪ ،1336‬جرى م ار ار‬
‫وتك ار ار تقسيم المقاطعات اإلنتخابية لصالح حزب أولستر اإلتحادي المهيمن؛ الذي ظل في الحكم دون‬
‫انقطاع‪ ،‬متجاهال في معظم األحيان مصالح األقلية القومية‪.3‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬تؤكد توصيات "لوند" التي اعتمدت من قبل مجموعة من الخبراء الدوليين حول‬
‫"المشاركة الفعالة لألقليات القومية في الحياة العامة"‪ ،‬على أن األفضلية يجب أن تكون لنظم التمثيل‬
‫النسبي‪ ،4‬حيث يتيح التمثيل النسبي وهو أداة أخرى في النظام التوافقي‪ ،‬لكل جماعة أن تحظى بتمثيل‬
‫سياسي متناسق تقريبا مع نسبتها من السكان‪ ،‬وبخاصة عندما تتمتع األحزاب بقاعدة إثنية‪.‬‬
‫وحتى عندما ال تكون هكذا‪ ،‬يوفر التمثيل النسبي قد ار أكبر من الحوافز لألحزاب السياسية كي‬
‫تسعى وراء أصوات انتخابية‪ ،‬من مجموعات مبعثرة ال تشكل أغلبيات في أي دائرة انتخابية جغرافية‬
‫معينة‪ ،‬وهو األمر الذي من شأنه أن يعزز أيضا تمثيل األقليات‪.‬‬
‫وهنا ال يضمن التمثيل النسبي تالؤما ناجحا‪ ،‬فيما نظام "الفائز يأخذ كل شيء" قد يناسب أحيانا‬
‫الفدرالية المتعددة القوميات واللغات‪ ،‬كما بينت كندا والهند‪ ،‬إال أن كلتا الدولتين تستخدم أيضا إجراءات‬

‫‪1‬‬
‫‪Steven wheatley: Op Cit, pp 516-517.‬‬
‫‪ 2‬فاطمة بدروني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.03-02‬‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪Steven Wheatley: Op Cit, p 517.‬‬
‫‪191‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫أخرى كي تضمن التمثيل السياسي لفئات متعددة‪ ،‬كذلك يمكن ألنظمة "الفائز يأخذ كل شيء" أن تؤدي‬
‫إلى استبداد األغلبية‪.‬‬
‫وبالرغم من أن أي قاعدة من القواعد الكثيرة للتمثيل النسبي ال يمكنها تحقيق نسبية كاملة‪ ،‬لكن‬
‫في وسعها التعامل مع مشكلة نظم "الفائز يأخذ كل شيء"‪ ،‬واتاحة تمثيل أوسع لألقليات والمجموعات‬
‫األخرى‪ .‬ويحظى التمثيل النسبي بأكبر فعاليته في الديمقراطيات المستقرة‪ ،‬حيث يمكنه أن يعالج بعضا‬
‫من النقائص الك بيرة في األنظمة اإلنتخابية‪ ،‬المعتمدة على األغلبية‪ ،‬بتقوية األصوات االنتخابية لألقليات‪،‬‬
‫إال أنه ال يشكل الحل الوحيد في جميع الحاالت‪ ،‬إذ إن إضافة تجديدات على أنظمة "الفائز يأخذ كل‬
‫شيء" تستطيع أيضا أن تقوي صوت األقليات اإلنتخابية‪ ،‬رغم أن استنباط مثل هذه الترتيبات هو مهمة‬
‫أكثر صعوبة بكثير‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ترتيبات سياسية تمكينية خاصة بالدين واألعراف‬


‫يتوافر إجماع في مختلف البحوث والدراسات المعنية بالتنوع الثقافي والظاهرة اإلثنية‪ ،‬أن‬
‫الجماعات الثقافية تسعى دائما إلى تأكيد هويتها واحترامها بتمثيلها في النظام السياسي‪ ،‬أو منحها وصفا‬
‫خاصا في البالد‪ ،‬فهي تطرح مطالب خاصة بأبنائها تتعلق بالنظام السياسي الذي تعيش في ظله‪،‬‬
‫والمجتمع الذي تنتمي إليه‪ ،‬وعادة ما تكون اللغة والدين والعادات واألعراف هي األكثر حضو ار في مثل‬
‫هذه المطالب‪.2‬‬
‫وما يلحظ بالنسبة لقضية الدين هو كون مطلب الجماعات ذات األغلبية بهذا الخصوص هو‬
‫اإلعتراف بكون دينها هو الدين الرسمي للدولة‪ ،‬في حين تطالب جماعات األقليات بخيار العلمانية وفصل‬
‫الدين عن الدولة‪ ،‬كما في السودان السابقة (قبل التقسيم) ونيجيريا‪ .‬ما يفرض على الدولة تبني سياسات‬
‫خاصة بالدين يكون هدفها ضبط التوازن بين الحقوق الدينية لجميع األطراف داخلها‪ ،‬وبدون تعرض أي‬
‫جهة لإلقصاء‪ 3‬على أساس اإلنتماء الديني‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬سياسات خاصة بالتمكين من اإلنتماء الديني‬


‫كثي ار ما تكون األقليات الدينية‪ ،‬حول العالم‪ ،‬عرضة ألنماط متباينة من اإلستبعاد؛ بعض منها‬
‫راجع إلى التمييز الصريح والواضح ضدها‪ ،‬وهذه مشكلة منتشرة بشكل خاص في البلدان غير علمانية‪،‬‬
‫أين تتولى فيها الدولة مهمة الحفاظ على الدين المقرر والترويج له‪ .‬والبعض اآلخر يكون أكثر مواراة‪ ،‬بل‬

‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.03-02‬‬
‫‪1‬‬

‫ريد هاليداي وآخرون‪ :‬ترجمة‪ ،‬عبد اإلله النعيمي‪« :‬اإلثنية والدولة‪ ،‬األكراد في العراق وايران وتركيا»‪ ،‬العراق‪ :‬معهد الدراسات‬ ‫‪2‬‬

‫اإلستراتيجية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،7002 ،‬ص ‪.00‬‬


‫‪ 3‬محمد عاشور مهدي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪192‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وغير مقصود في أحيان كثيرة؛ كأن تتضارب تعليمات اللباس في المؤسسات العامة مع األلبسة الدينية‬
‫إلحدى األقليات‪ ،‬أو عدم اعتراف التقويم الرسمي باألعياد الدينية ألقلية ما‪ ،‬أو اختالف قوانين الدولة في‬
‫الزواج والميراث عن قوانين أقلية دينية‪ ،‬أو تعارض تعليمات التخطيط العمراني مع تقاليد الدفن لدى إحدى‬
‫األقليات‪.‬‬
‫جل هذه األمور قد تكون مطروحة حتى في الدول العلمانية؛ نظ ار إلى األهمية الكبرى التي يحظى‬
‫بها الدين في بناء هويات البشر ونمائها‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬ال يستغرب حدوث استنفار لألقليات الدينية في أحيان‬
‫كثيرة للنضال ضد هذه األوجه من اإلستبعاد‪ ،‬والتي إن لم تعالج بالشكل الصحيح‪ ،‬فإنها قد تصبح عنيفة‬
‫إلى حد يضر باألمن على جميع مستوياته‪ ،‬وباألخص األمن المجتمعي ‪.‬‬
‫بناء على ما سبق‪ ،‬فإنه ألمر أساسي أن تتعلم الدول كيفية معالجة هذه المطالب‪ ،‬وأن تتحمل كل‬
‫دولة مسؤوليتها في توفير سياسات وآليات تحمي الخيار الشخصي‪ ،‬والذي يصعب تحقيقه على أفضل‬
‫وجه إال عندما يتوقف تمييز المؤسسات العامة بين أتباع األديان المختلفة‪.1‬‬
‫وفي أنجوال على سبيل المثال‪" ،‬يتم تجاهل اإلعتراف بالدين اإلسالمي كأحد الديانات الرئيسية‬
‫في الدولة‪ ،‬التي ينص الدستور فيها على ضرورة أن يبلغ أتباع أي دين ‪ 111‬ألف شخص حتى يتم‬
‫اإلعتراف به رسميا‪ ،‬حيث تذهب اإلحصائيات الرسمية إلى عدم تجاوز أتباع اإلسالم فيها ‪ 31‬ألف‪ ،‬في‬
‫حين تذهب اإلحصائيات غير الرسمية إلى أرقام تتجاوز ‪ 6‬مليون مسلم من إجمالي ‪ 16‬مليون نسمة في‬
‫أنجوال"‪.2‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬ثبت أن المبادئ العلمانية هي األفضل للتحرك نحو تحقيق هذه األهداف‪ ،‬لكن ال‬
‫يتوافر نموذج معين بحد ذاته من العلمانية‪ ،‬يمكن اعتباره أفضل من النماذج األخرى في جميع األحوال؛‬
‫خاصة في ظل التطور المستمر للروابط العديدة بين الدولة والسلطات الدينية على مر الزمن؛ وأيضا في‬
‫ظل ممارسة الدول التي تعتبر نفسها علمانية‪ ،‬لعلمانيتها بطرق مختلفة من حيث المبدأ والتطبيق‪ ،‬مع ما‬
‫تحدثه هذه الفوارق في الرؤى من دالالت على مقدرة الدولة في حماية الخيار الشخصي والحريات‬
‫الدينية‪.3‬‬
‫والمثال األكثر تعبي ار على ذلك هي الهند‪ ،‬ففي بحثها الطويل والمبدع سياسيا وأخالقيا ودستوريا‬
‫إليجاد صيغ سياسية مناسبة أكثر من نموذج الدولة‪-‬األمة التقليدي للتوفيق بين التنوع والديمقراطية‪،‬‬
‫واختيارها الفيدرالية الالمتماثلة لتساعدها في حل مشكلة الحكم الذاتي‪ ،‬قد أبدعت في إيجاد نموذج جديد‬
‫للعلمانية يتالءم مع عدم التجانس الديني والكثافة الشديدة للممارسات الدينية داخلها‪".‬‬

‫‪ 1‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 00‬‬
‫السيد علي أبو فرحة‪« :‬المسلمون في نيجيريا واشكالية بناء الدولة‪ :‬استثناء مؤقت أم خلل دائم»‪ ،‬مجلة قراءات إفريقية‪ ،‬العدد‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،22‬يناير‪-‬مارس ‪ ،7027‬ص ‪.23‬‬


‫‪ 3‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 00‬‬
‫‪193‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫في هذا السياق‪ ،‬اعترفت الدولة الهندية واحترمت كل المجتمعات الدينية‪ ،‬حيث يكون بإمكان كل واحدة‬
‫منها على سبيل المثال‪ ،‬أن تفتح مدارس ومنظمات ومؤسسات خيرية مؤهلة للحصول على الدعم المالي‬
‫الحكومي‪.‬‬
‫واليوم صارت معايير وممارسات هذا النموذج واسعة اإلنتشار بحيث لم يجرؤ "حزب بهاراتيا‬
‫جاناتا" وهو الحزب الهندوسي القومية عند ترأسه لتحالف الحكومة‪ ،‬على خرق العادة بدفع إعانات مالية‬
‫حكومية كبيرة‪ ،‬لمساعدة المواطنين ألداء فريضة الحج إلى مكة‪ .‬من جانب آخر‪ ،‬يلحظ أن كل دولة أممية‬
‫في أوروبا الغربية تخصص بعض أيام العطل اإللزامية مدفوعة األجر لألغلبية المسيحية (السويد‪،‬‬
‫الدنمارك‪ ،‬النرويج‪ ،‬وألمانيا لوحدها لديها ‪ 22‬عطلة)‪ ،‬ولكن ال توجد وال أي واحدة منها عطلة عامة ألي‬
‫دين ألقلية غير مسيحية‪ .‬في حين يوجد في الهند خمسة عطل للدين الهندوسي الغالب‪ ،‬مقابل عشرة‬
‫عطل ألديان األقليات من بينها خمسة لإلسالم‪.1‬‬
‫لكن ومن جهة أخرى‪ ،‬تقع التجاوزات في بعض األحيان نتيجة لممارسة السلطات الدينية نفوذا‬
‫أكثر مما ينبغي في شؤون الدولة‪ .‬وقد يحدث ذلك مثال في حالة سيطرة نخبة صغيرة من رجال الدين على‬
‫مؤسسات الدولة‪ ،‬بناء على ما تعتبره شرائع مفوضا بها إلهيا‪ ،‬مثلما حدث في أفغانستان أيام طالبان‪.‬‬
‫ومن المستبعد أن تقبل هذه النخب الدينية المهيمنة سياسيا بوجود اختالفات داخلية‪ ،‬ناهيك عن‬
‫تقبل المعارضة‪ ،‬أو حتى فتح مجال الحرية ألتباعها خارج الحلقة النخبوية الصغيرة‪ ،‬وبالتأكيد ليس ألتباع‬
‫مجموعات دينية أخرى‪ .‬فمثل هذه الدول ال تفتح صدرها لجماعات دينية أخرى‪ ،‬أو لمعارضين‪ ،‬وال‬
‫تعاملهم على أساس المساواة‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬قد تعلن الدولة في حاالت أخرى حيادها التام وتدعي استبعادها للدين من شؤون الدولة‪ -‬أي‬
‫تبني سياسات اإلستبعاد المتبادل‪ ،‬لكن موقفها ذاك قد يتعرض في واقع األمر للتشويه‪ ،‬نتيجة سياساتها‬
‫التي تتعامى فيها عن وقوع انتهاكات فعلية تمس الحريات الدينية‪ ،‬أو عن تدخالت مبطنة في االتجاه‬
‫ذاته‪ ،‬بدافع اإلنتهازية السياسية‪.‬‬
‫في األخير نخلص إلى نتيجة مفادها أنه مهما تكن العالقات التاريخية مع الدين‪ ،‬يتوجب على‬
‫الدول تحمل مسؤولية حماية حقوق جميع سكانها‪ ،‬وضمان حرياتهم‪ ،‬وعدم التمييز ضدهم على أسس‬
‫دينية‪ .‬والحقيقة أنه يصعب اقتراح نموذج مثالي كامل يؤطر العالقات بين مؤسسات الدولة والسلطة‬
‫الدينية‪ ،‬لكن على الدول التي ال تمارس التمييز أن تحمي ثالثة أبعاد للحرية الدينية والخيارات الشخصية‪:‬‬
‫‪ -1‬ينبغي أن يتوفر لكل فرد أو طائفة ضمن مجموعة دينية الحق في انتقاد هيمنة تفسير معين‬
‫للمعتقدات األساسية‪ ،‬أو تعديلها‪ ،‬أو الطعن في صحتها؛ إذ لجميع الديانات تفسيرات وطقوس متباينة وال‬
‫يجوز أن يحظى أي تفسير منفرد برعاية الدولة‪ .‬كما ينبغي أن تتساوى طبقة رجال الدين أو التراتبيات‬

‫ألفريد ستيبان‪ :‬جوان ج‪.‬لينز‪ :‬يوجند ار ياداف‪« :‬بزوغ األمم الدولة»‪ ،‬مجلة المشكاة باإلتفاق مع مجلة الديمقراطية‪ ،‬المجلد ‪ ،72‬العدد‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،02‬تموز ‪ ،7020‬ص ص ‪.22-20‬‬


‫‪194‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الدينية األخرى مع المواطنين اآلخرين من حيث الوضع القانوني‪ ،‬كما ال يجوز لهم أن يطالبوا بامتيازات‬
‫سياسية أو مجتمعية أكبر‪.‬‬
‫‪ -6‬يتعين على الدول أن تفسح المجال أمام جميع األديان للمناقشة في ما بينها‪ ،‬ولممارسة النقد‬
‫ضمن الحدود األخالقية المسموح بها‪ ،‬مثلما ينبغي السماح ألتباع ديانة ما بأن ينتقدوا‪ ،‬بروح المسؤولية‬
‫ممارسات الديانات األخرى ومعتقداتها‪.‬‬
‫‪ -7‬يجب أن يكون األفراد أحر ار ليس فقط في انتقاد الدين الذي ولدوا منتمين إليه‪ ،‬وانما أيضا في‬
‫رفضه واعتناق دين آخر‪ ،‬أو البقاء غير منتمين الى أي دين‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬سياسات التعددية القانونية لعالج التغرب عن النظام القضائي العام وضمان تطبيق‬
‫أكثر إنصافا لحكم القانون‬
‫في كثير من األحيان تنتاب جماعات دينية وعرقية معينة‪ ،‬وفئات من السكان األصليين‪ ،‬شعور‬
‫عميق بالتغرب عن النظام القضائي العام الذي يخضعون لواليته؛ إما لكون القضاة والمسؤولين القضائيين‬
‫هم أشخاص متحيزون تاريخيا ضد هذه الفئات‪ ،‬أو جاهلين ألوضاعها؛ األمر الذي يؤدي إلى تطبيق‬
‫القوانين عليهم بشكل مجحف وتحيزي‪ ،‬األمر الذي يؤثر في نهاية المطاف على التجانس واإلنسجام‬
‫المجتمعي داخل الدولة‪.‬‬
‫وفي بلدان عديدة‪ ،‬تكاد تكون نسبة تمثيل السكان األصليين في السلطة القضائية شبه معدومة‪،‬‬
‫كم ا تزداد وطأة هذا الواقع من التحيز واإلستبعاد‪ ،‬بتعذر وصول هذه المجموعات إلى النظام القضائي‬
‫ألسباب إضافية كبعد المسافة الجغرافية‪ ،‬أو التكاليف المالية الباهضة‪ ،‬أو الحواجز اللغوية أو الحواجز‬
‫الثقافية؛ كرفض السكان األصليين لفكرة قبول سلطة ومحاكم الدولة‪ ،‬ألن ذلك يعني في نظرهم القبول‬
‫‪2‬‬
‫بشرعية غزوهم واستعمارهم في الماضي‪.‬‬
‫نظ ار لذلك‪ ،‬وجب أن "تخضع مطالب السكان األصليين لنظام قانوني عرفي خاص بهم‪ ،‬بدال من‬
‫أن تكون مشمولة بالدستور المحلي الذي أنشأته دولة المستعمر‪ .‬وربما أفضل سبيل لتعزيز اإلجماع على‬
‫القيم الديمقراطية الليبرالية‪ ،‬وضمان حماية الحقوق الفردية‪ ،‬يتجسد في تمكين جماعات السكان األصليين‬
‫من إنشاء دساتيرهم الديمقراطية ومحاكمهم الخاصة‪ ،‬بحيث تخضع لمعايير حقوق اإلنسان العالمية‪،‬‬
‫وتكون معززة بآليات جديدة لحماية هذه الحقوق‪ ،‬كي يغدو فيها السكان األصليون والقضاة المحليون‬
‫واألقليات األخرى معنيين بها جميعا"‪.3‬‬

‫‪ 1‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.02 -00‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.02-02‬‬
‫‪ 3‬ويل كيملكا‪ :‬ترجمة‪ :‬إمام عبد الفتاح إمام‪« :‬أوديسا التعددية الثقافية‪ :‬سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع»‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.207‬‬
‫‪195‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ولربما تتمثل هذه اآلليات الجديدة في إيجاد منظمة دولية لألقليات تابعة لمنظمة األمم المتحدة‪،‬‬
‫بحيث تشتمل عضويتها على السكان األصليين واألقليات القومية‪ ،‬إلى جانب قضاة محليين‪ ،‬بغية معالجة‬
‫المشاكل المشتركة التي يتقاسمها السكان األصليون عموما في شتى أنحاء العالم‪.‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬يعتقد العديد من الدارسين بأن اإلعتراف بالقانون العرفي للسكان األصليين‬
‫سيشكل في حد ذاته أم ار مهما للغاية‪ ،‬ال لكونه مؤش ار على تأييد موروثهم الثقافي وحسب‪ ،‬بل ألنه يحمل‬
‫أيضا إعترافا ضمنيا بقدرتهم على صو القانون‪ ،‬ويبرر في الوقت عينه مطالبهم بضرورة مـمارسة هذه‬
‫القدرة من جديد‪.‬‬
‫وما الـمعاهدات التي أبرمها السكان األصليون مع الـمستوطنين األوروبيين‪ ،‬إال دليال تاريخيا بينا‬
‫على مقدرتـهم السياسية هذه‪ ،‬كما أنـها تعد مبر ار ملموسا لضرورة إعادة توكيد هذه المكانة التي كانوا‬
‫يتمتعون بها‪ ،‬ومن خالل انتهاج هذا السبيل‪ ،‬سيتمكن السكان األصليون من استعادة سيطرتـهم على‬
‫مصيرهم‪.1‬‬
‫والسبب الذي يدفع إلى اعتماد مثل هذا الـمنظور‪ ،‬إنما يتجسد في الوعي واإلدراك بأن السكان‬
‫األصليين حينما يطلب منهم اإلذعان للمعايير الدستورية للدولة‪-‬األمة*‪ ،‬فإن ذلك يشتمل في واقع األمر‬
‫على مطلبين متمايزين تـماما‪ ،‬وينبغي أن يبقيا منفصليـن أحدهـما عن اآلخر‪.‬‬
‫األول هو كون هذا اإلذعان يستدعي تمسك السكان األصليين بمجموعة المبادئ الديمقراطية الليبرالية‪،‬‬
‫التي تتقاسمها مختلف الديمقراطيات الغربية‪ ،‬وتعد أيضا محل تقديس في القانون الدولي‪.‬‬
‫والمطلب الثاني يتمثل في أن القبول بذلك‪ ،‬يستدعي أيضا قبول السكان األصليين بسلطة كيان سياسي‬
‫معين أو بنظام قانوني معين‪ ،‬وهو الكيان السياسي أو النظام القانوني الذي أنشأه المستوطنون‬
‫األوروبيون‪.‬‬
‫هذا المطلب الثاني يراه الكثير من السكان األصليين على أنه مطلب مسيء إليهم‪ ،‬ومن ثم تجدهم ال‬
‫يوافقون على فكرة أن تحكمهم الدولة التي لم يشاركوا أصال في صو دستورها‪ ،‬ولم يكن لهم أي تمثيل في‬
‫محاكمها العليا‪ ،‬فضال على كون نظامها القانوني الذي أنشأته الدولة الـمستعمرة‪ ،‬هو عينه النظام الذي‬
‫برر تاريـخيا فكرة غزو السكان األصليين وسلبهم ممتلكاتهم‪ ،‬وغالبا ما تم ذلك على أساس تفكير عنصري‬
‫صريح‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫كيملكا‪ :‬ترجمة‪ ،‬إمام عبد الفتاح إمام‪« :‬أوديسا التعددية الثقافية‪ :‬سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع»‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ص ‪.203-202‬‬
‫* الدولة األمة في يومنا الراهن تعد في حكم الـمعدومة فعليا‪ ،‬إذ ال يقطن في مثل هذا الكيان السياسي سوى ما يناهز ‪ 3‬بالـمئة من‬
‫سكان العالـم‪ ،‬واذا ما استثنينا اليابان فال يبقى سوى ‪ 2‬بالـمئة فقط من النسبة اإلجمالية‪.‬‬
‫للمزيد من التفاصيل انظر‪ ،‬كارستن فيالند‪ :‬ترجمة‪ ،‬محمد جديد‪« :‬الدولة القومية خالفا إلرادتها‪ ،‬تسييس اإلثنيات وأثننة السياسة؛‬
‫البوسنة الهند باكستان»‪ ،‬دمشق‪ :‬دار المدى‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،7002 ،‬ص ص ‪.22-22‬‬
‫‪196‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ولـهذا‪ ،‬نجد أن معظم السكان األصليين ال يثقون بالنظام القانوني الذي وضعته الدول المستعمرة‪ ،‬وال‬
‫يؤمنون بأنها ستحظى يوما بالشرعية المطلوبة لكي تحكمهم‪.1‬‬
‫يعني ذلك أن النظام القانوني العرفي (وفقا لكيملكا) سوف يـخضع للقانون الدولي العام وحسب‪،‬‬
‫وذلك بحكم رفض السكان األصليين فكرة القبول بوالية النظام القانوني للدولة‪-‬األمة‪ ،‬ألنه قد برر الظلم‬
‫الذي لحق بـهم في الماضي‪.‬‬
‫أما بـخالف ذلك‪ ،‬فإن خضوع النظام القانوني العرفي لوالية النظام القانوني الداخلي‪ ،‬سوف يؤدي‬
‫إلى استم اررية تـهميش السكان األصليين وشعورهم بالظلم والقهر‪ .‬وربـما عدم اشتراكهم بصورة فاعلة في‬
‫الـحياة السياسية للدولة‪-‬األمة كدليل بين على رفضهم الضمني لـهذه الدولة ومؤسساتـها‪ ،‬وبالتالي استمرار‬
‫مشكلة عدم اإلندماج فيها‪.2‬‬
‫لكن‪ ،‬وبالرغم من رفض بعض المنتقدين لألنظمة القانونية التعددية وتحججهم بأنها قد تضفي‬
‫الشرعية على سلوكات تقليدية منافية لتوسيع الحريات‪ ،‬مما يشكل خط ار موجها للمجموعات نفسها أو‬
‫لبعض من أعضائها (وخاصة النساء) ‪ ،‬إذا ما تم دمج النظم القانونية التقليدية في األنظمة القانونية للدولة‬
‫بطريقة خاطئة‪ ،3‬إال أن التعددية القانونية ال تستوجب بتاتا التبني الشامل وغير المدروس لجميع األعراف‬
‫والممارسات التي يدعى بأنها تدخل ضمن "التقاليد"‪ ،‬كما أن القبول بقانون العرف ال يعني إطالقا اإلبقاء‬
‫على سلوكيات تنتهك حقوق اإلنسان‪ ،‬مهما يكن مدى اإلدعاء بأنها أعراف "تقاليدية" أو "أصلية"‪.4‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬نجد أن اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ‪ 123‬بشأن الشعوب األصلية والقبلية‬
‫في البلدان المستقلة‪ ،‬قد اعترفت في خطوة جديدة من نوعها بحق الشعوب األصلية باستخدام عاداتها‬
‫وأعرافها الخاصة‪ ،‬وقانونها العرفي في معالجة شؤون أفرادها وحسم منازعاتهم‪.‬‬
‫وفق هذه اإلتفاقية يحق للشعوب األصلية المحافظة على عاداتها ومؤسساتها‪ ،‬ما يستدعي اعتماد‬
‫النظم واألعراف الخاصة بها‪ ،‬فيما يتعلق بالجرائم أو الجنح التي يرتكبها أفرادها‪ ،‬ما دامت هذه العادات‬
‫والنظم ال تتعارض مع الحقوق األساسية التي يحددها القانون الوطني‪ ،‬أو مع حقوق اإلنسان المعترف بها‬
‫دوليا‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬يتوجب على السلطات والمحاكم التي يطلب إليها إبداء الرأي في قضايا جنائية‪،‬‬
‫أن تضع في اعتبارها عادات وأعراف الشعوب األصلية‪ ،‬فيما يتعلق بمثل هذه المسائل‪.5‬‬

‫‪ 1‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.722‬‬


‫‪2‬‬
‫حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.727‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Will Kymlyka: Wayne Norman: citizenship in culturally diverse societies: issues, contexts, concepts, p 28 .‬‬
‫‪4‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪5‬‬
‫«الحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية للسكان األصليين»‪ ،‬الوحدة رقم ‪ ،02‬ص ‪.227‬‬
‫‪www1.umn.edu/humanrts/arab/M6.pdf‬‬

‫‪197‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫سي ار في هذا اإلتجاه‪ ،‬اعترفت بلدان عدة بالتعددية القانونية؛ من استراليا إلى كندا ومن غواتيماال‬
‫إلى جنوب إفريقيا‪ .‬ففي كندا على سبيل المثال‪ ،‬تنظر معظم القضايا الجنائية المحلية ضمن جماعة‬
‫السكان األصليين؛ بحيث يحاكم المتهم محلفون من أقرانه يشاركونه قيمه الثقافية‪ .‬أما في غواتيماال فقد‬
‫أقرت إتفاقيات السالم المعقودة عام ‪ ،1322‬بوجوب اإلعتراف بقانون شعب المايا كجزء هام من‬
‫اإلصالحات الحقيقية‪.‬‬
‫في األخير نخلص إلى أن القبول بقانون األعراف ونيل اعتراف عام به‪ ،‬يمكن أن يساهم في‬
‫حماية حقوق السكان األصليين‪ ،‬ويضمن أيضا تطبيقا أكثر إنصافا لحكم القانون‪ ،‬كما باستطاعته‬
‫المساعدة في خلق إحساس من اإلندماج في المجتمع األوسع‪ ،‬خاصة وأنه يشكل جزءا هاما من الحكم‬
‫الذاتي للسكان األصليين‪ ،1‬الذي هو ضروري لتحقيق أمنهم المجتمعي‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬سياسات خاصة بالتمكين من استخدام لغات متعددة‬


‫لطالما حظيت اللغات بثقل استراتيجي هام في حياة البشر‪ ،‬بوصفها من المقومات الجوهرية‬
‫للهوية‪ ،‬وركيزة أساسية في اإلتصال واإلندماج اإلجتماعي والتعليم والتنمية؛ فلما تختار الدولة لغة أو لغات‬
‫وتفضلها على سواها من اللغات األخرى‪ ،‬فإنها تمنح بذلك الضوء األخضر لهيمنة أولئك الذين تكون اللغة‬
‫الرسمية لغتهم األم‪ ،‬وبالتالي تحد بخيارها هذا من حرية مجموعات كثيرة غير مهيمنة‪ ،‬واألخطر من ذلك‬
‫كله‪ ،‬هو أن يتحول هذا الخيار إلى وسيلة في يدها الستبعاد أناس عن مجاالت السياسة‪ ،‬والتعليم‪،‬‬
‫والوصول إلى العدالة‪ ،‬ونواح عديدة أخرى في الحياة المدنية‪.2‬‬
‫وبالرغم من أن الدفاع عن هذه السياسات يتم باسم "الكفاءة"‪ ،‬إال أن ذلك ال ينفي في الوقت ذاته‬
‫الهدف الرئيسي من وراء انتهاجها؛ والذي يتمثل في ضمان حتمية استيعاب األقلية من قبل األكثرية‬
‫الـمهيمنة ثقافيا‪ .‬ومثال هذه السياسة قيام الحكومة األمريكية بعد عام ‪ 2232‬بمنع التدريس باللغة اإلسبانية‬
‫في الجنوب الغربي من الواليات المتحدة واعتمادها اللغة اإلنجليزية بدال من اإلسبانية‪.3‬‬
‫في المجمل وطالما أن جل األسئلة الرئيسية التي تجابه الدول فيما يتعلق بالسياسة اللغوية‪ ،‬تدور‬
‫حول لغة التعليم في المدارس‪ ،‬واللغة المستعملة في الدوائر الحكومية‪ ،‬فإننا سنتطرق إلى هذين النقطتين‬
‫بشيء من التفصيل فيما يلي أدناه‪.‬‬

‫‪ 1‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.02-02‬‬
‫‪« 2‬حيوية اللغة وتعرضها لإلندثار»‪ :‬وثيقة أعدها فريق خبراء اليونسكو الخاص المعني باللغات المهددة باإلندثار‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪http://www.unesco.org/new/fileadmin/MULTIMEDIA/HQ/CLT/pdf/Language_vitality_and_endangerment_AR.pdf‬‬
‫‪ 3‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.702‬‬
‫‪198‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الفرع األول‪ :‬السياسة اللغوية التمكينية في المدارس‬


‫ال يزال انخفاض اإلحراز التعليمي يشكل مصد ار أساسيا لإلستبعاد بالنسبة إلى المهاجرين‪،‬‬
‫والمجموعات العرقية‪ ،‬والسكان األصليين على حد السواء‪ .‬وفي مثل هذا الوضع‪ ،‬ال يشكل توفير التعليم‬
‫بلغتين اعترافا بتقاليدهم الثقافية وحقهم في التنوع الثقافي فقط‪ ،‬بل يمكنه أيضا أن يدفع قدما نحو تعزيز‬
‫فرص التعليم وتخفيض الفوارق التعليمية بشكل يوسع من خيارات الناس‪.‬‬
‫هذا ما تظهره التجارب في عديد البلدان التي تأخذ بنظام "التعليم الثنائي اللغة"‪ ،‬الذي يجمع بين‬
‫التدريس باللغة األم وباللغة القومية السائدة‪ ،‬والذي استطاع بذلك خلق واتاحة فرص تربوية أفضل‪ ،‬خاصة‬
‫لألطفال في سنواتهم التعليمية المبكرة‪.‬‬
‫كما بينت دراسات أجريت داخل دول (بوليفيا‪-‬الب ارزيل‪-‬غواتيماال‪-‬المكسيك‪-‬باراغواي‪-‬البيرو) في‬
‫أمريكا الالتينية‪ ،‬التي يتخذ فيها "نظام التعليم المتعدد اللغات" كإستراتيجية مقررة ومعترف بها‪ ،‬تستهدف‬
‫التقليل من اإلستبعاد التعليمي ألطفال السكان األصليين‪ ،‬الذين يسجلون أسوا المؤشرات التعليمية‪ ،‬أن‬
‫توفير التعليم لمجموعات األقليات بلغاتها الخاصة‪ ،‬وبواسطة معلمين ومؤطرين ينتمون للمجموعات ذاتها‪،‬‬
‫هما إج ارءان فعاالن جدا في سياق بلو الهدف المسطر؛ حيث يخففان إلى حد بعيد من نسب إعادة السنة‬
‫الدراسية‪ ،‬ويخفضان أيضا من نسب التسرب المدرسي‪ ،‬كما يرفعان من مستوى التعليم بين أطفال السكان‬
‫المحليين‪.‬‬
‫هذه المكاسب المحققة أكدتها دراسات أخرى أجريت في منطقة إفريقيا؛ أين أظهرت النتائج الفعالية‬
‫الكبيرة التي تحققها المدارس الثنائية اللغة‪ ،‬مقارنة بالمدارس التقليدية‪ ،‬وهو ما اتضح فعال من الدراسات‬
‫عن التعليم بلغتين التي أجريت في مالي والنيجر ونيجيريا وزامبيا‪ ،‬والتي تحققت فيها مكاسب إضافية‬
‫هامة؛ تتعلق بضمان التعليم المتعدد اللغات للتواصل بين األسر والجماعات والمدارس‪ ،‬بشكل يعزز من‬
‫أواصر التفاعل في ما بينها‪ ،‬ويخدم السلم المجتمعي؛ خاصة وأنه يشجع على امتزاج الثقافات‪ ،‬ويسهل‬
‫عملية اندماج طالبي العلم في الحياة اإلجتماعية والثقافية داخل الدولة‪.1‬‬
‫لكن كثي ار ما يعير التعليم الثنائي اللغة بأن نوعيته متدينة ويحد من الفرص‪ ،‬خاصة في ما يتعلق‬
‫بالنشاطات اإلقتصادية والسياسية للبالد‪ .‬وهي التصورات التي عكستها نتائج مسوحات أجريت في الجنوب‬
‫الشرقي للواليات المتحدة‪ ،‬بين الناطقين باللغة اإلسبانية؛ أين فضل معظم المشاركين في عمليات المسح‬
‫وضع أبنائهم في الصفوف الدراسية التي تعلم اإلنجليزية فقط‪ ،‬معتبرين أن تقييد إطالع أطفالهم المبكر‬
‫على اللغة اإلنجليزية‪ ،‬هو نوع من الحرمان الموجه نحوهم‪.‬‬

‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪1‬‬

‫‪199‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫اعتبا ار من هذ ه النتائج‪ ،‬ينبغي أال تطبق ثنائية اللغة إال حيثما يوجد طلب عليها‪ ،‬إذ ليست هناك‬
‫صفقة مقايضة بين هدفي التعليم الثنائي اللغة‪ ،‬والتعليم ذي النوعية العالية‪ ،‬وبخاصة في تعليم اللغة‬
‫السائدة‪.‬‬
‫كما يجب اإلنتباه إلى أن التعليم ثنائي اللغة قد يواجه في بعض األحيان بمواقف مناوئة‪ ،‬ومشاكل‬
‫في التحول من اللغة األولى إلى الثانية‪ ،‬إلى جانب ضعف المتابعة والتقييم وأنظمة الدعم‪ .‬لكن معظم هذه‬
‫المصاعب ترتبط بسوء التخطيط وبالتقصير في إدخال تعديالت على المناهج‪ ،‬وتدريب المعلمين‪،‬‬
‫والترويج الستخدام اللغة في المجاالت الرسمية والعامة‪ .‬ومتى استوفيت هذه الشروط‪ ،‬يمكن الستراتيجيات‬
‫ثنائية اللغة أن تحسن نوعية التعليم‪ ،‬وتغني تعددية الهوية الثقافية‪ ،‬وتبني مهارات التنمية اإلنسانية‪ ،‬وتترك‬
‫آثا ار تجديدية في المجتمع‪ ،1‬بما يخدم السلم واألمن المجتمعي‪.‬‬
‫وكخالصة لما سبق ذكره يمكن القول أن التعليم الـمتفاعل الثقافات قد أصبح أكثر أهـمية وصلة‬
‫اليوم مع تطور الـمجتمعات الـمتنوعة ثقافيا‪ ،‬التي يعيش فيها ما يـقرب ‪ 131‬مليـون شخص خارج بلدانـهم‬
‫األصـلية (وهو الرقم الـمرشح لإلرتفاع إذا ما تـم تضميـن الـمهاجرين غير الـمسجلين)‪ ،‬أين ي ـجـب أن‬
‫يستكمل التـعليم الـمتعدد الثقافات بالتعليم الـمتفاعل الثقافات‪ ،‬ويـجب أن يسيـر التعليم من خالل التنوع‬
‫الثقافي‪ ،‬جنبا إلى جنب مع التعليم من أجل التنوع الثقافي‪ ،‬بـما يـحقق اإلحترام الـمتبادل بين مـختلف نظم‬
‫الـمعرفة‪ ،‬ويـعزز الـحوار بين الثقافات والتفاهم الـمتبادل‪ ،‬اللذان يسهمان بدورهـما في تـمكين وتطوير الذات‪،‬‬
‫وتـجديد اإلستراتيجيات لتعزيز قدرة الناس على العيش معا* بالرغم من اختالفاتهم‪ ،2‬مما يساهم في تعزيز‬
‫أمنهم المجتمعي‪.‬‬
‫وعليه فإن نـهج تعدد اللغات القائمة على اللغة األم في التعليم النظامي وغير النظامي‪ ،‬من شأنه‬
‫أن يعزز إلى حد كبير مالءمة التعليم للبيئات الثقافية الـمختلفة‪ ،‬كما بإمكانه المساهمة في توسيع نطاق‬
‫الفرص التعليمية للفئات المهمشة والـمحرومة‪ ،‬بـما في ذلك السكان الـمهاجرين‪ ،3‬في حين أن اإلخفاق في‬
‫مراعاة أشكال التعليم الـمغايرة للتيار الرئيسي السائد في التعليم‪ ،‬يـمكنه أن يفاقم حالة الحرمان والتهميش‬
‫التي يعاني منها هؤالء الذين يتعين على النظام التعليمي السعي لتمكينهم‪.4‬‬
‫لكن في كثير من األحيان يصاحب صياغة قوانين وسياسات التعليم مناقشات مكثفة حول مسألة اللغة‬
‫األولى في التعليم‪ ،‬وهو أمر يترتب عليه آثار هامة فيما يـخص التنوع اللغوي‪ ،‬األمر الذي يوحي بأن‬

‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.22-27‬‬
‫‪1‬‬

‫* ترتبط الـحياة الثقافية ارتباطا جوهريا بالـحق في التعليم‪ ،‬الذي من خالله ينقل األفراد والـمجتمعات تفاصيل قيمهم ودينهم وعاداتـهم‬
‫ولغتهم ومرجعياتـهم الثقافية األخرى إلى غيرهم‪ ،‬والذي يساعدهم على إشاعة جو من التفاهم واإلحترام الـمتبادلين للقيم الثقافية‪.‬‬
‫انظر‪« ،‬دور اللغات والثقافة في تعزيز وحماية حقوق وهوية الشعوب األصلية‪ ،‬دراسة أعدتها آلية الخبراء المعنية بحقوق الشعوب‬
‫األصلية»‪ ،‬مـجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة الحادية والعشرون‪ ،‬البند ‪ 0‬من جدول األعمال‪ 22 ،‬أوت ‪ ،7027‬ص ‪.2‬‬
‫‪2‬‬
‫‪UNESCO World Report: « Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», Op Cit, p117.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid, p116.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid, p111.‬‬
‫‪200‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫التعليم كحق ثقافي قد طغت عليه األبعاد السياسية للق اررات المتعلقة باللغات الرسـمية للتدريس‪ ،‬وتبعاتها‬
‫المالية‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬السياسات اللغوية التمكينية في مؤسسات الدولة‬


‫تعتبر مكانة اللغة في النظام السياسي إحدى أدوات الهيمنة والسيادة؛ فالمطالبة بوضع رسمي للغة‬
‫في البالد‪ ،‬هي في حقيقة األمر مطالبة باعتراف رسمي بأن الجماعة المتحدثة بتلك اللغة ذات شرعية‬
‫أكبر‪ ،‬وقد تكون المطالب بأولوية لغة أو بالتعددية إذا كانت الجماعة اإلثنية أقلية‪...‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن السياسات اللغوية التي تنطوي على ق اررات بشأن اللغات المستخدمة في المؤسسات‬
‫السياسية والقضائية والتعليمية هي في كثير من الدول تقع في قلب الصراع بين األقليات وغالبية السكان‪،2‬‬
‫ومن أمثلة المطالب اللغوية عندنا في الجزائر مطالب األمازيغ بتدريس لغتهم في الجامعات‪ ،‬واعتبارها لغة‬
‫رسمية ثانية‪ ،‬ورفض التعريب في جنوب السودان قبل التقسيم‪ ،‬واإلعتراف باللغات اإلفريقية في جنوب‬
‫إفريقيا بعد انتهاء الحقبة العنصرية‪.‬‬
‫ورغم أن مشكلة تحديد اللغة الرسمية للبالد ولغة التعليم واإلدارة في ظل وضع تعددي‪ ،‬قد واجهت‬
‫العديد من الدول الجديدة في إفريقيا وغيرها‪ . 3‬إال أن سياسات التعددية اللغوية تشكل السبيل الوحيد‬
‫لضمان المشاركة الديمقراطية الكاملة في المجتمعات ذات التنوع اللغوي‪ ،‬واال قد يستبعد جزء كبير من‬
‫سكان البالد لعدم معرفتهم اللغة الرسمية للدولة‪.‬‬
‫هذا ما حققته الهند التي استطاعت بكل ديمقراطية أن تتيح لكل مجتمع لغوي واسع أن يحصل‬
‫على دولة خاصة به ويحكم نفسه بلغته المحلية‪ ،‬حيث تـتمتع في الوقت الحالي ‪ 77‬لغة بالحالة الدستورية‬
‫الــرسـمية‪ ،‬وهـو الوضع الـذي ال يـمكن تـخيله حتى في نمـوذج الـوالي ـ ــات المتحدة األمـريـكية لـلـفدرالية‬
‫المتحـدة ‪.4‬‬
‫‪ -0‬تمكين األقليات من استخدام لغاتها في األماكن العامة‪ ،‬في اإلدارة وفي النظام القضائي‬
‫ال تكون الحقوق اللغوية فعالة إال إذا أمكن التمتع بها في المجال العام‪ ،‬وتتضمن المادة ‪ 20‬من‬
‫اإلتفاقية اإلطارية المبادئ األساسية الرئيسية المتعلقة بالحق في استخدام لغات األقليات شفويا وخطيا‪ ،‬في‬
‫السر والعلن‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪UNESCO World Report: « Investing in cultural diversity and intercultural dialogue», Op Cit ,p103.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Nóra Teller: «Local self-government and ethnic minorities in hungary», p 04.‬‬
‫‪http://fes.hr/E-books/pdf/National%20Minoritiies%20in%20SE%20Europe/07.pdf‬‬
‫أبو العينين محمود‪« :‬إدارة وحل الصراعات العرقية في إفريقيا»‪ ،‬القاهرة‪ :‬الدار الجامعية للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪،7002 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪.72‬‬
‫‪ 4‬ألفريد ستيبان‪ :‬جوان ج‪.‬لينز‪ :‬يوجند ار ياداف‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪201‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ونظ ار ألهمية هذا الحق‪ ،‬فمن الضروري أن يتم اتخاذ أي قرار متعلق بالسياسات اللغوية والتمتع‬
‫بحقوق اللغة بالتشاور الوثيق مع ممثلي األقليات لضمان أخذ مخاوف األشخاص المنتمون إلى أقليات‬
‫قومية بعين اإلعتبار على نحو فعال‪.‬‬
‫‪ -2‬تمكين األقليات من استخدام لغاتها في العالقات مع السلطات اإلدارية‬
‫يجب تنفيذ الحد األقصى من اإلمكانيات التي يوفرها القانون للسماح باستخدام لغات األقليات في‬
‫اإلتصاالت مع السلطات اإلدارية على المستوى المحلي‪ ،‬ويجب كذلك على السلطات أن تدعم وتشجع‬
‫بنشاط هذه التدابير من خالل خلق بيئة مواتية الستخدام لغات األقليات‪ ،‬بما في ذلك تخصيص الموارد‬
‫المادية والبشرية الالزمة‪.‬‬
‫‪ -3‬تمكين األقليات من الحق في التبليغ بلغتها في اإلجراءات الجنائية‬
‫وفقا للمادة ‪ 20‬فقرة ‪ 2‬من اإلتفاقية اإلطارية‪ ،‬كل شخص ينتمي إلى أقلية وطنية له الحق خالل‬
‫اإلجراءات الجنائية إلبالغهم بأسباب القبض وطبيعة وسبب أي اتهام وجه له أو لها باللغة التي يفهمها‪.‬‬
‫وتتضمن هذه الحقوق أيضا بموجب المادتين ‪ 0‬و‪ 2‬من اإلتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان‪ .‬وما لوحظ في‬
‫هذ ا السياق هو أنه بالرغم من وجود أحكام قانونية كافية‪ ،‬غالبا ما لم تنفذ هذه الحقوق بصورة منتظمة‬
‫بسبب عدم كفاية الموارد المالية‪ ،‬أو عدم وجود مترجمين مؤهلين‪ ،‬وهذا هو حال لغات األقليات الصغيرة‬
‫عدديا بشكل خاص‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬يجب اتخاذ جميع التدابير لضمان حقوق االقليات في النظام القضائي بشكل‬
‫كامل‪ ،‬بما في ذلك ما يتعلق بمراحل التحقيق وقبل المحاكمة‪.1‬‬
‫في األخير‪ ،‬يمكن القول أنه وحتى اليوم ال يوجد حد أدنى مقبول عالميا فيما يتعلق بعتبة الحجم‬
‫العددي الدقيق للمجموعة اللغوية‪ ،‬التي يحق لها الحصول على الحماية اإليجابية من الدولة‪ .‬وباختصار‪،‬‬
‫ينبغي أن تحدد مطالب مجموع السكان بما يتناسب مع حجمه العددي‪ ،‬ومساهمته ووعيه بالتعبير عن‬
‫حقوقه في الدولة‪ .‬خاصة وأنه من الصعب إيالء الحماية لكل الجماعات كون له تأثير كبير على الجوانب‬
‫اإلجتماعية واإلقتصادية‪ .‬أما بالنسبة لجماعات األقليات المتفرقة فمن المناسب تأمين الحماية من خالل‬
‫المخططات النسبية أو المقاعد المضمونة‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Advisory committee on the framework convention for the protection of national minorities,« The language‬‬
‫‪rights of persons belonging of Europe», Thematic commentary No.03, Council of Europe, Strasbourg 05 July‬‬
‫‪2012, pp 17-19.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪«The legal practical protection of the rights of minorities», p 39.‬‬
‫‪202‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المطلب الرابع‪ :‬سياسات تعويضية عن اإلستبعاد اإلجتماعي واإلقتصادي‬


‫لطالما ارتبط مفهوم المساواة باندماج الناس في مجتمعاتهم على أصعدة‪ :‬اإلنتاج‪ ،‬اإلستهالك‪،‬‬
‫والعمل السياسي‪ ،‬والتفاعل اإلجتماعي‪ ،‬وارتبطت الال مساواة بجميع أشكال اإلستبعاد أو الحرمان أو‬
‫اإلقصاء من هذه المشاركة‪ .‬لذا فإن عدم ربط مفهومنا لإلستبعاد بفكرة المساواة اإلجتماعية واإلقتصادية‬
‫بوصفها لب عملية اإلندماج‪ ،‬ومن ثم نفيا لإلستبعاد‪ ،‬سيحدث خلط وقصور في الفهم على الصعيد‬
‫السياسي والصعيد العملي على السواء‪.‬‬
‫من هنا فإن الحكومات التي تتظاهر بأنها شديدة اإلهتمام باإلستبعاد اإلجتماعي‪ ،‬ولكنها ال تبالي‬
‫بعدم المساواة اإلجتماعية‪ ،‬هي‪ -‬بتعبير مهذب‪ -‬حكومات تعاني من الخلط واضطراب الرؤية؛ إذ كلما‬
‫وقع اإلستبعاد اإلجتماعي لطائفة ما‪ ،‬ونتج عنه الشعور بالال مساواة‪ ،‬فإنه سيستصحب بالتأكيد حدوث‬
‫ثغرة في التضامن اإلجتماعي‪ ،‬وبالنتيجة انفتاح ثغرة مقابلة في التضامن السياسي الوطني‪ ،‬ما يؤدي‬
‫لحدوث اختالل في معايير األمن المجتمعي‪.‬‬
‫من هذا المنطلق‪ ،‬يجب أن تسعى السياسة اإلجتماعية العامة ألي دولة نحو التخفيف من حدة‬
‫اإلستبعاد اإلجتماعي واإلقتصادي الذي يطال بالخصوص فئات اجتماعية بسبب انتمائها الثقافي؛ من‬
‫خالل وضع وتصميم برامج تتسم بالعدالة اإلجتماعية‪ ،‬التي تمثل صورة من صور المساواة السياسية بين‬
‫األفراد والجماعات في بلد الهويات المتنوعة‪ ،‬طالما في مقدور السياسة اإلجتماعية العامة التأثير بوسائل‬
‫متنوعة‪ ،‬في ما تحدثه أي درجة من عدم المساواة في مقدار اإلستبعاد اإلجتماعي واإلقتصادي وحدتهما‪.‬‬
‫ولعل المساواة اإلجتماعية واإلقتصادية بين مكونات الوطن الواحد هي أحد الطرق التي يجب السير‬
‫عليها‪ ،‬لبلو هدف اإلندماج الوطني بين مختلف مكونات وفئات المجتمع المتنوع ثقافيا‪ ،1‬بما يخدم في‬
‫األخير استق ارره وأمنه المجتمعي‪.‬‬
‫وربما يكمن الحل هنا‪ ،‬في إتباع سياسات تعويضية عن اإلستبعاد اإلجتماعي واإلقتصادي‪ ،‬تكون في‬
‫صالح األقليات اإلثنية ومجموعات السكان األصليين‪ ،‬التي غالبا ما تكون أفقر الفئات في معظم أرجاء‬
‫العالم؛ أين يسجل دائما في صفوفها النسب األدنى في معدل األعمار المتوقعة‪ ،‬والنسب األدنى في‬
‫اإلحراز التعليمي‪ ،‬والتوقعات األدنى في المؤشرات اإلجتماعية األخرى‪ ،‬كما أنها دائما األكثر عرضة‬
‫لمعاناة اإلستعباد اإلجتماعي واإلقتصادي‪.‬‬
‫من هذا المنطلق‪ ،‬يتوجب التعويض عن هذا اإلستعباد بمزيج من السياسات‪ ،‬تشمل‪:‬‬
‫‪ -‬تصحيح عدم المساواة في اإلستثمارات اإلجتماعية بغية تحقيق تساوي الفرص‪.‬‬
‫‪ -‬اإلعتراف بالمطالب الجماعية المشروعة باألرض وسبل العيش‪.‬‬
‫‪ -‬القيام بعمل إيجابي لصالح الفئات المتأذية‪.‬‬

‫‪ 1‬كاظم شبيب‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.722-722‬‬


‫‪203‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الفرع األول‪ :‬تصحيح عدم المساواة في اإلستثمارات اإلجتماعية لتحقيق تساوي الفرص‬
‫إن ضمان المساواة والمشاركة الفعالة والكاملة لألقليات يتطلب أوال وقبل كل شيء إشراكها في‬
‫المجال العام‪ ،‬من خالل تمتعها المتساوي والتشاركي بمخصصات جميع الموارد العامة‪ ،‬على أساس‬
‫فردي‪-‬مدني‪ ،‬أو أساس وطني جماعي‪ ،‬على حد السواء‪.‬‬
‫ويستند هذا المبدأ على فكرة أن كل دولة يفترض فيها أساسا أن تلعب دور "الحافظ" على األصول‬
‫العامة للبالد‪ ،‬بحيث يكون جميع المواطنين هم مستفيدين بالتساوي‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬وبصفتها وصيا يفترض بالدولة أن تضمن توزيع هذه األصول على قدم المساواة‪ ،‬طالما‬
‫أن حقوق األقليات الفردية والجماعية‪ ،‬ال يمكن أن تتحقق دون ضمان مشاركة األقليات في الحياة العامة‬
‫للدولة‪ ،‬بما في ذلك تقاسم الموارد العامة في البالد على نحو فعال وعادل‪.‬‬
‫وبخصوص الموارد المادية التي ترجع في المقام األول إلى الميزانية الوطنية واألرض‪ ،‬فيجب أن‬
‫تقسم على األقل نسبيا بين المجموعات داخل الدولة‪ ،‬خاصة وأن مجموعات األقليات هي غالبا ما تكون‬
‫المحرومة اجتماعيا واقتصاديا وعلى نحو غير متناسب‪ ،‬ما يجعلهم بحاجة إلى أكثر من النسبة السكانية‬
‫الخام من الميزانية‪.1‬‬
‫وهو ما تدعمه فعال مبادئ عدم التمييز والمساواة‪ ،‬وأيضا مبدأ اإلندماج أو على األقل عدم‬
‫اإلقصاء‪ ،‬التي تتطلب جميعها تخصيص موارد الميزانية الوطنية‪ ،‬وفقا لإلحتياجات الخاصة لمجموعة‬
‫األقلية‪ ،‬وليس على أساس نسبة صارمة ومحددة مسبقا‪.‬‬
‫كل هذه المبادئ تجد الدعم في العديد من النصوص القانونية التي تعنى بحقوق األقليات‪ ،‬بما في‬
‫ذلك إطار الحق في الوجود والحق في الحفاظ على الهوية المتميزة‪ .‬والحقيقة البسيطة هي أن وجود‬
‫مجموعة من مجموعات األقليات وهويتها‪ ،‬وبالنتيجة لن يتحقق إذا لم يتم منح المجموعة الموارد الالزمة‬
‫والدعم الواجب‪ ،‬لإلقتراب على األقل من متوسط الحالة اإلجتماعية واإلقتصادية للغالبية‪.2‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬تندرج المساواة التشاركية في مجال الموارد تحت "مبدأ العدالة التوزيعية‬
‫والتصحيحية"‪ ،‬أين ال يتم تخصيص موارد خاصة لمجموعات األقليات كاستجابة لحقهم في الوجود‬
‫واإلستمرار فقط‪ ،‬ولكن أيضا من أجل تعويض المجموعة عن تمديد التمييز الماضي‪ ،‬كون معظم األقليات‬
‫شهدت في جميع أنحاء العالم عقودا أو حتى قرونا من التمييز سواء بحكم القانون أو بحكم الواقع‪.3‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬فإن ضمان المساواة الفعالة يتطلب من الدول العمل في اتجاه إنعاش قطاعات‬
‫األقليات المضطهدة من سكانه‪،‬ا كشرط مسبق لهذه المشاركة‪ ،‬إلى جانب تحويل بنية الدولة في اتجاه‬
‫انتشال األقليات من الفقر والتمييز والتهميش على قدم المساواة مع األغلبية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Yousef T. Jabareen, Op Cit, pp 661-662.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p 662.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Yousef T. Jabareen : Op Cit, p 662.‬‬
‫‪204‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وحتى التعليق العام بشأن المادة ‪ 72‬ينص على التزام الدول باتخاذ إجراءات إيجابية لتهيئة‬
‫الظروف المناسبة لهم لتحقيق ذواتهم‪ ،‬وبرامج العمل اإليجابي هي واحدة فقط من العديد من الطرق التي‬
‫يجب اتباعها لتقد يم الفرص المشروعة لألقليات المحرومة من التقدم والتمتع الكامل بالتوزيع المتساوي‬
‫لموارد الدولة‪ .‬كما تحث المادة ‪ 0‬فقرة ‪ 2‬من اإلعالن المتعلق باألقليات على السير في هذا اإلتجاه‪.‬‬
‫كما يالحظ البروفيسور أسبيرون إيدي أن هذه المادة ينبغي أن تق أر بكيفية تشمل موارد مثل‪:‬‬
‫الصحة العامة‪ ،‬التعليم‪ ،‬الضمان اإلجتماعي واإلسكان‪ ،‬وبرامج اإلصالح العام‪.‬‬
‫ومن المثير لإلهتمام بشأن تعليق إيدي أنه يؤكد أن المادة ‪ 3‬الفقرة ‪ 0‬من اإلعالن المتعلق‬
‫باألقليات‪ ،‬ال تشمل فقط الحقوق السلبية في التحرر من التمييز في المجاالت اإلقتصادية‪ ،‬ولكن أيضا‬
‫إلتزامات إيجابية على الدول بإدماج السكان في العمليات التي تحدد مستقبل المجتمع وتقدمه‪.‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬ينص إعالن األقليات ينص بوضوح على أن تخطيط وتنفيذ سياسات اإلسكان‬
‫واإلستيطان يجب أن تأخذ بعين اإلعتبار المصالح المشروعة لألقليات‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬يجب أن يسمح لألقليات‬
‫بالمشاركة في صياغة هذه السياسات‪ ،‬هذا الحق هو أكثر أهمية عندما يتعلق األمر بأقلية السكان‬
‫األصليين‪ ،‬التي يتوقف وجودها وهويتها على السندات المادية للمجموعة على موقع جغرافي محدد‪.1‬‬
‫ومن الضروري لتحقيق اإلندماج اإلجتماعي اإلقتصادي لجميع الفئات‪ ،‬اتباع سياسات تشجع‬
‫النمو مع اإلنصاف‪ .‬ومن شأن ذلك‪ ،‬أن يشمل بالنسبة إلى غالبية البلدان النامية؛ اإلستثمار في‬
‫القطاعات الزراعية وغيرها من المجاالت التي تتطلب عمالة عالية‪ ،‬وتوسيع فرص الحصول على‬
‫األرضي الزراعية‪.‬‬
‫األصول وبخاصة ا‬
‫لكن كثي ار ما تصبح السياسات اإلنمائية مصد ار للتوتر بين الجماعات؛ وخاصة عندما تخلق‬
‫التنمية نفسها إجحافات بين الفئات وبين األفراد‪ ،‬وتديمها‪ ،‬وغالبا ما تؤججها‪ .‬وتشكل معظم البلدان‬
‫اإلفريقية مثاال حيا على ذلك‪ ،‬حيث صارت سيطرة الدولة فيها على الثروات المعدنية وتوزيعها واستخدام‬
‫العائدات والرسوم المكتسبة منها لمصلحة أفراد أو مجموعات إثنية معينة‪ ،‬مصد ار أساسيا لتفاوتات الثراء‬
‫اإلثنية اإلقليمية‪.‬‬
‫مصدر رئيسيا للنزاع في فترة‬
‫ا‬ ‫ففي السودان على سبيل المثال‪ ،‬صار اكتشاف البترول واستغالله‬
‫ما بعد اإلستقالل؛ حيث استولت الحكومة على األراضي المنتجة للبترول في الجنوب‪ .‬وفي نيجيريا‬
‫تسببت الثروات البترولية في الجنوب الشرقي وأوجه استخدام عائدات البترول‪ ،‬في خلق توترات إثنية‬
‫واشعال ش اررة الحرب األهلية في بياف ار‪ .‬في المقابل‪ ،‬استخدمت بوتسوانا ثروتها المعدنية لإلستثمار في‬
‫البنية التحتية اإلجتماعية والتنمية البشرية‪ ،‬ولعل السبب في ذلك تحديدا هو أن بوتسوانا بكاملها تقريبا‬
‫مؤلفة من مجموعة عرقية واحدة‪ ،‬وهي الباتسوانا‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Yousef T. Jabareen : Op Cit, pp 662-663.‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪2‬‬

‫‪205‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ويجدر اإلشارة هنا‪ ،‬إلى أهمية التقدم في تحسين شروط الحياة وخلق فرص العمل وتعظيم‬
‫المصالح اإلقتصادية‪ ،‬قدر المستطاع‪ ،‬ألنها تتيح التقدم أكثر على طريق تسريع وتائر اإلندماج‬
‫اإلجتماعي‪.‬‬
‫هذا األ خير ال تنقاد له الناس بالقوة والعنف‪ ،‬خاصة في مناطق الجماعات المعرضة للنبذ واإلقصاء‬
‫اإلجتماعيين‪ ،‬حتى لو كانت فيه مصلحة لها‪ ،‬لكنها قلما تتردد في أمره إن سيق في سياق مشروع تنموي‪-‬‬
‫ديمقراطي يجيب عن حاجاتها‪ ،‬ويشعرها بأنها مشاركة في صياغته بإرادتها الحرة‪.1‬‬
‫على مستوى آخر‪ ،‬يميز اإلنفاق العام على الخدمات االجتماعية األساسية ضد األقليات والسكان‬
‫األصليين‪ ،‬على نحو منتظم‪ ،‬ويرجع سبب انخفاض مستوى الخدمات المقدمة الى انخفاض المخصصات‬
‫المالية‪ ،‬أو بعد المسافة أو العزلة‪ .‬لكن ال يمكن لبعد المسافة أن يبرر اإلمتناع عن توفير خدمة؛ فإذا كان‬
‫من المستطاع توفير البنى التحتية لقطع األشجار والتعدين في أقاصي حوض نهر األمازون‪ ،‬على سبيل‬
‫المثال‪ ،‬فإنه يمكن أيضا توفير البنية التحتية اإلجتماعية في مثل هذه المناطق‪.‬‬
‫كذلك‪ ،‬يكون حق السكان األصليين في التعليم موضع شك في أحيان كثيرة‪ ،‬فبالرغم من أن‬
‫التعليم بلغتين قد يكون فعاال جدا‪ ،‬فإنه غالبا ما يبقى من دون موارد كافية وذا نوعية متدنية‪ ،‬كما يعاني‬
‫تعليم أطفال السكان األصليين من نقص المنشآت المدرسية حيث يعيشون‪ ،‬مع قلة المعلمين المؤهلين‪.‬‬
‫ويعود السبب في ذلك جزئيا إلى أن تعليم السكان األصليين يعطى أولوية أدنى‪ ،‬إلى جانب ضعف ارتباط‬
‫مضمون التعليم باإلحتياجات والبيئة الثقافية لهم‪ ،‬خصوصا إذا كان المعلمون غير منتمين إلى جماعات‬
‫السكان األصليين‪.‬‬
‫في األخير نخلص إلى أنه وبالرغم من الحاجة الماسة لسياسات عامة متعاطفة مع األقليات أو‬
‫المجموعات المتأذية اقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬تتيح لها سبل التخلص من الحرمان الواقعة في شباكه‪ ،‬فإن عدم‬
‫توافر إجماع وطني داخل الدول بشأنها‪ ،‬وغياب القاعدة الضريبية المستلزمة لتمويلها‪ ،‬يجعل من تنفيذ مثل‬
‫هذه السياسات أم ار بعيد األمد‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إشراك المتضررين من األقليات الثقافية في تصميم وتنفيذ ورصد وتقييم سياسات التنمية‬
‫كثي ار ما يرتبط السكان األصليون بعالقة خاصة مع األرض التي يعيشون عليها‪ ،‬ألنها في نظر‬
‫الكثيرين منهم المصدر الوحيد للرزق والبقاء‪ ،‬وأساس وجودهم كمجتمعات متميزة؛ لذلك فإن حق امتالك‬
‫األرض وشغلها واستخدامها‪ ،‬هو من صميم فهم السكان األصليين لذواتهم‪ ،‬وهذا الحق ليس منوطا‬
‫بالشخص الفرد عامة‪ ،‬بل بالمجتمع المحلي أو القبيلة أو األمة‪.‬‬

‫عبد اإلله بلقيز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.272‬‬


‫‪1‬‬

‫‪206‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وقد برزت اتجاهات سياسية هامة خالل العقد الماضي‪ ،‬تضمنت نشوء حركات قوية للسكان‬
‫األصليين في أرجاء العالم؛ من بوليفيا إلى اإلكوادور إلى كمبوديا إلى كندا‪ ،‬جوهرها مطلب حماية حقوق‬
‫السكان األصليين في أراضيهم التاريخية وثرواتهم المعدنية‪.‬‬
‫في هذا الصدد يدعو الميثاق ‪ 123‬لمنظمة العمل الدولية الذي جرى تبنيه في عام ‪ 1383‬الدول إلى‬
‫احترام أراضي السكان االصليين وأقاليمهم‪ ،‬مشددا على حقهم في السيطرة على ثرواتهم الطبيعية‪ ،‬لكن لم‬
‫تصادق على هذا الميثاق سوى ‪ 13‬دولة فقط ( أغلبهم في أمريكا الالتينية) ‪.1‬‬
‫ومن الجوانب الجديدة المستحدثة في اإلتفاقية رقم ‪ 123‬هي أنها تتضمن اعترافا واسع النطاق بالحق في‬
‫الحياة‪ ،‬حيث أدرجت في إطاره الحق في امتالك األقاليم‪ ،‬بمعنى مجمل المساحة التي تمارس فيها‬
‫الشعوب األصلية حياتها المادية والثقافية واإلجتماعية والروحية والسياسية واإلقتصادية‪.2‬‬
‫إن مطلب حماية حقوق األقليات والسكان األصليين في أراضيهم التاريخية وثرواتهم الباطنية‪،‬‬
‫تندرج في واقع األمر ضمن الحق في تقرير المصير‪ ،‬الذي هو في حد ذاته عنصر تأسيسي من عناصر‬
‫الحق في التنمية‪ ،‬مثلما تؤكد عليه المادة ‪ )6( 1‬من إعالن الحق في التنمية‪ ،‬هذا األخير يعني اإلعمال‬
‫الكامل لحق الشعوب في تقرير المصير‪ ،‬بما في ذلك ممارسة حقهم غير القابل للتصرف في السيادة‬
‫الكاملة على مواردهم الطبيعية‪.3‬‬
‫ويمكن القول أن من التهديدات األولى التي تواجه األقليات والشعوب األصلية في كل منطقة من‬
‫مناطق العالم هو خطر طردهم من أراضيهم ومواردهم الطبيعية‪ ،‬والتي تعتبر حيوية لكسب عيشهم‬
‫وثقافتهم وهويتهم كشعب‪ .‬لكن وفي حين أن تهديدات اليوم على الشعوب األصلية واألقليات ليست‬
‫بجديدة‪ ،‬إال أن حجمها وأبعادها اتخذت منحى جديدا‪ ،‬فالطلب غير المسبوق على الموارد المتبقية في‬
‫العالم‪ ،‬جنبا إلى جنب مع التكنولوجيات الجديدة الستخراج الموارد التي تعذر الوصول إليها سابقا في أبعد‬
‫المناطق‪ ،‬يضعون حتى األقليات والشعوب األصلية األكثر عزلة تحت التهديد المتزايد من طرف‬
‫الحكومات والشركات الراغبة في اإلستفادة من العثور عليها تحت أراضيهم‪.4‬‬
‫وفي بلدان عديدة تدعي الدول لنفسها حق السيطرة على هذه الثروات‪ ،‬كما تعمد شركات متعددة‬
‫الجنسيات في حاالت كثيرة إلى فرض مصالحها اإلقتصادية الخاصة‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬يوجد في‬
‫التشيلي قانون يعترف بحقوق السكان األصليين في أراضيهم‪ ،‬لكن توجد قوانين أخرى تسمح ألي طرف‬

‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.22 -22‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Margot E. Salomon: Arjun sengupta: «The right to development: Obligatons of states and the rights of‬‬
‫‪minorities and indigenous peoples», Issues paper, Minority rights group international, January 2003, p 132.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Kamrul hossain:« Statuts of Indigenous peoples in international law», Miskolc journal of international law,‬‬
‫‪Volume 05.No.01, 2008, p22.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Beth Walker:« State of the world's minorities and indigenous people», United kingdom : Minority rights‬‬
‫‪groups international, June 2012, p 07.‬‬
‫‪207‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫غير رسمي بادعاء ملكية الثروات الكامنة تحت سطح التربة وموارد المياه في تلك األراضي‪ ،‬األمر الذي‬
‫يجعل من العسير على جماعات السكان األصليين الدفاع عن مطالبهم بإرث أجدادهم‪.‬‬
‫على مستوى آخر‪ ،‬وعلى الرغم من حماية بلدان أخرى لهذه المطالب بواسطة التشريع‪ ،‬إال أن‬
‫السكان األصليين في أماكن كثيرة من العالم‪ ،‬ال يملكون وثائق تثبت الملكية الخاصة؛ وغالبا ما تحول‬
‫مصالح اقتصادية متنفذة ممتلكات عامة الى ملكية خاصة ‪ ،‬فمن جنوب تشيلي إلى حوض األمازون‪ ،‬إلى‬
‫غابات كندا الشمالية والغابات اإلستوائية في جنوب شرق آسيا‪ ،‬إلى سهوب جنوب إفريقيا‪ ،‬ما من إقليم‬
‫واحد ال تطمع فيه إحدى الشركات الدولية‪ ،‬من أجل ثرواته المعدنية أو مخزونه البترولي‪ ،‬أو مراعيه‬
‫وغاباته‪ ،‬أو نباتاته الطبيعية‪ ،‬أو صالحية أراضيه للمزارع التجارية‪ ،‬أو مصادر مياهه‪ ،‬أو إمكانياته‪.‬‬
‫في مثل هذه األوضاع‪ ،‬وعندما توقع الدولة اتفاقات مع شركات دولية الستغالل مثل هذه الموارد‬
‫في أراض يقيم عليها سكان أصليون‪ ،‬دون أن يشارك هؤالء في اتخاذ الق اررات‪ ،‬يصبح السكان األصليون‬
‫ضحايا "التنمية المعولمة"‪.1‬‬
‫كما أن نماذج التنمية الوطنية المهيمنة‪ ،‬تميل في أغلبها إلى تجاوز التصورات البديلة للتنمية‪،‬‬
‫التي يمكن أن تحتفظ بها األقليات أو الشعوب األصلية‪ ،‬بالرغم من أن تنمية الموارد الطبيعية يجب أن تتم‬
‫وفقا لفهمهم الخاص للتنمية الثقافية‪ ،‬وبطريقة ال تقوض هويتهم الثقافية وحقهم في عيش الحياة التي‬
‫اختاروها‪ ،‬وانما تدفعهم إلى المشاركة الفعالة في صنع الق اررات التي من شأنها أن تؤثر عليهم أو على‬
‫مناطق عيشهم‪ ،‬بما يخدم في األخير أمنهم المجتمعي‪.2‬‬
‫وبالنتيجة‪ ،‬فإن ق اررات السياسة حول تنمية الموارد الطبيعية المندرجة ضمن "المصلحة الوطنية" ال‬
‫يمكن أن تستند على مصالح األغلبية وحدها‪ ،‬ال سيما أن من شأن هذه السياسات أن تسبب انتهاكات‬
‫خطيرة لحقوق األقليات والسكان األصليين‪ ،‬والحقيقة أن النهج القائم على حقوق اإلنسان يدعو لتجنب‬
‫تطوير اإلنتهاكات التي تطال الحقوق‪ ،‬واشراك المتضررين في تصميم وتنفيذ ورصد وتقييم سياسات‬
‫التنمية‪.3‬‬
‫في هذا اإلتجاه‪ ،‬بدأت بلدانا مثل بوليفيا وكولومبيا واإلكوادور والمكسيك‪ ،‬تبحث عن سبل‬
‫لإلعتراف بالتنوع في دساتيرها‪ ،‬كما أنشأت بلدان مثل بوليفيا والب ارزيل وغواتيماال مؤسسات لمعالجة‬
‫الفوضى العارمة في اإلجراءات المنتقصة والمتضاربة لتوثيق ملكية األراضي ومجابهة تحدي اإلصالح‬
‫الزراعي‪ ،‬واعترفت بلدان كالفليبين بحقوق السكان األصليين في ملكية األراضي‪.4‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬وفيما يتعلق بالتأثيرات العميقة والمدمرة التي يحدثها تغير المناخ على ثقافات‬
‫السكان األصليين الذين يمارسون وسائل أكثر تقليدية للبقاء على قيد الحياة‪ ،‬فيتوجب على الدول اتباع‬

‫األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.22-22‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Beth Walker: Op Cit, p 07.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid, p p 16-18.‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.22-22‬‬
‫‪4‬‬

‫‪208‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫نهج القدرات كما وصفها نوسباوم (‪ )Nussbaum‬وسين (‪ )Sen‬للوصول إلى "العدالة البيئية"‪ ،‬عن‬
‫طريق فحص قدرات المجتمعات المهددة من جراء تغير المناخ‪ ،‬وتبني نهج حقوق اإلنسان في األمن‬
‫الثقافي الذي يمكنه أن يوفر وسائل أكثر شموال للتعامل مع القضايا المحيطة بالتهديدات الثقافية لتغير‬
‫المناخ من منطلق الكرامة اإلنسانية‪ ، 1‬ولعل العدالة البيئية هي أفضل حل للمظالم في الساحة البيئية؛‬
‫كونها تتطلب أخذ احتياجات ورغبات المجتمعات المحلية ليس بعين اإلعتبار فقط‪ ،‬ولكن جعلها طرفا‬
‫نشطا ومساهما في العمليات والسياسات التي تؤثر على بقائهم كمجتمعات‪.2‬‬
‫وهنا‪ ،‬يجب تقيي م تقاعس الدولة عن التنظيم الكافي ألنشطة أطراف ثالثة‪ ،‬بما في ذلك األفراد‬
‫والجماعات أو الشركات‪ ،‬وأيضا تقييم تقاعس الدولة عن مراعاة إلتزاماتها القانونية‪ ،‬بما في ذلك الحقوق‬
‫المحددة لألقليات والشعوب األصلية‪ ،‬عند الدخول في اتفاقيات ثنائية أو متعددة األطراف مع الدول‬
‫األخرى‪ ،‬أو مع المنظمات الدولية‪ ،‬أو غيرها من الكيانات مثل الشركات المتعددة الجنسيات‪.3‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تفعيل آلية العمل اإليجابي لتمكين المجموعات المتأذية وتوسيع إطار فرصها‬
‫يشكل التمييز وعدم المساواة جزءا أساسيا من الحياة اليومية للسكان األصليين واألقليات اإلثنية‬
‫والدينية في كافة أنحاء العالم‪ ،‬حيث لم يفعل الكثير لمعالجة عدم المساواة الراسخة التي نتجت عن تاريخ‬
‫طويل من التمييز واإلضطهاد‪ ،‬والتي أصبحت في كثير من الحاالت جزءا من بنية المؤسسات اإلجتماعية‬
‫والسياسية داخل الدول‪.4‬‬
‫هاته األخيرة‪ ،‬تنتج من واقع أن القواعد العامة والهياكل اإلجتماعية داخل الدولة تعكس حقيقة‬
‫البعد الثقافي لألغلبية‪ ،‬وبالتالي فإن ما ينظر إليه ربما كممارسة ثقافية محايدة للمجتمع األوسع‪ ،‬قد يكون‬
‫غير مألوفا ثقافيا بالنسبة ألعضاء األقليات‪ ،‬أو حتى يشكل عبئا ال يمكن التغلب عليه من أجل إدامة‬
‫أسلوب األقلية في الحياة‪.5‬‬
‫حيث غالبا ما تواجه هذه الفئات صعوبات في الوصول إلى سوق العمل وفي مجاالت حياتية‬
‫أخرى عديدة‪ ،‬ما يثير حاجتها إلى تكافؤ الفرص‪ ،‬وفي الحالة التي ال يعطي فيها الشخص فرصة عادلة‬
‫للمنافسة أو الستخدام قدرته‪ ،‬يجب أن تبذل جهود لتوفير مساعدة إضافية في شكل إجراءات إيجابية‪ ،‬ال‬

‫‪1‬‬
‫‪David R. Forest: Op Cit, p 04.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p11, p25.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Margot E. Salomon: Op Cit, p73.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪«Understanding positive action from theory to practice: Results of an ENAR Seminar on positive action»,‬‬
‫‪European network against racism, Brussels, 29-30 November 2007, p 02, p 05 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Alejandro Fuentes:« Cultural diversity and indigenous peoples' land claims argumentative dynamics and‬‬
‫‪jurisprudential approach in the America», Tesi di dottorato, Scoula di dottorato in stidi giuridici comparati ed‬‬
‫‪europeim 2010-2011, P 60 .‬‬
‫‪209‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫يهم إذا ما اعتبر تميي از إيجابيا‪ ،‬ألن ما يهم هو أن تؤدي النتيجة إلى المساواة الكاملة في الممارسة‬
‫للجميع‪ ،‬المساواة التي تعترف باإلحتياجات الخاصة التي تخص المجموعات الثقافية‪.1‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬مثلما يقع على عاتق مؤسسات الحكم الديمقراطي واجب تقديم الحماية الفعالة للفئات‬
‫الضعيفة ضد إنكار حقوقهم وضد حالة الالتساوي في شروط اإلنتفاع من الحق في التنوع الثقافي؛ والتي‬
‫تفرض عليها العمل من أجل الحد والقضاء على أسباب هذه الهشاشة‪ ،‬وضمان بناء القدرات لهذه‬
‫المجموعات لتمكينها من المشاركة على نحو فعال‪ ،‬يقع أيضا التزام على عاتق هذه المؤسسات بتبني‬
‫وتنفيذ برامج العمل اإليجابي‪ ،‬لصالح المجموعات الثقافية المتأذية بشدة من األوضاع السياسية‬
‫واإلقتصادية واإلجتماعية داخل دولها‪.‬‬
‫وتعرف برامج العمل اإليجابي بأنها تلك البرامج اإللزامية التي تقوم على التوزيع التفضيلي للمواد‬
‫أو الخدمات إلى أعضاء األقلية أو إلى فئة اجتماعية محرومة‪ ،‬بهدف تعويض الخلل في المساواة‬
‫اإلجتماعية التي تعاني منها‪ ،2‬وادماجها في المؤسسات المشتركة حتى ال تستمر في العيش على هامش‬
‫المجتمع‪.3‬‬
‫وقد بات اتخاذ تدابير النهج اإليجابي لتحقيق المساواة أم ار مقبوال بشكل متزايد اليوم؛ حيث أدخلت‬
‫العديد من النظم القانونية الحديثة تدابير خاصة صممت للعمل كاستثناءات من القواعد العامة‪ ،‬كي تحدث‬
‫تعادال مثاليا في الظروف التي تؤثر في التمتع بحقوق معينة ألعضاء المجموعات المتضررة‪.4‬‬
‫وهناك تضمينا لها في العديد من الصكوك الدولية لحقوق اإلنسان‪ ،‬منها اتفاقية األمم المتحدة‬
‫الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز التي تضمنت أحكاما للعمل اإليجابي‪ ،‬كما نظرت المحكمة‬
‫األوروبية لحقوق اإلنسان أيضا في اإللتزامات اإليجابية‪ ،‬واإلتفاقية اإلطارية لحماية األقليات القومية‬
‫نصت بصريح العبارة على اتخاذ تدابير العمل اإليجابي إذا كان ذلك ضروريا‪ ،‬كما أشار التعليق العام‬
‫رقم ‪ 18‬للجنة حقوق اإلنسان إلى ضرورة اتخاذ إجراءات محددة لتصحيح األوضاع التي تعوق قدرة‬
‫األقليات على التمتع بحقوقهم بما في ذلك المعاملة التفضيلية‪.‬‬
‫ومع ذلك كله تظل تدابير العمل اإليجابي اختيارية فقط‪ ،‬يأمل أن يصبح هذا الخيار قريبا شرطا‪،5‬‬
‫شرطا‪ ،5‬خاصة وأن آلية العمل اإليجابي تشكل استراتيجية جيدة لتحقيق التكامل‪ ،‬نظ ار لكونها عالجا ضد‬
‫اإلستبعاد اإلجتماعي وسبيال لضمان تكافؤ الفرص والمشاركة الفعالة للمجموعات الثقافية‪ ، 6‬التي ال زالت‬

‫‪1‬‬
‫‪«Understanding positive action from theory to practice: Results of an ENAR Seminar on positive action»,‬‬
‫‪Op Cit, p 02, p 05 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Clarence J. Dias: «Democracy and human rights; the challenge of ethnicity and inclusive democracy»,p 06.‬‬
‫‪http://unpan1.un.org/intradoc/groups/public/documents/un/unpan010199.pdf‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Jean-Christophe Merle: «Cultural minority rights and the rights of the majority in the liberal state», Ratio‬‬
‫‪Jouris, Vol 11, No.03, September 1998, p 268.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Alejandro Fuentes : Op Cit, P 70.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪«Understanding positive action from theory to practice: Results of an ENAR Seminar on positive action»,‬‬
‫‪Op Cit, p 03, p 15 .‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Ibid, p 61 .‬‬
‫‪210‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫زالت تعاني من العنصرية المؤسسية التي تعد واحدة من أكثر أشكال التمييز العنصري المتفشي‪ ،‬الذي‬
‫فشل في معالجته بطريقة متسقة على مدار سنوات طويلة؛ حيث ال تزال األقليات محرومة من المشاركة‬
‫في الحياة اإلقتصادية واإلجتماعية والسياسية لمجتمعاتها‪ ،‬يحرمون على أساس إنتمائهم الهوياتي من‬
‫الحصول على العمل‪ ،‬المسكن‪ ،‬التعليم‪ ،‬ونفي الكرامة واإلحترام الذي يتوجب لكل إنسان‪.1‬‬
‫مما سبق‪ ،‬يمكن القول أنه ال يمكن منح المساواة لألقلية‪ ،‬إال عندما تكون فقط في بيئة مماثلة‬
‫لتلك التي يتمتع بها غالبية السكان‪ ،‬وهو ما يتطلب اتخاذ إجراءات العمل اإليجابي لتصحيح وضع‬
‫أعضاء األقليات‪ ،‬وجعلهم على قدم المساواة مع أعضاء األغلبية‪ ،‬وهذا يتطلب بدوره أن تتوفر في‬
‫المؤسسات القضائية واإلجتماعية والثقافية‪ ،‬المساحات الكافية التي تسمح لألقليات بالحفاظ وتطوير‬
‫خصائصها المتميزة‪ ،‬في ظل نفس الشروط المتوافرة لألغلبية‪.2‬‬
‫ومن بين الوسائل العديدة التي يقدمها آلية العمل اإليجابي لضمان تمثيل األقليات الثقافية‪ ،‬حجز‬
‫مقاعد لجماعات معينة؛ كما تفعل نيوزيلندا لسكانها من الماوري‪ ،‬والهند للقبائل والطبقات المنبودة‪،‬‬
‫وكرواتيا ألقلياتها من ذوي األصول الهنغارية واإليطالية واأللمانية وغيرهم‪.3‬‬
‫في األخير‪ ،‬نخلص إلى أن الدول مطالبة بالنظر بطريقة عملية لدور آلية العمل اإليجابي باعتباره رد فعل‬
‫قائم على حقوق اإلنسان اتجاه أشكال التمييز وعدم المساواة والحرمان‪ ،‬بتسليطها الضوء على حدود‬
‫اإلطار القانوني لمعالجة التمييز الهيكلي والمؤسسي القائم في عديد الدول‪ ،4‬وتسليط الضوء كذلك على‬
‫الح اجة إلى زيادة تمكين تلك القطاعات الضعيفة في المجتمع من التمتع الفعال بنفس الحقوق‪ ،‬والمشاركة‬
‫في المؤسسات المجتمعية نفسها كأعضاء كاملي العضوية في المجتمع الواحد‪ .5‬في األخير ندرج هذا‬
‫الجدول كملخص على سياسات الدولة اتجاه األقليات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid, p 06, p 10 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪«The legal practical protection of the rights of minorities», Op Cit, pp 42-43.‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.22-22‬‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪«Understanding positive action from theory to practice: Results of an ENAR Seminar on positive action»,‬‬
‫‪Op Cit, p 10 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Alejandro Fuentes : Op Cit, P 73.‬‬
‫‪211‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫جدول رقم ‪ :10‬سياسات الدولة اتجاه األقليات‬


‫الفصل‬ ‫التكامل‬ ‫اإلستيعاب‬
‫اإلعتراف لألقليات بالوضع‬ ‫اإلعتراف لألقليات بالوضع‬ ‫جميع المواطنين متساوين‪،‬‬ ‫اإلعتراف‬
‫المنفصل‬ ‫المتساوي‬ ‫ال توجد أقليات‬
‫تعين بموجب القانون‬ ‫تختار من طرف كل فرد‬ ‫منفية‬ ‫العضوية‬
‫اإلستقاللية الوظيفية‬ ‫إجراءات خاصة لضمان‬ ‫قواعد األغلبية البسيطة‬ ‫المشاركة‬
‫أو اإلقليمية‬ ‫تمثيل عادل‬ ‫السياسية‬
‫وضع منفصل‬ ‫اإلعتراف الرسمي‬ ‫العلمانية أو دين الدولة‬ ‫الدين‬
‫بديانات مختلفة‬
‫إعداد مساحات لإلستعمال‬ ‫اإلعتراف الرسمي بلغات‬ ‫لغة وطنية موحدة لجميع‬
‫الحصري لكل لغة‬ ‫مختلفة لإلستعماالت العامة‪،‬‬ ‫اإلستعماالت الرسمية‬ ‫اللغة‬
‫دعم ثنائية اللغة‬
‫مدارس منفصلة لألقليات‬ ‫مدارس متكاملة مع مناهج‬ ‫مدارس مشتركة‪ ،‬مناهج‬ ‫التعليم‬
‫متعددة الثقافات‬ ‫وطنية مقررة‬
‫هياكل عمالة منفصلة‬ ‫ضمان شروط المشاركة‬ ‫التوظيف على أساس‬
‫العادلة في القطاعات‬ ‫الجدارة‪ ،‬حظر التمييز‬ ‫التشغيل‬
‫العامة‪/‬الخاصة‬
‫هياكل تنمية منفصلة‬ ‫مشاركة األقليات في‬ ‫خطط تنمية وطنية‬ ‫التنمية‬
‫وضع خطط التنمية‬
‫المصدر‪)«minority rights protection in multiethnic border region», p 103.( :‬‬
‫‪http://www.openstarts.units.it/dspace/bitstream/10077/7453/1/ANDEVA_PhD%20Thesis_Open%20Star%20UN‬‬
‫‪ITS.pdf‬‬

‫‪212‬‬
‫إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬ ‫الفصل الثالث‬

‫في ختام هذا الفصل نخلص إلى أنه من أكبر التحديات التي تواجه نظم الحكم اليوم هي قضية‬
‫إدارة التنوع الثقافي‪ ،‬وكيفية اإلستفادة من هذا التنوع في الثقافات والتقاليد والقيم والمعتقدات‪ ،‬كنتيجة حتمية‬
‫للخلفيات والمرجعيات الثقافية المتباينة التي باتت تطبع كيان أغلب الدول؛ خاصة وأن قضية التنوع‬
‫الثقافي ذات ربط عضوي بكل العوامل اإلقتصادية واإلجتماعية واإلستقرار السياسي إلى جانب األمن‬
‫المجتمعي؛ نظ ار لدور الثقافة األساسي في توجيه سلوك األفراد والجماعات وتشكيل العالقات فيما بينهم‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن تحرك الدول نحو الديمقراطية الحقيقية في صياغة الحياة االجتماعية ونحو دولة‬
‫الحق والقانون وزيادة مساحة الحرية‪ ،‬هي شروط البد منها لضمان األمن واستدامة اإلستقرار المجتمعي‬
‫والحفاظ على الوفاق اإلجتماعي والنجاح في تحقيق الوحدة في التنوع‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫خـــــــــاتمة‬

‫إن النجاح في إرساء أسس متينة لألمن المجتمعي يتطلب أوال وقبل كل شيء إيالء بالغ اإلهتمام‬
‫للوضع الضعيف والمهمش الذي تعاني منه جماعات ثقافية عدة في العديد من الدول المتنوعة الثقافات‪،‬‬
‫وتسليط الضوء على جوانب جديدة من التهديدات التي تستهدف اإلضرار بالجانب القيمي لإلنسان‪ ،‬وهو‬
‫ذلك الجانب المرتبط ب ـ"الهوية"‪ ،‬من خالل التركيز على المظالم الثقافية والحرمان الثقافي المتعدد األوجه‬
‫والمتشابك المصادر واللذان يعان يان منه ماليين الناس حول العالم‪ ،‬بدال من النظر للتنوع الثقافي باعتباره‬
‫تهديدا لألمن المجتمعي‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فاإلنتهاكات التي تطال الهويات؛ من قبيل اإلستبعاد الذاتي‪ ،‬غبن الهويات‪ ،‬اإلذالل‬
‫الجماعي‪ ،‬الكراهية والشبهة العامة بالثقافات‪ ،‬اإلستبعاد الثقافي التااضلي‪ ...‬هي التي بات ينظر إليها‬
‫اليوم بأنها عوامل حاسمة في انتشار العنف والصراعات واإلرهاب والاقر المدقع‪ ،‬مع إفضائها بصورة‬
‫جوهرية إلى استم اررية شعور الجماعات الثقافية بالتهديد والخشية من تالشي خصوصياتها‪ ،‬وناي قدراتها‬
‫على العيش بحرية في عملية مستمرة مدى الحياة من تعريف الذات‪ ،‬ما يؤدي في األخير إلى إضعاف‬
‫وحدة المجتمعات وتماسكها واستقرارها المجتمعي‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬فإن تقديم اإلطار األمثل لاهم طبيعة األمن المجتمعي في المجتمعات المتنوعة ثقافيا‪،‬‬
‫وفهم سيرورة بناء التهديدات التي تعترض ضمان استم ارره‪ ،‬وكذا طرق وأساليب تقويته وحمايته يمر عبر‬
‫التركيز على ضرورة تكريس الحق في التنوع الثقافي للناس أفرادا وجماعات؛ بدءا بضمان استمرار التمتع‬
‫الاعلي ب الحقوق الجماعية وباألخص حقوق األقليات‪ ،‬وتمكينها من حقها في الهوية الثقافية‪ ،‬مرو ار بتعزيز‬
‫الحكم في سبيل قلب األوضاع المكرسة لعدم المساواة في المكانة الثقافية‪ ،‬وتعزيز التعايش والسلم‬
‫الديمقراطي داخل الدول المتنوعة ثقافيا‪.‬‬
‫وهنا سيكون اإلستحقاق المطلوب بشدة هو نجاح الدول في مزاوجة الوحدة والتنوع على المستويات‬
‫السياسية واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪ ،‬في إطار هوية عامة شاملة مع اإلحتااظ بالهوية الخاصة‬
‫باعتبارها ا ستكماال وتعبي ار عن حقيقة التنوع الثقافي‪ ،‬وهو ما يستوجب بالضرورة تعزيز اإلطار القانوني‬
‫والمؤسسي المتصل بحماية جميع حقوق اإلنسان دون تجزئة‪ ،‬إلى جانب بناء القدرات وتمكين الجماعات‬
‫الثقافية الضعياة والمحرومة‪ ،‬وزيادة الوعي لدى جميع األطراف والااعلين في سبيل تحقيق المسعى‬
‫ا لنهائي له‪ ،‬والمتمثل في تحرير الناس من التهديدات الهوياتية‪ ،‬حتى يكون بمقدورهم العيش في بيئة آمنة‬
‫وعادلة تحترم تنوعهم واختالفهم‪.‬‬
‫هذا هو التوجه الذي يتضمنه عموما منظور األمن المجتمعي الذي يؤمن بحق اإلختالف‪ ،‬الذي‬
‫ال يناصل عن إنماء قيم التسامح والتعايش‪ ،‬وما يتيحه من إمكانيات التااعل والتبادل والتواصل بين‬
‫الثقافات‪ ،‬وما يارزه من حريات فردية وجمعية؛ فبقدر ما يدفع إلى تكريس التعددية ونمو القيم اإلنسانية‪،‬‬

‫‪215‬‬
‫خـــــــــاتمة‬

‫هو يؤسس لماهوم التنوع اإليجابي والمثري داخل المجتمع الواحد‪ ،‬ويحث مجموعات الرأي والسلطة والثقافة‬
‫على التعايش وقبول اآلخر‪ ،‬بما يخدم الحاجات والحقوق اإلنسانية‪ ،‬وبما يحقق إقامة التوازن بين بقاء‬
‫واحترام الذات‪ ،‬وبقاء واحترام اآلخر‪.‬‬
‫بمعن ى أن تحقيق التماسك القومي واإلندماج الوطني ال يستوجب فرض هوية مناردة وشجب‬
‫التنوع الثقافي والوالءات الارعية لألفراد والجماعات داخل الدولة؛ بقدر ما يتطلب التخطيط لوضع‬
‫إستراتيجيات ناجحة لبناء دول اندماجية تستطيع على نحو بناء اإلتساع للتنوع الثقافي‪ ،‬وقادرة على تقديم‬
‫حلول فعالة من حيث ضمانها األهداف األطول أمدا لإلسقرار السياسي والتآلف المجتمعي‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن تحقيق اإلستقرار المجتمعي ودعم روح التعايش للمجتمع على تنوع وتعدد مكوناته‪،‬‬
‫يتطلب أكثر من مجرد السعي لتأمين الحريات المدنية والسياسية عبر أدوات ديمقراطية األغلبية‬
‫والسياسات اإلجتماعية واإلقتصادية المنصاة؛ ألن المطلوب سياسات ثقافية ال لبس فيها لضمان‬
‫اإلعتراف بالتنوع الثقافي‪ ،‬الذي يقتضي إدماج اإلعتراف الثقافي ضمن استراتيجيات بناء ديمقراطيات‬
‫شاملة للجميع‪ ،‬تبنى فيها سياسات تشاركية شاملة لكافة المواطنين عبر مختلف التنظيمات واألحزاب‬
‫وفعاليات المجتمع المدني على أساس من المساواة وعدم التمييز‪ ،‬وتتخذ في إطارها سياسات تمنح لثقافة‬
‫المجموعات المهمشة والمقصاة صيغ اإلعتراف واإلتساع‪ ،‬بشكل يمكن أفرادها من رؤية ثقافاتهم في رموز‬
‫الدولة ومؤسساتها‪ ،‬ما يعني بصورة أخرى وجوب إحداث تغيير في الهندسة السياسية القائمة‪ ،‬حتى‬
‫تتماشى مع متطلبات ومطالب المجتمع المتنوع ثقافيا‪ ،‬وبما يتيح القدرة على مسايرة ومعايشة مختلف‬
‫التناقضات داخل هذا المجتمع‪ ،‬دونما المساس باستق ارره وتجانسه‪.‬‬
‫ويصعب تجسيد ذلك عمليا دون اتباع المراحل والخطوات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬تأمين اإلطار المعياري على المستوى الوطني لتضمين وتجسيد اإلعتراف بالتنوع الثقافي‪.‬‬
‫‪ -2‬تأمين اإلطار المؤسسي في البرلمان والهيئات التشريعية األخرى‪ ،‬والسلطة التنايذية‪ ،‬والقضاء‬
‫ومؤسسات إنااذ القانون‪ ،‬والمؤسسات الوطنية لحقوق اإلنسان‪ ،‬ومنظمات المجتمع المدني‪.‬‬
‫‪ -3‬تأمين إطار السياسة العامة لحماية الجماعات الثقافية الضعياة؛ من قبيل األقليات والسكان‬
‫األصليين‪ ،‬وتعزيز التعددية والحااظ على التنوع الثقافي؛ من خالل اتخاذ تدابير التمييز اإليجابي "العدالة‬
‫التصحيحية"‪ ،‬فتح المجال أمام المشاركة الاعالة القائمة على مبدأ "المساواة التشاركية"‪ ،‬تبني العالج‬
‫التحويلي الذي تدعمه فكرة إعادة البناء ألجل التغيير من األساس الكامن للبناء السياسي‪-‬اإلقتصادي؛‬
‫وذلك بإعادة توزيع الموارد اإلقتصادية والسلطة السياسية من خالل "ديمقراطية مشاركاتية"‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫خـــــــــاتمة‬

‫في األخير‪ ،‬يمكن القول أن اتباع نهج برنامجي متكامل نحو مأسسة الديمقراطية الشاملة للجميع‪،‬‬
‫والتي يجب أن تكون متعددة التخصصات‪ ،‬متعددة القطاعات‪ ،‬شاملة وغير تمييزية أو استبعادية‪ ،‬هو‬
‫ضروري لبناء األمن الثقافي وتحقيقه لألفراد والجماعات من منظور األمن المجتمعي‪ .‬لكن وضع وتنايذ‬
‫مثل هذا النهج المتكامل ال يتم إال من خالل اتباع الخطوات التالية‪:‬‬
‫بناء الروابط‪ :‬وتعزيز التااهم بين اإلثنيات والتعايش السلمي‪ ،‬بمعنى تعميق التااعالت‬ ‫‪-‬‬
‫اإليجابية للسماح لهم بحل نزاعاتهم أو إدارتها باستخدام األساليب القانونية‪.‬‬
‫تدابير بناء الثقة‪ :‬باستخدام عمليات صنع الدستور‪ ،‬واإلصالح اإلنتخابي‪ ،‬واصالح القانون‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫واإلصالح القضائي‪ ،‬لتطوير اإلجماع المعياري والتوافق الديمقراطي بين اإلثنيات على المستوى الوطني‪.‬‬
‫اإلنخراط في البناء‪ :‬من خالل تشجيع وتطوير آليات وسياسات واستراتيجيات مستدامة‪ ،‬تضمن‬ ‫‪-‬‬
‫استحقاق فرص متساوية للمشاركة الكاملة الهادفة والاعالة للمجموعات الثقافية في مجموع األنشطة التي‬
‫تشكل مجال الثقافة‪ ،‬السياسة‪ ،‬اإلقتصاد‪ ،‬داخل الدولة‪ ،‬بما يخدم مبدأ التساوي في توفير شروط الحق في‬
‫التنوع الثقافي‪ ،‬وبما يحقق اإلندماج العقالني لآلخر الثقافي وتمكينه من العيش وفقا لقناعاته‪.‬‬
‫هذا الماهوم (الديمقراطية الشاملة أو المتعددة الثقافات) يشمل كل من الترتيبات المؤسسية لتقاسم‬
‫السلطة‪ ،‬والخيارات العملية الهادفة لخلق وتعزيز القيم والسلوك الديمقراطي‪ ،‬وتعزيز النتائج اإليجابية‬
‫المتعلقة باإلعتراف بالحق في التنوع الثقافي والتمكين منه‪ ،‬وأيضا تشكيل القيم اإلجتماعية التي تأخذ بعين‬
‫اإلعتبار العالقات بين اإلحتياجات والحقوق والواجبات في المجتمعات المتنوعة ثقافيا‪.‬‬
‫وبالتالي يجب أن تكون الديمقراطية في القرن الواحد والعشرين شاملة للجميع وقادرة على ربط قيم‬
‫حقوق اإلنسان والمشاركة لمواجهة تحديات اإلضطهاد‪ ،‬واإلستبعاد الثقافي‪ ،‬والضعف اإلقتصادي‬
‫واإلجتماعي‪ ،‬والالمساواة‪ ،‬والحرمان والتمييز الهيكلي والمؤسسي‪ ،‬داخل الدول اتجاه األقليات الثقافية‪.‬‬
‫والمبدأ األساسي للممارسة الديمقراطية هو واجب الحماية الاوري وطويل األجل لحقوق اإلنسان لألقليات‬
‫الثقافية‪ ،‬مع ماهوم أكثر حداثة من مسؤولية الدولة في الحماية من خالل توفير األمن اإلنساني للجميع‬
‫بوسائل إستباقية‪ ،‬وقائية‪ ،‬وعالجية في الوقت ناسه‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫أوال‪ :‬المراجع باللغة العربية‬


‫* المصادر‪:‬‬
‫‪« -1‬تقرير المقرر الخاص المعني بحقوق الشعوب األصلية‪ ،‬جيمس أنايا»‪ ،‬مـجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪،‬‬
‫الدورة الثامنة عشرة‪ ،‬البند ‪ 11 ،30‬جويلية ‪.1311‬‬

‫‪« -2‬دور اللغات والثقافة في تعزيز وحماية حقوق وهوية الشعوب األصلية‪ ،‬دراسة أعدتها آلية الخبراء المعنية بحقوق‬
‫الشعوب األصلية»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬البند ‪ 11 ،30‬أوت ‪.1311‬‬

‫‪« -3‬تقرير المقرر الخاص المعني باألشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره األجانب وما يتصل بذلك من‬
‫تعصب موتوما روتيري»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة العشرون‪ ،‬البند ‪ 10 ،30‬ماي ‪.1311‬‬

‫‪ « -4‬ورقة أولية بشأن مدى تقييد السياسات والمشاريع المتعلقة بتغير المناخ بالمعايير الواردة في إعالن األمم المتحدة‬
‫بشأن حقوق الشعوب األصلية وآلية الخبراء المعنية بحقوق الشعوب األصلية التابعة لمجلس حقوق اإلنسان»‪ ،‬المنتدى‬
‫الدائم المعني بقضايا الشعوب األصلية‪ ،‬المجلس اإلقتصادي واإلجتماعي‪ ،‬الدورة الثامنة‪ 10 ،‬فيفري ‪.1330‬‬

‫‪ « -5‬تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد هاينر بيالفلدت‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫المدنية والسياسية واإلجتماعية والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة‬
‫التاسعة عشرة‪ ،‬البند ‪ ،0‬ديسمبر ‪.1311‬‬

‫‪« -6‬تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد‪ ،‬السيد هاينر بيالفلدت»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية‬
‫العامة‪ ،‬الدورة السادسة عشرة‪ ،‬البند ‪ 10 ،30‬ديسمبر ‪.1313‬‬

‫‪ « -7‬تقرير فريق الخبراء العامل المعني بالسكان المنحدرين من أصل إفريقي عن أعمال دورته السادسة»‪ ،‬مـجلس‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬الـجمعية العامة‪ ،‬الدورة الرابعة‪ ،‬البند ‪ 30 ،31‬مارس‪.1332،‬‬

‫‪« -8‬تقرير المقرر الخاص المعني باألشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره األجانب وما يتصل بذلك من‬
‫تعصب‪ ،‬السيد غيتو مويغاي‪ ،‬عن مظاهر تشويه صورة األديان‪ ،‬وبخاصة اآلثار الخطيرة المستمرة لكره اإلسالم على‬
‫تمتع أتباعه بجميع الحقوق»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة الخامسة عشرة‪ ،‬البند ‪ 11 ،30‬جويلية‬
‫‪.1313‬‬

‫‪ -9‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول تعميق الديمقراطية في عالم مفتت»‪ ،‬نيويورك‪.1331 ،‬‬
‫‪« -11‬تقرير تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين‪ ،‬هاينر بيليفيلت»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة‬
‫الثانية والعشرون‪ ،‬البند ‪ 12 ،30‬ديسمبر ‪.1311‬‬

‫‪« -11‬تقرير اجتماع فريق الخبراء الدولي‪ ،‬شباب الشعوب األصلية‪ :‬الهوية والتحديات واألمل؛ المواد ‪ 14‬و‪ 17‬و‪21‬‬
‫و‪ 25‬من إعالن األمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب األصلية»‪ ،‬المنتدى المعني بقضايا الشعوب األصلية‪ ،‬المجلس‬
‫اإلقتصادي واإلجتماعي‪ ،‬الدورة ‪ ،11‬البند ‪ 11 ،30‬مارس ‪.1310‬‬

‫‪219‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪« -12‬توصيات الدورة الرابعة للمنتدى المعني بقضايا األقليات‪ ،‬ضمان حقوق نساء وفتيات األقليات»‪ ،‬مجلس حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة التاسعة عشرة‪ ،‬البند ‪ 30 ،30‬جانفي ‪.1311‬‬

‫‪ -13‬هشام عبد اهلل‪« :‬إدماج النوع اإلجتماعي في التنمية من خالل المساواة في الحقوق والموارد والرأي»‪ ،‬تقرير البنك‬
‫الدولي عن بحوث السياسات‪ ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪.1332 ،‬‬

‫‪« -14‬وثيقة معلومات أساسية من الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬بشأن األقليات والمشاركة‬
‫السياسية الفعالة»‪ ،‬المحفل المعني بقضايا األقليات‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة الثانيةـ ‪ 30‬أكتوبر‬
‫‪.1330‬‬

‫‪« -15‬تقرير األمين العام‪ ،‬حقوق اإلنسان والحرمان التعسفي من الجنسية‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان»‪ ،‬الجمعية العامة‪،‬‬
‫الدورة التاسعة عشرة‪ ،‬البندان ‪ 31‬و ‪ 30‬من جدول األعمال‪ 10 ،‬ديسمبر ‪.1311‬‬

‫‪ « -16‬مذكرة مقدمة من األمانة‪ ،‬مشروع توصيات بشأن األقليات والمشاركة الفعالة في الحياة اإلقتصادية»‪ ،‬الـمحفل‬
‫المعني بقضايا األقليات‪ ،‬مـجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة ‪ 32 ،30‬أكتوبر ‪.1313‬‬

‫‪« -17‬مذكرة الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬األقليات والمشاركة الفعالة في الحياة‬
‫اإلقتصادية»‪ ،‬المحفل المعني بقضايا األقليات‪ ،‬مـجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة ‪ 13 ،30‬أوت‪.1313 ،‬‬

‫‪« -88‬تقرير الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات ريتا إسحاق‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان المدنية‬
‫والسياسية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة الثانية‬
‫والعشرون‪ ،‬البند الثالث‪ 01 ،‬ديسمبر ‪.1311‬‬

‫‪ « -19‬تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين هاينر بيليفيت‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان‪ ،‬المدنية‬
‫والسياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في التنمية»‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪،‬‬
‫الدورة الثانية والعشرون‪ ،‬البند ‪ ،0‬ديسمبر ‪.1311‬‬

‫‪ « -21‬التقرير العالمي األول بموجب متابعة إعالن منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق األساسية في العمل‬
‫المساواة في العمل‪ :‬التحدي المستمر»‪ ،‬جنيف‪ ،‬الطبعة األولى‪.1311 ،‬‬

‫‪ -21‬تقرير األمين العام‪ « ،‬تعزيز التكامل اإلجتماعي في حاالت ما بعد الصراع »‪ ،‬اللجنة التحضيرية للدورة اإلستثنائية‬
‫للجمعية العامة المعنونة "مؤتمر القمة العالمي للتنمية اإلجتماعية وما بعده‪ :‬تحقيق التنمية اإلجتماعية للجميع في عالم‬
‫معولم"‪ ،‬الدورة الثانية ‪ 12-0‬أبريل ‪ ،1333‬الجمعية العامة‪.1333 ،‬‬

‫‪ « -22‬إدارة الحكم لخدمة التنمية البشرية المستدامة‪ ،‬وثيقة للسياسات العامة لبرنامج األمم المتحدة اإلنمائي »‪،‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬يناير ‪.1002‬‬

‫‪220‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -23‬برنامج األمم المتحدة اإلنـمائي والصندوق العربي لإلنـماء اإلقتصادي واإلجتماعي‪« :‬تقرير تحديات أمن اإلنسان في‬
‫البلدان العربية»‪ ،‬نيويورك‪.1330 ،‬‬

‫‪ -24‬البنك الدولي‪ « :‬تقرير التنمية في العالم‪ ،‬شن الهجوم على الفقر»‪ ،‬لعام ‪ ،1331-1333‬واشنطن‪.‬‬

‫‪ -25‬منظمة العفو الدولية‪ « :‬تقرير حول حالة حقوق اإلنسان في العالم »‪ ،‬الطبعة األولى‪.1330 ،‬‬

‫« تقرير الخبيرة المستقلة المعنية بقضايا األقليات غاي ماكدوغال‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق اإلنسان‪ ،‬المدنية‬
‫والسياسية واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في التنمية »‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪،‬‬
‫الدورة السادسة عشرة‪ ،‬البند ‪ 11 ،0‬ديسمبر ‪.1313‬‬

‫‪ « -62‬تقرير األمين العام‪ ،‬متابعة قرار الجمعية العامة ‪ 291/64‬المتعلق باألمن البشري »‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة‬
‫السادسة والستون‪ ،‬البندان ‪ 12‬و‪0 ،112‬أفريل ‪.1311‬‬

‫‪ -27‬لجنة أمن اإلنسان‪ « ،‬تقرير أمن اإلنسان اآلن‪ :‬حماية الناس وتمكينهم »‪ ،‬نيويورك‪.1330 ،‬‬

‫‪ -22‬مفوضية األمم المتحدة السامية لحقوق اإلنسان‪ « ،‬المبادئ العامة والمبادئ التوجيهية لنهج يرتكز على حقوق‬
‫اإلنسان يتبع في استراتيجيات الحد من الفقر »‪ ،‬منظمة األمم المتحدة‪.1311 ،‬‬

‫‪ « -29‬تقرير مفوضية األمم المتحدة السامية لحقوق اإلنسان‪ ،‬تجميع للكتيبات واألدلة اإلرشادية والمواد التدريبية‬
‫وغيرها من األدوات الصادرة عن األمم المتحدة بشأن قضايا األقليات »‪ ،‬مجلس حقوق اإلنسان‪ ،‬الجمعية العامة‪ ،‬الدورة‬
‫السادسة عشرة‪ ،‬البندان ‪ 1‬و ‪ 10 ،0‬ديسمبر ‪.1313‬‬

‫‪ -31‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪ « :‬تقرير أبعاد جديدة لألمن اإلنساني »‪ ،‬نيويورك‪.1002 ،‬‬

‫‪ « -31‬التقرير النهائي للمؤتمر الحكومي للسياسات الثقافية من أجل التنمية »‪ ،‬السويد‪ 03 :‬مارس‪ 31 -‬أفريل‬
‫‪.1000‬‬

‫‪ -32‬منظمة الصحة العالمية‪ « ،‬التقرير العالمي حول العنف والصحة »‪ ،‬جنيف‪.1331 ،‬‬

‫‪ -33‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪« :‬تقرير حول الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع»‪ ،‬نيويورك‪.1332 ،‬‬

‫‪221‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫* الكتب‪:‬‬
‫‪ -1‬أبو الحسن عبد الموجود إبراهيم‪« :‬التنمية وحقوق اإلنسان نظرة اجتماعية»‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬المكتب الجامعي الحديث‪،‬‬
‫‪.1331‬‬

‫‪ -2‬أبو الخير أحمد عطية عمر‪« :‬الضمانات القانونية الدولية والوطنية لحماية حقوق اإلنسان»‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪.1332 ،‬‬

‫‪ -3‬أبو العينين محمود‪« :‬إدارة وحل الصراعات العرقية في إفريقيا»‪ ،‬القاهرة‪ :‬الدار الجامعية للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪.1330 ،‬‬

‫‪ -4‬إحسان مـحمد الـحسن‪« :‬علم اجتماع العنف واإلجرام‪ ،‬دراسة تحليلية في اإلرهاب والعنف السياسي واإلجتماعي»‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬دار وائل للنشر‪.1330 ،‬‬

‫‪ -5‬أحمد أبو الوفا‪« :‬الحماية الدولية لحقوق اإلنسان»‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪.1330 ،‬‬

‫‪ -6‬أحمد الرشيدي‪ «:‬حقوق اإلنسان»‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪.1330 ،‬‬

‫‪ -7‬أحمد مجدي حجازي‪« :‬الثقافة العربية في زمن العولمة»‪ ،‬مصر‪ :‬دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع‪.1331-1333 ،‬‬

‫‪ -2‬إسماعيل الشطي‪« :‬الفساد والحكم الصالح في البالد العربية»‪ ،‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.1332 ،‬‬

‫‪ -9‬آالن تورين‪ :‬ترجمة‪ ،‬جورج سليمان‪ «:‬براديغما جديدة لفهم عالم اليوم»‪ ،‬لبنان‪ :‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬أبريل ‪.1311‬‬

‫‪ -11‬إلياس أبو جودة‪« :‬األمن البشري وسيادة الدول»‪ ،‬لبنان‪ :‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪. 1330 ،‬‬

‫‪ -11‬امحمد مالكي‪« :‬اإلندماج اإلجتماعي وبناء مجتمع المواطنة في المغرب الكبير»‪ ،‬المؤتمر السنوي الثاني للعلوم‬
‫اإلجتماعية واإلنسانية ‪ 01-03‬مارس ‪ ،1310‬قطر‪ :‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪.1310 ،‬‬

‫‪ -12‬باتريك سافيدان‪ :‬ترجمة‪ ،‬المصطفى الحسوني‪ « :‬الدولة والتعدد الثقافي »‪ ،‬المغرب‪ :‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪.1311 ،‬‬

‫‪ -13‬باريخ بيخو‪ « :‬إعادة النظر في التعددية الثقافية التنوع الثقافي والنظرية السياسية»‪ ،‬دمشق‪ :‬الهيئة العامة السورية‬
‫للكتاب‪.1332 ،‬‬

‫‪ -14‬جاك دونللي‪ :‬ترجمة‪ ،‬مبارك علي عثمان‪« :‬حقوق اإلنسان العالمية بين النظرية والتطبيق»‪ ،‬المكتبة األكاديمية‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.1000 ،‬‬

‫‪222‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -15‬جورج أندرسون‪ :‬ترجمة‪ ،‬مها تكال‪« :‬مقدمة عن الفدرالية»‪ ،‬كندا‪ :‬منتدى األنظمة الفدرالية‪.1332 ،‬‬

‫‪ -16‬جون ستيوارت مل‪ :‬ترجمة‪ ،‬إمام عبد الفتاح إمام وميشيل متياس‪« :‬أسس الليبرالية السياسية»‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫مدبولي‪.1001 ،‬‬

‫‪ -17‬حسن مصدق‪« :‬يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت النظرية النقدية التواصلية»‪ ،‬بيروت‪ :‬المركز الثقافي‪،‬‬
‫‪.1330‬‬

‫‪ -12‬خديجة عرفة‪« :‬األمن اإلنساني المفهوم والتطبيق في الواقع العربي والدولي»‪ ،‬الرياض‪ :‬جامعة نايف العربية للعلوم‬
‫األمنية‪ ،‬الطبعة األولى‪.1330 ،‬‬

‫‪ -19‬دوني كوش‪ :‬ترجمة‪ :‬قاسم المقداد‪« :‬مفهوم الثقافة في العلوم اإلجتماعية»‪ ،‬دمشق‪ :‬منشورات إتحاد الكتاب العرب‪،‬‬
‫‪.1331‬‬

‫‪ -21‬ريد هاليداي وآخرون‪ :‬ترجمة‪ ،‬عبد اإلله النعيمي‪« :‬اإلثنية والدولة‪ ،‬األكراد في العراق وايران وتركيا»‪ ،‬العراق‪ :‬معهد‬
‫الدراسات اإلستراتيجية‪ ،‬الطبعة األولى‪.1331 ،‬‬

‫‪ -21‬سعد الدين ابراهيم‪« :‬دور وسائل اإلعالم العربية في دعم ثقافة المجتمع المدني»‪ ،‬حلقات نقاشية‪ ،‬مركز ابن خلدون‬
‫للدراسات اإلنمائية‪ ،‬دار األمين للنشر والتوزيع‪ ،‬سبتمبر ‪.1002‬‬

‫‪ -22‬سمير أمين‪« :‬الرأسمالية في عصر العولمة‪ ،‬إدارة المجتمع المعاصر»‪ ،‬لبنان‪ :‬الشركة العالمية للكتاب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪.1332 ،‬‬

‫‪ -23‬سهيل حسن الفتالوي‪« :‬حقوق اإلنسان»‪ ،‬موسوعة القانون الدولي‪ ،‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬اإلصدار األول‪.1332 ،‬‬

‫‪ -24‬صالح صوباني وآخرون‪« :‬قيم التسامح في المناهج المدرسية العربية»‪ ،‬فلسطين‪ :‬مركز رام اهلل لدراسات حقوق‬
‫اإلنسان‪.1311 ،‬‬

‫‪ -25‬طلعت مصطفى السروجي‪« :‬السياسة اإلجتماعية في إطار المتغيرات العالمية الجديدة»‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر‬
‫العربي‪.1332 ،‬‬

‫‪ -26‬عبد اإلله بلقيز‪« :‬الدولة والمجتمع جدليات التوحيد واإلنقسام في اإلجتماع العربي المعاصر»‪ ،‬لبنان‪ :‬الشبكة‬
‫العربية لألبـحاث والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪.1330 ،‬‬

‫‪ -27‬عبد الحافظ أحمد‪« :‬الدولة والجماعات العرقية»‪ ،‬دراسة مقارنة للسياسة الروسية تجاه الشيشان وتتارستان (‪-1001‬‬
‫‪ ،)1333‬القاهرة‪ :‬مركز الدراسات السياسية واإلستراتيجية‪.1330 ،‬‬

‫‪223‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -22‬عبد الحليم الزيات‪ « :‬التنمية السياسية‪ :‬دراسة في اإلجتماع السياسي »‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار المعارف‪،‬‬
‫‪.1001‬‬

‫‪ -29‬عبد الحليم الزيات‪« :‬التنمية السياسية؛ دراسة في اإلجتماع السياسي»‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬البنية واألهداف‪ ،‬مصر‪ :‬دار‬
‫المعرفة الجامعية‪.1331 ،‬‬

‫‪ -31‬عبد الرحيم محمد الكاشف‪« :‬الرقابة الدولية على تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية»‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪.1330 ،‬‬

‫‪ -31‬عبد السالم ابراهيم بغدادي‪« :‬الوحدة الوطنية ومشكلة األقليات في إفريقيا»‪ ،‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪.1333 ،‬‬

‫‪ -32‬عبد العزيز محمد سرحان‪ «:‬مقدمة لدراسات ضمانات حقوق اإلنسان‪ ،‬دراسة مقارنة في القانون الدولي والشريعة‬
‫اإلسالمية»‪ ،‬القاهرة‪ :‬جامعة عين الشمس‪.1000 ،‬‬

‫‪ -33‬عبد الكريم علوان‪« :‬المنظمات الدولية»‪ ،‬عمان‪ :‬مكتبة الثقافة للنشر والتوزيع‪.1002 ،‬‬

‫‪ -34‬عبد الواحد محمد الفار‪ «:‬قانون حقوق اإلنسان في الفكر الوضعي والشريعة اإلسالمية»‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة‬
‫العربية‪.1001 ،‬‬

‫‪ -35‬عبد الوهاب األمين‪ « :‬التنمية اإلقتصادية المشكالت والسياسات المقترحة مع إشارة إلى البلدان العربية »‪ ،‬جدة‪:‬‬
‫دار حافظ للنشر والتوزيع‪.1333 ،‬‬

‫‪ -36‬عصمت عدلي‪« :‬علم اإلجتماع األمني‪ :‬األمن والمجتمع»‪ ،‬اإلسكندرية‪.1331 ،‬‬

‫‪ -37‬عطوي عبد اهلل‪ « :‬السكان والتنمية البشرية »‪ ،‬لبنان‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪.1332 ،‬‬

‫‪ -32‬علي أومليل‪ « :‬في شرعية اإلختالف»‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1000 ،‬‬

‫‪ -39‬علي عباس مراد‪« :‬المجتمع المدني والديمقراطية »‪ ،‬لبنان‪ :‬مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪.1330‬‬

‫‪ -41‬علي عباس مراد‪« :‬ديمقراطية عصر العولمة»‪ ،‬لبنان‪ :‬مـجد الـمؤسسة الجـامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪.1332 ،‬‬

‫‪ -41‬علي عبد الرزاق جلبي‪« :‬العنف والجريمة المنظمة‪ :‬دراسات في المشكالت اإلجتماعية»‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار المعرفة‬
‫الجامعية‪.1332 ،‬‬

‫‪224‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -42‬عمار جفال‪ «:‬قوى ومؤسسات العولمة‪ :‬التجليات واإلستجابة العربية»‪ ،‬المجلة الجزائرية للعلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪ ،‬العدد األول‪.1330 ،‬‬

‫‪ -43‬غازي صباريني‪« :‬الوجيز في مبادئ القانون الدولي العام»‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪.1332 ،‬‬

‫‪ -44‬كارستن فيالند‪ :‬ترجمة‪ ،‬محمد جديد‪« :‬الدولة القومية خالفا إلرادتها‪ ،‬تسييس اإلثنيات وأثننة السياسة؛ البوسنة‬
‫الهند باكستان»‪ ،‬دمشق‪ :‬دار المدى‪ ،‬الطبعة األولى‪.1332 ،‬‬

‫‪ -45‬كاظم شبيب‪« :‬المسألة الطائفية‪ ،‬تعدد الهويات في الدولة الواحدة»‪ ،‬بيروت‪ :‬دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.1311 ،‬‬

‫‪ -46‬كلود زانغي‪ :‬محمد بجاوي‪« :‬الحماية الدولية لحقوق اإلنسان»‪ ،‬لبنان‪ :‬مكتبة لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪.1331 ،‬‬

‫‪ -47‬الري دايموند‪ :‬ترجمة‪ ،‬فوزية ناجي جاسم الدفاعي‪« :‬الديمقراطية‪ :‬تطويرها وسبل تعزيزها»‪ ،‬بغداد‪ :‬دار المأمون‬
‫للترجمة والنشر‪.1330 ،‬‬

‫‪ -42‬ماجدة عدلي‪« :‬الحق في السالمة الجسدية»‪ ،‬القاهرة ‪ :‬مركز القاهرة لدراسة حقوق اإلنسان‪.1332 ،‬‬

‫‪ -49‬مازن ليلو راضي‪ :‬حيدر أدهم عبد الهادي‪« :‬المدخل لدراسة حقوق اإلنسان»‪ ،‬األردن‪ :‬دار قنديل‪.1331 ،‬‬

‫‪ -51‬محمد أمين الميداني‪« :‬دراسات في الحماية اإلقليمية لحقوق اإلنسان»‪ ،‬اليمن‪ :‬مركز المعلومات والتأهيل لحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬الطبعة األولى‪.1331 ،‬‬

‫‪ -18‬محمد خليل الموسى‪« :‬الوظيفة القضائية للمنظمات الدولية»‪ ،‬األردن‪ :‬دار وائل‪ ،‬الطبعة األولى‪.3002 ،‬‬

‫‪ -52‬محمد درويش‪« :‬مرتكزات الحكم الديمقراطي وقواعد الحكم الراشد»‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪.1313‬‬

‫‪ -53‬محمد سبيال‪« :‬األسس الفكرية لثقافة حقوق اإلنسان»‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ :‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‪.1313 ،‬‬

‫‪ -54‬محمد عاشور مهدي‪« :‬التعددية اإلثنية‪ :‬إدارة الصراعات واستراتيجيات التسوية»‪ ،‬عمان‪ :‬المركز العلمي للدراسات‬
‫السياسية‪.1331 ،‬‬

‫‪ -55‬محمد يوسف علوان‪ :‬محمد خليل الموسى‪« :‬القانون الدولي لحقوق اإلنسان؛ المصادر ووسائل الرقابة»‪ ،‬الجزء‬
‫األول‪ ،‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬اإلصدار األول‪.1330 ،‬‬

‫‪ -56‬محمد يوسف علوان‪ :‬محمد خليل موسى‪« :‬القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ ،‬المصادر والوسائل»‪ ، ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬اإلصدار األول‪ ،1330 ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬اإلصدار الثاني‪.1330 ،‬‬

‫‪225‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -57‬مختار شعيب‪« :‬اإلرهاب صناعة عالمية»‪ ،‬مصر‪ :‬نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪.1332 ،‬‬

‫‪ -52‬مسعد عبد الرحمان زيدان‪« :‬تدخل األمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي»‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫الكتب القانونية‪.1330 ،‬‬

‫‪ -59‬ممدوح سالم‪« :‬الحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية في العالم العربي»‪ ،‬أعمال الندوة العربية حول تفعيل العهد‬
‫الدولي للحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪ ،‬الدار البيضاء‪ 12-11 ،‬يوليو‪/‬تموز ‪ ،‬المنظمة العربية لحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫‪.1330‬‬

‫‪ -61‬منظمة األمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة‪« :‬حقوق اإلنسان أسئلة واجابات»‪ ،‬الطبعة الخامسة‪.1330 ،‬‬

‫‪ -61‬موريس فالمان‪ :‬ترجمة‪ ،‬تمام الساحلي‪« :‬الليبرالية المعاصرة»‪ ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪.1331 ،‬‬

‫‪ -62‬نظام عساف‪ « :‬مدخل إلى حقوق اإلنسان في الوثائق الدولية واإلقليمية واألردنية»‪ ،‬عمان‪ :‬المكتبة الوطنية‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.1000 ،‬‬

‫‪ -23‬هاني سليمان الطعيمات‪« :‬حقوق اإلنسان وحرياته األساسية»‪ ،‬األردن‪ :‬دار الشروق للنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪.3002 ،‬‬

‫‪ -64‬هاني سليمان الطعيمات‪« :‬حقوق اإلنسان وحرياته االساسية»‪ ،‬عمان‪ :‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪.1331‬‬

‫‪ -65‬هايل عبد المولى طشطوش‪« :‬حقوق اإلنسان بين الفكر اإلسالمي والتشريع الوضعي»‪ ،‬األردن‪ :‬دار الكندي للنشر‬
‫والتوزيع‪.1332 ،‬‬

‫‪ -66‬هوفنز كالوس‪« :‬كيف ترفع الشكاوى ضد انتهاكات حقوق اإلنسان»‪ ،‬دليل األفراد والمنظمات غير الحكومية‪،‬‬
‫مكتب اليونسكو‪ ،‬عمان‪.1332 ،‬‬

‫‪ -67‬هيثم مناع‪« ،‬اإلمعان في حقوق اإلنسان»‪ ،‬موسوعة عالمية مختصرة‪ ،‬لبنان‪ :‬األهالي للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.1333 ،‬‬

‫‪ -62‬ويل كميلكا‪ :‬ترجمة‪ ،‬إمام عبد الفتاح إمام‪ « :‬أوديسا التعددية الثقافية‪ ،‬سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع‬
‫»‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الكويت‪ :‬سلسلة عالم المعرفة‪.1311 ،‬‬

‫‪ -69‬ويل كميلكا‪ :‬ترجمة‪ ،‬إمام عبد الفتاح إمام‪ « :‬أوديسا التعددية الثقافية‪ ،‬سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع‬
‫»‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬الكويت‪ :‬سلسلة عالم المعرفة‪.1311 ،‬‬

‫‪226‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -71‬ياسر حسن كلزي‪« :‬حقوق اإلنسان في مواجهة سلطة الضبط الجنائي "دراسة مقارنة»"‪ ،‬الرياض‪ :‬جامعة نايف‬
‫للعلوم األمنية‪ ،‬الطبعة األولى‪.1332 ،‬‬

‫‪ -71‬ياسمين فاروق أبو العينين‪ :‬نادية عبد العظيم‪« :‬المشاركة وبناء التوافق المجتمعي في عملية وضع الدستور‪،‬‬
‫دروس مستفادة من التجارب الدولية»‪ ،‬مصر‪ :‬مركز العقد اإلجتماعي‪.1310 ،‬‬

‫*الرسائل والمذكرات الجامعية‪:‬‬


‫‪ -1‬أحمد شكر الصبيحي‪« :‬مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي»‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬سلسلة أكروحات الدكتوراه (‪ ،)02‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬أكتوبر ‪.1333‬‬

‫‪ -2‬عبد اهلل سعيد آل عبود القحطاني‪« :‬قيم المواطنة لدى الشباب واسهامها في تعزيز األمن الوقائي»‪ ،‬أطروحة مقدمة استكماال‬
‫لمتطلبات الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم القانونية‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪.1313 ،‬‬

‫‪ -3‬وهيبة لو صادق‪ :‬آليات مراقبة حقوق اإلنسان‪ ،‬المدرسة العليا للقضاء‪ ،‬مذكرة تخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء‪،‬‬
‫الجزائر‪.1330 ،‬‬

‫* الموسوعات والمعاجم‪:‬‬
‫‪ -1‬ظاهر حسين‪« :‬معجم المصطلحات السياسية والدولية»‪ ،‬بيروت‪ :‬مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪.1311‬‬

‫‪ -2‬عبد الوهاب الكيالي‪ « :‬موسوعة السياسة »‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬مارس ‪.1000‬‬

‫* المجالت والدوريات‪:‬‬
‫‪« -1‬التعايش في ظل اإلختالف»‪ ،‬سلسلة أوراق ديمقراطية‪ ،‬العراق‪ :‬مركز العراق لمعلومات الديمقراطية‪ ،‬العدد ‪،31‬‬
‫حزيران ‪.1330‬‬

‫‪ -2‬أحمد إبراهيم مالوي‪« :‬أهمية منظمات المجتمع المدني في التنمية»‪ ،‬مجلة جامعة دمشق للعلوم اإلقتصادية والقانونية‬
‫‪ ،‬المجلد ‪ ،12‬العدد الثاني‪.1330 ،‬‬

‫‪ -3‬أحمد ناصوري‪ :‬النظام السياسي وجدلية الشرعية والمشروعية‪ « ،‬مجلة جامعة دمشق للعلوم اإلقتصادية والقانونية »‪،‬‬
‫عدد ‪ ،31‬مجلد ‪ ،12‬عام ‪.1330‬‬

‫‪ -4‬السيد علي أبو فرحة‪« :‬المسلمون في نيجيريا واشكالية بناء الدولة‪ :‬استثناء مؤقت أم خلل دائم»‪ ،‬مجلة قراءات‬
‫إفريقية‪ ،‬العدد ‪ ،11‬يناير‪-‬مارس ‪.1311‬‬

‫‪227‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -5‬ألفرد ستيبان‪« :‬الدين والديمقراطية‪ :‬التسامح المتبادل»‪ ،‬سلسلة أوراق ديمقراطية "التعايش في ظل اإلختالف"‪،‬مركز‬
‫العراق لمعلومات الديمقراطية‪ ،‬العدد ‪ ،31‬يونيو‪-‬حزيران ‪.1330‬‬

‫‪ -6‬ألفريد ستيبان‪ :‬جوان ج‪.‬لينز‪ :‬يوجند ار ياداف‪« :‬بزوغ األمم الدولة»‪ ،‬مجلة المشكاة باإلتفاق مع مجلة الديمقراطية‪،‬‬
‫المجلد ‪ ،11‬العدد ‪ ،30‬تموز ‪.1313‬‬

‫‪ -7‬إليزابيث سكونز‪ « :‬تحليل المخاطر على حياة البشر »‪ ،‬الكتاب السنوي "سيبري"؛ التسلح ونزع السالح واألمن الدولي‪،‬‬
‫لبنان‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.1330 ،‬‬

‫‪ -2‬أماني مسعود‪« :‬التمكين»‪ ،‬سلسلة مفاهيم‪ ،‬العدد ‪ ، 11‬أكتوبر ‪.1331‬‬

‫‪ -9‬جانوس سيمونيدس‪« :‬الحقوق الثقافية نوعية مهملة من حقوق اإلنسان»‪ ،‬المجلة العربية لحقوق اإلنسان ‪ ،‬العدد ‪،2‬‬
‫ديسمبر ‪.1333‬‬

‫‪ -11‬جيدور حاج بشير‪« :‬إدراة التنوع اإلثني والتعدد اللغوي في بلجيكا»‪ ،‬دفاتر السياسة والقانون‪ ،‬جامعة ورقلة‪ ،‬فيفيري‬
‫‪.1311‬‬

‫‪ -11‬حامد أبو هدرة‪« :‬اللغة القومية والهوية»‪ ،‬مجلة الجامعة المغاربية‪ ،‬العدد الثامن‪ ،‬السنة الرابعة‪.1330 ،‬‬

‫‪ -12‬سامح فوزي‪« :‬الحوكمة»‪ ،‬سلسلة مفاهيم‪ ،‬العدد ‪ ،13‬أكتوبر ‪.1330‬‬

‫‪ -13‬سامح فوزي‪ :‬سمير مرقص‪« :‬إدارة التعددية الدينية‪ ،‬األقباط في مصر نموذجا»‪ ،‬مصر‪ ،‬يونيو‪-‬حزيران‪.1311 ،‬‬

‫‪ -14‬عبد الرزاق مقري‪« :‬الحكم الصالح وآليات مكافحة الفساد»‪ ،‬مجلة البصيرة ‪ ،‬العدد العاشر‪.1332 ،‬‬

‫‪ -15‬غربي محمد‪« :‬الديمقراطية والحكم الراشد رهانات المشاركة السياسية وتحقيق التنمية»‪ ،‬دفاتر السياسة والقانون‪،‬‬
‫أفريل ‪.1311‬‬

‫‪ -16‬غسان سالم‪« :‬األيزيديون في العراق‪ :‬كوتا تسرق أصواتهم وقوانين تنتهك حقوقهم»‪ ،‬مجلة موارد‪ ،‬بيروت‪ :‬برنامج‬
‫الشرق األوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،10‬شتاء ‪.1311‬‬

‫‪ -17‬فولز صالح‪ « :‬مبدأ احترام الكرامة اإلنسانية في مجال األخالقيات الحيوية‪ ،‬دراسة قانونية مقارنة»‪ ،‬مجلة جامعة‬
‫دمشق للعلوم اإلقتصادية والقانونية‪ ،‬المجلد ‪ ،12‬العدد األول‪.1311 ،‬‬

‫‪ -12‬مازن جابر‪« :‬عديمو الجنسية‪ :‬كرامة مهدورة»‪ ،‬مجلة موارد‪ ،‬بيروت‪ :‬برنامج الشرق األوسط وشمال إفريقيا‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،10‬شتاء ‪.1311‬‬

‫‪ -19‬محمد موسى أحمد‪« :‬اإلعالم واألمن الشامل»‪ ،‬مجلة األمن والحياة‪ ،‬العدد ‪ ،100‬أفريل ‪.1332‬‬

‫‪228‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -21‬نور الدين دخان‪« :‬األمن اإلنساني؛ دراسة في المفهوم»‪ ،‬مجلة دراسات إستراتيجية‪ ،‬الجزائر‪ :‬مركز البصيرة للبحوث‬
‫واإلستثمارات والخدمات التعلمية‪ ،‬العدد ‪ ،0‬ديسمبر ‪.1330‬‬

‫‪ -21‬نيفين مسعد‪« :‬النزاعات الدينية والمذهبية والعرقية(اإلثنية) في الوطن العربي»‪ ،‬مجلة المستقبل‪ ،‬العدد ‪ ،11‬القاهرة‪،‬‬
‫نوفمبر ‪.1330‬‬

‫‪ -22‬يوسف عزيزي‪« :‬التمييز ضد األقليات في إيران»‪ ،‬مجلة موارد‪ ،‬بيروت‪ :‬برنامج الشرق األوسط وشمال إفريقيا في‬
‫منظمة العفو الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،10‬شتاء ‪.1311‬‬

‫*أوراق بحثية وملتقيات‪:‬‬


‫‪ -8‬حسن بلقاسم‪« :‬المعايير الدولية للدستور الديمقراطي»‪ ،‬ورقة مقدمة بالمؤتمر الوطني لجمعية هيئات المحامين ‪ 10-12-11‬ماي‬
‫‪ ،1311‬أغادير‪-‬الرباط‪.‬‬

‫‪ -6‬ديدي ولد السالك‪« :‬تكريس قيم المواطنة مدخل لترسيخ الممارسة الديمقراطية»‪ ،‬في «المواطنة في المغرب العربي»‪ ،‬ورقة بحثية‪،‬‬
‫مجموعة الخبراء المغاربيين؛ مركز الدراسات المتوسطية والدولية‪ ،‬عدد ‪ ،30‬نوفمبر ‪.1311‬‬

‫* المواقع اإللكترونية‪:‬‬

‫‪ _1‬محند برقوق‪« :‬مفاهيم في السياسة المقارنة الجديدة»‪.‬‬


‫‪http://www.politics-ar.com/ar/‬‬
‫‪ « _2‬إدارة التنوع في المجتمعات التعددية »‪.‬‬
‫‪www.asharqalarabi.org.uk/markaz/t-02052012.doc‬‬

‫‪ _3‬جهاد المـحيسن‪« :‬عندما يصبح مفهوم األمن اإلنساني بديال عن حقوق اإلنسان»‪.‬‬
‫‪http://www.aleqt.com/2010/12/17/article_479747.html‬‬

‫‪ « -4‬إرساء نهج حقوقي »‪ :‬جامعة منيوستا‪ ،‬مكتبة حقوق اإلنسان‪.‬‬


‫‪http://www1.umn.edu/humanrts/arab/circleofrights.html‬‬

‫‪ « -5‬الحقوق الثقافية‪ ،‬مكتبة حقوق اإلنسان »‪ ،‬جامعة منيوستا‪ ،‬مكتبة حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪http://www1.umn.edu/humanrts/arab/circleofrights.html‬‬

‫‪ -6‬ولد أباه‪ « :‬المواطنة والهوية في مسار التغيير العربي »‪.‬‬


‫‪http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=61713‬‬

‫‪" -7‬تقرير بحث عن الديمقراطية التشاركية في التنظيم المدني"‪.‬‬


‫‪www.transparency-lebanon.org/reports/majallta1ar.pdf‬‬

‫‪229‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -2‬صالح ياسر‪« :‬دور منظمات المجتمع المدني في التحول نحو الديمقراطية في العراق»‪.‬‬
‫‪www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=254993‬‬

‫‪ -9‬كارولين توماس‪ :‬ترجمة‪ ،‬محمد الصديق بوحريص‪« :‬الحوكمة العالمية‪ ،‬التنمية واألمن اإلنساني»‪.‬‬
‫‪http://www.politics-ar.com/ar/index.xphp/permalink/3093.html‬‬

‫‪ -11‬مروة كريدية‪« :‬المواطنية في مجتمع متعدد»‪.‬‬


‫‪http://arabsi.org/attachments/article/1302/%.pdf‬‬

‫‪ -11‬جمعه كنده كومى د‪« :‬حتمية االعتراف بالتعددية الثقافية وتوطين الديمقراطية الستقرار السودان»‪.‬‬
‫‪http://www.altaghyeer.info/ar/2013/articles_opeds/47‬‬

‫‪ -12‬اليونسكو‪« :‬إعالن مبادئ بشأن التسامح»‪.1000 ،‬‬


‫‪www1.umn.edu/humanrts/arab/tolerance.html‬‬

‫‪ -13‬عدنان الصباح‪« :‬اإلعالم‪ :‬دور المنظمات غير الحكومية في تطبيق وحماية حقوق اإلنسان»‪.‬‬
‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=28123‬‬

‫‪ -14‬عيسى عبد الباقي‪« :‬وسائل اإلعالم والتحول الديمقراطي في الدول العربية إشكالية الدور‪..‬وآليات التعزيز»‪.‬‬
‫‪http://www.accronline.com/article_detail.aspx?id=4318‬‬

‫‪« -15‬حقائق أساسية عن اإلستعراض الدوري الشامل»‪.‬‬


‫‪http://www.ohchr.org/AR/HRBodies/UPR/Pages/BasicFacts.aspx‬‬

‫‪ -16‬دليل األمم المتحدة بشأن األقليات»‪ ،‬الكتيب رقم ‪.31‬‬


‫‪www.ohchr.org/Documents/Publications/GuideMinoritiesar.pdf‬‬

‫‪« -81‬دليل األمم المتحدة بشأن األقليات»‪ ،‬الكتيب رقم ‪.30‬‬

‫‪www.ohchr.org/Documents/Publications/GuideMinoritiesar.pdf‬‬
‫‪«-88‬دليل األمم المتحدة بشأن األقليات»‪ ،‬الكتيب رقم ‪.11‬‬
‫‪www.ohchr.org/Documents/Publications/GuideMinoritiesar.pdf‬‬

‫‪ « -81‬إكوادور حكم تاريخي لمحكمة البلدان األمريكية لحقوق اإلنسان لصالح شعب كيشوا في ساراياكو»‪.‬‬
‫‪http://www.frontlinedefenders.org/ar/node/19901‬‬
‫‪«-21‬الحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية للسكان األصليين»‪ ،‬الوحدة رقم ‪.31‬‬
‫‪www1.umn.edu/humanrts/arab/M6.pdf‎‬‬

‫‪230‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫ وثيقة أعدها فريق خبراء اليونسكو الخاص المعني باللغات المهددة باإلندثار‬:»‫ «حيوية اللغة وتعرضها لإلندثار‬-21
http://www.unesco.org/new/fileadmin/MULTIMEDIA/HQ/CLT/pdf/Language_vitality_and_
endangerment_AR.pdf

.‫ المركز الوطني للحقوق اإلنسانية‬،»‫ «الفئات المهمشة والمشاركة السياسية‬-22


http://www.id3m.com/D3M/AllAboutNews/Documents.pdf

.»‫ «المواطنة والمشاركة السياسية في العراق الجديد‬:‫ أسعد طارش عبد الرضا‬-23
http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=25413

.1333 ،‫ صحيفة الوقائع‬:‫ المحكمة الجنائية الدولية‬،»‫ «المالحقة القضائية لمرتكبي جرائم اإلبادة الجماعية‬-24
http://www.amnesty.org/sites/impact.amnesty.org/files/080922-court-in-session-en.jpg
.

.»‫ «ثروة العالم الثقافية هي تنوعه في الحوار‬:‫ كويشيرو ماتسو ار‬-25


www.un.org/arabic/documents/.../A_55_PV.60.pdf

.»‫ التهجير القسري يؤدي للجوع والمتاعب‬:‫ «إثيوبيا‬-26


http://www.hrw.org/ar/news/2012/01/16-1

‫ المراجع باللغة األجنبية‬:‫ثانيا‬


:‫* المصادر‬
1- Advisory committee on the framework convention for the protection of national
minorities,« the language rights of persons belonging of Europe», thematic commentary
No.03, council of Europe, Strasbourg 05 July 2012.

1- Japan International Cooperation Agency, " JICAS' Human security approach features
and case studies ", Japan, 2010.
ap.ohchr.org/documents/F/CHR/resolutions/E-CN_4-RES-2005-68.doc

2- Jen Fabre: Meisel & Ould Aoudia: « Conception de la gouvernance : Regards croisés de
la Banque mondiale », de la commission européenne et du PNUD.

3- Résolution de la commission des droits de l'homme : Le rôle d'une bonne gouvernance


dans la promotion et la protection des droits de l'homme , 2005.

4- The United Nations Trust fund of human security: « Human security in theory and
practice: Application of the human security concept and the United Nations Trust fund
for human security».

5- UNESCO World Report: « Investing in cultural diversity and intercultural dialogue»,


United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization, 2008.

231
‫قائمة المراجع‬

:‫* الكتب‬
1- Albin Rabushka: Kenneth A. Shepsle: «Politics in plural societies a theory of
democratic instability», Charles E. Merril publishing company, United states of America,
2008.

2- Alice Edwards and Carla Ferstman: «Human security and non-citizens: law, policy and
international affairs», Camridge university press, 2009.

3- Angel Saldomando:« les non-dits de la bonne gouvernance : pour un débat politique


sur la pauvrete et la gouvernance», Edition Karthala, 2001.

4- Ann Marie : Kathryn Hochstetler: «the sovereign limits of global civil society: a
comparison of NGO participation in UN world conferences on the environment, human
rights, and women», USA: the johns Hopkins university press, 1998.

5- Barbara Delcourt :« Theories de la securite», Annee academique 2007-2008.

6- Barbara Von Tigerstrom: « Human security and international law prospects and
problems», Oxford and Portland, Oregon, 2007.

7- Barry Buzan: Ole Waever and Jaap de Wilde: «Security: A new framework for analysis»,
London: Lynne Renner publisher, 1998.

8- Beth Walker:« State of the world's minorities and indigenous people», United kingdom:
minority rights groups international, June 2012.

9- Bill Mcsweny:« Security identity and interests: A sociology of international relations»,


Uunited Kingdom: Cambridge University Press, first published 1999.

10- Chadwick F. Alger: «The future of the united nations system: potential for the
twenty-first century», New York: United Nations University Press, 1998.

11- Christian joppke: Steven lukes:« multicultural questions», oxford university press, 1999.

12- Columba Peoples and Nick Vaughan- Williams:« Critical security studies: An
introduction», Abingdon England: Routledge, First published, 2010.

13- Constantin Sokoloff: «Denial of citizenship: A challenge to human security»,


Advisory board on human security, February, 2005.

14- Deep Narayan: «Empowement and poverty reduction», Washington: The World Bank,
2002.

15- Frédéric Sudre et autres: «droit international et europeenne des droits de l' homme»,
France : presses -universitaires de France , 1997.

16- Heinz Kleger : Pawel Karolewski : «The theory of multiculturalism and cultural
diversity in cambodia», University patsdam ,Aaugust 2004.

232
‫قائمة المراجع‬

17- Human security in culturally diverse societies: Challenges an perspectives», The


Hague, November 2008.

18-Jakob Gustavsson:« Securitization of immigration and asylum: A critical look at


security structure in Europe», Belgic: University of Lund, 2006.

19- Jen Fabre: Meisel & Ould Aoudia: « Conception de la gouvernance : Regards croisés
de la Banque mondiale », de la commission européenne et du PNUD.

20- John A . Perry and Erna K. Perry: «contemporary society: an introduction to social
science», 11 ed, Boston, MA: Pearson education INC, 2006.

21- Josef Tubiana: «The linguistic approach to self-determination», In: I.M. lewris, ed,
nationalism and self-determination in the horn of Africa, London: Ithaca press, 1983.

22- Judith large: Timothy D. Sisk :« Democracy conflict and human security pursuing
peace in the 21 st century», human program of the department of foreign affairs and
international trade, Canada, 2006.

23- Julie Ringelheim :« Diversité Culturelle et droits de l’homme : la protection des


minorités par la Convention européenne des Droits de l’homme», Collection du Centre
des droits de l'homme de l'Université catholique de Louvain, Bruylan ,3002 .

24- Kevin M. Cahill, M. D: «Human security for all», New York: Fordham university press,
2004.

25- Moufida Gouda and John Crowley: «Rethinking human security», United Kingdom:
Wiley- Blackwell, 2008.

26- Mutoy Mubiala:« le systeme regional africain de protection des droits de l' homme»,
Belgique: etablissements Emile Bruylant, 2005.

27- Paul roe: « Ethnic violence and the societal security dilemma», Oxon; England and
Newyork: Routledge, First published, 2005.

28- Randy E. Barnett:« The Structure of liberty justice and the rule of law», Oxford:
Oxford University Press.

29- Richard Gunther: Anthony Mughan: « Democracy and the Media» , Cambridge:
Cambridge university press , 2000.

30- Rusen Ergec: « protection europeenne et international des droits de l' homme»,
bruylant bruxelles, 2004.

31- S.Tadjbakhsh and A M. Chenoy:« Human security concepts and implications»,, USA
and Canada: Routledge , 2007.

32- Stephen Tierney:« Accommodating cultural diversity», England: Ashgate publishing


limited, 2007.

233
‫قائمة المراجع‬

33- The United Nations Trust fund of human security: « Human security in theory and
practice: Application of the human security concept and the United Nations Trust fund
for human security».
2 ed, 2004.

:‫*الرسائل والمذكرات الجامعية‬

1- Alejandro Fuentes:« Cultural diversity and indigenous peoples' land claims


argumentative dynamics and jurisprudential approach in the America», Tesi di dottorato,
Scoula di dottorato in stidi giuridici comparati ed europeim 2010-2011.

2- Shena Salim: «L’orientalisme latent de l’école de Copenhague la sécurité sociétale


appliquée au cas français», Master gouvernance des institutions et des organisations
politique mention "Affaires internationales", Parcours : Relations internationales, 2006-2007.

3- Tokoma daba: «The legal practical protection of the rights of minorities in self
administering nations of Ethiopia the case of oromia», graduade program in partial
fulfillment of the requirement for the master degree in constitutional and public law, a thesis
submitted to addis ababa university, faculty of law, 2010.

:‫*المجالت والدوريات‬

1- A Milton: «Bound but Gagged: Media Reform in Democratic Transition »,


Comparative Political Studies , vol . 34 , No. 5, 2001.

2- Alexandra xanthaki: «collective rights: the case of indigenous people», Amicus Curia,
Issue 25, March 2000.

3- Anne Stavrianakis:« A late of two ethnicities? An analysis of approaches to ethnic


conflit: The case of Kosovo», Global politics network, 2002.

4- Austin Badger: «Collective V. individual human rights in membership governance for


indigenous people», American university International law review, volume 26, 2011.

5- Bagher Saroukhani: Afsar afshari Naderi: «The study of social –cultural security in
Tehran-Iran », International Journal of business and social science, Vol. 4, Number 02,
februry 2013, p 189.

6- Branka Panic: «Societal security: Security and identity», In «Carl Schmitt and
Copenhagen school security studies», Journal of the Belgrade school of security studies,
Year 4, No.13, April-June, 2009.

7- Carla Andrea: «Community security: Letters from bosnia- Atheoretical analysis and
its application to the case of bosnia- Herzegovina», Peace conflict and development: An
interdisciplinary journal, vol-07-July 2005.

234
‫قائمة المراجع‬

8- Colleen sheppared: «constitutional regognition of diversity in Canada», Vermont law


review, vol.30, No 463, 2006.

9- David R. Forest:« Climate change and the threat to cultural security», Northern
Arizona University, United States, 2011.

10- Donohue: George: Philip Tichenor and Clarice Olien: « A Guard dog Perspective on
The Role of Media » , Journal of Communication , vol. 45, No. 2 , 1995.

11- Donohue: George: Philip Tichenor and Clarice Olien: « A Guard dog Perspective on
The Role of Media » , Journal of Communication , vol . 45 , No . 2 , 1995.

12- E. Dorothy Estrada- Tank: «Human security and human rights under international
law: Crossroads and possibilities», European University Institute, 28 sep-2010.

13- Fredrick Mutesa: Wilma Nchito: «Human security and poverty reduction in Zambia»,
Pretoria, South Africa: Institute for security studies, 2005.

14- Goran Hyden: « African Politic in comparative perspective », Cambridge: University


Press.

15- Harlod Lasswell : «The Structure and Function of Communication in Society:Process


and Effects of Mass Communication», in Wilbur Schramm and Donald f.
Roberts ,(eds) ,Urbana University of Illinois Press ,1977.

16- Ireve bloemraad :Anna korteweg gokce yurdakul : «citizenship and immigration;
multiculturalism, assimilation and challenges to the nation-state», the annual review of
sociology, April 03, 2008.

17- Jean-Christophe Merle: «cultural minority rights and the rights of the majority in the
liberal state», Ratio Jouris, Vol 11, No.03, September 1998.

18- Jean. P Pace: « Le développement de droit onusien des droits de l’homme et ses
mécanismes de contrôle et de surveillance», Revue international des sciences sociales, No.
158, Dec.1998.

19- John W . Berry :« integration and multiculturalism : ways towards social solidarity» ,
papers on social representations, volume 20, 2011.

20- Juli Coffin: «Rising to challenge in aboriginal health by creating cultural security»,
Aboriginal islander health worker journal, May-June, Vol 31, November 3, 2007.

21- Kamrul hossain:« Statuts of Indigenous peoples in international law», Miskolc journal
of international law, volume 05.No.01, 2008.

22- Keith Krause and Michael C. Williams: «Broadening the agenda of security studies:
Politics and methods», Genève mershon international studies review, Vol.40,No.02, Oct,
1996.

235
‫قائمة المراجع‬

23- Kymlika: «nation- building and minority rights: comparing west and east», Journal
of ethnic and migration studies, vol 26, No.2, April 2000.

24- Leighton McDonald : «Regrouping in defense of minority rights: Kymlika's


multicultural citizenship», Osgood hall law journal, Vol 34, No.02, Australia, 1997.

25- Marry Kaldor: " Human security in complex operations ", Journal of the center for
complex operations diplomacy • defence‎ •‎ development‎ PRISM, Washington: National
defense university press, vol.2, N.2, 03/2011.
26- Mitja‎Žagar : «diversity management-evolution of concepts», journal of ethnic studies,
Slovenian, No.52, 2007.

27- Mitja‎Žagar: «diversity management and integration: from ideas to concepts»,


European yearbook of minority Issues, Vol 06, 2006.

28- Paul Roe: «Securitization and minority rights: Condition of desecuritization»,


Security dialogue, Volume 35, Number 03, September 2004.

29- Peterson William: «A general typology of migration», American social review, 1958.

30- S . James Anaya : «International human rights and indigenous people : The more
toward the multicultural state» , Arizona journal of international and comparative law, Vol
21, No.01, 2004.

31- Sam Agere: «Promoting good governance: Principles, Practrices and perspectives »,
Commonwealth Secretariat, 2000.

32- Sasa Zagorc: «The constitutional framework for regulation of the position of the
Roma community in the republique of Slovenia», Journal of ethnic studies, Slovinian
research Agency, 2007.

33- Scott Watson: «Societal security: Applying the concept to the process of Kurdish
identity construction», University of British Colombia, 2008.

34- Siegfried wissner: «the cultural rights of indigenous peoples: achievements and
continuing challenges», the European journal of international law, vol.22, No 01, 2011.

35- Steven wheatley:« Deliberative democracy and minorities», European Journal of


International Law, Vol.14, No.3, 2003.

36- Steven Wheatley:« non-discrimination and equality in the right of political


participation for minorities», «journal on ethno politics and minority issues in Europe»,
university of Liverpool, UK. Issue 03.2002.

37- Susan E. Rice and Other: « Poverty and civil war: what policymakers need to know »,
The Brookings institution, December 2006.

38- Thomas M. Antkowiak: «rights, resources and rhetoric: indigenous peoples and the
inter- American court», U.PA.J.INT' IL, Vol.35.01, 2013.

236
‫قائمة المراجع‬

39- Will Kymlyka: W:« citizenship in culturally diverse societies: issues, contexts,
concepts», in Will Kymlyka: Wayne Norman: “citizenship in diverse societies”, oxford
university press, 2000.

40- Yousef T. Jabareen :« Toword participatory equality : protecting minority rights


under international law», ISR. L. REV, Vol. 41, No. 03, 2008.

41- Yvonne Donders: «do cultural diversity and human rights make a good
mach?», International Social Science Journal, 61(199), 01.2010.

:‫ الندوات وأوراق العمل‬،‫*الملتقيات‬

1- Bonnie Campbell: « Gouvernance: Un concept apolitique? », Séminaire HCCI «le


développement pour un débat politique », Bourdau (France), 2000.

2- Chaire de recherché du canada en mondialisation: « Citoyenneté et démocratie»,


Document de travail de la chaire MCD, Numéro 02, 2004.

3- Intergovernmental Conference on cultural politices for development: «Action plan on


cultural policies for development», Sweden: Stockholm, 02 April 1998.

4- Kouider Boutaleb: « Démocratie, Etat de droit et bonne gouvernance en Afrique : Le


cas de l' Algérie », in proceding of collègue « développement durable : leçons et
perspectives », Atelier démocratie, Etat de droit et bonne gouvernance, Ouagadougou, 31
mai-1juin 2004.

5- Margot E. Salomon: Arjun sengupta: «The right to development: Obligatons of states


and the rights of minorities and indigenous peoples», Issues paper, Minority rights group
international, January 2003..

6- Marjorie Stone: Helene distemper: John foot: M. Sharon Jeannotte:« Immigrants and
cultural citizenship: Rights, Responsibilities and indicator», Atlantic Metropolis Centre,
Working paper Series, No.06, 2007.

7- OHCHR UNDP, «séminaire sur les pratique de bonne gouvernance pour la promotion
des droits de l' homme», Séoul 15-16 septembre 2004.

8- Oliver Schmidtke:« Citizenship and multiculturalism in the 21 centry: the changing


face of social, cultural and civic inclusion», Working paper series metropolis british
columbia: centre of excellence for research on immigration and diversity, No 12-06. August
2012.

9- «Promoting idegenous and ehtnic minority rights in latin America», ELLA evidence
and lessons from latin America.

10- Seongjin kim:« Concept of societal security and migration issues in central Asia and
Russia», Camming working papers No.02, Center of far eastern studies, University of
Toyama, 2008.

237
‫قائمة المراجع‬

11- Syed Mansoob Murshed: « The conflict-growth nexus and the poverty of nations »,
Economic social affairs, DESA working paper, No.43, June 2007.

12- « The situation of cultural rights proposed political argument », Synthesis documents
DS2, Observatory of diversity and cultural rights.

13- «Understanding positive action from theory to practice: results of an ENAR Seminar
on positive action», European network against racism, Brussels, 29-30, November 2007.

14- UNPD: «Séminaire sur les pratiques de bonne gouvernance pour la :OHCHR
promotion des droits de l'homme», Séoul 15-16 Septembre 2004.

:‫*المواقع اإللكترونية‬

1- Clarence J. Dias: «Democracy and human rights; the challenge of ethnicity and
inclusive democracy».
http://unpan1.un.org/intradoc/groups/public/documents/un/unpan010199.pdf

2- Goran Hyden: « African Politic in comparative perspective ».


http://assets.cambridge.org/97805218/56164/frontmatter/9780521856164_frontmatter.pdf

3- Nóra Teller: «Local self-government and ethnic minorities in hungary».


http://fes.hr/Ebooks/pdf/National%20Minoritiies%20in%20SE%20Europe/07.pdf

4- Pierre Lemieux, Atelier thématique « Démocratie, état de droit et bonne gouvernance ».


http://www.francophonie-durable.org/documents/colloque-ouaga-rapport-a5.pdf

5- Ronald W. Johnson: Henry P. Minis, Jr: « Toward Democratic Decentralization:


Approaches to promoting Good Governance ».
https://www.rti.org/pubs/Toward_demo_decen.pdf

6- Shena Salim: «L'école de Copenhague en relations internationales et la notion de


sécurité sociétal une théorie a la manière d Huntington».
http ://www.reseau-terra.eu/article750.html

7- «Democracy, National security and foreign policy».


http://www.ndu.edu/inss/symposia/Pacific2005/widjojo.pdf

8- » Security, identity and terrorism«,


http://www.OFes_press.De/pdf/Hague/Hoogensen_security20%and20%terrorism.pdf .

9- « African court issues historic ruling protecting rights of Kenya' s ogiek community».
www.nieuwsbank.nl/en/2013/03/21/R010.htm

238
‫قائمة المراجع‬

10- «minority rights protection in multiethnic border region».


http://www.openstarts.units.it/dspace/bitstream/10077/7453/1/ANDEVA_PhD%20Thesis_Open%20S
tar%20UNITS.pdf

239
‫فهرس األكشال ااجدااا ااجخطططل‬

‫أاال ‪ :‬األكشال‬
‫‪ -‬كشا رقم ‪ :10‬نخاذج " اجسلعة اجرخلية" جألخن‪14... ................................................‬‬
‫‪ -‬كشا رقم ‪ :10‬نخاذج "اجسلعة اجرخلية جألخن" اجخعا ‪01...... ........................................‬‬
‫‪ -‬كشا رقم ‪ :10‬حخلية اجنلس خن اجتهاياا اجختناعة اتخاينهم خن خعلجدة اجتهاياا بأنفسهم‪02.........‬‬
‫‪ -‬كشا رقم ‪ :04‬خقلرنة بين األخن اجثقلفي اهرخية تحقيق اجذا ‪46 ......................................‬‬
‫اجخعرفة ثقلفيل قا ياانلن ثقلفيين اسيلسيين‬ ‫رقم ‪ :50‬اجتخييز ااجخضرة اجالحقلن بلجخدخاعل‬ ‫‪ -‬كشا‬
‫ااقتصلايين‪79.......................................................................................‬‬
‫‪ -‬كشا رقم ‪ :06‬افتقلر اجاثيرين إجى خنلفذ اجتعليم اإلبتاائي بلجلغة األم‪01 ................................‬‬
‫‪ -‬كشا رقم ‪ :50‬اجخسببل اجخطتلفة جإلستبعلاين اجسيلسي ااإلقتصلاي‪95 ................................‬‬
‫‪ -‬كشا رقم ‪ :10‬نخط اجتناع اجثقلفي (ايخلال ‪011 ..............................................)0110‬‬
‫‪ -‬كشا رقم ‪ :10‬نخاذدلن ضخنيلن جلخدتخعل اجختعااة‪011 ...........................................‬‬
‫‪ -‬كشا رقم ‪ :01‬استراتيديل اجخدخاعل اإلثناثقلفية ااجخدتخع األاسع‪010 .............................‬‬
‫‪ -‬كشا رقم ‪ :11‬اجايخقراطية اجتاافقية‪000 ............................................................‬‬
‫ثلنيل‪ :‬اجدااا‬
‫‪ -‬داا رقم ‪ :10‬خكشع ار تضع اجاا تح ططر اإلنهيلر ااجصراعل ‪37 ................................‬‬
‫‪ -‬داا رقم ‪ :50‬سيلسل اجااجة اتدله األقليل ‪212...................................................‬‬
‫ثلجثل‪ :‬اجطرائط‬
‫‪ -‬طريطة رقم ‪ :10‬خؤكشر اجتناع اجلغاي‪87 ............................................................‬‬
‫استطراج اجخعلان اأعخل اجبنية اجتحتية‪ ،‬في بلاان نلخية‪ ،‬اجتي تدرى في خنلطق‬ ‫‪ -‬طريطة رقم ‪ :50‬عخليل‬
‫اجسالن األصليين (أخريال اجالتينية ‪121 ....................................................... )0552‬‬
‫استطراج اجخعلان اأعخل اجبنية اجتحتية اجتي تدرى في خنلطق اجسالن األصليين‬ ‫‪ -‬طريطة رقم ‪ :52‬عخليل‬
‫(دناب كشرق آسيل ااجخحيط اجهلائ ‪000 .......................................................)0552‬‬
‫رابعل‪ :‬اجخطططل‬
‫‪ -‬خططط رقم ‪ :50‬عخلية اجتالخ انخاذج خن سيلسة اجتالخ ‪162 ......................................‬‬
‫‪ -‬خططط رقم ‪: 50‬اجقضليل اجرئيسية جلتالخ اسيلسل اجتالخ ‪010 ...................................‬‬

‫‪241‬‬
‫فهرس المحتويات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫مقدمة ‪9-1 .......................................................................................‬‬


‫الفصل األول‪ :‬األمن المجتمعي‬
‫تمهيد‪11.. ............................................................................ :‬‬
‫المبحث األول‪ :‬محددات األمن المجتمعي ‪11.. ...........................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مقتربات التحليل الرئيسية في تحديد مفهوم األمن المجتمعي ‪11.. .....‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مقترب التحليل الكلي‪11.. ................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مقترب التحليل المتوسط ‪11.. ............................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مقترب التحليل الجزئي ‪11.. .........................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬إستراتيجيات األمن المجتمعي‪12.. .....................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬إستراتيجية حمائية للجماعات المهمشة والمستضعفة ثقافيا ‪11.. ............‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬إستراتيجية تمكينية للجماعات المهمشة والمستضعفة ثقافيا ‪12.. ............‬‬
‫لــألمـــن‬ ‫األخرى‬ ‫باألبــعــاد‬ ‫المجتمعي‬ ‫األمــن‬ ‫صلة‬ ‫الثالث‪:‬‬ ‫المطلب‬
‫اإلنساني‪11..................................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬صلة األمن المجتمعي باألمن السياسي ‪11.. ..............................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬صلة األمن المجتمعي باألمن الشخصي‪11................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬صلة األمن المجتمعي باألمن اإلقتصادي ‪24 .........................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أهداف األمن المجتمعي ‪22 ............................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تحقيق متطلبات الهوية للجماعات الثقافية داخل الدولة‪21 ...................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تقوية البعد الثقافي لحقوق اإلنسان وصون الكرامة الثقافية ‪22 ...........‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تمكين األقليات والسكان األصليين من حقهم في الهوية الثقافية ‪11 .......‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تعزيز الحكم والسلم داخل المجتمعات المتنوعة ثقافيا ‪12 ....................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تع ـزيز الحكم في سب ـيل قلب األوضاع المك ـرسة لع ـدم المساواة في‬
‫المكانة الثقافية ‪18 .................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تعزيز السلم والتعايش الديمقراطي داخل المجتمعات المتنوعة ثقافيا‪61 ....‬‬
‫‪243‬‬
‫فهرس المحتويات‬

‫المطلب الثالث‪ :‬شروط تفعيل منظور األمن المجتمعي وتحقيق أهدافه‪61 ....................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الديمقراطية الـمشاركاتية كنموذج حكم ‪61 ................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الـحكم الراشد كنموذج تسيير ‪69 ........................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬واقع التنوع الثقافي وتأثيره على األمن المجتمعي‬


‫تمهيد‪21 ............................................................................ :‬‬
‫المبحث األول‪ :‬سياسات بناء الدولة‪-‬األمة وخلق شروط الال أمن المجتمعي‪22 .........‬‬
‫المطلب األول‪ :‬اإلستبعاد الثقافي التفاضلي وانكار خيار اإلنسان ‪28 .........................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اإلستبعاد من طريقة العيش وانكار الهوية الثقافية‪29 .....................‬‬
‫أوال‪ :‬إنكار التنوع الديني والحق في الهوية الدينية ‪84 ...........................‬‬
‫ثانيا‪ :‬إنكار التنوع اللغوي والحق في الهوية اللغوية‪81 ..........................‬‬
‫ثالثا‪ :‬إنكار العادات والتقاليد وحرمان الناس من العيش وفقا لقناعاتهم ‪91 ........‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التمييز الهيكلي واإلستبعاد من المشاركة الفعالة في الحياة العامة ‪91 .....‬‬
‫أوال‪ :‬اإلستبعاد اإلجتماعي واإلقتصادي وأثره في إعمال الحق في الهوية‬
‫الثقافية ‪92.........................................................................‬‬
‫‪98‬‬ ‫ثانيا‪ :‬اإلستبعاد السياسي وأثره في إعمال الحق في الهوية الثقافية‪......‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اإلستبعاد المادي القسري لآلخر الثقافي ‪141 .................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تصلب نهج األمن المقترن مع أجندات مكافحة اإلرهاب ‪141 ..............‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ممارسات التطهير اإلثني ‪142 ...........................................‬‬
‫أوال‪ :‬اإلبادة الجماعية‪142 ......................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬التهجير القسري والتوطين اإلجباري‪148 ...................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التهديدات الالتماثلية للتنوع الثقافي وخلق شروط الال أمن المجتمعي ‪114‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تهديد األزمات الثقافية ( أزمات اإلنتماء والهوية) للتنوع الثقافي ‪114 ..........‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التمييز المجتمعي‪111 ...................................................‬‬
‫أوال‪ :‬التنميط اإلثني‪111 .........................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬خطاب التعصب المتطرف وكراهية األجانب ‪112 ...........................‬‬
‫‪244‬‬
‫فهرس المحتويات‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التوترات اإلثنية والدينية‪111 .............................................‬‬


‫المطلب الثاني‪ :‬تهديد األزمات اإلقتصادية واإلجتماعية والبيئية للتنوع الثقافي ‪119 ............‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تهديد الحركيات اإلقتصادية واإلجتماعية وأثرها على التنوع الثقافي ‪119. ....‬‬
‫أوال‪ :‬التنمية غير اإلنسانية كخطر يهدد ثقافات الشعوب األصلية ‪114 .............‬‬
‫ثانيا‪ :‬الفقر وتأثيره على التنوع الثقافي ‪111 .......................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تهديد األخطار البيئية للتنوع الثقافي ‪116 .................................‬‬
‫أوال‪ :‬خطر تغير المناخ وتأثيره على التنوع الثقافي ‪116 ...........................‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬إستراتيجيات إدارة التنوع الثقافي وتحقيق األمن المجتمعي‬


‫تمهيد‪111 ............................................................................ :‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تكريس البناء الديمقراطي التعددي المحقق لشروط األمن المجتمعي ‪111 ..‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تأمين اإلطار المعياري لتضمين وتجسيد الحق في التنوع الثقافي‪111 ..........‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اإلعتراف الدستوري التوافقي بالحق في التنوع الثقافي ‪111 .................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تعـديل األطـر القانونية المحلية في اتـجـاه حماية الحق في التنوع‬
‫الثقافي‪116 ......................................................................... .‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬اإلعتراف بالحقوق الجماعية كشرط للتكريس القانوني الفعلي للحق‬
‫في التنوع الثقافي ‪119 ................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬حقوق اإلستقالل الذاتي‪124................................................‬‬
‫ثانيا‪:‬حقوق التعددية اإلثنية ‪121.................................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬حقوق التمثيل السياسي الخاص‪121........................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬توافر األسس الثقافية والفكرية لتكريس المواطنة‪121 .........................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األسس الثقافية والفكرية لتكريس المواطنة ‪122 ............................‬‬
‫أوال‪ :‬اإلنفتاح إزاء الخصوصيات الثقافية‪121.....................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬تطوير وتكريس ثقافة سياسية‪-‬ديمقراطية‪121...............................‬‬
‫ثالثا‪ :‬تعليم المواطنة والتسامح كآلية لتوليد الهوية المشتركة‪126...................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬دور وسائل اإلعالم ومنظمات المجتمع المدني في تكريس المواطنة ‪129...‬‬
‫‪245‬‬
‫فهرس المحتويات‬

‫أوال‪ :‬دور منظمات المجتمع المدني‪129.........................................‬‬


‫ثانيا‪ :‬دور وسائل اإلعالم‪114 ..................................................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تحقيق شــروط اإلندمــاج الديمقراطي العــادل للجماعات الثقافـــية‬


‫المهمشة ‪111.....................................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اندماج ديمـقراطي قائـم على عناصر تمكيـن الجماعات الثقافية‬
‫المهمشة‪111.......................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬جذب األقليات الثقافية اتجاه اإلندماج المؤسساتي‪116...................‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬اآلليات الدولية واإلقليمية المساعدة على الدفع نحو البناء الديمقراطي‬
‫التعددي‪162................................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اآلليات الدولية المساعدة على الدفع نحو البناء الديمقراطي‪161...........‬‬
‫أوال‪ :‬مجلس حقوق اإلنسان‪166 ...............................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬لجنة األمن اإلنساني‪168................................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬الوكاالت الدولية المتخصصة‪168........................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬المنظمات الدولية غير الحكومية‪121...................................‬‬
‫أوال‪ :‬منظمة العفو الدولية‪121.................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬الفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان‪126......................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬اآلليات اإلقليمية المساعدة على الدفع في اتجاه البناء الديمقراطي‬
‫التعددي‪128........................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬المحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان‪129...................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬المحكمة األمريكية لحقوق اإلنسان‪184..................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬المحكمة اإلفريقية لحقوق اإلنسان والشعوب‪181.........................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تصميم وتنفيذ سياسات تجاوبية لضمان التمكين واإلنتفاع من الحق‬
‫في التنوع الثقافي ‪181 ................................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬سياسات ضامنة للمشاركة السياسية الفعالة‪182 ..............................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المشاركة الفعالة في السلطة من خالل ترتيبات فدرالية؛ الفدرالية‬
‫‪246‬‬
‫فهرس المحتويات‬

‫الال متماثلة ‪181 ....................................................................‬‬


‫الفرع الثاني‪ :‬المشاركة الفعالة في السلطة عبر التحالفات التوافقية ‪188 .................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ترتيبات سياسية تمكينية خاصة بالدين واألعراف‪191 .........................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬سياسات خاصة بالتمكين من اإلنتماء الديني‪191..........................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬سياسات التعددية القانونية لعالج التغرب عن النظام القضائي العام وضمان‬
‫تطبيق اكثر إنصافا لحكم القانون‪191.........................................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬سياسات خاصة بالتمكين من استخدام لغات متعددة‪198......................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬السياسة اللغوية التمكينية في المدارس‪199................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬السياسة اللغوية التمكينية في مؤسسات الدولة‪141.........................‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬سياسات تعويضية عن اإلستبعاد اإلجتماعي واإلقتصادي‪141..................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تصحيح عدم المساواة في اإلستثمارات اإلجتماعية لتحقـيق تساوي‬
‫الفرص‪142..........................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬إشراك المتضررين من األقليات الثقافية في تصميم وتنفيذ ورصد وتقييم‬
‫سياسات التنمية‪142..........................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬تفعيل آلية العمل اإليجابي لصالح الجماعات المتأذية لتمكينها وتوسيع‬
‫إطار فرصها ‪114....................................................................‬‬
‫خاتمة ‪111 ........................................................................................‬‬
‫قائمة المراجع ‪119 .................................................................................‬‬
‫فهرس األشكال والجداول‪121 ......................................................................‬‬
‫فهرس المحتويات‪121..............................................................................‬‬
‫الملخص‬

‫‪247‬‬
:‫ملخص‬
‫ وبين‬،‫ أو اإلثنية‬،‫ الدينية‬،‫يقدم البعد المجتمعي لألمن اإلنساني والذي يعنى أساسا بخلق توازن فعلي بين الخصوصية اللغوية‬
.‫ تصورا بديال وإطارا جديدا لفهم ودراسة التنوع الثقافي‬،‫الحاجة إلى بناء منطق اإلندماج الوطني للمواطنين في مجتمع تعددي وعادل‬
:‫ويظهر ذلك من خالل النقاط التالية‬
‫ إطار األمن المجتمعي يولي أهمية بالغة لجوانب جديدة من التهديدات التي تستهدف اإلضرار بالجانب القيمي والهوياتي‬-
.‫ وخصوصا الحرمان من التمتع بالحق في التنوع الثقافي‬،‫ من خالل تسليط الضوء على المظالم الثقافية والحرمان الثقافي‬،‫لإلنسان‬
‫ دون إهمال أي متغير يكون له صلة باإلنتهاكات التي تطال الهويات‬،‫ هذا اإلطار يهتم بالبحث في جميع أسباب ومصادر التهديد‬-
‫ والتي‬،‫ الكراهية والشبهة العامة بالثقافات‬،‫ اإلذالل الجماعي‬،‫ غبن الهويات‬،‫ اإلستيعاب والدمج القسري‬،‫من قبيل اإلستبعاد الثقافي‬
.‫أصبح ينظر إليها بأنها عوامل حاسمة في انتشار العنف والصراعات واإلرهاب والفقر المدقع‬
‫ بداية من تقوية البعد الثقافي لحقوق‬،‫ يركز األمن المجتمعي على ضرورة تكريس شروط األمن الثقافي للناس أفراد وجماعات‬-
‫ وتمكينها من‬،‫ وصون الكرامة الثقافية من خالل ضمان استمرار التمتع الفعلي بالحقوق الجماعية وباألخص حقوق األقليات‬،‫اإلنسان‬
‫ مرورا بتعزيز الحكم في سبيل قلب األوضاع المكرسة لعدم المساواة في المكانة الثقافة وتعزيز التعايش‬،‫حقها في الهوية الثقافية‬
.‫والسلم الديمقراطي داخل المجتمعات المتنوعة ثقافيا‬
Résumé:
La dimension sociétale de la sécurité humaine, qui vise essentiellement à la création d'un
équilibre réel entre la particularité linguistique, religieuse, ou ethnique, d’un part, et la
nécessité de construire une logique d’intégration nationale des citoyens dans le cadre
d'une société pluraliste et juste, d’autre part, présente une conception alternative et un
cadre nouveau pour la compréhension et l’étude de la diversité culturelle. Cela peut
apparaitre à travers les points suivants :
- le cadre de sécurité sociétale donne une importance primordiale aux nouveaux
aspects des menaces visant à nuire à l’aspect identitaire et des valeurs de l’être humain,
en mettant en griefs les injustices culturelles, et notamment les privations de la
jouissance du droit à la diversité culturelle.
- ledit cadre s’intéresse à la recherche de toutes les causes et sources de menaces sans
occulter aucune variable ayant trait aux violations des identités, à l’instar de l’exclusion
culturelle, l’assimilation et l’intégration coercitive, l’obstruction identitaire, l’humiliation
collective, la haine et la suspicion publique des cultures qui sont devenues comme étant
des facteurs déterminants dans la propagation de la violence, des conflits, du terrorisme
et de l’extrême pauvreté…
- la sécurité sociétale se focalise sur la nécessité de consacrer les conditions de la
sécurité culturelle des personnes, soient elles individus ou groupes, en commençant par le
renforcement et consolidation de la dimension culturelle des droits de l’homme, et la
préservation de la dignité culturelle en assurant la poursuite de la jouissance effective des
droits collectifs, et en particulier, les droits des minorités, et de leur permettre d’accéder
à leur droit à l’identité culturelle, en passant par la promotion de la bonne gouvernance
afin de renverser les situations consacrées de l'inégalité dans la position culturelle et de
veiller à la promotion de la coexistence et de la paix démocratique au sein des
communauté culturellement diverses.

You might also like