You are on page 1of 205

‫مدخل‬

‫تعريف المفاهيم يرى بعض علماء النفس االجتماعي مثل لورينز ( ‪.K‬‬
‫‪ ،)Lorenz‬أن اإلنسان "حيوان مکاني"‪ ،‬أي أنه بطور غريزة االرتباط بالمكان‬
‫لتصبح جزءا من بنيته السيكولوجية على المدى البعيد‪ ،‬يسعى لتوريث هذه‬
‫الغريزة ألبنائه لتتحول فيما بعد إلى جزء من ثقافة الجماعة التي " تماكنت"‬
‫لفترة زمنية طويلة‪.‬‬
‫ويصف علماء االجتماع اإلنسان بأنه "حيوان اجتماعي"‪ ،‬بمعنى أنه يميل‬
‫لالجتماع مع غيره لضمان تحقيق حاجاته البدنية والنفسية والعقلية‪.‬‬
‫ويصف الفيلسوف اليوناني أرسطو اإلنسان بأنه "حيوان سياسي"‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫يميل إلى إنشاء السلطة ويتفاعل معها رفضا وقبوال لها حسب مقتضى الحال‪.‬‬
‫ولكي يؤدي الفرد وظائفه سابقة الذكر (االرتباط بالمكان أو حب الوطن‬
‫والوظيفة االجتماعية والوظيفة السياسية في نطاق المجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬فإن‬
‫المجتمع يطور مؤسسات و مفاهيم ثقافية تساعد هذا الفرد على النجاح في أداء‬
‫وظائفه‪ ،‬ومن بينها التربية الوطنية‪.‬‬
‫ذلك يعني أن التربية الوطنية تمثل أداة من أدوات تطوير العالقة اإليجابية بين‬
‫الفرد والمجتمع وما بينهما من قوى وسيطة تتمثل في السلطة والتنظيمات‬
‫االجتماعية واالقتصادية والثقافية وغيرها‪.‬‬
‫وتستخدم نظريات التربية الوطنية في أدبياتها الفكرية مجموعة من المفاهيم‬
‫المتداخلة التي يحسن بنا أن نحدد معانيها من البداية‪.‬‬
‫‪ -1‬التربية الوطنية‪:‬‬
‫يمكن تعريف التربية الوطنية بأنها "تنشئة الفرد بأسلوب منظم على مجموعة‬
‫من المعارف والمسلكيات والقيم التي تجعله أكثر قدرة على خدمة مجتمعه‬
‫وتطويره والدفاع عنه"‪ .‬وهذا يعني أن للتربية الوطنية شروطا هي‪:‬‬
‫‪- 15 - -‬‬
‫ا‪ -‬التنظيم‪ :‬ويشارك في هذه العملية المنظمة األسرة والمدرسة والجامعة وهيئات‬
‫المجتمع‬
‫المدني ووسائل اإلعالم بأنماطها المختلفة‪ .‬وقد يؤدي اتباع خطط تربوية وطنية غير‬
‫مدروسة إلى خلق ثقافة مجتمعية معيقة للتطور‪ ،‬مثل التعصب العشائري والجهوي‬
‫والطائفي والمذهبي‪ ،‬واالنتهازية‪.‬‬
‫ويرى الباحثون في علم االجتماع السياسي‪ ،‬أن المجتمع يفرز خالل تطوره التاريخي‬
‫منظومة القيم الحاكمة للتربية الوطنية‪ ،‬إذ يعمل المجتمع على صياغة منظومة فيمية‬
‫تشكل األساس للحكم على السلوك اإلنساني وتقييمه‪ .‬فنجد مجتمعات تطور فيما مثل‬
‫تغليب المصالح الفردية على المصالح الجماعية‪ ،‬بينما يطور مجتمع آخر فيما معاكسة‪،‬‬
‫أي تغليب المصالح الجماعية على المصالح الفردية‪ ،‬ونرى مجتمعات تعتبر الحرية أهم‬
‫من المساواة (كما في الدول الرأسمالية) بينما ترى مجتمعات غيرها المساواة أهم من‬
‫الحرية كما في المجتمعات التي تتبنى الثقافة االشتراكية‪.‬‬
‫وال شك أن سلم المنظومة القيمية في أي مجتمع يوضع من خالل تفاعل تاريخي بين‬
‫مكونات هذا المجتمع الثقافية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية‪ .‬وهذا يعني أن‬
‫المجتمع يكون قد توافق عبر التاريخ على منظومنه القيمية التي تشكل شخصيته‬
‫وتميزها عن غيرها‪ ،‬ويسعى للحفاظ عليها من خالل األدوار التي تقوم بها المؤسسات‬
‫المنظمة کالمدرسة والحزب والنادي‪ .‬وهو ما يعني أن العملية التربوية ليست جهدا‬
‫فرديابل هي نتاج تفاعل أنساق المجتمع مع بعضها تفاعال منظما وتاريخيا‪ .‬ب‪ -‬خلق‬
‫آليات (ميکانيزمات) التكيف مع التغيرات التي تصيب بنية المجتمع بفعل‬
‫عوامل التطور الفكري والتكنولوجي وتداخل الثقافات‪ .‬وفي حالة الفشل في ذلك فإنه قد‬
‫يؤدي إلى إحدى نتيجتين‪ :‬إما التحجر والعجز عن التطور ومرافقة المجتمعات األخرى‬
‫في التطور اإلنساني‪ ،‬أو الترهل وفقدان المجتمع لذاته التي‬
‫تشكلت قسماتها عبر التاريخ‪ .‬ج‪ -‬أن تكون األهداف التي تقف وراء هذه التنشئة هي‬
‫خدمة المجتمع من خالل العمل الجاد في أي موقع عمل يجد الفرد نفسه فيه‪ ،‬كذلك أن‬
‫يعمل الفرد على تطوير مجتمعه وأن يكون مهيئة للدفاع عن هذا الوطن في حالة‬
‫تعرضه للخطر‪ ،‬وهو ما يستدعي‬
‫‪- 16 -‬‬
‫إضعاف النزعة األنانية لدى األفراد وتعميق قيم التكافل والتضامن فيما بينهم‪.‬‬
‫وال بد أن تشمل التربية الوطنية الجوانب المختلفة لحياة المجتمع‪ ،‬سواء السياسية أو‬
‫االقتصادية أو االجتماعية‪ .‬وال تقتصر أدوات التربية على التلقين المبادئ معينة‬
‫حب الوطن أو التفاني في العمل أو غيرها‪ ،‬بل إن المجتمع يطور أدبه وفنه ويخلق‬
‫رموزه التاريخية لتؤدي كلها دورة تربوية‪ .‬كما تساهم القوي والتنظيمات االجتماعية‬
‫والسياسية واالقتصادية كافة في ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬الوطن‪:‬‬
‫مجموعة العناصر المادية (األرض) والمعنوية (العالقات االجتماعية والسياسية‬
‫واالقتصادية التي يستند إليها العيش التاريخي المشترك بين أفراد مجموعة بشرية‪.‬‬
‫والوطن في اللغة العربية هو "المنزل تقيم فيه"‪ ،‬ولكن المعنى السياسي له أوسع من‬
‫المعنى اللغوي‪ ،‬فهو يشتمل على عناصر عدة هي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬األرض‪ :‬وهي الحيز الجغرافي الذي يشعر األفراد بأنه ملك لهم‪.‬‬
‫ب‪ -‬ارتباط وجداني ومصلحي بين األفراد وهذا الحيز الجغرافي‪ ،‬وهو تجسيد لما سبقت‬
‫اإلشارة إليه بالغريزة المكانية التي تحدث عنها علماء النفس االجتماعي‪ .‬ويعبر الفرد عن‬
‫ارتباطه المصلحي تعبيرا مباشرة من خالل االلتحاق بمكونات المجتمع االقتصادية‬
‫(العمل) والسياسية (األحزاب واالجتماعية (األسرة)‪ .‬أما تعبيره الوجداني فياخذ شكل‬
‫األدب والفن والموسيقى والغناء والرسم‪ ،‬مما يعني أن الغناء واألدب يمثل أجزاء من‬
‫مكونات الوطن‪ .‬وتطوير وسائل االرتباط هذه بين الفرد‬
‫ووطنه يشكل أحد لبنات التربية الوطنية الناجحة‪ .‬ج‪ -‬شبكة من الروابط المختلفة بين‬
‫القاطنين في الحيز‪ ،‬والتي تكرست وتطورت عبر‬
‫مراحل تاريخية‪ ،‬وتمثل العقائد الدينية والروابط القومية والوطنية أبرز هذه الروابط‪.‬‬
‫‪ -3‬الوطنية‪:‬‬
‫اللوطنية معنيان هما‪ :‬أوال‪ :‬المعنى السياسي االجتماعي‪ :‬وهو أن الوطنية قد تحمل معنی‬
‫مجموعة الخصائص‬
‫‪- 17 -‬‬
‫االجتماعية التي تتسم بها مجموعة بشرية معينة وتسعى للحفاظ عليها‪ ،‬وهو معنی‬
‫يتداخل مع مفهوم القومية‪( ،‬سنعود لتوضيح هذه النقطة فيما بعد)‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬هي االرتباط الوجداني واالستعداد النفسي للعمل من أجل تطوير وحماية الوطن‬
‫كما عرفناه في الفقرات السابقة‪ .‬ويتمثل هذا االرتباط بالعمل المخلص في الجوانب‬
‫المختلفة التي يعمل فيها الفرد من ناحية‪ ،‬وبالتعبير عن هذا االرتباط الوجداني لغة‬
‫عبر األدب والفن والفكر من ناحية ثانية‪ .‬وهذا يعني أن الوطنية تتمثل في ‪:‬‬
‫أ‪ -‬العمل المخلص للحفاظ ولتطوير مصالح الوطن حيث يوجد الفرد‪.‬‬
‫‪ -‬ب‪ -‬االستعداد للدفاع عن الوطن عند تعرضه للخطر‪.‬‬
‫ج‪ -‬توظيف الفن واألدب والفكر لتعميق الرباط الوجداني بين األفراد وبين الوطن‪،‬ولذلك‬
‫يقال قصيدة وطنية واغنية وطنية ورمز وطني ونشيد وطني‪.‬‬
‫‪ -4‬األمة‪:‬‬
‫کيان اجتماعی پترابط أفراده على اسس لغوية أو عرقية أو تاريخية أو كلها مجتمعة‪ .‬وقد‬
‫يكون هذا المفهوم من بين أكثر المفاهيم إثارة للجدل بين المفكرين ال سيما حول العناصر‬
‫المكونة لألمة وأهمية كل عنصر منها‪ .‬فمنهم من أضاف المصالح المشتركة والمصير‬
‫المشترك‪ ،‬ومنهم من اعتبر اللغة هي األساس‪ ،‬في حين رأى غيرهم أن التاريخ المشترك‬
‫أكثر أهمية‪ .‬كما يثير هذا المفهوم مشكلة الحيز الجغرافي الذي توجد فيه األمة‪ ،‬فهناك من‬
‫رأى أن األمة تمتد حيث تمتد لغتها‪ ،‬وهناك من رأى أن األمة حيث يقيم عرقها الذي‬
‫تنتمي له‪.‬‬
‫‪ -5‬القومية‪:‬‬
‫عرف المفكرون القومية بأنها مثل أعلى يقوم على الوعي باألمة‪ ،‬أي إدراك األفراد‬
‫للخصائص المشتركة التي تجمعهم ببعضهم‪ .‬وهناك نظرتان لمفهوم القومية‪:‬‬
‫نظرة موضوعية تجعل من القومية "ظاهرة طبيعية تتعلق بمجموعة من البشر‪ ،‬لهم لغة‬
‫واحدة وثقافة واحدة وعادات وتقاليد واحدة‪ ،‬وينحدرون من أصل واحد‬
‫‪- 18 -‬‬
‫ويقطنون بقعة جغرافية معينة‪ ،‬وتحدوهم آمال واحدة ومصالح مشتركة‪ ،‬ويشعرون‬
‫بالحاجة ألن تحكمهم سلطة واحدة ذات سيادة‪ .‬وليس بالضرورة أن تتوافر العناصر‬
‫السابقة كلها لتوجد القومية‪ ،‬بل يمكن لبعض العناصر السابقة فقط أن توجدها‪.‬‬
‫نظرة ذاتية ترى في القومية ظاهرة سيكولوجية‪ ،‬ال تتعلق بمقومات خارجة عنها‪ ،‬بقدر‬
‫تعلقها بوعي األفراد بتلك المقومات والتي تجعلهم يشعرون بأن لهم شخصية منفصلة‬
‫ومتميزة‪ ،‬وتدفعهم للتعبير التنظيمي عن هذه الشخصية‪ ،‬من خالل إنشاء دولة تجمعهم أو‬
‫تنظيم معين‪.‬من هنا يصبح وعي األفراد بمقوماتهم المشتركة شرطة لتحويل مفهوم األمة‬
‫إلى قومية‪ ،‬مما يعني أن القومية هي التعبير األيديولوجي عن األمة‪ .‬وتتحول القومية إلى‬
‫عنصرية عند سيادة اعتقاد بأن السمات االجتماعية والثقافية التي تتصف بها مجموعة‬
‫قومية معينة "أرقى" من سمات غيرها‪ ،‬كما هو الحال في الفاشية اإليطالية والنازية‬
‫األلمانية والتمييز العنصري والصهيونية‪.‬‬
‫وهناك األقلية القومية‪ ،‬وهي مجموعة بشرية تتوافر لها صفات القومية الموضوعية‬
‫والذاتية‪ ،‬ولكنها ال تعيش ضمن بقعة جغرافية منفصلة بل ضمن كيان سياسي فيه قومية‬
‫أخرى أكبر عددا من تلك األقلية‪ ،‬ويطلق أحيانا على هذه األقلية اسم "شعب"‪.‬‬
‫ومن غير الممكن لدى علماء السياسة التعريف "بشعب" معين دون ربطه بإقليم معين‬
‫وبارتباط بوحدة سياسية معينة‪ ،‬وبالتالي فإن اإلقليم والوحدة السياسية (الدولة) هما المميز‬
‫الوحيد بين األمة والشعب‪ ،‬فالرباط القومي هو رباط معنوي ولكنه ليس رباطة قانونية‬
‫بالضرورة‪ ،‬ومن الطبيعي أن تكون األمة شعبة واحدة بالمفهوم القانوني‪ ،‬لكن األحداث‬
‫التاريخية أدت لنشوء کيانات سياسية تجمع أكثر من شعب أو أدت إلى نشوء قوميات‬
‫موزعة على أكثر من وحدة سياسية‪.‬‬
‫وقد نتج عن ذلك ظاهرتان ‪ :‬دول فيها أكثر من شعب كما في أغلب الدول اإلفريقية‪،‬‬
‫وأمة مشتتة في أكثر من دولة كما هو حال األمة العربية‪.‬‬
‫ويطلق على الكيان السياسي الذي تعيش فيه قومية معينة مصطلح الدولة‬
‫‪- 19 - -‬‬
‫القومية‪ ،‬وهو المصطلح الذي شاع في أوروبا أو وفي العالم كله في القرن العشرين بعد‬
‫مؤتمر ويستفاليا عام ‪ ،8441‬حيث انسلخ عدد من الكيانات السياسية عن اإلمبراطورية‬
‫الجرمانية وشکل دوال مستقلة أغلبها على أساس قومي بعد حرب الثالثين سنة التي‬
‫أخذت طابعة دينية بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا‪ ،‬واتسعت هذه الظاهرة بعد‬
‫انهيار النظم االستعمارية واستقالل المستعمرات وتشكيلها دوال قومية منفصلة عن‬
‫المركز االستعماري‪.‬‬
‫العالقة بين الوطنية والقومية ‪:‬‬
‫برنی علماء االجتماع أن الفرد ينتمي إلى مجموعة متداخلة من األنساق االجتماعية‪،‬‬
‫(أسرة‪ ،‬عشيرة‪ ،‬قبيلة‪ ،‬أمة‪ ،‬دين‪ ،‬طائفة‪ ،‬طبقة‪ ،‬مهنة)‪ ،‬وهذا يعني أن لدى الفرد تعددة في‬
‫الوالءات طبقا ألولويات هذه الوالءات من وجهة نظر الفرد‪.‬‬
‫وفي الجانب السياسي‪ ،‬نجد لدى الفرد والءات عدة يعنينا منها هنا الوالء الوطني والوالء‬
‫القومي‪ ،‬فاألول يمثل المستوى األدني في الوالء‪ ،‬والثاني يمثل المستوى األعلى‪ ،‬ويعني‬
‫األول كما سبق وأن ذكرنا االرتباط الوجداني بالوطن أو الشعور بسمات اجتماعية ذات‬
‫خصوصية معينة ولكن ضمن السمات العامة للمجتمع القومي‪ .‬ويمكن توضيح ذلك‬
‫بالوطنيات العربية (األردنية‪ ،‬المصرية‪ ،‬المغربية‪ ،‬والتي تعني إحساسا بخصوصيات‬
‫معينة ضمن سلم الوالءات‪ ،‬دون أن ينفي ذلك والء أعلى في اطار القومية العربية‪.‬‬
‫ويمكن أن تكون الوطنية أداة إثراء للقومية‪ ،‬لكن الشطط فيها قد‬
‫كون أداة تمزيق‪ ،‬وهو أمر مرتبط بمدى وعي النخب الوطنية والقومية في تغليب االثراء‬
‫على الشطط‪ .‬وهذا يعني أن الوطنية تمثل سمات خاصة تتميز بها أنساق فرعية في إطار‬
‫السمات العامة للنسق العام المتمثل في القومية‪ .‬وفي هذا اإلطار تتميز هذه السمات‬
‫الخاصة ببعض المظاهر مثل اللهجات ضمن اللغة نفسها‪ ،‬أو أنماط ‪ .‬األزياء‪ ،‬أو‬
‫خصوصية تاريخية معينة شكلت كيانا سياسية لفترة من الزمن منفصال عن الكيان‬
‫السياسي األكبر‪ ،‬أو بعض العادات والتقاليد‪ .‬لكن النقطة المركزية في هذه المسألة هي أن‬
‫نقاط التشارك بين الوطنية والقومية أقوى وأكثر من نقاط التباين‪.‬‬
‫ولتوضيح ذلك نأخذ مثاال‪ :‬قد نجد تباينا في اللهجة أو لغة الشارع بين مجتمع‬
‫‪- 20 -‬‬
‫عربي ومجتمع عربي آخر‪ ،‬لكن ذلك ال ينفي أن اللغة الفصحى لهما واحدة‪ ،‬كما أن‬
‫القدرة على التفاهم حتى بلغة الشارع أمر هين إلى حد بعيد‪ .‬ويمكن تطبيق ذلك على‬
‫غيرها من أمثلة الخصوصية والعمومية‪ .‬العالقة بين األمة والقومية‪:‬‬
‫قلنا إن األمة مجموعة بشرية ذات سمات عرقية أو لغوية أو تاريخية مشتركة أو لها آمال‬
‫مشتركة‪ ،‬وتتحول األمة إلى قومية بمقدار وعي أفراد األمة بتلك الخصائص التي تجمعهم‬
‫والعمل على بناء كيان سياسي يضمهم‪ ،‬وهذا ما نعني به عندما نقول بأن القومية هي‬
‫الوعي باألمة‪.‬‬
‫‪ -4‬الهوية الوطنية‪:‬‬
‫هي مجموعة الخصائص التي تتشكل عبر التاريخ وتصبح صفة لصيقة بشعب من‬
‫الشعوب وتميزه عن غيره‪ ،‬ويطلق البعض على هذه مصطلح الطابع القومي‪ .‬وتتشكل‬
‫هذه الهوية عبر مراحل تاريخية طويلة‪ ،‬وقد يصيب بعض جوانبها بعض التغير دون‬
‫فقدان الجوهر‪ .‬ويرفض بعض الباحثين فكرة الهوية الوطنية على أساس أنها تقوم على‬
‫افتراض تحجر األنماط االجتماعية اإلنسانية‪ ،‬وهو أمر غير ثابت في التاريخ البشري‪،‬‬
‫فقد أصاب لغات وطبائع وعادات وتقاليد كل الشعوب بعض التغيير‪ .‬لكن باحثين آخرين‬
‫برون أن هناك سمات ثابتة للمجتمعات في بعض جوانبها‪ ،‬وقد يصيبها تغير لكنه ال يمس‬
‫جوهرها مثل اللغات أو األديان‪.‬‬
‫‪ -7‬التنمية السياسية‪:‬‬
‫تباينت آراء الباحثين في تعريف هذا المفهوم‪ ،‬فمنهم من عرفها "بالتغير الذي يصيب‬
‫النظم السياسية بشكل يجعلها أكثر قدرة على االستجابة لتحديات البيئة الداخلية‬
‫والخارجية"‪ ،‬بينما رأی باحثون آخرون أنها "العملية التي ترمي إلى إيجاد حكم تتوفر له‬
‫شرعية وقيادة فاعلة" في حين رأی فريق ثالث أنها "نمو المؤسسات والممارسات‬
‫الديمقراطية في المجتمع"‪ .‬ويجمع الباحثون على أن التنمية السياسية تقوم في مرتكزاتها‬
‫األساسية على عدد من المؤشرات هي ‪:‬‬
‫‪-‬‬
‫‪- 21 -‬‬
‫أ‪ -‬االنتقال السلمي للسلطة‪.‬‬
‫ب‪ -‬وجود جهاز إداري كفء وقادر على إنجاز الخطط االقتصادية واالجتماعية‬
‫والسياسية ‪.‬‬
‫ج‪ -‬تأسيس شرعية النظام السياسي على أساس مرتكزات حديثة تقوم على احترام‬
‫الدستور والقانون واألداء السياسي النزيه والفاعل داخلية وخارجية‪.‬‬
‫د‪ -‬تحقيق أكبر قدر من المساواة بين الجميع في الخضوع للقواعد القانونية واعتماد‬
‫الكفاءة معيارة للتوظيف السياسي واإلداري‪.‬‬
‫‪ -1‬الديمقراطية‪:‬‬
‫كلمة يونانية األصل تتكون من مقطعين‪ Demo ،‬وتعني الشعب‪ ،‬و‪ Kratein‬وتعني‬
‫حكم‪ ،‬وبهذا فهي تعني بشكل مباشر حكم الشعب‪ .‬وحكم الشعب في معناه الدقيق يعني‬
‫عدم احتكار السلطة بيد قطاع من المجتمع دون غيره‪ .‬وقد أخذت الديمقراطية في بداياتها‬
‫شكل الديمقراطية المباشرة‪ ،‬حيث كان جميع األفراد البالغين يجتمعون ويعرض كل منهم‬
‫رأيه ثم يتم التصويت على اآلراء‪ ،‬على أن يكون لكل فرد صوت واحد‪ ،‬ويفوز الرأي‬
‫الذي حظي باألغلبية‪ .‬ومع تزايد أعداد الشعوب وتعقيدات الحياة االجتماعية والسياسية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬تحول االعتماد في العملية الديمقراطية إلى هيئات تمثيلية يتم اختيارها من‬
‫قبل الشعب وتقوم هي بتمثيله في التصويت على القرارات التي يراد اتخاذها من خالل ما‬
‫يسمى بالسلطة التشريعية أو البرلمان‪.‬‬
‫ولكي يقوم حكم ديمقراطي‪ ،‬ال بد من توفر الحريات السياسية (حرية الرأي والتنظيم‬
‫وتوفر تكافؤ الفرص لكي ال يطغى األثرياء أو أصحاب النفوذ التقليدي أو غيره على‬
‫العملية الديمقراطية‪ ،‬وتوفر نظام انتخابي يحقق تكافؤ الفرص أمام مختلف القوى واألفراد‬
‫للوصول إلى المقاعد النيابية‪.‬‬
‫وفي الحكومات الديمقراطية‪ ،‬يتم تشكيل الحكومة من الحزب أو مجموعة األحزاب أو‬
‫القوى السياسية ذات العدد األكبر من المقاعد في البرلمان‪ .‬كما يتم انتخاب الرئيس‬
‫انتخاب مباشرة في عدد من النظم الديمقراطية أو يتم انتخابه بطريقة غير مباشرة كما في‬
‫نظم أخرى‪.‬‬
‫‪- 22 -‬‬
‫الفصل األول‬

‫جغرافية األردن وحدوده ومدنه‬


‫وبمكانه‬
‫جغرافية األردن وحدوده ومدنه وسكانه‬
‫الفصل األول‬
‫جغرافية األردن‬
‫وحدوده ومدنه وسكانه جغرافية األردن‬
‫تشكل المملكة األردنية الهاشمية‪ ،‬أرضا وسكانا‪ ،‬جزء ال يتجزأ من الوطن العربي‪ ،‬الممتد‬
‫من سواحل المحيط األطلسي غربة إلى شواطئ الخليج العربي شرقا‪ ،‬ومن سلسلة جبال‬
‫طوروس شماال إلى الصحراء اإلفريقية والمحيط الهندي جنوبية‪ ،‬ويحتل األردن موقعا‬
‫مفصلية في قلب الوطن العربي‪ ،‬بجناحيه األسيوي واإلفريقي‪ ،‬كما أنه يمثل الجزء‬
‫الجنوبي الشرقي من سوريا الطبيعية‪ ،‬ومن وحدة جغرافية أكبر هي الهالل الخصيب‬
‫(األردن‪ ،‬سوريا‪ ،‬لبنان‪ ،‬فلسطين والعراق)‪ .‬وتبلغ مساحة األردن ‪ 287 . 18‬كيلو مترا‬
‫مربعا‪ ،‬تحيط بها خمس دول‪ ،‬هي المملكة العربية السعودية من الجنوب‪ ،‬والجمهورية‬
‫العربية السورية من الشمال‪ ،‬والجمهورية العراقية من الشرق‪ ،‬واألراضي الفلسطينية‬
‫المحتلة من الغرب‪ ،‬كما يشترك األردن مع جمهورية مصر العربية بحدود مائية في‬
‫خليج العقبة‪.‬‬
‫ويعتقد أن األردن استمد تسميته من نهر األردن‪ ،‬الذي كان أهم مصدر للمياه بالنسبة‬
‫لألردن وفلسطين قبل أن تقوم إسرائيل بتحويل مجراه عبر قناة تصل إلى صحراء النقب‬
‫وتمد إسرائيل بالجزء األكبر من حاجتها للمياه العذبة‪ .‬وبهذا تحول النهر ذو التاريخ التليد‬
‫إلى مجرد قناة للمياه العادمة والنفايات التي تقذف بها إليه المصانع والمزارع اإلسرائيلية‪،‬‬
‫وهكذا تم حرمان األردن من هذا المورد الطبيعي الهام‪ .‬كما تم حرمان البحر الميت من‬
‫المصدر الرئيس لتغذيته بالمياه‪ ،‬مما أدى إلى تراجع منسوب المياه فيه‪ ،‬وعرض بالتالي‬
‫للخطر عددا من الصناعات االستراتيجية األردنية‬
‫‪- 25 - -‬‬
‫القائمة على استغالل ما في البحر الميت من معادن‪ ،‬هذا باإلضافة للمستقبل القاتم الذي‬
‫ينتظر المشروعات السياحية التي جرى ويجري إنشاؤها على شواطئه‪ ،‬ما لم يتم اإلسراع‬
‫في تنفيذ مشروع قناة البحرين‪.‬‬
‫ويقع األردن‪ ،‬جغرافيا بين خطي عرض ‪ 33‬و ‪ 28‬شماال‪ ،‬وخطي طول ‪ 38‬و ‪34‬‬
‫شرقا‪ ،‬مما يجعله ذا مناخ صحراوي معتدل‪ ،‬شأنه في ذلك شأن بلدان شرقي البحر‬
‫األبيض المتوسط‪ .‬ولهذا يعتبر األردن من المناطق الجافة وشبه الجافة التي تتميز بصيف‬
‫حار طويل وشتاء قصير قليل األمطار عموما‪ ،‬وإن كان تنوع التضاريس يؤثر على‬
‫توزيع‪ :‬تساقط األمطار التي تزايد كلما اتجهنا نحو الشمال والغرب‪ ،‬وتتناقص كلما اتجهنا‬
‫نحو الشرق والجنوب‪ ،‬حيث يصل أعلى معدل لسقوط األمطار ‪ 524‬ملم في المرتفعات‬
‫الغربية‪ ،‬بينما يصل أدنى معدل لسقوط األمطار ‪0‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ 5‬ملم سنويا‪ ،‬في اقصی مناطق البادية جنوبا وشرقا‪.‬‬
‫ومما يجدر ذكره أن المنفذ الوحيد لألردن إلى البحر هو ميناء العقبة المطل على البحر‬
‫األحمر والذي تبلغ حصة األردن من شواطئه حوالي ‪ 25‬كيلومترا فقط‪.‬‬
‫هذا ويمكن تصنيف التضاريس الطبيعية في األردن إلى أربعة أصناف هي‪ ،‬من الغرب‬
‫إلى الشرق‪:‬‬
‫‪ .8‬األغوار‪ :‬وهي جزء من حفرة االنهدام األفروأسيوية الممتدة من جبال طوروس‬
‫إلى هضبة البحيرات اإلفريقية مرورا بسهل العمق السوري‪ ،‬فالغور األردني‪ ،‬والبحر‬
‫األحمر‪ .‬وتتميز األغوار األردنية بانخفاضها عن مستوى سطح البحر‪،‬‬
‫حيث تبلغ أدنى نقطة فيها جنوب البحر المبت ‪ 293‬مترا تحت مستوى سطح البحر‪،‬‬
‫كما تتميز بخصوبة تربتها ومالءمة مناخها الحار صيفا والدافئ شتاء ألنواع الزراعات‬
‫المروية المختلفة‪ ،‬وخصوصا الفواكه والخضار على مدار فصول السنة‪ ،‬ويعتبر البحر‬
‫الميت جوهرة منطقة األغوار لما تتوفر فيه من ثروات معدنية هائلة کالبوتاس‬
‫والبرومين والماغنيزيوم ولصالحية مياهه الشديدة الملوحة لعالج الكثير من األمراض‬
‫الجلدية‪ .‬لهذه األسباب مجتمعة ولقلة المسطحات المائية في األردن أصبح البحر الميت‬
‫محجا للسياحة الداخلية والخارجية‪ ،‬وسياحة المؤتمرات ونقطة جذب ألنواع‬
‫االستثمارات الصناعية والسياحية‪.‬‬
‫‪- 26 -‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ .3‬سلسلة الجبال الغربية ‪ :‬وهي سلسلة الجبال المطلة على األغوار من الجهة‬
‫الشرقية والممتدة من نهر اليرموك شماال إلى العقبة جنوبا ‪ :‬ومنها جبال عجلون وجبال‬
‫البلقاء وجبال مؤاب‪ ،‬وجبال الشراه‪ ،‬ومن أعلى القمم في هذه الجبال قمة جبل رم التي‬
‫ينوف ارتفاعها على (‪ )8754‬مترا فوق سطح البحر‪.‬‬
‫وتخترق هذه السلسلة مجموعة من األودية والينابيع التي تصب جميعا في نهر األردن‬
‫والبحر الميت‪ ،‬ومنها نهر اليرموك‪ ،‬ووادي العرب ووادي راجب‪ ،‬وسيل الزرقاء‪،‬‬
‫ووادي حسبان ووادي الموجب ووادي الحسا‪ .‬وقد أقيمت على هذه األودية عدة سدود‬
‫منها سد العرب‪ ،‬وسد الملك طالل‪ ،‬وسد شرحبيل وسد زقالب وسد الكرامة وسد الكفرين‬
‫وسد الواله وسد الموجب‪.‬‬
‫ويصل الهطول المطري على هذه المناطق إلى حوالي ‪ 500‬ملم سنويا‪ ،‬مما جعلها األكثر‬
‫كثافة من حيث الغطاء النباتي‪ ،‬واألكثر مالءمة للزراعات البعلية من حبوب وفواكه‬
‫وزيتون وغيرها‪.‬‬
‫‪ .3‬منطقة السهول الداخلية ‪ :‬وهي المنطقة المنبسطة الممتدة ما بين المرتفعات الجبلية‬
‫غربة والبادية شرقا ‪ .‬والتي تشمل السهول المحيطة بعمان واربد‪ ،‬وحسبان ومادبا وذيبان‬
‫والكرك حيث تتوافر معدالت هطول مطر وتربة مناسبتين لزراعة الحبوب‪ ،‬والمحاصيل‬
‫الصيفية وأشجار الزيتون واللوزيات والكرمة والتين‪ .‬وتنتهي منطقة الهضاب الداخلية‬
‫بشريط يفصل ما بينها وبين البادية‪ ،‬ويصلح لرعي‬
‫الماشية‪.‬‬
‫‪ .4‬البادية‪ :‬وتشكل في أكثر التقديرات تحفظة ‪ 10‬في المائة من مساحة األردن الكلية‬
‫بينما ال تزيد مساحة األراضي الصالحة للزراعة على ‪ ٪7‬في أحسن األحوال‪ .‬وتعتبر‬
‫البادية األردنية امتدادا لبادية الشام‪ .‬ويعتبر خط سكة حديد الحجاز الحد الفاصل بين‬
‫المناطق الصالحة للزراعة غربا والمناطق الرعوية والصحراوية شرقا‪ .‬وتوجد في‬
‫البادية األردنية بعض الواحات مثل واحات األزرق وباير والجفر‪ .‬عموما ال تسقط على‬
‫مناطق البادية إال كميات قليلة من األمطار‪ ،‬تتناقص كلما اتجهنا نحو الشرق والجنوب‪.‬‬

‫‪- 27 - -‬‬
‫الفصل األول المدن والسكان‬
‫لم يكن مجموع عدد سكان شرقي األردن مطلع القرن العشرين يزيد‪ ،‬حسب تقديرات‬
‫تقريبية‪ ،‬على مائتي ألف نسمة‪ ،‬أغلبهم من سكان البادية واألرياف ‪ .‬أما المراكز‬
‫الحضرية فكانت في مرحلة تشكل جنينية‪ ،‬ربما باستثناء مدينة السلط‪ ،‬التي كانت األهم‬
‫بين مراكز التجمعات السكانية‪ ،‬من حيث السكان‪ ،‬والعمران‪ ،‬واألنشطة التجارية‬
‫واالقتصادية عموما‪ .‬أما مدينة عمان‪ ،‬فلم تكن أكثر من قرية صغيرة يسكنها عدد محدود‬
‫من الشراكسة وقليل من العرب‪.‬‬
‫ويذكر في هذا السياق أن فقيها دمشقية زار عمان والسلط وهو في طريقه حاجة إلى‬
‫القدس عام ‪ ،8803‬فتحدث عن انطباعاته عن المدينتين‪ ،‬حيث تركت عمان‪ ،‬لما فيها من‬
‫حيوية‪ ،‬انطباعة طيبة في نفسه‪ ،‬وبخاصة لما كانت تشهده من بداية تململ تجاري‬
‫وعمراني‪ .‬أما عن السلط فقد الحظ هذا الزائر أن المدينة ابتدأت تكتسب صبغة‬
‫حضرية بفضل تدفق القادمين إلى المدينة من تجار وموظفين حكوميين من دمشق‬
‫ونابلس‪ .‬ويقول الزائر في هذا الصدد‪:‬‬
‫"لقد أخذ عمران السلط يخرج عن نطاق السيطرة‪ ،‬إذ بدأ الناس في تشييد العمائر الشاهقة‬
‫وسط تحفة عجيبة "‪ .‬وقال أيضا ‪" :‬إن غالبية أهل السلط جاءوا في األصل من نابلس‬
‫بهدف التجارة والبناء والعمل في السلك الحكومي‪ ،‬بحيث يمكن وصف السلط بأنها نابلس‬
‫الثانية أو نابلس الصغرى"‪" ..‬‬
‫غير أن عددا من البلديات ما لبث أن نشأ وتبلور مع تأسيس إمارة شرق األردن فشكلت‬
‫نوى لمراكز حضرية‪ ،‬ومثال ذلك اربد وعجلون وجرش ومادبا والكرك‪ ،‬طبعا‪ ،‬باإلضافة‬
‫للسلط وعمان‪.‬‬
‫وقد كان لتأسيس اإلمارة ونشوء سلطة مركزية في األردن‪ ،‬بكل ما يعنيه ذلك من تطور‬
‫إداري‪ ،‬وصحي‪ ،‬وتعليمي‪ ،‬واستقرار أمني‪ ،‬أثر في تزايد عدد السكان‪ .‬كما لعبت الهجرة‬
‫إلى األردن من الحجاز وسوريا‪ ،‬ومن فلسطين‪ ،‬خصوصا بعد الحرب العربية ‪-‬‬
‫اإلسرائيلية األولى وما أفرزته من هجرة جماعية لفلسطيني المدن والقرى التي احتلتها‬
‫إسرائيل عام ‪ 8841‬دورة حاسمة‪ ،‬ليس في زيادة عدد السكان فحسب‪ ،‬وإنما في‬
‫‪- 28 -‬‬
‫تغير التركيبة السكانية ايضا‪ ،‬ال سيما وأن نسبة مرتفعة من الالجئين الفلسطينيين كانوا‬
‫من سكان المدن‪ ،‬ومن المؤهلين ثقافيا ومهنيا‪ ،‬مما أدى في نهاية المطاف إلى قيام حركة‬
‫عمرانية واسعة في المدن األردنية الرئيسية‪ ،‬ونشاط تجاري مميز‪ .‬وقيام بعض الورش‬
‫والصناعات الصغيرة والمتوسطة‪ .‬وقد أشارت النشرة اإلحصائية السنوية لعام ‪8850‬‬
‫إلى أن مجموع عدد سكان األلوية األربعة لألردن وهي البلقاء‪ ،‬وعجلون والكرك ومعان‬
‫قد ارتفع إلى (‪ )400000‬نسمة‪ .‬غير أن استمرار الهجرات من فلسطين‪ ،‬نتيجة‬
‫الالعتداءات اإلسرائيلية المتكررة‪ ،‬وبالتالي توسع االحتالل اإلسرائيلي ليشمل جميع‬
‫األراضي الفلسطينية‪ ،‬أدى إلى تسريع وتأثر النمو السكاني‪ ،‬حيث أظهرت النتائج المعلنة‬
‫اإلحصاء عام ‪ 8884‬أن عدد سكان المملكة قد تجاوز األربعة ماليين نسمة‪ ،‬يتركز‬
‫حوالي مليونين ونصف منهم‪ ،‬أي أكثر من ‪ %40‬من مجموع السكان‪ ،‬في وسط البالد‬
‫وبشكل محدد في العاصمة عمان‪ ،‬والزرقاء والسلط‪ ،‬بينما يتوزع الباقي ما بين بلدات‬
‫ومدن الشمال والجنوب وبخاصة اربد‪ ،‬والمفرق ومادبا‪.‬‬
‫هذا وقد أشار رئيس الوزراء األردني مؤخرا إلى أن عدد سكان األردن يبلغ حاليا زهاء‬
‫(‪ )88‬مليون نسمة‪ ،‬منهم (‪ )4 ، 4‬مليون أردني‪ ،‬يضاف إليهم (‪2‬‬
‫‪ )4 ،‬مليون سوري‪ ،‬ونصف مليون عراقي‪ ،‬و(‪ )45‬ألف يمني‪ ،‬و(‪ )35‬ألف ليبي‪،‬‬
‫وحوالي مليوني الجئ فلسطيني من غير حملة األرقام الوطنية‪ .‬أما بالنسبة للعمالة‬
‫المصرية الوافدة فيقدر عدد أفرادها بما ال يقل عن (‪ )400‬ألف شخص‪.‬‬
‫ومن جانب آخر تقدر اإلحصاءات أن ‪ %84‬من األردنيين مسلمون‪ ،‬و‪ %4‬مسيحيون‪.‬‬
‫وباستثناء تصنيف السكان إثنية ودينيا إلى مسلمين ومسيحيين وشراكسة‪ ،‬يمكن تصنيف‬
‫السكان األردنيين‪ ،‬حسب نمط الحياة‪ ،‬إلى أربع مجموعات‪:‬‬
‫المجموعة األولى‪ :‬سكان المدن‪ ،‬وهم الغالبية العظمى من السكان‪ ،‬حيث يقدر البنك‬
‫الدولي نسبتهم بأكثر من ‪ ٪70‬من مجموع السكان‪ ،‬وهناك تقدير بأن عدد سكان المدن‪،‬‬
‫يتزايد على حساب األرياف‪ ،‬بمعدل ‪ 4‬سنويا‪.‬‬
‫المجموعة الثانية ‪ :‬سكان األرياف‪ ،‬وتناقص نسبتهم إلى مجموع السكان بصورة‬
‫مستمرة‪ ،‬نتيجة لتدهور القطاع الزراعي‪ ،‬ونتيجة نقص الخدمات في بعض األرياف‪،‬‬
‫مما‬
‫‪- 29 .‬‬
‫يشكل عامل طرد للسكان في اتجاه المدن‪ ،‬التي تتوفر فيها عوامل جذب عديدة مثل توفر‬
‫خدمات التعليم والصحة‪ ،‬وتوفر أمان العمل أيضا‪.‬‬
‫المجموعة الثالثة ‪ :‬سكان البادية‪ ،‬ومنهم من هو مستقر في قرى نموذجية أنشأتها الدولة‬
‫بهدف توطينهم‪ ،‬ومنهم من ال يزال يعيش حياة البداوة متنقال مع مواشيه حسب المواسم‬
‫وإلى حيث يتوفر الكأل والماء‪ .‬وهؤالء ال تزيد نسبتهم على ‪ ٪2‬من مجموع السكان‪ ،‬وهم‬
‫يعيشون في مناطق البادية الواقعة إلى شرق الخط الممتد من المفرق إلى معان‪.‬‬
‫المجموعة الرابعة‪ :‬سكان المخيمات‪ ،‬وهم في الغالب من سكان المدن‪ ،‬إال أن ظروف‬
‫نشأة هذه المخيمات واألوضاع الخاصة بسكانها تجعل تصنيفهم في مجموعة رابعة أمرا‬
‫مفيدة في سعي إلى إلقاء بعض األضواء على الوضع السكاني في األردن‪ .‬ومن‬
‫المعروف أن مخيمات الالجئين في األردن ظهرت ألول مرة في أعقاب اندالع الحرب‬
‫العربية ‪ -‬اإلسرائيلية األولى عام ‪ ،8841‬حيث تم‪ ،‬بداية‪ ،‬إنشاء خمسة مخيمات هي‬
‫مخيمات اربد‪ ،‬والزرقاء‪ ،‬والوحدات‪ ،‬والكرامة الذي تمت تصفيته في وقت الحق)‪،‬‬
‫وجبل الحسين‪ .‬ولكن تدفق نازحي حرب ‪ 8847‬من الضفة الغربية على األردن فرض‬
‫إنشاء سنة مخيمات إضافية الستيعابهم‪ .‬وهي مخيمات‪ :‬الحصن وسوف وجرش والبقعة‬
‫والطالبية وماركا‬
‫وتشير إحصائيات وكالة الغوث األردنية لتشغيل الالجئين إلى أن (‪ )205000‬الجئ من‬
‫مجموع (‪ )124821‬مسجلون کالجئين في سجالت الوكالة‪ ،‬ال زالوا يعيشون في هذه‬
‫المخيمات في ظل شروط سكنية ومعيشية صعبة‪ ،‬رغم أن وكالة الغوث ال زالت تتكفل‬
‫بتقديم الحد األدنى من مواد التموين والخدمات التعليمية والصحية‪.‬‬
‫ومع أن عدد سكان األردن يبدو ضئيال بالقياس إلى مساحته الجغرافية الكلية حيث ال تزيد‬
‫الكثافة السكانية فيه على (‪ )30‬شخصا للكيلومتر المربع الواحد‪ ،‬إال أن األخذ بعين‬
‫االعتبار حقيقة أن الصحراء تختصر ‪ ٪80‬من مساحة البالد‪ ،‬وهي شبه خالية من‬
‫السكان‪ .‬يجعل من العدد الحالي للسكان عبئا ثقيال على اقتصاد صغير يعاني من جملة من‬
‫التشوهات االقتصاد األردني‪.‬‬
‫‪- 30 -‬‬
‫ومن الجدير ذكره أن معدل النمو السكاني في األردن كان طوال الجزء األكبر من القرن‬
‫العشرين من أعلى معدالت النمو السكاني في العالم حيث كان يراوح‬
‫حوالي ‪ 4‬سنويا‪ ،‬ولم تكن هذه الزيادة الكبيرة في عدد السكان نتيجة للهجرة من الضفة‬
‫الغربية للضفة الشرقية فقط‪ ،‬وإنما نتيجة للزيادة الطبيعية‪ ،‬التي تمثل الفرق بين نسبة‬
‫المواليد الجدد ونسبة الوفيات‪ .‬وقد كان للتطور في خدمات الرعاية الصحية خالل‬
‫السبعينات والثمانينات من القرن الماضي أثره الفعال في انخفاض معدل الوفيات من‬
‫(‪ )87‬لكل ألف عام ‪ 8845‬إلى (‪ )7‬في األلف منتصف الثمانينات‪ .‬ويالحظ خالل الفترة‬
‫نفسها أن معدل الوفيات بين المواليد الجدد‪ ،‬الذي يشكل مقياسا التطور البالد بعامة‪،‬‬
‫وتطور مستوی خدماتها الصحية بخاصة‪ ،‬قد تراجع من (‪ )885‬إلى (‪ )44‬من كل ألف‬
‫من حاالت الوالدة‪ .‬وقد كان من الطبيعي‪ ،‬والحالة هذه‪ ،‬أن تنشا مشكلة ديمغرافية حقيقية‪.‬‬
‫فباإلضافة للنمو المتسارع في عدد السكان‪ ،‬أصبح نصف سكان األردن تقريبا دون سن‬
‫الخامسة عشرة‪ ،‬بحيث يوصف المجتمع األردني بمجتمع صغار السن‪ ،‬بكل ما يعنيه ذلك‬
‫من ضرورة إعطاء األولوية لتوفير االستثمارات الديمغرافية المتمثلة في البناء التحتي‬
‫والتسهيالت الالزمة لرعاية وتنشئة وتدريب وتأهيل صغار السن الذين‪ ،‬كما سبقت‬
‫اإلشارة‪ ،‬يشكلون نسبة مرتفعة من السكان‪ .‬وقد أدى هذا الواقع إلى ضغط هائل على‬
‫موارد البالد المحدودة‪ ،‬كما أصبح من العسير توفير فرص عمل للداخلين الجدد‪ ،‬وبأعداد‬
‫كبيرة‪ ،‬إلى سوق العمل سنويا‪ ،‬مما أدى إلى تفاقم مشكلة البطالة‪.‬‬
‫ومع أنه ال يوجد لدى الدولة األردنية رسمية برنامج ملزم للحد من التناسل‪ ،‬إال أن‬
‫مجموعة من العوامل ساعدت على إحداث انفراج نسبي في المشكلة السكانية‪ ،‬ولعل من‬
‫أبرز هذه العوامل ما يلي‪ .8 :‬انتشار التعليم وانحسار األمية‪ ،‬وبالتالي تنامي الوعي بأبعاد‬
‫المشكلة السكانية‪ ،‬إذ‬
‫ما كاد يبزغ عقد الثمانينات‪ ،‬ونتيجة لعملية تراكمية‪ ،‬حتى كان جميع األطفال ما بين‬
‫السادسة والثانية عشرة ملتحقين بمدارس رسمية مجانية وإلزامية‪ ،‬بينما كان ‪08 %‬‬
‫على األقل من صغار السن الذين تتراوح أعمارهم ما بين (‪ )32‬و (‪)35‬‬
‫‪- 31 -‬‬
‫سنة منتظمين في الدراسة اإلعدادية المجانية ايضا‪ ،‬هذا عدا عن الملتحقين بمرحلة‬
‫الثانوية‪ ،‬وعشرات اآلالف من الشباب والفتيات الملتحقين بالجامعات الرسمية والخاصة‬
‫تدرس جميع التخصصات العلمية واألدبية ابتداء بالطب والصيدلة والهندسة وتكنولوجيا‬
‫المعلومات وانتهاء بالعلوم االجتماعية واإلنسانية واإلدارية‪ .‬ولعل من الالفت للنظر أن‬
‫أكثر من ‪ ٪50‬من الدارسين في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي هم من الفتيات‪ .‬ومما‬
‫الشك فيه أن التحسن في مستوى تعليم اإلناث‪ ،‬أدى إلى زيادة مشاركة المرأة في قوة‬
‫العمل‪ ،‬وهذا أدى بدوره لرفع سن‬
‫الزواج لدى اإلناث‪ ،‬مما ساهم في تخفيض معدالت الخصوبة‪ .2 .‬أما العامل الثاني فهو‬
‫تشجيع الدولة األسر‪ ،‬بصورة اختيارية‪ ،‬على انتهاج سياسة‬
‫"مباعدة األحمال" كجزء من خطة التحسين صحة األمهات واألطفال‪ ،‬وليس بالضرورة‪.‬‬
‫وبصورة مباشرة‪ ،‬تخفيض معدالت الخصوبة‪ .‬وقد أنشات الدولة لهذا الغرض مراکز‬
‫عديدة لألمومة والطفولة بهدف توفير الرعاية الصحية في فترة ما قبل الوالدة وما بعدها‪،‬‬
‫وتوفير قاعدة واسعة من المعلومات اإلرشادية لمن يطلبها حول وسائل وإجراءات تنظيم‬
‫األسرة و موانع الحمل‪.‬‬
‫وقد أدت هذه التطورات إلى نتائجها‪ ،‬حيث ما لبث معدل النمو السكاني أن انخفض من‬
‫ذروته البالغة ‪ %4‬تقريبا في الثمانينات من القرن الماضي إلى حوالي ‪2‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ %0‬سنويا في الفترة الراهنة‪ .‬الموارد الطبيعية‬
‫إذا كان األردن غنية بموارده البشرية‪ ،‬من حيث الكم والكيف‪ ،‬فهو واحدة من بلدان العالم‬
‫الثالث األكثر فقرا في الموارد الطبيعية‪ .‬ففي الوقت الذي يتوفر في األردن قوة عمل‬
‫مؤهلة ومدربة أحسن تدريب‪ ،‬وتتمتع بمستوى رفيع من التعليم‪ ،‬فإن األردن يعاني من‬
‫نقص حاد في غالبية مكونات الموارد الطبيعية‪ ،‬وبشكل خاص ‪ :‬المياه‪. ،‬التربة الزراعية‬
‫المناسبة‪ ،‬والنفط والمعادن المختلفة‪ ،‬وسنعرض فيما يلي بشيء من " االنجاز أهم معالم‬
‫هذه اإلشكاليات في مجاالت المياه‪ ،‬األرض الزراعية‪ ،‬النفط والمعادن المختلفة‪ ،‬على‬
‫التوالي‪:‬‬
‫‪- - 32 -‬‬
‫‪ .8‬المياه‪ :‬يرجع السبب الرئيس في أزمة المياه إلى اعتماد األردن على مياه األمطار‬
‫المتذبذبة من سنة إلى سنة‪ ،‬ومن منطقة إلى منطقة‪ ،‬فكثيرا ما عاني األردن من فترات‬
‫محل وجفاف‪ .‬وعلى العموم فإن األردن يتعرض لحالة من العجز المائي تتفاقم مع مرور‬
‫األيام‪ ،‬وثمة‪ ،‬على خلفية هذا العجز‪ ،‬قلق حقيقي في األوساط الرسمية والشعبية من أن‬
‫ندرة المياه ستشكل‪ ،‬إن عاجال أو آجال‪ ،‬قيدة على أية تنمية زراعية أو صناعية مستقبلية‪.‬‬
‫فبعد تحويل إسرائيل لمجرى نهر األردن‪ ،‬وفي ضوء حصة األردن المحدودة من مياه‬
‫نهر اليرموك‪ ،‬تكاد األمطار تشكل المصدر الوحيد للمياه في األردن‪ ،‬حيث يقدر معدل‬
‫سقوط األمطار على األردن بحوالي (‪ )1‬مليارات متر مكعب سنويا‪ ،‬يتبخر ‪% 5 . 82‬‬
‫منها بعد هطولها‪ ،‬ويتسرب ‪ ٪5‬في باطن األرض فيغذي األحواض المائية الجوفية‪ ،‬بينما‬
‫يسيل الباقي (‪2‬‬
‫‪ )%5 .‬في األودية والسهول الجانبية‪ .‬وتقدر كميات المياه المتاحة والمتجددة سنويا‪ ،‬من‬
‫المصادر السطحية والجوفية كافة بما ال يزيد على ألف ومائتي مليون متر مکعب‪ ،‬كحد‬
‫أقصي‪ ،‬بينما يبلغ الطلب الكلي على المياه حوالي ألف وأربعمائة مليون متر مكعب‪.‬‬
‫وبهذا يكون العجز السنوي حوالي مائتي مليون متر مكعب من المياه‪ .‬وتفيد مصادر‬
‫وزارة المياه والري أن القطاع الزراعي يستهلك ‪ ٪74‬من كمية المياه‪ .‬بينما يستهلك‬
‫القطاع المنزلي ‪ %22‬والصناعة ‪./4‬‬
‫وفي ضوء االستفحال المتوقع ألزمة المياه‪ ،‬فليس أمام األردن لمواجهة هذه األزمة سوى‬
‫اللجوء لواحد أو أكثر من اإلجراءات التالية‪ :‬أ‪ .‬جر المياه من حوض الديسي إلى‬
‫العاصمة عمان‪ ،‬وقد تم إنجاز هذا المشروع منذ سنوات‪ .‬ب‪ .‬التوسع في إنشاء السدود ج‪.‬‬
‫ترشيد استهالك المياه‪ ،‬والحد من فقدان نسبة مرتفعة منها في شبكات المياه في األردن‪.‬‬
‫د‪ .‬إعادة النظر في النمط الزراعي في اتجاه حظر زراعة المحاصيل والزراعات شديدة‬
‫الحاجة المياه الري‪ ،‬وذلك لتقليص حصة الزراعة من المياه من المستوى الحالي الذي‬
‫يبلغ ‪ ٪74‬إلى ‪ %50‬على أقل تقدير‪.‬‬
‫‪- 33 - -‬‬
‫‪ .2‬األرض الزراعية‪ :‬تقدر الدراسات المسحية أن ما بين ‪ ٪7 - 4‬فقط من مساحة‬
‫األردن صالح للزراعة‪ .‬ومع ذلك فإن جزءا ال بأس به من األراضي الصالحة للزراعة‬
‫ال يجري استغالله لسبب أو آلخر‪ ،‬حيث يقدر أن ‪ ٪5‬فقط أي حوالي (‪ )500000‬هکتار‬
‫هي التي تستغل ألغراض اإلنتاج الزراعي‪ .‬ويالحظ في هذا السياق أن الجزء األعظم‬
‫من هذه المساحات زرع بعال‪ .‬بينما ال تزيد مساحة‬
‫الزراعات المروية على (‪ )40000‬هکتار يقع أغلبها في حوض وادي األردن‪.3 .‬‬
‫المعادن‪ :‬على الرغم من محدودية تشكيلة الثروة المعدنية المكتشفة والمستغلة في األردن‪،‬‬
‫فإن بعض منها يلعب دورا بالغ األهمية في االقتصاد األردني سواء من‬
‫حيث مساهمته في الناتج المحلي اإلجمالي‪ ،‬أو في استيعاب األيدي العاملة‪ ،‬أو في‬
‫مساهمته في الصادرات الوطنية‪.‬‬
‫ولعل من أهم هذه المعادن ما يلي‪ . :‬الفوسفات‪ :‬كانت خامات الفوسفات ومازالت تعتبر‬
‫من أهم الثروات الطبيعية في األردن‪ .‬وتقدر احتياطات األردن المؤكدة من الفوسفات بما‬
‫بين (‪8‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ )5‬إلى (‪ )5 . 2‬مليار طن‪ ،‬مما يعني أن هذه االحتياطات‪ ،‬حتى في حدودها الدنيا‪،‬‬
‫تشکل ضمانة الستمرار األردن في إنتاج وتصدير الفوسفات لمئات السنين القادمة بنفس‬
‫مستويات اإلنتاج الحالية التي تبلغ في المتوسط‪ ،‬ستة ماليين طن سنويا ‪ .‬ويحتل األردن‪،‬‬
‫بين الدول المنتجة والمصدرة للفوسفات‪ ،‬المرتبة الثالثة بعد المملكة المغربية والواليات‬
‫المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫وقد أقدم األردن‪ ،‬بالتعاون مع عدد من الدول المستوردة للفوسفات األردني على إنشاء‬
‫عدد من الصناعات في منطقة العقبة الخاصة لتصنيع خامات الفوسفات بهدف زيادة‬
‫القيمة المضافة لهذه المادة‪ .‬ولعل من أبرز الصناعات في هذا المجال صناعات األسمدة‬
‫الكيماوية وحامض الكبريتيك‪ ،‬وفوسفات األمونيا األحادية‪.‬‬
‫يضاف إلى ذلك أن شركة الفوسفات األردنية تضع في استراتيجيتها تطوير شراكات في‬
‫صناعة األسمدة تقوم على الفوسفات األردني مع أهم األسواق‬
‫‪- 34 -‬‬
‫‪-‬‬
‫المستهلكة للفوسفات في العالم‪ .‬ومن هذا المنظور وقعت الشركة عام ‪ 3835‬اتفاقية‬
‫اإلنشاء مصنع إلنتاج اسمدة مركبة في الهند بالتشارك مع شركات هندية ومصنع مماثل‬
‫بالتعاون مع شركات أندونيسية‪ .‬ب‪ .‬البوتاس‪ :‬يشكل البوتاس المكون الثاني الرئيس‪،‬‬
‫بعد الفوسفات‪ ،‬من مكونات‬
‫القطاع التعديني األردني‪ ،‬وتقوم على استخراج البوتاس من البحر الميت منشاة‬
‫صناعية ضخمة بلغت تكاليف إنشائها أكثر من (‪ )588‬مليون دوالر وتقع في منطقة‬
‫األغوار الجنوبية وعلى شواطئ البحر الميت‪ ،‬حيث تقوم بعد استخراج البوتاس‬
‫بتحويله إلى كلوريد البوتاس الذي يستخدم جزء منه كمدخل في صناعة األسمدة‪ ،‬بينما‬
‫يجري تصدير الباقي للخارج‪.‬‬
‫وكما هو الحال بالنسبة للفوسفات‪ ،‬فان الهند هي أيضا المشتري الرئيسي إلنتاج األردن‬
‫من البوتاس‪ .‬ومما يجدر ذكره أن إنتاج البوتاس في األردن أقل كلفة من إنتاجه في أي‬
‫مكان آخر في العالم‪ ،‬ولعل الفضل يعود العتماد عملية اإلنتاج على التبخر الشمسي‪ ،‬مما‬
‫يمنح األردن ميزة نسبية على الدول األخرى المنتجة لهذه المادة‪.‬‬
‫ويخطط األردن حالية إلنتاج معادن أخرى من تلك التي تزخر بها مياه البحر الميت مثل‬
‫كبريتات البوتاس‪ ،‬وأكسيد المنغنيز وكربونات الصوديوم التجارية‪ .‬ج‪ -‬البرومين‪ :‬وهو‬
‫من المعادن الثمينة التي يجري استخراجها من مياه البحر الميت‪،‬‬
‫حيث تم تدشين مصانع شركة برومين األردن في منطقة غور الصافي عام ‪ 2003‬بر‬
‫اسمال يتجاوز (‪ )300‬مليون دوالر كمشروع أردني ‪ -‬أمريكي مشترك‪ .‬وتعتبر مصانع‬
‫هذه الشركة من المصانع القليلة في العالم التي تنتج مادة البرومين االستراتيجية‬
‫ومشتقاتها التي تستخدم في الصناعات الكيمياوية المختلفة وفي االتصاالت والمنسوجات‬
‫واعمال حفر آبار البترول وتعقيم المياه واألدوية وغيرها‪.‬‬
‫ويذكر أن ‪ 85‬في المائة من إنتاج المصنع الذي يزيد عن (‪ )200‬ألف طن سنوية يجري‬
‫تصديره للخارج‪ .‬د‪ .‬النفط والغاز‪ :‬على الرغم من أن األردن يقع وسط منطقة تعتبر من‬
‫أغنى مناطق‬
‫‪- 35 - -‬‬
‫العالم بالنفط والغاز (السعودية‪ ،‬العراق‪ ،‬مصر‪ ،‬سوريا) فإن جميع مساعي التنقيب في‬
‫األراضي األردنية‪ ،‬والتي استمرت لعدة عقود لم تتمخض‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬إال عن اكتشاف‬
‫النفط بكميات تقدر ب (‪ )3000‬بر ميل سنوية يجري استخراجها من ثالثة آبار في حقل‬
‫حمزة الواقع في منطقة األزرق إلى الشرق من عمان‪ .‬وبهذا فإن األردن يعتمد في سد‬
‫حاجته إلى النفط على االستيراد من الدول العربية‪ ،‬وخصوصا من العراق والمملكة‬
‫السعودية ‪ .‬أما بالنسبة للغاز فقد تم اكتشاف الغاز بكميات متواضعة أيضا في حقل‬
‫الريشة في الجزء الشرقي من البالد حيث‬
‫يجري استخدامها حاليا في توليد الطاقة الكهربائية‪ .‬ه‪ .‬الصخور الزيتية‪ :‬يقدر احتياطي‬
‫الصخور الزيتية المكتشفة في منطقة وادي‬
‫السبلطاني منذ عام ‪ 8810‬ما بين (‪ )20‬إلى (‪ )40‬مليار طن‪ ،‬وهي كميات‪ ،‬حتی في‬
‫أسوأ التقديرات‪ ،‬كافية إلنتاج ما بين (‪ )80‬إلى (‪ )20‬مليار برميل من النفط‪.‬‬
‫غير أن التكلفة المرتفعة الستخراج النفط من الصخور الزيتية‪ ،‬مقارنة بأسعار " النفط‪،‬‬
‫قبل االرتفاع الكبير الذي شهدته مؤخرة‪ ،‬لم تشجع الجهات المعنية على‬
‫استغالل هذه الصخور نظرا لعدم ثبوت جدواه االقتصادية‪.‬‬
‫وفي هذه األثناء تم مؤخرة توقيع اتفاقية بين الحكومة األردنية وشركة (اينفيت)‬
‫األستونية‪ ،‬ستبدأ الشركة بموجبها بتوليد الكهرباء عن طريق الحرق المباشر للصخر‬
‫الزيتي‪ ،‬ومن ثم بيع الكهرباء للحكومة ابتداء من نهاية عام ‪.2087‬‬
‫ومن ناحية ثانية تقوم شركات عالمية أخرى بمحاوالت استغالل الصخور الزيتية في‬
‫األردن إلنتاج النفط عن طريق الحرق العميق والتعدين السطحي‪ ،‬وسيقرر مصير هذه‬
‫المحاوالت في حال ثبوت الجدوى االقتصادية على ضوء تطور أسعار النفط في‬
‫األسواق العالمية‪.‬‬
‫ومن المعروف أن في األردن مجموعة أخرى من المعادن ولكن بكميات غير تجارية‪،‬‬
‫ومنها على سبيل المثال خامات الحديد‪ ،‬والنحاس‪ ،‬واليورانيوم‪ ،‬والرمل ‪-‬‬
‫الزجاجي‬
‫‪- 36 -‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫تاريخ المملكة األردنية‬


‫الهاشمية‬
‫تاريخ المملكة األردنية الهاشمية‬
‫الفصل الثاني‬
‫تاريخ المملكة األردنية الهاشمية‬
‫النهضة العربية‬
‫بدأت النهضة الفكرية العامة عند العرب منذ أواخر القرن الثامن عشر الميالدي ومعظم‬
‫أقطارهم تحت الحكم العثماني‪ ،‬وساهم اتصالهم بالغرب في إطالعهم على الحضارة‬
‫الغربية والفكر السياسي الغربي الحديث وبما يحمل من مبادئ ومفاهيم جديدة كالحرية‬
‫والديمقراطية والدستور والوطن والوطنية واألمة والقومية‪ .‬وانشغل المفكرون العرب‬
‫بإصالح الدولة وبعالقتهم باألتراك شركائهم فيها‪ .‬وتبلورت اتجاهاتهم السياسية في الربع‬
‫األخير من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين هي في تيارات عامة ستة‪ .8 :‬تيار‬
‫يدعو إلى االستقالل الذاتي في نطاق الدولة العثمانية‪ .‬وقد ظهر هذا التيار في‬
‫مصر في عهد محمد علي باشا واستمر في عهد خلفائه‪ ،‬كما ظهر في تونس في ظل‬
‫حكم األسرة الحسينية‪ .2 . .‬تيار بنادي بالالمركزية في إدارة الدولة العثمانية ليضمن‬
‫للعرب حقوقهم في‬
‫الحكم وليحافظ على لغتهم وتراثهم القومي‪ .‬ويمثل هذا التيار معظم المثقفين العرب‬
‫المسلمين الذين يعارضون االستبداد السياسي والفساد المستشري في الدولة‪ .‬وعبر عن‬
‫تطلعهم هذا "حزب الالمركزية اإلدارية العثماني" الذي تالف في مصر سنة ‪.8882‬‬
‫‪- 39 - -‬‬
‫‪ .3‬تيار يدعو إلى إنشاء مملكة عربية تتمتع باالستقالل الذاتي وترتبط بالمملكة‬
‫العثمانية ارتباط المجر بالنمسا في اإلمبراطورية النمساوية ‪ -‬المجرية آنذاك‪ .‬وتمثل هذا‬
‫التيار في جمعيات سرية عربية هي " الجمعية القحطانية" و "جمعية العهد" و‬
‫"جمعية العربية الفتاة"‪ .4 .‬تيار يعد الدولة العثمانية دولة إسالمية واستمرارة للخالفة‬
‫اإلسالمية وحلقة‬
‫متصلة بالتاريخ العربي اإلسالمي ومتممة له‪ .‬وينادي بالتمسك بها‪ ،‬ويمثله‬
‫"الحزب الوطني" في مصر‪ ،‬والمتدينون من المسلمين العرب‪ .5 - .‬تيار يرفض الخالفة‬
‫العثمانية ويعتبرها غير شرعية‪ ،‬ويدعو إلى خالفة عربية‬
‫قرشية‪ ،‬ويمثل هذا التيار عبد الرحمن الكواكي (‪ )8802 – 8148‬في كتابه " أم‬
‫القرى" ونجيب عازوري (المتوفى سنة ‪ )8884‬في كتابه "يقظة األمة العربية"‪.4 .‬‬
‫التيار القطري االنفصالي الذي ظهر في الجزائر في أعقاب االحتالل الفرنسي لها‪،‬‬
‫ردا على االحتالل وتعبيرا عن عدم الرغبة في العودة إلى الدولة العثمانية‪ .‬وحمل لواء‬
‫هذا التيار حمدان خوجة (‪ )8145 - 8773‬ممثل المقاومة الجزائرية لالحتالل الفرنسي‪.‬‬
‫واتضحت معالم هذا التيار أثناء الحرب العالمية األولى لدى بعض المثقفين التونسيين‬
‫والجزائريين‪ ،‬وفي مصر في الربع األخير من القرن التاسع عشر وفي لبنان في الفترة‬
‫نفسها وفي مطلع القرن العشرين‪.‬‬
‫وكان معظم هذه التيارات السياسية ينهل من ينابيع الفكر العربي اإلسالمي ويصب في‬
‫المحيط العربي الواسع الساعي إلى إيقاظ األمة من غفوتها‪ ،‬والنهوض بها إلى مدارج‬
‫الرقي والتقدم‪ .‬كما كان بعضها يستقي من مصادر فكرية غربية ويصب في محيط‬
‫االستعمار الرامي إلى استعباد األمة واستغالل خيراتها وتجزئتها وسد السبل المؤدية إلى‬
‫نهوضها ورقيها‪ .‬الشريف حسين بن علي‬
‫احتل الشريف حسين بن علي مكانة مرموقة ومقامة رفيعة في نفوس العرب والمسلمين‬
‫منذ أن تولى إمارة مكة سنة ‪ .8801‬فهو سليل الدوحة النبوية الشريفة وأمير‬
‫‪- 40 -‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ .‬ولذا تطلعت إليه األنظار كلما أحاق بالدولة العثمانية خطر‪ ،‬واعترفت معظم القيادات‬
‫العربية بزعامته الروحية‪ .‬ولما فكر قادة األحزاب والجمعيات السرية العربية بالثورة‬
‫على األتراك في سنة ‪ ،8885‬في أعقاب حملة االعتقاالت واإلرهاب التي تعرض لها‬
‫المتنورون العرب في بالد الشام وتعليق نخبة منهم على أعواد المشانق في بيروت‬
‫ودمشق‪ ،‬اتجهوا بأنظارهم إلى الشريف حسين وطلبوا منه أن يتولى قيادة ثورتهم‪.‬‬
‫كان الحسين اميرة على مكة متعاون مع السلطان العثماني إلى أن أعلنت الحرب العالمية‬
‫األولى ودخلتها الدولة العثمانية إلى جانب المانيا والنمسا‪ ،‬فاشتد قلقه وتزعزعت ثقته‬
‫بحزب االتحاد والترقي‪ ،‬صاحب السلطة‪ ،‬بعد أن أدرك أن البالد العربية ستقع في يد‬
‫أعداء الدولة من الحلفاء ( اإلنكليز والفرنسيين والروس)‪ .‬وحاول إقناع السلطان العثماني‬
‫بعدم دخول الحرب دون جدوى‪ .‬وباتفاق مع قادة الحركة العربية‪ ،‬بدأ االتصال بممثل‬
‫بريطانيا في مصر ( السير هنري مكماهون ‪ .)Sir Henry Mac Mahon‬من أجل‬
‫إنقاذ الواليات العربية األسيوية في الدولة العثمانية‪ .‬وجرت مراسالت بين الطرفين نصت‬
‫على اعتراف بريطانيا باستقالل هذه الواليات وحريتها واتحادها في حالة انتصار الحلفاء‬
‫في هذه الحرب‪.‬‬
‫وبينما كانت بريطانيا تتفاوض مع الشريف حسين‪ ،‬أبرمت سرة اتفاقية سايکس ‪ -‬بيكو‬
‫‪ Sykes - Picot Agreement‬في ‪ ،8884 /5 /84‬اقتسمت بموجبها العراق وبالد‬
‫الشام بينهما بحيث أصبحت سوريا ولبنان منطقة نفوذ فرنسية‪ ،‬وفلسطين وشرقي األردن‬
‫والعراق منطقة نفوذ بريطانية‪ .‬وفي ‪ 8887 /88 /2‬صدر عن الحكومة البريطانية وعد‬
‫بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين‪.‬‬
‫وكان حزب االتحاد والترقي قد اضطهد العرب وفتك برجالهم‪ ،‬وسعى إلى تتريكهم‬
‫وحارب لغتهم العربية ومارس استبدادة مطلقة في حكمه‪ .‬لم يقبل المتنورون العرب بهذا‬
‫کله وانضموا إلى الشريف حسين ساعيين إلى تحرير بالدهم وإنقاذها‪ .‬وأعلن الشريف‬
‫حسين الثورة العربية الكبرى في ‪ 80‬حزيران ‪ .8884‬وتولى أبناؤه األربعة‪ :‬علي وعبد‬
‫هللا وفيصل وزيد قيادة قوات الثورة التي انطلقت من مكة المكرمة لتحرير األقطار‬
‫العربية‪ | .‬وتمكنت هذه القوات من تحرير الحجاز أو وفرض الحصار على المدينة‬
‫المنورة وانطلقت‬
‫‪-41 -‬‬
‫قوات األمير فيصل بن الحسين نحو الشمال فبلغت العقبة في ‪ ،3937 /7 /3‬وخاضت‬
‫معارك عديدة ضد القوات التركية في معان والطفيلة وتقدمت شماال حتى بلغت األزرق‪.‬‬
‫وتقدمت قوات منها نحو دمشق فدخلتها في ‪ ،3930 /9 /28‬ودخلها األمير فيصل في‬
‫‪ 3930 /38 /2‬واستمرت قواته في مالحقة القوات التركية المنسحبة إلى ما وراء‬
‫حلب حتى توقف القتال بإبرام الهدنة في ‪.3930 /38 /28‬‬
‫كانت الثورة العربية الكبرى تجسيدا لألماني القومية العربية‪ ،‬كما نادى بها الرعيل األول‬
‫من المتنورين العرب‪ .‬وخرجت بالعمل القومي العربي من نطاق الفكر والنظريات إلى‬
‫النطاق العملي الفاعل‪ .‬وألول مرة منذ قرون عدة يلتقي عرب آسيا صفا واحدا لتحقيق‬
‫أهداف مشتركة‪ .‬وقد عززت الثورة الثقة بالنفس والفخر باالنتماء إلى األمة العربية‪،‬‬
‫وأكدت حق العرب في تقرير مصيرهم‪ ،‬وأحيت اآلمال في قيام دولة الوحدة العربية‪.‬‬
‫تولى األمير فيصل بن الحسين إدارة سوريا الداخلية الممتدة من العقبة إلى حلب والتي‬
‫شملت شرقي األردن وحوران والجوالن ودمشق وحمص وحماة وحلب‪ .‬ومثل العرب‬
‫في مؤتمر الصلح الذي عقده الحلفاء في باريس خالل سنتي ‪ 8888‬و ‪ .8820‬وطالب‬
‫الدول الخليفة أن توفي بوعودها للعرب بإقامة الدولة العربية الواحدة في آسيا العربية‪،‬‬
‫المستقلة والمتعاونة مع الدول الخليفة‪ .‬لم يستجب الحلفاء لمطالب العرب‪ .‬فانعقد المؤتمر‬
‫السوري العام بدمشق ممثال لألقطار الشامية األربعة ( سوريا ولبنان وشرقي األردن‬
‫وفلسطين في حزيران ‪ ،8888‬واقر في اجتماعه الذي عقد في ‪ 8820 /3 /1‬المناداة‬
‫بفيصل بن الحسين ملكا على سوريا الكبرى‪ ،‬غير أن التآمر البريطاني الفرنسي أدى إلى‬
‫القضاء على المملكة الناشئة في ‪ 8820 /7 /24‬عند دخول القوات الفرنسية إلى دمشق‬
‫بعد معركة حامية في ميسلون لم تصمد فيها القوات العربية المقاومة‪ ،‬بعد أن استشهد‬
‫وزير الحربية العربي يوسف العظمة في ميدان المعركة‪ .‬اإلمارة األردنية (‪- 8828‬‬
‫‪)8844‬‬
‫شارك أهالي شرقي األردن في الثورة العربية الكبرى‪ ،‬وتبعت البالد إلى إدارة فيصل في‬
‫دمشق‪ ،‬ومثلت في المؤتمر السوري العام‪ .‬ولما قضى الفرنسيون على مملكة‬
‫‪- - 42 -‬‬
‫فيصل‪ ،‬أوفدت اإلدارة البريطانية في فلسطين ضباطة لالتصال بشيوخ البالد وضبط‬
‫األمن ريثما يتقرر مصيرها‪ .‬وفي هذه األثناء بعث شيوخ البالد ببرقيات إلى ملك الحجاز‬
‫الحسين بن علي يرجونه إرسال أحد أبنائه ليتولى قيادتهم وتحرير سوريا الشمالية من‬
‫االحتالل الفرنسي‪ ،‬وال سيما بعد أن فر من سوريا العديد من أنصار الملك فيصل‬
‫وأعوانه ولجأوا إلى عمان والسلط وغيرهما من المدن األردنية‪.‬‬
‫وافق الحسين على إرسال ابنه الثاني األمير عبد هللا إلى شرقي األردن فوصل إلى معان‬
‫في ‪ .8820 /88 /28‬وكانت قد تألفت حكومات محلية مثل حكومة مؤاب في الكرك‬
‫وحكومة السلط في البلقاء وحكومات دير يوسف وعجلون والوسطية والرمثا وجرش في‬
‫شمال البالد‪ .‬وارتبطت هذه الحكومات بضباط سياسيين بريطانيين ولم تتمتع أي منها‬
‫بصفة دولية‪.‬‬
‫اتفق قدوم األمير عبد هللا بن الحسين إلى األردن مع انعقاد مؤتمر للمسؤولين البريطانيين‬
‫في القاهرة بين ‪ 82‬و ‪ ،8828 /3 / 24‬ولما علم المؤتمرون بقدوم األمير الهاشمي تقرر‬
‫عرض إمارة شرقي األردن عليه‪ .‬وتم ذلك عند دعوة األمير إلى القدس اللقاء وزير‬
‫المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل ‪ Winston Churchill‬في أواخر آذار‬
‫‪ .8828‬فقبل األمير العرض‪ .‬وتألفت أول حكومة أردنية في عمان التي أصبحت عاصمة‬
‫اإلمارة في ‪ .8828 /4 /88‬وكان معظم أعضاء الحكومة من قادة حزب االستقالل‬
‫العربي الذي تألف في دمشق في عهد فيصل بن الحسين‪ .‬واستمر هذا الحزب في حكم‬
‫البالد حتى سنة ‪ ،8824‬بعد أن خضعت لالنتداب البريطاني مبدئية منذ مؤتمر سان ريمو‬
‫بين الحلفاء في نيسان ‪ 8820‬وعملية بعد صدور صك االنتداب البريطاني على فلسطين‬
‫وشرقي األردن في ‪ .8822 /7 /24‬وبموجب هذا الصك استثنيت شرقي األردن من‬
‫وعد بلفور الذي اقتصر على فلسطين‪.‬‬
‫سعى األمير عبد هللا إلى اعتراف بريطانيا بالكيان السياسي الجديد فتم ذلك في ‪ 35‬أيار‬
‫‪ .3932‬وكان األمير بالتعاون مع حكومته التي حملت في البداية أسماء "مجلس‬
‫المشاورين و مجلس المستشارين ومجلس الوكالء ومجلس النظار والمجلس التنفيذي"‬
‫يمارس السلطة التنفيذية في البالد تحت إشراف المندوب السامي البريطاني في القدس‬
‫‪- 43 - -‬‬
‫ومثله في عمان المعتمد البريطاني‪ .‬وكانت بريطانيا حتى سنة ‪ 3939‬تمارس السلطة‬
‫التشريعية بقرارات من المندوب السامي‪ ،‬وظلت طوال عهد اإلمارة تمارس اإلشراف‬
‫على الجيش العربي المؤلف من الشرطة والدرك والقوة البادية وعلى الشؤون‬
‫التشريعية والمالية والخارجية‪ ،‬بموجب صك االنتداب‪ .‬وطوال عهد اإلمارة تلقت االمارة‬
‫معونة مالية بريطانية سنوية لإلنفاق على الجيش العربي‪.‬‬
‫لم تعرف شرق األردن حكومة مركزية قبل قيام اإلمارة‪ ،‬ولذا حدث صدام بين الحكومة‬
‫في عمان وشيوخ العشائر في البداية‪ ،‬مثل تمرد كليب وادي الشريدة في الكورة في‬
‫شمال البالد في ربيع ‪ ،3933‬وتمرد سلطان العدوان في صيف ‪ ،3932‬وتمرد وادی‬
‫موسى في شتاء ‪ .3931‬وتمكنت الحكومة من القضاء على حوادث التمرد هذه‪.‬‬
‫وتعزي حوادث التمرد إلى حرمان شيوخ العشائر والزعماء التقليديين في الريف من‬
‫االمتيازات التي كانوا يتمتعون بها في العهد العثماني‪ ،‬كما تعزى إلى الجهل والفقرة‬
‫المدقع الذي كان عليه األهالي‪ ،‬وإلى عقلية الحكام الجدد الذي كانوا في األصل موظفين‬
‫في اإلدارة العثمانية المستبدة‪ ،‬وإلى محاولة الشباب األردنيين المتعلمين التحالف مع‬
‫بعض زعماء العشائر للحصول على مكاسب جديدة في اإلدارة والحلول محل الموظفين‬
‫العرب من األقطار الشقيقة‪.‬‬
‫وتمكن البريطانيون في عهد اإلمارة من تعيين حدود اإلمارة األردنية مع فلسطين‬
‫وسوريا ونجد والحجاز والعراق‪ ،‬بين سنتي ‪ 3933‬و ‪.3930‬‬
‫المعاهدة األردنية البريطانية لسنة ‪3930‬‬
‫واصل األمير عبد هللا مساعيه إلبرام معاهدة مع بريطانيا تحرر البالد من قيود صك‬
‫االنتداب‪ .‬وساهمت الفئات الواعية من الشعب األردني في دعم األمير في مسعاه‪ ،‬وال‬
‫سيما بعد قيام حزب الشعب سنة ‪ ،3937‬الذي نص نظامه األساسي على تأييد الحكم‬
‫الدستوري النيابي المسؤول‪ ،‬والحفاظ على استقالل البالد‪ ،‬ونشر التعليم‪،‬تحسين‬
‫األوضاع االقتصادية‪ ،‬وصيانة الحريات الفردية والعامة‪ ،‬وتطبيق مبدأ المساواة واإلخاء‬
‫بين األهالي‪.‬‬
‫‪- 44 - -‬‬
‫ولما قدمت الحكومة البريطانية المعاهدة األردنية ‪ -‬البريطانية في ‪،3930 /3 /38‬‬
‫التي جاءت في معظم موادها مطابقة لروح صك االنتداب‪ ،‬احتج حزب الشعب عليها‪،‬‬
‫وعقد المؤتمر الوطني األردني األول في مقهى حمدان بعمان في ‪3930 /7 /35‬‬
‫وحضره‬
‫حوالي (‪ )358‬مندوبة من مختلف أنحاء البالد‪ .‬وصدر عنه الميثاق الوطني األول الذي‬
‫تضمن اعتبار االنتداب مساعدة فنية نزيهة‪ ،‬ورفض وعد بلفور‪ ،‬والتزم برفض كل‬
‫انتخابات ال تقوم على التمثيل الصحيح‪ ،‬ورفض التجنيد إذا لم يصدر عن حكومة‬
‫وطنية‪ ،‬ورفض تحمل نفقات " قوة حدود شرق األردن" البريطانية‪ ،‬واعتبار المعونة‬
‫البريطانية مقابل حفظ خطوط المواصالت البريطانية‪ ،‬واعتبار کل تشريع استثنائي ال‬
‫يقوم على العدل والمنفعة العامة تشريعا باط‪ ،‬وعدم جواز التصرف باألراضي األميرية‬
‫مثل عرضها على المجلس النيابي وتصديقه عليها‪.‬‬
‫والواقع أن المعاهدة‪ ،‬على مساوئها‪ ،‬تضمنت وضع قانون اساسي (دستور) للبالد‪،‬‬
‫والتنازل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى األمير‪ .‬وبالمقابل حصلت بريطانيا على‬
‫حق االحتفاظ بقواتها المسلحة في شرقي األردن‪ ،‬وتكليف الحكومة األردنية بدفع سدس‬
‫نفقات قوة حدود شرقي األردن‪ ،‬وتقديم معونة مالية سنوية من بريطانيا على شكل هبة‬
‫إلى الحكومة األردنية‪ ،‬وإشراف بريطانيا على االمتيازات واستثمار الموارد الطبيعية‪،‬‬
‫وحقها في ضمان السيادة الوطنية للبالد‪ .‬وكانت المعاهدة خاتمة مرحلة من حياة اإلمارة‬
‫اتسمت باالضطرابات الداخلية والمتاعب المالية واالقتصادية واالعتداءات الخارجية وال‬
‫سيما اعتداءات "اإلخوان" من نجد على جنوب األردن والبلقاء بين سنتي ‪ 8822‬و‬
‫‪ .8824‬النضال من أجل االستقالل‬
‫تمثل نضال الشعب األردني من أجل االستقالل في حزب الشعب األردني الذي عقد‬
‫المؤتمر الوطني األول‪ ،‬وصدر عنه الميثاق الوطني األردني الذي ظلت مبادؤه األساس‬
‫والمنطلق للحركة الوطنية األردنية من أجل التحرر واالستقالل‪ .‬وعبر المواطنون‬
‫األردنيون عن رفضهم لمعاهدة ‪ 8821‬بالمظاهرات التي عمت المدن‪ ،‬وبرقيات‬
‫‪- 45 -‬‬
‫االحتجاج التي أمطروا بها الجهات المسؤولة في عمان والقدس ولندن وعصبة األمم‬
‫في جنيف‪ .‬وتولت اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني األردني قيادة الحركة الوطنية‬
‫األردنية‪ .‬وركزت مطالبها على رفض االنتداب البريطاني على البالد‪ ،‬والفصل بين‬
‫السلطتين التنفيذية والتشريعية‪ ،‬وجعل الحكومة مسؤولة أمام المجلس التشريعي‪،‬‬
‫والتخلص من الموظفين البريطانيين‪ .‬واحتجت اللجنة التنفيذية على تدخل المعتمد‬
‫البريطاني في شؤون الحكم واإلدارة‪ .‬واستنكرت نشاط الصهيونية في فلسطين وشرقي‬
‫األردن‪ .‬وواصل نواب المعارضة في المجالس التشريعية الخمسة مطالبهم الوطنية‬
‫الرامية إلى تحرير البالد واستقاللها التام‪.‬‬
‫تعرضت الحركة الوطنية لالضطهاد بإصدار التشريعات التي تحد من الحريات العامة‪.‬‬
‫وبلغ القمع أشده سنة ‪ 3925‬بصدور قانون الدفاع عن شرق األردن‪ .‬وأظهر الشعب‬
‫األردني وأميره التعاطف مع الحركة الوطنية الفلسطينية وال سيما أثناء الثورة‬
‫الفلسطينية الكبرى (‪ .)3920 – 3921‬ولما أعلنت الحرب العالمية الثانية في بداية‬
‫أيلول ‪ "3929‬وقف األردن إلى جانب بريطانيا‪ ،‬وفرض على البالد قانون الدفاع‬
‫واألنظمة الصادرة بمقتضاه لعام ‪ .3929‬وعلى الصعيد الرسمي طالب األمير عبد هللا‬
‫أثناء زيارته للندن (‪7 - 1 /3‬‬
‫‪ )3921/ 38 /‬بتعديالت جذرية على أحكام معاهدة ‪ ،3930‬لكن الحكومة البريطانية‬
‫لجات إلى التسويف‪ .‬وجدد األمير مطالبه في زيارته للندن ( ‪1‬‬
‫‪ )3927 /1 /32 - 28 /‬دون أن يتلقى ردة من السلطات البريطانية‪ .‬وفي ‪/3 /1‬‬
‫‪ 3913‬قدمت الحكومة األردنية مذكرة إلى المعتمد البريطاني تضمنت منح شرق‬
‫األردن استقاللها التام‪ .‬وجددت الحكومة مطلبها في ‪ ،3912 /33 /1‬وردت الحكومة‬
‫البريطانية في ‪ 3911 /1 /31‬بوعد األردن باالستقالل وإبرام معاهدة تحالف معه بعد‬
‫نهاية الحرب العالمية الثانية‪ .‬وفي ‪ 3911 /3 /31‬أبلغ المندوب السامي البريطاني‬
‫األمير عبد هللا بمضمون بيان وزير الخارجية البريطانية الذي سيلقيه في الجمعية‬
‫العامة لألمم المتحدة في اليوم التالي حول منح األردن االستقالل قريبا‪.‬‬
‫وفي ‪ 3911 /3 /38‬توجه األمير ورئيس وزرائه إلى لندن حيث أجريت‬
‫‪- - 46 -‬‬
‫مفاوضات مع وزير الخارجية البريطاني اختتمت في ‪ 3911 /2 /33‬بتوقيع معاهدة‬
‫التحالف األردنية ‪ -‬البريطانية‪ .‬نصت المعاهدة على إلغاء االنتداب البريطاني على البالد‬
‫وإلغاء معاهدة ‪ 3930‬وما تالها من اتفاقات‪ .‬واعترفت بريطانيا بشرق األردن دولة‬
‫مستقلة وباألمير عبد هللا ملكا عليها‪ .‬قيام المملكة األردنية الهاشمية‬
‫في ضوء إبرام معاهدة التحالف األردنية ‪ -‬البريطانية لسنة ‪ ،8844‬قررت المجالس‬
‫البلدية األردنية إعالن البالد األردنية دولة مستقلة استقالال تاما على أساس النظام الملكي‬
‫النيابي‪ ،‬ومبايعة أمير البالد عبد هللا بن الحسين ملكة دستورية على رأس الدولة األردنية‪.‬‬
‫وبعثت بهذه القرارات إلى مجلس الوزراء الذي قرر عرض هذه القرارات على المجلس‬
‫التشريعي للنظر فيها‪ .‬وعقد المجلس التشريعي دورة استثنائية في ‪ ،8844 /5 /22‬قرر‬
‫فيها تعديل القانون األساسي الشرقي األردن‪ .‬وفي ‪ 8844 /5 /25‬قرر المجلس‬
‫التشريعي إعالن البالد األردنية دولة مستقلة استقالأل تامة وذات حكومة ملكية وراثية‬
‫نيابية‪ ،‬والبيعة بالملك لعبد هللا بن الحسين بوصفه ملكة دستورية بلقب حضرة الجاللة‬
‫(ملك المملكة األردنية الهاشمية)‪.‬‬
‫جرت مراسيم تقديم وثيقة البيعة بالملك وعرض عسكري في هذه المناسبة الوطنية‬
‫حضرهما أعضاء المجلس التشريعي وممثلو الدول وزعماء البالد ووفود من البالد‬
‫العربية‪ .‬وتقرر اعتبار يوم ‪ 35‬أيار عيدة لالستقالل‪ .‬العالقة األردنية ‪ -‬الفلسطينية‬
‫كانت فلسطين وشرقي األردن جزءا من بالد الشام عبر العصور‪ ،‬ال تفصل بينهما حدود‬
‫أو حواجز حتى نهاية الحرب العالمية األولى‪ .‬فقد عينت الحدود بينهما في ‪/9 /3‬‬
‫‪" 3933‬من خط ممتد من نقطة واقعة على خليج العقبة على بعد ميلين إلى الغرب من‬
‫بلدة العقبة‪ ،‬ويمر بمنتصف وادي عربة والبحر الميت ونهر األردن حتى النقطة التي‬
‫يلتقي فيها هذا النهر نهر اليرموك‪ .‬فمنتصف هذا النهر حتى الحدود السورية"‪.‬‬
‫وصادق مجلس عصبة األمم على هذه الحدود في ‪.3932 /3 /32‬‬
‫‪-47- -‬‬
‫هذا وقد شغلت قضية فلسطين أذهان األردنيين منذ ظهورها على المسرح السياسي‪،‬‬
‫وشدت انتباههم موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين‪ ،‬وحرکت مشاعرهم المقاومة‬
‫العربية الفلسطينية للغزو الصهيوني واالضطهاد البريطاني والظلم الذي لحق بشعب‬
‫فلسطين‪ .‬ومنذ سنة ‪ 3939‬أحتج شيوخ شرقي األردن على فصل فلسطين عن سوريا‬
‫الكبرى‪ .‬وشارك ممثلو شرقي األردن في المؤتمر السوري العام في أعمال المؤتمر‬
‫الفلسطيني الثاني الذي عقد في دمشق ‪ 3938 /3 /37‬والذي تقرر فيه رفض وعد‬
‫بلفور والهجرة اليهودية واعتبار فلسطين جزءا ال يتجزأ من سوريا‪.‬‬
‫وفي نيسان ‪ 3938‬سارع أهالي شمال األردن في الهجوم على المستعمرات اليهودية‬
‫في غور بيسان واستشهد عشرة منهم‪ .‬واهتم األمير عبد هللا بن الحسين بفلسطين منذ‬
‫أن وطئت قدماه أرض األردن‪ ،‬وظلت قضيتها تشغل باله حتى يوم اغتياله‪ .‬ولم يتوان‬
‫عن محاولة إقناع السلطات البريطانية بضرورة تغيير سياستها الممالئة اللصهيونيين‬
‫في فلسطين‪.‬‬
‫وكانت أحداث فلسطين تثير ردود فعل قوية في شرقي األردن‪ .‬وقد حدد الميثاق الوطني‬
‫األردني الصادر في ‪ 8821 /7 /25‬الموقف الشعبي األردني من وعد بلفور إذ عده‬
‫"مخالفة لعهود بريطانيا ووعودها الرسمية للعرب‪ ،‬وتصرفة مضادة للشرائع الدينية |‬
‫والمدنية في العالم"‪.‬‬
‫ولما اندلعت هبة البراق في فلسطين في آب ‪ 3939‬انطلقت المظاهرات في عمان‬
‫والسلط وإربد تاييدا لعرب فلسطين‪ .‬وحملت اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني األردني‬
‫بريطانيا مسؤولية األحداث في فلسطين في بيان أصدرته بمناسبة األحداث‪ .‬وتدخل‬
‫األمير عبد هللا لدى المندوب السامي البريطاني برسالة في ‪ 3928 /7 /3‬مساندة شعب‬
‫فلسطين‪ .‬وأعرب عن قلقه من تدفق المهاجرين اليهود‪ .‬وكانت الفئات الواعية األردنية‬
‫تخشى أن يمتد النشاط الصهيوني إلى بالدها‪ .‬واتخذ المؤتمر الوطني المنعقد في ‪/35‬‬
‫‪ 3923 /2‬قرارا بمناهضة كل مسعى إلدخال اليهود إلى شرقي األردن‪ .‬ولما أعلن‬
‫اإلضراب في فلسطين في ‪ 3921 /5 /0‬بعث األمير عبد هللا بمذكرة إلى المندوب‬
‫السامي‬
‫‪- 48 -‬‬
‫‪-‬‬
‫طالب فيها بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين كخطوة أولى إلنهاء اإلضراب‪ .‬وكرر‬
‫األمير مساعيه دون جدوى‪.‬‬
‫وشارك (‪ )28‬مندوبة من شرقي األردن في المؤتمر القومي الذي عقد في بلودان‬
‫(سوريا) في ‪ .8837 /8 /1‬وقرر المؤتمر اعتبار فلسطين جزءا ال يتجزا من الوطن‬
‫العربي‪ ،‬ورفض التقسيم الذي اقترحته لجنة بيل ‪ Peel Commission‬البريطانية‪،‬‬
‫وطالب بإلغاء االنتداب ووعد بلفور و استقالل فلسطين‪ ،‬ومنع الهجرة إليها‪.‬‬
‫واقترح األمير عبد هللا في ‪ 8831 /5 /23‬توحيد األردن وفلسطين في مملكة واحدة‬
‫ومنح اليهود فيها إدارة مختارة‪ ،‬غير أن السلطات البريطانية رفضت اقتراح األمير‪.‬‬
‫وشارك األردن رسميا في مؤتمر لندن الذي ضم مندوبين عن العرب واليهود في ‪/2 /7‬‬
‫‪ .8838‬ولما تعذر اتفاق الفريقين أصدرت الحكومة البريطانية كتابة أبيض في ‪/5 /87‬‬
‫‪ 8838‬وافق عليه مجلسا العموم واللوردات البريطانيان‪ .‬غير أن اللجنة العربية العليا‬
‫ومعظم الدول العربية رفضت ما جاء فيه‪.‬‬
‫وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سعى الصهاينة بكل ما لديهم من نفوذ إلى اإلسراع‬
‫بإقامة الدولة اليهودية في فلسطين‪ .‬ومارسوا ضغوطة قوية على الحكومتين األمريكية‬
‫والبريطانية كانت نتيجتها تأليف لجنة تحقيق أنکلو – أمريكية لبحث مسألة يهود أوروبا‪.‬‬
‫فأوصت اللجنة بإدخال مئة ألف مهاجر يهودي إلى فلسطين‪ .‬وقد استنكر األمير عبد هللا‬
‫واألردنيون توصياتها واحتجوا عليها‪ .‬ولبي األمير دعوة الملوك والرؤساء العرب‬
‫المؤتمر أنشاص في ‪ 8844 /5 /21‬الذي أيد مطالب عرب فلسطين واستنكر توصيات‬
‫لجنة التحقيق األنكلو – أمريكية‪ .‬وأكد مجلس جامعة الدول العربية الذي عقد في بلودان‬
‫بين ‪ 1‬و ‪ 8844 /4 /82‬رفض توصياتها‪ ،‬وعرض القضية على منظمة األمم المتحدة‪.‬‬
‫ولما قدمت بريطانيا مشروع موريسون ‪ Morrison Plan‬إلى وفود الدول العربية‬
‫ووفد عرب فلسطين من جهة ووفد الوكالة اليهودية من جهة أخرى في مؤتمر عقد في‬
‫لندن في أيلول ‪ ،8844‬قدمت الوفود العربية مشروعا لحل القضية الفلسطينية يتضمن‬
‫قيام دولة موحدة دستورية ديمقراطية‪ ،‬غير أن بريطانيا رفضته‪،‬‬
‫‪-‬‬
‫‪- 49 -‬‬
‫وقررت عرض القضية على الجمعية العامة لألمم المتحدة التي عقدت جلسة طارئة في‬
‫‪ 8847 /4 /2‬واختارت لجنة خاصة للتحقيق وتقديم توصيات لحل القضية الفلسطينية‪.‬‬
‫أقامت شهرة في فلسطين وزارت عمان‪ ،‬وقدمت تقريرها إلى الجمعية العامة لألمم‬
‫المتحدة واقترحت اكثرية أعضائها مشروعا لتقسيم فلسطين بين العرب واليهود وقيام‬
‫منطقة دولية تشمل مدينة القدس ‪ ،‬أقرت الجمعية العامة لألمم المتحدة مشروع التقسيم في‬
‫‪ : 8847 /88 /28‬غير أن الدول العربية رفضت المشروع وقاومته بجميع الوسائل‬
‫الممكنة بما في ذلك استعمال القوة‪ .‬وقررت اللجوء إلى العمل العسكري‪ .‬وتضامن‬
‫األردن مع الدول العربية وخاض جيشه الحرب العربية ‪ -‬اليهودية التي بدات في ‪/5 /85‬‬
‫‪ 8841‬مثلما شارك أبناء األردن في جيش اإلنقاذ وفي تنظيمات عسكرية شعبية أخرى‪.‬‬
‫واستطاع الجيش األردني الدفاع عن مدينة القدس القديمة والحفاظ على عروبتها‪ .‬وخاض‬
‫معارك باب الواد الشهيرة في الدفاع عن المدينة المقدسة‪ .‬ولما انتهت الحرب وفرضت‬
‫الهدنة الثانية في ‪ 8841 /7 /88‬انسحب الجيش العراقي من منطقة نابلس وسلمها للجيش‬
‫األردني كما انسحب الجيش المصري من منقطة الخليل وحل محله الجيش األردني‬
‫وبذلك أصبح الجيش األردنی مدافعا عن منطقة الضفة الغربية كلها التي تشمل مناطق‬
‫نابلس والقدس والخليل‪ .‬وأبرمت اتفاقية الهدنة بين األردن وإسرائيل في سنة ‪.8848‬‬
‫وحدة الضفتين‬
‫في ‪ 3910 /9 /38‬قرر مجلس جامعة الدول العربية إنشاء حكومة عموم فلسطين‬
‫بالتعاون مع الهيئة العربية العليا لفلسطين‪ ،‬واتخذت الحكومة الجديدة مدينة غزة مقرة‬
‫لها‪ ،‬ونالت اعتراف جميع الدول العربية باستثناء األردن‪ .‬فقد عقد مؤتمر وطني‬
‫فلسطيني في عمان في ‪ 3910 /38 /3‬أكد عدم اعترافه بحكومة غزة‪ ،‬وطالب الملك‬
‫عبد هللا بإنقاذ فلسطين وبسط حمايته عليها‪ .‬وعقد مؤتمر وطني فلسطيني موسع في‬
‫أريحا في ‪ 3910 /33 /3‬اتخذ عدة قرارات منها‪ :‬المناداة بالوحدة الفلسطينية‬
‫األردنية‪ ،‬واعتبار فلسطين وحدة ال تتجزأ‪ ،‬ومبايعة الملك عبد هللا بن الحسين ملكة على‬
‫فلسطين كلها‪| .‬‬
‫‪- - 50 -‬‬
‫وطالب المؤتمر الدول العربية بمواصلة القتال إلنقاذ فلسطين والسعي إلرجاع الالجئين‬
‫الفلسطينيين إلى بالدهم والتعويض عليهم‪.‬‬
‫وفي ‪ 8848 /82 /84‬الغي منصب الحاكم العسكري العام في الضفة الغربية‪ ،‬وحل‬
‫مجلس النواب األردني في ‪ .8850 /8 /8‬وأجريت انتخابات نيابية في الضفتين الغربية‬
‫والشرقية في ‪ 8850 /4 /20‬وضم المجلس النيابي الجديد عشرين نائبا لكل من‬
‫الضفتين‪ .‬اجتمع المجلس في ‪ 8850 /4 /24‬واتخذ قرارا صادق بموجبه على الوحدة‬
‫التامة بين ضفتي األردن واندماجهما في دولة واحدة على رأسها الملك عبد هللا بن‬
‫الحسين‪ ،‬وذلك على أساس الحكم النيابي الدستوري والتساوي في الحقوق والواجبات بين‬
‫المواطنين جميعا‪ .‬وأكد القرار "المحافظة على كامل الحقوق العربية في فلسطين والدفاع‬
‫عن تلك الحقوق بكل الوسائل المشروعة وبملء الحق وعدم المساس بالتسوية النهائية‬
‫القضيتها العادلة في نطاق األماني القومية والتعاون العربي والعدالة االجتماعية"‪ .‬طموح‬
‫الملك المؤسس‬
‫كان عبد هللا بن الحسين‪ ،‬مؤسس المملكة‪ ،‬مفكرة وأديبة خلف آثارة فكرية وأدبية رفيعة‬
‫المستوى منها‪ " :‬األمالي السياسية"‪ ،‬و" من أنا " و "مذكراتي" و "جواب السائل عن‬
‫الخيل األصائل" و"بين المنثور والمنظوم"‪ .‬وكان لنسبه الهاشمي ولتربيته العربية‬
‫التقليدية والمعرفته العميقة بالدين اإلسالمي وإلمامه بالتراث العربي‪ ،‬أثرها الواضح في‬
‫فكره السياسي‪ .‬فهو يرى أن للهاشميين دورة متميزة في التاريخ العربي اإلسالمي‪ ،‬وأن‬
‫لوالده الحسين بن علي دورة بارزة في نهضة العرب الحديثة‪ .‬ووجد توافق تاما بين‬
‫العروبة واإلسالم‪ .‬وكان داعية إلى الوحدة العربية‪ ،‬ما انفك يسعى إليها طوال‬
‫حياته‪ .‬ولكنه لم يكن في دعوته هذه حالمة بل كان واقعية براغماتية‪ ،‬أدرك الحقائق‬
‫السياسية الجديدة التي فرضتها الدول الكبرى في المنطقة العربية‪ ،‬وجعل مبداه السياسي‪:‬‬
‫"خذ وطالب"‪ .‬وكانت حالة التجزئة العربية تحزنه‪ .‬ولذا كان يرى أن وحدة العرب ال بد‬
‫أن تتم على مراحل تبدا بوحدة األقطار الشامية ( سوريا ولبنان وفلسطين واألردن) تليها‬
‫وحدة الهالل الخصيب ( العراق وسوريا الكبرى) فوحدة أقطار اسيا العربية‪ .‬وكان يغتنم‬
‫كل مناسبة للدعوة إلى الوحدة أو االتحاد العربي‪.‬‬
‫‪- 51 -‬‬
‫ركز العاهل الهاشمي على وحدة سوريا الكبرى‪ ،‬وبذل جهودا كبيرة في هذا االتجاه‪.‬‬
‫فاتصل بالقادة السياسيين السوريين على اختالف احزابهم وميولهم السياسية‪ ،‬فاستجاب‬
‫لدعوته قلة منهم وعارضتها األكثرية‪ .‬وسعي لدى بريطانيا إلقناعها بالموافقة على‬
‫مشروعه هذا فلم تستجب لدعوته‪.‬‬
‫وعقد مؤتمر وطني أردني في ‪ 5‬و ‪ 3912 /2 /1‬صدر عنه مشروعان لوحدة بالد‬
‫الشام‪ ،‬أولهما يتضمن إنشاء دولة موحدة مستقلة وذات سيادة ونظام الحكم فيها ملكي‬
‫دستوري‪ ،‬وثانيهما يتضمن قيام دولة اتحادية عاصمتها دمشق تشمل األقطار األربعة‪.‬‬
‫‪ :‬ولما أدرك أن االستجابة السورية واللبنانية لمشروعه ضعيفة سعى إلى إقامة الوحدة مع‬
‫العراق حيث يوجد على عرشه حفيد أخيه فيصل‪ ،‬الملك فيصل الثاني بن غازي وبدأ هذه‬
‫المساعي منذ سنة ‪ ،8842‬فكانت االستجابة ضعيفة‪ .‬وجدد دعوته سنة ‪ 8844‬دون‬
‫جدوى‪ .‬ولما قامت جامعة الدول العربية في آذار ‪ ،8845‬كان للعاهل الهاشمي رأيه‬
‫الخاص فيها‪ ،‬لعجزها عن تحقيق وحدة العرب وتضامنهم‪ .‬وقد تحقق بعض طموحه بقيام‬
‫وحدة الضفتين سنة ‪ .8850‬واغتيل في السنة التالية في مدخل المسجد األقصى في‬
‫القدس‪ ،‬قبل أن يحقق مسعاه في اتحاد األردن والعراق‪ .‬عهد الملك طالل‬
‫كان غياب الملك عبد هللا المفاجئ عن المسرح السياسي في ‪ 8858 /7 /20‬قد أحدث‬
‫صدی عميقة في المنطقة العربية وادي إلى مضاعفات خطيرة‪ ،‬فقد دفن مشروع سوريا‬
‫الكبرى مع الملك الراحل‪ .‬وتال غيابه أزمة سياسية في البالد بسبب مرض األمير طالل‬
‫أكبر أنجال الملك الشهيد وولي عهده‪ ،‬الذي كان يعالج في إحدى المصحات السويسرية‪.‬‬
‫عاد األمير طالل إلى عمان في ‪ 8858 /82 /4‬بعد أن نودي به ملكة على البالد قبل‬
‫ثالثة أشهر‪ .‬وكان الملك الجديد يتمتع بشعبية كبيرة‪ .‬دام حكمه سنة واحدة تم خاللها‬
‫التقارب مع األسرة المالكة السعودية‪ ،‬وسن في عهده الدستور الحالي للمملكة في ‪/8 /8‬‬
‫‪ .8852‬غير أن المرض حال دون استمراره في ممارسة سلطاته الدستورية فأعفي من‬
‫منصبه في ‪ 8852 /1 /88‬ونودي بإبنه وولي عهده األمير‬
‫‪- 52 -‬‬
‫‪-‬‬
‫حسين ملكا على األردن‪ ،‬وتألف مجلس وصاية بسبب صغر سن الملك الجديد‪ .‬وتمكن‬
‫الملك من متابعة دراسته العسكرية في الكلية الحربية البريطانية ساندهيرست‬
‫‪ .Sandhurst‬ولما بلغ سن الرشد أقسم اليمين الدستورية وتسلم سلطاته كرئيس‬
‫دولة في ‪ .3952 /5 /3‬بداية حكم الحسين بن طالل‬
‫بدأ حكم المليك الشاب بانفتاح على الحركات السياسية في البالد والتعاون مع الدول‬
‫العربية الشقيقة‪ .‬وواجه الملك الجديد االعتداءات اإلسرائيلية المتتالية على القرى‬
‫الحدودية في الضفة الغربية‪ ،‬وكان من أهمها االعتداءات على قرى قبية ونحالين وفلمة‬
‫ورنتيس‪ .‬وأدت هذه االعتداءات إلى ردود فعل شعبية تمثلت في المظاهرات في المدن‬
‫األردنية التي اعتبرت الفريق كلوب ‪ ،John Glubb‬رئيس هيئة أركان الجيش‬
‫األردني‪ ،‬مسؤوال عن حماية هذه القرى‪ ،‬وطالبت بمحاسبته وعزله‪.‬‬
‫وفي بداية حكم الحسين نشطت األحزاب السياسية في البالد سرة مثل حزب البعث‬
‫العربي االشتراكي الذي نشا کفرع لحزب البعث العربي االشتراكي في سوريا منذ سنة‬
‫‪ ،8850‬والحزب الشيوعي األردني الذي تكون سنة ‪ 8858‬استمرارة لعصبة التحرر‬
‫الوطني في فلسطين وضم عناصر من الضفة الشرقية أيضا‪ ،‬وحركة القوميين العرب‬
‫التي تكونت سنة ‪ .8852‬أما األحزاب السياسية العلنية فهي‪ :‬جماعة اإلخوان المسلمين‬
‫التي تأسست في عمان في مطلع سنة ‪ ،8844‬والحزب الوطني االشتراكي الذي تكون‬
‫سنة ‪ ،8854‬وحزب األمة الذي تأسس سنة ‪ 8855‬من أنصار رئيس الوزراء سمير‬
‫الرفاعي‪ ،‬والحزب العربي الدستوري الذي تأسس سنة ‪ 8854‬من أنصار رئيس الوزراء‬
‫توفيق أبو الهدى‪ .‬وكان لألحزاب السرية نشاط سياسي واسع في صفوف الطلبة‬
‫وأصحاب المهن الحرة من أطباء ومهندسين وصيادلة وأصحاب الحرف وموظفي الدولة‬
‫ومعلمي المدارس‪ .‬أما األحزاب العلنية فقد استقطبت الطامعين في وظائف الدولة العليا‪،‬‬
‫باستثناء اإلخوان المسلمين الذين استقطبوا الطلبة والمعلمين والمتدينين من التجار‬
‫وأصحاب الحرف والمهن الحرة‪.‬‬
‫‪- 53 - -‬‬
‫وفي السنوات األولى من حكم الحسين تعرضت الدول العربية لضغوط الدول الغربية‬
‫الكبرى (الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا وفرنسا) لالنضمام إلى احالف عسكرية‬
‫تحت قيادتها لمواجهة االتحاد السوفياتي ومكافحة الشيوعية‪ .‬وكان من هذه األحالف‬
‫"القيادة العليا للحلفاء في الشرق األوسط" التي أعلنت سنة ‪ 3953‬ورفضت الدول‬
‫العربية االنضمام إليها‪ ،‬و"منظمة الدفاع عن الشرق األوسط" التي لم تختلف عن‬
‫المشروع السابق وعرضت على الدول العربية سنة ‪ 3953‬فرفضتها على الرغم من‬
‫جولة وزير الخارجية األمريكي دلس ‪ Dulles‬على العواصم العربية‪ .‬ونجحت بريطانيا‬
‫في مطلع سنة ‪ 3955‬في إقامة الحلف التركي العراقي الذي عرف بحلف بغداد‪،‬‬
‫وانضمت إليه بريطانيا‪ .‬وتعرض األردن إلى ضغوط قوية من بريطانيا وتركيا لالنضمام‬
‫إلى الخلف المذكور‪ ،‬غير أن المظاهرات الشعبية في جميع المدن األردنية الرافضة‬
‫للحلف أفشلت المساعي الرامية إلى ضم األردن إلى الخلف المذكور‪ .‬تعريب قيادة‬
‫الجيش شغل الضباط اإلنكليز المناصب العليا في قيادة الجيش العربي األردني منذ‬
‫تأسيسه‪ .‬وكان رئيس هيئة األركان الفريق جون باغوت کلوب ‪John Bagot Glubb‬‬
‫قد دخل صفوف الجيش سنة ‪ 8830‬برتبة ميجور ‪ Major‬وتولى قيادة أول قوة للبادية‬
‫المراقبة الحدود الجنوبية والشرقية للبالد‪ .‬وتولى رئاسة األركان بعد تسع سنوات من‬
‫دخوله الجيش إثر استقالة الزعيم (العميد) فردريك بيك ‪ F.Peake‬أول رئيس لألركان‬
‫العامة‪ .‬ومنذئذ أصبح كلوب المسؤول األول عن األمن في األردن‪ .‬وبقي في منصبه بعد‬
‫حصول البالد على استقاللها سنة ‪ ،8844‬إال أنه ظل في نظر األردنيين رمزا للهيمنة‬
‫البريطانية‪ .‬واتهم في الحرب العربية ‪ -‬اليهودية سنة ‪ 8841‬بالتقصير ومحاولة منع‬
‫الجيش األردني من السيطرة على مدينة القدس كلها‪ ،‬وبالتخلي عن مدينتي اللد والرملة‬
‫لتسقطا في أيدي اليهود‪ ،‬وبمساعدة اليهود على احتالل النقب الجنوبي ومنطقة أم‬
‫الرشراش (إيالت حاليا)‪ .‬ومنذئذ أصبح مجرد ذكر كلوب يثير مشاعر الجماهير‬
‫األردنية‪ .‬وكان عدد من الضباط األردنيين يشعرون بأن كلوب يتباطأ في ترقيتهم الضمان‬
‫بقاء الضباط اإلنكليز في قيادة الجيش‪.‬‬
‫‪- - 54 -‬‬
‫وكان قانون االنتخاب يسمح للجيش بانتخاب المرشحين للمجلس النيابي في تکناته‪،‬‬
‫وبذلك يصبح مصير المرشحين بين يدي كلوب‪ .‬وكانت قيادة الشرطة والدرك بيد کلوب‪.‬‬
‫ف ي هذه الظروف بدا الملك حسين يتصل بالشباب الوطني األردني والسيما ضباط‬
‫الجيش منهم‪ ،‬ونشأت بينه وبين الرئيس (النقيب) على أبو نوار عالقة ودية بين سنتي‬
‫‪ 3952‬و ‪ ،3955‬فقام األخير بنقل تظلمات الضباط األردنيين ووجهات نظرهم إلى‬
‫الملك الشاب‪ .‬وبدأ الخالف بين الملك ورئيس أركان الجيش حول عدد من األمور‬
‫العسكرية منها تولي الضباط األردنيين قيادة الكتائب واأللوية في الجيش‪ ،‬وانفاق‬
‫موازنة الجيش‪ ،‬ونقص الذخائر والمستودعات‪ ،‬والحاجة إلى سالح جوي فاعل‪ ،‬وإلى‬
‫دفاع مدني منظم‪.‬‬
‫وأخيرا قرر الملك إعفاء كلوب والضباط البريطانيين من مناصبهم في الجيش وأمر‬
‫مجلس الوزراء بإصدار قرار بذلك في ‪ .8854 /3 /8‬وعهد إلى الزعيم العميد) راضي‬
‫عتاب برئاسة أركان الجيش‪ .‬وكان لهذا القرار ردود فعل سريعة لدى الحكومة البريطانية‬
‫التي حاولت ثني الملك والتراجع عن قراره‪ .‬إال أن الحسين أصر على موقفه‪ .‬وعلى‬
‫الصعيد األردني استقبل القرار بفرحة عارمة اجتاحت البالد‪ .‬ورحبت البالد العربية‬
‫بالقرار وال سيما مصر والعربية السعودية وسوريا‪ ،‬وأيدت األردن‪ .‬وعرضت الدول‬
‫الثالث األخيرة مساعدة مالية على الحكومة األردنية بديلة عن المساعدة المالية‬
‫البريطانية‪ ،‬فقبلها األردن‪ .‬إنهاء معاهدة التحالف األردنية ‪ -‬البريطانية‬
‫أعقب تعريب قيادة الجيش األردني انفراج سياسي في البالد‪ .‬واستأنفت األحزاب‬
‫السياسية المحظورة نشاطها بشكل علني وبدون ترخيص رسمي‪ .‬وصدرت صحف‬
‫المعارضة السياسية مثل "اليقظة" لسان حال حزب البعث العربي االشتراكي و"صوت‬
‫الجماهير" لسان حال الحزب الشيوعي‪ ،‬و "الرأي" لسان حال القوميين العرب‪،‬‬
‫و"العمال" لسان حال النقابات العمالية األردنية‪.‬‬
‫وحل مجلس النواب في ‪ ،6592 /2 /62‬وتقرر إجراء االنتخابات النيابية في‬
‫‪- 55 -‬‬
‫‪ .3951 /38 /33‬وأجريت االنتخابات في موعدها في جو من الحرية والنزاهة‪.‬‬
‫واستبعد الجيش منها‪ .‬واشتركت فيها ستة أحزاب سياسية‪ ،‬أربعة منها محظورة هي‪:‬‬
‫الجبهة الوطنية (شيوعية) والبعث العربي االشتراكي وحزب التحرير اإلسالمي وحركة‬
‫القوميين العرب‪ .‬أما األحزاب العلنية فهي‪ :‬حزب االتحاد الدستوري والحزب الوطني‬
‫االشتراكي واإلخوان المسلمون‪ .‬وقد أحرز الحزب الوطني االشتراكي تسعة مقاعد في‬
‫المجلس النيابي‪ ،‬واإلخوان المسلمون أربعة مقاعد والبعث مقعدين والتحرير اإلسالمي‬
‫مقعدا واحدة واالتحاد العربي الدستوري مقعدة واحدة والمستقلون عشرين مقعدا‪.‬‬
‫وبناء على هذه النتيجة كلف الملك سليمان النابلسي‪ ،‬األمين العام للحزب الوطني‬
‫االشتراكي‪ ،‬بتأليف الحكومة‪ ،‬فألفها في ‪ ،3951 /38 /39‬وضمت سبعة وزراء من‬
‫الوطني االشتراكي ووزيرة واحدة من الجبهة الوطنية ووزيرا من حزب البعث‪.‬‬
‫وتزامن تأليف الحكومة مع العدوان الثالثي ‪ :‬االنكلو ‪ -‬فرنسي ‪ -‬إسرائيلي على مصر‪،‬‬
‫وكانت الحكومة السابقة قد وقعت في ‪ 8854 /80 /24‬معاهدة دفاع مشترك مع مصر‬
‫وسوريا نصت على قيام قيادة عسكرية مشتركة بين جيوش الدول العربية الثالث على‬
‫رأسها الفريق المصري عبد الحكيم عامر‪ .‬وعلى أثر هذا العدوان قطع األردن عالقاته‬
‫الدبلوماسية مع فرنسا واكتفي بتقديم احتجاج شديد اللهجة إلى بريطانيا‪ .‬ودخلت قوات‬
‫عراقية وسورية للدفاع عن األردن وأعلن األردن النفير العام‪ .‬وارتفعت أصوات‬
‫األردنيين تطالب بإلغاء معاهدة التحالف األردنية ‪ -‬البريطانية لسنة ‪.8841‬‬
‫وكانت الحكومة األردنية قد طالبت بتعديل المعاهدة في أواخر سنة ‪ ،8854‬إال أن‬
‫بريطانيا أرجأت الرد على الطلب األردني لما ستسفر عنه المفاوضات التي سبقت قيام‬
‫حلف بغداد‪ .‬وفي ‪ 8854 /88 /27‬أعلن النابلسي أمام مجلس النواب عن عزم حکومته‬
‫على إنهاء المعاهدة وقبول المعونة المالية العربية‪ ،‬وطلب جالء القوات البريطانية عن‬
‫األردن‪ .‬وفي ‪ 8857 /8 /88‬عقد اجتماع بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر‬
‫والرئيس السوري شكري القوتلي والملك سعود بن عبد العزيز والملك حسين في القاهرة‪،‬‬
‫أسفر عن توقيع اتفاقية التضامن العربي" التي تضمنت تقديم معونة مالية‬
‫‪- 56 -‬‬
‫عربية بديلة عن المعونة المالية البريطانية مقدارها (‪ ) 5 .33‬مليون جنيه إسترليني‬
‫سنوية‪ .‬وفي ‪ 8857 /8 /84‬أبلغت بريطانيا الحكومة األردنية رغبتها في التفاوض‬
‫إلنهاء المعاهدة األردنية ‪ -‬البريطانية‪ .‬وتألف وفد أردني برئاسة رئيس الوزراء تفاوض‬
‫مع وفد بريطاني‪ .‬وانتهت المفاوضات بتوقيع اتفاقية بإنهاء المعاهدة في ‪8857 /3 /83‬‬
‫وجالء القوات البريطانية عن األردن في مدة ستة أشهر من تاريخ إنهاء المعاهدة ‪ .‬وبذلك‬
‫تحرر األردن نهائية من الهيمنة البريطانية‪ .‬االتحاد العربي حدثت في األردن منذ بداية‬
‫سنة ‪ 8857‬أزمة سياسية في البالد بسبب الخالف بين حكومة النابلسي والملك حسين‬
‫حول مبدا أيزنهاور ‪ Eisenhower‬الذي نص على رغبة الواليات المتحدة في ملء‬
‫الفراغ الذي حدث نتيجة انسحاب بريطانيا وفرنسا من منطقة الشرق األوسط وعلى‬
‫مساعدة الدول التي تناهض الشيوعية‪ ،‬وأدت هذه األزمة إلى إقالة الحكومة في‬
‫‪ ،8857/4/80‬وقيام اضطرابات في صفوف الجيش األردني‪ ،‬انتهت بفرض األحكام‬
‫العرفية في البالد وفرار بعض الوزراء والنواب وضباط الجيش إلى سوريا‪ .‬وتوترت‬
‫العالقات بين األردن من جهة ومصر وسوريا من جهة أخرى؛ وتعرض األردن لضغوط‬
‫سياسية واقتصادية وإعالمية من هاتين الدولتين‪ .‬ولجا األردن إلى العربية السعودية‬
‫والعراق الدولتين الجارتين اللتين قبلتا بمبدأ أيزنهاور وسعى إلى إقامة اتحاد بين الدول‬
‫الثالث في كانون الثاني ‪ ،8851‬غير أن السعودية لم تحبذ االتحاد بينما استجاب العراق‬
‫للمسعى األردني وتوصلت الدولتان إلى إبرام اتفاقية "االتحاد العربي" بينهما في ‪/2 /84‬‬
‫‪ .8851‬وكان االتحاد اتحادا كونفدرالية حافظ البلدان على نظاميهما السياسيين وتولى‬
‫الملك فيصل الثاني رئاسة االتحاد بينما تولى الملك حسين منصب نائب رئيس االتحاد‪.‬‬
‫وتألفت وزارة اتحادية تتولى الشؤون الخارجية والدفاع ومجلس نيابي مشترك‪ .‬وسعي‬
‫العراق إلى إدخال الكويت في هذا االتحاد إال أن بريطانيا‪ ،‬الدولة الحامية للكويت آنذاك‪،‬‬
‫رفضت ذلك‪.‬وبينما كانت دولتا االتحاد تبنيان مؤسساته حدث انقالب عسكري في العراق‬
‫‪-‬‬
‫‪- 57 -‬‬
‫بقيادة الزعيم العميد عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السالم عارف أطاح بالنظام الملكي‬
‫وقضى على األسرة المالكة في ‪ 8851 /7 /84‬وانتهى االتحاد العربي الذي لم بعمر إال‬
‫بضعة أشهر‪.‬واستمر توتر العالقات بين األردن والجمهورية العربية المتحدة التي تكونت‬
‫من اتحاد مصر وسوريا في ‪ 8851 /2 /22‬برئاسة جمال عبد الناصر‪ .‬وقدم األردن‬
‫شکوی إلى مجلس األمن الدولي ضدها في ‪ 8851 /1 /1‬وأغلقت الحدود األردنية ‪-‬‬
‫السورية مرارة بين البلدين‪ .‬واستمرت الحمالت اإلعالمية على أشدها بينهما وبلغت‬
‫أوجها باغتيال رئيس الوزراء األردني هزاع المجالي في ‪.8840 /1 /28‬وما أن حدث‬
‫انقالب في سوريا في ‪ 8848 /8 /21‬أدى إلى انفصال سوريا عن مصر‪ ،‬حتى سارع‬
‫األردن إلى االعتراف بالنظام السوري الجديد‪ .‬وزال التوتر الذي كان قائما بين سوريا‬
‫واألردن‪ .‬وكلف وصفي التل بتاليف حكومة جديدة في ‪ 8842 /8 /21‬وبمناسبة ميالد‬
‫األمير عبد هللا بن الحسين في ‪ 8842 /8 /30‬أصدر الملك حسين عفوا عن كثير من‬
‫الضباط الذين اشتركوا في أحداث سنتي ‪ 8857‬و ‪ 8851‬وقامت الوزارة الجديدة‬
‫بإصالحات داخلية بعثت االرتياح في نفوس الناس‪ .‬ولما حدث االنقالب العسكري في‬
‫اليمن بقيادة العقيد عبد هللا السالل في ‪ 8842 /8 /24‬وقف األردن إلى جانب اإلمام‬
‫المخلوع محمد البدر الذي كانت تدعمه المملكة العربية السعودية‪ ،‬بينما وقفت مصر إلى‬
‫جانب الثورة اليمنية وأرسلت قواتها لحماية الثورة‪ .‬وفي ‪ 8843 /1 /28‬تم تبادل التمثيل‬
‫الدبلوماسي على مستوى سفارة بين األردن واالتحاد السوفياتي‪ .‬وكان األردن منذ سنة‬
‫‪ 8858‬قد أعلن حربا على الشيوعية في الداخل‪ ،‬وأبدی تعاونه مع الغرب المعادي‬
‫لالتحاد السوفياتي‪ .‬وكان االتحاد السوفياتي منذ سنة ‪ 8844‬يستعمل حق الفيتو (النقض)‬
‫في مجلس األمن الدولي لمنع قبول األردن في عضوية األمم المتحدة‪ .‬ولم يقبل األردن‬
‫في عضوية األمم المتحدة إال سنة ‪ .8855‬ومع أن األردن شارك في مؤتمر باندونغ الذي‬
‫عقد في إندونيسيا في ربيع ‪ 8855‬وأصبح عضوا في كتلة دول عدم االنحياز‪ ،‬فقد أظهر‬
‫تعاون مع المعسكر الغربي في الحرب الباردة التي قامت بين الدول الغربية الرأسمالية‬
‫بقيادة الواليات المتحدة األمريكية‬
‫‪- - 58 -‬‬
‫والدول االشتراكية التي تشمل االتحاد السوفياتي ودول اوروبا الشرقية والصين الشعبية‬
‫بقيادة االتحاد السوفياتي‪ .‬وقد بدأت هذه الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية‬
‫واستمرت حتى انهيار االتحاد السوفياتي سنة ‪ .8888‬وانقسمت الدول العربية خالل هذه‬
‫الحرب إلى معسكرين‪ :‬معسکر متعاون مع الدول االشتراكية مثل مصر وسوريا والعراق‬
‫(بعد انقالب ‪ )8851‬والجزائر واليمن الجنوبي‪ ،‬ومعسکر متعاون مع الغرب يضم‬
‫العربية السعودية ودول الخليج العربية واألردن ولبنان وتونس والمغرب وليبيا (قبل‬
‫انقالب ‪ .)8848‬وكان لهذا االنقسام آثار سلبية على العالقات بين الدول العربية‪،‬‬
‫وأضعف التضامن العربي‪ ،‬وعرقل المساعي والتطلعات نحو اتحاد العرب وقيام نظام‬
‫إقليمي عربي متماسك‪ .‬مؤتمرات القمة العربية بدأت إسرائيل بتجفيف بحيرة الحولة‬
‫الواقعة على الحدود السورية الفلسطينية في الخمسينات من القرن العشرين‪ ،‬وقامت بعد‬
‫ذلك بتحويل مياه نهر األردن الذي ينبع من األراضي اللبنانية والسورية إلى النقب في‬
‫جنوبي فلسطين الستيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود إلى إسرائيل‪ .‬وجعلت من‬
‫بحيرة طبرية التي يصب فيها نهر األردن خزانة للمياه ويمر منها في اتجاه الجنوب بعد‬
‫لقائه بنهر اليرموك إلى أن يصب في البحر الميت‪ .‬ومن بحيرة طبريا نقلت المياه إلى‬
‫النقب‪ .‬أثار هذا التحويل المياه نهر األردن الذي تشترك في مياهه ومياه روافده كل من‬
‫لبنان وسوريا واألردن وفلسطين‪ ،‬من جانب إسرائيل باعتباره تصرفا من طرف واحد‪،‬‬
‫وباعتبار إسرائيل كيانا سياسيا مغتصبا ألرض فلسطين ال تعترف به الدول العربية‬
‫آنذاك‪ ،‬ردود فعل من الجانب العربي‪.‬دعا الرئيس المصري جمال عبد الناصر الملوك‬
‫واألمراء والرؤساء العرب إلى اجتماع يعقد في القاهرة لبحث هذا الموضوع واآلثار‬
‫المترتبة عليه‪ .‬وعقد مؤتمر القمة العربي األول في العاصمة المصرية بين ‪ 83‬و ‪/ 84‬‬
‫‪ 8844 /8‬وحضره اثنا عشر ملكة وأميرة ورئيس دولة ورئيس وزراء لبنان‪ .‬ومثل‬
‫الملك حسين األردن في هذا المؤتمر‪ .‬وتناول المؤتمرون موضوعين هما تحويل روافد‬
‫نهر األردن عند منابعها في األراضي‬
‫‪- 59 - -‬‬
‫العربية‪ ،‬وإنشاء كيان سياسي فلسطيني‪ .‬وقرر المؤتمر وضع خطة لتحويل مياه األردن‬
‫إلى األراضي العربية‪ ،‬وإنشاء قيادة عسكرية عربية موحدة لحماية تنفيذ المشروع العربي‬
‫التحويل مياه األردن‪ ،‬وإقامة منظمة التحرير الفلسطينية مع عدم المساس بالوحدة القائمة‬
‫بين الضفتين الشرقية والغربية‪ .‬ووافق المؤتمر على تنفيذ هذه القرارات بإنشاء القيادة‬
‫العربية الموحدة برئاسة الفريق على على عامر ومقرها القاهرة‪ ،‬وإنشاء هيئة استغالل‬
‫مياه نهر األردن وروافده‪ ،‬وتكليف أحمد الشقيري ببدء العمل إلنشاء منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ ،‬وتخصيص (‪ )854‬مليون جنيه إسترليني لشراء أسلحة للقوات المسلحة‬
‫األردنية والسورية واللبنانية‪.‬‬
‫وعقد مؤتمر القمة العربي الثاني في اإلسكندرية من ‪ 5‬إلى ‪ .8844 /8 /88‬ونظرا‬
‫التعثر الخطة العربية لتحويل مياه روافد نهر األردن فقد اقترح الفريق علي علي عامر‬
‫تسليح الجيوش العربية وتدريبها حتى تصبح قادرة على مواجهة أي عدوان إسرائيلي‪،‬‬
‫وقرر المؤتمر تخصيص خمسة ماليين جنيه إسترليني سنوية لدعم القوات المسلحة‬
‫العربية على مدى خمس سنوات‪ ،‬وإنشاء جيش التحرير الفلسطيني‪ ،‬واعتبار مواقف‬
‫الدول من القضية الفلسطينية اساسا لعالقاتها مع الدول العربية‪.‬‬
‫والتام مؤتمر القمة العربي الثالث في الدار البيضاء بين ‪ 32‬و‪ .3915 /9 /37‬وقد‬
‫قاطعت تونس المؤتمر بسبب الخالف حول تصريحات رئيس جمهوريتها الحبيب‬
‫بورقيبة حول القضية الفلسطينية أثناء جولة رسمية قام بها لبعض دول المشرق‬
‫العربي في مطلع سنة ‪ .3915‬فقد اقترح حل قضية فلسطين على اساس قرار التقسيم‬
‫الصادر عن األمم المتحدة في ‪ 3917 /33 /39‬وإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل‪.‬‬
‫شارك األردن في هذه القمة مثلما شارك في القمتين السابقتين ممثال بالملك حسين‬
‫والوفد المرافق له‪ .‬وصدر عن هذا المؤتمر "ميثاق التضامن العربي" القائم على‬
‫التضامن في معالجة القضايا وخاصة قضية فلسطين‪ ،‬وإيقاف الحمالت اإلعالمية وعدم‬
‫التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية‪ ،‬ومراعاة قواعد اللجوء السياسي‪ .‬وتقرر‬
‫عقد مؤتمر القمة الرابع في الجزائر في أيلول ‪ ،3911‬غير أن المؤتمر الرابع لم يعقد‬
‫في موعده ولم تلتزم الدول العربية بميثاق التضامن العربي‪.‬‬
‫‪- 60 - -‬‬
‫وتوترت العالقات بين األردن وسوريا بسبب لجوء بعض الضباط السوريين إلى األردن‬
‫إثر محاولة انقالب فاشلة في سوريا في أيلول ‪ .3911‬كما توترت عالقات األردن‬
‫بمنظمة التحرير الفلسطينية بسبب طلب رئيسها في شباط ‪ 3915‬إنشاء قوات عسكرية‬
‫في األردن تابعة للمنظمة‪ ،‬واقتطاع ‪ ٪5‬من رواتب األردنيين من أصل فلسطيني‪.‬‬
‫رفضت الحكومة األردنية تلبية هذين المطالبين لتعذر قيام تنظيمين عسکريين يخضع‬
‫كل منهما لقيادة مستقلة في بلد واحد‪ ،‬ولعدم قبول التمييز في المعاملة بين األردنيين‬
‫من أصل فلسطيني واألردنيين من أصل أردني‪ .‬ورفضت الحكومة األردنية جعل الحرس‬
‫الوطني تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬باعتباره رديفة للجيش األردني‪ .‬ومنذ بداية‬
‫سنة ‪ 3915‬بدأ نشاط الفدائيين من منظمة فتح حركة تحرير فلسطين) في إسرائيل عبر‬
‫الحدود األردنية مما أدى إلى عمليات انتقامية إسرائيلية ضد األردن كان أهمها الهجوم‬
‫على قرية السموع في منطقة الخليل في ‪ .3911 /33 /32‬وفي الوقت نفسه تطور‬
‫الخالف بين الحكومة األردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى حرب إعالمية بين‬
‫الطرفين‪ .‬وتوترت العالقات األردنية ‪ -‬السورية‪ ،‬فطرد سفير سوريا من األردن‪،‬‬
‫وأغلقت مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في عمان في ‪ |.3917 /3 /1‬حرب حزيران‬
‫ونتائجها على األردن‬
‫كانت العالقات بين الدول العربية المحيطة بإسرائيل قد بلغت حدة من التوتر الشديد في‬
‫مطلع سنة ‪ .3917‬وفي ‪ 3917 /1 /7‬دارت معركة جوية بين إسرائيل وسوريا‪.‬‬
‫فطلبت القيادة السياسية في سوريا من عبد الناصر النجدة بموجب اتفاقية الدفاع‬
‫المشترك بين الدولتين سوريا ومصر)‪ .‬وصعدت إسرائيل الموقف بتهديد سوريا‪،‬‬
‫وصرح رئيس وزرائها ليفي إشكول "إن مجابهة عسكرية مع سوريا سوف تغدو‬
‫محتمة‪ ،‬إذا استمرت حمالت اإلرهابيين العرب الذين يتسللون إلى داخل أراضينا‪ ،‬بناء‬
‫على أوامر السوريين"‪ .‬استجاب الرئيس عبد الناصر للطلب السوري‪ ،‬فقررت مصر‬
‫رفع درجة االستعداد في قواتها المسلحة إلى درجة االستعداد للقتال ابتداء من ‪/5 /31‬‬
‫‪ .3917‬وبعد ذلك بيومين طلبت مصر من األمين العام لألمم المتحدة‪،‬‬
‫‪- 61 -‬‬
‫يوثانت‪ ،‬سحب قوات الطوارئ الدولية من مواقعها على الحدود المصرية اإلسرائيلية‪.‬‬
‫انسحبت القوات الدولية من مواقعها في ‪ ،8847 /5 /88‬وأغلقت مصر مضائق تيران‬
‫في خليج العقبة في وجه المالحة اإلسرائيلية‪ .‬اعتبرت إسرائيل سحب القوات الدولية‬
‫وإغالق المضائق بمثابة إعالن حرب عليها‪ ،‬فأقدمت على غزو مصر في ‪8847 /4 /5‬‬
‫| وضرب القوات الجوية المصرية في مطاراتها العسكرية وتدميرها‪ .‬وخسرت مصر‬
‫‪ ٪15‬من طائرتها المقاتلة في الساعات الثالث األولى من بدء القتال‪.‬‬
‫كانت التطورات السريعة هذه مفاجئة لألردن والمليكه الذي هب لنجدة مصر وسوريا‪،‬‬
‫متجاوزا الخالفات وتوتر العالقات معهما‪ .‬وذهب الحسين ومعه رئيس وزرائه ورئيس‬
‫أركان الجيش األردني إلى القاهرة‪ ،‬حيث تم مع الجانب المصري توقيع اتفاقية الدفاع‬
‫المشترك في يوم وصوله في ‪ .8847 /5 /30‬ووافق األردن على دخول قوات عراقية‬
‫وسعودية للمشاركة في الدفاع عن أراضيه وتم ذلك قبل بدء العدوان اإلسرائيلي بيوم‬
‫واحد‪.‬‬
‫شارك األردن في القتال على الجبهة األردنية ‪ -‬اإلسرائيلية‪ ،‬وأصبحت قواته تحت إمرة‬
‫القيادة العليا المشتركة‪ .‬وخاضت القوات المسلحة األردنية معارك ضارية مع قوات العدو‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬وهاجمت الطائرات اإلسرائيلية مواقع الجيش األردني وقضت على سالح‬
‫الجو األردني الذي واجه سالح الجو اإلسرائيلي وحيدا بعد تحطيم سالح الجو المصري‪.‬‬
‫وأغارت الطائرات اإلسرائيلية على عمان والقواعد الجوية األردنية‪ .‬واستطاعت القوات‬
‫اإلسرائيلية أن تدمر الدبابات األردنية على أرض المعارك في الضفة الغربية‪ ،‬وأن‬
‫تحتلها في اليوم السابع من حزيران‪ .‬خسرت القوات المسلحة األردنية في هذه الحرب‬
‫(‪ )484‬شهيدا و(‪ )428‬جريحا و(‪ )530‬أسيرة‪ .‬وفقدت ‪ 10٪‬من دباباتها و (‪)8413‬‬
‫سيارات نقل وناقالت جنود وغيرها‪ .‬وكميات كبيرة من األسلحة والذخيرة وفقدت مصر‬
‫شبه جزيرة سيناء وأصبحت القوات اإلسرائيلية على ضفاف قناة السويس الشرقية‪ .‬أما‬
‫سوريا فقد خسرت منطقة الجوالن التي احتلتها القوات اإلسرائيلية‪.‬‬
‫‪- - 62 -‬‬
‫تعزي هزيمة الدول العربية في هذه الحرب إلى الخالفات فيما بينها قبل الحرب‪ ،‬وعدم‬
‫االتفاق على تنفيذ خطط القيادة العربية المشتركة الرامية إلى رفع مستوى الجيوش‬
‫العربية تدريب وتسليحة وإدارة في الدول المواجهة إلسرائيل‪ .‬وعلى الصعيد الميداني‬
‫سيطر سالح الجو اإلسرائيلي على ميادين القتال‪ ،‬وتفوق العدو اإلسرائيلي فنية ونوعية‬
‫على الجيوش العربية‪.‬‬
‫أسفرت حرب حزيران عن نزوح حوالي (‪ )355‬ألف الجئ من الضفة الغربية إلى‬
‫الضفة الشرقية بينهم (‪ )31‬ألف نازح من قطاع غزة‪ .‬وكان على األردن أن يوفر لهم‬
‫المأوى والغذاء والعمل والمدارس التعليم أبنائهم‪ .‬وخسر األردن الضفة الغربية وأصبح‬
‫من الواجب عليه تقديم العون لسكانها لتمكينهم من الصمود تحت االحتالل اإلسرائيلي‪.‬‬
‫وتحمل األردن مسؤولياته في هذا المجال حتى ‪ 8811 /7 /38‬عندما اتخذ قرار فك‬
‫االرتباط القانوني واإلداري بالضفة الغربية‪ .‬وسعي األردن إلى استعادة الضفة الغربية‬
‫بمختلف الوسائل السلمية والدبلوماسية‪ ،‬والسيما بعد صدور قرار مجلس األمن الدولي‬
‫رقم ‪ 242‬تاريخ ‪ 8847 /88 /22‬القاضي بسحب القوات المسلحة من األراضي التي‬
‫احتلت في النزاع األخير‪ ،‬وإنهاء حالة الحرب واحترام سيادة ووحدة أراضي كل دولة في‬
‫المنطقة واالعتراف بها‪ ،‬وضمان حرية المالحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة‪،‬‬
‫وتحقيق تسوية عادلة لمشكلة الالجئين الفلسطينيين‪.‬‬
‫دفعت هزيمة حزيران القادة العرب إلى عقد مؤتمر القمة الرابع في الخرطوم بين ‪/39‬‬
‫‪ /0‬و ‪ ،3917 /9 /3‬حضره الملك حسين على رأس وفد أردني‪ .‬وقرر المؤتمر أن‬
‫تعمل جميع الدول العربية على استرداد األراضي المحتلة بالعمل الدبلوماسي على‬
‫الصعيد الدولي‪ ،‬في نطاق المبادئ الثالثة التالية‪ :‬ال صلح مع إسرائيل‪ ،‬وال اعتراف‬
‫بها‪ ،‬وال تفاوض معها‪ .‬كما تقرر االلتزام بميثاق التضامن العربي‪ ،‬وتقديم (‪)325‬‬
‫مليون جنيه إسترليني سنوية إلى مصر واألردن وسوريا من قبل السعودية (‪)58‬‬
‫مليون جنيه‪ ،‬والكويت (‪ )55‬مليون جنيه‪ ،‬وليبيا (‪ )28‬مليون جنيه‪ .‬ولما كانت سوريا‬
‫قد رفضت المعونة العربية فقد تم االتفاق على توزيع المبلغ بين مصر واألردن بحيث‬
‫تكون حصة مصر (‪ )95‬مليون جنيه وحصة األردن (‪ )18‬مليون جنيه‪.‬‬
‫‪- 63 -‬‬
‫معركة الكرامة‬
‫كان لهزيمة حزيران ردود فعل قوية في األوساط الشعبية والنخب السياسية في األردن‬
‫وبقية البالد العربية‪ .‬وامتألت النفوس بالمرارة والغضب وتحفزت للمقاومة واالنتقام من‬
‫العدو الصهيوني‪ .‬واستقبل األردن على ارضه آالف الفدائيين من مختلف البالد العربية‬
‫الذين انضموا إلى فصائل المقاومة الفلسطينية‪ .‬وقدمت القوات المسلحة األردنية الدعم‬
‫والمساندة للفدائيين في عملياتهم ضد العدو اإلسرائيلي‪ ،‬وأعفي األردنيون المنتسبون‬
‫للمنظمات الفدائية من أداء الخدمة الوطنية اإللزامية‪ .‬وأوقع الفدائيون بمساندة القوات‬
‫األردنية خسائر في صفوف اإلسرائيليين مما دفعهم إلى االنتقام من األردن بالغارات‬
‫الجوية على مدنه وقراه وضرب المواقع العسكرية والمدنية األردنية بالمدفعية الثقيلة‬
‫والصواريخ‪ .‬وبلغ العدوان اإلسرائيلي أوجه بمعركة الكرامة في ‪.8841 /3 /28‬‬
‫ففي صباح ذلك اليوم شن الجيش اإلسرائيلي هجوما واسع النطاق على امتداد خمسين‬
‫كيلو مترا من جسر دامية في الشمال إلى غور الصافي جنوب البحر الميت‪ ،‬بهدف‬
‫القضاء على قواعد الفدائيين في قرية الكرامة األردنية شرقي نهر األردن‪ .‬تصدى لهم‬
‫الجيش األردني والفدائيون‪ ،‬وتمكن اإلسرائيليون من دخول القرية ونسف منازلها‬
‫ومدرستها ومسجدها وعيادتها الصحية ومكتب البريد فيها‪ .‬وأسفرت هذه المعركة عن‬
‫(‪ )250‬قتيال و (‪ )450‬جريحة من القوات المعتدية والتخلي عن (‪ )88‬دبابة إسرائيلية‬
‫في ميدان المعركة‪ .‬واستشهد من القوات األردنية (‪ )44‬مقات" بينهم ستة ضباط‪ .‬وجرح‬
‫(‪ )801‬مقاتلين بينهم (‪ )82‬ضابطة‪ .‬وخسر الجيش األردني (‪ )83‬دبابة و(‪ )38‬آلية‬
‫مختلفة‪ .‬وكان لهذه المعركة أثر عظيم في األردن والبالد العربية‪ ،‬إذ أعادت الثقة إلى‬
‫النفوس ورفعت من معنويات الجيش والشعب‪ .‬وأعلنت القوات اإلسرائيلية أنها قتلت‬
‫(‪ )850‬فدائية‪ .‬مشروع المملكة العربية المتحدة‬
‫قامت الوحدة بين الضفتين في حقبة من الزمن انتعشت فيها الدولة القطرية واالنتماء‬
‫القطري أو الوطني‪ .‬وشعر الفلسطينيون أن كال من السوري والعراقي‬
‫‪- 64 -‬‬
‫‪-‬‬
‫واللبناني يفتخر بهويته‪ ،‬بينما يطلب منهم أن يضحوا بهويتهم الوطنية من خالل الوحدة‬
‫مع األردن‪ .‬ولذا كان من الطبيعي أن يتوق الفلسطيني إلى هويته الوطنية‪ .‬وساهمت‬
‫حركة فتح والعمل الفدائي الفلسطيني في بعث هذه المشاعر وتنميتها‪ .‬وجاءت أحداث‬
‫أيلول ‪ 8870‬لتبرزها بشكل قوي وفاعل‪.‬‬
‫ورأى الملك حسين أن ال بد من إصالح الخلل الذي حدث‪ ،‬وذلك بطرح مشروع سياسي‬
‫جديد يحافظ على الكيان الفلسطيني والهوية الوطنية الفلسطينية‪ .‬فقدم مشروع المملكة‬
‫العربية المتحدة في ‪ 8872 /3 /85‬الذي ينص على قيام مملكة عربية موحدة مؤلفة من‬
‫القطر الفلسطيني المكون من الضفة الغربية وأية أراض فلسطينية أخرى يتم تحريرها‪،‬‬
‫ومن قطر األردن المكون من الضفة الشرقية‪ ،‬وأن تكون عمان العاصمة المركزية‬
‫للمملكة وفي الوقت نفسه عاصمة قطر األردن‪ ،‬وأن تكون القدس عاصمة لقطر فلسطين‪.‬‬
‫أما رئيس الدولة فهو الملك‪ ،‬ويتولى السلطة التنفيذية المركزية ومعه مجلس وزراء‬
‫مرکزي‪ .‬وتناط السلطة التشريعية بالملك وبمجلس األمة الذي ينتخب أعضاؤه باالقتراع‬
‫السري المباشر وبعدد متساو من األعضاء لكل من القطرين‪ .‬وللمملكة قوات مسلحة‬
‫واحدة قائدها األعلى الملك‪ ،‬والسلطة القضائية المركزية فيها منوطة بمحكمة عليا‬
‫مركزية‪ .‬أما السلطة التنفيذية في كل قطر فيتوالها حاکم عام من أبنائه ومجلس وزراء‬
‫قطري من أبنائه‪ .‬ويتولى السلطة الشرعية في كل قطر مجلس الشعب الذي ينتخب‬
‫باالقتراع السري المباشر‪ ،‬وهو الذي ينتخب الحاكم العام للقطر‪ .‬وتتولى السلطة التنفيذية‬
‫في كل قطر جميع شؤونه باستثناء ما يحدده الدستور للسلطة التنفيذية المركزية‪.‬‬
‫عرض الحسين هذا المشروع على ملوك ورؤساء الدول العربية برسائل حملها‬
‫مسؤولون أردنيون إليهم‪ .‬غير أن منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات‬
‫رفضت المشروع‪ ،‬كما رفضته فصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة‪ ،‬وأبدت احتجاجها‬
‫عليه‪ .‬وتعرض األردن منذ أيلول ‪ 3978‬لحملة إعالمية شرسة‪ ،‬ولمطاردة مسؤوليه‬
‫السياسيين ودبلوماسية في مختلف أنحاء العالم‪ ،‬اسفرت عن اغتيال عدد منهم وإصابة‬
‫آخرين بجروح‪.‬‬
‫‪-65 - -‬‬
‫حرب تشرين ‪3972‬‬
‫سعت الدول العربية التي احتلت أراضيها في حرب حزيران ‪ 8847‬إلى استعادة‬
‫أراضيها بالوسائل السلمية والدبلوماسية استنادا إلى قرار مجلس األمن الدولي رقم ‪242‬‬
‫القائم على مبدأ األرض مقابل السالم‪ ،‬أي انسحاب إسرائيل من األراضي العربية المحتلة‬
‫مقابل اعتراف العرب بها وإقامة سالم عادل ودائم في المنطقة‪ ،‬غير أن إسرائيل رفضت‬
‫االنسحاب من األراضي التي احتلتها ولم يبق أمام العرب إال اللجوء إلى القوة‪ .‬وقد اتفق‬
‫الرئيس المصري أنور السادات والرئيس السوري حافظ األسد في أواخر سنة ‪8872‬‬
‫على بدء االستعدادات لخوض حرب ضد إسرائيل إلجبارها على االنسحاب من األراضي‬
‫المحتلة‪ .‬واستمر التنسيق سرة بين القوات المسلحة المصرية والسورية حتى تقرر بدء‬
‫القتال في ‪ 8873 /80 /4‬الذي يصادف يوم الغفران عند اليهود‪ .‬وبذلت سوريا ومصر‬
‫جهودا لتحسين عالقاتهما مع جميع الدول العربية تمهيدا لهذه الحرب‪ .‬فقد أعيدت‬
‫العالقات الدبلوماسية بين األردن ومصر‪ ،‬بعد أن قطعت إثر إعالن مشروع المملكة‬
‫المتحدة في نيسان ‪ ،8872‬وأعادت سوريا عالقاتها الدبلوماسية مع األردن‪ ،‬بعد أن‬
‫قطعت في أعقاب الغزو السوري لألراضي األردنية في أيلول ‪| .8870‬‬
‫فوجئ العرب والعالم بالهجوم المصري والسوري الذي بدا بعد ظهر السادس من تشرين‬
‫األول ‪ ،8873‬واجتازت القوات المصرية قناة السويس وهاجمت خط بارليف المنيع‬
‫واخترقته وتراجعت أمامها القوات اإلسرائيلية عدة كيلومترات‪ .‬وتقدمت القوات السورية‬
‫في الجوالن المحتل في األيام األولى من القتال‪ .‬وفي ‪ 8873 /88 /82‬تمكن‬
‫اإلسرائيليون من صد الهجوم السوري وإرجاعه إلى خطوطه الدفاعية السابقة‪ .‬وعلى‬
‫الجبهة المصرية ‪ -‬اإلسرائيلية دارت معركة كبيرة بالدبابات في ‪ 8873 /80 /84‬انتهت‬
‫باختراق القوات اإلسرائيلية للجبهة المصرية وإقامة رأس جسر في الضفة الغربية من‬
‫قناة السويس في موقع الدفر سوار‪ .‬وبادرت الواليات المتحدة األمريكية إلى نجدة‬
‫إسرائيل بإقامة جسر جوي لنقل الدبابات واألسلحة والذخيرة إلى ميدان القتال‪ .‬ووضعت‬
‫الحكومة األمريكية قواتها في حالة تأهب للقتال في ‪|.8873 /80 /24‬‬
‫‪- 66 -‬‬
‫‪-‬‬
‫أدى تراجع القوات السورية أمام القوات اإلسرائيلية إلى دخول لواء مدرع من القوات‬
‫األردنية إلى الجوالن بالتعاون مع فرقة من الجيش العراقي إليقاف الزحف اإلسرائيلي‬
‫نحو دمشق‪.‬‬
‫تدخلت الدول الكبرى‪ ،‬وأصدر مجلس األمن الدولي القرار رقم (‪ )331‬في ‪/80 /22‬‬
‫‪ 8873‬لوقف القتال وتطبيق القرار رقم (‪ )242‬لسنة ‪ .8847‬ووافقت الدول المتحاربة‬
‫على هذا القرار‪ .‬وكانت الدول العربية المصدرة للنفط قد اتخذت قرارا في ‪/80 /87‬‬
‫‪ 8873‬بتخفيض إنتاجها بنسبة ‪ %5‬كل شهر حتى يتم االنسحاب اإلسرائيلي من‬
‫األراضي العربية المحتلة واالعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫قبل األردن بقرار مجلس األمن رقم ‪ 331‬مثلما قبل بقراره رقم ‪ 242‬وكان من نتائج هذه‬
‫الحرب استعادة العرب لثقتهم بقواتهم المسلحة‪ ،‬واتحادهم في مواجهة الخطر الخارجي‪،‬‬
‫واستعمالهم النفط ألول مرة في صراعهم مع إسرائيل‪ .‬كما كانوا البادئين بالقتال ألول‬
‫مرة في تاريخ هذا الصراع‪ .‬وكسب العرب تاييد دول العالم الثالث لهم وال سيما دول‬
‫إفريقيا التي قطعت جميعها عالقاتها مع إسرائيل باستثناء خمس دول صغيرة منها‪.‬‬
‫وبعد نهاية هذه الحرب بشهر واحد عقد مؤتمر القمة العربي السادس في الجزائر (‬
‫‪ ،)3972 /33 / 31 - 30‬الذي تضمن بيانه الختامي عزم العرب على تحرير‬
‫أراضيهم من‬
‫االحتالل اإلسرائيلي وإقامة سالم عادل ودائم في المنطقة‪ | .‬جهود األردن الستعادة‬
‫الضفة الغربية المحتلة‬
‫لما عقد مؤتمر القمة العربي السادس في الجزائر طالب ياسر عرفات‪ ،‬رئيس منظمة‬
‫التحرير الفلسطينية أن تكون المنظمة الممثلة الوحيدة لجميع الفلسطينيين أينما وجدوا‪،‬‬
‫غير أن المؤتمر لم يستجب لهذا الطلب‪ .‬وحينما عقد مؤتمر القمة السابع في الرباط في‬
‫تشرين الثاني ‪ 3971‬اتخذ قرارا باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي‬
‫الوحيد للشعب الفلسطيني‪ .‬وقد أضعف هذا القرار من سلطة الحكومة األردنية على‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬ومع ذلك اعترفت بالمنظمة ممثال شرعية ووحيدة‬
‫‪-67- -‬‬
‫للفلسطينيين‪ .‬وبدا تحسن العالقات بين الطرفين بضغوط سورية على المنظمة منذ مطلع‬
‫سنة ‪ .8877‬وساهمت زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلسرائيل في ايلول من ذلك‬
‫العام وإبرام اتفاقية كامب ديفيد ‪ Camp David‬معها في سنة ‪ 8871‬ومعارضة‬
‫األردن لها وقطع عالقاته الدبلوماسية مع مصر في أعقاب مؤتمر القمة العربي التاسع‬
‫الذي عقد في بغداد في أواخر سنة ‪ 8871‬في توثيق العالقات بين المنظمة واألردن‪ ،‬وال‬
‫سيما بعد أن قرر المؤتمر تخصيص (‪ )850‬مليون دوالر لدعم صمود الشعب الفلسطيني‬
‫في األراضي المحتلة‪ ،‬وتكليف الحكومة األردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية مشتركتين‬
‫باإلشراف على توزيع هذا المبلغ‪ .‬وتألفت على أثر ذلك لجنة اقتصادية أردنية ‪ -‬فلسطينية‬
‫مشتركة لهذا الغرض‪.‬‬
‫ومع وصول تجمع الليكود إلى الحكم في إسرائيل وتشديد قبضته على عرب األراضي‬
‫الفلسطينية المحتلة‪ ،‬واالجتياح اإلسرائيلي للبنان سنة ‪ ،8812‬وإخراج منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية ومعظم قواتها العسكرية من لبنان‪ ،‬واالنقسام الذي حدث في صفوفها في‬
‫أعقاب هذا االجتياح‪ ،‬ضعفت المنظمة وقوي االتجاه الفلسطيني القائل إن الكفاح المسلح‬
‫الذي نادت به المنظمة لم يجد نفعا في تحرير فلسطين‪ ،‬وأن التفاوض مع إسرائيل هو‬
‫الطريق الوحيد المتاح‪ .‬وبدأت المنظمة بالسعي إلى الحوار مع الحكومة األمريكية منذ‬
‫سنة ‪ .8873‬وشرعت في االتصال بحركة السالم اإلسرائيلية‪.‬‬
‫وجاءت مبادرة الرئيس األمريكي رونالد ريغان ‪ Ronald Reagan‬الداعية إلى‬
‫التفاوض المباشر بين األطراف المتنازعة‪ ،‬ورفض قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة‬
‫الغربية وقطاع غزة‪ ،‬وعدم التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية وعدم إشراكها في‬
‫مفاوضات السالم إال إذا أعلنت رسميا اعترافها بإسرائيل والبدء بالتفاوض بين إسرائيل‬
‫من جهة واألردن وعرب فلسطين المحتلة حول الحكم الذاتي للضفة الغربية وقطاع غزة‪،‬‬
‫لتحريك عملية السالم‪ .‬ومع أن معظم الدول العربية استجابت لمبادرة ريغان إال أن‬
‫حكومة إسرائيل رفضتها‪ .‬وعقد مؤتمر القمة العربي الثاني عشر في فاس في األسبوع‬
‫األول من أيلول ‪ ،8812‬وصدر عنه مبادرة عربية لحل الصراع العربي اإلسرائيلي في‬
‫‪ 8812 /8 /1‬تقوم على انسحاب إسرائيل من األراضي التي احتلتها‬
‫‪- - 68 -‬‬
‫سنة ‪ ،3917‬وإزالة المستعمرات التي أنشأتها عليها‪ ،‬وتأكيد حق الشعب الفلسطيني‬
‫في تقرير مصيره وممارسة حقوقه بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي‬
‫والوحيد‪ .‬وانتظرت الحكومة األمريكية من مؤتمر فاس تكليف األردن بالتفاوض باسم‬
‫فلسطين‪،‬غير أن ذلك لم يتحقق‪.‬واستأنفت المنظمة الحوار مع األردن بعد خروجها من‬
‫لبنان‪ .‬وزار عرفات األردن في تشرين األول ‪ 8812‬وأجري مباحثات مع الحكومة‬
‫األردنية‪ ،‬حول تأليف وفد مفاوض أردني ‪ -‬فلسطيني مشترك‪ .‬غير أن هذا الحوار‬
‫األردني – الفلسطيني الذي دام حتی نيسان ‪ 8813‬باء بالفشل‪ .‬ولكن المنظمة اضطرت‬
‫إلى عقد المجلس الوطني الفلسطيني في عمان في ‪ 8814 /88 /22‬لتعذر اجتماعه في‬
‫أي عاصمة عربية آنذاك‪ .‬واستمر الحوار بين المنظمة والحكومة األردنية حتى توصلنا‬
‫إلى اتفاق في ‪ 8815 /2 /88‬حول التعاون بين الطرفين من أجل حل سلمي ينهي‬
‫االحتالل اإلسرائيلي للضفة والقطاع‪ .‬غير أن المنظمة رفضت المصادقة عليه‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من ذلك واصلت الحكومة األردنية مساعيها في اتجاه الحل السلمي‪ .‬وقام الملك‬
‫حسين بزيارة واشنطن في ‪ 8815 /5 /21‬لهذه الغاية‪ .‬ثم زارها ثانية في ‪/8 /30‬‬
‫‪ .8815‬وكان الرئيس ريغان يصر على التفاوض المباشر للوصول إلى حل عادل ودائم‬
‫بين إسرائيل وجيرانها العرب‪ .‬وكانت المنظمة ترفض قرار مجلس األمن رقم (‪)242‬‬
‫كاساس للتفاوض‪.‬‬
‫وعقد مؤتمر القمة العربي الرابع عشر في عمان بين ‪ 0‬و ‪ 3907 /33‬ولم يحضره‬
‫ياسر عرفات‪ .‬وركز المؤتمر على الوفاق بين الدول العربية‪ .‬وفي كانون األول من ذلك‬
‫العام بدأت االنتفاضة الفلسطينية األولى ضد قوات االحتالل اإلسرائيلية‪ .‬فسارعت الدول‬
‫العربية إلى مد يد العون لها‪ .‬ولعل هذا الذي دفع الحكومة األمريكية إلى بحث إطار‬
‫جديد لمفاوضات السالم بين العرب وإسرائيل‪ .‬وقدم وزير الخارجية األمريكي‬
‫جورج شولتز ‪ George Schultz‬مقترحات في ‪ 8811 /8 /30‬لعقد مؤتمر دولي‬
‫يستند إلى قراري مجلس األمن ‪ 242‬و ‪ ،331‬غير أن هذه المقترحات لم تلق قبوال لدى‬
‫إسرائيل ولدى األردن‪.‬‬
‫‪- - 69 -‬‬
‫وعقد في حزيران ‪ 8811‬مؤتمر القمة العربي الخامس عشر في الجزائر من أجل دعم‬
‫االنتفاضة الفلسطينية‪ .‬وظهر الخالف واضحة فيه بين المنظمة واألردن‪ .‬فما كان من‬
‫الحكومة األردنية إال أن أعلنت في ‪ 8811 /7 /21‬إلغاء خطة التنمية األردنية لألرض‬
‫المحتلة التي وضعت في آب ‪ .8814‬وبعد ذلك بثالثة أيام صدر قرار فك االرتباط‬
‫القانوني واإلداري بين الضفة الغربية والضفة الشرقية‪ .‬وفي ‪ 8811 /1 /4‬صدر قرار‬
‫من مجلس الوزراء األردني بإحالة جميع الموظفين األردنيين في الدوائر والمؤسسات في‬
‫الضفة الغربية على التقاعد‪ ،‬مع المحافظة على كامل حقوقهم التقاعدية وفقا لقانون التقاعد‬
‫المدني‪ .‬وأصدر رئيس الوزراء تعليمات تنص على اعتبار کل شخص يقيم في الضفة‬
‫الغربية قبل ‪ 8811 /8 /38‬مواطنا فلسطينية وليس اردنية‪ .‬وقد رحبت منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية بقرار فك االرتباط وما تاله من إجراءات‪ ،‬باعتبار أن السيادة األردنية على‬
‫الضفة الغربية قد انتقلت إلى منظمة التحرير الفلسطينية وللشعب الفلسطيني‪ .‬العالقات‬
‫األردنية ‪ -‬العربية‬
‫منذ أن تولى الملك حسين سلطاته الدستورية حرص على إقامة عالقات وثيقة مع جميع‬
‫الدول العربية‪ ،‬انطال قا من قناعنه بان مثل هذه العالقات هي لصالح األردن‪ ،‬ألنها تضمن‬
‫أمنه واستقراره‪ ،‬واألمن واالستقرار أساس التقدم واالزدهار‪ .‬غير أن الموجة الثورية‬
‫التي اجتاحت البالد العربية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي‪ ،‬وتدخل الدول‬
‫الكبرى في المنطقة العربية الذي تمثل في األحالف العسكرية ومقاومتها في ظل الحرب‬
‫الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي‪ ،‬جعل عالقات األردن مع الدول العربية في‬
‫حالة اضطراب شديد‪ .‬فقد كانت العالقات مع مصر عبد الناصر وسوريا مضطربة في‬
‫أعقاب قيام الحلف التركي ‪ -‬العراقي في شباط ‪ ،8855‬إلى أن قام الحسين بإعفاء الفريق‬
‫كلوب وكبار الضباط اإلنكليز من مناصبهم في قيادة الجيش األردني في ‪.8854 /3 /8‬‬
‫ومنذئذ بدأت فترة من التفاهم والتعاون بين األردن ومصر وسورية والمملكة العربية‬
‫السعودية‪ .‬استمرت حتی نيسان ‪ ،8857‬تدهورت‬
‫‪- 70 -‬‬
‫‪-‬‬
‫بعدها واشتد توترها بعد االنقالب العسكري في العراق في ‪ .3950 /7 /31‬وبينما‬
‫كانت عالقات األردن بالعراق ودية دومة في ظل الحكم الملكي الهاشمي‪ ،‬أصبحت هذه‬
‫العالقات في غاية السوء بعد االنقالب المذكور‪ ،‬وتحسنت عالقاته مع العربية السعودية‬
‫واستمر الوضع هكذا حتى حدث انقالب االنفصال في سوريا في ‪ .3913 /9 /30‬إذ‬
‫تحسنت العالقات األردنية ‪ -‬السورية بين سنتي ‪ 3913‬و ‪ ،3912‬مثلما عادت‬
‫العالقات األردنية ‪ -‬العراقية إلى وضعها العادي‪ .‬وظلت العالقات مع مصر متوترة حتى‬
‫انعقاد مؤتمر قمة عربي في بداية سنة ‪.3911‬‬
‫وفي ‪ 1‬شباط ‪ 8843‬حدث انقالب عسكري في العراق قام به البعثيون والقوميون العرب‬
‫أطاح بعبد الكريم قاسم وقضى عليه‪ .‬وبعد ذلك بشهر واحد قام انقالب عسکري مماثل‬
‫في سوريا على يد البعثيين والقوميين العرب من أنصار جمال عبد الناصر‪ .‬أدى هذان‬
‫االنقالبان إلى حالة من التوتر في العالقات بين الدول في المشرق العربي‪ .‬غير أن‬
‫مؤتمرات القمة العربية بين سنتي ‪ 8844‬و ‪ 8845‬أوجدت حالة من الصفاء والتعاون‬
‫بين هذه الدول ومنها األردن‪ .‬وعاد التوتر إلى عالقات األردن مع سوريا والعراق‬
‫ومصر بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية سنة ‪ 8844‬وبدء نشاط حركة فتح الفدائي منذ‬
‫سنة ‪ .8845‬وبلغ هذا التوتر أوجه مع وصول البعثيين المتطرفين إلى الحكم في سوريا‬
‫سنة ‪ ،8844‬ومساندتهم للعمل الفدائي ولنشاطه من األراضي األردنية‪ .‬واستمر هذا‬
‫التوتر حتى قامت إسرائيل بعدوانها في حزيران ‪ .8847‬وقد بينا سابقا استقبال األردن‬
‫للعمل الفدائي على أراضيه‪ ،‬وتطور األحداث التي أدت إلى إخراج الفدائيين من البالد‬
‫سنة ‪ .8878‬ولما اقترح األردن مشروع المملكة العربية المتحدة سارعت مصر السادات‬
‫إلى قطع عالقاتها الدبلوماسية مع األردن‪ ،‬وكانت عالقات األردن مع سورية مقطوعة‬
‫منذ غزو جيشها شمال األردن في أيلول ‪ .8870‬وظلت عالقات األردن متينة مع العربية‬
‫السعودية طوال هذه المدة‪ .‬وكان التعاون بين المملكتين وثيقة في كل المجاالت‪ .‬وأخذت‬
‫عالقات األردن تتوطد مع دول الخليج العربية (الكويت منذ استقالله سنة ‪)8840‬‬
‫والبحرين واإلمارات العربية المتحدة وقطر وعمان منذ حصولها على االستقالل سنة‬
‫‪ .8878‬وساهم األردن في بناء مؤسسات هذه الدول الشقيقة‪.‬‬
‫‪- 71 - -‬‬
‫كانت حرب تشرين األول ‪ 8873‬قد أعادت العالقات بين الدول العربية إلى مجراها‬
‫الطبيعي من التعاون‪ .‬وتحسنت العالقات األردنية ‪ -‬السورية منذ سنة ‪ 8875‬وتطورت‬
‫في اتجاه التكامل والتنسيق الوثيقين‪ .‬غير أنها عادت إلى التوتر سنة ‪ 8810‬بسبب تحسن‬
‫العالقات األردنية ‪ -‬العراقية ووقوف األردن إلى جانب العراق في حربه مع إيران بين‬
‫سنتي ‪ 8810‬و ‪ .8811‬ولم تعد هذه العالقات إلى حالتها الطبيعية إال سنة ‪ .8815‬ومن‬
‫المعروف أن إبرام مصر معاهدة كامب ديفيد سنة ‪ 8871‬ومعاهدة السالم مع إسرائيل‬
‫سنة ‪ 8878‬قد أوجدا حالة من التفاهم والتعاون العربيين إلى حين‪ ،‬بعد طرد مصر من‬
‫جامعة الدول العربية ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس سنة ‪.8871‬‬
‫وقد أثرت الحرب األهلية في لبنان منذ بدايتها سنة ‪ 8875‬في العالقات بين الدول‬
‫العربية‪ .‬وعقد مؤتمر القمة العربي الثامن في القاهرة يومي ‪ 25‬و ‪8874 /80 / 24‬‬
‫إليقاف هذه الحرب وحل الخالف بين مصر وسوريا‪ .‬وكان انعقاد مؤتمر القمة العربي‬
‫العاشر في تونس بين ‪ 20‬و ‪ 8878 /88/ 22‬من أجل تحسين العالقات بين الدول‬
‫العربية وعزل مصر سياسية‪ .‬وكان مؤتمر القمة الحادي عشر الذي عقد في عمان بين‬
‫‪ 25‬و ‪ 8810 /88/ 27‬في هذا االتجاه إذ تغيبت عنه سوريا والجزائر وليبيا ولبنان‬
‫واليمن الجنوبي ومنظمة التحرير الفلسطينية‪ .‬وصادق هذا المؤتمر على "عقد التنمية‬
‫العربية المشترك" الذي بقي لسوء الحظ حبرا على ورق‪ .‬وفي ظل التوتر القائم في‬
‫العالقات بين الدول العربية عقد مؤتمر القمة العربي الثالث عشر في الدار البيضاء بين‬
‫‪ 7‬و ‪ ،8815 /1 /8‬من أجل تنقية األجواء المشحونة‪ ،‬وحل الخالفات بين الدول العربية‬
‫والسيما بين المغرب والجزائر‪ ،‬وبين سوريا والعراق وليبيا‪ ،‬وبين األردن وسوريا‪ ،‬وبين‬
‫لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية‪.‬‬
‫وإلعادة مصر إلى جامعة الدول العربية عقد مؤتمر القمة العربي الرابع عشر في عمان‬
‫بين ‪ 0‬و ‪ .3907 /33 /33‬وتمت في المؤتمر المصالحة بين الرئيس السوري حافظ‬
‫األسد والرئيس صدام حسين‪ ،‬كما تمت المصالحة بين األردن ومنظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ .‬ولذا سمي هذا المؤتمر مؤتمر الوفاق واالتفاق‪.‬‬
‫‪- 72 -‬‬
‫الحرب العراقية اإليرانية ‪3900 - 3908‬‬
‫منذ وصول حزب البعث العربي االشتراكي إلى الحكم في العراق سنة ‪ 8841‬واستئثاره‬
‫بالسلطة تراوحت العالقات األردنية ‪ -‬العراقية بين العداء الصريح والتهادن والتوتر‪ .‬فقد‬
‫ظلت العالقات عادية حتى حدث التنسيق والتكامل بين األردن وسوريا سنة ‪،8875‬‬
‫عندها توترت بين الدولتين‪ .‬ولكن منذ سنة ‪ 8874‬أصبح ميناء العقبة بديال عن الموانئ‬
‫السورية على البحر المتوسط التي أغلقت في وجه العراق‪ ،‬والسيما بعد إعادة فتح قناة‬
‫السويس في حزيران ‪ .8875‬ولما أعلنت الحرب العراقية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬في أيلول ‪8810‬‬
‫بسبب التدخل اإليراني في شؤون العراق الداخلية‪ ،‬وقف األردن إلى جانب العراق‪ .‬وفتح‬
‫ميناء العقبة أمام واردات العراق طوال فترة الحرب‪ ،‬نما التعاون األردني ‪ -‬العراقي في‬
‫عدة ميادين‪ .‬ولم تتوقف هذه الحرب إال سنة ‪ .8811‬وقد مني الطرفان بخسائر بشرية‬
‫ومادية كبيرة جدا‪.‬‬
‫مجلس التعاون العربي‬
‫ظل التطلع إلى التكامل العربي والوحدة العربية‪ ،‬منذ قيام جامعة الدول العربية سنة‬
‫‪ 8845‬قوة تحرك األنظمة السياسية العربية والشعوب العربية في هذا االتجاه‪ .‬وكانت‬
‫مساهمة الجامعة العربية في تعزيز العمل العربي المشترك وتوثيق التضامن العربي في‬
‫الخمسينات والستينات من القرن الماضي مساهمة ال تنكر‪ .‬غير أن الضعف الذي ورثته‬
‫الجامعة في ميثاقها وفي النظام اإلقليمي العربي أخذ في االزدياد في السبعينات‬
‫والثمانينات من القرن المذكور‪ ،‬حتى أصبحت عاجزة عن مواجهة التحديات الكبيرة التي‬
‫فرضها الواقع الدولي‪ .‬وقد أخفقت المحاوالت التي جرت التوحيد قطرين أو أكثر من‬
‫األقطار العربية مثل محاولة "االتحاد العربي" ومحاولة "الجمهورية العربية المتحدة"‬
‫ومحاوالت الوحدة أو االتحاد بين ليبيا ومصر وسوريا وبين ليبيا وتونس‪ ،‬وبين ليبيا‬
‫ومصر‪ .‬وظلت إسرائيل تمثل التحدي األكبر لألمن القومي العربي ولوجود األمة‬
‫العربية‪ .‬وأخفقت المحاوالت لتعديل ميثاق جامعة الدول العربية وبعث الحياة في‬
‫مؤسسات العمل العربي المشترك المنبثقة عنها‪.‬‬
‫‪- 73 - -‬‬
‫ومع احتالل السوفيات ألفغانستان واندالع الحرب العراقية اإليرانية اصبح امن الجزيرة‬
‫العربية في خطر‪ .‬ولذا سارعت دول الخليج العربية الست (العربية السعودية والكويت‬
‫والبحرين واإلمارات العربية المتحدة وقطر وعمان) إلى إقامة مجلس التعاون الخليجي‬
‫في شباط ‪.3903‬‬
‫كانت فكرة مجلس التعاون العربي في األصل فكرة أردنية عراقية رحبت بها مصر‬
‫واليمن لما فيها من منافع لجميع الدول األعضاء‪ .‬فاألردن بحاجة إلى قوة ردع عربية‬
‫للوقوف في وجه إسرائيل وإلى حمايته من التآمر الصهيوني إلقامة الوطن البديل‬
‫للفلسطينيين على أرضه‪ .‬كما أنه بحاجة إلى مجال حيوي أوسع‪ ،‬وفتح أسواق العراق‬
‫ومصر واليمن لصادراته‪ ،‬واستيعاب الفائض من قوته العاملة في العراق واليمن‪،‬‬
‫وتوظيف األموال في العراق في فترة البناء والتعمير‪ ،‬واالستفادة من مياه الفرات إلحياء‬
‫باديته وتقوية مركزه المالي‪ .‬والعراق بحاجة إلى عمق استراتيجي وبشري في مواجهة‬
‫إيران‪ ،‬وفتح منافذ جديدة له على العالم الخارجي‪ ،‬والحفاظ على قدراته العسكرية‪ ،‬وتنمية‬
‫مقدراته العلمية والتكنولوجية‪ ،‬وتعظيم قدرته االقتصادية وتطويرها‪ ،‬والحصول على‬
‫وضع أفضل لحل المشكلة الكردية والتعامل مع تركيا‪ .‬ومصر بحاجة إلى الخروج من‬
‫العزلة التي فرضتها عليها اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السالم مع إسرائيل‪ ،‬والتحرر‬
‫من التبعية االقتصادية للغرب‪ ،‬وحل مشكلة البطالة ومشكلة المديونية الخارجية‬
‫واالختالل في ميزان مدفوعاتها‪ ،‬وحل مشكالتها الداخلية‪ .‬واليمن بحاجة إلى دعم الدول‬
‫العربية الثالث في مساعيها للتنمية االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫وكانت العالقات الثنائية قد تطورت بين الدول األربع في الثمانينات من القرن الفائت‬
‫بصورة تشجع على قيام مجلس التعاون بينها‪ .‬ولذا تألفت في بادئ األمر لجنة خبراء‬
‫من هذه الدول وضعت تصوراتها لمجلس التعاون العربي وأهدافه وآلية عمله‪ .‬واجتمع‬
‫رؤساء حكومات الدول األربع في عمان يومي ‪ 32‬و ‪ 3909 /3 /31‬واقروا مشروع‬
‫االتفاقية األساسية إلنشاء المجلس‪ .‬وانعقدت في بغداد قمة رباعية في ‪3909 /3 /31‬‬
‫ضمت الملك حسين والرئيس المصري حسني مبارك والرئيس العراقي صدام والرئيس‬
‫اليمني علي عبد هللا صالح حيث وقعوا على اتفاقية تأسيس المجلس‪.‬‬
‫‪- 71 -‬‬
‫نصت اتفاقية المجلس على أهدافه وأهمها‪" :‬تحقيق أعلى مستويات التنسيق والتعاون‬
‫والتكامل والتضامن بين الدول األعضاء‪ ،‬واالرتقاء بها تدريجيا وفقا للظروف‬
‫واإلمكانات والخبرات‪ ،‬وتحقيق التكامل تدريجيا في المجاالت االقتصادية والمالية‬
‫والصناعية والزراعية والنقل والمواصالت واالتصاالت والتعليم واإلعالم والبحث‬
‫العلمي والتكنولوجيا والشؤون االجتماعية والصحية والسياحية وتنظيم العمل والتنقل‬
‫واإلقامة‪ ،‬والسعي إلى إقامة سوق مشتركة بين الدول األعضاء وصوال إلى السوق‬
‫العربية المشتركة والوحدة االقتصادية العربية"‪.‬‬
‫وجعلت االتفاقية العضوية في المجلس مفتوحة لكل دولة عربية ترغب في االنضمام إليه‪.‬‬
‫وتألف المجلس من هيئة عليا تتألف من رؤساء الدول األعضاء‪ ،‬والهيئة الوزارية المؤلفة‬
‫من رؤساء حكومات الدول األعضاء أو من يقوم مقامهم‪ ،‬واألمانة العامة ومقرها عمان‪،‬‬
‫ويرأسها أمين عام وتضم عددا من الموظفين حسب الحاجة‪.‬‬
‫عقد اجتماع للهيئة العليا للمجلس في اإلسكندرية يومي ‪ 85‬و ‪ 8818 /4 /84‬أسفر عن‬
‫توقيع اتفاقية حصانات و امتيازات أمانة المجلس‪ ،‬واتفاقية التعاون بين الدول األعضاء‬
‫والموافقة على نظام انتقال وعمل مواطني دول المجلس‪ ،‬وتأليف مجلس للطيران الموحد‬
‫لدوله‪ ،‬وإقرار خطة لتنسيق التعاون بين وزارات خارجية الدول األعضاء وااللتزام بنص‬
‫وروح اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون االقتصادي بين دول الجامعة العربية‪ .‬واختير‬
‫المواطن المصري الدكتور حلمي نمر لمنصب األمين العام للمجلس‪ .‬وتم اجتماع للهيئة‬
‫العليا في صنعاء يومي ‪ 25‬و ‪24‬‬
‫‪ 8818 /8‬حيث أقرت اثنتي عشرة اتفاقية للتعاون بين الدول األعضاء‪ .‬ومن االتفاقيات‬
‫التي أخذت طريقها إلى التنفيذ تيسير نقل األيدي العاملة بين الدول األعضاء‪ ،‬والربط‬
‫الكهربائي بين مصر واألردن والعراق‪ .‬وعقدت الهيئة العليا اجتماعها الرابع في عمان‬
‫في شباط ‪ 8880‬الدراسة موضوع هجرة اليهود السوفيات إلى إسرائيل وآثارها السلبية‬
‫في فلسطين المحتلة واألردن‪ .‬وعقد وزراء خارجية دول المجلس اجتماعا في عمان في‬
‫مطلع نيسان ‪ ،8880‬حيث أعلنوا مساندتهم للعراق في مواجهة الحملة اإلعالمية الغربية‬
‫عليه‪،‬‬
‫‪- 75 - -‬‬
‫واعتبار األمن الوطني العراقي جزء ال يتجزأ من األمن القومي العربي‪ ،‬والتزام دول‬
‫المجلس بالدفاع عن العراق‪ .‬سار المجلس سيرة حسنة منذ إنشائه‪ ،‬غير أن احتالل‬
‫العراق للكويت في آب ‪ 8880‬أدى إلى توقف أعمال المجلس وإنهاء وجوده سنة ‪.8888‬‬
‫غزو العراق للكويت وحرب الخليج الثانية‬
‫خرج العراق من حربه مع إيران منهكة ومثقة بالديون الخارجية‪ ،‬وواجه تحديات كبيرة‬
‫إلعادة بناء اقتصاده ومجتمعه ووحدته الوطنية‪ .‬غير أن الواليات المتحدة | األمريكية‬
‫وإسرائيل لم تتيحا له التقاط األنفاس‪ .‬ففي مطلع سنة ‪ 8880‬بدأت بوادر أزمة سياسية‬
‫بالظهور بين واشنطن وبغداد‪ .‬بدأت بحرب إعالمية تحولت إلى حرب أعصاب بعد طرد‬
‫دبلوماسي عراقي من بعثة العراق في نيويورك‪ ،‬وقرار الكونغرس األمريكي بوقف‬
‫مبيعات القمح إلى العراق في شباط ‪ .8880‬ثم برزت قصة المدفع العمالق الذي يسعى‬
‫العراق إلى تصنيعه‪ ،‬واتهم العراق بتطوير أسلحة الدمار الشامل‬
‫البيولوجية والكيماوية والنووية)‪ .‬ووقف األردن إلى جانب العراق في هذه الحملة الغربية‬
‫الواسعة عليه‪ .‬وعقد مؤتمر قمة عربي استثنائي في بغداد بين ‪ 21‬و ‪8880 /5 / | 30‬‬
‫لبحث التهديدات التي يتعرض لها األمن القومي العربي واتخاذ التدابير الالزمة حيالها‪.‬‬
‫وأعلن القادة العرب تضامنهم مع العراق‪.‬‬
‫وما كادت الحملة الغربية على العراق تخف حدتها حتى ظهر الخالف بين العراق‬
‫والكويت حول أسعار النفط وحصة العراق في منظمة الدول المصدرة للنفط‬
‫)‪.(OPEC‬‬
‫سعى األردن ومصر والعربية السعودية إلى تطويق األزمة بين الدولتين‪ .‬وقام الملك‬
‫حسين بزيارة بغداد في ‪ 8880 /7 /28‬لحل األزمة‪ .‬وزار الكويت في اليوم التالي‪ .‬وعقد‬
‫اجتماع بين نائب رئيس الجمهورية العراقية ورئيس وزراء الكويت في جدة في ‪/7 /38‬‬
‫‪ 8880‬دون الوصول إلى حل‪ ،‬بسبب تمسك كل طرف بموقفه‪.‬‬
‫وفي فجر الثاني من آب ‪ 8880‬اجتازت القوات العراقية الحدود الكويتية واستولت على‬
‫اإلمارة خالل ساعات‪.‬‬
‫‪- 76 -‬‬
‫وعقد مؤتمر عربي طارئ في القاهرة في ‪ 3998 /0 /38‬أسفر عن اتخاذ قرارات‬
‫باغلبية (‪ )33‬صوتا تضمنت دعم إجراءات السعودية والتنديد بالعراق والمطالبة‬
‫بسحب قواته من الكويت‪.‬وفي فجر ‪ 8888 /8 /87‬بدأ هجوم شامل من قوات التحالف‬
‫على العراق واستمر حتى مساء ‪ ،8888 /3 /4‬أسفر عن سحب القوات العراقية من‬
‫الكويت وتدمير البنية التحتية في العراق والكثير من المنشآت واألبنية في المدن والقرى‬
‫العراقية‪ ،‬وقتل آالف الجنود والمدنيين من الشيوخ والنساء واألطفال األبرياء‪ .‬مفاوضات‬
‫السالم ومعاهدة وادي عربة بعد وقف إطالق النار بين قوات التحالف والعراق بيومين‬
‫التقي الرئيس األمريكي بوش بالكونغرس وقال في حديثه إليه‪" :‬يجب علينا أن نعمل ما‬
‫في وسعنا التجسير الهوة بين إسرائيل والدول العربية وبين اإلسرائيليين والفلسطينيين‪....‬‬
‫إن سالما شامال يجب أن يؤسس على قراري مجلس األمن الدولي ‪ 242‬و ‪ 331‬وعلى‬
‫مبدأ األرض مقابل السالم‪ .‬وهذا المبدا ينبغي أن يحقق إلسرائيل أمنها واالعتراف بها‪،‬‬
‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬الحقوق المشروعة للفلسطينيين‪ .‬ولن يحقق غير ذلك اإلنصاف واألمن‪.‬‬
‫لقد حان الوقت إلنهاء النزاع العربي ‪ -‬اإلسرائيلي"‪ .‬وبعد ذلك بأيام بدأ جيمس بيکر‬
‫‪ ،James Baker‬وزير الخارجية األمريكي جولته في المنطقة العربية من أجل تحقيق‬
‫ما اعتزم الرئيس األمريكي على تنفيذه‪ .‬وفي ‪ 8888 /4 /88‬أبلغ الملك حسين وزير‬
‫الخارجية األمريكي موافقة األردن على عقد مؤتمر دولي للسالم‪ ،‬وعلى حضور األردن‬
‫هذا المؤتمر‪ ،‬وعلى تأليف وفد أردني ‪ -‬فلسطيني مشترك للفاوض‪ .‬وفي ‪/80 /81‬‬
‫‪ 8888‬تسلم بيکر قائمة بأسماء المشاركين في الوفد األردني – الفلسطيني وبعد ذلك‬
‫بيومين وافقت إسرائيل على حضور المؤتمر الدولي للسالم الذي تقرر عقده في مدريد‬
‫في ‪.8888 /80 /30‬افتتح المؤتمر الدولي في موعده ومكانه المقررين تحت الرئاسة‬
‫المشتركة للرئيس األمريكي بوش والرئيس السوفياتي غورباتشوف‪ .‬وحضرته وفود تمثل‬
‫إسرائيل وسوريا ولبنان ووفد أردني ‪ -‬فلسطيني مشترك‪ .‬وتقرر عقد الجوالت الثنائية‬
‫بين كل‬
‫‪- 77-‬‬
‫وفد عربي ووفد إسرائيلي مقابل له‪ ،‬وعقد جوالت المفاوضات المتعددة األطراف‬
‫بحضور وفود الدول المعنية حسب الموضوعات التي ستناقش‪.‬‬
‫جرت المفاوضات الثنائية ببطء شديد في واشنطن‪ ،‬ودارت في معظمها حول األمور‬
‫الشكلية‪ .‬واستمرت المفاوضات بين الجانبين األردني واإلسرائيلي في واشنطن حتی‬
‫توصال إلى اتفاق حول جدول األعمال في تشرين األول ‪ .8882‬ومرت سنة ‪ 8883‬دون‬
‫التوصل إلى نتيجة ملموسة‪ .‬واجتمعت مجموعات التفاوض المتعدد األطراف لمناقشة‬
‫مسائل ‪ :‬مراقبة األسلحة واألمن اإلقليمي‪ ،‬والمياه‪ ،‬والتنمية االقتصادية‪ ،‬والبيئة والالجئين‬
‫مرتين خالل سنة ‪.8882‬‬
‫وكانت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية قد بدأتا مفاوضات سرية في أوسلو‪ ،‬عاصمة‬
‫النرويج‪ ،‬انتهت بتوقيع اتفاق بين الطرفين‪ .‬وكشف النقاب عن هذه المفاوضات في أواخر‬
‫آب ‪ .8883‬فكانت مفاجئة للقيادة األردنية التي اعتبرتها محاولة من منظمة التحرير‬
‫إللغاء أي دور مؤثر لألردن في الضفة الغربية‪ ،‬كما شعرت أن األمور تسير من وراء‬
‫ظهرها على حساب األردن‪ ،‬وبهذا تنقلب المعادلة ليصبح األردن العنصر الضعيف في‬
‫المعادلة الثالثية بين األردن والمنظمة وإسرائيل‪ .‬ولم يعد أمام القيادة األردنية داع‬
‫لالنتظار الطويل الذي يمكن أن يحول األردن إلى عنصر هامشي في األحداث المقبلة في‬
‫المنطقة‪ .‬ولذا سارع األردن إلى توقيع أجندة المفاوضات األردنية اإلسرائيلية في‬
‫واشنطن في اليوم التالي لتوقيع االتفاق الفلسطيني ‪ -‬اإلسرائيلي‪ ،‬أي في ‪.8883 /8 /84‬‬
‫بدا األردن مباحثات نشيطة وكثيفة مع إسرائيل والواليات المتحدة‪ ،‬وأعلنت الحكومة‬
‫األردنية أن مظلة الوفد األردني ‪ -‬الفلسطيني للتفاوض مع إسرائيل قد انتهت في ‪/32‬‬
‫‪ .3992 /9‬واستمرت المفاوضات في واشنطن ثم انتقلت إلى الحدود األردنية ‪-‬‬
‫اإلسرائيلية شمال العقبة ثم في فندق البحر الميت‪ .‬والتقى الملك حسين برئيس وزراء‬
‫إسرائيل اسحق شامير في البيت األبيض بواشنطن في ‪ ،3991 /7 /35‬وصدر عنهما‬
‫بيان واشنطن الذي تضمن إنهاء حالة العداء بين األردن وإسرائيل والتزام الدولتين‬
‫بالتفاوض للوصول إلى حالة السالم‪.‬‬
‫ووقع معاهدة السالم األردنية ‪ -‬اإلسرائيلية كل من عبد السالم المجالي‪ ،‬رئيس‬
‫‪- 78 -‬‬
‫‪-‬‬
‫وزراء األردن‪ ،‬واسحق رابين‪ ،‬رئيس وزراء إسرائيل‪ ،‬في احتفال رسمي في وادي‬
‫عربة في ‪ ،3991 /38 /31‬بحضور الملك حسين والرئيس األمريكي بيل كلنتون ‪B .‬‬
‫‪ Clinton‬والرئيس اإلسرائيلي عيزر وايزمان‪.‬‬
‫اشتملت المعاهدة على مقدمة وثالثين مادة وخمسة مالحق‪ .‬وتناولت موادها موضوعات‪:‬‬
‫إقامة السالم‪ ،‬والمبادئ العامة‪ ،‬والحدود الدولية‪ ،‬واألمن‪ ،‬والعالقات الدبلوماسية‪ ،‬والمياه‪،‬‬
‫والعالقات االقتصادية‪ ،‬والالجئين والنازحين واألماكن المقدسة‪ ،‬والتبادل الثقافي والعلمي‪،‬‬
‫والتفاهم المتبادل وعالقات حسن الجوار‪ ،‬ومحاربة الجريمة والمخدرات‪ ،‬والنقل‬
‫والطرق‪ ،‬وحرية المالحة والوصول إلى الموانئ‪ ،‬والطيران المدني‪ ،‬والبريد‬
‫واالتصاالت‪ ،‬والسياحة‪ ،‬والبيئة والطاقة‪ ،‬وتنمية أخدود وادي األردن‪ ،‬والصحة‪،‬‬
‫والزراعة‪ ،‬وتنمية العقبة وإيالت‪ ،‬والتعويضات‪ ،‬والحقوق والواجبات‪ ،‬والتشريعات‬
‫والتصديق‪ ،‬واإلجراءات المؤقتة‪ ،‬وحل النزاعات‪ ،‬والتسجيل‪ .‬أما المالحق الخمسة‬
‫فيتناول أولها تعيين الحدود الدولية وتثبيتها بين األردن وإسرائيل‪ ،‬بما في ذلك الترتيبات‬
‫الخاصة بمنطقة الباقورة ‪ /‬نهاريم ومنطقة الغمر ‪ /‬تسومار األردنيتان‪ .‬ويدور ثانيهما‬
‫حول اقتسام مياه نهر األردن واليرموك والمياه الجوفية وأوجه التعاون بين الطرفين‪.‬‬
‫ويتضمن ثالثها التعاون بين الطرفين في مجال مكافحة الجريمة والمخدرات‪ ،‬بينما‬
‫يتضمن رابعها التعاون في ميدان البيئة‪ .‬أما الملحق الخامس فيتناول ترتيب حركة األفراد‬
‫ضمن نقاط العبور بين البلدين‪.‬‬
‫نصت المعاهدة على اعتراف الطرفين بسيادة كل منهما واستقالله السياسي وحقه في‬
‫العيش ضمن حدود آمنة ومعترف بها‪ ،‬وحل كل المنازعات بالوسائل السلمية واالمتناع‬
‫عن الدخول في أحالف ذات صبغة عسكرية أو أمنية مع طرف ثالث‪ ،‬واتخاذ إجراءات‬
‫ضرورية وفعالة لمنع اإلرهاب والتخريب والعنف من أن تشن من أراضي أي منهما‬
‫ضد الطرف اآلخر‪ .‬وأنهت المعاهدة المقاطعة االقتصادية بين الدولتين‪ ،‬وأكدت احترام‬
‫إسرائيل للدور الخاص باألردن في األماكن المقدسة في القدس‪.‬‬
‫صادق مجلس النواب على المعاهدة في ‪ .8884 /88 /4‬وافتتحت سفارة أردنية في تل‬
‫أبيب وسفارة إسرائيلية في عمان في ‪.8884 /82 /88‬‬
‫‪-‬‬

‫‪- 79 - -‬‬
‫جهود الملك حسين في بناء األردن‬
‫كان عهد الحسين في األردن (‪ )8888 - 8853‬عهد بناء وازدهار في تاريخ األردن‬
‫المعاصر‪ .‬ففي عهده أرسيت قواعد الحياة النيابية الدستورية واستقرت مؤسسات الدولة‪.‬‬
‫وشهدت البالد ازدهارة اقتصادية على الرغم من محدودية الموارد الطبيعية فيها‪ .‬وانتشر‬
‫التعليم على نطاق واسع في البالد‪ ،‬وصدر قانون للتربية والتعليم السنة ‪ 8843‬الذي نص‬
‫على فتح مدرسة حيثما توفر عشرة من التالميذ‪ .‬واستطاع األردن منذئذ أن يحرز قصب‬
‫السبق في هذا الميدان‪ ،‬وأن يحتل المقام األول في التعليم في البالد العربية كلها‪ ،‬وأن‬
‫تكون نسبة األمية في سكانه أقل نسبة في البالد العربية (‪.)%80‬‬
‫‪ :‬وأنشئت الجامعة األردنية سنة ‪ 3913‬كأول جامعة وطنية في البالد تلتها جامعة‬
‫اليرموك سنة ‪ 3971‬فجامعة مؤتة سنة ‪ 3903‬وجامعة العلوم والتكنولوجيا األردنية‪،‬‬
‫وجامعة آل البيت فالجامعة الهاشمية‪ ،‬وأنشئت الجمعية العلمية الملكية من أجل نقل‬
‫التكنولوجيا الحديثة وتوطينها في األردن‪ ،‬مثلما أنشئت إحدى عشرة جامعة خاصة‬
‫والعديد من كليات المجتمع الرسمية والخاصة‪ .‬وكان استثمار األردن في عهد الحسين‬
‫في الموارد البشرية‪.‬‬
‫وكانت جهود الحسين الشخصية واضحة في بناء القوات المسلحة األردنية البرية‬
‫والجوية والبحرية‪ ،‬وفي تطوير أداء وكفاءة ضباطها وأفرادها‪ .‬واستحدث جامعة مؤتة‪-‬‬
‫الجناح العسكري لتخريج ضباط مؤهلين علمية وعسكرية على مستوى جامعي رفيع‪.‬‬
‫كما أنشا كلية األركان وكلية الدفاع الوطني لتخريج القادة لقيادة القوات البرية‪ .‬وأنشئت‬
‫مدارس عسكرية عديدة لرفع كفاءة األفراد وضباط الصف‪ .‬وأنشئت كلية السالح الجو‬
‫األردني إلعداد الطيارين وضباط هذا السالح‪ .‬وكان للخدمات الطبية الملكية في القوات‬
‫المسلحة دور مهم في رفع سوية الخدمات الصحية العامة في المملكة‪ .‬كما ساهمت‬
‫مديرية الثقافة العسكرية في توفير التعليم ألبناء الشهداء وأبناء العاملين في القوات‬
‫المسلحة وأبناء البادية‪.‬‬
‫وأولى الحسين العاملين في القوات المسلحة عنايته‪ ،‬فخصص بمكر منه الملكية‬
‫األبنائهم ‪ %38‬من أعداد المقبولين في الجامعات وكليات المجتمع الرسمية األردنية‬
‫مع‬
‫‪- 80 -‬‬
‫دفع رسومهم ومنح شهرية طوال مدة دراستهم‪ .‬كما منح أبناء العاملين في وزارة‬
‫التربية والتعليم ‪ %9‬من أعداد المقبولين في الجامعات الرسمية‪.‬‬
‫وعلى الصعيد االقتصادي ساهمت الدولة في تنمية االقتصاد األردني بإنشاء شركة‬
‫الفوسفات التي تولت استخراج الفوسفات في البالد وتسويقه وتصديره‪ ،‬وإنشاء شركة‬
‫مصانع اإلسمنت وشركة البوتاس العربية‪ .‬وأنشأت بنية تحتية مهمة كانت أساسا للنمو‬
‫االقتصادي مثل ميناء العقبة الذي وفر لألردن منفذ بحرية إلى العالم‪ ،‬بعد أن كان يعتمد‬
‫على ميناء بيروت في لبنان وميناء الالذقية في سوريا‪ .‬وأنشئت شبكة واسعة من الطرق‬
‫المعبدة بين المدن والقرى األردنية لتسهيل نقل السلع والمنتجات الزراعية والصناعية‬
‫واألفراد‪ ،‬ناهيكم عن الملكية األردنية واألجنحة العربية كوسيلتين للنقل الجوي‪ ،‬ومطار‬
‫الملكة علياء الدولي‪ .‬ومنذ مطلع الستينات جرت مياه نهر اليرموك عبر قناة الغور‬
‫الشرقية لري األراضي األردنية في غور األردن‪ .‬وأنشئت السدود لجمع المياه الغايات‬
‫الري مثل سد الملك طالل على نهر الزرقاء وسد وادي العرب وسد شرحبيل ابن حسنة‬
‫في شمال المملكة وسد الكرامة وسد وادي شعيب وسد الكفرين في منطقة البلقاء وسد‬
‫التطور وسد الوالة في منطقة ذيبان وسد الموجب في منطقة الكرك‪ .‬واستثمرت المياه‬
‫الجوفية في البادية األردنية لزراعة الخضار والفواكه‪ .‬واستطاعت سلطة المصادر‬
‫الطبيعية القيام بدراسات مسحية للكشف عن المعادن المختلفة في البالد‪ ،‬والكشف عن‬
‫الغاز الطبيعي في البادية الذي يساهم إنتاجه في تغطية كلفة استهالك البالد من الطاقة‪.‬‬
‫وأنشئت مؤسسة األوراق المالية والسوق المالي في عمان‪.‬‬
‫كما تطورت الخدمات الصحية في البالد بإنشاء مدينة الحسين الطبية التابعة للقوات‬
‫المسلحة األردنية‪ ،‬وبإنشاء الع ديد من المستشفيات في مختلف محافظات المملكة‬
‫وإنشاء المستوصفات والعيادات الصحية في العديد من القرى‪ .‬واستطاعت الجامعة‬
‫األردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا األردنية أن تزود مستشفيات المملكة‬
‫ومستوصفاتها وعياداتها بحاجاتها من األطباء الذين تخرجهم كلينا الطب فيهما‪ .‬وغدا‬
‫األردن مركزة لالستشفاء في المشرق العربي يفد إليه المرضى من منطقة الخليج‬
‫العربي‬
‫ومن اليمن والعراق وسوريا وليبيا والسودان‪ ،‬لما فيه من كفاءات طبية متميزة‬
‫وخدمات طبية راقية‪.‬‬
‫‪- 81 -‬‬
‫وأنشئ صندوق المعونة الوطنية لمساعدة األسر الفقيرة فقام بدور مهم في مكافحة‬
‫الفقر‪ .‬وخالصة القول إن الحسين قد رفع من شأن األردن على الصعيد الدولي من خالل‬
‫نشاطه الشخصي وخبرته السياسية الطويلة‪ ،‬فاصبح األردن معروفا في مختلف‬
‫األوساط والمحافل الدولية‪ .‬واحتل األردن في عهده مكانة خاصة في الوطن العربي‪،‬‬
‫وقام بدور مهم بقيادته الحكيمة والشجاعة‪ .‬عهد الملك عبد هللا الثاني بن الحسين‪.‬‬
‫مرض الملك حسين بالسرطان في سنة ‪ ،8881‬وغادر إلى الواليات المتحدة األمريكية‬
‫للعالج‪ ،‬وعهد إلى شقيقه األمير حسن‪ ،‬ولي العهد‪ ،‬بسلطات رئيس الدولة‪ | ،‬طوال مدة‬
‫عالجه‪ .‬وفي ‪ 8888 /8 /88‬عاد جاللته إلى عمان‪ ،‬فاستقبل باحتفال رسمي وشعبي‬
‫كبير‪ .‬وفي ‪ 8888 /8 /25‬وجه رسالة إلى األمير حسن أبلغه فيها بإعفائه من والية‬
‫العهد وتعيين نجله األكبر عبد هللا وليا للعهد‪ .‬وعاد الحسين ثانية للعالج في الواليات‬
‫المتحدة‪ .‬ولكنه عاد إلى عمان صباح يوم ‪ ،8888 /2 /5‬وقرر مجلس الوزراء تعيين‬
‫األمير عبد هللا نائبا للملك بسبب عدم قدرة الملك على ممارسة سلطانه الدستورية‪ .‬وتوفي‬
‫الملك حسين في ‪ .8888 /2 /7‬وارتقى عرش المملكة الملك عبد هللا الثاني بن الحسين‬
‫في اليوم نفسه واختار األمير حمزة بن الحسين وليا للعهد‪ .‬وجرت مراسيم تشييع جثمان‬
‫الملك الراحل في اليوم التالي بحضور العديد من رؤساء الدول العربية واإلسالمية‬
‫والصديقة إلى مثواه األخير في المقابر الملكية في العاصمة األردنية‪.‬‬
‫تأثر األردن خالل السنوات الست األولى من حكم الملك الشاب باألحداث الخارجية‬
‫وأهمها‪ :‬انتفاضة األقصى منذ بدايتها في تشرين األول ‪ ،3888‬واحداث الحادي عشر‬
‫من أيلول ‪ 3883‬وإعالن الواليات المتحدة األمريكية حربها على اإلرهاب‪ ،‬وغزو‬
‫العراق في آذار ‪ 3882‬من قبل قوات التحالف بقيادة الواليات المتحدة‪ .‬وقد أظهر‬
‫الشعب األردني تعاطفه مع انتفاضة األقصى‪ ،‬وبادرت الحكومات األردنية المتتالية إلى‬
‫مساندة السلطة الفلسطينية في فلسطين‪ .‬كما أعلن الملك عبد هللا الثاني حربه على‬
‫اإلرهاب‪ ،‬ومساندته للشعب العراقي‪ ،‬واعترف بالحكومة العراقية المؤقتة‪ ،‬وقدم األردن‬
‫المعونات الطبية للشعب العراقي‪.‬‬
‫‪- 82 -‬‬
‫وعلى الصعيد الداخلى طلب الملك من رئيس الوزراء في ‪ 2008 /80 /25‬أن تعد‬
‫الحكومة خطة اقتصادية ‪ -‬اجتماعية لتخفيض نسبة البطالة والفقر في البالد‪ ،‬وتحسين‬
‫مستوى معيشة األردنيين‪ .‬وخصصت الحكومة لهذه الخطة حوالي (‪ )300‬مليون دينار‬
‫أردني في موازنتها العامة لسنة ‪.2002‬‬
‫وحل الملك مجلس النواب في آب ‪ ،2008‬وفي ‪ 2002 /80 /30‬وجه الملك رسالة إلى‬
‫رئيس الحكومة لتأليف لجنة وطنية إليجاد الوسائل لنشر األفكار وراء حملة "األردن‬
‫أوال" التي بدأت في أيلول ‪ ،2002‬وتنفيذها‪ .‬تألفت اللجنة الوطنية المطلوبة‪ ،‬وقدمت‬
‫توصياتها إلى الحكومة بعد شهر ونصف من تأليفها‪ .‬وتضمنت هذه التوصيات تخصيص‬
‫نسبة معينة للنساء في البرلمان األردني‪ ،‬وإنشاء محكمة دستورية‪ ،‬وتعديل قانون‬
‫األحزاب السياسية لسنة ‪ ،8882‬وإصالح مناهج التربية والتعليم‪ ،‬وتحسين تدريب‬
‫القضاة‪ ،‬وتشجيع األحزاب السياسية على االندماج فيما بينها‪ ،‬وزيادة مساحة الحريات‬
‫العامة‪ .‬واستجابت الحكومة لبعض هذه التوصيات وال سيما تخصيص ست مقاعد إضافية‬
‫للنساء في مجلس النواب الذي أصبح عدد مقاعده (‪ )880‬مقاعد‪.‬‬
‫أجريت األنتخابات البلدية في البالد في ربيع ‪ 2003‬الختيار نصف عدد أعضاء المجالس‬
‫البلدية‪ ،‬وقامت الحكومة بتعيين النصف اآلخر ورؤساء البلديات من موظفي الدولة‪ .‬وفي‬
‫‪ 2003 /4 /87‬أجريت االنتخابات النيابية‪ .‬ومنذ خريف ‪ 2003‬بدا التركيز على التنمية‬
‫السياسية في البالد‪.‬‬
‫وسعى الملك الشاب في جوالته العديدة على عواصم العالم إلى تشجيع االستثمار في‬
‫األردن من أجل النهوض باقتصاده وتقليص حجم البطالة بين مواطنيه‪ .‬وفي ‪/5 /83‬‬
‫‪ 2003‬وقعت الحكومتان األردنية واألمريكية اتفاقية بتقديم (‪ )700‬مليون دوالر لألردن‪،‬‬
‫كمعونة طارئة لتعويضه عن الخسائر االقتصادية التي تكبدها بسبب غزو العراق‪ .‬كما‬
‫وقعت في اليوم نفسه اتفاقية ثانية بين الحكومتين لتقديم تسهيالت للتمويل األمريكي في‬
‫األردن‪.‬‬
‫وحقق األردن في عهد مليكه الشاب تقدمة في التربية والتعليم العالي كما بينا في‬
‫الحديث عن مؤسسات التربية والتعليم‪.‬‬
‫‪- 83 -‬‬
‫تأثير الربيع العربي على السياسة الخارجية األردنية‪:‬‬
‫شكلت ظاهرة الربيع العربي التي بدأت في أواخر عام ‪ 3838‬في تونس نقطة تحول في‬
‫الواقع السياسي العربي بخاصة بعد تنامي المظاهر العسكرية في هذه الظاهرة‪ ،‬والتي‬
‫أخذت طابع الحروب األهلية وتنامي تدخل عدد من الدول الخارجية في هذه األحداث‪.‬‬
‫واستجابة من النظام السياسي في األردن لهذه التحوالت حاول األردن التاكيد على بعض‬
‫المبادئ في سياستها الخارجية بخاصة بعد تطور األزمة السورية‪ :‬أ‪ -‬التأكيد على عدم‬
‫التدخل في الشأن الداخلي ألي بلد عربي‪.‬‬
‫‪ -‬التأكيد على وحدة أراضي الدول العربية‪ .‬ت‪ -‬المطالبة باحترام إرادة الشعوب العربية‪.‬‬
‫وقد تمكن األردن من تجنب انتقال العنف إليه بخاصة بعد تزايده في دول عربية مثل‬
‫العراق وسوريا واليمن وليبيا‪.‬‬
‫"وفي مجال القضية الفلسطينية واصلت الحكومة األردنية في التأكيد على الحقوق‬
‫الفلسطينية والتأكيد على "الرفض القاطع لفكرة الوطن البديل (أي تسوية الموضوع‬
‫الفلسطيني على حساب األردن) التي طرحتها بعض التيارات السياسية الصهيونية‪.‬‬
‫وقال بيان للديوان الملكي في فبراير ‪ " 2084‬إن الملك عبدهللا الثاني تساءل خالل لقائه‬
‫مع السلطات الثالث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) وشخصيات برلمانية إلى متى‬
‫سيستمر الحديث عن الوطن البديل؟‪ ..‬وأقولها مرة أخرى أن األردن هو األردن‪،‬‬
‫وفلسطين هي فلسطين‪ ،‬وال شيء غير ذلك ال في الماضي‪ ،‬وال اليوم‪ ،‬وال في المستقبل"‪.‬‬
‫لكن االضطرابات السياسية في سوريا أدت لتدفق عدد كبير من الالجئين السوريين إلى‬
‫األردن بشكل أثقل كاهل االقتصاد األردني والبنية التحتية األردنية بخاصة في قطاعات‬
‫التعليم والمياه والكهرباء‪ ،‬وهو ما دفع األردن إلى السعي مع الهيئات الدولية وبخاصة‬
‫منظمة األمم المتحدة إلى محاولة ضبط آثار ذلك على االستقرار السياسي واالقتصادي‬
‫األردني‪.‬‬
‫‪-84 -‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫النظام السياسي‬
‫األردني‬
‫النظام السياسي األردني‬
‫الفصل الثالث‬
‫النظام السياسي األردني‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يختلط مفهوم النظام السياسي مع مفهوم نظام الحكم أو الحكومة من ناحية والدولة من‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬لذا من الضروري بداية أن نحدد معنى هذه المفاهيم الثالثة بشيء من‬
‫اإليجاز منعا للتداخل في معانيها‪.‬يقصد بالنظام السياسي في أغلب التعريفات "مجموع‬
‫التفاعالت واألدوار المتداخلة والمتشابكة التي تتعلق بالتخصيص السلطوي للقيم (أي‬
‫بتوزيع األشياء ذات القيمة بموجب قرارات سياسية ملزمة للجميع)‪ .‬ويختلف النظام‬
‫السياسي عن الحكومة‪ ،‬إذ هي بمثابة جزء من مكونات النظام السياسي‪ ،‬فهي اإلطار الذي‬
‫تتم فيه العمليات التشريعية والتنفيذية والقضائية واإلدارية للنظام السياسي‪ ،‬وهناك جزء‬
‫من النشاط السياسي يمارس خارج المؤسسات الحكومية في األحزاب وجماعات المصالح‬
‫أو منظمات المجتمع المدني بشكل عام‪ .‬وعلى هذا األساس فإن النظام السياسي ال يقتصر‬
‫على التفاعالت التي تجري داخل مؤسسات الحكومة أو فيما بينها بل يشتمل في معناه‬
‫على كل التفاعالت السياسية التي تحدث خارج وداخل مؤسسات الحكومة‪.‬‬
‫ولكل نظام سياسي بيئة داخلية وأخرى خارجية يتفاعل معهما‪ ،‬ويتسم هذا التفاعل بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنه تفاعل مستمر يجري بين وحدات النظام وبين البيئة الداخلية والخارجية‪.‬‬
‫ب‪ -‬يتسم هذا التفاعل بدرجة من االعتماد المتبادل‪ ،‬أي أن أي تأثير يصيب طرفا من‬
‫النظام ينعكس على األطراف األخرى‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن النظام السياسي يسعى دائما للحفاظ على ذاته من خالل التكيف مع التغيرات‪.‬‬

‫‪-84 -‬‬
‫أما الدولة فتشمل اإلقليم الجغرافي والشعب الذي يقطن اإلقليم‪ ،‬إلى جانب الحكومة‬
‫بالتعريف الذي سبق وأوردناه‪ .‬استنادا لذلك سنقوم بدراسة النظام السياسي األردني‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬التطور الدستوري‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬بنية السلطات الثالث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬األحزاب السياسية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تطور الحياة الديمقراطية في األردن ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬التطور الدستوري في األردن‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫بعد ثمانية أشهر من تأسيس إمارة شرق األردن‪ ،‬أي في تشرين األول من عام ‪،8828‬‬
‫بعث األمير عبد هللا بن الحسين برسالة للحكومة البريطانية أوضح فيها الشكل الذي‬
‫ستتخذه الحكومة التي يعمل على تشكيلها في اإلمارة‪ ،‬وتتضمن ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬سيعهد إلى مجلس مستشارين القيام بمهام السلطة التنفيذية‪ ،‬أي القيام بمهام الحكومة‪.‬‬
‫ب‪ -‬يتم انتخاب مجلس نواب من قبل الشعب‪ ،‬وتكون مهمة المجلس استشارية قابلة‬
‫للتطور مع الزمن‪.‬‬
‫ج‪ -‬يكون المجلس االستشاري الذي سيقوم بمهام الحكومة خاضعا لرقابة مجلس‬
‫النواب‪ .‬ونتيجة عدم دعم الحكومة البريطانية لهذا المشروع‪ ،‬تكررت المحاولة ثانية في‬
‫تموز عام ‪ ،8823‬وقد أخذت هذه المحاولة شكل الخطوات التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬تشكيل لجنة أهلية من قبل األمير عبد هللا‪.‬‬
‫ب‪ -‬تضم اللجنة عضوين من كل بلدية‪.‬‬
‫ج‪ -‬يترأس اللجنة وكيل العدلية‪.‬‬
‫‪- 88 -‬‬
‫وقد أوكل لهذه اللجنة مهمة وضع قانون انتخاب عصري‪ .‬وقد تضمن المشروع خمسة‬
‫فصول تشتمل في مجموعها على ستين مادة‪ .‬وكانت أبرز مالمح هذا المشروع هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬تقسيم اإلمارة إلى دوائر انتخابية عددها ثالث (دائرة عمان وتتبعها السلط ومادبا‪،‬‬
‫ودائرة اربد وتتبعها كال من جرش وعجلون‪ ،‬أما الدائرة الثالثة فهي دائرة الكرك‬
‫وتتبعها الطفيلة)‪.‬‬
‫ب‪ -‬يتم تمثيل كل ثمانية آالف ناخب بنائب واحد‪ ،‬وما زاد على ذلك في الدائرةيتم حسابه‬
‫على أساس نائب ثان لكل أربعة آالف ناخب‬
‫ج‪ -‬يشترط في الناخب أن يكون قد بلغ العشرين من عمره عند التسجيل لممارسة حقه‬
‫االنتخابي‪.‬‬
‫د‪ -‬اشترط المشروع أن يكون الناخب ذكرا‪.‬‬
‫ه‪ -‬أجاز المشروع للعسكريين والموظفين حق االنتخاب‪ .‬و‪ -‬يجري االنتخاب بشكل‬
‫علني‪.‬‬
‫ي‪ -‬للمرشح أن يرشح نفسه في أي دائرة يشاء‬
‫‪.‬وقد واجهت هذه المحاولة مصير سابقتها نتيجة الرفض البريطاني لها بحجة أن الفترة‬
‫المنصوص عليها في صك االنتداب على األردن لم تنقض بعد‪ ،‬مما أخر األمر حتى عام‬
‫‪ .8821‬وفي ظل هذا التعثر‪ ،‬شكل األمير عبد هللا مجلس شوری استمر خالل الفترة من‬
‫‪ 8823 /4 /8‬إلى ‪ .8827 /4 /8‬وهذا يعني أن إمارة شرق األردن بقيت منذ تأسيسها‬
‫وحتى عام ‪ 8821‬بدون دستور‪ ،‬إال أن محاوالت جرت لخلق نوع من المؤسسات‬
‫الدستورية تساهم في إدارة البالد‪ ،‬ولكنها كانت تصطدم باالعتراض البريطاني بصفتها‬
‫الدولة المنتدبة على األردن‪.‬‬
‫الدستور األول (القانون األساسي)‪:‬‬
‫تضمنت المعاهدة البريطانية ‪ -‬األردنية التي وقعت بين الطرفين في ‪ 8821 /2 /20‬في‬
‫مادتها الثانية النص على وضع قانون اساسي‪ ،‬وتنازل الحكومة البريطانية عن‬
‫‪- 89 -‬‬
‫السلطتين التشريعية والتنفيذية لألمير عبد هللا بن الحسين‪ .‬وقد نص القانون األساسي‬
‫وهو المفهوم الذي استخدم بدال من مفهوم الدستور في حينه على أن السلطات التشريعية‬
‫واإلدارية مخولة لألمير عبد هللا بن الحسين ولورثته من بعده‪ .‬كما أن األمير مصون من‬
‫كل تبعة ومسؤولية‪ ،‬وهو رأس الدولة الذي يصدق على جميع القوانين ويصدرها ويراقب‬
‫تنفيذها‪ ،‬ويعقد المعاهدات‪ .‬كما نص القانون األساسي على أن األمير هو الذي يصدر‬
‫األوامر بإجراء االنتخابات للمجلس التشريعي ويدعو الجتماعه وافتتاحه وتأجيله وفضه‬
‫وحله‪ ،‬كما أنه يعين رئيس الوزراء ويقبل استقالته‪.‬ونصت مواد القانون األساسي‬
‫(الدستور) على تأليف مجلس تشريعي وتحديد صالحيات هذا المجلس‪ ،‬وبناء عليه تم‬
‫انتخاب خمسة مجالس تشريعية خالل الفترة من ‪ ، 8828 - 8847‬وذلك بعد صدور أول‬
‫قانون انتخابي في ‪ ،8821 /4 /20‬تم بموجبه تقسيم البالد إلى أربع مقاطعات هي البلقاء‬
‫وعجلون والكرك ومعان‪ ،‬غير أن تعديال أدخل على هذا القانون في ‪8821 /88 /85‬‬
‫قسم اإلمارة إلى ثالثة أقسام هي البلقاء والكرك وعجلون‪ ،‬ولكنه أعيد ثانية لسابق عهده‬
‫عام ‪ .8842‬وقد حدد القانون األساسي صالحيات المجلس التشريعي والعالقة بين‬
‫السلطات على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -8 -‬يكون رئيس الوزراء والوزراء أعضاء في المجلس التشريعي‪.‬‬
‫‪ -2‬يكون رئيس مجلس الوزراء هو رئيس المجلس التشريعي‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بما أسماه القانون األساسي حقوق الشعب‪ ،‬فقد اعتبر هاركنين هما‬
‫المساواة والحرية‪ ،‬ولذا نص على الحرية الشخصية لجميع القاطنين في شرق األردن‬
‫على أساس أن هذه الحرية مصونة من التعدي أو التدخل‪ ،‬وأن ال يوقف أحد أو يقبض‬
‫عليه أو يعاقب إال بمقتضى القانون‪ .‬الدستور الثاني‪:‬‬
‫يمكن النظر إلى الدستور الثاني كامتداد للدستور األول على اعتبار أنه جرى تعديل‬
‫الدستور األول من قبل المجلس التشريعي الخامس في ‪ 25‬آيار ‪ ،8844‬وأصبح‬
‫‪- 90 -‬‬
‫‪-‬‬
‫التعبير المستخدم هو الدستور بدال من القانون األساسي الذي كان مستخدما منذ عام‬
‫‪ .8821‬ويمكن تحديد أبرز التطورات في الدستور الثاني الذي صادق عليه المجلس‬
‫التشريعي الخامس في ‪ 21‬تشرين الثاني عام ‪ 8844‬في الجوانب التالية‪ :‬أ‪ -‬جعل السلطة‬
‫التشريعية تتألف من مجلسين هما مجلس النواب وعدد أعضائه‬
‫عشرون عضوا يتم انتخابهم لمدة أربع سنوات من قبل المواطنين الذكور ممن هم في‬
‫سن الثامنة عشرة فما فوق‪.‬‬
‫أما المجلس الثاني فيتمثل في مجلس األعيان ويعينه الملك لمدة ثماني سنوات‪ ،‬ويكون‬
‫عدد أعضائه نصف عدد أعضاء مجلس النواب‪ .‬ب‪ -‬النص على مبدأ الفصل بين‬
‫السلطات‪ ،‬وهو ما يعني أن النواب ال يستطيعون‬
‫شغل مناصب وزارية في الحكومة خالفا لما كان عليه الحال في عام ‪ .8821‬ج‪ -‬األخذ‬
‫بنظام الرقابة السياسية من قبل المجلس على أعمال السلطة التنفيذية‪ .‬د‪ -‬إعطاء حق‬
‫التشريع لمجلس األمة والملك‪.‬‬
‫وتماشيا مع هذه التطورات تم وضع قانون انتخابی جديد عام ‪ 3917‬بتمثلت أبرز‬
‫مالمحه فيما يلي‪ -3 :‬رفع عدد أعضاء مجلس النواب إلى عشرين بدال من (‪ )31‬حسب‬
‫ما كان عليه‬
‫الحال في قانون ‪ -2 .8821‬رفع عدد الدوائر االنتخابية إلى تسع دوائر‪ ،‬وارتفع عدد‬
‫الدوائر ثانية إلى (‪)84‬‬
‫دائرة‪ ،‬وعاد العدد ليرتفع مرة أخرى إلى (‪ )30‬بعد إضافة دائرتين للبدو‪ ،‬وذلك طبقا‬
‫للقانون اإلضافي الصادر في شهر كانون أول ‪.3917‬‬
‫ونتيجة لما سبق ارتفع عدد أعضاء مجلس النواب إلى أربعين عضوا بعد إضافة‬
‫عشرين نائبا يمثلون الضفة الغربية سنة ‪ ،3958‬وعاد عدد األعضاء ليرتفع ثانية إلى‬
‫خمسين عضوا عام ‪ 3950‬وذلك استجابة للنمو في عدد السكان‪.‬‬
‫‪-91 -‬‬
‫الدستور الثالث‪:‬‬
‫في السابع من تشرين الثاني عام ‪ 8858‬صوت مجلس النواب على إقرار دستور جديد‪،‬‬
‫وأصبح ساري المفعول من كانون الثاني عام ‪ ،8852‬وصادق عليه الملك طالل‪ ،‬وهو‬
‫الدستور المعمول به إلى يومنا هذا‪ .‬أبرز مالمح الدستور‪:‬‬
‫‪ -8‬ينص الدستور على أن نظام الحكم هو "نيابي ملكي ورائي"‪ ،‬كما ينص على أن‬
‫األمة هي مصدر السلطات‪.‬‬
‫‪ -2‬فيما يتعلق بالحريات‪ ،‬ضمن الدستور ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الحرية الشخصية مصونة‪.‬‬
‫ب‪ -‬حرية التعبير عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير شريطة‬
‫أن ال يتجاوز حدود القانون‪.‬‬
‫ج‪ -‬حرية الصحافة والطباعة ضمن حدود القانون‪ ،‬وال يجوز تعطيل الصحف أو‬
‫إلغاء امتيازها إال وفقا للقانون‪ .‬د‪ -‬حق األردنيين في االجتماع وتاليف الجمعيات‬
‫واألحزاب السياسية شريطة أن‬
‫تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية ال تخالف أحكام الدستور‪.‬‬
‫‪ - 2‬السلطة التشريعية منوطة بمجلس األمة والملك‪ ،‬ويتألف المجلس من مجلس‬
‫األعيان ومجلس النواب‪.‬‬
‫‪ -4‬عالقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية‪ :‬وتتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة‬
‫العامة للدولة‪ ،‬كما أن كل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته‪.‬‬
‫ب‪ -‬تطرح الثقة بالوزارة أو بأحد الوزراء أمام مجلس النواب‪ ،‬وإذا قرر المجلس عدم‬
‫الثقة بالوزارة باألكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه وجب عليها أن تستقيل‪،‬‬
‫وفي حالة عدم الثقة بوزير معين يصبح لزاما عليه االستقالة‪.‬‬
‫ج‪ -‬أوامر الملك الشفوية أو الخطية ال تخلي الوزراء من مسؤولياتهم‪.‬‬
‫‪- 92‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ -5‬القضاة مستقلون ال سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون‪ ،‬والمحاكم مفتوحة‬
‫للجميع ومصونة من التدخل في شؤونها‪ -4 |.‬للملك بناء على قرار من مجلس الوزراء‬
‫أن يعلن بإرادة ملكية األحكام العرفية‬
‫في جميع أنحاء المملكة أو في أي جزء منها‪ .‬تقييم التطور الدستوري في األردن‪. :‬‬
‫يستند التقييم للتطور الدستوري في أية دولة على معيارين‪ ،‬أولهما النصوص الدستورية‬
‫ومدى تطورها‪ ،‬والثاني يرتبط بالتطبيق العملي لهذه النصوص من قبل السلطات الثالث‬
‫في الدولة‪ .‬فقد مر األردن بمرحلتين من التطور الدستوري‪ ،‬مرحلة القانون األساسي‬
‫والمجالس التشريعية (وعددها خمسة) وتمتد من سنة ‪ 8828‬إلى سنة ‪ ،8847‬ومرحلة‬
‫الدستور واالنتقال إلى الحياة النيابية منذ عام ‪ 8852‬وحتى اليوم‪ .‬وفي هاتين المرحلتين‬
‫يمكن رصد المالحظات التالية‪ -8 :‬الدور البريطاني المؤثر في المرحلة األولى السيما‬
‫في مجال رفض بريطانيا لما توصلت اله لجنة وطنية بخصوص وضع قانون اساسي‬
‫النتخاب مجلس نيابي‪ ،‬واستعاضت بريطانيا عن ذلك بمجالس تشريعية ذات سلطات‬
‫شكلية فقط‪ ،‬رغم المعارضة‬
‫الشعبية لهذا التوجه‪ ،‬وهو ما سنعود لتفاصيله عند تناول المواثيق الوطنية األردنية‪-2 .‬‬
‫كانت التطورات السياسية وتنامي الحركة الوطنية األردنية عامة هامة في الدفع‬
‫باتجاه التح ول إلى المجالس النيابية ووضع دستور يمثل تقدمة إلى األمام قياسا بالمرحلة‬
‫السابقة‪ ،‬وتمثل ذلك في التأكيد في الدستور على مسؤولية الوزارة أمام مجلس النواب‬
‫الذي تم حله في حزيران ‪ 8854‬بسبب عدم تعاونه مع الحكومة‪ ،‬وهو ما تكرر عام‬
‫‪ 8854‬وعام ‪ 8842‬وعام ‪ 8843‬وعام ‪ ،8844‬مما يعني أن هذه المرحلة لم تكن تدل‬
‫على تطور عملي يتوازى مع التطور النظري الذي عكسته‬
‫النصوص الدستورية‪ -3 .‬ومع انتهاء حرب ‪ 8847‬وفقدان الضفة الغربية‪ ،‬بقي المجلس‬
‫النيابي الذي انتخب‬
‫في نيسان ‪ 3917‬قائمة حتى عام ‪ ،3971‬عندما حدث تطور هام تمثل في االعتراف‬
‫‪-93 - .‬‬
‫العربي بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثال شرعية للشعب الفلسطيني في مؤتمر القمة‬
‫العربي‪ .‬نتيجة لذلك تم تشكيل مجلس أعيان جديد‪ ،‬ودعي مجلس النواب لالنعقاد في‬
‫دورة استثنائية في شباط ‪ 3971‬حيث جرى إدخال تعديالت على الدستور‪ ،‬ثم صدرت‬
‫اإلرادة الملكية محل المجلس في السابع من شباط ‪ 3971‬وبقي المجلس منحة حتى‬
‫عام ‪ 3901‬حين دعي لدورة استثنائية لتعديل الدستور‪ .‬وهذا يعني أن الحياة النيابية‬
‫في المرحلة من ‪ 3951‬إلى ‪ 3971‬كانت حياة غير مستقرة نتيجة تفاعل متغيرات‬
‫داخلية وخارجية كما سنرى‪.‬‬
‫ومن الضروري في نهاية هذا الجزء الخاص بالدساتير األردنية أن نتوقف عند تعديل‬
‫الدستور ومراحل ذلك‪ .‬حدد دستور ‪ 8852‬شروط تعديل الدستور بمايلي‪ :‬أ‪ -‬حصول‬
‫مشروع التعديل الدستوري على أكثرية ثلثي أعضاء كل من مجلس‬
‫النواب ومجلس األعيان‪ ،‬وتتم موافقة أو عدم موافقة كل عضو من خالل المناداة‬
‫على األعضاء بأسمائهم وبصوت عال‪ .‬بن تصديق الملك على التعديل‬
‫اما مراحل تعديل الدستور فهي‪ :‬أ‪ -‬اقتراح التعديل‪ :‬ويجوز أن يتم تقديم االقتراح من‬
‫السلطة التنفيذية أو السلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬مع مالحظة أن أعضاء مجلسي األعيان والنواب متساوون في حق‬
‫االقتراح‪ ،‬شريطة أن يتقدم باالقتراح عشرة أعضاء أو أكثر من أعضاء أي‬
‫من المجلسين‪ .‬ب‪ -‬إعداد مشروع التعديل‪ :‬حصر الدستور األردني هذا الحق في السلطة‬
‫التنفيذية‬
‫دون غيرها‪ . .‬ج‪ -‬إقرار التعديل‪ :‬تبدأ خطوات اإلقرار بعرض رئيس الحكومة المشروع‬
‫على مجلس‬
‫النواب‪ ،‬الذي له الحق في الرفض أو التعديل او القبول‪ ،‬ويشترط لقبول التعديل موافقة‬
‫ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب قانونا‪ .‬ويتم نقل المشروع بعد ذلك إلى‬
‫مجلس األعيان أيا كان موقف مجلس النواب‪ ،‬ويجب موافقة ثلنې‬
‫اعضاء مجلس األعيان الذين يتألف منهم قانونا‪ .‬وفي حالة تباين موقف المجلسين‪- ،‬‬
‫‪ - 91‬ے‬
‫يجتمع المجلسان في جلسة مشتركة لبحث المواد المختلف عليها‪ ،‬ويشترط موافقة‬
‫أكثرية الثلثين من أعضاء كل مجلس سواء كانت الجلسة مشتركة او غير مشتركة‪ .‬د‪-‬‬
‫المصادقة‪ :‬إذا أقر التعديل‪ ،‬بحال إلى الملك للمصادقة عليه‪ ،‬وإذا رفض الملك‬
‫المصادقة‪ ،‬فان اعتراضه يعتبر مطلقة ومانعة من صدور التعديل نهائيا‪.‬‬
‫وقد يتم تعطيل جميع النصوص القانونية في حالة األحكام العرفية طبقا لما أورده‬
‫الدستور‪ ،‬وقد تناولت المادتان ‪ 824‬و‪ 825‬هذه المسألة بشكل واضح‪ .‬والمالحظ أن‬
‫الدستور ميز بين مستويين في هذه القضية‪ :‬أ‪ -‬قوانين الدفاع‪ :‬فإذا حدث ما يستدعي الدفاع‬
‫عن الوطن في حالة وقوع طوارئ‪،‬‬
‫يصدر قانون باسم قانون الدفاع "تعطى بموجبه الصالحية إلى الشخص الذي يعينه‬
‫القانون التخاذ التدابير واإلجراءات الضرورية بما في ذلك ص الحية وقف قوانين‬
‫الدولة العادية لتأمين الدفاع عن الوطن‪ ،‬ويكون قانون الدفاع عن الوطن نافذ المفعول‬
‫عندما يعلن عن ذلك بإرادة ملكية تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء"‪ .‬ب‪-‬‬
‫األحكام العرفية‪ :‬ربط الدستور بين هذه الحالة وبين "حدوث طوارئ خطيرة"‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة " للملك بناء على قرار مجلس الوزراء أن يعلن بإرادة ملكية األحكام‬
‫العرفية في جميع انحاء المملكة أو في أي جزء منها"‪ .‬وقد أعلنت األحكام العرفية في‬
‫األردن نتيجة العدوان اإلسرائيلي في حرب عام ‪ ،3917‬واستمرت‬
‫سارية المفعول حتى شهر نيسان من عام ‪ -1 .3993‬مرحلة المجالس الوطنية‬
‫االستشارية‪ :‬نتيجة لتعطل الحياة النيابية خالل مرحلة ما‬
‫بعد ‪ 3971‬وحتى عام ‪ ،3901‬تم ملء الفراغ بمجالس وطنية استشارية تم تعيين‬
‫أعضائها من قبل الملك بتنسيب من رئيس الوزراء‪ ،‬وكانت مهمتها تقديم الراي‬
‫والمشورة لمجلس الوزراء حول الشؤون الخاصة بالسياسة العامة للدولة‪ ،‬وقد تم‬
‫تشکيل ثالثة مجالس خالل الفترة من ‪ ،3901-3970‬وبعدد اعضاء سنين عضوة في‬
‫المجلسين األول والثاني وخمسة وسبعين عضوا في المجلس الثالث‪ .‬ويصعب اعتبار‬
‫هذه المجالس نمطا من المؤسسات الدستورية لعدة اسباب‪:‬‬
‫‪-95 -‬‬
‫أ‪ -‬أن تشکيل هذه المجالس لم يتم استنادا لنص دستوري بل نتيجة قانون مؤقت‪ .‬ب‪-‬‬
‫أن التعيين والطبيعة االستشارية ال التمثيلية لهذه المجالس يحول دون اعتبارها‬
‫مؤسسة دستورية على غرار السلطة التشريعية المنتخبة‪ -5 .‬النظام االنتخابي‪ :‬يعد‬
‫النظام االنتخابي وتطوره أحد المعايير الهامة لقياس مدى‬
‫تطور المؤسسات السياسية في أية دولة‪ ،‬وإن تتبع تطور النظام االنتخابي األردني خالل‬
‫الفترة من ‪ 8821‬إلى اآلن يشير إلى أن الدستور األردني حدد القواعد الرئيسية لالنتخاب‬
‫تاركا القواعد القانونية وتفاصيل الجوانب اإلجرائية لقوانين االنتخاب المرعية‪| .‬‬
‫وتعود تقاليد االنتخاب في األردن إلى عام ‪ 8828‬بانتخاب المجلس التشريعي األول‬
‫بموجب قانون انتخاب المجلس التشريعي المنشور في عام ‪ .8821‬وأخذ التطور يصيب‬
‫العملية االنتخابية بعد ذلك من خالل القوانين التالية‪ -8 :‬عزف األردن خمسة قوانين‬
‫انتخابية هي قانون ‪ 8821‬سالف الذكر‪ ،‬وقانون ‪8847‬‬
‫الذي أناط بمجلس الوزراء الحق بإصدار األنظمة الالزمة لتنفيذ أحكامه‪ ،‬وبالفعل تم‬
‫صدور نظام االنتخاب رقم (‪ )8‬لعام ‪ 8854‬بناء عليه‪ .‬وفيما بعد صدرت قوانين انتخابية‬
‫في األعوام ‪ 8840‬ثم ‪ ،8814‬وأدخلت تعديالت على هذه القوانين‪ ،‬وكان آخرها قانون‬
‫االنتخاب رقم ‪ 34‬لعام ‪ 2008‬والذي اعتبر قانونا مؤقتا وضعته السلطة التنفيذية‪ ،‬نتيجة‬
‫حل مجلس النواب قبل صدور القانون بحوالي شهر تقريبا وقانون االنتخاب لعام ‪.2082‬‬
‫وباستعراض هذه القوانين نالحظ أن التغيرات أخذت األبعاد التالية‪ - :‬زيادة عدد الدوائر‬
‫من ‪ 28-87-81-8-4‬دائرة‪ ،‬أي أن االتجاه السائد هو زيادة‬
‫عدد الدوائر‪ .‬ب‪ -‬رفع سن الناخب من ‪ 81‬إلى ‪ 20‬سنة ثم العودة إلى سن ‪ .88‬ج‪ -‬لم‬
‫يسمح للمرأة بالمشاركة في االنتخاب إال في قانون ‪ ،8814‬وهي فترة متأخرة نسبيا‪.‬‬
‫|‬

‫‪-96‬‬
‫د‪ -‬رغم خلو القانونين األول والثاني من شروط المواطنة للناخب‪ ،‬اشترط القانون‬
‫الثاني أن يكون الناخب أردنية منذ خمس سنوات‪ ،‬إال أن هذه المدة ارتفعت إلى‬
‫عشر سنوات في القانون الرابع‪ .‬ه‪-‬عرفت طريقة االنتخاب تحوالت متالحقة في‬
‫القوانين األربعة وتعديالتها‪ ،‬فقد‬
‫بدأت على درجتين أولية وثانوية (‪ )8821‬ثم أصبحت على أساس القائمة المفتوحة في‬
‫القانونين الثاني والثالث‪ ،‬ثم على أساس قانون الصوت الواحد في‬
‫القانون الرابع‪ .‬و‪ -‬أولت القوانين االنتخابية منذ بدايتها موضوع تمثيل األقليات أهمية‪ ،‬فقد‬
‫منح‬
‫المسيحيو ن والشركس والشيشان مقاعد محددة‪ ،‬ففي القانون األول منح المسيحيون‬
‫ثالثة مقاعد ومقعدين للشركس‪ ،‬وازدادت مقاعد المسيحيين في القانون الثاني إلى‬
‫أربعة مقاعد مع استمرار مقاعد الشركس على حالها‪ ،‬وفي القانون الثالث ارتفع نصيب‬
‫المسيحيين إلى تسعة مقاعد مع استمرار المقعدين للشركس والشيشان‪ ،‬وارتفع عدده‬
‫مقاعد الشركس والشيشان في القانون الرابع إلى ثالثة مقاعد وبقي اللمسيحيين‬
‫مقاعدهم التسعة‪ .‬كل هذا يدل على تنامي عدد مقاعد هذه الفئات‪،‬‬
‫مع األخذ في االعتبار أن المجموع العام لمقاعد المجلس كان يشهد تزايدة‪ .‬ز‪ -‬حرم‬
‫القانونان الثالث والرابع أفراد القوات المسلحة واألمن العام والمخابرات من‬
‫حق االشتراك في االنتخاب بينما لم يرد نص على ذلك في القانونين األول والثاني‪.‬‬
‫ويثير فقهاء القانون الدستوري حول تطور النظم االنتخابية في النظام السياسي األردني‬
‫بعض المالحظات‪ :‬أ‪ -‬قيام السلطة التنفيذية بتعديل قوانين االنتخابات أو وضعها في‬
‫بعض األحيان‬
‫بموجب قوانين مؤقتة‪ ،‬دون أن يكون للسلطة التشريعية أي دور في ذلك‪ .‬ويستند سلوك‬
‫السلطة التنفيذية في هذا للمادة ‪ 84‬من الدستور‪ ،‬التي تنص على حق مجلس الوزراء أن‬
‫يضع قوانين مؤقتة بموافقة الملك في األمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية‪ ،‬ويتم‬
‫ذلك وفقا لهذه المادة عندما يكون مجلس األمة غير منعقد أو منحة‪.‬‬
‫‪59-‬۔‬
‫ب‪ -‬عند النظر في قانون االنتخاب المؤقت عام ‪ ،2008‬يالحظ أن السلطة التنفيذية‬
‫حلت المجلس النيابي أوال لتوفير الشرط الذي تنص عليه المادة ‪ 84‬من الدستور‪ ،‬ثم‬
‫قامت بوضع القانون االنتخابي المؤقت ثانية‪ ،‬ولعل ذلك يعطي السلطة التنفيذية القدرة‬
‫على تحديد جميع الجوانب التي تتعلق بكيفية اختيار أعضاء مجلس النواب مثل‪ :‬عدد‬
‫الدوائر وطريقة التصويت وعدد المقاعد للدائرة االنتخابية‬
‫وشروط الناخب الحياة النيابية بعد عام ‪ 3909‬استئناف الحياة الديمقراطية‬
‫صدرت اإلرادة الملكية بإعادة مجلس األمة المنحل لالنعقاد في كانون الثاني ‪،8814‬‬
‫وجرت أول انتخابات فرعية في الضفة الشرقية في نيسان من العام نفسه لملء المقاعد‬
‫الشاغرة التي توفي أصحابها منذ آخر انتخابات عام ‪ ،8847‬وقام المجلس بانتخاب‬
‫شخصيات عن الضفة الغربية المحتلة‪ ،‬لكن المجلس حل في عام ‪ 8811‬بعد إعالن فك‬
‫االرتباط القانوني والسياسي بين الضفتين‪ .‬غير أن مجموعة من العوامل الضاغطة دفعت‬
‫باتجاه إعادة تفعيل الحياة النيابية في األردن بعد قرار فك االرتباط‪ ،‬وتمثلت هذه العوامل‬
‫فيما يلي‪ -8 :‬العوامل الدولية‪ :‬التحوالت التي أصابت بنية السلطة السياسية في الدول‬
‫االشتراكية والتي كانت تسير باتجاه تطوير النظام الديمقراطي في هذه الدول‪ ،‬وقد‬
‫استقطبت هذه التحوالت اهتمام شعوب العالم‪ ،‬فقد بدأت المطالبات بالتغيير بعد وصول‬
‫الزعيم السوفييتي غورباتشوف إلى السلطة في االتحاد السوفييتي‪ .‬أي أن التغير الذي‬
‫أصاب المنظومة االشتراكية شكل عامل إلهام للمجتمعات األخرى‬
‫باتجاه الضغط للحصول على مزيد من الديمقراطية‪ -3 .‬العوامل اإلقليمية‪ :‬وتتمثل في‬
‫فك االرتباط بين الضفتين من ناحية‪ ،‬وتنامي‬
‫الدعوات في بعض الدول العربية لتطوير الحياة السياسية وإجراء االنتخابات القائمة‬
‫على التعدد الحزبي (مصر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬تونس‪ ،‬الكويت‪ ،‬المغرب)‪ ،‬إضافة إلى‬
‫‪- 98 -‬‬
‫‪-‬‬
‫التوترات السياسية في المنطقة مثل انفجار االنتفاضة األولى في فلسطين (‪.)3907‬‬
‫‪ -2‬العوامل الداخلية‪ :‬ويمكن اعتبار األزمة االقتصادية من أبرز هذه العوامل والتي‬
‫كان مؤشرها تخفيض قيمة الدينار‪ .‬كذلك ال بد من التنبه إلى أن النخبة المتعلمة أصبحت‬
‫في المجتمع األردني أكبر وزنا وأصبحت أكثر نزوعة للحصول على المزيد من الحقوق‬
‫والحريات السياسية‪.‬‬
‫ونتيجة لتفاعل كل هذه العوامل‪ ،‬صدر قانون االنتخابات الجديد لعام ‪ ،8814‬حيث تم‬
‫إلغاء مقاعد الضفة الغربية‪ ،‬وتم تقسيم األردن إلى عشرين دائرة انتخابية‪ ،‬وأصبح عدد‬
‫مقاعد المجلس ثمانين مقعدا‪ .‬وقد أجريت االنتخابات النيابية في تشرين الثاني عام‬
‫‪ ،8818‬أي بعد توقف دام أكثر من ثالثة وعشرين عاما‪.‬‬
‫بعد ذلك حدث تعديل في قانون االنتخابات لعام ‪ ،8814‬حيث أخذ بنظام الصوت الواحد‬
‫بدال من القائمة المفتوحة الذي كان معتمدا في انتخابات ‪ .8818‬ورأت بعض التيارات‬
‫السياسية أن ذلك يؤثر سلبا على فعالية ومصداقية العملية االنتخابية‪ ،‬لكن قوى أخرى ال‬
‫سيما ذات الطبيعة القبلية رأت في ذلك أمرة إيجابية‪ .‬وأجريت انتخابات المجلس النيابي‬
‫الثالث عشر (‪ )2003-2008‬والمجلس النيابي الرابع عشر ( ‪) 2003 - 2007‬‬
‫والمجلس النيابي الخامس عشر (‪ )2008-2007‬والمجلس النيابي السادس‬
‫عشر (‪ )2082-2080‬على أساس قانون االنتخاب لعام ‪ .2008‬وصدر قانون انتخاب‬
‫جديد عام ‪ 2082‬ونص على زيادة عدد المقاعد النيابية من (‪ )820‬إلى (‪ )850‬مقعدا‪.‬‬
‫وخصص للقوائم الوطنية (‪ )27‬مقعدة‪ .‬وأصبح للناخب الحق باإلدالء بصوتين‪ :‬صوت‬
‫اللدائرة االنتخابية المحلية وصوت للدائرة االنتخابية العامة‪ .‬وأجريت انتخابات المجلس‬
‫النيابي السابع عشر على أساس هذا القانون‪ .‬وقدمت الحكومة مشروع قانون انتخاب‬
‫جديد سنة ‪ ،2085‬وكاد عام ‪ 2085‬أن ينتهي دون صدور هذا القانون‪ . .‬المواثيق‬
‫الوطنية األردنية‬
‫يمكن تعريف الميثاق بأنه خطة عمل توافقية بين القوى السياسية في دولة ما تستهدف‬
‫تحقيق األهداف المجمع عليها من قبل األطراف المشاركة‪ .‬وتمثل المواثيق وثائق‬
‫‪99 -‬۔‬
‫سياسية لها أهمينها وإن كانت أقل منزله في قيمتها القانونية من الدساتير‪ .‬وقد عرف‬
‫األردن في تجربته السياسية المواثيق الوطنية التي كانت محاولة من القوى السياسية‬
‫المواجهة األوضاع الداخلية والخارجية‪ -3 .‬الميثاق الوطني لعام ‪:3930‬‬
‫كان لالنتداب البريطاني على األردن تأثيره السياسي واالجتماعي واالقتصادي البالغ‬
‫األثر‪ ،‬مما دفع النخبة السياسية واالجتماعية من المثقفين وشيوخ العشائر إلى عقد مؤتمر‬
‫وطني في ‪ 8821 /7 /25‬لبحث سبل مواجهة آثار االنتداب البريطاني وتحديد‬
‫التصورات العامة لبنية الدولة بعد انتهاء االنتداب‪ .‬وقد انتهى المجتمعون لوضع ميثاق‬
‫وطني تمثلت أبرز نتائجه فيما يلي‪ :‬أ‪ -‬تحديد هوية األردن العربية‪ .‬ب‪ -‬الدعوة لنظام‬
‫سياسي ديمقراطي وسيادة القانون من خالل حكومة مستقلة‬
‫برئاسة األمير عبد هللا‪ ،‬على أن يكون نظام الحكم هاشميا وراثية‪ ،‬وأن يكون‬
‫هناك حكم نيابي وحكومة مسؤولة أمامه‪ ،‬والدعوة إللغاء التشريعات االستثنائية‪ .‬ج‪-‬‬
‫التأكيد على السيادة الوطنية وعدم االعتراف بمبدأ االنتداب‪.‬‬
‫وفي أعقاب هذا المؤتمر عقدت أربعة مؤتمرات وطنية أخرى في األعوام ‪| 8828‬‬
‫و‪ 8830‬و‪ 8832‬و‪ ،8833‬وتركزت نتائج هذه المؤتمرات على التأكيد على الحالة‬
‫المتردية في البالد والدعوة لمحاسبة الفاسدين والمسؤولين عن االضطرابات التي تجري‪.‬‬
‫وأكدت هذه المؤتمرات على معارضة سياسة الحكومة تجاه بريطانيا وتجاه المعاهدة‬
‫األردنية البريطانية‪ ،‬لكن هذا الموقف كان متأرجح‪ ،‬فقد طالب المؤتمر الرابع بعدم‬
‫االعتراف بالمعاهدة بينما طالب المؤتمر الخامس بتعديلها‪ .‬غير أن المالحظ على هذه‬
‫المؤتمرات أنها لم تكن ذات طبيعة تراكمية‪ ،‬إذ طغى عليها التكرار في المطالب وإن‬
‫أضافت بعض الجوانب مثل تشكيل لجان تحقيق في األوضاع السائدة وتقديم تقارير‬
‫العصبة األمم المتحدة تدلل على عدم مساهمة دولة االنتداب في تحسين األوضاع‪.‬‬
‫‪- 100 -‬‬
‫‪-‬‬
‫الميثاق الوطني لعام ‪:3993‬‬
‫خالفا للميثاق الوطني لعام ‪ 3930‬الذي جاء بمبادرة من القوى السياسية واالجتماعية‬
‫فإن هذا الميثاق جاء بمبادرة من السلطة السياسية‪ ،‬ويبدو أن ذلك كان مدفوعة بعوامل‬
‫حددها رئيس لجنة الميثاق (أحمد عبيدات) في "الخسارة التي لحقت بالعالقة بين‬
‫مؤسسات الحكم والشعب‪ ..‬وانعدام الثقة التي كانت تسود العالقات في معظم األحيان‬
‫بين مختلف التيارات السياسية‪ ،‬وخلف الخطاب السياسي األردني باشكاله المختلفة‬
‫الرسمية والشعبية‪ ،‬وعقم السياسات التي انتهجتها معظم الحكومات وما أحدثه االنفراد‬
‫بالقرار وغياب السلطة التشريعية من خلل دستوري وفراغ سياسي"‪|.‬‬
‫وقد شارك في مناقشات إعداد الميثاق قوى سياسية مختلفة‪ ،‬انتهت إلى نتائج يمكن‬
‫تلخيص أبرزها فيما يلي‪ -3 :‬البعد الديمقراطي‪ :‬أكد الميثاق على‪ :‬أ‪ -‬الصفة المدنية‬
‫والديمقراطية للدولة‪ .‬ب‪ -‬التعددية الفكرية والسياسية والحزبية وحق التنظيم النقابي‬
‫في شتى القطاعات‪ .‬ج‪ -‬تحقيق مشاركة الشعب في إدارة شؤون الدولة‪ .‬د‪-‬احترام‬
‫حقوق اإلنسان وتحقيق العدالة االجتماعية‪ .‬هرفض العنف السياسي واالجتماعي‬
‫وترسيخ قيم التسامح والموضوعية واحترام‬
‫معتقدات الغير ورفض التعصب‪ .‬وحرية الفكر والرأي والتعبير‪ ،‬وحرية الوصول إلى‬
‫المعلومات في الحدود التي ال تضر‬
‫بأمن الدولة‪ -2 .‬نظام الحكم‪ :‬نيابي ملكي وراثي‪ -3 .‬هوية المجتمع األردني‪ - :‬الشعب‬
‫األردني جزء من األمة العربية‪ ،‬والوحدة العربية هي الخيار الوحيد الذي‬
‫يحقق األمن الوطني والقومي للشعب العربي في جميع أقطاره‪ .‬ب‪ -‬اإلسالم دين الدولة‪،‬‬
‫والشريعة اإلسالمية هي المصدر الرئيسي للتشريع فيها‪.‬‬
‫‪- 101 -‬‬
‫ج‪-‬الحضارة العربية اإلسالمية المنفتحة على الحضارة اإلنسانية هي قوام هوية الشعب‬
‫األردني الوطنية والقومية‪ .‬د‪ -‬اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة‪ ،‬وهي لغة القرآن‬
‫الكريم الذي حفظ للعروبة‬
‫جوهرها األصيل‪ ،‬مما يقتضي تأكيد سيادتها في المجتمع األردني على كل المستويات‬
‫واعتمادها في كل مراحل التعليم‪ -4 .‬العالقات األردنية الدولية‪ :‬ا‪ -‬تحرير اإلرادة الوطنية‬
‫من الهيمنة والضغوط الخارجية المختلفة‪ .‬ب‪-‬التحرر من التبعية االقتصادية دعامة حقيقية‬
‫من دعائم استقالل الوطن وأمنه وتقدمه‪ |.‬ج‪-‬ال يجوز أن تفهم العالقة األردنية ‪-‬‬
‫الفلسطينية أو أن تستغل لالنتقاص من حقوق‬
‫المواطنة وواجباتها‪ ،‬أو سببة إلضعاف الدولة وخلق الظروف لتمرير المشروع‬
‫الصهيوني لتحويل األردن إلى بديل عن فلسطين‪ ،‬وأمن األردن هو مسؤولية الجميع‬
‫مثل ما يؤكد النضال في سبيل تحرير فلسطين والحفاظ على األردن وعروبته‪ .‬د‪ -‬االلتزام‬
‫بالقضايا المصيرية لألمة العربية وأولوياتها القومية‪ .‬ه ‪ -‬احترام حرية الشعوب‬
‫واستقاللها وحقها في تقرير المصير‪.‬‬
‫غير أن المشكلة التاريخية في الحياة السياسية األردنية تتكرر مرة بعد األخرى‪ ،‬وتتمثل‬
‫في الهوة الفاصلة بين النصوص وتطبيقها‪ ،‬وهو ما برز في األزمة التي نشبت حول‬
‫التحول في قانون االنتخابات من نظام القائمة المفتوحة إلى نظام الصوت الواحد الذي‬
‫اعتبرته أكبر القوى السياسية في الدولة ومعها عدد كبير من أفراد النخبة السياسية‬
‫والثقافية تراجع عن التوجه لتعميق المسار الديمقراطي في األردن‪ ،‬األمر الذي تمثل في‬
‫مقاطعة اإلخوان المسلمين النتخابات عام ‪( 3997‬وسنعود لمشكلة االنفصال بين‬
‫النظرية والتطبيق فيما بعد)‪ .‬السلطات الثالث‬
‫نص الدستور األردن لعام ‪ 3953‬على أن "األمة هي مصدر السلطات الثالث وهي‬
‫التنفيذية والتشريعية والقضائية"‪ .‬وعند تحديد الجهات التي يوكل لها هذه‬
‫‪- 102 -‬‬
‫السلطات أوضح الدستور ما يلي‪ -3 :‬تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتوالها بواسطة‬
‫وزرائه‪ -3 .‬تناط السلطة التشريعية بمجلس األمة (بشقيه النواب واألعيان) وبالملك‪.‬‬
‫‪ -2‬السلطة القضائية وتتوالها ا لمحاكم التي تصدر أحكامها وفق القانون باسم الملك‪.‬‬
‫ومما سبق يتضح أن الملك هو "أب السلطات الثالث"‪ ،‬وأن صالحياته واسعة قياسا‬
‫بصالحيات األطراف األخرى في السلطة‪ .‬أوال‪ :‬السلطة التنفيذية‪:‬‬
‫كما سبق ذكره فإن الملك هو رأس السلطة التنفيذية يمارسها من خالل وزرائه‪ ،‬وهو‬
‫ر أس الدولة ومصون من كل تبعية ومسؤولية‪ ،‬ويتولى الملك مهامه لفترة غير محدودة‬
‫طالما كان قادرة على القيام بأعباء الحكم‪ .‬ويستطيع الملك أن يعين في حالة مرضه‬
‫نائبا له أو هيئة نيابة بإرادة ملكية لتقوم بأعباء الحكم طيلة فترة مرضه‪ .‬ويحق‬
‫المجلس األمة أن يقرر تنحية الملك عن الحكم في حالة محددة وهي "المرض العقلي‪..‬‬
‫بعد التثبت من ذلك‪ ..‬بصورة قاطعة"‪ ،‬وينعقد مجلس األمة لهذا الغرض بناء على دعوة‬
‫من مجلس الوزراء‪.‬‬
‫وقد مارس مجلس األمة هذا الحق في عام ‪ 3953‬عندما أنهى والية الملك طالل ونادی‬
‫بتولية األمير الحسين بن طالل ملكة دستورية على المملكة األردنية الهاشمية‪ .‬وتتمثل‬
‫أبرز صالحيات الملك في ‪ - :‬تصديق القوانين واألمر بوضع القوانين بتنفيذها‪ - .‬قيادة‬
‫القوات المسلحة‪ - .‬إبرام االتفاقات والمعاهدات وعقد الصلح‪ - .‬إصدار األوامر بإجراء‬
‫االنتخابات النيابية‪ - .‬دعوة مجلس النواب لالنعقاد وحل المجلس‪ - .‬تعيين الوزراء‬
‫وإقالتهم وقبول استقالتهم‪ - .‬منح االمتيازات واستردادها کالرتب العسكرية والمدنية‬
‫واألوسمة والقاب الشرف‪.‬‬
‫‪- 103 ..‬‬
‫وكما هو واضح فإن الحكومة في النظام السياسي األردني خاضعة تماما للملك‪ ،‬وهو ما‬
‫يعطيها قوة في مواجهة السلطة التشريعية من ناحية‪ ،‬لكنه ال يمنحها القوة الكافية للعب‬
‫دور في اتخاذ القرارات االستراتيجية الكبرى من ناحية ثانية‪.‬‬
‫وقد تشكلت أول حكومة أردنية في ‪ 88‬نيسان ‪ 8828‬برئاسة رشيد طليع‪ ،‬وعملت على‬
‫إلغاء الحكومات المحلية التي تشكلت قبل أن يصل األمير عبد هللا‪ ،‬و تشکيل سلطة‬
‫مركزية في عمان بصفتها عاصمة اإلمارة‪ .‬وقد بلغ عدد الحكومات األردنية التي تشكلت‬
‫خالل الفترة من ‪ 2005– 8828‬ما مجموعه (‪ )80‬وزارة‪ ،‬مما يعني أن معدل عمر‬
‫الوزارة هو أقل من عام واحد‪ .‬ويمكن تلخيص دور الحكومة في اآلتي‪ -8 :‬القيام بأعمال‬
‫اإلدارة العليا بالدولة والمؤسسات العامة كافة‪ ،‬واإلشراف والرقابة‬
‫على جميع أعمال الدولة‪ -3 .‬تنفيذ السياسة العامة للدولة في المجالين الداخلي‬
‫والخارجي‪ ،‬وتسيير المرافق‬
‫العامة‪ ،‬وتنظيم اقتصاد الدولة ومشاريعها التنموية‪ -3 .‬اقتراح مشروعات القوانين‬
‫واألنظمة في كل ما يتعلق بالصالح العام‪ -4 ).‬تعيين وعزل الموظفين طبقا للقوانين‬
‫واألنظمة‪ -5 .‬إعداد الميزانية العامة للدولة‪ -4 .‬تحمل المسؤولية عن الملك أمام مجلس‬
‫األمة‪ .‬ثانيا‪ :‬السلطة التشريعية‪:‬‬
‫تناط السلطة التشريعية طبقا للدستور بمجلس األمة الذي يضم األعيان والنواب من‬
‫ناحية وبالملك من ناحية أخرى‪ ،‬أي أن السلطة التشريعية في األردن تضم ثالثة أطراف‬
‫هي الملك ومجلس النواب ومجلس األعيان‪ ،‬وهو أمر غير مألوف في النصوص‬
‫الدستورية‪ | .‬أوال‪ :‬مجلس النواب‪:‬‬
‫يتألف مجلس النواب الحالي من أعضاء منتخبين انتخابة عامة ومباشرة وفقا القانون‬
‫االنتخاب‪ .‬أما عدد اعضاء المجلس‪ ،‬فلم يتم تحديده‪ ،‬وتركه الدستور خاضعة‬
‫‪-- 104 -‬‬
‫القانون االنتخاب الذي يحدد عدد األعضاء‪ .‬وقد كانت سمة االلعامة للعدد هي التزايد‬
‫من (‪ )38‬عضوا في مجلس النواب األول إلى (‪ )358‬اعضاء في المجلس النيابي‬
‫األخير‪ .‬ثانيا‪ :‬مجلس األعيان‪:‬‬
‫ظهر مصطلح مجلس األعيان للمرة األولى في دستور ‪ ،8847‬وكرسه دستور ‪.8852‬‬
‫ويتألف مجلس األعيان من أعضاء معينين‪ ،‬ويتم تعيينهم وتعيين رئيسهم من بينهم وقبول‬
‫استقالتهم من قبل الملك‪ .‬أما عدد أعضاء مجلس األعيان فمرتبط بعدد أعضاء مجلس‬
‫النواب‪ ،‬إذ يتألف المجلس من عدد ال يتجاوز نصف عدد أعضاء مجلس النواب‪ .‬ومنذ‬
‫عام ‪ 8847‬وحتى عام ‪ 2005‬تشكل في األردن تسعة عشر مجلس أعيان لم يزد عدد‬
‫أعضاء أي منها عن نصف عدد أعضاء مجلس النواب‪ ،‬وهو ما يتضح في المجلس‬
‫الحالي حيث عدد أعضائه خمسة وسبعون عضوا‪ ،‬أي نصف عدد النواب‪.‬‬
‫ومدة والية مجلس األعيان هي ذاتها مدة مجس النواب (اربع سنوات)‪ ،‬أما رئيس‬
‫المجلس فمدة واليته عامان يمكن أن تجدد لعامين آخرين‪ .‬وتعرف النظم السياسية في‬
‫معظمها ظاهرة مجلس األعيان‪ ،‬مع فارق في التسمية وأسس عملها بين نظام وآخر‪.‬‬
‫أما اختصاصات السلطة التشريعية فتمثل في اآلتي‪ :‬أوال‪ :‬االختصاص التشريعي‪:‬‬
‫يمر التشريع العادي بأربع مراحل هي ‪ -‬مرحلة االقتراح‪ ،‬ويمكن أن يأتي االقتراح من‬
‫السلطة التنفيذية من خالل رفع االقتراح لمجلس النواب الذي يقوم بدراسته ويتخذ فيه‬
‫موقفا (بالقبول أو الرفض أو التعديل)‪ ،‬ثم يتم رفع المشروع بعد ذلك إلى مجلس األعيان‪.‬‬
‫ويمكن للسلطة التشريعية ذاتها أن تقترح مشروع قانون (شريطة أن يتبنى االقتراح‬
‫عشرة أعضاء على األقل من أي من المجلسين)‪ ،‬ويتم بعد مناقشة المشروع إحالته‬
‫للحكومة التي تقوم بتقديمه للمجلس على غرار الحالة السابقة‪.‬‬
‫‪- 105 --‬‬
‫مثل‪ :‬محكمة استئناف ضريبة الدخل ومحكمة أمالك الدولة ومحكمة تسوية األراضي‬
‫والمياه ومحكمة الجمارك البدائية ومحكمة البلديات ومحكمة أمن الدولة‪ .‬األحزاب‬
‫السياسية‬
‫تعتبر األحزاب السياسية من أهم عناصر الحياة السياسية في الدول المعاصرة‪ ،‬غير أن‬
‫وجود األحزاب وفاعليتها أمر مرهون بعدد من العوامل مثل مستوى تطور النظام‬
‫االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬ومستوى تطور الحريات السياسية والنظم االنتخابية‪ .‬وقد عرف‬
‫قانون األحزاب األردني لعام ‪ 8882‬الحزب بأنه "تنظيم سياسي يتألف من جماعة من‬
‫األردنيين وفقا للدستور وأحكام القانون بقصد المشاركة في الحياة السياسية وتحقيق‬
‫أهداف محددة تتعلق بالشؤون السياسية واالقتصادية واالجتماعية ويعمل بوسائل‬
‫مشروعة وسلمية"‪ .‬ويمكن تقسيم مراحل نشوء وتطور األحزاب األردنية إلى عدة‬
‫مراحل ‪ -8‬مرحلة ما قبل االستقالل‪:‬‬
‫تتسم هذه المرحلة بعمق التأثير البريطاني على الحياة السياسية في إمارة شرق‬
‫األردن‪ ،‬ال سيما عرقلة محاوالت تطوير نظام سياسي كما الحظنا في تطور الحياة‬
‫الدستورية‪ .‬وقد ظهر في هذه الفترة عدد من األحزاب أبرزها ‪ :‬ا‪ -‬حزب االستقالل‪:‬‬
‫كانت نشأة هذا الحزب في سوريا عام ‪ ،3939‬وعمل على دعم الحكم الهاشمي فيها‬
‫الذي كان يقوده الملك فيصل‪ ،‬غير أن إسقاط الفرنسيين لحكم الملك فيصل دفع بقيادات‬
‫الحزب إلى اللجوء للدول العربية المجاورة ومن بينها األردن‪ .‬وقد تبني الحزب الذي‬
‫انضم له عدد من الشخصيات األردنية فكرة المقاومة المسلحة لالحتالل وإقامة دولة‬
‫عربية موحدة‪ ،‬وكان من أبرز رجاله رشيد طليع السوري األصل والذي أصبح أول‬
‫رئيس وزراء لإلمارة في شرق األردن‪ .‬وقد أدت مساندة الحزب للمقاومة المسلحة‬
‫لالستعمار الفرنسي إلى الضغط على الحكومة األردنية من قبل بريطانيا لطرد قيادات‬
‫الحزب مما ساهم في تقليص نفوذه ودوره السياسي إلى حد كبير‪.‬‬
‫‪- 109 --‬‬
‫ب‪ -‬حزب العهد العربي‪:‬‬
‫تأسس هذا الحزب عام ‪ 3933‬بهدف إقامة دولة عربية موحدة تحت قيادة الملك حسين‬
‫بن علي وأنجاله‪ .‬ج‪ -‬جمعية الشرق العربي‪:‬‬
‫كان الشعور الشريحة األردنية المثقفة في العشرينات من القرن الماضي باستثار‬
‫القيادات الوافدة من حزب االستقالل بنسبة كبيرة من المناصب الحكومية أن أثارت‬
‫موضوع إدخال إصالحات سياسية مثل إبعاد الغرباء عن المناصب الحكومية وإلغاء‬
‫امتيازات بعض شيوخ القبائل وإقامة حياة برلمانية‪ .‬ونتيجة لهذه الخالفات بين‬
‫المثقفين األردنيين وقيادات حزب االستقالل تم إنشاء جمعية الشرق العربي في عام‬
‫‪ 3932‬في اربد‪ " .‬د‪ -‬حزب الشعب األردني‪:‬‬
‫تأسس هذا الحزب عام ‪ 3937‬بهدف التوصل بالطرق المشروعة لتحقيق االستقالل و‬
‫تحسين مستوى األوضاع االجتماعية واالقتصادية ورفع مستوى الوعي السياسي‬
‫وحماية الحريات العامة ‪ .‬ه‪-‬حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني‪:‬‬
‫تأسس هذا الحزب في نيسان ‪ ،8828‬وكان تأسيسه مدفوعة ببلورة تيار سياسي يدعم‬
‫الميثاق الوطني الذي صدر عام ‪ ،8821‬وسبقت اإلشارة إليه‪ ،‬وللتنديد بوعد بلفور‬
‫والتأكيد على أن إمارة شرق األردن دولة عربية مستقلة‪ .‬وقد واصل الحزب نشاطاته‬
‫السياسية المعارضة لالنتداب البريطاني إلى أن توقف نشاطه عام ‪ .8834‬و‪ -‬الحزب‬
‫الحر المعتدل‪:‬‬
‫تأسس الحزب عام ‪ 3928‬بهدف العمل على تعديل المعاهدة البريطانية األردنية‬
‫والتأكيد على الوالء لألمير عبد هللا وساللته من بعده‪ .‬ولم يدم هذا الحزب طويال نتيجة‬
‫الخالفات الشخصية داخله‪.‬‬
‫‪- 110 -‬‬
‫ز‪ -‬حزب العمال األردني‬
‫سعى هذا الحزب للحصول على موافقة الحكومة لتأسيسه عام ‪ 3923‬بهدف الدفاع عن‬
‫حقوق العمال‪ ،‬وفي عام ‪ 3923‬تأسست جمعية المساعدة العمال وحماية مصالحهم‪.‬‬
‫ح‪ -‬عصبة الشباب األردني المثقف‪:‬‬
‫تأسست عام ‪ 8833‬بهدف نشر الثقافة السياسية وتعزيز الوحدة الوطنية ونبذ التفرقة‬
‫الطائفية‪ .‬ط‪ -‬حزب التضامن العربي‪:‬‬
‫تأسس عام ‪ 8833‬واقتصرت العضوية فيه على من استوطن شرق األردن قبل عام‬
‫‪ ،8822‬وكانت أهدافه تتركز في الدفاع عن الكيان السياسي الشرق األردن ال سيما مع‬
‫اإلحساس بتأثير األشخاص من خارج شرق األردن في مجال تولي المناصب اإلدارية‪.‬‬
‫ي‪ -‬حزب اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشعب األردني‪:‬‬
‫تأسس الحزب عام ‪ 3922‬والمحل عام ‪ ،3921‬وتركزت أهدافه على التأكيد على‬
‫اإلخالص لألمير عبد هللا‪ ،‬واستنكار الصهيونية‪ ،‬والسعي لتعديل المعاهدة البريطانية‬
‫األردنية‪ ،‬وتحسين األحوال المعيشية للمواطنين‪ .‬ق‪ -‬الحزب الوطني األردني‪. :‬‬
‫تأسس عام ‪ 3921‬على أثر حل اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني‪ ،‬وتحددت أهدافه في‬
‫تنشيط الحياة السياسية والتأكيد على إقامة حكومة دستورية في اإلمارة من أبناء شرق‬
‫األردن واالعتراف باالنتداب الذي يستثني األردن من وعد بلفور‪ .‬ل‪ -‬حزب اإلخاء‬
‫األردني‪:‬‬
‫تأسس عام ‪ 3927‬بهدف تحقيق االستقالل والسعي نحو الوحدة العربية والتأكيد على‬
‫استخدام الوسائل المشروعة في العمل السياسي‪.‬‬
‫‪- 111 --‬‬
‫م‪ -‬جماعة الشباب األحرار األردنيين‪:‬‬
‫كان هذا الحزب ينشط خارج األردن‪ ،‬وتركزت اهدافه في معارضة النظام السياسي‬
‫األردني وانتقاد ما يصفه بالرجعية والدعوة إلطالق الحريات‪ .‬السمات العامة لألحزاب‬
‫في هذه المرحلة‪:‬‬
‫يمكن تحديد أهم هذه السمات فيما يلي‪ .8 :‬قصر عمر األحزاب‪ ،‬إذ يالحظ أن أغلب هذه‬
‫األحزاب لم يعمر طويال واحيانا لم‬
‫يكمل العام الواحد‪ .2 .‬يغلب على هذه األحزاب الطابع النخبوي‪ ،‬سواء النخب العشائرية‬
‫أو القلة من‬
‫النخب الثقافية‪ ،‬بل تجد أحيانا أن بعض األفراد تنقل بين أحزاب عدة خالل‬
‫فترات قصيرة‪ ،‬ولم يكن لهذه األحزاب قواعد شعبية ذات وزن‪ .2 .‬كان للعالقات‬
‫الشخصية دورها في تأسيس الحزب مثلما كان للخالفات " الشخصية دورها في تفتيت‬
‫الحزب‪ .1 .‬إن أغلب هذه األحزاب لم تكن أحزاب معارضة تمتلك رؤيا سياسية واضحة‪،‬‬
‫وبعضها أحزاب ذات طبيعة مطلبية أقرب لمطالب النقابات منها لألحزاب‪ -2 .‬مرحلة‬
‫وحدة الضفتين وحتى ‪|:8857‬‬
‫اتسمت هذه المرحلة بعدد من التطورات بالغة األهمية في تبلور األحزاب السياسية في‬
‫األردن وهي‪ :‬أ‪ .‬إعالن الوحدة بين الضفة الغربية وبين شرق األردن‪ ،‬وهو ما أثر على‬
‫النسيج‬
‫االجتماعي والسياسي واالقتصادي األردني‪ .‬ب‪ .‬صدور دستور ‪ 8852‬الذي سبقت‬
‫اإلشارة ألهم محاوره ال سيما إباحة تأسيس‬
‫األحزاب السياسية‪ .‬ج‪ .‬تأثيرات النكبة الفلسطينية على الوعي السياسي العربي بشكل‬
‫عام واألردني‬
‫بشكل خاص‪ ،‬مما أثر على مضمون الفكر السياسي السائد في تلك الفترة‬
‫‪- 112 -‬‬
‫‪-‬‬
‫د‪ .‬تداعيات تنامي الفكر القومي العربي مع بروز الناصرية في مصر واحتدام صدامها‬
‫مع القوى الغربية ال سيما بعد عدوان ‪ .8854‬ه‪ .‬تنامي مكانة االتحاد السوفييتي في تلك‬
‫الفترة مما أعطى للفكر االشتراكي نوعا من الجاذبية ال سيما في دول العالم النامي ومنها‬
‫األردن‪.‬‬
‫استجابة لكل هذه المتغيرات الداخلية والعربية والدولية تبلورت تيارات وأحزاب سياسية‬
‫أردنية أهمها‪ .. | :‬حركة القوميين العرب (فرع األردن)‪ :‬بدأت هذه الحركة بالتبلور في‬
‫بداية الثالثينات‬
‫مع تأسيس نادي العروة الوثقى في بيروت‪ ،‬وتحت ستار النادي األدبي العربي تواصل‬
‫العمل من قبل قيادات هذا التيار حتى عام ‪ 8852‬حينما تكونت الحركة في األردن‪ .‬وقد‬
‫تركزت أهداف هذه الحركة في العمل على تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية‬
‫ومحاربة االستعمار وتطبيق االشتراكية والديمقراطية‪ .‬وقد كانت العالقة بين هذه الحركة‬
‫والنظام السياسي في األردن عالقة عدائية حادة‪ ،‬لكن الحركة نجحت في‬
‫استقطاب شرائح مختلفة من المجتمع األردني بخاصة في مدن الضفة الغربية‪ .‬ب‪.‬‬
‫حزب البعث العربي االشتراكي (فرع األردن)‪ :‬تأسس فرع األردن لحزب‬
‫البعثر في سنة ‪ ،8850‬ولم يكن فارق كبير بين أهدافه االستراتيجية وأهداف حركة‬
‫القوميين العرب رغم ما بينهما من خالفات‪ | .‬ج‪ .‬الحزب الوطني االشتراكي األردني‪:‬‬
‫تأسيس هذا الحزب عام ‪ ،8854‬وتتمثل أهدافه‬
‫في التأكيد على أن الشعب األردني جزء من األمة العربية‪ ،‬وضرورة تحقيق الحريات‬
‫العامة‪ ،‬وتخليص المجتمع من الفقر والجهل‪ ،‬وتحرير البالد من النفوذ األجنبي‪ .‬د‪.‬‬
‫الحزب العربي الدستوري ‪ :‬تأسس عام ‪ 6599‬هادفا لتحقيق الوحدة العربية‬
‫وتحرير فلسطين والتأكيد على خصوصية العالقة مع كل من مصر وسوريا‪ .‬ه‪ .‬حزب‬
‫االتحاد الوطني‪ :‬تأسس عام ‪ 8852‬داعية إلى الوحدة العربية‪ .‬و‪ .‬حزب األمة‪ :‬تأسس‬
‫عام ‪ 8852‬بهدف تطوير النظام الملكي والتأكيد على‬
‫االستقالل والديمقراطية‪.‬‬
‫‪- 113 --‬‬
‫ز‪ .‬األخوان المسلمون‪ :‬تأسس الفرع األردني في عمان عام ‪ 3911‬امتدادا للحركة‬
‫التي مرکزها مصر‪ ،‬ولكن الحركة امتدت إلى مدن عمان والكرك والسلط واربد‪ .‬وتتمثل‬
‫أهداف الحركة في بناء المجتمع والفرد اإلسالمي وتحرير المجتمع اإلسالمي‬
‫من االستعمار بأشكاله المختلفة‪ .‬ح‪ .‬حزب التحرير اإلسالمي‪ :‬تأسس هذا الحزب عام‬
‫‪ 3953‬من مجموعة انفصلت‬
‫عن جماعة اإلخوان المسلمين‪ ،‬ولم يحظ هذا الحزب بالشرعية‪ ،‬غير أنه واصل‬
‫نشاطاته السرية‪ .‬وتدل بيانات الحزب على أن أهدافه تتمثل في إقامة الدولة اإلسالمية‬
‫والوقوف ضد االستعمار والشيوعية والقومية‪ ،‬كما لم يخف عداءه‬
‫للنظام السياسي األردني ورفضه لفكرة الوراثة للحكم‪ .‬ط‪ .‬الحزب الشيوعي األردني‪ :‬بدا‬
‫هذا الحزب العمل تحت اسم عصبة التحرر‬
‫الوطني ثم اصبح منذ ‪ 8858‬يحمل اسم الحزب الشيوعي األردني‪ ،‬وكانت بدايات نشاطه‬
‫في فلسطين‪ .‬وتقوم أهداف الحزب على معاداة اإلمبريالية والمطالبة بحقوق الطبقة‬
‫العاملة‪ ،‬وطالب بتطبيق قرار التقسيم في فلسطين الصادر عن األمم المتحدة تحت رقم‬
‫‪ .818‬واصطدم الحزب بقانون مكافحة الشيوعية الذي سته الحكومة األردنية في عام‬
‫‪ 8841‬وأعيد سنة ‪ ،8853‬لكن بعض عناصره تمكنت من‬
‫الوصول إلى البرلمان غير مرة‪ .‬السمات العامة لألحزاب السياسية في هذه المرحلة‪:‬‬
‫بعد سلسلة اضطرابات سياسية شهدتها المملكة خالل الفترة من ‪ 8857-8855‬وكانت‬
‫األحزاب تلعب فيها دورة مؤثرة‪ ،‬اتخذت الحكومة قرارا بإعالن األحكام العرفية وإلغاء‬
‫األحزاب في ‪ 25‬نيسان ‪ ،8857‬وبقي األمر على هذه الحال حتى عام ‪ .8882‬ويمكن أن‬
‫نحدد سمات األحزاب في هذه الفترة على النحو التالي‪ .8 :‬عكست األحزاب في هذه‬
‫الفترة تنوعا أيديولوجية واضحة‪ ،‬فقد كان هناك‬
‫قوميون ودينيون ويساريون وتيارات ليبرالية وإن كانت هي األضعف‪ ،‬ومثلت األحزاب‬
‫عامال هاما في هذه الفترة في الحراك السياسي على المستوى الداخلي‪ ،‬وشكلت في‬
‫بعض األحيان مصدر قلق للسلطة‪.‬‬
‫‪- 114 -‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ .3‬كان جزء هام من هذه األحزاب يمثل امتدادا لتيارات وأيديولوجيات خارجية‬
‫المصدر سواء منها الدينية أو القومية أو الشيوعية‪ ،‬وكثيرا ما وجدت الدولة في مثل هذه‬
‫الظاهرة مؤشرا على إمكانية تسلل نفوذ الدول األخرى إلى األردن عبر هذه‬
‫القوى السياسية الحزبية‪ .3 .‬عرفت الحركة الحزبية في هذه الفترة حيوية من خالل الدور‬
‫الذي لعبته القوى‬
‫الفلسطينية في الضفة الغربية التي كانت متقدمة إلى حد ما عن نظيرتها في شرق‬
‫األردن من حيث نخبها الفاعلة‪ .4 .‬تمكنت هذه األحزاب من تحقيق نتائج هامة في‬
‫االنتخابات النيابية العامة‪ ،‬فعلى سبيل‬
‫المثال تمكنت من الحصول على (‪ )87‬مقعدا من أصل أربعين في انتخابات عام ‪.8854‬‬
‫‪ .5‬حققت هذه األحزاب قدرا من الجماهيرية‪ ،‬وأصبح لها قواعدها ونشاطاتها‬
‫ومنشوراتها‪ ،‬مما ساهم في زيادة الوعي السياسي‪ .‬المرحلة الثالثة‪ :‬صدور قانون‬
‫األحزاب عام ‪.8882‬‬
‫سبق إصدار الحكومة لقانون األحزاب سلسلة من التطورات التي دفعت بهذا االتجاه‬
‫يمكن تلخيصها في اآلتي‪ .3 :‬تحوالت داخلية تمثلت في فك االرتباط بين الضفة الغربية‬
‫واألردن‪ ،‬وحدوث‬
‫احتقان سياسي و اجتماعي في المملكة نتيجة األزمة االقتصادية التي أدت بدورها‬
‫الحدوث موجة من العنف الداخلي‪ ،‬إضافة إلى التوجهات الجديدة التي عكستها‬
‫نصوص الميثاق الوطني عام ‪ 3993‬ال سيما في الدعوة إلى التعددية السياسية‪.3 .‬‬
‫تحوالت إقليمية تمثلت في بدء المسار التفاوضي لتسوية الصراع العربي الصهيوني‪.‬‬
‫‪ .2‬تحوالت دولية تمثلت في انهيار الكتلة االشتراكية وتنامي موجة النزعة الديمقراطية‬
‫في مناطق مختلفة من العالم‪.‬‬
‫ومع انتخابات ‪ 8818‬النيابية عاودت األحزاب محاوالتها إلثبات وجودها رغم أنها لم‬
‫تكن قانونية حتى تلك اللحظة‪ ،‬بل إن بعض األحزاب الجديدة ظهرت قبل إقرار قانون‬
‫األحزاب مثل حزب العهد وحزب المستقبل وغيرها‬
‫‪- 115 --‬‬
‫قانون ‪:3993‬‬
‫أحيا هذا القانون العمل بالمادة رقم (‪ )84‬من الدستور األردني التي تنص على حق‬
‫األردنيين في تأليف الجمعيات واألحزاب السياسية على أن تكون غاياتها مشروعة‬
‫ووسائلها سلمية‪ .‬وأعطى القانون األفراد الحق في االنتساب لألحزاب السياسية المرخصة‬
‫شريطة أن يكون قد أتم الثامنة عشرة من عمره ويتمتع باألهلية القانونية والمدنية‪ .‬منع‬
‫القانون أفراد القوات المسلحة واألجهزة األمنية والقضاة من االنتساب لألحزاب‪ .‬واشترط‬
‫القانون على األحزاب أن تلتزم بالدستور ونبذ العنف وعدم االرتباط بأية جهة غير‬
‫أردنية‪ .‬ويخول القانون حل األحزاب بناء على قرار صادر من محكمة العدل العليا بناء‬
‫على دعوى يقدمها وزير الداخلية‪| .‬‬
‫استنادا لهذا القانون ظهر عدد من األحزاب السياسية الجديدة إلى جانب أحزاب قديمة‬
‫كانت تعمل بشكل أو آخر دون شرعية قانونية ولكنها أصبحت اآلن شرعية‪ ،‬وأبرز هذه‬
‫األحزاب‪ : :‬األحزاب اإلسالمية‪ :‬ويمثلها بشكل كبير حزب جبهة العمل اإلسالمي‬
‫المرتبط‬
‫بجماعة اإلخوان المسلمين وحزب صغير هو الحركة العربية اإلسالمية (دعاء)‪ ،‬وحزب‬
‫الوسط اإلسالمي‪ .‬وأهداف هذه األحزاب هي جعل الشريعة اإلسالمية‬
‫هي المصدر الرئيسي للتشريع من ناحية ومعارضة العالقات مع إسرائيل‪ .2 .‬األحزاب‬
‫القومية‪ :‬وتتمثل في حزب البعث العربي االشتراكي وحزب البعث‬
‫العربي التقدمي وحزب جبهة العمل القومي‪ .‬وتركز هذه األحزاب على القومية‬
‫العربية والوحدة العربية والعداء اإلسرائيل‪ .3 .‬األحزاب اليسارية‪ :‬وتمثل هذه األحزاب‬
‫كال من‪ :‬الحزب الشيوعي األردني‬
‫وحزب الشعب الديمقراطي األردني وحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي األردني‪،‬‬
‫والحزب الديمقراطي الوحدوي األردني والحزب التقدمي وحزب الحركة القومية‬
‫الديمقراطية الشعبية وأحزاب أخرى‪.‬‬
‫وجوهر أهداف هذه األحزاب هو ضمان حقوق العمال والطبقات الفقيرة والتأكيد على‬
‫القيم االشتراكية إلى جانب العداء اإلسرائيل والقوى اإلمبريالية‪.‬‬
‫‪- 116 -‬‬
‫‪ .1‬األحزاب الليبرالية‪ :‬وأبرزها‪ :‬الحزب الوطني الدستوري‪ ،‬وحزب المستقبل‪،‬‬
‫وحزب السالم األردني‪ ،‬وحزب األرض العربية‪ ،‬وحزب األمة‪ ،‬وحزب األنصار العربي‬
‫األردني‪ ،‬وحزب العمل األردني‪ ،‬والجبهة األردنية الدستورية‪ ،‬وحزب النهضة‪ ،‬وأحزاب‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وهذه األحزاب هي األقرب للنظام السياسي‪ ،‬وتركز في أهدافها على الحريات العامة‬
‫والمصالح المحلية كالمرأة والوحدة الوطنية‪ . .‬السمات العامة لألحزاب في هذه الفترة ‪.8‬‬
‫إن نسبة كبيرة من هذه األحزاب هي أحزاب قديمة فقد أغلبها جاذبيته الشعبية‬
‫باستثناء حزب جبهة العمل اإلسالمي‪ .2 .‬إن األحزاب الجديدة ال تعدو كونها أحزاب ذات‬
‫طابع شخصي‪ ،‬حيث تتمحور‬
‫حول أشخاص أكثر منها حول برامج وعقائد واضحة ومبلورة‪ .3 .‬الضعف الشديد في‬
‫االنتساب لألحزاب الجديد منها والقديم‪ .4 .‬تنامي مؤسسات المجتمع المدني جعلها أكثر‬
‫جذبا من األحزاب وهو اتجاه عالمي ال‬
‫يقتصر على األردن فقط‪ .‬الخالصة ‪ :‬تقييم التجربة الحزبية في األردن‪:‬‬
‫عند النظر في المراحل الثالث التي استعرضناها في الصفحات السابقة‪ ،‬نجد أن التجربة‬
‫الحزبية األردنية في مراحلها الثالث هي تجربة متعثرة لم تترك أثرا فاعال على مجرى‬
‫الحياة السياسية األردنية باستثناء فترة لم تزد على عامين بين ‪ 8855‬و‪ 8857‬وفي حدود‬
‫ضيقة‪.‬‬
‫ولعل القوة التي تتمتع بها السلطة التنفيذية تمثل أحد معوقات تنامي الحياة الحزبية في‬
‫األردن‪ ،‬كما أن ضغط الظروف اإلقليمية بشكل خاص يمنح السلطة التنفيذية أعذار لكبح‬
‫األحزاب من خالل القوانين االنتخابية أحيانا أو الترخيص لألحزاب أو غير ذلك‪ .‬إلى‬
‫جانب ذلك ال بد من التنبه إلى األثر الذي تتركه البنية‬
‫‪- 117 --‬‬
‫االجتماعية للمجتمع األردني على حيوية األحزاب‪ ،‬فالقبلية والمكانة المتأخرة للمرأة‬
‫وثقة األفراد بالعمل الحزبي وضعف الثقافة التنظيمية كلها عوامل تساهم في تهميش‬
‫الدور السياسي لألحزاب‪.‬‬
‫وكان لطول فترة األحكام العرفية (حيث تصادر الحريات العامة وتمنع األحزاب من‬
‫النشاط السياسي) دورها في جعل النخبة السياسية تنمو داخل مؤسسات الحكومة بخاصة‬
‫ضمن فئة الوزراء وكبار المسؤولين اإلداريين والعسكريين‪ ،‬إلى حد أن الحكومة مثلت‬
‫قاعدة إفراز القيادات السياسية حتى في األحزاب والمجلس النيابي‪ ،‬وندل األرقام المتوفرة‬
‫على سبيل المثال أن ‪ %5 . 53‬من أعضاء مجلس النواب الحادي عشر هم من الذين‬
‫كانوا يشغلون وظائف عامة‪ ،‬و‪ ٪50‬في المجلس الثاني عشر‪ ،‬وقفزت النسبة إلى ‪48 . 7‬‬
‫في المجلس الثالث عشر‪ .‬ا أما من حيث االنتماءات الحزبية ألعضاء مجلس النواب‪ ،‬نجد‬
‫مثال أنه في المجلس الحادي عشر كانت النسبة ‪ ، 4 . 42‬ارتفعت إلى ‪7‬‬
‫‪ 3 . 11 .‬في المجلس الثاني عشر‪ ،‬ولكنها عادت لتنخفض في المجلس الثالث عشر‬
‫إلى ‪ %35‬واستمرت في االنخفاض في المجالس النيابية التالية الرابع عشر والخامس‬
‫عشر والسادس عشر والسابع عشر‪.‬‬
‫بدل ما سبق على دور غير فاعل لألحزاب في تشكيل قوة مؤثرة على مسار الحياة |‬
‫السياسية األردنية‪ .‬وضعف الدور السياسي لألحزاب يؤدي إلى تعاظم دور السلطة‬
‫التنفيذية في مواجهة السلطة التشريعية ال سيما مجلس النواب بخاصة في ظل خلفية‬
‫النواب الحكومية في أغلب األحيان كما الحظنا من األرقام السابقة‪ .‬وحيث أن التنمية‬
‫السياسية‪ ،‬تعتمد في فاعليتها على الدور الذي تقوم به األحزاب‪ ،‬فإن بنيتها الحالية في‬
‫المجتمع األردني ال يؤهلها للقيام بهذا الدور إال في حدود ضيقة‪ .‬ويعيدنا ذلك للعالقة‬
‫بين النصوص الدستورية والتطبيق‪ ،‬إذ ينبع الدستور والمواثيق الوطنية المجال واسعا‬
‫لألحزاب ولكن ضعف بنية األحزاب وعدم عمق قواعدها الشعبية يجعل دورها في‬
‫التنمية السياسية هامشية‪ .‬وتمثل الكتل البرلمانية أحد آليات الموازنة بين السلطة‬
‫التشريعية والسلطة التنفيذية‪ ،‬ألن وجود هذه الكتل يهيئ الظروف الموضوعية للتوازن‬
‫داخل النظام السياسي ويتيح المجال أمام تداول السلطة في الحكومة‪ .‬لكن ضعف الكتل‬
‫النيابية‬
‫‪- 118 -‬‬
‫في البرلمان األردني نتيجة ضعف األحزاب السياسية التي تمثل األداة األهم لتشكيل‬
‫الكتل النيابية المؤثرة‪ ،‬يحول دون التطور في آليات العمل السياسي‪ .‬دور المؤسسات‬
‫في التربية الوطنية‬
‫تتشكل توجهات المجتمع الثقافية والسياسية واالجتماعية عبر التاريخ من خالل التفاعل‬
‫الذي يتم بين األفراد من ناحية والنسيج المتداخل من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية‬
‫من ناحية ثانية‪ .‬وتشكل األسرة والمؤسسات التعليمية على اختالف مستوياتها ووسائل‬
‫اإلعالم ومؤسسات المجتمع المدني أبرز المؤسسات في مجال بناء التربية الوطنية‬
‫للمجتمع‪ .‬وترتبط التربية الوطنية بشكل جوهري بالتنشئة السياسية التي تعني "قيام‬
‫المؤسسات المختلفة بغرس منظومة قيمية لدى األفراد تجعلهم أكثر قدرة على الوفاء‬
‫بحاجات مجتمعهم وتطوره في مختلف الميادين"‪.‬‬
‫ويمكن تتبع نموذجين من المؤسسات في المجتمع األردني للتعرف على دورهما في‬
‫التربية الوطنية‪:‬‬
‫‪ -‬المؤسسات اإلعالمية‪ -3 .‬مؤسسات المجتمع المدني المؤسسات اإلعالمية‬
‫يعرف الدارسون اإلعالم بأنه "تزويد الجمهور بالمعلومات الصحيحة واألخبار ليتمكن‬
‫من تكوين راي سليم إزاء مشكلة من المشاكل خصوصا تلك التي يكون للناس فيها‬
‫مواقف متباينة"‪ .‬ويمكن القول بأن التعريف السابق يمثل تحديد مهمة اإلعالم التقليدية‪،‬‬
‫إذ أن مهمته اتسعت بزيادة تعقيد وتشابك الظواهر‪ ،‬وبزيادة استخدام اإلعالم لتشكيل‬
‫توجهات األفراد وحشد التأييد لمواقف معينة تتبناها السلطة أو أنساق فرعية من‬
‫السلطة أو المجتمع‪ .‬وينمحور مفهوم اإلعالم حول عملية االتصال بين المرسل‬
‫والمستقبل لرسالة إعالمية‪ ،‬وفي هذه المسالة بعدان‪ :‬أولهما نفسي يتمثل في خلق‬
‫الرموز والدالالت‪ ،‬وثانيهما اجتماعي يتمثل في نتائج تبادل الرموز والدالالت‪ ،‬بين‬
‫المرسل والمستقبل‪.‬‬
‫‪- 119 .‬‬
‫إن هذا يعني أن المادة اإلعالمية توجه إلى المنظومة المعرفية للفرد من ناحية‪ ،‬حيث‬
‫تخاطب عقله وإدراكاته‪ ،‬ومن ناحية ثانية تخاطب ميوله واستعداداته النفسية بهدف التأثير‬
‫فيها باتجاه أو آخر‪ .‬ولكي تقوم المؤسسة اإلعالمية بدورها‪ ،‬يجب رصد هذا الدور من‬
‫خالل إدراك العملية اإلعالمية وأطرافها التي تتمثل في المرسل (أي المنتج للرسالة‬
‫اإلعالمية والمستقبل (الجهة التي تستهدفها الرسالة اإلعالمية والرسالة اإلعالمية (أي‬
‫المحتوى اللغوي أو الرمزي أو اإلشارة والصورة الموجهة من المرسل للمستقبل) ومدى‬
‫التأثير للرسالة على المستقبل‪ ،‬وأخيرا رد فعل المستقبل على الرسالة اإلعالمية‪ .‬وعلى‬
‫أساس ما سبق فإن دراسة أثر المؤسسات اإلعالمية األردنية على التربية الوطنية يجب‬
‫أن يضع في االعتبار األبعاد السابقة للذكر‪.‬‬
‫اوشندرس المؤسسات اإلعالمية األردنية من خالل ‪ -8 :‬التعريف بالمؤسسات اإلعالمية‬
‫األردنية‪ -2 .‬تقييم دورها في التربية الوطنية‪ .‬المؤسسات اإلعالمية األردنية‬
‫تتمثل المؤسسات اإلعالمية األردنية في اآلتي‪ -3 :‬وزارة اإلعالم‪:‬‬
‫يمكن اعتبار دائرة المطبوعات والنشر التي تأسست عام ‪ 8823‬البذرة التي نبتت منها‬
‫وزارة اإلعالم عام ‪ ،8844‬وأصبحت جزءا منها‪ ،‬لكن وزارة اإلعالم الغيت وأعيدت‬
‫بين حين وآخر‪ ،‬وتم إنشاء المجلس األعلى لإلعالم‪ ،‬وبقيت دائرة المطبوعات والنشر‪-2 .‬‬
‫الصحافة‪:‬‬
‫واكبت إنشاء الصحافة األردنية إنشاء الكيان السياسي منذ عام ‪ ،3933‬حيث صدرت‬
‫في تلك الفترة صحيفة ذات م ستوى متواضع وأقرب إلى النشرة منها إلى الصحيفة‬
‫وهي صحيفة "الحق يعلو"‪ .‬ويمكن اعتبار صحيفة "الشرق العربي" التي صدرت عام‬
‫‪ 3932‬في شرق األردن‪ ،‬وتغير اسمها بعد ذلك إلى "الجريدة الرسمية‬
‫‪- - 120 -‬‬
‫الحكومة شرق األردن" من الصحف العادية في بداياتها وتغير اسمها بعد إعالن‬
‫االستقالل إلى "الجريدة الرسمية للمملكة األردنية الهاشمية"‪.‬‬
‫وخالل الفترة من تأسيس اإلمارة إلى االستقالل عرف األردن في العشرينات عدد آخر‬
‫من الصحف الخاصة مثل صحيفة "جزيرة العرب" و"صدى العرب" و"األردن" و‬
‫"األنباء"‪ .‬وفي الثالثينات‪ ،‬صدرت صحف "مجلة الحكمة" و"الميثاق"‪ ،‬و"الوفاء"‪،‬‬
‫و"الجزيرة العربية"‪.‬‬
‫وبعد االستقالل ظهرت صحف ومجالت مثل‪ ،‬النسر والدفاع والرائد والنهضة والجهاد‬
‫والدفاع والمنار وفلسطين‪ ،‬وتم دمج بعض هذه الصحف ببعضها ليبرز بدال منه صحيفتا‬
‫القدس والدستور‪.‬‬
‫وتوالى إنشاء الصحف األردنية إلى أن وصلت عام ‪ 3885‬إلى سبع صحف يومية‬
‫الرأي والدستور والعرب اليوم واألنباط والغد والديار وصحيفة الجوردان تايمز باللغة‬
‫اإلنجليزية) وعشرات الصحف األسبوعية والمجالت العلمية والدوريات التي تصدر عن‬
‫مؤسسات مختلفة‪ -2 .‬اإلذاعة‪:‬‬
‫ظهرت إذاعة المملكة األردنية الهاشمية للمرة األولى عام ‪ 8850‬في مدينة رام هللا مع‬
‫أنها كانت تعلن أنها من القدس‪ ،‬وكانت كافية لتغطي بإرسالها فلسطين واألردن‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 8854‬رفدت المحطة األولى بثانية في عمان‪ ،‬تطورت عام ‪ 8858‬بإنشاء‬
‫اإلذاعة الحالية في أم الحيران بعمان‪ .‬وفي عام ‪ 8880‬شرعت اإلذاعة الموجهة بالبث‬
‫الكل أرجاء المعمورة‪ ،‬وأصبحت تبث برامج باللغة اإلنجليزية والفرنسية‪ ،‬إلى جانب‬
‫محطة ال(‪ )F . M‬من عمان واربد‪ -4 .‬التلفزيون‬
‫بدا التلفزيون األردني البث بقناة واحدة وباألبيض واألسود عام ‪ 8841‬ولمدة ثالث‬
‫ساعات يومية‪ ،‬لتضاف له قناة أخرى بعد ذلك بأربع سنوات‪ ،‬تكون األولى باللغة العربية‬
‫والثانية للبرامج األجنبية‪ .‬ومع ‪ 8874‬شرع التلفزيون الملون بالبث‬
‫‪- 121 --‬‬
‫مدعمة بعدد كاف من محطات التقوية ليغطي معظم أرجاء المملكة‪.‬‬
‫وشهدت الساحة اإلعالمية األردنية في العقد األول وحتى منتصف العقد الثاني من القرن‬
‫الحادي والعشرين تأسيس محطات تلفزيونية خاصة عديدة‪ -5 .‬وكالة األنباء األردنية‬
‫"بترا"‪:‬‬
‫أنشئت وكالة األنباء األردنية عام ‪ 8848‬كدائرة تابعة لوزارة اإلعالم‪ ،‬وتطور عمل‬
‫الوكالة عام ‪ 8885‬من خالل بث نشراتها باللغتين العربية واإلنجليزية لجميع مناطق‬
‫العالم‪ ،‬ثم تطورت خطوة أخرى عام ‪ 8884‬من خالل بث نشرتها عبر اإلنترنت‪-4 .‬‬
‫المؤسسات األخرى ذات العالقة بالعملية اإلعالمية‪:‬‬
‫تم إنشاء مؤسسات أخرى هامة في مجال التدريب بعضها ملحق بمؤسسات إعالمية‬
‫وبعضها مستقل‪ ،‬ومن بين هذه المؤسسات مركز التدريب اإلعالمي (‪ )8811‬التطوير‬
‫العاملين في القطاع اإلعالمي‪ ،‬ومديرية التدريب واإلعالم التنموي (‪ ،)8872‬والمجلس‬
‫األعلى لإلعالم (‪ )2008‬وتم حله سنة ‪ 2001‬مثلما تم إلغاء وزارة اإلعالم واالكتفاء‬
‫بمنصب الناطق الرسمي بلسان الحكومة برتبة وزير سنة ‪. .2005‬‬
‫وإلى جانب هذه المؤسسات هناك الشركة األردنية لإلنتاج التلفزيوني واإلذاعي‬
‫والسينمائي التي تأسست عام ‪ 3903‬بتعاون بين القطاع العام والخاص‪ ،‬ومركز‬
‫المعلومات الوطني الذي تم إنشاؤه عام ‪ 3992‬لتوفير قاعدة معلومات وطنية‪ .‬دور‬
‫اإلعالم الوطني في التربية الوطنية‪:‬‬
‫تتمثل وظيفة اإلعالم فيما يلي ‪ :‬أ‪ -‬نقل األخبار على اختالف أنواعها ومصادرها من‬
‫مناطق العالم كافة‪ .‬ب‪ -‬التعبير عن االتجاهات المختلفة في المجتمع من النواحي‬
‫السياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية والثقافية‪ .‬ج‪ -‬تزويد المجتمع بالمعلومات عن ظواهر مختلفة من خالل‬
‫المقاالت العلمية أو‬
‫البرامج العلمية من اإلذاعة أو التلفزيون‪.‬‬
‫‪- 122‬‬
‫د‪ -‬توجيه المنظومة القيمية للمجتمع بهدف جعله أكثر قدرة على التطور الذاتي‬
‫والحفاظ على شخصيته والقدرة على المساهمة في التطور اإلنساني‪.‬‬
‫وطبقا لبنية اإلعالم األردني‪ ،‬شأنه في ذلك شأن أغلب أجهزة اإلعالم في العالم‪ ،‬هناك‬
‫اإلعالم الرسمي الذي تديره الحكومة‪ ،‬واإلعالم الخاص الذي يعبر عن المجتمع أو‬
‫قطاعات معينة منه‪.‬‬
‫أما في الجانب السياسي فلإلعالم دوره المتمثل في‪ :‬أ‪ -‬تعزيز التماسك االجتماعي‪ ،‬من‬
‫خالل التركيز على القيم المشتركة‪ .‬ب‪ -‬شرح سياسات الدولة والدفاع عنها‪ ،‬ويتم ذلك من‬
‫خالل خطة إعالمية يقوم‬
‫على إعدادها خبراء من الدولة‪ .‬ج‪ -‬الرد على الدعاية المضادة‪ ،‬فالدول األخرى تجعل من‬
‫أهدافها في كثير من‬
‫األحيان زعزعة االستقرار السياسي أو التأثير على تطور الدول األخرى‪ .‬ومن هنا‬
‫يصبح من الضروري أن يفتد اإلعالم المحلي هذه الدعاية‪.‬‬
‫ولتحديد دور اإلعالم ال بد أوال من التعرف على التشريعات والقوانين التي يعمل في‬
‫ظلها اإلعالم األردني‪ ،‬وتقييم مدى أهليتها لتعميق الحس الوطني وخدمة األهداف المحددة‬
‫لإلعالم التي سبق ذكرها‪.‬‬
‫تعود جذور التشريعات الخاصة بالعمل اإلعالمي في األردن إلى مرحلة تأسيس اإلمارة‪،‬‬
‫حيث تم إصدار القوانين المنظمة للعمل الصحفي‪ ،‬وفي عام ‪ 8838‬صدر نظام مراقبة‬
‫المطبوعات الذي أعطى مجلس الوزراء حق منح رخص المطبوعات ومنعها وتوقيفها‪،‬‬
‫ومنح السلطة حق "مراقبة أو منع نشر أو طبع أي خبر أو مادة تضر بالطمأنينة العامة أو‬
‫الدفاع عن البالد"‪ ،‬وقد شمل النص إلى جانب الصحافة الرسائل والبرقيات‪.‬‬
‫وقد كان التطور الرئيسي في هذا السياق صدور الدستور األردني لعام ‪ .8852‬من ناحية‬
‫وصدور سلسلة من قوانين المطبوعات النشر خالل الفترة من سنة ‪8853‬إلى سنة ‪8883‬‬
‫(وقد أحيل هذا األخير إلى مجلس النواب للنظر في تعديالت أدخلت عليه عام ‪.)8881‬‬
‫وقد تأثرت قوانين تنظيم هذا القطاع بشكل رئيسي باألوضاع السياسية حيث عرفت مدة‬
‫وجزرة في مستوى ما تمنحه من حريات بين الحين واآلخر‪.‬‬
‫‪- 123 --‬‬
‫ولما كانت التربية الوطنية تشترط لنجاحها فسح المجال للفكر واإلبداع والحوار والخالف‬
‫في الرأي‪ ،‬فإن أول شروط تحقيق تربية وطنية ناجحة هو تعميق الحريات التي نص‬
‫عليها الدستور والميثاق الوطني‪ ،‬ونقلها إلى حيز التطبيق نقال تامة‪ .‬من ناحية أخرى‪،‬‬
‫ومع اتساع نطاق العولمة الثقافية وانفتاح المجتمعات على بعضها البعض بفعل قدرة‬
‫التكنولوجيا على اختراق الحدود‪ ،‬أصبحت الثقافات الوطنية بحاجة لرؤية علمية لتعزيز‬
‫قدراتها على مواجهة التيارات الثقافية الخارجية‪ .‬ولمواجهة تأثيرات العولمة على‬
‫الشخصية الوطنية بمقوماتها الثقافية والنفسية‪ ،‬ال بد من تعزيز الثقة بالذات من خالل‬
‫تطوير مقومات الشخصية عبر منحها فضاءات الحرية األوسع في مجاالت الفكر‬
‫والفلسفة والفن والرأي السياسي والرأي االقتصادي‪.‬‬
‫إن االنغالق أيا كانت أسبابه ودوافعه سيؤدي إلى تخلف المنظومة الثقافية السيما في ظل‬
‫التشارع الشديد الذي تعرفه المجتمعات ذات الحراك العالي‪.‬‬
‫وعند النظر في مستوى الحرية في األردن فإن القياس الرسمي حددها بحرية نسبية لم‬
‫تصل إلى ‪ ،%58‬وهو أمر ال يتناسب مع مستوى الحرية المطلوب‪ ،‬مع أن النصوص‬
‫الدستورية والتشريعات والمواثيق األردنية وتنامي مساحة النخبة المتعلمة والمثقفة‬
‫تدفع باتجاه التوسع في مدى الحريات‪ .‬لكن التقاليد السياسية األردنية‪ ،‬تشير إلى ظاهرة‬
‫تاريخية وهي إخضاع مدى التطور في كل المراحل للضرورات السياسية واالستقرار‬
‫السياسي‪ ،‬وحيث أن األردن يعيش وسط منطقة اتسم تاريخها السياسي منذ نشوء‬
‫اإلمارة بعدم االستقرار‪ ،‬فقد تذبذبت مستويات الحرية بين فترة وأخرى‪ .‬وهذا يعني أن‬
‫مستوى الدور الذي تقوم به المؤسسات اإلعالمية في تعزيز مقومات الشخصية الوطنية‬
‫مرهون بمستوى الحرية الممنوحة لها‪.‬‬
‫إلى جانب ذلك‪ ،‬ثمة عوامل أخرى تلعب دورا في تمكين اإلعالم من تعزيز الشخصية‬
‫الوطنية وهي‪ - :‬منح الفرص للكفاءات في هذا المجال لكونهم األقدر على تقديم‬
‫مستلزمات التطوير الوطني عبر وسائل اإلعالم‪ ،‬سواء منها المقروءة أو المسموعة أو‬
‫المرئية‪ ،‬إلى‬
‫جانب أدوات اإلعالم الجماهيري والمسرح والسينما‪ .‬ب منح الفرص االستثمارية في‬
‫مجال اإلعالم ليكون قادرا على مجاراة التطور التكنولوجي‬
‫‪- 124 -‬‬
‫النظم السياسي األردني اإلصالح السياسي في األردن في مرحلة الربيع العربي ‪:‬‬
‫شهد الوطن العربي مع نهاية عام ‪ 3838‬اضطراب سياسية أعقب إحراق شاب تونسي‬
‫لنفسه احتجاجا على ظروفه المعيشية‪ ،‬وامتدت موجة االضطرابات إلى مصر وليبيا‬
‫واليمن وسوريا بجدة‪ ،‬ثم انتقلت هذه االضطرابات إلى دول عربية أخرى ولكن بحدة‬
‫أقل مثل األردن والمغرب والبحرين‪ ،‬ناهيك عن استمرار االضطراب في العراق والذي‬
‫تبع الحرب عليها واحتاللها من قبل الجيش األمريكي عام ‪.3882‬‬
‫وترتب على تلك االضطرابات تغيرات في بنية النظم السياسية في بعض الدول العربية‪،‬‬
‫وهو ما جعل األردن في وضع يستوجب منه التكيف مع هذه التغيرات‪ ،‬وقد أخذ هذه‬
‫التكيف تعبيراته عبر الخطوات التالية‪ :‬أوال‪ :‬تشكيل لجنة حوار وطني ‪:‬‬
‫تشكلت لجنة للحوار الوطني في مارس ‪ 2088‬استنادا لكتاب وجهه الملك لرئيس‬
‫الوزراء يدعوه فيه إلى إجراء حوار وطني حول اإلصالح السياسي واالقتصادي في‬
‫البالد‪ ،‬ونص التكليف على "إدارة حوار وطني مكثف حول مختلف التشريعات التي‬
‫تتعلق بمنظومة العمل السياسي ومراجعتها‪ ،‬إليجاد حياة حزبية وديمقراطية متقدمة‪،‬‬
‫وتشكيل حكومات برلمانية عمادها األحزاب‪ ،‬وتقديم مشروعي قانونين توافقيين‬
‫لالنتخابات النيابية واألحزاب لبيان هذه األهداف"‪ ،‬وتضمن قرار مجلس الوزراء بهذا‬
‫الخصوص إعطاء اللجنة الحرية في البحث المعمق في مختلف التشريعات ذات الصلة‬
‫وتقديم توصياتها‪".‬‬
‫وعقدت اللجنة سلسلة لقاءات انتهت إلى عدد من المقترحات أهمها‪ :‬أ‪ -‬مشروع قانون‬
‫جديد لألحزاب يبسط إجراءات تسجيل األحزاب وإزالة‬
‫العقبات اإلدارية بوجهها وتبسيط اإلجراءات الرقابية على أنشطتها‪ .‬ب‪ -‬تبنت اللجنة‬
‫النظام االنتخابي المختلط الذي يجمع بين القائمة النسبية المفتوحة‬
‫على مستوى المحافظة والقائمة النسبية المفتوحة على مستوى الوطن‪ ،‬إضافة إلى‬
‫التوصية بإنشاء هيئة وطنية مستقلة لالنتخابات واألحزاب‪.‬‬
‫‪- 125 --‬‬
‫ت‪ -‬إلغاء المواد التي تجيز تأجيل االنتخاب العام كلية او جزئية‪ ،‬واوصت برفع مدة‬
‫الدورة التشريعية إلى ستة شهور بدال من أربعة شهور‪ .‬ث‪ -‬إضافة نص في الدستور‬
‫يجبر الحكومة التي توصي بحل مجلس النواب على‬
‫التقدم باستقالتها في غضون أسبوع‪ ،‬ويكلف الملك من يراه مناسبا بشکيل حكومة‬
‫انتقالية مهمتها إجراء االنتخابات النيابية في غضون ‪ 18‬يوما من‬
‫تشكيلها على أن تنتهي واليتها بانتهاء مهمتها‪ .‬ج‪ -‬التأكيد على أن جميع األردنيين‬
‫الحاملين لجوازت السفر األردنية واألرقام ‪ :‬الوطنية هم مواطنون لهم كامل الحقوق‬
‫وعليهم كامل الواجبات‪ ،‬وال يجوز‬
‫منح أو سحب الجنسية إال بقرار من مجلس الوزراء طبقا للدستور‪ .‬ح‪ -‬احترام حقوق‬
‫اإلنسان‪ | .‬خ‪ -‬تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد‪ .‬د‪ -‬إصالح النظام التعليمي‪.‬‬
‫‪ -‬التأكيد على حرية اإلعالم‪ .‬ر‪ -‬الدعوة لعدد من التعديالت الدستورية‪ .‬ز‪ -‬في مجال‬
‫االنتخابات النيابية دعت اللجنة إلى‪:‬‬
‫‪ -8‬استبعاد الصوت الواحد‪ -2 .‬إلغاء الدوائر الوهمية‪ -3 .‬اعتماد نظام القائمة‪ -4 .‬تقسيم‬
‫المملكة إلى دوائر انتخابية بعدد المحافظات باستثناء العاصمة واربد‬
‫والزرقاء‪" ،‬وربما الكرك والبلقاء" حيث توزع المحافظة لعدد من الدوائر‪ .‬ثانيا‪ :‬طرح‬
‫األوراق النقاشية الملكية‪:‬‬
‫طرح الملك عددا من األوراق النقاشية الخاصة بتطوير وتفعيل سبل اإلصالح السياسي‬
‫واالقتصادي في األردن‪ ،‬داعيا إلثراء الحوار حول الجوانب المختلفة لعملية اإلصالح‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫‪-- 126 -‬‬
‫الورقة األولى‪ :‬وقد تم طرحها بتاريخ ‪ 39‬ديسمبر ‪ 3833‬وتركزت حول موضوع‬
‫الديمقراطية‪ ،‬وحددت الورقة مجموعة من المبادئ التي يجب مراعاتها عند الحوار في‬
‫هذا الموضوع وهي‪ -3 :‬احترام الرأي اآلخر‪ -3 .‬المساءلة‪ -2 .‬الحوار ‪ -1 .‬الشراكة‬
‫في التضحية والكسب‪.‬‬
‫الورقة الثانية‪ :‬وتم طرحها في ‪ 84‬يناير ‪ ،2083‬وهدفها المركزي هو إثراء الحوار‬
‫حول سبل تطوير النظام الديمقراطي من خالل عدد من اآلليات أهمها‪ -8 :‬االنتقال‬
‫لحكومات برلمانية‪ -2 .‬تشکيل أحزاب وطنية‪ -3 .‬التزام المهنية والحياد في عمل الجهاز‬
‫الوطني‪ -4 .‬بلورة اعراف بين الكتل النيابية للتعاون من أجل مساءلة الحكومات‪.‬‬
‫الورقة الثالثة‪ :‬وتم طرحها في ‪ 3‬مارس ‪ ،3832‬بهدف تحديد سبل نجاح الديمقراطية‬
‫والمتجددة‪ ،‬وتشمل ‪ -3 :‬تطوير األحزاب ذات البرامج والقواعد الشعبية‪ -3 .‬تطوير‬
‫عمل النواب من خالل التوازن بين المصالح المحلية والمصالح الوطنية‬
‫والعمل بموضوعية‪ -2 .‬تطوير عمل رئيس الوزراء من خالل وضع معايير للعمل‬
‫الحكومي المتميز وتبني‬
‫نهج الشفافية والحاكمية الرشيدة‪ -1 .‬االرتقاء بدور الملكية الدستورية من خالل‬
‫استشراف المستقبل وحماية المجتمع من‬
‫االستقطاب وحماية األمن القومي وضمان حيادية واستقاللية المؤسسة العسكرية‪-5 .‬‬
‫تعزيز دور المواطن من خالل الوعي والمواطنة الفاعلة‪.‬‬
‫الورقة الرابعة‪ :‬وهي آخر األوراق النقاشية التي طرحت في ‪ 3‬يونيو ‪،3832‬‬
‫‪- 127 --‬‬
‫وتركزت على فكرة التمكين الديمقراطي وضمان تحقيق المواطنة الفاعلة من خالل‪:‬‬
‫‪ -3‬تعزيز المشاركة الشعبية ودعم المؤسسات التي تؤدي لذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬تعزيز دور المجتمع المدني في الرقابة والتأكيد على الشفافية‪ .‬ثالثا‪ :‬التعديالت‬
‫الدستورية‪:‬‬
‫شكل الملك في أبريل ‪ 3833‬لجنة لمراجعة نصوص دستورية‪ ،‬مع ضرورة أخذ هذه‬
‫اللجنة مقترحات لجنة الحوار الوطني باالعتبار عند القيام بهذه المهمة التي تستهدف‬
‫مواصلة جهود اإلصالح السياسي واالقتصادي‪ ،‬وقد انتهت اللجنة إلى عدد من‬
‫التعديالت أبرزها‪ -3 :‬إنشاء المحكمة الدستورية‪ :‬تنص المادة ( ‪3‬‬
‫‪ )50 /‬من الدستور األردني بعد التعديل على أن "تنشا بقانون محكمة دستورية يكون‬
‫مقرها في العاصمة وتعتبر هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها‪ ،"......‬وكذلك تنص‬
‫المادة ( ‪3‬‬
‫‪ )58 /‬من الدستور بعد التعديل على أن " تختص المحكمة الدستورية بالرقابة على‬
‫دستورية القوانين واألنظمة النافذة‪ ،"...‬كما تنص الفقرة (‪ )2‬من نفس المادة على أن "‬
‫للمحكمة الدستورية حق تفسير نصوص الدستور إذا طلب إليها ذلك‪ ،" ....‬كما تنص‬
‫الفقرة (‪ )2‬من المادة (‪ )40‬من الدستور بعد التعديل على أن "في الدعوى المنظورة أمام‬
‫المحاكم يجوز ألي من أطراف الدعوى إثارة الدفع بعدم الدستورية‬
‫وعلى المحكمة إن وجدت أن الدفع جدي‪ -3 ."..‬إنشاء هيئة مستقلة لإلشراف على‬
‫االنتخابات‪ -2 .‬إقرار ضوابط دستورية إلصدار القوانين المؤقتة‪ -1 .‬تعزيز الحريات‬
‫المدنية بما في ذلك تجريم كل انتهاك للحقوق والحريات العامة أو‬
‫الحرية وحياة المواطنين الخاصة‪ -5 .‬حظر التعذيب بجميع أشكاله‪ -4 .‬التأكيد على‬
‫استقالل القضاء وغيرها‪ -7 .‬إضافة "الجنس" إلى جانب العرق واللغة والدين في إطار‬
‫عدم التمييز بين‬
‫األردنيين في الحقوق والواجبات‪.‬‬
‫‪- 128 -‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫المجتمع األردني‬
‫المجتمع األردني‬
‫الفصل الرابع‬
‫المجتمع األردني خصائص المجتمع األردني‬
‫كان المجتمع األردني حتى الهجرات الفلسطينية عام ‪ 8841‬مجتمعة متجانسة على الرغم‬
‫من تعدد طوائفه وأثنياته‪ .‬فمع أن العرب السنة كانوا‪ ،‬والزالوا‪ ،‬يشكلون الغالبية العظمى‬
‫من مجموع السكان‪ ،‬إال أنهم كانوا يعيشون في حالة تناغم مع شريحتين مهمتين في‬
‫المجتمع األردني‪ ،‬وهما‪ .8 :‬المسيحيون‪ ،‬الذين ال يجادل أحد في عراقة انتمائهم ومحتدهم‬
‫العربي األصيل‪ .2 .‬الشراكسة والشيشان‪ ،‬الذين أجلوا عن ديارهم في القفقاس‪ ،‬بعد‬
‫احتاللها من قبل‬
‫قوات روسيا القيصرية‪ ،‬فاستوطنوا بعض بلدان الوطن العربي وخصوصا األردن‪ ،‬بدافع‬
‫التمسك بدينهم وهم من أتباع المذهب السني كما الغالبية العظمی من سكان األردن‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن مجموع المسيحيين والشراكسة والشيشان ال يكاد بشكل أكثر من‬
‫‪ %1‬من مجموع السكان‪ .‬إال أن النظام السياسي واالجتماعي في األردن كفل لهم‪ ،‬كما‬
‫لآلخرين‪ ،‬الحرية الدينية واالجتماعية‪ ،‬عقيدة وممارسة‪ ،‬مما مكنهم من المحافظة على‬
‫بعض الخصوصية والتفرد‪ ،‬في بعض العادات والتقاليد والطقوس‪ ،‬وما أضفى على‬
‫المجتمع األردني بالتالي صيغة التنوع الذي يجمع وال يفرق ويثري وال يفقر‪.‬‬
‫ففي الوقت الذي يمارس فيه المسيحيون‪ ،‬على تعدد طوائفهم‪ ،‬بحرية تامة عباداتهم كل‬
‫في الكنيسة التي ينتمي إليها‪ ،‬فإنهم يشاركون المسلمين أعيادهم أيضا‪ ،‬وكما للمسلمين‬
‫محاكم هم الشرعية‪ ،‬فللمسيحيين أيضأ محاكمهم الكنيسية التي تحظى بدعم أجهزة‬
‫الدولة واحترامها لقراراتها وأحكامها‪.‬‬
‫‪- 131 -‬‬
‫أما بالنسبة للشراكسة والشيشان فقد نقلوا معهم من القفقاس ضمن ما نقلوه تنظيمهم‬
‫االجتماعي بما يحتويه من تقسيم للعمل وتوزيع للسلطة وترتيب لألسر والعائالت‬
‫وبعض السمات الرمزية والثقافية‪ ،‬وهم ال زالوا يحظون بدعم أجهزة الدولة في‬
‫المحافظة على إرثهم الثقافي‪ .‬وخصوصا على تمسكهم بلغتهم األصلية‪ ،‬وعاداتهم‬
‫وتقاليدهم‪.‬‬
‫ولعل من المؤكد أن ثقافة المجتمع اإلسالمية هي في خاتمة المطاف الوعاء الحضاري‬
‫والخط الناظم الذي يجمع بين هذه المكونات الثالثة‪ ،‬إذ لم يشهد المجتمع األردني ذات‬
‫يوم أية توترات أو احتقانات أو نزاعات على خلفيات طائفية أو إثنية‪.‬‬
‫أما على مستوى التنظيم االجتماعي‪ ،‬فيمكن القول إن التنظيم االجتماعي في األردن كان‬
‫حتى وقت متأخر من النصف األول من القرن العشرين تنظيما قبلية‪ ،‬وال عجب في ذلك‬
‫طالما كانت الغالبية العظمى من السكان هم من أبناء العشائر والقبائل البدوية‪ ،‬سواء‬
‫المستقرة منها أم غير المستقرة‪ ،‬حيث كان الوالء للقبيلة‪ ،‬ممثلة في شيخها‪ ،‬يتقدم على‬
‫الوالء للدولة بكل رموزها‪ .‬ولم تكن القبلية‪ ،‬وقفة على العشائر والقبائل البدوية‪ ،‬بل‬
‫كانت أيضا عالمة فارقة من عالمات التنظيم االجتماعي لسكان القرى وحتى لسكان‬
‫المدن أيضا‪ .‬وكان من االمتيازات التي يتمتع بها شيخ القبيلة‪ ،‬اتخاذ قرارات مهمة‪،‬‬
‫بالنيابة عن مجموع أبناء قبيلته‪ ،‬بالنسبة لقضايا كالسلم والحرب‪ ،‬وعقد التحالفات‬
‫وتعيين مرابع الرعي ومواقيت الحل والترحال‪ ،‬كما أنه يمثل المرجع األول واألخير في‬
‫حل المنازعات بين افخاذ القبيلة وافرادها‪.‬‬
‫ومن البديهي أن يكون الموقع األردن الجغرافي تأثير كبير في حياة المجتمع األردني‪،‬‬
‫حيث كانت المنطقة التي عرفت باسم شرق األردن‪ ،‬حتى نهاية الحرب العالمية األولى‬
‫وبالتالي نهاية السيطرة العثمانية‪ ،‬أقرب إلى شبه الجزيرة العربية منها إلى شواطئ‬
‫البحر األبيض المتوسط‪ ،‬ومن ثم أقرب للصحراء وتقاليدها ونمط الحياة فيها منها إلى‬
‫حياة المدن‪ ،‬مما طبع المجتمع األردني بطابع البداوة‪ .‬ومن المعروف أن الرابطة القبلية‬
‫في ذلك المجتمع البدوي الرعوي الزراعي العشائري كانت هي الرابطة األقوى‪ ،‬بكل‬
‫المقاييس من أية رابطة أخرى‪ .‬وكانت هذه الرابطة القبلية هي التي تشكلت على‬
‫خلفيتها العادات‬
‫‪- 132 -‬‬
‫والتقاليد وأنماط السلوك والممارسات الحياتية والقيم االجتماعية‪.‬‬
‫وعلى ما في التقاليد والممارسات العشائرية من سلبيات مثل غارات القبائل بعضها‬
‫على البعض اآلخر واالعتداءات على الفالحين‪ ،‬وعادات األخذ بالثار‪ ،‬والتعصب للقبيلة‬
‫ظالمة أم مظلومة‪ ،‬وإزدراء العمل اليدوي‪ ،‬فإن هذه التقاليد العديد من اإليجابيات التي‬
‫لعبت‪ ،‬بدون شك‪ ،‬دورا بالغ األهمية في إعالء شأن القبيلة وبالتالي األسرة‪ ،‬والمحافظة‬
‫على تماسكها والتراحم والتكافل بين أعضائها‪.‬‬
‫غير أن انتشار التعليم‪ ،‬والتحاق مئات األلوف من أبناء العشائر‪ ،‬عبر عقود من الزمن‪،‬‬
‫بالخدمة العسكرية‪ ،‬وتعاقب الهجرات الفلسطينية‪ ،‬واالنفتاح على العالم‪ ،‬ومنجزات التنمية‬
‫االقتصادية‪ ،‬بما في ذلك تحسن المستوى المعيشي وربط غالبية التجمعات السكانية‬
‫بالخدمات األساسية من كهرباء وماء وبريد وهاتف‪ ،‬أدت إلى تحوالت اجتماعية بارزة‬
‫كان من أهمها االنتقال من االنتماء للدائرة الضيقة الخاصة بوحدة النسب والعائلة والقبيلة‬
‫والقرية إلى االنتماء للدائرة األوسع وهي دائرة الوطن الصغير (األردن) والوطن الكبير‬
‫(الوطن العربي)‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه أن مؤسسة الحكم قد لعبت دورا محوريا في إحداث هذه النقلة النوعية‬
‫من خالل تأسيس الدولة وتحقيق الوحدة الوطنية وصيانتها‪ ،‬ومن خالل قيادة عملية‬
‫التحول االجتماعي االقتصادي‪ ،‬على نحو يعي متطلبات التغيير العصرية‪ ،‬ومن خالل‬
‫توفير درجة مقبولة من االستقرار األمني واالقتصادي والسياسي وسط منطقة تفتقر‬
‫لالستقرار وتعج بالصراعات والتوترات والحروب‪.‬‬
‫وفي مجرى هذه التحوالت‪ ،‬ابتدأت التقسيمات االجتماعية والطبقية تحل تدريجية محل‬
‫التقسيمات القبلية‪ .‬حيث أن قوى االقتصاد السياسي منذ أواخر السبعينات من القرن‬
‫الماضي ابتدأت في تحليل کيانات شبه طبقية‪ ،‬اخترقت التقسيمات القبلية وشبه القبلية‪.‬‬
‫ويمكن تشبيه البنيان الطبقي األردني بالبنيان الهرمي حيث يتربع على قمة الهرم أقلية‬
‫صغيرة من األثرياء من كبار مالك األرض‪ ،‬وكبار الصناعيين‪ ،‬وأصحاب رأس المال‪.‬‬
‫ومن الجدير ذكره أن االزدهار النفطي في السبعينات ومطلع الثمانينات قد دعم هذا‬
‫التشكل الطبقي الذي استطاع أن يراكم كميات كبيرة نسبيا من األموال من‬
‫‪- 133.‬‬
‫الخارج‪ ،‬انعكست في األردن على شكل استهالك تفاخري مبالغ فيه‪ .‬ويلي هذه الطبقة‪،‬‬
‫إذا جاز التعبير‪ ،‬طبقة التكنوقراط من أصحاب بعض المهن الحرة‪ ،‬وكبار ضباط الجيش‬
‫وأعضاء الصف األول من موظفي الدولة الذين يتمتعون بامتيازات شتی وبمستوى‬
‫معيشي مرتفع يضمن لهم حياة مستقرة ومريحة‪.‬‬
‫أما فئة الموظفين اآلخرين في القطاعين العام والخاص‪ ،‬ومعلمي المدارس‪ ،‬والمهاجرين‬
‫العائدين‪ ،‬فتكافح بشراسة للمحافظة على نمط حياة وتميزها اجتماعية عن أصحاب‬
‫الحرف اليدوية وصغار تجار التجزئة‪.‬‬
‫اوپلي هؤالء‪ ،‬في قاعدة الهرم‪ ،‬طبقة كبيرة من محدودي الدخل والعاطلين عن العمل‬
‫الذين تزداد أعدادهم يوما بعد يوم‪ .‬ويعانون من الفقر والحرمان وشظف العيش‪ .‬وقد‬
‫انعكس هذا التمايز الطبقي على الحياة السياسية في األردن‪ ،‬حيث ظهرت في هذه األثناء‬
‫التشكيالت الحزبية المختلفة والنقابات المهنية والعمالية‪ .‬التي عبر كل منها عن مصالح‬
‫الطبقة التي يسعى لتمثيلها‪.‬‬
‫وقد أدى كل هذا الحراك االجتماعي والفرز الطبقي إلى زيادة وتيرة التمدن لتصل نسبة‬
‫سكان المدن إلى أكثر من ثالثة أرباع مجموع سكان األردن‪ ،‬فتعمقت المدنية بصفتها‬
‫طريقة حياة‪ .‬ومع كل ما يعنيه ذلك من ازدياد اإلعتمادية والتشابك اجتماعية واقتصادية‬
‫بين فئات المجتمع المدني على حساب الروابط القبلية‪ .‬وفي الوقت نفسه توطدت‪ ،‬في هذه‬
‫األثناء البني البيروقراطية وما رافقها من سيادة القانون الوظيفي واألنظمة والتعليمات‬
‫القائمة على التعاقد والمصالح بدال من العادات والتقاليد والعالقات القائمة على القرابة‬
‫والروابط العشائرية‪ .‬الجريمة في المجتمع األردني الخلفية القانونية‬
‫ظلت أحكام الشريعة اإلسالمية حتى القرن التاسع عشر هي المصدر الوحيد للحكم في‬
‫القضايا الجرمية في المنطقة التي أصبحت فيما بعد تعرف باسم األردن‪ .‬وقد بقيت هذه‬
‫األحكام وتطبيقاتها على ما كانت عليه طوال قرون خلت‪ ،‬غير خاضعة‬
‫‪- 134 -‬‬
‫للتغيير أو التطوير‪ .‬وكان القول الفصل في تأويلها وتفسيرها مناطة برجال الدين‬
‫المخولين بإصدار الفتاوى‪ ،‬وكان ال مناص لقضاة المحاكم الشرعية من البت في‬
‫القضايا المعروضة أمامهم على هدي هذه الفتاوی‪.‬‬
‫في منتصف الثمانينات من القرن التاسع عشر تم إدخال بعض التعديالت على النظام‬
‫القضائي بهدف تشديد قبضة العثمانيين على المنطقة‪ ،‬وهكذا أصبحت النماذج القضائية‬
‫األوروبية تشكل األساس لنظام قضائي عثماني جديد‪ .‬ثم صدر عام ‪ 3050‬قانون‬
‫جنائي جديد في سياق الحركة اإلصالحية التي اجتاحت اإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬وكان‬
‫هذا القانون الجديد مستندة إلى حد بعيد‪ ،‬إلى القانون الجنائي الفرنسي‪ ،‬مع بعض‬
‫التعديالت التي استدعتها ضرورة إسباغ مسحة إسالمية على القانون‪ ،‬فعلى سبيل‬
‫المثال كان ال بد من االحتفاظ بإلزام القاتل بدفع الدية‪ ،‬باإلضافة لما يستحقه من عقوبة‬
‫السجن‪ ،‬كما كان البد أيضا من االحتفاظ بإيقاع عقوبة القتل على المرتدين‪.‬‬
‫وبعكس ما كان قائمة في ظل االنتداب البريطاني على فلسطين‪ ،‬حيث كانت المحاكم تدار‬
‫من قبل قضاة بريطانيين يطبقون القانون الجنائي البريطاني‪ ،‬كان أثر البريطانيين في‬
‫شرق األردن ضئيال في مجال إصدار القوانين وإدارة المحاكم‪ ،‬حيث لم يكن ثمة وجود‬
‫للقضاة البريطانيين‪.‬‬
‫بعد قيام المملكة األردنية الهاشمية تم إدخال تعديالت جوهرية على القانون التشريعي‬
‫العثماني بما ينسجم ومتطلبات التعامل مع ما أفرزه العصر من مشکالت وتطورات‪،‬‬
‫خاصة على صعيد االقتصاد والثقافة المجتمعية‪ .‬وقد كانت تجري إعادة النظر في‬
‫القوانين واألنظمة القضائية‪ ،‬وتعديلها حسب مقتضيات مرحلة من مراحل التطور‪،‬‬
‫بحيث أصبح قانون العقوبات األردني وأصول المحاكمات الجزائية المعمول بها حالية‬
‫من أكثر القوانين تقدمة في المنطقة العربية‪ ،‬رغم أنها زاوجت بين أحكام الشريعة‬
‫ومبادئ إحقاق العدالة المتعارف عليها في القوانين الوضعية السارية المفعول في‬
‫مجتمعات غير إسالمية‪ ،‬وقد كان للتشريع الفرنسي أثر بالغ في إعادة صياغة القوانين‬
‫األردنية‪.‬‬
‫‪ 835 --‬۔‬
‫أنواع الجرائم ‪ :‬مرتكبوها‪ ،‬وأسبابها‬
‫لم يعرف األردن‪ ،‬في بداياته األولى‪ ،‬من الجرائم سوى قلة ال يعتد بها مثل حاالت القتل‬
‫العمد‪ ،‬على خلفية األخذ بالثار‪ .‬فقد كان المجتمع آنذاك مجتمعا بسيطا‪ ،‬متكافة‪ ،‬تلعب‬
‫فيه قيم االستقامة‪ ،‬واألمانة‪ ،‬والسلوك الحسن‪ ،‬وتجنب الموبقات وكل أنواع الحرام‪،‬‬
‫المستمدة من تعاليم الدين الحنيف دورة بالغ األهمية‪.‬‬
‫غير أن التطورات الالحقة على الصعد كافة‪ ،‬وخاصة على الصعيد االقتصادي وتعدد‬
‫مطالب الحياة وتعقد سبل الحصول على الرزق‪ ،‬وتدفق المهاجرين على المدن من‬
‫فلسطين ومن األرياف وتكدس السكان في األحياء الفقيرة والمساكن العشوائية‪ ،‬وتكاثر‬
‫العمالة األجنبية في البيوت وفي مختلف القطاعات االقتصادية‪ ،‬والعودة القسرية لمئات‬
‫األلوف من األردنيين العاملين في دول النفط العربية عقب الغزو العراقي للكويت عام‬
‫‪ .8880‬أدى لتصاعد الجريمة بمختلف أنواعها بما في ذلك أنواع من الجرائم لم يكن‬
‫للمجتمع األردني عهد بها مثل جرائم النصب واالحتيال واالغتصاب وتزوير الصكوك‬
‫والعمالت واالتجار بالمخدرات وتعاطيها‪ ،‬وسرقة السيارات وما إلى ذلك‪.‬‬
‫فوفقا إلحصائية قدمتها مديرية األمن العام لمنظمة االنتربول الدولية بلغ عدد الجرائم لعام‬
‫‪ 8814‬ما مجموعه (‪ )84285‬جريمة‪ ،‬بينما ازداد عدد هذه الجرائم إلى (‪)34753‬‬
‫جريمة عام ‪ ،8884‬أي ما يزيد على الضعف‪ .‬أما عام ‪ 8881‬فقد بلغ مجموع الجرائم‬
‫المرتكبة في األردن (‪ )55447‬جريمة‪ ،‬وقع ‪ ٪45‬منها في العاصمة عمان‪ .‬وتبين من‬
‫اإلحصائيات الصادرة عن دائرة التحقيقات الجنائية في األردن ما يلي‪:‬‬
‫‪ .8‬إن نسبة اإلجرام لدى اإلناث أقل بكثير مما هي لدى الذكور بالنسبة لجميع أنواع‬
‫التجاوز على القانون‪ .‬ففيما يتعلق بجرائم السرقة بلغ عدد الجناة عام ‪ 8881‬ما مجموعه‬
‫(‪ )80538‬شخصا لم يكن من بينهم سوى (‪ )488‬أنثى‪ ،‬أي ما نسبته ‪ 74‬فقط‪ .‬كما بلغ‬
‫عدد الجناة في جرائم القتل العمد والقتل القصد (‪ )844‬شخصا لم يكن بينهم سوى (‪)5‬‬
‫من اإلناث فقط أي ما نسبته ‪ ،٪ 35.‬وقس على ذلك بالنسبة لألنواع األخرى من الجرائم‪.‬‬

‫‪- 136 -‬‬


‫‪ .2‬ويتبين من اإلحصائيات نفسها لعام ‪ 8881‬أن تدني نسبة الجناة من اإلناث قابله‬
‫ارتفاع ملحوظ في نسبتهم بين المجني عليهم‪ ،‬في جرائم القتل مثال‪ .‬حيث شكلت هذه‬
‫النسبة ‪ %87‬أي (‪ )22‬أنثى من بين (‪ )822‬ضحية من ضحايا جرائم القتل‪.‬‬
‫وبالتدقيق في هذه اإلحصائيات يتبين أيضا أن نسبة مرتفعة من المجني عليهن قد تمت‬
‫تصفيتهن على خلفية صون العرض وانتقامة لشرف العائلة حيث بلغت هذه النسبة ‪%33‬‬
‫عام ‪ ،8814‬و ‪ %34‬عام ‪ 8883‬و ‪ ٪25‬عام ‪ .8888‬ويعتقد أنه من العسير التوصل‬
‫بدقة لعدد اللواتي يتعرضن للقتل على خلفية شرف العائلة‪ ،‬وبخاصة إذا أخذنا بعين‬
‫االعتبار عدد حاالت االنتحار بين اإلناث‪ ،‬التي قد ال يكون بعضها‪ ،‬على األقل حاالت‬
‫انتحار حقيقية‪ ،‬وإنما جرى تصميمها لتبدو انتحارة للتغطية على جريمة قتل‪ ،‬وقد سجلت‬
‫عام ‪ 8887‬وحده (‪ )27‬حالة انتحار بين اإلناث‪ .‬وتجدر اإلشارة في هذا السياق إلى أن‬
‫المرأة في األردن تتعرض ألنواع أخرى من العنف كالعنف المنزلي والتحرش في‬
‫الشارع وفي مكان العمل وأخير وليس آخرا االغتصاب‪.‬‬
‫‪ .3‬ويتضح من اإلحصائيات الرسمية أيضا أن الشباب من سن (‪ )81‬إلى (‪ )27‬هم‬
‫األعلى نسبة بين مرتكبي الجرائم‪ ،‬حيث بلغت هذه النسبة ‪ %48‬في جرائم القتل و ‪54٪‬‬
‫في جرائم الشروع بالقتل‪ ،‬و ‪ ٪53‬في جرائم السرقات وأكثر من ‪ ٪44‬في‬
‫جرائم سرقة السيارات و ‪ ٪42‬في جرائم االحتيال و ‪ ٪55‬في الجرائم األخالقية‪.‬‬
‫‪ .4‬ومن الالفت للنظر وفقا لإلحصائيات الرسمية تفشي الجريمة بين األحداث في‬
‫األردن‪ ،‬وهم الذين تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة‪ ،‬وفقا للمادة الثانية من قانون األحداث‬
‫األردني رقم (‪ )24‬لسنة ‪ ،8841‬والمعدل بالقانون رقم (‪ )7‬لسنة ‪.8813‬‬
‫ومن الملحوظ أن نسبة جرائم األحداث بدأت تتزايد منذ العام ‪ 8880‬وعلى وجه التحديد‬
‫منذ ‪ ،8888‬أي بعد أحداث الخليج‪ ،‬حيث أصبحت جرائم األحداث تشكل حوالي ‪%84‬‬
‫من إجمالي الجرائم المرتكبة في األنحاء المختلفة من المملكة‪ .‬وبالمقارنة مع ما يوازي‬
‫هذه الظاهرة في البلدان العربية األخرى يبرز للعيان أن نسبة الجرائم التي يرتكبها‬
‫األحداث إلى مجموع الجرائم المرتكبة في األردن هي األعلى بكل المقاييس‪ ،‬كما تبينه‬
‫النسب التالية‪:‬‬
‫‪- 137 --‬‬
‫مصر ‪ ، %8.4‬السعودية ‪ ،%5‬ليبيا ‪ ،%3.5‬قطر ‪ ،٪84‬سوريا ‪ ،% 83.8‬العراق‬
‫‪ ، %2 . 1‬مقابل ‪ ٪84‬في األردن كما سبقت اإلشارة أعاله‪.‬‬
‫ويشير تقرير المديرية األمن العام أصدرته عام ‪ 8884‬تحت عنوان "ظواهر مستجدة‬
‫النحراف األحداث" إلى أنه من تتبع مجموعة من وقائع االنحرافات المرتكبة من قبل‬
‫األحداث والمسجلة في سجالت األمن العام يمكن تسليط الضوء على الظواهر التالية في‬
‫سلوك األحداث األردنيين‬
‫‪ .8‬ظاهرة التسكع في الشوارع والميادين والساحات العامة والتحرش بالمارة‬
‫وخصوصا الفتيات‪.‬‬
‫‪ .2‬القيادة الطائشة للسيارات بدون رخص سوق‪ ،‬وإقالق راحة العامة والقيام‬
‫بأعمال منافية لآلداب العامة ‪.‬‬
‫‪ .3‬تناول المشروبات الروحية‪.‬‬
‫‪ .4‬استنشاق مادة التنر‪.‬‬
‫‪ .5‬االعتداء على اآلخرين بالمشارط والسكاكين‪.‬‬
‫إن ما سبق ذكره من إحصائيات وظواهر تدعو إلى التنبه لخطر الجريمة المتزايد المحدق‬
‫بالمجتمع‪ ،‬وبخاصة خطر انحراف األحداث‪ .‬وربما كان تشخيص أسباب تزايد وتيرة‬
‫وقوع الجرائم في األردن شرطة مسبقة لمحاصرة الجريمة ودرء أخطارها‪ .‬وفي هذا‬
‫الصدد يشير الباحثون إلى عدد من األسباب من بينها توسع رقعة الفقر‪ ،‬والتفكك‬
‫األسري‪ ،‬وفقدان األبناء احترامهم آلبائهم بسبب فشل هؤالء اآلباء في أن يكونوا قدوة‬
‫ألبنائهم‪ ،‬مثال‪ ،‬في حالة عدم التزام األب واألم بالقيم األخالقية التي يتمسك بها المجتمع‪،‬‬
‫كأن يكون األب مدمنة على شرب الكحول أو على تعاطي المخدرات‪ ،‬ولعل العامل‬
‫االقتصادي يشكل أصل هذه البالء‪ ،‬فبدون تحقيق التنمية االقتصادية المنشودة والقضاء‬
‫على ثنائية البطالة والفقر‪ ،‬وتحسين المستوى المعيشي للسكان‪ ،‬سيكون من العسير وقف‬
‫هذا المد الزاحف من الجرائم‪.‬‬
‫‪- 138 -‬‬
‫‪-‬‬
‫االتراث الوطني األثري والشعبي‬
‫تؤكد الدراسات التاريخية والحفريات األثرية أن هذه البقعة من األرض األردنية كانت‬
‫عامرة بالسكان حتى في عصور ما قبل التاريخ‪ ،‬حيث تم العثور في أكثر من موقع في‬
‫األردن على آثار أقدم إنسان صانع لألدوات عرفه التاريخ‪ ،‬وعلى شواهد األولى التجارب‬
‫الزراعية في العالم وعلى أقدم أشكال التنظيم االجتماعي الراقي الذي تمثل في استيطان‬
‫المدن‪.‬‬
‫وقد تعاقبت على هذه األرض سلسلة من الحضارات‪ ،‬أهمها الحضارات السامية‪ ،‬بفعل‬
‫الهجرات المتتالية من الجزيرة العربية‪ ،‬وهو األمر الذي يفسر وجود هذا الكم الهائل من‬
‫آثار امم وحضارات مرت من هنا‪ .‬ومن بين هذه اآلثار ما هو نبطي‪ ،‬ومنه ما هو‬
‫روماني‪ ،‬وبيزنطي وإسالمي‪ .‬ولهذا فليس من الغرابة في شيء‪ ،‬أن يوصف األردن بأنه‪،‬‬
‫من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه‪ ،‬عبارة عن متحف في الهواء الطلق‪ ،‬يحتوي على‬
‫أكثر من (‪ )800000‬موقع تاريخي وأثري تمثل مختلف الحقب التاريخية‪ ،‬ولعل من‬
‫أكثر هذه المواقع أهمية وشهرة‪ ،‬مدينة البتراء المسماة بالمدينة الوردية‪ ،‬وجرش التي‬
‫أطلق عليها الرومان اسم (جراسيا)‪ ،‬وقلعة الربض‪ ،‬وقلعة الكرك‪ ،‬والقصور الصحراوية‬
‫وام قيس التي كانت مشهورة باسم (جدارا)‪ ،‬وطبقة فحل وقلعة الشوبك‪ ،‬والمدرج‬
‫الروماني وجبل القلعة في عمان‪ ،‬وجبل نبو (او جبل صياغة) ومکاور والخريطة‬
‫الفسيفسائية في مادبا‪ ،‬وآثار الربة وخربة تنور وعين غزال وام الجمال وغيرها‪.‬‬
‫وستعرض فيما يلي‪ ،‬بإيجاز‪ ،‬ألهم هذه المواقع‪ ،‬مصنفة إلى مواقع أثرية دينية إسالمية و‬
‫مسيحية‪ ،‬ومواقع أثرية تاريخية‪ .8 .‬المواقع األثرية الدينية | ‪ ..‬اإلسالمية‪ :‬باإلضافة‬
‫لقرب األردن جغرافيا ووجدانية من أماكن إسالمية‬
‫ومسيحية مقدسة في فلسطين كالمسجد األقصى والقبة المشرفة‪ ،‬وكنيستي المهد‬
‫والقيامة‪ ،‬وفي المملكة العربية السعودية كالحرم المكي الشريف‪ ،‬وضريح النبي محمد ‪،‬‬
‫فإن األردن يزخر بالعديد من اآلثار اإلسالمية واألضرحة‪ ،‬ولعل‬
‫۔ ‪- 329‬‬
‫اشهرها ما هو موجود في منطقتي األغوار ومؤتة‪ ،‬ومنها في األغوار على سبيل المثال‬
‫أضرحة صحابة الرسول و أبوعبيدة عامر بن الجراح‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬وشرحبيل بن‬
‫حسنة‪ ،‬وعامر بن أبي وقاص‪ ،‬وضرار بن األزور‪ .‬أما في جوار مؤتة‪ ،‬فثمة أضرحة‬
‫للصحابة رضوان هللا عليهم‪ ،‬جعفر بن أبي طالب‪ ،‬وعبد هللا بن أبي رواحة‪ ،‬وزيد بن‬
‫حارثة‪ ،‬وفروة بن عمرة الجذامين‬
‫هذا عدا عن القصور والقالع الصحراوية المنتشرة في ربوع البادية األردنية إلى الشرق‬
‫من عمان‪ ،‬ومن أهمها قلعة األزرق‪ ،‬التي تعود إلى العصر األيوبي‪ ،‬وقصير عمرة الذي‬
‫شيده الوليد بن عبد الملك‪ .‬وقصر الخزانة الذي ال يبعد عن قصير عمرة سوى عشرة‬
‫كيلومترات‪ .‬وقصر المشتی‪ ،‬الواقع إلى الشمال من مطار الملكة علياء الدولي‪ ،‬في قصر‬
‫الحالبات الواقع شمال شرق الزرقاء وكان قد شيد أصال كحصن دفاعي في العصر‬
‫الروماني‪ ،‬لكن أعيد بناؤه كلية وتحول إلى قصر فاخر في العصر األموي‪ ،‬وقلعة الربض‬
‫على مقربة من عجلون التي شيدها عز الدين أسامة أحد قادة صالح الدين األيوبي في‬
‫مواجهة الحمالت الصليبية‪ .‬ب‪ .‬المسيحية‪ :‬أما بالنسبة للمواقع التاريخية المسيحية ذات‬
‫القداسة‪ ،‬فإن األردن يحفل‬
‫بالعديد منها‪ ،‬فهناك مثال‪ :‬خربة الوهادنة التي يعتقد بأنها مسقط رأس النبي إلياس‪ ،‬ولهذا‬
‫يؤمها الحجاج من مختلف الطوائف المسيحية في ‪ 28‬تموز من کل عام‪ .‬وهناك كنيسة‬
‫الجبل في عنجرة‪ ،‬التي تعود أهميتها لالعتقاد بأن السيد المسيح ووالدته مريم العذراء‬
‫عليهما السالم قد أمضيا فترة من الزمن في أحد كهوف عنجرة‪ ،‬ومن هناك نادي السيد‬
‫المسيح بمنع الطالق "ما جمعه هللا ال يفرقه إنسان"‪ .‬وفي الكرك کنيسة مهمة تعتبر متحفا‬
‫أثرية ودينية وهي كنيسة القديس جورجيوس وهي من أقدم الكنائس في األردن‪ .‬وقد‬
‫شيدت على مساحة أربعة دونمات على نمط معماري بيزنطي‪ ،‬يوجد داخلها خمسة آبار‬
‫بيزنطية يعتقد أن بعضها كان يستخدم لتخزين الحبوب والبعض اآلخر لمياه الشرب‪،‬‬
‫وتحتوي الكنيسة بين جدرانها على العديد من المقتنيات األثرية‪ ،‬منها نسخة قديمة من‬
‫اإلنجيل‪ ،‬وصورة للعهدة العمرية وثريات قديمة وصليب مرصع بالحجارة الكريمة من‬
‫صناعة الهند‬
‫‪. - 140 -‬‬
‫أما في مادبا وجوارها فيوجد أكثر من معلم تاريخي واحد حيث ينتصب جبل نبو الذي‬
‫يعتقد أن النبي موسى عليه السالم قد رأى األراضي المقدسة من على هذا الجبل الذي‬
‫مات ودفن فيه‪ ،‬وهو من المواقع التي يزورها الحجاج المسيحيون‪ ،‬وكان البابا يوحنا‬
‫بولص الثاني قد جعلها أولى محطات زيارته الوداعية لألرضي المقدسة‪ ،‬عام ‪.2000‬‬
‫وكان من المحطات األخرى التي زارها قداسة البابا يوحنا في تلك الرحلة الموقع‬
‫المعروف باسم المغطس في وادي الخرار القريب من الكفرين في وادي األردن‪ ،‬ويعتقد‬
‫أنه المكان الذي عمد فيه يوحنا المعمدان السيد المسيح وقد ورد ذكره في الكتاب المقدس‬
‫باسم عيرا أوب بيت عينا‪ .‬وألهمية الموقع واآلثار المكتشفة فيه وضعت اليونسكو‬
‫المغطس على قائمة التراث العالمي‪ ،‬وهو اليوم يشكل أحد أهم المواقع المقدسة في‬
‫األردن التي يحج إليها المسيحيون من مختلف مناطق العالم‪ .‬ومن أشهر المعالم األثرية‬
‫المسيحية في مادبا أيضا خريطة مادبا التي صنعت من الفسيفساء الزاهية األلوان لتغطي‬
‫أرضية كنيسة القديس جورجيوس للروم األرثوذكس التي يعود تاريخ بنائها ككنيسة‬
‫بيزنطية في األصل عام ‪ 540‬بعد الميالد‪ .‬والخريطة كلوحة فنية تظهر قطاعا رئيسية‬
‫من األراضي المقدسة يمتد من صور وصيدا في الشمال إلى مصر في الجنوب‪ ،‬ومن‬
‫البحر المتوسط في الغرب إلى الكثبان الصحراوية في الشرق‪ ،‬كما يظهر على الخريطة‬
‫نهرا النيل واألردن والبحر الميت وبعض المدن الرئيسية كالقدس ونابلس وغزة ‪.‬‬
‫وأريحا والكرك‪.‬‬
‫‪ .3‬المواقع األثرية التاريخية‪:‬‬
‫يمكن القول دونما مبالغة أن المواقع األثرية ذات األهمية التاريخية في األردن ال تعد وال‬
‫تحصى لكثرتها‪ ،‬ولكننا في هذا السياق سنكتفي بالحديث‪ ،‬ولو بشكل مختصر‪ ،‬عن ثالثة‬
‫من هذه المواقع هي على التوالي !‪ .‬البتراء‪ :‬وهي من أشهر المعالم األثرية في األردن‬
‫وأكثرها صيتة وتعرف باسم‬
‫المدينة الوردية ألن ألوانها زاهية يندر أن يوجد مثلها في العالم‪ .‬وتقع البتراء على مسافة‬
‫(‪ )240‬کيلومترة إلى الجنوب من عمان‪ ،‬وقد أسسها األنباط العرب‬
‫۔ ‪- 313‬‬
‫القادمون من الجزيرة العربية قبل أكثر من ألفي سنة‪ ،‬وجعلوها عاصمة لهم‪ ،‬وقاعدة‬
‫تجارية للقوافل القادمة من الجزيرة العربية المحملة بالبخور والبهارات‪ ،‬ومركزا لتوزيع‬
‫البضائع إلى فلسطين ومصر وسوريا‪ .‬وبفضل هيمنتهم التجارية تمكن األنباط من توسيع‬
‫مملكتهم‪ ،‬انطالقا من البتراء‪ ،‬لتشمل دمشق وجزءا من سيناء‪ .‬ولعل من أهم اآلثار في‬
‫البتراء ‪ :‬الخزنة وهي عبارة عن طابقين يعلوهما الجرة‪ ،‬وقد سميت بالخزنة لما كان‬
‫يعتقد بأن الجرة مملوءة بالذهب والمعادن النفيسة واألحجار الكريمة‪ .‬ويعتبر بعض‬
‫خبراء اآلثار بأن الخزنة ليست سوى معبد‪ ،‬بينما يعتبرها آخرون ضريحا لعلية القوم من‬
‫سكان البتراء في ذلك الحين‪ .‬ويبلغ عرض واجهة مبنى الخزنة ‪ 30‬مترا وارتفاعها ‪43‬‬
‫مترا‪ .‬ومن اآلثار األخرى في البتراء الديرة‪ ،‬وقصر البنت‪ ،‬ومعاقل الجن وضريح‬
‫المسلة وثالثية باب السيق‪ ،‬والمدرج وشارع األعمدة‪ .‬وال زال المنقبون عن اآلثار من‬
‫أردنيين وأجانب يكتشفون‪ ،‬عاما بعد عام‪ ،‬المزيد من اآلثار في البتراء‪ .‬وقد تم اختيار‬
‫البتراء كواحدة من عجائب‬
‫الدنيا السبع الجديدة في عام ‪ .2007‬ب‪ .‬جرش‪ :‬وهي موقع ثري مهم‪ ،‬يقع على بعد ‪40‬‬
‫كيلومترا إلى الشمال من عمان‪،‬‬
‫ازدهرت في عهد االسكندر الكبير‪ ،‬احتلها الرومان عام (‪ )43‬قبل الميالد‪ ،‬واصبحت‬
‫عضوا في اتحاد المدن الرومانية المعرف باسم الديكابوليس ‪ Decapolis‬الذي كان‬
‫يضم عشر مدن منها مدينة فيالدلفيا (عمان الحالية) ودمشق وبيال وأربيال وجدارا (أم‬
‫قيس الحالية) وقد ظلت جرش تحت سيطرة الرومان أكثر من ستمائة سنة‪ ،‬إلى أن‬
‫تعرضت للغزو الفارسي عام (‪ )484‬ميالدية‪ ،‬ثم تبع ذلك الفتح اإلسالمي عام (‪)434‬‬
‫ميالدية‪ ،‬الذي أعاد اسمها العربي "جرش"‪ .‬ومن أهم اآلثار الموجودة في جرش‪ :‬معبد‬
‫آرتيمس ومعبد زيوس‪ ،‬وقوس هادريان‪ ،‬وشارع األعمدة‪ ،‬والمدرجان الجنوبي والشمالي‪،‬‬
‫والبوابات الرباعية‪ ،‬والكنائس‪ ،‬الكاتدرائية‪ ،‬وسبيل الحوريات‪ ،‬والحمامات الغربية‪،‬‬
‫وميدان سباق الخيل وأسوار المدينة وبوابتيها الجنوبية والشمالية‪.‬‬
‫‪- 142 -‬‬
‫ج‪ .‬أم قيس‪ :‬وتقع على بعد ‪ 30‬کيلومتر تقريبا إلى الشمال الغربي من اربد‪ ،‬وقد‬
‫بنيت على قمة جبل يصل ارتفاعها إلى ‪ 310‬مترا فوق سطح البحر‪ ،‬وهي في موقعها‬
‫االستراتيجي تطل على بحيرة طبريا وهضبة الجوالن السورية وجبل الشيخ ووادي‬
‫األردن ونهر اليرموك وجبال عجلون‪ .‬وكانت أم قيس قديمة تعرف باسم (جدارا)‪ ،‬وكان‬
‫اإلغريق أول من بنى القالع في هذه المنطقة‪ ،‬ثم تبعهم بعد ذلك الرومان والبيزنطيون‬
‫والعثمانيون حيث ترك كل منهم بصماته على هذا الموقع‪ .‬ويضم متحف أم قيس تماثيل‬
‫ولوحات فسيفسائية وقطع نقدية وتحف فنية و مصنوعات يدوية من مختلف العصور‪ .‬كما‬
‫يوجد في أم قيس عدد من األضرحة والمسارح وحمامات عمونية‪.‬‬
‫المجتمع المدني ودوره في التربية الوطنية تعريف المجتمع المدني‪:‬‬
‫ظهر مفهوم المجتمع المدني بالمعنى المحدد المتداول حاليا في الثمانينات من القرن‬
‫الماضي‪ ،‬وهو يعني "المشاركة الجماعية االختيارية المنظمة في المجال العام بين‬
‫الدولة واألفراد"‪ .‬ويتكون المجتمع المدني من عناصر او تنظيمات غير حكومية‬
‫كاألحزاب السياسية والنقابات المهنية وهيئات التنمية االجتماعية والجمعيات الخيرية‬
‫والمنتديات الثقافية والنوادي الرياضية وغيرها من جماعات الضغط‪.‬‬
‫يمكن اعتبار المرحلة الجنينية لنشوء المجتمع المدني األردني في الدولة األردنية هي‬
‫المرحلة الممتدة من ‪ ،8844-8828‬وتجسد ذلك في سماح المجلس التشريعي األردني‬
‫بإنشاء التنظيمات المدنية والحزبية والسماح بحرية النشر والتعبير واالجتماع‪ .‬وقد‬
‫ظهرت خالل هذه الفترة بعض المنظمات المدنية األردنية مثل الغرف التجارية‬
‫والجمعيات الخيرية والنوادي الرياضية وبعض الجمعيات ذات الطابع الديني أو اإلثني‪،‬‬
‫ناهيك عن األحزاب السياسية‪.‬‬
‫غير أن التطور األكبر برز في إقرار الدستور عام ‪ 8852‬والذي سمح بوضع تشريعات‬
‫تنظم حقوق العمال وتنظيماتهم النقابية‪ ،‬وتاله صدور قانون النقابات عام‬
‫‪- 143 -‬‬
‫‪ 8852‬الذي أفسح المجال أمام العمال للتنظيم النقابي‪ .‬وتشكلت عشر نقابات تمثل العديد‬
‫من المهن والصناعات‪ ،‬ثم تشكل االتحاد العام لنقابات العمال في األردن في عام ‪.8854‬‬
‫وقد ارتفع عدد الجمعيات الخيرية في األردن من (‪ )45‬جمعية عام ‪ 8853‬إلى (‪)884‬‬
‫جمعية عام ‪ ،8851‬وتزايد عدد األندية ليصل عام ‪ 8858‬إلى (‪ )884‬نادية‪ ،‬كما تزايد‬
‫عدد النقابات المهنية وظهرت نقابات المحامين وأطباء األسنان واألطباء والمهندسين‬
‫خالل الفترة بين ‪ 8850‬و‪.8851‬‬
‫وقد أقرت خالل هذه الفترة تشريعات حديثة خاصة بقوانين عمل المؤسسات المدنية‪،‬‬
‫نوظهرت جمعيات وأندية مسيحية مثل جمعية الثقافة والتعليم األرثوذكسية والجمعية‬
‫الخيرية الشيشانية عام ‪.8851‬‬
‫كما ظهرت خالل الفترة نفسها منظمات نسائية مثل اتحاد المرأة العربية وجمعية الشابات‬
‫المسيحيات‪ ،‬وتوالى ظهور منظمات أصحاب العمل خالل الفترة من ‪ 88528851‬مثل‬
‫غرفة تجارة اربد وغرفة تجارة الزرقاء‪.‬‬
‫واستمر تزايد عدد الغرف التجارية حتى بلغ عددها عام ‪ 8842‬سبع غرف‪ ،‬وتوالى‬
‫ظهور المنظمات والجمعيات والروابط الفنية والمسرحية واألدبية والتطوعية والبيئية‪،‬‬
‫وقد أنشئت أول جمعية بيئية في األردن عام ‪ ،8844‬وبدأ تشكل الحركة الطالبية األردنية‬
‫في الفترة ذاتها‪.‬‬
‫وفي مرحلة عودة الحياة الديمقراطية بعد عام ‪ 8818‬ارتفع عدد النقابات والجمعيات‬
‫المهنية وعدد الجمعيات الخيرية والهيئات الثقافية‪ ،‬وظهرت عشر منظمات تعنى بحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬وزاد عدد النقابات العمالية وظهرت مراكز دراسات وجمعية حماية المستهلك‪.‬‬
‫وبالنظرة اإلجمالية‪ ،‬يمكن القول بأن المجتمع المدني في األردن يقوم على اثنتي عشرة‬
‫فئة من التنظيمات االجتماعية تضم في إطارها مئات اآلالف من األعضاء المنتشرين في‬
‫المدن والقرى األردنية‪ .‬وتضم هذه المنظمات األنماط التالية‪ :‬ا‪ -‬األحزاب السياسية‪-2 .‬‬
‫الجمعيات االجتماعية والخيرية‪.‬‬
‫‪- 144 -‬‬
‫‪ -1‬الروابط والهيئات الثقافية‪.‬‬ ‫‪ -2‬النقابات المهنية‪.‬‬
‫‪ -4‬األندية الرياضية والشبابية‪.‬‬ ‫‪ -5‬منظمات البيئة‪.‬‬
‫‪ -7‬منظمات حقوق اإلنسان والتنمية الديمقراطية‪ -1 .‬المنظمات النسائية‪.‬‬
‫‪ -38‬منظمات أصحاب العمل‪.‬‬ ‫‪ -8‬النقابات العمالية‪.‬‬
‫‪ -33‬الغرف التجارية‪.‬‬ ‫‪ -33‬جمعيات الحماية والرعاية الصحية‪.‬‬
‫اإلطار القانوني والتشريعي لعمل منظمات المجتمع األردني‪:‬‬
‫يمكن تحديد القوانين والتشريعات التي تعمل في ضوئها منظمات المجتمع المدني في‬
‫األتي (مع األخذ في االعتبار النصوص الدستورية التي تسمح بإنشاء الجمعيات‬
‫واألحزاب السياسية التي ورد ذكرها سابقا)‪:‬‬
‫قانون الجمعيات والهيئات االجتماعية لعام ‪ 3911‬وتعديالته‪ ،‬وينظم هذا القانون شروط‬
‫عمل وإنشاء المنظمات غير الحكومية التي تقع ضمن صالحيات وزارة التنمية‬
‫االجتماعية أو وزارة الداخلية‪ .‬ويعرف القانون هيئات المجتمع المدني أو الهيئات‬
‫االجتماعية بأنها كل هيئة مكونة من سبعة أفراد أو أكثر وتعمل في نطاق تقديم‬
‫الخدمات االجتماعية العلمية أو الثقافية أو التدريبية أو الخيرية أو الفنية‪ ،‬على أن ال‬
‫تكون ربحية أو ذات أهداف سياسية‪.‬‬
‫العالقة بين الحكومة والنقابات‪:‬‬
‫لكل من النقابات المهنية قانونها رغم تبعيتها في جوانب عدة الختصاصات بعض‬
‫الوزارات‪ ،‬وهو ما يتضح في سلطة الحكومة على هذه النقابات في بعض الجوانب مثل‪:‬‬
‫ترؤس الوزراء أصحاب الصلة للمجالس التأديبية للنقابات ومنح رخص المزاولة‬
‫المهنة ومراقبة انتخابات النقابة‪ .‬لكن الدور األكبر للحكومة هو في حقها في حل النقابة‬
‫بدواعي األمن والسالمة العامة‪ ،‬ويقوم بذلك وزير العدل من خالل التقدم بدعوى‬
‫المحكمة البداية‪.‬‬
‫ويمكن القول بأن العالقة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني كانت حتى عودة‬
‫‪- 145 --‬‬
‫المسار الديمقراطي عام ‪ 8818‬ذات طبيعة سكونية بشكل عام باستثناء الفترة من ‪8854‬‬
‫إلى عام ‪ 8857‬عندما اصطدمت الحكومة بالنقابات إثر اتهام النقابات للحكومة بتزوير‬
‫االنتخابات‪ ،‬وخالل مظاهرات مناهضة حلف بغداد عام ‪ ،8855‬وبعد إقالة حكومة‬
‫سليمان النابلسي ذات التوجه اليساري‪ ،‬لكن عددا من التطورات بدا في تأزيم العالقة بين‬
‫الطرفين من جديد‪:‬‬
‫‪ -8‬التطورات السياسية‪ :‬وتتمثل بشكل رئيسي في تداعيات القضية الفلسطينية ال‬
‫سيما توقيع المعاهدة األردنية اإلسرائيلية‪ ،‬ثم تطورات االنتفاضات الفلسطينية في أعوام‬
‫‪ 8817‬وعام ‪ ،2000‬ودعوات مناهضة التطبيع مع إسرائيل‪.‬‬
‫إلى جانب ذلك كان لتنامي التيارات الدينية بشكل عام وانعكاس ذلك على قيادات النقابات‬
‫بشكل خاص دوره في التأزم الدوري بين الطرفين‪ .‬وقد أخذ التوتر بين الطرفين شكل‬
‫اإلصرار من قبل النقابات بشكل خاص على حقها في إبداء رأيها بالشأن النياسي‪ ،‬وهو ما‬
‫ترى الحكومة أنه مخالف للقانون ألن ذلك من شأن األحزاب‪.‬‬
‫‪ -2‬التطورات االقتصادية واالجتماعية‪ :‬مثل محاوالت غرف الصناعة والتجارة‬
‫مواجهة قانون ضريبة المبيعات عام ‪ ،8885‬ومحاولة التصدي من قبل هيئات ثقافية مثل‬
‫رابطة الكتاب واتحاد الناشرين ونقابة الصحفيين والنقابات المهنية لقانون‬
‫المطبوعات عام ‪ .8888‬تقييم دور منظمات المجتمع المدني‪:‬‬
‫يمكن القول بأن دور منظمات المجتمع المدني في األردن ينطوي على نقطة خالفية تتمثل‬
‫في مدى الحق لها في أن تمارس دورة سياسية‪ ،‬فليس هناك التباس بين السلطة وهذه‬
‫المنظمات ال سيما النقابات المهنية في مجال الدور االجتماعي واالقتصادي والمهني لها‪.‬‬
‫ويمكن القول بأن الشأن السياسي الفلسطيني والموقف من إسرائيل وما يترتب عليه من‬
‫تداعيات شكل محور التقاطع بين السلطة والنقابات المهنية‪.‬‬
‫ورغم أن انتعاش الحياة الديمقراطية منذ ‪ 3909‬أفسح المجال أمام النشاط الحزبي‬
‫‪- 146 -‬‬
‫فإن زخم العمل السياسي في النقابات بقي على حاله‪ ،‬وقد يكون ذلك ناتجا عن قوة نفوذ‬
‫األحزاب داخل النقابات ذاتها‪.‬‬
‫وقد تمثل موقف الحكومة من النشاطات غير المهنية للنقابات في قرار ديوان تفسير‬
‫القوانين في تشرين الثاني عام ‪ 3882‬بعدم قانونية مجلس النقباء ولجنة مقاومة‬
‫التطبيع‪.‬‬
‫يالحظ من ناحية ثانية‪ ،‬أن نسبة النساء في النقابات المهنية عالية قياسا لنسبتها في‬
‫األحزاب أو لنسبتها في مجلس األمة‪ ،‬وهو ما يجعلها مؤثرة أكثر في التنمية االجتماعية‬
‫والتطور العام‪ .‬فعلى سبيل المثال نجد أن النسبة المئوية لهن في النقابات المهنية األربع‬
‫عشرة نقابة هي ‪ ،%22‬تتدنى في بعض النقابات إلى ‪( ٪2‬جمعية مدققي الحسابات)‬
‫وترتفع في نقابات أخرى إلى ‪( %45‬نقابة الممرضين)‪.‬‬
‫التطور الديمقراطي في األردن‬
‫يستدعي تناول التطور الديمقراطي في أية دولة تحديد عدد من المؤشرات التي تعتبر دالة‬
‫على التطور الديمقراطي فيها‪ .‬وتتمثل مؤشرات التطور الديمقراطي لدى الغالبية العظمى‬
‫من المتخصصين في هذا الجانب فيا يلي‪:‬‬
‫‪ -8‬إمكانية التداول على السلطة من خالل االنتخابات‪.‬‬
‫‪ -2‬حق تشكيل األحزاب والسماح لها بممارسة نشاطاتها‪.‬‬
‫‪ -3‬ضمان الحريات العامة واحترام حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم تدخل المؤسسة العسكرية واألمنية للتأثير على التطور السياسي‪.‬‬
‫‪ -5‬السماح بتشكيل ونشاط منظمات المجتمع المدني‪.‬‬
‫وتقوم مجموعة من العوامل بدورها في مساعدة المجتمع على التطور في االتجاه‬
‫الديمقراطي‪ ،‬وأهم هذه العوامل ‪.‬‬
‫أ‪ .‬مدى المرونة الدستورية والقدرة على التكيف مع التغيرات المختلفة ‪.‬‬
‫ب‪ .‬المستوى االقتصادي واالجتماعي للمجتمع‪.‬‬
‫ج‪ .‬الخبرة السياسية للمجتمع و نخبه المختلفة‪.‬‬
‫‪- 147 --‬‬
‫د‪ .‬مستوى األمن الداخلي والخارجي‪ .‬ه‪ .‬توفر قيادة تؤمن فعال بضرورة التطور‬
‫الديمقراطي‪.‬‬
‫على أن دراسة التطور الديمقراطي يجب أن تميز بين مستويين من مستويات التطور‪،‬‬
‫هما المستوى النظري والذي يتمثل في توفر نصوص دستورية أو قانونية أو تشريعات‬
‫تدفع باتجاه التطور الديمقراطي‪ .‬أما المستوى الثاني فيتمثل في الممارسة الفعلية‬
‫والسماح بتدفق المتغيرات الديمقراطية في أوصال المجتمع السياسية واالجتماعية‬
‫واالقتصادية‪.‬‬
‫وهذا يعني نتيجتين هامتين‪ -3 :‬أن توفر النصوص التي تسمح بالديمقراطية من ناحية‬
‫وتعطيلها في الممارسة‬
‫العملية من ناحية ثانية ال يوفر بيئة للتطور الديمقراطي‪ -2 .‬أن ممارسة الفعل‬
‫الديمقراطي دون ضوابط قانونية مدونة أو عرفية تجعل عملية‬
‫التطور قابلة للتراجع واالضطراب في أي وقت من األوقات‪.‬‬
‫‪ :‬استنادا لما سبق يمكن تحليل التطور الديمقراطي في األردن طبقا للمراحل التاريخية‬
‫المختلفة‪ ،‬ثم تحديد االتجاهات العامة لهذا التطور‪ .‬أوال‪ :‬التداول على السلطة من خالل‬
‫االنتخابات‪:‬‬
‫منذ تأسيس إمارة شرق األردن وصدور القانون األساسي ثم دستور ‪ ،8852‬استقر في‬
‫التاريخ السياسي لبنية السلطة عدد من المبادي‪:‬‬
‫‪ .‬أن "عرش المملكة األردنية الهاشمية وراثي‪ ...‬وتكون وراثة العرش في الذكور"‪ .‬ب‪.‬‬
‫أن الملك هو راس الدولة وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية‪.‬‬
‫وهذا يعني أن الدستور حدد إطار الحراك في هرم السلطة في الدولة من الناحية‬
‫النظرية‪ ،‬وقد اتسقت الممارسة العملية في انتقال السلطة مع هذا اإلطار منذ حکم الملك‬
‫عبد هللا إلى الملك طالل فالملك حسين ثم الملك عبد هللا الثاني‪.‬‬
‫أما الحراك في الحكومات المتعاقبة‪ ،‬والذي اتسم بقدر من عدم االستقرار نتيجة قصر‬
‫عمر الحكومات‪ ،‬فلم يكن فيه االستجابة الكافية لتطور القوى السياسية في‬
‫‪- 148 -‬‬
‫المجتمع‪ ،‬إذ لم تمثل هذه القوى السياسية في بنية السلطة التنفيذية طبقا لوزنها‬
‫السياسي‪ ،‬ما أوجد انفصام بين طبيعة بنية السلطة التنفيذية وبين بنية القوى السياسية‬
‫في المجتمع‪ ،‬وعندما جرت محاولة تجاوز هذا االنفصام كما جرى في عام ‪،3951‬‬
‫انتهت المحاولة بفعل تقليد استقر في الحياة السياسية األردنية وهو قصر عمر‬
‫الحكومات‪.‬‬
‫وقد تكون السلطة التشريعية أفضل حاال من السلطة التنفيذية في هذا المجال‪ ،‬فقد أقر‬
‫الدستور في مادته رقم (‪ )47‬تأليف مجلس النواب من "أعضاء منتخبين انتخابا عامة‬
‫وسرية ومباشرة"‪ ،‬غير أن المشكلة في هذا الجانب مرتبطة بقانون تنظيم االنتخابات الذي‬
‫يدور خالف حوله‪ ،‬ففي النظام االنتخابي لعام ‪ 8847‬ولعام ‪ 8840‬كان النظام يقوم على‬
‫األخذ باالنتخاب على أساس القائمة المفتوحة‪ ،‬وفي النظام االنتخابي لعام ‪ 8814‬تحولت‬
‫االنتخابات على أساس الصوت الواحد‪.‬‬
‫وتشير التقاليد االنتخابية في أغلب مناطق العالم إلى أن القوى الحزبية في الغالب تميل‬
‫إلى النمط األول من النظم االنتخابية باعتبار أنه أكثر قدرة على إتاحة الفرصة التمثيل‬
‫اعدل للقوى السياسية في بنية السلطة التشريعية‪ .‬وهناك رأي مقابل في األدبيات السياسية‬
‫األردنية يرى ضرورة مراعاة النظام االنتخابي األردني طبيعة التركيبة االجتماعية‬
‫األردنية‪ ،‬وهو أمر يستدعي الحوار حول مسألة أساسية هي ‪:‬هل يجب أن يساهم النظام‬
‫االنتخابي في تطوير البنية االجتماعية أم على النظام االنتخابي أن يتكيف مع البنية‬
‫االجتماعية؟‪.‬‬
‫ويالحظ أن التعديالت التي أدخلت على دستور ‪ 3953‬هي ذات صلة في معظمها‬
‫بموض وع االنتخابات‪ ،‬مما يدل على أهمية الموضوع‪ ،‬فقد تم تعديل الدستور في أعوام‬
‫‪ 3971‬و‪ 3971‬و‪ 3901‬و‪ .3900‬وقد نص التعديل في ‪ 3971‬على حق الملك في‬
‫تأجيل االنتخابات لعام واحد‪ ،‬ثم جاء تعديل ‪ 3971‬ليجعل هذا الحق غير محدد المدة‪،‬‬
‫اما تعديل ‪ 3901‬فتناول حق الحكومة في أن تعقد االنتخابات النيابية في أي جزء من‬
‫الدولة تراه ممكنة‪ ،‬بينما عالج تعديل ‪ 3900‬الحق في انتخاب نواب للمقاعد الشاغرة‬
‫التي كانت النواب الضفة الغربية‪.‬‬
‫‪- 319 -.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حق تشكيل األحزاب والسماح لها بممارسة نشاطاتها‪.‬‬
‫يالحظ في هذا الجانب أن البعد النظري (النصوص الدستورية والقوانين) تكفل بشكل ال‬
‫لبس فيه هذا الحق‪ ،‬وهو أمر يمثل تطورا هاما في إطار ضمان أحد أهم آليات‬
‫(ميکانيزمات الديمقراطية‪.‬‬
‫والمالحظ أن الدستور األردني كفل حق تكوين األحزاب منذ أكثر من نصف قرن‪ ،‬وهو‬
‫انعكاس لرؤية متقدمة للسلطة السياسية‪ .‬وعند االنتقال للممارسة العملية‪ ،‬نجد أن تعطيل‬
‫الممارسة الحزبية امتد من ‪ ،8882-8857‬أي لمدة تتجاوز أكثر من نصف الفترة‬
‫الزمنية من االستقالل حتى اللحظة الراهنة‪ ،‬ناهيك عن أن بعض األحزاب كانت ممنوعة‬
‫منذ ‪ 8853‬مثل األحزاب الشيوعية التي منعت بقانون مناهضة الشيوعية‪ .‬وبعد صدور‬
‫قانون األحزاب األردني عام ‪ ،8882‬عرفت الحياة السياسية األردنية حراكة واضحة‪،‬‬
‫وأصبح المجال متاحة أمام األحزاب ألن تكون جزءا من بنية السلطة التشريعية‪ .‬من غير‬
‫أن هذا التطور لم ينتج حتى اآلن حركة حزبية فاعلة نتيجة ضعف األحزاب من ناحية‬
‫ونتيجة تنامي دور المجتمع المدني من ناحية ثانية‪ ،‬ولعل ظاهرة العزوف عن االنتماء‬
‫الحزبي لصالح االنتماء المنظمات المجتمع المدني غير الحزبية هو ظاهرة عالمية ليست‬
‫أردنية فقط‪ ،‬وهو أمر له عالقة بطبيعة تطور المجتمعات‪ ،‬حيث أن اتساع ظاهرة‬
‫الخصخصة دفع لنشوء تنظيمات ترعى مصالح األفراد بدال من المؤسسات الحكومية مما‬
‫عزز دور هذه المؤسسات غير الحكومية‪ ،‬ناهيك عن تأثيرات العولمة‪ .‬ثالثا‪ :‬ضمان‬
‫الحريات العامة وحقوق اإلنسان‪:‬‬
‫مقارنة دستور ‪ 8821‬ودستور ‪ 8844‬في مجال النصوص الخاصة بالحريات وحقوق‬
‫االنسان‪ ،‬نجد أنهما تناوال الحريات وحقوق االنسان التقليدية مثل المساواة وممارسة‬
‫الشعائر الدينية وحرية الرأي‪ .‬غير أن الدستورين لم يشيرا إلى الحقوق االقتصادية أو‬
‫االجتماعية أو الثقافية‪ .‬وتمثل نصوص دستور عام ‪ 8852‬خطوة متقدمة إلى حد كبير في‬
‫مجال ضمان الحريات العامة‪ ،‬إذ ضمن الدستور في مواده من (‪ )23-5‬قدرة واسعة من‬
‫الحريات التي استقر العرف الدولي على أنها تمثل جوهر الحريات‬
‫‪-- 150 -‬‬
‫العامة مثل حرية القيام بالشعائر الدينية وحرية الرأي والصحافة واالجتماع وتشكيل‬
‫األحزاب وحق العمل وحرمة المسكن‪ ،‬وتولي المناصب العامة والتعليم‪ .‬ويثير البعض‬
‫عدم نص الدستور على عدم التمييز بين األفراد على أساس الجنس كما فعل مع النص‬
‫على عدم التمييز على أساس العرق أو الدين أو اللغة في مادته رقم (‪.)1‬‬
‫وعلى المستوى الدولي‪ ،‬انضم األردن إلى أهم المعاهدات الدولية الصادرة عن األمم‬
‫المتحدة والخاصة بحقوق اإلنسان وهي ‪ -8‬العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية‬
‫واالجتماعية والثقافية‪ -2 .‬العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‪ -3 .‬االتفاقية‬
‫الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري‪ -4 .‬االتفاقية الدولية لمناهضة الفصل‬
‫العنصري في األلعاب الرياضية‪ -5 .‬اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها‪.‬‬
‫‪ -4‬المعاهدة الدولية لحقوق الطفل‪ -7 .‬اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب‬
‫المعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية‪ -1 .‬االتفاقية المعدلة لسنة ‪ 8824‬والخاصة‬
‫بالرق‪ .‬و االتفاقية التكميلية إلبطال الرق وتجارة الرقيق واألعراف والممارسات المهينة‬
‫بالرق‪ -80 .‬اتفاقية حظر االتجار باألشخاص واستغالل دعارة الغير‪.‬‬
‫أما في الممارسة العملية‪ ،‬فنجد تذبذبة بين فترة وأخرى في مدى االلتزام بهذه النصوص‬
‫الدستورية أو العهود الدولية‪ .‬ويالحظ أن المؤسسات الدولية غير الحكومية ومؤسسات‬
‫أردنية صنفت األردن من حيث درجة احترام الحريات وضمان حقوق اإلنسان ضمن‬
‫مجموعة الدول ذات الحرية النسبية‪ | .‬رابعا‪ :‬عدم تدخل المؤسسة العسكرية واألمنية في‬
‫النشاط السياسي‪:‬‬
‫عند النظر في تطور الديمقراطيات في معظم دول العالم‪ ،‬تبرز أمامنا ظاهرة تكريس‬
‫دور المؤسسات العسكرية واألمنية في البعد األمني وحماية الوطن مما يتهدده من‬
‫مخاطر‬
‫‪- 151 --‬‬
‫داخلية أو خارجية‪ .‬وعلى الرغم من أن التجارب في بعض الدول االشتراكية أو بعض‬
‫الدول النامية وبخاصة دول الحزب الواحد أعطت المؤسسة العسكرية دورة في مجال‬
‫التنمية االقتصادية أو حتى التداخل مع المؤسسات السياسية‪ ،‬إال أن ذلك انحسر تدريجيا‬
‫نحو حصر دور هذه المؤسسة في الدور التقليدي سابق الذكر‪.‬‬
‫وعند االنتقال إلى التجربة األردنية‪ ،‬نجد أن النصوص الدستورية حددت موقع هذه‬
‫المؤسسة ودورها في المجتمع‪ .‬وقد حصرت المادة (‪ )827‬من دستور ‪ 8852‬مهمة‬
‫الجيش في الدفاع عن الوطن وسالمته‪ :‬ويبين بقانون طريق التجنيد ونظام الجيش وما‬
‫الرجاله من الحقوق والواجبات‪ ،‬ويبين بقانون نظام هيئات الشرطة والدرك وما لهما من‬
‫اختصاص"‪.‬‬
‫من ناحية ثانية‪ ،‬فإن النظم االنتخابية األردنية لعامي ‪ 8821‬و‪ 8847‬لم تورد أي نص‬
‫بخصوص السماح أو المنع لمنتسبي الجيش أو األمن العام أو المخابرات بالمشاركة في‬
‫االنتخابات‪ ،‬غير أن نظامي ‪ 8840‬و‪ ،8814‬نصا بشكل واضح على المنع‪.‬‬
‫وحظر قانون األحزاب السياسية لعام ‪ 8882‬على أفراد القوات المسلحة أو األجهزة‬
‫األمنية أو الدفاع المدني االنتساب إلى األحزاب‪ .‬وأكد الميثاق الوطني لعام ‪ 8888‬على‬
‫هذه المسالة حيث نص على "التزام األحزاب في تشكيالتها ونشاطاتها وتوجيهاتها‬
‫باالمتناع عن التنظيم واالستقطاب الحزبي في صفوف القوات األردنية المسلحة وأجهزة‬
‫األمن أو إقامة تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية (مليشيات) بأي صورة من الصور"‪.‬‬
‫وهذا يعني أن الدور السياسي للمؤسسة العسكرية في األردن لم يحدث فيه تغيير‪ ،‬مع‬
‫لعب أدوار متفاوتة في مجاالت التنمية والتطوير االجتماعي واالقتصادي‬
‫وعند النظر في التجارب الديمقراطية‪ ،‬نجد تباينة بين الدول من حيث حق أفراد المؤسسة‬
‫العسكرية واألجهزة األمنية في ممارسة الحزبية أو المشاركة في االنتخابات‪ ،‬مع أن‬
‫االتجاه العام في المجتمع الدولي يشير لتنامي األخذ بحقهم في االنتخاب‪ .‬لكن المؤسسة‬
‫العسكرية تلعب دورة غير مباشر في تشكيل النخبة السياسية ال سيما النيابية في األردن‪.‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬عند الحكم على المسار الديمقراطي في األردن ال بد من األخذ‬
‫|‬

‫‪:‬‬
‫‪– 2.2 -‬‬
‫في االعتبار الظروف الموضوعية‪ ،‬فاألردن يعيش وسط منطقة يغلب على تاريخها‬
‫السياسي المعاصر عدم االستقرار والتنافس الدولي المحموم‪ ،‬مما يجعل القدرة على‬
‫التطوير الديمقراطي يتأثر سلبأ بهذه الحالة‪| .‬‬
‫غير أن التاريخ السياسي ألغلب المجتمعات يشير إلى أن الديمقراطية الفعلية القائمة على‬
‫نقل النصوص الدستورية والقانونية إلى حيز التنفيذ تمثل اآللية األفضل التحسين قدرة‬
‫المجتمع على التكيف مع كافة التطورات الداخلية والخارجية التي يواجهها المجتمع‪.‬‬
‫ويمكن القول‪ ،‬إن المواثيق الوطنية األردنية تمثل تعبيرا عن هذه الحالة‪ ،‬ولعل النظر في‬
‫ميثاق ‪ 8888‬يدل على التأكيد على ضرورة التجسيد الميداني للنصوص في مختلف‬
‫المجاالت‪| .‬‬
‫فقد أشار الميثاق في فصله الثاني إلى أن الدولة األردنية هي "دولة القانون بالمفهوم‬
‫العصري الحديث للدولة الديمقراطية‪ ،‬وهي دولة المواطنين جميعا مهما اختلفت آراؤهم‬
‫أو تعددت اجتهاداتهم‪ ،‬وهي تستمد قوتها من التطبيق الفعلي المعلن المبادئ المساواة‬
‫والعدل وتكافؤ الفرص‪ ،‬وإتاحة المجال العملي للشعب األردني للمشاركة في صنع‬
‫القرارات المتعلقة بحياته وشؤونه"‪.‬‬
‫ولضمان الممارسة العملية ونزاهتها دعا الميثاق إلى "إنشاء هيئة مستقلة باسم ديوان‬
‫المظالم) يتولى التفتيش اإلداري ويراقب أداء اإلدارة وسلوك أشخاصها‪ ،‬وإنشاء هيئة‬
‫مستقلة لتحديث التشريعات وتطويرها"‪ ،‬وإنشاء محكمة دستورية لتفسير األحكام‬
‫الدستورية والفصل في المنازعات حول هذه األحكام‪ ،‬وقد أنشئت هذه المؤسسات وتقوم‬
‫بمهامها‪.‬‬
‫سبق وأن عرفنا المجتمع المدني وطبيعة دوره وعدد مؤسساته العاملة في األردن‪ ،‬ويبقى‬
‫تحديد دوره في التربية الوطنية‪ .‬يمكن تحديد دور المجتمع المدني في التربية الوطنية في‬
‫الجوانب التالية‪ :‬أ‪ -‬التنشئة السياسية وتعزيز المشاركة السياسية‪ .‬ب‪ -‬التنشئة االجتماعية‪.‬‬

‫‪-2.3 -‬‬
‫أوال‪ :‬التنشئة السياسية وتعزيز المشاركة السياسية‬
‫يعرف علماء السياسة التنشئة السياسية بأنها "عملية تعلم القيم واالتجاهات السياسية‬
‫واألنماط االجتماعية ذات المغزى السياسي من خالل األسرة والمدرسة والتفاعل مع‬
‫الحكومة والمواقف السياسية"‪ .‬وهذا يعني أن مقومات التنشئة السياسية‬
‫طبقا لموسوعة العلوم السياسية هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬تعلم واكتساب معارف وقيم واتجاهات سياسية واجتماعية ذات دالالت سياسية‪.‬‬
‫ب‪ -‬عملية مستمرة يتعرض لها الفرد طيلة حياته‪ ،‬وقد ركز الباحثون في هذا الجانب‬
‫على مراحل الطفولة التي تمتد حتى سن الرابعة عشرة‪.‬‬
‫ج‪ -‬نقل الثقافة السياسية بين األجيال‪ ،‬وقد يصيب هذه الثقافة خالل االنتقال قدر من‬
‫التغير الكلي‪ ،‬أو الجزئي‪.‬‬
‫د‪ -‬يقوم بعملية التنشئة مؤسسات المجتمع األولية والثانوية‪ ،‬من األسرة‪ ،‬المدرسة‬
‫واألحزاب والنقابات والجمعيات ووسائل اإلعالم‪.‬‬
‫أما المشاركة السياسية فتعني "تأثير المواطن على عملية اختيار الحكام والسياسات العامة‬
‫للدولة"‪ .‬وتتمثل العالقة بين المشاركة السياسية والتنشئة السياسية من ناحية والتربية‬
‫الوطنية من ناحية ثانية في اآلتي‪:‬‬
‫‪ -8‬موضوع الهوية الوطنية‪ :‬وتعني الصورة السياسية التي يرسمها الفرد لنفسه‪،‬‬
‫ولنمط الحكومة التي ينتمي لها‪ .‬وتبرز مشكلة الهوية في أن الفرد كما سبق وأشرنا‬
‫ينتمي النساق مختلفة ومتداخلة مثل الوطنية والقومية‪ ،‬ومن هنا تكون مهمة التربية‬
‫الوطنية من خالل تعزيز المشاركة والتنشئة السياسية في تخليص الفرد من إحساس‬
‫التناقض بين انتماءاته المختلفة أو بين تيارات ثقافية تضرب جذورها في بنية مجتمعه‬
‫وتيارات ثقافية حديثة تثير الشكوك حول ذاته وثقافته‪.‬‬
‫ويمكن القول أن التطورات التكنولوجية المعاصرة فرضت قدرة كبيرة من التحدي لكل‬
‫الهويات الوطنية في العالم‪ ،‬فقد أدت الفضائيات واإلنترنت إلى تدفق قيم وثقافات قد‬
‫تصطدم بالثقافة المحلية وتثير الشكوك من حولها‪.‬‬
‫‪- 154 -‬‬
‫ويؤدي انخراط الفرد في مؤسسات التنشئة السياسية من حزبية وغيرها‪ ،‬إلى‬
‫تزويده بما يساعده على التعامل اإليجابي مع هذه الثقافات الوافدة‪ ،‬فال يذوب فيها من‬
‫ناحية ولكنه يوظفها لفائدته من ناحية أخرى‪.‬‬
‫‪ -3‬موضوع شرعية السلطة‪ :‬يشكل قبول الناس لسلطة سياسية والخضوع الطوعي‬
‫لها أحد أهم ضرورات التربية الوطنية‪ ،‬لكن هذه الشرعية لن تتم من قبل المواطن إال‬
‫بمقدار إحساسه بالمشاركة في اتخاذ القرارات التي تمس جوهر حياته وحياة مجتمعه‪،‬‬
‫سواء بالمشاركة المباشرة عبر االستفتاءات أو عبر نواب ينتخبهم بطريقة حرة ونزيهة‪.‬‬
‫وتحتاج المشاركة الواسعة للتنشئة تهيؤ الفرد لهذه المشاركة عبر‬
‫أدوات التنشئة المختلفة التي وردت اإلشارة لها‪.‬‬
‫‪ -3‬موضوع توزيع المغانم والمغارم‪ :‬إن شعور الفرد بسوء توزيع المكاسب أو التوزيع‬
‫غير العادل لألعباء في قرارات الحكومة تجعل مشاركته أميل للسلبية‪ ،‬وتؤدي على‬
‫المدى البعيد إلى تراكم مكبوتاته واحباطاته بشكل يجعله أقل ثقة‪ ،‬مما يضعف من تربيته‬
‫الوطنية‪.‬‬
‫وتمثل األحزاب السياسية أحد أهم أدوات التنشئة السياسية وزيادة المشاركة السياسية بما‬
‫يخدم أهداف التربية الوطنية‪ .‬وعند النظر إلى الواقع الفعلي في األردن نجد ما يلي‪:‬‬
‫‪ -8‬تدل الدراسات على مجلس النواب األردني أن نسبة الحزبيين بينهم هي أقل من‬
‫‪ ،50٪‬مما يعني أن هناك مؤسسات أخرى تشكل منبعا للنخب السياسية في المجتمع‪.‬‬
‫وقدر استطالع للنخبة النيابية األردنية خالل الفترة من ‪ 2000-8818‬أن العشيرة‬
‫ساهمت بوصول أكثر من ‪ %48‬من النواب إلى المقاعد النيابية‪ .‬وهذا يعني أن البنيات‬
‫التقليدية ما تزال فاعلة في المشاركة السياسية‪ ،‬وهو ما قد يكون له آثار سلبية على‬
‫المجتمع على المدى البعيد‪ ،‬ألن تحجر البنيات االجتماعية وعدم‬
‫التحول التدريجي نحو البنيات العصرية يدل على حراك بطيء‪.‬‬
‫‪ -2‬يمكن اعتبار المشاركة في االنتخابات مؤشرة على مدى انخراط الفرد في العمليات‬
‫السياسية‪ ،‬وتدل األرقام الرسمية على تدني المشاركة‪.‬‬
‫‪- 155 --‬‬
‫‪ .‬ويدل ما سبق على طبيعة المشاركة السياسية في األردن من تدني عدد المنخرطين في‬
‫تنظيمات المجتمع المدني الفاعلة‪ ،‬كما أشرنا سابقة‪ ،‬وقلة عدد المنخرطين في األحزاب‪،‬‬
‫وقلة المشاركة السياسية‪.‬‬
‫‪ -3‬وعند النظر في دور المرأة‪ ،‬نجد أن عدد النساء في مجالس النواب الحادي عشر‬
‫والثاني عشر والثالث عشر هو صفر‪ ،‬واحدة‪ ،‬صفر‪ ،‬على التوالي مما يدل على عمق‬
‫الثقافة التقليدية المؤثرة على التربية الوطنية‪.‬‬
‫ومع أن النساء ترشحن لهذه المجالس النيابية إال أن النتائج لم تدل على دور له قيمة‪،‬‬
‫رغم أن قانون االنتخاب عام ‪ 8874‬أعطى المرأة حق المشاركة في االنتخابات‪.‬‬
‫وقد دخلت المرأة في الوزارة األردنية للمرة األولى عام ‪ ،8814‬وشاركت في المجلس‬
‫الوطني االستشاري عن طريق التعيين عام ‪ ،8871‬وتم دخولها إلى مجلس األعيان عام‬
‫‪ 8818‬كما تم تعيين العديد من السيدات في المجالس البلدية منذ سنة ‪.8884‬‬
‫والمالحظ أن األحزاب لم ترشح أية امرأة حتى المجلس الرابع عشر‪ ،‬كما أن دور‬
‫االتحادات النسائية لم يكن فاعال لتقديم مرشحات يمثلن المرأة األردنية‪.‬‬
‫وتشير الدراسات إلى أن مشاركة المرأة الريفية وفي البادية كانت أعلى من نسبة مشاركة‬
‫المرأة في المدينة‪ ،‬وقد يعود ذلك للدور المهيمن للرجل في الريف والبادية ال سيما في‬
‫حشد أفراد أسرته لتأييد ناخب معين‪ .‬دور األسرة في التربية الوطنية‬
‫كان أثر اإلسالم وال زال واضحة في صياغة شكل األسرة في المجتمعات العربية‪ ،‬وفي‬
‫تحديد بنيتها وخصائصها‪ .‬وذلك عن طريق القوانين والتشريعات التي سنها لها‪ .‬حيث‬
‫جعل اإلسالم من األسرة‪ ،‬بمقتضى هذه القوانين‪ ،‬شخصية اعتبارية مستقلة وكون منها‬
‫مؤسسة إسالمية تخضع في جميع مظاهرها ونشاطاتها لتعاليمه وأحكامه‪ ،‬فاستمرت‬
‫األسرة في ظل اإلسالم تستمد قوة كيانها من كون األحكام المشار إليها إلهية المصدر‪،‬‬
‫فتحصنت بهذا الواقع وقاومت‪ ،‬لقرون طويلة‪ ،‬تأثيرات التقلبات واألحداث الخارجية‬
‫عليها‪ ،‬واكتسبت مع مرور الزمن طابع المحافظة والتمسك بالقيم‬
‫‪- 156 -‬‬
‫واألعراف والتقاليد‪ ،‬وقبل ذلك كله تعاليم اإلسالم ومنها‪ ،‬على سبيل المثال ال الحصر‪:‬‬
‫رضا الوالدين وطاعة الزوجة لزوجها واألبناء للوالدين‪ ،‬والصغار للكبار‪ ،‬وتفاوت‬
‫النظرة للجنسين‪ :‬فالرجال قوامون على النساء‪ ،‬وللذكر مثل حظ األنثين‪ ،‬والسماح‬
‫بالطالق بعد نفاذ جميع سبل التوفيق بين الزوجين‪.‬‬
‫ومع أن هذا التوصيف يشكل قاسم مشتركة أعظم بين األسر في أقطار الوطن العربي‬
‫كافة‪ ،‬إال أن مفهوم األسرة العربية هو مفهوم عام‪ ،‬إذ ليس هناك أسرة عربية‪ ،‬نمطية‬
‫واحدة‪ ،‬بل ثمة مجموعة أنماط من األسر تختلف باختالف الظروف االقتصادية‬
‫واالجتماعية والسياسية الخاصة بكل قطر من األقطار العربية‪ ،‬وحتى داخل القطر الواحد‬
‫ال يمكن الحديث عن نمط واحد من األسر بسبب عمق الفروقات بين مناطق القطر‬
‫الواحد‪ ،‬بين مدنه وقراه‪ ،‬وبين باديته وريفه وحواضره‪.‬‬
‫وفي األردن‪ ،‬كما في سائر أقطار الوطن العربي‪ ،‬تشكل األسرة األردنية وحدة اقتصادية‬
‫اجتماعية موحدة‪ ،‬تفترض من أعضائها التعاون مع بعضهم البعض في جميع مجاالت‬
‫الحياة‪ ،‬كل حسب قدراته‪ ،‬وحسب عمره وجنسه‪ ،‬من أجل تأمين لقمة العيش لجميع أفراد‬
‫األسرة‪ ،‬ومن أجل تحسين أوضاعها ورفع مكانتها في المجتمع‪ ،‬والذب عن سمعتها‬
‫وهيبتها‪.‬‬
‫وتتجلى وحدة األسرة في توحد الهوية بين أفرادها الذين يشتركون معا في إنجازاتها‬
‫وإخفاقاتها‪ ،‬في أفراحها وأتراحها وفي علو شأنها أو التعريض بسمعتها وشرفها‪.‬‬
‫ولهذا يعد كل تصرف او قرار فردي مستقل خروجا على األسرة وتقاليدها وشروط‬
‫االنتماء لها‪ ،‬ألن كون األسرة وحدة واحدة يجعل القرارات شأنا أسرية جماعية وليس‬
‫شأنة فردية‪.‬‬
‫ولعل مما يدعم وحدة األسرة والمحافظة على استمراريتها أن بنيتها ابوية هرمية يحتل‬
‫األب فيها رأس الهرم‪ ،‬فهو مركز السلطة وصاحب القول الفصل في شؤون األسرة‬
‫كافة‪ ،‬وهو بهذه الصفة يتمتع بمكانة خاصة‪ ،‬واجب الجميع أن يطيعوه‪ ،‬ويأتمروا بأمره‬
‫بال تردد أو نقاش‪.‬‬
‫‪- 157--‬‬
‫وتوصف األسرة األردنية أيضا بأنها أسرة ممتدة‪ ،‬بمعنى أن عالقات وثيقة تقوم ليس‬
‫بين الوالدين واألبناء فحسب‪ ،‬بل تتعداهم إلى األحياء من جد وجدة‪ ،‬وأحفاد‪ ،‬واخوة‬
‫وأخوات وأوالدهم‪ ،‬واألعمام والعمات وأبناء وبنات العم‪.‬‬
‫إن وصف األسرة بأنها ممتدة يرتبط إلى حد بعيد بكون أفرادها يعيشون ويعملون کوحدة‬
‫اقتصادية واحدة‪ ،‬ففي البادية تشكل القبيلة أو العشيرة هذه الوحدة‪ ،‬أما في القرية والمدينة‬
‫فتتشكل من األسرة الممتدة‪ .‬ومع أن ثمة مؤشرات تدل على تطور األسرة األردنية‬
‫تدريجية في اتجاه األسرة النووية الصغيرة‪ ،‬إذ يستقل الزوج والزوجة وأوالدهما في‬
‫منزل خاص بهم في المدينة أو في بعض القرى‪ ،‬فإن ثمة بالمقابل ما يؤكد استمرار نوع‬
‫من أنواع العصبية القبلية والعشائرية‪ .‬ومن المالحظ أنه حيثما تضعف الروابط القبلية‬
‫والعشائرية‪ ،‬كما في بعض المدن‪ ،‬كانت تحل محلها جمعيات خيرية على مستوى األسرة‬
‫أو القرية أو المدينة‪ ،‬ويالحظ أن هذه الجمعيات أصبحت تلعب دورا مهمة في حياة‬
‫المعنيين من منتسبيها اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية‪ ،‬إذ أنها تقوم بتمويل أنشطة‬
‫متنوعة من صناديقها الخاصة ابتداء من تقديم المساعدات العينية أو النقدية للمحتاجين‪،‬‬
‫وتوفير الرعاية الصحية‪ ،‬ضمن الحدود الدنيا‪ ،‬وإنشاء وإدارة دور الحضانة والمدارس‬
‫وما إلى ذلك‪ .‬كما تساهم هذه الجمعيات بفعالية في إصالح ذات البين‪ ،‬وفض النزاعات‬
‫بين أعضائها‪ ،‬وبين بعض األعضاء وجهات خارجية‪ ،‬على خلفية توترات اجتماعية أو‬
‫خالفات ذات طابع اقتصادي أو شخصي‪ .‬وعلى الرغم من تعدد أنماط األسر في المجتمع‬
‫األردني‪ ،‬ورغم التحوالت التي أحدثتها التطورات الداخلية والخارجية في وظيفة األسرة‪،‬‬
‫إال أن األسرة األردنية ال تزال تؤدي أدوارة محورية فيه‪ ،‬على سبيل المثال ال الحصر‪- :‬‬
‫تهيئ أفرادها للعمل والتفاعل االجتماعي‪ ،‬وتعمل على تحقيق التوازن النفسي‬
‫والجسدي ألعضائها‪ ،‬وتغرس فيهم الشعور بالوالء واالنتماء‪ ،‬وتنمي فيهم روح‬
‫التعاون والمسؤولية الجماعية‪ - .‬تأخذ على عاتقها مسؤولية التكوين االجتماعي والثقافي‬
‫لألبناء‪ ،‬فهي العامل‬
‫‪- - 158 -‬‬
‫األساسي في حفظ التوازن البيئي والسكاني الذي يشكل شرطة أساسية من‬
‫شروط التنمية البشرية والطبيعية‪.‬‬
‫‪ -‬تقوم برعاية األبناء وحمايتهم جسدية ونفسية والعمل على أن تجعل منهم شخصيات‬
‫مجتمعية متكاملة وسوية‪ .‬ومن الجدير ذكره أن نمط التنشئة االجتماعية في األسرة‬
‫يتسم بالضبط والحزم وغالبا ما تجري تربية األبناء بالطريقة نفسها التي‬
‫تربی بها آباؤهم‪.‬‬
‫‪ -‬تقوم األسرة بدور اقتصادي هام على أساس التكافل االقتصادي واالجتماعي في‬
‫التأمين المعيشي الجمعي ألفراد األسرة‪ ،‬وفي إطار تقسيم العمل المعمول به في المجتمع‪،‬‬
‫وخاصة في األرياف‪ ،‬حيث تشكل األسرة وحدة إنتاجية يتعاون أفرادها تعاون وثيقة في‬
‫فالحة األرض والحصاد وجمع المحاصيل والثمار مما يزيد في تدعيم األسرة وتماسكها‪.‬‬
‫‪- 159 --‬‬
‫الفصل السادس‬

‫التحديات الداخلية‬
‫والخارجية‬
‫التي تواجه المملكة‬
‫التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه المملكة‬
‫الفصل السادس‬
‫التحديات الداخلية والخارجية‬
‫التي تواجه المملكة‬
‫لكل دولة من الدول بيئتان‪ ،‬بيئة داخلية وبيئة خارجية‪ ،‬ولكل من هاتين البيئتين متغيراتها‬
‫التي على الدولة أن تتفاعل معها لتضمن أكبر قدر من االستقرار والتطور‪ .‬وتكمن‬
‫المشكلة المركزية ألكثر الدول‪ ،‬ال سيما الصغيرة منها‪ ،‬في كيفية التوفيق بين مطالب‬
‫البيئة الداخلية ومطالب البيئة الخارجية‪ ،‬علما بأن مطالب هاتين البيئتين كثيرا ما تكون‬
‫متناقضة وغير متسقة‪ .‬ومن هنا تجد الدولة المعاصرة نفسها أمام سيل هائل من عوامل‬
‫التغير الداخلية والخارجية التي تدفع بها إلى البحث عن آليات تكيف تمتص بها آثار هذا‬
‫الدفق من عوامل التغير المختلفة‪ .‬ولعل المشكلة الكبرى هي في كيفية التكيف وسياساته‪،‬‬
‫وقد يؤدي الفشل في التكيف إلى تعرض الدولة المخاطر من مصادر مختلفة بعضها‬
‫داخلی وبعضها خارجي‪ ،‬مع األخذ في االعتبار أن التداخل المتبادل بين العوامل الداخلية‬
‫والخارجية أمر مسلم به‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فقد تطور مفهوم األمن في المجتمع الدولي من مفهومه العسكري‬
‫الضيق‪ ،‬والمتمثل في حماية الكيان السياسي من األعداء الخارجيين‪ ،‬إلى مفهوم األمن‬
‫الشامل الذي تتکامل جوانبه األمنية مع األمن االقتصادي والسياسي واالجتماعي‪،‬‬
‫ويترابط فيه األمن الداخلي مع األمن الخارجي‪ ،‬وهو ما يستدعي دراسة التحديات‬
‫الداخلية والخارجية والترابط بينهما‪.‬‬
‫‪- 231 - -‬‬
‫البيئة الداخلية‪:‬‬
‫تشتمل البيئة الداخلية في الدولة على‪:‬‬
‫أ‪-‬البنية االجتماعية‪.‬‬
‫ب‪ -‬البنية السياسية‪.‬‬
‫ج‪-‬البنية االقتصادية‪.‬‬
‫وتتمثل التحديات الداخلية التي تواجه الدولة في قدرة الدولة على مواجهة متطلبات هذه‬
‫البنيات السابقة الذكر‪ .‬التحديات الداخلية في األردن‪:‬‬
‫عند تناول الميثاق الوطني لعام ‪ 8888‬في فصله الثالث لألمن الوطني أشار إلى عدد من‬
‫األسس التي يعتمد عليها هذا األمن على المستوى الداخلي‪:‬‬
‫‪ -‬منعة المجتمع األردني وتعزيز عوامل قوته الذاتية‪.‬‬
‫‪ -‬ضمان أمن الشعب األردني وحريته‪.‬‬
‫‪ -‬توفير مقومات الحياة الكريمة للمواطن بما يحقق أمنه المادي والشخصي‪.‬‬
‫‪ -‬االستقرار النفسي واالجتماعي للمواطن األردني حيثما كانت إقامته‪.‬‬
‫‪ -‬ترسيخ النهج الديمقراطي لتعميق روح االنتماء للوطن وتعزيز الثقة بمؤسساته‪،‬‬
‫واإلسهام في تمتين وحدة الشعب األردني وحماية أمنه الوطني‪ ،‬ويتأتى ذلك بإتاحة أسباب‬
‫المشاركة الحقيقية للمواطنين كافة في إطار من العدالة االجتماعية وتكافؤ الفرص‬
‫والتوازن بين الحقوق والواجبات‪ .‬استنادا لهذا التوصيف العام‪ ،‬يمكن تحديد‬
‫التحديات الداخلية في ستة أبعاد‪:‬‬
‫‪ -8‬التحديات السياسية‪.‬‬
‫‪-2‬التحديات االقتصادية‪.‬‬
‫‪-3‬التحديات االجتماعية‪.‬‬
‫‪- -232 -‬‬
‫‪ -1‬التحديات الثقافية‪.‬‬
‫‪ -5‬التحديات التربوية والتعليمية‪.‬‬
‫‪ -1‬التحديات البيئية‪.‬‬
‫وال بد من إشارة إلى أن هذه التحديات ال تبقى في تأثيراتها خالل الحقب التاريخية على‬
‫الحدة نفسها أو العمق نفسه‪ ،‬وعلى هذا األساس سنركز على التحديات الداخلية‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -3‬التحديات السياسية‪:‬‬
‫وتتلخص أبرزها في‬
‫‪ -8‬فتح المجال أمام النخب السياسية الصاعدة والجديدة لتأخذ مكانها في الفعل‬
‫السياسي‪ ،‬فانغالق النخب السياسية يؤدي على المدى البعيد إلى احتقان سياسي يهدد‬
‫االستقرار السياسي‪ .‬فلو نظرنا على سبيل المثال إلى نسبة التكنوقراط (مثل أساتذة‬
‫الجامعة‪ ،‬المحامون‪ ،‬المهندسون‪ ،‬الكتاب‪ ،‬األطباء في المجالس النيابية الحادي عشر‬
‫والثاني عشر والثالث عشر‪ ،‬سنجد أن نسبتهم كانت على التوالي ‪ 44.25‬ثم ‪%47.50‬‬
‫ثم ‪.٪40‬‬
‫ومع اتساع قاعدة التعليم والزيادة المضطردة في عدد التكنوقراط يصبح من الضروري‬
‫أن يتم منح هذه الشرائح المزيد من الدور السياسي الفعلي‪ ،‬للحيلولة دون الوصول‬
‫لمرحلة االحتقان السياسي‪.‬‬
‫‪ -2‬القدرة على االستمرار في النهج الديمقراطي وفتح المجال أمام تناميه‪ ،‬ألن هذه‬
‫المسألة هي التي تحول دون نشوء التنظيمات السرية‪ ،‬وما يترتب عليها من مخاطر‪.‬‬
‫‪ -3‬محاصرة ظاهرة العنف السياسي واإلرهاب‪ ،‬وقد أخذت هذه الظاهرة مظاهر‬
‫مختلفة‪ ،‬لكن أحد أسس مقاومتها هو نشر ثقافة التسامح‪ ،‬وتجفيف األسباب التي تنبع‬
‫منها هذه الظاهرة بتخطيط متكامل ال يتكئ على الحلول األمنية فقط‪ .‬وإذا استثنينا العنف‬
‫المسلح الذي تمارسه التنظيمات السياسية التي تخضع بالدها‬
‫‪-233 --‬‬
‫لالحتالل‪ ،‬كما في فلسطين والعراق‪ ،‬فإن هناك عنفا يتجه نحو السلطات السياسية‬
‫والمدنيين في المجتمع‪ ،‬وهو ما يسمى باإلرهاب‪ .‬ونتيجة للموقع الجغرافي الحساس‬
‫لألردن في منتصف هذه المنطقة المضطربة‪ ،‬فمن الطبيعي أن تمسها هذه الظاهرة‬
‫برفق أحيانا وبقوة أحيانا أخرى‪ ،‬وهو ما يستدعي من النظام السياسي مواجهة هذه‬
‫الظاهرة‪.‬‬
‫وتشير دراسات اإلرهاب إلى أن أسباب هذه الظاهرة هي أسباب متعددة نلخصها في‬
‫اآلتي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أسباب سياسية‪ :‬وتتمحور حول إحساس بعض الجماعات بتبعية النظم السياسية‬
‫للخارج أو عدم السماح لها بحق الممارسة السياسية في العلن والتقييد على الحريات‪،‬‬
‫أو اتباع سياسات ترى فيها هذه الجماعات بأنها سياسات تفريط فيما‬
‫تراه حق لألمة ال يجوز التفريط فيه‪.‬‬
‫ب‪-‬اسباب دينية‪ :‬وتتمثل في االعتقاد بأن الدولة أو النظام السياسي يريد الفصل بين الدولة‬
‫والدين‪ ،‬أو أن الذين ال يؤخذ فيه بالقدر الكافي كمصدر للتشريع‪.‬‬
‫ج‪ -‬أسباب اقتصادية واجتماعية‪ :‬حيث يرى الباحثون االجتماعيون أن اغلب جمهور‬
‫التنظيمات اإلرهابية هم من سكان أحزمة الفقر المحيطة بالمدن‪ ،‬ومن العاطلين عن‬
‫العمل أو ممن لهم نشاة اجتماعية غير سوية‪.‬‬
‫د‪ -‬اسباب ثقافية‪ :‬يرى البعض أن موجة اإلرهاب تعود في جزء منها إلى ردات فعل‬
‫على الحداثة والتدفق الثقافي الخارجي الذي يخلق قلقا لدى متلقيه من الملتزمين‬
‫بالثقافة التقليدية‪ ،‬مما يخلق ارتكاسات داخل الوعي الفرد تنطلق بين الحين واآلخر‬
‫على شكل ردات فعل عنيفة‪.‬‬
‫استنادا لما سبق‪ ،‬فإن التحدي أمام النظام السياسي والمجتمع في األردن‪ ،‬هو القدرة‬
‫على دراسة هذه الظاهرة‪ ،‬من حيث دوافعها وطبيعة التنظيمات التي تمارسها وقيادات‬
‫هذه التنظيمات وإمكانية الحوار معها وكيفية دمجها في المجتمع والته اإلنتاجية‬
‫والثقافية‪ ،‬ليتمكن المجتمع من الحد من اتساع هذه الظاهرة‪ ،‬األمر الذي قد يؤثر على‬
‫‪- -234‬‬
‫الدولة من نواح عدة‪:‬‬
‫أ‪ -‬الصورة السلبية للدولة والمجتمع في ذهن الرأي العام الدولي‪.‬‬
‫ب‪ -‬التأثير على السياحة واالستثمار الخارجي‪.‬‬
‫ج‪ -‬دفع الدولة للتضييق على الحريات العامة‪ ،‬مما يؤثر على تطور المجتمع‪.‬‬
‫د‪ -‬التأثير على التماسك االجتماعي والسلم الوطني‪.‬‬
‫وقد شهد األردن منذ العقد األخير من القرن الماضي وحتى اآلن عددا من التنظيمات‬
‫السياسية التي تميل الستخدام العنف‪ ،‬لكن الظاهرة أصبحت أكثر خطورة منذ االحتالل‬
‫األمريكي للعراق عام ‪ ،2003‬إذ امتد تأثير الجماعات العاملة في العراق إلى األردن‪،‬‬
‫وكان أبرز مظاهرها التفجيرات التي أصابت عددا من الفنادق األردنية وقتل فيها‬
‫عشرات المدنيين في تشرين الثاني من عام ‪ .2005‬البيئة الخارجية‪:‬‬
‫تتمثل البيئة الخارجية ألية دولة في ثالثة أبعاد‪:‬‬
‫أ ‪ -‬البيئة المحاذية‪ :‬وهي مجموعة الدول التي لها حدود مشتركة مع الدولة‪ ،‬وفي حالة‬
‫األردن فإن هذه المجموعة تشمل فلسطين والعراق والسعودية وسوريا ويمكن‬
‫إضافة مصر بحكم التجاور الشديد بين البلدين‪.‬‬
‫ب‪ -‬البيئة اإلقليمية‪ :‬وهي المنطقة الجغرافية التي تنتمي لها الدولة وتشكلت‬
‫شخصيتها نتيجة تفاعلها التاريخي معها‪ .‬وتشمل هذه المنطقة‪ ،‬في حالة األردن‪ ،‬الوطن‬
‫العربي‪ .‬وقد أشار الدستور األردني في مادته األولى إلى أن الشعب األردني جزء من‬
‫األمة العربية‪ ،‬كما أكد الميثاق الوطني لعام ‪ 8888‬على "أن الشعب األردني جزء من‬
‫األمة العربية‪ ،‬والوحدة العربية هي الخيار الوحيد الذي يحقق األمن الوطني واألمن‬
‫القومي للشعب العربي"‪ ،‬كما يشير إلى أن الحضارة‬
‫العربية اإلسالمية هي قوام هوية الشعب األردني الوطنية والقومية‪.‬‬
‫ج‪ -‬البيئة الدولية‪ :‬وتشمل ما تبقى من دول العالم‪.‬‬
‫‪325 - -‬۔‬
‫وال بد من إدراك أن مفهوم البيئة في العالقات الدولية هو أوسع من مجرد الكيانات‬
‫النظامية المتمثلة في الدول‪ ،‬فالبيئة تشمل المنظمات اإلقليمية والدولية الحكومية وغير‬
‫الحكومية‪ ،‬والقانون الدولي‪ ،‬واأليديولوجيات‪ ،‬والثقافات‪.‬‬
‫ولدراسة التحديات الخارجية لألردن يستدعي ذلك دراسة السياسية الخارجية األردنية‬
‫التي تمثل آلية عمل الدولة لمواجهة هذه التحديات‪ .‬السياسة الخارجية األردنية‪:‬‬
‫وسنتناول هذا الموضوع من خالل ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أجهزة صنع السياسة الخارجية األردنية‪.‬‬
‫ب‪ -‬محددات السياسية الخارجية األردنية‪.‬‬
‫ج‪ -‬أهداف وأدوات السياسة الخارجية األردنية ‪.‬‬
‫د‪ -‬تقييم السياسة الخارجية األردنية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أجهزة صنع السياسة الخارجية األردنية‪:‬‬
‫تتمثل هيئات صنع السياسة الخارجية األردنية فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -8‬الملك‪ :‬نص الدستور األردني على أن "الملك هو رأس الدولة" وهو "القائد األعلى‬
‫للقوات البرية والبحرية والجوية" وهو الذي يعلن الحرب ويعقد الصلح ويبرم المعاهدات‬
‫واالتفاقات"‪ .‬تشير النصوص الدستورية السابقة إلى أن الملك‬
‫هو المسؤول األول عن سياسة الدولة الخارجية في حالتي الحرب والسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬األجهزة المساعدة‪ ،‬وتشمل‪ - :‬الديوان الملكي‪ :‬ويتالف الديوان من رئيس وعدد من‬
‫المستشارين‪ ،‬ومهمة الديوان في أنه يمثل حلقة الوصل بين الملك ورئيس الوزراء‪.‬‬
‫ب‪ -‬رئيس الوزراء‪ :‬ينص الدستور على أن الملك "يعين رئيس الوزراء ويقيله"‪ ،‬وتدل‬
‫الممارسة الفعلية كذلك على أن دور رئيس الوزراء في السياسة الخارجية هو دور‬
‫محدود وله طابع استشاري غير ملزم ال سيما في ظل النصوص الخاصة‬
‫‪- 236 -‬‬
‫بصالحيات الملك في السياسة الخارجية‪ ،‬رغم أن مجلس الوزراء يتولى إدارة جميع‬
‫الشؤون الداخلية والخارجية باستثناء ما قد يعهد به من تلك الشؤون بموجب الدستور‬
‫إلى أي شخص أو هيئة أخرى‪.‬‬
‫ج‪ -‬وزارة الخارجية‪ :‬تأسست أول وزارة خارجية بشكل مستقل في األردن بتاريخ‬
‫‪ .8845 /5 /88‬يتمثل دور وزير الخارجية في الدور التنفيذي الذي يقوم به استنادا لما‬
‫خوله إياه الملك‪ .‬وتعمل وزارة الخارجية في الجانب التنفيذي على تنظيم عالقات األردن‬
‫مع الدول األخرى من خالل البعثات الديبلوماسية األردنية في الخارج‪ ،‬ومن خالل‬
‫البعثات الديبلوماسية األجنبية المعتمدة في األردن‪ ،‬كما تعمل على رعاية مصالح‬
‫األردنيين في الخارج‪.‬‬
‫وقد تطور عدد البعثات الديبلوماسية األردنية في الخارج استجابة لتطور شبكة العالقات‬
‫األ ردنية مع العالم‪ ،‬وقد أصبح لألردن حاليا عالقات دبلوماسية مع معظم دول العالم‪.‬‬
‫كما تولي وزارة الخارجية أهمية للعالقة مع المنظمات الدولية واإلقليمية‪ ،‬فهناك أقسام‬
‫للجامعة العربية واالتحاد األوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونادي باريس‬
‫ونادي لندن‪ ،‬ومنظمة األمم المتحدة ومنظمة المؤتمر اإلسالمي وحركة عدم االنحياز‪.‬‬
‫وتقوم الوزارة من ناحية أخرى بجمع المعلومات من الخارج من خالل البعثات‬
‫الديبلوماسية األردنية المعتمدة في الخارج‪ ،‬ثم تنقل هذه المعلومات إلى األجهزة‬
‫والمؤسسات األردنية حسب اختصاصات هذه األجهزة‪.‬‬
‫‪ -3‬محددات السياسة الخارجية األردنية‪:‬‬
‫يمكن تعريف محددات السياسة الخارجية بأنها "مجموع العوامل التي تجعل الدولة‬
‫تنتهج سلوكا سياسية خارجية معينة دون غيره من أنماط السلوك"‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫سياسة أي دولة من الدول ال يمكن تفسيرها إال إذا عرفنا الظروف الذاتية والموضوعية‬
‫ل لدولة‪ ،‬فنحن ال نستطيع تفسير اختالف سياسة دولة عن أخرى إال إذا فهمنا تلك‬
‫الظروف‪.‬‬
‫استنادا لما سبق يمكن تقسيم محددات السياسة الخارجية األردنية إلى قسمين‪:‬‬
‫‪- 237‬‬
‫‪ -‬المحددات الداخلية (أو الذاتية) ‪ :‬وتتفرع هذه المحددات إلى‪:‬‬
‫‪ -‬محددات مادية مثل‪:‬‬
‫‪ -‬العوامل الجغرافية مثل الموقع والتضاريس الجغرافية‪.‬‬
‫‪ -‬العوامل السكانية مثل عدد السكان وتوزيعهم والتنوعات االجتماعية اإلثنية‬
‫والدينية‪ ،‬والهرم السكاني الخاص باألعمار‪.‬‬
‫‪ -‬العوامل االقتصادية‪ :‬مثل الموارد والقدرة اإلنتاجية وتنوعها والدخل والتطور‬
‫الصناعي الزراعي والتجارة‪.‬‬
‫‪ -‬العوامل العسكرية مثل عدد الجيش ومستوى تسليحه‪.‬‬
‫‪ -‬محدمات معنوية مثل المستوى الثقافي للمجتمع والروح المعنوية واأليديولوجيا‬
‫والعقائد السائدة ودرجة الوحدة والتماسك الداخلي ومستوى الوالء بين السلطة‬
‫والشعب‪.‬‬
‫ب‪ -‬المحددات الخارجية (الموضوعية)‪ :‬وتتمثل في ‪:‬‬
‫‪ -‬البيئة الدولية‪.‬‬ ‫‪ -‬البيئة اإلقليمية‪.‬‬ ‫‪ -‬البيئة المحاذية‪.‬‬
‫ولما كان من غير الممكن في هذه العجالة أن نتناول بالتفصيل كل هذه المتغيرات‬
‫وتفاعالتها عبر العقود الماضية‪ ،‬فإننا سنعمل على تلخيص هذه المحددات قدر اإلمكان‪.‬‬
‫المحددات الداخلية‬
‫أوال‪ :‬المحددات المادية‬
‫‪ -8‬العامل الجغرافي‪:‬‬
‫تبلغ مساحة األردن حوالي (‪ )09‬ألف كم ‪ ،3‬وتتسم بطول حدودها البرية من ناحية‬
‫وقصر حدودها البحرية من ناحية أخرى‪ ،‬وقد أدى موقع األردن إلى التأثير سلبا‬
‫وإيجابا على سياساته الخارجية من حيث االنخراط في مشکالت فرضها هذا الموقع‬
‫وأهمها‪:‬‬
‫‪- 238 -‬‬
‫‪-‬‬
‫أ‪ -‬االرتباط الجغرافي والتاريخي بفلسطين جعل القضية الفلسطينية أحد أهم قضايا‬
‫السياسة الخارجية األردنية‪ .‬لقد تداخلت مالبسات القضية الفلسطينية مع تفاصيل السياسة‬
‫الخارجية األردنية منذ نشوء اإلمارة في شرق األردن‪ ،‬ثم تقسيم فلسطين‪ .‬وتمكن الجيش‬
‫األردني من الحفاظ على أجزاء من القدس في حرب ‪ ،8841‬ثم الوحدة بين ضفتي نهر‬
‫األردن عام ‪ ،8850‬إلى حرب ‪ ،8847‬وحرب ‪ 8873‬التي شارك فيها الجيش األردني‬
‫على الجبهة السورية‪ ،‬ثم انعكاسات االنتفاضات الفلسطينية في األراضي المحتلة على‬
‫المجتمع واالقتصاد والسلوك السياسي الداخلي والخارجي لألردن‪.‬‬
‫ويمكن القول بأن القضية الفلسطينية أخذت الحيز األكبر من النشاط السياسي األردني‪،‬‬
‫وال شك أن التجاور الجغرافي والتداخل التاريخي والسكاني كان من العوامل المركزية‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬قرب األردن من منابع النفط‪ ،‬جعله مجاورة للمناطق التنافس الدولي على مصادر‬
‫الطاقة‪.‬‬
‫فعند العودة لفترة الخمسينات من القرن الماضي بعد أن بدأ ظهور النفط في الخليج‬
‫العربي‪ ،‬نجد أن التنافس الدولي أخذ شكل بناء األحالف العسكرية (مثل حلف بغداد) أو‬
‫شكل معاهدات الصداقة والتعاون التي عقدها االتحاد السوفييتي مع عدد من الدول‬
‫العربية في فترة الحقة‪ .‬وانعكس ذلك كله على شكل مطالب سياسية من المجتمع الدولي‬
‫وتحديدا من القوى الكبرى موجهة لدول المنطقة ومن بينها األردن‪ .‬وكانت االستجابة‬
‫لبعض هذه المطالب تثير توترة داخلية في األردن بين السلطة والشعب‪ ،‬وأحيانا بين‬
‫مكونات الشعب ذاته‪ .‬وأحيانا أخرى كانت االستجابة للمطالب الداخلية الشعبية‬
‫والحزبية‪ ،‬كما حدث في حرب الخليج طيلة فترة التسعينات من القرن الماضي‪ ،‬يعرض‬
‫األردن لضغوط الدول الكبرى‪ .‬ومن هنا شكلت محاولة التوازن بين مطالب القوى‬
‫الدولية ومطالب القوى الداخلية بوصلة السياسة الخارجية األردنية في أغلب مراحلها‪.‬‬
‫‪ - -‬و‪- 32‬‬
‫ج‪ -‬قرب األردن من مصر بكل ما لها من ثقل في المنطقة العربية جعلها تتأثر إلى حد‬
‫بعيد بنمط السياسات التي تنتهجها مصر‪ .‬ويقر الدارسون للتاريخ السياسي للمنطقة‬
‫العربية بالدور المركزي لمصر في السياسات العربية‪ ،‬وهو دور حاولت بعض القوى‬
‫العربية أن تنافسه في فترات معينة ال سيما خالل الفترة من ‪ 88528870‬التي تعرف في‬
‫األدبيات العربية بالحقبة الناصرية‪ ،‬وبخاصة عندما طرحت مصر سياسات لم تستسغها‬
‫السياسة األردنية‪ ،‬مما أدى لتوتر العالقة بين الطرفين وهي السمة األغلب على عالقتهما‬
‫خالل تلك الفترة‪ .‬ولما كان النظام الناصري قد وجد تعاطفة من بعض قطاعات المجتمع‬
‫األردني‪ ،‬فقد عملت السياسة األردنية على حصر هذا االمتداد األيديولوجي المصري‪ .‬إن‬
‫ذلك يمثل دليال على أهمية الموقع الجغرافي لألردن كمحدد للسياسة الخارجية األردنية‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬فإن موقع األردن بين ست دول (العراق‪ ،‬سوريا‪ ،‬فلسطين‪ ،‬إسرائيل‬
‫السعودية‪ ،‬مصر) منحها بعض المزايا‪ ،‬لكنه فرض عليها بعض األعباء‪ ،‬فتجارة هذه‬
‫الدول تحتاج في أغلب األحيان للمرور من األردن‪ ،‬وهو ما يعزز أهمية األردن وقدرتها‬
‫التفاوضية مع هذه الدول‪ .‬وقد كان ذلك واضحا في اعتماد العراق على األردن في‬
‫تجارته الخارجية منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي‪ ،‬كما أن تردي العالقات‬
‫العراقية السورية خالل الفترة نفسها تقريبا دفع سوريا لالعتماد على األردن لتمرير‬
‫سلعها نحو األسواق الخليجية‪ ،‬وهو ما فعله لبنان كذلك‪ ،‬كما تعتمد السوق الفلسطينية‬
‫بقدر غير قليل على السوق األردنية‪.‬‬
‫لكن هذا الموقع فرض أعباءة على األردن‪ ،‬فاالضطراب السياسي في أي من هذه الدول‬
‫يمتد إلى األردن في بعض األحيان‪ ،‬سواء امتدادة مباشرة‪ ،‬كالمشكلة الفلسطينية والعراقية‬
‫أو غير مباشر من خالل االمتداد األيديولوجي لبعض التنظيمات السياسية‪.‬‬
‫د‪ -‬نظرة لشح الموارد االقتصادية وضيق المساحة الزراعية في األردن‪ ،‬فقد كان أقل‬
‫قدرة‬
‫على مواجهة الضغوط في هذا الجانب‪ ،‬وهو ما جعل سياسة المساعدات الدولية لألردن‬
‫هدفا تبحث عنه السياسة الخارجية األردنية لكنه يحمل في طياته نتائج سياسية مختلفة‬
‫األبعاد‪ ،‬قد تجعل هامش المناورة أمام صانع القرار أضيق احيانا‪.‬‬
‫‪- 240 -‬‬
‫‪-‬‬
‫هادی افتقاد األردن إلى العمق االستراتيجي وتمركز السكان في مناطق قريبة من‬
‫نقاط التوتر إلى التأثير على القدرة على المناورة‪.‬‬
‫‪ -3‬العامل السكاني‪:‬‬
‫يعد األردن من الدول الصغيرة سكانية‪ ،‬وهو األمر الذي دفع صانع القرار إلى من قانون‬
‫التجنيد اإلجباري لمواجهة المخاطر المختلفة‪ ،‬كما أن محدودية العدد السكاني دفع‬
‫األردن في فترات معينة لقبول تمركز قوات عربية على أراضيه لتعويض الحاجة‬
‫البشرية من ناحية ثانية‪ .‬كما أثرت الهجرات الفلسطينية القسرية بسبب االحتالل‬
‫الصهيوني إلى زيادة االلتزام األردني تجاه القضية الفلسطينية‪.‬‬
‫‪-2‬المحددات االقتصادية‪:‬‬
‫تتمثل آثار المحددات االقتصادية على السياسة الخارجية األردنية في‬
‫أ‪ -‬التبعية‪ :‬نتيجة شح الموارد والتبعية في مجاالت التكنولوجيا المدنية والعسكرية‪،‬‬
‫ضاق هامش المناورة أمام صانع القرار السياسي‪ ،‬إذ من المعلوم أن االقتصاد يمثل أحد‬
‫أهم أدوات السياسة الخارجية للدول الكبرى على وجه التحديد‪ ،‬وهو ما تستغله في‬
‫التأثير على السلوك السياسي الخارجي للدول الصغری کاألردن‪.‬‬
‫وتبرز مالمح هذه التبعية نتيجة‪:‬‬
‫‪ -‬عدم االكتفاء الذاتي في المجال الغذائي‪.‬‬
‫‪ -‬عدم االكتفاء الذاتي في المجال الصناعي‪.‬‬
‫‪ -‬العجز الدائم في الميزان التجاري‪.‬‬
‫‪ -‬سياسة االقتراض وتلقي المساعدات‪.‬‬
‫‪ -‬اإلنفاق الدفاعي ‪ -‬تحويالت العاملين األردنيين في الخارج تجعل الدولة أسيرة في‬
‫سياستها الخارجية‬
‫األخذ مصالح تلك الدول التي يعمل فيها األردنيون في االعتبار‪.‬‬
‫ب‪ -‬القبول بسياسات تكيف هيكلية تمليها الدول الغنية أو المؤسسات االقتصادية‬
‫الدولية‪ ،‬األمر الذي يؤثر على مبدأ السيادة‪.‬‬
‫‪-241 --‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المحددات المعنوية‪:‬‬
‫عند مقارنة األردن بغيرها من دول العالم النامية‪ ،‬يمكن اعتبارها ضمن األكثر استقرارة‪،‬‬
‫ولعل هذه الميزة تجعل صانع القرار أكثر قدرة على حشد التأييد لسياساته الخارجية‪ .‬من‬
‫ناحية أخرى تعد األردن من الدول المتجانسة دينية إلى حد ما‪ ،‬مما يجعل الجبهة الداخلية‬
‫قادرة على المساندة لصانع القرار في لحظة األزمة‪.‬‬
‫وقد ألقت مالبسات القضية الفلسطينية بظاللها على درجة التماسك الداخلي والوحدة‬
‫الوطنية نتيجة التداخل الفلسطيني األردني في البنية السكانية‪ ،‬رغم أن هذا االلتباس لم‬
‫يكن ذا مسار خطي بل متذبذبة في اتجاهاته من حين آلخر‪.‬‬
‫ويمكن اعتبار األردن ضمن الدول التي حققت مستوى تعليمية جيدة‪ ،‬فنسبة األمية في‬
‫األردن طبقا لتقارير التنمية البشرية هي في حدود ‪ ،٪80‬وهو أمر يساعد‬
‫صانع القرار على إيصال رسالته لمجتمعه دون عناء‪ ،‬ويجعل المجتمع أقل تأثرة بالدعاية‬
‫المناهضة ألهدافه وسياساته‪.‬‬
‫المحددات الخارجية‬
‫استنادا للبيئات الثالث التي أشرنا إليها في تحديد المحددات الخارجية‪ ،‬سنعمل على‬
‫تناول أهم متغير في كل بيئة منها‪.‬‬
‫‪ -3‬البيئة المحاذية‪ :‬تمثل القضية الفلسطينية من ناحية والقرب من مناطق الطاقة من‬
‫ناحية أخرى أبرز تأثيرات البيئة المحاذية على السياسة الخارجية األردنية‪.‬‬
‫‪ -2‬البيئة اإلقليمية‪ :‬وتتمثل في األيديولوجيات القومية والدينية التي سادت المنطقة‪،‬‬
‫ومحاوالت الوحدة العربية وبناء التحالفات بين الدول العربية‪ ،‬ثم التنظيمات العربية‬
‫سواء الجامعة العربية أو النظم اإلقليمية العربية الفرعية كمجلس التعاون الخليجي أو‬
‫اتحاد المغرب العربي‪ ،‬ناهيك عن االتفاقيات العربية المختلفة في‬
‫قطاعات متعددة‪.‬‬
‫‪ -2‬البيئة الدولية‪ :‬ويمكن اعتبار أبرز مالمحها في سياسات الدول الكبرى تجاه‬
‫المنطقة‪ ،‬ودور األمم المتحدة‪ ،‬والتفاعالت االقتصادية العالمية وظاهرة العولمة‪ ،‬إلى‬
‫‪- 242 -‬‬
‫‪-‬‬
‫جانب التأثيرات الثقافية العالمية من نظريات ورؤى مختلفة (كنظريات الصراع‬
‫الحضاري‪ ،‬ونهاية التاريخ‪ ،‬والماركسية)‪ ،‬ناهيك عن االنتماء اإلسالمي لألردن‪ ،‬والذي‬
‫يشكل فضاء للسياسة الخارجية األردنية ويتضح في النشاط الدبلوماسي األردني في‬
‫منظمة المؤتمر اإلسالمي‪.‬‬
‫والفصل بين البيئات الثالث السابقة هو فصل نظري للمساعدة على فهم الصورة العامة‪،‬‬
‫لكن الواقع ال يعرف انفصاال بين هذه البيئات في تفاعالتها‪ ،‬إذ تنعكس معطيات كل بيئة‬
‫على البيئات األخرى‪ ،‬فالقضية الفلسطينية هي قضية أردنية داخلية بحكم التاريخ‬
‫والجغرافيا والبنية المجتمعية‪ ،‬ولكنها قضية عربية ودولية في الوقت نفسه مما يعني‬
‫ضرورة إدراك التداخل بين هذه البيئات‪.‬‬
‫وموضوع النفط هو قضية دولية من ناحية‪ ،‬ولكن التنافس عليه انعكس على المنطقة‬
‫العربية التي يمثل األردن أحد أركانها‪ ،‬ناهيك عن تأثيراته الداخلية من الناحية‬
‫االقتصادية‪ .‬قليل السياسة الخارجية األردنية في ضوء المحددات‪ :‬األهداف واألدوات‪:‬‬
‫يستهدف تحليل السياسة الخارجية األردنية محاولة معرفة مدى قدرة صانع القرار على‬
‫التوفيق بين المحددات التي تقيد الحركة وبين تحقيق أكبر قدر ممكن من األهداف التي‬
‫خطتها الدولة لذاتها‪ .‬وبعد أن بينا محددات السياسة الخارجية األردنية‪ ،‬نحاول تحديد‬
‫أهداف هذه السياسة‪.‬‬
‫يجمع الباحثون في مجال السياسة الخارجية على أن أهداف أية دولة تتمثل في نمطين‬
‫من األهداف‪:‬‬
‫‪ -3‬األهداف االستراتيجية العليا‪ ،‬وتتمثل في‪:‬‬
‫أ‪ -‬حماية إقليم الدولة‪ ،‬ونعني بذلك السالمة اإلقليمية وعدم اقتطاع أي جزء من‬
‫هذا اإلقليم تحت أي ظرف من الظروف‪.‬‬
‫ب‪ -‬حماية النظام السياسي للدولة‪ ،‬ويتمثل في عدم قبول تدخل أية دولة أو منظمة‬
‫‪- 243 --‬‬
‫إقليمية أو دولية أو أية جهة خارجية في الدولة بهدف تغيير نظامها السياسي‪ .‬ج‪ -‬ضمان‬
‫المصالح االستراتيجية التي يؤدي المساس بها إلى إيقاع ضرر كبير على سالمة الكيان‬
‫أو النظام أو الشعب (مثل مصادر المياه في األردن‪ ،‬أو المساس بالوحدة الوطنية)‪.‬‬
‫‪ -3‬األهداف االستراتيجية الدنيا‪ :‬وتتمثل في‪:‬‬
‫أ‪ -‬رعاية المصالح األخرى للمجتمع غير الواردة في مجموعة المصالح اإلستراتيجية‬
‫العليا‪ ،‬مثل العالقات اإلقتصادية العادية‪ ،‬كالتجارة والسياحة والمعامالت المالية ‪ ،‬أو‬
‫العالقات الثقافية أو غيرها‪.‬‬
‫ب‪ -‬ضمان مكانة مرموقة لها بين الدول‪ ،‬وتتمثل في تعزيز السمعة الحسنة للدولة‪،‬‬
‫مما يشجع الدول األخرى على تطوير عالقاتها معها‪.‬‬
‫ج‪ -‬حماية رموزها التاريخية أو الدينية أو غيرها‪ ،‬سواء من خالل الدعاية المضادة أو‬
‫التشويه الثقافي أو غيره‪.‬‬
‫د‪ -‬ضمان التطور العلمي واالقتصادي واالجتماعي‪ ،‬من خالل تعزيز شبكة‬
‫عالقات الدولة مع الدول األخرى‪.‬‬
‫وتتعامل الدول مع األهداف االستراتيجية العليا على أنها أهداف قد تذهب الدولة من أجل‬
‫ضمانها إلى استخدام جميع األدوات المتاحة لها بما فيها الحرب‪ .‬أما األهداف‬
‫االستراتيجية الدنيا‪ ،‬فإن الدولة تحاول جهدها عبر وسائل دون الحرب أن تحققها‪ ،‬وهو‬
‫أمر يعتمد على كفاءتها الديبلوماسية وقدرتها على توظيف إمكاناتها المتاحة لبلوغ‬
‫غاياتها‪ .‬وقد عملت السياسة الخارجية األردنية على تحقيق النمطين من األهداف‬
‫مسترشدة بعدد من المبادئ الحاكمة لسلوكها السياسي هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الموازنة بين المصلحة الوطنية والمصلحة القومية‪.‬‬
‫ب‪ -‬دعم التوجهات العربية لتطوير العمل العربي المشترك باتجاه بلوغ الوحدة العربية‪.‬‬
‫ج‪-‬االستجابة لمطالب البيئة الدولية بشكل يساعد على توفير فرص تحقيق الهدفين‬
‫السابقين‪.‬‬
‫وعند مراجعة التاريخ السياسي لألردن‪ ،‬نجد أن المحددات الخارجية بشكل‬
‫‪- - 244 -‬‬
‫خاص تجعل مهمة تحقيق األهداف ال سيما االستراتيجية العليا منها أمر بالغ التعقيد‪،‬‬
‫وقد اتضح ذلك بشكل جلي في حرب ‪ 3917‬عندما فقد األردن الضفة الغربية التي كانت‬
‫جزءا من إقليمه السياسي‪ ،‬وهو ما يعني المس بمصالحه االستراتيجية العليا‪.‬‬
‫ولعل الخلل الهائل في موازين القوى السياسية والعسكرية واالقتصادية من ناحية‪،‬‬
‫وسياسات الدول الكبرى ال سيما الواليات المتحدة ومساندتها المطلقة اإلسرائيل من ناحية‬
‫أخرى أبرز ثقل المحددات الخارجية وتقييدها لحركة صانع القرار األردني‪ ،‬ولم يكن‬
‫للعالقات األردنية األمريكية أثر واضح في قدرة األردن على استعادة ذلك الجزء الذي‬
‫اقتطع منه‪ ،‬رغم الجهود المضنية التي بذلها األردن مع الواليات المتحدة في هذا االتجاه‪.‬‬
‫مقابل ذلك‪ ،‬نجحت السياسة الخارجية األردنية في ضمان استقرار النظام السياسي‪ ،‬من‬
‫خالل شبكة عالقات كانت بؤرتها العالقات األمريكية ‪ -‬األردنية والعالقات البريطانية ‪-‬‬
‫األردنية‪.‬‬
‫فقد واجه النظام السياسي مراحل تذبذبت خاللها حدة المخاطر من حوله‪ ،‬ويتضح ذلك في‬
‫الفترة من ‪ ،8857-8855‬والفترة ‪ ،8870-8847‬لكنه تمكن بفعل ضمان قاعدة تأييد‬
‫شعبية كافية ووالء من المؤسسة العسكرية‪ ،‬وبفعل توظيف لعالقاته الدولية واإلقليمية‪،‬‬
‫من تجاوز هذه المخاطر‪ ،‬ال سيما خالل فترة الخمسينات ومطلع السبعينات من القرن‬
‫الماضي‪.‬‬
‫وأدرك صانع القرار السياسي النتائج البعيدة للتحوالت الدولية العميقة التي تلت تغير‬
‫بنية الصراع العربي اإلسرائيلي بعد أن عقدت مصر معاهدة السالم مع إسرائيل عام‬
‫‪ ،3979‬وانهار االتحاد السوفييتي عام ‪ ،3993‬وانغمس العراق في أزمات خليجية‬
‫متالحقة‪ ،‬وهو األمر الذي انتهى إلى إعالن معاهدة سالم بين األردن وإسرائيل عام‬
‫‪ ،3991‬بينت الحدود السياسية لألردن وضمنت مصادر مائية بشكل اعتبر فيه صانع‬
‫القرار ذلك بمثابة ضمان هدف استراتيجي أعلى هو الحفاظ على إقليم الدولة‪ ،‬ال سيما‬
‫مع وجود تيار سياسي في إسرائيل كان (وما زال) يرى أن حل القضية الفلسطينية‬
‫يمكن أن يتم على حساب األردن‪.‬‬
‫‪- 245 --‬‬
‫وهذا يعني أن النظام السياسي نجح في الحفاظ على ذاته‪ ،‬كمصلحة استراتيجية عليا‬
‫يعني بها كل نظام سياسي‪ ،‬ولكن بشكل يفوق كثيرة قدرة النظام على الحفاظ على‬
‫وحدته اإلقليمية بعد فقدان الضفة الغربية‪.‬‬
‫أما المصالح االستراتيجية الدنيا‪ ،‬فإن مجالها اإلقليمي أكثر أهمية من مجالها الدولي‪ ،‬أي‬
‫أن تحقيقها يعتمد على العالقات األردنية مع الدول العربية أكثر من اعتماده على‬
‫العالقات األردنية الدولية‪ ،‬مثل التجارة الخارجية‪ ،‬وضمان فرص العمل لألردنيين في‬
‫الدول العربية ال سيما الخليجية منها‪ ،‬وقدرة األردن على لعب دور الوسيط أحيانا في‬
‫الخالفات العربية مما يساهم في تعزيز مكانة الدولة‪..‬‬
‫وقد كانت القدرة على التوفيق بين المحددات واألهداف في هذا الجانب نسبية‪ ،‬ففي جانب‬
‫التجارة الخارجية يالحظ أن األردن يحتل المركز األول (إذا استثنينا الصومال لظروفها‬
‫الخاصة جدا) في نسبة تجارته الخارجية مع الدول العربية من إجمالي تجارته‪ ،‬حيث‬
‫وصلت عام ‪ 2008‬طبقا للتقرير االقتصادي العربي إلى ‪ ،%28،4‬وهو ما يعني نجاحا‬
‫في الحفاظ على سوق عربي لمنتجاته‪ .‬لكن الحاجة األردنية للطاقة النفطية تمثل في كثير‬
‫من األحيان عبئا في كيفية التعامل معها‪ .‬فقد نجح األردن في فترة ما بعد قيام الثورة‬
‫اإليرانية عام ‪ 8878‬من تطوير عالقاته مع العراق‪ ،‬وضمان الحصول على النفط‬
‫بأسعار تفضيلية (ال سيما مع حاجة العراق لمنفذ له من ميناء العقبة)‪ ،‬غير أن تغير‬
‫النظام السياسي في العراق عام ‪ ،2003‬وارتفاع أسعار النفط بشكل كبير‪ ،‬دفع صانع‬
‫القرار لمواجهة المشكلة ورفع األسعار في السوق األردنية‪.‬‬
‫أما بخصوص ضمان فرص عمل األردنيين في الدول العربية لضمان تدفق تحويالتهم‬
‫المالية وامتصاص جزء من البطالة‪ ،‬يمكن القول إنه باستثناء فترة حرب الخليج التي‬
‫تلت احتالل العراق للكويت عام ‪ 3993‬وترتب عليها عودة آالف العاملين األردنيين إلى‬
‫األردن مما أثر على االقتصاد األردني‪ ،‬فإن المناطق العربية األخرى بقيت إلى حد ما‬
‫مفتوحة أمام األيدي العاملة األردنية‪ ،‬كما نجح األردن في االستعادة التدريجية مجاالت‬
‫العمل في الكويت بعد غزو الواليات المتحدة للعراق ‪.3882‬‬
‫‪ 642 -‬۔ ۔‬
‫وقد أدت تفاعالت السياسة الخارجية األردنية مع الزمن إلى عدد من التحوالت في هذه‬
‫السياسة خالل المراحل المختلفة على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -3‬التحول من اعتبار القضية الفلسطينية قضية ذاتية إلى اعتبارها قضية تدخل ضمن‬
‫المصالح االستراتيجية العليا‪ .‬وقد تأثر ذلك بقرار القمة العربية عام ‪ 8874‬باعتبار‬
‫منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫األردن يرى أن القرار بخصوص القضية الفلسطينية ذاتها هو شأن فلسطيني‪،‬‬
‫لكن تداعيات هذه القرارات تدخل ضمن المصالح االستراتيجية العليا لألردن‪.‬‬
‫‪ -2‬اعتبار البيئة اإلقليمية هي األيسر لتطوير االقتصاد األردني‪ ،‬إذ يعتمد االقتصاد‬
‫األردني بنسبة هامة على التجارة مع الدول العربية وعلى تحويالت العاملين في الدول‬
‫العربية بشكل أساسي‪ ،‬ناهيك عن الحاجة الماسة للنفط من الدول العربية‪ ،‬إلى جانب أن‬
‫األجواء والطرق البرية نحو األردن تحتاج لحدود مفتوحة مع الدول العربية المحيطة‬
‫باألردن‪ ،‬ومن هنا فإن األردن معني في سياسته الخارجية بالدول‬
‫المجاورة أكثر من عنايته بالنظم السياسية في هذه الدول‪.‬‬
‫‪ -3‬تبادل المنافع بين األردن والدول الكبرى‪ ،‬ال سيما الواليات المتحدة‪ ،‬سواء أخذ‬
‫ذلك شكل التعاون السياسي أو األمني من ناحية (وهو النمط الذي ساد فترة الحرب‬
‫الباردة أو تقديم المساعدات من الدولة الكبرى من ناحية ثانية‪ ،‬وقد شكلت المساعدات‬
‫العسكرية األمريكية لألردن حتى أزمة الخليج عام ‪ 8888‬ما نسبته ‪ ٪55‬من المساعدات‬
‫بينما نسبة المساعدات االقتصادية ‪ %45‬لكن ذلك ال يعني االتساق الدائم بين األردن‬
‫والواليات المتحدة‪ ،‬ففي ازمة الخليج األولى بين العراق والكويت عام ‪ 8888‬تباعدت‬
‫المواقف بين البلدين‪ ،‬ومارست الواليات المتحدة ضغوطة اقتصادية على األردن‪ .‬وحدث‬
‫الشيء نفسه في حرب ‪ ،8847‬وعند عدم انضمام األردن لمصر في اتفاقية كامب ديفيد‬
‫عام ‪ ،8878‬أو عند االعتراف بمنظمة التحرير ممثال شرعية وحيدة للشعب الفلسطيني‬
‫عام ‪.8874‬‬
‫والمالحظ أن القرارات االستراتيجية العليا في السياسة الخارجية األردنية‪ ،‬ال‬
‫‪- 247‬‬
‫سيما مع ال واليات المتحدة هي بيد القصر أكثر من كونها سياسة الحكومة‪ ،‬فبمراجعة‬
‫البيانات الوزارية من ‪ ،2000-8853‬لم يرد ذكر الواليات المتحدة في هذه البيانات إال‬
‫مرتين‪ .‬يدرك صانع القرار كذلك أن صورة الواليات المتحدة في الذهن الشعي األردني‬
‫هي صورة سلبية‪ ،‬فقد دل استطالع للرأي العام عام ‪ 2003‬أن ‪ %74‬من األردنيين‬
‫يعتقدون أن السياسة األمريكية في المنطقة العربية هي سياسة غير عادلة‪ .‬بل إن صانع‬
‫القرار لديه مثل هذا التصور حول الواليات المتحدة‪ ،‬ففي خطاب له أمام ندوة دولية في‬
‫السويد في أكتوبر عام ‪ 2003‬قال الملك عبد هللا الثاني " لسوء الحظ‪ ،‬فإن الواليات‬
‫المتحدة ما زالت إلى حد ما لها نظرة تبسيطية وتفتقر للحساسية الثقافية التي تحتاجها ليس‬
‫في منطقتنا فقط‪ ،‬وثمة إدراك في الشرق األوسط بأن األمريكيين منحازون"‪ .‬ومن هنا‬
‫تكون معضلة السياسة الخارجية األردنية في هذا الجانب في كيفية التوفيق بين عالقة‬
‫متنامية مع الواليات المتحدة من ناحية وصورة سلبية لسياستها عند صانع القرار والشعب‬
‫من ناحية ثانية‪.‬‬
‫وأما العالقات األردنية – األوروبية‪ ،‬فإن أبرز جوانبها المعاصرة يعود لعام ‪،8877‬‬
‫عندما تم التوقيع بين األردن والسوق األوروبية على اتفاقية التعاون‪ ،‬والتي أفرزت أربعة‬
‫بروتوكوالت مالية وفنية حتى عام ‪ ،8885‬حيث تلقى األردن مساعدات من أوروبا في‬
‫جوانب عدة‪ .‬ثم تطورت العالقة بتوقيع اتفاقية أغادير في عام ‪ 2004‬بهدف إقامة منطقة‬
‫تبادل للتجارة الحرة (ووقع مع األردن كل من تونس والمغرب ومصر) وباتفاقية‬
‫الشراكة‪ .‬ويدرك األردن أن الدور األوروبي السياسي في المنطقة العربية ال سيما في‬
‫مجال حل مشكالتها ما زال دون القدرة على تحديد مسار األحداث‪ ،‬ومن هنا ركز‬
‫األردن على الجوانب االقتصادية في العالقة مع أوروبا‪.‬‬
‫ويسعى األردن إلى تطوير عالقاته مع كل من الصين وروسيا واليابان‪ ،‬مع مالحظة أن‬
‫هذه العالقات يطغى عليها الجانب االقتصادي بشكل أساسي‪.‬‬
‫تقييم السياسة الخارجية األردنية‪:‬‬
‫عند تقييم سياسة أية دولة من الدول‪ ،‬ال بد من الربط بين األهداف والمحددات‪ ،‬فكلما‬
‫كانت المحددات أقل سلبية في تأثيرها يفترض أن تحقق الدولة نسبة أعلى من‬
‫‪- 248 -‬‬
‫‪-‬‬
‫ته‬

‫األهداف والعكس صحيح‪ .‬فإذا نظرنا في األهداف المركزية لألردن في ظل المحددات‬


‫التي أشرنا إليها نجد عددا من المؤشرات‪:‬‬
‫‪ -6‬تمكن النظام السياسي من الحفاظ على استقراره وبقائه خالل أكثر من نصف‬
‫قرن‪ ،‬رغم أن المنطقة التي ينتمي لها األردن تعد من أكثر المناطق في العالم من حيث‬
‫عدم االستقرار‪ .‬وقد نجح النظام السياسي في التكيف مع المتغيرات اإلقليمية والدولية‪،‬‬
‫وانخرط في تفاعالت سياسية معقدة‪ ،‬كانت تصل في بعض األحيان حد األزمة الحادة‪ ،‬ال‬
‫سيما في حمي فترة الحرب الباردة‪ ،‬لكنه تمكن من نسج تحالفات مع دول إقليمية أو دولية‬
‫ال سيما الغربية مكنته من القدرة على مقاومة المخاطر بنجاح ال لبس فيه‪ .‬ومن المعلوم‬
‫أن هدف البقاء هو هدف استراتيجي لكل نظام سياسي كما سبق وان أشرنا‪.‬‬
‫‪ -2‬صحيح أن النظام لم يتمكن بفعل اختالل شديد في موازين القوى اإلقليمية والدولية‬
‫من الحفاظ على تكامل إقليمه السياسي بفقدان الضفة الغربية عام ‪ ،8847‬كما ذكرنا‬
‫سابقا‪ ،‬لكنه نجح من خالل المعاهدة مع إسرائيل في ضمان عدم امتداد المشروع‬
‫الصهيوني إلى األردن‪ ،‬حيث رسمت الحدود السياسية للدولة من هذه الناحية‪.‬‬
‫‪ -3‬تمكن النظام السياسي من تحقيق تطور اقتصادي وتعليمي رغم الشح الشديد في ‪.‬‬
‫موارده‪ ،‬وقد كان لفتح األسواق العربية للعمالة األردنية الماهرة بفعل التطور التعليمي‬
‫والمساعدات الدولية التي كثيرا ما ربطت بسياسات معينة دورها في ذلك‪ .‬فبمقارنة‬
‫األردن مع غيره من الدول النامية‪ ،‬نجد تميزة واضحة في هذا المجال‬
‫ويمثل نجاحا للسياسة الخارجية للدولة‪.‬‬
‫‪ -1‬تميز النظام السياسي بمرونة االستجابة للتغيرات الدولية‪ ،‬وبرز ذلك في العمل على‬
‫فتح المجال للتطور الديمقراطي‪ ،‬ومع أن النصوص الدستورية والقانونية متقدمة على‬
‫الممارسة الفعلية‪ ،‬إال أن النظام يسير باتجاه االستجابة للمطالب الداخلية والخارجية‬
‫بهذا الخصوص‪ ،‬وهو ما يوسع آفاق حركته في مجال السياسة الخارجية‪.‬‬
‫‪ -5‬ما زال وضع وتنفيذ السياسة الخارجية للدولة بحاجة لتطوير‪ ،‬ال سيما من ناحية‬
‫‪- 249 -‬‬
‫توسيع قاعدة المشاركة في صياغتها‪ ،‬إذ يتبين لنا مما سبق أن دور الحكومة ومجلس‬
‫األمة واألحزاب في صياغة هذه السياسة هو دور هامشي‪.‬‬
‫‪ -3‬التحديات االقتصادية‬
‫حتى منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي‪ ،‬كان االقتصاد األردني يعتمد إلى حد‬
‫كبير على ثالثة مرتكزات لتحقيق االستقرار وهي‪ :‬المساعدات الخارجية‪ ،‬والسياحة‪،‬‬
‫وتحويالت األردنيين المغتربين والعاملين في بلدان الخليج العربي بشكل خاص‪ .‬إال أنه‬
‫في النصف الثاني من الثمانينات تراجع حجم المساعدات‪ ،‬وصحب ذلك هبوط في‬
‫اإليرادات السياحية والتحويالت المالية‪ ،‬دون أن تتكيف الحكومات مع الواقع الجديد حيث‬
‫استمرت بنفس وتأثير اإلنفاق السابق‪ ،‬وكأن شيئا لم يكن‪ ،‬وهو األمر الذي أدي في نهاية‬
‫المطاف إلى تفاقم المديونية وعجز الخزينة من السداد مما أدى إلى انهيار الدينار عام‬
‫‪ ،8818‬مما أدى لدخول االقتصاد األردني‪ ،‬مضطرة‪ ،‬تحت إشراف صندوق النقد الدولي‬
‫الذي أدار العملية االقتصادية وعمل كضامن لألردن لدى المقرضين الذين فقدوا الثقة‬
‫باالقتصاد األردني‪ .‬لذلك عمل الصندوق خالل ما عرف ببرامج التصحيح االقتصادي‬
‫التي استمرت ‪ 84‬عاما على توفير أموال لالقتصاد بهدف سداد القروض المستحقة‪ .‬وقد‬
‫حقق الصندوق بغيته عن طريق إجبار األردن على انتهاج سياسة تقشفية وفرض ضريبة‬
‫المبيعات‪ ،‬التي لم يكن يعرفها األردن من قبل‪ ،‬وتحت شعار التخاصية (الخصخصة) ثم‬
‫بيع معظم أصول الدولة االستثمارية للقطاع الخاص المحلي واألجنبي‪.‬‬
‫وفي هذه األثناء وقع األردن في الفخ من جديد‪ ،‬حيث تعاظم حجم الديون العامة‪ ،‬وتزايد‬
‫حجم العجوزات في الموازنة العامة وفي الميزان التجاري في ظل أوضاع إقليمية ملتهبة‪.‬‬
‫ولهذا يجد األردن نفسه في موضع صعب في مواجهة الحفاظ على األمن الداخلي‬
‫والخارجي ومعالجة األوضاع االقتصادية الحرجة التي يمر بها‪.‬‬
‫ولدى محاولة اإللمام بالصورة الكاملة لهذه األوضاع‪ ،‬تبرز أمام األردن مجموعة من‬
‫التحديات التي ال بد له من التصدي لها‪ .‬وهذه التحديات هي كما يلي‪:‬‬
‫‪- 250 -‬‬
‫‪ -3‬تحدي الطاقة‪:‬‬
‫يعتبر األردن من أكثر بلدان العالم اعتمادا على مصادر الطاقة األجنبية‪.‬‬
‫يشكل نقص إمدادات الطاقة تحديا كبيرا لألردن بسبب افتقاره إلى مصادر محلية للطاقة‬
‫التقليدية (األحفورية))‪ .‬وبالتالي اضطراره للحصول عليها عبر االستيراد‪ ،‬إذ يستورد‬
‫األردن ما يزيد على ‪ %87‬من احتياجاته من الطاقة‪ ،‬وبما يشكل ‪ %28‬من الناتج‬
‫المحلي اإلجمالي و‪ %14‬من مجمل قيمة صادراته‪ ،‬وهو ما يشكل عبئا ثقيال على خزينة‬
‫الدولة‪ ،‬باإلضافة الحتماالت انقطاع إمدادات الطاقة المستوردة كما حدث بالنسبة للغاز‬
‫المصرية‪ ،‬ناهيك عن مخاطر التقلبات في أسعار اإلمدادات من مصادر الطاقة‬
‫المستوردة‪. .‬‬
‫لقد أدت التكاليف المرتفعة الستيراد النفط إلى زيادة االقتراض‪ ،‬وهو األمر الذي أدى‬
‫بدوره إلى ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي اإلجمالي إلى أكثر من ‪ 10 %‬وهي‬
‫نسبة تزيد بكثير عن نسبة الى ‪ ٪40‬التي من غير المسموح تجاوزها وفقا لما نص عليه‬
‫قانون الدين العام‪ ،‬بل إن رئيس الوزراء لفت األنظار إلى أن مشكلة الطاقة هي التي‬
‫تسببت بأكبر مشكلة لالقتصاد األردني‪ ،‬من حيث زيادة المديونية التي بلغت في باب دعم‬
‫الكهرباء لوحده ‪ 5‬مليارات دينار"‪.‬‬
‫ولمواجهة التحديات التي تفرضها أزمة الطاقة وتأثيراتها المباشرة على التنمية‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فقد تم تطوير استراتيجية وطنية شاملة لقطاع الطاقة في عام‬
‫‪ ،2004‬تم تحديثها عام ‪ 2007‬لتغطي الفترة (‪ )2020 -2007‬كان من أبرز أهدافها‬
‫تنويع مصادر الطاقة مع تعظيم نسبة المصادر المحلية في خليط الطاقة الكلي لتصل إلى‬
‫‪ %40‬عام ‪ ،2020‬بعد أن كانت ال تتعدى ‪ 3‬في المائة‪ .‬وقد أقرت االستراتيجية عددا من‬
‫(‪ )3‬المصادر األحفورية للطاقة هي النفط والغاز والفحم الحجري والصخر الزيتي‪)3( .‬‬
‫اعتمد األردن خالل األعوام القليلة الماضية على استيراد الغاز المصري لتوليد الطاقة‬
‫الكهربائية‪ ،‬إال أن‬
‫االنفجارات المتكررة على الخط الناقل للغاز ساهمت في تفاقم أزمة الطاقة في األردن من‬
‫خالل التحول إلى الوقود الثقيل األكثر كلفة بما ال يقارن مع كلفة الغاز المصري‪.‬‬
‫‪- 251 --‬‬
‫السياسات الجديدة‪ ،‬من أهمها التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة وتفعيل برامج كفاءة‬
‫الطاقة‪ ،‬وإدخال الصخر الزيتي كبديل لتوليد الطاقة الكهربائية وإنتاج الزيت الصخري‪،‬‬
‫وكذلك إدخال الطاقة النووية كبديل لتوليد الكهرباء‪.‬‬
‫أما بالنسبة لمشاريع الطاقة المتجددة فقد تم التركيز بشكل خاص على توليد الطاقة‬
‫الكهربائية من الطاقة الشمسية ومن طاقة الرياح‪.‬‬
‫كما تسعى وزارة الطاقة والثروة المعدنية للوصول إلى خليط من مصادر الطاقة األولية‬
‫عام ‪ 2020‬يتكون من‪:‬‬
‫‪ %40‬من المشتقات النفطية‪ ٪28 ،‬من الغاز الطبيعي‪ ٪.84 ،‬من الصخر الزيتي‪%80 ،‬‬
‫من الطاقة المتجددة‪ ٪4 ،‬من الطاقة النووية‪ ٪8 ،‬كهرباء مستوردة‪ ،‬على أن تكون ما‬
‫نسبته ‪ %38‬من المصادر المحلية و‪ %48‬من المصادر الخارجية‪ .‬ومما ال شك فيه أن‬
‫تراجع االعتماد على الخارج في الحصول على موارد الطاقة من ‪ %87‬حاليا إلى ‪48‬‬
‫عام ‪ ،2020‬يشكل‪ ،‬لو تحقق‪ ،‬إنجازا مهما من حيث أنه سيؤدي لتوفير طاقة مستدامة‬
‫وآمنة إلى درجة كبيرة‪.‬‬
‫وفي الحقيقة أن ثمة مؤشرات على جدية الجهات المسؤولة في الدولة في تحقيق‬
‫األهداف الواردة في استراتيجية الطاقة لتخفيض فاتورة النفط المستورد وللحفاظ على‬
‫البيئة وخلق أماكن عمل جديدة‪ ،‬ولعل من أهم هذه المؤشرات ما يلي‪:‬‬
‫‪ .3‬إنجاز البنية التحتية‪ ،‬بما في ذلك االنتهاء من بناء ميناء متخصص في العقبة‬
‫االستقبال شحنات الغاز المستورد من مصادر مضمونة وتفريغها في سفينة عائمة تم‬
‫استئجارها لهذا الغرض وتشكل احتياطية دائمة من الغاز لتزويد محطات الطاقة‬
‫الكهربائية بحاجتها من الغاز لتوليد ‪ %05‬من الطاقة الكهربائية المولدة في األردن‪،‬‬
‫مما يحقق وفرة يقدر ب ‪ 788‬مليون دوالر في فاتورة الطاقة األردنية السنوية‪ ،‬ويقلل‬
‫إلى حد كبير خسائر شركة الكهرباء الوطنية‪.‬‬
‫‪ .3‬التوسع في إطالق مشاريع الطاقة الشمسية كتوجه عام لمعظم المؤسسات في‬
‫الدولة‪ ،‬ولعل أضخم هذه المشاريع هو مشروع شمس معان لتوليد الطاقة‬
‫‪- 252 -‬‬
‫الكهربائية بواسطة الخاليا الكهروضوئية في محافظة معان‪ ،‬جنوب البالد‪ ،‬بقدرة توليدية‬
‫تبلغ نحو ‪ 840‬غيغاواط ‪ /‬ساعة‪ .‬ويعتبر هذا المشروع أضخم مشروع من نوعه في‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬حيث يستخدم المشروع ‪ 418‬ألف لوح شمسي تغطي مساحته مليوني‬
‫متر مربع و بحجم استثمارات يبلغ ‪ 870‬مليون دوالر ويوفر ‪ 500‬فرصة عمل خالل‬
‫مرحلة البناء هذا وقد انتشرت في هذه األثناء العديد من المشروعات المماثلة خصوصا‬
‫مشروعات األنظمة الصغيرة للطاقة المتجددة في كافة القطاعات المنزلية والصناعية‬
‫والتجارية والمؤسسات الحكومية ودور العبادة والمعاهد والجامعات وغيرها لتؤمن‬
‫احتياجاتها من الكهرباء وبيع الفائض للشبكة الكهربائية‪ ،‬وفقا‬
‫التعليمات أصدرتها هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن‪.‬‬
‫‪ .3‬البدء عملية في إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح‪ ،‬حيث أعلنت شركة الكهرباء‬
‫الوطنية ومشروع رياح األردن للطاقة المتجددة عن بدء التشغيل التجاري المشروع‬
‫مزرعة رياح الطفيلة عقب ربط المشروع بالشبكة العامة للكهرباء‪ .‬وقد وصل المشروع‬
‫إلى كامل طاقته التشغيلية البالغة ‪ 400‬غيغاواط ‪ /‬ساعة سنويا وقد بلغت تكلفة المشروع‬
‫‪ 217‬مليون دوالر‪ .‬ويتكون هذا المشروع من ‪ 31‬مروحة عمالقة لتوليد الطاقة النظيفة‬
‫من قوة الرياح‪ .‬وثمة مشروعات أخرى مماثلة يجري العمل على إنجازها‪ ،‬أحدها هو‬
‫مشروع مزرعة رياح الراجف معان‪ ،‬المكون من ‪ 48‬مروحة هوائية كل منها ذات قدرة‬
‫‪ 2‬ميغاواط‪ ،‬وبكلفة ‪ 831‬مليون دينار‪ ،‬وتبلغ الطاقة الكهربائية المنتجة من المشروع‬
‫‪385‬غيغاواط ‪ /‬ساعة في السنة‪ ،‬ومن المتوقع البدء في تشغيل المشروع‬
‫تجارية في أواخر عام ‪.2081‬‬
‫‪ .4‬وقعت الحكومتان األردنية والروسية مؤخرة االتفاقية اإلطارية لبناء وتشغيل أول‬
‫محطة للطاقة النووية في المملكة‪.‬‬
‫وتنص االتفاقية على مساهمة شركة روس آتوم الروسية بنسبة ‪ ٪19،8‬من‬
‫‪- 253 -‬‬
‫الكلفة اإلجمالية للمشروع‪ ،‬المقدرة بعشرة مليارات دوالر‪ ،‬بينما تساهم الحكومة األردنية‬
‫بنسبة ‪ ٪ 50،8‬لبناء محطة تضم مفاعلين قدرة كل منهما (‪ )8000‬ميغاواط لتوليد الطاقة‬
‫الكهربائية‪ ،‬وبالتالي تزويد المملكة بجزء من حاجتها للطاقة‬
‫الكهربائية‪.‬‬
‫‪ -2‬تحدي المياه‪:‬‬
‫ارتباط ملفي الطاقة والمياه‬
‫يعتبر األردن حاليا أحد أفقر عشرة بلدان في العالم في مصادر المياه‪ ،‬حيث تبلغ حصة‬
‫الفرد في األردن ‪ 850‬متر مكعبة من المياه‪ ،‬بينما يعرف حد الفقر المائي عالمية ب‬
‫‪ 8000‬متر مكعب للفرد الواحد سنوية‪ .‬وقد فاقم من أزمة نقص المياه تدفق أكثر من‬
‫مليون من الالجئين السوريين منذ اندالع الحرب األهلية في بالدهم قبل أربع سنوات‪.‬‬
‫هذا ويقدر حجم المصادر المائية المتاحة في األردن ما بين ‪ 100‬إلى ‪ 800‬مليون متر‬
‫مكعب من المياه سنويا‪ ،‬وهو ما يكفي حاجة ‪ 3‬ماليين نسمة في الوضع الطبيعي‪ .‬بينما‬
‫أصبح عدد المستفيدين من خدمات المياه في البالد حاليا يزيد على ‪ 80‬ماليين نسمة‪.‬‬
‫إن الحل الجذري لتحدي نقص المياه ال يمكن أن يتحقق بدون الحل الجذري التحدي‬
‫الطاقة‪ ،‬حيث أن حل مشکالت المياه يتطلب توفير الطاقة بأسعار مقبولة االستخدامها في‬
‫عمليات النقل والتحلية وإعادة التدوير والتخزين والتوزيع‪ ،‬وهي نشاطات تعتمد كلفتها‬
‫إلى حد بعيد على كلفة الطاقة‪ .‬وفي ظل األسعار الحالية فإن كلفة تحلية مياه البحر ونقلها‬
‫مسافة ‪300‬كم مثال يقدر بحوالي دينار وربع الدينار لكل متر مكعب من هذه المياه‪ ،‬وهي‬
‫كلفة باهظة بالنسبة لبلد كاألردن‪.‬‬
‫وعلى خلفية هذه اإلشكاليات أطلقت وزارة المياه والري عام ‪ 2085‬خطة استراتيجية‬
‫لرفع مخزون السدود المائية في األردن‪ ،‬والبالغة حاليا ‪ 327‬مليون متر مكعب‪ ،‬إلى أكثر‬
‫من ‪ 400‬مليون متر مكعب‪ .‬كما أن العمل جار على بناء المزيد من السدود والحفائر‬
‫المائية للتغلب على الواقع المائي الصعب الناجم عن عدم توفر مياه سطحية في المملكة‪.‬‬
‫‪- 254 -‬‬
‫ويرى بعض الخبراء في الشؤون المائية أن االستراتيجية الحالية التي تقوم على تطوير‬
‫مصادر داخلية للمياه ال تفيد كثيرة نظرا لحجم الكميات المطلوبة سنوية من المياه والتي‬
‫تزيد كثيرة عن الكميات التي يمكن أن توفرها السدود‪ ،‬وهو األمر الذي يدفع األردن‬
‫للبحث عن حلول إقليمية تتمثل بتحلية مياه البحر األحمر أو تنفيذ مشروع ناقل البحرين‪.‬‬
‫ولكن من المجدي‪ ،‬على المديين القصير والمتوسط‪ ،‬العمل على إجراءات فعالة الترشيد‬
‫استهالك المياه‪ ،‬وخصوصا في القطاع الزراعي الذي تبلغ حصته ثالثة أرباع المياه‬
‫المستهلكة‪ ،‬وإصالح شبكات المياه المهترئة‪ ،‬ووقف التعديات على شبكات المياه وعلى‬
‫المياه الجوفية‪ ،‬حيث تشير بعض التقديرات إلى أن كميات المياه المعتدى عليها وتذهب‬
‫هدرة من خالل اآلبار المخالفة أو بشكل غير شرعي تزيد على سبعين مليون متر مكعب‬
‫سنويا‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه السعي الجاد إلعادة النظر في االتفاقات الموقعة مع كل من إسرائيل‬
‫وسوريا‪ ،‬السترداد حصة األردن العادلة من مياه نهر اليرموك‪ -3 .‬تحدي المديونية‬
‫والعجز‪ :‬الثنائي المرهق‬
‫جاء في وثائق وزارة المالية أن صافي الدين العام‪ ،‬الداخلي والخارجي‪ ،‬ارتفع مع نهاية‬
‫الربع األول من عام ‪ 2085‬بمقدار ‪ 550‬مليون دينار عن مستواه في نهاية عام ‪،2084‬‬
‫فبلغ ما مجموعه ‪ 28‬مليار و‪ 80‬ماليين دينار مقابل ‪ 20‬مليار و ‪ 554‬مليون دينار‬
‫للفترة ذاتها من عام ‪.2084‬‬
‫وإذا نظرنا إلى مجموع المنح والقروض الميسرة التي حصل عليها األردن منذ عام‬
‫‪ 2084‬وحتى عام ‪ 2085‬نجد أنها بلغت ما يزيد على ‪ 85‬مليار دوالر منها ‪ 88‬مليار‬
‫دوالر منح غير مستردة‪ ،‬ومع ذلك فإنها لم تسهم في خفض المديونية أو حتى الحيلولة‬
‫دون تناميها‪.‬‬
‫وكان من الطبيعي مع تزايد الدين العام أن تتزايد خدمة هذا الدين كجزء من النفقات‬
‫الجارية من ‪ 804 ،4‬مليون دينار خالل عام ‪ 2084‬إلى أكثر من مليار دينار‬
‫‪- 255 -‬‬
‫حالية‪ .‬كما ارتفعت حصة الفرد من الدين العام من ‪ 8،175‬دينارة عام ‪ 2080‬إلى‬
‫‪ 3.078‬دينارة عام ‪.2084‬‬
‫وألن المديونية تزداد بوتائر أعلى من وتائر نمو الناتج المحلي اإلجمالي كان من الطبيعي‬
‫أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي اإلجمالي من ‪ %10 ،1‬في نهاية عام ‪ 2084‬إلى‬
‫‪ %12 ،5‬مع نهاية عام ‪ 2085‬أي بزيادة أكثر من ‪8.5‬نقطة مئوية‪.‬‬
‫ولعل المشكلة ال تكمن في الدين نفسه‪ ،‬رغم ضخامته‪ ،‬وإنما في المجاالت التي أنفق‬
‫عليها هذا الدين‪ ،‬حيث أن الوقائع تشير إلى أن الجزء األعظم منه أنفق على تغطية‬
‫النفقات الجارية التي ال تؤدي بالضرورة إلى توسيع االقتصاد وتحقيق إيرادات مستقبلية‪.‬‬
‫كما أن مشكلة المديونية تكمن أيضا في الخوف من عجز االردن‪ ،‬ذات يوم عن السداد‪.‬‬
‫وهو األمر الذي‪ ،‬إن حدث‪ ،‬فسيقوض ثقة الدائنين مستقبال‪ ،‬ويفتح الباب على مصراعيه‬
‫لتدخالت مؤسسات التمويل الدولية وفرض شروطها القاسية وبرامجها التقشفية على‬
‫األردن لضمان استمرار األردن في تسديد األقساط والفوائد المستحقة للجهات المقرضة‪.‬‬
‫من المعروف أنه كلما قصرت الموارد المالية الداخلية عن تغطية حاجات االقتصاد‬
‫الوطني ازداد الميل لالقتراض من المصادر الخارجية‪ .‬وبعبارة أخرى فإن العجوزات في‬
‫موازنة الدولة‪ ،‬وفي الميزان التجاري وميزان المدفوعات هي ما يدفع األردن لالستدانة‬
‫داخلية وخارجية‪ ،‬وفي بعض األحيان يتم اللجوء لالستدانة لمجرد أن تصبح الدولة قادرة‬
‫على دفع رواتب الموظفين أو للوفاء بالتزاماتها المالية إزاء الغير‪.‬‬
‫وبعيدة عن الدخول في تعقيدات تصنيف العجز بين عجز الموازنة العامة وعجز‬
‫موازنات ال مؤسسات المستقلة‪ ،‬أو بين عجز الميزان التجاري وعجز ميزان المدفوعات‪،‬‬
‫يمكن القول باختصار أن العجز المالي الكلي لعام ‪ 2084‬بلغ موالي ‪ 3،458‬مليار دينار‬
‫تم تمويل ‪ 8.281‬مليار دينار منه بواسطة المنح الخليجية واألوروبية واألمريكية‪،‬‬
‫وتمويل العجز المتبقي والمقدر بحوالي ‪ 2.233‬مليار دينار عن طريق االقتراض‬
‫الداخلي والخارجي‪ .‬وهذا بالطبع عجز كبير من شأنه‪ ،‬إذا استمر على نفس الوتيرة‪ ،‬أن‬
‫يزيد‬
‫‪- 256 -‬‬
‫‪-‬‬
‫من مجمل الدين العام الحكومي ليصل إلى حوالي ‪ 22‬مليار دينار في نهاية عام ‪،2085‬‬
‫وقد يزيد عن ذلك بعض الشيء‪.‬‬
‫وبديهي أن بقاء العجز وبالتالي المديونية بهذه الضخامة ستكون له انعكاسات سلبية كبيرة‬
‫على االقتصاد الوطني‪ ،‬وهو ما يتطلب العمل بكل جدية وفي كافة االتجاهات لتصويب‬
‫هذا الوضع ومعالجة هذا الخلل من خالل حزمة من اإلجراءات من بينها وقف الهدر في‬
‫جانب النفقات المتكررة‪ ،‬زيادة اإليرادات عن طريق تعديل القوانين الضريبية لتحسين‬
‫التحصيل ووضع حد للتهرب الضريبي‪ ،‬وبذل المساعي مع الدول الصديقة والشقيقة‬
‫لزيادة المنح المقدمة لألردن لتمكينه من القيام بأعباء رعاية الالجئين السوريين الذين‬
‫أشارت التقديرات إلى أن كلفة رعايتهم تزيد على خمسة مليارات دوالر‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه أن اإلجراءات المتخذة حتى اآلن في مجال بدائل الطاقة‪ ،‬وبخاصة‬
‫انخفاض أسعار البترول تلعب دورة داعمة للموازنة العامة‪ ،‬وإن كان يشكل‪ ،‬في الوقت‬
‫نفسه‪ ،‬هاجسا باحتمال تقليص حجم المنح الخليجية‪ ،‬من ناحية‪ ،‬ومن الناحية الثانية لجوء‬
‫دول الخليج المنتجة والمصدرة للنفط‪ ،‬إذا ما استمر انخفاض أسعار النفط‪ ،‬لتسريح العمالة‬
‫الوافدة لديها من أردنيين وفلسطينيين‪ ،‬مما يؤدي إلى تقليص تحويالت المغتربين‬
‫والضغط على البنية التحتية في األردن نتيجة لعودة أعداد كبيرة منهم إلى البالد‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن السياسات المالية التي ينبغي للحكومات اتباعها في السنوات‬
‫القادمة تتطلب الموازنة بين تحقيق األهداف االقتصادية المتمثلة في زيادة معدالت النمو‬
‫والتوظيف من ناحية‪ ،‬وبحاجة إلى تخفيض الدين العام المرتفع والعجز الكبير في‬
‫الموازنة العامة وفي ميزان المدفوعات‪ ،‬من ناحية أخرى‪ -4 .‬تحدي البطالة‪ :‬ثنائية‬
‫البطالة والفقر‪.‬‬
‫ومن التحديات الكبيرة التي يواجهها االقتصاد األردني منذ أعوام‪ ،‬وسيواجهها عام‬
‫‪ 2085‬وما بعده من سنوات‪ ،‬استمرار ارتفاع معدالت البطالة وخصوصا في أوساط‬
‫الشباب والتي تقدر بحوالي ‪ %32‬حيث تبلغ أعداد الداخلين الجدد إلى سوق‬
‫‪- 257‬‬
‫العمل من طالي الوظائف ما يقارب ‪ 388‬ألف شاب وفتاة‪ ،‬وهم‪ ،‬في غالبيتهم‪ ،‬من‬
‫خريجي النظام التعليمي من مدارس و مراکز مهنية ومعاهد فنية وجامعات‪ ،‬في الوقت‬
‫الذي ال تزيد معه قدرة االقتصاد األردني عن توليد أكثر من ‪ 55‬ألف فرصة عمل‬
‫جديدة سنوية‪ .‬مع العلم أن جزءا كبيرة من فرص العمل هذه يولدها قطاعا اإلنشاءات‬
‫والخدمات المدنية اجتماعية والتي يمتنع عن الولوج إليها غالبية الشباب األردني‪ ،‬فتذهب‬
‫بالتالي إلى العمالة الوافدة‪ ،‬وهو األمر الذي يزيد من تفاقم مشكلة البطالة بين هؤالء‬
‫الشباب‪ ،‬كما يؤدي‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬إلى توسع القطاع االقتصادي غير الرسمي‪ ،‬المسمى‬
‫االقتصاد غير المنظم أو اقتصاد الظل الذي شهد خالل السنوات الماضية توسعة‬
‫ملحوظة‪ ،‬حيث تجاوز عدد العاملين فيه ‪ %50‬من مجمل العاملين في األردن‪ ،‬وذلك‬
‫بسبب تراجع معدالت النمو االقتصادي‪ .‬وخطورة التوسع في هذا القطاع تكمن في أن‬
‫خزينة الدولة ال تحقق منه أية إيرادات ضريبية أو أي نوع من أنواع الرسوم‪ ،‬وإلى‬
‫جانب غياب الحماية االجتماعية عن غالبية العاملية فيهه وتعرضهم ألنواع مختلفة من‬
‫االستغالل واالنتهاكات‪.‬‬
‫ومن أسباب عزوف الشباب عن االلتحاق بأماكن العمل التي تعلن عنها وزارة العمل أثناء‬
‫حمالت التشغيل الوطنية أن هذه الوظائف المعلن عنها ال تتناسب مع مؤهالت الطلبة‬
‫الخريجين من الجامعات‪ ،‬باإلضافة لتدني األجور حيث ال يزيد الحد | األدنى لألجور عن‬
‫‪ 880‬دينارة وهو مبلغ متواضع جدة بكافة المقاييس خصوصا في ظل االرتفاع المستمر‬
‫في تكاليف الحياة‪.. .‬‬
‫وفي ظل هذه األوضاع تمدد طوفان الفقر حتى ابتلع مناطق شاسعة من جغرافية‬
‫األردن‪ .‬لقد قدرت نسبة الفقر عام ‪ 3838‬بحوالي ‪ 31.4‬في المائة‪ ،‬وهو العام الذي تم‬
‫تقدير خط الفقر المطلق فيه ب ‪ 183.7‬دينارة في السنة‪ ،‬أي بمعدل ‪ 41‬دينارة في الشهر‬
‫للفرد الواحد‪ .‬وتشير آخر دراسة رسمية للفقر تم اإلعالن عنها عام ‪ 2088‬إلى ارتفاع‬
‫عدد جيوب الفقر في المملكة (وهي المناطق التي تزيد فيها نسبة األفراد الواقعين دون‬
‫خط الفقر عن ‪ 25‬في المائة من مجموع سكان المنطقة المعنية) إلى ‪ 34‬جيبا‪ ،‬أكثرها‬
‫فقرة‬
‫‪- - 258 -‬‬
‫بعض الجيوب في محافظة المفرق التي بلغت نسبة األفراد الواقعين دون خط الفقر‬
‫‪ 23.9‬في المائة‪ ،‬وذلك قبل قدوم الالجئين السوريين إلى المنطقة‪ .‬وقد لوحظ أن معظم‬
‫جيوب الفقر تتواجد في المناطق الريفية قليلة الكثافة السكانية‪ .‬وقد حظي فقراء الريف‬
‫باكبر اهتمام سياسي من خالل استراتيجيات وبرامج الحد من الفقر التي يمولها المانحون‪،‬‬
‫وتتكون هذه االستراتيجيات من برامج التطوير البنى التحتية وإجراءات التحسين‬
‫اإلنتاجية الهادفة لتحفيز الفقراء على تطوير بدائل لكسب الرزق‪ ،‬خارج‬
‫نطاق التوظيف المناقص باستمرار في القطاع العام أو في القوات المسلحة‪ .‬ومن الناحية‬
‫المالية فإن مشاريع المعونة النقدية الحالية‪ ،‬التي يديرها صندوق المعونة الوطنية‪ ،‬إضافة‬
‫إلى المكافئات والحوافز وزيادات رواتب موظفي الحكومة وأفراد القوات المسلحة تلعب‬
‫دورا مهما في تلطيف حدة الفقر في تلك المناطق‪.‬‬
‫يبقى أن التفاوت الكبير في مستويات التنمية بين العاصمة عمان وسائر المحافظات‬
‫األخرى يدفع غالبية الشباب األردني للتوجه نحو عمان للعمل واإلقامة بسبب عدم توفر‬
‫فرص العمل وتراجع مستوى الخدمات في محافظاتهم‪ .‬ومن المؤمل أن يؤدي إقرار‬
‫وتطبيق قانون اإلدارة الالمركزية إلى حل هذه اإلشكالية حيث أن هذا القانون يمنح‬
‫الحكومات المحلية نوعا من االستقالل المالي وصالحيات تنفيذية واسعة تمكنها من إقامة‬
‫المشاريع التنموية وتحسين مستوى الخدمات وخلق أماكن عمل جديدة‪ ،‬مما يساهم في‬
‫إعادة توزيع مكتسبات التنمية في مختلف المحافظات‪.‬‬
‫‪ -3‬التحديات االجتماعية‬
‫يواجه المجتمع األردني‪ ،‬شأنه في ذلك شأن مجتمعات غالبية البلدان النامية في العالم‬
‫الثالث‪ ،‬مجموعة من التحديات االجتماعية التي تجذرت ثم طفت على السطح‪ ،‬نتيجة‬
‫التحوالت االقتصادية والتقلبات السياسية التي عايشتها‪ .‬ولعل من أبرز النتائج التي أفرزتها‬
‫هذه التحوالت وتلك التقلبات‪ ،‬على الصعيد المجتمعي‪ ،‬وبالنسبة لألردن‬
‫خاصة‪ ،‬تدهور عالقات اإلنتاج في االقتصاد الريفي‪ ،‬وبالتالي تزايد فعالية العوامل‬
‫الطاردة لسكان الريف‪ ،‬مما أدى لهجرة واسعة النطاق من الريف إلى المدينة‪ ،‬التي لم‬
‫‪- 259 -‬‬
‫تكن مهيأة‪ ،‬من حيث البنى التحتية والخدمات‪ ،‬الستيعاب هؤالء القادمين الجدد‪ .‬وقد‬
‫ترافق هذا التحول الطاغي نحو التحضير مع فترات صعود‪ ،‬حينا‪ ،‬وهبوط في غالبية‬
‫األحيان‪ ،‬في األنشطة االقتصادية وسط مناخ سياسي مأزوم يلف المنطقة من أدناها‬
‫األقصاها ويتصف بالعنف والصدامات المسلحة‪ ،‬في أحيان كثيرة‪ ،‬وهو األمر الذي ولد‬
‫مزيدا من الحراك السكاني الداخلي وعبر الحدود‪ ،‬من فلسطين بداية‪ ،‬ثم من لبنان‪،‬‬
‫وبعد ذلك من العراق‪ .‬يضاف إلى ذلك تدفق مئات األلوف من األيدي العاملة المصرية‬
‫والسورية وغير العربية أيضا باإلضافة لعودة مئات األلوف أيضا من األردنيين العاملين‬
‫في دول الخليج العربي وأفراد أسرهم في أعقاب أزمة الخليج الثانية عام ‪8880.‬‬
‫لقد أدت مجموعة العوامل هذه إلى حدوث تركز سكاني كبير في عدد من المراكز‬
‫الحضرية وسط األردن‪ ،‬وخصوصا في العاصمة عمان وما حولها‪ ،‬في ظل مناخات من‬
‫عدم التجانس الناجم عن اختالف األصول والخلفيات‪ ،‬وتفاوت كبير في المستويات‬
‫المعيشية‪ ،‬بسبب سوء توزيع الثروة والدخل‪.‬‬
‫ومع تكرار فترات العسر االقتصادي تفاقمت معضلتا البطالة والفقر مخلفتين مزيجا من‬
‫المشكالت االجتماعية كالتفكك األسري‪ ،‬والجريمة واالنحراف‪ ،‬خصوصا بين األحداث‪،‬‬
‫والتسول والتشرد‪ ،‬وعمالة األطفال والتطرف والعنف‪ ،‬والفساد‪.‬‬
‫إن هذه المشكالت‪ ،‬على خطورتها تتضاءل أمام مشکالت مجتمعية محورية أخطر ذات‬
‫مساس بالتماسك والتكاف المجتمعي و الوحدة الوطنية‪ .‬ولعل من أبرز هذه المشكالت ما‬
‫يلی‪:‬‬
‫‪ .8‬العشائرية‪:‬‬
‫مع مطلع الخمسينات من القرن الفائت شهد المجتمع األردني تغير جذرية في بنيته‪ ،‬فقد‬
‫قامت وحدة الضفتين‪ ،‬ولجأ مئات األلوف من الفلسطينيين إلى الضفة الشرقية من‬
‫األردن‪ ،‬وبدأت في أعقاب ذلك نهضة تعليمية واسعة‪ ،‬ما لبثت أن تعمقت واتسع نطاقها‬
‫حتى شملت جميع مدن الضفتين وقراهما حتى بلغت البادية‬
‫– ‪- 260‬‬
‫األردنية‪ .‬ورافقت هذه النهضة التعليمية حركة سياسية واسعة بدأت في الوسط‬
‫التعليمي‪ ،‬ثم ما لبثت أن انتقلت إلى مختلف أوساط المجتمع األردني و أجهزة الدولة‬
‫كافة‪ .‬وبدأ الوعي السياسي على التيارات السياسية العربية واإلسالمية واألممية يتسع‬
‫ليشمل الفئات المثقفة في المجتمع األردني‪ .‬وهكذا ابتدأت الوالءات السياسية‬
‫واأليديولوجية تحل تدريجيا محل الوالءات واالنتماءات الضيقة العشائرية منها‬
‫والجهوية والدينية والعرقية‪.‬‬
‫ومن المالحظ أنه في ظل أجواء الديمقراطية النسبية والحريات العامة‪ ،‬التي سادت‬
‫األردن في الخمسينات كانت الوحدة الوطنية في أحسن حاالتها‪ ،‬حيث تراجعت کل أنواع‬
‫الوالءات واالنتماءات الضيقة وخصوصا العشائرية منها‪ .‬وبعكس ذلك كانت هذه‬
‫االنتماءات والوالءات تعود لتحتل الواجهة كلما انحسرت أجواء الديمقراطية والحريات‬
‫العامة‪ .‬وكثيرا ما كانت السلطة ومن منطلق الدفاع الذاتي‪ ،‬تعمل على إعادة إحياء مثل‬
‫هذه الوالءات الضيقة‪.‬‬
‫فمثال عندما اشتد ساعد أحزاب المعارضة ودخلت في صراع مع الحكم انتهى هذا‬
‫الصراع بقمعها وهروب قادتها من البالد‪ .‬والجتثاث قواعد هذه األحزاب والحركات‬
‫السياسية لم تجد السلطة مفرة من االستعانة بالعشائر من جهة والتيارات والتنظيمات‬
‫الدينية من جهة ثانية‪ ،‬وهكذا فتحت األبواب على مصاريعها إلحياء القيم والتقاليد‬
‫والعادات العشائرية وإطالق العنان للحركات الدينية للعمل في مجال الوعظ واإلرشاد‬
‫بهدف التصدي لأليديولوجيات القومية واليسارية‪ .‬فاستعاد شيوخ العشائر ومخاتير‬
‫القرى نفوذهم‪ ،‬وتدعم هذا النفوذ مع استصدار السلطة القانون مجلس العشائر‪ ،‬كما‬
‫ترسخ البعد العشائري مع تخصيص القوانين االنتخابية المختلفة لحصص مجزية من‬
‫مقاعد مجلس األمة ولألقليات الدينية واألثنية في البالد‪ .‬والغريب أن األردن الذي شهد‬
‫أوسع نهضة تعليمية في الوطن العربي والذي ال تتجاوز نسبة األمية بين سكانه ‪،٪38‬‬
‫والذي يفخر عن حق‪ ،‬بما أنجز من إصالح وتحديث في مختلف المجاالت‪ ،‬ال تزال‬
‫التقاليد واألعراف العشائرية تحول دون تطبيق قوانينه الجزائية‪ ،‬بل يكاد‬
‫‪626 - -‬۔‬
‫األردن واليمن القطرين العربيين الوحيدين الذي تتغلب فيهما األعراف والممارسات‬
‫العشائرية على القوانين الجزائية العصرية‪ ،‬وهو ما يالحظ في حوادث القتل والدهس‬
‫وهتك العرض وغير ذلك من الجرائم من أرواح اردنية ذهبت هدرة‪ ،‬دون أن ينال‬
‫المجرم عقابه‪ ،‬فعلی فنجان قهوة ومن أجل خاطر الجاهة الكريمة‪ ،‬يجري محو آثار‬
‫الجريمة وتبرئة ساحة المجرم‪ ،‬هكذا تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي‪ .‬وكأن شيئا لم يكن‬
‫‪ .2‬اإلقليمية والجهوية‪:‬‬
‫يقول علماء االجتماع أن نسيج األمة كالجسد الحي‪ ،‬تنخر فيه العلل واألمراض إذا ما‬
‫ضعفت مناعته‪ .‬ومما الشك فيه أن توالي الهزائم في مواجهة الصهيونية واالستعمار‪ ،‬قد‬
‫أضعف مناعة األمة وأصابها باإلنهاك وعرضها لمختلف أنواع اآلفات‪ ،‬كما أن تتابع‬
‫األزمات االقتصادية وانتشار الفقر والبطالة‪ ،‬وضيق سبل العيش دفع إلى السطح بعض‬
‫أسوأ ما في المجتمع من غرائز وممارسات‪ ،‬ابتداء من الفساد والمحسوبية والواسطة‬
‫والتعصب وانتهاء بالجهوية واإلقليمية‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمجتمع األردني‪ ،‬فباإلضافة لكل ما ذكر أعاله‪ ،‬فقد سبق له أن مر في‬
‫ظروف عسيرة قل أن مر بها مجتمع من قبل‪ ،‬فمنذ حرب حزيران ‪ ،8847‬وقيام العمل‬
‫الفدائي الفلسطيني في األردن‪ ،‬سعت بعض فصائل العمل الفدائي إلى فصم عرى الوحدة‬
‫األردنية ‪ -‬الفلسطينية‪ ،‬لكسب والء الفلسطينيين لها في األردن‪ ،‬مستخدمة أساليب ذميمة‬
‫لتحقيق ذلك‪ ،‬مما أدى الستعداء قطاعات واسعة من الشعب‪ ،‬خصوصا العاملين في‬
‫الجيش العربي واألجهزة األمنية المختلفة‪ .‬وجاءت أحداث أيلول لتعمق الهوة بين‬
‫الفلسطينيين واألردنيين‪ ،‬وأخذ التعصب الجهويمنذئذ يشتد ويتسع مداه حتى اصبح ظاهرة‬
‫خطيرة في المجتمع األردني‪ ،‬ال بد أوال من االعتراف بها ثم تحليلها ومجابهتها بمختلف‬
‫الوسائل للحفاظ على الوحدة الوطنية األردنية التي هي أساس بناء المجتمع وعماد‬
‫استقراره وتقدمه‪.‬‬
‫كما أن غياب الحياة الحزبية بين سنتی ‪ 8857‬و ‪ 8882‬وشلل الحياة النيابية بين سنتي‬
‫‪ 8878‬و ‪ .8818‬وطغيان األحكام العرفية على البالد‪ ،‬وبالتالي تغول السلطة‬
‫‪- -262‬‬
‫التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية‪ ،‬أدى إلى بعث الحياة من جديد في‬
‫االنتماءات العمودية على حساب االنتماءات األفقية‪ ،‬أي بعث الحياة في االنتماءات‬
‫الضيقة العشائرية والقبلية والجهوية والدينية والعرقية‪.‬‬
‫أما وقد عادت الحياة الحزبية والنيابية إلى البالد‪ ،‬فإن المتوقع والمطلوب من السلطات‬
‫المعنية أن تدرك خطورة هذه االنقسامات في المجتمع األردني وتعيرها ما تستحق من‬
‫اهتمام‪ ،‬قبل أن تستفحل فتدخل البالد في نفق مظلم ال يعلم نهايته إال‬
‫‪ .2‬مكانة المرأة في المجتمع‬
‫أرست التشريعات األردنية في وقت مبكر المبادئ األساسية واألطر القانونية الالزمة‬
‫لتمكين المرأة وضمان حقوقها ومساواتها بالرجل‪ ،‬بصفتها تمثل النصف المكمل للمجتمع‪.‬‬
‫كما وقع األردن على عدد من المواثيق واالتفاقات الدولية التي تحظر التمييز ضد المرأة‬
‫في أي شأن من شؤون الحياة‪.‬‬
‫لقد كرس الدستور األردني الصادر عام ‪ 8852‬مبدأ المساواة حيث نص في مادته‬
‫السادسة على أن "األردنيين أمام القانون سواء ال تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن‬
‫اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين"‪.‬‬
‫كما أكد الميثاق الوطني الصادر عام ‪ 3993‬مبدأ المساواة فنص في بند من بنوده في‬
‫الفصل الخامس على أن "المرأة شريكة للرجل وصنوه في تنمية المجتمع األردني‬
‫وتطويره مما يقتضي تأكيد حقها الدستوري والقانوني في المساواة والتعليم والتثقيف‬
‫والتوجيه والتدريب والعمل وتمكينها من أخذ دورها الصحيح في بناء المجتمع‬
‫وتقدمه"‪.‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن النصوص المذكورة أعاله والمقتبسة عن الدستور األردني‬
‫والميثاق الوطني األردني تتوافق تماما مع اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬الذي وقع‬
‫عليه األردن في حينه‪ ،‬والذي جاء في مادته األولى ما يلي ‪:‬‬
‫"يولد جميع الناس أحرارة ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل‬
‫والوجدان‪ ،‬وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح اإلخاء"‪.‬‬
‫‪- 263 - .‬‬
‫ونص اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان أيضا في مادته السابقة على أن الناس جميعا‬
‫متساويين أمام القانون كما هم متساوون في حق التمتع بحماية القانون دون تمييز‪.‬‬
‫وانطالقا من التزام األردن هذه المبادئ والمعايير اإلنسانية الدولية‪ ،‬فقد صادق عام‬
‫‪ 8882‬على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة‪ ،‬واإلقرار بحقوقها‬
‫كحقوق إنسانية ال يجوز انتهاكها أو ممارسة التمييز ضدها في أي مجال من المجاالت‪.‬‬
‫وتبعا لذلك فقد حققت المرأة األردنية في العقود األخيرة كثيرة من اإلنجازات في عدة‬
‫محاور منها التشريعية والسياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية والتعليمية‪ .‬فعلى‬
‫سبيل المثال تم تعديل العديد من التشريعات إلنصاف المرأة خاصة في مجال األحوال‬
‫المدنية والجوازات‪ ،‬كما ابتدأت المرأة‪ ،‬وإن على استحياء‪ ،‬في المشاركة في الحياة‬
‫السياسية كعضو في مجلس الوزراء ومجلس األمة والمجالس البلدية واألحزاب السياسية‪،‬‬
‫كما تم إعداد برامج خاصة لرفع المستوى االقتصادي للمرأة الريفية‪ ،‬وإدراج مفاهيم‬
‫متطورة في المناهج التربوية بينت دور المرأة كعنصر فاعل ومنتج في المجتمع بأنشطته‬
‫كافة خصوصا التنموية منها‪.‬‬
‫وتعتبر "مؤسسة نهر األردن" رائدة في مجال تشجيع المرأة ودعم أنشطتها وتأهيلها لكي‬
‫تكون مديرة ومسؤولة في مجال عملها‪ .‬ويعتبر دمج نشاطات "جمعية نساء بني حميدة‬
‫للغزل والنسيج" مع مشروعات مؤسسة نهر األردن أحد األمثلة على ذلك‪ .‬وقد نجح هذا‬
‫المشروع بتقديم خدمة لحوالي (‪ )8400‬امرأة‪ ،‬ويعمل في هذا المشروع حاليا (‪)450‬‬
‫امرأة ويخدم بالتالي أكثر من (‪ )250‬أسرة في ثالث عشرة قرية‪.‬‬
‫إن كل ذلك يدل على اهتمام األردن‪ ،‬مؤسسات رسمية ومجتمع مدنية‪ ،‬بدعم المرأة‬
‫وتمكينها من التمتع بحقوقها اإلنسانية والدستورية‪ ،‬ومن المساهمة الفاعلة في التنمية‬
‫واإلنتاج وبناء الوطن‪ .‬وقد تحققت نتيجة لهذا االهتمام إنجازات هامة ال يمكن إغفالها‬
‫بحال من األحوال‪ .‬لكن ما تم إنجازه ال يرقى إلى مستوى طموح النصوص الدستورية‬
‫والمواد ذات العالقة الواردة في الميثاق الوطني‪.‬‬
‫‪- - 264‬‬
‫وهي بالتأكيد ال ترقى لطموح الحركة النسائية األردنية وغير كافية إلطالق طاقات‬
‫جميع أبناء الوطن نساء ورجاال‪ .‬كما أنها ال تلي الحاجة الملحة لتصويب الخلل‬
‫التاريخي الناشئ من إقصاء المرأة‪ ،‬في عهود ما قبل الدستور على أقل تقدير‪،‬‬
‫وحرمانها من حقوقها في تكافؤ الفرص في ميادين الحياة المختلفة‪ .‬إن استكمال مسيرة‬
‫المرأة األخذ مكانتها الالئقة بها في المجتمع تتطلب سلسلة من اإلجراءات وعلى عدة‬
‫محاور‪ ،‬وخصوصا المحور التشريعي في اتجاه‬
‫‪ -‬إقرار قانون خاص لحماية المرأة من العنف األسري‪.‬‬
‫‪ -‬إقرار قانون خاص لحماية المرأة من القتل على خلفية جرائم الشرف‪.‬‬
‫‪ -‬إقرار قانون حقوق الطفل‬
‫‪ -‬النص في أي قانون انتخابي جديد على أنه ال يجوز أن يقل تمثيل أي من الجنسين‬
‫عن ‪ %30‬من المقاعد وفقا لما التزم به األردن دولية‪.‬‬
‫‪ -‬تعديل أحكام قانون الجنسين األردني بما يكفل حق أبناء المرأة األردنية في التمتع‬
‫جنسية أمهم‪.‬‬
‫‪ -‬النص على حق زوج األردنية المقيم في األردن الحصول على الجنسية األردنية‬
‫أسوة بزوجة األردني‪.‬‬
‫‪ -‬النص في قانون اإلقامة وشؤون األجانب‪ ،‬على الحق في اإلقامة الدائمة لزوج‬
‫المرأة األردنية وأبنائها لمن يطلبها منهم‪.‬‬
‫‪ -‬تعديل قوانين العمل والضمان االجتماعي والخدمة المدنية والتقاعد المدني‬
‫والعسكري بما يضمن االعتراف بأن مساهمة المرأة في العمل وفي توليد الدخل القومي‬
‫يتطلب االعتراف لها وألسرتها بكل المنافع والتأمينات المترتبة على العمل وسنوات‬
‫الخدمة‪ ،‬علما بأن التمييز ضد المرأة خاصة فيما يتعلق بالعالوات العائلية‪ ،‬وبحق زوج‬
‫وأبناء المرأة المتقاعدة في راتبها التقاعدي هو تمييز يأباه الدستور ومبادئ العدل‬
‫والمساواة‪.‬‬
‫‪265 -‬‬
‫وبالمثل فإنه ال بد من ضمان استفادة ورثة المرأة المتقاعدة العزباء من راتبها‬
‫التقاعدي أسوة بورثة المتقاعدين من الرجال المتوفين‪.‬‬
‫إن تمكين المرأة وتدعيم دورها في العمل داخل المنزل وخارجه يقتضي ايضا إعادة نظر‬
‫وتعديل في بعض نصوص قانون األحوال الشخصية في اتجاه‬
‫‪ -‬تقييد تعدد الزوجات بما يحول دون إساءة استخدام ما حلله الشرع‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم وإقرار الحق في الملكية المشتركة لألموال المتحصلة بعد الزواج ألي من‬
‫الزوجين‪.‬‬
‫‪ -‬تعديل األحكام الخاصة باستحقاق الوصية الواجبة بحيث يستفيد أبناء البنت بحصة من‬
‫تركة الجد ما يستفيد أبناء االبن‪.‬‬
‫‪ -1‬التحديات الثقافية‬
‫للثقافة معان عديدة وتعريفات كثيرة ومختلفة باختالف األمم والحضارات‪ .‬لن نخوض‬
‫فيها‪ ،‬وإنما سنكتفي بالتعريف الذي جاء في الخطة الشاملة للثقافة العربية الصادرة عن‬
‫المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم سنة ‪" .8814‬فالثقافة تشمل السمات المميزة‬
‫لألمة من مادية وروحية وفكرية وفنية ووجدانية‪ .‬وتشمل مجموعات المعارف والقيم‬
‫وااللتزامات األخالقية المستقرة فيها‪ ،‬وطرائق التفكير واإلبداع الجمالي والفني والمعرفي‬
‫والتقني‪ ،‬وسبل السلوك والتصرف والتعبير‪ ،‬وطراز الحياة‪ .‬كما تشمل تطلعات اإلنسان‬
‫للمثل العليا‪ ،‬ومحاوالته إعادة النظر في منجزاته‪ ،‬والبحث الدائب عن مدلوالت جديدة‬
‫لحياته وقيمه ومستقبله‪ ،‬وإبداع ما يتفوق به على ذاته"‪.‬‬
‫أما مجاالت الثقافة وفروعها‪ ،‬حسب هذا التعريف فتشمل التراث الذي يضم المدن القديمة‬
‫واآلثار والمتاحف والمخطوطات والوثائق‪ .‬كما تشمل الفنون بأنواعها التشكيلية والمسرح‬
‫والسينما والفنون الشعبية والموسيقى والفنون التطبيقية والخط العربي وطرز العمارة‬
‫والفنون الحرفية وتخطيط المدن‪ .‬وتشمل أيضأ اآلداب بفروعها المختلفة من شعر ونثر‬
‫وقصة ورواية وأدب األطفال والكتابة لوسائل اإلعالم والنشر‪ .‬ويندرج في هذه المجاالت‬
‫والفروع الفكر العلمي بما فيه من بحوث علمية في مختلف‬
‫‪. - 266‬‬
‫ميادين العلوم النظرية والتطبيقية‪ ،‬وأخيرة اللغة باعتبارها وعاء الثقافة‪ ،‬ويدخل في‬
‫نطاقها المصطلحات والتعريب والترجمة والمعاجم اللغوية واللغة المحكية والكتابة‬
‫المنشورة والمرئية والمسموعة‪.‬‬
‫وثقافتنا في األردن هي الثقافة العربية التي لها سمتان أساسيتان هما‪ :‬القومية واإلنسانية‪.‬‬
‫فهي عنصر أساسي من عناصر وحدة األمة العربية التي ينتمي إليها الشعب األردني‪،‬‬
‫كما ينص على ذلك الدستور األردني‪ .‬وهي التي تنسج وحدة التكوين الداخلي في األمة‪،‬‬
‫وتوحد في أعماق الذات نماذجها البشرية وقيمها‪ ،‬وتجمع أفرادها على االلتزام بمصيرها‬
‫الثقافي الواحد‪ .‬وهي وسيلة لتأكيد الذات وللتمايز عن اآلخرين‪ .‬كما أنها تبعث األمان‬
‫واالطمئنان في أفراد األمة‪ ،‬التصالها بكرامة اإلنسان وتأكيدها الذاتيته وتقريرها‬
‫لشخصيته‪ .‬وهي باإلضافة إلى ذلك كله وسيلة دفاع وحصن أمان في اللحظات‬
‫المصيرية‪ ،‬مثلما هي ميدان للقاء مع اآلخرين على المثل العليا المشتركة‪ ،‬وسبيل للتفاهم‬
‫مع الشعوب األخرى على السالم والتعاون بين بني البشر‪.‬‬
‫ولما كان الوطن العربي مستودع لحضارات وثقافات قديمة تفاعلت مع الحضارة العربية‬
‫اإلسالمية في وعاء العروبة‪ ،‬فأكسبت كل مواطن عربي شعور باالنتماء إلى أمة كبيرة‬
‫وثقافة خاصة بهذه األمة‪ .‬وتكونت مع الزمن ثقافات فرعية ال تتعارض مع الثقافة األم‬
‫وال تتناقض معها‪ .‬ومن الجدير بالذكر أن التربية والثقافة مجاالن متداخالن بينهما عالقة‬
‫تبادلية تقوم على ترابط وثيق‪ .‬وإذا كانت التربية هي الوسيلة المثلى لنقل الثقافة القومية‬
‫من جيل إلى جيل ونشرها بين أفراد األمة‪ ،‬فإن الثقافة هي الينبوع الذي يغذي التربية‬
‫ويؤلف قوامها الفكري والخلقي والعاطفي‪.‬‬
‫ويمكن إجمال أهم التحديات الثقافية التي تواجهنا في األردن وفي الوطن العربي الكبير‬
‫بما يلي‪:‬‬
‫‪ .8‬الغزو الثقافي الغربي الذي يستهدف التشكيك في العقائد‪ ،‬وزعزعة الثقة‬
‫بالنفس‪ ،‬واإلعجاب الشديد بثقافة الغرب وقيمه باعتبارها أساس تفوقه وهيمنته على‬
‫العالم‪ ،‬وتقليد المجتمعات الغربية تقليد أعمى في المظهر ال في الجوهر‪ ،‬وسلب‬
‫الشخصية العربية مقوماتها األساسية‪ ،‬وزوال الهوية العربية‪ ،‬واستغالل ذلك كله‬
‫‪- 267--‬‬
‫من أجل إخضاع العرب وتفكيك أواصر الوحدة والتضامن التي تربطهم‪ ،‬حتی يبقوا‬
‫ضعافا وتبقى ثرواتهم نهبا للغرب ولشركاته المتعددة الجنسية‪ ،‬وتستخدم بالدهم موطئة‬
‫ومستقرة لقواته العسكرية‪ ،‬لضمان هيمنته على العالم‪.‬‬
‫والغزو الثقافي مكمل لإلمبريالية االقتصادية والسيطرة السياسية‪ .‬واتخذ في العقود‬
‫الزمنية األخيرة طابع التبعية الثقافية‪ .‬وإذا علمنا أن معظم األخبار العالمية تنتجها أربع‬
‫وكاالت غربية هي‪ :‬وكالة الصحافة المشتركة ‪ ،Associated Press‬ووكالة‬
‫الصحافة الدولية المتحدة ‪ ،United Press International‬وهما وکالتان أمريكيتان‪،‬‬
‫ووكالة الصحافة الفرنسية ‪ ،Agence France Presse‬ووكالة رويتر البريطانية‬
‫‪ Reuter‬أدركنا مقدار التبعية الثقافية للغرب‪ .‬وتقوم هذه الوكاالت بغربلة األخبار‬
‫وانتقائها وتلوينها وإخراجها بالصورة التي تنسجم مع مصلحة من يقف وراء هذه‬
‫الوكاالت وبما يوافق ذوق الجمهور الغربي‪ .‬وقد اتضح ذلك كله في األحداث التي تلت‬
‫ضرب البرجين في نيويورك في ‪ 2000 /8 /88‬واتهام المسلمين واإلسالم باإلرهاب‬
‫الدولي‪ ،‬وغزو" أفغانستان في ذلك العام‪ ،‬وحصار العراق بين سنتي ‪ 8880‬و ‪2003‬‬
‫وغزوه واحتالله منذ آذار ‪ 2003‬حتى اليوم‪ ،‬وفي موقف اإلعالم الغربي من فتك قوات‬
‫االحتالل اإلسرائيلية بالشعب الفلسطيني وتدمير مؤسساته الوطنية ومنازل المقاومين منه‬
‫لالحتالل ونفيهم وتشريدهم وزجهم في المعتقالت وتعرضهم ألبشع أنواع التعذيب‬
‫والتنكيل‪.‬‬
‫وتعد العولمة في رؤيتها الليبرالية الجديدة جزءا من الغزو الثقافي أو نمطا جديدة من‬
‫أنماطه‪ .‬وهي تسعى إلى القضاء على الهويات القومية والوطنية وإضعاف دور الدولة في‬
‫الحياة العامة لمجتمعها‪.‬‬
‫‪ .2‬ضعف القيم الروحية واألخالقية‪ :‬تعد القيم الروحية واألخالقية األساس في ‪.‬‬
‫الثقافة العربية اإلسالمية‪ .‬وأبرز هذه القيم تكريم اإلنسان والعدل ورفض الظلم‪ .‬فقد جاء‬
‫في القرآن الكريم‪( :‬ولقد گرما بني ادم ‪[ 4‬سورة اإلسراء‪ :‬آية رقم ‪ .]70‬وه فيه أيضا‪:‬‬
‫وهللا هللا يأمر بالعدل واإلحسين » [سورة النحل‪ :‬آية‬
‫‪- 268.‬‬
‫‪-‬‬
‫رقم ‪ ]80‬وقوله تعالى‪ ( :‬وهللا ال يحب الظليين ) [سورة آل عمران‪ :‬آية رقم ‪ ،]57‬وقوله‪:‬‬
‫( ومن يظلم ن م قه عذابا كبيرا و [سورة الفرقان ‪ :‬آية رقم ‪ .]88‬ومن هذه القيم المساواة‬
‫والتسامح والحرية والمسؤولية عن العمل‪ .‬قال تعالى‪ :‬هيك أيها الناس إنا خلقگر تين ڈگر‬
‫وأنثى وجعلنگر شعوبا وقبائل لتعارفوا إ أكرم عند هللا أنقكمه [سورة الحجرات‪ :‬آية رقم‬
‫‪ .]83‬وقال سبحانه‪ :‬و ادع إلى سبيل نيك بالحكمة والموعظة الحسن وكيلهم بالتي هي‬
‫أحسن سورة النحل‪ :‬آية رقم ‪ .]825‬وقال سبحانه‪ ( :‬وال تكتموا الشهدة ‪[ 4‬سورة البقرة‪:‬‬
‫آية رقم ‪ ]213‬في معرض حث الناس على إبداء آرائهم بحرية وشجاعة‪.‬‬
‫ومن هذه القيم احترام األسرة واعتبارها نواة البناء االجتماعي‪ ،‬وإيثار المروءة والعفو‪،‬‬
‫والتكافل االجتماعي‪ ،‬وتقديس العمل النافع‪ ،‬واالستثمار اإلنتاجي ومنع اكتناز األموال‪،‬‬
‫وحظر االحتكار‪ ،‬وتكريم العلم والعلماء‪ ،‬والبحث عن المعرفة والحكمة‪ ،‬والدعوة إلى‬
‫االبتكار والتأمل في الطبيعة وأسرارها وكشفها‪.‬‬
‫وتشير معظم تقارير اليونسكو (منظمة األمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم) إلى أن‬
‫معركة البشرية في القرن الحالي ستدور حول القيم الروحية واألخالقية والدفاع عن‬
‫حقوق اإلنسان وحماية البيئة التي يعيش فيها‪.‬‬
‫‪ .3‬األمية الثقافية والتكنولوجية‪ :‬األمية أنواع ثالثة ‪ :‬األمية الهجائية واألمية الثقافية‬
‫واألمية التكنولوجية‪ .‬األمية الهجائية في األردن ال تتجاوز ‪7‬‬
‫‪ 0 .‬وهي أقل النسب إن لم تكن أقلها في البالد العربية ونحن في الطريق للقضاء عليها‬
‫في السنين القادمة‪ .‬أما األمية الثقافية فتتجلى في غياب النظرة الشاملة للكون واإلنسان‬
‫وا لحياة‪ ،‬وفي ضعف المعرفة العامة بأحوال المجتمع وتاريخه ومشكالته‪ ،‬وفي العجز‬
‫عن التحليل النقدي المشكالته المتجددة واقتراح الحلول المناسبة لها بمنهجية علمية‪.‬‬
‫وهذا النوع من األمية منتشر على نطاق واسع في مجتمعنا‪ .‬ويساهم التعليم العام‬
‫والتعليم العالي في وضعه الراهن في توسيع انتشار هذه األمية ألنهما بحاجة ماسة إلى‬
‫المراجعة واإلصالح والتحديث‪.‬‬
‫‪- 269 - -‬‬
‫وتتجلى األمية التكنولوجية في ضعف القدرة على مواجهة المشكالت وحلها بطرق‬
‫علمية صحيحة‪ ،‬وضعف المهارات اإلنسانية‪ ،‬وربما غيابها في التعامل مع اآلالت‬
‫واألجهزة الحديثة وفي مقدمتها أجهزة الحاسوب‪ .‬إن ما يجري في بالدنا من اقتناء‬
‫بعض األجهزة وجلب الخبراء‪ ،‬وبدء استعمال نظم المعلومات ال يكفى‪ ،‬ألنه لم يستغل‬
‫إمكاناتها بصورة علمية ولم يرافقها توعية مكثفة بجدوى استخدامها‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫المساعي الجادة التي تبذل في األردن للقضاء على هذه األمية فما زالت أمامنا أشواط‬
‫طويلة لبلوغ ذلك‪.‬‬
‫‪ .1‬الضعف الشديد في اللغة الوطنية واللغات الحديثة‪ :‬اللغة الوطنية هي أداة تلقي‬
‫المعرفة وأداة التفكير والتعبير ووسيلة االتصال والتفاهم‪ :‬وهي الوعاء الذي يحتوي‬
‫الثقافة الوطنية‪ .‬واللغة العربية هي لغتنا الوطنية ولغة التعليم العام ولغة التعليم في كثير‬
‫من التخصصات في جامعاتنا‪ .‬ومن المالحظ بوجه عام ضعف الطلبة الجامعيين في اللغة‬
‫العربية‪ ،‬وضعف الخريجين العاملين في الصحف وفي وسائل اإلعالم األخرى‪ ،‬ناهيكم‬
‫عن الضعف الفاضح لدى المعلمين في مراحل التعليم العام المختلفة‪ ،‬وضعف العديد من‬
‫أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي األخرى‪ .‬وال شك أن‬
‫استمرار هذا الوضع يضعف اللغة العربية ويحول دون تطورها ونموها الستيعاب‬
‫المنجزات والمصطلحات العلمية والتقنية الحديثة‪ ،‬وسوف ينعكس سلبا على الثقافة‬
‫العربية نفسها‪.‬‬
‫واللغات الحديثة‪ ،‬والسيما اللغة اإلنكليزية‪ ،‬باعتبارها أكثر اللغات الحديثة انتشارا في‬
‫مجال التأليف والبحث العلمي‪ ،‬نوافذ مهمة على العلوم والتكنولوجيا الحديثة والدراسات‬
‫االجتماعية واإلنسانية واللغوية‪ .‬وهي ضرورية جدا لمن يرغبون في مواصلة دراساتهم‬
‫الجامعية‪ .‬وللباحثين في مختلف فروع المعرفة والتكنولوجيا الحديثة‪ .‬وندرك جيدا ضعف‬
‫طلبتنا الجامعيين في هذه اللغات وأثر ذلك على مستواهم العلمي‪ .‬كما يتضح هذا الضعف‬
‫بقوة لدى طلبة الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه‪ ،‬وينعكس هذا الضعف‬
‫على مستوى الرسائل الجامعية‬
‫‪- -270‬‬
‫في هاتين المرحلتين وال سيما في العلوم اإلنسانية واالجتماعية واآلداب واللغات‪ .‬وال بد‬
‫من تدارك هذا الضعف لما له من أثر خطير على مستقبل التعليم العالي في بالدنا وعلى‬
‫مستقبل أجيالنا الحالية والقادمة‪.‬‬
‫‪ .5‬التفاعل مع ثقافة العصر ‪ :‬هذا هو التحدي األقوى‪ .‬إن رفض الغزو الثقافي‬
‫الغربي ال يعني رفض ثقافة البالد الصناعية المتقدمة‪ .‬فال بد من استيعاب الفكر الغربي‬
‫والفلسفة الغربية وفنون الغرب المختلفة ومدارسه األدبية ونظرياته السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية والعلمية واللغوية والروحية‪ ،‬استيعابا نقدية علمية‬
‫موضوعية ينای بنا عن التسليم بصحة كل ما يرد إلينا تسليما مطلقا‪ .‬فكل ما يصل إلينا‬
‫معرض للقبول أو الرفض وخاضع للنقد العلمي الموضوعي‪.‬‬
‫وال شك أن فجوة علمية ‪ -‬عملية تزداد اتساعة دون انقطاع بين العرب وبين األمم‬
‫الصناعية المتقدمة‪ .‬وال بد من مواجهة هذه الحقيقة ووضع الخطط لتضييق هذه الفجوة‪،‬‬
‫على أمل اللحاق بهذه األمم في مستقبل األيام‪.‬‬
‫‪ .4‬محدودية المشاركة الثقافية‪ :‬مازالت المشاركة الثقافية في بالدنا محدودة جدا‪،‬‬
‫وتقتصر على فئات معينة‪ .‬إن متانة القاعدة ألي أمة هي بمقدار مشاركة عناصر الشعب‬
‫في خطط الثقافة وبرامجها وإنتاجها‪ .‬فالشمولية في المشاركة تعني تعميق اإلبداع وتوسيع‬
‫انتشار اإلنتاج الثقافي‪ .‬وال تأتي هذه الشمولية من اإلقرار بديمقراطية الثقافة فحسب‪،‬‬
‫وإنما أيضا من االعتراف بأن الثقافة تنبع من قدرة الشعب غير المحدودة على اإلبداع‬
‫وإسهامه الدائم فيها‪ .‬وهذا يعني تشجيع النشاطات الثقافية لتشمل مختلف مناطق األردن‬
‫والكشف عن الحاجات الثقافية‪ ،‬وإعداد الكفاءات الالزمة للعمل في مختلف حقول الثقافة‪،‬‬
‫واألجهزة المتخصصة للخدمات الثقافية‪ ،‬مع التركيز على ثقافة الطفل وثقافة الشباب‬
‫وثقافة المرأة‬
‫وثقافة المعوقين‪.‬‬
‫‪ -5‬التحديات التربوية والتعليمية‬
‫على الرغم من اإلنجازات التربوية التي حققها األردن خالل نصف القرن‬
‫‪- 271 - -‬‬
‫الماضي‪ ،‬والتي أوجزناها في هذا الكتاب‪ ،‬فقد واجهت المسيرة التربوية األردنية العديد‬
‫من المصاعب والنقائص التي ما زالت تشكل تحديات مهمة ال بد من التصدي لها ووضع‬
‫الحلول المناسبة لها‪ .‬كما أن التقدم الواسع والسريع في ميادين المعرفة والتكنولوجيا خالل‬
‫العقود الزمنية األخيرة قد خلق فجوة واسعة بيننا وبين العالم الصناعي المتقدم في ميدان‬
‫التربية والتعليم‪ .‬ويمكن إجمال هذه التحديات بما يلي‪ :‬اوال ‪ :‬تدني مستوى التعليم العام‬
‫وال سيما في اللغات واآلداب والعلوم االجتماعية‬
‫والفنون الجميلة‪ .‬صحيح أن األردن قد حقق توسعة في التربية والتعليم في فترة زمنية‬
‫قصيرة لم يحققه أي بلد عربي آخر‪ .‬غير أن هذا التوسع السريع لم يرافقه جودة في‬
‫التعليم‪ ،‬وبشكل خاص في اللغة العربية واللغات األجنبية واآلداب والعلوم االجتماعية‬
‫والفنون الجميلة‪ .‬ويعزى هذا التدني إلى أسباب عديدة يتصل بعضها بالسياسية‪ .‬التربوية‬
‫وبالمناهج والكتب المدرسية والمختبرات والتجهيزات الفنية مثلما تتصل بالمعلمين‬
‫وبقدراتهم وأساليب تدريسهم‪ ،‬وباإلدارات التربوية وعالقاتها بالمجتمع المحلي‪ .‬وارتباط‬
‫العملية التربوية بالخطط التنموية االقتصادية واالجتماعية وبحاجات المجتمع األردني‬
‫التي قلما تستطيع الجهات المختصة تحديدها‪ .‬ويقتضي التغلب على هذا التدني في مستوى‬
‫التعليم ضرورة إجراء مراجعات دورية على أسس علمية وموضوعية للمسيرة التربوية‬
‫األردنية لتالفي‬
‫النقائص والتغلب على المصاعب التي تعترضها وتوكيد الجوانب اإليجابية فيها‪ .‬ثانيا‪:‬‬
‫االنخفاض في نسبة الطلبة الملتحقين ببرامج التعليم والتدريب المهني بعد مرحلة‬
‫التعليم اإللزامي‪ .‬فاالقتصاد الوطني بحاجة إلى خريجي المدارس والمعاهد المهنية‬
‫ومراكز التدريب المهني‪ .‬ولديه القدرة على استيعابهم فيما لو تضاعفت أعدادهم‪ .‬وليس‬
‫أدل على ذلك من وجود حوالي ربع مليون عامل غير أردني يستوعبهم االقتصاد‬
‫األردني حاليا من أبناء البالد العربية الشقيقة والبالد األجنبية‪ .‬وإذا علمنا أن خريجي هذه‬
‫المدارس والمراكز المهنية في الدول الصناعية المتقدمة يؤلفون بين ‪ %40‬و‪ ٪70‬من‬
‫الطلبة في المدارس الثانوية‪ ،‬أدركنا قصور اإلرشاد التربوي ووسائل‬
‫‪- 272 -‬‬
‫‪-‬‬
‫اإلعالم األردنية وغير ذلك من المؤسسات المؤثرة في الرأي العام األردني في توجيه‬
‫الطلبة نحو التعليم المهني وأهميته في التنمية االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬تدني حصة التربية والتعليم في الموازنات العامة السنوية‪ .‬كانت موازنات‬
‫التربية والتعليم خالل نصف القرن الماضي أقل من ‪ %80‬من الموازنة العامة السنوية‬
‫للدولة‪ .‬ولما كان األردن بلدا محدود الموارد فقد أدرك في وقت مبكر أن إعداد القوى‬
‫البشرية إعدادا جيدة من أهم موارده األساسية‪ .‬وكان من الضروري أن تولي الحكومات‬
‫المتعاقبة اهتماما أكبر بالتربية والتعليم وباإلنفاق في هذا القطاع المهم بما يناسب أهميته‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلى التعليم العالي فقد تراجع دعم الحكومات منذ سنوات عديدة للجامعات‬
‫الرسمية‪ ،‬وتراكمت الديون على هذه الجامعات‪ ،‬مما أعاق عملها وحد من نشاطها العلمي‬
‫والمجتمعي‪ ،‬وانعكس ذلك كله على تدني مستوى التعليم فيها وتراجع البحث العلمي وال‬
‫سيما البحوث العلمية التطبيقية‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬افتقار الكثير من المعلمين في مرحلة التعليم األساسي إلى التأهيل التربوي‬
‫والمسلكي‪ ،‬مما يؤثر سلبية على فعالية التعليم وأساليب التدريس‪ ،‬وعلى قدرات‬
‫المعلمين في توصيل المعلومات والمهارات إلى الطلبة وتنمية االتجاهات لديهم‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬تدني كفاءة معلمي المدارس وال سيما معلمي المرحلة األساسية‪ .‬فمعظم‬
‫هؤالء المعلمين من الحاصلين على شهادات التأهيل التربوي أو كليات المجتمع الحكومية‬
‫الذين تتراوح عالماتهم في شهادة الدراسة الثانوية العامة بين (‪ )50‬و (‪ )55‬والذين‬
‫ألحقوا بالجامعات األردنية في برامج خاصة لمنحهم شهادة البكالوريوس‪ .‬وكان األولى‬
‫أن ال يعين في الوظائف التعليمية إال األكفياء المؤهلون بعد مسابقات سنوية لخريجي‬
‫الجامعات األردنية تعقد لهذه الغاية‪ .‬وأن تتاح لهؤالء المعلمين المختارين فرص التأهيل‬
‫التربوي والمسلكي الضروري لهذه المهنة العظيمة‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬تدني رواتب المعلمين والخدمات التي تقدم لهم‪ ،‬مما يجعل الكثير من حملة‬
‫الشهادات الجامعية من األكفياء يعزفون عن هذه المهنة‪ ،‬ويفضلون أي مهنة‬
‫‪- 273 -‬‬
‫أخرى عليها‪ .‬وال شك أن منح المعلمين رواتب مجزية وتقديم خدمات کالسکن الوظيفي‬
‫والقروض المالية وغير ذلك من الخدمات ستزيد من إقبال الجامعين على هذه المهنة‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬التسرب واإلعادة في المرحلة األساسية اإللزامية الذي يشكل هدرة تربوية ال بد‬
‫من إيقافه‪ .‬والبد من إجراء الدراسات الميدانية لتقصي أسباب هذا التسرب واإلعادة أو‬
‫اإلفادة من الدراسات الجامعية حول الموضوع‪ ،‬إن وجدت للتخفيف من هذا الهدر‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬سوء أحوال الكثير من المباني المدرسية‪ ،‬وتدني مستوى الخدمات الصحية المقدمة‬
‫للطلبة في مرحلتي التعليم العام‪ ،‬وانخفاض مستوى النظافة في المدارس الرسمية‪.‬‬
‫تاسعا ‪ :‬غياب الموسيقى والفنون الجميلة والخط العربي عن التعليم األساسي‪ ،‬بسبب‬
‫سيطرة العقلية التقليدية في مجلس التربية والتعليم‪ ،‬التي ال تعير باأل ألهمية‬
‫الموسيقى والفنون الجميلة والخط العربي في تنمية الذوق الفني لدى الطلبة‪.‬‬
‫عاشرة ‪ :‬غياب تدريس الفلسفة والمنطق في مدارسنا‪ .‬ونحن البلد الوحيد في العالم‬
‫الذي يحارب الفلسفة والمنطق ويعدهما خطرة على العقل والتفكير‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬اللحاق بمسيرة التربية والتعليم لدى األمم المتقدمة في مختلف المجاالت‪،‬‬
‫واألخذ باألساليب الحديثة وطرق التدريس العصرية واستعمال وسائل االتصال‬
‫الحديثة‪ ،‬وتطوير كفاءات طالبنا من خالل المختبرات والمعامل الفنية الحديثة‪.‬‬
‫‪ -4‬التحديات البيئية‬
‫تمت اإلشارة في أكثر من موضع من هذا الكتاب إلى التغيرات االقتصادية واالجتماعية‬
‫والديمغرافية الكبيرة التي مر بها األردن منذ إنشائه عام ‪ ،8828‬وبخاصة الزيادات‬
‫الكبيرة في عدد السكان نتيجة الرتفاع النمو السكاني الطبيعي‪ ،‬من ناحية‪ | ،‬والهجرات‬
‫الفلسطينية‪ ،‬من ناحية ثانية‪ ،‬مما جعل عدد سكان األردن يتضاعف مرة كل (‪ )87‬سنة‪.‬‬
‫‪- 274‬‬
‫وال يخفى ما للزيادة السكانية السريعة‪ ،‬في بلد يفتقر إلى الموارد من أثر على العمليات‬
‫التنموية من جانب‪ .‬واختالل التوازن السكاني‪ ،‬من جانب آخر‪ .‬فقد أدت الزيادة السريعة‬
‫في عدد سكان األردن إلى آثار سلبية على البيئة بشكل خاص‪ ،‬من حيث تمركز السكان‬
‫في المراكز الحضرية وفي المدن الرئيسية على وجه التحديد‪ .‬إذ أدى ذلك بدوره إلى‬
‫تزايد الطلب على الخدمات االجتماعية والمرافق العامة كالصرف الصحي والسكن‬
‫وخدمات التربية والتعليم والصحة وغيرها بما يفوق الطاقة االستيعابية لهذه الخدمات‪.‬‬
‫ناهيك عن نشوء األحياء السكنية العشوائية والمخيمات التي تفتقر للحد األدنى من‬
‫الخدمات والمرافق العامة األساسية‪ .‬وقد أدى ذلك إلى تدهور حالة البيئة من جراء‬
‫تصريف المياه العادمة في قنوات مكشوفة تشق طريقها بين البيوت‪ .‬ومن جراء إلقاء‬
‫النفايات وفضالت المنازل في الساحات العامة وبين المساكن‪ ،‬وكيفما اتفق‪ ،‬أدى حرق‬
‫هذه النفايات حيث هي لتتصاعد منها األبخرة والدخان والروائح الضارة بالصحة العامة‪.‬‬
‫كما أن عملية التنمية االقتصادية ونشوء عدد من الصناعات المتوسطة وكبيرة الحجم قد‬
‫ساهما في تفاقم المشكلة البيئية‪ .‬حيث أن منشآت مثل مصفاة البترول‪ ،‬ومحطة الحسين‬
‫الحرارية‪ ،‬ومصانع اإلسمنت‪ ،‬ومناجم الفوسفات‪ ،‬ومصنع األسمدة‪ ،‬ومحطات تنقية المياه‬
‫العادمة‪ ،‬ومكاب النفايات تفرز في المحيط الذي تقوم فيه وتطلق في األجواء أنواع شتى‬
‫من الملوثات كثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والغبار ومركبات الرصاص‬
‫وأنواع أخرى من الغازات والمواد الصلبة‪ .‬يضاف إلى ذلك أن إساءة استخدام األسمدة‬
‫الكيماوية والمبيدات الحشرية في الزراعة قد أدت إلى تلوث التربة ومصادر المياه‬
‫السطحية والجوفية على حد سواء‪.‬‬

‫كما يواجه األردن تحديات كبيرة على صعيد تلوث الهواء الذي غالبا ما يتأتی من‬
‫العمليات الصناعية ووسائط النقل وحرق النفايات وتوليد الطاقة الحرارية‪ ،‬ومن‬
‫المعروف أن أغلب الصناعات تفتقر إلى مصافي الملوثات وفالتر االنبعاثات‪ .‬ولهذا‬
‫يجري تصنيف مستوى الجسيمات في هواء المركز التجاري لعمان‪ ،‬أي وسط البلد‬
‫‪-275 --‬‬
‫وهو مؤشر يستخدم لقياس تلوث الهواء‪ ،‬من أعلى المعدالت في العالم‪.‬‬
‫من ناحية أخرى تبلغ نسبة المواطنين المخدومين بشبكات الصرف الصحي ‪ ،%51‬وهي‬
‫نسبة متدنية مقارنة بدول أخرى‪ ،‬كما يتصل ثلث المصانع التي تراقبها سلطة المياه بنظام‬
‫الصرف الصحي‪ ،‬في حين يجري تصريف أكثر من ‪ %51‬من إجمالي مياه الصرف‬
‫الصناعي في األودية والمناطق المنخفضة مما يؤدي لتلوث التربة ومصادر المياه‪.‬‬
‫ويواجه األردن في مجال البيئة باإلضافة لما سبق ذكره‪ ،‬تحديين كبيرين هما العجز‬
‫المائي وزحف الصحراء‪.‬‬
‫‪ .8‬العجز المائي‪:‬‬
‫تعرف منظمة الصحة العالمية صحة البيئة بأنها "السيطرة على جميع العوامل الطبيعية‬
‫في بيئة اإلنسان التي تؤثر على حياته ورفاهيته واالستمرار في المحافظة على‬
‫سالمته"‪ .‬وقد أقرت لجنة من خبراء صحة البيئة من منظمة الصحة العالمية أيضا‬
‫العناصر التي يشملها هذه التعريف فجاء في مقدمتها شرط توفير موارد مياه كافية‬
‫ومأمونة وحمايتها من التلوث"‪ .‬أما األردن فيعتبر أحد أفقر عشر دول في العالم من‬
‫حيث الموارد المائية‪ .‬ففي الوقت الذي تقدر حاجاته السنوية من المياه بحوالي ألف ومئتي‬
‫مليون متر مکعب‪ ،‬ال يتوفر من هذه الكمية حاليا سوى (‪ )150‬مليون متر مکعب‪ ،‬أي‬
‫أن ثمة عجزا في المياه يضل لنحو (‪ )350‬مليون متر مکعب‪ ،‬ومن المتوقع أن يزداد هذا‬
‫العجز سنة بعد سنة‪ .‬مع التزايد الطبيعي في الطلب المنزلي والصناعي والزراعي على‬
‫المياه‪ .‬وفي ضوء هذا العجز المائي تشتد الضغوط على مصادر المياه المتاحة‪ ،‬خاصة‬
‫الجوفية منها‪ ،‬فتتعرض للضخ الجائر وهو األمر الذي أدى لتزايد نسبة الملوحة في هذه‬
‫المياه‪ .‬حيث ارتفعت الملوحة في مياه منطقة الضليل مثال من (‪ )300‬إلى (‪ )3500‬جزء‬
‫بالمليون نتيجة استنزاف المياه الجوفية كما ارتفع تركيز النيترات ليتجاوز ‪ )70( -‬جزء‬
‫بالمليون‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فإن الملوثات الصناعية والمياه العادمة وفضالت المنازل قد أدت إلى‬
‫تلويث مصادر المياه السطحية‪ .‬وخاصة مياه السدود‪ .‬فمن المعروف أن سد الملك‬
‫‪- -276‬‬
‫طالل‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬قد أنشئ أساسة بهدف توفير جزء من المياه العذبة الصالحة‬
‫للشرب لمناطق عمان‪ ،‬لكنه ما كاد أن ينتهي العمل فيه حتى كانت المياه المحجوزة‬
‫خلفه قد تلوثت ولم تعد صالحة للشرب‪ ،‬كما لم تعد األسماك السابحة فيها صالحة لألكل‪.‬‬
‫ولكي تكون مياهه صالحة لري المزروعات في وادي األردن فال بد من خلطها أوال‬
‫بمياه من قناة الغور الشرقية‪.. .‬‬
‫‪ .‬ولتوفير الحد األدنى المقبول من كميات المياه الالزمة لالستعماالت المختلفة‪،‬‬
‫وللمحافظة على صحة البيئة وصحة اإلنسان ولضمان إنجاح عمليات التنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية التي تعتبر مستحيلة بدون مياه‪ ،‬يجري العمل حاليا على إنجاز عدد من‬
‫المشاريع المائية منها‪:‬‬
‫‪ .3 .‬مشروع محطة السمرة لمعالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها في األغراض‬
‫الزراعية‪ .‬وللسيطرة على الروائح الكريهة التي عانى منها السكان المجاورون‬
‫للمحطة على مدى سنوات‪.‬‬
‫‪ .2‬مشروع تحلية ونقل مياه الموجب ‪ -‬الزارة ‪ -‬ماعين إلى منطقة المنتزه القومي‬
‫وضخها إلى خزاني دابوق وابو علندا لتزويد مناطق عمان الكبرى ب (‪)20‬‬
‫مليون متر مكعب من المياه المحالة الصالحة للشرب‪.‬‬
‫‪ .3‬سد الوحدة الواقع على نهر اليرموك لتوفير حوالي (‪ )30‬مليون متر مکعب‬
‫األغراض‬
‫الري‪ ،‬وحوالي (‪ )50‬مليون متر مکعب سنوية ألغراض الشرب لعمان والمناطق‬
‫المجاورة‪ ،‬وتوليد حوالي (‪ )81100‬ميغا واط في الساعة من الطاقة الكهربائية‪.‬‬
‫كما يجري بذل جهود حثيثة لتحسين إدارة مرافق المياه وتغيير شبكات المياه القديمة في‬
‫المدن لتخفيف الفاقد من الماء الذي يتسرب في األرض بسبب إهتراء هذه الشبكات‪.‬‬
‫وثمة باإلضافة إلى ذلك مشروعان استراتيجيان ربما لن يتمكن األردن بدونهما من‬
‫النجاح في مواجهة تحدي ندرة المياه‪ .‬غير أن تكاليف هذين المشروعين يفوق القدرات‬
‫المالية لألردن‪ ،‬ولهذا فال بد من البحث عن مصادر تمويل إقليمية‬
‫‪-277--‬‬
‫ودولية‪ .‬وهذان المشروعان هما‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬مشروع سحب مياه الديسي إلى عمان بهدف توفير المزيد من مياه الشرب وبشكل‬
‫مستديم لمنطقة عمان الكبرى تلبية للطلب المتزايد على المياه‪ .‬ويوفر هذا المشروع‬
‫(‪ )211‬مليون متر مکعب في السنة من المياه ذات النوعية العالية‪ .‬وقد قدرت تكاليف‬
‫رأس المال األساسي للمشروع ب (‪ )..1‬مليون دوالر أمريكي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مشروع قناة البحرين‪ :‬وهو مشروع بيئي مائي على درجة كبيرة من األهمية‪:‬‬
‫فمن خالل إنشاء قناة تربط ما بين البحر األحمر والبحر الميت‪ ،‬يؤمل أن تتحقق‬
‫األهداف التالية‪:‬‬
‫أ‪ .‬إنقاذ البحر الميت الذي ينخفض مستواه بمعدل متر واحد في السنة‪ ،‬مما يسبب‬
‫ضررة بيئية كبيرة يلحق ال بالبحر الميت فقط وإنما بالموارد الجوفية المحيطة به أيضا‪،‬‬
‫وذلك بتزويد البحر الميت سنوية بما معدله (‪ )2011‬مليون متر مكعب من مياه‬
‫البحر األحمر‪.‬‬
‫ب‪ .‬توفير (‪ )0.1‬مليون متر مكعب سنوية من المياه المحالة للدول الثالث المشاطئة‬
‫للقناة‪.‬‬
‫ج‪ .‬توليد (‪ )011‬ميغا واط من الطاقة الكهربائية باالستفادة من االرتفاع الشاهق لسقوط‬
‫المياه عند تدفقها في البحر الميت الذي ينخفض (‪ )011‬مترا عن سطح البحر‪.‬‬
‫د‪ .‬تحويل المناطق المجاورة للمشروع إلى أراض خصبة قابلة للسكن واإلقامة مشاريع‬
‫سياحية فردية ومشتركة‪ ،‬ومشاريع اقتصادية أخرى كتربية األسماك‪ . .‬وتقدر تكلفة‬
‫المشروع ما بين (‪ ). . 3‬و (‪ ).‬مليارات دوالر ويتوقع أن يستغرق تنفيذه ما بين (‪ ).‬و‬
‫(‪ )21‬سنوات‪ .‬ومن المؤمل أن يتوفر المليار األول من تكلفة المشروع من خالل منح‬
‫عربية ودولية بالنظر لألهمية اإلنسانية والدينية والتاريخية والبيئية التي يشكلها البحر‬
‫الميت‪.‬‬
‫أما الجزء األكبر من التمويل فستعتمد األطراف المعنية مباشرة بالمشروع في توفيره من‬
‫خالل اسلوب ‪ Bot‬وهو األسلوب الذي يقوم على فكرة قيام ائتالف‬
‫‪. - 278 -‬‬
‫شركات مالية دولية لبناء المشروع وتشغيله السترداد ما استثمرته فيه من أموال‪ ،‬ثم‬
‫نقل ملكيته للدول صاحبة المشروع‪.‬‬
‫وكخطوة أولى‪ ،‬أبلغ البنك الدولي كال من األردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل مؤخرة‬
‫إن دوال مانحة قد وافقت على تمويل دراسة الجدوى االقتصادية والبيئية للمشروع‪،‬‬
‫بمبلغ (‪ ) 35.5‬مليون دوالر‪ .‬ومن المتوقع إنجاز هذه الدراسة خالل سنتين‪.‬‬
‫‪ .2‬التصحر‬
‫يقول خبراء منظمة األغذية والزراعة التابعة لألمم المتحدة إنه ينبغي النظر إلى التصحر‬
‫على أنه بمثابة " انهيار في الميزان الهش الذي سمح لحياة النبات واإلنسان والحيوان بأن‬
‫تنمو في المناطق الجافة وشبه الجافة وتلك الجافة شبه الرطبة أيضا"‪ .‬ويمثل هذا االنهيار‬
‫في التوازن وفي العمليات الفيزيائية والكيمائية والبيولوجية بداية العملية من التدمير‬
‫الذاتي لجميع العناصر في نظام الحياة‪ .‬ومن ثم كان ضعف التربة إزاء التأكل واالنجراف‬
‫بسبب الرياح واألمطار وانخفاض منسوب المياه واإلضرار بعملية التجدد الطبيعي‬
‫للنبات‪ ،‬والتدهور الكيميائي لخصائص التربة‪ ،‬وهي كلها أسباب ونتائج للتصحر‪ ،‬يزيد‬
‫الوضع سوءا‪ ،‬وبالتالي يمكن القول إن الجفاف يتغذى على نفسه‪.‬‬
‫ومع أن ظاهرة التصحر‪ ،‬أو الزحف الصحراوي على األراضي الزراعية‪ ،‬ظاهرة قديمة‬
‫إال أنها أخذت في العقود األخيرة أبعادا خطيرة‪ ،‬مما جعلها من أخطر المشکالت التي‬
‫تواجه العالم بصفة عامة والقارة اإلفريقية والبالد العربية بصفة خاصة‪ ،‬ومن هنا‬
‫ابتدأت هذه الظاهرة المشكلة تحظى باهتمام دولي‪ ،‬على مستوى الحكومات‪ ،‬والمنظمات‬
‫الدولية‪ ،‬ومؤسسات المجتمع المدني حيث اتفقت حكومات العالم في مؤتمر قمة األرض‬
‫الذي عقد في ريودي جانيرو في منتصف عام ‪ 3993‬على تخصيص يوم ‪ 37‬حزيران‬
‫من ك ل عام كيوم عالمي ضد التصحر والجفاف‪ ،‬كما تم في المؤتمر نفسه إبرام اتفاقية‬
‫دولية لمكافحة التصحر‪ .‬ولعل استعراض بعض األرقام يكون كفيال بتبيان فداحة هذه‬
‫المشكلة‪:‬‬
‫‪- 279 - -‬‬
‫فعلى الصعيد العالمي‪ ،‬يتعرض حوالي ‪ %28‬من سطح األرض لخطر التصحر مما‬
‫يمكن أن يؤثر على حياة مليار شخص في العالم‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن ثلث األراضي الجافة في العالم قد فقدت بالفعل أكثر من ‪ ٪25‬من قدرتها‬
‫اإلنتاجية‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الوقت نفسه فإن العالم يفقد في كل عام (‪ )800‬مليون دوئم من األراضي‬
‫للتصحر‪.‬‬
‫‪ -‬ونتيجة لذلك طفت على السطح‪ ،‬ألول مرة‪ ،‬قضية ماليين من الالجئين الذين‬
‫أطلق عليهم اسم "الالجئين البيئيين"‪.‬‬
‫‪ -‬وتقدر وكاالت األمم المتحدة إن الخسائر التي يسببها التصحر‪ ،‬تكلف العالم ماال يقل‬
‫عن (‪ )42‬مليار دوالر سنويا‪.‬‬
‫أما األردن‪ ،‬فهو ليس في منأى عن هذه المشكلة‪ ،‬بل هو أكثر عرضة للزحف‬
‫الصحراوي من غيره من البلدان المجاورة‪ .‬فمن المعروف أن الجزء األعظم من مساحة‬
‫األردن يتكون من أراضي صحراوية وشبه صحراوية‪ ،‬وفي الوقت الذي تزيد فيه‬
‫المساحة الصالحة للزراعة‪ ،‬في أحسن الحاالت‪ ،‬عن ‪ 4‬إلى ‪ ،٪7‬ومن المعروف أيضا أن‬
‫مناخ األردن جاف‪ .‬ولهذا ال تشكل مساحة األراضي في األردن التي يبلغ معدل سقوط‬
‫األمطار عليها سنوية (‪ )200‬ملم فأكثر سوى ‪ %20‬من إجمالي مساحة األردن‪ ،‬وهي‬
‫ليست كلها صالحة للزراعة يضاف إلى ذلك أن معدالت سقوط األمطار تذبذب من سنة‬
‫لسنة‪ ،‬مما يعرض المحاصيل الزراعية للتلف خصوصا في مواسم الجفاف‪.‬‬
‫ومع أن مساحة األراضي الصالحة للزراعة محدودة جدا‪ ،‬فإن جزءا منها فقط ال يتعدى‬
‫‪ ٪5 .5‬من مساحة األردن يجري استغالله ألغراض اإلنتاج الزراعي‪ .‬كما أن هذه النسبة‬
‫البسيطة من األراضي‪ .‬تشهد تدهورة مستمرة في الغطاء النباتي بفعل االستغالل‬
‫العشوائي بها من رعي جائر‪ ،‬واعتداء على الغابات‪ ،‬واستعمال األراضي في غير ما‬
‫خصص لها‪.‬‬
‫‪-280‬‬
‫ففي منطقة عمان الكبرى كما في بقية المناطق المحيطة بالمدن‪ ،‬نشا العديد من‬
‫التجمعات السكنية على أراضي زراعية خصبة‪ ،‬وبخاصة في بعض مناطق عمان‪.‬‬
‫ومثال ذلك التجمعات السكنية في البنيات‪ ،‬وجاوا‪ ،‬وخريبة السوق‪ ،‬وأم أذينة‪ ،‬ومرج‬
‫الحمام والصويفية وبيادر وادي السير‪ ،‬وتالع العلي‪ ،‬وعبدون وام السماق وخلدا‪.‬‬
‫وكذلك إنشاء تجمعات سكنية أخرى في مناطق معروف أنها أحواض مائية‪ ،‬منها على‬
‫سبيل المثال التجمعات السكنية في منطقة حوض البقعة التي تضم أحد عشر تجمع‬
‫سكنية هي ‪ :‬مخيم البقعة لالجئين‪ ،‬والمظالت‪ ،‬وعين الباشا‪ ،‬وصافوط‪ ،‬وموبص‪،‬‬
‫والشربجي الشرقي‪ ،‬والشوبجي الغربي‪ ،‬وأبو نصير وجزء من صويلح‪ ،‬ويقدر عدد‬
‫سكان هذه التجمعات بما يزيد على المليون نسمة‪.‬‬
‫ويتبين من دراسة أجرتها دائرة التنظيم بوزارة البلديات والشؤون القروية عن منطقة‬
‫حوض البقعة أن ثمة عدة عوامل تؤثر على البيئة في الحوض تستدعي إعادة تخطيط‬
‫المنطقة للتغلب على المشاكل البيئية المختلفة التي تؤثر على نمو المنطقة وعلى تنظيم‬
‫التجمعات السكنية بشكل يتالءم وطبيعة المنطقة‪ .‬كما تبين أن أغلب هذه التجمعات‬
‫السكنية في حوض البقعة تتركز في المنطقة السهلية من الحوض وتحتل مساحة شاسعة‬
‫من األراضي التي كانت منذ عهد قريب أراضي زراعية غاية في الخصوبة‪.‬‬
‫وقد تم التنبه في األردن مؤخرا لخطورة الزحف الصحراوي‪ ،‬حيث أنشئت وزارة خاصة‬
‫للعناية بشؤون البيئة وتضع على رأس أولوياتها مهمة مكافحة التصحر‪ ،‬هذا باإلضافة‬
‫لظهور عدد من المؤسسات الرسمية األخرى وشبه الرسمية والشعبية المعنية بوقف‬
‫الزحف الصحراوي‪ .‬ومن أبرز هذه المؤسسات‪ :‬مركز بحوث البيئة في الجمعية العلمية‬
‫الملكية‪ ،‬والجمعية العلمية لحماية الطبيعة‪ ،‬والجمعية األردنية لمكافحة التصحر وتنمية‬
‫البادية‪ ،‬وجمعية أصدقاء البيئة األردنية‪ .‬كما تساهم أمانة عمان‪ .‬وسائر البلديات‬
‫والمجالس القروية مع هذه المؤسسات في الجهود المبذولة لمكافحة التصحر من خالل‬
‫إجراء الدراسات لمعرفة مسببات وتحديد آلية وشدة التصحر في األردن‪ ،‬والعمل على‬
‫حماية األراضي الزراعية من خالل إجراءات تستهدف وقف تدهور‬
‫‪- 281 - -‬‬
‫الغطاء النباتي‪ ،‬وتطوير قدرة المراعي على اإلنتاج من خالل حماية النباتات الرعوية‬
‫وتكثيرها‪ ،‬والتوسع في عمليات التشجير والتحريج لمنع انجراف التربة‪ ،‬وحماية األحياء‬
‫البرية من نبات وحيوان والمحافظة على التوازن البيئي خصوصا في البادية األردنية‪،‬‬
‫واستغالل مياه محطات التنقية لدعم وإنجاح عمليات التحريج‪.‬‬
‫‪-282‬‬
‫‪-‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫المصادر والمراجع‬
‫‪ -‬أبو دية‪ ،‬سعد وعبد المجيد مهدي النسعة‪ :‬تاريخ الجيش العربي في عهد اإلمارة‬
‫‪،3911-3933‬عمان ‪.3998‬‬
‫‪ -‬أبو ليلى‪ ،‬يوسف‪ ،‬األسرة العربية‪ ،‬جامعة القدس المفتوحة‪ ،‬عمان ‪.3997‬‬
‫‪ -‬أبو نوار‪ ،‬اللواء معن‪ ،‬تاريخ القوات المسلحة األردنية‪ ،‬الجزء الثاني‪ :‬عهد الملك‬
‫طالل بن عبد‬
‫هللا ‪ ،3953-3953‬لجنة صندوق الشهداء للقوات المسلحة األردنية‪ - .‬أحمد‪ ،‬عبد‬
‫الرحمن توفيق‪ ،‬دروس في علم اإلجرام‪ ،‬جامعة عمان األهلية‪ ،‬بال تاريخ‪ - ) .‬اإلنترنت‪،‬‬
‫مواقع الخاصة بالسلطات الثالث‪:‬‬
‫‪www.kinghussein.gov.jo‬‬
‫في كانون األول ‪ .2005‬وبالعالقات األردنية‬
‫‪ -‬األمريكية ‪ countrystudies.ju/Jordan‬وبوزارة الخارجية األردنية‪:‬‬
‫‪ www.mfa.gove.jo‬في كانون األول ‪ - .2005‬بركات‪ ،‬نظام‪ :‬األحزاب األردنية‬
‫وحقوق اإلنسان‪ ،‬مركز الدراسات األردنية‪ ،‬جامعة اليرموك‪،‬‬
‫اربد‪.3990 ،‬‬
‫‪ -‬بله‪ ،‬فكتور وتيسير النهار وأمل الخاروف‪ :‬مؤشرات التعليم العام في األردن ‪3909‬‬
‫‪،3993 -‬‬
‫المركز الوطني للبحث والتطوير التربوي‪ ،‬سلسلة منشورات المركز عمان آب ‪- .8884‬‬
‫بني حسن‪ ،‬أمين عواد‪ :‬النظام السياسي األردني‪ ،‬مؤسسة زهران للخدمات‪ ،‬عمان‬
‫‪.8880‬‬
‫‪ -‬التل‪ ،‬احمد‪ :‬التعليم العام في األردن‪ ،‬عمان ‪.8882‬‬
‫‪ -‬عبد هللا التل‪ ،‬بطل معركة القدس‪ ،‬جزءان‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬عمان ‪ - .3999‬جونستون‪،‬‬
‫تشارلز‪ :‬األردن على الحافة‪ ،‬ترجمة فهمي شما‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة عمان‬
‫‪.3991‬‬
‫‪ -‬حداد‪ ،‬مهنا يوسف‪ :‬تماسس النظام وتشكيل المجتمع في األردن‪ ،‬عمان ‪.3993‬‬
‫‪ -‬الحسن‪ ،‬إحسان محمد‪:‬علم اجتماع العائلة‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬عمان ‪- .3885‬‬
‫الحسين‪ ،‬عبد هللا بن‪ :‬اآلثار الكاملة للملك عبد هللا بن الحسين‪ ،‬الدار المتحدة للنشر‪،‬‬
‫الطبعة الثانية بيروت ‪ -.8878‬حمزة‪ ،‬زيد وآخرون‪ :‬النقابات ومؤسسات المجتمع المدني‬
‫في األردن‪ ،‬مركز القدس للدراسات السياسية‪ ،‬عمان‪.3882 ،‬‬
‫‪- 623 -‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫‪ -‬الحوراني‪ ،‬هاني‪ :‬التركيب االقتصادي االجتماعي لشرق األردن ‪،3958 – 3933‬‬
‫مركز األبحاث‬
‫‪ /‬منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬بيروت ‪ - .3970‬الحوراني‪ ،‬هاني (محرر)‪ :‬دليل الحياة‬
‫الحزبية في األردن‪ ،‬جبهة العمل اإلسالمي‪ ،‬مركز األردن‬
‫الجديد للدراسات‪ ،‬عمان‪ - .3992 ،‬دائرة المطبوعات والنشر ‪ -‬وزارة اإلعالم‪ :‬األردن‬
‫حقائق وأرقام‪ ،‬إصدار خاص مناسب العيد‬
‫الستين لميالد جاللة الملك حسين‪ ،‬عمان ‪ - .3995‬الدجاني‪ ،‬محمد سليمان ومنذر‬
‫سليمان الدجاني‪ :‬المدخل إلى النظام السياسي األردني‪ ،‬عمان‬
‫‪1993‬‬
‫‪ -‬الدستور األردني‪ ،‬مع جميع تعديالته‪ ،‬مطبوعات مجلس األمة في عمان ‪- .3909‬‬
‫رفيع‪ ،‬محمد‪ :‬ذاكرة المدينة‪ :‬ثالثة أجزاء‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬عمان ‪ - . .3883‬سورية‬
‫الكبرى أو الوحدة السورية الطبيعية‪ ،‬على هامش الكتاب األبيض األردني‪ ،‬المكتب‬
‫الدائم للمؤتمر القومي األردني‪ ،‬عمان ‪ - .8847‬شتيوي‪ ،‬موسى‪ :‬البناء الطبقي للمجتمع‬
‫األردني‪ ،‬أبحاث اليرموك‪ ،‬سلسلة العلوم اإلنسانية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬العدد ‪ )8(3‬المجلد (‪ ،)22‬آب ‪ - .2005‬الشلي‪ ،‬سهيال‪ ،‬دور توفيق أبو‬
‫الهدى في السياسة األردنية ‪ ،8855 - 8831‬دار اليازوري العلمية‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان ‪ - .3881‬شخاترة‪ ،‬حسين وآخرون‪ :‬البطالة والفقر‪ :‬واقع‬
‫وتحديات‪ ،‬مؤسسة عبد الحميد شومان‪ ،‬عمان‬
‫‪.2000‬‬
‫‪ -‬الشرع‪ ،‬صادق‪ :‬حروبنا مع إسرائيل ‪ :3972 - 3917‬معارك خاسرة وانتصارات‬
‫ضائعة‪ ،‬دار‬
‫الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان ‪ - .3997‬الشرع‪ ،‬صالح‪ :‬مذكرات جندي‪ ،‬الجزء‬
‫األول‪ ،‬عمان ‪ ،3905‬والجزء الثاني‪ ،‬عمان ‪ - .3909‬صالح‪ ،‬قاسم محمد وقاسم‬
‫محمد الدروع (محرران)‪ :‬النهضة العربية الكبرى‪ :‬دراسات وأبحاث‪،‬‬
‫مديرية التوجيه المعنوي في القوات المسلحة األردنية‪ ،‬عمان ‪ - .3909‬عازر‪ ،‬واصف‬
‫وآخرون‪ :‬اإلصالح االقتصادي والتنمية البشرة في األردن‪ ،‬مؤسسة عبد الحميد‬
‫شومان‪ ،‬عمان سنة ‪.3999‬‬
‫‪.‬‬
‫‪- 284‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫‪ -‬عبد الحي‪ ،‬وليد وآخرون‪ :‬النظام االنتخابي األردني‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬اربد‪.3990 ،‬‬
‫‪ -‬اإلدراك األردني للسياسة الخارجية األمريكية تجاه القضايا العربية‪ ،‬في‬
‫محمد الشرعة ونظام بركات‪ :‬القضايا المعاصرة في الخطاب السياسي‬
‫األردني‪ ،‬مركز الدراسات األردنية‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬اربد‪ - .3885 ،‬عبدالمجيد‪ ،‬ليلی‪:‬‬
‫حرية الصحافة والتعبير في الدول العربية في ضوء التشريعات الصحفية‬
‫المؤسسة الصحفية األردنية‪ ،‬عمان‪ - .3888 ،‬عبيدات‪ ،‬احمد وآخرون‪ :‬الميثاق‬
‫الوطني وقضايا التحول الديمقراطي في األردن‪ ،‬مؤسسة‬
‫کونراد أديناور‪ ،‬عمان‪ - .8887 ،‬قسم التاريخ العسكري‪ ،‬رئاسة أركان الجيش العربي‪:‬‬
‫معركة الكرامة‪ 28 ،‬آذار ‪،8841‬‬
‫الطبعة الثانية عمان ‪ - .3919‬كعوش‪ ،‬يوسف‪ :‬حرب رمضان وتحطيم األسطورة‪،‬‬
‫عمان آب ‪ - .3971‬کلوب‪ ،‬جون ‪.‬ب‪ :.‬نصة الجيش العربي‪ ،‬ترجمة أحمد عويدي‬
‫العبادي‪ ،‬الدار العربية‬
‫للتوزيع والنشر‪ ،‬عمان ‪ - .3901‬لجنة سياسة التعليم في األردن‪ :‬تقرير لجنة سياسات‬
‫التعليم في األردن‪ ،‬مخطوط‪ ،‬عمان‬
‫كانون الثاني ‪ - .3907‬الماضي‪ ،‬منيب وسليمان موسی‪ :‬تاريخ األردن في القرن‬
‫العشرين‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عمان ‪ - .3959‬المجلس األعلى للشباب‪ :‬رعاية الشباب في‬
‫األردن‪ ،‬سلسلة التثقيف الشبابي (‪ )57‬عمان‪ - .3881 ،‬محافظة‪ ،‬على‪ :‬أبحاث‬
‫وقراءات في تاريخ األردن الحديث‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬ودار الفارس‬
‫للدراسات والنشر بيروت وعمان‪.3990 ،‬‬
‫‪ -‬تاريخ األردن المعاصر‪،‬عهد اإلمارة ‪ ،3911 - 3933‬مركز الكتب األردني‪،‬‬
‫عمان ‪ - .8818‬العالقات األردنية ‪ -‬البريطانية ‪ ،8857 - 8828‬دار النهار للنشر‪،‬‬
‫بيروت ‪ - .8873‬الفكر السياسي في األردن‪ ،‬جزءان‪ ،‬مركز الكتب األردني‪ ،‬عمان‬
‫‪ - .8880‬دراسات في التربية والتعليم العالي‪ ،‬دار الكرمل‪ ،‬عمان‪.2002 ،‬‬
‫‪- 285 --‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫‪ -‬مديرية األمن العام‪ :‬األمن العام األردني في ستين عاما‪ ،‬عمان ‪ - .3903‬المديرية‬
‫العامة للدفاع المدني‪ :‬الدفاع المدني مسيرة وإنجاز‪ ،‬عمان‪ - .3882 ،‬المديرة العامة‬
‫للدفاع المدني‪ :‬قانون رقم (‪ )30‬لسنة ‪ 3999‬وتعديالته‪ ،‬قانون رمق (‪ )01‬لسنة‬
‫‪ ،6003‬وقانون رقم (‪ )50‬لسنة ‪ - " .6003‬المديرة العامة للدفاع المدني‪ :‬التقرير‬
‫اإلحصائي السنوي لحوادث عام ‪ ،6004‬إدارة العمليات في‬
‫المديرية العامة للدفاع المدني‪ ،‬عمان ‪ - .2005‬مشاقبة‪ ،‬أمين‪ :‬السياسة الخارجية‬
‫األردنية‪ ،‬الجمعية األردنية للعلوم السياسية‪ ،‬عمان ‪ - .8888‬مقابلة‪ ،‬خالد‪ :‬صناعة‬
‫السياحة في األردن‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬عمان ‪ - .2000‬مطاوع سمير‪ :‬األردن في حرب‬
‫‪ ،8847‬عمرة للنشر والتوزيع‪ ،‬لندن ‪ -‬عمان ‪ - ) .8811‬المصري‪ ،‬منذر‪ :‬التعليم المهني‬
‫في األردن‪ ،‬منشورات لجنة تاريخ األردن‪ ،‬عمان ‪ - .8883‬المنظمة العربية للتربية‬
‫والثقافة والعلوم‪ :‬الخطة الشاملة للثقافة العربية‪ ،‬خمس مجلدات‪ ،‬الكويت‬
‫‪.8814‬‬
‫‪ -‬السياسات الثقافية من أجل التنمية في الوطن العربي‪ ،‬المؤتمر الثالث‬
‫عشر للوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي‪ ،‬عمان‬
‫األردن ‪ - .2002‬منيف‪ ،‬عبد الرحمن‪ :‬سيرة مدينة‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‬
‫بيروت ‪ - .8884‬موسی‪ ،‬سليمان‪ :‬تاريخ األردن في القرن العشرين‪ ،‬الجزء األول مكتبة‬
‫المحتسب‪ ،‬عمان ط‪ 8811 2‬والجزء الثاني‪ ،‬مكتبة المحتسب‪ ،‬عمان ‪.8884‬‬
‫‪ -‬أيام ال تنسي‪ ،‬األردن في حرب ‪ ،3910‬مطبعة القوات المسلحة‪ ،‬عمان ‪.3903‬‬
‫‪ -‬صفحات من تاريخ األردن الحديث‪ ،‬المؤسسة الصحفية األردنية‪ ،‬عمان ‪- .3993‬‬
‫الموسی‪ ،‬عصام‪ :‬تطور الصحافة األردنية ‪ ،3997-3938‬منشورات لجنة تاريخ‬
‫األردن‪ ،‬عمان ‪ - .3990‬مؤلف جماعي‪ :‬دراسات في تاريخ األردن االجتماعي‪ ،‬مركز‬
‫األردن الجديد للدراسات‪ ،‬عمان ‪ - .3882‬الميثاق الوطني األردني‪ ،‬مديرية المطابع‬
‫العسكرية‪ ،‬عمان ‪ - .3998‬نسيبة‪ ،‬حازم‪ :‬تاريخ األردن السياسي المعاصر ما بين‬
‫عامي ‪ 3953‬و ‪ ،3917‬منشورات‬
‫‪:‬‬

‫‪- 286‬‬
‫المصادر والمراجع‬
،‫ لجنة تاريخ األردن‬،‫ التجربة الحزبية في األردن‬:‫ عبد هللا‬،‫ القرش‬- .3998 ‫ عمان‬،‫لجنة تاريخ األردن‬
،‫ ستون عاما مع القافلة‬:‫ مذكرات عجاج نويهض‬:‫ بيان نويهض الحوت‬،‫ نويهض‬- .3993 ،‫عمان‬
‫داراالستقالل‬
،‫ عمان‬،‫ التعليم العالي في عهد الحسين‬:‫ وزارة التعليم العالي‬- .3992 ‫ بيروت‬،‫للدراسات والنشر‬
- .‫ عدة أعداد‬،‫ نشرة الصناعة والتجارة واالستثمار‬:‫ وزارة الصناعة والتجارة‬- .3905 ‫تشرين الثاني‬
‫ قضايا اردنية‬:‫ خالد وآخرون‬،‫ الوزني‬- .‫ عدة أعداد‬،‫ عمان‬،‫ نشرة مالية الحكومة العامة‬:‫وزارة المالية‬
.3883 ‫ مؤسسة عبد الحميد شومان عمان‬،‫معاصرة‬
.

- Abujaber, Raouf: Pioneers over Jordan, I.B.Tauris and co., London,


1989. - Abu-Odeh, Adnan, Jordanians, Palestinians, and the
Hashemite Kingdom in the
Middle East Peace Process, U.S. Institute of peace Press, Washington
D.C., 1999. - AL-Tall, Ahmad, Education in Jordan, P.I.D.C Printing
Press, Karachi 1979. . Atlas Investment Group. Jordan Country Report,
April 2001. - Central Bank of Jordan, Monthly Statistical Bulletin 2000-
2005. - El-Edroos, Syed Ali: The Hashemite Arab Army 1908-1979, The
Publishing
Committee, Amman, 1980. Halliday, Fred, The International Relations of
the Middle East, Cambridge University Press, Cambridge 2002. Henry,
Clement and Roberts Springborg, Globalization and Politics of
Development
in the Middle East, Cambridge University Press, Carnbridge, 2001. -
Hussein of Jordan, A Political Biography, Macmillan, London, 1989.
Hussein of Jordan, Searching for A Just and Lasting Peace, William
Marrow and
Co. New York 1989. - Hussein, King, Uneasy lies the Head, Bernard Geis
Associates, London, 1962. - Layne, Linda L., Home and Homeland, The
Dialogics of Tribal and National
Identities in Jordan, Princeton University Press, Princeton, New Jersey,
1994. - Lunt, James, Glubb Pasha, A Biography, Harvill Press London,
1984 - Mutawi, Samir, Jordan in the 1967 War, Cambridge University
press, Cambridge,
1987. - Salibi, Kamal, The Modern History of Jordan, I.B. Tauris and Co.,
London, 1993. - Snow, Peter: Hussein, A Biography, Barrie and Jenkins,
London, 1972.
- 287

You might also like